الكتاب: الينابيع الفقهية
المؤلف: علي أصغر مرواريد
الجزء: ١٩
الوفاة: معاصر
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤١٠ - ١٩٩٠ م
المطبعة:
الناشر: دار التراث - بيروت - لبنان / الدار الإسلامية - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: أشرف على جمع أصولها الخطية وترتيبها حسب التسلسل الزمني وعلى تحقيقها وإخراجها وعمل قواميسها علي أصغر مرواريد

الينابيع الفقهية
النكاح
حقوق الطبع محفوظة
الطبعة الأولى
1410 ه‍. 1990 م
دار التراث = الدار الاسلامية
بيروت.
سلسلة الينابيع الفقهية
النكاح
الجزء الثاني
أشرف على جمع أصولها الخطية وترتيبها حسب التسلسل
الزمنى وعلى تحقيقها واخراجها وعمل قواميسها
على أصغر مرواريد
354

كتاب النكاح
السرائر
الحاوي لتحرير الفتاوى
لأبي منصور محمد بن إدريس محمد العجلي الحلي
558 - 598 ه‍ ق
355

كتاب النكاح:
قال الله تعالى: فانكحوا ما طاب لكم من النساء، فندب تعالى إلى التزويج. وقال عز
اسمه: وأنكحوا الأيامى منكم، فندب إلى التزويج. وقال تعالى: والذين هم لفروجهم
حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم، فمدح من حفظ فرجه إلا على زوجه أو
ملك يمين. وروى ابن مسعود عن النبي ص أنه قال: معاشر الشباب،
من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لا فعليه بالصوم فإن له وجاء، فجعله كالموجوء وهو
الذي رضت خصيتاه ومعناه: إن الصوم يقطع الشهوة.
قال محمد بن إدريس: الباءة النكاح بعينه ونظيرها من الفعل فعله بفتح الفاء والعين وفيها لغة
أخرى باءه بهاء أصلية نظير ذلك من الفعل فاعل كقولك: عالم وخاتم، وفيها لغة أخرى الباه
مثل الجاه.
وروي عنه ع أنه قال: من أحب فطرتي فليستن بسنتي ألا وهي النكاح.
وقال ع: تناكحوا تكثروا فإني أباهي بكم الأمم حتى بالسقط.
وأجمع المسلمون على أن التزويج مندوب إليه وإن اختلفوا في وجوبه، فإذا ثبت ذلك
فيحتاج أولا أن نبين من يحرم نكاحه، ثم نبين أقسام النكاح المباح وشروطه والأسباب
الموجبة لتحريم الوطء بعد صحة العقد وما يتعلق بذلك كله من الأحكام فنقول:
من يحرم العقد عليهن على ضربين: أحدهما يحرم على كل حال، والثاني يحرم في حال
دون حال.
357

فالضرب الأول:
المحرمات بالنسب وهن ست: الأم وإن علت والبنت وإن نزلت والأخت وبنت الأخ
والأخت وإن نزلتا والعمة والخالة وإن علتا بلا خلاف.
والمحرمات بالرضاع وهن ست أيضا كالمحرمات بالنسب إلا أن الراضع من لبن المرأة
يحرم عليه كل من ينتسب إلى بعلها بالولادة والرضاع ولا يحرم عليه من ينتسب إلى المرأة إلا
بالولادة دون الرضاع ولا يقتضي التحريم الرضاع إلا بشروط.
منها أن يكون سن الراضع دون المرتضع من لبنه دون الحولين.
وقد ذهب بعض أصحابنا المتأخرين في تصنيف له إلى أن قال: منها أن يكون سن الراضع
والمرتضع من لبنه دون الحولين، وهذا خطأ من قائله لأن الاعتبار بسن الراضع لأن المرأة إذا كان
بها لبن ولادة حلال ومضى لها أكثر من حولين ثم أرضعت من له أقل من حولين الرضاع المحرم
انتشرت الحرمة وتعلق عليه وعليها أحكام الرضاع بغير خلاف من محصل، واعتبارنا الحولين في
المرتضع لدليل إجماع الطائفة وأيضا قوله تعالى: والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين
لمن أراد أن يتم الرضاعة، لأن المراد إثبات الرضاع الشرعي الذي تتعلق به الحرمة بدليل أنه
تعالى لا يجوز أن يريد الرضاع اللغوي لأنه ينطلق على ما يحصل بعد الحولين وقبل، تمامها، ولا يريد
نفي جوازه دونهما أو بعدهما لأن ذلك جائز بلا خلاف ولا نفي الكفاية بدونهما لأن الكفاية قبل
تمامها قد تحصل بلا شبهة فلم يبق إلا ما قلناه.
ومن شرط تحريم الرضاع أن يكون لبن ولادة من عقد أو شبهة عقد لا لبن در أو لبن نكاح
حرام بدليل إجماعنا.
ومنها أن يكون ما ينبت اللحم ويشد العظم فإن لم يحصل ذلك فيوما وليلة أو عشر
رضعات متواليات.
على الصحيح من المذهب وذهب بعض أصحابنا إلى خمس عشرة رضعة معتمدا على خبر واحد
رواية عمار بن موسى الساباطي وهو فطحي المذهب مخالف للحق مع إنا قدمنا أن أخبار الآحاد
لا يعمل بها ولو رواها العدل فالأول مذهب السيد المرتضى وخيرته وشيخنا المفيد، والثاني خيرة
358

شيخنا أبي جعفر الطوسي والأول هو الأظهر الذي يقتضيه أصول المذهب لأن الرضاع يتناول
القليل والكثير فالإجماع حاصل على العشر وتخصصها ولأن بعض أصحابنا يحرم بالقليل من
الرضاع والكثير ويتعلق بالعموم فالأظهر ما اخترناه ففيه الاحتياط.
كل رضعة من العشر يروى الصبي ولا يفصل بينها برضاع امرأة أخرى، فأما إن فصل
بين العشر رضعات بشرب لبن من غير رضاع فلا تأثير له في الفصل بل حكم التوالي باق
بلا خلاف بين أصحابنا في جميع ذلك.
وجملة الأمر وعقد الباب أنه لا يحرم من الرضاع عندنا إلا ما وصل؟ إلى الجوف من
الثدي من المجرى المعتاد الذي هو الفم، فأما ما يوجر به أو يسعط أو ينشق أو يحقن به أو
يحلب في عينه فلا يحرم بحال، ولبن الميتة فلا حرمة له في التحريم، ولا يحرم من الرضاع إلا
ما كان في الحولين، ولا يثبت الرضاع بشهادة النساء لا المرضعة ولا غيرها كثرن أو قللن.
على الظاهر من أقوال أصحابنا وهو الذي يقوى في نفسي لأن الشهادة والعمل بها حكم شرعي
يحتاج إلى أدلة شرعية ولا دليل على ذلك من كتاب ولا سنة ولا إجماع.
ومن هذا الضرب من المحرمات أم المعقود عليها سواء دخل بالبنت أو لم يدخل لأن الله
تعالى قال: وأمهات نسائكم، وهذه من جملة أمهات النساء ولم يشترط الدخول.
ومن هذا الضرب أيضا بنت المدخول بها سواء كانت في حجر الزوج أو لم تكن.
بلا خلاف إلا من داود فإنه قال: إن كانت في حجره حرمت وإلا فلا، ظنا منه أن قوله تعالى:
اللاتي في حجوركم، شرط في التحريم وليس ذلك شرطا، وإنما هو وصف لهن لأن الغالب أن
الربيبة تكون في حجره.
ويحرم تحريم جمع أربع وهما الأختان والمرأة وعمتها إلا برضاها عندنا فأما بين الأختين
لا يعتبر الرضا، والمحرم من الجمع بين المرأة وعمتها أن التحريم إذا ارتفع الرضا وكانت
الداخلة بنت الأخ أو بنت الأخت، فأما إن كانت الداخلة العمة والخالة فلا تحرم عند
أصحابنا سواء رضيت المدخول عليها أو لم ترض.
ومن تحريم الجمع المرأة وخالتها،
359

وجميع ما قلناه من الأحكام بين المرأة وعمتها هو بعينه ثابت بين المرأة وخالتها حرفا فحرفا.
والمرأة وبنتها قبل الدخول، فمتى طلق الأم قبل الدخول حل له نكاح البنت إلا أن
يدخل بالأم فتحرم الربيبة على التأبيد، وكل من حرمت عينا تحرم
جمعا، وكل من حرمت جمعا لا تحرم عينا إلا الربيبة فإنها تحرم عينا تارة وجمعا أخرى لأنه إذا عقد على المرأة وحرم
عليه نكاح بنتها قبل الدخول من حيث الجمع فإن طلقها حل له نكاح الربيبة، فإن دخل
بها حرمت الربيبة على التأبيد وهكذا الحكم في الرضاع حرفا فحرفا.
وقد بينا أن الجمع بين الأختين في النكاح لا يجوز بلا خلاف لقوله تعالى: وأن تجمعوا
بين الأختين، فإذا ثبت أن الجمع محرم فله أن ينكح كل واحد منهما على الانفراد، فإن جمع
بينهما فالجمع جمعان: جمع مقارنة وجمع متابعة.
فالمتابعة أن يتزوج امرأة ثم يتزوج عليها أختها أو عمتها أو خالتها أو بنت أخيها أو بنت
أختها، فنكاح الثانية باطل ونكاح الأولى صحيح.
فأما جمع المقارنة فإن يعقد عليهما معا في دفعة واحدة، فإذا فعل هذا كان العقد باطلا،
على الصحيح من المذهب لأنه عقد منهي عنه والنهي يدل على فساد المنهي، وقال شيخنا في
نهايته: يمسك أيهما شاء والأظهر الأول.
وكذلك الحكم في من عنده ثلاث نسوة وعقد على اثنتين في عقد واحد فإن العقد باطل
لأنه عقد منهي عنه، وروي أنه يمسك أيهما شاء والصحيح ما قدمناه.
وقال بعض أصحابنا: تحرم أم المزني بها وابنتها، والأظهر والأصح من المذهب أن المزني بها
لا تحرم أمها ولا ابنتها للأدلة القاهرة من الكتاب والسنة والإجماع، وهذا المذهب الأخير مذهب
شيخنا المفيد محمد بن محمد بن النعمان والسيد المرتضى، والأول مذهب شيخنا أبي جعفر
الطوسي في نهايته ومسائل خلافه وإن كان قد رجع عنه في التبيان في تفسير قوله تعالى: حرمت
عليكم أمهاتكم، الآية فقال: وأما المرأة التي وطؤها بلا تزويج ولا ملك يمين فليس في الآية
ما يدل على أنه يحرم وطء أمها وبنتها، لأن قوله: وأمهات نسائكم، وقوله: من نسائكم اللاتي
دخلتم بهن، تتضمن إضافة الملك إما بالعقد أو بملك اليمين، فلا يدخل فيه من لا يملك وطأها،
360

غير أن قوما من أصحابنا ألحقوا ذلك بالموطوءة بالعقد والملك بالسنة والأخبار المروية في ذلك
وفيها خلاف بين الفقهاء، هذا آخر كلامه في التبيان.
والذي يدل على صحة ما اخترناه أن الأصل الإباحة والخطر يحتاج إلى دليل، وقوله تعالى:
فانكحوا ما طاب لكم من النساء، هما داخلتان في عموم الآية، وقول الرسول ع:
لا يحرم الحرام الحلال، ولا إجماع على ما ذهب إليه من خالف في هذه المسألة فلا يرجع عن هذه
الأدلة بأخبار الآحاد التي لا توجب علما ولا عملا.
ويحرم على الأب زوجة الابن سواء دخل بها الابن أو لم يدخل، ويحرم على الابن زوجة
الأب أيضا سواء دخل بها أو لم يدخل بمجرد العقد تحرم المرأتان تحريم أبد.
وقال بعض أصحابنا: يحرم على كل واحد منهما العقد على من زنى بها الآخر، وتمسك في التحريم
على الابن بقوله تعالى: ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء، وقال: لأن لفظ النكاح يقع
على العقد والوطء معا.
قال محمد ابن إدريس: وهذا تمسك ببيت العنكبوت لأنه لا خلاف أنه إذا كان في الكلمة
عرفان، عرف اللغة وعرف الشرع كان الحكم لعرف الشرع دون عرف اللغة، ولا خلاف أن
النكاح في عرف الشرع هو العقد حقيقة وهو الطارئ على عرف اللغة وكان ناسخا له، والوطء
الحرام لا ينطلق عليه في عرف الشرع اسم النكاح بغير خلاف.
قال شيخنا أبو جعفر في كتاب العدة: إن النكاح اسم للوطء حقيقة، ومجاز في العقد لأنه موصل
إليه وإن كان بعرف الشرع قد اختص بالعقد كلفظ الصلاة وغيرها، هذا آخر كلامه في عدته
فقد اعترف أنه قد اختص بعرف الشرع بالعقد، وأيضا قوله تعالى: إذا نكحتم المؤمنات ثم
طلقتموهن من قبل أن تمسوهن، فقد سمى به تعالى العقد نكاحا بمجرده.
وذهب الباقون من أصحابنا إلى أن ذلك لا يحرم على كل واحد منهما ما فعله وهذا مذهب شيخنا
المفيد والسيد المرتضى وهذا الصحيح الذي يقوى في نفسي لأن الأصل الإباحة ويعضده قوله
تعالى: فانكحوا ما طاب لكم من النساء، وهذه قد طابت والأول مذهب شيخنا أبي جعفر
الطوسي في بعض كتبه، وقول الرسول ع: لا يحرم الحرام الحلال، دليل على صحة
361

ما قلناه واخترناه. ويحرم العقد على الزانية - وهي ذات بعل أو في عدة رجعية ممن زنى بها سواء علم في
حال زناه بها أنها ذات بعل أو لم يعلم - تحريم أبد.
ومن أوقب غلاما أو رجلا حرم على اللائط الموقب بنت المفعول به وأمه وأخته تحريم
أبد، ويدخل في تحريم الأم تحريم الجدة وإن علت لأنها أم عندنا حقيقة، وكذلك بنت
البنت وكذلك بنت ابن بنته وإن سفلن لأنهن بناته حقيقة. فأما بنت أخته فإنها لا تحرم
لأن بنت الأخت ليست أختا.
وحد الإيقاب المحرم لذلك إدخال بعض الحشفة ولو قليلا وإن لم يجب عليه الغسل لأن الغسل
لا يجب إلا بغيبوبة الحشفة جميعها والتحريم لهؤلاء المذكورات يتعلق بإدخال بعضها لأن
الإيقاب هو الدخول، فأما المفعول به فلا يحرم عليه من جهة الفاعل شئ.
ويحرم أيضا على التأبيد المعقود عليها في عدة معلومة أي عدة كانت أو إحرام معلوم
والمدخول بها، فهما على كل حال سواء كان عن علم أو جهل بحالهما.
والمطلقة تسع تطليقات العدة ينكحها بينها رجلان تحرم تحريم أبد على مطلقها هذا
الطلاق، ويحرم أيضا تحريم أبد الملاعنة، ومن قذف زوجته وهي صماء أو خرساء يحرم عليه
تحريم أبد.
ويدل على تحريم ذلك أجمع إجماع أصحابنا عليه فهو الدليل القاطع على ذلك، واستدلال المخالف
علينا في تحليل هؤلاء بأن الأصل الإباحة، وبظواهر القرآن كقوله تعالى: فانكحوا ما طاب لكم
من النساء، وقوله: وأحل لكم ما وراء ذلكم، غير لازم لأنا نعدل عن ذلك بالدليل الذي هو
إجماعنا كما عدلوا عنه في تحريم نكاح المرأة على عمتها وخالتها بغير خلاف بينهم، فإذا ساع لهم
العدول ساع لغيرهم العدول عن العموم بالدليل لأنه لا خلاف أن العموم قد يخص بالأدلة.
وحكم الإماء في التحريم بالنسب والرضاع وغيره من الأسباب حكم الحرائر.
قال شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه: مسألة: إذا زنى بامرأة فاتت ببنت يمكن أن يكون منه لم
تلحق به بلا خلاف ولا يجوز له أن يتزوجها، وبه قال أبو حنيفة ثم حكى عن الشافعي جواز أن
362

يتزوجها، ثم استدل شيخنا على ما اختاره فقال: دليلنا ما دللنا عليه من أنه إذا زنى بامرأة
حرمت عليه بنتها وانتشرت الحرمة وهذه بنتها، ثم قال وأيضا قوله: حرمت عليكم أمهاتكم
وبناتكم، وهذه بنته لغة وإن لم تكن شرعا.
قال محمد بن إدريس: لم تحرم هذه البنت من حيث ذهب شيخنا إليه لأن عند المحصلين من
أصحابنا إذا زنى بامرأة لم تحرم عليه بنتها، وقد دللنا على ذلك، وقوله: هي بنته لغة، فعرف
الشرع هو الطارئ على عرف اللغة، وإنما تحرم عليه إذا كان الزاني مؤمنا لأن البنت المذكورة
كافرة على ما يذهب إليه أصحابنا من أن ولد الزنى كافر ولا يجوز للمؤمن أن يتزوج بكافرة، فمن
هذا الوجه يحرم لا من الوجهين المقدم ذكرهما.
وأما من يحرم العقد عليه في حال دون حال:
فأخت المعقود عليها بلا خلاف، أو الموطوءة بالملك بلا خلاف إلا من داود بن علي
الإصفهاني ويدل على ذلك قوله تعالى: وأن تجمعوا بين الأختين، لأنه لم يفصل،
والخامسة حتى تبين إحدى الأربع بما يوجب البينونة، والمطلقة ثلاثا سواء كان ذلك
طلاق العدة أو طلاق السنة - على ما نبينه - حتى تنكح زوجا مخصوصا نكاحا مخصوصا
ويدخل بها دخولا مخصوصا وتبين منه وتقضي العدة، والمطلقة التي تلزمها العدة حتى تخرج
من عدتها، ومن عليها عدة وإن لم تكن مطلقة حتى تخرج من العدة، كل هذا بدليل إجماعنا.
وبنت الأخ على عمتها وبنت الأخت على خالتها بغير إذن ورضاء منهما عندنا، والأمة
على الحرة بغير إذنها ورضاها، والزانية حتى تتوب على المزني بها إذا لم تكن ذات بعل عند
بعض أصحابنا.
وهو الذي ذكره شيخنا أبو جعفر في نهايته إلا أنه رجع عن ذلك في مسائل خلافه وقال: ذلك
على الاستحباب دون الوجوب، وهو الذي يقوى في نفسي وأفتي به لأن الأصل الإباحة وقوله
تعالى: فانكحوا ما طاب لكم من النساء.
ويحرم عقد الدوام على الكافرة وإن اختلفت جهات كفرها حتى تتوب من الكفر إلا
363

على وجه نذكره. بدليل إجماع الطائفة لقوله تعالى: ولا تمسكوا بعصم الكوافر، وقوله: ولا تنكحوا المشركات
حتى يؤمن، وقوله: لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة، لأنه نفي بالظاهر التساوي في
جميع الأحكام التي من جملتها المناكحة فأما قوله تعالى: والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب
من قبلكم، نخصه بالنكاح المؤجل فإنه جائز عند بعض أصحابنا على الكتابيات اليهود
والنصارى دون المجوسيات أو نحمله عليهن إذا كن مسلمات بدليل ما قدمناه ولا يمتنع أن يكون
من جهة الشرع قبل ورود هذا البيان فرق بين من آمنت بعد كفر وبين من لم تكفر أصلا فيكون
في البيان لإباحة نكاح الجميع فائدة.
فإن قالوا: لستم بتخصيص هذه الآية بما ذكرتموه - ليسلم لكم ظواهر آياتكم - بأولى منا إذا
خصصنا ظواهركم بالمرتدات والحربيات ليسلم لنا ظواهر الآيات التي يستدل بها.
قلنا: غير مسلم لكم التساوي في ذلك بل نحن أولى بالتخصيص منكم لأنكم تعدلون عن ظواهر
كثيرة ونحن نعدل عن ظاهر واحد، وإذا كان العدول عن الحقيقة إلى المجاز إنما يفعل للضرورة
فقليله أولى من كثيرة بغير شبهة.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: ويحرم وطء جارية قد ملكها الأب أو الابن إذا جامعاها أو نظرا
منها إلى ما يحرم على غير مالكها النظر إليه أو قبلاها بشهوة.
قال محمد بن إدريس: أما إذا جامعاها فلا خلاف في ذلك من جهة الاجماع، ولولا الاجماع لما
كان على حظر ذلك دليل من جهة الكتاب أو السنة المتواترة، فأما إذا قبلاها أو نظرا إليها على
ما قال رحمه الله فلا إجماع على حظر ذلك بل الأصل الإباحة مع قوله تعالى: فانكحوا ما طاب
لكم من النساء، وقوله: أو ما ملكت أيمانكم، وهذا مذهب شيخنا المفيد محمد بن محمد بن
النعمان والفقيه أبي يعلى سلار رحمهما الله وبه أفتى.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: وإذا ملك الرجل جارية فوطئها ابنه قبل أن يطأها حرم على
الأب وطؤها فإن وطأها بعد وطء الأب لم يحرم ذلك على الأب وطأها.
قال محمد بن إدريس: لا فرق بين الأمرين في أن ذلك لا يحرمها على الأب لأن الرسول
364

ع قال: لا يحرم الحرام الحلال، وقال تعالى: فانكحوا ما طاب لكم من النساء، وهذه
قد طابت. وقال تعالى: أو ما ملكت أيمانكم، وهذه ملك يمين. والأصل الإباحة أيضا ولا
يرجع عن هذه الأدلة القاهرة بأخبار الآحاد إذ لا إجماع منعقد على تحريم هذه الجارية على الأب
ولا نص كتاب ولا سنة متواترة، ودليل العقل غير مانع من وطئها. وإلى هذا ذهب شيخنا
أبو جعفر محمد بن علي بن بابويه في كتابه من لا يحضره فقيه قال: وإن زنى رجل بامرأة أبيه أو
امرأة ابنه أو بجارية أبيه فإن ذلك لا يحرمها على زوجها ولا تحرم الجارية على سيدها وإنما يحرم
ذلك إذا كان ذلك منه بالجارية وهي حلال فلا تحل تلك الجارية أبدا لابنه ولا لأبيه، هذا آخر
كلام ابن بابويه ونعم ما قال فإنه كان ثقة جليل القدر بصيرا بالأخبار ناقدا للآثار عالما
بالرجال حفظة وهو أستاذ شيخنا المفيد محمد بن محمد بن النعمان.
وقد روي: أن من فجر بعمته أو خالته لم تحل له ابنتاهما أبدا، أورد ذلك شيخنا أبو جعفر في نهايته
وشيخنا المفيد في مقنعته والسيد المرتضى في انتصاره، فإن كان على المسألة إجماع فهو الدليل
عليها ونحن قائلون وعاملون بذلك، وإن لم يكن إجماع فلا دليل على تحريم البنتين المذكورتين من
كتاب ولا سنة ولا دليل عقل، وليس دليل الاجماع في قول رجلين ولا ثلاثة ولا من عرف اسمه
ونسبه لأن وجه الاجماع حجة عندنا دخول قول معصوم من الخطأ في جملة القائلين بذلك، فإذا
علمنا في جماعة قائلين بقول أن المعصوم ليس هو في جملتهم لا يقطع على صحة قولهم إلا بدليل غير
قولهم، وإذا تعين المخالف من أصحابنا باسمه ونسبه لم يؤثر خلافه في دلالة الاجماع لأنه إنما كان
حجة لدخول قول المعصوم فيه لا لأجل الاجماع، ولما ذكرناه يستدل المحصل من أصحابنا على
المسألة بالإجماع وإن كان فيها خلاف من بعض أصحابنا المعروفين بالأسامي والأنساب
فليلحظ ذلك وليحقق.
وإذا تزوج الرجل بصبية لم تبلغ تسع سنين فوطئها قبل التسع لم يحل له وطؤها أبدا، وهو
بالخيار بين أن يطلقها أو يمسكها ولا يحل له وطؤها أبدا، و ليس بمجرد الوطء تبين منه
وينفسخ عقدها كما يظن ذلك من لا يحصل شيئا من هذا الفن ولا يفهم معنى ما يقف عليه
من سواد الكتب.
365

وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: وإذا تزوج الرجل بصبية لم تبلغ تسع سنين فوطئها فرق بينهما ولم
تحل له أبدا، معنى قوله رحمه الله: فرق بينهما، المراد بذلك في الوطء دون بينونة العقد وانفساخه
لأن الاجماع منعقد منه رحمه الله ومن أصحابنا بإجماعهم أن من دخل بامرأته ووطأها ولها دون
تسع سنين وأراد طلاقها طلقها على كل حال ولا عدة عليها منه بعد الطلاق على الأظهر من أقوال
أصحابنا، فإذا كانت قد بانت بوطئه لها قبل بلوغها التسع فلا حاجة إلى طلاقها ولا يتقدر ذلك
بحال، وقد كنا أملينا مسألة قبل تصنيفنا لهذا الكتاب بسنين عدة في هذا المعنى فأحببنا إيرادها
هاهنا وها هي:
إن سأل سائل فقال: أرى في معظم كتبكم مسألة ظاهرها متضاد متناف وهي: من وطئ
زوجته ولها دون تسع سنين حرمت عليه أبدا وفرق بينهما، بغير خلاف بينكم في ذلك هذا في
أبواب النكاح من تصانيف أصحابكم، ثم في أبواب الطلاق وأقسامه يذكر هؤلاء أصحاب
الكتب والتصانيف من أصحابكم بغير خلاف بينهم أقسام الطلاق ومن تجب عليها عدة ومن
لا يجب فيقولون: من دخل بامرأته ولها دون تسع سنين وأراد طلاقها فليطلقها على كل حال
وليس له عليها بعد طلاقه لها عدة وإن كانت مدخولا بها على الأظهر من أقوال أصحابنا، وقد
قلتم: إن من دخل بزوجته ولها دون تسع سنين لا تحل له أبدا وحرمت عليه أبدا ويفرق بينهما،
فإذا كان قد حرمت عليه أبدا ولا تحل له أبدا فلا تحتاج حينئذ إلى طلاق لأن من يحرم أبدا
وطؤها على زوجها ولا تحل له أبدا كيف يقولون: إذا أراد طلاقها فليطلقها، وهذا ظاهره
متناقض متناف كما نرى.
قلنا: ليس بين القولين بصحة طلاق من ذكر في السؤال وبين تحريم وطئها على زوجها أبدا وأنها
لا تحل له أبدا تناف ولا تضاد ولا تناقض على ما ظنه السائل واعتقده، وأي تضاد بين تحريم
وطئها وصحة طلاقها؟ لأن صحة الطلاق مبني على صحة العقد ولا خلاف في صحة عقدها
أو لا وأنها زوجته فطريان التحريم وإن وطأها لا يحل له أبدا لا يخرجها من كونها زوجة له وأن
عقدها الأول غير صحيح أو قد انفسخ، إذ لا تنافي بين الحكمين لأن الأصل صحة العقد
واستدامته، فمن ادعى بطلانه لوطئه لها قبل بلوغها تسع سنين يحتاج إلى دليل.
366

فإن قيل: كيف يكون عقدها ثابتا على ما كان عليه أولا وهو لا يحل له وطؤها أبدا؟
قلنا: هذا غير مستبعد من الأحكام الشرعية والمصالح الدينية لأنا نثبتها بحسب الأدلة إذ لا تنافي
بينهما على ما مضى ذكره، ألا ترى أن من ظاهر من امرأته أو آلى منها ولم يكفر عن ظهاره ولا عن
إيلائه ولا رافعته إلى الحاكم واستمر ذلك منها مائة سنة، فإن نكاحها محرم عليه ولا يحل له
وطؤها بغير خلاف وهي زوجته وعقدها باق، ويصح طلاقها بغير خلاف إذ لا تنافي بينهما،
وكذلك من كان في فرجها قرح أو ألم يضرها الوطء وتخشى على نفسها من الوطء في الموضع
واستمر ذلك تقديرا مائة سنة فإن وطأها لا يحل لزوجها وعقدها باق ويصح طلاقها بغير
خلاف، إذ لا تضاد بين الحكمين أعني تحريم الوطء وبقاء العقد على ما كان من صحة الطلاق.
وأيضا فقد وردت الأخبار عن الأئمة الأطهار بصحة ما ذكرناه، فمن ذلك ما أورده شيخنا
الصدوق أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي في كتابه كتاب من لا يحضره فقيه
قال: روى الحسن بن محبوب عن أبي أيوب عن حمران عن أبي عبد الله ع قال: سئل عن
رجل تزوج جارية بكرا لم تدرك فلما دخل بها افتضها فأفضاها؟ قال: إن كان دخل بها ولها
تسع سنين فلا شئ عليه، وإن كانت لم تبلغ تسع سنين أو كان لها أقل من ذلك بقليل حين
دخل بها فافتضها فإنه قد أفسدها وعطلها على الأزواج فعلى الإمام أن يغرمه ديتها، وإن أمسكها
ولم يطلقها حتى تموت فلا شئ عليه. ألا تراه ع قد أثبت له الخيرة بين إمساكها
وطلاقها بقوله: فإن أمسكها ولم يطلقها، فلو كانت بنفسه الوطء قبل بلوع تسع سنين تبين منه
وينفسخ عقدها لما قال ع، فإن أمسكها ولم يطلقها حتى تموت فلا شئ عليه.
وشيخنا أبو جعفر الطوسي يصرح بهذا وأورد في كتابه الاستبصار من الأخبار ما يؤذن ببقاء العقد
والتخيير بين الطلاق والإمساك لمن ذكرنا حاله، وتناول بعض الأخبار وجمع
بين معانيها ولاءم بين ألفاظها في أنه يحرم عليه وطؤها ولا تحل له أبدا ويصح طلاقها بعد، ذلك أورده في الجزء
الثالث في باب من وطئ جارية فأفضاها، قال الحسن بن محبوب عن الحارث بن محمد بن
النعمان صاحب الطاق عن بريد العجلي عن أبي جعفر ع: في رجل افتض جارية -
يعني امرأته - فأفضاها قال: عليه ديتها إن كان دخل بها قبل أن تبلغ تسع سنين، قال: فإن
367

أمسكها فلم يطلقها فلا شئ عليه، وإن كان دخل بها ولها تسع سنين فلا شئ عليه إن شاء أمسك وإن شاء طلق.
فأما ما رواه ابن أبي عمير عن حماد عن الحلبي عن أبي عبد الله ع قال: سألته عن رجل
تزوج جارية فوقع بها فأفضاها؟ قال: عليه الإجراء عليها ما دامت حية، فلا ينافي الخبر الأول
لأنا نحمل هذا الخبر على من وطئها بعد التسع سنين فإنه لا يكون عليه الدية وإنما يلزمه الإجراء
عليها ما دامت حية لأنها لا تصلح للرجال ولا ينافي هذا التأويل قوله في الخبر الأول: إن شاء
طلق وإن شاء أمسك، إذا كان الدخول بعد تسع سنين لأنه قد ثبت له الخيار بين إمساكها وبين
طلاقها ولا يجب عليه واحد منهما وإن كان يلزمه النفقة عليها على كل حال لما قدمناه.
وأما الخبر الذي رواه محمد بن يعقوب عن عدة من أصحابنا عن سهيل بن زياد عن يعقوب عن
بريد عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله ع قال: إذا خطب الرجل المرأة فدخل بها قبل
أن تبلغ تسع سنين فرق بينهما ولم تحل له أبدا، فلا ينافي ما تضمنه خبر بريد من قوله: فإن أمسكها
ولم يطلقها فلا شئ عليه، لأن الوجه أن نحمله على أن المرأة إذا اختارت المقام معه واختار هو
أيضا ذلك ورضيت بذلك عن الدية كان ذلك جائزا ولا يجوز له وطؤها على حال على ما تضمنه
الخبر الأول حتى يعمل بالأخبار كلها.
فهذه الأخبار جميعها والتأويلات والألفاظ إيراد شيخنا أبي جعفر وقوله وتأويله من غير زيادة ولا
نقصان، ألا تراه قد جمع في آخر تأويله الأخبار بين أنها لا تحل له أبدا وبين إمساكها زوجة مع
اختيار الزوج وفي ألفاظ الأخبار التي أوردها التخيير بين إمساكها وطلاقها، وأورد في نهايته
الخبر المرسل الذي أورده في استبصاره أورده وتأوله الذي رواه محمد بن يعقوب عن عدة من
أصحابنا عن سهيل بن زياد عن يعقوب عن بريد عن بعض أصحابنا، وهذا كما تراه خبر واحد
مرسل والمراسيل لا يعمل بها من يعمل بأخبار الآحاد فكيف من لا يعمل بأخبار الآحاد جملة؟
ولو أورد غيره في نهايته من جملة ما أورده من الأخبار في استبصاره كان أوضح في البيان.
وقد قدمنا أن من عقد على امرأة في عدتها ودخل بها فرق بينهما ولم تحل له أبدا سواء كان
عالما أو جاهلا وكان لها المهر بما استحل من فرجها إذا لم تكن عالمة بأن ذلك لا يجوز، فأما إن
368

كانت عالمة بتحريم ذلك فلا مهر لها وكان عليها عدتان تمام العدة من الزوج الأول وعدة
أخرى من الزوج الثاني، فإن كانت العدة التي عقد فيها الثاني عدة رجعية فالنفقة على
زوجها الأول وإن أراد مراجعتها فإن له ذلك.
فإن قيل: كيف تكون عليه النفقة والنفقة لا تجب إلا بتمكين الاستمتاع بها والوطء، وهذا
ممنوع من ذلك؟ قلنا: المرأة غير مانعة له وإنما المنع من جهة الشارع دونها لأن المنع لو كان منها
سقطت نفقتها، وهذا ليس هو منها كما أنها لو كانت مريضة فإنه ممنوع من وطئها ويجب عليه
النفقة عليها، وأيضا فهي زوجة والنفقة تجب على الزوجات من الأزواج بغير خلاف.
فإن جاءت بولد لأقل من ستة أشهر كان لاحقا بالأول وإن كان لستة أشهر فصاعدا
كان لا حقا بالثاني، ومتى قذفها زوجها أو غيره بما فعلته من الفعل، فإن كانت عالمة بذلك
لم يكن عليه شئ وإن كانت جاهلة وجب عليه حد القاذف.
الوطء المباح بعقد غير عقد الشبهة والوطء بملك اليمين ينشر تحريم المصاهرة ويثبت به
حرمة المحرم، فأما الوطء الحرام فعلى الصحيح من المذهب لا ينشر تحريم المصاهرة ولا خلاف
أنه لا يثبت به حرمة المحرم.
ومعنى حرمة المحرم أن أمهات الموطوءة وبناتها يحل النظر إليهن مثلا حماة الرجل
يحل النظر إليها كما يحل له النظر إلى أمه وبنته وكذلك بنت امرأته من غيره، هذا في العقد الصحيح والوطء المباح
فهذا معنى حرمة المحرم.
فأما معنى تحريم المصاهرة فإن الانسان لا يحل له أن يتزوج بأم امرأته ولا بنتها إذا كان قد دخل
بالأم تحريم أبد ولا بأختها تحريم جمع، فهذا معنى تحريم المصاهرة.
فأما عقد الشبهة ووطء الشبهة فعندنا لا ينشر الحرمة ولا يثبت به تحريم المصاهرة بحال.
وإنما أصحابنا رووا أنه يلحق به الولد ولا يحد فاعله لقوله ع: ادرؤوا الحدود بالشبهات،
وما سوى هذين الحكمين فحكمه حكم الوطء الحرام، وعند الشافعي ينشر تحريم المصاهرة ولا
يثبت به حرمة المحرم، وإن كان شيخنا قد أورد ذلك في مبسوطه فهو رأي الشافعي لا رأي
الإمامي وقد قلنا: إنه لا يجوز أن يجمع بين الأختين في نكاح الدوام ولا النكاح المؤجل فإن عقد
369

عليهما في حالة واحدة كان مخيرا في أن يمسك أيهما شاء على ما روي في بعض الأخبار أورده
شيخنا أبو جعفر في نهايته، والذي يقتضيه أصول المذهب أن العقد باطل يحتاج أن يستأنف عقدا
على أيهما شاء - على ما قدمناه - لأنه منهي عنه والنهي يدل على فساد المنهي عنه بلا خلاف بين
محققي أصحاب أصول الفقه ومحصلي هذا الشأن.
وشيخنا فقد رجع في مبسوطه عما أورده في نهايته وهو محجوج بقوله: فإن عقد على امرأة ثم عقد
على أختها كان العقد على الثانية باطلا فإن وطئ الثانية فرق بينهما وروي أنه لا يرجع إلى
نكاح الأولة حتى تخرج التي وطأها من عدتها، ولا دليل على صحة هذه الرواية. والذي يقتضيه
أصول المذهب أنه لا يمتنع من وطء امرأته الأولى لأنه غير جامع بين الأختين لأن عدة الثانية
لغيره وهي عدة بائنة لا رجعة له عليها فيها، فإذا لم يكن مانع من كتاب ولا إجماع ولا سنة ولا
دليل عقل بل الكتاب والعقل والسنة يحكم بما ذكرناه لأن الأصل الإباحة وقوله تعالى: إلا
على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين، فنفى اللوم عن وطء زوجته.
ومتى عقد على امرأة ثم عقد على أختها أو أمها أو ابنتها بجهالة فرق بينهما، فإن وطئها
وجاءت بولد كان لاحقا به.
وروي أنه لا يقرب الزوجة الأولى حتى تنقضي عدتها، وقد قلنا ما عندنا في مثل ذلك فلا وجه
لإعادته.
ومتى طلق الرجل امرأته طلاقا يملك فيه الرجعة لم يجز له العقد على أختها حتى تنقضي
عدتها، فإن كانت التطليقة لا رجعة له عليها في تلك العدة و بعد تلك التطليقة جاز له العقد
على أختها في الحال، وكذلك كل عدة لا رجعة للزوج على الزوجة فيها يجوز له العقد على
أخت المعتدة في الحال متمتعة كانت أو مفسوخا نكاحها أو مطلقة مباراة أو مختلعة.
وقد روي في المتمتعة إذا انقضى أجلها أنه: لا يجوز العقد على أختها حتى تنقضي عدتها، وهذه
رواية شاذة مخالفة لأصول المذهب لا يلتفت إليها ولا يجوز التعريج عليها.
فإن قيل: لا يجوز العقد على أختها لأنه يجوز له أن يعقد عليها قبل خروجها من عدتها، وغيره
لا يجوز له أن يعقد عليها ولا أن يطأها إلا بعد خروجها من عدتها والعقد عليها فقد صارت كأنها
370

في عدته.
قلنا: هذا قول بعيد من الصواب، لأن المختلعة يجوز له العقد على أختها في الحال بغير خلاف وإن
كان يجوز له العقد عليها قبل الخروج من عدتها إذا تراضيا بذلك وإن غيره لا يجوز له ذلك بحال،
فلا فرق بينهما من هذا الوجه، وأيضا هذه عدة لا رجعة للزوج على الزوجة فيها بغير خلاف
فخرجت من أن تكون زوجة له فلم يكن جامعا في حباله بين الأختين بحال.
وإذا ماتت إحدى الأختين جاز له أن يعقد على أختها في الحال.
ولا بأس أن يجمع الرجل بين الأختين في الملك لكنه لا يجمع بينهما في الوطء لأن حكم
الجمع بينهما في الوطء حكم الجمع بينهما في العقد فمتى ملك الأختين فوطئ واحدة منهما لم يجز
له وطء الأخرى حتى يخرج تلك من ملكه بالبيع أو الهبة أو غيرهما.
وقد روي أنه: إن وطئ الأخرى بعد وطئه الأولى وكان عالما بتحريم ذلك عليه حرمت عليه
الأولى حتى تموت الثانية، فإن أخرج الثانية عن ملكه ليرجع إلى الأولى لم يجز له الرجوع إليها،
وإن أخرجها من ملكه لا لذلك جاز له الرجوع إلى الأولى، وإن لم يعلم تحريم ذلك عليه جاز له
الرجوع إلى الأولى على كل حال إذا أخرج الثانية من ملكه. والرواية بهذا الذي سطرناه قليلة لم
يوردها في كتابه وتصنيفاته إلا القليل من أصحابنا.
والذي يقتضيه أصول المذهب ويقوى في نفسي أنه إذا أخرج إحديهما من ملكه حلت الأخرى
سواء أخرجها ليعود إلى من هي باقية في ملكه أو لا ليعود، عالما كان بالتحريم أو غير عالم، لأنه إذا
أخرج إحديهما لم يبق جامعا بين الأختين بلا خلاف.
فأما تحريم الأولى إذا وطئ الثانية ففيه نظر، فإن كان على ذلك إجماع منعقد أو كتاب أو سنة
متواترة رجع إليه، وإلا فلا يعرج عليه لأن الأصل الإباحة للأولى، وإنما التحريم تعلق بوطئ
الثانية بعد وطئه للأولى لأنه بوطئه للثانية يكون جامعا بين الأختين، فكيف تحرم الأولى وهي
المباحة الوطء وتحل المحرمة الوطء؟ وقد قلنا: إنها رواية أوردها شيخنا في نهايته إيرادا
لا اعتقادا مثل ما أورد كثيرا من الأخبار في كتابه المشار إليه إيرادا لا اعتقادا.
ولا يجوز للرجل الحر أن يعقد على أكثر من أربع من الحرائر أو أمتين، ولا بأس أن يجمع
371

بين حرة وأمتين أو حرتين وأمتين بالعقد، فأما بملك اليمين فليجمع ما شاء منهن مع العقد
على أربع حرائر، فإن كان الرجل عنده ثلاث نسوة وعقد على اثنتين في عقد واحد أمسك
أيتهما شاء ويخلى سبيل الأخرى،
على ما روي في بعض الأخبار وقد قلنا ما عندنا في ذلك وأن العقد باطل لأنه منهي عنه بغير
خلاف.
وإن كان قد عقد عليهما بلفظين ثم دخل بالتي بدأ باسمها كان عقدها صحيحا، فإن
دخل بالتي ذكرها ثانيا كان نكاحها باطلا وتلزمها العدة لأجل الدخول ويلزمه المهر، فإن
حملت لحق به الولد.
والذمي إذا كان عنده أكثر من أربع نساء ثم أسلم فليمسك منهن أربعا وليخل سبيل
الآخر، ويكون خيرته على الفور لئلا يكون جامعا بين أكثر من أربع.
وإذا طلق الرجل واحدة من الأربع طلاقا يملك فيه الرجعة فلا يجوز له العقد على أخرى
حتى تخرج تلك من العدة، فإن كان طلاقا لا يملك فيه الرجعة جاز له العقد على أخرى
في الحال، وكذلك إن كان فسخا لا طلاقا جاز له العقد على أخرى في الحال.
والمملوك لا يجمع بين أكثر من حرتين أو أربع إماء بالعقد، ولا بأس أن يعقد على حرة
وأمتين لأن الحرة في حقه بمنزلة الأمتين، ولا يعقد على حرتين ويضيف إليهما العقد على أمة
لأنا قد قدمنا أن الحرة في حقه بمنزلة الأمتين فيصير حينئذ كأنه قد عقد على خامسة.
وقد قدمنا أن جميع المحرمات من جهة النسب يحرمن من جهة الرضاع، ولو أن رجلا عقد
على جارية رضيعة فأرضعتها امرأته حرمتا عليه جميعا. إذا كان قد دخل بالمرأة المرضعة، لأن
الجارية الرضيعة صارت ربيبة من نسائه اللاتي دخل بهن، وحرمت الكبيرة المرضعة لأنها
صارت من جملة أمهات نسائه، فإن لم يكن دخل بالكبيرة فإن الجارية المرضعة تحل له لأنها
ممن لم يدخل بأمها، فأما الكبيرة فهي محرمة عليه على كل حال.
وشيخنا أبو جعفر أطلق ذلك في نهايته من غير تفصيل فإنه قال: ولو أن رجلا عقد على جارية
رضيعة فأرضعتها امرأته حرمتا عليه جميعا، وإن أرضعت الجارية امرأتان له حرمت عليه الجارية
372

والمرأة التي أرضعتها أولا ولم تحرم عليه التي أرضعتها ثانيا لأنها بعد رضاعها من المرأة الأولى
صارت بنته، فإذا أرضعتها المرأة الأخيرة فقد أرضعت بنته ولا بأس بأن ترضع امرأة الرجل بنته
بغير خلاف، وهذه رواية شاذة أوردها بعض أصحابنا والصحيح أن الأخيرة تحرم عليه أيضا
لأنها أم من كانت زوجته فهي داخلة تحت عموم قوله تعالى: وأمهات نسائكم، فالتمسك
بالقرآن وعمومه أولى من التمسك برواية شاذة أو قول مصنف وإيراده في سواد كتابه.
وإن عقد على جاريتين رضيعتين فإن أرضعتهما امرأة له حرمت عليه المرضعة والجاريتان
معا، فإن أرضعت امرأتان له هاتين الجاريتين حرمن كلهن، هذا كله بشرط اعتبار الدخول
بالكبار المرضعات، فإن لم يكن دخل بالكبار حرمن الكبار ولا يحرمن الصغار على
ما قدمناه وحررناه، فأما مهورهن فإن كان قد دخل بالكبار فقد استقر مهورهن عليه، فأما
مهور الصغار فهي أيضا عليه لأن الفسخ جاء لا من قبلهن.
وقال بعض أصحابنا: يعود به على الكبار، ولا أرى لهذا القول وجها والأصل براءة الذمة من
العود به عليهن.
فإن لم يدخل بالكبار فلا يستحققن عليه مهرا لأن الفسخ جاء من قبلهن قبل الدخول
بهن، وكل فسخ جاء من قبل النساء قبل الدخول بهن أبطل مهورهن بغير خلاف، فأما
الصغار فقد قلنا: إنهن لا يحرمن عليه، فمهورهن ثابتة في ذمته لا تسقط.
وقد قدمنا أنه لا يجوز للرجل المسلم أن يعقد على الكافرات على اختلافهن فإن اضطر
إلى العقد عليهن عقد على اليهودية والنصرانية وذلك جائز عند الضرورة على ما روي في بعض
الأخبار، ولا بأس أن يعقد على هذين الجنسين عقد المتعة مع الاختيار لكنه يمنعهن من
شرب الخمور ولحم الخنزير.
وقال بعض أصحابنا: إنه لا يجوز العقد على هذين الجنسين عقد متعة ولا عقد دوام، وتمسك
بظاهر الآية وهو قوي يمكن الاعتماد عليه والركون إليه.
وجميع المحرمات في شريعة الاسلام.
ولا بأس بوطئ الجنسين أيضا في حال الاختيار بملك اليمين، ولا بأس باستدامة العقد
373

الدائم أيضا على الجنسين أيضا دون ابتدائه واستئنافه لأنه يحل في الاستدامة ما لا يحل في
الابتداء، ولا يجوز وطء ما عدا الجنسين بملك اليمين ولا بأحد العقود سواء كان العقد دائما
مبتدأ أو مستداما أو مؤجلا.
وقد روي رواية شاذة: أنه يكره وطء المجوسية بملك اليمين وعقد المتعة وليس ذلك بمحظور،
أوردها شيخنا أبو جعفر في نهايته إيرادا لا اعتقادا ورجع عن ذلك في كتابه التبيان في تفسير قوله
تعالى: ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن، فإنه قال: فأما المجوسية فلا يجوز نكاحها إجماعا،
وشيخنا المفيد في مقنعته يحرم ذلك ولا يجوزه وهو الصحيح الذي لا خلاف فيه وتقتضيه أصول
المذهب وقوله تعالى: ولا تمسكوا بعصم الكوافر، وقوله: ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن.
وإذا أسلم اليهودي والنصراني ولم تسلم امرأته جاز له أن يمسكها بالعقد الأول ويطأها
على ما قدمناه، فإن أسلمت المرأة ولم يسلم الرجل فإنه ينتظر به عدتها، فإن أسلم قبل
انقضاء عدتها فإنه يملك عقدها، وإن أسلم بعد انقضاء العدة فلا سبيل له عليها سواء كان
بشرائط الذمة أو لم يكن لا يختلف الحكم فيه بحال على الصحيح من الأقوال،
وكذلك الحكم في من لا ذمة له من سائر أصناف الكفار فإنه ينتظر به انقضاء العدة،
فإن أسلم كان مالكا للعقد، والآن لم يسلم إلا بعد ذلك فقد بانت منه وملكت نفسها.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: فإن أسلمت المرأة ولم يسلم الرجل وكان الرجل على شرائط
الذمة فإنه يملك عقدها غير أنه لا يمكن من الدخول إليها ليلا ولا من الخلو بها ولا من اخراجها
من دار الهجرة إلى دار الحرب، وإن لم يكن بشرائط الذمة فإنه ينتظر به عدتها، فإن أسلم قبل
انقضائها فإنه يملك عقدها، وإن أسلم بعد انقضاء العدة فلا سبيل له عليها. إلا أنه رجع عما
ذكره وأورده في نهايته إيرادا لا اعتقادا من أخبار الآحاد في مسائل خلافه ومبسوطه.
فقال في مسائل خلافه مسألة: إذا كانا وثنيين أو مجوسيين أو أحدهما مجوسيا والآخر وثنيا، فأيهما
أسلم فإن كان قبل الدخول بها وقع الفسخ في الحال، وإن كان بعده وقف على انقضاء العدة،
فإن أسلما قبل انقضائها فهما على النكاح، وإن انقضت العدة انفسخ النكاح، وهكذا إذا كانا
كتابيين فأسلمت الزوجة سواء كان في دار الحرب أو في دار الاسلام، ثم قال رحمه الله: دليلنا
374

إجماع الفرقة وأخبارهم، هذا آخر كلامه رحمه الله في مسائل خلافه في الجزء الثاني وهو الذي
اخترناه ويقوى عندنا لأن الأدلة تعضده من الكتاب والسنة والإجماع وليس على ما أورده من
الرواية الشاذة في نهايته دليل. وقال في مبسوطه: وروي في بعض أخبارنا أنها إذا أسلمت لم ينفسخ النكاح بحال، فجعل القول
الذي اعتمده في نهايته واستبصاره رواية ثم ضعفها بقوله: في بعض أخبارنا، ومعظم ما يسطره
ويطلقه على هذا المنهاج والصفة وأيضا لو كانت صحيحة عنده لما قال في استدلاله في مسائل
خلافه: دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا فيها ما يقضى على وهنها وضعفها لأنه قال: فإن
كان الرجل بشرائط الذمة فإنه يملك عقدها غير أنه لا يمكن من الدخول إليها ليلا ولا يخلو بها،
وهذا مما يضحك الثكلى إن كانت زوجته فلا يحل أن يمنع منها، ثم إن منع منها ومن الدخول
إليها فإن نفقتها تسقط لأن النفقة عندنا في مقابلة الاستمتاع وهذا لا يتمكن من ذلك فتسقط
النفقة عنه، والدليل على صحة ما ذهبنا إليه قوله تعالى: ولن يجعل الله للكافرين على
المؤمنين سبيلا، ومن ملكه عقدها فقد جعل له من أعظم السبيل عليها والله تعالى نفى ذلك
على طريق الأبد بقوله: ولن، وأيضا فالإجماع منعقد على تحريم إمساكها ولم يجعل للكافر عليها
السبيل وشيخنا أبو جعفر في نهايته محجوج بقوله في مسائل خلافه ومبسوطه.
ويكره للرجل أن يتزوج بامرأة فاجرة معروفة بذلك فإن تزوج بها فليمنعها من ذلك،
وإذا فجرت المرأة عند الرجل لا ينفسخ نكاحها وكان مخيرا بين إمساكها وطلاقها والأفضل
له طلاقها.
وقد قلنا إن شيخنا أبا جعفر ذكر في نهايته: أن الرجل إذا فجر بامرأة غير ذات بعل فلا يجوز له
العقد عليها ما دامت مصرة على مثل ذلك الفعل، فإن ظهر له منها التوبة جاز له العقد عليها،
وتعتبر توبتها بأن يدعوها إلى مثل ما كان منه فإن أجابت امتنع من العقد عليها وإن امتنعت
عرف بذلك توبتها. إلا أنه رجع عن ذلك في مسائل خلافه فقال مسألة: إذا زنى بامرأة جاز
نكاحها فيما بعد، وبه قال عامة أهل العلم. وقال الحسن البصري: لا يجوز. وقال قتادة وأحمد:
إن تابا جاز وإلا لم يجز. وروي ذلك في أخبارنا دليلنا إجماع الفرقة وأيضا الأصل الإباحة وأيضا
375

قوله تعالى: فانكحوا ما طاب لكم من النساء، ولم يفصل. وقال تعالى: وأحل لكم ما وراء
ذلكم، ولم يفصل. وروت عائشة: أن النبي ع قال: الحرام لا يحرم الحلال، وعليه
إجماع الصحابة، وروي ذلك عن أبي بكر وعمر وابن عباس ولا مخالف لهم، هذا آخر كلامه في
المسألة وهو الذي اخترناه فيما مضى.
لا عدة على الزانية ويجوز لها أن تتزوج سواء كانت حاملا أو حائلا لأن الأصل براءة
الذمة من العدة عليها، وقد قلنا: إنه لا يجوز العقد على امرأة و عند الرجل عمتها أو خالتها إلا
برضى منهما، فإن عقد عليها كانت العمة أو الخالة مخيرة بين إمضاء العقد وبين الاعتزال
فإن أمضت كان ماضيا،
على ما روي، أورد ذلك شيخنا أبو جعفر في نهايته، والذي يقتضيه أصول مذهبنا أنه يحتاج إلى
عقد ثان إذا عقد من غير إذنها ثم رضيت لا يكفي رضاها بل يحتاج إلى عقد مستأنف لأن ذلك
العقد الأول منهي عنه والنهي يدل على فساد المنهي عنه.
فإن اعتزلت واعتدت كان ذلك فراقا بينها وبين الزوج ومغنيا عن الطلاق ولا
تستحق في هذه العدة عليه نفقة لأنها فسخ وله أن يتزوج بأختها في الحال.
ولا يجوز له أن يستبيح وطء بنت الأخ أو بنت الأخت إلا بعقد مستأنف على ما قدمناه
لأن العقد الأول وقع فاسدا، ولا بأس بالعقد على العمة والخالة وعنده بنت الأخ أو بنت
الأخت وإن لم ترضيا بذلك على ما قدمناه، وحكم العمة والخالة من جهة الرضاع حكمهما
من جهة النسب على السواء.
ولا يجوز للرجل أن يعقد على أمة وعنده حرة إلا بعد رضاها فإن عقد عليها من غير
رضاها كان العقد باطلا بغير خلاف، فإن أمضت الحرة العقد مضى ولم يكن لها بعد ذلك
اختيار وقد قلنا ما عندنا في ذلك، وإن أبت واعتزلت وصبرت إلى انقضاء عدتها كان ذلك
فراقا بينها وبين الزوج، ولا تحل له الأمة بالعقد الأول بل لا بد من عقد ثان لأن الأول وقع
باطلا لأنه قبل الرضى والإذن وذلك منهي عنه والنهي يدل على فساد المنهي عنه.
وقال شيخنا أبو جعفر في التبيان: من شرط صحة العقد على الأمة عند أكثر الفقهاء ألا يكون
376

عنده حرة وهكذا عندنا إلا أن ترضى الحرة بأن يتزوج عليها أمة، فإن أذنت كان العقد صحيحا
عندنا، ومتى عقد عليها بغير إذن الحرة كان العقد على الأمة باطلا، وروى أصحابنا أن الحرة
تكون بالخيار بين أن تفسخ عقد الأمة أو تفسخ عقد نفسها والأول أظهر لأنه إذا كان العقد
باطلا لا يحتاج إلى فسخه، هذا آخر كلامه.
قال محمد بن إدريس: نعم ما قال وحقق هاهنا رحمه الله.
ثم قال: فأما تزويج الحرة على الأمة فجائز وبه قال الجبائي، وفي الفقهاء من منع منه غير أن
عندنا لا يجوز ذلك إلا بإذن الحرة فإن لم تعلم الحرة بذلك كان لها أن نفسخ نكاحها أو نكاح
الأمة إذا كان عقد الأمة متعة.
قال محمد بن إدريس: ليس لها أن تفسخ نكاح الأمة إذا كان عقد الأمة متقدما على عقدها،
بل لها أن تفسخ عقد نفسها فحسب دون عقد الأمة المتقدم على عقدها بغير خلاف بيننا في
ذلك، وهو مذهب شيخنا في نهايته ومبسوطه وجميع كتبه وهو الحق اليقين لأن فسخه يحتاج إلى
دلالة، والذي أعتمد عليه وأفتى به أن الحرة إذا كان عقدها متقدما فالعقد على الأمة باطل، ولا
تكون الحرة بين ثلاث اختيارات على ما روي في بعض الروايات، وهو خبر واحد ضعيف عن
زرعة عن سماعة وهما فطحيان أورده شيخنا في نهايته ورجع عنه في تبيانه، وقال في مبسوطه:
فنكاح الأمة باطل إجماعا.
فإن عقد في حالة واحدة على حرة وأمة كان العقد على الحرة ماضيا والعقد على الأمة
باطلا على ما روي في الأخبار، فإن عقد على حرة وعنده أمة زوجة والحرة غير عالمة بذلك،
فإذا علمت أن له امرأة أمة كانت مخيرة في فسخ نكاحها دون نكاح الأمة على ما قدمناه
وبيناه، فمتى رضيت بذلك ولم تفسخ النكاح لم يكن لها بعد ذلك فسخ ولا اختيار.
وقال شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه: إذا عقد الكافر في حال كفره على امرأة وبنتها في حالة
واحدة أو واحدة بعد أخرى ثم أسلم قبل الدخول بواحدة منهما أمسك أيتهما شاء.
قال محمد بن إدريس: الذي يقتضيه أصول مذهبنا أن الأم قد حرمت عليه أبدا لأنها من
أمهات نسائه، فأما البنت فله أن يختارها ويمسكها زوجة لأنها بنت من لم يدخل بها، وإنما اختار
377

شيخنا قول بعض المخالفين وإن كان لهم فيه قول آخر.
ويكره العقد على الأمة مع وجود الطول لنكاح الحرة فأما مع عدمه فلا بأس بالعقد
عليها، ومتى عقد على الأمة مع وجود الطول كان العقد ماضيا غير أنه يكون قد ترك
الأفضل.
وهذا مذهب شيخنا أبي جعفر في نهايته وشيخنا المفيد في مقنعته وذهب شيخنا أبو جعفر في
مسائل خلافه: إلى أن ذلك لا يجوز وأنه غير ماض واستدل بعموم الآية وقال في كتاب التبيان في
تفسير قوله تعالى: ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة، قال رحمه الله:
وهذه الآية على عمومها عندنا في تحريم مناكحة جميع الكفار وليست منسوخة ولا مخصوصة فأما
المجوسية فلا يجوز نكاحها إجماعا ثم قال: وفي الآية دلالة على جواز نكاح الأمة المؤمنة مع وجود
الطول لقوله تعالى: ولأمة مؤمنة خير من مشركة، فأما الآية التي في النساء وهو قوله: ومن لم
يستطع منكم طولا، فإنما هي على التنزيه دون التحريم، هذا آخر كلامه رحمه الله في التبيان.
والأظهر من أقاويل أصحابنا أن العقد ماض وقد يخص العموم بالأدلة وأيضا قوله: فانكحوا
ما طاب لكم من النساء، وأيضا الأصل الإباحة والمنع يحتاج إلى دليل.
وقد روي أنه يكره العقد على القابلة وابنتها، ولا بأس أن يجمع الرجل بين امرأة قد عقد
عليها وبين امرأة أبيها أو سريته إذا لم تكن أمها، ويكره أن يزوج الرجل ابنه بنت امرأة
كانت زوجته وقد دخل بها إذا كانت البنت قد ولدت بعد مفارقتها إياه وليس ذلك
بمحظور، فإن كانت البنت ولدت قبل عقد الرجل عليها لم يكن بذلك بأس على ما روي في
الأخبار من الكراهة في المسألة الأولى.
ولا بأس للمريض أن يتزوج في حال مرضه، فإن تزوج ودخل بها ثم مات كان العقد
ماضيا وتوارثا، وإن مات قبل الدخول بها والبرء كان العقد باطلا على ما رواه أصحابنا
وأجمعوا عليه.
وإذا أقام الرجل بينة على العقد على امرأة وأقامت أخت المرأة البينة بأنها امرأة الرجل،
كانت البينة بينة الرجل ولا يلتفت إلى بينتها إلا أن تكون بينتها قبل بينة الرجل أو يحصل
378

دخول بها، فإن ثبت لها إحدى هاتين البينتين أبطلت بينة الرجل.
وإذا عقد الرجل على امرأة فجاء آخر فادعى أنها زوجته لم يلتفت إلى دعواه إلا أن يقيم
البينة.
وقال شيخنا أبو جعفر الطوسي في مبسوطه: وإن تزوج أمة وعنده حرة فنكاح الأمة باطل إجماعا،
هذا آخر كلامه.
قال محمد بن إدريس: ونعم ما قال وقد حققنا ما عندنا في ذلك وقلنا: لا خيار لها لأن العقد
باطل فمن جعل لها الخيار يحتاج إلى دليل قاهر لأن الأصل صحة عقدها، ولا يرجع في ذلك إلى
خبر سماعة الفطحي في مثل ذلك لأن أخبار الآحاد لا توجب علما ولا عملا.
ولا بأس أن يتزوج الرجل أخت أخيه إذا لم تكن أختا له وقد روي أن تركه أفضل، وقد
روي كراهية أن يتزوج الرجل بضرة أمه التي كانت مع غير أبيه، وقد قلنا: إن نكاح بنات
المرأة المدخول بها حرام محظور بغير خلاف سواء كن ربائب في حجره أو لم يكن، وكذلك
نكاح بنات البنت وإن نزلن ونكاح بنات ابن البنت وإن نزلن محرم أيضا بلا خلاف لتناول
الظاهر لهن ولمكان الاجماع على ذلك.
باب أقسام النكاح:
النكاح المباح على ثلاثة أقسام: قسم منها هو النكاح المستدام الذي يسمى نكاح الغبطة،
ومعناها وحقيقة لغتها الدوام والإقامة يقال: أغبطت السماء بالمطر وأغبطت الحمى على الانسان
إذا دامت وأقامت وكذلك المطر، فكان معناه نكاح الإقامة والدوام قال كثير:
فلم أر دارا مثلها دار غبطة ولهو إذا التف الحجيج بمجمع،
يريد بذلك دار إقامة.
ولا يكون مؤجلا بأيام معلومة ولا شهور معينة، ويجب فيه النفقة مع التمكن من
الاستمتاع، ويستحب فيه الإعلان والإشهاد عند العقد، وليست الشهادة عند أهل البيت
379

ع شرطا في صحته بل من مستحباته وبه يجب الموارثة، وهو نكاح لا يزول إلا
بالطلاق أو ما يقوم مقامه من أنواع الفرقة.
ونكاح المتعة وهو المؤجل بالسنين والأعوام أو الشهور والأيام والمهر المعين، ومن شرط
صحته ذكر الأجل المحروس والمهر المعين أو الموصوف، وبهذين الحكمين يتميز من نكاح
الغبطة، ومتى لم يذكر فيه الأجل وذكر المهر وإن سمى ونطق عند العقد بالمتعة كان النكاح
دائما.
هكذا ذكره شيخنا في نهايته، والذي يقوى في نفسي ويقتضيه أصول المذهب أن النكاح غير
صحيح لأن العقد الدائم لا ينعقد إلا بلفظتين: زوجت وأنكحت، وما عداهما لا ينعقد به وفي هذا
الموضع لم يأت بإحدى اللفظتين، ويمكن أن يقال: يكون العقد دائما إذا لم يذكر الأجل وذكر
المهر إذا كان الإيجاب بلفظ التزويج أو النكاح دون لفظ التمتع، وأيضا لا خلاف بيننا في أنه
إذا لم يذكر المهر والأجل في لفظ عقد المتعة كان العقد باطلا ولم يبطل إلا من حيث التلفظ
بالتمتع في الإيجاب، فلو ذكر التزويج أو النكاح مثلا قالت: زوجتك أو أنكحتك ولم تذكر
المهر والأجل أو تلفظ الرجل في إيجابه بلفظ النكاح أو التزويج ولم يذكر الأجل والمهر فإن العقد
يكون صحيحا بغير خلاف بين أصحابنا، فما المؤثر في فساد العقد إلا التلفظ بالتمتع والإخلال
بالمهر أو الأجل أو بهما، وقد ذهب بعض أصحابنا إلى أن عقد الدوام ينعقد بثلاثة ألفاظ
: زوجتك وأنكحتك وأمتعتك، فعلى هذا المذهب يصح ما قاله شيخنا رحمه الله والأول هو الأظهر
بين الأصحاب.
ومتى لم يذكر المهر مع الأجل كان العقد غير صحيح.
ونكاح بملك الأيمان وهو يختص الإماء دون الحرائر. وسنقف إن شاء الله تعالى على
شرائط هذه الأقسام من النكاح فإنا نفرد لكل قسم منها بابا إن شاء الله، وليس يخرج عن
هذه الأقسام الثلاثة ما روى أصحابنا من تحليل الرجل جاريته لأخيه لأن هذا داخل في
جملة الملك لأنه متى أحل جاريته له فقد ملكه وطأها فهو مستبيح للفرج بالتملك حسب
ما قدمناه.
380

باب الرضاع ومقدار ما يحرم من ذلك وأحكامه:
الذي يحرم من الرضاع ما أنبت اللحم وشد العظم على ما قدمناه، فإن علم ذلك وإلا
كان الاعتبار بخمس عشرة رضعة،
على الأظهر من الأقوال، وقد حكينا الخلاف في ذلك فيما مضى فلا وجه لإعادته إلا أنا اخترنا
هناك التحريم بعشر رضعات وقويناه، والذي أفتى به وأعمل عليه الخمس عشرة رضعة لأن
العموم قد خصصه جميع أصحابنا المحصلين والأصل الإباحة والتحريم طارئ فبالإجماع من الكل
يحرم الخمس عشرة رضعة، فالتمسك بالإجماع أولى وأظهر فإن الحق أحق أن يتبع.
وحد الرضعة ما يروى الصبي دون المصة، وتكون الرضعات متواليات لم يفصل بينهن
برضاع امرأة أخرى، فإن لم يفصل برضاع امرأة أخرى بل فصل بينهن بوجود الصبي اللبن أو
بحقنته ذلك فلا يعتد بذلك في الفصل، فإن لم ينضبط العدد اعتبر برضاع يوم وليلة إذا لم
يرضع امرأة أخرى.
فمتى كان الرضاع أقل مما ذكرناه مما لا ينبت اللحم ولا يشد العظم، أو كان أقل من
خمس عشرة رضعة، أو مع استيفاء العدد قد فصل بينهن برضاع امرأة أخرى، أو كان أقل من
يوم وليلة لمن لا يراعي العدد، أو مع تمام يوم وليلة دخل بينه رضاع امرأة أخرى، فإن ذلك
لا يحرم ولا تأثير له في التحريم، والمحرم من ذلك أن يكون الرضاع في مدة الحولين من عمر
الصبي المرتضع، فإن كان بعض الرضعات في مدة الحولين وبعضها بعدهما فلا تأثير لذلك
في التحريم.
وكذلك إن كانت المرأة المرضعة قد ماتت وتمم العدد بعد موتها فلا تأثير أيضا لذلك في
التحريم، فإن حصل الرضاع أو بعضه بعد الحولين سواء كان قبل فطام المرتضع أو بعده قليلا
كان أو كثيرا فإنه لا يحرم.
وكذلك إن در لبن امرأة ليست مرضعة فأرضعت صبيا أو صبية فإن ذلك لا تأثير له في
التحريم، وإنما التأثير للبن الولادة من النكاح المباح المشروع فحسب دون النكاح الحرام
والفاسد ووطئ الشبهة،
381

لأن نكاح الشبهة عند أصحابنا لا يفصلون بينه وبين الفاسد إلا في إلحاق الولد ورفع الحد
فحسب، وإن قلنا في وطئ الشبهة بالتحريم، كان قويا لأن نسبه عندنا نسب صحيح شرعي
والرسول ع قال: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، فجعله أصلا للرضاع ولي في
ذلك نظر وتأمل.
ومتى حصل الرضاع على الصفة التي ذكرناها فإنه بمنزلة النسب يحرم منه ما يحرم من
النسب إلا أن النسب منه يراعى من جهة الأب خاصة دون الأم، ومعنى ذلك أن المرأة إذا
أرضعت صبيا بلبن بعل لها وكان لزوجها عدة أولاد من أمهات شتى فإنهم يحرمون كلهم
على الصبي المرتضع ولادة كانوا أو رضاعا، فأما إخوته المنتسبون إلى أمه المرضعة فإنما يحرم
عليه منهم من كان منها ولادة دون الرضاع لاختلاف لبن الفحلين.
مثاله: أنه لو أرضعت امرأة صبيا من غيرها بلبن بعل لها وكان للمرأة بنت برضاع من
غير ذلك البعل لحل التناكح بين الابن والبنت ولم يحرم ذلك الرضاع لاختلاف لبن
الفحلين، فإن كان رضاعها لابن القوم بلبن من أبي بنتها التي هي منسوبة إليها بالرضاع
دون الولادة، حرم ذلك التناكح بينهما على ما بيناه لأن اللبن هاهنا لبن فحل واحد.
وإن كان لأمه من الرضاع بنت من غير أبيه من الرضاع فهي أخته لأمه،
عند المخالفين من العامة لا يجوز له أن يتزوجها، وقال أصحابنا الإمامية بأجمعهم: يحل له تزويجها
لأن الفحل غير الأب، وبهذا فسروا قول الأئمة ع في ظواهر النصوص وألفاظ الأخبار
المتواترة: أن اللبن للفحل، يريدون بذلك لبن فحل واحد فأما إذا كان فحلان ولبنان فلا تحريم.
فأما إذا كانت لها بنت من غير هذا الفحل ولادة فلا خلاف أنها تحرم، وإن كان لها
بنت من زوجها فهي أخته لأبيه وأمه.
وأما زوج المرضعة فهو الفحل الذي له اللبن وهو أبوه من الرضاع وأخوه
عمه وأخته عمته وآباؤه أجداده، فإن كان لهذا الفحل ولد من غير هذه المرضعة فهو أخوه لأبيه، وإن
كان له ولد من هذه المرضعة فهو أخوه لأبيه وأمه، فهذا معنى قوله ع: يحرم من
الرضاع ما يحرم من النسب، فعلى هذا التقدير يحرم أولاد الفحل على هذا المرتضع ولادة
382

ورضاعا، فأما أولاد الأم المرضعة فإنه لا يحرم على المرتضع إلا أولادها ولادة فأما أولادها
المنتسبون إليها بالرضاع فلا يحرمون عليه بحال.
والذي يدور عقد الرضاع عليه وجملة بابه أن امرأة الرجل إذا كان بها لبن منه فأرضعت
مولودا الرضعات على الصفة المقدم ذكرها صار كأنه ابنهما من النسب، فكل من حرم على
ابنهما من النسب حرم على هذا لأن الحرمة انتشرت منه إليهما ومنهما إليه، فالتي انتشرت منه
إليهما أنه صار كأنه ابنهما من النسب والحرمة التي انتشرت منهما إليه وقفت عليه وعلى نسله
دون من هو في طبقته من إخوته وأخواته أو أعلى منه من آبائه وأمهاته، فيجوز للفحل أن
يتزوج بأم هذا المرضع وبأخته وبجدته، ويجوز لوالد هذا المرضع أن يتزوج بالتي أرضعته
لأنه لا نسب بينهما ولا رضاع ولأنه لما جاز له أن يتزوج أم ولده من النسب فبأن يجوز أن
يتزوج أم ولده من الرضاع أولى.
فإن قيل: أ ليس لا يجوز له أن يتزوج أم أم ولده من النسب ويجوز له أن يتزوج بأم أم ولده من
الرضاع؟ فكيف جاز هذا؟ وقد رويتم وقلتم أنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب؟
قلنا: أم أم ولده من النسب ما حرمت بالنسب وإنما حرمت بالمصاهرة قبل وجود النسب،
والنبي ص إنما قال: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، ولم يقل: يحرم
من الرضاع ما يحرم من المصاهرة: هكذا أورده شيخنا أبو جعفر في مبسوطه من قولنا: والذي يدور
عقد الرضاع عليه، وهو كلام الشافعي ومذهبه وسؤاله نفسه وجواباته عنها في قوله: فيجوز للفحل
أن يتزوج بأم هذا المرضع وبأخته وبجدته.
قال محمد بن إدريس مصنف هذا الكتاب: أما تزويجه بأخته وبجدته فلا يجوز بحال، لأنا في
النسب لا نجوز لمن يتزوج الانسان بأخت ابنه ولا بأم أم ابنه بحال، وإنما الشافعي علل ذلك
بالمصاهرة وليس هاهنا مصاهرة، و كذا في قوله وسؤاله نفسه: أ ليس لا يجوز له أن يتزوج أم
أم ولده من النسب ويجوز أن يتزوج أم أم ولده من الرضاع؟ أجاب: بأن أم أم ولده من النسب
ما حرمت بالنسب وإنما حرمت بالمصاهرة قبل وجود النسب، وعلل ذلك بالمصاهرة فلا يظن
ظان بأن ما قلنا كلام شيخنا أبي جعفر.
383

والذي يقتضيه مذهبنا أن أم أم ولده من الرضاع محرمة عليه كما أنها محرمة عليه من النسب لأنه
أصل في التحريم من غير تعليل، فعلى هذا امرأة لها لبن أرضعت بنتا لقوم الرضاع المحرم ولتلك
البنت المرضعة أخت، فإنه يحل لابن المرضعة التي قد شربت هذه البنت المرضعة منه أن يتزوج
بأختها، وهي أخت أخيه من الرضاع لما مضى من الأصل، وهو أنه إنما يحرم هذا المرضع
وحده ومن كان من نسله دون من كان في طبقته، وهذه من طبقته لأنه لا نسب بينه وبين أخت
أخيه ولا رضاع.
ومثاله في النسب: رجل له ابن وتزوج امرأة لها بنت فولدت منه بنتا، فهذه البنت أخت ابنه من
أبيه فله أن يتزوج بأختها التي هي بنت زوجة أبيه من غير أمه وهي أخت أخته من النسب لأنه
لا نسب بينهما ولا رضاع، وهكذا يجوز له أن يتزوج أخت أخيه من رضاع.
بيانه: امرأة لها ابن كبير وابن صغير ثم إن أجنبية لها بنت أرضعت هذا الصغير، فإن هذا الصغير
أخو هذه الصغيرة من رضاع، ولهذا الابن الكبير أن يتزوج بهذه الصغيرة وهي أخت أخيه كما
قلناه في النسب، وعلى هذا يدور كتاب الرضاع فكلما نزلت بك حادثة فارجع إليه واعتبر هذا
به.
إذا كان له أربع زوجات إحداهن صغيرة لها دون الحولين وثلاث كبار لهن لبن،
فأرضعت إحدى الكبار هذه الصغيرة انفسخ نكاحهما معا، فإذا أرضعتها الثانية من الكبار انفسخ نكاحهما لأنها أم من كانت زوجته، فإن أرضعتها الثالثة
انفسخ نكاحها لأنها أم من كانت زوجته.
وروي في أخبارنا أن هذه لا تحرم لأنها ليست زوجته في هذه الحال وإنما هي بنته، والذي قدمناه
هو الذي تقتضيه أصولنا لأنها من أمهات نسائه، وقد حرم الله تعالى أمهات النساء وهذه كانت
زوجته بلا خلاف.
والرضاع لا يثبت إلا ببينة عادلة ولا يقبل فيه شهادة النساء، على الصحيح من أقوال
أصحابنا.
قال شيخنا أبو جعفر في نهايته: وإذا ادعت المرأة أنها أرضعت صبيا لم يقبل قولها وكان الأمر على
384

أصل الإباحة.
قال محمد بن إدريس: إن أراد بذلك بعد العقد عليها فصحيح ما قال لأنها ادعت شيئا يفسخ
عقده عليها فلا يقبل إقرارها في حقه، فأما إن ادعت وأقرت قبل العقد عليها بأنه ابنها من الرضاع
وأنها محرمة عليه فلا يجوز العقد وتزويجه بحال لأن هذا إقرار على نفسها.
وإذا أرضعت المرأة صبيين ولكل واحد منهما إخوة وأخوات ولادة أو رضاعا من غير
الرجل الذي رضعا من لبنه، جاز التناكح بين إخوة وأخوات هذا و إخوة وأخوات ذاك، ولا
يجوز التناكح بينهما أنفسهما ولا بين أخوتهما وأخواتهما من جهة لبن الرجل الذي رضعا من لبنه
حسب ما قدمناه، وروي أنه إذا ربت المرأة جديا بلبنها فإنه يكره لحمه ولحم كل ما كان من
نسله عليها وليس ذلك بمحظور.
ذكر شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه في أول كتاب الرضاع مسألة: إذا حصل الرضاع المحرم لم
يحل للفحل نكاح أخت هذا المولود المرتضع بلبنه ولا لأحد من أولاده من غير هذه المرضعة ومنها
لأن إخوته وأخواته صاروا بمنزلة أولاده.
قال محمد بن إدريس مصنف هذا الكتاب: قول شيخنا رحمه الله في ذلك غير واضح، وأي تحريم
حصل بين أخت هذا المولود المرتضع وبين أولاد الفحل وليس هي أختهم لا من أمهم ولا من
أبيهم؟ والنبي ع جعل النسب أصلا للرضاع في التحريم ثم قال: يحرم من الرضاع
ما يحرم من النسب، وفي النسب لا يحرم على الانسان نكاح أخت أخيه التي لا من أمه ولا من
أبيه فليلحظ ذلك ولا يتأمل.
باب الكفاءة في النكاح واختيار الأزواج:
قال الجوهري في كتاب الصحاح: الكفئ النظير وكذلك الكف ء والكفوء على فعل وفعول
والمصدر الكفاءة بالفتح والمد.
فعندنا أن الكفاءة المعتبرة في النكاح أمران: الإيمان واليسار بقدر ما يقوم بأمرها
والإنفاق عليها، ولا يراعى ما وراء ذلك من الأنساب والصنائع.
385

والأولى أن يقال: أن اليسار ليس بشرط في صحة العقد وإنما للمرأة الخيار إذا لم يكن موسرا
بنفقتها ولا يكون العقد باطلا بل الخيار إليها، وليس كذلك خلاف الإيمان الذي هو الكفر إذا
بان كافرا فإن العقد باطل ولا يكون للمرأة الخيار كما كان لها في اليسار، فليلحظ ذلك ويتأمل
فقد يوجد في كثير من الكتب المصنفة إطلاق ذلك وأن الكفاءة المعتبرة في صحة النكاح عندنا
أمران: الإيمان والنفقة، وتحريره ما ذكرناه وبيناه.
فعلى هذا التحرير. يجوز للعجمي أن يتزوج بالعربية وللعامي أن يتزوج بالهاشمية،
لأن الرسول ع زوج ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف وهي
بنت عمه ع المقداد بن عمرو وهو عامي النسب بغير خلاف.
وكذلك يجوز للعبد أن يتزوج بحرة، ويجوز للفاسق أن يتزوج بالعفيفة ولا يفسد العقد
وإن كان تركه أفضل، ولا بأس بتزويج أرباب الصنائع الدنيئة من الحياكة والحجامة
والحراسة وغير ذلك بأهل المروءات والبيوتات كالتجار والتناء والولاة ونحو ذلك.
لقول الرسول والأئمة ع: المؤمنون بعضهم أكفاء لبعض في عقد النكاح كما أنهم
متكافئون في الدماء، إلا ما خرج بالدليل من أن العبد ليس بكف ء للحر في القصاص.
وروي أنه إذا خطب المؤمن إلى غيره بنته وكان عنده يسار بقدر نفقتها وكان ممن يرضى أفعاله
وأمانته ولا يكون مرتكبا لشئ يدخل به في جملة الفساق وإن كان حقيرا في نسبه قليل المال فلم
يزوجه إياها كان عاصيا لله تعالى مخالفا لسنة نبيه ص.
ووجه الحديث في ذلك، أنه إنما يكون عاصيا إذا رده ولم يزوجه لما هو عليه من الفقر والأنفة منه
لذلك واعتقاده أن ذلك ليس بكف ء في الشرع، فأما إن رده ولم يزوجه لا لذلك بل لأمر آخر
وغرض غير ذلك من مصالح دنياه فلا حرج عليه ولا يكون عاصيا، فهذا فقه الحديث.
ويستحب للإنسان إذا أراد التزويج أن يطلب ذوات الدين والأبوات والبيوتات
والأصول الكريمة على الشياع والمتعارف بين الناس،
لقول الرسول ع: تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس، وقوله ع: استجيدوا
الأخوال، وقوله ع: عليك بذات الدين تربت يداك وهذا دعاء بمعنى الدعاء له
386

والمدح على فعله إن فعل على مذهب كلام العرب، فإنهم إذا أرادوا مدح المجود في الرمي قالوا:
قطعت يداه ما أرماه قال امرؤ القيس:
فهو لا تنمي رميته ماله لا عد من نفره
معناه أماته الله حتى لا يعد في الأحياء من قومه، ومعنى هذا القول منه التعجب أي لله دره كما
يقال: أهلكه الله ما أفرسه قال أبو عبيد ترى: إن النبي ص لم يتعمد الدعاء عليه
بالفقر ولكنها كلمة جارية على ألسنة العرب يقولونها وهم لا يريدون وقوع الأمر. وقال غيره: أراد
تربت يداك إن لم تفعل ما أمرتك. وقال ابن الأنباري: معناه لله درك إذا استعملت ما أمرتك
به واتعظت بعظتي.
ويجتنب من لا أصل له ولا عقل، ولا يتزوج المرأة لجمالها أو ما لها إذا لم تكن مرضية في
الاعتقاد والأصل والعقل.
فقد روي عنه ع أنه قال: إياكم وخضراء الدمن، فقيل: وما خضراء الدمن يا رسول
الله؟ فقال: المرأة الحسناء من منبت السوء، وهذا من الفصاحة والاستعارة إلى حد تجاوز الغاية
والنهاية، وكيف لا يكون ذلك وهو أفصح العرب كما قال ع، وقد قدمنا أنه لا يجوز أن
يتزوج مخالفة له في الاعتقاد لغير هذه العبارة.
ولا بأس بنكاح المستضعفات ممن يتشهدن الشهادتين ولا يعرف منها
انحراف عن الحق.
وحد المستضعف من لا يعرف اختلاف الناس في المذاهب ولا يبغض أهل الحق على اعتقاده.
وإذا وجد امرأة لها دين وأصل كريم فلا يمتنع من مناكحتها لأجل فقرها فإن الله يقول:
إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله، ويختار من النساء الولود وإن كانت سوداء قبيحة
المنظر وتجتنب العقيم منهن وإن كانت حسناء جميلة المنظر، ويستحب التزويج بالأبكار
فقد روي أن النبي ع قال: إنهن أطيب شئ أفواها وأدر شئ أخلافا وأحسن
شئ أخلاقا وأفتخ - بالخاء المعجمة - شئ أرحاما، ومعنى أفتخ ألين وأنعم، وروي
387

كراهية التزويج بالأكراد، ويكره تزويج المجنونة.
ولا بأس أن يتزوج الرجل بامرأة قد علم منها الفجور إذا تابت وأقلعت، وقد روي: أنه
إذا عقد على امرأة ثم علم بعد العقد أنها كانت زنت كان له أن يرجع على وليها بالمهر إذا
كان عالما بحالها ما لم يدخل بها، فإن دخل بها كان لها المهر بما استحل من فرجها ولا يكون
له فسخ النكاح، فإن أراد طلاقها فهو مخير فيه ولا تبين منه إلا بالطلاق أو ما يجري مجراه.
وقال بعض أصحابنا: هو من جملة العيوب التي ترد به النساء.
باب من يتولى العقد على النساء:
عندنا أنه لا ولاية على النساء الصغار اللاتي لم يبلغن تسع سنين إلا للأب والجد من قبله
إلا أن لولاية الجد رجحانا وأولوية هنا،
بغير خلاف بين أصحابنا إلا من شيخنا أبي جعفر في نهايته فإنه يجعل ولاية الجد مرتبطة بحياة
الأب في هذه الحال، والصحيح أن ولايته بعد الأب باقية ثابتة في ما لها وغيره والأصل بقاؤها
فمن أزالها يحتاج إلى دليل قاهر.
والجد له مزية في هذه الحال بأن يختار هو رجلا ويختار أبوها رجلا فالأولى أن يقدم من
اختاره الجد، فإن بادر الأب في هذه الحال وعقد على من اختاره فعقده ماض، فأما إن
عقدا معا لرجلين في حالة واحدة فإن العقد عقد الجد ويبطل عقد الأب بغير خلاف في ذلك
أجمع، فأما عقدهما عليها بعد بلوغها التسع السنين وهي رشيدة مالكة لأمرها وهي بكر غير
ثيب فإن أصحابنا مختلفون في ذلك على قولين:
منهم من يقول: عقدهما ماض وولايتهما باقية ثابتة لم تزل، ويسوى بين الحالين إلا أن هاهنا ولاية
الجد مرتبطة بحياة الأب، فإذا مات الأب عند هذه الحال بطلت ولاية الجد وصار كالأجانب
فليلحظ ذلك ويتأمل ففيه غموض، وهو قول شيخنا أبي جعفر في نهايته ومعظم كتبه.
ومنهم من يفرق بين الحالين ويزيل ولايتهما في هذه الحال، وهم الأكثرون المحصلون من أصحابنا
ويجعلون أمرها بيدها ولا يمضون عقدهما عليها والحال ما ذكرناه إلا برضاها، فإن لم ترض
388

وأظهرت الكراهة بطل العقد وانفسخ، وهو قول شيخنا المفيد في كتابه أحكام النساء وقول
السيد المرتضى.
وإلى هذا القول أذهب وعليه أعتمد وبه أفتى لوضوحه عندي ويقويه النظر والاعتبار والمحقق من
الأخبار وقوله تعالى: فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره، فجعل النكاح في
الولاية بيدها وأضافه إليها فالظاهر أنها تتولاه. وقوله تعالى: فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم
فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف، فأباح فعلها في نفسها من غير اشتراط أحد من الأب والجد.
وقوله تعالى: فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا، فأضاف التراجع إليهما وهو عقد لأنه لو
أراد الرجعة من الزوج وحده لما أضافه إليهما معا.
وأيضا فلا خلاف بين أصحابنا المخالف في المسألة والمؤالف أن الأب بعد البلوغ والرشد تخرج
الولاية منه عن المال ويجب تسليمه إليها، والاتفاق حاصل أن لا يحجر عليه في ماله ونفسه إلا
ما خرج بالدليل من المفلس، ولا خلاف بينهم أن بالبلوغ يكمل عقلها ويجب تسليم ما لها إليها
ويصح عقود بيوعها ونذرها وأيمانها لقوله تعالى: فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن
بالمعروف، ومن جملة فعلها بنفسها عقدها عليها عقدة النكاح وقد أباحها الله تعالى ذلك
بصريح لفظ الآية ما تفعله في نفسها، وذلك عام في جميع الأفعال فمن ادعى التخصيص يحتاج
إلى دليل.
فعلى هذا التقرير والتحرير إذا لم ترض بعقد أبيها وأظهرت كراهية عقده فإنه يكون باطلا
مفسوخا، وإن رضيت به وأمضته فإنه يكون صحيحا ويجري مجرى غيره من الأجانب، لأن العقد
عندنا في النكاح يقف على الإجازة بغير خلاف بيننا إلا ممن شذ وعرف اسمه ونسبه وسنذكر
ذلك فيما بعد إن شاء الله.
وأيضا لا خلاف بين المخالف والمؤالف من أصحابنا في المسألة أن ولاية الأب تزول عن البكر
البالغ في عقد النكاح المؤجل فبالإجماع قد زالت ولايته هاهنا في النكاح المؤجل، فلو كانت
ولايته ثابتة في النكاح بعد البلوغ لم تزل في أحد قسميه ويثبت في الآخر، فمن ادعى ثبوت ولايته
في القسم الآخر - الذي هو الدائم - فعليه الدليل لأنه موافق في خروج الولاية من يده في العقود
389

كلها من البيع وغيره وفي أحد قسمي النكاح.
وأيضا فشيخنا أبو جعفر قال في مسائل الخلاف مسألة: إذا كان أولى الأولياء مفقودا أو غائبا
غيبة منقطعة أو على مسافة قريبة أو بعيدة وكلت وزوجت نفسها، ثم قال في استدلاله: دليلنا
ما قدمناه في المسألة الأولى سواء من أنه لا ولاية لغير الأب والجد، ومتى كان أحدهما غائبا كان
للآخر تزويجها، وإن غابا جميعا وكانت بالغا كان لها أن تعقد على نفسها وتوكل من شاءت من
باقي الأولياء، هذا آخر كلام شيخنا في المسألة فانظر أرشدك الله إلى كلامه رحمه الله فهل ترى
للخلاف معنى؟ لأن من جعل له الولاية لا يقول: إن مع الغيبة تسقط، لأن ولي الصغيرة من
الأب والجد إذا غابا لا تسقط ولايتهما عنها بحال، ولا يجوز تزويجها إلا بإذنهما لأن لهما عليها الولاية
بغير خلاف، وكذلك حالها عند البلوغ ولا تزول ولايتهما عند من ذهب إلى ذلك من أصحابنا إذ
لا فرق بين الموضعين.
وأيضا فشيخنا أبو جعفر الطوسي رجع وسلم المذهب بالكلية في كتابه كتاب التبيان ورجع عما
ذكره في نهايته وسائر كتبه لأن كتاب التبيان صنفه بعد كتبه جميعها واستحكام علمه وسبره
الأشياء ووقوفه عليها وتحقيقه لها، فقال في تفسير قوله تعالى: إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده
عقدة النكاح، فإنه قال: لا ولاية لأحد عندنا إلا الأب والجد على البكر غير البالغ فأما من
عداهما فلا ولاية له، فهذا قوله في كتاب التبيان المشتمل على تفسير القرآن، وإذا كان الاجماع في
المسألة من أصحابنا والأصول من الأدلة شاهدة لما ذهبنا إليه واخترناه فلا معدل عنه، وشيخنا
أبو جعفر الطوسي محجوج بقوله هذا الذي حكيناه عنه في التبيان.
وقال السيد المرتضى في كتابه الانتصار مسألة: ومما يظن قبل الاختبار أن الإمامية تنفرد به
القول: بأنه ليس للأب أن يزوج بنته البكر البالغة إلا بإذنها، وأبو حنيفة يوافق في ذلك وقال:
مالك والشافعي: للأب أن يزوجها بغير إذنها ثم قال رحمه الله في استدلاله: دليلنا الاجماع
المتردد.
وشيخنا المفيد قال في كتابه أحكام النساء في باب أحكام النساء في النكاح: والمرأة إذا كانت
كاملة العقل سديدة الرأي كانت أولى بنفسها في العقد عليها للأزواج من غيرها، كما أنها أولى
390

بالعقد على نفسها في البيع والابتياع والتمليك والهبات والوقوف والصدقات وغير ذلك من
وجوه التصرفات، غير أنها إذا كانت بكرا ولها أب أو جد لأب فمن السنة أن يتولى العقد عليها
أبوها أو جدها لأبيها إن لم يكن لها أب بعد أن يستأذنا في ذلك فتأذن فيه وترضى به، ولو عقدت
على نفسها بغير إذن أبيها لكان العقد ماضيا، هذا آخر كلام شيخنا المفيد رحمه الله.
وأيضا فقد قال شيخنا أبو جعفر في مبسوطه في فصل في ذكر أولياء المرأة والمماليك: إذا بلغت
الحرة رشيدة ملكت كل عقد من النكاح والبيع وغير ذلك، وفي أصحابنا من قال: إذا كانت
بكرا لا يجوز لها العقد على نفسها إلا بإذن أبيها، وفي المخالفين من قال: لا يجوز نكاح إلا بولي،
وفيه خلاف. ثم قال رحمه الله: وإذا تزوج من ذكرنا بغير ولي كان العقد صحيحا فقد وافق
هاهنا أيضا ولا يرجع إلى أخبار الآحاد التي لا توجب علما ولا عملا في هذه المسألة.
النكاح عندنا يقف على الإجازة مثل أن يزوج رجل امرأة من غير أمر وليها لرجل ولم
يأذن له ذلك يقف العقد على إجازة الزوج والولي، وكذلك لو زوج رجل بنت غيره وهي
غير بالغ من رجل فقبل الزوج وقف العقد على إجازة الولي، وكذلك لو زوج الرجل بنته
الثيب الكبيرة الرشيدة أو أخته الكبيرة الرشيدة أو غير الكبيرة وقف على إجازتها، وكذلك
لو تزوج العبد بغير إذن سيده والأمة بغير إذن سيدها وقف العقد على إجازتهما بغير خلاف في
ذلك كله عند أصحابنا، ما خلا العبد والأمة فإن بعضهم يوقف العقد على إجازة الموليين،
وبعضهم يبطله ويفسده ويحتج بأنه عقد منهي عنه والنهي يدل على فساد المنهي عنه، وما
عداهما لا خلاف بينهم فيه.
إلا ما ذهب شيخنا أبو جعفر إليه في مسائل خلافه، فإنه خالف أصحابه في ذلك واختار مذهب
الشافعي وإن كان موافقا لباقي أصحابنا في نهايته واستبصاره وتهذيبه، دليلنا إجماع أصحابنا
المنعقد على ما اخترناه فإن من ذكرناه معروف الاسم والنسب وإن كان محجوجا بقوله في غير
مسائل الخلاف، والأخبار متواترة عن الأئمة الأطهار بوقوف عقود النكاح على الإجازة.
وقال السيد المرتضى في الناصريات في المسألة الرابعة والخمسين والمائة: ويقف النكاح على
الفسخ والإجازة في أحد القولين ولا يقف في القول الآخر، هذا صحيح ويجوز أن يقف النكاح
391

عندنا على الإجازة ووافقنا على ذلك أبو حنيفة، وقال الشافعي: لا يصح النكاح الموقوف على
الإجازة سواء كان موقوفا على إجازة الزوج أو الولي أو المنكوحة، وقال في استدلاله: دليلنا على
صحة مذهبنا الاجماع المتردد وما رواه ابن عباس: أن جارية بكرا أتت النبي ع
فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة فخيرها النبي ص وهذا يدل على أن
النكاح يقف على الإجازة والفسخ، وأيضا ما روي في خبر آخر: أن رجلا زوج ابنته وهي كارهة
فجاءت إلى النبي ع فقالت: زوجني أبي ونعم الأب من ابن أخيه يريد أن يرفع بي
خسيسته فجعل النبي ع أمرها إليها فقالت: أجزت ما صنع بي أبي وإنما أردت أن أعلم
النساء أنه ليس إلى الآباء من أمر النساء شئ. وروي في بعض الأخبار: أنه ع قال
لها: أجيزي ما صنع أبوك، وأبوها ما صنع إلا العقد فدل على أنه كان موقوفا على الإجازة، هذا
آخر كلام السيد المرتضى رضي الله عنه وأرضاه.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: ومتى عقد الأبوان على ولديهما قبل أن يبلغا ثم ماتا فإنهما
يتوارثان، ترث الجارية الصبي والصبي الجارية.
قال محمد بن إدريس: هذا صحيح بغير خلاف بين أصحابنا.
ثم قال: ومتى عقد عليهما غير أبويهما ثم مات واحد منهما، فإن كان الذي مات الجارية فلا يرث
الصبي سواء بلغ أو لم يبلغ لأن لها الاختيار عند البلوغ، فإن كان الذي مات الزوج قبل أن يبلغ
فلا ميراث لها أيضا لأن له الخيار عند البلوغ، وإن كان موته عند بلوغه ورضاه بالعقد قبل أن
تبلغ الجارية فإنه يعزل ما يرثه إلى أن تبلغ، فإذا بلغت عرض عليها العقد فإن رضيت به حلفت
بالله تعالى أنها ما دعاها إلى الرضا الطمع في الميراث، فإذا حلفت أعطيت الميراث وإن أبت لم
يكن لها شئ.
قال محمد بن إدريس: وهذا تسليم منه رحمه الله أن العقد يقف على الإجازة والفسخ.
ثم قال رحمه الله: ومتى عقد على صبية لم تبلغ غير الأب أو الجد مع وجود الأب كان لها الخيار إذا
بلغت سواء كان ذلك العاقد جدا مع عدم الأب أو الأخ أو العم أو الأم.
وهذا أيضا تسليم للمسألة.
392

وقال شيخنا في نهايته: وإذا لم يكن لها جد وكان لها أخ يستحب لها أن تجعل الأمر إلى أخيها
الكبير، وإن كان لها أخوان فجعلت الأمر إليهما ثم
عقد كل واحد منهما عليها لرجل كان الذي عقد له عليها أخوها الأكبر أولى بها من الآخر.
قال محمد بن إدريس: إن أراد بذلك أنهما عقدا في حالة واحدة معا معا الإيجابان والقبولان في
دفعة واحدة فالعقدان باطلان لأن ذلك منهي عنه والنهي يدل على فساد المنهي عنه وحمل ذلك
على الأب والجد قياس ونحن لا نقول به، وإذا أراد أنه يقدم عقد الأخ الصغير عليها فكيف يكون
الذي عقد له عليها أخوها الأكبر أولى؟ وإن أراد أن الأكبر كان عقده متقدما فالعقد صحيح
ولا معنى للأولوية هاهنا.
ثم قال رحمه الله: فإن دخل بها الذي عقد عليها أخوها الصغير كان العقد ماضيا ولم يكن للأخ
الكبير أمر مع الدخول بها.
قال محمد بن إدريس: إذا كان الصغير قد سبق بالعقد سواء دخل بها المعقود له عليها أو لم يدخل
لا أمر للكبير، فإن كان الأخ الكبير سبق بالعقد ودخل الذي عقد له الأخ الصغير بها فإنها ترد
إلى الأول، وكان لها الصداق بما استحل من فرجها وعليها العدة، ولا نفقة لها على من دخل بها
لأنها تعتد لغيره بل النفقة على زوجها لأنها في حباله، وإنما منعه الشرع من وطئها، فإن جاءت
بولد كان لاحقا بأبيه، وذهب شيخنا في نهايته: إلى أنه إن كان قد دخل بها الذي عقد له عليها
أخوها الأصغر وإن كان عقده بعد عقد أخيها الأكبر عليها فهي زوجته مع الدخول، إلا أنه رجع
في مسائل خلافه وفي مبسوطه عن ذلك وقال: روي في بعض أخبارنا ذلك، ورجوعه هو
الصحيح.
ومتى عقد الرجل لابنه على جارية وهو غير بالغ كان له الخيار إذا بلغ وليس كذلك إذا
عقد على بنته غير البالغ لأنها إذا بلغت لا خيار لها.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: وإذا أراد الأخ العقد على أخته البكر استأمرها فإن سكتت كان
ذلك رضي منها.
قال محمد بن إدريس: المراد بذلك أنها تكون قد وكلته في العقد، فإن قيل: إذا وكلته في العقد
393

