الكتاب: زواج المتعة
المؤلف: السيد جعفر مرتضى
الجزء: ٣
الوفاة: معاصر
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤٢٢ - ٢٠٠١م
المطبعة:
الناشر: دار السيرة - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: المركز الإسلامي للدراسات

زواج المتعة
تحقيق ودراسة
1

بحوث في التشريع الإسلامي
زواج المتعة
2

تحقيق و دراسة
الجزء الثالث
السيد جعفر مرتضى العاملي
المركز الإسلامي للدراسات
توزيع: دار السيرة بيروت - لبنان
3

حقوق الطبع محفوظة
الطبعة الأولى
1422 ه‍. ق - - 2001 م
القسم الرابع
4

الفصل الأول: تحريم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أم تحريم عمر؟!
الفصل الثاني: في أجواء التحريم.
الفصل الثالث: المتعة رخصة للمضطر.
الفصل الرابع: إشكالات هي أشبه بالمغالطات.
5

الفصل الأول
تحريم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
6

أم تحريم عمر؟!
7

الاجتهاد في مقابل النص:
لقد أورد القوشجي قول عمر: " ثلاث كن على عهد رسول الله (ص)، وأنا أحرمهن وأعاقب عليهن: متعة النساء، ومتعة الحج، وحي على خير العمل "، ثم قال:
" إن ذلك ليس مما يوجب قدحا فيه، فإن مخالفة
8

المجتهد لغيره في المسائل الاجتهادية ليس ببدع " (1)
وهو كلام عجيب حقا، فهل تحريم الرسول الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، كان رأيا واجتهادا منه (صلى الله عليه وآله وسلم)، حتى يعارضه القوشجي باجتهاد آخرين؟!.
وهل يصح اجتهاد عمر في مقابل النص القرآني، والتشريع النبوي؟!
وإذا كان عمر قد اجتهد في هذا الأمر، ولنفرض أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قد اجتهد فيه أيضا - - نعوذ بالله من خطل القول - - فأيهما أحق أن يتبع؟ وأيهما قال الله في حقه: ما آتاكم الرسول فخذوه..؟.

(1) شرح القوشجي ص 484، وعد المعتزلي في شرح نهج البلاغة ج 3 ص 363 تحريم عمر للمتعة من اجتهاده..
9

وماذا على من ترك اجتهاد عمر لعمر، وأخذ بالنص القرآني، والتشريع الإلهي الوارد على لسان النبي الأمي؟!.
وماذا يصنع القوشجي بقول الرازي: إن ذلك " يوجب تكفير الصحابة، لأن من علم أن النبي (ص) حكم بإباحة المتعة، ثم قال: إنها محرمة محظورة، من غير نسخ لها، فهو كافر بالله " (1)
ومن الواضح أن القوشجي، وصاحب المنار، والرازي، وغيرهم لم يستطيعوا أن يدركوا وجه العذر لعمر في إقدامه على تحريم المتعة وغيرها، فتشبثوا بالطحلب، بل صدر منهم ما فيه أيضا نيل من كرامة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)، وتصغير لشأنه، من حيث يعلمون، أو

(1) التفسير الكبير ج 10 ص 50.
10

من حيث لا يعلمون.
عمر لم يحرم المتعة، وإنما نهى عن الحرام:
يقول البعض: " إن نهي عمر عن المتعة صحيح، ومستفيض، لكن هذا لا يدل على حليتها، بل هو يدل على أنها كانت محرمة، لكن كان ثمة من يمارسها دون علم الحاكم، فلما علم عمر بالأمر منع من ذلك، من باب النهي عن المنكر.
وأما ما ينسب إليه من أنه هو الذي أعلن تحريم المتعة، فذلك بعيد جدا، لأن عمر لم ينصب نفسه في يوم من الأيام مشرعا أو متشرعا مكان رسول الله (ص)، وإنما كان عمر بوصفه خليفة، ينفذ
11

أحكام الله، ويمنع من مخالفتها.. " (1)
وقالوا أيضا: " إن عمر قد نهى عن المتعتين، ولم يحرمهما، لأن التحريم لا يجوز شرعا، ولا يحتمل ذلك في حقه. ولأجل ذلك نجده قد قال: متعتان كانتا على عهد رسول الله (ص)، وأنا أنهى عنهما، وأعاقب عليهما: متعة النساء، ومتعة الحج ولم يقل: كانتا محللتين. أو كانتا حلالا، أو حلالين أو أحرمهن " (2)
ونقول:
1 - - إن ذلك لا يتلاءم مع قول الخليفة: " متعتان كانتا على عهد رسول الله (ص) وأنا أحرمهما، وأعاقب عليهما.. "
ولا يتلاءم أيضا مع قول جابر بن عبد الله

(1) زواج المتعة حلال ص 142 و 143 عن الشيخ قاسم الشماعي الرفاعي..
12

الأنصاري: " تمتعنا على عهد رسول الله (ص)، وعلى عهد أبي بكر، ونصف من خلافة عمر، فنهانا عمر، فلم نعد ". أو نحو ذلك..
ولا مع قول الإمام علي (عليه السلام): " لولا أن عمر نهى عن المتعة، ما زنى إلا شقي أو إلا شفا "..
إلى غير ذلك من نصوص تعد بالعشرات ذكرناها في الفصل الذي خصصناه لها في هذا الكتاب.
2 - - قوله: " إن عمر لم ينصب نفسه في يوم من الأيام مشرعا ولا متشرعا.. " نقول في جوابه:
أولا: إن ذلك ينافيه إقدامه على التحليل والتحريم في أكثر من مورد، مثل: متعة الحج، وحذف حي على
13

خير العمل من الأذان، واستبدالها بعبارة: الصلاة خير من النوم، وتشريعه لصلاة التراويح، ولغيرها مما ذكره العلامة الأميني في كتابه " الغدير " وما ذكره العلامة السيد عبد الحسين شرف الدين في النص والاجتهاد، والعلامة المظفر في دلائل الصدق.. وغيرهم..
ثانيا: قولهم: لا يحتمل في حق عمر إقدامه على تحريم ما أحله الله.. لا يصح إطلاقه على سبيل الجزم و الحتم في حق شخص لا يدعي له أحد العصمة ولا يصح ادعاؤها من قبل من لا يعلم الغيب، ولا يعرف كثيرا من الماضي والحاضر.
3 - - ولنفرض أنه لم يشرع أي حكم آخر، ولا تدخل في تشريعه إثباتا أو نفيا، لكن ذلك لا يمنع من أن يكون قد تدخل وشرع في خصوص هذا المورد.
14

4 - - على أن المنع من ممارسة ما هو جائز لا يلازم إرادة التشريع، وأخذ مقام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقد يرى أن ثمة ضرورة للمنع المؤقت من ممارسة ما هو حلال ليتجنب أمرا طارئا يقتضي ذلك أو تخيل أنه يقتضيه..
5 - - إن فرضه العقوبة على فعل ما هو حلال، وهو متعة الحج، والتهديد بالرجم في متعة النساء دليل على أن هذا الرجل يقدم على أمور هي أكثر من خطيرة، وأكثر من كونها مجرد مخالفة في شؤون الدين، فراجع الروايات التي أشارت إلى تهديداته بالرجم وبالعقوبة في فصل النصوص والآثار رقم 17 / 19 / 20 / 67 / 68 / 69 / 74 / 80 / 81 / 83 / 84 / 99 / 100 / 106 / 108.
وراجع أيضا رواية الطبري ج 3 ص 290 ط الاستقامة حول أن الأمة قد أخذت عليه أمورا هي:
15

تحريمه متعة النساء، ومتعة الحج، وعتق الأمة الحامل بمجرد وضع حملها بغير عتاقة سيدها..
6 - - بالنسبة لقولهم: إنه قال: أنهى، ولم يقل: أحرم.. نقول: هناك نصوص دلت على أنه قد حرم المتعتين، فراجع: الرواية رقم 76 و 77 و 82 وهي رواية الطبري المشار إليها آنفا حيث أنكرت عليه الأمة تحريمه متعة النساء وغيرها.
7 - - إن عليا (عليه السلام) قد اعتبر تحريم عمر للمتعة رأيا لعمر، حيث قال حسبما روي عنه: " لولا ما سبق من رأي عمر بن الخطاب لأمرت بالمتعة ثم ما زنى إلا شقي.. " وهي الرواية رقم 76 في الفصل السابق.
8 - - قد ذكرنا في كتابنا الحياة السياسية للإمام الحسن (عليه السلام): أن هذا الرجل قد كان يرى أنه يحق له ممارسة التشريع وأورد لهذا الأمر
16

العديد من الشواهد، فراجع.
ونذكر من النصوص التي تشير إلى ذلك، ما يلي:
1 - - إن عمر يصر على رأيه في من تحيض بعد الإفاضة، رغم أنهم أخبروه بقول رسول الله (ص) فيها (1)
2 - - وحينما أخبروه بقضاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في المرأة التي قتلت أخرى بعمود " كبر، وأخذ عمر بذلك، وقال: لو لم أسمع بهذا لقلت فيه " (2)
3 - - وحين اعترض على من كنى نفسه بأبي عيسى، وأخبروه بأن رسول الله (ص) قد أذن لهم

(1) راجع: الغدير ج 6 ص 111 و 112 عن العديد من المصادر.
(1) المصنف لعبد الرزاق ج 10 ص 57.
17

بذلك.. غير أنه لم يتزحزح عن موقفه على الرغم من أنه قد صدقهم فيما نقلوه عن رسول الله لكنه اعتبره ذنبا مغفورا له..
4 - - وفي حادثة أخرى نجد عمر يصر على أن يخالف الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) (1) حتى يستدل عليه بعض الحاضرين بقول الله تعالى: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة? (2)
5 - - وقضية إمضاء عمر للطلاق الثلاث؛ بحجة أنهم قد استعجلوا في ذلك (3) معروفة ومشهورة وهي

(1) راجع: سنن أبي داود ج 4 ص 291 والسنن الكبرى للبيهقي ج 9 ص 310 وتيسير الوصول ط الهند ج 1 ص 25 والنهاية لابن الأثير ج 1 ص 283 والإصابة ج 3 ص 388 والغدير ج 6 ص 319 / 320 عنهم، وعن الأسماء والكنى للدولابي ج 1 ص 85.
(1) المصنف للحافظ عبد الرزاق ج 1 ص 382.
(1) راجع: تفسير القرآن العظيم (الخاتمة) ج 4 ص 22 والغدير ج 6 ص 178 - 183 عن مصادر كثيرة.
18

تدل على أنه كان يرى لنفسه الحق في ذلك..
6 - - وقد تقدمت الرواية التي يقول فيها عمر: " أنا زميل محمد " حينما أخبره ذلك الرجل أن أمته نقمت عليه أربعا، وعد منها تحريم زواج المتعة..
والشواهد على ذلك كثيرة جدا، لا مجال لاستقصائها في هذه العجالة (1)
عمر يضيف النهي إلى نفسه:
وعن سؤال: لماذا يضيف عمر النهي إلى نفسه، ولا ينسبه إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ألا يعني ذلك: أنه هو الذي يصدر النهي، أو أنه ينقله عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)..

(1) راجع: المصنف لعبد الرزاق ج 11 ص 258 / 259 و ج 9 ص 88 و 475 / 476، والطبقات الكبرى لابن سعد ج 2 ق 2 ص 134 - - 136 ط ليدن. وراجع: كتاب: النص والاجتهاد ودلائل الصدق ج 3، و كتاب الغدير للأميني ج 6 وغير ذلك..
19

نقول:
قد أجاب المقدسي الشافعي عن ذلك بما ملخصه: إن عمر مع علمه وزهده واتباعه لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يقدم على تحريم ما أحله الله ورسوله، لا سيما وأنه كان يعاقب من يخالف شيئا من سنته (صلى الله عليه وآله وسلم)، ويأمر بالالتزام بها، ولو رام تحريم ما أحله الله لم يقره الصحابة عليه، وقد اعترضوا عليه فيما هو أيسر من ذلك.. وإنما أراد عمر أنها كانت مباحة أول الإسلام، وقد نسخ النبي هذه الإباحة..
ومتعة الحج كانت منسوخة، وإنما أبيحت للركب الذين كانوا مع رسول الله في تلك السنة، فإنه أمرهم بالإحرام بالحج، ثم أمرهم بفسخه إلى
20

العمرة، وهذا لا يجوز لمن بعدهم بالإجماع.
فعمر لم يرد المنع من المتعة التي ورد بها القرآن: {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي}، وإنما أراد فسخ الحج الذي أجازه النبي (ص) لأصحابه، حيث أمر أصحابه أن يفسخوا إحرامهم، لأنهم كانوا يستعظمون فعل العمرة في أشهر الحج، فأمرهم أن يفسخوا الحج ويجعلوها عمرة لتأكيد البيان، وإظهار الإباحة، ثم نسخ ذلك وحرمه كما حرمت متعة النساء. إنتهى كلام المقدسي بتصرف وتلخيص (1)
ثم استشهد لما ذكره عن فسخ الحج برواية عن أبي ذر.
وقال ابن قدامة المقدسي:
".. وأما حديث عمر، إن صح عنه، فالظاهر: أنه

(1) تحريم نكاح المتعة ص 107 و 110.
21

إنما قصد الإخبار عن تحريم النبي (ص) لها ونهيه (ص) عنها، إذ لا يجوز أن ينهى عما كان النبي (ص) أباحه، وبقي على إباحته " (1)
وقد حاول أبو عمر أن يوجه قول عمر في شأن ربيعة بن أمية: هذه المتعة، ولو كنت تقدمت فيها لرجمت، بأن قوله يحتمل وجهين:
الأول: أن يكون ذلك تغليظا في النهي لكي يرتدع الناس عن سوء مذاهبهم، وقبيح تأويلاتهم.
والآخر: أن يكون تقدمه بإقامة الحجة من الكتاب والسنة على تحريم نكاح المتعة، لأنه لا ميراث فيه، ولا طلاق، ولا عدة، وأنه ليس بنكاح، وهو سفاح.. إلخ " (2)

(1) الشرح الكبير - - مطبوع بذيل المغني - - ج 7 ص 538.
(1) الإستذكار ج 16 ص 305.
22

وقال أبو عمر أيضا: " معنى قوله: كانتا على عهد رسول الله (ص)، يعني ثم نهى عنهما رسول الله (ص) " (1)
ونقول:
إن ذلك كله لا يصح، وذلك لكثير مما تقدم، ونذكر هنا ما يلي:
1 - - قد استدل المأمون على جواز المتعة، وهم أن يحكم بها استنادا إلى قول عمر نفسه: " متعتان كانتا على عهد رسول الله (ص)، وعلى عهد أبي بكر رضي الله عنه، وأنا أنهى عنهما " (2)
لكن يحيى بن أكثم خوفه من عواقب حكمه ذاك.

(1) الإستذكار ج 16 ص 294.
(1) الغدير ج 6 ص 211، وراجع: وفيات الأعيان ج 2 ص 218 ط سنة 1310 ه‍. ق، والسيرة الحلبية ج 3 ص 46، وقاموس الرجال ج 9 ص 397 عن الخطيب في تاريخ بغداد، والنص والاجتهاد ص 193.
23

2 - - قال الباقوري: ".. وقد أضاف عمر النهي عن المتعتين إلى نفسه، فقد دل ذلك على أن هذا من عنده، وأنه رأي له " (1)
وقريب منه ما قاله محمد رشيد رضا في المجلدين الثالث والرابع من المنار، لكنه عاد وقال في تفسير المنار نفسه: " ثم تبين لنا أن ذلك خطأ، فنستغفر الله منه، وإنما ذكرنا ذلك على سبيل الشاهد والمثال، لا التمحيص للمسألة، على طريق الإستدلال " (2)
والحقيقة هي أن ما ذكره أولا كان هو الحق الذي لا محيص عنه، ولعله قد تراجع عنه بعد ذلك بسبب ضغوطات نحتمل أنه قد تعرض لها، والله العالم بحقيقة أمره وحاله.

(1) مع القرآن ص 174.
(1) تفسير المنار ج 5 ص 16.
24

3 - - ونقل ابن القيم عن جماعة قولهم عن حديث سبرة بن معبد: " لو صح، لم يقل عمر: إنها كانت على عهد رسول الله (ص)، وأنا أنهى عنهما، وأعاقب عليها، بل كان يقول: إنه حرمها ونهى عنها " (1)
4 - - قال السيد المرتضى رحمه الله تعالى: " فلو كان ثمة رواية عن النبي (ص) لكان اللازم أن ينسبه (أي التحريم) إلى النبي (ص)، لأنه أبلغ في الانتهاء " (2)
5 - - لو كان ثمة نهي من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يصح من عمران بن الحصين أن ينفي ذلك بضرس قاطع ويقول: " مات ولم ينهنا

(1) زاد المعاد ج 2 ص 184.
25

عنها قال رجل برأيه ما شاء ".
6 - - لنفترض أن عمر بن الخطاب قد روى لهم النهي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فإن عليا (عليه السلام)، وعمران بن الحصين، وابن عباس، وعشرات آخرين قد رووا لهم بقاء التحليل، وانكروا وجود هذا النهي، فليكن هذا من هؤلاء معارضا لما يدعيه أولئك عن عمر، ومقدما عليه، وذلك بسبب تفرد عمر به، وكثرة مخالفيه فيه.
7 - - نضيف إلى ذلك: أنه لو كان ثمة نهي من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلماذا اختص بمعرفته عمر، دون سواه؟ وكيف خفي عن جميع الصحابة، حتى عن كبارهم، أمثال علي (عليه السلام)، وجابر، وابن مسعود، وابن عباس، وغيرهم؟ وقد ذكرنا في هذا الكتاب أسماء طائفة منهم، بالإضافة إلى رواياتهم في حلية المتعة، حسبما ذكرناه في
26

فصل النصوص والآثار.
8 - - إن هذا التوجيه لكلام عمر بن الخطاب يتعارض مع الروايات التي تقول: إن عمر بن الخطاب قد نهى عن المتعة بسبب عدم الإشهاد.. ومنها رواية الشامي، الذي تمتع في عهد عمر، واحتج عليه بأنه قد تمتع في عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثم في عهد أبي بكر، ثم في صدر من خلافة عمر نفسه، ولم ينهه النبي، ولا أبو بكر، ولا عمر، فلم يجبه عمر بشيء غير انه قال له: لو كنت تقدمت في نهي لرجمتك. بينوا حتى يعرف النكاح من السفاح.
وثمة روايات أخرى تتحدث عن ذلك فلتراجع في فصل النصوص والآثار.
وذلك يشير إلى أن النهي من عمر إنما كان منه على سبيل الاجتهاد لا النقل عن رسول الله
27

(صلى الله عليه وآله وسلم).
بل إن ذلك يدل على أنه كان حينئذ يقول بتحليل زواج المتعة في صورة الإشهاد.. فلعله تدرج في إظهار اجتهاداته في هذا المجال، فطورها حتى انتهى به الأمر إلى المنع، ثم العقوبة..
9 - - هذا كله.. عدا عن أن ثمة نصوصا تصرح بإقرار عمر بحلية المتعة في عهد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وعهد أبي بكر. هذا فضلا عن تصريح جابر وغيره بالحلية قبل نهي عمر.
10 - - بالنسبة إلى ما ذكره المقدسي حول نسخ متعة الحج، فقد تحدثنا عنه فيما يأتي، فانتظر.
فذلكات في سبب إضافة عمر النهي إلى نفسه:
بالنسبة لإضافة عمر النهي إلى نفسه، حيث قال:
28

أنا أنهى عنهما.
زعم بعضهم أن السبب في ذلك هو أنه قد حرم المتعتين: - - الحج والنساء - - معا. والمنسوخ هو متعة النساء فقط. أما متعة الحج فلم يرد فيها نهي من النبي.. فلا يجوز لعمر أن يقول: نهى رسول الله عن المتعتين لأنه إنما نهى عن واحدة فقط.. بل عليه أن يقول: أنا أنهى عنهما.. فهو ينهى عن متعة النساء لأنها منسوخة، وينهى عن متعة الحج لكي تفرد بسفر آخر، ليكثر زيارة البيت.
إذن، فلا يصح الاعتراض على عمر بأنه لو كان التحريم من النبي لكان على عمر أن يقول: نهى النبي عنهما، لأن النبي إنما نهى عن واحدة منهما فقط ولم ينه عن المتعتين، فلو قال عمر ذلك لكان مفتريا
29

على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (1)
ويقول البعض أيضا: " لما كان نهيه عن متعة الحج إنما هو رأي رآه واختاره، غير مستند إلى نص كمتعة النساء، لم يسلم الصحابة ذلك، حتى قال عمران بن حصين: نزلت آية المتعة - - أي متعة الحج - - في كتاب الله، ففعلناها مع رسول الله (ص)، ولم ينزل قرآن يحرمه، ولم ينه عنها حتى مات، قال رجل برأيه ما شاء.
ومع أن نهي عمر لم يكن على وجه التحريم، والحتم، وإنما كان ينهى عنها لتفرد عن الحج بسفر آخر، ليكثر زيارة البيت ".
إلى أن قال: " ولكن رغم ذلك خالفه الصحابة. وهذا يؤكد ما قلناه في بداية البحث: أن عمر لو رام

(1) راجع: تحريم المتعة ص 181 بتصرف وتلخيص.
30

تحريم ما أحله الله لم يقره الصحابة عليه.
قال ابن تيمية:
وعمر لما نهى عن المتعة خالفه غيره من الصحابة كعمران بن حصين، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن عباس وغيرهم، وهذا بخلاف نهيه عن متعة النساء، فإن عليا وسائر الصحابة وافقوه على ذلك " (1)
ونقول:
1 - - إن هؤلاء يريدون الجمع بين قولهم: إن عمر لا يحرم ما أحل الله، وبين قولهم: إن متعة الحج حلال، و إن متعة النساء حرام.. وبين قول ثالث لهم، وهو أن عمر قد نهى عنهما معا. فهل يمكن الجمع بين ذلك كله؟!.

(1) تحريم المتعة للمحمدي ص 178، وقال: إن كلام ابن تيمية في الفتاوى 33 / 96.
31

ومهما يكن من أمر فإننا نقول: إذا كان نهيه عن متعة الحج رأيا رآه، فما الذي يؤمننا من أن يكون نهيه عن متعة النساء رأيا رآه أيضا؟!.
2 - - لو كانت متعة النساء منسوخة وقد استند عمر فيها إلى النص عن الرسول (صلى الله عليه وآله) فلماذا أضاف النهي إلى نفسه فقال: أنا أنهى عنهما أو أنا أحرمهن.. مع أن نسبة النص إلى الرسول (صلى الله عليه وآله) أدعى للامتناع، وللامتثال والانصياع.
3 - - إذا كانت متعة الحج حلالا، وقد أحب أن تكثر زيارة البيت. فلماذا توعد فاعلها بالعقاب؟! فهل يجوز العقاب على فعل الحلال؟!
4 - - وإذا جاز النهي عن الحلال والعقوبة على
32

فعله، فلم لا يجوز الأمر بفعل الحرام، والعقوبة على تركه؟! وما الفرق؟!.
5 - - إن جمعه بين المنسوخ وهو متعة النساء، وبين الثابت وهو متعة الحج ليس وحيا من الله، إذ قد كان بإمكانه أن يفرق بينهما، فيقول عن هذه أنا أنهى عنها، وعن تلك، إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نهى عنها.
6 - - قولهم: إن عمران بن الحصين قد اعترض على متعة الحج ولم يعترض على متعة النساء، ما هو إلا مجرد دعوى وافتراض، وتفسير لكلامه من عند أنفسهم.. وإلا، فإنه هو نفسه قد صرح في الرواية المتقدمة رقم 56 بأنه إنما يعترض على عمر في تحريمه للمتعتين معا.. فتكون هذه الرواية صريحة في بيان المراد، ويجب أن تحمل عليها سائر الروايات التي أغفلت التصريح، وأفسحت المجال لتكهن الرواة.
33

7 - - إذا كان النهي نهي تحريم في متعة النساء، فلماذا لا يكون كذلك في متعة الحج؟!، وإذا كان في متعة الحج نهي ترجيح، فلماذا لا يكون كذلك في متعة النساء؟!، مع أنه قد عبر عنهما معا بكلمة واحدة..
ومن الواضح: أن استعمال المشترك في أكثر من معنى غير ممكن، فلا يصح أن يستعمل النهي ويريد به معنى يستبطن المنع عن الترك، ومعنى آخر يستبطن الرخصة بالترك..
إلا أن يقال: إنه قد استعمل اللفظ في التحريم الحقيقي المستبطن للمنع عن الترك في كلا المتعتين لكن في إحداهما، من حيث هو ناقل للمنع النبوي، وفي الآخر من حيث هو سلطان يريد أن يلزم الناس بذلك لمصلحة يراها.. ولأجل ذلك قرر العقوبة على فاعله..
أو يقال: إنه قد استعمله في القدر المشترك، وهو مطلق الكراهة، لكن يفهم الالزام في إحداهما،
34

والرخصة في الآخر بواسطة قرينة خارجية.
ويجاب عن هذا الأخير بأن التوعد بالعقاب عليهما معا يدل على أنه لا يسمح بالترك فيهما معا، فلا معنى للرخصة سواء بواسطة قرينة، أو بدونها.
ويجاب عن الأول: بأن المعترض نفسه يصرح بأن نهي عمر عن متعة الحج لم يكن على وجه التحريم والحتم.
8 - - إنهم يقولون: إن عمران قد اعترض على عمر في متعة النساء، ويضيف ابن تيمية عليا (عليه السلام) وابن عباس..
ونقول:
ألف: لا دليل كما قلنا على أن اعتراض عمران كان على خصوص متعة النساء. بل الدليل موجود على أنه قد اعترض على المتعتين معا كما تقدم في الفصل السابق في الحديث رقم 56.
35

ب: إن الصحابة ليسوا هم خصوص علي (عليه السلام) وابن عباس، بل كانوا يعدون بالألوف. فلماذا لم يعترضوا عليه حين أعلن ذلك؟!. وأين هي الروايات المثبتة لتلك الاعتراضات؟!
وحتى هؤلاء المعترضون، فإنهم لم يعترضوا عليه حينما أعلن ذلك، ولا ردوا عليه قوله. وإنما قرروا هم أنفسهم الالتزام بحكم الله. ولما طولبوا بذلك، سجلوا موقفهم هذا.
9 - - قول ابن تيمية إن سائر الصحابة وعليا قد وافقوا عمر على موقفه من متعة النساء.. قد أظهرت الروايات والفصول المتقدمة أنه غير صحيح أبدا.. وموقف ابن عباس كالنار على المنار وكالشمس في رابعة النهار.
10 - - إن إعلانه للمنع عن متعة الحج إذا لم يكن على وجه التحريم كما ذكره المعترض. فقد كان
36

بالإمكان أن يعترض عليه الحاضرون بأنه لا معنى لمعاقبة الفاعل، لأن هذا يمثل جهرا بالتصميم على التعدي على الناس.
فعدم اعتراضهم هذا يدل على خوفهم الشديد منه، فإذا خافوا من الاعتراض عليه في هذا الأمر البديهي، فهل يمكنهم الاعتراض عليه في غيره؟!.
ما شرع عمر بل بلغ:
يدعي البعض: أن الصحابة الذين ثبتوا على حلية المتعة في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبعد موته إلى آخر أيام عمر، ما كانوا يعرفون بالنسخ المؤبد، ومن علم به حجة على من لم يعلم، واستمرار من استمر عليها، إنما كان لعدم
37

علمه بالناسخ (1)
وربما يقال أيضا: بأن الحديث الذي يرويه بعض الصحابة ويقول: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أحل المتعة، ثم لم ينهنا عنها حتى مات.. لا يدل
على أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يحرم المتعة، بل يدل على أنهم لم يعرفوا بورود التحريم أو النسخ على ذلك التحليل وتلك الرخصة..
فنهي عمر بن الخطاب بعد ذلك عن المتعة إنما هو إعلان لمن لم يعرف بذلك التحريم أو النسخ، فيطلع عليه من خلال كلام عمر ونهيه عنه في خلافته.
ونقول:

(1) راجع: فتح الملك المعبود ج 3 ص 226.
38

1 - - إن هذا لا ينسجم مع قول الصحابي المعروف عمران بن حصين: ".. ثم لم ينهنا عنها حتى مات، قال رجل برأيه ما شاء " تعريضا منه بعمر، فإن كلمة: " برأيه " وكلمة: " ما شاء " تدلان على أن تحريم عمر لم يكن لتأكيد التحريم الصادر من النبي (صلى الله عليه وآله) فيما سبق، بل كان قولا برأي من عمر نفسه.
2 - - كما أن ذلك لا ينسجم مع نسبة التحريم لنفسه حيث قال: " وأنا أحرمهما " ولم يقل حرمهما رسول الله. بل إن هذا اعتراف منه بعدم النسخ، وبقاء الحكم الأصلي، ومن المعلوم أن حلال محمد حلال إلى يوم القيام، وحرامه حرام إلى يوم القيامة.
3 - - وهو لا ينسجم أيضا مع قول علي (عليه السلام): " لولا ما سبق من نهي ابن الخطاب ما زنى إلا شقي أو إلا شفا " وغير ذلك من نصوص تشير إلى
39

هذا المعنى أو تدل عليه صراحة.
إذن.. فلا مجال للأخذ بقول عمر، الذي هو اجتهاد منه في مقابل النص، وليس هو من قبيل الاجتهاد في النص.
ولو كان ثمة نص عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لقال عمر: حرمتا على عهد رسول الله، وأنا أنهى عنهما، وأعاقب من خالف نهي رسول الله عنهما، ولكان ذلك أبعد أثرا في دفع الناس إلى الالتزام بمقتضى النهي، ولكان ذلك أغناه عن التهديد والوعيد الذي لم يترك الأثر الذي توخاه منه.. بل استمر الناس على العمل بهذا التشريع.
عمر ينسب التحريم للنبي (ص):
وهنا سؤال يقول: كيف ينسب عمر التحريم إلى نفسه ويقول: " وأنا أحرمهما، وأعاقب عليهما " مع
40

أنه ليس بنبي، وقد أجاب البعض برواية رواها ابن ماجة عن عمر، تقول:
" إنه لما ولي خطب الناس فقال: إن رسول الله (ص) أذن لنا في المتعة ثلاثا ثم حرمها، والله لا أعلم أحدا يتمتع وهو محصن إلا رجمته بالحجارة، إلا أن يأتيني بأربعة يشهدون أن رسول الله (ص) أحلها بعد أن حرمها.
هذا بالإضافة إلى ما قدمناه في فصل: النسخ بالأخبار، فليراجعها من أراد، فذلك يدل على أن عمر لم يحرم بل نقل التحريم ".
ونقول:
أما بالنسبة للروايات التي تقدمت في فصل النسخ بالأخبار؛ فلا نرى أننا بحاجة إلى الحديث عنها، فإن ما قدمناه في هذا الكتاب لا يترك مجالا للشك بعدم صحة الاستناد إلى تلك الروايات..
41

أما بالنسبة للرواية المذكورة آنفا عن ابن ماجة، فإننا نقول أيضا:
إنها لا يمكن أن تصح، وذلك للأمور التالية:
أ - - لقد ادعوا: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أحلها أكثر من مرة.. وليس ثلاثة أيام فقط.
ب - - إن المتمتع لا يرجم..
ج - - إن حديث عمر هذا - - لو صح - - معارض بأحاديث جابر، وابن مسعود، وابن عباس، وابن الحصين، وغيرهم كثيرون، تقدمت رواياتهم..
د - - إنه قد نقل حكما ونسبه إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو شخص واحد.. فلماذا يحتاج الراوي لخلافه إلى أكثر من واحد، فإنه تكفي رواية صحابي آخر لتسقط رواية هذا
42

الرجل عن الاعتبار.
ه‍ - - إن هذا الحديث يدل على أن تحريمها من قبل عمر لم يكن مؤبدا، فإن قوله: إلا أن يأتيني بأربعة يشهدون: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).. إلخ..، فإن هذا يدل على أنه كان يترقب حلها بمجرد شهادة أربعة من الناس، والروايات التي ذكرناها في فصل: النصوص والآثار.. وكذلك الفصل الذي سبقه، تدل على ورود هذا التحليل لهذا الزواج.
وبالمناسبة نشير إلى أن هذه الرواية - - لو صحت - - فهي تدل على أن عمر بن الخطاب لم يكن على علم بما يزعمونه أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد حرم المتعة إلى يوم القيامة في خطبته بين الركن والمقام كما يرويه سبرة بن معبد وحده، دون كل أحد من ذلك الجيش العرمرم الذي حضر فتح مكة، وأحل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) له المتعة؟!!!.
43

و - - لماذا لا بد من أربعة يشهدون على التحليل، بعد التحريم، فإنه يكفي في ذلك شهادة الثقة الواحد، فإن هذه ليست شهادة على زنا، وإنما هي لإثبات حكم شرعي، ولماذا لم يكتف باثنين، أو بثلاثة، لا سيما مع قولهم: إن الصحابة كلهم عدول، وقد اثبتوا عدم توريث الأنبياء بخبر واحد وهو أبو بكر!!!.
ز - - إن قوله: " إلا أن يأتيني بأربعة يشهدون - - إلخ " يشير إلى أنه لم يكن متيقنا من استمرار النهي - - أو أنه يشير إلى أنه لا يتيقن كون النهي تحريميا، فلعله كان نهيا تدبيريا للحفاظ على حق النساء اللواتي سيتركهن أزواجهن، حيث يرجعون من الغزو إلى بلادهم.
عمر يقول: هدم المتعة النكاح والطلاق:
44

بل إن قول عمر: هدم المتعة النكاح والطلاق، والعدة، والميراث، يدل على أن نهيه كان اجتهادا منه..
ولا يؤاخذ المجتهد باجتهاده، بل هو إن أخطأ فله أجر، وإن أصاب فله أجران..
والجواب:
أولا: لابد من إثبات أن عمر يملك القدرة على الاجتهاد، وفق القواعد الصحيحة.
ثانيا: لا مجال للاجتهاد في مقابل النص. والنص موجود، وهو نفسه يقر بوجوده، ويعلن أنه يسعى لإبطاله..
ثالثا: إنه توجيه لا يرضى به صاحبه، إذ أن لنا إن نسأل: هل لم يكن قبل هذا الوقت طلاق، وعدة، وميراث، وهل ليس في المتعة عدة ولا عقد.
رابعا: إن هذه الرواية تدل على أن النكاح الذي
45

كان شائعا هو نكاح المتعة، ثم جاء النكاح الدائم فهدمه..
ولا ريب في عدم صحة هذه المقولة..
لو كان قول عمر رواية:
ولو سلمنا أن قول عمر قد كان رواية عن النبي (صلى الله عليه وآله) لا تشريعا من عند نفسه (1) فإنما هو خبر واحد، لم يرد في الصحيحين اللذين رويا أخبار الحلية، ولا يثبت النسخ بخبر الواحد، فكيف إذا كان معارضا بكل تلك الروايات التي تثبت بقاء الحلية في عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وعهد أبي بكر، ثم في شطر من خلافة عمر نفسه، بل وبعد ذلك أيضا، حسبما أوضحناه في بعض

(1) كما حاولت بعض الروايات أن تدعي فراجع فتح الباري ج 9 ص 149.
46

فصول هذا الكتاب..
لماذا سكت عمر؟! ولماذا تكلم؟!.
ولست أدري لماذا لم يظهر عمر هذه الرواية له عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في عهد أبي بكر، أو على الأقل في أوائل خلافته هو نفسه، فهل كان يعلم بحكم الله، ولم يبلغه للناس عن عمد وقصد طيلة هذه السنين؟
أم أنه قد نسي أن يبلغهم إياه؟!.
أم أن الحقيقة هي أنه لم يكن ثمة نهي من النبي (صلى الله عليه وآله) أصلا؟.
وماذا كان يصنع المسلمون في عهد أبي بكر،
47

وفي أيام عمر، قبل تحريمه للمتعة؟!، فهل كانوا يمارسون هذا الزواج؟ أم كانوا ممنوعين عنه؟ فإن كانوا يمارسونه، وكان حراما، فلماذا لم يمنعهم أبو بكر، عما نهى عنه رسول الله (ص)؟! وإن كانوا ممنوعين عن هذا الزواج، فماذا نصنع بالروايات التي تحدثت عن ممارسة الصحابة لهذا الزواج، بصورة طبيعية، وشائعة، وذلك في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأبي بكر، وشطر من خلافة عمر؟! أم أن الصحابة كانوا يمارسون الزنا المحرم والعياذ بالله؟!..
وقد عرفنا في رواية أم عبد الله ابنة أبي خيثمة: أن ذلك الشامي قد أخبر عمر أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم ينه عن المتعة، وكذلك أبو بكر، وحتى
عمر نفسه في شطر من خلافته، ولم يكذبه عمر في قوله ذاك..
48

النكير على عمر:
وإذا كان عدم إنكار الناس على عمر يصلح شاهدا على أنه قد تلقى النسخ من الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلماذا لا يكون إصرار الناس على مخالفته، واستمرارهم - - حتى بعد نهيه - - على العمل بهذا الزواج، وعلى الإفتاء بحليته - - لماذا لا يكون - - من أعظم النكير عليه؟! ويعتبر رفضا قاطعا لما جاء به؟!.
وقد صرحت بعض الروايات التي أوردناها في فصل النصوص والآثار بأن الناس كانوا ينكرون على عمر تحريمه لزواج المتعة..
بل إن عمران بن حصين قد تصدى له في نفس المجلس الذي أعلن فيه أنه يحرم المتعتين، ويعاقب عليهما، فراجع فصل النصوص والآثار
49

الحديث رقم 56 وغيره.
وإذا كان المقصود بالنكير عليه هو أن يواجهوه بالعنف، فمن ذلك الذي يجرؤ على ذلك؟.
ثم إنهم أيضا لم ينكروا عليه توعده بالرجم لمن يتزوج امرأة إلى أجل! مع أنه عندهم لا يستحق الرجم حتى بناء على التحريم كما أسلفنا!.
كما أنه قد منع النبي من كتابة الكتاب، وقال إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ليهجر، ولم يقوموا في وجهه، ولا اعترضوا عليه.
إن الاعتراض قد لا يتيسر في بعض المواقع، بسبب خطورة الموقف وتهديدات عمر بالرجم تؤذن بوجود خطر عظيم، لو كان ثمة اعتراض من أحد..
كما أن الاعتراض قد لا يكون مفيدا، إذا كان ثمة إصرار على هذا الأمر الواضح والبين..
50

التحدي والاستفزاز:
والملفت للنظر هنا: أن عمر بن الخطاب يواجه هذا الأمر بطريقة التحدي والاستفزاز: " وأنا أنهى عنهما "
فهل من حق عمر أن يحلل ويحرم؟!
إن ذلك لا يحق للرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) نفسه، فهل يحق لعمر؟!!.
سعي الشيعة إلى اتهام عمر:
وقد حاول البعض أن يدافع عما ذهب إليه من تحريم هذا الزواج بطريقة أكثر جرأة على الادعاء غير الواقعي، فقال ما ملخصه:
إن الشيعة لم يأخذوا بأحاديث تحريم المتعة، لأنها من غير طرقهم وعن غير أئمتهم، وقد روى
51

الشيعة أقوالا تؤيد مذهبهم، كقول علي (عليه السلام): لولا أن عمر نهى عن المتعة لما زنى إلا شقي ".
وفيه اتهام لعمر بأنه نهى عما كان في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله) سائغا حلالا، وهذا يوجب إسقاط الحديث، ويوهم أن التحريم لم يصدر عن النبي (ص)، بل صدر عن عمر، مع أن المروي أنه عزا ذلك لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهناك حديث صحيح رواه الخمسة أن النبي (ص) هو الذي نهى عنها، ونحن نستبعد صدور هذا الحديث عن علي، وقد روى علي (عليه السلام) نفسه: أن النبي (ص) نهى عن المتعة..
كما أن حديث عمران بن الحصين، وحديث جابر، وحديث بدون سند عن عمر: " متعتان كانتا على عهد رسول الله إلخ.. " أن جميع هذه الأحاديث لم ترد في أي كتاب حديث معتبر ومشهور، بل لم
52

ترد في كتب الطبري، والبغوي، والخازن، وابن كثير، ومن تبعهم الذين دأبوا على استقصاء الأحاديث، باستثناء الحديث المروي عن علي (عليه السلام) الذي رواه الطبري..
ولكننا قرأنا هذه الأحاديث مجتمعة في تفسيري الطوسي والطبرسي الشيعيين.
والأحاديث الثلاثة المشار إليها (حديث ابن الحصين، وجابر، وعمر) فيها ما يثير الشبهة، وهو أنها تريد أن تثبت كون التحريم ليس نبويا، وإنما هو من عمر، لتشويه اسم عمر وتصويره أنه حرم ما أحل الله ورسوله عن بينة وقصد، وهو ما لا يعقل وقوعه منه..
وسكوت أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومن جملتهم علي بن أبي طالب (عليه السلام) عنه دليل على أنه محرم من قبل النبي (صلى الله
53

عليه وآله وسلم) (1) إنتهى بتصرف وتلخيص.
أضف إلى ذلك أن عمر قد حرم المتعة، وهو على المنبر أيام خلافته، وأقره الصحابة (رض)، وما كانوا ليقروه على خطأ لو كان مخطئا (2)
ونقول:
إن ما ذكره لا يمكن قبوله من جهات عديدة، بعضها ذكرناه فيما تقدم أو سيمر معنا فيما يأتي.. وبعضها نشير إليه باختصار شديد هنا، فنقول:
أولا: قوله: إن الشيعة لم يأخذوا بأحاديث تحريم المتعة لأنها من غير طرقهم، وعن غير أئمتهم.. ليس فيه أية غضاضة على الشيعة. بل إن هذا هو النهج الصحيح، والمقبول. ونحن لا نطلب

((1) المرأة في القرآن والسنة ص 181 و 183.
54

من أحد أن يأخذ بما لا تجتمع فيه شرائط الحجية بحسب ما لديه من قناعات ومقررات..
غير أننا نقول: إن تشريع هذا الزواج باق وفق الضوابط والمعايير التي يستند إليها أهل السنة أيضا، وروايات أهل السنة هي التي تثبته، وليس روايات الشيعة فقط.
هذا بالإضافة إلى نزول القرآن بتشريع هذا الزواج باعتراف الجميع..
ثانيا: رده رواية علي (عليه السلام)، بسبب أنها تتهم عمر بأنه قد نهى عما كان حلالا في زمن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكذلك روايات جابر، وعمران بن حصين، ثم رده لقول عمر: متعتان كانتا على عهد رسول الله (ص) إلخ..
في غير محله.. فإن علينا أن نأخذ الحقيقة استنادا إلى النصوص الثابتة بغض النظر عن
55

الأشخاص، لأن البحث في أخلاقيات، ومواقف الأشخاص لا يأتي من مجرد الظن، والحدس. وقد ذكرنا:
أ - - إن بعض التأويلات لما صدر عن عمر، لا يلزم منها اتهامه بما يسيء له حيث قال بعضهم: إن عمر قد منع عن هذا الزواج منعا مدنيا، بهدف دفع الناس إلى الاحتياط فيه، وعدم التسرع الموجب لظهور المشكلات.
ب - - قد وجدنا لعمر بن الخطاب نظائر في مجال تناول مفردات التشريع برأيه واجتهاده. وهي تدعونا إلى إعادة النظر في الأوامر التي يصدرها، وذلك كما هو الحال في كلمة " حي على خير العمل " في الاذان، وكما في صلاة التراويح، وغير ذلك.
ثالثا: بالنسبة لسكوت الصحابة وعلي (عليه السلام) عن الاعتراض عليه، نقول:
56

أ - - إنهم لم يسكتوا بل استمروا على مخالفته في هذا الأمر، وعلى القول بحلية هذا الزواج وممارسته طيلة عقود من الزمن. وقد تقدم ذلك بصورة تفصيلية، فلا نعيد.
ب - - إنهم إذا كانوا يخافون بطشه، وسطوته، ويريدون الحفاظ على وحدتهم في مقابل الذين يريدون محق دين محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) - - على حد تعبير الإمام علي (عليه السلام) - - فلا مجال للتعجب من هذا السكوت، كما سكتوا في قضية صلاة التراويح، وغيرها..
رابعا: قوله: إن حديث عمران بن حصين، وجابر، وقول عمر: " متعتان كانتا على عهد رسول الله (ص)، وأنا أحرمهما.. إلخ " وقول علي (عليه السلام): " لولا أن عمر نهى عن المتعة ما زنى إلا شقي " هي من روايات الشيعة، ليس بصحيح بل هي
57

موجودة في أمهات مصادر أهل السنة وفي الصحاح أيضا، كما يظهر من ملاحظة المصادر التي أرجعنا القارئ إليها حين إيرادنا لها في مواضعها في فصل النصوص والآثار.
ولا نعتقد أن هذا القائل يجهل هذه الحقيقة، فقد رأيناه، يستقصي أحاديث المنع بما لا مزيد عليه، والأحاديث المشار إليها موجودة معها فلماذا يدعي هذه الدعوى العجيبة والغريبة؟!!.
ويا ليت هذا القائل يناقش روايات المنع بنفس الروح التي يناقش فيها روايات التحليل، لنجد كيف تكون النتيجة عنده.
قد يكون الحضور آنئذ أفرادا قلائل.
خامسا: إن الإنكار المتأخر عن عهد عمر، يكفي في المطلوب: إذ أنه يكشف عن أن السكوت في
58

زمنه قد كان لأسباب قاهرة هي التي فرضته، ولا يكشف عن الرضا.
سادسا: قد أثبتت النصوص الكثيرة التي ذكرنا الشطر الأكبر منها: أن المتعة لم تنسخ على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، بل بقيت حلالا على عهده (
ص)، وعهد أبي بكر، وشطر كبير من خلافة عمر نفسه، فلماذا سكت عمر على هذا الأمر طيلة سبع أو ثمان سنوات على الأقل، وسكت هو وأبو بكر وسائر الصحابة على ذلك طيلة خلافة أبي بكر أيضا..
سابعا: إن عدم إنكار الصحابة لا ينحصر بكونهم عالمين بالتحريم وسكتوا، ولا بكونهم عالمين بالإباحة، وسكتوا مداهنة، إذ إن سكوتهم قد يكون بسبب الخوف من سطوته.
59

قد يكون سكوتهم مجا ملة له.
وقد يكون سكوتهم لكونهم ناسين كما نسي خليفتهم حكم القرآن في مسألة الصداق، حين اعترضت عليه تلك المرأة، فإذا جاز النسيان عليه جاز على غيره.
وقد يكون سكوت بعضهم - ولعلهم هم الذين حضروا ذلك المجلس - بسبب الجهل بأنه لا يجوز له التحريم من قبل نفسه.
أو لأنهم يرون أن الخليفة قد اجتهد برأيه لمصلحة زمنية اقتضت أن يمنع من استعمال المتعة.
فعدم إنكارهم على هذا الفرض لا يوجب تكفيرهم، إذا اعتقدوا أن لولي الأمر مثل هذه الصلاحية، لكن اتباع الخليفة كانوا بسطاء لا يعرفون ذلك، فالتجأوا إلى دعوى النسخ..
60

ولعلهم يحتملون أن الخليفة كان يرى أن بعض الأحكام ليس أبديا، بل هو تابع للظروف الوقتية، وهو رأي وإن كان باطلا، لكن يمنع من تكفير من يذهب إليه، وعدم إنكار المسلمين ذلك عليه إنما هو مخافة العقوبة والتنكيل الذي توعدهم به كما قلنا..
بل إن تنزيه الصحابة بهذه الطريقة القاطعة، والشاملة غير صحيح، فإن القول بعدالة كل صحابي يلزم منه تكذيب القرآن الحاكم بوجود المنافقين بينهم، وصريح بانقلاب بعضهم على أعقابه بمجرد موت النبي (صلى الله عليه وآله)..
فلعل من سكت من الصحابة عن هذا الأمر كان من المداهنين المنافقين.
ومن أصر على بقاء التحريم كان من الأتقياء الأبرار..
ومهما يكن من أمر فقد حرم عمر وغير كثيرا من
61

الأمور.
ولم يجرؤ أحد على مواجهته، وقد ذكرنا بعضا من هذه الأمور في موضع آخر من هذا الكتاب، وذكر العلامة: الأميني في كتابه: " الغدير " شطرا من ذلك، فراجع ج 6 ص 83 باب نوادر الأثر في علم عمر.. ويشير رحمه الله إلى أن سكوت الصحابة إنما كان بسبب تهديده بالعقاب..
ثامنا: قد ثبت أن عمر قد حرم متعة الحج ومتعة النساء في آن واحد، مع أن متعة الحج لم يحرمها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) طيلة حياته، فلو كان تحريمه لمتعة النساء، يوجب تكفيره فلماذا لا يوجب تحريمه لمتعة الحج ذلك أيضا.
تاسعا: دعوى أن بعض الصحابة قد يكونون سمعوا الناسخ ثم نسوه، ثم تذكروه بتذكير عمر لهم، تنافي الروايات التي تتحدث عن إصرار كثير من الصحابة
62

على القول بحلية المتعة، كما أنها تنافي نسبة جابر التحريم إلى عمر بعد أن ذكر استمرار الصحابة على العمل بالمتعة في حياة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وعهد أبي بكر، وشطرا أو إلى النصف من خلافة عمر، حيث يظهر منه أنهم إنما امتنعوا من أجل نهي عمر لهم، لا لأجل تذكرهم للنسخ.
كما أن عمران بن حصين، وابن مسعود يؤكدان عدم صحة ما صدر من عمر من منع لهذا الزواج، وأحدهما يقول: " قال رجل برأيه ما شاء "، والآخر يستشهد بقوله تعالى: {لا تحرموا طيبات إلخ} ".
عاشرا: إن آية: {كنتم خير أمة أخرجت للناس}.. لا تدل على عصمة الأمة، ولأجل ذلك نجد: أن عددا من الصحابة لم يأمروا بالمعروف ولم ينهوا عن المنكر.
63

أحد عشر: إن لزوم الكفر من القبول بتغيير أحكام الله، إنما هو فيما لو كان ثمة قبول بذلك من قبل الصحابة.. وقد عرفنا أنهم لم يقبلوا بذلك، بل استمروا على الخلاف، قولا وفعلا.
وسكوت بعضهم عن خوف بسبب التهديد والوعيد الصادر من الخليفة كما أشرنا يمنع من نسبة الكفر إلى ذلك البعض..
ثاني عشر: إن عدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يلزم منه الكفر، بل يلزم منه ارتكاب المعصية.
رجم عمر للمتمتع:
ويلفت نظرنا تهديدات عمر للمتمتع بالرجم، وقد تبعه في هذه الشدة والحدة، عبد الله ابن الزبير حين هدد ابن عباس بالرجم إن هو تمتع.
64

وهو أمر غريب حقا، وذلك لما يلي:
1 - - فإن الفتوى المتداولة إلى يومنا هذا تقول: إنه لا رجم على المتمتع..
2 - - كما أنه لا خلاف في أن الحدود تدرأ الشبهات، فلو لم تكن المتعة حلالا، فلا أقل من وجود الشبهة فيها، فكيف يجوز التهديد بالرجم، أو الجلد فيها.
3 - - أضف إلى ذلك: أن عمر نفسه قد درأ الحد عن بغي بأجرة فكيف لا يدرؤ الحد عن مستمتع (1) ولذلك حملوا كلامه هذا على المبالغة في النهي (2)

((1) تعليقات لصاحب كتاب المناكحات والمفارقات مطبوعة بهامش كتاب صحيح مسلم سنة 1334 ه‍ ج 4 ص 38.
(1) المصدر السابق.
65

توجيهات لا تجدي لتهديدات عمر بالرجم:
وحين أشكل عليهم توعد عمر بن الخطاب بالرجم لمن تزوج متعة، لأنهم لا يرون عقوبة الرجم فيه، نجدهم قد ذهبوا في توجيه ذلك يمينا وشمالا، ولعل ما ذكره الكاندهلوي هو الأجمع لأطراف هذه المسألة، فهو يقول:
فأراد بقوله: (لو تقدمت ما عندي) فيه من النص الذي لا يحتمل التأويل فيزول الخلاف لرجمت، لتقدم الإجماع وانعقاده.
ويحتمل أن يريد بذلك لو كنت أعلمت الناس برأيي في ذلك من تحريمه، ووجوب الحد، فيه لأقمت الحد لأن الأحكام لا تجري عند الخلاف إلا على ما رآه الإمام الذي يحكم في ذلك لا سيما إذا كان عنده في ذلك، من النص أو وجه التأويل ما
66

يمنع قول المخالف.
وقال ابن عبد البر: الخبر عن عمر رضي الله عنه من رواية مالك منقطع، ورويناه متصلا، ثم أسنده عن يحيى بن سعيد عن نافع عن ابن عمر قال: قال عمر: لو تقدمت فيها لرجمت، يعني المتعة، وهذا القول منه قبل نهيه عنها، وهو تغليظ ليرتدع الناس وينزجروا عن سوء مذهبهم وقبيح تأويلاتهم.
واحتمال أنه لو تقدم بإقامة الحجة من الكتاب والسنة على تحريمها لرجمت... ضعيف لا يصح إلا على من وطئ حراما، لم يتأول فيه سنة ولا قرآنا.
وروى ابن مزين عن عيسى بن دينار، وعن يحيى بن يحيى، عن ابن نافع: أنه يرجم من فعل ذلك اليوم إن كان محصنا، ويجلد من لم يحصن.
67

وقال ابن حبيب، عن مطرف، وابن الماجشون: وأصبغ، عن ابن القاسم: " لا رجم فيه، وان دخل على معرفة منه بمكروه ذلك، ولكن يعاقب عقوبة موجعة لا يبلغ بها الحد ".
وروى عن مالك أنه قال: يذكر فيه الحد، ويعاقب إن كان عالما بمكروه ذلك.
وجه قول عيسى بن دينار، ما روي عن عمر ابن الخطاب أنه قال ذلك للناس، وخطبهم به، وخطبه تنتشر، وقضاياه تنتقل، ولم ينكر ذلك عليه أحد ولا حفظ له مخالف.
ووجه القول الثاني ما احتج به أصبغ: أن كل نكاح حرمته السنة، ولم يحرمه القرآن، فلا حد على من أتاه عالما عامدا، وإنما فيه النكال، وكل نكاح حرمه القرآن، أتاه رجل عالما عامدا فعليه الحد، قال: وهذا الأصل الذي عليه ابن القاسم.
68

قال الباجي: وعندي أن ما حرمته السنة، ووقع الإجماع والإنكار على تحريمه، يثبت فيه الحد، كما يثبت فيما حرمه القرآن.
قال: والذي عندي في ذلك، أن الخلاف إذا انقطع، ووقع الإجماع على أحد أقواله بعد موت قائله، وقبل رجوعه عنه، فإن الناس مختلفون فيه، فذهب القاضي أبو بكر إلى أنه لا ينعقد الإجماع بموت المخالف، فعلى هذا حكم الخلاف باق في حكم قضية المتعة، وبذلك لا يحد فاعله.
وقال جماعة: ينعقد الإجماع بموت إحدى الطائفتين، فعلى هذا وقع الإجماع على تحريم المتعة، لأنه لم يبق قائل به، فعلى هذا يحد فاعله. وهذا على أنه لم يصح رجوع ابن عباس عنه.
ومما يدل على أنه لم ينعقد الإجماع على تحريمه: أنه يلحق به الولد. ولو انعقد الإجماع
69

