الكتاب: الينابيع الفقهية
المؤلف: علي أصغر مرواريد
الجزء: ٢٤
الوفاة: معاصر
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤١٠ - ١٩٩٠ م
المطبعة:
الناشر: دار التراث - بيروت - لبنان / الدار الإسلامية - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: أشرف على جمع أصولها الخطية وترتيبها حسب التسلسل الزمني وعلى تحقيقها وإخراجها وعمل قواميسها علي أصغر مرواريد

الينابيع الفقهية
القصاص والديات
حقوق الطبع محفوظة
الطبعة الأولى
1410 ه‍. 1990 م
دار التراث = الدار الاسلامية
بيروت.
سلسلة الينابيع الفقهية
القصاص والديات
أشرف على جمع أصولها الخطية وترتيبها حسب التسلسل
الزمنى وعلى تحقيقها واخراجها وعمل قواميسها
على أصغر مرواريد
الجزء الأول
بسم الله الرحمن الرحيم
1

القصاص والديات
فقه الرضا
المنسوب للإمام علي بن موسى الرضا ع
153 - 202 ه‍ ق
2

باب الديات
اعلم يرحمك الله أن الله جل وعز جعل في القصاص حياة طولا منه ورحمة لئلا
يتعدى الناس حدود الله، فجعل في النطفة إذا ضرب الرجل المرأة وألقتها عشرين
دينارا، فإن ألقت مع النطفة قطرة دم جعل لتلك القطرة ديناران ثم لكل قطرة
ديناران إلى تمام أربعين دينارا وهي العلقة، فإن ألقت علقة وهي قطعة دم مجتمعة
مشتبكة فعليه أربعون دينارا، ثم في المضغة ستون دينارا، ثم في العظم المكتسي
لحما ثمانون دينارا، ثم للصورة وهي الجنين مائة دينار، فإذا ولد المولود واستهل
- واستهلاله بكاؤه - فديته إذا قتل متعمدا ألف دينار أو عشرة آلاف درهم
والأنثى خمسة آلاف درهم إذ كان لا فرق بين دية المولود والرجل.
وإذا قتل الرجل المرأة وهي حامل متم ولم تسقط ولدها ولم يعلم ذكر هو أو
أنثى فديته نصفان نصف دية الذكر ونصف دية الأنثى.
وقد جعل للجسد كله ست فرائض: النفس والبصر والسمع والكلام والشلل
من اليدين والرجلين، وجعل مع كل واحدة من هذه قسامة على نحو ما قسمت الدية
فجعل للنفس على العمد من القسامة خمسون رجلا وعلى الخطأ خمسة وعشرون رجلا
على ما يبلغ دية كاملة ومن الجروح ستة نفر فيما بلغت ديته ألف دينار فما كان
دون ذلك فبحسابه من الستة نفر.
والبينة في جميع الحقوق على المدعي فقط واليمين على من أنكر إلا في الدم فإن
البينة أولى على المدعي وهي شاهدا عدل من غير أهله إن ادعى عليه قتله، فإن لم
3

يجد شاهدين عدلين فقسامة وهي خمسون رجلا من خيار هم يشهدون بالقتل، فإن لم
يكن ذلك طولب المدعى عليه بالبينة أو بالقسامة أنه لم يقتله، فإن لم يجد حلف
المتهم خمسين يمينا أنه ما قتله ولا علم له قاتلا، فإن حلف فلا شئ عليه ثم يؤدى
الدية أهل الحجر والقبيلة، فإن أبي أن يحلف ألزم الدم، فإن قتل في عسكر أو سوق
فديته من بيت مال المسلمين.
وكل من ضرب متعمدا فتلف المضروب بذلك الضرب فهو عمد، والخطأ أن
يرمي رجلا فيصيب غيره أو يرمي بهيمة أو حيوانا فيصيب رجلا.
والدية في النفس ألف دينار أو عشرة آلاف درهم أو مائة من الإبل على حسب
أهل الدية إن كانوا من أهل العين ألف دينار وإن كانوا من أهل الورق فعشرة
آلاف درهم وإن كانوا من أهل الإبل فمائة من الإبل.
وكل ما في الانسان منه واحد ففيه دية كاملة وكل ما في الانسان منه اثنان
ففيهما الدية تامة وفي إحديهما النصف، وجعل دية الجراح في الأعضاء على حسب
ذلك فدية كل عظم يكسر تعلم ما في دية القسم فدية كسره خمس ديته ودية موضحته
ربع دية كسره.
باب العين:
فإذا أصيب الرجل في إحدى عينيه لعلة من الرمي أو غيره فإنها تقاس ببيضة
تربط على عينه المصابة فينظر ما منتهى بصر عينه الصحيحة ثم تغطى عينه الصحيحة
فينظر ما منتهى عينه المصابة فيعطى ديته بحساب ذلك، والقسامة على هذه ستة
نفر، فإن كان ما ذهب من بصره السدس حلف وحده وأعطي، وإن كان ثلث
بصره حلف وحلف معه رجل، وإن كان نصف بصره حلف وحلف معه رجلان،
وإن كان ثلثي بصره حلف وحلف معه ثلاثة رجال وإن كان خمسة أسداس بصره
حلف وحلف معه أربعة رجال، وإن كان بصره كله حلف وحلف معه خمسة
رجال، فإن لم يوجد من يحلف معه وعسر عليه بهذا الحساب لم يعط إلا ما حلف عليه.
4

باب الأذن:
وفي الأذن القصاص وديتها خمسمائة دينار، وفي شحمة الأذن ثلثا دية الأذن
فإن أصاب السمع شئ فعلى قياس العين يصوت له بشئ مصوت ويقاس ذلك،
والقسامة على ما ينقص من السمع فعلى ما شرحناه من البصر.
باب الصدع:
فإذا أصيب الصدع فلم يستطع أن يلتفت حتى ينحرف بكليته فنصف الدية
وما كان دون ذلك فبحسابه.
باب أشفار العين:
فإذا أصيب الشفر الأعلى حتى يصير أشتر فديته ثلث دية العين إذا كان من
فوق وإذا كان من أسفل فديته نصف دية العين.
باب الحاجب:
إذا أصيب الحاجب فذهب شعره كله فديته نصف دية العين فإن نقص من
شعره شئ حسب على هذا القياس.
باب الأنف:
فإن قطعت أرنبة الأنف فديتها خمسمائة دينار، فإن أنفذت منه نافذة فثلثا دية
الأرنبة، فإن برئت والتأمت ولم تنخرم فخمس دية الأرنبة، وإن كانت النافذة في
إحدى المنخرين إلى الخيشوم وهو الحاجز بين المنخرين فديتها عشر دية الأنف.
5

باب الشفة:
فإذا قطع من الشفة العليا أو السفلى شئ فبحساب ديتها تكون القسمة.
باب الخد:
إذا كانت فيه نافذة يرى منها جوف الفم فديتها مائة دينار وإن برئ والتأم وبه
أثر بين فديته خمسون دينارا وإن كانت نافذة في الخدين كليهما فديتها مائة دينار،
وإن كانت رمية في العظم حتى تنفذ إلى الحنك فديتها مائة وخمسون دينارا، وإن لم
ينفذ فديتها مائة دينار، وإن كانت موضحة في الوجه فديتها خمسون دينارا، وإن
كان بها شين فديته دية الموضحة، وإن كان جرحا لم يوضح ثم برئ وكان في
الخدين فديته عشرة دنانير، فإن كان في الوجه صدع في العظم فديته ثمانون دينارا،
وإن سقطت منه جلدة من لحم الخد ولم يوضح وكان ما سقط وزن الدرهم فما فوق
ذلك فديته ثلاثون دينارا وفي الشجة الموضحة في الرأس وهي التي توضح العظام
أربعون دينارا.
باب اللسان:
سألت العالم ع عن رجل طرف لغلام فقطع بعض لسانه فأفصح
ببعض الكلام ولم يفصح ببعض، فقال: يقرأ حروف المعجم فما أفصح به طرح من
الدية وما لم يفصح به ألزم من الدية، فقلت: كيف ذلك؟ قال: بحساب الجمل
وهو حروف " أبي جاد " من واحد إلى ألف وعدد حروفه ثمانية وعشرون حرفا
فيقسم لكل حرف جزء من الدية الكاملة ثم يحط من ذلك ما بين عنه ويلزم الباقي،
ودية اللسان دية كاملة.
6

باب الأسنان:
اعلم أن دية الأسنان سواء وهي اثنا عشر سنا ست من فوق وست من أسفل
منها أربع ثنايا وأربعة أنياب وأربع رباعيات دية كل واحد من هذه الاثني عشر
خمسون دينارا فذلك ستمائة دينار، وأن دية الأضراس وهي ستة عشر ضرسا إن
كانت الدية مقسومة على ثمانية وعشرين سنا كان ما يراد من الأربعة المسماة.
وأضراس العقل لا دية فيها إنما على من أصابها أرش كأرش الخدش بحساب
محسوب لكل ضرس خمسة وعشرون دينارا فذلك أربعمائة دينار، فإذا اسودت السن
إلى الحول ولم تسقط فديتها دية الساقط، وإذا انصدعت ولم تسقط فديتها نصف
دية الساقط، وإذا انكسر منها شئ فبحسابه من الخمسين الدينار، وكذلك ما
يزاول الأضراس من سواد وصدع وكسر فبحساب الخمسة وعشرين الدينار وما نقص
من أضراسه أو أسنانه على الثمان والعشرين حط من أصل الدية بمقدار ما نقص
منه.
وروي: إذا تغيرت السن إلى السواد فيه ستة دنانير وإذا تغيرت إلى الحمرة
فثلاثة دنانير وإذا تغيرت إلى الخضرة فدينار ونصف.
باب الرأس:
في مواضح الرأس - واحدتها موضحة - خمسون دينارا، وإن نقلت منه
العظام من موضع إلى موضع فديتها مائة وخمسون دينارا، فإن كانت ناقبة فتلك
تسمى المأمومة وفيها ثلث الدية ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون دينارا وثلث، فإذا صب
على الرأس ماء مغلي فشحط شعره حتى لا ينبت جميعه فديته كاملة وإن نبت بعضه
أخذ من الدية بحساب ما نبت، وجميع شجاج الرأس على حساب ما وصفناه من
أمر الخدين، ومن حلق رأس رجل فلم ينبت فعليه مائة دينار وإن حلق لحيته ولم
ينبت فعليه الدية وإن نبت فطالت بعد نباتها فلا شئ.
7

باب الترقوة:
وإن انكسرت الترقوة فجبرت على غير عثم ولا عيب فديتها أربعون دينارا، فإن
انصدعت فديتها أربعة أخماس كسرها اثنان وثلاثون دينارا، وإذا وضحت فديتها
خمسة وعشرون دينارا، وإن نقلت العظام منها فديتها نصف دية كسرها عشرون
دينارا، وإن نقبت فديتها ربع دية كسرها عشرة دنانير.
باب المنكبين:
دية المنكب إذا كسر خمس دية اليد مائة دينار، وإن كان في المنكب صدع
فديته أربعة أخماس دية كسره ثمانون دينارا، وإن وضح فديته ربع دية كسره خمسة
وعشرون دينارا، فإن نقلت منه العظام فديته مائة دينار وخمسة وسبعون دينارا منها
مائة دينار للكسر وخمسون لنقل العظام وخمسة وعشرون دينارا للموضحة، وإن كانت
ناقبة فديتها ربع دية كسرها خمسة وعشرون دينارا، فإن رض المنكب فعثم فديته
ثلث دية النفس، فإن فك فديته ثلاثون دينارا.
باب العضد:
دية العضد إذا كسرت فجبرت على غير عثم خمس دية اليد مائة دينار،
وموضحتها ربع كسرها خمسة وعشرون دينارا، ودية نقل العظام نصف دية كسرها
خمسون دينارا، ودية نقبها ربع دية كسرها خمسة وعشرون دينارا وكذلك المرفق
والذراع.
باب زند اليد والكف:
إذا رض الزند فجبر على غير عثم ولا عيب ففيه ثلث دية اليد، فإن فك
الكف فثلث دية اليد، وفي موضحتها ربع كسرها خمسة وعشرون دينارا، وفي نقل
عظامها نصف دية كسرها، وفي نافذتها خمس دية اليد فإن كانت ناقبة فديتها ربع
8

دية كسرها.
باب الأصابع والعضد والأشاجع:
في الإبهام إذا قطع ثلث دية اليد، ودية قصبة الإبهام التي في الكف إذا
جبرت على غير عثم ولا عيب خمس دية الإبهام، ودية صدعها ستة وعشرون دينارا
وثلثان، ودية موضحتها ثمانية دنانير وثلث، ودية فكها عشرة دنانير. ودية المفصل
الثاني من أعلى الإبهام إذا جبر على غير عثم ولا عيب ستة عشر دينارا ودية
الموضحة في العليا أربعة دنانير وسدس دينار، ودية نقل العظام خمسة دنانير وما قطع
منه فبحسابه، وفي الأصابع الأربع في كل إصبع سدس دية اليد ثلاثة وثمانون
دينارا وثلث، ودية كسر كل مفصل من الأصابع الأربعة التي تلى الكف ستة عشر
دينارا وثلث، وفي نقل عظامها ثمانية دنانير وثلث، وفي موضحتها أربعة دنانير
وسدس دينار، وفي نقبه أربعة دنانير وسدس، في فكه خمسة دنانير.
ودية المفصل الأوسط من الأصابع الأربع إذا قطع خمسة وخمسون دينارا
وثلث، وفي كسره أحد عشر دينارا وثلث، وفي صدعه ثمانية دنانير ونصف، وفي
موضحتها دينار وثلثان، وفي نقل عظامه خمسة دنانير وثلث، وفي نقبه ديناران وثلثا
دينار، وفي فكه ثلاثة دنانير وثلثان.
وفي المفصل الأعلى من الأصابع الأربع إذا قطع سبعة وعشرون دينارا ونصف
دينار وربع عشر دينار، وفي كسره خمسة دنانير وأربعة أخماس دينار، وإذا أصيب
ظفرا إبهام اليدين على ما يوجب النفقة ففي كل واحدة منهما ثلث دية أظفار اليد
ودية أظفار كل يد مائتان وخمسون دينارا والثلث من ذلك ثلاثة وثمانون دينارا
ودية الأصابع الأربع في كل يد مائة وستة وستون دينارا وثلثان الربع من ذلك
واحد وأربعون دينارا وثلثان، ودية أظفار الرجلين كذلك.
روي: أن على كل ظفر ثلاثين دينارا والعمل في دية الأظافير في اليدين
والرجلين في كل واحد ثلاثون دينارا.
9

باب الصدر والظهر والأكتاف والأضلاع:
وإذا انكسر الصدر وانثنى شقاه فديته خمسمائة دينار ودية أحد شقيه إذا انثنى
مائتان وخمسون دينارا، وإذا انثنى الصدر والكتفان فديته مع الكتفين ألف دينار،
وإذا انثنى أحد الكتفين مع شق الصدر فديته خمسمائة دينار ودية الموضحة في الصدر
خمسة وعشرون دينارا، وإن اعترى الرجل صعر لا يقدر أن يلتفت فديته خمسمائة
دينار وإن كسر الصلب فجبر على غير عيب فديته مائة دينار وإن عثم فديته ألف
دينار.
وفي الأضلاع فيما خالط القلب إذا كسر منها ضلع فديته خمسة وعشرون دينارا،
ودية فصل عظامه سبعة دنانير ونصف وموضحته ربع دية كسره ونقبه مثل ذلك، وفي
الأضلاع مما يلي العضدين دية كل ضلع عشرة دنانير إذا كسر، ودية صدعه سبعة
دنانير، ودية نقل عظامه خمسة دنانير، وموضحة كل ضلع منها ربع دية كسره ديناران
ونصف، فإن نقب ضلع منها فديته ديناران ونصف وفي عيبه إذا برئ مائة دينار
وخمسة وعشرون دينار.
باب البطن:
في الجائفة ثلث دية النفس وإن نفذت من الجانبين فأربعمائة دينار وثلاثة
وثلاثون دينارا.
باب الورك:
وفي الورك إذا كسر فجبر على غير عثم ولا عيب خمس دية الرجل مائتا دينار،
فإن صدع الورك فأربعة أخماس دية كسره، وإن وضح فربع دية كسره، وإن نقل
عظامه فمائة دينار وخمسة وسبعون دينارا، ودية فك الورك ثلاثون دينارا، فإن رض
فعثم فثلث دية النفس والله أعلم.
10

باب الذكر والأنثيان: دية الأنثيين ألف دينار، وقد روي: أن أحدهما تفضل على الأخرى وأن
الفاضلة هي اليسرى لموضع الولد. فإن فحج فلم يقدر على المشي إلا مشيا لا ينفعه
فأربعة أخماس دية النفس ثمانمائة دينار، وفي الذكر ألف دينار.
باب الفخذين:
ديتهما ألف دينار دية كل واحد منهما خمسمائة دينار، وإذا كسرت الفخذ
فجبرت على غير عثم ولا عيب فخمس دية الرجل مائتا دينار، وإن عثمت الفخذ
فديتها ثلث دية النفس، ودية صدع الفخذ أربعة أخماس دية كسرها، وإن كانت
قرحة لا تبرئ فثلث دية كسرها، وموضحتها ربع دية كسرها.
باب الركبتين:
وفي الركبتين إذا كسرت وجبرت على غير عثم خمس دية الرجل، فإن انصدعت
فديتها أربعة أخماس دية كسرها وموضحتها ربع دية كسرها ونقل عظامها مائة دينار
وخمسة وسبعون دينارا ودية نقبها ربع دية كسرها، فإن رضت فعثمت فثلث
دية النفس، فإن فكت فثلاثون دينارا.
باب الساقين:
إذا كسرت الساقان فجبرت على غير عثم ولا عيب ففيهما مائتا دينار، ودية
صدعها أربعة أخماس دية كسرها، وموضحتها ربع دية كسرها، ونقل عظامها مثل
ذلك ربع دية كسرها، وفي نقبها نصف دية موضحتها وهو خمسة وعشرون دينارا،
والقرحة التي لا تبرأ فيها ثلاثة وثلاثون دينارا، فإن عثمت الساق فثلث دية
النفس.
11

وفي الكعب والقدم إذا رض الكعب فجبر على غير عثم فثلث دية النفس،
والقدم إذا كسرت فجبرت على غير عثم خمس دية النفس ودية
موضحتها ربع دية كسرها، وفي نافذتها ربع دية الكسر.
باب الأصابع من الرجل والعصب التي فيها القدم:
في خمس أصابع الرجل مثل ما في أصابع اليد وفي الإبهام والمفاصل مثل ما في
اليد من الإبهام والمفاصل، ودية اليد والرجل الشلاء ثلث دية الصحيحة والزوائد
من الأصابع وغيرها والنواقص لا دية فيها موضوعة من جملة الدية.
باب دية النفس:
دية النفس ألف دينار ودية نقصان النفس فالحكم أن تحسب الأنفاس التامة
يقعد عنها ساعة ثم تحسب الأنفاس الناقصة ويعطي من الدية بمقدار ما ينقص منها.
باب دية المرأة:
ديتها نصف دية الرجل وهو خمسمائة دينار ودياته تعطى لها ما لم يبلغ الثلث من
دية الرجل، فإذا جاوزت الثلث ردت إلى النصف نظير الإصبع من أصابع اليد
- للرجل والمرأة - هما سواء في الدية وهي الإبهام مائة وستة وستون دينارا وثلثان،
والمرأة والرجل في دية هذا الإصبع سواء لأنها حينئذ لم يتجاوز الثلث، فإن قطع
من المرأة زيادة ثلاثة أصابع أخر مما له ثلاثة وثمانون دينارا وثلث حتى يصير
الجميع أربعمائة وستة عشر دينارا وثلثي دينار أوجب لها من جميع ذلك مائتا دينار
وثمانية دنانير وثلث وردت من بعد الثلث إلى النصف.
باب دية أهل الذمة والعبيد:
دية الذمي الرجل ثمانمائة درهم والمرأة على هذا الحساب أربعمائة درهم،
12