فلا حاجة به إلى استئمارها. قلنا: بل يستحب أن يستأمرها عند العقد بعد ذلك، وكذلك الأب
إذا لم يكن وليا عليها ولا له إجبارها على النكاح وولت أمرها إليه فإنه يستحب له أن يستأمرها
إذا أراد العقد عليها، وهذا معنى ما روي: أن إذنها صماتها، وإلا السكوت لا يدل في موضع من
المواضع على الرضا إلا إذا لم يكن له وجه إلا الرضا فإنه يدل حينئذ على الرضا.
وذهب شيخنا أبو جعفر في مبسوطه في فصل في ذكر أولياء المرأة إلى ما ذكرناه وحقق ما حررناه،
فقال: وأما الأبكار فلا يخلو أن تكون صغيرة أو كبيرة، فإن كانت صغيرة كان لأبيها وجدها أبي
أبيها وإن علا أن يزوجها لا غير، وإن كانت كبيرة فالظاهر في الروايات أن للأب والجد أن
يجبراها على النكاح، ويستحب له أن يستأذنها وإذنها صماتها وإن لم يفعل فلا حاجة به إليها،
هذا آخر قول شيخنا في مبسوطه.
وإذا ولت المرأة غيرها العقد عليها وسمت له رجلا بعينه لم يجز له العقد لغيره عليها، فإن
عقد لغيره كان العقد باطلا.
وإذا عقد الرجل على ابنه وهو صغير وسمى مهرا ثم مات الأب كان المهر من أصل
تركته قبل القسمة، سواء رضي الابن بالعقد بعد بلوغه أو لم يرض لأنه لما عقد عليه ولا مال
للابن فقد ضمن الأب المهر، فانتقاله إلى الابن بعد بلوغه ورضاه يحتاج إلى دليل، إلا أن
يكون للصبي مال في حال العقد فيكون المهر من مال الابن دون الأب لأنه الناظر في
مصالحه والوالي عليه في تلك الحال، فأما الموضع الذي أوجبنا المهر في مال الأب فدليله
إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا فإنه لما قبل النكاح لولده مع علمه بإعساره وعلمه بلزوم
الصداق بعقد النكاح علمنا من حيث العرف والعادة أنه دخل على أن يضمن فقام العرف
في هذا مقام نطقه.
وحد الجارية التي يجوز لها العقد على نفسها أو يجوز لها أن تولى من يعقد عليها تسع سنين
فصاعدا مع الرشد والسلامة من زوال العقل، فإن بلغت إلى ذلك الحد وهي مجنونة أو زائلة
العقل فإن ولاية الأب غير زائلة.
ومتى عقدت الأم لابن لها على امرأة كان مخيرا في قبول العقد والامتناع منه، فإن قبل
394

لزمه المهر وإن أبي ذلك لزمها هي المهر.
على ما روي في بعض الأخبار أورده شيخنا في نهايته.
قال محمد بن إدريس: حمل ذلك على الأب قياس فإن الأم غير والية على الابن، وإنما هذا
النكاح موقوف على الإجازة والفسخ، فإن بلغ الابن ورضي لزمه المهر وإن أبي انفسخ النكاح
ولا يلزم الأم من المهر شئ بحال إذ هي والأجانب سواء، ولو عقد عليه أجنبي كان الحكم
ما ذكرناه بغير خلاف، فلا دليل على لزوم الأم المهر لأن الأصل براءة الذمة وشغلها يحتاج إلى
دليل ولا دليل عليه من كتاب ولا سنة مقطوع بها ولا إجماع منعقد فبقينا على حكم الأصل.
وقد روي: أن المرأة إذا عقدت على نفسها عقدة النكاح وهي سكرى كان العقد
باطلا، فإن أفاقت ورضيت بفعلها كان العقد ماضيا، وإن دخل بها الزوج في حال السكر
ثم أفاقت الجارية فأقرته على ذلك كان ذلك أيضا ماضيا.
هكذا أورده شيخنا في نهايته، والذي يقوى عندي إن هذا العقد باطل، فإذا كان باطلا فلا
يقف على الرضا والإجازة لأنه لو كان موقوفا وقف على الفسخ والإجازة، وشيخنا قال: كان
العقد باطلا، فإذا كان باطلا فكيف يكون في نفسه بعد الإفاقة والرضا ماضيا؟ وأيضا العقد
حكم شرعي يحتاج في إثباته إلى دليل شرعي ولا دليل على ذلك من كتاب ولا سنة متواترة ولا
إجماع، ولا يرجع في مثل ذلك إلى أخبار الآحاد.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: والذي بيده عقدة النكاح الأب أو الأخ إذا جعلت الأخت
أمرها إليه أو من وكلته في أمرها فأي هؤلاء كان جاز له أن يعفو عن بعض المهر وليس له أن يعفو
عن جميعه.
وقال في مسائل خلافه: الذي بيده عقدة النكاح عندنا هو الولي الذي هو الأب أو الجد، ثم
قال: إلا أن عندنا له أن يعفو عن بعضه وليس له أن يعفو عن جميعه.
وقال في كتاب التبيان في تفسير قوله تعالى: وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم
لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح، قال رحمه الله:
قوله: إلا أن يعفون، معناه من يصح عفوها من الحرائر البالغات غير المولى عليها لفساد عقلها
395

فتترك ما يجب لها من نصف الصداق، وهو قول ابن عباس ومجاهد وجميع أهل العلم. وقوله: أو
يعفو الذي بيده عقدة النكاح، قال مجاهد والحسن وعلقمة: إنه الولي، وهو المروي عن أبي جعفر
وأبي عبد الله ع غير أنه لا ولاية لأحد عندنا إلا الأب والجد على البكر غير البالغ، فأما
من عداهما فلا ولاية له إلا بتولية منها، وروي عن علي ع وسعيد بن المسيب وشريح و
حماد وإبراهيم وأبي حذيفة وابن شبرمة: أنه الزوج، وروي ذلك أيضا في أخبارنا غير أن الأول
أظهر وهو المذهب وفيه خلاف بين الفقهاء، ومن جعل العفو للزوج قال: له أن يعفو عن جميع
نصفه، ومن جعله للولي قال أصحابنا: له أن يعفو عن بعضه وليس له أن يعفو عن جميعه وإن
امتنعت المرأة من ذلك لم يكن لها ذلك إذا اقتضت المصلحة، ذلك عن أبي عبد الله. واختار
الجبائي أن يكون المراد به الزوج قال: لأنه ليس للولي أن يهب مال المرأة، هذا آخر كلامه في
كتاب التبيان.
والذي يقوى في نفسي وتقتضيه أصول المذهب ويشهد بصحته النظر والاعتبار والأدلة القاهرة
والآثار أن الأب أو الجد من قبله مع حياته أو موته إذا عقد على غير البالغ فلهما أن يعفوا عما
تستحقه من نصف المهر بعد الطلاق إذا رأيا ذلك مصلحة لها وتكون المرأة وقت عفوهما غير بالغ،
فأما من عداهما أو هما مع بلوغها ورشدها فلا يجوز لهما العفو عن النصف وصارا كالأجانب لأنهما
في هذه الحال لا ولاية لهما عليها وهي الوالية على نفسها، ولا يجوز لأحد التصرف في مالها بالهبة
والعفو وغير ذلك إلا عن إذنها لأن التصرف في مال الغير لا يجوز عقلا وسمعا إلا باذنه، وليس في
الآية أن يعلق بها متعلق سوى ما ذكرناه لأنه تعالى قال: إلا أن يعفون، فدل بهذا القول إنهن
ممن لهن العفو وهن الحرائر البالغات الواليات على أنفسهن في العقد والعفو والبيع والشرى وغير
ذلك، ثم قال: أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح، معناه إن لم يكن بالغات ولا واليات على
أنفسهن فعند هذه الحال لا يلي عليهن عندنا سوى الأب والجد بغير خلاف بيننا وهما الواليان
عليهن والناظران في عقد نكاحهن فلهما العفو بعد الطلاق عما تستحقه، ولأن الاجماع حاصل
منعقد على ما ذكرناه وفيما عداه خلاف، فالاحتياط يقتضي ما ذكرناه ودليل العقل يعضد
ما اخترناه إذ لا إجماع من أصحابنا على خلاف ما شرحناه ولا تواتر من الأخبار على ضد ما بيناه،
396

وقول شيخنا أبي جعفر الطوسي مختلف على ما بيناه في كتبه وحكيناه، وأقوال المفسرين مختلفة
على ما سطرناه، ولولا الاجماع من أصحابنا على أن الذي بيده عقدة النكاح الأب والجد على غير
البالغ لكان قول الجبائي قويا مع أنه قد روي في بعض أخبارنا أنه الزوج.
وروي أنه إذا كان لرجل عدة بنات فعقد لرجل على واحدة منهن ولم يسمها بعينها لا
للزوج ولا للشهود، فإن كان الزوج قد رآهن كلهن كان القول قول الأب وعلى الأب أن
يسلم إليه التي نوى العقد عليها عند عقدة النكاح، وإن كان الزوج لم يرهن كلهن كان
العقد باطلا.
ذكر ذلك شيخنا في نهايته وعاد عنه في مبسوطه وضعفه وقال: النكاح باطل في الموضعين، وهو
الذي يقوى في نفسي لأن العقد حكم شرعي يحتاج في إثباته إلى دليل شرعي، ومن شرط صحته
تمييز المعقود عليها ولأنه إذا ميزها من غيرها صح العقد بلا خلاف، وإذا لم يميزها ليس على
صحته دليل أو فيه خلاف، فالاحتياط يقتضي ما قلناه واخترناه وإنما أورد الخبر شيخنا في
نهايته إيرادا لا اعتقادا كما أورد أمثاله مما لا يعمل به رواها أبو عبيدة فحسب.
وقال شيخنا أبو جعفر في مبسوطه في فصل فيما ينعقد به النكاح: لا يصح النكاح حتى تكون
المنكوحة معروفة بعينها على صفة تكون متميزة عن غيرها وذلك بالإشارة إليها أو التسمية أو
الصفة، وقال شيخنا أبو جعفر في مبسوطه: لا يصح نكاح الثيب إلا بإذنها وإذنها نطقها
بلا خلاف، وأما البكر فإن كان لها ولي له الإجبار مثل الأب والجد فلا يفتقر نكاحها إلى إذنها
ولا إلى نطقها، فإن لم يكن له الإجبار كالأخ وابن الأخ والعم فلا بد من إذنها، والأحوط أن
يراعى نطقها وهو الأقوى عند الجميع، وقال قوم: يكفي سكوتها لعموم الخبر، وهو قوي، هذا آخر
كلامه رحمه الله.
والذي يقوى في نفسي أنه لا بد من نطقها على ما قدمناه لأنا قد بينا أنه لا ولاية لأحد بعد البلوغ
عليها بحال.
لا ينعقد النكاح إلا بلفظ النكاح أو التزويج، وهو أن يقع الإيجاب والقبول بلفظة
واحدة أو الإيجاب بإحداهما والقبول بالأخرى فتقول: أنكحتك، فيقول: قبلت النكاح.
397

أو تقول: زوجتك، فيقول: قبلت التزويج. أو تقول: أنكحتك، فيقول: قبلت التزويج. أو
تقول: زوجتك، فيقول: قبلت النكاح. وما عدا هذا فلا ينعقد به النكاح الدائم بحال.
فأما النكاح المؤجل ينعقد بلفظة أخرى زائدة على اللفظتين وهي: متعتك نفسي بكذا
إلى أجل كذا، إلا أن عقد النكاح الدائم ليس من شرط صحته ذكر المهر بل ينعقد من دونه
بغير خلاف، والمؤجل من شرط صحته ذكر المهر والأجل.
وإذا قال رجل في عقد الدوام: أنكحتك أو زوجتك بنتي، فقال الزوج: قبلت، ولم يزد
على ذلك فعندنا يصح العقد لأن معنى قوله: قبلت، أي قبلت هذا الإيجاب أو هذا العقد.
إذا قال: زوجتك حمل هذه المرأة، كان باطلا. ولا بأس أن يتقدم القبول على الإيجاب في
عقد النكاح عندنا ولا يجوز ذلك في عقد البيع، ولا بد أن يأتي بلفظ الإخبار في الإيجاب ولا
يجوز أن يأتي به بلفظ الأمر أو الاستفهام لأنه لا خلاف في صحته أن يأتي به على ما قلناه وفيما
عداه خلاف، وأيضا فالعقد حكم شرعي يحتاج في ثبوته إلى دليل شرعي.
عقد النكاح لا يدخله خيار المجلس ولا خيار الشرط لأنه عقد لازم من الطرفين فإن
شرط ذلك فيه بطل الشرط وصح العقد.
وقال شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه ومبسوطه: إذا شرط ذلك بطل العقد.
قال محمد بن إدريس: لا دليل على بطلان العقد من كتاب ولا سنة ولا إجماع لأن العقود
الشرعية إذا ضامتها شروط غير شرعية بطلت الشروط وصحت العقود وهذا شرط غير شرعي،
والذي يدل على صحة العقد قوله تعالى: أوفوا بالعقود، وهذا عقد يجب الوفاء به، والذي اختاره
شيخنا تخريجات المخالفين و فروعهم وهو مذهب الشافعي، وأحد من أصحابنا لم يذهب إلى ذلك
ولا ذكر المسألة في مسطور له ولا وردت به رواية من جهة أصحابنا لا آحادا ولا متواترا، وشيخنا
لما استدل على ما اختاره لم يتعرض للإجماع ولا للأخبار بل بشئ أوهن من بيت العنكبوت ولم
يتعرض لها في سائر تصنيفه إلا في هذين الكتابين لأنهما فروع المخالفين وتخريجاتهم.
398

باب المهور وما ينعقد به النكاح وما لا ينعقد:
الأصل في الصداق كتاب الله وسنة نبيه ص، قال الله تعالى: وآتوا
النساء صدقاتهن نحلة.
فإن قيل: كيف سماه الله نحلة وهو عوض عن النكاح؟
أجيب عنه بثلاثة أجوبة:
أحدها اشتقاقه من الانتحال الذي هو التدين يقال: فلان ينتحل مذهب كذا، فكان قوله نحلة
معناه تدينا.
والثاني أنه في الحقيقة نحلة منه لها لأن حظ الاستمتاع من كل واحد منهما لصاحبه كحظ
صاحبه.
والثالث قيل: إن الصداق كان للأولياء في شرع من قبلنا بدلالة قول شعيب حين زوج موسى
ابنته: على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك، ولم يقل: تأجر بنتي ثماني
حجج، فكان معنى قوله نحلة أي أن الله أعطاكن هذا في شرعنا نحلة.
فإذا ثبت هذا فالمستحب أن لا يعرى نكاح عن ذكر مهر.
ومتى تولى ذكر المهر وعقد النكاح بغير ذكره فالنكاح صحيح إجماعا على ما قدمناه،
لقوله تعالى: لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة، معناه
ولم تفرضوا لهن فريضة بدلالة قوله: ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره، ولا متعة لمن
طلقها قبل الدخول إلا التي لم يسم لها مهر.
والصداق ما تراضى عليه الزوجان مما له قيمة في شرع الاسلام ويحل تملكه قليلا كان
أو كثيرا.
بلا خلاف بين المسلمين إلا ما ذهب إليه السيد المرتضى في انتصاره فإنه قال: إذا زاد على
خمسين دينارا لا يلزم إلا الخمسين.
والصحيح ما قدمناه لأن هذا خلاف لظاهر القرآن والمتواتر من الأخبار وإجماع أهل الأعصار
لأنه لا خلاف أن الأئمة الأطهار ع والصحابة والتابعين وتابعي التابعين تزوجوا
399

بأكثر من خمسين دينارا.
ولا يجوز في المهر ما لا يحل تملكه؟ للمسلم من خمر أو نبيذ أو خنزير وما أشبه ذلك، فإن
عقد على شئ من هذه المحرمات.
قال شيخنا أبو جعفر في نهايته: كان العقد باطلا، وكذلك يقول شيخنا المفيد في مقنعته، إلا أن
شيخنا أبا جعفر رجع عن ذلك في مسائل خلافه في كتاب الصداق فقال مسألة: إذا عقد على
مهر فاسد مثل الخمر والخنزير والميتة وما أشبهه فسد المهر ولم يفسد النكاح ووجب لها مهر المثل،
وبه قال جميع الفقهاء إلا مالكا فإن عنه روايتين إحديهما مثل ما قلناه والأخرى: يفسد النكاح،
وبه قال قوم من أصحابنا. ثم قال في استدلاله على صحة ما اختاره رحمه الله: دليلنا أن ذكر المهر
ليس من شرط صحة العقد فإذا ذكر ما هو فاسد لم يكن أكثر من أن لم يذكره أصلا فلا يؤثر ذلك
في فساد العقد، هذا آخر كلامه.
قال محمد بن إدريس: الذي يقوى في نفسي ما ذكره في مسائل خلافه، والدليل عليه ما استدل
به رحمه الله فإنه استدلال مرضي ولا إجماع على فساد هذا العقد ولا كتاب الله تعالى ولا دليل
عقل ولا سنة متواترة بل قوله تعالى يعضد ما ذكره وهو قوله: فانكحوا ما طاب لكم من النساء،
والنكاح قد بينا أنه العقد من الإيجاب والقبول وقد حصل ذلك، وقد بينا أيضا أن ذكر المهر
ليس من شرط صحة عقد الدوام.
ويجوز أن يكون منافع الحر مهرا مثل تعليم قرآن أو شعر مباح أو بناء أو خياطة ثوب وغير
ذلك مما له أجرة لأن كل ذلك له أجر معين وقيمة مقدرة.
واستثنى بعض أصحابنا من جملة ذلك الإجارة إذا كانت معينة يعملها الزوج بنفسه قال: لأن
ذلك كان مخصوصا بموسى ع، والوجه في ذلك أن الإجارة إذا كانت معينة لا تكون
مضمونة بل إذا مات المستأجر لا يؤخذ من تركته ويستأجر لتمام العمل، وإذا كانت في الذمة
يؤخذ من تركته لتمام العمل.
والذي اعتمده وأعمل عليه وأفتى به أن منافع الحر ينعقد بها عقود النكاح ويصح الإجارة
والأجرة على ذلك سواء كانت الإجارة في الذمة أو معينة لأن الأخبار على عمومها، وما ذكره
400

بعض أصحابنا من استثنائه الإجارة وقوله: كانت مخصوصة بموسى ع، فكلام في غير
موضعه واعتماد على خبر شاذ نادر فإذا تؤمل حق التأمل بأن وضح أن شعيبا ع
استأجر موسى ليرعي له لا ليرعي لبنته وذلك كان في شرعه وملته أن المهر للأب دون البنت
على ما قدمناه في صدر الباب، فإذا كان كذلك فإنه لا يجوز في شرعنا ما جاز في شرع شعيب
ع.
فأما إذا عقد على إجارة ليعمل لها فالعقد صحيح سواء كانت الإجارة معينة أو في
الذمة.
وقد أورد شيخنا أبو جعفر في كتاب تهذيب الأحكام خبرا وهو: محمد بن يعقوب عن علي بن
إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله ع قال: لا يحل النكاح اليوم
في الاسلام بإجارة بأن يقول: أعمل عندك كذا وكذا سنة على أن تزوجني أختك أو ابنتك،
قال: حرام لأنه ثمن رقبتها وهي أحق بمهرها، فهذا يدلك على ما حررناه وبيناه، فمن استثنى من
أصحابنا الإجارة التي فعلها شعيب مع موسى ع فصحيح، وإن أراد غير ذلك فباطل.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: ولا يجوز العقد على إجارة وهو أن يعقد الرجل على امرأة على أن
يعمل لها أو لوليها أياما معلومة أو سنين معينة.
وقال في مسائل خلافه مسألة: يجوز أن يكون منافع الحر مهرا مثل تعليم قرآن
أو شعر مباح أو بناء أو خياطة ثوب وغير ذلك مما له أجرة، واستثنى أصحابنا من جملة ذلك الإجارة وقالوا: لا يجوز
لأنه كان يختص بموسى ع ثم قال في استدلاله: دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم.
وأيضا روى سهل بن سعد الساعدي أن امرأة أتت النبي ع فقالت: يا رسول الله إني
قد وهبت نفسي لك فقامت قياما طويلا فقام رجل فقال: يا رسول الله زوجنيها إن لم يكن لك
فيها حاجة، فقال رسول الله ص: هل عندك من شئ تصدقها إياه، فقال:
ما عندي إلا إزاري هذا، فقال: النبي ع: إن أعطيتها إياه جلست ولا إزار لك فالتمس
شيئا، فقال: ما أجد شيئا فقال له رسول الله ص: هل معك من القرآن شئ،
قال: نعم سورة كذا وسورة كذا، وسماهما فقال رسول الله ص: قد زوجتكها بما
401

معك من القرآن، وظاهره أنه جعل القرآن الذي معه صداقها وهذا لا يمكن فثبت أنه إنما جعل
الصداق تعليمها إياه.
وروى عطاء عن أبي هريرة أن النبي ص قال لرجل: ما تحفظ من القرآن؟ قال:
سورة البقرة والتي يليها، قال: قم فعلمها عشرين آية فهي امرأتك، هذا آخر كلامه في مسائل
خلافه.
قال محمد بن إدريس: ما بين قوله رحمه الله في نهايته وبين قوله في مسائل خلافه تضاد ولا تناف،
لأنه قال في نهايته: ولا يجوز العقد على إجارة وهو أن يعقد الرجل على امرأة على أن يعمل لها أو
لوليها أياما معلومة أو سنين معينة، فأضاف العمل إليه بعينه على ما قدمناه وحررناه. فأما قوله في
مسائل خلافه يجوز أن يكون منافع الحر مهرا مثل تعليم قرآن أو شعر مباح أو بناء أو خياطة ثوب
وغير ذلك مما له أجرة يريد بذلك ألا يكون الإجارة معينة بنفس الرجل بل يكون في ذمته
يحصلها أما بنفسه أو بغيره وذلك جائز على ما بيناه فليلحظ ذلك.
ولا يجوز نكاح الشغار.
بالشين والغين المعجمتين، وهو أن يزوج الرجل بنته أو أخته بغيره ويتزوج بنت الزوج أو أخته،
ولا يكون بينهما سوى تزويج هذا من هذه وهذه من ذاك ويجعلان المهر التزويج فحسب.
ومتى عقد على هذا كان العقد باطلا بغير خلاف بيننا لأنه عقد منهي عنه والنهي
بمجرده يقتضي فساد المنهي عنه.
وقال بعض محققي اللغويين: معنى شغر رجليه رفعهما، أصله في الكلب إذا رفع رجله للبول. فأما
نكاح الشغار بالفتح والكسر فهو أن يزوج الرجل من هو وليها من بنت أو غيرها رجلا غيره على
أن يزوجه بنته بغير مهر، وكانت العرب في الجاهلية يقول أحدهم للآخر: شاغرني - أي
زوجني - حتى أزوجك، وهو من رفع الرجل لأن النكاح فيه معنى الشغر فسمي هذا العقد
شغارا ومشاغرة لإفضائه في كل واحد من الزوجين إلى معنى الشغر، وصار اسما لهذا النكاح كما
قيل في الزنى: سفاح، لأن الزانيين يتسافحان الماء أي يسكبانه والماء هو النطفة، ومن الشغر
الذي هو رفع الرجل قول زياد لبنت معاوية التي كانت عند ابنه فافتخرت يوما عليه وتطاولت
402

فشكاها إلى أبيه زياد فدخل عليها بالدرة يضربها ويقول لها: أشغرا وفخرا.
ويستحب في النساء تقليل المهور لما روي في ذلك من الآثار، ويستحب أن لا يتجاوز
بالمهر السنة المحمدية وهو خمس مائة درهم جياد وهو اثنتا عشرة أوقية ونش.
وهو بالنون المفتوحة والشين المعجمة المشددة، وهو عشرون درهما، وهو نصف الأوقية من
الدراهم لأن الأوقية من الدراهم عند أهل اللغة أربعون درهما، فإني سألت ابن العصار ببغداد
وهو إمام اللغة في عصره فأخبرني بذلك وقال: النش نصف الأوقية والأوقية من الدراهم أربعون
درهما.
ومتى عقد الرجل على أكثر من ذلك بأضعاف كثيرة لزمه الوفاء به على الكمال على
ما قدمناه فيما مضى.
وروي أنه يستحب للرجل أن لا يدخل بامرأته حتى يقدم لها مهرها، فإن لم يفعل قدم
لها شيئا من ذلك أو من غيره من الهدية يستبيح به فرجها ويجعل الباقي دينا عليه.
هكذا ذكره شيخنا في نهايته.
قال محمد بن إدريس قوله رحمه الله يستبيح به فرجها غير واضح إنما الذي يستبيح به الفرج هو
العقد من الإيجاب والقبول دون ما يقدمه من المال المذكور فإن تقديمه كتأخيره بلا خلاف.
ومتى سمى المهر حال العقد ودخل بها كان في ذمته، وإن لم يكن سمى مهرا وأعطاها
شيئا قبل دخوله بها ثم دخل بها بعد ذلك لم تستحق عليه شيئا سوى ما أخذته منه قبل
الدخول سواء كان ذلك قليلا أو كثيرا،
على ما رواه أصحابنا وأجمعوا عليه فإن دليل هذه المسألة هو الاجماع المنعقد منهم بغير خلاف وفيه
الحجة لا وجه لذلك إلا الاجماع.
فإن لم يعطها شيئا قبل الدخول بها ولم يسم مهرا في حال العقد ثم دخل بها لزمه مهر
المثل، والمعتبر بمهر المثل راجع إلى النساء في الشرف والجمال والأحوال والعادات والبلدان
والأزمان والثيبوبة والبكارة ما لم يتجاوز بذلك خمس مائة درهم جيادا، فإن كان مهور
أمثالها أكثر من خمس مائة رد إلى الخمس مائة.
403

ومتى طلق الرجل امرأته التي قد سمى لها مهرا قبل الدخول بها كان عليه نصف
الصداق المسمى، فإن كان قد قدم لها المهر كملا رجع عليها بنصف ما أعطاها إذا لم يزد
زيادة منفصلة، فإن كان ذلك قد زاد زيادة منفصلة رجع عليها في العين دون النماء إلا أن
تكون العين حاملة وقت التسليم فإنه يرجع عليه بنصف الجميع الحامل والمحمول معا، إلا
أن يكون قد حمل عندها فلا يرجع إلا بالعين دون الحمل، وكذلك إن كان قد زاد ثمنه بنماء
متصل وكان حدوث النماء عندها فالأولى أن لا يرجع عليها إلا بمثل قيمة العين وقت
التسليم، لأن هذا النماء حدث على ملكها دون ملكه لأن ملكه ما تجدد إلا بعد الطلاق مثل
أن كان الصداق حملا فصار كبشا أو فصيلا فصار جملا كبيرا وما أشبه ذلك فأما إن كان
الزائد في ثمنه لزيادة السوق فإنه يرجع في العين بغير خلاف لأنه لا أثر لهذه الزيادة إلا
العين.
فإن وهبت المرأة صداقها المسمى قبل تطليقه لها ثم طلقها الزوج كان له أن يرجع عليها
بمثل نصف المهر إن كان له مثل، فإن لم يكن له مثل فله أن يرجع عليها بمثل نصف قيمته،
وإن كان المهر مما له أجرة مثل تعليم شئ من القرآن أو صناعة معروفة ثم طلقها قبل
الدخول بها رجع عليها بمثل نصف أجرة ذلك على ما جرت به العادة.
ومتى ادعت المرأة المهر على زوجها لم يلتفت إلى دعواها سواء كان قبل الدخول أو
بعده.
وعقد الباب وجملة الأمر أن الزوجين إذا اختلفا في المهر أو في قدره مثل أن يقول الزوج:
تزوجتك بألف، فقالت: بألفين. أو اختلفا في جنس المهر فقال: تزوجتك بألف درهم،
فقالت: بألف دينار، فالقول قول الزوج في جميع ذلك سواء كان قبل الدخول أو بعده لأنها
المدعية والزوج المنكر، والرسول ع قال: البينة على المدعي واليمين على المدعى
عليه.
فإن اختلفا في قبض المهر بعد اتفاقهما عليه فقال الزوج: قد أقبضتك المهر، وقالت:
ما قبضته. فالقول قولها في ذلك عكس ما قلناه في المسألة الأولى لأن الزوج هاهنا مدع
404

للقبض فعليه البينة وعليها اليمين.
إذا كان مهرها ألفا وأعطاها ألفا واختلفا فقالت: قلت لي خذي هذا الألف هدية أو
هبة أو صدقة، وقال: ما قلت ذلك بل قلت خذيها مهرا. فالقول قول الزوج بكل حال لأنها
قد أقرت له بالتسليم وادعت الهبة والهدية والصدقة فيحتاج إلى البينة وإلا فعلى الزوج
اليمين.
ومتى طلق الانسان زوجته قبل الدخول بها ولم يكن قد سمى لها مهرا كان عليه أن
يمتعها إن كان موسرا بجارية أو دابة أو عشرة دنانير على قدر حاله وزمانه وعرفه وعادة أمثاله،
وإن كان متوسطا بخمسة دنانير أو ثوب قيمته ذلك وأدنى ذلك ثلاثة دنانير، والاعتبار أيضا
بالعرف والحال وعادة الأمثال، وإن كان فقيرا فبدون ذلك من الدينار ودونه، ويرجع
أيضا في ذلك إلى حاله وزمانه وعادة أمثاله.
والمعتبر في المتعة التي تستحقها المرأة المطلقة قبل الدخول بها التي لم يسم لها مهر لأنه
لا تستحق المتعة غير من ذكرناها بالأزواج، لأن الله تعالى قال: ومتعوهن على الموسع قدره
وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين، فالمرجع في ذلك إلى العرف لأن
الخطاب رجع في تقيده إلى عرف الشرع إن وجد وإلا يرجع إلى عرف العادة إن وجد وإلا
يرجع إلى عرف اللغة فالمتقدم عرف الشرع، وهذا الحكم بخلاف مهر المثل لأن المعتبر في
ذلك بالنساء دون الرجال.
المدخول بها إذا طلقت لا متعة لها بل يجب لها المسمى إن كان قد سمى، وإن لم يكن
سمى المهر وجب مهر أمثالها من عماتها وخالاتها وأخواتها سواء كن من عصبات الرجال أو
عصبات النساء.
الموضع الذي تجب فيه المتعة فإنها تثبت سواء كان الزوج حرا أو عبدا والزوجة حرة أو
أمة لأن الآية عامة، وكل فرقة تحصل بين الزوجين سواء كان من قبله أو من قبلها أو من قبل
أجنبي أو من قبلهما فلا يجب بها المتعة إلا للمطلقة قبل الدخول بها التي لم يسم لها مهر
فحسب.
405

إذا طلق الرجل زوجته بعد أن خلا بها وقبل أن يطأها فالذي تقتضيه أصول مذهبنا
والمعتمد عند محصلي أصحابنا أن وجود هذه الخلوة وعدمها سواء، ويرجع عليه بنصف
الصداق إن كان مسمى أو المتعة إن لم يكن مسمى ولا عدة عليها.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: ومتى خلا الرجل بامرأته فأرخى الستر ثم طلقها وجب عليه المهر
على ظاهر الحال، وكان على الحاكم أن يحكم بذلك وإن لم يكن قد دخل بها إلا أنه لا يحل للمرأة
أن تأخذ أكثر من نصف المهر ما لم يدخل بها، فإن أمكن الزوج إقامة البينة على أنه لم يكن دخل
بها مثلا أن تكون المرأة بكرا فتوجد على هيئتها لم يلزمه أكثر من نصف المهر.
وقال في مسائل خلافه مسألة: إذا طلقها بعد أن خلا بها وقبل أن يمسها اختلف الناس فيه على
ثلاث مذاهب: فذهبت طائفة إلى أن وجود هذه الخلوة وعدمها سواء وترجع عليه بنصف
الصداق ولا عدة عليها وهو الظاهر من روايات أصحابنا، وذهبت طائفة إلى أن الخلوة كالدخول
يستقر لها المسمى وتجب عليها العدة وبه قال قوم من أصحابنا.
وروي في ذلك أخبار من طريق أصحابنا، ثم قال في استدلاله على ما اختاره رضي الله عنه في
صدر المسألة: دليلنا قوله تعالى: وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة
فنصف ما فرضتم، ولم يستثن الخلوة فوجب حملها على عمومها، قال: ووجه الدلالة من الآية أنه
لا يخلو من أن يكون المسيس عبارة عن اللمس باليد أو الخلوة أو الوطء، فبطل أن يراد بها اللمس
باليد لأن ذلك لم يقل به أحد ولا اعتبره، وبطل أن يراد به الخلوة لأنه لا يعبر به عن الخلوة
لا حقيقة ولا مجازا ويعبر به عن الجماع بلا خلاف فوجب حمله عليه على أنه أجمعت الصحابة على
أن المراد بالمس في الآية الجماع، روي ذلك عن ابن مسعود وابن عباس، وروي عن عمر أنه
قال: إذا أغلق الباب وأرخى الستر فقد وجب المهر ما ذنبهن إن جاء العجز من قبلكم، ومعلوم
أن العجز من الزوج ولا يكون عن الخلوة ولا عن المس باليد ثبت أنه أراد به الإضافة، وأيضا قال
تعالى في آية العدة: ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة، ولم يفصل
وأيضا روايات أصحابنا قد ذكرناها في ذلك الكتاب المذكور وبينا الوجه فيما يخالفها، والأصل
أيضا براءة الذمة فمن أوجب جميع المهر على الرجل أو العدة على المرأة بالخلوة فعليه الدلالة، هذا
406

آخر كلام شيخنا في مسائل خلافه.
والذي ذهب إليه رحمه الله في مسائل الخلاف هو الصحيح والحق الصريح للأدلة التي استدل بها
فإنها أدلة مرضية لا اعتراض عليها، وما ذكره في نهايته أورده إيرادا لا اعتقادا من طريق أخبار
الآحاد وأخبار الآحاد لا تترك لها الأدلة القاطعة للأعذار.
ومتى مات أحد الزوجين قبل الدخول استقر جميع المهر كاملا لأن الموت عند محصلي
أصحابنا يجري مجرى الدخول في استقرار المهر جميعه.
وهو اختيار شيخنا المفيد في أحكام النساء، وهو الصحيح لأنا قد بينا بغير خلاف بيننا أن بالعقد
تستحق المرأة جميع المهر المسمى ويسقط الطلاق قبل الدخول نصفه، فالطلاق غير حاصل إذا
مات فبقينا على ما كنا عليه من استحقاقه، فمن ادعى سقوط شئ منه يحتاج إلى
دليل، ولا دليل على ذلك من إجماع لأن أصحابنا مختلفون في ذلك، ولا من كتاب الله تعالى
ولا تواتر أخبار ولا دليل عقل بل الكتاب قاض بما قلناه والعقل حاكم بما اخترناه.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: ومتى مات الرجل عن زوجته قبل الدخول بها وجب على ورثته
أن يعطوا المرأة المهر كاملا، ويستحب لها أن تترك نصف المهر فإن لم تفعل كان لها المهر كله،
وإن ماتت المرأة قبل الدخول بها كان لأوليائها نصف المهر، وإن ماتت بعد الدخول بها ولم تكن
قبضت المهر على الوفاء ولا طالبت به مدة حياتها فإنه يكره لأوليائها المطالبة بعدها فإن طالبوا
به كان لهم ذلك ولم يكن محظورا. وهذه أخبار آحاد أوردها رحمه الله في نهايته إيرادا لا اعتقادا
فلا يرجع عن الأدلة القاهرة اللائحة والبراهين الواضحة بأخبار الآحاد التي لا توجب علما ولا
عملا.
ومتى تزوج الرجل امرأة على كتاب الله وسنة نبيه ولم يسم مهرا كان مهرها خمس مائة
درهم لا غير، فإن تزوج الرجل امرأة على حكمها فحكمت بدرهم إلى خمس مائة كان حكمها
ماضيا فإن حكمت بأكثر من ذلك رد إلى الخمس مائة درهم لأنه حكمها فلا تتعدى السنة،
وهذا إجماع من أصحابنا. وإن تزوجها على حكمه فبأي شئ حكم به كان له قليلا كان أو
كثيرا.
407

فإن طلقها قبل الدخول بها وكان قد تزوجها على حكمها كان لها نصف ما تحكم به إلى
خمس مائة درهم، وإن كان قد تزوجها على حكمه كان لها نصف ما يحكم به الرجل قليلا
كان أو كثيرا.
وقد روي: أنه إذا مات الرجل أو ماتت المرأة قبل أن يحكما في ذلك بشئ لم يكن لها
مهر وكان لها المتعة.
وهذه رواية شاذة أوردها شيخنا في نهايته إيرادا لا اعتقادا والصحيح ما ذهب إليه في مسائل
خلافه فإنه يقول في مسائل الخلاف: إن المتعة لا تستحقها إلا المطلقة قبل الدخول بها التي لم
يسم لها مهر فحسب دون جميع المفارقات بفسخ أو طلاق أو غير ذلك. وأيضا فلا خلاف في ذلك
وإلحاق غير المطلقة المذكورة بها قياس ونحن لا نقول به بغير خلاف بيننا، لأن ذلك حكم
شرعي يحتاج في إثباته إلى دليل شرعي والإجماع فغير منعقد على ذلك ولا به سنة متواترة ولا
كتاب الله تعالى، والأصل براءة الذمة والأولى القول: بأنه لا يلزم الزوج شئ بعد موت المرأة إذا
كان قد تزوجها على حكمها، وإن كان قد تزوجها على حكمه لزمه جميع ما يحكم به فيرثه هو
وورثتها على كتاب الله تعالى.
ومتى عقد الرجل على مهر معلوم وأعطاها بذلك عبدا آبقا وشيئا آخر معه على جهة البيع
أو الصلح ورضيت به ثم طلقها قبل الدخول بها رجع عليها بنصف المهر المسمى دون المبيع
الذي هو العبد الآبق والشئ الآخر، لأن المهر هو الثمن دون المثمن فوجه الفقه في ذلك
ما ذكرناه، وإن لم يجعل في مقابلة المهر سوى العبد الآبق كان ذلك غير صحيح لأن بيع
العبد الآبق منفردا غير صحيح عند أصحابنا، وجاز لها في هذه الحال أن ترجع على زوجها
بنصف المهر المسمى.
وقد روي: أن الانسان إذا عقد على دار ولم يذكرها بعينها أو خادم ولم يذكره بعينه ولا
وصفه كان للمرأة دار وسط من الدور وخادم وسط من الخدم.
وقد روي أيضا: أنه إذا عقد لها على جارية له مدبرة ورضيت المرأة بذلك ثم طلقها قبل
الدخول بها كان لها يوم من خدمتها وله يوم، فإذا مات المدبر صارت حرة ولم يكن له عليها
408

سبيل، وإن ماتت المدبرة وكان لها مال كان نصفه للرجل ونصفه للمرأة.
أورد ذلك شيخنا في نهايته من طريق أخبار الآحاد، والذي تقتضيه أصول مذهبنا أن يقال في
هذه الرواية: إن العقد على المدبرة صحيح وتخرج من كونها مدبرة ويستحقها المرأة لأن التدبير
بغير خلاف بيننا بمنزلة الوصية بل هو وصية حقيقة، ومن أوصى لرجل ببعض من أملاكه ثم
أخرجه من ملكه قبل موته فلا خلاف أن الوصية تبطل بذلك الشئ عند اخراجه من ملكه،
والمدبرة قد أخرجها بجعلها مهرا عن ملكه، ومما يضعف هذه الرواية قوله: وإذا مات المدبر
صارت حرة، وأطلق ذلك وإنما تصير حرة إذا خرجت من الثلث بغير خلاف، ويزيد الرواية
ضعفا آخر قوله: وإن ماتت المدبرة وكان لها مال كان نصفه للرجل ونصفه للمرأة، ولا خلاف
بيننا وعند المحصلين من أصحابنا أن العبد والمدبر لا يملك شيئا بحال، فأي مال للمدبر مع قوله
تعالى: عبدا مملوكا لا يقدر على شئ، فنفى تعالى قدرته على شئ ومن جملة ذلك المال، ولا
خلاف أن المدبر عبد اللهم إلا أن يكون التدبير المذكور واجبا على وجه النذر لا رجوع للمدبر فيه
فحينئذ يصح ما قاله رحمه الله.
وإذا عقد الرجل على امرأة وسمى لها مهرا ولأبيها أيضا شيئا لم يلزمه ما سماه لأبيها،
وإذا عقد على امرأة وشرط لها في الحال شرطا مخالفا للكتاب والسنة كان العقد صحيحا
والشرط باطلا، مثلا إن شرط لها ألا يتزوج عليها ولا يتسرى ولا يتزوج بعد موتها وما أشبه
ذلك.
وقد روي أنه إن شرطت عليه في حال العقد ألا يفتضها لم يكن له افتضاضها، فإن
أذنت له بعد ذلك في الافتضاض جاز له ذلك.
أورد هذا شيخنا أبو جعفر في نهايته إيرادا لا اعتقادا لأنه رجع عنه في مبسوطه وقال: ينبغي أن
تخص هذه الرواية بالنكاح المؤجل دون النكاح الدائم لأن المقصود من ذلك الافتضاض والذي
يقتضيه المذهب أن الشرط باطل لأنه مخالف لموضوع الكتاب والسنة لأن الأصل براءة الذمة من
هذا الشرط والإجماع فغير منعقد عليه بل ما يورد ذلك إلا في شواذ الأخبار.
وإن شرط ألا نفقة لها لزمته النفقة مع التمكين من الاستمتاع إذا كان النكاح دائما
409

وإن كان النكاح مؤجلا فالشرط صحيح لأنه تأكيد لموضوع هذا العقد.
ومتى عقد الرجل وسمى المهر إلى أجل معلوم - إن جاء به وإلا كان العقد باطلا -
ثبت العقد وكان المهر في ذمته وإن تأخر عن الوقت المذكور.
وروي أنه متى شرط الرجل لامرأته في حال العقد ألا يخرجها من بلدها لم يكن له أن
يخرجها إلا برضاها، فإن شرط عليها أنه إن أخرجها إلى بلده كان عليه المهر مائة دينار وإن
لم يخرج كان مهرها خمسين دينارا، فمتى أراد اخراجها إلى بلد الشرك فلا شرط له عليها ولزمه
المهر كملا وليس عليها الخروج معه، وإن أراد اخراجها إلى بلاد الاسلام كان له ما اشترط
عليها.
وهذه رواية شاذة لأنها مخالفة لما تقتضيه أصول المذهب لأنها يجب عليها مطاوعة زوجها والخروج
معه إلى حيث شاء، فإن لم تجبه إلى ذلك كانت عاصية لله تعالى وسقطت عنه نفقتها، وإن كان
قد ذكرها وأوردها شيخنا أبو جعفر في نهايته فقد رجع عنها في مسائل خلافه فقال مسألة: إذا
أصدقها ألفا وشرط ألا يسافر بها أو لا يتزوج عليها أو لا يتسرى عليها كان النكاح والصداق
صحيحا والشرط باطلا. وقال الشافعي: المهر فاسد ويجب مهر المثل فأما النكاح فصحيح دليلنا
إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا روي عن النبي ص أنه قال: ما بال أقوام يشرطون
شروطا ليست في كتاب الله كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، ولم يقل الصداق باطل،
هذا آخر كلامه رحمه الله وهو الصحيح وإنما أورد ما أورده في نهايته إيرادا لا اعتقادا.
وروي أنه لا يجوز للمرأة أن تبرئ زوجها من صداقها في حال مرضها إذا لم تملك غيره،
فإن أبرأته سقط عن الزوج ثلث المهر وكان الباقي لورثتها.
أورد هذه الرواية شيخنا في نهايته إيرادا لا اعتقادا كما أورد أمثالها مما لا يعمل هو به، ورجع
عنه لأنها مخالفة للأدلة لأن الانسان العاقل الغير مولى عليه مسلط على التصرف في ماله يتصرف
فيه كيف شاء، والصحيح أنها إذا أبرأته من مهرها سقط جميعه وصح الإبراء لأن هذا ليس
بوصية وإنما هو إعطاء منجز قبل الموت والوصية بعد الموت، وإنما هذه الرواية على مذهب من قال
من أصحابنا: إن العطاء في المرض وإن كان منجزا يخرج من الثلث مثل العطايا بعد الموت،
410

والصحيح من المذهب أن العطاء المنجز في حال مرضة الموت يخرج من أصل المال لا من الثلث
لأنه قد أبانها من ماله وتسلمها المعطى له وخرجت من ملك المعطى، لأنه لا خلاف أن له أن
ينفق جميع ماله في حال مرضه فلو كان ما قاله بعض أصحابنا صحيحا لما جاز ذلك ولما كان
يصح منه النفقة بحال.
ومتى تزوج الرجل بامرأة على أنها بكر فوجدها ثيبا.
فقد روي: أنه يجوز له أن ينقص من مهرها شيئا والصحيح أنه ينقص من المسمى مقدار مثل
ما بين مهر البكر إلى مهر الثيب وذلك يختلف باختلاف الجمال والسن والشرف وغير ذلك،
فلأجل هذا قيل: ينقص من مهرها شئ، منكر غير معرف.
والذمي متى عقد على امرأة بما لا يحل للمسلمين تملكه من خمر أو خنزير أو غير ذلك من
المحظورات ثم أسلما قبل تسليمه إليها لم يجز له أن يسلم إليها ما فرضه لها ومهرها إياه من
المحظورات وكان عليه قيمته عند مستحليه، وللمرأة أن تمتنع من زوجها حتى تقبض منه
المهر إذا كان غير مؤجل والزوج موسرا به قادرا على أدائه وطالبته به قبل الدخول بها، فإذا
قبضته لم يكن لها الامتناع بعد ذلك، فإن امتنعت بعد استيفاء مهرها كانت ناشزا ولم يكن
لها عليه نفقة ولا سكنى ولا كسوة، فأما إذا دخل بها فلها المطالبة بالمهر وليس لها الامتناع
حتى تقبضه.
وشيخنا أبو جعفر في نهايته أطلق ذلك إطلاقا ولم يفرق بين قبل الدخول أو بعده، والصحيح
ما ذكرناه لأن الاجماع منعقد على ذلك وهو مذهب السيد المرتضى في انتصاره وشيخنا أبو جعفر
محجوج بقوله في مسائل خلافه فإنه رجع عما ذكره وأطلقه في نهايته فقال مسألة: إذا سمى
الصداق ودخل بها قبل أن يعطيها شيئا لم يكن لها بعد ذلك الامتناع من تسليم نفسها حتى
تستوفى بل لها المطالبة بالمهر ويجب عليها أن تسلم نفسها، وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: لها
أن تمتنع حتى تقبض المهر لأن المهر في مقابلة كل وطء في النكاح، دليلنا أن البضع حقه
واستحقه والمهر حق عليه وليس إذا كان عليه حق جاز أن يمنع حقه لأن جواز ذلك يحتاج إلى
دليل، هذا آخر كلامه رحمه الله.
411

ومتى لم يقم الرجل بنفقة زوجته وكسوتها وسكناها وكان متمكنا من ذلك ألزمه الإمام
النفقة والقيام بجميع ذلك أو الطلاق، فإن لم يكن متمكنا أنظر حتى يوسع الله، عليه.
على الأظهر من أقوال أصحابنا وقال بعضهم: يبينها الحاكم منه، والأول هو المذهب لأن الله
تعالى قال: وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة، و ذلك عام في جميع الأشياء والأحكام.
إذا أصدقها تعليم سورة فلا بد أن يعينها وكذلك الآية لا بد من تعيينها، فإن لم يعين
السورة والآية كان لها مهر المثل بعد الدخول، فإذا ثبت وجوب تعيين السورة والآية فلقنها
فلم تحفظها منه أو حفظتها من غيره فالحكم واحد، وكذلك إن أصدقها عبدا فهلك قبل
القبض فالكل واحد، فإن لها عندنا بدل الصداق وهو أجرة مثل تعليم السورة وقيمة العبد
لأنه إذا أصدقها صداقا ملكته بالعقد وكان من ضمان الزوج إن تلف قبل القبض ومن
ضمانها إن تلف بعد القبض، فإن دخل بها استقر فإن طلقها قبل الدخول رجع بنصف
العين دون نمائها إن كان لها نماء.
إذا قال: أصدقتها هذا الخل فبان خمرا كان لها قيمتها عند مستحليها،
هكذا ذكره شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه، والذي يقوى في نفسي أنه يجب عليه مثل الخل
لأن الخل له مثل فمن نقله إلى قيمة الخمر يحتاج إلى دليل، ولا يجب لها أيضا مهر المثل على
ما يذهب إليه الشافعي لأنه عقد على مهر مسمى مما يحل للمسلمين تملكه وهو الخل.
إذا تزوجها في السر بمهر ذكراه وعقدا عليه ثم بعد ذلك عقدا في العلانية بخلافه فالمهر
هو الأول.
المفوضة إذا طلقها زوجها قبل الفرض وقبل الدخول بها فلا مهر لها لكن يجب لها المتعة
على ما قدمناه.
مفوضة البضع إذا فرض لها المهر بعد العقد كان كالمسمى بالعقد تملك المطالبة به،
فإن دخل بها أو مات استقر ذلك وإن طلقها قبل الدخول سقط نصفه ولها نصفه ولا متعة
عليه، فإن مات أحدهما قبل الفرض وقبل الدخول فلا مهر لها ولا متعة لأن الأصل براءة
الذمة وشغلها بذلك يحتاج إلى دليل وعندنا لا يجب بالعقد مهر المثل إلا بالدخول.
412

مفوضة المهر وهو أن يذكر مهرا ولا يذكر مبلغه فيقول: تزوجتك على أن يكون المهر
ما شئنا أو شاء أحدنا، فإذا تزوجها على ذلك فإن قال: على أن يكون المهر ما شئت أنا، فإنه
مهما يحكم به وجب عليها الرضا به قليلا كان أو كثيرا، وإن قال: على أن يكون المهر
ما شئت أنت، فإنه يلزمه أن يعطيها ما تحكم المرأة به ما لم يتجاوز خمس مائة درهم على
ما قدمنا القول لأن إجماعنا منعقد على ذلك وأخبارنا متواترة.
وإذا دخل بمفوضة المهر استقر ما يحكم به واحد منهما على ما فصلناه، وإن طلقها قبل
الدخول بها وجب نصف ما يحكم به واحد منهما.
إذا تزوج امرأة ودخل بها ثم خالعها فلزوجها المخالع نكاحها في عدتها، فإن فعل
وأمهرها مهرا فإن دخل بها في العقد الثاني استقر الصداق الثاني، وإن طلقها قبل الدخول
ثبت نصف المهر وسقط نصفه.
إذا أصدقها صداقا ثم وهبته له ثم طلقها قبل الدخول فله أن يرجع عليها بنصفه،
وكذلك إذا أصدقها عبدا فوهبت له نصفه ثم طلقها قبل الدخول بها فإنه يرجع عليها بنصف
العبد الذي وهبته له.
إذا أصدقها ألفا ثم خالعها على خمس مائة منها قبل الدخول بها فإنه يسقط عنه جميع
المهر.
إذا تزوج الانسان أمة من سيدها ولم يسم لها مهرا فاشتراها من سيدها انفسخ النكاح
ولا متعة لها عندنا.
إذا أصدقها إنائين فانكسر أحدهما ثم طلقها قبل الدخول بها كان لها نصف الموجود
ونصف قيمة التالف.
إذا أصدقها صداقا فأصابت به عيبا كان لها رده بالعيب سواء كان العيب يسيرا أو
كثيرا بغير خلاف بين أصحابنا.
لا يجب بمجرد العقد مهر المثل وأيهما مات قبل الفرض وقبل الدخول فلا مهر لها.
بغير خلاف بين أصحابنا وإن كان قد اختلف فقهاء العامة فيها والصحابة، وقال بما قلناه علي
413

ع وعبد الله بن عباس رضي الله عنه وزيد بن ثابت والزهري وربيعة ومالك
والأوزاعي، وخالف فيه من الصحابة عبد الله بن مسعود واستدل بقول ناس من أشجع في قصة
بروع بنت واشق على ما أورده شيخنا في مسائل خلافه.
قال محمد بن إدريس: بروع بالباء المفتوحة المنقطة نقطة واحدة من تحتها والراء غير المعجمة
المسكنة والواو والعين غير المعجمة، وأصحاب الحديث يكسرون الباء من بروع والصواب
فتحها، ذكر ذلك الجوهري في كتاب الصحاح وحققه.
باب العقد على الإماء والعبيد وما في ذلك من الأحكام:
متى أراد الانسان العقد على أمة غيره فلا يعقد عليها إلا بإذن مولاها سواء كان المولى
رجلا أو امرأة وسواء كان العقد دائما أو مؤجلا.
على الصحيح من المذهب لقوله تعالى: فانكحوهن بإذن أهلهن، وشيخنا أبو جعفر في نهايته قال:
يجوز له أن يعقد على أمة المرأة عقد المتعة من غير استئذان، معتمدا على خبر رواه سيف بن عميرة،
إلا أنه رجع شيخنا في جواب المسائل الحائريات عما ذكره في نهايته واعتمد على الآية، وهذا
هو الصحيح والحق لأنه لا يجوز العدول عن كتاب الله تعالى بأخبار الآحاد، وأيضا فالتصرف في
مال الغير قبيح عقلا وسمعا إلا باذنه.
فمتى عقد عليها بإذن المولى وجب عليه أن يعطيه المهر قليلا كان المهر أم كثيرا، فإن رزق
منها أولادا كانوا أحرارا لاحقين به لا سبيل لأحد عليهم، لأنا عندنا يلحق الولد بالحرية من
أي الزوجين كانت مع تعري العقد من الاشتراط لرق الولد، فإن اشترط المولى استرقاق
الولد كانوا رقا لا سبيل لأبيهم عليهم ولا يبطل هذا العقد إلا بطلاق الزوج لها أو بيع مولاها
لها أو عتقها سواء عتقت تحت حر أو عبد.
على الصحيح من المذهب، وقال بعض أصحابنا: إن عتقت تحت عبد كان لها الخيار وإن عتقت
تحت حر لم يكن لها الخيار، والأول هو الأظهر من الأقوال لأن هذا تخصيص من غير دليل.
فإن باعها السيد كان الذي اشتراها بالخيار بين إقرار العقد وفسخه فإن أقر العقد لم
414

يكن له بعد ذلك خيار، وكذلك إن أعتقها مولاها كانت مخيرة بين الرضا بالعقد وبين
فسخه، فإن رضيت بعد العتق بالعقد لم يكن لها خيار بعد ذلك.
ومتى عقد على أمة غيره بغير إذنه كان العقد موقوفا على رضاه، فإن رضي المولى بذلك
كان العقد ماضيا وإن لم يرض انفسخ العقد.
وقال شيخنا في نهايته: ومتى عقد على أمة غيره بغير إذن مولاها كان العقد باطلا، فإن رضي
المولى بذلك العقد كان رضاه به كالعقد المستأنف يستباح به الفرج، وهذا بناء منه رحمه الله على
مذهب له في أن العقد في النكاح لا يقف على الإجازة، وقد بينا فساد ذلك فيما مضى، والذي
ينبغي تحصيله في ذلك أن يكون العقد باطلا وإلى هذا ذهب رحمه الله فإذا قال: إنه باطل، فسواء
رضي المولى بذلك أو لم يرض ولا يكون رضاه كالعقد المستأنف لأنه منهي عنه، والنهي يدل على
فساد المنهي عنه على مذهب من قال بالإجازة وعلى قول من لم يقل بذلك.
فإن عقد عليها بغير إذن مولاها عالما بذلك كان أولاده رقا لمولاها لا سبيل له عليهم،
ويجب عليه المهر إن اعتقد تحليل ذلك واشتبه عليه الأمر فيه، ولا حد عليه لاشتباه الأمر فيه
ولقوله ع: ادرأوا الحدود بالشبهات.
وإن عقد عليها على ظاهر الأمر بشهادة شاهدين لها بالحرية ورزق منها أولادا كانوا
أحرارا، ويجب على الشاهدين ضمان المهر إن كان الزوج سلمه إليها وقيمة الأولاد يوم
وضعهم أحياء لأن شهود الزور يضمنون ما يتلفون بشهاداتهم بغير خلاف بيننا بل الاجماع
منعقد على ذلك.
وإن عقد عليها على ظاهر الحال ولم تقم عنده بينة بحريتها ثم تبين أنها كانت رقا كان
أولادها رقا لمولاها، ويجب عليه أن يعطيهم إياه بالقيمة وعلى الأب أن يعطيه قيمتهم، فإن لم
يكن له مال استسعى في قيمتهم.
على ما روي في الأخبار أورده شيخنا في نهايته.
فإن أبي ذلك كان على الإمام أن يعطي مولى الجارية قيمتهم من سهم الرقاب من
الزكاة، فإن لم يكن الإمام ظاهرا جاز أن يشتروا من سهم الرقاب، ولا يسترق ولد حر
415

" بتنوين الولد ". وإن كان قد أعطاها مهرا فلا سبيل له عليها ووجب عليه المهر لمولاها وكان له أن يرجع
على وليها بالمهر كله.
وقد روي أن عليه لمولى الجارية عشر قيمتها إن كانت بكرا وإن لم تكن بكرا فنصف
عشر قيمتها.
أورد ذلك شيخنا في نهايته إيرادا لا اعتقادا من طريق أخبار الآحاد التي لا توجب علما ولا
عملا، والذي تقتضيه أصول المذهب أن الإمام لا يعطي مولى الجارية قيمتهم من سهم الرقاب
ولا يجوز أن يشتروا من سهم الرقاب من الزكاة، لأن ذلك السهم مخصوص بالعبيد والمكاتبين
وهؤلاء غير عبيد ولا مكاتبين، بل هم أحرار في الأصل انعقدوا لذلك ما مسهم رق أبدا لأنه قال
رحمه الله: ولا يسترق ولد حر، وصفه بأنه حر فكيف يشترى الحر من سهم الرقاب؟ وإنما
أثمانهم في ذمة أبيهم لأن من حقهم أن يكونوا رقا لمولى أمهم، فلما حال الأب بينه وبينهم
بالحرية وجب عليه قيمتهم يوم وضعهم أحياء وهو وقت الحيلولة فليلحظ ذلك ويتأمل.
وإذا عقد الرجل على امرأة يظن أنها حرة والذي عقد له عليها كان قد دلسها
وكانت أمته كان له الرجوع عليه بمهرها إن كان قد أقبضه، فإن رزق منها أولادا كانوا أحرارا
والحرة لا يجوز لها أن تتزوج بمملوك إلا بإذن مولاه، فإن تزوجت به بإذن مولاه ورزق منها
أولادا كانوا أحرارا، على ما قدمناه من أن الولد يلحق بالحرية من أي الطرفين كان أحد
الزوجين بغير اختلاف بين أصحابنا، والمخالف يلحقه من طرف واحد اللهم إلا أن
يشترط مولى العبد استرقاق الولد فيكون الولد رقا مع الاشتراط ومع تعري العقد من الشرط يكون
الولد حرا وكان الطلاق بيد الزوج دون مولاه والمهر على المولى وكذلك النفقة لأنه أذن في
شئ فيلزمه توابعه.
فإن طلقها الزوج كان طلاقه واقعا وإن لم يطلق كان العقد ثابتا إلا أن يبيعه مولاه،
فإن باعه كان الذي يشتريه بالخيار بين الإقرار على العقد وبين فسخه، فإن أقر العقد لم يكن
له بعد ذلك اختيار.
416

هكذا ذكره شيخنا في نهايته وأورده إيرادا من جهة أخبار الآحاد فقد روي رواية شاذة بذلك،
والذي تقتضيه الأدلة أن العقد ثابت ولم يكن للمشتري الخيار لأن قياسه على بيع الأمة باطل
لأن القياس باطل، وقد رجع شيخنا في مبسوطه فقال: وإن كان للعبد زوجة فباعه مولاه فالنكاح
باق بالإجماع، هذا آخر كلامه والعقد صحيح فمن أبطله يحتاج إلى دليل.
وإن عتق العبد لم يكن للحرة عليه اختيار لأنها رضيت به وهو عبد فإذا صار حرا كانت
أولى بالرضا به.
فإن عقد العبد على حرة بغير إذن مولاه كان العقد موقوفا. على رضي مولاه، فإن أمضاه
كان ماضيا ولم يكن له بعد ذلك فسخه إلا أن يطلق العبد أو يبيع هو عبده.
وقد قلنا ما عندنا في ذلك، ولولا الاجماع من أصحابنا على الجارية وأن بيعها يكون المشتري مخيرا
لما قلنا به، ولم يوافقنا عليه أحد سوى ابن عباس فكيف يلحق العبد بغير دليل؟ وهل هذا إلا
محض القياس؟ ولم يذهب أحد من مصنفي أصحابنا إلى ذلك سوى الرواية التي أوردها شيخنا
في نهايته إيرادا وعاد عنها في مبسوطه على ما حكيناه عنه، فإنه قال: وإن كان للعبد زوجة فباعه
مولاه فالنكاح باق بالإجماع، فليلحظ ذلك ويتأمل.
فإن طلق العبد كان طلاقه واقعا ليس لمولاه عليه اختيار فإن فسخه كان مفسوخا،
وإن رزق منها أولادا وكانت عالمة بأن مولاه لم يأذن له في التزويج كان أولاده رقا لمولى
العبد ولا صداق لها على السيد ولا نفقة، وإن لم تكن عالمة بأنه عبد كان أولادها أحرارا
لا سبيل لمولى العبد عليهم.
والأمة إذا تزوجت بغير إذن مولاها بعبد كان أولادها رقا لمولاها إذا كان العبد مأذونا
له في التزويج، فإن لم يكن مأذونا له في ذلك كان الأولاد رقا لمولى العبد ومولى الأمة بينهم
بالسوية.
وإذا زوج الرجل جاريته عبده فعليه أن يعطيها شيئا من ماله مهرا لها وكان الفراق بينهما
بيده وليس للزوج طلاق على حال، فمتى شاء المولى أن يفرق بينهما أمره باعتزالها وأمرها
باعتزاله ويقول: قد فرقت بينكما، وإن كان قد وطئها العبد استبرأها بحيضة إن كانت
417

مستقيمة الحيض وإن كانت مسترابة وفي سنها من تحيض استبرأها بخمسة و أربعين يوما
ثم يطأها إن شاء، فإن لم يكن وطئها العبد كان له وطؤها في الحال.
فإن باعهما كان الذي يشتريهما بالخيار بين إمضاء العقد وفسخه، فإن رضي بالعقد كان
حكمه حكم المولى الأول وإن أبي لم يثبت بينهما عقد على حال.
وإن باع المولى أحدهما كان ذلك أيضا فراقا بينهما ولا يثبت العقد إلا أن يشاء هو ثبات
العقد على الذي بقي عنده ويشاء الذي اشترى أحدهما ثباته على الذي اشتراه، فإن أبي
واحد منهما ذلك لم يثبت العقد، وإن رزق منهما أولادا كانوا رقا لمولييهما.
ومتى أعتقهما جميعا كانت الجارية بالخيار بين الرضا بالعقد الأول وبين إبائه، فإن
رضيت كان ماضيا وإن أبت كان مفسوخا.
هذا أجمع أورده شيخنا أبو جعفر في نهايته فحكيناه عنه هاهنا، والذي يقوى في نفسي أنه إذا
زوج الرجل عبده أمته فإن السيد لا يجب عليه أن يعطيها شيئا، وإن هذا الفعال من المولى إباحة
للعبد فرج جاريته دون أن يكون ذلك عقد نكاح وإن سمي تزويجا وعقدا فعلى طريق الاستعارة
والمجاز، وكذلك تفريق المولى بينهما يأمر العبد باعتزالها أو أمرها باعتزاله سمى طلاقا مجازا، لأنه
لو كان طلاقا حقيقيا لروعي فيه أحكام الطلاق وشروطه وألفاظه ولا كان يقع إلا أن يتلفظ به
الزوج لأن الرسول ع قال: الطلاق بيد من أخذ بالساق، وهذا قد وقع ممن لم يأخذ
بالساق وهو المولى، وهذا أدل دليل وأصدق قيل على أن هذا العقد والفعال من المولى إباحة للعبد
وطء جاريته لأنه لو كان عقد نكاح لروعي فيه الإيجاب والقبول من موجب وقابل، ولا يصح
ذلك بين الانسان وبين نفسه وكان يراعى فيه ألفاظ ما ينعقد به النكاح، وأيضا العقد حكم
شرعي يحتاج إلى دليل شرعي ولا يرجع في مثل ذلك إلى أخبار الآحاد التي لا توجب علما ولا
عملا، وإن كان شيخنا أبو جعفر رحمه الله أورد ذلك في نهايته فعلى طريق الإيراد لأجل الرواية
لئلا يشذ شئ من الروايات على ما اعتذر لنفسه في عدته دون الاعتقاد والعمل بصحته،
وكتاب الله تعالى خال من ذلك والسنة المقطوع بها كذلك، والإجماع فغير منعقد بذلك والأصل
براءة الذمة وبقي الحكم المدعي إلى أن يقوم بصحته دليل قاطع للأعذار فحينئذ يجب المصير إليه
418

والمعول عليه. ومتى عقد الرجل لعبده على أمة غيره باذنه جاز العقد وكان الطلاق بيد العبد، فمتى طلق
جاز طلاقه وليس لمولاه أن يطلق عليه لما بيناه، فإن باعه كان ذلك فراقا بينه وبينها إلا أن
يشاء المشتري إقراره على العقد ويرضى بذلك مولى الجارية، فإن أبي واحد منهما ذلك لم
يثبت العقد على حال، وكذلك إن باع مولى الجارية جاريته كان ذلك فراقا بينهما إلا أن
يشاء الذي اشتراها إقرارها على العقد ويرضى بذلك مولى العبد، فإن أبي واحد منهما كان
العقد مفسوخا.
قال محمد بن إدريس: لا أرى لرضى الذي لم يبع وجها لأن الخيار في إقرار العقد وفسخه
للمشتري في جميع أصول هذا الباب، وإنما الشارع جعل لمن لم يحضر العقد ولا كان مالكا
لأحدهما وإنما انتقل إليه الملك، الخيار لأنه لم يرض بشئ من ذلك الفعال لا الإيجاب ولا
القبول، ولا كان له حكم فيهما، والموجب والقابل - أعني السيدين المالكين الأولين - رضيا
وأوجبا وقبلا، فمن جعل لهما الخيار أو لأحدهما يحتاج إلى دليل لأنه حكم شرعي يحتاج مثبته إلى
دليل شرعي، وإنما أوجبنا الخيار للمشتري لأنه انتقل الملك إليه وليس هو واحد منهما وإن كان
المخالف لأصحابنا من العامة لا يجعل للمشتري الخيار في فسخ العقد بل العقد ثابت عندهم
لا يصح للمشتري فسخه، ويمكن أن يقال: المراد بذلك أن من باع من السيدين الموجب والقابل
كان للمشتري الخيار، إن باع سيد العبد عبده كان لمشتريه منه الخيار وإن باع سيد الجارية
جاريته كان لمشتريها منه الخيار، وليس المراد، أن في مسألة واحدة وبيع أحدهما يكون الخيار
للاثنين للمشتري ولمن بقي عنده أحدهما، كما قال شيخنا في نهايته في السمسار والدلال
والمنادي قال: فإن كان ممن يبيع ويشترى للناس فأجره على من يبيع له وأجره على من يشتري
له، والمقصود أجرة واحدة على مبيع واحد أو مشتري واحد وليس المقصود أنه يستحق أجرتين
على مبيع واحد على ما حررناه في موضعه.
ومتى أعتق مولى الجارية جاريته كانت بالخيار على ما قدمناه، وإن أعتق المولى عبده لم
يكن لمولى الجارية خيار ولا ينفسخ العقد إلا ببيعهما أو عتقهما، ومتى رزق بينهما ولد فإن كان
419

بين مولييهما شرط كان على ما شرطاه وإن لم يحصل بينهما شرط كان الأولاد بينهما على
السواء، ولا توارث بين الزوجين إذا كان أحدهما رقا لا يرث الرجل المرأة ولا المرأة الرجل.
وإذا كانت الجارية بين شريكين أحدهما غائب والآخر حاضر فعقد عليها الحاضر
لرجل كان العقد موقوفا على رضي الغائب.
وإذا تزوج رجل جارية بين شريكين ثم اشترى نصيب أحدهما حرمت عليه إلا أن
يشترى النصف الآخر أو يرضي مالك نصفها بالعقد فيكون ذلك عقدا مستأنفا.
هكذا أورده شيخنا في نهايته، والأولى أن يقال أو ترضي مالك نصفها بأن يبيحه وطء ما يملكه
منها فيطأها بالملكية وبالإباحة دون العقد، لأن الفرج لا يتبعض فيكون بعضه بالملك ويكون
بعضه بالعقد، بل لا يجتمع الملك والعقد معا في نكاح ووطء واحد فليلحظ ذلك.
باب ما يستحب فعله لمن أراد العقد والزفاف وآداب الخلوة والجماع والقسمة بين الأزواج
وما في ذلك:
يستحب لمن عزم على عقد نكاح أن يستخير الله تعالى بأن يسأله أن يخير له فيما قد عزم
عليه ويصلى ركعتين ويقول:
اللهم إني أريد أن أتزوج اللهم قدر لي من النساء أعفهن فرجا وأحفظهن لي في
نفسها وفي مالي وأوسعهن رزقا وأعظمهن بركة وقدر لي منها ولدا طيبا تجعله خلفا
صالحا في حياتي وبعد مماتي.
وإذا أراد العقد الدائم يستحب له أن يكون ذلك بالإعلان والإشهاد والخطبة فيه بذكر
الله تعالى والمسنون من ذلك خطبة واحدة تتقدم الإيجاب والقبول، فإن أخل بشئ من
ذلك أو بجميعه لم يفسد العقد وكان ثابتا إلا أنه يكون قد ترك الأفضل.
وتستحب الوليمة عند الزفاف يوما أو يومين يدعى فيه المؤمنون ويكره تفرد الأغنياء
بذلك، والوليمة مستحبة غير واجبة وحضورها مستحب إذا دعي إليها وليس بواجب عليه
الحضور إلا أن يكون فيها شئ من المناكير ولا يقدر من يحضر على إنكاره فلا يجوز حضورها
420

في حال الاختيار، فإن كانت لكافر بأي أنواع الكفر كان فلا يجوز للمسلم حضورها وإن
دعي إليها لأن ذبائحهم محرمة وطعامهم الذي يباشرونه بأيديهم نجس لا يجوز أكله لقوله
تعالى: إنما المشركون نجس، وإذا حضر المسلم وليمة المسلم بعد دعائه إليها فلا يجب عليه
الأكل وإنما يستحب له ذلك.
نثر السكر والجوز واللوز وغير ذلك في الولائم مكروه إذا أخذ على طريق الانتهاب، فإذا
لم يؤخذ على طريق الانتهاب فلا بأس بذلك إذا علم بشاهد الحال من قصد فاعله الإباحة
وإن لم ينطق بلسانه، ولا يجوز لأحد من الحاضرين الاستبداد به.
وإذا قرب تحول المرأة إلى بيت الزوج فقد روي: أنه يستحب أن يأمرها بأن تصلي
ركعتين وتكون على طهارة إذا دخلت عليه ويصلي أيضا قبل ذلك ويكون على طهارة إذا
أدخلت عليه امرأته، ويدعو الله تعالى عقيب الركعتين ويسأله أن يرزقه إلفها وودها
ورضاها، فإذا أدخلت عليه فيستحب أن يضع يده على ناصيتها وهو مقدم شعر الرأس
ويقول:
اللهم على كتابك تزوجتها وفي أمانتك أخذتها وبكلماتك استحللت فرجها فإن
قضيت في رحمها نسبا فاجعله مسلما سويا ولا تجعله شرك شيطان.
ويستحب أن يكون عقد التزويج والزفاف بالليل ويكون الإطعام والوليمة بالنهار.
ولا يجوز للرجل أن يطأ امرأته قبل أن يأتي لها تسع سنين، فإن دخل بها قبل ذلك
فعابت كان ضامنا ولا يحل له وطؤها أبدا، فإن أفضاها وجب عليه ديتها ومهرها ونفقتها
ما داما حيين، فإن مات أحدهما سقطت النفقة.
ومعنى الإفضاء لها أن صير مدخل الذكر ومخرج البول شيئا واحدا أفضي ما بينهما.
وقال شيخنا في مسائل خلافه: هذا إذا كان في عقد صحيح أو عقد شبهة، فأما إذا كان مكرها
لها فإنه يلزمه ديتها على كل حال ولا مهر لها.
قال محمد بن إدريس: عقد الشبهة لا يلزمه النفقة وإنما أوجب أصحابنا النفقة على من فعل ذلك
بزوجته وهذه ليست زوجته، فلا ينبغي أن يتعدى ما أجمعوا عليه لأن الأصل براءة الذمة وثبوت
421

ذلك يحتاج إلى دليل، ولم يذهب أحد من أصحابنا إلى ما قاله رحمه الله، فأما قوله: إذا كان
مكرها فإنه يلزمه ديتها ولا مهر لها، فغير واضح لأنا نجمع عليه الأمرين معا: المهر والدية، لأن
أحدهما لا يدخل في الآخر، لأنه قد دخل بها فيجب عليه المهر لأجل دخوله والدية لأنه إجماع
وهذه ليست ببغي وإنما نهي عن مهر البغي فليلحظ ذلك.
ويستحب التسمية عند الجماع، ويكره الجماع ليلة الكسوف ويومه وفيما بين غروب
الشمس إلى مغيب الشفق ومن طلوع الفجر إلى طلوع الشمس وفي الريح السوداء والصفراء
وعند الزلازل وفي محاق الشهر.
يقال بكسر الميم وضمها، وهن الثلاث ليال الأواخر من الشهر سميت بذلك لإمحاق القمر فيها
أو الشهر، قال الشاعر:
عجوز ترجى أن تكون فتية وقد لجب الجنبان واحد ودب الظهر
تدس إلى العطار سلعة أهلها وهل يصلح العطار ما أفسد الدهر
تزوجتها قبل المحاق بليلة فكان محاقا كله ذلك الشهر
والعرب تسمى ليالي الشهر كل ثلاث منها باسم فتقول: ثلاث غرر جمع غرة وغرة كل شئ
أوله، وثلاث نفل وقيل لها نفل من زيادة القمر من النفل الزيادة والعطاء، وثلاث تسع لأن
آخر يوم منها اليوم التاسع، وثلاث عشر لأن أول يوم منها العاشر، وثلاث بيض لأنها تبيض
بطلوع القمر من أولها إلى آخرها، وثلاث درع سميت بذلك لاسوداد أوائلها وابيضاض سائرها
ومنه قيل: شاة درعاء، إذا أسود رأسها وعنقها وأبيض سائرها، وثلاث ظلم لإظلامها، وثلاث
حنادس لسوادها، وثلاث رءادئ لأنها بقايا، وثلاث محاق لإمحاق القمر والشهر.
ويكره الجماع في أول ليلة من الشهر إلا شهر رمضان، ويكره في ليلة النصف، ويكره
أن يجامع الرجل وهو عريان أو مستقبل القبلة أو مستدبرها، ويكره له الجماع بعد الاحتلام
حتى يغتسل، ولا يجوز للرجل أن يترك المرأة لا يقر بها بجماع لا من عذر أكثر من أربعة
أشهر، فإن تركها أكثر من ذلك كان مأثوما، ويكره للرجل النظر إلى فرج امرأته، ويكره
الكلام في حال الجماع سوى ذكر الله تعالى، ويكره للرجل أن يأتي النساء في غير الفروج
422

المعتادة للجماع.
وهي أحشاشهن من غير حظر ولا تحريم عند فقهاء أهل البيت ع لقوله تعالى:
نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم، ومن قال: أراد بذلك موضع النسل، فهو مبعد
لأنه لا يمتنع أن يسمي النساء حرثا لأنه يكون منهن الولد ثم يبيح الوطء فيما لا يكون منه الولد،
يدل على ذلك أنه لا خلاف أنه يجوز الوطء بين الفخذين وإن لم يكن هناك ولد.
وثاني متمسكات المخالف قالوا: قال الله تعالى: فأتوهن من حيث أمركم الله، وهو الفرج
والإجماع على أن الآية الثانية ليست بناسخة للأولى، وهذا أيضا لا دلالة فيه لأن قوله: من حيث
أمركم الله، معناه من حيث أباح الله لكم أو من الجهة التي شرعها لكم، على ما حكي عن
الزجاج فإنه قال: معنى الآية نساؤكم ذو حرث لكم فأتوا موضع حرثكم أنى شئتم ويدخل في
ذلك الموضعان معا.
وثالثها قالوا: إن معناه من أين شئتم، أي ائتوا الفرج من أين شئتم وليس في ذلك إباحة لغير
الفرج. وهذا أيضا ضعيف لأنا لا نسلم أن معناه ائتوا الفرج بل عندنا معناه ائتوا النساء وأتوا
الحرث من حيث شئتم ويدخل فيه جميع ذلك.
ورابعها قالوا: قوله في المحيض: قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض، فإذا حرم الأذى
بالدم فالأذى بالنجو أعظم. وهذا أيضا ليس بشئ لأن هذه حمل الشئ على غيره من غير علة
على أنه لا يمتنع أن يكون المراد بقوله: هو أذى، غير النجاسة بل المراد أن في ذلك مفسدة، ولا
يجب أن يحمل على ذلك غيره إلا بدليل يوجب العلم، على أن الأذى بمعنى النجاسة حاصل في
البول ودم الاستحاضة ومع هذا فليس بمنهي عن الوطء في الفرج ويقال: إن الآية نزلت ردا
على اليهود فإنهم قالوا: الرجل إذا أتى المرأة من خلف في قبلها خرج الولد أحول، فأكذبهم الله
في ذلك ذكره ابن عباس وجابر ورواه أيضا أصحابنا.
ويكره للرجل أن يعزل عن امرأته الحرة فإن عزل لم يكن بذلك مأثوما غير أنه يكون
تاركا فضلا.
على الصحيح من أقوال أصحابنا والأظهر في رواياتهم، لأنه روي: أن ذلك محظور وعليه دية
423

ضياع النطفة عشرة دنانير، والأصل براءة الذمة من شغلها بواجب ولا يرجع في مثل هذا إلى
أخبار الآحاد.
وأما الأمة فلا بأس بالعزل عنها على كل حال. وإذا كان للرجل امرأة واحدة فعليه أن يبيت عندها من أربع ليال ليلة، وإذا كانت
امرأتان جاز له أن يبيت عند واحدة منهما ثلاث ليال وعند الأخرى ليلة واحدة، وإن كانت
عنده ثلاث نساء جاز أن يبيت عند واحدة منهن ليلتين وعند كل واحدة منهن ليلة ليلة، فإن
كان عنده أربع نساء بعقد الدوام فلا يجوز له أن يبيت عند كل واحدة منهن أكثر من ليلة
ليلة، ويجب عليه أن يسوي بينهن في القسمة اللهم إلا أن تترك واحدة منهن ليلتها لامرأة
أخرى، فيجوز حينئذ أن يبيت عند الموهوب لها الليلة ليلتين، فإن وهبت له ليلتها فله أن
يبيت عند من شاء منهن ليلتين، وإذا بات عند كل واحدة منهن ليلة إذا كن أربعا وسوى
بينهن في قسم الليالي والمبيت فليس يلزمه جماعها بل هو مخير في ذلك.
وإذا عقد على امرأة بكر جاز أن يفضلها بسبع ليال ويعود إلى التسوية ولا يقضي
ما فضلها به فإن كانت ثيبا فضلها بثلاث.
وروي أنه إذا اجتمع عند الرجل حرة وأمة زوجية كان للحرة ليلتان وللأمة ليلة من
القسم، فأما إن كانت الأمة ملك يمين فليس لها قسمة مع الحرائر. وروي أن حكم اليهودية
والنصرانية إذا كانتا زوجتين في الموضع الذي يحل ذلك فيه حكم الإماء على السواء.
ولا بأس أن يفضل الرجل بعض نسائه على بعض في النفقة والكسوة وإن سوى بينهن و
عدل كان أفضل.
لا يجوز للرجل الأجنبي من المرأة أن ينظر إليها مختارا، فأما النظر إليها لضرورة أو حاجة
فجائز، فالضرورة مثل نظر الطبيب إليها وذلك يجوز بكل حال وإن نظر إلى عورتها لأنه
موضع ضرورة لأنه لا يمكن العلاج إلا بعد الوقوف عليه، والحاجة مثل أن يتحمل شهادة
على امرأة فله أن ينظر وجهها من غير ريبة ليعرفها ويحققها، وكذلك لو كانت بينه وبينها
معاملة أو مبايعة فيعرف وجهها ليعلم من التي يعطيها الثمن إن كانت بائعة أو المثمن إن
424

كانت مبتاعة، ومثل الحاكم إذا حكم عليها فإنه يرى وجهها ليعرفها ويحليها.
وروي أن امرأة أتت النبي ص لتبايعه، فأخرجت يدها فقال النبي ص:
أ يد امرأة أم يد رجل؟ فقالت: يد امرأة، فقال: أين الحناء؟ فدل هذا الخبر على أن
عند الحاجة يجوز النظر إليها لأنه إنما عرف أنه لا حناء على يدها بالنظر إليها مكشوفة.
فأما إذا نظر إلى جملتها يريد أن يتزوجها فعندنا يجوز أن ينظر إلى وجهها وكفيها
فحسب، وله أن يكرر النظر إليها سواء أذنت أو لم تأذن إذا كانت استجابت إلى النكاح،
فأما إذا لم توافق على التزويج فلا يجوز له النظر إلى ما كان يجوز له النظر إليه عند استجابتها
وظهور العلم بموافقتها.
فأما إذا ملكت المرأة فحلا أو خصيا فهل يكون محرما لها حتى يجوز له أن يخلو بها
ويسافر معها؟ قيل فيه وجهان:
أحدهما وهو مذهبنا أنه لا يكون محرما لها ولا يجوز له النظر إلى ما يجوز لذوي محارمها النظر إليه.
والقول الآخر يكون محرما ويحل له النظر إليها، وهو مذهب المخالف وتمسك بقوله تعالى: ولا
يبدين زينتهن إلا لبعولتهن - إلى قوله - أو ما ملكت أيمانهن، فنهاهن عن إظهار زينتهن لأحد
إلا من استثني واستثني ملك اليمين، ورووا أن الرسول ع دخل على فاطمة
ع وهي فضل - بالفاء المضمومة والضاد المعجمة المضمومة أيضا، يقال: تفضلت المرأة في
بيتها إذا كانت في ثوب واحد كالخيعل ونحوه، والخيعل: بالخاء المعجمة والياء المنقطة من
تحتها بنقطتين والعين غير المعجمة، قميص لا كمين له، وذلك الثوب مفضل بكسر الميم، والمرأة
فضل بالضم مثال جنب - فأرادت أن تستتر فقال ع: لا عليك أبوك وخادمك،
وروي: أبوك وزوجك وخادمك.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: أما الآية فقد روى أصحابنا عن الأئمة ع في تفسيرها
أن المراد بها الإماء دون الذكران، فأما الخبر فرواية المخالف وهو خبر واحد وأخبار الآحاد عندنا
لا توجب علما ولا عملا، ولو صح لما كان فيه ما ينافي مذهبنا لأن الخادم ينطلق على الأنثى أيضا
فهو محتمل.
425

ولا بأس أن ينظر الرجل إلى أمة يريد شراءها وينظر إلى شعرها ومحاسنها ووجهها
ويديها فحسب، ولا يجوز له النظر إلى ذلك إذا لم يرد ابتياعها.
وقد روي جواز النظر إلى نساء أهل الكتاب وشعورهن لأنهن بمنزلة الإماء إذا لم يكن
النظر لريبة أو تلذذ، فأما إذا كان لذلك فلا يجوز النظر إليهن على حال.
والذي يقوى في نفسي ترك هذه الرواية والعدول عنها والتمسك بقوله تعالى: قل للمؤمنين
يغضوا من أبصارهم، وقال تعالى: ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة
الدنيا، وإن كان قد ذكرها وأوردها شيخنا في نهايته فعلى جهة الإيراد لا اعتقاد.
باب العيوب والتدليس في النكاح وما يرد منه وما لا يرد وما في ذلك من الأحكام:
العيوب التي يرد النكاح بها تنقسم إلى قسمين: منها ما يرجع إلى الرجال ومنها ما يرجع
إلى النساء.
فالرجل يرد ويفسخ عليه النكاح من أربعة عيوب: من العنة والخصاء - بالمد وكسر
الخاء - والجب والجنون سواء كان يعقل معه أوقات الصلوات أو لا يعقل معه ذلك إذا كان
به ذلك قبل العقد، فأما الجنون الحادث بعد العقد، فإن كان يعقل معه أوقات الصلوات
الخمس فلا خيار للمرأة ولا يفسخ النكاح به، وإن كان لا يعقل أوقات الصلوات الخمس
معه فالمرأة بالخيار ولها فسخ النكاح بذلك، فأما إن دلس نفسه بالحرية فخرج عبدا فلها
الخيار والفسخ، إلا أن هذا ليس بعيب في خلقته بل هو تدليس، فلأجل هذا ما أضفناه إلى
العيوب الأربعة وقلنا: يرد الرجل من أربعة عيوب.
وقد روي: أن الرجل إذا انتسب إلى قبيلة فخرج من غيرها سواء كان أرذل منها أو
أعلا منها يكون للمرأة الخيار في فسخ النكاح.
والأظهر أنه لا يفسخ بذلك النكاح لأن الله تعالى قال: أوفوا بالعقود، والإجماع فغير منعقد على
خلاف ما اخترناه ولا تواترت به الأخبار، وشيخنا أبو جعفر وإن كان قد أورد ذلك وذكره في
نهايته فعلى جهة الإيراد لأخبار الآحاد لا الاعتقاد لصحتها والعمل بها، فإنه رجع في مبسوطه وبين
426

أن ذلك رواية فقال رضي الله عنه: وإن كان الغرور بالنسب فهل لها الخيار أم لا؟ فالأقوى أنه
لا خيار لها، وفي الناس من قال: لها الخيار، وقد روي ذلك في أخبارنا، هذا آخر كلامه رحمه الله
في مبسوطه فدل ذلك إنما أورده في نهايته رواية من طريق أخبار الآحاد، إلا أن هذا وإن لم يكن
عيبا فإنه يرد به لأنه تدليس فرددناه من حيث التدليس بالاشتراط لا من حيث إنه عيب يرد به
من غير اشتراط لأن العيوب هي في الخلقة يرد بها النكاح، وإن لم يشترط السلامة في حال العقد
بل بمجرد العقد يرد النكاح بعيب الخلقة، فأما التدليس فإنه إذا شرط أنه حر فخرج عبدا أو
انتسب إلى قبيلة فخرج بخلافها سواء كان أعلى منها أو أدنى وكذلك السواد والبياض إذا شرطه
فخرج بخلافه وما أشبه ذلك فلا يرد به النكاح إلا إذا اشترط خلافه، فأما بمجرد العقد دون
تقدم الشرط فلا يرد به النكاح، فهذا الفرق بين عيب الخلقة وبين التدليس فليلحظ ذلك
ويتأمل.
إذا حدث بالرجل جب أو خصاء بعد العقد فلا خيار للمرأة في فسخ النكاح، فإن حدثت العنة بعد وطئها فلا خيار لها، وإن
حدثت قبل وطئها وبعد العقد ولم يطأ غيرها ولا
هي مدة سنة فلها الخيار، فإن وطئها أو وطئ غيرها في مدة السنة لم يكن لها خيار، فأما
الجنون الحادث فقد قلنا ما فيه فأغنى عن إعادته.
فأما العيوب الراجعة إلى النساء فسبعة عيوب: الجنون المتقدم على العقد دون الحادث
بعده، والجذام كذلك، والبرص كذلك، والرتق، والقرن بفتح القاف وسكون الراء،
والإفضاء وهو ذهاب الحاجز الذي بين مخرج البول ومدخل الذكر، والعمى.
على الأظهر من أقوال أصحابنا وهو مذهب شيخنا في نهايته، وقال في مسائل خلافه: وفي
أصحابنا من ألحق به العمى وكونها محدودة، بعد أن ذكر ستة عيوب فحسب. والذي يقوى في
نفسي أن المحدودة لا ترد بل يرجع على وليها بالمهر إذا كان عالما بدخيلة أمرها، فإن أراد فراقها
طلقها.
وألحق أصحابنا عيبا ثامنا وهو العرج البين،
ذهب إليه شيخنا في نهايته ولم يذهب إليه في مسائل خلافه، وخلافه قال شيخنا أبو جعفر
427

الطوسي في مسائل خلافه مسألة: إذا حدث بالمرأة أحد العيوب التي ترد به ولم يكن في حال
العقد فإنه يثبت به الفسخ.
قال محمد بن إدريس مصنف هذا الكتاب: الصحيح إن كل عيب حادث بعد العقد من عيوب
النساء لا يرد به النكاح، والذي ذهب إليه شيخنا مذهب الشافعي في أحد قوليه اختاره شيخنا
فليلحظ ذلك.
وترد المرأة من تدليس، وهو إذا عقد للرجل على امرأة فظن أنها حرة فوجدها أمة، فإن
كان قد دخل بها كان لها المهر بما استحل من فرجها وللرجل أن يرجع على وليها الذي تولى العقد
عليها ودلسها بالمهر، فإن كان الولي لم يعلم دخيلة أمرها لم يكن عليه شئ، فإن كانت هي
المدلسة والمتولية للعقد على نفسها رجع عليها إذا لحقها العتاق، فإن كان لم يدخل بها لم يكن
لها مهر، فإن كان قد أعطاها المهر كان له الرجوع عليها به إذا كان قائم العين، فإن كان قد
أتلفته رجع عليها إذا لحقتها العتاق، فإذا ردها كان رده لها فراقا بينه وبينها ولا يحتاج
مع ذلك إلى طلاق.
وكذلك إذا تزوجت المرأة برجل على أنه حر فوجدته عبدا كانت بالخيار بين إقراره على
العقد وبين اعتزاله، فإن اعتزلت كان ذلك فراقا بينها وبينه، فإن استقرت معه لم يكن لها
بعد علمها بحاله خيار، فإن كان قد دخل بها كان لها الصداق بما استحل من فرجها، وإن لم
يكن دخل بها لم يكن لها شئ.
وقال شيخنا أبو جعفر الطوسي في مسائل خلافه مسألة: إذا عقد الحر على امرأة على أنها حرة
فبانت أمة كان العقد باطلا، ثم استدل فقال: دليلنا إجماع على بطلانه
أنه عقد على من يعتقد أنه لا ينعقد نكاحها فكان باطلا.
قال محمد بن إدريس مصنف هذا الكتاب العقد صحيح إلا أن له الخيار بين فسخه وإمضائه
بلا خلاف بين أصحابنا، وما استدل به فمرغوب عنه لأن العقد على الأمة عندنا جائز صحيح
ينعقد نكاحها وليس هي كالكافرة الأصلية فليلحظ ذلك ويتأمل.
وإذا عقد الرجل على بنت رجل على أنها بنت مهيرة فوجدها بنت أمة كان له ردها،
428

فإن لم يكن دخل بها لم يكن عليه لها شئ.
وروي: أن المهر على أبيها، وليس عليه دليل من كتاب ولا سنة مقطوع بها ولا إجماع، والأصل
براءة الذمة فمن شغل ذمة الأب بالمهر يحتاج إلى دليل.
فإن كان قد دخل بها كان المهر عليه لها بما استحل من فرجها ورجع على أبيها به، فإن
رضي بعد ذلك بالعقد لم يكن له بعد رضاه الرجوع بالمهر ولا خيار الرد.
ومتى كان لرجل بنتان إحديهما بنت مهيرة والأخرى بنت أمة فعقد الرجل على بنته
من المهيرة ثم أدخلت عليه بنته من الأمة كان له ردها لأنها ليست زوجة له سواء رضي بها
أو لم يرض، فإن كان قد دخل بها وأعطاها المهر كان لها ذلك إن كان وفق مهر أمثالها، وإن
كان أنقص فعليه تمامه، وإن كان أكثر فله الرجوع عليها بما يزيد على مهور أمثالها تستحقه
بما استحل من فرجها ورجع على من أدخلها عليه به، فإن لم يكن دخل بها فليس لها عليه مهر
وعلى الأب أن يسوق إليه ابنته من المهيرة.
وإذا تزوج الرجل بامرأة فوجدها برصاء أو جذما أو عمياء أو رتقاء أو قرناء أو مفضاة أو
عرجاء أو مجنونة كان له ردها من غير طلاق، فإن كان قد دخل بها كان لها المهر بما استحل
من فرجها وله أن يرجع على وليها بالمهر الذي أعطاها إذا كان الولي عالما بحالها، فإن لم
يكن عالما بحالها لم يكن عليه شئ ورجع عليها به إذا كانت هي المدلسة نفسها، فإن لم يكن
دخل بها لم يكن عليه مهر، فإن كان قد أعطاها المهر كان له الرجوع عليها به، ومتى وطئها
بعد العلم بحالها أو علم بحالها ورضي لم يكن له بعد ذلك ردها، فإن أراد فراقها بعد ذلك
فارقها بالطلاق، فأما ما عدا ما ذكرناه من العيوب فليس يوجب شئ منها الرد مثل العور
وما أشبه ذلك.
وإذا عقد على امرأة على أنها بكر فوجدها ثيبا لم يكن له ردها غير أن له أن ينقص من
مهرها بمقدار مهر أمثالها على ما قدمناه فيما مضى وحررناه.
ومتى عقد الرجل على امرأة على أنه صحيح فوجدته عنينا ولا يعلم ذلك إلا من جهة
الرجل بإقراره فحسب،
429

وروي أنه يعرف ذلك بأن يقام في ماء بارد فإن شنج أي تقبض العضو فليس بعنين فإن بقي على
حاله فهو عنين، وهذا قول ابن بابويه في رسالته والأول هو المعمول عليه.
فإذا كان كذلك انتظر به سنة فإن وصل إليها في مدة السنة ولو مرة واحدة أو إلى غيرها
لم يكن لها عليه خيار، وإن لم يصل إليها ولا إلى غيرها أصلا كانت مخيرة بين المقام معه وبين
مفارقته، فإن رضيت لم يكن لها بعد ذلك خيار، فإن اختارت فراقه كان لها نصف الصداق
وليس عليها عدة.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: وإن حدث بالرجل عنه كان الحكم في ذلك مثل ما قدمناه.
المراد بذلك أنها حدثت بعد العقد على المرأة وقبل وطئها ووطء غيرها بعد أن عقد عليها وإن
كان قد وطئ قبل العقد عليها نساء عدة، فأما إذا حدثت بعد العقد عليها وبعد وطئها أو وطء
غيرها بعد العقد عليها فلا خيار لها بحال.
وإذا اختلف الزوج والمرأة فادعى الزوج أنه قربها وأنكرت المرأة ذلك، فإن كانت
المرأة بكرا فإن ذلك مما يعرف بالنظر إليها، فإن وجدت كما كانت لم يكن لادعاء الرجل
تأثير، وإن لم توجد كذلك لم يكن لإنكار المرأة تأثير إلا أن هذا لا يصح إلا أن تكون دعواه
بأنه قربها في قبلها، فإن افتض عذرتها فيكون الحكم فيه ما قدمناه، فأما إن ادعى أنه وطئها
في غير قبلها فلا اعتبار بالحكم الذي قدمناه لأنه ليس لنا طريق إلى تكذيبه ويكون القول
قوله، ولا يلزم بأحكام العنين في المسألتين معا لأنها ما ادعت عليه العنة ولا أقر بالعنة وأكثر
ما في ذلك أنه ما وطئها، ولو أقر بأنه ما افتضها ما تثبت عليه أحكام العنين لأنا قد بينا أنه
لا يثبت كونه عنينا إلا بإقراره.
فإن كانت المرأة ثيبا كان القول قول الرجل مع يمينه بالله.
وقد روي أنها تؤمر بأن تحشى قبلها خلوقا ثم يأمر الحاكم الرجل بوطئها فإن وطئها فخرج
وعلى ذكره أثر الخلوق صدق وكذبت وإن لم يكن الأثر موجودا صدقت وكذب الرجل.
ذهب شيخنا في نهايته أن أمرها بالخلوق رواية، وذهب في مسائل خلافه إلى أنه المعمول عليه
والصحيح ما قدمناه وحررناه والأظهر ما ذكره في نهايته.
430

فإن تزوجت المرأة برجل على أنه صحيح فوجدته خصيا كانت بالخيار بين الرضا بالمقام
معه وبين مفارقته، فإن رضيت بالمقام معه لم يكن لها بعد ذلك خيار وإن أبت فرق بينهما.
وقد روي أنه إن كان خلا بها كان للمرأة صداقها منه وعلى الإمام أن يعزره لئلا يعود إلى مثل
ذلك. ولا دليل على صحة هذه الرواية من كتاب ولا سنة مقطوع بها ولا إجماع والأصل براءة
الذمة، وإن كان قد أورد ذلك شيخنا في نهايته إيرادا لا اعتقادا.
ومتى عقد الرجلان على امرأتين فدخلت امرأة هذا على هذا والأخرى على الآخر ثم علم
بعد ذلك، فإن لم يكونا دخلا بهما ردت كل واحدة منهما إلى زوجها، وإن كانا قد دخلا بهما
كان لكل واحدة منهما الصداق لا المسمى بل مهر المثل لأن كل واحد من الزوجين ما سمى
صداقا لمن دخل بها وإنما هو وطء شبهة فيجب على كل واحد منهما مهر المثل، فإن كان الولي
تعمد ذلك أغرم ما غرمه الرجل وهو مهر المثل ولا يقرب كل واحد منهما امرأته حتى تنقضي
عدتها، فإذا انقضت صارت كل واحدة منهما إلى زوجها بالعقد الأول، فإن ماتتا قبل
انقضاء العدة، فقد روي أن الرجلين الزوجين يرجعان بنصف الصداق على ورثتهما و
يرثانهما.
والصحيح من الأقوال أن بموت أحد الزوجين إما المرأة أو الرجل يستقر جميع المهر كملا سواء
دخل بها الرجل أو لم يدخل على ما قدمناه قبل هذا.
فإن مات الرجلان وهما في العدة فإنهما ترثانهما ولهما المهر المسمى حسب ما قدمناه في
المتوفى عنها زوجها ولم يدخل بها، وعليهما العدة بعد ما تفرغان من العدة الأولى تعتدان عدة
المتوفى عنها زوجها.
ومتى أقام الرجل بينة على أنه تزوج بامرأة عقد عليها عقدا صحيحا وأقامت أختها
على هذا الرجل البينة أنه عقد عليها، فإن البينة بينة الرجل ولا يلتفت إلى بينة المرأة اللهم
إلا أن تقيم البينة بأنه عقد عليها قبل عقده على أختها، فإذا كان الأمر كذلك قبل بينتها
وأبطلت بينة الرجل، أو يكون قد دخل بها فمتى كان مع بينة المرأة أحد هذين الأمرين: إما
دخول بها أو تاريخ متقدم، سمعت بينتها وأبطلت بينة الرجل.
431

