الكتاب: الينابيع الفقهية
المؤلف: علي أصغر مرواريد
الجزء: ٣٢
الوفاة: معاصر
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤١٣ - ١٩٩٣ م
المطبعة:
الناشر: مؤسسة فقه الشيعة - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: أشرف على جمع أصولها الخطية وترتيبها حسب التسلسل الزمني وعلى تحقيقها وإخراجها وعمل قواميسها علي أصغر مرواريد

الينابيع الفقهية 2
الأيمان والنذور
العتق والتدبير
تعريف الكتاب 1

حقوق الطبع محفوظة للمؤلف
الطبعة الأولى
1413 ه‍ - 1993 م
مؤسسة فقه الشيعة
بيروت - لبنان
حارة حريك - شارع دكاش - بناية كليوباترا
ص. ب 209 / 25 - تلفون 836763 - فاكس 04625848 - 357
تعريف الكتاب 2

سلسلة الينابيع الفقهية 2
الأيمان والنذور
العتق والتدبير
أشرف على جمع أصولها الخطية وترتيبها حسب التسلسل
الزمني وعلى تحقيقها وإخراجها وعمل قواميسها
علي أصغر مرواريد
تعريف الكتاب 3

الفهرست الإجمالي للمتون
الإشراف
الخلاف نزهة الناظر
إرشاد الأذهان
الرسالة الفخرية
البيان
النفلية
الموجز الحاوي
الإقتصاد
المبسوط
تبصرة المتعلمين
تلخيص المرام
الدروس الشرعية
الألفية
المحرر
مسائل ابن طي
تعريف الكتاب 4

التعريف
سلسلة الينابيع الفقهية
موسوعة فقهية متكاملة جمعت بين دفتيها أهم المتون الفقهية
الأصلية بتحقيق رائع وتنقيح أكاديمي، ومن أحدث المناهج
العلمية لفن التحقيق.
تعني الموسوعة بالتقسيم الموضوعي للأبواب الفقه الإسلامي -
كافة أبوابه - وبذلك تهئ للباحث والمحقق والأستاذ أسهل
الطرق لاستنباط ما يحتاجه، واستخلاص ما يبتغيه، بعيدا
عن عناء الاستقصاء والبحث.
تميزت هذه الدورة الكبرى باعتمادها الأصول الخطية
الأصلية لكل المتون الفقهية بمثابة الأصول الأساسية لتحقيق
النصوص التي بقيت لفترة ليست بالقصيرة أسيرة الطبعات السقيمة.
بالإضافة إلى احتوائها النصوص التي تطبع لأول مرة، موزعة
حسب الأبواب الفقهية.
تفيد المتخصصين بدراسة الفقه المقارن واختلاف الفتاوى
على مدى عشرة قرون.
مقدمة المشرف 5

إهداء وشكر...
إلى...
كل انسان يؤمن بأن الشريعة السمحاء أساس جميع القوانين في العالم...
والى...
الذين يهتمون بشؤون المجمعات البشرية وشيعون إلى اصطلاحها عن طريق
القسم الإسلامية.
والى...
كل الذين يعشقون الفقه الإسلامي باعتبار أفضل السبل وأنجح القوانين
المستمدة من أصول القرآن للوصل إلى الكمال الإنسان من الجوانب
المادية والروحية...
أقدم هذا الجهد المتواضع...
ولا يسعني - في غمرة سعادتي وسروري وأنا أرى سلسلة الينابيع
الفقهية هذه قد عانقت النور - إلا أن أتقدم بجزيل شكري وعظيم
امتناني لكل الذين ساهموا من قريب أو بعيد بإيجاز هذا العمل الجليل
من العلماء والفضلاء الذين قدموا لنا مساعدتهم ومشورتهم الخالصة،
ومن الإخوة العاملين والمحققين معنا... داعيا الله لهم جميعا التوفيق
والسداد وأن يجزل لهم الثواب وحسن العاقبة...
إنه سميع مجيب. علي أصغر مرواريد
مقدمة المشرف 6

بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المشرف 8

الخلاف
تأليف شيخ الطائفة
أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (قدس سره)
385 - 460 ه‍. ق
1

كتاب الأيمان
مسألة 1: في الأيمان ما هو مكروه، وما ليس بمكروه، وبه قال أكثر
الفقهاء، وقال بعضهم: كلها مكروهة لقوله تعالى: ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم
أن تبروا وتتقوا.
دليلنا: ما روي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله قال ثلاث
مرات: والله لأغزون قريشا، فلو كان مكروها ما حلف.
وروى ابن عمر قال: كان كثيرا ما يحلف رسول الله صلى الله عليه وآله
بهذه اليمين " لا ومقلب القلوب "، وروى أبو سعيد الخدري قال: كان رسول الله
صلى الله عليه وآله إذا اجتهد في اليمين قال: والذي نفس أبي القاسم بيده،
والمعنى في الآية متوجه إلى اليمين به على قول البر والتقوى والإصلاح بين الناس
فقال: ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا، أي لا تبروا الناس ولا تتقوا الله،
وقيل أيضا معناها لا تكثروا الأيمان بالله مستهزئين فيها في كل رطب ويابس
فيكون فيه ابتذال الاسم.
مسألة 2: إذا حلف " والله لا أكلت طيبا، ولا لبست ناعما " كانت هذه
يمينا مكروهة والمقام عليها مكروه، وحلها طاعة، وبه قال الشافعي وهو ظاهر
مذهبه، وله فيه وجه آخر ضعيف، وهو أن الأفضل إذا عقدها أن يقيم عليها، وقال
3

أبو حنيفة: المقام عليها طاعة ولازم.
دليلنا: قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم...
الآية، ثم قال: فكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون،
يعني في المخالفة وأيضا قوله تعالى: قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده
والطيبات من الرزق... الآية، وقال: يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي
مرضاة أزواجك... الآية، إلى قوله: قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم.
مسألة 3: كل يمين كان حلها طاعة وعبادة إذا حلها لم تلزمه كفارة، وبه
قال جماعة وقال أكثر الفقهاء، أبو حنيفة والشافعي ومالك وغيرهم: يلزمه كفارة.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا الأصل براءة الذمة، وروى عمرو
بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وآله قال: من حلف على يمين
فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير فإن تركه كفارتها.
مسألة 4: إذا قال: أنا يهودي أو نصراني أو مجوسي، أو برئت من الإسلام أو
من الله أو من القرآن لا فعلت كذا، ففعل، لم يكن يمينا ولا المخالفة حنثا ولا
يجب به كفارة وبه قال مالك والأوزاعي والليث بن سعد والشافعي.
وقال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه: كل هذا يمين، وإذا خالف حنث ولزمته
الكفارة.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم وأيضا الأصل براءة الذمة وتعليق الكفارة
عليها يحتاج إلى دليل وروى ابن أبي بردة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وآله
قال: من قال أنا برئ من الإسلام كاذبا فهو كما قال، وإن كان صادقا لم يرجع
إلى الإسلام سالما، فوجه الدلالة هو أن ظاهره يفيد أنه متى كان كاذبا فهو
يهودي، وقد خرج من الإسلام، ولا خلاف أن الظاهر متروك، ثبت أنه أراد
الزجر والردع كقوله: " من غشنا فليس منا "، و " من أكل من هاتين البقلتين فلا
4

يقربن مصلانا " فإذا ثبت أنه أراد الزجر فقد أخبر بجميع الواجب، وكل الحكم
وأنه أمر محظور ولم يذكر الكفارة فمن أوجب بذلك الكفارة فعليه الدلالة.
مسألة 5: إذا حلف أن يفعل القبيح أو يترك الواجب أو حلف أن لا يفعل
الواجب وجب عليه أن يفعل الواجب، ويترك القبيح ولا كفارة عليه، وقال
جميع الفقهاء: تلزمه الكفارة.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا الأصل براءة الذمة.
مسألة 6: إذا حلف على مستقبل على نفي أو إثبات ثم خالفه ناسيا لم تلزمه
الكفارة وإن خالفه عامدا لزمته الكفارة إذا كان من الأيمان التي يجب بالحنث فيها
الكفارة، وقال الشافعي: إن خالفه عامدا فعليه الكفارة قولا واحدا كما قلناه، وإن
خالفه ناسيا فعلى قولين.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا الأصل براءة الذمة، وأيضا قوله
عليه السلام: رفع عن أمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه، وإنما أراد به
حكم النسيان بلا خلاف.
مسألة 7: لا تنعقد اليمين على ماض سواء كانت على نفي أو إثبات، ولا
يجب بها الكفارة صادقا كان أو كاذبا، عالما كان أو ناسيا، وبه قال مالك
والليث بن سعد والثوري وأبو حنيفة وأصحابه وأحمد وإسحاق.
قال قوم: إن كان صادقا فهو بار لا شئ عليه، وإن كان كاذبا فإن كان
عالما حنث ولزمه الكفارة قولا واحدا، وإن كان ناسيا فعلى قولين، هذا مذهب
الشافعي، وبه قال في التابعين عطاء والحكم، وفي الفقهاء الأوزاعي وعثمان
البتي.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا الأصل براءة الذمة، وشغلها
5

يحتاج إلى دليل، وأيضا قوله تعالى: لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم، وقال
مالك: هذا لغو لأن اللغو ما كان محالا فإذا حلف على محال كان لغوا، وقال
أبو حنيفة: هي في معنى اللغو، وأيضا قوله تعالى: ولكن يؤاخذكم بما عقدتم
الأيمان، فأخبر أن المؤاخذة بما عقدناه من الأيمان، وهذه يمين ما عقدت لأنها لو
عقدت انعقدت ولا خلاف أنها لا تنعقد، وقال تعالى: واحفظوا أيمانكم، وهذه لا
يمكن حفظها عن الحنث، وروى ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وآله قال: من
حلف يمينا وهو فيها فاجر ليقطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان،
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: اليمين الغموس تدع الديار بلاقع
من أهلها، ولم يذكر الكفارة، فمن قال فيها الكفارة فقد زاد في الخبر.
مسألة 8: إذا قال: والله لأصعدن السماء والله لأقتلن زيدا، وزيد قد مات
عالما كان بذلك أو لم يكن عالما لم يلزمه كفارة.
وقال أبو حنيفة والشافعي: يحنث في الحال، وتلزمه الكفارة إلا أن أبا حنيفة
قال: إن اعتقد أن زيدا حي فحلف على قتله ثم علم أنه كان مات لم يكن عليه
كفارة.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 9: لا تنعقد يمين الكافر بالله، ولا يجب عليه الكفارة بالحنث، ولا
يصح منه التكفير بوجه، وبه قال أبو حنيفة، وقال الشافعي: تنعقد يمينه وتلزمه
الكفارة بحنثه سواء حنث حال كفره أو بعد إسلامه.
دليلنا: أن اليمين إنما تصح بالله ممن كان عارفا بالله والكافر غير عارف
بالله عندنا أصلا فلا تصح يمينه، وأيضا الأصل براءة الذمة، وشغلها يحتاج إلى
دليل، وأيضا قوله عليه السلام: الإسلام يجب ما قبله، وأما الكفارة فتحتاج إلى
نية، ومن لا يعرف الله لا يصح أن ينوي ويتقرب إليه، واستدل الشافعي بالظواهر
6

والأخبار، وحملها على عمومها، وهو قوي، يمكن اعتماده بأن يقال أن اليمين تصح
ممن يعتقد الله وتصح القربة وإن لم يكن عارفا، ولأجل هذا تصح أيمان المقلدة
والعامة، وتنعقد وتصح منهم الكفارة وإن لم يكونوا عارفين بالله تعالى على
الحقيقة.
مسألة 10: فإن قال: وقدرة الله أو وعلم الله، أو وعظمة الله، أو وحياة الله،
وقصد به كونه قادرا أو عالما وحيا كان ذلك يمينا بالله، وإن قصد بذلك
المعاني والصفات التي يثبتها الأشعري لم يكن حالفا بالله، وبه قال أبو حنيفة،
وقال أصحاب الشافعي: كل ذلك يمين بالله.
دليلنا: قيام الدلالة على أن الله تعالى يستحق هذه الصفات لنفسه، وإن
القول بالصفات باطل فإذا حلف بها وجب الحكم ببطلان يمينه، ولأن الأصل
براءة الذمة.
مسألة 11: إذا حلف بالقرآن أو سورة من سوره لم يكن ذلك يمينا، ولا
كفارة بمخالفتها، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه، قال أبو يوسف: إن حلف بالرحمان
فإن أراد السورة فليس بيمين وإن أراد الاسم كان يمينا، وقال محمد: من حلف
بالقرآن فلا كفارة عليه، وقال الشافعي وأصحابه: كل ذلك يمين ويلزمه الكفارة
بخلافها.
دليلنا: ما تقدم من أن اليمين بغير الله لا ينعقد، وكلام الله غير الله ولا هو
صفة من صفاته الذاتية فإن نازعونا في أنه صفة من صفاته الذاتية كان الكلام معهم
فيها وليس هذا موضعه.
مسألة 12: كلام الله تعالى فعله وهو محدث، وامتنع أصحابنا من تسميته
بأنه مخلوق لما فيه من الإبهام لكونه متحولا.
7

وقال أكثر المعتزلة أنه مخلوق، وفيهم من منع من تسميته بذلك وهو قول
أبي عبد الله البصري وغيره، وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد: إنه مخلوق، وقال
محمد: وبه قال أهل المدينة، قال الساجي: ما قال به أحد من أهل المدينة.
قال أبو يوسف: أول من قال بأن القرآن مخلوق أبو حنيفة، قال سعيد بن
سالم: لقيت إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة في دار المأمون فقال: إن القرآن
مخلوق هذا ديني ودين أبي وجدي، وروي عن جماعة من الصحابة الامتناع من
تسميته بأنه مخلوق وروي ذلك عن علي عليه السلام أنه قال يوم الحكمين: والله
ما حكمت مخلوقا ولكني حكمت كتاب الله، وروي ذلك عن أبي بكر وعمر
وعثمان وابن مسعود، وبه قال جعفر بن محمد الصادق عليه السلام فإنه سئل عن
القرآن فقال: لا خالق ولا مخلوق ولكنه كلام الله تعالى ووحيه وتنزيله، وبه قال
أهل الحجاز.
وقال سفيان بن عيينة: سمعت عمرو بن دينار وشيوخ مكة منذ سبعين سنة
يقولون: إن القرآن غير مخلوق، وقال إسماعيل بن أبي يونس قال مالك: القرآن
غير مخلوق، وبه قال أهل المدينة وهو قول الأوزاعي وأهل الشام وقول الليث بن
سعد وأهل مصر وعبيد الله بن الحسن العنبري البصري، وبه قال من أهل الكوفة
ابن أبي ليلى وابن شبرمة وهو مذهب الشافعي.
إلا أنه لم يرو عن واحد من هؤلاء أنه قال: القرآن قديم أو كلام الله قديم،
وأول من قال بذلك الأشعري ومن تبعه على مذهبه، ومن الفقهاء من ذهب
مذهبه.
دليلنا على ما قلناه: ما ذكرناه في الكتاب في الأصول ليس هذا موضعها
منها فمنها قوله: ما يأتيهم من ذكر محدث من ربهم إلا استمعوه، فسماه محدثا
وقال: إنا جعلناه قرآنا عربيا، وقال: بلسان عربي مبين، فسماه عربيا والعربية
محدثة وقال: إنا نحن نزلنا الذكر، وقال: وأنزلنا إليك الذكر، فوصفه بالتنزيل،
وهذه كلها صفات المحدث، وذلك ينافي وصفه بالقدم ومن وصفه بالقدم فقد
8

أثبت مع الله تعالى قديما آخر، وذلك خلاف ما أجمعت عليه الأمة في عصر
الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى أيام الأشعري، وليس هذا موضعا يقتضي هذه
المسألة فإن الغرض هاهنا الكلام في الفروع.
وروي عن نافع قال: قلت لابن عمر: سمعت من رسول الله شيئا؟ قال:
نعم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: القرآن كلام الله غير مخلوق
ونور من نور الله ولقد أقر أصحاب التوراة أنه كلام الله وأقر أصحاب الإنجيل أنه
كلام الله.
وروى أبو الدرداء أن النبي صلى الله عليه وآله قال: القرآن كلام الله غير
مخلوق، وقد مدح الصادق بما حكيناه عنه بالنظم فقال بعض الشعراء
- لاشتهاره عنه -:
- قد سأل عن ذي الناس من قبلكم * ابن النبي المرسل الصادق -
- فقال قولا بينا واضحا * ليس بقول المعجب المائق -
- كلام ربي لا تمارونه * ليس بمخلوق ولا خالق -
- جعفر ذا الخيرات فافخر به * ابن الوصي المرتضى السابق -
مسألة 13: اليمين لا تنعقد إلا بالنية فأما قول الرجل: أقسمت وأقسم بالله
متى سمع منه هذه الألفاظ ثم قال: لم أرد به يمينا في الظاهر، يقبل منه فيما بينه
وبين الله لأنه أعرف بمراده.
وقال الشافعي: يقبل قوله فيما بينه وبين الله لأنه لفظ محتمل، وفي الحكم
هل يقبل منه أم لا؟ للشافعي فيه قولان قال في الأيمان: إذا قال: أقسمت لا
وطئتك، وقال: أردت إخبارا عن يمين قديمة، فإن كان عرف له يمين قديمة قبل
منه وإلا فهو مول، وقال أصحابه: يقبل منه فيما بينه وبين الله على كل حال، وأما
في الظاهر فإن كان عرفت له يمين قديمة، وثبت ذلك قبل منه قولا واحدا، وإن
لم تعرف له يمين سابقة اختلفوا على ثلاث طرق: منهم من قال: لا أقبل منه،
9

ومنهم من قال: أقبل منه في الإيلاء ولا أقبل منه في غير الإيلاء، ومنهم من قال:
المسألة على قولين.
دليلنا: أنه إذا نوى انعقدت يمينه بلا خلاف وليس على انعقادها بغير نية
دليل وأيضا قوله تعالى: لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما
عقدتم الأيمان، وذلك لا يكون إلا بالنية فأما المحتمل إذا لم يكن له ظاهر وكان
محتملا كان هو أعرف بمراده فقبل قوله في ذلك.
مسألة 14: إذا قال: لا فعلت كذا، ولم ينطق بما حلف به لا يكون يمينا
سواء نوى اليمين أو لم ينو، وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: يكون يمينا تكفر،
وقال مالك: إن أراد يمينا فهو يمين وإلا فليست بيمين.
دليلنا: إن انعقاد اليمين أمر شرعي وليس في الشرع ما يدل على أن هذا
يمين، وعليه إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 15: إذا قال: لعمر الله، ونوى بذلك اليمين كان يمينا، وقال
أبو حنيفة: يكون يمينا إذا أطلق أو أراد يمينا، وبه قال أهل العراق، واختلف
أصحاب الشافعي على وجهين: أحدهما يكون يمينا إذا أراد يمينا أو أطلق كما قال
أبو حنيفة، والمذهب أنه إذا أطلق أو لم يرد يمينا لم يكن يمينا، وهذا مثل ما قلناه.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا فإنه إذا نوى بها اليمين ثبت كونه
يمينا بلا خلاف، وإذا لم ينو أو أطلق فليس عليه دليل.
مسألة 16: إذا قال: وحق الله، لا يكون يمينا قصد أو لم يقصد وبه قال
أبو حنيفة ومحمد، وقال الشافعي: كانت يمينا من وجهين إذا أطلق أو أراد يمينا،
وبه قال أبو يوسف.
دليلنا: إن اليمين حكم شرعي ولا دليل في الشرع على أن هذا يمين وأيضا
10

الأصل براءة الذمة فمن أوجبها يمينا فعليه الدلالة، وأيضا فإن حقوق الله هي الأمر
والنهي والعبادات كلها، فإذا حلف بذلك كانت يمينا بالمخلوقات فلم يكن
يمينا، وجعله أصحاب الشافعي يمينا بالعرف واستعمال الناس ذلك وهذا غير
مسلم. وروى أبو جعفر الأسترآبادي قال: حق الله هو القرآن لقوله: وإنه لحق
اليقين، يعني القرآن فكأنه قال: وقرآن الله، ولو قال هذا، كان يمينا وقد بينا أن
هذا لا يكون يمينا ولو صرح به.
مسألة 17: إذا قال: بالله أو تالله أو والله، ونوى بذلك اليمين كان يمينا،
وإن لم ينو لم يكن ذلك يمينا، وإن قال: ما أردت يمينا قبل قوله.
وقال الشافعي: في قوله بالله إن أطلق أو أراد يمينا فهو يمين، وإن لم يرد
يمينا فلا يكون يمينا لأنه يحتمل بالله أستعين، وإذا قال: تالله أو والله إن أراد يمينا
فهي يمين وإن لم يرد يمينا فليست بيمين، فإذا قال: ما أردت يمينا قبل منه.
دليلنا: إن ما قلناه مجمع على كونه يمينا، وما ذكروه ليس عليه دليل،
وأيضا قوله عليه السلام: الأعمال بالنيات، فما تجرد عن النية يجب أن لا يكون
يمينا.
مسألة 18: إذا قال " الله " بكسر الهاء بلا حرف قسم - لا يكون يمينا،
وبه قال الشافعي وجميع أصحابه إلا أبا جعفر الأسترآبادي فإنه قال: يكون يمينا.
دليلنا: إن القسم لا يكون إلا بحرف القسم - وهي الباء والواو والتاء -
وليس هاهنا واحدة منها، وما قالوه أجازه أهل اللغة على الشذوذ.
مسألة 19: إذا قال: أشهد بالله، لا يكون يمينا واختلف أصحاب الشافعي
على وجهين: منهم من قال: إذا أطلق أو أراد يمينا فهي يمين، وبه قال أبو حنيفة
11

ومنهم من قال: إذا أطلق لا يكون يمينا.
دليلنا: إن هذه لفظة الشهادة ولفظة الشهادة لا تسمى يمينا في اللغة فعلى
من جعلها يمينا الدلالة.
مسألة 20: إذا قال: أعزم بالله، لم يكن يمينا أطلق ذلك أو أراد يمينا أو لم
يرد يمينا، وقال الشافعي: إن أطلق ذلك أو لم يرد يمينا مثل ما قلناه، وإن أراد
يمينا فعلى ما أراده.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة وليس هاهنا دلالة على أن هذا من ألفاظ
القسم فيجب نفي ذلك.
مسألة 21: إذا قال: أسألك بالله أو أقسم عليك بالله، لم يكن يمينا سواء
أطلق أو أراد اليمين أو لم يرد يمينا.
وقال الشافعي: إن أطلق ذلك أو لم يرد يمينا، كما قلناه، وإن أراد اليمين
كان كذلك، وينعقد على فعل الغير فإن أقام الغير عليها لم يحنث، وإن خالف
حنث المخالف ولزمته الكفارة، وقال أحمد: الكفارة على المحنث دون
المخالف.
دليلنا: ما قدمناه في المسألة الأولى سواء من أن الأصل براءة الذمة
وإيجاب هذا يمينا يحتاج إلى دليل.
مسألة 22: إذا قال: على عهد الله، روى أصحابنا أن ذلك يكون نذرا فإن
خالف لزمه ما يلزمه في كفارة النذر، وهذا إذا نوى ذلك، فإن لم ينو ذلك لم
يلزمه شئ، وأما قوله: على ميثاقه وكفالته وأمانته، فلم يرووا فيه شيئا، ويجب أن
نقول أنها ليست من ألفاظ اليمين لأنه لا دليل على ذلك، وقال الشافعي: إذا أطلق
أو لم يرد يمينا لم يكن يمينا، وإن أراد يمينا كان كذلك.
12

وقال أبو حنيفة ومالك: يكون إطلاقه يمينا، ثم اختلفوا فقال الشافعي: إذا
حلف بواحدة منها أو بجميعها لزمته كفارة واحدة، وقال مالك: إذا حنث في
الكل مثلا أن يقول: على عهد الله وميثاقه وكفالته وأمانته، ثم خالفه لزمه عن كل
واحدة كفارة.
دليلنا: إجماع الفرقة على ما قلناه أولا، وأنه لا دليل على ما قالوه أخيرا
فيجب نفيه لأن الأصل براءة الذمة.
مسألة 23: إذا قال: والله، كانت يمينا إذا أطلق أو أراد اليمين، وإن لم يرد
اليمين لم يكن يمينا عندنا بالله، ويحكم عليه في الظاهر، ولا يقبل قوله: ما أردت
اليمين في الحكم، وبه قال الشافعي إلا أنه زاد، وإن لم ينو فإنه يكون يمينا.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة وأيضا قوله عليه السلام: الأعمال بالنيات،
وهذا ما نوى، وأيضا ما اعتبرناه مجمع عليه، وما قالوه ليس عليه دليل، وقوله
تعالى: لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان،
يدل على ذلك لأن العقد لا يكون إلا بالنية.
مسألة 24: إذا حلف لا يتحلى أو لا يلبس الحلي فلبس الخاتم حنث، وبه
قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: لا يحنث.
دليلنا: أن الخاتم من جملة الحلي الذي يختص الرجال كالمنطقة والسوار
للنساء، ولو حلف لا لبس المنطقة أو لا لبست المرأة السوار حنث.
مسألة 25: إذا حلفت المرأة لا لبست حليا فلبست الجوهر وحده حنثت،
وبه قال أبو يوسف ومحمد والشافعي، وقال أبو حنيفة: لا تحنث.
دليلنا: أن اسم الحلي يتناول اللؤلؤ وحده، قال الله تعالى: وتستخرجون
منه حلية تلبسونها، وفي موضع آخر: يستخرجون منه حلية، ومعلوم أن الذي
13

يخرج منه هو اللؤلؤ والمرجان.
مسألة 26: لا يدخل الاستثناء بمشيئة الله إلا في اليمين فحسب، وبه قال مالك، وقال
أبو حنيفة: يدخل في اليمين بالله وفي الطلاق والعتاق والنذور وفي
الإقرار.
دليلنا: أن ما ذكرناه مجمع على دخوله فيه، وما قالوه ليس عليه دليل.
مسألة 27: الاستثناء بمشيئة الله في اليمين ليس بواجب بل هو بالخيار،
وبه قال جميع الفقهاء، وحكي عن بعضهم أنه قال: الاستثناء واجب لقوله تعالى:
ولا تقولن لشئ إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة من وجوب ذلك، وعلى من ادعى وجوبها
الدلالة وأيضا فالنبي صلى الله عليه وآله حلف واستثنى فقال: والله لأغزون
قريشا، والله لأغزون قريشا والله لأغزون قريشا إن شاء الله، وحلف وترك
الاستثناء فإنه آلى من نسائه شهرا.
مسألة 28: لا حكم للاستثناء إلا إذا كان متصلا بالكلام أو في حكم
المتصل فأما إذا انفصل عنه فلا حكم له سواء كان في المجلس أو بعد انصرافه،
وبه قال جميع الفقهاء.
وقال عطاء والحسن: له أن يستثني ما دام في المجلس، فإن فارقه بطل
حكم الاستثناء، وعن ابن عباس روايتان: إحديهما له أن يستثني أبدا حتى أنه لو
حلف وهو صغير ثم استثنى وهو كبير جاز، والثانية: له أن يستثني إلى حين،
والحين سنة.
دليلنا: أن ما اعتبرناه مجمع على صحته، وما ادعوه ليس على صحته
دليل، وأيضا روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: من حلف على يمين
14

فرأى غيرها خيرا فليأت بالذي هو خير وليكفر عن يمينه، ولو كان الاستثناء
يعمل أبدا لأغناه الاستثناء عن الكفارة فإنه أسهل فلما خلصه بالكفارة ثبت أنه لا
يتخلص بالاستثناء.
معنى لغو اليمين
مسألة 29: لغو اليمين هو أن يسبق اليمين إلى لسانه ولا يعتقدها بقلبه،
كأنه أراد أن يقول: بلى والله فسبق لسانه فقال: لا والله، ثم استدركه فقال: بلى
والله، فالأولى لغو ولا كفارة فيها، وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: فيها الكفارة
والثانية منعقدة.
وقال مالك: لغو اليمين الغموس وهو ما ذكرناه أن يحلف على ماض
قاصدا للكذب فيها.
وقال أبو حنيفة: لغو اليمين ما كانت على ماض لكنه حلف لقد كان معتقدا
أنه على ما حلف، أو حلف ما كان كذا أنه على ما حلف ثم بان أن الأمر خلاف ما
حلف عليه فكأنه حلف على مبلغ علمه فبان أنه حلف على ضده، هذه لغو اليمين
عنده ولا كفارة فيها، وعند الشافعي هذه على قولين على ما مضى.
دليلنا: قوله تعالى: لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم، وما لا يؤاخذ به ما
قلناه.
وروى عطاء عن عائشة أن النبي عليه السلام قال: لغو اليمين قول الرجل
في بيته: كلا والله وبلى والله، وروى عطاء أنه قال: ذهبت أنا وعبيد بن عمر إلى
عائشة وهي معتكفة في بيتها فسألها عن قوله تعالى: لا يؤاخذكم الله باللغو في
أيمانكم، فقالت: هو " لا والله وبلى والله " لا يقصدها بقلبه، وعن ابن عباس
نحوه، ولا مخالف لهما، وعلى هذه إجماع الفرقة وأخبارهم فأما وجوب الكفارة
فالذي يدل على نفيها أن الأصل براءة الذمة، وشغلها يحتاج إلى دليل.
15

[في كفارة حنث الأيمان]
مسألة 30: إذا حلف على أمر مستقبل أن يفعل أو لا يفعل ثم خالفه عامدا
كان عليه الكفارة بلا خلاف، وإن خالفه ناسيا لم يجب عليه عندنا الكفارة،
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه، والثاني عليه الكفارة.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، وشغلها يحتاج إلى دليل، وأيضا روي عن
النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا
عليه، وهذا نسيان.
مسألة 31: لا يجوز تقديم الكفارة قبل الحنث أصلا، وإن أخرجها لم
تجزئه، وقال الشافعي: تجزئه قبل الحنث إلا الصوم فإنه لا يجزئه لأنه من عبادة
الأبدان، وبه قال عمر وابن عمر وابن عباس وعائشة والحسن البصري وابن
سيرين ومالك والأوزاعي والليث بن سعد وأحمد وإسحاق، وزاد مالك فقال:
يجزئه تقديم الصيام على الحنث، وقال أبو حنيفة وأصحابه: كفارة اليمين تجب
بسبب واحد وهو الحنث فأما عقد اليمين فليس بسبب هذا، فإذا ثبت هذا فلا يجوز
تقديمها قبل وجوبها بحال بالمال ولا بغير المال.
فأجاز أبو حنيفة تقديم الزكاة على وجوبها ولم يجوز تقديم الكفارة قبل
وجوبها، وأجاز مالك تقديمها قبل الحنث ولم يجوز تقديم الزكاة قبل وجوبها،
وأجاز الشافعي التقديم فيها، وعندنا لا يجوز فيهما.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم وأيضا فالكفارة إذا وجبت لا تبرأ الذمة منها
بيقين إلا إذا أخرجها بعد الحنث، فأما إذا أخرجها قبله فلا دلالة على براءة ذمته،
وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله قال: من حلف على يمين ورأى
غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير، وليكفر عن اليمين فأمره بالتأخير عن
الحنث، وفي بعضها: ثم ليكفر عن يمينه بلفظ " ثم " وهذا نص.
16

مسألة 32: إذا قال لزوجته: إن لم أتزوج عليك فأنت طالق، فإنها لا
تطلق تزوج عليها أو لم يتزوج، وسواء تزوج عليها بنظيرتها أو بمن فوقها أو
دونها.
وقال الشافعي: إذا تزوج بر في يمينه بنفس العقد دخل بها أو لم يدخل
وإن لم يتزوج فإنها تطلق على كل حال، وقال مالك: إن تزوج بمثلها أو فوقها ودخل بها بر في يمينه، وإن لم يدخل بها لم يبر في يمينه وإن تزوج بمن هي
دونها في المنزلة أو الوحشة لم يبر في يمينه لأنه قصد مغايظتها بذلك، وإنما
تغتاظ بالنظير فأما من هو دونها فهذه شماتة.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم على أن الطلاق بشرط لا يقع، وأن اليمين
بالطلاق باطلة ولو كان ذلك جائزا لوجب أن يبر في يمينه متى تزوج، وإن كان
دونها أو وحشة لأن الاسم قد وجد والشرط قد حصل.
مسألة 33: إذا مات وعليه صيام صام عنه وليه، وبه قال مالك والشافعي
في القديم، وقال في الجديد: لا يصوم عنه وليه، وبه قال أهل العراق.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وروى عروة عن عائشة أن النبي صلى الله
عليه وآله قال: من مات وعليه صيام صام عنه وليه.
مسألة 34: إذا أعطى مسكينا من كفارة أو من زكاة ماله أو فطرته
فالمستحب أن لا يشترى ذلك ممن أعطاه وليس بمحظور، وبه قال أبو حنيفة
والشافعي، وقال مالك: لا يجوز شراؤه ولا تملكه.
دليلنا: قوله تعالى: وأحل الله البيع، ولم يفرق.
مسألة 35: أقل ما يجزئ من الكسوة ثوبان، قميص وسراويل أو قميص
ومنديل أو قميص ومقنعة، وثوب واحد لا يجزئ، وقال الشافعي: يجزئ
17

وقميص أو سراويل أو مقنعة أو منديل للرجال والنساء، وقال مالك: إن أعطى
رجلا فكما قال الشافعي، وإن أعطى امرأة لا يجزئ إلا ما يجوز لها الصلاة فيه وهو
ثوبان، قميص ومقنعة، وقال أبو يوسف: السراويل لا يجزئ.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وطريقة الاحتياط توجب ذلك لأنه تبرأ
معه الذمة بيقين بلا خلاف.
مسألة 36: إذا أعطى الفقير قلنسوة أو خفا لم يجزئه، وللشافعي فيه قولان:
أحدهما مثل ما قلناه، والثاني يجزئه، ذكره أبو إسحاق.
دليلنا: طريقة الاحتياط، وأيضا قوله تعالى: أو كسوتهم، ومن أعطى غيره
قلنسوة لا يقال كساه.
مسألة 37: صوم الثلاثة أيام في كفارة اليمين متتابع لا يجوز التفريق فيه.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه ذكره في الصوم، وبه قال
أبو حنيفة وأصحابه واختاره المزني، والقول الآخر - وهو ظاهر ما يختار - هو
بالخيار إن شاء تابع، وإن شاء فرق، وبه قال الحسن البصري وعطاء ومالك.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وطريقة الاحتياط تقتضي ذلك لأنه إذا
تابع فلا خلاف أن الفرض سقط عنه، وإذا فرق فليس على براءة ذمته دليل.
وروي في قراءة ابن مسعود: " فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعات "
وفي قراءة أبي " ثلاثة أيام متتابعة " وأقل ما في هاتين القراءتين أن تكونا بمنزلة
خبر الواحد فوجب العمل بها عند المخالف.
مسألة 38: فرض العبد في كفارة الحنث الصيام دون العتق والإطعام
والكسوة إجماعا، وعندنا أن فرضه شهر واحد فيما يجب فيه شهران متتابعان،
وفي كفارة اليمين ثلاثة أيام مثل الحر سواء.
18

وقال جميع الفقهاء: فرضه فرض الحر في كل موضع.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، ولأن الأصل براءة الذمة، وما اعتبرناه
مجمع عليه، وما قالوه ليس عليه دليل.
مسألة 39: إذا كان في دار فحلف: لأسكنت هذه الدار، فأقام عقيب يمينه
مدة يمكنه الخروج منها فلم ينتقل حنث وبه قال الشافعي، وقال مالك: إن أقام
يوما وليلة حنث، وأن أقام أقل من ذلك لم يحنث.
دليلنا: أن اليمين إذا علقت بالفعل تعلقت بأقل ما يقع عليه الاسم من
ذلك، كرجل حلف لا دخلت الدار حنث بأقل ما يقع عليه اسم الدخول وهو إذا
عبر العتبة، ولو حلف لأدخلن الدار بر بأقل ما يقع عليه اسم الدخول، وإن لم
يدخل إلى جوف الدار.
مسألة 40: إذا كان في دار فحلف: لأسكنت هذه الدار، ثم خرج عقيب
اليمين بلا فصل بر في يمينه ولم يحنث، وبه قال جميع الفقهاء، وقال زفر:
يحنث، ولا طريق له إلى البر لأنه يحنث باستدامة السكنى وخروجه منها عقيب
يمينه سكون فيها فوجب أن يحنث.
دليلنا: إن الأصل براءة الذمة ولا دليل على شغلها بشئ بهذه اليمين،
وأيضا إذا لم يتشاغل عقيب يمينه بغير الخروج منها لا يقال أنه ساكن فيها،
وكذلك لو كان في دار مغصوبة فلما عرف ذلك لم يتشاغل بغير الخروج لم
يأثم لأنه تارك.
مسألة 41: إذا كان فيها فحلف: لأسكنت هذه الدار، ثم أقام عقيب يمينه،
لا للسكنى لكن لنقل الرحل والمال والولد لم يحنث، وبه قال أبو حنيفة، وقال
الشافعي: يحنث.
19

دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، وشغلها يحتاج إلى دليل وأيضا فالاعتبار
بالسكنى إلى العادة، ومن كان يجمع رحله وماله وأهله للانتقال لا يقال: إنه
ساكن في الدار فمن قال: إنه ساكن بذلك فقد ترك العرف.
مسألة 42: إذا كان فيها فحلف، لأسكنت هذه الدار، وانتقل بنفسه بر في
يمينه، وإن لم ينتقل العيال والمال، وبه قال الشافعي، وقال مالك: السكنى
بنفسه وبالعيال دون المال، وقال أبو حنيفة: بنفسه وبالعيال والمال معا، وقال
محمد: إن بقي من ماله ما يمكن سكنى الدار معه فما نقل المال، وإن بقي ما لا
يمكن سكنى الدار معه فقد نقل المال وبر في يمينه.
دليلنا: أنه أضاف السكنى إلى نفسه فإذا خرج منها خرج من أن يكون
ساكنا فيها، ومن ادعى أن عياله أو ماله يكون سكنى فعليه الدلالة، والأصل براءة
الذمة وأيضا قوله تعالى: ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها
متاع لكم، فقد أخبر أن من ترك المتاع وخرج منها يقال غير مسكونة، وعند
أبي حنيفة إن هذه مسكونة وقال الله تعالى: ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير
ذي زرع عند بيتك المحرم، وفيه دليلان:
أحدهما: أنه أسكن زوجته وولده في المكان فقال: أسكنتهم في المكان، وإن لم يكن ساكنا معهم.
والثاني: قال: أسكنت، ولم يسكن هو معهم ثبت أنه ساكن في مكان آخر،
وإن كان ولده وعياله في غير ذلك المكان، والأول أوضح.
مسألة 43: إذا حلف لا يدخل دارا فصعد سطحا لم يحنث، وبه قال
الشافعي، واختلف أصحابه على طريقين: منهم من قال: إن لم يكن السطح
محجرا لم يحنث وجها واحدا، وإن كان محجرا فعلى وجهين، وقال أبو حنيفة:
يحنث بكل حال.
20

دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، وشغلها يحتاج إلى دليل، وأيضا فالسطح
حاجز كالحائط، ولو وقف على نفس الحائط فلا خلاف أنه لا يحنث فالسطح
مثله، وأيضا فلا خلاف أنه لو حلف لا يدخل بيتا فدخل غرفة فوقه لا يحنث
فالسطح مثله، وأيضا فإذا وقف على السطح لا يقال دخل الدار بل يقال وقف
على سطحها ولم يدخلها، فإذا انتفى عنه دخولها لم يحنث.
مسألة 44: إذا كان في دار فحلف لا أدخلها لم يحنث باستدامة قعوده فيها،
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه وهو الأقيس عندهم، والثاني يحنث
بالاستدامة كالسكنى، والمساكنة والركوب واللباس فإنه يقع على الاستدامة
والابتداء. دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، وشغلها يحتاج إلى دليل، وأيضا فإنه لا
يقال دخلتها شهرا وإنما يقال دخلتها منذ شهر، وفارق بذلك السكنى والمساكنة
والركوب واللباس فإن الاسم يقع على الابتداء والاستدامة.
مسألة 45: إذا حلف لا دخلت بيتا، فدخل بيتا من شعر أو وبر أو بيتا من
حجر أو مدر فإنه يحنث وهو ظاهر كلام الشافعي، وإليه ذهب أبو إسحاق وغيره،
وفي أصحابه من قال: إن كان بدويا يحنث سواء دخل بيت البادية أو البلدان،
وإن كان قرويا نظرت: فإن دخل بيوت البلدان حنث وجها واحدا، وإن دخل
بيوت البادية فعلى وجهين.
دليلنا: أن الاسم يتناول هذه الأبيات قال الله تعالى: وجعل لكم من جلود
الأنعام بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم، فسماها بيوتا.
مسألة 46: إذا حلف لا يأكل من طعام اشتراه زيد، فاشترى زيد وعمرو
طعاما صفقة واحدة فأكل منه لم يحنث عندنا وعند الشافعي.
21

وقال أبو حنيفة: يحنث لأنهما إذا اشترياه معا فكل واحد منهما قد اشترى
نصفه بدليل أن على كل واحد منهما ثمن نصفه فإذا كان لزيد نصفه فقد أكل من
طعام اشتراه زيد فوجب أن يحنث كما لو حلف " لا أكلت " وأكل رغيف زيد
فأطبق عليه رغيف عمرو فأكلهما حنث لأنه قد أكل رغيف زيد، وإن كان مع
رغيف عمرو فكذلك هاهنا قد أكل من طعام اشتراه زيد، وإن كان مع غيره. دليلنا: إن قوله " طعام اشتراه زيد " كناية راجعة إلى طعام انفرد زيد
بشرائه، وليس فيه جزء ولا ذرة يشار إليه أن زيدا انفرد بشرائه بدليل أنه لو أشار
إلى حبة منه فقال: هذه اشتراها زيد قالوا: لا وإنما اشتراها زيد وعمرو وهو كما لو
حلف " لا لبست ثوب زيد " فلبس ثوبا لزيد وعمرو أو قال: " لا دخلت دار زيد "
فدخل دارا لزيد وعمرو لم يحنث، ويفارق الرغيفين لأن كل واحد يشار إليه أنه
لزيد، والآخر لعمرو، ولهذا حنث وهذا قوي.
مسألة 47: إذا اقتسما هذا الطعام وأفرد كل واحد منهما نصيبه فإن أكل
من نصيب زيد أو نصيب عمرو لم يحنث أيضا عند الشافعي، وقال أبو حنيفة: إن
أكل من نصيب زيد حنث، وإن أكل من نصيب عمرو لم يحنث، ودليلهم ما
مضى.
مسألة 48: إذا حلف لا يأكل من طعام اشتراه زيد، فاشترى زيد طعاما
وحده، واشترى عمرو طعاما وحده، وخلطاهما معا فأكل الحالف منه ففيه
لأصحاب الشافعي ثلاثة أوجه:
قال أبو سعيد الإصطخري: إن أكل النصف فما دونه لم يحنث، وإن زاد
على النصف حنث لأنه لا يقطع على أنه أكل من طعام انفرد زيد بشرائه حتى
يزيد على النصف.
وقال ابن أبي هريرة: لا يحنث وإن أكله كله.
22

: وقال أبو إسحاق: إن أكل حبة أو حبتين ونحوهما لم يحنث، وإن أكل كفا
منه حنث، والأقوى عندي مذهب الإصطخري، والدليل على ذلك أن الأصل
براءة الذمة، وليس يحصل القطع على أنه أكل من طعام انفرد بشرائه زيد إلا بعد
الزيادة على النصف فوجب أن لا تشغل ذمته بالمجوز.
مسألة 49: إذا حلف، لا دخلت دار زيد هذه أو لا كلمت عبد زيد هذا أو لا
كلمت زوجة زيد، لم يتعلق اليمين بغير ما علق اليمين به، فإن دخلها وملكها لزيد
حنث بلا خلاف، وإن زال ملكه عنها فدخلها بعد ذلك لم يحنث عندنا، وبه قال
أبو يوسف وأبو حنيفة إلا في الزوجة.
وقال الشافعي ومالك ومحمد بن الحسن وزفر: إنه يحنث على كل
الأحوال، ولا تنحل اليمين بزوال المضاف إليه.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، وشغلها يحتاج إلى دليل، وأيضا فإذا دخل
هذه الدار بعد خروجها عن ملك زيد لا يقال: دخل دار زيد، فوجب أن لا يحنث
لأن اليمين متعلقة بالاسم فإذا زال الاسم وجب أن يزول الحنث.
مسألة 50: إذا حلف، لا دخلت هذه الدار، فانهدمت حتى صارت طريقا
وبراحا فسلك عرصتها لم يحنث، ووافقنا الشافعي، وقال أبو حنيفة: يحنث،
ووافقنا إذا أطلق فقال: لا دخلت دارا فسلك براحا كان دارا في أنه لا يحنث.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، وأيضا فالرجوع في الأسماء إلى العادة
والعرف، ولا يسمى في العرف ما كان دارا وقتا من الزمان بأنه دار، فإذا لم يسم
بذلك فيجب أن لا يحنث، وأيضا فلا خلاف أنه لو حلف لا دخلت بيتا، فأطلق،
ثم دخل بعد أن صار طريقا أنه لا يحنث، فالدار مثل البيت.
فإن قالوا: الدار يسمى دارا بعد انهدامها كما قالوا: ديار بكر، وديار ربيعة،
وديار عاد وثمود.
23

قلنا: وكذلك البيت قال الله تعالى: فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا، فإن
قالوا: ذلك مجاز، قلنا مثله في الدار.
وأيضا فلا خلاف أنه لو جعلها بستانا أو حماما ثم دخلها أنه لا يحنث،
فكذلك إذا جعلها طريقا، والدليل على أن اسم الدار بعد انهدامها مجاز أنه لو
حلف لا يدخل دارا فسلك براحا كان دارا لم يحنث فلو كان حقيقة لحنث.
مسألة 51: إذا حلف لا ألبس ثوبا من عمل يد فلان، فوهب له فلان ثوبا
فإن لبسه حنث بلا خلاف، وإن استبدل به فباعه أو بادل به فلبسه لم يحنث،
وكذلك لو حلف لا ألبس من غزل امرأته فإن لبس منه حنث، وإن باعه واشترى
بثمنه ثوبا أو اشترى به ثوبا فلبسه لم يحنث، وكذلك لو قال له غيره: أحسنت
إليك وأعتقتك بمالي ووهبت لك كذا، وأعطيتك كذا فقال جوابا لهذا: والله
لا شربت لك ماء من عطش، تعلق الحكم بشرب مائه من عطش، فإن انتفع
بغير الماء من ماله فأكل طعام، ولبس ثيابه، وركب دوابه لم يحنث، وبه قال
الشافعي.
وقال مالك: يحنث بكل هذا فإن لبس بدل ذلك الثوب أو بدل ذلك
الغزل أو انتفع من ماله بغير الماء حنث في كل هذا.
دليلنا: أنه ثبت عندنا أن الحكم إذا علق باسم لا يلتفت إلى سببه فإن كان
عاما حمل على عمومه، وإن كان خاصا كذلك، ولا يلتفت إلى سببه خاصا كان
أو عاما.
ومالك خالف في هذا الأصل، وقال: يجب حمله على سببه، وهذا بيناه في
أصول الفقه، ويقوى في نفسي في قوله: لا شربت لك ماء من عطش أنه يحنث إذا
انتفع بشئ من ماله لأن ذلك من فحوى الخطاب مثل قوله: ولا تقل لهما أف،
وقوله: ولا يظلمون فتيلا، فإن المفهوم من ذلك منع كل أذى ونفي كل ظلم
فكذلك هاهنا.
24

والشافعي إنما عول على أن قال: والله لا شربت لك ماء من عطش فمتى
ركب الدواب ولبس الثياب لم يحنث لأن اسم الماء لم يقع على الطعام
والشراب، ولبس الثياب حقيقة ولا مجازا فوجب أن لا تتعلق الأيمان به كما لو
حلف، لا ركبت لك دابة فركب له سفينة لم يحنث لأن اسم الدابة لا يطلق على
السفينة فكذلك هاهنا.
مسألة 52: إذا حلف، لا يدخل دار زيد، فإن دخلها وهي ملك لزيد حنث
بلا خلاف وإن كان ساكنها بأجرة لم يحنث عندنا، وبه قال الشافعي، وقال
أبو حنيفة ومالك: يحنث.
دليلنا: إن حقيقة هذه الإضافة تفيد الملك، وإنما تستعمل في السكنى
مجازا، وظواهر الأسماء يجب حملها على الحقيقة، والدليل على أن حقيقة ذلك ما
قلناه أنه لو قال: هذه الدار لزيد كان ذلك اعترافا بالملك، فلو قال: أردت أنه
أسكنها بأجرة، لم يقبل منه، وإنما يجوز أن يقول: هذه دار زيد ثم ينفي فيقول: لا،
ليست لزيد، وإنما يسكنها بأجرة، ولا يجوز ذلك في الملك فإذا انتفى الملك
عنها وجب أن ينتفي الحنث.
وأيضا فما قالوه يفضي إلى أن تكون دار واحدة ملكا لكل واحد من زيد
وعمرو، فإذا حلف لا دخلت دار زيد وحلف الآخر لا دخلت دار عمرو فاكترياها
فدخلاها حنثا جميعا، وما أدى إلى هذا يجب أن يحكم بفساده.
مسألة 53: إذا حلف لا دخلت دار زيد ولا كلمت زيدا، فكلمه ناسيا أو
جاهلا بأنه هو زيد أو مكرها أو دخل الدار ناسيا أو مكرها أو جاهلا لم يحنث،
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه، وهو أصح القولين، وبه قال الزهري،
والقول الثاني أنه يحنث، وبه قال مالك وأبو حنيفة.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، وشغلها يحتاج إلى دليل، وأيضا قوله عليه
25

السلام: رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه، وذلك عام.
مسألة 54: إذا أدخل مكرها محمولا لا يحنث، وهو نص الشافعي،
واختلف أصحابه على طريقين: منهم من قال: لا يحنث قولا واحدا، ومنهم من
قال: على قولين مثل الأولى.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 55: إذا حلف، لا أدخل على زيد بيتا، فدخل على عمرو بيتا، وفيه
زيد وهو لا يعلم يكون زيد فيه فإنه لا يحنث، وللشافعي فيه قولان.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، وشغلها يحتاج إلى دليل.
مسألة 56: إذا دخل على عمرو بيتا وزيد فيه واستثناه بقلبه كأنه قصد
الدخول على عمرو دون زيد لم يصح، وإن حلف لا كلم زيدا فسلم على جماعة
فيهم زيد، واستثناه بقلبه لم يحنث.
وقال الشافعي: مسألة الدخول مبنية على مسألة السلام ومسألة السلام على
طريقين: منهم من قال يصح قولا واحدا ومنهم من قال على قولين، ومثله الدخول
اختلفوا على طريقين: منهم من قال على قولين كالكلام ومنهم من قال: يحنث
هاهنا قولا واحدا ولا يصح الاستثناء.
فالكلام على قولين: والفرق بينهما أن مسألة الكلام يصح الاستثناء فيها قولا
صح أيضا بالقلب.
ومسألة الدخول لا يصح الاستثناء فيها قولا فلا يصح أيضا بالقلب.
دليلنا في السلام: أن السلام لفظ عام، ويجوز أن يخصه بالقصد والفعل
فعل واحد لا يصح تخصيصه بزيد دون عمرو، وإذا لم يصح تخصيصه فقد حنث
بالدخول، ولم يحنث بالسلام.
26

مسألة 57: إذا دخل عليه زيد بيتا فاستدام زيد القعود معه لا يحنث،
وللشافعي فيه قولان مبنيان على حكم الاستدامة هل هو حكم الابتداء أم لا؟
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، وأيضا فإنه حلف أن لا يدخل عليه، وما
دخل عليه، وإنما زيد دخل عليه فعلى من قال: حكمه حكم دخوله عليه، الدلالة.
مسألة 58: إذا حلف ليأكلن هذا الطعام غدا فأكله اليوم حنث، وبه قال
الشافعي، وقال أبو حنيفة ومالك: لا يحنث لأن معناه لا يؤخر أكله غدا وما تأخر.
دليلنا: أن اليمين وقعت على أن يقع الأكل في غد وهذا ما أكل في الغد
فيجب أن يحنث.
مسألة 59: إذا حلف ليأكلنه غدا، فهلك الطعام اليوم أو غدا فإن هلك
بشئ من جهته لزمته الكفارة وإن هلك بشئ من غير جهته في اليوم لم تلزمه،
وإن كان في الغد فإن كان بعد القدرة على أكله فلم يأكله حنث، وإن كان قبل
ذلك لم يحنث، وللشافعي في هلاكه اليوم أو غدا قولان.
دليلنا: أن على التفصيل الذي قدمناه يكون قد فرط فيه فلزمته الكفارة،
وإذا لم يكن مفرطا لم يلزمه شئ لأن الأصل براءة الذمة.
مسألة 60: إذا حلف ليقضين حقه عند رأس الهلال أو عند استهلال الشهر
فإنه يلزمه أن يعطيه عند رؤية الهلال، وبه قال الشافعي، وقال مالك: وقت
القضاء ليلة الهلال يومها من غدها، وكذلك لو حلف ليقضيه يوم الخميس فوقت
القضاء يوم الخميس وليلة بعده.
دليلنا: أن لفظة " عند " تفيد المقارنة في اللغة فمن حملها على غير ذلك كان عليه الدلالة.
27

مسألة 61: إذا حلف ليقضين حقه إلى حين أو إلى زمان أو إلى دهر، فالذي
رواه أصحابنا أن الحين ستة أشهر، والزمان خمسة أشهر ولم يرووا في الدهر شيئا،
وقال أبو يوسف ومحمد: هذه كلها عبارة عن ستة أشهر.
وقال أبو حنيفة: الحين والزمان عبارة عن ستة أشهر، وقال في " الدهر ": لا
أعرفه.
وقال الشافعي: هذه كلها عبارات لا حد لها فيكون على مدة حياته فإن لم
يفعل حتى مات حنث بوفاته، فإن قال: لأقضينه الدهر فلا حد له عندنا.
وعن أبو يوسف روايتان: إحديهما مثل قول الشافعي والثانية ستة أشهر،
وقال مالك: كلها عبارة عن ستة، وقال الأوزاعي: إلى حين بدو الصلاح في
الثمرة.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم وطريقة الاحتياط، وأيضا قوله تعالى: تؤتي
أكلها كل حين بإذن ربها، وذلك في كل ستة أشهر، وقال مالك: ذلك في
كل سنة من حين يطلع إلى حين يطلع، وقال أبو يوسف ومحمد: من حين يطلع
إلى حين يرطب ستة أشهر وهو زمان إتيان أكلها تطلعه وتؤتيه في كل ستة أشهر.
مسألة 62: إذا حلف ليقضيه حقه قريبا أو بعيدا، فليس له حد، وبه قال
الشافعي، وقال أبو حنيفة: إذا قال قريبا فهو أقل من شهر، وإذا قال بعيدا فهو شهر.
دليلنا: أن تحديد ذلك يحتاج إلى دليل، وأيضا قوله قريب وبعيد
بالإضافة فقد يكون قريبا بالإضافة إلى ما هو أبعد منه، ويكون بعيدا بالإضافة إلى
ما هو أقرب منه فإذا ليس ذلك بمحدد.
مسألة 63: إذا حلف إلى حقب فلا حد له، وبه قال الشافعي، وقال
مالك: الحقب أربعون سنة، وقال أبو حنيفة: الحقب ثمانون سنة، قالوا: لأنه روي
عن ابن عباس في قوله: لابثين فيها أحقابا، إنه قال: الحقب ثمانون سنة.
28

دليلنا: ما قدمناه في المسألة الأولى سواء وقد روي في قوله أحقابا أن
الأحقاب الدهور، وروي أقل من ثمانين عاما، وقد ذكرنا اختلاف العلماء في
ذلك في كتاب التفسير فإذا كان كذلك لم يثبت له حد.
مسألة 64: إذا قال الخليفة أو الملك: والله لا ضربت عبدي، ثم أمر عبده
فضربه لم يحنث، وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه، والثاني أنه يحنث.
دليلنا: إن حقيقة هذه الإضافة أن يفعل الفعل بنفسه، وإنما ينسب ما يفعله
غيره بأمره إليه على ضرب من المجاز، ألا ترى أنه يحسن أن يقال ما ضربه، وإنما
ضربه غلامه أو من أمره به، ولو كان حقيقة لما جاز ذلك، ولأن الحنث يتعلق بما
تتعلق به اليد بدليل أنه لو حلف لا دخلت هذه الدار فإن دخلها حنث وإن أدخل
رجله لم يحنث، وإن حلف ليدخلها، فإن دخلها بر وإن أدخل رجله لم يبر، فإذا
ثبت ذلك فإن حلف ليأكلنها لم يبر حتى يأكلها، كذلك إن حلف لا أكلها لم
يحنث حتى يأكلها.
مسألة 65: إذا قال الخليفة: والله لا تزوجت ولا بعت، فوكل فيهما لم
يحنث، و قال الشافعي: لا يحنث في التزويج، ويحنث في البيع على أحد القولين،
وقال أبو حنيفة: إذا وكل في التزويج حنث، وإن وكل في الشراء لم يحنث
عكس الشافعي.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 66: إذا حلف لا لبست هذين الثوبين أو لا أكلت هذين الرغيفين،
فأكل أحدهما لم يحنث، وبه قال أبو حنيفة والشافعي، وقال مالك: يحنث إذا
لبس أحدهما أو أكل أحدهما.
دليلنا: إن الأصل براءة الذمة، وشغلها يحتاج إلى دليل، وأيضا فاليمين
29

تعلقت بلبس الثوبين وأكل الرغيفين، ولم يوجد ذلك فيجب أن لا يحنث، ولأن
الحنث يتعلق بما يتعلق به البر بدليل أنه لو حلف لا دخلت هذه الدار، فإن دخلها
حنث، وإن أدخل رجله لم يحنث، ولو حلف ليدخلنها فإن دخلها بر، وإن أدخل
رجله لم يبر، فإذا ثبت ذلك فإن حلف ليأكلنهما لم يبر حتى يأكلهما، كذلك إذا
حلف لا أكلهما لم يحنث حتى يأكلهما.
مسألة 67: إذا حلف لا شربت من النهر لا شربت من دجلة، فمتى شرب
من مائها سواء غرف بيده أو في كوز أو غيره أو كرع فيها كالبهيمة حنث، وبه
قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: لا يحنث حتى يكرع فيها كالبهيمة لأنه إذا شرب غرفا بيده
فما شرب منها، وإنما شرب من يده.
دليلنا: أن معنى هذا الكلام لا شربت من مائها فبهذا جرت العادة لأن دجلة
عبارة عن قرارها ومكان جرى الماء فيه، والقرار لا يمكن الشرب منه، فلو لزم ما
قالوه للزم إذا شرب بفيه كالبهيمة لا يحنث، أيضا لأنه إنما شرب من فيه لأنه يأخذ
الماء بفيه أولا فيصير فيه ولا يحنث حتى يزدرده بدليل أنه لو أخذه بفيه ومجه من
فيه لم يحنث، ثبت أن الفم آلة يشرب منه كالكوز و القدح ثم ثبت أنه يحنث إذا
شرب من فيه فكذلك إذا شرب من قدح.
مسألة 68: إذا حلف لا فارقتك حتى أستوفي حقي، فإن استوفى نفس حقه
بر بلا خلاف، وإن استوفى بدل حقه مثل أن كان حقه دنانير فأخذ دراهم أو ثيابا
أو غير ذلك بقيمتها بر في يمينه، وبه قال مالك، وقال الشافعي: إن أخذ بدل
حقه حنث.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، وتحنيثه بهذا يحتاج إلى دلالة، وأيضا فبدل
حقه، ولم يقل في يمينه أنه يستوفي نفس حقه فإذا لم يكن كذلك فيجب أن لا
30

يحنث، وأيضا فإن العرف ما قلناه فإنه من استوفى من غيره بدل حقه يقال:
استوفى حقه.
مسألة 69: إذا قال لزوجته: إن خرجت من الدار إلا بإذني فأنت طالق، لم
تطلق، وإن خرجت بغير إذنه لأن هذا طلاق بشرط.
وقال الشافعي وأبو حنيفة: إن خرجت من داره بغير إذنه طلقت، وانحلت
اليمين فإن خرجت مرة أخرى لم تطلق مرة أخرى، وإن أذن لها فخرجت من
داره لم تطلق بلا خلاف بينهما، إلا أن عند الشافعي تنحل اليمين فإن خرجت بعد
ذلك مرة أخرى بغير إذنه لم تطلق، وعند أبي حنيفة لا تنحل، فإن خرجت بعد
ذلك بغير إذنه طلقت.
دليلنا: إجماع الفرقة على أن الطلاق بشرط لا يقع فهذا الفرع يسقط عنا،
وأيضا فالأصل بقاء العقد، والبينونة بما قالوه تحتاج إلى دليل.
مسألة 70: إذا حلف بالطلاق لا خرجت إلا بإذني، فأذن لها فخرجت بعد
الإذن وقبل العلم به لم تطلق، وبه قال الشافعي وأبو يوسف، وقال أبو حنيفة
ومالك ومحمد: يحنث. دليلنا: إجماع الفرقة على أن اليمين بالطلاق فاسدة، وأيضا الأصل بقاء
العقد، وإيقاع الطلاق بهذا يحتاج إلى دليل.
مسألة 71: إذا قال لعبده: متى بعتك فأنت حر، ثم باعه لم ينعتق سواء
كان له خيار المجلس أو خيار الثلاث، وعلى كل حال، وقال الشافعي: يعتق
على كل حال لأن له خيار المجلس إذا لم يشرطا، وإن شرطا فله خيار الثلاث،
وقال أبو حنيفة ومالك: إن باع مطلقا لم ينعتق، وإن باعه بشرط خيار الثلاث
انعتق.
31

دليلنا: إجماع الفرقة على أن العتق بشرط لا يقع، وهذا عتق بشرط ولو
كنا نخير ذلك لكان مذهب الشافعي صحيحا لأن عندنا أن خيار المجلس ثابت
كما يقوله، وخيار الشرط مجمع عليه.
مسألة 72: إذا حلف لا يأكل الرؤوس، حنث بأكل رؤوس البقر والغنم
والإبل، ولا يحنث بأكل رؤوس العصافير والطيور والحيتان والجراد، وبه قال
الشافعي، وقال أبو حنيفة: يحنث برؤوس البقر والغنم، ولا يحنث برؤوس الإبل
لأن العادة فيهما، وقال أبو يوسف ومحمد: يحنث برؤوس الغنم لا غير لأن
العرف يصرف إليها.
دليلنا: أن اسم الرؤوس يقع على جميع ما ذكرناه فوجب أن يحنث
بجميعها لأن تخصيصها يحتاج إلى دليل، ولا يلزمنا مثل ذلك فيما خصصناه لأنا
أخرجنا ذلك بدليل وهو الإجماع على أن ما لم نعتبره ليس بمعتبر أصلا، ولا
دليل على تخصيص ما قالوه.
مسألة 73: إذا حلف لا يأكل لحما فأكل لحم النعم والصيد والطيور
حنث بلا خلاف وإن أكل لحم السمك حنث وبه قال أبو يوسف ومالك، وقال
أبو حنيفة والشافعي: لا يحنث.
دليلنا: أن اسم اللحم يطلق عليه، قال الله تعالى: ومن كل تأكلون لحما
طريا وتستخرجون حلية تلبسونها، وقال: وهو الذي سخر لكم البحر لتأكلوا منه
لحما طريا، إذا كان اسم اللحم وقع عليه وجب أن يقع الأيمان عليه.
مسألة 74: إذا حلف لا ذقت شيئا وأخذه بفيه ومضغه ورمى به ولم يزدرد
منه شيئا حنث، وللشافعي فيه وجهان: أحدهما مثل ما قلناه وهو الصحيح
عندهم، والثاني أنه لا يحنث حتى يزدرد منه شيئا.
32

دليلنا: أن الذوق عبارة عن معرفة طعم الشئ، وهذا قد عرف طعمه قبل
أن يزدرده.
مسألة 75: إذا حلف لا أكلت سمنا، فأكله مع الخبز حنث، وبه قال أكثر
أصحاب الشافعي، وقال أبو سعيد الإصطخري: لا يحنث لأنه ما أكله على جهته.
دليلنا: إنه قد أكل السمن بدليل أنه لا يصح أن ينفي أكله لو قيل: أكلت
السمن لم يصح أن يقول: لا، فثبت أنه قد أكله.
مسألة 76: إذا حلف لا أكلت هذه الحنطة أو من هذه الحنطة، وأشار إلى
حنطة بعينها ثم طحنها دقيقا أو سويقا فأكلها لم يحنث، وبه قال أبو حنيفة
والشافعي، وقال أبو يوسف ومحمد: يحنث.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، وأيضا فإن اسم الحنطة لا يقع على السويق
والدقيق فيجب أن لا يحنث.
مسألة 77: إذا حلف لا أكلت هذا الدقيق، فخبزه وأكله لم يحنث، وبه
قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: يحنث.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 78: إذا حلف لا أكل شحما، فأكل لحم شحم الظهر لم يحنث،
وبه قال أبو حنيفة والشافعي، وقال أبو يوسف: يحنث.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، وتحنيثه بهذا يحتاج إلى دليل، وأيضا فإن
اسم الشحم يختص بما يكون في الجوف بدلالة أنه إن قيل لمن أكل لحم الظهر:
أكلت شحما حسن، أن يقول: لا بل أكلت لحما فلو كان ذلك شحما لم يحسن
ذلك.
33

مسألة 79: إذا حلف لا آكل لحما، فأكل قلبا لم يحنث بلا خلاف، وإن
أكل من شحم الجوف لم يحنث عندنا، وبه قال أبو حنيفة والشافعي، وقال مالك
وأبو يوسف: يحنث.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 80: إذا حلف لا يأكل لحما، فأكل كبدا أو طحالا لا يحنث، وبه
قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: يحنث لأنهما يباعان مع اللحم.
دليلنا: ما قدمناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 81: إذا حلف لا يأكل لحما، فأكل ألية لا يحنث، وبه قال أبو حنيفة
والشافعي في أحد الوجهين، وفي الوجه الثاني أنه يحنث.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 82: إذا حلف لا يأكل رطبا، فأكل المنصف - وهو الذي نصفه
رطب ونصفه بسرا - وحلف لا يأكل بسرا فأكل المنصف حنث، وبه قال
الشافعي وأصحابه، وقال أبو سعيد الإصطخري: لا يحنث.
دليلنا: أنه قد أكل الرطب وإنما أكل معه شيئا آخر.
مسألة 83: إذا حلف لا يأكل لبنا، فأكل سمنا وزبدا خالصا أو جبنا أو
غير ذلك لم يحنث وبه قال الشافعي، وقال أبو علي بن أبي هريرة: يحنث بأكل
كلما عمل منه.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 84: إذا حلف لا كلمت زيدا، فسلم عليه حنث بلا خلاف، وإن سلم
34

: على جماعة فيهم زيد وأراده حنث أيضا بلا خلاف وإن لم يرده أو لم ينو شيئا
وأطلقه أو لم يعلم أن زيدا فيهم لم يحنث عندنا.
وقال الشافعي: إن عزله بالنية فعلى طريقين: منهم من قال: يصح قولا
واحدا كما قلناه، ومنهم من قال على قولين، وإن أطلق السلام من غير نية فعلى
قولين وإن كان جاهلا بأن زيدا فيهم فعلى قولين كيمين الساهي.
دليلنا: ما قلناه في المسائل الأولة سواء.
مسألة 85: إذا حلف لا كلمت فلانا، فكتب إليه كتابا أو أرسل إليه رسولا
أو أومأ إليه برأسه أو غمز بعينه أو أشار بعينه لم يحنث، وبه قال أهل العراق.
وللشافعي في جميع ذلك قولان: أحدهما يحنث وبه قال مالك، قاله في
القديم وقال في الجديد: لا يحنث كما قلناه.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة وشغلها يحتاج إلى دليل وأيضا فلا يسمى
شئ مما عددناه كلاما على الحقيقة فيجب أن لا يحنث به، وقال تعالى: فقولي
إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا، ثم قال: فأشارت إليه قالوا كيف
نكلم من كان في المهد صبيا، فوجه الدلالة أنها نذرت أن لا تكلم أحدا ثم أشارت
إليه ثبت أن الإشارة ليست بكلام.
مسألة 86: إذا حلف لا رأى منكرا إلا رفعه إلى القاضي أبي فلان، ففاته من
غير تفريط مثل أن مات أحدهما أو حجب عنه أو أكره على المنع لا يحنث،
وللشافعي فيه قولان.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة وأيضا فإن هذا لم يفرط فلا يلزمه حكم اليمين
وإنما يلزم ذلك بالتفريط.
مسألة 87: إذا عزل هذا القاضي فقد فاته الرفع إليه، وبه قال أبو حنيفة،
35

وهو ظاهر مذهب الشافعي وله فيه وجه آخر أنه لم يفته لأنه علق إليه بعينه دون
صفته.
دليلنا: ما قدمناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 88: إذا حلف وقال: إن شفى الله مريضي فلله أن أتصدق بمالي،
انصرف ذلك إلى جميع ما يتمول في العادة زكاتيا كان أو غير زكاتي، وبه قال
الشافعي، وقال أبو حنيفة: القياس يقتضي مثل هذا ولكن استحسانا يصرف ذلك
إلى الأموال الزكاتية.
دليلنا: إن اسم المال يقع على جميع ذلك في اللغة فيجب حمله على
عمومه، وأيضا قال الله تعالى: وأحل لكم ما وراء ذلك أن تبتغوا بأموالكم، ولا
خلاف أن ذلك لا يختص الزكاتية.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: خير المال سكة مأبورة ومهرة
مأمورة، وأراد بالسكة المأبورة النحل المصطف ولهذا يسمى الدرب الممتد سكة
والمهرة المأمورة التي يكثر نتاجها، فالنبي صلى الله وآله جعل النخل خير
المال.
مسألة 89: إذا حلف ليضربن عبده مائة أو قال: مائة سوط، فأخذ ضغثا
فيه مائة شمراخ أو شد مائة سوط فقربه بها دفعة واحدة وعلم أن جميعها وقعت
على جسده بر في يمينه ولم يحنث سواء آلمه أو لم يؤلمه، وبه قال الشافعي وهو
ظاهر قول أبي حنيفة.
وقال مالك: لا يعتد له إلا بواحدة كما لو حلف ليضربنه مائة مرة أو مائة
ضربة لم يبر كذلك هاهنا إذا قال مائة أو مائة سوط، لا يعتد إلا بما يؤلم.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم وأيضا قوله تعالى: وخذ بيدك ضغثا
فاضرب به ولا تحنث، وهذه قصة أيوب عليه السلام كان حلف ليضربن زوجته
36

مائة فعلمه الله تعالى كيف البر فيه فقال: اضربها بالضغث وهذا نص.
مسألة 90: إذا ضربه بضغث فيه مائة ولم يعلم أن الجميع وصل إلى جلده
بل غلب على ظنه ذلك بر في يمينه وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة والمزني: لا
يبر حتى يقطع على أن المائة وصلت إلى جلده.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء وغلبة الظن تقوم مقام العلم في هذا
الباب.
مسألة 91: إذا حلف لا وهبت له، فإن الهبة عبارة عن كل عين يملكه إياها
متبرعا بها بغير عوض فإن وهب له أو أهدى أو نحله أو أعمره أو تصدق عليه
بصدقة تطوع حنث، وقد سمى رسول الله صلى الله وآله العمرى هبة فقال:
العمرى هبة لمن وهبت له، وبه قال الشافعي ووافق أبو حنيفة في كل هذا وخالف
في صدقة التطوع فقال: لا يحنث بها لأنها ليست صدقة، بل هي غير الهبة والهدية
بدليل أن النبي صلى الله عليه وآله كان تحرم عليه الصدقة وتحل له الهدية، وإذا
كانا مختلفين لم يدخلا مدخلا واحدا في باب اليمين.
دليلنا: إن معنى الهبة هو تمليك العين بغير عوض على وجه التبرع وهذا
قائم هاهنا فيجب أن تكون هبة وتدخل تحت الإثم.
مسألة 92: إذا حلف لا يركب دابة العبد، وللعبد دابة قد جعلها له سيده
في رسمه فركبها لم يحنث، وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: يحنث لأنها تضاف
إليه.
دليلنا: أن العبد لا يملك شيئا أصلا وهذه الإضافة تقتضي الملك وإذا
انتفى عنه الملك فما ركب دابته فلا يحنث وإنما تضاف إليه مجازا.
37

مسألة 93: إذا قال: إن دخلت الدار فمالي صدقة أو فعلى صوم شعبان، أو
قال: إن لم أدخل الدار وإن لم أكلم فلانا فمالي صدقة أو فعلى صوم سنة، فإذا
وجد شرطه لم يكن ذلك نذرا وهو بالخيار بين الوفاء به وبين أن لا يفي به وليس
بواجب عليه، وإن قال بلفظ " الله " على ذلك كان نذرا يجب عليه الوفاء به.
وقال جميع الفقهاء: إن ذلك نذر يجب عليه الوفاء به في اللجاج والغضب
وما الذي يجب به اختلفوا على ستة مذاهب:
فذهب الشافعي إلى أنه بالخيار بين الوفاء بنذره وبين أن يكفر كفارة يمين،
وقال بعض أصحابه: الواجب فيه كفارة يمين إلا أنه إذا أراد أن يفعل الأكمل
تصدق بماله، هذا إذا علقه بعبادة غير الحج فإن علقه بحج فعلى قولين: أحدهما
مثل العبادات، والثاني عليه الحج لا غير، وبه قال في الصحابة عمر وابن عباس
وأبو هريرة وعائشة وزينب وأم كلثوم وأم سلمة، وفي التابعين عطاء والحسن
البصري وفي الفقهاء أحمد وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وذهب النخعي والحكم
وحماد إلى أنه لا يلزمه به شئ لا الوفاء، ولا الكفارة مثل ما قلناه، وقال ربيعة:
يلزمه قدر زكاة ما فيه الزكاة فإن كان له مال يجب فيه الزكاة أخرج قدر زكاته.
وقال مالك: عليه أن يتصدق بثلث ماله وقال أبو حنيفة: عليه أن يتصدق
بماله الذي يجب فيه الزكاة حتى لو كان جميع ماله ما يجب فيه الزكاة فعليه أن
يتصدق به وقال عثمان البتي: عليه الوفاء به فيتصدق بجميع ماله فأضيقهم قولا
عثمان البتي ويليه أبو حنيفة ثم مالك ثم ربيعة ثم الشافعي ثم النخعي.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، وشغلها يحتاج إلى دليل، وعليه إجماع
الفرقة وأخبارهم.
مسألة 94: إذا حلف لا أستخدم عبدا، فخدمه عبد من قبل نفسه لم يحنث
سواء كان عبد نفسه أو عبد غيره وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: إن كان عبد
نفسه حنث، وإن كان عبد غيره لا يحنث لأنه إذا كان عبد نفسه كان إقراره على
38

ذلك تمكينه منه استخداما.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة.
وأيضا أن لفظ " الاستفعال " أن يطلب منه الخدمة، هذا موضوعها في اللغة
فإذا لم يطلب منه ذلك لم يكن مستخدما وإذا لم يكن كذلك لم يلزمه كفارة.
مسألة 95: إذا حلف لا يأكل فاكهة فأكل عنبا أو رطبا أو رمانا حنث وبه
قال أبو يوسف ومحمد والشافعي، وقال أبو حنيفة: لا يحنث.
دليلنا: إن أهل اللغة يسمون ذلك فاكهة، وقد روي أن النبي صلى الله عليه
وآله نهى عن بيع الثمار حتى تزهو، قيل: يا رسول الله وما تزهو؟ فقال: تصفار أو
تحمار، فسمي الرطب ثمرة والثمرة فاكهة.
وأيضا الفاكهة عبارة عما يتفكه الإنسان به مما لا يكون المقصود من قوته
فلهذا قيل: فلان يتفكه في كلامه إذا تكلم بغير المقصود منه، وليس عطف هذه
الأشياء في القرآن على الفاكهة بدليل على أنها ليست بفاكهة، كما أنه عطف
الصلاة الوسطى على الصلوات، وإن كان لفظ الصلوات يشملها، وكما قال:
وملائكته ورسله وجبريل وميكال، وإن كانا من جملة الملائكة وإنما أفرد ذلك
تعظيما وتفخيما.
مسألة 96: إذا حلف لا يشم الورد، فشم دهنه لا يحنث بلا خلاف، وإن
حلف لا يشم بنفسجا فشم دهنه لم يحنث أيضا عندنا وبه قال الشافعي، وقال
أبو حنيفة: يحنث لأنه يقال لدهنه بنفسج.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، وأيضا فالبنفسج عبارة عن الورود، وإنما
سمي دهنه بذلك مجازا.
مسألة 97: إن حلف لا يضرب زوجته فعضها أو خنقها أو نتف شعرها لم
39

يحنث، وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: يحنث بكل هذا لأنه قد ضرب وزيادة.
دليلنا: ما قلناه من أن الأصل براءة الذمة، وشغلها يحتاج إلى دليل، ولأن
هذه الأفعال لا تسمى في اللغة ضربا على الحقيقة فيجب أن لا يتعلق بها الحنث.
مسألة 98: إذا حلف لا يأكل أدما فأكل الخبز بالملح حنث بلا خلاف،
وإن أكل لحما مشويا أو مطبوخا أو أكل الجبن حنث، وبه قال
الشافعي، وقال
أبو حنيفة: لا يحنث، وقال أبو يوسف: الأدم ما يصطبغ به.
دليلنا: ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: سيد الأدم اللحم،
ولأن الأدم عبارة عما يأتدم، وهو ما يؤكل بالخبز في العادة، وهذه الأشياء هذه
سبيلها.
مسألة 99: إذا حلف لا أدخل بيتا فدخل صفة في الدار لم يحنث، وبه قال
الشافعي، وقال أبو حنيفة: يحنث.
دليلنا: إن الأصل براءة الذمة وأيضا فالصفة لا تسمى بيتا في اللغة فلا يجب
أن يحنث لأنه لم يتناوله الاسم.
مسألة 100: إذا حلف لا أصلي ثم صلى لا يحنث عندنا أصلا وإن فرع منها،
وقال أبو حنيفة: لا يحنث حتى يسجد، وقال أبو العباس بن سريج: لا يحنث حتى
يكبر ويقرأ ويركع، وقال أبو حامد: الذي يجئ على المذهب أنه إذا أحرم بها
حنث قرأ أو لم يقرأ، ركع أو لم يركع.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، وأيضا إجماع الفرقة على أن من حلف لا
يفعل شيئا، وكان فعله أولى من تركه فليفعله ولا شئ عليه، وفعل الصلاة أولى
من تركها فيجب أن لا يحنث، وقد مضت فيما تقدم.
40

مسألة 101: إذا قال لعبده: إن لم أحج السنة فأنت حر، فمضى وقت الحج
ثم اختلفا فقال السيد: قد حججت العام، وقال العبد: ما حججت وأقام العبد
البينة أن مولاه نحر يوم النحر بالكوفة فقال أبو العباس بن سريج: يعتق العبد،
وقال أبو حنيفة: لا يعتق وقال أبو حامد: وهذا غلط لأنه إذا ثبت أنه كان يوم النحر
بالكوفة بطل أن يكون يوم عرفة بمكة، وهذا على أصلنا لا يلزم لأن عندنا أن
العتق بشرط لا يصح، وهذا عتق بشرط فيجب أن يكون باطلا.
مسألة 102: إذا حلف لا يتكلم فقرأ القرآن لم يحنث سواء كان في الصلاة أو في غير الصلاة
، وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: إن قرأ في الصلاة لم يحنث،
وإن قرأ في غيرها حنث.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، وأيضا فلا يطلق على من قرأ القرآن أنه
يتكلم، ولو كان كلاما خارج الصلاة لكان كلاما داخل الصلاة فكان يجب أن
يقطع الصلاة وأجمعنا على خلافه.
مسألة 103: إذا حلف لا وهبت عبدي، فوهبه من رجل حنث بوجود
الإيجاب قبل الموهوب أو لم يقبل، وبه قال أبو حنيفة وأبو العباس بن سريج،
وقال أبو حامد الإسفرايني: لا يحنث لأن الهبة عبارة عن الإيجاب والقبول كالبيع،
وهو قوي.
دليلنا: على الأول أنه إذا قال: وهبت، فقد فعل ما حلف أنه لا يفعله، وإنما
حلف أن لا يفعل هذه الصيغة بعينها فقد فعلها فيجب أن لا يحنث، وليس كذلك
البيع لأنه لا يقال: باع بلفظ قوله بعت حتى يحصل القبول.
مسألة 104: إذا قال: إن شفى الله مريضي فلله على أن أمضي أو أذهب أو
أمشي إلى بيت الله الحرام، وجب عليه الوفاء به، ولا يجوز أن يمضى إلا حاجا أو
41

معتمرا وكان نذرا صحيحا، وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة في المشي مثل ما
قلناه، وقال في الذهاب والمضي: لا ينعقد نذره.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وطريقة الاحتياط.
مسألة 105: إذا نذر المشي وجب عليه ذلك، ولا يجوز له أن يركب فإن
ركب وجب عليه إعادة المشي فإن عجز عن ذلك لزمه دم، وقال الشافعي: إن
قدر على المشي فركب لزمه دم، ولا إعادة عليه، وإن عجز فركب فعلى قولين:
أحدهما لا شئ عليه وهو القياس، والثاني يلزمه دم ولا إعادة عليه، وأما الذهاب
والمضي فهو بالخيار بلا خلاف.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وطريقة الاحتياط.
مسألة 106: إذا حلف لا أتسرى، فمتى تسرى حنث، وما هو التسري؟
الأولى أن يقال: أنه عبارة الوطء والتخدير وبه قال أبو حنيفة ومحمد وهو أحد
أقوال الشافعي، وقوله الثاني أنه عبارة عن الوطء فحسب، وقوله الثالث أنه عبارة
عن الإنزال مع الوطء، وبه قال أبو يوسف وهو المذهب عندهم.
دليلنا: أن الجارية ضربان: سرية وخادمة فإذا خدرها ووطئ فقد تسري
وترك الاستخدام.
مسألة 107: إذا كان له عبدان فقال: إذا جاء غد فأحدكما حر، ثم باع
أحدهما قبل مجئ الغد وجاء غد لم يعتق الآخر، وبه قال الشافعي، وقال محمد:
يعتق.
دليلنا: الأصل بقاء الرق، وأيضا فإن هذا عتق بشرط وذلك عندنا باطل.
مسألة 108: إذا جاء غد وهما جميعا في ملكه لم يعتق أحدهما، وقال
42

الشافعي: يعتق أحدهما لا بعينه وقيل له: عين، فمن عين عتق ورق الآخر.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
43

كتاب النذور
مسألة 1: إذا قال ابتداء: لله على أن أصوم أو أتصدق أو أحج، ولم يجعله
جزاء على غيره لزمه الوفاء به، وكان نذرا صحيحا وهو الظاهر من مذهب
الشافعي، وقول أبي العباس وأبي سعيد الإصطخري، وبه قال أهل العراق.
وقال أبو بكر الصيرفي وأبو إسحاق المروزي: لا يلزمه الوفاء به، ولا يتعلق به
حكم، قال الصيرفي وقال ابن عمر وغلام ثعلب: النذر عند العرب وعد بشرط.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم وطريقة الاحتياط تقتضيه، وأيضا قوله
تعالى: يوفون بالنذر ويخافون، وقال: أوفوا بعهد الله إذا عاهدتم، وقال عز وجل:
أوفوا بعهدي أوف بعهدكم، وقال تعالى: ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا
يولون الأدبار وكان عهد الله مسؤولا، وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه
قال: من نذر أن يطيع الله فليطعه فأما قول ثعلب: النذر عند العرب وعد بشرط
فإنه يقال له النذر هو وعد بغير شرط، ومنه قول جميل بن معمر:
- فليت رجالا فيك قد نذروا دمي * وهموا بقتلي يا بثين لقوني -
ومنه قول عنترة العبسي:
- الشاتمي عرضي ولم أشتمهما * والناذرين إذا لقيتهما دمي -
فسقط قول ثعلب بذلك.
45

مسألة 2: إذا نذر أن يمشي إلى بيت الله وجب عليه الوفاء به بلا خلاف،
فإن خالفه فركب، فإن كان مع القدرة على المشي وجب عليه الإعادة يمشي ما
ركب، وإن ركب مع العجز لم يلزمه شئ، وقد روي أن عليه دما، وإن نذر أن
يحج راكبا، فإن خالفه ومشى لم يلزمه شئ.
وقال الشافعي: إن ركب وقد نذر المشي مع القدرة عليه لزمه دم، ولا إعادة
عليه، وإن ركب مع العجز فعلى قولين: أحدهما - وهو القياس - لا شئ عليه
والآخر عليه دم، وإن نذر الركوب فمشى لزمه دم.
دليلنا على المسألة الأولى: ما قدمناه في الأيمان من إجماع الفرقة، وطريقة
الاحتياط، وعلى الثانية: أن الأصل براءة الذمة وإيجاب الدم يحتاج إلى دليل.
مسألة 3: إذا نذر أن يمشي إلى بيت الله تعالى ولم يقل الحرام فإن كان
نيته بيت الله الحرام لزمه الوفاء به، وإن لم ينو شيئا لم يلزمه شئ، وقال
الشافعي: إن نوى مثل ما قلناه، وإن لم ينو شيئا فعلى قولين.
دليلنا: أن ما قلناه مجمع عليه، وما ذكروه ليس عليه دليل، وأيضا الأصل
براءة الذمة، وشغلها يحتاج إلى دليل، وأيضا قوله صلى الله عليه وآله: الأعمال
بالنيات، وهذا لا نية فيه فيجب أن لا يلزمه شئ.
مسألة 4: إذا نذر أن يمشي إلى بيت الله الحرام لا بحج ولا بعمرة لا يلزمه
شئ وللشافعي فيه قولان، وقيل وجهان: أحدهما مثل ما قلناه، والثاني يلزمه
المشي إما بحج أو بعمرة.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، وشغلها يحتاج إلى دليل.
مسألة 5: إذا نذر أن يمشي إلى مسجد النبي صلى الله عليه وآله أو المسجد
الأقصى أو بعض المشاهد التي فيها قبور الأئمة عليهم السلام وجب عليه الوفاء به.
46

وللشافعي في مسجد النبي صلى الله عليه وآله، وفي المسجد الأقصى قولان:
أحدهما مثل ما قلناه، وبه قال مالك، والآخر لا يلزمه شئ وما عداهما فلا يلزمه
شئ، وبه قال أبو حنيفة وهو أصح القولين عندهم.
دليلنا: إجماع الفرقة وطريقة الاحتياط، وجميع ما قدمناه من الآيات
والأخبار تدل على ذلك أيضا لأنها على عمومها.
مسألة 6: إذا نذر أن يأتي بقعة من الحرم كأبي قبيس والأبطح والمروة لم
ينعقد نذره وبه قال أبو حنيفة، وقال الشافعي: ينعقد نذره.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، وإيجاب النذر بهذا يحتاج إلى دليل.
مسألة 7: إذا نذر أن ينحر بدنة أو يذبح بقرة ولم يعين المكان لزمه أن
ينحر بمكة، وإن نذر نحره بالبصرة أو بالكوفة لزمه الوفاء به، وتفرقة اللحم في
الموضع الذي نذره، وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه، والثاني لا ينعقد
النذر.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم وأيضا طريقة الاحتياط تقتضيه.
مسألة 8: إذا قال: لله على أن أهدي، أو قال: أهدي هديا، لزمه أقل ما
يجزئ في الأضحية الثني من الإبل والبقر والغنم والجذع من الضأن، وكذلك
إذا قال: أهدي الهدي " بالألف واللام " ووافقنا الشافعي فيه إذا كان بالألف
واللام فإذا أنكر له فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه، والثاني يلزمه ما يقع عليه اسم
من ثمرة وبيضة فما فوقها.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم فإنهم رووا أن الهدي لا يقع إلا على النعم
فأما التمر وغيره فلا يسمى هديا، وطريقة الاحتياط تقتضي ما قلناه.
مسألة 9: إذا نذرت المرأة أن تصوم أياما بعينها فحاضت فيها أفطرت
47

وكان عليها القضاء سواء شرطت فيه التتابع أم لم تشرط ولم يقطع ذلك
بتتابعها، وللشافعي في وجوب القضاء قولان: أحدهما مثل ما قلناه والثاني لا
قضاء عليها لأنها أيام لو عينت أن تصوم وهي حائض لم ينعقد نذرها سواء
شرطت التفريق أو لم تشرط.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم وطريقة الاحتياط.
مسألة 10: إذا نذر الرجل أو المرأة صيام أيام بعينها ثم مرض فيها فأفطر
قضى ما أفطره ولا يجب عليه الاستئناف سواء شرط فيها التتابع أو لم يشرط.
وقال الشافعي: إن أطلق ولم يشرط التتابع هل عليه أن يقضي ما ترك في
مرضه؟ على وجهين، وإن كان شرط التتابع فهل ينقطع التتابع؟ على قولين:
أحدهما ينقطع وعليه الاستئناف كالحائض، والثاني لا ينقطع، وهل عليه قضاء
ما أفطره أو لا؟ على وجهين.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وطريقة الاحتياط.
مسألة 11: إذا نذر أن يصوم أياما بعينها متتابعا فأفطرها في سفر انقطع
التتابع، وعليه الاستئناف، والشافعي يبني على القولين فإذا قال: المرض يقطع
التتابع، فالسفر أولى، وإذا قال: المرض لا يقطع، فالسفر على قولين.
دليلنا: أن الذمة مرتهنة بصيام هذه الأيام وليس هاهنا دليل على أن ذمته
تبرأ إذا أفطر في السفر ثم قضى.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا إذا أفطر ثم قضى لم يكن صام
متتابعا، وهذا بخلاف ما نذر.
مسألة 12: إذا نذر أن يصوم يوم الفطر لم ينعقد نذره، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: ينعقد نذره يصوم يوما غير يوم الفطر، ولا يحل له أن
48

يصومه عن نذره فإن صامه عن نذره صح وأجزأ عن نذره.
دليلنا: إجماع الفرقة وأيضا الأصل براءة الذمة، وقوله عليه السلام: لا نذر
في معصية، لأن الصوم في هذا اليوم معصية بلا خلاف.
مسألة 13: إذا قال: لله على أن أصوم اليوم الذي يقدم فيه فلان، فقدم ليلا
لا يلزمه الصوم أصلا لأنه ما وجد شرطه بلا خلاف، وإن قدم في بعض نهار فلا
نص لأصحابنا فيه، والذي يقتضي المذهب أنه لا ينعقد نذره، ولا يلزمه صومه ولا
صوم يوم بدله.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه وهو اختيار أبي حامد، والثاني
ينعقد نذره وعليه صوم يوم آخر وهو اختيار الشافعي والمزني.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، وإيجاب صوم يوم بدل هذا يحتاج إلى
دليل، ويدل على أن نذره لا ينعقد أنه نذر نذرا لا يمكنه الوفاء به فإن بعض يوم
لا يكون صوما وجرى ذلك مجرى أن يقول يوم يقدم: أصوم أمسه، فإنه لا
يكون نذرا صحيحا لاستحالته.
مسألة 14: إذا قال: لله على أن أصوم كل خميس، فوافق ذلك إلى شهر
رمضان فصامه أجزأه عن رمضان، ولم يقع عن النذر سواء نوى به صوم شهر
رمضان أو صوم النذر، ولم يقع عن النذر بحال، وقال الشافعي: إن نوى صوم
شهر رمضان أجزأه عنه، وإن نوى صوم النذر لم يجزئه عن واحد منهما.
دليلنا: على أنه يجزئه عن رمضان هو أنه زمان لا يمكن أن يقع فيه صوم
غير رمضان فلا يحتاج إلى نية التعيين وقد مضت في كتاب الصيام، وإيجاب
صوم يوم بدله يحتاج إلى دليل.
مسألة 15: إذا نذر أن يصوم يوما بعينه فأفطر من غير عذر وجب عليه
49

قضاؤه وعليه ما على من أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا من الكفارة، وخالف
جميع الفقهاء في ذلك.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وطريقة الاحتياط.
مسألة 16: إذا نذر في معصية أن يصوم يوما بعينه كان نذره باطلا، ولا
يلزمه قضاء ولا كفارة إذا أفطر، وبه قال الشافعي وأصحابه، وقال الربيع: فيها
قول آخر أن عليه كفارة يمين بكل نذر معصية.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، وعلى من شغلها الدلالة.
مسألة 17: إذا نذر أن يصوم ولم يذكر مقداره لزمه صوم يوم بلا خلاف
لأنه أقل ما يقع عليه الاسم، وإن نذر أن يصلى لزمه صلاة ركعتين، وللشافعي فيه
قولان: أحدهما وهو المذهب مثل ما قلناه، والثاني أنه يلزمه صلاة ركعة واحدة
لأنها أقل صلاة في الشرع، وهي الوتر.
دليلنا: طريقة الاحتياط فإن ما ذكرناه تبرأ به ذمته بلا خلاف، وليس تبرأ
ذمته بصلاة ركعة واحدة بيقين.
مسألة 18: إذا نذر أن يعتق رقبة مطلقة أجزأه أي رقبة أعتقها مؤمنة كانت
أو كافرة سليمة كانت أو معيبة، والأفضل أن تكون مؤمنة سليمة، وللشافعي فيه
قولان: أحدهما مثل ما قلناه، والثاني أنه لا يجزئه إلا ما يجزئه في الكفارة من
كونها مؤمنة سليمة من العيوب.
دليلنا: أن ظاهر اسم الرقبة يتناوله فيجب أن يجزئه، وما زاد عليه يحتاج
إلى دليل.
50

في أن الحلف بأيمان البيعة وأيمان الحج لا ينعقد
مسألة 19: إذا قال: أيمان البيعة لازمة لي، أو حلف بأيمان البيعة لا دخلت
الدار، لم يلزمه شئ ولم يكن يمينا سواء عني بذلك الحقيقة البيعة التي كانت
على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله من المصالحة، وبعده إلى أيام الحجاج أو
ما حدث في أيام الحجاج من اليمين بالطلاق والعتق وغير ذلك، سواء صرح
بذلك أو نواه على كل حال.
وقال الشافعي: إن لم ينو بذلك شيئا كان لاغيا، وإن نوى أيمان الحجاج
ونطق فقال: أيمان البيعة لازمة لي بطلاقها وعتاقها، انعقدت يمينه لأنه حلف
بالطلاق، وإن لم ينطق بذلك ونوى الطلاق والعتق انعقدت يمينه أيضا لأنها
كناية عن الطلاق والعتق.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، وانعقاد ذلك يحتاج إلى دليل، وعليه أيضا
إجماع الفرقة فإنهم مجمعون على أن اليمين بالطلاق والعتاق باطلة، فهذا لو كان
صريحا بهما لبطل بما قلناه.
مسألة 20: إذا نذر ذبح آدمي كان نذره باطلا لا يتعلق به حكم، وكان
كلامه لغوا وبه قال أبو يوسف والشافعي.
وقال أبو حنيفة: إن نذر ذبح ولده فعليه شاة، وروي ذلك عن ابن عباس،
وروي عنه أيضا أنه قال: من نذر ذبح ولده فعليه دية، وإن نذر ذبح غيره من
أقاربه وأجداده وأمهاته فلا شئ عليه، وقال محمد: إن نذر ذبح ولده أو غلامه
فعليه شاة لأن تصرفه فيهما سواء، وإن نذر ذبح غيرهما فلا شئ عليه.
وقال سعيد بن المسيب: عليه كفارة اليمين لأنه نذر في معصية، قال: وهكذا
كل نذر في معصية فعلى الناذر كفارة يمين لأنه نذر في معصية.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، وشغلها يحتاج إلى دليل، وروى عمران بن
حصين أن النبي صلى الله عليه وآله قال: نذر في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن
51

آدم، وهذا معصية ولا يملكه ابن آدم أبدا.
52

المبسوط
في فقه الإمامية
تأليف شيخ الطائفة
أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (قدس سره)
385 - 460 ه‍. ق
53

كتاب الأيمان
قال الله تعالى: " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما
عقدتم الأيمان " فأخبر أنه لا يؤاخذ بلغو اليمين، ولغو اليمين أن يسبق لسانه بغير
عقيدة بقلبه، كأنه أراد أن يقول: لا والله، فقال: بلى والله، وأخبر أنه يؤاخذ بما
اعتقده وحلف به معتقدا له.
وقال تعالى: " إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا
خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم
عذاب أليم " فتواعد من اشترى بيمينه ثمنا قليلا.
وروي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله قال: والله لأغزون
قريشا، والله لأغزون قريشا، والله لأغزون قريشا، وفي بعضها ثم قال: إن شاء
الله.
وروي أنه عليه السلام كان كثيرا ما يحلف بهذه اليمين " لا ومقلب
القلوب ".
وروى أبو سعيد الخدري قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا
اجتهد في اليمين قال: لا والذي نفس أبي القاسم بيده، وفي بعضها: نفس محمد
بيده.
وروى أبو أمامة المازني - واسمه أبان بن ثعلبة - أن النبي عليه السلام قال:
55

من اقتطع مال امرئ مسلم بيمينه حرم عليه الجنة وأوجب له النار، قيل: وإن
كان شيئا يسيرا؟ قال: وإن كان سواكا.
تكره اليمين بغير الله كاليمين بالمخلوقات " النبي والكعبة ونحوها "
وكذلك بالآباء كقوله: وحق أبي وحق آبائي، ونحو ذلك، كل ذلك مكروه.
وروي أن النبي صلى الله عليه وآله قال: لا تحلفوا بآبائكم ولا بالأنداد، ولا
تحلفوا إلا بالله ولا تحلفوا بالله إلا وأنتم صادقون.
وروي أن النبي صلى الله عليه وآله سمع عمر بن الخطاب يحلف بأبيه،
فقال النبي صلى الله عليه وآله: إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، قال عمر: فوالله
ما حلفت بها بعد ذاكرا ولا آثرا، يعني: ولا رواية عن غيري ولا حكاية عنه.
وروي أن النبي صلى الله عليه وآله قال: من حلف بغير الله فقد أشرك،
وفي بعضها: فقد كفر بالله.
وقيل: في قوله " فقد أشرك " تأويلان: أحدهما الشرك الحقيقي، وهو أن
يعتقد تعظيم ما يحلف به، ويعتقده لازما كاليمين بالله، فمن اعتقد هذا فقد كفر
والتأويل الثاني لا يكفر به، وهو أن يشارك في اليمين فيحلف بغير الله كما
يحلف بالله.
وقوله " فقد كفر " لا تأويل له غير الكفر الحقيقي، وهو أن يعتقد تعظيم ما
يحلف به كما يعتقده في الله تعالى ذكره.
فإذا ثبت هذا فمتى خالف وحلف بها وحنث فلا كفارة عليه بلا خلاف.
وفي اليمين مكروه وغير مكروه، بلا خلاف، وروي عن بعضهم كراهتها
كلها.
فإذا ثبت هذا، فاليمين على المستقبل على خمسة أقسام:
يمين عقدها طاعة والمقام عليها طاعة وحلها معصية، وهي اليمين على
الواجبات واجتناب المعاصي، كما لو حلف ليصلين الخمس ويزكين ماله
ويصومن شهر رمضان ويحجن البيت، ولا يسرق ولا يزني ولا يقتل ولا يغصب،
56

فكل هذا طاعة والمقام عليها طاعة وحلها معصية، وكذلك، لا هجرت أبوي ولا
هجرت المسلمين.
الثانية: عقدها معصية والمقام عليها معصية وحلها طاعة، وهو ضد الأول
يحلف، لا صليت الفرض، ولا صمت رمضان ولأقتلن ولأشربن الخمر، ولأهجرن
الوالدين والمسلمين، فكل هذه معصية والمقام عليها معصية وحلها طاعة.
الثالث: يمين عقدها طاعة والمقام عليها طاعة وحلها مكروه، وهو أن
يحلف، ليفعلن النوافل والطاعات ولأصلين النوافل والحج تطوعا، والصدقة
ولأبرين الوالدان.
الرابع: بالضد من هذا وهو أن يكون عقدها مكروها والمقام عليها مكروها
وحلها طاعة، وهو أن ويحلف، لا صليت النوافل ولا صمت تطوعا ولا حججت
تطوعا ولا بررت الوالدين، فالعقد مكروه والمقام عليه مكروه وحلها طاعة، ومن
هذا الضرب إذا حلف، لا آكل الطيب، ولا ألبس الناعم، فعقدها مكروه والمقام
عليها مكروه وحلها طاعة، وقال بعضهم: هذا مباح، والأول أصح لقوله تعالى:
" قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده " وقال بعضهم: المقام عليها طاعة
ولازم.
الخامس: يمين عقدها مباح والمقام عليها مباح وفي حلها خلاف، وهو أن
يحلف، لا دخلت بلدا فيه من يجوز على الناس ويظلمهم، ولا سلكت طريقا
مخوفا، كل هذا مباح، وإذا حلف قال قوم: المقام عليها أفضل لقوله: " لا
تنقضوا الأيمان بعد توكيدها " ولقوله: " واحفظوا أيمانكم "، والثاني حلها مباح،
والأول أصح للآية.
فأما الأيمان على الماضي فعلى ضربين: محرمة ومباحة، فالمحرمة المحظورة
أن يكون فيها كاذبا وهو أن يحلف، ما فعلت، وقد فعل، أو فعلت، وما فعل،
والمباحة أن يكون صادقا فيما يحلف، وإن كانت عند الحاكم.
إذا ادعى عليه دعوى فأنكرها وكان صادقا فالأفضل أن لا يحلف وإن كان
57

مباحا، وروي أن ابن عمر ادعى على عثمان مالا فوزنه عثمان ولم يحلف، فقال له
عمر: لم لم تحلف؟ والله إن هذه أرض والله إن هذه سماء ما ضرت يمين برت،
فقال عثمان: خشيت أن يصادف بلاء قدر فيقال " بيمينه " وروي مثل ذلك عن
أبي جعفر الباقر عليه السلام أنه وزن ما ادعى عليه ولم يحلف، وقال مثل ذلك.
فإذا تقررت أقسامها فمتى حلف وحنث فلا تلزمه في جميع ذلك كفارة
عندنا إلا ما كان يمينا على مستقبل، ويكون فعله وتركه سواء، فحينئذ تلزمه
كفارة ولا كفارة فيما عداها، وما كان حله طاعة وعبادة أو له مصلحة يستضر
بتركها فإنه يحلها ولا كفارة عليه، وإن كان حلها معصية فمتى حلها فعليه الكفارة،
وعند المخالف، تلزمه بحنث جميع ذلك كفارة.
إذا قال: أنا يهودي أو نصراني أو مجوسي أو برئت من الله أو من القرآن أو
من الإسلام لو فعلت كذا، ففعل، لم يكن يمينا ولا يحنث بخلافه، ولا يلزمه
كفارة، ولا فيه خلاف.
الأيمان ضربان: على مستقبل وعلى ماض.
فإن كانت على مستقبل انقسمت قسمين: نفيا وإثباتا، فالنفي، والله لا فعلت
كذا لا أكلت لا شربت لا كلمت زيدا، والإثبات، والله لأفعلن كذا لآكلن لأشربن
لأكلمن اليوم زيدا.
فإذا حلف على نفي أو على إثبات نظرت: فإن أقام على يمينه فلا كلام، وإن
خالف فإن كان عالما بذلك فعليه الكفارة، وإن كان ناسيا فلا كفارة عليه
عندنا، وقال بعضهم: تلزمه.
وإن كانت على ماض فعلى ضربين أيضا: على نفي وإثبات، فالنفي يحلف،
ما فعلت كذا ما أكلت ما شربت ما لبست، والإثبات أن يحلف، لقد فعلت كذا أو
أكلت كذا أو شربت أو لبست، نظر فيه: فإن كان صادقا بما حلف فهو بار فيها
ولا شئ عليه، وإن كان كاذبا فإن كان مع العلم بحاله أثم، ولا كفارة عندنا
عليه، وقال بعضهم: تلزمه الكفارة، وإن كان ناسيا فكذلك عندنا لا كفارة عليه
58

ولا إثم أيضا، وقال بعضهم: عليه الكفارة.
قالوا: ولا فصل بين الماضي والمستقبل إلا في فصل واحد، وهو أنها إذا
كانت على المستقبل انعقدت على بر أو حنث وإن كانت على ماض عقدها ولم
تنعقد، فإن كان صادقا لم يحنث وإن كاذبا عالما بذلك قارن الحنث العقد،
وعليه الكفارة، وفيه خلاف.
إذا قال: والله لأصعدن السماء أو لأقتلن زيدا، وزيد مات، لم يحنث عندنا
ولا كفارة عليه، وعندهم يحنث وتلزمه الكفارة.
الكافر يصح يمينه بالله في حال كفره، فإن حنث فعليه الكفارة سواء حنث
في حال كفره أو بعد أن يسلم، وقال بعضهم: لا تنعقد يمينه بالله، ولا تجب عليه
الكفارة ولا يصح منه التكفير، والأقوى عندي الأول، إلا أنه لا تصح منه الكفارة
في حال كفره لأنها تحتاج إلى نية القربة، وهي لا تصح من كافر لأنه غير عارف
بالله.
إذا حلف لم يخل من ثلاثة أحوال: إما أن يحلف بالله أو بأسمائه أو بصفاته.
فإن حلف به كان يمينا بكل حال، والحلف به أن يقول: " ومقلب القلوب "
لما تقدم من الخبر، وكقوله: والذي نفسي بيده، للخبر أيضا، وروي عن علي عليه
السلام أنه قال: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ونودي بالعظمة، ونحو ذلك
كقوله: والذي أحج له وأصلي له، كان هذا يمينا به بلا خلاف، ومتى حنث
وجبت عليه الكفارة.
وأما الحلف بأسمائه، فأسماؤه على ثلاثة أضرب: اسم لا يشاركه غيره فيه،
واسم يشاركه فيه غيره لكن إطلاقه ينصرف إليه، واسم يشاركه فيه غيره وإطلاقه
لا ينصرف إليه.
فأما ما لا يشاركه غيره فيه فإنه يكون يمينا بكل حال كقوله: والله، فإنه يبدأ
به ويعطف عليه غيره، فيقول: والله الرحمان الرحيم الطالب الغالب، وكذلك
الرحمان له خاصة، وهكذا، الأول الذي ليس قبله شئ، والآخر الذي ليس بعده
59

شئ، والواحد الذي ليس كمثله شئ، كل هذا لا تصلح لغيره بوجه، والحكم
فيه كما لو حلف به وقد مضى.
والثاني: ما يشاركه فيه غيره وإطلاقه ينصرف إليه كالرب والرازق
والخالق، فيه يقال: رب العالمين ورب الدار لغيره، ورازق الخلق ورازق الجند
لغيره، وخالق الأشياء له، وخالق الإفك لغيره.
وما كان من هذا وإطلاقه ينصرف إليه فإن أطلق وأراد يمينا كان يمينا، وإن
لم يرد يمينا فقيد بالنية أو بالنطق وأراد غير الله بذلك، لم يكن يمينا.
الثالث: ما يشاركه فيه غيره وإطلاقه لا ينصرف إليه كالموجود والحي
والناطق ونحو هذا، كل هذا لا يكون يمينا بوجه، وإن أرادها وقصدها، لأنه
مشترك لا ينصرف إطلاقه إليه، فإذا كان كذلك لم يكن له في نفسه حرمة.
فأما الكلام في صفاته فصفاته ضربان: صفات ذات وصفات فعل.
فصفات ذاته مثل قول: وعظمة الله، وجلال الله، ونوره، وعلم الله،
وكبرياء الله، وعزة الله، وقال قوم: إذا قال: وعلم الله وقدرة الله، لا يكون يمينا
لأن الله عالم لذاته، فإذا قال: وعلم الله، كان معناه ومعلوم الله، فلا يكون يمينا
بالله، والذي نقوله: أنه إن قصد به المعنى الذي يكون به عالما وقادرا - على ما
يذهب إليه الأشعري - لم يكن يمينا بالله، وإن قصد به كونه عالما وقادرا كان
يمينا، فإن ذلك قد يعبر به عن كونه عالما وقادرا.
إن حلف بالقرآن أو سورة منه أو بآية منه لم يكن عندنا يمينا ولا يكفر، وقال
بعضهم: يكون يمينا، وفيه خلاف.
وأما صفات فعله كقوله: وخلق الله، ورزق الله، ومعلوم الله، كل هذا وما
في معناه ليس بيمين بحال.
إذا قال: أقسمت بالله، احتمل أمرين: أحدهما يمينا في الحال والآخر إخبارا عن
يمين ماضية، وكذلك قوله: أقسم بالله، احتمل أمرين: يمينا في الحال ووعدا بها
أنه سيحلف بها في المستقبل، ولا خلاف أنها سواء في الاحتمال.
60

فمتى قال: أقسمت بالله أو أقسم بالله نظرت: فإن أطلق ولا نية له، عندنا
لا تكون يمينا وعندهم تكون يمينا لأنها لفظة ثبت لها العرفان معا، عرف العادة
وعرف الشرع، فعرف الشرع قوله: " وقاسمهما أني لكما لمن الناصحين "
وقوله: " أقسموا ليصرمنها مصبحين " وقوله: " فيقسمان بالله " وأما عرف العادة
وهو عرف سائر الناس فإنهم يقولون: أقسمت بالله وأقسمت عليك، وهو مشهور
في اللغة.
فإذا ثبت العرفان كان يمينا مع الإطلاق، وإن أراد بها اليمين كانت النية
تأكيدا عندهم، وعندنا بها تصير يمينا لأن اليمين عندنا لا تنعقد إلا بالنية في سائر
الألفاظ.
فأما إن لم يرد يمينا وقال: أردت بقولي " أقسمت " إخبارا عن يمين قديمة، و
" أقسم بالله " أني سأحلف به، فعندنا يقبل قوله، وقال بعضهم: لا يقبل، فمن قال
بهذا قبله فيما بينه وبين الله لا في الظاهر، لأنه محتمل، وهو أعرف بما أراد.
إذا قال: أقسم لا فعلت كذا لا كلمت زيدا، ولم ينطق بما حلف به، لم يكن
يمينا أرادها أو لم يردها عندنا وعند كثير منهم، وفيه خلاف.
إذا قال: لعمرو الله، روى أصحابنا أنه يكون يمينا وبه قال جماعة، غير أنهم
لم يشترطوا النية وقال بعضهم: لا يكون يمينا إذا أطلق ولم يرد يمينا، وإن أراد
يمينا كان يمينا وهذا هو مذهبنا بعينه.
وإذا قال: وحق الله، كانت يمينا إذا أراد يمينا، وإن لم يرد لم تكن يمينا
وقال بعضهم: إن أطلق أيضا يكون يمينا وفيه خلاف، فأما إن قال: لم أرد يمينا،
لم تكن يمينا بلا خلاف.
وقوله: وقدرة الله، كقوله: وحق الله كذلك قوله: وعلم الله، إن قصد به ما
ذكرناه وقصد به اليمين كان يمينا، وعندهم إن قصد اليمين أو أطلق كان يمينا
فإن لم يرد يمينا فليست يمينا بلا خلاف.
فأما قوله: وعظمة الله وجلال الله وكبرياء الله، فكلها يمين إذا نوى بها
61

اليمين عندنا، وعندهم يمين على كل حال، إذا أطلق وإذا قصد، وإن قال: لم أرد
يمينا، قبل عندنا منه، وعندهم لا يقبل لأنها من صفات ذاته.
وأما إذا قال: تالله، فإن قصد يمينا كان يمينا، وإن لم يقصد لم يكن يمينا
وعندهم مثل قوله: وحق الله، إن أطلق أو أراد يمينا كان كذلك، وإن لم يرد لم
يكن يمينا.
لا فرق بين قوله " بالله وتالله " في أنه إذا قصد به اليمين كان يمينا في كل
موضع في الإيلاء والقسامة وغيرهما، وفيهم من فرق.
إذا قال: الله لأفعلن كذا وكذا، فإن أطلق ولم يرد يمينا لم يكن يمينا عندنا
وعندهم، عندنا لأن اليمين يحتاج إلى نية، وعندهم لأن حرف القسم ليس فيه،
وقال بعضهم: يكون يمينا.
إذا قال: أشهد بالله، إن أراد يمينا كان يمينا وإن أطلق أو لم يرد يمينا لم يكن
يمينا، وفيه خلاف.
إذا قال: أعزم بالله، لم يكن يمينا إذا أطلق أو لم يرد يمينا، بلا خلاف، وإن
أراد يمينا كان يمينا عند بعضهم، ويقوي في نفسي أنه لا يكون يمينا لأنه ليس من
ألفاظ اليمين.
إذا قال: أسألك بالله، لم يكن يمينا بحال عندنا، وعندهم إذا أطلق أو لم
يرد يمينا لم يكن يمينا لأنه يحتمل غير اليمين، فيكون معناه أتوسل إليك بالله.
فأما إذا قال: أقسم عليك بالله لتفعلن، لم يكن عندنا يمينا بحال، وعندهم
هو كقوله: أسألك بالله، لأنه يحتمل أقسم بمعنى سأقسم، أو أقسم عليك بمعنى
أستقسمك بالله أي أحلف أنت واقسم.
ويحتمل يمينا من جهته على فعل الغير بمعنى أقسم أنا بالله لتفعلن كذا، فإن
أراد يمينا فهي يمين ويكون معناه والله لتفعلن كذا وكذا، فتعقد على فعل غيره
كما يعقدها على فعل نفسه، وعندنا لا تنعقد اليمين على فعل الغير، وعندهم إذا
انعقدت على فعل الغير فإن أقام الغير عليها لم يحنث الحالف، فإن خالف الغير
62