وروي: أن دية الذمي أربعة آلاف درهم. ودية العبد قيمته - يعني ثمنه
- وكذلك دية الأمة إلا أن يتجاوز ثمنها دية الحر، فإن تجاوز ذلك رد إلى دية الحر
ولم يتجاوز بالعبد عشرة آلاف درهم ولا بالأمة خمسة آلاف.
ومن أخذ ثمن عضو من أعضائه ثم قتل فرضي ورثته بثمن ذلك العضو إن
اختاروا قتل قاتله وإن اختاروا الدية فإن دية النفس وحدها كما بيناه عشرة آلاف
درهم وذلك ما يلزم في الديات بالبينة والإقرار، فإن مات الجناة وأقيمت فيهم
الحدود فقد طهروا في الدنيا والآخرة وإن تابوا كان الوعيد عليهم باقيا بحاله
وحسبهم الله جل وعز إن شاء عذب وإن شاء عفا.
ولا يقاد الوالد بولده ويقاد الولد بوالده.
13

المقنع في الفقه
للشيخ أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي
الملقب بالصدوق المتوفى 381 ه‍ ق
15

باب الديات
اعلم أن في النطفة عشرين دينارا، وفي العلقة أربعين دينارا، وفي المضغة ستين
دينارا، وفي العظم ثمانين دينارا، فإذا كسى لحمه ففيه مائة دينار حتى يستهل،
فإذا استهل ففيه الدية كاملة، فإن خرج في النطفة قطرة دم فهي عشر النطفة ففيها
اثنان وعشرون دينارا، فإذا قطرت قطرتين فأربعة وعشرون، وإذا قطرت ثلاث
قطرات فستة وعشرون، وإن قطرت أربع قطرات فثمانية وعشرون، وإن قطرت
خمس قطرات ففيها ثلاثون دينارا وما زاد على النصف فعلى حساب ذلك حتى تصير
علقة، فإذا كان علقة فأربعون دينارا، فإن خرجت النطفة متخضخضة بالدم فإن
كان دما صافيا ففيها أربعون دينارا وإن كان دما أسود فلا شئ عليه إلا التعزير
لأنه ما كان من دم صاف فهو للولد وما كان من دم أسود فإنما ذلك من الجوف،
فإن كانت العلقة تشبه العرق من اللحم ففي ذلك اثنان وأربعون دينارا، فإن كان
في المضغة شبه العقدة عظما يابسا فذلك العظم أول ما يبتدأ به ففيه أربعة دنانير
ومتى زاد زيد أربعة حتى تتم الثمانين، فإذا كسى العظم لحما وسقط الصبي لا
يدرى أ حي كان أو ميت فإنه إذا مضت خمسة أشهر فقد صارت فيه حياة وقد
استوجب الدية.
واعلم أن في اليد نصف الدية وفي اليدين جميعا إذا قطعتا الدية كاملة، وفي
الرجلين الدية، وفي الذكر وأنثييه الدية، وفي اللسان الدية، وفي
الأذنين الدية، وفي الأنف الدية كاملة، وفي الشفتين الدية كاملة عشرة آلاف درهم ستة آلاف للسفلى
17

وأربعة آلاف للعليا لأن السفلى تمسك الماء، وفي العينين الدية، وفي ثديي المرأة
الدية كاملة، وفي الظهر إذا كسر فلا يستطيع صاحبه أن يجلس الدية كاملة، ودية
كل إصبع ألف درهم، وفي ذكر الخنثى وأنثييه ثلث الدية، وفي السن الأسود ثلث
دية السن فإن كان مصدوعا ففيه ربع دية السن.
فإن شج رجل رجلا موضحة ثم طلب فيها فوهبها له ثم انتقضت به فقتلته فهو
ضامن للدية لولا قيمة الموضحة لأنه وهبها له ولم يهب النفس، وفي السمحاق وهي
التي دون الموضحة خمس مائة درهم وإن كانت في الوجه فالدية على قدر الشين، وفي
المأمومة ثلث الدية وهي التي قد نفذت العظم ولم تصل إلى الجوف فهي فيما
بينهما، وفي الجائفة ثلث الدية وهي التي قد بلغت جوف الدماغ، وفي المنقلة خمس
عشر من الإبل وهي التي قد صارت قرحة تنقل منها العظام، وفي السن خمسمائة
درهم وفي الثنية خمسمائة، وفي الظفر عشرة دنانير لأنه عشر عشير الإصبع، وأصابع
اليد والرجل في الدية سواء.
وسئل أبو عبد الله ع عن رجل قتل رجلا ولم يعلم به ما ديته؟ قال:
يؤدى ديته ويستغفر ربه.
واليد الشلاء فيها ثلث الدية، فإذا اجتمع رجلان على قطع يد رجل فإن أراد
الذي قطعت يده أن يقطع أيديهما جميعا أدى دية يد إليهما واقتسماها ثم يقطعهما
وإن أراد أن يقطع واحدا قطعه ويرد الآخر على الذي قطعت يده ربع الدية.
واعلم أن الدية كانت في الجاهلية مائة من الإبل فأقرها رسول الله ص،
ثم إنه فرض على أهل البقر مائتي بقرة وعلى أهل الشاة ألف شاة ثنية
وعلى أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الورق عشرة آلاف درهم وعلى أهل اليمن
الحلل مائة حلة.
وقال أمير المؤمنين ع: إذا كان الخطأ شبه العمد - وهو أن يقتل
بالسوط أو بالعصا أو بالحجر - فإن ديته تغلظ وهي مائة من الإبل أربعون بين ثنية
إلى بازل عامها وثلاثون حقة وثلاثون ابنة لبون، والخطأ يكون فيه ثلاثون حقة
18

وثلاثون بنت لبون وعشرون بنت مخاض وعشرون ابن لبون ذكر وقيمة كل بعير من
الورق مائة درهم أو عشرة دنانير.
ودية الأنف إذا استؤصل مائة من الإبل ثلاثون حقة وثلاثون بنت لبون
وعشرون بنت مخاض وعشرون ابن لبون ذكر، وكل ما في بدن الانسان على هذا.
فإن وجد مقتول فجاء رجلان إلى وليه فقال أحدهما: أنا قتلته خطأ، وقال
الآخر: أنا قتلته عمدا، فإن أخذ بقول صاحب الخطأ لم يكن له على صاحب العمد
شئ.
فإن قتل رجل رجلا في أشهر الحرم فعليه الدية وصيام شهرين متتابعين من أشهر
الحرم، وإذا دخل في هذين الشهرين العيد وأيام التشريق فعليه أن يصوم فإنه حق
لزمه.
فإن شج رجل رجلا موضحة وشجه آخر دامية في مقام فمات الرجل فعليهما
الدية في أموالهما نصفين لورثة الميت.
وإن قتل رجل امرأة متعمدا فإن شاؤوا أوليائها قتلوه وأدوا إلى أوليائه نصف
الدية وإلا أخذوا خمسة آلاف درهم، وإذا قتلت المرأة رجلا متعمدة فإن شاؤوا أهله
يقتلوها قتلوها - فليس يجني أحد جناية أكثر من نفسه - وإن أرادوا الدية أخذوا
عشرة آلاف درهم.
وإذا فقأ الرجل عين امرأة فإن شاءت أن تفقأ عينه فعلت وأدت إليه ألفين
وخمسمائة درهم وإن شاءت أخذت ألفين وخمسمائة درهم، وإن فقأت هي عين
الرجل غرمت خمسة آلاف درهم وإن شاء أن يفقأ عينها فعل ولا تغرم شيئا.
فإن قطع عبد يد رجل حر وثلاث أصابع من يده شلل فإن كانت قيمة العبد
أكثر من دية الإصبعين الصحيحين والثلاث الأصابع الشلل رد الذي قطعت يده
على مولى العبد ما فضل من القيمة وأخذ العبد، وإن شاء أخذ قيمة الإصبعين
الصحيحين والثلاث الأصابع الشلل وقيمة الإصبعين الصحيحين مع الكف ألفا
درهم والثلاث الأصابع الشلل مع الكف ألف درهم لأنها على الثلث من دية
19

الصحاح، وإذا كانت قيمة العبد أقل من دية الإصبعين الصحيحين والثلاث
الأصابع الشلل دفع العبد إلى الذي قطع يده أو يفتديه مولاه.
وإذا قتل المكاتب رجلا خطأ فعليه من ديته بقدر ما أدى من مكاتبته وعلى مولاه
ما بقي من قيمة المملوك، فإن عجز المكاتب فلا عاقلة له إنما ذلك على إمام
المسلمين.
وقضى أبو جعفر ع في عين الأعور إذا أصيبت عينه الصحيحة
ففقئت: أن يفقأ عين الذي فقأ عينه ويعقل له نصف الدية وإن شاء أخذ الدية
كاملة.
وقيل لا بي عبد الله ع: رجل قتل رجلا متعمدا، فقال: جزاؤه
جهنم، فقيل هل له توبة؟ قال: نعم يصوم شهرين متتابعين ويطعم ستين مسكينا
ويعتق رقبة ويؤدى ديته، قيل: فإن لم يقبلوا الدية قال: يتزوج الرجل إليهم قال،
قيل: لا يزوجونه، قال: يجعل ديته صررا ثم يرمى بها في دارهم.
وسئل عن أربعة شهود شهدوا على رجل بالزنى فرجم ثم رجع أحدهم عن
الشهادة، قال: يقتل الرجل ويغرم الآخرون ثلاثة أرباع الدية.
وسأله إسحاق بن عمار عن رجل قطع رأس ميت، قال: عليه الدية، فقال
إسحاق: فمن يأخذ ديته؟ قال: الإمام هذا لله عز وجل وإن قطعت يمينه أو شيئا
من جوارحه فعليه الأرش للإمام.
وسأله أيضا عن رجل قطع من بعض أذن الرجل شيئا، فقال: إن رجلا فعل
هذا فرفع إلى على ع فأقاده فأخذ الآخر ما قطع من أذنه فرده على أذنه
بدمه فالتحمت وبرأت فعاد الآخر إلى على ع فاستعداه فأمر بها فقطعت
ثانية وأمر بها فدفنت، ثم قال: إنما يكون القصاص من أجل الشين.
وقال على ع: لا يقتل الوالد بولده إذا قتله ويقتل الولد بوالده إذا
قتله.
وسئل الرضا ع ما تقول في امرأة ظاءرت قوما وكانت نائمة والصبي
20

إلى جنبها فانقلبت عليه فقتلته، فقال: إن كانت ظاءرت القوم للفخر والعز فإن
الدية يجب عليها وإن كانت ظاءرت القوم للفقر والحاجة فالدية على عاقلتها.
وسأل أبو حمزة الثمالي أبا جعفر ع عن رجل ضرب رأس رجل بعود
فسطاط حتى ذهب عقله، قال: عليه الدية، قال: فإن عاش أيام أو أقل أو أكثر
فرجع إليه عقله أ له أن يأخذ الدية من الرجل؟ قال: لا قد مضت الدية بما فيها،
قال: فإن مات بعد شهرين أو ثلاثة وقال أصحابه: نريد أن نقتل الرجل
الضارب، قال: إذا أرادوا أن يقتلوه يؤدوا الدية فيما بينهم وبين سنة فإن مضت
السنة فليس لهم أن يقتلوه ومضت الدية بما فيها.
فإن شهد أربعة على رجل بالزنى ثم رجع أحدهم عن الشهادة وقال: شككت في
شهادتي، فعليه الدية، وإن قال: شهدت عليه متعمدا، قتل.
وقال: أبو جعفر ع: دية ولد الزنى دية العبد ثمانمائة درهم.
وسأل أبو بصير أبا عبد الله ع عن قول الله عز وجل: فمن اعتدى بعد
ذلك فله عذاب أليم، قال: هو الرجل يقبل الدية أو يعفو ثم يبدو له فيلقى
الرجل فيقتله " فله عذاب أليم " كما قال الله عز وجل.
وإن ادعى رجل على رجل قتلا وليس له بينة فعليه أن يقسم خمسين يمينا بالله،
فإذا أقسم دفع إليه صاحبه فقتله، فإن أبي أن يقسم قيل للمدعى عليه: أقسم،
فإن أقسم خمسين يمينا أنه ما قتل ولا يعلم قاتلا أغرم الدية إن وجد القتيل بين
ظهرانيهم.
وليس على الصبيان قصاص، وعمدهم خطأ يحمله العاقلة.
وروي: أن عليا ع قد أتى برجل قطع قبل امرأة، فلم يجعل بينهما
قصاصا وألزمه الدية.
وسأل حفص بن البختري أبا عبد الله ع عن رجل ضرب على رأسه
فذهب سمعه وبصره واعتقل لسانه ثم مات، فقال: إن كان ضربة بعد ضربة
اقتص منه ثم قتل وإن كان أصابه هذا من ضربة واحدة قتل ولم يقتص منه.
21

وأتى علي ع برجل نباش فأخذ بشعره فضرب به الأرض ثم أمر
الناس أن يوطئوه حتى مات.
وسأل علي بن عقبة أبا عبد الله ع عن عبد قتل أربعة أحرار واحدا بعد
واحد، فقال: هو لأهل الأخير من القتلى إن شاؤوا قتلوا وإن شاؤوا استرقوا لأنه لما
قتل الأول استحقه أولياء الأول فلما قتل الثاني استحقه أولياؤه من أولياء الأول
فلما قتل الثالث استحقه أولياؤه من أولياء الثاني فلما قتل الرابع استحقه أولياؤه
من الثالث فصار لأولياء الرابع إن شاؤوا قتلوا وإن شاؤوا استرقوا.
واعلم أن جراحات العبد على نحو جراحات الأحرار في الثمن، وفي ذكر
الصبي الدية وفي ذكر العنين الدية.
وقال عبد الله بن سنان لا بي عبد الله ع: ما على رجل وثب على امرأة
فحلق رأسها؟ قال: يضرب ضربا وجيعا ويحبس في حبس المسلمين حتى
يستبرئ فإن نبت أخذ منه مهر نسائها فإن لم ينبت أخذت منه الدية كاملة خمسة
آلاف درهم، قال: فكيف صار مهر نسائها عليه إن نبت شعرها وإن لم ينبت
الدية؟ فقال: يا بن سنان شعر المرأة وعذرتها شريكان في الجمال فإذا ذهب
بأحدهما وجب لها المهر كاملا.
وقضى أمير المؤمنين ع في رجل ضرب رجلا بعصا فذهب سمعه وبصره
ولسانه وفرجه وعقله وهو حي: بست ديات، وقضى في اللطمة بالوجه يسود: أن
أرشها ستة دنانير فإن اخضرت فأرشها ثلاثة دنانير فإن احمرت فأرشها دينار ونصف.
وفي ذكر الخصي الدية.
وإذا اجتمع رجل وغلام على قتل رجل فقتلاه فإن كان الغلام بلغ خمسة أشبار
اقتص منه واقتص له وإن لم يكن الغلام بلغ خمسة أشبار فعليه الدية.
ورفع إلى على ع رجل داس بطن رجل حتى أحدث في ثيابه، فقضى
أن يداس بطنه حتى يحدث كما أحدث أو يغرم ثلث الدية.
وليس بين العبيد والأحرار قصاص فيما دون النفس، ولا بين اليهودي
22

والنصراني والمجوسي.
وإذا فقأ عبد عين حر وعلى العبد دين فإن العبد للمفقوء عينه ويبطل دين
الغرماء، وإذا قتل عبد مولاه قتل به فإن رسول الله ص وأمير
المؤمنين ع قضيا بذلك.
فإن شهد رجلان على رجل أنه سرق فقطعت يده ثم رجع أحدهما فقال: شبه
لي، فإنه يغرم نصف الدية ولا يقطع، فإن قالا جميعا: شبه لنا، غرما دية اليد من
أموالهما خاصة.
وإذا شهد أربعة على رجل أنهم رأوه مع امرأة يجامعها وهم ينظرون فرجم ثم
رجع واحد منهم غرم ربع الدية.
وفي فرج الأمة عشر ثمنها، ورفع إلى على ع رجل قتل خنزير الذمي
فضمنه قيمته.
وسئل أبو عبد الله ع عن رجل سارق دخل على امرأة ليسرق متاعها
فلما جمع الثياب تابعته فوقع عليها وجامعها فحرك ابنها فقام فقتله بفأس كان معه
وحمل الثياب وقام ليخرج فحملت المرأة عليه بالفأس فقتلته فجاء أهله يطلبون بدمه
من الغد، فقال: يضمن أولياؤه الذين طلبوا بدمه دية الغلام ويضمن السارق فيما
ترك أربعة آلاف درهم بما كابرها على فرجها لأنه زان وليس عليها في قتلها إياه شئ
لأنه سارق.
وتزوج رجل على عهد أبي عبد الله ع امرأة فلما كان ليلة البناء
عمدت المرأة إلى رجل صديق لها وأدخلته الحجلة فلما دخل الرجل يباضع أهله بأن
الصديق فاقتتلا في البيت فقتل الزوج الصديق وقامت المرأة فضربت الرجل ضربة
فقتلته بالصديق، فقال أبو عبد الله ع: تضمن المرأة دية الصديق وتقتل
بالزوج.
وإذا حلق رجل لحية رجل فإن لم تنبت فعليه دية كاملة وإن نبتت فعليه ثلث
الدية.
23

وقضى أمير المؤمنين ع في الهاشمة عشرا من الإبل، ورفع إلى على
ع جاريتان دخلتا إلى الحمام، فافتضت إحديهما الأخرى بإصبعها فقضى
على التي فعلت عقلها بأرش البكارة.
وإذا أسلم الرجل ثم قتل خطأ قسمت الدية على نحوه من الناس ممن أسلم
وليس له موال.
وقال رسول الله ص: من أخرج ميزابا أو كنيفا أو وتد وتدا أو
وثق دابة أو حفر بئرا في طريق المسلمين فأصاب شيئا فعطب فهو له ضامن.
وسأل رفاعة بن موسى أبا عبد الله ع عن رجل ضرب رجلا فنقص
بعض نفسه بأي شئ يعرف؟ قال: بالساعات، قال: وكيف بالساعات؟
فقال: إن النفس إذا طلع الفجر هو في الشق الأيمن من الأنف فإذا مضت الساعة
صار إلى الأيسر فتنظر ما بين نفسك ونفسه ثم تحسب ثم يؤخذ بحساب ذلك منه.
وسئل عن رجل ضرب رجلا فقطع بوله، قال: إن كان البول يمر إلى الليل فعليه
الدية كاملة وإن كان يمر إلى نصف النهار فعليه ثلثا الدية وإن كان إلى ارتفاع النهار
فعليه ثلث الدية.
وسأل أبو بصير أبا عبد الله ع عن رجل قتل وليس له مال وعليه دين
فهل لأوليائه أن يهبوا دمه لقاتله وعليه الدين؟ قال: إن أصحاب الدين هم
الخصماء للقاتل فإن وهبوا أولياؤه دمه للقاتل ضمنوا الدين للغرماء وإلا فلا.
وسأله هشام بن سالم عن رجل دخل الحمام فصب عليه ماء حار، فامترط شعر
رأسه ولحيته ولا ينبت أبدا قال: عليه الدية.
واعلم أن في السن الأسود ثلث دية السن، وفي اليد الشلاء ثلث ديتها، وفي
العين القائمة إذا طمست ثلث ديتها، وفي شحمة الأذنين ثلث ديتها، وفي الرجل
العرجاء ثلث ديتها، وفي خشاش الأنف في كل واحد ثلث الدية.
وإذا فقأ حر عين مكاتب أو كسر سنه فإن كان أدى نصف مكاتبته فقأ عين
الحر أو أخذ ديته إن كان خطأ فإنه بمنزلة الحر، وإن كان لم يؤد النصف قوم
24