باب النكاح المؤجل وما في ذلك من الأحكام:
النكاح المؤجل مباح في شريعة الاسلام مأذون فيه مشروع بالكتاب والسنة المتواترة
وبإجماع المسلمين، إلا أن بعضهم ادعى نسخه فيحتاج في دعواه إلى تصحيحها ودون ذلك
خرط القتاد، وأيضا فقد ثبت بالأدلة الصحيحة أن كل منفعة لا ضرر فيها في عاجل ولا
آجل مباحة بضرورة العقل، وهذه صفة نكاح المتعة فيجب إباحته بأصل العقل.
فإن قيل: من أين لكم نفي المضرة عن هذا النكاح في الأجل والخلاف في ذلك؟ قلنا: من
ادعى ضررا في الأجل فعليه الدليل، وأيضا فقد قلنا: إنه لا خلاف في إباحتها من حيث إنه قد
ثبت بإجماع المسلمين أنه لا خلاف في إباحة هذا النكاح في عهد النبي ع بغير شبهة، ثم
ادعى تحريمها من بعد ونسخها ولم يثبت النسخ وقد ثبتت الإباحة بالإجماع، فعلى من ادعى
الحظر والنسخ الدلالة.
فإن ذكروا الأخبار التي رووها في أن النبي ع حرمها ونهى عنها.
فالجواب عن ذلك أن جميع ما يروونه من هذه الأخبار إذا سلمت من المطاعن والتضعيف أخبار
آحاد، وقد ثبت أنها لا توجب عملا في الشريعة ولا يرجع بمثلها عما علم وقطع عليه، وأيضا قوله
تعالى بعد ذكر المحرمات من النساء: وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير
مسافحين فما استمتعتم به منهن فأتوهن أجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به
من بعد الفريضة، ولفظ استمتعتم لا يعدو وجهين: إما أن يراد بها الانتفاع والالتذاذ الذي هو
أصل موضوع اللفظة أو العقد المؤجل المخصوص الذي اقتضاه عرف الشرع ولا يجوز أن يكون
المراد هو الوجه الأول لأمرين:
أحدهما: أنه لا خلاف بين محصلي من تكلم في أصول الفقه في أن لفظ القرآن إذا ورد وهو محتمل
لأمرين: أحدهما وضع أصل اللغة والآخر عرف الشريعة، فإنه يجب حمله على عرف الشريعة،
ولهذا حملوا كلهم لفظ صلاة وزكاة وصيام وحج على العرف الشرعي دون الوضع اللغوي.
والأمر الآخر: أنه لا خلاف في أن المهر لا يجب بالالتذاذ لأن رجلا لو وطئ زوجته ولم يلتذ
بوطئها لأن نفسه عافتها أو كرهتها أو لغير ذلك من الأسباب لكان دفع المهر واجبا وإن كان
432

الالتذاذ مرتفعا، فعلمنا أن لفظ الاستمتاع في الآية إنما أريد به العقد المخصوص دون غيره.
وأيضا فقد سبق إلى القول بإباحة ذلك جماعة معروفة الأقوال من الصحابة والتابعين
كأمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع، وابن عباس،
ومناظرته لابن الزبير عليها معروفة رواها الناس كلهم ونظم الشعراء فيها الأشعار فقال بعضهم:
أقول للشيخ لما طال مجلسه يا شيخ هل لك في فتوى ابن عباس
هل لك في قينة بيضاء بهكنة يكون مثواك حتى مصدر الناس.
وعبد الله بن مسعود ومجاهد وعطاء وجابر بن عبد الله الأنصاري وسلمة بن الأكوع
وأبي سعيد الخدري والمغيرة بن شعبة وسعيد بن جبير وابن جريح وأنهم كانوا يفتون بها
فادعاء الخصم الاتفاق على حظر النكاح المؤجل باطل.
وأيضا فإجماع أصحابنا حجة على إباحة هذا النكاح، وهو ما قدمنا ذكره من عقد
الرجل على امرأة مدة معلومة بمهر معلوم، ولا بد من هذين الشرطين فإن لم يذكر المدة كان
النكاح دائما إذا كان الإيجاب بلفظ التزويج أو النكاح على ما حررناه فيما تقدم، فإن كان
بلفظ التمتع بطل العقد، وإن ذكر الأجل ولم يذكر المهر بطل النكاح، وإن ذكر مدة مجهولة
لم يصح العقد على الصحيح من المذهب، فأما ما عدا الشرطين فمستحب ذكره دون أن يكون
ذلك من الشرائط الواجبة.
وأما الإشهاد والإعلان فمسنونان في نكاح الدوام، فأما النكاح المؤجل فليسا بمسنونين
فيه ولا واجبين اللهم إلا أن يخاف الانسان التهمة بالزنى فيستحب له حينئذ أن يشهد على
العقد شاهدين.
والمستحب له إذا أراد هذا العقد أن يطلب امرأة عفيفة مؤمنة مستبصرة، فإن لم يجد بهذه
الصفة ووجد مستضعة جاز أن يعقد عليها، ولا بأس أن يعقد على اليهودية والنصرانية هذا
النكاح في حال الاختيار، فأما من عدا هذين الجنسين من سائر الكفار سواء كانت
مجوسية أو غيرها كافرة أصل أو مرتدة أو كافرة ملة فلا يجوز العقد عليها ولا وطؤها حتى
تتوب من كفرها.
433

وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: ويكره التمتع بالمجوسية وليس ذلك بمحظور، وهذا خبر أورده
إيرادا لا اعتقادا لأن إجماع أصحابنا بخلافه، وشيخنا المفيد في مقنعته يقول: لا يجوز العقد على
المجوسية، وقوله تعالى: ولا تمسكوا بعصم الكوافر، وقوله: ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن،
وهذا عام وخصصنا اليهودية والنصرانية بدليل الاجماع وبقي الباقي على عمومه. ورجع شيخنا
عما ذكره في تبيانه.
وبعض أصحابنا يحظر العقد على اليهودية والنصرانية سواء كان العقد مؤجلا أو دائما، وهو
الأظهر والأقوى عندي لعموم الآيتين فمن خصصهما يحتاج إلى دليل من إجماع أو تواتر وكلاهما غير
موجودين.
إلا أنه متى عقد على أحد الجنسين منعهما من شرب الخمر وأكل لحم الخنزير على
ما روي.
ولا بأس أن يتمتع الانسان بالفاجرة إلا أنه يمنعها بعد العقد عليها من الفجور، ولا
يجب على الرجل سؤالها هل لها زوج أم لا لأن ذلك لا يمكن أن يقوم له به بينة، والأولى في
الديانة سؤالها عن ذلك وإن كانت مصدقة على نفسها فإن اتهمها في ذلك احتاط في
التفتيش عن أمرها استحبابا لا إيجابا. ولا بأس أن يتزوج الرجل نكاحا مؤجلا بكرا ليس لها أب من غير ولي كما أن له ذلك
في عقد الدوام، فإن كانت البكر بين أبويها جاز ذلك أيضا فإن كانت. دون البالغ لم يجز
له العقد عليها إلا بإذن أبيها، فإن كانت بالغا جاز العقد عليها من غير استئذانه على
ما قدمناه.
ولا بأس أن يتمتع الرجل بأمة غيره باذنه، وإن كانت الأمة لامرأة فكذلك ولا يجوز له
نكاحها ولا العقد عليها إلا بإذن مولاتها.
بغير خلاف إلا رواية شاذة رواها سيف بن عميرة أوردها شيخنا في نهايته ورجع عنها في جواب
المسائل الحائريات على ما قدمناه، وقد سئل الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان رحمه الله -
في جملة المسائل التي سأله عنها محمد بن محمد بن الرملي الحائري وهي معروفة مشهورة عند
434

الأصحاب - سؤالا عن الرجل يتمتع بجارية غيره بغير علم منه هل يجوز له ذلك أم لا؟ فأجاب:
لا يجوز له ذلك وإن فعله كان عاصيا آثما ووجب عليه بذلك الحد، وقد ظن قوم لا بصيرة لهم
ممن يعتزى إلى الشيعة ويميل إلى الإمامية أن ذلك جائز بحديث رووه: ولا بأس أن يستمتع
الرجل من جارية امرأة بغير إذنها، وهذا حديث شاذ والوجه أنه يطأها بعد العقد عليها بغير إذنها
من غير أن يستأذنها في الوطء لموضع الاستبراء، فأما جارية الرجل فلم يأت فيه حديث ومن
جوزه فقد خالف حكم الشرع وفارق الحق وقال ما يرده عليه كافة العلماء ويضلله جماعة
الفقهاء.
قال محمد بن إدريس: فانظر أرشدك الله إلى فتوى هذا الشيخ المجمع على فضله ورئاسته
ومعرفته، وهل رجع إلى حديث يخالف الكتاب والسنة وإجماع الأمة فكيف يجعل ما يورد
ويوجد في سواد الكتب دليلا ويفتي به من غير حجة تعضده، وهل هذا إلا تغفيل من قائله؟
وإذا كانت عند الرجل امرأة حرة بعقد دوام فلا يجوز له أن يتمتع بأمة إلا بعد رضاها
واستئذانها وكان الحكم في هذا العقد حكم نكاح الدوام، فإذا أراد العقد فليذكر من المهر
والأجل ما يتراضيا عليه قليلا كان أو كثيرا بعد أن يكون معلوما غير مجهول كل واحد منهما
ويكون المهر مما يجوز تملكه للمسلمين.
فإن ذكر لها مهرا معلوما وأجلا معلوما ثم أراد مفارقتها قبل الدخول بها فليهب لها أيامها
ويلزمه نصف المهر.
على ما رواه أصحابنا وأجمعوا عليه قولا وعملا لأنهم يجرون هبة الأجل قبل الدخول بها مجرى
الطلاق قبل الدخول.
فإن كان قد أعطاها المهر رجع عليها بنصفه، فإن وهبت مهرها له قبل أن يفارقها كان
له أن يرجع عليها بمثل نصف المهر بعد تخليته إياها، فإن أعطاها شيئا من مهرها ودخل بها
لزمه ما بقي عليه منه على كماله إذا وفت له بأيامه، فإن أخلت بشئ من أيامه من غير عذر
جاز له أن ينقصها بحساب ذلك من المهر، فإن تبين له بعد الدخول بها أن لها زوجا أو هي في
عدة لا يلزمه أن يعطيها شيئا وكان ما أخذت منه حراما عليها.
435

ويجوز أن يشترط عليها أن يأتيها ليلا أو نهارا أو في أسبوع دفعة أو يوما بعينه أي ذلك شاء
فعل ولم يكن عليه شئ.
وقد روي أنه إذا عقد عليها شهرا ولم يذكر الشهر بعينه كان له شهر من ذلك الوقت،
فإذا مضى عليها شهر ثم طالبها بعد ذلك بما عقد عليها لم يكن له عليها سبيل.
والصحيح ترك هذه الرواية لأن هذا أجل مجهول إلا أن يقول: شهرا من هذا الوقت، فيصح
ذلك لأنه يكون معلوما.
فإن كان قد سمى الشهر بعينه كان له شهره الذي عينه، فإذا ثبت ذلك فلا يجوز لهذه
المرأة أن تعقد على نفسها لأحد من عالم الله وإن لم يحضر ذلك الشهر المعين لأن عليها عقدا
أو لها زوج ولا يجوز أن يكون للمرأة زوجان ولا يكون عليها عقدان بإجماع المسلمين، ولا يجوز
أيضا لمن عقد عليها العقد الأول أن يعقد على أختها قبل حلول شهره المعين وحضوره لأنه
بكون جامعا بين الأختين.
واختلف أصحابنا في توارث نكاح المؤجل، قال قول منهم: ترث وتورث إذا لم يشترطا نفي التوارث مثل نكاح الدوام. وقال آخرون منهم:
لا ترث ولا تورث إلا أن يشترطا التوارث فإن شرطا ذلك توارثا. وقال الباقون المحصلون:
لا توارث في هذا النكاح شرطا التوارث أو لم يشرط لأنهما إن شرطا كان الشرط باطلا لأنه شرط
يخالف السنة. وهذا الذي أفتي به وأعمل عليه لأن التوارث حكم شرعي يحتاج في إثباته إلى
دليل شرعي، وقد أجمعنا على تخصيص عموم آيات توارث الأزواج في النكاح الدائم واختلف
أصحابنا في توريث الأزواج في النكاح المؤجل والأصل براءة الذمة.
ولا خلاف أنه لا يتعلق بها حكم الإيلاء ولا يقع بها طلاق ولا يصح بينها وبين الزوج
لعان ويصح الظهار منها، عند بعض أصحابنا وكذلك اللعان
عند السيد المرتضى والأظهر أنه لا يصح ذلك بينهما في هذا
العقد.
وانقضاء الأجل يقوم في الفراق مقام الطلاق، ولا سكنى لها ولا نفقة.
436

ويجوز الجمع - بغير خلاف بين أصحابنا - في هذا النكاح بين أكثر من أربع لأنهن
بمنزلة الإماء عندنا ولا يلزم العدل بينهن في المبيت، ويلحق الولد بالزوج ويلزمه الاعتراف
به، ويجب عليه إلحاقه به ولا يحل له نفيه إذا قطع على أنه منه إلا أنه إن نفاه أثم وكان معاقبا
عند الله إلا أنه لا يحتاج مع نفيه إلى لعان بخلاف النكاح الدائم، لأن النكاح الدائم متى علم
أنه ولد على فراشه احتاج في نفيه إلى لعان، فمتى وطئ في القبل الواطئ في النكاح المؤجل
لزمه الاعتراف به وإن كان يعزل الماء.
ولا بأس أن يعقد الرجل على امرأة واحدة مرات كثيرة واحدة بعد أخرى لأنه لإطلاق
في هذا النكاح، وإذا انقضى الأجل فيما بينهما جاز له أن يعقد عليها عقدا مستأنفا في الحال
قبل خروجها من العدة ولا يجوز لغيره ذلك ما دامت في العدة، وكذلك يجوز له أن يعقد على
أختها قبل خروجها من عدتها وبعد خروجها من أجله، فإن أراد أن يزيدها في الأجل قبل
انقضاء أجلها الذي له عليها لم يكن له ذلك، فإن أراد فليهب لها ما بقي عليها من الأيام ثم
ليعقد عليها على ما شاء من الأيام.
وعدة المرأة في هذا النكاح - إذا كانت ممن - تحيض حيضا مستقيما أو لا تحيض وفي
سنها من تحيض إذا انقضى أجلها أو وهب لها زوجها أيامها على ما قدمناه وقلنا إنه عند
أصحابنا بمنزلة الطلاق في هذا النكاح بغير خلاف بينهم - قرآن وهما طهران للمستقيمة
الحيض وخمسة وأربعون يوما إذا كانت لا تحيض ومثلها تحيض، فأما إن كانت لا تحيض
وليس في سنها من تحيض فلا عدة عليها إلا إذا توفي عنها زوجها قبل خروجها من أجله،
فإذا توفي عن المستمتع بها زوجها قبل انقضاء أجلها كانت عدتها مثل عدة المعقود عليها
عقد الدوام، على الصحيح من المذهب.
وقال قوم من أصحابنا: عدتها شهران وخمسة أيام، والأول هو الظاهر لأنه يعضده القرآن والمتواتر
من الأخبار سواء كانت أمة أو حرة لظاهر القرآن وهو قوله تعالى: والذين يتوفون منكم ويذرون
أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا، وذلك عام في كل من توفي عنها زوجها ولا إجماع
منعقد على تخصيص ذلك فيجب العمل بالعموم لأنه الظاهر ولا يجوز العدول عنه إلا بدليل.
437

وقال شيخنا في نهايته: عدتها إذا انقضى أجلها أو وهب لها زوجها أيامها حيضتان أو خمسة
وأربعون يوما إذا كانت لا تحيض وفي سنها من تحيض. أما قوله: حيضتان، يريد بذلك
المستقيمة الحيض تعتد بالأقراء وهي قرآن فعبر عن القرأين بالحيضتين، فأما قوله: أو خمسة
وأربعون يوما، فمراده من لا تحيض وفي سنها من تحيض.
وقد روي أنه إذا اشترط الرجل في حال العقد ألا يطأها في فرجها لم يكن له وطؤها فيه،
فإن رضيت بعد العقد بذلك كان جائزا.
وقال شيخنا في نهايته: وكل شرط يشرطه الرجل على المرأة إنما يكون له تأثير بعد
ذكر العقد، فإن ذكر الشروط وذكر بعدها العقد كانت الشروط التي قدم ذكرها باطلة لا تأثير لها، فإن كررها
بعد العقد ثبتت على ما شرط.
قال محمد بن إدريس: لا شرط يجب ذكره ويلزم إلا شرطان وهما: ذكر الأجل المحروس من
الزيادة والنقصان أما بالشهور والأيام أو السنين والأعوام، والمهر المعلوم، إن كان من الموزون
بالوزن أو الإخبار عن الوزن، وإن كان مكيلا فبالكيل أو الإخبار عن الكيل، وإن كان غير
موزون ولا مكيل فبالمشاهدة أو الوصف في غير المشاهد، وما عداهما من الشروط لا يلزم و لا تأثير
له في صحة هذا النكاح، وأيضا فالمؤثر لا يكون له تأثير إلا إذا قارن وصاحب فكيف يؤثر الشرط
المذكور بعد العقد؟ فكان الأولى إن كانت الشروط مؤثرة ولازمة أن يكون ما يلزم منها مصاحب
للعقد مقارنا له لا يتقدم عليه ولا يتأخر، وشيخنا أورد ذلك من طريق الأخبار أخبار الآحاد
دون الاعتقاد.
قال محمد بن إدريس: يروى في بعض أخبارنا في أبواب المتعة عن أمير المؤمنين ع: لولا
ما سبقني إليه بني الخطاب ما زنا إلا شفا، بالشين المعجمة والفاء ومعناه إلا قليل، والدليل
عليه حديث ابن عباس ذكره الهروي في الغريبين: ما كانت المتعة إلا رحمة رحم الله بها أمة محمد
ص ولولا نهيه عنها ما احتاج إلى الزنى إلا شقا، قد أورده الهروي في باب الشين
والفاء لأن الشفا عند أهل اللغة القليل بلا خلاف بينهم، وبعض أصحابنا ربما صحف ذلك
وقاله وتكلم به بالقاف والياء المشددة، وما ذكرناه هو وضع أهل اللغة وإليهم المرجع وعليهم
438

المعول في أمثال ذلك وتعضده الرواية عن ابن عباس رحمه الله.
وقال شيخنا أبو جعفر في الاستبصار في باب التمتع بالأبكار أورد خبرا فيه ما يقول هؤلاء
الأقشاب، بالقاف والسين المعجمة.
قال محمد بن إدريس: الأقشاب، الأخلاط وهو دم لهم.
[والذي ورد في كتب اللغة: أو شاب، من الناس بالواو وهم الأخلاط].
باب السراري وملك الأيمان وما في ذلك من الأحكام:
يستباح وطء الإماء من ثلاث طرق:
أحدها: العقد عليهن بإذن أهلهن كما قال تعالى: فانكحوهن بإذن أهلهن، وقد سلف
ذكر ذلك فيما مضى من كتابنا.
والثاني: تحليل مالكهن أو إباحته الرجل من وطئهن وإن لم يكن هناك عقد يتضمن
لفظ التزويج أو النكاح.
وجملة الأمر وعقد الباب في ذلك أن تحليل الانسان جاريته لغيره من غير عقد فهو جائز
عند أكثر أصحابنا المحصلين، وبه تواترت الأخبار وهو الأظهر بين الطائفة والعمل عليه
والفتوى به وفيهم من منع منه، فمن أجازه اختلفوا،
فمنهم من قال: هو عقد والإباحة والتحليل عبارة عنه، وهو مذهب السيد المرتضى ذكره في
انتصاره.
والباقون الأكثرون قالوا: هو تمليك منفعة مع بقاء الأصل، وهو مذهب شيخنا أبي جعفر
الطوسي وشيخنا المفيد وغيرهما من المشيخة، وهو الذي يقوى في نفسي وبه أفتي ويجري ذلك
مجرى إسكان الدار وإباحة منافع الحيوان إذ لا يمنع من ذلك مانع من كتاب ولا سنة ولا دليل
عقل ولا إجماع منعقد، إلا أن شيخنا أبا جعفر في مبسوطه يجعل من شروطه أن تكون المدة معلومة
ويكون الولد لاحقا بأمه ويكون رقا إلا أن يشترط الرجل الحرية، والصحيح من المذهب
والأقوال والذي تقتضيه الأدلة: أن الولد بمجرد العقد في المعقود عليها من الإماء أو المباحة المحللة
439

بمجرد الإباحة والتحليل يكون الولد حرا إلا أن يشترطه المولى، لأن إجماع أصحابنا منعقد على أن
كل وطء مباح حلال يلحق الولد بالحرية من أي طرفي العاقدين الزوجين كانت سواء كان
بعقد أو بإباحة أو نكاح فاسد أو وطء شبهة، والمخالف يلحقه بأمه ولا يلحقه بأبيه، فإن كانت
حرة كان حرا ولا يعتد بأبيه، وإن كانت أمة كان رقا ولا يلتفت إلى أبيه وإن كان أبوه حرا،
وأصحابنا على خلاف مذهب المخالف ومما ينفردون به من القوم.
وقد سأل السيد المرتضى نفسه فقال: مسألة في خبر الواحد: إن سأل سائل فقال: كيف
تنكرون أن يكون أخبار الآحاد في الأحكام الشرعية ما لم تقم الحجة بالعمل بها؟ فقد وجدنا
الإمامية يختلفون فيما بينهم في أحكام شرعية معروفة ويستند كل فريق منهم إلى أخبار آحاد في
مذهبه ولا يخرج كل فريق من موالاة الفريق الآخر وإن خالفه ولا نحكم بتكفيره وتضليله،
وهذا يقتضي أنه إنما لم يرجع عن موالاته لأنه استند فيما ذهب إليه إلى ما هو حجة.
الجواب: إن أخبار الآحاد مما لم تقم دلالة شرعية على وجوب العمل بها ولا بقطع العذر بذلك
وإذا كان خبر الواحد لا يوجب علما وإنما يقتضي إذا كان راويه على غاية العدالة ظنا، فالتجويز
لكونه كاذبا ثابت والعمل بقوله يقتضي الإقدام على ما يعلم قبحه، فأما الاستدلال على أن
الحجة ثابتة بقبول أخبار الآحاد بأنا لا نكفر من خالفنا في بعض الأحكام الشرعية من الإمامية
ولا نرجع عن موالاته، فلا شبهة في بعده لأنا لا نكفر ولا نرجع عن موالاة من خالف من
أصحابنا في بعض الشرعيات وإن استند في ذلك المذهب إلى التقليد أو رجع فيه إلى شبهة معلوم
بطلانها، ولم يدل عدولنا عن تكفيره وتمسكنا بموالاته، على أن التقليد الذي تمسك به واعتمد
في مذهبه ذلك عليه حق وأن فيه الحجة فكذلك ما ظنه السائل.
وبعد فلو كنا إنما عدلنا عن تكفيره وأقمنا على موالاته من حيث استند من أخبار الآحاد إلى
ما قامت به الحجة في الشريعة، لكنا لا نخطئه ولا نأمره بالرجوع عما ذهب إليه لأن من عول في
مذهب على ما فيه الحجة لا يستنزل عنه، ونحن نخطئ من أصحابنا من خالفنا فيما قامت الأدلة
الصحيحة عليه من الأحكام الشرعية ونأمره بالرجوع إلى الحق وترك ما هو عليه، وإنما لا نضيف
إلى هذه التخطئة التكفير والرجوع عن الموالاة وليس كل مخطئ كافرا، وغير مسلم أن المحق من
440

أصحابنا في الأحكام الشرعية إنما عول فيما ذهب إليه على أخبار الآحاد، ومن عول على خبر
الواحد وهو لا يوجب علما كيف يكون عالما قاطعا؟ وما بقي مما نحتاج إليه في هذا الكلام إلا أن
نبين من أي وجه لم يكفر من خالفنا في بعض الشرعيات من أصحابنا مع العلم بأنه مبطل.
والوجه في ذلك أن التكفير يقتضي تعلق أحكام شرعية كنفي الموالاة والتوارث والتناكح
وما جرى مجرى ذلك، وهذا إنما يعلم بالأدلة القاطعة وقد قامت الدلالة وأجمعت الفرقة المحقة على
كفر من خالفها في الأصول كالتوحيد والعدل والنبوة والإمامة، فأما خلاف بعض أصحابنا
لبعض في فروع الشرعيات فمما لم يقم دليل على كفر المخطئ ولو كان كفرا لقامت الدلالة على
ذلك من حاله وكونه معصية وذنبا، لا يوجب عندنا الرجوع عن الموالاة كما نقول ذلك في
معصية ليست بكفر.
فإن قيل: فلو خالف بعض أصحابكم في مسح الرجلين وذهب إلى غسلهما، وفي أن الطلاق
الثلاث يقع جميعه أ كنتم تقيمون على موالاته؟
قلنا: هذا مما لا يجوز أن يخالف فيه إمامي لأن هذه الأحكام وما أشبهها معلومة ضرورة أنه
مذهب الأئمة ع وعليه إجماع الفرقة المحقة، فلا يخالف فيها من وافق في أصول
الإمامية ومن خالف في أصولهم كفر بذلك.
فإن قيل: أ فلستم تكفرون من خالفكم من خالف في صغير فروع الشرعيات وكبيرها فكيف
يكفر المخالف بما لا يكفر به الموافق؟
قلنا: نحن لا نكفر مخالفنا إذا خالف في فرع لو خالف فيه موافق من أصحابنا لم نكفره وإنما نكفر
المخالف في ذلك الفرع بما ذهب إليه من المذاهب التي يقتضي تكفيره.
مثال ذلك: إن من خالف من أصحابنا وقال: إن ولد الحر من المملوكة مملوك إذا لم يشرط، لم
يكن بذلك كافرا وكان هذا القول باطلا. وكذلك المخالف لنا في الأصول إذا خالف في هذه
المسألة وقال: إن الولد مملوك، وهذا مذهبكم لا يكون بهذا القول بعينه كافرا وإنما نكفره على
الجملة بما خالف فيه مما يقتضي الأدلة أن يكون كافرا.
هذا آخر كلام السيد المرتضى احتجنا أن نورد المسألة والجواب على وجههما لنبين مقصودنا من
441

ذلك وهو قوله: مثال ذلك أن من خالف من أصحابنا وقال: إن ولد الحر من المملوكة مملوك إذا
لم يشرط لم يكن بذلك كافرا وكان هذا القول باطلا، فدل على أن الولد حر إذا كان أبوه حرا
وأمه مملوكة، وكان الوطء حلالا مباحا وارتفع الشرط سواء كان هذا الوطء بعقد أو إباحة المولى،
لأن إطلاق كلام السيد المرتضى يقتضي ذلك ويدل عليه فدل على أنه إجماع منعقد من
أصحابنا.
وقال شيخنا أبو جعفر الطوسي في الجزء الخامس من المبسوط في فصل في حد القاذف: إذا قذف
رجلا ثم اختلفا، فقال القاذف: أنت عبد فلا حد علي، وقال المقذوف: أنا حر فعليك الحد، لم
يخل المقذوف من ثلاثة أحوال: إما أن يعلم أنه حر أو عبد أو يشك فيه. فإن عرف أنه حر مثل
أن علم أن أحد أبويه حر عندنا أو يعلم أن أمه حرة عندهم وإن كان عبدا فأعتق فعلى القاذف
الحد، وإن عرف أنه مملوك فلا حد على القاذف وعليه التعزير، وإن أشكل الأمر كالرجل
الغريب لا يعرف ولا يخبر كاللقيط قال قوم: القول قول القاذف، إلى هاهنا كلام الشيخ في
المبسوط.
مقصودي منه قوله: فإن عرف أنه حر مثل أن علم أن أحد أبويه حر عندنا، ولم يشرط في الوطء
بعقد أو بإباحة بل أطلعه القول بذلك وأن متى كان أحد أبويه حرا فهو حر عندنا، يعني عند
أصحابنا الإمامية.
وقال في الجزء الخامس أيضا في فصل دية الجنين: ديته مائة دينار، ويجب ذلك في الجنين
الكامل وكماله بالإسلام والحرية، أما إسلامه بابويه أو بأحدهما، وأما الحرية فمن وجوه أن
تكون أمه حرة أو تحبل الأمة في ملكه أو يتزوج امرأة على أنها حرة فإذا هي أمة أو يطأ على فراشه
امرأة يعتقدها زوجته الحرة فإذا هي أمة، ففي كل هذا يكون حرا بلا خلاف عندنا إذا كان أبوه
أيضا حرا، وإن كانت الأم مملوكة فإن الولد يلحق بالحرية عندنا وفي كل هذه المواضع ما تقدم
ذكره من مائة دينار.
وقال أيضا شيخنا أبو جعفر الطوسي في الجزء الثاني من مسائل خلافه في كتاب الرهن مسألة:
إذا أتت هذه الجارية الموطوءة بإذن الراهن بولد كان حرا لا حقا بالمرتهن بالإجماع ولا يلزمه عندنا
442

قيمته، وللشافعي فيه قولان: أحدهما يجب عليه قيمته، وبه قال المروزي. والآخر لا يجب،
دليلنا ما قدمناه من أن الأصل براءة الذمة ووجوب القيمة يحتاج إلى دليل، هذا آخر كلام
شيخنا أ لا ترى إلى قوله: كان حرا لا حقا بالمرتهن بالإجماع ولا يلزمه عندنا قيمته، ولم يتعرض
للشرط ولا ذكر جملة، فقد رجع عما ذكره في نهايته ومبسوطه فهو محجوج بهذا القول الذي ذهب
إليه وحكيناه عنه في مسائل خلافه، وما أورده في نهايته فمن طريق أخبار الآحاد لا على جهة
العمل والاعتقاد، وهو خبر واحد راويه ضريس الكناسي وبإزائه أخبار كثيرة معارضة له
تتضمن: أن الولد حر بمجرد الإباحة والتحليل، وأصول المذهب تقتضي أن الولد يلحق بأبيه إلا
ما قام عليه الدليل.
رجعنا إلى تقسيمنا:
والثالث: بأن يملكهن فيستبيح وطأهن بملك الأيمان، وإذا أحل أو أباح الرجل جاريته
لأخيه والمرأة لأخيها أو المرأة لأخيها أو لزوجها حل له منها ما أحله له مالكها، إن أحل له
وطأها حل له كل شئ منها مما يرجع إلى الاستمتاع من تقبيل ولمس وعناق وغير ذلك،
وإن أحل له ما دون الوطء فليس له إلا ما جعله منه في حل، إن أحل له خدمتها لم يكن له
سوى الخدمة شئ، وإن أحل له مباشرتها أو تقبيلها كان له ذلك ولم يكن له وطؤها فإن
وطأها في هذه الحال كان عاصيا، وإن أتت بولد كان لمولاها ويلزمه مهر أمثالها.
وقال بعض أصحابنا وهو شيخنا أبو جعفر في نهايته: يلزمه عشر قيمتها إن كانت بكرا وإن كانت
غير بكر لزمه نصف عشر قيمتها. وقال أيضا: ومتى جعله في حل من وطئها وأتت بولد كان
لمولاها وعلى أبيه أن يشتريه بماله إن كان له مال وإن لم يكن له مال استسعى في ثمنه.
قال محمد بن إدريس: وقد قلنا ما عندنا في ذلك وحكينا رجوعه في مسائل خلافه، وأيضا فلا
يجب على الانسان أن يشتري ولده إذا كان الولد مملوكا بغير خلاف، فكيف أوجب عليه شراؤه
ولا يجب عليه أن يستسعي في فك رقبة ولده من الرق بغير خلاف بين أصحابنا؟
ثم قال أيضا في نهايته: ولا يجوز للرجل أن يجعل عبده في حل من وطء جاريته فإن أراد ذلك
443

عقد له عليها عقدا. قال محمد بن إدريس: لا مانع من تحليل عبده وطء جاريته من كتاب ولا سنة ولا إجماع
والأصل الإباحة بل قوله تعالى: فانكحوهن بإذن أهلهن، وقوله: وأنكحوا الأيامى منكم
والصالحين من عبادكم وإمائكم، دليل على صحة ذلك.
ثم قال أيضا في نهايته: وينبغي أن يراعى فيما ذكرناه لفظ التحليل وهو أن يقول الرجل المالك
للأمة لمن يحللها له: جعلتك في حل من وطء هذه الجارية أو أحللت لك وطأها.
قال محمد بن إدريس: ليس قول شيخنا: ينبغي أن يراعى فيما ذكرناه لفظ التحليل، بمانع من
غيره من الألفاظ وهو قوله: أبحتك وطأها، ولا منع منه وإنما قال: ولا يجوز لفظ العارية في ذلك،
لشناعة المخالف علينا فإنهم يقولون: هؤلاء يعيرون الفروج، يريدون بذلك في الحرائر ومعاذ الله
أن نقول ذلك وإنما يتخرصون علينا بما لا نقوله ولا نذهب بحمد الله إليه، فتحرز أصحابنا خوفا من
الشناعة فقالوا: ولا يجوز لفظ العارية في ذلك، حراسة من التشنيع. وقد قلنا فيما مضى إن ذلك
تمليك منافع كتمليك منافع الدار والفرس وغير ذلك وقد ذهب شيخنا في مبسوطه في باب
العارية إلى ما اخترناه فقال: ولا يجوز إعارة الجارية للاستمتاع بها لأن البضع لا يستباح
بالإعارة، وحكي عن مالك جواز ذلك، وعندنا يجوز ذلك بلفظ الإباحة ولا يجوز بلفظ العارية،
هذا آخر كلامه في مبسوطه.
وإذا كان الرجل مالكا لنصف الجارية والنصف الآخر منها يكون حرا لم يجز له وطؤها
بل يكون له من خدمتها يوم ولها من نفسها يوم، وروي أنه إذا أراد العقد عليها في يومها عقد
عليها عقد المؤجل وكان ذلك جائزا.
ومتى ملك الرجل جارية بأحد وجوه التمليكات من بيع أو هبة أو شئ أو غير ذلك لم
يجز له وطؤها في قبلها إلا بعد أن يستبرئها بحيضة إن كانت ممن تحيض، وإن لم تكن ممن
تحيض ومثلها تحيض استبرأها بخمسة وأربعين يوما، وإن كانت قد آيست من المحيض أو لم
تكن بلغته لم يكن عليه استبراء.
وكذلك يجب على الذي يريد بيع جارية كان يطأها فإن استبرأها البائع ثم باعها لم
444

يسقط عن المشتري الاستبراء الذي يجب عليه،
وقد روي: أنه إن كان البائع موثوقا به جاز للذي يشتريها أن يطأها من غير استبراء.
أورد هذه الرواية شيخنا في نهايته ورجع عنها في مسائل خلافه، وهو الصحيح لأن فعل البائع
لا يسقط عن المشتري ما يجب عليه من الاستبراء.
وكذلك إن كانت المملوكة لامرأة فيستحب للمشتري استبراؤها عند بعض أصحابنا،
والأولى عندي وجوب استبرائها.
فإن اشترى جارية فأعتقها قبل أن يستبرئها جاز له العقد عليها من دون استبراء وحل
له وطؤها والأفضل أن لا يطأها إلا بعد الاستبراء، ومتى أعتقها وكان قد وطأها جاز له العقد
عليها ووطؤها ولم يكن عليه استبراء على حال، فإن أراد غيره العقد عليها لم يجز له ذلك إلا
بعد خروجها من عدتها على ما رواه بعض أصحابنا أما بثلاثة أشهر أو ثلاثة أقراء على
حسب حالها.
ومتى اشترى الرجل جارية وهي حائض تركها حتى تطهر ثم يحل له وطؤها وكان
ذلك كافيا في استبراء رحمها، على ما روي في بعض الأخبار والأظهر الصحيح وجوب
الاستبراء بقرءين، ومتى اشترى جارية حاملا كره له وطؤها في القبل دون أن يكون ذلك
محرما محظورا، على الأظهر من أقوال أصحابنا وهو الذي تقتضيه أصول المذهب سواء مضى
أربعة أشهر أو أقل منها.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: ومتى اشترى جارية حاملا لم يجز له وطؤها إلا بعد وضعها
الحمل أو يمضي عليها أربعة أشهر وعشرة أيام، فإن أراد وطأها قبل ذلك وطأها فيما دون الفرج،
وكذلك من اشترى جارية وأراد وطأها قبل الاستبراء جاز له ذلك فيما دون الفرج وذهب
شيخنا المفيد في مقنعته: إلى مضي أربعة أشهر فحسب. إلا أن شيخنا أبا جعفر رجع في مسائل
خلافه عما ذكره في نهايته فقال مسألة: إذا اشترى أمة حاملا كره له وطؤها قبل أن يصير لها
أربعة أشهر، فإذا مضى لها ذلك لم يكره له وطؤها حتى تضع، وقال الشافعي وغيره: لا يجوز له
وطؤها في الفرج، دليلنا إجماع الفرقة والأصل الإباحة وعدم المانع، هذا آخر كلامه رحمه الله.
445

قال محمد بن إدريس: ودليلنا نحن على صحة ما اخترناه قوله تعالى: أو ما ملكت أيمانكم،
فأباحنا تعالى وطء ما ملكت أيماننا بمجرد الملكية، والآية عامة فمن خصصها يحتاج إلى دليل،
وأيضا الأصل الإباحة ولا مانع من ذلك من كتاب أو سنة مقطوع بها أو إجماع.
وإذا باع جارية من غيره ثم استقال المشتري فأقاله، فإن كان قد قبضها إياه وجب
عليه الاستبراء، وإن لم يكن قبض لم يجب عليه ذلك إذا أراد وطأها.
إذا طلقت الأمة المزوجة بعد الدخول بها وأخذت في العدة ثم باعها مولاها، فالواجب
عليها تمام العدة ولم يجز للمشتري وطؤها إلا بعد استبراء بعد العدة، لأنهما حكمان لمكلفين
لا يتداخلان فإسقاط أحدهما بالآخر يحتاج إلى دليل، وهذا القول مذهب شيخنا أبي جعفر في
مبسوطه وهو الصحيح الحق اليقين.
إذا باع جارية فظهر بها حمل، فادعى البائع أنه منه ولم يكن أقر بوطئها عند البيع ولم
يصدقه المشتري، لا خلاف أن إقراره لا يقبل فيما يؤدى إلى فساد البيع، وهل يقبل إقراره في
إلحاق هذا النسب أم لا؟ عندنا أنه يقبل إقراره لأن إقرار العاقل على نفسه مقبول ما لم يؤد
إلى ضرر على غيره، وليس في هذا ضرر على غيره فوجب قبوله وجوازه.
ولا بأس أن يجمع الرجل بملك اليمين ما شاء من العدد مباح له ذلك، ولا يجمع بين
الأختين في الوطء ويجوز أن يجمع بينهما في الملك والاستخدام، وكذلك لا بأس أن يجمع بين
الأم والبنت في الملك ولا يجمع بينهما في الوطء، فمتى وطئ واحدة منهما حرم عليه وطء
الأخرى تحريم أبد.
فأما الأختان فمتى وطئ إحديهما حرم عليه وطء الأخرى تحريم جمع إلى أن تخرج
الموطوءة من ملكه، فإن وطئ الأخرى بعد وطئه الأولى قبل اخراجها من ملكه كان معاقبا
مأثوما ولا يحرم عليه وطء الأولى بل التحريم باق في الأخرى كما كان قبل وطئه لها.
وقال بعض أصحابنا: إذا وطئ الأخرى بعد وطئه الأولى حرمت عليه الأولى إلى أن تخرج
الأخيرة من ملكه، ولا وجه لهذا القول لأنه لا دليل عليه من كتاب ولا سنة مقطوع بها ولا إجماع
منعقد، والأصل الإباحة وقوله تعالى: أو ما ملكت أيمانكم، يعضد ذلك ولا يرجع عن الأدلة
446

بأخبار الآحاد التي لا توجب علما ولا عملا.
ولا يجوز للإنسان أن يطأ جارية قد وطأها أبوه وطئا حلالا، ويجوز له أن يملكها وإن
وطئها أبوه، وحكم الابن في هذا حكم الأب سواء.
وقد روي أن الأب إذا قبل جاريته بشهوة أو نظر منها إلى ما يحرم على غير مالكها النظر إليه من غير
وطء حرمت على ابنه، وكذلك الابن حكمه في هذا سواء، وهو الذي أورده شيخنا في نهايته.
وقال شيخنا المفيد في مقنعته: إن جارية الأب بعد التقبيل بالشهوة أو النظر منها إلى ما يحرم على
غير مالكها النظر إليه قبل الوطء يحرم على ابنه، وليس كذلك جارية الابن عند هذه الحال.
والفقيه سلار قال في رسالته: لا تحرم الجارية على كل واحد من الأب والابن بالنظر بالشهوة ولا
بالتقبيل.
والذي تقتضيه أصول مذهبنا أن الجاريتين عند هذه الحال غير محرمتين على كل واحد من الأب
والابن إذا ملكها كل واحد منهما أو وطئها وطئا شرعيا لقوله تعالى: أو ما ملكت أيمانكم، وهذه
ملك يمين إذا صارت إليه، وقال تعالى: فانكحوا ما طاب لكم من النساء، وهذه قد طابت ولا
دليل يعدلنا عن هاتين الآيتين من كتاب ولا سنة مقطوع بها ولا إجماع منعقد، بل الخلاف بين
أصحابنا ظاهر في ذلك والأصل الإباحة، فمن ادعى الحظر يحتاج إلى دليل، ولا يرجع عن ظاهر
الكتاب بأخبار الآحاد.
وجميع المحرمات اللواتي قدمنا ذكرهن بالنسب والسبب في العقد يحرم أيضا وطؤهن
بملك الأيمان.
ولا يجوز للرجل وطء جاريته إذا كان قد زوجها من غيره إلا بعد مفارقة الزوج لها
وانقضاء عدتها إن كانت مدخولا بها، ولا يجوز له أن يطأ جارية له معه فيها شريك، وإذا
زوج الرجل جاريته من غيره فلا يجوز له النظر إليها متكشفة ولا متجردة من ثيابها إلا بعد
مفارقة الزوج لها وانقضاء عدتها على ما قدمناه.
ومن اشترى جارية كان لها زوج زوجها مولاها لم يكن عليه الامتناع من وطئها إلا مدة
استبراء رحمها ما لم يرض بذلك العقد، فإن رضي به لم يجز له وطؤها إلا بعد مفارقة الزوج لها
447

بالطلاق أو الموت وانقضاء عدتها.
ولا بأس أن يشتري الرجل امرأة لها زوج من دار الحرب، وكذلك لا بأس أن يشتري
بنت الرجل أو ابنه إذا كانوا مستحقين للسبي، وكذلك لا بأس أن يشتريهم وإن كان قد
سباهم أهل الضلال إن كانوا مستحقين للسبي.
وإذا كان للرجل جارية وأراد أن يعتقها ويجعل عتقها مهرها جاز له ذلك، إلا أنه متى
أراده ينبغي أن يقدم لفظ العقد على لفظ العتق بأن: تزوجتك وجعلت مهرك عتقك، فإن
قدم العتق على التزويج بأن يقول: أعتقتك و تزوجتك وجعلت مهرك عتقك، مضى العتق
وكانت مخيرة بين الرضا بالعقد والامتناع من قبوله، فإن قبلته مضى وكان لها عليه إذا دخل
بها مهر المثل.
وهذا جميعه حكم شرعي دليل صحته انعقاد الاجماع من أصحابنا عليه وإلا فكيف يصح تزويج
الانسان نفسه جاريته قبل عتقها.
فإن طلق التي جعل عتقها مهرها قبل الدخول بها رجع نصفها رقا واستسعيت في ذلك
النصف، فإن لم تستسع فيه كان له منها يوم ولها من نفسها يوم في الخدمة ويجوز أن تشتري
من سهم الرقاب.
هكذا أورده شيخنا في نهايته من طريق أخبار الآحاد إيرادا لا اعتقادا، و الذي تقتضيه أصول
المذهب أنه إذا طلقها قبل الدخول بها يكون له عليها نصف قيمتها وقت العقد عليها، لأن عندنا
بلا خلاف بيننا أن المهر يستحق بنفس العقد جميعه وتملكه الزوجة، والمهر هاهنا نفسها فقد
ملكت نفسها جميعها وصارت حرة، فكيف يعود بعضها مملوكا والحر لا يصير مملوكا؟ وإلى هذا
يذهب ابن البراج في المهذب.
وقد روي: أنه إن كان لها ولد له مال ألزم أن يؤدى عنها النصف الباقي.
ولا دليل على هذه الرواية من كتاب ولا سنة ولا إجماع والأصل براءة الذمة وإن كان قد أوردها
شيخنا أبو جعفر في نهايته إيرادا لا اعتقادا.
وقد روي: أنه إذا جعل عتقها صداقها ولم يكن أدى ثمنها ثم مات، فإن كان له مال
448

يحيط بثمن رقبتها أدى عنه وكان العتق والنكاح ماضيين، وإن لم يترك غيرها كان العتق
والنكاح فاسدين وترجع الأمة إلى مولاها الأول، وإن كانت قد علقت منه كان حكم
ولدها حكمها في كونه رقا. والذي يقتضيه أصول المذهب ترك العمل بهذه الرواية والعدول عنها لأنها مخالفة للأدلة القاهرة
لا يعضدها إجماع ولا كتاب ولا سنة، بل الكتاب مخالف لها والسنة تضادها والإجماع ينافيها لأن
الحرية لا تعود رقا والعتق صحيح بالإجماع وكذلك النكاح، والولد انعقد حرا بالإجماع فكيف
يعود رقا؟
فإن قيل: البائع يعود في عين سلعته إذا مات المشتري ولم يترك وفاء للأثمان.
قلنا: إذا مات والسلع على ملكه وهذه الأمة قد خرجت من ملكه بالعتق كما لو باعها من آخر ثم
مات فبالإجماع لا يرجع فيها البائع، ثم الولد كيف يرجع فيه وهو نماء منفصل؟ وإنما البائع يرجع
في عين السلعة دون نمائها المنفصل بلا خلاف، فلا نعدل عن الأدلة بأخبار الآحاد التي لا توجب
علما ولا عملا وإنما أورد ذلك شيخنا أبو جعفر في نهايته إيرادا من طريق أخبار الآحاد دون
العمل والاعتقاد.
وإذا كان للرجل ولد كبير وله جارية لم يجز له وطؤها إلا بإذن ولده في نكاحها أو العقد
عليها، فإن عقد له عليها أو أذن له في وطئها وأتت بولد من أبيه فإنها لا تنعتق على مولاها،
فإن كان الولد ذكرا فهو ملك لأخيه لأن الانسان إذا ملك أخاه لا ينعتق عليه، وإن كان
الولد أنثى فإنها تنعتق على أخيها الذي هو مولى أمها لأن الانسان إذا ملك من يحرم عليه
وطؤها من الأنساب فإنه ينعتق عليه بلا خلاف، هذا إذا شرط مولى الجارية في حال
العقد على والده كون الولد رقا له، فأما إذا لم يشترط على أبيه كون الولد رقا فالولد حر
بلا خلاف بيننا، وإن كان مولى الجارية الذي هو الولد صغيرا جاز لأبيه وطؤها بعد تقويمها
على نفسه وشرائها عن نفسه ويكون ضامنا للثمن ولا يجوز له وطؤها قبل ذلك.
والمرأة الحرة إذا كان لها زوج مملوك فورثته أو اشترته أبطل ذلك العقد، فإن أرادته لم
يكن لها ذلك إلا بأن تعتقه وتتزوج به، وإذا أذن الرجل لعبده في التزويج فتزوج وجب على
449

السيد المهر إذا عقد العبد على مهر المثل وتجب عليه النفقة - أعني السيد - بشرط التمكين
للعبد من الاستمتاع بها، فإن أبق العبد بعد ذلك لم يكن لها على مولاه نفقة وقد بانت من
الزوج وكان عليها العدة منه، فإن رجع العبد قبل خروجها من العدة كان أملك رجعتها،
وإن عاد بعد انقضاء عدتها لم يكن له عليها سبيل.
على ما روي في بعض الأخبار أورده شيخنا في نهايته ولم يورده غيره، وقد اعتذرنا له بما اعتذر
لنفسه فيما يورده في كتاب النهاية، والذي تقتضيه الأدلة أن النفقة ثابتة على السيد وأنها لا تبين
من الزوج والزوجية بينهما باقية لأنها الأصل، والبينونة تحتاج إلى دليل قاطع من طلاق الزوج أو
موته أو بيع سيده له وفسخ المشتري أو لعان أو ارتداد وليس الإباق واحدا من ذلك.
وإذا كان العبد بين شريكين وأذن له أحدهما في التزويج فتزوج ثم علم الآخر كان
مخيرا بين إمضاء العقد وبين فسخه، ولا بأس أن يطأ الرجل جاريته وفي البيت معه غيره،
وكذلك لا بأس أن ينام بين جاريتين، ويكره جميع ذلك في الحرائر من النساء، وقد روي أنه
إذا اشترى الرجل جارية ومضى عليها ستة أشهر لم تحض فيها ولم تكن حاملا كان له ردها
لأنه عيب يوجب الرد.
وإذا زوج الرجل أمته من غيره وسمى لها مهرا معينا، ثم باع المولى الجارية قبل
الدخول بها لم يكن لها المطالبة بشئ من المهر لأن كل فسخ جاء من قبل النساء قبل
الدخول بهن فإنه يبطل مهورهن، وهذا فسخ جاء من قبل مولى الجارية، وكذلك ليس لمن
يشتريها أيضا المطالبة بالمهر إلا أن يرضى بالعقد، فإن رضي المشتري بالعقد كان رضاه
كالعقد المستأنف وله حينئذ المطالبة بالمهر كملا، فإن طلقها الزوج قبل الدخول استحق
المشتري نصفه، وإن طلقها بعد الدخول استحقه كله، فإن كان الزوج قد دخل بها قبل أن
يبيعها مولاها الأول فإن المهر للمولى الأول يستحقه جميعه لأن بالدخول يستقر جميع المهر وله
المطالبة به، فإن رضي المولى الثاني الذي هو المشتري بالعقد الأول لم يكن له مهر على الزوج
لأن عقدا واحدا لا يستحق عليه مهران، وإن لم يرض بالعقد الأول انفسخ النكاح وكان
للمولى الأول المطالبة بكمال المهر إن لم يكن استوفاه ولا قبضه، فهذا تحرير هذه الفتيا.
450

وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: وإذا زوج الرجل أمته من غيره وسمى لها مهرا معينا وقدم الرجل
من جملة المهر شيئا معينا ثم باع الرجل الجارية لم يكن له المطالبة بباقي المهر ولا لمن يشتريها إلا أن
يرضى بالعقد، وأطلق الكلام ولم يفصله.
وقال في مبسوطه: وإذا زوج الرجل أمته كان له بيعها فإذا باعها كان بيعها طلاقها عندنا،
وخالف الجميع في ذلك وقالوا: العقد باق بحاله، ثم قال: فأما المهر فإن كان الزوج قد دخل بها
فقد استقر المهر، فإن كان السيد الأول قبضه فذلك له وإلا كان للثاني مطالبة الزوج به، وإن لم
يكن دخل بها لم يجب على الزوج تسليم المهر، وإن كان الزوج قد أقبضه استرده، وإن لم يكن
أقبضه لم يكن عليه إقباضه.
ثم قال: والمهر فلا يخلو من ثلاثة أحوال: إما أن يكون صحيحا أو فاسدا أو مفوضة. فإن كان
صحيحا وهو المسمى بالعقد كان للسيد الأول لأنه وجب في ملكه، وإن كان فاسدا لزمه مهر
المثل بالعقد وكان للسيد الأول لأنه وجب بالعقد وكانت حين العقد في ملكه، وأما المفوضة،
وهو أن يكون نكاح بلا مهر أو يقول: زوجتكها على أن لا مهر لها، فالمهر لا يجب بالعقد لكن
السيد يفرض مهرا، فإذا فرض لها المهر فإن كان قبل البيع فهو للأول لأنه وجب والملك له، وإن
كان الفرض بعد البيع قيل فيه وجهان: أحدهما أنه للثاني، والثاني أنه للأول، وهكذا إذا زوج
أمته مفوضة ثم أعتقها ثم فرض المهر فيه وجهان: أحدهما أنه لها، الثاني: كان لسيدها، على
ما قلناه وعلى ما قدمناه من أن بيعها طلاقها، فالمهر إن كان قد قبضه الأول فهو له، فإن كان بعد
الدخول فقد استقر، وإن كان قبل الدخول فعليه أن يرد نصفه، وإن كان لم يقبضه فلا مهر لها
لا للأول ولا للثاني، فإن اختار المشتري إمضاء العقد ولم يكن قد قبض الأول المهر كان للثاني
لأنه يحدث في ملكه، فإن دخل بها بعد الشراء استقر له الكل وإن طلقها قبل الدخول كان عليه
نصف المهر للثاني وإن كان الأول قد قبض المهر ورضي الثاني بالعقد لم يكن له شئ لأنه
لا يكون مهران في عقد واحد، هذا آخر كلام شيخنا أبي جعفر في مبسوطه فأوردته هاهنا ليوقف
عليه ويتأمل والذي حررناه واخترناه هو الذي يقتضيه أصول مذهبنا.
وإذا زوج الرجل مملوكا له بامرأة حرة كان المهر لازما في ذمة المولى، فإن باع العبد قبل
451

الدخول بها وجب على المولى كمال المهر، وروي نصف المهر.
أورد ذلك شيخنا في نهايته، والذي يقتضيه أصول المذهب وجوب المهر كملا على المولى لأن
عندنا يجب المهر كملا بمجرد العقد ويسقط نصفه الطلاق قبل الدخول وما عدا الطلاق فلا
يسقط منه شيئا وهذا ما طلق وحمل ذلك على الطلاق قياس، وأيضا حقوق الآدميين إذا وجبت
لا تسقط إلا بدليل وأجمعنا على سقوط نصفه بالطلاق فأما غيره فلا إجماع عليه.
وإذا زوج الرجل جاريته من رجل حر ثم أعتقها فإن مات زوجها ورثته ولزمها عدة
الحرة المتوفى عنها زوجها.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: وإن علق عتقها بموت زوجها ثم مات الزوج لم يكن لها ميراث
وكان عليها عدة الحرة المتوفى عنها زوجها.
قال محمد بن إدريس: هذه رواية شاذة أوردها إيرادا لا اعتقادا، والذي يقتضيه أصول مذهبنا
أن العتق باطل لأن العتق بشرط بإجماعنا غير صحيح، وليس هذا تدبيرا لأن حقيقة التدبير
تعليق عتق المملوك بموت سيده دون موت غيره لأنه بغير خلاف عندنا بمنزلة الوصية وإلا ما كان
يصح ذلك أيضا لولا الاجماع المنعقد عليه، فإذا لم ينعتق كان يلزمه على مذهبه أن تكون عدتها
شهرين وخمسة أيام على ما ذهب إليه في نهايته، والأظهر أن عدة الأمة المتوفى عنها زوجها عدة
الحرة سواء على ما سنبينه فيما بعد إن شاء الله.
وقال أيضا في نهايته: فإن أعتق الرجل أم ولده فارتدت بعد ذلك وتزوجت رجلا ذميا ورزقت
منه أولادا كان أولادها من الذمي رقا للذي أعتقها، فإن لم يكن حيا كانوا رقا لأولاده ويعرض ع فإن رجعت وإلا وجب
عليها ما يجب على المرتدة عن الاسلام.
قال محمد بن إدريس: الذي يقتضي مذهبنا أن أولادها لا يكونون رقا لأنه لا دليل على ذلك من
كتاب أو سنة أو إجماع، بل الاجماع بخلافه لأن ولد الحرين حر بلا خلاف، وإنما هذه رواية
شاذة أوردها شيخنا إيرادا لا اعتقادا كما أورد أمثالها مما لا يعمل عليه ولا يلتفت إليه.
وإذا كان لرجل جارية ورزق منها ولدا لم يجز له بيعها ما دام الولد باقيا فإن مات الولد
جاز له بيعها، ويجوز بيعها مع وجود الولد في ثمن رقبتها إذا لم يكن مع المولى غيرها وكان
452

ثمنها بعينه دينا عليه فحينئذ يجوز بيعها عند أصحابنا.
ودليل ذلك إجماعهم عليه، وأيضا الأصل الملكية فمن أخرجها من الملك يحتاج إلى دليل، وأيضا
لا خلاف أن ديتها لو قتلت دية المماليك وهي قيمتها ما لم تتجاوز دية الحرائر، وأيضا لا خلاف
في جواز وطئها للسيد والوطء لا يحل إلا بعقد أو بملك يمين، فإن كان ولدها أعتقها فلا يحل
لمولاها وطؤها إلا بعقد والإجماع حاصل منعقد على أنه يحل له وطؤها من غير عقد، وأيضا يصح
كتابتها بإجماع المسلمين وجميع أحكامها أحكام المماليك، وذهب السيد المرتضى من أصحابنا
في كتابه الانتصار فقال مسألة: ومما انفردت به الإمامية القول بجواز بيع أمهات الأولاد بعد
وفاة أولادهن ولا يجوز بيع أم الولد وولدها حي وهذا هو موضع الانفراد، هذا آخر كلام
المرتضى رضي الله عنه.
فإن مات الرجل ولم يخلف غيرها وكان ثمن رقبتها دينا على مولاها بيعت وقضي بثمنها
دينه، فإن كان له مال غيرها قضي الدين به وجعلت في نصيب ولدها وتنعتق.
ولا يجوز للرجل أن يتزوج بمكاتبة غيره قبل أن تقضي مكاتبتها سواء كانت المكاتبة
مطلقة أو مشروطة لأنها لم تخلص للحرية وحق السيد متعلق بها والفرج لا يتبعض،
فالمشروطة جميعها رق والمطلقة لم تتحرر جميعها بل يتحرر منها بمقدار ما أدت فحسب.
باب أحكام الولادة والعقيقة والسنة فيهما وحكم الرضاع:
إذا حضر المرأة الولادة فليتول أمرها النساء ولا يقربها أحد من الرجال إلا عند عدم
النساء فذوات المحارم منها من الرجال، وإذا ولد المولود يستحب أن يغسل بالماء ويؤذن في
أذنه الأيمن ويقام في أذنه الأيسر، ويحنك بالماء الفرات المتشعب من أنهار شتى إن وجد،
فإن لم يوجد فبماء عذب، فإن لم يوجد إلا ماء ملح مرس فيه شئ من العسل أو التمر ثم
يحنك به، ويستحب أن يحنك بتربة الحسين ع.
ومن حق الولد على والده أن يحسن اسمه ويستحب من الأسماء أسماء الأنبياء والأئمة
ع وأفضلها اسم نبينا والأئمة من ذريته ع، وبعد ذلك العبودية لله
453

تعالى دون خلقه، ولا بأس أن يكني الرجل ابنه في حال صغره ولا يكنه أبا القاسم إذا كان
اسمه محمدا لأن هذه الكنية مخصوصة بالنبي والقائم ابن الحسن ع، وروي أنه
يكره أن يسمي الرجل ابنه حكما أو حكيما أو خالدا أو مالكا أو حارثا.
وإذا كان يوم السابع يستحب للإنسان أن يعق عن ولده بكبش إن كان ذكرا أو نعجة
إن كان أنثى، والعقيقة سنة مؤكدة لا يتركها مع الاختيار فهي شديدة الاستحباب.
وقد ذهب بعض أصحابنا إلى: أنها على الإيجاب، وهو اختيار السيد المرتضى، والمذهب الأول
لأن الأصل براءة الذمة ولا إجماع على ذلك.
فإن لم يعق الوالد عن ولده ثم أدرك استحب له أن يعق عن نفسه، ولا يقوم في
الاستحباب مقام العقيقة الصدقة بثمنها، وإذا لم يتمكن من العقيقة يوم السابع استحب له
قضاؤها إذا تمكن منها، ويستحب أيضا أن يحلق رأس الصبي يوم السابع ويتصدق بوزن
شعره ذهبا أو فضة ويكون ذلك مع العقيقة في موضع واحد.
وكل ما يجري في الأضحية فهو جائز في العقيقة إلا أن الأصل ما قدمناه أن يعق عن
الذكر بالذكر وعن الأنثى بالأنثى، فإن لم يوجد ووجد حمل كبير جاز ذلك أيضا، وإذا
ذبح العقيقة فيستحب أن تعطى القابلة ربعها الذي يلي الورك بالفخذ فإن لم يكن له قابلة
أعطي أمه ذلك تتصدق به ولا تأكل منه، وإن كانت القابلة ذمية أعطيت ثمن الربع،
وإن كانت القابلة أم الوالد أو من هو في عيالته لم تعط من العقيقة شيئا.
ويستحب أن يطبخ اللحم ويدعى عليه جماعة من المؤمنين أقلهم عشرة أنفس ويكره
أن يكونوا كلهم أغنياء وكلما كثر عددهم كان أفضل، فإن لم يطبخ اللحم وفرق على الفقراء
كان أيضا جائزا إلا أن الأول أفضل لأنه السنة المؤكدة.
ويكره للوالدين أن يأكلا من العقيقة كراهة شديدة دون أن يكون ذلك محظورا،
وقال ابن بابويه من أصحابنا: إن أكلت الأم منها فلا ترضعه. وقال شيخنا في نهايته: ولا يجوز
للوالدين أن يأكلا من العقيقة البتة وذلك منه رضي الله عنه على طريق تأكيد الكراهة لأن
الشئ إذا كان شديد الكراهة قيل: لا يجوز.
454

ولا ينبغي أن يكسر العظم منها بل يفصل الأعضاء تفؤلا بالسلامة.
ويستحب أن يختن الصبي يوم السابع ولا يؤخر فإن أخر لم يكن فيه حرج إلى وقت
بلوغه فإذا بلغ وجب عندنا ختانه ولا يجوز تركه على حال، وأما خفض الجواري فإن فعل
كان فيه فضل وإن لم يفعل لم يكن بذلك بأس، ومتى أسلم الرجل وهو غير مختتن ختن وإن
كان شيخا كبيرا، وإذا مات الصبي يوم السابع فإن مات قبل الظهر لم يعق عنه وإن مات
بعد الظهر استحب أن يعق عنه.
وقد روي كراهة أن يترك للصبيان القنازع وهو أن يحلق موضع من رأسه ويترك
موضع.
ولا بأس أن يحلق الرأس كله للرجال بل ذلك مستحب وكذلك إزالة الشعر من جميع
البدن، على ما روي في الأخبار، وروي أن ذلك مكروه للشباب.
أورد ذلك الصفواني في كتابه فقال: وقد روي أن حلق الرأس مثلة بالشباب ووقار بالشيخ.
وإذا ولد الصبي فمن السنة أن يرضع حولين كاملين لا أقل منهما ولا أكثر، فإن نقص
عن الحولين مدة ثلاثة أشهر لم يكن به بأس فإن نقص عن ذلك لم يجز وكان جورا على
الصبي.
وفقه ذلك أن أقل الحمل عندنا ستة أشهر وأكثره على الصحيح من المذهب تسعة أشهر، قال الله
تعالى: وحمله وفصاله ثلاثون شهرا.
ولا بأس أن يزاد على الحولين في الرضاع إلا أنه لا يكون أكثر من شهرين على ما روي،
ولا تستحق المرضعة الأجر على ما يزيد على الحولين، وأفضل الألبان التي يرضع بها الصبي
لبان الأم،
اللبان بالكسر كالرضاع ويقال: هو أخوه بلبان أمه، قال ابن السكيت: ولا يقال: بلبن أمه،
إنما اللبن الذي يشرب من ناقة أو شاة أو بقرة. واللبان بالفتح: ما جرى عليه اللبب من صدر
الفرس. واللبان بالضم: الكندر.
فإن كانت أمه حرة واختارت رضاعه كان لها ذلك وإن لم تختر فلا تجبر على رضاع
455

ولدها، فإن طلبت الأجر على رضاعه وكانت في حبال أبيه غير مطلقة منه طلاقا لا رجعة فيه
فلا تستحق أجرا ولا ينعقد بينها وبين زوجها عقد إجارة، لأن منافعها في كل وقت
مستحقة للزوج بعقد النكاح فيما يرجع إلى أحكام الوطء وتوابعه على ما قدمناه في باب
الإجارة وحررناه.
وإن كانت مطلقة طلاقا لا يملك الزوج الرجعة فيه فلها أن تعقد على نفسها لرضاع
ولدها، وسيجئ بيان ذلك. وقد روي: أنه إن كانت أمه جارية جاز أن تجبر على رضاعه.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: وإن طلبت الحرة أجر الرضاع كان لها ذلك على أب الولد، فإن
كان أبوه مات كان أجرها من مال الصبي وأطلق ذلك إطلاقا.
وقال في مسائل خلافه في الجزء الثالث في كتاب الرضاع مسألة: ليس للرجل أن يجبر زوجته
على الرضاع لولدها شريفة كانت أو مشروفة موسرة أو معسرة دنيئة أو نبيلة، وبه قال أبو حنيفة
والشافعي، وقال مالك: له إجبارها إذا كانت معسرة دنيئة وليس له ذلك إذا كانت شريفة
موسرة، وقال أبو ثور: له إجبارها عليه على كل حال لقوله تعالى: والوالدات يرضعن أولادهن
حولين كاملين، وهذا خبر معناه الأمر. فإذا ثبت وجوبه عليها ثبت أنه يملك إجبارها لأنه إجبار
على واجب، دليلنا أن الأصل براءة الذمة والإجبار يحتاج إلى دليل والآية محمولة على
الاستحباب وعليه إجماع الفرقة وأخبارهم تشهد بذلك.
ثم قال بعد هذه المسألة مسألة: البائن إذا كان لها ولد يرضع ووجد الزوج من يرضعه تطوعا
وقالت الأم: أريد أجرة المثل، كان له نقل الولد عنها وبه قال أبو حنيفة وقوم من أصحاب
الشافعي، ومن أصحابه من قال: المسألة على قولين: أحدهما مثل ما قلناه والثاني ليس له نقله
عنها ويلزمه أجرة المثل، وهو اختيار أبي حامد دليلنا قوله تعالى: وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى،
وهذه إذا طلبت الأجرة وغيرها تتطوع فقد تعاسرا واستدل أبو حامد بقوله تعالى: فإن أرضعن
لكم فأتوهن أجورهن، فأوجب لها الأجرة إذا أرضعته ولم يفصل، وهذا ليس بصحيح لأن الآية
تفيد لزوم الأجرة إن أرضعته وذلك لا خلاف فيه، وإنما الكلام في أنه يجب دفع المولود إليها
لترضع أم لا؟ وليس كذلك في الآية. هذا آخر كلامه رضي الله عنه ففصل القول في مسائل
456

خلافه وذكر البائن وغير البائن.
قال محمد بن إدريس: ما تمسك به أبو حامد قوي وبه أفتي وعليه أعمل لقوله تعالى: فإن أرضعن
لكم فأتوهن أجورهن، فأوجب لها الأجرة إذا أرضعته ولم يفصل بين من هي في حباله أو بائن
عنه، وهو الظاهر من أقوال أصحابنا أعني استحقاقها الأجرة وصحة العقد عليها للرضاع سواء
كانت بائنا عنه أو في حبال زوجها إلا أنه لا يجبرها على الرضاع، وهذا اختيار السيد المرتضى،
وما ذكرناه أولا مذهب شيخنا أبي جعفر في مبسوطه والذي اخترناه مذهبه في نهايته وهو
المنصوص عن الأئمة الأطهار.
ومتى وجد الرجل من يرضع ولده بأجرة مخصوصة ورضيت الأم بذلك كانت هي أولى
به من غيرها، فإن طلبت أكثر من ذلك انتزعه منها، وإذا بانت المرأة من الرجل ولها ولد منه
فإن كان ذكرا فالأم أولى بحضانته من الأب وأحق به مدة حولين، فإذا زاد على الحولين
فالوالد أحق به منها فإن كان الولد أنثى فالأم أحق بها إلى سبع سنين ما لم تتزوج الأم فإن
تزوجت سقط حقها من حضانة الذكر والأنثى، فإن طلقها من تزوج بها طلاقا رجعيا لم يعد
حقها من الحضانة وإن كان بائنا فالأولى أنه لا يعود لأن عوده يحتاج إلى دليل.
وقال بعض أصحابنا: يعود حقها من الحضانة، واحتج بأن الرسول ع علق حقها
بالتزويج فإذا زال التزويج فالحق باق على ما كان، وهذا ليس بمعتمد لأن الرسول ع
لما سألته المرأة عن الولد وأن: أباه طلقني وأراد أن ينتزعه مني، فقال لها رسول الله
ص: أنت أحق به ما لم تنكحي. وروي أبو هريرة عنه ع أنه قال: الأم أحق
بحضانة ابنها ما لم تتزوج، فجعل ع غاية الاستحقاق للحضانة التي تستحقها الأم
تزويجها، وهذه قد تزوجت فخرج الحق منها ويحتاج في عوده إليها إلى شرع، ولا خلاف أيضا في
أن المعتدة عدة رجعية لها السكنى على الزوج ولا يحل له اخراجها من المنزل إلا أن تأتي بفاحشة
مبينة فإذا أتت بها أخرجها، فإذا أقيم عليها الحد لا يعود حقها من السكنى بلا خلاف، وكذلك
إذا آذت أهل الزوج فله اخراجها فإذا تركت أذاهم لا يعود حقها إليها من السكنى بلا خلاف،
والحضانة غير الرضاع لأن الأم إذا لم ترض بأجرة الرضاع بما برضاه الغير انتزعه الأب منها مع
457

ثبوت الحضانة لها في هذه الحال، فإن أرضعته الأجنبية التي رضيت بدون ما رضيت به أمه كان
للأم حضانته، ثم إذا احتاج إلى اللبن ترضعه المرضعة ثم تأخذه الأم بحق الحضانة إذا روي من
اللبن، ثم هكذا فليلحظ ذلك.
وإن كان الوالد قد مات كانت الأم أحق بحضانته من الوصي إلى أن يبلغ ذكرا كان
أو أنثى تزوجت أو لم تتزوج لقوله تعالى: وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب
الله، ولا خلاف أن الأم أقرب إليه بعد الأب من كل أحد، فإن كان الأب مملوكا والأم
حرة كانت هي أحق بولدها من الأب، وإن تزوجت إلى أن يعتق الأب فإذا عتق كان
أحق بهم منها على الاعتبار الذي قدمناه.
وينبغي إذا أراد الانسان أن يسترضع لولده فلا يسترضع إلا امرأة عاقلة مسلمة عفيفة
وضيئة الوجه، فإنه روي: أن اللبن يعدي، ولا يسترضع كافرة مع الاختيار فإن اضطر إليها
فليسترضع يهودية أو نصرانية ويمنعها من شرب الخمر وأكل لحم الخنزير وتكون معه في منزله
ولا يسلم الولد إليها لتحمله إلى منزلها، ولا يسترضع من ولد من الزنى مع الاختيار أيضا،
ولا بأس باسترضاع الإماء، وقد روي: أنه إذا كانت له أمة قد ولدت وكانت ولدت من
الزنى واحتاج إلى لبنها فليجعلها في حل من فعلها ليطيب بذلك لبنها.
وإذا سلم الرجل ولده إلى ظئر ثم جاءت به بعد أن فطمته فأنكره الرجل و قال: هذا
ليس بولدي، لم يكن له ذلك لأن الظئر مأمونة. ومتى تسلمت الظئر الولد وسلمته إلى ظئر
أخرى كانت ضامنة إلى أن تجئ به، فإن لم تجئ به كان عليها الدية.
وقال شيخنا المفيد في مقنعته: الأم أحق بالولد الذكر مدة الحولين وبالأنثى مدة تسع سنين.
وقال شيخنا في نهايته: سبع سنين في الأنثى، وقال في مسائل خلافه: مسألة: إذا بانت المرأة من
الرجل ولها ولد منه، فإن كان طفلا لا يميز فهي أحق به بلا خلاف، وإن كان طفلا يميز وهو إذا بلغ
سبع سنين أو ثمان سنين فما فوقها إلى حد البلوغ فإن كان ذكرا فالأب أحق به وإن كان أنثى
فالأم أحق به ما لم تتزوج، فإن تزوجت فالأب أحق بها، ثم قال: دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم،
هذا آخر كلامه رضي الله عنه.
458

قال محمد بن إدريس: ما ذكره شيخنا في مسائل خلافه بعضه قول بعض المخالفين وما اخترناه
هو الصحيح لأنه لا خلاف أن الأب أحق بالولد في جميع الأحوال وهو الوالي عليه والقيم بأموره،
فأخرجنا بالإجماع الحولين في الذكر وفي الأنثى لسبع فمن ادعى أكثر من ذلك يحتاج فيه إلى دليل
قاطع، وهو مذهب شيخنا في نهايته والعجب قوله في آخر المسألة: دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم،
وهذا مما يضحك الثكلى من أجمع منهم معه؟ وأي أخبار لهم في ذلك؟ بل أخبارنا بخلافه
واردة وإجماعنا بضدها.
قال رحمه الله: قال بعض أصحابنا: الأخت من الأب أولى بالحضانة من الأخت للأم، ثم
استدل بآية الميراث لأن لها النصف ولهذه السدس فكانت أولى لقوله تعالى: وأولوا الأرحام
بعضهم أولى ببعض، وهذا ليس بمعتمد لأنهما جميعا مسميتان كل واحدة بنفسها تتقرب إليه.
والجدات أولى بالولد وبحضانته من الأخوات، وأم الأب أولى من الخالة بحضانة الولد ولأبي الأم
وأم أبي الأم حضانة إذا لم تكن أم وهناك أم أم أو جدة أم أم وهناك أب فالأب أولى، وقال
الشافعي: أم الأم وجداتها أولى من الأب وإن علون، دليلنا قوله تعالى: وأولوا الأرحام
بعضهم أولى ببعض، فالأب أقرب بلا شك لأنه يدلي بنفسه وكذلك إذا كان مع الأب أخت من
أم أو خالة استقطهما.
العمة والخالة إذا اجتمعا تساويا بلا خلاف وإن كان العمة أكثر من الخالة في الميراث، وهذا
دليل على بطلان القول بأن الأخت للأب أولى بالحضانة من الأخت للأم بالاعتبار الذي
اعتبره، وإذا اجتمع أم أب وجد تساويا في الحضانة وأخت لأب وجد فهما متساويان أيضا، ولا
حضانة لأحد من العصبة مع الأم لقوله تعالى: وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض، فالأم أقرب
من العصبة.
هكذا أورده شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله في مسائل خلافه وهو من تخريجات المخالفين
ومعظم قول الشافعي وبناؤهم على القول بالعصبة وذلك عندنا باطل ولا حضانة عندنا إلا للأم
نفسها وللأب فأما غيرهما فليس لأحد ولاية عليه سوى الجد من قبل الأم خاصة.
إذا مرض المملوك مرضا يرجى زواله فعلى مالكه نفقته بلا خلاف، فأما إذا زمن
459

زمانة مقعدة أو عمي أو جذم فعند أصحابنا أنه يصير حرا وينعتق على مولاه من غير اختياره
فحينئذ لا يلزم المولى نفقته لأنه ليس بعبده وقد بينا فيما مضى أن بمجرد عقد النكاح يجب
المهر المسمى، فأما النفقة فإنما تجب يوما بيوم في مقابلة التمكين من الاستمتاع، فإذا ثبت
ما قلناه فإن استوفت نفقة هذا اليوم فلا كلام وإن لم تستوف استقرت في ذمته وعلى هذا
أبدا هذا إذا كانت ممكنة من الاستمتاع، وإذا أسلف زوجته نفقة شهر ثم مات أو طلقها
بائنا فلها نفقة يومها وعليها رد ما زاد على اليوم.
نفقة الزوجات عندنا غير مقدرة،
بلا خلاف إلا من شيخنا أبي جعفر في مسائل خلافه فإنه ذهب إلى أنها مقدرة ومبلغها مد وقدره
رطلان وربع، ثم استدل رحمه الله بإجماع الفرقة وأخبارهم وهذا عجيب منه رضي الله عنه والسبر
بيننا وبينه فإن أخبارنا لم يرد منها خبر بتقدير نفقة، وأما أصحابنا المصنفون فما يوجد لأحد منهم
في تصنيف له تقدير النفقة إلا من قلده وتابعه أخيرا، والدليل على أصل المسألة قوله تعالى:
وعاشروهن بالمعروف، أي بما يتعارف الناس، وأيضا الأصل براءة الذمة من التقدير فمن ادعى
شيئا بعينه فإنه يحتاج إلى دليل ولا دليل عليه من كتاب ولا سنة ولا إجماع والأصل براءة الذمة.
وإذا كان الزوج كبيرا والمرأة صغيرة لا يجامع مثلها لا نفقة لها، وكذلك إذا كانت
الزوجة كبيرة والزوج صغيرا لا نفقة لها وإن بذلت التمكين من الاستمتاع.
هكذا أورده شيخنا في مسائل خلافه، والأولى عندي أن على الكبير النفقة لزوجته الصغيرة
لعموم وجوب النفقة على الزوجة ودخوله مع العلم بحالها وهذه ليست ناشزة والإجماع منعقد على
وجوب نفقة الزوجات فليتأمل ذلك.
وإذا كانا صغيرين لا نفقة لها، وإذا أحرمت بغير الإذن الزوج فإن كان في
حجة الاسلام لم يسقط نفقتها عنه وإن كانت الحجة تطوعا سقطت، وكذلك إذا نشزت
المرأة سقطت نفقتها.
وإذا اختلف الزوجان بعد أن سلمت نفسها إليه في قبض المهر أو النفقة فالقول قولها مع
يمينها لأنها المنكرة والزوج المدعي، فيحتاج إلى بينة لقوله ع: على المدعي البينة
460

وعلى الجاحد اليمين.
وقال شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه في الجزء الثاني في كتاب النفقات مسألة: إذا اختلف
الزوجان بعد أن سلمت نفسها إليه في قبض المهر أو النفقة فالذي رواه أصحابنا أن القول قول
الزوج وعليها البينة، إلا أنه رجع عن هذا في الجزء الثالث في كتاب الصداق وقال: إذا اختلفا
في قبض المهر فإن على الزوج البينة وعلى المرأة اليمين، وهذا هو الصحيح الحق اليقين.
إذا ارتدت الزوجة سقطت النفقة ووقف النكاح على انقضاء العدة فإن عادت في
زمان العدة وجبت نفقتها في المستأنف ولا يجب لها شئ لما فات في الزمان الذي كانت
مرتدة فيه، وإذا أعسر الزوج فلم يقدر على النفقة على زوجته لم تملك الفسخ عليه وعليها
الصبر إلى أن ييسر.
المطلقة البائن لا نفقة لها في عدتها فإن كانت حاملا فلها النفقة بلا خلاف لقوله تعالى:
وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن، والأمر يقتضي الفور.
ويجب على الوالد نفقة الولد إن كان موسرا، وإن لم يكن أو كان وهو معسر فعلى جده،
فإن لم يكن أو كان وهو معسر فعلى أب الجد وعلى هذا أبدا، وإذا لم يكن أب ولا جد أو
كانا وهما معسران فنفقته على أمه، وإذا اجتمع جد أبو أب وإن علا وأم كانت نفقته على
الجد دون الأم لأن الجد يتناوله اسم الأب والأب أولى بالنفقة على ولده من الأم بالاتفاق،
وإذا اجتمع أم الأم وأم الأب أو أبو أم وأم أب فهما سواء لأنهما تساويا في الدرجة.
تجب النفقة على الأب والجد معا، وكذلك يجب على الانسان أن ينفق على أمه
وأمهاتها وإن علون، وإذا كان أبواه معسرين وليس يفضل عن كفايته إلا نفقة أحدهما
كان بينهما بالسوية، وكذلك إذا كان له أب وابن ومعه ما يفضل لنفقة أحدهما قسم بينهما
بالسوية لأنهما متساويان في النسب الموجب للنفقة وتقديم أحدهما على صاحبه يحتاج إلى
دليل.
إذا كان له أب وأبو أب معسران أو ابن وابن ابن معسران ومعه ما يكفي لنفقة أحدهما
أنفق على الأب دون الجد وعلى الابن دون ابن الابن لقوله تعالى: وأولوا الأرحام بعضهم
461

أولى ببعض.
إذا كان الرجل معسرا وله أب وابن موسران كانت نفقته عليهما بالسوية.
باب إلحاق الأولاد بالآباء وأحكامهم وما في ذلك: إذا ولدت امرأة الرجل ولدا على فراشه ومعنى ذلك أن تلد منذ دخل بها بعد مضى ستة
أشهر فصاعدا لزمه الإقرار به، فإن اختلفا في الولادة فالقول قوله لأنها يمكن أن تقيم عليه
البينة، فإن اتفقا على الولادة واختلفا في النسب فالقول قولها ويلحق به الولد ولا يجوز له
نفيه، فإن نفاه فيحتاج إلى اللعان فإن جاءت به لأقل من ستة أشهر حيا سليما فيجب عليه
نفيه لأنه ليس بولد له، وكذلك إن جاءت بالولد لأكثر من تسعة أشهر كان له نفيه إلا أنه
متى نفاه ورافعته المرأة إلى الحاكم بعد دخوله بها كان عليه ملاعنتها إذا جاءت به لأكثر من
مدة الحمل، فأما إن جاءت به لأقل من ستة أشهر منذ يوم العقد والدخول فلا يجب عليه
ملاعنتها لأن هذا الولد مقطوع محكوم من جهة الشارع أنه ليس بابن له.
ومتى أقر الرجل بولد وقبله ثم نفاه بعد ذلك لم يقبل نفيه وألزم الولد، ومتى طلق امرأته
أو باع جاريته فتزوجت المرأة ووطئت الجارية، ثم أتت بولد لأقل من ستة أشهر، فإن كان
منذ وطء الثاني كان لاحقا بالأول، وإن كان الولد لستة أشهر فصاعدا كان لا حقا بمن
عنده المرأة والجارية.
ومتى كان للرجل جارية فوطئها ثم باعها من آخر قبل أن يستبرئها، فوطئها الذي
اشتراها قبل أن يستبرئها ثم باعها من آخر فوطئها أيضا قبل أن يستبرئها، كل ذلك في
طهر واحد، ثم جاءت بولد كان لاحقا بالأخير الذي عنده الجارية.
وإذا كانت الجارية شريكين أو أكثر منهما فوطئاها جميعا في طهر واحد وجاءت بولد
أقرع بينهم الحاكم فمن خرج اسمه ألحق الولد به وغرم نصف ثمنه للشريك الآخر وكذلك
يغرم ما يخصه من الأم الجارية.
ومتى وطئ امرأته أو جاريته وكان يعزل عنهما وكان الوطء في القبل وجاءت المرأة بولد
462

وجب عليه الإقرار به ولا يجوز له نفيه لمكان العزل فإن نفاه كان عليه اللعان، فأما جاريته
إذا نفاه فالقول قوله من غير لعان.
وحكم ما يولد له من النكاح المؤجل حكم الجارية السرية في أنه إذا عزل عنها وكان
يطأها في قبلها وجاءت بولد يجب عليه إلحاقه والإقرار به لا يجوز له غير ذلك ولا يحل له
سواه، فإن نفاه أثم وكان معاقبا ولا يجب عليه اللعان كما يجب في نفي أولاد النكاح الدائم،
فهذا فرق ما بين النكاحين فليلحظ ذلك.
وإذا كان للرجل امرأة لم يدخل بها أو يكون قد دخل بها غير أنه يكون قد غاب عنها غيبة
تزيد على زمان الحمل وجاءت امرأته أو جاريته بولد لم يكن ذلك ولدا له ووجب عليه نفيه
عن نفسه.
وإذا نعي الرجل إلى امرأته أو خبرت بطلاق زوجها لها فاعتدت وتزوجت ورزقت
أولادا، ثم جاء زوجها الأول المنعي أو الزوج المطلق وأنكر الطلاق، وعلم أن شهادة من
شهد بالطلاق كانت شهادة غير مقبولة بأن يكونوا فساقا وقت التحمل أو وقت الأداء أو
يعلم كذبهم بأن تقوم البينة بذلك عليهم بالكذب لا بإقرارهم على أنفسهم بالكذب، فرق
بينها وبين الزوج الأخير ثم تعتد منه وترجع إلى الأول بالعقد الأول، ولا نفقة على الزوج
الأخير في هذه العدة لأنها لغيره بل على الأول لأنها زوجته، ويكون الأولاد للزوج الأخير
دون الأول، فأما إن أكذب شهود الطلاق أنفسهم عزروا ولا ينقض الحاكم حكمه ولا تعود
الزوجة إلى زوجها الأول.
على ما شرحناه وحررناه في باب شهادات الزور فلينظر من هناك ويحقق فليس بين المسألتين
تضاد ولا تناف، لأنه إذا أكذب الشهود أنفسهم وأقروا على أنفسهم بالكذب في شهادتهم لا يرد
الحكم المشهود به، بل يرجع عليهم بدرك ما شهدوا به، فأما إذا بان أنهم كذبة من غير إقرارهم
فإن الحاكم يرد الحكم المشهود به بغير خلاف، فليلحظ الفرق بين الأمرين فإنه غامض على غير
المتأمل المحصل والله الموفق للصواب.
ومتى كان للرجل امرأة فوطئها ووطئها بعده غيره فجورا بلا فصل كان الولد أيضا
463

لاحقا به ولم يجز له نفيه لقوله ع: الولد للفراش وللعاهر الحجر، فإن نفاه لا عن
أمه، وإن كانت له جارية فوطئها ووطئها غيره بعده فجورا كان الولد أيضا لاحقا به لم يجز
له نفيه إذا اشتبه عليه الأمر، فإن نفاه لا يجب عليه اللعان.
وقد روي: أنه إذا اشترى الرجل جارية حبلى فوطئها قبل أن يمضي لها أربعة أشهر
وعشرة أيام فلا يبيع ذلك الولد لأنه غذاه بنطفته وكان عليه أن يعزل له من ماله شيئا
ويعتقه، وإن كان وطؤه لها بعد انقضاء الأربعة الأشهر والعشرة الأيام جاز له بيع الولد على
كل حال، وكذلك إن كان الوطء قبل انقضاء الأربعة الأشهر والعشرة الأيام غير أنه يكون
قد عزل عنها جاز له بيع ولدها على كل حال.
ذكر ذلك شيخنا في نهايته وأورده، والذي تقتضيه أصول مذهبنا أن له بيعه على كل حال لأنه
ليس بولد له بغير خلاف، وهذه الرواية لا يلتفت إليها ولا يعرج عليها ولا يترك لها الأدلة
القاهرة والبراهين الظاهرة، لأنا قد بينا أن أخبار الآحاد لا توجب علما ولا عملا.
ولا يجوز للرجل أن ينفي ولد جارية أو امرأة له يتهمها بالفجور بل يلزمه الإقرار به على
ما قدمناه وإنما يسوع له نفيه مع اليقين والعلم.
إذا طلق الانسان امرأته واعتدت ثم أتت بولد لأكثر من ستة أشهر من وقت انقضاء
العدة لم يلحقه إذا كانت العدة بالشهور الثلاثة، لأنا قد دللنا على أن زمان الحمل لا يكون
أكثر من تسعة أشهر على الصحيح من الأقوال. فإن كانت قد تزوجت بعد مضى الثلاثة
الأشهر ودخل بها الثاني وجاءت بولد ألحقناه بالثاني على ما حررناه فيما مضى وشرحناه.
464

شرائع الاسلام
في مسائل الحلال والحرام
لأبي القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن بن أبي زكريا
يحيى بن الحسن بن سعيد الهذلي المشتهر بالمحقق وبالمحقق الحلي
602 - 676 ه‍ ق
465

كتاب النكاح
أقسامه ثلاثة:
القسم الأول: في النكاح الدائم:
والنظر فيه يستدعي فصولا:
الأول: في آداب العقد والخلوة ولواحقهما:
الأول: في آداب العقد:
فالنكاح مستحب لمن تاقت نفسه من الرجال والنساء، ومن لم تتق فيه خلاف
المشهور استحبابه، لقوله ع: تناكحوا تناسلوا، ولقوله ص: شرار
موتاكم العزاب: ولقوله ع: ما استفاد امرؤ فائدة بعد الاسلام أفضل من زوجة
مسلمة تسره إذا أمرها وتحفظه إذا غاب عنها في نفسها وماله، وربما احتج المانع: بأن وصف
يحيى ع بكونه حصورا يؤذن باختصاص هذا الوصف بالرجحان فيحمل على
ما إذا لم تتق النفس، ويمكن الجواب: بأن المدح بذلك في شرع غيرنا لا يلزم منه وجوده في
شرعنا.
ويستحب لمن أراد العقد سبعة أشياء ويكره له ثامن، فالمستحبات أن يتخير من
النساء من تجمع صفات أربعا: كرم الأصل وكونها بكرا ولودا عفيفة، ولا يقتصر على
الجمال ولا على الثروة فربما حرمهما، وصلاة ركعتين والدعاء بعدهما بما صورته: اللهم إني أريد
أن أتزوج فقدر لي من النساء أعفهن فرجا وأحفظهن لي في نفسها ومالي وأوسعهن رزقا
467

وأعظمهن بركة، أو غير ذلك من الدعاء، والإشهاد والإعلان والخطبة أمام العقد وإيقاعه
ليلا، ويكره إيقاع النكاح والقمر في العقرب.
الثاني: في آداب الخلوة بالمرأة: وهي قسمان:
الأول: يستحب لمن أراد الدخول أن يصلى ركعتين ويدعو بعدهما، وإذا أمر المرأة
بالانتقال إليه أمرها أن تصلي أيضا ركعتين وتدعو، وأن يكونا على طهر وأن يضع يده على
ناصيتها إذا دخلت عليه ويقول: اللهم على كتابك تزوجتها وفي أمانتك أخذتها وبكلماتك
استحللت فرجها، فإن قضيت لي في رحمها شيئا فاجعله مسلما سويا ولا تجعله شرك شيطان،
وأن يكون الدخول ليلا وأن يسمي عند الجماع ويسأل الله تعالى أن يرزقه ولدا ذكرا سويا.
ويستحب الوليمة عند الزفاف يوما أو يومين، وأن يدعى لها المؤمنون ولا تجب الإجابة
بل تستحب، فإذا حضر فالأكل مستحب ولو كان صائما ندبا، وأكل ما ينثر في الأعراس
جائز ولا يجوز أخذ إلا بإذن أربابه نطقا أو بشاهد الحال، وهل يملك بالأخذ؟ الأظهر نعم.
الثاني: يكره الجماع في أوقات ثمانية: ليلة خسوف القمر ويوم كسوف الشمس وعند
الزوال وعند غروب الشمس حتى يذهب الشفق وفي المحاق وبعد طلوع الفجر إلى طلوع
الشمس وفي أول ليلة من كل شهر إلا في شهر رمضان وفي ليلة النصف وفي السفر إذا لم
يكن معه ماء يغتسل به وعند هبوب الريح السوداء والصفراء والزلزلة، والجماع وهو
عريان وعقيب الاحتلام قبل الغسل أو الوضوء، ولا بأس أن يجامع مرات من غير غسل
يتخللها ويكون غسله أخيرا، وأن يجامع وعنده من ينظر إليه، والنظر إلى فرج المرأة في حال
الجماع وغيره والجماع مستقبل القبلة أو مستدبرها وفي السفينة والكلام عند الجماع بغير
ذكر الله.
الثالث: في اللواحق وهي ثلاثة:
الأول:
يجوز أن ينظر إلى وجه امرأة يريد نكاحها وإن لم يستأذنها ويختص الجواز بوجهها
468

وكفيها، وله أن يكرر النظر إليها وأن ينظرها قائمة وماشية، وروي جواز أن ينظر إلى
شعرها ومحاسنها وجسدها من فوق الثياب، وكذا يجوز أن ينظر إلى أمة يريد شراءها وإلى
شعرها ومحاسنها، ويجوز النظر إلى أهل الذمة وشعورهن لأنهن بمنزلة الإماء لكن لا يجوز ذلك
لتلذذ ولا لريبة، ويجوز أن ينظر الرجل إلى مثله ما خلا عورته شيخا كان أو شابا أو حسنا
قبيحا ما لم يكن النظر لريبة أو تلذذ وكذا المرأة.
وللرجل أن ينظر إلى جسد زوجته باطنا وظاهرا، وإلى المحارم ما عدا العورة وكذا
المرأة، ولا ينظر الرجل إلى الأجنبية أصلا إلا لضرورة، ويجوز أن ينظر إلى وجهها وكفيها
على كراهية فيه مرة ولا يجوز معاودة النظر وكذا الحكم في المرأة، ويجوز عند الضرورة كما
إذا أراد الشهادة عليها، ويقتصر الناظر منها على ما يضطر إلى الاطلاع عليه كالطبيب إذا
احتاجت المرأة إليه للعلاج ولو إلى العورة دفعا للضرر.
مسألتان:
الأولى: هل يجوز للخصي النظر إلى المرأة المالكة أو الأجنبية؟ قيل نعم وقيل لا، وهو
الأظهر لعموم المنع، وملك اليمين المستثنى في الآية المراد به الإماء.
الثانية: الأعمى لا يجوز له سماع صوت المرأة الأجنبية لأنه عورة، ولا يجوز للمرأة
النظر إليه لأنه يساوى المبصر في تناول النهي،
الثاني: في مسائل تتعلق في هذا الباب: وهي خمس:
الأولى: الوطء في الدبر فيه روايتان، إحديهما الجواز وهي المشهورة بين
الأصحاب لكن على كراهية شديدة.
الثانية: العزل عن الحرة إذا لم يشترط في العقد ولم تأذن قيل: هو محرم ويجب معه دية
النطفة عشرة دنانير، وقيل: هو مكروه وإن وجبت الدية، وهو أشبه.
الثالثة: لا يجوز للرجل أن يترك وطء امرأته أكثر من أربعة أشهر.
الرابعة: الدخول بالمرأة قبل أن تبلغ تسعا محرم، ولو دخل لم تحرم على الأصح لكن
469

لو أفضاها حرمت ولم تخرج من حباله.
الخامسة: يكره للمسافر أن يطرق أهله ليلا.
الثالث: في خصائص النبي ص وهي خمس عشرة خصلة:
منها ما هو في النكاح: وهو تجاوز الأربع بالعقد وربما كان الوجه الوثوق بعد له بينهن
دون غيره، والعقد بلفظ الهبة ثم لا يلزمه بها مهرا ابتداء ولا انتهاء، ووجوب التخيير لنسائه
بين إرادته ومفارقته، وتحريم نكاح الإماء بالعقد، والاستبدال بنسائه، والزيادة عليهن، حتى
نسخ ذلك بقوله تعالى: إنا أحللنا لك أزواجك الآية.
ومنها ما هو خارج عن النكاح: وهو وجوب السواك والوتر والأضحية وقيام الليل
وتحريم الصدقة الواجبة، وفي المندوبة في حقه ص خلاف، وخائنة الأعين وهو
الغمز بها، وأبيح له الوصال في الصوم، وخص بأنه عينه ولا ينام قلبه ويبصر وراءه
كما يبصر أمامه. وذكر أشياء غير ذلك من خصائصه ص وهذه أظهرها.
ويلحق بهذا الباب مسألتان:
الأولى: تحرم زوجاته ص على غيره، فإذا مات عن مدخول بها لم تحل
إجماعا، وكذا القول لو لم يدخل بها على الظاهر، أما لو فارقها بفسخ أو طلاق ففيه خلاف
والوجه أنها لا تحل عملا بالظاهر، وليس تحريمهن لتسميتهن أمهات ولا لتسميته
ص والدا.
الثانية: من الفقهاء من زعم أنه لا يجب على النبي ص القسمة بين
أزواجه لقوله تعالى: ترجى من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء، وهو ضعيف لأن في الآية
احتمالا يدفع دلالتها إذ يحتمل أن تكون المشيئة في الإرجاء متعلقة بالواهبات.
470

الفصل الثاني: في العقد:
والنظر في الصيغة والحكم.
أما الأول: فالنكاح يفتقر إلى إيجاب وقبول دالين على العقد الرافع
للاحتمال، والعبارة عن الإيجاب لفظان: زوجتك وأنكحتك، وفي متعتك تردد وجوازه أرجح،
والقبول أن يقول: قبلت التزويج أو قبلت النكاح، أو ما شابهه، ويجوز الاقتصار على:
قبلت، ولا بد من وقوعهما بلفظ الماضي الدال على صريح الانشاء اقتصارا على المتيقن
وتحفظا من الاستيمار المشبه للإباحة، ولو أتى بلفظ الأمر وقصد الانشاء كقوله: زوجنيها، فقال:
زوجتك، قيل: يصح، كما في خبر سهل الساعدي وهو حسن.
ولو أتى بلفظ المستقبل كقوله: أتزوجك، فتقول: زوجتك، جاز وقيل: لا بد بعد ذلك من
تلفظه بالقبول، وفي رواية أبان بن تغلب في المتعة، أتزوجك متعة، فإذا قالت: نعم، فهي
امرأتك، ولو قال الولي أو الزوجة: متعتك بكذا، ولم يذكر الأجل انعقد دائما وهو دلالة على
انعقاد الدائم بلفظ التمتع.
ولا يشترط في القبول مطابقته لعبارة الإيجاب بل يصح الإيجاب بلفظ والقبول آخر،
فلو قالت: زوجتك، فقال: قبلت النكاح، أو أنكحتك، فقال: قبلت التزويج، صح، ولو قال:
زوجت بنتك من فلان، فقال: نعم، فقال الزوج: قبلت، صح لأن نعم يتضمن إعادة السؤال
ولو لم يعد اللفظ، وفيه تردد.
ولا يشترط تقديم الإيجاب بل لو قال: تزوجت، فقال الولي: زوجتك، صح ولا يجوز
العدول عن هذين اللفظين إلى ترجمتهما بغير العربية إلا مع العجز عن العربية، ولو عجز
أحد المتعاقدين تكلم كل واحد منهما بما يحسنه، ولو عجزا عن النطق أصلا أو أحدهما
اقتصر العاجز على الإشارة إلى العقد والإيماء.
ولا ينعقد النكاح بلفظ البيع ولا الهبة ولا التمليك ولا الإجارة سواء ذكر فيه المهر أو جرده.
وأما الثاني: ففيه مسائل:
الأولى: لا عبرة في النكاح بعبارة الصبي إيجابا وقبولا ولا بعبارة المجنون، وفي
471

السكران الذي لا يعقل تردد أظهره أنه لا يصح ولو أفاق فأجاز، وفي رواية: إذا زوجت
السكرى نفسها ثم أفاقت فرضيت أو دخل بها فأفاقت وأقرته كان ماضيا.
الثانية: لا يشترط في نكاح الرشيدة حضور الولي، ولا في شئ من الأنكحة حضور
شاهدين، ولو أوقعه الزوجان أو الأولياء سرا جاز، ولو تأمرا بالكتمان لم يبطل.
الثالثة: إذا أوجب الولي ثم جن أو أغمي عليه بطل حكم الإيجاب فلو قبل بعد ذلك
كان لغوا، وكذا لو سبق القبول وزال عقله فلو أوجب الولي بعده كان لغوا وكذا في البيع.
الرابعة: يصح اشتراط الخيار في الصداق خاصة ولا يفسد به العقد.
الخامسة: إذا اعترف الزوج بزوجية امرأته فصدقته أو اعترفت هي فصدقها قضي
بالزوجية ظاهرا وتوارثا، ولو اعترف أحدهما قضي عليه بحكم العقد دون الآخر.
السادسة: إذا كان للرجل عدة بنات فزوج واحدة ولم يسمها عند العقد لكن
قصدها بالنية واختلفا في المعقود عليها، فإن كان الزوج رآهن فالقول قول الأب، لأن الظاهر
أنه وكل التعيين إليه وعليه أن يسلم إليه التي نواها، وإن لم يكن رآهن كان العقد باطلا.
السابعة: يشترط في النكاح امتياز الزوجة عن غيرها بالإشارة أو التسمية أو الصفة،
فلو زوجه إحدى بنتيه أو هذا الحمل لم يصح العقد.
الثامنة: لو ادعى امرأة وادعت أختها زوجيته وأقام كل واحد منهما بينة، فإن كان
دخل بالمدعية كان الترجيح لبينتها لأنه مصدق لها بظاهر فعله وكذا لو كان تاريخ بينتها
أسبق، ومع عدم الأمرين يكون الترجيح لبينته.
التاسعة: إذا عقد على امرأته فادعى آخر زوجيتها لم يلتفت إلى دعواه إلا مع البينة.
العاشرة: إذا تزوج العبد بمملوكة ثم أذن الولي في ابتياعها فإن اشتراها لمولاه فالعقد
باق، وإن اشتراها لنفسه باذنه أو ملكه إياها بعد ابتياعها، فإن قلنا: العبد يملك، بطل العقد
وإلا كان باقيا، ولو تحرر بعضه واشترى زوجته بطل النكاح بينهما سواء اشتراها بمال منفرد
به أو مشترك بينهما.
472