حنث فلزمته الكفارة دون الذي حنثته، وقال بعضهم: الكفارة على الذي حنثته
دون الحالف، لأنه وقع الحنث بفعله، وعلى ما قلناه لا تتعلق به كفارة لا الحالف
ولا غيره.
إذا قال: عهد الله علي وميثاقه وكفالته وأمانته، فعندنا لا تكون يمينا بحال
وعلى وجه، إلا ما رواه أصحابنا في العهد، فإنه ينعقد به النذر، فأما اليمين فلا،
وفيهم من قال: إذا أطلق ولم يرد يمينا لم يكن يمينا، وقال بعضهم: يكون يمينا
بإطلاقه يمينا للعرف ومتى أراد يمينا فهي يمين عندهم بكل حال.
فكل موضع أراد يمينا فحنث، فإن كان حلفه بواحدة منها فعليه كفارة
واحدة بلا خلاف، وإن حلف بها كلها فقال: عهد الله علي وميثاقه وكفالته
وأمانته لأفعلن كذا، ثم حنث، قال بعضهم: يلزمه كفارة واحدة، وقال آخرون:
بكل لفظة كفارة.
وإن قال: أستعين بالله أو أعتصم بالله أو أتوكل على الله، لم يكن يمينا
بحال، أرادها أو لم يردها بلا خلاف، لأنها لا تصلح للأيمان، ولا يثبت بها
عرف.
وعقد الباب في هذا أن الألفاظ التي يحلف بها على ثلاثة أضرب:
فما ثبت له العرفان معا كقوله: " والله " فإنها تكون يمينا عندنا إذا نوى
فحسب، وعندهم على كل حال في ثلاث جهات: مع الإرادة، ومع الإطلاق،
وإن لم يرد يمينا، فإنها تكون يمينا ولا يقبل قوله عندهم، وعندنا يقبل.
وفي هذا المعنى ما لم يثبت فيه عرف شرع ولا عادة لكنه لا يصلح لغير
الحلف وهو إذا قال: والذي نفسي بيده، أو بأسمائه كقوله: والرحمان، أو بصفات
ذاته الخاصة كقوله: وعزة الله، وجلال الله، وعظمة الله، وكبرياء الله، لأن هذه
الألفاظ لا تصلح إلا لليمين.
الثاني: ما يثبت له أحد العرفين، عرف الشرع كقوله: بالله وتالله وأقسم
بالله وأحلف بالله وأولي بالله ولعمرو الله، وما ثبت له عرف العادة كقوله: وحق
63

الله، وعهد الله عند بعضهم، فكل هذا يكون يمينا إذا نوى، وإن لم ينو لم يكن
يمينا، وعندهم يكون يمينا مع النية ومع الإطلاق، ولا يكون يمينا إذا لم يردها.
الثالث: ما لم يثبت له عرف بحال فهذا على ضربين: أحدهما ما يصلح
لليمين وغيرها كقوله: أعزم بالله لأفعلن، وكذلك عهد الله وميثاقه وأمانته
وكفالته، كل هذا لا يكون يمينا عندنا بحال، وعندهم إذا أراد بها اليمين كانت
يمينا فأما إذا أطلق أو أراد غير اليمين فلا يكون يمينا، وما لا يصلح لليمين فلا
يكون يمينا بحال، بلا خلاف، كقوله: أعتصم بالله، أستعين بالله، أتوكل على
الله.
إذا حلف لا تحلى ولا لبس الحلي، فلبس الخاتم حنث، وقال بعضهم: لا
يحنث، وإذا حلفت المرأة لا لبست حليا فلبست الجوهر وحده حنثت، وقال
بعضهم: لا تحنث، وعندنا تحنث في الموضعين لقوله تعالى: " وتستخرجون
حلية تلبسونها ".
الاستثناء في اليمين بالله يصح، نفيا كانت أو إثباتا، فالنفي أن يقول: والله لا
كلمت زيدا إن شاء الله، والإثبات: والله لأكلمن زيدا اليوم إن شاء الله، فإذا
استثنى يسقط حكمها ولم يحنث بالمخالفة، ولسنا نقول: الاستثناء يرفع ما حلف
به، لكنها قد رفعت ومنع الانعقاد.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: من حلف على يمين فقال: إن
شاء الله، فقد استثنى، وروي عنه عليه السلام أنه قال: من حلف على يمين فقال:
إن شاء الله، لم يحنث، وتدخل في الطلاق كقوله: أنت طالق إن شاء الله،
وكذلك في اليمين بالعتق والطلاق عند المخالف، ويدخل أيضا في العتق
والنذر وفي الإقرار عندنا وعند الأكثر وقال بعضهم: لا تدخل في غير اليمين بالله.
فإذا ثبت أنها تدخل في كل هذا فهو غير واجب، بل هو بالخيار إن شاء
استثنى وإن شاء ترك عندنا وعند الأكثر، وقال بعض الشواذ: هو واجب لقوله:
" ولا تقولن لشئ إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله ".
64

فإذا ثبت ذلك فإن ترك فلا كلام، وإن استثنى فإنما يعمل إذا كان
موصولا ولا يعمل مفصولا، وينبغي أن يأتي به نسقا من غير قطع الكلام، أو يأتي
به في معنى الموصول، وهو أن يكون الكلام انقطع لانقطاع صوت أو نفس أو
عي أو تذكر فمتى أتى به على هذا صح، وإن فصل بينه وبين اليمين فصلا طويلا
ثم استثنى أو حين فرع من اليمين تشاغل بحديث آخر، يسقط الاستثناء، وفيه
خلاف.
فإذا ثبت أنها لا تصح إلا موصولا، فإنما يصح قولا ونطقا، ولا تصح اعتقادا
ونية، وإذا أتى به نطقا فإنما يصح إذا قصد به الاستثناء ونواه واعتقده، فإذا لم يكن
كذلك فلا يصح، مثل أن يقول: والله لا دخلت الدار إن شاء الله، يعني أنا على
هذا وأن الامتناع من دخولي لمشيئة الله.
وإذا حلف ليدخلن الدار اليوم إلا أن يشاء فلان، فقد ألزم نفسه دخولها اليوم
وجعل الاستثناء مشيئة فلان، ومشيئة فلان أن يقول: قد شئت أن لا تدخل، فإذا
قال هذا صح الاستثناء، وزالت اليمين، لأن الاستثناء ضد المستثنى منه، فلما
كانت اليمين إيجابا كان الاستثناء نفيا.
فإذا تقررت الصورة فإنه يتخلص منها بأحد أمرين: البر وهو الدخول، أو
وجود الاستثناء، فإذا لم يوجد واحد منهما حنث في يمينه، فإن قال فلان: قد
شئت أن تدخل، أو قال: أنا لا أشاء أن لا تدخل، لم يوجد الاستثناء لأنه لم يأت
بمشيئة هي ضد ما حلف به، فإن خالف ولم يدخل أو غاب عنا حتى مضى
الوقت حنث.
وجملته إذا حلف، لا دخلت الدار إلا أن يشاء فلان، فقد منع نفسه من
الدخول وجعل الاستثناء مشيئة فلان، والمشيئة التي يقع الاستثناء أن يشاء أن
يدخل، فإذا ثبت هذا فإنه يتخلص منها بأحد أمرين: البر وهو أن لا يدخل، أو
الاستثناء وهو أن يشاء فلان أن يدخل، فمتى وجد أحدهما سقط حكم اليمين.
فإن قال فلان: قد شئت أن لا يدخلها، أو قال: أنا لا أشاء أن تدخل، لم
65

يوجد الاستثناء لأنه ما أتى بالمشيئة التي هي ضد اليمين، فإن دخل الدار وخالف
فخفي علينا خبر فلان فلم نعلم شاء أو لم يشأ لم يحنث من قبل أن يكون فلان
شاء، وعندي أنه لا فرق بين المسألتين، وهو أنه متى خالف حنث، ومتى شك في
حصول المشيئة فإنه لا يحنث لأن الأصل براءة الذمة وفيها خلاف.
فأما إذا حلف ليضربنه مائة، فأخذ عرجونا فيه مائة شمراخ فضربه ضربة
واحدة فقد روى أصحابنا أنه يبر في يمينه، وفي الناس من قال: لا يبر إلا إذا قطع
أنه قد وصل إليه المائة بأجمعها، ومتى لم يعلم ذلك فإنه يحنث.
إذا حلف لا أدخل الدار إن شاء فلان، فليس هذا من الاستثناء بل علق
انعقاد يمينه بشرط مشيئة فلان، فالشرط ما كان في وفق يمينه، فإذا قال: قد شئت
أن لا يفعل، انعقدت يمينه، لأن شرط الانعقاد قد وجد، فإذا انعقدت فلا يخلصه
منها غير البر.
فإن قال فلان: قد شئت أن تدخلها، لم يوجد الشرط، لأنه في ضد اليمين،
وكذلك لو قال: لا أشاء أن لا تدخل، لم يوجد الشرط، لأن الشرط أن يشاء أن
لا يدخلها وما شاء هذا، فلا تنعقد يمينه، فإن غاب فلان ولم يعلم هل شاء أم لا لم
تنعقد يمينه لأنه لا يعلم الشرط، والأصل أن لا يمين.
فصل: في لغو اليمين:
لغو اليمين أن يسبق اليمين إلى لسانه لم يعقدها بقلبه، كأنه أراد أن يقول:
بلى والله، فسبق لسانه " لا والله " ثم استدرك فقال: بلى والله، فالأول لغو ولا
كفارة، وفيه خلاف.
فإذا ثبت هذا فالأيمان ضربان: لغو وغير لغو، فإن وقعت لغوا نظرت: فإن
كانت بالله قبل منه، لأنه من حقوق الله يقبل منه فيما بينه وبين الله، لأنه لا
مطالب بموجبها، وإن كانت بالطلاق أو العتاق فعندنا لا تنعقد إلى اليمين بهما
أصلا وإن قصد، وعندهم تقبل فيما بينه وبين الله ولم تقبل منه في الحكم، لأن
66

الظاهر أنها معقودة فلا تقبل منه في الحكم.
وأما المعقودة فعلى ضربين: على مستقبل وعلى ماض، فإن كانت على
مستقبل فقد تكون نفيا كقوله: والله لا دخلت في الدار، وتكون إثباتا كقوله:
والله لأدخلن الدار اليوم، فإن خالف نظرت: فإن كان عامدا حنث وعليه
الكفارة، وإن كان ناسيا فعندنا لا كفارة عليه، وقال بعضهم: عليه الكفارة.
وإن كانت على ماض فقد يكون أيضا نفيا كقوله: ما فعلت، وتكون إثباتا
كقوله: والله فعلت، فتنظر فيه: فإن كان صادقا فيما حلف عليه فقد بر فيها، وإن
كان كاذبا لم تلزمه كفارة، سواء كان عامدا أو ناسيا عندنا، وقال بعضهم: إن
كان عامدا فهي بمنزلة الغموس وعليه الكفارة، وإن كان ناسيا أو على ظنة، وبان
خلافه فعلى قولين.
فصل: في الكفارة في الحنث:
كفارة اليمين لا تتعلق عندنا إلا بالحنث، ولا يجوز تقديمها على الحنث فإن
قدمها ثم حنث لم تجزئه، وعليه إعادتها، وقال بعضهم: تتعلق الكفارة بشيئين
عقد وحنث فإن كانت على ماض وجد العقد وقارنه الحنث فلم يسبق العقد
ويتأخر الحنث، وإن كان على مستقبل وجد العقد وتأخر عنه الحنث.
فإذا ثبت ذلك فيجوز عندهم تقديمها بعد وجود العقد وقبل الحنث،
والمستحب أن يؤخرها حتى يحنث ثم يكفر ليخرج من الخلاف ولا يخلو الحنث
عندهم من أحد أمرين: إما أن يكون غير معصية أو يكون معصية، فإن كان غير
معصية جاز تقديمها وقد يكون غير المعصية طاعة كقوله: والله لا صليت، ويكون
ندبا كقوله: والله لا سلمت على فلان، ويكون مباحا كقوله: والله لا أكلت الخبز
الطيب، فإذا كان كذلك جاز تقديمها.
وقد بينا أن عندنا أن اليمين بهذه الأشياء لا تتعلق بها كفارة، وإنما تتعلق بما
يتساوى فعله وتركه على واحد، أو يكون قد حلف على أن يفعل طاعة أو يترك
67

قبيحا ثم خالفه، فإنه تجب عليه الكفارة.
وعلى جميع الأحوال فلا يجوز تقديم الكفارة عندنا على الحنث وإن كان
الحنث معصية، كما لو حلف لا شربت الخمر، ولأصلين الفرض، فهذا يمين
صحيحة عندنا ويحنث بمخالفتها، ويلزمه كفارة، ولا يجوز تقديمها على الحنث،
وفيهم من قال مثل ذلك قال: لأنه يستبيح بالكفارة محظورا ويستعين بها عليه،
وقال بعضهم: إنه يجوز تقديمها، لأنه لا يستبيح بالتكفير محظورا بحال، فإن
اليمين لا تغير حكمها فإنه إذا كفر لا تحل له شرب الخمر، ولا ترك الصلاة
ولكنه يفعل معصية سواء كفر أو لم يكفر.
فأما كفارة الظهار فإنها تجب بظهار وعود، والعود هو أن يعزم على وطئها
بعد الظهر عندنا، وقد مضى الخلاف فيه، هاهنا يصح تقديم الكفارة قبل الوطء
بل هو الواجب عندنا، لأنه لو وطئ قبل أن يكفر لزمته كفارتان، وكلما وطئ
لزمته كفارة.
ولا يجوز تقديم كفارة القتل، فإن فعل ثم سرت الجراحة إلى النفس فلا
يجزئ عندنا، وقال بعضهم: يجزئ، وكذلك إذا جرح صيدا فأخرج الجزاء
قبل موته لم يجزئه عندنا، وإنما يجزئه كفارة الجراح فقط وقال بعضهم: يجزئه.
اليمين بالطلاق عندنا باطلة وغير منعقدة بحال، فعلى هذا يسقط عنا جميع
الفروع التي تتفرع على من أجاز ذلك، لكنا نذكرها لأنها ربما تعلق بذلك نذر
فإن الحكم يجري على ما يقولونه في اليمين بها سواء.
إذا قال لزوجته: أنت طالق إن تزوجت عليك، فقد علق طلاق زوجته
بصفة أن يتزوج عليها، فإن تزوج نظرت: فإن لم تكن مطلقة طلقت عندهم
لوجود الصفة وإن كانت مطلقة رجعية فكمثل، لأنها في معاني الزوجات، وإن
كانت بائنا لم يقع، لأنها بائن لا يلحقها الطلاق.
وهل تنحل اليمين أم لا؟ قال بعضهم: تنحل للصفة كما لو قال: إن كلمت
زيدا فأنت طالق، فأبانها ثم كلمه انحلت الصفة، وقال بعضهم: هذا غلط فإن
68

الصفة لا تنحل لأنه قال: إن تزوجت عليك، والتزويج عليها إنما يكون إذا كانت
زوجة فأما إذا بانت فلا يكون تزوج عليها، بلى إن قال: إن تزوجت فأنت طالق،
فتزوج بعد أن أبانها انحلت اليمين لأنه طلقها، ولم يقل " عليك ".
وعندنا إن علق بذلك نذرا بأن يقول: إن تزوجت عليك فلله علي كذا،
فتزوج عليها قبل أن يطلقها أو في طلاق رجعي قبل الخروج من العدة لزمه، وإن
تزوج بعد البينونة فلا يلزمه بحال، وإن أطلق فقال: إن تزوجت ولم يقل
" عليك " لزمه متى تزوج ما نذر.
إذا قال لزوجته: إن لم أتزوج عليك فأنت طالق، فقد علق طلاقها بصفة،
وهو ترك التزوج عليها، وهذه ضد التي قبلها، فإنه علق طلاقها في هذه بترك
التزوج، وفي التي قبلها بفعل التزوج.
فإذا ثبت هذا وعلق طلاقها بترك التزوج عليها لم يخل من أحد أمرين: إما
أن يقيده بوقت أو يطلق، فإن قيده بوقت فقال: إن لم أتزوج عليك في هذا اليوم
أو في هذا الشهر أو في هذا العام فأنت طالق، كان له فسخه في هذه المدة، لأن
معناه إن فاتني ذلك في هذه المدة فأنت طالق.
فإذا ثبت هذا فعلقه بيوم نظرت: فإن تزوج قبل الغروب فقد بر في يمينه،
لأنه ما فاته، وإن لم يفعل حتى غربت الشمس طلقت قبل الغروب في وقت
الفوات، ووقت الفوات إذا بقي من النهار ما لا يتسع لعقد النكاح، وهذا يبين فيما
بعد.
وأما إن أطلق ولم يقيده بزمان فهو على التراخي ووقت التزويج واسع، ما
لم يموتا أو يموت أحدهما، لأن معنى إن لم أفعل - إن فاتني هذا الفعل - فأنت
طالق، وما دام حيا فما فاته.
فإن قيل: أ ليس لو قال: إذا لم أتزوج عليك فأنت طالق، كانت على
الفور؟ هلا قلتم إن " إن لم " كذلك قيل: الفصل بينهما أن " إذا لم أفعل "
للزمان معناها أي زمان لم أفعل فأنت طالق، فإذا مضى من الزمان ما أمكنه الفعل
69

فلم يفعل حنث، وليس كذلك " إن لم أفعل " لأنها تفيد إن فاتني الفعل، فهذه
كانت على التراخي.
فإذا ثبت أنها على التراخي لم يخل الزوج من أحد أمرين: إما أن يتزوج
عليها أو لا يفعل، فإن تزوج عليها بر في يمينه سواء تزوج بنظيرها أو بمن فوقها
أو دونها وقال بعضهم: إن تزوج بمثلها أو فوقها بر في يمينه وإن تزوج بمن هو
دونها في المنزلة والوحشة لم يبر في يمينه، لأنه قصد مغايضتها بذلك، وإنما
يغتاظ بالنظر إلى من فوقها أو مثلها، فأما من هو دونها فهذه شماتة، والأول أصح
على هذا المذهب.
والبر يقع بنفس العقد، دخل بها أو لم يدخل، وقال بعضهم: إن دخل بها
بر وإن لم يدخل لم يبر، لأن النكاح يقع على العقد والوطء في الشرع معا،
فوجب حمله عليها.
فإذا ثبت هذا نظرت: فإن تزوج فقد بر، وإن لم يتزوج بها حتى ماتا أو
أحدهما طلقت قبل وفاته في الزمان الذي فات فيه التزويج عليها، وهو إذا بقي منه
ما لا يتسع الزمان لعقد النكاح فيه، لأن الفوات فيه وقع.
فإذا وقع الطلاق، فإن كانت رجعية ورث أحدهما صاحبه سواء مات هو أو
هي، وإن كانت بائنا فإن ماتت هي لم يرثها، لأنه لا يتهم على نفسه في إسقاط إرثه
منها وإن مات هو قالوا: على القولين كالمبتوتة في حال المرض، لأنه إذا أبانها
وهو مريض كان متهما عليها في إسقاط إرثها، فكانت على قولين فكذلك إذا أخر
البر هاهنا كان متهما فكانت على قولين.
وهذه المسألة مثل الأولى في أنها تسقط على مذهبنا من حيث لا نقول بجواز
اليمين بالطلاق، فأما إن علق به نذرا بأن يقول: إن لم أتزوج عليك فلله علي
كذا، فإنه ينعقد النذر، فإن كان قيده بوقت فمتى فاته التزوج في ذلك الوقت
لزمه ما نذره، ويكون زمان الفوات على ما مضى شرحه.
وإن كان مطلقا فلا يفوت إلا بالموت منهما أو من أحدهما على ما مضى، وإن
70

قلنا: إنه على الفور، كان قويا بدليل الاحتياط، وإن قلنا: بالتراخي، فهو أقوى، لأن
الأصل براءة الذمة.
فصل: في الكفارات:
الكفارات على ثلاثة أضرب: مرتبة من غير تخيير، ومخير فيها من غير
ترتيب، وما فيها ترتيب وتخيير.
فالتي على الترتيب كفارة الظهار بلا خلاف وكفارة الجماع على الخلاف
وكفارة القتل بلا خلاف.
فأما الظهار فعليه رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع
فإطعام ستين مسكينا، وكذلك الجماع في رمضان إذا قلنا: إنه مرتب، وأما
كفارة القتل فعتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع
فإطعام ستين مسكينا عندنا، وعندهم على قولين.
والتي على التخيير، بكل حال فدية الأذى ما يختار من ذبح الشاة أو صيام
ثلاثة أيام أو إطعام ثلاثة أصواع على ستة مساكين، وكذلك كفارات الحج
كلها على التخيير، وقد روي في أخبارنا ما يدل على أنها مرتبة.
والتي تجمع الأمرين كفارة الأيمان على ما فصلناه، مثله كفارة النذور،
وقوله: أنت علي حرام، عند المخالف، وأما عندنا فإن كفارة النذور مثل كفارة
إفطار شهر رمضان سواء.
ومتى أراد التكفير بالإطعام فعليه أن يطعم عشرة مساكين لكل مسكين
مدين وروي مد، والمد رطلان وربع بالعراقي، وقال بعضهم: مد، وهو رطل
وثلث، وكذلك في سائر الكفارات " الظهار، والوطء، والقتل، وفداء الأذى "
وفيه خلاف.
وعندنا يجوز أن يخرج حبا ودقيقا وخبزا، وعند بعضهم لا يجوز إلا الحب،
ويخرج من غالب قوت أهل بلده، وروى أصحابنا أن أرفعه الخبز واللحم
71

وأوسطه الخبز والزيت وأدونه الخبز والملح، فإن كان في موضع قوت البلد
اللبن أو الأقط أو اللحم أخرج منه، وفيه خلاف.
كل من تلزمه نفقته لا يجوز صرف الكفارة إليه ومن لا يلزمه نفقته يجوز
صرف الكفارة إليه وقد مضى ذكرهم في النفقات، وأما الزوجة فلها صرف
كفارتها إلى زوجها، وفيه خلاف، والزوج لا يجوز له صرف كفارته إليها سواء
كانت غنية أو معسرة.
وجملته أن كل من يجوز صرف زكاة الفطرة إليه يجوز صرف الكفارة
إليه، ومن لا يجوز هناك لا يجوز هاهنا، ومن يأخذ الزكاة مع الغنى والفقر مثل
الغازي والغارم وابن السبيل، فلا يجوز عندنا صرف الكفارة إليه إلا مع الفقر،
وفيه خلاف.
ولا يجوز صرف الكفارة إلى العبد لأنه غني بسيده، والمدبر مثل ذلك،
والمعتق بصفة وأم الولد مثل ذلك سواء، والمكاتب مثل ذلك.
ولا يجوز صرفها إلى كافر، وقال بعضهم: يجوز صرف الكفارة إليهم، ولا
خلاف في زكاة المال، فإن صرفها إلى واحد من هؤلاء مع العلم بحاله لم يجزئه
عندنا وعليه إعادته وإن أعطاه مع الجهل بحاله لم يخل المعطي من أحد أمرين:
إما أن يكون إماما أو غير إمام:
فإن كان غير إمام فأعطى كفارة نفسه نظرت: فإن أخطأ في الكفر والحرية
مثل أن أعطى من ظاهره الإسلام فبان كافرا أو من ظاهره الحرية فبان عبدا فعليه
الإعادة عندهم، ويقوى في نفسي أن لا إعادة عليه، وهكذا إن أعطى من ظاهره أنه
أجنبي منه، فبان ممن يجب عليه نفقته، فعليه الإعادة عندهم لأنه فرط، وعندي مثل
الأول.
وإن كان أخطأ في الفقر مثل أن أعطى من ظاهره الفقر فبان غنيا، قال قوم:
عليه القضاء، وقال آخرون: لا قضاء عليه، وهو الأقوى عندي، لأنه لا يمكنه
الاحتراز منه.
72

وإن كان الدافع الإمام نظرت: فإن كان الخطأ في الفقر فلا إعادة عليه، وإن
كان في الكفر والرق فعلى قولين، ويقوى في نفسي أن لا ضمان عليه.
وعليه أن يعطي عشرة مساكين يعتبر العدد فيهم، فإن لم يجد العدد كرر
عليهم حتى يستوفي العدد - عندنا يوما بعد يوم حتى يستوفي العدد - وفيهم من
قال: لا يجزئه.
إن أطعم خمسا وكسا خمسا لم يجزئه عندنا، وقال بعضهم: يجزئ لأنه لو
أطعمهم أجزأه ولو كساهم أجزأه، وقال بعضهم: إن أطعم خمسا وكسا خمسا
بقيمة إطعام خمسة خمسة لم يجزئه، وإن كسا خمسة وأطعم خمسة بقدر كسوة
خمسة أجزأه، فأجاز إخراج قيمة الكسوة طعاما ولم يجز إخراج قيمة الطعام
كسوة، والأول أقوى لأن ما عداه خلاف الظاهر.
إذا اجتمع عليه كفارات لم يخل من أحد أمرين: إما أن يكون جنسا واحدا
أو أجناسا.
فإن كانت جنسا واحدا مثل أن يكون يمينا أو ظهارا أو قتلا فنفرضها في
كفارة الأيمان فإنه أوضح، فإذا كان عليه كفارات عن يمين، فإن أطعم عن
الكل، أو كسا عن الكل أو أعتق عن الكل أجزأه، وإن أطعم عشرة وكسا عشرة
وأعتق رقبة أجزأه عن الثلاث، فإذا ثبت أنه جائز نظرت: فإن أبهم النية ولم يعين،
بل نوى كفارة مطلقة أجزأه لقوله: " فكفارته إطعام عشرة مساكين " ولم يفرق.
فإذا ثبت هذا نظرت: فإن عين حين التكفير أجزأه، وإن أبهم من غير تعيين
أجزأه، فإن عين بعد الإبهام فقال: العتق عن الحنث الفلاني، والكسوة عن الفلاني
والطعام عن الفلاني أجزأه، هذا إذا كان الجنس واحدا.
فأما إن كانت أجناسا مثل أن حنث وقتل وظاهر عن زوجته ووطئ في
رمضان، فالحكم فيها كلها كما لو كان الجنس واحدا، وأنه لا يفتقر إلى تعيين
النية، وقال بعضهم: التعيين شرط، والأول أقوى عندنا.
إذا ثبت أن النية شرط، فالكلام في وقت النية، فعندنا لا يجزئه حتى تكون
73

النية مع التكفير، وقال بعضهم: يجوز أن تكون قبله.
إذا كانت عليه كفارة فكفر عنه غيره لم يخل من أحد أمرين: إما أن يكفر
عنه في حال حياته أو بعد وفاته.
فإن أعتق عنه في حال حياته، فإن كان باذنه صح ذلك، سواء كان بجعل
أو بغير جعل، واجبا كان العتق أو تطوعا، وقال بعضهم: لا يجوز ذلك بحال،
وقال بعضهم: إن كان بجعل جاز، وإن كان بغير جعل لم يجز، والأول أصح
عندنا.
فإذا ثبت هذا وقع العتق عن المعتق عنه، والولاء له دون المباشر، وعندنا
يكون سائبة، وإن كفر عنه بغير أمره لم تقع عمن نواها، لأنها تحتاج إلى نية من
تجب عليه، ويقع العتق عن المباشر له والولاء له.
وإن أعتق عنه بعد وفاته، فإن كان باذنه بأن أوصى إليه صح سواء كان
العتق واجبا أو تطوعا، وإن أعتق عنه بغير إذنه بأن مات من غير وصية، فإن أعتق
عنه تطوعا لم يقع عن المعتق عنه، لأن العتق عنه إحداث إلحاق ولائه بعد وفاته،
والولاء لحمة كلحمة النسب لقوله عليه السلام، فلما لم يجز إلحاق نسب به
كذلك الولاء.
وإن كانت الكفارة واجبة لم يخل من أحد أمرين: إما أن تكون على الترتيب
أو على التخيير:
فإن كانت على الترتيب نظرت: فإن خلف تركة تعلقت بتركته كالدين
يعتق عنه منها، ويلحقه الولاء، وإن لم يكن له تركة سقط العتق عنه، كما لو مات
وعليه دين ولا تركة له، فإن اختار ولي الميت أن يعتق عنه كمال الواجب عليه
أجزأ عنه، لأنه يقوم مقام مورثه في قضاء ديونه وغير ذلك.
وإن لم يكن على الترتيب مثل كفارة اليمين نظرت: فإن كفر عنه وليه
بالكسوة أو الإطعام صح عمن أخرجه عنه، وإن أعتق عنه قال بعضهم: أجزأ عنه،
و عند بعضهم لا يجزئ، والأول أصح عندنا لأن الثلاثة عندنا واجبة مخير فيها،
74

وليس الواجب واحدا لا بعينه.
لا تجوز النيابة في الصيام في حال الحياة بحال، وإن مات وعليه الصيام
وجب على وليه أن يصوم عنه عندنا، وقال بعضهم: لا يصام عنه، وفيه خلاف.
إذا أعطى مسكينا من كفارته أو زكاة ماله أو فطرته فالمستحب أن لا يشتري
ذلك ممن أعطاه، وقال بعضهم: لا يصح الشراء، والأول أقوى عندنا.
إذا كان له خادم يخدمه ومسكن يسكنه وهو مسكن مثله وخادم مثله، كان
كالغارم له في جواز أخذ الزكاة والكفارة، وإن كان فيهما فضل مثل أن كانت
الدار تساوي أكثر من دار مثله، وخادم ثمين يبتاع ببعض ثمنه خادم يكفيه كان
الفضل في هذا مانعا من جواز أخذ الصدقة.
قد ذكرنا في الكفارات المرتبة أنه إذا قدر على العتق لم يجز له الصيام، فإن
لم يجد رقبة صام، والاعتبار بحال الإخراج أو الوجوب، قال قوم: يعتبر حال
الوجوب، فعلى هذا إذا كان موسرا حال الوجوب فوجب عليه العتق ثم أعسر لم
يجز له الصوم، وإن كان معسرا ففرضه الصوم وإن أيسر كان فرضه الصوم،
وقال قوم: يعتبر حال الإخراج فإن كان في هذه الحال موسرا وجب عليه العتق
وإن كان معسرا فعليه الصيام، ولا اعتبار بما تقدم، وهو الأقوى عندي.
الناس ضربان: من تحل له الكفارة، ومن لا تحل له:
فمن تحل له الكفارة فالزكاة تحل له من سهم الفقراء والمساكين، ومن لا
تحل له الكفارة لا تحل له الزكاة، ومن كان في الكفارات من أهل الصيام لا
يجب عليه أن يكفر بالمال لأنه إنما يصوم الفقير الذي لا يجد، وهذا لا يجد.
وأما من لا تحل له ذلك لم يخل من أحد أمرين: إما أن يكون له فضل عن
كفايته على الدوام أو وفق الكفاية، فإن كان له فضل لم يكن من أهل الصيام،
لأنه واجد وإن كان له وفق كفاية على الدوام لا يزيد عليه شيئا كان فرضه
الصيام.
الحقوق على ثلاثة أضرب: ما يفوت بتأخره، وما لا يفوت به ولا ضرر عليه
75

بتأخره، وما لا يفوت وعليه ضرر بتأخره:
فما يفوت بتأخره كالصلاة لعدم الماء وهو قادر على ثمنه في بلده، فلا يجوز
تأخيره، وكذلك المتمتع إذا لم يجد الهدي صام ثلاثة أيام في الحج، ولم يؤخر
إلى أن يصل ماله إليه لأنه يفوت بتأخره.
وأما ما لا يفوت ولا ضرر في تأخره، فعليه تأخيره حتى يجد المال فيكفر به،
وهو كفارة الأيمان والقتل والوطء.
وأما ما لا يفوت بتأخره وفي تأخره ضرر فهو كفارة الظهار، فهل له الصيام
أم لا؟ قال قوم: لا يجوز لأنه لا يفوت بتأخره ككفارة القتل، وقال آخرون: يجوز
لأن عليه ضررا في تأخره، فإنه لا يقدر على الجماع حتى يكفر، وهو الأقوى
عندي.
إذا اختار أن يكفر بكسوة فعليه أن يكسو عشرة مساكين، وأقل الكسوة
ثوب واحد، وقد روى أصحابنا ثوبين، فمن قال: ثوب واحد، قال: للرجل منديل
أو قميص أو سراويل أو مئزر، والمرأة كذلك مقنعة أو قميص أو سراويل أو
مئزر، وقال بعضهم: السراويل لا يجزئ.
وقال بعضهم: لا يجزئ المرأة غير ما يجوز لها الصلاة فيه من ثوبين قميص
ومقنعة، وهو ما رواه أصحابنا مع الاختيار، فإن لم يجد فثوب واحد على ما
ذكرناه.
ومتى أعطى قلنسوة أو خفا قال بعضهم: يجزئ لتناول الاسم له، وقال
آخرون: لا يجزئ، وهو الأظهر عندنا، لأن اسم الكسوة لا يقع على هذا.
وأما صفته، فالمستحب أن يكون جديدا فإن لم يكن فغسيلا قد بقيت منافعه
أو معظمها، فإن لم يفعل وأعطى سحيقا لم يجزئه، لأن منافعها قد بطلت.
لا يعتبر الإيمان في العتق في جميع أنواع الكفارات إلا في كفارة القتل
خاصة، وجوبا، وما عداه جاز أن يعتق من ليس بمؤمن وإن كان المؤمن أفضل،
وقال بعضهم: يعتبر الإيمان في جميعها.
76

والإيمان أن يصف الشهادتين فيقول " لا إله إلا الله محمد رسول الله " سواء
قال بالعربية أو بالعجمية، أو بأي لغة كان، فإن كانت صغيرة ولو ابن يوم أجزأه
للآية، وأما ولد الزنى فيجزئ للآية، وغيره أفضل.
والمعيبة على ضربين: عيب يضر بالعمل الضرر البين، فهذا لا يجزئ وإن
كان عيبا لا يضر بالعمل الضرر البين أجزأه، فمن ذلك الأعمى والمقعد، فإن
عندنا لا يجزئ لأنهما ينعتقان بهذه الآفات.
وأما الأعور فإنه يجزئ، وإن كان أصم لا يسمع لكنه ينطق ويتكلم جاز،
وإن كان أخرس فإنه يجزئ عندنا، وقال بعضهم: لا يجزئ، وإن كان مريضا
فإن كان مرضا يسيرا كالصداع والحمى الخفيفة وغيره يجزئ، وإن كان مدنفا
قال قوم: لا يجزئ، ويقوى في نفسي أنه يجزئ للآية.
وأما الأعرج فإنه يجزئ عندنا، وقال بعضهم: إن كان عرجا خفيفا يجزئ
وإن كان ثقيلا يضعفه عن العمل لا يجزئ.
وأما الأقطع فإن كان أقطع اليدين أو أحدهما أو أقطع الرجلين أو أحدهما
لم يجزئه عند قوم، ولو قلنا: إنه يجزئ للآية، لكان قويا.
وإن كان مقطوع الأصابع:
فإن كان مقطوع الإبهام أو السبابة أو الوسطى قال قوم: لا يجزئ، وإن
كان مقطوع الخنصر والبنصر، فإن كان هذا من يد واحدة قد قطعا معا لم
يجزئ، وإن كان من اليدين أجزأه.
وأما الأنامل فإن كان المقطوع أحدا من الأنملتين من الإبهام لم يجزئه، وإن
ذهبت أنملة من غير الإبهام أجزأه، ويقوى في نفسي أن جميع ذلك يجزئ للآية.
وأما المجبوب فإنه يجزئ بلا خلاف لأنه أكثر ثمنا وأكثر عملا.
وإن اشترى من يعتق عليه بنية الكفارة لم يجزئه عندنا، وقال بعضهم:
يجزئه.
إذا اشترى عبدا بشرط العتق فالشراء صحيح عندنا، وهو منصوص لنا،
77

وقال بعضهم: الشراء باطل، فإذا ثبت أنه صحيح فإن أعتق صح العتق، وإن
امتنع منه فهل يجبر عليه أم لا؟ قال قوم: يجبر عليه، فعلى هذا لا خيار للبائع،
والثاني لا يجبر عليه فعلى هذا البائع بالخيار، والأول أقوى وأي الأحوال كان
فمتى أعتقه عن كفارته لم يجزئه لأنه إن قلنا: يجبر عليه، فقد وجب العتق من غير
الكفارة فلا يجزئه، وإن قلنا: للبائع الخيار، لم يجزئه أيضا لأنه عتق مستحق
بسبب متقدم.
وأما المدبر والمعتق بصفة فإنه يجزئ بلا خلاف لأنه عبد قن، وأم الولد
يجزئ عندنا وعندهم لا يجزئ، لأن عندنا مملوكة يجوز بيعها وعندهم تستحق
بحرمة الولادة، ولا يجزئ المكاتب عندنا بحال، وقال قوم: إن أدى من مكاتبته
شيئا لم يجزئه، وإن لم يكن أدى أجزأ.
قد ذكرنا أن كفارة اليمين تجمع تخييرا وترتيبا، وأن التخيير في أولها بين
ثلاثة، إطعام وكسوة وعتق، فإن لم يقدر على واحد منها انتقل إلى الصيام وهو
الثلاثة أيام، ومن شرط الصيام التتابع عندنا، وقال بعضهم: يجوز التفريق.
إذا تلبس بصوم التتابع في الشهرين ثم أفطر فإن كان من عذر من قبل الله
مثل المرض والحيض فإنه يبني على كل حال، وإن كان لغير عذر أو عذر
يرجع إليه من سفر وغيره، فإن كان في الشهر الأول أعاد، وإن كان في الشهر
الثاني قبل أن يصوم منه شيئا فمثل ذلك، وإن كان صام من الثاني ولو يوما
واحدا أخطأ لكن يجوز له البناء.
وإن كان الصوم شهرا فإن أفطر قبل خمسة عشر يوما أعاد، وإن كان بعدها
بنى، وإن كان صوم ثلاثة أيام وصام يومين بنى، وإن صام يوما أعاد، وإن
اعترض الصيام زمان لا يصح فيه الصيام أفطر وكان حكمه حكم من أفطر من
غير عذر على ما بيناه من التفصيل، وكذلك لو تلبس به في شعبان ثم أهل شهر
رمضان قبل الفراع منه ترك الصيام للكفارة، وكان حكمه ما قلناه من التفصيل.
وقال المخالف: متى أفطر في جميع ذلك لغير عذر أعاد على كل حال،
78

وإن كان لعذر هو حيض بنت في الشهرين المتتابعين وتعيد في صوم الثلاثة
الأيام، وإن كان العذر مرضا فعلى قولين وإن كان العذر سفرا فعلى قولين في
جميع ذلك، وإن اعترض زمان لا يصح فيه الصيام أفطر واستأنف، وكذلك لو
دخل عليه في خلال ذلك شهر رمضان قطع الكفارة واستأنف.
وأما صوم يوم الفطر فلا يتخلل ذلك لأن ما قبله ليس منه، وأيام التشريق لا
تتخلل أيضا فيه لأن قبلها يوم النحر فلا يصل الفطر إليها، لأنه قد أفطر قبلها، لكن
إن اتفق هذه الأيام في الشهر الأول أعاد لما تقدم عندنا وإن اتفق في الشهر الثاني
بعد أن صام يوما أفطر يوم النحر، ويجوز له أن يصوم أيام التشريق في البلاد وإنما
لا يصومها من كان بمنى، ومن تصوم الثلاثة أيام بدلا من الهدي وإن أفطرها جاز
له البناء لما تقدم، وفيه خلاف.
إذا كان عليه حق هو مال لم يخل من أحد أمرين: إما أن يكون لله أو
للآدميين:
فإن كان للآدميين وهي الديون ونحوها لم يسقط بوفاته، بل كانت في ذمته
على ما كانت عليه في حال حياته، وتعلقت بتركته بعد وفاته.
وإن كانت حقوق الله وحده كالزكاة والكفارات والنذور ونحوها،
فالحكم كذلك أيضا لا تسقط بوفاته، بل يكون في ذمته ويتعلق بالتركة عندنا،
وقال بعضهم: تسقط بوفاته.
فإذا تقرر أنها لا تسقط بوفاته، فإنها من صلب ماله لقوله تعالى " أو دين "،
فإن كانت التركة وفقا لما عليه من الدين والحق، قسمت في الحقوق والديون،
وإن كانت التركة أكثر كان الفاضل للوارث، وإن كانت التركة دون الحقوق لم
تخل الحقوق من ثلاثة أحوال: إما أن يكون للآدميين أو لله أو لهما.
فإن كانت للآدميين وحدهم لم تخل من ثلاثة أحوال: إما أن يكون كلها في
الذمة أو متعلقة بالعين أو في الذمة والعين.
فإن كانت كلها في الذمة أخذوا التركة بالحصص، وإن كانت كلها متعلقة
79

بالعين مثل أن خلف عبيدا قد جنوا، أو كانت التركة كلها رهنا كانت لهم أيضا
يستوفي كل واحد حقه من العين التي تعلق حقه بها فإن فضل فضل يوفر على
غيره، وإن كان بعضها في الذمة وبعضها في العين قدمنا حق العين لاختصاصه
بها، هذا إذا كانت للآدميين وحدهم.
فأما إن كانت لله وحده نظرت أيضا: فإن كانت كلها في الذمة انقسمت
التركة عليها، فإن كان هناك حج أفرد له حصته، فإن وفت حصته بأن يحج بها
عنه وإلا سقط وتوفر على الباقين، وإن كانت كلها متعلقة بالعين فكذلك أيضا،
وإن كانت بعضها بالعين وبعضها في الذمة قدمنا حق العين لاختصاصه بها.
وأما إن كانت للآدميين ولله نظرت: فإن كان بعضها في الذمة وبعضها
متعلقا بالعين كان المتعلق بالعين مقدما سواء كان لله أو للآدميين، وسواء كان
الباقي لله أو للآدميين لاختصاصه بالعين.
وأما إن كانت كلها في الذمة أو كلها متعلقة بالعين، قيل فيه ثلاثة أقوال:
أحدها حق الله مقدم لقوله عليه السلام: دين الله أحق، والثاني حقوق الآدميين
مقدمة، والثالث هما سواء، وهو الأقوى عندي لفقد الترجيح.
إذا مات وعليه كفارة لم يخل من أحد أمرين: إما أن تكون على الترتيب أو
على التخيير:
فإن كانت على الترتيب مثل كفارة الظهار وغيرها لم يخل من أحد أمرين:
إما أن يموت عن وصية أو غير وصية.
فإن مات من غير وصية تعلقت بتركته وكانت من صلب ماله يعتق عنه أقل
رقبة تجزئ عنه.
وإن أوصى بها فلا يخلو أن يقول: من صلب مالي أو من الثلث أو يطلق، فإن
قال: من صلب مالي، كانت الوصية تأكيدا لأنه لو مات من غير وصية كانت من
صلب ماله، وإن قال: من الثلث، كانت من الثلث فإن وفي بها الثلث وإلا تممت
من صلب المال، وإن أطلق فعلى وجهين: أحدهما من صلب ماله، والثاني من
80

الثلث، فإن وفي بها وإلا كملت من صلب ماله، والأول أقوى عندي.
وإن كانت الكفارة على التخيير مثل كفارة الأيمان وغيرها نظرت: فإن
مات من غير وصية فالواجب الإطعام لأنه أقل ما يكفر به عن نفسه حال حياته
فإن أطعموا أو كسوا جاز، وإن أرادوا العتق قال قوم: لا يجوز لأنها ما وجبت
عليه، والثاني يصح وهو الصحيح عندي، لأنها واجب مخير فيها.
وأما إن مات عن وصية فلا فصل بين أن يقول: أعتقوا من صلب مالي أو من
الثلث أو يطلق، فإنها من الثلث، لأن الواجب الإطعام، فإذا عدل إلى غيره علم أنه
أراد أن يكون من الثلث، فإن خرجت من الثلث أعتق عنه، وإن كان الثلث لا يفي
أفرد من التركة قدر الإطعام وأخرج ثلث ما بقي، وضم الثلث إلى قيمة الإطعام
ونظرت: فإن لم يف ذلك برقبة تجزئ عنه سقطت الرقبة وأطعم عنه، وإن كان
يفي برقبة تجزئ عنه قال قوم: يعتق عنه الرقبة، وقال بعضهم: الوصية تسقط
ويطعم عنه، والأول أصح عندي.
فصل: في كفارة يمين العبد:
فرض العبد في الكفارات الصوم، سواء كانت الكفارة مرتبة مثل كفارة
الظهار والوطء والقتل، أو كانت مخيرة ككفارة اليمين، لأن العبد لا يملك فهو
غير واجد، فإن أراد أن يكفر بالمال نظرت: فإن كفر بغير إذن سيده لم يكن له،
لأنه لا ملك له، ولا إذن منه، وإن ملكه سيده مالا فأراد التكفير بالمال فالكلام في
فصلين: في العتق وغير العتق.
فأما غير العتق من الإطعام والكسوة، فعندنا إن أذن له فكفر عن نفسه أو
كفر عنه سيده فإنه يجزئه، وقال بعضهم: لا يجزئه في الحالين، وهو قوي لأنه وإن
ملكه مولاه لا يملك عندنا، والأول أظهر في رواياتنا، وعلى ذلك إذا اشترى العبد
بإذن مولاه عندنا يصح فأما المال الذي ملكه فلا زكاة على أحد فيه، لا المولى ولا
المملوك.
81

فأما التكفير بالعتق فإن أذن له المولى فيه وملكه ذلك أو أعتق عنه سيده
باذنه صح، وقال قوم: لا يصح بحال، لأن العتق يقتضي الولاء، والولاء يقتضي
فالولاية والإرث، وليس العبد من أهل الولاية ولا الإرث، وعندنا إن ذلك يصح
لأنه لا يقتضي الولاء لأنا قد بينا أن العتق في الكفارات والواجبات لا ولاء لأحد
عليه بسبب العتق، بل هو سائبة.
فإذا ثبت أن العبد من أهل الصوم فأراد الصوم، فهل لسيده منعه أم لا؟
نظرت: فإن حلف وحنث بإذن سيده لم يكن له منعه منه، لأنه صوم لزمه باذنه
فهو كما لو أذن في النكاح فنكح، كان له الإنفاق من كسبه بغير إذنه، لأن سبب
وجوبه عليه باذنه، وإن كان الحلف بغير إذنه والحنث باذنه فكذلك أيضا لأن
التكفير بالحنث والوجوب عقيب الحنث.
وإن كان العقد والحنث معا بغير إذنه لم يكن له الصيام بغير إذنه لأنه ألزم
نفسه صوما بغير إذنه، وأما إن كان العقد باذنه والحنث بغير إذنه قال قوم: له
الصيام لأن سبب الوجوب كان باذنه، وقال آخرون - وهو الصحيح عندنا -: أنه
ليس له الصيام بغير إذنه، لأنه إذا أذن له في اليمين فقد منعه من الحنث بها.
وكل موضع قلنا: له منعه منه، فإن أراد أن يصوم في وقت يضعف فيه في
بدنه وعمله وهو نهار الصيف كان له منعه، فإن خالفه وصام وقع موقعه، ويقوى
في نفسي أنه لا يقع موقعه، وكذلك نقول: إذا حج بغير إذنه لا تقع موقعها.
وإن كان الزمان معتدلا لا يضر به الصوم كزمان الشتاء وما جاوره فليس له
منعه منه، لأنه لا ضرر على سيده فيه، قال قوم: وعلى هذا لو صام العبد تطوعا في
هذه الأوقات لم يكن لمولاه منعه، لأنه لا ضرر عليه، وعموم أخبارنا يمنع منه.
إذا حلف العبد لم يخل من أحد أمرين: إما أن يحنث وهو حر أو يحنث وهو
عبد، فإن حنث وهو حر فإن أعتقه سيده بعد عقد اليمين وقبل الحنث ثم خالف
وحنث فهو في الكفارة كالحر، وإن حنث وهو عبد ففرضه الصيام، فإن أعتق
نظرت: فإن كان بعد أن كفر بالصيام فلا كلام، وإن كان قبل أن يكفر بالصيام،
82

فهو حين الوجوب عبد وحين الأداء حر، بنينا على الأقوال:
فمن قال: الاعتبار بحال الأداء، فهو حال الأداء حر فإن كان موسرا كفر
بالمال، وإن كان معسرا كان فرضه الصيام، ومن قال: الاعتبار بأغلظ الأحول،
اعتبر أغلظ الأحوال من حين العتق إلى حين الأداء، ولا يعتبر من حال الوجوب
إلى حين العتق، لأنه قبل العتق لا يملك.
ومن قال: الاعتبار بحال الوجوب ففرضه الصيام، فإن أراد أن يكفر بالمال
فالصحيح أن ذلك له إن شاء كفر بالعتق أو بالكسوة أو بالإطعام، كالحر
المعسر حين الوجوب فرضه الصيام، فإن كفر بالمال فقد عدل إلى ما هو أولى.
ومن الناس من قال: إن أراد أن يكفر بالعتق لم يكن له وإن أراد أن يكفر
بالكسوة أو الإطعام فعلى قولين: اعتبارا بحال الوجوب وحين الإخراج، وقد قلنا
في ما تقدم: أن المراعي عندنا حال الإخراج، فعلى هذا يعتبر حال الإخراج فإن
كان موسرا فعليه التكفير بالمال، وإن كان معسرا فعليه الصيام.
إذا حلف وحنث من نصفه حر ونصفه عبد، لم يخل من أحد أمرين: إما أن
يكون موسرا بما فيه من الحرية أو معسرا، فإن كان معسرا ففرضه الصيام، لأنه
أسوأ حالا من الحر المعسر، وإن كان موسرا بما فيه من الحرية صح منه العتق
عندنا، لأنه لا يقتضي الولاء عندنا، وعندهم لا يصح لأنه يقتضي الولاء، وأما
الإطعام والكسوة فإنهما يصحان منه، ولا يصح منه الصيام بلا خلاف، وقال
بعض الشواذ: فرضه الصيام.
كل من منع نفسه فعلا من الأفعال بعقد يمين فاستدام ذلك الفعل فهل
يحنث باستدامته؟ اعتبرت ذلك بمدة من الزمان، فإن صح إضافة ذلك الفعل
إلى جميعها كانت الاستدامة كالابتداء، كما لو حلف لا لبست، لا ركبت هذه
الدابة، لا سكنت هذه الدار لا أقمت فيها، لا ساكنت فلانا، فإنه يحنث بالاستدامة
كما يحنث بالابتداء، لأنه يصح أن يقول: لا لبستها شهرا ولا ركبتها شهرا،
وكذلك السكنى والمساكنة والإقامة.
83

وإن لم يصح إضافته إلى جميع المدة بل يصح إضافته إلى ابتدائها تعلق
الحنث بالابتداء دون الاستدامة، كقوله: لا تزوجت ولا تطهرت ولا بعته هذا
الثوب ولا وهبت له هذه الناقة، لا يصح إضافته إلى جميع المدة، فلا يقال:
تزوجتها شهرا، ولا تطهرت شهرا ولا بعته هذا الثوب شهرا، بل يقال: بعته منذ
شهر وتطهرت منذ الغداة.
وأما إذا حلف فقال: والله لا دخلت هذه الدار، وهو في جوفها، فاستدام
الكون فيها، فإنه لا يحنث فيه، وقال بعضهم: يحنث.
إذا كان ساكنا في دار فحلف لا سكن فيها، فمتى استدام السكنى حنث لأن
السكنى تقع على الابتداء والاستدامة، ألا ترى أنه يقول سكنتها شهرا ولم يرد " قد
ابتدأت سكناها شهرا " وإنما أراد ابتدأت بالسكنى واستدامته شهرا.
فإذا تقرر هذا نظرت: فإن كان فيها فأقام عقيب يمينه مدة يمكنه الخروج
منها فلم يفعل، حنث عند بعضهم، وقال قوم: إن أقام يوما وليلة حنث وإن أقام
أقل من ذلك لم يحنث، والأول أقوى، فأما إن خرج عقيب يمينه من غير وقفة لم
يحنث في جميعه بلا خلاف إلا شاذا منهم، فإنه قال: يحنث ولا سبيل له إلى البر،
لأنه يحنث باستدامة السكنى، وخروجه منها عقيب يمينه سكون فيها، فوجب أن
يحنث، والأول أصح.
فإذا ثبت أنه لا يحنث، فإن عاد بعد أن خرج منها لنقل رحله أو عيادة
مريض أو لغير سكنى لم يحنث، لأن اليمين قد انقطعت بالخروج فإذا عاد إليها
لم يحنث، هذا إذا أقام عقيب يمينه للسكنى أو لم يقم.
فأما إن أقام عقيب يمينه لا للسكنى ولكن لنقل الرحل والمال، قال بعضهم:
يحنث، وقال آخرون: إن أقام عقيب يمينه لجمع الرحل والمال ونقل العيال لم
يحنث، بناه على أصله أن السكنى ما كان بالبدن والمال والعيال معا، فإذا أقام
لنقل هذا لم يكن ساكنا، وهو الذي يقوى في نفسي.
فإذا ثبت أنه لا يحنث بترك السكنى ويحنث به، فالكلام في ثبات السكنى
84

ما هو؟ فقال قوم: السكنى بالبدن دون العيال والمال، فمن سكن ببدنه حنث وإن
نقل المال والعيال، وإن انتقل بنفسه بر في يمينه وإن لم ينقل العيال والمال.
وقال بعضهم: السكنى بنفسه وبالعيال دون المال، وقال آخرون: ببدنه
وبالعيال والمال، وقال بعضهم: إن بقي من ماله ما يمكن سكنى الدار معه فما نقل
المال، وإن بقي ما لا يمكن سكنى الدار معه فقد نقل المال وبر في يمينه، فكأنه
فسر المذهب والأول أقوى عندي.
إذا كان مساكنا لغيره في مسكن فحلف وهما في المسكن، لا ساكنته، فإن
أقام بعد يمينه بمدة يمكنه الخروج فلم يفعل حنث، لأن الاستدامة كالابتداء، وإن
خرجا أو خرج أحدهما عقيب يمينه من غير فصل لم يحنث، لأنه بالخروج قد
ترك المساكنة، ولا فرق بين السكنى والمساكنة أكثر من أنه إذا حلف " لا
سكنت " تعلق اليمين بفعله وحده، وإذا حلف " لا ساكنته " تعلق به وبمن
ساكنه.
إذا حلف لا ساكنته وكان مساكنا له في مكان واحد قال بعضهم: إن
حصل بينهما حاجز من جدار ونحوه لم يحنث، هذا إذا خرج عقيب اليمين وبنى
بينهما حاجز ثم سكناها فأما إن أقام في الموضع حتى يبني بينهما حاجز، فإنه
يحنث.
فإذا ثبت هذا فالكلام في بيان ما هو موضع المساكنة وما ليس بموضع
لها.
وجملته إذا كانا في حجرتين لكل واحد منهما باب منفرد، والحجرتان في
درب واحد نافذ أو غير نافذ، أو كانتا في دار كبيرة لكل واحدة منهما باب مفرد
أو كانا في بيتين في هذه الخانات المعدة للمساكين فكل هذا ليس بمساكنة، لأنه
لا يقال: " مسكنهما " ولكنه يقال: " مسكن كل واحد منهما في الخان " ولا
يقال: " هو مساكنة في الخان " وهكذا لو كان كل واحد منهما في بيت مفرد له
باب مغلق في دار كبيرة فالحكم فيه كالخان.
85

فأما إن كانا في بيت واحد أو في بيتين لا باب لواحد منهما أو في صفتين أو
كانا في حجرة صغيرة كل واحد منهما في بيت له باب مفرد يغلق، فكل هذا
مساكنة لأن الحجرة الصغيرة إنما تبنى لواحد ومسكن يتفرد به أحدهما، ويفارق
الخان الصغير لأنها وإن صغرت فإنها تبني مساكن، فهذا كله مساكنة على ما
فصلناه.
إذا حلف لا دخلت هذه الدار، فإن دخلها أو بيتا منها أو غرفة منها حنث،
سواء دخل من الباب أو نزل من السطح لأنه يقال: دخلها، فأما إن رقى على
سطحها لم يحنث سواء كانت محجرة أو غير محجرة، وقال بعضهم: يحنث بكل
حال، وقال آخرون: إن كانت محجرة حنث، وإن لم تكن محجرة لم يحنث،
والأول أقوى عندي، فأما إذا وقف على بدن الحائط فإنه لا يحنث بلا خلاف.
ولو حلف لا دخل بيتا، فدخل غرفة فوق البيت لم يحنث بلا خلاف، فإن
حلف لا دخلتها فقعد في سفينة أو على شئ فحمله الماء فأدخله إليها أو طرح
نفسه في الماء فحمله الماء فأدخلها إليها حنث لأنه دخلها باختياره فهو كما لو
ركب فدخلها راكبا أو محمولا، فإن كان فيها شجرة عالية عن سورها فتعلق
بغصن منها من خارج الدار وحصل في الشجرة نظرت: فإن كان أعلى من
السطح لم يحنث بلا خلاف، لأنه لا يحيط به سورها لأن هواء الدار ليس فيها،
وإن حصل بحيث يحيط به سور الدار حنث لأنه في جوف الدار، وإن حصل
بحيث يكون موازيا لأرض السطح فالحكم فيه كما لو كان واقفا على نفس
السطح وقد مضى.
إذا حلف لا لبس ثوبا، فالاسم يقع على الابتداء والاستدامة معا، وكذلك
إذا حلف لا ركبت، فالاسم يقع على الابتداء والاستدامة معا، وإن حلف لا
ركبت، وهو راكب فإن نزل عقيب يمينه وإلا حنث، كما لو كان نازلا فحلف لا
ركبت فركب، وكذلك اللباس مثله سواء، وكذلك السكنى والمساكنة، فهذه
الأربعة الحكم فيها واحد، وهو أن الاسم يتعلق بالابتداء والاستدامة على ما
86

فصلناه.
فأما الطهارة والطيب والنكاح، فهذه الثلاثة متى حلف لا فعل واحدا منها
حنث بالابتداء دون الاستدامة، والفصل بينهما وبين الأربع من وجهين:
أحدهما: الاسم في تلك الأربع يطلق على الابتداء والاستدامة، بدليل أنه
يقول سكنت وساكنت ولبست وركبت شهرا، وليس كذلك الطيب والطهارة
والنكاح لأن الاسم يقع على الابتداء دون الاستدامة بدليل أنه يقول: تطيبت منذ
أمس، ونكحت منذ سنة، وتطهرت منذ صلاة الغداة، ولا يقول: تطهرت شهرا،
وكذلك الطيب والنكاح.
والثاني: أن الشرع قد جعل استدامة اللباس كابتدائه، ولم يجعل استدامة
الطيب والنكاح كابتدائه، بدليل أنه لو أحرم لابسا فاستدامه فعليه الفدية كما لو
ابتدأه بعد إحرامه، ولو أحرم متطيبا أو متزوجا فلا شئ عليه، وهو ممنوع من
الابتداء به وهو محرم، وعندنا في الإحرام مثل ذلك غير أنه يجب عليه إزالة
الطيب عنه.
فأما إذا حلف لا دخلت هذه الدار، فإن كان خارجا عنها فابتدأ فدخلها
فحنث، ولو كان فيها فاستدام لم يحنث عندنا، وقال قوم: يحنث.
إذا حلف لا دخلت بيتا فدخل بيتا من شعر أو أدم أو وبر أو من حجر أو من
طين أو مدر، قال قوم: يحنث على كل حال بدويا كان أو قرويا إذا كان يعرف
عادة البادية والحاضرة، وقال قوم: إن كان بدويا لا يعرف بيوت الحاضرة، فمتى
دخل بيوت الحاضرة لا يحنث، وإن كان قرويا لا يعرف بيوت البادية فمتى
دخل بيوت البادية من الشعر فإنه لا يحنث.
والذي يقوى في نفسي أن يرجع في ذلك إلى العادة، فإن كان بدويا حنث
سواء دخل بيت البادية أو الحاضرة، وإن كان قرويا فدخل بيوت البلدان حنث،
وإن كان دخل بيوت البادية فإن كان يعرفها حنث بدخولها، وإن لم يعرفها لا
يحنث.
87

إذا حلف لا يأكل من طعام اشتراه زيد، فاشترى زيد وعمرو طعاما صفقة
واحدة فأكل منه لم يحنث، وقال قوم: يحنث، وجميعا قويان.
فإذا ثبت أنه لا يحنث إذا كان مشاعا بينهما، فإن اقتسماه وأفرد كل واحد
منهما نصيبه منه، فإن أكل من نصيب زيد أو نصيب عمرو لم يحنث أيضا، وقال
بعضهم: إن أكل من نصيب زيد حنث وإن أكل من نصيب عمرو لم يحنث، وهما
قويان.
فإن حلف لا يأكل من طعام اشتراه زيد فاشترى زيد طعاما وحده،
واشترى عمرو طعاما وخلطاه معا فأكل الحالف منه، قال قوم: إذا أكل النصف
فما دونه لم يحنث وإن زاد عن النصف حنث لأنه لا يقطع أنه أكل من طعام
انفرد زيد بشرائه حتى يزيد على النصف، وإذا لم يتحقق لم يحنث.
فإن حلف لا يأكل هذه التمرة، فوقعت في تمر ولم يعلم عينها، فأكله إلا
تمرة لم يحنث، لأنه لا يقطع على أكل التي حلف عليها، وقال بعضهم: لا يحنث
وإن أكله كله لأنه إذا اختلط فليس هناك حبة يشار إليها أنها من شراء زيد أو
عمرو فهو كما لو اشترياه معا.
وقال بعضهم: إن أكل من الحبة والحبتين ونحو هذا لم يحنث وإن أكل منه
كفا حنث، لأن الطعامين إذا اختلطا فلا يكاد كف ينفرد من أحدهما، فيعلم قطعا
أنه قد أكل منهما فإذا أكل منهما فقد أكل من طعام انفرد زيد بشرائه، ويفارق
التمرة إذا وقعت في تمر، لأنه متى بقيت واحدة لم يقطع أنه أكل التي حلف
عليها، لجواز أن تكون هذه الباقية فلهذا لم يحنث، والأول أقوى عندي ثم الثالث،
فأما الثاني فبعيد جدا.
إذا حلف لا دخلت دار زيد هذه، أو لا كلمت عبد عمرو هذا، أو لا كلمت
زوجة زيد هذه، تعلقت اليمين بعين ما علق اليمين به، فإن دخلها وملكها لزيد
حنث بلا خلاف، وإن زال ملك زيد عنها فدخلها بعد ذلك حنث عند بعضهم،
ولا تنحل اليمين بزوال المضاف إليه، وقال بعضهم: إذا زال ملكه عنها انحلت
88

اليمين، فإن دخلها بعد ذلك لم يحنث، وهذا الذي تدل عليه أخبار أصحابنا،
والأول أقوى.
فإذا تقرر هذا فالتفريع عليها:
إذا حلف لا دخل دار زيد ولم يعينها، فإن دخل دارا ملكها لزيد حنث، وإن
كان له دار فزال ملكه عنها ثم دخلها لم يحنث، لأنها صفة علقت بمبهم غير معين،
فكانت الصفة شرطا فتنحل اليمين بزوالها لعدم الصفة، وليس كذلك إذا قال:
دار زيد هذه، لأن الصفة تعلقت بشئ بعينه، فلهذا لم تنحل اليمين به عند من قال
به، وفرق بين صفة العين ونفس العين، أ لا ترى أنه لو قال: أسلمت إليه في ثوب
هروي، كانت الصفة شرطا، ولو قال: بعتك الثوب الهروي، فبان مرويا لم
يبطل، وصح العقد مع عدم الصفة، لأن الشراء تعلق بشئ بعينه، فلم يضر
زوال الصفة عنه كذلك في اليمين مثله.
إذا حلف لا دخلت هذه الدار، فانهدمت حتى صارت طريقا وبراحا فسلك
عرصتها لم يحنث عندنا، وقال قوم: يحنث، ووافقوا إذا أطلق فقال: لا دخلت
دارا، فسلك براحا كان دارا في أنه لا يحنث.
إذا حلف لا دخلت هذه الدار، ففيها ثلاث مسائل:
إحداها: حلف لا يدخلها مطلقا، فمتى حصل فيها فقد دخلها، سواء دخلها
من بابها هذا أو من باب غيره، أو نزل إليها من السطح، أو عبر إليها من الطريق
كيف كان حنث.
الثانية: حلف لا دخلها من هذا الباب، فإن دخلها منه حنث، وإن حول هذا
الباب فدخلها من الباب المحدث لم يحنث لأنه غير الباب.
فرع:
قال بعضهم: فإن دخلها من الأول والباب المنصوب باق بحاله حنث وإن
حول المنصوب إلى مكان آخر فدخلها من الأول لم يحنث لأن هذا غير الباب
الذي حلف عليه، وهذا غلط عندي لأن الدخول إليها إنما هو في هذا الباب الذي
89

هو فتح موجود وعقد معقود، فأما الخشب فليس بباب، ألا تراه لا يدخل في
الخشب، وإنما الخشب الذي هو الباب المنصوب للمنع من دخولها إذا أغلق،
فبطل أن يدخل في الباب المنصوب.
الثالثة: إذا حلف لا دخلت هذه الدار من بابها، فإن دخل من هذا الباب
الموجود حين اليمين حنث، وإن حول هذا وفتح بابا آخر غيره فدخلها من
المحدث، قال قوم: لا يحنث، لأنه أضافه، والإضافة تقتضي التعيين، فكأنه قال:
من هذا الباب، ولو عين لم يحنث.
وقال قوم - وهو الصحيح - أنه يحنث، لأن هذا المحدث بابها، فوجب أن
يحنث بدخولها منه وإن لم يكن موجودا حين اليمين، كما لو حلف لا دخلت دار
زيد فمتى دخل دارا لزيد حنث، وإن لم يكن داره حين عقد اليمين.
إذا كان الثوب رداء فحلف لا يلبسه نظرت: فإن حلف لا لبسته وهو رداء،
فإن لبسه على صورته حنث، وإن غيره ثم لبسه لم يحنث بلا خلاف، وإن حلف
لا لبست هذا الثوب، ولا يقول " وهو رداء " فإن لبسه على صورته حنث، وإن
غيره عن صورته ولبسه قال قوم: يحنث، وهو الأقوى عندي، وقال آخرون: لا
يحنث.
إذا حلف لا لبست ثوبا، من به عليه فلان، فوهب له فلان ثوبا فإن لبسه
حنث وإن استبدل به فباعه أو بادله فلبس لم يحنث، وهكذا لو حلف لا لبس من
غزل امرأته، فإن لبس منه حنث، وإن باعه واشترى بثمنه ثوبا أو اشترى به ثوبا
فلبسه لم يحنث.
وهكذا لو جعل يذكر أياديه عليه فقال: أحسنت إليك، وأعتقتك بمالي
، ووهبت كذا وأعطيت كذا، فقال جوابا لهذا: والله لا شربت لك ماء من عطش،
تعلق الحكم بشرب مائه من عطش، فإن انتفع بغير الماء من ماله فأكل طعامه
ولبس ثيابه وركب دوابه لم يحنث، لأنه إنما ينظر إلى مخرج اليمين ويحنث
صاحبها ويبر على مخرجها دون أسبابها.
90

وقال بعضهم: يحنث بكل حال، فإن لبس بدل ذلك الثوب أو بدل ذلك
الغزل أو انتفع بماله بغير شرب الماء حنث، والأول أقوى عندي، لأن الأصل
براءة الذمة والثاني قوي لفحوى الخطاب.
إذا حلف لا دخلت دار زيد نظرت: فإن دخل دارا هي ملك لزيد حنث بلا
خلاف، وإن دخل دارا يسكنها بأجرة لم يحنث، وقال قوم: حنث لقوله: " لا
تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن " يعني بيوت أزواجهن، والأول أقوى عندي،
لأن حقيقة الإضافة الملك وما عداه مجاز، هذا إذا أطلق.
فأما إن نوى بدار زيد مسكنه بأجرة، كان على ما نواه، لأنه يعدل عن
ظاهره بالنية.
إذا حلف لا دخلت مسكن زيد، فدخل دارا يسكنها زيد بأجرة أو عارية أو
ملكا حنث لأن السكنى تقع على ما هو ملك وغير ملك لأنه لا يصح نفيه عنه،
فلهذا حنث، وليس كذلك دار زيد لأنه ينطبق على ما هو ملك لزيد.
إذا حلف لا دخلت دار زيد ففيها ثلاث مسائل:
إحداها: دخلها باختياره ماشيا أو راكبا أو محمولا بأمره، فإنه يحنث بكل
هذا لأنه يقال: دخلها.
الثانية: دخلها ناسيا لليمين أو مكرها ماشيا، قال قوم: يحنث، وقال آخرون:
لا يحنث، وهو الأقوى عندي.
الثالثة: أدخل مكروها محمولا فالصحيح أنه لا يحنث عندنا، وفي الناس من
قال: يحنث.
إذا حلف لا دخلت هذه الدار، اقتضى التأبيد، فإن قال: نويت شهرا بر فيما
بينه وبين الله سواء كانت اليمين بالله أو بالطلاق أو العتاق، وعندنا لا ينعقد يمينه
إلا بالله.
ومتى كانت في حق آدمي كاليمين بالطلاق أو العتاق أو بالله في الإيلاء لم
يقبل منه في الظاهر، لأنه يدعي خلافه، وإن كانت اليمين بالله لا في حق آدمي
91

مثل أن حلف لا دخلت هذه الدار، ثم قال: نويت شهرا، قبلنا منه في الحكم لأن
حقوق الله وحدة موكولة إلى أمانته.
إذا حلف لا دخل على زيد بيتا، فدخل على عمرو بيتا وزيد في ذلك البيت
لم يخل من ثلاثة أحوال: إما أن يدخل مع العلم بحالته أو مع الجهل به أو مع
العلم بحاله واستثناه بقلبه.
فإن دخل مع العلم بحاله حنث، لأن المخالفة وجدت عامدا، وإن كان مع
الجهل بحاله مثل أن دخل وهو لا يعلم أن زيدا هناك فإذا هو هناك، قال قوم:
يحنث، وقال آخرون: لا يحنث، وهو الأقوى عندي.
فإن علمه هناك فدخله واستثناه بقلبه فدخل معتقدا أنه داخل على عمرو
دون زيد فهل يحنث أم لا؟ مبنية على الأصل.
وهو إذا حلف لا كلم زيدا، فسلم على قوم فيهم زيد، فإن كان مع العلم
بحاله من غير استثناء حنث، وإن كان جاهلا أو ناسيا فعلى قولين أصحهما عندنا
أنه لا يحنث، وإن كان عالما فاستثناه بقلبه واعتقد أن السلام عليهم دونه، فهل
يصح هذا الاستثناء فلا يحنث؟ قال قوم: يصح، وهو الأقوى عندي، ومنهم من
قال: لا يصح.
فأما إذا كان الحالف في بيت فدخل زيد عليه فيه، فإن خرج الحالف من
البيت من غير وقفة لم يحنث، وإن استدام المقام فيه فلا يكون مع زيد فهل يحنث
أم لا؟ مبنية على أن استدامة اللبث فيها هذا هل يكون كابتداء الدخول؟ وهي على
قولين، وقد مضى، والأقوى عندي هاهنا أنه لا يحنث بالاستدامة.
فأما إذا حلف لا دخلت هذه الدار وهو فيها، فاستدام المقام هل يحنث أم
لا؟ قال قوم: يحنث، وقال آخرون: لا يحنث، وهو الأقوى عندي، وكذلك
هاهنا إذا لم يخرج الحالف واستدام الكون معه، هل يحنث أم لا؟ على قولين
أصحهما عندي أنه لا يحنث.
فإن دخل على زيد وهو في المسجد قال قوم: لا يحنث، وهو الأقوى عندي
92

لأن إطلاق البيت يقتضي بيتا يسكن فيه، فأما المسجد وبيت الله الحرام فليس
بيت يسكن فيه.
ومتى حلف الرجل، لا دخلت هذه الدار، فدخلها مكرها أو ناسيا أو جاهلا
بأنها التي حلف عليها هل يحنث أم لا؟ على قولين أصحهما عندي أنه لا يحنث،
وهكذا في الكلام إذا حلف، لا كلمت زيدا فكلمه ناسيا أو جاهلا بأنه زيد أو
مكرها فهل يحنث أم لا؟ قال قوم: يحنث، وقال آخرون: لا يحنث، وهو الأصح
عندي لقوله تعالى: " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ".
إذا حلف ليأكلن هذا الطعام غدا، فقد جعل وقت البر زمانا بعينه - وهو
غدا - وجعل كل وقت من غد وقتا للبر فإذا ثبت هذا ففيه ست مسائل:
إن أكله غدا بر، وإن لم يأكله حتى غربت الشمس غدا حنث، وإن أكله
اليوم حنث، وقال بعضهم: لا يحنث، لأن معناه لا يؤخر أكله غدا وما تأخر،
والأول أصح لأن معناه يؤخر أكله غدا والأكل في غد، فإن أكل بعضه اليوم
وبعضه غدا حنث، لأنه ما أكله في غد، وإن هلك اليوم بغير اختياره فقد فاته أكله
غدا مكرها فعندنا لا يحنث، وقال بعضهم: يحنث.
السادسة: هلك في غد بعد أن قدر على أكله، منهم من قال: يحنث، لأنه
ترك البر مع القدرة عليه، ومنهم من قال: لا يحنث، كما لو هلك اليوم، لأنه
فاته البر بغير اختياره وهو الأقوى عندي.
فأما إن حلف ليأكلنه اليوم، ففيها ست مسائل أيضا:
إن أكله اليوم بر، وإن لم يأكل حتى غربت الشمس حنث، وإن أتلفه قبل أن
يأكله حنث، وإن أكل بعضه ولم يأكل البعض حتى غربت الشمس حنث، وإن
هلك قبل القدرة على أكله فعلى قولين أصحهما أنه لا يحنث، وإن هلك بعد
القدرة على أكله فعلى قولين أيضا: أصحهما أنه يحنث، والثاني لا يحنث، وهو
قوي.
إذا حلف، ليقضينه حقه غدا، فيه ثلاث مسائل:
93

الأولى: إذا حلف ليقضينه حقه غدا ففيه غدا ففيه المسائل الست: إن قضاه غدا بر،
وإن لم يقضه حتى غربت الشمس حنث، وإن قضاه اليوم حنث، وإن قضى بعضه
اليوم وبعضه غدا حنث، وإن مات من له الدين اليوم فهل يحنث الحالف أم لا؟
على قولين لأنه مكره على ترك القضاء في غد، وإن مات في الغد بعد القدرة على
القضاء منهم من قال: يحنث، ومنهم من قال: لا يحنث، وهو الأقوى على ما
مضى.
الثانية: إذا حلف، لأقضين حقك غدا إلا أن تشاء أنت، فقد عقد اليمين
وجعل المخلص لنفسه بشيئين: أحدهما البر في غد، والثاني الاستثناء وهو أن
يشاء صاحب الحق التأخير، فإذا قال: قد شئت التأخير، انحلت اليمين، وإن
فرضت عليه " إلا أن أشاء أنا التأخير " فالباب واحد، غير أنا نفرضها إذا قال: إلا
أن تشاء أنت التأخير.
فإذا ثبت هذا ففيها سبع مسائل: الست ما ذكرناه وزيادة واحدة: إن قضاه
في غد بر، وإن لم يقضه حتى غربت الشمس في غد حنث، وإن قضاه من يومه
قبل غده حنث، وإن قضى بعضه في يومه وبعضه في غده حنث، وإن مات من له
الحق في يومه فهل يحنث أم لا؟ على قولين لأنه مكره، وإن مات في غد بعد
القدرة على القضاء على قولين أصحهما عندنا أنه لا يحنث في الموضعين، وتنحل
اليمين.
السابعة: مثله الاستثناء، وقد مضت.
الثالثة: إذا حلف، لأقضين حقه إلا أن يشاء زيد، ففيها ثمان مسائل: سبع قد
مضت وزيادة أخرى: إن قضاه غدا بر، وإن لم يقضه حتى غربت الشمس حنث،
وإن قضاه اليوم حنث، وإن قضى بعضه اليوم وبعضه غدا حنث، و إن مات اليوم
فهل يحنث أم لا؟ على قولين، وإن مات في غد بعد القدرة فعلى قولين، وإن قال
زيد: قد شئت التأخير، انحلت اليمين بوجود الاستثناء.
الثامنة: مات زيد اليوم قبل أن يشاء شيئا وتعذر الاستثناء وكان البر ممكنا،
94

فإن قضاه في غد بر فيها، وإن غربت الشمس قبل أن يقضيه حنث.
إذا حلف، ليقضين حقه عند رأس الهلال أو إلى رأس الهلال أو كان عند
الاستهلال أو إلى استهلال، الهلال، ففيه مسألتان:
إحديهما: أن يقول: ليقضين حقه عند رأس الهلال أو مع رأس الهلال أو
عند الاستهلال أو مع استهلال الهلال، وجب عليه حين إهلال الهلال، وأن يقضيه
عند أول جزء من أول ليلة من الشهر لا قبله ولا بعده، ولا فرق بين هذه الألفاظ
وأن الحكم فيها واحد، ومتى قضاه بعده أو قبله حنث لأن " عند " وضع في
الكلام العربي للمقارنة لا غير، وإذا كانت كذلك، وجب أن يكون القضاء مقارنا
لأول الشهر.
فإذا ثبت هذا، فإن كان الحق مما يقبض في زمان واحد كالذهب والفضة
ونحو ذلك وقع القضاء في زمان واحد، وإن كان حقا يقبض في زمان طويل
كالمكيل والمعدود ونحو ذلك، فإذا ابتدأ بالقضاء مع رأس الهلال بر وإن
تطاول الإيفاء.
الثانية: إذا قال: إلى رأس الهلال أو إلى استهلال الهلال، فهل يكون إلى
حذاء أو بمعنى " مع "؟ قال قوم: يقتضي المقارنة وهي بمعنى " مع "، وقال
آخرون: ينبغي أن يكون إلى حذاء، فإن قضاه قبله بر في يمينه، وهو الأقوى.
واستعمالها بمعنى " مع " أيضا كثير قال الله تعالى: " من أنصاري إلى الله " أي " مع الله "
وقال: " ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم "، بمعنى " مع " غير أن
الحقيقة الأول.
ومن قال: إنها مشتركة، قال: لا يحنثه إلا بيقين، فمن قال: إن " إلى " تفيد حذاء،
فمتى قضى قبله أو بعده حنث، ومن قال: إنها بمعنى " مع "، فمتى قضاه قبله أو
معه لم يحنث وإن قضاه بعده حنث.
إذا حلف، ليقضين حقه إلى حين أو إلى زمان أو إلى دهر، فلا حد لهذه
الألفاظ كلها، ويكون كقوله: والله لأقضينه حقه، فيكون على مدة حياته، فإن لم
95

يفعل حتى مات حنث بوفاته عند بعضهم، وفيه خلاف.
والذي يقتضيه مذهبنا أنه إذا حلف إلى حين كان ذلك إلى ستة أشهر، وإذا
حلف إلى زمان كان ذلك إلى خمسة أشهر، ونص عليه أصحابنا في من نذر أن
يصوم حينا أو زمانا.
فأما إذا حلف إلى وقت فليس له حد على وجه بلا خلاف، فإن قال: قريبا أو
بعيدا، فليس له حد عند بعضهم، وفيه خلاف، وإن قال: إلى حقب، لم يكن له
حد، وفيه خلاف.
إذا حلف، لا يفعل فعلا، فأمر غيره بفعله عنه بأمره مثلا أن يحلف، لا
تزوجت ولا طلقت، لا بعت ولا اشتريت، ولا ضربت عبدي، فإذا فعله غيره بأمره
لم يخل من أحد أمرين: إما أن يكون الحالف ممن يلي أموره بنفسه أو يليها عنه
غيره.
فإن كان ممن يليها بنفسه كإفناء الناس لم يحنث لأنه ما فعله وإنما فعله
غيره، والأيمان تتعلق بحقائق الأسماء والأفعال، فإذا فعله عنه غيره بأمره فهو وإن
أضيف إليه فما فعله هو حقيقة، بدليل أنه يصح نفي الفعل عنه، فلو قيل: قد باع
الحالف هذا، قيل: لا إنما باعه وكيله وناب عنه وكيله فيه.
وإن كان الحالف ممن لا يلي هذه الأشياء بنفسه كالخليفة والسلطان العظيم
فوكل غيره بفعله عنه، نظرت: فإن حلف، لا تزوجت ولا طلقت لم يحنث، لأن
هذا مما يليه بنفسه فهو فيها كالعامة وسائر الناس، وإن كان حلف لا بعت ولا
اشتريت، ولا ضربت عبدي، ففعله عنه غيره بأمره، قال قوم: إنه لا يحنث، وقال
آخرون في الضرب: إنه يحنث لأنه يقال باع الخليفة وإن كان البائع وكيله، كما
روي، زنى ماعز فرجمه رسول الله، وإنما أمر برجمه، وهذا الأقوى عندي، ومن
قال: لا يحنث، قال: هذا مجاز والأيمان تتعلق بالحقائق، وهو قوي أيضا ويقويه
أن الأصل براءة الذمة.
إذا علق يمينه بأمرين لم يخل من أحد أمرين: إما أن يكون نفيا أو إثباتا.
96

فإن كان إثباتا كقوله: والله لآكلن هذين الرغيفين أو لألبسن هذين الثوبين،
فإذا لبسهما بر وإن لبس أحدهما لم يبر في يمينه بلا خلاف.
وإن كان هذا على النفي فحلف، لا أكلت هذين الرغيفين، ولا لبست هذين
الثوبين، لم يحنث حتى يأكلهما، فإن أكل أحدهما لم يحنث، وقال بعضهم:
يحنث إذا أكل أحدهما لأن أصله أن القرب من الحنث حنث، والأول أصح
عندنا.
فإن حلف، لا كلمت زيدا وعمروا، فكلم أحدهما حنث، والفرق بينهما أنهما
يمينان لأنه حلف لا كلم زيدا ولا كلم عمروا، وإنما دخلت " الواو " نائبة مناب
تكرير الفعل كأنه أراد أن يقول: والله لا كلمت زيدا ولا كلمت عمروا، فقال:
وعمروا، فلهذا حنث وليس كذلك في الأول لأنها يمين واحدة.
ولو حلف، لا شربت ماء هذه الأدوات، صار بالإضافة إليها معرفة، فلا
يحنث حتى يشربه كله، ولو كان هذا على الإثبات فقال: لأشربن ماء هذه
الأدوات، لم يبر حتى يشربه كله لما مضى.
فأما لو حلف، لا شربت من ماء هذه الأدوات، فشرب منه قطرة حنث لأنه
قد شرب منه، ولو حلف، لأشربن من ماء هذه الأدوات، فإذا شرب منه ولو قطرة،
بر في يمينه لأنه شرب منه.
وهكذا كل إناء فيه ما يمكن أن يشربه كله كالحب والبركة والمصنع
العظيم فشربه، والحكم فيه كالأدوات سواء.
فأما دجلة والنهر فإذا حلف لا شرب من ماء دجلة أو من ماء هذا النهر، فمتى
شرب منه قطرة حنث، لأنه قد شرب منه وكذلك الإثبات إذا قال: لأشربن منه،
فشرب قطرة بر، فأما إن أطلق فقال: لا شربت ماء دجلة، فشرب منه.
قال بعضهم: متى شرب منه حنث، لأنه إذا قال: لا شربت ماء دجلة، فمعلوم
أنه لا يمكنه شربه كله، ثبت أنه أراد " لا شربت منه " فيحنث إذا شربه، كما حلف،
لا أكلت خبز الحواري، فإنه يحنث بأكل لقمة كذلك هاهنا وجب أن يحنث
97

بشرب جرعة منه.
وقال آخرون: إنه لا يحنث، وهو الأقوى عندي لأن قوله " ماء " نكرة وقوله
" دجلة " للتعريف وكانت الحقيقة كله كماء الأدوات سواء وكان كقوله: والله
لا صعدت السماء، فإنه لا يحنث فيه بحال، وما قالوه من خبز الحواري فلأن
الحواري صفة الخبز فكأنه قال: الخبز الحواري الأبيض، ولو قال: الخبز
الأبيض، تعلق بكل لقمة منه، كقوله: الماء العذب، فتعلق بكل شربة منه، وليس
كذلك في مسألتنا لأنها نكرة أضيفت إلى معرفة فكانت معرفة وتعلقت اليمين
بالكل.
فإن حلف، لا شربت من النهر لا شربت من دجلة، فمتى شرب من مائها
حنث سواء غرف بيده أو في كوز أو غيره على أي وجه شرب منها أو كرع فيها
كالبهيمة، وقال بعضهم: لا يحنث حتى يكرع منها كالبهيمة لأنه إذا شرب غرفا
بيده فما شرب منها وإنما شرب من يده، وهو الأقوى عندي.
كل من حلف يمينا على فعل فاعل تعلقت اليمين بفعل ذلك الفاعل في
باب البر والحنث، ولا يتعلق بفعل غيره، من ذلك:
إذا حلف، لا فارقتك حتى أستوفي حقي منك، فقد علق اليمين بفعل نفسه
وحده فإن استوفى حقه قبل المفارقة بر في يمينه، وإن فارقه قبل الاستيفاء
باختياره حنث، وإن فارقه ناسيا أو مكرها فعلى وجهين أصحهما عندي أنه لا
يحنث.
فإن فر الذي عليه الحق لم يحنث الحالف، سواء فر باختيار الحالف أو بغير
اختياره لأن الأيمان ما تعلقت بفعل من عليه الحق وإنما تعلقت بفعل الحالف،
والحالف ما فارقه.
فإن حلف، لا فارقتني حتى أستوفي حقي منك، فاليمين تعلقت بفعل الغريم
وحده، فإن قضاه الحق قبل المفارقة بر وإن انصرف الغريم باختيار نفسه حنث
الحالف، وإن انصرف الغريم مكرها أو ناسيا فهل يحنث الحالف أم لا؟ على
98

قولين، عندنا أنه لا يحنث، وإن انصرف الحالف على أي وجه كان لم يحنث لأن
الغريم ما فارقه وإنما فارق هو الغريم.
وإن حلف، لا افترقت أنا وأنت حتى أستوفي حقي، كان معناه لا فارقتني ولا
فارقتك، فقد تعلقت اليمين بفعل كل واحد منهما، فإن قبض حقه قبل المفارقة
بر، وإن فارق أحدهما صاحبه باختياره حنث، وإن فارقه ناسيا أو مكرها فعندنا لا
يحنث، وقال بعضهم: يحنث.
ولو حلف، لا افترقت أنا وهو، ففر منه لم يحنث عندنا، وقال قوم: يحنث،
لأن فراره منه باختيار نفسه، وكذلك لو حلف، لا أفترق أنا وهو، ولا فصل
بينهما، ولو حلف، لا افترقنا حتى أستوفي حقي منك، لم يحنث حتى يكون من
كل واحد منهما فراق لصاحبه يذهب هذا كذا، وهذا كذا، لأنه قد علق اليمين
بمفارقة كل واحد منهما.
إذا حلف، لا فارقتك حتى أستوفي حقي منك، فقد فرع على هذا ثلاث
مسائل:
الأولى: فلس من عليه الحق وحجر الحاكم عليه لزمه مفارقته شرعا، فكان
فرارا على إكراه بحكم الشرع، فهل يحنث؟ على قولين قد مضى.
الثانية: أخذ حقه معتقدا أنه نفس حقه فبان غيره، مثل أن كان حقه دنانير
فبانت نحاسا، وفضة فبانت رصاصا، قال قوم: يحنث، وقال قوم: لا يحنث، وهو
الأقوى عندي.
الثالثة: إذا أحاله بالحق فقبل الحالف الحوالة وانصرف حنث، لأن الحوالة
وإن كانت فإنما هي قبض حكما، فأما مشاهدة وفعلا فلا.
إن حلف، لا فارقتك حتى أستوفي حقي، نظرت: فإن استوفى نفس حقه بر،
وإن استوفى بدل حقه مثل إن كانت دنانير فأخذ دراهم أو ثيابا أو غير ذلك
حنث في يمينه، سواء كان البدل وفاء حقه أو أقل لأنه ما استوفى حقه وإنما
استوفى بدل حقه، فإن أبرأه وانصرف حنث أيضا لأنه ما استوفاه.
99

فإن قال: حتى أستوفي، نظرت: فإن استوفى حق نفسه بر، وإن أخذ البدل
عنه وكان وفاء حقه بر، وإن كان دون ذلك حنث، لأنه ما استوفاه.
فإن قال: لا أفارقك ولي قبلك حق، فإن أخذ نفس حقه أو بدل حقه بر،
سواء كان في البدل وفاء أو لم يكن، لأنه فارقه ولا حق له قبله، وكذلك إن أبرأه
وانصرف.
كل موضع حكمنا بوقوع الفراق، فالفراق هو افتراق المتبايعين عن محلهما
الذي تبايعا، وقد فسرناه في البيوع، وبينا أنه مأخوذ من العرف فما يسمى في
العرف افتراقا حكم بذلك، وما لم يسم بذلك لم يحكم به.
إذا حلف من عليه الحق، لا فارقتك حتى أقبضك حقك، فإن قضاه نفس
حقه بر، وإن أعطاه بدل حقه حنث، فإن كان الحق عينا فوهبها مالكها منه فقبلها
حنث لأنه ما اقتضاه.
وإن أبرأه من الحق فمن قال: الإبراء يحتاج إلى القبول، فقبل حنث،
كالهبة، ومن قال: يبرأ من غير قبول، فهل يحنث أم لا؟ على قولين أقواهما عندي
أنه يحنث لأنه ما أقبضه.
فإن حلف عمرو، لا بعت لزيد ثوبا، فأعطى زيد وكيله ثوبا وقال له: بعه وإن
شئت فادفعه إلى من ترى ليبيعه، فأتى وكيل زيد عمروا فأعطاه فباعه وهو لا يعلم
أنه لزيد صح البيع، وهل يحنث؟ على قولين أقواهما عندي أنه لا يحنث، لأنه
جاهل بذلك، وهو كالمكره والناسي، وإن قال زيد لوكيله: بعه أنت، فأعطى
الوكيل هذا الثوب لعمرو وقال: بعه، فباعه فالبيع باطل، ولا يحنث عمرو لأنه
ما باع، وسواء قال: لا باع له ثوبا ملكه، أو أطلق فلا فرق بينهما.
إذا قال لامرأته: إن خرجت من الدار حتى آذن لك فأنت طالق، فقد علق
طلاقها بصفة وهو خروجها بغير إذنه، فعندنا أن هذه يمين باطلة، وعندهم
صحيحة، فإن خرجت بغير إذنه طلقت، فإن عادت فخرجت ثانيا لم تطلق لأن
اليمين انحلت بالحنث فيها، فإن أذن لها فخرجت لم تطلق، لأنها خرجت باذنه،
100

وانحلت اليمين أيضا بذلك، فإن خرجت ثانيا بغير إذنه لم يحنث، هذا إذا قال
لها: حتى آذن لك.
فإن قال: إن خرجت من الدار إلا بإذني، فهو كقوله: حتى آذن لك، فإن
خرجت بغير إذنه طلقت وانحلت اليمين، لأن " إن " لفعل مرة واحدة، فإن أذن
لها فخرجت بر في يمينه، فإن خرجت بعد هذا لم تطلق وإن كان بغير إذنه.
وقال بعضهم: إذا قال: إن خرجت من الدار إلا بإذني فأنت طالق، فإن
خرجت بغير إذنه طلقت وانحلت اليمين، وإن خرجت مرة أخرى لم تطلق مرة
أخرى، مثل ما قال الأول، وإن أذن لها فخرجت لم تطلق، فإن خرجت مرة
أخرى بغير إذنه طلقت، فجعل هذا القائل يمينه على التكرار على كل مرة.
ولو قال: متى خرجت إلا بإذني فأنت طالق، كان على مرة واحدة، ولا
فصل بينهما أكثر من أن قوله " إن خرجت " كان الفعل، و " متى خرجت "
للزمان، وكذلك أي وقت وأي حين وأي زمان وأية ساعة، الباب واحد.
فأما إن قال: كلما خرجت بغير إذني فأنت طالق، فهو على التكرار على كل
مرة تخرج، فإن أذن فيها مرة فخرجت لم تطلق، فإن خرجت بعده مرة أخرى
بغير إذنه طلقت حتى يقول: كلما خرجت فقد أذنت لك فيه، فحينئذ تزول اليمين
لأن لفظة " كل " للتكرار.
إن قال: إن دخلت دار زيد إلا باذنه فامرأتي طالق، فإن دخلها بغير إذنه
طلقت وإن أذن له بالدخول ارتفعت اليمين، دخلها بعد أو لم يدخلها واحد، فإن
دخلها لم يحنث بعد هذا، وإن منعه زيد من الدخول بعد الإذن لم يقدح في
ذلك، بل تكون اليمين منحلة بوقوع الإذن وإن لم يوجد المأذون فيه، وعندنا أن
هذه مثل الأولى لا يقع بها طلاق بحال.
فإن قال: إن خرجت من الدار إلا بإذني إلا لعيادة مريض فأنت طالق، فقد
علق طلاقها بصفة وهو خروجها بغير إذنه، واستثنى ما يمنع وقوع الطلاق
بشيئين: أحدهما وجود إذنه، والثاني خروجها لعيادة مريض، فإن خرجت في
101

غير هذين فقد طلقت.
فإذا تقرر هذا نظرت:
فإن خرجت لعيادة مريض لم تطلق، فإن تشاغلت بعد خروجها بغير
العيادة كزيارة الوالدين وقضاء الحوائج ودخول الحمام لم تطلق، لأنها ما
خرجت إلا لعيادة المريض وفلا يقدح في خروجها حدوث نية غير ما خرجت له.
فإن خرجت لغير عيادة المريض طلقت وإن تشاغلت بعد خروجها بعيادة
المريض لم ينفعها ذلك، لأنها ما خرجت له.
فإن خرجت لعيادة مريض ولغير عيادة كأنها اعتقدت الخروج لأشياء منها
عيادة المريض لم تطلق، لأنها خرجت لعيادة المريض فلا يضر أن يعتقد غيره،
وعندنا هذه مثل الأولى سواء، لا تطلق بحال.
إذا حلف، بالطلاق لا خرجت إلا بإذني، فأذن لها فخرجت بعد الإذن وقبل
العلم به لم يحنث، وقال بعضهم: يحنث، وهذا يسقط عنا لما مضى.
إذا قال: رقيقي أحرار أو مماليكي، ابتداء عندنا أو حلف على ذلك عندهم
نظرت: فإن كان له عبيد قن وإماء عتقوا بلا إشكال لأن الاسم تناولهم على
الإطلاق، فإن كان فيهم مدبر عتق أيضا كالعبد القن لأنه عبد، وكذلك المكاتب
وأم الولد لأن الاسم يتناولهم.
فإن كان له أشقاص عبيد، مثل أن كان له نصف عشرة أعبد مشاعا، عتقوا
كالمنفرد، فإذا كان له نصف عشرة أعبد فله خمسة، فإنهم يعتقون، فإن كان فيهم
مكاتب ففي الناس من قال: المكاتب لا يدخل في ذلك، ومنهم من قال: يدخل
أيضا، والأقوى عندي أنه يدخل إن كان مشروطا عليه لما روي عن النبي صلى
الله عليه وآله أنه قال: المكاتب عبد ما بقي عليه درهم.
إذا قال لزوجته: إن كلمت أباك فأنت طالق، عندنا لا يتعلق به حكم لأن
اليمين ما انعقدت، وعندهم تنعقد وفيها ثلاث مسائل:
102

وإن كلمت أباها وقع الطلاق لأن الصفة وجدت، وهكذا إذا كلمت أباها
وهي رجعية لأنها في معنى الزوجات.
الثانية: أبانها بالخلع أو طلقها قبل الدخول طلقة أو طلقة بعد الدخول
وتركها حتى انقضت عدتها ثم كلمت أباها انحلت اليمين، لأن الصفة وجدت وهي
بائن فإن نكحها بعد هذا ثم كلمت أباها لم تطلق، لأن اليمين انحلت بوجود الصفة
بين النكاحين.
الثالثة: أبانها ولم تكلم أباها ثم تزوجها ثم كلمت أباها فقد وجد عقد اليمين
في ذلك والصفة في نكاح آخر ولم توجد الصفة بين النكاحين، فهل يعود حكم
اليمين أم لا؟ نظرت فيما وقعت به البينونة: فإن أبانها بأقل من ثلاث عاد حكم
اليمين وقال بعضهم: لا يعود، وإن أبانها بالثلاث لم يعد، وقال بعضهم: يعود.
فإذا ثبت هذا فإذا قال لعبده: إن لم أضربك غدا فأنت حر، ففيه ثلاث
مسائل أيضا.
الأولى: إن لم يضربه غدا حتى غربت الشمس عتق لأن الصفة وجدت
والعبد في غير ملكه.
الثانية: باعه اليوم ولم يضربه غدا حتى غربت الشمس فإنه لا يعتق لأن
الصفة وجدت والعبد في غير ملكه فانحلت اليمين.
فرع هذه المسألة: إذا لم يبعه اليوم، وجاء غد ولم يضربه مع القدرة على
ضربه ثم باعه وغربت الشمس ولم يضربه لم يعتق أيضا لأن الصفة وجدت
والعبد ليس في ملكه.
الثالثة: باعه اليوم واشتراه غدا وخرج اليوم ولم يضربه، فقد وجد عقد
اليمين في ملك، وزوال الملك ثم ملكه ووجدت الصفة في ملك ثان، و لم توجد
الصفة بين الملكين، فهل يعتق أم لا؟ منهم من قال: لا يعود، ومنهم من قال:
يعود، لأن البيع بمنزلة الطلاق الثلاث، ومن قال: يعود، قال: لأن بيع العبد مثل
البينونة بأقل من ثلاث، هذا إذا كانت اليمين بالعتق، وهذا كله يسقط عنا لأن
103

اليمين بالطلاق والعتاق لا تنعقد أصلا.
فأما إذا كانت اليمين بالله فقال: والله لأضربنك غدا، ثم باعه اليوم وخرج
غد ولم يضربه حنث ووجبت الكفارة، وقد روى أصحابنا أنه إذا حلف ليضربن
عبده ولم يضربه وعفا عنه لم تلزمه كفارة لقوله: " وأن تعفوا أقرب للتقوى ".
إذا قال لعبده: إن بعتك فأنت حر، نظرت: فإن باعه مطلقا عتق عند
بعضهم، لأن الصفة وجدت والعبد ممن يلحقه العتق بالمباشرة فلحقه العتق
بالصفة لأن البيع إذا انعقد ثبت بينهما خيار المجلس ما لم يتفرقا ولو أعتق عبده
في مدة خيار المجلس عتق، فكذلك إذا وجدت صفة العتق، ومن لم يقل بخيار
المجلس قال: لا ينعتق، لأن بنفس العقد لزم البيع بغير خيار، فإن باعه بشرط
الخيار لهما أو للبائع عتق بلا خلاف بينهم لما مضى، وعندنا لا ينعتق لما مضى
وإن كنا نقول بخيار المجلس.
فأما إذا باعه بشرط أن لا خيار بينهما - خيار المجلس - فعندنا ذلك صحيح
ولا يتعلق به العتق لما مضى، ولهم فيه ثلاثة أوجه: أحدها يصح البيع والشرط
معا، والثاني يبطلان معا، والثالث يصح البيع ويبطل الشرط.
فإذا ثبت هذا رجعنا إلى العتق فإذا قيل: يصح البيع والشرط، لم يعتق
العبد لأن الصفة وجدت وهو على صفة لا يلحقه العتق بالمباشرة، فلا يلحقه
بالصفة، وإذا قيل: يبطلان، لم يعتق العبد لأن العقد لم يوجد، وإذا قيل: يصح
البيع ويبطل الشرط، عتق كالبيع المطلق.
ولو قال لعبده: إن بعتك فأنت حر، فباعه بيعا فاسدا لم يعتق بلا خلاف،
وهكذا لو قال: إن زوجتك فأنت حر، فزوجه تزويجا فاسدا لم يعتق، لأن إطلاق
البيع يقتضي بيعا شرعيا فإذا كان فاسدا لم توجد الصفة.
إذا حلف، لا يأكل الرؤوس، حنث بأكل رؤوس النعم " الإبل والبقر
والغنم " ولا يحنث بأكل رؤوس سواها كرؤوس الحيتان والعصافير والطيور
والجراد، وإن كان بلد له صيد كثير وتكون رؤوس الصيد تؤكل مفردة عندنا
104

حنث فيها، وإن حلف لا يأكل الرؤوس وهو في غيرها من البلاد، فأكل منها هل
يحنث أم لا؟ قال قوم: يحنث، لأنه إذا ثبت عرف في مكان تعلق بها حكم اليمين
في كل مكان كخبز الأرزلة عرف بطبرستان فيتعلق به الأيمان في كل مكان.
وقال آخرون: لا يحنث لأن هذا الحالف لا علم له بذلك ولا عرف له بهذا
البلد، وهكذا القول في رؤوس الحيتان إذا ثبت لها مع العرف ما ثبت لرؤوس
الصيود، هذا إذا لم يكن له نية.
فأما إذا كان له نية حنث وبر على نيته، والورع أن يحنث بأي رأس كان
ليخرج من الخلاف، لأن فيه خلافا، والأقوى عندي أن لا يحنث بما لا يعرفه،
لأن الأصل براءة الذمة.
إذا حلف، لا يأكل البيض، انطلق على كل بيض يزائل بائضه، وهو بيض
الدجاج، والوز والنعام، والعصافير، والطيور ونحوها، فأما ما عداها مما لا يزائل
بائضه حيا وهو بيض الحيتان والجراد فلا يحنث، لأن إطلاق الأيمان يتعلق بما
يقصد ويفرد للأكل وحده دون بائضه كرؤوس النعم وأما ما لا يفرد عن أصولها
فلا يحنث به كرؤوس العصافير والطيور.
إذا حلف، لا يأكل لحما، فأكل لحم النعم وغيرها من الصيود والطيور،
حنث لأن اسم اللحم يطلق على هذا كله، فإن أكل لحم الحيتان لا يحنث وقال
بعضهم: يحنث، والأول أقوى.
إذا حلف، لا يشرب سويقا، فإن صب عليه ماء وشرب حنث، وإن استفه لم
يحنث، ولو حلف، لا يأكل خبزا، فإن أكله وهو أن يلوكه بفيه ويزدرده حنث،
فإن ماثه بالماء وشربه كالسويق لم يحنث، لأن الاسم الحقيقي لا يتناوله.
فإذا تقرر هذا فإن حلف، لا أكل السويق، فذاقه لم يحنث لأن الأكل أن
يلوكه ويزدرده، والذوق أن يعرف طعمه ازدرده أو لم يزدرده، بلى إن حلف، لا
ذاقه، فأكله حنث، لأن الأكل ذوق وزيادة، لأنه لا يصح أن يقال: كله ولا تذقه،
ويقال ذقه ولا تأكله، فلهذا حنث.
105

وإن حلف، لا ذاقه، فأخذه بفيه ومضغه ورمى به ولم يزدرد شيئا منه قال
بعضهم: يحنث، وهو الأقوى لأن الذوق عبارة عن معرفة طعم الشئ وقد عرف
طعمه قبل أن يزدرده، وقال بعضهم: لا يحنث ما لم يزدرد شيئا منه، لأنه لا يقال:
ذاقه، ما لم ينزل شئ منه في حلقه، والأول أصح لأن بالذوق لا يفطر الصائم
وبالازدراد يفطر.
إذا حلف لا يأكل سمنا فالسمن ضربان: جامد ومائع، فإن كان جامدا
نظرت: فإن أكله على جهته وحده حنث، وإن أكله بالخبز حنث أيضا عندنا،
وقال بعضهم: لا يحنث، لأنه ما أكل السمن على جهته، فأما إذا كان مائعا
نظرت: فإن شربه لم يحنث لأنه حلف لا يأكل فلا يحنث بشربه، وإن أكله
بالخبز حنث عندنا، ومن قال هناك: لا يحنث، قال هاهنا مثله.
فإن أكل خبيصا معمولا بالسمن حنث إذا كان السمن ظاهرا فيه، وإن كان
مستهلكا فيه لم يحنث وكذلك إذا حلف، لا يأكل خلا، فأكل مرقة فيه خل فإن
كان ظاهرا حنث وإن كان مستهلكا لم يحنث.
إذا حلف، لا يأكل هذه التمرة، فوقعت في تمر فأكله كله إلا واحدة نظرت:
فإن تيقن أنه أكل التي حلف عليها حنث، وإن تيقن أنه ما أكلها لم يحنث، وإن
أشكل الأمر لم يحنث أيضا لأن الأصل أنه ما حنث فلا يحنث بالشك، وهكذا لو
هلكت منه تمرة فأكل ما بقي كله، فإن علم أنه أكلها حنث وإن علم أنه ما أكلها
وأنها التي هلكت لم يحنث، وإن أشكل الأمر لم يحنث أيضا لما مضى.
إذا حلف، لا يأكل هذه الحنطة أو من هذه الحنطة، الباب واحد، غير أنا
نفرضها فيه إذا قال " هذه الحنطة " فإن أكلها على جهتها حنث وإن غيرها بأن
طحنها وجعلها دقيقا أو قلاها فجعلها سويقا فأكل منه لم يحنث عندنا، وقال
بعضهم: يحنث لأنه علق الحكم بهذه العين والعين تلك.
فأما إذا حلف لا كلمت هذا الصبي، فصار شابا أو هذا الشاب فصار شيخا
فكلمه، أو لا أكلت من لحم هذا الحمل فصار كبشا فأكل، أو لا أكلت من هذا
106

البسر، فصار رطبا فأكل، ففي الكل قال قوم: يحنث، وقال آخرون: لا يحنث،
وهو الأقوى عندي.
وإن حلف، لا يأكل من هذا الدقيق، فخبزه وأكل منه لم يحنث، وقال قوم:
يحنث لأن الدقيق هكذا يؤكل، والأول أقوى لأن الأصل براءة الذمة.
إذا حلف لا يأكل شحما فالشحم هو الذي يكون في الجوف من شحم
الكلى أو غيره فإن أكل منه حنث، وإن أكل غيره من كل شئ في الشاة من
لحمها الأحمر والأبيض والألية والكبد والطحال والقلب لم يحنث بشئ من هذا،
لأن اسم الشحم لا يقع عليه، وقال بعضهم: إن أكل من لحم الظهر حنث، والأول
أقوى عندي.
وإن حلف لا يأكل لحما نظرت: فإن أكل من اللحم الأحمر أو من الأبيض
الذي يكون على الظهر حنث، وإن أكل من القلب لم يحنث لأن اسم اللحم لا يقع
عليه، ولا يقال لمن أكله: أكل لحما، وإن أكل من شحم البطن لم يحنث عندنا،
وقال بعضهم: يحنث، فإن أكل الكبد والطحال لم يحنث، وقال بعضهم: يحنث،
والأول أقوى، لأنه لا يسمى لحما، فإن أكل الألية لم يحنث عندنا لما مضى، وقال
بعضهم: يحنث لأنه بمنزلة اللحم.
فإن حلف لا آكل تمرا، فأكل رطبا، أو رطبا فأكل بسرا، أو بسرا فأكل
بلحا، أو بلحا فأكل طلعا لم يحنث، وكذلك لو حلف لا يأكل طلعا فأكل بلحا،
أو بلحا فأكل بسرا، أو بسرا فأكل رطبا، أو رطبا فأكل تمرا لم يحنث، لأن كل
واحد منهما غير صاحبه.
فإن حلف لا يأكل رطبا، فأكل من المنصف وهو ما نصفه رطب ونصفه
بسر نظرت: فإن أكل منه الرطب حنث، وإن أكل منه البسر لم يحنث، وإن أكله
على ما هو به حنث لأنه قد أكل الرطب، وقال بعضهم: لا يحنث، والأول أصح
عندنا، وهكذا إذا حلف لا يأكل بسرا، فأكل المنصف فعلى ما فصلناه.
فإن حلف لا يأكل زبدا، فأكل لبنا لم يحنث، لأن الاسم لا يقع عليه
107

وكذلك من حلف لا يأكل دبسا فأكل تمرا، أو شيرقا فأكل سمسما لم يحنث
أيضا لأنه غيره، وكذلك إن حلف لا يأكل تمرا أو سمسما فأكل دبسا أو شيرقا
لم يحنث.
فإن حلف لا يأكل لبنا فأكل سمنا لم يحنث، لأنه غيره، وإن أكل زبدا
فالزبد لا ينفك من اللبن فينظر فيه: فإن كان اللبن مستهلكا فيه لم يحنث، وإن
كان قائما فيه حنث، وقال بعضهم: إذا حلف لا يأكل اللبن حنث بأكل كل ما
عمل منه من زبد وسمن وجبن وغير ذلك، لأن الكل لبن، والأول أصح لأن
الصورة بطلت، والاسم قد زال.
إذا حلف لا كلمت فلانا، فسلم عليه وحده، وهو يعرفه، مع ذكره ليمينه
حنث لأن السلام كلام، وإن كان جاهلا به أو عالما لكنه نسي فلا يحنث عندنا،
وقال بعضهم: يحنث.
فإن سلم على جماعة وفلان فيهم ففيه ثلاث مسائل: إما أن يقصده بالنية أو
يعزله بالنية أو يطلق، فإن قصده وأراده مع القوم حنث، وإن عزله بالنية ونوى
السلام عليهم دونه لم يحنث عندنا، وقال بعضهم: يحنث، وإن أطلق من غير نية
فالأقوى أن يقال: إنه يحنث لأن ظاهر القول العموم، وقال بعضهم: لا يحنث،
وإن كان جاهلا بأنه في القوم ثم بان فيهم لم يحنث عندنا، وقال بعضهم: يحنث.
إذا حلف لا كلمت زيدا، فكتب إليه كتابا أو أرسل رسولا أو أومأ إليه برأسه
أو بيده أو بعينه لم يحنث عندنا، وقال بعضهم: يحنث.
إذا حلف لا رأى منكرا إلا رفعه ففيه ثلاث مسائل:
إما أن يقول: إلا رفعته إلى القاضي أبي فلان أو إلى قاض أو إلى القاضي.
فإن قال: إلى القاضي أبي فلان، فقد عين وسمى، فإن رأى منكرا نظرت:
فإن رفعه إليه بر، وإن لم يرفعه مع القدرة عليه حتى ماتا أو أحدهما حنث لأنه
ترك البر مع القدرة عليه حتى فاته، وإن فاته بغير تفريط مثل أن سار ليرفعه فماتا
أو أحدهما قبل أن يصل إليه فلا يحنث عندنا، وقال بعضهم: يحنث، وكذلك لو
108

حجب عنه أو منع في الطريق مكرها لم يحنث عندنا، وقال بعضهم: يحنث، فإن
عزل القاضي نظرت: فإن كانت نيته أن يرفعه إليه وهو قاض فالعزل هاهنا
كالموت وقد مضى، وإن لم يكن له نية فهل فات رفعه بعزله؟ قال قوم: إنه فات،
وهو الأقوى عندي، وقال بعضهم: ما فات.
الثانية: إذا قال: إلا رفعته إلى قاض، فقد نكر القاضي، فإن مات أو عزل لم
يحنث لأنه يمكنه رفعه إلى غيره، فأي قاض رفعه إليه بر في يمينه، ولا يحنث هاهنا
بموت قاض ولا بعزله.
الثالثة: إذا قال: إلى القاضي، قال قوم: يرجع هذا إلى قاضي البلد، من كان
قاضيه لأنه عرفه ولم يعينه، فإن كان له قاض رفعه إليه، وإن مات أو عزل لم يفت
رفعه لأن كل من ولى بعده مكانه فهو قاضي البلد، وهذا قريب.
إذا حلف ما له مال، وله مال يتمول في العادة حنث، سواء كان زكاتيا
كالأثمان والثمار والماشية والزرع، أو كانت غير زكاتية كالعقار والأثاث
والبغال والحمير، وهذا إن قال: إن شفى الله مريضي فلله علي أن أتصدق بمالي،
تناول كل ما يتمول كالأثمان، وقال قوم: لا يعلق ذلك إلا بالزكاتية، والأول
أقوى عندي، وقد رواه أصحابنا في النذر في من نذر أن يتصدق بجميع ماله.
فأما إن كان له مال في الذمة نظرت: فإن كان حالا حنث لأن اسم الملك
يقع عليه، وإن كان إلى أجل قال قوم: لا يحنث لأنه لا مال في ذمته في الآجل،
وقال قوم - وهو الصحيح -: إنه يحنث لأن ذمته مشغولة به بدليل أنه لو أبرأه
برئ وإن كان قبل المحل، فلو لم يكن له لما برئ.
إذا حلف ليضربن عبده مائة سوط، أو قال: مائة، فأخذ ضغثا فيه مائة
شمراخ فضربه به دفعة واحدة، أو شد مائة سوط فضربه بها دفعة واحدة ففيه
ثلاث مسائل:
إن علم أنه ما وصل بعضها إلى بدنه لم يبر في يمينه.
وإن علم أنها وقعت كلها على بدنه فقد بر في يمينه عندنا، وقال بعضهم: لا
109