فأدى بقدر ما أعتق منه.
وإن فقأ مكاتب عين مملوك وقد أدى نصف مكاتبته قوم المملوك وأدى المكاتب
إلى مولى العبد نصف ثمنه.
واعلم أن العاقلة لا تضمن عمدا ولا إقرارا ولا صلحا، وكان أمير المؤمنين ع
يجعل جناية المعتق على عاقلته خطأ كانت جنايته أو عمدا.
وقال أبو عبد الله ع: قرأت في كتاب علي ع: لو أن رجلا
قطع فرج امرأته لأغرمته ديتها فإن لم يؤد إليها قطعت لها فرجه إن طلبت ذلك.
وسأل أبو بصير أبا جعفر ع فقال: ما ترى في رجل ضرب
امرأة شابة على بطنها فعقر رحمها وأفسد طمثها - وذكرت أنه قد ارتفع طمثها عنها
لذلك وقد كان طمثها مستقيما - قال: ينتظر بها سنة فإن صلح رحمها وعاد
طمثها إلى ما كان وإلا استحلفت وأغرم ضاربها ثلث ديتها لفساد رحمها وارتفاع
طمثها.
ودية اليهودي والمجوسي والنصراني وولد الزنى ثمانمائة درهم.
ومن حلق رأس رجل فلم ينبت فعليه مائة دينار، وإن حلق لحيته فعليه الدية.
وكان أمير المؤمنين ع يفتي في كل مفصل من الأصابع بثلث عقل تلك
الإصبع إلا الإبهام فإنه كان يقضى في مفصلها نصف عقل تلك الإصبع لأن لها
مفصلين.
واعلم أن الأسنان ثمانية وعشرون سنا: اثنا عشر في
مقاديم الفم وستة عشر في مؤخره، فدية كل سن من المقاديم إذا كسرت حتى تذهب خمسون دينارا وهي اثنا
عشر فديتها كلها ستمائة دينار، ودية كل سن من الأضراس على النصف من دية
المقاديم خمسة وعشرون دينارا وهي ستة عشر ضرسا فديتها أربعمائة دينار، فإن زاد
في الأسنان واحد على ثمانية وعشرين التي هي الخلقة السوية فلا دية له لأنه قد زاد
على ثمانية وعشرين وما نقص فلا دية له.
وقضى أمير المؤمنين ع في جارية ركبت جارية فنخستها جارية أخرى
25

فقمصت المركوبة فصرعت الراكبة فماتت فقضى: بديتها نصفين بين الناخسة
والمنخوسة.
وقضى في رجل أقبل بنار فأشعلها في دار قوم فاحترقت الدار واحترق أهلها
واحترق متاعهم: أن يغرم قيمة الدار وما فيها ثم يقتل.
وسئل أبو الحسن الأول ع عن رجل أتى رجلا وهو راقد فلما صار على
ظهره انتبه فبعجه بعجة فقتله، قال: لا دية له ولا قود.
وسئل أبو عبد الله ع عن رجل أعنف على امرأة أو امرأة أعنفت على
رجل فقتل أحدهما الآخر قال: لا شئ عليهما إذا كانا مأمونين فإن اتهما لزمهما
اليمين بالله أنهما لم يريدا القتل.
واعلم أن الناقلة إذا كانت في العضو ففيها ثلث دية ذلك العضو.
ورفع إلى أمير المؤمنين ع رجل عذب عبده حتى مات، فضربه مائة
نكالا وحبسه وغرمه قيمة العبد وتصدق بها.
وقضى رسول الله ص في القلب إذا أذعر فطار بها، قضى: بالدية، وقضى
في الظفر إذا قطع: بعشرة دنانير.
وإذا ادعى رجل أنه ذهب سدس بصره من كلتا عينيه وسدس سمعه من كلتا
أذنيه فإنه لا يستحلف ولا يقبل دعواه لأنه لا علم له بما ذهب من سمعه وبصره ولا
علم له بما بقي إنما يستحلف في موضع الصدق فأما المجهول المبهم فلا يستحلف
عليه ولا يقبل منه يمينه، وإذا ادعى أنه ذهب ثلث سمعه فيمينه ورجلين معه.
والمدبر إذا قتل رجلا خطأ دفع برمته إلى أولياء المقتول فإن مات الذي دبره
استسعى في قيمته، والمكاتب إذا قتل رجلا خطأ فعليه من الدية بقدر ما أدى من
مكاتبته وعلى مولاه ما بقي من قيمته فإن عجز المكاتب فلا عاقلة له فإنما ذلك على
إمام المسلمين.
فإن شهد شهود على رجل أنه قتل رجلا ثم خولط فإن شهدوا أنه قتله وهو
صحيح العقل لا علة من ذهاب عقله قتل به، فإن لم يشهدوا وكان له مال دفع
26

إلى أولياء المقتول الدية، فإن لم يكن له مال أعطوا من بيت مال المسلمين، ولا
يبطل دم امرئ مسلم.
فإذا قطع الذمي يد رجل مسلم قطعها وأخذ فضل ما بين الديتين، وإن قتل
قتلوه به إن شاء أولياؤه ويأخذوا من ماله أو من مال أوليائه فضل ما بين الديتين.
وإذا قطع المسلم يد المعاهد خير أولياء المعاهد، فإن شاؤوا أخذوا دية يده
وإن شاؤوا قطعوا يد المسلم وأدوا إليه فضل ما بين الديتين، وإذا قتله المسلم صنع
كذلك.
واعلم أن دية كلب الصيد أربعون درهما، ودية كلب الماشية عشرون درهما،
ودية الكلب الذي ليس للصيد ولا للماشية زنبيل من تراب على القاتل أن يعطي
وعلى صاحب الكلب أن يقبله.
وقضى أمير المؤمنين ع في عبد قتل حرا خطأ فلما قتله أعتقه مولاه،
فأجاز عتقه وضمنه الدية.
فإن قتل المكاتب رجلا خطأ فإن كان مولاه حين كاتبه اشترط عليه أنه إن عجز
فهو رد في الرق فهو بمنزلة المملوك يدفع إلى أولياء المقتول فإن شاؤوا استرقوا وإن
شاؤوا باعوا، وإن كان مولاه حين كاتبه لم يشترط عليه وقد كان أدى من مكاتبته
شيئا فإن عليا ع كان يقول: يعتق من المكاتب بقدر ما أدى من
مكاتبته ورقا وعلى الإمام أن يؤدى إلى أولياء المقتول من الدية بقدر ما أعتق من
المكاتب، ولا يبطل دم امرئ مسلم وأرى أن يكون ما بقي على المكاتب مما لم
يؤده لأولياء المقتول يستخدمونه حياته بقدر ما بقي وليس لهم أن يبيعوه.
وسأل ضريس الكناسي أبا عبد الله ع عن امرأة وعبد قتلا رجلا
خطأ، فقال: إن خطأ المرأة والعبد مثل العمد، فإن أحب أولياء المقتول أن يقتلوهما
قتلوهما وإن كانت قيمة العبد أكثر من خمسة آلاف درهم ردوا على سيد العبد ما
يفضل بعد الخمسة آلاف درهم، وإن أحبوا أن يقتلوا المرأة ويأخذوا العبد فعلوا إلا
أن يكون قيمته أكثر من خمسة آلاف درهم فيردوا على مولى العبد ما يفضل بعد
27

الخمسة آلاف درهم ويأخذوا العبد أو يفتديه سيده وإن كانت قيمة العبد أقل من
خمسة آلاف درهم فليس لهم إلا العبد.
واعلم أن دية الخطأ تتأدى في ثلاث سنين، ودية العمد تستأدى في سنة.
فإن قتل رجل رجلا وليس للمقتول أولياء من المسلمين وله أولياء من أهل
الذمة من قرابته فعلى الإمام أن يعرض على قرابته من الذمة الاسلام فمن أسلم منهم
دفع القاتل إليه فإن شاء قتل وإن شاء أعتق وإن شاء أخذ الدية، فإن لم يسلم من
قرابته أحد كان الإمام ولى أمره فإن شاء قتل وإن شاء أخذ الدية وليس له أن
يعفو.
ورويت أنه جاء رجل إلى عمر بن الخطاب ومعه رجل فقال: إن بقرة هذا
شقت بطن جملي، فقال عمر قضى رسول الله ص فيما قتل البهائم:
أنه جبار والجبار الذي لا دية له ولا قود، فقال أمير المؤمنين ع: قضى
النبي ص: لا ضرر ولا ضرار، إن كان صاحب البقرة ربطها على
طريق الجمل فهو له ضامن فنظروا فإذا تلك البقرة جاء بها صاحبها من السواد
وربطها على طريق الجمل، فأخذ عمر برأيه وأغرم صاحب البقرة ثمن الجمل.
28

الهداية بالخير
للشيخ أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي
الملقب بالصدوق المتوفى 381 ه‍ ق
29

باب الديات
كل ما كان في الانسان واحد ففيه الدية كاملة، وكل ما كان فيه اثنان
ففيهما الدية كاملة وفي واحد منهما نصف الدية إلا الشفتين فإن دية الشفة العليا
أربعة آلاف درهم ودية السفلى ستة آلاف درهم لأن السفلى تمسك الماء، ودية
البيضة اليمنى ثلث الدية ودية اليسرى ثلثا الدية لأن اليسرى منها الولد.
وقتل العمد فيه القود إلا أن يرضى بالدية وقتل الخطأ فيه الدية، والعمد هو أن
يريد الرجل الشئ فيصيبه والخطأ أن يريد شيئا فيصيب غيره، ولو أن رجلا لطم
رجلا فمات منه لكان قتل عمد.
وقتل الخطأ تستأدى من العاقلة في ثلاث سنين، ودية العمد على القاتل في ماله
تستأدى منه في سنة، ولا تعقل العاقلة إلا ما قامت عليه البينة.
والدية على أصحاب الإبل مائة من الإبل وعلى أصحاب الغنم ألف شاة وعلى
أصحاب البقر مائتا بقرة وعلى أصحاب العين ألف دينار وعلى أصحاب الورق
عشرة آلاف درهم.
وفي النطفة عشرون دينارا، وفي العلقة أربعون دينارا، وفي المضغة ستون دينارا،
وفي العظم ثمانون دينارا، فإذا كسى العظم اللحم فمائة، ثم هي مائة حتى يستهل
فإذا استهل فدية كاملة، والاستهلال الصوت.
والأسنان التي يقسم عليها الدية ثمانية وعشرون سنا: اثنا عشر في مقاديم
الفم وستة عشر في مؤخره، فدية كل سن من المقاديم إذا كسرت حتى يذهب
31

خمسون دينارا ودية كل سن من المآخير إذا كسرت حتى يذهب على النصف من دية
المقاديم خمسة وعشرون دينارا يكون ذلك ألف دينار.
ولا يقتل الحر بالعبد ولكن يلزم ديته، ودية العبد ثمنه ولا يجاوز بقيمة العبد
دية الحر، ولا يقتل المسلم بالذمي ولكن يؤخذ منه الدية، ودية اليهودي
والنصراني والمجوسي وولد الزنى ثمان مائة درهم.
32

المقنعة
في الأصول والفروع
للشيخ المفيد أبي عبد الله محمد بن النعمان الحارثي
البغدادي المعروف بابن المعلم
336 - 413 ه‍ ق
33

باب القضاء في الديات والقصاص
قال الله عز وجل: ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف
في القتل إنه كان منصورا، فجعل سبحانه لولي المقتول القود بالقتل ونهاه عن
الإسراف فيه. والقتل على ثلاثة أضرب:
فضرب منه العمد المحض وهو الذي فيه القود. والضرب الثاني الخطأ المحض
وفيه الدية وليس فيه قود، قال الله عز وجل: وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا
خطأ ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله
إلا أن يصدقوا. والضرب الثالث خطأ شبيه العمد وفيه الدية مغلظة وليس فيه قود
أيضا.
فأما العمد المحض فهو القتل بالحديد في المقتل الذي جرت به العادة بتلف
النفس به والضرب أيضا بما يتلف النفس معه على العادة والأغلب عليها كضرب
الانسان بالسياط على المقاتل منه أو إدامة ضربه حتى يموت أو شدخ رأسه بحجر كبير
أو وكزه باليد في قلبه أو خنقه وما أشبه ذلك.
والخطأ المحض أن يرمي الانسان صيدا فيصيب إنسانا لم يرده أو يرمي عدوا
فيصيب غيره أو يرمي غرضا فيصيب إنسانا وهو لم يرد ذلك.
والخطأ شبيه العمد ضرب الرجل عبده للتأديب في غير مقتل ضربا يسيرا
فيموت بذلك ولن يموت أحد بمثله في أغلب العادات أو يتعدى انسان على غيره
بضرب يسير في غير مقتل فيموت وكعلاج الطبيب للإنسان بما جرت العادة بالنفع به
35

فيموت لذلك أو يفصده فيوافق ذلك نزف دمه وهو لم يقصد إلى إتلافه بل قصد على
حكم العادة إلى نفعه وما أشبه ذلك.
فأما قتل العمد ففيه القود على ما قدمناه إن اختار ذلك أولياء المقتول، وإن
اختاروا العفو فذلك لهم، وإن اختاروا الدية فهي مائة من مسان الإبل إن كان
القاتل من أصحاب الإبل أو ألف من الغنم إن كان من أصحاب الغنم أو مائتا
بقرة إن كان من أصحاب البقر أو مائتا حلة إن كان من أصحاب الحلل أو ألف
دينار إن كان من أصحاب العين أو عشرة آلاف درهم فضة إن كان من أصحاب
الورق، وتستأدى منه في سنة لا أكثر من ذلك وليس لهم الدية ما بذل لهم القاتل
من نفسه القود وإنما لهم ذلك إن اختاره القاتل وافتدى نفسه به.
وفي الخطأ المحض الدية وهي مائة من الإبل منها ثلاثون حقة وثلاثون بنت
لبون وعشرون بنت مخاض وعشرون ابن لبون ذكر، وتؤخذ من عاقلة القاتل وهم
عصبته الرجال دون النساء ولا يؤخذ من إخوته لأمه منها شئ ولا من أخواله لأنه لو
قتل وأخذت ديته ما استحق إخوته وأخواله منها شيئا فلذلك لم يكن عليهم منها
شئ، وتستأدى دية قتل الخطأ في ثلاث سنين، وليس في قتل الخطأ قود.
وفي الخطأ شبيه العمد مائة من الإبل منها ثلاث وثلاثون حقة وثلاث وثلاثون
جذعة وأربع وثلاثون ثنية كلها طروقة الفحل، ويؤخذ من أصحاب الغنم ألف
كأسنان ما ذكرناه من الإبل، وإن أخذ في دية الخطأ البقر من أصحابها كانت من
الأسنان على صفة ما قدمنا ذكره من الإبل وكذلك في دية الخطأ شبيه العمد وتكون
البقر كأسنان الإبل فيه، ويؤخذ من أصحاب الذهب ألف دينار لا يختلف ومن
أصحاب الفضة عشرة آلاف درهم جياد لا يختلف الحكم في ذلك سواء كان القتل
خطأ أو عمدا أو خطأ شبيه العمد بذلك ثبتت السنة عن نبي الهدي عليه وآله
السلام، وتستأدى دية الخطأ المشبه للعمد في سنتين، ولا قود أيضا في هذا الضرب
من القتل وإنما هو في العمد المحض على ما ذكرناه.
36

باب البينات على القتل:
ولا تقوم البينة بالقتل إلا بشاهدين مسلمين عدلين أو بقسامة: وهي خمسون
رجلا من أولياء المقتول يحلف كل واحد منهم بالله يمينا أنه قتل صاحبهم، ولا
يصح القسامة إلا مع التهمة للمدعى عليه، فإن لم تكن قسامة على ما ذكرناه أقسم
أولياء المقتول خمسين يمينا ووجبت لهم الدية بعد ذلك.
وإذا قامت البينة على رجل أنه قتل رجلا مسلما عمدا واختار أولياء المقتول منه
القود بصاحبهم تولى السلطان القود منه بالقتل له بالسيف دون غيره، ولو أن رجلا
قتل رجلا بالضرب حتى مات أو شدخ رأسه أو خنقه أو طعنه بالرمح أو رماه بالسهام
حتى مات أو أحرقه بالنار أو غرقه في الماء وأشباه ذلك لم يجز له أن يقاد منه إلا
بضرب عنقه بالسيف دون ما سواه، ولا يعذب أحد في قود وإن عذب المقتول على ما
بيناه.
وإن لم يكن لأولياء المقتول بينة على دعواهم بشاهدي عدل ووجد المدعى عليه
رجلين مسلمين عدلين يشهدان له بما ينفي عنه الدعوى لم تستمع منهم قسامة وبرئ
المدعى عليه من الدم بشاهديه الذين شهدا له بالبراءة منه كأنهما شهدا بأنه كان
غائبا عن المصر في وقت قتل الرجل أو محبوسا أو كانا معه في عبادة الله تعالى أو
شغل يمنعه من القتل في الوقت الذي ادعي عليه ذلك فيه.
وإذا قامت البينة على الانسان بأنه قتل خطأ ألزمت عاقلته الدية على ما بيناه
وترجع العاقلة على القاتل، فإن كان له مال أخذت منه ما أدته عنه وإن لم يكن له
مال فلا شئ لها عليه ويجب على قاتل الخطأ بعد الدية الكفارة وهي عتق رقبة
مؤمنة، فإن لم يستطع أن يعتق رقبة فليصم شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام
ستين مسكينا إن شاء الله.
وإن تكافأت البينات في القتل فشهد رجلان مسلمان عدلان على انسان بأنه
تولى قتل شخص بعينه وشهد آخران عدلان على أن المتولي لقتله شخص غير ذلك
بطل القود في هذا المكان وكان دية المقتول على النفسين اللذين اختلف الشهود
37

فيهما بالسوية.
وقضى الحسن بن علي ع في حياة أمير المؤمنين ع في رجل
اتهم بالقتل فاعترف به وجاء آخر فنفى عنه ما اعترف به من القتل وأضافه إلى
نفسه وأقر به فرجع المقر الأول عن إقراره: بأن يبطل القود فيهما أو الدية وتكون دية
المقتول من بيت مال المسلمين، وقال: إن يكن الذي أقر ثانيا قد قتل نفسا فقد
أحيا بإقراره نفسا والإشكال واقع فالدية على بيت المال، فبلغ ذلك أمير المؤمنين
ع فصوبه وأمضى الحكم فيه.
باب القضاء في اختلاف الأولياء:
وإذا كان للمقتول عمدا وليان فاختار أحدهما الدية واختار الآخر القود كان
للذي اختار القود أن يقتل القاتل ويسلم إلى الولي الآخر نصف الدية من ماله، فإن
اختار أحدهما القتل وعفا الآخر كان له أن يقتل وعليه أن يؤدى إلى ورثة المقاد منه
نصف الدية، فإن لم يؤد ذلك لم يكن له القتل مع عفو صاحبه، وكذلك إن اختار
أحدهما الدية واختار الآخر العفو كان على القاتل أن يؤدى نصف الدية خاصة وقد
سقط عنه النصف الآخر بعفو الولي الثاني على ما بيناه، وإن كان للميت أولياء
بعضهم صغار وبعضهم كبار فعفا الكبار كان للصغار إذا بلغوا مطالبتهم بأقساطهم
من الدية إلا أن يختاروا العفو كما اختاره الكبار.
باب القود بين النساء والرجال والمسلمين والكفار والعبيد والأحرار:
وإذا قتل الرجل المرأة عمدا فاختار أولياؤها الدية كان على القاتل إن رضي
بذلك أن يؤدى إليهم خمسين من الإبل إن كان من أربابها أو خمسمائة من الغنم أو
مائة من البقر أو الحلل أو خمسمائة دينار أو خمسة آلاف درهم جيادا لأن دية الأنثى
على النصف من دية الذكر، وإن اختاروا القود كان لهم ذلك على أن يؤدوا إلى
ورثة المستقاد منه نصف الدية فإن لم يفعلوا ذلك لم يكن لهم القود.
38