بتحريمه، وأتاه أحد عالما بالتحريم لوجب أن لا يلحق به الولد، إلى أن قال:
وقال محمد في موطأه، بعد أثر الباب، وقول عمر رضي الله عنه: لو كنت تقدمت فيها لرجمت إنما نضعه من عمر رضي الله عنه على التهديد، وهذا قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا (1)
ونقول:
إننا نلفت النظر إلى أن ما ذكره آنفا لا يمكن قبوله لأسباب عديدة، لعل أكثرها قد اتضح، ويتضح من خلال ما ذكرناه ونذكره في هذا الكتاب، غير أننا نشير هنا إلى بعض النقاط التي قد لا تكون نالت ما تستحقه من التوضيح، فنقول:
1 - - إن هؤلاء يريدون أن ينعقد الإجماع على

(1) أوجز المسالك ج 9 ص 410 و 411.
70

تحريم المتعة قبل قول عمر الآنف الذكر: " لو تقدمت لرجمت " أو " لا أجد رجلا نكحها (أي المتعة) إلا رجمته بالحجارة " من أجل أن يصح التوعد بالرجم، بسبب أن الإجماع إذا انعقد صح الرجم، وصح التوعد به، ولأجل ذلك فسروه بأنه لو بين عمر ما عنده من النص لانعقد الإجماع، وصح له عند ذلك أن يرجم الفاعل..
ولكن بما أن الخلاف باق فإنه لا يستطيع أن يبادر إلى الرجم..
ونلاحظ على هذا التأويل:
أولا: إنه رغم بيان عمر لما عنده، فإن الناس لم يقبلوا منه ذلك، بل استمروا على القول بالحلية، وعلى ممارسة هذا الزواج.
ثانيا: إن هذا التأويل لا ينسجم مع نسبة عمر المنع عن هذا الزواج إلى نفسه، لا إلى رسول الله
71

(صلى الله عليه وآله وسلم).
بل هو قد قرر أن هذا الزواج كان حلالا على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأنه هو الذي يحرمه من عند نفسه.
ثالثا: إن حكم الرجم تابع لثبوت الحكم بالدليل القاطع، سواء أكان الدليل هو قول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، أو الآية، أو الإجماع، أو غير ذلك، وليس تابعا لخصوص الإجماع..
2 - - وأما الاحتمال الثاني القائم على أساس قاعدة: " إن الأحكام لا تجري عند الخلاف، إلا على ما رآه الإمام، الذي يحكم في ذلك، لا سيما إذا كان عنده في ذلك من النص، أو وجه التأويل ما يمنع قول المخالف.. ".
فمن المعلوم: أن هذه القاعدة غير سليمة، والذي أطلقها هو الخليفة نفسه، وقد عارضه في ذلك أمير
72

المؤمنين (عليه السلام) وردها عليه..
فقد روي أن عمر بن الخطاب كان يعس ذات ليلة بالمدينة فلما أصبح قال للناس: " أرأيتم لو أن إماما رأى رجلا وامرأة على فاحشة فأقام عليهما الحد، ما كنتم فاعلين؟!
قالوا: إنما أنت امام.
فقال علي بن أبي طالب: (ليس ذلك لك، إذن يقام عليك الحد، إن الله لم يامن على هذا الأمر أقل من أربعة شهود) (1)
ثم تركهم ما شاء الله أن يتركهم، ثم سألهم. فقال القوم مثل مقالتهم الأولى. وقال علي مثل

((1) راجع السنن الكبرى للبيهقي ج 10 ص 144 والمصنف للصنعاني ج 8 ص 340.
73

مقالته الأولى (1)
هذا إذا كان النظر إلى ما هو من قبيل الموضوعات الخارجية والتطبقيات، وأما في الأحكام، فالأمر فيها أكثر حساسية، وأعظم خطرا، فإذا لم يقبل ذلك في الموضوعات، فإن عدم قبوله في الأحكام يكون أولى.
أضف إلى ذلك: أن النص من شأنه أن يمنع قول المخالف، لكن كيف يمنع وجه التأويل، بل قول من يخالفه في التأويل، ومن الذي يحسم الأمر في مواضع الخلاف على هذا الأمر أيضا.
ثم إنه لا يعقل أن يكون هذا الأمر العام والشامل، الذي يتعاطاه الناس استنادا إلى الآية

(1) الفتوحات الاسلامية (للسيد زيني دحلان) ج 2 ص 466 وراجع: الاستغاثة ص 92 و 93. وراجع كنز العمال ج 5 ص 457 ط مؤسسة الرسالة بيروت - - لبنان.
74

الكريمة، وإلى أقوال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يعقل أن ينفرد في حكم نسخه رجل بعينه، بحيث يكون رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد اختصه بالنص الناسخ، ولا يمكن قبول ذلك ممن يدعي النص الناسخ، وإلا لفتح باب خطير ينال مختلف التشريعات الإلهية، ويجعلها موضع ترديد وريب، بل قد يدفع ذلك الكثيرين لادعاءات نصوص ناسخة لمختلف الأحكام. لو عرفوا أن ذلك يقبل منهم.
على أن كلام ابن عبد البر يمنع هذا الاحتمال، ويمنع الاحتمال السابق أيضا، فليتفق هؤلاء على تفسير بعينه ليمكن النظر فيه.
3 - - وأما عدم إنكار الصحابة على عمر حين هدد بالرجم، فقد ذكرنا مرارا أن عدم اعتراضهم عليه، ربما كان مخافة منه، ولعمر سوابق عديدة في إعلان أمور لا يجرؤ أحد على الاعتراض عليه فيها،
75

مثل صلاة التراويح، وغيرها.
أضف إلى ذلك: أن الكثيرين قد اعترضوا عليه في ذلك، وذلك لإعلانهم عن رفضهم لقراره هذا، وقد قال عمران بن حصين: " قال رجل برأيه ما شاء " وتقدم موقف علي (عليه السلام)، وابن عباس، من أنه لولا نهي عمر عن المتعة ما زنى إلا شقي أو إلا شفا، وغير ذلك كثير جدا، تقدم في فصل النصوص والآثار، فما معنى قوله: " ولم ينكر ذلك عليه أحد، ولا حفظ له مخالف "!!.
4 - - واما قولهم: كل نكاح حرمته السنة، ولم يحرمه القرآن، فلا حد على من أتاه عالما، عامدا، وإنما فيه النكال..
فهو غير صحيح:
أولا: ما هو الفرق بين التحريم بالسنة، وبين التحريم بالقرآن؟.
76

ثانيا: إن هذا يبطل ما يزعمونه، من أن آيات حفظ الفروج، والعدة، والطلاق، والميراث، وغيرها قد حرمت زواج المتعة..
ثالثا: ما الدليل على هذه القاعدة المدعاة، فهل دلت عليها آية، أو رواية، أو غير ذلك؟!.
رابعا: قال الباجي المالكي: " عندي أن ما حرمته السنة، ووقع الإجماع والإنكار على تحريمه يثبت فيه الحد، كما يثبت فيما حرمه القرآن ".
وهو ما ذكر في المتن السابق نقله.
توجيهات وافتراضات لما صدر عن عمر:
بعد أن ظهر أن عمر بن الخطاب هو الذي حرم زواج المتعة، ولم يعد يمكن إنكار ذلك، حتى قال ابن القيم: إن طائفة من الناس يقولون: " إن عمر هو الذي حرمها، ونهى عنها، وقد أمر رسول الله (ص)
77

باتباع ما سنه الخلفاء الراشدون إلخ.. " (1) - - نعم بعد أن أظهر ذلك - - تعددت الافتراضات، والتفسيرات حول سر، وسبب إقدام عمر بن الخطاب على تحريم زواج المتعة، والظروف التي رافقت هذا النهي.
ولعل منشأ ذلك هو اختلاف رواياتهم في ذلك:
أ - - فيرى ابن حزم، وتبعه الباقوري: أن سبب تحريم عمر للمتعة، هو ما رآه من إسراف الناس في الإقبال عليها (2)
وذلك يعني: أنه لم يحرمها، بل حرم الإكثار منها، والإسراف فيها.
2 - - ويرى البعض الآخر: أن عمر إنما حرم المتعة، التي لا يشهد فيها الشهود، ولا تجمع الشرائط، كما ربما يظهر من بعض الروايات

(1) زاد المعاد ج 2 ص 184.
(1) المحلى ج 9 ص 519 و 520، ومع القرآن ص 174.
78

المتقدمة، وكما يظهر ذلك أيضا من كلام الباقوري، وابن حزم، الذي قال:
" وعن عمر بن الخطاب: أنه إنما أنكرها إذا لم يشهد عليها عدلان فقط، وأباحها بشهادة عدلين " (1)
3 - - وهناك أسباب أخرى ذكرتها بعض الرويات في هذا المجال (2) لكن بعض رواتها متهمون؛ فلا مجال للتوقف عندها، ولا سبيل إلى تأييدها، ولأجل ذلك أهملنا التعرض لها..
4 - - ويرى العلامة الكبير السيد محمد تقي الحكيم: أن سر ذلك يرجع إلى:
".. أن بعض المسلمين أساؤا استعمال هذا

(1) راجع: المصدرين السابقين..
(1) راجع: بحار الأنوار ج 100 ص 303 و 304 وج 53 ص 28.
79

التشريع، ودفعه في سورة عاطفية إلى هذا التحريم المطلق، وقد ذكر اسم عمرو بن حريث في هذا المجال، وما ندري تفصيل قصته، غير أننا ذكرنا قصته بالتفصيل في فصل: النصوص والآثار، فراجع.
ويبدو أن هذا التشريع وهو جديد على المسلمين، إذ لم يسبق له نظير في أية شريعة سابقة، دينية، أو مدنية لم يسهل تقبله - - وهو في البداية - - لأن الناس لا يتقبلون أي تشريع يتعلق بشؤون الجنس بسهولة، وربما قابلوه واستنكروه في أعماقهم، ولم تمر عليه بعد مدة كافية لترويض نفوسهم لتقبله، واعتباره شريعة " (1)

(
(1) الزواج المؤقت ص 40 و 41، وقصة عمرو بن حريث التي أشار إليها قد ذكرنا تفصيلها في فصل: النصوص والآثار.
80

ونذكر القارئ الكريم هنا: بأن ما ذكره من أن هذا التشريع كان جديدا على المسلمين هو الحق الذي لا محيص عنه، فإن القرآن الكريم، وكذلك النبي العظيم (صلى الله
عليه وآله وسلم)، لم يكن ليشرع شيئا من أمر الجاهلية، أو يقبل بالزنا، ويحلله للناس..
وذلك يوضح عدم صحة ما ذكره أنيس النصولي في مقال له في جريدة الرأي العام، وموسى جار الله في كتابه: الوشيعة ص 32: من أن المتعة من أنكحة الجاهلية.
ومما يدل على عدم صحة هذه الدعوى أيضا: أن عائشة قد حصرت أنكحة الجاهلية في
81

أربعة، وليس نكاح المتعة منها، فراجع (1)
5 - - أما العلامة الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء، فيرى:
أن عمر قد استنكر قصة في واقعة، مما أوجب تأثره، وتهيجه الشديد، فرأى أن من المصلحة المنع عنها مطلقا، خوفا من تكرار مثل تلك الواقعة الخاصة، اجتهادا منه ورأيا، تمكن من ذهنه، فهو قد اجتهد برأيه لمصلحة رآها بنظره، في زمانه، ووقته، فمنع من استعمال المتعة منعا مدنيا، لا دينيا.
ولكن بعض معاصريه، ومن جاء بعده من المحدثين البسطاء، لم يلتفتوا إلى الحقيقة، فارتبكوا، وتحيروا، وحاولوا إيجاد مخرج من هذا

(1) راجع: صحيح البخاري، وسنن أبي داود، وتيسير الوصول ج 2 ص 330 ط الهند، وغير ذلك.
82

الأمر، وتصحيح ما صدر من الخليفة الثاني (1)
فكان ما كان.. ولفقت الحجج، وبذلت المحاولات، التي لم تسمن، ولم تغن، بل زادت الطين بلة، والأمر إشكالا..
ومهما يكن من أمر، فإننا وإن كنا نوافق إلى أن الوقائع المختلفة، التي أشير إليها في الروايات المتقدمة تدل على أن عمر، قد اقدم على هذا النهي، بسبب أمر أهاجه، وأثاره، ثم تكرر هذا النهي لتكرر العودة إلى ممارسة هذا الزواج، فكان ثمة إصرار على ممارسته والتأكيد على حليته، يقابله إصرار على المنع، وذلك في مناسبات ووقائع مختلفة، حسبما أشرنا إليه..
نعم، إننا وإن كنا نوافق على ذلك لكننا نقول: ان

(1) راجع: أصل الشيعة وأصولها ص 175 و 177.
83

ذلك لا يبرر التعدي على التشريع، وتناوله بالتغيير والتبديل، كما لا يبرر الانفعال من واقعة بعينها وادعاء الألوهية أو النبوة من قبل أي كان من الناس، فينصب نفسه للتلاعب بالأحكام، والابتداع وللتشريع وفق أهوائه وميوله.. فإن على من يواجه أمرا يحرجه أن يدفع ثمن التخلص من الإحراج من جيبه هو، ومن حسابه الخاص، لا أن يتعدى على التشريع، ويتصرف فيه كما يحلو له.
وأما دعوى أنه أراد بذلك مصلحة المسلمين، فلا أدري ما هي مصلحة المسلمين السياسية أو غيرها في المنع عن متعة الحج، التي حرمها مع متعة النساء في مقام واحد..
وذلك يجعلنا نطمئن إلى أن القضية ترتبط بالإنفعالات العاطفية، والتذوق الشخصي لبعض الأمور واستساغتها، أكثر مما ترتبط بمصلحة
84

الإسلام العليا، أو بمصلحة المسلمين..
التحريم إداري أم ديني؟!:
وقد حاول البعض أن يقول: إن تحريم الخليفة لزواج المتعة إداري لا ديني، والعقاب كما يكون على مخالفة الأمر الديني الشرعي، كذلك يكون على مخالفة الأمر الإداري.
وقد يؤيد هذا القول ما رواه الطبري حيث قال: " حدثني محمد بن إسحاق، قال: حدثنا يحيى بن معين قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا عيسى بن يزيد بن دأب، عن عبد الرحمان بن أبي زيد، عن عمران بن سواد، قال: صليت الصبح مع عمر فقرأ سبحان، وسورة معها، ثم انصرف، وقمت معه، فقال: أحاجة؟ قلت: حاجة. قال: فالحق، قال فلحقت. فلما دخل أذن لي، فإذا هو على سرير ليس
85

فوقه شيء. فقلت نصيحة. فقال: مرحبا بالناصح غدوا وعشيا.
قلت: عابت أمتك منك أربعا.
قال: فوضع رأس درته في ذقنه، ووضع أسفلها على فخذه، ثم قال: هات.
قلت: ذكروا أنك حرمت العمرة في أشهر الحج ولم يفعل ذلك رسول الله (ص)، ولا أبو بكر (رض)، وهي حلال.
قال: هي حلال، لو أنهم اعتمروا في أشهر الحج رأوها مجزية عن حجهم، فكانت قائبة قوب عامها. فقرع حجهم، وهو بهاء من بهاء الله، وقد أصبت.
قلت: وذكروا انك حرمت متعة النساء، وقد كانت رخصة من الله، نستمتع بقبضة ونفارق عن ثلاث.
86

قال: إن رسول الله (ص) أحلها في زمان ضرورة، ثم رجع الناس إلى السعة، ثم لم أعلم أحدا من المسلمين عمل بها، ولا عاد إليها، فالآن من شاء نكح بقبضة وفارق عن ثلاث بطلاق وقد أصبت.
قال: قلت: وأعتقت الأمة إن وضعت ذا بطنها بغير عتاقة سيدها.
قال: ألحقت حرمة بحرمة، وما أردت إلا الخير واستغفر الله.
قلت: وتشكو منك نهر الرعية، وعنف السياق.
قال: فشرع الدرة ثم مسحها حتى أتى على آخرها، ثم قال: أنا زميل محمد الخ " (1)

((1) تاريخ الأمم والملوك ج 3 ص 290 و 291 وشرح النهج للمقزلي ج 12 ص 121 والجواهر ج 30 ص 146 والغدير ج 6 ص 212.
87

ونقول:
إن لنا تحفظا على هذا الاعتذار نوضحه فيما يلي:
1 - - إن التحريم الإداري لا يقتضي العقوبة بالرجم، بل الذي يقتضي ذلك هو خصوص التحريم الشرعي؟.
2 - - إن سياق كلام الخليفة لا يتلائم مع هذا التخريج، لأنه قد حرم متعة الحج أيضا، وكذلك حي على خير العمل في الأذان في نفس الوقت.. ولا نجد وجها للتحريم الإداري لهما.
3 - - إن تشريعها لحالات الضرورة، يقتضي عدم المنع عنها بصورة مطلقة. إلا بعد دراسة كل حالة
88

على حدة، والتحقق من عدم وجود الضرورة فيها..
4 - - سيأتي الحديث عن أن القول بأن تشريعها لأجل الضرورة لا يصح.
شواهد على أن التحريم إداري:
ولعل البعض يقول: إن ما تقدم من أن عمر لم يحرم المتعة دينيا، وإنما حرمها تحريما مدنيا، وقتيا، حسبما أدى إليه اجتهاده، ورأيه، بسبب أن البعض قد أساء استعمال هذا التشريع، أو بسبب ثورة عاطفية كما يراه الحكيم، هو الصحيح، والحق الصريح، الذي لا محيص عنه، ولا مجال لإنكاره وله شواهد كثيرة.
فنلاحظ في الروايات المتقدمة: أن فيها ما
89

يشير إلى ارتباك في تعليل النهي، وفي مورده من قبل الناهي نفسه..
فتارة ينهى عن أن يتزوج المحصن متعة.
وتارة ينهى عنها، لعدم الإشهاد الصحيح، والكافي بنظره..
وثالثة: بسبب أن البعض قد ولد لهم من المتعة، ولم يلتفتوا إلى أولادهم، أو أنكروا الأولاد.. وهكذا.. فقد تعددت واختلفت التعليلات باختلاف وتعدد الوقائع، حسبما قدمنا.
وهذا ما يؤيد، ويؤكد، أن النهي لم يكن على سبيل التشريع، أو جعل الحكم، بل على سبيل الاستفادة من هيبة الحكم، وشوكة السلطان.
ومما يدل على ذلك: أن لدينا تصريحا بهذا الأمر من قبل عمر نفسه، واعترافا منه بأنه لم
90

يحرم المتعة أصلا، بل يعترف: أنه ليس لعمر أن يحرم ما أحل الله، فقد روى: أحمد بن عيسى، عن القاسم، عن أبان، عن إسحق، عن الفضل، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: " بلغ عمر: أن أهل العراق يزعمون: أن عمر حرم المتعة، فأرسل إليهم فلانا - - سماه - - فقال: أخبرهم: إني لم أحرمها، وليس لعمر أن يحرم ما أحل الله، ولكن عمر قد نهى عنها.. " (1)
وهذا التفريق بين النهي والتحريم، كان موجودا منذ ذلك الحين، فقد روى: في الكافي بسنده عن علي بن يقطين قال: " سأل المهدي أبا

(
(1) البحار ج 100 ص 319، وفي هامشه عن: نوادر أحمد بن محمد بن عيسى ص 66، ومستدرك الوسائل ج 2 ص 87، عن النوادر أيضا.
91

الحسن (عليه السلام) عن الخمر، هل هي محرمة في كتاب الله عز وجل، فإن الناس إنما يعرفون النهي عنها، ولا يعرفون التحريم لها، فقال له أبو الحسن: بل هي محرمة في كتاب الله إلخ.. " (1)
ونقول:
إن ذلك كله لا يصلح شاهدا على ذلك، وذلك لما يلي:
1 - - إن عمر قد قال في خطابه لهم بالتحريم: إن المتعتين وحي على خير العمل قد كانتا حلالا في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهو يحرمها جميعا.. والحديث هو عن التحريم المقابل لتحليل رسول الله (صلى الله عليه وآله).
2 - - إننا لا نجد وجها للتحريم الإداري لمتعة

(1) الكافي ج 6 ص 406 والبحار ج 48 ص 149.
92

الحج، وحي على خير العمل..
3 - - إن التهديد بعقوبة الرجم يشير إلى ذلك أيضا.
4 - - محاولات عمر بعد ذلك: نسبة التحريم إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأن من يتمتع فإن عليه أن يأتي بأربعة يشهدون أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد أحلها بعد إذ حرمها... وغير ذلك مما تقدم. يشهد على أن عمر قد حرم ما أحل الله، ولم يكن ما فعله مجرد منع إداري.
ولعله، حين ظهرت الاعتراضات عليه، وتفاقمت الأمور ضده.. قد حاول أو حاول محبوه تلطيف الأجواء، والتخفيف من وقع وهول ما جرى. فكانت التأويلات والتعليلات..
خلاصة وبيان:
93

ومهما يكن من أمر، فإننا لو سلمنا: أن تحريم عمر للمتعة كان تحريما إداريا لظروف معينة اقتضت ذلك، فإن ذلك يدل على أنه لا مسوغ لاستمرار القول بالتحريم، لأن التدبير الإداري ينتهي بانتهاء ظرفه، ولا مجال بعد ذلك للاستمرار فيه.
وإن كان تحريمه لأن لديه رواية في التحريم عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فإن ذلك يتعارض مع قوله: متعتان كانتا على عهد رسول الله أنا أحرمهما، حيث نسب التحريم إلى نفسه، لا إلى رواية رواها عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، بالإضافة إلى النصوص الأخرى التي تدل على بقاء الحلية بعد النبي (صلى الله عليه وآله).
بالإضافة إلى شواهد أخرى أشرنا إلى كثير منها
94

فيما سبق.
وإن كان تحريمه بسبب أنه يرى أن له الحق في الاجتهاد في مقابل النص، فذلك أمر يرجع إليه وحجته فيه قائمة عليه، وليس حجة على سواه، والله ورسوله أولى بالاتباع من عمر، ومن كل أحد.
95

الفصل الثاني
97

في أجواء التحريم..
98

الرازي يحتج بإقرار عمر، بحلية المتعة:
إننا قبل أن نشرع في الحديث نشير إلى أن الرازي قد ذكر أن عمر قد أقر بحلية زواج المتعة، وأن قوله هذا حجة للقائلين بتحليل المتعة، فهو يقول:
" الحجة الثالثة: ما روي: أن عمر رضي الله عنه قال على المنبر: متعتان كانتا مشروعتين في عهد رسول الله (ص)، وأنا أنهى عنهما: متعة الحج ومتعة النكاح ".
وهذا.. منه تنصيص على أن متعة النكاح كانت موجودة في عهد الرسول (ص) وقوله: " وأنا أنهى عنهما " يدل على أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ما نسخه، وإنما عمر هو الذي نسخه، وإذا ثبت هذا.. فنقول:
هذا الكلام يدل على أن حل المتعة كان ثابتا
100

في عهد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأنه ما نسخه، وأنه ليس ناسخ إلا نسخ عمر، وإذا أثبت هذا وجب أن لا يصير منسوخا بنسخ عمر، وهذا هو الحجة التي احتج بها عمران بن الحصين حيث قال:
" إن الله أنزل في المتعة آية، وما نسخها بآية أخرى، وأمرنا رسول الله (ص) بالمتعة، وما نهانا عنها، ثم قال رجل برأيه ما شاء..
يريد: أن عمر نهى عنها " (1)
وبعد هذه الحجة الظاهرة، وهذا الاعتراف الصريح، ومن أحد أشد المدافعين عنه، ندخل في الحديث عن اعتذاراتهم عن عمر في تحريمه لهذا الزواج المشروع، فنقول:

(1) التفسير الكبير ج 10 ص 54.
101

متابعة الصحابة لعمر إجماع على التحريم:
يقول الطحاوي: " فهذا عمر رضي الله عنه قد نهى عن متعة النساء، بحضرة أصحاب رسول الله (ص) فلم ينكر ذلك عليه منهم منكر، وفي هذا دليل على متابعتهم له على ما نهى عنه من ذلك، وفي إجماعهم على النهي في ذلك عنها دليل على نسخها، وحجة " (1)
ونقول:
1 - - لماذا ينقم الناس إذن على عمر تحريمه لزواج المتعة، حسبما ذكرته رواية الطبري؟! لقد كان ينبغي لهم - - لو كان ثمة نهي ديني - - أن ينقموا على الله ورسوله، والعياذ بالله، لا على عمر بن الخطاب.

(1) شرح معاني الآثار ج 3 ص 27.
102

2 - - ما ذكره الطحاوي من متابعة الصحابة لعمر، وإجماعهم على ما نهى، عجيب وغريب وفي الفصول المتقدمة إجابة شافية وكافية على هذا القول.
3 - - وإذا كان الصحابة مجمعون على التحريم، فلماذا استمر أهل مكة والمدينة واليمن على القول بحلية هذا الزواج، بل إن ابن جريج قد تمتع بسبعين أو بتسعين امرأة حسبما تقدم.
قول عمر معارض بقول غيره:
قد تبذل محاولة لتبرئة عمر على اعتبار: أنه صحابي، وقول الصحابي حجة. فلابد من التسليم..
والجواب:
أولا: لا دليل على حجية قول الصحابي.
ثانيا: لو سلمنا حجيته، فإنما هي في صورة عدم
103

وجود نص على خلافه، فكيف إذا صرح الصحابي نفسه بوجود النص وبتعمد مخالفته؟!.
ثالثا: إذا كان قول عمر حجة، لأنه صحابي، فليكن قول علي أمير المؤمنين (عليه السلام)، وجابر، وابن مسعود، وابن عباس، وأبي بن كعب، و.. و.. حجة لأنهم من الصحابة أيضا..
أو على الأقل ليكن قول هؤلاء معارضا لقول الخليفة وحده، وليتساقط القولان، فيرجع إلى أصالة الحلية.
لماذا سنة عمر، وليس سنة علي (ع)؟
ولعل بعضهم يتخيل: أن هذه سنة عمر، وهو من الخلفاء الراشدين، ويجب أن يعضوا عليها بالنواجذ، كما أمرهم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).
104

والجواب:
أولا: إن هذا الحديث موضع ريب وشك.
ثانيا: أن ما سنه الخلفاء فيه الكثير من التناقض والاختلاف فهل يؤخذ به وهو على هذه الصفة.
ثالثا: إن ما سنوه إذا خالف النص كان ابتداعا وليس سنة.
رابعا: لو سلمنا، فمن الذي قال: إن المقصود هم الخلفاء الأربعة.. بل الظاهر أن المقصود هم الأئمة الإثنا عشر، الذين تحدث عنهم جابر بن سمرة عن النبي (صلى الله عليه وآله) كما في الصحاح حيث عبر عنهم في ذلك الحديث: بالخلفاء.
خامسا: لو سلمنا، فلماذا لا يأخذون بسنة علي (عليه السلام) في التحريم؟! مع أنه من الخلفاء الراشدين أيضا.
105

هل قصر الصحابة:
إن القول: إن عمر وحده هو الذي عرف وروى التحريم عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فيه اتهام لكبار الصحابة، بل للصحابة جميعا، بالتقصير في تبليغ أحكام الله، أو بالجهل، أو بعدم الاهتمام بتوجيهات الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).
سكوت الصحابة لماذا؟!:
ولربما يحلو للبعض: أن يعتبر سكوت الصحابة وعدم اعتراضهم على عمر بن الخطاب حين تحريمه لهذا الزواج.. يدل على أنهم كانوا يرون حرمة هذا الزواج أيضا (1)

(1) مجلة الهلال المصرية عدد 13 جمادى الأولى سنة 1397 ه‍. ق. أول مايو سنة 1977 م.
106

وسيأتي كلام الفخر الرازي حول هذا الموضوع بالذات أيضا، فانتظر.
ونقول:
أولا: قد تقدم أن عمران بن حصين قد أنكر على عمر هذا الأمر، كما أنكره عليه آخرون، وأصروا على مخالفته، واستمروا على ممارسة هذا الزواج بالرغم من تهديده ووعيده، وهذا يعتبر أبلغ اعتراض عليه بل ليس ثمة من إنكار أعظم من ذلك..
ثانيا: إن هذا لا يصلح دليلا على ذلك، لا سيما مع تهديد عمر لهم بالعقاب الذي كان يمارسه ضدهم في كل المواقع التي أقدم فيها على مثل هذا، فقد كان يضرب الناس على الصلاة بعد العصر (1) وقد تهدد أبا موسى الأشعري في حديث

(1) أحكام الأحكام لابن حزم ج 5 ص 821.
107

الاستئذان (1) وكان يضرب من يحدث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)..
وقد ذكر الجاحظ كلاما يجيب به على سؤال: كيف لم ينكر الصحابة على أبي بكر في حكمه الخاطئ بدفع الزهراء عن الميراث، فإن في رضاهم وإمساكهم عن النكير عليه دليلا على صوابه.. فكان مما قاله الجاحظ:
" وكيف جعلتم ترك النكير حجة قاطعة، ودلالة واضحة، وقد زعمتم: أن عمر قال على منبره: متعتان كانتا على عهد رسول الله (ص): متعة النساء ومتعة الحج، أنا أنهى عنهما، وأعاقب عليهما، فما

(1) راجع مسند احمد ج 3 ص 19 وسنن الدارمي ج 2 ص 274 ومشكل الآثار ج 1 ص 499 والغدير ج 6 ص 158 عنهم وعن المصادر التالية: صحيح مسلم ج 2 ص 234 كتاب الآداب وصحيح البخاري ج 3 ص 837 ط الهند وسنن أبي داود ج 2 ص 340.
108

وجدتم أحدا أنكر قوله، ولا استشنع مخرج نهيه، ولا خطأه في معناه، ولا تعجب منه، ولا استفهمه؟!.
وكيف تقضون بترك النكير، وقد شهد عمر يوم السقيفة وبعد ذلك: أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: الأئمة من قريش، ثم قال في شكاته: لو كان سالم حيا ما تخالجني فيه شك، حين أظهر الشك في استحقاق كل واحد من الستة الذين جعلهم شورى، وسالم عبد لامرأة من الأنصار، وهي أعتقته، وحازت ميراثه.
ثم لم ينكر ذلك من قوله منكر، ولا قابل إنسان بين قوله، ولا تعجب منه.
وإنما يكون ترك النكير على من لا رغبة ولا رهبة عنده دليلا على صدق قوله وصواب عمله.
فأما ترك النكير على من يملك الضعة والرفعة،
109

والأمر والنهي، والقتل والاستحياء، والحبس والإطلاق، فليس بحجة تشفي، ولا دلالة تضيء " (1)
كما أنهم لم ينكروا منعه عن متعة الحج، ولا منعه من كتابة ورواية حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
ومن أراد الاطلاع على شواهد كثيرة في هذا المجال، فليراجع كتاب الغدير ج 6 باب نوادر الأثر في علم عمر.. وغير ذلك..
والخلاصة: أننا لو سلمنا أنهم لم ينكروا عليه؛ فلعل عدم إنكارهم عليه يعود إلى بعض الأمور التالية:
1 - - إنهم قد فهموا، أن نهيه لم يكن تحريما

((1) شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج 16 ص 265 و 266، والشافي ج 4 ص 86 و 87.
110

تشريعيا مؤبدا، وإنما كان لمصلحة وقتية.. ويرون أن للحاكم أن يقدم على هذا لمصلحة يراها بنظره، وسيأتي الشاهد على ذلك من كلام عمر نفسه..
2 - - خوفهم من بطشه، ولا سيما بملاحظة ما نعلمه من هيبة عمر وشدته على من خالفه، لا سيما مع ما يرونه من إصراره على المنع، وتهديده العنيف لمن يخالف.
3 - - ولو سلمنا، فإننا نقول: إن اقتناعهم بأنه لا فائدة من الاعتراض.. ما دام أنه يصرح لهم بأنه يعلم: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد أحل هذا الزواج وشرعه - - نعم في اقتناعهم هذا - - يجعلهم ينصرفون عن الاعتراض عليه، حيث يرون أن ذلك لا يجدي ولا يفيد..
111

وهذا هو الفارق بين هذا المقام، وبين الموارد التي رجع فيها إلى آراء الصحابة، حيث لم يكن عالما بالحكم هناك وهو عارف به هنا.
كما أنه هناك كان يبدي استعدادا للعمل بما يقال له، أما هنا فهو يبدي إصرارا وعنادا على الخلاف والمنع..
وثالثا: لا يستطيع أحد أن يدعي أن ثمة من رجع منهم عن القول بالحلية، بل غاية ما يدعى هو امتناعهم عن الممارسة وعن الجهر بالخلاف، وهذا لا يلازم ذلك..
هل كفر الصحابة بسكوتهم؟!
قال الفخر الرازي:
112

الحجة الثانية - - أي في تحريم المتعة - - ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه قال في خطبته: (متعتان كانتا على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنا أنهى عنهما، وأعاقب عليهما) ذكر هذا الكلام في مجمع الصحابة وما أنكر عليه أحد.
فالحال ههنا لا يخلو من إشكال: إما أن يقال: إنهم كانوا عالمين بحرمة المتعة فسكتوا، أو كانوا عالمين بأنها مباحة ولكنهم سكتوا على سبيل المداهنة، أو ما عرفوا إباحتها، ولا حرمتها فسكتوا لكونهم متوقفين في ذلك.
والأول؛ هو المطلوب.
والثاني؛ يوجب تكفير عمر، وتكفير الصحابة، لأن من علم أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حكم بإباحة المتعة ثم قال: إنها محرمة محظورة من
113

غير نسخ لها فهو كافر بالله تعالى، ومن صدقه عليه مع علمه بكونه مخطئا كان كافرا أيضا، وهذا يقتضي تكفير الأمة، وهو على ضد قوله تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس}.
والقسم الثالث: وهو أنهم ما كانوا عالمين بكون المتعة مباحة أو محظورة فلهذا سكتوا، فهذا باطل أيضا (1) لأن المتعة بتقدير كونها مباحة تكون كالنكاح.
واحتياج الناس إلى معرفة الحال في كل واحد منهما عام في حق الكل.
ومثل هذا يمنع أن يبقى مخفيا بل يجب أن يشتهر العلم به فكما أن الكل كانوا عالمين بأن النكاح مباح وأن إباحته غير منسوخة وجب أن يكون

(1) وهو يقتضي تكفير عمر، إذا كان عالما بعدم الحرمة، ومع ذلك يصر على التحريم.
114

الحال في المتعة كذلك.
ولما بطل هذان القسمان ثبت أن الصحابة إنما سكتوا عن الإنكار على عمر (رض) لأنهم كانوا عالمين بأن المتعة صارت منسوخة في الإسلام (1)
وإن شئت قلت: إن المتعة كانت حلالا في الإسلام بلا خلاف والخلاف إنما هو في الناسخ.
فلو كان الناسخ موجودا لعلم بالتواتر أو بالآحاد، ولو كان بالتواتر لكان علي، وابن عباس، وابن الحصين منكرين لما علم بالتواتر، وذلك يوجب تكفيرهم، وهو باطل قطعا.
ولو كان بالآحاد للزم نسخ المقطوع بالمظنون، وهو باطل..
وأجاب الرازي بما يلي:

(1) التفسير الكبير ج 10 ص 52.
115

أولا: لعل بعضهم سمع الناسخ ثم نسيه، ثم تذكروه بتذكير عمر لهم، فسلموا له وقبلوا.
فإن قيل: إن عمر أضاف النهي إلى نفسه.
قلنا: لو كان مراده: أن المتعة حلال في شرع محمد، وأنا أنهى عنها.. لزم تكفيره وتكفير كل من لم يحاربه وينازعه من الصحابة حتى علي (ع)، فلا بد أن يكون مراده: أنها كانت مباحة في زمن الرسول (ص)، وأنا أنهى عنها لما ثبت عندي أن النبي (ص) قد نسخها (1)
وهذا هو السبب في سكوت الصحابة عن الاعتراض على عمر، أي لأنهم صاروا عالمين بأن المتعة منسوخة من قبل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

(1) راجع المصدر السابق: ص 52 و 53 و 54.
116

ونقول:
قد تقدم بعض ما يدل على عدم صحة ما ذكروه فيما يرتبط بعدم اعتراض الصحابة عليه، ونعود هنا لنؤكد على ما تقدم ولنشير إلى مؤاخذات أخرى تسقط كلام الرازي عن الاعتبار، وهي التالية:
أولا: إن عمر بن الخطاب قد نسب الحرمة إلى نفسه صراحة معترفا بأن المتعتين: كانتا على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثم قال: " وأنا أحرمهما وأعاقب عليهما ".
فلو كانت المتعة محرمة على لسان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، لقال: متعتان حرمهما رسول الله، فأنا أعاقب عليهما - - لأنني صاحب السلطة..
117

ثانيا: من الذي قال: إن جميع الصحابة قد سكتوا ولم يعترضوا؟! فإنه لا يوجد نص ينفي ذلك، غاية الأمر أن ذلك لم ينقل إلينا، والدواعي متوفرة على إخفائه لو كان..
ثالثا: قد تقدم في فصل النصوص والآثار: أن عمران بن حصين قد واجهه في نفس المجلس الذي أعلن فيه تحريم المتعة، كما أن الروايات قد صرحت بعدم قبول
الكثيرين منهم هذا التحريم منه، ومنهم علي (عليه السلام)، وابن عباس، وجابر، وابن مسعود، وحتى معاوية إلى أخر القائمة الكبيرة من الصحابة ممن قدمنا شطرا من أسمائهم، وأقوالهم وممارساتهم وأفعالهم في فصول هذا الكتاب فلا نعيد..
بل إن رواية الطبري تشير إلى أن الأمة كانت تعيب عليه تحريمه للمتعة، فراجع قول عمران بن
118

سواد له: " عابت أمتك أربعا ": وقد ظهر من جواب عمر: أنه يرى أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أحلها للضرورة.
فالمعيار - - هو أن يسكت الصحابة ويقبلوا بما قال.. والنصوص تثبت عكس ذلك، فإن الكثيرين منهم قد أصروا على الجهر بحلية هذا الزواج، ومارسوه عمليا إلى درجة أنه أصبح شائعا كثيرا في أهل مكة، والمدينة، واليمن كما ذكرناه فيما سبق.
رابعا: من قال: إن الصحابة كانوا حاضرين جميعا في ذلك المجلس.
تمتع الصحابة أعمال فردية:
هناك من يقول: إن نهي عمر، وموافقة أكثر الصحابة له، يدل على أن التحريم للمتعة كان ثابتا عندهم، كما كان ثابتا عند عمر.. وأما فتوى ابن عباس
119

وغيره بالحلية، كما أن عمل بعض الناس بها في زمن الرسول (صلى الله عليه وآله) وزمن أبي بكر، وعمر، فهو عمل فردي، لا يصلح حجة على صدور الإباحة العامة والمستمرة، ولا يصلح دليلا على خطأ عمر فيما أقدم عليه.
ويرد عليه:
أن قول ابن مسعود: " كنا نغزو مع رسول الله (ص).. ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل ".
وقول: عمران بن الحصين: " تمتعنا مع رسول الله (ص) "، وقول جابر: " كنا نستمتع "، " واستمتعنا ".
وقول غيره: " ما كنا في عهد رسول الله (ص) زانين ولا مسافحين.. " وما إلى ذلك.
إن ذلك كله سواء يدل على أنهم يتحدثون
120

عن ظاهرة عامة لا تقتصر على أفراد قليلين لم يبلغهم النهي..
خصوصا مع دعوى أن النهي قد صدر في تجمعات كبيرة مثل خيبر، والفتح، وحجة الوداع، وحنين، وأوطاس، وتبوك..
النهي لم يبلغ الذي استمتع:
وقد اعتذر البعض عن تلك الروايات، بأن من الممكن أن يكون النهي النبوي لم يبلغ جابرا، ولا غيره من الصحابة الذين نقل عنهم استمرارهم على تحليل هذا الزواج بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، إلى أن نهى عمر عنه، بل قد احتمل ذلك
121

في حق علي (عليه السلام) أيضا (1)
ونقول:
إن ما تقدم من تصريح الروايات بان عمر يضيف النهي إلى نفسه، يجعل هذا الاعتذار على درجة كبيرة من الوهن والضعف.
ويزيده وهنا: تصريحهم بأن هذا الزواج كان حلالا في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأبي بكر، وصدر من خلافة عمر..
كما أن إصرارهم على عدم قبول ذلك من عمر، يجعل من هذا الاعتذار مثارا للاستخفاف، وجنوحا إلى السخرية والاستهزاء.

(1) فتح الباري ج 9 ص 149، وراجع ص 147، حول احتمال بلوغ النهي لعلي (عليه السلام) يوم خيبر، وراجع: شرح الموطأ للزرقاني ج 4 ص 47، وشرح معاني الآثار ج 3 ص 27.
122

تباعد الأمصار دعا لإعادة إبلاغ الحرمة:
ويزعم بعضهم أن ما صدر عن عمر بن الخطاب لم يكن سوى إبلاغ للحكم الذي صدر من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، لأن تباعد الأمصار الإسلامية مع عدم توفر وسائل إعلام، قد جعل وصول الحكم إلى الناس صعبا، فاحتاج إلى تعدد التذكير والتحذير..
ونقول:
1 - - لماذا اختص هذا الإبلاغ بهذين الأمرين متعة النساء، ومتعة الحج، أو الثلاثة، بإضافة المنع من (حي على خير العمل) في الاذان.
فإن الأحكام الشرعية فوق حد الحصر.. ولم يحصل فيها ما حصل لهذه الأمور الثلاثة.
2 - - إن الذين يعترضون على التحريم،
123

ويرفضون الأمر الذي أصدره عمر لهم هم من الصحابة، بل هم من كبارهم، ولم يكونوا من أهل الأمصار الأخرى..
3 - - إن الكلام الذي صدر عن الخليفة الثاني يأبى عن هذا التفسير، فإنه قال: أنا أحرمهما، وأعاقب عليهما..
بالإضافة إلى صراحة النصوص الأخرى في استمرار هذا التشريع من زمن رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى زمن عمر..
4 - - على أن الأمر لو كان كذلك لاقتضى تكرار هذا الإبلاغ من غير الخليفة الثاني أيضا، فلماذا لم يبلغهم ذلك أبو بكر قبله، ولماذا سكت عمر إلى مضي النصف من خلافته؟!.
124

متعتا الحج والنساء كيل بمكيالين:
وتتميما لما سبق نقول:
1 - - ثم لماذا لم ينكروا على عمر تحريمه لمتعة الحج؟! مع أنه يتحداهم، ويقول كما يروي ابن عباس: إني لأنهاكم عن المتعة، وإنها لفي كتاب الله، ولقد فعلها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، يعني العمرة في الحج (1)
نعم، إنه يتحداهم على هذا النحو الصريح والفاضح، ولا يجرؤ أحد على الوقوف في وجهه، رغم اعترافه صراحة بأن ما ينهاهم عنه موجود في القرآن، وقد فعله النبي (صلى الله عليه وآله

((1) سنن النسائي ج 5 ص 153، وقد تقدم أن تفسير الراوي للمتعة ب‍ (متعة الحج) كان اجتهادا منه، لحاجة في نفسه قضاها!!.. وليراجع: الغدير ج 6 ص 205، فإن فيه رواية أخرى بهذا المضمون، وفيها دلالة أيضا على أن ذلك كان اجتهادا من عمر، فلا يصح نسبة ذلك إلى النبي (ص)..
125

وسلم).
2 - - وإذا كانوا قد وجهوا نهي عمر عن متعة النساء، بأن هذا الزواج قد نسخ، فلماذا لا يحمل نهيه عن متعة الحج على النسخ أيضا، فإن الخليفة الثاني قد حرمهما ونهى عنهما بلفظ واحد، وفي مقام واحد، فقال: متعتان كانتا على عهد رسول الله (ص) وأنا أحرمهما وأعاقب عليهما.. إلخ.
النهي عن متعة الحج للتنزيه لا للتحريم:
وقال البيهقي: " نحن لا نشك في كونهما على عهد رسول الله (ص)، لكنا وجدناه نهى عن نكاح المتعة عام الفتح، بعد الإذن فيه، ثم لم نجده أذن فيه بعد النهي عنه، حتى مضى لسبيله (ص) فكان نهي عمر بن الخطاب (رض) عن نكاح المتعة، موافقا لسنة رسول الله (ص)، فأخذنا به.
126

ولم نجده (ص) نهى عن متعة الحج، في رواية صحيحة عنه، ووجدنا في قول عمر (رض) ما دل على أنه أحب أن يفصل بين الحج والعمرة، ليكون أتم لهما، فحملنا نهيه عن متعة الحج على التنزيه، وعلى اختيار الإفراد على غيره، لا على التحريم " (1)
وقال الترمذي: " وأهل الحديث يختارون التمتع بالعمرة والحج وهو قول الشافعي، واحمد، وإسحاق " (2)
ونقول:
إن كلامهم هذا لا يمكن قبوله:
أولا: لما عرفناه من أن المتعة قد بقيت حلالا،

(1) السنن الكبرى ج 7 ص 206 وراجع: شرح الموطأ للزرقاني ج 4 ص 46.
(1) الجامع الصحيح ج 2 ص 159 ذيل حديث ص 823.
127

وبقي الصحابة يعملون بها إلى زمان عمر نفسه.
وما قيل من أن النهي عنها قد كان عام الفتح، قد تقدم أنه لا يصح.
ثانيا: كيف يصح ما ذكره البيهقي وغيره من أن نهي عمر عن متعة الحج، قد كان للتنزيه، لا للتحريم، ونحن نجد أن عمر قد حرمهما (الحج والنساء) معا، وتوعد بعقاب الفاعل لهما والمخالف فيهما على حد سواء؟.
فهل يصح العقاب على مخالفة الأمر التنزيهي؟!.
وثالثا: بالنسبة للرواية التي نقلها البيهقي عن عمر بن الخطاب، ونسب فيها النهي إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فتكذبها الرواية التي ذكرها البيهقي نفسه، عن عمر نفسه أيضا، ويصرح
128

فيها بأنه لو تقدم بالنهي عن متعة النساء لرجم فاعلها.
رابعا: إذا كانوا قد حملوا نهيه عن متعة الحج على الكراهة، والتنزيه، بل عن بعضهم الإجماع على الجواز فيها (1) مع توعده كذلك بالعقاب على فاعلها - - فليحمل
نهيه عن متعة النساء على الكراهة أو التنزيه أيضا..
وكيف خالفوه في تحريمه متعة الحج، وقبلوا منه تحريم متعة النساء؟! مع أنه قد حرمهما معا! فكان ينبغي الموافقة فيهما معا، أو المخالفة فيهما معا، حتى لا يكون ثمة إيمان ببعض القول، وكفر ببعض..
خامسا: وإذا كان نهيه عن متعة الحج اجتهادا

(1) جواهر الكلام ج 30 ص 146.
129

منه، حتى لا يعرسوا بهن في الأراك، ثم يهلوا بالحج ورؤوسهم تقطر كما يقول (1) فليكن تحريمه لمتعة النساء أيضا، اجتهادا منه، كما اعترف به هو نفسه في رواية الطبري المتقدمة، حيث قال فيها: " إن رسول الله (ص) أحلها في زمان ضرورة، ثم رجع الناس إلى السعة ".
وما ذكره عمر في سبب نهيه عن متعة الحج، يوضح عدم صحة قولهم: إنه إنما نهى عن متعة الحج لأجل ألا يعطل البيت في غير أشهر الحج - - كما عن عروة بن الزبير، ويوسف بن ماهك، وكما ذكره ابن كثير في البداية والنهاية.

(1) وذلك معروف ومشهور، فراجع: مسند أحمد ج 1 ص 49 و 50 وسنن النسائي ج 5 ص 153 وعن صحيح مسلم ج 4 ص 45 وغير ذلك. وراجع: الغدير ج 6 ص 204 و 205، فإنه قد ذكر روايات تفيد: أن عمر بن الخطاب نفسه قد اعترف بأنه قد حرم متعة الحج لذلك، اجتهادا منه، وقد اعترف بذلك ابنه عبد الله أيضا.
130

ثم هو يوضح أيضا عدم صحة قولهم إن العمرة في الحج كانت خاصة لأصحاب محمد لكي يخالفوا ما عليه أهل الجاهلية من تحريم العمرة في أشهر الحج، لأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أمر الصحابة بالإحرام بالحج ثم أمرهم بفسخه إلى العمرة ليبطل ما كان عليه أهل الجاهلية.
ولسوف نشير إلى أعذار أخرى اعتذروا بها لعمر في تحريمه لهذا الزواج، ولسوف نرى: أن نسبة ذلك إليه - - على بعض تلك الوجوه - - لا تستلزم تكفيرا له..
على أن الحديث عن لوازم كهذه لا يبطل الإستدلال، ولا يوجب رفع اليد عن التشريع الثابت بالدلالة القطعية.
131

الفصل الثالث
133

المتعة رخصة للمضطر..
134

لابد من القول:
قد خصصنا هذا الفصل للحديث عن مقولة: " إن تشريع المتعة إنما كان للمضطر " ثم نسخ هذا التشريع. وقد كان من الممكن تلخيص كلماتهم، والإجابة عنها مرة واحدة.. ولكننا وجدنا في الصياغات المختلفة لهذه المقولات حيثيات تختلف وتتفاوت، ولربما يحسب بعض القراء أننا لم نلتفت إليها ولم نراعها في مقام المناقشة، الأمر الذي يترك نوعا من التشويش والقلق فيما يرتبط بدقة المناقشات أو باستيفائها للشروط الموضوعية.
فكان هذا الأمر حافزا لنا إلى أن نتركها على حالها ونوجه مناقشتنا إليها مباشرة من دون أي تصرف أو إخلال بحرفية نصوصها.. الأمر الذي نشأ عنه الإحساس بأن ثمة تكرارا - - لو يسيرا - - في
136

بعض الأحيان. مما قد يعتبره البعض حالة سلبية من الناحية الفنية أو إخلالا لا مبرر لتحمله، أو الرضا به.
ولأجل ذلك كان لابد من تقديم العذر عن هذا الأمر، وإعلام القارئ الكريم بأن ثمة تعمدا دعت إليه ضرورة والتزام أدبي تجاه القارئ الكريم..
وبناء على ما تقدم فإننا نستهل حديثنا:
مع المقبلي في تأويلاته وتوجيهاته:
فنقول:
لقد حاول المقبلي الخروج من المأزق الذي نشأ من تحريم عمر للمتعة، فقال ما ملخصه:
إنك إذا رميت هيبة الناس، واقتصرت على المتيقن تجد:
1 - - إن الأصل هو المنع، لأنه رخصة خلاف النكاح المعروف في الشرع، وهو الدائم.
2 - - إنهم لم يروا حلية المتعة على الإطلاق،
137

بل لم يروا وقوعها إلا لمضطر، وذلك هو السبب في تحليلها وتحريمها، فهي تحل عند الحاجة وتمنع عند انقضائها.
وذلك ليس من باب النسخ ليقال: أحلت، ثم نسخت، ثم أحلت، ثم نسخت.
3 - - ما روي عن جماعة من الصحابة أنهم ثبتوا عليها، يراد منه ثباتهم على تحليلها للمضطر.. ولأجل ذلك لم يرو عن أحد أنه فعلها في غير هذه الحال. كما أنه لم يرو عن أحد أنه قال: إنها تفعل حال الرفاهية، بل غاية ما روي هو الإطلاق، والواقع.
مع أن ما كان يجري على أرض الواقع وقول ابن عباس يمنعان هذا الإطلاق.
4 - -.. قال: والذين عدهم ابن حزم في جملة القائلين بحلية المتعة لم يرو عنهم ما يدل على اعتقادهم إطلاق التحليل وتعميمه لغير المضطر.
138

بل غاية ما روي عنهم أنهم فعلوها على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كقول أسماء: فعلناها، على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، لم تزد على ذلك.
وأشدها إيهاما قول جابر: تمتعنا على عهد رسول الله (ص) إلخ.. وهو الذي حمل ابن حزم على قوله: رواه جابر عن الصحابة، اغتر بضمير الجمع في قوله: " فعلناها " ولعل جابرا لم يبلغه النسخ.. ثم لم يبلغه إلى أن نهى عنها عمر، واعتقد أن الناس باقون على ذلك.
ولا بد من الحمل على هذا، وإلا لكان فعل عمر تشريعا، لأن النسخ تشريع ليس بالرأي، ولو كان كذلك فكيف يوافقه جميع الصحابة والتابعين.
فعمر والجمهور قد علموا بالنسخ، ولم يعلمه أقوام، فاتفق من بعضهم التمتع، فأشاع عمر بيان
139

النسخ، فتوهم من لم يعلم بالنسخ أن الناس جميعا إنما وافقوا عمر (1)
ونقول:
أولا: قد عرفت أن الروايات التي تحدثت عن تحليل المتعة مطلقة غير مقيدة، والذين قيدوا التحليل بالاضطرار - - كما نسب إلى ابن عباس - - لو صح النقل عنهم، لا يكون رأيهم هذا حجة على غيرهم، فإن سائر الصحابة قد أطلقوا القول بالحلية، وكذلك فإن ما ورد من نصوص عنهم، وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكذلك الآية القرآنية - - قد جاء مطلقا غير مقيد، لا باضطرار ولا بغيره، فحمله كلامهم على صورة الاضطرار لمجرد كون ابن عباس، وفلان، وفلان - - لو صح النقل عنهم - - يخصون التحليل

((1) راجع: المنار في المختار من جواهر البحر الزخار ج 1 ص 46 و 464.
140

بهذه الصورة لا مبرر له، ولا منطق يساعده، وهو محض تحكم ممقوت، وممجوج.
ثانيا: قال: إن سبب تحليلها وتحريمها هو وجود الاضطرار وارتفاعه، فلو صح ذلك، فلماذا تحرم على المضطر في زماننا هذا، فإن الاضطرار إذا كان سببا في التحليل، فليكن سببا في التحليل مطلقا وفي كل زمان.
ثالثا: إن قوله: إن الأصل هو المنع، لأنه رخصة على خلاف النكاح المعروف، المشرع، وهو الدائم..
ما هو إلا كلام شاعري لا يرجع إلى قاعدة مقبولة أو معقولة، فإن هذا النكاح مشرع، وذاك أيضا نكاح مشرع، وهذا معروف، وذاك أيضا معروف،
141

فلماذا كان هذا أصلا، وذاك على خلاف الأصل، وهل مجرد عادة الناس، على أمر تجعل هذا الأمر أصلا، وتجعل غيره فرعا؟!.
رابعا: قوله: إن الذين عدهم ابن حزم في جملة القائلين بحلية المتعة لم يرو عنهم ما يدل على اعتقادهم إطلاق التحليل وتعميمه إلخ..
مثير للدهشة حقا، فهل روي عنهم أنهم خصوا التحليل بالمضطر؟! سوى ما نسب إلى ابن عباس مما قد عرفت عدم صحته أكثر من مرة، وستعرف المزيد من ذلك أيضا في هذا الفصل بالذات.
خامسا: قوله: ولعل جابرا لم يبلغه النسخ..
يجاب عنه: أنه هو نفسه قد ادعى في بداية كلامه: أن هذا ليس من قبيل النسخ، ليقال: أحلت ثم
142

نسخت.. أي أن التحليل للمضطر، إنما هو ترخيص، ثم منع منه بعد ارتفاع الضرورة. وذلك يعني: أن الاضطرار يرفع المنع كلما وجد، كما هو الحال في أكل الميتة لحفظ النفس من الهلاك، فإن التزم بهذا فعليه أن يفتي بحلية المتعة للضرورة في كل عصر ومصر، وإن التزم بالنسخ وقع في محذور التهافت بين كلاميه.
سادسا: لماذا لا يكون نهي عمر هو الناشئ عن عدم معرفته بتأخر الإجازة، والتحليل.. لا سيما إذا علمنا أن الصحابة لم يقبلوا منه هذا المنع والذين قبلوه إنما قبلوه مرغمين خوفا من بطشه، وحذرا من تنفيذ تهديداته برجم وعقاب الفاعل.
ولأجل ذلك استمر أهل مكة وغيرهم في زمن الصحابة والتابعين، وتابعيهم على استعمال هذا الزواج.
143

سابعا: بل إن ثمة نصوصا تقدمت عن عمر، يصرح هو فيها: أن المتعة كانت حلالا في عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وفي عهد أبي بكر.
ثامنا: قوله: لا بد من الحمل على عدم معرفة الناس بالنسخ والمنع حتى أعلمهم عمر به، وإلا لكان فعل عمر تشريعا.. غير مقبول، لأننا رأينا عمر يقوم بالتشريع
والأمر في أكثر من مناسبة، ولا يتمكن أحد من الاعتراض عليه، كما في صلاة التراويح وغيرها.
وهناك إيرادات أخرى على كلام المقبلي تعرف مما ذكرناه في ثنايا هذا الكتاب، وفيما ذكرناه كفاية لمن أراد الرشد والهداية.
المتعة رخصة في سفر:
وقد تحدث المدعون للتحريم عن أن المتعة
144

كانت رخصة في سفر، ولا دليل أبدا على أنها كانت معمولا بها في حالات الإقامة (1) فإباحتها كانت للضرورة، في خصوص السفر فلا يتوسع بها، لأن ما جاء على خلاف القياس فغيره به لا يقاس..
ونقول:
1 - - إن النصوص الكثيرة والمتضافرة، وكذلك الآية الشريفة، قد أثبتت حلية المتعة مطلقا، ومن دون تقييد، فتقييدها بالضرورة، في خصوص السفر هو الذي يحتاج إلى إثبات..
2 - - إن قول علي (عليه السلام) وابن عباس، لولا تحريم عمر للمتعة ما زنا إلا شفا، أو إلا شقي، وكذلك قول عمران بن الحصين: نزلت آية المتعة في كتاب الله، ثم لم تنزل آية تحرمها إلخ..