يعتد له إلا بواحدة.
وأما إذا قال: ليضربنه مائة مرة، فلا يعتد إلا بضربة واحدة بلا خلاف.
وإن حلف ليضربنه مائة ضربة، قال بعضهم: لا يبر حتى يضرب مائة مرة
لأنه يجري مجرى قوله مائة مرة، ولهذا قلنا في الرمي بسبع حصيات دفعة
واحدة: لم يعتد إلا بواحدة، وقال بعضهم: يبر بضرب مرة واحدة، لأن الضربة
إيصال ضربة إلى بدنه فإذا وقعت الشماريخ عليه دفعة واحدة فقد أوصل إلى بدنه
مائة ضربة، وهذا الأقوى عندي.
فلا فصل في جميع ذلك بين أن يؤلمه بالضرب أولا يؤلمه، بعد أن يفعل ما
يقع عليه اسم الضرب، وهو أن يرفع يده أولا ثم يوقع الضرب به، فأما إذا وضعه
على كتفه وضعا فلا يقال له ضرب، وقال بعضهم: الضرب ما آلمه به، فإذا لم
يؤلمه فليس بضرب، والأول أقوى.
الثالثة: إذا ضربه دفعة واحدة، ولم يعلم هل وصلت إلى بدنه، لكنه غلب
على ظنه أن الكل قد أصابه بر في يمينه، وقال بعضهم: لا يبر في يمينه، لأنه ما
قطع أن الكل وصل إليه، والأصل أنه ما وصل، فلا يحكم بالبر، والأول أقوى
لعموم أخبارنا فيه، ولقوله تعالى: " وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث "
ولم يفصل.
إذا حلف لا وهبت له، فالهبة عبارة عن كل عين يملكه إياها تبرعا بغير
عوض، فإن وهب له أو أهدي إليه أو نحله أو أعمره أو تصدق عليه صدقة تطوع
حنث بذلك كله، وأبعدها العمرى، وقد سماها رسول الله صلى الله عليه وآله
هبة، فقال: العمرى لمن وهبت له، وقال بعضهم في صدقة التطوع أنه لا يحنث
بها، فإن حلف لا أعمرته فتصدق عليه، أو لا أتصدق عليه فأهدى له لم يحنث،
لأن اليمين تعلقت بنوع فلا يحنث بنوع آخر، كما لو حلف لا أكلت المعقلي
فأكل البرني لم يحنث.
فإن حلف لا وهبت له فأعاره لم يحنث، لأن الهبة تمليك الأعيان، والعارية لا
110

يملك بها العين، فإن وقف عليه فمن قال: إنه ينتقل إلى الله لا إلى مالك، لم
يحنث لأنه ما ملكه، ومن قال: إنه ينتقل إلى الموقوف عليه، حنث، والثاني أقوى.
فإن أوصي له بشئ وقبله لم يحنث لأنه سبب تمليك وليس بتمليك.
إذا حلف لا ركبت دابة العبد، وللعبد دابة جعلها سيده في رسمه يركبها لم
يحنث، وقال بعضهم: يحنث لأنها تضاف إليه، والأول أقوى لأنه الحقيقة والثاني
مجاز، فأما إن ملكه سيده الدابة، فمن قال: إنه لا يملك، لا يحنث، ومن قال:
يملك، حنث لأنها ملك العبد، والأقوى الأول.
فأما إن حلف لا ركبت دابة السيد فركب دابة المكاتب لم يحنث، لأن
الدابة منقطعة عن السيد لا حق للسيد فيها، والمكاتب هو المتصرف فيها فلا
يحنث، بلى إن حلف لا ركب دابة المكاتب فركب له دابة، قال قوم: يحنث،
وقال آخرون: لا يحنث، والأول أقوى، لأنها في حكم ملكه، بدليل أنه هو
المتصرف فيها دون سيده، والسيد لا يملك بيعها ولا هبتها ولا التصرف فيها.
إذا حلف لا ضربت عبد زيد فوهبه زيدا، أو جنى العبد جناية تعلق أرشها
برقبته فضربه حنث، لأن العبد ملكه، وإنما تعلق برقبته حق الغير، وهذا لا يخرجه
من أن يكون ملكه.
111

كتاب النذر
النذر ضربان: نذر تبرر وطاعة، ونذر لجاج وغضب.
فالتبرر أن يعلقه بإسداء نعمة أو دفع بلية ونقمة، فإسداء النعمة أن يقول: إن
رزقني الله ولدا أو عبدا فمالي صدقة، وإن رزقني الحج فعلي صوم شهر، ودفع
النقمة قوله: إن شفى الله مريضي أو خلصني من هذا الكرب، أو دفع عني هذا
الظالم فعلي صدقة مالي أو صوم شهر.
فإذا وجد شرط نذره لزمه الوفاء به بلا خلاف، لقوله عليه السلام: من نذر
أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه، غير أنا نراعي أن نقول ذلك
بلفظ " لله علي كذا " لأن ما عدا ذلك لا ينعقد به نذر، ولا بخلفه كفارة.
وأما نذر اللجاج والغضب فالذي معناه معنى اليمين أن يمنع نفسه به من
شئ أو يوجب عليها فعل شئ، فالمنع أن يقول: إن دخلت الدار فمالي صدقة أو
فعلي صوم شعبان، والإيجاب أن يقول: إن لم أدخل الدار وإن لم أكلم فلانا
فمالي صدقة، أو فعلي صوم سنة.
فإذا وجد شرط نذره فما الذي يلزمه؟ اختلف الناس فيها على ستة مذاهب
ذكرناها في الخلاف.
فعندنا أنه متى قال ذلك بلفظ " لله علي " فإنه يلزمه الوفاء به، وإن خالفه
لزمته كفارة النذر على ما نبينه، وقال بعضهم: هو بالخيار بين الوفاء بنذره وبين
113

أن يكفر كفارة يمين، وقال بعضهم: كفارة يمين لا غير.
فإذا تقرر ذلك لم يخل ما تعلقه به من ثلاثة أحوال: إما أن يعلقه بصدقة
مال، أو عبادة غير الحج أو بالعتق والطلاق، أو بالحج، فإن علقه بصدقة مال
كقوله: لله علي أن أتصدق بمالي، أو بعبادة غير الحج كقوله: فعلي ألف ركعة
أو صوم شهر، فهو بالخيار عندهم بين الوفاء وبين كفارة يمين، وعندنا يلزمه
الوفاء به، فإن خالفه لزمته كفارة النذر على ما سنبينه، وإن علقه بالطلاق والعتق
فعندنا لا يقعان وإن حصل الشرط، وعندهم يقع.
وإن علقه بالحج فقال: لله علي حجة، عندنا يلزمه الوفاء به، فإن عينه في
سنة بعينها وخالف وجب عليه كفارة النذر، وانحل النذر، وإن أطلقه لا ينحل
ووجب عليه الوفاء به.
وعندهم مثل سائر العبادات يكون مخيرا بين الوفاء وكفارة اليمين، وقال
بعضهم: يلزمه الوفاء ولا يجزئه الكفارة، لأن الحج يجب بالدخول فيه، فلزم
الوفاء به إذا علقه بالنذر، وليس كذلك سائر العبادات عند هذا القائل.
إذا حلف لا أستخدم عبدا، فخدمه عبد من قبل نفسه لم يحنث، سواء كان
عبد نفسه أو عبد غيره، وقال بعضهم: إن كان عبد نفسه يحنث، والأول أقوى
عندي.
إن حلف لا يأكل فاكهة، فالفاكهة العنب والرطب والرمان والتين ونحوها،
وقال بعضهم: العنب والرطب والرمان ليس بفاكهة، والأول أقوى عندي، وإنما
أفرده الله تعالى ذكره تعظيما له، فإن حلف لا يأكل فاكهة، فأكل القثاء والخيار
لم يحنث لأنها من الخضر، فإن أكل بطيخا حنث لأن له نضجا كنضج الرطب
يحلو إذا نضج ويؤكل كالعنب والرطب، فلهذا كانت من الفاكهة.
فإن حلف لا يشم الريحان انطلق على هذا بالفارسي الذي هو الشاشبرم
دون المرزنجوش ونحو ذلك من الورد والياسمين، لأن الاسم لا يتناول هذه، فإن
114

حلف لا يشم الورد، فشم نفس الورد حنث، وإن شم دهن الورد لم يحنث، فإن
حلف لا يشم البنفسج، فإن شم ورده حنث، وإن شم دهنه لا يحنث، وقال
بعضهم: يحنث لأنه يقال لدهنه " بنفسج "، والأول أقوى لأنه الحقيقة وما قالوه
مجاز.
فإن حلف لا ضرب زوجته، فعضها أو خنقها أو نتف شعرها لم يحنث،
وقال بعضهم: يحنث بكل ذلك، لأنه ضرب وزيادة، والأول أصح.
إذا قال: من بشرني بقدوم زيد فهو حر - وعلى مذهبنا قال: فلله علي أن
أعتقه - فإن بشره واحد أو جماعة دفعة واحدة وجب عليه أن يعتقهم، وعندهم
يعتقون، لأن البشارة عبارة عن أول خبر يبشر به، فإن بشره بعد الأول غيره لم
يلزمه ذلك، لأن البشارة قد وقعت فلا تقع به مرة أخرى.
فإن قال: من أخبرني بقدوم زيد فهو حر، فإن أخبره واحد أو جماعة عتقوا،
وإن أخبره بعدهم آخر عتق أيضا، وعندنا إن كان ذلك بلفظ النذر وجب عليه
الوفاء به لأن الأول والثاني والثالث خبر كله، وليس كذلك البشارة لأنها عبارة
عن أول خبر يبلغه، فإن قال: أول من يدخل الدار من عبيدي أحرار، فدخل اثنان
معا ودخل ثالث لم يعتق الاثنان، لأنه لا أول منهما، ولا الثالث لأنه ليس بأول.
فإن قال: أول من يدخلها من عبيدي وحده فهو حر، فدخلها اثنان معا
وثالث بعدهما عتق الثالث وحده، لأنه أول داخل وحده، وقد روي في أحاديثنا
أن الاثنين يعتقان لأنهم رووا أنه إذا قال القائل: أول من تلده الجارية فهو حر،
فولدت توأما اثنين أنهما يعتقان، وإن كنا نراعي في جميع ذلك لفظ النذر.
فإن قال: أول من يدخلها حر، فدخلها واحد، وما دخل بعده غيره فإنه
يعتق لأنه ما دخل قبله غيره، فهو الأول، وقال بعضهم: لا يعتق لأنه لا أول إذا لم
يدخل بعده غيره، والأول أصح.
فإن قال: آخر من يدخل الدار حر، عتق آخر من دخلها قبل وفاته لأنه لا
يعلم الآخر قبل وفاته إلا بموته لأن إطلاق الصفة يقتضي وجودها حال الحياة،
115

فكأنه قال: آخر من دخلها في حياتي حر، اقتضى هذا كذلك إذا أطلق.
فإن حلف لا يأكل أدما، فإن أكل الخبز بالملح حنث لأنه هو الأدم، فإن
أكل لحما مشويا أو مطبوخا أو أكل الجبن حنث، وقال بعضهم: لا يحنث، وقال
بعضهم: الأدم ما يصطبغ به، والأول أقوى عندي.
إذا حلف لا دخل بيتا، فإن دخل الكعبة أو المسجد أو البيعة أو الكنيسة لم
يحنث عند قوم، لأن البيت إذا أطلق يتناول ما بني للإيواء والسكنى، وكل هذا
بني للعبادة والصلاة، وعلى هذا إذا دخل للحمام لم يحنث لأنه يبني للاغتسال
والتنظيف، فإن دخل دهليز دار لم يحنث، لأنه بني للدخول منه إلى الدار
والاستطراق، لا للإيواء والسكنى فلم يحنث.
فإن دخل بيتا في جوف الدار حنث لأنه بني للإيواء والسكنى، فإن دخل
صفة في الدار لم يحنث، وقال بعضهم: يحنث، والأول أقوى لأن الصفة لا تسمى
بيتا.
إذا حلف لا صلى، لا يحنث عندنا وإن صلى، وعندهم لا يحنث حتى يكبر
ويقرأ ويركع، وقال بعضهم: حتى يسجد، وقال قوم: إذا أحرم بها حنث قرأ أو لم
يقرأ ركع أو لم يركع، لأنه يقال لمن أحرم بالصلاة: هو مصل، وقوله " صليت "
غير قوله " أصلي " لأن أصلي عبارة عن كل الصلاة، وصليت عبارة عن التلبس
بها، فهو كالأكل لأنه إذا قال: لا أكلت، حنث بأول لقمة.
إن قال لعبده: إن لم أحج العام فأنت حر، وعلى مذهبنا قال: لله علي أن
أعتقك، فمضى وقت الحج ثم اختلفا فقال السيد: قد حججت العام، وقال العبد:
ما حججت، فأقام العبد البينة أن مولاه نحر يوم الأضحى بالكوفة، قال بعضهم:
عتق العبد، وقال بعضهم: لا يعتق، والأول أصح عندنا، لأنه إذا ثبت أنه كان يوم
النحر بالكوفة بطل أن يكون يوم عرفة بمكة.
إن حلف لا يتكلم، فقرأ لم يحنث، سواء كان في الصلاة أو غيرها، وقال
بعضهم: إن قرأ في الصلاة لم يحنث وإن قرأ في غيرها حنث، والأول أقوى، لأنه
116

لو كان كلاما خارج الصلاة لكان كلاما داخل الصلاة.
فإن حلف لا كلمت عبد زيد، فإن كلمه وهو لزيد حنث وإن كلم بعد زوال
ملكه عنه لم يحنث وكذلك زوجة زيد كعبد زيد إن كلمها وهي زوجته حنث
وإن كلمها بعد طلاقها لم يحنث، لأنه ما كلم عبد زيد ولا زوجته.
فإن كانت بحالها فحلف لا كلمت زوجة زيد هذه، فطلقها ثم كلمها حنث،
وكذلك إذا كلم عبد زيد بعد أن باعه حنث، وقال بعضهم في الزوجة مثل
الأول، وخالف في العبد، والأول أقوى، ولو قلنا في الموضعين: لا يحنث، كان
قويا.
إذا حلف لا وهبت عبدي هذا، أو قال له: إن وهبتك فأنت حر، وجعله
نذرا، عندنا فإن وهبه من رجل حنث بوجود الإيجاب قبل الموهوب له، أو لم
يقبل عند قوم، وقال آخرون - وهو الأقوى -: إنه لا يحنث حتى يحصل القبول،
لأن الهبة عبارة عن الإيجاب والقبول معا كالبيع بدليل أنه لو حلف لا بعت لم
يحنث بالإيجاب فالهبة مثله، والأول أيضا قوي.
إذا قال: إن شفى الله مريضي فلله علي أن أمشي إلى بيت الله الحرام، انعقد
نذره، فإذا وجد شرطه لزمه أن يمشي إليه حاجا أو معتمرا لأن المشي إليه شرعا لا
يكون إلا لأحد هذين، فانعقد نذره بما هو من موجب الشرع، فأما إن قال: إن
شفى الله مريضي فلله علي أن أمضي إلى بيت الله الحرام، فهو كقوله: أن أمشي،
وقال بعضهم: لا ينعقد نذره ولا يلزمه شئ، ومتى خرج راكبا وقد نذر المشي
مع القدرة لزمه دم لأنه ترك المشي، وروى أصحابنا أنه يعيد الحج ويمشي ما
ركب، ورووا مثل الأول، وإن قال: أذهب أو أمضي، فعلى أي وجه ذهب ماشيا
أو راكبا جاز.
إذا قال: كل جارية تسريت بها فهي حرة، نظرت: فإن لم يكن له جارية لم
يتعلق به حكم، فإن ملك جارية بعد هذا فتسرى بها لم يحنث بلا خلاف بيننا
وبين جماعة، لأنه عقد اليمين قبل وجود الملك، وإن كانت له جارية فتسرى بها
117

حنث، لأن العقد والصفة وجدا معا في ملكه كالطلاق.
فإذا ثبت أنه يحنث فالكلام في التسري ما هو؟ قال قوم: التسري هو الوطء
أو التخدير أنزل أو لم ينزل، لأن الجارية ضربان: سرية وخادمة، فإذا خدرها
ووطئ فقد تسري وترك الاستخدام، وقال آخرون: التسري مجرد الوطء أنزل
أو لم ينزل، حصنها وخدرها أو لم يحصنها، لأن السيد إذا جامع فقد تسري،
وقال آخرون: إذا جامع وأنزل فقد تسري سواء حصنها أو لم يحصنها، وهذا هو
الأقوى، وبعده الأول.
واختلف في اشتقاق التسري، ومنهم من قال: من السرور، ومنهم من قال:
من السر - والسر الجماع - ومنهم من قال: من السرا - وهو الظهر -، فكأنها
مركوبة على ظهرها.
إذا كان له عبدان فقال: إذا جاء غد فأحدكما حر، فإن جاء غد وهما في
ملكه لم يعتق، وقيل: عتق أحدهما لا بعينه، كقوله: أحدكما حر، وقيل له: عين
المعتق منهما، فإذا عينه عتق ورق الآخر، وكذلك الطلاق، وكذلك إن باع
أحدهما اليوم وجاء غد والآخر وحده في ملكه لم يعتق، وقال بعضهم: يعتق.
وإذا قال لعبده وعبد غيره: أحدكما حر، لم يعتق عبده بلا خلاف، وعلى
هذا لو قال لزوجته وزوجة غيره: إحداكما طالق، لم تطلق زوجته.
فإذا كانت بحالها فباع أحدهما اليوم ثم اشتراه ثم جاء غد وهما في ملكه،
فمن قال: يعود حكم اليمين، قال كالمسألة الأولى، ومن قال: لا يعود حكمها
قال: هو كالثانية، فإن كانت بحالها فباع نصف عبد فجاء غد وعنده
عبد ونصف، كان له فرض العتق في أيهما شاء منهما.
فإن فرض العتق في الكامل عتق واستقر الرق في النصف، وإن عين العتق
في النصف عتق، واستقر الرق في الكامل، فإذا عتق النصف نظرت: فإن كان
موسرا قوم عليه نصيب شريكه وإن كان معسرا استقر الرق في النصف.
فإن قال: إذا جاء غد وأحدكما في ملكي فهو حر، فباع أحدهما أو مات، ثم
118

جاء غد، عتق الباقي منهما، لأن أحدهما في ملكه، ولو جاء غد ونصف أحدهما
في ملكه لم يعتق النصف، لأن نصف أحدهما في ملكه، فلم توجد الصفة كما لو
قال: إذا جاء غد وأنت في ملكي فأنت حر، فجاء غد ونصفه في ملكه لم يعتق،
لأن الصفة لم توجد بوجود بعضه.
إذا قال: يا طالق أنت طالق ثلاثا إن شاء الله، وقع الطلاق بقوله " يا
طالق " عندنا إذا نوى ذلك، وعندهم بلا نية، وعاد الاستثناء إلى قوله " أنت
طالق ثلاثا "، وهكذا لو قال: أنت طالق ثلاثا يا طالق إن شاء الله، طلقت واحدة
عندنا، وعندهم عاد الاستثناء إلى قوله " أنت طالق ثلاثا "، وقال بعضهم: إن قدم
قوله " يا طالق " فكما مضى، وإن أخر قوله " يا طالق " عاد الاستثناء إليهما،
والأول أقوى، لأن قوله " يا طالق " اسم، و " أنت طالق " إيقاع، فوجب أن يعود
الاستثناء إلى الإيقاع لا إلى الأسماء كما لو قدم الاسم فقال: يا طالق أنت طالق
ثلاثا إن شاء الله.
إذا قال لزوجته: إن دخلت الدار أنت طالق، ظاهره الشرط والجزاء، وهو
تعليق طلاقها بصفة، فيكون معناه إن دخلت الدار فأنت طالق، فإن قال: نويت
إيقاع الطلاق في الحال وألغيت قولي إن دخلت الدار، كان على ما نواه، وقال
بعضهم: بل ظاهره إيقاع في الحال، فإن نوى به تعليق طلاقها بصفة بمعنى " إن
دخلت الدار فأنت طالق " قبل منه.
قال الأول: وهذا غلط لأن قوله إن دخلت الدار وحده شرط يقتضي الجزاء
وإذا قال: أنت طالق، كان في الظاهر جوابا لأنك إذا جعلت " أنت طالق " جوابا
وجزاء لم يلغ قوله " إن دخلت الدار "، وإن جعلت إيقاعا في الحال ألغيت قوله
" إن دخلت الدار ".
والذي يقتضيه مذهبنا أن يرجع إليه فإن قال: نويت الإيقاع في الحال، قبل
منه وإن قال: أردت تعليق الطلاق بشرط، كان باطلا لا حكم له.
وإذا قال: إن دخلت الدار وأنت طالق، فإنه يحتمل ثلاث معاني:
119

أحدها: أنهما شرطان يقتضيان جوابا فكأنه أراد: إن دخلت وأنت طالق
فعبدي حر، كقوله: إن دخلت الدار وأنت طاهر أو أنت حائض، يقتضيان جوابا
كذلك هاهنا.
الثاني: معناه فأنت طالق، لكنه أقام " الواو " مقام " الفاء " فإن حروف
العطف يخلف بعضها بعضا.
ويحتمل إيقاعا في الحال ويلغى إن دخلت الدار، وقال بعضهم: ظاهره
إيقاع كله في الحال، والذي نقوله مثل ما بيناه في المسألة الأولى سواء.
ومن قال بالأول قال: رجع إليه:
فإن قال: أردت الاحتمال الأول أو الثاني، فالقول قوله مع يمينه، لأنه
يحتمل غيره، وإن قال: أردت الثالث، قبل بغير يمين، لأنه أوقع طلاقا في الحال،
هذا إذا أقر.
فإن امتنع من التفسير، قيل لها: ما الذي أراد؟ فإن قالت: الاحتمال الأول،
قلنا: فلا فائدة لك لأنه علق طلاق غيرك بصفة هي دخولك الدار وأنت طالق
فالخطاب مع غيرك لا معك، وإن ادعت الاحتمال الثاني أو الثالث، فالقول
قوله مع يمينه، لأنه يحتمل غيرهما فإن حلف برئ، وإن لم يحلف رددنا اليمين
عليها فتحلف ويحكم لها بما حلفت عليه.
ومتى قال: وإن دخلت الدار فأنت طالق، احتمل أمرين: أحدهما عطفا على
كلام ماض، فكأنها خالفته في حال وقالت: لا تطلقني فإني أدخل الدار، فقال:
وإن دخلت الدار فأنت طالق، فيكون تعليق طلاقها بصفة، ويحتمل إيقاعا في
الحال، وقال بعضهم: إيقاع في الحال على كل حال بغير يمين، فمن قال:
محتمل، فلا يحمل على أحدهما بغير قرينة.
فإذا ثبت هذا فإن قال: أردت الاحتمال الأول، فالقول قوله مع يمينه، وإن
قال: أردت الثاني، فالقول قوله بغير يمين، والذي نقوله: أن يقبل قوله على كل
حال بغير يمين، فإن قال: أردت الإيقاع في الحال، قبلنا منه، وإن قال: أردت
120

تعليقه بصفة، قبلنا قوله ولا حكم له.
إذا قال: أنت طالق وإن دخلت الدار، فهذا إيقاع في الحال لا يحتمل سواه
يوجب حمله عليه، لأنه أوقع الطلاق دخلت الدار أو لم تدخل، فلا يتعلق بذكر
الدار حكم، فإن قال: أردت الشرط والجزاء، قبل منه فيما بينه وبين الله، ولم
يقبل في الحكم عند المخالف.
وعندنا أن القول قوله مثل المسائل الأول، ولا يمين عليه إلا أن تكون التطليقة
ثالثة، فيجب عليه حينئذ اليمين أنه ما أراد الإيقاع في الحال.
وإنما قلنا ذلك لأنه لو قال: أردت الشرط، لكان لا حكم له فتبقى على
الزوجية وظاهره الإيقاع، ولا يمكننا أن نقول ما نقوله في الثانية والأولة لأنه إذا
أنكر الإيقاع كان عندنا رجعة قبلنا قوله فيه بغير يمين، وقد بطلت هاهنا الرجعة.
قد مضى الكلام في مسائل الأيمان ونذكر هاهنا تفصيلا يشتمل على بيان ما
مضى منها.
وجملته إذا علق يمينه باسم لم يخل من أحد أمرين: إما أن يكون باسم
خاص أو عام، فإن كان خاصا نظرت: فإن كان حقيقة فيه لا مجاز له في غيره
تعلق بالحقيقة ولم يتعلق بغيرها، وإن قصد الغير ونواه وأراده كقوله: لا شربت
لك ماء من عطش، هذا حقيقة غير مجاز في الشراب ومجاز في الطعام، وفي
الناس من قال: حقيقة فيها، والأول أوضح.
فأما إن علقها بالعموم حملت على العموم إلا أن يدخلها التخصيص، ويكون
ذلك بأحد ثلاثة أشياء: نية أو عرف قائم في الاسم أو عرف الشرع.
فالنية إذا علقها بعموم الأعيان كقوله: لا كلمت أحدا، تعلق بكل أحد فإن
قال: نويت إلا زيدا، كان على ما نوى، أو يعلقها بعموم الزمان فحلف لا كلمت
زيدا أبدا، اقتضى أبد الدهر.
فإن قال: نويت شهرا أو نويت ما لم يدخل الدار، صح، لأن دخول
121

التخصيص في مثل هذا صحيح، وفي هذا المعنى إذا علقها باسم خاص لشئ
حقيقة فيه، وقد استعمل في غيره مجازا كقوله: لا دخلت دار زيد، ومجازه دار
يسكنها زيد بأجرة، فإذا نوى المجاز قبل منه كما يعدل بالحقيقة إلى المجاز
بدليل.
فإذا ثبت أنها تخص بالنية نظرت: فإن كان يمينا بالله قبلنا منه في الحكم
وفيما بينه وبين الله، لأنه أعرف بما نواه، وإن كانت بالعتق أو بالطلاق لم ينعقد
عندنا أصلا، وعندهم يقبل فيما بينه وبين الله دون الحكم، لأنه يدعي خلاف
الظاهر.
وأما التخصيص بالعرف القائم في الاسم كقوله: لا أكلت البيض، حقيقة
هذا كل بيض سواء زائل بائضه وهو حي، كبيض الدجاج والنعام والإوز
والعصافير، أو لا يزائل بائضه وهو حي، كبيض السمك والجراد، والبيض
الموجود في جوفه يطبخ ويشوى معها، غير أنا نحمله على ما يزائل بائضه حيا
بالعرف القائم في الاسم، ألا تراه إذا قال: أكلت البيض، لم يفهم منه بيض
السمك والجراد، وكذلك إذا حلف لا أكلت الرؤوس فهذا حقيقته كل رأس،
وحملناه على النعم بالعرف القائم في الاسم.
وأما ما يخص بعرف الشرع فكلما كان له اسم في اللغة ونقل في الشرع
إلى غير ما وضع له في اللغة، حمل إطلاقه على الشرعي كالصيام هو في اللغة
عام في الإمساك عن كل شئ وهو في الشرع إمساك لشئ مخصوص،
فحملنا المطلق على الشرعي وفي هذا المعنى الصلاة في اللغة " دعاء " وفي الشرع
لهذه الأفعال فانطلقت على الشرعية، وكذلك الحج " القصد " وفي الشرع لهذه
الأفعال، فحملنا المطلق على عرف الشرع.
وإذا حلف لا كلمت الناس، فهو عام في كل أحد، فإن كلم واحدا حنث
لأنه بالجنس.
122

تبصرة المتعلمين
في أحكام الدين
للشيخ جمال الدين أبي منصور الحسن بن سديد الدين
يوسف بن زين الدين علي بن محمد مطهر الحلي المشتهر بالعلامة الحلي
والعلامة على الإطلاق
647 - 726 ه‍. ق
123

كتاب الأيمان
وفيه فصول:
الأول:
لا ينعقد اليمين بغير أسماء الله تعالى، ولا بالبراءة منه أو من أحد الأنبياء أو
الأئمة عليهم السلام.
ويشترط في الحالف: التكليف والقصد والاختيار. ويصح من الكافر.
وإنما ينعقد على فعل الواجب أو المندوب أو المباح مع الأولوية أو
التساوي أو ترك الحرام أو ترك المكروه أو ترك المباح مع الأولوية، ولو
تساوى متعلق اليمين وعدمه في الدين والدنيا وجب العمل بمقتضى اليمين.
ولا يتعلق بفعل الغير، ولا بالماضي ولا بالمستحيل.
ولو تجدد العجز عن الممكن انحلت اليمين، ويجوز أن يحلف على خلاف
الواقع مع تضمن المصلحة والتورية إن عرفها، ولو استثنى بالمشيئة انحلت اليمين،
وللوالد والزوج والمولى حل يمين الولد والزوجة والعبد في غير الواجب.
وإنما تجب الكفارة بترك ما يجب فعله أو فعل ما يجب تركه باليمين، لا
بالغموس.
ولا يجوز أن يحلف إلا مع العلم.
وينعقد لو قال: والله لأفعلن، أو بالله، أو تالله، أو أيم الله، أو لعمر الله، أو
125

أقسم بالله، أو أحلف برب المصحف، دون، وحق الله.
الثاني: في النذر والعهود:
ويشترط في الناذر: التكليف والاختيار والقصد والإسلام وإذن الزوج
والمولى في الزوجة والعبد في غير الواجب.
وهو إما بر كقوله: إن رزقت ولدا فلله علي كذا، أو شكر كقوله: إن برئ
المريض فلله علي كذا، أو زجر كقوله: إن فعلت محرما فلله علي كذا، أو: إن لم
أفعل الطاعة فلله علي كذا، أو تبرع كقوله: لله علي كذا، ولو قال " علي " ولم
يقل " لله " لم يجب.
ومتعلق النذر يجب أن يكون طاعة لله مقدورا للناذر، ولو نذر فعل طاعة
ولم يعين تصدق بشئ أو صلى ركعتين أو صام يوما.
ولو نذر صوم حين كان عليه ستة أشهر، ولو قال زمانا فخمسة، ولو نذر
الصدقة بمال كثير فثمانون درهما، ولو عجز ناذر الصدقة بماله قومه وتصدق شيئا
فشيئا حتى يوفي، ومع الإطلاق لا يتقيد بوقت، ولو قيده بوقت أو مكان لزم.
ولو نذر صوم يوم بعينه فاتفق له السفر أفطر وقضاه، وكذا لو حاضت
المرأة أو نفست، ولو كان عيدا أفطر ولا قضاء، وكذا لو عجز عن صومه.
والعهد: أن يقول: عاهدت الله، أو: علي عهد الله أنه متى كان كذا فعلي
كذا. وهو لازم وحكمه حكم اليمين.
ولا ينعقد النذر والعهد إلا باللفظ.
ولو جعل دابته أو عبده أو جاريته هديا لبيت الله تعالى أو أحد المشاهد بيع
وصرف ثمنه في مصالح البيت أو المشهد الذي جعل له، وفي معونة الحاج
والزائرين.
126

الثالث: في الكفارات:
وهي: مرتبة ومخيرة، وما يجتمع فيه الأمران، وكفارة الجمع.
فالمرتبة: كفارة الظهار، وقتل الخطأ. ويجب فيهما عتق رقبة، فإن عجز
صام شهرين متتابعين، فإن عجز أطعم ستين مسكينا، وكفارة من أفطر يوما من
قضاء شهر رمضان بعد الزوال إطعام عشرة مساكين، فإن عجز صام ثلاثة أيام
متتابعات.
والمخيرة: كفارة من أفطر يوما من شهر رمضان، أو من نذر معين، أو خالف
عهدا أو نذرا على قول، وهي: عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام
ستين مسكينا.
وما يجتمع فيه الأمران: كفارة اليمين، عتق رقبة، أو إطعام عشرة مساكين،
أو كسوتهم، فإن عجز صام ثلاثة أيام متتابعات، وكذا الإيلاء.
وكفارة الجمع في قتل المؤمن عمدا ظلما عتق رقبة، وصيام شهرين
متتابعين، وإطعام ستين مسكينا، وقيل: من حلف بالبراءة فعليه كفارة ظهار، فإن
عجز فكفارة اليمين، وفي جز المرأة شعرها في المصاب كفارة رمضان، وفي نتفه
أو خدش وجهها أو شق الرجل ثوبه في موت ولده أو زوجته كفارة يمين.
ولو تزوج امرأة في عدتها فارقها وكفر بخمسة أصوع من دقيق، ولو نام
عن العشاء الآخرة حتى خرج الوقت أصبح صائما، ولو عجز عن صوم يوم نذره
تصدق بمدين على مسكين.
مسائل:
الأولى: من وجد الثمن وأمكنه الشراء فقد وجد الرقبة، ويشترط فيها الإيمان،
ويجزئ الآبق وأم الولد والمدبر.
الثانية: من لم يجد الرقبة، أو وجدها ولم يجد الثمن انتقل إلى الصوم في
المرتبة، ولا يباع ثياب بدنه ولا خادمه ولا مسكنه.
127

الثالثة: كفارة العبد في الظهار وقتل الخطأ - في الصوم - نصف كفارة
الحر.
الرابعة: إذا عجز عن الصيام في المرتبة وجب الإطعام لكل مسكين مد من
طعام، ولو تعذر العدد جاز التكرار، ويطعم غالب قوته، ويستحب الإدام وأعلاه
اللحم وأوسطه الخل وأدناه الملح، ولا يجوز إطعام الصغار إلا منضمين إلى
الرجال، وإن انفردوا احتسب الاثنان بواحد.
الخامسة: الكسوة لكل فقير ثوبان مع القدرة وإلا فواحد.
السادسة: لا بد من نية القربة والتعيين والتكليف في المكفر وإسلامه.
128

إرشاد الأذهان
للشيخ جمال الدين أبي منصور الحسن بن سديد الدين يوسف بن زين الدين
علي بن محمد مطهر الحلي المشتهر بالعلامة الحلي والعلامة على الإطلاق
647 - 726 ه‍. ق
129

كتاب الأيمان وتوابعها
وفيه مقاصد:
الأول: في الأيمان:
وفيه مطلبان:
الأول: في نفس اليمين:
ولا ينعقد إلا بالله تعالى أو أسمائه المختصة أو الغالبة دون المشتركة،
ولو حلف بقدرة الله تعالى وعلمه وقصد المعاني لم ينعقد، وإلا انعقد، وينعقد لو
قال: وعظمة الله وجلاله وكبريائه، وأقسم بالله، وأحلف بالله، أو أقسمت بالله،
أو حلفت بالله، أو أشهد بالله، أو لعمر الله، دون أقسمت مجردا أو أشهد أو أعزم
بالله، وكذا لا ينعقد بالطلاق، ولا بالعتاق، ولا بالظهار، ولا بالتحريم، ولا
بالكعبة، ولا بالمصحف، ولا بالنبي، ولا بحق الله تعالى.
ويشترط صدورها من: بالغ، عاقل، مختار، قاصد، ناو مجردة من مشيئة
الله تعالى.
فلو لم ينو، أو علقها بالمشيئة لم تنعقد، ولو أخر التعليق بما لم تجر به العادة
انعقدت، وكذا لو استثنى بالنية دون اللفظ.
وينعقد من الكافر، ولا ينعقد من الولد إلا بإذن والده، ولا من الزوجة إلا
بإذن زوجها ولا من المملوك إلا بإذن مولاه، إلا في فعل واجب أو ترك قبيح.
131

ويقسم بحروف القسم، وبها الله، وأيمن الله، وأيم الله، ومن الله، وم الله،
ولو حلف ليدخلن إن شاء زيد فقد علق على المشيئة، فإن شاء انعقدت، وإن لم
يشأ أو جهل بموت وشبهه لم ينعقد، فإن حلف ليدخلن إلا أن يشاء زيد فقد عقد
وجعل الاستثناء مشيئة زيد، فإن شاء عدم الدخول وقفت ولو قال: لا دخلت إلا
أن يشاء فشاء أن يدخل وقعت.
ولا ينعقد على الماضي نفيا أو إثباتا، ولا يجب بالحنث فيه كفارة وإن تعمد
الكذب، ولا بالمناشدة، وهو: أن يقسم غيره عليه، وإنما ينعقد على المستقبل
بشرط وجوبه أو ندبه، أو كونه ترك قبيح أو ترك مكروه، أو مباحا يتساوى
فعله وتركه في الدين والدنيا، أو يكون البر أرجح، فإن خالف أثم ولزمت
الكفارة، ولو حلف على ترك ذلك، أو على مستحيل وإن تجدد العجز على
الممكن لم ينعقد.
المطلب الثاني: فيما يقع به الحنث:
ويتبع فيه مقتضى اللفظ، وهو أنواع:
الأول: العقد:
وهو: الإيجاب والقبول، فلو حلف ليبيعن أو ليهبن لم يبر إلا بهما، وإنما
ينصرف إلى الصحيح، فلا يبر بالفاسد.
والمباشرة، فلا يبر بالتوكيل، ولو حلف لا بنيت فاستأجر البناء أو أمره
حنث على رأي للعرف، وكذا السلطان لو حلف لأضربن بخلاف غيره، ولو
حلف لا باع خمرا فباعه حنث إن قصد الصورة، وإلا فلا، ولو حلف ليهبن، قيل:
يبر بالوقف والصدقة والهدية والنحلة والعمرى، ولو حلف على ما اشتراه زيد لم
يحنث بما ملكه بهبة أو صلح أو شفعة، أو رجع إليه بإقالة أو رد عيب أو قسمة،
ويحنث بالسلم والنسيئة، ولو خلط ما اشتراه زيد بغيره حنث بأكل ما يعلم
دخول ما اشتراه زيد فيه، ولا يحنث بما اشتراه زيد وعمرو وإن اقتسماه، ولو
132

حلف لا أشتري فوكل وعقد الوكيل لم يحنث، ولو توكل حنث، ولو قصد
الشراء لنفسه في اليمين لم يحنث إذا أضافه إلى الموكل أو نوى أنه له، ولو حلف
لا يكلم من اشتراه زيد فكلم من اشتراه وكيل زيد لم يحنث، ويحنث لو حلف لا
يكلم عبد زيد.
الثاني: الأكل والشرب:
فلو حلف لا شربت ماء الكوز لم يحنث إلا بالجميع، ولو حلف لا شربت
ماء النهر حنث بالبعض، ولو حلف لأشربن ماء الكوز لم يبرأ بالبعض، بخلاف
لأشربن ماء النهر، ولو حلف لا آكل اللحم والعنب لم يحنث إلا بجمعهما، ولو
حلف لا آكل الرأس لم يحنث برأس الطير والسمك، ويحنث برأس الظبي إن
اعتيد في المكان، ولا يحنث بالبيض بيض السمك والعصفور، ويحنث ببيض
النعام، ويحنث في الخبز بخبز الرز في موضعه، ولا يحنث في اللحم بالشحم بل
بالسمين، وفي الألية والسنام إشكال، ولا يحنث
بالأمعاء والكبد والكرش، بل
بالقلب على إشكال، ولا يحنث على الزبد بالسمن، وفي العكس إشكال، ولا
يحنث على السمن بالأدهان، بل بالعكس، ولا يحنث على الأكل بالشرب
وبالعكس، ولا بوضع السكر في فيه حتى يذوب، ولا على العنب بعصيره، ولا
يحنث على السمن لو جعله في عصيدة ولم يظهر له أثر، ولو ظهر حنث، ولا
يحنث على الخل في السكباج، ويحنث لو اصطبغ به، وعلى الفاكهة بالعنب
والرمان والبطيخ على إشكال، ويابس الفاكهة لا بالقثاء واللوز، ولو حلف
ليأكلنه غدا فأكله اليوم أو أتلفه لزمت الكفارة معجلا، والأدم: اسم لكل ما يؤتدم
به وإن كان مائعا كالدبس أو ملحا، ولو قال: لا شربت لك ماء من عطش، ففي
صرفه إلى العرف أو الحقيقة إشكال.
133

الثالث: دخول الدار:
فلو حلف عليه لم يحنث بصعود السطح، ولا بدخول الطاق خارج الباب،
ويحنث بالدهليز، ولو حلف على الخروج لم يبر بالصعود على السطح، ويحنث
على عدم دخول البيت ببيت الشعر والخيمة وشبهه، وإن كان بدويا أو معتادا
سكناه، ولا يحنث بالكعبة والحمام، وإذا كان الفعل كالاستدامة حنث بهما، فلو
حلف لا سكنت الدار أو لا ساكنت زيدا أو لا أسكنته حنث بالابتداء والاستدامة،
فإن خرج عقيب اليمين بر، وإن لبث ولو ساعة حنث، وكذا لو خرج أهله
ومكث، ويبر لو خرج وترك أهله، ولو انتهض لنقل المتاع كالمعتاد فإشكال،
ولو خرج وعاد للنقل لم يحنث، ولو حلف لا ساكنت زيدا ففارقه زيد لم يحنث،
ولو كانا في خان وانفرد كل ببيت لم يحنث، ولو انفرد ببيت في دار حنث،
واستدامة الطيب واللبس كابتدائهما، وإن تغايرا لم يحنث على الفعل بالاستدامة،
كما لو حلف لا دخلت دارا وهو فيها لم يحنث باللبث، والأقرب في التطييب
المغايرة، ولو حلف لا بعت الدار أو لا وهبتها أو لا أجرتها حنث بالابتداء خاصة.
الرابع: في الإضافات والصفات:
فلو حلف لا يدخل دار زيد لم يحنث بمسكنه الذي لا يملكه، ويحنث
بدخول داره التي لا يسكنها، ولو حلف لا يدخل مسكنه حنث بالمستعار
والمستأجر، لا بالملك الذي لا يسكنه، ولا بمسكنه الذي غصبه على إشكال، ولو
قال: لا دخلت دار زيد، أو لا كلمت عبده، أو زوجته فالتحريم تابع للملك، فإن
خرج عن ملكه زال التحريم، وكذا لا دخلت دار زيد هذه على إشكال، ولو أشار
إلى سخلة وقال: لا أكلت لحم هذه البقرة حنث بلحمها تغليبا للإشارة، ولو حلف
لا دخلت من هذه الباب، فحولت ودخل بالأولى حنث، إذ لا عبرة بالخشب، ولو
حلف لا دخلتها من بابها، ففتح لها باب مستأنف حنث بالدخول به، ولو حلف
لا دخلت دارا فصارت براحا لم يحنث، ولو قال: لا دخلت هذه الدار حنث، ولا
134

يحنث على الدخول بنزول السطح، ولو حلف لا ركبت دابة العبد لم يحنث إلا
إن قلنا إنه يملك بالتمليك، ويحنث لو حلف لا ركبت دابة المكاتب، ولو حلف
لا ركبت سرج دابة حنث بما هو منسوب إليها، بخلاف العبد، ولو حلف لا
يلبس ما غزلته حمل على الماضي، ولو حلف لا يلبس ثوبا من غزلها تناول
الماضي والمستقبل، ولا يحنث بما خيط بغزلها ولا ما سداه منه دون اللحمة،
ويحنث في لبس الثوب لو اتزر بقميص أو ارتدى به، لا بالنوم عليه والتدثر، ولو
حلف لا ألبس قميصا فارتدى بقميص لم يحنث، ولو حلف على لحم هذه السخلة
فكبرت، أو تكليم هذا العبد فعتق، أو أكل هذه الحنطة فخبزت فإشكال، ينشأ:
من تقابل الإشارة والوصف، ولو حلف لا يخرج إلا باذنه فأذن ولم يسمع
المأذون فإشكال.
الخامس: الكلام:
فلو قال: والله لا كلمتك فتنح عني حنث بالأخير، ولا يحنث بالكتابة
والإشارة، ويحنث على المهاجرة بالكتابة، ولا يحنث على الكلام بقراءة القرآن،
وفي التهليل إشكال، ويحنث بترديد الشعر مع نفسه، ولو حلف للمبشر فهو لأول
مخبر بالسار، فإن تعدد قسم عليهم، ولو حلف للمخبر شارك الأخير، ولو حلف
لا سلمت على زيد، فسلم عليه في ظلمة وهو لا يعرفه لم يحنث، ولو سلم على
جماعة واستثناء نية أو لفظا لم يحنث، فإن لم يستثنه حنث، ولو حلف لا دخلت
على زيد فدخل على جماعة هو فيهم حنث ولو استثنى، ولو لم يعلم لم يحنث.
السادس: الخصومات:
فلو حلف ليرفعن المنكر إلى القاضي احتمل الموجود والجنس، ولو عين
فعزل ففي الرفع إليه إشكال، ولو بادر فمات قبل الانتهاء إليه لم يحنث، ولو رأى
المنكر بعد اطلاع القاضي ففي الرفع إليه إشكال، ولو حلف لا يفارق غريمه
135

ففارقه الغريم فلم يتبعه لم يحنث، وكذا لو مشيا ثم وقف ومشى الغريم، إلا أن
يقول: لا نفترق، ولو حلف ليضربن عبده مائة سوط انصرف إلى الآلة المعتادة،
فإن خاف الضرر أجزأه الضغث ويكبس جميع الشماريخ، ولا يشترط أن يمس
آحادها بدنه هذا في التعزير والحد، أما في التأديب للأمور الدنيوية فالأولى العفو
ولا كفارة، ولو حلف ليقضينه حقه غدا فأبرأه انحلت اليمين ولا كفارة، ولو مات
المستحق انحلت، أما لو قال: لأقضين حقه فإنه يدفع إلى الورثة.
خاتمة:
إذا حلف على نفي الفعل اقتضى التأبيد، ويقبل دعواه في نية التعيين، ولو
حلف ليفعلن كفى المرة ولا يجب الفور، ويتضيق عند ظن الموت، ولو حلف لا
شربت الماء اقتضى العموم، ولو حلف ليتصدقن بماله دخل الدين والعين، ولو
قال: لأول من يدخل داري، فللأول وإن لم يدخل سواه، ولو قال لآخر داخل،
فهو لآخر من يدخل قبل موته.
ويشمل الحلي، الخاتم واللؤلؤ، والتسري: وطء الأمة المخدرة، ويتحقق
الحنث بالمخالفة اختيارا وإن كان بفعل الغير، كما لو دخلت السفينة وهو فيها،
أو ركب دابة فدخلت بيتا حلف على عدم دخوله، ولا يتحقق بالإكراه ولا
بالنسيان ولا بالجهل.
المقصد الثاني: في النذر:
وفيه مطلبان:
الأول: في أركانه:
وهي ثلاثة:
الأول: الناذر:
وشرطه: البلوغ، والعقل، والإسلام، وإذن الزوج في المرأة في التطوعات،
136

والوالد في الولد، والمولى في العبد، والقصد، والقربة.
ولو نذر المملوك قبل الإذن لم يقع وإن تحرر، ولو أجاز المالك فإشكال،
ولا يقع نذر الكافر، لكنه يستحب له الوفاء لو أسلم، ولو نذر المسلم ولم يقصد
التقرب به إلى الله تعالى لم يقع.
الثاني: الصيغة:
وهو أن يقول: إن شفى الله مريضي، أو رزقني ولدا، أو ما أشبهه من النعم
ودفع النقم، أو إن زنيت، أو إن لم أصل، وما أشبهه من التوعدات في الزجر فلله
علي صلاة أو صوم.
ولو قال: لله علي أن أصوم ابتداء فقولان، ولو عقب النذر بمشيئة الله تعالى
لم يقع، ولو قال: لله علي صوم إن شاء زيد لم يلزمه شئ وإن شاء زيد، ولا بد
أن يكون الشرط طلب نعمة أو دفع نقمة أو زجرا عن قبيح، ولو قصد الشكر عليه
لم يقع، ولو كان مباحا وكان فعله مساويا لتركه في الأمور الدنيوية لزمه، وإن
كان الترك أولى لم يلزمه، ولا بد أن يكون الجزاء طاعة.
الثالث: الملتزم:
وهو كل عبادة مقصودة مقدورة للناذر: كالصلاة، والصوم، والحج،
والهدي، والصدقة، والعتق، وفروض الكفايات: كالجهاد، وتجهيز الموتى.
ويلزم الصفات المشترطة، فلو نذر الحج ماشيا أو التزم طول القراءة وجب
الوصف، ولو نذر المشي في حجة الإسلام أو طول القراءة في الفرائض وجب،
ولو التزم المباحات كالأكل والنوم لم يصح، ولو نذر الجهاد في جهة تعين.
المطلب الثاني: في الأحكام:
المستلزم أنواع:
137

منها: الصوم، فلو نذر المطلق كفاه يوم، ولو نذر صوم شهر متفرقا لم يلزمه
التفريق، ولو عين الصوم في يوم تعين، ولو شرط التتابع في شهر لم يجب في
قضائه، ولو نذر صوم سنة معينة لم يلزمه قضاء العيدين ورمضان، ويجب قضاء
أيام الحيض والمرض على إشكال، وما أفطره في السفر، فإن أفطر لغير عذر
قضاه وبنى - إن لم يشرط التتابع - وكفر، ولو شرطه استأنف، وقيل: إن لم
يتجاوز النصف، ولو كان لعذر بنى ولا كفارة، والسفر الضروري عذر، ولو نذر
صوم سنة وجب اثنا عشر شهرا، ولا يجب التتابع، ولا تنحط أيام رمضان
والعيدين عنه، ولو نذر صوم يوم يقدم زيد لم ينعقد، ولو نذره أبدا بطل يوم
قدومه ووجب ما عداه، ولو نذر المتطوع إتمام اليوم لزمه، ولو نذر بعض يوم لم
ينعقد، ولو نذر يوم الأثانين ويوم يقدم زيد أبدا، فقدم يوم الاثنين لزمه الأثانين
خاصة، ولا يجب قضاء الأثانين الواقعة في رمضان ويصومها عن رمضان، ولا في
العيد، ولا في الحيض والمرض، ولو وجب صوم شهرين متتابعين صامها عن
نذره، ولا ينقطع التتابع لأنه عذر، ولو نذر الدهر لزم، ولا يجب عليه أيام
الحيض والعيد ورمضان، وأيام التشريق بمنى والفطر لمرض أو سفر، ولو أفطر
عمدا كفر ولا قضاء، ولو نذر يوم العيد أو أيام التشريق وهو بمنى لم ينعقد، ولو
نذر صوما مكروها لزم، ولو نذر الصوم في بلد لم يتعين، ولو نذر صوم حين
وجب ستة أشهر، والزمان خمسة، ولو نوى غيرهما لزم ما نواه، ولو نذر شهرا
متتابعا أجزأه تتابع خمسة عشر وتفريق الباقي، ولو نذر أول يوم من رمضان
وجب.
ومنها: الصلاة، وتجب وإن نذرها في الأوقات المكروهة، ولو أطلق
وجبت ركعة، وكذا لو نذر قربة أجزأه مهما شاء من القرب، كصلاة ركعة أو
صوم يوم أو صدقة بشئ، ولو نذر صلاة في الكعبة لم تجز في جوانب المسجد،
ولو نذر فريضة في مسجد وجب، سواء أطلقهما أو عينهما أو عين أحدهما خاصة،
وتتعين مع التعيين، ولو ضاق وقت المعينة عما عينه أو أطلقه بتفريط صلى في
138

غيره وكفر.
ومنها: الحج، ولو نذره ماشيا تعين من بلد النذر، وقيل: من الميقات فإن
ركب قادرا أعاد إن كان مطلقا، وإلا كفر، ولو ركب البعض في المطلق أعاد
ماشيا للجميع على رأي، ولو عجز ركب، وفي وجوب سياق البدنة قولان، ولو
نذر الركوب فمشى حنث وسقط بعد طواف النساء ويقف مواضع العبور، ولو
نذر المشي إلى بيت الله فهو مكة، ولو قال: إلى بيت الله لا حاجا ولا معتمرا بطل
إن وجب أحدهما، وإلا صح، ولو نذر المشي ولم يعين المقصد بطل، ولو نذر
الحج بالولد أو عنه إن رزقه فمات حج بالولد أو عنه من الأصل، ولو عجز الناذر
فحج عن غيره لم يجز عنه، ولو فاته الحج أو فسد ففي وجوب لقاء البيت
إشكال، ولو نذره في عام فعجز فلا قضاء.
ومنها: إتيان المساجد، فلو نذر إتيان أي مسجد كان وجب، ولا يجب
إضافة عبادة كصلاة أو اعتكاف، ولو قال: آتي عرفة لم يجب مع غير النسك،
ولو قال: آتي مكة لم يلزمه إلا مع قصد النسك.
ومنها: العتق، وإذا نذر عتق مسلم وجب البالغ المسلم، ولو نذر عتق
كافر مطلق لم يصح، وفي المعين خلاف، ولو نذر عتق رقبة أجزأه الصغير
والكبير والمعيب، ولو نذر أن لا يبيع مملوكه وجب، إلا مع الضرورة.
ومنها: الصدقة، ولو نذر الصدقة واقتصر وجب الأقل، ويتعين لو قدره
بقدر أو زمان أو جنس أو مستحق أو مكان، فيعيد لو خالف، ولو قال: بمال
كثير، فهو ثمانون درهما، ولو قال: خطير أو جليل فسر بما أراد، ولو نذر الصدقة
بجميع ماله وخاف الضرر قومه وتصدق شيئا فشيئا حتى يستوفيه، ولو نذر
الإخراج في سبيل الخير تصدق على فقراء المؤمنين، أو أخرجه في حج أو زيارة
أو مصلحة للمسلمين.
ومنها: الهدي، وإذا نذر هدي بدنة انصرف إلى الكعبة، ولو نوى منى لزم،
ولا يلزم لو نوى في غيرهما، ولو نذر الهدي وأطلق وجب أقل هدي من النعم،
139

ولو نذر الهدي إلى بيت الله غير النعم بطل على رأي، وبيع لمصالح البيت على
رأي وإن كان مما لا ينقل، ولو نذر أن يهدي عبده أو جاريته أو دابته بيع
وصرف في مصالح البيت والمشهد ومعونة للحاج والزائرين، ولو نذر نحره
بمكة أو بمنى وجبت التفرقة بها، ولو نذر نحره بغيرهما فالوجه اللزوم، ومن
وجب عليه بدنة في نذر ولم يجد لزمه بقرة، فإن لم يجد فسبع شياه، ولو نذر
التضحية ببغداد وجب التفرقة بها، وهل يجب الذبح فيها؟ إشكال، ولو نذر أن
يستر الكعبة أو يطيبها وجب، وكذا في مسجد النبي عليه السلام والأقصى.
مسائل:
تجب الكفارة بخلف النذر عمدا اختيارا، ولو انتفى أحدهما لم يجب، ولا
ينعقد نذر المعصية كذبح الولد، ولا تجب به كفارة، ولو عجز عن المنذور سقط،
كما لو صد عن الحج، وروي: الصدقة عن كل يوم نذر صومه وعجز بمد.
وحكم العهد حكم اليمين، وصورته: عهد الله علي، أو عاهدت الله تعالى أنه
متى كان كذا فعلي كذا، فإن كان ما عاهد عليه واجبا، أو ندبا، أو ترك قبيح،
أو ترك مكروه، أو مباحا متساويا، أو كان البر أرجح في الدنيا وجب، وإلا فلا،
وكل من حلف أو نذر أو عهد على فعل مباح، وكان الأولى تركه في الدين أو
الدنيا أو بالعكس، فليفعل الأولى ولا كفارة، ولا تنعقد الثلاثة إلا بالنطق دون
النية وإن كان مشترطا.
المقصد الثالث: في الكفارات:
وفيه بابان:
الأول: في أقسامها:
وهي: إما مرتبة، أو مخيرة، أو كفارة الجمع.
فالمرتبة: كفارة الظهار، وقتل الخطأ، ويجب فيهما العتق، فإن عجز فصوم
140

شهرين متتابعين إن كان حرا وعلى العبد شهر متتابع، فإن عجز فإطعام ستين
مسكينا، وكفارة إفطار قضاء رمضان بعد الزوال إطعام عشرة مساكين، فإن
عجز صام ثلاثة أيام متتابعات.
والمخيرة: إفطار رمضان، والأقرب أن خلف نذر الصوم كرمضان، وخلف
نذر غيره كاليمين، وكذا العهد، وكفارة اليمين: عتق رقبة، أو إطعام عشرة
مساكين أو كسوتهم، فإن عجز عن الجميع صام ثلاثة أيام متتابعات.
وكفارة الجمع: في قتل المؤمن ظلما عمدا، وفي إفطار نهار رمضان
بالمحرم، وهي: عتق رقبة وصيام شهرين متتابعين وإطعام ستين مسكينا.
ومن حلف بالبراءة من الله تعالى أو من رسوله أو أحد الأئمة عليهم السلام
وخالف وجبت كفارة الظهار على رأي، فإن عجز فكفارة يمين، وقيل: يأثم ولا
كفارة، وفي جز المرأة شعرها في المصاب، قيل: كفارة رمضان وقيل: الظهار
وقيل: تأثم ولا كفارة، ولو نتفت شعرها في المصاب، أو خدشت وجهها، أو شق
الرجل ثوبه في موت ولده أو زوجته فكفارة يمين، ومن تزوج امرأة في عدتها
فارق وكفر بخمسة أصواع من دقيق، ومن نام عن العشاء حتى خرج وقتها
أصبح صائما، ومن نذر صوم يوم فعجز أطعم مسكينا مدين، فإن عجز تصدق بما
استطاع، والوجه استحباب الثلاثة.
الباب الثاني: في خصالها:
والنظر في ثلاثة:
الأول: في العتق:
ويجب في المرتبة على المالك للرقبة والثمن مع إمكان الشراء، ويشترط
إسلام العبد أو حكمه، ولا يجزي الحمل ولا المراهق من كافرين وإن أسلم،
ويفرق بينه وبين أبويه، ولو أسلم الأخرس بالإشارة أجزأ، ويشترط في الإسلام
الإقرار بالشهادتين دون الصلاة والتبري من غيره، ولا يتبع المسبي السابي في
141

الإسلام وإن انفرد به عن أبويه، ويتبع الطفل أحد أبويه فيه، ويجزئ المعيب إن لم
يوجب العيب عتقه وولد الزنى، والمدبر وإن لم ينقضه، والمكاتب المشروط،
والذي لم يؤد شيئا، والآبق مع جهل موته، وأم الولد، وشقص من عبد له، أو
مشترك مع يساره أو فقره إذا ملك النصيب ونوى عتقه عن الكفارة، وإن تفرق
العتق والمرهون إن أجاز المرتهن، والقاتل خطأ دون العمد، والمأمور بعتقه عن
الآمر ولا عوض إلا بشرطه فيلزمه إن عين، ومع الإطلاق القيمة، ولو أطلق الآمر
لم يجب العوض، ولو ذكر عوضا محرما لم يلزم ونفذ العتق ولا يجب القيمة،
ولو أعتق الوارث عن الميت لا من مال الميت وقع عن الميت، ولو تبرع الأجنبي
قال الشيخ: يقع عن المعتق، وكذا عن الحي.
ويشترط تجريده عن العوض، فلو قال: أنت حر وعليك كذا لم يجزه عن
الكفارة، وكذا لو قال له آخر: أعتق عبدك عن كفارتك وعلي كذا فأعتقه، ففي
عتقه إشكال، فإن قلنا به لزم الضامن البدل، ولو رده المالك بعد قبضه لم يجز
عن الكفارة.
ويشترط أن لا يكون السبب محرما كالتنكيل لو نوى به الكفارة، والنية فلا
يقع مجردا عنها، ونية التقرب فلا يقع من الكافر، والتعيين مع تكاثر السبب وإن
تجانست الكفارات، خلافا للشيخ، فلا تكفي نية التكفير ما لم يعين عن كفارة
خاصة، ولو نسي السبب كفاه نية التكفير، ولو شك بين نذر وظهار لم يجز لو
نوى التكفير. ويجزئ لو نوى الإبراء، ولا يجزئ العتق مجردا، ولا مع نية
الوجوب، ولو نوى ذو الكفارتين بعتق كل نصف من عبديه عن كفارة صح،
وكذا لو أعتق نصف عبده عن كفارته عتق أجمع عنها، ولو أعتق نصف عبدين
مشتركين لم يجز، ولو اشترى أباه ونوى العتق عن الكفارة لم يجز على رأي.
النظر الثاني: الصوم:
ويجب في المرتبة بعد العجز عن العتق، ولو احتاج إلى خدمة الرقبة أو إلى
142

ثمنها للنفقة أجزأه الصوم، ولو وجد أرخص لم يجب بيعه، ولا
يباع المسكن ولا ثياب الجسد. ويباع فاضل ذلك، ولا يجب الاستبدال بأرخص من المسكن،
وإذا وجد الثمن فاضلا عن قوت يوم وليلة له ولعياله فهو واجد، ولو أفطرت
الحامل أو المرضع خوفا على أنفسهما أو على الولد لم ينقطع التتابع، وكذا لو
أكره على الإفطار، ونسيان النية يقطع التتابع على إشكال، وكذا وطء المظاهر
وإن كان ليلا، والاعتبار في اليسار بوقت الأداء، ولو كان المال غائبا لم يعدل
إلى الصوم، ولو حنث العبد بغير إذن صام على إشكال إن حلف بإذن، ولو أذن
له بالعتق أو الصدقة أجزأه على رأي، ولو حلف بغير إذن لم يجب بالحنث كفارة
وإن أذن له في الحنث، ولو حنث بعد الحرية فكالحر، وكذا لو أعتق بعد الحنث،
ولو أعتق نصفه قسط الكفارة، وتجب نية الكفارة وتعيين جهتها على رأي، لا نية
التتابع، ويجزئ شهران أهلة، فإن فاته بعض الشهر أكمل المنكسر ثلاثين.
النظر الثالث: في الإطعام:
ويجب لكل مسكين مد على رأي، من أوسط ما يطعم أهله أو غالب قوت
البلد، من حنطة أو دقيق أو خبز، ولا تجزئ القيمة، ولا إعطاء القدر لما دون
العدد، ولا التكرار عليهم من الواحدة، إلا مع التعذر، ولا إطعام الصغار منفردين،
ويجوز منضمين، ولو انفردوا احتسب الاثنان بواحد، ولا إطعام الكافر ولا
الناصب ولا المخالف، ويجوز إعطاء العدد مجتمعين ومتفرقين، وإطعام الفاسق،
ويستحب إطعام المؤمنين وأولادهم، والإدام وأعلاه اللحم وأوسطه الخل وأدناه
الملح، والكسوة ثوب لكل فقير، وقيل: ثوبان، ويجزئ الغسيل، لا القلنسوة
والخف.
مسائل:
كفارة اليمين والإيلاء والعهد على رأي واحدة، والمعتبر في المرتبة بحال
143

الأداء، فلو عجز بعد القدرة على العتق صام، ولو دخل العاجز في الصوم ثم وجد
العتق استحب الرجوع، ولا يدفع الكفارة إلى من تجب نفقته، ولا إلى الطفل بل
إلى وليه، ولا يجزئ في المخيرة التنصيف في الأجناس، ومن وجب عليه شهران
متتابعان فعجز صام ثمانية عشر يوما، فإن عجز تصدق عن كل يوم بمد، فإن
عجز استغفر الله تعالى، ويكره اليمين الصادقة، خصوصا الغموس على القليل،
وقد تجب إذا لم يندفع الظالم إلا بها وإن كذب، ويوري وجوبا مع المعرفة، ولا
إثم ولا كفارة ويحرم بالبراءة من الله تعالى ومن رسوله ومن الأئمة عليهم السلام،
ولو كفر قبل الحنث لم يجزئه، ولو أعطى غير المستحق عالما أعاد، وجاهلا لا
إعادة مع التعذر.
144

تلخيص المرام
في معرفة الأحكام
للشيخ جمال الدين أبي منصور الحسن بن سديد الدين
يوسف بن زين الدين علي بن محمد مطهر الحلي المشتهر بالعلامة الحلي
والعلامة على الإطلاق
647 - 726 ه‍. ق
145

كتاب الأيمان وتوابعها
وفيه فصول:
الأول:
لا يمين بغير الله تعالى وأسمائه والمختصة أو الغالبة، قيل: وينعقد بقوله:
وجلال الله وعظمته وقدرته وعلمه، إن قصد كونه قادرا لا المعنى، والحروف
" الباء والواو والتاء "، ولو قال: لاها الله أو أيمن الله أو أيم الله أو م الله، أو خفض
مع الحذف فهو قسم، ولو قال: لعمر الله أو أقسم بالله أو أحلف أو أولي أو
أقسمت أو حلفت أو آليت، انعقدت.
ويصدق مع ادعاء الأخبار أو العزم، وفي أشهد بالله إشكال، ولا ينعقد
بقوله: أعزم بالله ولا أقسم ولا أحلف مجردا، ولا بقوله: وحق الله ولا مع التجرد
عن النية، ولو استثنى بالمشيئة المتصلة لفظا أو حكما وقعت.
ولا بد فيه من النطق، ولو قال: لا فعلت إن شئت، فقال: شئت القصد،
انعقدت، ولو نفى أو جهل لم ينعقد، ولو قال: لأفعلن إلا أن تشاء، فقد عقد، فلو
قال: قد شئت عدم الفعل، وقعت، ولو قال: لا فعلت إلا أن تشاء، فقال: شئت
الفعل، انحلت.
ولا ينعقد مع عدم التكليف والقصد، وقيل: يصح من الكافر، ولا على
147

الماضي، ومع الحنث لا كفارة، ولا على المستقبل في غير الواجب والمندوب
وترك القبيح وترك المكروه والمباح وما يكون ترك البر أرجح، ولا على
فعل الغير ولا المستحيل وإن كان عبادة، ومع تجدد العجز ينحل.
ولا يمين الولد والمرأة والمملوك مع كراهة الوالد والزوج والمولى، ولهم
الحل إلا في فعل الواجب وترك القبيح ولا كفارة، ولو ادعى عدم النية قبل منه.
ولو حلف لا يأكل ما يشتريه زيد، فأكل ما اشتراه مع عمرو، قيل لا يحنث
وإن اقتسما، ولو امتزج ما اشتراه كل منهما فأكل ما زاد على النصف حنث،
ولو حلف ليأكلن الطعام في غد فأكل قبله أو أتلفه حنث، ولو هلك في غد بعد
التمكن من الأكل فالأولى الحنث، ولو حلف لا يشرب لبن عنز ولا يأكل لحمها
لزم مع عدم الحاجة ولا يتعداها، ولو حلف لا شربت من الفرات حنث بالكرع
وبالتناول من آنية عرفا، ولو حلف لا شربت ماءها حنث بالبعض على رأي،
بخلاف ماء الكوز، ولو حلف لا يأكل بسرا أو رطبا فأكل منصفا حنث، ولو
حلف لا يأكل من هذه الحنطة فطحنها أو حلف لا يأكل الدقيق فخبزه أو لا يأكل
لبنا فأكله جبنا أو سمنا أو زبدا، أو لا يأكل لحما فأكل ألية أو من شحم الجوف لم
يحنث، وفي الكبد والقلب إشكال، ولو حلف لا يأكل تمرة فامتزجت لم يحنث إلا
بالجميع أو بتيقن أكلها.
ولو حلف لا يأكل شيئا انصرف إلى المعروف، كالرؤوس ينصرف إلى
البقر والغنم والإبل دون الطيور، إلا أن يكون البلد معتادا بأكلها منفردة، والفاكهة
إلى الرمان والعنب والرطب وغيرها دون البطيخ.
والمال إلى العين والدين الحال والمؤجل، والكلام إلى التلفظ وإن كان
بالقرآن لا بالكتابة والإشارة والإرسال.
والأدم إلى ما يؤتدم به كالملح والدبس واللحم ولا يحنث في الشحم، بشحم
الظهر بل بما في الجوف خاصة على قول، ويحنث لو حلف لا يذوق شيئا فلفظه
بعد المضغ.
148

والحلي يصدق على الخاتم واللؤلؤ، وإن حلف لا يقرأ كتاب فلان فنظر فيه
وفهمه فالأولى عدم الحنث، ولو قال: لا أكلمك حتى تكلمني فتكلما معا، أو
حلف لا ينام على هذا الفراش ففرش عليه آخر ونام عليه فالأولى الحنث.
ولو علق يمينه بأمرين في الإثبات لم يبر إلا بهما، وفي النفي لو حلف لا آكل
هذين لم يحنث بأحدهما، قال الشيخ: ولو حلف لا كلمت زيدا وعمرا فكلم
أحدهما حنث، والأولى خلافه، أما مع تكرر حرف النفي فالحق ما قاله.
ولو حلف ليرفعن المنكر إلى الوالي المعين، فعزل أو مات فالأولى
الانحلال، ولو قال: إلى وال، لم ينحل بهما للمعين، ولو قال: إلى الوالي انصرف
إلى والي البلد ولا ينحل بهما لتجدد آخر على قول.
ولو حلف ليعتقن كل مملوك يملكه غدا، دخل فيه ما يملكه اليوم مع
البقاء، بخلاف ما يشتريه.
ولو حلف على شئ فأزاله عن الصفة لم يحنث كالخل، أما لو اصطبغ به
حنث، ولو حلف لا شربت لك ماء من عطش انصرف إلى الحقيقة، وقيل: إلى
العرف.
ويحنث بالابتداء لا بالاستدامة، إلا فيما يتفق نسبة الفعل إليهما، فيحنث في
الإجارة والبيع والهبة والتطبيب والدخول بالابتداء دون الاستدامة، ويحنث في
الإسكان والمساكنة واللبس والركوب بهما، ولا يحنث لو عاد لنقل متاعه أو
عيادة مريض أو لغيره إذا لم يعد للسكنى، ولو لبث عقيب اليمين للنقل فالأولى
عدم الحنث، وفي المساكنة لو خرج أحدهما أو كانا في بيتين لدار كل منهما
باب وغلق لم يحنث بحنثه، ولو حلف لا دخلت الدار فنزلها من سطحها ولو إلى
الغرفة حنث، ولو نزل بسطحها لم يحنث، ولو حلف لا دخلت بيتا لم يحنث
بغرفته، ولا ببيوت البادية إلا أن يكون من أهلها، قال الشيخ: ولا يحنث بالكعبة
والحمام والدهليز والصفة.
ولو أضاف متعلق اليمين إلى شئ بالتمليك فخرج أو علق على اسم فزال
149

انحلت، ولو علق المعين عليهما فزالا فإشكال، ولو تجددت الإضافة فالأولى عدم
التعلق، ولو حلف لا دخلتها من بابها فحولت الباب ودخل حنث، والفرق
ضعيف، ولو حلف لا دخلت على زيد فدخل عليه وعلى عمرو عالما حنث وإن
نوى تخصيص الدخول لعمرو وإلا فلا، ولو حلف لا كلمته فسلم على جماعته
حنث إلا أن يعزله بالنية.
واليمين يقتضي التأبيد في النفي إلا مع التقييد نطقا أو ضميرا ويدين بنيته،
ولو حلف ليبيعن أو ليهبن انصرف إلى الإيجاب والقبول والإجماع على الانعقاد،
وربما يشكل، ويناسبه قوله تعالى " فانكحوا " ويمكن التخلص، ولا ينطلق على
الباطلة.
ولو حلف لا يفعل انصرف إلى المباشرة والأولى العادة، فلو حلف لا يبني
حنث بالأمر والاستئجار، ولو حلف السلطان ليضربن حنث بالأمر، وفيه إشكال،
أما لو حلف لا بعت، فتوكل فيه حنث، ولو حلف لا أستخدمه عبدا فخدمه لم
يحنث وإن كان له، إلا أن يستخدمه، ولو حلف لا تزوجت بالكوفة فقبل بها
نكاح امرأة بمكة زوجها الفضولي وأجازت بمكة، فإشكال ينشأ من أن الإجازة
في تمام النكاح، وكذا في الشراء، ولو حلف لا يستضئ بالسراج لم يحنث
بالشمس، ولو حلف ليضربن مائة سوط قيل: يجزئ الضغث إذا علم وصول كل
شمراخ إلى بدنه، ولو قال: مائة مرة، لم يعتد في الضغث إلا بواحدة، ولو قال:
مائة ضربة أجزأ الضغث.
ولو حلف ليهبن، أجزأ الوقف والصدقة، ولو حلف لا بعت حرا فباعه، قيل:
يحنث، ولو حلف ليفعلن قربة، تضيق الوجوب عند غلبة الظن بالوفاة، ولو حلف
ليعطين آخر من يدخل داره، فهو لآخر من يدخل قبل موته، ولو قال: لأولهم،
فدخلها واحد استحق وإن لم يعقبه آخر.
ويجزئ في الإثبات الإتيان بجزء من الماهية المحلوف عليها، وفي النفي
الجميع، ولو حلف لا ركبت دابة العبد لم يحنث، بخلاف المكاتب، ولو حلف
150

لمن يبشره فهو للمخبر الأول بالبشارة ولو كانوا جماعة دفعة، ولو قال: لمن
يخبرني، فهو للجميع وإن ترتبوا، ولو حلف ليضربن عبده تأديبا على الدنيوية جاز
العفو ولا كفارة، ولو حلف لا دخلت دارا، فركب دابة أدخلته مختارا حنث،
ولا يحنث بالإكراه والنسيان وعدم العلم، ولو قال: لأقضينه إلى شهر فهو غاية،
ولو قال: لا كلمته إلى حين أو زمان، فهو كالنذر في الصوم عند الشيخ، ولو قال:
دهرا، فهو مجهول ينصرف إلى أقل زمان، ولو عرف فإشكال الأولى فيه العموم،
ولو قال: أياما أو شهورا أو سنين ولم يعين فهو ثلاثة، ولو قال: لا فارقته حتى
أستوفي حقي، ففلس انحلت، ولو قبض ظانا أنه حقه فبان غيره لم يحنث، ولو
قبل حوالته أو قبض العوض أو أبرأه حنث، ولو قال: حتى أستوفي لم يحنث
بقبض البدل المساوي.
وتكره اليمين الصادقة على القليل خصوصا الغموس وقد تجب، وتجب
التورية فيما ظاهره الكذب مع المعرفة، ويمين البراءة حرام، وفي الكفارة
خلاف، ويصدق الحالف إن ادعى التخصيص أو المجاز، ولو نوى مالا يحتمله
اللفظ، كما إذا نوى بدخول البيت أكل الخبز فلا يمين له.
والحيلة المباحة جائزة إذا توصل بها إلى المباح وهي:
إما مانعة من الحنث كمن حلف ليطلقن زوجته عند الدخول أو يعتق عبده
عنده، فخالعها أو أعتقه قبل الدخول، انحلت اليمين.
وإما مانعة من الانعقاد كمن حلف يمينا، فإنها تكون على ما نواه دون ما نطق
به، إلا في صورة واحدة وهي: أنه إذا استحلفه الحاكم لخصمه فيما هو حق عنده،
فإن النية نية الحاكم، ونية الحالف إذا كان الحاكم مبطلا عند الحالف.
ولو حلف على عدم الفعل ونوى التخصيص بالمكان أو بغيره أو ليفعلن
ونواه أو حلف ليطلقن نساءه ونوى الأقارب، أو ليعتقن جواريه ونوى السفن، أو
ما كاتبت فلانا ونوى كتابة العبد، أو ما عرفته أي جعلته عريفا، أو ما سألته حاجة -
أي شجرة صغيرة في البر يقال لها حاجة - صح، ولو حلف على زوجته ليطلقنها
151

وتصدقه فلتخبر بالنقيضين، ولو حلف ليخبرنه بعدد حب الرمان فليعد عددا يعلم
به الدخول، فإن نوى من غير زيادة ونقصان لم يبرأ إلا بالعدد.
الثاني:
يشترط في النذر صدوره لفظا على رأي، مقيدا بالله تعالى، من مكلف مسلم
قاصد للقربة، وإذن الزوج أو المالك، ولو أعتق فلا انعقاد للسابق، ولا يشترط
التعليق على رأي.
ويستحب الوفاء للكافر بعد إسلامه، وأن يكون الشرط سائغا إن قصد
الشكر والجزاء طاعة، والزجر منه ينعقد إن قصد القربة أو إنه متى حصل كان لله
عليه ذلك.
ولو نذر الحج ماشيا تعين من البلد على رأي، ويسقط عنه وعن ناذر العمرة
عند طواف النساء، ولو عجز ركب، وقيل: يسوق بدنة، ولو أحرم ماشيا ففاته
الحج فعليه القضاء ماشيا ويتحلل بعمرة، ويجوز له الركوب من حين الفوات،
ولو نذر الركوب تعين ويحنث بالمشي، ولو نذر المشي إلى بيت الله الحرام أو
إلى بيت الله انصرف إلى مكة، ولو قال: لا حاجا ولا معتمر، ففي الانعقاد إشكال،
ولو نذر المشي انصرف إلى المقصود، فإن فقد بطل قيل: ولو نذر المشي إلى
المسجد الأقصى أو الرسول عليه السلام لزم، وتجب فيه صلاة ركعتين، ولو نذر
زيارة أحد المشاهد وجب، وإن نذر إن رزق ولدا أن يحج به أو عنه، فمات، حج
بالولد أو عنه من الأصل، ولو نذر الحج وهو فقير فحج عن غيره قيل: أجزأ
عنهما. وأقل ما يجزئ ناذر الصلاة ركعتان على رأي، ولو عين المكان تعين
وشرطت المزية، ولو عين الوقت تعين.
ولو نذر فعل قربة تخير بين صلاة ركعتين وصدقة شئ وصوم يوم وغيرها
من القرب، ولا يجب التتابع لو أطلق النذر ويجب بالشرط، والمبادرة أفضل، ولو
نذر العيدين أو أيام التشريق بمنى أو أيام الحيض أو يوم قدوم زيد لم ينعقد، ولو
152

نذره دائما سقط يوم قدومه ووجب فيما بعد ويصومه عن رمضان فيه ولا قضاء ولا
في العيد على رأي، ولو وجب متتابعان فالأولى صومه عن النذر، ولا يسقط
التتابع فيما تقدم النذر أو تأخر، ولو أطلق فأقله يوم.
ولا يتعين المكان لو عينه على رأي، ولو نذر زمانا صام خمسة أشهر، وحينا
ستة أشهر، ولو نوى غيره لزم، ولو نذر سنة معينة لزم إلا العيدين وأيام التشريق
بمنى ورمضان ولا يقضي، فلو أفطر في أثنائها لغير عذر قضى، وبنى إن لم يشترط
التتابع، وكفر، ولو شرط استأنف ومع العذر البناء مطلقا ولا كفارة.
والشهر إما عدة بين هلالين أو ثلاثون، ولو صام شوالا ناقصا أتمه بيومين
على رأي، ولو نوى غير معينة فصام سنة أتمها بشهر ويومين ولا ينقطع التتابع،
ولو نذر صوم شهر متتابعا وجب ما يصح فيه، وأقله خمسة عشر، ولو نذر صوم
أول يوم من رمضان قيل: لا ينعقد، ولو نذر الدهر صح، ويسقط العيدان وأيام
التشريق بمنى، ويفطر في السفر والحيض ولا قضاء، وخوف الحامل والمرضع
على أنفسهما أو الولد، والإكراه على الإفطار والسفر الضروري أعذار لا ينقطع بها
التتابع ولا في الكفارة بخلاف الاختياري.
ولو نذر عتق مسلم لزم، ولو نذر عتق كافر غير معين لم ينعقد وفي المعين
خلاف، ويجزئ الصغير والكبير والصحيح والمعيب، ولو نذر ألا يبيع مملوكه
لزم ولو اضطر على قول.
ولو نذر الصدقة أجزأ الأقل ولو قيده تعين ولو بالمكان ويعيد المثل لو
خالف، ولو قال: بمال كثير، فهو ثمانون درهما، وغيره يفسر بما أراد ومع
الموت يفسر الولي، ولو نذر الصدقة بجميع ما يملكه لزم، ومع خوف الضرر
يقوم ويتصدق متفرقا حتى يوفي، ولو نذر الصرف في سبيل الخير تصدق على
فقراء المؤمنين أو صرفه في مصالح المسلمين.
ولو نذر هدي بدنة انصرف إلى الكعبة، ولو نوى منى لزم ولو نوى غيرها
لم يلزم، ولو لم يعين الهدي انصرف إلى النعم، ويجزئ أقل ما يسمى من النعم
153

هديا على رأي، ولو نذر هدي غير النعم قيل: يباع ويصرف في مصالح البيت،
ولو نذر أن يهدي عبده أو جاريته أو دابته بيع وصرف في مصالح البيت أو
المشهد ومعونة الحاج أو الزائرين، ولو نذر نحر الهدي بمكة أو بمنى وجب قيل:
وتتعين التفرقة به، ولو نذر بغير هذين قيل: لا ينعقد.
والبدنة الأنثى من الإبل فلو وجبت عليه في نذر وتعذرت لزمه بقرة، فإن لم
يجد فسبع شياه، ولو نذر أضحية معينة زالت عن ملكه، وعليه القيمة لو أتلفها
ومع عدم التفريط لا ضمان، ولو عابت نحرها على ما بها وأجزأت، ولو نحرها يوم
النحر غيره أجزأ إذا نوى عنه وإن لم يأمره وإلا فلا، ولا يسقط استحباب الأكل
منها بالنذر.
ولا ينعقد نذر المعصية ولا تجب به كفارة، ولو عجز عما نذره سقط، وروي
أنه يتصدق في الصوم عن كل يوم بمد.
والعهد حكمه حكم اليمين، وشرطه التلفظ على رأي، وأن يكون متعلقه
واجبا أو مندوبا أو مباحا، أو ترك مكروه أو ترك قبيح، ويفعل الأولى في
المباح ولا كفارة.
الثالث:
كفارة الظهار، وقتل: الخطأ عتق رقبة مسلمة أو حكمها وفي غيرهما.
ويجزئ إسلام الأخرس بالإشارة، والطفل مع إسلام أبويه لا الحمل، ولا
المسبي من أطفال الكفار وإن انفرد به السابي المسلم، ولا المراهق إذا أسلم ويفرق
بينه وبين أبويه.
ويجزئ ولد الزنى والمدبر مع عدم النقص، والقاتل خطأ ويضمن الدية،
والمكاتب المشروط على رأي، والآبق إذا لم يعلم موته، وأم الولد لا المكاتب
المطلق، مطلقا، ولا من اشترط البائع عتقه سواء قلنا بتخير المشتري أو بتخير
البائع، ولا نصفا عبدين مشتركين، ولو أعتق حصته من عبد ونوى الكفارة أجزأ
154

مع يساره على رأي، ومع الإعسار جاز لا عن الكفارة، ولو أيسر بعد ذلك، ولو
ملك النصف فنوى إعتاقه عن الكفارة صح، ولا الرهن مع عدم إجازة المرتهن
على رأي، ولا القاتل عمدا على رأي، فإن عجز فصيام شهرين متتابعين، فإن أفطر
في الأول لغير عذر، أو عرض ما لا يصح صومه كرمضان والأضحى استأنف، وإن
كان لعذر أو صام من الثاني ولو يوما بنى، ويجتزئ بشهرين أهلة وإن كانا
ناقصين، ولو صام بعض الشهر وأكمل من الثاني أجزأته وإن نقص، ويتم الأول
ثلاثين، ولا تجوز النيابة في الصوم للحي وعلى وليه الصوم لو مات، وقيل: يجزئ
في تتابع الشهر خمسة عشر يوما، وفي الثلاثة يومان، فإن عجز فإطعام ستين
مسكينا، ولو قتل عمدا ظلما جمعها، ومن أفطر في يوم واجب من رمضان بما
ذكرنا، أو نذر على رأي، أو حنث في عهد أو نذر على رأي تخير في الثلاثة، ومن
أفطر يوما من قضاء رمضان بعد الزوال أطعم عشرة مساكين فإن عجز صام ثلاثة
أيام متتابعات.
وكفارة اليمين والإيلاء عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم
لكل واحد ثوب على رأي، ويجزئ المنديل والقميص والمئزر والسراويل
والغسيل، لا ما يسمى ثوبا، والسحيق فإن عجز صام ثلاثة أيام متتابعات.
وفي يمين البراءة وجز المرأة شعرها في المصاب كفارة ظهار على قول،
وفي نتف شعرها في المصاب أو خدش وجهها أو شق الرجل ثوبه في موت ولده
أو زوجته كفارة يمين.
وكفارة الواطئ أمته حائضا ثلاثة أمداد من طعام، ولو تزوج في العدة فارق
وكفر بخمسة أصوع من دقيق، ولو نام عن الآخرة أصبح صائما، ولو ضرب
عبده فوق الحد استحب عتقه، ومالك الرقبة والثمن مع إمكان الشراء واجدان،
ولو أعتق عنه بمسألته صح ولا عوض إلا مع الشرط، ويلزم ولو تبرع نفذ عنه
لا عن المنوي حيا وميتا، إلا أن يكون وارثا على رأي، وينتقل إلى الآمر بعد العتق
ثم ينعتق، وكذا في إباحة الأكل.
155

ويشترط في التكفير نية القربة والتعيين مقارنة.
فلا يصح من الكافر والتجريد من العوض، ولو أعتق عن كفارته عقيب
ما قيل له: أعتق عن كفارتك وعلى كذا، لم يجز، وفي النفوذ إشكال، ويلزم
العوض معه، ولو رد العوض بعد القبض لم يجز.
وأن لا يكون السبب محرما، فلو نكل به ونوى العتق لم يجز، وقيل:
لا يشترط التعيين، فلو أعتق عن إحدى كفارتيه صح، ولو كان عليه ثلاث
كفارات متساوية فأعتق ثم عجز فصام ثم عجز فتصدق ناويا للتكفير أو كان عليه
قتل أو ظهار واشتبها وكفر، أو كان نذر أو ظهار ونوى البراءة جاز، لا التكفير
ولا النذر، ولو أطلق أو نوى الوجوب مطلقا لم يجز، ولو نوى بنصف كل عبد
من عبديه المعتقين التكفير وعليه كفارتان، أو أعتق نصف عبده عن المعينة أجزأ،
ولو اشترى من ينعتق عليه ونوى التكفير لم يجز، ولو احتاج إليها للخدمة أو
النفقة لم يجب العتق، ولا يباع مسكنه بل فاضله، ولا ثيابه، ولا خادمه المرتفع أو
المريض العاجز، ولا يستبدل به ولا بالمسكن على رأي، والعجز عن الإطعام بفقد
فاضل قوته وقوت عياله ليوم وليلة، والمعتبر في المرتبة بحال الأداء.
ويجب الصبر على ذي المال الغائب، وإن تضمن المشقة كالظهار على
إشكال، ولو وجد في أثناء الصوم العتق استحب العود، وكذا في الإطعام ويجب
فيه لكل واحد مد على رأي، ولا يجزئ الأقل عددا وإن ساوى ولا التكرار من
واحد مع التمكن بخلاف التعذر ولا الصغار منفردين ومعه يحتسب الإتيان
بواحد بخلاف الانضمام، من أوسط طعامه ولو أعطى غالب قوت البلد أجزأ،
ولا يشترط الاجتماع، ويجزئ الحب والدقيق والخبز، ويستحب الإدام، وأعلاه
اللحم وأوسطه الخل وأدونه الملح.
والاقتصار على المؤمنين وحكمهم ويجوز الفاسق لا الكافر والناصب،
وتدفع الكفارة إلى ولي الطفل لا إلى من تجب نفقته على الدافع ولا إلى الغني
والعبد والمدبر والمكاتب وأم الولد ومن انعتق بعضه، ولو بان أحدهم أجزأ دفع
156

المالك أو الإمام. ولا يجزئ التكفير بنصفي جنسين في المخيرة ولا القيمة ولا قبل الحنث ولا
قبل القتل وإن جرح وسرت، ومن وجب عليه صوم شهرين فعجز، صام ثمانية
عشر يوما فإن لم يقدر تصدق عن كل يوم بمد فإن لم يستطع استغفر الله تعالى.
ولو مات ولم يوص في المرتبة اقتصر على أقل رقبة تجزئ، فإن أوصى
بالزائد ولا إجازة أمضى الأقل من الأصل والزائد من الثلث، وفي المخيرة يقتصر
على أقل الخصال قيمة، ولو أوصى بالأعلى فكالأول.
وكفارة يمين العبد الصوم، ولو كفر بغيره بالإذن أجزأ على رأي، ولا ينعقد
يمينه بغير إذن، ومعه لو حنث لم يكن للمولى منعه من الصوم وإن لم يأذن في
الحنث على رأي، ولو حنث بعد الحرية أو قبلها فكالحر، ولو حنث من انعتق
بعضه وكان معسرا تعين فيه الصوم، وإن كان موسرا بما فيه من الحرية صح منه
العتق.
157

الدروس الشرعية
للشهيد السعيد محمد بن جمال الدين مكي العاملي
" الشهيد الأول "
734 - 786 ه‍. ق
159

كتاب اليمين
وهي هنا الحلف بالله أو بأسمائه الخاصة لتحقيق ما يحتمل الموافقة والمخالفة
في الاستقبال.
وإنما يختص الحلف بالله لقوله صلى الله عليه وآله: من كان حالفا فليحلف
بالله أو يذر.
ويحرم الحلف بالأصنام وشبهها، للنهي عن الحلف بالطواغيت ويكره
الحلف بغير ذلك، وربما قيل بالتحريم، ولا ينعقد به يمين.
وقال ابن الجنيد: لا بأس بالحلف بما عظم الله من الحقوق، كقوله: وحق
القرآن وحق رسول الله صلى الله عليه وآله.
وفي رواية محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام: ليس لخلقه أن يقسموا إلا
به، فالحلف بالله هو قوله: " والله وبالله وتالله "، والله بالجر " وأيمن الله " وما
اقتضت منها، وقيل: الحلف بالله هو كقوله " والذي نفسي بيده، ومقلب القلوب
والأبصار، والأول الذي ليس كمثله شئ " لأنه مدلول المعبود بالحق إله من في
السماوات والأرض، ولم تجعل أسماء لله تعالى، وهو ضعيف لأن مرجعه إلى
أسماء تدل على صفات الأفعال كالخالق والرازق التي هي أبعد من الأسماء الدالة
على صفات الذات كالرحمن الرحيم التي هي دون اسم الذات وهو الله جل
اسمه، بل هو الاسم الجامع.
161

وينعقد بالمشتركة إذا غلبت على الله كالرب والخالق والبارئ والرازق،
بخلاف، غير الغالب كالموجود والقادر والسميع والبصير، وعقدها ابن الجنيد
بهما، وتنعقد بجلال الله وعظمته وكبريائه، وبقوله: لعمر الله، وحق الله على
الأقوى، إذا قصد به الله الحق أو المستحق للإلهية، ولو قصد به ما يجب على عباده
لم ينعقد به، ولو أطلق فالأقرب الانعقاد لأن الاستعمال في الأولين أغلب، ولو
قال: والحق فوجهان مرتبان وأولى بالانعقاد، لأنه وإن اشترك إلا أنه في الله
أغلب كالرحيم والعليم والحنان.
ولو قال: أقسمت أو حلفت أو أقسم أو أحلف، لم يكن يمينا حتى يذكر
المقسم به، ولو قال: أردت الأخبار ذين، ولو قال: أشهد بالله فهو يمين عند
الشيخ لاستعماله في أيمان اللعان، بخلاف أغرم بالله لعدم ثبوته شرعا ولا عرفا.
ولا عبرة بالظهار والعتاق والطلاق أو أيمان البيعة، أو قوله: هو كافر أو يعبد
الصنم أو يا هناه أو لا أب لشانئك، وقول ابن الجنيد في الطلاق والعتاق والصدقة
متروك.
والحلف بالبراءة من الله أو من رسوله أو أحد الأئمة عليهم السلام حرام،
وفي وجوب الكفارة به أو بالحنث خلاف، وأوجب الشيخان بالحنث به كفارة
ظهار، والحلبي تجب به بمجرد القول إذا لم يعلقه على شرط، وابن إدريس
لا يوجب شيئا.
وفي توقيع العسكري عليه السلام إلى محمد بن الحسن الصفار: يطعم
عشرة مساكين لكل مسكين مد ويستغفر الله، وقال الصدوق: لو قال: إن كلم
ذا قرابة فعليه المشي إلى بيت الله عز وجل وكلما يملكه في سبيل الله وهو برئ من
دين محمد صلى الله عليه وآله، فإنه يصوم ثلاثة أيام ويتصدق على عشرة
مساكين، وقولنا لتحقيق احتراز من يمين اللغو فإنه لم يقصد بها التحقيق.
والقصد شرط عندنا وإن نطق بالصريح، فلو حلف الغافل أو الساهي أو
الغضبان بما يرفع القصد لم ينعقد، واحتراز من يمين المكره ويمين المناشدة مثل
162

" والله ليفعلن " قاصدا عقد اليمين على صاحبه، فإن تحقيقه ممتنع بالنسبة إلى
الحالف وللنص على استحباب إجابة المناشدة.
واعتبرنا إمكان المخالفة والموافقة ليخرج به الواجب، مثل الكون في الحيز،
والممتنع عقلا كالجمع بين النقيضين، أو عادة كالصعود إلى السماء، أو شرعا
كترك الصلاة، فإن كل ذلك لا ينعقد.
ولو تجدد العجز فكالمقارن، إلا أن تعود القدرة في غير المقيد بوقت والتقييد
بالاستقبال ليخرج به الحلف على الماضي، والحال إن تصور، وهي الغموس في
الإثم المتوعد عليها بالنار في قوله تعالى " وإن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم
ثمنا قليلا... الآية "، وإن كانت كاذبة وتعمد، وإلا فهي لغو، ولا كفارة للغموس
سوى الاستغفار، وإن تضمنت ظلما فبعد رده، لقوله صلى الله عليه وآله: خمس
من الكبائر لا كفارة فيهن، الإشراك بالله وعقوق الوالدين، وبهت المسلم، والفرار
من الزحف، واليمين الغموس.
ولو أكره على يمين الغموس تأول في المفرد أو الإسناد.
فالمفرد كقصد أحد معاني المشترك أو المجاز، مثل أن يريد بالمكاتبة
تحصيل العتق وبالحمار البليد.
والإسناد ما فعلته بمصر أو في السفر أو وقت العصر.
ولو كتب الواهب ابتياعا وأشهد حلف على الشراء موريا، ولو لم يحسن فلا
شئ عليه، وليس للظالم التأويل ولا يخرج به عن الغموس، فإن النية
نية المستحلف المحق ولو كرر اليمين من غير مغايرة في المتعلق، فالظاهر إنها
واحدة، قاله جماعة: سواء قصد التأكيد أو التأسيس.
درس [1]:
قد تجب اليمين في مثل إنقاذ مؤمن من ظالم وإن كان كاذبا ويتأول، وقد
يحرم إذا كانت كاذبة لا لضرورة، وقد يستحب كدفع ظالم عن ماله المجحف
163

به، وقد تكره كما إذا كثرت وكالحلف على القليل من المال، وما عداها مباح.
ويجوز الاستثناء بمشيئة الله تعالى لفظا متصلا عادة، فلا يضر التنفس أو
التذكر، ولا يكفي النية وإن اقترنت باليمين، قاله في المبسوط، ومنعه ابن إدريس،
وفي النهاية يكفي إن حلف سرا، وفي المختلف يكفي مطلقا وهو قوي وعليه
تحمل رواية عبد الله بن ميمون بجواز استثناء الناسي إلى أربعين يوما، ولا يشترط
أن ينويه إلا عند التلفظ به.
ولا فرق بين متعلقات اليمين في ذلك، وقول الفاضل بقصره على ما لم يعلم
مشيئة الله إياه نادر، ولو عقب العتق والطلاق والنذر والإقرار بالمشيئة قاصدا
التبرك لم يضر، وإلا بطل، وللشيخ قولان، وقطع ابن إدريس بلغو الاستثناء
فيما عدا اليمين ولزوم الإيقاع، وهو قوي في الإقرار.
ويجوز تعليقها بشرط في عقدها وحلها، سواء كانت مشيئة غيره أو لا،
كقوله في العقد: لأشربن إن شاء زيد، وفي الحل لأشربن إلا أن يشاء زيد، وكذا
في النفي لا شربت إن شاء زيد، ولا شربت إلا أن يشاء زيد، وينصرف الاستثناء إلى
رفع المستثنى منه، فعقيب الإثبات نفي وبالعكس، ولو قصد عكس ذلك دين
بنيته، وكلما كان العقد موقوفا أو جهل الشرط فلا عقد، وكلما كان الحل موقوفا
فهي منعقدة، إلا مع علم شرط الحل ولا فرق بين تقديم الشرط وتأخيره.
ويشترط في الحالف شروط الناذر، ورفع الحجر، ولا إشكال هنا في
التوقف على إذن الأب وإن علا ما لم يكن في فعل واجب أو ترك محرم، ولو
جعل على الترك أو الفعل جزاء، كصوم أو صدقة فالأقرب توقفه على إذن
الوالي، ويصح من الكافر وإن لم يصح نذره، لأن القربة مرادة هناك دون هذا
ولو قلنا بانعقاد نذر المباح الصرف أشكل الفرق.
ومنع في الخلاف من يمين الكافر نظرا إلى أنه لا يعرف الله ويمتنع منه
التكفير حينئذ ثم تردد، وقطع في المبسوط بالجواز، وقطع ابن إدريس بالمنع،
والفاضل فرق بين الكافر بجحد الرب وغيره، والفائدة في بقاء اليمين لو أسلم
164

والعقاب عليها لو مات على كفره، لا في تدارك الكفارة لو سبق الحنث الإسلام
لأنها تسقط.
قاعدة: متعلق اليمين كمتعلق النذر، ولا إشكال هنا في تعليقها بالمباح
ومراعاة الأولى في الدين والدنيا، وترجيح مقتضى اليمين مع التساوي، وهذه
الأولوية متبوعة ولو طرأت بعد اليمين، فلو كان البر أولى في الابتداء ثم صارت
المخالفة أولى، أتبع ولا كفارة عندنا، وإنما تجب بالحنث عمدا اختيارا، فلو
خالف ناسيا أو مكرها أو اشتبه المحلوف عليه بغيره فلا كفارة.
قاعدة: اليمين عند الإطلاق تنصرف إلى مدلول اللفظ حقيقة، فلو نوى
الحالف خلاف الظاهر، كنية العام بالخاص أو المطلق بالمقيد أو المجاز
بالحقيقة، أو بالعكس في الثلاثة صح، كمن حلف لا يأكل اللحم وقصد الإبل، أو
لا يأكل لحما وقصد الجنس، أو ليعتقن رقبة وقصد مؤمنة، أو ليعتقن رقبة مؤمنة
وقصد مطلق الرقبة، أو لا يشرب له ماء من عطش وقصد رفع المنة أو لا يتحمل له
منة وأراد شرب الماء، إن جعلناه مجازا إسناديا وجعلنا شرب الماء حقيقة له.
ولو نوى مالا يحتمله اللفظ، كما لو نوى بالصوم الصلاة، لغت اليمين فيهما.
قاعدة: لو تعارض عموم اللفظ وخصوص السبب، فإن نوى شيئا فذاك وإلا
فالأقرب قصره على السبب، لأنه الباعث على اليمين، كما لو رأى منكرا في بلد
فكرهه لأجله، فحلف على عدم دخوله، ثم زال المنكر، فله الدخول، وكذا لو
حلف على رفع المنكر إلى وال بعينه فعزل، فلا رفع.
قاعدة: الابتداء والاستدامة سببان فيما ينسب إلى المدة، كالسكنى والإسكان
والمساكنة، دون ما لا ينسب، كالدخول والبيع، وفي التطيب وجهان، فلو حلف
لا سكنت هذه الدار وهو ساكن بها، وجب التحول في الحال وإن بقي رحله لا
165

للسكنى، بخلاف ما لو قال: لا دخلت هذه الدار وهو فيها، أو لا بعت وقد باع
بخيار، فاستمر عليه، أو لا تزوجت وله زوجة فلم يطلقها.
قاعدة: كلما اتحد مدلول اللفظ حمل عليه، كالرجل والمرأة والإنسان،
والبعير والشاة، وإن تعدد مشتركا ونوى فردا أو جميع الأفراد حمل على
المنوي، ولو لم ينو شيئا، منها، بنى على استعمال المشترك في حقائقه وعدمه،
ولو اشترك بين اللغة والشرع والعرف، رجح، الشرعي ثم العرفي العام ثم
العرفي الخاص، ولو تعارض الشرع والعرف فالظاهر ترجيح الشرع، إلا مع
جهل الحالف فينصرف إلى ما يعلمه من الثلاثة.
فالرأس لغة عام وعرف خاص بالأنعام، فلا يحنث برأس الطير والحوت،
وماء النهر لغة لجميعه، وفي العرف في النفي لبعضه وفي الإثبات تردد، ولو كان
له حقيقة ومجاز حمل على الحقيقة، إلا أن يغلب المجاز لشهرته فيحمل عليه،
كالراوية للمزادة وقد كانت للبعير.
درس [2]:
قاعدة: الإضافة تختص بالمضاف إليه، كدار زيد وسرج الدابة والإشارة
تختص بالمشار إليه، فلو تبدلت الإضافة زالت اليمين، بخلاف ما أشار إليه.
ولو جمع بين الإضافة والإشارة، كدار زيد هذه، ولو لم ينو إحديهما،
فالأقرب تغليب الإشارة فتبقى اليمين، وإن زال ملكه، ويحتمل تغليب الإضافة
لربط اليمين بهما فتزول بزوال أحدهما.
والإضافة إلى العبد تقتضي التمليك إن قلنا يملك، وإن أحلنا ذلك أمكن
حمله على المنسوب إليه، كالدابة، إعمالا للفظ في مجازه عند تعذر الحقيقة،
وحمله على ما سيملكه بعد عتقه أو كتابته، اقتصارا على الحقيقة الممكنة في الجملة،
بخلاف الدابة فإنه لا يتصور لها ملك.
166

قاعدة: الصفة قيد في الموصوف، فلو زالت فلا يمين، ولو جامعت الإشارة
فالوجهان، فلو حلف لا يلبس قميصا، ففتقه واتزر به، لم يحنث، ولو ارتدى به أو
اتزر به قبل فتقه فالأقرب الزوال، لأنه ليس لبس مثله، ولو قال: هذا القميص،
ففتقه ثم لبسه فكما مر، ولو قال: هذا الثوب، وهو قميص، فارتدى به مفتوقا أو
غيره فوجهان أيضا، من تغليب الإشارة ومن أنه قميص في الواقع فينصرف إلى
لبس مثله، وكذا لو قال: لحم سخلة فتكبر، أو عبد فيعتق، أو حنطة فتخبز، عند
الشيخ.
وقال القاضي والفاضل: يحنث لو حلف على حنطة معينة فأكلها خبزا،
وكذا لو عين الدقيق فخبزه، إذ الحنطة لا تؤكل غالبا إلا خبزا، أما لو كان التغير
بالاستحالة، كالبيضة تصير فرخا والحب زرعا، فلا حنث، ولو زالت الصفة ثم
عادت، عادت اليمين كالسفينة تنقص ثم تعاد.
قاعدة: الشرط في اليمين قيد فيها فتزول بزواله، فالحلف على عدم الخروج
بغير إذن زيد مقيد به، فيحنث لو انتفى، ولو أذن فلم يسمع ثم خرج فوجهان،
يلتفتان إلى أن الإذن هل هو مجرد الأمر كما هو في اللغة؟ أو أنه مشروط عرفا
بالإعلام، إذ الإذن يستدعي متهيئا لسماعه، ولو كان القيد في الإثبات توقف البر
عليه، كالصلاة في المسجد والبيع في السوق.
قاعدة: التكليم لا يتناول الرمز، واستثناؤه في قصة زكريا عليه السلام من غير
الجنس، وكذا لا يتناول المكاتبة والمراسلة، نعم في حق الأخرس يحتمل نفوذ
الإشارة بل والمكاتبة، وعليه يتفرع بطلان صلاة الأخرس برمزه.
والكلام يتناول القرآن والأذكار على الأصح.
قاعدة: التخصيص جائز في القول، كالتسليم والتكليم، بخلاف الفعل
167

كالدخول، فلو حلف أن لا يسلم عليه فسلم على قوم هو فيهم ونوى خروجه فلا
حنث، ولو حلف على عدم الدخول عليه فاستثناه داخلا فالأقرب الحنث،
والشيخ لم يفرق.
قاعدة: الجمع بين شيئين أو أشياء بواو العطف يصير كل واحد منهما
مشروطا بالآخر قضية للواو، فلو قال: لا أكلت الخبز واللحم والفاكهة، أو
لآكلنها، فلا حنث إلا بالثلاثة ولا بر إلا بها، وقال الشيخ: يحنث بكل واحد، لأن
واو العطف بمثابة العامل.
قاعدة: إذا أضاف الفعل إلى معين فشركه غيره، ففي زوال اليمين وجهان
عند الشيخ، ولعله لتعارض اللغة والعرف، كما لو حلف على طعام اشتراه زيد
فاشتراه بشركة عمرو، أو على ثوب نسجه زيد فنسجه بمشاركة عمرو، أو ثوب
غزلته هند فشوركت فيه.
ولو اقتسم زيد وعمرو ما اشترياه لم يتغير الحكم، ولو خلطا ما اشترياه
بعقدين فتجاوز الحالف النصف حنث وإلا فلا.
ويشكل بالقطع على الأكل من نصيب زيد، إلا أن يريد أكل جميع ما
اشتراه زيد فلا تقع المخالفة إلا بأكل الجميع، هذا إذا كان الخلط موجبا
للإشاعة، أما في نحو التمر والرمان فيمكن أن يقال: لا بد من تجاوز النصف
لإمكان اختصاصه بما اشتراه عمرو، والحنث يكفي في دفعه الاحتمال.
درس [3]:
لا يحنث في اللبن بالجبن والأقط والسمن والزبد والكشك، وكذا بعضها
ببعض.
ولا في الشاة المحلوف على لحمها بلحم نسلها، وكذا لبنها، وفي النهاية
168

يسري إلى الولد، وهو قول: ابن الجنيد لرواية عيسى بن عطية عن الباقر عليه
السلام والسند ضعيف.
والفاكهة اسم لما يتفكه به، حتى الأترج والنبق واللوز، واشترط بعضهم
الرطوبة فلا يحنث باليابس كالزبيب، والرمان والرطب فاكهة وحب الصنوبر
والبطيخ بقسميه بخلاف الزيتون والبطم وحب الآس، وأما الخيار والقثاء
والقرع والباذنجان فمن الخضر.
والأدم ما يضاف إلى الخبز مرقة أو دهنا أو جامدا كالجبن والعدس والتمر
والملح والطعام للقوت والأدم، والحلوى مائعا أو جامدا، لا الماء على الأقرب،
وقوله تعالى " ومن يطعمه فإنه مني " محمول على المذوق.
واللحم لا يتناول الشحم والمخ والدماغ والكبد والطحال والكرش
والمصران والقلب على الأقوى والألية، أما شحم الظهر أو الجنب أو ما في
تضاعيف اللحم فيحتمل إلحاقه باللحم، وكذا الرأس، والكراع.
والمال اسم للعين والدين والزكوي وغيره.
والمدبر والمستولدة والمكاتب المشروط دون حق الشفعة والاستطراق.
أما المنافع كالسكنى وخدمة العبد ففيها وجهان، والمالية قوية ولهذا
تصرف في الدين، أما منفعة نفسه فلا.
والضرب يصرف إلى الآلة المعتادة.
وقيل: يجزي الضغث وهو حسن مع التضرر والعفو في الأمور الدنيوية
أولى.
والكفالة والضمان والحوالة متغايرة، والعقد اسم للصحيح مع الإيجاب
والقبول.
والتسري وطء الأمة وإن أكسل أو لم يحذرها على الأقرب.
والهبة تتناول الهدية لا العمرى على الأقرب.
والوصية، والصدقة الواجبة وفي المندوبة وجهان، وكذا في الوقف والأقرب
169

المغايرة فيه.
وإطلاق الفعل ينصرف إلى المباشرة إلا مع القرينة، كبناء البيت وضرب
السلطان وحلق الرأس، والضرب اسم للمؤلم من الاعتماد بالسوط والعصا واللطم
واللكم، بخلاف العض والخنق والقرص، خلافا لابن الجنيد في الثلاثة.
والبشارة اسم للإخبار بالسار أولا، بخلاف الإخبار فإنه عام، ولو بشره
جماعة دفعة فلكل ما عينه، وكذا الإخبار دفعة أولا وأول داخل داره من ولجها
بعد اليمين وإن لم يدخل غيره، وآخر داخل هو من يتعقب دخوله موته، ولو عين
الدار فالأخير من يتعقبه خروجها عن ملكه إن غلبنا الإضافة، ويحتمل إجزاء هذا
في الدار المضافة إليه إذا باعها ولم يتعقبه ملك غيرها.
ولو حلف لا يطأ جارية عمته أو غيرها أبدا فملكها حلت له إن كان قصد
الحرام أو أطلق، ولو قصد العموم لم تحل إلا مع رجحان الوطء.
والحين ستة أشهر في الصوم، والزمان خمسة أشهر فيه، والحقب ثمانون عاما
في الصوم وغيره، ولو نوى غير ذلك أتبع.
ولو حلف لا يأكل بيضا وليأكلن ما في كم فلان وكان بيضا جعله في
الناطق وأكله فيه وبر ولا حنث لأنه لم يقل: من البيض الذي في كمه، بل أبهم،
وكذا لو علق الظهار عليهما.
والبيت اسم لبيت الحضري والبدوي، فيحنثان بهما إن عرفهما عند الشيخ،
ويحتمل اختصاص كل بعادته، ولا يتناول الكعبة والمسجد والبيعة والكنيسة
على قول، وقطع ابن إدريس بالتناول، ولا الدهليز والصفة عند الشيخ.
ولا يتناول اللحم السمك عنده في المبسوط، وقطع في الخلاف بالتناول
للآية.
وقال ابن الجنيد: الخمر يتناول المسكر والفقاع.
والحلي لا يتناول الجوهر مفردا، وقطع الشيخ بتناوله لقوله تعالى
" وتستخرجون منه حلية تلبسونها ".
170

كتاب الكفارة
لا تجب الكفارة قبل الحنث في اليمين ولا تجزئ، ولا في الحلف على
الممتنع.
وهي في اليمين عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين لكل واحد مد أو
كسوتهم، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعات، وفي الإيلاء كذلك. وفي الظهار وقتل الخطأ العتق ثم الصيام شهرين متتابعين ثم إطعام ستين
مسكينا، وقال سلار: كفارة القتل مخيرة، وهو ظاهر شيخه المفيد، وتدفعه الآية
وصحيحة عبد الله بن سنان عن الصادق عليه السلام.
وفي كفارة خلف النذر والعهد خلاف، وكونها كبيرة مخيرة أولى
لصحيحة عبد الملك عنه عليه السلام في النذر ورواية أبي بصير في العهد وقال
الصدوق: كفارة النذر كاليمين لرواية الحلبي، وحملت على العجز، وهو حسن.
وكفارة جز المرأة شعرها في المصاب كبيرة عند الشيخ، والرواية به
ضعيفة، والأقرب عدم الفرق بين الكل والبعض، والجز والحرق والإحراق،
ويحتمل إلحاق الجز في غير المصاب به، بطريق الأولى، ولو نتفته في المصاب
فكفارة يمين وإن كان بعضه.
وكذا خدش وجهها في المصاب وشق الرجل ثوبه لموت ولده أو زوجته
خاصة وإن كانت متعة، أما الأمة فلا، ولا كفارة في شق المرأة الثوب، وحرمه ابن
171

إدريس مطلقا على الرجل والمرأة واستحب الكفارة على الرجل، وجوز الشيخان
شق الثوب في موت الأب والأخ، وفي رواية حنان لا بأس بشق الجيب على
القريب وشق المرأة على زوجها.
ولو تزوج في العدة أو بذات البعل، فارق وكفر بخمسة أصوع دقيقا،
وقال المرتضى: في ذات البعل يتصدق بخمسة دارهم لرواية أبي بصير عن
الصادق عليه السلام، وقال ابن إدريس تستحب الكفارة.
وقال الشيخ: لو نام عن العشاء حتى ينتصف الليل قضاها وأصبح صائما،
لرواية مقطوعة، واستحبه ابن إدريس، وفي إلحاق العامد به أو الناسي أو السكران
تردد، وقوى الفاضل عدمه، ولا يلحق بذلك ناسي غير العشاء بالنوم قطعا، ولو
فطر في ذلك اليوم أمكن وجوب الكفارة لتعينه، وعدمه لتوهم أنه كفارة
ولا كفارة فيها، ولو سافر فيه فالأقرب الإفطار والقضاء، وكذا لو مرض، أو
حاضت المرأة مع احتمال عدم الوجوب فيهما وفي السفر الضروري لعدم قبول
المكلف للصوم، وكذا لو وافق العيد أو التشريق، ولو وافق صوما متعينا
فالأقرب التداخل مع احتمال قضائه.
ومن ضرب مملوكه فوق الحد كفر بعتقه عند الشيخ والقاضي، وأنكره ابن
إدريس واستحبه جماعة، ولو قتله فكفارته كغيره وقال الشيخ هي مخيرة، لرواية
أبي بصير.
وروي عن الصادق عليه السلام: إن كفارة عمل السلطان قضاء حوائج
الأخوان، وكفارة الاغتياب الاستغفار للمغتاب، وكفارة المجلس قراءة سبحان
ربك رب العزة... الآيتين عند القيام، وكفارة الضحك اللهم لا تمقتني، وروي
في اللطم على الخد الاستغفار والتوبة.
ويجزئ الاستغفار عند العجز عن الخصال الكفارات أجمع وفي الظهار
روايتان أشبههما الاجتزاء به، ويكفي مرة واحدة بالنية، ولو تجددت القدرة بعده
فوجهان، وفي رواية إسحاق بن عمار في المظاهر: يستغفر ويطأ، فإذا وجد
172