وإذا قتلت المرأة الرجل فاختار أولياؤه الدية - وأجابت المرأة إلى ذلك كان
حقنا لدمها - كان عليها أن تدفع إليهم ألف دينار أو عشرة آلاف درهم من
الورق أو مائة من الإبل على ما شرحناه، وإن اختاروا القود كان لهم قتلها وليس
لهم أكثر من نفسها.
وإذا قتل المسلم الذمي لم يكن لأوليائه القود وكان لهم الدية ودية الذمي
ثمانمائة درهم جيادا أو عدلها من العين، فإذا كان المسلم معتادا لقتل أهل الذمة
مصرا على ذلك والتمس أولياء الذمي قتله قتله الإمام ورجع عليهم فأخذ منهم
ما بين دية المسلم والذمي فإن لم يدفعوا ذلك أو يضمنوه لم يكن لهم القود منه،
وللسلطان أن يعاقب من قتل ذميا عمدا عقوبة منهكة ويأخذ الدية من ماله فيدفعها
إلى أولياء المقتول على ما شرحناه، ودية نساء أهل الذمة على النصف من ديات
رجالهم كما أن ديات نساء المسلمين على النصف من ديات رجالهم.
وإذا خرج الذمي من الذمة بتظاهره بين المسلمين بشرب الخمور وارتكاب
الفجور والاستخفاف بالإسلام أو بأحد من أهل الملة فقد خرج عن الذمة وحل
للسلطان العادل دمه وليس للرعية ولا لسلطان الجور ذلك.
وإذا قتل الذمي المسلم عمدا دفع برمته إلى أولياء المقتول، فإن اختاروا قتله
كان السلطان يتولى ذلك منه وإن اختاروا استعباده كان رقا لهم وإن كان له مال
فهو لهم كما يكون مال العبد لسيده.
وإذا قتل الحر العبد لم يكن لمولاه القود وكان له على القاتل الدية وهي قيمة
العبد ما لم تتجاوز دية الرجل المسلم فإن تجاوزت ذلك ردت إلى الدية، وعلى
السلطان أن يعاقب قاتل العبد عقوبة تؤلمه لينزجر عن مثل ما أتاه ولا يعود إليه، فإن
اختلف في قيمة العبد وقت قتله كانت البينة على سيده فيما يدعيه من ذلك، فإن
لم تكن له بينة كانت اليمين على القاتل المنكر لدعوى السيد وإن رد القاتل اليمين
على السيد فيما يدعيه فحلف قامت يمينه مقام البينة له.
وإن قتل العبد الحر كان على مولاه أن يسلمه برمته إلى أولياء المقتول، فإن
39

شاؤوا استرقوه وإن شاؤوا قتلوه، ومتى اختاروا قتله كان السلطان هو المتولي لذلك
دونهم إلا أن يأذن لهم فيه فيقتلونه بالسيف من غير تعذيب ولا مثلة على ما
قدمناه.
وإن أرضى سيد العبد أولياء المقتول بديته أو افتدى عبده منهم بدونها أو فوقها
جاز على حسب ما يصطلحون عليه من ذلك كائنا ما كان، ودية الإماء قيمتهن
ولا يتجاوز بها ديات الأحرار من النساء.
باب القضاء في قتيل الزحام:
ومن لا يعرف قاتله ومن لا دية له ومن ليس لقاتله عاقلة ولا له مال تؤدي منه
الدية وقتيل الزحام في أبواب الجوامع وعلى القناطر والجسور والأسواق وعلى الحجر
الأسود وعلى الكعبة وزيارات قبور الأئمة ع لا قود له ويجب أن تدفع
الدية إلى أولياء المقتول من بيت مال المسلمين وإن لم يكن له ولي يأخذ ديته فلا
دية له على بيت المال.
ومن وجد قتيلا في أرض بين قريتين ولم يعرف قاتله كانت ديته على أهل أقرب
القريتين من الموضع الذي وجد فيه، فإن كان الموضع وسطا ليس بقرب إلى إحدى
القريتين إلا كما يقرب من الأخرى كانت ديته على أهل القريتين بالسوية.
وإذا وجد قتيل في قبيلة قوم أو دارهم ولم يعرف له قاتل بعينه كانت ديته على
أهل القبيلة والدار دون من بعد منهم إلا أن يعفو أولياؤه عن الدية فتسقط عن
القوم.
وإذا وجد قتيل في مواضع متفرقة قد مزق جسده فيها ولم يعرف قاتله كانت
ديته على أهل الموضع الذي وجد قلبه وصدره فيه إلا أن يتهم أولياء المقتول أهل
موضع آخر فتكون الشبهة فيهم قائمة فيقسم على ذلك ويكون الحكم في القسامة ما
ذكرناه.
وإذا دخل صبي دار قوم للعب مع صبيانهم فوقع في بئر فمات كانت ديته على
40

أصحاب الدار إن كانوا متهمين بعداوة لأهله أو بسبب يحملهم على رميه في البئر،
فإن لم يكونوا متهمين لم يكن لهم دية عليهم ولا على غيرهم.
ومن هجم على قوم في دارهم فرموه بحجر ليخرج عنهم أو طردوه ولم يخرج
فضربوه بعمود أو سوط ليخرج عنهم فمات من ذلك لم يكن له دية عليهم، وكذلك
من اطلع على قوم لينظر عوراتهم فزجروه ولم ينزجر فرموه فانقلعت عينه أو مات من
الرمية لم يكن له دية ولا قصاص، وكل من تعدى على قوم فدفعوه عن أنفسهم
فمات من ذلك لم يكن له دية ولا قصاص.
ومن سقط من علو على غيره فمات الأسفل لم يكن على الأعلى ديته وكذلك إن
ماتا أو أحدهما، فإن كان الأعلى سقط بإفزاع غيره له أو سبب من سواه كانت دية
المقتول على المفزع له أو المسبب لفعله الذي كان به تلف الهالك.
ومن غشيته دابة فخاف منها فزجرها فألقت راكبها فجرحته أو قتلته لم يكن
عليه في ذلك ضمان.
ومن كان يرمي غرضا فمر به انسان فحذره فلم يحذر فأصابه السهم فمات منه
لم يكن عليه في ذلك تبعة ولا ضمان.
ومن جلده إمام المسلمين حدا في حق من حقوق الله عز وجل فمات لم تكن له
دية، فإن جلده حدا أو أدبا في حقوق الناس فمات كان ضامنا لديته.
ومن قتله القصاص من غير تعد فيه فلا دية له.
ومن سب رسول الله ص أو أحدا من الأئمة ع فهو
مرتد عن الاسلام ودمه هدر يتولى ذلك منه إمام المسلمين، فإن سمعه منه غير الإمام
فبدر إلى قتله غضبا لله لم يكن عليه قود ولا دية لاستحقاقه القتل على ما ذكرناه
لكنه يكون مخطا بتقدمه على السلطان.
ومن قتل خطأ ولم تكن له عاقلة تؤدي عنه الدية أداها هو من ماله فإن لم يكن
له مال ولا حيلة فيه أداها عنه السلطان من بيت المال، وإذا لم يكن يوجد لقاتل
العمد مال لم يكن لأولياء المقتول الدية وكانوا مخيرين بين القود والعفو.
41

ومن قتل ولا ولي له إلا السلطان كان له أن يقتل قاتله به أو يأخذ منه الدية
ولم يكن له العفو عن الأمرين جميعا، وكذلك ليس له العفو عن دية قتل الخطأ إذا
لم يكن للمقتول أولياء.
باب القاتل في الحرم وفي الشهر الحرام:
ومن قتل في الحرم فديته كاملة وثلث لانتهاك حرمته في الحرم، وكذلك المقتول
في الأشهر الحرم وهن: رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم، يجب على القاتل فيها
دية كاملة وثلث لحرمة الشهر الحرام.
ومن قتل على العمد في غير الحرم ثم لجأ إلى الحرم لم يقتل فيه لكن يمنع الطعام
والشراب ولا يكلم ولا يبايع ولا يشاري حتى يخرج من الحرم فيقام فيها حد الله
عز وجل ويقاد منه كما صنع، وكذلك كل من جنى جناية يجب عليه بها حد فلجأ
إلى الحرم لم يؤخذ فيه لكن يضيق عليه بما وصفناه حتى يخرج من الحرم فيقام فيه
الحد، فإن قتل في الحرم أو جنى في الحرم قتل فيه وأقيم عليه الحد فيه لأنه انتهك
حرمة الحرم فعوقب بجنايته فيه.
ومن جنى ما يستحق عليه عقابا فلجأ إلى مشهد من مشاهد أئمة الهدي من
آل محمد ع صنع به كما يصنع بمن يلجأ إلى الحرم مستعصما من إقامة
الحدود عليه، فإن كانت الجناية منه في المشهد أقيم عليه حد الله عز وجل فيه لأنه
انتهك حرمته ولم يعرف حقها.
باب المقتول إذا اختلف الإقرار في قتله والاثنين إذا قتلا واحدا، وإذا قتلا واحدا
والثلاثة يشتركون في القتل بالإمساك والرؤية والقتل، والواحد يقتل الاثنين:
وإذا وجد مقتول فاعترف انسان أنه قتله عمدا واعترف آخر أنه قتله خطأ فولي
المقتول بالخيار إن شاء طالب المقر بالعمد وإن شاء طالب المقر بقتل الخطأ وليس له
مطالبتهما جميعا.
42

وإذا اشترك اثنان في قتل نفس على العمد كان أولياء المقتول مخيرين بين أن
يقتلوا الاثنين ويؤدوا إلى ورثتهما دية كاملة ويقتسمونها بينهم نصفين أو يقتلوا
واحدا منهما ويؤدى الباقي إلى ورثة صاحبه نصف الدية.
وكذلك القول في الثلاثة إذا قتلوا الواحد وأكثر من ذلك إن اختار أولياء المقتول
قتل الجميع قتلوهم وأدوا فضل الديات على دية صاحبهم إلى ورثة الجميع، وإن
اختاروا قتل واحد منهم قتلوه وأدى الباقون إلى ورثة صاحبهم بحساب أقساطهم
من الدية، وإن اختار أولياء المقتول أخذ الدية كانت على القاتلين بحساب عددهم
إن كانوا اثنين فهي عليهما نصفان وإن كانوا ثلاثة فهي عليهم أثلاث وإن كانوا
أربعة فهي عليهم أرباع ثم على هذا الحساب بالغا ما بلغ عددهم، وإذا قتل واحد
منهم بالمقتول أدى الباقون إلى ورثته ما كان يجب عليهم لو طولبوا بحساب قسط
كل واحد منهم على ما ذكرناه.
وإذا اجتمع ثلاثة نفر على انسان فأمسكه واحد منهم وتولى الآخر قتله وكان
الثالث عينا لهم ينذرهم ممن يصير إليهم أو يراهم قتل القاتل به وخلد الممسك له
الحبس حتى يموت بعد أن ينهك بالعقوبة وتسمل عين الثالث.
وإذا قتل الواحد اثنين أو أكثر من ذلك وكان له مال فاختار أولياء المقتولين
الديات كان عليه ديات الجماعة وإن لم يكن له مال فليس لهم إلا نفسه، وإذا
قتل كان مستقادا بجميع من قتل ولم يكن لأولياء المقتولين رجوع على ورثته
بشئ.
وإذا اشترك اثنان في رمى غرض فأصابا مسلما خطأ كانت الدية على عاقلتهما
جميعا نصفين وعلى كل واحد منهما الكفارة على الكمال وهي عتق رقبة، فمن لم
يجد فصيام شهرين متتابعين كما ذكره الله عز وجل، فمن لم يستطع الصيام تصدق
على ستين مسكينا لكل مسكين بمد من طعام بما ثبت من السنة عن رسول الله ص.
وكفارة قتل العمد إذا أدى القاتل الدية عتق رقبة وصيام شهرين
متتابعين وإطعام ستين مسكينا على الاجتماع، فإن لم يجد هذه الثلاث كفارات
43

كان عليه منها واحدة ما وجدوا الباقي في ذمته إلى أن يموت أو يقدر عليه إن شاء
الله.
باب ضمان النفوس:
ومن أخرج إنسانا من منزله ليلا إلى غيره فهو ضامن لنفسه إلى أن يرده إليه أو
يرجع هو بعد خروجه، فإن لم يرجع ولم يعرف له خبر كان ضامنا لديته، فإن
وجد مقتولا كان لأوليائه القود منه إلا أن يفتدي نفسه بالدية ويختار القوم قبولها منه
وإن وجد ميتا فادعى أنه مات حتف أنفه لزمته الدية دون القود، فإن ادعى أن
إنسانا أعرض له فقتله طولب بإحضار القاتل وإقامة البينة عليه فإن فعل ذلك برئ
من دمه وإن لم يفعل قيد به ولم يلتفت إلى دعواه، وقد قيل: إنه إذا أنكر القتل ولم
تقم به بينة عليه لم يقتل به لكنه يضمن الدية، وهذا أحوط في الحكم إن شاء الله.
ومن ائتمن على صبي له ظئر أو غيرها فسلمه المؤتمن إلى غيره فلم يعرف له خبر
كان ضامنا لديته، فإن وجد مقتولا وعرف قاتله قيد به وإن لم يعرف كانت الظئر
ضامنة لديته أو غيرها ممن سلم إليه إن كان مؤتمنا عليه.
وإذا سلم الانسان صبيا إلى ظئر لترضعه فغابت به دهرا ثم جاءت بصبي لم
يعرفه أبواه وقالت لهما: هذا ابنكما، فعليهما تصديقها لأنها مؤتمنة اللهم إلا أن
تأتي بمن يعلمان أنه ليس بولدهما فلا يجب قبول قولها وتضمن الدية حتى تأتي به
بعينه أو بمن يشكل الأمر فيه وتزعم أنه ولد القوم فحينئذ تبرأ من الضمان على ما
ذكرناه.
وإذا نام الصبي إلى جنب الظئر فانقلبت عليه في النوم فقتلته لم يجب عليها
بذلك القود وكانت ضامنة لديته، وكذلك من انقلب في منامه على طفل فقتله على
غير تعمد لم يقد به لكنه يفديه بالدية المغلظة حسب ما بيناه.
والرجل إذا أعنف على امرأته فماتت من ذلك كان عليه ديتها مغلظة ولم يقد
بها، وإذا أعنفت هي على زوجها فضمته إليها ونحو ذلك من الفعل الذي لا يقصد
44

به فاعله إلى إتلاف النفس فمات الزوج من ذلك كان عليها ديته مغلظة ولم يكن
عليها القود.
والرجل إذا جامع الصبية ولها دون تسع سنين فأفضاها كان عليه دية نفسها
والقيام بها حتى يفرق الموت بينهما.
ومن ركب دابة فأصابت يدها إنسانا فمات من ذلك كان ضامنا لديته فإن
رمحته برجلها لم يكن عليه ضمان إلا أن يكون ضربها فرمحت فيضمن ما جنته
حينئذ، وإذا جرحت بيدها إنسانا أو كسرت له عظما أو هشمته ضمن راكبها دية
ذلك فإن أصابته برجلها من غير أن يكون ضربها لم يلزمه شئ، وحكم البعير
والحمار والبقرة وكل ما يركب من الدواب هذا الحكم.
ومن هجمت دابته على دابة غيره في منامها فقتلتها أو جرحتها كان صاحبها
ضامنا لذلك، وإذا دخلت عليها الدابة إلى مأمنها فأصابتها بسوء لم يضمن
صاحبها ذلك، والبعير إذا اغتلم وجب على صاحبه حبسه وحفظه فإن لم يفعل ذلك
أو فرط فتعدى ضرورة إلى أحد ضمن صاحبه جنايته، ومن نفر براكب فعقرت
الدابة راكبها أو جنت على غيره كان ضامنا لجنايتها.
والمجنون إذا قتل فهو على ضربين: إن كان المقتول تعرض له بأذى فقتله المجنون
فدمه هدر، وإن لم يكن تعرض له كانت ديته على عاقلته فإن لم تكن له عاقلة
كانت الدية على بيت المال ولا يقاد المجنون بأحد ولا يقتص منه.
وإن قتل عاقل مجنونا عمدا كانت عليه الدية في ماله ولا يقاد العاقل بالمجنون،
وإن قتله خطأ فديته على عاقلته حسب ما قدمناه وعليه الكفارة كما بيناه.
والصبي إذا قتل كانت الدية على عاقلته لأن خطاءه وعمده سواء، فإذا بلغ
الصبي خمسة أشبار اقتص منه.
ومن أحرق دار قوم فهلك فيها مال وأنفس كان عليه القود بمن قتله وغرم ما
أهلكته النار من متاع القوم، فإن لم يتعمد الإحراق لكنه أضرم نارا لحاجة فتعدت
النار إلى إحراق الدار ومن فيها كان عليه دية الأنفس على التغليظ وغرم ما هلك
45

بالنار من المتاع اللهم إلا أن يكون إضرامه النار في مكان له التصرف فيه نحو ملك
وإجارة فتعدت النار إلى ملك قوم فأصابتهم معرتها فلا ضمان عليه.
ومن أحدث في طريق المسلمين شيئا لحق أحدا منهم به ضرر كان ضامنا
لجناية ذلك عليه، فإن أحدث فيه ما أباحه الله تعالى إياه وجعله وغيره من الناس فيه
سواء فلا ضمان عليه لأنه لم يتعد واجبا بذلك.
باب قتل السيد عبده والوالد ولده:
وإذا قتل السيد عبده خطأ كان عليه الكفارة كما تكون عليه إذا قتل الحر ولا
دية عليه له، وإذا قتله عمدا عاقبه السلطان وأغرمه ثمنه وتصدق به على المساكين،
وكان على السيد كفارة صنيعه عتق رقبة مؤمنة وإن أضاف إليه صيام شهرين
متتابعين وإطعام ستين مسكينا فهو أفضل وأحوط له في كفارة ذنبه إن شاء الله.
والأب إذا قتل ولده خطأ كانت ديته عليه في ماله يقاص منها بحق ميراثه
منه والباقي لوارثه سوى الإخوة من الأم والأخوال على ما قدمناه وعليه الكفارة في
قتله كما وصفناه، وإذا قتله عمدا عاقبه السلطان عقوبة موجعة وألزمه الدية على
الكمال لورثته سوى الأب القاتل على ما شرحناه.
وإذا قتل الابن أباه عمدا قتل به وهو صاغر.
وتقتل الأم بابنها إذا قتلته عمدا ويقتل بها إذا قتلها عمدا وعلى كل واحد منهما
في قتل صاحبه خطأ من الحكم ما قدمنا ذكره ووصفناه.
باب الاشتراك في الجنايات:
وإذا وقف جماعة على نهر أو بئر أو أشرفوا من علو فوقع أحدهم فتشبث بالذي
يليه وتعلق الذي يليه بمن يليه كان الحكم فيهم ما قضى به أمير المؤمنين ع
في الذين سقطوا في زبية الأسد وكانوا أربعة نفر سقط أحدهم فتعلق بالثاني وتعلق
الثاني بالثالث وتعلق الثالث بالرابع فهلكوا جميعا فقضى: أن الأول فريسة الأسد
46