الفصل الثالث: في أولياء العقد: وفيه فصلان:
الأول: في تعيين الأولياء:
لا ولاية في عقد النكاح لغير الأب والجد للأب وإن علا والمولى والوصي والحاكم،
وهل يشترط في ولاية الجد بقاء الأب؟ قيل نعم، مصيرا إلى رواية لا تخلو من ضعف،
والوجه أنه لا يشترط، وتثبت ولاية الجد والأب للأب على الصغيرة وإن ذهبت بكارتها بوطئ
أو غيره، ولا خيار لها بعد بلوغها على أشهر الروايتين. وكذا لو زوج الأب أو الجد للولد
الصغير لزمه العقد ولا خيار له مع بلوغه ورشده على الأشهر.
وهل يثبت ولا يتهما على البكر الرشيدة؟ فيه روايات أظهرها سقوط الولاية عنها
وثبوت الولاية لنفسها في الدائم والمنقطع، ولو زوجها أحدهما لم يمض عقده إلا برضاها،
ومن الأصحاب من أذن لها في الدائم دون المنقطع ومنهم من عكس ومنهم من أسقط أمرها
معهما فيهما، وفيه رواية أخرى دالة على شركتهما في الولاية حتى لا يجوز لهما أن ينفردا عنها
بالعقد، أما إذا عضلها الولي، وهو أن لا يزوجها من كف ء مع رغبتها فإنه يجوز لها أن تزوج
نفسها ولو كرها إجماعا، ولا ولاية لهما على الثيب مع البلوغ والرشد ولا على البالغ الرشيد،
ويثبت ولايتهما على الجميع مع الجنون ولا خيار لأحدهم مع الإفاقة وللمولى أن يزوج مملوكته
صغيرة كانت أو كبيرة عاقلة أو مجنونة ولا خيار لها معه وكذا الحكم في العبد.
وليس للحاكم ولاية في النكاح على من لم يبلغ ولا على بالغ رشيد، ويثبت ولايته على
من بلغ غير رشيد أو تجدد فساد عقله إذا كان النكاح صلاحا له، ولا ولاية للوصي وإن نص
له الموصي على النكاح على الأظهر، وللوصي أن يزوج من بلغ فاسد العقل إذا كان به ضرورة
إلى النكاح، والمحجور عليه للتبذير لا يجوز له أن يتزوج غير مضطر ولو أوقع كان العقد
فاسدا، وإن اضطر إلى النكاح جاز للحاكم أن يأذن له سواء عين الزوجة أو أطلق، ولو بادر
قبل الإذن والحال هذه صح العقد، فإن زاد في المهر عن المثل بطل في الزائد.
الثاني: في اللواحق: وفيه مسائل:
الأولى: إذا وكلت البالغة الرشيدة في العقد مطلقا لم يكن له أن يزوجها من نفسه
473

إلا مع إذنها، ولو وكلته في تزويجها منه قيل: لا يصح، لرواية عمار ولأنه يلزم أن يكون موجبا
قابلا والجواز أشبه، أما لو زوجها الجد من ابن ابنه الآخر أو الأب من موكله كان جائزا.
الثانية: إذا زوجها الولي بدون مهر المثل هل لها أن تعترض؟ فيه تردد والأظهر أن
لها الاعتراض.
الثالثة: عبارة المرأة معتبرة في العقد مع البلوغ والرشد، فيجوز لها أن تزوج نفسها
وأن تكون وكيلة لغيرها إيجابا وقبولا.
الرابعة: عقد النكاح يقف على الإجازة على الأظهر، فلو زوج الصبية غير أبيها
وجدها قريبا كان أو بعيدا لم يمض إلا مع إذنها أو إجازتها بعد العقد ولو كان أخا أو عما،
ويقتنع من البكر بسكوتها عند عرضه عليها وتكلف الثيب النطق، ولو كانت مملوكة وقف
على إجازة المالك وكذا لو كانت صغيرة فأجاز الأب أو الجد، صح.
الخامسة: إذا كان الولي كافرا فلا ولاية له، ولو كان الأب كذلك يثبت الولاية للجد
خاصة وكذا لو جن الأب أو أغمي عليه، ولو زال المانع عادت الولاية، ولو اختار الأب زوجا
والجد آخر فمن سبق عقده صح وبطل المتأخر، وإن تشاحا قدم اختيار الجد، ولو أوقعاه في
حالة واحدة ثبت عقد الجد دون الأب.
السادسة: إذا زوجها الولي بالمجنون أو الخصي صح ولها الخيار إذا بلغت، وكذا
لو زوج الطفل بمن بها أحد العيوب الموجبة للفسخ، ولو زوجها بمملوك لم يكن لها الخيار إذا
بلغت وكذا لو زوج الطفل، وقيل بالمنع في الطفل لأن نكاح الأمة مشروط بخوف العنت
ولا خوف في جانب الصبي.
السابعة: لا يجوز نكاح الأمة إلا بإذن مالكها ولو كانت لامرأة في الدائم والمنقطع،
وقيل: يجوز لها أن تتزوج متعة إذا كانت لامرأة من غير إذنها، والأول أشبه.
الثامنة: إذا زوج الأبوان الصغيرين لزمهما العقد، فإن مات أحدهما ورثه الآخر،
ولو عقد عليهما أبويهما ومات أحدهما قبل البلوغ بطل العقد وسقط المهر والإرث، ولو بلغ
أحدهما فرضي لزم العقد من جهته، فإن مات عزل من تركته نصيب الآخر، فإن بلغ
474

فأجاز أحلف أنه لم يجز للرغبة في الميراث وورث، ولو مات الذي لم يجز بطل العقد
ولا ميراث.
التاسعة: إذا أذن المولى لعبده في إيقاع العقد صح واقتضى الإطلاق الاقتصار على
مهر أمثاله، فإن زاد كان الزائد في ذمته يتبع به إذا تحرر ويكون مهر المثل على مولاه، وقيل:
في كسبه، والأول أظهر وكذا القول في نفقتها.
العاشرة: من تحرر بعضه ليس لمولاه إجباره على النكاح.
الحادية عشرة: إذا كانت الأمة لمولى عليه كان نكاحها بيد وليه، فإذا زوجها لزم
وليس للمولى عليه مع زوال الولاية فسخه، ويستحب للمرأة أن تستأذن أباها في العقد
بكرا كانت أو ثيبا، وأن توكل أخاها إذا لم يكن لها أب ولا جد، وأن تعول على الأكبر إذا
كانوا أكثر من أخ، ولو تخير كل واحد من الأكبر والأصغر زوجا تخيرت خيرة الأكبر.
مسائل ثلاث:
الأولى: إذا زوجها الأخوان برجلين فإن وكلتهما فالعقد للأول، ولو دخلت بمن تزوجها
أخيرا فحملت ألحق الولد به وألزم مهرها وأعيدت إلى السابق بعد انقضاء العدة، فإن
اتفقا في حالة واحدة قيل: يقدم الأكبر، وهو تحكم، ولو لم تكن أذنت لهما أجازت عقد أيهما
شاءت والأولى لها إجازة عقد الأكبر، وبأيهما دخلت قبل الإجازة كان العقد له.
الثانية: لا ولاية للأم على الولد، فلو زوجته فرضي لزمه العقد وإن كره لزمها المهر وفيه
تردد، وربما حمل على ما إذا ادعت الوكالة عنه.
الثالثة: إذا زوج الأجنبي امرأة فقال الزوج: زوجك العاقد من غير إذنك، فقالت: بل
أذنت، فالقول قولها مع يمينها على القولين لأنها تدعي الصحة.
الفصل الرابع: في أسباب التحريم: وهي ستة:
السبب الأول: النسب:
ويحرم بالنسب سبعة أصناف من النساء: الأم والجدة وإن علت لأب كانت أو لأم،
475

والبنت للصلب وبناتها وإن نزلن، وبنات ابنها وإن نزلن، والأخوات لأب كن أو لأم أو لهما
وبناتهن وبنات أولادهن، والعمات سواء كن أخوات أبيه لأبيه أو لأمه أو لهما وكذا أخوات
أجداده وإن علون، والخالات للأب أو للأم أو لهما وكذا خالات الأب والأم وإن ارتفعن، وبنات
الأخ سواء كان الأخ للأب أو للأم أو لهما وسواء كانت بنته لصلبه أو بنت بنته أو بنت ابنه
وبناتهن وإن سفلن، ومثلهن من الرجال يحرم على النساء فيحرم الأب وإن علا والولد وإن
سفل والأخ وابنه وابن الأخت والعم وإن ارتفع وكذا الخال.
ثلاثة فروع:
الأول: النسب يثبت مع النكاح الصحيح ومع الشبهة ولا يثبت مع الزنى، فلو زنى
فانخلق من مائه ولد على الجزم لم ينتسب إليه شرعا، وهل يحرم على الزاني والزانية؟
الوجه أنه يحرم لأنه مخلوق من مائه فهو يسمى ولدا لغة.
الثاني: لو طلق زوجته فوطئت بالشبهة، فإن أتت بولد به لأقل من ستة أشهر من وطء
الثاني ولستة أشهر من وطء المطلق ألحق بالمطلق، أما لو كان الثاني له أقل من ستة أشهر
وللمطلق أكثر من أقصى مدة الحمل لم يلحق بأحدهما، وإن احتمل أن يكون منهما استخرج
بالقرعة على تردد والأشبه أنه للثاني، وحكم اللبن تابع للنسب.
الثالث: لو أنكر الولد ولا عن انتفى عن صاحب الفراش وكان اللبن تابعا له، ولو أقر
به بعد ذلك عاد نسبه وإن كان هو لا يرث الولد.
السبب الثاني: الرضاع:
والنظر في شروطه وأحكامه:
انتشار الحرمة بالرضاع يتوقف على شروط:
الأول: أن يكون اللبن عن نكاح، فلو در لم ينتشر حرمته وكذا لو كان عن زنى، وفي
نكاح الشبهة تردد أشبهه تنزيله على النكاح الصحيح، ولو طلق الزوج وهي حامل منه أو
مرضع فأرضعت ولدا نشر الحرمة كما لو كانت في حباله وكذا لو تزوجت ودخل بها الزوج
476

الثاني وحملت، أما لو انقطع ثم عاد في وقت يمكن أن يكون للثاني كان له دون الأول،
ولو اتصل حتى تضع الحمل من الثاني كان ما قبل الوضع للأول وما بعد الوضع للثاني.
الشرط الثاني: الكمية، وهو ما أنبت اللحم وشد العظم، ولا حكم لما دون العشر إلا في
رواية شاذة، وهل يحرم بالعشر؟ فيه روايتان أصحهما أنه لا يحرم. وينشر الحرمة إن بلغ
خمس عشرة رضعة أو رضع يوما وليلة، ويعتبر في الرضعات المذكورة قيود ثلاثة: أن تكون
الرضعة كاملة وأن تكون الرضعات متوالية وأن يرتضع من الثدي، ويرجع في تقدير الرضعة
إلى العرف، وقيل: أن يروى الصبي ويصدر من قبل نفسه، فلو التقم الثدي ثم لفظه
وعاود، فإن كان أعرض أولا فهي رضعة، وإن كان لا بنية الإعراض كالنفس أو الالتفات
إلى ملاعب أو الانتقال من ثدي إلى آخر كان الكل رضعة واحدة، ولو منع قبل استكمال
الرضعة لم يعتبر في العدد.
ولا بد من توالي الرضعات بمعنى أن المرأة الواحدة تنفرد بإكمالها، فلو رضع من واحدة
بعض العدد ثم رضع من أخرى بطل حكم الأول، ولو تناوب عليه عدة نساء لم ينشر الحرمة
ما لم يكمل من واحدة خمس عشرة رضعة ولاء، ولا يصير صاحب اللبن مع اختلاف
المرضعات أبا ولا أبوه جدا ولا المرضعة أما، ولا بد من ارتضاعه من الثدي في قول مشهور
تحقيقا لمسمى الارتضاع، فلو وجر في حلقه أو أوصل إلى جوفه بحقنة وما شاكلها لم ينشر
وكذا لو جبن فأكله جبنا، وكذا يجب أن يكون اللبن بحاله فلو مزج بأن ألقى في فم الصبي
مائع ورضع فامتزج حتى خرج عن كونه لبنا لم ينشر، ولو ارتضع من ثدي الميتة أو رضع
بعض الرضعات وهي حية ثم أكملها ميتة لم ينشر، لأنها خرجت بالموت عن التحاق
الأحكام فهي كالبهيمة المرتضعة وفيه تردد.
الشرط الثالث: أن يكون في الحولين ويراعى ذلك في المرتضع لقوله ع:
لا رضاع بعد فطام، وهل يراعى في ولد المرضعة؟ الأصح أنه لا يعتبر، فلو مضى لولدها أكثر
من حولين ثم أرضعت من له دون الحولين نشر الحرمة، ولو رضع العدد إلا رضعة واحدة فتم
الحولان ثم أكمله بعدهما لم ينشر الحرمة، وكذا لو كمل الحولان ولم يروا من الأخيرة، وينشر
إذا تمت الرضعة مع تمام الحولين.
477

الشرط الرابع: أن يكون اللبن لفحل واحد، فلو أرضعت بلبن فحل واحد مائة حرم
بعضهم على بعض، وكذا لو نكح الفحل عشرا وأرضعت كل واحدة واحدا أو أكثر حرم
التناكح بينهم جميعا، ولو أرضعت اثنين بلبن فحلين لم يحرم أحدهما على الآخر، وفيه رواية
أخرى مهجورة: ويحرم أولاد هذه المرضعة نسبا على المرتضع منها، ويستحب أن يختار
للرضاع العاقلة المسلمة العفيفة الوضيئة، ولا تسترضع الكافرة ومع الاضطرار يسترضع
الذمية ويمنعها من شرب الخمر وأكل لحم الخنزير، ويكره أن يسلم إليها الولد لتحمله إلى
منزلها، وتتأكد الكراهية في ارتضاع المجوسية، ويكره أن يسترضع من ولادتها عن زنى،
وروي أنه إن أحلها مولاها فعلها طاب لبنها وزالت الكراهية وهو شاذ.
وأما أحكامه: فمسائل:
الأولى: إذا حصل الرضاع المحرم انتشرت الحرمة بين المرضعة وفحلها إلى
المرتضع ومنه إليهما فصارت المرضعة له أما والفحل أبا وآباؤهما أجدادا وأمهاتهما جدات
وأولادهما أخوة وأخواتهما أخوالا وأعماما.
الثانية: كل من ينتسب إلى الفحل من الأولاد ولادة ورضاعا يحرمون على هذا
المرتضع، وكذا من ينتسب إلى المرضعة بالبنوة ولادة وإن نزلوا ولا يحرم عليه من ينتسب
إليها بالبنوة رضاعا.
الثالثة: لا ينكح أبو المرتضع في أولاد صاحب اللبن ولادة ولا رضاعا ولا في أولاد
زوجته المرضعة ولادة لأنهم صاروا في حكم ولده، وهل ينكح أولاده الذين لم يرتضعوا من
هذا اللبن في أولاد هذه المرضعة وأولاد فحلها؟ قيل لا والوجه الجواز، أما لو أرضعت
امرأة ابنا لقوم وبنتا لآخرين جاز أن ينكح أخوة كل واحد منهما في أخوة الآخر لأنه لا نسب
بينهم ولا رضاع.
الرابعة: الرضاع المحرم يمنع من النكاح سابقا ويبطله لاحقا، فلو تزوج رضيعة
فأرضعتها من يفسد نكاح الصغيرة برضاعها كأمه وجدته وأخته وزوجة الأب والأخ إذا
كان لبن المرضعة منهما فسد النكاح، فإن انفردت المرتضعة بالارتضاع مثل أن سعت إليها
478

فامتصت ثديها من غير شعور المرضعة سقط مهرها لبطلان العقد الذي باعتباره يثبت
المهر، ولو تولت المرضعة إرضاعها مختارة قيل: كان للصغيرة نصف المهر، لأنه فسخ
حصل قبل الدخول ولم يسقط لأنه ليس من الزوجة وللزوج الرجوع على المرضعة بما أداه
إن قصدت الفسخ وفي الكل تردد مستندة الشك في ضمان منفعة البضع، ولو كان له زوجتان
كبيرة وصغيرة فأرضعتها الكبيرة حرمتا أبدا إن كان دخل بالكبيرة وإلا حرمت الكبيرة
حسب، وللكبيرة مهرها إن كان دخل بها وإلا فلا مهر لها لأن الفسخ جاء منها، وللصغيرة
مهرها لانفساخ العقد بالجمع وقيل: يرجع به على الكبيرة. ولو أرضعت الكبيرة له زوجتين
صغيرتين حرمت الكبيرة والمرتضعتان إن كان دخل بالكبيرة وإلا حرمت الكبيرة، ولو كان
له زوجتان وزوجة رضيعة فأرضعتها إحدى الزوجتين أولا ثم أرضعتها الأخرى حرمت
المرضعة الأولى والصغيرة دون الثانية لأنها أرضعتها، وهي بنته، وقيل: بل تحرم أيضا لأنها
صارت أما لمن كانت زوجته وهو أولى، وفي كل هذه الصور ينفسخ نكاح الجميع لتحقق
الجمع المحرم وأما التحريم فعلى ما صورناه، ولو طلق زوجته فأرضعت زوجته الرضيعة
حرمتا عليه.
الخامسة: لو كان له أمة يطأها فأرضعت زوجته الصغيرة حرمتا جميعا عليه ويثبت
مهر الصغيرة ولا يرجع به على الأمة لأنه لا يثبت للمولى مال في ذمة مملوكته، نعم لو كانت
موطوءة بالعقد يرجع به عليها ويتعلق برقبتها وعندي في ذلك تردد، ولو قلنا بوجوب العود
بالمهر لما قلنا ببيع المملوكة فيه بل تتبع إذا تحررت.
السادسة: لو كان لاثنين زوجتان صغيرة وكبيرة وطلق كل واحد منهما زوجته وتزوج
بالأخرى ثم أرضعت الكبيرة الصغيرة حرمت الكبيرة عليهما وحرمت الصغيرة على
من دخل بالكبيرة.
السابعة: إذا قال: هذه أختي من الرضاع، أو بنتي على وجه يصح، فإن كان قبل
العقد حكم عليه بالتحريم ظاهرا، وإن كان بعد العقد ومعه بينة حكم بها، فإن كان قبل
الدخول فلا مهر وإن كان بعده كان لها المسمى، وإن فقد البينة وأنكرت الزوجة لزمه المهر
كله مع الدخول ونصفه مع عدمه على قول مشهور، ولو قالت المرأة ذلك بعد العقد لم يقبل
479

دعواها في حقه إلا ببينة ولو كان قبله حكم عليها بظاهر الإقرار.
الثامنة: لا تقبل الشهادة بالرضاع إلا مفصلة لتحقق الخلاف في الشرائط المحرمة
واحتمال أن يكون الشاهد استند إلى عقيدته، وأما إخبار الشاهد بالرضاع فيكفي مشاهدته
ملتقما ثدي المرأة ماصا له على العادة حتى يصدر.
التاسعة: إذا تزوجت كبيرة بصغير ثم فسخت إما لعيب فيه وإما لأنها كانت
مملوكة فأعتقت أو لغير ذلك ثم تزوجت بكبير آخر وأرضعته بلبنه حرمت على الزوج، لأنها
كانت حليلة ابنه وعلى الصغير لأنها منكوحة أبيه.
العاشرة: لو زوج ابنه الصغير بابنة أخيه الصغيرة ثم أرضعت جدتهما أحدهما
انفسخ نكاحهما لأن المرتضع إن كان هو الذكر فهو إما عم لزوجته وإما خال، وإن كان أنثى
فقد صارت إما عمة وإما خالة.
السبب الثالث: المصاهرة:
وهي تحقق: مع الوطء الصحيح ويشكل مع الزنى والوطء بالشبهة والنظر واللمس،
والبحث حينئذ في الأمور الأربعة:
أما النكاح الصحيح: فمن وطئ امرأة بالعقد الصحيح أو الملك حرم على
الواطئ أم الموطوءة وإن علت وبناتها وإن سفلن تقدمت ولادتهن أو تأخرت ولو لم تكن في
حجره، وعلى الموطوءة أبو الواطئ وإن علا وأولاده وإن سفلوا تحريما مؤبدا، ولو تجرد
العقد عن الوطء حرمت الزوجة على أبيه وولده، ولم تحرم بنت الزوجة عينا على الزوج بل
جمعا ولو فارقها جاز له نكاح بنتها، وهل تحرم أمها بنفس العقد؟ فيه روايتان أشهرهما أنها
تحرم.
ولا تحرم مملوكة الأب على الابن بمجرد الملك ولا مملوكة الابن على الأب، ولو وطئ
أحدهما مملوكته حرمت على الآخر من غير شبهة، ولا يجوز لأحدهما أن يطأ مملوكة الآخر
إلا بعقد أو ملك أو إباحة، ويجوز للأب أن يقوم مملوكة ابنه إذا كان صغيرا ثم يطأها بالملك،
ولو بادر أحدهما فوطئ مملوكة الآخر من غير شبهة كان زانيا لكن لا حد على الأب وعلى
480

الابن الحد، ولو كان هناك شبهة سقط الحد، ولو حملت مملوكة الأب من الابن مع الشبهة عتق
ولا قيمة على الابن، ولو حملت مملوكة الابن من الأب لم ينعتق وعلى الأب فكه إلا أن يكون
أنثى، ولو وطئ الأب زوجة ابنه لشبهة لم تحرم على الولد لسبق الحل، وقيل: تحرم لأنها
منكوحة الأب ويلزم الأب مهرها، ولو عاودها الولد فإن قلنا: الوطء بالشبهة ينشر الحرمة
كان عليه مهران، وإن قلنا: لا يحرم وهو الصحيح فلا مهر سوى الأول.
ومن توابع المصاهرة تحريم أخت الزوجة جمعا لا عينا وبنت أخت الزوجة وبنت
أخيها إلا برضا الزوجة ولو أذنت صح، وله إدخال العمة والخالة على بنت أخيها وأختها
ولو كره المدخول عليهما، ولو تزوج بنت الأخ أو بنت الأخت على العمة أو الخالة من غير
إذنهما كان العقد باطلا، وقيل: كان للعمة والخالة الخيار في إجازة العقد وفسخه أو فسخ
عقدهما بغير طلاق والاعتزال، والأول أصح.
وأما الزنى: فإن كان طارئا لم ينشر الحرمة كمن تزوج بامرأة ثم زنى بأمها أو ابنتها أو
لاط بأخيها أو ابنها أو أبيها أو زنى بمملوكة أبيه الموطوءة أو ابنه، فإن ذلك كله لا يحرم
السابقة، وإن كان الزنى سابقا على العقد فالمشهور تحريم بنت العمة والخالة إذا زنى بأمهما،
أما الزنى بغيرهما هل ينشر حرمة المصاهرة كالوطء الصحيح؟ فيه روايتان، إحديهما
ينشر الحرمة وهي أوضحهما طريقا والأخرى لا ينشر.
وأما الوطء بالشبهة: فالذي خرجه الشيخ رحمه الله أنه ينزل منزلة النكاح الصحيح
وفيه تردد، والأظهر أنه لا ينشر لكن يلحق معه النسب.
وأما النظر واللمس: مما يسوع لغير المالك كنظر الوجه ولمس الكف لا ينشر الحرمة،
وما لا يسوع لغير المالك كنظر الفرج والقبلة ولمس باطن الجسد بشهوة فيه تردد أظهره أنه
يثمر كراهية، ومن نشر به الحرمة قصر التحريم على أب اللامس والناظر وابنه خاصة دون
أم المنظورة أو الملموسة وابنتيهما، وحكم الرضاع في جميع ذلك حكم النسب.
481

ومن مسائل التحريم مقصدان:
الأول: في مسائل من تحريم الجمع: وهي ستة:
الأولى: لو تزوج أختين كان العقد للسابقة وبطل عقد الثانية، ولو تزوجهما في عقد
واحد قيل: بطل نكاحهما، وروي أنه يتخير أيتهما شاء والأول أشبه وفي الرواية ضعف.
الثانية: لو وطئ أمة بالملك ثم تزوج أختها قيل: يصح وحرمت الموطوءة بالملك
أولا ما دامت الثانية في حباله، ولو كان له أمتان فوطئهما قيل: حرمت الأولى حتى تخرج
الثانية من ملكه، وقيل: إن كان لجهالة لم تحرم الأولى وإن كان مع العلم حرمت حتى تخرج
الثانية لا العود إلى الأولى، ولو أخرجها للعود والحال هذه لم تحل الأولى والوجه أن الثانية تحرم
على التقديرين دون الأولى.
الثالثة: قيل: لا يجوز للحر العقد على الأمة إلا بشرطين: عدم الطول وهو عدم المهر
والنفقة وخوف العنت وهو المشقة من الترك، وقيل: يكره ذلك من دونهما،
وهو الأشهر، وعلى الأول لا ينكح إلا أمة واحدة لزوال العنت بها، ومن قال بالثاني أباح أمتين اقتصارا في
المنع على موضع الوفاق.
الرابعة: لا يجوز للعبد أن يتزوج أكثر من حرتين.
الخامسة: لا يجوز نكاح الأمة على الحرة إلا بإذنها فإن بادر كان العقد باطلا، وقيل:
كان للحرة الخيار في الفسخ والإمضاء ولها فسخ عقد نفسها، والأول أشبه، أما لو تزوج الحرة
على الأمة كان العقد ماضيا ولها الخيار في نفسها إن لم تعلم، ولو جمع بينهما في
عقد واحد صح عقد الحرة دون الأمة.
السادسة: إذا دخل بصبية لم تبلغ تسعا فأفضاها حرم عليه وطؤها ولم تخرج من
حباله، ولو لم يفضها لم تحرم على الأصح.
المقصد الثاني: في مسائل من تحريم العين: وهي ستة:
الأولى: من تزوج امرأة في عدتها عالما حرمت عليه أبدا، وإن جهل العدة والتحريم
ودخل حرمت أيضا، ولو لم يدخل بطل ذلك العقد وكان له استئنافه.
482

الثانية: إذا تزوج في العدة ودخل فحملت، فإن كان جاهلا لحق به الولد إن جاء لستة
أشهر فصاعدا منذ دخل بها وفرق بينهما ولزمه المسمى وتتم العدة للأول وتستأنف أخرى
للثاني، وقيل: يجزئ عدة واحدة، ولها مهرها على الأول ومهر على الآخر إن كانت جاهلة
بالتحريم ومع علمها فلا مهر.
الثالثة: من زنى بامرأة لم يحرم عليه نكاحها وكذا لو كانت مشهورة بالزنى، وكذا
لو زنت امرأته وإن أصرت على الأصح، ولو زنى بذات بعل أو في عدة رجعية حرمت عليه أبدا
في قول مشهور.
الرابعة: من فجر فأوقبه حرم على الواطئ العقد على أم الموطوءة وأخته وبنته
ولا يحرم إحداهن لو كان عقدها سابقا.
الخامسة: إذا عقد المحرم على امرأة عالما بالتحريم حرمت عليه أبدا، ولو كان جاهلا
فسد عقده ولم تحرم.
السادسة: لا تحل ذات البعل لغيره إلا بعد مفارقته وانقضاء العدة إن كانت ذات
عدة.
السبب الرابع: استيفاء العدد: وهو قسمان:
إذا استكمل الحر أربعا بالعقد الدائم حرم عليه ما زاد غبطة، ولا يحل له من الإماء
بالعقد أكثر من اثنتين من جملة الأربع، وإذا استكمل العبد أربعا من الإماء بالعقد أو حرتين أو
حرة وأمتين حرم عليه ما زاد، ولكل منهما أن ينكح بالعقد المنقطع ما شاء وكذا بملك اليمين.
مسألتان:
الأولى: إذا طلق واحدة من الأربع حرم عليه العقد على غيرها حتى تنقضي عدتها إن
كان الطلاق رجعيا، ولو كان بائنا جاز له العقد على أخرى في الحال، وكذا الحكم في نكاح
أخت الزوجة على كراهية مع البينونة.
الثانية: إذا طلق إحدى الأربع بائنا وتزوج اثنتين، فإن سبقت إحديهما كان العقد لها،
483

وإن اتفقتا في حالة بطل العقدان، وروي أنه يتخير وفي الرواية ضعف.
القسم الثاني: إذا استكملت الحرة ثلاث طلقات حرمت على المطلق حتى تنكح
زوجا غيره سواء كانت تحت حر أو تحت عبد، وإذا استكملت الأمة طلقتين حرمت عليه حتى
تنكح زوجا غيره ولو كانت تحت حر، وإذا استكملت المطلقة تسعا للعدة ينكحها بينهما
رجلان حرمت على المطلق أبدا.
السبب الخامس: اللعان:
وهو سبب لتحريم الملاعنة تحريما مؤبدا، وكذا قذف الزوجة الصماء والخرساء
بما يوجب اللعان لو لم تكن كذلك.
السبب السادس: الكفر:
والنظر فيه يستدعي بيان مقاصد:
الأول:
لا يجوز للمسلم نكاح غير الكتابية إجماعا، وفي تحريم الكتابية من اليهود
والنصارى روايتان أشهرها المنع في النكاح الدائم والجواز في المؤجل وملك اليمين، وكذا
حكم المجوس على به الروايتين، ولو ارتد أحد الزوجين قبل الدخول وقع الفسخ في الحال
وسقط المهر إن كان من المرأة ونصفه إن كان من الرجل، ولو وقع بعد الدخول وقف
الفسخ على انقضاء العدة من أيهما كان ولا يسقط شئ من المهر لاستقراره بالدخول، وإن
كان الزوج ولد على الفطرة فارتد انفسخ النكاح في الحال ولو كان بعد الدخول لأنه لا يقبل
عوده.
وإذا أسلم زوج الكتابية فهو على نكاحه سواء كان قبل الدخول أو بعده،
ولو أسلمت زوجته قبل الدخول انفسخ العقد ولا مهر وإن كان بعد الدخول وقف الفسخ
على انقضاء العدة، وقيل: إن كان الزوج بشرائط الذمة كان نكاحه باقيا، غير أنه لا يمكن
من الدخول إليها ليلا ولا من الخلوة بها نهارا، والأول أشبه، وأما غير الكتابيين فإسلام
484

أحد الزوجين موجب لانفساخ العقد في الحال، ولو انتقلت زوجة الذمي إلى غير دينها من
ملل الكفر وقع الفسخ في الحال ولو عادت إلى دينها، وهو بناء على أنه لا يقبل منها
إلا الاسلام.
وإذا أسلم الذمي على أكثر من أربع من المنكوحات بالعقد الدائم استدام أربعا من
الحرائر أو أمتين وحرتين، ولو كان عبدا استدام حرتين أو حرة وأمتين وفارق سائرهن، ولو لم
يزد عددهن عن القدر المحلل له كان عقدهن ثابتا.
وليس للمسلم إجبار زوجته الذمية على الغسل لأن الاستمتاع ممكن من دونه،
ولو اتصفت بما يمنع الاستمتاع كالنتن الغالب وطول الأظفار المنفر كان له إلزامها بإزالته،
وله منعها من الخروج إلى الكنائس والبيع كما له منعها من الخروج من منزله، وكذا له منعها
من شرب الخمر وأكل لحم الخنزير واستعمال النجاسات.
المقصد الثاني: في كيفية الاختيار:
وهو إما بالقول الدال على الإمساك كقوله: اخترتك أو أمسكتك، وما أشبهه، ولو
رتب الاختيار ثبت عقد الأربع الأول واندفع للبواقي، ولو قال لما زاد على الأربع: اخترت
فراقكن، اندفعن وثبت عقد البواقي، ولو قال لواحدة: طلقتك، صح نكاحها وطلقت
وكانت من الأربع، ولو طلق أربعا اندفع البواقي وثبت نكاح المطلقات ثم طلقن بالطلاق
لأنه لا يواجه به إلا الزوجة إذ موضوعه إزالة قيد النكاح.
والظهار والإيلاء ليس لهما دلالة على الاختيار لأنه قد يواجه به غير الزوجة، وأما
بالفعل فمثل أن يطأ إذ ظاهره الاختيار، ولو وطئ أربعا ثبت عقدهن واندفع البواقي، ولو
قبل أو لمس بشهوة يمكن أن يقال: هو اختيار كما هو رجعة في حق المطلقة، وهو يشكل بما
يتطرق إليه من الاحتمال.
المقصد الثالث: في مسائل مرتبة على اختلاف الدين:
الأولى: إذا تزوج امرأة وبنتها ثم أسلم بعد الدخول بهما حرمتا وكذا لو كان دخل
485

بالأم، أما لو لم يكن دخل بواحدة بطل عقد الأم دون البنت ولا اختيار، وقال الشيخ: له
التخيير، والأول أشبه، ولو أسلم عن أمة وبنتها فإن كان وطأهما حرمتا وإن كان وطئ
إحديهما حرمت الأخرى، وإن لم يكن وطئ واحدة تخير، ولو أسلم عن أختين تخير أيتهما
شاء ولو كان وطأهما، وكذا لو كان عنده امرأة وعمتها أو خالتها، ولم تجز العمة ولا الخالة
الجمع، أما لو رضيتا صح الجمع وكذا لو أسلم عن حرة وأمة.
الثانية: إذا أسلم المشرك وعنده حرة وثلاث إماء بالعقد فأسلمن معه تخير مع الحرة
أمتين إذا رضيت الحرة، ولو أسلم الحر وعنده أربع إماء بالعقد تخير أمتين، ولو كن حرائر
ثبت عقده عليهن وكذا لو أسلمن قبل انقضاء العدة، ولو كن أكثر من أربع فأسلم بعضهن
كان بالخيار بين اختيارهن وبين التربص، فإن لحقن به أو بعضهن ولم يزدن عن أربع
ثبت عقده عليهن وإن زدن عن أربع تخير أربعا، ولو اختار من سبق إسلامهن لم يكن له
خيار في الباقيات ولو لحقن به قيل العدة.
الثالثة: لو أسلم العبد وعنده أربع حرائر وثنيات فأسلمت معه اثنتان ثم أعتق ولحق
به من بقي لم يزد على اختيار اثنتين لأنه كمال العدد المحلل له، ولو أسلمن كلهن
ثم أعتق ثم أسلم أو أسلمن بعد عتقه وإسلامه في العدة ثبت نكاحه عليهن لاتصافه بالحرية المبيحة
للأربع وفي الفرق إشكال.
الرابعة: اختلاف الدين فسخ لإطلاق، فإن كان من المرأة قبل الدخول سقط به المهر
وإن كان من الرجل فنصفه على قول مشهور، وإن كان بعد الدخول فقد استقر ولم يسقط
بالعارض، ولو كان المهر فاسدا وجب به مهر المثل مع الدخول وقبله نصفه إن كان الفسخ
من الرجل، ولو لم يسم مهرا والحال هذه كان لها المتعة كالمطلقة وفيه تردد، ولو دخل
الذمي وأسلم وكان المهر خمرا ولم تقبضه قيل: سقط، وقيل: يجب مهر المثل، وقيل: يلزمه
قيمته عند مستحليه، وهو الأصح.
الخامسة: إذا ارتد المسلم بعد الدخول حرم عليه وطء زوجته المسلمة ووقف نكاحها
على انقضاء العدة، فلو وطأها بالشبهة وبقي على كفره إلى انقضاء العدة، قال الشيخ: عليه
486

مهران الأصلي بالعقد والآخر للوطء بالشبهة، وهو يشكل بما أنها في حكم الزوجة إذا لم
يكن عن فطرة.
السادسة: إذا أسلم وعنده أربع وثنيات مدخول بهن لم يكن له العقد على الأخرى ولا
على أخت إحدى زوجاته حتى تنقضي العدة مع بقائهن على الكفر، ولو أسلمت الوثنية
فتزوج زوجها بأختها قبل إسلامه وانقضت العدة وهو على كفره صح عقد الثانية، فلو أسلم
قبل انقضاء عدة الأولى تخير كما لو تزوجها وهي كافرة.
السابعة: إذا أسلم الوثني ثم ارتد وانقضت عدتها على الكفر فقد بانت منه، ولو
أسلمت في العدة ورجع إلى الاسلام في العدة فهو أحق بها، وإن خرجت وهو كافر فلا
سبيل له عليها.
الثامنة: لو ماتت إحداهن بعد إسلامهن قبل الاختيار لم يبطل اختياره لها فإن
اختارها ورث نصيبه منها، وكذا لو متن كلهن كان له الاختيار، فإذا اختار أربعا ورثهن
لأن الاختيار ليس استئناف عقد وإنما هو تعيين لذات العقد الصحيح، ولو مات ومتن
قيل: يبطل الخيار، والوجه استعمال القرعة لأن فيهن وارثات وموروثات، ولو مات الزوج
قبلهن كان عليهن الاعتداد منه لأن منهن من تلزمه العدة، ولما لم يحصل الامتياز ألزمن
العدة احتياطا بأبعد الأجلين إذ كل واحدة يحتمل أن تكون هي الزوجة وأن لا تكون،
فالحامل تعتد بعدة الوفاة ووضع الحمل والحائل تعتد بأبعد الأجلين من عدة الطلاق
والوفاة.
التاسعة: إذا أسلم وأسلمن لزمه نفقة الجميع حتى يختار أربعا فتسقط نفقة البواقي
لأنهن في حكم الزوجات وكذا لو أسلمن أو بعضهن وهو على كفره، ولو لم يدفع النفقة
كان لهن المطالبة بها عن الحاضر والماضي سواء أسلم أو بقي على الكفر ولا يلزمه النفقة لو
أسلم دونهن لتحقق منع الاستمتاع منهن، وإذا اختلف الزوجان في السابق إلى الاسلام
فالقول قول الزوج استصحابا للبراءة الأصلية، ولو مات ورثه أربع منهن لكن لما لم يتعين
وجب إيقاف الحصة عليهن حتى يصطلحن والوجه للقرعة أو التشريك، ولو مات قبل
487

إسلامهن لم يوقف شئ لأن الكافر لا يرث المسلم ويمكن أن يقال: ترث من أسلمت قبل
القسمة.
العاشرة: روى عمار الساباطي عن أبي عبد الله ع: إن أباق العبد طلاق
امرأته وإنه بمنزلة الارتداد، فإن رجع وهي في العدة فهي امرأته بالنكاح الأول وإن رجع
بعد العدة وقد تزوجت فلا سبيل له عليها. وفي العمل بها تردد مستنده ضعف السند.
مسائل من لواحق العقد: وهي سبع:
الأولى: الكفاءة شرط في النكاح وهي التساوي في الاسلام، وهل يشترط التساوي
في الإيمان؟ فيه روايتان أظهرهما الاكتفاء بالإسلام، وإن تأكد استحباب الإيمان وهو في
طرف الزوجة أتم لأن المرأة تأخذ من دين بعلها، نعم لا يصح نكاح الناصب المعلن بعداوة
أهل البيت عليهم الصلاة والسلام لارتكابه ما يعلم بطلانه من دين الاسلام، وهل
يشترط تمكنه من النفقة؟ قيل نعم وقيل لا، وهو الأشبه.
ولو تجدد عجز الزوج عن النفقة هل تتسلط على الفسخ؟ فيه روايتان أشهرهما أنه
ليس لها ذلك، ويجوز إنكاح الحرة العبد والعربية العجمي والهاشمية غير الهاشمي
وبالعكس، وكذا أرباب الصنائع الدنية بذوات الدين والبيوتات، ولو خطب المؤمن
القادر على النفقة وجب إجابته وإن كان أخفض نسبا ولو امتنع الولي كان عاصيا، ولو
انتسب الزوج إلى قبيلة فبان من غيرها كان للزوجة الفسخ وقيل: ليس لها، وهو أشبه.
ويكره أن يتزوج الفاسق ويتأكد في شارب الخمر وأن تزوج المؤمنة بالمخالف، ولا بأس
بالمستضعف وهو الذي لا يعرف بعناد.
الثانية: إذا تزوج امرأة ثم علم أنها كانت زنت لم يكن له فسخ العقد، ولا الرجوع
على الولي بالمهر، وروي أن له الرجوع ولها الصداق بما استحل من فرجها، وهو شاذ.
الثالثة: لا يجوز التعريض بالخطبة لذات العدة الرجعية لأنها في حكم الزوجة، ويجوز
للمطلقة ثلاثا من الزوج وغيره، ولا يجوز التصريح لها منه ولا من غيره، أما المطلقة تسعا
488

للعدة ينكحها بينها رجلان فلا يجوز التعريض لها من الزوج ويجوز من غيره، ولا يجوز
التصريح في العدة منه ولا من غيره، وأما المعتدة البائنة سواء كانت عن خلع أو فسخ يجوز
التعريض أن يقول: رب راغب فيك أو حربص عليك، وما أشبهه. والتصريح أن يخاطبها
بما لا يحتمل إلا النكاح مثل أن يقول: إذا انقضت عدتك تزوجتك، ولو صرح بالخطبة في
موضع المنع ثم انقضت العدة فنكحها لم تحرم.
الرابعة: إذا خطب فأجابت قيل: حرم على غيره خطبتها، ولو تزوج ذلك الغير كان
العقد صحيحا.
الخامسة: إذا تزوجت المطلقة ثلاثا فلو شرطت في العقد أنه إذا حللها فلا نكاح بينهما
بطل العقد، وربما قيل: يلغى الشرط، ولو شرطت الطلاق قيل: يصح النكاح ويبطل
الشرط، وإن دخل بها فلها مهر المثل، أما لو لم يصرح بالشرط في العقد وكان ذلك في نيته
أو نية الزوجة أو الولي لم يفسد، وكل موضع قيل: يصح العقد فمع الدخول تحل للمطلق مع
الفرقة وانقضاء العدة، وكل موضع قيل: يفسد، لا يحل له لأنه لا يكفي الوطء ما لم يكن عن
عقد صحيح.
السادسة: نكاح الشغار باطل، وهو أن تتزوج امرأتان برجلين على أن يكون مهر كل
واحدة منهما نكاح الأخرى، أما لو زوج الوليان كل واحد منهما صاحبه وشرط لكل واحدة
مهرا معلوما فإنه يصح، ولو زوج أحدهما الآخر وشرط أن يزوجه الأخرى بمهر معلوم صح
العقدان وبطل المهر لأنه شرط مع المهر تزويجا وهو غير لازم، والنكاح لا يدخله الخيار
فيكون لها مهر المثل وفيه تردد، وكذا لو زوجه وشرط أن ينكحه الزوج فلانة ولم يذكر
مهرا.
تفريع: لو قال: زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك على أن يكون نكاح بنتي مهرا
لبنتك، صح نكاح بنته وبطل نكاح بنت المخاطب، ولو قال: على أن يكون نكاح بنتك
مهرا لبنتي بطل نكاح بنته وصح نكاح بنت المخاطب.
السابعة: يكره العقد على القابلة إذا ربته وبنتها، وأن يزوج ابنه بنت زوجته من غيره
إذا ولدتها بعد مفارقته، ولا بأس بمن ولدتها قبل نكاح الأب، وأن يتزوج بمن كانت ضرة
489

لأمه قبل أبيه، وبالزانية قبل أن تتوب.
القسم الثاني: في النكاح المنقطع:
وهو سائغ في دين الاسلام لتحقق شرعيته وعدم ما يدل على رفعه، والنظر فيه
يستدعي بيان أركانه وأحكامه.
فأركانه أربعة: الصيغة والمحل والأجل والمهر.
أما الصيغة: فهي اللفظ الذي وضعه الشرع وصلة إلى انعقاده وهو إيجاب وقبول،
وألفاظ الإيجاب ثلاثة: زوجتك ومتعتك وأنكحتك، وأيها حصل وقع الإيجاب به، ولا
ينعقد بغيرها كلفظ التمليك والهبة والإجارة.
والقبول: هو اللفظ الدال على الرضا بذلك الإيجاب كقوله: قبلت النكاح أو المتعة،
ولو قال: قبلت، واقتصر أو رضيت جاز، ولو بدئ بالقبول فقال: تزوجت، فقالت:
زوجتك، صح.
ويشترط فيهما الإتيان بهما بلفظ الماضي، فلو قال: أقبل أو أرضى، وقصد الانشاء لم
يصح، وقيل لو قال: أتزوجك مدة كذا بمهر كذا، وقصد الانشاء فقالت: زوجتك، صح
وكذا لو قالت: نعم.
وأما المحل: فيشترط أن تكون الزوجة مسلمة أو كتابية كاليهودية والنصرانية والمجوسية
على أشهر الروايتين ويمنعها من شرب الخمر وارتكاب المحرمات، وأما المسلمة فلا تتمتع
إلا بالمسلم خاصة، ولا يجوز بالوثنية ولا الناصبية المعلنة بالعداوة كالخوارج، ولا يستمتع
أمة وعنده حرة إلا بإذنها ولو فعل كان العقد باطلا، وكذا لا يدخل عليها بنت أختها ولا
بنت أخيها إلا مع إذنها ولو فعل كان العقد باطلا، ويستحب أن تكون مؤمنة عفيفة وأن
يسألها عن حالها مع التهمة وليس شرطا في الصحة، ويكره أن تكون زانية فإن فعل
فليمنعها من الفجور وليس شرطا في الصحة، ويكره أن يتمتع ببكر ليس لها أب فإن فعل
فلا يفتضها وليس بمحرم.
490

فروع ثلاثة:
الأول: إذا أسلم المشرك وعنده كتابية بالعقد المنقطع كان عقدها ثابتا وكذا لو كن
أكثر، ولو سبقت هي وقف على انقضاء العدة إن كان دخل بها فإن انقضت ولم يسلم
بطل العقد، وإن لحق بها قبل العدة فهو أحق بها ما دام أجله باقيا فلو انقضى الأجل قبل
إسلامه لم يكن له عليها سبيل.
الثاني: لو كانت غير كتابية فأسلم أحدهما بعد الدخول وقف الفسخ على انقضاء
العدة وتبين منه بانقضاء الأجل أو خروج العدة فأيهما حصل قبل إسلامه انفسخ به
النكاح.
الثالث: إن أسلم وعنده حرة وأمة ثبت عقد الحرة ووقف عقد الأمة على رضاء
الحرة.
وأما المهر: فهو شرط في عقد المتعة خاصة يبطل بفواته العقد، ويشترط فيه أن يكون
مملوكا معلوما إما بالكيل أو الوزن أو المشاهدة أو الوصف، ويتقدر بالمراضاة قل أو كثر ولو
كان كفا من بر ويلزم دفعه بالعقد، ولو وهبها المدة قبل الدخول لزمه النصف، ولو دخل
استقر المهر بشرط الوفاء بالمدة، ولو أخلت ببعضها كان له أن يضع من المهر بنسبتها.
ولو تبين فساد العقد إما بأن ظهر لها زوج أو كانت أخت زوجته أو أمها وما شاكل
ذلك من موجبات الفسخ ولم يكن دخل بها فلا مهر لها ولو قبضته كان له استعادته ولو
تبين ذلك بعد الدخول كان لها ما أخذت وليس عليه تسليم ما بقي، ولو قيل: لها المهر إن
كانت جاهلة ويستعاد ما أخذت إن كانت عالمة، كان حسنا.
وأما الأجل: فهو شرط في عقد المتعة ولو لم يذكره انعقد دائما، وتقدير الأجل إليهما طال
أو قصر كالسنة والشهر واليوم، ولا بد أن يكون معينا محروسا من الزيادة والنقصان، ولو
اقتصر على بعض يوم جاز بشرط أن يقرنه بغاية معلومة كالزوال والغروب، ويجوز أن يعين
شهرا متصلا بالعقد ومتأخرا عنه، ولو أطلق اقتضى الاتصال بالعقد، فلو تركها حتى
انقضى قدر الأجل المسمى خرجت عن عقده واستقر لها الأجرة، ولو قال: مرة أو مرتين،
491

ولم يجعل ذلك مقيدا بزمان لم يصح وصار دائما، وفيه رواية دالة على الجواز وأنه لا ينظر
إليها بعد إيقاع ما شرطه وهي مطرحة لضعفها، ولو عقد على هذا الوجه انعقد دائما ولو قرن
ذلك بمدة صح متعة.
وأما أحكامه: فثمانية:
الأول: إذا ذكر الأجل والمهر صح العقد، ولو أخل بالمهر مع ذكر الأجل بطل العقد،
ولو أخل بالأجل حسب بطل متعة وانعقد دائما.
الثاني: كل شرط يشترط فيه فلا بد أن يقرن بالإيجاب والقبول، ولا حكم لما يذكر
قبل العقد ما لم يستعد فيه ولا لما يذكر بعده، ولا يشترط مع ذكره في العقد إعادته بعده،
ومن الأصحاب من شرط إعادته بعد العقد وهو بعيد.
الثالث: للبالغة الرشيدة أن تمتع نفسها وليس لوليها اعتراض بكرا كانت أو ثيبا
على الأشهر.
الرابع: يجوز أن يشترط عليها الإتيان ليلا أو نهارا وأن يشترط المرة أو المرات في الزمان
المعين.
الخامس: يجوز العزل للمتمتع ولا يقف على إذنها، ويلحق الولد به لو حملت وإن عزل
لاحتمال سبق المني من غير تنبه، ولو نفاه عن نفسه انتفى ظاهرا ولم يفتقر إلى اللعان.
السادس: لا يقع بها طلاق وتبين بانقضاء المدة، ولا يقع بها إيلاء ولا لعان على
الأظهر، وفي الظهار تردد أظهره أنه يقع.
السابع: لا يثبت بهذا العقد ميراث بين الزوجين شرطا سقوطه أو أطلقا، ولو شرطا
التوارث أو شرط أحدهما قيل: يلزم عملا بالشرط، وقيل: لا يلزم لأنه لا يثبت إلا شرعا
فيكون اشتراطا لغير وارث كما لو شرط للأجنبي، والأول أشهر.
الثامن: إذا انقضى أجلها بعد الدخول فعدتها حيضتان، وروي حيضة وهو متروك،
وإن كانت لا تحيض ولم تيئس فخمسة وأربعون يوما، وتعتد من الوفاة ولو لم يدخل بها
492

بأربعة أشهر وعشرة أيام إن كانت حائلا وبأبعد الأجلين إن كانت حاملا على الأصح،
ولو كانت أمة كانت عدتها حائلا شهرين وخمسة أيام.
القسم الثالث: في نكاح الإماء:
وهو إما بالملك أو العقد:
والعقد ضربان: دائم ومنقطع، وقد مضى ذكر كثير من أحكامهما.
وتلحق هنا مسائل:
الأولى: لا يجوز للعبد ولا للأمة أن يعقدا لأنفسهما نكاحا إلا بإذن المالك، فإن عقد
أحدهما من غير إذن وقف على إجازة المالك، وقيل: بل يكون إجازة المالك كالعقد
المستأنف، وقيل: يبطل فيهما وتلغى الإجازة، وفيه قول رابع مضمونه اختصاص الإجازة
بعقد العبد دون الأمة والأول أظهر، ولو أذن المولى صح وعليه مهر مملوكه ونفقة زوجته وله
مهر أمته، وكذا لو كان كل واحد منهما لمالك أو أكثر فأذن بعضهم لم يمض إلا برضا الباقين
أو إجازتهم بعد العقد على الأشبه.
الثانية: إذا كان الأبوان رقا كان الولد كذلك، فإن كانا لمالك واحد فالولد له وإن
كانا لاثنين كان الولد بينهما نصفين، ولو اشترطه لأحدهما أو اشترط زيادة عن نصيبه لزم
الشرط، ولو كان أحد الزوجين حرا لحق الولد به، سواء كان الحر هو الأب أو الأم إلا أن
يشترط المولى رق الولد، فإن شرط، لزم الشرط، على قول مشهور.
الثالثة: إذا تزوج الحر أمة من غير إذن المالك ثم وطأها قبل الرضا عالما بالتحريم كان
زانيا وعليه الحد ولا مهر إن كانت عالمة مطاوعة، ولو أتت بولد كان رقا لمولاها، وإن كان
الزوج جاهلا أو كان هناك شبهة فلا حد ووجب المهر وكان الولد حرا لكن يلزمه قيمته
يوم سقط حيا لمولى الأمة، وكذا لو عقد عليها لدعواها الحرية لزمه المهر، وقيل: عشر قيمتها
إن كانت بكرا و نصف العشر إن كانت ثيبا، وهو المروي، ولو كان دفع إليها مهرا استعاد
493

ما وجد منه وكان ولدها منه رقا وعلى الزوج أن يفكهم بالقيمة ويلزم المولى دفعهم إليه ولو
لم يكن له مال سعى في قيمتهم، ولو أبي السعي فهل يجب أن يفديهم الإمام؟ قيل نعم
تعويلا على رواية فيها ضعف، وقيل: لا يجب لأن القيمة لازمة للأب لأنه سبب الحيلولة،
ولو قيل بوجوب الفدية على الإمام فمن أي شئ يفديهم؟ قيل: من سهم الرقاب، ومنهم
من أطلق.
الرابعة: إذا زوج المولى عبده أمته هل يجب أن يعطيها المولى شيئا من ماله؟ قيل نعم،
والاستحباب أشبه، ولو مات كان الخيار للورثة في إمضاء العقد وفسخه ولا خيار للأمة.
الخامسة: إذا تزوج العبد بحرة مع العلم بعدم الإذن لم يكن لها مهر ولا نفقة مع علمها
بالتحريم وكان أولادها منه رقا، ولو كانت جاهلة كانوا أحرارا ولا يجب عليها قيمتهم
وكان مهرها لازما لذمة العبد إن دخل بها ويتبع به إذا تحرر.
السادسة: إذا تزوج عبد بأمة لغير مولاه، فإن أذن الموليان فالولد لهما وكذا لو لم يأذنا،
ولو أذن أحدهما كان الولد لمن لم يأذن، ولو زنى بأمة غير مولاه كان الولد لمولى الأمة.
السابعة: إذا تزوج أمة بين شريكين ثم اشترى حصة أحدهما بطل العقد وحرم عليه
وطؤها، ولو أمضى الشريك الآخر العقد بعد الابتياع لم يصح، وقيل: يجوز له وطؤها
بذلك، وهو ضعيف، ولو حللها له قيل: تحل، وهو مروي وقيل: لا لأن سبب الاستباحة
لا يتبعض، وكذا لو ملك نصفها وكان الباقي حرا لم يجز له وطؤها بالملك ولا بالعقد الدائم،
فإن هايأها على الزمان قيل: يجوز أن يعقد عليها متعة في الزمان المختص بها، وهو مروي
وفيه تردد لما ذكرناه من العلة.
ومن اللواحق: الكلام في الطوارئ وهي ثلاثة: العتق والبيع والطلاق.
أما العتق: فإن أعتقت المملوكة كان لها فسخ نكاحها سواء كانت تحت حر أو عبد،
ومن الأصحاب من فرق وهو أشبه، والخيار فيه على الفور، ولو أعتق العبد لم يكن له خيار
ولا لمولاه ولا لزوجته حرة كانت أو أمة لأنها رضيته عبدا، ولو زوج عبده أمته ثم أعتق
494

الأمة أو أعتقهما كان لها الخيار وكذا لو كانا لمالكين فأعتقا دفعة، ويجوز أن يجعل عتق
الأمة صداقها، ويثبت عقده عليها بشرط تقديم لفظ العقد على العتق بأن يقول لها:
تزوجتك وأعتقتك وجعلت عتقك مهرك، لأنه لو سبق بالعتق كان لها الخيار في القبول
والامتناع وقيل: لا يشترط، لأن الكلام المتصل كالجملة الواحدة وهو حسن، وقيل:
يشترط تقديم العتق، لأن بضع الأمة مباح لمالكها فلا يستباح بالعقد مع تحقق الملك،
والأول أشهر.
وأم الولد لا تنعتق إلا بعد وفاة مولاها من نصيب ولدها ولو عجز النصيب سعت في
المتخلف، ولا يلزم على ولدها السعي فيه وقيل: يلزم، والأول أشبه، ولو مات ولدها وأبوه
حي جاز بيعها وعادت إلى محض الرق، ويجوز بيعها مع وجود ولدها في ثمن رقبتها إذا لم
يكن لمولاها غيرها، وقيل: يجوز بيعها بعد وفاته في ديونه، وإن لم يكن ثمنا لها إذا كانت
الديون محيطة بتركته بحيث لا يفضل عن الديون شئ أصلا، ولو كان ثمنها دينا فتزوجها
المالك وجعل عتقها مهرها ثم أولدها وأفلس بثمنها ومات بيعت في الدين، وهل يعود
ولدها رقا؟ قيل نعم لرواية هشام بن سالم، والأشبه أنه لا يبطل العتق ولا النكاح ولا
يرجع الولد رقا لتحقق الحرية فيهما.
وأما البيع: فإذا باع المالك الأمة كان ذلك كالطلاق والمشتري بالخيار بين إمضاء
العقد وفسخه، وخياره على الفور فإذا علم ولم يفسخ لزم العقد وكذا حكم العبد إذا كان
تحته أمة، ولو كان تحته حرة فبيع كان للمشتري الخيار على رواية فيها ضعف، ولو كانا
لمالك فباعهما لاثنين كان الخيار لكل واحد من المبتاعين وكذا لو اشتراهما واحد، وكذا
لو باع أحدهما كان الخيار للمشتري وللبائع ولا يثبت عقدهما إلا برضا المتبايعين، ولو
حصل بينهما أولاد كانوا لموالي الأبوين.
مسائل ثلاث:
الأولى: إذا زوج أمته ملك المهر لثبوته في ملكه، فإن باعها قبل الدخول سقط المهر
495

لانفساخ العقد الذي ثبت المهر باعتباره، فإن أجاز المشتري كان المهر له لأن إجازته
كالعقد المستأنف، ولو باعها بعد الدخول كان المهر للأول سواء أجاز الثاني أو فسخ
لاستقراره في ملك الأول، وفيها أقوال مختلفة والمحصل ما ذكرناه.
الثانية: لو زوج عبده بحرة ثم باعه قبل الدخول قيل: كان للمشتري الفسخ وعلى
المولى نصف المهر، ومن الأصحاب من أنكر الأمرين.
الثالثة: لو باع أمته وادعى أن حملها منه وأنكر المشتري لم يقبل قوله في إفساد البيع
ويقبل في التحاق الولد لأنه إقرار لا يتضرر به الغير، وفيه تردد.
وأما الطلاق: فإذا تزوج العبد بإذن مولاه حرة أو أمة لغيره لم يكن له إجباره على
الطلاق ولا منعه، ولو زوجه أمته كان عقدا صحيحا لا إباحة وكان الطلاق بيد المولى، وله
أن يفرق بينهما بغير لفظ الطلاق مثل أن يقول: فسخت عقد كما، أو يأمر أحدهما باعتزال
صاحبه، وهل يكون هذا اللفظ طلاقا؟ قيل: نعم، حتى لو كرره مرتين وبينهما رجعة
حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره، وقيل: بل يكون فسخا، وهو أشبه، ولو طلقها الزوج
ثم باعها المالك أتمت العدة، هل يجب أن يستبرئها المشتري بزيادة عن العدة؟ قيل:
نعم، لأنهما حكمان وتداخلهما على خلاف الأصل، وقيل: ليس عليه استبراؤها لأنها
مستبرأة، وهو أصح.
وأما الملك فنوعان:
الأول: ملك الرقبة:
يجوز أن يطأ الانسان بملك الرقبة ما زاد عن أربع من غير حصر، وأن يجمع في الملك
بين المرأة وأمها لكن متى وطأ واحدة حرمت عليه الأخرى عينا، وأن يجمع بينها وبين
أختها بالملك، ولو وطأ واحدة حرمت الأخرى جمعا، فلو أخرج الأولى عن ملكه حلت له
الثانية، ويجوز أن يملك موطوءة الأب كما يجوز للأب أن يملك موطوءة ابنه، ويحرم على كل
واحد منهما وطء من وطأها الآخر عينا.
496

ويحرم على المالك وطء مملوكته إذا زوجها حتى تحصل الفرقة وتنقضي عدتها إن
كانت ذات عدة. وليس للمولى فسخ العقد إلا أن يبيعها فيكون للمشتري الخيار، وكذا
لا يجوز له النظر منها إلى ما لا يجوز لغير المالك. ولا يجوز له وطء أمة مشتركة بينه وبين غيره
بالملك، ولا يجوز للمشتري وطء الأمة إلا بعد استبرائها، ولو كان لها زوج فأجاز نكاحه
لم يكن له بعد ذلك فسخ، وكذا لو علم فلم يعترض إلا أن تفارق الزوج وتعتد منه إذا
كانت من ذوات العدة، ولو لم يجز نكاحه لم يكن عليها عدة وكفاه الاستبراء في جواز
الوطء، ويجوز ابتياع ذوات الأزواج من أهل الحرب وكذا بناتهم وما يسبيه أهل الضلال
منهم.
تتمة وتشتمل على مسألتين:
الأولى: كل من ملك أمة بوجه من وجوه التمليك حرم عليه وطؤها حتى يستبرئها
بحيضة، فإن تأخرت الحيضة وكانت في سن من تحيض اعتدت بخمسة وأربعين يوما،
ويسقط ذلك إذا ملكها حائضا إلا مدة حيضها، وكذا إن كانت لعدل وأخبر باستبرائها،
وكذا لامرأة، أو يائسة أو حاملا على كراهية.
الثانية: إذا ملك أمة فأعتقها كان له العقد عليها ووطؤها من غير استبراء والاستبراء
أفضل، ولو كان وطأها وأعتقها لم يكن لغيره العقد عليها إلا بعد العدة وهي ثلاثة أشهر
إن لم تسبق الأطهار.
الثاني: ملك المنفعة:
والنظر في الصيغة والحكم:
أما الصيغة: فإن يقول: أحللت لك وطأها، أو جعلتك في حل من وطئها، ولا يستباح بلفظ العارية، وهل
يستباح بلفظ الإباحة؟ فيه خلاف أظهره الجواز، ولو قال:
وهبتك وطأها أو سوغتك أو ملكتك، فمن أجاز الإباحة يلزمه الجواز هنا ومن اقتصر على
497

التحليل منع، وهل هو عقد أو تمليك منفعة؟ فيه خلاف بين الأصحاب منشأه عصمة
الفرج عن الاستمتاع بغير العقد أو الملك ولعل الأقرب هو الأخير.
وفي تحليل أمته لمملوكه روايتان إحديهما المنع ويؤيدها أنه نوع من تمليك والعبد بعيد
عن التملك، والأخرى الجواز إذا عين له الموطوءة ويؤيدها أنه نوع من إباحة وللمملوك
أهلية الإباحة، والأخير أشبه، ويجوز تحليل المدبرة وأم الولد ولو ملك بعضها فأحلته نفسها
لم تحل، ولو كانت مشتركة فأحله الشريك قيل: تحل، والفرق أنه ليس للمرأة أن تحل
نفسها.
وأما الحكم فمسائل:
الأولى: يجب الاقتصار على ما تناوله اللفظ وما شهد الحال بدخوله تحته، فلو أحل له
التقبيل اقتصر عليه وكذا لو أحل له اللمس فلا يستبيح الوطء، ولو أحل له الوطء أحل له
ما دونه من ضروب الاستمتاع، ولو أحل له الخدمة لم يطأها وكذا لو أحل له الوطء لم
تستخدم، ولو وطئ مع عدم الإذن كان عاصيا ولزمه عوض البضع وكان الولد رقا
لمولاها.
الثانية: ولد المحللة حر ثم إن شرط الحرية مع لفظ الإباحة فالولد حر ولا سبيل على
الأب، وإن لم يشترط قيل: يجب على الأب فكه بالقيمة، وقيل: لا يجب، وهو أصح
الروايتين.
الثالثة: لا بأس أن يطأ الأمة وفي البيت غيره وأن ينام بين أمتين، ويكره ذلك في
الحرة، ويكره وطء الفاجرة ومن ولدت من الزنى.
498

ويلحق بالنكاح النظر في أمور خمسة:
الأول: ما يرد به النكاح:
وهو يستدعي بيان ثلاثة مقاصد:
الأول: في العيوب:
وهي إما في الرجل وإما في المرأة، فعيوب الرجل ثلاثة: الجنون والخصاء والعنن.
فالجنون: سبب لتسليط الزوجة على الفسخ دائما كان أو أدوارا، وكذا المتجدد بعد
العقد وقبل الوطء أو بعد العقد والوطء، وقد يشترط في المتجدد أن لا يعقل أوقات
الصلاة، وهو في موضع التردد.
والخصاء: وهو سل الأنثيين وفي معناه الوجاء وإنما يفسخ به مع سبقه على العقد،
وقيل: وإن تجدد بعد العقد، وليس بمعتمد.
والعنن: مرض يضعف معه القوة عن نشر العضو بحيث يعجز عن الإيلاج ويفسخ به
وإن تجدد بعد العقد لكن بشرط أن لا يطأ زوجته ولا غيرها، فلو وطأها ولو مرة ثم عن أو
أمكنه وطء غيرها مع عننه عنها لم يثبت لها الخيار على الأظهر، وكذا لو وطأها دبرا وعن
قبلا، وهل يفسخ بالجب؟ فيه تردد منشأه التمسك بمقتضى العقد، والأشبه تسليطها به
لتحقق العجز عن الوطء بشرط أن لا يبقى له ما يمكن معه الوطء ولو قدر الحشفة، ولو حدث
الجب لم يفسخ به وفيه قول آخر، ولو بان خنثى لم يكن لها الفسخ وقيل: لها ذلك، وهو
تحكم مع إمكان الوطء، ولا يرد الرجل بعيب غير ذلك.
وعيوب المرأة سبعة: الجنون والجذام والبرص والقرن والإفضاء والعرج والعمى.
أما الجنون: فهو فساد العقل، فلا يثبت الخيار مع السهو السريع زواله ولا مع الإغماء
العارض مع غلبة المرة وإنما يثبت الخيار فيه مع استقراره.
وأما الجذام: فهو الذي يظهر معه يبس الأعضاء وتناثر اللحم، ولا تجزي قوة
الاحتراق ولا تعجر الوجه ولا استدارة العين.
وأما البرص: فهو البياض الذي يظهر على صفحة البدن لغلبة البلغم ولا يقضي
499

بالتسلط مع الاشتباه. وأما القرن: فقد قيل: هو العقل، وقيل: هو عظم ينبت في الرحم يمنع الوطء، والأول
أشبه، فإن لم يمنع الوطء قيل: لا يفسخ به لإمكان الاستمتاع، ولو قيل بالفسخ تمسكا
بظاهر النقل أمكن.
وأما الإفضاء: فهو تصيير المسلكين واحدا.
وأما العرج: ففيه تردد أظهره دخوله في أسباب الفسخ إذا بلغ الإقعاد.
وقيل: الرتق أحد العيوب المسلطة على الفسخ، وربما كان صوابا إن منع من الوطء
أصلا لفوات الاستمتاع، إذا لم يمكن إزالته أو أمكن وامتنعت من علاجه. ولا ترد المرأة
بعيب غير هذه السبعة.
المقصد الثاني: في أحكام العيوب: وفيه مسائل:
الأولى: العيوب الحادثة للمرأة قبل العقد مبيحة للفسخ وما يتجدد بعد العقد والوطء
لا يفسخ به، وفي المتجدد بعد العقد وقبل الدخول تردد أظهره أنه لا يبيح الفسخ تمسكا
بمقتضى العقد السليم عن معارض.
الثانية: خيار الفسخ على الفور فلو علم الرجل أو المرأة بالعيب فلم يبادر بالفسخ لزم
العقد وكذا الخيار مع التدليس.
الثالثة: الفسخ بالعيب ليس بطلاق فلا يطرد معه تنصيف المهر ولا يعد في الثلث.
الرابعة: يجوز للرجل الفسخ من دون إذن الحاكم وكذا المرأة، نعم مع ثبوت العنن
يفتقر إلى الحاكم لضرب الأجل ولها التفرد بالفسخ عند انقضائه وتعذر الوطء.
الخامسة: إذا اختلفا في العيب فالقول قول منكره مع عدم البينة.
السادسة: إذا فسخ الزوج بأحد العيوب فإن كان قبل الدخول فلا مهر وإن كان بعده
فلها المسمى، لأنه ثبت بالوطئ ثبوتا مستقرا فلا يسقط بالفسخ وله الرجوع به على
المدلس، وكذا لو فسخت قبل الدخول فلا مهر إلا في العنن، ولو كان بعده كان لها
500

المسمى، وكذا لو كان بالخصاء بعد الدخول فلها المهر كاملا إن حصل الوطء.
السابعة: لا يثبت العنن إلا بإقرار الزوج أو البينة أو نكوله، ولو لم يكن ذلك وادعت
عننه فأنكر فالقول قوله مع يمينه، وقيل: يقام في الماء البارد فإن تقلص حكم بقوله وإن بقي
مسترخيا حكم لها وليس بشئ، ولو ثبت العنن ثم ادعى الوطء فالقول قوله مع يمينه،
وقيل: إن ادعى الوطء قبلا وكانت بكرا نظر إليها النساء فإن كانت ثيبا حشي قبلها
خلوقا فإن ظهر على العضو صدق، وهو شاذ، ولو ادعى أنه وطئ غيرها أو وطأها دبرا
كان القول قوله مع يمينه ويحكم عليه إن نكل، وقيل: بل يرد اليمين عليها، وهو مبني على
القضاء بالنكول.
الثامنة: إذا ثبت العنن فإن صبرت فلا كلام وإن رفعت أمرها إلى الحاكم أجلها سنة
من حين الترافع، فإن واقعها أو واقع غيرها فلا خيار وإلا كان لها الفسخ ونصف المهر.
المقصد الثالث: في التدليس: وفيه مسائل:
الأولى: إذا تزوج امرأة على أنها حرة فبانت أمة كان له الفسخ ولو دخل بها، وقيل:
العقد باطل، والأول أظهر، ولا مهر لها مع الفسخ قبل الدخول ولها المهر بعده، وقيل:
لمولاه العشر أو نصف العشر ويبطل المسمى، والأول أشبه، ويرجع بما اغترمه من عوض
البضع على المدلس، ولو كان مولاها دلسها قيل: يصح، وتكون حرة بظاهر إقراره، ولو لم
يكن تلفظ بما يقتضي العتق لم تعتق ولم يكن لها مهر، ولو دلست نفسها كان عوض البضع
لمولاها ويرجع الزوج به عليها إذا أعتقت، ولو كان دفع إليها المهر استعاد ما وجد منه وما
تلف منه يتبعها عند حريتها.
الثانية: إذا تزوجت المرأة برجل على أنه حر فبان مملوكا كان لها الفسخ قبل الدخول
وبعده، ولا مهر لها مع الفسخ قبل الدخول ولها المهر بعده.
الثالثة: قيل: إذا عقد على بنت رجل على أنها بنت مهيرة فبانت بنت أمة كان له
الفسخ، والوجه ثبوت الخيار مع الشرط إلا مع إطلاق العقد، فإن فسخ قبل الدخول فلا
501

مهر ولو فسخ بعده كان لها المهر ويرجع به على المدلس أبا كان أو غيره.
الرابعة: لو زوجه بنته من مهيرة وأدخل عليه بنته من الأمة فعليه ردها، ولها مهر المثل
إن دخل بها ويرجع به على من ساقها إليه وترد عليه التي تزوجها، وكذا كل من أدخل
عليه غير زوجته فظنها زوجته سواء كانت أخفض أو أرفع.
الخامسة: إذا تزوج امرأة وشرط كونها بكرا فوجدها ثيبا لم يكن له الفسخ لإمكان
تجدده بسبب خفي، وكان له أن ينقص من مهرها ما بين مهر البكر والثيب ويرجع فيه
إلى العادة، وقيل: ينقص السدس، وهو غلط.
السادسة: إذا استمتع امرأة فبانت كتابية لم يكن له الفسخ من دون هبة المدة ولا له
اسقاط شئ من المهر، وكذا لو تزوجها دائما على أحد القولين، نعم لو شرط إسلامها كان
له الفسخ إذا وجدها على خلافه.
السابعة: إذا تزوج رجلان بامرأتين وأدخلت امرأة كل واحد منهما على الآخر فوطئها
فلكل واحدة منهما على واطئها مهر المثل، وترد كل واحدة على زوجها وعليه مهرها
المسمى، وليس له وطؤها حتى تنقضي عدتها من وطء الأول، ولو ماتتا في العدة أو مات
الزوجان ورث كل واحد منهما زوجة نفسه وورثته.
الثامنة: كل موضع حكمنا فيه ببطلان العقد فللزوجة مع الوطء مهر المثل لا
المسمى، وكذا كل موضع حكمنا فيه بصحة العقد فلها مع الوطء المسمى وإن لحقه
الفسخ، وقيل: إن كان الفسخ بعيب سابق على الوطء لزمه مهر المثل سواء كان حدوثه
قبل العقد أو بعده والأول أشبه.
النظر الثاني: في المهور: وفيه أطراف:
الأول: في المهر الصحيح:
وهو كل ما يصح أن يملك عينا كان أو منفعة، ويصح العقد على منفعة الحر كتعليم
الصنعة والسورة من القرآن وكل عمل محلل وعلى إجارة الزوج نفسه مدة معينة، وقيل
502

بالمنع استنادا إلى رواية لا تخلو من ضعف مع قصورها عن إفادة المنع، ولو عقد الذميان
على خمر أو خنزير صح لأنهما يملكانه ولو أسلما أو أسلم أحدهما قبل القبض دفع القيمة
لخروجه عن ملك المسلم سواء كان عينا أو مضمونا، ولو كانا مسلمين أو كان الزوج
مسلما قيل: يبطل العقد، وقيل: يصح ويثبت لها مع الدخول مهر المثل، وقيل: بل قيمة
الخمر، والثاني أشبه.
ولا تقدير في المهر بل ما تراضي عليه الزوجان وإن قل ما لم يقصر عن التقويم كحبة
من حنطة، وكذا لا حد له في الكثرة، وقيل بالمنع من الزيادة عن مهر السنة ولو زاد رد
إليها وليس بمعتمد، ويكفي في المهر مشاهدته إن كان حاضرا ولو جهل وزنه أو كيله
كالصبرة من الطعام والقطعة من الذهب، ويجوز أن يتزوج امرأتين أو أكثر بمهر واحد
ويكون المهر بينهن بالسوية، وقيل: يقسط على مهور أمثالهن، وهو أشبه.
ولو تزوجها على خادم غير مشاهد ولا موصوف قيل: كان لها خادم وسط، وكذا لو
تزوجها على بيت مطلقا استنادا إلى رواية علي ابن أبي حمزة، أو دار على رواية ابن أبي عمير
عن بعض أصحابنا عن أبي الحسن ع. ولو تزوجها على كتاب الله وسنة نبيه
ص ولم يسم لها مهرا كان مهرها خمس مائة درهم، ولو سمى للمرأة مهرا
ولأبيها شيئا معينا لزم ما سمى لها وسقط ما سماه لأبيها، ولو أمهرها مهرا وشرط أن تعطي
أباها منه شيئا معينا قيل: يصح المهر ويلزم الشرط، بخلاف الأول.
ولا بد من تعيين المهر بما يرفع الجهالة فلو أصدقها تعليم سورة وجب تعيينها، ولو أبهم
فسد المهر وكان لها مع الدخول مهر المثل، وهل يجب تعيين الحرف؟ قيل نعم وقيل لا،
ويلقنها الجائز، وهو أشبه، ولو أمرته بتلقين غيرها لم يلزمه لأن الشرط لم يتناولها، ولو
أصدقها تعليم صنعة لا يحسنها أو تعليم سورة جاز لأنه ثابت في الذمة، ولو تعذر التوصل
كان عليه أجرة التعليم، ولو أصدقها ظرفا على أنه خل فبان خمرا قيل: كان لها قيمة الخمر
عند مستحليه، ولو قيل: كان لها مثل الخل، كان حسنا، وكذا لو تزوجها على عبد فبان
حرا أو مستحقا، وإذا تزوجها بمهر سرا وبآخر جهرا كان لها الأول.
503

والمهر مضمون على الزوج فلو تلف قبل تسليمه كان ضامنا له بقيمته وقت تلفه على
قول مشهور لنا، ولو وجدت به عيبا كان لها رده بالعيب، ولو عاب بعد العقد قيل: كانت
بالخيار في أخذه أو أخذ القيمة، ولو قيل: ليس لها القيمة ولها عينه وأرشه، كان حسنا،
ولها أن تمنع من تسليم نفسها حتى تقبض مهرها سواء كان الزوج موسرا أو معسرا، وهل
لها ذلك بعد الدخول؟ قيل نعم وقيل لا، وهو الأشبه لأن الاستمتاع حق لزم بالعقد،
ويستحب تقليل المهر، ويكره أن يتجاوز السنة وهو خمس مائة درهم وأن يدخل بالزوجة
حتى يقدم مهرها أو شيئا منه أو غيره ولو هدية.
الطرف الثاني: في التفويض:
وهو قسمان: تفويض البضع وتفويض المهر.
أما الأول: فهو أن لا يذكر في العقد مهرا أصلا مثل أن يقول: زوجتك فلانة، أو تقول
هي: زوجتك نفسي، فيقول: قبلت:
وفيه مسائل:
الأولى: ذكر المهر ليس شرطا في العقد، فلو تزوجها ولم يذكر مهرا أو شرط أن لا مهر
صح العقد، فإن طلقها قبل الدخول فلها المتعة حرة كانت أو مملوكة ولا مهر، وإن طلقها
بعد الدخول فلها مهر أمثالها ولا متعة، فإن مات أحدهما قبل الدخول وقبل الفرض فلا
مهر لها ولا متعة، ولا يجب مهر المثل بالعقد وإنما يجب بالدخول.
الثانية: المعتبر في مهر المثل حال المرأة في الشرف والجمال وعادة نسائها ما لم يتجاوز
السنة وهو خمس مائة درهم، والمعتبر في المتعة حال الزوج، فالغني يتمتع بالدابة أو الثوب
المرتفع أو عشرة دنانير، والمتوسط بخمسة دنانير أو الثوب المتوسط، والفقير بالدينار أو الخاتم
وما شاكله، ولا تستحق المتعة إلا المطلقة التي لم يفرض لها مهر ولم يدخل بها.
الثالثة: لو تراضيا بعد العقد بفرض المهر جاز، لأن الحق لهما سواء كان بقدر مهر المثل
504

أو أزيد أو أقل وسواء كانا عالمين أو جاهلين أو كان أحدهما عالما والآخر جاهلا، لأن
فرض المهر إليهما ابتداء فجاز انتهاء.
الرابعة: لو تزوج المملوكة ثم اشتراها فسد النكاح ولا مهر لها ولا متعة.
الخامسة: يتحقق التفويض في البالغة الرشيدة ولا يتحقق في الصغيرة ولا في الكبيرة
السفيهة، ولو زوجها الولي بدون مهر المثل أو لم يذكر مهرا صح العقد وثبت لها مهر المثل
بنفس العقد، وفيه تردد منشأه أن الولي له نظر المصلحة فيصح التفويض وثوقا بنظره، وهو
أشبه، وعلى التقدير الأول لو طلقها قبل الدخول كان لها نصف مهر المثل وعلى ما اخترناه
لها المتعة، ويجوز أن يزوج المولى أمته مفوضة لاختصاصه بالمهر.
السادسة: إذا زوجها مولاها مفوضة ثم باعها كان فرض المهر بين الزوج والمولى الثاني
إن أجاز النكاح ويكون المهر له دون الأول، ولو أعتقها الأول قبل الدخول فرضيت
بالعقد كان المهر لها خاصة.
وأما الثاني: وهو تفويض المهر، فهو أن يذكر على الجملة ويفوض تقديره إلى أحد
الزوجين، فإذا كان الحاكم هو الزوج لم يتقدر في طرف الكثرة ولا القلة وجاز أن يحكم بما
شاء، ولو كان الحكم إليها لم يتقدر في طرف القلة ويتقدر في طرف الكثرة، إذ لا يمضي
حكمها فيما زاد عن مهر السنة وهو خمس مائة درهم، ولو طلقها قبل الدخول وقبل الحكم
ألزم من إليه الحكم أن يحكم وكان لها النصف، ولو كانت هي الحاكمة فلها النصف
ما لم تزد في الحكم عن مهر السنة، ولو مات الحاكم قبل الحكم وقبل الدخول قيل: يسقط
المهر ولها المتعة، وقيل: ليس لها أحدهما، والأول مروي.
الطرف الثالث: في الأحكام: وفيه مسائل:
الأولى: إذا دخل الزوج قبل تسليم المهر كان دينا عليه ولم يسقط بالدخول سواء طالت
مدتها أو قصرت، طالبت به أو لم تطالب وفيه رواية أخرى مهجورة، والدخول الموجب
للمهر هو الوطء قبلا أو دبرا، ولا يجب بالخلوة وقيل: يجب، والأول أظهر.
505

الثانية: قيل إذا لم يسم لها مهرا وقدم لها شيئا ثم دخل كان ذلك مهرها ولم يكن لها
مطالبته بعد الدخول إلا أن تشارطه قبل الدخول على أن المهر غيره، وهو تعويل على تأويل
رواية واستناد إلى قول مشهور.
الثالثة: إذا طلق قبل الدخول كان عليه نصف المهر، ولو
كان دفعه استعاد نصفه إن كان باقيا أو نصف مثله إن كان تالفا، ولو لم يكن له مثل فنصف
قيمته، ولو اختلفت قيمته في وقت العقد ووقت القبض لزمها أقل الأمرين، ولو نقصت عينه أو صفته مثل
عور الدابة أو نسيان الصنعة قيل: كان له نصف القيمة سليما ولا يجبر على أخذ نصف
العين، وفيه تردد.
وأما لو نقصت قيمته لتفاوت السعر كان له نصف العين قطعا، وكذا لو زادت قيمته
لتزايد السوق إذ لا نظر إلى القيمة مع بقاء العين، ولو زاد بكبر أو سمن كان له نصف
قيمته من دون الزيادة، ولا تجبر المرأة على دفع العين على الأظهر، ولو حصل له نماء كالولد
واللبن كان للزوجة خاصة وله نصف ما وقع عليه العقد، ولو أصدقها حيوانا حاملا كان
له النصف منهما، ولو أصدقها تعليم صناعة ثم طلقها قبل الدخول كان لها نصف أجرة
تعليمها، ولو كان علمها قبل الطلاق رجع بنصف الأجرة، ولو كان تعليم سورة قيل:
يعلمها النصف من وراء الحجاب، وفيه تردد.
الرابعة: لو أبرأته من الصداق ثم طلقها قبل الدخول رجع بنصفه وكذا لو خالعها به
أجمع.
الخامسة: إذا أعطاها عوضا عن المهر عبدا آبقا وشيئا آخر ثم طلقها قبل الدخول كان
له الرجوع بنصف المسمى دون العوض، وكذا لو أعطاها متاعا أو عقارا فليس له إلا
نصف ما سماه.
السادسة: إذا أمهرها مدبرة ثم طلقها صارت بينهما نصفين فإذا مات تحررت، وقيل:
بل يبطل التدبير بجعلها مهرا كما لو كانت موصى بها، وهو أشبه.
السابعة: إذا شرط في العقد ما يخالف المشروع مثل أن لا يتزوج عليها أو لا يتسرى بطل
506

الشرط وصح العقد والمهر، وكذا لو شرط تسليم المهر في أجل - فإن لم يسلمه كان العقد
باطلا - لزم العقد والمهر وبطل الشرط، وكذا لو شرط أن لا يفتضها لزم الشرط، ولو أذنت
بعد ذلك جاز عملا بإطلاق الرواية، وقيل: يختص لزوم هذا الشرط بالنكاح المنقطع،
وهو تحكم.
الثامنة: إذا شرط أن لا يخرجها من بلدها قيل: يلزم، وهو المروي، ولو شرط لها مهرا
إن أخرجها إلى بلاده وأقل منه إن لم تخرج معه فأخرجها إلى بلد الشرك لم يجب إجابته
ولها الزائد، وإن أخرجها إلى بلد الاسلام كان الشرط لازما وفيه تردد.
التاسعة: لو طلقها بائنا ثم تزوجها في عدته ثم طلقها قبل الدخول كان لها نصف
المهر.
العاشرة: لو وهبته نصف مهرها متاعا ثم طلقها قبل الدخول فله الباقي ولم يرجع عليها
بشئ سواء كان المهر دينا أو عينا صرفا للهبة إلى حقها منه.
الحادية عشرة: لو تزوجها بعبدين فمات أحدهما رجع عليها بنصف الموجود ونصف
قيمة الميت.
الثانية عشرة: لو شرط الخيار في النكاح بطل العقد، وفيه تردد منشأه الالتفات إلى
تحقق الزوجية لوجود المقتضي وارتفاعه عن تطرق الخيار أو الالتفات إلى عدم الرضا
بالعقد لترتبه على الشرط، ولو شرط في المهر صح العقد والمهر والشرط.
الثالثة عشرة: الصداق يملك بالعقد على أشهر الروايتين ولها التصرف فيه قبل القبض
على الأشبه، فإذا طلق الزوج عاد إليه النصف وبقي للمرأة النصف، فلو عفت عن مالها
كان الجميع للزوج، وكذا لو عفا الذي بيده عقدة النكاح وهو الولي كالأب والجد
للأب، وقيل: أو من تولته المرأة عقدها. ويجوز للأب والجد للأب أن يعفو عن البعض
وليس لهما العفو عن الكل، ولا يجوز لولي الزوج أن يعفو عن حقه إن حصل للطلاق لأنه
منصوب لمصلحته ولا غبطة له في العفو، وإذا عفت عن نصفها أو عفا الزوج عن نصفه لم
يخرج عن ملك أحدهما بمجرد العفو لأنه هبة فلا ينتقل إلا بالقبض، نعم لو كان دينا على
507

الزوج أو تلف في يد الزوجة كفى العفو عن الضامن له لأنه يكون إبراء ولا يفتقر إلى
القبول على الأصح، أما الذي عليه المال فلا ينتقل عنه بعفوه ما لم يسلمه.
الرابعة عشرة: لو كان المهر مؤجلا لم يكن لها الامتناع، فلو امتنعت وحل هل لها أن
تمتنع؟ قيل نعم وقيل لا، لاستقرار وجوب التسليم قبل الحلول وهو أشبه.
الخامسة عشرة: لو أصدقها قطعة من فضة فصاغتها آنية ثم طلقها قبل الدخول كانت
بالخيار في تسليم نصف العين أو نصف القيمة لأنه لا يجب عليها بذل الصفة، ولو كان
الصداق ثوبا فخاطته قميصا لم يجب على الزوج أخذه وكان له إلزامها بنصف القيمة، لأن
الفضة لا تخرج بالصياغة عما كانت قابلة له وليس كذلك الثوب.
السادسة عشرة: لو أصدقها تعليم سورة كان حده أن تستقل بالتلاوة ولا يكفي
تتبعها لنطفه، نعم لو اشتغلت بتلاوة الآية ثم لقنها غيرها فنسيت الأولى لم يجب عليه
إعادة التعليم، ولو استفادت ذلك من غيره كان لها أجرة التعليم كما لو تزوجها بشئ
وتعذر عليه تسليمه.
السابعة عشرة: يجوز أن يجمع بين نكاح وبيع في عقد واحد ويقسط العوض على
الثمن ومهر المثل، ولو كان معها دينار فقالت: زوجتك نفسي وبعتك هذا الدينار
بدينار، بطل البيع لأنه ربا وفسد المهر وصح النكاح، أما لو اختلف الجنس صح الجميع.
فروع:
الأول: لو أصدقها عبدا فأعتقته ثم طلقها قبل الدخول فعليها نصف قيمته، ولو دبرته
قيل: كانت بالخيار في الرجوع والإقامة على تدبيره فإن رجعت أخذ نصفه وإن أبت لم تجبر
وكان عليها نصف القيمة، ولو دفعت نصف القيمة ثم رجعت في التدبير قيل: كان له
العود في العين لأن القيمة أخذت لمكان الحيلولة، وفيه تردد منشأه استقرار الملك بدفع
القيمة.
الثاني: إذا زوجها الولي بدون مهر المثل قيل: يبطل المهر ولها مهر المثل، وقيل: يصح
508

المسمى، وهو أشبه. الثالث: لو تزوجها على مال مشار إليه غير معلوم الوزن فتلف قبل قبضه فأبرأته منه
صح، وكذا لو تزوجها بمهر فاسد واستقر لها مهر المثل فأبرأته منه أو من بعضه صح ولو لم
تعلم كميته لأنه اسقاط للحق فلم يقدح فيه الجهالة، ولو أبرأته من مهر المثل قبل الدخول
لم يصح لعدم الاستحقاق.
تتمة: إذا زوج ولده الصغير، فإن كان له مال فالمهر على الولد وإن كان فقيرا فالمهر في
عهدة الوالد، ولو مات الوالد أخرج المهر من أصل تركته سواء بلغ الولد وأيسر أو مات قبل
ذلك، فلو دفع الأب المهر وبلغ الصبي فطلق قبل الدخول استعاد الولد النصف دون
الوالد لأن ذلك يجري مجرى الهبة له.
فرع: لو أدى الوالد المهر عن ولده الكبير تبرعا ثم طلق الولد رجع الولد بنصف المهر،
ولم يكن للوالد انتزاعه لعين ما ذكرناه في الصغير، وفي المسألتين تردد.
الطرف الرابع: في التنازع: وفيه مسائل:
الأولى: إذا اختلفا في أصل المهر فالقول قول الزوج مع يمينه، ولا إشكال قبل الدخول
لاحتمال تجرد العقد عن المهر، لكن الإشكال لو كان بعد الدخول فالقول قوله أيضا نظرا
إلى البراءة الأصلية، ولا إشكال لو قدر المهر ولو بارزة واحدة لأن الاحتمال متحقق
والزيادة غير معلومة، ولو اختلفا في قدره أو وصفه فالقول قوله أيضا، أما لو اعترف بالمهر ثم
ادعى تسليمه ولا بينة فالقول قول المرأة مع يمينها.
تفريع: لو دفع قدر مهرها فقالت دفعته هبة، فقال بل صداقا، فالقول قوله لأنه أبصر
بنيته.
الثانية: إذا خلا بها فادعت المواقعة، فإن أمكن الزوج إقامة البينة بأن ادعت هي أن
المواقعة قبلا وكانت بكرا فلا كلام، وإلا كان القول قوله مع يمينه لأن الأصل عدم المواقعة
وهو منكر لما تدعيه، وقيل: القول قول المرأة عملا بشاهد حال الصحيح في خلوته
509

بالحلائل، والأول أشبه.
الثالثة: لو أصدقها تعليم سورة أو صناعة فقالت علمني غيره، فالقول قولها لأنها منكرة
لما يدعيه.
الرابعة: إذا أقامت المرأة بينة أنه تزوجها في وقتين بعقدين فادعى الزوج تكرار العقد
الواحد وزعمت المرأة أنهما عقدان فالقول قولها لأن الظاهر معها، وهل يجب عليه مهران؟
قيل: نعم عملا بمقتضى العقدين، وقيل: يلزمه مهر ونصف، والأول أشبه.
النظر الثالث: في القسم والنشوز والشقاق:
القول في القسم: والكلام فيه وفي لواحقه:
أما الأول:
فنقول: لكل واحد من الزوجين حق يجب على صاحبه القيام به فكما يجب على الزوج
النفقة من الكسوة والمأكل والمشرب والإسكان فكذا يجب على الزوجة التمكين من
الاستمتاع وتجنب ما ينفر منه الزوج، والقسمة بين الأزواج حق على الزوج حرا كان أو
عبدا ولو كان عنينا أو خصيا، وكذا لو كان مجنونا ويقسم عنه الولي، وقيل: لا تجب
القسمة حتى يبتدئ بها، وهو أشبه، فمن له زوجة واحدة فلها ليلة من أربع وله ثلاث
يضعها حيث شاء، وللاثنتين ليلتان وللثلاث ثلاث والفاضل له، ولو كان له أربع كان
لكل واحدة ليلة بحيث لا يحل له الإخلال بالمبيت إلا مع العذر أو السفر أو أذنهن أو أذن
بعضهن فيما تختص الآذنة به.
وهل يجوز أن يجعل القسمة أزيد من ليلة لكل واحدة؟ قيل نعم، والوجه اشتراط
رضاهن. ولو تزوج أربعا دفعة رتبهن بالقرعة، وقيل: يبدأ بمن شاء حتى يأتي عليهن ثم
يجب التسوية على الترتيب، وهو أشبه، والواجب في القسمة المضاجعة لا المواقعة، ويختص
الوجوب بالليل دون النهار، وقيل: يكون عندها في ليلتها ويظل عندها في صيحتها، وهو
510

المروي. وإذا كانت الأمة مع الحرة أو الحرائر فللحرة ليلتان وللأمة ليلة، والكتابية
كالأمة في القسمة، ولو كانت عنده مسلمة وكتابية كان للمسلمة ليلتان وللكتابية ليلة،
ولو كانتا أمة مسلمة وحرة ذمية كانتا سواء في القسمة.
فروع:
لو بات عند الحرة ليلتين فأعتقت الأمة فرضيت بالعقد كان لها ليلتان لأنها صادفت
محل الاستحقاق، ولو بات عند الحرة ليلتين ثم بات عند الأمة ليلة ثم أعتقت لم يبت
عندها أخرى لأنها استوفت حقها، ولو بات عند الأمة ليلة ثم أعتقت قبل استيفاء الحرة
قيل: يقتضي للأمة ليلة لأنها ساوت الحرة، وفيه تردد، وليس للموطوءة بالملك قسمة
واحدة كانت أو أكثر، وله أن يطوف على الزوجات في بيوتهن،
وأن يستدعيهن إلى منزله وأن يستدعي بعضا ويسعى إلى بعض.
وتختص البكر عند الدخول بسبع ليال والثيب بثلاث ولا يقضي ذلك، ولو سبق إليه
زوجتان أو ثلاث زوجات في ليلة قيل: يبتدئ بمن شاء، وقيل: يقرع، والأول أشبه
والثاني أفضل، وتسقط القسمة بالسفر، وقيل: يقضي سفر النفلة والإقامة دون سفر
الغيبة، ويستحب أن يقرع بينهن إذا أراد استصحاب بعضهن، وهل يجوز العدول عمن
خرج اسمها إلى غيرها؟ قيل: لا لأنها تعينت للسفر، وفيه تردد، ولا يتوقف قسم الأمة
على إذن المالك لأنه لا حظ له فيه، ويستحب التسوية بين الزوجات في الانفاق وإطلاق
الوجه والجماع، وأن يكون في صبيحة كل ليلة عند صاحبتها وأن يأذن لها في حضور موت
أبيها وأمها، وله منعها عن عيادة أبيها وأمها وعن الخروج من منزله إلا لحق واجب.
وأما اللواحق: فمسائل:
الأولى: القسم حق مشترك بين الزوج والزوجة لاشتراك ثمرته فلو أسقطت حقها منه
كان للزوج الخيار، ولها أن تهب ليلتها للزوج أو لبعضهن مع رضاه فإن وهبت للزوج
511

وضعها حيث شاء، وإن وهبتها لهن وجب قسمتها عليهن، وإن وهبتها لبعضهن اختصت
بالموهوبة، وكذا لو وهبت ثلاث منهن لياليهن للرابعة لزمه المبيت عندها من غير إخلال.
الثانية: إذا وهبت فرضي الزوج صح، ولو رجعت كان لها ولكن لا يصح في الماضي
بمعنى أنه لا يقضى ويصح فيما يستقبل، ولو رجعت ولم يعلم لم يقض ما مضى قبل علمه.
الثالثة: لو التمست عوضا عن ليلتها فبذله الزوج، هل يلزم؟ قيل: لا لأنه حق لا يتقوم
منفردا، فلا يصح المعاوضة عليه.
الرابعة: لا قسمة للصغيرة ولا المجنونة المطبقة ولا الناشزة ولا المسافرة بغير إذنه بمعنى أنه
لا يقتضي لهن عما سلف.
الخامسة: لا يزور الزوج الضرة في ليلة ضرتها وإن كانت مريضة جاز له عيادتها، فإن
استوعب الليلة عندها هل يقضيها؟ قيل: نعم لأنه لم يحصل المبيت لصاحبتها وقيل لا: كما لو
زار أجنبيا وهو أشبه ولو دخل فواقعها ثم عاد إلى صاحبة الليلة لم يقض المواقعة في حق
الباقيات لأن المواقعة ليست من لوازم القسمة.
السادسة: لو جار بالقسمة قضي لمن أخل بليلتها.
السابعة: لو كان له أربع فنشزت واحدة ثم قسم خمس عشرة فوفى اثنتين ثم أطاعت
الرابعة وجب أن يوفي الثالثة خمس عشرة والتي كانت ناشزة خمسا فيقسم للناشزة ليلة
وللثالثة ثلاثا خمسة أدوارا، فتستوفي الثالثة خمس عشرة والناشزة خمسا ثم يستأنف.
الثامنة: لو طاف على ثلاث وطلق الرابعة بعد دخول ليلتها ثم تزوجها قيل: يجب لها
قضاء تلك الليلة، وفيه تردد ينشأ من سقوط حقها لخروجها عن الزوجية.
التاسعة: لو كان له زوجتان في بلدين فأقام عند واحدة عشرا قيل: كان عليه للأخرى
مثلها.
العاشرة: لو تزوج امرأة ولم يدخل بها فأقرع للسفر فخرج اسمها جاز له مع العود
توفيتها حصة التخصيص، لأن ذلك لا يدخل في السفر إذ ليس السفر داخلا في القسم.
512

القول في النشوز:
وهو الخروج عن الطاعة وأصله الارتفاع وقد يكون من الزوج كما يكون من الزوجة،
فمتى ظهر من الزوجة إمارته مثل أن تقطب في وجهه أو تتبرم بحوائجه أو تغير عادتها في
آدابها جاز له هجرها في المضجع بعد عظتها، وصورة الهجران يحول إليها ظهره في الفراش
وقيل: أن يعتزل فراشها، والأول مروي، ولا يجوز له ضربها والحال هذه، أما لو وقع النشوز
وهو الامتناع عن طاعته فيما يجب له جاز ضربها ولو بأول مرة، ويقتصر على ما يؤمل معه
رجوعها ما لم يكن مدميا ولا مبرحا. وإذا ظهر من الزوج النشوز بمنع حقوقها فلها المطالبة
وللحاكم إلزامه، ولها ترك بعض حقوقها من قسمة ونفقة استمالة له ويحل للزوج قبول
هذا.
القول في الشقاق:
وهو فعال من الشق كأن كل واحد منهما في شق، فإن كان النشوز منهما وخشي
الشقاق بعث الحاكم حكما من أهل الزوج وآخر من أهل المرأة على الأولى، ولو كانا من
غير أهلهما أو كان أحدهما جاز أيضا، وهل بعثهما على سبيل التحكيم أو التوكيل؟ الأظهر
أنه تحكيم، فإن اتفقا على الإصلاح فعلاه وإن اتفقا على التفريق لم يصح إلا برضا الزوج
في الطلاق ورضا المرأة في البذل إن كان خلعا.
تفريع: لو بعث الحكمان فغاب الزوجان أو أحدهما قيل: لم يجز الحكم لأنه حكم
للغائب، ولو قيل بالجواز كان حسنا لأن حكمهما مقصور على الإصلاح، أما التفرقة موقوفة
على الإذن.
مسألتان:
الأولى: ما يشترطه الحكمان يلزم إن كان سائغا وإلا كان لهما نقضه.
الثانية: لو منعها شيئا من حقوقها أو أغارها فبذلت له بذلا ليخلعها صح وليس ذلك
513