الكفارة كفر، فيحتمل انسحابه في غيره.
درس [1]:
خصال الكفارة أربع: عتق وصيام وإطعام وكسوة.
ويتعين العتق على القادر في المرتبة بملك الرقبة أو ثمنها إذا أمكن
الاعتياض، ولو كان من أهل الخدمة لمرض أو رفعة اشترط ملك رقبة أخرى.
ولا تباع داره ولا ثيابه إلا مع الفضلة فيهما عن قدر الحاجة، ولو أمكن بيع
داره أو خادمه أو ثيابه والتبدل وشراء رقبة، فالأولى عدم وجوب البيع، ولا بد من
أن يفضل له قوت يوم وليلة وتباع ضيعته وتجارته وإن التحق بالمساكين،
كالدين، ولو بيع نسيئة وجب إذا كان يتوقع مالا غائبا وإلا فلا، ولو طلب منه
النقد صبر، وفي المظاهر وجهان، أقربهما الانتقال إلى الصوم.
والمديون المستوعب معسر ولو تكلف العتق أجزأه إلا مع مطالبة الديان،
والعبرة بالقدرة حال العتق لا حال الوجوب، ولو عجز فشرع في الصوم بلحظة
ثم قدر، استحب العود، وكذا لو شرع في الإطعام ثم قدر على الصيام أو العتق،
وقال ابن الجنيد: لو أيسر قبل صوم أكثر من شهر وجب العتق لصحيحة محمد
بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام، ويعارضها صحيحة أيضا فيحمل على الندب،
ولو بذل له رقبة فالظاهر عدم وجوب القبول للمنة.
ويعتبر في الصحة أمور تسعة.
الأول: الأيمان، وهو الشهادتان في القتل إجماعا، وفي غيره على الأقوى،
وفي الخلاف يجزئ الكافر ويجزئ المتولد من مسلم إذا انفصل، وفي حسنة
معمر بن يحيى عن الصادق عليه السلام: كل العتق يجوز فيه المولود إلا في
كفارة القتل فتحرير رقبة مؤمنة، يعني مقرة قد بلغت الحنث، ومثله رواية الحسين
بن سعيد: والحنث الطاعة والمعصية، وعليها ابن الجنيد، وقال: لو أعتق صغيرا
في غير كفارة القتل قام به حتى يستغني عنه، لصحيحة ابن محبوب في مكاتبة
173

الرضا عليه السلام وفيها: إن الشيخ وذا الزمانة كالصغير، ويحمل على الندب.
وإسلام الأخرس بالإشارة والمسبي بانفراد المسلم به، وإسلام المراهق معتبر
في التفرقة بينه وبين أهله لا في الإجزاء وغيره من أحكام الإسلام، ويجزئ ولد
الزنى على الأقرب ومنعه المرتضى ناقلا للإجماع.
فرع:
يتحقق إسلام ولد الزنى بالمباشرة بعد البلوغ، وتبعية السابي، وفي تحققه
بسبب الولادة من المسلم نظر من انتفائه عنه شرعا، ومن تولده عنه حقيقة فلا
يقصر عن السابي.
الثاني: سلامتها من عيب يوجب العتق، كالعمى والإقعاد والجذام والتنكيل
لا غير، وقال ابن الجنيد: لا يجزئ الخصي والأصم والأخرس وهو نادر.
الثالث: سلامتها من تعلق حق آخر، ففي الجاني عمدا أو خطأ قولان، أقربهما
المراعاة بالخروج عن عهدة الجناية، وكذا في المدبر لضعف التعلق وتعجيل
العتق، وفي النهاية لا يجزئ لصحيحة الحلبي عن الصادق عليه السلام، ولو نقض
تدبيره أجزأ قطعا، وكذا في المكاتب المشروط أو غير المؤدي، والمستولدة،
ويجزئ المرهون مع إجازة المرتهن ولا يكلف الراهن بدله قطعا، ولو لم يجز أجزأ
عند الشيخ إن كان موسرا فيؤدي أو يرهن غيره.
ولا يجزئ المنذور عتقه أو الصدقة به وإن كان النذر معلقا بشرط لم يحصل
بعد على الأقوى.
الرابع: استيعابها، فلو أعتق بعض عبد لم يجز إلا أن يسري أو ينتقل إليه
بعد ذلك فيعتقه.
الخامس: كونها غير مستحقة العتق بالملك فلو ملك أباه ونوى العتق عن
الكفارة حال الشراء أو بعده لم يجز على الأقوى من وجهي الشيخ، لأن النية لم
تصادف ملكا، وكذا لا يجزئ مشروط العتق عن البائع ولا عن المشتري، قال
174

الشيخ: لأن العتق يقع مشتركا بين التكفير وبين الوفاء بالشرط، وفي المختلف
يجزئ عن المشتري لعدم وجوب العتق بالشرط ولو وجب به فهو بسبب
الكفارة.
السادس: التجريد عن العوض، فلا تجزئ المكاتبة بنوعيها، وكذا لو شرط
عوضا على العتق، عتق ولم يجز لعدم تمحض القربة، ولو قيل له: أعتقه عن
كفارتك بكذا، لم يجز والأقرب عدم العتق، ولو قيل: به، وجب العوض.
ولو أمر المالك العتق عن الآمر بعوض أو غيره أجزأ والنية هنا من الوكيل،
وفي وقت الملك الضمني هنا تردد، هل هو بالشروع في الإعتاق؟ أو بتمام
الإعتاق يملكه آنا ثم يعتق، أو يتبين بالإعتاق أنه ملكه بالأمر، ومثال هذا قول النبي
صلى الله عليه وآله: لا عتق إلا فيما يملك.
وطرد البحث في ملك الضيف الطعام بالأخذ، فله إطعام غيره أو بالوضع
في الفم أو بالمضغ أو الازدراد، ولا ضرورة هنا إلى الملك إذ يكفي إباحته
التناول.
السابع: النية، ويعتبر فيها الوجه والقربة وفي اعتبار التعيين خلاف، أقربه
اعتباره سواء تعددت الكفارات أم لا، تغاير الجنس أم لا.
وتجزئ نية المتبرع عن الميت إن كان وارثا، وقد تقدم الخلاف في غيره،
وفي الحي.
الثامن: إباحة سبب العتق، فلو نكل به ناويا التكفير عتق ولم يجزئ، وشرط
بعضهم الحرية فلو كفر العبد بالعتق لم يجزئ وإن أذن المولى، لأنه كفر بما لم
يجب عليه، وإما لعدم تقدير الملك فيه، وكذا لو كفر المولى عنه.
التاسع: تنجيز العتق، فلا يجزئ التدبير وإن نوى به التكفير، وأبعد منه
الاستيلاد لبعد القصد إليه.
ويجزئ الآبق والضال ما لم يعلم موته، لرواية أبي هاشم الجعفري، وفي
الخلاف لا يجزئ إلا أن يعلم حياته، وفي المختلف إن ظن الحياة أجزأ وإن شك
175

لم يجزئ.
ويجزئ المريض والمجروح مع استقرار الحياة.
درس [2]:
إذا انتقل فرض المكفر إلى الصوم وجب على الحر شهران متتابعان في
الظهار والقتل، وعلى العبد شهر متتابع على ما سبق.
والسفر الضروري أو الواجب عذر إذا فاجأه، ولو سبق علمه به لم يعذر.
وكذا خوف الحامل والمرضع على أنفسهما، ولو خافتا على الولد فالأقرب
إنه عذر، وللشيخ فيه قولان، وكذا في من ضرب حتى أفطر، وقطع بأن من وجر
الماء في حلقه معذور، والوجه المساواة في العذر.
والمجوس يتوخى، فلو اتفق في أثناء الأول صوم قاطع للتتابع ولما يعلم
فهو معذور.
ويكفي الهلالي إذا شرع من أوله وإلا فالعدد، وقيل: يتم بقدر الفائت،
وتجب نية الكفارة المعينة ولا تجب نية المتابعة.
ولو وطئ المظاهر ليلا وجبت أخرى ولم ينقطع تتابع الأولى على الأقوى،
ولو وطئ في أثناء الإطعام بنى وإن وجبت عليه أخرى، وقال الشيخ يستأنف
الكفارتين إذا تعمد الوطء ليلا أو نهارا محتجا بالإجماع، وتبعه في المختلف
لوجوب الشهرين قبل المسيس.
ولا بد لكل يوم من نية، والأقرب جواز تجديدها إلى الزوال للناسي، ولو
استمر النسيان حتى زالت الشمس لم يجز تجديد ذلك اليوم وفي قدحه في
التتابع احتمال ضعيف للخبر.
ولو قدر المظاهر على الصوم إلا أنه يتضرر بترك الجماع انتقل إلى
الإطعام، ولو طال زمان الإطعام وتضرر احتمل جواز الوطء قبله بالاستنفار أو
بدونه مع كفارة أخرى أو بدونها، واحتمل جواز تعجيل الإطعام بأنه يجمع
176

لواحد لا يوجد غيره دفعة أو لأزيد منه وهو الأقوى.
وإذا انتقل إلى الإطعام، وجب إطعام ستين مسكينا في كفارة شهر رمضان
والخطأ والظهار والنذر والعهد، وإطعام عشرة مساكين في كفارة اليمين، مما
يسمى طعاما كالحنطة والشعير ودقيقهما وخبزهما، وقيل: يجب في كفارة اليمين
أن يطعم من أوسط ما يطعم أهله للآية، وحمل على الأفضل ويجزئ التمر
والزبيب.
ويستحب الأدم مع الطعام، وأعلاه اللحم وأوسطه الزيت والخل، وأدناه
الملح، وظاهر المفيد وسلار وجوب الأدم.
والواجب مد لكل مسكين لصحيحة عبد الله بن سنان، وفي الخلاف يجب
مدان في جميع الكفارات معولا على إجماعنا، وكذا في المبسوط والنهاية واجتزأ
بالمد مع العجز، وقال ابن الجنيد: يزيد على المد مؤونة طحنه وخبزه وأدمه،
والمفيد وجماعة إما مد أو شبعه في يوم، وصرح ابن الجنيد بالغداة والعشاء،
وأطلق جماعة إن الواجب الإشباع مرة لصحيحة أبي بصير عن الباقر عليه السلام،
فعلى هذا يجزئ الإشباع وإن قصر عن المد.
ولو كان فيهم صغير فكالكبير ولو انفرد واحتسب الاثنان بواحد، ولا يجزئ
المريض والهرم، ويجب التسليم إلى ولي الطفل، وفي الإطعام يجزئ من غير إذن
الولي عند الفاضل، وظاهر الخلاف أنه لا يشترط إذن الولي في التسليم أيضا، ولو
أعطى الواجب لما دون العدد لم يجز، وإن تعذر العدد فرق عليهم بحسب الأيام،
فلو لم يجد سوى واحد فرق عليه في ستين يوما.
ولو تعددت الكفارات جاز أن يعطي الواحد ليومه من كل واحدة مدا وعلى
القول بإجزاء الإشباع، ولو أطعم مسكينا مدين غداء وعشاء في يوم ففي احتسابه
بمسكينين احتمال سواء وجد غيره أو لا، ولا يجب اجتماعهم في الإعطاء أو
الإطعام وإن كان أفضل.
ولا تجزئ القيمة عند الشيخ وأتباعه، ولو اشترى الطعام من المسكين ودفعه
177

إلى غيره أجزأ وإن كره.
فعلى هذا يمكن تأدي وظائف الكفارة بمد واحد.
والمستحق هو الذي لا يملك مؤونة السنة من المؤمنين وإن كانوا فساقا،
وجوز بعض الأصحاب إعطاء المخالف لا الناصب ولا الكافر ولو تبين الدافع
غير مستحق وتعذر الرد أجزأ إن اجتهد، إلا أن يكون عبده.
وأما الكسوة فالواجب مسماها ولو إزارا أو رداء أو سراويل، ولا تجزئ
المنطقة والنعل ولا الدرع، ويكفي ما يواري الصغير وإن كانوا منفردين، ولو
تعذرت العشرة كرر على الممكن في الأيام على احتمال، ويشكل بأنه يؤدي إلى
أن يكسي عشرة أثواب، وذلك بعيد، ولو أخذ الكبير ما يواري الصغير فالأشبه
عدم الإجزاء، وأوجب جماعة ثوبين مع القدرة وثوبا مع العجز، واحتاط ابن
الجنيد بأن يكسو المرأة ما تتم صلاتها فيه كالدرع والخمار.
ويجزئ الغسيل إلا أن يصير سحيقا أو يتخرق، وجنسه القطن والكتان
والصوف والحرير للنساء وفي إجزائه للرجال عنده احتمال، ويجزئ الفرو
والجلد المعتاد لبسه، وكذا القنب والشعر المعتاد لبسه.
ويجب فيهم ما يجب في المطعمين، وإن كانوا واجبي النفقة والمكفر فقير
قيل: يجزئ.
وفي الهاشمي مع التمكن من الجنس وكون الدافع من غيرهم نظر، أقربه
المنع.
ولا يجزئ ابن السبيل إذا أمكنه أخذ الزكاة أو الاستدانة، ولا الغارم
والغازي، إذا ملكا مؤونة السنة.
وفي المكاتب خلاف، فمنعه الشيخ لأنه قسيم للمساكين، وجوزه الفاضل
كالزكاة، ويجوز التفرقة بين المساكين في جنس الطعام والكسوة.
ولا يجزئ الطعام المعيب ولا الممزوج بزوان أو تراب غير معتاد.
ويجب إخراج الكفارة من تركة الميت، ففي المخيرة أدنى الخصال، إلا أن
178

يتطوع الوارث بالأرغب، وفي المرتبة أدنى المرتبة التي هي فرضه، ولو أوصى
بالأزيد ورد الوارث فالزائد من الثلث، فلو لم يف بالعليا أجزأت الدنيا، والزيادة
ميراث.
وفرض العبد في جميع الكفارات الصوم، فلو أذن المولى في العتق أو
الإطعام ففي الإجزاء خلاف سبق، وإنما يلزم الكفارة إذا كان الحلف بإذن السيد
والحنث باذنه، ولو حلف بغير إذنه فلغو وإن حنث باذنه، وقال الشيخ: يكفر لأن
الحنث من روادف اليمين، ولو حلف باذنه وحنث من غير إذنه فله منعه من
الصوم المضر به، ولو لم يضر به ففي المنع وجهان، ولو زال الرق ولما يبطله
السيد فالأقرب الانعقاد، ويراعى فيه ما يراعى في الحر حينئذ، وكذا لو كان
الحلف باذنه ثم أعتق فيعتبر حال الأداء.
179

كتاب النذر والعهد
أما النذر: فهو التزام الكامل المسلم المختار القاصد غير المحجور عليه بفعل
أو ترك، بقوله لله، ناويا القربة.
ويستحب الوفاء بنذر الكافر إذا أسلم، وبما لم يقرن بقوله لله أو غيره من
الأسماء الخاصة، وقال ابن حمزة: إن قال: علي إن كان كذا، وجب الوفاء
ولا كفارة، وإن قال: علي كذا، استحب الوفاء به، ففرق بين المشروط وغيره وفيه
بعد.
وللزوج حل نذر الزوجة فيما عدا فعل الواجب أو ترك المحرم، حتى في
الجزاء عليهما، وكذا السيد لعبده، والوالد لولده على الظاهر، ولو زال الحجر قبل
الحل لزم في الأقوى.
وينقسم إلى معلق على شرط ومتبرع به.
والشرط يعتبر كونه سائغا، فلو شرط الظفر بالمعصية أو الزجر عن الطاعة
لغا، وكذا لو كان شكرا اعتبر كونه صالحا لتعلق الشكر، كالعافية وحفظ القرآن
لا كالمعصية والجزاء يعتبر كونه طاعة مطلقا.
وفي وقوع المتبرع به خلاف، فمنعه المرتضى والأكثر على الوقوع، وكذا
في اعتبار اللفظ فيه، فاعتبره ابن إدريس خلافا للشيخين.
وهل يشترط نية القربة للصيغة أو يكفي التقرب في الصيغة؟ الأقرب الثاني.
181

ولا بد من كون متعلقه مقدورا، فلو نذر الممتنع عقلا أو عادة، كالجمع بين
الضدين والصعود إلى السماء فلغو، ولو تجدد العجز انفسخ فإن عادت القدرة
عاد، قيل: ويكفر لو عجز بعد وقته والتمكن من فعله، وهو حق إن كان مضيقا أو
غلب على ظنه العجز بعده، وإلا فلا كفارة. ولو نذر الحج لعامه قصدا وأحصر
سقط ولا قضاء، ولو تركه فمات قبل مضي الزمان فكذلك، وكذا لو مرض أو
منعه عدو على إشكال، من توهم ارتفاع العذر لو سافر، ومن امتناع وقوع
خلاف معلوم الله تعالى، وفيه بحث كلامي.
وفي تعلق النذر بالمباح شرطا أو جزاء نظر، أقربه متابعة الأولى في الدين أو
الدنيا ومع التساوي جانب النذر، لرواية الحسن بن علي عن أبي الحسن عليه
السلام: في جارية حلف منها بيمين فقال: لله علي أن لا أبيعها، فقال: ف لله
بنذرك، وفيه دقيقة.
ولو نذر صلاة مشروعة وجبت، وإن كانت فريضة تأكدت وتعرض
للكفارة.
وفي المبسوط والسرائر لا ينعقد نذر صيام أول رمضان.
ولو نذر هيئة غير مشروعة كركوعين في ركعة وسجدة واحدة بطل رأسا،
ولو نذر هيئة في غير وقتها كالكسوف والعيد فوجهان.
ولو أطلق عددا لزمه التثنية، لأنه غالب النوافل.
وقيل: يجوز محاذاة الفرائض فيصلي ثلاثا أو أربعا بتسليمة، ولو نذر صلاة
وأطلق قيل: تجزئ الركعة الواحدة للتعبد بها، والأقرب الركعتان للنهي عن
البتيراء، وفي إجزاء الثلاث أو الأربع الوجهان، ولا تجزئ الخمس فصاعدا
بتسليمة إلا أن يقيده في نذره، على تردد، ولو قيده بركعة واحدة فالأقرب الانعقاد
والنهي عن التنفل بها، وقد يلزم منه إجزاء الواحدة عند إطلاق نذر الصلاة.
ولا تجزئ الفريضة عند إطلاق الصلاة على الأقوى، لأن التأسيس أولى من
التأكيد، ولو نذر السجود انعقد بخلاف الركوع، ولو نذر الوضوء أو الغسل
182

المندوب أو التيمم انعقد، لكن يراعى في التيمم الشرعية الغالبة، ولو عين وقتا
فاتفق كونه متطهرا لم يجب الحدث، ولو نذر الطهارة حمل على الحقيقة وهي
المائية، وفي وجوب التيمم عند تعذرها نظر أقربه الوجوب، ولو قلنا الطهارة مقولة
بالتواطئ تخير في الثلاثة، وإن كان بالتشكيك احتمل حملها على الأقل وإلا على
التخيير.
ولو نذر العبادة في وقت بعينه تعين، فلو فعله في غيره لم يجزئ وكفر إن
تشخص، ولو نذرها في مكان معين فكذلك، فلو فعله في الأفضل فالأقرب
الإجزاء، لما روي أن أمير المؤمنين عليه السلام أمر من نذر إتيان بيت المقدس
بمسجد الكوفة، ولو نذر إتيان مسجد معين لزم، ولا يلزم فيه عبادة أخرى، وفي
المبسوط يلزم ركعتان فيه لأن القصد بإتيانه الصلاة، ولو قال: إلى بيت الله أو
مسجد الله فالأقرب العتيق، وفي الخلاف لا يلزم إلا أن ينويه.
ولا إشكال لو قيده بمكة أو بالحرام، ويجب النسك حيث لا يجوز الدخول
بغير إحرام فإن قيد نذره بعد النسك حينئذ بطل رأسا، ولو نذر المشي إلى
المسجد وجب، ولو نذر المشي واشتمل على رجحان ديني أو دنيوي انعقد، وإن
تساوى الأمران التحق بالمباح.
ولو نذر الهدي مطلقا، فالنعم بمكة ولو نوى منى لزم، ويلزم تفرقة اللحم
بهما على الأقوى، وفي صحيحة محمد عن الباقر عليه السلام: عند الإطلاق منى
وتفرقته بها، ولو نوى غيرهما وقصد الصدقة أو الإهداء للمؤمنين صح، وإن قصد
الإهداء للبقعة بطل، وإن قصد مجرد الذبح فيها فهو من المباح، وأطلق في
المبسوط بطلان النذر، وفي الخلاف الصحة وأوجب التفرقة بها، وفي رواية محمد
السالفة: إذا سمى مكانا فلينحر فيه.
ويجب ما يسمى هديا، وفي المبسوط يجزئ ولو بيضة للخبر ثم تردد، ولو
نذر أن يهدي عبدا أو أمة أو دابة إلى بيت الله أو مشهد معين، بيع وصرف في
مصالحه ومعونة الحاج والزائرين، لظاهر صحيحة علي بن جعفر عليه السلام،
183

والبدنة الأنثى من الإبل - ولا تجزئ البقرة إلا مع العجز، ولو عجز عن البقرة
فسبع شياة، ولو نذر إهداء ظبي إلى بيت الله بطل.
ولو نذر تبليغه الحرم انعقد، ويصح نذر ستر الكعبة وتطييبها، وكذا
المساجد والمشاهد، وفي قبور الصالحين نظر أقربه اللزوم وكذا إسراجها.
درس [1]:
لو نذر زيارة النبي صلى الله عليه وآله انعقد، لأنها من أمهات الطاعات، سواء
قصد زيارة المسجد أو لا، وكذا زيارة أحد الأئمة عليهم السلام وقبور أحد
الصالحين، وإن نذر زيارة الأئمة الاثني عشرة، فالأقرب انصرافه إلى قصدهم في
أماكنهم، أما الحجة ففي كل مكان، ولو عين إماما لم يحل غيره ولو عجز عنه،
ولو قيده بوقت وجب مع الإمكان، فإن أخل به عامدا قضى وكفر وإلا فالقضاء،
وإن أطلق فهو موسع.
ويكفي في الزيارة الحضور في المقام، والأقرب وجوب السلام لأنه
المتعارف من الزيارة، ولا يجب الدعاء ولا الصلاة وإن استحبا.
ولو نذر الصدقة تعين مقدارا وجنسا ومحلا ومكانا وزمانا، ولا تجزئ القيمة
في المتعين.
ولا يملك المنذور له الإبراء، وفي وجوب قبوله نظر ينشأ من توهم أنه
كالدين أو الهبة فحينئذ تصح الهبة ويتخير، وإن قلنا بعدمه سقط عن الناذر.
ولو أطلق قدرا في الذمة صح ولا يجزئ غيره، وفي إجزاء احتساب الدين
هنا على المستحق نظر أقربه الإجزاء، ولو أبرأه المستحق هنا أو وهبه العين قبل
قبضه أو اعتاض عنه أمكن الصحة، إن كان صيغة نذره: إن لفلان علي كذا أو
عندي أو له الدابة المعينة، وجوزناه.
وإن نذر الصدقة عليه أو الإهداء إليه أو الإيصال لم يجز الإبراء والهبة ولا
الاعتياض، وعليه يتفرع وفاة المنذور له، نعم له مطالبته به على التقادير، ولو
184

اختلفا في الدفع حلف المنكر.
ويجوز التوكيل في دفعه وقبضه، ولو عين شاة فنمت تفرع النماء على
التمليك أو التصدق، فيملكه المنذور له إن قلنا بالملك القهري، وإن قال: أن
أتصدق به، ففي ملكه هنا تردد من إجراء مأخذ الأسباب مجرى وقوع المسبب أم
لا؟ ولو جعل المال صدقة بالنذر ففي خروجه عن ملكه تردد من إجرائه مجرى
الوقف العام أم لا؟ وقطع الفاضل بالخروج.
ولو أطلق الصدقة أجزأه مسماها ولا تجزئ الكلمة الطيبة ولا تعليم العلم،
وتسميتها صدقة مجاز، نعم يجزئ إبراء الغريم، وفي جوازها على الغني أو الذمي
أو الهاشمي إشكال، ولا إشكال مع التعيين.
ولو نذر الصدقة بما يملك لزم إلا مع الضرورة فيبطل في قدرها، فإن أمكن
التقويم والتصرف في المال ثم تدريج الصدقة وجب، والأقرب عدم وجوب
الصدقة بما لا يضر به هنا.
وسبيل الله وسبيل الخير وسبيل الثواب كل قربة، كصدقة أو معونة حاج
أو زائر أو غاز أو طالب علم، أو عمارة مسجد أو مدرسة أو رباط.
ولو نذر صرف زكاة أو خمس على معين لزم إذا لم يناف التعجيل المأمور
به، ولو نافى الأفضلية كالبسط أو إعطاء الرحم أو الأفقه الأعدل ففيه نظر، أقربه
مراعاة النذر، فلو خرج المعين عن الاستحقاق بطل، فلو عاد إلى الاستحقاق
فالأقرب عود النذر ما لم يكن قد أخرجه.
ولو نذر الصدقة من ماله بشئ كثير فثمانون درهما لرواية أبي بكر الحضرمي
عن أبي الحسن عليه السلام، ولو قال: بمال كثير، ففي قضية الهادي عليه السلام
مع المتوكل ثمانون درهما، وردها ابن إدريس إلى المتعامل به دينارا أو درهما،
وقال الفاضل: المال المطلق ثمانون درهما والمقيد بنوع ثمانون من ذلك
النوع.
ولو نذر قربة أجزأه مسماها من صلاة ركعتين أو صيام يوم أو الصدقة
185

برغيف، لرواية مسمع عن الصادق عليه السلام.
ولو نذر صوم يوم قدومه بطل عند الشيخ، سواء قدم ليلا بالإجماع، أو
نهارا لعدم الإمكان، وابن الجنيد: إن قدم نهارا ولم يتناول صام واحتاط بقضائه،
والأقرب مراعاة إمكان النية ولا قضاء، ولو علم قدومه وبيت أجزأ أيضا قاله في
المبسوط، ولو نذره أبدا صام ما يعده إجماعا، فلو وجب عليه صوم متتابع
فالأقرب أنه لا يخل بالتتابع، وفي المبسوط يصومه فيما تحصل به المتابعة عن
الكفارة ثم يقضيه، سواء تقدم على الكفارة في الوجوب أم تأخر، وابن إدريس
ينتقل فرضه إلى الإطعام، وفيه إشارة إلى أن الكفارة مرتبة، فالمخيرة يمكن
خروجها لعدم الضرورة ودخولها لقيام المقتضي للتخيير وعدم صلاحية المانع
وهو أصح.
ويجب قيد التتابع في النذر، ولا يكفي مجاوزة النصف إلا في الشهر
والشهرين، وطرده الشيخ في السنة بأن يزيد على نصفها يوما، ونسب إلى
التحكم، وليس كذلك فإنه من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى أو من باب الحقيقة
الشرعية المطردة، كما طرد الكثير في الإقرار.
ولو نذر عتق رقبة أجزأت المعيبة والصغيرة والمؤنة، والكافر إن جوزنا عتق
الكافر مطلقا كقول الشيخ في المبسوط والخلاف، ولو قيدها بقيد وجب، ولو
قيل بالكفر، فإن كان لرجاء الإسلام أو صفة مرجحة لزم، وإن اشتمل على
معصية بطل، وفي النهاية يصح عتق الكافر لو نذر عتق معين، لتأويل رواية
الحسن بن صالح في إعتاق علي عليه السلام من كان نصرانيا فأسلم حين عتقه.
وكل نذر وجب مقيدا بزمان يتعين فعله فيه، فإن أخل به عمدا كفر وقضاه،
وإن كان مطلقا فهو موسع، وقال بعض الأصحاب: يتضيق بوجود شرطه، وهو
أحوط.
186

تتمة:
متعلق العهد كمتعلق النذر، وأحكامه واردة فيه.
وصورته: " عاهدت الله، أو علي عهد الله أن أفعل كذا " معلقا أو مجردا
ويشترط فيه ما يشترط في النذر، والخلاف في انعقاده بالضمير كالنذر.
187

كتاب العتق والتدبير
188

الخلاف
كتاب العتق
مسألة 1: إذا أعتق شركا له من عبد لم يخل من أحد أمرين: إما أن يكون
موسرا أو معسرا فإن كان معسرا لم يخل من أحد أمرين: إما أن يقصد به مضارة
شريكه أو لا يقصد بل يقصد به وجه الله، فإن قصد مضارة شريكه كان العتق
باطلا، وإن قصد به وجه الله مضى العتق في نصيبه وكان شريكه بالخيار بين أن
يعتق نصيبه الآخر أو يستسعي العبد في قيمته إن كان موسرا ألزم قيمته فإذا أدى
انعتق عليه، ولشريكه أن يعتق نصيبه، ولا يأخذ القيمة فإن فعل كان عتقه ماضيا.
وقال أبو حنيفة: إذا أعتق وكان موسرا فشريكه بالخيار بين ثلاثة أشياء:
بين أن يعتق نصيبه منه، وبين أن يستسعي العبد فيما بقي من الرق فإذا أدى قيمة ذلك
عتق، وبين أن يقوم على المعتق فإذا وصل إلى المعتق كان له أن يستسعيه فيما
بقي فيه من الرق فإذا أدى قدر قيمة ذلك عتق، وإن كان معسرا فشريكه بالخيار
بين أن يعتق نصيبه منه، وبين أن يستسعي العبد في قدر نصيبه فإذا أدى ذلك
عتق، وليس له أن يقوم على شريكه لأنه معسر، فوافقنا في المعسر وفي بعض
أحكام الموسر.
وقال أبو يوسف ومحمد: يعتق نصيب شريكه في الحال موسرا كان أو
معسرا فإن كان معسرا فلشريكه أن يستسعي العبد وهو حر بقيمة نصيبه منه وإن
كان موسرا كان له قيمة نصيبه على المعتق، وهذا مثل مذهبنا سواء.
190

وقال الأوزاعي: إن كان معسرا عتق نصيبه، وكان نصيب شريكه على
الرق، ولشريكه أن يستسعيه بقيمة ما بقي ليؤدي فيعتق، وإن كان موسرا لم يعتق
نصيب شريكه إلا بدفع القيمة إليه.
وقال عثمان البتي: عتق نصيبه منه، واستقر الرق في نصيب شريكه موسرا
كان أو معسرا، ولا يقوم عليه شئ كما لو باع.
وقال ربيعة: لا يعتق نصيب نفسه بعتقه فإن أعتق نصيب نفسه لم يعتق
فأيهما أعتق لم ينفذ عتقه في نصيب نفسه، وإن كان عتقه قد صادف ملكه فإن
أراد العتق اتفقا عليه، وأعتقاه ومضى.
وقال الشافعي: إن كان معسرا عتق نصيبه واستقر الرق في نصيب شريكه
فإن اختار شريكه أن يعتق نصيبه منه فعل، وإلا أقره على ملكه، وإن كان موسرا
قوم عليه نصيب شريكه قولا واحدا، ومتى يعتق نصيب شريكه؟ فيها ثلاثة أقوال:
أحدها - وهو الصحيح عندهم - أنه يعتق كله باللفظ، وكانت القيمة في ذمته
وعليه تسليمها إلى شريكه، وبه قال ابن أبي ليلى والثوري وأحمد وإسحاق وإليه
ذهب عمر بن عبد العزيز، وقال في القديم: يعتق نصيب شريكه باللفظ ودفع
القيمة، فإن دفع القيمة إلى شريكه عتق نصيب شريكه وإن لم يدفع القيمة لم
يعتق، وبه قال مالك، وقال البويطي وحرملة: يكون نصيب شريكه مراعى فإن
دفع القيمة إليه تبينا أنه عتق يوم العتق، وإن لم يدفع تبينا أن العتق لم يتعلق
بنصيب شريكه، وعلى الأحوال كلها متى أعتق الشريك نصيبه لم ينفذ عتقه فيه
لأنه قد استحق في حق شريكه المعتق.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وقد ذكرناها.
وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله قال: من أعتق شركا له في عبد
فعليه خلاصه إن كان له مال وإن لم يكن له مال قوم العبد قيمة عدل واستسعى
العبد في قيمته غير مشقوق عليه، وهذا نص.
وروى نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله قال: من أعتق شركا
191

له من عبد وكان له مال يبلغ ثمنه فهو عتيق.
وروى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله قال: إذا كان العبد بين رجلين
فأعتق أحدهما نصيبه وكان له مال فقد عتق كله، وهذان الخبران يدلان على أنه
إذا أعتق نصيبه وكان له مال فإنه ينعتق في الحال.
غير أن مذهبنا ما قلناه أنه إذا أدى ما عليه انعتق، ويؤيد ذلك ما رواه سالم
عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: إذا كان العبد بين اثنين فأعتق
أحدهما نصيبه فإن كان موسرا يقوم عليه قيمة عدل لا وكس ولا شطط ثم يعتق،
وهذا نص.
والوجه الثاني في الخبرين أن قوله " عتيق " و " عتق كله " معناه سينعتق
لأن العرب تعبر عن الشئ بما يؤول إليه، قال الله تعالى: إني أراني أعصر خمرا،
وإنما أراد بما يرجع إليه.
مسألة 2: إذا أعتق عبيده عند موته ولا مال له غيرهم استخرج ثلثهم
بالقرعة، وأعتقوا واسترق الباقون، وإن دبر عبده عند موته ولا مال له غيره انعتق
ثلثه واستسعى فيما بقي للورثة، وقال أبو حنيفة وأصحابه: يستسعي في جميع
ذلك، وقال الشافعي ومالك في العتق مثل ما قلناه، وقال في المدبر: ينعتق ثلثه
ويستقر الرق فيما بقي للورثة، وبالقرعة قال أبان بن عثمان وخارجة بن زيد بن
ثابت.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
وروى عمران بن حصين أن رجلا من الأنصار أعتق ستة أعبد عند موته لم
يكن له مال غيرهم فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله فقال قولا سديدا ثم
دعاهم فجزأهم ثلاثة أجزاء وأقرع بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة.
وروى عقبة بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن رجل
حضره الموت فأعتق مملوكا ليس له غيره فأبى الورثة أن يجيزوا ذلك كيف
192

القضاء فيه؟ قال: ما يعتق منه إلا ثلثه.
مسألة 3: إذا أعتق عبده عند موته وله مال غيره كان عتقه في الثلث، وبه
قال جميع الفقهاء، وقال مسروق: يكون من صلب المال.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم وأيضا خبر عمران بن حصين الذي قدمناه
يدل عليه.
وروى جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وآله قال: إن الله أعطاكم
عند وفاتكم ثلث أموالكم زيادة في أعمالكم، فمن قال: ينفذ عتقه في كل ماله،
فقد أعطاه كل ماله، وروى أبو بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن أعتق
رجل عند موته خادما له ثم أوصى بوصية أخرى ألقيت الوصية وأعتق الخادم من
ثلثه إلا أن يفضل من الثلث ما يبلغ الوصية.
في من ينعتق عليه المملوك
مسألة 4: الذين ينعتقون على من يملكهم العمودان الوالدان الآباء وإن علوا،
والأمهات وإن علون، والمولودون البنون وأولادهم وإن نزلوا، والبنات وأولادهن
وإن نزلن وكل من يحرم عليه العقد عليهن من المحارم من الأخت وبنتها، وبنت
الأخ والعمة والخالة، ولا ينعتق الأخ وابن الأخ ولا العم ولا الخال ولا أولاد
العم والعمة والخال والخالة ولا واحد من ذوي الأرحام سوى من ذكرناهم.
وقال أبو حنيفة: يتعلق ذلك بكل ذي رحم محرم بالنسب فقال في
العمودين كما قلنا، وكذلك في الأخوات والعمات والخالات، وزاد علينا في
الأخوال والأعمام والإخوة.
وقال مالك: يتعلق ذلك بالعمودين والإخوة والأخوات، وقال الشافعي:
يتعلق ذلك بالعمودين فقط، على ما فسرناه في العمودين، ولا يتعدى منهما إلى
غيرهما، وقال داود: لا يعتق أحد على أحد بالملك.
193

دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا قوله تعالى: وقالوا اتخذ الرحمن
ولدا سبحانه بل عباد مكرمون، فوجه الدلالة أنهم لما أضافوا إليه ولدا نفى أن
يكون ولدا لكونه عبدا فقال سبحانه تنزيها له: بل عباد مكرمون، ثبت أن الولد لا
يكون عبدا.
وروى قتادة عن الحسن وغيره أن النبي صلى الله عليه وآله قال: من ملك
ذا رحم محرم فهو حر، وفي بعضها: عتق عليه، وهذا نص.
مسألة 5: إذا ملك أمه أو أباه أو أخته أو بنته أو عمته أو خالته من الرضاع
عتقن كلهن، وخالف جميع الفقهاء في ذلك، وذهب إليه بعض أصحابنا،
والمنصوص الأول.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا قوله عليه السلام: يحرم من
الرضاع ما يحرم من النسب، وهو على عمومه.
مسألة 6: إذا عمي العبد أو أقعد أو نكل به صاحبه انعتق عليه، وخالف
جميع الفقهاء في ذلك.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 7: إذا ورث شقصا من أبيه أو أمه قوم عليه ما بقي إذا كان موسرا،
وقال الشافعي: لا يقوم عليه لأنه بغير اختياره.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسائل الولاء
مسألة 8: إذا أسلم الرجل على يد غيره فلا ولاء له عليه فأيهما مات لم يرثه
صاحبه، وبه قال جميع الفقهاء إلا إسحاق فإنه قال: يثبت به عليه الولاء ويرثه به.
194

دليلنا: أن الأصل عدم الولاء، وإثباته يحتاج إلى دليل.
وأيضا قوله عليه السلام " الولاء لمن أعتق " فذكر " الألف واللام " وهما
يدخلان لعهد أو جنس، فلما لم يكن لهما عهد ثبت أنه أراد الجنس فكأنه قال
" جنس الولاء لمن أعتق لم يبق من الجنس شئ لغيره " وأيضا دليلنا أنه لا ولاء
لغير المعتق، هذا على قول من يقول بدليل الخطاب.
مسألة 9: إذا تعاقد رجلان فقال: عاقدتك على أن تنصرني وأنصرك،
وتدفع عني وأدفع عنك وتعقل عني وأعقل عنك، وترثني وأرثك، كان ذلك
صحيحا ويتوارثان إذا لم يكن لهما ذو رحم ولا نسب، وبه قال النخعي، وقال: إذا
وقع العقد بينهما لزم ولا سبيل إلى فسخه يتوارثان به كما يتوارثان بالنسب.
وقال أبو حنيفة: إذا كانا أو واحد منهما معروف النسب لم تنعقد الموالاة
بينهما، وإن كانا مجهولي النسب انعقدت الموالاة بينهما وكان العقد جائزا لكل
واحد منهما فسخه ما لم يعقل أحدهما عن صاحبه، فإذا عقل له لزمت ولا سبيل
إلى فسخها بوجه، ويتوارثان به، وهذا مذهبنا لأن بهذا التفصيل نقول، وقال
الشافعي: لا حكم لهذا القول بوجه من الوجوه، وبه قال في التابعين الحسن
البصري والشعبي، وفي الفقهاء مالك والأوزاعي.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا قوله تعالى: والذين عقدت أيمانكم
فأتوهم نصيبهم، وهذا قد عاقدته يمينه فوجب أن يؤتى نصيبه.
مسألة 10: من التقط لقيطا لم يثبت عليه الولاء بالالتقاط، وبه قالت
الجماعة، وقال عمر بن الخطاب: يثبت له عليه الولاء.
دليلنا: أن الأصل عدم الولاء، وإثبات ذلك يحتاج إلى دليل، وقوله عليه
السلام: الولاء لمن أعتق، يدل على ما قلناه من الوجهين الذين قدمناهما.
195

مسألة 11: إذا أعتق مسلم عبدا كافرا عتق وثبت له عليه الولاء بلا خلاف
بين الطائفة، ويرثه إن لم يكن له وارث وإن مات كافرا، وبه قال سفيان الثوري،
وقال جميع الفقهاء: لا يرثه إن مات كافرا فإن أسلم ومات ورثه.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم وأيضا قوله عليه السلام " الولاء لمن
أعتق ". مسألة 12: إذا أعتق كافر مسلما ثبت له عليه الولاء إلا أنه لا يرثه ما دام
كافرا فإن أسلم ورثه، وبه قال جميع الفقهاء، وقال مالك: لا يثبت عليه الولاء،
وقال: لا يثبت لكافر على مسلم ولاء.
دليلنا: قوله عليه السلام: الولاء لمن أعتق، ولم يفصل، وأما قوله:
المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض، لا يدل على أن الكافر لا يكون وليا
لمؤمن إلا من حيث دليل الخطاب، وليس بصحيح عند الأكثر على أن المراد به
النصرة والولاية الدينية، وذلك لا يثبت هاهنا.
مسألة 13: إذا أعتق عبده سائبة وهو أن يقول: أنت حر سائبة لا ولاء لي
عليك، كان صحيحا ولا يكون له عليه الولاء ويكون ولاؤه للمسلمين، وقال
أبو حنيفة والشافعي: يسقط قوله سائبة، ويكون الولاء له.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا الأصل عدم الولاء، وإثباته يحتاج
إلى دليل، وقوله " الولاء لمن أعتق " مخصوص بما قدمناه.
مسألة 14: العتق لا يقع إلا بقوله " أنت حر " مع القصد إلى ذلك والنية،
ولا يقع العتق بشئ من الكنايات كقوله: أنت سائبة أو لا سبيل لي عليك، نوى
العتق أو لم ينوه.
وقال الفقهاء: إذا قال " أنت حر " وقع العتق، وإن لم ينو فإن " أنت سائبة
196

أو لا سبيل لي عليك " وكلما كان صريحا في الطلاق فهو كناية في العتق فإن
نوى العتق عتق، وإن لم ينو لم ينعتق.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا الأصل بقاء الرق، وإيجاب العتق
بما قالوه يحتاج إلى دليل، وما ذكرناه مجمع على وقوع العتق به.
مسألة 15: إذا أعتق المكاتب بالأداء أو اشترى العبد نفسه من مولاه عتق
ولم يثبت للمولى عليه الولاء إلا بأن يشرط ذلك عليه، وقال جميع الفقهاء: يثبت
له عليه الولاء وإن لم يشرط.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا قوله عليه السلام: الولاء لمن أعتق،
وهذا لم يعتق وإنما بايعه، والعبد إنما انعتق بالأداء أو ابتياع نفسه.
مسألة 16: إذا أعتق عن غيره عبدا باذنه وقع العتق عن الآذن دون المعتق
سواء كان بعوض أو بغير عوض، وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: إن كان
بجعل كما قلناه، وإن كان بغير جعل كان العتق عن الذي باشر العتق دون
الآذن.
دليلنا: أن الآذن في الحقيقة هو المعتق لأنه لو لم يأمره بذلك لم يعتقه فهو
كما لو أمره ببيع شئ منه أو بشرائه.
مسألة 17: إذا أعتق عن غيره بغير إذنه وقع العتق عن المعتق دون
المعتق عنه، وبه قال الشافعي، وقال مالك: يكون عن المعتق عنه ويكون ولاؤه
للمسلمين.
دليلنا: قوله: الولاء لمن أعتق، وهذا هو الذي باشر العتق.
مسألة 18: لا يقع العتق بشرط ولا بصفة ولا بيمين، وخالف جميع
197

الفقهاء في ذلك.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا الأصل بقاء الرق، وإزالته تحتاج
إلى دليل.
مسألة 19: إذا قال: كل عبد أملكه فهو حر، أو قال: إن ملكت هذا فهو
حر، ثم ملك لم ينعتق، وكذلك إن قال: كل عبد تلد أمتي فهو حر، ثم حملت
أمته فلا ينعتق، ووافقنا الشافعي في الأولى وقال في الثانية على وجهين، وقال
أبو حنيفة: ينعتق إذا ملك.
دليلنا: إجماع الفرقة الفرقة وأخبارهم، وأيضا الأصل بقاء الملك ولا ينتقل منه
إلا بدليل.
198

كتاب المدبر
مسألة 1: إذا قال لعبده: إذا مت فأنت حر، أو محرر أو عتيق أو معتق،
كان صريحا غير أنه لا بد فيه من النية كما نقوله في صريح الطلاق والعتاق، فإن
عري عن النية لم يكن له حكم، وقال الفقهاء: ذلك صريح لا يحتاج إلى نية.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا الأصل بقاء الرق، ومع حصول النية انعقد
التدبير بلا خلاف وإذا تجرد ففيه الخلاف.
مسألة 2: إذا قال: أنت مدبر أو مكاتب، لا ينعقد به كتابة ولا تدبير، وإن
نوى ذلك، بل لا بد أن يقول في التدبير: إذا مت فأنت حر أو أنت حر إذا مت،
وفي الكتابة إذا أديت إلى مالي فأنت حر، فمتى لم يقل ذلك لم يكن شيئا.
وقال الشافعي في الكتابة: أنها كناية فإن نوى بها الكتابة صحت، وإن لم
ينو لم تصح، وفي التدبير أنه صريح، وأصحابه على طريقين: منهم من قال: هما
على قولين: أحدهما صريح، والآخر كناية، ومنهم من قال: التدبير صحيح
والكتابة كناية.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 3: التدبير بشرط لا يقع، وكذلك العتق والطلاق، وقال جميع
200

: الفقهاء: أنه يصح وينعقد.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 4: التدبير بصفة الوصية يجوز له الرجوع فيه بالقول بأن يقول: قد
رجعت في هذا التدبير ونقضته، وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه وهو
الضعيف عندهم واختاره المزني، والقول الآخر أنه عتق بصفة لا يصح الرجوع
فيه، وبه قال أبو حنيفة.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
فأما بيعه وهبته ووقفه فلا خلاف في ذلك أنه ينتقض بذلك التدبير كما
ينتقض به العتق بشرط.
مسألة 5: إذا دبر عبدا ثم أراد بيعه والتصرف فيه كان له ذلك سواء كان
التدبير مطلقا بأن يقول: إذا مت فأنت حر، أو مقيدا بأن يقول: إن مت في يومى
هذا فأنت حر أو في شهري هذا أو سنتي هذه، إذا نقض تدبيره فإن لم ينقض
تدبيره لم يجز بيع رقبته، وإنما يجوز له بيع خدمته مدة حياته، وقال الشافعي:
يجوز بيعه على كل حال، وقال أبو حنيفة: إن كان التدبير مقيدا ملك التصرف
فيه، وإن كان مطلقا لزم ولم يجز له التصرف فيه بحال.
وقال مالك: لا يجوز بيع المدبر في حال حياة المدبر فإذا مات فإنه إن
كان عليه دين جاز بيعه، وإن لم يكن عليه دين وكان يخرج من ثلثه عتق جميعه،
وإن لم يحمل الثلث عتق ما يحمله.
دليلنا: إجماع الفرقة ولأنا قد دللنا أنه بمنزلة الوصية فإذا ثبت ذلك كان
له الرجوع في وصيته، وبيع ما أوصى به لغيره، وروى جابر أن رجلا أعتق
غلاما له عن دبر فسمع النبي صلى الله عليه وآله فدعاه فباعه.
201

مسألة 6: إذا دبره ثم وهبه كان هبته رجوعا في التدبير سواء أقبضه أو لم
يقبضه، وقال الشافعي: إن أقبضه مثل ما قلناه، وإن لم يقبضه فعلى طريقين، منهم
من قال: يكون رجوعا قولا واحدا، ومنهم من قال على قولين.
دليلنا: أن الهبة إزالة ملك فإذا أزال ملكه عنه فقد نقض التدبير كما لو
باعه.
مسألة 7: إذا دبره ثم أوصى به لرجل كان ذلك رجوعا، وللشافعي فيه
قولان: إذا قال هو وصية قال: يكون رجوعا، وإذا قال: يكون عتقا بصفة، لم يكن
رجوعا.
دليلنا: أنا قد دللنا على أنه وصية وليس بعتق بصفة فإذا ثبت ذلك زال
الخلاف.
مسألة 8: إذا ارتد المدبر ارتدادا يستتاب لم يبطل تدبيره فإن رجع إلى
الإسلام كان تدبيره تاما بلا خلاف، وإن لحق بدار الحرب بطل تدبيره، وقال
الشافعي: لا يبطل تدبيره بلحوقه بدار الحرب.
دليلنا: إجماع الفرقة على أن المدبر متى أبق بطل تدبيره، وهذا قد أبق
زيادة على ارتداده.
مسألة 9: إذا أبق المدبر بطل تدبيره، وقال جميع الفقهاء: لا يبطل.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 10: إذا ارتد المسلم ثم دبر مملوكا فإن كان ممن يستتاب لم يزل
ملكه عن ماله وصح تدبيره، وإن كان ممن لا يستتاب زال ملكه، ويجب عليه
القتل على كل حال.
202

وللشافعي في زوال ملكه والتصرف بعده ثلاثة أقوال: أحدها زال ملكه،
والثاني لم يزل ملكه، والثالث مراعى، وفي التصرف ثلاثة أقوال: أحدها باطل،
والثاني صحيح والثالث مراعى.
دليلنا: إجماع الفرقة على الأول، وأما الثاني فإن زوال ملكه يحتاج إلى
دليل فلو كان ملكه زال لما رجع عليه إذا عاد إلى الإسلام، وكان لا تجب عليه
الزكاة في هذه المدة، وعندنا وعند الشافعي يجب عليه فيها الزكاة.
مسألة 11: إذا ادعى المدبر على سيده التدبير وأنكر ذلك السيد لم يكن
إنكاره رجوعا في التدبير.
وقال الشافعي: إذا قلنا أنه عتق معلق بصفة لا يكون رجوعا قولا واحدا، وإن
قلنا أنه وصية فعلى قولين: أحدهما يكون رجوعا، والمذهب أنه لا يكون رجوعا
ويقال: إن شئت ارجع وأسقط الدعوى عن نفسك واليمين.
دليلنا: أنا قد دللنا على أن التدبير وصية فإذا ثبت ذلك ثبت ما قلناه
بالاتفاق، وأما قولهم الضعيف يفسد أن الإنكار ليس برجوع وأما الرجوع إنما
يكون بإزالة ملك من بيع أو هبة، وإقباض أو وقف أو بأن يقول: " قد فسخت "
وليس هاهنا شئ من ذلك، وأيضا فقد ثبت التدبير فمن ادعى أن إنكاره رجوع
فعليه الدلالة.
مسألة 12: إذا دبر مملوكه ثم كاتبه كان ذلك إبطالا لتدبيره، وللشافعي
فيه قولان: إذا قال أنه وصية قال مثل ما قلناه، وإذا قال: عتق بصفة، لم يبطل.
دليلنا: إنا قد دللنا على أنه وصية فإذا ثبت ذلك ثبت ما قلناه لأن أحدا لا
يخالف فيه مع ثبوته.
مسألة 13: للسيد وطء أمته المدبرة بلا خلاف فإن حبلت لم يبطل
203

تدبيرها فإذا مات سيدها عتقت من ثلثه فإن خلف غيرها قومت على ولدها،
وانعتقت عليه، وإن لم يخلف غيرها انعتق ثلثها بالتدبير ونصيب ولدها منها عليه
وتستسعي فيما بقي للورثة.
وقال الشافعي: يبطل تدبيرها لأن سبب عتقها أقوى من التدبير فإذا مات
سيدها انعتقت من صلب ماله.
دليلنا: إجماع الفرقة على أن أم الولد يجوز بيعها، وأن الملك على ما
كان، وإذا ثبت ذلك فيجب أن يكون التدبير باقيا، والشافعي إنما بنى هذه
المسألة على أنها تنعتق بموت سيدها ونحن لا نسلم ذلك بل نخالف فيه.
مسألة 14: إذا دبر أمته ثم حملت بمملوك من غيره بعد التدبير كان الولد
مدبرا مثل أمه ينعتقان بموت سيدها وليس له نقض تدبيرهم، وإنما له نقض تدبير
الأم فحسب.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما يكون مدبرا معها ويجري عليه ما يجري
عليها، وله فسخ التدبير فيه كما أن له ذلك فيها، وبه قال أبو حنيفة ومالك
والثوري وأحمد فإنهم قالوا: الولد يتبعها يكون مدبرا، والقول الثاني عبد قن وهو
أضعف القولين، وقد اختاره المزني.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وقد أوردناها في كتبنا.
مسألة 15: إذا دبرها وهي حامل بمملوك لم يدخل الولد في التدبير، وقال
الشافعي: يدخل فيه قولا واحدا.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، ولأن الأصل الرق فمن قال: يدخل في
التدبير بتدبير أمه، فعليه الدليل.
مسألة 16: إذا كان عبد بين شريكين فدبر أحدهما نصيبه لم يقوم عليه
204

نصيب شريكه وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه، والثاني يقوم عليه.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، وتقويم ذلك عليه يحتاج إلى دليل.
مسألة 17: إذا كان بينهما فدبر أحدهما نصيبه وأعتق الآخر نصيبه لم يقوم
عليه النصف المدبر، وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه، والثاني يقوم
عليه.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى.
مسألة 18: إذا كان للإنسان مملوك فدبر نصفه كان صحيحا، ولا يسري
إلى النصف الآخر وهو منصوص للشافعي، وقال أصحابه: فيه قول آخر أنه
يسري إلى النصف.
دليلنا: أن الأصل عدم التدبير، وإيجاب السراية فيما لم يدبره يحتاج إلى
دليل.
مسألة 19: إذا دبر مماليك جماعة واحدا بعد الآخر أو بعضهم في مرضه،
وبعضهم في صحته وأوصى بعتق عبد آخر فإن خرجوا من الثلث عتقوا كلهم،
وإن لم يخرجوا بدئ بالأول فالأول، ويسقط الأخير إذا استوفى الثلث، فإن اشتبه
الحال فيه ولا يدرى بمن بدأ أقرع بينهم إلى تمام الثلث.
وقال الشافعي: إن خرجوا من الثلث عتقوا كلهم، كما قلناه، وإن لم يخرجوا
أقرع بينهم ولا يقدم واحد منهم على صاحبه وإن كان بدأ به أولا كالوصيتين
عنده.
دليلنا: أنا قد بينا أن التدبير كالوصية، وعندنا أن الوصية يقدم الأول
فالأول حتى يستوفى الثلث فإذا استوفى الثلث سقط ما بعده وقد بينا في الوصايا.
205

مسألة 20: إذا دبر الكافر عبده فأسلم العبد فإن رجع في تدبيره بيع عليه
بلا خلاف، وإن لم يرجع في تدبيره بيع عليه، وللشافعي فيه قولان: أحدهما
مثل ما قلناه، والثاني لا يباع عليه وهو اختيار المزني.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم على أن العبد إذا أسلم في يد الكافر أعطي
ثمنه، وأيضا قوله عليه السلام: الإسلام يعلو ولا يعلى عليه، ولو لم يبع عليه وكان
لمولاه عليه طاعة لكان قد علاه وهو كافر، وذلك ينافي الخبر.
مسألة 21: تدبير الصبي ووصيته إذا لم يكن مميزا عاقلا باطلان بلا
خلاف، وإذا كان مميزا عاقلا مراهقا كانا صحيحين وقيده أصحابنا بما إذا بلغ
عشر سنين فصاعدا إذا كان عاقلا.
وللشافعي فيه إذا كان مميزا عاقلا قولان: أحدهما صحيح مثل ما قلناه غير
أنه لم يحد سنة، والثاني لا يصح وهو اختيار المزني، وبه قال أبو حنيفة ومالك.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم على أن الصبي إذا بلغ عشر سنين صحت
وصيته، والتدبير وصية.
مسألة 22: المدبر يعتبر من الثلث، وبه قال جميع الفقهاء، وقال سعيد بن
جبير ومسروق: يعتبر من رأس المال، وهو قول داود.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا فقد بينا أنه بمنزلة الوصية ولا
خلاف أن الوصية تعتبر من الثلث، وروى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله
قال: المدبر من الثلث، وروي ذلك عن علي عليه السلام وابن عمر، ولا مخالف
لهما.
206

كتاب المكاتب
مسألة 1: إذا دعا العبد سيده إلى مكاتبته فالمستحب له أن يجيبه إلى ذلك
وليس بواجب عليه سواء دعاه إلى ذلك بقيمته أو أقل أو أكثر، وبه قال في
التابعين الحسن البصري والشعبي وفي الفقهاء مالك والثوري وأبو حنيفة
وأصحابه والشافعي.
وذهب قوم إلى أنه إن دعاه إلى ذلك بقيمته أو أكثر وجب على سيده
الإجابة، وإن كان بأقل من ذلك لم يجب عليه، ذهب إليه عطاء وعمرو بن دينار
وإليه ذهب داود من أهل الظاهر.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا قوله تعالى: فكاتبوهم إن علمتم
فيهم خيرا، فأمر بعد الحظر فاقتضى الإباحة وإنما قلنا ذلك لأن عقد الكتابة على
صفة لم تذكر فكان محظورا لأنه يشتمل على خيار ممتد مجهول وهو خيار العبد
متى شاء عجز نفسه.
وأيضا فإنه مكاتبة على ما في الذمة والعبد لا مال له بحال.
وأيضا فإنه من أكل المال بالباطل لأن المكاتب ملكه وكسبه ملكه فهو
يبيع ملكه بملكه، وبيع ملكه بملكه من أكل المال بالباطل، فدل ذلك كله على
أنه أمر بالشئ بعد الحظر فاقتضى الإباحة، هذه طرق الفقهاء، والمعتمد عندنا هو
الأول.
208

مسألة 2: لا تصح مكاتبة الصبي حتى يبلغ، وبه قال الشافعي، وقال
أبو حنيفة: إذا لم يكن مميزا لا يصح، وإن كان مميزا عاقلا صح.
دليلنا: أنه إذا كان بالغا صحت مكاتبته بلا خلاف، ولا دليل على مكاتبته
قبل البلوغ، وأيضا قوله تعالى: فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا، والصبي لا يوصف
بذلك لقوله عليه السلام: رفع القلم عن ثلاث عن الصبي حتى يبلغ.
مسألة 3: قوله عز وجل: فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا، فالخير المراد به
الأمانة والاكتساب، وبه قال الشافعي ومالك وعمرو بن دينار، وقال ابن عباس
وصاحباه مجاهد وعطاء: هو الثقة والأمانة فقط، وقال الحسن البصري والثوري:
الخير الاكتساب فقط.
دليلنا: أن ما اعتبرناه مجمع على أنه يتناوله الاسم، وما ذكروه ليس عليه
دليل.
وأيضا فإن اسم الخير يقع على المال والعمل الصالح والثواب، أما المال
فقوله تعالى: إن ترك خيرا الوصية للوالدين، يعني إن ترك مالا، وقال: وإنه
لحب الخير لشديد، يعني المال، وأما الثواب فقوله: والبدن جعلناها لكم من
شعائر الله لكم فيها خير، يعني ثوابا، وأما العمل الصالح فقوله: فمن يعمل مثقال
ذرة خيرا يره، يعني عملا صالحا، وإذا كان محتملا لذلك كله وجب حمل الآية
على عمومها إلا ما خصه الدليل.
مسألة 4: إذا عدم العبد الأمرين " الثقة والكسب " كانت كتابته مباحة غير
مستحبة، وإذا وجد الأمران كانت مستحبة، وبه قال الشافعي، ومن أصحابه من
قال: إن كان أمينا ولم يكن مكتسبا استحب مكاتبته، وقال أحمد بن حنبل
وإسحاق: إذا عدم فيه الأمران كره مكاتبته.
دليلنا: أن الأصل الإباحة، والمنع يحتاج إلى دليل.
209

مسألة 5: تصح الكتابة حالة ومؤجلة، وليس الأجل شرطا في صحتها، وبه
قال أبو حنيفة ومالك، وقال الشافعي: من شرط صحتها الأجل فإن لم يذكر
الأجل كانت باطلة.
دليلنا: قوله تعالى: فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا، ولم يفصل بين الحالة
والمؤجلة.
مسألة 6: إذا كانت الكتابة مؤجلة صحت بأجل واحد، وبأجلين، وبأن يقول:
كاتبتك إلى عشر سنين، يؤدى ذلك في هذه المدة كان ذلك جائزا،
وقال الشافعي: كل ذلك باطل.
دليلنا: أن الأصل جوازه، وبطلانه يحتاج إلى دليل، وقولهم: إن وقت
الأداء مجهول، ليس كذلك لأنه إذا جعل هذه المدة مدة الأداء كانت معلومة
فأي وقت أدى فيه كان هذه المدة فهو وقت الأداء.
مسألة 7: إذا كاتبه على مال معلوم، وآجال معلومة، ونجوم معلومة وقال:
إذا أديت إلى هذا المال فأنت حر، ونوى بذلك العتق، انعتق وإن عدما أو
أحدهما لم ينعتق، وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: هو صريح فيه لا يفتقر إلى
نية ولا قول.
دليلنا: أن ما اعتبرناه مجمع على وقوع العتق عنده، وما قاله ليس عليه
دليل وأيضا قوله " كاتبتك " اسم مشترك يصلح للمكاتبة التي هي المراسلة،
والمكاتبة التي هي المخارجة - أعني مخارجة العبد - ويصلح للكتابة الشرعية،
وإذا اشتركا لم يكن بد من نطق أو نية يزول به هذا الاشتراك.
مسألة 8: إذا كاتب ثلاثة أعبد له صفقة واحدة على نجمين إلى أجلين،
وقال: إذا أديتم إلى ذلك فأنتم أحرار، فقبلوا صحت هذه المكاتبة، وبه قال
210

أبو حنيفة ومالك، وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه -
وهو المذهب - قال أبو العباس: ولا يعرف القول الآخر وإنما هو مخرج من المهر في النكاح
والعوض في الخلع، والثاني فاسدة.
دليلنا: قوله: فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا، ولم يفصل، وأيضا الأصل
جوازه، والمنع وإفساده يحتاج إلى دليل وأيضا فلا خلاف لو باع ثلاثة أعبد له
صفقة واحدة بثمن معلوم إنه يصح البيع وإن كان ما يقابل كل واحد من الثمن
غير معلوم، وكذلك الكتابة لأنها نوع من البيع.
مسألة 9: إن الكتابة صحيحة فإن كل واحد منهم مكاتب بحصة قيمته من
المسمى كأنه كاتبه بذلك منفردا من غيره، ولا يتعلق به حكم غيره فإن أدى ما
عليه من الكتابة عتق سواء أدى صاحباه وعتقا أو عجزا ورقا، وبه قال عطاء
وعمرو بن دينار، والشافعي على قوله إن الكتابة صحيحة وهو المذهب عندهم.
وقال أبو حنيفة ومالك: العقد صحيح ولزم مال الكتابة كلهم، وكل واحد
منهم كفيل ضامن عن صاحبه ما لزمه فهم كالمكاتب الواحد فإن أدى واحد ما
يخصه من حقه لم ينعتق حتى يقع الأداء فيما بقي، فإن أداه هو عنهما عتق وعتقا
وكان له الرجوع عليهما بما أداه عنهما، وإن أديا معه عتق الكل، وانفرد مالك
بأن قال: فإن ألقى واحد منهم يده - يعني جلس عن العمل والاكتساب - نظرت:
فإن كان جلوسه مع القدرة على العمل والاكتساب أجبره الآخران على العمل،
وإن كان عاجزا عن الكسب اكتسبا وأديا ما على الكل وعتقوا، قال مالك: فإن
أعتق السيد واحدا منهم نظرت: فإن كان مكتسبا لم ينفذ عتقه فيه لأنه يضره
برفيقه، وإن لم يكن مكتسبا نفذ عتقه فيه لأنه أنفع على صاحبيه.
دليلنا: ما قلناه من أن ما يخص كل واحد منهم من قيمته مجمع عليه،
وإلزامه مال غيره يحتاج إلى دليل والأصل براءة الذمة، وأيضا فلا خلاف أن
ثلاثة إذا اشتروا عبدا بألف لم يلزم كل واحد منهم إلا ما يخصه في حقه فهذا مثله.
211

فإن قالوا: هذا عتق معلق بشرط.
قلنا: لا نسلم ذلك بل عندنا أن العتق المعلق بصفة باطل، فلو كان هذا
عتقا معلقا بصفة لوجب لو أبرأهم السيد من المال أن لا يعتقوا لأنه ما وجدت
الصفة التي هي أداء المال، وقد أجمعنا على خلافه، وأيضا لو كان عتقا معلقا بصفة
لم يكن لهم أن يعجزوا نفوسهم فيردوا في الرق لأن العتق المعلق بصفة لا يمكن
رده عندهم، وأجمعنا على خلافه.
مسألة 10: قد بينا أنه إذا كاتب الثلاثة مطلقا فلا يكون كل واحد منهم
كفيلا عن صاحبه، فأما إن وقع بشرط أن كل واحد منهم كفيل وضامن عن
صاحبه فالشرط صحيح. وبه قال أبو حنيفة ومالك، وقال الشافعي: الشرط
باطل.
دليلنا: أن الأصل جوازه، والمنع يحتاج إلى دليل، وأيضا قوله عليه
السلام: المؤمنون عند شروطهم، ولم يفصل.
مسألة 11: إذا كاتب عبده كتابة فاسدة كانت الكتابة فاسدة سواء مات
المكاتب أو عاش، وقال الشافعي: تكون جائزة من قبل المكاتب ما دام حيا فإن
مات انفسخت الكتابة، وقال أبو حنيفة: الكتابة لازمة ولا تبطل بموت السيد.
دليلنا: أن الأصل عدم الكتابة فمن صحح هذه الكتابة فعليه الدلالة.
مسألة 12: إذا كان نفسان لكل واحد منهما على صاحبه حق فإن كان
الحقان من جنسين مختلفين من الأثمان أو غير الأثمان مما لا مثل له فإنه لا يقع
القصاص بينهما بلا خلاف، من غير تراض، وإن كان الحقان من جنس واحد من
الأثمان أو مما له مثل من غيرها فإنه يقع القصاص بينهما من غير تراض بينهما،
وللشافعي فيه أربعة أقوال: أحدها مثل ما قلناه، والثاني متى رضي أحدهما بذلك
212

برئا معا، والثالث لا يقع القصاص إلا بتراضيهما معا، والرابع لا يقع القصاص
بينهما وإن تراضيا لنهي النبي صلى الله عليه وآله عن بيع الدين بالدين.
دليلنا: أنه لا فائدة في ذلك، وما لا فائدة فيه يكون عبثا، وإنما قلنا لا فائدة
فيه لأنه يقتص منه ماله ثم يرده عليه بعينه ولا غرض في مثل ذلك.
وأيضا فلا خلاف أنه لو كان له دين على والده فمات والده والدين في ذمته
برئ الوالد منه لأن الدين يتعلق بتركته وتركته لولده فلا معفى في بيع التركة في
حقه والحق كله له، وأما الخبر فإنما يتناول بيع الدين بالدين وهذا خارج عن
ذلك.
مسألة 13: إذا كاتب السيد عبده والعبد مجنون، كانت الكتابة فاسدة،
فإن أدى مال الكتابة لم ينعتق به.
وللشافعي في صحة المكاتبة قولان: أحدهما صحيحة، والآخر فاسدة فإن
أدى مال الكتابة فلا يختلفون أنه ينعتق، وهل لهما التراجع؟ على ثلاثة طرق:
فإن عتق بالأداء عن الصحيحة فلا تراجع، وإن عتق بالأداء عن الفاسدة تراجعا،
وإن عتق بالأداء عن كتابة كوتب عليها والعبد مجنون فعلى طريقين.
دليلنا: أن الأصل عدم الكتابة وإثباتها يحتاج إلى دليل، والأصل بقاء
الرق، فمن أوجب العتق فعليه الدلالة، وأيضا قوله عليه السلام: رفع القلم عن
ثلاثة عن المجنون حتى يفيق، يتناول هذا الموضع.
مسألة 14: إذا ثبت في عبد أن نصفه مكاتب قن كان للعبد يوم وللسيد
يوم، ومتى طلب أحدهما المهاياة في ذلك أجبر الآخر عليه، وبه قال أبو حنيفة،
وقال الشافعي: لا يجبر على ذلك بل يكون كسبه بينهما يوما فيوما.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
213

مسألة 15: إذا كاتب عبده ثم مات وخلف ابنين ثم أبرأ أحد الابنين
المكاتب عن نصيبه أو أعتقه صح ذلك، ولا يلزم الباقي ولا يقوم عليه نصيب
أخيه فإذا فعل ذلك انعتق نصفه.
وقال أبو حنيفة: لا يصح الإبراء ولا العتق من أحدهما.
وقال الشافعي: يصحان معا وينعتق النصف، على ما قلناه، وهل يقوم عليه
الباقي؟ على قولين: أحدهما لا يقوم عليه، والثاني يقوم عليه.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، ومن أوجب عليه عتق النصف الآخر فعليه
الدلالة فأما على قول أبي حنيفة فهو أنه أبرأه عن جميع ما يستحقه فوجب أن
يصح كما لو كان كله له فأبرأه عن ذلك، وأيضا فالذي يدل على أنه لا يقوم
عليه الباقي أنه إنما ينفذ ما كان فعل أبوه ولم يباشر العتق، ألا ترى أن الولاء
للأب عندهم دون هذا المعتق.
مسألة 16: المكاتبة على ضربين: مشروطة، ومطلقة.
فالمشروطة أن يقول: كاتبتك على كذا وكذا فمتى كاتبت مال الكتابة
فأنت حر، وإن عجزت عن الأداء فأنت رد في الرق، فهذا الضرب متى أدى
بعض مال الكتابة لا ينعتق به إلى أن يؤدى جميع ما عليه ولو بقي درهم فإذا وفاه
انعتق، وإن عجز دون الوفاء فهو رد في الرق.
والمطلقة هو أن يقول: كاتبتك على كذا وكذا فإذا أديت فأنت حر، ولم
يقل " فإن عجزت فأنت رد في الرق " فإذا كان كذلك فمتى أدى منه شيئا انعتق
منه بحساب ما يؤديه، ويبقى رقا بمقدار ما يبقى عليه.
وقال الشافعي: إن أدى جميع ما عليه عتق، وإن أدى البعض لم ينعتق منه
شئ حتى يؤدى جميع ما عليه، ولم يفصل، وبه قال في الصحابة عمرو بن عمر
وزيد بن ثابت وعائشة وأم سلمة، وفي التابعين سعيد بن المسيب وسليمان بن
يسار والحسن البصري والزهري، وفي الفقهاء مالك وأبو حنيفة وأصحابه.
214

وقال ابن مسعود: إن أدى منه قدر قيمته عتق، ويؤدى الباقي بعد العتق،
ويتقدر الخلاف معه إذا كان كاتبه بأكثر من قيمته.
وعن علي عليه السلام روايتان: إحديهما إذا أدى نصف ما عليه عتق كله
وطولب بالباقي بعد عتقه، والثانية يعتق منه بقدر ما أدى بالحصة، وهذا هو الذي
يرويه أصحابنا.
وقال شريح: إذا أدى ثلث ما عليه عتق كله، ويؤدى الباقي بعد ذلك.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وروى أيضا عكرمة عن ابن عباس أن
النبي صلى الله عليه وآله قال: يؤدى المكاتب بقدر ما عتق منه من دية الحر،
وبقدر ما رق منه دية العبد.
ثبت أن المكاتب يعتق منه بقدر ما أدى ويرق الباقي، وكل خبر يروونه من
أن المكاتب رق ما بقي عليه شئ نحمله على أنه إذا كان مشروطا عليه وهم لا
يمكنهم تأويل خبرنا أصلا.
مسألة 17: الكتابة لازمة من جهة السيد جائزة من جهة العبد، ومعناه أن له
الامتناع من أداء ما عليه وتعجيزه، فإذا امتنع منه كان سيده بالخيار بين البقاء
على العقد وبين الفسخ، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة ومالك: لازم من الطرفين معا فإن كان معه مال أجبرناه
على الأداء ليعتق، وإن لم يكن معه مال قال أبو حنيفة: أجبره على الكسب، وقال
مالك: لا أجبره عليه.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم لا يختلفون في أن المكاتب متى عجز كان
لمولاه رده في الرق إذا كانت الكتابة مشروطة.
مسألة 18: إذا مات المكاتب المشروط عليه وخلف تركة فإن كان فيها
وفاء لما عليه وفي منها ما عليه، وكان الباقي لورثته، وإن لم يكن فيها وفاء كان ما
215

خلفه لمولاه لأن ذلك عجز عن الأداء، وإن كان له أولاد من مملوكة له كان
حكمهم حكمه فإن وفي ما عليه انعتقوا، وإن عجز عن ذلك كانوا مماليك لسيد
أبيهم، وإن كانت مطلقة ورث بحساب ما أدى منه ورثته، وبحساب ما بقي
للسيد.
وقال الشافعي: إذا مات المكاتب بطلت الكتابة وكان ما خلفه لسيده سواء
خلف ما فيه وفاء أو لم يخلف وفاء.
وقال مالك وأبو حنيفة: لا تنفسخ بوفاته، ثم قال أبو حنيفة: إن لم يخلف
وفاء لم ينفسخ ما لم يحكم الحاكم بفسخه، وإن خلف وفاء عتق إذا وجد الأداء
بآخر جزء من أجزاء حياته، ويؤدى عنه بعد وفاته، فإن فضل عنه فضل كان
لوارثه المناسب فإن لم يكن مناسب كان لسيده بالولاء.
وقال مالك: إن خلف ولدا حرا مثل قول الشافعي وإن خلف ولدا مملوكا ولد له
حال كتابته من أمته أجبر على الأداء إن كان له تركة، وإن لم يكن له تركة
أجبر على الاكتساب ليؤدي ويعتق أبوه ويعتق هو بعتق أبيه.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 19: إذا كاتبه على مال بعينه يؤديه إليه في نجوم معلومة فجاء بالمال
في نجم واحد لم يلزم المكاتب أخذه، وكان بالخيار بين أخذه في الحال وبين
أخذه في النجوم المقررة بينهما.
وقال الشافعي: إن لم يأخذه ولا يبرئه أخذ الحاكم وأعتق العبد ثم ساق إليه
المال في النجوم المقررة بينهما.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا قوله عليه السلام: المؤمنون عند
شروطهم، ومن
ادعى أن الحاكم له أخذه وأن يعتق عليه فعليه الدلالة.
مسألة 20: إذا اشترى المكاتب جارية صح شراؤه بلا خلاف، وله وطؤها
216

إذا أذن سيده في ذلك فأما بغير إذنه فلا يجوز، وللشافعي مع الإذن قولان:
أحدهما لا يحل والآخر مثل ما قلناه.
دليلنا: إجماع الفرقة، ولأن عندنا أنه يجوز أن يحلل الرجل جاريته لأخيه،
وأيضا فإذا أحل لمملوكه التصرف ملك التصرف، وإن لم يملك الرقبة وهذا من
التصرف.
مسألة 21: إذا كاتب عبده وكان السيد تجب عليه الزكاة وجب عليه أن
يعطيه شيئا من زكاته يحتسب به من مال مكاتبته، وإن لم يكن ممن وجب عليه
الزكاة كان ذلك مستحبا غير واجب، وقال الشافعي: الإيتاء واجب عليه ولم
يفصل، وقال أبو حنيفة والثوري ومالك: مستحب غير واجب، ولم يفصلوا.
دليلنا: قوله تعالى: وآتوهم من مال الله الذي آتاكم، وقوله في آية
الزكاة: وفي الرقاب، وهم المكاتبون، وهذا منهم، فأما إذا لم تجب عليه الزكاة
فالأصل براءة الذمة، وإيجاب شئ عليه يحتاج إلى دليل.
وقوله تعالى: وآتوهم من مال الله الذي آتاكم، نحمله على من تجب عليه
الزكاة أو على وجه الاستحباب، وأيضا قوله عليه السلام: المكاتب رق ما بقي
عليه درهم، فلو كان الإيتاء واجبا لعتق عليه إذا بقي عليه من مكاتبته درهم، لأنه
يستحق على سيده هذا القدر فلما لم يعتق دل على أنه ليس بواجب، ويجوز أن
يكون قوله: وآتوهم من مال الله الذي آتاكم، متوجها إلى غير سيد المكاتب ممن
يجب عليه الزكاة، أ لا ترى أنه قال إلى قوله: من مال الله الذي آتاكم، تنبيها على
ما يجب فيه الزكاة، وعلى المسألة إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 22: لولي المولى عليه من يتيم وغيره أن يكاتب عبد المولى عليه إذا
كان في ذلك حظ المولى عليه، وقال أبو حنيفة: له ذلك، ولم يقيد، وقال
الشافعي: ليس له ذلك سواء كان الولي أبا أو جدا أو وصيا أو حاكما أو ولي
217

الحاكم.
دليلنا: أنه لا خلاف أنه لولي المولى عليه وهذا بيع إلا أنه من نفسه.
مسألة 23: إذا اختلف السيد والمكاتب في مال الكتابة أو في المدة أو في
النجوم كان القول قول السيد مع يمينه.
وقال الشافعي: يتحالفان وتنفسخ الكتابة إذا كان الحلف قبل العتق، و إن
كان بعد العتق تحالفا وكان على المكاتب قيمة نفسه لأن رده في الرق لا يمكن
كما يقوله في " خلاف المتبايعين " إذا تلف المبيع أنهما يتحالفان ويلزم المشتري
قيمة السلعة.
دليلنا: أن الأصل أن لا كتابة ولا أجل ولا ثمن ولا وقت، وإيجاب ذلك
يحتاج إلى دليل، والمكاتب يدعي على سيده أجلا أو قدرا من الثمن أو نجوما
مخصوصة فعليه البينة وإلا فالقول قول السيد لقوله عليه السلام: البينة على المدعي
واليمين على المدعى عليه.
مسألة 24: إذا كان له مكاتبان كاتبهما بقيمة واحدة فأدى أحدهما ألفا ثم أشكل
عليه عين المؤدى منها أقرع بينهما فمن خرجت قرعته حكم له بالأداء
وعتق وبقى الآخر مكاتبا فإن مات أقرع بينهما.
وقال الشافعي: لا يجوز أن يقرع بينهما ما دام حيا بل يلزم التذكر أبدا فإن
مات فهل يقرع بينهما؟ على قولين: أحدهما يقرع كما قلناه، والثاني لا يقرع لأن
أحدهما حر وربما خرجت قرعة الرق عليه.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم على أن كل مشكل فيه قرعة، وهذا من
جملة ذلك.
مسألة 25: إذا أدى أحدهما مال الكتابة وأشكل الأمر عليه وادعيا عليه
218

جميعا العلم أنه يعلم عين من أدى فالقول قوله مع يمينه فإذا حلف أقرع
بين المكاتبين فمن خرجت له قرعة الأداء حكم له بالحرية ورق الآخر، ويلزمه ما
يخصه من مال الكتابة.
وقال الشافعي: إذا حلف لهما كانا معا على الكتابة فيؤدي كل واحد منهما
ألفا كما لو كان على رجلين ألفان على كل واحد منهما ألف فقبض من
أحدهما وأشكل عين الدافع وادعيا علمه بعين الدافع فإنه يحلف ويستحق
الألفين.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء، والأصل الذي ردوه إليه نقول فيه
مثل الذي قلناه في الفرع، وكيف يجوز أن يستحق الألفين وهو يقطع على أن
أحدهما حرام ولا يعرف عينه؟ فكيف يحل له التصرف فيهما أو في واحد منهما
إلا على ما قلناه؟
مسألة 26: يجوز أن يكاتب عبده على العروض من الثياب والحيوان بلا
خلاف، ويجوز عندنا أن يكاتبه على ثوب واحد إلى أجل واحد، وقال الشافعي:
لا يجوز إلا بثوبين أو عرضين إلى أجلين.
دليلنا: قوله تعالى: فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا، ولم يفصل وهو بنى هذا
على أنه لا بد في مال الكتابة من أجلين ونجمين وقد بينا فساده.
مسألة 27: إذا كان عبد بين شريكين فكاتب أحدهما على نفسه بأكثر من
شريكه صح ذلك، وبه قال مالك وأبو حنيفة، وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل
ما قلناه، والثاني أنه لا يصح وهو اختيار المزني.
دليلنا: قوله تعالى: فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا، ولم يفصل، والأخبار
أيضا عامة ولم يفصل فيها.
219

مسألة 28: إذا كاتب على نصيبه بغير إذن شريكه صح أيضا، وبه قال
الحكم وابن أبي ليلى ومال إليه أبو العباس بن سريج، وقال مالك وأبو حنيفة
والشافعي: الكتابة فاسدة.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء ولأنه إذا كان مالكا لنصفه فله أن
يتصرف فيه كيف يشاء إلا أن يمنع مانع، ولا مانع هاهنا.
مسألة 29: إذا كان عبد بين شريكين لأحدهما ثلثه وللآخر ثلثاه فكاتب
صاحب الثلثين على مائتين وصاحب الثلث على مائتين صحت الكتابتان، وبه قال
أبو حنيفة، وقال الشافعي: لا تصح حتى يتساويا في الثمن على حسب المال فإن
تفاضلا في البدل بطلت الكتابة.
دليلنا: ما قدمناه في المسألة الأولى سواء من الآية والأخبار وهي على
عمومها، والمنع يحتاج إلى دليل، ولأنه لا خلاف أنه يجوز لهما أن يبيعاه
متفاضلا، والكتابة عندنا بيع.
مسألة 30: إذا كاتب اثنان عبدا صحت الكتابة ولم يجز له أن يخص
أحدهما بمال الكتابة بلا خلاف إذا كان بغير إذنه، فإن أذن أحد الشريكين له أن
يعطي الآخر نصيبه كان إذنه صحيحا ومتى أعطاه وقبضه كان القبض صحيحا،
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه، والآخر لا يصح وهو اختيار المزني.
دليلنا: أن الأصل جوازه، والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 31: ولد المكاتبة من زوج أو زنا للشافعي فيه قولان: أحدهما عبد
قن لصاحبه، والثاني موقوف يعتق إذا عتقت، ويسترق إذا استرقت.
والذي يقتضيه مذهبنا أن أولادها كهيئتها سواء كانت مشروطا عليها أو
مطلقة، فإذا أدت ما عليها عتقوا كهيئتها إلا أن يكونوا من زوج حر فيكونوا
220

أحرارا.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 32: لا يجوز للرجل وطء أمته التي كاتبها سواء كانت مشروطا
عليها أو مطلقة بلا خلاف، فإن خالف ووطئها فإن كانت مشروطا عليها فلا حد
عليه لأن هناك شبهة، وإن كانت مطلقة أدت من مكاتبتها شيئا كان عليه الحد
بمقدار ما تحرر منها ويدرأ عنه بمقدار ما بقي.
وقال أبو حنيفة والثوري ومالك والشافعي: لا حد عليه بحال، وقال الحسن
البصري: عليه الحد لأنه حرام فوجب أن يحد كالزنا الصريح.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا قوله عليه السلام: ادرأوا الحدود
بالشبهات، وهاهنا شبهة.
مسألة 33: يجوز بيع المال الذي على المكاتب فإن أدى المكاتب من
مال الكتابة انعتق على سيده، وإن عجز رجع رقا على سيده وكان للمشتري
الدرك بما اشتراه، وبه قال مالك إلا أنه قال: إذا عجز رجع رقا للمشتري، وقال
أبو حنيفة والشافعي: لا يجوز بيع ذلك.
دليلنا: أن الأصل جواز ذلك، والمنع يحتاج إلى دليل، وأيضا قوله
تعالى: وأحل الله البيع وحرم الربا، يدل عليه.
فإن قيل: نهى النبي صلى الله عليه وآله عن بيع ما لم يقبض، قلنا: نحمله
على أنه إذا لم يكن مذموما وأما إذا ضمنه فلا بأس به.
مسألة 34: إذا أراد بيع رقبة المكاتب لم يجز ذلك إلا بعد عجز العبد عن
الأداء إذا كان مشروطا عليه، وإن كان مطلقا وقد أدى بعضه فلا طريق إلى بيع
رقبته بحال، وقال أبو حنيفة والشافعي في الجديد: لا يجوز بيع رقبته بحال، وقال
221

: في القديم: يجوز، وهو قول عطاء والنخعي وأحمد.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا فهو غير مالك لرقبته فكيف يصح منه بيعه،
وإنما يرجع ملكه إذا عجز عن الأداء فأما إذا تحرر منه جزء فلا طريق إلى رجوعه
ملكا أصلا، فإن استدلوا بخبر بريرة وأنها استعانت على كتابتها عائشة فأمرها النبي
صلى الله عليه وآله أن تشتريها، قلنا: بريرة كانت قد عجزت فرجعت رقا.
مسألة 35: إذا زوج الرجل بنته من مكاتبه ثم مات فورثته بنته انفسخ
عقد النكاح بينهما، وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: لا ينفسخ.
دليلنا: أن المكاتب يورث فينتقل إلى الزوجة ملكه فينفسخ العقد بذلك،
وعند أبي حنيفة أنه لا يورث فيكون النكاح على حاله.
الدليل على أنه يورث هو أنه لا خلاف أن الرجل إذا مات وله مكاتب
فورثته ابنته وغيرها ثم أراد المكاتب أن يتزوج الابنة لم يكن له، ولولا أن ملكه قد
انتقل إلى ورثته والبنت من جملتهم لما امتنع تزويجه بها، ألا ترى أن في حال
الحياة لما لم يكن لها فيه ملك بوجه جاز له التزويج بها فلما امتنع في هذه
الحالة علم أنه حدث لها عليه ملك فامتنع التزويج لأجله.
222

كتاب أمهات الأولاد
مسألة 1: إذا استولد الرجل أمة في ملكه ثبت لها حرمة الاستيلاد ولا يجوز
بيعها ما دامت حاملا فإذا ولدت لم يزل الملك عنها ولم يجز بيعها ما دام ولدها
باقيا إلا في ثمن رقبتها، فإن مات ولدها جاز بيعها على كل حال، فإن مات سيدها
جعلت في نصيب ولدها وعتقت عليه، فإن لم يخلف غيرها عتق منها نصيب
ولدها واستسعت لباقي الورثة، وبه قال علي عليه السلام وابن الزبير وابن عباس
وأبو سعيد الخدري وابن مسعود والوليد بن عقبة وسويد بن غفلة وعمر بن
عبد العزيز وابن سيرين وعبد الملك بن يعلى من أهل الظاهر.
وقال داود: يجوز التصرف فيها على كل حال، ولم يفصل.
وقال أبو حنيفة وأصحابه والشافعي ومالك: لا يجوز بيعها ولا التصرف في
رقبتها بوجه، وتعتق عليه بوفاته.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا فلا خلاف أنه يجوز وطؤها
بالملك فلو كان الملك قد زال لما جاز ذلك وأيضا فلا خلاف أنه يجوز عتقها
فلو كان زال الملك عنها لما كان ذلك، وأيضا الأصل كونها رقا فمن ادعى
زوال ذلك وثبوت عتقها بعد وفاته فعليه الدلالة.
وما رواه ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: أيما أمة ولدت من
سيدها فهي حرة عن دبر منه، فمحمول على أنه إذا مات سيدها فحصلت لولدها
224

فإنها تنعتق عليه، وما رواه عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله قال: أم
الولد لا تباع ولا توهب ولا توقف يستمتع بها مدة حياته فإذا مات عتقت بموته،
فالمعنى فيه أنه لا يجوز بيعها ما دام ولدها حيا فإذا مات سيدها انعتقت على ما
قلناه في الخبر الأول على أنه روى جابر قال: كنا نبيع أمهات الأولاد على عهد
رسول الله صلى الله عليه وآله وأبي بكر فلما كان أيام عمر نهى عنه فانتهينا، فأخبر
أنهم كانوا يتبايعون ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله، وإنما نهى عن
ذلك عمر.
مسألة 2: إذا استولد الذمي أمة ثم أسلمت لم تقر في يده، ولا يمكن من
وطئها واستخدامها، وتكون عند امرأة مسلمة تتولى القيام بحالها، ويؤمر بالإنفاق
عليها ما دام ولدها باقيا فإذا مات الولد قومت عليه وأعطي ثمنها، وإن مات قومت
على ولدها على ما قلناه.
وقال الشافعي: يؤمر بالإنفاق عليها فإذا مات عتقت بموته، وقال مالك:
تعتق عليه بإسلامها.
وقال الثوري وأبو حنيفة: تقوم قيمة عدل وتستسعي في قيمتها فإذا أدتها
عتقت، وقال أبو يوسف ومحمد: تعتق ثم تستسعي في قيمتها، وقال الأوزاعي:
تعتق ويسقط عنها نصف القيمة وتستسعي في النصف الآخر.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم على أن المملوك إذا أسلم في يد كافر قوم
عليه وهذه قد ولت منه فلا يمكن تقويمها ما دام ولدها باقيا فأخرنا تقويمها إلى بعد
موت واحد منهما.
مسألة 3: إذا نكح الرجل أمة غيره فأولدها فالولد حر تابع له، وإن شرط
الرق كان مملوكا، فإن ملكها وملك ولدها بعد ذلك عتق الولد عليه بحق
النسب، وتكون هي أم ولده.
225

وقال الشافعي: الولد يكون رقا على كل حال فإذا ملكها قبل انفصال الولد
عتق الولد عليه ويسري حكم الحرية إلى الأم فتصير أم ولد له ولا يجوز التصرف
فيها بوجه، وإن ملكها بعد انفصال الولد لم يثبت لها حرمة الاستيلاد، وقال
أبو حنيفة: يثبت لها حرمة الاستيلاد بكل حال، ولا يجوز له التصرف فيها بوجه.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء، وأما كونها أم ولد فإن طريقة
الاشتقاق وهذه قد ولدت منه فينبغي أن تسمى بذلك.
226

المبسوط
في فقه الإمامية
تأليف شيخ الطائفة
أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (قدس سره)
385 - 460 ه‍. ق
228

كتاب العتق
قال الله تعالى: وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه، قيل في التفسير:
نزلت في زيد بن حارثة وكان النبي صلى الله عليه وآله أعتقه وتبني به فحرم الله
التبني، وإنعام الله تعالى عني به الإسلام، وإنعام النبي صلى الله عليه وآله العتق،
وقال الله تعالى: ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة، فذكر التحرير في ثلاثة
مواضع في هذه الآية، وذكر أيضا في آية الظهار، وكفارة اليمين.
وروى عمر بن عبسة أن النبي صلى الله عليه وآله قال: من أعتق رقبة مؤمنة
كانت فداه من النار، وروى واثلة بن الأسقع وغيره أن النبي صلى الله عليه وآله
قال: من أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله بكل عضو منها عضوا منه من النار، ولا
خلاف أيضا بين الأمة في جواز العتق، والفضل فيه.
فإذا أعتق شركا له من عبد لم يخل من أحد أمرين: إما أن يكون موسرا أو
معسرا.
فإن كان معسرا عتق نصفه، واستقر الرق في نصف شريكه، وروى أصحابنا
أنه: إن قصد بذلك الإضرار بشريكه أنه يبطل عتقه، فإن اختار شريكه أن يعتق
نصيبه منه فعل، وإلا أقره على ملكه.
وإن كان موسرا قوم عليه نصيب شريكه، ومتى يعتق نصيب شريكه؟ قيل
فيه ثلاثة أقوال:
230

أحدها: أنه يعتق كله باللفظ وكانت القيمة في ذمته، وعليه تسليمها إلى
شريكه.
والثاني: أنه يعتق نصيبه باللفظ ودفع القيمة، فإن دفع القيمة إلى شريكه
عتق نصيب شريكه، وإن لم يدفع إليه القيمة لم يعتق.
والثالث: أن يكون مراعى، فإن دفع القيمة إلى شريكه، عتق نصيب شريكه
وإن لم يدفع إليه القيمة لم يعتق، فإن أدى إليه تبينا أنه عتق وقت العتق، وإن لم
يؤد تبينا أن العتق في نصيب شريكه لم يقع، وهذا هو الأقوى عندي وفيه
اختلاف.
فمن قال: يقع بنفس اللفظ، قال: يعتق أولا نصيبه، فإذا أعتق سرى إلى
نصيب شريكه بلا فصل، ومنهم من قال: يعتق كله دفعة واحدة، ولا يعتق منه
شئ بعد شئ.
ومتى وقع العتق في جميعه كان الولاء للمعتق، والعتق واقعا عنه،
فاستقرت الحرية وعلى المعتق قيمة نصيب شريكه بمنزلة المتلف، فإن كان موسرا
بذلك أخذ منه، فإن هرب صبرنا حتى يعود، فإن أعسر بعد ذلك أنظر إلى
اليسار، وتعتبر القيمة حين العتق لا حال الإتلاف، فإن اختلفا في قدر قيمته فالقول
قول المعتق لأنه غارم.
فإن اختلفا فقال الشريك: قد أعتقته فالعبد كله حر ولي عليك قيمة نصيبي
منه فأنكر ذلك المعتق، فالقول قوله، لأن الأصل أن لا عتق.
فإذا حلف حكمنا بأن نصيبه منه رقيق، ونصيب المدعي حر لأنه قد اعترف
بأنه حر فلا يقبل قوله بعده أنه رقيق، ثم نقول له: إن كنت تعلم أنه أعتق نصيبه
منه، فلك قيمة نصيبك عليه في ذمته، فمتى ظفرت بشئ من ماله، كان لك
أخذ حقك منه.
ومن قال: يعتق بشرطين: اللفظ ودفع القيمة، فقد وجب على المعتق قيمة
نصيب شريكه بدليل أنه يملك المطالبة به، فإن كان موسرا استوفى ذلك منه،
231

فإن هرب أو فلس أخرناه حتى إذا وجد أدى ما عليه، وعتق العبد بوجود الأداء،
فإن جحد العتق فالقول قوله مع يمينه، وإن حلف أنه ما أعتق نصيبه كان نصيب
شريكه على الرق لأن شرط وقوع العتق ما وجد وإن اختلفا في قدر قيمته،
ويفارق الأولى لأنه في الأولى غارم.
فأما إن تصرف الشريك في نصيبه منه قبل أن يأخذ القيمة بأن أعتق أو باع
نصيبه منه، فإن التصرف يكون باطلا، وقال بعضهم: ينفذ عتقه، وهو الأقوى
عندي، لأن عتقه صادف ملكه.
ومن قال: مراعى، قال: إن دفع القيمة بأن أن العبد عتق باللفظ وكان
الحكم فيه كما إذا قلنا: يعتق إلا باللفظ، وقد مضى حكمه، وإن لم يدفع فالحكم
فيه كما لو قلنا: لا يعتق إلا باللفظ ودفع القيمة، لأنا تبينا أن العتق لم يعمل في
نصيب شريكه وقد مضى.
فرع:
إذا أعتق شركا له من عبد موسر، فمات العبد قبل أن يدفع قيمة نصيب
شريكه، فمن قال: عتق كله بنفس اللفظ، قال: عليه قيمة نصيبه لأن نصيب شريكه
قد نفذ العتق فيه بإعتاقه ووجبت قيمته في ذمته، فلا تسقط بوفاته، ومن قال: يعتق
باللفظ ودفع القيمة فهل عليه قيمة نصيب شريكه أم لا؟ قيل فيه وجهان:
قال قوم: لا يلزمه، لأن القيمة تجب عليه في مقابلة ما يحصل له من عتق
نصيب شريكه في حقه، وثبوت الولاية عليه، فإذا مات قبل دفع القيمة له لم سلم
ما له فلم يلزمه ما عليه وقال آخرون: تلزمه القيمة لأنها قد وجبت عليه قبل موت
العبد، والأول أقوى.
إذا كان العبد بين شريكين فادعى أحدهما على شريكه أنه قد أعتق نصيبه من
العبد، وكان المدعى عليه موسرا، فمعنى هذا الكلام: قد أعتقت نصيبك منه
ووجب عليك قيمة نصيبي منه، فإذا ادعى هذا لم يخل المدعى عليه من أحد
232

أمرين: إما أن يقر أو ينكر:
فإن أنكر لم يخل المدعي من أحد أمرين: إما أن يكون معه بينة أو لا بينة
معه، فإن كان معه بينة فلا تقبل إلا بشاهدين ذكرين، لأنه إثبات عتق، فإذا شهدا
بذلك حكمنا بأنه أعتق نصيبه وعليه قيمة نصيب شريكه، ومتى أعتق نصيب
المدعي؟ على ما مضى من الأقوال.
وإن لم يكن معه بينة فالقول قول المدعى عليه مع يمينه، لأن الأصل أن لا
عتق، والأصل بقاء الرق، فإذا حلف استقر الرق في نصيبه.
فأما نصيب المدعي فإنه مبني على الأقوال، فمن قال: باللفظ، فنصيب المدعي
حر لأنه أقر بما يضره ويضر غيره، فيقبل قوله فيما يضره دون ما يضر غيره، فإذا
ثبت أن نصيبه حر فإنه لا يقوم عليه نصيب شريكه، لأن العتق في نصيب نفسه
بغير اختياره لا يقوم عليه نصيب شريكه.
فإذا ثبت أن نصيبه حر فإن ولاء هذا القدر موقوف، لأن أحدا لا يدعيه، كما
لو شهد نفسان على رجل أنه أعتق عبده فردت شهادتهما ثم ملكا العبد، فإنا
نحكم بأنه حر في حقهما، والولاء موقوف لأن أحدا لا يدعيه.
فإذا ثبت أن الولاء موقوف، فإن كان المدعي يعلم أن المدعى عليه أعتق
نصيب نفسه، فقد وجب للمدعى عليه قيمة نصيبه من العبد، لأنه أتلفه عليه، فمتى
ظفر بمال المدعى عليه حل له أن يأخذ منه بقدر قيمة نصيبه منه، لأنه واجب عليه
ولا يقدر على أخذه.
ومن قال: لا يعتق إلا باللفظ ودفع القيمة، أو قال بدفع القيمة، فعلم أن
العتق قد وقع باللفظ، فعلى هذين القولين لم يعتق نصيبه، لأن دفع القيمة ما
حصل منه ونصيبه على الرق، لأنه أقر بحق في مقابلة حق له فإذا لم يسلم له ماله
لم يلزمه ما عليه، هذا إذا أنكر المدعى عليه.
فأما إن اعترف فقال: صدق، عتق نصيبه ونصيب المدعي على الأقوال
كلها، وكان ولاء جميعه للمقر، فأما إن ادعى كل واحد منهما على صاحبه أنه
233

أعتق نصيبه وكلاهما موسر فكل واحد منهما مدع ومدعى عليه، يحلف كل
واحد منهما لصاحبه لما مضى.
فإذا حلف بني على الأقوال الثلاثة: فمن قال: بنفس اللفظ عتق، نصيب كل
واحد منهما منه، فيكون كل العبد حرا لأن كل واحد أقر بما يضره ويضر غيره،
فقبلنا قوله فيما يضره دون ما يضر غيره، فأعتقنا نصيبه منه، ولم نوجب لأحدهما
على صاحبه قيمة نصيبه منه، فالولاء موقوف لأن أحدا لا يدعيه، لأن كل واحد
منهما يقول لصاحبه: ولاء جميعه لك.
ومن قال: يعتق بشرطين، أو قال: مراعى، فالعبد رق بحاله، لأن نصيب
كل واحد منهما إنما يعتق بدفع القيمة، فإذا لم يسلم له ماله، لم يلزمه ما عليه.
إذا كان العبد بين شريكين موسرين فأعتق أحدهما نصيبه ذكرنا ثلاثة
أقوال، سواء كانا مسلمين أو مشركين، أو كان المعتق مسلما، فإن كان المعتق
مشركا وشريكه مسلما كذلك يقوم على الكافر نصيب المسلم، ويعتق عليه
لعموم الأخبار.
إذا أعتق شركا له من عبد وكان موسرا فمن قال: عتق باللفظ، عتق كله
والولاء للمعتق، ومن قال: بشرطين مراعى بدفع القيمة، عتق كله، والولاء
للمعتق، وكيف يعتق عليه نصيب شريكه مع الملك أو بعده؟ قيل فيه قولان.
وهكذا إذا اشترى أباه عتق عليه، ومتى يقع؟ على وجهين: أحدهما يقع
العتق والملك معا في زمان واحد، الثاني أن العتق بعد الملك، وهو الأقوى
عندي، لأن الولاء له عن عتق، والعتق لا يقع إلا في ملك يحتاج إلى تملك ثم
يعتق.
وحد اليسار الذي يقوم العبد لأجله عليه أن يكون للمعتق غير هذا النصيب
قدر قيمة نصيب شريكه في الفاضل عن قوت يوم وليلة لما روي عن النبي صلى
الله عليه وآله قال: من أعتق شركا له من عبد وكان له مال يبلغ ثمنه قوم عليه
نصيب شريكه عليه فإن كان معه أقل من ذلك قوم عليه بقدر ما يملك في
234

الفاضل عن قوت يوم وليلة.
فأما إن كان معسرا فأعتق نصيبه منه أعتق منه ما أعتق، ورق الباقي عندنا،
وقال بعضهم: يعتق كله ويكون قيمة نصيب شريكه في ذمته يتبع به إذا أيسر،
وقال بعضهم: شريكه بالخيار بين أن يعتق نصيبه وبين أن يستسعيه في قيمته
ليؤدي فينعتق، وروي في أخبارنا ذلك.
قد ذكرنا أن العبد إذا كان بين شريكين فأعتق أحدهما نصيبه منه وكان
معسرا عتق نصيبه، واستقر الرق في نصيب شريكه، والكلام في فصلين: في حياته
وبعد وفاته.
فأما في حياته فكسبه ونفقته وزكاة فطرته بينه وبين الذي يملك النفقة،
والفطرة عليهما والكسب لهما.
فإذا اكتسب لم يخل من أحد أمرين: إما أن يكون بينهما مهاياة أو لا مهاياة
بينهما، فإن لم يكن بينهما مهاياة كان الكسب بينهما، وسواء كان نادرا أو معتادا
فإن كان بينهما موائمة أو مشاهدة أو ما يتفقان عليه صح ذلك، ثم ينظر فيه: فإن
كان الكسب معتادا كالخياط والنجار والحائك دخل كل الكسب في المهاياة،
فما كان في يومه فله، وما كان في يوم سيده فلسيده.
فأما الاكتساب النادر كالصيد واللقطة والكنز والهبات والوصايا، قال قوم:
يدخل في المهاياة، وقال آخرون: لا يدخل، بل يكون النادر بينهما لأن المهاياة
معاوضة، بدليل أنه يترك حقه اليوم بما يأخذه من حق الغير غدا، فإذا كانت
معاوضة فالنادر مجهول، والأول أقوى لعموم الأخبار.
فإذا ثبت هذا فكل الاكتساب وجهات الملك التي يملك بها كالبيع
والشراء وغير ذلك إلا الميراث، فإنه لا يرث بحال عندهم، لأنه منقوص بالرق،
وعندنا يرث بما فيه من الحرية.
فأما حكمه بعد وفاته فإذا ملك مالا ومات، قال قوم: لا يورث، ويكون
لسيده الذي يملك نصفه، لأنه منقوص بالرق، وقال آخرون: يورث عنه، وهو
235

الصحيح عندنا وعندهم، فمن قال: لا يورث، قال: ما يخلفه لسيده الذي يملك
نصفه، ومن قال: يورث على ما اخترناه قال: يورث كما لو كان كله معتقا، فإن
لم يكن له وارث مناسب فلمولاه الذي أعتق نصفه، فإن لم يكن فلبيت المال،
وقال بعضهم: ما خلف لبيت المال، والأول أصح عندنا.
إذا كان العبد بين ثلاثة: لواحد النصف، ولآخر الثلث، وللآخر السدس،
فأعتق صاحب النصف وصاحب السدس ملكهما معا في زمان واحد أو وكلا
وكيلا فأعتق ملكهما معا سرى إلى نصيب شريكهما، ويكون عليهما قيمة الثلث
بينهما نصفين وإن اختلف ملك المعتقين، لما روي عن النبي صلى الله عليه وآله
أنه قال: من أعتق شركا له في عبد وكان له مال بلغ ثمن العبد قوم قيمة العدل
فأعطى شركاءه حصصهم، وعتق العبد، فعلق الضمان بأن أعتق شركا له من عبد
وقد اشتركا في هذا المعنى، فكانا سواء في الضمان.
إذا أعتق شركا له من عبد وهو موسر قوم عليه نصيب شريكه، واعتبار القيمة
حين العتق سواء قيل: بنفس اللفظ أو بشرطين أو مراعى، ثم ينظر: فإن اتفقا على
القيمة فلا كلام، وإن اختلفا فإن كان العبد حاضرا عقيب العتق فلا نزاع، لأن
قيمته تعرف في الحال.
فأما إذا غاب أو مات أو مضت مدة بين العتق والاختلاف تتغير قيمته فيها،
قال قوم: القول قول المعتق، وقال آخرون: القول قول الشريك.
فمن قال: يعتق باللفظ قال: القول قول المعتق لأنه غارم، ومن قال:
بشرطين، أو قال: مراعى، قال: القول قول الشريك لأن ملكه ينتزع عنه بعوض
كالشفعة إذا اختلفا في قدر الثمن كان القول قول المشتري لأن الشفيع ينتزع
الملك بعوض.
إذا اختلف المعتق والشريك فقال الشريك: كان صانعا خبازا أو خياطا
أو كاتبا، يريد زيادة قيمته، فأنكر المعتق، فالقول قول المعتق، فإن الأصل أن لا
صنعة، والشريك يدعيها، وهذا هو الأقوى عندي، وقال قوم على قولين، هذا إذا
236

كان ميتا أو غائبا.
فأما إن كان حاضرا نظرت: فإن لم يكن بين العتق والاختلاف مدة يتعلم
الصنعة فيها، فالقول قول الشريك أنه صانع بغير يمين، لأنه يقطع أنه كان
صانعا حين العتق، فإن كان بينهما مدة يتعلم الصنعة في مثلها، فالقول قول
المعتق عندنا لما مضى، وعندهم على قولين.
إذا اختلفا فيما تنقص به القيمة فقال المعتق: كان معيبا آبقا أو سارقا، وأنكر
الشريك ذلك، فالقول قول الشريك عندنا، ومنهم من قال على قولين، فإنما
قلنا بالأول لأن الأصل عدم العيب، والمعتق يدعي حدوثه.
العتق في المرض المخوف يعتبر عند أصحابنا من الأصل، وعند الباقين من
الثلث وهو مذهب المخالفين، فإذا ثبت ذلك وأعتق شقصا من عبد نظرت: فإن
كان وفق الثلث نفذ فيه وحده، ولم يقوم عليه نصيب شريكه، وإن كان الشقص
أقل من الثلث قوم عليه تمام الثلث وإن استغرق جميع ثلثه، فأما إذا اعتبرناه من
أصل المال فحكمه حكم أن لو كان صحيحا، وقد مضى.
إذا أوصى بعتق شقص له من عبد ثم مات، أعتق عنه ذلك الشقص، ولم
يقوم عليه نصيب شريكه، وإن كان غنيا، لأن ملكه زال عن ماله بالموت، إلا العقد
الذي أثبتناه.
إذا أعتق مماليكه في مرضه فلا فصل بين أن يكون ثلاثة أو ستة أو عشرة أو
أكثر من ذلك، فإذا أعتقهم في مرضه المخوف نظرت: فإن كانوا يخرجون من
الثلث عتقوا كلهم، فإن لم يكن له مال سواهم جزأهم ثلاثة أجزاء إن كانت القيمة
متساوية، وإن اختلفت القيمة ضممنا قليل القيمة إلى كثيرها، وجعلناهم ثلاثة
أجزاء، وأقرع بينهم.
فإن كان الثلث اثنين أعتقا وأرققنا أربعة، وتصح المسألة بأربع شرائط: أن
يكون في مرضه المخوف ومات منه، وأن لا يكون مال سواهم، وأن يكون العتق
دفعة واحدة، وأن لا يموت بعض العبيد قبل وفاة المعتق، فإن اختل واحد من
237

ذلك لم تصح المسألة.
فإن كان في مرض غير مخوف ثم صار مخوفا ومات عتق الكل وإن كان
في مرض مخوف ثم برأ عتقوا كلهم وتكون العبيد كلهم ماله، فإن كان ماله أكثر
وخرجوا من الثلث عتقوا أجمعين، ويكون العتق في صفقة واحدة، فإن كان واحد
بعد واحد عتق الأول بعد الأول، هذا إذا لم يمت بعضهم قبل وفاة الموصي.
فإذا مات قبل وفاته أقرع بين الحي والميت عندنا، وقال بعضهم: يعتق عن
كل واحد منهم ثلثه ويستسعي كل واحد في ثلثي قيمته ليؤدي ويعتق، والكلام
في ثلاثة فصول: في الاستسعاء عندنا أقرع وعندهم يستسعي وقد مضى الكلام
في الإقراع وكيفيته، وجملته أنه إذا أعتق مماليك يقرع له من مرضه ولا مال له
سواهم، ففيها ستة أقسام:
أحدها: إذا كانوا على صفة يمكن تعديلهم أثلاثا بالقيمة والعدل معا، وهو إذا
كانوا ستة قيمة كل واحد ألف فيكون كل العبدين ثلث ماله، فإنا نجزئهم ثلاثة
أجزاء عند كل عبدين جزء فيقرع بينهم بأن يكتب الرقاع وتساهم على ما بيناه
في باب القسمة، ويمكن إخراج الأسماء على الرق والحرية، والرق والحرية على
الأسماء.
فإن أردت أن تخرج الأسماء على الرق والحرية كتبت في كل رقعة اسم
اثنين فيكون ثلاثة رقاع يقول: أخرج رقعة على الحرية، فإذا أخرجها قضيت
بعتق من اسمه فيها، ورق الباقون، وقد اكتفيت بإخراج الرقعة دفعة واحدة.
فإن قلت: أخرج رقعة على الرق، فإذا أخرجها قضيت برق من اسمه فيها،
ولا بد من إخراج أخرى، فيقول: أخرج أخرى على الرق، فإذا خرج رق من
فيها وعتق الآخر، فمتى أخرج القرعة على الحرية أجزأه دفعة، ومتى أخرجها على
الرق فلا بد من مرتين.
القسم الثاني: أمكن تعديلهم بالعدد والقيمة لكن اختلفت قيمتهم اختلافا لا
يمنع من ذلك، مثل أن كانوا ستة قيمة اثنين ألفان، وقيمة اثنين أربعة آلاف،
238

وقيمة اثنين ستة آلاف، فتكون التركة اثني عشر ألفا، ويمكن أن يجعل كل عبدين
ثلث التركة بالقيمة، وهو أن يضم من قيمته ألف إلى من قيمته ثلاثة آلاف فيصير
كل عبدين بأربعة آلاف ويقرع بينهم على ما قلناه.
الثالث: ما يمكن التعديل بالعدد دون القيمة، أو بالقيمة دون العدد، مثل أن
كانوا ستة، قيمة عبد ألف وقيمة عبدين ألف، وقيمة ثلاثة ألف فإذا اعتبرت القيمة
كانت التركة أثلاثا لكن العدد يختلف، ومتى اعتبرت العدد وجعلت كل عبدين
سهما صح لكن اختلفت القيمة، وما الذي يصنع به؟
قال قوم: تعتبر القيمة ويترك العدد، كما أن قيمة الدار إذا لم تمكن
بالمساحة والأجزاء عدلت بالقيمة وقال آخرون: اعتبر العدد وترك القيمة فيضم
إلى كل من قيمته ألف واحدا من الثلاثة الذين قيمتهم ألف فيكون عبدان بأكثر
من ألف، وعبدان بأقل من ألف وعبدان بألف لأن النبي صلى الله عليه وآله
جعل كل العبدين جزءا.
والأول أصح عندنا وإنما اعتبر النبي صلى الله عليه وآله العدد لتساوي
القيمة، فعلى هذا يقرع بينهم على ما مضى.
وعلى قول من قال: اعتبر العدد يقرع، فإن خرج قرعة الحرية على الذين
قيمتهما ألف عتقا ورق الباقون، وإن خرجت قرعة الحرية على الذين قيمتهما أكثر
من ألف لم يكن عتقهما معا فتعيد القرعة بينهما، فإن خرجت الحرية لمن قيمته
ألف عتق ورق الآخر والباقون، وإن خرجت الحرية على قيمته أقل من ألف عتق،
وعتق من الذي قيمته ألف تمام الثلث ورق بقيته، والباقون.
وأما إن خرجت الحرية على الذين قيمتهما أقل من ألف عتقا ثم يخرج
القرعة بين الباقين حتى يستوفي الثلث.
القسم الرابع: أن يمكن التعديل بالقيمة دون العدد مثل أن كانوا خمسة قيمة
عبد ألف، وقيمة آخرين ألف، وقيمة الآخرين ألف، فالتعديل هاهنا بالقيمة، ومن
خالف في الأولى وافق هاهنا، لأن التعديل بالعدد لا يمكن، فلا بد من اعتبار
239

القيمة.
الخامس: إذا لم يمكن التعديل لا بالقيمة ولا بالعدد، مثل أن كانوا خمسة
قيمة واحد أربعة ألف، وقيمة اثنين ألفان، وقيمة اثنين ألف قيل فيهما قولان:
أحدهما: لا يراعى قيمة ولا عدد، لكن يكتب اسم كل واحد في رقعة
ويخرج على الرق والحرية حتى يستوفى الثلث، لأنه إذا لم يمكن واحد منهما
استوفينا الثلث على ما يمكن.
والقول الثاني: يجعل الاثنين سهما والاثنين سهما والخامس سهما لأنه أقرب
إلى ما فعله النبي صلى الله عليه وآله من التعديل بالعدد وسهم بينهم حتى يستوفي
من الثلث على ما فصلناه، والقولان معا قريبان.
السادس: أنه يكون كل ما له عبدين، فإنا نقرع بينهما، فإن خرجت قرعة
الحرية على أحدهما نظرت في قيمته: فإن كانت وفق الثلث عتق ورق الآخر، وإن
كانت أقل من الثلث عتق كله وتمام الثلث من الآخر، وإن كانت أكثر من الثلث
عتق منه بقدر الثلث ورق باقيه وكل الآخر.
إذا أعتق ستة مملوكين له في مرضه المخوف فمات منه، وكان عليه دين لم
يخل من أحد أمرين: إما أن يكون ظاهرا أو غير ظاهر.
فإن كان الدين ظاهرا معروفا لم يخل من أحد أمرين: إما أن يحيط الدين بها
أو ببعضها.
فإن كان يحيط بكل التركة فالعتق باطل، لأن العتق وصية تعتبر من
الثلث، والدين مقدم عليها.
وإن كان الدين محيطا ببعضها نظرت: فإن كان نصف التركة أقرعنا بين
التركة والدين، فتكتب رقعتين، تركة ودين، فإذا خرجت رقعة الدين أفردناه
للدين، فلو كان الدين ثلث التركة كتبنا ثلاث رقاع: رقعة دين، وفي رقعتين
تركة، فإن كان الدين ربع التركة كتبنا أربع رقاع في رقعة دين، وفي ثلاث
تركة، ويقرع فنفرد الذي لأجل الدين فيقبض الدين منه، ويكون ما بقي بعد
240