(1) الاعتبار ص 176.
145

واستمتاع معاوية وأبناء خلف. وابن أم أراكة، وسعيد بن جبير، بل واستمتاع ابن جريج بسبعين امرأة، وذهاب فقهاء مكة والمدينة واليمن.. وعشرات من الصحابة وغيرهم إلى التحليل المطلق لهذا الزواج، وغير ذلك مما ذكرناه في فصل النصوص والآثار وغيره - - إن ذلك كله - - يدل على أن تشريع المتعة لم يكن مقيدا بسفر ولا بضرورة، وهذا هو الذي فهمه الصحابة، وغيرهم..
3 - - لو سلمنا: فإن الضرورة لم ترتفع فاللازم الحكم ببقاء التشريع، خصوصا في حالات السفر حسبما يدعيه هؤلاء. فهل يقبل هؤلاء بذلك؟! فإنهم ينكرون حليتها مطلقا في السفر وفي الحضر، وفي الضرورة وغيرها!!.
4 - - على أن الضرورة قد تكون في الحضر أشد منها في السفر، وليس في السفر خصوصية
146

في صنع حالات الضرورة، فإن بين عنواني الضرورة والسفر عموما وخصوصا من وجه. فإن كان الملاك هو الضرورة، فإنها قد تحقق في الحضر أيضا، وإن كان الملاك هو السفر، فقد لا يكون فيه ضرورة للنساء أيضا، وإن كان الميزان الضرورة، والسفر معا أي الضرورة في خصوص السفر فهو يحتاج إلى إثبات وهو دعوى عهدتها على مدعيها..
الرخصة المنسوخة:
وقد زعم الشوكاني: أن النكاح الذي جاءت به الشريعة هو ما كان بشهود، وما كان بولي.. وما يحصل به التوارث، ويثبت به النسب، ويترتب عليه الطلاق، والعدة.
وعلى هذا فالمتعة ليست بنكاح شرعي، وإنما
147

هي رخصة للمسافر مع الضرورة، ثم لا خلاف في ثبوت الحديث المتضمن للنهي عن هذا النكاح إلى يوم القيامة، وليس بعد هذا شيء، ولا يصلح معارضته بشيء مما زعموه.
وما ذكروه من أن بعض الصحابة قد استمتع بعد موته (صلى الله عليه وآله) لا يجدي؛ إذ قد يخفى الحكم على بعض الصحابة إلخ.. (1) انتهى ملخصا..
وقد تقدم في فصل النصوص والآثار في رواية عمران بن سوادة: أن عمر قال: " إن رسول الله (ص) أحلها في زمان ضرورة ثم رجع الناس إلى السعة ".
وعن الشفاء بنت عبد الله: أن عمر بن الخطاب

(1) راجع: السيل الجرار ج 2 ص 267 و 268.
148

نهى عن المتعة، فأغلظ فيها القول: ثم قال: إنما كانت المتعة ضرورة (1)
ونقول:
1 - - قد عرفت أنه لا معنى لنفي كون المتعة نكاحا شرعيا، وحصرها بكونها رخصة، للمسافر عند الضرورة!! لأن ذلك يختزن القول بأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد رخص بالزنا في حالات الضرورة!!.
2 - - أما بالنسبة لاشتراط إذن الولي، وكذلك الإشهاد، وثبوت النسب، وثبوت العدة، فقد ذكرنا غير مرة: أنها أحكام لا يفرق فيها بين الزواج الدائم، والمنقطع.
3 - - أما الطلاق فهو حكم ثابت للدائم فقط، لأن

(1) كنز العمال ج 22 ص 94 عن ابن جرير.
149

نفس الدوام هو الذي اقتضى الطلاق.
أما زواج المتعة فإن طبيعة التوقيت، ترفع موضوع الطلاق.
4 - - أما الإرث: فقد اقتضاه الدوام في الزواج الدائم أيضا، الأمر الذي يفرض هذا التكافل المتبادل، وليس الأمر كذلك في الزواج المؤقت.
5 - - قد تقدم أنه لا توارث في نكاح الإماء حتى ولو كان دائما، وحدوث القتل أيضا، يمنع من التوارث في الدائم، كما أن الكافر لا يرث المسلم، بالإضافة إلى موارد أخرى لا يتوارث فيها الزوجان في الدائم..
6 - - قد تقدم أن حكم الضرورة غير قابل للنسخ..
7 - - على أن الضرورة إذا اقتضت الترخيص في السابق، فلماذا لا تقتضيه في اللاحق، وإلى يومنا هذا..
150

8 - - وأما بالنسبة إلى أنه قد يخفى الحكم على بعض الصحابة، فبينه عمر لهم.
فنقول:
أ - - إن عمر نسب التحريم إلى نفسه.
ب - - إن عمران بن الحصين قد اعتبر ذلك رأيا لعمر.
ج - - إنه حتى بعد نهي عمر فإن كثيرا من الصحابة، والتابعين، وأهل مكة، واليمن، وأكثر أهل الكوفة، وغيرهم، قد استمروا مصرين على موقفهم.
تشريع المتعة كتشريع أكل الميتة:
وقد نسب إلى ابن عباس، أنه إنما أفتى بها من باب أكل الميتة، أي أنها زنا قد شرعه الله ورسوله لأجل الضرورة.
ومن الواضح: أن الزنا قد حرم منذ بدء الإسلام وقد
151

ورد تحريمه في السور المكية قبل سورة المؤمنون، والإسراء، والمعارج، والفرقان وغيرها، وقد قال تعالى: {إن الله لا يأمر بالفحشاء}. ولا يحل نسبة التحليل إلى الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله)، لأجل العجز عن توجيه التحريم الصادر من عمر بن الخطاب.
بعض المتشيعين يخص الحلية بالضرورة:
وقد يحاول البعض أن يستشهد بقول بعض المنسوبين إلى مذهب التشيع، وأنه يقول: إن حلية زواج المتعة تختص بحالات الضرورة، وهذا يمثل تراجعا، أو فقل: إعترافا بصوابية القول بالتحريم..
ونقول:
1 - - إنه لا قيمة لقول هذا البعض، بعد أن حكم مراجع الشيعة، وأكابر علماء المذهب بأن أقاويله
152

تمثل خروجا على قواعد مذهب أهل البيت (عليه السلام)، بل حكموا عليه بأنه ضال مضل، وبأنه خارج عن طريقة المذهب الاثني عشري.
2 - - إن هذا البعض لم يعترف له أحد من العلماء ذوي الشأن بأنه في مستوى يؤهله للفتوى، بل لم يعترفوا له بالعلمية، ولا بالاجتهاد، فضلا عما سوى ذلك من مراتب ومقامات، وإنما هو ادعى لنفسه هذه المراتب، وسوقها بين العامة، بأساليبه الخاصة، والغريبة والعجيبة..
3 - - إن الإحتجاج بأقوال الأشخاص لا مبرر له، بل لا بد من الرجوع أولا إلى مصادر التشريع لمعرفة ما قرره الشرع الحنيف أولا، ثم تقاس أقوال الناس عليها، ليعرف من خلال ذلك المحق من المبطل، والمتبع من المبتدع.
نحن نقول:
153

قال الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) فهم الحجة، وقولهم الفصل، وحكمهم العدل؛ فلا معنى للقول في مقابل ذلك: قال فلان من الناس: هذا، وقال فلان الآخر: ذاك.
لا اختصاص للمتعة بالمضطر:
لقد ادعى البعض أن زواج المتعة إنما شرع للمضطر فقط، على سبيل الرخصة، ثم نسخت هذه الرخصة إلى الأبد.
ولتوضيح ذلك نقول:
لقد رووا عن أبي ذر رحمه الله، أنه قال: " إن كانت المتعة لخوفنا وحربنا " (1)

((1) سنن البيهقي ج 7 ص 207، وفتح الباري ج 9 ص 148، ونيل الأوطار ج 6 ص 270.
154

وقالوا أيضا: نسب لزيد بن علي قوله: " المتعة مثل الميتة، والدم، ولحم الخنزير ".
وسئل عنها فقال: " رخصة نزل بها القرآن وحرمها لما نزلت العدة والمواريث، وهذا إجماع أهل البيت، فقيل: يا ابن رسول الله، وما الآي التي نسختها؟
فقال: قوله: {والذين هم لفروجهم حافظون - - إلى قوله - - العادون}. فلم يستثن الله تعالى إلا الزوجة أو ملك اليمين فقط (1)
ونسب ذلك لعلي (عليه السلام) أيضا (2) وقال:
إنها كانت رخصة لمن لم يجد، فلما أنزل الله

(1) راجع: مسند زيد ص 304 / 305 هامش.
(1) سنن البيهقي ج 7 ص 207، والجامع لأحكام القرآن ج 5 ص 130، وكتاب العلوم لأحمد بن عيسى بن زيد ج 3 ص 13، ومجمع الزوائد ج 4 ص 265 عن الطبراني في الأوسط وتحريم نكاح المتعة ص 55.
155

تعالى النكاح والطلاق والميراث بين المرأة وزوجها نسخت (1)
وقالوا: إنها كانت في أول الإسلام رخصة لمن اضطر إليها، وعلى حد تعبير البعض، أنها كالميتة والدم، ولحم الخنزير، ثم أحكم الله الدين بعد.. نقل ذلك عن أبي عمرة (2)
وتقدم قول ابن كثير وغيره:
" روي عن ابن عباس وطائفة من الصحابة القول بإباحتها للضرورة، وهو رواية عن الإمام أحمد " (3)

(1) تحريم نكاح المتعة ص 56 و 55 وسنن الدارقطني ج 3 ص 359.
(1) صحيح مسلم ج 4 ص 134 وسنن البيهقي ج 7 ص 205، ونصب الراية ج 3 ص 177، والمصنف للصنعاني ج 7 ص 502، وكتاب العلوم لأحمد بن عيسى بن زيد ج 3 ص 13، وشرح الموطأ للزرقاني ج 4 ص 45، وراجع مرقاة المفاتيح ج 3 ص 423، وشرح النووي على صحيح مسلم ج 9 ص 180، وتحريم نكاح المتعة ص 115 و 116.
(1) تفسير القرآن العظيم ج 1 ص 474.
156

وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: " لا تحل المتعة إلا لمضطر " (1)
وقال ابن كثير أيضا عن ابن عباس:
"... وأما المتعة فإنما كان يبيحها عند الضرورة في الأسفار. وحمل النهي على ذلك في حال الرفاهية، والوجدان.
وقد تبعه على ذلك طائفة من أصحابه، وأتباعهم. ولم يزل ذلك مشهورا عن علماء الحجاز إلى زمن ابن جريج، وبعده.
وقد حكي عن الإمام احمد رواية كمذهب ابن عباس. وهي ضعيفة، وحاول بعض من صنف في الحلال نقل رواية عن الامام بمثل ذلك. ولا يصح

(1) الاعتبار للحازمي ص 180 وتحريم نكاح المتعة للأهدل ص 255 عنه وعن المقدسي في رسالة تحريم نكاح المتعة ص 113.
157

أيضا " (1)
بل نسب ذلك إلى ابن عباس أيضا، وإلى طائفة من أصحابه (2) فقد رووا بسند ضعيف (3) عن سعيد بن جبير، قال: قلت لابن عباس: هل ترى ما صنعت، وبما أفتيت؟ سارت بفتياك الركبان، وقالت فيه الشعراء، قال: وما قالوا؟ قال: قالوا:
قد قلت للشيخ لما طال مجلسه

(1) البداية والنهاية ج 4 ص 194.
(1) راجع صحيح البخاري ج 3 ص 158، وفتح الباري ج 9 ص 148 عن الخطابي والفاكهي والبيهقي، ووكيع في الغرر، ونيل الأوطار ج 6 ص 268 و 270، وراجع البناية في شرح الهداية ج 4 ص 98، وراجع البحر المحيط ج 3 ص 218، وراجع الدر المنثور ج 2 ص 140، والبداية والنهاية ج 4 ص 194، ومجمع الزوائد ج 4 ص 265، وشرح معاني الآثار ج 3 ص 26 و 27، والتمهيد ج 9 ص 121، وسنن البيهقي ج 7 ص 205، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير ج 1 ص 474، وعون المعبود ج 6 ص 84، وشرح النووي على صحيح مسلم ج 9 ص 180، والتفسير الكبير للرازي ج 10 ص 49، وغاية المأمول شرح التاج الجامع للأصول ج 2 ص 335، وذكره عن ابن عباس في مرقاة المفاتيح ج 3 ص 322.
(1) راجع: نكاح المتعة للأهدل ص 253.
158

يا صاح هل لك في فتوى ابن عباس
في بضة رخصة الأطراف ناعمة
تكون مثواك حتى مرجع الناس
فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون. لا والله، ما بهذا أفتيت، ولا هذا أردت، ولا أحللت منها إلا ما أحل الله من الميتة، والدم، ولحم الخنزير.. (1)

((1) فتح القدير ج 1 ص 455، وراجع: التمهيد ج 9 ص 121، وفتح الملك المعبود ج 3 ص 226 و 227، ومجمع الزوائد ج 4 ص 265 عن ابن جرير في تهذيبه وابن المنذر، والطبراني، والبيهقي، والإستذكار ج 16 ص 300، والاعتبار في الناسخ والمنسوخ ص 179، وسنن البيهقي ج 7 ص 205، وفتح الباري ج 9 ص 148، وتحريم نكاح المتعة ص 116 و 117 و 91 و 92، وفيه أنه خرج يوم عرفة فقال للناس إلخ..، وعن معالم السنن للخطابي ج 3 ص 191، وراجع: لباب التأويل ج 1 ص 343، وزاد المعاد ج 2 ص 204، وعون المعبود ج 6 ص 83 و 84، والمنار في المختار ج 1 ص 461 و 462، والمرأة في القرآن والسنة ص 179، والتفسير الحديث ج 9 ص 53، والمنتقى للفقي ج 2 هامش صفحة 518 و 520 و 521، وفقه السنة ج 2 ص 43، وجواهر الأخبار ج 4 ص 23، وإرواء الغليل ج 6 ص 319، ونكاح المتعة للأهدل ص 252 و 253 عن فتح الباري ج 9 ص 171 وعن التلخيص الحبير 2 / 1 / 158.
159

وقد أضاف أمين محمود خطاب قوله: " كان ابن عباس يتأول إباحته للمضطر إليه، بطول العزبة، وقلة اليسار، والجدة، ثم توقف عنه، أو أمسك عن الفتوى به " (1)
ويقول عبد الرحمان الجزيري:
أما أصل مشروعية نكاح المتعة، فهو أن المسلمين في صدر الإسلام كانوا في قلة تقضي عليهم بمناضلة أعدائهم باستمرار، وهذه حالة لا يستطيعون معها القيام بتكاليف الزوجية وتربية الأسرة، خصوصا أن حالتهم المالية كانت سيئة إلى أقصى مدى، فليس من المعقول أن يشغلوا أنفسهم بتدبير الأسرة من أول الأمر.

(1) فتح الملك المعبود ج 3 ص 225.
160

وإلى جانب هذا إنهم كانوا حديثي عهد بعاداتهم التي ربوا عليها قبل الإسلام، وهي فوضى الشهوات في النساء. حتى كان الواحد منهم يجمع تحته ما شاء من النساء. فيقرب من يحب، ويقصي من يشاء، فإذا كان هؤلاء في حالة حرب فماذا يكون حالهم؟
الا أن الطبيعة البشرية. لها حكمها، والحالة المادية لها حكمها كذلك. فيجب أن يكون لهذه الحالة تشريع مؤقت يرفع عنهم العنت، ويحول بينهم وبين تكاليف الزوجية.
وذلك هو نكاح المتعة، أو النكاح المؤقت، فهو يشبه الحكم العرفي المؤقت بضرورة الحرب. وذلك لأن الجيش يحتوي على شباب لا زوجات لهم، ولا يستطيعون الزواج الدائم، كما لا يستطيعون مقاومة الطبيعة البشرية. وليس من المعقول في
161

هذه الحالة مطالبتهم بإضعاف شهواتهم بالصيام، كما ورد في حديث آخر، لأن المحارب لا يصح إضعافه بأي وجه، وعلى أي حال. فهذه الحالة هي الأصل في تشريع نكاح المتعة، يدل على ذلك ما رواه مسلم عن سبرة، قال: أمرنا رسول الله (ص) بالمتعة عام الفتح، حين دخلنا مكة، ثم لم نخرج حتى نهانا عنها، فهذا صريح في أنه حكم مؤقت اقتضته ضرورة القتال.
وروى ابن ماجة أن رسول الله (ص) قال: " يا أيها الناس إني كنت أذنت في الاستمتاع، ألا وإن الله حرمها إلى يوم القيامة ".. إلى أن قال:
" أما ما روي من أن ابن عباس قال: إنه جائز.. فالصحيح أنه قال ذلك قبل أن يبلغه نسخه. وقد وقعت بينه وبين ابن الزبير مشادة في ذلك، فقد روي أن ابن الزبير قال: ما بال أناس أعمى الله
162

بصائرهم كما أعمى أبصارهم يقولون بحل نكاح المتعة - - يعرض بابن عباس، لأنه كف بصره - - فقال ابن عباس: إنك جلف جاف، لقد رأيت إمام المتقين رسول الله يجيزه، فقال له ابن الزبير، والله إن فعلته لأرجمنك.
فظاهر هذا أن ابن عباس لم يبلغه النسخ، فلما بلغه عدل عن رأيه، فقد روى أبو بكر بإسناده عن سعيد بن حبير: أن ابن عباس قام خطيبا، فقال: إن المتعة كالميتة، والدم ولحم الخنزير، وذلك مبالغة في التحريم.
وبهذا كله يتضح أن نكاح المتعة أو النكاح المؤقت باطل باتفاق المسلمين، وما نقل من إباحته في صدر الإسلام، فقد كان لضرورة
163

اقتضتها حالة الحرب والقتال " (1)
وقال السيد سابق:
" أما ابن عباس فإنه سلك هذا المسلك في إباحتها عند الحاجة والضرورة، ولم يبحها مطلقا، فلما بلغه إكثار الناس منها رجع، وكان يحمل التحريم على من لم يحتج إليها " (2)
والقول بأنها إنما أحلت للمضطر تجده في العديد من المصادر (3)
ويرى البعض: أن ابن عباس " لم يقل بحلها مطلقا، بل في صدر الإسلام " وذلك استنادا لما رواه الترمذي عنه أنه قال:

(1) الفقه على المذاهب الأربعة ج 4 ص 90 و 91 وراجع ص 93.
(1) فقه السنة ج 2 ص 23، والمنتقى ج 2 هامش ص 521.
(1) راجع تحفة المحتاج شرح المنهاج للهيثمي ج 7 ص 224، وشرح النووي على صحيح مسلم ج 9 ص 180.
164

" إنما كانت المتعة في أول الإسلام، كان الرجل يقدم البلدة، ليس له بها معرفة، فيتزوج المرأة بقدر ما يرى أنه مقيم، فتحفظ له متاعه، وتصلح له شيأه حتى إذا نزلت الآية: {إلا على أزواجهم، أو ما ملكت أيمانهم {قال ابن عباس: فكل فرج سواها فهو حرام (1)
قال العسقلاني عن هذا الحديث: " إسناده ضعيف، وهو شاذ مخالف لما تقدم من علة إباحتها " (2) أي أن هذا مخالف لقولهم إنها أبيحت في السفر لاشتداد العزوبة عليهم.
وقال في غاية المأمول عن زواج المتعة: " كان

((1) الجامع الصحيح للترمذي مطبوع مع تحفة الأحوذي ج 4 ص 269 وعن الحازمي في الاعتبار ص 178، وغاية المأمول في شرح التاج الجامع للأصول ج 2 ص 335، والمنار في المختار ج 1 ص 461، ونيل الأوطار ج 6 ص 268 و 269، وفتح الباري ج 9 ص 148.
(1) فتح الباري ج 9 ص 148.
165

جائزا في صدر الإسلام للضرورة، ثم نسخ " (1)
وراجع أيضا ما عن القاضي عياض (2)
وقال ابن القيم: " لكن الحظر هل هو تحريم بات، أو هو مثل تحريمه الميتة، والدم ونكاح الأمة، فيباح عند الضرورة، وخوف العنت، وهذا الذي لحظه ابن عباس فأفتى بحلها للضرورة فلما توسع الناس فيها ولم يقتصروا على موضع الضرورة أمسك عن فتياه ورجع عنها " (3)
وقال الحازمي: " إنما كان ذلك يكون في أسفارهم، ولم يبلغنا أن النبي (ص) أباحه لهم، وهم في بيوتهم، ولهذا نهاهم عنه غير مرة، ثم أباحه

(1) غاية المأمول شرح التاج الجامع للأصول ج 2 ص 334، وراجع: الفواكه الدواني، لابن مهنا النفراوي المالكي شرح رسالة أبي زيد القيرواني ج 5 ص 33.
(1) مرقاة المفاتيح ج 3 ص 423.
(1) تعليقات محمد الفقي على بلوغ المرام ص 207.
166

لهم في أوقات مختلفة، حتى حرمه عليهم في آخر أيامه (ص) في حجة الوداع، وكان تحريم تأبيد لا تأقيت " (1)
وعن الطحاوي: ما يقرب من هذا فراجع (2)
وقال آخر: ".. وقيل لم يحرمها (ص) مطلقا، بل عند الاستغناء عنها، وأباحها عند الحاجة إليها، أي خوف الزنا، وبذلك كان يفتي ابن عباس، وفي كلام فقهائنا: والنهي عن نكاح المتعة في خبر الصحيحين، الذي لو بلغ ابن عباس لم يستمر على القول بإباحتها لمن خاف الزنا، مخالفا في

(1) الاعتبار في الناسخ والمنسوخ للحازمي ص 176، وتحفة الأحوذي ج 4 ص 268، عن الاعتبار ومرقاة المفاتيح ج 30 ص 423، وفتح الملك المعبود ج 3 ص 225، ونيل الأوطار ج 6 ص 270 و 272.
(1) الجامع لأحكام القرآن ج 5 ص 131.
167

ذلك لكافة العلماء " (1)
وقال الحازمي: " أما ما يحكى عن ابن عباس فإنه كان يتأول في إباحته للمضطرين إليه، بطول العزبة، وقلة اليسار، والجدة، ثم توقف عنه، وأمسك عن الفتوى به، ويوشك أن يكون سبب رجوعه عنه قول علي رضي الله عنه، وإنكاره عليه إلخ.. " (2)
وقال الألباني: " إن ابن عباس (رض) روى في المتعة ثلاثة أقوال: الأول: الإباحة مطلقا. الثاني: الإباحة عند الضرورة. والآخر (الحرمة ظ) مطلقا، وهذا مما لم يثبت عنه صراحة بخلاف القولين الأولين (3)

(1) بجيرمي على الخطيب ج 3 ص 336.
(1) الاعتبار في الناسخ والمنسوخ ص 178 و 179.
(1) إرواء الغليل ج 6 ص 319.
168

وقال آخر: " في كلام ابن عباس ما يشعر بإنكار إباحتها على الإطلاق، بل في الحال الشديدة، فينحصر دعوى الإجماع فيها. وأيضا لم يرو فقط أنها وقعت إباحة في غير ذلك الحال.. " (1)
وقيد البعض التحليل بالغزو (2) أو لعزبة كانت في الناس (3)
وقالوا: إنما كان ذلك في الجهاد (أو في الحال الشديد)، والنساء قليل، كما عن مولى لابن عباس، وصدقه ابن عباس نفسه كما يدعون (4)

(1) المنار في المختار ج 1 ص 461.
(1) راجع الجامع لأحكام القرآن ج 5 ص 130، والمنتقى ج 2 هامش ص 519.
(1) الإستذكار ج 16 ص 293، ونيل الأوطار ج 6 ص 270، وفتح الباري ج 9 ص 147 و 148.
(1) سنن البيهقي ج 7 ص 204 و 205، والبخاري في الصحيح ج 3 ص 158، وراجع فتح الباري ج 9 ص 147 و 148، ونيل الأوطار ج 6 ص 268 و 269، والمنار في المختار ج 1 ص 461.
169

مناقشة أدلة التخصيص بالمضطر:
ونقول:
إن ذلك كله لا يصح، لما يلي:
1 - - إنهم يروون أن ابن أبي عمرة سأل ابن عباس عن متعة النساء، فرخص له فيها، فقال مولى له: " إنما ذلك في الحال الشديد، وفي النساء قلة، فقال ابن عباس: نعم " (1)
فالقول بأنها أحلت للضرورة ليس هو قول ابن عباس، وإلا، لم يكن لقول ابن أبي عمرة معنى.
2 - - قولهم: إن ابن عباس قد رجع حين رأى اكثار الناس منها، عجيب وغريب، فهل يصح أن يجعل اكثار الناس من أمر سببا في الرجوع عن حكم

(1) نيل الأوطار ج 6 ص 134 ط دار الحديث - - القاهرة.
170

الله تعالى فيه؟!.
3 - - إن هذا التعليل للرجوع معناه: أن ابن عباس قد اجتهد في مقابل النص.
4 - - إن من البديهي: أن الرخصة لأجل الضرورة، لا تجعل المتعة من قسم الحلال حتى تنسخ، كما أن النسخ لا يتعلق بالرخصة الناشئة عن الاضطرار، للعلم بثبوت الرخصة الناشئة عن الاضطرار مطلقا، وأن الله قد رفع عن الأمة ما اضطروا إليه كما دل عليه الكتاب والسنة، ولذا تباح الميتة، والدم ولحم الخنزير في مقام الضرورة، وعدم إباحتها بعد ارتفاع الضرورة لا يعني النسخ، بل هو بسبب عدم وجود موضوع الحكم.
على أن أدلة حلية المتعة، ولو في زمن خاص، واضحة الدلالة على جوازها اختيارا، وهو مجمع عليه.
171

هذا كله، مع قطع النظر عن أسانيد هذه الأخبار، بل سائر أخبار النسخ، وإلا، فالكلام في ذلك واسع المجال (1)
5 - - ونضيف أيضا إلى ما تقدم: أن قياس الاضطرار للمتعة على الاضطرار إلى الدم والميتة، ولحم الخنزير، قياس مع الفارق، إذا لوحظ: أن الاضطرار للميتة، ونحوها، إنما هو فيما لو توقفت حياة الإنسان على ذلك، وليس الأمر كذلك بالنسبة إلى المتعة، فلا مجال لدعوى الضرورة فيها من الأساس.
قال الخطابي بالنسبة لما نسب إلى ابن عباس من إحلالها للمضطر: " فهذا يبين لك أنه سلك فيه مذهب القياس، وشبهه للمضطر إلى الطعام الذي

(1) دلائل الصدق ج 3 ص 106.
172

به قوام الأنفس، وبعدمه يكون التلف، وإنما ذلك من باب غلبة الشهوة، ومصابرتها ممكنة وقد تحسم مادتها بالصوم والعلاج، وليس أحدها في حكم الضرورة كالآخر " (1)
وبعبارة أخرى: " سلك فيه (رض)، طريق القياس، ولكنه غير صحيح، فإن الميتة أبيحت لدفع الهلاك، وحبس الشهوة لا هلاك فيه " (2)
6 - - وأيضا، فإن اجتهاد ابن أبي عمرة أو غيره، لا يكون حجة علينا، والحجة فقط هي النص عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولا نص عنه في ذلك، كما لا شيء في القرآن يثبت ذلك، وإلا

(1) الاعتبار في الناسخ والمنسوخ ص 179، ونكاح المتعة للأهدل ص 255 عن معالم السنن ج 3 ص 193.
(1) غاية المأمول شرح التاج الجامع للأصول ج 2 ص 335، وراجع: فتح الملك المعبود ج 3 ص 227 عن الخطابي في معالم السنن ج 3 ص 190، وعون المعبود ج 6 ص 84، والمنتقى للفقي ج 2 هامش ص 521.
173

أمكن ادعاء هذا الأمر في سائر الأحكام، فيقال: إن هذا الحكم أو ذاك قد شرع للضرورة ثم هي قد ارتفعت، فلا حاجة بعد إليه، فهل يلتزم بهذا مسلم؟!.
7 - - وإذا كانت المتعة قد أحلت للضرورة، فالضرورة لا تزال قائمة، ولسوف تبقى، لأن الضرورة إن كانت هي السفر، فالناس لا يزالون يسافرون أسفارا طويلة، وبعيدة وشاقة، وإن كانت الضرورة هي الجهاد، فالجهاد لا يزال، وإن كانت هي الشبق والشهوة الجنسية فهي باقية أيضا.
وإن تشريعها لمدة ثلاثة أيام في كل تاريخ الإسلام لا يزيل الشبق عنهم ولا عن غيرهم، إن لم نقل: ازدادت حدة عما كانت عليه في ظرف تشريع
174

هذا الزواج في صدر الإسلام الأول.. فلماذا نسخت كما يدعون؟
8 - - هل الحكم الإرفاقي التسهيلي قابل للنسخ؟! وهل ثمة سياسة إلهية في الإرفاق بفريق والتسهيل عليه، وعدم الإرفاق بل التشديد على فريق آخر؟! ولماذا كانت هذه السياسة وما هي مبرراتها؟!!!.
قال ابن كثير: ".. وقيل: إنها إنما أبيحت للضرورة، فعلى هذا إذا وجدت ضرورة أبيحت، وهذه رواية عن الإمام أحمد " (1)
9 - - ولو كانت قد أحلت للضرورة، فإن ذلك إنما يوجب حليتها لخصوص المضطر، لا لجميع الناس، كما حصل في صدر الإسلام.

(1) البداية والنهاية ج 4 ص 318.
175

وبعبارة أخرى: إن أبيحت لمن اضطر إليها فاللازم القول ببقاء اباحتها لكل مضطر، فإن الاضطرار للشيء في كل زمان يوجب حلية ذلك الشيء إذا خاف على نفسه التلف، وإن كانت أبيحت لكافة المسلمين لوجود بعض المسلمين المضطرين فهذا حكم لم نسمع بمثله إذ كيف يكون اضطرار شخص موجبا للحلية لغيره..
هذا كله عدا عما تقدم، وسيأتي مما يلقي الضوء على فساد هذا الزعم الواهي.
10 - - أضف إلى ذلك: أن الصحابي الذي أحلت له أولا للاضطرار، هل يرتفع اضطراره بمجرد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ فكما كانوا يسافرون في زمنه فإنهم ما زالوا يسافرون بعد وفاته، وقد كانوا يغزون وما زالوا..
11 - - إن معنى قولهم: ان المتعة إنما حللت
176

للمضطر (1) هو:
أن المتعة من قسم الفحشاء أحلت للمضطر، وأذن له فيها، وعلى هذا نقول:
أ - - ما معنى قوله تعالى:} إن الله لا يأمر بالفحشاء {؟!.
ب - - وما معنى استشهاد ابن مسعود بقوله تعالى:} يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم {. فإن المتعة إذا كانت من الطيبات، فكيف تكون من الزنا أو من الفحشاء، التي لا يأمر الله تعالى بها؟!.
12 - - وأخيرا.. فإن هناك من علماء أهل السنة من ينكر وجود أية ضرورة لتحليل زواج المتعة: يقول الشيخ قاسم الشماعي الرفاعي:

(1) قد جاء ذلك أيضا في مجلة: الهلال المصرية عدد 13 جمادى الأولى سنة 1397 ه‍. ق. أول مايو سنة 1977 م. ومصادر أخرى لهذه المقولة..
177

" على أنه لا حاجة للمتعة كما أنه لا حاجة للزواج المؤقت ما دام أن الزوجات الصالحات العفيفات، الشريفات، قائمات وموجودات، والحمد لله في كل زمان ومكان، وأي ضرورة تدعو إلى الخروج عن الزواج الدائم، فإن الضرورة لا تتحقق، وليس من باب الحل المطلق، لأن أحكام الضرورة قائمة إلى يوم القيامة، بقوله تعالى: {إلا ما اضطررتم إليه} (1)
ونقول:
إن إنكار الضرورة مطلقا مما لا يمكن قبوله، فإن الزوجات العفيفات لأجل الدائم موجودات، ولكن لا يستطيع كل أحد منهن ومن الرجال الزواج الدائم في مدد طويلة من حياتهما، وهي المدة الأكثر شراسة

(1) زواج المتعة حلال ص 142 و 143 عن الشماعي الرفاعي.
178

في طغيان الحافز الجنسي لدى الشاب والفتاة.
فإن كان يقصد أن لا ضرورة اجتماعية فهو صحيح، وإن كان يقصد نفي الضرورات الشخصية فهو غير مقبول، بل إن هناك ضرورة اجتماعية عامة أيضا، إلى جانب الضرورات الشخصية الخاصة..
قياس ابن عباس:
وقال بعضهم: " إن ابن عباس قد بلغه من علي بن أبي طالب تحريمها بخيبر، فكيف ساغ له القياس مع وجود النص واطلاعه عليه، حتى إن ابن الزبير لما حاوره في شأنها قال: " لقد فعلت في عهد إمام المتقين " وذلك في خلافة ابن الزبير، كما يدل على ذلك قوله: فوالله لئن فعلتها لأرجمنك بأحجارك.
فالجواب:
أن ابن عباس لم يكن مستنده في ذلك إلا آية
179

الاستمتاع، وفعلها في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام في ظروف الغزو والعنت في الأسفار فعندما أعلم تحريمها بخيبر التي وسع الله فيها على المسلمين، أدرك زوال الأسباب المرخصة فيها، فبقي على تحريمها في حالة السعة وإباحتها في حالة الضيق. ولو أعلم بتحريمها تأبيدا لقامت عليه الحجة، ولما استمر في الترخيص فيها لمن احتاج إليها.
وذكر الآلوسي: أنه استمر على القول بجوازها حتى إلى ما بعد وفاة علي رضي الله عنه وهو ظاهر محاورته مع ابن الزبير في عهد خلافته " (1) انتهى.
ونقول:
أولا: إنه قد ادعى: أن التحريم الذي أخبره به علي عليه السلام إنما هو التحريم يوم خيبر، ونلاحظ عليه:

(1) راجع: نكاح المتعة للأهدل ص 257.
180

ألف: إنه هو نفسه قد أقر بأن هذا التحريم لم يكن للتأبيد إذ قد تعقبه التحليل في يوم الفتح (1) فلا يبقى معنى لاستدلال علي (عليه السلام) على ابن عباس به. كما لا معنى لقبول ابن عباس بهذا الاستدلال.
ب: إن النهي عن المتعة في الغزو - - سواء في غزوة الفتح، أو في خيبر أو في غيرها لا يعني التحريم، بل إن ذلك لو صح، فإنه يكون من أجل قرب مغادرة الناس لتلك المنطقة، فلا معنى لتجديد عقود في وقت يكون العاقد فيه على أهبة السفر، بل المناسب هو تسريح المعقود عليهن بطريقة تحفظ الحقوق، وتقلل من احتمالات الوقوع في السلبيات، فيكون النهي يوم خيبر - - لو صح - - نهي تدبير، لا نهي تحريم..
ج: ومع غض النظر عن هذا وذاك فإن التحريم

(1) المصدر السابق ص 321.
181

في خيبر يعاني من إشكالات كثيرة قدمنا شطرا كبيرا منها في الجزء الأول من هذا الكتاب، تجعل الاعتماد على مثل هذه الدعوى مجازفة كبيرة لا مجال للدخول فيها، ولا لقبولها من أحد..
ثانيا: قد تقدم، ما يمنع بصورة قاطعة من قبول دعوى أن تشريع المتعة قد كان على سبيل الاضطرار كالاضطرار إلى الميتة ولحم الخنزير، فلا نعيد.
كانت المتعة لنا خاصة:
وإذ تحقق لدينا عدم صحة القول بأن المتعة إنما شرعت لخصوص المضطر، وتحقق لدينا أيضا عدم صحة القول بنسخ هذا التشريع، فإننا نعرف أن ما ينسب إلى أبي ذر رحمه الله مما يظهر منه ذلك، لا يمكن القبول به. ولا بد من رده على قائله ولا أقل من الشك في صحة نسبة ذلك إلى هذا الصحابي
182

الجليل فقد قال أبو عمر: أخبرنا محمد بن إبراهيم قال: أخبرنا محمد بن معاوية، قال أخبرنا أحمد بن شعيب، قال: أخبرنا بشر بن خالد، قال: أخبرنا غندر، عن شعبة، عن سليمان، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن أبي ذر (رحمه الله): كانت " المتعة لنا رخصة " (1)
وأخرج البيهقي من حديث أبي ذر بإسناد حسن: " إنما كانت المتعة لحربنا وخوفنا " (2)
ويمكن أن يقال: إن هذين الحديثين لا يدلان على اختصاص حكم المتعة بالصحابة، بل المراد بيان الحال العامة في بداية التشريع، فالحديث التالي هو الصريح - - فقط - - في هذا الإختصاص حيث يقول:

(1) التمهيد ج 23 ص 364.
(1) فتح الباري ج 9 ص 148 والسنن الكبرى ج 7 ص 207 ونيل الأوطار ج 6 ص 270.
183

فقد روى نصر بن إبراهيم المقدسي عن نصر بن سرور الرهاوي، عن محمد بن إبراهيم البصري، عن خيثمة بن سليمان عن أحمد بن حازم عن أبي نعيم، عن عبد السلام، عن ليث، عن طلحة، عن خيثمة عن أبي ذر قال: " إن متعة النساء كانت كرامة أكرم الله بها أصحاب محمد (ص)، وكانت رخصة لهم دون الناس " (1)
وحدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا جرير، عن فضيل، عن زبيد عن إبراهيم التيمي، عن أبيه قال:
قال أبو ذر (رض): لا تصلح المتعتان إلا لنا خاصة، يعني متعة النساء ومتعة الحج (2)
فإن كان أبو ذر قد أراد بكلمة: " لنا " هو أمة

(1) تحريم نكاح المتعة ص 67 و 68.
(1) صحيح مسلم ج 4 ص 46 وشرح معاني الآثار ج 3 ص 26 والتمهيد ج 23 ص 364.
184

محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) دون سائر الأديان، فهو ظاهر في حلية المتعتين، وإن كان مراده خصوص الصحابة، فقوله لا تصلح المتعتان إلا لهم خاصة لم يعرف وجهه، حيث يظهر من سياق الكلام أنه اجتهاد منه..
ويلاحظ: أن هذا الحديث مروي عن أبي ذر بصيغة أخرى، فقد جاء عن أبي معاوية، عن الأعمش إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن أبي ذر قال: " كانت المتعة لأصحاب النبي (ص) خاصة " (1)
والملفت: أن الصحابة قد استمروا على ممارسة المتعة والجهر بتحليلها رغم التهديد الشديد والوعيد من قبل الخليفة الثاني.. هذا فضلا عن استمرار أهل مكة واليمن وغيرهما من البلاد على

(1) صحيح مسلم ج 4 ص 46.
185

ممارسة هذا الزواج، والفتوى بحليته وبقاء تشريعه، بل إنك لتجد فتاوي للأئمة الأربعة باستثناء الشافعي تبيح هذا الزواج في حالات الضرورة وغيرها، فضلا عما يذهب إليه أهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم.
جمع فأوعى:
ونلاحظ هنا: أن البعض قد التزم بالشروط كلها، فجمعها في صعيد واحد حين أجاب عن أخبار التحليل بجوابين:
أحدهما:
1 - - إن الإباحة كانت على عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مخصوصة، وهي ثلاثة أيام.
2 - - إنها لقوم مخصوصين وهم الصحابة دون من سواهم..
3 - - إنها لعذر مخصوص وهو الحاجة،
186

والضرورة إلى النساء في المغازي، والمباح بهذه الشروط لا يجوز الحكم ببقائه بدونها.
الثاني:
إن أخبار التحريم قد جاءت بعد أخبار التحليل، وقد نسخته إلى يوم القيامة " لأنه كان في زمن الفتح في حجة الوداع " ولم يكن بعدها في الغزوات ما كانوا يحتاجون فيه ويضطرون إلى ذلك. انتهى بتصرف وتلخيص (1)
ثم هو يلحق بهذا الجواب جوابا ثالثا، وهو: أن أخبار التحريم: " ناقلة عن الأصل الذي كان في الجاهلية، وبعض الإسلام، وأخبارهم مبقية على الأصل، فكان الناقل أولى، كما قلنا في نظائر ذلك

((1) تحريم نكاح المتعة ص 100 و 101.
187

" (1)
ونقول:
أما بالنسبة لدليله الأول فهو لا يصح، لما يلي:
أ - - إن الإباحة لو كانت مخصوصة بهم لوجب بيان ذلك، حتى لا يقع الآخرون في المحذور.
ب - - إن أبا ذر قد صرح في ما روي عنه بأنه لا يدري إن كانت المتعة خاصة بهم أم أنها عامة..
فإذا كان مثل هذا الرجل العظيم لا يدري وهو حاضر وناظر، وهو من العلماء الفهماء، فهل يدري غيره من عوام الناس الذين ليس لهم منزلته ومقامه في العلم والفهم، والفضل، فضلا عن غيرهم ممن غاب عن المشهد، وسمع من الناس.
ج - - إن حاجتهم إلى النساء في المغازي لم

(1) رسالة: تحريم نكاح المتعة ص 102.
188

تنته يوم الفتح، فقد أعقب ذلك غزوات كانوا فيها أشد حاجة إلى النساء، مثل غزوة تبوك التي كانت الشقة فيها بعيدة..
د - - لماذا يخلط في كلامه بين يوم الفتح، وحجة الوداع، فإن الفرق بينهما كالنار على المنار، وكالشمس في رابعة النهار، وقد كانت الأولى في سنة ثمان والثانية في سنة عشر..
ه‍ إذا كانت قد حللت لمدة ثلاثة أيام فقط في زمان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فهل يعقل أن لا يحتاج الصحابة إليها في كل تلك الغزوات إلا هذه الثلاثة أيام؟! وماذا كان يصنع المسلمون في سائر غزواتهم وسراياهم التي يقال: إنها أنافت على الثمانين غزوة وسرية؟!.
و - - إذا كانت قد شرعت لعذر مخصوص، وهو الحاجة إلى النساء في المغازي وقد زال هذا
189

العذر، ولم يعد ثمة حاجة إلى النساء.
فهل كان زوال العذر بسبب فقد الناس الغريزة الجنسية؟!
أم بسبب توفر النساء لكل غاز ومسافر؟!
أم بسبب زوال حالات الغزو والحرب فيما بين البشر بمجرد موت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟؟!.
وأما بالنسبة لدليله الثاني:
وهو: ناسخية أخبار التحريم لأخبار التحليل لكونها قد جاءت بعدها فيرد عليه:
ألف - - ما ذكرناه آنفا في فقرة: جيم.
باء - - ما ذكرناه في فقرة: دال.
جيم - - ما ذكرناه في فقرة: واو.
دال - - قد عرفت عدم صحة الأخبار التي ذكرت:
190

أن النسخ كان عام الفتح فراجع: ما ذكرناه حول هذا الموضوع، حين تكلمنا عن النسخ بالأخبار.
هاء - - إن تشريع هذا الزواج إن كان بالكتاب فهو لا ينسخ بالأخبار.
واو - - قد ذكرنا: أن هذا الزواج لم يكن من أنكحة الجاهلية.
زاي - - إن أخبار التحليل قد تضمنت إصرار الصحابة على حلية هذا الزواج وعلى ممارسته رغم منع عمر منه، وعنه، فالصحابة أنفسهم لا يرضون، ولا يصدقون دعوى التحريم. ولا نقل ذلك عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لو سلم نقل ذلك لهم، والممتنع منهم إنما امتنع خوفا من العقوبة، لا قبولا بالنسخ.
ح‍ - - إن عمر بن الخطاب قد نسب المنع إلى نفسه، ولم ينسب ذلك إلى رسول الله (ص)، وهذا
191

يعارض الأحاديث الواردة بالتحريم عنه (ص)، ويسقطها عن الاعتبار..
إلى غير ذلك من أمور أشرنا إليها في ثنايا هذا الكتاب لا مجال لإعادتها..
192

الفصل الرابع
إشكالات هي أشبه بالمغالطات..
194

لا توجد تفاصيل حول المتعة:
حاول بعضهم أن ينكر تشريع المتعة استنادا إلى أنه " ليس بمعقول أبدا أن يذكر القرآن تشريع نكاح بقوله تعالى " {فما استمتعتم به} التي هي في حقيقتها أكثر من قضية الزواج تعقيدا، وأشد عسرا، وأخطر أثرا
196

بالإشارة إليها تلك الإشارة الخفية، لو صح أن الإشارة كانت إليها. ولما عرضها هذا العرض الخاطف، بل لجعلها قضية بذاتها، ولرسم حدودها، وبين معالمها، وموقف كل من الرجل والمرأة فيها.
ولما ترك المجال للبشر ليشرعوا أحكامها وقوانينها؛ هذا يقول: ترث وذاك يقول: لا ترث إلا مع الشرط. وآخر يقول: اشترطا أو لم يشترطا لا ترث ".
ثم ذكر أنه إذا لم يكن القرآن قد بين أحكام امرأة المتعة فإن " المفروض أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد بين للناس: أن هذه الآية في المتعة، وبين أحكامها، لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة ".
" ولكن ماذا نفعل والحال والواقع أن لا هذا ولا ذاك وقع، إذ لا يوجد حديث واحد، ولو ضعيف، أو حتى موضوع، سواء حول تفسير الرسول (صلى الله
197

عليه وآله وسلم) لهذه الآية في أنها نزلت في المتعة، أو بيان أحكام امرأة المتعة " (1)
ونقول:
أولا: كأن بعض الناس يريد أن يرسم لله ولرسوله سياسة تبليغ الأحكام، ويحدد كيف ومتى، وأين يقول. وبأي مقدار. بل ويريد أن يتدخل في اختيار الكلمات أيضا!!. نسأل الله سبحانه أن لا يجعله في عداد أولئك الذين تحدث عنهم في سورة الإسراء الآيات 90 - - 93.
وكأن هذا المتحدث قد غفل عن أن أطول آية في القرآن هي آية الدين، التي تكفلت ببيان وتوجيهات غير إلزامية، ولم تتحدث عن تفاصيل أحكام الصوم. ولم يذكر في القرآن الكثير من تفاصيل أحكام الزكاة

(1) تحريم المتعة في الكتاب والسنة، ليوسف جابر المحمدي ص 74.
198

والصلاة. وكذلك غيرها من أبواب الفقه..
بل أوكل بيان كل تلكم التفاصيل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). وقد بين قسما من هذه الأحكام لعامة الناس. وأودع باقيها عند وصيه، الذي يبلغ الناس ما يحتاجونه، ثم يودع الباقي عند وصيه، وهكذا إلى آخر الأئمة أو الأمراء، أو الخلفاء الاثني عشر وكلهم من قريش. الذين أخبر عنهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كما ورد في كتب الصحاح وغيرها..
ثانيا: إن أحكام زواج المتعة تتفق مع أحكام الزواج الدائم إلا ما استثني، فبيان أحكام أحدهما يكفي عن بيان أحكام الآخر.. وموارد الاستثناء يشار إليها على حدة..
ثالثا: إن هذا الزواج كان - - بلا شك - - مشرعا في عهد رسول الله، فهل بين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) للناس أحكامه، أم سكت عنها؟!
199

رابعا: إنه إذا اختلف الفقهاء في بعض أحكام هذا الزواج، فإن ذلك لا يعني أن الله لم يشرعه سبحانه من الأساس.. فإن الفقهاء قد اختلفوا في كثير من أحكام الصلاة والزكاة، والحج والصوم وفي مختلف أبواب الفقه، فهل ذلك يعني أنه لا صلاة ولا زكاة، ولا حج ولا ولا.. في الإسلام؟!
خامسا: إن زواج المتعة لم يزل مضطهدا منذ حرمه عمر بن الخطاب وتوعد فاعله بالرجم، واتبعه في ذلك كثير من الناس.. والتزم الحكام الأمويون والعباسيون - - إلا ما شذ منهم، كالمأمون ومعاوية - - أن لا يسمحوا بهذا الزواج، وأن يغرسوا تحريمه في أذهان الناس. فلم يكن الناس أحرارا في نقل الترخيص فيه، لا سيما مع تشدد الملتزمين بالتحريم، واعتباره من قسم الزنا، كما يظهر من تتبع كلمات المانعين..
سادسا: ما معنى قوله ولما ترك المجال للبشر
200

ليشرعوا أحكامها وقوانينها الخ.. فهل الاختلاف في بعض التفريعات معناه: أن الله قد ترك للبشر مجالا للتشريع وسن القوانين. فإن الاختلاف له أسبابه ومناشئه الكثيرة ومنها الاختلاف في فهم النص أو في توثيقه وعدمه، وغير ذلك.
التحليل كان لأمر عارض:
ويزعم بعض من قال بالتحريم:
" أن هذه " الإباحة " لأمر عارض، يوم فتح مكة، وهذا استثناء من أصل التحريم العام، وقد ثبت قطعا نسخها، بالأحاديث الصحيحة فنعود إلى الأصل، وهو التحريم..
على أن ثمة تصريحا من رسول الله (ص) بتحريمها مؤبدا وإلى يوم القيامة، وهذا إيذان بأنه إذا تكرر السبب فلا يترتب عليه المسبب، لأن النسخ
201

أبدي، وهو يمنع القول بالاستمرار.
ولو تجدد السبب، استصحابا للحال فلا يجوز اللجوء إلى هذا الاستصحاب، ما دام قد قام الدليل على حكم التحريم على التأبيد " (1)
ونقول:
1 - - كيف ثبت لهذا البعض: أن الإباحة كانت لأمر عارض يوم فتح مكة؟! ولماذا لا يكون تشريعا ثابتا اقتضته المصلحة القائمة في واقع الحياة كسائر التشريعات؟!
2 - - لماذا فرض أن ذلك قد كان في فتح مكة، وهو نفسه قد اعترف بصحة الحديث الوارد بإباحتها ثم نسخها يوم خيبر، وبصحة الحديث حول إباحتها يوم أوطاس ثلاثة أيام.