إكراها.
النظر الرابع في أحكام الأولاد: وهي قسمان:
الأول: في إلحاق الأولاد:
والنظر في الزوجات والموطوءات بالملك والموطوءات بالشبهة.
الأول: أحكام ولد الموطوءة بالعقد الدائم:
وهم يلحقون بالزوج بشروط ثلاثة: الدخول ومضي ستة أشهر من حين الوطء وأن
لا يتجاوز أقصى الوضع وهو تسعة أشهر على الأشهر، وقيل: عشرة أشهر، وهو حسن
يعضده الوجدان في كثير وقيل: سنة، وهو متروك. فلو لم يدخل بها لم يلحقه وكذا لو دخل
وجاءت به لأقل من ستة أشهر حيا كاملا، وكذا لو اتفقا على انقضاء ما زاد عن تسعة
أشهر أو عشرة من زمان الوطء أو ثبت ذلك بغيبة متحققة تزيد عن أقصى الحمل،
ولا يجوز له إلحاقه بنفسه والحال هذه.
ولو وطأها واطئ فجورا كان الولد لصاحب الفراش ولا ينتفي عنه إلا باللعان لأن
الزاني لا ولد له، ولو اختلفا في الدخول أو في ولادته فالقول قول الزوج مع يمينه، ومع
الدخول وانقضاء أقل الحمل لا يجوز له نفي الولد لمكان تهمة أمه بالفجور، ولا مع تيقنه ولو
نفاه لم ينتف إلا باللعان، ولو طلقها فاعتدت ثم جاءت بولد ما بين الفراق إلى أقصى مدة
الحمل لحق به إذا لم توطأ بعقد ولا شبهة، ولو زنى بامرأة فأحبلها ثم تزوج بها لم يجز إلحاقه
به، وكذا لو زنى بأمة فحملت ثم ابتاعها.
ويلزم الأب الإقرار بالولد مع اعترافه بالدخول وولادة زوجته له، فلو أنكره والحال
هذه لم ينتف إلا باللعان وكذا لو اختلفا في المدة، ولو طلق امرأته فاعتدت وتزوجت أو باع
أمته فوطئها المشتري ثم جاءت بولد لدون ستة أشهر كاملا فهو للأول، وإن كان لستة
أشهر فهو للثاني.
514

أحكام ولد الموطوءة بالملك: إذا وطئ الأمة فجاءت به بولد لستة أشهر فصاعدا لزمه الإقرار به، لكن لو نفاه لم
يلاعن أمته وحكم بنفيه ظاهرا، ولو اعترف به بعد ذلك ألحق به، ولو وطئ الأمة المولى
وأجنبي حكم بالولد للمولى، ولو انتقلت إلى موال بعد وطء كل واحد منهم لها حكم
بالولد لمن هي عنده إن جاءت به لستة أشهر فصاعدا منذ يوم وطأها، وإلا كان للذي قبله
إن كان لوطئه ستة أشهر فصاعدا، وإلا كان للذي قبله وهكذا الحكم في كل واحد منهم.
ولو وطأها المشتركون فيها في طهر واحد فولدت فتداعوه أقرع بينهم، فمن خرج اسمه
ألحق به وأغرم حصص الباقين من قيمة أمه وقيمته يوم سقط حيا، وإن ادعاه واحد،
ألحق به وألزم حصص الباقين من قيمة الأم والولد، ولا يجوز نفي الولد لمكان العزل، ولو
وطئ أمته ووطأها آخر فجورا ألحق الولد بالمولى، ولو حصل مع ولادته إمارة يغلب بها
الظن أنه ليس منه، قيل: لم يجز له إلحاقه به ولا نفيه بل ينبغي أن يوصي له بشئ ولا
يورثه ميراث الأولاد، وفيه تردد.
أحكام ولد الشبهة:
الوطء بالشبهة يلحق به النسب، فلو اشتبهت عليه أجنبية فظنها زوجته أو مملوكته
فوطئها ألحق به الولد وكذا لو وطئ أمة غيره لشبهة، لكن في الأمة يلزمه قيمة الولد يوم
سقط حيا لأنه وقت الحيلولة. ولو تزوج امرأة لظنها خالية أو لظنها موت الزوج أو طلاقه
فبان أنه لم يمت ولم يطلق ردت على الأول بعد الاعتداد من الثاني واختص الثاني بالأولاد
مع الشرائط سواء استندت في ذلك إلى حكم حاكم أو شهادة شهود أو إخبار مخبر.
القسم الثاني: في أحكام الولادة:
والكلام في سنن الولادة واللواحق:
أما سنن الولادة: فالواجب منها: استبداد النساء بالمرأة عند الولادة دون الرجال إلا
515

مع عدم النساء، ولا بأس بالزوج وإن وجدت النساء.
والندب ستة: غسل المولود والأذان في أذنه اليمنى والإقامة في اليسرى وتحنيكه بماء
الفرات، وبتربة الحسين ع، فإن لم يوجد ماء الفرات فبماء فرات، ولو لم يوجد إلا
ماء ملح جعل فيه شئ من التمر أو العسل، ثم يسميه أحد الأسماء المستحسنة وأفضلها
ما يتضمن العبودية لله سبحانه وتليها أسماء الأنبياء والأئمة ع، وأن يكنيه
مخافة النبز، وروي استحباب التسمية يوم السابع، ويكره أن يكنيه أبا القاسم إذا كان
اسمه محمدا وأن يسميه حكما أو حكيما أو خالدا أو حارثا أو مالكا أو ضرارا.
وأما اللواحق فثلاثة: سنن اليوم السابع والرضاع والحضانة.
وسنن اليوم السابع أربع: الحلق والختان وثقب الأذن والعقيقة.
أما الحلق: فمن السنة حلق رأسه يوم السابع مقدما على العقيقة والتصدق بوزن شعره
ذهبا أو فضة، ويكره أن يحلق من رأسه موضع ويترك موضع وهي القنازع.
وأما الختان: فمستحب يوم السابع ولو أخر جاز، ولو بلغ ولم يختن وجب أن يختن نفسه،
والختان واجب وخفض الجواري مستحب، ولو أسلم كافر غير مختتن وجب أن يختن ولو
كان مسنا، ولو أسلمت امرأة لم يجب ختانها واستحب.
وأما العقيقة: فيستحب أن يعق عن الذكر ذكر وعن الأنثى أنثى، وهل يجب
العقيقة؟ قيل نعم، والوجه الاستحباب، ولو تصدق بثمنها لم يجز في القيام بالسنة، ولو
عجز عنها أخرها حتى يتمكن ولا يسقط الاستحباب، ويستحب أن يجتمع فيها شروط
الأضحية، وأن تخص القابلة منها بالرجل والورك، ولو لم يكن قابلة أعطي الأم تتصدق
به، ولو لم يعق الوالد استحب للولد أن يعق عن نفسه إذا بلغ، ولو مات الصبي يوم
السابع، فإن مات قبل الزوال سقطت ولو مات بعده لم يسقط الاستحباب، ويكره
للوالدين أن يأكلا منها وأن يكسر شئ من عظامها بل يفصل أعضاؤها.
وأما الرضاع فلا يجب على الأم إرضاع الولد ولها المطالبة بأجرة إرضاعه وله
استيجارها إذا كانت بائنا، وقيل: لا يصح ذلك وهي في حباله، والوجه الجواز، ويجب
516

على الأب بذل أجرة الرضاع إذا لم يكن للولد مال، ولأمه أن ترضعه بنفسها أو بغيرها ولها
الأجرة، وللمولى إجبار أمته على الرضاع، ونهاية الرضاع حولان ويجوز الاقتصار على أحد
وعشرين شهرا، ولا يجوز نقصه عن ذلك ولو نص كان جورا، ويجوز الزيادة عن الحولين
شهرا وشهرين ولا يجب على الوالد دفع أجرة ما زاد عن حولين، والأم أحق بإرضاعه إذا
طلبت ما يطلب غيرها.
ولو طلبت زيادة كان للأب نزعه وتسليمه إلى غيرها، ولو تبرعت أجنبية بإرضاعه
فرضيت الأم بالتبرع فهي أحق به وإن لم ترض فللأب تسليمه إلى المتبرعة.
فرع: لو ادعى الأب وجود متبرعة وأنكرت الأم فالقول قول الأب لأنه يدفع عن
نفسه وجوب الأجرة على تردد، ويستحب أن يرضع الصبي بلبن أمه فهو أفضل.
وأما الحضانة: فالأم أحق بالولد مدة الرضاع وهي حولان ذكرا كان أو أنثى إذا
كانت حرة مسلمة، ولا حضانة للأمة ولا للكافرة مع المسلم، فإذا فصل فالوالد أحق
بالذكر والأم أحق بالأنثى حتى تبلغ سبع سنين وقبل: تسعا، وقيل: الأم أحق بها ما لم
تتزوج، والأول أظهر ثم يكون الأب أحق بها، ولو تزوجت الأم سقطت حضانتها عن
الذكر والأنثى وكان الأب أحق بهما، ولو مات كانت الأم أحق بهما من الوصي، وكذا لو
كان الأب مملوكا أو كافرا كانت الأم الحرة أحق به وإن تزوجت، فلو أعتق كان حكمه
حكم الحر، فإن فقد الأبوان فالحضانة لأب الأب، فإن عدم قيل: كانت الحضانة
للأقارب وترتبوا ترتيب الإرث نظرا إلى الآية وفيه تردد.
فروع أربعة على هذا القول:
الأول: قال الشيخ رحمه الله: إذا اجتمعت أخت لأب وأخت لأم كانت الحضانة
للأخت من الأب نظرا إلى كثرة النصيب في الإرث، والإشكال في أصل الاستحقاق وفي
الترجيح تردد ومنشأه تساويهما في الدرجة، وكذا قال رحمه الله في أم الأم مع أم الأب.
الثاني: قال رحمه الله في جده وأخوات: الجدة أولى لأنها أم.
517

الثالث: قال: إذا اجتمعت عمة وخالة فهما سواء.
الرابع: قال: إذا حصل جماعة متساوون في الدرجة كالعمة والخالة أقرع بينهم.
ومن لواحق الحضانة ثلاث مسائل:
الأولى: إذا طلبت الأم للرضاع أجرة زائدة عن غيرها فله تسليمه إلى الأجنبية، وفي
سقوط حضانة الأم تردد والسقوط أشبه.
الثانية: إذا بلغ الولد رشيدا سقطت ولاية الأبوين عنه وكان الخيار إليه في الانضمام
إلى من شاء.
الثالثة: إذا تزوجت سقطت حضانتها، فإن طلقها رجعية فالحكم باق، وإن بانت منه
قيل: لم ترجع حضانتها، والوجه الرجوع.
النظر الخامس: في النفقات:
لا تجب النفقة إلا بأحد أسباب ثلاثة: الزوجية والقرابة والملك:
القول في نفقة الزوجة:
والكلام في الشرط وقدر النفقة واللواحق:
والشرط اثنان:
الأول: أن يكون العقد دائما.
الثاني: التمكين الكامل وهو التخلية بينها وبينه بحيث لا تخص موضعا ولا وقتا، فلو
بذلت نفسها في زمان دون زمان أو مكان دون مكان آخر مما يسوع فيه الاستمتاع لم
يحصل التمكين، وفي وجوب النفقة بالعقد أو بالتمكين تردد أظهره بين الأصحاب وقوف
الوجوب على التمكين.
518

ومن فروع التمكين: أن لا تكون صغيرة يحرم وطء مثلها سواء كان زوجها كبيرا أو صغيرا ولو أمكن
الاستمتاع منها بما دون الوطء لأنه استمتاع نادر لا يرغب إليه في الغالب، أما لو كانت
كبيرة وزوجها صغيرا قال الشيخ رحمه الله: لا نفقة لها، وفيه إشكال منشأه تحقق التمكين
من طرفها، والأشبه وجوب الانفاق، ولو كانت مريضة أو رتقاء أو قرناء لم تسقط النفقة
لإمكان الاستمتاع بما دون الوطء قبلا وظهور العذر فيه، ولو اتفق الزوج عظيم الآلة وهي
ضعيفة منع من وطئها ولم تسقط النفقة وكانت كالرتقاء.
ولو سافرت الزوجة بإذن الزوج لم تسقط نفقتها سواء كان في واجب أو مندوب أو
مباح، وكذا لو سافرت في واجب بغير إذنه كالحج الواجب، أما لو سافرت بغير إذنه في
مندوب أو مباح سقطت نفقتها. ولو صلت أو صامت أو اعتكفت باذنه أو في واجب وإن
لم يأذن لم تسقط نفقتها، وكذا لو بادرت إلى شئ من ذلك ندبا لأن له فسخه، ولو
استمرت مخالفة تحقق النشوز وسقطت النفقة، وتثبت النفقة للمطلقة الرجعية كما تثبت
للزوجة.
وتسقط نفقة البائن وسكناها سواء كانت عن طلاق أو فسخ، نعم لو كانت المطلقة
حاملا لزم الانفاق عليها حتى تضع وكذا السكنى، وهل النفقة للحمل أو لأمه؟ قال
الشيخ رحمه الله: هي للحمل. وتظهر الفائدة في مسائل: منها في الحر إذا تزوج بأمة وشرط
مولاها رق الولد، وفي العبد إذا تزوج بأمة أو حرة وشرط مولاه الانفراد برق الولد، وفي
الحامل المتوفى عنها زوجها روايتان: أشهرهما أنها لا نفقة لها والأخرى ينفق عليها من
نصيب ولدها. وتثبت النفقة للزوجة مسلمة كانت أو ذمية أو أمة.
وأما قدر النفقة:
فضابطه: القيام بما تحتاج إليه المرأة من طعام وإدام وكسوة وإسكان وإخدام وآلة
الادهان تبعا لعادة أمثالها من أهل البلد، وفي تقدير الإطعام خلاف فمنهم من قدره بمد
519

للرفيعة والوضيعة من الموسر والمعسر ومنهم من لم يقدر واقتصر على سد الخلة وهو أشبه،
ويرجع في الإخدام إلى عادتها فإن كانت من ذوي الأخدام وجب وإلا خدمت نفسها،
وإذا وجبت الخدمة، فالزوج بالخيار بين الانفاق على خادمها إن كان لها خادم وبين
ابتياع خادم أو استيجارها أو الخدمة لها بنفسه، وليس لها التخيير ولا يلزمه أكثر من خادم
واحد ولو كانت من ذوي الحشم لأن الاكتفاء يحصل بها، ومن لا عادة لها بالإخدام
يخدمها مع المرض نظرا إلى العرف، ويرجع في جنس المأدوم والملبوس إلى عادة أمثالها من
أهل البلد وكذا في المسكن، ولها المطالبة بالتفرد بالمسكن عن مشارك غير الزوج، ولا بد
في الكسوة من زيادة في الشتاء للتدثر كالمحشوة لليقظة واللحاف للنوم ويرجع في جنسها
إلى عادة أمثال المرأة، وتزاد إذا كانت من أهل التجمل زيادة على ثياب البذلة بما يتجمل
أمثالها به.
وأما اللواحق: فمسائل:
الأولى: لو قالت: أنا أخدم نفسي ولي نفقة الخادم لم يجب إجابتها، ولو بادرت بالخدمة
من غير إذن لم يكن لها المطالبة.
الثانية: الزوجة تملك نفقة يومها مع التمكين، فلو منعها وانقضى اليوم استقرت نفقة
ذلك اليوم وكذا نفقة الأيام وإن لم يقدرها الحاكم ولم يحكم بها، ولو دفع لها نفقة لمدة وانقضت
تلك المدة ممكنة فقد ملكت النفقة، ولو استفضلت منها أو أنفقت على نفسها من غيرها
كانت ملكا لها، ولو دفع إليها كسوة لمدة جرت العادة ببقائها إليها صح ولو أخلقتها قبل
المدة لم يجب عليه بدلها، ولو انقضت المدة والكسوة باقية طالبته بكسوة لما يستقبل ولم يسلم
إليها نفقة لمدة ثم طلقها قبل انقضائها استعاد نفقة الزمان المتخلف إلا نصيب يوم
الطلاق، وأما الكسوة فله استعادتها ما لم تنقض المدة المضروبة لها.
الثالثة: إذا دخل بها واستمرت تأكل معه وتشرب على العادة لم تكن لها مطالبته بمدة
مؤاكلته، ولو تزوجها ولم يدخل بها وانقضت مدة لم تطالبه بنفقة لم تجب لها النفقة على
520

القول بأن التمكين موجب للنفقة أو شرط فيها، إذ لا وثوق لحصول التمكين لو طلبه.
تفريع على التمكين: لو كان غائبا فحضرت عند الحاكم وبذلت التمكين لم تجب
النفقة إلا بعد إعلامه ووصوله أو وكيله وتسلمها، ولو أعلم، فلم يبادر ولم ينفذ وكيلا
سقط عنه قدر وصوله وألزم بما زاد، ولو نشزت وعادت إلى الطاعة لم تجب النفقة حتى
يعلم وينقضي زمان يمكنه الوصول إليها أو وكيله، ولو ارتدت سقطت النفقة ولو عادت
فأسلمت عادت نفقتها عند إسلامها لأن الردة سبب السقوط وقد زالت، وليس كذلك
الأولى لأن بالنشوز خرجت عن قبضه فلا تستحق النفقة إلا بعودها إلى قبضه.
الرابعة: إذا ادعت البائن أنها حامل صرفت إليها النفقة يوما فيوما فإن تبين الحمل
وإلا استعيدت، ولا ينفق على بائن غير المطلقة الحامل وقال الشيخ رحمه الله: ينفق لأن
النفقة للولد.
فرع: على قوله: إذا لاعنها فبانت منه وهي حامل، فلا نفقة لها لانتفاء الولد وكذا لو
طلقها ثم ظهر بها حمل فأنكره ولاعنها، ولو أكذب نفسه بعد اللعان واستلحقه لزمه
الانفاق لأنه من حقوق الولد.
الخامسة: قال الشيخ رحمه الله: نفقة زوجة المملوك تتعلق برقبته إن لم يكن مكتسبا
ويباع منه في كل يوم بقدر ما يجب عليه، وقال آخرون: يجب في كسبه، ولو قيل: يلزم
السيد لوقوع العقد باذنه، كان حسنا، وقال رحمه الله: ولو كان مكاتبا لم يجب نفقة ولده
من زوجته ويلزمه نفقة الولد من أمته لأنه ماله، ولو تحرر منه شئ كانت نفقته في ماله
بقدر ما تحرر منه.
السادسة: إذا طلق الحامل رجعية فادعت أن الطلاق بعد الوضع وأنكر فالقول قولها
مع يمينها، ويحكم عليه بالبينونة تديينا له بإقراره ولها النفقة استصحابا لدوام الزوجية.
السابعة: إذا كان له على زوجته دين جاز أن يقاضيها يوما فيوما إن كانت موسرة،
ولا يجوز مع إعسارها لأن قضاء الدين فيما يفضل عن القوت، ولو رضيت بذلك لم يكن له
الامتناع.
521

الثامنة: نفقة الزوجية مقدمة على الأقارب فما فضل عن قوته صرفه إليها، ثم لا يدفع
إلى الأقارب إلا ما يفضل عن واجب نفقة الزوجة لأنها نفقة معاوضة وتثبت في الذمة.
القول في نفقة الأقارب:
والكلام في من ينفق عليه وكيفية الانفاق واللواحق:
تجب النفقة على الأبوين والأولاد إجماعا، وفي وجوب الانفاق على آباء الأبوين
وأمهاتهم تردد أظهره الوجوب، ولا تجب على غير العمودين من الأقارب كالأخوة
والأعمام والأخوال وغيرهم لكن تستحب وتتأكد في الوارث منهم.
ويشترط في وجوب الانفاق الفقر، وهل يشترط العجز عن الاكتساب؟ الأظهر
اشتراطه لأن النفقة معونة على سد الخلة والمكتسب قادر فهو كالغني، ولا عبرة بنقصان
الخلة ولا بنقصان الحكم مع الفقر والعجز وتجب ولو كان فاسقا أو كافرا، وتسقط إذا
كان مملوكا وتجب على المولى.
ويشترط في المنفق القدرة، فلو حصل له قدر كفايته اقتصر على نفسه فإن فضل شئ
فلزوجته فإن فضل فللأبوين والأولاد، ولا تقدير في النفقة بل الواجب قدر الكفاية من
الإطعام والكسوة والمسكن وما يحتاج إليه من زيادة الكسوة في الشتاء للتدثر يقظة ونوما
ولا يجب إعفاف من تجب النفقة له، وينفق على أبيه دون أولاده لأنهم أخوة المنفق،
وينفق على ولده وأولاده لأنهم أولاد، ولا يقضي نفقة الأقارب لأنها مؤاساة لسد الخلة
فلا يستقر في الذمة، ولو قدرها الحاكم، نعم لو أمره بالاستدانة عليه فاستدان وجب
القضاء له.
وتشتمل اللواحق على مسائل:
الأولى: تجب نفقة الولد على أبيه، ومع عدمه أو فقره فعلى أب الأب وإن علا لأنه
أب، ولو عدمت الآباء فعلى أم الولد، ومع عدمها أو فقرها فعلى أبيها وأمها وإن علوا
522

الأقرب فالأقرب، ومع التساوي يشتركون في الانفاق.
الثانية: إذا كان له أبوان وفضل له ما يكفي أحدهما كانا فيه سواء وكذا لو كان ابنا
وأبا، ولو كانا أبا وجدا أو أما وجدة خص به الأقرب.
الثالثة: لو كان له أب وجد موسران فنفقته على أبيه دون جده، ولو كان له أب و ابن
موسران كانت نفقته عليهما بالسوية.
الرابعة: إذا دافع بالنفقة الواجبة أجبره الحاكم فإن امتنع حبسه، وإن كان له مال
ظاهر جاز أن يأخذ من ماله ما يصرف في النفقة، ولو كان له عروض أو عقار أو متاع جاز
بيعه لأن النفقة حق كالدين.
القول في نفقة المملوك:
تجب النفقة على ما يملكه الانسان من رقيق وبهيمة، أما العبد والأمة فمولاهما بالخيار
في الانفاق عليهما من خاصته أو من كسبهما، ولا تقدير لنفقتهما بل الواجب بقدر الكفاية
من إطعام وإدام وكسوة، ويرجع في جنس ذلك كله إلى عادة مماليك أمثال السيد من
أهل بلده، ولو امتنع عن الانفاق أجبر على بيعه أو الانفاق، ويستوي في ذلك القن والمدبر
وأم الولد، ويجوز أن يخارج المملوك بأن يضرب عليه ضريبة ويجعل الفاضل له إذا رضي،
فإن فضل قدر كفايته وكله إليه وإلا كان على المولى التمام، ولا يجوز أن يضرب عليه
ما يقصر كسبه عنه ولا ما لا يفضل معه قدر نفقته إلا إذا قام بها المولى.
وأما نفقة البهائم المملوكة فواجبة سواء كانت مأكولة أو لم تكن والواجب القيام بما
يحتاج إليه، فإن اجتزأت بالرعي وإلا علفها، فإن امتنع أجبر على بيعها أو ذبحها إن
كانت تقصد بالذبح أو الانفاق، وإن كان لها ولد وفر عليه من لبنها قدر كفايته، ولو
اجتزأ بغيره من رعي أو علف جاز أخذ اللبن.
523

المختصر النافع
لأبي القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن بن أبي زكريا
يحيى بن الحسن بن سعيد الهذلي المشتهر بالمحقق وبالمحقق الحلي
602 - 676 ه‍ ق
525

كتاب النكاح:
وأقسامه ثلاثة:
الأول: في الدائم وهو يستدعي فصولا:
الأول: في صيغة العقد وأحكامه وآدابه.
أما الصيغة:
فالإيجاب والقبول. ويشترط النطق بأحد ألفاظ ثلاثة: زوجتك، وأنكحتك، ومتعتك.
والقبول وهو الرضا بالإيجاب. وهل يشترط وقوع تلك الألفاظ بلفظ الماضي؟ الأحوط نعم، لأنه
صريح في الانشاء. ولو أتى بلفظ الأمر كقوله للولي: زوجنيها، فقال: زوجتك، قيل: يصح
كما في قصة سهل الساعدي. ولو أتى بلفظ المستقبل كقوله: أتزوجك، قيل: يجوز كما في خبر
أبان عن الصادق ع في المتعة: أتزوجك، فإذا قالت: نعم، فهي امرأتك.
ولو قال زوجت بنتك من فلان فقال نعم فقال الزوج: قبلت، صح، لأنه يتضمن السؤال.
ولا يشترط تقديم الإيجاب. ولا تجزئ الترجمة مع القدرة على النطق، وتجزى مع العذر،
كالأعجم وكذا الإشارة للأخرس.
527

وأما الحكم فمسائل:
الأولى: لا حكم لعبارة الصبي ولا المجنون ولا السكران. وفي رواية: إذا زوجت
السكرى نفسها ثم أفاقت فرضيت به أو دخل بها وأقرته كان ماضيا.
الثانية: لا يشترط حضور شاهدين ولا ولي، إذا كانت الزوجة بالغة رشيدة على
الأصح.
الثالثة: لو ادعى زوجية امرأة وادعت أختها زوجيته، فالحكم لبينة الرجل إلا أن
يكون مع المرأة ترجيح من دخول أو تقديم تاريخ.
ولو عقد على امرأة وادعى آخر زوجيتها لم يلتفت إلى دعواه إلا مع البينة.
الرابعة: لو كان لرجل عدة بنات فزوج واحدة ولم يسمها ثم اختلفا في المعقود عليها
فالقول قول الأب، وعليه أن يسلم إليه التي قصدها في العقد إن كان الزوج رآهن. وإن لم
يكن رآهن فالعقد باطل.
وأما الآداب فقسمان:
الأول: آداب العقد:
ويستحب له أن يتخير من النساء البكر العفيفة الكريمة الأصل، وأن يقصد السنة
لا الجمال والمال فربما حرمهما. ويصلى ركعتين ويسأل الله تعالى أن يرزقه من النساء أعفهن
وأحفظهن وأوسعهن رزقا وأعظمهن بركة.
ويستحب الإشهاد والإعلان والخطبة أمام العقد وإيقاعه ليلا. ويكره والقمر في
العقرب. وأن يتزوج العقيم.
القسم الثاني: في آداب الخلوة:
يستحب صلاة ركعتين إذا أراد الدخول، والدعاء، وأن يأمرها بمثل ذلك عند
الانتقال، وأن يجعل يده على ناصيتها ويكونا على طهر، ويقول: اللهم على كتابك تزوجتها
إلى آخر الدعاء، وأن يكون الدخول ليلا، ويسمي عند الجماع، وأن يسأل الله تعالى أن
528

يرزقه ولدا ذكرا.
ويكره الجماع ليلة الخسوف ويوم الكسوف، وعند الزوال، وعند الغروب حتى يذهب
الشفق، وفي المحاق، وبعد الفجر حتى تطلع الشمس، وفي أول ليلة من كل شهر إلا شهر
رمضان، وفي ليلة النصف، وفي السفر إذا لم يكن معه ماء للغسل، وعند الزلزلة والريح
الصفراء والسوداء، ومستقبل القبلة ومستدبرها، وفي السفينة، وعاريا، وعقيب الاحتلام
قبل الغسل أو الوضوء، والجماع وعنده من ينظر إليه، والنظر إلى فرج المرأة، والكلام عند
الجماع بغير ذكر الله تعالى.
مسائل:
الأولى: يجوز النظر إلى وجه امرأة يريد نكاحها وكفيها. وفي رواية إلى شعرها
ومحاسنها. وكذا إلى أمة يريد شراءها. وإلى أهل الذمة لأنهن بمنزلة الإماء ما لم يكن لتلذذ.
وينظر إلى جسد زوجته باطنا وظاهرا. وإلى محارمه ما خلا العورة.
الثانية: الوطء في الدبر فيه روايتان، أشهرهما الجواز على الكراهية.
الثالثة: العزل عن الحرة بغير إذنها، قيل: يحرم وتجب به دية النطفة عشرة دنانير،
وقيل: مكروه وهو أشبه، ورخص في الإماء.
الرابعة: لا يدخل بالمرأة حتى يمضى لها تسع سنين. ولو دخل قبل ذلك لم تحرم على
الأصح.
الخامسة: لا يجوز للرجل ترك وطء المرأة أكثر من أربعة أشهر.
السادسة: يكره للمسافر أن يطرق أهله ليلا.
السابعة: إذا دخل بالصبية لم تبلغ تسعا فأفضاها حرم عليه وطؤها مؤبدا ولم تخرج
عن حبالته. ولم يفضها لم يحرم على الأصح.
الفصل الثاني: في أولياء العقد
لا ولاية في النكاح لغير الأب، والجد للأب وإن علا، والوصي، والمولى، والحاكم.
529

وولاية الأب والجد ثابتة على الصغيرة ولو ذهبت بكارتها بزنى أو غيره، ولا يشترط في
ولاية الجد بقاء الأب، وقيل يشترط وفي المستند ضعف. ولا خيار للصبية مع البلوغ وفي
الصبي قولان، أظهرهما: أنه كذلك. ولو زوجاها فالعقد للسابق، فإن اقترنا ثبت عقد الجد.
ويثبت ولايتهما على البالغ مع فساد عقله ذكرا كان أو أنثى ولا خيار له لو أفاق.
والثيب تزوج نفسها، ولا ولاية عليها لأب ولا لغيره. ولو زوجها من غير إذنها وقف
على إجازتها. أما البكر البالغة الرشيدة فأمرها بيدها. ولو كان أبوها حيا قيل: لها الانفراد
بالعقد دائما كان أو منقطعا. وقيل: العقد مشترك بينها وبين الأب فلا ينفرد أحدهما به. وقيل:
أمرها إلى الأب وليس لها معه أمر. ومن الأصحاب من أذن لها في المتعة دون الدائم، ومنهم من
عكس، والأول أولى. ولو عضلها الولي سقط اعتبار رضاه إجماعا.
ولو زوج الصغيرة غير الأب والجد وقف على رضاها عند البلوغ، وكذا الصغير.
لمولى أن يزوج المملوكة، صغيرة وكبيرة بكرا وثيبا، عاقلة ومجنونة ولا خيرة لها، وكذا
العبد. ولا يزوج الوصي إلا من بلغ فاسد العقل مع اعتبار المصلحة، وكذا الحاكم. ويلحق
بهذا الباب،
مسائل:
الأولى: الوكيل في النكاح، لا يزوجها من نفسه. ولو أذنت في ذلك فالأشبه الجواز.
وقيل: لا، وهي رواية عمار.
الثانية: النكاح يقف على الإجازة في الحر والعبد. ويكفي في الإجازة سكوت البكر،
ويعتبر في الثيب النطق.
الثالثة: لا ينكح الأمة إلا بإذن المولى، رجلا كان المولى أو امرأة وفي رواية سيف: يجوز
نكاح أمة المرأة من غير إذنها متعة، وهي منافية للأصل.
الرابعة: إذا زوج الأبوان الصغيرين صح وتوارثا، ولا خيار لأحدهما عند البلوغ.
ولو زوجهما غير الأبوين وقف على إجازتهما. فلو ماتا أو مات
أحدهما بطل العقد. ولو بلغ أحدهما فأجاز ثم مات عزل من تركته نصيب الباقي فإذا بلغ وأجاز أحلف أنه لم يجز
530

للرغبة وأعطي نصيبه.
الخامسة: إذا زوجها الأخوان برجلين، فإن تبرعا اختارت أيهما شاءت. وإن كانا
وكيلين وسبق أحدهما فالعقد له. ولو دخلت بالآخر لحق به الولد وأعيدت إلى الأول بعد
قضاء العدة ولها المهر للشبهة وإن اتفقا بطلا، وقيل: يصح عقد الأكبر.
السادسة: لا ولاية للأم. فلو زوجت الولد فأجاز صح، ولو أنكر بطل. وقيل: يلزمها
المهر. ويمكن حمله على دعوى الوكالة عنه. ويستحب للمرأة أن تستأذن أباها بكرا أو ثيبا،
وأن توكل أخاها إذا لم يكن لها أب ولا جد وأن تعول على الأكبر، وأن تختار خيرته من
الأزواج.
الفصل الثالث: في أسباب التحريم وهي ستة:
الأول: النسب: ويحرم به سبع... الأم وإن علت، والبنت وإن سفلت، والأخت وبناتها
وإن سفلن، والعمة وإن ارتفعت، وكذا الخالة، وبنات الأخ وإن هبطن.
الثاني: الرضاع: ويحرم منه من النسب.
وشروطه أربعة:
الأول: أن يكون اللبن عن نكاح. فلو در أو كان عن زنى لم ينشر.
الثاني: الكمية. وهي ما أنبت اللحم وشد العظم، أو رضاع يوم وليلة. ولا حكم لما دون
العشر، وفي العشر روايتان، أشهرهما: أنها لا ينشر. ولو رضع خمس عشرة رضعة تنشر.
ويعتبر في الرضعات قيود ثلاثة، كمال الرضعة، وامتصاصها من الثدي، وألا يفصل
بين الرضعات برضاع غير المرضعة.
الثالث: أن يكون في الحولين، وهو يراعى في المرتضع دون ولد المرضعة على الأصح
الرابع: أن يكون اللبن لفحل واحد. فيحرم الصبيان يرتضعان بلبن واحد
ولو اختلفت المرضعتان. ولا يحرم لو رضع كل واحد من لبن فحل آخر، وإن اتحدت المرضعة.
ويستحب أن يتخير للرضاع المسلمة الوضيئة العفيفة العاقلة. ولو اضطر إلى الكافرة
531

استرضع الذمية، ويمنعها من شرب الخمر ولحم الخنزير. ويكره تمكينها من حمل الولد إلى
منزلها. ويكره استرضاع المجوسية، ومن لبنها عن زنى. وفي رواية: إذا أحلها مولاها طاب
لبنها.
وهنا مسائل:
الأولى: إذا أكملت الشرائط صارت المرضعة أما، وصاحب اللبن أبا، وأختها خالة
وبنتها أختا ويحرم أولاد صاحب اللبن ولادة ورضاعا على المرتضع وأولاد المرضعة ولادة
لا رضاعا.
الثانية: لا ينكح أب المرتضع في أولاد صاحب اللبن ولادة ورضاعا لأنهم في حكم ولده
وهل تنكح أولاده الذين لم يرتضعوا في أولاد هذه المرضعة وأولاد فحلها قال في الخلاف:
لا، والوجه الجواز.
الثالثة: لو تزوج رضيعة فأرضعتها امرأته حرمتا إن كان دخل بالمرضعة وإلا حرمت
المرضعة حسب. ولو كان له زوجتان فأرضعتها واحدة حرمتا مع الدخول. ولو أرضعتها
الأخرى فقولان، أشبههما: أنها تحرم أيضا.
ولو تزوج رضيعتين فأرضعتهما امرأته حرمن كلهن إن كان دخل بالمرضعة، وإلا حرمت
المرضعة.
السبب الثالث: في المصاهرة: والنظر في الوطء والنظر واللمس:
أما الأول: فمن وطئ امرأة بالعقد أو الملك حرمت عليه أم الموطوءة وإن علت
وبناتها وإن سفلن، سواء كن قبل الوطء أو بعده. وحرمت الموطوءة على أبي الواطئ وإن
علا وأولاده وإن نزلوا. ولو تجرد العقد عن الوطء حرمت أمها عليه عينا على الأصح، وبنتها
جمعا لا عينا. فلو فارق الأم حلت البنت.
ولا تحرم مملوكة الابن على الأب بالملك، وتحرم بالوطئ. وكذا مملوكة الأب. ولا يجوز
لأحدهما أن يطأ مملوكة الآخر ما لم يكن عقد أو تحليل. نعم يجوز أن يقوم الأب مملوكة ابنه
532

الصغير على نفسه ثم يطأها.
ومن توابع هذا الفصل تحريم أخت الزوجة جمعا لا عينا، وكذا بنت أخت الزوجة
وبنت أخيها، فإن أذنت إحديهما صح. ولا كذا لو أدخل العمة أو الخالة على بنت الأخ
والأخت. ولو كان عنده العمة أو الخالة فبادر بالعقد على بنت الأخ أو الأخت كان العقد باطلا.
وقيل: تتخير العمة أو الخالة بين الفسخ والإمضاء أو فسخ عقدها.
وفي تحريم المصاهرة بوطئ الشبهة تردد، أشبهه: أنه لا يحرم. وأما الزنى فلا تحرم الزانية
ولا الزوجة وإن أصرت على الأشهر. وهل تنشر حرمة المصاهرة؟ قيل: نعم إن كان سابقا،
ولا تنشر إن كان لاحقا، والوجه: أنه لا ينشر ولو زنى بالعمة أو الخالة حرمت عليه بناتهما.
وأما اللمس والنظر بما لا يجوز لغير المالك:
فمنهم من نشر به الحرمة على أب اللامس والناظر وولده. ومنهم من خص التحريم
بمنظورة الأب. والوجه الكراهية في ذلك كله. ولا يتعدى التحريم إلى أم الملموسة والمنظورة
ولا بنتيهما. ويلحق بهذا الباب،
مسائل:
الأولى: لو ملك أختين فوطئ واحدة حرمت الأخرى، ولو وطئ الثانية أثم ولم تحرم الأولى.
واضطربت الرواية، ففي بعضها تحرم الأولى حتى تخرج الثانية عن الملك لا للعود. و
في أخرى: إن كان جاهلا لم تحرم، وإن كان عالما حرمتا عليه.
الثانية: يكره أن يعقد الحر على الأمة، وقيل: يحرم إلا أن يعدم الطول ويخشى
العنت.
الثالثة: لا يجوز للعبد أن يتزوج أكثر من حرتين، أو حرة وأمتين، أو أربع إماء.
الرابعة: لا يجوز نكاح الأمة على الحرة إلا بإذنها. ولو بادر
كان العقد باطلا. وقيل: كان للحرة الخيرة بين إجازته وفسخه. وفي رواية: لها أن تفسخ عقد نفسها وفي الرواية
ضعف. ولو أدخل الحرة على الأمة جاز. وللحرة الخيار إن لم تعلم، إن كانت الأمة زوجة.
533

ولو جمع بينهما في عقد صح عقد الحرة دون الأمة.
الخامسة: لا يحل العقد على ذات البعل ولا تحرم به. نعم لو زنى بها حرمت، وكذا في الرجعية خاصة.
السادسة: من تزوج امرأة في عدتها جاهلا، فالعقد فاسد. ولو دخل حرمت أبدا ولحق
به الولد ولها المهر بوطئ الشبهة. وتتم العدة للأول وتستأنف أخرى للثاني، وقيل: تجزئ عدة
واحدة. ولو كان عالما حرمت بالعقد.
ولو تزوج محرما عالما وإن لم يدخل، ولو كان جاهلا فسد ولم تحرم ولو دخل.
السابعة: من لاط بغلام فأوقبه حرمت عليه أم الغلام وبنته وأخته.
السبب الرابع: في استيفاء العدد:
إذا استكمل الحر أربعا بالغبطة حرم عليه ما زاد. ويحرم عليه من الإماء ما زاد على
اثنتين. وإذا استكمل العبد حرتين أو أربعا من الإماء غبطة حرم عليه ما زاد. ولكل منهما أن
يضيف إلى ذلك بالعقد المنقطع وبملك اليمين ما شاء.
وإذا طلق واحدة من الأربع حرم عليه ما زاد غبطة حتى يخرج من العدة أو تكون المطلقة
بائنة. وكذا لو طلق امرأة وأراد نكاح أختها. ولو تزوجهما في عقد بطل وقيل: يتخير،
والرواية مقطوعة.
ولو كان معه ثلاث فتزوج اثنتين في عقد، فإن سبق بإحداهما صح دون اللاحقة، وإن قرن بينهما بطل فيهما. وقيل
يتخير أيتهما شاء. وفي رواية جميل لو تزوج خمسا في عقد واحد يتخير أربعا ويخلى باقيهن.
وإذا استكملت الحرة طلقات ثلاثا حرمت حتى تنكح زوجا غيره ولو كانت تحت عبد.
وإذا استكملت الأمة طلقتين حرمت حتى تنكح زوجا غيره، ولو كانت تحت حر. والمطلقة
تسعا للعدة تحرم على المطلق أبدا.
534

السبب الخامس: اللعان:
ويثبت به التحريم المؤبد. وكذا قذف الزوج امرأته الصماء أو الخرساء بما يوجب
اللعان.
السبب السادس: الكفر:
ولا يجوز للمسلم أن ينكح غير الكتابية إجماعا. وفي الكتابية قولان: أظهرهما: أنه
لا يجوز غبطة. ويجوز متعة، وبالملك، في اليهودية والنصرانية. وفي المجوسية قولان،
أشبههما: الجواز.
ولو ارتد أحد الزوجين قبل الدخول وقع الفسخ في الحال. ولو كان بعد الدخول وقف
على انقضاء العدة إلا أن يكون الزوج مولودا على الفطرة فإنه لا يقبل عوده وتعتد زوجته
عدة الوفاة.
وإذا أسلم زوج الكتابية فهو على نكاحه، سواء كان قبل الدخول أو بعده.
ولو أسلمت زوجته دونه، انفسخ في الحال، إن كان قبل الدخول ووقف على انقضاء العدة
إن كان بعده. وقيل: إن كان بشرائط الذمة كان نكاحه باقيا ولا يمكن من الدخول عليها
ليلا، ولا من الخلوة بها نهارا وغير الكتابيين يقف على انقضاء العدة بإسلام أيهما اتفق.
ولو أسلم الذمي وعنده أربع فما دون لم يتخير. ولو كان عنده أكثر من أربع تخير
أربعا. وروى عمار عن أبي عبد الله ع: إن إباق العبيد بمنزلة الارتداد. فإن رجع
والزوجة في العدة فهو أحق بها، وإن خرجت من العدة فلا سبيل له عليها، وفي الرواية
ضعف.
مسائل سبع:
الأولى: التساوي في الاسلام شرط في صحة العقد. وهل يشترط التساوي في الإيمان؟
الأظهر: لا، لكنه يستحب ويتأكد في المؤمنة. نعم لا يصح نكاح الناصب ولا الناصبة
بالعداوة لأهل البيت ع. ولا يشترط تمكن الزوج من النفقة. ولا يتخير الزوجة
535

لو تجدد العجز عن الانفاق. ويجوز نكاح الحرة العبد، والهاشمية غير الهاشمي، والعربية العجمي وبالعكس.
وإذا خطب المؤمن القادر على النفقة وجب إجابته وإن كان أخفض نسبا، وإن منعه الولي
كان عاصيا.
ويكره أن يزوج الفاسق ويتأكد في شارب الخمر، وأن تزوج المؤمنة المخالف. ولا بأس
بالمستضعف والمستضعفة ومن لا يعرف بعناد.
الثاني: إذا انتسب إلى قبيلة وبان من غيرها ففي رواية الحلبي: تفسخ النكاح.
الثالث: إذا تزوج امرأة ثم علم أنها كانت زنت فليس له الفسخ ولا الرجوع على
الولي بالمهر. وفي رواية لها الصداق بما استحل من فرجها، ويرجع به على الولي، وإن شاء
تركها.
الرابعة: لا يجوز التعريض بالخطبة لذات العدة الرجعية ويجوز في غيرها، ويحرم
التصريح في الحالين.
الخامسة: إذا خطب فأجابت كره لغيره خطبتها ولا تحرم.
السادسة: نكاح الشغار باطل وهو أن تتزوج امرأتان برجلين، على أن مهر كل
واحد نكاح الأخرى.
السابعة: يكره العقد على القابلة المربية وبنتها، وأن يزوج ابنه بنت زوجته إذا ولدتها
بعد مفارقته لها، ولا بأس بمن ولدتها قبل ذلك. وأن يتزوج بمن كانت صرة لأمه مع غير أبيه.
ويكره الزانية قبل أن تتوب.
القسم الثاني: في النكاح المنقطع:
والنظر في أركانه وأحكامه: وأركانه أربعة:
الأول: الصيغة: وهو
ينعقد بأحد الألفاظ الثلاثة خاصة. وقال " علم الهدي ": ينعقد في الإماء بلفظ الإباحة والتحليل.
الثاني: الزوجة: ويشترط كونها مسلمة أو كتابية. ولا يصح بالمشركة والناصبة.
536

ويستحب اختيار المؤمنة العفيفة وأن يسألها عن حالها مع التهمة وليس شرطا. ويكره
بالزانية وليس شرطا. وأن يستمتع ببكر ليس لها أب، فإن فعل فلا يفتضها. وليس محرما،
ولا حصر في عددهن.
ويحرم أن يستمتع أمة على حرة إلا بإذنها، وأن يدخل على المرأة بنت أخيها أو بنت
أختها ما لم تأذن.
الثالث: المهر: وذكره شرط ويكفي فيه المشاهدة، ويتقدر بالتراضي ولو بكف من بر.
ولو لم يدخل ووهبها المدة فلها النصف ويرجع بالنصف عليها لو كان دفع المهر وإذا دخل
استقر المهر تماما. ولو أخلت بشئ من المدة قاصها.
ولو بان فساد العقد فلا مهر إن لم يدخل. ولو دخل فلها ما أخذت وتمنع ما بقي. والوجه
أنها تستوفيه مع جهالتها ويستعاد منها مع علمها. ولو قيل بمهر المثل مع الدخول وجهلها
كان حسنا.
الرابع: الأجل: وهو شرط في العقد ويتقدر بتراضيهما كاليوم والسنة والشهر ولا بد من
تعيينه ولا يصح ذكر المرة والمرات مجردة عن زمان مقدر. وفيه رواية بالجواز، فيها ضعف.
وأما الأحكام فمسائل:
الأولى: الإخلال بذكر المهر مع ذكر الأجل يبطل العقد. وذكر المهر من دون الأجل
يقلبه دائما.
الثانية: لا حكم للشروط قبل العقد. ويلزم لو ذكرت فيه.
الثالثة: يجوز اشتراط إثباتها ليلا أو نهارا وألا يطأها في الفرج، ولو رضيت به بعد
العقد جاز. والعزل من دون إذنها. ويلحق الولد وإن عزل، لكن لو نفاه لم يحتج إلى اللعان.
الرابعة: لا يقع بالمتعة طلاق إجماعا. ولا لعان على الأظهر. ويقع الظهار على تردد.
الخامسة: لا يثبت بالمتعة ميراث بين الزوجين. وقال المرتضى: يثبت، ما لم يشترط
السقوط. نعم لو شرط الميراث لزم.
السادسة: إذا انقضى أجلها فالعدة حيضتان على الأشهر. وإن كانت ممن تحيض ولم
537

تحض فخمسة وأربعون يوما. ولو مات عنها ففي العدة روايتان أشبههما: أربعة أشهر وعشرة
أيام.
السابعة: لا يصح تجديد العقد قبل انقضاء الأجل. ولو أراده وهبها ما بقي من المدة
واستأنف.
القسم الثالث: في نكاح الإماء: والنظر إما في العقد وإما في الملك.
أما العقد: فليس للعبد ولا للأمة أن يعقدا لأنفسهما نكاحا ما لم يأذن المولى. ولو بادر
أحدهما ففي وقوفه على الإجازة قولان، ووقوفه على الإجازة أشبه. وإن أذن المولى ثبت في ذمة
مولى العبد المهر والنفقة، ويثبت لمولى الأمة المهر. ولو لم يأذنا فالولد لهما. ولو أذن أحدهما كان
للآخر.
وولد المملوكين رق لمولاهما. ولو كانا لاثنين فالولد بينهما بالسوية ما لم يشترطه أحدهما.
وإذا كان أحد الأبوين حرا فالولد حر إلا أن يشترط المولى رقيته، على تردد.
ولو تزوج الحر أمة من غير إذن مالكها، فإن وطئها قبل الإجازة عالما فهو زان والولد
رق للمولى وعليه الحد والمهر. ويسقط الحد لو كان جاهلا دون المهر، ويلحقه الولد. وعليه
قيمته يوم سقط حيا. وكذا لو ادعت الحرية فتزوجها على ذلك. وفي رواية: يلزمه بالوطئ عشر
القيمة إن كانت بكرا، ونصف العشر لو كانت ثيبا. ولو أولدها فكهم بالقيمة. ولو عجز
سعى في قيمتهم، ولو أبي عن السعي قيل: يفديهم الإمام وفي المستند ضعف. ولو لم يدخل بها
فلا مهر.
ولو تزوجت الحرة عبدا مع العلم فلا مهر وولدها رق، ومع الجهل يكون الولد حرا
ولا يلزمها قيمته. ويلزم العبد مهرها إن لم يكن مأذونا ويتبع به إذا تحرر. ولو تسافح
المملوكان فلا مهر والولد رق لمولى الأمة وكذا لو زنى بها الحر.
ولو اشترى الحر نصيب أحد الشريكين من زوجته بطل عقده. ولو أمضى الشريك
العقد لم يحل وطؤها، وبالتحليل رواية فيها ضعف. وكذا لو كان بعضها حرا، أو لو هايأها
538

مولاها على الزمان ففي جواز العقد عليها متعة في زمانها تردد، أشبهه: المنع.
ويستحب لمن زوج عبده أمته أن يعطيها شيئا ولو مات المولى كان للورثة الخيار في
الإجازة والفسخ، ولا خيار للأمة.
ثم الطوارئ ثلاثة: العتق، والبيع، والطلاق.
أما العتق: فإذا أعتقت الأمة تخيرت في فسخ نكاحها وإن كان الزوج حرا على
الأظهر. ولا خيرة للعبد لو أعتق ولا لزوجته ولو كانت حرة. وكذا تتخير الأمة لو كانا لمالك
فأعتقا أو أعتقت.
ويجوز أن يتزوجها ويجعل العتق صداقها. ويشترط تقديم لفظ " التزويج " في العقد.
وقيل: يشترط تقديم العتق.
وأم الولد رق وإن كان ولدها باقيا. ولو مات جاز بيعها. وتنعتق بموت المولى من
نصيب ولدها. ولو عجز النصيب سعت في المتخلف. ولا يلزم الولد السعي على
الأشبه. وتباع مع وجود الولد في ثمن رقبتها إن لم يكن غيرها.
ولو اشترى الأمة نسيئة فأعتقها وتزوجها وجعل عتقها مهرها فحملت ثم مات ولم
يترك ما يقوم بثمنها فالأشبه: إن العتق لا يبطل ولا يرق الولد. وقيل: تباع في ثمنها ويكون
حملها كهيئتها لرواية هشام بن سالم.
وأما البيع: فإذا بيعت ذات البعل تخير المشتري في الإجازة والفسخ تخيرا على الفور.
وكذا لو بيع العبد وتحته أمة. وكذا قيل لو كان تحته حرة لرواية فيها ضعف. ولو كانا لمالك
فباعهما لاثنين فلكل منهما الخيار. وكذا لو باع أحدهما لم يثبت العقد ما لم يرض كل واحد
منهما.
ويملك المولى المهر بالعقد. فإن دخل الزوج استقر، ولا يسقط لو باع. أما لو باع قبل
الدخول سقط. فإن أجاز المشتري كان المهر له، لأن الإجازة كالعقد.
وأما الطلاق: فإذا كانت زوجة العبد حرة أو أمة لغير مولاه فالطلاق بيده وليس
لمولاه إجباره. ولو كانت أمة لمولاه كان التفريق إلى المولى، ولا يشترط لفظ الطلاق.
539

النظر الثاني في الملك: وهو نوعان:
الأول: ملك الرقبة:
ولا حصر في النكاح به. وإذا زوج أمته حرمت عليه وطئا ولمسا ونظرا بشهوة
ما دامت في العقد. وليس للمولى انتزاعها، ولو باعها تخير المشتري دونه ولا يحل لأحد
الشريكين وطء المشتركة.
ويجوز ابتياع ذوات الأزواج من أهل الحرب وأبنائهم وبناتهم. ولو ملك الأمة فأعتقها
حل له وطؤها بالعقد وإن لم يستبرئها، ولا تحل لغيره حتى تعتد كالحرة. ويملك الأب موطوءة
ابنه وإن حرم عليه وطؤها وكذا الابن.
النوع الثاني: ملك المنفعة:
وصيغته أن يقول: أحللت لك وطأها أو جعلتك في حل من وطئها ولم يتعدهما الشيخ.
واتسع آخرون بلفظ الإباحة ومنع الجميع لفظ العارية. وهل هو إباحة أو عقد؟ قال " علم
الهدي ": هو عقد متعة. وفي تحليل أمته لمملوكه تردد، ومساواته بالأجنبي أشبه. ولو ملك
بعض الأمة فأحلته نفسها لم يصح. وفي تحليل الشريك تردد والوجه: المنع.
ويستبيح ما يتناوله اللفظ. فلو أحل التقبيل اقتصر عليه، وكذا اللمس. لكن لو أحل
الوطء حل له ما دونه. ولو أحل الخدمة لم يتعرض للوطء. وكذا لا يستبيح بتحليل الوطء.
وولد المحللة حر. فإن شرط الحرية في العقد فلا سبيل على الأب. وإن لم يشترط ففي
إلزامه قيمة الولد روايتان، أشبههما: إنها لا تلزم.
ولا بأس أن يطأ الأمة وفي البيت غيره، وأن ينام بين أمتين. ويكره في الحرائر. وكذا يكره
وطء الفاجرة ومن ولدت من الزنى. ويلحق بالنكاح،
النظر في أمور خمسة:
الأول: في العيوب والبحث في أقسامها وأحكامها:
عيوب الرجل أربعة: الجنون والخصاء والعنن والجب.
540

وعيوب المرأة سبعة: الجنون والجذام والبرص والقرن والإفضاء والعمى والإقعاد.
وفي الرتق تردد أشبهه: ثبوته عيبا لأنه يمنع الوطء. ولا ترد بالعور ولا بالزنى ولو حدت
فيه، ولا بالعرج على الأشبه.
وأما الأحكام فمسائل:
الأولى: لا يفسخ النكاح بالعيب المتجدد بعد الدخول. وفي المتجدد بعد العقد تردد
عدا العنن. وقيل تفسخ المرأة بجنون الرجل المستغرق لأوقات الصلاة وإن تجدد.
الثانية: الخيار فيه على الفور وكذا في تدليس.
الثالثة: الفسخ فيه ليس طلاقا، فلا يطرد معه تنصيف المهر.
الرابعة: لا يفتقر الفسخ بالعيوب إلى الحاكم، ويفتقر في العنن لضرب الأجل.
الخامسة: إذا فسخ الزوج قبل الدخول فلا مهر. ولو فسخ بعده فلها المسمى ويرجع
به الزوج على المدلس. وإذا فسخت الزوجة قبل الدخول فلا مهر إلا في العنن ولو كان بعده
فلها المسمى. ولو فسخت بالخصاء ثبت لها المهر مع الخلوة ويعزر.
السادسة: لو ادعت عننه فأنكر فالقول قوله مع يمينه. ومع ثبوته يثبت لها الخيار ولو كان
متجددا، إذا عجز عن وطئها قبلا ودبرا وعن وطء غيرها. ولو ادعى الوطء فأنكرت، فالقول
قوله مع يمينه.
السابعة: إن صبرت مع العنن فلا بحث وإن رفعت أمرها إلى الحاكم أجلها سنة من
حين الترافع. فإن عجز عنها وعن غيرها فلها الفسخ ونصف المهر،
تتمة:
لو تزوج على أنها حرة فبانت أمة فله الفسخ. فلا مهر لو لم يدخل ولو دخل فلها المهر على الأشبه ويرجع به
على المدلس. وقيل: لمولاها العشر أو نصف العشر إن لم يكن مدلسا.
وكذا تفسخ هي لو بان زوجها مملوكا. ولا مهر قبل الدخول ولها المهر بعده.
ولو اشترط كونها بنت مهيرة فبانت بنت أمة فله الفسخ ولا مهر. ويثبت لو دخل.
541

ولو تزوج بنت مهيرة فأدخلت عليه بنت الأمة ردها ولها المهر مع الوطء للشبهة ويرجع به على
من ساقها، وله زوجته.
ولو تزوج اثنان فأدخلت امرأة كل منهما على الآخر، كان لكل موطوءة مهر المثل على
الواطئ للشبهة وعليها العدة وتعاد إلى زوجها وعليه مهرها الأصلي. ولو تزوجها بكرا
فوجدها ثيبا فلا رد. وفي رواية ينقص مهرها.
النظر الثاني: في المهر:
وفيه أطراف:
الطرف الأول: كل ما يملكه المسلم يكون مهرا، عينا كان أو دينا أو منفعة كتعليم
الصنعة والسورة، ويستوي فيه الزوج والأجنبي. أما لو جعلت المهر استئجاره مدة فقولان،
أشبههما: الجواز.
ولا تقدير للمهر في القلة ولا في الكثرة على الأشبه بل يتقدر بالتراضي. ولا بد من تعيينه
بالوصف أو الإشارة ويكفي المشاهدة عن كيله ووزنه. ولو تزوجها على خادم فلم يتعين فلها
وسطه. وكذا لو قال: دار أو بيت. ولو قال على السنة كان خمسمائة درهم. ولو سمى لها مهرا
ولأبيها شيئا سقط ما سمى له.
ولو عقد الذميان على خمر أو خنزير صح. ولو أسلما أو أحدهما قبل القبض فلها القيمة
عينا أو مضمونا. ولا يجوز عقد المسلم على الخمر ولو عقد صح ولها مع الدخول مهر المثل
وقيل: يبطل العقد.
الطرف الثاني: التفويض:
لا يشترط في الصحة ذكر المهر. فلو أغفله أو شرط ألا مهر لها فالعقد صحيح. ولو طلق
فلها المتعة قبل الدخول، وبعده لها مهر المثل. ويعتبر في مهر المثل حالها في الشرف والجمال.
وفي المتعة حاله. فالغني يتمتع بالثوب المرتفع أو عشرة دنانير فأزيد والفقير بالخاتم
أو الدرهم. والمتوسط بينهما.
542

ولو جعل الحكم لأحدهما في تقدير المهر صح. ويحكم الزوج بما شاء وإن قل. وإن حكمت
المرأة لم تتجاوز مهر السنة. ولو مات الحاكم قبل الدخول وقبل الحكم فالمروي لها المتعة.
الطرف الثالث: في الأحكام وهي عشرة:
الأول: تملك المرأة المهر بالعقد. وينتصف بالطلاق. ويستقر بالدخول وهو الوطء
قبلا أو دبرا. ولا يسقط معه لو لم يقبض، ولا يستقر بمجرد الخلوة على الأشهر.
الثاني: قيل إذا لم يسم لها مهرا وقدم لها شيئا قبل الدخول كان ذلك مهرا ما لم يشترط
غيره.
الثالث: إذا طلق قبل الدخول رجع بالنصف إن كان أقبضها أو طالبت بالنصف
إذا لم يكن أقبضها. ولا يستعيد الزوج ما تجدد من النماء بين العقد والطلاق، متصلا كان،
كاللبن أو منفصلا كالولد. ولو كان النماء موجودا وقت العقد رجع بنصفه كالحمل.
ولو كان تعليم صنعة أو علم فعلمها رجع بنصف أجرته. ولو أبرأته من الصداق رجع
بنصفه.
الرابع: لو أمهرها مدبرة ثم طلق صارت بينهما نصفين. وقيل: يبطل التدبير بجعلها
مهرا، وهو أشبه.
الخامس: لو أعطاها عوض المهر متاعا أو عبدا آبقا وشيئا ثم طلق رجع بنصف
المسمى دون العوض.
السادس: إذا شرط في العقد ما يخالف المشروع فسد الشرط دون العقد والمهر.
كما لو شرطت ألا يتزوج أو لا يتسرى. وكذا لو شرطت تسليم المهر في أجل، فإن تأخر عنه
فلا عقد. أما لو شرطت ألا يفتضها صح، ولو أذنت بعده جاز. ومنهم من خص جواز الشرط
بالمتعة.
السابع: لو شرط ألا يخرجها من بلدها لزم. ولو شرط لها مائة إن خرجت معه، وخمسين
إن لم تخرج، فإن أخرجها إلى بلد الشرك فلا شرط له ولزمته المائة. وإن أرادها إلى بلد
الاسلام فله الشرط.
543

الثامن: لو اختلفا في أصل المهر فالقول قول الزوج مع يمينه ولو كان بعد الدخول،
وكذا لو خلا فادعت المواقعة.
التاسع: يضمن الأب مهر ولده الصغير إن لم يكن له مال وقت العقد، ولو كان له
مال كان على الولد.
العاشر: للمرأة أن تمتنع حتى تقبض مهرها. وهل لها ذلك بعد الدخول؟ فيه قولان،
أشبههما: أنه ليس لها ذلك.
النظر الثالث: في القسم والنشوز والشقاق:
أما القسم: فللزوجة الواحدة ليلة، وللاثنين ليلتان، وللثلاث ثلاث. والفاضل من
الأربع له أن يضعه حيث شاء. ولو كن أربعا فلكل واحدة ليلة. ولا يجوز الإخلال إلا مع العذر
أو الإذن.
والواجب المضاجعة لا المواقعة. ويختص الوجوب بالليل دون النهار، وفي رواية
الكرخي. أنما عليه أن يكون عندها في ليلتها ويظل عندها في صبيحتها. ولو اجتمعت مع
الحرة أمة بالعقد فللحرة ليلتان وللأمة ليلة، والكتابية كالأمة. ولا قسمة للموطوءة بالملك.
وتختص البكر عند الدخول بثلاث إلى سبع، والثيب بثلاث. ويستحب التسوية بين
الزوجات في الانفاق وإطلاق الوجه والجماع، وأن يكون في صبيحة كل ليلة عند صاحبتها.
وأما النشوز: فهو ارتفاع أحد الزوجين عن طاعة صاحبه فيما يجب له. فمتى ظهر
من المرأة أمارة العصيان وعظها، فإن لم ينجع هجرها في المضجع. وصورته أن يوليها ظهره
في الفراش. فإن لم تنجع ضربها مقتصرا على ما يؤمل معه طاعتها ما لم يكن مبرحا. ولو كان
النشوز منه فلها المطالبة بحقوقها. ولو تركت بعض ما يجب أو كله استمالة جاز له القبول.
وأما الشقاق: فهو أن يكره كل منهما صاحبه. فإذا خشي الاستمرار بعث كل منهما
حكما من أهله، ولو امتنع الزوجان بعثهما الحاكم، ويجوز أن يكونا أجنبيين. وبعثهما تحكيم
لا توكيل، فيصلحان إن اتفقا، ولا يفرقان إلا مع إذن الزوج في الطلاق والمرأة في البذل.
ولو اختلف الحكمان لم يمض لهما حكم.
544

النظر الرابع: في أحكام الأولاد:
ولد الزوجة الدائمة يلحق به مع الدخول ومضى ستة أشهر من حين الوطء ووضعه
لمدة الحمل أو أقل، وهي تسعة أشهر، وقيل عشرة أشهر وهو حسن، وقيل سنة وهو متروك.
فلو اعتزلها أو غاب عنها عشرة أشهر فولدت بعدها لم يلحق به. ولو أنكر الدخول فالقول
قوله مع يمينه.
ولو اعترف به ثم أنكر الولد لم ينتف عنه إلا باللعان. ولو اتهمها بالفجور أو شاهد زناها لم
يجز له نفيه ويلحق به الولد ولو نفاه لم ينتف إلا باللعان. وكذا لو اختلفا في مدة الولادة.
ولو زنى بامرأة فأحبلها لم يجز إلحاقه به وإن تزوج بها. وكذا لو أحبل أمة غيره بزنى ثم
ملكها. ولو طلق زوجته فاعتدت وتزوجت غيره وأتت بولد لدون ستة أشهر فهو للأول.
ولو كان لستة فصاعدا فهو للأخير ولو لم تتزوج فهو للأول ما لم يتجاوز أقصى الحمل، وكذا
الحكم في الأمة لو باعها بعد الوطء.
وولد الموطوءة بالملك يلحق بالمولى ويلزمه الإقرار به. لكن لو نفاه انتفى ظاهرا،
ولا يثبت بينهما لعان. ولو اعترف به بعد النفي ألحق به، وفي حكمه ولد المتعة.
وكل من أقر بولد ثم نفاه لم يقبل نفيه. ولو وطئها المولى وأجنبي حكم به للمولى، فإن
حصل فيه أمارة يغلب معها الظن أنه ليس منه لم يجز له إلحاقه ولا نفيه، بل يستحب أن
يوصي له بشئ ولا يورثه ميراث الأولاد. ولو وطئها البائع والمشتري فالولد للمشتري إلا أن
يقصر الزمان عن ستة أشهر. ولو وطئها المشتركون فولدت وتداعوه أقرع بينهم وألحق
بمن يخرج اسمه ويغرم حصص الباقين من قيمته وقيمة أمه.
ولا يجوز نفي الولد لمكان العزل، ولا مع التهمة بالزنى. والموطوءة بالشبهة يلحق ولدها
بالواطئ.
ولو تزوج امرأة لظنه خلوها من بعل فباءت محصنة ردت على الأول بعد الاعتداد من
الثاني، وكانت الأولاد للواطئ مع الشرائط.
ويلحق بذلك أحكام الولادة، وسننها: استبداد النساء بالمرأة وجوبا إلا مع
عدمهن، ولا بأس بالزوج وإن وجدن. ويستحب غسل المولود، والأذان في أذنه اليمنى،
545

والإقامة في اليسرى، وتحنيكه بتربة الحسين ع، وبماء الفرات، ومع عدمه بماء
فرات، ولو لم يوجد إلا ماء ملح خلط بالعسل أو التمر. ويستحب تسميته الأسماء المستحسنة،
وأن يكنيه. ويكره أن يكنى محمدا بأبي القاسم، وأن يسمى حكما، أو حكيما، أو خالدا، أو حارثا، أو مالكا، أو ضرارا. ويستحب حلق رأسه
يوم السابع مقدما على العقيقة، والتصدق بوزن شعره ذهبا أو فضة، ويكره القنازع.
ويستحب ثقب أذنه وختانه فيه، ولو أخر جاز. ولو بلغ وجب عليه الاختتان. وخفض
الجارية مستحب، وأن يعق عنه فيه أيضا ولا تجزئ الصدقة بثمنها ولو عجز توقع المكنة.
ويستحب فيها شروط الأضحية وأن تخص القابلة بالرجل والورك، ولو كانت دمية أعطيت
ثمن الربع. ولو لم تكن قابلة تصدقت به الأم، ولو لم يعق الوالد استحب للولد إذا بلغ
ولو مات الصبي في السابع قبل الزوال سقطت، ولو مات بعد الزوال لم يسقط الاستحباب
ويكره أن يأكل منها الوالدان، وأن يكسر شئ من عظامها، بل يفصل مفاصل الأعضاء.
ومن التوابع: الرضاع والحضانة: وأفضل ما رضع لبن أمه. ولا تجبر الحرة على
إرضاع ولدها ويجبر الأمة مولاها. وللحرة الأجرة على الأب إن اختارت إرضاعه. وكذا
لو أرضعته خادمتها. ولو كان الأب ميتا، فمن مال الرضيع.
ومدة الرضاع حولان. ويجوز الاقتصار على أحد وعشرين شهرا لا أقل، والزيادة
بشهر أو بشهرين لا أكثر. ولا يلزم الوالد أجرة ما زاد عن حولين. والأم أحق بإرضاعه إذا
تطوعت أو قنعت بما تطلب غيرها، ولو طلبت زيادة عن ما قنع غيرها فللأب نزعه واسترضاع
غيرها.
وأما الحضانة: فالأم أحق بالولد بمدة الرضاع إذا كانت حرة مسلمة. وإذا فصل
فالحرة أحق بالبنت إلى سبع سنين، وقيل إلى تسع سنين. والأب أحق بالابن. ولو تزوجت
الأم سقطت حضانتها.
ولو مات الأب فالأم أحق به من الوصي. وكذا لو كان الأب مملوكا أو كافرا كانت الأم
الحرة أحق به ولو تزوجت. فإن أعتق الأب فالحضانة له.
546

النظر الخامس: في النفقات:
وأسبابها ثلاثة: الزوجية، والقرابة، والملك.
أما الزوجية: فيشترط في وجوب نفقتها شرطان. العقد الدائم، فلا نفقة لمستمتع بها.
والتمكين الكامل، فلا نفقة لناشزة. ولو امتنعت لعذر شرعي لم تسقط كالمرض والحيض
وفعل الواجب. أما المندوب، فإن منعها منه فاستمرت سقطت نفقتها. وتستحق الزوجة
النفقة ولو كانت ذمية أو أمة. وكذا تستحقها المطلقة الرجعية دون البائن والمتوفى عنها
زوجها إلا أن تكون حاملا فتثبت نفقتها في الطلاق على الزوج حتى تضع، وفي الوفاة من
نصيب الحمل على إحدى الروايتين. ونفقة الزوجة مقدمة على نفقة الأقارب وتقضى
لو فاتت.
وأما القرابة: فالنفقة على الأبوين والأولاد لازمة. وفي من علا من الآباء والأمهات
تردد، أشبهه: اللزوم. ولا تجب على غيرهم من الأقارب بل تستحب وتتأكد في الوارث.
ويشترط في الوجوب الفقر والعجز عن الاكتساب. ولا تقدير للنفقة بل يجب بذل الكفاية
من الطعام والكسوة والمسكن.
ونفقة الولد على الأب، ومع عدمه أو فقره فعلى أب الأب وإن علا مرتبا، ومع عدمهم
تجب على الأم وآبائها الأقرب فالأقرب. ولا تقضى نفقة الأقارب لو فاتت.
وأما المملوك فنفقته واجبة على مولاه، وكذا الأمة. ويرجع في قدر النفقة إلى عادة
مماليك أمثال المولى. ويجوز مخارجة المملوك على شئ. فما فضل يكون له، فإن كفاه
وإلا أئمة المولى.
وتجب النفقة على البهائم المملوكة، فإن امتنع مالكها أجبر على بيعها أو ذبحها إن
كانت مقصودة بالذبح.
547

الجامع للشرائع
للشيخ أبي زكريا يحيى بن أحمد بن يحيى بن الحسن
بن سعيد الهذلي
601 - 689 أو 690 ه‍ ق
549

كتاب النكاح:
باب من لا يحل العقد عليه من النساء وكيفية العقد ومن يليه:
والمحرمات على الأبد من جهة النسب: الأم والجدات من قبل أب أو أم وإن علون،
والبنات وبنات الأولاد وإن نزلن، والأخوات وبناتهن وبنات أولادهن وإن سفلن،
وأولاد الإخوة والأخوات وبنات أولادهم وإن سفلوا، والعمات والخالات وإن علون. ويحرم
بالسبب أبدا أم زوجته وجداتها نسبا ورضاعا وإن لم يدخل بزوجته، وبنت زوجته وبنات
أولادها في حجره وغيره حجره نسبا ورضاعا، فإن لم يدخل بزوجته وفارقها حللن له.
ويحرم عليه أم من وطأها بملك أو شبهة، وجداتها وبناتها وبنات أولادها أو قبلها
بشهوة أو نظر منها إلى ما لا يحل لغيره النظر إليه، ويحرم عليه زوجة أبيه وإن لم يدخل بها
وأزواج آبائه ومن وطأها أبوه وآباءه بملك يمين أو شبهة أو قبلها بشهوة، وزوجة ولده وإن لم
يدخل بها، وأزواج ولد ولده وإن سفل، والتي وطأها ولده بملك أو شبهة
وإن نزل. وإن زنا بخالته أو عمته حرمت عليه ابنتاهما وبنات أولادهما وإن نزلن أبدا، والمولودة
من زناه ولا يلحق به ولد ولا تملكها وقيل له نكاحها ووطؤها بالملك، وإن زنا الأب بزوجة ابنه
أو سريته أو زنا الابن بزوجة أبيه أو سريته لم يحرما على الأصل، وقيل: يحرم من زنا بها الأب
أو الابن وأمها وإن علت وبنتها وإن سفلت، ويحرم على الفاعل أخت المفعول بالإيقاب
وأمه وبنته وإن كانت زوجته انفسخ نكاحها وقيل: لا ينفسخ ولا يحرمن بدون الإيقاب.
ويحرم على الزاني أم المزني بها وبنتها قبل العقد عليها نسبا ورضاعا وقيل: لا يحرم،
551

ويحرم الملاعنة والمطلقة تسع تطليقات للعدة ينكحها بينها رجلان، والمزني بها ولها بعل على
الزاني أو في عدة رجعية، والمعقود عليها في عدة يعلمها وإن لم يدخل بها أو يجهلها إن دخل،
والمعقود عليها في إحرام وهو يعلم التحريم وإن لم يدخل أو يجهله إن دخل، والتي قذفها
زوجها عليه وهي صماء أو خرساء بما يوجب اللعان وعليه حد الفرية، وروي: إن قذفت
المرأة زوجها الأصم فرق بينهما ولم تحل له أبدا، والتي دخل بها الزوج لدون تسع سنين
فأفضاها حرم عليه وطؤها أبدا وعليه مهرها وديتها ونفقتها حياتها وإن شاء طلق أو أمسك،
وإن دخل بها بعد تسع سنين فأفضاها لم تحرم ولا شئ عليه.
ويحرم الخنثى المشكل، ونكاح العبد على أن رقبته المهر، ويحرم في حال دون حال
الكفارة حتى تسلم، والمرتدة وذات الزوج والمعتدة من زوج عدة رجعية أو بائنة على غير
من أبانها، والمطلقة ثلاثا في الحرة واثنتين في الأمة على مطلقها في
العدة وعلى غيره، وبعد العدة عليه خاصة حتى تنكح زوجا غيره ويدخل بها وتبين منه.
وللعاقد على المرأة في عدة أو إحرام ولم يدخل بها غير عالم بعدتها وتحريمها لإحرام
العقد عليها بعد العدة والإحلال، والجمع بين الأختين في نكاح غبطة أو متعة نسبا
ورضاعا أو بوطئ في المملوكتين، فإن جمع بينهما في العقد اختار أيتهما شاء، فإن عقد على واحدة
ثم على أختها فالأولى حل والأخرى فرق بينهما ولم يقرب الأولى حتى تخرج هذه من عدتها
وكذلك في الأم وبنتها سواء، وإذا تمتع بامرأة ثم بانت منه بعد الدخول بها لم يتزوج أختها إلا
بعد انقضاء عدتها، وإذا طلق زوجته طلاقا رجعيا لم يحل له التزويج بأختها حتى تنقضي
عدتها، ولو كانت رابعة فطلقها رجعيا لم تحل له الأخرى حتى تنقضي العدة، فإن طلق بائنا
حل له ذلك في المسألتين وكذلك لو ماتت زوجته.
ولا يجمع بينها وعمتها والمرأة وخالتها في عقد واحد، أو يدخل بنتي الأخ والأخت على
العمة والخالة فإن فعل ذلك برضاهما في الموضعين جاز، فإن لم ترضيا وفسختا عقديهما أو
عقدي أنفسهما جاز وأعددن عدة الطلاق وبانت بلا طلاق وكذا في نكاح المتعة، وحكم
النسب والرضاع في ذلك سواء وحكم الجمع بين الأمة والحرة كذلك، وإن تزوج الحرة على
الأمة والحرة عالمة بذلك فلا خيار لها، وإن لم تعلم فسخت عقد نفسها واعتدت عدة الطلاق
552

أو رضيت فقط ومتى وقع الرضا ممن ذكرنا فلا خيار لها بعد.
وروي: إن تزوج أمة على حرة أو كتابية على مسلمة أو المرأة على عمتها أو خالتها
فنواكهن باطل، وإن تزوج حرة وأمة معا بطل عقد الأمة.
ويحرم عقد الحر على أكثر من أربع حرائر أو أمتين أو حرة وأمتين أو حرتين وأمتين حتى
تبين إحداهن، وعقد العبد على أكثر من أربع إماء أو حرتين أو حرة وأمتين، والزوجتان
الذميتان كالأمتين لا يتزوج معهما أمة فإن تزوج عليهما حرة مسلمة ولم تعلم امرأته ودخل
بها فلها المهر والصبر والفراق، وتعتد عدة الطلاق وإن طلقهما في عدتها فله ردها، ويجمع
بين أختين، وأم وبنتها بالملك دون الوطء فإن وطأ إحدى الأختين حرمت الثانية حتى تخرج
الأولى عن حل نكاحه ببيع وشبهه، أو بتزويج، فإن وطأ الأخرى من دون ذلك عالما بالتحريم
حرمت الأولى حتى تموت الثانية أو يخرجها من ملكه لا ليرجع إلى الأولى، فإن كان جاهلا
بالتحريم حلت الأولى إذا أخرج الثانية عن ملكه بكل حال.
فإن وطأ إحدى الأختين بملك ثم تزوج الأخرى حلت وحرمت المملوكة وإذا كان عند
الحر ثلاث نسوة فقد على اثنتين فالعقد عقد المقدمة في اللفظ، فإن دخل بالمؤخرة فرق بينهما
واعتدت لدخوله بها، وإن عقد عليهما دفعة اختار أيتهما شاء وخلى الأخرى.
ويكره تزويج الزانية والمولودة من زنا ووطؤها بملك اليمين، فإن فعل فليعزل عنهما،
وقيل: يحرم نكاح الزانية، فإن تابت حل، فإن كان هو الزاني فتوبتها أن يدعوها إلى مثل
ذلك على تلك الحال فتأبى، فإن زنت امرأته لم تحرم عليه والأفضل له طلاقها.
ويجوز عقد العمة والخالة على بنت الأخ أو الأخت من غير رضاهما، ولا يحل تزويج
المولى أمته ولا المرأة عبدها ونكاح المحرم المحرمة والمحرم المحلة وبالعكس، والنكاح
مستحب ويكره لمن لا يقدر عليه ولا يشتهيه، ويصح نكاح المريض وقيل: إن مات قبل
الدخول بها فسد نكاحه ولا عدة ولا ميراث لها، ولا بأس بتزويج الأحمق.
ويكره تزويج الأمة المسلمة مع وجود الطول وأمن العنت ولا يبطل العقد. ويكره تزويج
السليطة والمجنونة وغير العفيفة والحمقاء والحسناء في منبت السوء وغير الحضرة والعقيمة
وإن كانت جميلة والكردية والسود إلا النوبة، وغير السديدة في الاعتقاد، والزانية، والسيئة
553

الخلق، وبضرة أمه كانت مع غير أبيه وقابلته وابنتها وبأخت أخيه نسبا ورضاعا.
فالنسب أن يتزوج رجل له ابن بامرأة لها بنت، فيولدها ابنا فيزوج ابنه بنتها،
والرضاع أن يكون لرجل كبير أخ صغير فأرضعته امرأة لها بنت فللكبير التزويج بالبنت،
وأن تجمع باثنين من ولد فاطمة ع على رواية وأن يزوج ابنه بنت امرأة كانت
زوجته ودخل بها ورزقها بعد فراقه لها، فإن كانت لها قبل عقده عليها لم يكره لابنه، ولا بأس
أن يجمع بين امرأة أبيها أو سريته إذا لم تكن أمها.
وليختر التزويج بذات الدين والعقل والأصل الطاهر وإن لم يكن ذات مال، والولود
وإن كانت سوء، والودود والبكر والسمراء العيناء والعجزاء والبيضاء والمؤمنة والعارفة
الطيبة الريح والليت والدرماء الحصان، وتختار المرأة أو وليها رجلا دينا عفيفا ورعا ذا أمانة
عنده يسار من مال أو حرفة تقوم بأوده وعياله.
ويكره أن تزوج بشارب الخمر أو متظاهر بفسق ومخالف غير مرضي الاعتقاد،
ولا يحل تزويج المسلم بالكافرة والكافر بالمسلمة، ويجوز تزويج الكفار بعضهم من بعض،
والمسلمون أكفاء في النكاح والدماء، ولا ينبغي أن تتزوج المؤمنة ويجوز أن يتزوج المؤمن
المستضعفة.
ولا يحل للمسلم تزويج المجوسية والوثنية والصابئية وشبههن دائما ومتعة ووطء
بملك اليمين، ورويت رخصة في المتعة بالمجوسية ووطئها بملك اليمين.
ويجوز عند بعض أصحابنا أن يتزوج المسلم كتابية دائما وعند آخرين لا يحل
وأجازه كلهم متعة وملك يمين، فإن أسر المسلم في الروم واضطر إلى النكاح نكح منهن،
ويجوز نكاح مستضعفهن اختيارا ونكاح غير المستضعفة منهن إذا أضطر ولم يجد حرة ولا
أمة، وليمنعهن من شرب الخمر ومحرمات الاسلام.
وإذا أسلم يهودي أو نصراني ولم تسلم زوجته أمسكها بالعقد الأول دخل أم لم
يدخل، فإن كن أربعا فكذلك وإن كن أكثر من أربع أمسك منهن أربعا وفارق سائرهن
واعتددن بفراقه إن كان دخل بهن وبن بلا طلاق سواء تزوجهن دفعة أو مرتبا، فإن طلق
إحداهن، أو ظاهر منها فقد اختارها، وإن أسلمت امرأته دونه لم يبطل النكاح وحيل بينهما
554

ولم يمكن من الخلوة بها ولا من اخراجها إلى دار الحرب.
وإن أسلم الوثني أو المجوسي أو زوجتاهما بعد الدخول، فإن رجعت أو رجع قبل انقضاء
العدة فالنكاح بحاله، فإن رجعت أو رجع بعد انقضائها بطل النكاح، وإن كان لم يدخل بها
بطل في الحال، وإذا أسلم المشرك على زوجتين أختين اختار أيتهما شاء، فإن أسلم وعنده
العمة والخالة وبنت الأخ والأخت اختار أيتهما شاء إلا أن ترضى العمة والخالة فله الجمع،
وإذا أسلم وعنده أربع إماء زوجات اختار اثنتين.
وإن أسلم الذمي وأسلم معه من زوجاته أربع ولم يسلم أربع فله أن يختار من شاء
كلهن، فإن كان وثنيا وعنده ثمان دخل بهن فعلى انقضاء العدة، فإن أسلم أربع فله
اختيارهن، وإن أخر اختياره حتى أسلم الآخر فله اختيار أربع ممن شاء ويجبر على
الاختيار وعليه نفقتهن حتى يعين، فإن مات قبل الاختيار فعلى الكل العدة أربعة أشهر
وعشرا لعدم تميز الزوجة من التي يفسخ نكاحها، وإن كن حوامل اعتددن بأقصى الأجلين
ووقف لهن الربع مع عدم الولد والثمن معه لتساويهن، وإن كان معه أربع كتابيات وأربع
وثنيات فأسلم الوثنيات فقط لم ترثه الكتابيات ولا توقف لهن شئ لأنه إنما يكون بحيث
يقطع بأربع وارثات ويجهل أعيانهن، وهنا بخلافه لجواز أن يكون الزوجات من لا يرثن
وهن الكتابيات.
فإن أسلم الوثني على أربع مدخول بهن ثم تزوج في العدة خامسة بطل نكاحها وقيل
يوقف، وإذا أسلم ولم امرأته بعد الدخول بها فلا نفقة لها وإن أسلمت هي فعليه نفقتها، وإن
مات زوجات الذي أسلم قبل الاختيار ثم مات لم يختر وارثه ويستعمل القرعة فأي أربع
قرعهن ورثناه منهن ومنه إلى وارثه، فإن لم يمت فله اختيار أربع منهن وإن كن موتى أو
بعضهن ميت ويرث المختارة.
وإن أسلم الوثنيان معا فالنكاح بحاله لعدم اختلاف الدين، فإن تزوج بها متعة في
الشرك ثم أسلما أقرا عليه قبل انقضاء مدته، وإذا أسلم على ثمان وأسلمن معه فارتد
وقف على انقضاء العدة فإن اختار حال ردته لم يصح، فإن لم يرجع حتى انقضت العدة
انفسخ نكاحهن مذ حين ردته، وإن رجع قبلها اختار الآن فإذا ارتدت الزوجة بعد الدخول
555

وقف على انقضاء العدة ولا نفقة لها ومهرها بحاله، وقبل الدخول يبطل ولا مهر لها ولا عدة
عليها.
وإن ارتد الرجل عن فطرة حكم بموته واعتدت عدة الوفاة قبل الدخول وبعده
واستقر المهر، وإن ارتد لا عن فطرة بعد الدخول وقف على انقضاء العدة وعليه النفقة
والمهر، وإن ارتد قبل الدخول بطل النكاح وقيل يجب لها نصفه وقيل كله.
وإن تزوج المجوسي إحدى المحرمات ثم أسلم لم يقر عليها ونكاح المشركين
صحيح، وإن كان للمشرك ولد صغير فله تزويجه، وإذا طلق المشرك أو المسلم زوجته ثلاثا
فتزوجت بمشرك ودخل بها، أحلها للأول، وروي في الموقب والموقب لا يحل تزويج ابن
أحدهما بنت الآخر، وإن تزوج امرأة في عدتها فدخل بها فرق بينهما وعليه المهر وأتمت العدة
من الأول واعتدت من الثاني.
أحكام الرضاع:
والرضاع المحرم هو أن يرضع صبي لدون الحولين امرأة زوجة أو شبهة نكاح أو ملك
يمين مصا من الثدي حية، ويكون لبن دريرة يوما وليلة أو عشر رضعات، أو خمس عشرة
رضعة متواليات كل رضعة تشبع الصبي لا يفصل بينهن برضاع أخرى بلبن لدون
الحولين لبن فحل واحد، فإن اختل شئ من ذلك لم يحرم.
ويحرم منه ما حرم بالنسب وتصير المرضعة أمه وأبواها جديه وأختها خالته وأخوها
خاله وولدها ولادة من هذا الفحل ورضاعا بابنه أخاه لأبيه وأمه وولدها ولادة من غيره
أخاه لأمه ويصير الفحل أباه وأبواه جديه وأخوه عمه وأخته عمته، ويتعلق بالصبي
وبنسله دون والده وأجداده وأمه وجداته وأخوته وأخواته وأخواله وخالاته، فيحل للفحل
نكاح والدة هذا الصبي وأخته وجداته، ولوالد الصبي التزويج بالمرضعة وأمها وأختها،
وروى أصحابنا تحريم أورد الفحل على والد الصبي، وذكر أنهم بمنزلة ولده وبناته. وإذا
رضع من ثم بلغ ولها أخت لأم من الرضاعة واللبن لفحلين جاز له نكاحها، وإذا أرضعت
صبيا بلبن فحل ثم تزوجت بعده رجلا فأرضعت صبية بلبنه حل التناكح بينهما، ولا بأس أن
556

يتزوج أخت أخيه من الرضاع كالنسب وقد صورناهما في ما مضى، وإن ادعى أحد الزوجين
ما يوجب التحريم بالرضاع لم يقبل قوله.
ولو ارتضع صبيان من بقرة لم تنشر الحرمة بينهما، ولو ربت المرأة بلبنها جديا وشبهه
كره لحمه ولم يحرم، وإذا كان له زوجة رضيعة فأرضعتها امرأته المدخول بها حرمتا أبدا، وإن
لم يكن دخل بالكبيرة حرمت الكبيرة أبدا وانفسخ نكاح الرضيعة وله استئناف العقد
عليها، وإن أرضعتها امرأتان له حرمت الرضيعة والمرضعة الأولى خاصة، وإن كان له
زوجتان رضيعتان فأرضعتهما امرأته أو امرأتاه حرمن جميعا على ما اعتبرناه، ولا مهر للكبار
إن لم يدخل بهن وإن كان دخل فالمهر مستقر.
وقوى بعض أصحابنا أن يجب للصغيرة نصف الصداق على الزوج ويرجع الزوج
به على المرضعة، وقيل: لا يرجع عليها إن لم يقصد ذلك وإن أرضعت الصغيرة أمه أو أخته
وشبههما انفسخ نكاح الصغيرة والمهر على ما ذكرناه، ولا يثبت الرضاع إلا بشاهدي
عدل.
في أحكام العقد:
ولا يصح النكاح ألا بتعيين المنكوحة إشارة أو تسمية أو بصفة، فإن عقد له على
واحدة من بناته ولم يميزها باسم ولا صفة وقال: نويت له العقد على فلانة، وكان الزوج قد
رآهن فالقول قول الأب، وإن لم يكن الزوج رآهن كلهن فالعقد باطل.
وينعقد النكاح بالإيجاب والقبول بلفظي الماضي في مجلس واحد وهو: تزوجت فلانة
أو نكحتها، فيقول هي أو وليها: قبلت أو رضيت، وشبههما أو تقول هي أو الولي: زوجتك
أو أنكحتك، فيقول الزوج: قبلت أو قبلت النكاح أو رضيت أو نكحت أو تزوجت، ولا ينعقد
بلفظ الاستفهام والاستقبال والأمر، ولا يصح تعليقه على وقت مستقبل ولا بلفظ الهبة
والتمليك والإجارة وكانت الهبة خاصة للنبي ص.
ويستحب ذكر المهر في نكاح الغبطة ويجب في المتعة. ولا يجوز أن يكون الوكيل واحدا لهما
ولا أن تزوج الوكيل نفسه، ولا يجوز العقد بالعجمية، والعربية مومئة فإن لم يحسن جاز، والإيماء
557

للأخرس كالنطق من غيره.
ويجوز للمرأة أن يلي العقد بنفسها إذا كانت بالغة رشيدة بكرا أو ثيبا، والأفضل
أن توكل أباها أو جدها، فإن لم يكونا فأخاها أو بعض عصبتها، فإن
لم يكن فمولاها الذي أعتقها، وإن كانت صغيرة بكرا أو غير بكر، أو كبيرة معتوهة زوجها
أبوها أو جدها لأبيها وليس لها خلافهما بعد البلوغ، فإن حضرا واختار شخصين فاختيار
الجد مقدم، فإن أنكحاها شخصين في وقتين فالأول أحق بها، وإن أنكحاها دفعة فعقد الجد
أولى، فإن دخلت بالآخر فرق بينهما وردت إلى الأول بعد العدة.
وإن أنكحها الأب أو أبوه حالا بلوغها ورشدها وبكارتها وقف على رضاها والأفضل لها
إجازته، وإن وكلت شخصين على النكاح فالبادئ أولى، فإن جهلت عين البادئ أقرع
بينهما، وإن عقدا دفعة بطل، وأم وكلت أخويها صغيرا وكبيرا فمن سبق فالعقد عقده، فإن
دخلت بالمتأخر فرق بينهما وعليه مهرها واعتدت منه ولم يقربها الأول حتى تنقضي عدتها،
فإن حصل العقدان دفعة فعقد الكبير أولى إلا أن تدخل بمن عقد له الصغير، وإن أنكح
ولده الطفل لزم فإن مات ورثته المرأة، وللبكر الرشيدة عقد المتعة على نفسها وينبغي
للعاقد أن لا يفتضها، ولا يسقط ولاية الجد للأب على الصغيرين بموت ولده.
ويستحب أن لا تعدل عن رأي الأب والجد والأخ إلا أن يعضلها وهو أن يمنعها من
الأكفاء، وإذا عقد عليها أو عليه أو عليهما من ليس لها ولاية عليهما وقف على رضاهما وإذا
طلب استئذان البكر العاقلة في تزويجها عرضه عليها، وإذنها صماتها، فإن كانت ثيبا
أعرب عنها لسانها.
وإذا عقد الوالدان على ولديهما الصغيرين توارثا إن ماتا طفلين أو كبيرين، وإن عقد
عليهما غير الأبوين كالعم والخال وشبههما وقف العقد على بلوغ كل واحد منهما ورشده
ورضاه، فإذا مات كل واحد منهما قبل البلوغ والرضا لم يرثه الآخر، فإن مات أحدهما
بعد البلوغ والرضا وقف إرث صاحبه منه حتى يبلغ ويحلف أنه ما دعاه إلى الرضا ميراث
وورث، فإن نكل لم يرث.
ولا يدخل النكاح في إطلاق الوصية وإن وكلت شخصا ليزوجها رجلا معينا لم يجز
558

العقد لغيره فإن فعل وقف على رضاها، والذي بيده عقدة النكاح الأب والجد ومن أوصى
إليه ومن ولته أمرها وهي رشيدة.
وليس للعبد والأمة والمدبر والمكاتب والمعتق بعضه وأم الولد التزويج إلا بإذن السيد،
فإن تزوج العبد من غير إذنه وقف على إجازته وعقده صحيح باذنه وله إجباره على النكاح
وقيل ليس له، والصغير والكبير سواء، فإن دعاه العبد إلى تزويجه لم يجبر عليه ويستحب
له، وليس له إجبار المعتق بعضه ولا المكاتب، ولا يجبر من أبي تزويج عبده المشترك بينه وبين
غيره، ولا يدخل في الإذن في النكاح فاسدة ولا صحيحه إن أذن في فاسدة، وللسيد إجبار الأمة
وأم الولد والمدبرة على النكاح صغيرة وكبيرة والمهر له، ولا يجبر إن دعته إليه، ولا ينكح
المكاتبة وإن دعته إليه لم يجبر.
والكفاءة في النكاح الاسلام واليسار بقدر مؤنتها، فإن بان أنه لا يقدر فلها الفسخ،
فإن أعسر بها بعد فلا فسخ لها وترفع يده عنها لتكتسب وقيل لها الفسخ.
وللأب والجد تزويج الصغيرة، والصغير بمن الحظ لهما فيه، وللمرأة تزويج أمتها
والتوكيل فيه، وأن يكون وكيلا في النكاح، وإذا أوجب النكاح ثم مات أو جن قبل القبول لم
يصح القبول كالبيع.
باب المهور:
يصح إصداق كل ما يجوز كونه ثمنا قل أو كثر من عين تباع ودين يسلم فيه ومنفعة
يكرى وعمل يعمله لها دون وليها معلوم أوقاتا معينة، ويجوز حالا ومؤجلا بالشرط أجلا
معلوما وهو حال بالإطلاق، ويستحب ذكره في نكاح الدوام وأن لا يزيد على خمس مائة
درهم، فإن زاد عليها جاز وأقلهن مهرا أعظمهن بركة، وأن يقبضها قبل الدخول وتملكه
المرأة بالعقد ويستقر بالدخول وبالموت من كل منهما، ويكره لورثتها مطالبته به إذا لم تكن
طالبة في حياتها وهو في ضمان الزوج حتى تقبضه.
وليس للخلوة التامة والناقصة حكم الدخول فإن ادعت أنه دخل بها وأنكر ولا بينة
حلف الزوج، وإن طلق فعليه نصف المسمى وعليها العدة لاعترافها، وللمرأة منع نفسها
559

منه حتى تقبض مهرها قبل الدخول بها، وإن كان موسرا فالنفقة عليه، وإن سلمت نفسها لم
يكن لها الامتناع بهذه، ولها المطالبة بمهرها، فإن امتنعت فلا نفقة لها، وإن بان الصداق
مستحقا أو معيبا ففسخته، أو بان العبد حرا أو هلك قبل القبض رجعت عليه بقيمة ذلك،
فإن ارتدت قبل الدخول أو اشترت زوجها أو اشتراها أو فسخت عقده لعيب فيه أو فسخ
عقدها لعيب فيها كذلك فلا مهر لها.
وإن قتلت قبل الدخول نفسها فالمهر كله لازم، وإذا طلقه قبل الدخول والمهر سمى
فنصفه فإن كان في ذمته سقط عنه النصف، وإن كان عينا لم يقبضها فلها نصفها وإن
أقبضها وهي لم تزد ولم تنقص فله نصفها، فإن زادت زيادة متصلة كالسمن والتعلم فإن
اختارت رد نصف العين وإلا ردت عليه نصف قيمته يوم أقبضها إياه، وإن كانت
منفصلة كالنتاج والثمرة رجع في نصف الأصل والنماء لها، فإن أصدقها إياها حاملا
أو النخل مثمرا رجع في نصف الأصل والنماء، وإن كانت ناقصة واختار أخذ نصفها
جاز.
وإن اختار نصف القيمة فله، وإن كانت تالفة أو باعتها وشبهه رجع بنصف القيمة
أقل ما كانت مذ حين العقد إلى القبض، فإن كان لها مثل فنصف مثلها، وإن تزوجها أو تمتع
بها فأقبضها الصداق ثم وهبته له ثم طلق أو خلى المتعة قبل الدخول رجع بنصف البدل،
وإن كان دينا في ذمته فأبرأته منه ثم طلق رجع بنصفه،
فإن تزوجها ولم يذكر مهرا وذكر على كتاب الله وسنة نبيه ص، فالمهر
خمس مائة درهم، وإن لم يقل ذلك أو قال: على أن لا مهر لها، لم يجب بالعقد المهر، فإن مات
قبل الدخول بها فلا مهر لها وعليها العدة ولها الميراث، وإن دخل وجب مهر المثل يعتبر
بعصبتها في السن والجمال والمال والبكارة أو ضد ذلك، فإن لم يكن فالأقرب إليها من
نسائها، فإن لم يكن فمثلها من نساء بلدها ما لم يزد على خمس مائة درهم فترد إليها، وإن
طلقها قبل الدخول فلها المتعة على قدر حاله: الموسر تمتع بالجارية وشبهها والمتوسط
بالثوب والدراهم والمعسر بالدرهم والخاتم، ولها منع نفسها من الدخول حتى يفرض لها
ويؤدى.
560

ولا يجب المتعة لمن سمي لها مهر صحيح أو فاسد ولا للمطلقة بعد الدخول بحال، وإن فوض
المهر إلى حكمها أو فوضته إلى حكمه وطلق قبل الدخول فنصف ما يحكمان به، وبعد
الدخول فكل ما حكما به إلا أنها خاصة إذا حكمت بأكثر من مهر السنة ردت إليه وإن
حكمت بدونه جاز، فإن ماتا قبل أن يحكما فلها المتعة ولا مهر لها، وإذا لم يسم لها وأعطاها
شيئا ودخل بها فهو مهرها لا غير إلا أن توافقه على أن الباقي في ذمته، فإن أعطاها شيئا
فادعت الهدية وادعى أنه مهر ولا بينة فالقول قوله مع يمينه، وإن كان قد سمى مهرا
وأعطاها منه شيئا فالباقي في ذمته، ويجوز أن يدخل بها والكل في ذمته، ويستحب أن يهدي
لها شيئا ثم يدخل، فإن فعل فلا رجوع عليها به.
فإن عقد على ما لا يملك شرعا كالخمر والخنزير صح العقد ولزم مهر المثل، فإن طلق
قبل الدخول فنصفه وكذلك في المجهول إلا في الدار والخادم فإنه يجب دار وخادم وسط،
فإن أسلم وعنده وثنية قبل الدخول فلها نصف المهر وقيل بكماله، وإن شرطت إن جاء
بالمهر في يوم كذا وإلا بطل نكاحه فالنكاح صحيح
وإن تأخر عن الوقت، وإن جعلت مهرها أن لا يتزوج عليها صح النكاح ولها مهر المثل.
وإن شرطا في النكاح خيار مدة بطل وقيل: يصح ويبطل الشرط، فإن شرط ما يخالف
الكتاب والسنة كأن لا يطأها ولا يتزوج عليها ولا يتسرى وشرطت أن لا تتزوج بعده صح
العقد والمهر وبطلت الشروط فإن شرط خيارا في الصداق جاز، فإذا أبطله من له الخيار رجع
إلى مهر المثل، وفي خبر رواته زيدية عن زيد بن علي عن علي ع أنه أبطل شرط
تأجيل المهر وألزمه جاء وإن جعل المهر تعليمها قرآنا معلوما أو شعرا حسنا أو أدبا جاز،
فإن طلقها قبل الدخول فلها نصف الأجر، وإن كان علمها رجع بنصف الأجر.
وإن قال لأمته: تزوجتك وأعتقتك وجعلت عتقك صداقك، صح العتق ولزم النكاح،
فإن طلقها قبل الدخول رجع نصفها رقا وسعت فيه، فإن أبت فلها يوم وله يوم في الخدمة،
فإن كان لها ولد فأدى ذلك عتقت، وإن قدم لفظ الإعتاق عتقت، وإن
شاءت تزوجته وإن شاءت لا فإن تزوجته أعطاها شيئا، ولم بيده عقدة النكاح العفو بعد الطلاق قبل الدخول
عن الباقي للمصلحة، وإن ذكرا صداقا في السر وصداقا في العلانية فالصداق ما وقع عليه
561