الدين وراثة كل التركة فيعتق في الباقي قدر الثلث على ما فصلناه إذا لم يكن عليه
دين، وقد مضى.
وإنما أقرعنا لأن التركة قد تعلق بها ثلاثة حقوق " الدين والعتق وحق
الورثة " ولو كان العتق وحده متعلقا بالتركة أقرعنا لنميزه عليها، هذا إذا كان
الدين ظاهرا.
فأما إن كان الدين خفيا فلم يعلم به أحد أقرع بينهم الحاكم، فأعتق اثنين
وأرث أربعة للوارث، فإنه يمكن أن يتصرف الوارث بالقسمة قبل ظهور الدين،
ولو كان الدين ظاهرا لم يمكن ذلك للعلم بالدين.
فإذا ثبت هذا لم يخل الدين من أحد أمرين: إما أن يحيط بكل التركة أو
ببعضها.
فإن أحاط بكلها بأن فساد القسمة، وبطلان القرعة، لأن الدين مقدم على
الوصية.
فإن قال الوارث هاهنا: أنا أمضي ما صنع أبي وما صنعت أنا من القسمة
والقرعة وأقضي الدين من غير التركة، قال قوم: لا يصح هذا حتى يكون بعد
قضاء الدين، لأن كل ما وقع فاسدا لم يصح حتى يبتدأ بما يصح، كالراهن إذا
أعتق العبد المرهون قيل: لا ينفذ عتقه، وقال آخرون: ينفذ، وهو الأقوى عندي
لأن المنع لأجل الدين وقد زال المنع، والحكم إذا تعلق بعلة زال بزوالها
كالرجل إذا مات وخلف تركة فتصرف ورثه فيها ثم بان أن الدين كان متعلقا
بها هل ينفذ تصرفه؟ على وجهين: أحدهما يصح فعلى هذا ينفذ عتقه، والثاني لا
يصح ولا ينفذ عتقه.
وإن كان محيطا ببعضها ففي القرعة والقسمة قولان:
أحدهما: باطل، لأنهم أقرعوا وأخلوا بحق ثالث فبطلت، كأخوين اقتسما
تركة ثم بان آخر، فإن القسمة تبطل، فعلى هذا يكون الحكم كما لو كان الدين
ظاهرا معروفا محيطا بالتركة.
241

والوجه الثاني: يبطل منها بقدر الدين لأن المانع هو الدين، فكان الباطل
بقدر قيمة الدين.
فعلى هذا يقال للوارث: الدين محيط بنصف التركة، وفي أيديكم أربعة
أعبد، النصف منه مشاعا للدين، فيكون الوارث بالخيار بين أن يقضي الدين من
العبيد أو غيرهم، وأما الحران فيقال: نصفكما حر ونصفكما رق الدين، ولا يمكن
أن يعتق من كل واحد منهما بعضه، لأنا لا نبعض الحرية، فيقرع بينهما فمن
خرجت عليه قرعة الحرية نظرت: فإن كانت قيمته ثلث التركة بعد الدين عتق
كله، وإن كانت أقل من الثلث عتق كله، وكملنا بالثلث من الباقي، وإن كانت
قيمته أكثر من الثلث عتق منه بقدر الثلث ورق باقيه وكل الآخر.
إذا أعتق ستة مملوكين له في مرضه ولا مال له في الظاهر غيرهم وأقرعنا
بينهم فأعتقنا اثنين وأرققنا أربعة ثم ظهر له مال سواهم، لم يخل من أحد أمرين:
إما أن يبين أنهم يخرجون من الثلث أو لا يخرجون منه.
فإن بان أنهم يخرجون من الثلث، مثل أن كان قيمتهم ستة آلاف، فظهرت
ستة آلاف وكانت التركة اثني عشر ألفا، وقد أعتقنا اثنين، فقد بان أنا نحتاج أن
نعتق آخرين ليكون ثلث التركة فنقول: قد أعتقنا عبدين، فنقرع بين الأربعة
الباقية تركة وحرية.
فإذا أقرعنا فخرجت قرعة الحرية على الاثنين عتقا مع الأولين، ونكون قد
استوفينا ثلث التركة.
من حكما بحريته منهم فإن كسبه له دون سيده من حين لفظ الإعتاق لأن
العتق ينجز حين الإعتاق، فكان كسبه بعد ذاك لنفسه، وإنما قلنا: ينجز عتقه
بالإعتاق، لأن المريض في ثلث ماله كالصحيح في كل ماله، وكما نفذ عتق
الصحيح في كل ماله حين العتق، كذلك المريض في ثلثه، هذا الكلام في
كسبه وكذلك تصرفه بين عقود وغيرها نافذة كما ينفذ تصرف الحر المطلق.
فإن أوصى بعتق عبد يخرج من الثلث ثم مات كان على الوارث أن يعتقه،
242

كما لو أوصى بتفرقة ثلثه، فإن فعل الوارث ذلك وإلا أعتقه السلطان، لأنه حق
لله تعلق بماله، فإذا أعتقه السلطان أو الوارث كان حرا من حين الإعتاق لا حين
الوفاة.
فإن كان له كسب فكل ما كسبه قبل وفاة الموصي فهو للموصي في حياته،
ولورثته بعد وفاته، وكل ما اكتسبه بعد الوفاة وبعد العتق فهو له، لأنه حر
اكتسب مالا، وكل ما اكتسبه بعد الوفاة وقبل العتق فهو له أيضا لأنه مال
اكتسبه بعد استقرار سبب العتق بالوفاة، وكان أحق به.
فإذا ثبت أنه يرجع إليه فإنما يملكه بعد العتق لأنه قبل العتق رقيق لا يملك
وإنما كان أحق به لما مضى، وأما تصرفه قبل العتق فيما يتعلق بعياله ونحو
ذلك، فإن حكمه حكم العبيد لأنه رقيق.
فصل: في اعتبار قيمة من أعتقه قبل وفاته ومن أوصى بعتقه ووقت
اعتبار قيمة التركة على الورثة:
أما قيمة من أعتقه في مرضه فالاعتبار بها حين الإعتاق، لأنه وقت إتلافه، فأما
من أوصى بعتقه فإنه تعتبر قيمته حين الوفاة، لأنه وقت استحقاق العتق، وأما قيمة
التركة فأقل ما كانت من حين الوفاة إلى حين القبض، لأن الوارث ملك التركة
بالوفاة فما زاد فيها فهو زيادة ماله وفائدة ملكه فلا يقوم عليه، وإن نقص منها شئ
فهو تلف قبل القبض، فلا يعتبر عليه تلف ما لم يحصل في يده، كما لا يحتسب
عليه العبد الآبق والجمل الشارد والمغصوب، لأنه لا نفع له فيه.
فإذا تقرر وقت اعتبار القيمة في الفصول الثلاثة، عندنا أن التفريع عليها فإذا
أعتق عبدا في حال مرضه وأوصى بعتق عبد آخر لم يخل من أحد أمرين: إما أن
يعينهما أو يبهم.
فإن عين العبدين، اعتبرنا قيمة من أعتقه حين الإعتاق، واعتبرنا قيمة من
أوصى بعتقه عقيب الوفاة، واعتبرنا قيمة التركة أقل ما كانت من
حين الوفاة إلى
243

حين القبض.
فإذا عرف هذا نظرت: فإن خرج العبدان من الثلث عتق من أعتقه مباشرا
فأعتقنا من أوصى بعتقه، وبقية التركة للوارث، وإن خرج أحدهما من الثلث أعتقنا
من أعتقه في حال مرضه دون الذي أوصى بعتقه، لأنها عطية منجزة، وهذه
مؤخرة.
ثم ينظر في الذي أعتقه: فإن كان وفق الثلث فلا كلام، وإن كان أقل من
الثلث عتق كله، وعتق من الثاني بقية الثلث، فإن كان أكثر من الثلث عتق منه
بقدر الثلث ورق باقية وكل الثاني، هذا إذا عين من أعتقه ومن أوصى بعتقه.
فأما إن أبهم ذلك فقال: عبد من عبيدي حر وأعتقوا بعد وفاتي عبدا من
عبيدي، فهاهنا لا يمكن اعتبار القيمة قبل الإقراع لأنك لا تعرف من أعتقه في
حياته، ولا من أوصى بعتقه بعد وفاته، فتقوم التركة كلها في الحال ثلثها للعتق
وثلثين تركة، فإذا تعين الثلث الذي فيه العتق أقرعت بعد هذا لتعلم من أعتقه ومن
أوصى بعتقه؟
فإذا كان كذلك ألغيت التقويم، وعدت إلى اعتبار قيمة من أعتقه في حال
حياته حين الإعتاق، ومن أوصى بعتقه حين الوفاة، فإذا عرف هذا كان ذلك
بمنزلة أن لو كان في الأصل معتقين، إن خرجا من الثلث عتقا، وإلا فعلى ما
مضى.
فإن أعتق ثلاث إماء في مرضه ولا مال له غيرهن، أقرعنا بينهن فمن خرجت
قرعة الحرية لها عتقت ورقت الآخرتان، فإذا حكمت بعتقها وكان هاهنا حمل
نظرت: فإن كانت حملت به بعد الإعتاق فهو حر الأصل لا ولاء عليه لأنها حملت
به وهي حرة، فإن كانت حاملا حين الإعتاق عتقت، وعتق حملها تبعا لها وكان
عليه الولاء، لأنه قد مسه دم.
إذا أعتق ثلاثة مملوكين له في مرضه لا مال له غيرهم نظرت: فإن عاشوا
حتى مات المعتق أقرعنا بينهم على ما مضى، فإن مات واحد منهم أقرعنا أيضا بين
244

الميت والأحياء ثم لا يخلو من ثلاثة أحوال: إما أن يموت قبل وفاة المعتق أو بعد
وفاته وقبل قبض الوارث.
فإن مات قبل الوفاة نظرت: فإن خرجت قرعة الحرية على أحد الحيين
حكمنا بأن الميت مات رقيقا وأنه هلك من التركة، فكأنه ما كان له إلا هذان
العبدان، فإذا كانت القرعة على أحدهما نظرت: فإن كان وفق الثلث عتق ورق
الآخر، وإن كان أقل من الثلث عتق كله، وتمام الثلث من الآخر، وإن كان له
أكثر من الثلث عتق منه قدر الثلث، ورق باقيه وكل الآخر.
وجملته أنه بمنزلة من لم يكن له إلا هذان العبدان.
فأما إن مات بعد وفاة المعتق وبعد قبض الوارث نظرت: فإن خرجت
قرعة الحرية على أحد الحيين حكمنا بأن الميت مات رقيقا من مال الوارث، لا من
التركة لأنه حصل في قبضته وتصير قيمة الميت أقل الأمرين من حين الوفاة إلى
حين القبض.
فإذا عرفت هذا اعتبرت من عتق من ثلث جميع التركة فالميت من التركة
لما مضى فإن كان من خرجت قرعة الحرية عليه من الميت أو أحد الحيين قدر
الثلث عتق كله ورق الآخران، وإن كانت قيمته أقل من الثلث عتق كله واستوفينا
الثلث من الآخرين، وإن كانت قيمته أكثر من الثلث عتق منه قدر الثلث، ورق
باقيه وكل الآخرين، فجعل الميت منهم بمنزلة الحي لأنه مات بعد قبض الوارث،
وتفارق إذا مات قبل القبض لأنه من أصل التركة، وكانت التركة ما عدا الميت.
إذا تصرف المريض في مرضه بالعطايا فقد بينا في كتاب الوصايا، وذكرنا
اختلاف أصحابنا في المنجزة منها، فإذا ثبت ذلك فالعطايا ضربان: إما أن تكون
جنسا واحدا أو أجناسا.
فإن كان الجنس واحدا لم يخل من أحد أمرين: إما أن تكون منجزة أو
مؤخرة.
فإن كانت منجزة مثل أن أعتق ثم أعتق أو وهب وأقبض ثم وهب وأقبض
245

أو باع وحابى ثم باع وحابى ونحو هذا، فالكل من أصل المال عند بعض
أصحابنا وعند الباقين من الثلث، فإذا اعتبرناه من الثلث لزم الأول فالأول، لأن
المنجزة لازمة في حقه بكل حال، ولازمة في حق الوارث من الثلث فإذا كان
الأول يخرج من الثلث وحده عتق ورق الباقون فإن كان أقل من الثلث عتق
الذي بعده، وإن احتمل الثلث من ذلك عتق تمام الثلث واحدا بعد واحد أبدا.
وأما إن كانت العطايا مؤخرة أو أوصى بذلك مثل أن أوصى بعتق سالم ثم
غانم، أو أوصى بهبة ثم بهبة أو محاباة ثم محاباة فلا يراعى حال الإيصاء، وإنما
يراعى حال الوفاة فإن احتمل ذلك الثلث نفذ كله.
وإن لم يحتمل فعندنا ينفذ الأول فالأول، وبطل الآخر مثل المنجزة سواء
وعند المخالف الكل بالسوية في العتق يقرع بينهم قالوا: وإنما اعتبرنا حال
الوفاة لأن حال الوفاة حين الاستحقاق، فلهذا كانوا بالسوية، هذا إذا كان
التصرف جنسا واحدا.
فأما إذا كانت أجناسا، عتقا وهبة ومحاباة لم يخل من أحد أمرين: إما أن
تكون منجزة أو مؤخرة.
فإن كانت منجزة قدمنا الأول فالأول مثل الأولى سواء، وقال بعضهم: إن
كانت فيها محاباة قدمت على غيرها سواء تقدمت أو تأخرت.
وأما إن كانت مؤخرة مثل إن أوصى بكل هذا نظرت: فإن لم يكن فيها
عتق قالوا: الكل بالسوية، وإن كان فيها عتق قال بعضهم: قدم العتق على غيره،
وهكذا رواه أصحابنا، وقال آخرون: هو وغيره سواء لأن وقت الاستحقاق واحد.
إذا كان له عبيد فأعتق واحدا منه نظرت: فإن أبهم فقال: عبد من عبيدي
حر، كان عليه أن يعين واحدا منهم وهو إلى إيثاره واختياره، فإن عينه في واحد
منهم عتق ورق الآخر.
فإن عينه في واحد منهم ثم قال: لا بل عينته في هذا الآخر، تعين في الأول
دون الثاني، لأن الذي كان عليه تعيين العتق في واحد وقد فعل فلم يبق وتعين
246

عينه، فإن لم يعينه حتى مات قال بعضهم: قام وارثه مقامه في التعيين، ومنهم من
قال: لا يقوم، وهو الصحيح عندنا، ويقرع بينهم لأنه لا يهتدي إلى غرضه.
فأما إن أعتق واحدا منهم فقال: أنت حر، ثم أشكل عليه في الذي باشره
العتق قلنا له: تذكر وانظر في من أعتقته منهم وليس لك أن تعرض بالعتق في من
ثبت، لأن العتق قد وقع على معين، ثم اشتبه، فعليك أن تتركه لعلك تذكره.
فإن ذكره وقال: هذا هو المعتق، حكمنا بعتقه ورق الباقون، فإن ادعى عليه
عبد غير هذا أنه هو الذي باشره بالعتق، فالقول قول المعتق، فإن حلف برئ،
وإن نكل حلف العبد وأعتق.
وأما إن قال: أعتقت هذا لا بل هذا، أعتق الثاني والأول معا، لأنه قد أقر
بعتق الأول، ورجع عنه، فلا يقبل رجوعه، ثم أقر أن الذي أعتقه هو الثاني فلزمه
إقراره، فلهذا عتقا معا، فإن لم يذكر ذلك لم يجز الإقراع هاهنا، لأنه ربما تذكر
فعرفه بعينه.
فإن مات قبل أن يبينه فإن عرف الوارث عينه قبل قوله فيه، لأنه قد يعرفه
بأن شاهد عتقه أو تقوم البينة عنده، فإن كان عند الوارث علم به فالحكم فيه
كالحكم في المعتق حرفا بحرف، فإن لم يكن عند الوارث علم بذلك أقرع
بينهم لأنه لا مزية لبعضهم على بعض عندنا، وقال بعضهم: لا يقرع، لأنه يفضي
إلى استرقاق الحر وإعتاق العبد، بل يوقف حتى ينكشف.
فصل: في من يعتق على من يملكه:
عندنا أن هذا الحكم يجري مع العمودين: الآباء وإن علوا، والأمهات و إن
علون، والمولودين، ولد البنين والبنات وإن سفلوا، سواء كانوا من جهة النسب أو
الرضاع، وكذلك يتعلق بكل من يحرم عليه العقد عليهن بالنسب والرضاع
مثل الأخت وبنتها، وبنت الأخ والعمة والخالة، وقال بعضهم: لا يتعلق بغير
هذين العمودين، وفيه خلاف.
247

وكلما قلنا: إذا ملكه عتق عليه بالملك، فإذا ملك بعضه عتق ذلك البعض
عليه لأن المعنى الذي يقتضي عتق الكل اقتضى عتق البعض.
فإذا ثبت أنه يعتق عليه فهل يقوم عليه ما بقي أم لا؟ نظرت: فإن كان معسرا
لم يقوم عليه كما لو باشر عتقه، وإن كان موسرا لم يخل من أحد أمرين: إما أن
يكون ملكه باختياره أو بغير اختياره.
فإن كان ملكه باختياره قوم عليه نصيب شريكه، لأن تمليكه مع العلم بأنه
يعتق عليه بمنزلة مباشرته بالعتق، وسواء ملكه بعوض كالشراء والصلح أو بغير
عوض كالهبة والوصية قومناه على شريكه إزالة الضرر.
فأما إن ملكه بغير اختياره مثل أن ورث بعضه، فإنه لا يقوم عليه باقيه، لأن
القدر الذي عتق عليه لم يعتق عن الميت فإنا نعتبر عتقه بعد وفاته، ولا يقوم على
الوارث ما بقي من الرق، لأنه لا صنع له في عتق ما قد عتق منه.
فإذا أوصى لمن يولي عليه ممن إذا ملكه عتق عليه مثل الصبي والمجنون
فوصى لواحد منهما بأحد آبائه أو أوصى للمجنون بواحد من أولاده، وله ولي
كالأب والجد والحاكم والأمين والوصي، فعلى وليه أن يقبل ذلك أم لا؟ لا يخلو
من أحد أمرين: إما أن يوصي له بكله أو ببعضه، فإن أوصى له بكله نظرت: فإن
كان المولى عليه موسرا فالقبول مبني على النفقة فإن كان أبوه زمنا كانت نفقته
على ولده، وإن كان صحيحا ولا يكون أبدا إلا فقيرا لأنه مملوك نظرت: فإن
كان مكتسبا لم تجب نفقته وإن كان صحيحا غير مكتسب فعلى قولين: عندنا
يجب، وعند قوم لا يجب.
فكل موضع قلنا: لا تجب نفقته على ولده كما إذا كان المولى عليه معسرا،
فعلى وليه أن يقبله له لأن له به جمالا، وربما كان به منفعة ولا ضرر عليه، وكل
موضع قلنا: تجب نفقته على ولده فليس على وليه أن يقبله له، لأن عليه فيه ضررا
وهو إيجاب النفقة عليه، هذا إذا أوصى له بكله.
فإن أوصى له ببعضه فإن كان المولى عليه معسرا كان على وليه القبول، لأن
248

للمولى عليه جمالا بلا مؤونة، ولا يقوم عليه، وإن كان موسرا فهل على وليه أن
يقبله؟ مبني على النفقة.
فكل موضع قلنا: تجب نفقته على ولده، لم يكن لوليه أن يقبله، وكل
موضع قلنا: لا تجب، فهل على وليه أن يقبله؟ قيل فيه قولان: أحدهما ليس عليه
أن يقبله، لأن فيه مضرة، وهو أن يقوم عليه نصيب شريكه، وقال آخرون: عليه أن
يقبله، ولا يقوم عليه نصيب شريكه، لأنه ملكه إرثا.
وتحقيق القولين هل يقوم عليه نصيب شريكه أم لا؟ وهو على قولين:
أحدهما يقوم عليه، فعلى هذا لا يقبله، والثاني لا يقوم عليه فعليه قبوله، ولا ضرر
عليه، وهذا أقوى عندي.
فصل: في الولاء:
الأصل في ثبوت الولاء بالعتق والإرث به قد مضى في الفرائض، وروي
عن النبي صلى الله عليه وآله أنه نهى عن بيع الولاء، وهذا أقوى عن هبته.
وروي عنه عليه السلام أنه قال: الولاء لحمة كلحمة النسب، لا يباع
ولا يوهب، وروي عن عائشة أن بريرة أتتها تستعينها في مال الكتابة، فقالت: إن
باعوك على أن الولاء في صببت لهم المال صبا، فأبوا إلا أن يكون الولاء لهم،
فأخبرت بذلك النبي صلى الله عليه وآله فقال: اشتري واشترطي لهم الولاء،
ففعلت فصعد النبي صلى الله عليه وآله المنبر فخطب فقال: ما بال أقوام يشترطون
شروطا ليست في كتاب الله، كل شرط ليس في كتاب الله باطل، كتاب الله
حق وشرطه أوثق، الولاء لمن أعتق.
إذا أسلم الرجل على يدي رجل فلا ولاء عليه، وأيهما مات لم يرثه الآخر
بذلك إجماعا إلا إسحاق، فإنه قال: يثبت له عليه الولاء ويرثه به.
إذا تعاقد الرجلان على التعاضد، ويقول: عاقدتك على أن تنصرني
وأنصرك وتدفع عني وأدفع عنك وتعقل عني وأعقل عنك وترثني وأرثك،
249

فإذا فعلا لم يتعلق بهذا حكم عند بعضهم.
وعندنا إن كان عنده وارث لم يتعلق به حكم قريبا كان أو بعيدا، وإن لم
يكن له وارث وشرط أن يعقل كل واحد منهما عن صاحبه دون غيره، ثبت بينهما
ولاء، وورث كل واحد منهما عن صاحبه بحكم الولاء.
إذا التقط له لقيطا لم يثبت له عليه الولاء بالالتقاط إجماعا إلا عمر بن
الخطاب فإنه قال: يثبت عليه الولاء.
إذا أعتق المسلم عبدا كافرا عتق وثبت له عليه الولاء، ويرثه به في حال
كفره، وعندهم لا يرث وإن أسلم ورثه بلا خلاف، فأما إن أعتق الكافر عبدا
مسلما يثبت له عليه الولاء، فإن أسلم الكافر فعلى مذهبنا ورثه.
إذا أعتق عبده سائبة ومعناه عتقا لا ولاء لي عليك، فعندنا وعند بعضهم
يكون على ما أعتق، وقال الأكثر: سقط قوله سائبة والولاء له.
إن قال لعبده: أنت سائبة، عندنا لا يكون شيئا، وعند بعضهم يكون كناية
في العتق لقوله: لا سبيل لي عليك، فإن نوى العتق عتق، وإن لم يكن له نية لم
يتعلق به حكم وعندنا لا يقع العتق إلا بقوله: أنت معتق أو حر، ويقصد ذلك،
فأما بغيره فلا يقع به عتق وإن قصد، وفيه خلاف مضى في كتاب الطلاق.
إذا ملك من يعتق عليه بعوض أو بغير عوض عتق عليه وكان ولاؤه له
لعموم الخبر، فأما المكاتب إذا عتق بالأداء أو اشترى العبد نفسه من مولاه وعتق
لم يثبت عليه الولاء عندنا، إلا أن يشترط عليه، وعندهم يثبت وأما المدبر فإنه
يثبت عليه الولاء بلا خلاف وكذلك أم الولد.
إذا أعتق عبد نفسه عن الغير لم يخل من أحد أمرين: إما أن يكون في حال
حياته أو بعد وفاته، فإن كان في حال حياته، فإن كان بإذن الغير وقع العتق عن
الإذن والولاء له أيضا، كان بعوض أو بغير عوض، وقال بعضهم: إن كان بجعل
كما قلنا، وإن كان بغير جعل كان العتق عن من باشر العتق دون الآذن وقد
مضت في الظهار.
250

فأما إن أعتق عنه بغير أمره فالعتق عن الذي باشره دون المعتق عنه، وقال
بعضهم: عن، المعتق عنه وهو قوي، والأول أقوى لقوله عليه السلام: الولاء لمن
أعتق.
فأما إن كان بعد وفاته نظرت: فإن كان باذنه وقع عن الآذن، وإن كان
بغير إذنه فإن كان تطوعا وقع عن المعتق وإن كان عن كفارة فعندنا يكون
سائبة لا ولاء لأحد عليه، وعندهم يقع عن المعتق عنه.
فأما ثبوت الميراث بالولاء بعد النسب فإن الجد في الولاء مع الإخوة
بمنزلة، وإن النساء لا يرثن بالولاء إلا من أعتقن أو أعتق من أعتقن، فكل ذلك
مضى في الفرائض والخلاف فيه، وأما المعتق بصفة فعندنا لا يصح على وجه،
وعندهم يصح.
251

كتاب التدبير
التدبير: هو أن يعلق عبده بوفاته، فيقول: متى مت أو إذا مت فأنت حر،
وسمي مدبرا لأن العتق عن دبر حياة سيده، يقال: دابر الرجل يدابر مدابرة إذا
مات ودبر عبده، يدبره تدبيرا إذا علق عتقه بوفاته.
فالتدبير ضربان: مطلق ومقيد، فالمطلق أن يعلقه بموت مطلق، فيقول: إذا
مت فأنت حر، والمقيد: أن يقيد الموت بشئ يخرج به عن الإطلاق فيقول: إن
مت من مرضي هذا أو في سفري هذا فأنت حر.
وأي التدبير كان فإذا مات السيد نظرت: فإن احتمله الثلث عتق كله وإن
لم يكن له عبد سواه عتق ثلثه، فإن كان عليه دين بيع في الدين وبطل التدبير.
وصريح التدبير: أن يقول: إذا مت فأنت حر أو محرر أو عتيق أو معتق،
غير أنه لا بد من النية عندنا، فأما إن قال: أنت مدبر، فقال بعضهم: هو كناية،
وكذلك القول إذا قال: كاتبتك على كذا، قال قوم: هو صريح، وقال آخرون:
هو كناية، والأول أقوى وإن كان عندنا يحتاج إلى نية.
ولو قال: ولدك ولد مدبر، لم يكن هذا تدبيرا، وقال بعضهم: إن كان أراد
به التدبير كان تدبيرا.
والتدبير لا يعلق عندنا بصفة، ولا العتق، وعندهم يعلق، وإطلاق الصفة إذا
علق العتق بها اقتضى أن يتعلق الحكم بها إذا وجدت حال حياة العاقد، فإن مات
252

العاقد قبل وجودها بطلت، فإن قيدها وكان علق العتق بها إذا وجدت بعد وفاته
كانت على ما قيد.
بيانه: إذا قال لعبده: إن دخلت الدار فأنت حر، نظرت: فإن دخل قبل وفاة
سيده عتق، وإن مات سيده قبل دخوله بطلت الصفة، وإن قال: إن دخلت الدار
بعد موتي فأنت حر، فإن دخلها في حياة سيده لم يعتق، وإن دخلها بعد وفاة
سيده عتق.
فإن قال لعبده: إن دخلت الدار فأنت مدبر أو فأنت حر بعد وفاتي، فقد علق
تدبيره بالصفة فإن وجدت الصفة قبل وفاة سيده كان مدبرا، وإن مات سيده قبل
وجودها بطلت ولم يتعلق بها حكم.
فإن قال لعبده: إذا دخلت الدار بعد وفاتي فأنت حر، لم يكن مدبرا لأن
التدبير أن يعلق عتقه بموته.
فإن قال لعبده: إذا قرأت القرآن فأنت مدبر أو فأنت حر بعد وفاتي أو فأنت
حر متى مت، نظرت: فإن قرأ القرآن كله قبل وفاة سيده صار مدبرا، وإن قرأ
بعضه لم يكن مدبرا.
فإن قال: إن قرأت قرآنا فأنت مدبر، فإن قرأ شيئا من القرآن ما يقع عليه
الاسم صار مدبرا.
فإن قال له: أنت مدبر أو لست بمدبر، لم يكن مدبرا، وكذلك لو قال: أنت
مدبر أو لا؟ لأن معناه أنت مدبر أو غير مدبر؟ وكذلك إذا قال لزوجته: أنت
طالق أو لا؟ لا تكون طالقا لأن معناه أنت بين مطلقة وغير مطلقة.
فإن قال: أنت مدبر إن شئت، فإن شاء جوابا لكلامه صار مدبرا، وإن شاء
قبل أن يفترقا ولكن لم تكن المشيئة جوابا لكلامه، فهل تصح المشيئة أم لا؟ قال
بعضهم: لا تصح، ولا يكون جوابا لكلامه، وقال آخرون: وقت المشيئة ما لم
يتفرقا، وإن تراخت عن الجواب.
فأما إن قال: أنت مدبر متى شئت أو أي وقت شئت أو أي زمان شئت،
253

فالمشيئة على التراخي، أي وقت شاء صار مدبرا ما دام سيده حيا، وهذا أصل
يحال ما يأتي من المسائل عليه.
فإذا قال لعبده: أنت حر بعد وفاتي إن شئت أو أنت حر إن شئت بعد
وفاتي، سواء قدم المشيئة على الوفاة أو أخرها عن الوفاة، فالحكم فيهما سواء إذا
ابتدأ بذكر الحرية، ويكون تعليق تدبير بمشيئة عبده حال حياته، فإن شاء العبد
ذلك في حال حياة سيده فالحكم في وقت المشيئة قد مضى، إن كانت المشيئة
جوابا لكلامه صار مدبرا، وإن كانت بعد التفرق لم يتعلق بها حكم، وإن كانت
قبل التفرق فعلى ما فصلناه من الوجهين.
وعندنا أن جميع هذه المسائل لا تصح، لأنها تعليق التدبير بالصفة، وقد
بينا أن ذلك لا يصح عندنا كالعتق.
إذا قال: أنت حر متى شئت بعد وفاتي أو أنت حر بعد وفاتي متى شئت،
فالحكم على ما مضى، من أنه تعليق تدبير بصفة في حال الحياة، والمشيئة هاهنا
على التراخي على ما فصلناه.
فإن قال: إن شئت فأنت حر متى مت، كان كقوله: أنت حر إن شئت بعد
وفاتي وقد مضى، هذا إذا قدم الحرية على الوفاة.
فأما إن قدم الوفاة وابتدأ بها، فقال: إذا مت فشئت فأنت حر أو إذا مت فأنت
حر إن شئت، فليس هذا تدبيرا، بل تعليق عتق بصفة توجد بعد الوفاة، فإن شاء
العبد ذلك عقيب وفاته عتق، وإن شاء بعد أن قام من مجلسه حين بلغته وفاته
فعلى الوجهين.
إذا قال: إذا مت فأنت حر متى شئت، فالحكم أنه تعليق عتق بصفة بعد
الوفاة غير أن المشيئة على التراخي، فإن قال: متى شاء فلان وفلان فأنت مدبر أو
فأنت حر بعد وفاتي، فإن شاءا معا صار مدبرا، وإن شاء أحدهما لم يكن مدبرا.
فإن قال لعبده: متى دخلت الدار فأنت مدبر أو فأنت حر متى مت، فذهب
عقل سيده ثم دخل العبد الدار صار مدبرا، ومتى مات سيده عتق سواء مات قبل
254

إفاقته أو بعد الإفاقة.
فإن قال السيد هذا وهو زائل العقل فدخل العبد الدار وقد رجع عقل سيده
لم يصر مدبرا، إنما ينظر إلى حال العقد لا إلى حال وجود الصفة.
فإن قال: متى مت فأنت حر إن شاء ابني فلان، فإن شاء ابنه فلان فهو حر،
وإن لم يشأ فليس بحر، فإن مات ابنه أو جن أو خرس لم يكن حرا، فإن برأ من
جنونه أو زال خرسه فشاء صار حرا من الثلث.
فإن قال: إن مت من مرضي هذا أو سفري هذا أو إن مت وأنا بمكة فأنت
حر، فإن وجدت الصفة عتق بوفاته، وإن مات في غير ذلك المرض أو بغير مكة
أو في غير ذلك السفر لم يعتق بوفاته، لأن الشرط لم يوجد.
وأصل هذا أنه إذا أعتقه على شرط أو اثنين أو أكثر لم يعتق إلا بأن يكمل
الشروط التي أعتقه عليها، أو الصفات التي علق عتقه بها، وقد بينا أن هذه المسائل
تسقط عندنا لما مضى.
وإن قال: عبد من عبيدي حر بعد وفاتي، فإذا مات قبل التعيين أقرعنا
بينهم، فأيهم خرج سهمه أعتقناه.
فصل: في الرجوع في التدبير:
إذا دبر عبده كان له الرجوع بإخراجه عن ملكه ببيع أو هبة وإقباض أو
وقف أو عتق، وسواء كان عليه دين أو لا دين عليه، فإن أراد الرجوع فيه بقول لا
يزول به الملك، كقوله: رجعت في تدبيرك أو رفعته أو أزلته أو فسخته، صح
ذلك، وقال قوم: لا يصح الرجوع بذلك، والأول مذهبنا، لأن التدبير عندنا
وصية وليس بعتق بصفة، ومن منع منه قال: لأنه عتق بصفة.
ومتى دبره ثم قال: إن أديت إلى وارثي بعد وفاتي كذا وكذا فأنت حر،
وقصد بذلك الرجوع من التدبير، صح عندنا ولم ينعقد تعليق العتق بالصفة لما
مضى.
255

فمن قال: هو وصية، قال: هذا رجوع عنها، وتعليق للعتق بصفة هي الأداء
إلى وارثه، ومن قال: التدبير تعليق عتق بصفة، قال هاهنا: علق عتقه بصفتين
الأداء والوفاة غير أنه لا يضر وجود الصفة الثانية في عتقه، لأنه إن خرج من الثلث
عتق بالصفة الأولى التي هي الوفاة، وإن لم يخرج من الثلث لم يعتق بالوفاة، فلا
يتصور وجود الصفة الثانية، لأنه إنما علق عتقه بصفتين يعتق بكل واحد منهما،
والموت سابق أبدا.
فإن دبره ثم وهبه وأقبضه كان رجوعا وإن لم يقبضه قال قوم: يكون
رجوعا لأنه شرع فيما يزول به الملك، وفيهم من قال: لا يكون رجوعا، والأول
أقوى عندنا.
فإن دبره ثم أوصى به لرجل قال قوم: يكون رجوعا وهو مذهبنا، ومن قال:
عتق بصفة، قال: لا يكون رجوعا، فمن قال: لا يكون رجوعا، فلا كلام، ومن
قال: يكون رجوعا، كان رجوعا سواء رد الموصى له الوصية أو لم يردها.
ولو دبر عبده وهو ناطق ثم خرس فرجع في التدبير نظرت: فإن كان
مفهوم الإشارة صح رجوعه، وإن لم يكن مفهوم الإشارة لم يصح رجوعه، ومتى
مات عتق بوفاته.
وله الرجوع في بعضه كما له الرجوع في كله، فإن رجع في تدبير نصفه أو
ثلثه بطل التدبير فيما رجع فيه، وكان الباقي مدبرا يعتق بوفاته، ولا يقوم باقيه
عليه ولا على وارثه، ولا يفتقر رجوعه فيه إلى إذن المدبر، فإن قال المدبر: قد
رددت التدبير لم يتعلق بكلامه حكم سواء رد التدبير في حياة سيده أو بعد
وفاته.
إذا جنى المدبر تعلق أرش الجناية برقبته، كالعبد القن سواء، ويكون سيده
بالخيار بين أن يسلمه أو يفديه، فإن اختار أن يفديه فبكم يفديه؟ قال قوم: بأقل
الأمرين من قيمته أو أرش الجناية، وقال آخرون: يفديه بأرش الجناية بالغا ما بلغ
أو يسلمه للبيع.
256

فإن فداه فالتدبير بحاله، وإن اختار بيعه نظرت: فإن كان الأرش يستغرق
قيمته بيع فيها وبطل التدبير، وإن كان الأرش لا يستغرق قيمته نظرت: فإن لم
يمكن بيع بعضه، بيع كله ودفع من ثمنه أرش الجناية، وما فضل كان لسيده،
وإن لم يمكن بيع بعضه فالسيد بالخيار بين بيع كله أو بيع بعضه.
فإن باع الكل كان الفضل لسيده، وإن باع بعضه كان الباقي مدبرا، وكل
موضع زال ملكه عنه زال التدبير.
وروى أصحابنا أن التدبير باق وإذا مات السيد يعتق في ملك المشتري
وينبغي أن يبيعه بهذا الشرط.
ومتى عاد إليه ملكه بعد ذلك بميراث أو غيره فهل يعود حكم التدبير أو
لا؟ قال قوم: يعود، وقال آخرون: لا يعود.
والذي نقوله: إن كان حين باعه نقض تدبيره، فإنه لا يعود تدبيره، وإن
كان لم ينقض تدبيره فالتدبير باق، لأن عندنا يصح بيع خدمته دون رقبته مدة
حياته، ومتى مات السيد قبل أن يفديه فهل يعتق بوفاته أم لا؟ قيل فيه قولان:
أحدهما يعتق، والآخر لا يعتق.
فمن قال: يعتق بوفاته، وهو الأقوى عندنا، قال: تعلق أرش جنايته بالتركة
لكن يتعلق بها أقل الأمرين من قيمته أو أرش جنايته، لأنه لا يمكن تسليمه للبيع،
ومن قال: لا يعتق، كان وارثه بمنزلة سيده، على ما فصلناه حرفا بحرف، هذا
الكلام في جنايته.
فأما الكلام في الجناية عليه، فإن كانت دون النفس مثل أن قطعت يده أو
رجله، كان أرشها لسيده، والتدبير بحاله، وإن قتل بطل التدبير فكانت قيمته
لسيده، ولا يشتري بها عبدا يكون مدبرا مكانه، وإن أخذ بقيمته عبدا لم يكن
العبد مدبرا مكان المقتول، لأن العبد بدل القيمة لا بدل المدبر.
إذا ارتد المدبر فالتدبير بحاله، فإن مات أو قتل بطل التدبير، وإن لحق بدار
الحرب بطل تدبيره عندنا، لما رواه أصحابنا من أن إباق المدبر يبطل تدبيره.
257

ثم لم يخل من أحد أمرين: إما أن يلحق بها قبل وفاة سيده أو بعد وفاته،
فإن لحق قبل وفاة سيده لم يملكه أهل الحرب، فإن سبي هذا المدبر كان لسيده
بكل حال، ويكون على تدبيره عندنا، فإن كان قبل القسمة أخذه سيده، وإن
كان بعد القسمة نظرت: فإن لم يكن في بيت المال مال أخذه سيده ونقصت
القسمة، واستؤنفت، وإن كان في بيت المال مال دفع قيمته إلى من حصل في
سهمه، ورد العبد على سيده والقسمة بحالها، وإن مات السيد أولا عتق وهو حر
مدبر، عليه الولاء، فإذا لحق بدار الحرب لم يسترق لأن عليه ولاء المسلمين.
فإن كان المدبر ذميا دبر ذميا ثم مات، وعتق العبد ولحق بدار الحرب،
فإنه يسبى ويسترق لأنه لما جاز أن يسبى مولاه ويسترق فكذلك المعتق، وإذا
كان مسلما لم يجز أن يسبى مولاه لما لم يجز أن يسبى ويسترق.
فأما إن دبر عبده ثم ارتد مولاه ومات، قال قوم: يعتق، ومنهم من قال: لا
يعتق، لأن العتق وصية فلا ينفذ منها شئ حتى يحصل للوارث مثلاه، وما حصل
للوارث.
ومنهم من قال: على قولين: إذا قيل: إن ملكه زال بالردة أو قيل: مراعى
حتى إذا مات أو قتل بأنه إن زال بالردة لم يعتق، وإن قيل: إن ملكه ثابت، عتق
بوفاته، وهذا أقوى عندي.
فأما إن ارتد أولا ثم دبر عبده، فالكلام أولا في ملكه ثم في تصرفه وفيهما
ثلاثة أقوال: أحدها باطل، والثاني صحيح، والثالث مراعى، ويقوى في نفسي أن
ملكه باق لأنه لا دليل على زواله، وأما تصرفه فإنه باطل، لأنه محجور عليه بالردة
فعلى هذا تدبيره باطل.
يعتبر المدبر من الثلث فإن احتمله الثلث عتق، وإن لم يكن له مال سواه عتق
ثلثه ورق باقيه، ولا يقوم عليه ولا على وارثه، وإن كان عليه دين فإن أبرأه صاحب
الدين عتق كله، وإن امتنع من ذلك بيع في الدين ويبطل التدبير.
إذا مات سيده فأفاد المدبر مالا بعد موت سيده، فإن خرج المدبر من الثلث
258

سلم إليه، وإن لم يخرج من الثلث سلم إليه من ماله الذي اكتسبه بعد موت سيده
بمقدار ما خرج من الثلث، وسلمت البقية إلى الورثة.
فإن كان لسيده مال غائب مثل أن كانت قيمة المدبر مائة، والغائب مائتان،
لا مال له غير ذلك، لم يعتق المدبر كله، ويعتق ثلثه، وقال بعضهم: لا يعتق منه
شئ، والأقوى الأول عندي، لأن ثلثه حر بكل حال سواء سلم الغائب أو هلك.
ثم ينظر: فإن عاد المال عتق كله، وإن هلك عتق ثلثه، وإن عاد منه مائة
عتق ثلث آخر من العبد، فيكون ثلثاه حرا، وينظر في المائة الباقية: فإن عادت
عتق كله وإن هلكت فقد عتق الثلثان.
إذا ادعى على سيده أنه قد دبره فأنكر السيد ذلك، فهل يكون إنكاره
رجوعا في التدبير أو لا؟ فمن قال: هو عتق بصفة، قال: لا يكون رجوعا، وكان
القول قول السيد مع يمينه، فإذا حلف سقطت الدعوى، فإن نكل حلف العبد
وحكم بأنه مدبر، فإن كان مع العبد بينة لم تقبل إلا ما يقبل في العتق والكتابة،
لأن المقصود ليس بمال، وتطلع عليه الرجال.
ومن قال: التدبير هو وصية - على ما نذهب إليه - هل يكون الإنكار رجوعا
أم لا؟ قال بعضهم: يكون رجوعا، وقال آخرون: لا يكون رجوعا، وهذا هو
الأقوى.
ويقال له: إن شئت فارجع وأسقط عن نفسك اليمين، فإن رجع أسقط
اليمين عن نفسه، وإن لم يرجع حلف وكان له الرجوع بعد يمينه.
فإن مات السيد قبل التداعي، فادعى العبد على وليه أن أباه كان دبره،
فالقول قول الوارث، سواء قيل: هو وصية أو عتق بصفة، لأن الوارث لا يملك
الرجوع، فإن حلف أسقط الدعوى، واليمين على العلم لأنها على النفي على فعل
الغير، وإن لم يحلف حلف العبد وعتق من الثلث، وإن كان مع العبد بينة لم
تقبل إلا من ذكرناه.
فإن ادعى على الوارث أنه مدبر فاعترف الوارث بذلك له أو أقام العبد
259

بذلك بينة فادعى الوارث أن أباه كان رجع في التدبير قبل الوفاة، فالقول
قول المدبر، فإن أقام الوارث بينة على الرجوع لم يقبل إلا ذكرين.
إذا كاتب الرجل عبده ثم دبره صح التدبير، والكتابة بحالها، ويكون
مكاتبا مدبرا، فإن أدى ما عليه عتق بالأداء، وبطل التدبير، وإن مات قبل الأداء
عتق من الثلث، فإن خرج من الثلث عتق كله وبطلت كتابته، وإن خرج بعضه
من الثلث عتق منه بقدر الثلث، وسقط من مال الكتابة بقدره، وكان الباقي منه
مكاتبا فإن أدى ما عليه عتق، وإن عجز رق باقيه للوارث.
وإن دبره أولا ثم كاتبه فمن قال: التدبير وصية، قال: يكون رجوعا فيه، لأنه
وصية فهو كما لو أوصى بعبده ثم كاتبه، ومن قال: هو عتق بصفة، قال: يصير
مكاتبا مدبرا والحكم فيه كما لو كاتبه أولا ثم دبره، وقد مضى حرفا بحرف.
للسيد وطء مدبرته كالأمة القن، فإن لم تحبل فهي على التدبير، وإن حبلت
بطل التدبير بينهم، لأن سبب عتقها أقوى من سبب عتق المدبرة، وعندنا أنه لا
يبطل التدبير لأنها مملوكة بعد، ولا سبب للعتق فيها، فإذا مات سيدها عتقت
بوفاته من الثلث بالتدبير، وعندهم من صلب ماله.
فإن دبرها ثم أتت بولد من زوج أو زنا فإنه يكون الولد مدبرا عندنا معها
وقال بعضهم: هو عبد قن، فمن قال: عبد قن، فلا كلام، ومن قال: مدبر - على ما
قلناه - فإنه يكون له حكم نفسه، فإن ماتت الأم أو رجع في تدبيرها أو باعها كان
تدبير ولدها بحاله، متى مات السيد عتق الولد من الثلث، وجملته أنه يكون كأنه
دبر كل واحد منهما بلفظ مفرد.
فأما ولد المعتقة بصفة عند من قال به، فلا يكون معتقا بالصفة، فإذا قال
لأمته: إن دخلت الدار فأنت حرة، فاتت بعد هذا بولد لم يتعلق عتقه بدخول الدار
دون أمة، ولكن هل يكون تبعا لأمة في العتق أم لا؟ على قولين: أحدهما لا يتبعها
وهو عبد قن، والثاني يتبعها.
فإن دخلت الدار عتق وهل يعتق ولدها أم لا؟ على قولين، وإن دخل الدار
260

ولدها لم يعتق الولد، وهذا هو الفرق بين ولدها وولد المدبرة، وهكذا ولد
المكاتبة لا يكون مكاتبا كأمه ولكن هل يعتق بعتق أمه أم لا؟ على قولين.
وسواء ولدت ذكرا أو أنثى، فإن ولدت ذكرا أو أنثى فولد الأنثى بمنزلة ولد
المدبرة، وقد مضى حرفا بحرف، وولد الذكر تابع لأمه إن كانت حرة فهو حر،
وإن كانت أمة قنا فهي أمة قن لسيد أمها، فإن دبر أمه ثم رجع في تدبيرها بالقول
حكمنا بأنها أمة قن.
فإن أتت بولد بعد الرجوع لأقل من ستة أشهر فإنه يكون عندنا مدبرا،
وفيهم من قال: لا يكون كذلك وعلى ما قلناه تكون هي والولد مدبرين، فإذا
رجع في الأم لم يصح رجوعه في الولد، وإن ولدت لستة أشهر فصاعدا من حين
الرجوع فالولد مملوك، لأنا علمنا أنه ما كان الحمل موجودا حين الرجوع في
تدبيرها، هذا إذا دبرها حائلا فاتت بولد.
فأما إن دبرها وهي حامل بولد مملوك، فهي مدبرة وحملها مدبر معها عند
المخالف، وروى أصحابنا أن الولد لا يكون مدبرا.
ومن قال: هما مدبران، قال: كان له المقام على تدبيرهما، وله الرجوع
فيهما، وله أن يرجع في أحدهما دون الآخر، كالمنفصل منها، فإن رجع فيها
كان حملها مدبرا دونها، وإن رجع في حملها كانت مدبرة دون حملها، وكذلك
قالوا في المسألة الأولى: إن له الرجوع في تدبيرها دون ولدها، وهذا أصل
عندهم إن دبرها كان حملها مدبرا معها تبعا لها، فإن رجع في تدبيرها لم يكن
حملها تبعا لها في الرجوع منه تغليبا للحرية، فإن دبرها ومات عنها عتقت بوفاته.
وإن كان لها ولد فقالت: قد عتق بعتقي لأني حملت به وأنا مدبرة، فمن
قال: لا يكون ولدها مدبرا معها، قال: لا يلتفت إلى هذا القول منها.
ومن قال: يكون مدبرا معها، نظرت في الوارث: فإن صدقها فالولد مدبر
معها وقد عتق بالوفاة، وإن كذبها فالقول قول الوارث، لأن الأصل الملك حتى
يعلم زواله.
261

إذا دبر الرجل عبده ثم ملكه أمة فوطئها العبد فلا حد عليه، فإن أتت بولد
فهو مملوك تبعا لأمة، ويكون مدبرا كأمه عندنا.
ومن قال: المملوك إذا ملك ملك، قال: الولد ولده، وهو مملوك له وإن
كان ولده ولا يعتق عليه لنقصان الملك.
وهل يكون الولد مدبرا تبعا لأبيه أم لا؟ على وجهين: أحدهما عبد قن تبعا
لأمه، والثاني مدبر تبع لأبيه لأنه أحبلها في ملكه، فكان حكم ولده حكمه، كالحر
إذا أحبل أمة بملك اليمين.
إذا قال لأمته: أنت حرة بعد سنة إذا مت، عندنا لا يتعلق به حكم، لأنه علق
تدبيرها بصفة، وذلك لا يصح عندنا، وعندهم يصح، فإذا أتت سنة صارت
مدبرة فإن أتت بولد قبل السنة لم يكن مدبرا لأنها ليست مدبرة، وإن أتت بعد
سنة فعلى القولين.
فإن قال لها: أنت حرة بعد وفاتي بسنة، عندنا لا يتعلق به حكم لما مضى،
وعندهم يصح، ويكون علق عتقها بشرطين: الوفاة وانقضاء المدة.
فإذا مات فإن خرجت من الثلث بقي الشرط الآخر، وهو مضي المدة فإن
كسبت مالا قبل انقضاء المدة فهو للوارث، وإن أتت بولد قبل انقضاء المدة كان
مدبرا وفيهم من قال: لا يكون، وهذا يسقط عنا لما قلناه.
فصل: في تدبير الحمل:
إذا دبر حمل جارية صح ويكون مدبرا دون أمة، ولو دبرها كانت مدبرة
هي وولدها عندهم، فالولد يتبعها ولا تتبع ولدها، كالعتق إذا أعتقها عتقا معا،
وإن أعتق الحمل وحده عتق دونها، وقد بينا أن عندنا في الطرفين على حد واحد
لا يتبعها ولا تتبعه.
فإذا ثبت أنه مدبر فله الرجوع في التدبير، وله المقام عليه، فإن أقام عليه
حتى مات عتق من الثلث وأمة قن، وإن رجع فيه صح وعاد قنا.
262

ومن قال: لا يصح الرجوع إلا بالفعل وهو الإخراج من الملك، فلا يمكنه
إخراجه من ملكه إلا بالبيع وحده والوجه أن يبيع الأم فإذا باعها مطلقا زال ملكه
عنها وعن حملها وزال التدبير.
ومتى باعها فإن قصد بالبيع الرجوع في التدبير صح البيع، وإن لم يقصد
بطل البيع، عند بعضهم، وقال بعضهم: لا يبطل، وعندنا إن شرط أنه يبيع مدبرا
صح فإذا مات السيد عتق وإن باعه عبدا قنا ولم يقصد الرجوع بطل البيع.
ولو دبر حملها فاتت بولد لأقل من ستة أشهر من حين التدبير فالولد مدبر،
وإن أتت به لستة أشهر فصاعدا من حين التدبير، لم يكن مدبرا لجواز حدوثه بعد
التدبير والأصل أن لا حمل.
فإن ولدت ولدين أحدهما لأقل من ستة والآخر لأكثر من ستة أشهر، ولم
يكن بينهما ستة أشهر، فالحمل واحد، وهما معا مدبران، ولو دبر ما في بطنها أو
أعتقه ثم باعها فولدت قبل ستة أشهر من حين التدبير، فالبيع باطل، والولد حر أو
مدبر، وإن ولدت بعد ستة أشهر ففيها قولان: أحدهما البيع مردود لأنه باع في
وقت هو ممنوع من بيعها فيه ليعرف حال الحمل، فوقع باطلا، والثاني جائز،
والأول أصح عندنا.
فصل: في العبد بين الشريكين:
إذا كان العبد بين شريكين فقال كل واحد منهما له: إذا متنا فأنت حر، لم
يكن مدبرا، لأن كل واحد منهما علق عتق نصيبه منه بموته وموت شريكه، فإن
ماتا معا عتق العبد كله من الثلث، فإن مات أحدهما لم يعتق نصيبه منه وصار
عتق نصيبه منه معتقا بصفة، تلك الصفة موت شريكه، وصار نصيب الثاني منها
مدبرا لأنه قد تعلق عتق نصيبه منه بموته وحده، فنصف هذا العبد بعد موت
الأول، وقبل موت الثاني مملوك لوارث الأول، وكسبه له، فإن قتل قبل موت
الثاني كانت قيمته بين وارث الأول وبين السيد الثاني.
263

والذي يقوى في نفسي أن هذا التدبير صحيح، ويكون كل واحد منهما دبر
نصيبه، فإن ماتا معا عتق كله من ثلثهما، وإن مات أحدهما عتق نصيبه من ثلثه،
ويبقى النصف الآخر مدبرا إلى أن يموت الثاني، فإذا مات الثاني تكامل الحرية
فيه، وما يكسبه بعد موت الأول يكون نصفه للثاني إلى أن يموت.
فإن كان العبد بين شريكين فقال كل واحد منهما: أنت حبيش على آخرنا موتا،
فالحكم في هذه وفي التي قبلها عندهم سواء إلا في فصل: وهو أن ما اكتسبه بعد
موت الأول وقبل موت الثاني يكون للثاني دون وارث الأول لأن كل واحد
منهما قد أوصى بنصيبه فيه لشريكه، ثم يكون حرا بعد وفاة شريكه، فيكون قد
عبر عن الوصية بالتحبيس، فتكون الوصية من الثلث، والعتق بموت الآخر منهما،
وعندنا أن هذه لا تصح لأنها تعليق عتق بصفة لا غير.
فإن كان بين شريكين فدبراه معا وهو أن علق كل واحد منهما عتق نصيبه
بموت نفسه، فقال: إذا مت فنصيبي حر، صار مدبرا، فإن رجعا في التدبير عاد
عبدا قنا وإن أقاما عليه نظرت: فإن ماتا معا عتق نصيب كل واحد منهما منه من
الثلث، وإن أعتق أحدهما نصيبه قال قوم: يسري إلى نصيب شريكه، ويقوم عليه
ويكون الكل حرا، وقال بعضهم: لا يقوم عليه لأن لنصيب شريكه جهة يعتق بها.
فمن قال: يقوم عليه، فلا كلام، ومن قال: لا يقوم عليه، فنصفه حر ونصفه
مدبر، فإن مات سيد المدبر منه عتق من الثلث، فإن لم يخرج من الثلث عتق منه
بقدر الثلث.
وإن كان العبد بين شريكين فدبر أحدهما نصيبه منه، حكمنا بأنه مدبر،
وهل يسري التدبير إلى نصيب شريكه فيصير كله مدبرا؟ قال قوم: إنه لا يسري
إلى نصيبه، وقال آخرون: يقوم عليه نصيب شريكه، ويصير كله مدبرا.
فمن قال: يقوم عليه ويصير الكل مدبرا، فالحكم فيه كما لو كان كله له
فدبره وقد مضى حكمه، ومن قال: لا يقوم، فنصفه مدبر ونصفه قن.
فإن أعتق سيد المدبر نصيبه منه قوم عليه نصيب شريكه لأن نصيب شريكه
264

قن، وإن أعتق سيد القن نصيبه فيه، قال قوم: يقوم عليه النصف الذي هو مدبر،
وقال آخرون: لا يقوم، وهو الأقوى عندي.
فإن مات سيد المدبر منه عتق نصيبه من الثلث، ولا يقوم عليه الباقي، ولا
على وارثه، وإن كان العبد كله له، فدبر نصفه صح التدبير فيه، وقال قوم: لا
يسري إلى باقيه، وقال آخرون: يسري، والأول أقوى عندي لأنه لا دليل عليه.
فمن قال: يسري، قال: الكل مدبر، وإن رجع فيه عاد عبدا قنا وإن لم
يرجع حتى مات عتق من الثلث، ومن قال: نصفه مدبر ونصفه قن، فإن دبر الباقي
فالكل مدبر، وإن لم يدبر الباقي كان نصفه قنا ونصفه مدبرا، فإن مات مولاه عتق
منه ما كان مدبرا من الثلث، فإن خرج من الثلث عتق كل النصف، وإن لم
يخرج عتق منه بقدر الثلث، والباقي رقيق لا يقوم على الوارث، لأنه ما أعتقه ولا
على المورث لأنه لا مال له بعد وفاته، فإن دبر العبد كله فرجع في بعضه كان ما
رجع فيه عبدا قنا، والباقي مدبر.
فصل: في مال المدبر:
كل مال اكتسبه المدبر قبل وفاة سيده فهو ملك لسيده في حياته، ولورثته
بعد وفاته، لا شئ للمدبر فيه، سواء اكتسبه بغير إذن منه أو إذن منه أو أرش
جناية أو أي وجه من وجوه المكاسب كان، فالكل واحد، فإذا مات سيده وعتق
بوفاته، فكل ما اكتسبه بعد هذا فهو له لا حق لغيره فيه.
فإن مات السيد ووجد في يد المدبر مال لا يعرف سببه، فاختلف هو و
وارث سيده فقال الوارث: اكتسبته قبل الوفاة فهو لي، وقال المدبر: بعد الوفاة
فهو لي، قال قوم: القول قول المدبر.
وسواء اختلفوا بعد وفاة سيده بساعة أو بسنة، لأنه قد يستفاد المال الكثير
في الزمان القليل، ولا يستفاد القليل في الزمان الطويل فإن أقام كل واحد منهما
بينة بما يدعيه فالبينة بينة المدبر لأنها بينة الداخل، ويقتضي مذهبنا أن البينة بينة
265

الوارث لأنها بينة الخارج، وهو مذهبنا.
فإن كان مع الوارث بينة أنه قد كان في يده وسيده حي، فقال المدبر: كان
في يدي لغيري وأنا ملكته بعد وفاة سيدي، فالقول قول المدبر مع يمينه، ولا
يخرج من يده حتى يقول الشهود: كان في يده بملكه، فإذا شهدوا على هذا حكم
به للوارث.
فصل: في تدبير الرقيق بعضهم على بعض:
إذا دبر الرجل في صحته رقيقا في دفعة واحدة، أو بعضهم قبل بعض، وفي
مرضه آخرين كذلك، وأوصى بعتق آخرين بأعيانهم، فالذي يقتضيه مذهبنا أنه
يحكم بصحة الوصية إلى أن يستوفى الثلث، فإن نسي أو اشتبه الأمر فيه استخرج
بالقرعة.
وقال المخالف: لا يبدأ بواحد منهم قبل واحد، كما لو أوصى بوصية
صحيحا والأخرى مريضا لم تقدم إحديهما على الأخرى، لأن وقت الاستحقاق
واحد، فإن خرجوا من الثلث عتقوا كلهم، وإن لم يخرجوا من الثلث أقرع بينهم
على ما مضى في القرعة بين العبيد إذا أعتقهم في مرضه.
فصل: في تدبير المشركين غير المرتدين:
تدبير الكفار جائز ذميا كان السيد أو حربيا كتابيا كان أو وثنيا، فإذا دبره
فهو بالخيار بين المقام على التدبير أو الرجوع منه، كالمسلم سواء، فإن كان
رجوعه بإخراجه من ملكه كان رجوعا، وإن كان بقول لا يخرج من ملكه كقوله:
أبطلت التدبير أو رجعت فيه، فعلى قولين، عندنا يصح، فإن رجع في التدبير فهو
عبد قن، وإن أقام على ذلك حتى مات عتق من الثلث، فإن احتمله الثلث عتق
كله، وإلا عتق منه قدر الثلث، ورق الباقي للوارث.
فإن دخل حربي إلينا بأمان ومعه مدبر له أو معه عبد قن فدبره عندنا، أو
266

اشترى عبدا من عندنا فدبره، ثم أراد إخراج المدبر إلى دار الحرب كان له، لأنه
مطلق التصرف، ويفارق هذا إذا كاتبه، لأنه عقد عليه عقدا يمنع من بيعه وتصرفه
فيه، فلهذا لم يكن له إخراجه والمدبر بخلافه.
فإن دبر الكافر عبده ثم أسلم المدبر نظرت: فإن رجع السيد في تدبيره
بعناه عليه، وإن أقام على التدبير، قال قوم: يباع عليه، وهو الصحيح عندنا، وقال
آخرون: لا يباع.
فمن قال: يباع عليه، بيع ولا كلام، ومن قال: لا يباع عليه، قال: أزيلت
يده عنه ومنع منه، ويكون على يدي عدل ينفق عليه من كسبه، فإن فضل فهو
لسيده وإن كان هناك عجز فعلى سيده.
وإن اختار أن يخارجه - وهو أن يوافقه على ما يؤديه بعد نفقته يوما بيوم -
فعل، فإذا فعل هذا نظرت: فإن رجع فيه بعناه عليه، وإن مات قبل الرجوع فإن
احتمله الثلث عتق كله، وإن لم يكن له سواه عتق ثلثه، ورق الباقي لوارثه، ويباع
الباقي على الوارث، لأنه عاد رقيقا لا يتوقع له جهة يعتق بها، وهو مسلم في يد
كافر، وهكذا يحول بينه وبين أم ولده ومكاتبه إذا أسلما، يفرق بينه وبينهما
والحكم على ما مضى.
فصل: في تدبير الصبي والسفيه:
إذا دبر الصبي عبده نظرت: فإن كان مميزا عاقلا قال قوم: يصح، وقال
آخرون: لا يصح، وروى أصحابنا إن كان له عشر سنين فصاعدا، كان عتقه
وتدبيره صحيحين، وإن كان دون ذلك كان باطلا، وإن كان الصبي غير مميز
كان التدبير باطلا.
وتدبير المحجور عليه لسفه جائز على كل حال، فمن قال: التدبير باطل،
فلا كلام، ومن قال: صحيح، نظرت: فإن مات عتق من الثلث، وإن لم يمت
فأراد الرجوع فيه صح رجوعه عندنا سواء كان بالقول أو بالفعل، وعندهم لا
267

يصح إلا بالفعل، فمن قال: لا يصح إلا بالفعل، وهو إخراجه من ملكه أمر وليه أن
يخرجه عن ملكه بعوض ليزول التدبير.
إذا دبر عبده ثم قال له: أخدم فلانا ثلاث سنين وأنت حر، فقد علق عتقه
بشرطين يعتق بهما ولا يعتق بواحد منهما، فإن غاب المدبر أو خرس أو ذهب
عقله قبل ذلك لم يعتق العبد أبدا، إلا أن يموت السيد ويخرج المدبر من الثلث
ويخدم فلانا ثلاث سنين.
فإن مات فلان قبل موت السيد أو بعده ولم يخدمه ثلاث سنين لم يعتق
أبدا عندهم، لأنه أعتقه بشرطين فبطل أحدهما، وعندنا: يعتق بموت السيد على
كل حال، وإن سئل السيد فقال: أردت إبطال التدبير وأن يخدم فلانا ثلاث
سنين ثم هو حر، فالتدبير باطل فإن خدم فلانا ثلاث سنين فهو حر عندهم،
وعندنا لا يكون لأنه عتق بصفة.
وإن مات فلان قبل أن يخدمه أو لم يخدمه العبد لم يعتق أبدا، فإذا أراد
السيد الرجوع في الإخدام رجع فيه، ولم يكن العبد حرا، ومن قال: إن التدبير
تعليق عتق بصفة أو وصية لا يصح الرجوع فيها بالقول، لم يكن هذا رجوعا
عنده.
ولو دبر عبده ثم قاطعه على شئ وتعجل له العتق، فليس هذا بنقض
التدبير والمقاطعة على ما تقاطعا عليه، فإن أداه عتق، وإن مات السيد قبل أن
يؤديه المدبر عتق بالتدبير.
268

كتاب المكاتب
الكتابة مشتقة من الكتب، فالكتب هو " الضم والجمع " يقال: كتبت البغلة
إذا ضممت أحد شفريها بحلقة أو سير، ويقال " كتبت القربة " إذا ضممت فاها
بعضه إلى بعض لتوكئ عليه، ومنه قيل للجيش والناس المجتمعين " كتيبة "
وكذلك الكتابة اشتقاقها من هذا لأنه ضم أجل إلى أجل، وعقد المعاوضة على
ذلك.
فإذا ثبت ذلك فدليل جوازها قوله تعالى: " والذين يبتغون الكتاب مما
ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا " فأمر بالكتابة، وروي عن النبي
صلى الله عليه وآله أنه قال: المكاتب عبد ما بقي عليه من مكاتبته درهم.
وروى سهل بن حنيف أن النبي صلى الله عليه وآله قال: من أعان عاتقا أو
غازيا أو مكاتبا في كتابته أظله الله يوم لا ظل إلا ظله.
وروت أم سلمة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا كان
لإحداكن مكاتب وكان عنده ما يؤدي فليحتجب عنه.
فإذا ثبت هذا فمتى دعا العبد سيده إلى مكاتبته فالمستحب له أن يجيبه إلى
ذلك وليس بواجب، سواء دعاه إلى ذلك بقيمة مثله أو أقل أو أكثر، وذهب قوم
إلى أنها واجبة.
ولا يجوز للسيد أن يكاتب عبده حتى يكون عاقلا بالغا، فإن كان مجنونا لم
270

يجز مكاتبته، لقوله تعالى: " فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا " والخير الكسب
والأمانة، ولأنه قال: " والذين يبتغون الكتاب " والمجنون لا ابتغاء له.
فإن خالف السيد وكاتب واحدا منهما لم يكن هناك عقد صحيح ولا
فاسد، لأن الفاسد إذا كان بين المتعاقدين من أهل العقد وعقداه على فساد، لأن
قوله " كاتبتك " إيجاب عقد، ويفتقر إلى القبول ولا قابل له، ومن أجاز العتق
بصفة قال: هذا عتق بصفة، والصفة قائمة فإن أدى ما شرط عتق، لأن الصفة قد
وجدت.
فإن فضل فضل كان لسيده أن يأخذه منه، لأن العبد قبل الأداء كان فيئا،
وما حصل في يديه كان ملكا لسيده، فلما عتق بالصفة كان ما في يده لسيده
كالعبد القن إذا علق حريته بصفة فحصلت الصفة، وليس كذلك الكتابة فإنه متى
أدى مال الكتابة وحصل فضل كان له، لأن الكتابة متى حصلت منعت أن يكون
الكسب للسيد وإنما عليه دين في ذمته فإذا أدى ما عليه عتق، فإذا ثبت أنه يأخذه
منه، فإنه لا تراجع بينهما بحال، والتراجع في الكتابة الفاسدة أن ينظر إلى قيمته
وقدر الأداء فيجمع بينهما ويترادان الفضل، وليس هاهنا شئ من هذا.
فإذا ثبت أنهما لا يترادان فإن السيد يمسك ما قبضه منه، ولا يرد عليه شيئا
لأنه قبضه من غير مالك، وكان المقبوض ملك نفسه، فلهذا لم يرد عليه شيئا.
قد أمر الله تعالى بمكاتبة العبيد بشرط أن يعلم فيهم خيرا فقال: " فكاتبوهم
إن علمتم فيهم خيرا " واختلف في الخير المراد في الآية، فقال ابن عباس: هو الثقة
والأمانة، وقال آخرون: هو الاكتساب فقط، وقال آخرون: هو الأمانة
والاكتساب، وهو مذهبنا.
فإذا ثبت ذلك فإن وجد الأمران في عبد فالمستحب أن يكاتبه وإن عدم
الأمران كانت مكاتبته مباحة غير مستحبة ولا مكروهة وقال قوم: إن عدم الأمران
كرهت مكاتبته وهو قوي، وقال بعضهم: إن كان أمينا غير مكتسب يستحب
مكاتبته، فإن لم يكن أمينا لم تستحب المكاتبة.
271

ويفارق البيع من وجوه أحدها: أن الكتابة لا بد فيها من أجل والبيع لا يفتقر
إليه، ومنها أن المكاتبة يمتد فيها خيار العبد، والبيع لا يمتد فيه خيار الشرط، ومنها
أن البائع يشترط لنفسه الخيار، والسيد لا يشترطه في عقد الكتابة، ويتفقان في أن
الأجل منهما لا يكون إلا معلوما ولا يصح كل واحد منهما إلا بعوض معلوم،
وعندنا أن المكاتبة لا تنعقد إلا بأجل، ومتى كانت بغير أجل كانت باطلة.
إذا ثبت أن الأجل شرط فأقل ما يجزئ فيه أجل واحد عندنا، وعند بعضهم
أجلان، ولا تكون الآجال إلا معلومة بلا خلاف والعوض معلوما.
فأما الآجال فإن كثرت وزادت فقال: كاتبتك إلى عشرة آجال، كل أجل
سنة، جاز، ولو كاتبه إلى أجلين هما سنتان كل أجل سنة، فلا بد أن يكونا
معلومين وأن يكون انتهاء كل واحد، معلوما، فأما إن قال: كاتبتك إلى عشر
سنين، فإنه يصح عندنا، وإن كان أجلا واحدا، وعند من اعتبر الزيادة لا تصح.
فإن قال: يؤدى إلى في هذه العشر سنين، قالوا: لا يصح لأنه أجل واحد،
ولأنه مجهول لأنه لا يعرف وقت الأداء، كما لو قال: بعتك بمائة تحل عليك في
رجب، لم يصح، لأن كل شهر رجب جعله وقت محله، وهذا غير صحيح عندنا
أيضا من حيث كان مجهولا لا من حيث كان أجلا واحدا.
فأما البدل فلا يصح حتى يكون معلوما بأحد أمرين: معاينة أو صفة،
والمعاينة لا تكون هاهنا فلا بد أن يكون معلوما بالصفة، ثم لا يخلو من أحد أمرين:
إما أن يكون من جنس الأثمان أو من غير جنسها.
فإن كانت من غير جنس الأثمان كالحبوب والأدهان والثياب والحيوان
فلا بد أن يصفها بالصفات المعتبرة في السلم، وإن كانت من جنس الأثمان فإن
كان للبلد غالب فقد انصرف الإطلاق إليه، وإن لم يكن له غالب نقد فلا بد من
ضبطه ومعرفته.
فإن أطلق البدل هاهنا بطل العقد، لأن بعض النقود ليس بأولى من بعض.
وليس من شرط الآجال الاتفاق في المدة، فلو كان أحدهما إلى سنة والآخر
272

إلى عشر سنين على ما يقع الاتفاق عليه جاز، وهكذا نجم كل أجل يصح
التساوي فيه والتفاضل على ما يتفقان عليه.
إذا كاتبه على مال معلوم وذكر الأجل والنجوم فهو كناية ولا يعتق بالأداء
عند بعضهم حتى يقول: فإذا أديت إلى هذا فأنت حر، وينوي هذا، فإن عدما أو
أحدهما لم يعتق أصلا، وقال آخرون: هو صريح فيه، ولا يفتقر إلى نية ولا قول،
والذي يقتضيه مذهبنا أنه لا بد من نية ولا يحتاج إلى قول.
إذا كاتبه على خدمة شهر لا يصح حتى تتصل المدة بالعقد، فيقول: من وقتي
هذا، فإن قال: ودينار بعد الشهر، ويكون الدينار معلوما أو كان مطلقا
وكان غالب نقد البلد صح، فإن كانت فيه نقود مختلفة، لم يصح، حتى يكون
الدينار موصوفا، ويجوز أن يكون محل الدينار عقيب الشهر.
وقال قوم: لا بد من أجل معلوم بعده إما يوم أو يومان أو ما يتفقان عليه يحل
بانقضائه، والأول أقوى عندنا، لأنا قد بينا أنا لا نعتبر أجلين فعلى هذا إذا كاتبه
على ذلك فمرض المكاتب شهر الخدمة بطلت الكتابة، وكذلك إذا مرض
بعضه.
إذا كاتبه على خدمة شهر عقيب هذا الشهر، ودينار عقيب شهر الخدمة،
فالكتابة، باطلة كما لو آجره دابة شهرا عقيب هذا الشهر، فإن قال: كاتبتك على
خدمة شهر عقيب هذا الشهر ودينار حال، كان أيضا باطلا لما مضى.
وأما إذا كاتبه على خياطة كذا وكذا ثوبا في الذمة - يصفها - يحل عليك
العمل حين انقضاء هذا الشهر ودينار عقيب شهر كذا وكذا، صح، لأن المنافع
إذا كانت موصوفة في الذمة صحت حالة ومؤجلة، فإذا قال: كاتبتك على أن
تخدمني سنة من وقتي هذا، صح عندنا، وعندهم يبطل لأنها على نجم واحد.
وإن قال: على أن تخدمني من وقتي هذا ثم شهرا عقيب هذا الشهر بطلت
عندهم لأنه شرط التأخير في الشهر الثاني، وهي منفعة معينة، فإن قال: على أن
تخدمني شهرا وخياطة كذا وكذا ثوبا عقيب الشهر صح عندهم، وعندي أنه في
273

الموضعين معا يصح. إذا اشتملت الصفقة على عقدين مختلفي الأحكام فإن اشتملت على بيع
وإجارة بأن يقول: بعتك داري هذه وآجرتك هذه الأخرى شهرا من وقتي هذا
جميعا بألف، فهما عقدان أحكامهما مختلفة، لأن الإجارة لا يدخلها خيار الشرط،
والبيع يدخله ذلك، فإذا فعل هذا قال قوم: باطل منهما لأنهما عقدان أحكامهما
مختلفة، وقال آخرون: يصح، وهو الذي يقوى عندي، لأن اختلاف الأحكام لا
يمنع صحة العقد، كما لو باعه سيفا وشقصا فإنه يصح وإن كان حكمهما مختلفا
فأما إن باعه دارا وآجره إياها فالعقد باطل.
فأما بيع وصرف فإذا اختلفت الأثمان ومع أحدهما سلعة مثل أن يقول:
بعتك هذا الثوب وهذا الدرهم، بدينار، فهذا بيع وصرف، عندنا يصحان، وقال
بعضهم: يبطل العقدان معا.
فإن كان الجنس واحدا فقال: بعتك هذا الدينار وهذا الثوب معا بدينارين
عندنا البيع صحيح، وقال بعضهم: باطل.
فأما بيع ونكاح بأن يقول: زوجتك بنتي وبعتك دارها هذه بألف، عندنا
يصح، وقال بعضهم: لا يصح البيع ويصح النكاح.
فأما بيع وكتابة بأن يقول لعبده: بعتك هذا العبد وكاتبتك على ألفين إلى
شهرين يحل عليك انقضاء كل شهر ألف فعندنا يصح، وقال بعضهم: يبطل
البيع، لأن أحكامهما مختلفة، وفي بطلان الكتابة قولان، فإذا قلنا يصح، فبكم
يكون مكاتبا؟ فعندنا يكون بحصته من الثمن الذي هو البدل، وقال بعضهم:
بكل البدل.
إذا قال لعبده: كاتبتك على ألفين إلى شهرين يحل عند انقضاء كل شهر
ألف، على أنك إذا أديت الألف الأول فأنت حر، فعندنا يصحان، لأنه كتابة
وبيع العبد من نفسه بقوله: على إنك إذا أديت الألف الأول فأنت حر، وهذا
يصح حالا ومؤجلا، فإذا أدى الألف الأول عتق.
274

وكذلك إذا كاتب عبده إلى شهرين على ألفين يحل كل ألف عند انقضاء
شهر صح، فإن قال العبد بعد هذا: عجل عتقي الآن على أن أؤدي كل ألف
محله، صح، ولو أدى ألفا عند محله ثم قال لسيده: عجل عتقي الآن حتى أؤدي
الألف الآخر في محله، صح ولا فرق بين أن يبيعه من نفسه في أصل العقد وبين
أن يبيعه من نفسه بعد عقد الكتابة.
إذا كاتب ثلاثة أعبد له صفقة واحدة على نجمين إلى أجلين، وقال: إذا أديتم
ذلك فأنتم أحرار، صحت الكتابة، وقال آخرون: هي فاسدة.
فإذا ثبت صحة ذلك كان كل واحد منهم مكاتبا بحصة قيمته من المسمى،
والاعتبار بالقيمة حين عقد الكتابة لأنه الوقت الذي زال ملك السيد عنه، وكان
حكم كل واحد كأنه أفرده بعقد الكتابة بهذا القدر من البدل، لا يتعلق حكمه
بحكم غيره، فإذا ثبت هذا فأيهم أدى ما يخصه في حقه عتق، لا يتعلق عتقه بأداء
غيره، وأيهم عجز عن ذلك رق وفيه خلاف.
ومتى أدى واحد منهم ما عليه عتق، فإن فضل معه فضل كان له، ولا
تراجع بينه وبين سيده، لأن الذي وجب منها هو المسمى وقد استوفى.
ومن قال: الكتابة فاسدة قال: فسد البدل، وصفة العتق قائمة بحالها، لأن
الكتابة تشتمل على عقد وصفة، فإذا بطل العقد كانت الصفة بحالها، فمتى
وجدت وقع العتق غير أن للسيد إبطال هذه الصفة ورفعها بأن يقول: أبطلتها
ورجعت فيها، وإذا قال هذا بطلت، فهو بالخيار بين رفعها وإقرارها، فإن اختار
رفعها وإزالتها فعل، وأشهد على نفسه به، لأنه أحوط وأقطع للخصومة منه، وأبعد
من التهمة.
وإن اختار إقرارها على ما هي عليه نظرت: فإن أرادوا أجمعون ذلك عتقوا،
وجعل التراجع بين كل واحد منهم وبين سيده، فتعتبر قيمته وقدر ما أداه إلى
سيده فإن كانت القيمة والأداء سواء فلا تراجع، وإن كانت القيمة أكثر فعلى
العبد لسيده تمام قيمته.
275

واعتبار القيمة حين الأداء لا حين عقد الكتابة، لأنه هو الوقت الذي يزول
سلطان سيده عنه، ويفارق الكتابة الصحيحة حيث قلنا: اعتبار القيمة بحال الكتابة
لأنه الوقت الذي زال سلطان السيد فيه من عبده، هذا إذا أدوا أجمعون.
فأما إن أدى واحد منهم قدر حصته من الألف فهل يعتق أم لا؟ قال
بعضهم: يعتق، وقال آخرون: لا يعتق، وهو الأقيس عندهم، ومن وافقنا في صحة
الكتابة قال: يلزمهم البدل، ويكون كل واحد منهم كفيلا عن صاحبه بما عليه فإن
أدوا عتقوا وإن أدى واحد منهم كل مال الكتابة عتق وعتقوا، وكان له الرجوع
على أصحابه بما أدى عنهم.
فإن أدى اثنان منهم لم يعتقا، حتى يؤدي الثالث، ولهما إجباره على الكسب
والأداء ليعتقوا بأدائه، فإن أديا عنه عتق وعتقا وكان لهما الرجوع عليه، والكلام
عليه يأتي.
وإذا قلنا: يصح على ما تقدم، فمات واحد منهم مات عبدا قنا سواء خلف
وفاء أو لم يخلف، وقال بعضهم: يؤدى عنه بعد وفاته ويعتق وإن لم يخلف وفاء
مات رقيقا، وعندنا إن كانت الكتابة مطلقة أدي عنه ما بقي ويعتق، وإن كان
مشروطا عليه لم يؤد عنه ومات قنا.
إذا كاتب ثلاثة أعبد له صفقة واحدة، فمن قال: باطل، فلا تفريع، ومن
قال: صحيحة، على ما اخترناه، فإذا أدوا إلى سيدهم مالا ثم اختلفوا فقال من قلت
قيمته: أدينا على العدد، وقال من كثرت قيمته: أدينا على القيمة، فالخلاف يقع في
موضعين، إذا أدوا جميع ما عليهم وإذ أدوا أقل من ذلك.
فإذا أدوا الكل وهو ما يعتقون به، ثم اختلفوا فقال من كثرت قيمته: أدينا
على القيمة، فكل واحد منا أدى ما عليه، وقال من قلت قيمته: بل أدينا على العدد
وأدى كل واحد منا ثلث المال ليكون الفضل الذي أعطيناه وديعة عند سيدنا أو
قرضا عليك لنرجع به عليك.
والخلاف الثاني إذا أدوا بعض ما يعتقون كأنهم أدوا ستين من جملة المائة
276

التي هي قيمتهم، وقيمة واحد خمسون، وقيمة كل واحد خمسة وعشرون، فقال
من كثرت قيمته: لي منها ثلاثون وهو النصف ولكل واحد منكما خمسة عشر،
وقال الآخران: إن كل واحد منا أدى عشرين، وكان الواجب خمسة عشر فأدينا
الفضل، فقال بعضهم: القول قول من كثرت قيمته، لأن الظاهر معه، لأنا إذا قبلنا
قوله فقد أدى كل واحد منهم وفق ما عليه بغير زيادة ولا نقصان، وهذا
هو الظاهر، ومن قال: أديت أكثر مما علي، فقد ادعى خلاف الظاهر.
وقال بعضهم: القول قول من قلت قيمته، وأن الأداء على العدد، لأن المال
المؤدى كانت أيديهم عليه بالسوية وكان بينهم بالسوية، وهو أقوى عندي من
الأول، وقال قوم: القول قول من كثرت قيمته إذا كان المؤدى جميع الحق لأن
العرف معه، والقول قول من قلت قيمته إن كان المؤدى أقل من كمال الدين، فإن
العرف معه والقول قوله، وهو مليح.
إذا كاتب عبدين صفقة واحدة أو كاتب كل واحد منهما بعقد مفرد، ثم إن
أحدهما أدى عن رفيقه مالا من عنده لم يخل من أحد أمرين: إما أن فعل هذا قبل
أن أعتق، أو بعد أن أعتق:
فإن كان قبل أن أعتق، لم يخل السيد فيما قبضه من أحد أمرين: إما أن
يكون عالما بما قبضه أو جاهلا.
فإن كان جاهلا كان الأداء باطلا بلا خلاف، لأنه إن كان أدى عن رفيقه
متبرعا فهو هبة وهبة المكاتب باطلة، وإن كان باذنه فهو قرض وقرض المكاتب
باطل.
فإذا ثبت أن الأداء باطل نظرت: فإن كان على المؤدي شئ من مال الكتابة
قد حل عليه، صرف الأداء إلى نفسه، وإن لم يحل عليه شئ فهو بالخيار
بين أن يسترده وبين أن يفرده عند سيده قبل محل الكتابة عليه، هذا إذا كان
سيده جاهلا بذلك.
فأما إن كان سيده عالما بذلك مثل أن قال لسيده حين الأداء: أؤدي هذا
277

عن رفيقي، فقيل السيد ذلك وقبض، قال قوم: يصح مثل هبة المكاتب بإذن
سيده شيئا من ماله، وقال آخرون: لا يصح، وكذلك قالوا في الهبة، والأول هو
الصحيح عندي.
فمن قال: فاسد، قال: له أن يرتجع ذلك من سيده إلا أن يكون حل شئ
عليه من مال الكتابة فيكون عن نفسه، فإن لم يرتجعه منه حتى أدى هذا المؤدي
عن نفسه ما كان عليه، قال قوم: لا يرجع به على سيده ويقع صحيحا عن رفيقه،
لأنه إنما ملك يرجع ما دام ناقص التصرف باطل الهبة بالرق، فإذا أعتق كمل
وكمل تصرفه، ومنهم من قال: له الرجوع فيه، لأنه وقع في الأصل فاسدا فلا
يصح حتى يبدأ بما يصح.
وإذا قيل: الهبة صحيحة، على ما اخترناه إذا كانت بإذن سيده، فإن كان
هذا بغير إذن رفيقه فهو هبة وهدية لرفيقه، ولا يرجع فيها، وإن كان بإذن رفيقه فهو
قرض على رفيقه له مطالبة رفيقه به على ما نذكره فيما بعد، هذا إذا كان الأداء عن
رفيقه قبل العتق.
فأما إذا كان بعد العتق فالأداء صحيح بكل حال، لأنه حر قد أدى عن
مكاتب ما عليه من مال مكاتبته، فإذا ثبت أنه صحيح لم يخل من أحد أمرين: إما
أن يكون قد أدى عنه ما عتق به أو ما لم يعتق به.
فإن كان قد أدى عنه ما عتق به نظرت: فإن كان أدى عنه بغير إذنه لم
يرجع به، لأنه قد قضى دين غيره بغير أمره فهو هبة لا يرجع بها عليه، وإن كان
باذنه فهو قرض عليه، فإن كان المؤدى عليه واحدا استوفاه منه فإن كان معسرا
أنظره إلى اليسار.
فأما إن كان أدى عنه ما لم يعتق به نظرت: فإن كان بغير إذنه فهو هبة لا
يرجع بها عليه وقد قضى دين غيره بغير إذنه، وإن كان باذنه فهو قرض له على
المكاتب، وعلى المكاتب أن يؤدي مال الكتابة وعليه أن يقضي القرض.
وإن كان معه ما يقضي به مال الكتابة ويقضي الذي هو القرض فعل وعتق،
278

وإن لم يكن معه إلا بقدر ما لأحدهما عليه، قلنا لمن له الدين: أ تسمح أن تؤخر
بالقرض فيؤدي ما عليه بالذي معه ويعتق ويكون القرض عليه حتى يجد ويؤدي
إليك؟ فإن فعل فلا كلام، وإن أبي قلنا للسيد: فتصبر أنت عليه حتى يقضي دينه
ثم يؤدي مالك عليه من مال الكتابة، فإن صبر قضى المكاتب دينه، ويكون مال
الكتابة عليه حتى يؤدي ويعتق.
وإن قال كل واحد منهما: لا أصبر وأريد حقي عاجلا، قدم الدين على مال
الكتابة لأن في تقديمه حفظ للحقين، حق صاحب الدين باستيفاء، وحق السيد،
لأنه إذا عجز عنه كان له فسخ الكتابة ورد المكاتب رقيقا، فكان حفظ الحقين
أولى، وأيضا فالدين مستقر في ذمته ومال الكتابة غير مستقر في ذمته، فتقديم
المستقر أولى، هذا إذا كان السيد واحدا.
فأما إن كانا لسيدين فأدى أحدهما عن رفيقه لم يخل من أحد أمرين: إما أن
يكون قبل العتق أو بعده.
فإن كان بعد العتق فالأداء صحيح بكل حال، لأنه حر يتصرف في ماله
بغير اعتراض عليه، ثم ينظر فإن كان بغير إذنه لم يرجع لأنها هبة، وإن كان
باذنه فهو قرض يرجع عليه، والحكم فيه على ما مضى حرفا بحرف.
فإن كان قبل العتق فهو باطل بكل حال، سواء علم القابض بذلك أو لم
يعلم لأن القابض ليس سيده الدافع، فلا يكون قبضه منه رضا من سيد الدافع، فإذا
كان بغير إذن سيده كان باطلا قرضا كان أو هبة وله الرجوع على القابض، فإن
لم يفعل حتى عتق الدافع فهل له الرجوع بذلك؟ على ما مضى.
إذا كاتب الرجل ثلاثة أعبد له صفقة واحدة فقد قلنا: إن الكتابة صحيحة،
وكل واحد منهم مكاتب بحصة قيمته من المسمى، كأنه كاتبه بذلك مفردا دون
غيره لا يتعلق به حكم غيره، فإن أدى ما عليه من مال الكتابة عتق سواء أدى
صاحباه وعتقا أو عجزا، وفيه خلاف، هذا إذا أوقع العقد مطلقا.
فأما إذا وقع بشرط أن كل واحد منهم كفيل ضامن عن صاحبه، فإن
279

الشرط باطل، وقال بعضهم: صحيح، فإذا ثبت أن الشرط باطل بطلت الكتابة
أيضا وعندي أن الشرط صحيح والكتابة صحيحة.
العتق المعلق بصفة على ثلاثة أضرب: صفة محضة، وصفة جمعت معاوضة
وصفة والمغلب حكم العوض وصفة جمعت معاوضة وصفة والمغلب حكم
الصفة.
فالصفة المحضة كقوله: إن دخلت الدار فأنت حر، ومتى أعطيتني ألفا فأنت
حر، فالكل واحد فعندنا أنه لا يتعلق به حكم أصلا، وعند المخالف: صحيح،
فعلى هذا إذا قال: إن أعطيتني ألفا فأنت حر، فالكلام في ستة أحكام:
أحدها: أن الصفة تقع لازما لا سبيل إلى إبطالها ورفعها مع بقاء ملك العبد
ولا للعبد أيضا ذلك، وإن اتفقا على إبطالها مع بقاء الملك لم يصح، لأن الصفة
المحضة لا يلحقها الفسخ.
الثاني: إن أبرأه السيد عن هذا الألف لم يبرأ لأنه لا حق له في ذمته كما لو
قال لزوجته: إن أعطيتني ألفا فأنت طالق، ثم قال: أبرأتك عن هذا الألف، لم يبرأ
منه لأنه لا دين له في ذمتها.
الثالث: إذا مات السيد انفسخت الصفة المطلقة لأن الصفة المطلقة تنفسخ
وتزول بموت عاقدها لأنه إذا زالت الحياة زال الملك وإذا زال الملك بطلت
الصفة.
الرابع: ما يكسبه هذا العبد لسيده لا حق للعبد فيه، لأنه لم يحصل بينهما
عقد يمنع رجوع كسبه إليه.
الخامس: إذا أدى إلى سيده عتق لأن الصفة قد وجدت، فإن فضل معه كان
لسيده لا حق له فيه.
السادس: لا تراجع بينه وبين سيده، لأنه عتق بصفة محضة ولم تجب قيمته
على نفسه، وإذا لم تجب قيمته على نفسه لم يكن بينهما تراجع، وهذه الفروع
كلها تسقط عنا لما بيناه من أن العتق بصفة لا يصح.
280

الضرب الثاني: صفة جمعت معاوضة وصفة والمغلب حكم المعاوضة،
وهي الكتابة، وعندنا لا تأثير للصفة في هذا العقد، بل هو عقد معاوضة محضة،
وتتعلق به الأحكام الستة.
فالكتابة لازمة من جهة السيد لا يملك فسخها، وجائزة من جهة المكاتب
متى شاء فسخ، كان معه وفاء أو لم يكن، فإن اتفقا على الفسخ صح لأن المغلب
حكم العوض كالبيع.
الثاني: إن أبرأه سيده برئ وعتق، لأن ذمته مشغولة بالدين، فلهذا برئت
بالإبراء كالأثمان في البيع.
الثالث: إن مات السيد لم تنفسخ الكتابة، لأنه عقد لازم من جهة السيد، فلا
ينفسخ بوفاته كالبيع، فيؤدي إلى وارثه ويعتق.
الرابع: كسبه قبل الأداء له، لأن سلطان سيده زال بعقد الكتابة، بدليل أنه لا
يتصرف به وأرش الجناية عليه لا يعود إليه.
الخامس: إذا أدى مال كتابته وفضل معه، كان له دون سيده.
السادس: لا تراجع بينهما لأنه عتق بالمسمى لم يجب عليه قيمة نفسه.
الضرب الثالث: ما تضمن عوضا وصفة، المغلب حكم الصفة، وهي الكتابة
الفاسدة، فعندنا لا يتعلق به حكم أصلا كالصفة المحضة، وعندهم هذا العقد
يجمع عوضا وصفة، فإذا بطل العوض ثبتت الصفة، وتثبت به الأحكام الستة.
فالصفة لا تكون لازمة، والسيد بالخيار، إن شاء أبطلها وإن شاء أقرها مع
بقاء ملك العبد، لأن الصفة حق ألزمه نفسه في مقابلة حق له وهو البذل، فإذا لم
يسلم له ماله لم يلزمه ما عليه، كالبيع الفاسد فإنه إذا لم يسلم البائع الثمن لم
يلزمه ما عليه من المبيع، وعكسه الكتابة الصحيحة لما سلم له ماله المسمى لزمه ما
عليه وهو أن لا يملك رفع الصفة.
وإذا ثبت أنه بالخيار نظرت: فإن رفعها صح ذلك مع بقاء ملكه، فإن شاء
رفعها بنفسه، وإن شاء بحاكم، فهو كالوكالة له، لأنه جائز من جهته، والأحوط
281

الإشهاد فإن لم يبطل الصفة كانت بحالها.
الثاني: إن أبرأه عن المال لم يبرأ، لأنه ما ثبت له في ذمته مال، كما لو اشترى
عبدا بألف شراء فاسدا فأبرأه البائع عنه لم يبرأ، لأنه ما ثبت له في ذمته شئ،
وعكسه الكتابة الصحيحة، لما ثبت له في ذمته المال صح الإبراء.
الثالث: متى مات السيد بطلت الصفة، وقال بعضهم: لا تبطل الصفة بل
يؤدي المكاتب مال الكتابة إلى الوارث، ويعتق كالكتابة الصحيحة.
الرابع: التكسب هاهنا للعبد، لأن الكتابة الفاسدة محمولة على الصحيحة.
الخامس: إن فضل فضل بعد الأداء كان له دون سيده كالكتابة الصحيحة.
السادس: التراجع ومعناه أنه إذا أدى وعتق لزمته قيمة نفسه في ذمته، لأنه
تلف في يد نفسه عن عقد فاسد، ويكون اعتبار قيمته حين العتق، لأنه هو الوقت
الذي تلف فيه، وتكون من غالب نقد البلد، لأن قيمة المتلفات كذلك.
فإذا ثبت أن لسيده في ذمته قيمته من غالب نقد البلد لم يخل مال الكتابة من
أحد أمرين: إما أن يكون من غالب نقد البلد أو من غيره:
فإن كان من غير نقد البلد مثل أن كاتبه على دراهم ونقد البلد دنانير، أو
عكس ذلك، أو كان مال الكتابة من غير جنس الأثمان كالثوب والحيوان لم
يقع القصاص بينهما كالحوالة، وعلى كل واحد منهما أن يسلم إلى صاحبه ماله
في ذمته، والثياب والحيوان لا مثل له.
وأما إن كان مال الكتابة من غالب نقد البلد فقد وجب لكل منهما على
صاحبه من جنس ما لصاحبه عليه، فهل يقع القصاص بينهما أم لا؟ فيه أربعة
أقوال:
أحدها: يقع القصاص بغير تراض منهما وتبرأ ذمة كل واحد منهما عن حق
صاحبه، لأنه لا فائدة في بقاء الحقين، لأن أحدهما ماله على صاحبه، ثم يرده
عليه.
والثاني: متى رضي بذلك أحدهما برئا معا لأن من عليه دين كان له أن
282

يقضيه من أي أمواله شاء وليس لمن له الدين أن يتخير عليه جهة القضاء، فإذا
رضي أحدهما أن يقضي دينه من الذي في ذمة صاحبه لم يكن له أن يعترض عليه،
فلهذا وقع القصاص.
الثالث: لا يقع القصاص إلا بتراضيهما كالحوالة.
الرابع: لا يقع القصاص بينهما وإن تراضيا، لأنه دين بدين، وقد نهى رسول
الله عن الدين بالدين.
فأما إذا كان الحقان من جنس واحد من غير الأثمان كالثياب والحيوان لم
يقع القصاص بينهما، والفصل بينهما: أن القصد غير الأثمان المغابنة والمكاسبة
وهذا يختلف فلهذا كان لكل واحد منهما قبض ماله في ذمة صاحبه، وليس
كذلك الأثمان لأنها إذا كانت من غالب نقد البلد لم تقع المغابنة فيها، فلهذا
وقع القصاص.
فإذا ثبت هذا نظرت: فإن كان قدر الحقين سواء وقيل: يقع القصاص برئا
معا، فإن كان مال أحدهما أكثر وقع القصاص بقدر ما تقابلا فيه، ورجع من له
الفضل بالفضل، فإن كانت قيمة العبد أكثر من مال الكتابة رجع سيده عليه به،
وإن كانت القيمة أقل رجع هو على سيده بالفضل.
وكل موضع قيل: لا يقع القصاص بينهما، فإذا قبض أحدهما ماله في ذمة
صاحبه أجزأه، ولا حاجة به أن يقبض الآخر شيئا من صاحبه، لأنه إذا قبض
أحدهما برئت ذمة المقبوض منه، وكانت ذمة القابض مشغولة بدين المقبوض
منه، وكان للقابض أن يقضي دينه من أين شاء من ماله، فإذا كان كذلك فلا
معنى لقبض كل واحد منهما ما على الآخر، وأيهما تطوع بالإقباض، فإن القابض
يقضيه دينه على ما يراه.
فإن امتنع كل واحد منهما من الإقباض حبس كل واحد منهما لصاحبه بما
له عليه، فأيهما قضى فالحكم على ما قضى.
وحكم مال الكتابة وغيرها من الحقوق واحد، وهو أن القصاص لا يقع في
283

الجنسين ولا في غير الأثمان فيما لا مثل له، ولا في غير ما في الذمة.
فأما الجنس الواحد من الأثمان وفيما له مثل من غيرها فعلى ما مضى،
وعندنا إذا قلنا: إن الكتابة الفاسدة لا حكم لها، سقطت هذه الفروع، والعبد باق
على رقه، وجميع كسبه لسيده.
فأما الحقوق الباقية فالذي يقتضيه مذهبنا أن الحقين إذا كانا من جنس واحد
من الأثمان، وفيما له مثل من غيرها، يقع القصاص بينهما من غير تراض، وإن
كانا من جنسين أو فيما لا مثل له من غير الأثمان لا يقع إلا بالتراضي، ومتى
كانت الكتابة فاسدة ومات السيد فقد مضى أنها تبطل الصفة.
فإن لم يمت لكن جن أو حجر عليه لسفه بطلت الصفة أيضا، لأنه عقد جائز
كالوكالة والقراض، فإن كانت الكتابة صحيحة لم تبطل بالجنون، لأنها واجبة
لازمة من جهة السيد.
فإذا ثبت أن الصفة تزول بجنون سيده أو بالحجر عليه، فإن أدى العبد إلى
سيده بعد هذا ما شرط في مال الكتابة، لم يعتق العبد، لأن الصفة زالت، وإن جن
العبد أو خبل فالصفة بحالها لا تبطل بجنونه، لأنه قبل الحقوق محجور عليه
لنقصه بالرق، وإذا كان ثبوت الحجر لا يمنع ابتداء الكتابة فكذلك لا يمنع
استدامتها مع حدوث ما يوجب الحجر.
ويفارق السيد، لأن ثبوت الحجر عليه يمنع عقد الكتابة، فحدوث الحجر
عليه يزيلها ويرفعها وهذا سقط عنا لما مضى من القول بفساد تعليق العتق بالصفة.
ومن قال: إن الصفة لا تفسخ بجنونه، قال: إن أدى إلى سيده عتق وإن كان
حال جنونه، لأن الاعتبار بقبض السيد لا بإقباضه، فإذا عتق فهو عتق في كتابة
فاسدة يتراجعان على ما مضى، ويأتي في المسألة بعدها.
إذا أدى المكاتب في حال جنونه فيها ثلاث مسائل:
إحداها: كاتبه سيده كتابة صحيحة ثم جن المكاتب، وأدى مال المكاتب
وهو مجنون عتق، لأنه وإن لم يكن من أهل الإقباض كان سيده من أهل القبض،
284

ولا تراجع بينه وبين سيده لأنه عتق بالمسمى.
الثانية: كاتبه كتابة فاسدة والعبد عاقل ثم جن العبد فأداها في حال جنونه،
عندنا لا يتعلق به حكم ولا يعتق لما مضى، وعندهم يعتق لأن الصفة وجدت
وكان التراجع بينه وبين سيده على ما مضى. الثالثة: إذا كاتب السيد عبده والعبد مجنون، فأدى ذلك في حال جنونه
فعندنا لا يعتق به، لأن الكتابة ما صحت، والعتق بصفة لا يقع، وعندهم يعتق
لأن الصفة قد وجدت، كما لو علق عتقه بدخول الدار فدخلها عتق، وهل بينه
وبين سيده تراجع؟ منهم من قال: يرجع، ومنهم من قال: لا تراجع بينهما.
إذا مات الرجل وخلف ابنين وعبدا فادعى العبد أن أباهما كان كاتبه، قيل
فيه مسألتان:
إحديهما: إذا أنكر الابنان ذلك فالقول قولهما لأن الأصل أن لا كتابة وعليهما
اليمين، لجواز أن يكون العبد صادقا، ويكون اليمين على العلم " لا نعلم أن أبانا
فعل ذلك ".
الثانية: إذا أقر أحدهما بذلك وأنكر الآخر، فإن نصيب المقر يكون مكاتبا
لأنه أقر بما يضره، ثم ينظر: فإن كان المقر عدلا ومعه شاهد آخر عدل بما يدعيه
العبد حكمنا له بذلك على المنكر، وإن لم يكن عدلا أو كان عدلا ولم يكن معه
غيره لم يحكم للعبد بالشاهد واليمين فيما يدعيه، لأنه ليس بمال ولا المقصود منه
المال، بل المقصود منه العتق، فلا يثبت بالشاهد واليمين، كما لو ادعى على سيده
أنه دبره، فإن حلف المنكر استقر الرق في نصيبه وإن لم يحلف رددناها على العبد
فإن حلف حكمنا بأن نصفه مكاتب ونصفه قن للمنكر.
فأما كسبه فكلما اكتسبه في حياة سيده قبل عقد الكتابة فهو ملك لسيده
في حياته ولورثته بعد وفاته، وأما ما يتجدد من كسبه بعد الحكم بأن نصفه
مكاتب فنصفه له ونصفه للمنكر، وما بعد هذا فإنه يفرد في كل يوم من كسبه
نفقته، وما فضل كان بينهما، لأن نفقته على نفسه وعلى المنكر، فيكون من كسبه،
285

لأن كسبه له وللمنكر.
فإن اتفقا على المهاياة مياومة أو مشاهرة كانت على ما اتفقا عليه، فإن طلب
المهاياة أحدهما فأبى الآخر لم يجبر الممتنع منهما عليها، وقال بعضهم: يجبر.
فإذا ثبت أن الكسب بينهما، لم يخل من أحد أمرين: إما أن يؤدي ما عليه أو
يعجز عنه.
فإن عجز عن الأداء أو امتنع منه مع القدرة كان المقر بالخيار بين إقراره
وبين الفسخ، فإن أقره عليها فلا كلام، وإن اختار الفسخ ففسخ الكتابة عادا عبدا
قنا لهما ويكون ما كان في يده للمقر وحده لا حق للمنكر فيه، لأن المنكر قد
استوفى حقه أولا فأولا، وهذا الذي جمعه في يده بحق الكتابة، فإذا زالت كان
المال للمقر كما لو كاتب كل عبده فعجز ورق فإنما كان في يده لسيده.
فإن اختلف الابنان في الكسب فقال المقر: اكتسبه بعد عقد الكتابة فهو لي
وحدي، وقال المنكر: قبل الكتابة فهو بيننا من تركة والدنا، فالقول قول المقر
لأن الأصل أن لا كسب، فالمنكر يدعي حدوثه قبل الوفاة، فكان القول قول
المقر، هذا إذا عجز ورق.
فأما إن أدى ما عليه وعتق لم يقوم على المقر نصيب شريكه لأن التقويم على
الشريك بأن يباشر العتق لنصيبه أو يكون سبب عتقه، وليس هاهنا واحد منهما،
لأنه إنما حكى عن غيره فهو كالشاهد، ولا يقوم على الميت أيضا وإن كان هو
السبب في عتقه، لأنه عتق بعد زوال ملك السيد عن ماله، ويكون الكلام بعد هذا
في فصلين: الولاء والميراث.
أما الولاء فثابت على نصفه عندنا بالشرط، وعندهم على كل حال، لأنه قد
عتق، ولمن يكون الولاء؟ قال قوم: بين الابنين، لأن العتق ثبت بما كان من
أبيهما فكان الولاء لهما.
وقال آخرون: إن الولاء كله للمقر وحده لا حق للمنكر فيه، وهو الأقوى
عندي، لأن المقر منهما أقر بأن العبد مكاتب كله، فإنه متى عتق كان ولاء كله
286

بيننا نصفين، فلما جحد أخوه ذلك وأنكره، فقد رد حق نفسه من الولاء، وكان
الباقي لأخيه، وهذا كمن خلف دينا له به شاهد واحد وخلف ابنين فحلف أحدهما
مع الشاهد استحق الدين وحده دون أخيه، لأنه حلف وأبي أخوه أن يحلف.
فأما الميراث، فإذا مات هذا المكاتب وخلف مالا كان ماله بما فيه من
الحرية وعندنا يورث عنه ذلك القدر، وقال قوم: لا يورث ويكون لسيده الذي
ملك نصفه.
ومتى قلنا: إنه يورث، فإن كان له مناسب ورثه، فإن لم يكن فلمولاه،
ويكون لمن حكمنا بأن الولاء له وهو المقر وحده عندنا لما مضى، ومن قال:
بينهما، قال: يأخذ المقر نصف الميراث والباقي يكون موقوفا، لأنا حكمنا بأنه
للمنكر والمنكر يجحده، نقف الولاء حتى يعرف أو ينكشف أمر الولاء.
إذا خلف عبدا وابنين فادعى العبد أن أباهما كان كاتبه، فيها ثلاث مسائل:
إذا كذباه معا، وإذا صدقه أحدهما وكذبه الآخر وقد مضيا.
الثالثة: إذا صدقاه معا، فالحكم فيه إذا صدقاه وإذا قامت البينة أن أباهما كان
كاتبه فإن الكتابة قد ثبتت من الأب، فإذا مات الأب لم تنفسخ الكتابة لأنه عقد
لازم من جهته، فلا ينفسخ بوفاته، وقام وارثه مقامه، والولدان يقومان مقامه،
ويرثان ماله، ويستوفيان حقوقه، وقد خلف مالا في ذمة هذا المكاتب، وكان
القبض إليهما فإن أدى إليهما مال الكتابة عتق.
فإذا عتق كان الولاء للأب لأنه عتق بسبب من جهته وهو عقد الكتابة،
ويكون لوارثه بعده كما لو باشر عتقه، وهكذا لو أبرآه من مال الكتابة أو اعتقاه
الباب واحد.
والولاء للأب إذا شرط عندنا، وعندهم على كل حال، ويكون لهما بعده
وحكم الولاء على ما مضى، لأنهما أنفذا ما عقده الأب وأمضياه، هذا إذا أدى
وعتق.
وأما إن عجز عن الأداء كان لهما الفسخ وترك الفسخ، فإن فسخا عقد
287

الكتابة عاد عبدا قنا، فإن كان في يده مال كان لهما كالتركة من أبيهما لهما، وإن
لم يختارا الفسخ لكنهما أقراه على الكتابة ورفقا به ليؤدي على مهل جاز.
فإذا فعل هذا فإن أراد الأداء إلى أحدهما دون الآخر قدر ما عليه منع منه،
فإن خالف وفعل فهل يعتق نصيب من أدى إليه أم لا؟ قيل فيه وجهان، والكلام
عليهما يأتي.
فأما إن أعتق أحدهما نصيبه منه أو أبرأه أحدهما عن جميع ماله في ذمته
سواء عني الإبراء أو العتق قال قوم: يعتق منه نصيبه، وقال آخرون: لا يعتق
لأنهما قاما مقام الأب، ولو أن الأب أبرأه عن نصف مال الكتابة لم يعتق، كذلك
إذا أبرأه غيره من نصفه، والأول أقوى عندي، لأنه أبرأه عن جميع ما استحقه عليه
من مال الكتابة، فوجب أن يعتق، كما لو كان كله له فأبرأه عن مال الكتابة،
وعكسه الأب لأنه أبرأه عن نصف ما استحقه عليه فلهذا لم يعتق.
فإذا ثبت أنه يعتق نصيبه وحده فهل يقوم عليه نصيب أخيه؟ قال قوم: يقوم
عليه، وقال آخرون: لا يقوم، وهو الأقوى عندي، لأن التقويم يكون على من باشر
العتق أو كان سببا فيه، والابن ما باشر العتق ولا كان سببا فيه، وإنما أنفذ ما كان
عقده له أبوه، وكان المعتق هو الأب بدليل أن ولاءه للأب.
ومن قال: يقوم عليه، قال: لأنه استأنف عقدا غير الذي عقده الأب، لأنه
عجل ما كان أخره أبوه، فهو غير الأول.
فمن قال: لا يقوم عليه - على ما اخترناه - كان نصيبه منه حرا ونصيب أخيه
مكاتبا لأخيه، فإن أدى إلى أخيه وعتق كان ولاؤه كله للأب وانتقل منه إليهما،
فإن عجز ورق كان نصفه رقيقا لأخيه، وباقيه حرا، وعلى الحر الولاء، ولمن
يكون الولاء؟
قال قوم: بينهما نصفين، لأنه عتق بعقد الأب، وقال آخرون - وهو الصحيح
عندنا -: أن ولاءه للذي أعتقه منفرد به دون أخيه، لأنه لما امتنع من إعتاق نصيبه
فقد أسقط حقه من الولاء، ووفره على أخيه.
288

ومن قال: يقوم عليه نصيب أخيه، فمتى يقوم عليه؟ هذه المسألة مبنية على
مسألة الشريكين بينهما عبد فكاتباه ثم أعتق أحدهما نصيبه منه، عتق وقوم عليه
نصيب شريكه، لأنه أوقع العتق ابتداء في نصيب نفسه، وهل يقوم عليه في الحال
أو عند عجز المكاتب عن الأداء؟ على قولين: أحدهما يقوم في الحال، والثاني
يؤخر التقويم إلى حين العجز عن الأداء.
ثم عدنا إلى مسألة الابنين، منهم من قال: يؤخر التقويم في مسألة الابنين قولا
واحدا، ومنهم من قال: على قولين كمسألة الشريكين سواء، وهو أصح عندهم.
فإذا قوم في الحال فمتى يعتق نصيب الشريك؟ فيه الأقوال الثلاثة: أحدهما
باللفظ والثاني باللفظ ودفع القيمة، والثالث مراعى على ما مضى.
فمن قال: باللفظ، عتق كله وقوم وهو حر وأخذ له القيمة، ومن قال باللفظ والدفع، قوم وهو مكاتب، فأفاد هذا التقويم زوال عقد الكتابة، وعود الرق
والعتق بعد الرق، فإذا عتق كله كان ولاء ما أخذت منه قيمته له وحده، وولاء ما
باشر عتقه على ما مضى من الوجهين: أحدهما لهما، والثاني للذي باشر العتق.
ومن قال: يؤخر التقويم إلى حين العجز أخره، فإن أدى وعتق عتق كله
وكان الولاء للأب وانتقل إليهما، وإن عجز عن الأداء قومه، هذا إذا قيل: يعتق
باللفظ ودفع القيمة.
ولا يجئ بأنه يعتق باللفظ، لأنه لو عتق باللفظ لم يقع فيه التأخير إلى هذا الوقت،
وكل موضع عتق بالأداء كله والإبراء والعتق فالولاء للأب ينتقل إليهما نصفين،
وكل موضع عتق بعضه بالعتق أو الإبراء وبعضه بالتقويم، فإن ولاء ما أخذت
قيمته لمن أخذت القيمة منه وحده، لا يشركه أخوه فيه، وولاء النصف الآخر
الذي عتق بالمباشرة فعلى الوجهين: أحدهما بينهما والثاني للمباشر وحده.
إذا كاتب عبده فإن أدى جميع ما عليه عتق جميعه بلا خلاف، وإن أدى
البعض لا يخلو عندنا من أحد أمرين: إما أن يكون مشروطا عليه أو مطلقا.
فإن كان مشروطا عليه بأن قيل له: متى عجزت عن الأداء فأنت رد في
289

الرق، فإنه لا ينعتق حتى يؤدي جميع مال الكتابة، وإن كان قد أطلقت الكتابة
ولم يشرط ذلك، فأدى بعضه عتق عندنا بحسب ما أدى، وعند أكثر الفقهاء لا
يعتق منه شئ بحال ولم يفصلوا.
وقال قوم من المتقدمين: يعتق بحساب ما أدى، ولم يفصلوا، وقد ذكرناها
في الخلاف.
الكتابة لازمة من جهة السيد، جائزة من جهة العبد، ولسنا نريد بقولنا جائزة
من جهته أن له الفسخ كالعامل في القراض، بل نريد أن له الامتناع من أداء ما
عليه مع القدرة عليه.
فإذا امتنع منه كان سيده بالخيار بين البقاء على العقد وبين الفسخ، وقال
قوم: هي لازمة من الطرفين معا، فإن كان معه مال أجبرناه على الأداء ليعتق، فإن
لم يكن معه مال قال بعضهم: أجبره على الكسب، وقال آخرون: لا أجبره.
والذي يقتضيه مذهبنا أن الكتابة إن كانت مطلقة فهي لازمة من الطرفين،
وليس لأحدهما فسخها، وإن كانت مقيدة فهي لازمة من جهة السيد وجائزة من
جهة العبد، فإن عجز لم يجبره على الاكتساب، فإن لم يعجز وكان معه مال
وامتنع أجبر على الأداء كمن عليه دين وهو موسر.
فإذا ثبت هذا فمات المكاتب بطلت الكتابة عندهم، ويكون ما خلفه لسيده
سواء خلف وفاء أو لم يخلف، وقال بعضهم: لا ينفسخ على تفصيل لهم.
وعندنا إن كان مشروطا عليه انفسخت المكاتبة وما خلفه لسيده، وإن
كانت مطلقة وقد أدى بعضه كان لسيده بحساب ما بقي من الرق، وللورثة
بحساب ما تحرر منه، وقد روي أنهم يؤدون ما بقي عليه وقد تحرر كله وما يبقى
فلهم.
إذا كاتب عبده كتابة صحيحة فحل نجم من نجومها فأتى به إلى سيده فقال
له سيده: هذا حرام، أو قال: هذا غصبته من فلان، لم يخل السيد من أحد أمرين:
إما أن يكون معه بينة أو لا بينة معه.
290