(1) تحريم المتعة في الكتاب والسنة للمحمدي 185.
202

3 - - كيف ثبت لهذا البعض: أن الأصل هو التحريم، وأن إباحتها يوم فتح مكة قد كان استثناء من التحريم العام؟!. ولماذا لا يكون الحكم العام الثابت هو التحليل تماما كما هو الحال في النكاح الدائم؟
4 - - إنه هو نفسه يعترف باختلاف أحاديث النسخ وضعفها باستثناء ثلاثة أحاديث منها.. فكيف يثبت النسخ قطعا بأحاديث ثلاثة مختلفة ومتعارضة فيما بينها، وفيها من العلل والأسقام، والاشتباهات والأوهام الشيء الكثير حسبما أشرنا إليه في القسم الأول من هذا الكتاب؟!
5 - - والأعجب من ذلك دعواه: أن السبب الذي اقتضى تشريع المتعة سابقا لا يصلح ولا يقتضي تشريعها لاحقا، وأنه إذا تكرر السبب فلا يترتب عليه مسببه؟! فهل التشريع تابع للسبب؟ أم هو تابع للهوى؟..
6 - - ثم إنه عاد إلى الحديث عن ثبوت الحلية
203

بالاستصحاب، وقد قلنا مرارا وتكرارا: إن نفس الدليل الذي اقتضى جعل الحكم قد اقتضاه في كل حال وزمان. فهو يثبت في الأزمنة اللاحقة به، لا بالاستصحاب.
مصادرات على المطلوب:
ومن الغريب إقدام بعضهم على الاستدلال على ما يذهب إليه من التحريم بأنه:
" لو كانت الإباحة باقية لورد النقل بها مستفيضا، متواترا؛ لعموم الحاجة إليه، ولعرفتها الكافة، كما عرفتها بديا، ولما اجتمع الصحابة على تحريمها لو كانت الإباحة باقية، لما وجدنا الصحابة منكرين لإباحتها، موجبين لحظرها، مع علمهم بديا بإباحتها، دل ذلك على حظرها بعد الإباحة.
ألا ترى أن النكاح لما كان مباحا لم يختلفوا في
204

إباحته، ومعلوم: أن بلواهم بالمتعة لو كانت مباحة كبلواهم بالنكاح. فالواجب إذن أن يكون ورود النقل في بقاء إباحتها من طرق الاستفاضة. ولا نعلم أحدا من الصحابة روي عنه تجريد القول في إباحة المتعة غير ابن عباس " (1)
ونقول:
إن لنا وقفات عديدة مع هذه الأقاويل. وإليك بعضها:
1 - - قوله: لو كانت الإباحة باقية لورد النقل بها مستفيضا.. يقال في جوابه:
أولا: إن ما ذكرناه في فصل " النصوص والآثار " في مصادر أهل السنة، يفوق حد التواتر.. وهو يدل على بقاء الإباحة، وعلى أن المنع إنما جاء من قبل

(1) تحريم المتعة في الكتاب والسنة للمحمدي ص 161.
205

عمر بن الخطاب.
ثانيا: إن الحكم المجعول في زمن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يختلف عن حكم الزواج الدائم المجعول من قبل الشارع، قد جعل على نحو يشمل جميع الأحوال والأزمان، فدليل جعله صالح لإثباته في كل زمان، تماما كقوله تعالى: {أقيموا الصلاة..} وكقوله تعالى: {أوفوا بالعقود..} وقوله: {إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير..} وما إلى ذلك.
ثالثا: إن إصرار الصحابة وغيرهم من أعلام الأمة، وكذا أهل مكة والمدينة واليمن، وغيرهم ممن ذكرناهم في فصل مستقل على القول بحلية المتعة، يشير إلى عدم وجود ما يثبت لهم: أن النهي صادر عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).. وأنهم مقتنعون أن النهي عن المتعة هو مبادرة من عمر نفسه لدوافع
206

قد يكونون يجهلونها، أو يعلمونها.
رابعا: إن روايات النسخ هي أخبار آحاد، فيها الكثير من الإشكالات التي لا مجال للإجابة عنها، والمشكلات التي لا طريق إلى معالجتها.
2 - - إن هذا البعض يناقض نفسه هنا بصورة فاضحة وواضحة، فهو تارة يقول: إن عموم الحاجة يقتضي أن يعرف الصحابة وكافة الأمة ببقاء الإباحة، كما عرفوا إباحتها في بادىء الأمر..
وتارة يقول: إن الكثيرين من الصحابة لم يعرفوا بنسخ الإباحة، لأن المتعة نكاح سر.. إلى أن مضى نحو عقد من السنين، حتى أعلمهم بذلك عمر بن الخطاب في أواسط خلافته..
ولو أنه لم يعلمهم به!!! فلا ندري إلى ماذا ستؤول الأمور بالنسبة لشيوع المتعة عند أهل السنة؟! وهل سوف يحرصون على تبرير التحليل حرصهم الآن
207

على تبرير تحريم عمر؟!
3 - - وأما دعواه اجتماع الصحابة على تحريمها، غير ابن عباس، فقد ذكرنا أكثر من مرة أنه غير دقيق، بل الكثيرون منهم إن لم نقل أكثرهم قد سكتوا على مضض، خوفا من تهديدات عمر لهم. كما سكتوا حتى عن جرأته على رسول الله، حين قال وهو (صلى الله عليه وآله وسلم) يسمعه: إن الرجل ليهجر.. وكما سكتوا عن كثير من الأمور حسبما أوضحناه في موارد عديدة من هذا الكتاب.
4 - - إن من المفارقات أن نجد من يدعي النسخ يطلب من القائلين ببقاء التشريع أن يأتوه بالروايات الدالة على البقاء، مع أن المنطق والإنصاف يقضيان بمطالبة مدعي النسخ بإظهار ما يثبت مدعاه من النقل المتواتر والقاطع للعذر، لا أن يستند إلى ثلاثة روايات يصححها هو فقط.. وهي متناقضة ومتخالفة فيما بينها،
208

لا يقوم بها حجة، ولا يقطع بها عذر!!.
5 - - ومع التهديدات التي أطلقها عمر بن الخطاب هل يبقى مجال لأحد لأن يتفوه بما يخالف قراره؟! لا سيما مع إعلامه الناس أن هذا الأمر قد كان حلالا على عهد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو - - أي عمر نفسه - - يحرمهما.. ومع وجود هذا الاعلان أية جدوى تبقى من الاعتراض؟! ومع ذلك التهديد، من هو ذلك الذي يجرؤ على الاعتراض؟!
6 - - إذا كان ما فعله عمر هو مجرد إعلام بالنسخ الصادر في السابق من قبل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فما هو وجه الحاجة إلى التهديد.. وهل هو يظن السوء بالصحابة إلى درجة أنهم يقدمون على الزنا عن سابق علم بالنسخ، وإصرار على الممارسة المحرمة؟!
لماذا خفي النسخ على الصحابة:
209

وقد زعم شارح بلوغ المرام: أن المبيحين بنوا على الأصل حيث لم يبلغهم الناسخ. والذي أوجب خفاء الناسخ على بعض الصحابة أمور أهمها:
ألف: إن هذا النكاح " نكاح سر "، حيث لم يشترط فيها الإشهاد، ولما كانت خالية عن الإعلان حق لها أن تخفى حتى على القريب.
ب: إن هذا النكاح وقع فيه الترخيص مرتين، وقد يحضر الصحابي موطن الرخصة، فيسمعه، ويفوته سماع النهي، مما أدى إلى تمسك بعضهم بالرخصة فيه (1)
ونقول:
إننا نلاحظ هنا ما يلي:
1 - - إن عدم اشتراط الإشهاد، لا يلزم منه عدم

(1) تحريم المتعة في الكتاب والسنة ليوسف جابر المحمدي ص 160.
210

الإعلان. ولا كون المتعة نكاح سر بحيث تخفى حتى على القريب، فهناك كثير من الأمور ليس فيها إشهاد، وليست هي بسر، بحيث تخفى إلى هذا الحد. فالطلاق مثلا عند هذا المعترض لا يشترط فيه الاشهاد، فهل هو سر بحيث يخفى حتى على القريب؟ وكذلك البيع والشراء، وغيره من المعاملات وجميع العبادات؟
2 - - ولو سلم كون المتعة نكاح سر، فهل يلزم أن يكون تشريعه سرا أيضا؟ ألم يخرج منادي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ليقول للجيش كله في فتح مكة: إن رسول الله (ص) قد أذن لكم أن تستمتعوا، فاستمتعوا؟! كما ذكرته الروايات التي ذكرناها في سياق أحاديث التحريم؟!
3 - - إنه لو صح القول بجواز تعدد التحليل والنسخ، وقد ذكرنا الإشكال في ذلك في الجزء الأول من هذا الكتاب، فإننا نقول: إن من يراجع الروايات..
211

يجد أن عمر قد نسب التحريم إلى نفسه في مقابل نسبته الحلية إلى عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله)..
كما أن الكثيرين من الصحابة، وكذلك أهل مكة والمدينة واليمن وغيرهم ممن ذكرناهم في فصل مستقل يصرون على مخالفة ما جاء به عمر.. ولا يقبلون ذلك منه..
لا حاجة إلى النسخ بل لا معنى له:
وقد حاول البعض أن يدعي: أن تشريع المتعة في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) إنما كان لقوم مخصوصين، وهم الصحابة دون غيرهم، لعذر مخصوص، في مدة مخصوصة، وهو ثلاثة أيام.
والقائلون بالإباحة يقولون بالإباحة على كل حال وفي كل زمان، ولكل أحد.. ولا تدل أخبار التحليل في
212

عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على ذلك (1)
ونقول:
أولا: لو كان الأمر كما يقول، فلا معنى للنسخ من الأساس، لأن الحكم بنفسه مضيق ومقيد. فإذا انتهى زمانه، وزالت قيوده انتفى بصورة تلقائية، ولا يحتاج إلى النسخ، لأن أخبار الإباحة قاصرة عن الشمول. فلا معنى لرفع ما هو مرتفع، ولا لدفع ما هو مندفع من تلقاء نفسه.
ثانيا: إن هذا المعترض قد استفاد هذه القيود من نفس أخبار النسخ التي يدعي تماميتها. مع أنها هي محل النزاع، فالاستدلال بما هو محل النزاع مصادرة على المطلوب. وليس فيها ما يثبت هذه القيود المدعاة بل نجد فيها وفي غيرها مما ذكرناه في فصل

(1) راجع: تحريم المتعة للمحمدي ص 186.
213

النصوص والآثار ما يثبت خلاف ذلك بصورة قاطعة.
ثالثا: إن بعض الأخبار المذكورة قد دلت على التحديد بثلاثة أيام ولكنها أخبار آحاد تتخالف وتتعارض فيما بينها، ومع غيرها، بالإضافة، إلى إشكالات أخرى كثيرة تزيدها ضعفا ووهنا ولا تقوم بها حجة.
أحكام م زواج المتعة:
قال ابن عبد البر: " وأجمعوا أن المتعة نكاح لا إشهاد فيه، ولا ولي، وأنه نكاح إلى أجل تقع فيه الفرقة بلا طلاق، ولا ميراث بينهما، وهذا ليس حكم الزوجات في كتاب الله ولا سنة رسول الله (ص) " (1)
ونقول:
إن جميع ما ذكره من أحكام للمتعة أعني الزواج المؤقت صحيح. لكن قوله: وهذا ليس حكم الزوجات إلخ.. غير مقبول، فإنه وإن كان ليس هو

(1) التمهيد ج 9 ص 116، وراجع: الإستذكار ج 16 ص 296.
214

حكم الزوجات في النكاح الدائم، لكنه حكم الزوجات في زواج المتعة، فلماذا يطلق حكمه بهذه الطريقة غير السليمة.
التشويه غير المقبول:
ويحاول البعض أن يوحي بأن ما يذكر للزواج المؤقت من أحكام، فإنما ذكره الشيعة.. وكأن هذه الأحكام ليست ثابتة في أصل التشريع، والشيعة هم الذين ابتكروها؟!، فنجده يقول:
".. قد ذكر الشيعة لزواج المتعة أحكاما ترتبط به، أو تنشأ عنه.. " ثم ذكر أنه لا طلاق ولا توارث بين الزوجين فيه، ولكن فيه العدة، والتوارث
215

بين الوالدين والولد.. (1)
والأدهى من ذلك قول بعض آخر: ".. ولا يثبت عندهم في نكاح المتعة شيء من أحكام النكاح، لا مهر ولا نفقة، ولا توارث، ولا عدة إلا بالاستبراء " (2)
وقال ابن المرتضى: " قيل: ولا يعتبر في المتعة من أجازها من أحكام النكاح إلا الاستبراء.. بل يعتبر الولي والشهود. قلنا: أدلتهم وفعلهم يقتضي عدم اعتبارها " (3)
وأغرب من ذلك كله: أن نجد بعض الناس يقول: إن نكاح المتعة ليس نكاحا أصلا، وإليك عبارته بعينها:
" إنا لا نسلم أن نكاح المتعة يسمى نكاحا، لأن

(1) مجلة الهلال المصرية العدد 13 جمادى الأولى سنة 1397 ه - -. ق. أول مايو سنة 1977 م.
(1) شرح الأزهار ج 2 ص 238.
(1) البحر الزخار ج 4 ص 23.
216

النكاح في اللغة هو الوطء، وهو في الشريعة عبارة عن العقد اللازم المؤبد بدليل ما تقدم بيانه. فلم يدخل موضع الخلاف تحت الآية.
وعلى أنه عام في نكاح المتعة وغيره، فنخصه بما ذكرنا.
وجواب آخر: وهو أن الله تعالى علق بالنكاح أحكاما لكل واحد من الزوجين على صاحبه، فكان ذكر هذا النكاح وإباحته راجعا إلى ما اجتمعت فيه تلك الأحكام، وليس في نكاح المتعة شيء من تلك الأحكام، فلم يكن مرادا بالآية (1).
قلت: وأقرب دليل على بطلان زعمهم وفساد مسلكهم، أن في الآية دليلا على الاقتصار على أربع

(1) عن تحريم نكاح المتعة لأبي الفتح المقدسي ص 133.
217

في النكاح المؤبد، كما هو مذهب المخالف أيضا.
فلو كانت المتعة يعدونها نكاحا للزمهم أن يحدوا النصاب الذي يتمتع به بأربع. فلما أجازوا الاستمتاع بأي عدد اتفق؟!، ولو زاد على الأربع، تبين منه أنهم لم يجروا التمتع مجرى النكاح.
إذا فهو ليس بنكاح عندهم، إذ لو كان التمتع نكاحا لأعطوه حكمه.
وعليه فاستدلالهم بهذه الآية يوجب تناقضهم، ويلزمهم ألا يسموه نكاحا، ولا يدللوا عليه بهذه الآية " (1).
ونقول:
إن ذلك لا يصح، وذلك لما يلي:
أولا: قد ذكرنا في موضع آخر من هذا الكتاب: أن

(1) نكاح المتعة لأهدل ص 310.
218

المتعة تسمى نكاحا، وقد ورد ذلك في حديث سبرة وغيره: أن الاستمتاع كان عندهم هو التزويج.
ثانيا: إن تعريفه للنكاح في الشريعة بأنه العقد اللازم المؤبد، ما هو إلا اختراع منه، وليس لديه ولا لدى غيره أي دليل على ذلك سوى الادعاء، وما تقدم بيانه عنده لا يزيد على هذا الادعاء. وقد ألمحنا غير مرة إلى أنه غير مقبول إلا بشاهد ودليل.. وأين وأنى لهم به.
ثالثا: إن القرائن ومنها قراءة " إلى أجل مسمى " قد دلت على أن المراد بالآية خصوص النكاح الموقت " المتعة ".
ومن القرائن أيضا تعبير الآية نفسها الدال على أن أي مقدار من الاستمتاع حصل، فلا بد من إعطاء ما يقابله من الأجر، وهذا إنما يتصور في زواج المتعة فقط، حيث إنها تستحق من المهر بمقدار ما وفت به
219

من المدة..
رابعا: بالنسبة للأحكام التي علقها الله بالنكاح، مثل عدم الزيادة على الأربع، والقسم والليلة والعدة وما إلى ذلك، نقول:
إنها إنما تعلقت في خصوص النكاح الدائم لا في مطلق النكاح، فلماذا يفرض هؤلاء أن تعطى أحكام هذا النوع من الزواج إلى ذاك؟!.
خامسا: إن هذا الزواج قد كان مشروعا في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) بلا ريب، فعدم جواز الزيادة على الأربع، هل كان ثابتا له أم لم يكن ثابتا؟.
فإن قالوا: بأنه كان ثابتا له، فقد أبطلوا، وإن قالوا: لم يكن ثابتا له فلماذا الاعتراض..
وعلى فرض عدم ثبوت تلك الأحكام في هذا الزواج على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فالسؤال هو: هل إن عدم ثبوتها أوجب عدم مشروعية
220

هذا النكاح؟! وهل أصبح المتمتعون في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) زناة؟! وهل يصح تشريع الزنا من الله ورسوله؟!
وأي دليل دل على أن تسمية عقد المتعة بالنكاح كان مشروطا بثبوت جميع أحكام الزواج الدائم فيه؟!
سادسا: - - بالنسبة للعدة والزواج الموقت بالأمهات والأخوات ونحو ذلك لا بد لنا من أن نسأل هذا الكاتب: هل كانت هذه الأحكام ثابتة في زمن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) - - قبل النسخ الذي يدعيه - - أم لا؟!.
أي هل كانت المرأة المتزوج بها متعة، تعتد بعد انتهاء المدة أم لا؟
وهل كان يحرم الزواج المؤقت بالأخوات، والأمهات، وغيرهن من المحارم، أم لا؟!
وهل كانوا يجرون صيغة العقد للزواج المؤقت في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)،
221

وبعده، أم لا؟!
وهل كانوا يلحقون الأبناء بآبائهم في هذا الزواج، أم لا؟!
إلى غير ذلك من الأسئلة الكثيرة التي تفرض نفسها، ولا مجال لأحد أن يتهرب منها.
سابعا: إن نسبة ذلك، أعني تلك الأحكام، إلى الشيعة دون غيرهم، لا مبرر لها، إذ إن ذلك ثابت عند غيرهم أيضا.. ولعل الكاتب لم يراجع شيئا من كتب غير الشيعة هنا.. وقد تقدم منا نقل كلام القرطبي في ذلك.
لا نكاح إلا بولي وشاهدين:
وفي مقام الإشكال على زواج المتعة، قالوا: " أجمعوا على أنه لا نكاح إلا بولي وشاهدين " (1)
وفي بعض كتب الشافعية: " عند ابن عباس هو

(1) الإعتصام بحبل الله المتين ج 3 ص 202.
222

الخالي عن الولي والشهود " وتسميته نكاح المتعة على هذا: " لأن شأن الصادر بلا ولي وشهود أن يكون الغرض منه مجرد اللذة " (1)
وتحدثوا عن أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد نهى عن نكاح السر، وأنه: مر بدار من دور الأنصار، فسمع بها صوتا فقال: ما هذا؟ فقيل: يا رسول الله، فلان تزوج فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): الحمد لله، هذا النكاح لا السفاح (2)
ونقول:
أولا: لا يوجد إجماع على لزوم الإشهاد، وإذن الولي حتى في النكاح الدائم.
ثانيا: إذا ثبت ذلك في الدائم، فليس بالضرورة

(1) الفقه على المذاهب الأربعة ج 4 ص 92 و 93.
223

أن تتفق أحكامه مع أحكام المنقطع.
ثالثا: إذا كان السبب في لزوم ذلك هو كون الدائم نكاحا مشروعا، فالمنقطع نكاح مشروع أيضا فليشترطوا ذلك فيه أيضا، وليس ثمة ما يمنع من ذلك.
رابعا: لا يشترط في النكاح حتى الدائم، لا إسرار ولا إعلان، وإن كان الإعلان مستحبا، كما لم يشترط أحد أن تكون المتعة سرية، فما يقال في الدائم من هذه الجهة هو نفسه يقال في المنقطع.
زواج المتعة بلا ولي ولا مهر:
ومن غريب ما رأيناه تعريفهم لزواج المتعة بأنه:
224

" هو النكاح إلى أجل خاص بغير ولي، وبغير شهود، وبغير صداق. قاله ابن عبد البر " (1)
ونقول:
لا ندري من أين جاء هذا التعريف لهذا الزواج الذي شرعه الله بإجماع الأمة، فابتدع لنا مقولة: انه بغير صداق. وقد صرحت الروايات المتقدمة في فصل: النصوص والآثار وغيره بلزوم المهر فيه فراجع ما تقدمت روايته عن الصحابة وعن عمر نفسه حسبما ذكرناه في هذا الكتاب، وسبق أيضا قول جابر: كنا نستمتع بالقبضة من التمر الخ. راجع فصل النصوص والآثار، الحديث الثاني.
أما الإشهاد فنحن لا ننكر أنه لا يشترط الإشهاد

(1) حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني لرسالة ابن أبي زيد القيرواني ج 2 ص 47.
225

في زواج المتعة، لكننا نقول: إن هذا يشمل الزواج الدائم أيضا..
وأما بالنسبة للولي، فإنه لا يفترق عن الزواج الدائم في ذلك وكذا الحال بالنسبة للشهود. وقد صرح ابن رشد بقوله عن نكاح المتعة: " هو النكاح بصداق وشهود وولي " وإنما فسد من ضرب الأجل (1)
وقال ابن جزي في تفسير آية: {فما استمتعتم به منهن}: " وكان جائزا في أول الإسلام، فنزلت هذه الآية في وجوب الصداق فيه " (2)
على أننا نقول: إن الحلال هو ما أحله الله ورسوله، وقد أحل الله ورسوله هذا الزواج، فلنقبل ذلك وفق الشروط التي كانت معتبرة في عهد رسول

(1) المصدر السابق.
((1) التسهيل لعلوم التنزيل ج 1 ص 137.
226

الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فإن كان بولي وشهود فهو اليوم كذلك وإن كان بدونهما فهو اليوم أيضا كذلك.
أقاويل وأباطيل:
قال النحاس: " وإنما المتعة أن يقول لها: أتزوجك يوما وما أشبه ذلك، على أنه لا عدة عليك، ولا ميراث، ولا طلاق، ولا شاهد يشهد على ذلك. وهذا هو الزنا بعينه، ولم يبح قط في الإسلام إلخ.. (1)
وقال البعض أيضا: " لا يعتبر في المتعة من أجازها من أحكام النكاح إلا الاستبراء " (2)

(1) الجامع لأحكام القرآن ج 5 ص 132.
(1) جواهر الأخبار والآثار المستخرجة من لجة البحر الزخار ج 4 ص 23.
227

ونقول: إن هذا النكاح شرعي، وليس من أقسام الزنا، ويكفي في رد كلام هؤلاء أنه: قد شرع في زمن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بإجماع الأمة.
أما ما زعموه من أنه لا يعتبر في المتعة من أحكام النكاح إلا الاستبراء، فقد علق عليه المقبلي بقوله:
" هذا خلاف ما في كتبهم، فإن فيها يشترط ما يشترط في النكاح الدائم، وفي التبصرة من مختصرات فقههم: لا يقع بها طلاق ولا لعان، ولا ظهار، ولا ميراث لها وإن شرط، وتعتد بعد الأجل بحيضتين أو بخمسة وأربعين يوما، وفي الموت بأربعة أشهر وعشرة أيام، ويلحق به الولد " (1)

((1) المنار في المختار من البحر الزخار ج 1 ص 464.
228

ثبوت النسب في زواج المتعة:
أضاف المقبلي قوله: " وسألت بعضهم هل يثبت به النسب، فقال لي في ذلك ثلاث مذاهب، إطلاقان، وتفصيل: تثبت ولا تثبت مع الشرط.. إلخ " (1)
ونقول:
إن كلامه الأخير لا صحة له، فإن النسب يثبت في المتعة كالدائم، وأما الإشهاد فلا يعتبر في النكاح عند الإمامية، نعم هو معتبر في الطلاق، وفقا لما جاء في الآيات القرآنية الكريمة.
وأما ما عليه أهل السنة من لزوم الإشهاد في عقد النكاح وعدم لزومه في الطلاق فمخالف للقرآن،

(1) المصدر السابق.
229

قال تعالى في سورة الطلاق: {فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذوي عدل منكم وأقيموا الشهادة لله إلخ..} (1)
فالسورة كلها مسوقة لبيان الطلاق وأحكامه، وقد ذكر منها الإشهاد، ولم يشترط القرآن الإشهاد في النكاح، لا في الدائم منه ولا في المنقطع.
وقال القرطبي: " اختلف علماؤنا إذا دخل في نكاح المتعة، هل يحد ولا يلحق به الولد، أو يدفع الحد للشبهة، ويلحق به الولد على قولين. ولكن يعزر ويعاقب. وإذا ألحق اليوم الولد في نكاح المتعة في قول بعض العلماء مع القول بتحريمه، فكيف لا يلحق في ذلك الوقت الذي أبيح؟.

((1) سورة الطلاق / الآية 2.
230

فدل على أن نكاح المتعة كان على حكم النكاح الصحيح، ويفارقه في الأجل والميراث، وحكى المهدوي عن ابن عباس: أن نكاح المتعة كان بلا ولي ولا شهود، وفيما حكاه ضعف لما ذكرنا " (1)
وقال أيضا: " قال أبو عمر: لم يختلف العلماء من السلف والخلف: أن المتعة نكاح إلى أجل، لا ميراث فيه، والفرقة تقع عند انقضاء الأجل، من غير طلاق.
وقال ابن عطية:
وكانت المتعة أن يتزوج الرجل المرأة بشاهدين وإذن الولي إلى أجل مسمى، وعلى أن لا ميراث بينهما، ويعطيها ما اتفقا عليه، فإذا انقضت المدة فليس له عليها سبيل، ويستبرئ رحمها: لأن الولد

(1) الجامع لأحكام القرآن ج 5 ص 132.
231

لاحق فيه بلا شك فإن لم تحمل حلت لغيره " (1)
الشوكاني ليس من الشيعة:
ويقول البعض: في سياق حديثه حول المتعة، ورده لأدلتها الصحيحة والثابتة: ان الشوكاني كان من أئمة الشيعة، وذلك من أجل أن يضعف حجة الشيعة - - بزعمه - - بآراء الشوكاني.
وهذا أيضا غير صحيح، فإن من الواضح: أن الشوكاني كان أولا من الزيدية.. ثم رجع عن ذلك، وصار سنيا، غير مقلد لأي من أئمة المذاهب الأربعة، والمراجع لكتب الشوكاني لا يخامره شك في تسننه القوي والراسخ.

(1) الجامع لأحكام القرآن ج 5 ص 132، وفتح الملك المعبود ج 3 ص 224.
232

لا معنى للأمر بالاستعفاف إذا حلت المتعة:
ويقول البعض أيضا: لو كانت المتعة بكف من بر حلالا، لم يكن معنى لقوله تعالى: {وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله} لأن وجوب الاستعفاف عند العجز عن النكاح يناقض حلية المتعة، فإنه إذا عجز عن النكاح فبإمكانه التمتع، فما معنى أمره بأن يستعفف.. ولا سيما مع سهولة المتعة، ولو بكف من بر.. (1)
وجواب هذا الكلام واضح:
فأولا: إن المراد في الآية ليس خصوص العجز عن النكاح الدائم، بل الأعم منه ومن المنقطع، فإن الإنسان قد يتعسر عليه أمر الزواج بقسميه، فكما أن الدائم نكاح، فإن المنقطع أيضا نكاح، فما عليه

(1) الوشيعة لموسى جار الله.
233

والحالة هذه إلا أن يستعفف بمقتضى الآية الشريفة.. ولا يجوز له أن يرتكب المحرمات، كالزنا، وغيره.
ثانيا: إن الله سبحانه وتعالى لم يقل: لا يجدون مالا، بل قال: {لا يجدون نكاحا} وقد يكون عدم وجدان النكاح لأسباب مختلفة.
فقد يكون السبب، هو عدم وجود نساء يقبلن به كزوج دائم أو كزوج في المنقطع.
وقد يكون السبب هو عدم المال لديه، مثل ذلك الرجل الذي زوجه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بما معه من القرآن.
وقد يكون السبب هو وجود موانع له هو تمنعه من الزواج، كالسفر إلى بلاد لا يعرف فيها من يساعده في أمر كهذا، أو وجود مانع اجتماعي،
234

كوفاة قريب لا يستسيغ له الناس الزواج في فترة معينة، أو ما إلى ذلك..
ففي مثل هذه الحالات يطلب منه أن يستعفف، ولا يبادر إلى المحرمات.
وثالثا: إن الزواج المنقطع كما أنه قد يكون المهر فيه كفا من بر - - أي قمح - - كذلك الزواج الدائم - - ونجد كثيرين يجعلون المهر مصحفا، أو تعليم سورة من القرآن، أو ما إلى ذلك..
ومن الجهة الأخرى، فإن المهر في المتعة كما أنه قد يكون كفا من بر كذلك هو قد يصل إلى مقادير كبيرة من الذهب، تماما كما هو الحال في الزواج الدائم الذي قد يكون نصف درهم، وقد يكون قنطارا من الذهب، وذلك وفقا لما يتراضيان عليه.. وكما أشار إليه قوله تعالى} وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه
235

شيئا، أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا {(1)
الزيدية يحرمون المتعة:
ومن الأمور الغريبة: أن البعض يتخذ من ذهاب فرقة الزيدية إلى التحريم ذريعة للطعن فيما يقوله الإمامية من بقاء حلية هذا التشريع، على اعتبار أن الزيدية أيضا يتشيعون لأهل البيت (عليهم السلام)، فلو أن التحليل هو مذهب علي وأهل بيته (عليهم السلام) لوجب أن يلتزم الزيدية بذلك أيضا.
ونقول:
أولا: لا ندري لماذا خص الزيدية بهذه المقالة ولم يعطف عليهم كل فرقة تعظم أهل البيت (عليهم السلام)، وتهتم بمتابعتهم.. كالمعتزلة البغداديين

((1) سورة النساء، الآية 20.
236

الذين كانوا يرون: أن عليا (عليه السلام) أفضل الصحابة.
بل لماذا يستثني أهل السنة أيضا فإنهم أيضا يلتزمون أهل البيت (عليهم السلام)، ويعظمونهم، ويعظمون عليا (عليه السلام)، ويلتزمون إمامته، وخطه، ولا تكاد تجد أحدا من أهل السنة يجرؤ على رفض الالتزام بما ثبت عنه (عليه السلام) من أحكام إلا أن يخالفه إلى غيره من صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
ثانيا: إن من الواضح: أن الزيدية يأخذون كثيرا من فقههم وأحكامهم من مجاميع الحديث عند أهل السنة، وهناك انسجام واضح في هذا المجال - - نتيجة لذلك - - فيما بين الفريقين، فلا مجال للاحتجاج بهم
237

لمجرد إطلاق اسم الشيعة عليهم.
ثالثا: إن المعيار يجب أن يكون هو الدليل والحجة من القرآن والسنة، وما سوى ذلك لا عبرة به.
الشيعة تركوا قول علي (ع) واخذوا بغيره:
ويقول البعض: سلمنا أن ابن عباس قال: هي حلال.. لكن عمر، وعليا (عليه السلام) وابن الزبير وابن عمر قالوا: هي حرام، وأنكر ابن الزبير على ابن عباس بما تقدم بيانه.
فكيف ترك الشيعة قول علي (عليه السلام)، مع الرواية عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في نسخها، وتمسكوا بقول ابن عباس؟! (1)
أقول:

(1) تحريم نكاح المتعة ص 117.
238

1 - - إن نهي عمر بن الخطاب لا يصح الإحتجاج به، فإنه موضع الأخذ والرد.
وأما نهي علي (عليه السلام) لابن عباس، وروايته النسخ عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فنحن نشك في صحته، لأن المروي عن علي (عليه السلام) خلافه.. وقد ناقش - - حتى علماء أهل السنة برواية النسخ في يوم خيبر، وشككوا فيها، وردوها وذهب أكثرهم إلى أن النسخ إنما كان يوم الفتح. ورووا هم أيضا عن علي (عليه السلام) قوله:
" لولا أن عمر بن الخطاب نهى عن المتعة، ما زنى إلا شقي، أو نحو ذلك ".
فالشيعة يستندون إلى قول ابن عباس، وعلي (عليه السلام)، وجابر، وابن مسعود، وعمران بن الحصين، و.. و.. إلى آخر القائمة الطويلة التي لم
239

تقبل من عمر نهيه عن هذا الزواج المشروع.. بل وأهل مكة، واليمن، وأكثر أهل الكوفة وثلاثة من الأئمة الأربعة.. بالإضافة إلى كثيرين آخرين قد أفتوا بحلية هذا الزواج.
2 - - لقد تحيرنا مع هؤلاء القوم، فهم تارة يقولون لنا: إن علينا أن نأخذ بقول علي (عليه السلام)، وأخرى يقولون لنا: إن من قواعدنا (!!) أنه لا يرجع في المختلفات إلى علي (عليه السلام) وأهل بيته (عليهم السلام) (1) وهي مقولة حاقدة ناقشناها في موضع آخر من هذا الكتاب.
الاجماع على أنه (ص) لم يتمتع:

(1) راجع فتح الباري ج 9 ص 150، وأوجز المسالك ج 9 ص 404 ن وراجع: فتح الملك المعبود ج 3 ص 227، وعون المعبود ج 6 ص 84، وفقه السنة ج 2 ص 42 و 43.
240

وقد رفض بعضهم القبول بأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد تزوج متعة، كما ذكره الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء وذلك استنادا إلى الأمور التالية:
أولا: إنه " خرق لإجماع الأمة الإسلامية المعقود من عصر انعقاد الإجماع إلى العصر الحالي؛ إذ هم كلهم متفقون على أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يباشر النكاح الموقت إطلاقا. مع اتفاقهم على أنه رخص فيه في أول الإسلام.
ولكن ترخيصه هذا شيء، والمباشرة شيء آخر، إذ لا يلزم من ترخيصه فيه مباشرته لذلك، فاتبع في قوله هذا غير سبيل المؤمنين.
وقد قال سبحانه:} ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى،
241

ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى، ونصله جهنم وساءت مصيرا {(1).
ثانيا: قوله على الرسول عليه الصلاة والسلام: إنه فعل ما لم يفعله، ينطبق عليه قول المشرع الكريم: " من كذب علي متعمدا، فليتبوأ مقعده من النار " (2) إلخ.. (3).
ونقول:
أولا: هل يستطيع هذا البعض أن يذكر لنا كلمات - - ولو عشرة - - من علماء الإسلام التي وقف عليها خلال تحصيله لهذا الإجماع الذي يدعيه؟! يصرحون فيها بأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يتزوج متعة، فإذا كان الشاذ منهم هو الذي ادعى هذه الدعوى، فهل يصح إطلاق القول بوجود إجماع؟!

((1) سورة النساء، الآية 15.
(1) هذا الحديث متواتر معنى ومبنى عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قال ابن الجوزي رواه من الصحابة ثمانية وتسعون نفسا.. إلخ.
(1) نكاح المتعة للأهدل ص 319.
242

ثانيا: إننا نسأل الذي ادعى أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يتمتع: ما هو مستنده، ومعتمده فيما ادعاه؟! وهل تقبل الدعاوي التي تطلق جزافا ومن دون أي مستند؟!
ثالثا: إن مجرد سكوت العلماء عن أمر لا يعني موافقتهم عليه، فقد يكون السكوت لأكثر من سبب، فكيف إذا كان السكوت نتيجة لعدم الالتفات إلى هذا الأمر أصلا، وليس لأجل التفاتهم، ثم سكوتهم عنه. فإذا كان هناك مجال لتوهم الموافقة في الثاني، فلا مجال لتوهم ذلك في الأول.
رابعا: إننا نجد هناك روايات تثبت أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قد مارس هذا الزواج. فهل يستطيع هذا القائل أن يأتي برواية واحدة تنفي عن النبي (صلى
243

الله عليه وآله وسلم) ذلك؟!
كما أنه سيأتي من كلام المفيد ما يفيد أنه لا يقر بمقولة: إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يفعل ذلك. فما معنى ادعاء إجماع علماء الإسلام على أمر ينكره أمثال المفيد رحمه الله تعالى؟!.
وبعدما تقدم نقول: كيف صح لهذا الشخص أن ينفي صدور ذلك من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بهذا المستوى من الشدة والحدة، وليس لديه اية أدلة تدعم دعواه، ثم يحكم على من يملك أدلة الإثبات بأنه يكذب على رسول الله متعمدا، وبأنه يتولى غير سبيل المؤمنين، وسيصلى جهنم ويتبوأ مقعده فيها وساءت مصيرا؟!
لو كان في المتعة خير لفعلها رسول الله (ص):
وقد أجاب الشيخ المفيد رحمه الله على
244

قولهم: لو كان في المتعة خير لما تركها رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله:
" ليس كل ما لم يفعله رسول الله (ص) كان محرما، وذلك أن رسول الله (ص)، والأئمة (ع) كافة لم يتزوجوا بالكتابيات، ولا خالعوا ولا جلسوا للتجارة في الأسواق.. إلخ (1)
أضف إلى ذلك: أنه قد ورد ما يدل على أن النبي (صلى الله عليه وآله) قد فعلها، وقد تقدم ذلك فصول سبقت خصصناها لذكر الروايات، ونعود فنشير إلى ذلك هنا، فنقول:
قد روي: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) تزوج بالحرة متعة، فاطلع عليه بعض نسائه، فاتهمته

((1) راجع: زواج المتعة حلال ص 122.
245

بالفاحشة، فقال:
إنه لي حلال، إنه نكاح بأجل، فاكتميه. فاطلعت عليه بعض نسائه. فنزلت آية:} وإذ أسر النبي {(1)
وفي نص آخر عن الصادق عليه السلام فقد سئل: " فهل تمتع رسول الله (ص)؟ فقال: نعم. وقرأ هذه الآية:} وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا.. إلى قوله تعالى: ثيبات وأبكارا {(2)
أما قول بعضهم: إن التعصب البغيض هو الذي حمل على نسبة هذا الأمر القبيح إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولو فعل ذلك أبوه أو جده لعابه عليه ووبخه (3)

(1) خلاصة الإيجاز في المتعة ص 24 و 25 وعن الوسائل ج 14 ص 240.
246

فيرده:
1 - - إنه لو كان قبيحا لما أحله الله ورسوله في صدر الإسلام.
2 - - إن هؤلاء يقولون: إن الحسن هو ما حسنه الشارع، والقبيح هو ما قبحه الشارع ففعل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لهذا الأمر يكون آية حسنه.
3 - - إن هناك أمورا قد تكون مستساغة في زمان غير مستساغة في زمان آخر، مثل ركوب الجمل والبغلة والحمار، فإن ذلك لم يعد مستساغا لأهل الرياسة والجاه في هذه الأيام. وقد كان مستساغا في عصور مضت.. فليس هذا النوع من القبول والرد صالحا لأن تدور مداره الأحكام الإلهية الثابتة
247

للموضوعات بعناوينها الأولية..
التوقيت خلاف مقتضى النكاح:
ويقول البعض: " نكاح المتعة باطل، لأن التوقيت خلاف مقتضى النكاح، وهو خلاف الزوجية ". (1)
ونقول:
نعم، هو خلاف مقتضى النكاح الدائم، إذ إن للنكاح المشروع فردين: أحدهما: الدائم. والآخر: المنقطع.
فالتوقيت ليس خلاف النكاح المنقطع، بل هو داخل في صميم مضمونه، ولأجل ذلك أحله الشارع المقدس وشرعه في صدر الاسلام، وثبت على القول بتحليله كثير من فقهاء الأمة في تلك الحقبة وبعدها.

(1) غاية المأمول، شرح التاج الجامع للأصول ج 2 ص 334.
248

الإجماع بسبب نهي عمر، لا بسبب النسخ:
ويلفت نظرنا هنا ابن حجر العسقلاني، وهو يعلق على ما روي عن جابر بن عبد الله الأنصاري رحمه الله، حيث نجده يقول: وهو يرد على ابن حزم الذي قال: إن جابرا روى حلية المتعة عن جميع الصحابة:
" وقع في رواية أبي نضرة، عن جابر عند مسلم: فنهانا عمر، فلم نفعله بعد. فإن كان قوله: فعلنا يعم جميع الصحابة، فقوله: ثم لم نعد، يعم جميع الصحابة، فيكون إجماعا.. ".
إلى أن قال: " وقد ثبت عن جابر - - عند مسلم - -: فعلناها مع رسول الله (ص)، ثم نهانا عمر، فلم نعد لها، فهذا يرد عده (أي ابن حزم) جابرا في
249

من ثبت على تحليلها " (1)
ونقول:
1 - - إن كلام جابر صريح بأنهم إنما لم يعودوا للمتعة بسبب نهي عمر لهم، لا بسبب ورود النهي من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فامتناعهم هذا لا يدل على إجماعهم على التحريم، بل هو دليل مقهوريتهم بمنع عمر.
2 - - وماذا ينفع إجماع يحصل بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وانقطاع الوحي، فهل نزل عليهم جبرئيل من جديد، وأخبرهم بالحرمة أو بالحلية؟!.
إلا على قاعدة " الإجماع نبوة بعد نبوة " حسبما أشرنا

(1) فتح الباري ج 9 ص 151.
250

إليه في موضع آخر من هذا الكتاب. أو على قاعدة: أن الإجماع بعد الخلاف يرفع ذلك الخلاف ويزيله.
وقد أسلفنا في القسم الأول من هذا الكتاب أن هذه القاعدة غير مسلمة، ولا مقبولة، بل هي مرفوضة على نطاق واسع.
3 - - إن كلام جابر: فعلناها مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم نهانا عمر فلم نعد لها، يدل على أن جابرا استمر على القول بالتحليل منذ عهد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى عهد عمر، وحتى بعد عمر أيضا، لأن عدم عودته لها خوفا من تهديدات عمر بالرجم، لا يدل على أنه: أصبح يقول بحرمة هذا الزواج.
زواج المتعة على عرد أو عردين:
251

المراد بالعرد الواحد والعردين، المواقعة مرة واحدة، أو مرتين، وقد حاول البعض أن يقول:
إن الشيعة قد أفتوا بصحة تزوج المرأة متعة على عرد واحد أو أكثر، وقد يشترطون أن ينضم ذكر أجل محدد إلى ذلك أيضا، كيوم أو يومين - - لا ساعة أو ساعتين - - لعدم انضباط الوقت بالساعة..
قال: ولا نعرف الفرق بين الزنا وهذه الحالة.. إلا أن يقال: إن الفرق هو أنه مع إشتراط العرد.. مثلا - - فإنه يجب عليه فور فراغه من المواقعة أن يحول وجهه، ولا ينظر إليها - - كما قالوا - - أفلا نكون معذورين بهذا الجهل..
ثم قال: لو كانت المتعة على عرد أو عردين جائزة لكان المناسب أن يقول علي (عليه السلام): " لولا ما سبقني إليه ابن الخطاب ما زنى أحد " فإن كل متعة ستكون زنا على هذا الرأي، لأن الزنا هو
252

مواقعة رجل لامرأة برضاها، والمتعة على عرد أو عردين كذلك إلا أن يقال: إن الزنا خاص بصورة الاغتصاب ولا يتعداه، وليس الأمر كذلك.
ونقول:
أولا: إن الشيعة لا يفتون بجواز تزوج المرأة متعة على عرد أو عردين، إلا ما نسب إلى الشيخ الطوسي رحمه الله من أنه حمل هذه الأخبار على الرخصة، وأن الأحوط الأولى هو إضافة العرد إلى مدة معينة ومحددة.
ثانيا: بل إننا حين راجعنا كلام الشيخ في الإستبصار وجدنا أنه لم يفت حتى بجواز التمتع على عرد أو عردين، بل قال:
" والأولى أن يكون المراد بالدفعة والدفعتين في الخبرين إنما يجوز مطلقا مضافا إلى يوم بعينه أو بأيام بأعيانها. فأما إذا ذكر الدفعة مبهمة،
253

ولم يضفها إلى يوم بعينه كان ذلك عقدا دائما لا ينحل إلا بالطلاق.
يدل على ذلك ما رواه محمد بن احمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن موسى بن سعدان، عن عبد الله بن القاسم، عن هشام الجواليقي قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) أتزوج المرأة متعة مرة مبهمة، قال: فقال: ذاك أشد عليك، ترثها وترثك، فلا يجوز لك أن تطلقها إلا على طهر وشاهدين.
قلت: أصلحك الله فكيف أتزوجها؟.
قال: أياما معدودة بشيء مسمى إلخ.. " (1)
فإن استدلاله بهذا الحديث ظاهر في أن الأولوية إلزامية تعيينية.
ثالثا: بالنسبة للفرق بين الزنا وبين المتعة على

(1) الاستبصار ج 3 ص 152
254

عرد أو عردين.. لو فرض صحته.. أن الزنا محرم في الشريعة، وأن هذا الزواج قد حلله الشارع، واعتبرهما زوجين، ورتب على ذلك آثارا، وشرع لهما أحكاما، والمواقعة حاصلة بسبب مشروع، ومقبول.
ولا ينحصر الفرق بينهما بتحويل الوجه بعد الفراغ أو عدم تحويله.
رابعا: لو صح أن الفرق هو مجرد لزوم تحويل الوجه لكان طلاق اليائس بعد المواقعة مباشرة داخلا في الزنا. ولكانت المواقعة في المتعة في أيام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في آخر لحظات الوقت المتفق عليه يجعل المتعة زنا.
خامسا: إن المنقول عن علي (عليه السلام) هو: " لولا أن عمر نهى عن المتعة ما زنى إلا شقي أو شفا " أما عبارة: " لولا ما سبقني إليه ابن الخطاب
255

ما زنا إلا شفا، أو إلا شقي " فليست بهذا اللفظ مأثورة عن علي (عليه السلام)..
نعم، قد نقل عنه (عليه السلام) أنه قال: " لولا ما سبق من رأي عمر ابن الخطاب لأمرت بالمتعة، ثم ما زنى إلا شقي (1) وهذا موافق للروايات الثابتة عنه (عليه السلام) في تحليل المتعة والاعتراض على من حرمها، ولا يمكن تفسيرها بأنه لولا ما فعله عمر لانتشر الزنا، بل هي مناقضة لذلك بصورة ظاهرة..
ليس للشيعة رواية في حلية المتعة:
ومن الغريب أن بعضهم بعد أن ذكر روايات كثيرة عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) يؤكدون فيها

((1) تقدمت مصادر هذا الحديث في فصل: النصوص والآثار.
256

حلية المتعة، نجده يقول:
".. هذه الآثار المعلقة هي كل ما عثرت عليه من مصادرهم التي تحت يدي، وهي ترشدنا إلى أنه ليس للشيعة حديث عن رسول الله (ص) مسند، يقرر حل المتعة. وحاشا أن يصدر من المشرع الكريم الترخيص في المتعة بعد تصريحه بتحريمها إلى يوم القيامة " (1).
وقال: " إني فيما اطلعت عليه من كتبهم لم أجد لهم ولا رواية واحدة مسندة إلى رسول الله (ص)، سوى ما يذكرونه من الأحاديث التي في كتب أهل السنة تحكي الترخيص، ويرفضون أحاديث النهي، حتى وإن كان الترخيص والنهي في حديث واحد ".
وصدق الشيخ محمد عبده إذ يقول: " وليس للشيعة

(1) نكاح المتعة للأهدل ص 331.
257

رواية واحدة عن أهل البيت في الموضوع " (1).
ونقول:
أولا: إن ما ذكره من روايات عن أهل البيت (عليهم السلام)، لا يتجاوز الأربعة عشر رواية حسب ترقيمه.. وقد أوردنا في هذا الكتاب في فصل متقدم أربعين رواية في المتعة عنهم (عليهم السلام). وما تركناه من ذلك كثير جدا أيضا، فمن يعترف بأنه لم يطلع إلا على هذا النزر اليسير، وأنه لم يطلع إلا على ما هو تحت يده، كيف يصح له أن ينفي بهذه الصورة الحاسمة.
ثانيا: ما معنى قول الشيخ محمد عبده: ليس للشيعة رواية واحدة عن أهل البيت في الموضوع؟!
فإن كان يقصد: الرواية التي تنتهي إليهم هم (عليهم

(1) نكاح المتعة للأهدل ص 226 وكلام الشيخ محمد عبده نقله عن المنار ج 5 ص 16.
258

السلام) وحسب.. فهذا هو الواقع الراهن ينادي بأعلى صوته بخلاف ذلك..
وإن كان يقصد: أنه ليس للشيعة رواية واحدة تنتهي إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بنحو متصل، وتتشكل حلقاتها الأخيرة من أهل البيت (عليه السلام).
فهو أيضا لا يمكن قبوله: فإن أئمة أهل البيت (صلوات الله عليهم أجمعين) أنفسهم قد صرحوا بسلسلة سندهم التي تصلهم برسول الله (صلى الله عليه وآله).. فقد جاء عن الإمام الصادق (عليه السلام) قوله لأحدهم: مه، ما أجبتك فيه من شيء فهو عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لسنا من: (أرأيت) في شيء (1).
وعن أبي عبد الله (عليه السلام): حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدي، وحديث جدي حديث

(1) الكافي ج 1 ص 58.
259

الحسين، وحديث الحسين حديث الحسن، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين، وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله، وحديث رسول الله قول الله عز وجل (1).
ثالثا: قوله: حاشا أن يصدر من المشرع الكريم الترخيص في المتعة بعد تصريحه بالتحريم إلى يوم القيامة. غير سديد. فإنه مبني على صحة دعواه أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد حرمها. وأنى له بإثبات ذلك.. بل إن ما يدعيه من روايات لا يخرج عن كونه أخبار آحاد متناقضة، فيها الكثير من العلل والعاهات..
رابعا: إن ما يحتج به شيعة أهل البيت عليهم السلام على أهل السنة في موضوع استمرار تشريع زواج

(1) الكافي ج 1 ص 53.
260

المتعة لا يتوقف على ثبوت روايات عن أهل البيت (عليهم السلام)، يسندونها متصلة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله).. إذ إن ثبوت هذا التشريع في صدر الإسلام كالنار على المنار، وكالشمس في رابعة النهار. فعلى مدعي النسخ أن يأتي بالدليل القطعي على دعواه هذه. والأخبار التي يستندون إليها - - لو صحت - - فإنها لا تكفي لإثبات ذلك لكونها أخبار آحاد.. ولأنها تعاني الكثير من المشكلات التي لا تسمح بالاعتماد عليها، بل هي تسقطها عن درجة الاعتبار رأسا..
هذا بالإضافة إلى وجود سيل كبير من الدلائل والشواهد التي يذكرها أهل السنة في مصادرهم، وتدل على بقاء هذا التشريع وفي هذا الكتاب طائفة من ذلك.
261

لا حجية للروايات عن أئمة أهل البيت (ع):
وقال بعضهم في مقام نفي حجية قول أئمة أهل البيت (عليهم السلام).
" لا حجية في كلام بشر بعد القرآن الكريم، إلا في كلام معصوم من الخطأ، ولا عصمة إلا لمن يتلقى الأمور وحيا، ولا وحي إلا على نبي. فالمعصوم هو محمد خاتم النبيين الذي {لا ينطق إلا عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى}.
وقد ثبت عن هذا المعصوم تحريم متعة النكاح تحريما أبديا، رويناه عن الثقات من لدن المؤلفين إلى صاحب المقام السامي عليه الصلاة والسلام ".
ثم يذكر:
" أن لهم معصوما واحدا والشيعة يضيفون إليه
262

ثلاثة عشر معصوما.. " إلخ.. (1). ونقول:
أولا: إن نفيه الحجية عن قول البشر إلا قول معصوم عن الخطأ.. وهو الذي يتلقى الوحي.. لا يستقيم على مذهب نفس هذا القائل، إذ إنهم يدعون عصمة الأمة أيضا (2) وأن ظنونها أيضا لا تخطئ (3) وقالوا: إن الإجماع نبوة بعد نبوة (4).

((1) نكاح المتعة للأهدل ص 332 / 333.
(1) راجع: تهذيب الأسماء ج 1 ص 42 والإلمام ج 6 ص 123 والباعث الحثيث ص 35 وشرح صحيح مسلم للنووي مطبوع وبهامش إرشاد الساري ج 1 ص 28 ونهاية السؤل ج 3 ص 325 وسلم الوصول ج 3 ص 326 وعلوم الحديث لابن الصلاح ص 24 وإرشاد الفحول ص 80 و 82 والأحكام للآمدي ج 4 ص 188 / 189.
(1) راجع علوم الحديث لابن الصلاح ص 24 وشرح صحيح مسلم للنووي (مطبوع بهامش إرشاد الساري) ج 1 ص 28 والباعث الحثيث ص 35.
(1) الإلمام ج 6 ص 123 والمنتظم ج 9 ص 210 والإحكام في أصول الأحكام ج 1 ص 204 و 205.
263

ثانيا: ما معنى أن يقول: إن المعصوم منحصر فيمن يتلقى الوحي عن الله سبحانه، فإن هذا الذي يتلقى الوحي إذا أخبر عن عصمة شخص آخر غيره، فلا بد أن يقبل منه..
وشيعة أهل البيت (عليهم السلام) يقولون: إن لديهم أدلة تثبت عصمة الأئمة الاثني عشر، بالإضافة إلى السيدة الزهراء (عليها السلام). وهم ليسوا من الأنبياء..
ثالثا: إن من يلتزم بمقولة التصويب ويقول عن المجتهدين: كلهم ذو اجتهاد صواب (1). وما إلى ذلك.. لا يحق له أن يعترض على الشيعة إذا قالوا بعصمة الأئمة الاثني عشر، استنادا إلى أدلة قاطعة للعذر مأخوذة من الكتاب والسنة، ومن أحكام العقل الفطرية

((1) راجع: التراتيب الإدارية ج 2 ص 366 وراجع ص 364 و 365 وإرشاد الفحول ص 78 و 259 و 261 وراجع: الأحكام للآمدي ج 4 ص 159 ونهاية السؤل ج 4 ص 560 وراجع ص 558.
264

والصريحة..
رابعا: أما بالنسبة للعصمة عن الذنوب فإن من الواضح: أنها لا مجال للنقاش فيها، إذ لا ريب في أن الله سبحانه قد أوجب على البشر كلهم تحصيل مقام العصمة، من حيث إنه لا يرضى منهم بارتكاب ولو مخالفة واحدة، مهما كانت صغيرة طيلة حياتهم، من حين البلوغ إلى يوم الممات بل هو قد أوعدهم بالعقاب، وامتن عليهم بالعفو عن كثير، ولا يكون عفو إلا بعد ثبوت العقوبة.. وليست العصمة أكثر من ذلك..
فإذا كان قد كلفهم بذلك، فهو إذن مقدور لهم، إذ لا يجوز - - عقلا التكليف بغير المقدور - - ولا يلتفت إلى قول من يخالف ذلك.
265

غير أن الفرق هو أننا بالنسبة للأنبياء والأوصياء نعلم ونتيقن عصمتهم، أما بالنسبة لسائر الناس فنحن لا نعلم تحقق ذلك فيهم. فقد يكون هذا أو ذاك من الناس معصوما ونحن لا ندري. فإذا أخبرنا المعصوم بعصمته قبلنا منه..
خامسا: قوله قد يثبت عن المعصوم تحريم متعة النكاح تحريما أبديا.. غير مقبول، بل هو أول الكلام وهو الدعوى التي تحتاج إلى إثبات، وقد ظهر في هذا الكتاب: أن ضدها هو الثابت..
التشبث بالطحلب:
وهناك حديث رواه: " محمد بن مسلم عن الإمام الصادق (عليه السلام) في حديث عن المتعة، قال: قلت: أرأيت إن حبلت؟
266

فقال: هو ولده (1) قال الأهدل: " إن هذا الأثر نسب تارة إلى علي، وأخرى إلى ابن عباس، وفي هذه الرواية إلى جعفر الصادق.
وهذه الظاهرة تكفي دليلا قويا على إبطاله " (2).
ونقول:
إن من الواضح: أن السؤال عن الأحكام قد يتكرر، خصوصا بالنسبة لولد المتعة، فهل إذا سئل هذا السؤال ثلاث مرات خلال مئة سنة مثلا، وهو أمر يقع موضع ابتلاء الناس _ يكون ذلك مستهجنا؟ أو أنه يصلح دليلا على إبطاله، كما يدعي هذا البعض..
إن هناك أمورا كثيرة تكون محل ابتلاء الناس يتكرر السؤال عنها في الشهر الواحد من قبل أشخاص متعددين تختلف بلادهم، وأحوالهم، ويكون المسؤول

(1) الوسائل، كتاب النكاح أبواب المتعة، باب 33.
267

شخصا واحدا، فما هو الضير في ذلك؟!
وتلك هي كتب الحديث التي تحكي لنا أسئلة الناس عن أحكامهم، فما أكثر ما تورده مما هو من هذا القبيل.
268

القسم الخامس
إن دين الله لا يصاب بالعقول..
الفصل الأول: إفراط يدعوا للغثيان
الفصل الثاني: الدعارة الحلال
الفصل الثالث: محاذير أسرية
الفصل الرابع: اللمسات الأخيرة
269

الفصل الأول
إفراط يدعو للغثيان..
271

لوط (ع) يعرض بناته للزنا!:
وأغرب ما قرأته في هذا المجال، ما قاله موسى جار الله في كتابه: " الوشيعة " حيث زعم أن لوطا (عليه السلام) عرض بناته على قومه ليتمتعوا بهن (أي التمتع
المحرم). وإنما استحل لوط هذه المتعة لأنه كان في غاية
273

الضرورة، فاكتفى في الضرورة بعرض بناته، وما اعتدى بعرض بنات الأمة، وكان هذا منه (عليه السلام) غاية الأدب.. "
وقال: " قصة لوط (عليه السلام) تدل دلالة أدبية على تحريم المتعة مثل الزنا، فإن قول القائل الكريم: أحمل عار بناتي أهون علي من أن أحمل عارا في ضيوفي، معناه أن كلا العارين لا يتحملهما الإنسان، وعار الضيوف أشد وأقبح وأخزى..
والكريم إذا اضطر إلى أحد هذين العارين يختار عار بناته على عار ضيوفه..
هذا أدب قديم عادي، وكرم سامي، أما التمتع ببنات الأمة فأدب شيعي وكرم إمامي.. " انتهى كلام موسى جار الله.
ونقول:
إن هذا الكلام لا يستحق الذكر، ولا معنى للتوقف
274

عنده، ولكن بما أنه يتضمن جرأة عظيمة على مقام الأنبياء (عليهم السلام) إلى درجة يصعب معها الاطمئنان إلى إسلام من صدرت عنه، وبما أنه قد يسبب تشويشا في أذهان بعض المؤمنين، فقد رأينا أن نلمح إلى بعض ما يختزنه من هنات.
فنقول:
أولا: إن هذه الإهانة الشنيعة للنبي لوط (عليه السلام)، واتهامه بقبوله الزنا ببناته، أمر بالغ الخطورة، كل ذلك من أجل أنه يصر على الجزم بحرمة المتعة في زمان النبي لوط (عليه السلام) راضيا بنسبة هذا المنكر الشنيع إلى هذا النبي، ولا يرضى حتى باحتمال أن يكون تشريع المتعة حلالا في زمان ذلك النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، مع أنه لا مبرر لهذا الإصرار،} وما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما تهوى الأنفس {.
275

ثانيا: لو سلمنا: أن المتعة كانت حراما في زمان نبي الله لوط (عليه السلام) فمن الذي قال: إنه (عليه السلام) قد عرض على قومه الزنا ببناته، خصوصا وهو يقرر لهم: إن بناته أطهر لهم، الأمر الذي يشير إلى أنه (عليه السلام) يعرض عليهم أمرا يتصف بالطهارة، فهو إذن يدعوهم إلى أمر حلال، وإنما يصير كذلك بواسطة العقد عليهم، ولو بالزواج الدائم، وقد أشار الشيخ الطبرسي إلى ذلك، فقال: " واختلف أيضا في كيفية عرضهن، فقيل بالتزويج، وكان يجوز في شرعه تزويج المؤمنة بالكافر، وكذا كان يجوز أيضا في مبتدأ الإسلام، وقد زوج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بنته (1) من أبي

((1) لنا تحفظ على كون زينب رحمها الله من بنات رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وإنما كانت ربيبته، فراجع كتابنا: بنات النبي (ص) أم ربائبه.
276

العاص بن الربيع قبل أن يسلم ثم نسخ ذلك، وقيل أراد التزويج بشرط الإيمان - - عن الزجاج - -، وكانوا يخطبون بناته، فلا يزوجهن منهم لكفرهم (1)
ثالثا: إن الحجة التي ساقها هذا النبي الكريم (عليه السلام) لقومه ليقنعهم بها هي قوله لهم:} إن هؤلاء ضيفي فلا تفضحون، واتقوا الله ولا تخزون {.
والأسئلة التي تطرح نفسها هنا هي: ماذا لو أتوا بناته حسب فرض هذا الرجل بصورة الزنا والمتعة المحرمة؟!، أيكون في ذلك تقوى منهم لله سبحانه:} واتقوا الله {.
وألا يكون في ارتكابهم لهذا العمل الشنيع في حق بناته خزي له (عليه السلام):} ولا تخزون {.