وعليه ثلث الدية للثاني وعلى الثاني ثلثا الدية للثالث وعلى الثالث الدية كاملة
للرابع.
وقضى ع في جارية ركبت عنق أخرى فجاءت جارية ثالثة ففرصت
المركوبة فقمصت لذلك فوقعت الراكبة فاندق عنقها فألزم القارصة ثلث الدية
والقامصة ثلثها الآخر وأسقط الثلث الباقي لركوب الواقعة عبثا وللقامصة.
وقضى ع في ستة نفر كانوا يسبحون في الفرات فغرق واحد منهم فشهد
ثلاثة على اثنين بأنهما غرقاه وشهد الاثنان على الثلاثة أنهم غرقوه: أن على
الاثنين ثلاثة أخماس ديته وعلى الثلاثة خمسي الدية.
وقضى ع في أربعة نفر شربوا المسكر فتباعجوا بالسكاكين فمات اثنان
وجرح اثنان أن على المجروحين دية المقتولين يقاصان بأرش الجراح منهما.
باب اشتراك الأحرار والعبيد والنساء والرجال والخناثى والصبيان والمجانين في القتل:
وإذا اشترك الحر والعبد في قتل حر على العمد دون الخطأ كان أولياء المقتول
مخيرين بين أن يقتلوهما جميعا بصاحبهم ويؤدوا إلى سيد العبد قيمته أو يقتلوا الحر
ويؤدى سيد العبد إلى ورثته خمسة آلاف درهم أو يسلم إليهم عبده فيكون رقا لهم أو
يقتلوا العبد بصاحبهم خاصة فذلك لهم وليس لسيد العبد على الحر سبيل، فإن رضوا
بالدية واصطلحوا عليها كان على الحر النصف منها وعلى سيد العبد النصف الآخر
أو تسليم عبده إليهم يكون رقا لهم.
وإن قتلت امرأة وعبد رجلا حرا على العمد فلأولياء الحر قتلهما جميعا إن أحبوا
ذلك ويردون على سيد العبد فضل قيمة عبده إن كانت أكثر من خمسة آلاف درهم
وإن كانت خمسة آلاف درهم أو أقل من ذلك لم يرجعوا عليه بشئ.
وإن قتل العبد والمدبر رجلا حرا خطأ فديته على سيديهما، وإن لم يؤدياه دفع
العبد والمدبر إلى أولياء المقتول فاسترقوا العبد واستخدموا المدبر حتى يموت سيده
الذي دبره، فإذا مات سيده خرج عن الرق إلى الحرية ولم يكن لأحد عليه سبيل.
47

وإذا قتل المكاتب الحر خطأ فهو على ضربين: إن كان اشترط عليه مولاه حين
كاتبه أنه إن عجز كان ردا في الرق فعليه أن يدي دية المقتول أو يسلم العبد
المكاتب إلى أوليائه ليسترقوه أو يبيعوه إن اختاروا ذلك، وإن لم يكن اشترط عليه
ما ذكرناه كان على الإمام أن يؤدى عنه بقدر ما عتق منه بحساب أدائه من مكاتبته
ويستخدمه أولياء المقتول في باقي ما عليه حتى يوفيه أو يموت قبل ذلك.
وإذا قتل المدبر والمكاتب حرا عمدا كان عليهما القود كما يكون على الحر إذا
قتل.
وإذا اجتمع رجل وامرأة على قتل رجل حر عمدا كان لأولياء الحر قتلهما
جميعا ويؤدون إلى ورثتهما خمسة آلاف درهم يقتسمونها على ثلاثة أسهم لورثة
الرجل الثلثان ولورثة المرأة الثلث، فإن كان معهما خنثى لم يبن أمره ولا يعلم
أذكر هو أم أنثى كان لهم قتل الثلاثة وعليهم أن يؤدوا اثني عشر ألف درهم
وخمسمائة درهم إلى ورثتهم جميعا تقسم بينهم على حساب ما تقدم ذكره لورثته كل
واحد منهم بحساب ديته في الأصل، فيكون للرجل ثلث وتسع من اثني عشر ألف
درهم وخمسمائة درهم وهي خمسة آلاف وخمسمائة درهم وخمسة وخمسون درهما
ونصف وحبتان وثلثا حبة وللخنثى الثلث وهو أربعة آلاف درهم ومائة وستة وستون
درهما وثلثا درهم وللمرأة خمس وتسع خمس فيكون ألفي درهم وسبعمائة وسبعة
وسبعين درهما وأربعة دوانيق وخمس حبات وثلث حبة فذلك تكملة الاثني
عشر ألف درهم، ثم على هذا الحساب في جميع ما يأتي في هذا الباب إن شاء الله.
وكذلك إن كان مع الرجل والمرأة شخص ليس له ما للرجال ولا ما للنساء،
فإن قتل من هذه سبيله فديته نصف دية الرجال ونصف دية النساء سبعة آلاف
وخمسمائة درهم، ولو اصطلحوا مع الأولياء على الدية كان ذلك جائزا حسب ما
يصطلحون عليه، ولو قتلوا خطأ كانت الدية على عاقلتهم أثلاثا متساوية.
وإذا اجتمعت امرأتان على قتل رجل حر مسلم عمدا كان لأوليائه قتلهما
جميعا وليس عليهم رد فضل من دية.
48

وإذا اجتمع مملوكان أو ثلاثة أو أكثر من ذلك على قتل رجل حر مسلم عمدا
كان لأوليائه قتلهم جميعا، فإن كان فضل قيمتهم عن دية المسلم ردوا الفضل إلى
ساداتهم يقتسمونها بالسوية بينهم وإن اختاروا استرقاقهم كان لهم ذلك
- والحكم في فضل القيمة ما ذكرناه إلا أن يفتديهم السادة بشئ عن القتل
والاسترقاق يقع الصلح به بينهم وبين الأولياء - وإن كانت قيمتهم أقل من دية
الحر لم يكن على ساداتهم أكثر من تسليمهم إلى أولياء المقتول.
والذمي إذا قتل المسلم خطأ فديته على عاقلته وإن قتله عمدا سلم بماله وولده إن
كانوا صغارا إلى ورثته على ما تقدم به القول فيما سلف، وإن شارك مسلما في قتل
العمد كان لأولياء المقتول قتله مع المسلم ولم يكن عليهم رد فضل ديته على ورثته
لأنه بتعمده قتل المسلمين الأحرار قد خرج عن الذمة وحل دمه على كل حال.
وإذا اشترك الصبي والمجنون في قتل المسلم الحر لم يختلف الحال في الحكم
عليهما لأن خطأ المجانين والصبيان وعمدهم سواء تؤخذ دية المقتول من عاقلتهما
ولا يجوز القود منهما بالمقتول.
ولو قتل المجنون انسان على التعمد لم يقد به لأنه لا قود لمن لا يستقاد منه لكنه
تؤخذ منه ديته على ما قدمناه، فإن كان قاتل المجنون المحكوم له بالإسلام ذميا
ضربت عنقه لخروجه عن الذمة بقتل من له حكم الاسلام، فإن كان المجنون
بحكم أهل الذمة ألزم القاتل الذمي ديته لأهله وعوقب بما جناه ولم يقد به.
باب دية الأعضاء والجوارح والقصاص فيها:
وكل شئ من الأعضاء في الانسان منه واحد ففيه الدية كاملة إذا قطع من
أصله وفيما كان الأعضاء في الانسان منه اثنان ففيهما جميعا الدية بحسب دية
المصاب، فإن كان ذكرا مسلما حرا فحساب ديته على ما تقدم ذكره فديته ألف
دينار وإن كانت امرأة مسلمة حرة فديتها خمسمائة دينار، وقد بينا القول في دية
العبد والذمي بما أغنى عن تكراره في هذا المكان فدية أعضاء هؤلاء المذكورين
49

بحساب دياتهم.
في اليد إذا استؤصلت نصف دية النفس وفي اليدين جميعا إذا استوصلتا الدية
كاملة، وكذلك في الذراع والذراعين والعضد والعضدين.
وفي الذكر الدية كاملة وفي بعضه بحسابه، وفي الأنثيين الدية كاملة وفي كل
واحد منهما نصف الدية وقد قيل: أن في اليسرى منهما ثلثي الدية وفي اليمنى ثلث
الدية، واعتل من قال ذلك: بأن اليسرى من الأنثيين يكون منها الولد وبفسادها
يكون العقم، ولم أتحقق ذلك برواية صحت عندي.
وفي الشفة العليا ثلث الدية وفي الشفة السفلى ثلثا الدية لأنها تمسك الطعام
والشراب وشينها أقبح من شين العليا وبهذا تثبت الآثار عن أئمة الهدي عليهم
السلام.
وفي شفر العين الأعلى إذا أصيب وذهب ثلث دية العين مائة وستة وستون دينارا
وثلثا دينار، وفي شفر العين الأسفل نصف دية العين مائتا دينار وخمسون دينارا
وهذان العضوان يختصان بهذا الحكم من سواهما.
وفي الحاجبين إذا أصيبتا فذهب شعرهما خمسمائة دينار، وإذا أصيب أحدهما
فذهب شعره كله نصف دية العين مائتان وخمسون دينارا.
وإذا جنى على الانسان جناية فصار بها أدر الخصيتين فديتهما أربعمائة دينار،
فإن فحج فلم يقدر على المشي لا يقدر ما ينتفع به فدية ذلك ثمانمائة دينار.
وفي الصلب إذا انكسر فأحدب دية النفس ألف دينار.
وفي شعر الرأس إذا أصيب فلم ينبت مائة دينار، وفي شعر اللحية كذلك إذا
ذهب فلم ينبت.
وفي الأسنان وهي ثمانية وعشرون سنا في الخلقة المستقيمة اثنتا عشر سنا في
مقاديم الفم وستة عشر سنا في مآخيره ألف دينار، وفي كل سن من مقاديم الفم
خمسون دينارا فلذلك في اثنتا عشرة سنا ست مائة دينار، وفي كل ضرس خمسة
وعشرون دينارا فذلك في ستة عشر ضرسا أربعمائة دينار وما زاد على هذه الأسنان
50

في العدد فليس له دية موظفة لكنه ينظر فيما ينقص من قيمة صاحبه بذهابه منه إن
لو كان عبدا ويعطي بحساب دية الحر منه إن شاء الله.
وفي أصابع اليدين جميعا الدية كاملة، وفي كل إصبع عشر الدية وهو ألف درهم
أو مائة دينار أو عشر من الإبل، وفي أصابع الرجلين مثل ذلك سواء، وفي الإصبع
الزائدة إذا قطعت ثلث دية الأصبع الصحيحة.
وإذا ضربت السن فلم تسقط لكنها اسودت أو تصدعت ففيها ثلثا دية
سقوطها، وكذلك اليد إذا ضربت فيبس منها شئ ولم تنفصل من الانسان كان
فيها ثلثا دية انفصالها.
ومن ضرب سن صبي فسقطت انتظر به، فإن نبتت لم يكن فيها قصاص
وكان فيها الأرش ينظر فيما ينقص من قيمة صاحبها بذلك إن لو كان عبدا ويعطي
بحساب دية الحر منه إن شاء الله.
ومن كسر يد انسان ثم برأت وصلحت لم يكن فيها قصاص لكن فيها الأرش
على ما ذكرناه، وفي قطع بعض اليد والرجل يسقط من ديته قطع جميعها بحساب
ديتها يقاس ذلك بالخيط وشبهه، وكذلك في قطع بعض الشفتين من ديتها يسقط
من دية قطعهما.
وفي اللسان إذا قطع من أصله الدية كاملة وفي قطع بعضه بحساب ذلك، والعبرة
فيما ينقص من اللسان بحساب حروف المعجم وهي ثمانية وعشرون حرفا لكل
حرف منها جزء من الدية بحسابها على السواء، فإن أخل في كلامه بحرف واحد
كان له جزء من ثمانية وعشرين جزءا من أصل ألف دينار. وإن أخل بحرفين كان
له من ذلك جزءان ثم على هذا الحساب وجميع ما يخل به من الأحرف على
ما ذكرناه، وفي اللسان بحساب الجمل في ألف واحد وفي باء اثنان وفي جيم ثلاثة
تجزأ الدية على حساب الجمل ثم يعطي المصاب منها بحساب ما نقص من لسانه
بعبرة الحروف على ما ذكرناه.
وفي العينين إذا فقئتا ألف دينار وفي إحديهما خمسمائة دينار، وفيما ينقص من
51

نظرهما بذهاب نورهما بحساب ديتهما وكذلك فيما ينقص من نظر واحدة منهما
بذهاب نورها بحساب ديتها، والطريق في معرفة حقيقة ما ينقص من نور العين
بقياس نظرهما إلى نظر من هو في سنه من الناس فيمد حبل لغيره ممن يساويه في
عمره وحال نظره وينظر به غاية مد إبصاره فيعلم عليه ثم يقاس بجانب آخر ويعلم
عليه، فإذا استوت المسافة في نظره اعتبر بالجانبين الآخرين حتى يكون قد اعتبر
بالأربع الجهات، فإذا استوى وتساوت مسافاته ولم يختلف قوله في نظره علم بذلك
مقدار نظره ثم يمد الحبل للذي أصيب وينظر به غاية مدى إبصاره ويعلم عليه ثم يدار
إلى جانب آخر وينظر به مدى إبصاره ويعلم عليه.
فإذا تساوت المسافة اعتبر بالجهتين الأخريين، فإن اختلف قوله باختلاف
المسافة لم يصدق وإن اتفق قوله باتفاق المدي في الأربع الجهات صدق ونظر فيما
بين مدى عينه الصحيحة وعينه المصابة فأعطي من ديتها بحساب ذلك، ولا تقاس
العين في يوم الغيم ولا في جهات مختلفة الضياء والاستواء واعتبار إحدى العينين، لو
ادعى صاحبها نقصان نظر فيها بأن تشد عينه المصابة ويمد له حبل فينظر منتهى نظر
عينه الصحيحة وتحقق ذلك بمد الحبل في الجهات الأربع.
فإذا عرف صدقه باستواء المدي بالمسافات المتساوية حلت عينه المصابة وشدت
عينه الصحيحة ومد الحبل تلقاء وجهه وأعلم مدى عينه المصابة ثم مد من جانب
آخر ونظر منتهى نظره منه فإن خالفه لم يصدق وإن ساواه حقق ذلك باعتبار مد
الحبل في الجهتين الأخريين، فإذا استوى نظره في الأربع الجهات نظر فيما بين مدى
عينه الصحيحة وعينه المصابة فأعطي من ديتها بحساب ذلك إن شاء الله.
ومن ادعى نقصا في سمعه اعتبر بالصوت من أربع جهات وقيس إلى سماع
غيره من أبناء سنه، فإن ادعى نقصا في السماع من إحدى أذنيه شدت أذنه المصابة
وصيح به في مكان بعيد وعرف مدى سمعه ثم تحل الأذن المصابة وتشد الصحيحة
ويصاح به من أربع جهات ثم يستحلف على ذلك ويعطي دية ما نقص من سمعه
بحساب دية سمعه كله - وينبغي أن يكون الموضع الذي اعتبر به السمع معتدل
52

الهواء ولا يعتبر مع تغير الرياح واختلاف الأجرام - فإن اشتبه الأمر في ذلك
استظهر بامتحانه مرارا واستظهر عليه بالإيمان إن شاء الله.
باب دية عين الأعور ولسان الأخرس واليد الشلاء والعين العمياء وقطع رأس الميت
وأبعاضه:
وفي عين الأعور الدية كاملة إلا أن يكون قد فقئت إحدى عينه فاستحق ديتها
ففي عينه الأخرى إذا فقئت نصف الدية، وفي لسان الأخرس إذا قطع ثلث الدية
وفي قطع بعضه بحساب ذلك يقاس بالميل والخيط وأشباههما وليست العبرة فيه
كعبرة لسان الصحيح على ما ذكرناه لأن اللسان الصحيح يعتبر بالكلام والأخرس
يتعذر ذلك فيه، وفي اليد الشلاء إذا قطعت ثلث دية اليد الصحيحة، ومن كانت
عينه ذاهبة وهي قائمة غير مخسوفة فلطمه انسان فانخسفت بذلك أو كانت مفتوحة
فانطبقت أو كان سوادها باقيا فذهب فعليه ربع دية العين الصحيحة لذهابه
بجمالها، وفي العينين إذا أصابهما ذلك ربع ديتهما إذا كانت صحيحتين.
ومن قطع رأس ميت فعليه مائة دينار يقبضها إمام المسلمين منه أو من نصبه
للحكم في الرعية ويتصدق عن الميت بها ولا يعطي ورثته منها شيئا، وفي قطع عضو
من أعضائه بحساب مائة دينار في قطع رأسه كما يكون في أعضاء الحي بحساب دية
نفسه وهي ألف دينار.
باب القصاص:
وفي الجناية على الانسان في جوارحه على التعمد لذلك القصاص وفي الجناية عليه
خطأ الدية دون القصاص، ولا قصاص فيما يكون هلاك النفوس به على الأغلب
وإنما يكون فيما يصح مع سلامة النفس في أغلب الأحوال إلا القصاص في الأنفس
خاصة فإن المقصود به إتلافها كما أتلف الجاني نفس المقتول على العمد كذلك دون
الخطأ حسب ما بيناه، وكل ما لا يمكن فيه القصاص ففيه الدية على ما ذكرناه،
53

وليس لأحد أن يتولى القصاص بنفسه دون إمام المسلمين أو من نصبه لذلك من
العمال والأمناء في البلاد والحكام، ومن اقتص منه فذهبت نفسه بذلك من غير
تعد في القصاص فلا قود له ولا دية على حال.
وإذا فقأ أعور عين صحيح على التعمد لذلك كان له أن يقلع عينيه وإن عمي
فإن الحق أعماه، وإذا قلع صحيح عينه الباقية كان مخيرا بين ديتها على ما قدمناه
أو يقلع إحدى عيني صاحبه وليس له مع قلعها شئ سواه وليس له في كسر اليد وشئ
من العظام وقطع شئ من الأعضاء التي تصلح بالعلاج قصاص وإنما القصاص
فيما لا يصلح من ذلك بشئ من العلاج.
ولو أن رجلا قطع شحمة أذن رجل ثم طلب القصاص فاقتص له منه فعالج
أذنه حتى التصق المقطوع بما انفصل منه كان للمقتص منه أن يقطع ما اتصل به من
شحمة أذنه حتى يعود إلى الحال التي استحق بها القصاص.
وكذلك القول فيما سوى شحمة الأذن من العظام والجوارح كلها إذا وقع فيها
القصاص ويعالج صاحبها حتى عادت إلى الصلاح، وينبغي أن ينتظر الحاكم
بالمجروح والمكسور حتى يعالج ويستبرئ حاله بأهل الصناعة، فإن صلح بالعلاج
لم يقتص له لكنه يحكم على الجاني بالأرش فيما جناه، فإن لم يصلح بعلاج
حكم له بالقصاص.
ومن ضرب إنسانا سوطا أو أكثر من ذلك ظلما كان عليه القصاص يضرب
كما ضرب، ومن داس بطن انسان حتى أحدث من الشدة كان له أن يدوس بطنه
حتى يحدث أو يفتدي نفسه من ذلك بثلث الدية.
وإذا جرح انسان إنسانا في غير مقتل فمرض ثم مات من الجراح اعتبرت
حاله، فإن كان مرضه بالجراح دون غيرها من الأعراض كان على الجارح القود إلا
أن يختار ورثة الميت الدية ويرضى القاتل بذلك فتلزمه دية قتل العمد على ما
قدمناه، وإن كان مرضه بعرض لم تولده الجراح لم يكن على الجارح القود وكان
عليه القصاص أو أرش الجراح إن وقع على ذلك بين الأولياء اصطلاح، ومتى اشتبه
54