فإن كان معه بينة أنه غصبه من فلان لم يجب عليه أن يقبله منه، لأنه إنما
يجب عليه أن يقبل منه ما يملكه بقبوله وقبضه وهذا لا يملك بذلك لأنه حرام،
ويقال للمكاتب: إما أن تأتيه بمال حلال أو يعجزك فترق.
وإن لم تكن مع السيد بينة فالقول قول المكاتب، لأن الظاهر أن ما في يده
ملكه حتى يعلم خلافه، ولأن السيد متهم عليه فيما يدعيه، لأنه يقصد أن يعجزه
فيرده في الرق، فلهذا لا تقبل شهادته مع أجنبي بالغصب، فإذا ثبت أن القول قوله
فقوله مع يمينه، لأنه يمكن صدق السيد فيما يدعيه.
فإذا ثبت أن القول قوله لم يخل من أحد أمرين: إما أن يحلف أو لا يحلف،
فإن لم يحلف حلف السيد، ويكون الحكم كما لو قامت البينة أنه حرام، وإن
حلف المكاتب قلنا للسيد: إما أن تقبل هذا المال أو تبرئه ليعتق، ولا يملك
الإضرار به، فإن أبرأه برئ، فإن كان كل مال الكتابة عتق، وإن كان أقل برئ
المكاتب عن هذا القدر.
وإن قبض السيد المال فإن كان قال: هذا حرام، ولم يقل من المالك، أقر
المال في يده حتى يظهر مالكه، فإن قال: غصبته من فلان، فعليه أن يدفعه إلى
فلان برمته، لأنه أقر له، فإن لم يقبض منه المال ولو يبرئه دفعه المكاتب إلى
الحاكم فيأخذ الحاكم ليحفظه لسيده، ويعتق المكاتب.
وليس للمكاتب أن يتزوج بغير إذن سيده لما روي عن النبي صلى الله عليه
وآله أنه قال: أيما عبد نكح بغير إذن مولاه فهو عاهر، فإن أذن له سيده فيه صح
لدليل الخبر.
وأما الشراء فللمكاتب أن يتجر في جميع أنواع التجارات، ويشتري الرقيق
وغير ذلك.
فإذا اشترى جارية لم يكن له وطؤها بغير إذن سيده لأنه يغرر بها إما بأن
تحبل فتهلك، أو ينقص الثمن، فإن أذن له حل له وطؤها عندنا، وقال قوم: لا تحل له.
291

وأما إن كان في يده مال تجب فيه الزكاة فزكاته على سيده، وقال بعضهم:
لا زكاة فيه أصلا، وهو قوي، فإن باعه وله مال، عندنا إن شرط المشتري المال
كان له وإن لم يشرط كان للسيد، وقال بعضهم: يبطل البيع، وقال بعضهم:
يصح البيع.
وكل موضع قلنا: لا يطأها، فإن خالف ووطئ فلا حد عليه لشبهة الملك،
ولا مهر عليه لأن المهر إذا وجب كان له فلا يجب له على نفسه، فإن حبلت لحق
النسب به لسقوط الحد عنه.
والولد حكمه عندنا وعندهم مملوك، لأنه بين مملوكين، ولا يعتق عليه،
لأنه ناقص الملك، ولا يجوز له بيعه لأنه ولده، وهكذا إذا أوصي له بولده فقبله
فلا يعتق عليه ولا يبيعه، والأمة لا تصير أم ولده في الحال، لأنها علقت بمملوك
عندهم، وعندنا تكون أم ولد.
ثم ينظر: فإن عجز المكاتب ورق كان هو وولده وأمته ملكا لسيده، فإن
أدى وعتق عتق ولده، لأنه قد تم ملكه عليه، وتصير الأمة أم ولده عند
قوم، وعند آخرين لا تصير، وفيها أربع مسائل تتعلق بإحبال الأمة:
إن أحبلها بحر منه في ملكه صارت أم ولده بلا خلاف، وإن أحبلها بمملوك
في غير ملكه ثم ملكها لا تصير أم ولده، وإن أحبلها بحر في غير ملكه ثم ملكها
على قولين، عندنا تصير أم ولده، وإن أحبلها بمملوك في ملكه وهو المكاتب إذا
أحبلها بشبهة فعلى قولين، عندنا تصير أم ولده.
وأما إذا أحبل الراهن أمته المرهونة فإنه يكون الولد حرا وتكون أم ولده
ويمنع الإحبال من بيعها لعموم الأخبار عندنا، وعندهم على قولين: فمن قال:
يمنع، قال: هي أم ولده، ومن قال: لا يمنع، فإذا بيعت ثم ملكها فهي أم ولده،
لأنه أحبلها في ملكه، هذا إذا أتت به قبل أن يعتق المكاتب.
فأما إن أتت به بعد العتق، فإن أتت به لأقل من ستة أشهر من حين العتق
فالحكم فيه كما لو أتت قبل العتق، لأنا علمنا أنها علقت به وهو مكاتب.
292

فإن أتت لشبهة به لستة أشهر فصاعدا من حين العتق، فالولد حر وهي أم
ولده ولا ولاء على الولد، لأنه أحبلها بحر بعد تمام ملكه عليها، وهكذا الحكم إذا
وطئها بإذن سيده وطء مباحا فهما واحد على ما فصلناه.
الإيتاء واجب عندنا وهو أن يحط السيد عن مكاتبه شيئا من مال الكتابة أو
يؤتيه شيئا يستعين به على الأداء لقوله تعالى: " وأتوهم من مال الله الذي آتاكم "
وهذا أمر، وقال قوم: هو مستحب وبه قال قوم من أصحابنا.
فإذا تقرر أن الإيتاء واجب فالكلام في ثلاثة فصول: في وقته وقدره وجنسه.
فأما وقته فله وقتان: وقت جواز ووقت وجوب، فأما وقت الجواز فما بين
الكتابة والعتق، وأما وقت الوجوب فقال قوم: هو إذا بقي عليه القدر الذي عليه أن
يؤتيه، فإنه يتعين عليه، لأنه الوقت الذي يتحقق أن يستعين، وأما قبل هذا فقد
يعجز ويرق.
وقال بعضهم: وقت الإيتاء بعد العتق، لأن الإيتاء في الكتابة كالمتعة في
النكاح، والأول أقوى لقوله تعالى " وآتوهم " يعني المكاتبين، فإذا أعتق لا يكون
مكاتبا.
وأما قدره فعندنا ما يقع عليه الاسم قليلا كان أو كثيرا، فإن كاتبه على
دنانير، فأقل ما يقع عليه الاسم حبة ذهب، وإن كاتبه على دراهم فدرهم أو أقل،
وقال قوم: هو على قدر مال الكتابة وبحسبه.
وأما الكلام في جنسه فإن السيد بالخيار بين أن يحط شيئا من ماله في ذمته
وبين أن يدفع إليه مناولة لقوله تعالى: " وآتوهم من مال الله " وحقيقة الدفع
المناولة، ودليل الحط ما رواه علي عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله في
قوله تعالى: " وآتوهم من مال الله " وحقيقته أن يحط ربع كتابته، والحط أشبه
بالشرع وأحوط.
فإن حط فلا كلام وإن اختار الإيتاء ففيه ثلاث مسائل: إما أن يؤتيه من عين
مال الكتابة أو من غير جنسه أو من مثل جنسه.
293

فإن آتاه من عينه وهو عين ما أدى إليه لزمه القبول، لأنه آتاه من المال الذي
أمره الله أن يؤتيه، وإن آتاه من غير جنسه مثل أن كانت عليه دنانير فأتاه دراهم لم
يجب على المكاتب القبول، لأن الله تعالى أوجب حقه في مال الكتابة، فلا يلزمه
أن يقبل من غير جنسه، وأما إن آتاه مثل جنسه فقال قوم: لا يجب عليه القبول،
ومنهم من قال: يجب عليه، وهو الأقوى عندي.
إذا أدى المكاتب وعتق قبل أن يؤتيه السيد شيئا يتعلق الإيتاء بتركته، لأنه
دين عليه فهو كسائر الديون، فإن كان على السيد دين غير هذا وقد أوصى بوصايا
فإن وفت التركة بالكل استوفي منها، وإن فضل فضل كان ميراثا، وإن ضاقت
عن الوصايا ووفت بالدين والإيتاء استوفيا منها، فإن ضاقت عنهما ضرب صاحب
الدين والمكاتب في التركة بالحصص.
ليس لولي اليتيم والمولى عليه لسفه أن يكاتب عبدا له، سواء كان الولي هو
الأب أو الجد أو الوصي أو الحاكم أو ولي الحاكم، وقيل: له ذلك لأنه كالبيع،
وإذا ثبت هذا وخالفه وكاتبه فالكتابة باطلة، فإن أدى المال كان لسيده ولا يعتق
العبد به.
إذا اختلف السيد والمكاتب في قدر البذل، فقال السيد: علي ألفين، وقال
المكاتب: علي ألف، وقد يختلفان في الأجل فيقول السيد: إلى سنة، ويقول
المكاتب: إلى سنتين، وقد يقول السيد: إلى سنتين في نجمين ويقول المكاتب: إلى
سنتين في ثلاثة نجوم، فإذا اختلفا تحالفا عندهم، لأنه عقد معاوضة كالبيع.
ثم ينظر: فإن كان التحالف قبل الأداء وقع الفسخ ثم بما ذا يقع؟ قال
بعضهم: بالتحالف، وقال آخرون: بالتحالف وحكم الحاكم معا، كالبيع وإذا
وقع الفسخ زال العقد وكانا بالخيار في تجديد الكتابة وفي ترك التجديد، لأنه
عاد عبدا قنا.
فإن كان التحالف بعد العتق فلا يمكن رد ما وقع من العتق، لكن يكون
على المكاتب قيمة نفسه، كالقول في التحالف في البيع وقد تلف المبيع، على
294

المشتري قيمته، كذلك هاهنا، وينظر بين قيمته وما أدى: فإن تساويا تفاضلا وإن
تفاضلا ترادا الفضل، فإن كانت القيمة أكثر فعلى المكاتب الفضل، وإن كان
المؤدى أكثر فعلى السيد رد الفضل.
وإنما يتصور ذلك إذا اتفقا على أن المؤدى ألفان، فإن العتق وقع واختلفا
فقال السيد: ألفان معا مال الكتابة، وقال المكاتب: ألف منها مال الكتابة وألف
وديعة، فاجتمعا على وقوع العتق وعاد الاختلاف إلى أصل العقد.
إذا تزوج مكاتب معتقة لقوم فأولدها ولدا فهو تبع لأمه وعليه الولاء لمولى
أمه لأن عليها الولاء، فإن أدى المكاتب وعتق جر الولاء الذي على ولده لمولى
أمه إلى مولى نفسه، وإن عجز ورق استقر الولاء لمولى أمه.
فإن مات المكاتب واختلف مولاه ومولى الأم فقال سيد المكاتب: قد أدى
وعتق وجر الولاء الذي على ولده إلي، وقال أسيد الأم: بل مات عبد فلم يجر
شيئا، فالقول قول مولى الأم لأن الأصل بقاء الولاء، والأصل بقاء الكتابة،
والأصل أنه لا عتق في المكاتب، فلهذا كان القول قول مولى الأم، فأما قبل وفاة
المكاتب فقد اعترف السيد بعتق المكاتب والأداء، فيجر الولاء ويزول
الاختلاف.
إذا كان له مكاتبان كاتبهما بعقد واحد أو بعقدين كل واحد منهما على
ألف، فأدى أحدهما ألفا وعتق ثم أشكل عليه عين المؤدى منهما كلف التذكر
والتفكر لعله أن يذكر، وذلك طول حياته، وليس له فرض القبض في أحدهما
بل عليه التذكر فقط.
فإن قال: قد ذكرت أن هذا هو المؤدي منهما، حكمنا بعتقه وأن الآخر باق
على المكاتبة، فإن صدقه الآخر على هذا فلا كلام، وإن ادعى عليه أنه هو الذي
أدى إليه فالقول قول السيد لأن الأصل أن لا قبض، وعليه اليمين لأنه صدق
المدعي فيما يدعيه، ويمينه على البت لأنها على فعل نفسه، وإن كانت على النفي.
فإن لم يبين ومات قبل البيان أقرع بينهما عندنا، وقال بعضهم: لا يقرع لأن
295

أحدهما حر قد نجز العتق فيه فلو أقرعنا ربما رق الحر وعتق العبد.
فإذا أقرعنا بينهما فمن خرجت قرعته الحرية أحررناه وكان الآخر على كتابته
يؤدي ويعتق، أو يعجز ويرق، ومن قال: لا يقرع بينهما، قال: تقوم الوارث مقام
مورثه في البيان لا في التعيين.
فإن بين وعين حكمنا بعتقه، وكان الآخر على الكتابة، فإن صدقه فذلك،
وإن كذب الوارث فالقول قول الوارث مع يمينه على العلم لا على النفي، لأنها
على فعل الغير.
فإن لم يبين وادعى عدم علمه بعين المؤدى منهما، فالقول قوله مع يمينه لا
يعلم ذلك، فإذا حلف كانا معا على الكتابة يؤدي كل واحد منهما ألفا ويعتق،
وإذا قبض الألفين منهما فهو يقطع أن أحدهما حرام ولا يعرف عينه، فلا يحل له
التصرف فيهما ولا في واحد منهما.
الكتابة بالعرض كالثياب والطعام والحيوان جائزة، ولا بد أن يكون معلوما
بضبط صفاته كما يضبط في السلم، وسواء كان على ثوب واحد أو ثوبين عندنا
يجوز، وعندهم لا يجوز على أقل من ثوبين في نجمين، ومتى كاتبه على عرضين
إلى أجلين كالثوبين ونحوهما، فأدى الثوبين عتق المكاتب في الظاهر، وحكمنا
بعتقه، لأن الأداء قد وجد.
ثم ينظر في العرض الذي قبضه: فإن كان سليما من العيوب استقر له ما
قبضه واستقر العتق للمكاتب فإن أصاب السيد فيما قبضه عيبا كان بالخيار بين
إمساكه ورده، ثم لا يخلو أن يختار الإمساك أو الرد.
فإن اختار الإمساك استقر القبض وبرئت ذمة المكاتب عن مال الكتابة،
فاستقر له العتق، وإن اختار الرد فرده حكمنا بارتفاع العتق الواقع في الظاهر،
لأن العتق الواقع إنما يستقر باستقرار الأداء، وقد ارتفع فارتفع العتق، هذا إذا
وجده معيبا ولم يحدث عنده فيه عيب يمنع الرد.
فأما إن علم بالعيب وقد نقص العرض عنده بعيب لم يكن له الرد كما لو
296

كان في البيع، واستقر أرش العيب على المكاتب، وارتفع العتق، لأن ذمته ما
برئت من مال الكتابة، فإن كان له ثوب سليم من العيب وإلا كان لسيده تعجيزه
ورده في الرق.
إذا ادعى المكاتب أنه دفع مال نجومه إلى سيده فأنكر السيد لم يخل
المكاتب من أحد أمرين: إما أن يكون معه بينة أو لا بينة له به، فإن كان له بينة
سمع شاهدان أو شاهد وامرأتان أو شاهد ويمين، لأنه تأدية مال، وإن كان لا يثبت
أصل الكتابة بشاهد ويمين، لأنه عتق والمقصود منه الحرية وهذا تأدية مال.
إذا اجتمع على المكاتب مع مال الكتابة ديون لقوم وحل مال الكتابة عليه
فإن كان ما في يده بقدر ما عليه من الدين ومال الكتابة أعطى كل ذي حق حقه
وعتق، وإن ضاق المال عن ذلك قدم الدين على مال الكتابة، لأن مال الكتابة
جائز، بدليل أنه لا يجبر على أدائه ولا يصح ضمانه، والدين ثابت مستقر في ذمته
بدليل أنه يجبر على أدائه ويصح ضمانه، وإذا كان أقوى منه قدمناه.
ولأن في تقديمه حفظا للحقين لأنا إذا قدمنا الدين وفضل شئ كان للسيد،
وإن لم يفضل رجع السيد عن مال الكتابة إلى رقبة العبد، وفي تقديم السيد متى
لم يفضل شئ سقوط حق الغريم أو تأخره، فكان حفظ الحقين أولى من تضييع
أحدهما.
وهكذا نقول نحن في الكتابة المشروطة، فأما إن كانت مطلقة فهم سواء لا
ترجيح لتقديم أحدهم على صاحبه، فعلى الأول إذا قدم الدين كان السيد بالخيار
بين المقام على الكتابة وبين التعجيز والفسخ.
وأما إن مات المكاتب وعليه ديون انفسخت الكتابة لموته، وبرئت ذمته عن
مال الكتابة وكان الدين باقيا في ذمته يتعلق بالمال الذي في يده كالعبد المأذون
إذا مات وعليه دين تعلق بما في يده.
ثم ينظر: فإن كان ماله بقدر ما عليه قضي ديونه، فإن فضل فضل كان
للسيد بحق الملك لا بحق الكتابة، لأن الكتابة قد زالت، فإن كان ما في يده
297

دون الدين الذي عليه قسمنا ماله بين غرمائه بالحصص، ولا يجب على السيد
شئ لأن الدين لم يجب في ذمة السيد وإنما تعلق بذلك المال فقط.
إذا كاتب نصف عبد لم يخل من ثلاثة أحوال: إما أن يكون باقيه حرا أو
ملكا له أو ملكا لغيره:
فإن كان باقيه حرا فالكتابة صحيحة، لأنه كوتب على كل ما فيه من الرق
ثم ينظر: فإن أدى ما عليه عتق، وإن عجز كان السيد بالخيار بين أن يقره على
الكتابة أو يفسخ.
فأما إذا كان باقيه مملوكا فالصحيح أن الكتابة باطلة، لأن المقصود بالكتابة
وقوع العتق بالأداء والمقصود هاهنا مفقود، لأنه لا يتمكن من التصرف، لأن
السيد يمنعه من السفر بما فيه من الرق ولا يأخذ من الصدقات وإذا أخذ اقتضى أن
يقاسمه السيد عليها، وقال بعضهم: يصح كما لو كان النصف لغيره فكاتبه
باذنه، والأول أقوى عندي وإن كان هذا أيضا قويا.
فإذا ثبت أنها باطلة نظرت: فإن اختار السيد رفعها فعل وزالت الصفة، وإن
تركها بطل العوض، وعندنا الصفة لا اعتبار بها، وعندهم الصفة بحالها، فإن أدى
عتق بوجود الصفة ويكون قد عتق نصفه بأداء عن كتابة فاسدة، فإن كانت قيمة
نصفه وقدر ما أداه سواء تقاصا، وإن كان فضل مع أحدهما ترادا الفضل، فإذا تم
عتق نصفه عتق باقيه، لأن باقيه له، وإذا عتق بعضه بسببه عتق الباقي بالسراية،
ولا يجب للسيد في مقابلة ما عتق بالسراية شئ لأنه ما بذل العوض عن باقيه.
فأما إن كان الباقي لغيره وكاتب نصيبه منه لم يخل من أحد أمرين: إما أن
يكاتبه بإذن شريكه أو بغير إذنه.
فإن كان بغير إذن شريكه فالكتابة فاسدة عندنا وعند جماعة، وقال
بعضهم: تصح.
وإنما قلنا: لا تصح لأنه يؤدي إلى الإضرار بشريكه، ويفارق البيع لأنه لا
يضر بشريكه، فإذا فسد العوض فسدت الكتابة عندنا، وعندهم تبقى الصفة،
298

والسيد بالخيار بين المقام على الصفة وبين إبطالها، وإن رفعها وأبطلها عاد قنا.
وإن اختار المقام على الصفة فاكتسب المكاتب وأدى لم يخل من أحد
أمرين: إما يؤدي إلى الذي كاتبه أو بالحصة.
فإن أدى إليه بالحصة نصف كسبه إليه ونصف كسبه إلى من لم يكاتب
حتى وفي مال الكتابة عتق نصفه بالأداء لوجود الصفة ويكون لسيده عليه قيمة
نصفه، وله على سيده ما أدى إليه، فإن كان المؤدى وقدر القيمة سواء تقاصا، وإن
كان أحدهما أفضل فإنهما يترادان الفضل على ما قلناه، فإذا عتق نصيبه سرى إلى
نصيب شريكه لأن نصيب شريكه قد رق ونصيب نفسه قد عتق بسبب كان منه،
فإذا عتق نصيب شريكه كان لشريكه أن يرجع عليه بقيمة نصيبه، وليس للسيد
أن يرجع على المكاتب بقيمة ما عتق منه بالسراية، لأنه ما بذل العوض عنه، هذا
إذا أدى الكسب إلى كل واحد منهما بالحصة.
فأما إن أدى جميع كسبه إلى سيده الذي كاتب نصفه، وكان قدر مال
الكتابة، قال قوم: يعتق لأنه أدى إليه بالشرط عليه، وقال آخرون: لا يعتق، لأنه
علقه بأداء السيد ما يملك وتبرأ ذمة العبد به، وهذا ما وجد.
فمن قال: لا يعتق، قال: يرجع السيد إلى شريكه فيأخذ منه نصف ما دفعه
إليه العبد، ثم إن أدى العبد ما بقي عليه من مال الكتابة عتق، وإلا فالحكم على ما
مضى.
ومن قال: يعتق، قال: يرجع السيد أيضا على شريكه بنصف ما دفع إليه
العبد، لأنه بينهما وقد عتق نصفه عن مكاتبة فاسدة، فعليه نصف قيمته لسيده، فإن
كانت القيمة وقدر ما أدى إليه سواء تقاصا، وإلا ترادا الفضل.
فإذا عتق نصفه سرى إلى نصيب شريكه إن كان موسرا ويقوم عليه نصيب
شريكه لأنه عتق بسبب كان منه، فإذا عتق لم يرجع على مكاتبه بشئ لأجل
عتق الباقي، لأنه ما بذل العوض في مقابله.
وأما إن كاتب نصيبه منه بإذن شريكه، فعندنا أنه يصح وعند جماعة، وقال
299

بعضهم: لا يصح، فمن قال: لا يصح، فقد مضى حكمه إذا كان بغير إذن شريكه،
ومن قال: يصح، على ما نقوله فيكون نصفه مكاتبا ونصفه قنا.
فإما أن يكون بينه وبين الذي لم يكاتب مهاياة أو لا يكون ويكون الكسب
بينهما بعد نفقته، وأيهما كان فإذا كسب وأدى إلى سيده الذي كاتب نصفه لم
يخل من أحد أمرين: إما أن يؤدي إليه ما يخصه من كسبه، أو يجمع الكسب كله
ويسلم إليه.
فإن أعطاه ما يخصه من الكسب عتق ولا تراجع بينه وبين سيده، لأنه مؤد
عن كتابة صحيحة، وسرى العتق إلى نصيب شريكه لأن نصيب نفسه عتق بسبب
كان منه، ونصيب شريكه قن فسرى العتق إليه، ويرجع الشريك على السيد
الذي كاتب نصيبه بقدر قيمة نصيبه، ولا يرجع السيد على المكاتب بشئ مما
ضمنه لشريكه، لأنه ما بذل العوض عن نصيب الشريك.
فأما إن جمع الكسب كله فأداه إلى الذي كاتب نصفه وكان وفاء ما عليه
من الكتابة فعندنا لا يعتق بهذا الأداء، ومنهم من قال: يعتق، وإنما قلنا بالأول لأنه
إذا قبض الكل لم يملك منه إلا نصفه ولا تبرأ ذمة المكاتب عن جميع مال
الكتابة، فلهذا لم يعتق.
إذا كاتب عبده لم يكن له منعه من أن يسافر، وقال بعضهم: له منعه،
والأول أقوى عندنا، لأن في السفر الاكتساب، وإن كان له شقص منه فكاتبه عليه
بإذن سيده الآخر كان لشريكه منعه من السفر لأن نصيبه مملوك.
ومتى كاتباه معا جاز وإن اختلفا في الثمن، مثل أن يكاتب أحدهما نصفه
بألف والآخر نصفه بألفين، وقال بعضهم: لا يصح، والأول أقوى عندي لأنه مثل
البيع.
ومن قال بالثاني قال: متى تفاضلا في الثمن مع التساوي في الملك بطلت
المكاتبة، وهكذا إذا كاتباه إلى أجلين متفقين مع الاختلاف في البذل أو أجلين
مختلفين مع الاتفاق في البذل، فالكل جائز عندنا، وفيهم من قال: لا يجوز.
300

إذا كان العبد بينهما نصفين فكاتباه معا على ألف، كل واحد منهما على
خمس مائة ثم ادعى أنه دفع إلى كل منهما كمال ما وجب له عليه، فإن صدقاه
معا عتق، وإن كذباه فالقول قولهما مع يمينهما، لأن الأصل أن لا قبض، وإذا
حلفا فإن أدى إليهما عتق، وإن عجز كان لهما أن يعجزاه ويرجع رقيقا قنا.
فإن صدقه أحدهما وكذبه الآخر عتق نصيب المقر لأنه قد اعترف بقبض
مال الكتابة، ويكون القول قول الآخر مع يمينه لأن الأصل أن لا قبض، ولا تقبل
شهادة المقر على المنكر لأنه متهم بما يأتي ذكره.
فأما إذا لم تقبل شهادته وحلف المنكر، كان له المطالبة بحقه من مال
الكتابة لأنه قد ثبت أنه ما قبض منه شيئا، ويكون بالخيار بين أن يطالب المكاتب
بالخمس مائة كلها، لأنه قد حلف أنه ما قبض منه شيئا وبين أن يطالبه بمائتين
وخمسين ويطالب شريكه بمائتين وخمسين، لأن على المكاتب أن يؤدي مال
الكتابة إلى كل واحد منهما بالحصة.
فإذا ثبت أن المقر قد قبض منه خمس مائة كان لشريكه نصفها لأنه لا يملك
أن ينفرد بها، وله مطالبة المكاتب بمائتين وخمسين، لأنه إذا كان له مطالبته
بالخمس مائة كلها، فبأن يملك المطالبة بنصفها أولى وأحرى، وإنما قلنا ذلك
لأنه كسب لعبديهما فكان بينهما.
فإذا ثبت أنه بالخيار فإن اختار أن يقبض الخمس مائة من العبد فعل، وإن
اختار أن يقبض نصفها ونصفها من شريكه فعل، فإذا قبض ذلك عتق العبد لأن
كل واحد منهما قد استوفى جميع ماله على أي وجه كان، فليس لأحد من المقر
والمكاتب أن يرجع بما غرم على غيره بشئ لأنه إن قبض الكل من المكاتب لم
يكن للمكاتب أن يرجع على المقر بشئ من ذلك، لأنه يقول: ظلمني بقبضها
مني ثانيا، وإن رجع على شريكه بمائتين وخمسين لم يكن لشريكه أن يرجع على
المكاتب بشئ من ذلك لأنه يقول: ظلمني بذلك، وقد قبض حقه من المكاتب
وهذا المأخوذ مني ظلم، هذا إذا استوفى المنكر حقه.
301

فإن تعذر عليه ذلك مثل أن قبض من شريكه مائتين وخمسين، ولم يقدر
أن يقبض من المكاتب شيئا، أو أراد قبض الكل من المكاتب فلم يقدر على
ذلك، كان له تعجيزه وفسخ الكتابة: لأنه قد تعذر عليه الوصول إلى مال
الكتابة، وكان له الرجوع إلى رقبة العبد.
فإذا فسخ عاد نصيبه قنا ونصيب شريكه حرا، فإن كان في يده مال فهو بين
المكاتب وبين المنكر لا حق للمقر به، وإن اكتسب شيئا بعد هذا فهو بينهما أيضا
وإذا ثبت هذا استقر الرق في نصيب المنكر، والحرية في نصيب المقر، ولم يقدم
نصيب المنكر على المقر، هذا إذا ادعى على كل واحد منهما أنه أقبضه جميع
حقه.
فأما إذا ادعى أنه دفع الألف كله إلى أحدهما ليدفع منه نصيب الشريك
خمس مائة ويمسك لنفسه خمس مائة، فأقر المدعى عليه أن جميع ما قبض منه
خمس مائة قدر نصيبه وأنه إنما دفع الخمس مائة إلى شريكه، حكمنا أن نصيب
المقر قد عتق بإقراره أنه قبض جميع ماله من مال الكتابة، والقول قول المنكر أنه
ما قبضه بغير يمين، لأن أحدا لا يدعي عليه القبض، لأن المكاتب يقول: ما أقبضته
أنا شيئا، والقابض لا يقول أنه أقبض المنكر شيئا، فكان القول قوله بلا يمين، ولا
تقبل شهادة المقر على المنكر، لأنه يدفع عن نفسه ضررا وهو رجوع الشريك
عليه بمائتين وخمسين، ولأنه لا تقبل شهادته لمن لا يدعي حقا قبل غيره.
فإذا ثبت أن القول قوله بلا يمين، فله المطالبة بجميع حقه من مال الكتابة
وهو خمس مائة، فيكون بالخيار بين أن يرجع بها على المكاتب وبين أن يرجع
على الشريك بمائتين وخمسين وعليه بمائتين وخمسين كما قلنا في التي قبلها.
فإن قبض من المكاتب خمس مائة لم يكن للمكاتب أن يرجع بها على
أحد، لأنه يقول: قد قبضها مني بحق لأني وكلت شريكه في إقباضه، فما ثبت
إقباضه، وإن رجع على المقر بمائتين وخمسين لم يرجع المقر بها على أحد، لأنه
يقول: ظلمني بذلك ولا يرجع على أحد.
302

فإذا ثبت هذا نظرت: فإن استوفى ماله منهما أو من المكاتب عتق المكاتب،
لأن جميع مال الكتابة قد استوفي منه، فإن لم يستوف لكنه رجع على المقر
بمائتين وخمسين، ورجع على المكاتب ليقبض منه فوجده عاجزا كان له تعجيزه
وفسخ الكتابة لتعذر مال الكتابة.
فإذا فعل عاد نصيبه قنا ويقوم هاهنا على المقر نصيب شريكه، لأن العبد
معترف أنه مسترق بحق لأنه يقول: قد قبض أحدهما المال مني، ولم يثبت أنه
رجع إلى شريكه حقه منه وأنا مملوك، فكان له تقويمه عليه.
ويفارق الأول لأن العبد يقول: أنا حر وأنا مغصوب مغلوب علي مسترق
بغير حق، فلهذا لم يقوم على المقر نصيب المنكر.
وإذا قال: سلمت الألف إلى هذا ليقبض لنفسه خمس مائة ويدفع إلى
شريكه خمس مائة، فقال المدعى عليه: صدقت قد قبضت ذلك ودفعت إلى
شريكي خمس مائة، فأنكر الشريك فقال: ما أقبضتني شيئا، فإن نصيب المقر
يعتق، لأنه اعترف بقبض جميع مال الكتابة، ولا يقبل قوله على شريكه ولا
شهادته عليه لأنه متهم فيما يشهد به لأنه يسقط رجوع شريكه عليه، ولأنه يشهد
على فعل نفسه فلا تقبل شهادته على فعله.
فإذا لم تقبل شهادته فالقول قول المنكر مع يمينه، لأن الأصل أن لا قبض،
وعلى المدعى عليه يمين فلهذا حلفناه، فإذا حلف حكمنا بأن نصيبه مكاتب، وكان
له أن يطالب بجميع حقه من شاء من المكاتب والمقر.
أما المكاتب فلأنه يستحق عليه مال الكتابة، وهو يذكر أنه بعث به إليه مع
المقر، وما حصل في يده شئ، وأما رجوعه على شريكه، فلأنه قد اعترف بقبض
جميع مال الكتابة وأن نصف ذلك لشريكه المنكر، فكان له الرجوع عليه.
فإذا ثبت له الخيار فإن رجع على المكاتب كان له الرجوع بخمس مائة،
فإذا قبض ذلك عتق المكاتب لأنه استوفى مال الكتابة، وللمكاتب أن يرجع
على سيده المقر بخمس مائة سواء اعترف المكاتب بأن المقر دفعها إلى المنكر أو
303

لم يعترف، لأنه وإن اعترف فعليه الضمان، لأنه كان من سبيله أن يدفع إلى
المنكر دفعا تبرأ ذمة المكاتب به، فإذا لم يفعل كان عليه الضمان.
فإذا رجع بذلك عليه كان له، لأنه قد أدى وعتق، وهذا القدر دفعه إلى
المقر ليؤديه عنه ويعتق، فلما لم يثبت هذا كان المال فضل مال في يده للمكاتب
يتفرد به.
فأما إن رجع المنكر على شريكه المقر فليس للمقر أن يرجع بما غرمه على
أحد لأنه يقول: قد ظلمت بهذا، لأني قد قبضته مرة وقد قبض ثانيا بغير حق، فلا
يرجع به على أحد، هذا إذا اختار أن يرجع على من شاء منهما.
فأما إن قال: لا أرجع على غير المكاتب، كان ذلك له، وليس للمكاتب أن
يقول: أنت تقدر على استيفاء ذلك من المقر، لأنه يقول: أنا وإن كنت أقدر فلست
أن آخذ حقي إلا ممن لي عليه أصل الحق، وليس على المكاتب أيضا أن يطالب
المقر بماله، لأنه يجري مجرى الإجبار على الكسب، والمكاتب لا يجبر على
الكسب.
فإذا ثبت أن له مطالبة المكاتب مع القدرة على أخذ ذلك من الشريك
نظرت: فإن امتنع المكاتب من ذلك كان له تعجيزه وفسخ الكتابة، فإذا فعل
عاد نصيبه عبدا قنا، ونقومه على المقر، لأن عتقه بسبب كان منه، فيكون له على
المقر قيمة نصيبه من العبد، وله عليه خمس مائة اعترف بقبضها، فلم يثبت إقباضها
لأن هذا مال مكاتب قد عجز ورق.
فأما إن تحمل المكاتب فأدى الخمس مائة إلى المنكر عتق، فكان له أن
يطالب المقر بخمس مائة قبضها منه، لأنه مال له عنده وقد عتق فكان له فضل ما
حصل في يده.
إذا كان العبد بين شريكين فكاتباه صحت الكتابة على ما مضى، فإذا صحت
فليس له أن يخص أحدهما بالأداء دون شريكه بغير إذن شريكه لأنه يفضي إلى أن
ينتفع أحدهما بمال شريكه مدة بغير حق.
304

وذلك أن المكاتب إذا قدم لأحدهما ربما عجز ورق فيرجعان معا في ماله
نصفين، فيحتاج أن يرجع على القابض بنصف ما قبضه، بعد أن انتفع به في
تلك المدة، هذا إذا كان بغير إذن شريكه.
فإن أذن له في ذلك ودفع باذنه صح عندنا، وقال بعضهم: لا يصح، لأن
السيد لا يملك عين مال في يد المكاتب، لأن حقه في ذمته فإذا أذن له في
الإقباض فكأنه أذن له في غير حقه فكان وجوده وعدمه سواء.
ولأنه لو كان أتاهما بألف ليدفع إلى كل واحد منهما خمس مائة فتشاحا
في تقديم أحدهما فقال أحدهما: ادفع إلى شريكي خمس مائة، ففعل فهلك
الخمس مائة الباقية قبل أن يقبضها الآذن، كان للآذن أن يرجع على القابض
بنصف ما قبضه، فلو كان الإذن صحيحا ما كان له الرجوع عليه بذلك.
والأول أصح عندنا، لأن السيد يملك ماله في ذمة المكاتب، ويملك الحجر
على ما في يديه، بدليل أنه ممنوع من هبته وإقراضه والتغرير به، فإذا كان
كالمحجور عليه فإذا أذن له فيه فقد رفع الحجر باذنه، فوجب أن يصح الإذن،
لأنه كان له حقان فأسقط أحدهما وبقى الآخر.
وقول المخالف: إذا دفع إلى أحدهما خمس مائة ثم هلكت الثانية فالجواب،
أنه إنما أذن له في تسليم ذلك إلى شريكه، ليسلم له خمس مائة قائمة في مقابلة
ذلك، فإذا لم يسلم ذلك كان له الرجوع فيما قبضه، وليس كذلك هاهنا لأنه
أذن له أن يقبض ما في يده ليبقي حقه في ذمة المكاتب، وذمة المكاتب موجودة
بعد الإقباض، فلهذا تعلق حقه بها.
فإذا تقرر هذا فمن قال: القبض لا يصح كما لو دفع إلى القابض بغير إذن
الآذن، فينظر فيه: فإن كان مع المكاتب مال يدفع إلى الآذن بقدر ما دفع إلى
القابض فعل وعتق كله، لأنه قد أدى جميع مال الكتابة، وإن لم يكن معه شئ
غير الذي قبضه القابض، كان المقبوض منه للقابض والآذن نصفين، ويكون ما
بقي من مال الكتابة لهما عليه، فإن أداه عتق، وإن عجز فسخا عليه الكتابة ورق،
305

هذا إذا قيل: لا يصح القبض.
ومتى قيل: يصح القبض، عتق نصيب القابض، لأنه قبض جميع ماله من
الكتابة قبضا صحيحا، ويكون له الولاء على قدر ما عتق منه، وأما نصيب الآذن
فهو على الكتابة، يقوم على القابض، لأن العتق بسبب كان منه.
وهل يقوم عليه نصيب الآذن في الحال أو عند العجز عن الأداء؟ على ما
مضى من القولين: أحدهما يقوم في الحال نظرا للعبد، والثاني يؤخر التقويم نظرا
للآذن، لأنه يرجو أن يحصل له ماله من مال الكتابة ويستفيد الولاء عليه.
فمن قال: يقوم في الحال، قال: قوم وهو مكاتب، ويتضمن هذا انفساخ
الكتابة وعود المكاتب إلى الرق والعتق بعده، ويكون ولاء كله للقابض، فإن
كان في مال فهو للآذن لأنه عاد رقيقا، ولا شئ للقابض لأنه قد استوفى حقه، فإن
كان في يده أكثر مما قبض القابض أخذ الآذن منه بقدر ما قبض القابض، وكان
الفضل بين الآذن والمكاتب لأن نصفه حر ونصفه عبد.
ومن قال: يؤخر تقويمه، قال: لم يخل من ثلاثة أحوال: إما أن يؤدي أو
يعجز أو يموت.
فإن أدى عتق، وكان الفاضل في يده له، ويكون ولاؤه بينهما.
وإن عجز قومناه على القابض متى ظهر عجزه سواء فسخ سيده أو لم
يفسخ، فإذا قومناه وهو مكاتب زالت الكتابة بالتقويم، وعاد رقيقا، ثم عتق كله
على القابض فيكون الولاء كله له، فإن كان في يد المكاتب مال كان للآذن
نصفه والباقي للمكاتب لأنه مال اكتسبه، ونصفه حر ونصفه مكاتب.
وإن مات المكاتب قبل أن يقوم انفسخ عقد الكتابة بموته، ومات ونصفه
رقيق فيكون نصف ما في يديه للسيد الآذن، لأن نصفه مكاتب له، والنصف
الباقي الذي هو له بما فيه من الحرية يرثه وارثه عندنا، فإن لم يكن له وارث
فلسيده الذي أعتق نصفه بحق الولاء وقال قوم: يكون للسيد الآذن الذي يملك
نصفه بحق الملك، وقال بعضهم: ينتقل إلى بيت المال.
306

إذا كاتب أمته وهي حامل فاتت بولد فإما أن تأتي به من سيدها أو من غيره:
فإن أتت به من سيدها فهو حر لأنها علقت به في ملكه وصارت أم ولده،
ويكون عقد الكتابة قائما بحاله، ويثبت لعتقها عند المخالف سببان: الصفة
وكونها أم ولد، فأيهما سبق الآخر وقع به العتق.
فإن أدت قبل الوفاة عتقت بالأداء عندنا وعندهم، وإن مات سيدها قبل
الأداء عتقت عندهم بوفاته، وعندنا إن كان له ولد جعلت من نصيبه ويعتق، وإن
لم يكن ولد فهي باقية على الكتابة للوارث.
وإن أتت به من غير سيدها من زوج أو زنا فالولد مملوك، لأن ولد
المملوك من زنا مملوك بلا خلاف، ومن زوج حر يكون مملوكا عندهم تابعا
لأمه، وعندنا يكون مملوكا كذلك إذا شرط استرقاقه.
فإذا ثبت أنه مملوك فلا يكون مكاتبا معها بلا خلاف، لأن الكتابة عقد
معاوضة فلا يسري إلى الولد، وما الذي يكون حكمه؟ قيل فيه قولان:
أحدهما: يكون موقوفا معها يعتق بعتقها، لأن الولد يتبع أمه في الحرية،
وسبب الحرية، فإن كانت حرة كان حرا، وإن كان له سبب الحرية تبعها فيه كأم
الولد، ولما ثبت لهذه المكاتبة سبب الحرية ثبت لولدها، لأن الولد يتبع أمه في
الرق والعتق وسبب العتق وهذا مذهبنا.
والقول الآخر: عبد قن لسيدها.
فإذا ثبت هذا فولد الآدميات على أربعة أضرب: ولد الحرة حر، وولد الأمة
القن عبد قن إذا كان من زوج حر عندنا بشرط، وعندهم على كل حال، وإن
كان من زنا بلا خلاف، وولد المدبرة عندنا كأمها، وعندهم على قولين كولد
المكاتبة، وولد المعتقة بصفة عندنا مثل ولد الأمة، لأن العتق بالصفة لا يجوز،
وعندهم على قولين:
فمن قال: ولدها مملوك سيدها كان للسيد كولد أمته القن يتصرف فيه
كيف شاء لا يتعلق به شئ من أحكام الكتابة، ومن قال: موقوف مع أمه - على
307

ما اخترناه ووقفناه - فإن عتقت أمه عتق، وإن رقت رق معها.
والكلام بعد هذا في أربعة فصول: في قيمته بقتله وفي كسبه والنفقة والعتق.
فأما القتل فمتى قتله قاتل فعليه قيمته لأنه مملوك، ولمن يكون؟ قيل فيه
قولان: أحدهما لسيده لأن أمه لو قتلت كان له قيمتها، فكذلك ولدها، والثاني
قيمته لأمه تستعين بها على مال الكتابة، وهو الأقوى عندي لأن السيد إنما يملك
حقه في ذمتها ولا يتجاوزها، وهذا العبد غير ما في ذمتها.
وأما الكلام في كسبه وأرش الجناية، قال قوم: إنه لأمه لأنه منها كبعض
أجزائها، وقال آخرون: هو موقوف، فإن عتق كان كسبه له، وإن رق كان
لسيده، وهو الأقوى عندي، لأن الكسب يتبع الذات، بدليل أن كسب الحر له
وكسب العبد لسيده، ومنهم من قال: يكون لسيده إذا قال: لو قتل كانت قيمته
لسيده.
فمن قال: كسبه لأمه، استوفته يوما بيوم، ومن قال: لسيده، استوفاه يوما
بيوم، ومن قال: موقوف - على ما اخترناه ووقفناه -، فإن أدت أمه وعتقت عتق
بعتقها وكان ما وقفناه من الكسب له، وإن استرقت أمه على العجز وهم سيدها
بالفسخ كان لها أن تستعين بكسب ولدها على أداء ما عليها عندنا، لأن فيه نظرا
للكل وأنها تعتق هي وهو، ويملكان ما فضل، وإذا لم يفضل رقت ورق، وكان
ما في يده لسيده، وكان الاحتياط هذا.
وقال قوم: ليس لها ذلك لأنه لا حق لها فيه، فإن مات هذا الولد قبل أن
تعتق أمه أو ترق فمن قال: قيمته لأمه إذا قتل، قال: يكون لها، ومن قال: قيمته
لسيده إذا قتل، فالكسب له.
فأما الكلام في نفقته، فمن قال: كسبه لسيده فنفقته على سيده ومن قال:
موقوف، قال: نفقته من كسبه، فإن كان قدر كفايته فذاك، فإن لم يكن قدر
الكفاية، قال قوم: على سيده، لأنه لو رق كان له، وقال آخرون: من بيت المال،
والأول أقوى.
308

فأما الكلام في عتقه، فإن أعتقه السيد فمن قال: كسبه لسيده، أو قال:
موقوف وليس لأمه أن تستعين به عند إشرافها على العجز والرق، قال: ينفذ عتقه،
لأنه لا مضرة على أمه، ومن قال: كسبه لأمه، أو قال: موقوف ولها أن تستعين
بذلك عند إشرافها على العجز، قال: لا ينفذ عتق سيده فيه، لأن فيه إضرارا بأمه،
هذا الكلام في ولدها.
فأما ولد ولدها قال قوم: ولد البنات وولد البنين كالأمهات وأما ولد بنتها
كولدها فقد مضى الكلام في ولدها، وأما ولد ابنها فإن كان تزوج بحرة فولده
حر، وإن كانت أمة فولده منها بمنزلتها.
ومن قال: ولد المكاتبة من زوج عبد قن لسيدها، قال: له أن يتصرف فيه
على الإطلاق كولد أمته القن، فإن كان الولد ابنه كان للسيد وطؤها على
الإطلاق، والتصرف فيها كما يتصرف في الأمة القن سواء، ومن قال: موقوف
مع أمه، قال: ليس للسيد وطؤها لأن ملكه ناقص، فإن خالف ووطئ فلا حد
عليه لشبهة الملك.
فأما المهر فهو مبني على كسبها، فمن قال: كسبها لأمها، قال: المهر لأمها،
ومن قال: توقف معها، قال: يقف معها، ومن قال: لسيدها، قال: لا مهر له لأنه لا
يجب له على نفسه.
فإن أحبلها لحق بالنسب به، ويكون حرا لأن الحد يسقط عنه لأجل الملك،
ولا يجب عليه قيمة الولد لأن أمه صارت أم ولده ولا يقوم ولدها عليه، وأما الأمة
فقد صارت أم ولد لأنه أحبلها بحر في ملكه، ولا يجب عليه قيمتها لأنها ليست
بملك لأمها.
فأما إن كانت للمكاتب أمة فليس للسيد وطؤها لنقصان الملك، فإن وطئ
فلا حد عليه لشبهة الملك، وعليه المهر لأنه ككسبها، وكسبها لمولاتها، فكذلك
مهرها.
ويفارق هذا إذا وطئ بنت المكاتبة لأنها ليست مملوكة لأمها، فلهذا لم
309

يجب عليه مهر مثلها.
فإن أحبلها فالولد حر لأنها علقت بشبهة الملك، ولا يجب عليه قيمة الولد
أيضا لأنها صارت أم ولده بالإحبال، فلا يقوم عليه ولدها، وصارت أم ولد لأنها
علقت بحر في ملكه، وعليه قيمتها لمولاتها لأنها مملوكة لمولاتها، وقد أتلفها عليها
بأن صيرها أم ولد.
ويفارق هذا إذا وطئ بنت المكاتبة فأحبلها وصارت أم ولده حيث قلنا: لا
يجب عليه قيمتها، لأنها ليست ملكا لأمها.
إذا كاتب أمته حرم عليه وطؤها لأنه نقص ملكه عنها، فإن خالف ووطئ
فلا حد عليه بحال، وقال شاذ: عليه الحد وعليها التعزير إن كانا عالمين، وإن كانا
جاهلين عذرا، وإن كان أحدهما عالما عزر العالم.
فأما المهر فلها عليه مهر مثلها لأن المهر كالكسب وكسبها لها، فكذلك
المهر وسواء طاوعته أو أكرهها لأن الحد يسقط عنهما بسبب الملك.
ويفارق الحرة لأن الحرة إذا طاوعته كان زنا يجب عليها الحد، فيسقط
مهرها، وإن أكرهها يسقط الحد ويجب لها المهر، وسواء وطئها مرة واحدة أو
تكرر منه، المهر واحد، لأن الأصل في إيجاب مهر المثل الشبهة، ولو تكرر
وطؤها بالشبهة لم يجب إلا مهر واحد.
اللهم إلا أن يغرم المهر ثم يطأها بعد الغرامة، فحينئذ يجب عليه مهر ثان لأن
غرم المهر قطع حكم الأول، فإذا وطئ كان مستأنفا، فلهذا أوجبنا عليه مهرا ثانيا.
فإذا ثبت وجوب المهر فإنه من غالب نقد البلد، ويكون مهر المثل ويقدر
ذلك الحاكم، فإذا حصل مقدرا في ذمته، فإن كان مال الكتابة ما حل عليها فلها
أن تستوفيه منه، وإن كان حل عليها نجم فقد وجب له عليها مال ولها عليه مال،
فإن كان من جنسين استوفى كل واحد منهما ماله، وإن كانا جنسا واحدا عندنا
يقع التقاص، وعندهم على الأقوال التي مضت.
وبقى الكلام في حكمها وحكم ولدها، فإذا أحبلها فالولد حر لأنها علقت منه
310

في ملكه وإن كان ناقصا، وتكون أم ولده وكانت الكتابة بحالها، فإذا ثبت هذا
فقد حصل لعتقها سببان: أداء في الكتابة، وموت سيدها، عندنا بأن تحصل في
نصيب ولدها فتعتق، وعندهم بنفس الموت.
وفيها ثلاث مسائل: إن أدت عتقت بالأداء وما في يدها لها، وإن عجزت
زال عقد الكتابة وصارت أم ولد مطلقة له وطؤها بكل حال، وما في يديها
لسيدها لأن المكاتب إذا عجز ورق كان ما في يده لسيده.
فأما إن مات سيدها قبل الأداء وقبل العجز عتقت بموته وزالت الكتابة، كما
لو كان باشر عتقها على ما فصلناه، عندنا بأن تحصل في نصيب ولدها، وعندهم
بنفس الموت، فأما ما في يدها فعندهم لها كما لو أعتقها في حال حياته، وهكذا
يقتضيه مذهبنا إذا كان عتقها بأن حصلت في نصيب ولدها.
فأما الكلام في ولدها، إذا أتت به من زوج فهو ولد أم الولد وهو ولد
المكاتبة فيكون ابن أم الولد، فإن كان زوجها حرا فالولد حر على كل حال إلا أن
يشرط أن يكون حكم الولد حكمها، فحينئذ عندنا يصح ذلك ويعتق بعتقها،
وعندهم يتبعها من غير شرط ويعتق بعتقها، ومنهم من قال: هو عبد قن لسيدها.
وفيه المسائل الثلاث: إن أدت أمه وعتقت عتق الولد عندنا، ومنهم من قال:
لا يعتق، فإن عجزت زال عقد الكتابة واسترق ولدها أيضا عندنا، ومنهم من قال:
لا يسترق ويعتق بموت سيدها، الثالثة: إذا مات السيد قبل الأداء وقبل العجز،
عندهم يعتق بموت سيدها وولدها معها، وعندنا بأن تحصل في نصيب ولدها
ويعتق ولدها تابعا لها.
إذا كان للمكاتبة ولد واختلفا في ولدها، فقالت: أتيت به بعد الكتابة فهو
موقوف معي، وقال السيد: بل قبل الكتابة فهو رقيق لي، فالقول قول السيد،
ومن قال: ولدها رقيق لسيدها على كل حال لم يتصور عنده هذا الاختلاف.
وإنما قلنا: القول قول السيد، لأن الأصل أن لا عقد حتى يعلم، ويلزمه اليمين
لأنه يمكن أن تكون صادقة.
311

إذا اختلفا في ولد المكاتب فقال السيد: ملكي، وقال المكاتب: بل ملكي،
فالقول قول المكاتب.
وصورتها: أن يتزوج المكاتب أمة سيده ثم يشتريها من سيدها، فإذا ملكها
زال النكاح فما أتت به في الزوجية ملك لسيده، وما أتت به في ملكه فهو ملك
له لأنه ابن أمته.
فإذا اختلفا فيه فالقول قول المكاتب هاهنا لأنهما اختلفا في الملك، ويد
المكاتب عليه، كما لو تنازعا بهيمة ويد أحدهما عليها، ويفارق ولد المكاتبة وإن
كانت يدها عليه، لأنها لا تدعي ملكا وإنما تدعي أنه موقوف معها، واليد تدل على
الملك ولا تدل على الوقف.
إذا كاتبا أمة بينهما لم يكن لواحد منهما وطؤها، فإن خالفا ووطئا فلا حد
عليهما لشبهة الملك، لكن إن كانا عالمين عزرا، وإن كانا جاهلين عذرا، وإن
كان أحدهما عالما والآخر جاهلا عزر العالم وعذر الجاهل.
وأما المهر فواجب على الواطئ، والمهر لها لأنه من كسبها، ويكون مهر
المثل من غالب نقد البلد، ثم ينظر فيه: فإن لم يكن حل عليها مال الكتابة كان
لها أن تستوفيه من الواطئ تستعين به في كتابتها، وإن كان قد حل عليها مال
الكتابة وكان من غير جنسه لم يقع القصاص بينهما، وقبض كل واحد منهما
حقه.
وإن كان مال الكتابة من غالب نقد البلد، فإن كان في يدها مال يؤديه بقدر
مهر المثل إلى غير الواطئ فعلت، وكان مالها على الواطئ من مهر المثل قصاصا
بينهما على ما مضى من الأقوال.
وإن لم يكن في يدها مال كان لها أن تقبض من الواطئ نصف مهر المثل،
وتدفعه إلى غير الواطئ، ويكون الباقي من ملكها على الواطئ قصاصا بينهما على
ما مضى، فإن كان ما اقتصت كل مال الكتابة عتق، وإن كان أقل فقد عجزت
ولك واحد منهما الفسخ، فإن لم يفسخا حتى أدت وعتقت كان الفاضل في
312

يدها.
فإن عجزاها ورقت لم يخل من أحد أمرين: إما أن يكون قبل أن يقبض من
سيدها المهر أو بعد القبض.
فإن كان بعد القبض نظرت: فإن كان المهر تالفا فقد تلف منهما، وإن كان
قائما اقتسما معا كسائر أكسابها.
فإن كان هذا قبل القبض نظرت: فإن كان في يدها مال بقدر مهر مثلها
دفعته إلى غير الواطئ وبرئت ذمة الواطئ عن المهر، لأنه لا يجوز أن يكون لعبده
القن مال في ذمة سيده، فإن لم يكن معها مال بحال برئت ذمة الواطئ عن
النصف وغرم لغير الواطئ نصف المهر، كما لو وطئها وهي بينهما أمة قن.
فأما الكلام في الولد، فإذا أتت بولد نظرت: فإن أتت بعد الاستبراء من وطء
السيد لم يلحق بالسيد، وهو ولد المكاتب من زوج أو زنا على ما مضى حكمه،
فإن أتت به قبل الاستبراء فالنسب لا حق، وهو حر وصار نصيبه منها أم ولد.
فإن كان الواطئ معسرا لم يقوم عليه نصيب شريكه، وصار نصفها أم ولد
وكلها مكاتبة، فإن أدت عتقت بالأداء، وإن عجزت ورقت فنصفها
أم ولد ونصفها قن، فإن مات الواطئ عتق نصفها، إما بوفاته أو من نصيب
ولدها على ما مضى، ولا يقوم الباقي عليه ولا على وارثه.
وإن كان الواطئ موسرا قوم عليه نصيب شريكه، لأن الإحبال كالعتق، فإذا
قومنا عليه في العتق قومنا في الإحبال.
وقال قوم: يقوم في في الحال، وقال آخرون: إذا عجزت عن أداء مال
الكتابة، كما إذا أعتق نصيبه وهو موسر قوم عليه نصيب شريكه، ومتى تقوم؟ على
القولين:
فمن قال: يقوم في الحال، زالت الكتابة عن نصيب شريكه بالتقويم وصارت
كلها أم ولد ونصفها مكاتبا، فإن أدت إلى الواطئ ما له عليها من مال الكتابة عتق
نصفها ويسري إلى باقيها فيعتق كلها، كما لو باشر عتق نصفها، وإن لم يؤد حتى
313

مات السيد الواطئ عتق كلها على ما مضى لأن كلها أم ولد.
فأما من قال: عند العجز، قال: يؤخر التقويم، فإن أدت إليهما عتق كلها،
وإن عجزت قومناها حينئذ وزالت الكتابة عن نصفها بالتقويم، وصار نصفها أم
ولد للواطئ ونصفها مكاتبا، وقد مضى حكمه إذا أدت أو لم تؤد مفصلا.
وأما الولد فهو حر ونسبه لاحق على ما قلناه، وأما قيمته فلا يجب على
الواطئ نصف قيمته، لأن نصف الأمة له، وهل يجب عليه شريكه نصف باقيه؟ لم
يخل من أحد أمرين: إما أن تضعه قبل التقويم أو بعده، فإن وضعته قبل التقويم
فلا شئ على الواطئ لأنها وضعته في ملكه، وإن وضعته قبل التقويم فعليه نصف
قيمته، لأنه كان من سبيل هذا النصف أن يكون مملوكا لشريكه وقد أتلفه على
شريكه بفعله، فكان عليه نصف قيمته.
فأما إذا وطئها كل واحد منهما فإنه لا يجوز لهما ذلك، وإن خالفا ووطئ
كل واحد منهما فلا حد لشبهة الملك، فإن كانا عالمين عزرا، وإن كانا جاهلين
عذرا وإن كان أحدهما عالما عزر وعذر الجاهل.
وأما المهر فإنه واجب على كل واحد منهما، والمهران لها لأنه من كسبها ثم
لا يخلو: إما أن تؤدي فتعتق أو تعجز فترق، فإن أدت وعتقت كان الفضل في
يدها بعد الأداء، فإن كانت قبضت المهر وإلا قبضته من كل واحد منهما، وأما إن
عجزت ورقت كان ما في يدها بينهما لأنها ملكهما، فإن كانت قبضت المهرين،
فإن كان المال قائما فهو بينهما، وإن كان تالفا فبينهما وبرئت ذمة كل واحد منهما
من المهر، لأنها قبضته في وقت كان لها القبض.
وإن كانت ما قبضت المهرين كان لها على كل واحد منهما مهر مثلها وقد
رقت فلا يكون لها في ذمته حق بعد الرق، فإن كان المهران سواء سقط عن كل
واحد منهما نصفه بحقه، وكان لصاحبه عليه مثل ما له عليه فيتقاصان على ما
مضى.
وإن كان أحد المهرين أكثر - ووجه الفضل في المهر أن يطأها أحدهما وهي
314

بكر ويطأها الآخر وهي ثيب، وكذلك إن وطئها أحدهما وهي جميلة، ويطأها
الآخر وهي قبيحة أو مريضة - فما تساويا فيه تقاصا، وما فضل على أحدهما بينهما
سقط عنه بقدر ملكه، ويستوفي شريكه منه الباقي، فإن أفضاها أحدهما فعليه كمال
قيمتها يسقط عنه نصف القيمة بحقه منها، ويكون الباقي عليه لشريكه.
فإن ادعى كل واحد منهما على شريكه أنه الذي أفضاها وأنه هو الذي وطئها
دونه، حلف كل واحد منهما لصاحبه وسقط حكم الوطء والإفضاء، ولم يجب
على واحد منهما لصاحبه شئ، هذا إذا لم تحمل.
وأما إن حملت فلا يخلو من أحد أمرين: إما أن يكون بعد أن استبرأها كل
واحد منهما، أو قبل أن استبرأها.
فإن أتت به لستة أشهر فصاعدا بعد الاستبراء لم يلحق الولد بواحد منهما لأن
بالاستبراء قد زال حكم الوطء، ويكون هذا ولد مكاتبة، عندنا يتبعها، وعند
بعضهم يكون رقا لمولاها.
وإن أتت به قبل الاستبراء لم يخل من أربعة أحوال: إما أن يكون منتفيا
عنهما، أو ملحقا بالأول دون الثاني، أو الثاني دون الأول، أو يمكن أن يكون من
كل واحد منهما.
فإن كان منتفيا عنهما، مثل أن أتت به لأكثر من أقصى مدة الحمل، من حين
وطئها الأول، ولأقل من ستة أشهر من حين وطئها الثاني، لم يلحق بواحد منهما،
والحكم فيه كما لو أتت به من زوج أو زنا، وقد مضى أنه على قولين.
وأما إن لحق بالأول دون الثاني، وهو إن أتت به لستة أشهر فصاعدا إلى تمام
أقصى مدة الحمل من حين وطئها الأول، ولأقل من ستة أشهر من حين وطئها
الثاني، فهو من الأول دون الثاني، ولا يخلو من أحد أمرين: إما أن يكون موسرا أو
معسرا، فإن كان موسرا قومنا عليه نصيب الثاني، لأن الإحبال كالعتق، وهل
تقوم عليه في الحال أو عند العجز؟ على قولين:
فمن قال: تقوم في الحال، قومت عليه وزالت الكتابة عن نصيب الثاني،
315

وصار كلها أم ولد للأول، ونصفها مكاتبا، والحكم فيما في يدها وفي أدائها
وعجزها فقد مضى.
ومن قال: تقوم عند العجز عن أداء مال الكتابة، قال: يؤخر، فإن أدت
عتقت كلها، وما فضل في يدها لها، وإن عجزت واختار الثاني الفسخ دون الأول
وفسخ قومناها على الأول، وصارت كلها أم ولد ونصفها مكاتب.
وبقى الكلام فيما لكل واحد منهما على صاحبه:
أما الثاني فله على الأول نصف المهر لما مضى، وعليه نصف قيمتها بالتقويم.
وأما الولد فكل موضع أتت به بعد أن صارت أم ولد للأول، فلا يجب عليه
قيمة الولد لأنها وضعته في ملكه، وكل موضع أتت به قبل التقويم على الأول
فعلى الأول نصف قيمة الولد لأنه كان سبيله أن يكون نصفه مملوكا للثاني، وقد
أتلف عليه فعليه قيمة للثاني.
وأما ما يجب للأول على الثاني، فينظر في الثاني: فإن كان قد وطئها بعد أن
حكمنا بأنها أم ولد الأول، فعليه كمال مهر مثلها، فإن كان الأول قد فسخ الكتابة
في حق نفسه، فكل المهر له لأنها أم ولده، وإن كان الأول ما فسخ الكتابة في
حقه فنصف المهر لها، لأن نصفها مكاتب، ونصفه لسيدها، لأن النصف الباقي
غير مكاتب.
وإن كان الثاني وطئها بعد زوال الكتابة في حقه، وقبل الحكم بكونها أم
ولد الأول، فعليه نصف المهر، ويسقط عنه النصف، لأن نصفها قن له، وما يصنع
بهذا النصف الواجب عليه؟ نظرت:
فإن كان الأول فسخ الكتابة في نصيبه، فالنصف كله له، وإن كان ما
فسخ الكتابة في نصيبه، فكل هذا النصف لها، لأن نصفها مكاتب.
وأما إذا كان الأول معسرا فإن نصيبه منها أم ولد لأنه أحبلها في ملكه، ولا
يقوم عليه نصيب شريكه، لأن التقويم لأخذ القيمة، فإذا كانت معدومة لم يقع
التقويم ويكون نصفها أم ولد، وكلها مكاتبة.
316

ثم لا يخلو حالها من أحد أمرين: إما أن تؤدي فتعتق أو تعجز فترق، فإن
أدت وعتقت فلا كلام، ويكون الفاضل في يدها، فإن كانت قد قبضت المهرين
كان لها، وإن لم تكن قبضت كان لها قبضهما، لأن المهر كالكسب وكسبها لها،
وإن عجزت فرقت، فإن كان المال قائما في يدها كان لهما، وإن كان تالفا كان
منهما.
وإن لم يكن قبضت المهرين برئت ذمة كل واحد منهما عن نصف المهر،
لأنها لا تستحق في ذمة مولاها بعد الرق حقا، ويكون لكل واحد منهما على
صاحبه نصف المهر، فإن كان المهر سواء تقاصا، وإن كان أحدهما أكثر ترادا
الفضل على ما فصلناه.
وأما الكلام في الولد، فقال قوم: حر كله، لأن الإحبال إذا كان في ملكه
وكان الواطئ حرا لم ينعقد بعضه حرا وبعضه عبدا، وقال بعضهم: نصفه حر
ونصفه رق لأنه لا يمنع أن يحبل من هذه صفته، ألا ترى أن من نصفها حر لو أتت
بولد من زوج أو زنا كان نصفه حرا ونصفه عبدا، هذا إذا كانت للأول دون
الثاني.
وأما إذا لحق بالثاني دون الأول، مثل أن أتت به لأكثر من أقصى مدة الحمل
من حين وطء الأول، ولستة أشهر فصاعدا إلى تمام أقصى مدة الحمل من حين
وطء الثاني، فهو للثاني دون الأول، فإن كان كذلك كان حكم الثاني كحكم
الأول، وحكم الأول كحكم الثاني في الفصل الذي قبله حرفا بحرف، وإنما
يختلفان في فصل نذكره فنقول:
لا يخلو الثاني من أحد أمرين: إما أن يكون موسرا أو معسرا.
فإن كان موسرا قومنا عليه نصيب شريكه، وهل تقوم في الحال أو عند
العجز؟ على قولين:
فمن قال: يقوم في الحال، قوم هاهنا، وصارت كلها أم ولد للثاني، ونصفها
مكاتب، ومن قال: يقوم عند العجز، نظرت: فإن رضي الثاني بالمقام على الكتابة
317

قوم عليه نصيب الأول، وصار كلها أم ولد الثاني، ونصفها مكاتب، وإن اختار
الثاني الفسخ فسخ وقوم عليه، وصارت كلها أم ولد الثاني، وبما ذا يرجع كل
واحد منهما على صاحبه؟
أما رجوع الأول على الثاني فنصف المهر، ونصف القيمة، ونصف قيمة
الولد على ما فصلناه، وأما رجوع الثاني على الأول فنصف المهر على كل حال،
لأنه إذا كان هو الواطئ أولا، فلا يمكن أن يكون وطؤها صادف أم ولد الثاني،
فلهذا لم يجب للثاني على الأول إلا نصف المهر، ويفارق التي قبلها، لأنه يمكن أن
يكون الثاني وطئها بعد أن صارت أم ولد الأول، فلهذا كان على الثاني للأول
كمال مهر مثلها، هذا إذا كان الثاني موسرا.
فأما إن كان معسرا فعلى ما مضى، والحكم في الولد على ما مضى من
الوجهين، وإنما ذكرنا الثاني إذا كان موسرا ليتبين موضع الفصل بين المسألتين.
وأما إن أمكن أن يكون من كل واحد منهما مثل أن أتت به لستة أشهر
فصاعدا من وطء كل واحد منهما، وتمام أقصى مدة الحمل من وطء الأول، فإذا
أمكن ذلك أقرعنا بينهما، فمن خرج اسمه ألحقناه به وعند بعضهم: يرى القافة.
ومتى لحق بالأول دون الثاني، فقد مضى حكمه، وإن لحق بالثاني دون
الأول فقد مضى حكمه، ولا يتقدر عندنا أن يلحق بكل واحد منهما.
ومن قال بالقافة، قال: إن لحقوه بكل واحد منهما أو أشكل الأمر قال: قدرنا
عليهما نفقته إلى أن يبلغ وينتسب إلى أحدهما فنلحقه به كما لو ألحقته القافة، وهل
يرجع بما أنفق على الآخر؟ على قولين، فإذا كان موسرا قوم عليه نصيب شريكه،
وهل يقوم عليه في الحال أو عند العجز؟ على ما مضى من القولين.
وعلى مذهبنا إذا خرج اسم أحدهما وألحق به قوم عليه نصيب شريكه منها
إن كان موسرا، وإن كان معسرا لم يقوم عليه، ويكون على ما كانت من الكتابة،
والحكم على ما مضى، ومتى قومت عليه صارت كلها أم ولده، ونصفها مكاتب،
والحكم فيه على ما مضى.
318

إذا ادعى على سيده أنه قد أعتقه فإن أقر له السيد فلا كلام، وإن أنكر فعلى
العبد البينة شاهدان، فإن أقامهما وقبلهما الحاكم، حكم بعتقه، فإن ردهما لفسق أو
لغيره فالعبد على ملك سيده، ويكون الكلام في أربعة فصول: في بيعه من
الشاهدين وفي عتقه إذا باعه منهما، وفي الولاء والميراث.
فأما البيع فإن باعه من غير الشاهدين كان بيعا في الطرفين، فإن باعه منهما
كان بيعا من جهته، واستنقاذا من جهتهما كما يستنقذان الأسير من يد المشركين.
وأما العتق فإنا نحكم بأنه عتق عليهما، لأن الحق صار إليهما، كما لو قال
رجل لعبد في يد زيد أنه حر وإنما استرقه ظلما، لم يقبل قوله على زيد، فإن ملكه
المقر عتق.
وأما الولاء فعليه الولاء، لأن العتق لا ينفك من الولاء، لكنه ولاء موقوف
فإن المشتري لا يدعيه، والبائع لا يدعيه، فيقف الولاء.
وأما الميراث، فإذا مات هذا العبد فقد مات بعد الحكم بحريته، فإذا كان له
وارث مناسب كان له تركته، وإن لم يكن هناك مناسب قيل للبائع: ما قولك
في هذا العبد؟ فإن قال: صدق الشاهدان كنت أعتقته ثم بعته وهو حر، قلنا له:
البيع باطل، لأن المشتري معترف بذلك، وعليك رد الثمن، ولك الميراث
بالولاء، لأنك جحدت سبب الإرث ثم اعترفت.
وإن قال البائع: كذب الشاهدان ما بعت إلا عبدا، قلنا للشاهدين: ما تقولان
أنتما؟ فإن قالا: صدق البائع ما كان أعتقه وما باع إلا عبدا ولا اشترينا إلا عبدا
قلنا: فهو رقيق لكما في الباطن، وهو حر في الظاهر، والتركة لكما بحق الملك
في الباطن وحق الولاء في الظاهر.
وإن قالا: كذب البائع ما باع إلا حرا وما اشترينا عبدا وإنما استنقذناه من
الرق وخلصناه من الظلم، قلنا: فأحد لا يدعي الولاء، قال قوم: يوقف الميراث،
وقال آخرون: لا يوقف.
وللمشتري أقل الأمرين من التركة أو الثمن، فإن كان التركة أقل من الثمن
319

الذي استنقذناه به، فله التركة كلها، وإن كان الثمن هو الأقل فللمشتري منها قدر
الثمن، وما بعده موقوف، لأنه إن كذب الشاهدان فالعبد لهما في الباطن، والولاء
لهما في الظاهر فكل التركة لهما، وإن صدق الشاهدان فالتركة للبائع، وقد أخذ
منهما ثمن الحر ظلما، وقد وجدا له مالا فيأخذان قدره من التركة قدر الثمن،
ويقف الباقي، وهذا هو الأقوى عندي.
إذا قال لعبده: إن ضمنت لي ألفا فأنت حر، فقد علق عتقه بضمانه، فإذا
ضمن ووجد الشرط، عندنا لا يقع العتق، لأن العتق لا يقع بشرط عندنا، وعندهم
يقع ويلزمه المال.
وإن قال له: أنت حر على ألف أو على أن عليك ألفا أو بألف، فالحكم فيه
كما لو قال: إن ضمنت لي ألفا فأنت حر، فإن قال: إن أعطيتني ألفا فأنت حر، فقد
علق العتق بالعطية، فإذا وجدت وقع العتق عندهم، وعندنا لا يقع لما مضى.
وسواء كان الشرط ضمانا أو عطية، فمن شأنها أن يكون على الفور عقيب
الإيجاب عندهم، كالبيع، وإن تراخي عن الجواب بطل الإيجاب.
فإن قال: أنت حر وعليك ألف، عتق ولا شئ لسيده لأنه لم يجعل الألف
عطية ولا ضمانا وإنما أخبر أن له عليه ألفا بعد العتق، وهكذا الحكم في الطلاق
في جميع ما حكمناه.
فإن قال العبد لسيده: قد علقت عتقي بضمان ألف وقد ضمنتها وهي علي
وأنا حر، فالقول قول السيد مع يمينه، فإذا حلف فالعبد على الرق.
فأما إن باع السيد عبده من نفسه بألف، فقال: بعتك نفسك بألف، فقال:
قبلت، صح كالكتابة، وقد قال بعضهم: لا يصح بألف، لأن الثمن إن كان عينا
فالعبد لا يملك وإن كان في الذمة فالسيد لا يملك في ذمة عبده دينا، والأول
أقوى عندنا، لأنه إنما يملك إذا لم يتعلق بعتقه، فأما إذا تعلق بعتقه فإنه يملك
كالكتابة.
فمن قال: لا يصح، فلا كلام، ومن قال: يصح، فإن وقع البيع مطلقا كان
320

الثمن حالا ويعتق العبد والولاء لمولاه، فإذا وجد طالبه به، ويليق بمذهبنا أن
يكون ولاؤه للإمام، وأنه سائبة لا ولاء لمولاه عليه، إلا أن يشترط ذلك كالكتابة
عندنا، وإن كان الثمن إلى أجل كان على ما وقع عليه العقد.
فإن ادعى السيد أنه باع عبده من نفسه بألف وقبل العبد ولزمه الثمن، فإن
أقر العبد بذلك فهو حر، وولاؤه لمولاه، وعليه الألف، فإن كذبه فالقول ما قال
العبد أنه ما قبل ذلك، فإذا حلف سقط دعوى السيد من الثمن، والعبد حر لأن
السيد أقر بزوال ملكه عنه وتلفه بعد الزوال، فلم يعد إليه كقوله: يا زيد عبدي
بألف وقد أعتقته، فإذا حلف زيد برئ من الثمن، والعبد حر لا يعود إلى البائع
لأنه أقر بزوال ملكه وتلفه بعد الزوال.
إذا كاتب رجل عبدا على مال إلى أجلين ثم إن المكاتب عجل للسيد المال
قبل محله، فإنه ينظر فإن كان من الأشياء التي لا تبقى على الدوام، وتتلف
كالطعام والرطب وما أشبهه، لم يجب عليه قبوله بلا خلاف، لأنه ربما كان له
غرض في حصول المال في الوقت المؤجل.
وهكذا إن كان من الأشياء التي تبقي لكن يلزم على حفظه مؤونة كالطعام
الكثير والخشب الثقيل، فإنه لا يجبر على قبوله، لأن عليه في حفظه إلى ذلك
الوقت ضررا، وإن كان مما قد يتلف ويلزمه عليه مؤونة لم يجب عليه قبوله لأمرين
كل واحد منهما يمنع الإجبار.
وإن كان مما لا يتلف ولا يلزم على حفظه مؤونة كالدراهم والدنانير والصفر
والنحاس والرصاص نظر:
فإن كان في البلد فتنة، وكان حين عقد العقد البلد مستقيما لم يجبر على
قبوله، لأن عليه فيه ضرر الخطر، وإن كان وقت العقد مفتنا، قال قوم: لا يجبر
عليه، وقال آخرون: يجبر عليه، والأول مذهبنا.
وأما إن كان البلد مستقيم الحال، فعندنا لا يجبر على قبوله، وعندهم يجبر
فإن امتنع أخذه الحاكم له، وبرئت ذمة العبد، لأن الأجل حق من عليه الحق،
321

فإذا أسقط حقه وعجل الدين الذي عليه، أجبر من له الدين على قبوله، وعندنا لا
يجبر في الدين أيضا.
فإذا ثبت هذا فإن قبض السيد المال صح قبضه، وعتق العبد، لأن ذمته
برئت من مال الكتابة.
إذا كاتب عبده على ألف درهم إلى أجلين فجاءه بخمسمائة قبل الأجل،
وقال: خذ هذه على أن تبرئني من الباقي، لم يصح فإنه مضارع لربا الجاهلية،
لأنه ينقص من الحق لينقصه من الأجل، وربا الجاهلية كأن يزيده في الحق ليزيده
في الأجل، فإن قبض المال لم يصح قبضه، لأنه إنما دفعه بشرط أن يبرأ من مال
الكتابة.
فأما إذا قال له: خذ هذه الخمس مائة وأبرئني من الباقي إن شئت، ففعل
ذلك وأبرأه، صح القبض، وصح الإبراء، لأنه دفع مطلقا عن شرط.
وإن قال للعبد: عجز نفسك وادفع إلي خمسمائة حتى أعتقك، لم يصح
ذلك لأنه ربما أخذ الخمسمائة ولا يعتقه.
وإن قال: إذا عجزت نفسك وأعطيتني خمسمائة فأنت حر، تعلق العتق
بصفة التعجيز ودفع الخمسمائة، عندنا لا يصح، لأنه عتق بصفة، وعندهم يصح
ومتى دفع الخمسمائة عتق، وثبت بينه وبين السيد التراجع، فيحتسب له بما
دفعه، ويحتسب عليه بقيمته، ويتراجعان الفضل، لأنه جعل بدل العتق
الخمسمائة، والتعجيز لا يصح أن يكون بدلا عن العتق، فكأنه أوقع العتق على
بدل فاسد، فيسقط البدل المسمى ويثبت بينهما التراجع.
فصل: في بيع المكاتب وشرائه وبيع كتابته ورقبته:
المكاتب يصح بيعه وشراؤه من سيده وغيره، لأن المقصود من الكتابة
حصول العتق وإنما يحصل العتق بالأداء والاكتساب والتصرف، فوجب أن
يمكن من الاكتساب فإن بيع شقص في شركته كان له أخذه بالشفعة، لأنه قد
322

يكون له حظ في الأخذ بالشفعة، ويجوز أن يأخذه من سيده بالشفعة ولا يأخذ
السيد منه بالشفعة، لأن السيد ممنوع من التصرف في المال الذي في يده، كمال
الأجنبي.
وليس للمكاتب أن يهب شيئا من ماله ولا أن يبيعه بالمحاباة، ولا أن يقرضه
بغير إذن سيده، لأن في هذه الأمور إتلاف مال، ولاحظ له فيها.
فإن فعل ذلك بإذن سيده، أو اختلعت من زوجها بإذن سيدها على عوض
بذلته فعندنا يصح جميع ذلك، ومنهم من قال: لا يصح جميع ذلك، والأول
أصح لأن المال لا يخلو من بين السيد والعبد، فإذا وهب أحدهما وأذن الآخر
صحت الهبة كالشريكين في المال إذا وهب أحدهما بإذن صاحبه.
إذا وجبت على المكاتب كفارة في قتل أو ظهار أو جماع ففرضه الصوم بلا
خلاف، فإن كفر بالمال بغير إذن سيده لم يصح لأنه مستغن عن التكفير بالمال،
لأنه يمكنه التكفير بالصوم.
فإن أذن له السيد في ذلك، فإن أراد أن يكفر بالعتق لم يجز بلا خلاف
عندنا، لأنه فعل ما لم يجب عليه، وعندهم لأن العتق يتضمن ثبوت الولاء وليس
المكاتب من أهل الولاء، وأما إن أراد أن يكفر بالإطعام أو الكسوة فعندنا لا يجزئه
لأنه فعل لم يجب عليه، ومنهم من قال: يجزئه.
ومتى باع المكاتب فلم يفترقا حتى مات المكاتب ووجب البيع، فقد مضت
في البيوع، ومنهم من قال: لا يجب البيع.
ولا يجوز أن يبيع شيئا بثمن مؤجل لأن فيه تغريرا بالمال، وإن كان
بأضعاف ثمنه، وكذلك ليس له أن يبيع بثمن مؤجل على أن يأخذ رهنا أو
ضمينا لأن الرهن قد يتلف، والغريم قد يجحد، ويفلس، ويموت فلا يخلف شيئا،
وإن كان في يد المكاتب شئ يساوي مائة فيبيعه بمائة وعشرين ويقبض المائة،
وتبقى العشرين إلى أجل صح لأنه لا غرر فيه.
فأما إن ابتاع المكاتب بدين فإنه جائز لأنه ليس فيه تغرير عليه، بل التغرير
323

على البائع، وهكذا أن يستسلف في ذمته، لأن فيه حظا له إلا أنه ليس له أن يدفع
بذلك رهنا لأن الرهن أمانة في يد المرتهن، فربما يتلف في يده فيكون من ضمان
المكاتب، ويبقى الدين في ذمته على حالته.
وليس له أن يدفع مالا قراضا إلى غيره وإن كان أمينا لأنه ربما أفلس أو
جحد أو خان، وليس له أن يهب بغير إذن سيده، سواء كان بثواب أو بغير ثواب
لأن العوض فيها غير مقصود، ولأجل هذا لا يكون لولي الطفل أن يهب مال
الطفل لا بشرط ولا بغيره.
وإذا وهب شيئا لسيده فقبله صحت الهبة عندنا، لأن الهبة بإذن سيده عندنا
جائزة، وكان هذا بمنزلة إذنه، فأما من قال: هبته بإذن سيده لا تصح، قال: لا
تصح هذه الهبة.
إذا كان للمكاتب على سيده مال وحل للسيد شئ من النجوم فليس يخلو:
إما أن يكون الحقان من جنس واحد أو من جنسين، فإن كانا من جنس واحد من
النقود ففيه أربعة أقاويل مضت، أصحها عندنا أن يصير قصاصا.
وإن كان أحدهما من غير جنس الآخر أو كانا من غير النقود، فإن أحدهما لا
يصير قصاصا عن الآخر بلا خلاف، ولا يخلو حال الحقين من ثلاثة أحوال: إما أن
يكونا نقدين أو عرضين أو نقد وعرض.
فإن كانا نقدين فلا يحتاج إلى قبض الحقين معا، بل يقبض أحدهما ما عليه
من صاحبه ثم يرده عوضا عما له في ذمته، لأن دفع العرض عن الدراهم
والدنانير التي في الذمة يجوز.
وإن كانا عرضين فلا بد أن يقبض كل واحد منهما ماله على صاحبه، ولا
يجوز أن يقبض أحدهما ثم يرد ما قبضه على الآخر عوضا عما له عليه، لأن هذا
العرض الذي في الذمة ثابت في أحد الحقين عن سلم، فإن المكاتب لا يجوز له أن
يعوض ما في يده من المال، وأخذ المال عن العوض الثابت في الذمة عن كتابة
أو سلم غير جائز.
324

فأما إذا كان أحدهما نقدا والآخر عرضا فإنه إن قبض صاحب النقد حقه لم
يجز أن يدفعه عوضا عن العرض الذي في ذمته، بل عليه تسليمه وإقباضه، وإن
قبض صاحب العرض حقه جاز أن يدفعه بدلا عن النقد وعوضا عنه، لما ذكرناه
من التعليل.
وإذا حل على المكاتب دين سيده وكان للمكاتب على إنسان دين فقال له
السيد: بعني ما لك في ذمة فلان بما لي في ذمتك، ففعل لم يصح البيع، لأنه
بيع دين بدين وإنما يجوز أن يحيله بالدين على ذلك الغير، فيكون حوالة دين
بدين.
إذا كاتب عبدا ثم اشترى المكاتب عبدا وأعتقه بغير إذن سيده فالعتق لا
ينفذ لأن ذلك إتلاف مال وهكذا إن كاتبه بغير إذن السيد لم تصح الكتابة،
لأنها تجري مجرى العتق.
فأما إن أعتق عبدا بإذن سيده أو كاتبه باذنه فعندنا يصح، وقال بعضهم: لا
يصح، فمن قال " لا يصح " قال: العتق لا ينفذ، فالكتابة باطلة والعبد باق على
ملكه، فإن أدى المال إليه لم يعتق، ومن قال: العتق ينفذ والكتابة تصح، على
ما اخترناه، قال: إن أدى مال الكتابة عتق.
وأما الولاء فعندنا أنه يكون سائبة، وقال بعضهم: هو للسيد، وقال آخرون:
هو موقوف، فمن قال: الولاء للسيد قال: استقر الولاء له سواء عجز المكاتب
نفسه أو أدى فعتق فإن الولاء لا ينفك عن السيد.
إذا مات العبد كان المال للسيد، ومن قال: الولاء موقوف، قال: إن أدى
المكاتب عتق واستقر الولاء له، فإن عجز المكاتب نفسه استرقه السيد فأخذ ماله
وكان الولاء له، وإن مات قبل أن يعجز أو يؤدي فلمن يكون ماله؟ فيه قولان:
أحدهما يكون موقوفا على ما بين من أمر المكاتب كالولاء سواء، الثاني أنه للسيد.
والفرق بينه وبين الولاء، أنه لما جاز أن ينتقل الولاء من شخص إلى شخص
جاز أن يكون موقوفا، والميراث لا يجوز أن ينتقل من شخص إلى شخص، فلم
325

يجز أن يقف.
إذا كاتب عبدا على مال ثم إن السيد باع المال الذي في ذمة المكاتب، قال
قوم: البيع صحيح، وقال آخرون: لا يصح، وهو الأقوى عندي، لما روي عن
النبي صلى الله عليه وآله أنه نهى عن بيع ما لم يقبض، وهذا بيع ما لم يقبض.
فإذا بطل البيع لم يملك المشتري مطالبة المكاتب بشئ، لأنه ما ملك
عليه شيئا فيطالبه، ولا يجوز للمكاتب أن يدفع إليه شيئا، فإن جمع مالا ودفعه إلى
المشتري فلا يعتق به عندنا، وقال بعضهم: يعتق، لأن السيد لما باع المال من
المشتري أذن له في قبضه وسلطه عليه، فصار كالوكيل له في قبض المال.
والأول أصح، لأن المشتري لم يقبض المال للسيد وإنما قبضه لنفسه،
وقبضه لنفسه ما صح، فإنه ما استحق شيئا، فإذا لم يصح قبضه لنفسه، صار
وجود ذلك القبض منه كعدمه، فلم تبرأ ذمة المكاتب بذلك الدفع، كما لو
دفعه إلى أجنبي.
ومن قال: يعتق، قال: إن ذمته تبرأ من مال الكتابة لأنه ما عتق إلا بعد براءة
ذمته من المال وتبقى المنازعة بين السيد وبين المبتاع في المال الذي قبضه من
المكاتب وفي النجم الذي دفعه المبتاع إليه، فإن كان المال الذي قبضه
المشتري، والثمن الذي دفعه المبتاع إليه باقيين، رجع المشتري بما دفع،
واسترجع منه ما أخذ، فإن كانا تالفين حصل التقابض بينهما فيما تساويا فيه،
ورجع أحدهما على صاحبه بالفضل الذي بقي له.
ومن قال: إن المكاتب لا يعتق، فإن ذمته لا تبرأ من مال الكتابة، فيستحق
السيد أن يطالبه بمال الكتابة، ويستحق هو أن يطالب المشتري بما دفعا إليه،
واستحق المشتري مطالبة السيد بالثمن الذي دفعه إليه.
إذا كان لرجل في ذمة رجل حر دين عن غير سلم، فباعه من إنسان بعوض
إما ثوب أو غيره قال قوم: إنه يصح لأنه لما جاز أن يبتاع بدين في ذمة نفسه جاز
أن يبتاع بدين له في ذمة غيره، فإن كل واحد من الدينين مملوك.
326

وقال آخرون: إنه لا يصح لأن الدين الذي له في ذمة الغير ليس بمقدور على
تسليمه، فإنه ربما منعه من هو عليه، وربما جحده، وربما أفلس، ومن ابتاع ما لا
يقدر على تسليمه بطل بيعه، كما لو ابتاع بعبد مغصوب أو آبق، والأول رواية
أصحابنا وقالوا: إنما يصح لأنه مضمون.
إذا اشترى المكاتب من يعتق عليه بحق القرابة كالآباء والأمهات وغيرهم،
فإن اشتراه بغير إذن سيده بطل الشراء، وقال بعضهم: يصح الشراء، ولا يصح
التصرف فيه استحسانا، والأول أصح عندنا، لأن في ابتياعهم إتلاف المال، فإنه
يخرج من يده شيئا ينتفع به ويمكنه التصرف فيه، ويستبدل مكانه مالا ينتفع به
ولا يمكنه التصرف فيه، فهو إتلاف في الحقيقة، فأما إذا اشتراهم باذنه، فعندنا إنه
يصح، وقال بعضهم: لا يصح.
فأما إذا أوصي له به وأراد أن يقبل الوصية، فإنه ينظر: فإن كان ممن يجب
عليه نفقته، بأن يكون زمنا أو شيخا كبيرا أو طفلا صغيرا لم يجز قبول الوصية فيه
لأنه يستضر بوجوب النفقة عليه، وإن كان جلدا مكتسبا تقوم نفقته بكسبه، فله أن
يقبل الوصية منه، بل هو مندوب إليه، لأنه إذا ملكه لا يستضر.
فإذا ثبت هذا وقبل الوصية، ملكه ولم يجز له التصرف فيه، لأن الابن
لا يجوز أن يتصرف في أبيه، لكنه يقف معه، فإن أدى وعتق، عتق هو أيضا
ويكون ولاؤه له، فإن عجز عن نفسه واسترقه السيد، استرق الابن معه وحصلا
مملوكين.
وإن جنى هذا العبد جناية يتعلق أرشها برقبته لم يكن للسيد أن يفديه، لأنه
يخرج عن عبده عوضا ينتفع به ويتصرف فيه، ويستبقي ما لا ينتفع به ولا
يتصرف فيه، فلم يجز له ذلك.
لا يجوز بيع رقبة المكاتب عندنا، وقال بعضهم: صح، وفيه خلاف
ذكرناه في الخلاف.
327

فصل: في كتابة الذمي:
تجوز كتابة النصراني بما تجوز به كتابة المسلم لعموم الآية والخبر، وإنما
تصح كتابته على الوجه الذي تصح عليه كتابة المسلم، وترد على الوجه الذي
ترد عليه كتابة المسلم.
فإذا كاتب عبدا ثم ترافعا إلى حاكم المسلمين حكم بينهما بحكم الإسلام،
فإن كانت الكتابة تجوز بين المسلمين أمضاها، وإن كانت لا تجوز ردها، لأن
الحاكم إنما يجوز له أن يحكم بما يسوع في ذمته.
فإذا حكم بينهما نظر في الكتابة فإن كانت صحيحة أقرهما عليها وأمضاها،
وإن كانت فاسدة بأن يكونا عقداها على خمر أو خنزير أو شرط فاسد ففيه ثلاث
مسائل:
إحداها: أن يتعاقدا الكتابة في حال الشرك، ويتقابضا العوض، ثم أسلما
وترافعا فالحاكم يقرهما على ذلك، لا لمعنى أنه يحكم بصحته، لكن لا يتعرض
له كما نقول إذا تزوجها على مهر فاسد وتقابضا العوض ثم أسلما.
الثانية: أن يعقد العقد في الشرك على خمر أو خنزير ثم أسلما وتقابضا
العوض بعد الإسلام فالحاكم يبطل ذلك ويرده لأن قبض الخمر والخنزير لا
يصح في حالف الإسلام.
ولا يصح العتق بوجود الصفة عندهم، ويثبت بين السيد والعبد التراجع،
فإن كان ما دفعه إلى السيد لا قيمة له لم يحتسب له بشئ، وحسبت عليه قيمة
رقبته، ويترادان الفضل، والذي يقتضيه مذهبنا أنه يلزمه قيمة ما وقع عليه العقد
عند مستحليه لا قيمة رقبته، ولا يقع العتق إلا بعد توفيته.
الثالثة: إن تعاقدا العقد في حال الكفر ثم أسلما وترافعا قبل التقابض أو بعد
قبض البعض وبقاء البعض، فيحكم الحاكم بفسخ الكتابة وإبطالها عندهم،
ويقتضي مذهبنا ما قلناه في المسألة: أن عليه قيمة ما وقع عليه العقد سواء كان
الكل أو البعض ولا تبطل الكتابة.
328

الكافر إذا اشترى عبدا مسلما فالبيع باطل عندنا، وقال بعضهم: صحيح،
وإنما قلنا بالأول لقوله تعالى: " ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا ".
فمن قال: صحيح، قال: يملكه ويكون الحكم فيه وفي أنه أسلم العبد تحت
يده أو ملكه بالإرث واحد، وزال ملكه منه فلا يقر عليه، فإن أعتقه أو باعه أو وهب
جاز، فإن كاتبه قال بعضهم: يصح، وقال آخرون لا يصح لأن سلطانه باق عليه،
لأنه يمنعه من السفر، وكمال التصرف.
فمن قال: الكتابة صحيحة، أقره عليها، فإن أدى مال الكتابة عتق، وإن عجز
نفسه استرقه السيد وأزيل ملكه عنه ببيع أو غيره، ومن قال: الكتابة فاسدة، قال:
يباع عليه فإن بادر العبد قبل أن يباع عليه فأدى المال عتق بوجود الصفة، ويرادا
الفضل لأنه عتق بكتابة فاسدة، وهذا يسقط عنا لما قلناه.
إذا كان للكافر عبد فكاتبه ثم أسلم فلا يباع عليه، لأن القصد إزالة سلطانه
وقد حصل، فأما إن أسلم ثم كاتبه فعندنا لا يصح وقال بعضهم: يصح.
أهل الحرب عندنا لهم أملاك تامة صحيحة بدليل قوله: " وأورثكم أرضهم
وديارهم " فأضاف ذلك إليهم، وحقيقة الإضافة تفيد الملك، فعلى هذا إذا كاتب
الحربي عبدا له صحت كتابته، لأنه عقد معاوضة، والحربي والمسلم فيه سواء.
فإذا كاتب في دار الحرب ثم دخلا في دار الإسلام مستأمنين، أو بأمان ثم
كاتبه فإنهما ما لم يترافعا إلى الحاكم ويتحاكما إليه فلا يتعرض لهما، بل يقرهما
على ما فعلاه.
فإن ترافعا إليه فإنه يحكم بينهما بحكم الإسلام، وينظر في الكتابة، فإن
كانت صحيحة في شرعنا أعلمهم صحتها وأقرهما عليها، وإن كانت فاسدة أعلمهم
فسادها، فإنه لا يجوز الإقرار عليها.
فإن قهر سيده على نفسه في دار الحرب، ثم دخل دار الإسلام بأمان ومعه
السيد فقد ملك السيد، وانفسخت الكتابة فيه، وملك سيده بقهره إياه، ويقر على
ذلك لأن دار الحرب دار قهر وغلبة، من قهر فيها على شئ وغلبه ملكه.
329

فأما إذا دخلا دار الإسلام ثم قهر سيده على نفسه، فإنه لا يقر على ذلك لأن
دار الإسلام ليس بدار قهر وغلبة، بل هو دار حق وإنصاف.
المسلم إذا كان له عبد كافر فكاتبه يقوى عندي أنه لا تصح الكتابة لقوله
تعالى: " فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا " وهذا لا خير فيه، ولقوله تعالى: " وآتوهم
من مال الله الذي آتاكم " وهذا ليس من أهله، لأن ذلك من الصدقة، وليس
الكافر من أهلها، وعند المخالف تصح الكتابة كما يصح إعتاقه.
فإذا أدى المال عتق، ويثبت للمسلم عليه الولاء، ثم يقال له: إلى الآن كنت
تابعا لسيدك، وقد صرت حرا فإن شئت فاعقد لنفسك عقد الذمة، وإن شئت
فالحق بدار الحرب فتكون حربا لنا.
فإن لحق بدار الحرب فظهر المسلمون على الدار وأسروه لم يجز استرقاقه
لأنه قد ثبت للمسلم عليه ولاء وفي استرقاقه إبطال ذلك الولاء، ولو قلنا: إن
الكتابة صحيحة لكان يصح استرقاقه، لأن عندنا لا ولاء للسيد إلا بالشرط، فإن
كان شرط لم يصح حينئذ استرقاقه.
الكافر الحربي إذا كاتب عبده ثم دخل دار الإسلام بأمان، أو دخلا دار
الإسلام ثم كاتبه، فقد انقطع سلطانه عنه، فإن أراد العبد الرجوع إلى دار الحرب
لم يكن للسيد منعه من ذلك، لأن تصرفه قد انقطع عنه، وإنما بقي له في ذمته
دين، فلم يكن له منعه من السفر، ولا إجباره عليه.
فيقال له: إن اخترت أن تقيم في دار الإسلام حتى تقبض المال منه فافعل
واعقد لنفسك عقد الذمة، وإن اخترت فالحق بدار الحرب، ووكل من يقبض
لك المال، فإن لحق السيد بدار الحرب ووكل فأدى المكاتب إلى الوكيل عتق
ويكون هذا المال للسيد، والأمان ثابت له، فإذا لحق السيد بدار الحرب انتقض
أمانه في نفسه، ولا ينتقض في ماله، كما لو عقد له الأمان مفردا، فما دام السيد
حيا فالأمان باق للمال فإذا مات انتقل المال إلى ورثته، وهل يكون الأمان باقيا أو
يجوز استئنافه؟ على قولين مضيا في السير.
330

إذا خرج السيد لقتال المسلمين، فسبي ووقع في الأسر فالإمام فيه مخير بين
أن يقتله أو يسترقه أو يمن عليه أو يفاديه بمال أو رجال، فإن قتله فهو كما لو مات
على ما ذكرناه، وإن أطلقه أو فأداه برجال أو بمال، فالمال على حالته فإن ملكه
ثابت على أمواله لم يتغير شئ منه بنفس الأسر، وإنما يتغير ذلك بالقتل
والاسترقاق، فإن استرقه فبالاسترقاق يزول ملكه عن ماله.
فلا يخلو: إما أن يكون المكاتب قد أدى المال إلى وكيله أو لم يؤد، فإن
كان قد أدى فقد عتق، وحصل المال للسيد، والولاء له، فإن استرق فإن ماله لا
ينتقل إلى ورثته بلا خلاف، لأنه في ولاء يورث، لكن ما حكمه؟ يبني على
القولين في الموت.
فمن قال هناك: إن ماله لا يغنم، فهاهنا أولى، لأن بالموت يزول ملكه عنه
زوالا لا يرجى عوده، وهاهنا يزول زوالا يرجى عوده، ومن قال: إن ماله يغنم،
هناك على ما يختاره، قالوا هاهنا قولين: أحدهما يغنم لأنه ملكه يزول بالاسترقاق
كزواله بالموت، والثاني لا يغنم بل يكون موقوفا، والأول عندي أقوى.
فمن قال: يغنم، فإنه ينتقل إلى بيت المال ويستقر حكمه فسواء أعتق بعد
ذلك أو مات أو قتل، فإنه لا يورث، ومن قال: إنه موقوف، قال: ينظر في ماله،
فإن عتق عاد الملك إليه، لأنه زال المعنى الذي زال الملك لأجله، فحكم بعوده.
وإن قتل أو مات وهو رقيق فلا يمكن أن يورث، فيكون بمنزلة الذمي إذا
مات ولم يعرف له وارث، فينقل ماله إلى بيت المال فهذا حكم المال.
فأما الولاء فقال بعضهم: الولاء كالمال فإذا قيل " المال مال المسلمين "
، فالولاء لهم، وإذا قيل " إنه موقوف " فالولاء موقوف، وفيهم من قال: الولاء
يسقط، ولا يثبت لأحد لا للمسلمين ولا للمناسبين، وهو مذهبنا، لأن ولاء المكاتب
عندنا لا يثبت إلا بالشرط، وما يثبت بالشرط لا ينتقل إلى ورثته، لأنه إنما ثبت
بتضمين الجريرة وقد مضى، فهذا الحكم في المكاتب إذا كان قد أدى المال قبل
أن يسترق السيد.
331

فأما إن استرق قبل أن يؤدي فإنه ينظر: فإن أعتق السيد فقد عاد ملكه على
المال الذي في ذمة المكاتب، وإذا أداه إليه عتق وثبت له الولاء عليه، وإن مات
السيد أو قتل وهو رقيق فقد انقطع ملكه، وحصل المال الذي في ذمته للمسلمين
يؤديه الإمام، ويعتق، وفي الولاء وجهان، على ما مضى عندنا للإمام.
ومتى قال المكاتب - قبل أن يعتق السيد أو يموت - للحاكم: أقم لي أمينا
أؤدي له المال وأعتق، فعل ذلك، فإذا أدى إليه المال عتق.
إذا كاتب المسلم عبدا ثم ظهر المشركون على الدار فأسروا المكاتب
وحملوه إلى دار الحرب فإنهم لا يملكونه بذلك، لأن حق المسلم قد تعلق به، فإن
انفلت المكاتب منهم أو ظهر المسلمون على الدار فأخذوه فهو على كتابته.
وهكذا إن دخل الكافر دار الإسلام بأمان فكاتب عبدا له، ثم ظهر
المشركون على الدار فقهروا المكاتب على نفسه وأخذوه إلى دار الحرب ثم انفلت
منهم، أو غلبهم المسلمون عليه، فإنه يكون على كتابته.
وهل يجب عليه أن يخليه مثل تلك المدة التي حبسه فيها المشركون
ليكتسب فيها أم لا؟ قيل فيه قولان: أحدهما يجب، والآخر لا يجب، والأول
أقوى.
وهكذا لو كاتب عبده ثم حبسه مدة من الزمان، قال قوم: يجب عليه أن
يتركه مدة مثل تلك المدة، وهو الأقوى عندي، وقال آخرون: لا يجب غير أنه
يلزمه ضمان مثل أجرة تلك المدة وهو قوي أيضا، وإذا أسره المشركون فلا يلزم
السيد الضمان بلا خلاف.
وإذا ثبت هذا فمن قال: لا يلزم تخلية المكاتب مثل المدة التي حبسه فيها
المشركون، نظر: فإن كان حل عليه مال الكتابة طالبه، وإلا كان له أن يعجزه،
وإن لم يكن حل عليه المال انتظر إلى وقت حلوله، فإن أدى وإلا كان له أن
يعجزه.
ومن قال: عليه تخليته، لزمه أن ينتظر إلى مثل تلك المدة ثم يطالبه بالمال
332

فإن أداه وإلا كان له أن يعجزه، فهذا الحكم فيه إذا انفلت المكاتب من المشركين
وعاد إلى دار الإسلام.
فأما إذا كان في بلاد الشرك على حكم الأسر، فحل عليه مال الكتابة، فأراد
السيد تعجيزه، فمن قال: يلزمه تأجيله، قال: لم يكن تعجيزه لأنه متى انفلت من
المشركين كان عليه أن يخليه مثل تلك المدة ثم يتحقق عجزه، فلم يكن له
الفسخ قبل مضي تلك المدة، ومن قال: لا يلزمه تخليته، قال: له أن يفسخ في
الحال لأنه تعذر عليه حصول مال الكتابة مع استحقاقه له.
لكن هل يتولى الفسخ بنفسه أو يرجع إلى الحاكم حتى يفسخ؟ قيل فيه
وجهان: قال بعضهم: له أن يتولاه بنفسه، كما لو كان حاضرا فتعذر عليه المال،
وقال آخرون: يرفعه إلى الحاكم حتى يفسخ لأنه ما تحقق عجزه لجواز أن يكون
له مال لا يعلم به.
فإذا فسخ السيد الكتابة إما بنفسه أو فسخها الحاكم، فإن لم يدع لنفسه
مالا فقد تحقق عجزه واستقر حكم الفسخ، وإن ادعى أن له مالا وأقام البينة على
أنه كان موجودا حال الفسخ فسخنا ما كنا حكمنا به من العجز، ويدفع المال
إلى السيد ويعتق، لأنه إنما حكم بعجزه في الظاهر، فإذا بان له مال بان الخطأ فيما
عمل، وجعل له أن يؤدي ويعتق.
ولو كاتب في بلاد الحرب ثم خرج المكاتب إلينا نظر: فإن دخل بإذن
سيده إما في تجارة أو حاجة فهو على حكم الكتابة، وتحت يد السيد، وإن خرج
بغير إذن السيد على وجه القهر له على نفسه، فإنه ملك نفسه وتنفسخ الكتابة،
ويعتق، لأن الدار دار قهر وغلبة، ثم يقال له: أنت بالخيار بين أن تقيم وتعقد
لنفسك ذمة أو تلحق بدار الحرب، فتصير حربا لنا.
فصل: في كتابة المرتد:
إذا ارتد رجل ثم كاتب عبدا قال قوم: إنها باطلة، وقال آخرون: صحيحة،
333

ومنهم من قال: إنها موقوفة مراعى مثل التدبير، والأول أقوى عندي.
فإذا ثبت هذا فمتى أدى المكاتب المال نظر:
فإن أداه قبل أن يحجر على المرتد فمن قال: الكتابة صحيحة، فإنه يعتق
بالأداء ويكون المال والولاء لسيده، لأن ملكه ثابت على ماله، ومن قال: إنها
باطلة، قال: إذا أدى لم يعتق لأنه محكوم بزوال ملكه عن ماله، ولو أعتق عبدا
ابتداء لم ينفذ عتقه، كذلك لم يعتق عليه العبد بالأداء، ومن قال: إنها موقوفة
نظر: فإن أسلم السيد كانت الكتابة صحيحة، ويصح الأداء ويعتق، ويكون
الولاء للسيد، وإن قتل أو مات على الردة علم أنها باطلة وأن الأداء لم يصح،
فيكون العبد فيئا للمسلمين، وكذلك ما في يده من المال.
وأما إذا أدى بعد ما حجر الإمام على المرتد في ماله، فمن قال: الكتابة باطلة
وليس بينهما عقد، فالعبد باق على الرق، وأداؤه كلا أداء، ومن قال: إنها
صحيحة، أو قال: موقوفة، فلا يجوز أن يؤدي المال إلى السيد، لأنه محجور عليه
لا يصح منه القبض، فإن دفع المال إليه لم يصح الدفع، ولا يعتق، وللحاكم
مطالبته بالمال.
فإن كان ما دفعه باقيا بحاله دفعه إلى الإمام وعتق بالدفع، وإن كان تالفا
فقد هلك من ضمانه، فإن كان معه شئ آخر يدفعه إلى الحاكم وإلا كان له
تعجيزه.
فإن أسلم السيد كان عليه أن يحسب له بما دفع، ويعتق عليه، لأنه إنما لم
يصح قبضه لحق المسلمين، فإذا زال حقهم فصار الحق له، صح قبضه ووقع
العتق.
إذا كان للمسلم عبد فارتد العبد، ثم كاتبه السيد بعد ردته صح لأنه عقد
معاوضة، والمرتد يصح منه ذلك، ثم ينظر: فإذا أدى المال إلى سيده عتق وصار
حرا مرتدا يستتاب، فإن تاب وإلا قتل، وإن عجز نفسه استرقه السيد وأعاده إلى
ملكه فإن أسلم وإلا قتل، ويكون ماله لسيده، وإن قتل على الردة قبل أن يؤدي
334

وقبل أن يعجز انفسخت الكتابة، ويكون ما في يده من المال لسيده، لأنه عاد إلى
ملكه لما انفسخت الكتابة.
فصل: في جناية المكاتب على سيده وعلى أجنبي:
لا يخلو حال المكاتب إذا جنى من أحد أمرين: إما أن يجني على سيده أو
على أجنبي، فإن جنى على سيده لم يخل: إما أن يجني على طرفه أو على نفسه:
فإن جنى على طرفه فالخصم فيه السيد، فإن كانت الجناية عمدا كان له أن
يقتص وإن كانت خطأ فله أخذ الدية، وإن جنى على نفسه فالخصم فيه وارثه، فإن
كانت الجناية عمدا فلهم المطالبة بالقصاص، وإن كانت خطأ فلهم الدية.
فإن كانت الجناية عمدا واختار المطالبة بالقصاص واقتص إما في النفس أو
في الطرف، فقد استوفى الحق، وإن كانت خطأ أو عمدا فعفا عن القود فيها
ووجب الأرش فإنه يتعلق برقبته، كالعبد القن إذا جنى ووجب الأرش، فإنه
يتعلق برقبته.
وللمكاتب أن يفدي نفسه، لأن ذلك يتعلق بمصلحته، وبكم يفدي؟ قيل
فيه قولان: أحدهما بأقل الأمرين من الأرش أو القيمة، والثاني بالأرش بالغا ما
بلغ، أو يسلم نفسه للبيع، فربما رغب فيه راغب فزاد في ثمنه.
فإن اختار الفداء وكان في يده مال كان له الدفع منه، لأن ذلك من
مصلحته، وله صرف المال الذي في يده فيما يتعلق بمصلحته، فإذا أخذ السيد أو
وليه منه أرش الجناية نظر: فإن بقي معه ما يؤديه في مال الكتابة أداه وعتق، وإن
لم يبق معه شئ كان له أن يعجزه.
وأما إذا لم يكن في يده مال فقد اجتمع عليه حقان: أرش الجناية ومال
الكتابة، فإن كان في يده ما يتم لهما، دفعه وعتق، وإن لم يكن في يده ما يتم لهما
كان للسيد تعجيزه، فإذا فعل انفسخت الكتابة وعاد إلى ملكه، ويسقط الحقان
معه لأنه لا يثبت للسيد على عبده مال.
335

فأما إذا جنى على أجنبي فإنه إن جنى عليه عمدا وجب القصاص، فإن عفا
فالدية، وإن جنى خطأ وجب الأرش، ثم ينظر: فإن اختار القصاص كان له ذلك
وإن عفا تعلق الأرش برقبته، والحكم في ذلك وفي جناية الخطأ واحد.
وله أن يفدي نفسه من الجناية، لكنه يفدي بأقل الأرش من قيمته أو أرش
الجناية لا يزيد على ذلك بحال، لأنه في الحقيقة يبتاع نفسه، ولا يجوز ابتياعها
بأكثر ما يساوي.
ويفارق هذا إذا كان ذلك مع السيد حيث أمرنا له بالزيادة، لأن ذلك
يكون هبة من السيد، وهو يملك أن يهب من السيد، ويكون هاهنا هبة من أجنبي
وهو لا يملك ذلك إلا بإذن سيده، فإن أذن له جاز.
ثم ينظر: فإن دفع الأرش إلى الأجنبي برئت ذمته وبقى عليه مال الكتابة فإن
كان معه ما يدفعه وإلا كان للسيد تعجيزه، وإن لم يكن معه ما يدفع إليه
فللأجنبي أن يعجزه ويبيعه في الجناية، لأنه قد تعلق له حق برقبته فكان له بيع
الرقبة في الجناية إلا أن يختار السيد أن يفديه ويقره على الكتابة، فله ذلك، وبكم
يفديه؟ على ما ذكرناه.
إذا اشترى المكاتب عبدا للتجارة، فجنى العبد على أجنبي إما حر أو عبد،
فإن كانت الجناية عمدا فعليه القصاص، فإن عفا عنه فعليه الدية، وإن كانت خطأ
فعليه الأرش، فإن أراد السيد أن يفديه كان له ذلك، وبكم يفديه؟
فمن قال في العبد القن أنه يفديه بأقل الأمرين، قال: للمكاتب أن يفدي
ذلك لأنه لا يزيد عن ثمن المثل، ومن قال: إن العبد القن يفدي بأرش الجناية
بالغا ما بلغ أو يسلم للبيع نظر في الأرش: فإن كان أقل من قدر قيمته كان له أن
يفديه به، وإن كان أكثر من قيمته لم يكن له أن يفديه، لأنه لا يملك ابتياع هذا
العبد بأكثر من ثمن مثله، كذلك الفدية وهذا أقوى.
إذا كاتب عبدا واجتمعت عليه حقوق من دين اقترضه ومن ثمن مبيع ابتاعه
وأرش جناية على نفس أو على طرف، فليس يخلو إما أن يكون في يده مال أو لا
336

يكون.
فإن كان في يده مال لم يخل: إما أن يكون قد حجر عليه أو لم يحجر عليه.
فإن لم يكن حجر عليه لم يخل: إما أن تكون الحقوق كلها حالة أو بعضها
حال وبعضها مؤجل.
فإن كان جميعها حالا فله أن يقدم ما شاء منها، لأنه مطلق التصرف، فكان
له أن يفعل ما شاء، وإن كان بعضها حالا وبعضها مؤجلا، كأرش الجناية لا
يكون إلا حالا، ومال الكتابة قد يكون حالا وقد يكون مؤجلا، وكذلك ثمن
المبيع فإن بدأ بقضاء الدين الحال جاز ويبقى عليه المؤجل.
فإن أراد تعجيل المؤجل نظر: فإن أراد تعجيل دين الأجنبي لم يكن له
ذلك لأن تعجيل الدين المؤجل يجري مجرى الزيادة فيه، فهو كالهبة فليس
يملك الهبة من الأجنبي، وإن أراد تعجيل مال الكتابة فهذا هبة من سيده، فيكون
كالهبة باذنه فعندنا يصح، وقال بعضهم: لا يصح.
وأما إذا كان قد حجر على المكاتب، فإن كان المال الذي في يده يعجز عن
ديونه فاجتمع غرمائه وسألوا الحاكم الحجر عليه، فإن تصرفه ينقطع بذلك،
ويكون الأمر إلى الحاكم ويقسط ماله على ما قدر عليه من الحقوق، فيدفع إلى
كل واحد بقسط ما تضمنه، هذا إذا رضوا، فإن تشاحوا قال بعضهم: يقدم
صاحب الدين على المجني عليه وعلى السيد، لأن حقه يختص بالمال الذي في
يده، فإذا لم يدفع إليه حقه منه لم يرجع منه إلى شئ آخر، والسيد والمجني عليه
يرجعان من حقهما إلى الرقبة.
فإذا دفع إلى صاحب الدين حقه نظر: فإن بقي معه شئ دفع إلى المجني
عليه وقدم على السيد، لأنه يأخذ دينه بحق الجناية، والسيد يأخذ حقه بالملك،
وحق الجناية مقدم على حق الملك، فإذا قضي حق المجني عليه ثم بقي شئ
دفعه إلى السيد، فإن لم يبق شئ كان له تعجيزه واسترقاقه، فأما إذا لم يبق مع
الكتابة بعد قضاء الدين شئ، فلكل واحد من السيد والمجني عليه تعجيزه، لأن
337