(1) مجمع البيان ج 5 ص 184.
277

وألا يكون في عملهم الشنيع هذا، فضيحة له (عليه السلام):} فلا تفضحون {.
رابعا: هل مجرد كون هذا ضيفه، وتعرض هذا الضيف لمشكلة، هل يبرر له ذلك أن يتصرف بمصير أفراد آخرين، ويلحق بهم - - حتى لو كانوا بناته - - جريمة إنسانية دينية وأخلاقية، دون أن يرتكبوا أدنى مخالفة؟!..
وهل إن مجرد عنوان: " الضيف " يجعل له حصانة، ومجرد عنوان كون هذا الآخر ابنا أو بنتا يسقط عنه هذه الحصانة؟!.
فكيف يصح له أن يتصرف بأولئك لمصلحة هؤلاء؟!.
إن الضيف إذا تعرض لإشكال، فعليه هو أن يدافع عن نفسه، وصاحب البيت أيضا قد يدافع عنه تكرما وتفضلا، لكن الدفاع عنه شيء وتعريض غيره
278

لخطر مماثل شيء آخر.
خامسا: إن هذا الرجل يتحدث هنا عن موضوع العار، وأن حمله (عليه السلام) عار بناته أهون عليه من حمل عار ضيوفه، لأن عار الضيوف أشد، وأقبح، وأخزى، والكريم إذا اضطر يختار عار بناته على عار ضيوفه وهذا أدب قديم.. وقد نسي هذا الرجل: أن الأمر كذلك ما لم يبلغ الأعراض، فإذا بلغ العرض، فإنه لا يرضى أحد بتحمله، وهو مما تأباه نفوس الكرام، الذين يبذلون كل شيء ويسخون حتى بأنفسهم في سبيل العرض والشرف..
المتعة لم تبح في الإسلام، ولم يتمتع صحابي:
وقد أصر بعضهم إصرارا شديدا على أن زواج المتعة لم يشرع في الإسلام أصلا، ونسخها لم يكن نسخ حكم شرعي، وإنما نسخ أمر جاهلي تحريم
279

أبد، والنسخ لم يتكرر، بل تكرر تبليغه..
وليس بيد أحد دليل على إباحتها - - أي المتعة - - في زمن صدر الإسلام. ومتعة بأجرة إلى أجل لم تقع من صحابي في الإسلام، ولو وقعت فلا يمكن إثبات أنها بإذن من الشارع..
وقول مريم: {لم أك بغيا..} أي لم أكن ممن يتمتع كما كان الحال في نساء عصرها. وقد سمى القرآن المتعة بغاء في قوله تعالى: {ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا}، إنتهى بتصرف وتلخيص (1)
وتقدم قول النحاس: لم يبح قط في الإسلام (2)
وقال بدران أبو العينين بدران: " إن المتعة بقية

(1) راجع الوشيعة لموسى جار الله ص 130 و 132 وصفحات أخرى.
(1) الجامع لأحكام القرآن ج 5 ص 132.
280

من بقايا الجاهلية، ونوع من أزواجهم، ولعل الرسول عليه السلام تركها من غير نص على تحريمها - - كما ترك القرآن الخمر والميسر من غير نص على تحريمهما قاطعا في أول الأمر، حتى فقدت العادات الجاهلية قوتها، وضعف شدة تمسك العرب بها، بعد أن ذاقوا بشاشة الإسلام، فلما ذهبت عنهم تلك العادات الجاهلية جاء النص القاطع بالتحريم وهو قوله تعالى: {اليوم أحل لكم الطيبات..} إلى أن قال: {ولا متخذي أخدان}، والمتعة نوع من اتخاذ الأخدان في الجاهلية، فإذا كان التحريم قد تأخر فليس معنى ذلك الإباحة بالنص.. إلخ.. " (1)
ونقول:
أولا: إننا لسنا بحاجة إلى التعليق على كلام هذا

(1) الفقه المقارن للأحوال الشخصية ص 59.
281

الرجل، ولكننا نذكر القارئ الكريم بالأكاذيب التالية:
1 - - قوله: إن زواج المتعة لم يشرع في الإسلام أصلا، مخالف لإجماع الأمة، وما هو ثابت بالضرورة والبداهة..
2 - - قوله: ليس بيد أحد دليل على إباحتها في صدر الإسلام.. يظهر مما أوردناه في هذا الكتاب عدم صحته، وهو بهذا الادعاء يرد على أعاظم فقهاء، وعلماء أهل السنة، وهو تكذيب للصحابة، ونقض للإجماع الذي قرره الكثيرون من علماء أهل السنة والمباحث التي قدمناها في هذا الكتاب تكفي لبيان زيف هذا الادعاء.
3 - - جعله المتعة من قسم البغاء لا يصح، لأن البغاء هو مجرد سفح الماء بأجرة. ويلزم في المتعة العقد والمهر، ولها عدة، ويثبت بها النسب إلى غير ذلك من أحكام.. فالزواج الدائم أو المتعة من باب
282

واحد.. فهل يوجد في أنكحة الجاهلية نكاح له هذه الخصوصيات، ولو كان موجودا فلماذا لم يذكر لنا عنه المؤرخون شيئا.
ثانيا: إنه هو نفسه قد ناقض نفسه حيث قال في مورد آخر، ونحن اليوم وإن كنا لا نعلم تفصيل ما كان في الجاهلية من الأنكحة التي أبطلها الشارع، إلا أنا نعلم أن متعة الجاهلية لم تكن زنى يستحلها الجاهلي، بل كان لها ميزة، بها تمتاز عن البغاء (1)
فكلامه هذا ينافي قوله المذكور فيما سبق فلاحظ.
ابن أكثم يثبت أن المتعة زنا:
وحين أمر المأمون فنودي - - وهو في طريق الشام - - بتحليل المتعة جاءه يحيى بن أكثم في

(1) راجع: الوشيعة لموسى جار الله..
283

اليوم الثاني، وادعى أن المتعة زنا.
فسأله عن دليله: فاستدل بآية:}.. والذين هم لفروجهم حافظون، إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم {الآيات..
وبأن المتمتع بها لا ترث..
وبرواية الزهري عن عبد الله والحسن ابني الحنفية، عن أبيهما، عن علي عليه السلام أنه قال: " أمرني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن أنادي بالنهي عن المتعة وتحريمها، بعد أن كان أمر بها ".
فلما علم المأمون بأن هذا الحديث محفوظ، وقد رواه جماعة قال: " أستغفر الله، نادوا بتحريم المتعة، فنادوا بها "
قال إسماعيل بن إسحاق بن حماد الأزدي، وقد
284

ذكر يحيى بن أكثم، فعظم أمره، وقال: " كان له يوم في الإسلام لم يكن لأحد مثله، وذكر هذا اليوم " (1)
ونعتقد: أن ما ذكرناه في الفصول السابقة يكفي لبيان زيف هذه الأقوال، فإن عدم إرث المتمتع بها لا يمنع من تشريع المتعة، كما أن آية سورة المؤمنون لا تصلح للناسخية من جهات عديدة تقدمت في القسم الأول من هذا الكتاب.
والرواية المنقولة عن علي (عليه السلام) لا تصح ولا تصلح للنسخ، وقد ظهر ذلك مما تقدم أيضا في فصل النسخ بالأخبار، فلا حاجة إلى الإعادة.

(1) راجع: وفيات الأعيان ج 6 ص 149 و 151، وتاريخ بغداد ج 14 ص 199 و 200.
285

الفرق بين الزنا وزواج المتعة:
إننا نجد البعض وهو يحاول تشويه زواج المتعة في أذهان الناس، وتنفير النفوس منه، يدعي: أنه لا فرق بين هذا الزواج وبين الزنا، ثم يؤكد دعواه هذه بأنواع من الأفائك، والأكاذيب، التي لا يقره حتى أبناء نحلته، فأقرأ هنا مثلا قول البعض:
" إنما المتعة، أن يقول لها: أتزوجك يوما - - أو ما أشبه ذلك - - على أنه لا عدة عليك، ولا ميراث بيننا، ولا طلاق، ولا شاهد يشهد على ذلك، وهذا هو الزنا بعينه، ولم يبح قط في الإسلام، ولذلك قال عمر: لا أوتي برجل تزوج متعة إلا غيبته تحت الحجارة " (1)
وقال آخر: إن أحكام الزواج الواردة في القرآن، كالطلاق والعدة، والميراث، لا تتعلق بالمتعة، فيكون

(1) الجامع لأحكام القرآن ج 5 ص 132.
286

باطلا كغيره من الأنكحة الباطلة (1)
كما أن النحاس قد وقع هو والفخر الرازي في خطأ آخر حين قالا: " إن الولد لا يلحق في نكاح المتعة " (2)
بل لقد ادعى البعض أن نكاح المتعة: " لا يثبت به نسب إلا أن يشترط " (3)
ونقول:
1 - - وقد تقدم بيان المراد بنكاح المتعة عن القرطبي وغيره، وقلنا، وقالوا: إن الولد في هذا النكاح يلحق بأبيه، وإن فيه العدة، ويعتبر فيه كل ما يعتبر في الدائم. ونزيد هنا قول القرطبي: " قد

((1) فقه السنة ج 2 ص 42.
(1) التفسير الكبير ج 1 ص 50، وفتح الملك المعبود ج 3 ص 224.
(1) سبل السلام شرح بلوغ المرام ج 3 ص 266.
287

اختلف علماؤنا إذا أدخل في نكاح المتعة، هل يحد؟ ولا يلحق به الولد؟ أو يدفع الحد الشبهة، ويلحق به الولد، على قولين، ولكن يعزر ويعاقب.
وإذا لحق اليوم الولد في نكاح المتعة في قول بعض العلماء، مع القول بتحريمه، فكيف لا يلحق في ذلك الوقت الذي أبيح، فدل على أن نكاح المتعة كان على حكم النكاح الصحيح، ويفارقه في الأجل والميراث.
وحكى المهدوي عن ابن عباس: " أن نكاح المتعة كان بلا ولي ولا شهود، وفيما حكاه ضعف، لما ذكرنا " (1)
وقال الجزيري: ".. وإذا وقع من أحد استحق عليه التعزير لا الحد - - كما ستعرفه في تفاصيل

(1) الجامع لأحكام القرآن ج 5 ص 132.
288

المذاهب - - وذلك لأنه نقل عن ابن عباس أنه جائز، وذلك شبهة توجب سقوط الحد، وإن كانت الشبهة واهية " (1)
وقالوا عن الحد في نكاح المتعة:
" ولو أباحه صار كافرا كما في المضمرات، لكن ليس فيه تعزير، ولا حد، ولا رجم كما في الشفا " (2)
وقال الزرقاني: " هل يحد أو لا، لشبهة العقد، وللخلاف المتقرر فيه، ولأنه ليس من تحريم القرآن، ولكنه يعاقب عقوبة شديدة، وهو المروي

(1) الفقه على المذاهب الأربعة ج 4 ص 90، وراجع ص 92، وراجع حاشية الشيرواني على تحفة المحتاج ج 7 ص 224.
(1) مجمع الأنهر ج 1 ص 320.
289

عن مالك والشافعي " (1)
وقال في شرح رسالة أبي زيد القيرواني: " ويعاقب فيه الزوجان، ولا يبلغ بهما الحد، والولد لاحق، وعليها العدة كاملة، ولا صداق لها إن كان الفسخ قبل الدخول، وإن كان بعد الدخول، وسمى لها صداقا، فلها ما سمي، لأن فساده في عقده، وإن لم يسم فلها صداق المثل " (2)
ولا يرى الشافعية والأحناف وجوب إقامة الحد على من وطأ بنكاح المتعة وذلك لشبهة العقد، وشبهة الخلاف التي تدرأ الحد كما ورد في

(1) شرح الموطأ للزرقاني ج 4 ص 47، وراجع ص 49.
(1) راجع حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني ج 2 ص 59 و 50، وفي ط دار الكتب العربية ج 2 ص 47 / 48، وراجع بلغة السائل ج 1 ص 393، وشرح الصغير للدردير مطبوع بهامشه.
290

الحديث (1)
وقال الآلوسي: مذهب الأكثرين: " أنه لا يحد لشبهة العقد وشبهة الخلاف " (2)
ويقول ابن حجر: اختلفوا، هل يحد ناكح المتعة، أو يعزر؟ على قولين، مأخذهما: أن الاتفاق بعد الخلاف يرفع الخلاف المتقدم؟ (3)
وقال محمد عزة دروزة: " ومما عليه جمهور أهل السنة مما هو المستفاد من كتب التفسير والفقه: أن المتعة وإن كانت محرمة عندهم، فإنها لا تعد زنا يوقع على فاعليها حد الزنا، للشبهة القائمة حول حلها وحرمتها، عملا بالقاعدة الشرعية المشهورة: (ادرؤا الحدود بالشبهات) ونعتقد أن بين أئمة الشيعة الذين

(1) راجع شرح صحيح مسلم.
(1) تفسير الآلوسي ج 5 ص 7.
(1) فتح الباري ج 9 ص 150.
291

يقولون بإباحتها علماء مجتهدين، وأتقياء ورعين، يبعد أن يحللوا أو يحرموا جزافا دون قناعة، بقطع النظر عن احتمال الخطأ والصواب في ذلك. (1)
ويقول البعض: ".. ويلزمه في نكاح المتعة المهر، والنسب، والعدة، ويسقط الحد إن عقد بولي وشاهدين، فإن عقد بينه وبين المرأة وجب الحد إن وطأ، وحيث وجب الحد، لم يثبت المهر ولا ما بعده " (2)
ويقول: ".. ولا يحد من نكح به لهذه الشبهة " (3) وهو قول: النووي (4) ولحوق الولد به قد

(1) المرأة في القرآن والسنة ص 183 و 184، وذيل كلامه موجود في كتابه: التفسير الحديث ج 9 ص 55 و 56.
(1) حاشية الشيرواني على تحفة المحتاج ج 7 ص 224.
(1) المصدر السابق، وتحفة الحبيب (للبجيرمي) على شرح الخطيب ج 3 ص 336، وقال: لشبهة اختلاف العلماء.
(1) راجع: أوجز المسالك ج 9 ص 410.
292

ذكره آخرون أيضا، وكذا ثبوت النسب (1)
وقالوا: ".. ومما يدل على أنه لم ينعقد الإجماع، على تحريمه أنه يلحق به الولد " (2)
وقال الرازي: " فإن قيل: ما ذكرتم يبطل بما أنه روي عن عمر: لا أوتى برجل نكح امرأة إلى أجل إلا رجمته، ولا شك أن الرجم غير جائز، مع أن الصحابة ما أنكروا عليه ذكر ذلك، فدل على أنهم يسكتون عن الإنكار على الباطل.
قلنا: لعله كان يذكر ذلك على سبيل التهديد، والزجر، والسياسة، ومثل هذه السياسات جائزة للإمام عند المصلحة إلخ.. " (3)

(1) راجع: بلغة السائل لأقرب المسالك ج 1 ص 393، والفقه على المذاهب الأربعة ج 4 ص 93.
(1) أوجز المسالك ج 9 ص 410.
((1) التفسير الكبير ج 1 ص 5.
293

وقال العيني: " قال أكثر أصحاب مالك: لا حد فيه لشبهة العقد " (1)
وخلاصة الأمر: أن من الواضح أنه لا عقد في الزنا، ولا يلحق الولد بأبيه، ولا يرثه، ولا علاقة زوجية، ولا عدة، ولا غير ذلك، حسبما ذكره القرطبي وغيره.
وليس زواج المتعة كذلك كما هو ظاهر، وذلك يوضح مدى ما في دعوى أن المتعة زنا من التجني والجرأة والمجازفة.
2 - - لو كان زواج المتعة زنا، لما شرعه الإسلام أصلا، ولا اعترف به، مع أن تشريع هذا الزواج يكاد يلحق بالضروريات الدينية، والخلاف إنما هو في نسخه وعدمه، وقد عرفنا أنه غير منسوخ.

(1) البناية في شرح الهداية ج 4 ص 99.
294

دليل آخر على تحريم المتعة:
3 - - واستدلوا على تحريم نكاح المتعة بقوله تعالى:} فانكحوهن بإذن أهلهن {والنكاح بإذن الأهلين هو النكاح بولي وشاهدين، ونكاح المتعة ليس كذلك (1)
ونقول:
إشتراط الولي في النكاح الدائم كما هو في المنقطع، فإن كان الإشهاد شرطا في صحة الدائم فكذلك في المنقطع بلا فرق.
أحكام المتعة في عهد الرسول لم تتغير:
وخلاصة الأمر: أن نكاح المتعة كان مشرعا وحلالا في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فنحن نسأل عن أحكام هذا الزواج في ذلك الحين لنجريها

(1) الجامع لأحكام القرآن ج 5 ص 130.
295

بعينها في وقتنا هذا.
فهل كانت المتمتع بها زوجة أم صاحبة، ترث أم لا؟
تعتد أم لا؟.
يقع فيها الطلاق أم لا؟.
ينتفي ولدها باللعان أم لا؟.
إلى آخر ما هنالك من أسئلة كثيرة.
تشريع المتعة تدرج في تحريم الزنا:
وعلق أحمد أمين المصري على تحريم عمر للمتعة فقال: " وقد أصاب عمر الصواب بإدراكه أن لا كبير فرق بين متعة وزنا " (1)
وتقدم أيضا في فصل النصوص والآثار: أن

(1) ضحى الإسلام ج 3 ص 259.
296

عمر نفسه كان لا يرى كبير فرق بين زواج المتعة، والسفاح، ونقل مثل ذلك عن ابن عمر أيضا كما قلناه في ذلك الفصل.
بل إن البعض يقول: إن الرخصة في المتعة مرة أو مرتين، يقرب من التدرج في تحريم الزنا، كالتدرج في تحريم الخمر، قال: وكلتا الفاحشتين كانتا فاشيتين في الجاهلية، ولكن نشر الزنا كان في الإماء دون الحرائر (1)
ونقول:
أ - - إن الزنا من قسم الفواحش، وقال تعالى:} ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا {(2) والله لا يأمر

(1) راجع: تفسير المنار ج 5 ص 13 و 14.
(1) سورة الإسراء، التوبة / الآية 32.
297

بالفحشاء، قال تعالى:} قل إن الله لا يأمر بالفحشاء {(1) وهذه الآية محكمة تأبى عن التخصيص، فلا يقال: إن المتعة فحشاء أمر الله تعالى بها، بل إن المتعة من الطيبات، حيث روى البخاري أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد قرأ بعد بيان حكم المتعة قوله تعالى:} يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم، ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين {(2) وبعد.. فهل بقي الصحابة يمارسون الزنا والفاحشة طيلة عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأبي بكر، وصدر من خلافة عمر حسبما تقدم؟!
وهل ولد أبناء الصحابة، وابن الزبير منهم من الفاحشة؟
أو هل كان ابن جريج يستعمل الفاحشة حين تمتع

(1) سورة النساء / الآية 80.
(1) سورة المائدة / الآية 87.
298

بسبعين امرأة؟
وهل أهل مكة والمدينة واليمن يرتكبون الزنا والفواحش. وكذلك كل من عداهم ممن تقدم الحديث عنهم في هذا الكتاب؟!.
ب - - أما بالنسبة لما نقل عن ابن عمر في هذا الصدد، فهو موضع شك كبير، حيث إنه لا يتلائم مع ما روي عنه بسند صحيح من أنه يرى حلية هذا الزواج. وتقدم ذلك في فصل النصوص والآثار.
فلا بد من حمل ما ورد عنه بخلاف ذلك على أنه من زيادة الرواة عليه، أو على أنه قد صدر في أوائل أمره، وحينما كان لا يزال متأثرا بفتوى أبيه. كما يشير إليه استبعاده أن يكون ابن عباس يفتي بالحلية، لأن ذلك معناه: أنه قد كان في ابتداء شيوع فتوى ابن عباس في الناس.
ثم لما ظهر له صواب رأي ابن عباس، رجع
299

إليه، وقال به، وندد وأدان موقف أبيه من هذا التشريع الثابت.
ج - - إننا لا نكاد نصدق أعيننا ونحن نقرأ كلمة أحمد أمين المصري الآنفة الذكر، فهل يريد أن يقول: إن عمر بن الخطاب أصاب حين حرم، وأخطأ الله سبحانه، وأخطأ رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالمبادرة إلى تشريع هذا الزواج؟!.
أم أن المقصود: أن عمر بن الخطاب قد أدرك وعرف ولم يستطع الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يعرفا: أن لا كبير فرق بين متعة وزنا؟ أعاذنا الله من الزلل، والخطل، في القول وفي العمل.
أما أن يعتبر عمر ذلك من السفاح، فهو أمر غير معقول، ولو صح ذلك عنه، فهو غير مقبول منه، مع علمه بأنه زواج قد شرعه الله سبحانه، وجاء به
300

الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، إذ لا يمكن أن يشرع الله الزنا، والعياذ بالله.
والاعتذار بأن هذا ليس من كلام عمر، وإنما هو من كلام الراوي، أو من كلام بنت أبي خيثمة حسبما سيأتي، لا يصح، لأنه خلاف ظاهر الرواية.
كما أنه لا معنى لتهديد عمر الناس بإقامة الحد عليهم إلا إذا كان يعتبر ذلك سفاحا لا نكاحا.
د - - هل صحيح أن الخمر قد حرمت تدريجا؟ وهل كان تحريمها يحتاج إلى هذا التدرج؟!.
إننا قد تحدثنا عن عدم صحة مقولة التدرج في تحريم الخمر في كتابنا الصحيح من سيرة النبي الأعظم (ص) فراجع إن شئت.
المتعة هروب من أحكام الزنا:
وأغرب ما سمعناه في هذا المجال قول بعضهم: إن زواج المتعة هروب من الأحكام الشرعية
301

المترتبة على الزنا، لأنه لا شهود فيه، فيمكن لكل زان يضبط مع عشيقته أن يدعي أنه قد عقد عليها بالمتعة.
ونقول: إن هذا الكلام عجيب حقا إذ:
1 - - إن الله قد شرع هذا الزواج الذي لا إشهاد فيه في صدر الإسلام وذلك معناه أن الله قد شرع للناس في صدر الإسلام كيفية الهروب من أحكام الزنا.
2 - - وإذا كان زواج المتعة هروبا من أحكام الزنا فالزواج الدائم مثله.
3 - - إن أحكام الزنا إن كانت ثابتة، فلا ينفع الهروب منها، بل لا يتحقق ذلك، وإن لم تكن ثابتة كان ذلك دليل مشروعية زواج المتعة، وعدم صحة التهديد بالرجم من قبل الخليفة الثاني لمن نكح امرأة إلى أجل..
302

4 - - على أن الحدود تدرأ بالشبهات، وهناك وسائل إثبات شرعية لا بد من الانتهاء إليها والاعتماد عليها كالإقرار ونحوه.
ويلاحظ: أن الشارع لم يفسح المجال في وسائل إثبات الزنا، حتى أنه ألزم بأن يشهد أربعة ثقات برؤيتهم للزنا كما يكون الميل في المكحلة.. وهيهات أن يتيسر ذلك، مع أنه اكتفى في القتل بشهادة شاهدين..
5 - - على أننا نقول: إن أمر الشهود موكول إلى التشريع، فإن كان الإشهاد معتبرا في الدائم كان معتبرا في المنقطع، وإلا فلا، فليس الأمر من خصوصيات زواج المتعة إلا على مذهب بعض الفرق الإسلامية.
6 - - أضف إلى ذلك كله، أن هذه المفارقة التي ذكرت قد كانت موجودة في بدء تشريع هذا الزواج،
303

فلماذا أهمل الشارع معالجتها؟!، أو لماذا عالجها بهذه الطريقة، فلم يقرر لزوم الإشهاد على هذا الزواج؟.
7 - - ولو أوجب هذا إلغاء هذا التشريع من أساسه، فإن تشريع الصلاة أيضا وغيرها يصبح موضع شبهة، لأن هناك من يرائي في صلاته، وحجه وصيامه، ليوهم الناس بتقواه ويخدعهم بذلك.
8 - - على أنه يمكن للحاكم أن يتخذ إجراءات تمنع من ذلك، ولو بإلزام الناس بتسجيل هذا الزواج في الدوائر المختصة، كما هو الحال بالنسبة للزواج الدائم.
9 - - ويقال: إن هناك من يمارس الزواج الدائم من دون إشهاد، وهو ما يعرف بالزواج العرفي، فلماذا لا يمنعون منه؟.
304

النصيحة بالصوم، وتحريم الزواج المؤقت:
ومن طريف ما قرأناه من أدلة على تحريم الزواج المؤقت قول البعض: (1) " إن نبينا محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) ثبت عنه ما يشبه التواتر، أنه نصح الشباب وقال: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصيام.
فما ترى لو أن المتعة كان لها وجه من الحل لما نصح النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) جماعة الشباب بنصيحة كهذه النصيحة، ويصرفهم إلى الصيام.. ذلك دليل على أن المتعة لم تكن بحاجة إلى ممارستها إلخ.. " (2)
ونقول:

(1) هو الشيخ قاسم الشماعي الرفاعي أمين سر لجنة الإفتاء في دار الفتوى، وعضو المجلس الشرعي الاسلامي سابقا في لبنان.
305

إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، إنما ينصح بالصوم من لم يتمكن من الزواج الدائم والمنقطع على حد سواء. وقد عبر عن المتعة بأنها زواج في أكثر من نص ذكرناه في كتابنا هذا..
ونحن نسأل هذا القائل: هل كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ينصح الذين كان يأذن لهم بالمتعة ويمارسونها في حياته بالصيام أيضا؟!.
ولا ندري لماذا لم ينصح (صلى الله عليه وآله) بالاستمناء كما صنعه البعض، حسبما سنورده في الفقرة التالية.
الاستمناء عوضا عن المتعة:
والغريب في الأمر: أننا نجد البعض - - رغم كل ما
306

قدمناه في هذا الكتاب - - يدعو إلى تعميم فتوى الاستمناء كحل أمثل للمشكلة الجنسية لدى الشباب، ولا يرضى بزواج المتعة الذي عرفت في هذا الكتاب شطرا مما جاء فيه في كتاب الله، وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأهل بيته (عليهم السلام) وعن صحابته.
فنجده يقول:
" ومع هذه الضرورة التي نظر إليها ابن عباس، فقد انعقد إجماع التابعين على حرمة نكاح المتعة ولو في حالة الاضطرار، وأجازوا الاستمناء دفعا للضرر، وبناء عليه، فإن الفتوى في هذا الزمن، الذي تشتد فيه على الشباب العزوبة، مع توفر وسائل الفتنة والإغراء ينبغي والحال كذلك، أن نعمم فتوى إباحة الاستمناء، وهو ما يسمى
بالعادة السرية، خاصة وأن كثيرا من علماء السلف المتقين أجازوا ذلك
307

مطلقا، واعتبروه كالفصد، ومنهم الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه، ومستندهم عدم ورود حديث صحيح يفيد التحريم، وسائر ما يروى في نكاح اليد موضوع أو شديد الضعف.
وأرجو - - بما تقدم - - أن أكون قد بينت وجه الحق فيما توجه إلي من السؤال، ولعلي - - بعون الله - - قد وفقت في حل الإشكال، والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. لقد جاءت رسل ربنا بالحق " (1) انتهت نصيحة هذا الغيور على دين الله سبحانه!!..
فتبارك الله أحسن الخالقين!!.
المتعة تشريع جديد:

(1) مجلة اليقظة الكويتية ص 33 عدد 778.
308

قال أبو حاتم البستي في صحيحه: قولهم للنبي (صلى الله عليه وآله): ألا نستخصي، دليل على أن المتعة كانت محظورة قبل أن أبيح لهم الاستمتاع، ولو لم تكن محظورة لم يكن لسؤالهم هذا معنى إلخ... (1)
فلا معنى لما يريد أن يدعيه البعض من أن زواج المتعة قد كان في الجاهلية كالشغار (2) وجاء الإسلام وهو متداول بين الناس، فكان لا بد من الرفق بهم ليمكن إلغاؤه من بينهم.
وذلك لأن هذا الزواج جديد على الناس بكل ما لهذه الكلمة من معنى، وقد جاء به الإسلام ليحل

((1) الجامع لأحكام القرآن ج 5 ص 130.
(1) التفسير الحديث لمحمد عزت دروزة ج 9 ص 52، والمرأة في القرآن والسنة لدروزة أيضا ص 178، والكوكب الوضاح ص 2 و 9.
309

مشكلة واقعية، لا يمكن تجاهلها.
ومما يدل على أن زواج المتعة لم يكن في الجاهلية رواية عائشة التي قسمت فيها أنكحة الجاهلية إلى أربعة أقسام وليس من بينها زواج المتعة (1)
الإبهام للإيهام:
يقول المناوي: " قد عرف هذا النوع من الزواج في شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام، وفي صدره، ثم حرمه أهل السنة، وأقره فقهاء الشيعة، وسنوا له قواعد وأحكاما من حيث المدة المتعاقد عليها، والعدة التي يجب أن تعتد المرأة بعد انتهاء

(1) رسالة تحريم نكاح المتعة ص 52 و 53، وقد أخرجها البخاري في صحيحه ج 9 ص 159 و 160، وأبو داود في سننه ج 1 ص 309 الطبعة الهندية.
310

مدة زواجها، لتستطيع الزواج بغيره إلخ.. مما ينتج عن هذا الزواج، وانتهاء مدته " (1)
ونقول:
1 - - لا ندري من أين أخذ مقولة: إن هذا الزواج قد عرف في شبه جزيرة العرب قبل الإسلام، فهل يستطيع أن يدلنا على المصدر الذي اعتمد عليه في مقولته هذه؟!.
2 - - إننا نجد غير المناوي يقول: إن هذا الزواج لم يكن قبل الإسلام وإنما هو زواج إسلامي بكل ما لهذه الكلمة من معنى (2)
3 - - لماذا نسب التحريم لأهل السنة، والتحليل للشيعة، فهل حرمه أهل السنة من عند

(1) الزواج: تأليف عمر رضا كحالة ج 1 ص 165 عن شرح التحرير (مخطوط) تأليف عبد الرؤوف المناوي.
(1) راجع: تفسير الميزان ج 4 ص 308.
311

أنفسهم، وحلله أهل الشيعة من عند أنفسهم؟ أم أنهم استندوا في ذلك إلى أدلة شرعية؟!.
4 - - لماذا نسب إلى فقهاء الشيعة: أنهم سنوا لهذا الزواج قواعد وأحكاما، فهل جاءوا بها من عند أنفسهم؟!.
5 - - ولنسأل المناوي: عن الذين كانوا يمارسون هذا الزواج قبل تحريمه بحسب زعمه، هل كانوا يطبقون هذه الأحكام في زمن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أم لا؟.
علي (ع) وحذف آية المتعة:
وبعد.. فإن من أعجب الأمور أن نرى بعض أولئك القائلين بالتحريم، يحاول أن يدعي تحريف القرآن - - والعياذ بالله - - في سبيل إثبات ما يدعيه، وفرارا عن الالتزام بما ثبت بصورة قطعية على خلاف رأيه،
312

فنراه يقول:
" إن الصحابة حذفوا من القرآن كل ما رأوا المصلحة في حذفه، فمن ذلك آية المتعة، حذفها علي بن أبي طالب بتة، وكان يضرب من يقرؤها، وهذا مما شنعت عائشة به عليه، فقالت: إنه يجلد على القرآن، وينهى عنه، وقد بدله وحرفه " (1)
ونقول:
إن المستفاد من هذه الرواية:
أولا: إن القرآن قد حرف وحذفت منه آية المتعة، وكان علي (عليه السلام) يضرب كل من يقرؤها!!.
ثانيا: إن الذي تولى تحريف القرآن هو علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وكان يضرب ويجلد كل من قرأه على النحو الصحيح!!.

(1) نقل ذلك عن هذا البعض في: مناهل العرفان ج 1 ص 256 ز 257.
313

ثالثا: إن عائشة - - عدوة علي (عليه السلام) - - هي نصيرة للقرآن، والمحافظة عليه، والمدافعة عنه!!.
رابعا: إن عليا (عليه السلام) يقول بحرمة هذا الزواج، وفاقا للخليفة الثاني عمر بن الخطاب..
خامسا: إن تصرف الصحابة في القرآن، إنما هو رعاية منهم للمصلحة، واستجابة لمقتضيات الأحوال.
ونقول:
إن كل ذلك ما هو إلا كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء، فإذا جاءه لم يجده شيئا.. وذلك لما يلي:
1 - - إن من البديهيات: أن القرآن سليم عن التحريف، والتبديل، وقد أثبتنا ذلك بالأدلة القاطعة والبراهين الساطعة في كتابنا: " حقائق هامة حول القرآن الكريم " وقد كان علي (عليه السلام) أول
314

المدافعين عنه والمحافظين عليه..
2 - - إن من الواضح أن هذا القرآن لا يزال يحتوي على آية المتعة، وهي موجودة في كل النسخ التي يتداولها المسلمون في شرق الأرض وغربها طيلة مئات السنين منذ صدر الإسلام، وهي موجودة في مصاحف ولد علي (عليه السلام) وفي مصاحف شيعته ومحبيه وأتباعه ومريديه.
3 - - إن من البديهيات أيضا: أن عليا (عليه السلام) يقول بحلية المتعة، ويعتبر أن تحريم عمر لها هو السبب في الزنا، وقد تقدم رواية ذلك عنه من مصادر كثيرة.
4 - - إننا لا نعرف أين يوجد هذا الحديث: إن عليا (عليه السلام)، قد حرف القرآن، ولا نعرف كذلك: متى وأين شنعت عائشة عليه، فقد راجعنا مختلف المجاميع الحديثية، والتاريخية التي في
315

متناول أيدينا، والمعتبرة عند المسلمين، فلم نعثر على أثر لهذا الكلام، ولعله ما خطر على قلب بشر إلا على قلب مخترعه ومدعيه.
وقد يكون الحب الأعمى هو الذي دعا إلى اختراع هذه الأفيكة، وحب الشيء يعمي ويصم، بل يدعو البعض ممن لا دين لهم ولا ورع ولا تقوى لديهم إلى الكذب والافتعال، ولو كان ذلك على حساب القرآن الكريم، والدين الحنيف، وما أصدق قول الشاعر هنا:
لي حيلة في من ينم وليس في الكذاب حيلة
من كان يخلق ما يقو ل فحيلتي فيه قليلة
بل إننا لا نستبعد: أن يكون هذا الادعاء قد جاء من قبل أعداء الإسلام الذين يريدون التشكيك في ديننا، ومقدساتنا، وقرآننا، وإصابة عصفورين بحجر واحد،
316

وذلك بالطعن في القرآن الكريم أولا.. ثم الافتراء على أقدس وأعظم شخصية بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ثانيا.. هذه الشخصية التي لا يشك أحد بنزاهتها، وطهارة ذيلها من كل شين وريب..
ولكن نور الحق يكشف ظلمات الباطل، ويزهقه، إن الباطل كان زهوقا، قل: {إن هدى الله هو الهدى، ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم، ما لك من الله من ولي ولا نصير}.
نية الطلاق في الدائم:
وقد ذكر البعض نقلا عن محمد رشيد رضا والأوزاعي، أن من تزوج امرأة وفي نيته أن يطلقها، فهذا يأخذ حكم زواج المتعة (1)
ونقول:

(1) مجلة الهلال المصرية 13 جمادى الأولى سنة 1397 ه - -. ق. أول مايو سنة 1977 م.
317

إن هذا مخالف لفتوى أئمة المذاهب الأربعة، ولإجماع الفقهاء من جميع المذاهب الإسلامية، حتى من قال منهم بنسخ زواج المتعة..
وقد ذكر: القاضي عياض، والشوكاني، أنهم أجمعوا على صحة النكاح الذي تصاحبه نية: أن لا يمكث معها إلا مدة معينة نواها، وقالوا: إن الأوزاعي شذ واعتبره
نكاح المتعة (1)

(1) نيل الأوطار ج 6 ص 271، وشرح النووي على صحيح مسلم بهامش إرشاد الساري ج 6 ص 122.
318

الفصل الثاني
الدعارة الحلال..
320

الناس هم المذنبون:
نتحدث في هذا الفصل بإيجاز عن ما اعترضوا به على هذا التشريع الإلهي مما يدخل في دائرة الاستحسانات والأمور الذوقية والتحليلات المستندة إلى استقراءات ناقصة أو التخيلات والأوهام الباطلة..
غير أننا قبل ذلك كله نذكر القارئ الكريم بحقيقة مهمة وهي:
321

أن الناس في مواجهة حالات الخلل يلقون باللوم - - عادة - - على القانون، وعلى التشريع، وعلى المشرع والمقنن، ويطالبون بالتغيير والتبديل، مع أن المذنب الحقيقي في ذلك هو الناس أنفسهم، الأمر الذي يعني: أن الناس بحاجة إلى العمل الجاد في سبيل توعيتهم وإثارة قابليتهم للالتزام بأحكام الشريعة، وإجراء قوانينها بدلا من إدانتهم للتشريع، والتشهير به بصورة ظالمة وغير منطقية.
المتاجرة بالاسلام وبالقضايا المصيرية:
وإنه لا ريب في أن مفاهيم الإسلام وتشريعاته هي أسمى وأجل من أن تنالها الشبهة، ويتطرق إليها الريب.. ولكنها على الرغم من ذلك لم تزل مستهدفة من قبل أعداء الإسلام والإيمان والإنسانية.
غير أن ما يبعث على الاعتزاز والشموخ هو
322

أنه كلما تعرضت مفاهيم الإسلام وحقائقه وتشريعاته.. للتحدي ثم للبحث والتمحيص فإنها تخرج أكثر إشراقا ووضوحا، وأشد تجذرا ورسوخا، لأن ذلك يساعد على تجليها واستكناهها، بصورة أعمق، شأن كل الحقائق الأصيلة، والمفاهيم، والأفكار الصحيحة، المنسجمة مع الحقائق الموضوعية، والظروف والملابسات الواقعية.
إلا أن ما يحز في النفس ألمه، ويدمي كلمه: أن نرى البعض يتاجرون بالفكر، وبالمفاهيم الإنسانية، والحقائق الدينية، ويشوهونها في أذهان شبابنا المتعطش للحقيقة، وتكون نتيجة ذلك أن يبقى هؤلاء الشباب وهم جند الحاضر، ورجال المستقبل، يعانون من مشاكل حادة وخطيرة، تعصف براحتهم وسعادتهم، وتقوض شامخ مجدهم وعزهم في الدنيا وفي الآخرة على حد سواء.
323

أما ذلك المتاجر اللئيم، والحاقد الأثيم، فيبقى في برجه العاجي، يصدر الفتاوي، ويتشدق بالنظريات الفارغة والمشبوهة، لا يرثي لأحد من ضحاياه، ولا يرحم ولا يلين قلبه وهو يرى ما جنته يداه، لأنه بحكم ما تهيأ له من ظرف خاص، ليس لديه أية مشكلة يعاني منها، لا المشكلة الجنسية ولا غيرها، وبات فارغ البال مطمئن الخاطر، لا يحس، ولا يشعر بشيء مما يعاني منه الآخرون، وإنما كل همه أن يصدر أوامره وتوجيهاته المتعالية من برجه العاجي ذاك، متجاوزا هذا الواقع المر الذي يعاني منه شبابنا وفتياتنا، إنطلاقا من ذهنية محدودة، وعقلية متعصبة، ومتحيزة، ونفسية مريضة وحاقدة.
ويبدو ذلك بوضوح، بالمراجعة إلى ما يذكره الكثيرون ممن تصدوا للحديث عن الموضوع الذي
324

نحن بصدد معالجته، فإنهم إنطلاقا من تعصبهم المذهبي المقيت يجهدون لإظهار هذا الزواج الذي شرعه الله سبحانه، بصورة بشعة، ومستهجنة، بحيث يبدو أمرا غريبا عن ديننا وتراثنا ومعتقداتنا. ويحاولون - - ما أمكنهم - - تلفيق الحجج مهما كانت ضعيفة وواهية، حتى لو خالفت النص القرآني أحيانا، وسنة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكل الأحكام العقلية، والفطرية، والوجدانية أحيانا أخرى، من أجل إثبات ما يدعون، وتأكيد ما يزعمون.
ونحن نسجل هنا بعض الإجابات على تساؤلات أو بالأحرى تجنيات وتهم ظالمة تعرض لها هذا التشريع الإلهي، متوخين في ذلك الإشارة الموجزة، والفتة السريعة بهدف توفير الفرصة لما هو أهم وأجدى..
فنقول..
325

الدعارة الحلال:
إنهم يقولون: إن المتعة نكاح بأجر، وهذا يعني أن المرأة تبيع نفسها بمهر معين لمدة معينة يستمتع بها الرجل مع بدل مادي.. فقد اجتمعت عناصر الدعارة، مغطاة بغطاء شرعي، فالدعارة والزواج المؤقت وجهان لعملة واحدة..
ونقول:
1 - - إنه يشترط في الزواج المؤقت إذن الولي إذا كانت بكرا، فمن الذي يستأذن الولي ليزني بابنته.
2 - - إن زواج المتعة زواج عقدي يدخل المتعاقدين في منظومة قيم والتزامات، وتنشأ عنه آثار وحقوق وتشريعات تؤدي مخالفتها إلى الدخول في المعصية، وليست الدعارة كذلك.
326

3 - - إن هذا الزواج قد شرعه الله ورسوله في صدر الإسلام، فهل يصح تشريع الدعارة؟!.
4 - - ولو صرفنا النظر عن هذا الزواج، وألقينا الكرة في ملعب المنكرين لاستمرار تشريعه وقلنا لهم:
إن مما لا شك فيه: أن الزواج الدائم لم يحل المشكلة الجنسية، أو فقل مشكلة الحاجة إلى العلاقة الخاصة بين الذكر والأنثى - - لأي سبب كان - - إذ إن من الواضح أن هناك حالات لا ينالها هذا الزواج.
فكيف يكون الحل البديل، فهل يكون هو المساكنة والمخادنة، والزنا؟
قد يقال لك: إن المخرج والحل هو الزواج الدائم المتعدد..
ولكننا قلنا أكثر من مرة: إن هناك حالات لا يقدر
327

معها كلا الجنسين حتى على الزواج الأول الدائم، فكيف بالمتعدد.
فماذا يصنع هؤلاء، وماذا يصنع من لا يتمكن من تثنية الزواج فضلا عن تثليثه.
على أن الزوجة ترفض دائما التعدد من زوجها، وتمنعه منه في الدائم على الخصوص أما المنقطع، فتجد أنه حالة عابرة، لا تشكل خطورة كبيرة..
5 - - أما بالنسبة لكون المهر أجرا، فذلك لا يعني صيرورة الزواج دعارة، لأن الله قد سمى المهر أجرا في النكاح الدائم أيضا. قال تعالى: {إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن} (1) وغيرها من الآيات

(1) سورة الأحزاب، الآية 50، وكذا في سورة النساء، الآية 25، وسورة المائدة، الآية 5، وسورة الممتحنة، الآية 10.
328

التي ستأتي إن شاء الله.
على أن المهر قد يكون تعليم سورة من القرآن الكريم، وهذا يعني أنه لا يرتبط - - دائما - - بالإقتصاد والمال، ولأجل ذلك ورد الحث الشرعي على تقليل المهر، ولو كان الجانب الاقتصادي هو الملحوظ فيه لكان الأولى الحث على المساومة حتى يعرق الجبينان، كما هو الحال في البيع والشراء مثلا.
6 - - بالنسبة لدوام المعاشرة أو انقطاعها. نقول:
أولا: ماذا يقول هؤلاء عن زواج المسيار، حيث يشترط الرجل على المرأة في الزواج الدائم أن تعفيه من دوام المعاشرة.
فليس في هذا الزواج سكن، ولا مبيت عند المرأة، فهل يحكمون ببطلان هذا العقد، أم يحكمون بصحته.
329

إن الأجل شرط في العقد، فيلحقه حكم سائر الشروط، فهو كما لو اشترطت المرأة السكن في محل خاص، فكما لا دليل على بطلان اشتراط هذا ولا على بطلان اشتراط ذلك الإعفاء من دوام المعاشرة.. كذلك لا دليل على بطلان اشتراط الأجل أيضا.
عقد المتعة استئجار لبضع المرأة:
وقالوا أيضا: " إن عقد المتعة من باب استئجار بضع المرأة، وفي ذلك تضييع للمرأة نفسها، وإذلالها، وامتهانها. وهذه شناعة يمجها الذوق السليم، لذا ضج بالشكوى منه عقلاء فارس " (1) ثم أيد ذلك بكلام امرأة

((1) تحريم المتعة ليوسف جابر المحمدي ص 196 عن ضحى الإسلام لأحمد أمين ج 4 ص 259.
330

تسمى شهلا حائري وصفها بالباحثة..
ونقول:
1 - - إن هذا المعترض يستدل على الشيعة بكلام أحمد أمين في كتابه ضحى الإسلام الذي ينقل: أن عقلاء فارس قد ضجوا من عقد المتعة.
مع أن القاصي والداني يعلم أن أحمد أمين متحامل على الشيعة غير مأمون فيما ينقله عنهم، وينسبه إليهم..
2 - - إن الدين لا يؤخذ من شهلا حائري ولا من أحمد أمين، بل يؤخذ من المجتهدين، الذين يستنبطونه من الكتاب والسنة.
3 - - إنه إذا كان عقد المتعة من باب استئجار بضع المرأة فلماذا شرعه الله ورسوله في أول الإسلام؟!
4 - - إنه إذا كان مجرد إمكانية انفصال المرأة عن الرجل بحيث تستطيع الانتقال إلى رجل آخر بعقد جديد
331

يجعل ذلك من قبيل إجارة البضع، فلماذا شرع الله الطلاق، وجعله بيد الزوج، وجعله بذلك قادرا - - من ناحية شرعية على ممارسة الزواج لنساء - - قلوا أو كثروا - - لمدة ساعة أو يوم ثم يطلقهن، لينتقل إلى غيرهن بزواج جديد، وإلى طلاق جديد. وهلم جرا.
5 - - وأما الحديث عن المهانة، والإذلال، فقد تحدثنا عنه في مورد آخر من هذا الكتاب فلا نعيد.
زواج المتعة تسهيل للإباحية والفساد:
وذكر البعض أيضا: بعض مفاسد تشريع زواج المتعة، فقال: " فيه تسهيل لعيشة الإباحية، التي لا تتقيد بقيود، ولا تتحمل عبء الزواج، يضاف إلى ذلك ما يستتبعه نظام إباحة المتعة من فساد المرأة
332

واستهتارها، وكثرة الضحايا منهن " (1)
وبتعبير آخر: تكون المرأة في هذا الزواج بمثابة سلعة تتداولها أيدي الرجال، تباع وتشترى في سوق الشهوات والملذات، وتنتقل من رجل إلى آخر، ومن بيت إلى بيت كلما وجدت الخدين الموافق، والعشير الخبير (2)
ونقول:
1 - - إن الزواج المؤقت، وكل حكم شرعي سواه، إنما يكون حلالا وثابتا في الحدود التي لا توجب الفساد والاستهتار..
2 - - إن سوء الاستفادة من أي قانون أو تشريع، لا يوجب رفع اليد عن ذلك القانون ورفض ذلك

((1) ضحى الإسلام ج 3 ص 259.
(1) راجع: فقه السنة ج 2 ص 43.
333

التشريع، فإذا كان البعض يرائي في صلاته، توطئة لخداع الناس في مجالات أخرى، فلا يوجب ذلك رفض الصلاة، وإبطال تشريعها، كما أن رفض هذا التشريع، ورفع اليد عن ذلك القانون، لا يمنع من سوء الاستفادة هذه، بل هو يمهد السبيل إلى زيادتها، ولكن بنحو أعظم خطرا، وأشد فسادا وإفسادا..
وخلاصة الأمر، إن الاحتيال على القانون أو التشريع، وسوء الاستفادة منه لا يكون دليلا على صحته ولا على فساده، ولا يوجب رفع اليد عنه دفع ذلك الفساد، ولا إبطاله. بل الأمر على العكس من ذلك تماما.
3 - - إن ما ذكره احمد أمين وغيره، لو صح لمنع من الطلاق، ولا سيما مع تكرره، خصوصا مع التسهيل فيه، كما هو المتبع عند من يدعي حرمة زواج المتعة، حيث يحكمون، ببينونة المرأة بمجرد
334

أن يقول لها: أنت طالق ثلاثا.
ومن دون حاجة إلى إشهاد، فتحرم عليه إلى أن تنكح زوجا غيره..
كما أن على هؤلاء المتحذلقين أن يمنعوا من الوطء بملك اليمين، لا سيما وأن ملك اليمين لا يتحدد بعدد معين تماما كما هو الحال في نكاح المتعة.
مع أن تشريع الطلاق، وحلية الوطء بملك اليمين من بديهيات الإسلام..
هذا بالإضافة إلى أن الطلاق أمر حياتي، وضرورة لا بد منها، ولا ينكر ذلك أحد من المسلمين..
4 - - لو صح ما ذكروه، وثبت أن زواج المتعة يشتمل على مفاسد كبيرة وخطيرة، فلا بد للشارع الحكيم الذي يعترف الجميع، حتى من يحرم الآن
335

هذا الزواج، أنه كان قد شرع زواج المتعة في صدر الإسلام، أن يجد هو الجواب على ذلك، فإن الاعتراض يكون متوجها إليه أولا وأخيرا، فما يجيب به هو، نجيب به نحن.
5 - - إن تشريع هذا الزواج، لا يعني أنه يصبح واجبا على كل مكلف كالصلاة، كما أنه ليس كل حلال يرغب فيه، أو تميل القلوب إليه، لا سيما ممن لا يجد ضرورة ولا حاجة إليه.
6 - - قد ذكرنا: أن جميع قيود الزواج الدائم آتية في الزواج المنقطع، باستثناء الأجل، وكون النفقة والإرث - - على قول - - تابعا لما يشترطانه في متن العقد، كما أن الحمل يخضع للاتفاق بينهما.
وعليه، فإن كان الزواج المنقطع يسهل حياة الإباحية فالزواج الدائم كذلك، وإن كان المنقطع يفسد المرأة، ويدعوها إلى الاستهتار فالدائم مثله، لا
336

سيما مع تعدد الطلاق، وتعقب الزواج له..
فالمتعة، والنكاح الدائم على حد سواء، حذو القذة بالقذة ومطابقة النعل بالنعل، فما يقال في أحدهما يقال في الآخر..
7 - - وأخيرا، فهل كانت المرأة في زمن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، حيث كان هذا التشريع ساري المفعول باعتراف هؤلاء - - هل كانت - - سلعة تشرى وتباع، وتنتقل من رجل إلى رجل، كلما وجدت الخدين الخبير والعشيق الموافق على حد تعبير هؤلاء؟!.
هذا الزواج واحتقار المرأة:
وأما ما يقال: من أن في هذا الزواج احتقارا لشخصية المرأة، وهدرا لكرامتها، حيث ترى: أنها تؤجر نفسها للرجل ليقضي منها شهوته في مقابل
337

شيء من المال.. فهو كلام غريب حقا وعجيب!!:
1 - - إذ متى كان إعطاء المهر في عقد شرعي، وزواج معترف به يعطي للمرأة انطباعا كهذا؟!.
وهل إعطاء المهر الذي عبر عنه القرآن بالأجر، يجعلها بغيا وأجيرة شأنها شأن بنات الهوى، وبائعات اللذة؟!.
وهل إذا لم يعطها مهرا وتراضيا على الزنا - - والعياذ بالله - - يصبح الزنا مشروعا ومقبولا، ولا يتضمن احتقارا للمرأة؟!.
2 - - هل بذل المهر يجعل المرأة مهانة ومحتقرة؟! وعدم وجوده يعيد إليها عزتها وكرامتها؟!.
3 - - هل المهر يجب أن يكون أمرا ماديا دائما؟
338

وألم يقل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لبعض أصحابه: " زوجتكها بما معك من القرآن (1) وإذا أصبح المهر بمثابة أجر للزنا والبغاء، فهل يصح جعله (صلى الله عليه وآله) تعليم القرآن أجرا للزنا؟!!!.
4 - - إذا كان ذلك صحيحا، فلماذا يكون رمزيا تارة، وعظيما أخرى، حتى ليصل إلى القنطار من المال.. {وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا} (2)
5 - - لماذا يوجه الاتهام للرجل على أنه يتلاعب بمصير المرأة، ويستخدمها لشهواته.. ولا يوجه الاتهام للمرأة بأنها التي تغوي الرجل وتتلاعب بمصيره، بهدف سلب أمواله أو لأهداف

(1) السنن الكبرى للبيهقي ج 7 ص 236، وراجع صحيح البخاري، وصحيح مسلم وغير ذلك.
(1) سورة النساء الآية 20.
339