العقد، وإن شرط لها مهرا ولأبيها شيئا لم يلزم ما شرط لأبيها، وللأب والجد تزويج الصغيرة
والطفل بدون مهر المثل وبه وبأكثر منه، وقيل: إن زوجاها بدونه فلها مهر المثل وإن
زوجاها بأكثر منه سقطت الزيادة.
وإذا أذن السيد لعبده في التزويج فالمهر في كسبه والنفقة إن كان ذا كسب أو يؤديهما
السيد، فإن لم يكن ذا كسب أو يعجز كسبه فعلى السيد ذاك أو التمام، فإن أذن له في العقد
بقدر فتجاوزه فالباقي في ذمة العبد إلى أن يعتق وعليه إرساله ليلا للاستمتاع ونهارا
للكسب وأن لا يسافر به إلا أن يقوم بنفقتها، إذا زوج أمته فالمهر له، فإن أرسلها ليلا
ونهارا فالنفقة على الزوج، وإن أرسلها ليلا فعلى السيد وله السفر بها، وإذا زوج الأب بنته
الصغير أو المعتوهة فإليه قبض صداقها وتبرأ ذمة الزوج فإن كانت عاقلة لم ذمته
بإقباض الأب إلا أن توكله، فإن قبض من غير توكيل رجعت على الزوج ورجع الزوج على
الأب.
وإذا اختلف الزوجان في مبلغ المهر بعد الدخول وقبله فالقول قول الزوج مع يمينه، وإن
اختلفا في جنسه ولا بينة تحالفا ووجب مهر المثل، فإن ادعت المهر على الزوج بعد الدخول
فالقول قوله مع يمينه، وإن ادعى أنه أقبضها إياه فكذلك على المنصوص وقد حمل على ما
كان معتادا من تقديم المهر قبل الدخول.
فإن شرطت في العقد أن لا يخرجها من بلده ألزم ذلك، فإن شرطت أن لا يفتضها أو
شرطا أن لا توارثا أو أن لا نفقة فالشرط باطل إلا في المتعة، فإن أذنت في الافتضاض جاز،
فإن شرطا المهر كذا إن أخرجها من بلدها ودونه إن لم يخرجها فالشرط جائز، ولا شرط له
عليها في اخراجها من دار الاسلام ولها أوفاهما إن أخرجها.
وإذا تزوجها على جارية له مدبرة وهي تعلمها كذلك وطلق قبل الدخول فلها من
خدمتها يوم وله يوم، وإذا مات سيدها فهي حرة، وإن طلقها بعد الدخول ومات فهي أيضا
حرة، وإن ماتت المدبرة ولها مال فهو بينهما سواء، وإذا وكله غائب في تزويج امرأة ففعل قبل
موت الموكل صح النكاح، وإن فعل بعد موته لم يصح، وإذا فرض لها صداقا فأعطاها به
عبدا آبقا ثم طلقها قبل الدخول رجع عليها بنصف المعقود عليه والعبد لها إن كان ضم
562

إليه شيئا وإن لم يضم فالعبد له ويعطيها هو نصف المعقود عليه، وإذا بلغها وفاة زوجها
فاعتدت وتزوجت ولم يدخل بها فجاء الغائب أخذها ولا عدة عليها ولا مهر لها على الثاني،
وإذا تزوجها بشرط البكارة فبانت ثيبا انتقص من مهرها.
والكفار إذا نكحوا على خمر أو خنزير ثم أسلموا بعد التقابض برئت ذمتهم، فإن
أسلموا قبله فعليهم قيمة ذلك عند مستحليه.
وإذا زوج الأب ولده الطفل وضمن المهر لزمه، وإن كان الابن معسرا فكذلك وإن لم
يضمنه، وإن كان موسرا فعليه دون والده إلا أن يضمنه وإن طلقها الابن بعد رشده
وإقباض الأب مهرها قبل الدخول رجع نصف المهر إلى الولد، وإن لم يقبضها فعلى
الأب النصف على ما اعتبرناه، وإذا طلق العبد قبل الدخول سقط نصف المهر وبقي عليه
النصف في كسبه.
وإن تزوج بغير إذن السيد ودخل فالمهر في ذمته يطالب به بعد العتق، وإن زوجت الأم
ابنها فأبى فعليها المهر على الرواية وإن قبل فعليه، وإذا زوجت نفسها سكرى فأنكرت بعد
الإفاقة وأقامت معه لظنها لزوم النكاح صح ولزم على الرواية.
نكاح الشغار:
وإذا زوج بنته غيره على أن يزوجه بنته أو أخته ومهر كل واحدة بضع الأخرى بطلا معا،
وإن جعل بضع واحدة منهما مهر أخرى فقط صح نكاح من لم يجعل مهرها البضع دون
صاحبتها، فإن قال: زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك، صح النكاحان ووجب مهر المثل، وإذا
وطأ بنكاح فاسد أو زنا بها قهرا أو وطأها بشبهة فعليه مهر المثل، وإن زنا بأمة بكر فعليه
عقرها عشر قيمتها، وإذا أسلمت المجوسية دون زوجها قبل الدخول فلها نصف
الصداق، رواه السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي ع.
باب أحكام الرقيق في العقد وملك اليمين ونكاح المتعة:
يكره نكاح أمة مع وجود الطول وهو مهر الحرة، وأمن العنت وهو الزنى، ولا يبطل
563

العقد، ولا يكره عند فقد الطول وخوف العنت ولا يصح إلا بإذن السيد في الدائم والمتعة
سواء كان رجلا أو امرأة والولد يتبع حر الأبوين في النكاح.
ونكاح العبد والأمة موقوف على إجازة مالكيهما فإن علم ولم يفسخ فلا فسخ له، وإن قال له
سيده، طلقها فقد اعترف له بالنكاح ولم يلزمه طلاقها، والطلاق بيد العبد إن زوجه حرة
أو أمة غيره، فإن زوج عبده أمة كفاه قوله: أنكحتكها، ويستحب للسيد أن يعطيها مهرا
درهما ودونه أو فوقه، والطلاق بيد السيد دون العبد، يقول له: اعتزلها أو يقول: اعتزليه
فرقت بينكما، فإذا حاضت أو مضت لها خمسة وأربعون يوما فللسيد وطؤها، وإن لم يكن
دخل بها العبد وطأها من ساعتها، وإذا علق عتق أمته بموت زوجها فمات عتقت واعتدت
عدة الوفاة ولا ميراث لها.
وإن تزوج الحر امرأة على أنها حرة فبانت أمة له فسخه على الفور، وإن كان قبل
الدخول فلا شئ لها ورجع عليها بالمهر إن كان أقبضها فإن أتلفته رجع عليها به بعد العتق،
وإن كان بعد الدخول والقبض رجع بالمهر على من دلسها وأولادها أحرار، وإن عقد عليها
على أنها حرة بشهادة شاهدين فولدها أحرار لا سبيل عليهم، فإن لم يقم لها بينة فعلى الأب
قيمة الولد يوم سقط حيا لسيدها وعلى سيدها قبول ذلك، فإن لم يكن معه مال سعى في ذلك
فإن لم يسع فعلى الإمام افتكاكهم، فإن زوجها السيد وقال: إنها حرة، عتقت وولدها
أحرار، وإذا عتقت الأمة تحت حر أو عبد لسيدها أو غيره فلها الخيار على الفور، فإن أقامت
بعد العتق معه فلا خيار لها.
وإذا تزوج الحر بالأمة مع علمه أن المولى لم يأذن فأولاده منها رق لسيدها وعليه العقر،
وإن كان باذنه فالولد حر والطلاق بيد الحر إلا أن يشرط المولى في العقد أن الطلاق بيده،
فإن تزوجت الحرة بمملوك لم يأذن له المولى عالمة بذلك فلا مهر لها والولد رق للمولى، فإن لم
يعلم فأولادها أحرار وتتبعه بالمهر بعد العتق، وإن أجاز مولاه أو مولى الأمة المتزوجة بغير
إذنه النكاح فكما لو وقع بإذنهما في الأصل، وإن تزوجت أمة بعبد بإذن مولييهما فالولد رق
لهما إلا أن يشترط أحدهما أن يكون الولد له، وإن تزوجا بغير إذنهما فالولد لهما وإن أذن
أحدهما فهو لمن لم يأذن، فإن تزوجت الحرة أو الأمة بعبد فأعتق لم يكن لهما خيرا.
564

وإذا باع الأمة المزوجة أو العبد المزوج سيداهما كان للمشتري الخيار بين فسخ العقد
وبين إمضائه، فإن زوج أمته غيره وسمى لها مهرا ثم باعها بعد أن أقبضه الزوج من مهرها
شيئا معلوما ودخل بها فليس له المطالبة بباقي المهر ولا لمشتريها إلا أن يجيز العقد، وإذا زوج
مملوكه حرة ثم باعه قبل الدخول بها فعلى مولاه نصف المهر، فإن باعه بعده فعليه المهر
وللمشتري الخيار في الموضعين، فإن باعها زوجها بمهرها قبل الدخول بطل البيع والنكاح
بحاله، وإن باعها به بعد الدخول أو بغيره قبل الدول أو بعده بغيره صح البيع وانفسخ
النكاح وسقط مهرها في المسألة الثانية.
وإذا كان زوجان لمالك واحد فباعهما من شخصين فلكل منهما الفسخ والإمضاء، فإن
باعهما من شخص فله الفسخ والإمضاء، فإن باع أحدهما فقط كان له وللمشتري معا
الخيار، فإن أبي واحد منهما بطل العقد، فإن أعتقهما معا فلها الخيار، وإذا زوج أمته بعبد ثم
مات السيد فإن رضيت الورثة بالعقد مضى وإن سخطوه بطل، وإن زوج عبده أمة غيره
فباعه فللمشتري الخيار، فإن اختار إمضاءه فلسيد الأمة الخيار، فإن أبي أحدهما بطل
النكاح.
ويجوز وطء الأمة المسلمة بملك اليمين والكتابية دون الصابئة والوثنية والمرتدة
والخنثى المشكل، ورخص في وطء المجوسية بملك اليمين وليعزل عنها، ولا حصر في عدد
الإماء على حر وعبد غير أنه يكره أن يتخذ من الإماء من لا يقدر على إتيانهن مخافة الزنى
عليهن.
أحكام التحليل:
ويجوز الوطء بتحليل المالك وإباحته بلا عقد، ويحل ما أحل منها وطء وتقبيلا، ولمسا،
فإن أحل الأعظم وهو الوطء حل ما دونه، وإن أحل ما دونه لم يحل هو، فإن وطئها كان
خائنا والولد رق لمولاها وعليه عشر قيمتها إن كانت بكرا ونصف العشر إن كانت ثيبا،
فإن أحل له الخدمة لم يحل سواها، وإن أحل له الوطء وجاءت بولد فعلى أبيه قيمته لسيدها،
فإن لم يكن له مال سعى فيها، فإن شرط حرية الولد لم يغرم شيئا، ويكره له أن يطأ الجارية
565

بالتحليل إلا باشتراط حرية الولد، ويجوز أن يحل لعبده جارية غير معينة، وينبغي التلفظ
بالتحليل بأن يقول: جعلتك في حل من وطئها أو أحللته لو، ويكره بلفظ العارية.
والمدبرة أمة يحل تحليلها، فإن جاءت بولد فهو مدبر والتحليل بحسب ما حلله إن
يوما فيوما وإن شهرا فشهرا ولا يحل للشريكين وطء أمة بينهما، فإن أحل أحدهما صاحبه
حل، وإن كان نصفها حرا ونصفها رقا لم يحل للسيد وطؤها بالملك ولا بالعقد، وإن جرت
بينهما مهاياة جاز له أن يعقد عليها متعة في يومها، وقد بينا حكم الاستبراء في بيع الحيمان
وإن اشترى الأمة حائضا فحتى تطهر، ولا توطأ الحامل في الفرج حتى تضع أو تمضى لها أربعة
أشهر وعشرة أيام، وله وطؤها قبل ذلك في ما دون الفرج وزمان استبراء الأمة وتركه
أفضل.
ولا يحل له وطء جاريته المزوجة ولا تجريدها ولا تقبيلها ولا نظرها بشهوة إلا بعد فراق
الزوج ومضي العدة، وسأل محمد بن مسلم أبا جعفر ع عن قوله تعالى:
والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم، فقال: هو أن يأمر الرجل عبده أن يعتزل
أمته ويستبرئ بها بحيضة ثم يطأها، وإذا اشترى الرجل أمة لها زوج بإذن مولاها امتنع منها
زمان استبرائها فقط إلا يجيز العقد، وإن جعل عتق الأمة صداقها وجاء منها بولد ثم مات ولم
يترك مالا ولم يكن ثمنها فإن العتق والتزويج باطلان وترجع رقا للمولى الأول، وإن كانت
قد حملت من الثاني فولدها بمنزلتها، وإن كان خلف وفاء للثمن صح ذلك كله والأولاد
أحرار.
ويجوز للأب تقويم أمة بنته وابنه الصغيرين على نفسه بثمن معلوم ووطؤها ما لم يكن
الابن وطأها قبل، وإن كانا بالغين رشيدين لم يجز إلا برضاهما، وإذا تزوج العبد بإذن سيده
ثم أبق بعد الدخول فبمنزلة المرتد ولا نفقة لها على السيد، ووقف النكاح على العدة فإن
رجع قبل انقضائها فالنكاح بحاله وإن رجع بعدها بطل، ولا تنظر الأمة المزوجة عورة
مولاها.
وإذا زوج أحد الشريكين الأمة فللآخر فسخه وإجازته، فإن دخل بها وجاءت بولد لحق
بأبيه وضمن للشريك نصف قيمته وربع عشر قيمة أمه إن كانت ثيبا، ونصف عشرها إن
566

كانت بكرا وعلى هذا كما وطأها أحد الشريكين فحملت منه، ولا بأس أن يطأ السيد مملوكة
عبده لأنها مملوكه.
وإذا كان للرجل أمة نصرانية فأسلمت فاستولدها غلاما ثم مات السيد فعتقت
فنكحت نصرانيا فتنصرت ثم ولدت أولادا عرض عليها الاسلام فإن أبت فأولادها من
الذمي رق لولدها من سيدها، بواره عاصم بن حميد عن محمد بن قيس عن أبي جعفر عن
علي ع وإذا ملك أحد الزوجين الآخر فسد النكاح ووطأها الرجل بالملك،
وأعتقت المرأة العبد وتزوجته إن شاءت.
ولا يجمع بين أختين في الملك بالوطئ ولا بين الأم وبنتها فإن وطأ الأم أو البنت حرمت عليه
الأخرى أبدا، وللحر أن يتزوج أمتين أو أربع حرائر أو حرتين وأمتين، وللعبد أربع إماء أو
حرتين أو حرة وأمتين، ولا يجوز تزويج أمة على حرة إلا برضاها، فإن لم ترض وفعل فلها
فسخ عقدها أو عقد الأمة، ويبينان بلا طلاق، فإن تزوج حرة على الأمة فللحرة فسخ عقد
نفسها والرضا، ومن أجاز من أصحابنا تزويج الكتابيات جعلهن كالإماء، فلا يتزوج كتابية
على حرة مسلمة فإن فعل فذلك الحكم.
أحكام المتعة:
ويقف صحة عقد المتعة على تعيين المهر قل أو كثر وأدناه كف من بر، والأجل إما يوم
أو نصفه أو ليلة أو من وقته إلى الزوال أو الغروب أو الصبح أو ما شاء من المدة، ولا يجوز
عقده على ساعة وساعتين أو مرة مبهمة.
ولفظه: زوجتك أو أنكحتك أو متعتك أو نكحت أو تمتعت أو تزوجت، والقبول: قبلت
أو رضيت أو قبلت النكاح أو المتعة أو نعم، فإن ذكر المهر دون الأجل أو ذكر المدة مبهمة فهو
دائم، وإن ذكر الأجل دون المهر أو شهرا غير معين فهو باطل، ولا يستحب فيه الإعلان
والإشهاد، فإن خاف التهمة بالزنى أشهد ولا حصر في عددهن على حر أو عبد والأفضل
يزيد على أربع ولا يجمع فيه بين الأختين ولا بين عمة وخالة وبنتي أختيهما أو أخيهما مع
سخطهما ولا بين الأم والبنت نسبا ورضاعا في جميع ذلك.
567

ولا يتمتع بالأمة على الحرة إلا برضاها، ويستحب التمتع بالمؤمنة العفيفة العارفة، ويكره
بالمجوسية والفاجرة ويجوز باليهودية والنصرانية والمستضعفة والهاشمية، ويحرم بالوثنية
والمرتدة والخنثى المشكل والمطلقة لغير السنة والمحرمات اللاتي ذكرناهن، ولا يجوز
التمتع بالأمة إلا بإذن مالكها.
ويستحب أن يشرط أن لا توارث ولا نفقة ولا قسمة وأن يضع مائه حيث شاء، وأن
عليها بعد الدخول لانقضاء الأجل عدة الأمة إما حيضتين أو خمسة وأربعين يوما، وروي
حيضة واحدة، والحامل وضع الحمل وإن لم يشرط فكذلك والعدة عليها، وإن شرطا الميراث
لزم بالشرط، وإن شرطت أن ينال منها ما شاء سوى الوطء أو نهارا لا ليلا أو بالعكس لزم
ذلك، فإن أذنت بعد فيه جاز، وتبين بانقضاء الأجل، وإن أقبضها المهر ومكنته من نفسها
بعض المدة دون بعض رجع عليها بالحساب وأيام حيضها لها، وإن أراد أن تزيده في الأجل
وهب لها أيامها ثم استأنف على ما شاء، وإن وهب لها أيامها قبل الدخول فلها نصف المهر
ولا تعتد وإن وهب بعده فكمال المهر وتعتد.
ويجوز متعة البكر البالغ ولا يفضى إليها إن كانت بين أبويها وإن أذنت، وإن لم يكن بين
أبويها جاز إلا أن يشترط أن لا يفضيها إلا أن تأذن له، وإن كانت دون البالغ لم يصح
التمتع بها إلا من وليها وله حينئذ الإفضاء إليها إلا أن تشترط عليه، وإنما يكون للشرط أثر
إذا ذكر في العقد ولا يلحقه ما ذكر قبله.
فلو شرطا العقد إلى شهر ثم عقدا ولم يذكرا الأجل كان دائما، ويجوز أن يتمتع بامرأة
مرارا كثيرة وإذا انقضى أجلها جاز له العقد عليها في عدتها، ولا يجوز له العقد على أختها
حتى تخرج عدتها، ولا يجوز لغيره العقد على التي كان تمتع بها وخلى أجلها حتى تنقضي
عدتها فإن لم يكن دخل بها جاز ذلك له ولغيره وعلى أختها، وليس على مريد المتعة
التفتيش عن حال المرأة ولا يمكنها إقامة البينة على أن لا زوج لها، فإن عقد عليها ثم بان لها
زوج بطل العقد ولم يلزمه تسليم المهر، فإن كان سلم بعضه رجع به ولم يلزمه الباقي.
وولد المتعة لاحق بالمتمتع فإن أنكره لاعن وقيل: لا يلاعن، وإذا أقبضها المهر أو
أبرأته منه قبل الدخول بها ثم وهب لها أيامها رجع عليها بنصفه، ومن حلف أن لا يفعلها
568

لشئ أصابه فليفعلها ولا كفارة عليه، وتعتد من حين وفاة المتمتع بها في أيامها والحامل أبعد
الأجلين، والحائل دخل بها أو لم يدخل أربعة أشهر وعشرا وقيل: نصف ذلك لأنها بمنزلة
الأمة، ولا تحت إن كان الأجل يوما أو يومين وتحتد إن كان أكثر من ذلك، ولا يحلل المتعة
المطلقة ثلاثا لمطلقها ولا يحصن، وإن خلا بامرأة ليتمتع بها فأنسى العقد حتى فعل فلا حد
عليه ويستأنف العقد.
باب آداب النكاح وعشرة الأزواج والزفاف والقسم وما يتعلق بذلك:
يستحب لمريد النكاح الاستخارة وصلاة ركعتين والخطبة والإعلان والإشهاد، وأن
يكون العقد والزفاف ليلا وأن يقول الولي: زوجتك على إمساك بمعروف، أو تسريح
بإحسان، وإذا حمد الله فقد خطب، وليس الولي والإشهاد شرطا في صحته، ويجوز بلا شهود
وبحضرة شاهدين فاسقين وكافرين وولي فاسق، ولها أن تنكح نفسها مع بلوغها ورشدها
والأفضل إذنها لوليها فإن تعذر فبعض المسلمين.
ولا يتولى العقد بالنيابة من لا يحل له مباشرته كالكافر ينوب المسلم في عقد المسلمة،
ويصح أن يتوكل المرأة لغيرها في إيجاب النكاح أو قبوله وتتولى تزويج رقيقها، ولا يصح
أن يكون الواحد موجبا قابلا، ولا يكره العقد في شوال وقد كان في السالف وقع طاعون
ففني المملكات والأبوار فكرهوه لذلك.
ويكره السفر وعقد النكاح والقمر في برج العقرب فمن فعله لم ير الحسنى على ما
روي، ويكره الجماع في محاق الشهر لإسقاط الولد وأول الشهر وأوسطه وآخره فإن الجذام
والجنون والخبل يسرع إليها وإلى ولدها، إلا أول ليلة من شهر رمضان فإنه مستحب، وليلة
الخسوف ويوم الكسوف ومن طلوع الفجر إلى طلوع الشمس وبعد العصر إلى غروبها و
حين الزلزلة وكل آية مخوفة، وأن يطرق أهله ليلا حتى يصبح إلا أن يؤذنهم، وليلة يريد
السفر في صبيحتها مسيرة ثلاثة أيام بلياليها فإن الولد يكون عونا لكل ظالم وعريانا وفي
السفينة ومستقبل القبلة ومستدبرها ومحتلما حتى يغتسل فإن تعذر توضأ خوف جنون
الولد، ووطء زوجته الحامل حتى يتوضأ خوف عمى قلب الولد وبخل يده، ولا بأس بجماع
569

بعد جماع.
ويكره بين الأذان والإقامة لئلا يجئ الولد حريصا على إراقة الدماء وليلة الأضحى
لئلا يجئ الولد ذا ست أصابع أو أربع، وفي وجه الشمس فلا يزال الولد في فقر إلا بستر،
وبشهوة غيرها خشية تخنيث الولد، والجماع وامرأة أخرى تراه أو في البيت غيرهما، وعلى
سقوف البنيان فإن الولد يكون منافقا مبتدعا، وتحت شجرة مثمرة فإن الولد يكون جلادا
أو قتالا أو عريفا، وعليك بالجماع ليلة الاثنين وليلة الثلثاء وليلة الخميس وليلة الجمعة بعد
العشاء الآخر وعند الزوال من الخميس.
ويكره بعد الظهر خوفا من حول الولد، ويكره أول ساعة من الليل فإن الولد يجئ
ساحرا، ويجوز له النظر إلى فرج امرأته وتقبيله وإليها عريانة، ويكره نظر الفرج حال
الجماع والكلام كذلك إلا بذكر الله، فروي أنه يخاف من نظره عمى الولد ومن الكلام
خرسه، وجماع المختضب والمختضبة حتى يأخذ الحناء مأخذه، وقائما فإن قضي ولد جاء
بوالا على الفراش، ويكره في نصف شعبان فإن جاء ولد جاء ذا شامة في وجهه، ولا آخر
درجة منه إذا بقي منه يومان فإن الولد يجئ عشارا أو عونا للظالم يهلك فئام من الناس على
يديه.
وإذا جامع الرجل امرأته مسح كل منهما بخرقة، فإن مسحا بخرقة واحدة أعقبتهما
عداوة تبلغ الفرقة، ويكره الجماع تحت السماء، ومن الجفاء الجماع من دون ملاعبة، ولا بأس
أن ينام بين الجاريتين، ويكره بين الحرتين، وأن يجامع حرة أو أمة وعنده صبي يراهما، فروي
أنه يورثه الزنى ولا بأس بجماع المرأة في دبرها وعند بعض أصحابنا يحرم، ولا يحل الدخول
بالمرأة قبل تسع سنين فإن فعله فعابها ضمنه.
ويجوز له أن يعزل سخطت المرأة أم رضيت، والأفضل أن لا يعزل عن الحرة إلا
برضاها، ويجوز العزل عن العقيم والمسنة والتي لا ترضع ولدها والأمة والمجنونة والسليطة
والبذاءة والمتمتع بها والحمقاء وولد الزنى، ويكره الجماع في السفر لمن لا يجد، ويستحب أن
يسمي الله تعالى عند الجماع ويسأله ولدا ذكرا سويا ويدعو بالمأثور.
ويستحب أن يكون الزوجان على وضوء حين الدخول وأن يصلى كل منهما ركعتين
570

ويدعو الزوج ويؤمن من حضره على دعائه ثم يدعو بالمأثور فإنه أحرى أن يأتلفا، وليضع
يده على ناصيتها مستقبل القبلة ويدعو بالمأثور، وإذا جلست خلع خفها وغسل رجليها
وصب الماء في جوانب البيت من الباب إلى أقصاه، وتجتنب هي في الأسبوع الخل واللبن
والتفاح الحامض والكزبرة، وليجمل نفسه لها كما تتجمل له فإنه أحرى أن يتحصنا
ولا يعجل النزوع، ويجب عليه عقيب الأربعة الأشهر جماعها، فإن لم يفعل مع كراهتها تركه
فهو آثم.
ويستحب الوليمة بالنهار يوما ويومين مكرمة والثلاثة رياء وسمعة، وليكن بما سهل
من حيس أو لحم وغيره، ويستحب الإجابة إليها إلا أن يكون فيها منكر لا يمكنه إزالته، وعن
رسول الله: ص لا وليمة إلا في خمس في عرص أو خرس أو عذار أو وكار
أو ركاز، فالعرس في النكاح والخرس في النفاس والعذار في الختان والوكار في شراء الدار
والركاز في القدوم من مكة، ولا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده: هو أن تمنعه المرضعة
وطأها خوف الحبل أو يمنع هو لذلك، والعازل منحيه، وروي اختيار الأجنبية للنكاح وعليه
قوله: أبعدوا في النكاح لا تضووا.
وقال بعض أصحابنا: ذات الرحم أولى لصلتها.
أحكام القسم:
وإذا كان عند الرجل امرأتان حرتان فله أن يبيت عند واحدة ليلة وعند الأخرى ثلاثا،
فإن كان عنده ثلاثا بات عندهن ثلاثا والرابعة أين شاء، فإن كن أربعا بات أربعا عندهن
إلا أن تحله بعضهن من ليلتها ولها الرجوع ولصاحبة الليلة يومها ولا يلزمه جماعها فيها،
ويبدأ بالقسمة بمن خرجت قرعتها ويسافر بمن خرجت قرعتها ولا يقضى في حق الباقيات،
وإن سافر بغير القرعة قضى وإن بات بعض ليلة عند البعض قضى في حقها.
وإن تزوج بكرا فضلها بثلاث ليلا ثم عاد إلى التسوية ويجوز سبعا وتفضيل الثيب
بثلاث، وقوله: ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء، يعني في المحبة: وإن خفتم ألا تعدلوا
فواحدة، يعني في النفقة، وإذا كان له زوجتان حرة وأمة أو مسلمة وكتابية، قسم للحرة
571

ليلتين وللأمة والكتابية ليلة، ولا قسمة بالملك اليمين والمتعة.
أحكام الولادة:
فإذا حضرتها الولادة خلت بها النساء، فإن لم يكن فالزوج أو ذو محرم، وإذا ولد حنكته
القابلة بماء الفرات وبتربة الحسين ع فإن كان الماء ملحا جعل فيه عسل أو تمر،
وأذنه اليمنى وأقام في أذنه اليسرى فهي عصمة من الشيطان، وأصدق الأسماء العبودية
مثل عبد الله، وأفضلها أسماء الأنبياء والأئمة ع، وأفضلها أسماء شريعتنا فمن
رزقه الله أربعة ولم يسم أحدهم محمدا أو أحمد فقد جفاه ع.
وعن أبي الحسن لا يدخل الفقر بيتا فيه اسم محمد وأحمد وعلى والحسن والحسين
وجعفر وطالب وعبد الله وفاطمة، وروي: أنه يسمى محمدا ثم إن شاء غيره يوم السابع،
ولا بأس بتسمية قبل ولادته باسم مشترك كطلحة وحمزة. وينبغي أن يكنى المولود خوف
اللقب.
ونهى عن التسمية ب‍ " حكم " وحكيم وخالد ومالك وحارث، والكنى بأبي عيسى
وأبي الحكم وأبي مالك وأبي القاسم والاسم محمد، وليطعم النفساء برني التمر والحامل
السفرجل، والرطب خير للنفساء أولا فإن لم يكن فسبع من تمرات مدنية وإلا فسبع من تمر
الأمصار.
والعقيقة مستحبة وروي أنها واجبة، وإذا لم يعق عنه أو لم يدر عق عنه أم لا عق عن
نفسه وإن كان شيخا، ولا يقوم الصدقة بثمنها مقامها ولا شئ على من لا يجدها، والأفضل
العق عن الذكر بذكر والأنثى بأنثى ويجوز بالعكس، والسنة يوم السابع حلق رأسه وتسميته
وكنيته والتصدق بزنة شعره ذهبا أو فضة ولا يوزن بصنجة، وثقب أذنيه في شحمة اليمنى
وأعلى اليسرى والقرط في اليمنى والشنف في اليسرى وتهنية والديه به بالمأثور.
والعق عنه وتفريق اللحم على فقراء المؤمنين وإن طبخه وأطعمهم إياه جاز، وأقلهم
عشرة والزيادة أفضل ويدعون للصبي، ولا يأكل الأبوان ومن في عيالهما منها شيئا، ويعطي
القابلة الرجل بالورك وإن كانت ذمية فثمن ذلك وهو الربع، فإن لم يكن له قابلة فلأمه ربعها
572

تعطيه من شاءت فإن أكلت أمه منها شيئا لم ترضعه.
ويجري فيه ما جرى في الأضحية وهو الأفضل ويجوز دونه، ويفصل الأعضاء ولا يكسر
العظم ويسمي الله عند ذبحها ويدعو بالمأثور، وخفض الجارية مكرمة وختن الرجال
واجب وليس عليها إذا أسلمت ختان، فإن أسلم الكافر اختتن وإن كان شيخا،
والخافضة تشم ولا تستأصل فإنه أنور للوجه وأحظى عند الزوج، فإذا مضى السابع
فلا يحلق الصبي ولا يحلق بعض رأسه دون بعض ويحلق شعر البطن، وإذا مضى السابع
عق عنه أيضا وفي اليوم السابع أفضل، وإذا بلغ ولم يعق عنه فإن ضحى عنه أو ضحى هو
عن نفسه أجزأه عن العقيقة.
وإذا مات الصبي قبل الظهر من السابع لم يعق عنه وبعده يعق عنه، وإذا توفي الوالد
وترك رضيعا فأجر رضاعه من حصته من الإرث من أبيه وأمه، وإن كان حمله تسعة أشهر
أرضع أحدا وعشرين ودونها جور عليه، وإن كان ستة أشهر أرضع حولين وهو الكامل
ولا يزاد عليهما، فإن زيد لم يكن أكثر من شهرين ولا أجرة للزيادة، ولا يجب على الزوجة
رضاع الولد ولها أجرته على والده، وإن كانت أم ولده فله جبرها على رضاعه، وإن طلبت
أمه أجرة ووجد متبرعة أو راضية بدونها فله استرضاعها إلا أن ترضى أمه بمثل ذلك،
وكفالته لها بكل حال وإن طلقها فكذلك إن كانت حرة، وإن كانت أمة فأبوه أولى بكفالته
فإن كان عبدا وهي حرة فهي أولى به.
وأفضل الألبان لبن الأم، فإن كان أحدهما كافرا أو ارتد أو فاسقا أو فسق فالآخر أولى
به، فإن أسلم أو تاب عاد حقه، وإذا أتى عليه حولان فأبوه الحر أولى به، فإن كانت أنثى
فالأم أحق بها منه إلى أن تكمل وترشد إلا أن تتزوج الأم بغيره في الذكر والأنثى فيكون أبوه
أحق بهما منها، فإن كان عبدا فهي أحق به إلى أن يعتق.
وإذا كان الولد مملوكا استحب تركه مع أمه، وإن مات والد الصبي فأمه أحق به من
الوصي والعصبة وأجرة رضاع أمه له من ماله، فإن ماتت أمه فأبوه أحق به، فإن مات
أبواه فإن كان له رجال فقط أو نساء فقط فالأحق به الأولى بإرثه، فإن كان القبيلان فالنساء
أولى به إن كن أقرب من الرجال أو في درجتهم، فإن كان له نسبان في درجة تساويا، وإن
573

كان أحدهما فاسقا أو كافرا فالآخر أولى به وأم أمه أولى من أمه وخالته أولى به من خاله
وعمه وعمته.
وليسترضع امرأة عاقلة عفيفة صالحة حسناء، فإن لم يجد فليسترضع كتابية ويمنعها من
تناول الخمر والخنزير ويكون عنده، فإن لم يجدها استرضع وثنية أو مجوسية فإن لم يجد فمن
ولدت أو ولدت من زنا وطاب لبنها بأن يجعل المولى الفاجر بها أو جعلهما إن كانا له في حل،
ولبن اليهودية والنصرانية والمجوسية خير من لبن ولد الزنى.
ولا يسترضع الحمقاء ولترضعه المرأة من الثديين يكون أحدهما طعاما والآخر شرابا،
وأكبر التوأمين أولهما خروجا وروي آخرهما خروجا، ويعيش الولد لستة أشهر وسبعة
ولا يعيش لثمانية، وأقل الحمل ستة أشهر وأكثره حول وقيل تسعة أشهر.
والزوجة الدائمة والمتعة والأمة السرية فراش، فإذا ولدت إحداهن ولدا ألحق به مع
إمكان الوطء وأن يكون منه ومع العزل وعدمه، فإن أنكر ولد الزوجة الدائمة التي دخل بها
ولم يغب عنها غيبة تزيد على زمان الحمل لاعنها، وإن أقر بولد ساعة لزمه الدهر، ونكاح
الشبهة ووطء الشبهة فراش، وإذا طلق زوجته فاتت بولد لستة أشهر ودون سنة فهو ولده
وإن أنكره في الزوجية تلاعنا، وإن تزوجت غيره وأتت بالولد لدون ستة أشهر من وطء
الثاني فهو للأول، وإن كان لستة أشهر فصاعدا فهو للثاني.
فإن باع جاريته فاتت بولد لدون ستة أشهر من وطء الثاني فهو للأول إن أقر به وإلا
فهو رق له، وإن كان لستة أشهر من وطء الثاني فهو له، فإن وطأ الشريكان جارية في ملكهما
في طهر واحد وادعياه أقرع بينهما وألحق بمن أقرع وغرم لصاحبه نصف قيمة الولد
ونصف عقرها وعلى هذا، ولا يحل للرجل أن يلحق به من لا يلحق به شرعا وإن أقر به
لحقه.
وإذا نعى الرجل إلى زوجته أو سريته فاعتدتا ونجحتا وحملتا ثم قدم ردت إليه بعد
الوضع وألحق الولد بالثاني وغرم لسيد الأمة قيمته وعقرها وللحرة مهر المثل، ولو دخل
بزوجته ثم رأى من يفجر بها وجاءت بولد فالولد للفراش وللعاهر الحجر، وإن جاءت بولد
على نعت مكروه فله لعانها وقيل لا يجوز، فإن شاهد من يطأ سريته وجاءت بولد يشبه
574

الزاني كره له بيعه واستحب له أن يوصي له بشئ من ماله ولا يورثه كالأولاد، فإن مات هذا
الولد لم يرثه إلا ولده وزوجه أو زوجته دون السيد.
فإن ملك جارية حاملا لدون أربعة أشهر وعشرة أ أم فوطئها في الفرج ولم يعزل كره له
بيع الولد واستحب له إعتاقه وأن يعزل له من ماله شيئا، وإن وطأها بعد هذه المدة في الفرج
ولم يعزل أو قبلها وعزل أو أتت أمته بولد ولم يكن وطأها أو غصبها انسان فوطئها فجاءت
بولد فله بيع الكل، وولد المتعة لا حق بالمتمتع ولا ينتفي باللعان.
وينبغي أن يتخير الانسان موضع الولد ويحسن اسمه وأدبه ويعلمه الخط والسباحة
ويؤمر بالصلاة لسبع، ويفرق بين الصبيان في المضاجع لعشر ويعلم القرآن والصبية
سورة النور لا سورة يوسف ولا الخط، ولا تنزل الغرف وتعجل إلى الزوج، وإن سمى محمدا
أو فاطمة لم يشتمهما ولم يضربهما ولم يخرق بهما.
ومن حق الوالد على ولده أن لا يسميه باسمه، ولا يمشي قدامه ولا يجلس كذلك
ولا يدخل معه الحمام ولا يفدي غيره به إلا أن يكون الإمام، ويلزم الوالدين من العقوق
لولدهما ما يلزمه من عقوقهما، فرحم الله تلاحظ أعان الآخر على بره، ويؤدب اليتيم كما
يؤدب ولده.
العيوب التي يجوز معها فسخ النكاح:
ويجوز للرجل أن يفسخ نكاح المرأة بالبرص والجذام والجنون والزمانة والعمى
والقرن وكونها مفضاة وهو رفع الحاجز بين مدخل الذكر ومخرج الغائط، وقيل: رفع ما بين
مسلك البول والذكر، وأن يتزوجها على أنها حرة فتخرج أمة، أو على أنها بنت مهيرة
فتخرج بنت أمة، ولها فسخ نكاحه بأن تتزوجه على أنه حر فيخرج عبدا أو على أنه من قبيلة
أو أب مخصوصين فيظهر بخلافهما.
والعنن والجب والخصاء والجنون وإنما يكون الفسخ لهما ما لم يعلما على الفور فإن علما
ثم رضيا أو أخر الفسخ بلا عذر لزمها العقد، وإذا أقدم أحدهما على عيب فزاد لم يفسخ،
ولا فسخ بهذه العيوب إذا حدثت بعد الدخول وما حدث قبل الدخول فكالقديم، وإذا
575

اعترف بالعنن ولم يولج أو أنكر فأجلس في ماء بارد فإن استرخى ذكره أنظر حولا، فإن
وطأها مرة أو غيرها من النساء فلا خيار لها وإلا فلها الفسخ ونصف الصداق نصا، وإن
دخل بها الخصي وهي لا تعمله فعلمت فسخت فلها المهر وأوجع ظهره.
وإذا زوجه بنت المهيرة فأدخل عليه بنت الأمة فلم يدخل بها فلا مهر لها عليه وردت
إليه امرأته، وإن كان سلم إلى أبيها مهر الأولى، استرجعه منه للثانية، وإن دخل بالأولى فلها
المهر ورجع به على من أدخلها عليه، وإذا تزوج امرأة على أنها بنت مهيرة فخرجت بنت
أمة ولم يدخل بها وفسخ فلا مهر لها، وإن دخل بها فلها المهر ورجع به على المدلس.
وإذا تزوج شخصان امرأتين فأدخلت زوجة كل منهما على صاحبه اعتدتا ثم ردت كل
امرأة إلى زوجها وعلى كل واحد منهما مهران ويرجعان بأحد المهرين على المدخل المدلس
وورث كل منهما زوجته وورثته إن حصل موت واعتدتا عدة الوفاة بعد فراغهما من العدة
الأولى، وإن تعمدت كل واحدة منهما الدخول على غير زوجها فلا مهر لها وإن قبضته ردته
عليه ولحق الولد بالداخل منهما.
وروي: للمرأة الخيار بالجنون الحادث بالرجل بعد تزويجها، وقيل: إن عقل وقت
الصلاة فلا خيار لها. ولحدث به العنن بعد الدخول لم يكن لها خيار، والمحدودة في الزنى
لا ترد وهو مخير في طلاقها وإمساكها.
وإذا ادعى الرجل أنه تزوج امرأة وأقام بينة وادعت أختها أنه تزوجها وأقامت بينة لم
توقت وقتا فالبينة بينة الرجل، ولا تقبل بينتها إلا بوقت قبل وقتها أو دخول بها، وإذا
فسخت المرأة العقد قبل الدخول أو الرجل فلا مهر لها إلا في العنن فلهما نصفه، وإن
فسخه الرجل بعد الدخول فعليه مهر المثل ورجع به على المدلس وإن كانت هي المدلسة
فعليها، وإن كانت أمة وتلف في يدها فحتى تعتق وتؤسر، وتبين المفسوخ نكاحها قبل
576

باب النفقات:
موجب النفقة نكاح ورحم وملك، وإنما يجب النفقة في النكاح بأن يكون دائما وتمكنة
الزوجة من الاستمتاع تمكينا كاملا، فلو أمكنته من القبل فقط أو نهارا لا ليلا أو بالعكس لم
يكن لها عليه نفقة، فإن كان الزوج حرا موسرا والمرأة شريفة أنفق في طعام وأدم عادة البلد،
وكسى لصيف وشتاء على قدر يساره من إبريسم وكتان وغيرهما ولزينتها، وأخدمها خادما
أو خدمها ولا يلزمه إخدام غير الشريفة، والأمة ينفق عليها بالمعروف بلا إخدام وإن كانت
جميلة، والمتوسط على قدر حاله وحال المرأة ويخدمها أو يخدمها، والمعسر أصلا إن أنظرته إلى
يساره فلها وإن ألزمته بالطلاق طلق، وقيل: لا يجبر عليه وتصبره حتى يوسر، فإن كان
موسرا أجبر على أحد الأمرين.
فإن أرسل الأمة سيدها ليلا ونهارا فالنفقة على الزوج لكمال الاستمتاع، وإن
أرسلها ليلا فقط فلا نفقة على الزوج بل على سيدها، وإن كان الزوج عبدا ونكح بإذن
سيده وهو مكتسب فالنفقة في كسبه، فإن أعوز أتمه السيد فإن فضل فله فإن اختار أن ينفقه
فله، وإن لم يكن مكتسبا فعلى السيد والمدبر كالعبد حتى يعتقه والمكاتب كالعبد، فإن أعتق
بعضه أنفق بحسابه من الحرية نفقة الموسر إن كان ذا مال أو كسب.
والنفقة تجب بأول اليوم فإن سلمها إليها ملكتها، فإن ماتت ورثت عنها وإن باعتها
صح بيعها وإن كساها ملكت الكسوة كذلك، فإن أسلفها نفقة لمدة ثم ماتت أو نشزت
استردها فإن مات هو كانت ميراثا، وإن كساها لمدة فأتلفتها لم يضمن ولم يلزمه بدلها حتى
المدة، فإن لم ينفق عليها ومضت مدة فهي في ذمته وترجع بها عليه أو في تركته قضى بذلك
القاضي أم لم يقض، فإن غاب قضى عليه وبيع عليه عقاره أو غيره فيها، فإن استدانت
النفقة قضاها. فإن لم ينفق عليها ولواها جاز لها أن تأخذ من ماله قدر نفقتها ونفقة ولده
منها بالمعروف من جنس ذلك أو من غير جنسه.
ولا نفقة للبائن والمفسوخ نكاحها إلا أن تكون حاملا. وإن مرضت زوجته لم تلزمه
نفقة المرض من دواء وأجرة طبيب وفصاد وحجام وإنما عليه نفقة الصحة، فإن سافرت
باذنه فعليه نفقة الحضر وإن سافرت بغير إذنه فلا نفقة لها، فإن حجت في الفرض بغير إذنه
577

فعليه نفقة الحضر، وإن لم يدخل بزوجته فلا نفقة لها لأن النفقة تجب بوجود التمكين
لا بإمكانه، فإن خرجت من بيته ناشزا ثم غاب فعادت إلى بيته لم تعد نفقتها حتى يمكنه ردها
إلى قبضته بنفسه أو وكيله، فإن ارتدت بعد الدخول فلا نفقة لها حتى تسلم في العدة.
وإن اختلف الزوجان في قبض النفقة ولا بينة له فالقول قولها مع يمينها، وإن كانت أمة
فإن اتفقا على القبض وادعت أنه قبضها نفقة المعسر وكان موسرا فأنكر اليسار ولا بينة لها
فالقول قوله مع يمينه، ولو اختلفا في قبض المهر قبل الدخول حلفت وبعده يحلف الزوج،
ولا دخول للأمة في هذا لأن المهر لسيدها. وإن كان الزوج صغيرا أو هي صغيرة أو هما
صغيرين فلا نفقة لها، ومرض الكبيرة بعد تسليمها أو عظم آلته لا تسقط نفقتها لأنها سكن
يؤلف، فإن كان الزوج عبدا فأبق لم يكن على مولاه نفقة.
وروى شهاب بن عبد ربه قال قلت له: ما حق المرأة على زوجها؟ قال: يسد جوعتها
ويستر عورتها ولا يقبح لها وجها، فإذا فعل ذلك فقد والله أدى إليها حقها، قال قلت:
فاللحم؟ قال: في كل ثلاثة أيام مرة، في الشهر عشر مرات لا أكثر من ذلك، قال قلت:
فالصبغ؟ قال: في كل ستة أشهر ويكسوها في كل سنة أربعة أثواب، ثوبين للشتاء وثوبين
للصيف، ولا ينبغي أن يقفر بيتك من ثلاثة أشياء: الخل والزيت ودهن الرأس، وقوتهن
بالمد، فإني أقوت عيالي بالمد وأقدر لكل انسان منهم قوته، فإن شاء أكله وإن شاء وهبه وإن
شاء تصدق به، ولا يكون فاكهة عامة إلا أطعم عياله منها، ولا يدع أن يكون للعيدين من
عيدهم فضلا من الطعام ينيلهم من ذلك شيئا لا ينيلهم في سائر الأيام، وقيل: يقوت الموسر
زوجته بمدين والمتوسط بمد ونصف والمعسر بمد.
وأما القسم الثاني:
فيجب فيه النفقة على الوالدين وإن علوا والولد وإن سفلوا بشرط يساره وعسرهم
وعدم تمكنهم من الكسب فإن فاتت لم يقض، وإن لم ينفق وهو موسر أجبر على ذلك، وهي
مستحبة على ذوي رحمه سواهم ويتأكد على من يرثه لا وارث له غيره.
فإن كان للمعسر والد وولد وجب أن ينفقا عليه بالسوية، فإن كان للموسر ولد ووالد
578

معسران وجب أن ينفق عليهما.
فإن كان له أب وأبوه وولد وولده معسرون أنفق عليهم إن أمكنه وإلا فعلى أقربهم،
وإن كان الأبوان موسرين أو الوالد كذلك فنفقة الولد عليه، فإن كان له أم وأبو أب وإن علا
فعلى الجد دونها، وإن أعسر الأب والجد فعليها، وإن أعسر اثنان في درجة كالوالدين
أو الولدين وأيسر بنفقة أحدهما فبينهما، وإنما تجب النفقة في ما فضل عن قوت يومه وليلته
ويجب أن يبدأ بزوجته لأنها وجبت معاوضة.
فأما القسم الثالث:
فتجب فيه النفقة على الرقيق من غالب قوت البلد وغالب كسوته لا قوت السيد
وكسوته، ويستحب له ذلك وإن كانت سرية فضلها على الخادم، وإن كان العبد
والأمة ذوي كسب فمن كسبهما، والمعوز على السيد والفاضل له، فإن لم ينفق ولا كسب لهما
ألزم بيعهما أو إعتاقهما، فإن كانوا جماعة ألزم ببيع البعض والإنفاق على البعض منه أو يختار
بيع الكل أو إعتاقهم، وإن خارج عبده أو أمته المكتسبين باختيارهما جاز، والخدمة تجب
عليهما نهارا والليل سكن وراحة على العادة، ويستحب أن يدعوه السيد ليأكل معه فإن
أبي ناوله لقمة أو لقمتين.
والدواب والطير في البادية يرسل إن كان مرعى، فإن لم يكن فكالحضر أما أن ينفق
أو يؤجر إن جان مما يؤجر، فإن لم يكن يؤجر كلف بيعه أو ذبحه أو نحره إن كان مما يؤكل،
فإن كان مما لا يؤكل ألزم بيعه فإن كان أكثر من واحد باع بعضه وأنفق على الباقي إلا أن
يختار بيع الكل أو ذبحه إن كان مما يذبح ويؤكل.
579

قواعد الأحكام
في مسائل الحلال والحرام
للشيخ جمال الدين أبي منصور الحسن بن سديد الدين يوسف بن زين الدين
علي بن محمد بن مطهر الحلي المشتهر بالعلامة الحلي والعلامة على الإطلاق
647 - 726 ه‍ ق
581

كتاب النكاح
وفيه أبواب:
الأول: في المقدمات: وهي سبعة مباحث:
أ: النكاح مستحب ويتأكد في القادر مع شدة طلبه وقد يجب إذا خشي
الوقوع في الزنى سواء الرجل والمرأة، والأقرب أنه أفضل من التخلي للعبادة لمن لم
نتق نفسه إليه، وينبغي أن يتخير الولود البكر العفيفة الكريمة الأصل وصلاة
ركعتين وسؤال الله تعالى أن يرزقه من النساء أعفهن فرجا وأحفظهن له في نفسها
وماله وأوسعهن رزقا وأعظمهن بركة وغيره من الأدعية والإشهاد والإعلان
والخطبة قبل العقد وإيقاعه ليلا، ويكره والقمر في برج العقرب.
ب: يستحب عند الدخول صلاة ركعتين والدعاء وأمر المرأة بذلك ووضع
يده على ناصيتها والدعاء وطهارتهما والدخول ليلا والتسمية عند الجماع وسؤال
الله تعالى الولد الصالح الذكر السوي، والوليمة عند الزفاف يوما أو يومين واستدعاء
المؤمنين ولا يجب الإجابة بل يستحب، وكذا الأكل وإن كان صائما ندبا ويجوز
أكل نثار العرس لا أخذه إلا بإذن أربابه نطقا أو بشاهد الحال ويملك حينئذ
بالأخذ على إشكال.
ج: يكره الجماع في ليلة الخسوف ويوم الكسوف وعند الزوال والغروب إلى
583

ذهاب الشفق وفي المحاق وفيما بين طلوع الفجر والشمس وفي أول ليلة كل شهر
إلا رمضان وليلة النصف منه وسفرا مع عدم الماء وعند هبوب الريح السوداء
والصفراء والزلزلة وعاريا ومحتلما قبل الغسل والوضوء، ويجوز مجامعا من غير
غسل ومع حضور ناظر إليه والنظر إلى فرج المرأة مجامعا واستقبال القبلة
واستدبارها وفي السفينة والكلام بغير ذكر الله.
د: يجوز النظر إلى وجه من يريد نكاحها وكفيها مكررا وإليها قائمة وماشية
وإن لم يستأذنها وبالعكس، وروي إلى شعرها ومحاسنها وجسدها من فوق الثياب
وإلى أمة يريد شراءها إلى شعرها ومحاسنها دون العكس، وإلى أهل الذمة
وشعورهن إلا لتلذذ أو ريبة، وأن ينظر الرجل إلى مثله إلا العورة وإن كان شابا
حسن الصورة إلا لريبة أو تلذذ وكذا المرأة، والملك والنكاح يبيحان النظر إلى
السوءتين من الجانبين على كراهية.
ويجوز النظر إلى المحارم عدا العورة وكذا المرأة ولا يحل النظر إلى الأجنبية
إلا لضرورة كالشهادة عليها، ويجوز إلى وجهها وكفيها مرة لا أزيد وكذا المرأة،
وللطبيب النظر إلى ما يحتاج إليه للعلاج حتى العورة وكذا لشاهد الزنى النظر إلى
الفرج لتحمل الشهادة عليه، وليس للخصي النظر إلى المالكة ولا الأجنبية ولا
للأعمى سماع صوت الأجنبية ولا للمرأة النظر إليه وللصبي النظر للأجنبية،
والعضو المبان كالمتصل على إشكال واللمس في المحارم كالنظر.
ه‍: الخطبة مستحبة إما تعريضا كرب راغب فيك أو حريص عليك أو إني
راغب فيك وأنك علي كريمة أو إن الله لسائق إليك خيرا أو رزقا، ولو ذكر
النكاح أبهم الخاطب كرب راغب في نكاحك، ونهى الله تعالى عن المواعدة سرا إلا
بالمعروف كأن يقول: عندي جماع يرضيك، وكذا إن أخرجه مخرج التعريض كأن
يقول: رب جماع يرضيك لأنه من الفحش وإما صريحا كأن يقول: إذا انقضت عدتك
تزوجت بك، وكلاهما حرام لذات البعل.
584

وللمعتدة الرجعية وللمحرمة أبدا كالمطلقة تسعا للعدة وكالملاعنة والمراضعة
وكبنت الزوجة ممن حرمت عليه، ويجوز التعريض لهؤلاء من غيره في العدة
والتصريح بعدها، والمطلقة ثلاثا يجوز التعريض لها من الزوج وغيره ويحرم
التصريح منهما في العدة ويجوز من غيره بعدها والمعتدة بائنا كالمختلعة، والمفسوخ
نكاحها يجوز التعريض لها من الزوج وغيره والتصريح من الزوج خاصة والإجابة
تابعة، ولو صرح في موضع المنع أو عرض في موضعه ثم انقضت العدة لم يحرم
نكاحها ولو أجابت خطبة زيد، ففي تحريم خطبة غيره نظر إلا المسلم على الذمي في
الذمية، ولو عقد الغير صح.
و: خص رسول الله ص بأشياء في النكاح وغيره، وهي
إيجاب السواك عليه والوتر والأضحية وإنكار المنكر وإظهاره ووجوب التخيير
لنسائه بين إرادته ومفارقته، لقوله تعالى: يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن
تردن الحياة الدنيا الآية، وهذا التخيير كناية عن الطلاق إن اخترن الحياة الدنيا،
وقيام الليل وتحريم الصدقة الواجبة والمندوبة على خلاف وخائنة الأعين وهو
الغمز بها ونكاح الإماء بالعقد والكتابيات والاستبدال بنسائه والزيادة عليهن
حتى نسخ بقوله: إنا أحللنا لك أزواجك الآية، والكتابة وقول الشعر ونزع لأمته
إذا لبسها قبل لقاء العدو وأبيح له أن يتزوج بغير عدد وأن يتزوج ويطأ بغير مهر
وبلفظ الهبة وترك القسم بين زوجاته والاصطفاء والوصال وأخذ الماء من
العطشان والحمى لنفسه.
وأبيح لنا وله الغنائم وجعل الأرض مسجدا وترابها طهورا، وجعلت أزواجه
أمهات المؤمنين بمعنى تحريم نكاحهن على غيره سواء فارقهن بموت أو فسخ أو طلاق
لا لتسميتهن أمهات ولا لتسميته ع أبا، وبعث إلى الكافة وبقيت معجزته
وهي القرآن إلى يوم القيامة، وجعل خاتم النبيين ونصر بالرعب وكان العدو يرهبه
من مسيرة شهر، وجعلت أمته معصومة وخص بالشفاعة، وكان ينظر من ورائه كما
585

ينظر من قدامه بمعنى التحفظ والحس، وكان تنام عينه ولا ينام قلبه كذلك وجعل
ثواب نسائه مضاعفا وكذا عقابهن، وأبيح له دخول مكة بغير إحرام وإذا وقع
بصره على امرأة ورغب فيها وجب على الزوج طلاقها.
ز: أقسام النكاح ثلاثة: دائم ومنقطع وملك يمين ولنبدأ بالدائم ونتبعه
بالآخرين إن شاء الله تعالى.
الباب الثاني: في العقد:
وفيه فصلان:
الأول: في أركانه: وهي ثلاثة:
الأول: الصيغة، ولا بد من الإيجاب والقبول، وألفاظ الإيجاب: زوجتك
وأنكحتك ومتعتك، والقبول: قبلت النكاح أو التزويج أو المتعة، ولو اقتصر على
قبلت، صح وكذا لو تغاير مثل زوجتك، فيقول: قبلت النكاح، ولا بد من وقوعهما
بلفظ الماضي، ولو قصد بلفظ الأمر الانشاء قيل يصح، كما في خبر سهل الساعدي،
ولو قال: أتزوجك بلفظ المستقبل منشئا فقالت: زوجتك، جاز على رأي. ولو
قال: زوجت بنتك من فلان، فقال نعم، بقصد إعادة اللفظ للإنشاء. فقال
الزوج: قبلت صح على إشكال ولو قصد الإخبار كذبا لم ينعقد ويصح مع تقديم
القبول بأن يقول: تزوجتك فقالت: زوجتك، ولا يصح بغير العربية مع القدرة
ويجوز مع العجز، ولو عجز أحدهما تكلم كل بلغته ولو عجزا عن النطق أو أحدهما
أشار بما يدل على القصد.
ولا ينعقد بلفظ البيع ولا الهبة ولا الصدقة ولا التمليك ولا الإجارة ذكر
المهر أو لا ولا الإباحة ولا العارية، ولو قال: أتزوجني بنتك؟ فقال: زوجتك. لم
ينعقد حتى يقبل، وكذا أن زوجتني ابنتك، وكذا جئتك خاطبا راغبا في بنتك،
586

فيقول: زوجتك، ولا ينعقد بالكتابة للعاجز إلا أن يضم قرينة يدل على القصد.
ويشترط التنجيز - فلو علقه لم يصح - واتحاد المجلس، فلو قالت: زوجت نفسي من
فلان، وهو غائب فبلغه فقبل لم ينعقد، وكذا لو أخر القبول مع الحضور بحيث لا
يعد مطابقا للإيجاب، ولو أوجب ثم جن أو أغمي عليه قبل القبول بطل.
ولو زوجها الولي افتقر إلى تعينها إما بالإشارة أو بالاسم أو بالوصف الرافع
للاشتراك، فلو زوجه إحدى ابنتيه أو هذا الحمل لم يصح، ولو كان له عدة بنات
فزوجه واحدة منهن ولم يذكر اسمها حين العقد فإن لم يقصد معينة بطل وإن قصد
صح، فإن اختلفا في المعقود عليها فإن كان الزوج قد رآهن كلهن فالقول قول الأب
لأن الظاهر أنه وكل التعيين إليه وعليه أن يسلم المنوية ولو مات قبل البيان
أقرع، وإن لم يكن رآهن بطل العقد.
الثاني: المحل، وهو كل امرأة يباح العقد عليها وسيأتي ذكر المحرمات
إن شاء الله تعالى.
الثالث: العاقد، وهو الزوج أو وليه والمرأة أو وليها وكما يجوز للمرأة أن
تتولى عقدها فكذا لها أن تتولى عقد غيرها زوجا أو زوجة، ويشترط منه البلوغ
والعقل والحرية، فلا يصح عقد الصبي ولا الصبية وإن أجاز الولي ولا المجنون
رجلا أو امرأة ولا السكران وإن أفاق وأجاز وإن كان بعد الدخول، ولا يشترط
في نكاح الرشيدة الولي ولا الشهود في شئ من الأنكحة، ولو تأمرا الكتمان لم
يبطل فيصح اشتراط الخيار في الصداق لا النكاح، ولو ادعى كل منهما الزوجية
فصدقه الآخر حكم بالعقد وتوارثا، ولو كذبه الآخر قضي على المعترف بأحكام
العقد خاصة.
ولو ادعى زوجية امرأة وادعت أختها زوجيته وأقاما بينة حكم لبينتها إن
كان تاريخها أسبق أو كان قد دخل بها وإلا حكم لبينته، والأقرب الافتقار إلى
اليمين على التقديرين إلا مع السبق، وفي انسحاب الحكم في مثل الأم والبنت
587

إشكال، ولو ادعى زوجية امرأة لم يلتفت إليه إلا بالبينة سواء عقد عليها غيره أو
لا.
الفصل الثاني: في الأولياء: وفيه مطالب:
الأول: في أسبابها:
وهي في النكاح إما القرابة أو الملك أو الحكم.
أما القرابة فيثبت الولاية منها بالأبوة والجدودة منها لا غير إلا إذا بلغ الطفل
رشيدا ثم جن فإن الولاية ينتقل إلى الحاكم مع الغبطة، فلا ولاية لأخ ولا عم ولا
أم ولا جد لها ولا ولد ولا غيره من الأنساب قربوا أو بعدوا، وإنما يثبت للأب
والجد للأب وإن علا. وهل يشترط في ولاية الجد بقاء الأب؟ الأقرب لا ويثبت
ولايتهما على الصغير ذكرا كان أو أنثى بكرا أو ثيبا وكذا المجنون مطلقا وإن بلغ.
وأما الملك فيثبت للمولى ولاية النكاح على عبده وإن كان رشيدا وعلى
مملوكته كذلك ولا خيار لهما معه، وله إجبارهما عليه وليس له إجبار من تحرر
بعضه، وللولي تزويج أمة المولى عليه ولا فسخ بعد الكمال.
أما الحكم فإن ولاية الحاكم يختص في النكاح على البالغ فاسد العقل أو من
تجدد جنونه بعد بلوغه ذكرا كان أو أنثى مع الغبطة، ولا ولاية له على الصغيرين
ولا على الرشيدين ويسقط ولايته مع وجود الأب والجد له، ولا ولاية للوصي
وإن فوضت إليه إلا على من بلغ فاسد العقل مع الحاجة، والمحجور عليه للسفه
لا يجوز أن يتزوج إلا مضطرا إليه فإن تزوج من غير حاجة كان العقد فاسدا ومع
الحاجة يأذن له الحاكم فيه مع تعيين الزوجة وبدونه، وليس الإذن شرطا فإن زاد
عن مهر المثل بطل الزائد، وولاية القرابة مقدمة على ولاية الحاكم وولاية الملك
مقدمة على الجميع، ولو اجتمع الأب والجد واختلفا في الاختيار قدم اختيار الجد،
وإن عقدا قدم السابق وإن اقترنا قدم عقد الجد، ولا ولاية عندنا بالتعصيب ولا
588

بالعتق.
المطلب الثاني: في مسقطات الولاية: وهي أربعة:
أ: الرق فلا ولاية لمملوك على ولده حرا كان الولد أو عبدا للمولى أو لغيره
ولو أذن له المولى صح، وكذا المدبر والمكاتب وإن تحرر بعضه ولو وكله غيره في
الإيجاب أو القبول صح بإذن السيد وغيره.
ب: النقص عن كمال الرشد كالصبي والمجنون والمغمى عليه والسكران،
ولو زال المانع عادت الولاية.
ج: الكفر وهو يسلب الولاية عن ولده المسلم صغيرا أو مجنونا ذكرا أو أنثى
ولا يسلب ولايته عن الكافر، ولو كان الجد مسلما تعينت ولايته على المسلم
والكافر دون الأب الكافر وبالعكس.
د: الإحرام وهو يسلب عبارة العقد إيجابا وقبولا ولا يمنع من الانعقاد
بشهادته إذ الشهادة عندنا ليست شرطا لكنه فعل محرم، ولا يمنع من الرجعة وشراء
الإماء والطلاق فإن زال المانع عادت ولايته، ولا ينتقل الولاية عنه إلى الحاكم
حالة الإحرام والعمى والمرض الشديد إذا بقي معه التحصيل، والغيبة والفسق غير
مانعة.
المطلب الثالث: في المولى عليه:
لا ولاية في النكاح إلا على ناقص بصغر أو جنون أو سفه أو رق، وللأب أن
يزوج المجنون الكبير عند الحاجة ولا يزيد على واحدة، وله أن يزوج من الصغير
أربعا، وإن زوج المجنون الصغير وإن لم يكن ذلك للحاكم، ويزوج المجنونة الصغيرة
والبالغة، وكذا الحاكم مع المصلحة بكرا كانت أو ثيبا، ولا يفتقر الحاكم إلى
مشاورة أقاربها ولا الحاجة بل تكفي المصلحة فيها، والسفيه لا يجبر لأنه بالغ ولا
589

يستقل لأنه سفيه لكن يتزوج بإذن الولي مع الحاجة ولا يزيد على مهر المثل، وإذا
لم يعين له المرأة لم ينكح على خلاف المصلحة شريفة يستغرق مهر مثلها ماله.
ولو تزوج بغير إذن فسد وإن وطئ وجب مهر المثل على إشكال، ولو لم
يأذن له الولي مع الحاجة أذن له السلطان فإن تعذر ففي صحة استقلاله نظر، ولا
يدخل تحت الحجر طلاقه ولا طلاق العبد، ولو طلب الرقيق النكاح لم تجب
الإجابة وأمة المرأة تزوجها سيدتها، ولا يحل نكاحها من دون إذنها سواء المتعة أو
الدائم على رأي، ولا يكفي سكوت البكر في حق أمتها ويكفي في حقها، والأقرب
استقلال المعتقة في المرض بالتزويج، وإن رجعت أو بعضها رقا بطل العقد إلا أن
يجيز المولى.
ولا ولاية على البالغ الرشيد الحر إجماعا ولا على البالغة الرشيدة الحرة وإن
كانت بكرا على الأصح في المنقطع والدائم، ولو زوجها أبوها أو جدها وقف على
إجازتها كالأجنبي لكن يستحب لها أن لا تستقل من دونهما بالنكاح، وأن توكل
أخاها مع عدمهما وأن تخلد إلى أكبر الإخوة وأن تتخير خيرته لو اختلفوا، ولو
عضلها الولي وهو أن لا يزوجها بالأكفاء مع رغبتها استقلت إجماعا.
المطلب الرابع:
الكفاءة معتبرة في النكاح فليس للمرأة ولا للولي التزويج بغير الكف والمراد
بها التساوي في الاسلام والإيمان، فلا يصح تزويج المسلمة المؤمنة إلا بمثلها ويجوز
للمؤمن أن يتزوج بمن شاء من المسلمات، وليس له أن يتزوج بكافرة حربية إجماعا،
وفي الكتابية خلاف أقربه جواز المتعة خاصة وله استصحاب عقدهن دون
الحربيات، والمجوسية كتابية، ولا يتزوج بالناصبية المعلنة بعداوة أهل البيت
ع.
ويستحب للمؤمن أن يتزوج بمثله، وللحر أن يتزوج بالأمة وللحرة أن تتزوج
590

بالعبد، وكذا شريفة النسب بالأدون كالهاشمية والعلوية بغيرهما، والعربية
بالأعجمي وبالعكس وكذا أرباب الصنائع الدنيئة بالأشراف. وهل للتمكن من
النفقة شرط؟ قيل: نعم، والأقرب العدم، ولو تجدد عجزه عنها فالأقرب عدم
التسلط على الفسخ. ولو خطب المؤمن القادر وجب إجابته وإن كان أخفض نسبا،
ولو امتنع الولي كان عاصيا إلا للعدول إلى الأعلى.
ويكره تزويج الفاسق خصوصا شارب الخمر، ولو انتسب إلى قبيلة فبان من
غيرها فالأقرب انتفاء الفسخ، وكذا لا فسخ لو ظهر لمن تزوج بالعفيفة أنها كانت
قد زنت ولا رجوع على الولي بالمهر، ولو زوجها الولي بالمجنون أو الخصي صح ولها
الخيار عند البلوغ، وكذا لو زوج الطفل بذات عيب يوجب الفسخ ولو زوجها
بمملوك لم يكن لها الخيار إذا بلغت، وكذا الطفل لو زوجه بالأمة إن لم نشرط خوف
العنت.
المطلب الخامس: في الأحكام:
إذا زوج الأب أو الجد له أحد الصغيرين لزم العقد ولا خيار له بعد بلوغه،
وكذا المجنون أو المجنونة لا خيار له بعد رشده لو زوجه أحدهما، وكذا كل من له
ولاية على النكاح إلا الأمة فإن لها الخيار بعد العتق وإن زوجها الأب على إشكال،
ولكل من الأب والجد له تولي طرفي العقد وكذا غيرهما على الأقوى إلا الوكيل
فإنه لا يزوجها من نفسه إلا إذا أذنت له فيصح على رأي، ولوكيل الجد عن حافديه
تولى طرفي العقد وكذا لوكيل الرشيدين، ولو زوج الولي بدون مهر المثل فالأقرب
أن لها الاعتراض، ويصح للمرأة أن تعقد على نفسها وغيرها إيجابا وقبولا.
ولو زوج الفضولي وقف على الإجازة من المعقود عليه إن كان حرا رشيدا أو
من وليه إن لم يكن ولا يقع العقد باطلا في أصله على رأي، ويكفي في البكر
السكوت عند عرضه عليها ولا بد في الثيب من النطق، ولو زوج الأب أو الجد له
591

الصغيرين فمات أحدهما ورثه الآخر، ولو عقد الفضولي فمات أحدهما قبل البلوغ
بطل العقد ولا مهر ولا ميراث، ولو بلغ أحدهما فأجاز لزم في طرفه فإن مات الآخر
فكالأول، وإن مات المجيز عزل للآخر نصيبه فإن فسخ بعد البلوغ فلا مهر ولا
ميراث، فإن أجاز أحلف على عدم سببية الرغبة في الميراث وورث، فإن مات بعد
الإجازة وقبل اليمين فإشكال، ولو جن عزل نصيبه ولو نكل ففي المهر وإرثه منه
إشكال، وفي انسحاب الحكم في البالغين إذا زوجهما الفضولي إشكال أقربه
البطلان.
ولو زوج أحدهما الولي أو كان بالغا رشيدا وزوج الآخر الفضولي فمات
الأول عزل للثاني نصيبه وأحلف بعد بلوغه، ولو مات الثاني قبل بلوغه أو قبل
إجازته بطل العقد، ولو تولى الفضولي أحد طرفي العقد ثبت في حق المباشر تحريم
المصاهرة، فإن كان زوجا حرم عليه الخامسة والأخت والأم والبنت إلا إذا
فسخت على إشكال في الأم، وفي الطلاق نظر لترتبه على عقد لازم فلا يبيح
المصاهرة، وإن كانت زوجة لم يحل لها نكاح غيره إلا إذا فسخ والطلاق هنا معتبر.
ولو أذن المولى لعبده في التزويج صح فإن عين المهر وإلا انصرف إلى مهر
المثل، فإن زاد على التقديرين فالزائد في ذمته يتبع به بعد الحرية والباقي على مولاه،
وقيل: في كسبه. وكذا النفقة، ولو زوجها الوكيلان أو الأخوان مع الوكالة صح
عقد السابق، وإن دخلت بالثاني فرق بينهما ولزمه المهر مع الجهل ولحق به الولد
واعتدت وردت بعدها إلى الأول، ولو اتفقا بطلا ولا مهر ولا ميراث وقيل:
يحكم بعقد أكبر الأخوين.
ولو كانا فضوليين استحب لها إجازة عقد الأكبر ولها أن تجيز عقد الآخر، ولو
دخلت بأحدهما قبل الإجازة ثبت عقده، ولو زوجته الأم فرضي صح وإن رد بطل
وقيل يلزمها المهر ويحمل على ادعاء الوكالة، ولو قال بعد العقد: زوجك الفضولي
من غير إذن وادعته حكم بقولها مع اليمين، ولو ادعى إذنها فأنكرت قبل الدخول
592

قدم قولها مع اليمين، فإن نكلت حلف الزوج وثبت العقد وبعده الأقرب تقديم قوله
لدلالة التمكين عليه، ولكل ولي إيقاع العقد مباشرة وتوكيلا فإن وكل عين له
الزوج. وهل له جعل المشيئة؟ الأقوى ذلك.
ولو قالت الرشيدة: زوجني ممن شئت، لم يزوج إلا من كف ء ولتقل المرأة
أو وليها لوكيل الزوج أو وليه: زوجت من فلان، ولا تقول: منك، ويقول
الوكيل: قبلت لفلان. ولو قال: قبلت فالأقرب الاكتفاء، ولو قالت: زوجت
منك. فقال: قبلت. ونوى عن موكله لم يقع للموكل بخلاف البيع. ويجب على
الولي التزويج مع الحاجة، ولو نسي السابق بالعقد من الوليين على اثنين احتمل
القرعة فيؤمر من لم تقع له بالطلاق ثم يجدد من وقعت له النكاح وإجبار كل منهما
على الطلاق ويشكل ببطلان الطلاق مع الإجبار ويحتمل فسخ الحاكم.
ولو اختارت نكاح أحدهما فالأقرب أنه يجدد نكاحه بعد فسخ الآخر فإن
أبت الاختيار لم تجبر، وكذا لو أبت نكاح من وقعت له القرعة لعدم العلم بأنه
زوج، وكذا لو جهل كيفية وقوعهما أو علم أن أحدهما قبل الآخر لا بعينه وعليهما
النفقة إلى حين الطلاق على إشكال، ولو امتنعا من الطلاق احتمل حبسهما عليه
وفسخ الحاكم أو المرأة وعلى كل تقدير، ففي ثبوت نصف المهر إشكال ينشأ من أنه
طلاق قبل الدخول، ومن إيقاعه بالإجبار فأشبه فسخ العيب، فإن أوجبناه افتقر
إلى القرعة في تعيين المستحق عليه.
ولو ادعى كل منهما السبق وعلمها ولا بينة، فإن أنكرت العلم حلفت على
نفيه فتسقط دعواهما عنها ويبقى التداعي بينهما، ولو أنكرت السبق حلفت ويحكم
بفساد العقدين وإن نكلت ردت عليهما، فإن حلفا معا بطل النكاحان أيضا وإن
حلف أحدهما ونكل الآخر حكمنا بصحة نكاح الحالف، وإن اعترفت لهما دفعة
احتمل الحكم بفساد العقدين والأقرب مطالبتها بجواب مسموع لأنها أجابت بسبق
كل منهما وهو محال، وإن اعترفت لأحدهما ثبت نكاحه على إشكال ينشأ من كون
593

الخصم هو الزوج الآخر. وهل تحلف للآخر؟ فيه إشكال ينشأ من وجوب غرمها
بمهر المثل للثاني لو اعترفت له وعدمه، وكذا لو ادعى زوجيتها اثنان فاعترفت
لأحدهما ثم للآخر، فإن أوجبنا اليمين حلفت على نفي العلم فإن نكلت حلف الآخر،
فإن قلنا اليمين مع النكول كالبينة انتزعت من الأول للثاني لأن البينة أقوى من
إقرارها، وإن جعلناه إقرارا ثبت نكاح الأول وغرمت للثاني على إشكال.
الباب الثالث: في المحرمات:
التحريم إما مؤبد أو لا فهنا مقصدان:
الأول: في التحريم المؤبد:
وسببه إما نسب أو سبب.
القسم الأول النسب:
ويحرم به الأم وإن علت، وهي كل أنثى ينتهي إليها نسبه بالولادة ولو
بوسائط لأب أو لأم، والبنت هي كل من ينتهي إليك نسبها ولو بوسائط وإن
نزلت، وبنات الابن وإن نزلن والأخت لأب أو لأم أو لهما وبناتها وبنات
أولادها وإن نزلوا وبنات الأخ لأب كان أو لأم أو لهما وبنات أولاده وإن نزلوا،
والعمة لأب كانت أو لأم أو لهما وإن علت والخالة لأب أو لأم أو لهما وإن علت،
ولا يحرم أولاد الأعمام والأخوال والضابط أنه يحرم على الرجل أصوله وفروعه،
وفروع أول أصوله وأول فرع من كل أصل وإن علا، ويحرم على المرأة ما يحرم على
الرجل كالأب وإن علا والولد وإن نزل والأخ وابنه وابن الأخت والعم وإن
علا، وكذا الخال.
والنسب يثبت شرعا بالنكاح الصحيح والشبهة بدون الزنى لكن التحريم يتبع
اللغة، فلو ولد له من الزنى بنت حرمت عليه وعلى الولد وطء أمه وإن كان منفيا
عنهما شرعا، وفي تحريم النظر إشكال، وكذا في العتق والشهادة والقود وتحريم
594

الحليلة وغيرها من توابع النسب، ولو ولدت المطلقة لأقل من ستة أشهر من حين
الطلاق فهو للأول وستة أشهر من وطء الثاني فهو له، ولو كان لأقل من ستة أشهر
من وطء الثاني ولأكثر من أقصى مدة الحمل من وطء الأول انتفى عنهما، ولو كان
لستة من وطء الثاني ولأقل من أقصى المدة من وطء الأول قيل: بالقرعة،
والأقرب أنه للثاني. واللبن تابع ولو نفى الولد باللعان تبعه اللبن، فإن أقر به
بعده عاد نسبه ولا يرث هو الولد.
القسم الثاني السبب:
ويحرم منه بالرضاع والمصاهرة والتزويج والزنى وشبهه واللعان والقذف فهنا
فصول:
الفصل الأول الرضاع: ويحرم به ما يحرم بالنسب، فالأم من الرضاع محرمة
ولا يختص الأم بمرضعة الطفل بل كل امرأة أرضعتك أو رجع نسب من أرضعتك
أو صاحب اللبن إليها أو أرضعت من يرجع نسبك إليه من ذكر أو أنثى فهي أمك،
فأخت المرضعة خالتك وأخوها خالك وكذا سائر أحكام النسب، ولو امتزجت
أخت رضاع أو نسب بأهل قرية جاز أن ينكح واحدة منهن، ولو اشتبهت محصور
العدد عادة حرم الجميع وثبت بالرضاع المحرمية كالنسب، وللرجل أن يخلو بأمه
وأخته وبنته وغيرهن بالرضاع كالنسب ولا يتعلق به التوارث واستحقاق النفقة،
وفي العتق قولان. والنظر في الرضاع يتعلق بأركانه وشروطه وأحكامه.
المطلب الأول: في أركانه: وهي ثلاثة:
الأول: المرضعة: وهي كل امرأة حية حامل عن نكاح صحيح وشبهه فلا
حكم للبن البهيمة، فلو ارتضعا من لبنها لم يحرم أحدهما على الآخر ولا الرجل ولا
الميتة وإن ارتضع وأكمل حال الموت باليسير، ولو در لبن امرأة من غير نكاح لم
595

ينشر حرمة سواء كانت بكرا أو ذات بعل صغيرة أو كبيرة، ولا يشترط وضع الحمل
بل كون اللبن عن الحمل بالنكاح، ولو أرضعت من لبن الزنى لم ينشر حرمة أما
الشبهة فكالصحيح على الأقوى، ولا يشترط إذن المولى في الرضاع ولا الزوج.
ولو طلق الزوج وهي حامل منه أو مرضع فأرضعت من لبنه ولدا نشر الحرمة
كما لو كانت تحته، ولو تزوجت بغيره ودخل الثاني وحملت ولم يخرج الحولان
وأرضعت من لبن الأول نشر الحرمة من الأول، أما لو انقطع ثم عاد في وقت يمكن
أن يكون للثاني فهو له دون الأول، ولو اتصل حتى تضع من الثاني كان ما قبل
الوضع للأول وما بعده للثاني.
ويستحب أن يسترضع العاقلة المؤمنة العفيفة الوضيئة ولا يسترضع الكافرة،
فإن اضطر استرضع الكتابية ومنعها من شرب الخمر وأكل لحم الخنزير، ويكره أن
يسلمه إليها لتحمله إلى منزلها، واسترضاع من ولادتها عن زنا، وروي إباحة الأمة
منه ليطيب اللبن، واسترضاع ولد الزنى، ويتأكد الكراهية في المجوسية.
الركن الثاني: اللبن: ويشترط وصول عينه خالصا إلى المحل من الثدي، فلو
احتلب ثم وجر في حلقه أو أوصل إلى جوفه بحقنة أو سعوط أو تقطير في إحليل أو
جراحة أو جبن له فأكله، أو ألقى في فم الصبي مائع يمتزج باللبن حال ارتضاعه
حتى يخرجه عن مسمى اللبن لم ينشر حرمة.
الركن الثالث: المحل: وهو معدة الصبي الحي فلا اعتبار بالإيصال إلى معدة
الميت، فلو وجر لبن الفحل في معدته لم يصر ابنا ولا زوجته حليلة ابن ولا
بالإيصال إلى جوف الكبير بعد الحولين.
المطلب الثاني: في شرائطه: وهي أربعة:
أ: الكمية ويعتبر التقدير بأحد أمور ثلاثة: إما ما أنبت اللحم وشد العظم أو
رضاع يوم وليلة أو خمس عشرة رضعة وفي العشر قولان. ولا حكم لما دون، ويشترط
596

كمالية الرضعات وتواليها والارتضاع من الثدي، فلو ارتضع رضعة ناقصة لم تحتسب
من العدد والمرجع في كمالية الرضعة إلى العرف وقيل: أن يروى ويصدر من قبل
نفسه، فلو لفظ الثدي ثم عاوده فإن كان قد أعرض أولا فهي رضعة وإن كان
للتنفس أو الالتفات إلى ملاعب أو الانتقال إلى ثدي آخر كان الجميع رضعة، ولو
منع قبل استكماله لم يحتسب.
ولو لم يحصل التوالي لم ينشر كما لو أرضعت امرأة خمسا كاملة ثم ارتضع من
أخرى ثم أكمل من الأولى العدد لم ينشر وبطل حكم الأول وإن اتحد الفحل،
ولو تناوب عليه عدة نساء لم ينشر ما لم يكمل من واحدة خمس عشرة رضعة كاملة
ولاء، ولو ارتضع من كل واحدة خمس عشرة رضعة كاملة متوالية حرمن كلهن،
ولا يشترط عدم تخلل المأكول والمشروب بين الرضعات بل عدم تخلل رضاع وإن
كان أقل من رضعة.
ب: أن يكون الرضاع في الحولين وإن كان بعد فطامه ويعتبر في المرتضع
إجماعا دون ولد المرضعة على الأقوى، ولو أكمل الأخيرة بعد الحولين لم ينشر وينشر
لو تمت مع تمام الحولين.
ج: اتحاد الفحل وهو صاحب اللبن فلو تعدد لم ينشر، كما لو أرضعت بلبن
فحل صبيا وبلبن آخر صبية لم تحرم الصبية على الصبي، ولو أرضعت بلبن فحل
واحد مائة حرم بعضهم على بعض ولو أرضعت منكوحاته وإن كن مائة صغارا كل
واحدة واحدا حرم بعضهم على بعض، ولو ارتضع خمسا من لبن فحل ثم اعتاض
بالغذاء وفارقت ونكحت آخر فأكملت العدد من لبن الثاني ولم يتخلل رضاع
أخرى لم تصر أما ولم تحرم هي ولا أولادها عليه.
المطلب الثالث: في الأحكام:
إذا حصل الرضاع بشرائطه نشر الحرمة، ولو شككنا في العدد فلا تحريم ولو
597

شككنا في وقوعه بعد الحولين تقابل أصلا البقاء والإباحة لكن الثاني أرجح، ولو
كان له خمس عشرة مستولدة فأرضعته كل واحدة رضعة لم يحرم المرضعات ولا
الفحل للفصل ولا يصير أبا ولا المرضعات أمهات، ولو كان بدلهن خمس عشرة بنتا
لم يكن الأب جدا.
والأصول في التحريم ثلاثة: المرتضع والمرضعة والفحل، فيحرم المرتضع عليهما
وبالعكس، وتصير المرضعة أما والفحل أبا وآباؤهما أجدادا وجدات وأولادهما
أخوة وأخوات وأخواتهما أخوالا وأعماما، فكما حرمت المرضعة على المرتضع حرم
عليه أمهاتها وأخواتها وبناتها من النسب وكذا أولاد الرضيع أحفاد المرضعة، وكل
من ينسب إلى الفحل من الأولاد ولادة ورضاعا يحرمون على المرتضع وبالعكس،
ولا يحرم عليه من ينسب إلى المرضعة بالبنوة رضاعا من غير لبن هذا الفحل بل كل
من ينسب إليها بالولادة وإن نزل، ولا يحرم المرضعة على أب المرتضع ولا على
أخيه.
ويحرم أولاد الفحل ولادة ورضاعا وأولاد زوجته المرضعة ولادة لا رضاعا على
أب المرتضع على رأي، ولأولاد هذا الأب الذين لم يرتضعوا من هذا اللبن النكاح في
أولاد المرضعة وأولاد فحلها ولادة ورضاعا على رأي، ولإخوة المرتضع نكاح إخوة
المرتضع الآخر إذا تغاير الأب وإن اتحد اللبن، وكما يمنع الرضاع النكاح سابقا
كذا يبطله لا حقا، فلو أرضعت أمه أو من يحرم النكاح بإرضاعه كأخته وزوجة أبيه
من لبن الأب زوجته فسد النكاح وعليه نصف المهر ولو لم يسم فالمتعة، ويرجع على
المرضعة إن تولت الإرضاع وقصدت الإفساد، وإن انفردت المرتضعة به بأن سعت
وامتصت من ثديها من غير شعور المرضعة سقط.
ولو أرضعت كبيرة الزوجتين صغيرتهما حرمتا أبدا مع الدخول بالكبيرة وإلا
الكبيرة، وللكبيرة المهر مع الدخول وإلا فلا وللصغيرة النصف أو الجميع على
إشكال ويرجع به على الكبيرة مع التفرد بالإرضاع، ولو أرضعت الكبيرة الصغائر
598

حرمن جمع إن دخل بالكبيرة وإلا الكبيرة، ولو أرضعت الصغيرة زوجتاه على
التعاقب فالأقرب تحريم الجميع لأن الأخيرة صارت أم من كانت زوجته إن كان
قد دخل بإحدى الكبيرتين وإلا حرمت الكبيرتان مؤبدا وانفسخ عقد الصغيرة،
ولا فرق بين الرضاع قبل الطلاق لهما أو لأحدهما أو بعده، وينفسخ نكاح الجميع
للجمع والمؤبد على ما فصل.
ولو أرضعت أمته الموطوءة زوجته حرمتا وعليه المهر أو نصفه ولا رجوع إلا
أن تكون مكاتبة، ولو كانت موطوءة بالعقد تبعت به على إشكال ويحتمل قويا عدم
التحريم بالمصاهرة، فلأب المرتضع النكاح في أولاد صاحب اللبن وأن يتزوج بأم
المرضعة نسبا وبأخت زوجته من الرضاع وأن ينكح الأخ من الرضاع أم أخيه نسبا
وبالعكس، والحرمة التي انتشرت من المرتضع إلى المرضعة وفحلها بمعنى أنه صار
كابن النسب لهما والتي انتشرت منهما إليه موقوفة عليه وعلى نسله دون من هو في
طبقته من إخوته وأخواته أو أعلى منه كآبائه وأمهاته، وللفحل نكاح أم المرتضع
وأخته وجدته.
فروع:
أ: لو زوج أم ولده بعبد أو بحر ثم أرضعته من لبنه حرمت عليهما.
ب: لو فسخت نكاح الصغير لعيب أو لعتقها ثم تزوجت وأرضعته بلبن الثاني
حرمت عليهما، وكذا لو تزوجت بالكبير أولا ثم طلقها ثم تزوجت بالصغير ثم
أرضعته من لبنه.
ج: لو أرضعت زوجته الكبيرة زوجتيه الصغيرتين بلبن غيره دفعة بأن أعطت
كل واحدة ثديا من الرضعة الأخيرة انفسخ عقد الجميع وحرمت الكبيرة مؤبدا
والصغيرتان إن كان قد دخل بالكبيرة، فإن أرضعت زوجة ثالثة حرمت مؤبدا إن
كان دخل بالكبيرة وإلا بقيت زوجة من غير فسخ، ولو أرضعت واحدة ثم
599

الباقيتين دفعة حرمن جمع إن كان قد دخل بالكبيرة وإلا فسد نكاح الصغار وله
العقد على من شاء، ولو أرضعتهن على التعاقب فإن كان قد دخل حرمن مؤبدا
وإن لم يكن دخل انفسخ نكاح الأولى دون الثانية لأن الكبرى قد بانت فلم يكن
جامعا بينها وبين بنتها، وإذا أرضعت الثالثة احتمل فساد نكاحها خاصة لأن
الجمع بين الأختين تم بها فاختصت بالفساد كما لو تزوج بأخت امرأته، وفساد
نكاحها مع الثانية لأن عند كمال إرضاعها صارتا أختين وانفسخ نكاحها كما لو
كان إرضاعهما دفعة.
د: لو أرضعت أمته زوجته بلبن غيره حرمت الأمة مؤبدا ولم يزل ملكها،
وكذا الزوجة إن كان قد وطئ الأمة وإلا فهي على الزوجية من غير فسخ ولا
تحريم.
ه‍: لو أرضعت ثلاث بنات زوجته ثلاث زوجاته كل واحدة زوجة دفعة
حرمن جمع إن كان قد دخل بالكبيرة وإلا الكبيرة وانفسخ عقد الصغار، وله
تجديده جمعا لأنهن بنات خالات، ولكل صغيرة نصف مهرها ويرجع به الزوج على
مرضعتها، وللكبيرة المهر ويرجع به على البنات بالسوية، ولو ارتضعن بأنفسهن
بالاستقلال فلا ضمان وفي تضمين الصغار مهر الكبيرة نظر، وإن أرضعن على
التعاقب تعلق بالأولى مهر الكبيرة أو نصفه ونصف الصغيرة، وعلى كل من
الباقيتين نصف مهر من أرضعتها مع الدخول وإلا فلا رجوع لبقاء النكاح بحاله فإن
نكاح الكبيرة قد زال قبل الإرضاع فلا جمع.
و: لو أرضعت أم الكبيرة أو جدتها أو أختها على إشكال فيهما الصغيرة ولم
يدخل انفسخ النكاح، لأن المرضعة إن كانت الأم فالكبيرة أخت وإن كانت
الأخت فخالة وإن كانت الجدة فالصغيرة خالة.
ز: لو تزوج كل من الاثنين زوجة صاحبه ثم أرضعت إحديهما الأخرى
حرمت الكبيرة عليهما مؤبدا والصغيرة على من دخل بالكبيرة، وكذا لو تزوجتا بواحد
600

ثم بآخر.
ح: لو أرضعت جدة الصغيرين أحدهما انفسخ النكاح لأن المرتضع إن كان هو
الزوج فهو إما عم زوجته أو خال وإن كان الزوجة فهي عمة أو خالة لزوجها.
ط: لو أرضعت من لبن الزوج بعد موته نشر الحرمة إلى أقاربه.
ي: لا تحرم أم المرضعة من الرضاع على أب المرتضع ولا أختها منه ولا عمتها
منه ولا خالتها ولا بنات أخيها ولا بنات أختها وإن حرمن بالنسب لعدم اتحاد
الفحل، ولو أرضعت ذات الابن ذات الأخت لم تحرم الأخت على الابن.
يا: حرمة الرضاع تنشر إلى المحرمات بالمصاهرة فليس للرجل نكاح حلائل
آبائه من الرضاع ولا حلائل أبنائه منه ولا أمهات نسائه ولا بناتهن منه.
يب: لو أرضعت من يفسد النكاح بإرضاعه جاهلة بالزوجية أو للخوف عليها
من التلف ولم يقصد الإفساد وقلنا: بالتضمين، ففيه هنا إشكال ينشأ من كون
الرضاع سببا، فإذا كان مباحا لم يوجب الضمان كحفر البئر في ملكه.
يج: لو سعت الزوجة الصغيرة فارتضعت من الزوجة الكبيرة وهي نائمة رجع
في مال الصغيرة بمهر الكبيرة أو بنصفه على إشكال، فإن أرضعتها عشر رضعات ثم
نامت فارتضعت خمسة احتمل الحوالة بالتحريم على الأخير فالحكم كما لو كانت نائمة
في الجميع، والتقسيط فيسقط ثلث مهر الرضيعة بسبب فعلها ونصف المهر لوجود
الفرقة قبل الدخول ويسقط ثلثا مهر الكبيرة، فإن كانت غير مدخول بها سقط الباقي
لأنه أقل من النصف الساقط بالفرقة، ويغرم للصغيرة سدس مهرها ويرجع به على
الكبيرة، ويحتمل سقوط سدس مهر الصغيرة وتغرم الكبيرة ثلثه وسقوط ثلث مهر
الكبيرة وتغرم الصغيرة سدسه إن كان قبل الدخول وبعده إشكال.
خاتمة:
الأقرب قبول شهادة النساء منفردات فلا بد من الأربع ويكفي الشاهدان
601

والشاهد والمرأتان، ولا يقبل في الإقرار به إلا شاهدان ويفتقر إلى التفصيل فلا
تسمع الشهادة به مطلقة وتسمع في الإقرار به، ويتحمل الشاهد بأربع شرائط: أن
يعرفها ذات لبن وأن يشاهد الصبي قد التقم الثدي وأن يكون مكشوفا لئلا يلتقم
غير الحلمة وأن يشاهد امتصاصه للثدي وتحريك شفتيه والتجرع حركة الحلق، ثم
يشهد على القطع بأن بينهما رضاعا محرما وإن يشهد على فعل الإرضاع فليذكر الوقت
والعدد، والأقرب أنه ليس عليه ذكر وصول اللبن إلى الجوف ولا يكفي حكاية
القرائن بأن يقول: رأيته قد التقم الثدي وحلقه يتحرك.
ويقبل شهادة أمها وجدتها وأم الزوج وجدته سواء ادعى الزوج أو الزوجة،
ولو شهدت أم الزوجة وبنتها وأم الزوج وبنته سمعت ما لم يتضمن شهادة على
الوالد، ولو شهدت المرضعة أن بينهما رضاعا قبلت ولا يقبل لو شهدت مع ثلاث
بأنها ولدته لترتب النفقة والميراث هنا، ولو شهدت بأني أرضعته فالأقرب القبول
ما لم تدع أجرة.
ولو ادعى بعد العقد أنها أخته من الرضاع أو أمه وأمكن فإن صدقته قبل
الدخول بطل العقد ولا مهر ولا متعة، وإن كان بعد الدخول فلها المسمى مع
الجهل ولا شئ مع العلم بالتحريم ويحتمل مع الجهل مهر المثل، وإن كذبته قبل
الدخول ولا بينة حكم عليه بالحرمة ونصف الصداق وبعده الجميع، ولو ادعت
هي سمعت وإن كانت هي التي رضيت بالعقد لجواز جهلها به حالة العقد وتجدد
العلم بخبر الثقات، فإن صدقها الزوج وقعت الفرقة وثبت المهر مع الدخول وجهلها
وإلا فلا، ولو كذبها لم يقع الفرقة وليس لها المطالبة بالمسمى قبل الدخول وبعده،
ويحتمل مطالبته بمهر المثل بعد الدخول ولها إحلافه على نفي العلم.
فإن نكل حلفت على البت فيحكم بالفرقة والمهر مع الدخول لا قبله، ولو
نكلت أو كان قد حلف الزوج أولا فإن كان قد دفع الصداق لم يكن له مطالبتها به
وإلا لم يكن لها المطالبة وكان العقد ثابتا، والأقرب أنه ليس لها مطالبته بحقوق
602

الزوجية على إشكال في النفقة، ولو رجع بعد إقراره بالرضاع عنه بعد الفرقة لم يقبل
رجوعه فيه بأن ادعى الغلط، ولو اعترف قبل العقد بالرضاع لم يجز له العقد عليها
كذا المرأة سواء صدقه الآخر أولا، ولو رجع المعترف منهما لم يقبل رجوعه فيه،
ولو أقر برضاع ممتنع لم يلحق به حكم قبل العقد وبعده.
الفصل الثاني: المصاهرة:
كل من وطئ بالعقد الصحيح الدائم أو المنقطع أو الملك حرم عليه أم الموطوءة
وإن علت وبناتها وإن سفلن سواء تقدمت ولادتهن أو تأخرت، وإن لم يكن في
حجره تحريما مؤبدا وأخت الزوجة جمعا، وكذا بنت أخيها أو بنت أختها إلا أن
ترضى الزوجة وله إدخال العمة والخالة عليهما وإن كرهت المدخول عليها. وهل
يلحق الوطء بالشبهة والزنى بالصحيح؟ خلاف، ولا يحرم الزنى المتأخر عن العقد إن
قلنا بالتحريم به مع السبق، أما النظر واللمس بما يحرم على غير المالك والقبلة فلا
وقيل: إنها تحرم على أب اللامس والناظر وابنه خاصة فيما يملكانه دون أم المنظورة
أو الملموسة وابنتهما وأختهما والأقرب الكراهية، ولا خلاف في انتفاء التحريم بما
يحل لغير المالك كنظر الوجه ولمس الكف.
أما العقد المجرد عن الوطء فإنه تحرم أم الزوجة وإن علت تحريما مؤبدا على
الأصح. وهل يشترط لزومه مطلقا أو من طرفه أو عدمه مطلقا؟ نظر، فلو عقد عليه
الفضولي عن الزوجة الصغيرة ففي تحريم الأم قبل الإجازة أو بعد فسخها مع البلوغ
نظر، وتحرم المعقود عليها على أب العاقد وإن علا وابنه وإن نزل ولا تحرم بنت
الزوجة على العاقد عينا بل جمعا، فلو فارقها قبل الدخول حل له العقد على البنت،
وكذا أخت الزوجة وبنت أختها وأخيها إلا أن ترضى العمة والخالة.
ويحرم وطء مملوكة كل من الأب وإن علا والابن وإن نزل على الآخر
بالوطء لا بالملك ولا يحرم الملك مع الوطء، ولو وطئ أحدهما مملوكة الآخر بزنى
603