الأمر فيما فيه مات المجروح حكم عليه بالقصاص دون القود لموضع الاشتباه.
باب الحوامل والحمول وجوارح النساء والرجال والعبيد والأحرار والمسلمين والكفار
والقصاص بينهم في الجنايات:
والمرأة إذا قتلت وهي حامل متم ولم يعلم بحال ولدها هو ذكر أم أنثى فإن على
قاتلها ديتها خمسة آلاف درهم ودية ولدها بحساب دية الرجال والنساء نصفين سبعة
آلاف وخمسمائة درهم نصف دية الرجال ونصف دية النساء فذلك اثنا عشر ألف
درهم وخمسمائة درهم وهي ألف دينار ومائتان وخمسون دينارا.
وإذا ضربت المرأة وهي حامل فألقت نطفة كان على ضاربها دية النطفة عشرون
دينارا، فإن ألقت علقة - وهي شبيه المحجمة من الدم - كان عليه أربعون
دينارا، فإن ألقت مضغة - وهي كقطعة لحم فيها كالعروق - كان عليه ستون
دينارا، فإن ألقت عظما - وهو أن يكون في المضغة كالعقد والخطط اليابسة
- كان عليه ثمانون دينارا، فإن ألقت جنينا - وهي الصورة قبل أن تلجه الروح
- كان عليه مائة دينار، وفي قطع جوارح الجنين بحساب ديته وهي مائة دينار كما
شرحنا ذلك في باب قطع الأعضاء من الميت وبيناه.
وإذا شربت المرأة دواء فألقت حملها كان عليها دية ما ألقته بحساب ما ذكرناه
في النطفة إلى الجنين، فإن قتلته بعد ولوج الروح فيه فعليها دية كاملة لأبيه ولا ترث
من الدية شيئا لأنها قاتلة والقاتل لا يرث المقتول عمدا كما ذكرناه.
ومن أفزع امرأة فألقت شيئا مما وصفناه كان عليه من دية ذلك ما على ضاربها
حسب ما ذكرناه، ودية كل ما ذكرناه من أهل الذمة بحساب دياتهم وهي ثمان
مائة درهم.
ومن أفزع رجلا وهو على جماع فعزل عن امرأته كان عليه دية ضياع النطفة عشر
دية الجنين وهي عشرة دنانير، وكذلك إذا عزل الرجل عن زوجته الحرة بغير اختيارها
فإن عليه عشر دية الجنين يسلمه إليها وهي عشرة دنانير.
55

وفي جنين الأمة إذا ألقته عشر قيمتها، وكذلك في جنين البهيمة وفيما يلقيانه
من النطفة والعلقة والمضغة بحساب ذلك.
والمرأة تساوى الرجل في ديات الأعضاء والجوارح حتى تبلغ ثلث الدية فإذا
بلغتها رجعت إلى النصف من ديات الرجال، مثال ذلك أن في إصبع الرجل إذا
قطعت عشرا من الإبل وكذلك في إصبع المرأة سواء، وفي إصبعين من أصابع الرجل
عشرون من الإبل وفي إصبعين من أصابع المرأة كذلك، وفي ثلاث أصابع الرجل
ثلاثون من الإبل وكذلك في ثلاث أصابع من أصابع المرأة سواء، وفي أربع أصابع
من يد الرجل أو رجله أربعون من الإبل وفي أربع أصابع من أصابع المرأة عشرون من
الإبل لأنها زادت عن الثلث فرجعت بعد الزيادة إلى أصل دية المرأة وهي النصف
من ديات الرجال، ثم على هذا الحساب كلما زادت أصابعها وجوارحها وأعضائها
على الثلث رجعت إلى النصف فيكون في قطع خمس أصابع لها خمس وعشرون من
الإبل وخمس أصابع الرجل خمسون من الإبل بذلك ثبتت السنة عن النبي ص
وبه تواترت الأخبار من آله ع.
والمرأة تقاص الرجل فيما تساويه في ديته من الأعضاء والجوارح والأسنان ولا
قصاص فيما بينها وبينه فيما زاد على ذلك لكنها تستحق به الأرش والديات.
وديات أعضاء العبيد بحساب قيمتهم لا يزاد في قيمة العبد على دية الحر ولا
تساويتا، وديات أعضاء أهل الذمة بحساب ديات أنفسهم وهي ثماني مائة درهم
للرجال منهم وأربع مائة للنساء والحكم في حواملهم وما يلقونه من الحمول بحساب
دياتهم كما بيناه من العبرة في أحكام أهل الاسلام وحساب ديات ذلك منهم،
وليس بين العبيد وأهل الذمة والأحرار من المسلمين في الجراح قصاص.
وإذا جنى العبد على الحر المسلم جناية تحيط ديتها وأرشها بقيمته كان على مولاه
أن يسلمه إلى المجني عليه إلا أن يرضيه بشئ يتفقان عليه، وإن كانت دية الجناية
أو أرشها أكثر من قيمة العبد لم يكن على سيده أكثر من تسليمه إلى المجني عليه إلا
أن يصطلحا على شئ سواه فالصلح بينهما على ذلك جائز فإن وصى المجني عليه
56

بالقصاص منه لم يكن له أكثر من ذلك ولا يتعد في القصاص.
باب ديات الشجاج وكسر العظام والجنايات في الوجوه والرؤوس والأعضاء:
والشجاج ثمان: الحارصة وهي الخدش الذي يشق الجلد وفيها بعير، والدامية
وهي التي تصل إلى اللحم ويسيل منها الدم ففيها بعيران، والباضعة وهي التي
تبضع اللحم وتزيد في الجناية على الدامية ففيها ثلاثة أبعرة، والسمحاق وهي التي
تقطع اللحم حتى تبلغ إلى الجلدة الرقيقة المغشية للعظم ففيها أربعة أبعرة، والموضحة
وهي التي تقشر الجلدة وتوضح عن العظم ففيها خمسة أبعرة، والهاشمة وهي التي
تهشم العظم ففيها عشرة أبعرة، والناقلة وهي التي تكسر العظم كسرا يفسده
فيحتاج معه الانسان إلى نقله من مكانه ففيها خمسة عشر بعيرا، والمأمومة وهي التي
تبلغ إلى أم الدماغ ففيها ثلث الدية ثلاثة وثلاثون بعيرا أو ثلث الدية من العين أو
الورق على السواء لأن ذلك يتحدد فيه الثلث ولا يتحدد في الإبل والبقر والغنم على
السلامة في العدد.
وحكم الشجاج في الوجه كحكمها في الرأس سواء، والقصاص في جميع
الشجاج إلا المأمومة فإنه لا قصاص فيها للخطر بذلك والتعزير بتلف النفس ولكن
فيها الدية على ما ذكرناه، ولا قصاص في الجائفة وهي الجراحة التي تصل إلى
الجوف وفيها الدية كدية المأمومة في الشجاج.
وفي لطمة الوجه إذا احمر موضعها دينار واحد ونصف، فإن أخضر أو أسود ففيها
ثلاثة دنانير، وأرشها في الجسد النصف من أرشها في الوجه بحساب ما ذكرناه.
وفي كسر عظم من عضو خمس دية ذلك العضو، وفي موضحته ربع دية كسره،
وإذا كسر العظم فجبر على غير عثم ولا عيب كان ديته أربعة أخماس كسره.
وفي كسر الصلب ألف دينار، فإن جبر وبرئ على غير عثم ولا عيب فديته مائة
دينار عشر دية كسره.
وفي الأنف إذا كسر أو قطع فاستؤصل ألف دينار، فإن كسر فجبر فصلح على
57

غير عثم ولا عيب فديته مائة دينار، فإن قطعت روثة الأنف فاستؤصلت فديتها
خمسمائة دينار، فإن نفذت في الأنف نافذة لا تنسد فديتها ثلث الدية ثلاثمائة
وثلاثة وثلاثون دينارا وثلث دينار، فإن عولجت فصلحت وانسدت ففيها خمس دية
الأنف مائتا دينار، فإن كانت النافذة في أحد المنخرين إلى الخيشوم وهو الحاجز بين
المنخرين فعولجت وبرأت والتأمت فديتها عشر دية الأنف مائة دينار.
وإذا شقت الشفتان حتى بدت الأسنان ولم تبرأ فدية شقهما ثلث دية النفس
ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون دينارا وثلث دينار فإن عولجت فبرأت والتأمت فديتها خمس
دية النفس، وفي شق إحديهما بحساب ديتهما فإن التأمت وصلحت ففيها خمس
ديتها خاصة.
وحكم العظم إذا كسر فلم ينجبر على ما قدمناه، وديته إذا جبر فصلح على غير
عيب فيه ولا قطع شئ منه أربعة أخماس كسره، وفي رضه ثلث دية عضوه فإن صلح
على غير عيب فديته أربعة أخماس رضه، فإن فك عظم من عضو فتعطل به العضو
فديته ثلثا دية العضو فإن جبر فصلح والتأم فديته أربعة أخماس دية فكه، وعلى هذا
المثال في جميع كسر الأعضاء ورضها ونقلها وفكها يكون الحكم إن شاء الله.
وفي نقل عظام الأعضاء لفسادها مثل ما في نقل عظام الرأس بحساب دية
العضو الذي نقل منه إن شاء الله، ولتفصيل أحكام الديات كتب مصنفة قد شرح
فيها القول وبسط على الاستقصاء فيها منها كتاب " ظريف بن ناصح " وكتاب
" علي بن رئاب " وغيرهما من المشايخ الفقهاء مأثورة عن الصادقين ع
لم يحتمل كتابنا هذا نقل جميع ما فيها إليه وفيها أثبتناه منه مقنع في معرفة ما أردنا
بيانه إن شاء الله.
باب الجنايات على الحيوان من البهائم وغيرها:
والإتلاف لأنفس الحيوان على ضربين: أحدهما يمنع من الانتفاع به بعده
والثاني لا يمنع من ذلك.
58

فالضرب الذي يمنع من الانتفاع قتل ما يقع عليه الذكاة على غير وجه الذكاة
كقتله بالحجارة أو الخشب أو تقطيعه بالسيف قبل تذكيته بالذبح أو النحر أو قتله
بالماء أو إمساك النفس منه أو منعه من العلف أو الماء أو ذبحه بيد كافر لا تقع
بذبحه الذكاة، ومن ذلك قتل ما لا يقع عليه الذكاة ولا يحل أكله مع الاختيار
كالبغال والحمير الأهلية والهجين من الدواب والسباع من الطير وغيره.
والضرب الذي لا يمنع من الانتفاع به كذبح الشاة والبقرة ونحر البعير وذبح
الطائر وما أشبه ذلك.
فإذا أتلف الانسان حيوان غيره على وجه لا يحصل معه الانتفاع به كان عليه
قيمته حيا يوم أتلفه وكذلك إن أتلف عليه ما لا تقع عليه الذكاة، فإن أتلف ما
يحصل مع تلف نفسه لصاحبه الانتفاع به على وجه من الوجوه كان صاحبه مخيرا بين
أن يأخذ منه قيمته حيا يوم أتلفه ويدفعه إليه أو يأخذ منه أرش إتلافه وهو ما بين
قيمته حيا ومتلفا وينتفع هو به.
والمسلم لا يملك شيئا محرما عليه كالخمور والخنزير والقرد والدب وما أشبه ذلك
مما لم يجعل للمسلمين به نفع، فإن أتلف انسان خمرا قد تملكها مسلم أو خنزيرا أو
قردا أو دبا وأشباه ذلك لم يكن عليه للمسلم قيمته ولا غرم، وإن أتلف خمر الذمي
وخنزيرا له أو شيئا قد أباحته ملته تملكه كان عليه غرمه وقيمته بين مستحليه من
أهل الكتاب.
وكذلك من أتلف على مسلم شيئا من سباع الطير وغيرها مما قد جعل
للمسلمين الانتفاع به كالبازي والصقر والكلب السلوقي وكلب الحائط والماشية
والفهد وما أشبه ذلك كان عليه غرم قيمته حيا يوم أتلفه إلا الكلب خاصة فإنه قد
اختلف في قيمة السلوقي منها المعلم للصيد أربعون درهما، وفي قيمة كلب الحائط
والماشية عشرون درهما وليس في شئ من الكلاب سوى ما سميناه غرم ولا لها قيمة.
والقول في جراح ما عددناه وكسر عظامه بحساب ما بيناه إن كان مما
يتملك ففيه أرش وإن كان مما لا يتملك فحكم جراحة وكسره كحكم
59

إتلاف نفسه، ومن كسر عظم بعير لغيره أو شاة أو بقرة أو طائر أو جرح شيئا من
ذلك كان عليه أرشه وهو ما بين قيمته صحيحا ومعيبا وليس له خيار في أخذ قيمته
وتسليمه إلى الجاني عليه كما ذكرنا ذلك في إتلاف النفوس، فإن فعل ذلك بخنزير
لمسلم أو قرد أو دب وأشباهها لم يكن عليه أرش كما لم يكن قيمة ما أتلف منه،
فإن فعله بخنزير ذمي وأشباهه مما تملكه أهل الذمة في ملتهم كان عليه أرشه وهو
ما بين قيمته صحيحا ومعيبا عند متملكيه من أهل الكتاب.
والحكم فيما يتملكه الانسان المسلم من آلات اللهو المحظورة في الاسلام
كالحكم في الخمور والخنازير.
وإذا جنت بهيمة الانسان على بهيمة غيره أو ملك له من الأشياء فهو على
ضربين: إن كانت الجناية منها بتفريط وقع منه في حفظها ومنعها من الجناية أو يتعد
في استعمالها فهو ضامن لما أفسدته بجنايتها، وإن كانت بغير ذلك لم يكن عليه
ضمان. فمن ذلك جناية غنم الانسان على زرع غيره فإنه إن كان ترك حفاظها ليلا
حتى دخلت زرع غيره فأكلته أو أفسدته فهو ضامن لذلك أو إن كان رعاها فيه
وأدخلها إليه بغير إذن مالكه، وإن كان إفسادها له نهارا من غير سبب بأحد ما
ذكرناه فليس عليه ضمان وذلك أن على صاحب الزرع مراعاته وحفظه نهارا وعلى
صاحب الغنم حفظ غنمه ليلا.
قال الله عز وجل: وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه
غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين ففهمناها سليمن وكلا آتينا
حكما وعلما، وكانت الغنم رعت كرم القوم ليلا فأكلت ورقه وأفسدته فحكم
داود لأرباب الكرم برقاب الغنم، وحكم سليمان على أرباب الغنم بسقي الكرم
واصلاحه وأن يأخذ أرباب الكرم أصواف الغنم وألبانها إلى أن يرجع كرمهم إلى
حالته التي كانت عليه في الصلاح ثم تعود منافع أصواف الغنم وألبانها على أربابها
كما كان لهم ذلك قبل فسادها، وكان هذا الحكم ناسخا لحكم داود ع
ولم يكن مخالفا له من جهة قياس ولا تخطئة في اجتهاد كما تظنه العامة الجهال.
60

والبعير إذا صال فقتل أو كسر أو جرح كان صاحبه ضامنا لجنايته لأنه يجب
عليه حبسه ومنعه من الفساد، وقد قضى أمير المؤمنين ع في بعير كان بين
أربعة شركاء فعقل أحدهم يده فتخطى إلى بئر فوقع فيها فاندق: أن على الشركاء
الثلاثة غرم الربع من قيمته لشريكهم، لأنه حفظ حقه وضيعه عليه الباقون
- بترك عقال حقوقهم وحفظه بذلك من الهلاك - وهذا باب من عرف الحكم فيما
ذكرناه منه على التفصيل أغناه عن تعداد ما في معناه إطالة الخطب فيه إن شاء الله.
61

الانتصار
للسيد الشريف المرتضى علم الهدي أبي القاسم
علي بن الحسين الموسوي
355 - 436 ه‍ ق
63

مسائل القصاص والديات وما يتصل بذلك
مسألة: ومما انفردت به الإمامية القول: بأن من ضرب امرأة فألقت نطفة كان عليه
ديته عشرون دينارا، فإن ألقت علقة فأربعون دينارا، فإن ألقت مضغة فستون
دينارا، فإن ألقته عظما مكتسيا لحما فثمانون دينارا، فإن ألقت جنينا لم ينفخ
فيه الروح فمائة دينار. وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك ولا يعرفون هذا الترتيب الذي ذكرناه.
دليلنا على صحة ذلك إجماع الطائفة وأنه غير ممتنع أن تتعلق المصلحة بما ذكرناه
فإن الأحكام تابعة للمصالح، وإن امتنعوا من جواز تعلق المصلحة بالترتيب الذي
رتبناه طولبوا بالدليل على امتناعهم فإنهم لا يجدونه، فإذا أقروا بجواز تعلق المصلحة
به فلا بد من ذلك.
قلنا: إذا أجمعت الطائفة على هذه الأحكام وانتشرت في رواياتها وأحاديثها
وجب القول بها، وعلى أقل الأحوال يسقط التعجب الشديد منكم والشناعة،
وأنكم تكثرون التعجب من أقوالنا هذه ولا وجه يقتضيه إلا الهوى.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن من أفزع رجلا وهو مخالط لزوجته حتى
عزل الماء عنها لأجل إفزاعه إياه فعليه عشر دية الجنين، وخالف باقي الفقهاء في
ذلك ولم يرضوا بالخلاف حتى عجبوا منه وشنعوا به، والطريقة التي ذكرناها في
65

المسألة المتقدمة لهذه بلا فصل هي الحجة في المسألتين ومزيلة للتعجب منهما.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن الاثنين وما زاد عليهما من العدد إذا قتلوا
واحدا فإن أولياء الدم مخيرون بين أمور ثلاثة: أحدها أن يقتلوا القاتلين كلهم
ويؤدوا فضل ما بين دياتهم ودية المقتول إلى أولياء المقتولين، والأمر الثاني أن
يتخيروا واحدا منهم فيقتلوه ويؤدى المستبقون ديته إلى أولياء صاحبهم بحساب
أقساطهم من الدية، فإن اختار أولياء المقتول أخذ الدية كانت على القاتلين بحسب عددهم.
وخالف باقي الفقهاء في ذلك وإن اختلفت أقوالهم، فقال معاذ بن جبل
وابن الزبير وداود بن علي: إن الجماعة لا تقتل بواحد ولا الاثنان بواحد.
وقال باقي الفقهاء من أبي حنيفة وأصحابه والشافعي ومن عداهم: إن الجماعة
إذا اشتركت في القتل قتلت بالواحد، غير أنهم لم يذهبوا إلى ما ذهبت الإمامية إليه
من تحمل دية من زاد على الواحد ودفعها إلى أولياء المقتولين وهذا موضع الانفراد.
والذي يدل على صحة ما ذهبنا إليه إجماع الطائفة ولأن ما ذكرناه أشبه بالعدل
لأن الجماعة إنما أتلفت نفسا واحدة فكيف تؤخذ النفوس الكثيرة بالنفس
الواحدة، وإذا اتبعنا في قتل الجميع بالواحد الروايات المتظاهرة الواردة بذلك فلا بد
فيها مما ذكرته الإمامية من الرجوع بالدية، وكلامنا في هذه المسألة مع من أنكر قتل
الجماعة بواحد من داود بن علي ومن وافقه من معاذ بن جبل وابن الزبير ومع باقي
الفقهاء الذين ذهبوا إلى قتل الجماعة بواحد من غير أن يلتزم دية لورثة المقتولين.
والذي يدل على الفصل الأول زائدا على إجماع الطائفة قوله تعالى: ولكم في
القصاص حياة، ومعنى هذا أن القاتل إذا علم أنه إن قتل قتل كف عن القتل
وكان ذلك أزجر له عنه وكان داعيا إلى حياته وحياة من هم بقتله، فلو أسقطنا
القود في حال الاشتراك سقط هذا المعنى المقصود بالآية وكان من أراد قتل غيره من
غير أن يقتل به شارك غيره في قتله فسقط القود عنهما.
66