أخرى..
وهل يجبر الرجل المرأة على هذا الزواج، أم أنها تقدم عليه بمحض اختيارها، وبملء إرادتها؟!.
6 - - هل تختص الاستفادة من هذا الزواج بالرجل فقط؟ أم أن المرأة تشاركه في ذلك أيضا؟!!. سواء في اللذة، أو في المحبة، أو في الولد، أو في غير ذلك من شؤون الحياة. فما الدليل على أن هذا يتلاعب بمصير ذاك، ولماذا لا يكون العكس؟!.
7 - - لماذا لا يوجه هذا الكلام إلى الزواج الدائم، فإنه أولى بهذا الاتهام الظالم، لأن المرأة فيه ليس لها أي خيار أو اختيار بعد إجراء العقد، بل هي أسيرة إرادة الرجل مدى الحياة، إن شاء طلق، وإن شاء أمسك، لا سيما مع تصريح الفقهاء بأن ماهية كلا الزواجين واحدة، ولا فرق بينهما فيما تقدمت الإشارة إليه، بل لقد صرح بعضهم بأن لفظ الإجارة لا يصح به
340

عقد الزواج (1)
8 - - وعدا عن ذلك، فإن القرآن قد عبر عن المهر ب‍ " الأجر " بالنسبة إلى الدائم والمنقطع على حد سواء، قال تعالى: {إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن} (2) وقال تعالى بالنسبة إلى المنقطع:} فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن.. {(3) ولم يوجب هذا التعبير في كلا الموردين نقصا في مقام المرأة، ولا امتهانا لكرامتها..
9 - - وعدا ذلك كله، فإن الجميع معترفون بأن هذا التشريع قد كان موجودا في صدر الإسلام، لكن البعض يدعي نسخه - - وهي دعوى غير صحيحة كما

(1) راجع كتاب: حقوق زن در اسلام (فارسي) ص 34.
341

عرفنا - - فهل شرع الإسلام ما فيه مهانة واحتقار للمرأة وما يوجب أن تصبح المرأة بغيا، وتعيش حياة الإباحية والفساد، وما إلى ذلك؟!.
والمؤسف حقا أننا نرى مستوى الهجمات التي شنها هؤلاء على هذا الزواج الذي يعترفون بأن الإسلام شرعه وعمل به في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وفي عهد الخلفاء بعده - - أن مستوى الهجمات - - لا يقل عن مستوى الإنكار والتصدي لعملية المتاجرة الرخيصة بالمرأة، وبكل ما فيها من أنوثة وسحر، وجمال،
من أجل الحصول على المال والثروة عبر شاشات التلفزة، وفي دور السينما، وفي مكاتب الشركات، وفي المطاعم، والفنادق والصحف، والمجلات، وفي إعلانات الدعاية.. وفي صالونات الضيافة إلى آخر ما هنالك مما يقصد به جلب الراغبين، والطالبين، والباذلين،
342

ليحصل هذا الإنسان الوحش الكاسر، والأناني على بغيته، من الثروة والمال، أو على أي شيء آخر من حطام الدنيا وزخرفها، مما تزينه له نفسه الشريرة، والأمارة بالسوء.
فهل أصبح هذا الزواج الذي شرعه الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) في صدر الإسلام، وعمل المسلمون به دهرا في حياته (صلى الله عليه وآله وسلم)، وبعد وفاته (ص) يوازي في قبحه وفي سلبياته كل هذا الذي نراه مما هو متاجرة حقيقية بالمرأة، وامتهان لكرامتها، واحتقار لها ولإنسانيتها؟!.
وأخيرا.. ماذا يقول هؤلاء في نكاح المرأة بملك اليمين الذي يقر به أهل السنة، ألا يرون في ذلك احتقارا للمرأة أيضا؟!.
343

هل الطبيعة تنفر من زواج المتعة:
وقد يرى البعض: أن هذا النوع من الزواج مما تنفر منه طبيعة الإنسان، وتأباه، وتمقته، حتى عند أولئك الذين يرونه حلالا، ومشروعا ومعنى ذلك: أنه لا بد من الإحجام عن الإقدام على هكذا زواج، لا سيما إذا قلنا: إن الإسلام لا يشرع ما فيه منافرة للطبيعة البشرية، وللفطرة الإنسانية.
وبتعبير آخر: " إن علاقة المتعة علاقة حيوانية بحتة، لا ترتفع إلى هذه المعاني السامية، إذ هي انسلاخ عن الطبيعة الإنسانية، ووقاحة يمجها الباطن السليم " (1).
ونقول:
قد فات هؤلاء أن نفور الناس من هذا الزواج لم

(1) نكاح المتعة للأهدل ص 358.
344

يكن لأجل منافرته للفطرة الإنسانية، وإباء الطبيعة البشرية له، وإنما بسب ما تعرض له هذا التشريع من حملات الدعاية المغرضة ضده، بهدف تشويهه في أذهان الناس، وإعطائهم انطباعا سيئا عنه.
مع العلم بأن هذا التشريع قد كان معمولا به في زمن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) رغم ما هو معروف عن العرب من غيرة وحمية فيما يرتبط بأمر النساء على العموم.
هذا بالإضافة إلى أن الكثيرين قد أساءوا استعمال هذا التشريع، ولم يلتزموا بضوابطه، وشرائطه، مع عدم وجود قوة تحميه، وتدافع عنه كتلك القوة التي كانت تحمي وتدافع عن غيره من القوانين والتشريعات.
بل لقد واجه هذا التشريع كل أشكال التشويه، والتهجين، والتجني، بعد صدور الأمر بالمنع
345

عنه بعد وفاة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، وإلى يومنا هذا..
هذا كله عدا عن أن طبيعة ظروف العمل بهذا التشريع لا تسمح بأن يكون الإقبال عليه في مستوى الإقبال على الزواج الدائم (1) وذلك لأسباب مختلفة.
ولنفترض أن ثمة نوعا من النفور منه، فإنه ليس كل ما ينفر الإنسان منه يكون حراما فالإنسان ينفر مثلا من الدواء لكنه حين يحتاج إليه يقبل عليه. وينفر من بعض الألبسة والأزياء في الحالات العادية، ولكنه يلبسها إذا احتاج إليها لمجاراة صديق، أو لدفع برد أو حر عن نفسه، بل إنك لا تكاد تجد إنسانا لا ينفر من بعض الأطعمة، فهل يوجب ذلك تحريمه؟!
إن النفرة التي توجب التحريم هي تلك التي تصل

(1) راجع كتاب: نظام حقوق المرأة في إسلام للعلامة الشهيد مطهري.
346

إلى حد منافرة الطبع الإنساني ككل، بحيث إذا واجهها أي إنسان على وجه الأرض فإنه لا يستسيغها بمقتضى جبلته الإنسانية وطبيعته البشرية..
العلاقة مادية فقط:
ومما أخذ على زواج المتعة: أنه زواج مادي صرف، ولأجل ذلك، فإن للزوج أن ينقص من المهر بمقدار ما تخل به المرأة من المدة (1)
ونجيب عن ذلك:
أ - - إنه لا مانع من أن تكون العلاقة مادية في بعض جهاتها، ما دام أن هذا الزواج قد جاء ليعالج مشكلة لها طابع مادي في بعض جوانبها هو دفع طغيان الشهوة، ولا ننكر أن يكون للجهات المادية تأثيرها في التشريع، فإن السرقة توجب قطع يد

(1) الفكر الإسلامي والمجتمع المعاصر ص 204.
347

السارق إلا إذا كانت لدفع الجوع.
ب - - في الزواج الدائم أيضا هناك جانب مادي من هذه الناحية أيضا، فإن الناشز التي لا تمكن زوجها من نفسها تسقط نفقتها ما دامت كذلك.
الهدف مجرد الاستمتاع:
ومن مآخذهم على زواج المتعة أن المقصود به ليس إلا قضاء الشهوة، وصب الماء وسفحه، فيكون سفاحا، لأن السفاح عبارة عن ذلك.
أما الزواج فالهدف الأمثل له هو الاستيلاد، وبقاء النسل والنوع (1) والمحافظة على الأولاد، فهو

((1) البحر الزخار ج 4 ص 23 وراجع: التفسير الكبير للرازي ج 10 ص 53 وراجع أيضا: فقه السنة ج 2 ص 43 وتحريم المتعة في الكتاب والسنة ص 5.
348

يشبه الزنا من حيث قصد الاستمتاع دون غيره (1)
وقد اختصر البعض هذه المحاذير بقوله: " إن هذا الزواج لا يحل، لأن المقصود من الزواج دوام المعاشرة للتوالد، والمحافظة على النسل، وتربية الأولاد، ولهذا حكم الفقهاء على زواج المتعة، والتحليل بالبطلان لأنه يقصد بالأول مجرد الاستمتاع الوقتي إلخ.. " (2)
وقد زاد البعض في الطنبور نغمة حين قال: " يرشدك إلى هذا أيضا ما رواه معقل بن يسار، قال: جاء رجل إلى رسول الله (ص) فقال: إني أصبت امرأة ذات حسب ومنصب، إلا أنها لا تلد، فأتزوجها؟ فنهاه، ثم أتاه الثانية فنهاه، ثم أتاه الثالثة فنهاه، فقال: تزوجوا

(1) فقه السنة ج 2 ص 41 و 43.
(1) فقه السنة ج 2 ص 41.
349

الولود الودود فإني مكاثر بكم (1) إذ ليس المقصد مجرد الاستمتاع بالحسن والجمال الخ " (2)
ونقول:
1 - - انه لا يقصد من زواج المتعة مجرد سفح الماء، وقضاء الشهوة، بل فيه أيضا، تحصين للنفس عن الوقوع في الإثم، وثمة مقاصد أخرى مختلفة غير ذلك أيضا وليس فيه في جميع الأحوال تعد لحدود الله كما هو الحال في الزنا.
قال الفخر الرازي: " المقصود منها سفح الماء، بطريق مشروع، مأذون فيه من قبل الله، فإن قلتم: المتعة محرمة، قلنا: هذا أول البحث " (3)
2 - - إن المتعة لا تنافي الاستيلاد، بل لا بد من

(1) قال في الهامش: أخرجه أبو داود / 2050 والنسائي 6 / 65.
(1) راجع: تحريم المتعة في الكتاب والسنة ص 6.
(1) التفسير الكبير ج 10 ص 53.
350

اللجوء إليها، كحل أفضل لمن لم يحصل على أولاد من الزواج الدائم، ولا تسمح له ظروفه بتحمل أعباء زواج دائم آخر، فالتناسل وبقاء النوع حاصل في المتعة كحصوله في الدائم بلا فرق..
وقد تقدم: أن الولد في هذا الزواج يلحق بأبويه تماما كما هو الحال في الدائم.
بل لماذا لا يكون الهدف من زواج المتعة هو الاستيلاد، وبقاء النوع والنسل؟! وقد ولد في الصدر الأول وفي سائر العصور الكثيرون عن طريق زواج المتعة، وقد ورثوا آباءهم، وورثوهم، وعاشوا في كنفهم، وتحت رعايتهم، مثل: ابن أم أراكة، وابن عمرو بن حريث، وغيرهما.
3 - - وهل يعني ذلك: أننا يجب أن نحرم الزواج الدائم على العقيم رجلا كان أو امرأة؟ وألا تشير كراهة نكاح العقيم - بحجة أن الهدف من الزواج
351

الدائم هو الاستيلاد - إلى أن لها حلا آخر كالزواج المؤقت مثلا؟! ما يجعل الرواية المتقدمة أدل على مطلوبنا.
الداعي فقط هو سفح الماء:
وقد زعم بعضهم أن " المتمتع بها لا يقصد الإحصان دون المسافحة، بل يكون قصده المسافحة، فانحصرت الداعية الفطرية في سفح الماء وصبه ".
إلى أن قال: " الفطرة تدعو الرجل إلى الاتصال بالأنثى، والأنثى إلى الاتصال بالرجل، ليزدوجا وينتجا. فالإحصان هو هذا الاختصاص الذي يمنع النفس أن تذهب أي مذهب؛ فيتصل كل ذكر بأي امرأة، وكل امرأة بأي رجل، إذ لو فعلا ذلك لما كان القصد من هذا إلا المشاركة في سفح الماء الذي تفرزه
352

الفطرة إيثارا للذة على المصلحة الخ " (1)
ونقول: إن ذلك غير معقول، ولا مقبول، وذلك لما يلي:
1 - - من الذي قال: إنه لا يوجد قصد للإحصان في زواج المتعة.. وأن القصد متمحض بالمسافحة وصب الماء, بحيث بلغ الأمر درجة الانحصار..
2 - - إن القصد لمجرد صب الماء وسفحه كما يحصل في المنقطع كذلك يحصل في الدائم، فهل يحرم الدائم أيضا إذا كان القصد هو مجرد التلذذ الجنسي، ولا سيما في حالات العقم لدى الرجل أو المرأة، أو كليهما. وكذلك في حالات أخرى؟!.
3 - - إن قصد سفح الماء وصبه في موارد المتعة ليس كيفما اتفق، بل هو مرتكز ومستند إلى العقد، فالمتمتع لا يريد ممارسة الجنس من دون عقد، ولو

(1) تحريم المتعة ص 148.
353

عرض عليه ذلك لرفضه بشدة..
4 - - إن الإشكال المذكور لو صح، فهو إشكال على الله ورسوله لأن هذا الزواج قد شرع في صدر الإسلام جزما، فهل كانوا يقصدون فيه صب الماء وسفحه؟!، أم كانوا يقصدون الإحصان؟!، وهل كانت المتعة تمنع نفوسهم من أن تذهب أي مذهب الخ..؟!
5 - - إنه قد فسر الإحصان بما ينتهي إلى ما ذكرناه من التعفف، ولم يفسره بما ذكره الفقهاء من ترتب الرجم في صورة حصول الزنا من المحصن. وهذا يناقض كلامه في موارد أخرى، فأورد الإشكالات على زواج المتعة زاعما أنها لا إحصان فيها، لأن المتمتع إذا زنى لا يرجم، بخلاف المتزوج بالدائم إذا زنى فإن صح كلامه هنا بطل كلامه هناك، وإن بطل كلامه هنا صح هناك..
6 - - تفسيره للإحصان بالاختصاص الذي يمنع
354

النفس من التعدي ومن أن يتصل كل ذكر بأي امرأة وكل امرأة بأي رجل - - هذا التفسير - - هل يصدق على الذي يملك إماء وينكحهن بملك اليمين؟ فإذا كان لا يصدق عليه، فهل يحكم ببطلان النكاح بملك اليمين لأجل ذلك كما حكم ببطلان زواج المتعة لأجله؟!
7 - - هل تفسيره الآنف الذكر للإحصان يصدق ويتحقق في الزواج الدائم؟ فما أكثر الزنا الذي يقع بين المتزوجين والمتزوجات بالنكاح الدائم.. وإذا كان كذلك فلماذا لا يحرم الزواج الدائم أيضا؟!
ماذا لو كذبت العاهرة:
ويحاول البعض التشنيع على هذا الزواج بإثارة سؤال يقول: ماذا لو أن العاهرة كذبت على الرجل فتزوجها ليوم أو أكثر، ثم انتقلت إلى آخر فكذلك، ثم إلى ثالث.. وهكذا إلى ما لا نهاية؟!.
فالزواج المؤقت إذن يعطي الفرصة لهذا النوع
355

من النساء لممارسة الرذيلة بغطاء شرعي..
وعلى حد تعبير السيد سابق:
" ثم يضر بالمرأة إذ تصبح كالسلعة التي تنتقل من يد إلى يد " (1)
ونقول:
1 - - إن انتقالها من رجل إلى آخر ليس قسريا، بل هو باختيار منها، مما يعني أنها تسيء الاستفادة من هذا الزواج، وسوء الاستفادة من التشريع لا يعني خطأ التشريع، بل الخطأ والسوء في ممارسته واستغلاله، ومن يفعل ذلك فإنه هو الذي يتحمل مسؤولية ما يقدم عليه.
ولو أوجب هذا إلغاء تشريع المتعة لوجب إلغاء تشريع الصلاة، والزكاة، والحج، لأن هناك من يسيء

(1) فقه السنة ج 2 ص 43.
356

الاستفادة ويرتكب الموبقات من خلالها. وللزم تحريم بيع السكين، وتحريم صنعه، لأن هناك من يجد به وسيلة للاعتداء على حياة الآخرين، ولوجب عدم إنتاج الكهرباء، ومنع مد شبكات المياه لأن هناك من يستفيد منهما في معصية الله سبحانه.. وهكذا..
2 - - إن هذا الأمر قد يحصل في الزواج الدائم أيضا - - ولو بصورة أقل - - حيث يطلقها الزوج فتبادر إلى الزواج من غيره، ثم يطلقها، فترتمي بأحضان ثالث ورابع.. وهكذا.. فإن إفتراض حصول الكذب لا يختص بالزواج المؤقت والجرم عليها وحدها، ولا جرم على من يتزوجها إذا لم يكن عالما بذلك منها.
3 - - على أن العدة شرط في الزواج الدائم وفي المنقطع على حد سواء، فإن أكملت العدة فيهما كان
357

زواجا شرعيا ولا عهر فيه، وإن لم تكمل العدة كان عهرا، سواء أكان زواجا دائما أم منقطعا.
والحرمة ثابتة سواء تعدد ارتكاب المحرم كما في الزواج في العدة في المؤقت أو الدائم أحيانا.. أو لم يتعدد كما قد يحصل في المؤقت، والدائم أيضا بلا فرق في ذلك.
المرأة كالحيوان:
ولهم هنا محاولة أخرى لتهجين هذا الزواج على اعتبار أنه يجرح شعور المرأة، لأنها على حد تعبيرهم تصير كالحيوان..
ونقول:
1 - - إن الطلاق أيضا يجرح شعور المرأة ويؤذيها، فهل نحرم الطلاق أيضا؟ بل إن الطلاق أشد عليها، لأنها لا خيار لها فيه، ولها خيارها في
358

الزواج المؤقت، حيث إنها قادرة على تقدير ظروفها من أول الأمر..
2 - - ولماذا شرع الله في صدر الإسلام ما يؤدي إلى جرح شعور المرأة، وجعلها كالحيوان؟!.
3 - - ومن الذي قال: إنه يجرح شعور المرأة، وهي التي تقدم عليه برضاها وباختيارها حين تجد نفسها بحاجة إلى ذلك.
المتعة تؤجج الغريزة الجنسية:
وثمة محذور آخر ذكروه هنا هو: أن الحاجة الجنسية لا تطفأ في زواج المتعة، بل تزيد استعارا، فماذا يصنع؟!.
ونقول:
1 - - لا ندري من أين صحت له هذه الدعوى،
359

فإن الحاجة الجنسية تطفأ بالممارسة، ولا يختلف الأمر في ذلك بين دائم ومنقطع.
2 - - على أن التشريع للزواج - - دائما كان أم منقطعا - - لا تنحصر أغراضه بإطفاء سعير الشهوة الجنسية، ولذلك جاز تزويج الشيخ والشيخة، والصغير والصغيرة، بإذن وليهما، مع عدم وجود حاجة جنسية، فضلا عن وجود جموح جنسي.
3 - - إن النصوص التي تحدثت عن تشريع هذا الزواج قد صرحت بأنه من فوائد تشريعه هو تلبية الحاجة الجنسية، فقد قال بعضهم لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ألا نختصي؟: فلم يجز لهم ذلك، ورخص لهم بالمتعة.
وثمة نصوص أخرى تشير إلى هذا الأمر ذكرناها في فصل النصوص والآثار فلتراجع.
4 - - على أن هذا لو صح لمنع من تشريع
360

الطلاق في النكاح الدائم، فإنه إذا طلقها لم تطفأ الحاجة الجنسية لها، ولم تشبع فماذا تصنع..
5 - - بل إننا نقول: إن الحاجة إلى إشباع الرغبة الجنسية لا تنحصر بالمرأة، فقد يكون لدى بعض الرجال حاجة جنسية جامحة تقتضي البحث عن أخرى، فيلجأ إلى الزواج المنقطع.
فإن قيل: الحل في هذه الحالة هو في الزواج الدائم المتعدد.
فيجاب: بأن ذلك قد لا يكون متيسرا للرجل، فيضطر إلى الطلاق، أو إلى الانحراف، بل قد لا يكون قادرا على الزواج الدائم من واحدة فضلا عن التعدد.
وعلى جميع التقادير ليس الزواج المؤقت مفروضا عليه فيمكنه اختياره، ويمكنه اختيار الدائم المتعدد..
361

الفصل الثالث
محاذير أسرية..
364

محاذير ومشكلات:
ويقول بعضهم: " كيف يقع الزنا إذا لم يكن هذا النوع بالذات من النكاح زنا؟!! أليس الزنا يقع بالتراضي بين الطرفين على قضاء الوطر؟ وهل تقل المفاسد التي تترتب على الزنا عن المفاسد التي تترتب على المتعة إذا أبيح مثل هذا النوع؟! فكيف يعرف الناس أبناءهم؟ ومن ذا الذي يضمن استبراء المرأة رحمها بحيضة أو حيضتين أو 45 يوما.. أو.. بعد مفارقة المتمتع لها، لتعرف نفسها هل هي حامل أم حائل؟ وإذا لم يعرف الناس أبناءهم فمن الذي ينفق على هذا الجيش الجرار نتيجة المتعة..
366

وأين العاقدون وقد قضى كل منهم وطره، ومضى لسبيله؟ ولا سيما أن القائلين بالمتعة يقولون: إن صاحب المتعة لو نفى الولد انتفى بلا لعان! إن على المجتمع أن يخصص خطة تنمية لبناء دور الإيواء لأبناء المتعة، وليصرف عليهم من صندوقي الضمان الاجتماعي والجهاد! ولنشكر مشرعي المتعة لأنهم ألزموا صاحبة المتعة بعدة وفاء كاملة لأبعد الأجلين!. ولتقفل الدكان وتجلس أمام الجامع للتسول حتى تنتهي العدة!
إن بيوت المال وخزائن الدول لتنوء بالإنفاق على هؤلاء، وهي وإن فتحت أبوابها لهؤلاء فقد تعطلت مرافق الحياة الأخرى التي من أجلها تجبى الأموال في بيوت المال..
وهذا ما حدث لإحدى هذه الدول حينما استحلت المتعة واستساغتها. فقد كتبت مجلة " الشراع "
367

الشيعية: أن رفسنجاني أشار إلى ربع مليون لقيط في إيران بسبب زواج المتعة (1)
وقالت: إن رفسنجاني هدد بتعطيل زواج المتعة بسبب المشكلات الكثيرة التي خلفها (2)
وقد وصفت مدينة " مشهد " الشيعية الإيرانية، حيث شاعت ممارسة المتعة بأنها: " المدينة الأكثر انحلالا على الصعيد الأخلاقي في آسيا (3)
ونقول:
إن هذا الكلام كله غير صحيح، وذلك للأمور التالية:
1 - - قد قلنا أكثر من مرة: إن هذه الإشكالات لو

(1) مجلة الشراع عدد 684 السنة الرابعة ص 4.
(1) المصدر السابق.
(1) المتعة لشهلا حائري ص 39 وكل هذه الإشكالات التي ذكرناها وردت في كتاب: تحريم المتعة في الكتاب والسنة ص 52 و 53 فراجع.
368

صحت فهي إشكالات على الله ورسوله، إذ لا ريب في تشريع زواج المتعة في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فإن كان زنا، فهل شرع الله الزنا..
وإن كان لا أحد يضمن أن تعتد المرأة بحيضة أو أكثر، وإن كان الناس سوف لا يعرفون أبناءهم، وإن كان هذا " الجيش الجرار من الأبناء الذين يولدون من المتعة لا أحد ينفق عليهم.. وإن كان.. وإن كان.. فإن كل ذلك - - لو كان صحيحا - - فإنه يرد على الله وعلى رسوله. ويرد على نفس هذا المستشكل وعليه أن يجيب هو عليه؛ لأنه يقول: إن هذا التشريع كان ثابتا، ثم يزعم أنه نسخ..
2 - - إن هذه الإشكالات غير صحيحة من أساسها..
369

فإن الزنا وإن كان يقع بالتراضي على قضاء الوطر إلا أنه ليس في الزنا عقد، ولا مهر، ولا غير ذلك مما تقدم بيانه في الجزء الأول من هذا الكتاب.
وإذا لم يكن فرق بين عقد المتعة والزنا فإنه لا يبقى فرق بين الزواج الدائم والزنا أيضا، خصوصا: إذا أراد أحد أن يتزوج ثم يطلق أكثر من عدة نساء. إذ لا شك في صحة الزواج والطلاق، حتى لو تكرر مرات ومرات. فما الفرق في مثل هذه الحال بين الزواج الدائم والزنا؟!
3 - - وأما سؤال: كيف يعرف الناس أبناءهم، فإن الوسيلة لمعرفة الأبناء في الزواج المؤقت هي عينها الوسيلة لمعرفتهم في الزواج الدائم.. خصوصا إذا تعقبه الطلاق مرات ومرات.
4 - - وعن ضمان استبراء المرأة بحيضة أو أكثر في زواج المتعة نقول: من الذي يضمن ذلك في
370

الزواج الدائم إذا تعقبه الطلاق..
5 - - وعن الجيش الجرار من الأبناء نقول:
ألف: لا ندري لماذا افترض وجود جيش جرار من الأبناء الذين لا يعرفون بسبب زواج المتعة، فهل وجد هذا الجيش الجرار في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث يقر هذا البعض بإباحة هذا الزواج في ذلك العهد.
ب: وهل الزواج - - سواء أكان دائما أو منقطعا - - يلازم الاستيلاد.. إن كثيرين من الذين يتزوجون دائما - - فضلا عن المنقطع - - يمتنعون عن الاستيلاد ولا تعجزهم وسائل منع الحمل..
ج: وهذه هي المجتمعات التي تقول بعدم نسخ هذا التشريع، ويمارس بعض الناس فيها زواج المتعة، لا نجد فيها جيشا جرارا من الأبناء غير المعروفين. بل لا نجد أثرا لشيء من هذا القبيل.
371

د: ولم يفترض أحد أن هذا الزواج واجب على كل أحد، ليلزم نشوء جيش من هذا القبيل..
ه‍: كما أن معظم الناس من القائلين بحلية هذا الزواج قد لا يحتاجون إلى ممارسته طيلة حياتهم، وقد يرون: أن ممارسته لا تناسب حالهم..
وليكن هذا الزواج بمثابة زواج الثانية في الدائم، فإنه لا يرغب فيه، أو فقل: لا يقدم عليه إلا القليل والقليل جدا لأكثر من سبب.
6 - - إن هذا البعض قد ذكر أن إحدى الدول حينما استحلت المتعة واستساغتها واجهت مشكلة أبناء المتعة، ففتحت أبوابها لهم، فناءت بيوت أموالها وعجزت خزانة الدولة، وتعطلت مرافق الحياة الأخرى.
وهي كذبة واضحة، وفرية فاضحة لصاحبها، وإلا فلماذا لم يسم لنا هذه الدولة لنتحقق من صحة ما يقول..
372

7 - - وأما ما تذكره مجلة الشراع، فلا يعبر عن وجهة نظر الشيعة، خصوصا في قضايا دينهم. ولا تصدق فيما تنقله عن الشيخ رفسنجاني، ما دام أنها في موقع الضدية والخصومة معه، وتسعى لتشويه سمعته.
والميزان في نهاية المطاف هو قول الله ورسوله، ولا مجال لغير ذلك ممن يؤمن بالله واليوم الآخر..
8 - - وبالرغم من أن اللقطاء ليس بالضرورة أن يكونوا ولدوا من المتعة، فإننا نقول: إن إيران ليست ببعيدة عنا، ويمكن لكل أحد أن يتأكد من أنه لا يوجد في إيران لقطاء لا هذا العدد، ولا سواه. وإن كان ثمة من لقيط فيها، فإن أعدادهم هي من القلة بحيث لا يصح مقايستها بأشد الدول الإسلامية محافظة والتزاما.
9 - - أما شهلا حائري، فإن كتابها مملوء بمثل هذه المفتريات والتشنيعات غير المسؤولة، وهي مجرد إتهامات، لا تستند إلى دليل، سوى الادعاء والتجني،
373

وإثارة جو من الاشمئزاز والنفور وكلاهما يمثل اعتراضا على الله ورسوله، حيث قد ثبت هذا التشريع في صدر الإسلام دون أدنى شبهة.
وفيما يختص بمدينة مشهد، فإن عكس ما قالته هو الصحيح، حيث إنها من أكثر مدن آسيا التزاما بمبادئ الأخلاق والدين والشريعة.
محاذير في زواج المتعة:
وقال يوسف جابر المحمدي:
".. من مفاسد هذه المتعة: تضييع الأولاد، فإن أولاد الرجل إذا كانوا منتشرين في كل بلدة، ولا يكونون عنده، فلا يمكنه أن يقوم بتربيتهم، فينشأون من غير تربية، كأولاد الزنا. ولو فرضنا أولئك الأولاد إناثا يكون الخزي أزيد، لأن نكاحهن لا يمكن بالأكفاء أصلا.
374

ومنها احتمال وطء موطوءة الأب للابن بالمتعة، أو النكاح، أو بالعكس. بل وطء البنت، وبنت البنت، وبنت الابن، والأخت، وبنت الأخت، وغيرهن من المحارم في بعض الصور، خصوصا في مدة طويلة، وهو أشد المحظورات، لأن العلم بحبل امرأة المتعة، في مدة شهر واحد أو أزيد لا يكون حاصلا، لا سيما إن وقعت في السفر، ويكون السفر أيضا طويلا، ويتفق في كل منزل الشغل بالمتعة الجديدة، ويتعلق الولد في كل منهما، وتولد الجارية من بعد تلك العلوقات، ويرجع هذا الرجل إلى ذلك الطريق بعد خمسة عشر عاما مثلا، أو يمر اخوته، أو بنوه في تلك المنازل، فيفعلون بتلك البنات متعة، أو ينكحونهن.
ومنها عدم تقسيم ميراث مرتكب المتعة مرات كثيرة، إذ لا يكون ورثته معلومين، ولا عددهم، ولا أسماؤهم، ولا أمكنتهم، فلزم تعطيل أمر الميراث.
375

وكذلك لزم تعطيل ميراث من ولد بالمتعة؛ فإن آباءهم، واخوتهم مجهولون، ولا يمكن تقسيم الميراث ما لم يعلم حصر الورثة في العدد، ويمتنع تعيين سهم من الأسهم ما لم تعلم صفات الورثة، من الذكورة والأنوثة، والحجب والحرمان.
وبالجملة، فالمفاسد المترتبة على المتعة مضرة جدا، ولا سيما في الأمور الشرعية، كالنكاح والميراث.
فلهذا حصر الله سبحانه أسباب حل الوطء في شيئين: النكاح الصحيح، وملك اليمين. لأن الاختصاص التام الحاصل بين المرء وزوجته بسبب هذين العقدين، ليحفظ الولد، ويعلم الإرث " (1) انتهى.
ونقول:
أولا: إن ما ذكروه يجري في النكاح الدائم أيضا،

(1) تحريم المتعة في الكتاب والسنة ص 200 و 201 وارجع في الهامش إلى التحفة الاثني عشرية للدهلوي ص 228.
376

خصوصا وأنهم لا يشترطون في الطلاق الإشهاد. فيمكن أن يتزوج في البلد الواحد أربعة نسوة ثم يطلقهن بعد ساعة أو بعد دقائق، ثم يتزوج غيرهن، ثم يطلقهن، بعد أن يطأ من يشاء منهن ثم ينتقل إلى بلد آخر، ويفعل مثل ذلك، ثم ينتقل إلى بلد ثالث، ورابع، وخامس وهكذا..
ثم تنشأ تلك المحاذير التي ذكروها آنفا سواء في تقسيم الميراث أو في احتمالات وطء المحارم، أو في احتمالات تضييع الأولاد.
وهكذا يقال أيضا بالنسبة لملك اليمين، حيث إن بإمكانه أن يشتري عشرات الجواري، ويطأ من يشاء منهن ثم يبيع ويهب ويعتق. ثم يشتري سواهن، ويفعل بهن مثل ذلك.. ويتفرقن في البلاد، وتأتي المفاسد
377

المذكورة من خلال احتمالات الحمل، وتضييع الأولاد، والإرث، ووطء المحارم.
فهل يحرمون النكاح الدائم والطلاق، ويحرمون الوطء بملك اليمين. أم أنهم يعملون على استيعاب المشكلات، ومواجهتها بالتدبيرات الحكيمة والواعية، وبالتوعية الصحيحة، وتعريف الناس بواجباتهم وبمسؤولياتهم الشرعية؟!
ثانيا: إن القائلين بالتحريم يعترفون بأن زواج المتعة قد كان حلالا في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
فكيف عالج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هذه المفاسد؟! أم أنه لم يهتم لها، ولم ير فيها مانعا من هذا التشريع، باعتبار أن سوء استعمال التشريع، وعدم
378

الالتزام بالأحكام لا يبرر رفع التشريع، بل هو يدعو إلى فرض الالتزام بالأحكام بصورة صحيحة وسليمة.
أخطار الزواج المؤقت (المتعة):
يقول أحمد الشرباصي:
" أجمع أئمة المسلمين على أن زواج المتعة حرام في الشريعة.
وأنه من النظم التي لا يقبلها الدين..
ولا العقل..
فهو من جانب خطر على استقرار الأسرة..
ومن جانب آخر على وثاقة العلاقة الزوجية..
ومن جهة ثالثة على حقوق المرأة، خصوصا عندما تتحقق المساواة الكاملة بينها وبين الرجل
379

في المستقبل، فتخرج الأنوثة من نطاق الطلب إلى نطاق العرض، عندما يصبح الزمن ضد المرأة، فيرجع تاريخ نظام المتعة، إلى مرحلة تدرج المجتمع الإسلامي من تقاليد الجاهلية، حيث كانت علاقات الجاهلية بين الرجل والمرأة باقية بعض آثارها في جوانب المجتمع العربي، فكان لا بد من تدرج التشريع حتى يستوفي أركانه، وعند ذلك حرم زواج المتعة كأحد آثار التخلف الإنساني في المجتمع الجاهلي.. ".
ثم يذكر أن الشيعة وحدهم قالوا بحلية هذا الزواج تبعا للإمام ابن عباس الذي عاد وأنكر إباحة هذا الزواج، قائلا:
" إنه عندما كان مباحا كان أشبه بالميتة، ولحم الخنزير، والخمر لمن يتعرض للهلاك ".
ثم ذكر: " أن المرأة هي التي تدفع وحدها ثمن
380

استمتاع الرجل، حيث يصعب عليها إثبات الزواج لعدم ثبوته بعقد وشهود.
وكذلك بالنسبة لثبوت الأطفال الذي يترك لتقدير الرجل.
كما يحرم زوجها عليها إذا مات.. الأمر الذي لا يفرق بينها وبين الخلية (الخليلة).. " (1)
ونقول:
1 - - أما بالنسبة لدعواه إجماع أئمة المسلمين، فقد ظهر في هذا الكتاب عدم صحة هذه الدعوى، وأن القائلين بحلية هذا الزواج هم أهل مكة واليمن، وأكثر أهل الكوفة، وأكثر أئمة المذاهب الأربعة بالإضافة إلى غيرهم من الأئمة وعلماء الأمة.. وطائفة كبيرة من صحابة رسول الله (صلى الله عليه

(1) مجلة روز اليوسف المصرية العدد 1932 - - 21 - - 6 - - 1965 م.
381

وآله وسلم) إن لم يكن كلهم وعلى رأسهم علي بن أبي طالب (صلوات الله وسلامه عليه)..
2 - - قوله: إنه من النظم التي لا يقبلها الدين، عجيب، وغريب، فإنه لو كان كذلك لم يشرعه الإسلام، ولم يقبل به في صدر الإسلام، إذ لا يعقل القبول بالزنا.. لا سيما وأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حسب زعمهم كان يحله ويأذن به لهم، ثم يحرمه عليهم أكثر من مرة..
3 - - قوله: لا يقبل به العقل - - أعجب وأغرب، إذ كيف كان (صلى الله عليه وآله) يحل لهم أمرا لا يقبله العقل ثم يحرمه عليهم، حتى بلغ تحريمه وتحليله له ست أو سبع مرات، كما يدعون.
ثم إننا لا ندري أي عقل يقصد، فإن كان المراد
382

هو عقل أمثاله، فهل يقبل عقل هؤلاء أن تقضي الحائض الصوم دون الصلاة، وأن تكون دية ثلاث أصابع المرأة ثلاثين دينارا، ودية أربع أصابع عشرين دينارا..؟!.
4 - - زعمهم أن هذا الزواج، من تقاليد الجاهلية، هو مجرد دعوى لا يمكنهم إثباتها، بل إن حديث عائشة حول اقسام الأنكحة في الجاهلية يدل على ضد ما يقولون - - كما قدمنا - -، فلا معنى إذن لزعمهم: أنه أراد التدرج في التحريم.
ولو سلم أنه أراد التدرج في التحريم فإنه لا معنى للتصريح بالإذن والحلية في كل مرة، فإن الزنا لا يمكن أن يكون حلالا في أي حال من الأحوال، لا في السفر، ولا في الحضر.
383

وإذا كان السفر والحاجة يجعله حلالا، ويرفع قبحه وسوئه، فإن السفر والحاجة لا يزالان قائمين..
5 - - قوله: إن هذا الزواج خطر على استقرار الأسرة، وخطر على وثاقة العلاقة الزوجية قد أجبنا عنه في أكثر من مورد من هذا الكتاب فلا داعي للإعادة..
6 - - لكن الملفت هنا قوله: أنه خطر على حقوق المرأة عندما تتحقق المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة فتخرج من نطاق الطلب إلى نطاق العرض، فيصبح الزمن ضد المرأة.
فإن الإساءة إلى المرأة وإغراءها بمفاهيم الحرية الزائفة لا يبرر خروجها إلى نطاق العرض، ولا يوجب ذلك إلغاء التشريعات الإسلامية، وإلا لزم إلغاء حتى الزواج الدائم أيضا لأجل نفس هذا السبب.
7 - - وأما ما ذكره من أنه يصعب على المرأة
384

اثبات هذا الزواج بعقد، فلا معنى له، للزوم العقد فيه بإجماع الأمة الاسلامية، فما معنى إقحام هذا الأمر في مورد كهذا؟!.
8 - - قوله: إنه يصعب إثباته بشهود، في غير محله.. فإن شرائط عقد هذا الزواج هي عينها شرائط عقد الزواج الدائم، وإنما يفترقان في الأجل وبعض الأمور الأخرى، ولأجل ذلك تجدهم يصرحون في قضية تزوج عمرو بن حريث متعة أنه أشهد أمها وأختها..
وعلى جميع التقادير فإن المعيار هو ما ثبت عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فإن كان قد ثبت عنه الاكتفاء بالعقد من دون شهود كان ذلك هو الحجة، وإن كان (صلى الله عليه وآله) قد قرر لزوم الشهود - - وهو لا ينطق عن الهوى - - كان ذلك هو الحجة أيضا. وقد يثبت هذا عند فريق ويثبت عند آخر
385

ذاك.
9 - - وأما بالنسبة لثبوت النسب فقد أشرنا أكثر من مرة إلى أن النسب ثابت في هذا الزواج كالزواج الدائم - - لكن نفيه في الدائم يحتاج إلى لعان، ولا يحتاج في المنقطع إلى لعان، وهذا هو الفرق فقط.
والأمر يرجع في كليهما إلى اختيار الرجل وتقديره.
10 - - وآخر ما ذكره هذا الرجل هو أن زوجها يحرم عليها إذا مات، ونقول إن من الواضح أن حكمها في ذلك حكم الزوجة الدائمة من دون أي فرق، فلا معنى لهذا التفريق غير الواقعي، ولا المنطقي، ثم القول: إن ذلك معناه أنه لا يفرق بينها وبين الخليلة، فإن هذا محض تشنيع بأمر غير واقعي..
الحرمان من الأبوة والأمومة:
386

وقد بالغ البعض في التشنيع على هذا الزواج حتى قال: إن هذا الزواج يؤدي إلى حرمان الرجل من الأبوة، والمرأة من الأمومة في صورة كون الأجل المضروب قصيرا، وهذا الحرمان ليس فقط غير مقبول، بل هو أمر معيب أيضا.
ونقول:
إن جميع ما ذكرناه في الفقرة السابقة آت هنا. إذ:
1 - - إن هذا الأمر يأتي في الزواج الدائم أيضا حين يحاول البعض أن يكثر من الزواج ثم الطلاق في فترة يسيرة وقصيرة، فإن هذا أيضا يستبطن هذا الحرمان.
2 - - إذا كان هذا الحرمان بقرار من الزوجين أنفسهما، فليس فيه ثمة من إشكال، فهما يقدمان على أمر تكون هذه نتيجته باختيار وقصد منهما، ولعل حصول الولد لهما مضر بحالهما بحسب
387

ظروفهما التي يعيشانها.
ولأجل ذلك يقدم المتزوجان في الدائم على الاستفادة من وسائل منع الحمل لمدة طويلة من حياتهما الزوجية..
وهذا معناه: أن الولد ليس هو الهدف المحوري في جميع حالات، الزواج لا الدائم منه ولا المنقطع.
3 - - على أن قصر المدة لا يمنع من حدوث الحمل، لو أنهما مارسا الجنس في تلك المدة، وعليهما أن يتحملا مسؤولياتهما في هذا السبيل، تماما كما لو عقد عليها بالدائم، ثم طلقها بعدة بعد فترة قصيرة، وكانت قد حملت منه..
4 - - ثم إننا نعود فنذكر: بأن هذا التشريع ثابت في صدر الإسلام، ولم يلتفت الشارع إلى هذه الأمور التي يتحدث هؤلاء عنها!!
388

الزواج المؤقت، والمثل الأعلى للأسرة:
يقول أحمد أمين المصري في مقام إصراره على تحريم الزواج المؤقت: ".. إذا كان المثل الأعلى للأسرة زوجا واحدا، وزوجة واحدة، وعروة وثقى باقية أبدا، في سعادة ينشأ في أحضانها الأبناء والبنات، فما أبعد نكاح المتعة عن هذا المثل " (1)
ويقول البعض أيضا:
".. إن الأسرة مطلوبة، وهي تحتاج في بنائها إلى عناصر ثلاثة تتوفر في الزواج الدائم: السكينة في بداية الحياة الزوجية، والمودة في وسط العمر، والرحمة في نهايات العمر، وهذا إنما يتوفر في الحياة الزوجية " (2) وهذا ما أشارت إليه الآية الكريم: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها

(1) ضحى الإسلام ج 3 ص 259.
(1) جاء ذلك في سياق كلام البعض في برنامج تلفزيوني.
389

وجعل بينكم مودة ورحمة} (1)
ونقول:
أولا: إن ما ذكروه من مطلوبية عناصر ثلاثة في الحياة الزوجية إنطلاقا من الآية الكريمة لا مجال للموافقة عليه، لأنها لم تذكر هذا التقسيم الثلاثي لعمر الإنسان، بل هي تقول: إن ذلك يتحقق في الزواج بمجرد تحققه.
ثانيا: هل هذا يمنع من زواج الشيخ والشيخة، الطاعنين في السن، بسبب فقد عنصرين من العناصر الثلاثة المتقدمة؟!.
ثالثا: من الذي ادعى: أن زواج المتعة يلزم بتعدد الزواج؟ أو حتى يحبذ ذلك، ويرجحه؟! فقد يحتاج المرء إلى زواج المتعة مرة واحدة في العمر، أو قد

(1) سورة الروم الآية 21.
390

يتزوج امرأة واحدة لمدة طويلة تصل إلى السنوات، وقد يجدد عقد المتعة معها نفسها لتمتد مدة الزواج إلى أن ترتفع الحاجة إليه..
رابعا: إن ما ذكره أحمد أمين يقتضي تحريم الزواج الدائم باثنتين، وثلاث، وأربع، إذ ما أبعد ذلك عن هذا المثل الأعلى، بل هو أبعد من النكاح المنقطع ما دام أنه في المنقطع ينتفي التعدد بانتهاء الأجل، وفي الدائم لا بد أن يبقى ذلك على مر الأيام والدهور، ولا يمكن أن ينتهي إلا بموت أو اطلاق.
فهل يستطيع أحمد أمين، ومن هم على شاكلته، وينسجون على منواله أن يتخلوا عن هذا الحكم الثابت بنص القرآن، {فانكحوا ما طاب لكم من النساء، مثنى، وثلاث،
391

ورباع} (1)
نعم، هل يمكنهم نفي هذا الحكم وغيره من الأحكام التي ستأتي إن شاء الله الإشارة إلى بعضها؟ رغبة منهم في الرد على من يبيحون نكاح المتعة، ومخالفة لأقوالهم!!.
خامسا: كيف جاز للشارع الحكيم تشريع الزواج المؤقت " المتعة " في صدر الإسلام، مع مخالفته لهذا المثل الأعلى للأسرة، الذي يدعيه هذا البحاثة المتطور والمتحضر؟!.
سادسا: كيف جاز تشريع الطلاق أيضا؟ ألا ينافي ذلك ما قرره أحمد أمين من لزوم بقاء هذه العروة ثابتة دائما وأبدا؟.
سابعا: كيف أباح أن ينكح الرجل بملك اليمين ما

(1) سورة النساء الآية 3.
392

شاء من النساء، ولم يحدد له عددا ينتهي إليه أو يقف عنده؟.
هذا الزواج، ومصير الأطفال:
ويدعي البعض أن الأطفال، الذين ينشأون عن هذا الزواج سيكون مصيرهم الضياع، والحرمان من الحياة الهادئة المطمئنة في ظل عطف وحماية الأبوين، بل يقول البعض: " لو جاء من هذا الزواج ذرية لما وجدت بيتا تستقر فيه، لتهدأ، وتنشأ وتتربى " (1)
وعلى حد تعبير السيد سابق: " يضر بالأولاد حيث لا يجدون البيت الذي يستقرون فيه، ويتعهدهم

(1) راجع: مجلة الهلال المصرية عدد 13 / 5 / 1397 ه - -. ق. أول مايو 1977 م.
393

بالتربية، والتأديب " (1)
هذا بالإضافة إلى ما يتعرض له ولد المتعة من نبذ اجتماعي، ومهانة، تترك آثارها السلبية على روحه، وعلى تكوينه النفسي بصورة عامة.
ونقول:
1 - - قد تقدم أن قضية التوالد قد أوكلت إلى اختيار الزوجين، حيث يمكنهما المنع من ذلك قبل انعقاد النطفة، ولو بأن يمتنعا عن ممارسة علاقة جنسية كأمة وأن يكتفيا بما دون ذلك. أو توخي الأيام التي لا يتحقق فيها الحمل عادة كتلك الأيام التي تعقب الحيض أو تسبقه.. وقد سهل الأمر في هذا العصر، حيث أصبح بالإمكان إقامة علاقة جنسية كاملة دون أن يخشى حدوث حمل وذلك بسبب توفر وسائل منع

(1) فقه السنة ج 2 ص 41 و 43.
394

الحمل المختلفة.
وإذا أراد الزوجان أن يتحملا مسؤولية التوالد، فهو لا يمنعهما من ذلك، إذا قاما بمسؤولياتهما تجاهه، كالدائم. ويعيش الأولاد حينئذ في كنف أبويهم، وهما مسؤولان عنهم، وعن تربيتهم بصورة كاملة. كما كان الحال بالنسبة لأولاد الصحابة، كابني الزبير عبد الله، وعروة، وابن أم أراكة، وابن عمرو بن حريث، وغيرهم ممن تقدم ذكرهم في الروايات المختلفة.
ولو فرض أن الأبوين أخلا بواجباتهما تجاه أطفالهما، فإنهم يجبرون على ذلك كما يجبر الأبوان في الزواج الدائم، سواء أكانت العلقة الزوجية
395

قائمة، أو كانت قد فصمت بالطلاق (1)
2 - - ولو صح ذلك، ومنع من تشريع الزواج المؤقت، لكان اللازم أن يمنع من أصل تشريع الزواج، حتى الدائم منه.
كما لا بد من أن يمنع من الطلاق أيضا.
3 - - أما بالنسبة لاحتقار الأولاد ومهانتهم في المجتمع، فإن هذا يرجع إلى سوء التربية في المجتمع، ويوجب إعادة النظر وبذل الجهد في هذا الاتجاه، فإنه إذا كان هذا الزواج شرعيا، فلماذا يحتقر الناس الأطفال الذين ينشأون عنه؟! وهل يعني ذلك إلا الاستهزاء بأحكام الله، والاستخفاف بتشريعاته؟!.