وبشبهة ففي التحريم نظر، وليس لأحدهما أن يطأ مملوكة الآخر إلا بعقد أو بملك أو
إباحة وللأب التقويم مع الصغر، ولو وطئ الأب أو الابن زوجة الآخر أو مملوكته
الموطوءة بزنى أو شبهة فالأصح أنه لا يوجب التحريم، ولا حد على الأب في الزنى
بمملوكة ابنه ويحد الابن مع انتفاء الشبهة.
ولو حملت مملوكة الأب بوطئ الابن بشبهة عتق ولا قيمة على الابن ولا عتق
مع الزنى، ولو حملت مملوكة الابن بذكر لم ينعتق وعلى الأب فكه مع الشبهة، ولو
حملت بأنثى عتقت على الابن ولا قيمة ومع الزنى لا عتق، وعلى كل من الأب
والابن مهر المثل لو وطئ زوجة الآخر للشبهة، فإن حرمنا بها فعاودها الزوج
وجب عليه مهر آخر وإلا فلا، والرضاع في ذلك كله كالنسب.
الفصل الثالث: في باقي الأسباب: وفيه مسائل:
أ: من لاعن امرأته حرمت عليه أبدا وكذا لو قذف زوجته الصماء أو
الخرساء بما يوجب اللعان لولا الآفة.
ب: لو تزوج امرأة في عدتها عالما حرمت عليه أبدا دون أبيه وابنه وإن جهل
العدة والتحريم، فإن دخل فكذلك في حقه وحقهما وإلا بطل واستأنف بعد
الانقضاء ويلحق به الولد مع الجهل إن جاء لستة أشهر فصاعدا من حين الوطء،
ويفرق بينهما وعليه المهر مع جدلها لا علمها وتعتد منه بعد إكمال الأولى، ولو كانت
هي العالمة لم يحل لها العود إليه أبدا، ولو تزوج بذات بعل ففي إلحاقه بالمعتدة
إشكال ينشأ من عدم التنصيص ومن أولوية التحريم، ولا فرق في العدة بين البائن
والرجعي وعدة الوفاة. وهل وطء الأمة في الاستبراء كالوطء في العدة؟ إشكال،
ولو تزوج بعد الوفاة المجهولة قبل العدة فالأقرب عدم التحريم المؤبد ويحتمله وإن
زادت المدة عن العدة، وفي المسترابة إشكال.
ج: لو زنا بذات بعل أو في عدة رجعية حرمت عليه أبدا ولو لم يكن إحديهما
604

لم تحرم سواء كانت ذات عدة بائن أو لا وإن كانت مشهورة بالزنى، ولو أصرت
امرأته على الزنى فالأصح أنها لا تحرم. وهل الأمة الموطوءة كذات بعل؟ نظر.
د: لو أوقب غلاما أو رجلا حيا أو ميتا على إشكال حرم عليه أم الغلام أو
الرجل وأخته وبنته مؤبدا عن النسب وفي الرضاع والفاعل الصغير إشكال،
ويتعدى التحريم إلى الجدات وبنات الأولاد دون بنت الأخت ولو سبق العقد لم
تحرم وكذا دون الإيقاب لا يحرم، ولو أوقب خنثى مشكل أو أوقب فالأقرب عدم
التحريم، وحد الإيقاب إدخال بعض الحشفة ولو قليلا، أما الغسل فإنما يجب
بغيبوبة الجميع ولا يحرم على المفعول بسببه شئ.
ه‍: لو عقد المحرم فرضا أو نفلا إحرام حج أو عمرة بعد إفساده أولا على امرأة
عالما بالتحريم حرمت أبدا وإن لم يدخل، وإن كان جاهلا فسد عقده وجاز له
العود بعد الإحلال، فإن دخل قيل: يحرم مؤبدا، ولا يحرم الزوجة بوطئها في
الإحرام مطلقا.
و: المطلقة تسعا للعدة ينكحها بينها رجلان تحرم مؤبدا ولا يشترط التوالي،
فلو تخلل التسع طلقات للسنة وكملت التسع للعدة حرمت أبدا، وفي الأمة إشكال
أقربه التحريم في التسع إذا نكحها بعد كل طلقتين رجل.
تنبيه:
إطلاق الأصحاب كون التسع للعدة مجاز لأن الثالثة من كل ثلاث ليست
منها بل هي تابعة للأوليين، فلو وقعت الثانية للسنة فالذي للعدة الأولى لا غير ولو
كانت الأولى فكذلك على الأقوى، أما الأمة فإن قلنا بتحريمها في الست فالأقوى
تبعية الثانية للأولى.
ز: من فجر بعمته أو خالته قربتا وبعدتا حرمت عليه بنتاهما أبدا، ولو وطئ
لشبهة فالأقرب عدم التحريم، ولو سبق العقد الزنى فلا تحريم وفي بنتهما مجازا أو
605

رضاعا إشكال.
ح: لا يحل وطء الزوجة الصغيرة قبل أن تبلغ تسعا فإن فعل لم تحرم على
الأصح إلا مع الإفضاء وهو صيرورة مسلك البول والحيض واحدا، أو مسلك
الحيض والغائط على رأي فيحرم مؤبدا. قيل: ولا تخرج من حباله، وفيه نظر.
ويجب عليه الانفاق عليها إلى أن يموت أحدهما، وإن طلقها وتزوجت بغيره على
إشكال. وهل يثبت هذه الأحكام في الأجنبية؟ الأقرب نعم، وفي النفقة إشكال.
وهل يشترط في التحريم المؤبد في طرف الأجنبي نقص السن عن تسع؟ فيه نظر
ينشأ من كون التحريم المؤبد مستندا إلى تحريم الوطء في طرف الزوج وهو هنا ثابت
في التسع والإشكال في الأجنبي قبل التسع أضعف، والأقرب عدم تحريم الأمة
والمفضاة بالإصبع، ولو كان الإفضاء بعد بلوغ الزوجة لم يكن على الزوج شئ إن
كان بالوطء.
المقصد الثاني: في التحريم غير المؤبد: وفيه فصول:
الأول: في المصاهرة: وفيه مسائل:
أ: تحرم بنت الزوجة وإن نزلت إذا لم يكن قد دخل بالأم تحريم جمع بمعنى
أنه إذا أبان الأم بفسخ أو طلاق أو موت حلت له البنت ومع الدخول تحرم بناتها
وإن نزلن مؤبدا، والأقرب مساواة الوطء في الفرجين وعدم اشتراط البلوغ والعقل
في الواطئ والموطوءة ولا الإباحة كالوطء في الإحرام والحيض ولا دوام النكاح،
والعقد والملك واحد.
ب: تحرم أخت الزوجة بالعقد دائما ومنقطعا تحريم جمع سواء دخل بالأخت أو
لا وسواء كانت لأب أو لأم أو لهما، ولا تحرم أخت الأخ إذا لم تكن أختا ولا
يحرم الجمع بينهما في الملك، ولو طلق رجعيا حرمت الأخت حتى تخرج العدة، ولو
طلق بائنا أو فسخ لسبب حلت في الحال على كراهية حتى تخرج العدة.
606

ج: تحرم بنت أخت الزوجة معها وبنت أخيها وإن نزلتا على إشكال تحريم
جمع إن لم تجز الزوجة فإن أجازت صح، وله إدخال العمة والخالة على بنت الأخ
وبنت الأخت وإن كرهتا، والأقرب أن للعمة والخالة فسخ عقدهما لو جهلتا لا
المدخول عليها.
د: لا يجوز نكاح الأمة لمن عنده حرة إلا بإذنها.
ه‍: لا تحل ذات البعل أو العدة لغيره إلا بعد مفارقته والعدة إن كانت من
أهلها.
و: لو تزوج الأختين نسبا أو رضاعا على التعاقب كان الثاني باطلا سواء دخل
بها أولا وله وطء زوجته في عدة الثانية، فإن اشتبه السابق منع منهما والأقرب
إلزامه بطلاقهما فثبت لهما ربع المهرين مع اتفاقهما واختلافهما على إشكال،
ويحتمل القرعة في مستحق المهر والإنفاق حتى يصطلحا، ومع الدخول يثبت
المهران مع الجهل فليس له حينئذ تجديد عقد إلا بعد العدة، ولو أوجبنا في الفاسد
مهر المثل واختلف فالقرعة ولو اتحد العقد بطل وقيل يتخير.
ولو وطئ أمة بالملك حرمت عليه أختها به حتى تخرج الأولى عن ملكه ببيع
أو هبة أو غيرهما، وفي اشتراط اللزوم أو الاكتفاء بالتزويج أو الرهن أو الكتابة
إشكال، فإن وطئ الثانية أيضا قبل اخراج الأولى قيل: إن كان عالما بالتحريم
حرمت الأولى حتى تموت الثانية أو يخرجها عن ملكه لا للعود إلى الأولى، فإن
أخرجها لذلك لم تحل الأولى، والأقرب أنه متى أخرج إحديهما حلت الأخرى سواء
كان للعود أو لا وسواء علم التحريم أولا، وإن لم يخرج إحديهما فالثانية محرمة دون
الأولى، ولو وطئ أمة بالملك قيل: جاز أن يتزوج بأختها فتحرم الموطوءة ما دامت
الثانية زوجة.
ز: لو تزوج بنت الأخ أو الأخت على العمة أو الخالة من النسب أو الرضاع
حرتين أو أمتين لا ملك يمين على إشكال، فإن كان بإذنهما صح وإلا بطل على
607

رأي ووقع موقوفا على رأي، فإن أجازت العمة أو الخالة لزم ولا يستأنف آخر وإن
فسختاه بطل ولا مهر قبل الدخول. وهل للعمة أو الخالة فسخ عقدهما والاعتزال؟
قيل: نعم، وفيه نظر فتقع العدة حينئذ بائنة.
ح: لو عقد على الأمة من دون إذن الحرة بطل أو كان موقوفا على رأي، وتتخير
الحرة في فسخه وإمضائه. وهل لها فسخ عقدها السابق؟ قيل: نعم، ولو تزوج
الحرة على الأمة مضى العقد وتتخير مع عدم العلم في إمضاء عقدها وفسخه لا عقد
الأمة، ولو جمع بينهما صح عقد الحرة وكان عقد الأمة موقوفا أو باطلا، ولو عقد
على من يباح نكاحها ويحرم دفعة صح عقد الأولى دون الثانية.
ط: قيل: يحرم على الحر العقد على الأمة إلا بشرطين عدم الطول وهو المهر
والنفقة وخوف العنت وهو مشقة الترك، وقيل: يكره فعلى الأول يحرم الثانية
ولا خلاف في تحريم الثالثة.
الفصل الثاني: في استيفاء عدد الطلاق والموطوءات:
أما الأول: فمن طلق حرة ثلاث طلقات يتخللها رجعتان حرمت عليه حتى
تنكح زوجا غيره، وإن كان المطلق عبدا، وتحرم الأمة بطلقتين بينهما رجعة حتى
تنكح زوجا غيره وإن كان المطلق حرا.
وأما الثاني: فالحر إذا تزوج دائما أربع حرائر حرم عليه ما زاد غبطة حتى
تموت واحدة منهن أو يطلقها بائنا أو يفسخ عقدها بسبب، فإن طلق رجعيا لم تحل له
الخامسة حتى تخرج العدة، ولو كان الطلاق بائنا حلت في الحال على كراهية، ولو
تزوج اثنتين دفعة حينئذ قيل: يتخير وقيل: يبطل، ولو تزوج الحر حرة في عقد
واثنتين في عقد وثلاثا في عقد واشتبه السابق صح نكاح الواحدة على الثاني وتحل
له بملك اليمين، والمتعة ما شاء مع الأربع وبدونهن، ولا تحل له من الإماء بالعقد
الدائم أكثر من أمتين من جملة الأربع ولا يحل له ثلاث إماء وإن لم يكن معه حرة
608

ولا أمتان مع ثلاث حرائر.
وأما العبد فيحرم عليه بالدائم أكثر من حرتين ويحل له أربع إماء أو حرة
وأمتان، وله أن يعقد متعة ما شاء مع العدد وبدونه وكذا بملك اليمين، ولو تجاوز
العدد في عقد واحد ففي التخيير أو بطلان العقد إشكال كالحر، والمعتق بعضها
كالأمة في حق الحر وكالحرة في حق العبد في عدد الموطوءات، أما في عدد الطلاق
فكالأمة معهما، والمعتق بعضه كالحر في حق الإماء وكالعبد في حق الحرائر.
الفصل الثالث: في الكفر: وفيه مطالب:
الأول: في أصناف الكفار: وهم ثلاثة:
أ: من له كتاب وهم اليهود والنصارى، أما السامرة فقيل: أنهم من اليهود
والصابئون من النصارى، والأصل أنهم إن كانوا يخالفون القبيلتين في فروع الدين
فهم منهم وإن خالفوهم في أصله فهم ملحدة لهم حكم الحربيين، ولا اعتبار لغير
هذين كصحف إبراهيم وزبور داود ع لأنها مواعظ لا أحكام فيها
وليست معجزة، ومن انتقل إلى دين أهل الكتاب بعد مبعث النبي ع لم
يقبل منه ولم يثبت لأولادهم حرمة ولم يقروا عليه، وإن كان قبله و
قبل التبديل قبل وأقر أولادهم عليه ويثبت لهم حرمة أهل الكتاب، وهل التهود بعد مبعث
عيسى ع كهو بعد مبعث النبي ص؟ إشكال وإن كان
بينهما، فإن انتقل إلى دين من بدل لم يقبل وإلا قبل، ولو أشكل هل انتقلوا قبل
التبديل أو بعده أو دخلوا في دين من بدل أو لا؟ فالأقرب إجراؤهم بحكم المجوس.
ب: من له شبهة كتاب وهم المجوس.
ج: من عدا هؤلاء كالذين لا يعتقدون شيئا وعباد الأوثان والشمس
والنيران وغيرهم، أما الأول ففي تحريم نكاحهم على المسلم خلاف أقربه تحريم
المؤبد دون المنقطع وملك اليمين وكذا الثاني، وأما الثالث فإنه حرام بالإجماع في
609

أصناف النكاح الثلاثة، ولا تحل المسلمة على أحد من أصناف الكفار الثلاثة وإن
سوغنا الدائم على الكتابية ثبت لها حقوق الزوجية كالمسلمة إلا الميراث، والقسم
فلها نصف المسلمة الحرة والحد ففي قذفها التعزير.
وعقد أهل الذمة إن كان صحيحا عندهم أقروا عليه وإلا فلا، وكذا أهل
الحرب إلا في شئ واحد وهو أن الحربي إذا قهر امرأة من الحربيات وأسلم أقر
عليها إن كان يعتقد ذلك نكاحا، ولو قهر الذمي ذمية لم يقر عليها بعد الاسلام لأن
على الإمام الذب عنهم ودفع من قهرهم، ولو نكح الكتابي وثنية وبالعكس لم
يفسخ النكاح والأقرب إلحاق الولد بأشرفهما كالمسلم.
وإذا تحاكم أهل الذمة إلينا تخير الإمام بين الحكم بينهم وبين ردهم إلى
أهل ملتهم إن اتفق الغريمان في الدين وكذا إن اختلفا على إشكال، فإن قلنا:
بالرد، احتمل إلى من يختاره المدعي أو الحاكم أو الناسخ لموافقة رأيه رأي الحاكم
في بطلان المنسوخ ولو تحاكم المستأمنان فكذلك.
ولو ارتفع مسلم وذمي أو مستأمن وجب الحكم بينهما وكل موضع يجب
الحكم لو استعدى الخصم أعداه، وإذا أرادوا ابتداء العقد لم يزوجهم الحاكم إلا
بشروط النكاح بين المسلمين فلا يصح على خمر أو خنزير، وإن زوجا عليه ثم ترافعا
فإن كان قبل القبض لم يحكم بوجوبه وأوجب مهر المثل ويحتمل قويا قيمته عند
مستحليه وإن كان بعده برئ الزوج، وإن كان بعد قبض بعضه سقط بقدر
المقبوض ووجب بنسبة الباقي من مهر المثل أو القيمة، وإن كان عشرة أزقاق خمر
قبضت خمسة فإن تساوت برئ من النصف، وإن اختلفت احتمل اعتبار العدد إذ
لا قيمة لها والكيل، والأقرب القيمة عند مستحليه.
وطلاق المشرك واقع فلو طلقها ثلاثا ثم أسلما لم تحل له حتى تنكح زوجا
غيره، وإذا تحاكموا إلينا في النكاح أقر كل نكاح لو أسلموا قررهم عليه، ولو طلق
المسلم زوجته الذمية ثلاثا ثم تزوجت ذميا ثم طلقها حلت للأول متعة ودواما على
610

رأي، وبشرط الاسلام على رأي.
المطلب الثاني: في الانتقال:
إذا أسلم زوج الكتابية دونها بقي نكاحه قبل الدخول أو بعده دائما ومنقطعا
سواء كان كتابيا أو وثنيا، فإن أسلمت دونه قبل الدخول انفسخ النكاح ولا مهر،
ولو أسلما دفعة فلا فسخ وبعده يقف على انقضاء العدة إن كان كتابيا، فإن مضت
ولم يسلم فسد العقد على رأي وعليه المهر، أما المسمى أو مهر المثل وإن أسلم فيها
والنكاح بحاله.
وأما غير الكتابيين فأيهما أسلم قبل الدخول انفسخ النكاح في الحال، وإن
أسلما دفعة فالنكاح بحاله وإن كان بعده وقف على انقضاء العدة، فإن أسلم صاحبه
فالنكاح بحاله وإلا بطل، وإذا ارتد أحد الزوجين قبل الدخول فسد العقد في الحال
ولا مهر إن كان من المرأة وإلا فالنصف ويحتمل الجميع إن كان عن فطرة
وبعده يقف على انقضاء العدة، وثبت المهر من أيهما كان الارتداد إلا أن يكون
الارتداد من الزوج عن فطرة فإن النكاح يبطل في الحال، وإن كان قد دخل وجب
المهر.
ولو انتقلت الذمية إلى ما لا يقر أهله عليه فإن كان قبل الدخول فسد وبعده
يقف على الانقضاء، فإن خرجت ولم يسلم الزوجان فسد العقد، وإن قلنا: بقبول
الرجوع كان العقد باقيا إن رجعت في العدة، ولو انتقلت إلى ما يقر أهله عليه
فكذلك إن لم نقرها وإلا كان النكاح باقيا، ولو انتقلت الوثنية إلى الكتابية
وأسلم الزوج فإن قبلنا منها غير الاسلام فالنكاح باق وإلا وقف على الانقضاء بعد
الدخول وقبله يبطل.
وليس للمسلم إجبار زوجته الذمية على الغسل من حيض أو جنابة وإن
حرمنا الوطء قبله أوجبناه، وله إلزامها بإزالة المنفر كالنتن وشعر العانة و طول
611

الأظفار، وله منعها من الكنائس والبيع وشرب الخمر وأكل الخنزير و استعمال
النجاسات التي يستقذرها الزوج وأكل الثوم والبصل والكراث وشبهه مما ينقص
الاستمتاع وإن كانت مسلمة.
فروع:
أ: لو أسلما في العدة ثبت النكاح ولا يبحث الحاكم عن كيفية وقوعه بل
يقررهما عليه ما لم يتضمن محرما كما لو كانت تحته إحدى المحرمات عليه.
ب: لا يقرهم على ما هو فاسد عندهم إلا أن يكون صحيحا عندنا ويقرهم
على ما هو صحيح عندهم وإن كان فاسدا عندنا، كما لو اعتقدوا إباحة الموقت من
دون المهر.
ج: لا فرق بين الذمي والحربي في ذلك ولو اعتقدوا غصبية المرأة نكاحا
أقروا عليه على إشكال بعد الاسلام وقبله.
د: لو شرطا الخيار مطلقا لهما أو لأحدهما لم يقرأ عليه بعد الاسلام لأنهما لا
يعتقدان لزومه حالة الكفر وإن قيداه، فإن أسلم قبل انقضائه لم يقرأ عليه وإن
كان بعده أقرا.
ه‍: لو تزوجها في العدة ثم أسلما فإن كان بعد الانقضاء أقرا عليه وإلا فلا
لأن نكاح المعتدة لا يجوز ابتداؤه حال الاسلام، أما بعد الانقضاء فإنهما يعتقدان
صحة هذا النكاح، ويجوز ابتداء مثله في الاسلام على هذه الحال ولا اعتبار بالمتقدم
فإنه معفو عنه، أما لو تزوج حليلة أبيه أو ابنه أو المطلقة ثلاثا فإنهما لا يقرءان عليه
بعد الاسلام.
و: لو أسلم ثم ارتد وانقضت العدة من حين إسلامه على كفرها تبينا الفسخ
من حين الاسلام، وإن أسلمت في العدة تبينا عدم الفسخ بالإسلام وتضرب لها
عدة من حين الارتداد، فإن عاد فيها فهو أحق وإلا بانت من حين ردته وليس له
612

العود إليها بذلك العقد حال ردته وإن كانت كافرة، وكذا لو أسلم ثم ارتد ثم
أسلمت ثم ارتدت لم يكن له استصحاب العقد وإن كان في العدة.
ز: لو أطلق كل واحدة من الأختين ثلاثا ثلاثا ثم أسلموا حرمتا إلا بالمحلل.
المطلب الثالث: في الزيادة على العدد الشرعي:
إذا أسلم الحر على أكثر من أربع من الكتابيات بعقد الدوام اختار أربع حرائر
أو حرتين وأمتين، والعبد يختار حرتين أو أربع إماء أو حرة وأمتين واندفع نكاح
البواقي سواء ترتب عقدهن أو لا وسواء اختار الأوائل أو الأواخر وسواء دخل بهن
أو لا، ولا يشترط إسلامهن ولا ينتظر العدة، ولو أسلم معه أربع من ثمان
فالأقرب أن له اختيار الكتابيات، وليس للمرأة اختيار أحد الزوجين بل يبطلان
مع الاقتران والثاني مع الترتب ولا مهر للزائد، فإذا دخل فمهر المثل إن قلنا بعدم
الصحة.
ولو أسلم عن امرأة وبنتها بعد الدخول بهما أو بالأم حرمتا وقبله تحرم الأم
خاصة ولا اختيار، ولو أسلم عن أمة وبنتها تخير إن لم يطأ إحديهما وإلا حلت
الموطوءة خاصة ولو كان قد وطئهما حرمتا، ولو أسلم عن أختين تخير وإن وطئهما،
وكذا عن العمة والخالة مع بنت الأخ أو الأخت إذا اختارتا عدم الجمع أو الحرة
والأمة، ولو اختارت الحرة أو العمة أو الخالة العقد على الأمة أو بنت الأخ أو
الأخت صح الجمع، ولو اخترن في حال الكفر لزمهن حكمه حال الاسلام.
ولو أسلم الحر على أربع إماء تخير اثنتين وكذا لو كان معهن حرائر إذا
رضيت الحرائر، والأقرب اعتبار رضاء جميع الحرائر الأربع دون الخامسة إن فسخ
نكاحها وإلا اعتبر، ولو كان إحدى الخمس بنت الأخ أو الأخت فاختارها مع
ثلاث انفسخ نكاح العمة أو الخالة، ولو أسلم على حرة وثلاث إماء تخير مع الحرة
أمتين إذا رضيت الحرة ولو لم ترض ثبت عقدها وبطل عقد الإماء، ولو لحق به
613

الإماء أو خرجت العدة على كفر الحرة بطل نكاحها وتخير أمتين، ولو عادت في
العدة ثبت عقدها خاصة إن لم ترض بالإماء، ولو طلق الحرة في العدة قبل إسلامها
فإن أسلمت فيها صح الطلاق وبن الإماء إن قلنا ببطلان عقد الأمة على الحرة من
أصله، وإن خرجت ولما تسلم ظهر بطلان الطلاق وتخير في الإماء.
ولو أسلم الحر على أربع حرائر أو حرتين وأمتين أو ثلاث حرائر وأمة، أو
أسلم العبد على أربع إماء أو حرة وأمتين أو حرتين ثبت العقد على الجميع لكن مع
رضاء الحرائر إذا اجتمعن مع الإماء هذا إذا كن كتابيات، ولو أسلم عن أكثر من
أربع وثنيات مدخول بهن انتظرت العدة فإن خرجت ولم تسلم منهن أحد بطل
عقدهن، وإن أسلم فيها أربع فما دون وخرجت ولم يزدن على الأربع ثبت عقد
المسلمات، وإن زدن على أربع في العدة تخير أربعا وله اختيار من سبق إسلامها
ومن تأخر، ويندفع نكاح البواقي وكذا لو أسلمن كلهن، ولا يجبر على الاختيار
إذا سبق البعض بل له التربص حتى تخرج العدة، فإن لحقن به أو بعضهن ولم
يزدن عن أربع ثبت عقده عليهن، وإن زدن على أربع تخير أربعا، ولو اختار من
سبق إسلامهن وكن أربعا لم يكن له اختيار من لحق به ولو في العدة.
ولو أسلم عن أربع وثنيات مدخول بهن لم يكن له العقد على خامسة ولا على
أخت إحداهن إلا بعد انقضاء العدة مع بقائهن على الكفر أو بقاء إحدى الأربع أو
الأخت عليه، ولو أسلمت الوثنية فتزوج الكافر بأختها فإن انقضت العدة على كفره
صح عقد الثانية، ولو أسلما في عدة الأولى تخير ولو تأخر إسلام الثانية حتى
خرجت عدة الأولى وقد أسلم بانت، ويحتمل انتظار العدة للثانية من حين إسلامه
فإن لحقت به تخير وإن خرجت عدة الأولى.
ولو أسلم العبد عن أربع حرائر فصاعدا وثنيات ثم أعتق ولحقن به في العدة
تخير اثنتين، فإذا اختارهما انفسخ نكاح البواقي وكان له العقد علي اثنتين أخريين لأنه
حينئذ حر، ولو أعتق أولا ثم أسلم ولحقن به تخير أربعا، فإذا أسلم الحر عن أكثر
614

من أربع حرائر مدخول بهن وثنيات انتظرت العدة، فإن لحق به أربع كان له
الانتظار فإن اختار المسلمات انقطعت عصمة البواقي، ثم إن أسلمن قبل انقضاء
العدة علمت البينونة باختياره للأربع وكانت عدتهن من ذلك الوقت.
وإن أقمن على كفرهن إلى الانقضاء علمت البينونة منهن باختلاف الدين
وإن انتظر إسلام البواقي، فإن أقمن على الكفر حتى خرجت العدة ظهرت البينونة
من حين الاختلاف وأن عددهن انقضت وأن الأول قد لزمه نكاحهن بغير اختياره
لأن اختياره إنما يكون بين عدد لا يجوز له جمعه، وإن أسلمن في العدة فإن اختار
أربعا انفسخ نكاح البواقي من حين الاختيار ويعتددن من وقته، فإن طلق المسلمات
انقطعت عصمة الباقيات ثم إن أقمن على الكفر حتى انقضت العدة بن باختلاف
الدين وإن أسلمن فيها بن من حين الطلاق.
ولو اختار فسخ المسلمات لم يكن له إلا بعد إسلام أربع لإمكان أن لا يسلمن
في العدة فيلزمه نكاح المسلمات، فلو اختار الفسخ ولم تسلم الباقيات في العدة
انفصل نكاحهن ولزمه نكاح من اختار فسخهن، وإن أسلمن فإن اختار منهن أربع
انفسخ الزائد والأوائل، وإن اختار الأوائل احتمل الصحة لأن فسخه الأول لم
يكن صحيحا وقت وقوعه، والبطلان لأن بطلان الفسخ إنما يتم لو أقام البواقي على
الكفر لأنا نتبين لزوم نكاح المسلمات، فأما إذا أسلم البواقي فإذا فسخ فيه نكاح
من شاء جاز ولم يكن له أن يختارها.
ولو أسلم عن أربع إماء وحرة فأسلمن وتأخرت الحرة وأعتقن لم يكن له
اختيار واحدة منهن إن منعنا من نكاح الأمة للقادر على الحرة لجواز إسلام الحرة،
وإنما يعتبر حالهن حال ثبوت الخيار وهو حال اجتماع إسلامه وإسلامهن وقد كن
حينئذ إماء، فإن أسلمت الحرة بن وإن تأخرت حتى انقضت بانت وكان له
اختيار اثنتين لا غير اعتبارا بحال اجتماع إسلامين، ولو أعتقن قبل إسلامه ثم أسلم
وأسلمن أو أعتقن بعد إسلامه - على إشكال - ثم أسلمن بعد إسلامه كان له
615

اختيار الأربع لأن حالة الاختيار حال اجتماع الإسلامين وهن حينئذ حرائر، فإن
اختارهن انقطعت الخامسة.
ولو أسلم على خمس فلحق به أربع فله اختيار ثلاث وانتظار الخيار في الرابعة
حتى تخرج عدة الخامسة على المشرك. وهل له انتظار الخيار في الجميع؟ الأقرب
المنع لأنه يلزمه نكاح ثلاث منهن فيختار ثلاث، فإن أسلمت الخامسة تخير وإلا
لزمه نكاح الرابعة.
ولو أسلم تحت العبد للشرك أربع إماء ثم أعتقن قبل إسلامه كان لهن الفسخ، فإن لم يسلم بن بالاختلاف من حين إسلامهن وظهر فساد
الفسخ ويكملن عدة الحرائر، وإن أسلم في العدة بن بالفسخ ولو
أخرن الفسخ حتى أسلم كان لهن الفسخ لأنهن تركنه اعتمادا على الفسخ بالاختلاف كالمطلقة رجعيا إذا أعتقت و
أخرت الفسخ، وإن أسلم في العدة واخترن فراقه فعليهن عدة الحرائر، وإن اخترن نكاحه اختار ثنتين وإن اخترن المقام معه قبل إسلامه لم يصح ولم يسقط
حقهن من الفسخ عند إسلامه، ولو أسلم قبلهن فأعتقن فإن اخترن المقام معه لم
يصح لأنهن جاريات إلى بينونة وإن اخترن الفسخ فلهن ذلك.
ولو أسلم الكافر بعد أن زوج ابنه الصغير لعشر تبعه في الاسلام، فإن أسلمن
اختار بعد البلوغ ويمنع من الاستمتاع بهن وتجب النفقة عليهن، ولو أسلم أب
المجنون ففي التبعية إشكال، فإن قلنا به تخير الأب أو الحاكم.
المطلب الرابع: في كيفية الاختيار:
الاختيار إما باللفظ أو بالفعل، أما اللفظ فصريحه: اخترتك أو أمسكتك أو
ثبتك أو اخترت نكاحك أو أمسكته أو ثبته وشبهه منجزا على الأقوى، ولو طلق فهو
تعيين النكاح فلو طلق أربعا صح نكاحهن وطلقن وانفسخ نكاح البواقي، وليس
الظهار والإيلاء اختيارا على إشكال، فإن اختار التي ظاهر منها أو آلى صحا ويكون
616

العود عقيب الاختيار إن لم يفارقها، ومدة الإيلاء من حين الاختيار.
ولو قذف واحدة فاختار غيرها وجب الحد وسقط بالبينة خاصة، ولو اختارها
أسقطه باللعان أيضا. ولو طلق أو ظاهر أو آلى أو قذف بعد إسلامه حال كفرهن،
فإن خرجت العدة عليه فلا حكم بل التعزير في القذف ويسقطه بالبينة خاصة،
وإن أسلمن فيها فالأقرب وقوع الطلاق، أما الظهار والإيلاء فإن اختار من أوقع
عليها ذلك صح، وأما القذف فإن اختار المقذوفة فعليه التعزير ويسقطه باللعان أو
البينة، وإن لم يخترها أسقطه بالبينة.
وهل تنزل الكنايات منزلة الطلاق في الاختيار؟ إشكال أقربه العدم وإن
قصد به الطلاق، وكذا لو أوقع طلاقا مشروطا فقال: كلما أسلمت واحدة منكن
فقد طلقتها، ولو قال: إن دخلت الدار فقد اخترتك للنكاح أو الفراق، لم يصح
للتعليق ولو رتب الاختيار ثبت عقد الأول واندفع البواقي، ولو قال لما زاد على أربع
اخترت فراقكن، انفسخ عقدهن وثبت عقد الأربع ولو قصد الطلاق، فإن قلنا:
إن الكناية كالطلاق في الاختيار ثبت عقد المطلقات وطلقن وإلا فلا، ولو قال
لواحدة: طلقتك، صح نكاحها وطلقت وكانت من الأربع.
وأما الفعل فكالوطء فلو وطئ أربعا ثبت عقدهن واندفع البواقي، فإن
وطئ الخامسة جاهلين فعليه مهر المثل. وهل التقبيل أو اللمس بشهوة اختيار؟
أقربه ذلك كما أنه رجعة، ولو تزوج بأخت إحداهن لم يصح. وهل يكون اختيارا
لفسخ عقدها؟ إشكال، ولو قال: حصرت المختارات في ست انحصرن، ولو لحقه
أربع وتخلف أربع فعين الأوائل للنكاح صح ولو عينهن للفسخ لم يصح إن كان
الأواخر وثنيات وإلا صح ويحتمل الوقف، ولو عين المتخلفات للفسخ صح
وللنكاح لا يصح إلا إن جوزنا الوقف.
ولو أسلمت ثمان على الترتيب فخاطب كل واحدة بالفسخ عند إسلامها تعين
للفسخ الأربع المتأخرات وعلى الوقف المتقدمات ويجب الاختيار وقت ثبوته، فإن
617

امتنع حبس عليه فإن أصر عزر فإن مات اعتدت كل واحدة بأبعد الأجلين،
والحائل بالأبعد من أربعة أشهر وعشرة أيام ومن ثلاثة أقراء، والحامل بالأبعد من
أربعة أشهر وعشرة أيام ومن الوضع ويوقف لهن الربع أو الثمن حتى يصطلحن،
فإن طلبت إحداهن منه شيئا لم تعط، ولو طلبت خمس دفع إليهن ربع النصيب
والست نصفه، ولو كانت إحداهن مولى عليها لم يكن بأن يأخذ لها أقل من الثمن
ويحتمل القرعة والتشريك.
ولو كان فيهن وارثات وغير وارثات فلا إيقاف كما لو كان معه أربع
وثنيات وأربع كتابيات فأسلم الوثنيات ثم مات وكذا لو كن كتابيات فأسلم معه
أربع ومات، ولو أسلم الكتابيات بعد الموت قبل القسمة فالأقرب إيقاف الحصة،
ولو أسلمت واحدة فالموقف كمال الحصة وكذا لو كان معه كتابية ومسلمة
وقال: إحداكما طالق، ومات قبل التعيين.
المطلب الخامس: في النفقة:
إذا أسلم وأسلمن وجب نفقة الجميع حتى يختار أربعا فيسقط نفقة البواقي،
وكذا لو كن كتابيات وجبت النفقة وإن لم يسلمن وكذا لو أسلمن أو بعضهن قبله
وهو على كفره وإن انتفى التمكين من الاستمتاع، ويشرط عدم النشوز فيما له
السلطنة فيه كالسكنى وحل نذرها موقوف، ولو لم يدفع النفقة كان لهن المطالبة بها
عن الحاضر والماضي سواء أسلم أو لا، ولو أسلم دون الوثنيات لم يكن لهن نفقة لأن تفويت الاستمتاع منهن.
ولو تداعيا السبق إلى الاسلام قدم قول الزوج لأصالة براءته، ولو ادعى
السبق بالإسلام قبل الوطء فالقول قولها لأن الأصل بقاء المهر، ولو قالت: أسلمنا
معا، فالنكاح باق قدم قوله لندور التقارن في الاسلام على إشكال، ولو قال:
أسلمت بعد إسلامي بشهرين فقالت: بل بشهر، أو قال: أسلمت بعد العدة فقالت:
618

بل فيها، قدم قوله ولا يعد الفسخ في الطلقات وإن ساواه في المهر.
فلو أسلم الوثني قبل الدخول وجب نصف المسمى إن كان مباحا وإلا
نصف مهر المثل ويحتمل المتعة، ولو لم يسم مهرا فلها المتعة، وإن كان بعده وجب
المسمى أو مهر المثل على التفصيل، ولو أسلمت قبل الدخول سقط وبعده لها
المسمى، ولو اعترفا بالسبق ولم يعلم أيهما السابق قبل الدخول لم يكن للمرأة
المطالبة بشئ من المهر إن لم تقبض، وإن قبضته فللزوج المطالبة بنصفه خاصة ثم
يوقف على التقديرين حتى تبين، وروي أن إباق العبد طلاق زوجته وأنه بمنزلة
الارتداد، فإذا رجع في العدة فهو أملك بها، وإن عاد وقد تزوجت بعد العدة فلا
سبيل عليها والطريق ضعيف.
خاتمة:
يكره العقد على القابلة المربية وبنتها وتزويج ابنه بنت امرأته إذا ولدتها بعد
مفارقته ولا يكره قبل نكاحه بها، والتزويج بضرة الأم مع غير الأب وبالزانية قبل
أن تتوب، ولو لم يعلم لم يكن له الفسخ ولا الرجوع على وليها بشئ، ويحرم نكاح
الشغار وهو جعل نكاح امرأة مهر أخرى فتبطل الممهورة ولو دار بطلا، ولو زوج
كل من الوليين صاحبه على مهر معلوم صح، ولو شرط كل منهما تزويج الأخرى بمهر
معلوم صح العقدان وبطل المسمى لأنه شرط معه تزويج وهو غير لازم، والنكاح لا
يقبل الخيار فيثبت مهر المثل وكذا لو زوجه وشرط أن يزوجه ابنته ولم يذكر مهرا.
ولو قال: زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك على أن يكون نكاح بنتي مهرا
لبنتك، بطل نكاح بنت المخاطب، ولو قال: على أن يكون نكاح بنتك مهرا لبنتي، بطل
نكاح بنته، ولا فرق بين أن يكون البضع مهرا أو جزءه، فلو قال: زوجتك بنتي على أن
تزوجني بنتك ويكون بضع كل واحدة مع عشرة دراهم صداقا للأخرى، بطلا ولو قال:
زوجتك جاريتي على أن تزوجني بنتك وتكون رقبة جاريتي صداقا لبنتك، صح
619

النكاحان لقبول الرقبة للنقل وليس تشريكا فيما يتناوله عقد النكاح، ويبطل المهر لأنه
شرط نكاح إحديهما في الأخرى ويجب لكل منهما مهر المثل.
ولو زوج عبده من امرأة وجعل رقبته صداقا بطل المهر لأن الملك يمنع العقد
فيبطل المهر ويثبت مهر المثل ويصح العقد، ولو شرطت على المحلل رفع النكاح بعد
التحلل فالأقرب بطلان العقد ولو شرطت الطلاق قيل: صح العقد دون الشرط،
فلو دخل فلها مهر المثل، ولو لم يصرحا به وكان في نيتهما صح العقد والمهر، وتحل
على المطلق في كل موضع يصح العقد مع الدخول ولا تحل مع بطلانه.
تتمة: الوطء في الدبر مكروه وليس محرما وهو كالقبل في جميع الأحكام
حتى ثبوت النسب وتقرير المسمى والحد ومهر المثل مع فساد العقد والعدة وتحريم
المصاهرة إلا في التحليل والإحصان واستنطاقها في النكاح، والعزل عن الحرة إذا
لم يشترط في العقد مكروه وقيل: حرام، وعلى كلا التقديرين يجب عليه للزوجة
دية ضياع النطفة عشرة دنانير، ويحرم على الرجل ترك وطء زوجته أكثر من أربعة
أشهر والدخول بها قبل تسع سنين، فإن دخل فأفضاها حرمت أبدا وإلا فلا.
ويكره للمسافر أن يطرق أهله ليلا.
الباب الرابع: في باقي أقسام النكاح:
وفيه مقصدان:
الأول: في المنقطع:
وهو سائغ في شرع الاسلام وفيه فصلان:
الأول: في أركانه: وهي أربعة:
الأول: العقد: وألفاظ الإيجاب كالدائم: زوجتك وأنكحتك ومتعتك
بكذا مدة كذا، ولا ينعقد بالتمليك والهبة والإجارة والبيع والإباحة وغيرها،
والقبول كل ما يدل على الرضا كقبلت ورضيت مطلقا أو مقيدا بلفظ الإيجاب أو
620

بمعناه، ولو قدمه فقال: تزوجت، فقالت زوجتك، صح ولا بد من صيغة الماضي في
الطرفين وقيل لو قال: أتزوجك بكذا مدة كذا منشئا، فقالت: زوجتك، صح.
الثاني: المتعاقدان: ويجب كونهما كاملين وإسلام الزوجة أو كونها كتابية
فيمنعها من الخمر وارتكاب المحرمات، وإسلام الزوج وإيمانه إن كانت الزوجة
كذلك. وتحرم الوثنية والناصبية المعلنة بالعداوة والأمة على الحرة إلا بإذنها فيقف
أو يبطل على خلاف، وبنت الأخ أو الأخت على العمة والخالة إلا مع إذنهما فيقف
أو يبطل، ولو فسخت الحرة أو العمة أو الخالة بطل إجماعا، ويكره الزانية فيمنعها لو
فعل وليس شرطا، وعدم استئذان الأب في البكر والتمتع ببكر ليس لها أب فلا
يفض لو فعل وليس محرما.
الثالث: المهر: وهو شرط في المتعة خاصة ولو أخل به بطل العقد، ويشترط
الملكية والعلم بقدره كيلا أو وزنا أو مشاهدة أو وصفا ولا حد له قلة وكثرة،
ويجب دفعة بالعقد فإن دخل استقر إن وفت بالمدة وإن أخلت ببعضها وضع منه
بنسبتها، ولو وهبها المدة قبل الدخول لزمه النصف، ولو ظهر فساد العقد إما بظهور
زوج أو كونها أخت زوجته أو غيرهما فلا مهر إن لم يدخل ولو قبضته استعاده،
وإن دخل فلها المهر إن جهلت وإلا فلا، وقيل: تأخذ ما قبضت ولا يسلم الباقي
ويحتمل مهر المثل.
الرابع: الأجل: وذكره شرط فيه، ويشترط فيه التعيين بما لا يحتمل الزيادة
والنقصان ولا يتقدر قلة وكثرة، ولو أخل به بطل وقيل: ينقلب دائما، وإن عين
المبدأ تعين وإن تأخر عن العقد وإلا اقتضى اتصاله به، وإن تركها حتى خرج
خرجت من عقده ولها المسمى، ولو قال: بعض يوم، فإن عين كالزوال أو الغروب
صح وإلا فلا ولو قال: مرة أو مرتين، قيد بالزمان ولا تجوز الزيادة وإلا بطل.
621

الفصل الثاني: في الأحكام:
لا ولاية على البالغة الرشيدة وإن كانت بكرا على الأقوى، ويلزم ما يشترط
في متن العقد إذا كان سائغا ولو قدمه أو أخره لم يعتد به، ولا يجب إعادته بعده لو
قرنه به على رأي، ولو شرط الإتيان في وقت دون آخر لزم وكذا المرة والمرات في
المعين، ويجوز العزل وإن لم تأذن ويلحق به الولد وإن عزل ولو نفاه انتفى ظاهرا
من غير لعان، ولا يقع بها طلاق بل تبين بانقضاء المدة ولا إيلاء ولا لعان على
رأي ويقع الظهار على رأي، ولا توارث بين الزوجين به شرطا سقوط التوارث أو لا،
ولو شرطاه فالأقوى بطلان الشرط، ومع الدخول وانقضاء المدة تعتد بحيضتين وإن
لم تحض وهي من أهله فبخمسة وأربعين يوما، ومن الوفاة بأربعة أشهر وعشرة
أيام وإن لم يدخل وبأبعد الأجلين مع الحمل، والأمة في الوفاة بشهرين وخمسة
أيام أو بأبعدهما إن كانت حاملا.
ولو أسلم المشرك عن كتابية فما زاد بالعقد المنقطع ثبت وإن لم يدخل، ولو
أسلمت قبله بطل إن لم يكن دخل، ولو كان دخل انتظرت العدة أو المدة فإن
خرجت إحديهما قبل إسلامه بطل العقد وعليه المهر وإن بقيتا فهو أملك، فلو
كانت وثنية فأسلم أحدهما بعد الدخول وقف على انقضاء العدة أو المدة فأيتهما
خرجت ثبت المهر وانفسخ النكاح، ولو أسلم وعنده حرة وأمة ثبت عقد الحرة
ووقف عقد الأمة على رضاها.
فروع: أ: لا ينقص المهر بالمنع عن بعض الاستمتاع لعذر كالحيض ولو منع عن
الجميع كل المدة كالمرض المدنف فكذلك على إشكال وكذا لو منع هو أو هي
بظالم، والأقرب أن الموت هنا كالدائم.
ب: لو عقد على مدة متأخرة لم يكن لها النكاح فيما بينهما ولا له أن ينكح
622

أختها وإن وفت المدة بالأجل والعدة.
ج: لو مات فيما بينهما احتمل بطلان العقد فلا مهر ولا عدة ولا ميراث إن
أوجبناه مطلقا أو مع الشرط وعدمه فيثبت النقيض.
المقصد الثاني: في نكاح الإماء:
وإنما يستباح بأمرين العقد والملك فهنا فصول:
الأول: العقد:
ليس للسيد أن ينكح أمته بالعقد ولو ملك منكوحته انفسخ العقد، ولا للحرة
أن تنكح عبدها لا بالعقد ولا بالملك ولو ملكت زوجها انفسخ النكاح، وإنما يحل
العقد على مملوكة الغير بشرط إذنه وإذن الحرة إن كانت تحته وإن كانت رتقاء أو
كتابية أو غائبة أو هرمة أو صغيرة أو مجنونة أو متمتعا بها ما لم يطلقها، ولا يشترط
إسلام الأمة وإن كان الزوج مسلما في المتعة عندنا ومطلقا عند آخرين، وللعبد أن
ينكح الكتابية إن جوزنا للمسلم وكذا الكتابي أن يتزوج بالأمة الكتابية.
وفي اشتراط عدم الطول وخوف العنت خلاف وإن شرطناهما وقدر على
حرة رتقاء أو غائبة غيبة بعيدة، أو كتابية أو من غلت في المهر إلى حد الإسراف
جاز نكاح الأمة وفي ذوات العيب إشكال، ولو كان مفلسا ورضت بالمؤجل أقل
من مهر المثل لم ينكح الأمة، وخوف العنت إنما يحصل بغلبة الشهوة وضعف التقوى
فلو انتفى أحدهما لم ينكح الأمة، والقادر على ملك اليمين لا يخاف العنت فلا
يترخص، ولو أيسر بعد نكاح الأمة لم تحرم الأمة، ولا يجوز للعبد ولا للأمة أن
يعقدا نكاحا بدون إذن المالك، فإن فعل أحدهما بدونه وقف على الإجازة على رأي،
وعلى المولى مع إذنه مهر العبد ونفقة زوجته وله مهر أمته وإجازة عقد العبد
كالإذن المبتدأ في النفقة وفي المهر إشكال.
ولو تعدد المالك افتقر إلى إذن الجميع قبل العقد أو إجازتهم بعده، و يحتمل
623

ثبوت المهر والنفقة في كسب العبد وربح تجارته ولا يضمن السيد بل يجب أن
يمكنه من الاكتساب، فإن استخدمه يوما فأجرة المثل كالأجنبي ويحتمل أقل
الأمرين من كسبه ونفقة يومه، ويحتمل ثبوت النفقة في رقبته بأن يباع كل يوم منه
جزء للنفقة، ولو قصر الكسب أو لم يكن ذا كسب احتمل ثبوت النفقة في رقبته
وفي ذمة المولى وأن تتخير بين الصبر والفسخ إن جوزناه مع المعسر.
ولو اشترته زوجته أو اتهبته قبل الدخول سقط نصف المهر الذي ضمنه السيد
أو جميعه، فإن اشترته بالمهر المضمون بطل الشراء إن أسقطنا الجميع حذرا من الدور
إذ سقوط العوض بحكم الفسخ يقتضي عراء البيع عن العوض، ولو اشترته به بعد
الدخول صح، ولو جوزنا إذن المولى بشرط ثبوت المهر في ذمة العبد فاشترته به بطل
العقد لأن تملكها له يستلزم براءة ذمته فيخلو البيع عن العوض.
والولد رق إن كان أبواه كذلك فإن كانا لمالك فالولد له، ولو كان كل منهما
لمالك فالولد بينهما نصفين إلا أن يشترطه أحدهما أو يشترط الأكثر فيلزم ويتبع في
الحرية أحد أبويه إلا أن يشترط المولى رقه فيلزم ولا يسقط بالإسقاط بعده، ولو
تزوج الحر من غير إذن مالكها ووطئ قبل الرضا عالما بالتحريم فهو زان وعليه
الحد، وفي المهر مع علمها إشكال ينشأ من أنها زانية ومن ملكية البضع للمولى،
ولو كانت بكرا لزمه أرش البكارة. ولو كان عبدا فإن قلنا: أنه أرش جناية، تعلق
برقبته ويباع فيه وإن قلنا: أنه مهر، يتبع به بعد العتق والولد للمولى رق ومع
جهلها فله المهر قطعا.
ولو وطئ جهلا أو بشبهة فلا حد وعليه المهر والولد حر وعليه قيمته لمولى
الأم يوم سقط حيا، وكذا لو ادعت الحرية فعقد ويلزمه المهر وقيل: العشر مع
البكارة ونصفه لا معها، فإن كان قد دفع المهر إليها استعاده فإن تلف تبعها والولد
رق وعليه فكه بقيمته يوم سقط حيا وعلى المولى دفعه إليه، فإن لم يكن له المال
استسعى فيه فإن امتنع قيل يفديهم الإمام من سهم الرقاب.
624

ولو تزوج العبد بحرة من دون إذن فلا مهر ولا نفقة مع علمها بالتحريم
وأولادها رق، ومع الجهل فالولد حر ولا قيمة عليها وتتبع العبد بالمهر بعد عتقه،
ولو تزوج بأمة فإن أذن الموليان أو لم يأذنا فالولد لهما ولو أذن أحدهما فالولد لمن لم
يأذن خاصة، ولو اشترك أحدهما بين اثنين فأذن مولى المختص وأحدهما فإشكال،
فلو زنى العبد بأمة غير مولاه فالولد لمولى الأمة، ولو زنى بحرة فالولد حر، ولو زوج
عبده أمته ففي اشتراط قبول المولى أو العبد إشكال ينشأ من أنه عقد أو إباحة وفي
وجوب إعطائها من مال المولى شيئا خلاف، ولو أعتقا فأجازت قبل الدخول أو بعده
مع التسمية وعدمها فإشكال، ولو مات كان للورثة الفسخ لا للأمة.
ولو تزوج العبد بمملوكة فأذن له مولاه في شرائها فإن اشتراها لمولاه أو لنفسه
باذنه أو ملكه إياها بعد الابتياع وقلنا: إنه لا يملك، فالعقد باق وإلا بطل إذا
ملكها، ولو تحرر بعضه واشترى زوجته بطل العقد وإن كان بمال مشترك، ولو
اشترى الحر حصة أحد الشريكين بطل العقد وحرم وطؤها، فإن أجاز الشريك
النكاح بعد البيع ففي الجواز خلاف وكذا لو حللها، ولو ملك نصفها وكان الباقي
حرا لم يحل بالملك ولا بالدائم. وهل تحل متعة في أيامها؟ قيل نعم، وهل يقع
عقد أحد الزوجين الحر العالم بعبودية الآخر فاسدا أو موقوفا على إذن المالك؟ الأولى
الثاني فحينئذ لو أعتق قبل الفسخ لزم العقد من الطرفين.
الفصل الثاني: في مبطلاته:
وهي ثلاثة: العتق والبيع والطلاق.
المطلب الأول: في العتق:
إذا أعتقت الأمة وكان زوجها عبدا كان لها الخيار على الفور في الفسخ
والإمضاء سواء دخل أو لا، إلا إذا زوج ذو المائة أمته في حال مرضه بمائة وقيمتها
مائة ثم أعتقها لم يكن لها الفسخ قبل الدخول، وإلا لسقط المهر فلم يخرج من الثلث
625

فيبطل عتق بعضها فيبطل خيارها فيدور، ولو كانت تحت حر ففي خيار الفسخ
خلاف فإذا اختارت الفراق في موضع ثبوته قبل الدخول سقط المهر وثبت بعده، و
لو أخرت الفسخ لجهالة العتق لم يسقط خيارها ولو كان لجهالة فورية الخيار أو
أصله احتمل السقوط وعدمه والفرق، ولو اختارت المقام قبل الدخول فالمهر للسيد
إن أوجبناه بالعقد وإلا فلها وبعده للمولى.
ولو لم يسم شيئا بل زوجها مفوضة البضع فإن دخل قبل العتق فالمهر للسيد
لوجوبه في ملكه، فإن دخل بعده أو فوضه بعده فإن قلنا: صداق المفوضة يجب
بالعقد وإن لم يفرض لها، فهو للسيد، وإن قلنا: بالدخول أو بالفرض، فهو لها
لوجوبه حال الحرية، ولو أعتقت في العدة الرجعية فلها الفسخ في الحال فتسقط
الرجعة ولا يفتقر إلى عدة أخرى بل تتم عدة الحرة، ولو اختارته لم يصح لأنه جار
إلى بينونة فلا يصح اختيارها للنكاح، فإن لم يراجعها في العدة بانت وإن راجعها
كان لها خيار الفسخ فتعتد أخرى عدة حرة وإن سكتت لم يسقط خيارها، وإذا
فسخت فتزوجها بقيت على ثلاث.
ولو أعتقت الصغيرة اختارت عند البلوغ والمجنونة عند الرشد وللزوج الوطء
قبله، وليس للولي الاختيار عنها لأنه على طريقة الشهوة، ولا خيار لها لو أعتق
بعضها فإن كملت اختارت حينئذ، ولو لم تختر حتى يعتق العبد فإن قلنا بالمنع من
الاختيار تحت الحر احتمل ثبوته هنا لأنه ثبت سابقا فلا يسقط بالحرية كغيره من
الحقوق والسقوط كالعيب إذا علمه المشتري بعد زواله، ولو عتقت تحت من نصفه
حر فلها الخيار وإن منعنا الخيار في الحرية، ولو طلق قبل اختيار الفسخ احتمل
إيقافه فإن اختارت الفسخ بطل وإلا وقع ووقوعه، ولا يفتقر فسخ الأمة إلى
الحاكم.
ولو أعتق الزوج وتحته أمة فلا خيار له ولا لمولاه ولا لزوجته حرة كانت أو
أمة ولا لمولاها، ولو زوج عبده أمته ثم أعتقت أو أعتقا معا اختارت، ولو كانا
626

لاثنين فأعتقا دفعة أو سبق عتقها أو مطلقا على رأي اختارت، ويجوز أن يجعل عتق
أمته مهرا لها ويلزم العقد إن قدم النكاح، فيقول: تزوجتك وأعتقتك وجعلت
مهرك عتقك، وفي اشتراط قبولها أو الاكتفاء بقوله: تزوجتك وجعلت مهرك
عتقك عن قوله: أعتقتك إشكال، ولو قدم العتق كان لها الخيار وقيل: لا خيار
لأنه تتمة الكلام، وقيل: يقدم العتق لأن تزويج الأمة باطل.
ولو جعل ذلك في أمة الغير فإن أنفذنا عتق المرتهن مع الإجازة فالأقرب هنا
الصحة وإلا فلا، والأقرب جواز جعل عتق بعض مملوكته مهرا ويسري العتق
خاصة، ولو كان بعضها حرا فجعل عتق نصيبه مهرا صح فيشترط هنا بالقبول
قطعا، ولو كانت مشتركة مع الغير فتزوجها وجعل عتق نصيبه مهرا فالأقرب الصحة
ويسري العتق، ولا اعتبار برضا الشريك وكذا لا اعتبار برضاه لو جعل الجميع
مهرا أو جعل نصيب الشريك خاصة.
ولو أعتق جميع جاريته وجعل عتق بعضها مهرا أو بالعكس صح الجميع،
وليس الاستيلاد عتقا وإن منع من بيعها لكن لو مات مولاه عتقت من نصيب
ولدها، فإن عجز النصيب سعت في الباقي وقيل: يلزم الولد السعي، فإن مات
ولدها وأبوه حي عادت إلى محض الرق وجاز بيعها، ويجوز أيضا بيعها في ثمن
رقبتها إذا لم يكن لمولاها سواها، وقيل إن قصرت التركة عن الديون بيعت فيها بعد
موت مولاها وإن لم يكن ثمنا لها، ولو كان ثمنها دينا فأعتقها - وجعل عتقها
مهرها - وتزوجها وأولدها وأفلس به ومات صح العتق ولا سبيل عليها ولا على
ولدها على رأي، وتحمل الرواية بعود الرق على وقوعه في المرض.
المطلب الثاني: في البيع:
إذا بيع أحد الزوجين تخير المشتري على الفور في إمضاء العقد وفسخه سواء
دخل أو لا وسواء كان الآخر حرا أو لا وسواء كانا لمالك واحد أو كل واحد
627

لمالك، ويتخير مالك الآخر إن كان مملوكا لو اختار المشتري الإمضاء فيه وفي
الفسخ على الفور أيضا سواء كان هو البائع أو غيره، وقيل ليس لمشتري العبد فسخ
نكاح الحرة، ولو تعدد الملاك فاختار بعضهم الفسخ قدم اختياره على اختيار
الراضي، ولو باعهما المالك الواحد على اثنين تخير كل منهما ولو اشتراهما واحد تخير.
ومهر الأمة لسيدها فإن باعها قبل الدخول وفسخ المشتري سقط فإن أجاز فالمهر للمشتري، ولو باع بعد الدخول
فالمهر للبائع سواء أجاز المشتري أو لا، ولو باع
عبده فللمشتري الفسخ وعلى المولى نصف المهر للحرة ومنهم من أنكرهما، ولو باع
أمة وادعى أن حملها منه فأنكر المشتري لم يقبل قوله في فساد البيع، وفي قبول
الالتحاق به نظر ينشأ من أنه إقرار لا ضرر فيه ومن إمكان الضرر بشرائه قهرا لو
مات أبوه عن غير وارث.
المطلب الثالث: في الطلاق:
طلاق العبد بيده إذا تزوج بإذن مولاه ولا اعتراض لمولاه سواء كانت زوجته
حرة أو أمة لغير مولاه، وليس له إجباره عليه ولا منعه منه إلا أن تكون أمة لمولاه
فإن طلاقه بيد المولى وله التفريق بغير طلاق مثل فسخت عقد كما، أو يأمر كلا منهما
باعتزال صاحبه وليس بطلاق فلا تحرم في الثاني لو تخلله رجعة، ولو استقل العبد
بالطلاق وقع على إشكال، ولو أمره بالطلاق فالأقرب أنه فسخ إن جعلناه إباحة
وإلا فإشكال وكذا الإشكال لو طلق العبد، ولو طلق الأمة زوجها ثم بيعت
أكملت العدة وكفت عن الاستبراء على رأي.
الفصل الثالث: في الملك: وفيه مطلبان:
الأول: ملك الرقبة:
ويجوز أن يطأ بملك اليمين ما شاء من غير حصر فإن زوجها حرمت عليه حتى
628

النظر إليها بشهوة أو إلى ما يحرم على غير المالك إلى أن يطلقها وتعتد إن كانت ذات
عدة، وليس لمولاها فسخ العقد إلا أن يبيعها فيتخير المشتري، وله الجمع بين الأمة
وبنتها في الملك دون الوطء وكذا بين الأختين، فإن وطئ إحديهما حرمت الأم
والبنت مؤبدا والأخت جمعا فإن أخرج الموطوءة ولو بعقد متزلزل حلت أختها،
ولكل من الأب والابن تملك موطوءة الآخر لا وطئها، ولا تحل المشتركة على
الشريك إلا بإباحة صاحبه لا بالعقد وتحل لغيرهما بهما مع اتحاد السبب.
ولو أجاز المشتري للأمة النكاح لم يكن له الفسخ وكذا لو علم وسكت، ولو
فسخ فلا عدة وإن دخل بل يستبرئها بحيضة أو بخمسة وأربعين يوما إن كانت من
ذوات الحيض ولم تحض، ولا يحل له وطؤها قبل الاستبراء، وكذا كل من ملك
أمة بأي وجه كان حرم عليه وطؤها قبل استبرائها إلا أن تكون آيسة أو حائضا على
رأي ظاهر إلا من خصص حيضها بالتخيير أو حاملا أو لامرأة على رأي أو لعدل
أخبر باستبرائها أو أعتقها مع جهل وطء محترم والاستبراء أفضل، ولو أعتقها بعد
وطئها حرمت على غيره إلا بعد عدة الطلاق، ويجوز ابتياع ذوات الأزواج من أهل
الحرب وبناتهم وما يسبيه أهل الضلال منهم.
المطلب الثاني: ملك المنفعة:
يجوز إباحة الأمة للغير بشروط: كون المحلل مالكا للرقبة جائز التصرف
وكون الأمة مباحة بالنسبة إلى من حللت عليه، فلو أباح المسلمة للكافر لم تحل
وكذا المؤمنة للمخالف ويجوز العكس إلا الوثنية على المسلم والناصبة على المؤمن،
ولو كانت ذات بعل أو عدة لم يحل تحليلها.
والصيغة وهو لفظ التحليل مثل: أحللت لك وطأها أو جعلتك في حل من
وطئها والأقرب إلحاق الإباحة به، ولو قال: أذنت أو سوغت أو ملكت فكذلك،
ولا تستباح بالعارية ولا بالإجارة ولا ببيع منفعة البضع ويوكل الشريكان ثالثا أو
629

أحدهما الآخر في الصيغة، ولو باشرا فقال كل منهما: أحللت لك وطأها، صح ولو
قال: أحللت لك حصتي، فإشكال. وهل هو عقد أو تمليك منفعة؟ خلاف، ولو
أباح أمته لعبده فإن قلنا أنه عقد أو تمليك وأن العبد يملك حلت وإلا فلا،
والأول أولى لأنه نوع إباحة والعبد أهل لها.
ويجوز تحليل المدبرة وأم الولد دون المكاتبة وإن كانت مشروطة، والمرهونة
ولو ملك بعضها فأباحته لم تحل ولو أحل الشريك حلت على رأي، ولو أباح الوطء
حل مقدمات الاستمتاع ولو أحل المقدمات أو بعضها لم يحل الباقي، ولا تستباح
الخدمة بإباحة الوطء وبالعكس، ولو وطئ من غير إذن كان زانيا إن كان عالما
وعليه العقر إن أكرهها أو جهلت والولد للمولى، ولو جهل فالولد حر وعليه القيمة
وولد التحليل حر شرط الحرية أو أطلق ولا شئ على الأب على رأي.
الفصل الرابع: في بقايا مسائل متبددة:
يكره وطء الفاجرة والمولودة من الزنى وأن ينام بين حرتين أو يطأ حرة وفي
البيت غيره ولا بأس بهما في الإماء، وللسيد استخدام الأمة نهارا وعليه تسليمها إلى
زوجها ليلا. وهل له إسكانهما في بيت في داره أم للزوج اخراجها ليلا؟ نظر أقربه
الأخير، ولو كانت محترفة وأمكنها ذلك في يد الزوج ففي وجوب تسليمها إليه نهارا
إشكال، وللسيد أن يسافر بها وليس له منع الزوج من السفر ليصحبها ليلا، وإنما
تجب النفقة بالتسليم ليلا ونهارا، فلو سلمها ليلا فالأقرب عدم وجوب نصف النفقة
ويسقط مع سفر السيد بها، ولو قتلها السيد قبل الوطء ففي سقوط المهر نظر أقربه
العدم، كما لو قتلها أجنبي أو قتلت الحرة نفسها، فإذا عقد لشهادة اثنين لها بالحرية
وأولدها فعليهما ما أتلفاه عليه من مهر وقيمة الولد لتزويرهما وفي تضمينهما ما زاد عن
مهر المثل إشكال، ولا يشترط في التحليل تعيين المدة على رأي.
وإذا اشترى جارية موطوءة حرم عليه وطؤها قبلا إلا بعد الاستبراء ويجب
630

على البائع أيضا استبراؤها فيكفي عن استبراء المشتري ويصدقه المشتري مع عدالته
على رأي، ولو اشتراها حاملا كره له وطؤها قبلا قبل الوضع أو مضى أربعة أشهر
وعشرة أيام إن جهل حال الحمل لأصالة عدم إذن المولى بالوطئ، وإن علم إباحته
إما بعقد أو تحليل حرم حتى تضع وإن علم كونه عن زنا فلا بأس ولو تقايلا البيع
وجب الاستبراء مع القبض لا بدونه.
وإذا طلق المجعول عتقها مهرا قبل الدخول رجع نصفها رقا لمولاها تستسعي
فيه، فإن أبت كان لها يوم وله يوم في الخدمة ويجوز شراؤها من سهم الرقاب،
والأقرب نفوذ العتق والرجوع بنصف القيمة وقت العقد، كما لو أعتقت المهر قبل
الدخول وملك كل من الزوجين صاحبه يوجب فسخ العقد، فإن كان المالك الرجل
استباح بالملك وإن كانت المرأة حرمت عليه، فإن أرادته أعتقته أو باعته ثم
جددت العقد، ولا يجوز العقد على المكاتبة إلا بإذن مولاه وإن كانت مطلقة ولو
علق المولى عتق جاريته بموت زوجها قيل: بطل وقيل: يصح فتعد عدة الحرة ولا
ميراث والأقرب ثبوته مع تعدد الورثة ولو ملك المكاتب زوجة سيده ففي الانفساخ
نظر.
الباب الخامس: في توابع النكاح:
وفيه مقاصد:
الأول: العيب والمدلس: وفيه فصول:
الأول: في أصناف العيوب: وينظمها قسمان: الأول: المشتركة: وهي الجنون، وهو اختلال العقل ولا اعتبار بالسهو
السريع زواله ولا الإغماء المستند إلى غلبة المرة بل المستقر الذي لا يزول فإنه
كالجنون ولا فرق بين جنون المطبق وغيره، ولكل من الزوجين فسخ النكاح بجنون
صاحبه مع سبقه على العقد، وإن تجدد بعده سقط خيار الرجل دون المرأة سواء
631

حصل الوطء أو لا.
الثاني: المختصة أما الرجل فثلاثة: الجب والخصاء والعنة.
أما الجب فشرطه الاستيعاب فلو بقي معه ما يمكن معه الوطء ولو قدر الحشفة
فلا خيار، ولو استوعب ثبت الخيار مع سبقه على العقد أو على الوطء وفي الفسخ
بالمتجدد إشكال، فإن أثبتناه وصدر منها فالأقرب عدم الفسخ.
وأما الخصاء فهو سل الأنثيين وفي معناه الوجاء وتفسخ به المرأة مع سبقه
على العقد وفي المتجدد بعده قول.
أما العنة فهو مرض يعجز معه عن الإيلاج ويضعف الذكر عن الانتشار وهو
سبب لتسلط المرأة عن الفسخ بشرط عدم سبق الوطء وعجزه عن وطئها ووطء
غيرها، فلو وطئها ولو مرة واحدة أو عن عنها دون غيرها أو عن قبلا أو دبرا فلا
خيار، ويثبت الخيار لو سبق العقد أو تجدد بعده بشرط عدم الوطء لها ولغيرها، ولو
بان خنثى فإن أمكن الوطء فلا خيار على رأي وإلا ثبت، ولا يرد الرجل بعيب
سوى ذلك.
أما المرأة فالمختص بها سبعة: الجذام والبرص والقرن والإفضاء والعمى
والعرج والرتق.
أما الجذام فهو مرض يظهر معه تناثر اللحم ويبس الأعضاء ولا بد وأن يكون
بينا، فلو قوي الاحتراق وتعجر الوجه أو استدارت العين ولم يعلم كونه منه لم يوجب
فسخا.
وأما البرص فهو البياض الظاهر على صفحة البدن لغلبة البلغم ولا اعتبار
بالبهق ولا بالمشتبه به.
وأما القرن فقيل: إنه عظم نبت في الرحم يمنع الوطء، وقيل: إنه لحم ينبت
في الرحم يسمى العفل، فإن منع الوطء أوجب الفسخ وإلا فلا.
وأما الإفضاء فهو ذهاب الحاجز بين مخرج البول والحيض.
632

وأما العمى فالأظهر في المذهب أنه موجب للخيار، ولا اعتبار بالعور
والعمش وقلة النظر لبياض وغيره والعمى يوجب الفسخ وإن كانتا مفتوحتين.
وأما العرج فإن بلغ الإقعاد فالأقرب تسلط الزوج على الفسخ به وإلا فلا.
وأما الرتق فهو أن يكون الفرج ملتحما ليس فيه مدخل الذكر يوجب الخيار
مع منع الوطء ولم يمكن إزالته أو أمكن وامتنعت وليس له إجبارها على إزالته.
ولا ترد المرأة بعيب سوى ذلك، وقيل: المحدودة في الزنى ترد وقيل: بل يرجع على
وليها العالم بحالها بالمهر ولا فسخ.
الفصل الثاني: في أحكام العيوب:
خيار الفسخ على الفور فلو سكت صاحبه عالما مختارا بطل خياره وكذا خيار
التدليس، وليس الفسخ طلاقا فلا يعد في الثلاث ولا يطرد معه تنصيف المهر ولا
يفتقر إلى الحاكم، وفي العنة يفتقر إليه لا في الفسخ بل في ضرب الأجل وتستقل
المرأة بعدة عليه، ولا يفسخ الرجل بالمتجدد بالمرأة بعد الوطء وفي المتخلل بينه وبين
العقد إشكال أقربه التمسك بمقتضى العقد، ولا يمنع الوطء من الفسخ بالسابق على
العقد مع الجهل فيجب المهر ويرجع به على المدلس إن كان وإلا فلا رجوع، ولو
كانت هي المدلسة رجع عليها إلا بما يمكن أن يكون مهرا، ولو كان العيب فيه لزمه
المهر في خاصه إذا فسخت بعد الوطء، ولو فسخ الزوج قبل الدخول سقط المهر
وكذا المرأة إلا في العنة فيثبت لها النصف، ولو وطئ الخصي فلها المهر كملا
والفسخ والقول قول منكر العيب مع يمينه وعدم البينة.
ولا يثبت العنة إلا بإقراره أو البينة على إقراره أو نكوله إما مع يمين المرأة أو
مطلقا على خلاف، فلو ادعت العنة من دون الثلاثة حلف، وقيل: إن تقلص في
الماء البارد فصحيح وإن استرخى فعنين، ولو ادعى الوطء قبلا أو دبرا أو وطئ
غيرها بعد ثبوت العنة صدق مع اليمين، وقيل في دعوى القيل: إن كانت بكرا صدق
633

مع شهادة النساء بذهابها وإلا حشى قبلها خلوقا وأمر بوطئها فيصدق مع ظهوره
على العضو، وإذا ثبت العنة وصبرت لزم العقد وإلا رفعت أمرها إلى الحاكم
فيؤجله سنة من حين المرافعة، فإن واقعها أو غيرها فلا فسخ وإلا فسخت إن شاءت
ولها نصف المهر.
ولو قيل: بأن للمرأة الفسخ بالجذام في الرجل أمكن لوجوب التحرز عن
الضرر فإنه ع قال: فر من المجذوم فرارك من الأسد، ويثبت العيب
بإقرار صاحبه أو شهادة عدلين عارفين، وفي عيوب الباطنة للنساء شهادة أربع منهن
مؤمنات، ولو كان لكل منهما عيب ثبت لكل منهما الخيار، وفي الرتق الممتنع الإزالة
مع الجب إشكال.
ولو طلق قبل الدخول ثم علم بالعيب لم يسقط عنه ما وجب بالطلاق وكذا
بعده وليس له الفسخ ولا بعد الرجعة مع العلم قبلها، وإذا فسخ أحدهما بعد
الدخول وجبت العدة ولا نفقة فيها إلا مع الحمل وعلى الزوج البينة لو أنكر الولي
علمه بالعيب، فإن فقدها فله اليمين فإذا حلف رجع الزوج على المرأة لأنها غرت
حيث لم تعلم الولي فإن ادعت إعلامه حلف، ولو سوغا الفسخ بالمتخلل بين العقد
والوطء فرضي ببرص سابق ثم اتسع في ذلك العضو فالأقرب ثبوت الخيار، ولو
حصل في غيره ثبت الخيار قطعا.
ويسقط حكم العنة بتغيب الحشفة ومقطوعها بقدرها وبالوطئ في الحيض
والنفاس والإحرام، ولا فرق في لزوم العقد باختيار المقام معه في أثناء السنة أو
بعدها، فإذا علمت بعنته قبل العقد فلا خيار ولو وطئها وسقط عنه دعوى العنة ثم
بانت ثم تزوجها فادعتها سمعت، ولو تزوج بأربع وطلقهن فشهدن عليه بالعنة لم
تسمع. وهل يثبت للأولياء الخيار؟ الوجه ذلك مع مصلحة المولى عليه زوجا كان
أو زوجة، ولو اختار الإمضاء لم يسقط خيار المولى عليه بعد كماله في الفسخ.
634

الفصل الثالث: في التدليس:
ويتحقق بإخبار الزوجة أو وليها أو ولي الزوج أو السفير بينهما على إشكال
بالصحة أو الكمالية عقيب الاستعلام أو بدونه. وهل يتحقق لو زوجت نفسها أو
زوجها مطلقا؟ إشكال، ولا يتحقق بالإخبار لا للتزويج أو له لغير الزوج.
ولو شرط الحرية فظهرت أمة فله الفسخ وإن دخل، فإن فسخ قبل الدخول
فلا شئ وبعده المسمى للمولى، وقيل العشر أو نصفه، ويرجع بما غرمه على المدلس
فإن كان هي تبعت بعد العتق، ولو كان قد دفعه إليها استعاد ما وجده ويتبعها بما
بقي، ولو كان مولاها فإن تلفظ بما يقتضي العتق حكم عليه بحريتها وصح العقد
وكان المهر للأمة وإلا فهي على الرق ولا شئ له ولا لها على الزوج إذا فسخ
وإن كان بعد الدخول، والأقرب وجوب أقل ما يصلح أن يكون مهرا للمولى، ولو
كان قد دفعه إليها وتلف احتمل تضمين السيد لغروره وضعف المباشرة والرجوع في
كسبها والتبعية بعد العتق.
ولو لم يشترط الحرية بل تزوجها على أنها حرة فخرجت أمة فكما تقدم، ولو
تزوج لا على أنها حرة ولا بشرطها فلا خيار ويثبت الخيار مع رقية بعضها ويرجع
بنصيبه من المهر خاصة، فإن كانت هي المدلسة رجع بنصفه معجلا وتبعت بالباقي
مع عتقها أجمع، ولو تزوجته على أنه حر فبان عبدا فلها الفسخ وإن كان بعد
الدخول ولها المهر بعده لا قبله وكذا لو شرطت الحرية، ولو ظهر بعضه مملوكا
فكذلك ولو ظهر معتقا فلا خيار.
ولو تزوجها على أنها بنت مهيرة فخرجت بنت أمة قيل كان له الفسخ،
والوجه ذلك مع الشرط لا مع الإطلاق فلا مهر قبل الدخول، وبعده يرجع على
المدلس أبا كان أو غيره، ولو كانت هي المدلسة رجع عليها بما دفعه منه إلا بأقل
ما يمكن أن يكون مهرا، ولو خرجت بنت معتقة فإشكال، ولو أدخل بنته من الأمة
على من زوجه بنت مهيرة فرق بينهما ولها مهر المثل ويرجع به على السابق ويدخل
635

على زوجته، وكذا كل من أدخل عليه غير زوجته فظنها زوجته سواء كانت أعلى أو
أدون، ولو دخل مع العلم لم يرجع على أحد.
ولو شرط البكارة فإن ثبت سبق الثيوبة، فالأقرب أن له الفسخ ويدفع المهر
ويرجع به على من دلسها، فإن كانت هي رجع إلا بأقل ما يمكن مهرا، وإن لم
يثبت فلا فسخ لاحتمال تجدده بسبب خفي، وقيل: له نقص شئ من مهرها وهو
ما بين مهر البكر والثيب عادة، ولو تزوج متعة فبانت كتابية أو دواما على رأي من
سوغه فلا فسخ إلا أن يطلق أو يهب المدة ولا يسقط من المهر شئ، ولو شرط
الاسلام فله الفسخ.
ولو أدخلت امرأة كل من الزوجين على صاحبه فوطئها فلها المسمى على زوجها ومهر المثل على واطئها ويرد كل منهما على
زوجها ولا يطأها إلا بعد العدة،
ولو ماتتا في العدة أو مات الزوجان ورث كل زوجته وبالعكس، ولو اشتبه على
كل منهما زوجته بالأخرى قبل الدخول منع منه وألزم الطلاق ولا يحسب في
الثلاث، ويلزم بنصف المهر فيقسم بينهما بالسوية إن تداعياه أو يقرع فيه أو يوقف
حتى تصطلحا، ويحرم على كل منهما أم كل واحدة منهما ويحرم كل منهما على أب
الزوج وابنه، والميراث كالمهر ويحتمل القرعة ابتداء ويثبت المسمى في كل وطء
عن عقد صحيح، وإن انفسخ بعيب سابق على الوطء أو العقد، ومهر المثل في كل
وطء عن عقد باطل في أصله لا المسمى.
فروع:
أ: لو شرط الاستيلاد فخرجت عقيما فلا فسخ لإمكان تجدد شرطه في
الشيخوخة وعدم العلم بالعقم من دونه وجواز استناده إليه.
ب: كل شرط يشرطه في العقد ثبت له الخيار مع فقده سواء كان دون
ما وصف أو أعلى على إشكال، نعم لو تزوجها متعة أو دواما على رأي بشرط أنها
636

كتابية فظهرت مسلمة فلا خيار.
ج: لو تزوج العبد على أنها حرة فظهرت أمة فكالحر، فإن فسخ قبل الدخول
فلا شئ وبعده المسمى على سيده أو في كسبه ويرجع به على المدلس ويكون
للمولى، ولو أعتق قبل الفسخ فالأقرب أن المرجوع به للعبد ثم إن كان الغار الوكيل
رجع بالجميع وإن كانت هي كذلك تتبع به لأنه ليس برجوع في المهر لأن المهر
استحقه السيد ورجوعه يكون في ذمتها، ولو حصل منهما رجع بنصفه على الوكيل
حالا ونصفه عليها تتبع به، ولو أولد كان الولد رقا لمولاه إن كان المدلس سيدها أو
أذن لها مطلقا أو في التزويج به أو بأي عبد.
د: لو غرته المكاتبة فإن اختار الإمساك فلها المهر وإن اختار الفسخ فلا مهر
قبل الدخول، وبعده إن كان قد دفعه رجع بجميعه أو به إلا أقل ما يمكن أن يكون
مهرا وإن لم يدفع فلا شئ أو يجب الأقل، ولو غره الوكيل رجع عليه بالجميع،
ولو أتت بولد فهو حر لأنه دخل على ذلك ويغرم قيمته ويتبع في الاستحقاق أرش
الجناية على ولد المكاتبة، ولو ضربها أجنبي فألقته لزمه دية جنين حر لأبيه، فإن
كان هو الضارب فالأقرب إليه دونه وإلا فللإمام، وعلى المغرور للسيد عشر قيمة
أمه إن قلنا أن الأرش له.
ه‍: لا يرجع بالغرامة على الغار إلا بعد أن يغرم القيمة أو المهر للسيد لأنه إنما
يرجع بما غرمه، وكذا لو رجع شاهدان بإتلاف مال أو جناية بعد الحكم لم يرجع
للمحكوم عليه عليهما إلا بعد الغرم وكذا الضامن يرجع بعد الدفع، وللمغرور مطالبة
الغار بالتخليص من مطالبة المرأة أو السيد كما أن الضامن يطالب المضمون عنه
بالتخلص.
و: لو انتسب إلى قبيلة فبان من غيرها أعلى أو أدون فالأقرب أنه لا فسخ
وكذا المرأة، نعم لو شرط أحدهما على الآخر نسبا فظهر من غيره كان له الفسخ
لمخالفة الشرط وكذا لو شرط بياضا أو سوادا أو جمالا.
637

المقصد الثاني: في المهر: وفيه فصول:
الأول في الصحيح: وهو كل مملوك يصح نقله عينا كان أو منفعة، وإن
كانت منفعة حر كتعليم صنعة أو سورة أو عمل محلل أو إجارة الزوج نفسه مدة
معينة على رأي سواء كانت معينة أو مضمونة، ولو عقد الذميان على خمر أو خنزير
صح فإن أسلم أحدهما بعد الدفع برئ الزوج وقبله تجب القيمة عند مستحليه سواء
كان معينا أو مضمونا.
ولا يتقدر المهر قلة وكثرة على رأي ما لم يقصر عن التقويم كحبة حنطة،
وليس ذكره شرطا فلو أخل به أو شرط عدمه صح العقد، فإن دخل فلها مهر المثل
وإنما يفيد ذكره التعيين والتقدير، فيشترط في صحته مع ذكره التعيين إما
بالمشاهدة، وإن جهل كيله أو وزنه كقطعة من ذهب وقبة من طعام، أو بالوصف
الرافع للجهالة مع ذكر قدره إن كان ذا قدر، فلو أبهم فسد وصح العقد.
ولو تزوجهن بمهر واحد صح وبسط على مهور الأمثال على رأي، ولو تزوجها
على خادم أو بيت أو دار ولم يعين ولا وصف قيل: كان لها وسط ذلك، ولو تزوج
على كتاب الله وسنة نبيه ولم يسم مهرا فمهرها خمسمائة درهم، ولو أصدقها تعليم
سورة لم يجب تعيين الحرف ولقنها الجائز على رأي ولا يلزمه غيرها لو طلبته، وحده
أن تستقل بالتلاوة ولا يكفي تتبع نطقه، ولو نسيت الآية الأولى عقيب تلقين الثانية
لم يجب إعادة التعليم على إشكال ولو لم يحسن السور صح، فإن تعذر تعلمها أو
تعلمت من غيره فعليه الأجرة وكذا الصنعة ولو عقد مرتين على مهرين فالثابت
الأول سرا كان أو جهرا.
والمهر مضمون في يد الزوج إلى أن يسلمه، فإن تلف قبله بفعل المرأة برئ
وكان قبضا، وإن تلف بفعل أجنبي تخيرت بين الرجوع على الأجنبي أو الزوج
ويرجع الزوج عليه، وإن تلف بفعل الزوج أو بغير فعل أحد رجعت عليه بمثله، فإن
لم يكن مثليا فالقيمة فيحتمل أكثر ما كانت من حين العقد إلى حين التلف لأنه
638

مضمون في جميع الأحوال وحين التلف لأنه مضمون بغير تعد منه، أما لو طالبته
بالتسليم فمنعها فعلى الأول يضمنه بأكثر ما كانت قيمته من حين العقد إلى حين
التلف، وعلى الثاني بأكثر ما كانت قيمته من حين المطالبة إلى حين التلف لأنه
غاصب.
ولو تعيب في يده قيل: تخيرت في أخذه أو القيمة، والأقرب أخذه وأخذ
أرشه ولها أن تمتنع قبل الدخول من تسليم نفسها حتى تقبض المهر سواء كان
الزوج موسرا أو معسرا. وهل لها ذلك بعد الدخول؟ خلاف، ولو كان مؤجلا لم
يكن لها الامتناع فإن امتنعت وحل لم يكن لها الامتناع على رأي لاستقرار وجوب
التسليم قبل الحلول، وإنما يجب تسليمه لو كانت متهيئة للاستمتاع.
فإن كانت محبوسة أو ممنوعة بعذر لم يلزم، ولو كانت صبية فالأقرب وجوب
التسليم مع طلب الولي ولو منعت من التمكين لا للتسليم ففي وجوب التسليم
إشكال، ولو مكنت كان لها الطلب وإن لم يطأ، فإن رجعت إلى الامتناع سقط
طلبها إلا إذا وطئها فإن المهر يستقر بالوطئ مرة، ولو دفع الصداق فامتنعت من
التمكين أجبرت وليس له الاسترداد، وإذا سلم الصداق فعليه أن يمهلها مدة
استعدادها بالتنظيف والاستحداد، ولا يمهلها لأجل تهيئة الجهاز ولأجل الحيض
لإمكان الاستمتاع بغير القبل، ولو كانت صغيرة لا تطيق الجماع أو مريضة وجب
الإمهال.
وإنما يتقرر كمال المهر بالوطئ أو موت أحد الزوجين لا بالخلوة على الأقوى
ويستحب تقليله، ويكره أن يتجاوز السنة وهو خمسمائة درهم وأن يدخل بالزوجة
قبل تقديمه أو بعضه أو غيره ولو هدية، ولا فرق بين موت الزوج قبل الدخول أو
المرأة في استقرار جميع المهر لكن يستحب لها إذا مات الزوج ترك نصف المهر،
وقيل لو ماتت قبل الدخول كان لأوليائها نصف المهر وليس بجيد، ويكره للورثة
المطالبة بالمهر مع الدخول إذا لم تكن قد طالبت به.
639

الفصل الثاني: في الصداق الفاسد:
ولفساده أسباب:
الأول: عدم قبولية الملك كالخمر والخنزير مع إسلام أحد الزوجين وكالحر
وما لا قيمة له ولا منفعة مباحة فيه، فلو زوج المسلم على خمر أو خنزير أو حر بطل
المسمى وقيل العقد، وهل يثبت قيمة المسمى أو مهر المثل؟ قولان، الأقرب
الثاني. ولو تزوجها على ظرف خل فخرج خمرا صح العقد وثبت مهر المثل وقيل:
مثل الخل، وكذا لو تزوجها بعبد فبان حرا، ولو تزوجها على عبدين فبان أحدهما
حرا لم ينحصر الصداق في الآخر بل يجب بقدر حصة الحر من مهر المثل أو قيمته لو
كان عبدا، ولو أصدقها عينا فخرجت مستحقة فإن كانت مثلية فالمثل وإلا القيمة
ويحتمل مهر المثل.
الثاني: الجهالة: فلو تزوجها على مهر مجهول بطل المسمى وثبت مهر المثل
لتعذر تقديم المجهول، ولو ضمه إلى المعلوم احتمل فساد الجميع فيجب مهر المثل
واحتساب المعلوم من مهر المثل فيجب الباقي، فلو زاد عن مهر المثل لم تجب الزيادة
على الأول دون الثاني، ولو تزوج واشترى واستأجر بسط على مهر المثل ثمنه
وأجرته، ولو زوجه جاريته وباعها منه بطل النكاح وسقط من المسمى بنسبة مهر
المثل، ولو تزوج بها واشترى منهما دينارا بدينار بطل البيع ووجب مهر المثل
والأقوى ما يقتضيه التقسيط من المسمى، ولو اختلف الجنس صح الجميع.
الثالث: الشرط: فلو شرط في العقد ما لا يخل بمقصود النكاح وإن كان
غرضا مقصودا في الجملة لم يبطل النكاح بل الشرط إن خالف المشروع، مثل أن
تشترط أن لا يتزوج عليها أو لا يتسرى أو لا يمنعها من الخروج أو لا يقسم لضرتها
فالعقد والمهر صحيحان ويبطل الشرط خاصة، وكذا لو شرط تسليم المهر في أجل
فإن لم يسلم كان العقد باطلا فإنه يبطل الشرط خاصة وفي فساد المهر وجه، فإن
الشروط كالعوض المضاف إلى الصداق ويتعذر الرجوع إلى قيمة الشروط فيثبت مهر المثل.
640

ولو شرط ألا يفتضها لزم الشرط فإن أذنت بعد ذلك جاز، وعندي فيه
إشكال وقيل: يختص بالمؤجل، ولو شرط الخيار في النكاح بطل العقد وإن شرطه
في المهر صح العقد والمهر والشرط، فإن اختار بقاءه لزمه وإلا ثبت مهر المثل، ولو
سمى لها شيئا ولأبيها شيئا لزم مسماها خاصة ولو أمهرها شيئا وشرط أن يعطي
أباها منه شيئا قيل: لزم الشرط، ولو شرط أن لا يخرجها من بلدها قيل لزم الشرط
للرواية. وهل يتعدى إلى منزلها؟ إشكال، ولو شرط لها مهرا إن لم يخرجها من بلدها
وأزيد إن أخرجها إلى بلاد الشرك لم يلزم إجابته ولها الزائد، وإن أخرجها إلى بلاد
الاسلام كان الشرط لازما وفيه نظر، ولو شرط عدم الانفاق بطل الشرط.
الرابع: استلزام ثبوته نفيه كما لو قبل نكاح عبد جعل رقبته صداقا لحرة أو لمن
انعتق بعضها، فإن النكاح يبطل، أما لو زوج ابنه من امرأة وأصدقها أم ابنه أو
أخته من مال نفسه فسد الصداق لأنها لا تدخل في ملكها ما لم تدخل في ملكه
فتعتق عليه فيصح النكاح دون المهر.
الخامس: أن يزوج الولي بدون مهر مثلها فيصح العقد وفي صحة المسمى
قولان، وكذا لو زوجه بأكثر من مهر المثل فإن المسمى يبطل، وفي فساد النكاح
إشكال ينشأ من التمسك بالعقد الذي لا يشترط فيه المهر ولا ذكره، ومن بعد
الرجوع إلى مهر المثل دون رضاهما وما قنعا به، والأقوى أن مع فساد المسمى يثبت
الخيار في فسخ العقد وإمضائه، نعم لو أصدق ابنه أكثر من مهر المثل من ماله جاز
وإن دخل في ملك الابن ضمنا.
السادس: مخالفة الأمر فإذا قالت: زوجني بألف، فزوجها بخمسمائة لم يصح
العقد ويحتمل ثبوت الخيار، ولو قالت: زوجني مطلقا، فزوجها بأقل من مهر المثل
فالأقرب الرجوع إلى مهر المثل، ولو لم يذكر مع الإطلاق المهر احتمل الصحة
للامتثال والفساد إذ مفهومه ذكر المهر عرفا ومع التقييد يحتمل الفساد والخيار
فيثبت مهر المثل، ولو قالت: زوجني بما شاء الخاطب، فهو تفويض يأتي ولو عرفت
641

ما شاء فقال: زوجتك بما شئت، صح وليس تفريق الصفقة سببا للفساد، فلو
أصدقها عبدا يساوى ألفين على أن ترد عليه ألفا فنصفه صداق ونصفه في حكم
مبيع، فلو أرادت إفراد الصداق أو المبيع بالرد بالعيب جاز بخلاف رد نصف المبيع.
الفصل الثالث: في التفويض:
وفيه قسمان:
الأول: تفويض البضع:
وهو إخلاء العقد من ذكر المهر بأمر من يستحق المهر وليس مبطلا مثل:
زوجتك نفسي أو فلانة فيقول: قبلت، سواء نفى المهر أو سكت عنه فلو قالت: على
أن لا مهر عليك، صح العقد ولو قالت: على أن لا مهر عليك في الحال ولا في
ثانية، احتمل الصحة - لأنه معنى أن لا مهر عليك - والبطلان لأنه جعلها موهوبة.
ويصح التفويض من البالغة الرشيدة دون من انتفى عنها أحد الوصفين، نعم لو زوج
الولي مفوضة أو بدون مهر المثل صح قيل ويثبت مهر المثل بنفس العقد، وفيه
إشكال ينشأ من اعتبار المصلحة المنوطة بنظر الولي فيصح التفويض وثوقا بنظره،
فعلى الأول لو طلقها قبل الدخول فنصف مهر المثل وعلى الثاني المتعة.
وللسيد تزويج أمته مفوضة فإن باعها قبل الدخول فأجاز المشتري كان التقدير
إلى الثاني والزوج ويملكه الثاني، ولو أعتقها قبله فرضيت فالمهر لها والتقدير إليها
وإليه، ثم المفوضة تستحق عند الوطء مهر المثل، وإن طلقها قبله بعد فرض المهر
ثبت نصف المفروض وقبله المتعة، ولا يجب مهر المثل ولا المتعة بنفس العقد فلو
مات أحدهما قبل الدخول والطلاق والفرض فلا شئ، وبعد الدخول المثل وبعد
الفرض المفروض، ولو تراضيا بعد العقد بالفرض وهو تقدير المهر وتعيينه صح سواء
زاد على مهر المثل أو ساواه أو قصر عنه وسواء علما مهر المثل أو أحدهما أو جهلاه.
والاعتبار في مهر المثل بحال المرأة في الجمال والشرف وعادة أهلها ما لم
642

يتجاوز السنة وهو خمسمائة درهم، فإن تجاوز ردت إليها. وهل يعتبر العصبات
والأقارب مطلقا؟ إشكال، أما الأم فليست من نسبها فلا يعتبر بها، نعم يعتبر في
أقاربها أن يكونوا من أهل بلدها فإن البلاد تتفاوت في المهور، وأن يكونوا في مثل
عقلها وجمالها ويسارها وبكارتها وصراحة نسبها وكل ما يختلف لأجله النكاح،
والأقرب عدم تقدير مهر السنة فيما أشبه الجناية كالنكاح الفاسد ووطء الشبهة
والإكراه.
والمعتبر في المتعة بحال الرجل، فالغني يمتع بالدابة أو الثوب المرتفع أو عشرة
دنانير، والمتوسط بخمسة أو الثوب المتوسط، والفقير بدينار أو خاتم وشبهه. ولا
تستحق المتعة إلا المطلقة التي لم يفرض لها مهر ولم يدخل بها، ولو اشترى زوجته
فسد النكاح ولا مهر ولا متعة.
وللمفوضة المطالبة بفرض المهر لمعرفة ما يستحق بالوطئ أو التشطير بالطلاق
ولها حبس نفسها للفرض والتسليم، ولو اتفقا على الفرض جاز وإن اختلفا ففي
فرض الحاكم إذا ترافعا إليه نظر، أقربه أنه يفرض مهر المثل، ولو فرضه أجنبي
ودفعه إليها ثم طلقها احتمل المتعة فيرد على الأجنبي لأن فرض الأجنبي يوجب
على الزوج مالا وليس وليا ولا وكيلا وكان وجود فرضه كعدمه، والصحة لأنه
يصح قضاؤه عنه فصح فرضه، ويرجع نصفه إما إلى الزوج لأنه ملكه حين قضى به
دينا عليه أو إلى الأجنبي لأنه دفعه ليقضي به ما وجب لها عليه، وبالطلاق سقط
وجوب النصف فيرد النصف إليه لأنه لم يسقط به حق عمن قضاه عنه.
ولو لم ترض بما فرضه الزوج فإن طلقها قبل الدخول فالمتعة ولم يكن لها نصف
ما فرضه وإن كان قد رضي به لأنها لم تقبله ويقبل فرضه إذا كان بقدر مهر المثل
فصاعدا، وإن كان محجورا عليه للفلس فيلزمه وإن زاد عن مهر السنة، لكن
تضرب المرأة مع الغرماء بمهر المثل في المحجور عليه وتتبع بالزيادة بعد فكه، أما لو
فرض أقل فإن كان بقدر السنة فالأقوى اللزوم، وينبغي أن لا يدخل بالمفوضة إلا
643

بعد الفرض. ولو وطئ المفوضة بعد سنين وقد تغيرت صفتها وجب مهر المثل معتبرا بحال
العقد ومهر المثل حال، ولو كان الزوج من عشيرتها والعادة في نسائها تخفيف المهر
للقريب خفف وكذا لو خفف عن الشريف، ويجوز إثبات الأجل في المفروض
والزيادة على مهر المثل سواء كان من جنسه أو لا، ولو أبرأته قبل الوطء والفرض
والطلاق من مهر المثل أو المتعة أو منهما لم يصح ولو قالت: أسقطت حق طلب
الفرض، لم يسقط.
ولو كان نساؤها ينكحن بألف مؤجلة لم يثبت الأجل لكن ينقص بقدره منها،
ولو سامحت واحدة من العشيرة لم يعتبر بها والاعتبار في الوطء في النكاح الفاسد بمهر
المثل يوم الوطء، وإذا اتحدت الشبهة اتحد المهر وإن تعدد الوطء، ولو لم يكن
شبهة كالزاني مكرها وجب بكل وطء مهر، وإذا وجب الواحد بوطئ المتعدد اعتبر
أرفع الأحوال، ولو دخل ولم يسم شيئا وقدم لها شيئا قيل: كان ذلك مهرها ولا
شئ لها بعد الدخول إلا أن تشارطه قبل الدخول على أن المهر غيره، ولو فرض
الفاسد طولب بغيره.
الثاني: تفويض المهر:
وهو أن يذكر المهر على الجملة مبهما ويفوض تقديره إلى أحد الزوجين أو
أجنبي على إشكال مثل: زوجتك على أن تفرض ما شئت أو ما شئت أو ما شاء
زيد، وإن كان تقديره إلى الزوج لم يتقدر قلة وكثرة بل يلزم ما يحكم به سواء زاد
عن مهر المثل أو نقص وإن كان إلى الزوجة لم يتقدر قلة وأما الكثرة فلا يزيد على
خمسمائة درهم، ولو طلقها قبل الدخول ألزم من إليه الحكم به ويثبت لها النصف
ما لم تزد المرأة عن مهر السنة، ولو مات الحاكم قبله وقبل الدخول فلها مهر المثل
ويحتمل المتعة بخلاف مفوضة البضع حيث رضيت بغير مهر وقيل: ليس لها أحدهما.
644

الفصل الرابع: في التنصيف والعفو:
إذا دخل الزوج بالوطئ قبلا أو دبرا استقر كمال المهر وتملك الجميع بالعقد،
فالنماء والزيادة لها سواء طلقها قبل الدخول أو لا، ولها التصرف فيه قبل قبضه
ولا يجب بالخلوة وإن كانت تامة على رأي، فإن كان قد سلمه وإلا كان دينا
عليه لا يسقط بالدخول طالت المدة أو قصرت، وإن طلق قبل الدخول وجب عليه
نصف المسمى والفسخ كالطلاق إلا ما يكون لعيب غير العنة فإنه يقتضي سقوط
جميع المهر، ثم المطلق إن كان قد دفع المهر استعاد نصفه وإن كان قد تلف فنصف
مثله أو نصف قيمته، وإن اختلفت في وقت العقد والقبض لزمها الأقل من حين
العقد إلى حين التسليم، وإن تعيب قيل: يرجع في نصف القيمة، والأقرب في نصف
العين مع الأرش.
أما لو نقصت قيمته لتفاوت السعر فإن له نصف العين قطعا، وكذا لو زادت
لزيادة السوق وتضمن النقص مع التلف دون الزيادة، وإن زادت منفصلة فالزيادة
لها خاصة وإن كانت متصلة تخيرت بين دفع نصف العين الزائدة أو دفع نصف القيمة
من دونها، ولو زادت ونقصت باعتبارين كتعلم صنعة ونسيان أخرى، تخيرت في
دفع نصف العين أو نصف القيمة؟ فإن أوجبنا عليه أخذ العين أجبر عليها وإلا
تخير أيضا، ولو تعيب في يده لم يكن له إلا نصف المعيب فإن كان قد دفع أرشا
رجع بنصفه أيضا.
ولا يشترط في الزيادة زيادة القيمة بل ما فيه غرض مقصود، وحمل الأمة
زيادة من وجه ونقصان من آخر وفي البهيمة زيادة محضة إلا إذا أثر في إفساد
اللحم، والزرع للأرض نقص والطلاق مقتض لملك الزوج لا أن يملك باختياره فلو
زاد بعد الطلاق قبل الاختيار فله نصف الزيادة، ولو زال ملكها بجهة لازمة كالبيع
والعتق والهبة لزم مثل النصف أو قيمة، فإن عاد بعد الدفع سقط حقه وقبله يرجع
في العين، ولو تعلق به حق لازم كالرهن والإجارة تعين البدل فإن صبر إلى
645