ومما يمكن معارضة من ذهب إلى هذا المذهب به ما يروونه ويوجد في كتبهم في
خبر أبي شريح الكعبي من قوله ع: فمن قتل بعده قتيلا فأهله بين خيرتين
إن أحبوا قتلوا وإن أحبوا أخذوا الدية، ولفظه من يدخل تحته الواحد والجماعة دخولا واحدا.
ويمكن أن يستدل أيضا على من خالف في قتل الجماعة بواحد بقوله تعالى: فمن
اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم، والقاتلون إذا كانوا
جماعة فكلهم معتد فيجب أن يعاملوا بمثل ما عاملوا به القتيل.
فإن قالوا: الله تعالى يقول: النفس بالنفس والحر بالحر وهذا ينفي أن تؤخذ
نفسان بنفس وحران بحر.
قلنا: المراد بالنفس والحر هاهنا الجنس لا العدد، فكأنه قال: إن جنس
النفوس تؤخذ بجنس النفوس وكذلك جنس الأحرار، والواحد والجماعة يدخلون في
ذلك.
فإن قيل: إذا اشتركت الجماعة في القتل فليس كل واحد من الجماعة منهم
قاتلا وليس يجوز أن يقتل من ليس بقاتل.
قلنا: كل واحد من الجماعة قاتل في حال الاشتراك ويطلق عليه هذا الاسم
فكيف ظننتم أنا لا نطلق على أن كل واحد قاتل.
فإذا قالوا: والقاتل لا بد له من مقتول فكيف يقولون في الجماعة؟
قلنا: مقتول الجماعة واحد وإن كان القتلة جماعة وكل واحد من القاتلين هو
قاتل للنفس التي قتلها القاتل الآخر، ويجري ذلك مجرى جماعة حملوا جسما وكل
واحد منهم حامل ومحمول الجماعة واحد وهو الجسم، وكذلك مقتول الجماعة
المشتركين في القتل واحد وإن كان فعل أحدهم غير فعل صاحبه كما أن حمل كل
واحد من حاملي الجسم غير حمل صاحبه وفعله غير فعله وإن كان المحمول واحدا،
وبيان هذه الجملة: أن القتل إذا كان على ما ذكرناه في مواضع كثيرة من
كلامنا هو نقض البنية التي لا تبقى الحياة مع نقضها، وكان نقض هذه البنية قد
يفعله الواحد منا منفردا وقد يشترك الجماعة في نقض بنية الحياة فيكونون كلهم
67

ناقضين لها ومبطلين للحياة وهذا هو معنى القتل، فثبت أنه قد وجد من كل واحد
من الجماعة معنى القتل وحقيقته فيجب أن يسمى قاتلا.
ووجدت لبعض من نصر هذا المذهب - أعني القول بجواز قتل الجماعة
بواحد - كلاما سأل فيه نفسه فقال: إذا كان كل واحد من الجماعة قاتلا فينبغي
أن يكون كل واحد منهم قاتلا لنفس غير التي قتلها صاحبه، وأجاب عن هذا
الكلام: بأن كل واحد من الجماعة قاتل لكنه ليس بقاتل نفس كما أن الجماعة
إذا أكلت رغيفا فكل واحد منهم أكل لكنه ليس بأكل رغيف،
وهذا غلط من القائل لأن كل واحد من الجماعة إذا اشتركوا في القتل قاتل
كما قال فلا بد أن يكون قاتل نفس فكيف يكون قاتلا وما قتل نفسا غير أن
النفس التي قتلها واحد من الجماعة هي النفس التي قتلها شركاؤه والنفس واحدة
والقتل مختلف كما قلناه في الجسم المحمول، وليس كذلك الرغيف لأن الجماعة
إذا أكلت رغيفا فكلهم أكلوا وليس كل واحد منهم أكل رغيفا وإنما أكلت
الجماعة الرغيف، وكل واحد منهم إنما أكل بعضه لأن الرغيف يتبعض والنفس
لا تتبعض كما أن حمل الجسم الثقيل لا يتبعض فما يحمله كل واحد من الجماعة هو
الذي يحمله الآخر، وكذلك يجب أن يكون من قتله واحد من الجماعة إذا اشتركوا
في القتل هو الذي قتله كل واحد منهما، وتحقيق هذا الموضع ليس من عمل الفقهاء
ولا مما يهتدون إليه لفقد علمهم بأصوله فلا يجب أن يتعاطوه فيفتضحوا.
فإن قيل: قد ثبت أن الجماعة إذا اشتركوا في سرقة النصاب لم يلزم كل واحد
منهم القطع وإن كان كل واحد منهم إذا انفرد بسرقة لزمه القطع، وأي فرق بين
ذلك وبين القتل مع الاشتراك؟
قلنا: الذي نذهب إليه وإن خالفنا فيه الجماعة: أنه إذا اشترك نفسان في سرقة
شئ من حرز وكان قيمة المسروق ربع دينار فصاعدا فإنه يجب عليهم القطع معا،
فقد سوينا بين القتل والقطع وإنما ينبغي أن يسأل عن الفرق بين الأمرين من فرق
بينهما.
68

فإن قالوا: كما لم يجب على كل واحد من الجماعة إذا اشتركوا في قتل الخطأ
دية كاملة لم يجب عليهم قصاص كامل.
قلنا: الدية تتبعض فيمكن تقسيطها عليهم والقصاص لا يتبعض.
فأما الكلام على من شاركنا من الفقهاء في قتل الجماعة بالواحد وانفرادنا عنه
بذلك الترتيب الذي رتبناه فهو أنا نقول: هذه الجماعة إنما قتلت نفسا واحدة وإن
اشتركوا في قتلها، وإذا أخذت الأنفس الكثيرة بتلك النفس على ما ورد به الشرع
فلا بد مما ذكرناه من رد الدية على أولياء المقتولين حتى تخلص نفس واحدة بنفس
واحدة ويسلم مع ذلك جواز قتل الجماعة بالواحد.
فإن قالوا: نرى من مذهبكم هذا عجبا لأنكم توجبون قتل الجماعة بواحد
وتذهبون إلى أن هذا القتل مستحق لا محالة، فإذا كان قتلا مستحقا كيف يجوز أن
يؤخذ بإزائه دية أو ليس قتل الواحد بالواحد لما كان مستحقا لم يكن فيه دية
تعود إلى أحد؟
قلنا: هذا القتل وإن كان مستحقا بمعنى أنه يحسن من ولي الدم أن يطالب به
فغير ممتنع أن يكون الشرط في حسنه ما ذكرناه من إعطاء الدية وأن يكون المصلحة
اقتضت الترتيب الذي ذكرناه، فوجوه المصالح غير مضبوطة ولا محدودة، والزجر
والردع عن قتل الجماعة للواحد على سبيل الاشتراك ثابت لأنه لا فرق في زجر
الجماعة عن الاشتراك في قتل الواحد بين أن يقتل به ولا دية راجعة على أحد وبين
أن يقتل به مع رجوع الدية على الوجه الذي ذكرناه، لأنه من علم أنه متى قتل قتل
واستحق القتل مع الانفراد والاشتراك كان ذلك زاجرا له عن القتل.
فإن احتج من نفى قتل الجماعة بالواحد بما يروونه عن جويبر عن الضحاك عن
النبي ص أنه قال: لا يقتل اثنان بواحد، وهذا الخبر إذا سلم
من كل قدح وتضعيف لا يرجع بمثله عن الأدلة الموجبة للعلم، وقد ضعفه أهل النقل
وطعنوا على رواته مع أن خبر الضحاك عن النبي ص مرسل،
وقد تأوله قوم على أن المراد به أنه لا يقتل اثنان بواحد إذا كان أحدهما خاطئا.
69

ومما يقوى هذا المذهب الذي اختصصنا به أنه لا خلاف في أن الواحد إذا قتل
جماعة لم يكلف دمه دماءهم حتى يكتفى بقتله عن جماعتهم بل يقتل بواحد منهم
وتجب الدية للباقين، فيجب في الجماعة إذا قتلت واحدا مثل هذا الاعتبار حتى
يكونوا متى قتلوا به عادوا على أولياء المقتولين الدية المأخوذة من قاتل الجماعة بالواحد
لأن دم الواحد لا يكافي دم الجماعة ولا ينوب منابها فكذلك يجب في دم الجماعة
والواحد.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية: أن الرجل إذا قتل امرأة عمدا واختار أولياؤها الدية
كان على القاتل أن يؤديها إليهم وهي نصف دية الرجل، فإن اختار الأولياء القود
وقتل الرجل بها كان لهم ذلك على أن يؤدوا إلى ورثة الرجل المقتول نصف الدية،
ولا يجوز لهم أن يقتلوه إلا على هذا الشرط. وخالف باقي الفقهاء في ذلك ولم
يوجبوا على من قتل الرجل بالامرأة شيئا من الدية.
دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه الاجماع المتردد، ولأن نفس المرأة تساوى نفس
الرجل بل هي على النصف منها فيجب إذا أخذت النفس الكاملة بالناقصة أن يرد
فضل ما بينهما.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن الثلاثة إذا قتل أحدهم وأمسك الآخر
وكان الثالث عينا لهم حتى فرغوا أنه يقتل القاتل ويحبس الممسك أبدا حتى يموت
وتسمل عين الناظر لهم.
وقد روي عن ربيعة الرأي: أنه يقتل القاتل ويحبس الممسك حتى يموت،
وهذه موافقة للإمامية.
وخالف باقي الفقهاء في ذلك، فقال أبو حنيفة وأصحابه في من أمسك رجلا
حتى قتله آخر: إن القود على القاتل دون الممسك ويعزر الممسك.
70

وقال ابن وهب عن مالك: إذا أمر الرجل عبده أن يقتل رجلا فقتله فإن كان
العبد أعجميا قتل السيد، وإن كان غير أعجمي قتل العبد.
وقال ابن القاسم عن مالك في الممسك للرجل حتى يقتله غيره: إن عليهما
جميعا القصاص لأن الماسك قد أراد قتله.
وقال الليث بمثل قول مالك، وقال الليث: فإن أمسكه ليضربه فقتله قتل القاتل
وعوقب الآخر، وقال الليث: لو أمر غلامه أن يقتل رجلا فقتله قتلا به جميعا.
وحكى المزني عن الشافعي: أنه يقتل الذابح دون الممسك كما يجلد الزاني
دون الممسك.
دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه الاجماع المتردد، وأيضا فإنا نرجع في الترتيب
الذي ذكرناه إلى نص وتوقيف ومخالفنا يرجع إلى رأي وظن وحسبان، فكيف يجوز
أن يقتل الممسك وليس بقاتل ومما يمكن أن يعارضوا به ما رووه وهو موجود في
كتبهم أن النبي ص قال في من قتل غيره وأمسك الآخر: إنه
يقتل القاتل ويصير الصابر، وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: معناه يحبس الممسك
لأن الصبر في اللغة الحبس.
فإن احتجوا بما يروى عن عمر بن الخطاب: أنه قتل تسعة بواحد، ثم قال: لو
تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم، أي يتعاونون، والإمساك معاونة للقتل لا محالة
فينبغي أن يستحق به القتل.
قلنا: هذا خبر واحد لا يوجب علما ولا عملا ولا يرجع بمثله عن الأدلة الموجبة
للعلم، ومعنى المتمالئ في الخبر هو المشاركة في القتل والتعاون عليه، وإذا كان
الممسك ليس بشريك في القتل فلا يجوز أن يستحق القتل.
فإن قيل: إن الممسك والذابح تعاونا على القتل فلزمهما القود كما لو جرحاه
جميعا فمات.
قلنا: الممسك غير معاون على القتل ولا شريك فيه وإنما هو ممكن من الفعل
والتمكين لا يتعلق به حكم الفعل الممكن منه، أ لا ترى أن من أمسك امرأة حتى
71

زنى بها غيره لا يلزمه حكم الزنى الذي هو الحد، على أن الجارحين لو انفرد كل
واحد منهما بالفعل لم يلزمه القود كذلك إذا شاركا، والممسك لو انفرد بالإمساك
لم يلزمه القود فلم يلزم مع المشاركة.
فإن قيل: قد اتفقنا على أن المحرم إذا أمسك صيدا فقتله آخر أن الضمان يلزم
كل واحد منهما، وأي فرق بين ذلك وبين إمساك الآدمي للقتل؟
قلنا: إنما لزمه ضمان الصيد بالإمساك لأن الصيد مضمون باليد، ألا ترى أنه
لو أمسكه فمات في يده لزمه ضمانه، وبالإمساك قد حصلت له عليه يد والآدمي لا
يضمن باليد لأنه لو أمسكه حتى مات في يده لم يلزمه ضمانه وكذلك إذا أمسكه
فقتله آخر.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن من قطع رأس ميت فعليه مائة دينار لبيت
المال، وخالف باقي الفقهاء في ذلك.
دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه الاجماع المتردد.
وإذا قيل: كيف يلزم دية وغرامة وهو ما أتلف عضو الحي.
قلنا: لا يمتنع أن يلزمه ذلك على سبيل العقوبة لأنه قد مثل بالميت بقطع رأسه
فاستحق العقوبة بلا خلاف فغير ممتنع أن تكون هذه الغرامة من حيث كانت مؤلمة
له، وتألمه يجري مجرى العقوبة من جملتها.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن من كان معتادا لقتل أهل الذمة مدمنا
لذلك فللسلطان أن يقتله بمن قتله منهم إذا اختار ذلك ولي الدم ويلزم أولياء الدم
فضل ما بين دية المسلم والذمي، وخالف باقي الفقهاء في ذلك ولم يعرفوه.
دليلنا على صحته الاجماع المتردد، ولأن ولي دم الذمي إذا اختار قتل المسلم
72

فقد أخذ نفسا كاملة بنفس ناقصة فلا بد إذا من أداء الفضل بين القيمتين كما
قلنا في المرأة والرجل.
فإذا قيل: فأنتم تمنعون أن يقتل المسلم بالكافر وقد أجزتموه هاهنا.
قلنا: نحن نمنع من ذلك في من لم يكن معتادا للقتل، فأما المعتاد له والمصر
عليه فغير ممتنع أن يختلف حكمه وأن يستحق ما لا يستحقه من لم يكن لذلك
معتادا.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن من وجد مقتولا فجاء رجلان فقال
أحدهما: أنا قتلته عمدا، وقال الآخر: أنا قتلته خطأ، أن أولياء المقتول مخيرون بين
الأخذ للمقر بالعمد وبين الأخذ للمقر بالخطا وليس لهم أن يقتلوهما جميعا ولا أن
يلزموهما جميعا الدية.
وخالف باقي الفقهاء في ذلك.
والذي يدل على صحة ما قلناه الطريقة المتكررة، ولأننا نسند ما ذهبنا إليه في
هذه المسألة إلى نص وتوقيف ويرجع المخالف لنا إلى الظن والحسبان.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأنه إذا وجد مقتول فجاء رجل واعترف بقتله
عمدا ثم جاء الآخر فتحقق بقتله ودفع الأول عن اعترافه ولم تقم بينة على أحدهما
أن القتل يدرأ عنهما معا ودية هذا المقتول تكون من بيت المال، وخالف باقي
الفقهاء في ذلك.
وطريقنا في نصرة هذه المسألة هي الطريقة في نصرة المسألة التي قبلها بلا فصل.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن دية ولد الزنى ثمانمائة درهم، وخالف
73

باقي الفقهاء في ذلك.
والحجة بعد الاجماع المتردد أنا قد بينا أن مذهب هذه الطائفة أن ولد الزنى لا
يكون قط طاهرا ولا مؤمنا بإيثاره واختياره وإن أظهر الإيمان وهم على ذلك قاطعون
وبه عاملون، وإذا كانت هذه صورته عندهم فيجب أن تكون ديته دية الكفار من
أهل الذمة للحوقه في الباطن بهم.
فإن قيل: كيف يجوز أن يقطع على مكلف أنه من أهل النار وفي ذلك منافاة
للتكليف، وولد الزنى إذا علم أنه مخلوق من نطفة الزاني فقد قطع على أنه من
أهل النار فكيف يصح تكليفه؟
قلنا: لا سبيل لأحد إلى القطع على أنه مخلوق من نطفة الزنى لأنه يجوز أن يكون
هناك عقد أو شبهة عقد أو أمر يخرج به من أن يكون زانيا فلا يقطع أحد على أنه
على الحقيقة ولد الزنى، فأما غيره فإنه علم أن أمه وقع عليها هذا الوطء من غير عقد
ولا ملك يمين ولا شبهة فالظاهر في الولد أنه ولد الزنى والدية معمول فيها على ظاهر
الأمور دون باطنها.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن دية أهل الكتاب والمجوس الذكر منهم
ثمانمائة درهم والأنثى أربعمائة درهم.
وخالف باقي الفقهاء في ذلك فقال أبو حنيفة وأصحابه وعثمان البستي
والثوري والحسن بن حي وداود: دية الكافر مثل دية المسلم واليهودي والنصراني
والمجوسي من المعاهد والذمي سواء.
وقال مالك: دية أهل الكتاب على النصف من دية المسلم، ودية المجوسي
ثمانمائة درهم، وديات نسائهم على النصف من ذلك.
وقال الشافعي: دية اليهودي والنصراني ثلث الدية ودية المجوسي ثمانمائة
درهم والمرأة على النصف، وهذه موافقة من مالك والشافعي للإمامية في المجوسي
74

خاصة وإنما انفردوا بغير ذلك.
وحكي عن أحمد بن حنبل أنه ذهب إلى: أن المسلم إذا قتل يهوديا أو نصرانيا
خطأ لزمه نصف الدية وإن قتله عمدا لزمه كمال الدية.
دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه الاجماع المتردد وأنه قد ثبت أن المؤمن لا يقتل
بالكافر، وكل من قال من الأمة: بأن المؤمن لا يقتل بالكافر، قال: بأن ديته دون
ديته، وإن اختلفوا في المبلغ.
وإذا ثبت أن ديته ناقصة عن دية المسلم فالكلام بيننا في مبلغ هذا النقصان
وبين من وافقنا في جملة النقصان على ما قيل وإن خالف في التفصيل، وإذا كنا
نرجع في أن النقصان على ما ذكرناه إلى طرق توجب العلم فقولنا أولى ممن عول في
هذا النقصان على ما يوجب الظن من قياس أو خبر واحد.
فإن احتج المخالف بقوله تعالى: ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة
ودية مسلمة إلى أهله، ثم قال: وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق
فدية مسلمة إلى أهله، وظاهر الكلام يقتضي أن الدية واحدة.
قلنا: لا شبهة في أن ظاهر الكلام لا يقتضي التسوية في مبلغ الدية وإنما يقتضي
التساوي في وجوب الدية على سبيل الجملة، ودية الذمي عندنا وإن نقصت عن دية
المسلم تسمى في الشريعة دية، ألا ترى أنه غير ممتنع أن يقول القائل: من قتل
مسلما فعليه دية ومن قتل مسلمة فعليه دية، وإن اختلفت الديتان في المبلغ إذا
تساويا في كونهما ديتين.
ومما يمكن أن يحتج به لصحة ما نذهب به أن الأصل في العقول براءة الذمة من
الدية وسائر الحقوق، وقد ثبت أنا إذا ألزمنا المسلم في قتله لليهودي ثمانمائة درهم
فقد ألزمناه ما لا شك في لزومه له، وما زاد على ذلك من ثلث أو نصف أو مساواة
لدية المسلم هو بغير يقين مع الخلاف فيجب أن يثبت ما ذكرناه من المبلغ لأنه اليقين
دون ما عداه.
وإن احتجوا بما رواه عمر وابن حزم عن النبي ص أنه
75

قال: في النفس مائة من الإبل، وهذا يقتضي أن يكون ذلك في كل نفس.
قلنا: هذا خبر واحد لا يوجب علما ولا عملا ولا يجوز أن يرجع به عما ذكرناه
من الأدلة الموجبة للعلم، وهو أيضا معارض بأخبار نرويها كثيرة عن النبي ص
يتضمن بعضها أن الدية النصف وبعضها أن الدية الثلث وإذا
تعارضت الأخبار سقطت، على أن ظاهر هذا الخبر يقتضي أن المرأة مساوية للرجل
في الدية وقد خالفنا بينهما بالدليل، وكذلك الذمي عندنا.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن الذمي إذا قتل مسلما عمدا دفع الذمي
إلى أولياء المقتول فإن اختاروا قتله تولى ذلك السلطان منه وإن اختاروا استرقاقه
كان رقا لهم وإن كان له مال فهو لهم كما يكون مال العبد لمولاه، وخالف باقي
الفقهاء في ذلك ولم يعرفوا شيئا منه.
دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه الاجماع المتقدم، وأيضا أن قتل الذمي للمسلم
غليظ شديد قد هتك به حرمة الذمة فلا يجوز أن تكون عقوبته كعقوبة من لم ينته إلى
ذلك، وإذا كان لا بد من التغليظ في جزائه فغير منكر أن ينتهي التغليظ إلى الحد
الذي ذكرناه إذا تظافرت به الرواية وأجمعت الطائفة عليه.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن في الشجاج التي هي دون الموضحة مثل
الخارصة والدامية والباضعة والسمحاق دية مقدرة، ففي الخارصة وهي الخدش الذي
يشق الجلد بعير واحد، وفي الدامية وهي التي تصل إلى اللحم ويسيل منها الدم
بعيران، وفي الباضعة وهي التي تقطع اللحم وتزيد في الجناية على الدامية ثلاثة
أبعرة، وفي السمحاق وهي التي تقطع اللحم حتى تبلغ الجلدة الرقيقة المغشية للعظم
أربعة أبعرة.
76