(1) راجع بعض ما تقدم في كتاب نظام حقوق المرأة في إسلام للشهيد السعيد العلامة الشيخ مرتضى مطهري رحمه الله.
396

4 - - إن كل ما يذكرونه بالنسبة للزواج المؤقت (المتعة) لو صح، فإنه يرد أولا على الشارع الحكيم، الذي شرع هذا الزواج في صدر الإسلام باعترافهم، فماذا كان مصير الأولاد الذين كانوا ثمرة لزواج من هذا النوع وكان قد شاع وذاع، وانتشر، خصوصا بملاحظة عدم توفر وسائل منع الحمل آنئذ؟ فهل كفل لهم الشارع الحكيم حقوقهم، وحفظها لهم؟، أم انه تركهم يضيعون ويعانون من شرور هذه الحياة ومتاعبها؟.
أين تحضن الولد:
ويقول البعض أيضا: إنه إذا قضي لهما بولد فأين تحضنه إذا كان لا حق لها بالنفقة ولا بالمسكن؟.
وجوابه:
397

1 - - إن هذا السؤال يتوجه أولا على الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) في أصل تشريع هذا الزواج في أول الإسلام حسب اعتراف الجميع، ويتأكد هذا السؤال إذا التفتنا إلى أنه لم يكن في ذلك الزمان وسائل لمنع الحمل التي أصبحت متوفرة الآن.
2 - - إن هذا السؤال إنما يرد لو كان الاستيلاد والوطء لازما وحتميا مع أن بإمكانها اشتراط عدم الدخول والاكتفاء بالاستمتاعات الأخرى أو توخي الأيام التي يبعد حصول الحمل فيها، أو استعمال وسائل منع الحمل.
3 - - ومع غض النظر عن هذا وذاك، فإنها إذا اشترطت عليه أن يهيء لها إمكانية حضانة ولدها فإنه لن يكون ثمة مشكلة في البين.
4 - - ولنفرض أن الزوج في الدائم لم يتمكن
398

من تهيئة السكن لزوجته وقضي بالطلاق بينهما، فأين تحضن الولد أيضا..
5 - - وأخيرا.. فإن عدم تمكنها من حضانة ولدها يجعلها تصرف النظر عن ممارسة هذا الحق أعني حق الحضانة ليبحث الأب لولده عمن يحضنه، وليس من اللازم إلغاء أصل التشريع، كما لم يستلزم هذا العجز إلغاء الزواج الدائم، حين تعجز عن حضانة ولدها..
6 - - ولنفترض أن هذا العجز لا بد أن يسري إلى نفس التشريع فإن الضرورات - - والحالة هذه تقدر بقدرها، فليرفع اليد عن ذلك في مثل هذه الموارد دون ما سواها.
إمكانية إنكار الزوج للولد:
ويعتبر البعض أيضا: أن من السلبيات التي قد
399

تترتب على زواج المتعة هو أنه ربما أنكر الرجل نسبة الولد إليه..
ونقول:
1 - - لو كان هذا الاحتمال مانعا من تشريع المتعة لمنع من تشريعها في زمن الرسول (صلى الله عليه وآله) أيضا..
2 - - إن هذا الأمر يتأتى في الزواج الدائم أيضا: غير أن الفرق بينهما هو أن اللعان هو الذي يحل المشكلة هناك، وتحل المشكلة هنا من دون حاجة إلى لعان.
3 - - إن الوطء بملك اليمين أيضا قد يحصل فيه انكار للولد من جهة المالك، ولا لعان، بينهما فهل يحرم الوطء بملك اليمين أيضا..
المتعة طريق لقطع النسل:
400

قد سمعنا فيما تقدم: أن تحليل المتعة يحدث فيضا ساحقا، وطوفانا ماحقا من أبناء المتعة تعجز الدول عن القيام بشؤونه!!.
ونسمع الآن مقولات تختلف عن تلك، وتذهب إلى حد القول بأن تحليل المتعة:
" طريق لقطع النسل، واختلاط الأنساب!!!.
وذلك لأن المرأة التي أعدت تأجير نفسها على الرجال مهنة لها، يحول الحمل بينها وبين هذه المهنة الخسيسة، فتضطر إلى استعمال كل وسيلة تؤدي إلى منع الحمل عنها. وما أكثرها وأسهل تناولها، وبذلك ينقطع النسل الذي هو المقصد الأعظم من النكاح.
وأما اختلاط الأنساب، فإنها عند انقضاء تلك المدة، تخرج من حيز المتمتع، فيكون الأمر بيدها، فلا يدري ماذا تصنع.
" وضبط العدة في النكاح. الذي بناؤه على التأبيد،
401

في غاية العسر، فما ظنك بالمتعة " (1).
وبعد، فإليك صورة واقعية عن المتعة عند العاملين بها، لتعرف ما جرت من الويلات.
فندع صاحب كتاب " جولة في ربوع الشرق الأدنى " (2) يحدثنا عن زيارته لتلك البلاد، وما شاهد فيها من آثار المتعة، قال:
" ولقد استرعى نظري في النجف كثير من الأطفال، الذين يلبسون في آذانهم حلقات خاصة، هي علامة أنهم من ذرية زواج المتعة المنتشر بين الشيعة جميعا، وبخاصة في بلاد فارس. ففي موسم الحج، إذا ما حل زائر فندقا، لاقاه وسيط يعرض عليه أمر المتعة مقابل أجر معين، فإن قبل أحضر له الرجل جمعا من

(1) الدهلوي: حجة الله البالغة 2 / 693.
(1) هو الشيخ محمد ثابت المصري، وقد نقلت النص من الفكيكي: المتعة وأثرها ص 30.
402

الفتيات، لينتقي منهن، وعندئذ يقصد معها إلى عالم لقراءة صيغة عقد الزواج وتحديد مدته، وهي تختلف بين ساعات وشهور وسنوات، وللفتاة أن تتزوج مرات في الليلة الواحدة، والعادة أن يدفع الزوج نحو خمسة عشر قرشا للساعة، وخمسة وسبعين قرشا لليوم، ونحو اربع جنيهات للشهر، ولا عيب على الجميع في ذلك العمل لأنه مشروع، ولا يلحق الذرية أي عار مطلقا، وعند انتهاء مدة الزواج يفترق الزوجان، ولا تنتظر المرأة أن تعتد، بل تتزوج بعد ذلك بيوم واحد (1).
فإن ظهر حمل فللوالد أن يدعي الطفل له، ويأخذه من أمه إذا بلغ السابعة " (2).
ثم هو يقول عن نكاح المتعة:

(1) ما أشبه هذه العملية بقول الشاعر:
كرة ضربت بصوالجة فتلقفتها رجل رجل
(1) نكاح المتعة للأهدل ص 358 - 360.
403

" إنه باب لتعطيل النكاح الصحيح، إذ إن الإنسان عندما يصبح سهلا عليه أن يقضي شهوته ويروي غلته من امرأة مقابل أجر معين، يحدو به حادي التحرر الشهواني إلى التهرب من المسؤوليات والالتزامات التي يحتمها عليه النكاح الصحيح.
فيكون ذلك مدعاة للرغبة عنه، وأداة لقطع العلاقات الأسرية التي بنيت عليها المجتمعات الإنسانية " (1).
ونقول:
1 - - لماذا فرض أن تتخذ المرأة المتعة مهنة لها، ولا يفرض أن يكون تعاطيها لها في صورة الحاجة إليها..
2 - - إنه إذا اتخذت بعض النساء هذا الزواج مهنة

(1) نكاح المتعة للأهدل ص 358.
404

والتزمت بشروطه، من العدة والعقد وما إلى ذلك، وكان ذلك مما أحله الله وشرعه، فإنه خير لها من أن تتخذ الزنا مهنة حين تسد أمامها أبواب الزواج الدائم، وتمنع من زواج المتعة المشروع..
3 - - إن ذلك إنما يصبح محذورا حقيقيا في صورة ما لو توجهت كافة النساء تجاه زواج المتعة، مع عزمهن جميعا على مقاومة أمر الحمل، والممانعة من حصوله.. ومتى؟ وكيف؟ وأنى يتفق ذلك؟!!
4 - - ما معنى التعبير ب‍ " تأجير نفسها على الرجال " وما معنى التعبير ب‍ " المهنة الخسيسة " فهل كان النساء المتمتعات في زمن الرسول (صلى الله عليه وآله) يستعملن مهنة خسيسة، وهل كن يؤجرن أنفسهن على الرجال؟!
405

5 - - وأما بالنسبة لاختلاط الأنساب فلا ندري ما معنى قوله: إنها بعد انقضاء المدة يصبح الأمر بيدها، فلا يدرى ماذا تصنع.. فإن المطلقة في الدائم أيضا بعد الطلاق يصبح الأمر بيدها، فلا يدرى ماذا تصنع..
6 - - إننا لا نوافق على قوله: " فلا يدرى ماذا تصنع " فإنها لا بد لها أن تعتد، ثم يمكن لأي إنسان أن يخطبها بعد العدة؛ فتقبله أو ترده.. تماما كالمطلقة بعد الطلاق، فإنها تعتد، ثم تصبح خلية يمكن لأي إنسان أن يخطبها، فتقبله أو ترده..
7 - - أما قول الدهلوي: إن ضبط العدة في النكاح الذي بناؤه على التأبيد في غاية العسر، فكيف بالمتعة..
فهو مردود عليه، وذلك لما يلي:
ألف: إنه ليس ثمة أي عسر في ضبط العدة، فإنها محددة بمرور ثلاث حيضات في أحدهما، وحيضتين
406

في الآخر. وهو أمر ظاهر يدركه الأمي والمتعلم، والكبير والصغير، من يعرف الأشهر ومن يجهلها و.. و..
باء: إن هذا الضبط إذا كان ميسورا ولو مرة واحدة، فهو ميسور دائما. فإنها كلما تزوجت وطلقت تستطيع أن تعرف من نفسها أنها حاضت، وتستطيع أن تدرك أنه قد مر عليها ثلاث حيضات..
جيم: إن العسر إذا كان موجودا وكان سببا في تحريم المتعة، فلماذا لم يقتض تحريم الزواج الدائم، فإن ضبط العدة فيه أيضا في غاية العسر أيضا..
دال: إن تعدد الزواج في المتعة ليس أمرا مفروضا ولا بد منه، فقد لا تتمتع المرأة أكثر من مرة واحدة في مدة عمرها.. وأكثر النساء لا يتمتعن أصلا.. فإن كان ثمة عسر في صورة التعدد، فمع القلة وحدوث المتعة مرة أو مرتين في العمر لا يوجد هذا العسر.. فإن ذلك
407

يجعله كالنكاح الدائم.. فليشترط هؤلاء المتفلسفون في حلية المتعة أن لا تتكرر بحيث يصعب معه ضبط العدة، لو صدقوا فيما يدعون.
هاء: إن ذلك لو صح بالنسبة للمرأة فهو لا يصح بالنسبة للرجل. فإن كان ولا بد، فليحرموا على المرأة أن تتمتع أكثر من مرة أو مرتين. وليبيحوا للرجل أن يتمتع بما شاء إن وجد من تجمع الشروط التي تبيح لها الدخول في عقد كهذا..
واو: إنه كما يمكن أن يتعدد زواج المتعة حتى يعد بالعشرات فإن النكاح الدائم أيضا يمكن أن يتكرر حتى يعد بالعشرات حيث يتكرر الطلاق والزواج بصورة مستمرة، ولو بالاتفاق بين الزوجين. فإنهم هم أنفسهم قائلون بصحة هذا الزواج، لكنهم يقولون: إنه ليس من أخلاق الناس، ولا هو مما يليق. فلماذا يصححون هذا الزواج، ولا يصححون زواج المتعة.
408

8 - - إن كلام صاحب كتاب: " جولة في ربوع الشرق الأدنى " حول الأطفال الكثيرين الذين رآهم في النجف يلبسون في آذانهم حلقات خاصة هي علامة أنهم من زواج المتعة.
كلام عار عن الصحة..
وتلك هي النجف وكل بلاد الشيعة في العراق، وفي إيران، والهند، والبحرين، ولبنان، والباكستان، وسائر دول العالم.. مفتوحة لكل زائر ووافد، فليذهب إليها الناس كلهم، وليبحثوا في كل خباياها وزواياها، فإن عثروا على ولد واحد يعرف بأنه من زواج المتعة، ويتميز بلبس هذه الحلقات، فليأتونا به أو فليدلونا عليه، لنجعله في أي متحف في العالم ليتفرج الناس عليه، وليروا بعض آثار زواج المتعة.
9 - - وأما سائر ما ذكره صاحب الكتاب الذي أشار إليه.. فإنه لا يستحق الاهتمام ما دام أن علماء السنة
409

أنفسهم، يقرون بأنها أكاذيب وافتراءات.. والفقه الشيعي الإمامي صريح بما يخالفها.
ولم نجد على مدى التاريخ أي فقيه يقول: إنه لا عدة على المتمتع بها، وأنها تتزوج بعد يوم واحد من مفارقتها لزوجها الأول.. أو أن لها أن تتزوج عدة مرات في الليلة الواحدة وما إلى ذلك..
410

10 - - ولو فرضنا: أن ذلك قد حصل، فإنه لا يوجب تحريم الحلال. فليفت العلماء بحلية زواج المتعة بشرط أن تعتد بحيضتين، وبشرط أن لا تنتقل من رجل إلى رجل في ليلة واحدة عدة مرات، وبغير ذلك من شرائط كانت ثابتة على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
11 - - أما قولهم: إن تحليل زواج المتعة باب
411

لتعطيل النكاح الصحيح، فجوابه.
أولا: إن هذا الزواج منذ وفاة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يزل حلالا عند شيعة أهل البيت (عليهم السلام)، ولم يوجب ذلك تعطيل الزواج الدائم، ولا التقليل من الإقبال عليه.
ثانيا: إذا كان هذا الزواج يوجب ذلك التحرر الشهواني وتعطيل الزواج الدائم، والتهرب من المسؤوليات، فلماذا حلله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في صدر الإسلام؟!
فإن قيل: إنما حلله لأجل الضرورة.
فإنه يقال: فلماذا لا يحله هؤلاء لنفس هذا السبب أيضا، فإن الضرورة قائمة؟!.
12 - - قولهم: إنه يوجب قطع العلاقات الأسرية.. غير صحيح،
412

أولا: إنهم يعترفون بأن الله قد شرعه في صدر الإسلام. فلو كان يوجب ذلك لما شرعه تعالى..
ثانيا: أضف إلى ذلك أن الرابط الأسري عند الشيعة الذين يقولون ببقاء هذا التشريع، أشد وأوثق مما هو عليه عند القائلين بتحريم هذا الزواج. أو هو على الأقل ليس بأقل في وثاقته عندهم وشدته مما هو عند غيرهم.
ثالثا: إن التعبير عن الزواج الدائم ب‍ " النكاح الصحيح " يراد به الإيحاء بصورة غير منصفة - - في سياق البحث والمناقشة العلمية - - إلى فساد نكاح المتعة..
رابعا: إن العلاقة الأسرية لا ينحصر إنشاؤها بالزواج الدائم. فإن زواج المتعة أيضا ينشئ علاقة أسرية صحيحة ووثيقة.
413

الزواج معناه الضم والجمع:
وذكر البعض: أن الزواج في اللغة معناه الضم والجمع.. ولا يتحقق ذلك في المؤقت.. لعدم توفر عنصر البقاء والاستمرار فيه.
ونقول:
أولا: الديمومة ليست داخلة في مفهوم الضم والجمع فإن ذلك يتحقق ولو إلى أجل محدود، ثم يحصل الافتراق..
ثانيا: لو كان ذلك يمنع من صحة زواج المتعة، لمنع من أصل تشريعه في زمن الرسول.
ثالثا: لو كان التوقيت مانعا من صحة هذا الزواج، بسبب عدم توفر عنصر البقاء والاستمرار فيه لمنع من تشريع الطلاق في الزواج الدائم أيضا، لأن الطلاق يعني التفريق، ويقطع الاستمرار.
414

خسائر المرأة في زواج المتعة:
ويدعي البعض:
1 - - أن المرأة تخسر معنويا من خلال هذا الزواج - - خصوصا إذا كان قد دخل بها، وهي حين تتحول إلى ثيب تكون قد فقدت أغلى ما تملك.
2 - - كما أنها تخسر ماديا إن لم تشترط النفقة، كما أنها لا إرث لها.
3 - - وتخسر نفسيا أيضا لإمكان أن يجمع الرجل عددا لا يحصى من النساء.
4 - - وعدا عن ذلك كله هي مهددة في أي لحظة بأن يقال لها: فسخت.
ونقول:
إن ما ذكره هذا البعض لا يصلح للاستدلال به على عدم تشريع هذا الزواج وذلك لما يلي:
415

الخسائر المعنوية:
أما بالنسبة للخسائر المعنوية:
1 - - فإن بإمكان المرأة أن تشترط عدم الدخول، والاكتفاء بسائر الاستمتاعات.
2 - - ولو فرض صيرورتها ثيبا بإذن منها، فإن ذلك لا يمنع من استمرار هذا التشريع، كما لم يمنع من حدوثه في زمن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) باعتراف هذا البعض بالذات.
3 - - ولو منع ذلك من تشريع الزواج المؤقت لمنع من تشريع الزواج الدائم حين يتعقبه الطلاق..
ولمنع من تشريع إشتراط التزوج برجل آخر لتحل لزوجها الأول الذي طلقها ثلاث مرات، خصوصا عند من يقول بإمضاء الطلاق الثلاث بصيغة واحدة، وفي مجلس واحد.. بل وكذا إذا طلقت ثم تزوجت، ثم طلقت ثم تزوجت برجال متعددين،
416

واستمرت على ذلك الحال.
فإن الخسارة المعنوية حاصلة في كل ذلك أيضا.
الخسائر المادية:
وعن الخسارة المادية بسبب عدم الإرث، وعدم النفقة، بدون اشتراطها نقول:
1 - - إذا لم تشترط ذلك فإنها تكون هي التي قصرت في حق نفسها.
2 - - لو منع ذلك من بقاء هذا التشريع لمنع من نشوئه، كما قلنا أكثر من مرة..
والاعتذار عن ذلك بأن التشريع كان لاقتضاء الضرورة، مرفوض، لأنه مجرد اجتهاد من البعض في مقابل النص المطلق والصريح.
417

ولو فرضنا صحة هذا الاعتراض، فليفت هؤلاء، بجواز ممارسة هذا الزواج في صورة الضرورة أيضا..
الخسارة النفسية:
أما بالنسبة لإمكان أن يجمع الرجل أعدادا لا تحصى من النساء، فنقول:
1 - - لقد شرع الله في الزواج الدائم الجمع بين أربع نساء، فإذا كان في الجمع بين النساء خسارة نفسية للمرأة فلماذا شرع الله ذلك في الدائم، ولا فرق في الضرر النفسي بين الجمع بين اثنتين أو أربعة وبين غيره..
2 - - على أن الإضرار النفسي غير متحقق لأنها تتأذى من أمر لاحق لها فيه، وتريد أن تفرض على غيرها أمرا لا تملك فرضه عليه، لأن الله أباح
418

له ذلك، وهي تريد أن تمنعه من ممارسة حقه.
3 - - على أن بإمكان هذا القائل أن يشترط في الزيادة على الأربع أن لا يلزم من ذلك إلحاق الضرر بها، أو أن يقتصر على إباحة خصوص الأربع، فهل يقبل بالزواج المؤقت في هذه الصورة؟!.
4 - - على أن هذا الزواج شرع في عهد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) على هذا النحو؛ فهل لم يكن ثمة إضرار بالمرأة بسبب التعدد؟! والآن صار في التعدد إضرار بها؟!.
الزوجة في المتعة ليست صاحبة:
ويقول البعض: إن الزوجة في المتعة ليست صاحبة، لأن الصحبة تحتاج إلى استمرار، وطول مدة، وليست المتعة كذلك، ولأن الصحبة تقتضي السكون والأنس، ولا يحصل ذلك في المتعة.
419

ونقول:
أولا: لو طالت المدة إلى عشر سنوات مثلا، أي إلى حد صح معه إطلاق الصحبة فهل يصبح الزواج المؤقت مشروعا.
ثانيا: إذا طلقت الدائمة بعد ساعات من عقد الزواج فهل يكون العقد باطلا، ولا تستحق المهر مع الدخول، ونصفه بدونه، إذ لا تكون مصداقا للصاحبة في هذه الحال؟! أم أنه يحكم بعدم صحة الطلاق في الدائم.
ثالثا: لو أن الزواج الدائم قد واجه مشاكل منعت من السكون والأنس فهل يكون عقد الزواج باطلا؟.
رابعا: إن إطلاق كلمة الصاحبة على المرأة ناظرة إلى صدق هذا العنوان في حال التلبس بالزوجية، ويراد به الإشارة إلى اقترانهما ببعضهما، ووجود رابط بينهما، ولا يراد به إفهام
420

لزوم الاستمرار في هذه الصحبة، ولأجل ذلك فإن الصاحب قد يفارق صاحبه لبعض الأسباب، ولا يعني ذلك انتفاء وصف الصحبة عنهما حين تلبسهما بها.
خامسا: إنهم يقولون: إن المراد بالصحابي: " كل من رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وكان مميزا ولو من بعيد "، ويجرون عليه أحكام الصحابي من الحكم بعدالته وما إلى ذلك..
فلماذا اكتفوا بذلك هناك، ويفترضون دوام الصحبة، حتى الموت هنا (1) ما عشت أراك الدهر عجبا..
السكون في بيت الزوجية والمتعة:

(1) أشار بعض الإخوة إلى هذه الملاحظة الأخيرة فجزاه الله خيرا.
421

وقد ادعى البعض أيضا: أن زواج المتعة لا يحقق السكون الذي أشارت إليه الآية الكريمة: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها، وجعل بينكم مودة ورحمة. إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون} (1)
ولو كان زواج المتعة يحقق السكون لما شرع الزواج الدائم..
ونقول:
1 - - من الذي قال إن زواج المتعة لا يحقق هذا السكون..
2 - - لماذا شرع هذا الزواج في أول الإسلام إذن، فهل كان يحقق السكون آنذاك أم لا؟.
3 - - ثم ما المراد بالسكون الذي تتحدث عنه

(1) سورة الروم / الآية 21.
422

الآية، هل هو الاستقرار النفسي بمعنى راحة الضمير من حيث ممارسة الحلال. فهذا متحقق في زواج المتعة كما هو الحال في الزواج الدائم..
وإن كان المراد به الاستقرار في بيت الزوجية إلى الأبد، فهو لو صح لاقتضى تحريم الطلاق في الزواج الدائم. مع أنه يصح ولو بعد العقد بدقائق، فضلا عن الأيام والشهور والسنين..
4 - - ولو صح ذلك أيضا لم يصح الوطء بملك اليمين حين تتعرض الأمة للبيع والهبة من قبل مالكها، إلا إذا حملت، فإن لهذه الحالة أحكاما خاصة بها.
ونحرم زواج الصبي، والصبية؟.
وكذلك الزواج الدائم للولود، حين يستعمل الزوجان وسائل منع الحمل بقصد عدم الإنجاب، أو
423

طريقة العزل؟.
ونحرم أيضا وطء الحامل، حيث لا يمكن التوالد، ولا يقصد حينئذ إلا سفح الماء، وقضاء الشهوة.
ثم نحرم الزواج بالمرأة التي استؤصل رحمها.. إلى غير ذلك من الحالات.
4 - - من الذي قال: إن تشريع الزواج المنقطع (المتعة) لا يستند إلى علة أخرى، هي غير العلة التي استند إليها تشريع الزواج الدائم؟.
5 - - أضف إلى ما تقدم: أن التناسل، وبقاء النوع، إنما هو حكمة من حكم الزواج الدائم، وليس هو علة التشريع. والحكمة لا يدور الحكم مدارها وجودا وعدما، بخلاف العلة، وقد خلط هؤلاء بين الحكمة والعلة: فتخيلوا هذه تلك، وما أكثر ما يقع الناس في هذا الأمر.
6 - - على أن آية المتعة تدحض هذا الزعم الباطل
424

وكفى بها دليلا ومعتمدا.
الفصل الرابع
اللمسات الأخيرة..
425

لا عدد في المتعة:
ومما أخذ على زواج المتعة أنه ليس فيه عدد
427

معين، فيمكن للرجل أن يتزوج بأي عدد شاء منهن، حتى بعد زواجه بالأربع، ولو كان التمتع نكاحا لم يكن لصاحب الأربع أن يتمتع (1)
قال محمد البهي: " والمرأة فيه ذات درجة دنيا، فليس هناك عدد لمن يجوز للرجل أن يستمتع بهن في وقت واحد، وليس هناك حرمة لبنت الأخ والأخت في الجمع، وبين أي منهما وبين عمتها أو خالتها إذا أذنت، وليس هناك حاجة إلى إذنهما في العزل عنهما " (2)
ونقول:
1 - - إن هذا الأمر أيضا ثابت في النكاح بملك

((1) راجع الوشيعة ص 168. وراجع: تحريم المتعة في الكتاب والسنة ص 11.
(1) الفكر الإسلامي والمجتمع المعاصر ص 203.
428

اليمين، فإنه ليس فيه عدد معين أيضا، فهل يمنعون منه وقد أقره الإسلام؟.
وإذا كان لا بد من الإلغاء، فملك اليمين أولى به لأن ملك اليمين مفروض على المرأة وخارج نطاق إرادتها، أما زواج المتعة، فهي التي تختاره أو تقدم عليه، وتلزم نفسها به.
2 - - إنها في ملك اليمين لا تعامل معاملة الزوجة فلا قسم لها ولا ليلة، ولا ميراث، ولا غير ذلك.
3 - - ولماذا لم يفترض أهل السنة أن نكاح المتعة - - - وهو مدني - - قد نسخ ملك اليمين الذي هو مكي كما يدعون أن الدائم قد نسخ الزواج المنقطع؟.
3 - - على أن عدد النساء إذا كان مساويا لعدد الرجال فإن اختصاص كل امرأة برجل معين يستلزم اختصاص كل رجل بامرأة معينة إذا زاد عدد النساء
429

على عدد الرجال، كما هي العادة بسبب تعرض الرجال للكوارث، والويلات والحروب وما إلى ذلك..
ولو فرض العكس بأن زاد عدد الرجال على عدد النساء، فلا مجال للسماح للمرأة بمعاشرة أكثر من رجل، لأن الله سبحانه قد حظر علينا ذلك لأمور استأثر علينا بعلمها، ولم يشأ أن يطلعنا عليها.
4 - - إذا كان زواج المتعة قد شرع لأسباب عديدة ومنها حل مشكلة طغيان الغريزة أو الحاجة، فالباب مفتوح إلى أن تنحل المشكلة، وتندفع الحاجة أيا كانت الحاجة وأيا كان العدد، وذلك لا ينافي كرامة المرأة ولا يوجب امتهانها.
ولأجل ذلك شرع الله في الدائم الزواج من أربعة نساء، ولم يوجب ذلك أي تحقير للمرأة، ولا ادعى ذلك مسلم مؤمن بربه.
430

5 - - إن قوله: " ألا يقتضي منطق نظام تعدد الزوجات أن يتعدد أزواج المرأة في وقت واحد " (1)
يرد عليه:
أ - - إن هذا لو صح فهو رد على الزواج الدائم.
وقد أجاب عن هذا الإشكال حين أورد على الزواج الدائم بقوله: " ليس هناك من حرج إطلاقا في ممارسته من مسلم، ولو كان من أجل المعاشرة والمتعة الجنسية وحدها، لأن هذا المبدأ هو إقرار لشأن من شؤون الطبيعة البشرية، وهو شأن الغريزة " (2)
فما أجاب به عن الزواج الدائم هو بعينه الجواب عن الزواج المنقطع.

(1) الفكر الإسلامي والمجتمع المعاصر: مشكلات الأسرة والتكافل ص 204.
431

ب - - إن هذا السؤال يوجه إلى الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، لأن هذا الزواج كان مشرعا في صدر الإسلام، فالأحكام التي كانت ثابتة للزواج المؤقت آنئذ لا تزال ثابتة له.
ج - - إن الإسلام إنما يعالج في الزواج الدائم والمنقطع مشكلة حياتية، فإذا كان علاجها يتم بالتعدد، فلماذا لا يشرعه فيهما للرجل.
أما المرأة فقد عالج مشكلتها الجنسية بإلزام الزوج برفع ضرورتها الجنسية، أو بطلاقها ان عجز عن ذلك، ولكنه لم يشرع تعدد الأزواج لها، لنشوء مفاسد خطيرة عن ذلك هو سبحانه وتعالى يعلم بها.
6 - - إن ذلك كله كان له هدف حياتي، ويراد منه حل مشكلة واقعية، فليس فيه أي مهانة، أو احتقار لأي من الطرفين
432

7 - - إذا كان تجويز تعدد الزوجات فيه مهانة للمرأة فلماذا لا يقال: إن فيه مهانة للرجل، لما فيه من إعطاء انطباع عنه بأنه إنسان حيواني شهواني، لا يهتم بعواطف ولا بإنسانية غيره مثلا. بل في ذلك مهانة للشرع الشريف إذا كان يشرع أمورا تسيء إلى كرامة أي من الطرفين، أو كليهما..
ومهما يكن من أمر، فإن الحقيقة هي أن الوحدة والتعدد ليس لها ربط بموضوع الإكرام أو الاحترام، بل هما مرتبطان بالحاجة، وبالمشكلة التي يراد معالجتها من خلالها.
دور القيم والالتزام الديني:
وعلى أي حال.. إن زواج المتعة لا يمكن التعاطي معه بصورة جافة وبعيدة عن الضوابط الأخلاقية، والقيم الإنسانية، والالتزام بالأحكام
433

الشرعية.
كما أن الأمر في الزواج الدائم أيضا كذلك.
وبدون الالتزام بالقيم والضوابط الأخلاقية لا يمكن ضبط مسيرة الحياة الزوجية لتكون في الاتجاه الصحيح، ولا يمكن ضمان أن لا ينحرف الزوج أو الزوجة عن قواعد الزواج وأحكامه..
فقد تتزوج المرأة قبل انقضاء عدتها في الزواج الدائم، وكذا في المنقطع، بل قد تتستر على وقوع الطلاق في حال الحيض لمآرب غير مشروعة.
إن الأخلاق، والقيم، والوازع الديني هو الذي يضمن أن تكون الأمور في خطها الصحيح.. أما القانون.. فلا يكفي وحده كأداة لتحقيق الوئام، والاستقرار، والسكون في الحياة الزوجية، بل قد يستخدمه هذا الطرف أو ذاك كوسيلة هدامة.
434

الزواج الدائم هو المرجح دائما:
ومن الواضح: أن ما يواجهه الزواج المنقطع من هجمات، ومن تهجين، وتشويه في أذهان الناس من جهة.. ثم الرغبة الملحة في الحصول على حياة مستقرة وثابتة، تجعل الفتيات يملن إلى ترجيح الزواج الدائم على المنقطع، ويكون هو موضع طموحهن، ورغبتهن مع توفر الظروف الملائمة له، ولسوف لا يلتفتن إلى الزواج المنقطع إلا في مواقع الحاجة والضرورة، وحيث تفقد فرص الحصول على زواج دائم، أو يصعب الحصول عليها.
ومما يزيد من قوة الإحجام عن الزواج المؤقت ذلك الإعلام المسموم والقوي الذي يصور الزواج المؤقت على أنه تخلف ورجعية، وامتهان لكرامة
435

المرأة، واحتقار لها، وسلب لحريتها، بل وعده من أبشع أنواع الزنا، والفواحش، وفي مقابل ذلك تجد التشجيع على المخادنة، وتزيين الفواحش، وحتى تبرير أعمال اللواط، والسحاق، والقول بالإباحية المطلقة، واعتبار ذلك كله تقدمية وحضارة، وإنصافا للمرأة، وتحريرا لها..
التهديد بفسخ الزواج:
وأخيرا، إن ما ذكروه من أن المرأة مهددة بفسخ الزواج في زواج المتعة في كل لحظة:
يقابله: أنها مهددة بالطلاق في الزواج الدائم أيضا في كل لحظة، فهل يمنع ذلك من تشريع الزواج الدائم..
ونضيف: أن هذا التهديد كان موجودا في زمن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فلما شرعه الله
436

في زمنه (صلى الله عليه وآله وسلم)؟.
الانقطاع لا يتلاءم مع فلسفة الزواج:
وقد قالوا: إن تقييد الزواج بمدة معينة لا يتلاءم مع فلسفة الزواج، ولا ينسجم مع ما له من قداسة.. ولا يتلاءم مع أهداف الشارع المقدس.
ونقول:
إن مما لا شك فيه: أن الزواج الدائم هو الطريقة الفضلى والمثلي، والهدف الذي يسعى الإسلام إلى هداية وإيصال الإنسان إليه..
ولا يريد الشارع أن يمنع الإنسان من الوصول إلى الزواج الدائم أبدا. ولا يريد أن يستبدله بزواج المتعة.. بل هو لا يريد أن يجعله في موازاته أيضا.
وإنما أراد فقط أن يحل به مشكلة يعجز
437

الزواج الدائم عن حلها. ما دام أن حاجات المجتمع تختلف وتتنوع ولا بد من تلبيتها، وابعاد شبح الفساد والإفساد عنه، حسبما أوضحناه أكثر من مرة.
وإن تشريع زواج المتعة في صدر الإسلام لخير دليل على ما نقول، وعلى أنه لا يضر بقداسة الزواج الدائم، كما أنه هو نفسه زواج مشروع ومقدس فرضته حاجات مشروعة لا بد من التعامل معها بواقعية وبمسؤولية.
وإذا كان للزواج الدائم فلسفته فليس بالضرورة أن تكون هي بعينها فلسفة الزواج المؤقت، ولا يضر أحدهما بالآخر.. ولو كان يضر به لم يبادر الشارع إلى تشريع المؤقت من الأساس في صدر الإسلام باعتراف الجميع.
العدل الإلهي يقتضي تحريم المتعة:
438

ويرى البعض: أن العدل الإلهي من أجل أن لا تظلم المرأة جنسيا اقتضى أن يستقر الأمر على التحريم..
ونقول:
1 - - هل كان تشريع هذا الزواج في أول الإسلام على خلاف ما يقتضيه العدل الإلهي؟!.
2 - - لا ندري كيف تظلم المرأة جنسيا في زواج المتعة، فإنها والرجل على حد سواء من حيث الاستفادة الجنسية، لكل منهما كأي زوجين في الزواج الدائم.
بل إن المرأة أكثر حرية من الناحية الجنسية في زواج المتعة منها في الزواج الدائم، لأنها تملك حق الرفض والقبول في الأول أكثر مما لها في الثاني..
439

قبح المتعة ناشىء عن النهي:
وقد حاول بعضهم الإستدلال والتأكيد على قبح زواج المتعة، كما يلي:
أولا: إنه تحدث عن الشيعة و " عما طفحت به كتبهم من تقبيحه، واستهجانه، والترفع عنه، على الرغم من الإشادة به، فهذا كاشف الغطاء يقول:
" أما تحاشي أشراف الشيعة وسراتهم من تعاطيها، فهو عفة، وترفع، واستغناء، واكتفاء بما أحل الله من تعدد الزوجات " (1).
فأشراف الناس، وسراتهم هم أهل المروءات الذين ينأون عما يقبح بهم، فلما كان فيه جهة قبح، ونوع نقص، وذلك بعد تحريم الله تعالى له، تحاشوا عنه، كما اعترف به إمامهم.

(1) عن أصل الشيعة وأصولها ص 188 / 189.
440

ولا يرد على ذلك تمتع بعض الصحابة، لأنه كان آنذاك بترخيص شرعي، وبذلك كانت جهة القبح منفية عنه. ولأن باعث التقبيح النهي الشرعي منه.
وأيضا، فالترخيص لم يدم، إذ في الموطن الثاني مقيد بثلاثة أيام.
ثانيا: أن عقد المتعة من باب استئجار بضع المرأة، وهو شناعة يمجها الذوق السليم ويجر المرأة إلى الاستهتار، ويعرضها للخطر لذا ضج بالشكوى منه عقلاء فارس (1).
ثالثا: " إنه لما حرمه النبي الكريم عليه الصلاة والسلام كان قبيحا، ولما استعمله فئة إسلامية، وشاع في دورها، ونظرنا إلى آثاره السيئة قوي عندنا ظهور الحكمة الإلهية في منع المسلمين من

(1) عن ضحى الإسلام ج 4 ص 259.
441

تعاطيه " (1)
ونقول:
أولا: إن الترفع عن أمر، وكونه يناسب هذا ولا يناسب ذاك لا يعني قبحه وشناعته بصورة مطلقة، إلى حد المنع من تشريعه، حتى بالنسبة لمن يناسبهم، أو بالنسبة لمن يحتاجون إليه..
فإن كثيرا من الأعمال والحرف لا تناسب شريحة من الناس، ويترفعون عنها، مع أنها حرف تمارسها شرائح اجتماعية أخرى، والمجتمع بحاجة إليها ولا يمكنه الاستغناء عنها.. فالوزير مثلا يترفع عن ممارسة مهنة تعليم الصبيان، ولا يناسبه أن يكون عاملا، أو حمالا، أو إسكافيا، أو عامل تنظيفات، أو حدادا وما إلى ذلك.. لكنها حرف غير محرمة، وتمثل

(1) راجع: تحريم المتعة للأهدل ص 324.
442

حاجة للمجتمع، فإذا كان هناك من لا يناسبه العمل بها فلا يعني ذلك حرمتها على غيره ممن يحتاجها..
ثانيا: إن كان ثمة جهة قبح في شيء تجعل فريقا من الناس ينأون بأنفسهم عنه، فإن ذلك لا يمنع من وجود جهات حسن أخرى تجعل أناسا آخرين يرغبون به، ويسعون إليه، وتنتفي جهات القبح فيه بالنسبة لهم وترتفع بسبب عدم تلبسهم بما يوجبها. وكذا لو كانت جهات الحسن فيه أعظم بكثير من جهات القبح - - إن صح التعبير - - بحيث لا تكاد تذكر إلى جانبها، فإن ذلك يسوغ تجويزه لمن أحبه.
وبعبارة أخرى:
إنه قد يكون هناك صفة في شريحة من الناس وذلك ككونهم في موقع اجتماعي معين، توجب أن تصبح بعض الأعمال قبيحة بالنسبة إليهم إلى درجة أنهم يفضلون تركها، والتخلي عن كل ما فيها من
443

جهات الحسن.
وقد يجازفون ويتحملون بعض السلبيات فيه بسبب حاجتهم الشديدة إليه، تماما كما يقدم المريض على شرب الدواء المر الذي لولا حاجته إليه لما أقدم عليه.
ولكن هذه الصفة لا توجد بالنسبة لشرائح أخرى، فلا يكون في ذلك الفعل أي قبح من الأساس، وذلك لعدم وجود الصفة الموجبة له فيهم.. فيبقى ذلك الشيء متمحضا في الخيرية وخالص الحسن وليس فيه ذرة قبح بالنسبة إليهم..
ثالثا: إن الأوامر والنواهي الشرعية تابعة - - على ما هو الحق - - للمصالح والمفاسد النفس الأمرية، وليست بلا جهة أصلا.. فلا يصح قولهم، إنه حين الأمر كان حسنا، فلما جاء النهي صار قبيحا، بحيث كان الحسن والقبح تابعا لنفس الأمر وناشئا عنه فقط..
رابعا: إن ما زعمه مفسدة لعقد المتعة، وجعله سببا
444

للتحريم لا يقتصر على صورة ما بعد ورود النهي، فإن عقد المتعة إن كان من باب استئجار بضع المرأة، ويجر المرأة إلى الاستهتار، ويعرضها للخطر.. فإن ذلك موجود قبل نهي الشارع وبعده، فإن اقتضى تحريم المتعة الآن، فلماذا لم يقتض ذلك في صدر الإسلام؟
وإن كانت الحاجة في صدر الإسلام هي التي سوغت تشريعه، فإن هذه الحاجة لم ترتفع اليوم، فلابد أن تقضي ذلك أيضا.
خامسا: لا ندري مدى صحة قوله: ضج بالشكوى منه عقلاء فارس. فهل ضجوا من الخطأ في الممارسة، أم ضجوا من أصل تشريع عقد المتعة؟!
كما إننا لا ندري متى ضج عقلاء فارس؟! ومن الذي أطلعه على هذا التاريخ الذي لم يصل إلى أحد سواه.. وهل ضجيج عقلاء فارس - - لو صح - - يرفع
445

الحسن في الحسن، ويحوله إلى بشع وقبيح؟!
سادسا: أما قوله أخيرا: إنه لما حرمه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان قبيحا، فلم نعرف له معنى معقولا، فهل بدأ قبحه من حين تحريمه؟ أم أنه كان قبيحا قبل ذلك أيضا..
وإذا كانت هذه الآثار السيئة التي زعم أنها أظهرت الحكمة الإلهية في التحريم.. إذا كانت موجودة في صدر الإسلام فلماذا حلل، وإن كانت غير موجودة فلماذا حرم؟! وكيف صار وجودها لاحقا دليلا على صوابية التحريم سابقا، حيث لم يكن ثمة أية مفسدة؟!.
زواج المتعة قبيح:
وقالوا عن زواج المتعة:
" إنه لما حرمه النبي (ص) كان قبيحا. ولما استعملته الطائفة الجعفرية التي استحلته، وشاع في
446

دورها، ونظرنا إلى آثارها السيئة قوي عندنا ظهور الحكمة الإلهية في منع المسلمين من تعاطيه " (1).
ونقول:
أولا: إنه لا ريب في أن هذا الزواج كان حلالا في أول الإسلام، فهل كان حينئذ قبيحا أيضا؟!
ثانيا: إنهم يدعون أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد حرمه وهم غير قادرين على إثبات ذلك، فلجأوا إلى التشنيع بهذه الطريقة، حيث ادعوا وجود آثار سيئة لهذا الزواج حين شاع في دور الطائفة الجعفرية.. مع أن ذلك مجرد ادعاء، ولا مجال لإثبات وجود هذه الآثار السلبية إلا بمقدار ما للزواج الدائم من آثار سلبية تنشأ من التعديات على التشريع، ومن عدم الالتزام بالتكليف وبالمسؤولية الشرعية.. ولا يصح

(1) تحريم المتعة ص 201 ونكاح المتعة للأهدل ص 324.
447

جعل ادعاءات الحاقدين والعلمانيين مستندا ودليلا.. فالتمسك بأقوال شهلا حائري يصبح في غير محله، وبعيدا عن الإنصاف.
ثالثا: هل القبح المدعى بمعنى القبح الذاتي. فيرد عليه: أنه لو كان كذلك لم يصح تشريعه أولا.. وإن كان بمعنى نفور الطبع فهذا لا يوجب التغير في الأحكام بالإضافة إلى أنه لا مبرر لنفور الطبع منه، بل هو كالزواج الدائم من هذه الناحية. وإن كان قد نشأ قبحه من التحريم نفسه لأن الحسن ما حسنه الشارع والقبيح ما قبحه الشارع فيرد عليه: أن التحريم لم يثبت بعد بالإضافة إلى المناقشة الواسعة والقوية في صحة هذا الكلام من أساسه.
أقوال أهل الكتاب تشهد!!:
ومن أغرب ما رأيناه هنا: أنهم قد حاولوا الاستدلال
448

بأقوال بعض أهل الكتاب، من أمثال جورج خضر المعروف بمواقفه من الإسلام والمسلمين. حيث اعتبر زواج المتعة جنسي محض غير إنساني. وأنه يتعارض مع الزواج أصلا، الذي بني على الدوام، وعلى أساس تخطي فكرة المتعة والتمتع (1)
ونقول:
إننا نسجل هنا النقاط التالية:
1 - - هل أصبحت أدلة استنباط الأحكام هي: كتاب الله وسنة الرسول، والإجماع، وأقوال أهل الكتاب، وخصوصا المطران جورج خضر.. و..!!
2 - - إن الله سبحانه وتعالى يقول عن علماء أهل الكتاب:

(1) تحريم المتعة ص 201 عن مجلة الشراع اللبنانية عدد 684 سنة 1995 م، ص 6 - 7.
449

{ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون} (1)
ويقول: {ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم} (2)
ويقول: {يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل، وتكتمون الحق وأنتم تعلمون} (3)
ويقول: {ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم} (4)
ويقول: {وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب، وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله، ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون} (5)

((1) سورة آل عمران، الآية 75.
(1) سورة آل عمران، الآية 69.
(1) سورة آل عمران، الآية 71.
(1) سورة آل عمران، الآية 71.
((1) سورة آل عمران، الآية 78.
450

ويقول: {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب، يشترون الضلالة ويريدون أن تضلوا السبيل} (1)
ويقول: {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب، يؤمنون بالجبت والطاغوت، يقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا} (2)
3 - - إن كانت أقوال أهل الكتاب من الأدلة أو من المؤيدات، فهل سيأخذ بأقوالهم في تعدد الزوجات، وفي الطلاق.. و..
4 - - إن أهل الكتاب يبيحون شرب الخمر، ويأكلون لحم الخنزير، ويأكلون الميتة و.. فهل يؤخذ بأقوالهم في ذلك؟.
5 - - إن الله سبحانه وتعالى يقول: {ولن ترضى عنك اليهود

(1) سورة النساء، الآية 44.
(1) سورة النساء، الآية 51.
451

ولا النصارى حتى تتبع ملتهم} (1)
مثقفو الشيعة وزواج المتعة:
وقد زعم بعضهم: " إن مثقفي الشيعة، والمجتمع الشيعي يرفضون هذا " الزنا " المتسمى باسم " المتعة "، فإن الناس في بعض المجتمعات حتى الشيعية ينظرون إلى علاقة المتعة نظرة أكثر خطورة من نظرتهم إلى الزنا.. " (2)
ونقول:
1 - - لقد قال تعالى: {ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن} (3)
2 - - إن الحكم الشرعي لا يؤخذ من المثقفين، ولا

(1) سورة البقرة، الآية 120.
(1) تحريم المتعة للمحمدي ص 196.
(1) سورة المؤمنون، الآية 71.
452

من المجتمعات فيما تميل إليه وما لا تميل إليه، بل يؤخذ من الكتاب والسنة.
3 - - إن من يصفهم بأنهم من مثقفي الشيعة قد يكونون من الأحزاب العلمانية التي ترفض الدين كأطروحة صالحة لهذه الحياة، وتندفع نحو الأفكار الإلحادية والمادية، وتتبناها بقوة، وتحارب الدين والمتدينين بكل ما أوتيت من قوة وحول. وشهلاء حائري التي يستشهد هو وغيره بكلامها ليست مستثناة من هؤلاء..
4 - - على أننا قد نجد في مثقفي أهل السنة وغيرهم من يعيب على المسلمين صلاتهم وحجهم، وكثيرا من ممارساتهم العبادية، فهل يحكمون بعدم كون تلك التشريعات من الإسلام؟!
مؤمن الطاق، والشاعر اللبناني:
453

وقد ذكرت بعض المجلات المصرية قصة لها مساس بموضوع زواج المتعة، ولكنها أجملتها بصورة غير مألوفة، وهي كما يلي:
قال الشرباصي: وإني أذكر ليلة كنت جالسا فيها إلى المرحوم اللواء محمد صالح حرب وكان معنا كبار الفكر الإسلامي، ثم دخل علينا شاعر لبناني شيعي، ومعه ابنته المثقفة الأديبة، وتجاذبنا أطراف الحديث، حتى جاء ذكر زواج المتعة، فأخذ الشاعر اللبناني الشيعي يدافع عنه، لأن مذهبه يبيحه، فما كان من المفكر الإسلامي إلا أن نهض، ومد يده إلى الشاعر قائلا: إني أطلب يد ابنتك هذه لأتزوجها زواج متعة، وحدد مدة قصيرة، فاحمر وجه الفتاة خجلا، واشتد الغضب بأبيها وأخذ يحتد في مخاطبة المفكر الإسلامي، فما كان من اللواء صالح حرب إلا أن قال للشاعر في حدة: لا تغضب فأنت الذي فتحت على
454

نفسك مجال النقد والهجوم، وما دمت لا ترضى لابنتك أن تتزوج زواج متعة، فكذلك كرام الناس لا يقبلون ذلك لأنفسهم ولا لبناتهم (1)
ونقول:
إن الشاعر اللبناني الذي يتحدثون عنه هو الأديب الكبير محمد علي الحوماني رحمه الله..
وليست هذه هي القصة الوحيدة في التاريخ، فقد سبقتها قصة شبيهة لمؤمن الطاق مع أبي حنيفة. فقد روى ابن حبان قال: " حدثنا عمرو بن محمد الأنصاري، حدثنا الغلابي، حدثنا محمد بن عبد الرحمان بن القاسم، عن أبيه، قال:
قال أبو حنيفة لشيطان الطاق:

(1) يسألونك في الدين والحياة للشرباصي ج 5 ص 123 و 124 وراجع: مجلة الهلال المصرية، العدد الصادر في 13 / 5 / 1397 ه‍. ق. أول مايو سنة 1977 م.
455

ما تقول في المتعة؟!.
قال: حلال.
قال: فيسرك أن أمك تزوجت متعة؟!.
فسكت عنه ساعة، ثم قال:
يا أبا حنيفة، ما تقول في النبيذ؟!.
قال: حلال.
قال: وشربه، وبيعه، وشراؤه؟!.
قال: نعم.
قال: فيسرك أن أمك نباذة؟!.
فسكت عنه أبو حنيفة (1)
وفي رواية: أن عبد الله بن عمير قال للإمام الباقر (عليه السلام): " يسرك أن نساءك وبناتك،

(1) روضة العقلاء، ونزهة الفضلاء ص 213.
456

وأخواتك، وبنات عمك يفعلن؟!.. "
فاعرض أبو جعفر عنه وعن مقالته، حين ذكر نساءه، وبنات عمه (1)
وقال الحصري:
" قد اختلطت بعديد من الرجال الشيعة بعضهم يمثل مركزا دينيا مرموقا وسطهم. والبعض وإن كان لا يعرف من مذهبه إلا أنه منتسب له، لكن والده من علماء هذا المذهب، أو من أسرة دينية إلى آخره. وبسؤالهم جميعا هل هم متمتعون " أي عاقدو نكاح المتعة " كان الجواب لي دائما: لا.
وكان سؤالي لهم دائما: فلم الخلاف؟ ولم لا تكون وحدة القول واجتماع الكلمة بتحريم هذا العقد الذي هو

(1) مستدرك الوسائل ج 7 ص 449 و 450 عن العياشي والوسائل ج 21 ص 6، والكافي ج 5 ص 449، والتهذيب ج 7 ص 250 و 251.
457

أشبه ما يكون باستئجار المرأة للزنى بها ساعات وأيام؟
وكان جوابهم لي غير مقنع، وكانت دعواتي دائما أن يجمع الله شمل المسلمين وأن يزيل ما بينهم من خلاف " (1)
ونقول:
1 - - بالنسبة لما قاله هذا الأخير، فإنه هو نفسه يعترف بأنه قد سأل بعض من لا يعرف من مذهبه إلا أنه منتسب له، وسأل أيضا من يمثل مركزا دينيا مرموقا إن كانوا قد تمتعوا، فكان الجواب يأتيه دائما بالنفي - - بالنسبة لهذا نقول:
إنه لا يحتاج إلى جواب، فهو يدعي أن إجاباتهم كانت غير مقنعة، ولم يذكر لنا تلك الإجابات لننظر

(1) الحصري: النكاح والقضايا المتعلقة ص 185.
458

فيها.
2 - - وأما تمنيه أن تجتمع الكلمة بتحريم هذا الزواج، فقد كنا نتمنى أن تكون أمنيته هي أن يبحث الموضوع بموضوعية وتجرد، ويأخذ بالحق مهما كان مخالفا لهوى النفس، وللتعصبات المذهبية البغيضة..
3 - - وأما بالنسبة لقضية الشاعر اللبناني، فإننا نقول:
نعم تلك هي قضية الشاعر اللبناني وابنته مع من وصفه الكاتب ب‍ " المفكر الإسلامي " وتلك هي قصة أبي حنيفة مع مؤمن الطاق، وعبد الله بن عمير مع أبي جعفر (عليه السلام)..
ولست أدري، هل كان يريد هذا الكاتب العبقري أن لا تخجل فتاة يطلب الزواج منها - - حتى الدائم - - وخصوصا أمام الملأ العام، وبهذه الطريقة العلنية، والوقحة، والمثيرة؟!.
459

وكذلك، هل يريد: أن لا يغضب والدها لتصرف أرعن جاهل كهذا التصرف، الذي لا تقره أعراف، ولا يحتمله رجل متزن يحترم نفسه؟!.
وهل يرى كاتبنا: أن ليس من حق أحد أن يغضب لو طلب منه رجل يد ابنته للزواج الدائم، لو قال له: زوجني ابنتك اليوم، ولسوف أطلقها غدا؟! فهل إذا غضب الأب وثارت ثائرته، - - - والحال هذه - - يجب أن يحرم الزواج الدائم، ويمنع منه؟ كما يجب أن يلغى الطلاق، ويستراح منه؟! إن رضى الأب ليس هو المهم، بل المهم هو ثبوت التشريع الإلهي.
4 - - وسواء أرضي الشاعر اللبناني أم غضب وسواء أثيرت عاطفته بأسلوب وقح، مسموم، أم لم تثر، فإن الإسلام قد شرع هذا الزواج في أول الأمر باعتراف الجميع، فلماذا لم يمنع غضب الآباء آنئذ من تشريعه؟! أم يمكن أن لا يكونوا في تلك الفترة
460

أهل حمية وغيرة، أو أهل شرف وكرامة؟! والآن فقد وجدت الغيرة والحمية، وظهر الشرف، وتجلت الكرامة، ولا سيما لدى كاتبنا الفذ!! ومفكره الإسلامي الكبير!!.
5 - - ولا بد لنا من أن نسأل أيضا:
هل يستطيع كاتبنا الفذ، ومفكره الإسلامي الكبير: أن يمارس كل الحرف والصنائع، التي لا غنى للناس عنها؟!.
وهل يستطيع أن يخبرنا وهو الرجل المرموق إن كان يخجل من بيع الخبز، وطبخ الطعام، أو مسح الأحذية، أو جمع النفايات، وغير ذلك، أم لا يخجل؟!.
وهل يرى ذلك عيبا وشنارا على نفسه، أم لا؟!.
وإذا كان شرفه وكرامته يأبى له ذلك، وما دام لا يرتضي ذلك لنفسه، فلماذا يرتضيه لغيره إذن؟!.
461

6 - - وهل عدم مناسبة ذلك لشخص تقتضي تحريمه على كل الناس؟!.
وإذا حرم الإسلام كل عمل يراه الناس عيبا، ولا يناسب البعض - - إذا حرمه - - على جميع الأشخاص، فهل تقوم للحياة بعد هذا قائمة، أو يحلو فيها عيش؟!.
ولست أدري، فلعل الحكم الشرعي، يمكن نفيه بمثل هذه الأمور!! أو لعل الشارع المقدس، حيث شرع هذا الزواج لم يستطع أن يدرك ما أدركه كاتبنا الفذ، " وعالمنا الإسلامي الكبير "!!.
7 - - وبعد.. فلماذا لا يلجأ كرام الناس، وأشرافهم، ومختلف فئاتهم إلى عقد المتعة - - بشرط عدم المباشرة في فترة الخطوبة - - -، كحل أفضل للتحاشي عن الوقوع في محرمات كثيرة، في هذه الفترة بالذات، كالنظر، واللمس، وغير ذلك، مما هو
462

موضع ابتلاء الخطيبين في هذه الفترة الحساسة؟!.
وبذلك يجد الخطيبان الفرصة الحقيقية للتعرف جيدا على بعضهما البعض، بلا تكلف، ولا تزيف، ولا قيود، ولا حدود.
8 - - وإذا كنا قد رأينا هذا الكاتب يختم كلامه بخطابيات تهدف إلى إثارة العواطف، وتنفير النفوس، وبعث الاشمئزاز والقرف من زواج كهذا، وممارسة هذا الأمر المشروع، فإننا نود أن نخبره وبكل اعتزاز وكبرياء - - أن القارئ الكريم أذكى، وأوعى، من أن تؤثر فيه هذه البهرجات، والهملجات، وأن الحكم الشرعي لا يمكن نفيه، كما لا يمكن اثباته بهكذا أساليب.
ولسوف يجد من القراء الواعين من يطرح عليه أكثر من سؤال، ويثير معه أكثر من مناقشة جدية، وليست الأسئلة السالفة، وغيرها مما سيأتي من أسئلة،
463

ومناقشات إلا بعضا منها.
وليس الناس أغبياء إلى هذا الحد، الذي يتصوره ذلك الكاتب، ليستطيع أن يخدعهم بهذه الصورة الواضحة والفاضحة.
المزيد من اللعب على العواطف:
وقد حاول بعضهم أن يستدل على حرمة زواج المتعة بأن المجوزين للمتعة لا يرضونها لبناتهم، وأخواتهم، وقريباتهم، بل لو عرفوا بحدوثها لهن تسود وجوههم، وتنتفخ أوداجهم. فلماذا يغضبون حين يطلب الواحد منهم أن يزوجه ابنته زواج متعة، فإن عالما شيعيا كان يناقش في أمر المتعة بحماس، فلما ألقي عليه هذا الطلب قام من
المجلس (1)

(1) عن كتاب الحرية، لعبد المنعم النمر ص 136.
464

وقد أورد هذا المستدل رواية عن رسول الله مفادها:
أن فتى شابا طلب من النبي (صلى الله عليه وآله) أن يأذن له بالزنا. فسأله النبي (ص) إن كان يحبه لأمه، أو لأخته، أو لابنته، أو لعمته، أو لخالته.. فنفى الشاب ذلك. فدعا له رسول الله (ص) بأن يغفر ذنبه، ويطهر قلبه، ويحصن فرجه، فلم يكن يعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء (1)
فلو كانت المتعة حلالا لأذن له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بها بدلا من الزنا الذي طلبه الشاب (2)
ونقول:
إننا نشير هنا إلى الأمور التالية:

(1) عن مسند أحمد بسند صحيح.
((1) راجع: تحريم المتعة ليوسف جابر المحمدي.
465

1 - - إن التشريع إنما يلاحظ المصالح والمفاسد العامة.. ولا ينتظر رضى الناس وسخطهم، وقد قال تعالى: {ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن} (1)
2 - - إن هناك أحكاما كثيرة قد جاءت على خلاف ميل الناس، ولا يرضاها الناس لأنفسهم، مثل: عدم حلية المرأة المطلقة ثلاثا لمن طلقها إلا بعد أن تنكح زوجا غيره. ومثل النكاح بملك اليمين، فإن الإنسان لو استطاع لم يمكن أحدا من أن يملك أخته أو ابنته، ثم ينكحها بملك اليمين.
وكذلك الحال في تجويز الطلاق قبل الدخول، ثم التزويج لرجل آخر من دون عدة. مع علم الأب والأخ بممارستها مع زوجيها الأول والثاني كل شيء سوى الدخول..