حق كل واحد منهما يتعلق بالرقبة، وقد تعذر ذلك.
ثم ينظر: فإن اختار التعجيز انفسخت الكتابة، وبرئت ذمة المكاتب مما عليه
من المال، وبقى حق المجني عليه متعلقا برقبته، وله بيعه في الجناية إلا أن يفديه
السيد، وبكم يفديه؟ على قولين كالعبد القن سواء.
فإن لم يختر السيد تعجيزه واختار المجني عليه ذلك، قيل للسيد: لك
الخيار أن تفديه، فإن اختار ذلك جاز، ويكون باقيا على الكتابة، وبكم يفديه؟
على قولين، فإن لم يفده كان للأجنبي أن يرجع إلى الحاكم حتى يفسخ الكتابة
ويبيعه في الجناية، فإذا حصل معه شئ نظر: فإن كان قدر الأرش أقل دفع إلى
المجني عليه، وإن كان أكثر منه كان الفضل للسيد.
إذا مات المكاتب وفي يده مال لا يفي بالحقوق التي عليه، فإن الكتابة
تنفسخ بموته، وتسقط حق السيد من المال، وتعود رقبته إلى ملكه، وحق المجني
عليه من الأرش يسقط أيضا، لأنه كان متعلقا بالرقبة وقد ماتت، فيبقي الدين
للقرض والبائع، فيدفع ذلك من المال الذي كان في يده، فإن فضل شئ كان
للسيد لأنه كسب عبده، هذا إذا كان في يده مال.
فإن لم يكن في يده مال بحال، فلا يخلو: إما أن ينظره أصحاب الحقوق
بحقوقهم، أو لا ينظرونه، فإن أنظروه حتى يكتسب ويدفع إليهم جاز، إلا أن هذا
الأنظار لا يلزمهم، بل لهم الرجوع فيه متى شاؤوا، وفيه خلاف، فأما إذا لم
ينظروه بل طالبوه بحقوقهم فصاحب الدين ليس له تعجيزه، لأنه قبل التعجيز
حقه ثابت في ذمته وبعد التعجيز يثبت في ذمته أيضا، فلم يكن له في تعجيزه
فائدة.
فأما السيد والمجني عليه فلهما أن يعجزاه لأنهما يستفيدان بذلك فائدة، وهو
أن المجني عليه يبيع الرقبة في حقه، والسيد يستردها إلى ملكه، ثم ينظر: فإن
عجزاه انفسخت الكتابة ويباع في الجناية، ويقدم حق المجني عليه على حق
السيد حسب ما ذكرناه، وأما الدين فإنه ثابت في ذمته على ما كان، لا يتعلق
338

برقبته، وقال بعضهم: يتعلق بالرقبة، وكذلك الخلاف في العبد المأذون له في
التجارة إذا ركبته ديون فهل يتعلق برقبته أو بذمته؟ فعندنا إن كان مأذونا له في
الاستدانة تعلق بذمة سيده، وإن كان مأذونا له في التجارة دون الاستدانة تعلق
بكسبه، وإن لم يكن مأذونا، في التجارة تعلق بذمته وفيه خلاف.
إذا جنى المكاتب جنايات على جماعة فلزمه بها أرش فليس يخلو: إما أن
يكون في يده مال أو لم يكن.
فإن كان في يده مال يفي بالأرش دفع الأرش منه، ويبقى الحكم بينه وبين
السيد، إن أدى إليه مال الكتابة عتق، وإن لم يؤد كان له استرقاقه.
فإن لم يكن في يده مال، فللمجني عليهم أن يعجزوه، ويفسخوا الكتابة
ليعيدوه إلى الرق ويباع في حقوقهم، فإن كان ثمنه يفي بحقوقهم دفع إلى كل
واحد قدر ما يصيبه منه، سواء كان قد جنى على جماعتهم دفعة أو على بعضهم
بعد البعض، أو بعضهم قبل التعجيز وبعضهم بعده، لأنه محل هذه كلها الرقبة،
فإن تعلق أرش الجناية بالرقبة لا يمنع تعلق أرش آخر بها.
فإذا تساوت الحقوق في محلها واستحقاقها سوى بين جميعها وإن أبرأه
بعضهم عما وجب له من الأرش رجع حقه إلى الباقين، ويسقط عليهم ويتوفر
ذلك في حقوقهم لأن المزاحمة قد سقطت، فإن اختار السيد أن يفديه ويبقيه على
الكتابة كان له ذلك، وبكم يفديه؟ على ما ذكرناه فيما تقدم، هذا عندنا إذا
كانت جناية لا تستغرق جميع رقبته، فأما إذا كانت الجناية ما توجب القصاص
في النفس، فمتى جنى عليهم دفعة واحدة كان مثل ذلك، وإن جنى على واحد
بعد واحد، كان للأخير.
إذا قطع المكاتب يد سيده عمدا وجب عليه القصاص، فإن اختار ذلك
كان له استيفاؤه في الحال، وإن عفا على أرش أو كانت الجناية خطأ فوجب بها
أرش في الأصل فهل له أن يطالبه بالأرش في الحال، أو ينتظر إلى حالة
الاندمال؟ قيل فيه قولان، مثل الحر:
339

فمن قال: له المطالبة في الحال نظر: فإن كان معه قدر الأرش دفعه إليه، ثم
إن كان معه وفي مال الكتابة، فإذا فعل ذلك عتق وإن لم يكن معه وعجزه
السيد كان له، فإذا فعل ذلك عاد إلى ملكه، وسقط مال الكتابة وأرش الجناية.
ومن قال: ليس له المطالبة بالأرش إلى حال اندمال الجرح - وهو
منصوص أصحابنا - نظر: فإن اندمل قبل أداء مال الكتابة والعتق فله المطالبة
بالأرش، والحكم فيه كما لو قلنا: إنه له المطالبة في الحال يطالب، وإن أدى
وعتق قبل الاندمال، فإنه يؤدي الأرش في حال الحرية، ويلزمه أرش الطرف
وهو نصف الدية، وقال بعضهم: يلزمه أقل الأمرين من أرش الجناية أو نصف
قيمته، فهذا الحكم فيه إذا أدى المكاتب المال وعتق.
فأما إذا أعتقه السيد قبل اندمال الجرح ثم اندمل فإنه ينظر: فإن لم يكن في
يده مال سقط حقه من الأرش بكل حال، لأنه ليس هناك مال يستوفى منه،
والرقبة فقد أتلفها باختياره بالإعتاق، وإن كان في يده مال يستوفي الأرش، قيل
فيه وجهان:
أحدهما: له ذلك، لأنه لما كان له الاستيفاء قبل العتق، كان له الاستيفاء
بعده، فإن العتق ليس بإبراء عن المال.
والثاني: ليس له لأن الأصل في محل الأرش هي الرقبة، والمال تابع لها،
فإذا تلفت الرقبة باختياره سقط حقه بذلك.
الرجل إذا كاتب عبيدا له في عقد واحد، فإن كل واحد منهم يكون مكاتبا
على ما يخصه من العوض، ولا يتحمل بعضهم ما يلزم البعض وفيه خلاف.
فإذا جنى بعضهم لزمه حكم جنايته، ولا يلزم غيره شئ من ذلك، وقال
بعضهم: يلزم بعضهم جناية البعض، لأن كل واحد منهم كفيل عن صاحبه،
والأول أصح عندنا.
إذا كان للمكاتب ولد وهو يملكه، أو أوصي له به فقبل، أو اشترى أمة
فوطئها فاتت بولد ثم جنى ذلك الولد على إنسان جناية وجب بها أرش، لم يكن
340

للمكاتب أن يفديه، لأنه يخرج من يده ما يمكنه التصرف فيه، ويستبقي ما لا
يمكنه التصرف فيه.
ثم ينظر: فإن كان للولد كسب يمكن دفع الأرش منه فعل ذلك، وإن لم
يكن له كسب يمكن دفع الأرش منه بيع في الجناية، فإذا بيع نظر في ثمنه: فإن
كان بقدر الأرش أخذه المجني عليه، وإن كان أكثر فإن أمكن أن يباع منه بقدر
الأرش ويكون الباقي على حكم الكتابة فعل، وإن لم يمكن، بيع جميعه ليدفع
إلى المجني عليه قدر الأرش، ويكون الباقي للمكاتب، لأنه ثمن عبده.
وهكذا الحكم في المكاتبة إذا أتت بولد وقيل: إنه يكون موقوفا معها، فلا
يجوز لها أن تفديه، فإن كان للولد كسب دفع الأرش منه، وإن لم يكن كسب
سلم للبيع في الجناية، وفيه ثلاث مسائل على ما ذكرناه في ولد المكاتب.
إذا كان له عبيد فجنى بعضهم على بعض نظر في الجناية: فإن كانت موجبة
للمال بأن تكون خطأ محضا أو شبه عمد فإنها تهدر، وإن كانت موجبة للقصاص
فله أن يقتص من الجاني، لأن في ذلك مصلحة لملكه، وهو أن لا يتوثب بعض
عبيده على البعض، ثم ينظر: فإن اقتص جاز، وإن عفا سقط القصاص، لكن لا
يجب له مال، فإن السيد لا يستحق على عبده مالا.
فإن كان في عبيد المكاتب أب للمكاتب فقتل واحدا من عبيده، لم يكن له
أن يقتص منه لأنه لو قتل المكاتب لم يقتل به، فإذا قتل عبده كان أولى أن لا
يقتص منه، فأما إن كان فيهم ابن له فقتل عبدا له فإنه يقتص منه، لأنه لو قتل
السيد لاقتص منه.
وإن كان للعبد أب وابن فقتل أحدهما الآخر عمدا فإنه إن قتل الأب الابن لم
يقتص منه لأن الأب لا يقتل بابنه.
إذا كاتب عبدا ثم جنى المكاتب جناية خطأ وجناية عمدا وعفي عن
القصاص فيها فإن الأرش يتعلق برقبته، لأنه بمنزلة العبد القن في حكم الجناية.
فإن كان في يده مال جاز أن يدفع منه الأرش الذي عليه، ويفدي نفسه لأن
341

ذلك مرصد لمصلحته، ومن أعظم المصلحة أن يفدي نفسه، إلا أنه لا يجوز أن
يفدي إلا بأقل الأمرين من أرش الجناية أو القيمة، ولا يجوز أن يزيد على ذلك،
لأن الافتداء يجري مجرى الابتياع بأكثر من ثمن المثل.
فإن أعتقه سيده نفذ عتقه، ولزمه ضمان أرش الجناية، لأنه أتلف محل
الأرش، ومنع بيعه من الجناية، فلزمه ضمان الأرش كما لو قتله، وإن بادر العبد
فأدى مال الكتابة وعتق فعليه ضمان الأرش، لأنه أوقع العتق باختياره وإيثاره،
فإنه كان يتمكن من تعجيز نفسه والامتناع من الأداء، ويلزم أقل الأمرين من أرش
الجناية أو القيمة.
إذا جنى جنايات تعلق أرشها برقبته، ثم أعتقه السيد فلزمه ضمان تلك
الجنايات، أو أدى المكاتب المال فعتق فلزمه ضمانها، فكم القدر الذي يضمن؟
قيل فيه قولان:
أحدهما أنه يضمن أقل الأمرين من أرش كل الجناية أو القيمة.
والثاني - وهو الأصح - أنه يلزمه الأقل من أروش الجنايات كلها أو القيمة،
لأن الأروش كلها تعلقت برقبته، فلما أعتقه السيد منع من بيعه في الجنايات كلها
بالإعتاق الذي وجد منه، وذلك أن الإعتاق حصل دفعة واحدة، فكان عليه
الأقل من أرش الجنايات كلها أو القيمة، كما لو كان عبد فجنى جنايات كثيرة ثم
أعتقه السيد أو قتله فإنه يلزمه الأقل من أروش الجنايات كلها أو قيمة واحدة.
إذا جنى المكاتب جنايات خطأ فعجزه السيد ورده في الرق، فهو بمنزلة
العبد القن، فالسيد بالخيار بين أن يسلمه ليباع في الجنايات، أو يفديه، فإن اختار
الفداء فبكم يفدي؟ قال قوم: يفديه بالأقل من قيمته أو أرش الجناية، والثاني
يفديه بأرش الجناية بالغا ما بلغ، أو يسلمه للبيع كالعبد القن سواء، والأول
أصح عندي.
فأما إذا جنى جنايات وهو مكاتب فاختار أن يفدي نفسه، فإنه يفدي نفسه
بأقل الأمرين من أرش كل جناية أو القيمة، وقال آخرون: يفديه بأقل الأمرين،
342

أرش جميع الجنايات أو القيمة، مثل المسألة الأولى، وهو الأقوى عندي.
إذا اشترى المكاتب عبدا للتجارة فجنى ذلك العبد على المكاتب جناية
خطأ أو عمدا وعفا عن القصاص، فإن الجناية تهدر، ولا يجب له على العبد
الأرش، لأن العبد ملكه، والسيد لا يستحق في رقبة مملوكه مالا بحال، كالحر إذا
كان له عبد وأتلف عليه مالا فإنه لا يثبت ضمانه في ذمته.
إذا أوصي له بمن يعتق عنه، فقبل الوصية ثم جنى عليه واحد منهم جناية
خطأ أو عمدا وأراد العفو على مال، فهل يتعلق الأرش برقبته ويملك بيعه في
الجناية؟ قيل فيه وجهان: أحدهما له ذلك، لأنه لما لم يملك بيعه من غير
صاحبه ملك بيعه في الجناية، والوجه الثاني - وهو الصحيح - أنه لا يملك لأن
هذا العبد مملوك للسيد، فلا يجوز أن يثبت له مال على ملكه.
إذا أوصى للمكاتب بابنه فقبل الوصية ثم إن الابن جنى على أبيه جناية عمدا
فللأب أن يقتص منه وإن كان سيده، لأن الأب ثبت له حكم الحرية، أ لا ترى أنه
لا يجوز للابن بيعه، والابن قد ثبت له حكم الحرية بعقد الكتابة، فهما
كالمتساويين في الحرية فصار بمنزلة الابن الحر إذا جنى على أبيه، فإن لأبيه أن
يقتص منه.
إذا كان للمكاتب عبيد ففعل بعضهم شيئا يستحق به التعزير فله أن يعزره
لأنه مملوك له، فإن فعل شيئا يجب فيه الحد روى أصحابنا أنه له إقامة الحد
عليه، وقال المخالف: ليس له، لأن طريقه الولاية، وليس هو من أهل الولايات.
فصل: فيما جني على المكاتب:
إذا جني على المكاتب فلا يخلو: إما أن يجنى على نفسه أو على طرفه.
فإن جني على نفسه فقد انفسخت الكتابة، سواء قتله سيده، أو أجنبي كما لو
مات، ثم ينظر: فإن كان القاتل أجنبيا فعليه القيمة للسيد، والكفارة لله تعالى،
وإن كان السيد فلا قيمة له عليه، لأنه قد عاد إلى ملكه بانفساخ الكتابة، لكن
343

يجب عليه الكفارة، ويكون ما في يده من مال لسيده في الموضعين معا لأنه ملكه،
فكان ماله له بحق الملك لا للإرث.
وأما إذا جنى على طرفه فإن كان الجاني السيد فلا تقاص عليه لأن له عليه
ملكا وإن كان ضعيفا، لكن يلزمه الأرش، وإن كان الجاني أجنبيا فإن كان حرا
لم يلزمه القصاص، لأن الحر لا يقتل بالعبد، وإن كان عبدا لزمه القصاص.
فإذا وجب الأرش في جناية الخطأ أو في جناية العمد إذا عفي عن القصاص
فيها فإن الأرش يكون للمكاتب، لأنه من جملة الكسب والكسب له، وهل له أن
يطالب به قبل اندمال الجرح؟ فيه قولان مضيا.
فمن قال: لا يملك المطالبة به إلا بعد الاندمال، نظر: فإن سرت الجناية إلى
نفسه انفسخت الكتابة، ويعود إلى ملك السيد وما في يده من مال له، ثم ينظر في
الجاني: فإن كان أجنبيا لزمه قيمة العبد للسيد، والكفارة لله تعالى، وإن كان
السيد فلا قيمة عليه، وتلزمه الكفارة.
وأما إذا اندمل الجرح فله المطالبة بأرشه، وتفرض المسألة فيه إذا كان قد
قطع يده فوجب فيه نصف القيمة، فإن كان الجاني أجنبيا فإن المكاتب يأخذ منه
الأرش ويتصرف فيه أو يؤدي مال الكتابة، وإن كان السيد فإنه يستحق عليه
أرش الطرف، والسيد يستحق عليه مال الكتابة، ويجب الأرش من غالب نقد
البلد لأنه بدل عن متلف.
ثم ينظر: فإن كان أحد الحقين من غير جنس الآخر لم يصر أحدهما قصاصا
عن الآخر، بل يطالب كل واحد منهما بحقه، ويستوفيه، وإن كانا من جنس
واحد، نظر: فإن كان قد حل مال الكتابة فقد تساوى الحقان في الحلول وفي
الجنس، فهل يصير أحدهما قصاصا عن الآخر؟ فيه أربعة أقوال:
فمن قال: لا يصير قصاصا، استوفى كل واحد منهما حقه من صاحبه، ومن
قال: يصير قصاصا إما بتراضيهما أو بغير تراضيهما أو رضا أحدهما، فإن تساوى
الحقان برئت ذمة كل واحد منهما مما عليه، وإن كان الأرش أكثر من مال
344

الكتابة برئت ذمة المكاتب من مال الكتابة وعتق، ويكون له مطالبة السيد بفاضل
الأرش، وإن كان مال الكتابة أكثر برئت ذمة المكاتب من قدر الأرش، ويبقى
عليه الباقي، فإن أداه وإلا للسيد تعجيزه.
وأما إذا لم يكن قد حل على المكاتب مال الكتابة فإنه لا يجبر على أن يجعل
ما عليه قصاصا مما له إلا أن يختار ذلك، فيصير كما لو عجل مال الكتابة، هذا
إذا قيل: ليس له المطالبة بالأرش قبل اندمال الجرح.
فأما إذا قيل: له ذلك، فالحكم فيه كما إذا اندمل، ويطالب به على ما
ذكرناه في القاصة وغيرها.
إلا أنه ينظر في الأرش: فإن كان مثل ديته أو أقل منها كان له المطالبة
بجميعه وإن كان أكثر لم يكن له أن يأخذ أكثر من الدية، لأنه لما سرت الجناية
إلى نفسه يعود الواجب إلى قدر الدية، فإذا أخذ المكاتب من السيد الأرش فأداه
وعتق أو تقاصا وعتق، لم يخل: إما أن تندمل الجناية أو تسري إلى النفس، فإن
اندملت استقر حكم ما أخذه من الأرش إلا أن يكون الأرش زائدا على قدر الدية،
فيقتص منه، فيكون للمكاتب أن يرجع عليه فيطالبه بتمامه.
وإن سرت الجناية إلى نفسه فقد مات حرا وصار الواجب فيه الدية، فإن
كان أخذ من السيد قدر الدية فقد استوفى حقه، وإن كان أقل وجب على السيد
تمامه ويكون الفضل موروثا عن المكاتب، لأنه مات حرا، فإن كان له مناسب
استحق ذلك وإن لم يكن له مناسب نقل المال إلى بيت المال، ولا يورث السيد
شيئا لأنه قاتل.
إذا كاتب عبدا كتابة صحيحة، ثم جنى عبد السيد على المكاتب عمدا فقطع
طرفا من أطرافه، فإن القصاص يجب عليهما لتساويهما في الرق، فإن أراد
المكاتب أن يقتص ومنعه السيد وأراد إجباره على العفو على مال، لم يكن له
ذلك، وقال بعضهم: لا يملك الاقتصاص إلا بإذن السيد، وهو الأقوى عندي.
فإن أراد المكاتب أن يعفو على مال فمنعه السيد، وأراد إجباره على
345

الاقتصاص لم يكن له ذلك، لأن هذا بمنزلة الاكتساب وليس له منعه من
الكسب، ثم ينظر: فإن اقتص فقد استوفى، وإن عفا ففيه ثلاث مسائل:
إحداها: أن يقول: عفوت عن القصاص على مال، فسقط القصاص ووجب
المال.
الثانية: أن يقول: عفوت عن القصاص، ويطلق، فمن قال: إن قتل العمد
يوجب القود لا غير، قال: لا يجب المال لأن وجوب هذا المال يفتقر إلى اختيار
الدية ولم يوجد ذلك، ومن قال: يجب أحد الأمرين، إما القصاص أو الدية، قال:
بنفس العفو عن القصاص تجب الدية وتتعين، والأول مذهبنا.
الثالثة: أن يقول: عفوت على غير مال، فهو كما لو عفا مطلقا، فمن قال:
الواجب الدية فحسب، قال: الدية لا تجب لأن اختيارها لم يوجد، ومن قال: أحد
أمرين، قال: على هذا تجب الدية فإذا قال: على غير مال، فهو إبراء والمكاتب لا
يملك الإبراء عن المال فتجب الدية، ولا تسقط بعفوه.
وهكذا إذا صالح عن القود على نصف الأرش، يبني على قولين، فمن قال:
الواجب هو القود فحسب، قال: الدية لا تجب، لأن الاختيار ما وجد إلا النصف،
فيجب النصف، ويسقط النصف، ومن قال: الواجب أحد أمرين، فقد وجب
الأرش لقوله: عفوت، وقوله: نصف الأرش إبراء عن النصف الآخر فلا يصح.
فصل: في عتق السيد المكاتب في مرض وغيره:
إذا كاتب عبدا في صحته كتابة صحيحة ثم مرض السيد فأعتق المكاتب أو
أبرأه عن مال الكتابة، أو قال: وضعت عنك مال كتابتك، فالحكم واحد، نظر:
فإن برأ من مرضه لزمه ذلك من رأس المال، فيعتق المكاتب وتبرأ ذمته مما عليه،
كما لو وهب في مرضه ثم برأ، وإن مات فمن قال من أصحابنا: إن عطية المريض
المنجزة من أصل المال، قال مثل ما لو برأ، ومن قال: من الثلث، قال: أعتق
ذلك في حق ورثته من الثلث، لأنه وصية يعتبر خروجها من الثلث.
346

ثم ينظر في قيمة العبد وفي قدر المال الذي كاتب عليه:
فإن كان كل واحد منهما يخرج من الثلث إذا عتق على الانفراد، مثل أن
كانت قيمته مائة والمال مائة وخمسون فالثلث أكثر من مائة وخمسين، فإنه يحكم
بعتق العبد، وتبرأ ذمته من مال الكتابة لأنه أيهما اعتبر خرج من الثلث.
وإن كان أحد الأمرين يخرج من الثلث والآخر لا يخرج، فإنه يعتبر أقلهما
فيعتق به ويلغى حكم الآخر:
فإن كان المال الذي كوتب عليه مائة درهم وقيمته مائة وخمسون وثلثه
مائة، اعتبر المال الذي كاتبه عليه فيخرج من الثلث ويعتق، ولا يعتبر القيمة، لأن
السيد إنما يملك في ذمة مكاتبه المال الذي عليه، ولا حق له في الرقبة فهو إنما
أوصى بالمال الذي له فحسب، فلم يعتبر حكم غيره.
وإن كانت قيمته مائة والمال الذي عليه مائة وخمسين وثلثه، فإنه يعتبر
خروج قيمته، فيعتق ويلغى حكم المال لأن المكاتب له أن يعجز نفسه متى شاء،
فليس يملك السيد على المال الذي عليه مستقرا وإنما جعله مستقرا في الرقبة،
فاعتبرت قيمتها، وأطرح حكم المال.
وأما إذا كان كل واحد من قيمة المكاتب والمال الذي عليه لا يخرج من
الثلث فإن كانت قيمته مائة وخمسين، والمال مائة، والثلث خمسين، فإنه يعتبر
أقلهما فتنفذ الوصية فيه، لأن في ذلك مصلحة للعبد، وحظا له، والمطلوب
بالكتابة حظه فالمال أقل من القيمة، فتنفذ الوصية فيما يحتمله الثلث منه، وهو قدر
نصفه، ويبقى النصف، فإن أداه إلى الورثة عتق، وإن عجز كان لهم استرقاقه.
وإنما اعتبرنا الأقل منهما لأنه لو كان اعتبر كل واحد منهما بكماله كان
الاعتبار بخروج أقلهما من الثلث، كذلك إذا اعتبر خروج البعض منهما وجب
أن يعتبر الأقل.
إذا كاتب عبدا في صحته ثم أوصى بعتقه أو أوصى بأن يبرأ من الكتابة أو
يوضع عنه مال الكتابة، فإنه إذا مات يعتبر:
347

فإن كان الثلث يحتمل قدر قيمته ويحتمل المال الذي وجب عليه، على
الورثة تنفيذ الوصية.
وإن كان الثلث يحتمل أحدهما دون الآخر اعتبر الأقل منهما، ويعتق به،
ويلغى حكم الأكثر.
وإن كان الثلث لا يحتمل واحدا منهما اعتبر الأقل منهما، فنفذت الوصية فيما
يحتمله الثلث منه كما قلنا في المسألة قبلها سواء، إلا أن في تلك المسألة إذا احتمل
الثلث أحدهما حكم بنفوذ الوصية بفعل الموصي، في هذا الموضع لا بد أن تنفذ
الورثة ذلك.
فإذا ثبت ذلك فإنه إذا احتمل ثلث المال الذي عليه، فإن ذمته تبرأ من ذلك
القدر، ويبقى عليه ثلثا المال، ثم لا يخلو: إما أن يكون قد حل مال الكتابة أو لم
يحل.
فإن كان قد حل عتق ثلثه ويبقى ثلثاه مكاتبا، فإن كان معه مال يؤدي عنه
عتق وإن لم يكن معه شئ كان للورثة أن يعجزوا ثلثيه، ويسترقوه.
وإن لم يكن قد حل عليه مال الكتابة فقال قوم: إن العتق ينجز للمكاتب في
ثلثه، وتبقى الكتابة في ثلثيه إلى وقت حؤول الحول، وقال بعضهم: لا يعتق منه
شئ حتى يؤدي إلى الورثة مال الكتابة، ثم يعتق ثلثه، لأن الوصية لا تتنجز
للموصى له إلا بعد أن يحصل للورثة مثلاها، فلو قلنا: إنه يعتق ثلثه قبل أن يؤدي
باقي المال إلى الورثة، كنا قد عجلنا الوصية في الثلث من غير أن يحصل للورثة
شئ في مقابلة ذلك.
والأول أصح عندي، لأنه لا يجوز أن يعجل للموصى له حقه إذا كان لا
يتحقق حصول الثلثين للورثة كالمال الغائب، فإنه ربما سلم وربما تلف، فأما
هاهنا فإنه يتحقق حصول الثلثين للورثة لأن المكاتب إذا أدى حصل لهم المال،
وإن عجز حصل لهم ثلثا الرقبة فوجب أن ينفذ العتق.
المريض إذا كان له عبد فكاتبه صحت كتابته، لأنه ملكه، ثم ينظر: فإن برأ
348

من مرضه لزمته الكتابة في جميع العبد لأن الكتابة تصرف منجز، فإذا تصرف
فيه المريض ثم برأ لزمته وكذلك الهبة المقبوضة.
وإن مات من مرضه فمن قال من أصحابنا: إن عطيته المنجزة من أصل
المال، اعتبرها من أصل التركة، ومن قال: من الثلث، اعتبرها من الثلث لأنها هبة
في الحقيقة، لأن الرقبة ملك السيد والكسب له، فإذا كاتبه فإنه يبيع ماله
بماله وصار كما لو وهبه، ثم ينظر:
فإن احتمل ثلثه قيمة جميع العبد نفذت الكتابة في جميعه، فإذا أدى المال
إلى الورثة عتق.
وإن لم يحتمل الثلث جميعه، فإن لم يخلف الميت شيئا غيره، فإن الكتابة
تلزم في ثلثه، ويبقى ثلثاه موقوفا على إجازة الورثة، فإن أجازوه نفذت الكتابة في
جميعه، فإن ردوه بطلت في ثلثيه وبقيت في الثلث، فإذا أدى إليهم ثلث المال
عتق.
إذا كاتب عبدا في صحته ثم مرض وأقر أنه قبض مال كتابته صح إقراره و
عتق العبد، لأن المريض يملك القبض، ويملك الإقرار به كالصحيح.
إذا كاتب عبدا له على دراهم ثم أبرأه على دنانير، أو كاتبه على دنانير ثم
أبرأه على دراهم لم يصح الإبراء بهذا الإطلاق، لأن الذي يستحق عليه الدراهم،
فإذا أبرأه عن دنانير فقد أبرأه عما لا يستحق عليه، فصار كما لو كان له حق على
عمرو فأبرأه زيد منه.
فأما إذا أبرأه عن ألف درهم وله عليه دنانير، ثم قال: أردت بذلك دنانير
قيمتها ألف درهم، قبل ذلك وبرئت ذمته عن القدر الذي أراده، لأنه إبراء عما
يستحقه فصح الإبراء كما قلنا فيه أنه إذا قال: لفلان ألف درهم إلا قفيز حنطة، ثم
قال: أردت إلا دراهم بقيمة قفيز حنطة، فإن ذلك يقبل، ويكون مستثنيا لقيمة
القفيز من الألف.
فأما إذا أبرأه عن الدراهم وله عليه دنانير، ثم اختلفا فقال السيد: أردت به
349

الدراهم على الإطلاق، وقال المكاتب: بل أردت به عن قيمة الدراهم من الدنانير،
فالقول قول السيد لأنه اختلاف في نيته وإرادته، وهو أعلم بذلك، وهكذا إذا مات
السيد فاختلف المكاتب وورثته فيما ذكرناه، فالقول قول الورثة لأنهم
يقومون مقامه.
إذا قال السيد: استوفيت أجر كتابة هذا العبد، فإن المكاتب لا يبرأ بهذا
الإقرار على الإطلاق، لأنه يحتمل استوفيت أجر ما بقي من مال الكتابة، ويحتمل
أجر ما حل عليه، ويحتمل أجر نجومه، فإذا كان محتملا لم تقع البراءة بالشك،
لكن يرجع إلى السيد فيقال: ما أردت؟ فبأي شئ فسره قبل منه.
فإن اختلف السيد والمكاتب فقال السيد: أردت أنني استوفيت أجر ما حل
عليك، وقال المكاتب: بل أجر مال الكتابة، فالقول قول السيد، لأنه أعلم بما
نواه، وهكذا إن مات السيد واختلف المكاتب وورثته فالقول قول الورثة.
فأما إذا قال: قد استوفيت أجر كتابتك إن شاء الله، فلا يلزمه بهذا الإقرار
شئ لأنه أوقفه بالاستثناء، وهو يدخل في الطلاق والعتاق والإقرار وغيرها.
فأما إذا قال: قد استوفيت أجر كتابتك إن شاء زيد، فليس هذا بإقراره ولا
يتعلق به حكم، لأنه علقه بصفة والإقرار لا يتعلق بالصفات، كما لو قال: لفلان
علي ألف درهم إن شاء زيد، فإنه لا يتعلق به حكم.
فصل: في الوصية للعبد أن يكاتب:
إذا أوصى رجل بكتابة عبد له فالوصية تصح لأنها تتضمن قربة، وهي
العتق، وتعتبر قيمة العبد الموصى بكتابته من الثلث، لأن الكتابة تجري مجرى
الهبة، فإنها إخراج الرقبة بغير عوض على ما بيناه.
ثم ينظر: فإن لم يكن أوصى إلا بالكتابة وحدها فالثلث مصروف إليها، وإن
كان أوصى بالكتابة وبأشياء أخر من هبة ووصية بمال ومحاباة، فهل تقدم الكتابة
على غيرها أو يسوى بين الجميع؟ فهذه المسألة مبنية على أنه إذا أوصى بوصايا
350

في جملتها عتق، فهل يسوى بين الكل أو يقدم العتق؟ فعندنا أن العتق يقدم،
وقال بعضهم: يسوى.
فأما إذا أوصى بالكتابة وغيرها فعندنا أنها تقدم، وقال بعضهم: يسوى، لأن
الكتابة معاوضة فجرت مجرى المعاوضات، ولو أوصى ببيع فيه محاباة تسوي
بينه وبين غيره، كذلك الكتابة، ويفارق العتق لأن له فدية وهي السراية فلهذا
قدم، والكتابة لا تسري.
فإذا ثبت هذا فإنه إذا أوصى بالكتابة وحدها أو بها وبغيرها وقلنا: إنها تقدم،
فإن الثلث كله يتوفر على الكتابة، فإن احتمل قيمة العبد كوتب ويجبر الورثة على
ذلك، ثم ينظر في العبد:
فإن لم يختر الكتابة لم يجبر عليها، فإن رجع فطلب الكتابة لم يجب إليها،
لأن حقه قد سقط بامتناعه.
وإن اختار الكتابة وطلبها فبكم يكاتب؟ لا يخلو: إما أن يكون الموصي
أطلق الوصية ولم يقدر ما يكاتب عليه أو قدر ذلك، فإن أطلق فإنه يكاتبه على ما
جرت به العادة بكتابة مثله عليه وإن قدر ما يكاتبه عليه كوتب على ذلك القدر،
ولا يزاد عليه.
فإذا كوتب وأدى المال لا يحتسب من جملة التركة، بل يكون حقا خالصا
للورثة لأن ذلك نماء الرقبة ليس بملك للموصي، وإنما كان ملكه على الرقبة
فحسب فكان ذلك للورثة خالصا كما لو أوصى بنخل فأثمرت أو ماشية فنتجت.
ثم ينظر: فإن لم يؤد تمام المال وعجز نفسه، فإن الورثة يسترقونه وإن أدى
وعتق وثبت الولاء عليه لسيد المكاتب، ينتقل إلى العصبات من ورثته، لأنه عتق
بسبب كان منه وهو وصيته بكتابته، فهذا الحكم فيه إذا كان قيمة العبد تخرج من
الثلث.
فأما إذا لم تخرج من الثلث فإنه يكاتب القدر الذي يحتمله الثلث كما إذا
أوصى بعتق عبد، فإن الثلث إن احتمل جميعه عتق، وإن لم يحتمل إلا بعضه،
351

عتق ما يحتمله الثلث.
إذا أوصى وقال: كاتبوا عبدا من عبيدي، فإن الورثة يكاتبون أي عبد من
عبيده شاؤوا، ولا يجوز أن يكاتبوا أمة لأن اسم العبد لا يقع عليها، وكذلك إن
قال: كاتبوا أمة من إمائي، فلهم أن يكاتبوا أي أمة شاؤوا، ولا يجوز أن يكاتبوا
عبدا لأن الاسم لا يقع عليه، والأقوى عندي أن يستعمل القرعة في ذلك.
إذا قال: كاتبوا عبدا من عبيدي، وكان له خنثى قد حكم بأنه رجل أو قال:
كاتبوا أمة من إمائي، وكان له خنثى بان أنها امرأة، فهل يجوز كتابته؟ قال قوم:
يجوز، وهو الصحيح عندنا، لأنه محكوم بأنه عبد، وقال آخرون: لا يجوز، لأن
إطلاق اسم العبد لا ينصرف إلى الخنثى.
فأما إن قال: كاتبوا أحد رقيقي، فيجوز أن يكاتبوا عبدا أو أمة، وهل يجوز
أن يكاتبوا خنثى مشكلا؟ قال بعضهم: يجوز، وهو الأقوى عندي، وقال قوم: لا
يجوز.
فصل: في موت السيد:
إذا كاتب عبدا وكان له بنت فزوجها منه برضاهما وإنما يتصور هذا في
البالغة التي يعتبر رضاها، ويجوز أن تزوج من غير كف ء برضا منها.
فأما إذا كانت صغيرة فإنه لا يعتبر رضاها عندنا ويجوز تزويجها عندنا من
عبد أو مكاتب.
فإذا زوجها ثم مات لم تنفسخ الكتابة بموته، لأنه عقد لازم من جهته، ثم
ينظر في البنت: فإن لم ترث أباها بأن كان بينهما اختلاف دين أو كانت قاتلة،
فالنكاح على حالته، لأنها لم تملك من زوجها شيئا وإنما انتقل ملكه من مالك
إلى مالك، فلم يؤثر ذلك في النكاح، فإن ورثته فإنها تملك جزءا منه فينفسخ
النكاح بينهما، وقال بعضهم: لا ينفسخ، والأول أقوى عندنا.
إذا كاتب عبدا ثم مات السيد فكانت الكتابة غير منفسخة بموته لأنها لازمة
352

من جهته، ثم لا يخلو: إما أن يكون المال الذي على المكاتب ينصرف إلى وارث
أو موصى له أو إلى الغرماء.
فإن كان منصرفا إلى الورثة، فإنهم إن كانوا رشيدين عقلاء بالغين فالمال
لهم، ثم ينظر: فإن كان الوارث واحدا دفع المكاتب إليه المال، وإن كانوا جماعة
دفع إلى كل واحد حقه، فإن دفع إلى بعض وأخل بالبعض لم يعتق، كما إذا
كان العبد بين شريكين فكاتباه ثم دفع المال إلى أحدهما، فإنه لا يعتق ولا يجوز
في هذا الموضع أن يوصي السيد بالنظر في مال ولده، ولا بقبض مال الكتابة،
فإن فعل ذلك لم تصح الوصية، وإن دفع المكاتب المال إلى الوصي لم يعتق،
لأن الورثة ذو رشد لا يولي عليهم، ولا تصح الوصية في حقهم.
وأما إذا كانت الورثة غير رشيدين أو كانوا أطفالا أو مجانين، فإنه إن كان
لهم جد فهو الناظر في أمورهم ولا تصح الوصية معه، فإذا دفع المال إليه عتق،
فإن لم يكن له جد ووصي الأب إلى من ينظر في أمورهم صحت، ويجب على
المكاتب الدفع إلى الوصي.
فإن كان واحدا دفع إليه، وإن كانا اثنين نظر: فإن أوصى إليهما أو إلى كل
واحد منهما على الانفراد كان للمكاتب أن يدفع إليهما وإلى كل واحد منهما، فإذا
أوصى إليهما ولم يوص إلى كل واحد منهما على الانفراد، لم يجز أن يدفع إلى
أحد منهما بل يجب الدفع إليهما، فإن دفع إلى أحدهما لم يعتق، لأن الموصي
إنما رضي باجتهادهما ولم يرض باجتهاد أحدهما وحده، فلم يجز إفراده بالدفع
إليه.
وإذا لم يكن الميت قد وصى بالنظر في مال الأولاد فإن الناظر في أمورهم
الحاكم فيرفع المكاتب الأمر إليه لينصب أمينا فيدفع المال إليه ويعتق، فإن كان
بعض الورثة صغارا وبعضهم كبارا فالكبار يقبضون حقوقهم، والحكم في حقوق
الصغار على ما ذكرناه إذا كان الميت قد وصى أو لم يوص.
فأما إذا كان مال الكتابة ينصرف إلى موصى له به، فإنه إن كان أوصى به
353

لواحد بعينه فالحق له وللموصي، فإن دفعه إليه جاز، وإن دفعه إلى الموصي
ليدفعه إليه جاز أيضا.
وإن كان أوصى به لأقوام غير معينين كالفقراء والمساكين، فلا يجوز
للمكاتب أن يوصل المال إليهم بنفسه، بل عليه أن يدفعه إلى الموصي، لأن الميت
لم يرض باجتهاد المكاتب، وإنما رضي باجتهاد الوصي.
فأما إذا كان مال الكتابة ينصرف إلى الغرماء وقضاء الديون فإنه ينظر: فإن
كان السيد وصى بأن يقضي من مال الكتابة ديونه فالحكم فيه كما لو أوصى
لرجل بعينه فيجوز للمكاتب دفعه إلى أصحاب الديون، ويجوز أن يدفعه إلى
الوصي وليس للورثة هاهنا حق، وإن لم يكن وصي فالحق للورثة والوصي معا،
فلا يجوز للمكاتب أن يدفعه إلا بحضرتهما ورضاهما، لأن للورثة في ذلك حقا
وهو أن لهم أن يأخذوا المال إليهم ويقضوا الديون من عندهم.
فصل: في عجز المكاتب:
إذا كاتب عبدا على مال وكان مشروطا عليه عندنا، ثم أراد السيد فسخ
الكتابة نظر: فإن لم يكن قد حل على المكاتب نجم لم يكن له الفسخ، وكذلك
إذا كان قد حل عليه نجم وكان معه ما يؤدي ولم يمتنع من الأداء، لأنه لا ضرر
على السيد، ولا يتعذر عليه حقه.
وأما إذا كان قد حل عليه المال وليس معه ما يؤدي، أو كان معه لكن
امتنع من الأداء، للسيد أن يفسخ لأن الكتابة عقد معاوضة، فإذا تعذر العوض
فيها كان للعاقد الفسخ كالبيع، ولا فرق بين أن يتعذر عليه جميع المال أو بعضه
فإن للسيد أن يفسخ.
ثم ينظر: فإن كان العبد حاضرا فللسيد أن يفسخ الكتابة بنفسه، لأن هذا
فسخ مجمع عليه، وإن كان العبد غائبا فليس للسيد أن يفسخ الكتابة بنفسه، بل
يحتاج إلى حاكم يرفعه إليه ويثبت عنده أن له على المكاتب مالا وأنه قد تعذر
354

عليه الأداء، فإذا فعل ذلك استحلفه الحاكم مع البينة، وقضى له بالفسخ،
ويكون هذا قضاء على الغائب.
إذا كاتب عبدا فحل عليه نجم من كتابته فأظهر أنه عاجز عن أدائه، فأنظره
السيد بما عليه، فإن الإنظار يصح ولا يجبر على اختيار الفسخ، فإن رجع بعد
ذلك فطالب بالمال صح رجوعه، ولا يلزمه التأجيل الذي بذله، لأن من كان
عليه حق معجل فأجله، لم يلزمه ذلك، وقال بعضهم: يلزمه، والأول أقوى
عندي، لأنه لا دليل على لزومه.
ثم لا يخلو حال العبد من أحد أمرين: إما أن يكون حاضرا أو غائبا.
فإن كان حاضرا عند رجوع السيد في التأجيل والمطالبة بالمال، فإنه
ينظر: فإن أظهر العجز وقال: ليس لي مال، كان للسيد أن يفسخ الكتابة ويرده
إلى الرق، وإن كان معه المال فأداه إلى السيد عتق.
فإن قال: لي مال أحضره من البيت، أو من موضع قريب لا يمضي في
الذهاب إليه زمان كثير، أجبر السيد على إنظاره حتى يمضي ويجئ بالمال،
وهكذا إن كان معه مال من غير الجنس الذي عليه، فإنه ينظر إلى أن يفعل ذلك.
فإذا كان على موضع بعيد وكان يمضي في الذهاب إليه مدة طويلة فإن
السيد لا يجبر على تأخيره إلى ذلك الوقت، لأن عليه ضررا كثيرا فيه.
وأما إذا كان العبد غائبا فليس للسيد أن يعجزه بفسخ في الحال، بل يرفع
الأمر إلى الحاكم ويثبت عنده الكتابة وحلول المال على المكاتب، وأنه لم يؤد إليه
شيئا ويحلفه الحاكم على ذلك، فإن هذا قضاء على الغائب فاحتاج إلى اليمين،
فإذا فعل الحاكم هذا كتب إلى حاكم بلد المكاتب حتى يطالبه بمال الكتابة، فإن
عجز نفسه يكتب إلى حاكم ذلك البلد حتى يخبر السيد بعجز المكاتب، فيفسخ
الكتابة.
فإن ذكر أن له مالا:
فإن لم يكن له وكيل، فإن الحاكم يكلف المكاتب أن يوصل المال إلى
355

السيد إما بنفسه أو ينفذه مع أمين له، فإذا فعل ذلك ووصل المال إلى السيد
عتق فإن أخر الإنفاذ حتى مضت مدة لو أنفذ المال لكان قد وصله كان للسيد أن
يفسخ الكتابة.
وإن كان للسيد وكيل بذلك البلد كلفه الحاكم دفع المال إليه، فإذا فعل
عتق العبد، فإن لم يفعل كان للسيد أن يفسخ في الحال، وكذلك الوكيل إذا
كان السيد قد جعل إليه الفسخ، فله أن يفسخ في الحال.
إذا كاتب عبدا ثم جن المكاتب فإن الكتابة لا تنفسخ بجنونه لأنها عقد لازم
من أحد الطرفين، فلم تنفسخ الكتابة بالجنون، كالرهن، ويفارق الشركة وغيرها
من العقود الجائزة لأنها جائزة من الطرفين معا فلذلك انفسخت بالجنون.
فأما إذا ثبت أنها لا تنفسخ، فالسيد لا يمكنه أن يطالب العبد بمال الكتابة
لأن الدفع متعذر من جهته، لكن يرفع الأمر إلى الحاكم، ويثبت عنده الكتابة
والعجز عن أداء المال، ويستحلفه على ذلك، لأنه قضاء على من لا يعبر عن
نفسه، فافتقر إلى الاستحلاف.
فإذا فعل ذلك فإنه يبحث عن مال المكاتب، فإن وجد له مال دفعه إلى
السيد وعتق، فإن لم يجد له مالا فقد ثبت عجزه، وللسيد أن يفسخ، فإذا فسخ
عاد العبد إلى ملكه، ويجبر على الإنفاق عليه.
فإذا ظهر له مال بعد ذلك دفعه الحاكم إلى السيد، ونقض ما كان منه من
الحكم برقه، وعتق لأنه بان بخلاف ما ظنه كالحاكم إذا اجتهد في شئ ثم بان أنه
أخطأ النص، ويرجع السيد بما أنفقه على المكاتب، لأنه إنما أنفق عليه بشرط أنه
عبده فإذا بان أنه ليس بعبد استحق الرجوع، فإن لم يكن هكذا لكن أفاق
المجنون وأقام البينة بأنه أدى المال إلى السيد قبل جنونه وعتق، فإنه يحكم
بعتقه، ولا يرجع إلى السيد بما أنفقه لأنه تطوع بما أنفقه مع علمه بحريته، فلم
يستحق الرجوع.
المكاتب إذا ادعى على سيده أنه أدى إليه مال الكتابة، وأنكر السيد ذلك
356

فشهد للمكاتب شاهد واحد، فإنه يحلفه معه، ويقضى له بتأدية المال، لأن الذي
يثبت بهذه الشهادة قضاء المال، ودفعه ذلك يثبت بشاهد ويمين.
فإن قيل: أ ليس يثبت بهذا الأداء، والعتق لا يثبت بشاهد؟
قيل: ليس يمتنع أن يقبل البينة في شئ إذا ثبت جر ثبوته ما لا تقبل البينة
فيه، ألا ترى أن شهادة النساء لا تقبل على إثبات النسب منفردات ثم لو شهدن
بالولادة قبل، وإن كانت الولادة إذا ثبتت جرت ثبوت النسب.
إذا ادعى المكاتب على سيده الأداء وقال: لي بينة أقيمها فانتظروا، أنظر
يومين وثلاثة أيام، لا يزاد على ذلك، لأن الثلاثة أول حد الكثرة، وآخر حد القلة،
وهكذا إذا جاء بشاهد واحد ولم يثبت عدالته، فقال: لي شاهد آخر فانتظروا علي
حتى أجئ به، انتظر عليه ثلاثة أيام ولا يزاد عليها.
إذا كاتب عبده على عرض صحت الكتابة، لأن العرض يصح أن يكون في
الذمة عن سلم فصح أن يكون ثمنا، ثم ينظر فإن أدى العرض على الصفة التي
شرط عليه وقع العتق في الظاهر، ثم ينظر: فإن استحق العرض السيد، استقر
العتق للعبد وإن خرج العرض مستحقا سلم إلى صاحبه، ويرتفع العتق، لأن
الكتابة عقد معاوضة، فإذا دفع مستحقا كان ذلك الدفع كلا دفع كالبيع.
ثم يقال للمكاتب: إن جئت بعرض آخر على الصفة التي شرط عليك عتقت
وإلا فقد ظهر عجزك فللسيد أن يفسخ الكتابة ويردك إلى ملكه.
وأما إذا قال لعبده: إذا أعطيتني ثوبا من صفته كذا وكذا فأنت حر، فدفع
إليه ثوبا على تلك الصفة إلا كان مستحقا فإنه لا يعتق لأن تقدير قوله: إن أعطيتني
ثوبا من صفته كذا وكذا - يعني ثوبا أملكه وأنتفع به - والمستحق لا يملكه ولا
ينتفع به، وكذلك إن قال: إن أعطيتني هذا الثوب فأنت حر، فغصبه وأعطاه،
فإنه لا يعتق لمثل ذلك، وعندنا لا يعتق في المسألتين لما مضى ولأنه تعليق
العتق بصفة، وعندنا لا يصح ذلك.
إذا دفع المكاتب عرضا وكان مستحقا فقال له السيد: أنت حر، ثم بان أن
357

العرض كان مستحقا لم يقع العتق ولم يتعلق بقوله: " أنت حر " حكم، لأن
قوله " أنت حر " الظاهر أنه أخبر به عن الحرية التي وقعت بالأداء، و تلك الحرية،
قد ارتفعت وبطل حكمها.
فإن اختلف السيد والمكاتب، فقال المكاتب: أردت بقولك أنت حر ابتداء
عتق، وقال السيد: بل أردت الإخبار عن الحرية الواقعة بالأداء، فالقول قول
السيد، لأنه اختلاف في نيته فأما إذا قال السيد للمكاتب: أنت حر قبل أن أدى
العرض أو بعد ما علم أنه مستحق فإنه يكون ذلك ابتداء عتق بلا خلاف، لأنه لا
يمكن أن يكون إخبارا عن العتق الواقع بالأداء، غير أنه لا بد فيه من النية عندنا
خاصة.
فصل: في الوصية بالمكاتب والوصية له:
إذا كاتب عبدا كتابة صحيحة وأوصى برقبته، فإن الوصية لا تصح لأن
السيد وإن كان يملك المكاتب، فإنه يملكه ملكا ناقصا، فإنه يحول بينه وبين
التصرف في رقبته، فهو كعبد غيره، اللهم إلا أن يقول: إذا عجز المكاتب فقد
أوصيت لك برقبته، فيضيف الوصية إلى حال العجز وعوده إلى ملكه، فحينئذ
تصح الوصية.
إذا كاتب عبدا كتابة صحيحة ثم أوصى بالمال الذي في ذمته فالوصية
تصح لأنه مالك لذلك المال، فهو كما لو أوصى بدين له في ذمة غيره.
فأما إذا مات الموصي لم تبطل الوصية بموته، ثم ينظر في المكاتب: فإن
أدى المال إلى الموصى له عتق وثبت عليه الولاء للموصي، عندنا بالشرط،
وعندهم من غير شرط لأنه عتق بسبب كان منه وينتقل إلى العصبات من ورثته،
وإن أظهر العجز فللورثة أن يعجزوه وتبطل الوصية.
فإن قال الموصى له: أنا أنظره بالمال، فإذا أراد الورثة تعجيزه لم يكن له
منعهم لأنه قد تعلق لهم حق برقبته ثبت بالتعجيز، فلم يكن له منعهم من حقهم.
358

وإذا أوصى لرجل بما في ذمة مكاتبه، ولآخر برقبته إذا عجز صحت
الوصيتان معا، ثم ينظر في العبد: فإن أدى مال الكتابة عتق، ويكون ذلك المال
للموصى له به وتبطل وصية الآخر، وإن عجز نفسه واسترق سلمت الرقبة إلى
الموصى له بها، وبطلت وصية الآخر بالمال.
إذا قال لرجل: أوصيت لك بما يعجله مكاتبي من مال الكتابة صحت
الوصية، ثم ينظر: فإن عجل شيئا مما عليه دفع ذلك إلى الموصى له، وإن لم
يعجل بل أدى المال كرة بطلت الوصية.
إذا كاتب العبد كتابة فاسدة ثم أوصى بما في ذمته بطلت الوصية، لأنه لا
يملك في ذمته شيئا، فإذا قال: إذا قبضت مال الكتابة فقد أوصيت لك به،
صحت الوصية، لأنه إذا قبض المال كله ملكه وإن كان قبضه عن كتابة فاسدة،
لأنه أضاف الوصية إلى ملكه، وعندنا أنه تصح هذه الوصية، لأنا قد بينا أن
الكتابة الفاسدة لا يصح بها عتق، لكن ما يأخذه يملكه لأنه كسب عبده.
إذا كاتب عبدا كتابة فاسدة ثم أوصى برقبته، قال قوم: تصح الوصية، وهو
الأصح عندي، لأن ملكه لم يزل عن رقبة العبد بالكتابة الفاسدة، وقال الآخرون:
الوصية باطلة، لأنه وإن كان ملكه لم يزل، فإنه يعتقد أنه قد زال وصار محالا بينه
وبينه فلا تصح.
وأما إذا باع بيعا فاسدا ثم باع الآخر صح البيع الثاني، سواء علم فساد
الأول أو لم يعلم، وقال بعضهم: إن علم كما قلناه، وإن لم يعلم فإن البيع يبطل.
إذا أوصى رجل فقال: ضعوا عن مكاتبي أكثر ما بقي عليه من مال الكتابة،
فقد أوصى بأن يضع عنه نصف ما عليه وزيادة، لأن أكثر الشئ ما زاد على
نصفه، فيضع عنه الورثة نصف مال الكتابة، وزيادة عليها ما شاؤوا، من غير
تحديد ومقدار.
وإذا قال: ضعوا عنه أكثر ما بقي عليه من مال الكتابة ومثل نصفها، فقد
أوصى بأن يوضع عنه ثلاثة أرباع مال الكتابة وزيادة عليه، لأن أكثر ما بقي عليه
359

هو النصف وزيادة عليه، فنصف ذلك يكون الربع وزيادة.
فإذا قال: ضعوا عنه أكثر ما بقي عليه مثله، فقد أوصى بأن توضع عنه زيادة
على مال الكتابة، لأن أكثر ما بقي هو النصف وزيادة، وزيادة مثل ذلك نصف
وزيادة، فيكون الجميع أكثر من مال الكتابة فتصح الوصية بمال الكتابة وتبطل
في الزيادة لأنها وصية بما يملك.
إذا قال: ضعوا عن مكاتبي ما شاء، قال قوم: لا يجوز أن يشاء جميع ما
عليه، بل يبقي منه جزءا، وقال بعضهم: لو شاء الكل يوضع عنه، والأول أقوى
عندي، لأنه لو أراد وضع جميع مال الكتابة لكان يقول: ضعوا عنه مال الكتابة،
فلما قال: ضعوا عنه ما شاء، كان معناه ما شاء من كتابته، فحمل ذلك عليه.
فأما إن قال: ضعوا عنه من كتابته ما شاء، فشاء كلها لم يوضع حتى يبقى
منها شيئا بلا خلاف، لأن " من " تقتضي التبعيض.
إذا قال: ضعوا عنه نجما من نجومه، كان للورثة أن يضعوا عنه أي نجم
شاؤوا قليلا كان أو كثيرا، لأن اسم النجم يقع على الكثير والقليل، وهكذا إذا
قال: ضعوا عنه أي نجم شئتم، فإن المشيئة إلى الورثة يضعون عنه ما شاؤوا.
وأما إذا قال: ضعوا عنه أي نجم شاء، فالمشيئة هاهنا للعبد، فأي نجم شاء
وضع عنه، ومثل هذه المسائل في الوصية سواء.
إذا قال: ضعوا عنه أوسط نجومه فالأوسط يقع على أوسط في العدد، وأوسط
في الأجل، وأوسط في القدر:
فالأوسط في العدد أن يكون النجم ثلاثا يكون الثاني أوسطها.
وفي الأجل أن يكاتبه على نجم إلى شهر ونجم إلى شهرين ونجم إلى ثلاثة
فيكون الذي إلى شهرين أوسطها.
والأوسط في القدر أن يكاتبه على نجم إلى مائة، ونجم إلى مائتين، ونجم إلى
ثلاثمائة، فالذي إلى مائتين أوسطها.
فإذا ثبت هذا فإنه ينظر: فإن كان في نجومه أوسط في القدر، وأوسط في
360

الأجل، وأوسط في العدد، كان الخيار إلى الورثة، يدفعون إليه ما شاؤوا من
ذلك، وإن قلنا: تستعمل القرعة على مذهبنا كان قويا، وإن لم يكن له أوسط في
القدر ولا في الأجل بل كانت الآجال متساوية، والقدر متساويا، فإنه يعتبر
الأوسط في العدد، فإن كانت النجوم ثلاثة فالثاني هو الأوسط، وإن كانت خمسة
فالثالث هو الأوسط، وعلى هذا أبدا.
فأما إذا كانت أربعة فالثاني والثالث هو الأوسط، وإن كان ستة فالثالث
والرابع هو الأوسط، وعلى هذا أبدا.
ولو قال: ضعوا عنه أكثر نجومه، وضعوا عنه أكثر النجوم قدرا، لأن الأكثر
في النجوم لا يكون إلا من ناحية القدر، أما في الأجل فإنه يقول أطول النجوم
وأقصرها، فحمل الكلام على الأول.
ولو قال: ضعوا عنه ما خف أو ما ثقل أو ما قل أو ما كثر، فإن ذلك يتحدد
بتحديد الورثة أن يضعوا عنه ما شاؤوا، لأن كل نجم بإضافته إلى ما دونه ثقيل،
وبإضافته إلى ما فوقه خفيف، وكذلك الأقل والأكثر.
ولو قال للمكاتب: إذا عجزت بعد موتي فأنت حر، كان تعليقا لعتقه بصفة
توجد بعد الموت، وعندنا: لا يصح تعليق العتق بصفة، وعندهم: يصح، سواء
كان صفة في حال الحياة، أو بعد الموت.
فإذا ثبت هذا فإن السيد إذا مات نظر في العبد: فإن أدى المال إلى الورثة
عتق بالأداء، وبطل حكم الصفة، وإن أظهر العجز ففيه ثلاث مسائل:
إحداها: أن لا يكون قد حل عليه شئ من مال الكتابة، فيقول: قد عجزت،
ولا يعتق، لأنه إنما يعجز عن المال بعد حلوله عليه، فإذا أظهر العجز قبل الحلول
علم كذبه في ذلك.
الثانية: أن يحل المال عليه، وكان في يده ما يؤدي، فأظهر العجز، فلا يعتق
أيضا لأنه إنما يكون عاجزا إذا لم يكن معه ما يؤدي، فإذا أظهر ذلك ومعه ما
يؤدي علم كذبه فلا يعتق.
361

الثالثة: أن لا يكون في يده مال فأظهر العجز وادعى الورثة عليه أن معه مالا
فالقول قوله فيحلف بالله الذي لا إله إلا هو أنه عاجز ويعتق، لأن هذا اختلاف في
أمر يتعلق به وهو أعلم به من غيره، فيرجع إليه في ذلك.
فقد بينا فيما مضى أن الكتابة عندنا على ضربين: مطلقة ومشروطة عليه.
فالمشروطة عليه أن يقول في عقد الكتابة: متى عجزت عن أداء نجم أو
النجوم فأنت رد في الرق ولي جميع مالك، فإنه يثبت الشرط، ومتى عجز رد في
الرق، وكان له جميع ما أخذه منه، وجميع ما تقدم من الفروع ففرعه على هذا،
لأن هذا حقيقة الكتابة عند المخالف من غير شرط.
والمطلقة: هو أن يكاتبه على نجوم مخصوصة في أوقات مخصوصة ويطلق،
فمتى أدى شيئا من النجوم عتق بحسابه، ولا سبيل إلى رده في الرق بحال.
فإن عجز فيما بعد عن مال الكتابة، كان على الإمام أن يؤدي ما بقي عليه من
سهم الرقاب، فإن لم يكن أو كان ما هو أهم منه كان لسيده منه بقدر ما بقي، وله
من نفسه بمقدار ما تحرر منه فإن كان بينهما مهاياة صح، فما يكسبه في يومه
يكون له، وما يكسبه في أيام سيده يكون لسيده.
ومتى مات هذا المكاتب وترك مالا وترك أولادا ورثه مولاه بقدر ما بقي
من العبودية، وكان الباقي لولده إذا كانوا أحرارا فإن كان المكاتب رزق الولد
بعد الكتابة من أمة له حكم ولده حكمه في أنه يسترقه مولى أبيه بقدر ما بقي على
أبيه.
فإن أدى الابن ما كان بقي على أبيه صار حرا لا سبيل لمولاه عليه، وإن لم
يكن له مال استسعاه مولى الأب فيما بقي على أبيه فمتى أداه صار حرا، وهذا
المكاتب إذا أدى بعض مال الكتابة يرث ويورث بحساب ما عتق منه، ويمنع
الميراث بقدر ما بقي من الرق، وكذلك إن أوصي له كانت الوصية ماضية له
بقدر ما عتق، ويحرم بقدر ما بقي من رقه.
فإذا أتى هذا المكاتب ما يجب عليه فيه الحد أقيم عليه بقدر ما عتق حد
362

الحرية وما بقي منه رقا حد العبودية.
ومتى جنى على غيره جناية عمدا، فإن كان المجني عليه حرا اقتص منه على
كل حال، وإن كان عبدا لا يقتص منه، لأنه بعضه حر ولا قصاص بين الحر
والعبد.
وإن كان مكاتبا مثله فإن كان تحرر منه مثل ما تحرر من هذا أو أكثر فإنه
يقتص منه، وإن كان تحرر منه أقل مما تحرر منه لا يقتص منه لما ذكرناه، وإن
كانت الجناية خطأ فإنه يتعلق الأرش بمقدار ما تحرر منه بذمته إن كان المجني
عليه حرا أو عبدا وبمقدار ما بقي منه رقا يتعلق برقبته، ولمولاه أن يفديه على ما
تقدم وسواء كانت الجناية في النفس أو الطرف، فإن الحكم على ما قلناه.
ومتى جني على هذا المكاتب، فإن كانت الجناية عمدا فلا يخلو الجاني من
أن يكون حرا أو عبدا، فإن كان حرا فإنه لا يقتص منه، لأن بعضه رق ولا يقتص
لعبد من حر، وإن كان الجاني عبدا اقتص منه على كل حال.
وإن كان مكاتبا مثله، فإن كان تحرر منه مثل ما تحرر من هذا أو دونه
اقتص منه، وإن كان قد تحرر من الجاني أكثر من ذلك، فإنه لا يقتص منه لما
ذكرناه.
ومتى كانت الجناية خطأ وجب فيها الأرش بمقدار ما تحرر منه من دية الحر
وبمقدار ما بقي رقا دية العبد، فإن كان الجاني حرا لزمه ذلك أو عاقلته، وإن
كان عبدا تعلق ذلك برقبته، ولمولاه أن يفديه على ما تقدم ذكره.
وإن كان مكاتبا قد تحرر بعضه تعلق بذمته مقدار ما تحرر منه، وبمقدار ما
بقي رقا يتعلق برقبته، ولمولاه أن يفديه.
وكل موضع قلنا: يتعلق بذمته، فإن كان في جناية عمد، فإنه يكون في
ذمته يطالب من كسبه الذي نصيبه، وإن كان عن جناية خطأ فإنه يجب على
الإمام ذلك لأنه عاقلته، اللهم إلا أن يكون شرط عليه سيده أن يكون ولاؤه له،
فيلزم السيد حينئذ ما يتعلق بذمته.
363

ومتى وصى هذا المكاتب كانت وصيته نافذة بمقدار ما تحرر منه في ثلثه،
وباقي ذلك لورثته، ومردودة بمقدار ما بقي منه رقا، ومتى ركبه دين فإنه يتعلق
بذمته بمقدار ما تحرر منه يطالب به إذا عتق، أو من الذي يكسبه في اليوم الذي
يخصه بمقدار ما تحرر منه.
وأما مقدار ما بقي منه رقا فإن كان استدانه بإذن مولاه، فعلى مولاه قضاؤه
عنه وله أن يقضيه من كسبه الذي نصيبه بمقدار الرق، وإن كان استدانه بغير إذن
مولاه فإنه يتعلق بكسبه جميعه ويقضي منه دين الغرماء، وما يبقى فيكون بينه
وبين السيد على حساب الحرية والرق.
ومتى كاتب مكاتبة وتحرر منها بعضها لم يجز لمولاها وطؤها، فإن وطئها
لزمه الحد بمقدار ما تحرر منها، وأدري عنه بمقدار ما بقي، ويجب عليها مثل
ذلك ما لم يستكرهها، فإن استكرهها لم يكن عليها شئ وكان عليه على ما
قلناه.
وهذا المكاتب لا يلزم مولاه فطرته وإن كان مشروطا عليه لزمته.
والمكاتبة إذا تحرر منها البعض لم يجز لها أن تتزوج إلا بإذن مولاها، فإن
تزوجت بغير إذنه كان نكاحها باطلا، وإن كان نكاحها بإذن مولاها وقد أدت
بعض مكاتبتها ورزقت أولادا، فإن حكم أولادها حكمها، يسترق منهم بحساب
ما بقي من ثمنها، ويعتق بحساب ما انعتق إذا كان تزويجها بعبد مملوك أو حر
شرط عليه استرقاق الولد، وإن كان تزويجها بحر كان الولد أحرارا.
والحكم في المهر على ما تقدم بيانه، ولا يجوز له أن يتصرف في نفسه
بالتزويج ولا بهبة المال ولا بالعتق، وإنما يجوز له التصرف في ماله بالبيع
والشراء، فحسب.
364

كتاب أمهات الأولاد
إذا وطئ الرجل أمة فاتت منه بولد، فإن الولد يكون حرا لأنها علقت به في
ملكه، وتسري حرية الولد إلى الأم عندهم، وعندنا لا تسري وهي أم ولد ما دامت
حاملا، فلا يجوز بيعها عندنا، وإن ولدت فما دام ولدها باقيا لا يجوز بيعها إلا في
ثمنها إذا كان دينا على مولاها ولم يكن له غيرها، وإذا مات الولد جاز بيعها
وهبتها والتصرف فيها بسائر أنواع التصرف.
وقال المخالف: لا يجوز بيعها ولا التصرف في رقبتها بشئ من أنواع
التصرف لكن يجوز التصرف في منافعها بالوطئ والاستخدام، فإذا مات السيد
عتقت عندهم بموته، وعندنا تجعل من نصيب ولدها وتنعتق عليه، فإن لم يكن
هناك غيرها انعتق نصيب ولدها واستسعيت في الباقي، وإن كان لولدها مال
أدى بقية ثمنها منه، فإن لم يكن ولدها باقيا جاز للورثة بيعها، وفيها خلاف
ذكرناه في الخلاف.
وفي الاستيلاد ثلاث مسائل:
إحداها: أن تعلق الجارية بولد في ملك الواطئ فتصير أم ولده بلا خلاف،
فأما إذا رهن جارية ثم وطئها الراهن وأحبلها فإن الولد يكون حرا وتصير الجارية
أم ولد في حق الراهن بلا خلاف، ولا يجوز عندهم له التصرف فيها، وعندنا
يجوز على ما مضى، وهل تصير أم ولد في حق المرتهن حين يخرج من الرهن، أو
366

لا تصير أم ولد في حقه فتباع في الرهن؟ على قولين عندهم.
المسألة الثانية: أن تعلق بمملوك في غير ملكه بأن تزوج أمة فأحبلها فاتت
بولد فإنه مملوك عندنا بشرط، وعندهم بلا شرط، ولا يثبت للأم حكم الحرية لا
في الحال ولا إذا ملكها فيما بعد، سواء ملكها بعد انفصال الولد أو قبله عندنا وعند
جماعة، وفيها خلاف.
وليس على أصله أنها تعلق بمملوك فيثبت لها حكم الأحبال إلا في مسألة
واحدة: وهو المكاتب إذا اشترى أمة للتجارة فأحبلها فالولد مملوك، ويكون
موقوفا معه وفي الأم قولان: أحدها تكون مملوكة يتصرف فيها كيف يشاء،
والثاني تكون معه موقوفة على حكمه إن عتق عتقت وإن رق رقت كالولد.
المسألة الثالثة: أن تعلق الأمة بحر في غير ملكه بأن يطأ أمة غيره بشبهة فتعلق
منه بولد حر، فلا تصير أم ولد في الحال، فإن ملكها قال قوم: لا تصير أم ولده،
وقال بعضهم: تصير أم ولده وهو الأقوى عندي.
فأما بيان الحالة التي تصير بها أم ولد ففيه أربع مسائل:
إحداها: أن يأتي بولد تام الخلقة إما حيا أو ميتا، فتتعلق بولادته أربعة أحكام:
تصير به أم ولد، وإذا ضرب ضارب بطنها فألقت الجنين ميتا وجب فيه الغرة إما
عبد أو أمة إن كان حرا أو عشر قيمة أمة إن كان عبدا وتجب فيه الكفارة، وتنقضي
بوضعه العدة، وهذا لا خلاف فيه.
المسألة الثانية: أن تضع شيئا من خلقة آدمي إما يدا أو رجلا أو جسدا قد بان
فيه شئ من خلقة الآدمي فتتعلق به الأحكام التي ذكرناها لأنه محكوم بأنه ولد.
الثالثة: أن تضع جسدا ليس فيه تخطيط ظاهر، لكن قال القوابل: إن فيه
تخطيطا باطنا خفيا، فتتعلق به الأحكام أيضا لأن المرجع في ذلك إلى القوابل
الذين هم أهل الخبرة والمعرفة، وقد شهدن بأنه ولد.
الرابعة: أن يلقى جسدا ليس فيه تخطيط لا ظاهر ولا باطن، لكن قال القوابل:
إن هذا مبتدأ خلق آدمي وأنه لو بقي لتخلق وتصور، قال قوم: لا تصير أم ولد،
367

وقال قوم: تصير أم ولد، وهو مذهبنا، وتتعلق به الأحكام على ما مضى، ومن
قال: لا تصير أم ولد لم يعلق عليه الأحكام، وفيهم من قال: تنقضي العدة به على
كل حال.
إذا أتت أم الولد بولد فلا يخلو: إما أن تأتي به من سيدها أو من غيره، فإن
أتت به من سيدها فإنه حر مثل الولد الأول بلا خلاف، فإذا ثبت هذا فإنه ينظر:
فإن مات السيد عتقت عندنا من نصيب ولدها إما جميعها أو بعضها، فإن لم يكن
ولدها باقيا كانت مملوكة للوارث، وعندهم تعتق على كل حال من رأس المال،
وإن ماتت الأم في حياة السيد وبقى الولد، كان حرا بلا خلاف.
ولو تزوج أمة وهي حائل فأولدها ولدا، فإن الولد يكون مملوكا لسيد الأمة
عندنا بالشرط، وعندهم مع عدمه، فإن ملك الزوج زوجته وولدها فالولد يعتق
عليه، والأم تصير عندنا أم ولد، لأن الاشتقاق يقتضي ذلك، وعندهم لا تصير أم
ولد، بل تكون مملوكة على ما كانت، يتصرف فيها كيف يشاء، سواء ملكها
قبل انفصال الولد أو بعده وفيه خلاف.
المكاتب إذا اشترى أمة للتجارة فوطئها وأحبلها فاتت بولد، فإن الولد يكون
مملوكا له لأنه من أمته، لكن لا يجوز له التصرف فيه، وأما الأم فقال قوم: لا يثبت
لها حكم الاستيلاد، بل تكون أمته يتصرف فيها كيف شاء، وقال آخرون: يثبت
لها حرمة الاستيلاد، فتكون موقوفة كالولد، وعندنا تكون أم ولد.
ولو أوصى لأم ولده أو لمدبرة يخرج من الثلث فهي جائزة، أما أم الولد
فالوصية لها تصح، لأن الوصية لأم الولد بعد الموت وهي حرة في تلك الحال،
فتصح فيها تلك الوصية، وعندنا أيضا تصح لأنها إن عتقت على ولدها أعطيت
ما وصى لها به وإن لم يكن ولد احتسب بما أوصي لها من قيمتها وتنعتق.
وأما المدبرة فإنه يعتبر قيمتها وقيمة ما أوصي لها به من الثلث، فإن احتمل
الثلث جميع ذلك نفذت الوصية، وإن لم يحتمل الثلث بدئ باعتبار قيمة المدبرة
فإذا خرجت نظر حينئذ فيما أوصي له به: فإن بقي من الثلث شئ نفذت بقدره،
368

وإلا بطلت، وإن لم يحتمل الثلث جميع قيمة المدبرة عتق منه قدر ما يحتمله
الثلث، وبطلت الوصية.
أم الولد إذا جنت جناية وجب بها أرش، فإن الأرش يتعلق برقبتها بلا
خلاف، وهو بالخيار بين أن يفديها أو يبيعها عندنا، وعندهم على السيد أن يفديها
ويخلصها من الجناية، لأنه منع من بيعها بإحباله، ولم يبلغ بها حالة يتعلق الأرش
بذمتها فصار كالمتلف لمحل الأرش فلزمه ضمان الجناية كما لو كان له عبد
فجنى فقتله.
ويفارق إذا كان له عبد فأعتقه ثم جنى، حيث لم يلزمه ضمان ذلك، لأن
هناك بلغ به حالة يتعلق الأرش بذمته.
ويضمن أقل الأمرين من أرش الجناية أو قيمتها لا يفاد على ذلك، وكذلك
عندنا إذا أراد لأنه إن كان الأرش أقل فالذي يستحقه المجني عليه الأرش
فحسب، فلم يضمن أكثر منه، وإن كانت القيمة أقل فهو إنما يفدي رقبة أم الولد
فلم يلزمه أكثر من قيمة الرقبة.
فأما إذا جنى ففداها السيد ثم جنت دفعة ثانية، فهل يلزمه أن يفديها ثانيا كما
فداها أولا، ولا يشرك المجني عليه في الفداء الأول؟ فيه قولان: أحدهما أنه يلزمه
أن يفديها ثانيا، والثاني لا يلزمه.
فمن قال: يلزمه، فوجهه هو أنه إنما فداها في الدفعة الأولى لأمر منع من
بيعها، ولم تبلغ بها حالة يتعلق الأرش بذمتها، وهذا موجود في الدفعة الثانية
والثالثة، فلزمته الفدية.
فمن قال: يلزمه الفداء كل دفعة، قال بأنه يفديها في الدفعة الثانية والثالثة
كما فداها في الأولة، وإن قلنا: لا يلزمه أكثر من فدية واحدة، فإنه ينظر: فإن دفع
المجني عليه قدر أم الولد، فليس يجب عليه شئ آخر، لكن يرجع الثاني على
الأول ويشاركه فيما حصل معه، ويقتسمانه على قدر جنايتها، وإن كان قد دفع
إليه أقل من قيمة أم الولد فإنه يلزمه أن يرجع تمام القيمة، ثم يضم ذلك إلى ما
369

حصل الأول ليشترك هو الثاني فيه.
على هذا إذا جنت دفعة ثانية وثالثة ورابعة فالذي يقتضيه مذهبنا أنه إذا جنت
جناية بعد جناية أن مولاه بالخيار بين أن يسلمها إليهم فيبيعونها بأجمعهم،
ويقتسمون الثمن على قدر الجنايات بينهم، وبين أن يفدي الجنايات من أقل من
أروشها أو ثمنها لا يلزمه أكثر من ذلك، فأيهما اختار كان له ذلك، لأنها مملوكة
عندنا.
إذا كان لذمي أم ولد منه، فأسلمت فإنها لا تعتق عليه، وتباع عندنا، لأنها
مملوكة، وعندهم لا تباع ولا تستعار، لكن يحال بينها وبينة وتجعل في يد امرأة
ثقة تنفق عليها من كسبها، فإن فضل شئ من كسبها كان لسيدها، وإن عجز عن
نفقتها كان على السيد تمامه، وقال بعضهم: تعتق بإسلامها ولا يلزمها شئ، وقال
آخرون: تستسعي في قدر قيمتها، فإذا أدت عتقت، وقال بعضهم: تعتق ثم
تستسعي في قيمتها، وقال آخرون: تعتق ويلزمها نصف قيمتها.
إذا كان لرجل أم ولد فمات عنها، أو أعتقها في حال حياته، فإنه لا يجب
عليها أن تعتد لكن يجب عليها الاستبراء.
فإن كانت من ذوات الأقراء استبرأت بثلاثة أقراء عند أصحابنا إذا أعتقها،
وأربعة أشهر وعشر عن الوفاة، وقال المخالف: بقرء واحد، وقال بعضهم:
بقرءين، وقال بعضهم: بثلاثة أقراء كالحرة المطلقة.
وأما إذا كانت من ذوات الشهور فعندنا بثلاثة أشهر من العتق، وأربعة وعشر
من الوفاة، وقال بعضهم: تستبرئ بشهر واحد، لأن كل شهر في مقابلة قرء، وقال
آخرون: إنها تستبرئ بثلاثة أشهر، لأن براءة الرحم لا تعلم في أقل من ذلك.
إذا كان له أم ولد فأراد تزويجها فإنه يملك إجبارها على ذلك، لأنها
مملوكة عندنا، وقال بعضهم: يملك تزويجها برضاها، ولا يملك إجبارها على
النكاح، لأنه ثبت لها سبب الحرية، وقال قوم: إنه لا يملك تزويجها بحال وإن
رضيت، لأن ملك السيد عليها ناقص، وهي بنفسها ناقصة، فلم يصح للتزويج
370

وإن اتفقا عليه.
فعلى هذا هل يجوز للحاكم تزويجها؟ فيه وجهان: أحدهما أنه يملك ذلك
ويزوجها حكما لا بولاية، كما يزوج الكافر حكما لا بولاية، والوجه الثاني أنه لا
يملك تزويجها لأن الحاكم يقوم مقامها، فلما ثبت أنهما إذا اتفقا على التزويج لم
يصح فالذي يقوم مقامهما أولى أن لا يملك ذلك.
فكل موضع قيل: إن النكاح جائز برضاها أو بغير رضاها أو زوجها
الحاكم، فإن حكم السيد يزول عن استمتاعها، ويحرم عليه وطؤها، وعلى ذلك
الزوج نفقتها ويلزمه المهر المسمى، ويكون ذلك للسيد لأنه من جملة الكسب
وكسبها له.
إذا ملك أمه أو أخته من الرضاع أو عمته من النسب لم يحل له وطؤها بلا
خلاف، فإذا وطئها لم يخل: إما أن يكون عالما بالتحريم أو جاهلا، فإن كان
جاهلا فلا حد عليه للشبهة، ويلحقه النسب وتصير الجارية أم ولد، لأنها علقت بحر
في ملكه، وعندنا لا يلحقه النسب لأن هؤلاء لا ينعتقن عليه، فإذا وطئهن فقد
وطئ أجنبية ولا يلحق به النسب.
وإن كان عالما بالتحريم وجب عليه الحد عندنا، وقال بعضهم: لا يجب
لشبهة الملك، فمن قال: عليه الحد، فلا تعزير، ومن قال: لا حد، قال: عليه
التعزير، وألحقوا الولد به على كل حال، وتصير الجارية أم ولده، وليس على
أصله وطء يجب به الحد وتصير الجارية أم ولد، غير هذا الوطء.
وهكذا الحكم في الكافر إذا ملك مسلمة بأن يرثها أو كانت كافرة
فأسلمت، فلا يجوز له وطؤها، ولا يقر على ملكه، بل يزال ملكه عنها، فإن بادر
ووطئها فهل يجب عليه الحد؟ فيه قولان، وهكذا كل وطء محرم صادف ملكا،
وهل يجب به الحد؟ على قولين أصحهما عندنا أنه لا حد عليه للشبهة، وسواء قيل
إن الكافر يلزمه الحد أو لا يلزمه فإن النسب يلحقه، وتصير الجارية أم ولده لأنها
علقت بحر في ملكه، كالمسلم سواء إلا أن الكافر يخالف المسلم في أن أم ولده
371

تقر تحت يده والكافر لا تقر تحت يده المسلمة بل تسلم إلى امرأة ثقة مسلمة تكون
في يدها ويلزمه الإنفاق عليها.
372

نزهة الناظر
في الجمع بين الأشباه والنظائر
تأليف
المحقق يحيى بن سعيد الحلي
374

فصل
[ما يجب فيه العتق]
يجب العتق في ثلاث عشرة كفارة:
كفارة من أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا أو فعل ما يجري مجرى
الإفطار من الجماع وغيره، وكفارة الإفطار في الاعتكاف، وكفارة نقض النذر أو
العهد، وكفارة جز المرأة شعرها في المصاب، وكفارة قتل العمد، وكفارة قتل
الخطأ، وكفارة الظهار، وكفارة من حلف بالبراءة من الله أو من رسوله أو الأئمة
عليهم السلام، وكفارة اليمين، وكفارة شق الرجل ثوبه في موت ولده أو زوجته،
وكفارة خدش المرأة وجهها في المصاب، وكفارة نتف شعرها في المصاب
أيضا.
فأما كفارة الإفطار في شهر رمضان ونقض النذر أو العهد وجز الشعر،
فعتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا مخيرا في ذلك.
وقال سيدنا المرتضى قدس الله روحه في المسائل الموصلية الثالثة: من نذر
شيئا من القرب فلم يفعله مختارا فعليه كفارة، فإن كان صيام في يومه بعينه فأفطر
من غير سهو ولا اضطرار فعليه ما على مفطر يوم من شهر رمضان مختارا، وإن
كان مضطرا فعليه ما يجب في كفارة اليمين والحجة فيه إجماع الفرقة. وذهب
376

الشيخ أبو الفتح محمد بن علي بن عثمان الكراجكي رحمه الله إلى أنها مرتبة مثل
كفارة الظهار.
وأما كفارة قتل العمد فعتق رقبة وصوم شهرين متتابعين وإطعام ستين
مسكينا يجب عليه الجمع في ذلك بين الثلاث.
وأما كفارة قتل الخطأ وكذا الظهار وكفارة اليمين بالبراءة مع الحنث،
فعتق رقبة، فإن لم يجد الرقبة فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام
ستين مسكينا يجب عليه الترتيب في ذلك.
وذهب سلار إلى أن كفارة قتل الخطأ على التخيير، وهو خلاف لظاهر
التنزيل والإجماع، وذهب الشيخ في الثالث من مسائل الخلاف إلى أن من
حلف بالبراءة من الله لم يكن ذلك يمينا والمخالفة حنث ولا يجب به كفارة،
وهو اختيار ابن إدريس، والصحيح ما قلناه، وبه قال الشيخ المفيد في المقنعة
وسلار في الرسالة والشيخ في النهاية لكنه أطلقه ولم يقيده بالحنث كما قيده
المفيد وسلار.
وقال أبو الصلاح في الكافي: ومن حلف بالبراءة من الله أو من رسوله أو من
أحد من الأئمة عليهم السلام مطلقا فعليه كفارة ظهار، وإن علق ذلك بشرط
وخالف ما علق بالبراءة فعليه الكفارة المذكورة، وروى محمد بن يعقوب عن
محمد بن يحيى قال: كتب محمد بن الحسن إلى أبي الحسن عليه السلام: رجل
حلف بالبراءة من الله ومن رسوله فحنث، ما توبته وكفارته؟ فوقع عليه السلام:
يطعم عشرة مساكين لكل مسكين مد من طعام ويستغفر الله عز وجل. وعمل
الطائفة على العمل بخلاف هذا الخبر.
وأما كفارة اليمين وكفارة شق الثوب وكفارة الخدش وكفارة نتف الشعر،
فعتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم مخيرا في ذلك، فإن عجز عن
ذلك كان عليه صيام ثلاثة أيام متتابعات والإطعام لكل مسكين مد، والكسوة
لكل مسكين ثوب واحد، وبه تشهد الرواية الصحيحة، وهو اختيار ابن إدريس،
377

وقال المفيد وأبو الصلاح وسلار: لكل مسكين ثوبان أو شبعة في يومه، فإن شق
ثوبه على أبيه أو أمه أو أخيه أو قريب منه أو المرأة على زوجها فليس عليه شئ.
وألحق جماعة من أصحابنا منهم الكراجكي بذلك كفارة من أفطر بعد
الزوال في يومه يقضيه من شهر رمضان، والصحيح هو أن عليه إطعام عشرة
مساكين، فإن لم يتمكن كان عليه صيام ثلاثة أيام، ورد بذلك خبران.
ولا يعتبر الإيمان في العتق في الكفارات إلا كفارة قتل الخطأ، وبه قال
الشيخ أبو جعفر في الأول من الخلاف، وقال ابن إدريس: يعتبر ذلك.
فصل
[من يستحب عتقه]
يستحب عتق سبعة:
المملوك المؤمن العفيف الصالح، والمملوك إذا أتى عليه بعد ملكه سبع
سنين، والمملوك المؤمن إذا كان عند مالكه تحت ضيق وشدة يستحب شراؤه
وعتقه، والمملوك إذا عتق نصيبه منه تقربا إلى الله تعالى يستحب له شراؤه الباقي
وعتقه، وهو مذهب الشيخ أبي جعفر، وقال ابن إدريس يجب عتقه.
والمملوك إذا ضربه مالكه فوق الحد، وقال بعض أصحابنا يجب.
والمملوك إذا وطئ مالكه أمه وهي حامل به قبل أن يمضي له أربعة أشهر وعشرة
أيام إذا لم يعزل عنها، ومن عدا الوالدين والولد والمحرمات عليه في النكاح من
ذوي نسبه.
فصل
[الذين ينعتقون من غير لفظ]
الذين ينعتقون من غير أن يتلفظ بعتقهم أربعة وعشرون:
الأب إذا ملكه ابنه، والابن إذا ملكه أبوه، والأم إذا ملكها ابنها، والابن إذا
378

ملكته أمه، والعمة إذا ملكها ابن أخيها، والخالة إذا ملكها ابن أختها، وبنت الأخ إذا
ملكها عمها، وبنت الأخت إذا ملكها خالها.
فهذه الثمانية من جهة النسب، ومثلهن من جهة الرضاع على أصح القولين،
وبه قال الشيخ أبو جعفر في مسائل الخلاف والنهاية، وذهب أبو الصلاح وابن
إدريس إلى أنهم لا ينعتقون من جهة الرضاع.
والأعمى، والمجنون، والمجذوم، والمقعد، وعبد الحربي إذا أسلم و لحق
بدار الإسلام صار حرا، والعبد إذا أعتق سيده منه بعضه سرى العتق في باقيه وإن
لم يتلفظ السيد بعتق الباقي، والمكاتب المشروط عليه إذا أدى ما عليه، والمملوك
إذا نكل به سيده أو مثل به، رواه الحسن بن محبوب عن هشام بن سالم عن
أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال: قضى أمير المؤمنين عليه السلام في امرأة
قطعت ثدي وليدتها أنها حرة لا سبيل لمولاها عليها، وقضى في من نكل بمملوكه
فهو حر لا سبيل عليه.
379

تبصرة المتعلمين
في أحكام الدين
للشيخ جمال الدين أبي منصور الحسن بن سديد الدين
يوسف بن زين الدين علي بن محمد مطهر الحلي المشتهر بالعلامة الحلي
والعلامة على الإطلاق
647 - 726 ه‍. ق
380

كتاب العتق وتوابعه
وفيه فصول:
الأول: في الرق:
يختص الرق بأهل الحرب أو بأهل الذمة إن أخلوا بالشرائط، ويحكم على
المقر بالرقية مختارا، ولا يقبل قول مدعي الحرية إذا كان يباع في الأسواق إلا
ببينة.
ولا يملك الرجل ولا المرأة أحد الأبوين وإن علوا، والأولاد وإن نزلوا، ولا
الرجل بالمحارم بالنسب من النساء، ولو ملك أحد هؤلاء عتق، وحكم الرضاع
حكم النسب.
الثاني: في العتق:
والصريح " أنت حر "، وفي لفظ العتق إشكال، ولا يقع بغيرهما، ولا
بالإشارة والكتابة مع القدرة، ولا يقع مشروطا ولا في يمين، ولو شرط مع العتق
شيئا من خدمة وغيرها جاز.
وشرطه: تكليف المعتق والاختيار والقصد والقربة وإسلام العبد، ويكره
المخالف، ولو نذر عتقه أو عتق الكافر صح.
ويستحب أن يعتق من مضى في ملكه سبع سنين.
382

ولو نذر عتق كل عبد له قديم عتق من ملكه ستة أشهر فصاعدا، ولو نذر
عتق أول مملوك يملكه فملك جماعة استخرج بالقرعة على خلاف.
والعبد لا يملك شيئا وإن ملكه مولاه على الأقوى، فلو أعتقه وبيده مال
فالمال للمولى وإن علم به ولم يستثنه، ولو أعتق ثلث عبيده استخرج بالقرعة،
ولو أعتق بعض عبده عتق كله، ولو كان له شريك قوم عليه حصة شريكه
وأعتقت، ولو كان معسرا سعى العبد في النصيب.
ولو أعتق الحبلى فالوجه عدم عتق الحمل إلا أن يعتقه بالنصوصية.
وعمى المملوك وجذامه وتنكيل المولى به والإقعاد أسباب في العتق، وكذا
إسلام العبد وخروجه قبل مواليه.
ولو مات ذو المال وله مملوك وارث لا غير اشترى من مولاه وأعتق وأعطي
الباقي.
الثالث: التدبير:
وهو أن يقول: أنت رق في حياتي حر بعد وفاتي، من الكامل القاصد،
فينعتق من الثلث بعد الوفاة كالوصية، وله الرجوع متى شاء، وهو متأخر عن
الدين.
ولو دبر الحبلى اختصت بالتدبير دون الحمل، أما لو تجدد الحمل من
مملوك بعد التدبير فإنه يكون مدبرا.
ولو رجع في تدبير الأم قيل: لا يصح رجوعه في تدبير الأولاد، والأقرب
أن رجوعه في تدبير الأم خاصة ليس رجوعا في تدبير الأولاد، ولو رجع في
تدبيرها صح الرجوع.
وولد المدبر من مملوكه مدبر، ولا يبطل تدبير الولد بموت أبيه قبل مولاه،
وينعتقون من الثلث، فإن عجز استسعوا.
وإباق المدبر إبطال للتدبير.
383

الرابع: في الكتابة:
وهي قسمان: مطلقة ومشروطة.
فالمطلقة: أن يقول لعبده أو أمته: كاتبتك على كذا على أن تؤديه في نجم
كذا، أما في نجم واحد أو نجوم متعددة، فيقول " قبلت ". وقيل: يفتقر إلى قول:
فإذا أديت فأنت حر، فهذا يتحرر منه بقدر ما يؤدي، وليس لمولاه فسخ الكتابة
وإن عجز، ويفكه الإمام من سهم الرقاب وجوبا مع العجز.
فإن أولد من مملوكة تحرر من أولاده بقدر ما فيه من الحرية، وإن مات ولم
يتحرر منه شئ كان ميراثه للمولى، وإن تحرر منه شئ كان لمولاه من ماله بقدر
الرقية، ولورثته بقدر الباقي، ويؤدون منه ما بقي من مال الكتابة. ولو لم يكن مال سعى الأولاد فيما بقي على أبيهم، ومع الأداء ينعتق الأولاد
ويرث بقدر نصيب الحرية.
ولو أوصى أو أوصي له بشئ صح بقدر نصيب الحرية، وكذا لو وجب
عليه حد، ولو وطأ المولى المطلقة حد بنصيب الحرية.
وأما المشروطة: فإن يقول بعد ذلك، فإن عجزت فأنت رد في الرق، وهذا
لا يتحرر منه شئ إلا بأداء جميع ما عليه، فإن عجز - وحده أن يؤخر نجما عن
وقته - رد في الرق، ويستحب للمولى الصبر عليه.
ولا بد في العوض من كونه دينا مؤجلا معلوما مما يصح تملكه، ويكره أن
يتجاوز به القيمة.
وإذا مات المشروط بطلت الكتابة، وكان ماله وأولاده لمولاه، وليس
للمكاتب أن يتصرف في ماله بغير الاكتساب إلا بإذن المولى، وينقطع تصرف
المولى عن ماله بغير الاستيفاء.
ولو وطأ مكاتبته مكرها فلها المهر، وليس لها أن تتزوج بدون إذن المولى،
وأولادها بعد الكتابة إذا لم يكونوا أحرارا حكمهم حكمها ينعتقون بعتقها مشروطة
كانت أو مطلقة.
384

ولو انعتق من المطلقة بعضها انعتق من الولد بقدره، وكسبهم إن عتقوا فلهم
وإن رقوا فللمولى.
ولو أشرفت الأم على العجز وهم المولى بالفسخ استعانت به. والله أعلم
بالصواب.
385

إرشاد الأذهان
للشيخ جمال الدين لأبي منصور الحسن بن سديد الدين يوسف بن زين الدين
علي بن محمد مطهر الحلي المشتهر بالعلامة الحلي والعلامة على الإطلاق
647 - 726 ه‍. ق
386

كتاب العتق وتوابعه
وفيه مقاصد:
الأول: العتق:
وفيه مطلبان:
الأول: الصيغة:
ولا تقع بالكنايات بل بالتصريح، وهو عبارتان: التحرير، والإعتاق، دون
فك الرقبة والسائبة وشبههما، ولو قال: يا حرة عتقت، فإن قال: قصدت نداءها
باسمها القديم أو الصفة قبل، ولو قال: أنت حرة واسمها ذلك، فإن قصد الإنشاء
تحررت، وإن قصد الإخبار أو اشتبه لم تنعتق.
ولا يقع بالإشارة والكتابة مع القدرة، ويقع مع العجز وعلم القصد، ولا
يقع بشرط ولا في يمين، ولو قال: يدك حرة أو رجلك أو وجهك أو رأسك
لم يقع، وفي بدنك وجسدك حر نظر، وعتق الحامل لا يقتضي عتق الحمل.
والأقرب عدم اشتراط التعيين، فلو قال: أحد عبيدي حر صح وعين من
شاء، ولو قصد واحدا بعينه انصرف العتق إليه ويصدق، ولو عين المطلق ثم
عدل لم يصح، ولو مات قبله عين الوارث، ولو اشتبه المعين انتظر الذكر، فإن
ذكر صدق، وإن عدل لم يقبل، ولو لم يذكر لم يقرع إلا بعد الموت، ولو ادعى
الوارث العلم رجع إليه، وإن ادعى أحدهم أنه المراد فالقول قول المالك مع
388

اليمين أو الوارث، ولو أعتق ثلث الستة استخرج بالقرعة ويعدل بالقيمة دون
العدد، فإن تعذر أخرج على الحرية حتى يستوفى الثلث وإن كان بجزء من آخر.
ويشترط في المعتق: البلوغ، والعقل، والاختيار، والقصد، ونية التقرب،
وانتفاء الحجر، والإسلام على رأي، وفي العبد الإسلام على رأي، والملك، وعدم
الجناية عمدا لا خطأ، لا طهارة المولد على رأي.
ولو أجاز المالك عتق الفضولي لم يقع، ولو قوم عبد ولده الصغير وعتقه
صح، وإلا فلا، ولو شرط عليه السائغ لزم، فإن شرط عوده مع المخالفة بطل
العتق على رأي، ولو أبق المدة المشترطة للخدمة لم يعد رقا، وعليه الأجرة.
ويستحب: العتق - خصوصا من أتى عليه سبع سنين - وإعانة العاجز عن
الكسب، ويكره: عتق المخالف، ومن يعجز عن التكسب مع عدم الإعانة.
مسائل في العتق:
لو نذر عتق أمته إن وطأها فوطئها عتقت، وإن أخرجها عن ملكه انحلت
اليمين وإن ملكها بعد، ولو نذر عتق كل قديم عتق من مضى في ملكه ستة أشهر
فصاعدا، ولو نذر عتق أول مملوك يملكه فملك جماعة فلا عتق على رأي،
والقرعة أو التخير على رأي، ولو نذر عتق أول ما تلده فولدت توأمين عتقا، ولو
أجاب معتق البعض بنعم عن سؤال أعتقت مماليكك؟ لم ينصرف إلى غير من
أعتقه، ولو كان للعبد مال فهو لمولاه وإن علمه، وإذا أعتق عن غيره باذنه انتقل
إلى الآمر بالعتق، ولو عمي العبد أو جذم أو أقعد عتق، ولو أسلم المملوك قبل
مولاه وخرج قبله عتق، ولو مثل بعبده عتق، ولو مات وليس له وارث حر
اشترى وارثه وأعتق.
المطلب الثاني: في خواصه:
وهي ثلاث:
389

الأولى: السراية:
فمن أعتق جزءا مشاعا من عبده سرى العتق فيه أجمع، ولو أعتق يده أو
رجله لم يقع، ولو أعتق حصته قوم عليه وعتق بشروط أربعة:
الأول: اليسار بمال فاضل عن قوت يوم ودست ثوب كما في المديون، ولو
كان عليه دين بقدر ماله فهو معسر، والمريض معسر إلا في الثلث، والميت معسر،
فلو قال: إذا مت فنصيبي حر لم يسر، لانتقال ماله إلى الورثة، ولو كان موسرا
بالبعض سرى بذلك القدر، ولو كان معسرا استسعى العبد في حصة الشريك،
فإن امتنع هايأه الشريك، وتناولت المعتاد والنادر.
الثاني: أن يعتق باختياره، فلو ورث نصف أبيه لم يسر على رأي، ولو اتهب
أو اشترى سرى.
الثالث: أن لا يتعلق به حق يمنع البيع، كالوقف والتدبير على رأي.
الرابع: أن يتقرر عتق نصيبه أولا، فلو أعتق نصيب شريكه أولا لم يقع، و لو
قال: أعتقت نصف هذا العبد انصرف إلى نصيبه، كما لو باعه أو أقر به، وهل
ينعتق بالأداء أو بالإعتاق؟ قولان، وقيل: إن أدى تبين العتق بالإعتاق، ولو أعتق
اثنان قومت حصة الثالث عليهما بالسوية وإن تفاوتا.
وتعتبر القيمة وقت العتق، وينتظر قدوم المعتق لو هرب، ويساره لو أعسر،
ويقدم قول الغارم في القيمة على رأي، وقول الشريك في السلامة من العيب، ولو
ادعى كل من الشريكين عتق صاحبه حلفا واستقر الملك كما كان، ولو قال:
أعتقت نصيبك وأنت موسر حلف المنكر وعتق نصيب المدعي مجانا، ولو نكل
حلف واستحق القيمة ولم يعتق نصيب المنكر.
الثانية: عتق القرابة:
فمن ملك أحد أبعاضه من أصوله أو فروعه عتق عليه، وكذا لو ملك
الرجل أحد المحرمات عليه نسبا أو رضاعا، ولا ينعتق على المرأة سوى
390

العمودين، ولا يشترى للطفل قريبه، بل يتهبه له إن لم تجب نفقته، ولو اتهب
المريض أباه أو أوصي له عتق من الأصل، وكذا يعتق على المفلس، ولو اشترى
المديون المريض أباه لم يعتق إلا بعد الدين من الثلث، ولو اشتراه بمحاباة عتق
قدر المحاباة، ولو اشترى جزءا ممن يعتق عليه قوم وسرى مع الشرائط، ولو
ورث لم يسر، ولو اختار وكيله فكاختياره، ولو أوصي له بالبعض فقبله سرى
وقوم عليه.
الخاصية الثالثة: الولاء:
كل من أعتق متبرعا فولاء المعتق له، رجلا كان أو امرأة، إلا أن يتبرأ من
ضمان جريرته وقت العتق، ولو أعتق في واجب كالكفارات والنذور أن نكل به
فلا ولاء، ولا ولاء بالاستيلاد والكتابة بنوعيها، ويثبت بالتدبير.
والولاء لحمة كلحمة النسب، فإن المنعم سبب لوجود المعتق لنفسه كسببية
الأب، ولا يصح بيعه ولا هبته ولا اشتراطه للغير ولا نفيه، ويسري الولاء إلى أولاد
المعتق وأحفاده ومعتق معتقه، إلا أن يكون في الأولاد من مسه الرق فلا ولاء
عليه، إلا لمعتقه أو عصبات معتقه، ويفيد الولاء الميراث وتحمل العقل، فإذا مات
المعتق ورثه المنعم، رجلا كان أو امرأة، ولو كان المنعم جماعة فالولاء لهم
بالحصص، فإن فقد المنعم، قال الشيخ رحمه الله: يكون الولاء لأولاده الذكور
خاصة إن كان رجلا، وإن كان امرأة فلعصبتها.
ويرثه الأبوان والأولاد ولا يشركهما أحد من الأقارب، وولد الولد يقوم مقام
الولد مع عدمه، ويأخذ كل منهم نصيب من يتقرب به، ومع عدم الأبوين
والأولاد يرثه الإخوة والأجداد.
وهل يرث الأخ من الأب مع الأخ من الأبوين؟
إشكال، وفي استحقاق الإناث منهن إشكال، فإن عدموا فالأعمام الأقرب يمنع
الأبعد، ولا يرثه من يتقرب بالأم كالإخوة من قبلها والأخوال والأجداد، فإن عدم
قرابة المنعم فمولى المولى، فإن عدم فقرابة مولى المولى لأبيه دون أمه، ولو مات
391

المنعم ولا وارث له لم يرثه المعتق بل الإمام، ولو مات المنعم عن ذكرين، ثم
مات أحدهما، ثم المعتق، فميراثه للولد وورثة الآخر إن قلنا: إن الولاء يورث.
وينجر الولاء من مولى الأم إلى مولى الأب، فإن لم يكن فلعصبة المولى، فإن
عدموا فلمولى عصبته المولى.
فإن عدموا فالإمام، ولا يرجع إلى مولى الأم، فلو تزوج مملوك بمعتقة
فولاء أولادها لمولاها، فإن أعتق الأب انجر الولاء إلى معتقه، فإن مات الأب
مملوكا وأعتق الجد انجر الولاء إلى معتقه، ولو كان الأب باقيا ثم أعتق الجد قبله
انجر الولاء إلى معتقه، فإن أعتق الأب بعد ذلك انجر الولاء إلى معتق الأب، ولو
كان ولد المعتقة رقا فولاؤه لمعتقه وإن كان حملا، ولو حملت به بعد عتقها
فولاؤه لمعتقها إن كان أبوه رقا، وإن كان حرا في الأصل فلا ولاء لمعتق الأم،
وإن كان أبوه معتقا فولاؤه لمولى أبيه، ولو أعتق الأب بعد ولادته انجر الولاء من
مولى الأم إلى مولاه.
ولو أعتق ولد المعتقة - من مملوك - عبدا، فاشترى أب المنعم وأعتقه،
فكل من الولد والعبد مولى لصاحبه، ولو اشترت أباها فأعتق الأب عبده، ثم مات
العبد بعد الأب ورثته بالولاء، ولو اشترت بنتا المعتقة أباهما ثم مات فميراثه لهما
بالتسمية والرد، إذ لا يجامع الميراث بالولاء النسب، فإن ماتتا فالأقوى أن مولى
أمهما يرثهما، لعدم انجرار الولاء إليهما، إذ لا يجتمع استحقاق الولاء بالنسب
والعتق ولو أعتق الأب وأحد ولديه مملوكهما، ثم مات العبد بعد الأب،
فللشريك ثلاثة الأرباع وللآخر الربع، ولو اعترف المعتق بولده من المعتقة بعد
لعانه لم يرثه الأب ولا المنعم عليه، بل مولى أمه، وأب المعتق أولى من معتق
الأب، ومعتق معتق المعتق أولى من معتق أب المعتق.
392

المقصد الثاني: في التدبير:
وفيه مطلبان:
الأول: في أركانه:
وهي اثنان:
اللفظ: وصريحه: أنت حر بعد وفاتي، أو عتيق، أو معتق، أو إذا مت فأنت
حر، أو معتق.
ولا يقع بالكناية، مثل: أنت مدبر أو دبرتك، والمقيد كالمطلق، مثل: إذا
مت في مرضي هذا أو في سفري أو في سنة كذا أو إن قتلت فأنت حر، والوجه
وقوعه لو دبره بعد وفاة غيره، كزوج المملوكة ومن جعل له الخدمة، ولو قال
الشريكان: إذا متنا فأنت حر لم يعتق شئ بموت أحدهما حتى يموت الآخر،
وليس للوارث بيعه قبل موت الشريك. ويشترط تجريده عن الشرط، فيبطل لو قال: إن قدم المسافر فأنت حر بعد
وفاتي، أو إذا أهل شوال، أو قال: بعد وفاتي بيوم، أو إن أديت إلي أو إلى ولدي
كذا فأنت حر بعد وفاتي.
الثاني: المباشر، ويشترط: بلوغه وعقله وقصده واختياره وجواز تصرفه.
فلا يصح تدبير الصبي وإن بلغ عشرا على رأي، ولا تدبير المجنون، ولا السكران، ولا
الساهي، والغالط، والمكره.
والأقرب عدم اشتراط نية القربة، فيقع من الكافر وإن كان حربيا، ولو أسلم
مدبره بيع عليه، فإن مات مولاه قبل البيع عتق من ثلثه، فإن عجز بيع الباقي
على الوارث الكافر واستقر ملك المسلم، ولو دبر نصيبه من عبد مشترك لم يسر
إلى الباقي، ولا يبطل لو ارتد بعد تدبيره، وعتق من ثلثه بعد موته، وإن كان عن
فطرة على إشكال، ولا يصح تدبير المرتد عن فطرة، ويصح لاعنها، ومن
الأخرس بالإشارة المعقولة.
393

المطلب الثاني: في أحكامه:
التدبير وصية يصح الرجوع فيه وفي بعضه متى شاء المدبر، ولو قال: إذا
مت في مرضي فأنت حر فهو رجوع عن المطلق، ويبطل بإزالة ملكه، كالهبة
والبيع - على رأي - والعتق والوقف والوصية، وليس الإنكار رجوعا - وإن
حلف المولى - ولا الاستيلاد، فإن قصر الثلث عتق الباقي من نصيب ولدها، وإذا
مات المولى عتق من الثلث، فإن قصر عتق ما يحتمله، ولو لم يكن سواه عتق ثلثه،
ولو دبر جماعة دفعة عتقوا إن خرجوا من الثلث، وإلا عتق ما يحتمله الثلث
بالقرعة، ولو رتب بدئ بالأول فالأول، فإن اشتبه أقرع، ولو استوعب الدين
التركة بطل، ولو فضل شئ عتق من المدبر بنسبة ثلث الباقي، ولو كان له مال
غائب فالوجه تنجيز عتق ثلثه قبل تسلط الوارث على مثليه.
ثم كلما حصل شئ عتق بنسبته، ولو حملت بعد التدبير من مملوك بعقد
أو شبهة أو زنا سرى التدبير إلى الأولاد، وله الرجوع في تدبيرهم كالأم، وليس
الرجوع عن أحدهما رجوعا عن الآخر، وولد المدبر المملوك مدبر، ولو دبر
الحامل لم يسر وإن علم بالحمل، ولو ولدت لأقل من ستة أشهر من حين
الرجوع في تدبيرها فهو مدبر، ولو كان لستة أشهر فلا، ولو ادعت الحمل بعد
التدبير فالقول قول المولى مع يمينه، ولو دبر الحمل صح ولم يسر إلى الأم، فإن
جاء لدون ستة أشهر حكم بتدبيره، وإلا فلا، وإباق المدبر إبطال لتدبيره، وأولاده
بعده رق وقبله مدبرون، ولا يبطل لو أبق مدة الخدمة المجعولة للغير إذا حرره
بعد موت الغير، ولا بارتداد العبد.
وكسب المدبر قبل الموت لمولاه، فلو ادعى الوارث تكسبه في الحياة قدم
قول المدبر مع اليمين، فإن أقاما بينه حكم للوارث، وأرش ما يجنى عليه للمولى،
ولو قتل قوم لمولاه مدبرا وبطل التدبير، ولو جنى بيع فيها، فإن فداه مولاه لم
يبطل التدبير، ولو لم تستوعب الجناية قيمته بيع ما يحتمله وبقى الباقي مدبرا، ولو
مات المولى قبل فكه عتق وعليه أرش الجناية لا المولى، ولو اكتسب بعد المولى
394

فالجميع له إن خرج من الثلث، وإلا بقدر ما يتحرر منه والباقي للورثة، ولو دبر
المكاتب فأدى مال الكتابة عتق، وإلا بالتدبير إن خرج من الثلث، وإلا ما يحتمله
الثلث وسقط من مال الكتابة بنسبته وكان الباقي مكاتبا، ولو كاتب المدبر بطل
التدبير، بخلاف ما لو قاطعه على مال ليعجل عتقه.
المقصد الثالث: في الكتابة:
وفيه مطلبان:
الأول: في الأركان:
وهي أربعة:
الأول: الصيغة: فالإيجاب: كاتبتك على كذا تؤديه وقت كذا، والقبول كل
لفظ يدل على الرضا، ولا يفتقر إلى قوله في الإيجاب: فإذا أديت فأنت حر، مع
قصده على رأي، فإن اقتصر على ذكر العوض والأجل والعقد والنية فهي مطلقة،
وإن قال: فإن عجزت فأنت رد في الرق فهي مشروطة.
فالمطلقة يتحرر منه بإزاء ما يؤدي من العوض، ولا يتحرر في المشروطة منه
شئ إلا بأداء الجميع، فإن عجز - وحده: تأخير النجم عن محله على رأي، أو
يعلم من حاله العجز - كان للمولى فسخها، ولا يرد عليه ما أخذه، ويستحب
للمولى الصبر، وهي بنوعيها لازمة، وتبطل بالتقايل لا بموت المولى.
والكتابة مستحبة مع الأمانة والتكسب، وتتأكد مع سؤال العبد، وليست
عتقا ولا بيعا، ولو باعه نفسه بثمن حال أو مؤجل لم يصح، وتفتقر إلى الأجل
على رأي، ولا يتعلق بالفاسدة حكم، ويلزم ما يشترطه السيد في العقد من
المباح، ولو قال: أنت حر على ألف وقبل لزمه الألف حالا.
الثاني: السيد: وشرطه: البلوغ، والعقل، والاختيار، والقصد، والملك،
وجواز التصرف.
395

فلا تنفذ كتابة الصبي، والمجنون، والمكره، والساهي، والسكران، وغير
المالك، والمحجور عليه لفلس أو سفه.
ولو كاتب ولي الطفل صح مع الغبطة، ولو كاتب الكافر صح إلا أن
يسلم العبد أولا، ولو أسلم بعدها ففي الانقطاع إشكال، ولو كاتب الحربي صح،
فإن قهره السيد عاد ملكه قبل العتق وبعده، ويصح كتابة المرتد لا عن فطرة
للكافر لا للمسلم، ولو كان عوض الكافرين خمرا وتقابضا برئ المملوك، ولو
أسلما قبله فعليه القيمة.
الثالث: العبد: وشرطه: التكليف، والإسلام على رأي، ويجوز أن يكاتب
بعضه، سواء كان الباقي ملكه أو ملك غيره أو حرا، ولو كاتب بغير إذن شريكه
صح، ولا يجب التقويم، ولو كاتباه على مال واحد صح وبسطت النجوم على
قدر ماليهما، ولو شرطا تفاوتا في القسمة صح، ولو عجز فأراد أحدهما الإبقاء
والآخر الفسخ صح، وكذا لو عجزه أحد الوارثين وأقره الآخر، وليس له الدفع
إلى أحدهما بدون إذن الآخر، فإن دفع كان لهما.
الرابع: العوض: وشروطه أربعة: أن يكون دينا منجما على رأي بأجل معلوم
وإن كان واحدا، ويضبط وقت الأداء بما لا يحتمل الشركة، فلو كاتبه على
أن يؤدي في سنة كذا - بمعنى أنها ظرف الأداء - بطلت، ولو كاتبه على أن يؤدي
مائة في عشر سنين افتقر إلى تعيين محل كل نجم.
وأن يكون معلوما بأوصاف رفع الجهالة في قدره وعينه، فيصف النقد
بوصف النسيئة، والعرض بوصف السلم.
وأن يكون العوض مما يصح تملكه للمولى، ويكره مجاوزة القيمة، ويصح
على المنفعة، فإن مرض مدة الخدمة بطلت، ولا يشترط اتصال الأجل بالعقد، ولو
حبسه لزمه أجرة تلك المدة، ولو ضمها مع بيع وإجارة صح.
396

وقسط العوض على ثمن المثل وأجرته، ولو كاتب اثنين قسط العوض على
قدر قيمتهما وقت العقد، وينعتق أحدهما بأداء ما يخصه وإن عجز الآخر، ولو
دفع قبل الأجل لم يجب القبول.
المطلب الثاني: في الأحكام:
إذا عجز المشروط كان لمولاه رده في الرق والصبر، وإن عجز المطلق
وجب على الإمام فكه من سهم الرقاب، وإن مات المشروط قبل أداء الجميع
بطلت وورثه المولى واسترق أولاده، وإن مات المطلق تحرر منه بقدر ما أدى
وكان الباقي رقا لمولاه، ويقسم ميراثه بين المولى وورثته على النسبة، ويؤدي
الوارث من نصيب الحرية ما تخلف من مال الكتابة وينعتق، وإن لم يكن مال
سعى في الباقي وعتق بالأداء، ولو أوصى للمطلق صح له بقدر ما تحرر، ويحد
من حد الأحرار بنسبة الحرية وحد المماليك بنسبة الرقية، فإن زنى بها المولى
سقط نصيبه وحد بالباقي.
ولا يدخل الحمل الموجود في كتابة الأم، فإن تجدد مملوكا دخل، ويعتق
منه بحساب ما أدت، ولو حملت من مولاها وبقى عليها مال عتقت من نصيب
ولدها، فإن لم يكن ولد سعت في مال الكتابة للورثة.
ولا يتصرف فيما ينافي الاكتساب - كالهبة والمحاباة والقرض والقراض
والرهن والعتق - إلا بالإذن، وله البيع بالحال لا المؤجل إلا بزيادة فيعجل بثمن
المثل، والشراء بالمثل وبالدين، وينقطع تصرف المولى عنه إلا بالاستيفاء، فلا
يطأ بالملك ولا العقد، فإن وطأ للشبهة فعليه مهرها، ولو وطأ أمة المكاتب
فكذلك، وكلما يكتسبه المكاتب فهو له، فإن فسخ صار للمولى، ولا تتزوج
المكاتبة ولا المكاتب، ولا يطأ المكاتب أمته إلا باذنه وإن كانت مطلقة، ويكفر
بالصوم، ولو أذن مولاه في غيره فالوجه الجواز.
ولو ظهر العوض معيبا ورده المولى بطل العتق، ولا يمنع المتجدد مع
397