الخلاص فله نصف العين، ولو قال: أنا أرجع فيها وأصبر حتى تنقضي الإجارة،
احتمل عدم الإجابة وإجباره على أخذ القيمة إذا دفعتها لأنه يكون مضمونا عليها،
ولها أن تمتنع منه إلا أن يقول: أنا أقبضه وأرده إلى المستأجر أمانة، أو يسقط عنها
الضمان على إشكال فله ذلك.
ولو كان البيع بخيار لها أو لم تقبض الهبة أو دبرت على إشكال فيهما، تخيرت
في الرجوع ودفع نصف العين وفي دفع القيمة، فإن دفعت القيمة ثم رجعت لم يكن
له أخذ العين ويقوى الإشكال في الوصية بالعتق، ولو كان الصداق صيدا فأحرم
ثم طلق احتمل رجوع النصف إليه لأنه ملك قهري كالإرث، فإن غلبنا حق الله
تعالى وجب إرساله وعليه قيمة نصيبها، ولو أمهر المدبرة ثم طلق قيل: يتحرر بموته،
وقبله بينهما نصفان والحق بطلان التدبير بالإصداق.
وإذا كان الصداق دينا أو أتلفه صح أن تهبه بلفظ الهبة والإبراء والعفو ولا
يفتقر إلى القبول، ولو تلف في يده فعفا الزوج أو وهبها أو أبرأها بعد الطلاق صح،
ولو عفا الذي عليه المال لم ينتقل عنه إلا بالتسليم، ولو كان المهر عينا لم يزل الملك
بلفظ العفو والإبراء فإن وهب افتقر إلى القبول والإقباض وفي إجراء العفو مجرى
الهبة نظر، وإذا عفا أحد الزوجين عن حقه الدين أو العين مع الإقباض صح عفوه،
وللذي بيده عقدة النكاح وهو الأب أو الجد العفو عن بعض حقها لا جميعه، قيل:
ولمن توليه أمرها. وليس لولي الزوج العفو عن حقه مع الطلاق.
فروع:
أ: لو أصدقها نخلا فأثمر في يدها وطلقها قبل الجذاذ لم يكن له الثمرة، فإن
بذلت نصف المجموع لزمه قبوله على إشكال وكذا لو قطعت الثمرة وبذلت نصف
العين، ولا عيب بالقطع أو دفعت الأرش أجبر ويحتمل قويا الرجوع في العين
مشغولة بالإبقاء، ولو طلب قطع الثمرة قبل الإدراك يرجع في العين أو يقول: أنا
646

أصبر إلى الجذاذ وأرجع، لم تجب إجابته، ولو طلبت منه الصبر لم يجبر عليه وكذا
الأرض لو حرثتها وزرعتها إلا أنه لا يجبر على القبول لو بذلت نصف المجموع.
ولو ولدت الجارية أو نتجت الشاة في يد الزوج فالولد لها خاصة، فإن تلف
الولد بعد المنع من التسليم والمطالبة أو نقص ضمن وإلا احتمل الضمان لأنه تولد
من أصل مضمون فأشبه ولد المغصوبة وعدمه لأنه أمانة، ولو نقصت الأم أخذت
النصف وأرشه سواء كانت قد طالبت وامتنع أو لم تطالب، ولو ارتدت قبل
الدخول رجع بما سلمه إليها فإن نمى فالزيادة لها، ولو أصدقها أمة حاملا فولدت
رجع بنصف الولد ويحتمل عدمه لأنها زيادة ظهرت بالانفصال.
ب: لو أصدقها حليا فكسرته وأعادت صنعه أخرى فهو زيادة ونقصان فلهما
الخيار، فإن أعادت تلك الصنعة احتمل اعتبار رضاها لأنها زيادة حصلت
باختيارها، فإن أبت فله نصف قيمته مصوغا ويحتمل مثل وزنه ذهبا وقيمة
الصنعة، ولو أصدقها قطعة من فضة فصاغتها تخيرت في دفع نصف العين فيجبر على
قبوله ودفع نصف القيمة، ولو كان ثوبا فخاطته لم يجبر على قبول نصف العين إلا
أن يكون مفصلا على ذلك الوجه.
ج: لو أصدق الذميان خمرا فطلق قبل الدخول بعد القبض والإسلام وقد
صار خلا رجع بنصفه ويحتمل عدم الرجوع بشئ للزيادة في يدها فسقط حقه من
العين، وله أقل القيم من حين العقد إلى حين القبض وقد كان خمرا لا قيمة له،
فعلى الأول لو تلف الخل قبل الطلاق احتمل أن يرجع بمثله وعدمه لأنه يعتبر بدله
يوم القيمة فلا قيمة له حينئذ، ولو رجع خلا بعلاجها فعدم الرجوع أظهر لحدوث
المالية باختيارها، ولو صارت خلا في يده ثم طلقها فلها النصف منه ويحتمل نصف
مهر المثل لانتفاء القبض وقد ترافعوا قبله فبطل ووجب مهر المثل.
د: لو أصدق تعليم سورة وطلق قبل الدخول فإن علمها رجع بنصف الأجرة
وإلا رجعت به وكذا تعليم الصنعة.
647

ه‍: كل موضع يثبت الخيار بسبب الزيادة أو النقصان لا ملك قبله وهذا
الخيار ليس على الفور، فإن كان لها الخيار وامتنعت حبس عنها عين الصداق ك
المرهون.
و: لو وهبته المهر المعين أو الدين عليه ثم طلقها قبل الدخول رجع بنصف
القيمة وكذا لو خلعها به أجمع، ويحتمل في الإبراء عدم رجوعه لأنه اسقاط لا
تمليك، ولهذا لو شهدا بدين فقبضه المدعي ثم وهبه من المدعى عليه ورجع
الشاهدان غرما ولو أبرأ لم يغرما.
ز: إذا وهبته المهر ثم ارتدت قبل الدخول ففي الرجوع بالجميع أو النصف نظر.
ح: لو وهبته النصف ثم طلقها احتمل رجوعه بالنصف الباقي وبنصفه وقيمة
الربع، ولو خالعته على النصف انصرف إلى ما تملكه.
ط: لو تلف الصداق في يدها بعد الطلاق بغير تفريط رجع إن جعلناه كالمبيع
وإن جعلناه كالموهوب بعد الرجوع فلا، ولو تلف في يدها بعد رجوع الكل بالفسخ
فهو مضمون لأن ذلك تراد العوضين.
ي: لو أعطى عوض المهر شيئا ثم طلقها قبل الدخول رجع بنصف المسمى لا
بالمدفوع.
يا: لو طلقها بائنا ثم تزوجها في عدته ثم طلقها قبل الدخول فعليه النصف.
يب: لو أصدقها عبدين فمات أحدهما رجع بنصف الموجود ونصف قيمة
الميت.
يج: لو كان المهر مشاهدا غير معلوم الوزن فتلف قبل قبضه فأبرأته أو تزوجها
بمهر فاسد فأبرأته من مهر المثل أو بعضه صح وإن لم يعلما الكمية، ولو أبرأته من
مهر المثل قبل الدخول لم يصح وإن دخل لم يسقط.
يد: لو زوج الأب أو الجد له الصغير صح والمهر على الولد إن كان موسرا
وإلا كان المهر في عهدة الأب أو الجد، فإن مات أخرج المهر من صلب تركته سواء
648

بلغ الولد وأيسر أو لا، ولو دفع الأب المهر مع يسار الولد تبرعا أو إعساره للضمان
ثم بلغ الصبي فطلق قبل الدخول رجع النصف إلى الولد لأنه كالهبة، وكذا لو دفع
عن الكبير تبرعا أو عن الأجنبي على إشكال، ولو ارتدت انفسخ النكاح ورجع
الصداق إلى الولد وكذا لو فسخ الولد العقد لعيب بعد الدخول وقبله على إشكال.
وإذا دفع عن ولده الصغير ثم عاد إلى الابن لم يكن له الرجوع فيه لأن هبة
الصغير لازمة، أما الأجنبي فإن رجع إليه بدله بإتلافها أو بالمصانعة لم يكن للدافع
الرجوع لأنه لا يملك الرجوع في غير الموهوب، فإن عادت العين فكذلك لأنه تصرف
بدفع المتبرع عنه، ولو قال الأب: دفعت عن الصغير لأرجع به عليه، قبل قوله لأنه
أمين عليه، ولو طلق قبل أن يدفع الأب عن الصغير المعسر سقط النصف عن ذمة
الأب والابن، ولم يكن للابن مطالبة الأب بشئ، ولو كان الولد معسرا بالبعض
ضمنه الأب خاصة، ولو تبرأ الأب في العقد من ضمان العهدة صح إن علمت المرأة بالإعسار.
الفصل الخامس: في التنازع:
إذا اختلفا في أصل المهر قبل الدخول فالقول قول الزوج مع اليمين لإمكان تجرد
العقد عنه وكذا بعده، والتحقيق أنه إن أنكر التسمية صدق باليمين لكن يثبت
عليه قبل الدخول مع الطلاق المتعة ومع الدخول مهر المثل، والأقرب أن دعواها إن
قصرت عنهما ثبت ما ادعته، ولو أنكر الاستحقاق عقيب دعواها إياه أو دعواها
التسمية فإن اعترف بالنكاح فالأقرب عدم سماعه، ولو اختلفا في قدره أو وصفه أو
ادعى التسمية وأنكرت قدم قوله، ولو قدره بارزة مع اليمين وليس ببعيد من
الصواب تقديم من يدعي مهر المثل.
فإن ادعى النقصان وادعت الزيادة تحالفا ورد إليه، ولو ادعيا الزيادة عليه
المختلفة احتمل تقديم قوله لأنه أكثر من مهر المثل ومهر المثل، ولو ادعيا النقصان
649

احتمل تقديم قولها ومهر المثل، ولو كان الاختلاف في التسليم قدم قولها مع اليمين
سواء دخل أو لا، ولو قال: هذا ابني منها، فالأقرب ثبوت مهر المثل مع إنكار
النكاح أو التسمية أو أصل المهر أو أن يسكت، ولو خلا فادعت المواقعة قبلا فأقام
البينة بالبكارة بطلت الدعوى وإلا حلف للبراءة الأصلية، وقيل: تحلف هي لأن
شاهد حال الصحيح المواقعة مع الخلوة بالحليلة.
ولو قالت: علمني غير السورة، قدم قولها مع اليمين، ولو أقامت بينة بعقدين
فادعى التكرير فأنكرت قدم قولها ويجب مهران وقيل: مهر ونصف، ولو قال:
أصدقتك العبد، فقالت: بل الجارية، فالأقرب التحالف وثبوت مهر المثل ويحتمل
تقديم قوله مع اليمين، ولو كان أبواها في ملكه فقال: أصدقتك أباك فقالت: بل
أمي، فعلى الأول يتحالفان وترجع إلى مهر المثل ويعتق الأب بإقراره وميراثه
موقوف إذ لا يدعيه أحدهما، وعلى الثاني يعتق عليها ولا شئ لها وميراثه لها،
وإذا اختلف الزوج والولي فكل موضع قدمنا قول الزوج مع اليمين نقدم هنا
ويتولى الولي إحلافه، وكل موضع قدمنا قولها مع اليمين صبر حتى تكمل وتحلف.
أما لو ادعى التسليم إلى الولي أو الوكيل فإن اليمين عليهما وورثة الزوجين
كالزوجين إلا أن يمين الورثة على نفي فعل مورثهم إنما هي على نفي العلم، ولو دفع
مساوي المهر فادعته دفعه هبة قدم قوله مع اليمين إن ادعت تلفظه بالهبة وإلا قبل
بغير يمين بأن تدعي أنه نوى بالدفع الهبة لأنه لو نواه لم يصر هبة، ويبرأ الزوج بدفع
المهر إلى الزوجة مع بلوغها ورشدها إلا مع زوال أحدهما، وبدفعه إلى وليها مع
زوال أحدهما لا بدونه وبالدفع إلى الوكيل فيه لا في العقد.
المقصد الثالث: في القسم والشقاق: وفيه فصول:
الأول: في مستحق القسم:
لكل من الزوجين حق على صاحبه فكما يجب على الرجل النفقة والإسكان
650

كذا يجب على المرأة التمكين من الاستمتاع وإزالة المنفر، والقسمة بين الأزواج
حق على الزوج حرا كان أو عبدا مسلما كان أو كافرا عاقلا كان أو مجنونا خصيا
كان أو عنينا أو سليما ويتولى الولي عن المجنون فيطوف به على نسائه بالعدل، وهو
حق مشترك بين الزوجين لاشتراك ثمرته فلكل منهما الخيار في قبول اسقاط صاحبه،
وقيل لا تجب القسمة إلا إذا ابتدأ بها.
فعلى الأول لو كان له زوجة واحدة وجب لها ليلة من أربع والثلاث يضعها
أين شاء، ولو كان له زوجتان فلهما ليلتان وله ليلتان، ولو كان له ثلاث فلهن
ثلاث من أربع ولو كن أربعا وجب لكل واحدة ليلة لا يحل له الإخلال بها إلا مع
العذر أو السفر أو إذنهن أو إذن بعضهن فيما يختص الآذنة.
وعلى الثاني لو كان له زوجة واحدة لم يجب قسمته، ولو كن أكثر فإن أعرض
عنهن جاز وإن بات عند واحدة منهن ليلة لزمه في الباقيات مثلها، وتستحق
المريضة والرتقاء والحائض والنفساء والمحرمة ومن آلى منها أو ظاهر لأن المراد
الأنس دون الوقاع، وإنما تستحق الزوجة بعقد الدوام سواء كانت حرة أو أمة
مسلمة أو كتابية.
ولا قسمة بملك اليمين وإن كن مستولدات ولا لمتمتع بها ولا قسمة للناشز
إلى أن تعود إلى الطاعة، ولو سافرت بغير إذنه في المباح أو المندوب فهي ناشزة، ولو
سافرت باذنه في غرضه وجب القضاء ولو كان في غرضها فلا قضاء، ولو كان يجن
ويفيق لم يخص واحدة بنوبة الإفاقة إن كان مضبوطا، وإن لم يكن فأفاق في نوبة
واحدة قضي للأخرى ما جرى في الجنون لقصور حقها، ولو خاف من أذى المجنونة
سقط حقها في القسمة وإلا وجب.
الفصل الثاني: في مكانه وزمانه:
أما المكان فإنه يجب عليه أن ينزل كل واحدة منزلا بانفرادها ولا يجمع بين
651

الضرتين في منزل إلا مع اختيارهن أو مع انفصال المرافق، وله أن يستدعيهن على
التناوب والمضي إلى كل واحدة ليلة وأن يستدعي بعضا ويمضى إلى بعض، ولو لم
ينفرد بمنزل بل كان كل ليلة عند واحدة كان أولى، ولو استدعى واحدة فامتنعت
فهي ناشزة لا نفقة لها ولا قسمة إلى أن تعود إلى طاعته. وهل له أن يساكن
واحدة ويستدعي الباقيات إليها؟ فيه نظر لما فيه من التخصيص.
وأما الزمان فعماد القسمة الليل وأما النهار فلمعاشه، وقيل: يكون عندها
ليلا ويظل عندها صبيحتها وهو مروي، ولو كان معاشه ليلا كالوقاد والحارس
والبزار قسم بالنهار والليل لمعاشه.
ولا يجوز أن يدخل في ليلتها على ضرتها إلا لعيادتها في مرضها، فإن
استوعب الليلة قيل: يقتضي لعدم إيصالها حقها وقيل: لا، كما لو زار أجنبيا وله
ذلك بالنهار لحاجة وغيرها، لكن يستحب أن يكون نهار كل ليلة عند صاحبتها،
ولو طال مكثه عند الضرة ليلا ثم خرج قضى مثل ذلك الزمان من نوبته الأخرى
ولو لم يطل عصى ولا قضاء، فإن واقع الضرة ثم عاد إلى صاحبة الليلة لم يقض
الجماع في حق الباقيات لأنه ليس واجبا في القسمة والواجب في القسمة المضاجعة
لا المواقعة ولا يقسم أقل من ليلة، ولا يجوز تنصيفها لأنه ينغص العيش ولا تقدير
لأكثره. وهل يبتدئ بالقرعة أو الاختيار؟ يبني على الوجوب وعدمه.
الفصل الثالث في التناوب: وأسبابه ثلاثة:
الأول: الحرية: للحرة ثلثا القسم وللأمة الثلث فللحرة ليلتان وللأمة ليلة،
ولو بات عند الحرة ليلتين وأعتقت الأمة في أثناء ليلتها أو قبلها ساوت الحرة
وكان لها ليلتان، فإن أعتقت بعد تمام ليلتها استوفت حقها ولم يبت عندها
أخرى لكن يستأنف التسوية، ولو بدأ بالأمة فبات عندها ليلة ثم أعتقت قبل تمام
نوبتها ساوت الحرة وإن أعتقت بعد تمام نوبتها وجب للحرة ليلتان ثم يسوي بعد
652

ذلك. وهل ينزل المعتق بعضها منزلة الحرة أو الأمة أو يقسط؟ إشكال.
الثاني: الاسلام: فالكتابية كالأمة لها ليلة وللمسلمة الحرة ليلتان والبحث
في الاسلام وتجدده كالعتق، وتتساوى الحرة الكتابية والأمة المسلمة فللحرة
المسلمة ليلتان ولكل واحدة منهما ليلة، ولو بات عند الحرة ليلتين وعند الأمة ليلة
فأسلمت الذمية ساوت المسلمة.
الثالث: تجدد النكاح فمن دخل على بكر خصها بسبع وعلى ثيب خصها
بثلاث حرة كانت أو أمة أو كتابية إن سوغناه ثم لا يقضى للباقيات هذه المدة بل
يستأنف القسم بعد ذلك، ولو طلبت بعد المبيت ثلاثا الزيادة لم يبطل حقها من
الثلاث، ولو سيق إليه زوجات ليلة ابتدأ بمن شاء أو أقرع.
الفصل الرابع: في الظلم والقضاء:
لو جار في القسمة وجب القضاء لمن أخل بليلتها، فلو كان له ثلاث فبات عند
اثنتين عشرين بات عند الثالثة عشرا ولاء، فإن تزوج الرابعة فإن بات عشرا ظلم
الجديدة بل يقضي حق الجديدة بثلاث أو سبع، ثم يبيت عند الثالثة ثلاث ليال
وعند الجديدة ليلة ثلاث نوب، ثم يبيت العاشرة عند المظلومة وثلث ليلته عند
الجديدة ثم يخرج إلى صديق أو مسجد ثم يستأنف القسمة، وكذا لو بات عند
واحدة نصف ليلة فأخرجه ظالم بات عند الأخرى نصف ليلة ثم خرج إلى صديق أو
مسجد.
ولو كان له أربع فنشزت واحدة ثم قسم خمس عشرة فبات عند اثنتين ثم
أطاعت وجب توفية الثالثة خمس عشرة والناشزة خمسا، فيبيت عند الثالثة ثلاثا
وعند الناشز ليلة خمسة أدوار ثم استأنف القسم، وكذا لو نشزت واحدة وظلم
واحدة وأقام عند الأخريين ثلاثين يوما ثم أراد القضاء فأطاعت الناشز فإنه يقسم:
للمظلومة ثلاثا وللناشزة يوما خمسة أدوار، فيحصل للمظلومة خمسة عشر: عشرة قضاء
653

وخمسة أداء وخمسة للمطيعة.
ولو طلق الرابعة بعد حضور ليلتها أثم لأنه أسقط حقها بعد وجوبه، فإن
راجعها أو بانت فتزوجها قضاها لأنها كانت واجبة لها، ولو ظلمها بعشر ليال مثلا
فأبانها فات التدارك وبقيت المظلمة، فإن جدد نكاحها قضاها إلا إذا نكح
جديدات أو لم يكن في نكاحه المظلوم بها فيتعذر القضاء وتبقى المظلمة.
ولو قسم لثلاث فحبس ليلة الرابعة فإن أمكنه استدعاؤها إليه وفاها وإلا
قضاها، ولو حبس قبل القسمة فاستدعى واحدة لزمه استدعاء الباقيات، فإن
امتنعت واحدة سقط حقها، ولو وهبت ليلتها من ضرتها فللزوج الامتناع فإن قبل
فليس للموهوبة الامتناع ولا لغيرها، وليس له المبيت عند غير الموهوبة أو الواهبة،
ثم إن كانت ليلتها متصلة بليلة الواهبة بات عندها ليلتين وإلا ففي جواز الاتصال
نظر، أقربه العدم لما فيه من تأخير الحق.
وإن وهبت من الزوج كان له وضعها أين شاء منهن أو ينعزل عنهن، ولو
وهبتها للكل أو أسقطت حقها من القسم سقطت ليلتها وقصر الدور في الأول ولها
أن ترجع فيما تركته بالنظر إلى المستقبل لا الماضي حتى لو رجعت في بعض الليل
كان عليه الانتقال إليها ويثبت حقها من حين علمه بالرجوع لا من وقته، ولو
عاوضها عن ليلتها بشئ لم تصح المعاوضة لأن المعوض كون الرجل عندها وهو لا
يقابله عوض فترد ما أخذته ويقضي لأنه لم يسلم لها العوض، ولا قسمة للصغيرة
ولا المجنونة المطبقة ولا الناشزة بمعنى أنه لا يقضى لهن ما فات.
الفصل الخامس: في السفر بهن:
وإذا أراد السفر وحده لم يكن لهن منعه ولو أراد إخراجهن معه فله ذلك، ولو
أراد اخراج بعضهن استحبت القرعة فإن خرجت بواحدة، فهل له استصحاب
غيرها؟ قيل لا وله أن يسافر وحده حينئذ، وإذا اعتمد القرعة لم يقض للبواقي،
654

ولو استصحب من غير قرعة ففي القضاء إشكال، ولو سافر للنقلة وأراد نقلهن
فاستصحب واحدة قضى للبواقي وإن كان بالقرعة، لأن سفر النقلة والتحويل لا
يختص بإحداهن، فإن خص واحدة قضى للبواقي بخلاف سفر الغيبة.
ولو سافر بالقرعة ثم نوى المقام في بعض المواضع قضى للباقيات ما أقامه دون
أيام الرجوع على إشكال، ولو عزم على الإقامة أياما ثم أنشأ سفرا آخر لم يكن عزم
عليه أولا لزمه قضاء أيام الإقامة دون أيام السفر، ولو كان قد عزم عليه لم يقض
أيام السفر على إشكال، ولو سافر باثنتين عدل بينهما في السفر والحضر، وله أن
يخلف إحديهما في بعض الأماكن بالقرعة وغيرها.
فإن تزوج في السفر خصها بسبع أو ثلاث في السفر ثم عدل بينهن، ولو خرج
وحده ثم استجد زوجة لم يلزم القضاء للمتخلفات، ولو كان تحته زوجتان فتزوج
أخريين وسافر بإحداهما بالقرعة لم يندرج حقها من التخصيص في السفر بل له مع
العود توفيتها حصة التخصيص، لأن السفر لا يدخل في القسم ثم يقضي حق
المقيمة، ولو كان له زوجتان في بلدتين فأقام عند واحدة عشرا أقام عند الأخرى
كذلك، إما بأن يمضى إليها أو يحضرها عنده، ويستحب التسوية بينهن في الانفاق
وإطلاق الوجه وأن يكون صبيحة كل ليلة عند صاحبتها وأن يأذن لها في حضور
موت أبويها، وله منعها عن عيادتهما وعن الخروج عن منزله إلا بحق واجب.
وليس له إسكان امرأتين في منزل واحد إلا برضاهن، فإن ظهر منه الإضرار
لها بأن لا يوفيها حقها من نفقة وقسمة وغيرها أمره الحاكم أن يسكنها إلى جنب
ثقة ليشرف عليها فيطالبه الحاكم بما يمنعه من حقوقها، فإن أراد السفر بها لم يمنعه
لكن يكاتب حاكم ذلك البلد بالمراعاة، وليس للمولى منع أمته من طلب حقها من
القسمة ولا منعها من إسقاطه أو هبته لبعض ضرائرها كما ليس له فسخ النكاح لو
رضيت بعنته أو جنونه.
655

الفصل السادس: في الشقاق:
وهو فعال من الشق كأن كلا منهما في شق وقد يكون بنشوز المرأة، فإذا
ظهرت إمارته للزوج بأن تقطب في وجهه أو تبرم بحوائجه أو تثاقل وتدافع إذا دعاها
أو تغير عادتها في أدبها وعظها، فإن رجعت وإلا هجرها في المضجع بأن يحول ظهره
إليها في الفراش وقيل أن يعتزل فراشها، ولا يجوز له ضربها حينئذ، فإن تحقق
النشوز وامتنعت من حقه جاز له ضربها بأول مرة واقتصر على ما يرجو الرجوع به
ولا يبرح ولا يدمي ولو تلف بالضرب شئ ضمن، ولو منعها الزوج شيئا من
حقوقها فهو نشوز منه وتطالبه وللحاكم إلزامه، ولها ترك بعض حقوقها من نفقة
وقسمة وغيرهما استمالة له، ويحل للزوج قبوله ولو قهرها عليه لم يحل، ولو منعها
شيئا من حقوقها المستحبة أو أغارها فبذلت له مالا للخلع صح ولم يكن إكراها.
ولو كان النشوز منهما وخشي الحاكم الشقاق بينهما بعث حكما من أهل الزوج
وحكما من أهلها لينظرا في أمرهما ويجوز من غير أهلهما وبالتفريق تحكيما لا
توكيلا، فإن اتفقا على الصلح فعلاه من غير معاودة، وإن رأيا الفرقة استأذنا الزوج
في الطلاق والمرأة في البذل إن كان خلعا ولا يستبدان بالفرقة ويلزم الحكم
بالصلح وإن كان أحد الزوجين غائبا، ولو شرطا الحكمان شيئا وجب أن يكون
سائغا وإلا نقض. ويشترط في الحكمين العقل والحرية والذكورة والعدالة، وإنما
يتحقق نشوز المرأة بالمنع من المساكنة فيما يليق بها والاستمتاع وتسقط نفقة الناشز،
فإن منعت غير الجماع من الاستمتاع احتمل سقوط بعض النفقة.
المقصد الرابع: في الولادة وإلحاق الأولاد وكلام في الحضانة:
وفيه فصول:
الأول: في الولادة:
ويجب عندها استبداد النساء أو الزوج بالمرأة فإن عدم النساء أو الزوج جاز
656

الرجال للضرورة وإن كانوا أجانب مع عدم الأقارب، والمحارم من الأقارب أو لي،
فإذا وضعت استحب غسل المولود والأذان في أذنه اليمنى والإقامة في اليسرى
وتحنيكه بماء الفرات وتربة الحسين ع، فإن تعذر ماء الفرات فماء عذب،
فإن تعذر مرس في ماء ملح عسل أو تمر وحنك به.
فإذا كان يوم السابع سماه وكناه مستحبا والأفضل أسماء ما اشتمل على
عبودية الله ثم اسم محمد ع والأئمة ع، ولا يجمع بين محمد
وأبي القاسم ولا يسميه حكما ولا حكيما ولا خالدا ولا مالكا ولا حارثا ولا
ضرارا، ثم يحلق رأسه ويتصدق بوزن شعره ذهبا أو فضة، وتكره القنازع ثم يعق
عنه فيه ويثقب أذنه مستحبا ويختنه، ويجوز تأخيره فإن بلغ ولم يختن وجب أن
يختن نفسه والختان واجب وخفض الجواري مستحب، فإن أسلم غير مختون وجب
أن يختن نفسه وإن طعن في السن ويستحب للمرأة.
ويستحب أن يعق عن الذكر بذكر وعن الأنثى بأنثى، وقيل العقيقة واجبة
ولا يكفي الصدقة بثمنها عنها ولا يسقط استحبابها بالتأخير لعذر وغيره، ويستحب
أن يجمع شروط الأضاحي وتخصص القابلة بالرجل والورك فإن لم يكن قابلة
أعطيت الأم تتصدق به، ولو كانت ذمية أعطيت ثمنه ولو كانت أم الأب أو من
هي في عياله لم يعط شيئا، ولو أهمل عقيقة ولده استحب للولد بعد بلوغه أن يعق
عن نفسه ويسقط استحبابها لو مات يوم السابع قبل الزوال لا بعده، ويستحب
طبخها ودعاء جماعة من المؤمنين الفقراء أقلهم عشرة وكلما كثر عددهم كان أفضل
ويجوز تفريق اللحم، ويكره للأبوين الأكل منها وكسر عظامها بل يفصل أعضاء.
الفصل الثاني: في إلحاق الأولاد بالآباء: ومطالبه ثلاثة:
الأول: في أولاد الزوجات:
أما الدائم فيلحق فيه الأولاد بالزوج بشروط ثلاثة: الدخول ومضي ستة
657

أشهر من حين الوطء وعدم تجاوز أقصى مدة الحمل وهو عشرة أشهر، وقيل: تسعة
وقيل: سنة، فلو لم يدخل أو ولدته حيا كاملا لأقل من ستة أشهر من حين الوطء أو
أكثر من أقصى الحمل باتفاقهما أو بغيبته لم يجز إلحاقه به وينتفي عنه بغير لعان،
ومع اجتماع الشرائط لا يجوز نفيه لتهمة فجورها ولا تيقنه فإن نفاه لم ينتف إلا
باللعان.
ولو وطئ زوجته ثم وطئها آخر بعده فجورا كان الولد لصاحب الفراش لا
ينتفي عنه إلا باللعان فإن الزاني لا ولد له سواء شابه الأب أو الزاني في الصفات،
ولو وطئها غيره للشبهة أقرع بينهما وألحق بمن تقع عليه، ولو اختلف الزوج والزوجة
في الدخول أو في ولادته فالقول قول الزوج مع اليمين، ولو اعتدت من الطلاق ثم
أتت بولد ما بين الفراق إلى أقصى مدة الحمل ألحق به إن لم توطأ بعقد أو شبهة، فإن
تزوجت بعد العدة فإن أتت به لستة أشهر من وطء الثاني فهو له وإن كان لعشرة
من وطء الأول ويحتمل القرعة، ولو كان لأقل من ستة أشهر فهو للأول إن لم
يتجاوز الفراق أقصى الحمل فينتفي عنهما وكذا الأمة إذا وطئها المشتري.
ولو أحبل من زنا ثم تزوجها لم يجز إلحاق الولد به وكذا لو زنا بأمة فحملت
ثم اشتراها، ولو اتفقا على الدخول والولادة لأقل مدة الحمل لزم الأب الاعتراف
به، فإن نفاه لم ينتف إلا باللعان وكذا لو اختلفا في المدة، وكل من أقر بولد لم
يقبل نفيه عنه، ولا يجوز له نفي الولد لمكان العزل فإن نفاه لم ينتف إلا باللعان،
وأما المؤجل فإن اجتمعت الشرائط الثلاثة لم يحل له نفيه عنه لكن لو نفاه انتفى من
غير لعان على رأي.
المطلب الثاني: في ولد المملوكة:
إذا وطئ مملوكته فجاءت بولد لستة أشهر فصاعدا وجب عليه الاعتراف به،
فإن نفاه انتفى من غير لعان فإن اعترف به بعد ذلك ألحق به، فإن اعترف به أولا
658

ثم نفاه لم يصح نفيه وألحق به، ولو وطئها المولى والأجنبي فجورا فالولد للمولى، فلو
وطئها المشتركون فيها في طهر واحد وولدت فتداعوه أقرع بينهم فمن خرج اسمه ألحق
به وأغرم حصص الباقين من قيمة أمه وقيمته يوم سقط حيا، ولو ادعاه واحد
ألحق به وأغرم حصص الباقين من القيمتين، ولا يجوز نفي الولد لموضع العزل فإن
نفاه انتفى من غير لعان.
ولو انتقلت إلى موال ووطئها كل واحد بعد انتقالها إليه من غير استبراء فالولد
للأخير إن وضعته لستة أشهر من وطئه وإلا فللذي قبله إن كان لوطئه ستة أشهر
وإلا فللسابق عليه وهكذا، ولو وطئها آخر فجورا بعد وطء المولى فالولد للمولى،
وإن حصلت إمارة أنه ليس منه لم يجز إلحاقه به ولا نفيه عنه وينبغي أن يوصي له
بشئ، ولا يورثه ميراث الأولاد وفيه إشكال وكذا في تملكه أو تملك الوارث
له، ولو اشترى حبلى فوطئها قبل مضى أربعة أشهر وعشرة أيام كره له بيع الولد
وينبغي أن يعزل له قسطا من ماله ويعتقه إلا أن يكون قد عزل عنها أو وطئها بعد
المدة.
المطلب الثالث: في أولاد الشبهة:
ووطء الشبهة كالصحيح في إلحاق النسب، فلو ظن أجنبية زوجته أو جاريته
فوطئها فالولد له فإن كانت أمة غيره غرم قيمة الولد يوم سقط حيا، ولو تزوج امرأة
ظنها خالية فظنت موت زوجها أو طلاقه ثم بان الخلاف ردت على الأول بعد العدة
من الثاني، والأولاد للثاني إن اجتمعت الشرائط سواء استندت إلى حكم الحاكم أو
شهادة شهود أو إخبار مخبر، ولا نفقة لها على الزوج الأخير في عدته لأنها لغيره بل
على الأول لأنها زوجته.
659

الفصل الثالث: في الرضاع:
أفضل ما يرضع به الولد لبان أمه وتجبر على إرضاع اللبأ لأن الولد لا يعيش
بدونه ولها الأجر عنه، ثم أم الولد إن كانت مملوكة لأبية كان له إجبارها على
إرضاعه، وإن كانت حرة أو مملوكة لغيره لم تجبر مسلمة كانت أو ذمية ومعتادة
كانت لإرضاع ولدها أو لا، وللأم المطالبة بأجرة رضاعه فإن لم يكن للولد مال
وجب على الأب بذل الأجر منه وله استئجارها سواء كانت في حباله أو لا، ولها
أن ترضعه بنفسها وبغيرها، ولو كان للولد مال كان لها الأجر ومنه وهي أحق من
غيرها إذا طلبت ما يطلبه الغير، فإن طلبت زيادة كان للأب نزعه وتسليمه إلى
غيرها سواء كان ما طلبته الأم أجرة المثل أو أقل أو أزيد، بل لو تبرعت الأجنبية
بإرضاعه فإن رضيت الأم بالتبرع فهي أحق وإلا فلا وفي سقوط الحضانة إشكال،
ولو ادعى وجود متبرعة وأنكرت صدق مع اليمين لأنه يدفع وجوب الأجرة عنه.
ونهاية الرضاع حولان ولا يجوز نقصه عن أحد وعشرين شهرا ويجوز إليها،
والزيادة على الحولين بشهر واثنين لكن لا يجب على الأب أجرة الزائد عن حولين.
الفصل الرابع: في الحضانة:
وهي ولاية وسلطنة على تربية الطفل، فإذا افترق الزوجان فإن كان الولد
بالغا رشيدا تخير في الانضمام إلى من شاء منهما ومن غيرهما والتفرد ذكرا كان أو
أنثى، وإن كان صغيرا كانت الأم الحرة المسلمة العاقلة أحق به مدة الرضاع،
وهي حولان كاملان إن كان ذكرا ويصير الأب بعد ذلك أحق بأخذه، وإن
كانت أنثى أو خنثى على الأقرب فالأم أحق بها إلى سبع سنين من حين الولادة
وقيل: إلى تسع وقيل: ما لم تتزوج، ثم يصير الأب أو لي، هذا إذا لم تتزوج الأم فإن
تزوجت سقطت حضانتها عن الذكر والأنثى ويصير الأب أو لي، فإن طلقت عادت
ولايتها إن كانت بائنا وإلا بعد العدة، فإن مات فالأم أحق بالذكر والأنثى من
660

كل واحد وصيا كان أو غيره إلى أن يبلغا، وكذا الأم الحرة أو لي من الأب
المملوك أو الكافر وإن تزوجت إلى أن يبلغا، فإن عتق الأب أو أسلم فكالحر
المسلم.
ولو فقد الأبوان فالجد للأب أو لي فإن فقد فللأقارب على مراتب الإرث،
والأخت من الأبوين أو من الأب أو لي من الأخت من الأم إما لزيادة القرب أو
لكثرة النصيب، وكذا أم الأب أو لي من أم الأم والجدة أو لي من الأخوات لأنها
أم وتتساوى العمة والخالة على إشكال، ولو تعدد المتساوون أقرع، ولو كانت الأم
كافرة أو مملوكة فالأقرب المسلم أو الحر أولى، ولا حضانة للمجنونة والأقرب عدم
اشتراط عدالتها، ومهما امتنع الأولى أو غاب انتقل حق الحضانة إلى البعيد، فإن عاد
رجع حقه ويثبت الحضانة على المجنون لأنه كالطفل.
المقصد الخامس: في النفقات:
وأسبابها ثلاثة: النكاح والقرابة والملك، فهنا فصول:
الأول: في النكاح: وفيه مطالب:
الأول: في الشرط:
إنما تجب النفقة بالعقد الدائم مع التمكين التام ولا تجب بالمتعة ولا لغير
الممكنة من نفسها كل وقت في أي موضع أراد، فلو مكنت قبلا ومنعت غيره
سقطت نفقتها، وكذا لو مكنته ليلا أو نهارا أو في مكان دون آخر مما يجوز فيه
الاستمتاع. وهل تجب النفقة بالعقد بشرط عدم النشوز أو بالتمكين؟ فيه إشكال.
فلو تنازعا في النشوز فعليه بينة النشوز على الأول وعلى الثاني عليها إقامة البينة
بالتمكين، ولو لم يدخل ومضت مدة استحقت النفقة فيها على الأول ولو كانت
ساكتة، إذ لا نشوز دون الثاني إذ لا تمكين ولا وثوق بحصوله لو طلبه، ولو كان
غائبا فإن كانت مكنت استحقت النفقة وإن غاب قبل الدخول أو قبل التمكين
661

فحضرت عند الحاكم فبذلت التمكين وجعلناه شرطا أو سببا لم يجب النفقة إلا بعد
إعلامه ووصوله أو وكيله، ولو أعلم فلم يبادر ولم ينفذ وكيلا سقط عنه قدر وصوله
وألزم بما زاد، ولو نشزت وعادت إلى الطاعة لم تجب النفقة حتى يعلم وينقضي
زمان تمكنه الوصول إليها أو وكيله، ولو ارتدت سقطت النفقة، فإن غاب وأسلمت
عادت نفقتها عند إسلامها لوجود التمكن هنا بخلاف الأول.
ويستحق النفقة المسلمة والكتابية والأمة إذا أرسلها مولاها ليلا ونهارا، ولو
كانت صغيرة يحرم وطؤها لم تجب النفقة وإن كان الزوج صغيرا، فإن الاستمتاع
بالصغيرة نادر لا عبرة به، ولو كانت كبيرة والزوج صغيرا قيل لا نفقة والوجه
ثبوتها لتحقق التمكين من طرفها، ولو كانت مريضة أو رتقاء أو قرناء أو كان عظيم
الذكر وهي ضعيفة عنه أو كانت ضئيلة وهو عبل يضر وطؤه بها وصدقها فإنه يمنع
من الوطء وتجب النفقة لظهور العذر ورضاؤه بها، ولو ادعت قرحة في فرجها
افتقرت إلى شهادة أربع من النساء، ولو ادعت كبر آلته وضعفها أمر النساء بالنظر
إليهما وقت الاجتماع ليقفن عليه للحاجة.
المطلب الثاني: في قدر النفقة:
ويجب في النفقة أمور ثمانية:
الأول: الطعام ويجب سد الخلة ولا يتقدر بقدر، وقيل مد للرفيعة والوضيعة
من الموسر والمعسر، وجنسه غالب قوت البلد كالبر في العراق وخراسان والأرز في
طبرستان والتمر في الحجاز والذرة في اليمن، فإن لم يكن فما يليق بالزوج.
الثاني: الأدم ويجب فيه غالب أدم البلد جنسا وقدرا كالزيت والسمن
والشيرج والخل وعليه في الأسبوع اللحم، ولو كانت عادتها دوام اللحم وجب
ولو تبرمت بجنس من الأدم فعليه السعي في الإبدال، ولها أن تأخذ الأدم والطعام
وإن لم تأكل.
662

الثالث: نفقة الخادمة إن كانت من أهل الإخدام وإلا خدمت نفسها،
ونفقة الخادمة بما جرت عادة الخدم في البلد جنسا وكفايتها قدرا، ولو كانت
الزوجة أمة وتستحق الإخدام لجمالها استحقته.
الرابع: الكسوة لها ولخادمتها وتجب في كسوتها أربع قطع قميص وسراويل
ومقنعة ونعل أو شمشك ولا يجب السروال في الخادمة ويزيد في الشتاء الجبة،
ويرجع في جنسه إلى عادة أمثال المرأة فإن كان أمثالها تعتاد القطن أو الكتان
وجب وإن كانت العادة لأمثالها الإبريسم دائما أو في وقت وجب، وإذا كانت
من ذوي التجمل وجب لها زيادة على ثياب البذلة ثياب التجمل بنسبة حال
أمثالها.
الخامس: الفراش ويجب لها حصير في الصيف والشتاء، فإن كانت متجملة
بالزلية والبساط وجب لها ذلك ليلا ونهارا، ويجب لها ملحفة ولحاف في الشتاء
ومضربة ومخدة ويرجع في جنس ذلك إلى عادة أمثالها في البلد.
السادس: آلة الطبخ والشرب مثل كوز وجرة وقدر ومغرفة إما من خشب أو
حجر أو خزف أو صفر بحسب عادة أمثالها.
السابع: آلة التنظيف وهي المشط والدهن ولا يجب الكحل والطيب ويجب
المزيل للصنان، وله منعها من الثوم والبصل وكل ذي رائحة كريهة ومن تناول
السم والأطعمة الممرضة، ولا تستحق عليه الدواء للمرض ولا أجرة الحجامة ولا
أجرة الحمام إلا مع البرد ولا تستحق الخادمة آلة التنظيف ويجب ما يزيل الوسخ
كالصابون.
الثامن: السكنى وعليه أن يسكنها دارا يليق بها إما بعارية أو إجارة أو ملك.
المطلب الثالث: في كيفية الانفاق:
أما الطعام فيجب فيه تمليك الحب ومؤنة الطحن والخبز ولا يجب الدقيق
663

ولا الخبز ولا القيمة، فإن عدل أحدهما إلى شئ من ذلك برضا صاحبه جاز
وإلا فلا، وأما الأدم فإن افتقر إلى إصلاح كاللحم وجب ولها أن تتصرف بأن
تزيد في الأدم من ثمن الطعام وبالعكس، وتملك نفقة كل يوم في صبيحته وليس
عليها الصبر إلى الليل، فإن ماتت في أثناء النهار لم تسترد وكذا لو طلقها ولو
نشزت استرد على إشكال، وليس له أن يكلفها بالمواكلة معه، ولو منعها النفقة مع
التمكين استقرت وإن لم يحكم بها حاكم أو لم يقدرها.
وأما الإخدام وإن كانت من أهله تخير بين أن يخدمها بنفسه أو بحرة
يستأجرها أو مملوكة لغيره بالاستئجار أو العارية أو ليشتري خادما يخدمها أو ينفق
على خادمها إن كان لها خادم ولا خيار لها، ولا يجب أكثر من خادم واحد وإن
كانت في بيت أبيها بخادمين وأكثر للاكتفاء بالواحد والزائد لحفظ المال، ولا
يجب عليه حفظ ما لها ولا القيام فيه، ولو اختارت خادما واختار زوجها غيره أو
اختار الزوج الخدمة بنفسه وطلبت غيره قدم اختياره، ومن لا عادة لها بالإخدام
يخدمها مع المرض للحاجة، وله إبدال خادمتها المألوفة لريبته وغيرها وأن يخدم
بنفسه بعد المدة أو بعد الحوائج ويستأجر للباقي، وله اخراج سائر خدمها سوى
الواحدة إذ ليس عليه سكناهن بل له منع أبويها وأقاربها من الدخول إليها ومنعها
من الخروج للزيارة، ولو قالت: أنا أخدم نفسي ولي نفقة الخادم، لم يجب إجابتها،
ولو تبرعت بالخدمة لم يكن لها المطالبة بالأجرة ولا نفقة الخادم.
وأما الكسوة والفراش وآلة الطبخ والتنظيف فإن الواجب دفع الأعيان، ولو
تراضيا بالقيمة جاز. وهل الواجب في الكسوة الإمتاع أو التمليك؟ إشكال أقربه
الثاني، فلو سلم إليها الكسوة لمدة جرت العادة ببقائها إليها فتلفت في الأثناء لم يجب
البدل، وإن قلنا أنه إمتاع وجب، وكذا لو أتلفتها لكن يجب عليها القيمة إن قلنا
أنه إمتاع، ولو انقضت المدة والكسوة باقية استقر ملكها وكان لها المطالبة بغيرها
لما يستقبل ولو قلنا بالامتناع لم يجب، وكذا لو لبست غيرها في المدة كان لها
664

المطالبة بغيرها، ولو طلقها قبل انقضاء المدة المضروبة للكسوة كان له استعادتها لا
بعدها، ولو انقضت نصف المدة سواء لبستها أو لا ثم طلقها احتمل على التمليك
التشريك واختصاصها، وكذا لو ماتت.
ولو دفع إليها طعاما لمدة فأكلت من غيره وانقضت المدة ممكنة ملكته وكذا
لو استفضلت، فإن طلقها في الأثناء استعاد نفقة الباقي إلا يوم الطلاق، ولو نشزت
أو ماتت أو مات هو استرد الباقي ولها بيع ما يدفعه من الطعام والأدم وأما الكسوة
فإن قلنا بالتمليك فكذلك وإلا فلا، ولو استأجر لها ثيابا لتلبسها فإن أوجبنا
التمليك فلها الامتناع وإلا فلا، ولو دخل واستمرت تأكل معه على العادة لم يكن
لها مطالبته بمدة مواكلته والقول قولها مع اليمين في عدم الانفاق أو عدم المواكلة،
وإن كانت في منزله على إشكال وكذا الإشكال في الفراش، أما آلة الطبخ
والتنظيف فالواجب الإمتاع وأما الإسكان فلا يجب فيه التمليك بل الإمتاع
ويجب بحسب مالها، ولو كان من أهل البادية. كفاه بيت شعر يناسب حالها، ولها
المطالبة بمسكن لا يشاركها غير الزوج في سكناه، ولو سكنت في منزلها ففي وجوب
الأجرة نظر.
المطلب الرابع: في مسقطات النفقة:
وهي أربعة:
الأول: النشوز: فإذا نشزت الزوجة سقطت نفقتها وكسوتها ومسكنها إلى أن تعود
إلى التمكين، ويندرج تحت النشوز المنع من الوطء والاستمتاع في قبل أو دبر في أي
وقت كان وفي أي مكان كان إذا لم يكن هناك عذر عقلي كالمرض وشرعي
كالحيض، والخروج بغير إذنه في غير الواجب والامتناع من الزفان بغير عذر، ولو
سافرت لطاعة مندوبة أو في تجارة فإن كان معها وجب النفقة، وإن لم يكن فإن
كان بغير إذنه فلا نفقة وإن كان باذنه فالأقرب النفقة، أما لو سافرت في حاجة له
665

باذنه فإن النفقة تجب قطعا وكذا الاعتكاف، ولو أرسل المولى أمته بعض الزمان
كالليل دون الباقي احتمل سقوط الجميع وما قابل زمان المنع، وكذا لو نشزت
الحرة بعض اليوم.
الثاني: العبادات: فلو صامت فرضا لم يسقط النفقة وإن منعها إن كان
رمضان أو قضاؤه وتضيق بشعبان، أما لو كان غير مضيق كالنذر المطلق والكفارة
فالأقرب أن له منعها إلى أن يتضيق عليها، ولو نذرت قبل حباله أو بعده باذنه زمانا
معينا فكرمضان، وإن كان بغير إذنه أو كان مطلقا كان له المنع، فإن طلقها قبل
حضور المعين فالأقوى الوجوب وإن عادت إليه بعقد جديد، ولو كان بعده ومنعها
لم يجب القضاء، ولو كان الصوم ندبا كان له منعها، وكل موضع قلنا أن له المنع
لو صامت فالأقرب سقوط النفقة إن منعته الوطء وإلا فلا، وليس له منعها من
الصلاة الواجبة في أول الوقت ولا الحج الواجب في عامها.
الثالث: الصغر: فلو تزوج صغيرة لم تجب النفقة إن شرطنا التمكين، ولو دخل
لأنه غير مشروع نعم لو أفضاها وجبت النفقة من حين الإفضاء إلى أن يموت
أحدهما، والمريضة معذورة إذا كان الوطء يضرها في الحال أو فيما بعد، ولا يؤتمن
الرجل في قوله لا أطؤها ولو أنكر التضرر بالوطئ رجع إلى أهل الخبرة من النساء أو
الرجال.
الرابع: الاعتداد: وتجب النفقة للمطلقة رجعيا إلا إذا حبلت من الشبهة
وتأخرت عدة الزوج، وقلنا: لا رجعة له في الحال فلا يجب النفقة، على إشكال،
ولو قلنا: له الرجعة، فلها النفقة. أما البائنة فلا نفقة لها ولا سكنى إلا مع الحمل
والفسخ كالطلاق إن حصل بردته، وإن استند إلى اختيارها أو إلى عيبها قبل
الدخول سقط جميع المهر إلا في العنة والنفقة، وبعده لا يسقط المهر بل النفقة إن
كانت حائلا أو حاملا على إشكال إلا إذا قلنا النفقة للحمل.
وفراق اللعان كالبائن ولو أنفقت على الولد المنفى باللعان ثم كذب نفسه
666

ففي رجوعها بالنفقة إشكال، والمعتدة عن شبهة إن كانت في نكاح فلا نفقة لها على
الزوج على إشكال، وإن كانت خلية عن النكاح فلا نفقة لها على الواطئ إلا مع
الحمل فيثبت النفقة إن قلنا أنها للحمل، ويجب تعجيل النفقة قبل الوضع بظن
الحمل فإن ظهر فساده استرد، ولو أخر الدفع ومضى زمان علم فيه الحمل وجب
القضاء إلا إذا قلنا أنه للحمل فإنه يسقط بمضي الزمان، وفي المتوفى عنها زوجها مع
الحمل روايتان الأشهر أنه لا نفقة لها، والأخرى ينفق من نصيب ولدها، ولا يجب
على الزوج الرقيق إذا تزوج حرة أو أمة وشرط مولاه الانفراد برق الولد ولا على
الحر في المولود الرقيق، وإن قلنا للحامل وجب عليهما.
المطلب الخامس: في الاختلاف:
لو ادعى الانفاق وأنكرته، فإن كان غائبا فعليه البينة فإن فقدت حلفت
وحكم لها، وإن كان حاضرا معها فكذلك على إشكال، ولو كانت الزوجة أمة
واختلفا في النفقة الماضية فالغريم السيد، إن صدق الزوج سقطت وإلا حلف
وطالب، أما الحاضرة فالحق لها لأنها حق يتعلق بالنكاح فيرجع إليها كالإيلاء
والعنة، ولو ادعت أنه أنفق نفقة المعسر فكذبها فالقول قولها كما في الأصل، ولو
صدقها وأنكر اليسار فالقول قوله إن لم يثبت له أصل مال ولو ادعت الإذن في
السفر فأنكره قدم قوله مع اليمين، وكذا لو ادعى الإعسار عن أصل النفقة.
ولو دفع الوثني نفقة لمدة ثم أسلم وخرجت المدة استرجع من حين الاسلام،
فلو أسلمت فيها استرجع ما بين الإسلامين، فإن ادعت الدفع هبة قدم قوله مع اليمين
وكذا لو أنكر التمكين، أما لو ادعى النشوز قدم قولها مع اليمين، ولو ثبت فادعت
العود إلى الطاعة قدم قوله مع اليمين، ولو ادعت أنها من أهل الإخدام أو الاحتشام
لم يقبل إلا بالبينة.
ولو ادعت البائن أنها حامل دفع إليها نفقة كل يوم في أوله، فإن ظهر الحمل
667

وإلا استعيدت وفي إلزامها بكفيل إشكال، ولو قذف الحامل بالزنى واعترف
بالولد فعليه النفقة وإن لاعنها إن جعلنا النفقة للحمل، ولو كان بنفي الولد فلا
نفقة إلا أن يعترف به بعد اللعان، ولو طلق الحامل رجعيا فادعت أن الطلاق بعد
الوضع وأنكر فالقول قولها مع اليمين ويحكم عليه بالبينونة ولها النفقة.
المطلب السادس: في الإعسار:
لو عجز عن القوت بالفقر ففي تسلط المرأة على الفسخ روايتان الأشهر العدم،
ولو تعذر بالمنع مع الغنى فلا فسخ والقادر بالكسب كالقادر بالمال، ولو قلنا
بالفسخ مع العجز فهل يفسخ بالعجز عن الأدم أو الكسوة أو المسكن أو نفقة الخادم
إشكال، ولا فسخ بالعجز عن المهر ولا عن النفقة الماضية فإنها دين مستقر وإن لم
يقدرها ويفرضها القاضي، وهذا الفسخ إن قلنا به كفسخ العيب، وإذا فسخت
بعد علم العجز انفسخ ظاهرا وباطنا، فإن أنكر الإعسار افتقرت إلى البينة به أو
بإقرار الزوج به، ولا فسخ إلا بعد انقضاء اليوم، ولو رضيت بالإعسار قيل: لها
الفسخ بعد ذلك كالمولى منها أو لا كالعيب إشكال، وحق الفسخ للزوجة دون
الولي وإن كانت صغيرة أو مجنونة.
والأمة المجنونة لا خيار لها ولا لسيدها وينفق المولى عليها والنفقة في ذمة
الزوج إن سلمها إليه كل وقت، فإذا أيسر وعقلت وطالبته وقبضتها كان للمولى
أخذها وإن لم تطالبه كان للمولى مطالبته، ولو كانت عاقلة كان لها الفسخ فإن لم
تختر الفسخ قال لها السيد: إن أردت النفقة فافسخي النكاح وإلا فلا نفقة لك،
بخلاف المجنونة لأنها لا تملك المطالبة بالفسخ، وهذا كله إنما يتأتى لو قلنا بالخيار
مع الإعسار، ولو صبرت المرأة على الإعسار لم تسقط نفقتها بل تبقى دينا عليه.
والعبد إذا طلق رجعيا فالنفقة لازمة إما في كسبه أو على مولاه أو في رقبته كما
لو لم يطلق ولا نفقة في البائن إلا مع الحمل إن قلنا إن النفقة للحامل، وإن قلنا
668

للحمل فلا نفقة لأن نفقة الأقارب لا تجب على العبد، ولو انعتق نصفه فالنفقة في
كسبه إن قلنا بالكسب في العبد والفاضل يقسم بينه وبين مولاه، ولو ملك بنصفه
الحر مالا وجب عليه نصف نفقة الموسر، وبنصفه المملوك نصف نفقة المعسر وكذا
يجب عليه نصف نفقة أقاربه، ولو كان مكاتبا مشروطا لم تجب نفقة ولده من
زوجته عليه بل على أمه ويلزمه نفقة ولده من أمته، وكذا المطلق إذا لم يتحرر منه
شئ ولو تحرر بعضه كانت نفقته في ماله بقدر ما تحرر منه على ولده من زوجته،
ولو كانت زوجة المشروط أمة أو مكاتبة فالنفقة تابعة للملك. ولو دافع الملي بالنفقة أجبره الحاكم، فإن امتنع حبسه ولو ظهر له على مال
باعه فيها، ولو غاب ولا مال له حاضر بعث الحاكم من يطالبه فإن تعذر لم يفسخ
الزوجة إن قلنا بالفسخ مع الإعسار، ولو كان له على زوجته دين جاز أن يقاصها
يوما فيوما إن كانت موسرة، ولا يجوز مع إعسارها لأن قضاء الدين فيما يفضل عن
القوت، فإن رضيت جاز ونفقة الزوجة مقدمة على نفقة الأقارب، فإن كان معسرا
فالفاضل عن قوته يصرف في نفقة زوجته، فإن فضل شئ عن واجب النفقة لها
صرف إلى الأقارب.
الفصل الثاني: في نفقة الأقارب: وفيه مطلبان:
الأول: من تجب النفقة عليه:
إنما تجب النفقة على الأبوين وإن علوا والأولاد وإن نزلوا سواء كانوا ذكورا
أو إناثا وسواء كان الجد للأب أو للأم وسواء كان الولد لابن المنفق أو لبنته، ولا
تجب على غيرهم ممن هو على حاشية النسب وليسوا على قطبه كالإخوة والأخوات
والأعمام والعمات والأخوال والخالات وأولادهم علوا أو نزلوا، وإن كانوا ورثه
على رأي، نعم يستحب ويتأكد على الوارث فيجب على الوالد نفقة ولده ذكرا كان
أو أنثى وأولاد ابنه وأولاد بنته وإن نزلوا، وعلى الولد نفقة أبويه وأجداده لأب أو
669

لأم وإن علوا، وعلى المرأة نفقة أولادها الذكور والإناث وإن نزلوا ويستوي أولاد
البنين والبنات، ولا تجب على الولد نفقة زوجة أبيه ولا ولده الصغير، ولو أنفقت
الأم لإعسار الأب ثم أيسر لم يكن لها الرجوع.
ويشترط في المنفق اليسار وهو من فضل عن قوته شئ ويباع عبده وعقاره
فيه ويلزمه التكسب لنفقة نفسه وزوجته، وهل يجب لنفقة الأقارب؟ إشكال، وفي
المنفق عليه الحاجة وهو الذي لا شئ له، والأقرب اشتراط عدم القدرة على
التكسب، ولا يشترط نقصان الخلقة ولا الحكم بل يجب النفقة على الصحيح
الكامل في الأحكام العاجز عن التكسب، ولا يشترط الموافقة في الدين بل تجب
نفقة المسلم على الكافر وبالعكس، ويسقط نفقة المملوك عن قريبه بل تجب على مولاه، وكذا لا يجب على المملوك نفقة قريبه ولا على
مولاه.
ولا يجب إعفاف من تجب النفقة عليه وإن كان أبا ولا نفقة على زوجته
ولا النفقة على أولاد أبيه فإنهم إخوة، وتجب على أولاد ولده ولا قدر لها بل
الواجب قدر الكفاية من الطعام والكسوة والمسكن وما يحتاج إليه من زيادة
الكسوة في الشتاء للتدثر يقظة ونوما، ولا يجب نفقة الخادم إلا مع الزمانة ولا
تقضى هذه النفقة وإن قدرها الحاكم ولا تستقر في الذمة.
أما لو أمره الحاكم بالاستدانة عليه لغيبته أو لمدافعته فاستدان وجب القضاء،
ولو دافع بالنفقة فاستدان من غير إذن الحاكم لم يرجع عليه وكذا لو استغنى عن
نفقة اليوم بأن أضافه انسان سقطت، ولو أعطاه النفقة فهلكت في يده لم يستحق
ثانيا، وإذا دافع بالنفقة أجبره الحاكم عليها فإن امتنع حبسه، ولو كان له مال
ظاهر جاز أن يأخذ منه قدر النفقة وأن يبيع عقاره ومتاعه، ولو كان للولد الصغير
أو المجنون مال لم يجب على الأب نفقته بل ينفق عليه من ماله، وكذا لو صار قادرا
على التكسب أمره الولي وسقطت عن الأب نفقته سواء الذكر والأنثى، ويجب
على القادر على التكسب النفقة كما يجب على الغني على إشكال.
670

وابن أو أم وابن أو أبوان وابن أو ولدان أو أبوان وولدان، ولو لم ينتفع به أحدهم
مع التشريك لكثرتهم فالوجه القرعة، فإن فضل من الغذاء شئ احتمل القرعة بين
الجميع وبين من عدا الأول، ولو تعددت الزوجات قدمت نفقاتهن على الأقارب،
فإن فضل عنهن شئ صرف إليهم، ولو كان أحد الأقارب أشد حاجة كالصغير مع
الأب احتمل تقديم الصغير ويقدم الأقرب على الأبعد، فلو كان له أب وجد
معسران قدم الأب ثم الجد ثم أب الجد ثم جد الجد ويتساوى الأجداد من الأب
مع الأجداد من الأم وولد الولد وإن نزل مع الجد وإن علاء يتشاركون، والذكور
والإناث في الأولاد متشاركان بالسوية كما في الأبوين والأجداد.
الفصل الثالث: في نفقة المماليك: وفيه مطلبان:
الأول: في نفقة الرقيق:
تجب النفقة على ما يملكه الانسان من رقيق صغيرا أو كبيرا منتفع به وغيره
بقدر الكفاية سواء كان الرقيق ذكرا أو أنثى قنا أو مدبرا أو أم ولد في المأكول
والملبوس والمسكن، ويرجع في جنس ذلك إلى عادة مماليك أمثال: السيد من أهل
بلده، ويتخير في الانفاق عليه من ماله أو في كسبه ذكرا كان أو أنثى، فإن امتنع
أجبره الحاكم على الانفاق أو البيع، فإن لم يكن له مال وكان ذا كسب أجبره على
التكسب والإنفاق منه أو على البيع، فإن لم يرغب فيه راغب أجبره على الانفاق
ولا تقدير للنفقة بل قدر الكفاية من طعام وإدام وكسوة ومسكن، ولو جعل
النفقة في كسبه ولم يكفه أجبر على الإتمام.
ولو ضرب عليه ضريبة يؤديها والفاضل له ورضي المملوك جاز، فإن كان
الفاضل قدر كفايته صرفه في النفقة وإلا أكمله، ولا يجوز أن يضرب عليه ما يعجز
عنه، ولا ما لا يفضل معه قدر كفايته إلا أن يقوم بمؤنته، ولو عجز عن الانفاق على
أم الولد أمرت بالتكسب فإن عجزت أنفق عليها من بيت المال ولا يجب عتقها، ولو
671

المطلب الثاني: في ترتيب الأقارب في النفقة: وفيه بحثان:
الأول: في ترتيب المنفقين:
إن كان للمحتاج أب وأم موسران وجبت نفقته على الأب، ولو فقد الأب
فعلى الجد للأب فإن فقدا أو كان فقيرا فعلى أب الجد وهكذا، فإن فقد الأجداد أو
كانوا معسرين فعلى الأم، ولو لم تكن أو كانت فقيرة فعلى أبيها وأمها وإن علوا
الأقرب فالأقرب، فإن تساووا اشتركوا في الانفاق فعلى أبوي الأم النفقة بالسوية،
ولو كان معهما أم أب شاركتهما أما لو كان أب الأب معهم فإن النفقة عليه وإن
علا.
ولو كان له أب وابن موسران كانت نفقته عليهما بالسوية ولو لم يكن أب
كانت نفقته على ولده، ولو كان له ابن وأم فالنفقة على الابن، ولو كان له أب
وجد موسران كانت نفقته على أبيه دون جده، ولو كان له أم وجدة من قبل الأب
أو الأم فالنفقة على الأم دون الجدة، ولو كان له جد الأب فالنفقة عليه دون الأم،
ولو كان له أولاد موسرون تشاركوا في الانفاق إن كانوا ذكورا أو إناثا، ولو كانوا
ذكورا وإناثا احتمل التشريك إما بالسوية أو على نسبة الميراث واختصاص
الذكور، ولو كان له ابن موسر وآخر مكتسب فهما سواء على إشكال، ولو كان
بعضهم غائبا أمر الحاكم بالأخذ من ماله أو بالقرض عليه بقدر نصيبه، ولو كان له
بنت وابن ابن فالنفقة على البنت، ولو كان له أم وبنت احتمل التشريك
واختصاص البنت بالنفقة.
البحث الثاني: في ترتيب المنفق عليهم:
ويبدأ المنفق بنفسه فإن فضل شئ صرفه في نفقة زوجته، فإن فضل فللأبوين
والأولاد فإن فضل فللأجداد وأولاد الأولاد وهكذا إذا فضل عن الأدنى ارتقى إلى
الأبعد، ولو كان له أبوان ومعه ما يكفي أحدهما تشاركا فيه، وكذا لو كان أب
672

كانت الكفاية بالتزويج وجب ولو تعذر الجميع ففي البيع إشكال.
ولو ملك المكاتب عبدا أو أمة وجب عليه النفقة عليهما وكذا لو اتهب أو
أوصي له بأبيه أو ابنه، وللسيد الاستخدام فيما يقدر عليه المملوك و المداومة عليه،
وأما الأفعال الشاقة الشديدة فله الأمر بها في بعض الأوقات ولا يكلفه الخدمة ليلا
ونهارا، وليس له أن يضرب مخارجة على مملوكه إلا برضاه.
المطلب الثاني: في نفقة الدواب:
تجب النفقة على البهائم المملوكة سواء أكل لحمها أو لا وسواء ينتفع بها أو لا
بقدر ما يحتاج إليه، فإن اجتزأت بالرعي كفاه وإلا علفها، ولو امتنع من الانفاق
فإن كانت مما يقع عليه الذكاة أجبر على علفها أو بيعها أو تذكيتها فإن لم يفعل باع
الحاكم عليه عقاره فيه، فإن لم يكن له ملك أو كان بيع الدابة أنفع بيعت عليه،
ولو لم تقع عليها الذكاة أجبر على الانفاق أو البيع. وهل يجبر على الانفاق في غير
المأكولة اللحم مما يقع عليه الذكاة للجلد أو عليه أو على التذكية؟ الأقرب الثاني.
وكل حيوان ذي روح كالبهائم فيجب عليه القيام في النحل ودود القز، ولو لم
يجد ما ينفق على مملوكه أو على الحيوان ووجد مع غيره وجب الشراء منه، فإن امتنع
الغير من البيع كان له قهره وأخذه إذا لم يجد غيره كما يجبر على الطعام لنفسه، ولو
كان للبهيمة ولد وفر عليه من لبنها ما يكفيه فإن اجتزأ بغيره من علف أو رعي جاز
أخذ اللبن، ولو كان أخذ اللبن يضر بالدابة بأن تكون السنة مجدبة لا يجد لها علفا
يكفيها لم يجز له أخذه، ولو ملك أرضا لم يكره له ترك زراعتها، ولو ملك زرعا أو
شجرا يحتاج إلى السقي كره له تركه لأنه تضييع ولا يجبر على سقيه لأنه من تنمية
المال، ولا يجب على الانسان تملك المال ولا يجب تنميته.
673

اللمعة الدمشقية
للشيخ أبي عبد الله شمس الدين محمد بن الشيخ جمال الدين مكي بن الشيخ شمس الدين
محمد بن حامد بن أحمد المطلبي العاملي الثباطي الجزيني المشتهر بالشهيد الأول
734 - 786 ه‍ ق
675

كتاب النكاح
وفيه فصول:
الأول: في المقدمات:
النكاح مستحب مؤكد وفضله مشهور محقق حتى أن المتزوج يحرز نصف دينه،
وروي: ثلثا دينه. وهي من أعظم الفوائد بعد الاسلام، وليختر البكر العفيفة الولود
الكريمة الأصل، ولا يقتصر على الجمال أو الثروة، ويستحب صلاة ركعتين والاستخارة
والدعاء بعدهما بالخيرة وركعتي الحاجة والدعاء والإشهاد والإعلان والخطبة أمام العقد
وإيقاعه ليلا.
وليجتنب إيقاعه والقمر في العقرب، فإذا أراد الدخول صلى ركعتين ودعا والمرأة
كذلك، وليكن ليلا، ويضع يده على ناصيتها، ويسمي عند الجماع دائما، ويسأل الله
الولد الذكر السوي الصالح، وليولم يوما أو يومين ويدعو المؤمنين وتستحب الإجابة،
ويجوز أكل نثار العرس وأخذه بشاهد الحال.
ويكره الجماع عند الزوال والغروب حتى يذهب الشفق، وعاريا وعقيب الاحتلام
قبل الغسل أو الوضوء، والجماع عند ناظر إليه، والنظر إلى الفرج حال الجماع وغيره،
والجماع مستقبل القبلة ومستدبرها، والكلام عند التقاء الختانين إلا بذكر الله تعالى،
وليلة الخسوف، ويوم الكسوف، وعند هبوب الريح الصفراء، أو السوداء أو الزلزلة،
وأول ليلة من كل شهر إلا شهر رمضان، ونصفه، وفي السفر مع عدم الماء.
ويجوز النظر إلى وجه امرأة يريد نكاحها وإن لم يستأذنها بل يستحب، ويختص
677

الجواز بالوجه والكفين، وينظرها قائمة وماشية، وروي: جواز النظر إلى شعرها
ومحاسنها. ويجوز النظر إلى وجه الأمة والذمية لا لشهوة، وينظر الرجل إلى مثله و إن
كان شابا حسن الصورة لا لريبة ولا تلذذ، والنظر إلى جسد الزوجة باطنا وظاهرا وإلى
المحارم خلا العورة، ولا ينظر إلى الأجنبية إلا مرة من غير معاودة إلا لضرورة كالمعاملة
والشهادة والعلاج، وكذا يحرم على المرأة أن تنظر إلى الأجنبي أو تسمع صوته إلا
لضرورة وإن كان أعمى، وفي جواز نظر المرأة إلى الخصي المملوك لها أو بالعكس
خلاف.
ويجوز استمتاع الزوج بما شاء من الزوجة إلا القبل في الحيض والنفاس، والوطء في
دبرها مكروه كراهة مغلظة، وفي رواية: يحرم.
ولا يجوز العزل عن الحرة بغير شرط فيجب دية النطفة لها عشرة دنانير، و لا يجوز ترك
وطء الزوجة أكثر من أربعة أشهر ولا الدخول قبل تسع فتحرم لو أفضاها، ويكره للمسافر
أن يطرق أهله ليلا.
الفصل الثاني: في العقد:
فالإيجاب: زوجتك وأنكحتك ومتعتك لا غير. والقبول: قبلت التزويج أو النكاح
أو تزوجت أو قبلت. مقتصرا كلاهما بلفظ المضي، ولا يشترط تقديم الإيجاب ولا القبول
بلفظه، فلو قال: زوجتك، فقال: قبلت النكاح صح.
ولا يجوز بغير العربية مع القدرة والأخرس بالإشارة، ويعتبر في العاقد الكمال
فالسكران باطل عقده ولو أجاز بعده، ويجوز تولى المرأة العقد عنها وعن غيرها إيجابا
وقبولا ولا يشترط الشاهدان ولا الولي في نكاح الرشيدة وإن كانا أفضل، ويشترط تعين
الزوج والزوجة، فلو كان له بنات وزوجة واحدة ولم يسمها فإن أبهم ولم يعين شيئا في
نفسه بطل، وإن عين فاختلفا في المعقود عليها حلف الأب إن كان الزوج رآهن وإلا
بطل العقد.
ولا ولاية في النكاح لغير الأب والجد له وللمولى والحاكم والوصي، فولاية القرابة على
678

الصغيرة أو المجنونة أو البالغة سفيهة وكذا الذكر لا على الرشيدة في الأصح، ولو عضلها
فلا بحث في سقوط ولايته، والمولى يزوج رقيقه والحاكم والوصي يزوجان من بلغ فاسد
العقل مع كون النكاح صلاحا له وخلوة من الأب والجد.
وهنا مسائل:
يصح اشتراط الخيار في الصداق ولا يجوز في العقد فيبطل، ويصح توكيل كل من
الزوجين في النكاح، فليقل الولي: زوجت من موكلك فلان، ولا يقل: منك، وليقل:
قبلت لفلان. ولا يزوجها الوكيل من نفسه إلا إذا أذنت عموما أو خصوصا.
الثانية: لو ادعى زوجية امرأة فصدقته حكم بالعقد ظاهرا وتوارثا، ولو اعترف
أحدهما قضي عليه به دون صاحبه.
الثالثة: لو ادعى زوجية امرأة وادعت أختها عليه الزوجية حلف، فإن أقامت بينة
فالعقد لها، وإن أقام بينة فالعقد له، والأقرب توجيه اليمين على الآخر في الموضعين لجواز
صدق البينة مع تقدم عقده على من ادعاها وصدق بينة من تقدم عقده على من ادعته،
ولو أقاما بينة فالحكم لبينته إلا أن يكون معها مرجح من دخول أو تقدم تاريخ.
الرابعة: لو اشترى العبد زوجته لسيده فالنكاح باق، وإن اشتراها لنفسه باذنه أو
ملكه إياها فإن قلنا بعدم ملكه فكالأول، وإن حكمنا بملكه بطل العقد، أما المبعض
فإنه يبطل العقد قطعا.
الخامسة: لا يزوج الولي ولا الوكيل إلا بمهر المثل، ولا بالمجنون ولا بالخصي، ولا
يزوج الطفل بذات العيب فيتخير بعد الكمال.
السادسة: عقد النكاح يقف على الإجازة من المعقود عليه أو وليه، ولا يبطل على
الأقرب.
السابعة: لا يجوز نكاح الأمة إلا بإذن مالكها وإن كانت امرأة في الدائم والمتعة،
ورواية سيف منافية للأصل، ولو زاد العبد المأذون على مهر المثل صح وكان الزائد في
ذمته يتبع به بعد عتقه ومهر المثل على المولى، ومن تحرر بعضه ليس للمولى إجباره على
679

النكاح ولا للمبعض الاستقلال.
الثامنة: لو زوج الفضولي الصغيرين فبلغ أحدهما وأجاز ثم مات وبلغ الآخر وأجاز
حلف على عدم سببية الإرث في الإجازة وورث.
التاسعة: لو زوجها الأبوان برجلين واقترنا قدم عقد الجد، وإن سبق أحدهما صح
عقده، ولو زوجها الأخوان برجلين فالعقد للسابق إن كانا وكيلين وإلا فلتختر ما
شاءت، وتستحب إجازة عقد الأكبر، وإن اقترنا بطلا إن كان كل منهما وكيلا وإلا
صح عقد الوكيل منهما، ولو كانا فضوليين تخيرت.
العاشرة: لا ولاية للأم فلو زوجته أو زوجتها اعتبر رضاهما، فلو ادعت الوكالة عن
الابن وأنكر غرمت نصف المهر.
الفصل الثالث: في المحرمات وتوابعها: يحرم بالنسب الأم وإن علت والبنت وبنتها وبنت الابن فنازلا والأخت وبنتها
فنازلا وبنت الأخ كذلك والعمة والخالة فصاعدا.
ويحرم بالرضاع ما يحرم بالنسب بشرط كونه عن نكاح، وأن ينبت اللحم أو يشد
العظم أو يتم يوما وليلة أو خمسة عشر رضعة والأقرب النشر بالعشر، وأن يكون المرتضع
في الحولين، وأن لا تفصل بينها برضاع أخرى، وأن يكون اللبن لفحل واحد، فلو
أرضعت المرأة جماعة بلبن فحلين لم يحرم بعضهم على بعض.
وقال الطبرسي صاحب التفسير رحمة الله عليه: يكون بينهم إخوة الأم وهي تحرم
التناكح. ويستحب اختيار العاقلة المسلمة العفيفة الوضيئة للرضاع، ويجوز استرضاع
الذمية عند الضرورة ويمنعها من أكل الخنزير وشرب الخمر، ويكره تسليم الولد إليها
لتحمله إلى منزلها والمجوسية أشد كراهة، ويكره أن يسترضع من ولادتها عن زنى، وإذا
كمل الشرائط صارت المرضعة أما والفحل أبا وإخوتهما أعماما وأخوالا وأولادهما
إخوة وآباؤهما أجدادا، فلا ينكح أبو المرتضع في أولاد صاحب اللبن ولادة ورضاعا ولا
في أولاد المرضعة ولادة ولا رضاعا، على قول الطبرسي.
680

وينكح إخوة المرتضع نسبا في إخوته رضاعا، وقيل: بالمنع. ولو لحق الرضاع العقد
حرم كالسابق ولا تقبل الشهادة إلا مفصلة، ويحرم بالمصاهرة زوجة كل من الأب
فصاعدا أو الابن فنازلا على الآخر وأم الموطوءة والمعقود عليها فصاعدا وابنة الموطوءة فنازلا
لا ابنة المعقود عليها، أما الأخت فتحرم جمعا لا عينا والعمة والخالة يجمع بينهما وبين
ابنة أخيها أو أختها برضا العمة والخالة لا بدونه، وحكم الشبهة والزنى السابق على
العقد حكم الصحيح في المصاهرة، وتكره ملموسة الابن ومنظورته على الأب وبالعكس
تحرم.
مسائل عشرون:
لو تزوج الأم وابنتها في عقد بطلا، ولو جمع بين الأختين فكذلك، وقيل: يتخير. ولو
وطأ أحد الأختين المملوكتين حرمت الأخرى حتى تخرج الأولى عن ملكه، فلو وطأ
الثانية فعل حراما ولم تحرم الأولى.
الثانية: لا يجوز أن يتزوج أمة على حرة إلا بإذنها ولو فعل وقف على إجازتها، ولا أن
يتزوج الأمة مع قدرته على زواج الحرة أو مع عجزه إذا لم يخش العنت، وقيل: يجوز،
وهو مشهور، فعلى الأول لا يباح إلا بعدم الطول وخوف العنت وتكفي الأمة الواحدة،
وعلى الثاني تباح اثنتان.
الثالثة: من تزوج امرأة في عدتها بائنة كانت أو رجعية عالما بالعدة والتحريم بطل
العقد وحرمت أبدا، وإن جهل أحدهما أو جهلهما حرمت إن دخل وإلا فلا.
الرابعة: لا تحرم المزني بها على الزاني إلا أن تكون ذات بعل، ولا تحرم الزانية
ولكن يكره تزويجها على الأصح، ولو زنت امرأة لم تحرم على الأصح وإن أصرت.
الخامسة: من أوقب غلاما أو رجلا حرمت على الموقب أم الموطوء وأخته وبنته، ولو
سبق العقد لم يحرم.
السادسة: لو عقد المحرم عالما بالتحريم حرمت أبدا بالعقد، وإن جهل لم تحرم وإن
دخل بها.
681

السابعة: لا يجوز للحر أن يجمع بين زيادة على أربع حرائر أو حرتين وأمتين أو ثلاث
حرائر وأمة، ولا العبد أن يجمع أكثر من أربع إماء أو حرتين أو حرة وأمتين ولا يباح له
ثلاث إماء وحرة كل ذلك بالدوام، أما المتعة فلا حصر له على الأصح وكذا بملك اليمين
إجماعا.
الثامنة: إذا طلق ذو النصاب رجعيا لم يجز له التزويج دائما حتى تخرج العدة،
وكذا الأخت دائما ومتعة، ولو كان بائنا جاز على كراهية شديدة.
التاسعة: لا تحل الحرة على المطلق ثلاثا إلا بالمحلل وإن كان المطلق عبدا، ولا تحل
الأمة المطلقة اثنين إلا بالمحلل ولو كان المطلق حرا، أما المطلقة تسعا للعدة ينكحها
رجلان فإنها تحرم أبدا.
العاشرة: تحرم الملاعنة أبدا، وكذا الصماء أو الخرساء إذا قذفها زوجها بما يوجب
اللعان.
الحادية عشرة: تحرم الكافرة غير الكتابية على المسلم إجماعا، والكتابية دواما لا متعة
وملك يمين، ولو ارتد أحد الزوجين قبل الدخول بطل النكاح ويجب نصف المهر إن كان
الارتداد من الزوج، ولو كان بعده وقف على انقضاء العدة ولا يسقط شئ من المهر،
وإن كان عن فطرة بانت في الحال، ولو أسلم زوج الكتابية فالنكاح بحاله، ولو أسلمت
دونه وقف على العدة، وإن كان قبل الدخول وأسلمت الزوجة بطل.
الثانية عشرة: لو أسلم أحد الوثنيين قبل الدخول بطل ويجب النصف بإسلام الزوج
وبعده يقف على العدة، ولو أسلما معا فالنكاح بحاله، ولو أسلم الوثني أو الكتابي على
أكثر من أربع فأسلمن أو كن كتابيات تخير أربعا.
الثالثة عشرة: لا يحكم بفسخ نكاح العبد بإباقه وإن لم يعد في العدة على الأقوى،
ورواية عمار ضعيفة.
الرابعة عشرة: الكفاءة معتبرة في النكاح، فلا يجوز للمسلمة التزويج بالكافر، ولا
يجوز للناصب التزويج بالمؤمنة، ويجوز للمسلم التزويج متعة أو استدامة كما مر بالكافرة،
وهل يجوز للمؤمنة التزويج بالمخالف؟ قولان. أما العكس فجائز لأن المرأة تأخذ من دين
682

بعلها.
الخامسة عشرة: ليس التمكن من النفقة شرطا في صحة العقد، نعم هو شرط في
وجوب الإجابة.
السادسة عشرة: يكره تزويج الفاسق وخصوصا شارب الخمر.
السابعة عشرة: لا يجوز التعرض بالعقد لذات البعل ولا للمعتدة رجعية، ويجوز في
المعتدة بائنا التعريض من الزوج وغيره والتصريح منه إن حلت له في الحال، وتحرم إن
توقف على المحلل وكذا يحرم التصريح من غيره مطلقا، ويحرم التعريض للمطلقة تسعا
من الزوج ويجوز من غيره.
الثامنة عشرة: تحرم الخطبة بعد إجابة الغير ولو عقد صح، وقيل: يكره الخطبة.
التاسعة عشرة: يكره العقد على القابلة المربية، وأن يزوج ابنه بنت زوجته المولودة بعد
مفارقته أما قبل تزويجه فلا كراهية، وأن يتزوج بضرة الأم مع غير الأب لو فارقها الزوج.
العشرون: تحرم نكاح الشغار وهو أن يزوج كل من الوليين الآخر على أن يكون بضع
كل واحدة مهرا للأخرى.
الفصل الرابع: في نكاح المتعة:
ولا خلاف في شرعيته والقرآن مصرح به ودعوى نسخه لم يثبت وتحريم بعض
الصحابة إياه تشريع مردود، وإيجابه كالدائم وقبوله كذلك ويزيد الأجل وذكر المهر،
وحكمه كالدائم في جميع ما سلف إلا ما استثنى، ولا تقدير في المهر قلة ولا كثرة وكذا
الأجل.
ولو وهبها المدة قبل الدخول فعليه نصف المسمى، ولو أخلت بشئ من المدة قاصها،
ولو أخل بالأجل في العقد انقلب دائما أو بطل على خلاف، ولو تبين فساد العقد فمهر
المثل مع الدخول، ويجوز العزل عنها وإن لم يشترط ويلحق به الولد وإن عزل، ويجوز
اشتراط السائغ في العقد كاشتراط الإتيان ليلا أو نهارا أو مرة أو مرارا في الزمان المعين.
ولا يقع بها طلاق ولا إيلاء ولا لعان إلا في القذف بالزنى على قول، ولا توارث إلا
683

مع شرطه، ويقع بها الظهار، وعدتها حيضتان ولو استرابت فخمسة وأربعون يوما، ومن
الوفاة بشهرين وخمسة أيام إن كانت أمة وضعفها إن كانت حرة، ولو كانت حاملا
فبأبعد الأجلين فيهما.
الفصل الخامس: في نكاح الإماء:
لا يجوز للعبد ولا الأمة أن يعقدا لأنفسهما نكاحا إلا بإذن المولى أو إجازته، وإذا
كانا رقا فالولد رق ويملكه الموليان إن أذنا أو لم يأذن أحدهما. ولو أذن أحدهما خاصة
فالولد لمن لم يأذن، ولو شرط أحد الموليين انفراده بالولد أو بأكثره صح الشرط، ولو كان
أحد الزوجين حرا فالولد حر، ولو شرط رقيته جاز على قول مشهور ضعيف المأخذ.
ويستحب إذا زوج عبده أمته أن يعطيها شيئا من ماله، ويجوز تزويج الأمة بين
شريكين لأجنبي باتفاقهما، ولا يجوز تزويجها لأحدهما ولو حلل أحدهما لصاحبه فالوجه
الجواز، ولو أعتقت المملوكة فلها الفسخ على الفور وإن كانت تحت حر بخلاف العبد
فإنه لا خيار له بالعتق، ويجوز جعل عتق أمته صداقها ويقدم ما شاء من العتق والتزويج
ويجب قبولها على قول، ولو بيع أحد الزوجين فللمشتري والبائع الخيار وكذا من انتقل
إليه الملك بأي سبب كان ولو بيع الزوجان معا على واحد تخير، ولو بيع كل منهما على
واحد تخيرا.
وليس للعبد طلاق أمة سيدة إلا برضاه، ويجوز طلاق غيرها أمة كانت أو حرة أذن
المولى أو لا، وللسيد أن يفرق بين رقيقه متى شاء بلفظ الطلاق أو غيره، وتباح الأمة
بالتحليل مثل: أحللت لك وطأها، أو جعلتك في حل من وطئها. وفي الإباحة قولان
والأشبه أنه ملك يمين لا عقد. ويجب الاقتصار على ما تناوله اللفظ وما يشهد الحال
بدخوله فيه، والولد حر ولا قيمة على الأب، ولا بأس بوطئ الأمة وفي البيت آخر وأن ينام
بين أمتين ويكره ذلك في الحرة، ويكره وطء الأمة الفاجرة كالحرة الفاجرة ووطء من
ولدت من الزنى بالعقد والملك.
684

الفصل السادس: في المهر:
كل ما صح أن يملك عينا كان أو منفعة يصح إمهاره، ولو عقد الذميان على ما لا
يملك في شرعنا صح، فإن أسلما انتقل إلى القيمة ولا تقدير في المهر قلة ولا كثرة، ويكره
أن يتجاوز السنة وهو خمسمائة درهم، ويكفي فيه المشاهد عن اعتباره، ولو تزوجها على
كتاب الله وسنة نبيه ع فهو خمسمائة درهم، ويجوز جعل تعليم القرآن مهرا.
ويصح العقد الدائم من غير ذكر المهر، فإن دخل فمهر المثل، وإن طلق قبل الدخول
فلها المتعة حرة كانت أو أمة، فالغني بالدابة أو الثوب المرتفع أو عشرة دنانير، والمتوسط
بخمسة دنانير، والفقير بدينار وخاتم وشبهه ولا متعة لغير هذه، ولو تراضيا بعد العقد
بفرض المهر جاز وصار لازما، ولو فوضا تقدير المهر إلى أحدهما صح ولزم ما حكم به
الزوج مما يتمول وما حكمت به الزوجة إذا لم يتجاوز السنة، ولو طلق قبل الدخول
فنصف ما يحكم به، ولو مات الحاكم قبل الدخول فالمروي: المتعة. ولو مات أحد
الزوجين مع تفويض البضع قبل الدخول فلا شئ.
وهنا مسائل عشر:
الصداق يملك بالعقد ولها التصرف فيه قبل القبض، فلو نما كان لها، فإن تعقبه
طلاق قبل الدخول ملك الزوج النصف حينئذ، ويستحب لها العفو عن الجميع ولوليها
الإجباري العفو عن البعض لا الجميع.
الثانية: لو دخل قبل دفع المهر كان دينا عليه وإن طالت المدة، والدخول هو الوطء
قبلا أو دبرا لا مجرد الخلوة.
الثالثة: لو أبرأته من الصداق ثم طلقها قبل الدخول رجع بنصفه وكذا لو خلعها به
أجمع.
الرابعة: يجوز اشتراط ما يوافق الشرع في عقد النكاح، فلو شرط ما يخالف لغا الشرط
كاشتراط أن لا يتزوج عليها أو لا يتسرى، ولو شرط إبقاءها في بلدها لزم وكذا في منزلها.
685

الخامسة: لو أصدقها تعليم صنعة ثم طلقها قبل الدخول كان لها نصف أجرة
التعليم، ولو كان قد علمها رجع بنصف الأجرة، ولو كان تعليم سورة فكذلك، وقيل:
يعلمها النصف من وراء حجاب، وهو قريب، والسماع هنا من باب الضرورة.
السادسة: لو اعتاضت عن المهر بدونه أو أزيد منه ثم طلقها رجع بنصف المسمى
لا العوض.
السابعة: لو وهبته نصف مهرها مشاعا قبل الدخول فله الباقي، ولو كان معينا فله
نصف الباقي ونصف ما وهبت مثلا أو قيمة، وكذا لو تزوجها بعبدين فمات أحدهما أو
باعته فللزوج نصف الباقي ونصف قيمة التالف.
الثامنة: للزوجة الامتناع قبل الدخول حتى تقبض مهرها إن كان حالا، وليس لها
بعد الدخول امتناع.
التاسعة: إذا زوج الأب ولده الصغير وللولد مال ففي ماله المهر وإلا ففي مال الأب،
ولو بلغ الصبي فطلق قبل الدخول كان النصف المستعاد للولد.
العاشرة: لو اختلفا في التسمية حلف المنكر، ولو اختلفا في القدر قدم الزوج وكذا في
الصفة، وفي التسليم يقدم قولها وفي المواقعة لو أنكرها قوله، وقيل: قولها مع الخلوة التامة،
وهو قريب.
الفصل السابع: في العيوب والتدليس:
وهي في الرجل خمسة: الجنون والخصاء والجب والعنن والجذام على قول. ولا فرق
بين الجنون المطبق وغيره ولا قبل العقد وبعده وطئ أو لا، وفي معنى الخصاء الوجاء،
وشرط الجب أن لا يبقى قدر الحشفة، وشرط العنة أن يعجز عن القبل والدبر منها ومن
غيرها بعد إنظاره سنة، وشرط الجذام تحققه، ولو تجددت هذه بعد العقد فلا فسخ،
وقيل: لو بان خنثى فلها الفسخ، ويضعف بأنه إن كان مشكلا فالنكاح باطل، وإن
كان محكوما بذكوريته فلا وجه للفسخ لأنه كزيادة عضو في الرجل.
وعيوب المرأة تسعة: الجنون والجذام والبرص والعمى والإقعاد والقرن عظما
686

والإفضاء والعفل والرتق على خلاف فيهما. ولا خيار لو تجدد بعد العقد أو كان يمكن
وطء الرتقاء أو القرناء أو علاجه إلا أن تمتنع، وخيار العيب على الفور ولا يشترط فيه
الحاكم وليس بطلاق، ويشترط الحاكم في ضرب أجل العنة ويقدم قول مكر العيب مع
عدم البينة، ولا مهر إن كان الفسخ قبل الدخول إلا في العنة فنصفه، وإن كان بعد
الدخول فالمسمى ويرجع به على المدلس.
ولو تزوج امرأة على أنها حرة فظهرت أمة فله الفسخ، وكذا يفسخ لو تزوجته على أنه
حر فظهر عبدا، ولا مهر بالفسخ قبل الدخول ويجب بعده، ولو شرط كونها بنت مهيرة
فظهرت بنت أمة فله الفسخ، فإن كان قبل الدخول فلا مهر وإن كان بعده وجب
المهر.، ويرجع به على المدلس فإن كانت هي رجع عليها إلا بأقل مهر، ولو شرطها بكرا
فظهرت ثيبا فله الفسخ إذا ثبت سبقه على العقد، وقيل: ينقص من مهرها بنسبة ما بين
مهر البكر والثيب.
الفصل الثامن: في القسم والنشوز والشقاق:
يجب للزوجة الواحدة ليلة من أربع وعلى هذا فإذا تمت الأربع فلا فاضل، ولا فرق
بين الحر والعبد والخصي والعنين وغيرهم، وتسقط القسمة بالنشوز والسفر، ويختص
الوجوب بالليل وأما النهار فلمعاشه إلا في حق الحارس فينعكس، وللأمة نصف القسمة
وكذا الكتابية الحرة، وللكتابية الأمة ربع القسمة فتصير القسمة من ستة عشرة ليلة، ولا
قسمة للصغيرة ولا للمجنونة المطبقة إذا خاف، ويقسم الولي بالمجنون، وتختص البكر
عند الدخول بسبع والثيب بثلاث.
وليس للزوجة أن تهب ليلتها للضرة إلا برضا الزوج ولها الرجوع قبل المبيت لا
بعده، ولو رجعت في أثناء الليلة تحول إليها، ولو رجعت ولما يعلم فلا شئ عليه، ولا
يصح الاعتياض عن القسم فيجب رد العوض، ولا يزور الزوج الضرة في ليلة ضرتها،
وتجوز عيادتها في مرضها لكن يقضي لو استوعب الليلة عند المزورة والواجب المضاجعة لا
المواقعة، ولو جار في القسمة قضى.
687

والنشوز: هو الخروج عن الطاعة، فإذا ظهرت أمارته للزوج بتقطيبها في وجهه
والتبرم بحوائجه أو بغير عادتها في أدبها وعظها ثم حول ظهره إليها ثم اعتزل فراشها ولا
يجوز ضربها، وإذا امتنعت عن طاعته فيما يجب له ضربها مقتصرا على ما يؤمل به
رجوعها ما لم يكن مدميا ولا مبرحا، ولو نشز بمنع حقوقها فلها المطالبة وللحاكم
إلزامه، ولو تركت بعض حقوقها استمالة له حل قبوله.
والشقاق: أن يكون النشوز منهما ويخشى الفرقة فيبعث الحاكم الحكمين من أهل
الزوجين أو من غيرهما تحكيما، فإن اتفقا على الإصلاح فعلاه، وإن اتفقا على التفريق لم
يصح إلا بإذن الزوج في الطلاق والزوجة في البذل، وكل ما شرطاه يلزم إذا كان
سائغا.
ويلحق بذلك نظران:
الأول: الأولاد:
ويلحق الولد بالزوج الدائم بالدخول ومضى ستة أشهر من حين الوطء وعدم تجاوز
أقصى الحمل، وغاية ما قيل عندنا: سنة. هذا في التام الذي ولجته الروح، وفي غيره
يرجع إلى المعتاد من الأيام والأشهر، وإن نقصت عن الستة الأشهر ولو فجر بها فالولد
للزوج ولا يجوز له نفيه لذلك، ولو نفاه لم ينتف إلا باللعان، ولو اختلفا في الدخول أو في
ولادته حلف الزوج، ولو اختلفا في المدة حلفت، وولد المملوكة إذا حصلت الشرائط
يلحق به وكذلك المتعة لكن لو نفاه انتفى بغير لعان فيهما، وإن فعل حراما فلو عاد
واعترف به صح ولحق به، ولا يجوز نفي الولد لمكان العزل، وولد الشبهة يلحق بالواطئ
بالشروط وعدم الزوج الحاضر، ويجب استبداد النساء بالمرأة عند الولادة أو الزوج فإن
تعذر فالرجال.
ويستحب غسل المولود، والأذان في أذنه اليمنى والإقامة في اليسرى، وتحنيكه بتربة
الحسين ع وماء الفرات، أو ماء فرات ولو بخلطه بالتمر أو العسل، وتسميته
محمدا إلى يوم السابع فإن غير جاز وأصدق الأسماء عبد الله وأفضلها اسم محمد وعلى
688

وأسماء الأنبياء والأئمة ع، وتكنيته ويجوز اللقب، ويكره الجمع بين كنيته
بأبي القاسم وتسميته بمحمد، وأن يسمى حكما أو حكيما أو خالدا أو حارثا أو ضرارا
أو مالكا.
وأحكام الأولاد أمور:
فمنها العقيقة والحلق والختان وثقب الأذن في اليوم السابع، وليكن الحلق قبل
العقيقة، ويتصدق بوزن شعره ذهبا أو فضة، ويكره القنازع، ويجب الختان عند البلوغ،
ويستحب خفض النساء وإن بلغن، والعقيقة شاة يجتمع فيها شروط الأضحية،
ويستحب مساواتها الولد في الذكورة والأنوثة، والدعاء عند ذبحها بالمأثور وسؤال الله أن
يجعلها فدية له لحما بلحم وعظما بعظم وجلدا بجلد، ولا تكفي الصدقة بقيمتها
وليخص القابلة بالرجل والورك، ولو لم تكن قابلة تصدقت به الأم، ولو بلغ الولد ولما
يعق عنه استحب له العقيقة عن نفسه، ولو شك فليعق إذ الأصل عدم عقيقة أبيه، ولو
مات الصبي يوم السابع بعد الزوال لم تسقط وقبله تسقط، ويكره للوالدين أن يأكلا
منها شيئا وكذا من هو في عيالتهما، وأن يكسر عظامها بل يفصل أعضاء، ويستحب أن
يدعى لها المؤمنون وأقلهم عشرة، وتطبخ بالماء والملح.
ومنها الرضاع: فيجب على الأم إرضاع اللبأ بأجرة على الأب إن لم يكن له مال
ويستحب أن ترضعه طول المدة والأجرة كما قلناه ولها إرضاعه بنفسها وبغيرها وهي أولى
إذا قنعت بما يقنع به الغير، ولو طلبت زيادة جاز للأب انتزاعه وتسليمه إلى الغير،
وللمولى إجبار أمته على الإرضاع لولدها وغيره.
ومنها الحضانة: فالأم أحق بالولد مدة الرضاع وإن كان ذكرا إذا كانت حرة
مسلمة أو كانا رقيقين أو كافرين، فإذا فصل فالأم أحق بالأنثى إلى سبع والأب أحق
بالذكر إلى البلوغ وبالأنثى بعد السبع، والأم أحق من الوصي بالابن، فإن فقد الأبوان
فالحضانة لأب الأب، فإن فقد فالأقارب الأقرب فالأقرب، ولو تزوجت الأم سقطت
حضانتها، فإن طلقت عادت الحضانة، وإذا بلغ الولد رشيدا أسقطت الحضانة عنه.
689

النظر الثاني: في النفقات:
وأسبابها الزوجية والقرابة والملك:
فالأول: تجب نفقة الزوجة بالعقد الدائم بشرط التمكين الكامل في كل زمان
ومكان يسوع فيه الاستمتاع، فلا نفقة للصغيرة ولا للناشزة ولا للساكتة بعد العقد ما لم
تعرض التمكين عليه، والواجب القيام بما تحتاج إليه المرأة من طعام وإدام وكسوة
وإسكان وإخدام وآلة الدهن تبعا لعادة أمثالها من بلدها، والمرجع في الإطعام إلى سد
الخلة، وتجب الخادم إذا كانت من أهله أو كانت مريضة، وجنس المأدوم والملبوس
والمسكن يتبع عادة أمثالها، ولها المنع من مشاركة غير الزوج، ويزيد في الشتاء المحشوة
لليقظة واللحاف للنوم، ولو كان في بلد يعتاد فيها الفرو للنساء وجب ويرجع في جنسه إلى
عادة أمثالها، وكذا لو احتيج إلى تعدد اللحاف، وتزاد المتجملة ثياب التجمل بحسب
العادة، ولو دخل بها واستمرت تأكل معه على العادة فليس لها مطالبته بمدة مؤاكلته.
الثاني: القرابة: وتجب النفقة على الأبوين فصاعدا والأولاد فنازلا، ويستحب على
باقي الأقارب ويتأكد في الوارث منهم، وإنما يجب الانفاق على الفقير العاجز عن
التكسب وإن كان فاسقا أو كافرا، ويشترط في المنفق أن يفضل ماله عن قوته وقوت
زوجته، والواجب قدر الكفاية من الإطعام والكسوة والمسكن، ولا يجب إعفاف واجب
النفقة ويقضي نفقة الزوجة لا نفقة الأقارب، ولو قدرها الحاكم نعم لو أذن في الاستدانة
أو أمره قضى، والأب مقدم في الانفاق ومع عدمه أو فقره فعلى أب الأب فصاعدا، فإن
عدمت الآباء فعلى الأم ثم على أبويها بالسوية، والأقرب في كل مرتبة مقدم على الأبعد،
أما المنفق عليهم فالأبوان والأولاد سواء وهم أولى من آبائهم وأولادهم، وكل طبقة
أولى من التي بعدها مع القصور، ولو كان للعاجز أب وابن قادران فعليهما بالسوية،
ويجبر الحاكم الممتنع عن الانفاق وإن كان له مال باعه الحاكم وأنفق منه.
الثالث: الملك: وتجب النفقة بملك الرقيق والبهيمة، ولو كان للرقيق كسب جاز
للمولى أن يكله إليه فإن كفاه وإلا أتم له، ويرجع في جنس ذلك إلى عادة مماليك أمثال
690

السيد من بلده ويجبر على الانفاق أو البيع، ولا فرق بين القن والمدبر وأم الولد، وكذا
يجبر على الانفاق على البهيمة المملوكة إلا أن تجزئ بالرعي، فإن امتنع أجبر على
الانفاق أو البيع أو الذبح إن كانت مقصودة بالذبح، وإن كان لها ولد وفر عليه من
لبنها ما يكفيه إلا أن يقوم بكفايته.
691