(1) سورة المؤمنون، الآية 71.
466

فإذا تكرر طلاقها وتزويجها قبل الدخول في يوم واحد عشر مرات.. ومارست مع الجميع كل شيء سوى الدخول، فإن ذلك حلال لها. وإن غضب الأخ والأب والابن. ورآه عارا وشنارا وانتفخت أوداجهم، واسودت وجوههم، على حد تعبير هذا المعترض.
3 - - إن لكل شيء آدابا ولياقات تحسن مراعاتها. ولا يصح استخدام أساليب التنفير والإثارة، حتى ولو كانت تعبيرا عن الواقع في حد نفسها. وإلا لجاز لمن يريد الزواج بامرأة أن يأتي إلى أبيها فيقول له: هل ترضى بأن تزوجني ابنتك لكي أدخل ذكري في فرجها، واصب فيها سائلا منويا يتلاقى مع بويضتها لكي تحمل ولدا تلده من فرجها؟!
أو هل يصح: أن يخبر الرجل ابا زوجته بأن ابنته قد ولدت من فرجها ولدا، بمساعدة امرأة نظرت إلى ذلك الموضع، وهي في تلك الحالة؟!
467

إننا نعتذر من القارئ الكريم عن هذا الكلام غير اللائق، فإن هؤلاء يريدون أن تصل الأمور إلى هذا الحد من الإسفاف في القول والإسراف في الوقاحة..
4 - - على أن هناك الكثير من الأمور المباحة التي تناسب فريقا من الناس، فيمارسونها برضى وارتياح، ولا تناسب فريقا آخر، بل ينزعجون منها، ويرون أنها تحط من شأنهم..
وإلا فهل يليق بالملك أن يشتغل إسكافيا، أو كناسا، أو حائكا، أو راعيا، أو عاملا في مزارع البقر؟ أو ما إلى ذلك؟! رغم أن هذه الحرف مباحة ومطلوبة من كثير من الناس.
5 - - إن الذي أقام ذلك العالم من مجلس المناظرة هو ما لمسه من سوء أدب، ومن إسفاف في الاستدلال، وممارسة أساليب التهريج والإثارة العاطفية، بدلا من الأسلوب العلمي، الذي يعتمد قول الله ورسوله
468

(صلوات الله عليه) في إيراد الحجج على الأحكام الشرعية.
6 - - أما بالنسبة للفتى الشاب، فإن الرسول الكريم قد أراد تعريف ذلك الشاب مدى قبح رذيلة الزنا.. حتى لا يستهين بالأمر، ويقع في المحذور الكبير.. وإلا فمن الذي قال: إن ذلك الشاب كان يعاني من مشكلة جنسية أساسا؟!
7 - - لو دل هذا الحديث مع الشاب على حرمة زواج المتعة لدل على حرمة الزواج الدائم أيضا، إذ أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يرشده إليه، كما لم يرشده إلى زواج المتعة.
المتعة تحل مشكلة الشاب فقط:
ويقول البعض: إن زواج المتعة إنما يحل مشكلة الشاب، إذ لا دخول في العذراء.
469

ونقول:
أولا: إن الاستمتاع لا ينحصر بالدخول، فيمكن للفتاة أن تحصل على اللذة من خلال معاشرة الرجل، ولو من دون الدخول.
ثانيا: ليس من شروط زواج المتعة عدم الدخول بالعذراء، فيمكن ذلك، والأمر يرجع في ذلك إليها، ويمكنها أن تأذن بذلك.
ثالثا: هل أمر هذا الزواج منحصر بالتمتع من العذراء.
رابعا: إن هذا الزواج قد شرعه الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) في صدر الإسلام، فلا بد أن يطالب الرسول (صلى الله عليه وآله) بحل مشكلة الفتاة العذراء أيضا، فكيف لم يراع النبي (ص) هذا الأمر.
خامسا: إن زواج المتعة لا يجب فيه تحصيل متعة جنسية، لا كاملة، ولا ناقصة.. فقد يكون له
470

أغراض أخرى تفرضها حاجات الناس في حياتهم العملية.
سرية هذا الزواج:
ويأخذ البعض على هذا الزواج: أنه يتم في الأكثر بصورة سرية، وذلك يعني: أنه ستنشأ عن ممارسته مشكلات فيما يرتبط بالأولاد..
وهذه السرية تجعل هذا الزواج من قسم الزنا، لأن الزواج فيه إعلان ولا سرية فيه.
هذا بالإضافة إلى انتفاء الإشهاد في المنقطع..
ونقول:
أما بالنسبة لموضوع الإشهاد في المنقطع والدائم فقد تحدثنا عن ذلك في موضع آخر.
وأما السرية، فإننا نقول:
أولا: ليس عنصر السرية من شروط هذا الزواج،
471

وإنما هو تابع لاختيار من يمارسه، وهو أمر خارج عن حقيقته، وأحكامه..
ثانيا: لنفرض أن السرية قد توفرت في النكاح الدائم مع توفر جمع شرائط الصحة المعتبرة فيه، فهل يحكم ببطلان الدائم أيضا.
ثالثا: إن عنوان الزنا إنما يتحقق في صورة الإقدام على عمل جنسي، غير مشروع، عن سابق معرفة وتصميم..
وهذا الأمر غير متحقق في الزواج المنقطع، لأن المفروض أنه مشروع وجامع لشرائط الصحة.. وهو لا يتوقف على ممارسة الجنس فيه..
رابعا: لنفرض أن المتعاقدين قد أعلنا زواجهما المنقطع وأشهدا عليه، فهل يصبح مشروعا والحالة هذه، وهل يقبل به المعترضون عليه بهذا الاعتراض؟!.
472

خامسا: إن ما يدعى من سلبيات تنشأ من إصرار المتعاقدين على السرية يمكن أن يعالجها الحاكم بإجراءات تضبط هذه الحالات، وتمنع من نشوء تلك السلبيات وتحفظ هذا التشريع في تطبيقاته العملية، كما تعالج حالات سوء تطبيق الزواج الدائم.
الضغط الجنسي بسبب الحروب:
ومن الطريف هنا ما ذكره البعض: من أن سبب تشريع زواج المتعة في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هو الضغط الجنسي الذي كان يعاني منه المقاتلون بسبب الحروب، فرخصهم (صلى الله عليه وآله وسلم) بالمتعة لبعدهم عن زوجاتهم.
ونقول:
473

أولا: لو قامت الآن حروب - - كتلك التي كانت في زمن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فهل يراها هذا القائل حلالا في هذا الزمان أيضا في حال الحرب على الأقل؟.
ثانيا: إذا أحلت للرجال المحاربين فما بالها حلت للنساء اللواتي يريد هؤلاء المحاربون التمتع بهن والعقد عليهن..
ثالثا: إن هذه الهجمة الإعلامية الشرسة تجعل الضغط الجنسي يتضاعف بصورة لا يضاهيها أي ضغط جنسي واجهه المسلمون في صدر الإسلام أيام الحروب، وغيرها، فهل يفتي هذا القائل بحليتها لمواجهة هذا الضغط الجنسي الهائل..
رابعا: قد كان يمكن حل مشكلة الضغط الجنسي آنئذ بالزواج الدائم ثم الطلاق بعده.
خامسا: لماذا ينظر إلى الزواج المؤقت هذه
474

النظرة المحدودة؟! ولماذا لا يكون من أهدافه حل مشكلات أخرى غير مشكلة الجنس؟! فهل كان يحرم الزواج المؤقت في زمن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لمن لم يكن لديه رغبة جنسية، بل كان يرغب في حياة انس وسكينة، مع شريكة تعينه على بعض مصاعب الحياة والعيش، كذلك المسافر الذي كان يحتاج إلى من تحفظ له متاعه، وتساعده في بقية شؤونه في بلد غربته، كما ورد في بعض الروايات في فصل النصوص والآثار.
سادسا: إذا كان (صلى الله عليه وآله) قد حل مشكلة الرجل الذي يعاني من الضغط، فإن المرأة التي ذهب زوجها إلى الحرب أيضا قد تواجه الضغط الجنسي، فلماذا تجاهل مشكلتها..
الحل هو الزواج الدائم:
475

إن هذا القائل بالذات حين سئل عن سبل حل مشكلة الشباب اليوم، أجاب بلزوم الصيام، والابتعاد عما هو مثير، ثم توفير الظروف المعيشية التي تمكن الشاب من الزواج الدائم.
ونقول:
أولا: لا ندري لماذا لم يلتجئ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى هذا الحل، بل تركه، وأباح للناس زواج المتعة الذي لا زلنا نختلف حوله إلى هذه الأيام.
فكان عليه (صلى الله عليه وآله) أن يأمر الشباب الهائج جنسيا بالصيام، والابتعاد عن المثير له، وتهيئة الظروف للزواج الدائم.
وهل يمكن مقايسة ما يواجهه الشباب من إغراء في زمن رسول الله (صلى الله عليه وآله) بما يواجهونه في هذه الأيام؟.
476

ثانيا: إذا لم يمكن القيام بهذه الأمور لعذر شرعي مقبول كإصابة الشاب بمرض يمنعه من الصيام، ولكونه مكرها على العيش في محيط يواجه فيه ما يثيره جنسيا، ولا تتوفر له القدرة على توفير الزواج الدائم فهل يسمح له هذا القائل بزواج المتعة، ويراه حلالا له..
عدم تحديد العدد هدر لحقوق المرأة:
وقد سجل البعض: إدانة للزواج المؤقت (المتعة) استنادا إلى أن بإمكان الرجل أن يتزوج أي عدد شاء من النساء فيه، وفي هذا هدر لحقوق المرأة.
ونقول:
1 - - إذا كان الشارع قد قرر للزوجين حقوقا يطالب كل منهما الآخر بها، فإذا أداها إليه، لم يكن له عليه سبيل في سائر الأمور التي تعنيه هو
477

دونه، فإذا قام الزوج في الدائم وفي المنقطع بواجباته تجاه زوجته، فقد قضى حقها، وليس لها أن تطالبه بما لا حق لها فيه..
وكذلك الحال لو قضت هي حقوقه، فلا يحق له أن يطالبها بما لم يجعله الشارع له. وفي هذا الحال ليس ثمة من حقوق للمرأة لكي يقال: إنها هدرت أم لم تهدر. بل الشارع قد جعل للرجل الحق في تزوج أكثر من امرأة، فإذا حرم من هذا الحق، فإن في ذلك هدرا لحقوقه.
2 - - ولا ندري لماذا لا يكون في الجمع بين أربع نساء في الدائم هدر لحقوق المرأة، ويكون ذلك هدرا لحقوقها حتى لو جمع بين واحدة في الدائم وواحدة في المنقطع، أو بين اثنتين في المنقطع فقط، أو في الدائم فقط..
3 - - وهل كان في تشريع هذا الزواج في صدر
478

الإسلام هدر لحق المرأة؟!.
4 - - ولماذا لا يرضى هؤلاء بصحة الزواج في المنقطع بأربع نساء كما يرضون به في الدائم..
5 - - على أن هذا التعدد الكبير الذي يخشى منه ليس هو محل ابتلاء مفروضا، ولا لازم التنفيذ على الرجال..
6 - - وأخيرا.. ماذا لو أن رجلا أشغل نفسه بالعقد الدائم على أربع نساء ثم الطلاق لهن، والاستعاضة عنهن بغيرهن، ثم يطلق الأربعة الأخرى ليستعيض عنهن بغيرهن.. وهكذا إلى أن يصل العدد إلى العشرات بل المئات؟!.
المتعة تعني فقد الحافز للزواج الدائم:
ويقولون: إن الله (عز وجل) جعل غريزة الجنس لتكون حافزا لزواج يبقى به النوع ويعمر به الكون،
479

وفتح باب المتعة يبطل هذا الحافز، ويحول دونه، حيث ينصرف الكثيرون عن الزواج الدائم حتى لا يتحملوا تبعاته، وتكاليفه..
ونقول:
إن السكن، والطمأنينة، واستقرار الحياة، وطلب سهولة العيش، وحب بقاء النوع بالتناسل مما تميل إليه الطباع، وتحفز إليه فطرة الإنسان، غير أنه قد تحول عوائق دون تحقيق ذلك، وتعترضه موانع تمنع من النكاح الدائم، فيلجأ إلى المتعة لقضاء الحاجة الجنسية، وتحصين النفس عن المآثم.
وقد يطلب الولد والسكن في نفس زواج المتعة هذا أيضا..
إذن فلا يصح القول: إن فتح باب المتعة، يبطل الحافز للدائم، ويحول دونه..
وهل بطل الزواج الدائم في البلدان التي ترى
480

مشروعية نكاح المتعة.
و أيضا، فإن الطلاق مباح عند السنة والشيعة، لكن المسلمين جميعا حريصون على عدم استخدام هذه الرخصة للاتجاه إلى عقود زواج أخرى..
لو كان هذا الزواج غربيا:
وبعد ما قدمناه، نقول: إن ذنب هذا التشريع، الذي هو - - بلا ريب - - من مفاخر الإسلام، ومن أدلة عظمته، وشموليته، وأصالته - - إن ذنبه الوحيد الذي لا يغفره له كثيرون - -: أنه من جهة: شيعي علوي، يواجه عقدة الانتماء، وعصبية المواجهة المذهبية، ومن جهة أخرى: هو شرقي، وديني، ولذا فهو لا يجد العطف الكافي، والمحبة المطلوبة حتى من كثير من أهله وذويه.. وإنما يقابل باستمرار بالازدراء، والاحتقار لأنه شرقي، ولأنه إسلامي المولد
481

والمنشأ..
ولو أننا استوردناه من غير هذه الأرض، ولا سيما من أوروبا لكان للكثير من هؤلاء الرافضين له موقف آخر، ومن نوع آخر، ولألفينا المؤتمرات تعقد والمهرجانات تقام هنا وهناك، بهدف التأكيد على أهميته، وصحته، وسلامته، أو للتدليل على أنه الحل الأمثل، والأفضل، والوحيد، الذي باستطاعته أن ينجي البشرية كلها من الوقوع فريسة الانحراف والفساد.
ولربما تجد دعوة برتراند راسل، ونظرائه ممن تبنوا الدعوة للزواج المؤقت كحل أفضل لمشكلة الجنس - - لربما تجد - - آذانا صاغية، وقلوبا مفتوحة، وعقولا متفهمة، لا لشيء إلا لأنها صدرت من رجل غربي، وغير مسلم، حتى وإن كان يمكن أن يكون قد استوحاها من التشريع الإسلامي بالذات - - ولربما يقبل
482

الناس على هذا الزواج المؤقت استجابة لرأي هؤلاء حتى نضطر في وقت ما إلى القيام بحملة إعلامية واسعة بهدف الدفاع عن الزواج الدائم، والدعوة إليه، وتأكيد صحته وسلامته (1)
الزواج المؤقت صيغة تشريعية متكاملة:
وغني عن البيان: أن الزواج المؤقت يمثل صيغة تشريعية متكاملة، يمليها واقع الحياة الإنسانية، ويتناغم معها، من حيث أنه يستجيب لواقع ضرورة إشباع الغريزة الجنسية، ويوفر متنفسا قادرا على أن يفتح أكثر من نافذة تهيئ فرصا للتغلب على كثير من المشكلات التي تنشأ من ضغوطات الظروف الحياتية، وهو يمتاز بالمرونة والانعطاف، من

((1) راجع كتاب: حقوق زن در إسلام ص 32.
483

خلال نظامه الحقوقي الذي يناسبه، حسبما أظهرته القائمة التي قدمناها، حيث تبين منها حقيقة وجود فوارق مع النظام الحقوقي للزواج الدائم، أو ملك اليمين..
ولأجل ذلك نجد التشريع الإسلامي لم يلزم الرجل بالنفقة، ولا بالليلة، كما أنه لم يشرع التوارث بين الزوجين إلى غير ذلك مما ذكرناه من فوارق في النظام الحقوقي لهذا التشريع مع ما سواه من التشريعات التي تنظم العلاقة القائمة على التعاقد بين الجنسين في هذه الحياة..
الاحتياط في أمر الأعراض:
وفي الختام نقول: إنه إذا كان البعض يجد حرجا في الفتوى بتحليل الزواج المؤقت، لأن الأمر يتعلق بالأعراض التي نعلم أن الشارع يتخذ فيها
484

سبيل الاحتياط.. فإننا بدورنا نؤكد على ضرورة الالتزام بهذا الاحتياط ولكن لا في مورد زواج المتعة، لأن الاحتياط فيه يكون خلاف الاحتياط، لأنه إذا كان الله سبحانه قد شرعه لمنع الفساد، والعهار، والزنا - - كما أشار إليه علي (عليه السلام) حين قال: " لولا أن عمر نهى عن المتعة ما زنا إلا شقي " أو: ".. إلا شفا " (1)
وقال ابن عباس: " ما كانت المتعة إلا رحمة رحم الله بها أمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ولولا نهيه عنها ما زنا إلا شفا " (2) - - نعم إذا كان الأمر كذلك -
-.
فإن الاحتياط المؤدي إلى الفتوى بالتحريم هنا، مع كون الإباحة هي حكم الله الواقعي - - فيه:

(1) تقدمت مصادر هذا النص في فصل: النصوص والآثار.
485

1 - - اتهام للإسلام بأنه قد شرع أمرا يخالف الاحتياط الموجب لحفظ الأعراض.
2 - - فيه تسهيل لشيوع الفاحشة، حيث إن نتيجة ذلك هي شيوع الزنا كما هو معلوم.
وعلينا أن لا نغفل عن قول ابن عباس: إن المتعة كانت رحمة لأمة محمد، أي، وليس لخصوص الصحابة الذين مارسوها في عهده (ص).
وقبل أن نودع القارئ الكريم على أمل اللقاء به في فرصة أخرى، نعود لنذكره بأن من البديهي: أن وجود مخالفات شاذة، وسوء استعمال وخطأ في تطبيق التشريع من قبل الناس، لا يوجب إلغاء التشريع من أساسه، كما أنه لا يوجب التحريم المؤبد لزواج المتعة، لأن أمثال هذه المخالفات لا يخلو منها
486

قانون، ولا يسلم منها حكم من الأحكام، وإلا لوجب أن نرفع اليد عن تشريع كثير من الأحكام الهامة، والرئيسية حتى الصلاة، والصوم، والطلاق، وتعدد الزوجات، بل وسائر الأحكام، لمجرد أن البعض يحاول أن يسيء الاستفادة منها، واستخدامها لخداع الناس مثلا لتحقيق أهداف شخصية..
وهذا مما لا يمكن المصير إليه ولا المساعدة عليه، أو الالتزام به من أي مقنن، أو مشرع على الإطلاق.
487

كلمة أخيرة:
تلك هي مسألة المتعة، التي شرعها الله سبحانه وتعالى، لحل مشكلة الجنس وأرجو أن أكون قد وفقت لإعطاء صورة واضحة عن حقيقة هذا التشريع، وعن كل ظروفه وتفاصيله، وما قيل ويقال حوله..
وأعتقد أن القارئ الكريم، بعد هذه الجولة، سوف يكون مقتنعا معي بأن هذا التشريع هو في صميم الإسلام، ومن مفاخره، كما أنه من آيات شموله، وعظمته، وفهمه العميق لكل مشاكل الإنسان
488

وحالاته وآلامه، وحاجاته.
وما أظن إلا أننا الآن أحوج من أي وقت مضى إلى العودة إلى تعاليم الإسلام وتشريعاته العظيمة، والرائدة، ولعل شبابنا اليوم أصبح يتفهم بعمق كل ما هو حيوي، وأصيل، ورضي، وجميل، وأصبح أكثر إحساسا بقيمة هذا التشريع من بعض أولئك الذين عاشوا في صدر الإسلام.. بسبب ما يواجهه من تعقيدات الحضارة ومشاكلها الكبيرة، والكثيرة، والخطيرة.
وفقنا الله لفهم هذا الدين القيم الحنيف، ووعي تشريعاته، وأحكامه، بعيدا عن مزالق الجهل، والتعصب الأعمى، الذي طغى، ولا يزال على رأي وفكر، وعقول الكثيرين ممن كانوا ولا يزالون يعيشون هذه الدوامة القاتلة، ولا ينظرون إلى الإسلام بروح صافية، وعقلية مستقيمة..
489

والله هو الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
21 رجب 1408 ه‍. ق الموافق 20 - - 12 - - 1366 ه‍. ش
جعفر مرتضى العاملي
المصادر والمراجع
1. القرآن الكريم.
490

1. الإتقان لجلال الدين السيوطي ط سنة 1973 م - - المكتبة الثقافية بيروت - - لبنان
2. الآثار للشيباني ط دار الكتب العلمية - بيروت 1413 ه‍.
3. أجوبة مسائل جار الله للإمام شرف الدين - - ط سنة 1386 ه‍ دار النعمان النجف الأشرف - - العراق وطبعة أخرى أيضا.
4. الإحسان في ترتيب صحيح ابن حبان، ط دار الكتب العلمية - بيروت 1407 ه‍ / 1987 م.
5. أحسن التقاسيم للمقدسي ط مكتبة خياط - بيروت.
6. الأحكام للآمدي ط مؤسسة الحلبي - مصر 1387 ه‍.
7. إحكام الأحكام، لمحمد بن يوسف الكافي، ط دار الفكر - بيروت 1393 ه‍ / 1973 م.
8. أحكام الأسرة في الإسلام، لشبلي، ط دار النهضة العربية - بيروت.
9. الأحكام الشرعية في الأحوال الشخصية، لمحمد زيد الابياني.
10. أحكام الفصول لابن خلف التاجي، ط مؤسسة الرسالة.
491

1. الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم، ط دار الآفاق الجديدة - بيروت 1403 ه‍.
2. أحكام القرآن لابن عربي، ط سنة 1392 ه‍، مصر.
3. أحكام القرآن للجصاص، ط دار إحياء التراث العربي ودار الكتاب العربي - بيروت 1405 ه‍.
4. أخبار القضاة لوكيع، ط عالم الكتب - بيروت.
5. أدب الإملاء والاستملاء للسمعاني، ط سنة 1925 م.
6. إرشاد الفحول للشوكاني، ط دار المعرفة - بيروت 1399 ه‍.
7. إرواء الغليل للألباني، ط المكتب الإسلامي ط / أولى، بيروت / دمشق 1399 ه‍ / 1979 م.
8. الاستبصار للطوسي، ط سنة 1376 ه‍، مصر.
9. الاستذكار لابن عبد البر، ط مؤسسة الرسالة ودار قتيبة - بيروت / دمشق ودار الوعي، حلب / القاهرة ط / أولى محرم 1414 ه‍ / 1933 م.
10. الاستغاثة لأبي القاسم الكوفي - - طبعة أولى - العراق.
11. الاستيعاب لابن عمر بن عبد البر القرطبي، مطبوع بهامش الإصابة، ط دار المعارف - مصر 1328 ه‍.
492

1. إسلامنا في التوفيق بين السنة والشيعة لمصطفى الرافعي، ط مؤسسة الأعلمي - بيروت 1984 م.
- الأسماء والكنى للدولابي (راجع: الكنى والأسماء).
2. أسمى المناقب للجزري الشافعي، ط سنة 1403 ه‍.
3. الإصابة لابن حجر العسقلاني، ط سنة 1328 ه‍ / 1399 ه‍، مصر.
4. أصل الشيعة وأصولها لمحمد حسين كاشف الغطاء، ط الأعلمي - بيروت، وط مؤسسة الإمام علي - بيروت 1417 ه‍ وطبعة دار البحار - - بيروت
5. أصول السرخسي لأحمد بن أبي سهل السرخسي، ط لجنة إحياء المعارف النعمانية - حيدر آباد الدكن، الهند.
6. الاعتبار في بيان الناسخ والمنسوخ لابن حازم، ط حيدر آباد الدكن - الهند 1359 ه‍.
7. الاعتصام بحبل الله المتين للقاسم بن محمد، ط مطابع الجمعية - عمان / الأردن 1403 ه‍.
8. اعلام الموقعين لابن قيم الجوزية - - ط دار الجيل - - سنة 1973 م بيروت - - لبنان
9. الأقضية - - للحسين بن علي بن زيد.
10. أكذوبة تحريف القرآن لرسول جعفريان، ط منظمة الإعلام الإسلامي - طهران / إيران 1406 ه‍.
493

1. الإلمام لابن القاسم النويري الإسكندراني، ط حيدر آباد الدكن _ الهند 1388 ه‍
2. الأم للشافعي، ط سنة 1388 ه‍، مصر.
- الإملاء والإستملاء (راجع: أدب الإملاء والإستملاء)
3. الانتصار، للسيد المرتضى، ط دار الأضواء 1405 ه‍.
4. الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي، ط سنة 1377 ه‍، دار إحياء التراث العربي - بيروت / لبنان.
5. أنوار التنزيل للبيضاوي، ط مؤسسة شعبان - بيروت.
6. الأوائل، لأبي هلال العسكري - - ط سنة 1975 م - - دمشق - - سوريا.
7. أوجز المسالك للكاندهلوي، ط دار الفكر - بيروت 1400 ه‍ / 1980 م.
8. 35 - الإيضاح لابن شاذان، ط جامعة طهران - إيران 1392 ه‍.
9. الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث، ط دار الكتب العلمية - بيروت.
494

1. بجيرمي على الخطيب، ط دار الفكر 1401 ه‍ / 1981 م.
2. بحار الأنوار للمجلسي (قده)، ط مؤسسة الوفاء - بيروت 1403 ه‍. وط سنة 1385 ه‍، إيران.
3. البحر الرائق لابن نجيم، ط سنة 1311 ه‍. وعنها في الأوفست - بيروت، ط دار المعرفة.
4. البحر الزخار لابن المرتضى، ط سنة 1366 ه‍.
5. بحوث مع أهل السنة والسلفية للسيد مهدي الروحاني، ط سنة 1399 ه‍، بيروت.
6. البدء والتاريخ للمقدسي، ط دار صادر - بيروت 1988 م.
7. بدائع الصنائع - - لعلاء الدين بن مسعود الكاساني - - ط القاهرة - - مصر.
8. بداية المجتهد لابن رشد، ط سنة 1386 ه‍.
9. البداية والنهاية لابن كثير، ط / أولى، ط مكتبة المعارف - بيروت ومكتبة النصر - الرياض 1966 م.
10. بذل المجهود في حل أبي داود للسهارنفوري الهندي، ط دار الكتب العلمية - بيروت.
11. البرهان للبحراني، ط آفتاب - طهران / إيران والمطبعة العلمية 1393 ه‍، إيران.
495

1. بغداد لطيفور، ط سنة 1368 ه‍.
2. البلدان للهمداني، مطبعة بريل - ليدن، سنة 1302 ه‍. ق.
3. بلغة السالك لأقرب المسالك، ط دار المعرفة - بيروت 1398 ه‍ / 1978 م.
4. بلوغ المرام للعسقلاني، ط دار الكتاب العربي - بيروت ودار مكتبة الهلال - بيروت، ط / أولى 1985 م.
5. البناية في شرح الهداية للعيني، ط دار الفكر، ط / أولى 1400 ه‍ / 1980 م.
6. البيان للسيد الخوئي (قده)، ط المطبعة العلمية - قم / إيران 1394 ه‍.
7. البيان والتبيين للجاحظ، ط دار الفكر - بيروت 1380 ه‍.
8. التاج الجامع للأصول للشيخ منصور علي ناصف، ط دار إحياء التراث العربي - بيروت 1381 ه‍.
9. تاج العروس للزبيدي، ط المطبعة الخيرية - مصر 1306 ه‍.
10. تاريخ الأمم والملوك - - للطبري - - ط الاستقامة وط دار المعارف بمصر و ط ليدن.
496

1. تاريخ بغداد للخطيب، ط دار الكتاب العربي - بيروت.
2. تاريخ جرجان للسهمي، ط حيدر آباد الدكن - الهند 1387 ه‍.
3. تاريخ الخلفاء للسيوطي، ط مطبعة السعادة - مصر 1371 ه‍.
- تاريخ الطبري (راجع: تاريخ الأمم والملوك)
4. تاريخ القرماني المسمى بأخبار الدول، مطبوع بهامش الكامل في التاريخ.
5. تاريخ المدينة لابن شبة، ط دار الفكر - قم / إيران 1410 ه‍.
6. تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة، ط دار الجيل - بيروت 1393 ه‍.
7. تبيين الحقائق للزيلعي، ط سنة 1315 ه‍.
8. تحريم نكاح المتعة للمقدسي (راجع: رسالة تحريم نكاح المتعة).
9. تحريم المتعة في الكتاب والسنة ليوسف جابر المحمدي.
10. تحفة الأحوذي، ط / حجرية.
11. تحفة الحبيب على شرح الخطيب للبجيري، ط دار الفكر 1401 ه‍.
497

1. تحفة المحتاج بشرح المنهاج لابن حجر الهيثمي، ط دار إحياء التراث العربي.
2. تحف العقول، لابن شعبة الحراني - - منشورات جماعة المدرسين سنة 1404 ه‍ قم - - إيران و ط سنة 1385 ه‍ النجف الأشرف العراق.
3. تذكرة الحفاظ للذهبي، ط دار إحياء التراث العربي - بيروت.
4. التراتيب الإدارية - - للكتاني ط دار إحياء التراث العربي بيروت - - لبنان.
5. التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي الكلبي، ط دار الكتاب العربي - بيروت 1403 ه‍.
6. التعليق المغني على سنن الدارقطني للعظيم آبادي، ط دار المحاسن - القاهرة 1386 ه‍.
7. تعليقات السيد محمد كلانتر على شرح اللمعة الدمشقية، ط النجف الأشرف / العراق 1386 ه‍.
8. تعليقات لصاحب كتاب المناكحات والمفارقات مطبوعة بهامش كتاب صحيح مسلم ط سنة 1334 ه‍.
9. تعليقات الفقي على بلوغ المرام، ط دار مكتبة الهلال - بيروت 1985 م.
498

1. تعليقة تلخيص الشافي للسيد حسن بحر العلوم مطبوعة مع الكتاب المذكور.
2. تفسير أبي السعود، مطبوع بهامش التفسير الكبير.
- تفسير الآلوسي (راجع: روح البيان).
3. تفسير البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي، ط دار الفكر 1403 ه‍.
4. تفسير البغوي بهامش الخازن، ط دار المعرفة - بيروت.
5. تفسير البيضاوي - - ط محمد علي صبيح سنة 1371 ه‍. القاهرة - - مصر.
6. التفسير الحديث لمحمد عزت دروزة، ط دار إحياء الكتب العربية - مصر 1382 ه‍.
7. تفسير العياشي، ط المكتبة العلمية الإسلامية.
- تفسير الشوكاني (راجع فتح القدير).
- تفسير القاسمي (راجع محاسن التأويل).
8. تفسير القرآن العظيم لابن كثير، ط دار الفكر - بيروت.
- تفسير القرطبي (راجع: الجامع لأحكام القرآن).
9. تفسير القمي لعلي بن إبراهيم، ط سنة 1387 ه‍ - بيروت.
499

1. التفسير الكبير للفخر الرازي، ط دار الكتب العلمية - طهران / إيران.
- تفسير الخازن (راجع لباب التأويل).
2. تفسير المنار لمحمد رشيد رضا، ط دار المعرفة - بيروت.
3. تفسير نور الثقلين للحويزي، ط المطبعة العلمية - قم / إيران.
- تفسير النيسابوري (راجع غرائب القرآن).
4. التلخيص الحبير - - شركة الطباعة الفنية المتحدة سنة 1384 ه‍. القاهرة - - مصر.
5. تلخيص الشافي للطوسي، ط سنة 1394 ه‍.
6. تلخيص المستدرك للذهبي المطبوع بهامش المستدرك على الصحيحين، ط الهند 1342 ه‍.
7. التمهيد لأبي عمر بن عبد البر، ط سنة 1967 م.
8. التمهيد في علوم القرآن لمحمد هادي معرفت، ط 1396 ه‍. ط مطبعة مهر - قم / إيران.
9. تنقيح الفصول.
10. تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي (قده)، ط النجف الأشرف / العراق وط سنة 1390 ه‍.
11. تهذيب الأسماء واللغات للنووي، ط إدارة الطباعة المنيرية بمصر.
500

1. تهذيب تاريخ دمشق لعبد القادر بدران، ط دار المسيرة 1399 ه‍ - بيروت.
2. تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني، ط دار صادر - بيروت.
3. تيسير التحرير.
4. تيسير المطالب في أمالي الإمام أبي طالب لأبي طالب الزيدي - بيروت 1395 ه‍.
5. تيسير الوصول لابن البديع، ط سنة 1896 م - الهند.
6. جامع المسانيد للخوارزمي، ط دار الكتب العلمية - بيروت.
7. جامع الأصول من أحاديث الرسول لابن الأثير، ط دار إحياء التراث العربي - بيروت.
8. جامع البيان لابن جرير الطبري، ط سنة 1312 ه‍، مصر و ط دار المعرفة.
9. جامع بيان العلم للقرطبي، ط المدينة المنورة 1388 ه‍.
10. جامع الرواة للأردبيلي ط سنة 1403 ه‍. قم - - إيران.
11. الجامع الصحيح للترمذي، مطبوع مع تحفة الأحوذي، ط المكتبة الإسلامية لرياض الشيخ.
501

1. الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي، ط. دار إحياء التراث العربي - - بيروت.
2. الجمع بين رجال الصحيحين للكلاباذي - - ط سنة 1323 ه‍ حيدرآباد الدكن - - الهند.
3. جمع الفوائد للمغربي الفاسي - ط سنة 1381 ه‍.
4. جمع الجوامع.
5. جمهرة أنساب العرب لابن حزم، ط دار المعارف - مصر 1391 ه‍.
6. جواهر الأخبار والآثار المستخرجة من لجة البحر الزخار للصفدي، ط مؤسسة الرسالة - بيروت 1394 ه‍.
7. الجواهر السنية في الأحاديث القدسية - - للحر العاملي - - ط حجرية سنة 1302 ه‍.
8. جواهر الكلام للنجفي، ط دار إحياء التراث العربي - بيروت 1981 م.
9. الجواهر المضيئة في طبقات الحنفية لابن أبي الوفاء القرشي.
10. حاشية التفتازاني على شرح العضدي، ط المطبعة الأميرية ببولاق - مصر 1316 ه‍.
11. حاشية السندي على سنن ابن ماجة ظ دار الجيل - - بيروت.
502

1. حاشية الشيرواني على تحفة المحتاج، ط دار إحياء التراث العربي.
2. حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني لرسالة أبي زيد القيرواني، ط المكتبة العلمية - بيروت.
3. حجة الله البالغة للدهلوي - - ط دار الكتاب القاهرة - - مصر.
4. الحدائق الناضرة للبحراني - - ط سنة 1405 ه‍ دار الأضواء بيروت - - لبنان
5. الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري لآدم ميتز، ط بيروت 1387 ه‍.
6. حقائق هامة حول القرآن الكريم لجعفر مرتضى العاملي، ط سنة 1410 ه‍، انتشارات جماعة المدرسين، قم / إيران وط سنة 1413 ه‍ دار الصفوة - بيروت.
7. حقوق المرأة في الإسلام للشهيد مطهري (راجع نظام حقوق المرأة) وكذا الترجمة الفارسية (حقوق زن در إسلام).
8. حلية الأولياء لأبي نعيم، ط دار الكتاب العربي - بيروت 1387 ه‍.
9. حياة الإمام علي (ع) من (تاريخ دمشق لابن عساكر) تحقيق المحمودي، ط بيروت.
503

1. حياة أمير المؤمنين للسيد محمد صادق الصدر، ط دار التعارف - بيروت 1391 ه‍.
2. الحياة الجنسية عند العرب لصلاح الدين ط دار الكتاب الجديد - - بيروت.
3. حياة الصحابة للكاندهلوي، ط دار النصر للطباعة - القاهرة / مصر 1392 ه‍ وط دار الوعي بحلب / سوريا 1391 ه‍.
4. الخصال للصدوق، ط جماعة المدرسين، قم / إيران، وطبعة أخرى أقدم منها.
5. دراسات وبحوث في التاريخ الإسلامي لجعفر مرتضى العاملي، ط مركز جواد " دار السيرة " - بيروت 1414 ه‍.
6. الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي، ط سنة 1377 ه‍.
7. الدعارة الحلال، لعبد الله كمال - - ط سنة 1997 م بيروت - - لبنان.
8. دلائل الصدق للمظفر، ط سنة 1395 ه‍ - إيران.
9. دلائل النبوة للبيهقي، ط سنة 1397 ه‍. وط دار الكتب العلمية 1405 ه‍، بيروت.
10. ربيع الأبرار مطبعة العاني بغداد - - العراق.
504

1. رجال صحيح مسلم لابن منجويه الأصبهاني، ط دار المعرفة - بيروت 1407 ه‍.
2. رجال ابن داود (الحلي) للحسن بن علي بن داود الحلي - - ط سنة 1342 ه‍. ش دانشكاه طهران - - إيران.
3. رجال الطوسي للشيخ محمد بن الحسن الطوسي - - منشورات المكتبة الحيدرية سنة 1961 م النجف الأشرف - - العراق.
4. رسالة تحريم نكاح المتعة للمقدسي، ط دار طيبة - الرياض، ط / ثانية.
5. روح المعاني للآلوسي، ط دار إحياء التراث - بيروت.
6. روض الأخبار المنتخب من ربيع البرار لمحمد بن قاسم ط بولاق / مصر 1292 ه‍.
7. الروض الآنف للسهيلي، ط شركة الطباعة الفنية المتحدة، مؤسسة نبع الفكر الديني - مصر.
8. الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية للشهيد الثاني، ط جامعة النجف الدينية 1386 ه‍.
9. روضة العقلاء ونزهة الفضلاء لابن حبان، ط الحيدرية، النجف الأشرف / العراق 1397 ه‍.
505

1. روضة المتقين للمولى محمد تقي المجلسي المطبعة العلمية سنة 1406 ه‍ قم - - إيران.
2. الروضة الندية للغنوجي.
3. الروض النضير شرح مسند زيد الصنعاني، ط دار الجيل - بيروت.
4. زاد المسير في علم التفسير.
5. زاد المعاد لابن قيم الجوزية، ط المؤسسة العربية للطباعة والنشر - بيروت.
6. الزواج لعمر رضا كحالة، ط مؤسسة الرسالة، ط / ثانية 1404 ه‍ / 1984 م.
7. زواج المتعة حلال للورداني، ط مكتبة مدبولي الصغير، ط / أولى سنة 1417 ه‍ / 1997 م.
8. الزواج المؤقت للسيد محمد تقي الحكيم، ط دار الأندلس - بيروت.
9. زهر الربيع للسيد نعمة الله الجزائري، ط انتشارات ناصر خسرو، وط دار إحياء التراث العربي.
10. سبل السلام في شرح بلوغ المرام للعسقلاني، ط مطبعة البابي الحلبي - مصر، ط الرابعة.
506

1. السرائر لابن إدريس الحلي، ط المطبعة العلمية - قم / إيران 1390 ه‍ و ط مؤسسة النشر الإسلامي قم - - إيران.
2. سلم الوصول إلى شرح نهاية السول لمحمد بخيت المطيعي، المطبوع مع نهاية السول نفسه، ط دار الكتب.
3. سنن ابن ماجة، ط سنة 1373 ه‍.
4. سنن ابن داود، ط دار إحياء السنة النبوية و ط الهند.
5. سنن الدارقطني، ط المدينة المنورة / الحجاز 1386 ه‍.
6. سنن الدارمي، ط دار إحياء السنة النبوية.
7. سنن سعيد بن منصور، ط دار الكتب العلمية - بيروت 1405 ه‍.
8. السنن الكبرى للبيهقي، ط سنة 1344 ه‍، الهند.
9. سنن النسائي، ط دار إحياء التراث العربي - بيروت.
10. السيادة العربية والشيعة والإسرائيليات لفلوتن.
11. السيرة الحلبية لزيني دحلان، ط سنة 1320 ه‍ وط سنة 1382 ه‍.
507

1. السيرة النبوية لابن كثير، ط دار المعرفة - بيروت 1396 ه‍.
2. السيرة النبوية لابن هشام، أوفست عن طبعة سنة 1355 هن مصر.
3. السيل الجرار للشوكاني، ط دار الكتب العلمية - بيروت، ط / أولى 1405 ه‍ / 1985 م.
4. الشافي لابن حمزة الزيدي، ط مؤسسة الأعلمي - بيروت 1406 ه‍.
5. شرح الأزهار لابن مفتاح، ط دار إحياء التراث العربي، توزيع مكتبة اليمن الكبرى - صنعاء.
6. شرح التجريد للقوشجي، ط / حجرية - قم / إيران 1307 ه‍.
7. شرح التلويح للتفتازاني.
8. شرح الدر المختار - - لابن عابدين - - ط سنة 1291 ه‍.
9. شرح رسالة أبي زيد القيرواني.
10. شرح السنة للبغوي.
11. شرح صحيح مسلم للنووي المطبوع بهامش إرشاد الساري 1304 ه‍.
12. شرح الصغير للدردير، المطبوع بهامش بلغة السالك، ط دار المعرفة - بيروت 1398 ه‍.
508

1. شرح العناية لمحمد بن محمود الباربرتي، المطبوع مع فتح القدير، ط دار إحياء التراث العربي - بيروت.
2. شرح فتح القدير لابن الهمام، ط دار إحياء التراث العربي - بيروت.
3. الشرح الكبير لعبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي، مطبوع بذيل المغني لابن قدامة ط دار الكتاب العربي - بيروت 1403 ه‍.
- شرح اللمعة للشهيد الثاني (راجع: الروضة البهية).
4. شرح معاني الآثار للطحاوي، ط دار الكتب العلمية، ط / ثانية 1987 م، بيروت.
5. شرح المواهب اللدنية للزرقاني، ط دار الكتاب القلمي، ط / أولى 1417 ه‍ / 1996 م.
6. شرح الموطأ للزرقاني، ط مطبعة البابي الحلبي وشركاه 1382 ه‍.
7. شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي، ط دار إحياء التراث العربي - مصر 1385 ه‍.
- صحيح ابن حبان (راجع الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان).
8. صحيح البخاري، ط محمد علي صبيح وأولاده بالأزهر وط سنة 1309 ه‍.
509

1. صحيح مسلم، ط محمد علي صبيح وأولاده بالأزهر 1334 ه‍.
2. الصحيح من سيرة النبي (ص) لجعفر مرتضى العاملي، ط دار السيرة - بيروت 1416 ه‍ / 1995 م.
3. الصراط المستقيم للبياضي العاملي، ط المكتبة المرتضوية، النجف الأشرف / العراق.
4. ضحى الإسلام لأحمد أمين المصري، ط مكتبة النهضة - القاهرة / مصر.
5. الضعفاء الكبير للعقيلي، ط دار الكتب العلمية - بيروت 1404 ه‍.
6. ضوء الشمس.
7. الطبقات الكبرى لابن سعد - - ط ليدن - - و ط دار صادر بيروت - - لبنان.
8. الطرائف لابن طاووس، ط مطبعة الخيام - قم / إيران 1400 ه‍. وطبعة حجرية والترجمة الفارسية القديمة.
9. العقد الفريد لابن عبد ربه، ط دار الكتاب العربي 1384 ه‍ وطبعة الاستقامة وغيرها.
10. العقود الفضية في أصول الأباضية لسالم بن حمد بن سليمان الحارثي، عمان 1403 ه‍.
510

1. علل الحديث للرازي، ط دار المعرفة - بيروت 1405 ه‍ / 1985 م.
2. العلوم لأحمد بن عيسى بن زيد، ط سنة 1401 ه‍.
3. علل الشرايع للصدوق - ط سنة 1385 ه‍ الحيدرية النجف الأشرف - - العراق.
4. العلم بفوائد المسلم.
5. علوم الحديث لابن الصلاح، ط المكتبة العلمية بالمدينة المنورة / الحجاز 1972 م.
6. عمدة القاري للعيني، ط دار إحياء التراث العربي - بيروت، ودار الفكر.
7. عون المعبود لمحمد شمس الحق العظيم آبادي، ط 1388 ه‍.
8. عيون الأخبار لابن قتيبة، ط المؤسسة المصرية العامة 1383 ه‍.
9. عيون الأنباء في طبقات الأطباء لابن أبي أصيبعة، ط دار مكتبة الحياة - بيروت 1965 م.
10. غاية المأمول في شرح التاج الجامع للأصول.
11. الغدير للعلامة الأميني، ط دار الكتاب العربي - بيروت 1397 ه‍.
511

1. غرائب القرآن للنيسابوري، مطبوع بهامش جامع البيان سنة 1312 ه‍.
2. الغريبين (غريبي القرآن والحديث) لأبي عبيد (أحمد بن محمد بن محمد) ط سنة 1390 ه‍ المجلس الاعلى للشؤون الاسلامية القاهرة - - مصر.
3. الفائق للزمخشري، ط عيسى البابي الحلبي - مصر 1971 م.
4. فتح الباري لابن حجر العسقلاني، ط بولاق / مصر 1300 ه‍ وط دار المعرفة - بيروت.
5. فتح القدير للشوكاني، ط دار المعرفة - بيروت.
6. فتح الملك المعبود.
7. الفتح الرباني للساعاتي - - ط سنة 1377 ه‍ القاهرة - - مصر.
8. الفتوح لابن أعثم الكوفي، ط سنة 1395 ه‍، الهند.
9. الفتوحات الإسلامية لدحلان، ط مصطفى محمد - مصر.
10. الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي، ط الحيدرية، النجف الأشرف / العراق.
11. الفصول المهمة للسيد شرف الدين.
512

1. فقه الرضا (ع)، ط مؤسسة آل البيت (ع) لإحياء التراث - بيروت 1411 ه‍ / 1990 م.
2. فقه السنة للسيد سابق، ط دار الكتاب العربي.
3. الفقه على المذاهب الأربعة للجزري، ط دار إحياء التراث العربي - بيروت.
4. الفقه المقارن للأحوال الشخصية لبدران أبو العينين بدران، ط دار النهضة العربية
5. الفكر الإسلامي والمجتمع المعاصر لمحمد البهي - - دار الكتاب اللبناني سنة 1975 م بيروت - - لبنان.
6. الفلسفة القرآنية للعقاد، ط سنة 1390 ه‍. دار الكتاب العربي - بيروت / لبنان.
7. فواتح الرحموت لابن نظام الدين الأنصاري، مطبوع بهامش المستصفي سنة 1322 ه‍.
8. الفواكه الدواني لأحمد النفراوي المالكي، ط المكتبة الثقافية - بيروت.
9. قاموس الرجال للشيخ محمد تقي التستري، ط مركز نشر الكتاب - طهران / إيران 1379 ه‍.
10. قرب الإسناد للحميري القمي، إصدار مكتبة نينوى الحديثة وط مؤسسة آل البيت لإحياء التراث.
11. قلائد الدرر للجزائري.
513

1. قواعد في علوم الحديث للتهانوي - - دار القلم ط سنة 1392 ه‍ بيروت - - لبنان.
2. الكافي للكليني (الأصول) ط المطبعة الإسلامية سنة 1388 ه‍، طهران / إيران و (الفروع) ط المطبعة الحيدرية سنة 1377 ه‍، طهران / إيران.
3. كتاب الحرية لعبد المنعم.
4. الكشاف للزمخشري، ط دار الكتاب العربي - بيروت.
5. كشف الأستار عن مسند البزار للهيثمي، ط مؤسسة الرسالة - بيروت 1399 ه‍.
6. كشف الحق.
7. كشف الغمة للإربلي، ط المطبعة العالمية - قم / إيران 1381 هز
8. الكفاية في علم الرواية للخطيب، ط المكتبة العلمية - المدينة المنورة / الحجاز.
9. كنز العرفان - - للمقداد السيوري - - ط سنة 1384 ه‍ - - المطبعة الحيدرية طهران - - إيران.
10. كنز العمال للهندي، ط الهند سنة 1381 ه‍. وط مؤسسة الرسالة - - بيروت.
11. الكوكب الوضاح في إطفاء المصباح للعاملي و ط مؤسسة الرسالة.
514

1. الكنى والأسماء للدولابي - - ط سنة 1322 ه‍ الهند.
2. لباب التأويل للخازن، ط المطبعة الرحمانية ودار المعرفة - بيروت.
3. لسان العرب لابن منظور، ط دار صادر - بيروت.
4. لسان الميزان للعسقلاني، ط الأعلمي - بيروت.
5. مآثر الإنافة للقلقشندي، ط سنة 1964 م - الكويت.
6. المبسوط للسرخسي، ط دار المعرفة - بيروت 1406 ه‍.
7. متشابه القرآن ومختلفه - - لابن شهرآشوب المازندراني - - انتشارات بيدار إيران.
8. المتعة الزواج المؤقت عند الشيعة - لشهلا حائري - ط سنة 1997 م - - بيروت لبنان.
9. المتعة حلال للشماعي الرفاعي.
10. المتعة في الإسلام للسيد حسين يوسف مكي، ط سنة 1394 ه‍.
11. متعة وآثار حقوقي آن (فارسي) لمحسن شفائي، ط / رابعة - إيران.
515

1. المتعة وأثرها في الإصلاح الاجتماعي للفكيكي، ط دار الأضواء - بيروت 1986 م والطبعة الأولى في العراق أيضا.
2. المجدي في أنساب الطالبيين للعمري، ط مطبعة سيد الشهداء (ع) 1409 ه‍.
3. مجلة الرسالة القاهرية العدد 219.
4. مجلة روز اليوسف، العددان 1931 و 1932 بتاريخ 14 و 21 / 6 / 1965 م.
5. مجلة السيدات والرجال سنة 1931 م.
6. مجلة الشراع عدد 684 السنة الرابعة - - تصدر في بيروت - - لبنان.
7. مجلة المصور العددان 81 و 187.
8. مجلة الهادي العدد 1 - - 2 دار التبليغ الاسلامي - - قم - - إيران.
9. مجلة هدى الإسلام ج 19 العدد 2.
10. مجلة الهلال المصرية عدد 13 جمادى الأولى سنة 1397 ه‍ أول مايو سنة 1977 م.
11. مجلة اليقظة الكويتية العدد 778.
12. مجمع الأنهر لشيخ زاده، ط سنة 1310 ه‍ - تركيا.
516

1. مجمع البيان للطبرسي، ط دار إحياء التراث العربي - بيروت 1379 ه‍. وطبعة صيدا / لبنان.
2. مجمع الزوائد للهيثمي، ط سنة 1967 م.
3. محاسن التأويل للقاسمي، ط دار الفكر - بيروت.
4. محاضرات الأدباء للراغب الاصفهاني، ط بيروت.
5. محاضرات تاريخ الأمم الإسلامية لمحمد الخضري، ط المكتبة التجارية الكبرى - مصر 1382 ه‍.
6. المحبر لابن حبيب، ط منشورات المكتب التجاري - بيروت 1361 ه‍.
7. المحلى لابن حزم الظاهري، ط دار الآفاق الجديدة - بيروت.
8. مختصر التحفة الاثني عشرية للدهلوي - - ط سنة 1396 ه‍ استانبول - - تركيا.
9. مختصر جامع بيان العلم.
10. مدارك التنزيل للنسفي، مطبوع بهامش لباب التأويل، ط دار المعرفة - بيروت.
11. المرأة في القرآن والسنة لدروزة، ط المكتبة العصرية - صيدا / لبنان.
517

1. مرآة العقول للمجلسي - - ط دار الكتب الاسلامية طهران - - إيران.
2. مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح للقاري ط الميمنية سنة 1306 ه‍ - القاهرة - - مصر.
3. مروج الذهب للمسعودي، ط دار الأندلس - بيروت 1965 م وطبعة أخرى.
4. المسائل الصاغانية، مطبوع ضمن عدة رسائل للمفيد، ط مكتبة المفيد - قم / إيران.
5. المسائل الفقهية للسيد عبد الحسين شرف الدين، ط مكتبة نينوى الحديثة ت طهران / إيران.
6. المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري، ط سنة 1342 ه‍، الهند.
7. مستدرك الوسائل للمحدث النوري، ط المكتبة الإسلامية - طهران / إيران 1372 ه‍ وطبعة مؤسسة أهل البيت (ع).
8. المستصفى للغزالي، ط المطبعة الأميرية ودار صادر - بيروت 1324 ه‍.
9. مسند أبي عوانة، ط سنة 1362 ه‍، الهند.
10. مسند أبي يعلى لابن المثنى التميمي، ط دار المأمون للتراث - بيروت 1407 ه‍
518

1. مسند أحمد بن حنبل، ط دار صادر - بيروت وط سنة 1313 ه‍، مصر وطبعة أخرى حسب ترتيب الساعاتي.
2. المسند الجامع، ط دار الجيل - بيروت والشركة المتحدة - الكويت 1413 ه‍
3. المسند للحميدي، ط المكتبة السلفية بالمدينة المنورة / الحجاز.
4. مسند الإمام زيد، ط دار مكتبة الحياة - بيروت.
5. مسند الشافعي، ط دار الكتب العلمية - بيروت.
6. مسند الطيالسي، ط سنة 1321 ه‍، الهند أو ط سنة 1363 ه‍، الهند.
7. مصابيح السنة للبغوي، ط دار المعرفة - بيروت 1407 ه‍ وط دار العلوم الحديثة وط بولاق سنة 1294 ه‍.
8. المصاحف للسجستاني، ط دار الكتب العلمية - بيروت 1405 ه‍ / 1985 م.
9. - المصنف لابن أبي شيبة، ط دار الفكر 1409 ه‍، بيروت وطبعة الهند.
10. المصنف للصنعاني، ط سنة 1390 ه‍.
11. المطالب العالية لابن حجر العسقلاني، ط دار المعرفة - بيروت / لبنان.
519

- معاني الآثار (تقدم في شرح معاني الآثار)
1. معالم السنن للخطابي - - ط سنة 1367 ه‍.
2. معاني الأخبار للصدوق (قده)، ط جماعة المدرسين - قم / إيران.
3. معجم رجال الحديث - - للسيد أبي القاسم الخوئي - - ط سنة 1403 ه‍ دار الزهراء بيروت - - لبنان.
4. المعجم الصغير للطبراني، ط المكتبة السلفية - المدينة المنورة / الحجاز 1388 ه‍
5. المعجم الكبير للطبراني، ط دار إحياء التراث العربي و ط مكتبة ابن تيمية - القاهرة.
- المعرفة والعلم.
6. معرفة السنن والآثار.
7. معرفة علوم الحديث للحاكم، ط المدينة المنورة / الحجاز 1397 ه‍.
8. مع القرآن للباقوري.
9. المغازي للواقدي، ط انتشارات اسماعيليان - طهران / إيران.
10. المغني لابن قدامة، ط دار الكتاب العربي - بيروت 1403 ه‍.
520

1. ملاذ الأخيار - - لمحمد باقر المجلسي - - ط سنة 1392 ه‍ مؤسسة الأعلمي بيروت - - لبنان.
2. الملل والنحل للشهرستاني، ط مصر 1387 ه‍.
3. المنار في المختار من جواهر البحر الزخار للمقبلي، ط مؤسسة الرسالة - بيروت ط / أولى 1408 ه‍ / 1988 م.
4. مناهل العرفان للزرقاني، ط دار إحياء الكتب العربي 1372 ه‍.
5. منتخب كنز العمال المطبوع بهامش مسند احمد بن حنبل، ط سنة 1313 هز
6. المنتظم لابن الجوزي، ط حيدر آباد الدكن / الهند 1359 ه‍.
7. المنتقى للفقي، المطبوع بهامش السنن الكبرى للبيهقي، ط دار المعرفة - بيروت.
8. منحة المعبود في تهذيب مسند الطيالسي للساعاتي، ط مؤسسة مكة للطباعة والاعلام - مكة المكرمة / الحجاز.
9. من لا يحضره الفقيه ط جماعة المدرسين قم - - إيران و ط النجف.
10. منهاج السنة لابن تيمية ط سنة 1322 ه‍ المطبعة الأميرية بولاق - - مصر.
521

1. منهاج الوصول في علم الأصول للبيضاوي، مطبوع مع نهاية السول وكذلك ط دار الكتب العلمية - بيروت / لبنان.
2. موارد الظمآن للهيثمي دار الكتب العلمية بيروت - - لبنان ونشر المكتبة السلفية المدينة المنورة - - الحجاز.
3. موطأ مالك مطبوع مع تنوير الحوالك - - دار احياء الكتب العربية - - مصر.
4. ميزان الاعتدال للذهبي، ط دار المعرفة - بيروت.
5. الميزان في تفسير القرآن للسيد محمد حسين الطباطبائي (قده) ط الأعلمي - بيروت 1394 ه‍.
6. الناسخ والمنسوخ للنحاس، ط مؤسسة الرسالة - بيروت 1412 ه‍.
7. نثر الدرر للآبي، ط الهيئة المصرية العامة للكتاب.
8. النشر في القراءات العشر لابن الجزري الدمشقي، ط دار الكتاب العربي.
9. النصائح الكافية لمحمد بن عقيل، ط مطبعة النجاح - بغداد / العراق.
522

1. نصب الراية للزيلعي، ط المكتبة الإسلامية 1393 ه‍.
2. النص والاجتهاد للسيد عبد الحسين شرف الدين، ط سنة 1386 ه‍، كربلاء / العراق.
3. نظام الأسرة والتكامل الاجتماعي للدكتور إبراهيم عبد الحميد أستاذ بجامعة الأزهر.
4. نظام حقوق المرأة في الإسلام للشهيد مطهري، ط مطبعة سبهر / طهران 1405 ه‍.
5. نفحات اللاهوت للمحقق الكركي، ط مكتبة نينوى - طهران / إيران.
6. نقض الوشيعة للسيد محسن الأمين.
7. نكاح المتعة للأهدل منشورات مؤسسة الخافقين سنة 1403 ه‍.
8. النكاح والقضايا المتعلقة به لأحمد الحصري نشر مكتبة الكليات الأزهرية - - مصر
9. نكاح المتعة حرام في الإسلام لمحمد الحامد (لم يحدد فيه زمان الطبع ولا الناشر).
10. نهاية السول في شرح منهاج الأصول للأسنوي، ط عالم الكتب.
11. نهج الحق للعلامة الحلي ط سنة 1407 ه‍ نشر دار الهجرة قم - - إيران
523

1. نوادر أحمد بن محمد بن عيسى.
2. نيل الأوطار للشوكاني، ط دار الجيل - بيروت 1973 م و ط دار الحديث القاهرة عالم الكتب سنة 1407 ه‍ بيروت - - لبنان.
3. هامش المنتقي للفقي.
4. هداية الباري للطهطاوي، ط دار المعرفة - بيروت.
5. الهداية في تخريج أحاديث البداية لأحمد بن محمد بن الصديق الغماري.
6. الهداية الكبرى للحسين بن حمدان الخصيبي، ط مؤسسة البلاغ - بيروت 1411 ه‍.
7. وسائل الشيعة للحر العاملي، ط المكتبة الإسلامية - إيران 1385 ه‍ و ط مؤسسة آل البيت لاحياء التراث.
8. الوشيعة لموسى جار الله.
9. وفاء الوفاء للسمهودي، ط سنة 1393 ه‍، بيروت.
10. وفيات الأعيان لابن خلكان، ط دار صادر - بيروت 1398 ه‍.
11. يسألونك في الدين والحياة للشرباصي.
524