الأرش الرد بالقديم، ولو قصر ما في يده عن الدين والنجوم قسط بالنسبة في
المطلق، ودفع في الدين في المشروط، فإن مات المشروط بطلت وقسم ما ترك
للديان بالحصص، ولا يضمن المولى الباقي، ولو أبرأه الوارث من نصيبه عتق
نصيبه ولا يقوم عليه.
وتجب الإعانة إن وجبت الزكاة منها، وإلا استحبت العطية، ولا يجبر
الممتنع عن المهاياة لو تحرر بعضه والكسب بالنسبة، ولو اشتبه المؤدي من
المكاتبين صبر للتذكر، فإن مات المولى أقرع، ولو ادعيا علمه حلف وأقرع، ولو
اختلفا في المال والمدة والنجوم فالقول قول منكر زيادة المال والمدة، ويجوز بيع
مال الكتابة، فإن أداه عتق، وإلا استرق إن كان مشروطا، وبيع المشروط بعد
العجز والفسخ، ولو ورثت زوجها المكاتب بطل النكاح، ويصح أن يقبل
الوصية له بابنه مع عدم الضرر، فإن أدى عتقا، وإلا استرقا، وليس له أن يقبله مع
الضرر، ولا يشتريه مطلقا إلا بالإذن.
وللمكاتب فك الجاني بالأرش مع الغبطة، ويقتص المولى منه لو جني عليه
في العمد، أو على مكاتبه الآخر مع التساوي في قدر الحرية، ولا تبطل الكتابة إلا
مع قتله، وفي الخطأ يفدي نفسه ويبدأ بالأرش، فإن فضل وإلا بطلت الكتابة، ولو
عجز عنهما ففسخ المولى بطلت الكتابة والاستحقاق، ولو جنى على أجنبي فقتل
بطلت، وله أن يفدي نفسه بالأرش، فإن عجز بيع في الجناية، وإن فداه السيد
فالكتابة بحالها، ولو ملك أباه فقتل عبده لم يكن له أن يقتص، وله أن يقتص لو
جنى بعض عبيده على بعض، ولو قتل المكاتب فهو كالموت ولو جنى عليه
مولاه عمدا لم يقتص ولا في الطرف وله الأرش، وكذا الحر، أما العبد أو
المساوي فله القصاص، وليس له أن يقتص من عبد مولاه لو جنى عليه إلا بإذن
المولى، ولو كان خطأ لم يكن للمولى منعه من الأرش، ولو أبرأ توقف على الإذن،
ويقتص الحر من المطلق المعتق بعضه ولمساويه، لا للقن به والأقل حرية،
ويؤخذ من نصيب الحرية بنسبته من الأرش، ويتعلق برقبته منه بقدر الرقية، وفي
398

الخطأ يؤخذ من العاقلة بقدر الحرية ومن رقبته بقدر الرقية، فإن فدى المولى
نصيب الرقية بقي مكاتبا، ويقتص له من العبد لا الحر والأزيد حرية.
أحكام في الوصية:
لو قال: ضعوا أكثر ما عليه فهو وصية بأزيد من النصف، ولو قال: ومثله
فهو وصية بالجميع وبطلت في الزائد، ولو قال: ما شاء، فإن أبقى شيئا وإن قل
صح، وإلا فلا على رأي، ولو قال: ضعوا أوسط نجومه - وفيها وسط قدرا أو
عددا - تعين. ولو اجتمعا أقرع، ولو فقدا جمع بين نجمين، فيؤخذ الثاني والثالث
من الأربعة، ولو أوصى برقبته لم يصح، ولو قال: فإن عجز وفسخت كتابته فقد
أوصيت لك به صح، ولو أوصى بما عليه صح، ويصح لو جمعهما، وبالعكس
لو كانت فاسدة، ولو أوصى بما يقبض منه صح، ولو أوصى بعتقه ولا شئ غيره
عتق ثلثه معجلا، فإن أدى ثلثي المال عتق، ولو أوصى بالنجوم صح من الثلث،
وللوارث تعجيزه وإن أنظره الموصى له، ولو أوصى برقبته عند العجز فللموصى له
تعجيزه وإن أنظره الوارث.
المقصد الرابع: في الاستيلاد:
كل من استولد جارية في ملكه فاتت بولد ظهر عليه خلقة آدمي - إما حيا أو
ميتا، سواء كان علقة أو مضغة، أو لحما أو عظما، قال الشيخ: وكذا النطفة، وفيه
نظر - فهي أم ولده.
وفائدة غير الحي العدة وإبطال سابق التصرفات، ولو أولد أمة غيره مملوكا
ثم ملكها لم تصر أم ولد، وكذا لو أولدها حرا على رأي، ولو وطأ المرهونة
فحملت فهي أم ولد، ولا تتحرر أم الولد بالاستيلاد وإن كان الولد حيا، ولا بموت
المولى، بل من نصيب ولدها بعد موت مولاها، فإن قصر سعت، نعم لا يجوز
للمولى بيعها ما دام ولدها حيا، فإن مات صارت طلقا يجوز بيعها وغيره، إلا في
399

ثمن رقبتها فتباع فيه إذا لم يكن سواها وإن كان المولى حيا، ولو أسلمت أم ولد
الذمي بيعت عليه على رأي، ووضعت على يد امرأة ثقة على رأي، ولو جنت دفعها
المولى إن شاء وفكها بالأقل من الأرش والقيمة على رأي، ولو جنى عليها فالأرش
للمولى، ومن غصبها ضمنها.
400

تلخيص المرام
في معرفة الأحكام
للشيخ جمال الدين أبي منصور الحسن بن سديد الدين
يوسف بن زين الدين علي بن محمد مطهر الحلي المشتهر بالعلامة الحلي
والعلامة على الإطلاق
647 - 726 ه‍. ق
402

كتاب العتق وتوابعه
وفيه فصول:
الأول:
العتق فيه فضل كثير، وعبارته " أنت حر "، وفي الإعتاق إشكال، ولو قال:
يا حر، فلا عتق، وكذا أنت حر للمسمى إذا نوى اللقب أو أشبه أو أشار مع القدرة
أو كنى أو قال: يدك حر أو وجهك، بخلاف جسدك وبدنك، ولا يصح
معلقا بالشرط والصفة، قيل: ولا يشترط التعيين فلو أعتق أحدهم ثم عين صح،
وإن رجع لم يقبل، ولو مات أقرع، ولو عين واشتبه توقع الذكر ولا يقبل
الرجوع، ولو ادعى أحدهم قصده فالقول قول المالك أو الوارث ولو مات
أقرع، ولو ادعى الوارث العلم قبل.
ويشترط البلوغ وكمال العقل والاختيار والقصد وعدم الحجر إلا في اثنى
عشر سنة على رواية، والتقرب فيبطل عتق الكافر، وإسلام المعتق على رأي،
وبإجماع في النذر وشبهه، وانتفاء القتل، والملك فيبطل، ولو أجاز المالك.
ويصح عتق ولد الزنى على رأي، ولو علق العتق بالملك بطل إلا بالنذر، ولو
جعله يمينا لم يقع، ولو قوم عبد ولده الصغير عليه صح عتقه، ولو فقد أحد
الوصفين بطل، ولو شرط عليه حالة العتق شرطا وجب الوفاء، قيل: ولو اشترط
العود مع المخالفة عاد معها، ولو شرط خدمته مدة صح، فإن أبق فيها عتق،
404

والوجه مطالبة الورثة بالأجرة.
ويستحب عتق من ملك سبع سنين، وعتق المؤمن، ويكره المخالف
والعاجز، وتستحب إعانته، ولو دبر لم يجزئ عن عتق واجب، ولو نذر عتق أول
مملوك يملكه فملك جماعة، قيل: لا عتق، وقيل: يقرع أو يعتق من شاء، ولو
نذر عتق أول ما تلده فولدت اثنين عتقا، والفرق إضافة " أفعل " إلى النكرة
الشخصية والموصول الجائز بتعدده.
ولو أجاب ب‍ " نعم " عن سؤال عتق مماليكه مع عتق بعضهم انصرف إليه،
ولو علق نذر العتق بالوطئ صح، فإن باعها انحل ولا ينعقد بعودها، ولو نذر كل
عبد قديم انصرف إلى من مضى عليه في ملكه ستة أشهر فصاعدا، ولو عتق ثلث
عبيده استخرج بالقرعة، ويعتبر بالقيمة لا العدد، ولو أعتق ذا مال فالمال للمولى
على رأي، ولو أعتق عن غيره باذنه صح وانتقل إليه عند الأمر.
والولاء للمعتق إن تبرع عنه في غير واجب، ولو كان في واجب فلا ولاء،
ولو أمره في تطوع فللآمر.
ولو أوصى بعتق من يخرج من الثلث لزم الوارث الإعتاق، ولو امتنع أعتقه
الحاكم، وما اكتسبه بعد الموت، قبل العتق للوارث على رأي، ولو أعتق في
المرض ثلاثة هي تركته أقرع وإن مات أحدهم، فإن خرج مات حرا وإلا رقا،
ولا يحتسب من التركة إلا أن يموت بعد قبض الوارث له والموت، ولو كن إماء
وخرجت الحامل متجددة الحمل بعد الإعتاق فهو حر إجماعا، وقبله على
الخلاف، ويسري لو أعتق بعض عبده، فإن تعدد المالك قوم على المعتق مع
التمكن، وحده ملك القيمة فاضلا عن قوت يومه وليلته، قيل: وينعتق بعد
الدفع، كانا مسلمين أو أحدهما أو مشركين، فإن هرب أو أعسر أنظر حتى يعود
أو أوسر وسعى العبد مع عدمه على رأي، ومع امتناع العبد تجوز المهاياة
ويتناول المعتاد وغيره.
ولو تعدد المعتق قوم عليهما بالسوية مع الاقتران وإن اختلفا في الحصص،
405

ولو عجز أحدهما قوم على الآخر، والتقويم وقت العتق وبالأداء ينعتق، فلو اختلفا
في القيمة فالقول قول الشريك، ولو ادعى كل من الشريكين على الآخر العتق
تحالفا واستقرت الرقية، ولو أعتق الشريك قبل الأداء فالأولى الصحة، أما لو باع
فلا، ولو مات العبد فالوجه عدم وجوب الدفع، ولو ادعى أحدهما العتق فالقول
قول المنكر ويبقى كله رقا، ولو قيل ينعتق بالإعتاق فالضد ثابت في الجميع على
إشكال، ولو ادعى المعتق أو الشريك عيبا أو منفعة فالقول قول النافي.
ولو ورث بعض من ينعتق عليه لم يقوم على رأي، وكذا لو ملكه اختيارا
موسرا، ولو أوصى بعتق بعض عبده لم يقوم على الوارث ولا عليه لو أعتقه
ولا شئ غيره، وتعتبر قيمة الموصى به عند الوفاة، والمنجز عند الإعتاق، والتركة
بأقل الأمرين من حين الوفاة إلى حين القبض. قيل: وعتق الحامل عتق للولد
دون العكس، ويصح إقراره بالعتق، ولو شهد وارث بالعتق مضى في نصيبه ولا
يكلف التقويم، فإن كانا مرضيين قبلت.
وملك الأبوين وإن علوا والأولاد وإن نزلوا، وملك الرجل إحدى
المحرمات عليه نسبا ورضاعا، وعمى المملوك وجذامه وإقعاده، وإسلامه في دار
الحرب قبل مولاه وتنكيل مولاه به، ودفع قيمة الوارث، أسباب للعتق.
ولو أوصى للمولى عليه بمن ينعتق ولا ضرر جاز القبول للولي وإلا فلا، ولو
أوصى ببعضه مع يساره قيل: لا يقبل.
الثاني:
أم الولد هي الأمة الموطوءة بالملك مع العلوق سواء ولدته تاما أو غير تام،
ولو أولد أمة غيره حرا ثم ملكها قيل: تصير أم ولد، أما عبدا فلا، ولا إذا ملكهما،
ولا يبطل الرهن هذا الوصف تقدم أو تأخر، ولا يبطل هذا الوصف الملكية،
فتستخدم وتؤجر وتعتق في الكفارة، وتوطأ بملك اليمين وتجبر على النكاح،
ولا يجوز وقفها ولا هبتها ما دام الولد حيا.
406

ولو مات السيد ولا تركة سواها وعليه دين غير ثمنها، قومت على الكبير
وانتظر الصغير ويجبر بعد بلوغه على أدائه وعتقت، فإن مات قبل البلوغ بيعت
فيه، وتتحرر بموت المولى من نصيب ولدها، ويحرم على المولى بيعها ما دام الولد
حيا إلا في ثمن رقبتها مع العجز أو تسلم تحت الذمي، ولو مات الولد جاز البيع
مطلقا.
ولو تكثرت الورثة ولا تركة سواها عتق النصيب وسعت في الباقي، ولو
أوصى لها بشئ عتقت من الوصية على رأي، فإن فضل أخذت وإن أعوز عتقت
من النصيب، ولو جنت خطأ تعلقت برقبتها وللمولى الفك بأرش الجناية على
رأي وله الدفع، ولو جنى عليها في طرف أو نفس فللسيد القيمة أو الأرش.
ولو أسلمت الذمية الأمة فأولدها ثم عتقت بعد موته ثم ارتدت وأولدت من
الذمي قيل: رجع أولادها من الذمي رقا للولد ويفعل معها ما يفعل بالمرتدة، ولو
أسلمت أم ولد الكافر حيل بينهما ولم تبع وأنفق عليها عند مسلم، وقيل: تباع.
الثالث:
التدبير هو العتق بعد موت المالك وغيره على رأي، وهو مطلق كقوله: إذا
مت فأنت حر، ومقيد كقوله: إذا مت في وقت كذا أو في حالة كذا، ولا ينعقد
بقوله: أنت مدبر. ويفتقر إلى النية والقربة على رأي والتجريد من الشرط والصفة،
ولو دبر الشريكان صح، ولو مات أحدهما لم يقوم على الآخر، وكذا لو أعتق
على رأي، ولو دبر أحدهما ثم أعتق قوم عليه، ولو أعتق الآخر قيل: لم يجب
التقويم.
وهو كالوصية يمضي في الثلث، ولو لم يكن سواه عتق ثلثه وله الرجوع في
الجميع والبعض والوطء، ولا يبطل بالحمل، وينعتق بوفاته من الثلث فإن عجز
عتق من نصيب الولد.
والحمل المتجدد عن عقد أو شبهة أو زنا مدبر، وكذا ولد المدبر، وحده
407

ما قصر عن أقل الحمل، ولو ولدت أحدهما متجددا وتأخر الآخر وليس بينهما ستة
أشهر فهما حمل واحد وهما مدبران، وللمولى الرجوع في تدبيره على رأي، ولو
ادعت تجدده فالقول قول المالك أو الوارث، ولا يتبع الحمل الأم ولا العكس.
وإخراج المدبر عن الملك والإباق والوصية إبطال بخلاف إنكار التدبير
وإن حلف، وارتدادهما إلا أن يلتحق المملوك بدار الحرب، وإباق الأب المدبر
والمقاطعة على مال لتعجيل العتق وفي الكتابة نظر، وقيل: البيع ليس بإبطال،
فيتناول الخدمة ولو عاد إليه عاد التدبير، ولو مات انعتق، ولو دبر جماعة عتقوا من
الثلث ومع العجز يبدأ بالمبدوء به إلى أن يستوفي ولو جهل أقرع.
والدين المستوعب يبطله وإن تجدد على رأي، ولو دبر بعض عبده لم
ينعتق الباقي ولم يقوم عليه، ولو دبر أحد عبيده صح، ولو مات قبل التعيين
أقرع، والمدبر في حياة مولاه رق كسبه للمولى والقول قوله بعد الموت في تجدد
الاكتساب لا قول الوارث.
ولا يصح تدبير غير المكلف الجائز التصرف، وفي الكافر البالغ عشرا
خلاف، فلو دبر من أسلم بعد التدبير بيع عليه، ولو مات تحرر ما يحتمله الثلث
والباقي للوارث المسلم، ولو ارتد لا عن فطرة ودبر صح، بخلاف الارتداد عن
فطرة، ويصح تدبير الأخرس ورجوعه بالإشارة.
ولو جنى المدبر تعلق برقبته وللسيد الافتكاك والتدبير باق والبيع، ولو
باع ما يساوي الجناية فالباقي مدبر، ولو مات المولى قبل الافتكاك انعتق ولا
أرش في التركة على رأي، ولو جني عليه فالأرش للمولى، ولو قتل فكذلك يقوم
مدبرا.
ولو جعل للغير الخدمة ثم تقوم فأبق لم يبطل، ولو اكتسب بعد الوفاة، فإن
خرج العبد من الثلث فالمال له وإلا فله بقدر ما عتق، ولو كان المال غائبا عتق
ثلثه وكل ما وصل عتق بحسابه.
ولو دبر الحمل صح، ولو كاتب ثم دبر صح، فإن أدى الكتابة انعتق،
408

ولا عتق بعد موت المولى من الثلث وسقط من الكتابة بنسبته والباقي مكاتب.
الرابع:
تستحب الكتابة مع الأمانة والاكتساب خصوصا مع سؤال المملوك،
وليست عتقا ولا بيعا، وهي لازمة من الطرفين مطلقا على رأي، والفاسدة لاغية.
وتفتقر إلى الإيجاب والقبول والنية والأجل المعين على رأي، تكثر أو اتحد،
وتعيين وقت الأداء والعوض، لا الاتصال وإن كان خدمة، وقيل: يفتقر إلى نية
قوله: فإذا أديت فأنت حر.
وهي مطلقة، ومشروطة بالعود في الرق مع العجز وتلزم ولا يعيد ما أخذ،
وحده التأخير عن النجم، أو علم العجز وقيل: إلى الآخر، ويفسخ مع حضور
العبد إن لم يكن حاكم، ويفتقر في الغائب إليه ليستحلفه مع البينة.
ولو جن المكاتب فأثبت الحاكم الكتابة والعجز واستحلف وفسخ جاز،
وينفق السيد فإن ظهر له مال دفع إلى السيد وعتق ويرجع السيد بالنفقة، ولو
أفاق فأقام بينة بالدفع عتق ولا رجوع في النفقة، ولو أبرأه من مال الكتابة عتق،
ولو كان من البعض لم ينعتق بأدائه، ولا يبطل بموت المالك ويطالب الوارث
وينعتق بالأداء، ولو وهب أحدهما انعتق نصيبه ولم يقوم عليه، وكذا لو أعتق.
ولا يصح إلا من المكلف المتمكن شرعا، ولا من المرتد، والأقرب في الكافر
والولي الصحة، ولو أسلما والعوض خمر وشبهها فالقيمة مع عدم القبض ولو
أسلم بعد الكتابة قيل: لا يباع عليه.
ويشترط في المكاتب التكليف والإسلام، ولو كان العوض خدمة شهر
ودينارا بعده لم يلزم تأخيره عنه، ولو مرض فيه العبد بطلت، وفي العوض العلم
وأن يكون دينا وصحة تملكه للمولى.
ويكره التجاوز ويجوز على المنفعة، ويلزم ما يشترط من المباح، ولو حبسه
بعد المكاتبة لزمته الأجرة، ويقسط العوض على ثمن المثل وثمنه لو جمع بينها
409

وبين البيع، ولو باع نفسه حالا أو مؤجلا فالأولى عندي الصحة، فلو ادعاه السيد
فالقول قول العبد فإذا حلف سقط الثمن وانعتق.
ولو كاتبه الاثنان لم يؤد إلى أحدهما دون الآخر إلا باذنه وبدونه لا
اختصاص، فلو صدقه أحدهما في الأداء إليهما لم تقبل شهادته على المنكر، فإذا
حلف رجع بالنصف على العبد أو عليهما ولا يرجع أحدهما على الآخر، ولو
أتاهما بالعوض فتشاحا في التقديم فأذن أحدهما ليقبض الباقي فتلف قبل قبضه
رجع على القابض بالحصة من المقبوض، ولو كاتب اثنين قسط العوض على
ثمنهما وقت العقد، ولو عجز أحدهما استرق، وللإمام أن يفك من سهم الرقاب
المطلق العاجز.
ولو مات المشروط بطلت، وأولاده رق والمطلق يتحرر منه ما أدى ويورث
بقدر الحرية والباقي للمولى، ويؤدي الوارث ما يخلف من نصيب الحرية ومع
عدم المال يسعى الأولاد في باقي أبيهم وينعتقون مع الأداء، ويصح له مما يوصي
له بحسب الحرية، وكذا في الحد والميراث والفطرة.
ولا يتصرف المكاتب في ماله ببيع محاباة وهبة وعتق ووطء وغيره بدون
إذن المولى، ولو زوجه بنته ومات فملكته أو بعضه بطل النكاح، ولا يتصرف
المولى في ماله إلا بالاستيفاء.
ولا يطأ، ويحدان بحسب الحرية مع المطاوعة ولا يحد في المشروطة وعليه
المهر وإن كانت عالمة ويعزران معه، ولا أمة المكاتب ولو وطئها بشبهة فعليه
المهر وصارت أم ولد فتقوم عليه، ولو تكرر وطؤه قبل الأداء فلا تعدد، ويتعدد
بعده، ولو وطئ بنت المكاتبة فلا مهر ولا تصير أم ولد.
وكسب المكاتب قبل الأداء وبعده له، ولا يتصرف المكاتب بما ينافي
الاكتساب ولا يشتري أباه ولا يقبله وصية بدون الإذن، ومعه ينعتق مع عتقه
ويسترق مع عجزه، ولو قتل سيده اقتص الوارث ويكون كالموت، ولو جرحه
اقتص المولى ولا بطلان، وإن كان خطأ فك نفسه بالأرش فإن أدى الحقين عتق
410

وإلا بدأ بالأرش، فإن عجز عن الآخر استرق، وإن لم يكن له مال أصلا فاسترقه
مولاه فلا أرش، وإلا فله الأرش.
ولو قتل أجنبيا واقتص فهو كالموت، وإن كان خطأ فله فك نفسه، ولو
فقد المال فللأجنبي البيع إلا أن يفديه السيد فتبقى الكتابة، وكذا لو جنى على
جماعة، وللمكاتب أن يقتص لبعض عبيده من بعض، وافتكاك عبده الجاني إن
كانت دون القيمة وإلا فلا، والبيع للمولى وغيره، والشراء بالحال والمؤجل مع
الزيادة والاستسلاف، لا الرهن والقراض، ولو كان أحد عبيده القاتلين أباه لم
يقتص.
وعلى المولى والأجنبي الحر أرش ما يجنيه على المكاتب عمدا أو خطأ وعلى
المملوك القصاص، والأرش في كل موضع للمكاتب، ولا يقتص من عبد المولى
لو جنى عليه بغير إذن وله الأرش عليه في الخطأ وإن كره السيد، ولو أبرأ توقف
على الإذن، ولو جنى من انعتق بعضه على قن فلا قصاص ويتعلق برقبته ما فيه من
الرق ويلزم به بالحرية، ويثبت لو جنى على حر أو مساو أو أزيد، وفي الخطأ
يتعلق بالعاقلة قدر الحرية وبرقبته قدر الرقية، وللسيد فكها بنسبتها من الأرش.
ولا يدخل الحمل في كتابة أمه إلا أن تحمل بعد المكاتبة من قن، فينعتق
بعتقها، فإن قتل فعلى القاتل القيمة لأمه، وإن اكتسب فهو موقوف وللأم الاستعانة
به مع الإشراف على العجز، ولو مات فهو لأمه، ونفقته منه فإن قصر تممه السيد،
قيل: ولو أعتقه سيده مع وجود الكسب لم ينعتق.
ولو ادعت تأخر الحمل عن الكتابة فالقول قول السيد لأصالة عدم الحمل،
ولو حملت من مولاها ومات ولم توف، تحرر الباقي من نصيب ولدها، وتسعي
مع عدم الولد في الباقي، ولو انعتق نصفه فطلب المهاياة لم يجب على رأي، بل
الكسب بينهما، قيل: ولا تجب الإعانة من الزكاة الواجبة.
وتستحب العطية ولا حد لها، وفطرة المشروط على المولى، ويكفر المطلق
بالصوم، ولو أعتق أو أطعم مع الإذن قيل: لا يجزئه، ويجوز بيع مال الكتابة
411

والمشروط مع العجز والفسخ لا المطلق.
ولو اشتبه من أدى من أحد المكاتبين أخر إلى موت المولى فيقرع والقول
قوله مع يمينه لو ادعيا علمه، ولو اختلفا في المدة أو النجوم أو المال فالقول قول
منكر زيادة المال والمدة، ولو بان العوض معيبا بعد العتق فللمولى الفسخ
والاسترقاق، ولو تجدد به آخر لم يمنع من الرد مع أرش الحادث.
ويجوز أن يكاتب بعض عبده سواء كان الباقي رقا له أو حرا، ولو كان رقا
لغيره وإذن صحت وإلا بطلت لتضرر الشريك، ويتحاص الديان والمولى مع
عجز المطلق، ويقدم الدين في المشروط، ولو مات لم يضمنه المولى، ولو كان له
على مولاه مال مساو تساقطا ويرجع صاحب الفضل، ومع الاختلاف يفتقر إلى
المراضاة وهذا حكم مطلق، ولا يقبل قول المولى: إن هذا المال حرام، إلا بالبينة،
فإن حلف المكاتب أجبر السيد على القبض أو الإبراء.
وتجوز الوصية بمال الكتابة لا به إلا مع إسقاط القود، ولو جمعهما لواحد أو
لاثنين جاز، ولو كانت فاسدة صحت به وبما يقبضه لا بما في ذمته، ولو قال:
ضعوا أكثر ما عليه، فهو وصية بالزائد على النصف، ويختار الورثة فيه، ولو قال:
ونصفه، فهو بالزائد على ثلاثة أرباع، ولو قال: ومثله، فهو بالجميع وبطلت في
الزائد، ولو قال: ما شاء، وأراد الجميع قيل: لا يصح بخلاف البعض، ولو قال:
ضعوا من مكاتبته ما شاء، فأراد الجميع لم يصح قولا واحدا، ولو قال: ضعوا
أوسط نجومه، صح وينصرف إلى الأوسط عددا أو قدرا، ولو اجتمعا أقرع على
رأي، وإن لم يكن أوسط جمع بين نجمين فيؤخذ الثاني والثالث من الأربعة، ولو
أوصى بعتقه ولا مال ولم يحل مال الكتابة عتق ثلثه ويبقى الباقي مكاتبا، ولو
كاتب المريض اعتبر من الثلث على رأي.
ولو أوصى بالكتابة ولم يقدر انصرف إلى العادة، ولو قدر عمل به من الثلث
فيهما، ولا يحتسب مال الكتابة من التركة، ولو أوصى بكتابة أحد عبيده فالأولى
القرعة، ولا يجزئ الأنثى ولا الخنثى إلا إذا حكم بذكوريته، وبالعكس في الإماء.
412

ولو صدق أحد الوارثين دعوى الكتابة مضى في نصيبه وافتقر إلى عدلين
على المنكر أو حلفه، وكسبه قبل الكتابة لسيده وبعدها بينه وبين المنكر، ونفقته
عليه وعلى المنكر، ولو فسخ المقر للعجز كان ما في يده له لأن المنكر استوفى
أولا فأولا، ولو ادعى المنكر أن الكسب قبل الكتابة ليكون من التركة فالقول قول
المقر، ولا يقوم عليه لو انعتق، وقيل: الولاء المشروط كله للمقر.
413

الدروس الشرعية
للشهيد السعيد محمد بن جمال الدين مكي العاملي
" الشهيد الأول "
734 - 786 ه‍. ق
414

كتاب العتق
وفضله مشهور، وإيجابه العتق من النار عضوا بعضو في الذكر وبعضوين في
الأنثى مأثور.
ويختص الرق بالحربي وإن كان كتابيا، ثم يسري الرق في عقبه وإن
أسلموا حتى يعرض المحرر من ملك أو عتق أو تدبيرا أو كتابة أو استيلاد أو
جذام أو عمى، أو برص عند ابن حمزة أو إقعاد أو تنكيل، خلافا لابن إدريس فيه،
أو للإرث، أو إسلام العبد قبل مولاه في دار الحرب وخروجه قبله، أو كون أحد
الأبوين حرا إلا أن يشترط عليه الرق فيصح عند الأكثر، واعتمد الشيخ على
تأويل رواية أبي بصير عن الصادق عليه السلام: في الرجل يتزوج المملوكة: إن
ولده مماليك بالحمل على الشرط، لتظافر الرواية بأنه ولد الحر حر، والمحقق -
رحمه الله تعالى - في النكت رد ذلك لضعف طريق الخبر أولا وباحتمال كون
الرجل عبدا ثانيا وبالعدول عن الظاهر المتفق عليه إلى تأويل غير متعين ثالثا
وباحتمال التقية رابعا.
قلت الخلاف في أصل ولد الحر من المملوكة، وفيه روايتان:
إحديهما: أنه رق، كما في هذه الرواية ورواية العطار وضريس عنه عليه
السلام: إن ولد المحللة رق إلا أن تشترط الحرية، وبهما أفتى ابن الجنيد، ونقل
المرتضى الخلاف في ذلك بين الأصحاب.
416

والثانية: أنه حر، لرواية جميل بن دراج ومرسلة ابن أبي عمير وإسحاق بن
عمار في التزويج، ورواية زرارة وعبد الله بن محمد في التحليل، و عمل الشيخ
على الرواية على التحليل لا في التزويج إلا أن تشترط الحرية.
ومع هذه الروايات يشمل الإذعان بجواز اشتراط الرقية.
ولا فرق بين سبي المؤمن والمخالف والكافر، ولو اشترى من الكافر قريبه
جاز وإن كان ممن ينعتق عليه، ويكون استنقاذا لا شراء من جانب المشتري فلا
يثبت فيه خيار المجلس والحيوان، والأقرب أن له رده بالعيب وأخذ الأرش.
واللقيط في دار الحرب رق، إذا لم يكن فيها مسلم.
وكل من أقر بالرقية من البالغين العقلاء رق ولو أنكر بعد ذلك لم يلتفت
إليه، ولو كان معلوم الحرية أو ادعاها من قبل لغا إقراره.
وإذا بيع العبد في الأسواق لم تقبل دعواه الحرية إلا ببينة عملا بالظاهر، أما
مجرد اليد عليه فغير كاف، فتقبل دعواه حرية الأصل لا عروض الحرية إلا ببينة.
ويستقر ملك الرجل على كل أحد سوى العمودين، وكل أنثى محرمة عليه
نسبا ورضاعا فإنهم ينعتقون في الحال، بعد فرض ملكهم آنا، وظاهر ابن إدريس
وجماعة أنه لا يشترط هذا الآن، وعلل ابن إدريس بأنه لا يملكهم.
ولا ينعتق على المرأة سوى العمودين، وفي الخنثى نظر من الشك في
الذكورية وإمكانها، والأقرب أنها كالمرأة فلا ينعتق عليها سوى العمودين،
ولو ملكها الرجل وهي من المحارم غير العمودين فالإشكال أقوى.
ولا ينعتق غيرهم من الأقارب كالأخ وابنه والعم والخال، نعم يستحب
إعتاقهم.
ولا فرق بين الملك القهري والاختياري، ولا بين الكل والبعض فيقوم عليه
إن ملكه مختارا على الأقوى، ولا حكم لقرابة الزنى، فيملك ولده من الزنى على قول
قوي، لأن الحكم الشرعي يتبع الشرع.
أما العتق فعبارته الصريحة التحرير، وكذا الإعتاق على الأقوى، مثل " أنت
417

حر أو عتيق أو معتق " ولا عبرة بالكتابة مثل " فككت رقبتك أو رقك أو أنت
سائبة أو طالق أو لا سبيل لي عليك أو أنت مولاي أو ابني " وإن كان أسن منه
سواء قصد العتق أو لا، وإشارة الأخرس كافية وكذا كتابته مع القرينة.
درس [1]:
لا بد من صدور العتق من بالغ عاقل مختار قاصد جائز التصرف متقرب
إلى الله تعالى مالك غير معلق على شرط أو صفة معبر بما يصدق على معنى
الجملة بصيغة الإنشاء.
فلا يقع من الصبي لدون العشر وفي العشر قولان، ولا من المجنون والمكره
والناسي والغافل والسكران، ولا من السفيه والمفلس بعد الحجر عليه، ولا من
المريض إذا اغترق دينه تركته أو زاد عن الثلث إلا مع إجازة الغرماء والورثة،
وفي الاكتفاء بإجازة الغرماء في الصورة الأولى وجهان من أن المنع من العتق
لحقهم ومن عود المال إلى الوارث، هذا إن تضمنت الإجازة إبراء الميت من قيمة
المعتق التي تعلق بها الدين، وإلا لم تعتبر إجازتهم لأن حظ الميت في أداء دينه
أولى من تحصيل العتق، وفيه بحث، ولو كان عتق المملوك السفيه أولى وأجازه
الولي، أمكن الصحة.
ولا من غير المتقرب إلى الله تعالى سواء قصد الثناء أو دفع الضرر أو لم
يقصد شيئا، وفي الكافر أوجه ثالثها الصحة إن كان كفره بجحد نبي أو كتاب أو
فريضة، والبطلان إن كان بجحد للخالق، وهو قريب.
ولا من غير المالك إلا في السراية، ولو علق العتق بالملك فهو لغو، إلا أن
يجعله نذرا أو عهدا أو يمينا وحينئذ إن قال: لله علي إعتاقه إن ملكته، فلا بد من
صيغة، وإن قال: لله علي أنه حر إن ملكته، ففي افتقاره إلى الصيغة نظر من
تصريح الرواية بالعتق، وقطع المحقق بافتقاره إلى الصيغة لئلا يقع العتق في
غير ملك، ويضعف بالاكتفاء بالملك الضمني كملك القريب آنا، ثم يعين، ولو
418

أجاز المالك عتق الفضولي فالمشهور البطلان، وقول ابن أبي ليلى: يقوم على
المعتق الموسر الأجنبي مزيف.
ولو أعتق رقيق من له عليه ولاية لم يصح، إلا مع المصلحة أو التقويم بمعنى
البيع وتحتمل الصحة ويكون ضامنا للقيمة، كعتق البائع ذي الخيار، وفي النهاية
أطلق صحة عتق عبد الابن من أبيه، وبه رواية رجالها زيدية عن زيد يرفعها إلى
النبي صلى الله عليه وآله.
ولا مع التعليق، كقوله: أنت حر إن فعلت أو إذا طلعت الشمس، إلا في
التدبير المعلق بالوفاة وما قلناه من النذر، والعبارة عن الجملة: " أنت أو ذاتك أو
جملتك أو بدنك أو جسدك، لا يدك ورأسك " ولو أتى بصيغة النداء مثل
" يا حر " فإن لم يقصد الإنشاء أو اشتبه فلا حرية، وإن قصد الإنشاء ففيه إشكال
من بعده عن شبه الإنشاء ومن صلاحية اللفظ مع القصد، ولو قال للمسمى بحر:
" أنت حر " وقصد الإخبار أو الإنشاء، فذانك وإن جهل قصده بموت أو جنون،
ففي الحكم بالحرية إشكال من الشك في السبب ومن قضية الظاهر.
أما التعيين لفظا أو نية ففيه خلاف، فإن لم يشترطه وقال: أحد عبيدي حر،
عين من شاء، ولو مات أقرع وقيل: بالقرعة وإن كان حيا، ويشكل بأنها
لاستخراج ما هو معين في نفسه لا لتحصيل التعيين، فيحتمل تعيين الوارث مع
الموت، ولو عدل المعتق عمن عينه لم يقبل ولم ينعتق الثاني لأنه لم يبق محلا
للعتق، بخلاف ما لو أعتق معينا واشتبه فعين ثم عدل فإنهما ينعتقان.
ولو أعتق المريض عبيده المستغرقة أو ثلثهم أو أوصى، استخرج بالقرعة
على القولين، ولا يجوز الشيوع ولو نص عليه فوجهان من بناء العتق على السراية
ووجوب العمل بقصده، والمروي في القرعة عن النبي صلى الله عليه وآله، وعن
علي عليه السلام والصادق عليه السلام تجزئتهم ثلاثة أجزاء، فحينئذ يقرع بكتابة
أسماء العبيد فإن أخرج على الحرية كفته الواحدة وإلا أخرج رقعتين، ويجوز
كتابة الحرية في رقعة والرقية في رقعتين ويخرج على أسمائهم، فإن تساوت القيمة
419

والعدد ثلث صحيح فذاك، وكذا إن اختلفت وأمكن التعديل بالعدد، مثل أن
يكون العدد ستة وكل اثنين يساويان ألفا إلا أن أحدهما يساوي أكثر من الآخر،
ولو تنافي العدد والقيمة مثل ستة قيمة واحد ألف واثنين ألف وثلاثة ألف اعتبرت
القيمة عند الشيخ، ولو لم يكن للعدد ثلث وأمكن التعديل بالقيمة كخمسة قيمة
واحد ألف واثنين ألف واثنين أيضا ألف اعتبرت القيمة، ولو لم يمكن التعديل
بهما مثل أن تكون قيمة واحد ألفا واثنين ألفا واثنين ثلاثة آلاف أمكن تجزئتهم
ثلاثة أجزاء فيجعل الواحد جزء ويضم إلى الخسيسين أقل النفيسين قيمة فيجعلان
جزء ويبقى الأرفع جزء، ويمكن كتابة خمس رقاع هنا وفي الذي قبله وهو
قوي.
وفي تعدي التجزئة إلى أربعة أجزاء في نحو الثمانية أو خمسة أجزاء في
العشرة أو الإفراد نظر من قربه إلى ما فعله النبي صلى الله عليه وآله ومن عدم
الاكتفاء به إذ لا بد من إعادة القرعة، وربما قيل: بالإفراد في جميع الصور لأن
كل عبد يمكن تعلق العتق به وعدمه، فإذا جعل اثنان جزء أمكن أن يكون قد
ضمنا ما يتعلق به العتق إلى غيره، وقال المحقق: تعين الوارث فالقرعة على
الندب والروايات حكاية حال.
درس [2]:
لو اشترى أمة بكرا نسيئة إلى سنة وأعتقها فتزوجها وجعل عتقها مهرها
و أحبلها ومات ولا تركة، ففي صحيحة أبي بصير ترد رقا، وحملها كهيئتها، وعليها
كثير من الأصحاب، وحملها الفاضل على وقوع العتق في مرض الموت ولا يتم
في الولد، وحملت على فساد البيع وينافيه قوله في الرواية: إن كان له مال فعتقه
جائز، وحملت على أنه فعل ذلك مضارة والعتق يشترط فيه القربة ولا يتم أيضا
في الولد، وردها ابن إدريس وحكم بصحة العتق وحرية الولد، قال المحقق في
النكت: يجوز استثناء هذا الحكم من جميع الأصول المنافية لعلة غير معقولة ثم
420

عدل إلى قول ابن إدريس لأنه خبر واحد لم يعضده دليل.
فروع: على الرواية، الظاهر أن البكر والثيب سواء في الحكم وأن الأجل لا
يتقيد بالنسيئة، ولا فرق بين جعل عتقها مهرها وبين إمهارها غيره.
وإن العبد لو اشتراه نسيئة ثم أعتقه كذلك، والأقرب تعدي الحكم إلى
الشراء نقدا إذا لم يدفع المال، وكذا لو كان بعضه نقدا.
وأنه لا يكفي أن يخلف شيئا لا يحيط بثمنها لظاهر الرواية، وأنه لو فلس
والحال هذه انتزعت، على إشكال من الرجوع في العين ومن تعليق البطلان على
ما إذا لم يخلف ما يقوم بثمنها، ولا يتصور ذلك في غير الميت، ولو تقدم الوضع
على موته ففي الرقبة نظر من توهم أن الحكم هناك لتبعية الحمل للحامل، وإلا
يلزم استرقاق من حكم بحريته منفصلا وإن تطاولت المدة بهذا.
ومن أوصى بعتق من يخرج من الثلث وجب على الوصي أو الوارث إعتاقه،
فإن امتنعوا فالحاكم، ولا يحكم بحريته إلا بالصيغة وإن طالت المدة، والكسب
عند الشيخ في المبسوط للتعيين لاستقرار سبب العتق بالوفاة، وكأنه كاشف،
قال: ولا يملكه إلا بعد العتق، وقبله يكون أحق به، ورده الفاضلان بتبعية الكسب
للملك وقبل العتق مملوك للوارث، وللشيخ أن يمنع ملك الوارث للآية.
قاعدة:
الاعتبار بقيمة الموصى بعتقه عند الوفاة وبالمنجز في المرض حين الإعتاق
عند الشيخ وابن الجنيد، والفاضل تارة يقول بقولهما وتارة يساوي بين المنجز
والمؤخر.
والاعتبار في التركة بأقل الأمرين من الوفاة وقبض الوارث، فلو زادت قيمة
المعتق عند الوفاة فهي عند الفاضل بمثابة الكسب، فإن خلف ضعف قيمته
الأولى فصاعدا عتق كله لأن الزيادة في الحرية غير محسوبة من التركة، و إن
421

نقص ماله أو لم يخلف سواه حسب نصيب الرقية من التركة، فتكثر التركة فيكثر
المعتق فيقل الرق، فتنقص التركة فيقل العتق، وذلك دور، فلو كانت قيمته
عشرة وقت العتق فصارت عند الوفاة إلى عشرين ولم يخلف سواه قلنا: عتق منه
شئ وله من زيادة القيمة شئ وللورثة شيئان بإزاء المعتق، فهو في تقدير أربعة
أشياء فينعتق منه نصفه الذي هو الآن يساوي عشرة وقد كان يساوي خمسة،
وللورثة نصفه الذي يساوي عشرة وهو ضعف ما عتق منه، ومنه يعلم ما لو زادت
القيمة عن ذلك أو خلف معه شيئا آخر.
وعندهما لا عبرة بالزيادة أصلا، ولو نقصت قيمته عند الوفاة فإن عادت إلى
خمسة فعنده لا يتغير الحكم لو لم يكن سواه، وإن كان له مال غيره اعتبر ضعف
قيمته الآن.
وعندهما يلزم الدور لأن التركة معتبرة بالوفاة، فلا يحصل للوارث ضعف
ما عتق لأن المعتق منه ثلثه وهو يساوي الإعتاق ثلاثة وثلثا، فيجب أن يكون له
ضعفها عند الوفاة وهو متعدد فينقص العتق عن الثلث.
وكلما فرض عتق كان للوارث ضعفه، فيكثر نصيب الوارث بقلة العتق
ويكثر المعتق بكثرة النصيب فيقل النصيب، وهكذا فنقول عتق منه شئ عاد إلى
نصف شئ فيبقي العبد في تقدير خمسة إلا نصف شئ يعدل ضعف ما عتق،
فتكون ا " خمسة " إلا نصف شئ تعدل شيئين أجبر وقابل تصير خمسة كاملة
تعدل شيئين ونصفا، فالشئ اثنان وقد عادت إلى نصف شئ فيكون واحدا
وذلك خمس العبد الآن وقد كانت قيمته آن الإعتاق اثنين وقد بقي للورثة أربعة
أخماسه وذلك يساوي أربعة الآن وهو ضعف قيمة الجزء المعتق منه يوم
الإعتاق.
درس [3]:
روى إسحاق بن عمار عن الصادق عليه السلام: في من أعتق عبده وزوجه
422

ابنته، وشرط عليه إن أغارها رده في الرق، أن له شرطه، وعليها الشيخ وطرد
الحكم في الشروط، والقاضي كذلك، وجوز اشتراط مال معلوم عليه إن أخل
بالشرط، وهو خيرة الصدوق لصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما
السلام، وابن إدريس والفاضل أبطلا اشتراط عوده رقا، وجعله الفاضل مبطلا
للعتق.
وروى يعقوب بن شعيب عن الصادق عليه السلام: في من اشترط في عتق
أمته عليها خدمته خمسين سنة فأبقت فمات، ليس للورثة استخدامها وعليها الأكثر
لصحتها، وتأولها ابن إدريس بوجوب الأجرة لفوات وقت الخدمة، وليس في
الرواية الفوات، نعم ذكره الشيخ وابن الجنيد وزاد الشيخ: بأنه لو مات المعتق
فالخدمة للوارث، وزاد ابن الجنيد: أنه لو منع العتيق من الشرط فكالفوات،
وأوجب على السيد نفقته وكسوته تلك المدة لقطعه عن التكسب.
فرع:
تفرد الفاضل باشتراط قبول العتيق شرط الخدمة وغيرها فلو لم يقبل بطل
العتق، ولو شرط عليه مالا فالأولى اشتراط القبول لأن الخدمة استثناء والمال
منفرد عن الرقية.
هذا ولو نذر عتق أول ما يملكه أو أول ما تلده أمته، فملك جماعة وولدت
توأمين دفعة عتق الجميع، والشيخ لم يقيده في الولادة بالدفعة كما في الرواية
من قضاء أمير المؤمنين عليه السلام، ونزلها ابن إدريس على إرادة الناذر أول حمل.
ولو قال: أول مملوك، فملك جماعة دفعة بإرث أو عقد مثلا، عتق واحد
بالقرعة لصحيح الحلبي عن الصادق عليه السلام، وقال ابن الجنيد: يتخير، لرواية
الصيقل عنه عليه السلام، وأبطل ابن إدريس النذر رأسا لعدم الأولية.
والفرق بين أول مملوك وبين أول ما يملك بناء على أن " ما " موصولة
423

فتعم فيسري العموم إلى الأول وأما " مملوك " فنكرة في الإثبات وهي غير عامة،
وإن جعلت " ما " مصدرية ساوت الإضافة إلى " مملوك " في الحكم، ولو أريد
ب‍ " مملوك " الجنس ساوى " ما " في الحكم.
ولو نذر عتق آخر ما يملك أو آخر مملوك فكما سبق إلا أنه يشترط تعقيب
موته له.
وكسبه قبل موت السيد موروث قطعا إن شرطنا إيقاع الصيغة من الوارث،
وإن اجتزأنا بحصول شرط النذر في العتق فإشكال من الشك في كون موت
السيد كاشفا عن حصول الشرط أو أن له مدخلا في السببية، وكذا لو وجد له ولد
بين الملك والموت.
ولو علق العتق بالنذر وشبهه على فعل كالوطء لزم، فلو أخرجها عن ملكه
بطل، فلو عادت لم يعد النذر، والخبر الصحيح عن أحدهما عليهما السلام ليس
فيه نذر بل مجرد تعليق.
وحمله الأصحاب على النذر موافقة للأصول، وتوقف بعضهم في حله
بخروجها عن الملك لنفوذ النذر في ملك الغير، ويضعف بأن قرينة الحال
تخصصه بملكه وقد زال، كما قال: في الرواية قد خرجت من ملكه، نعم لو عمم
الشرط كقوله: متى وطئتها فهي حرة لم ينحل النذر بخروجها، فلو عادت ووطئ
تحررت.
ولو نذر عتق كل عبد له قديم، حمل على ستة أشهر فصاعدا، ولو نقصوا
عن ذلك احتمل عتق أقدمهم إن كان فيهم أقدم، وعتق الجميع إن كانوا قد
ملكوا دفعة وكذا كل أمة قديمة.
أما لو نذر الصدقة بماله القديم أو أبرأ غريمه القديم، ففي الحمل على الحقيقة
الشرعية أو العرفية إشكال.
ولو مر بعاشر فقال: عبيدي أحرار، وكنت أعتقتهم، فلا عبرة به إنشاءا ولا
إخبارا ما لم يقصد العتق أو يكن قد أعتق منهم شيئا فينصرف إليه وإن كان
424

واحدا باطنا، وفي الظاهر قيل: يطالب بما يصدق عليه الجمع كالثلاثة فصاعدا،
وهو حسن إن كان الأخبار لا في محل الاضطرار لا كصورة الفرض فإن القرينة
تمنع من نفوذ الأخبار في مقتضاه.
وعتق الحمل لا يسري إلى الحامل وبالعكس، لأن السراية في الأشقاص لا
في الأشخاص، وفي رواية السكوني عنه عليه السلام عن أبيه: يتحرر الحمل بعتقها
وإن استثناه لأنه منها، وعليها القدماء ويؤيدها صحيحة الحسن بن علي الوشاء عن
الرضا عليه السلام: في جارية دبرت وهي حبلى، إن علم به فهو مدبر وإلا فهو رق،
وروى زرارة في الصحيح عن الباقر عليه السلام: ملك العتيق ماله إذا علم به
السيد وإلا فله، وفي صحيح حريز عن أبي الحسن عليه السلام: يقول: لي مالك
وأنت حر برضا المملوك.
ولا يبدأ بالحرية، وبمضمونها أفتى القدماء، وقال الحليون: المال للسيد مطلقا
بناء على أن العبد لا يملك، والأقرب المشهور، قال الشيخ: ولو قال: أنت حر
ولي مالك، فالمال للعتيق، وصحيحة عمر بن يزيد عن الصادق عليه السلام
مصرحة بملكه فاضل الضريبة وجواز تصدقه به وعتقه منه، غير أنه لا ولاء له عليه
بل هو سائبة، ولو ضمن العبد جريرته لم يصح، وبذلك أفتى في النهاية.
درس [4]:
فيه مسائل عشر:
الأولى: لو أوصى بعتق بعض عبيده المستغرقين أو نجز عتقهم، ثم ظهر دين
مستغرق بطلا، وإن فضل من العبيد أعتق ثلث الفاضل مع عدم الإجازة، فلو
كان العبيد ضعف الدين جعلوا نصفين وكتبت رقعة للتركة وأخرى للدين فيعتق
ثلث من خرج تركته ويباع الباقي في الدين، ولو كان الدين ثلث العبيد كتبت
رقعتان للتركة وأخرى للدين، ولا فرق بين العبد الواحد وبين الأزيد.
والشيخ يقول: لو أعتق عبده أو أوصى بعتقه وعليه دين، فإن كانت قيمته
425

ضعف الدين صح وعتق كله وسعى في نصفه للديان وفي ثلثه للورثة، وإن
نقصت قيمته عن الضعف بطل عتقه، معولا على أخبار صحاح أعرض عنها ابن
إدريس إلا أن يكون منجزا بناء على قاعدته فيه.
الثانية: لو أوصى بعتق عبده وقيمته ضعف الثلث فما زاد عتق بقدر الثلث،
كما لو كان قيمته دون ذلك، ونقل ابن إدريس عن الشيخ أنها إذا بلغت
الضعف بطلت الوصية.
الثالثة: لو أعتق المريض ثلاث إماء فلم يخرجن من الثلث عتقت الخارجة
بالقرعة، فلو ظهر بها حمل متجدد فهو حر، وإن كان سابقا ففيه القولان.
الرابعة: لو أعتق ثلاثة أعبد تستغرق تركته فمات أحدهم قبله أقرع بين الميت
والحيين، فإن ظهرت الحرية على الميت تبينا موته حرا، فمؤونة التجهيز على وارثه
أو في بيت المال، وفيه دقيقة، وإن ظهرت على أحد الباقيين تبينا موته رقا ومؤونة
التجهيز على الوارث ثم لا يحتسب من التركة، فإن كان الخارج ثلث الباقيين
عتق، وإن نقص عن الثلث كمل من الآخر، وإن زاد عتق بقدر الثلث.
الخامسة: لو دبر ثلاثة أو أوصى بعتقهم، ثم مات أحدهم قبله لم يدخل في
القرعة، لعدم احتمال مسيس الحرية، ولو مات بعد السيد أدخل، فإن خرج عتق
وإلا عتق من يخرج من الحيين، ويحسب الميت على الورثة إن كان قد قبض وإلا
فلا.
السادسة: لو جمع بين العتق وغيره في الوصية قدم السابق، وقدم الشيخ
العتق والمكاتبة مطلقا، لبنائهما على التغليب.
السابعة: لو مات المعتق المستوعب في المرض قبل السيد، ففي حريته كله
لعدم الفائدة للوارث في رده إلى الثلث أو رقه كله لعدم تملك الوارث ضعفه أو
حرية ثلثه كما لو بقي أوجه، والفائدة في تجهيزه وفي مزاحمة الوصايا لو كان له
سواه، فعلى الوجهين الأولين لا يزاحمها.
الثامنة: لو استغرق الدين التركة فأعتق الوارث عبدا منها، بنى على انتقالها
426

إليه، لامتناع ملك بغير مالك أولا للآية، وبه قال الشيخ، فعلى الثاني يبطل،
وعلى الأول يبني على تعلق الدين بها، فهل يشتبه تعلق الأرش بالجاني أو الرهن؟
فعلى الأول يصح مراعى بالأداء.
التاسعة: لو نذر عتق عبده إن كان المقبل زيد ونذر آخر عتق عبده إن لم
يكن زيدا، ثم هلك وتعذر الاستعلام، فالقرعة، ويحتمل عدم عتق أحدهما لعدم
العلم بشرطه، نعم لو اجتمعا لواحد أقرع قطعا.
العاشرة: لو كان للمعتق مال غائب، ينجز عتق ثلث الحاضر، ثم كلما حضر
شئ عتق ثلثه، وفي وجوب تحصيله على الوارث وجوازه مع الإمكان نظر، فإن
قلنا به ففي توقف العتق على قبض الوارث أو الاكتفاء بتمكنه منه نظر أقربه
الثاني.
درس [5]:
خواص العتق تسع، حصوله بالقرابة والعمى والجذام والإقعاد والتنكيل
والقرعة إذ الأصل الشياع ولكن بسبوق الشرع إلى الإكمال وتقديمه على غيره
عند الشيخ، وقد سبق ذلك والسراية والولاء للنقل فيهما.
فمن أعتق شقصا من عبده عتق جميعه لقوله صلى الله عليه وآله: ليس لله
شريك، إلا أن يكون مريضا ولا يخرج من الثلث، ولو أوصى بعتق شقص من
عبده أو دبر شقصا منه ثم مات ولا يسع الثلث زيادة عن الشقص فلا سراية، ولو
وسع ففي السراية وجهان، كما إذا أوصى بعتق شقص من عبد له فيه شريك
ووسع الثلث نصيب الشريك.
وهنا روى أحمد بن زياد عن أبي الحسن عليه السلام: تقويمه، وعليه النهاية
خلافا للمبسوط وابن إدريس لزوال ملكه بموته، والأول أثبت لسبق السبب على
الموت.
ويظهر من فتوى السيد ابن طاووس في كتابيه " البشرى والملاذ " قصر
427

العتق على محله وإن كان حيا، لرواية حمزة بن حمران، وضعف طريق رواية
السراية والأصل، والبعد عن العامة، ولكن معظم الأصحاب على خلافه، والأكثر
على السراية في نصيب الغير إذا كان المعتق حيا موسرا بأن يملك حال العتق
زيادة عن داره وخادمه ودابته وثيابه المعتادة وقوت يومه له ولعياله، مما يسع
نصيب الشريك أو بعضه على الأقوى.
ولو أيسر بعد العتق فلا تقويم، وفي النهاية والخلاف إن قصد القربة فلا
تقويم، بل يسعى العبد فإن أبي لم يجبر، وإن قصد الإضرار فكه إن كان موسرا،
وبطل العتق إن كان معسرا وبه ورد الخبر الصحيح عن الصادق عليه السلام،
وإن كان الأشهر الفك مع اليسار مطلقا، وابن إدريس أبطل العتق مع الإضرار
لعدم التقرب.
وظاهر الرواية بخلافه، والحلبي: يستسعي العبد، ولم يذكر التقويم، وابن
الجنيد: إن أعتق لله غير مضار تخير الشريك بين إلزامه قيمة نصيبه إن كان
موسرا وبين استسعاء العبد.
وللسراية شرطان آخران.
أحدهما: كون العتق اختياريا، ويكفي اختيار السبب كالشراء والاتهاب
للقريب، وفي التنكيل إشكال من تحريم السبب ومن تأثيره في ملكه، فلو ورث
شقصا من قريبه لم يسر عند الحلبيين، وقال الشيخ: يسري.
وثانيها: أن لا يتعلق بالشقص حق لازم كالوقف والكتابة والاستيلاد،
ترجيحا لأسبق الحقين، وقيل: بالسراية للعموم، والسراية إلى الرهن أقوى،
وأقوى منه التدبير، وأقوى منهما الوصية بعتق الشقص.
ولا بد من جعل نصيب المعتق موردا للعتق أو جميع العبد، فلو جعله
نصيب الشريك لم يصح لامتناع كون التابع متبوعا، ولو أعتق الشريكان دفعة
فلا تقويم للتدافع.
وفي العتق باللفظ أو بالأداء أو المراعاة أوجه، وصحيحة محمد بن مسلم عن
428

الصادق عليه السلام مصرحة بالشراء، وهو عبارة الأكثر، فعلى هذا يقوى اعتبار
الأداء فلو أعتق الشريك حصته صح وتعتبر القيمة يوم الأداء، ولو مات العتيق
قبله مات مبعضا ولا شئ على المباشر، ولو وجب عليه حد قبل الأداء
فكالمبعض، ولو أيسر المباشر بعد العتق أمكن التقويم على هذا القول، ولو اختلفا
في القيمة عرض على المقومين، فإن تعذر حلف الشريك لأنه ينتزع منه، ولو قلنا
عتق بالمباشرة حلف المباشر لأنه غارم.
ولو أعتق اثنان دفعة قومت حصته من عداهما عليهما بالسوية تساويا أو
اختلفا في الحصة، ولو تداعى الشريكان العتق حلفا واستقر الرق بينهما، وعلى
القول باللفظ ينعتق عليهما مع تساويهما وحيث يسعى العبد يكون النصيب رقا
حتى يؤدي فيستسعي، كالمكاتب المطلق، وجميع السعي له، وظاهر الأصحاب
عدم وجوب السعي عليه فيتهايئان، فيتناول المعتاد كالاحتطاب والنادر
كالالتقاط، والنفقة والفطرة عليهما.
ولو ملك بجزية الحر مالا لم يشاركه المولى كالإرث والوصية وإن كان
في توبة المولى، ولو امتنعا من المهاياة لم يجبرا.
فروع خمسة:
الأول: لو أوصى بعتق نصيبه ونصيب شريكه، فعلى القول بالسراية فالوصية
تأكيد ويجبر الشريك على أخذ القيمة، وعلى القول الآخر يحتمل المساواة إذ
عتق البعض سبب في التقويم، ما لم يمنع مانع وهنا زال المانع، أعني حق
الوارث من التركة بالإيصاء، ويحتمل المنع كما لو أوصى بشراء عبد الغير
وعتقه، فإنه لا يجبر مالكه على البيع.
الثاني: لو أعتق بعض الحامل - وقلنا بتبعية الحمل -، أو أدخله في العتق
وتأخر الأداء حتى وضعت بنى على ما مر، فعلى اعتبار الأداء يلزم بقيمة نصيب
الشريك من الحمل منفصلا يوم الأداء لا حين سقوطه، وعلى الآخر تقوم حبلى.
429

الثالث: لو ادعى الشريك صنعة تزيد بها القيمة، فإن تعذر استعلامها حلف
المعتق، وإن كان محسنا لها فعلى الأداء يقوم صانعا وعلى الإعتاق يحلف المعتق
على عدم سبقها.
ولو أدى القيمة ثم طالبه الشريك بالصنعة فادعى تأخرها عن الأداء حلف
إن أمكن التجدد.
الرابع: لو وكل شريكه في عتق نصيبه فبادر إلى عتق ملكه قوم عليه نصيب
الموكل إن لم نشترط الأداء، وإن شرطناه فللوكيل إعتاقه ولا تقوم.
وإن بادر بعتق ما وكل فيه قوم على الموكل لأنه سبب، وربما احتمل عدم
التقويم لأن المباشر أقوى.
ولو أعتقهما دفعة فلا تقويم وإن أعتق نصفا شائعا منهما أمكن أن يقوم على
كل واحد منهما ربع العبد، وإن أعتق شقصا نصفا ولم ينو شيئا فالأقرب صرفه
إليهما، ويحتمل إلى نصيبه لأن تصرفه في ماله هو الغالب، ويحتمل إلى نصيب
الشريك لأنه المأذون فيه، والبطلان لعدم التعيين.
الخامس: إذا كلف العبد السعي لإعسار المباشر انقطع بإعتاق صاحب
النصيب، ولو قلنا بأنه يسعى سعي الأحرار بطل العتق لأنه تحصيل الحاصل.
درس [6]:
إذا تبرع بالعتق ثبت الولاء للمنعم وسرى من الجانبين، فيرث به أقرباء
المنعم العتيق وذريته ما لم يكن أحدهم حر الأصل فلا ولاء عليه، أو لم يكن ثمة
نسب وإن بعد، أو تبرأ المعتق من ضمان الجريرة عند العتق لا بعده على قول
قوي.
ولا يشترط الإشهاد في التبري، نعم هو شرط في ثبوته وعليه تحمل صحيحة
ابن سنان عن الصادق عليه السلام في الأمر بالإشهاد، وظاهر ابن الجنيد
والصدوق والشيخ أنه شرط الصحة.
430

ولا يرث العتيق المنعم، ونقل الشيخ فيه الإجماع، وبه يضعف قول
الصدوق وابن الجنيد بالإرث، نعم لو دار الولاء توارثا، كما لو اشترى العتيق أبا
المنعم فأعتقه وأنجز ولاءه من مولى أم المنعم إلى العتيق.
ولا يورث الولاء لأنه لحمة كلحمة النسب والنسب لا يورث، فلو خلف
المنعم ابنين ومات أحدهما عن ابن ثم العتيق فولاؤه للابن الباقي، ولو جعلناه
موروثا شاركه ابن أخيه.
ولا يحجب الزوج المنعم عن النصف، خلافا للحلبي ووافق في عدم حجب
الزوجة.
واختلف الأصحاب في الوارث بالولاء، ففي الخلاف لا خلاف بيننا أنه
العصبة دون الأولاد إذا كان المنعم امرأة، وكأنه لم يعتد بخلاف الحسن حيث
جعل الولاء لأولادها مطلقا والمفيد حيث خصه بالذكور، قال الشيخ: وإن كان
رجلا فأولاده الذكور والإناث على الأظهر في المذهب، لرواية عبد الرحمن بن
الحجاج عن الصادق عليه السلام: أن رسول الله صلى الله عليه وآله دفع ميراث
مولى حمزة إلى ابنته، ولقوله صلى الله عليه وآله: الولاء لحمة كلحمة النسب لا
يباع ولا يوهب، ولأنه أبعد من قول العامة، وفي النهاية: لا ترث البنات الولاء
لصحيحة محمد بن قيس وبريد عن الباقر والصادق عليهما السلام، ولأنهن
لا يعقلن، وفي المبسوط: لوارث المال حتى قرابة الأم، وقال الصدوق: يرثه أيضا
الأولاد ذكورا وإناثا، والأول المختار، والصحيحتان تقية كما أومأ إليه الحسن -
رحمه الله -.
أما باقي الإناث كالجدات والأخوات والأم وقرابتها، فرواية ابن قيس أن
الوارث العصبة، تدل على عدم إرثهن، واختاره جماعة.
وخبر اللحمة يقتضي التوريث، وقال ابن الجنيد: لا يرثه النساء، وفي
المبسوط: لا يورث المرأة بالولاء إلا عتيقها أو عتيقه فنازلا، مع أنه قال: يتقاسم
الإخوة للذكر ضعف الأنثى، وفي الخلاف: لا يرثه قرابة الأم وظاهره إرث النساء
431

من قبل الأب.
فرع:
يشترك الأب والابن في الولاء، وقال ابن الجنيد: الابن أولى، وكذا يشترك
الجد للأب والأخ من قبله وقال: الجد أولى.
هذا ولا يصح بيع الولاء ولا هبته ولا اشتراطه في بيع أو غيره ولا نقله عن
محله بوجه.
ويثبت على المدبر إجماعا والموصى بعتقه، وفي أم الولد قولان فأثبته الشيخ
ونفاه ابن إدريس.
وكذا في عتق القريب سواء ملكه بعوض أو لا لرواية سماعة.
واحتج ابن إدريس بأنه الولاء للمعتق، وبه احتج الشيخ وأثبت الولاء على
المكاتب مع الشرط وعلى المشتري نفسه مع الشرط، ولمن تبرع بالعتق عن
الغير حيا أو ميتا قال: ولا يقع العتق عن المعتق عنه لأن العتق عنه إحداث ولاء
له بعد موته فامتنع، كما امتنع إلحاق النسب به لمساواة الولاء النسب، وتبعه
ابن حمزة وأثبته على المنذور عتقه.
ونفوا الولاء عن المعتق في الكفارة، صرح به الشيخ في مواضع، وهو في
صحيح بريد بن معاوية عن الصادق عليه السلام وفيها: أن العتق الواجب لا ولاء
فيه وأن الولاء للمتبرع بالعتق عن أبيه بعد موته، وفي فصل الكفارات من
المبسوط ثبوت الولاء على المعتق في الكفارة، والظاهر أنه حكاية لتصريحه قبله
بعدمه.
ويثبت الولاء للكافر ولو على مسلم، وإرثه مراعى بإسلامه وإسلام من ينتقل
إليه، ولا يثبت بالالتقاط، وقول عمر متروك، وينجر إلى مولى الأب من مولى الأم
إذا كان عبدا حين الولادة، ولو كان أحدهما حر الأصل فلا ولاء ولا جر، ولو
سبق عتق الجد جره وجر منه بعتق الأب.
432

فرع:
لو مات عتيق الكافر وهو حي، والعتيق مسلم فولاؤه للإمام، ولو كان
للكافر ولد مسلم أو قريب ففي إرثه هنا نظر من أنه لحمة كلحمة النسب ومن فقد
شرط الانتقال.
433

كتاب أمر الولد
وهي من حملت من مولاها بحر في ملكه، فلا يثبت في علوق الزوجة
والموطوءة بشبهة وإن ملكها بعد، وفي الخلاف وموضع من المبسوط: يثبت إذا
ملكها سواء كان الولد حرا أو رقا إذا ملكه فعتق، وفي موضع آخر منه شرط كون
الولد حرا.
وروى ابن مارد عدم الثبوت، ولا بعلوقها من المكاتب المشروط إذا عجز،
ولو أدى ثبت، ولا من العبد إذا ملكناه، ولا يمنع تحريم الوطء العارض كالصوم
والحيض والرهن من نفوذ الاستيلاد.
أما التحريم بتزويج الأمة أو بالرضاع إذا قلنا بعدم العتق عند ملكها رقبة،
فقد قال في المبسوط: بنفوذه، ويشكل إذا علم بالتحريم لتوجه الحد عليه فلا يلحقه
النسب.
ولا بد مع الاشتباه من شهادة أربع من النساء ذوات الخبرة بأن ذلك مبدأ
خلق آدمي ولو مضغة.
أما النطفة فلا خلاف للشيخ، والفائدة ليس في استتباع الحرية لأنها تزول
بموت الولد فكيف بعدم تمامه عندنا؟ بل في إبطال التصرفات السابقة على
الموضع بالبيع وشبهه.
ويجوز استخدامها وتزويجها ولا يشترط رضاها عندنا، وإجارتها وعتقها
434

وبيعها في ثمن رقبتها مع إعسار المولى حيا أو ميتا على الأقرب، قيل: وفي الجناية
والرهن وإلا فلا رهن إذا علقت فيهما، وفي العجز عن النفقة وموت قريبها وعلى من
تنعتق عليه ويحتمل جوازه عند اشتراط العتق.
وفيما إذا مات مولاها والدين يستغرق تركته إذ لا إرث، فلا نصيب لولدها
الذي عتقها بعد الوفاة مستندا إليه، ولهذا لو كان ولدها غير وارث لكونه قاتلا أو
كافرا لم ينعتق.
وفي رواية عمر بن يزيد عن الكاظم عليه السلام: لا تباع في دين غير ثمن
رقبتها، وتحمل على حال الحياة أو على عدم استيعاب الدين التركة.
وروى أبو بصير عن الصادق عليه السلام: تقويمها على الولد إذا مات المولى
وعليه دين، وإن كان الولد صغيرا انتظر بلوغه، وحمل الشيخ الدين على ثمنها
وقال: لو مات قبل البلوغ قضي منها الدين، وابن حمزة ألحق غيره من الديون به
عملا بإطلاق الرواية، وعن المرتضى المنع من بيعها مطلقا ما دام ولدها، والمروي
عن علي عليه السلام بيعها في ثمنها.
ولو أسلمت عند ذمي، بيعت عند الشيخ في موضع من المبسوط، وابن
إدريس وفي الخلاف، والموضع الآخر يحال بينه وبينها عند مسلمة، ويمنع من
وطئها واستخدامها، وتفرد في المختلف باستيعابها فتعتق بأداء القيمة تفاديا من
الضرار به أو بها.
ولو بقي ولد ولدها فثالث الأوجه إلحاقه أبيه إن كان وارثا، ولا تنعتق من
أصل التركة إجماعا، بل تجعل في نصيب الولد، ولو عجز نصيبه عن قيمتها
قومت عليه عند الشيخ في المبسوط وابن الجنيد لقول النبي صلى الله عليه وآله:
من ملك ذا رحم فهو حر، ويظهر من رواية أبي بصير أيضا، واستسعيت عند
المفيد والحليين، والمسألة مبنية على السراية في العتق القهري، ويجوز تدبيرها لا
كتابتها على الأقوى.
ولو أوصى لها المولى بمال، قال الشيخ: تعتق من النصيب وتملك الوصية
435

لمصادفة استحقاقها الوصية عتقها من النصيب، وهو في كتاب العباس، وفي رواية
أبي عبيدة تعتق من الثلث وتعطى الوصية، ويمكن تخريجها على صرف المال في
عتقها، فإن فضل فلها كالقن ويقدم على عتقها من النصيب لتقديم الوصية على
الإرث، وقيل: تعتق من الوصية، فإن فضل منها شئ عتق من نصيب الولد وهذا
قضية الرواية على ما خرجناه.
وللمولى فكها بالأقل من القيمة والأرش لو جنت، وله تسليمها، وفي الديات
من المبسوط أرش جنايتها على سيدها بلا خلاف، وإلا أبا ثور فإنه جعلها في ذمتها
تتبع به بعد العتق، ثم جعلها الشيخ كالقن في التعلق بالرقبة إن لم يفدها السيد،
وقال في الاستيلاد منه: يتعلق الأرش برقبتها بلا خلاف ويتخير بين البيع
والفداء، وكذا قال في الخلاف، وقال في المختلف: عقل مما في الديات وفي
المبسوط عدم التعلق برقبتها، وجنح إليه لأنه منع من بيعها بإحباله ولم تبلغ
حالة يتعلق الأرش بذمتها، فصار كالمتلف لمحل الأرش فلزمه الضمان، كما لو
قتل عبده الجاني بخلاف ما لو أعتق عبده ثم جنى، لأنه بلغ حالة يتعلق الأرش
بذمته وهذا نقله الشيخ عن بعض العامة.
وفي الصحيح عن مسمع عن الصادق عليه السلام: جنايتها في حقوق
الناس على سيدها وحق الله في بدنها، ويمكن حملها على أن له الفداء.
فرع:
لو جنت على جماعة ولما يضمن السيد فعليه أقل الأمرين من قيمتها والأرش،
وإن ضمن للأول فظاهر المبسوط أنه لا ضمان عليه بعد، إذا كان قد أدى قيمتها،
بل يشاركه من بعده فيما أخذ.
436

كتاب المدبر
وهو المعلق عتقه بموت المولى لأن الموت دبر الحياة.
فالموصى بعتقه ليس مدبرا، والتعليق بموت غير المولى إن جعل له الخدمة
نافذ في صحيحة يعقوب بن شعيب عن الصادق عليه السلام، وحمل عليه الزوج،
وطرده بعضهم في الموت مطلقا، وقصره ابن إدريس على موت المولى.
ويظهر من ابن الجنيد جواز تعلقه على موت الغير مطلقا، وسماه نذرا، وكذا
جواز تعليق العتق بالقدوم وشبهه، والقاضي لو علق العتق بوقت تحرر عنده وله
الرجوع فيه، وكذا لو علقه بقدوم زيد أو برؤيته.
والصيغة " أنت حر أو معتق أو محرر أو عتيق بعد وفاتي، وكذا متى مت "
وغيره من أدوات الشرط، وقال الشيخان: يقول معه " أنت رق في حياتي "، وابن
الجنيد يشهد عليه عدلين وهما على الندب.
ولو علق التدبير بشرط كمشيئة زيد بطل في المشهور، وجوزه ابن الجنيد
وظاهره طرد التعليق في العتق، ولو قال: أنت حر بعد وفاتي بسنة مثلا بطل،
وقال يكون وصية بعتقه، ولو قيد الوفاة بمرض معين أو سفر أو ليل أو نهار أتبع
فلا يتحرر بدون القيد، وفي المبسوط أبطل المقيد لأنه معلق.
ولو قال الشريكان: إذا متنا فأنت حر وقصدا تبعية النصيب لموت صاحبه
وقع، وإن قصدا تبعيته لموتهما بطل، فلو قال: أنت مدبر ففي الخلاف لا يقع
438

وأثبته في المبسوط في ظاهر كلامه وقطع به القاضي والفاضل، وفي اشتراط
التعيين خلاف مبني على العتق وفي المبسوط لا يشترط.
ويشترط القصد، فلا يقع من الغافل والساهي والنائم والمكره، وجوزه قوم
من الصبي إذا بلغ عشرا، وفي صحته من السفيه نظر من الحجر عليه ومن انتفاء
معنى الحجر بعد الموت وهو قول المبسوط، ويصح من الأخرس بالإشارة وكذا
رجوعه، والأصح وقوعه من الكافر وللكافر.
وفي اشتراط نية التقرب نظر من أنه عتق أو وصية، وقطع ابن إدريس
باشتراطها، وبنى عليه المنع من تدبير الكافر بناء على لغو تقربه.
ولو أسلم مدبر الكافر بيع عليه لانتفاء السبيل ولقوله صلى الله عليه وآله:
الإسلام يعلو ولا يعلى عليه، وطاعة المولى علو منه، وقال القاضي: يتخير بين
الرجوع في التدبير فيباع وبين الحيلولة بينه، وبينه وكسبه للمولى وبين
استسعائه.
نعم لو مات السيد قبل البيع عتق من ثلثه، ولو قصر ولم يجز الوارث
فالباقي رق، فإن كان مسلما فله وإلا بيع عليه.
ولا يصح من المرتد عن فطرة لخروج ملكه، وفي غيره للشيخ قولان لبقاء
الملك والحجر عليه، ولو طرأت الردة بعد التدبير عن غير فطرة فالتدبير باق ولو
كان عن فطرة بطل، ويشكل بتنزيلها منزلة الموت فيعتق بها، ولو ارتد العبد لم
يبطل تدبيره إلا أن يلحق بدار الحرب لأنه إباق.
وقال القاضي لا يبطل إذا تاب من ردته، ويصح من المفلس والمديون إلا أن
يفر به من الدين فيبطل عند الشيخ، لصحيحة ابن يقطين وأبي بصير وفيهما: أنه لو
دبر في صحة وسلامة فلا سبيل للديان عليه، وحمل على التدبير الواجب بالنذر
وشبهه. ويصح تدبير الحامل بدون الحمل وبالعكس، ولو أطلق تدبيرها ولم يعلم
بالحمل فليس مدبر، وإن علم فهو مدبر على المشهور لصحيح الحسن بن علي
439

الوشا عن الرضا عليه السلام، ولو حملت بعد التدبير بمملوك فهو مدبر قسرا، فلا
يصح الرجوع في تدبيره وإن رجع في تدبيرها، ونقل الشيخ فيه الإجماع،
وجوزه الحليون لأن الفرع لا يزيد على أصله.
درس [1]:
التدبير ثلاثة أقسام:
واجب، ولا يصح الرجوع فيه إن قال: لله علي عتق عبدي بعد وفاتي، ولو
قال: لله علي أن أدبر عبدي فكذلك في ظاهر كلام الأصحاب، لأن الغرض
التزام الحرية بعد الوفاة لا مجرد الصيغة وعن ابن نما رحمه الله جواز الرجوع
لوفائه بنذره بإيقاع الصيغة، فيدخل في مطلق التدبير.
وندب، ويصح الرجوع فيه، وفي بعضه إذن العبد أولا، وفي رواية ابن
يقطين إذا أذن العبد في البيع جاز، وهو يشعر باشتراط إذنه ولكنه متروك.
ومكروه كتدبير الكافر والمخالف، ويصح الرجوع فيه بطريق الأولى،
وصريح الرجوع " رجعت في تدبيره أو نقضت أو أبطلت " وشبهه، دون إنكار
التدبير.
أما لو باعه أو وهبه ولما ينقض تدبيره، فأكثر القدماء على أنه لا ينقض
التدبير، فقال الحسن ببيع خدمته أو يشترط عتقه على المشتري فيكون الولاء له،
وقال الصدوق: لا يصح بيعه إلا أن يشترط على المشتري إعتاقه عند موته، وقال
ابن الجنيد: تباع خدمته مدة حياة السيد، وقال المفيد: إذا باعه ومات تحرر
ولا سبيل للمشتري عليه.
وقال الشيخ في النهاية: لا يجوز بيعه قبل نقض تدبيره إلا أن يعلم المشتري
بأن البيع للخدمة، وتبعه جماعة والحليون، إلا الشيخ يحيى على بطلان التدبير
بمجرد البيع، وحمل ابن إدريس بيع الخدمة على الصلح مدة حياته، والفاضل
على الإجازة مدة فمدة حتى يموت، وقطع المحقق ببطلان بيع الخدمة لأنها
440

منفعة مجهولة والروايات مصرحة بها وأن رسول الله صلى الله عليه وآله باع
خدمة المدبر ولم يبع رقبته، وعورضت برواية محمد بن مسلم: هو مملوكه إن
شاء باعه وإن شاء أعتقه، وأجيب بحمل البيع على الرجوع قبله توفيقا.
والجهالة في الخدمة غير قادحة لجواز استثناء هذا، على أن المقصود بالبيع
في جميع الأعيان هو الانتفاع ولا تقدير لأمده فالعمل على المشهور، وتخريجه
على تناول البيع الرقبة ويكون كمشروط العتق باطل لتصريح الخبر، والفتوى
تتناول بيع الخدمة دون الرقبة.
فرع:
لو عاد إليه بعد خروجه عن ملكه، فإن كان قد رجع في تدبيره لم يعد
التدبير سواء قلنا هو عتق بصفة أو وصية للحكم ببطلانه وعدم سبب جديد،
وجزم الشيخ بأنه وصية، وإن لم يرجع فالتدبير بحاله على المشهور، وعلى القول
الآخر لا يعود التدبير.
هذا ولا يمنع التدبير شيئا من التصرفات في العبد، وكسبه لمولاه، ولو ادعى
بعد موته تأخر الكسب وأنكر الوارث حلف المدبر لأصالة عدم التقدم، ولو أقام
أحدهما بينة عمل بها، ولو أقاما بينة بنى على تقديم الخارج أو الداخل.
ويجوز وطء المدبرة، فلو حملت صارت أم ولد ثم يعتق من الثلث فإن فضل
منها عتق من نصيب الولد، ولو حملت من مملوك المدبر فهو مدبر بخلاف ملك
غير السيد، ولو حملت من زنا قال الشيخ: يكون مدبرا ويشكل مع علمها
بالتحريم لعدم إلحاقه بها شرعا.
وأولاد المدبر من أمته، إن قلنا بملكه مدبرون على قول، ولو كان من أمة
مولاه بتزويج أو شبهه أو تحليل فهو مدبر.
وأرش جناية المدبر للمولى وكذا قيمته لو قتل ويقوم مدبرا، ولو جنى
فكالقن، ولو عتق قبل الفك ففي رقبته أو ماله لا على الورثة، وفي المبسوط يؤخذ
441

الأرش من تركة المولى كأنه يجريه مجرى إعتاق العبد الجاني.
ولو كاتبه جزم الشيخ ببطلان التدبير، وابن الجنيد وابن البراج ببقائه به،
وهو الأصح لصحيحة أبي بصير، أما لو دبر المكاتب أو قاطع المدبر على مال
ليعجل له العتق لم يبطل التدبير قطعا.
ولو أوصى بالمدبر للغير كان رجوعا وإن رد الموصى له الوصية، قال
الشيخ: ولو أنكر التدبير لم يكن رجوعا إن جعلناه عتقا، وإن جعلناه وصية قوى
الشيخ أنه ليس برجوع، ولا اعتبار برد العبد التدبير سواء رده في حياة المولى أو
بعد وفاته.
فرع:
لو علقه بوفاة غيره، ففي كونه رجوعا عن التعليق بوفاته عندي احتمال، إذ
بقاء تعليقه بوفاته مع هذا التعليق يستلزم التوقف على هذا الشرط ولغو الثاني
بعيد.
ويعتق المدبر من ثلث المدبر، وتزاحمه الوصايا إذا اقترن الجميع ويقدم
السابق منها ويقدم عليه الدين سواء كان سابقا أو لاحقا على الأصح، ولو أبرأه
المدين المستوعب قال في المبسوط: عتق كله، وتوقف في المختلف لعدم
حصول ضعفه للورثة، ولو عجز الثلث وأجاز الوارث صح.
ولو كان التدبير واجبا أو معلقا بموت الغير فمات في حياة المولى فهو من
الأصل، وإباق المدبر أو المدبرة يبطل تدبيره، إلا أن يأبق من عند مخدومه
المعلق عتقه على موته فلا يبطل.
442

كتاب الكتابة
بدء اشتقاق الكتابة من الكتب، وهو الجمع لانضمام بعض النجوم إلى
بعض، ومنه كتبت الغلة والقرية والحروف.
وهي مستحبة مع الأمانة والكسب، وتتأكد مع التماس العبد، وبهما فسر
الشيخ الخير في آية الكتابة، ولو عدما فهي مباحة عند الشيخ في الخلاف وفي
المبسوط مكروهة.
وهي معاملة مستقلة تفارق البيع باعتبار الأجل على قول وسقوط خيار
المجلس والحيوان، ومنع الشيخ من اشتراط الخيار للسيد فيها، وجوز التقايل
وبيع العبد من نفسه، وعند الحلبي وابن إدريس أن الكتابة بيع محض.
فروع:
الأول: إن جوزنا بيعه عليه، فإذا قال المولى: بعتك رقبتك بكذا فقبل عتق،
كشراء القريب، ولا ولاء عليه إلا مع الشرط عند الشيخ كما مر، ويشكل بملك
الإنسان نفسه ولو صح فكيف يكون الولاء للبائع مع أنه لم يعتقه؟ والاشتراط
يخالف قوله صلى الله عليه وآله: الولاء لمن أعتق إلا أن يجعل الاشتراط كضمان
الجريرة المستأنف.
الثاني: لو قال له: " أنت حر على ألف درهم أو إن أعطيتني ألفا فأنت حر "
444

قيل: يبطل لأن العبد لا يملك، والثاني تعليق ويمكن إلحاقهما بالكتابة.
الثالث: الكتابة الفاسدة لا حكم لها عندنا، فلا ينعتق بالأداء.
ومن خواص الكتابة وقوعها بين المالك وعبده، وأن العوض والمعوض
ملك السيد، وأن المكاتب على درجة بين الاستقلال وعدمه، وأنه يملك من بين
العبيد ويثبت له أرش الجناية على سيده الجاني عليه وعليه الأرش للسيد المجني
عليه.
وصيغة العقد " كاتبتك على أن تؤدي إلي كذا في وقت كذا فإذا أديت فأنت
حر " فيقبل العبد لفظا.
وله شروط:
أحدها:
بلوع المولى وعقله، فلا يكفي العشر - وإن اكتفينا بها في العتق - سواء
أذن الولي أو لا، ولا يصح من المجنون المطبق ولا الدائر جنونه إلا أن يكون حال
الإفاقة المعلومة، ولو كاتب الولي عنهما فالأقرب الصحة مع الغبطة، كما يصح
البيع والعتق معها وهو المروي عن معاوية بن وهب عن الصادق عليه السلام،
وخيره الخلاف خلافا للمبسوط، ولو ادعى وقوعه حالة الصبي والجنون وأنكر
العبد قيل: يقدم قول السيد مع يمينه إذا عرف له حال جنون لأنه أعرف، ولو
انعكس احتمل ذلك أيضا، بل أولى لأنه يضم إلى ذلك الصحة التي هي أصل
في العقد، ويحتمل تقديم مدعي الجنون والصبي منهما للشك في العقد فلا ينفذ
في مقتضاه، وكذا سائر العقود.
وثانيها:
القصد، فلا عبرة بعقد الساهي والغافل والنائم والهازل، ولو تنازعا في
القصد فالظاهر تقديم مدعي الصحة، ولا بعقد السكران وإن أجرى عليه أحكام
الصاحي في العبادات بحيث يؤمر بقضائها، وكذا سائر عقوده باطلة عندنا.
445

وثالثها:
انتفاء الحجر، فلا يصح من السفيه إلا أن يأذن الولي، ولا من المفلس إلا
بإذن الغرماء، ويصح من المريض إن خرج من الثلث أو أجاز الوارث لأنه معاملة
على ماله بماله، ولو برأ لزم مطلقا، ومن المكاتب مع الغبطة.
أما القن فلا تصح كتابة رقيته إذا قلنا بملكه إلا بإذن السيد، ومن المرتد عن
ملة بإذن الحاكم لا بدونه في الأصح، ويحتمل المراعاة بإسلامه.
ورابعها:
الاختيار، فلا يقع من المكره إلا أن يرضى بعد زوال الإكراه، ولو ظهرت
دلالة الاختيار وقع كمخالفة المكره فيما عين.
وخامسها:
تكليف العبد، فلا يقع على الصبي والمجنون، وتخيل قبول المولى لهما أو
الحاكم أو الأب والجد بعيد.
وسادسها:
إسلامه، لعدم الخير في الكافر إن فسرناه بالدين أو بالأمانة ولأن في عتقه
تسليطا على المسلمين، ولأن المكاتب يؤتى من الزكاة ويتعذر هنا وهو اختيار
المرتضى والشيخ، وقيل: يجوز كعتقه أو كتغليب المعاوضة.
أما المرتد فإن كان عن فطرة لم يصح، وإن كان عن ملة جوزه الشيخ لأن
له أهلية المعاوضة وهو مطالب بالفرق، بل البطلان هنا أولى لعدم إقراره على
ردته، ولو كانا كافرين فالجواز أولى.
وسابعها:
استيعاب الجميع، فلو كاتب نصف عبد لم يصح عند الشيخ في المبسوط
للزوم التناقض في السعي سواء كان باقية له أم لغيره ولا تسري الكتابة، نعم لو
أدى انعتق كله عند الشيخ ويغرم السيد قيمة النصيب ولا يرجع به على العبد،
وفي الخلاف جوز كتابة البعض وهو الأقوى، وأولى منه لو كان بعضه حرا.
446

وثامنها:
نية الحرية عند الأداء، وفي اعتبار التلفظ بالحرية للشيخ قولان أقربهما
المنع.
وتاسعها:
اعتبار الأجل، ومن قال: هي بيع لم يعتبره، وعليه ابن إدريس، والأول
أقرب لجهالة وقت الحصول أو للعجز حال العقد لعدم ملكه، والحاصل عند
العقد للمولى، ويكفي أجل واحد عندنا لحصول الغرض، والمنع لا تباع الأولين
حيث لم يوقعوا بنجم واحد ضعيف.
فروع:
الأول: لو كان نصفه حرا وبيده مال وكاتبه على قدره فما دون حالا،
فالأقرب الصحة لأنه كالسعاية.
الثاني: لو كان واقفا على مملحة فكاتبه على قدر من الملح مقدورا في الحال،
فإن عللنا بجهالة وقت الحصول جاز، وإن عللنا بالعجز حال العقد امتنع.
الثالث: لو ضرب أجلا قصيرا لمال كثير يتعذر حصوله غالبا فيه بطل إن
عللنا بالجهالة، وإن عللنا بالعجز صح لأنه يصح تملكه بالعقد.
الرابع: يشترط تعيين الأجل، كأجل للسلف والنسيئة مما لا يحتمل الزيادة
والنقصان.
وعاشرها:
كون العوض دينا، فلو كاتبه على عين بطل لأنها إن كانت للسيد فلا
معاوضة وإن كانت لغيره فهي كجعل ثمن المبيع من مال غير المشتري، ولو
أذن الغير في الكتابة على عين يملكها فهي في قوة البيع، فإن جوزناه صح.
وحادي عشرها:
كونه معلوم القدر والجنس والوصف، فإن كان نقدا وصف بما يوصف في
447

النسيئة، وإن كان عرضا فكالسلم فتمنع الكتابة على ما لا يمكن ضبط أوصافه،
كالجارية وولدها والدرة النفيسة.
وثاني عشرها:
كون العوض مما يملكه المولى، فلو كاتب المسلم عبده المسلم أو الذمي
على خمر أو خنزير بطل، ولو كانا ذميين صح، فإن أسلما بعد التقابض وقع
موقعه، وإن كان قبله أو قبل قبض جميعه فعلى المكاتب القيمة عند مستحليه.
ويجوز جعل المنفعة عوضا وجزءا من العوض، فلو قيدها بمدة وأطلق
اقتضى الاتصال بالعقد، فلو شرط تأخره عن العقد كشهر يخدمه فيه بعد شهر مثلا
بطل عند الشيخ، ولو مرض العبد فيه بطلت الكتابة لتعذر العوض، ولو جمع
في العوض بين الدين والمنفعة صح سواء اتحد الأجل فيهما أو لا.
ويجوز تساوي النجوم في الآجال والمقادير واختلافها ولا حد للعوض قلة
وكثرة، نعم يكره أن يزيد على قيمته يوم المكاتبة.
ويجوز الجمع بين الكتابة وغيرها من المعاوضات بعقد واحد فيقسط
العوض، وكذا لو كاتب عبدين فصاعدا بعوض واحد قسط، ولو شرط كفالة
كل لصاحبه صح، ولو شرط ضمان " كل ما عليه " فضمنا انعتقا، ولو شرط
السيد بقاء الرق مع هذا الضمان حتى يؤديا أو تخيره في الرجوع على من شاء
منهما ففي كلام الشيخ إشعار بجوازه، وذكر في الحائريات جواز ضمان اثنين
مالا واشتراط رجوعه على من شاء منهما.
درس [1]:
تنقسم الكتابة إلى: مطلقة وهي ما ذكر.
ومشروطة وهي التي يزاد فيها الرد في الرق مع العجز فله شرطه، وقال
المفيد: وكذا لو شرط رده إن الظاهر بالأداء، ويتحقق العجز بمخالفة شرطه، فلو
شرط عليه العجز عند تأخر النجم عن محله أو عند تأخره إلى نجم آخر أو إلى
448

نجمين فصاعدا صح وإن أطلق، وقال الصدوق: ينظر ثلاثة أنجم فإن عجز
استرق، وقال المفيد: يعجز بالتأخر عن الأجل وهما مرويان وفي النهاية بتأخر
نجم إلى نجم أو يعلم من حاله عدم القدرة على فك رقبته.
وفي رواية إسحاق بن عمار: ينتظر عاما أو عامين، وفي رواية معاوية بن
وهب: ليس لها - أي المكاتبة - تأخير النجم بعد حله شهرا إلا بإذنهم، وفي رواية
جابر: لا يرده في الرق حتى تمضي له سنتان، وتحمل الروايات الثلاث على
الندب.
وفصل ابن الجنيد حسنا: أن شرط رقه إن عجز عن شئ من المال استرق
متى عجز عن أداء نجم أو بعضه في وقته، وإن قال: إن عجز عن نجم لم يتحقق
بالعجز عن بعضه.
وحكم المطلقة الحرية بإزاء ما أدى من مال الكتابة ولو نفد الأجل ولما يؤد
شيئا فك من سهم الرقاب، فإن تعذر استرق، وإن عجز بعد أداء شئ فك الباقي،
وإن تعذر تهايئا.
وإن مات ولم يؤد شيئا ولا خلف مالا مات رقا، وإن خلف مالا فظاهر
الأصحاب أنه كذلك، فماله للمولى ويحتمل أن يرث قريبه ما فضل عن مال
الكتابة لأنه كالدين، وإن كان قد أدى شيئا وترك مالا فالأشهر اقتسام مولاه
ووراثه على نسبة الحرية والرقية، ثم إن كان الوارث حرا فلا شئ عليه، واحتمل
بعضهم أن يؤخذ منه أقل الأمرين من الموروث وباقي مال الكتابة، وإن كان تابعا
له في الكتابة كولده من أمته تحرر منه بنسبة أبيه وأدى بقية مال الكتابة، وفي
صحيح ابن سنان وجميل بن دراج: يقضي مال الكتابة من الأصل ويرث وارثه
ما بقي، واختاره ابن الجنيد، ولو أوصي له أو وجب عليه حد أو زكاة كان مبعضا
بحساب الحرية.
ولو وطئ المولى المكاتبة المطلقة تبعض الحد أيضا عليه وعليها.
وحكم المشروطة أنه رق ما بقي عليه شئ، فإن مات وقد تخلف شئ فالأظهر
449

أن ماله لمولاه.
وقال المفيد: يؤدي مال الكتابة والباقي لوارثه، فإن لم يكن فضل فالجميع
للمولى.
وقضية كلامه أنه مع وفاء المال مات حرا ولا معه مات رقا وحكم على
أولاده بالسعي إذا كانوا تابعين له في الكتابة، إن لم يخلف وفاء، والصدوق
أطلق أداء الابن ما على أبيه وعتقه، ولم يفصل بالمطلقة والمشروطة.
واختلفوا في لزوم العقد وجوازه، فحكم الشيخ وابن إدريس بجواز
المشروطة من جهة العبد، بمعنى أنه له الامتناع من أداء ما عليه، فيتخير السيد بين
الفسخ والبقاء ولازمة من طرف السيد، والمطلقة لازمة من الطرفين، وقال ابن
حمزة: المشروطة جائزة من الطرفين والمطلقة لازمة من طرف السيد خاصة وهو
غريب، وقال الفاضلان بلزومها مطلقا من الطرفين، وأجبر المكاتب على السعي
وعليه يتفرع إجبار ولده بعد موته.
ويجب على السيد إيتاء المكاتب شيئا من سهم الرقاب إن وجبت عليه
الزكاة، وإن لم تجب عليه استحب الإيتاء قاله في الخلاف، وأطلق في المبسوط
وجوب الإيتاء وأطلق ابن البراج الاستحباب، وقيد ابن إدريس وجوب الإيتاء
بكونه مكاتبا مطلقا عاجزا وكون المولى ممن وجبت عليه الزكاة، وفي الخلاف
احتمل عود ضمير " وآتوهم " إلى من وجبت عليه الزكاة وإن كان غير سيده،
وهو أحد أقوال المفسرين.
ويكره أن يزيد في مال الكتابة عند العقد ليؤتيه منه ويبقى ما يوازي قيمته،
قال الشيخ في المبسوط: ووقت الإيتاء ما بين الكتابة والعتق، ويكفي ما يطلق عليه
الاسم، وأقله من الدنانير حبة ذهب ومن الدراهم يكفي أقل من درهم، ويكفي
الحط من النجوم عنه.
ويجب على العبد القبول إن أتاه من عين مال الكتابة أو من جنسه لا من غير
جنسه.
450

ولو عتق ومات السيد قبل الإيتاء أخذت من تركته كالدين.
ويجب على المولى قبض النجوم في أوقاتها أو الإبراء، فإن امتنع قبضه
الحاكم وعتق، فإن تعذر الحاكم فالأقرب الاكتفاء بتعيين العبد إياه وتمكينه منه
فيعتق، ولو دفع إليه غير العوض المعين لم يجب القبول إلا أن يكون من جنسه
وهو أجود.
ولو ظهر استحقاقه رد رقا حتى يأتي بغيره، ولو ظهر معيبا فللمولى أرشه، وله
رده فيرد رقا، ولو تجدد عند السيد عيب فليس له الرد كالمبيع عند الشيخ،
وقال الفاضلان: للسيد رده مع الأرش، ولو أبرأه السيد من مال الكتابة برئ
وعتق، ولو أبرأه من البعض وكان مطلقا عتق بإزائه.
ويجوز بيع العوض بعد حلوله ونقله بسائر وجوه النقل، فيجب على
المكاتب تسليمه إلى من صار إليه، ومنع في المبسوط من بيعه للنهي عن بيع ما لم
يقبض، ولو اختلفا في قدره حلف العبد للأصل ويحتمل السيد لأصالة عدم
العتق إلا بما يتفقان عليه، ولو اختلفا في الأداء حلف السيد قطعا، وكذا في قدر
النجوم ويجوز تعجيله قبل الأجل إن اتفقا عليه، ولو صالحه قبل الأجل على أقل
من غير الجنس صح، وإن كان منه منعه الشيخ لأنه ربا.
ولو كان له على السيد مال جازت المقاصة، فإن اتحد الجنس والصفة
فالمقاصة قهرية سواء كانا نقدين أو عرضين مثليين، ولو اختلف الجنس أو كانا
قيميين اعتبر التراضي، ولا يفتقر معه إلى قبضهما ولا إلى قبض أحدهما، وكذا لو
كان أحدهما نقدا والآخر عرضا.
وحكم كل غريمين ذلك، وقال الشيخ: إن كانا نقدين قبض أحدهما
ودفعه عن الآخر، وإن كانا عرضين فلا بد من قبضهما، وإن كان أحدهما نقدا
فقبض العرض ثم دفعه عن النقد جاز دون العكس، وكان الشيخ يجعل
المقاصة بيعا فيلحقها أحكامه من بيع الدين بالدين وشبهه.
451

درس [2]:
يثبت للمكاتب الملك والتصرف بما لا خطر فيه، كالعتق والهبة والبيع
بالنسيئة أو بالغين، ولو أخذ الرهن في النسيئة فالأقرب الجواز، وكذا الضمين، أما
الشراء بعين أو نسيئة فجائز.
وليس له المضاربة بماله وأخذها من الغير، وكذا ليس له الإقراض، وله أن
يقترض، وليس له أن يكاتب عبده إلا مع الغبطة ولا يتزوج ولا يتسرى ولا يقبل
وصية وهبة ممن ينعتق عليه مع الضرر، وكذا لا يتزوج المكاتبة ولا يكفر بغير
الصوم، ولو أذن المولى في جميع ذلك جاز لأن الحق لهما.
فروع:
لو عقد حيث لا غبطة فأجازه المولى نفذ ولو أبطله بطل، ولو سكت حتى
عتق احتمل نفوذه لزوال المانع، وقطع بعض الأصحاب بعدم النفوذ، ولو أعتق
باذنه كان الولاء له إن عتق وإلا فللمولى، فلو مات في زمن الكتابة وقف الميراث
توقعا لعتق المكاتب.
ويملك المكاتبة المهر حيث يصح التزويج، أو توطأ بشبهة، هذا وله النفقة
على رقيقه وقريبه الموقوف له وعلى حيوانه ونفسه وزوجته بالمعروف وله السفر
إلا أن يوافق حلول النجم مسافرا، وله الحج كذلك إذا لم يحتج إلى زيادة نفقة
عن الحضر، ولو شرط المولى عدم السفر في العقد فالأقرب الصحة لأنه إحكام
ماله.
وليس للمولى التصرف في ماله بما ينافي الاكتساب والاستيفاء، ويصح أن
يوصي برقبته مشروطا بتعجيزه وبمال الكتابة لاثنين ولواحد، والمعجز الوارث
وإن أنظره الموصى له.
وليس للمولى تزويج المكاتبة إلا بإذنها، ولا وطؤها وإن أذنت لا
بالملك ولا بالعقد، ولو شرط ذلك في العقد بطل، ولو وطئها فعليه المهر وإن طاوعته، وفي
452

تكرره بتكرر الوطء أوجه ثالثها إن تخلل الأداء بين الوطئين تكرر وإلا فلا وتصير
أم ولد، فإن مات وعليها شئ من مال الكتابة عتق باقيها من نصيب ولدها، فإن
عجز النصيب بقي الباقي مكاتبا، ولو ولدت من مملوك أو من حر بشرط الرقية
لم يكن الولد مكاتبا لعدم جريان العقد معه، بل ينعتق بعتقها، ولو ولدت من زنا
وهي جاهلة فكذلك، وإن كانت عالمة أطلق جماعة أنه كذلك، ويشكل بعدم
لحاقه بها شرعا.
ولو جنى على ولدها في طرف فهو موقوف، فإن عتق ملكه وإلا فللسيد، فلو
أشرفت الأم على العجز فلها الاستعانة به وكذا كسبه.
ولو قتل فالقيمة للأم لعدم تمكن السيد من التصرف فيه، ويحتمل للسيد
كما لو قتلت الأم.
ونفقته من كسبه، فإن قصر أتمه السيد لأنه ملكه وإن كان موقوفا.
وفي جواز إعتاق المولى إياه وجهان، من تحقق الملك ومن تعلق حق الأم
بكسبه في الاستعانة، وحكم ولد الولد من أمته حكم الولد.
فرع:
لو تنازع المولى والمكاتبة في تقدم الولد على الكتابة وتأخره حلف المولى،
ولو تنازع المكاتب والسيد حلف المكاتب، والفرق أن يده ثابتة عليه وهو يدعي
ملكه فيرجح باليد، والمكاتبة لا تدعي الملك إنما تدعي الوقف ولم يثبت كون
اليد مرجحة للوقف.
ويتصور النزاع في المكاتبة بأن يزوجه أمته ثم يشتريها المكاتب فالولد قبل
الشراء للسيد وبعده للمكاتب.
درس [3]:
تصح الوصية للمكاتب من مولاه مطلقا ومن غيره بحساب ما تحرر منه،
453

والأقرب صحتها أيضا مطلقا لأن قبول الوصية نوع اكتساب.
ويعتبر ما أوصى به المولى فإن كان بقدر الأكثر من القيمة والنجوم عتق
والفاضل له، وإن كان بقدر أقلهما فإن كان الأقل النجوم فكذلك وإن كان
الأقل الرقية احتمل ذلك، لأنها لا تقصر عن القن، واحتمل اعتبار النجوم لأنها
الواجبة وهذا قوي.
ولو أوصى بوضع نجم معين من نجومه صح، ولو قال: ضعوا عنه أي نجم
شاء، تخير ولو قال: ضعوا أكثر ما عليه من النجوم بالمثلثة، وضع النصف وأدنى
زيادة، ولو كان بالموحدة وضع أكثرها قدرا، وإن تساوت وضع أكثرها أجلا،
فإن تساوت فالأحسن صرفه إلى الأول، ويحتمل في القسم الأول ذلك أيضا.
ولو قال: ضعوا أكبر أو أكثر ما عليه ومثله، ضعف وبطل في الزائد إذا كان
بالمثلثة، ولو قال: ضعوا عنه ما شاء من نجومه، أو من نجومه ما شاء، فلا بد أن يبقى
شيئا لأن " من " للتبعيض، ولو قال: ما شاء، وشاء الجميع فالأقرب الصحة
للعموم، ويحتمل الإبقاء لقرينة الحال وهو مختار الشيخ.
ولو قال: ضعوا عنه أوسط نجومه، وكان فيها أوسط عددا أو قدرا أو أجلا
حمل عليه، ولو حصل في نجمين أوسطان أو الثلاثة تعين، ولو اختلفت تخير
الوارث أو أقرع على الأفضل، ولو كان العدد زوجا جمع بين النجمين.
ولو أعتقه في مرض موته أو أبرأه من مال الكتابة فمن الثلث، ويعتبر الأقل
من قيمته والنجوم، ولو أوصى بعتقه ولا مال سواه عتق ثلثه معجلا، ثم إن أدى
ثلثي مال الكتابة عتق كله، وإن عجز بقي ثلثاه رقا.
مسائل:
الأولى: لو جن المولى لم تبطل الكتابة ويتولى القبض الولي، فلو قبضه
المجنون لم يعتق، ولو جن المكاتب وأدى المال مجنونا عتق لأن للسيد
الاستقلال بالأخذ، والأولى إذن الحاكم إن أمكن لأن له الولاية إلا أن نقول بولاية
454

السيد في استيفاء المال.
الثانية: قال جماعة: إن المشروط يلزم فطرته المولى لأنها تابعة للملك وفي
المطلق بالحصص، ويحتمل أن لا فطرة لأنها تابعة للنفقة.
الثالثة: لا تثبت الكتابة إلا بعدلين، وقيل: يكفي شاهد ويمين، ولو صدقه أحد
الوراث كان نصيبه مكاتبا، فإن كان عدلا فهو شاهد فإذا أدى نصيبه عتق ولا يقوم
عليه، والظاهر أنه يسعى في نصيب المكذب بعد يمينه على عدم علم المكاتبة إن
ادعى عليه العلم، والولاء للمصدق بأجمعه إن شرط على المكاتب.
الرابعة: لو أحضر المكاتب المال فقال السيد: هو لفلان، افتقر إلى البينة، فإن
أقامها انتزعه الحاكم حتى يحضر المقر له، وإن انتفت حلف المكاتب فإن نكل
حلف السيد لا ليثبت مال غيره، بل لينفي وجوب قبضه عليه، ولو قال: هو حرام،
فكذلك إلا أنه في الأول يلزم بدفعه إلى المقر له في موضع وجوب قبضه.
الخامسة: لو حل النجم وعليه دين غيره وقصر ما في يده عنهما، فإن كان
مطلقا وزع، وإن كان مشروطا قدم الدين لأن للمولى التعجيز والاسترقاق، وكذا
لو مات أخذ الدين من تركته، ولا يلزم المولى الإكمال لو قصر.
السادسة: لو أعتق المولى المكاتب وبيده مال، أو أعتقت المكاتبة من نصيب
الولد فما في أيديهما لهما على الأقرب، لأنه من كسبهما المحكوم لهما بملكه،
وكذا لو دبر المكاتب فعتق بالتدبير.
درس [4]:
في الجناية، إذا قتل المكاتب فهو كموته فإن كان مشروطا أو مطلقا لم يؤد
فقيمته لمولاه، وما تركه له، ولو قتله السيد ملك التركة وللمولى القصاص في
العمد من المكافئ، وإن جنى على طرفه فالأرش له وإن كان الجاني السيد، ولو
كانت الجناية عمدا فله القصاص من المكافئ وإلا نقص حرية.
ولو كان عبد مولاه ففي القصاص مع منع المولى قولان: من قطع سلطنة
455

المولى ومن تحقق الرقية فيه، ولو عفا على مال صح، ولو عفا مطلقا قيل: يصح
وإن كره المولى لأن الواجب القود لا المال، ولو كان قد تحرر منه شئ فجنى عليه
من هو أزيد حرية فلا قصاص ويتعين المال.
وإن جنى المكاتب على مولاه عمدا اقتص منه نفسا أو طرفا.
ولو عفا على مال ثبت، وإن كان خطأ فالدية للسيد أو وارثه فإن وفى
ما بيده بالحقين وإلا عجزه إن شاء بعد أخذ الدية، ولو جنى على أجنبي عمدا فله
القصاص مع المكافاة أو كون المجني عليه أزيد حرية.
ولو عفا على مال جاز وقدم على النجوم في المشروط، وإن كان خطأ تعلق
بماله، وإن تبعض تعلق نصيب الحرية بعاقلته ونصيب الرقية بماله، ومع الحجر
عليه يوزع ماله مع القصور، ولو كان مشروطا قدم الأرش، ولو لم يحجر عليه
قدم من شاء.
ولو جنى عبد المكاتب وأراد فكه روعي كون الأرش لا يزيد عن القيمة فإن
زاد فبإذن المولى.
ولو جنى عبده عليه عمدا فله القصاص إلا أن يكون أباه، وإن كان خطأ أو
عفا على مال في العمد لم يثبت لامتناع أن يثبت على المال مال إلا أن يكون
مكاتبا.
ولو جنى على عبده لم يكن له القصاص إلا أن يكون أباه، فله ذلك بناء
على أن حكم الأب معه حكم الأحرار من حيث أنه ليس له بيعه ولا إخراجه عن
ملكه، ولما ثبت للابن حكم الحرية بعقد الكتابة ثبت للأب.
ولو جنى على المكاتب أبوه أو ولده لم يملك بيعه لما قلنا من عدم ثبوت
مال على مال.
ولو جنى المكاتب على جماعة عمدا اقتص لهم، ولو كان غير عمد ثبت لهم
المال، فإن لم يكن بيده مال أو لم يف بيع في الجناية وقسط ثمنه بالنسبة تعاقبت
الجناية أو لا، ولو فداه السيد فالكتابة بحالها والأصح أنه يفديه بأقل الأمرين من
456

قيمته والأرش.
ولو تعاقبت الجناية عمدا على جماعة فالظاهر أنه مشترك بينهم ما لم يحكم
به لأولياء الأول فيكون لمن بعده.
ولو أعتقه السيد بعد جنايته عليه ولا مال معه سقط الأرش لزوال متعلقه
بفعل السيد، ولو كان معه مال ففي أخذه منه لاستصحاب جواز الأخذ قبل العتق
أولا لأن تعلق الأرش بالرقبة بالأصالة والمال يثبت تبعا وجهان.
ولو أعتقه بعد جنايته على أجنبي عمدا لم يصح، وإن كان خطأ فكعتق القن
مراعى بضمان الجناية وعليه أقل الأمرين من قيمته والأرش سواء كان الأرش
لواحد أو لجماعة.
ولو جنى ثم أدى مال الكتابة عتق وضمن أرش الجنايات أو الأقل على
الخلاف، لأنه أتلف الرقبة بفعله.
ولو جنى بعض عبيده على بعض خطأ فلا شئ، ولو كان عمدا فله القصاص
استصلاحا للمال، إلا أن يكون الجاني أباه فلا يقتص منه، كما لا يقتص منه لنفسه،
ولو جنى أبوه على أجنبي فليس له فكه لأنه يتعجل بإتلاف ماله التصرف فيه بإزاء
ما يمنع منه، وللمكاتب تعزير عبده وأمته، بل وله إقامة الحد عليهما عند موجبه.
درس [5]:
في اللواحق، يجوز للسيد معاملة المكاتب بيعا وشراء كالأجنبي وأن يأخذ
منه بالشفعة، وللمكاتب أيضا الأخذ منه بها.
ولو أدى أحد مكاتبيه واشتبه أرجى ليتذكر فإن زال الرجاء أقرع، وقال في
المبسوط: لا يقرع حتى يموت.
ولو كاتب اثنان عبدا فليس له أن يخص أحدهما بالأداء إلا بإذن شريكه،
فإن فعل فللشريك مطالبة القابض والمكاتب، وجوز القاضي التخصيص،
وتمسك الشيخ على المنع بأنه إذا عجز يرجع الشريك على القابض بنصيبه
457

بعد انتفاع القابض به بغير حق.
وليس ببعيد إدراج هذه في حكم الشركاء في دين إذا قبض أحدهما بعضه،
قال الشيخ: إن سلم ملك القابض فقد انتفع بماله، وتجدد استحقاق الشريك
بعد الفسخ إنما حصل من حينه، وإن منع ملك الشريك أسند الحكم إليه لا إلى
الانتفاع، وفي المختلف: إن اتحد العقد والعوض لم يخص وإلا جاز ولو جعل
عشر سنين ظرفا لأداء المال ففي الخلاف، وهو قول ابن الجنيد، يجوز لقضية
الأصل.
وتفويض الأداء إلى المكاتب، ومنعه في المبسوط للجهالة كأجل البيع
والسلم.
ولا زكاة في مال المشروط ولا المطلق ما لم يؤد، وتردد في المبسوط في
وجوبها على السيد ورد بعدم إمكان تصرفه، ولو كاتبه ثم احتبسه أو حبس مدة
قيل: يؤجله مثلها، وقيل: تلزمه الأجرة في الاحتباس، والقولان للشيخ.
ولا يدخل الحمل في مكاتبة الأم عند قوم، وأدخله القاضي ومنع من استثنائه
في الكتابة، ويدخل الخنثى في الوصية بمكاتبة واحد من رقيقه خلافا له.
ولو قال السيد للمكاتب في العقد: وأنت حر بقدر ما تؤدي، تبع شرطه،
ويكون كالمطلقة، ولا ينعتق بأداء شئ على سبيل السراية، وقال ابن الجنيد:
ينعتق إلا أن يضيف إليه " وأنت عبد بقدر ما بقي عليك ".
ولو ورثت المرأة زوجها المكاتب فالأقرب فسخ النكاح وإن كان مطلقا،
وقال ابن الجنيد: لا يورث المكاتب إنما ينفسخ إذا كان قد تحرر منه شئ ثم مات
المورث.
ولو أسلم مكاتب الذمي لم يبع عليه لجريانه في العتق وضعف السبيل
وقال ابن الجنيد: يباع مكاتبا ويؤدى إلى المشتري ثمنه ولا يأخذ منه زيادة لأنه
ربا.
ولو زعم المكاتب أن له بينة على أداء مال الكتابة إلى السيد أجل ثلاثا، قال
458

الشيخ: لأنها أول الكثرة وآخر القلة، ولو كاتبه فاسدا ثم أوصى برقبته صح وإن
لم يعلم بالفساد عند الشيخ لمصادفة الملك، كما لو باع ثانيا والأول فاسد،
ويمكن منع الحكمين مع الجهل.
ولو امتنع المشروط من الأداء مع قدرته عليه فللسيد الفسخ قاله الشيخ
لأنها عقد معاوضة فينفسخ لتعذر العوض كالبيع.
ولو كان العبد غائبا عند حلول النجم فليس له الفسخ إلا بعد إثبات الكتابة
عند الحاكم وإثبات النجوم وتعذر الأداء واليمين على بقائها، وله الفسخ في
الحاضر من غير حاكم للإجماع على الفسخ.
فرع:
يصح عتق المكاتب بنوعيه، وفي عتقه بالعوارض كالعمى والجذام والإقعاد
والتنكيل عندي نظر، ينشأ من تشبثه بالحرية فلا يدخل تحت لفظ المملوك ومن
بقاء حقيقة الرقية، ومن ثم لو أسلم في دار الحرب قبل مولاه عتق.
459