وخالف باقي الفقهاء في ذلك فقال أبو حنيفة وأصحابه ومالك والأوزاعي
والشافعي: ليس في ما دون الموضحة من الشجاج أرش مقدر وإنما فيه حكومة.
وقال الحسن بن حي: في السمحاق أربع من الإبل، وهذه موافقة للإمامية.
دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه الاجماع المتردد، ولأننا نرجع في هذه التقديرات
إلى روايات وطريق العلم ويرجع المخالف إلى الرأي والظن.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن في لطمة الوجه إذا احمر موضعها دينارا
واحدا ونصفا فإن أخضر أو أسود ففيها ثلاثة دنانير، وأرشها في الجسد النصف من
أرشها في الوجه بحساب ما ذكرناه. وما أعرف موافقا من باقي الفقهاء على ذلك.
والوجه في نصرة هذه المسألة ما تقدم في أمثالها.
77

المسائل الناصريات
للسيد الشريف المرتضى علم الهدي أبي القاسم
علي بن الحسين الموسوي
355 - 436 ه‍ ق
79

كتاب الديات
مسألة الخامسة والثمانون والمائة:
في الحارصة بعير وفي الدامية بعيران وفي الباضعة ثلاثة من الإبل.
هذا صحيح والشجاج عندنا ثمان:
الحارصة وهي التي تخدش وتشق الجلد وفيها بعير واحد، والدامية وهي التي
تصل إلى اللحم ويسيل منها الدم وفيها بعيران، والباضعة وهي التي تبضع اللحم
وتنزل فيه وفيها ثلاثة أبعر، والسمحاق وهي التي تقطع اللحم حتى تبلغ إلى الجلدة
الرقيقة المغشية للعظم وفيها أربعة أبعر، والموضحة وهي التي تقشر الجلدة وتوضح عن
العظم ففيها خمسة أبعر، والهاشمة وهي التي تهشم العظم وفيها عشرة أبعر، والناقلة
وهي التي تكسر العظم كسرا تفسده فيحتاج معه الانسان إلى نقله من مكانه ففيها
خمسة عشر بعيرا، والمأمونة وهي التي تبلغ إلى أم الدماغ ففيها ثلث الدية ثلاث
وثلاثون بعيرا وثلث الدية من العين أو الورق على السواء لأن ذلك يتحدد فيه الثلث
ولا يتحدد في الإبل والبقر والغنم.
وفي بعض ما ذكرناه خلاف بين الفقهاء وفيه وفاق يطول شرحه، فإن الشافعي
يذهب إلى: أن الشجاج عشر، ويذكر أنه ليس قبل الموضحة من الشجاج قصاص
ولا أرش مقدر وإنما يجب فيها حكومة، ويوافق على أن في الموضحة خمس من الإبل
وفي الهاشمة عشرة، والحجة فيما شرحناه من مذهبنا إجماع الفرقة المحقة الذي تقدم
ذكره.
81

مسألة السادسة والثمانون والمائة:
في مني الرجل يفرع عن عرسه حين يهم به فلم يفرع عشرة دنانير، فإن أفرع
والتقت النطفة ففيها عشرون دينارا، وفي العلقة أربعون، وفي المضغة ستون، وفي
العظم ثمانون دينارا، وفي الجنين مائة دينار، وجراح الجنين في بطن أمه على حساب
مائة دينار.
وهذا الترتيب في الجنايات المذكورة شئ تختص به الشيعة الإمامية وهو صحيح
إلا في الجناية على الجنين فإنه ذكر ثمانون دينارا والصحيح أنه مائة مثقال إذا لم
يلج الجنين الروح، والحجة في صدر هذا الترتيب الاجماع المقدم ذكره.
مسألة السابعة والثمانون والمائة:
ولا يقتل اثنان بواحد، ولو أن عشرة قتلوا رجلا واحدا لقتل واحد بخيار أولياء
الدم وأخذ من الباقين تسعة أعشار الدية فيدفع إلى أولياء المقتص منه.
الذي يذهب إليه أصحابنا أنه: إذا اشترك اثنان في قتل نفس على العمد كان
أولياء الميت مخيرين بين أن يقتلوا الاثنين ويؤدوا إلى ورثتهما دية كاملة فيقسمونها
بينهم نصفين أو يقتلوا واحدا منهما ويؤدى الباقي من القاتلين إلى ورثة صاحبه
نصف الدية أو يقبل الدية فيكون بين القاتلين سهاما متساوية، وكذلك القول في
الثلاثة أو أكثر إذا قتلوا الواحد.
وروي رفاقنا على هذا المذهب عن ابن الزبير ومعاذ بن جبل والزهري ومحمد بن
سيرين، وذهب داود وربيعة إلى: أن القود لا يجب على أحد القتلة إذا اشتركوا
وإنما تجب الدية، وذهب إلى: أن الجماعة تقتل بالواحد، سعيد بن المسيب
والحسن البصري وعطاء ومالك والأوزاعي والثوري وأبو حنيفة وأصحابه وأحمد
وإسحاق والشافعي.
وذكر الشافعي في هذا تفصيلا فقال: إن الجماعة إذا قتلت واحدا عمدا فإن
القصاص يجب على جماعتهم بوجود شرطين: أحدهما أن يكون كل واحد من
82

الجماعة مساويا للمقتول حتى لو انفرد بقتله قتل به والثاني أن يكون كل واحد
منهم فعل به فعلا يجوز أن يموت منه لو وجد منفردا، فإذا وجد هذان الشرطان وجب
القصاص على الجماعة وولي المقتول بالخيار بين ثلاثة أشياء: إن شاء قتل الجميع
وإن شاء عفا عن الجميع وأخذ الدية وإن شاء عفا عن البعض وقتل البعض.
دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه الاجماع المتردد وأيضا ما رواه جويبر عن الضحاك
من أن النبي ص قال: لا يقتل اثنان بواحد.
فإن قيل: يحمل ذلك على أنه لا يقتل اثنان بواحد إذا كان أحدهما خاطئا،
قلنا: هذا تخصيص وإضمار وإضمار لما ليس في الظاهر، فإن قيل: فأنتم تقتلون
الاثنين بواحد إذا اختار ذلك ولي الدم وبذل دية الآخر قلنا: الظاهر يمنع من قتل
الاثنين بواحد على كل حال، وإذا أخرجنا ما نذهب إليه في بذل الدية من الظاهر
بقي ما عداه حجة على من خالفنا وهو المقصود.
فإن تعلقوا بقوله تعالى: ولكم في القصاص حياة، فلو كان القود لا يجب
في حال الاشتراك لكان كل من أحب قتل (غيره شارك آخر في قتله) وسقط القود
عنهما فبطل المعنى الذي نبه في الآية عليه.
والجواب: إن هذه الآية إنما يجب أن يستدل بها على داود وربيعة لأنهما
ينفيان قتل الجماعة بالواحد على كل حال فأما نحن وهم فنقتل الجماعة إذا اختار
ولي الدم ذلك وبذل الدية على ما شرحناه والتحذير بالقتل ووجوب القصاص
- المذكور في الآية - باقيان على مذهبنا وليس يجوز أن يستدل على صحة مذهبنا
بقوله تعالى: النفس بالنفس " و " الحر بالحر. لأن لهم أن يقولوا المراد ههنا
بالنفس جنس النفس لا العدد فما قدمناه أولى.
المسألة الثامنة والثمانون والمائة:
من وجد قتيلا في مدينة أو قرية أو محلة لا يعرف قاتله فديته من بيت مال
المسلمين.
83

الذي يذهب إليه أصحابنا: أن من وجد قتيلا في مدينة أو قرية لم يعرف قاتله
بعينه كانت ديته على أهل تلك القرية، فإن وجد بين قريتين ألزمت ديته لأهل
أقرب القريتين إلى مكانه، فإن كانت المسافة متساوية كانت ديته على القريتين
بالسوية، فأما الموضع الذي يلزم فيه الدية لبيت مال المسلمين فهو قتيل الزحام في
أبواب الجوامع وعلى القناطر والجسور وفي الأسواق وفي استلام الحجر الأسود وزيارات
قبور الأئمة ع فإن دية من ذكرناه على بيت مال المسلمين، فإن لم يكن
للمقتول ولي يأخذ ديته سقطت الدية عن بيت مال المسلمين وإنما كانت الدية
ههنا على بيت مال المسلمين دون القتيل في القرية لأن القتيل في المواضع التي
ذكرناها لا جهة للعلم بقاتله ولا للظن به والأمارات كلها مرتفعة وليس كذلك قتيل
القرية والمدينة لأن كونه قتيلا فيها أمارة بالعادة على أن بعض أهلها قتلوه.
84

الكافي في الفقه
لأبي الصلاح تقي الدين ابن نجم الدين عبد الله الحلبي
347 - 447 ه‍ ق
85

الضرب الخامس من الأحكام
القصاص واجب على كل عاقل قصد الجناية على غيره من الناس في نفسه، وهو
على ضربين: قود عن قتل والثاني قصاص عن جروح.
وإنما يكون القاتل قاتلا قتلا يوجب القود منه بأن يقصد إلى قتل غيره فيقع
مقصوده أو يفعل به ما جرت العادة بانتفاء الحياة معه - من ضرب في مقتل أو خنق
بحبل أو تغريق أو تحريق أو تردية من علو أو طرح بعض الأجسام الثقال عليه وأشباه
ذلك مما جرت العادة بانتفاء الحياة معه - من غير استحقاق.
وإنما يكون جارحا ما يوجب القصاص مع تكامل الشروط المذكورة في القود
إذا كان ما قصده مما لا يرجى صلاحه كقطع اليد والرجل والإصبع إلى غير ذلك
ولا يخاف معه تلف المقتص منه، فأما الكسر والفك المنجبر والجرح الملتئم والمأمومة
في الشجاج والجائفة في الجوف وما يجري مجراهما فلا قصاص في شئ منه.
والمسلمون الأحرار تتكافأ دماؤهم في القتل والجراح، ولا يقتص لعبد من حر ولا
لذمي من مسلم ولا لمبطل من محق، ويقتص للعبد من العبد وللذمي من الذمي
وللضال عن الحق من الضال.
فإذا قتل الحر المسلم مسلما فولي الدم مخير بين قتله وأخذ الدية إن افتدى بها
نفسه والعفو عنه، وإذا أراد القود تولى ذلك منه سلطان الاسلام أو من يأذن له في
النيابة عنه، فإن سبق الولي إلى قتله فعلى السلطان المبالغة في عقوبته ولا حق له ولا
عليه غير ذلك.
87

فإن كان الأولياء جماعة واختار بعضهم القتل والبعض الدية أو العفو لم يجز
لمريد قتله ذلك إلا بعد أن يؤدى أقساط مريدي الدية إليهم أو إلى ورثة المقاد منه
إقساط من عفا، وكذلك الحكم إن كان بعض الأولياء صغيرا أو مؤوف العقل
وأراد العاقل القتل.
وإن قتل اثنين حرين مسلمين فما زاد عليهما فأولياء الدم بالخيار، إن رضوا
جميعا بقتله قتلوه ولا شئ لهم غير ذلك، وإن عفوا جميعا فهي سائبة، وإن أرادوا
الديات فعليه أن يؤدى بعدد من قتل ديات كاملة إلى أوليائهم، وإن أراد بعض
القتل وبعض الدية أدى إلى مريد الدية ما طلب منها وقتل بمن عدا من رضي منه
بديته، وإن عفا أولياء بعض المقتولين سقط حقهم وبقي حق من لم يعف على مراده
إن قتلا فقتلا أو دية فدية.
وإن كان القاتلون جماعة والمقتول واحدا فأولياؤه مخيرون إن شاؤوا عفوا وإن
شاؤوا طالبوا بالدية - فهي واجبة على كل منهم بالغا ما بلغوا - وإن شاؤوا قتلوا
الجميع وأدوا ديات من يزيد على واحد إلى ورثة الجميع وبين أن يقتلوا واحدا ويؤدى
الباقون ما يجب عليهم من أقساط الدية إلى ورثته.
وإذا اشترك جماعة من أحرار المسلمين في قتل جماعة منهم فالحكم فيهم ما
بيناه.
وإذا قتل الحر المسلم امرأة حرة مسلمة فأولياؤها مخيرون بين قتله ورد ما يفضل
من ديته عن ديتها إلى ورثته وبين أخذ الدية وهي نصف دية الرجل.
وإن قتلت المرأة رجلا حرا مسلما فأولياؤه مخيرون بين قتلها ولا شئ لهم غيره
وبين أخذ الدية كاملة.
وحكم الواحد فما زاد إذا قتل أو قتلوا امرأة أو جماعة رجال ما تقدم شرحه،
وحكم الحرة المسلمة مع مثلها حكم الحر المسلم مع مثله، وحكم العبد مع العبد
والذمي مع الذمي حكم الحر المسلم مع مثله، وحكم الأمة مع الأمة والذمية مع
الذمية حكم الحرة المسلمة مع مثلها، وحكم الأمة مع العبد والذمية مع الذمي
88

حكم حر المسلم مع الحرة.
فإن قتل الحر المسلم عبدا أو أمة فعليه قيمة كل منهما ما لم تتجاوز قيمة العبد
دية الحر وقيمة الأمة دية الحرة فترد إليها وينهك عقوبة، وإن كان المقتول من
رقيقه أغرمه السلطان قيمته وتصدق بها وبالغ في تأديبه وتلزمه الكفارة على كل
حال، فإن كان معتادا لقتل الرقيق ضريا عليه قتل لفساده في الأرض.
وإن كان القاتلون جماعة فهم شركاء في دم من قتلوه، وإن كان المقتول صغيرا
أو مجنونا فعلى القاتل الدية دون القود، وإن كان قاتلوا الأصاغر والمجانين جماعة أو
المقتولين منهم جماعة فالحكم على ما تقدم.
وإن قتل ذميا أو ذمية فعليه الدية، فإن كان معتادا لقتل أهل الذمة ضربت
عنقه لفساده في الأرض لا على جهة القصاص.
وحكم المرأة الحرة المسلمة في قتل العبد أو الأمة أو الذمي أو الذمية أو الصغير
أو المؤوف حكم الحر المسلم.
فإذا قتل الصغير أو المؤوف العقل حرا أو عبدا مسلما ذميا ذكرا أو أنثى فعلى
وليهما الدية، فإن كان مقتول المؤوف العقل يعرض له بأذية فدفعه عن نفسه فقتله
فلا دية له.
وإذا قتل الذمي أو الذمية حرا مسلما أو عبدا أو حرة أو أمة مسلمة منفردين
بذلك أو مشاركين فيه وجب قتل الذمي لخروجه بقتل المسلم عن الذمة، والرجوع
على تركته أو أهله بدية الحر وقيمة الرق أو ما يلحقه من قسط ذلك.
وإن كان القاتل من أهل الذمة صغيرا أو مؤوفا فعلى وليهما دية ما جنياه، وإن
كان القاتل عبدا ذميا أو أمة قتلا ورجع على مولاهما بالدية، وإذا قتل الواحد من
أهل الذمة جماعة من المسلمين قتل ورجع على تركته بدياتهم، وإن كان القاتلون
جماعة والمقتول من المسلمين واحدا قتلوا جميعا لخروجهم عن الذمة ورجع على
مواريثهم أو أوليائهم بدية المسلم.
وإذا قتل العبد أو الأمة حرا مسلما أو حرة وجب تسليم كل منهما إلى ولي
89

الدم برمته إن شاؤوا قتلوا وتملكوا ما معه من مال وولد وإن شاؤوا استرقوه وولده
وتصرفوا في ماله.
والعبد يكافئ العبد والأمة الأمة في القود والدية، فإن قتل العبد أمة أو الأمة
عبدا فولي المقتول مخير بين القتل أو أخذ قيمة الأمة أو العبد من السيد.
وحكم جماعة العبيد أو الإماء إذا قتلوا واحدا أو جماعة من الأحرار أو العبيد أو
أهل الذمة، أو كان قاتل الواحد منهم أو الجماعة واحدا أو جماعة ما تقدم بيان
حكمه.
وإذا اشترك العبد والحر والأمة والحرة والخنثى - الذي لم يبن أمره - في قتل
فأراد ولي الدم الدية فهم متساوون في استحقاقها، وإن أراد قتل أحدهم رد الباقون
ما يجب عليه من أقساط الدية على ورثته، وإن أراد قتل الجميع رد ولي الدم ما
يفضل عن دية وليه على ورثتهم.
وإذا قتل الخنثى - الذي لم يبن أمره - فأراد وليه الدية فله نصف دية الرجل
ونصف دية المرأة حرا فحرا وعبدا فعبدا، وإن أراد القود بحيث يصح فكانت دية
قاتله تزيد على ديته لم يجز له ذلك حتى يرد الفضل على ولي المقاد منه.
وتقاد أو لو الأرحام بعض ببعض إلا الأب بالابن.
وإذا قتل الحر والعبد حرا فاختار وليه الدية فعلى الحر النصف وعلى سيد العبد
النصف، وإن أختار قتلهما رد قيمة العبد على سيده وورثة الحر، وإن اختار قتل
الحر فعلى سيد العبد نصف ديته لورثته، وإن اختار قتل العبد قتله ويؤدى الحر إلى
سيده نصف قيمته.
ومن هدم على قوم دارا أو أضرم عليهم فيها نارا أو ثبق عليها ماءا فهو قاتل عمدا
لمن يهلك بفعله واحدا كان أو جماعة.
وإذا اشترك ثلاثة في قتل أمسك أحدهم وضرب الآخر والثالث عين لهم
فالحكم أن يقتل القاتل ويخلد الممسك الحبس حتى يموت وتسمل عين الرقيب.
وإذا أقر من يعتد بإقراره بقتل يوجب القود وأقر آخر بأنه أتاه خطأ فأولياء
90

المقتول بالخيار إن شاؤوا قتلوا المقر بالعمد ولا سبيل لهم على المقر بالخطا وإن شاؤوا
طالبوهما بالدية نصفين، وإن كان المقر بالعمد ممن لا يقاد بالمقتول لكونه صغيرا أو
مؤوفا أو ذميا أو عبدا فعليهما جميعا الدية.
وإذا قامت البينة على قاتل وأقر آخر بذلك القتل وبرأ المشهود عليه من قتله
فأولياؤه مخيرون إن شاؤوا قبلوا الدية منهما نصفين، وإن شاؤوا قتلوهما وردوا نصف
الدية على ورثة المشهود عليه دون المقر ببراءة الآخر منها، وإن شاؤوا قتلوا المشهود
عليه وأدى المقر إلى ورثته نصف ديته، وإن شاؤوا قتلوا المقر ولا شئ لورثته على
المشهود عليه هذا إذا برئ المقر المشهود عليه من قتله، وإن لم يبرأ المقر المشهود عليه
فهما شريكان في القتل متساويان فيما يقتضيه.
ومن قتل أو جرح غيره بغير حق لأمر آمر أو إكراهه فالقود والقصاص مستحق
عليه دون الآمر والمكره لما بيناه من عدم تأثير الأمر والإكراه في الظلم ويخلد
الآمر والمكره الحبس حتى يموت، وإذا كان الآمر سيد العبد معتادا لذلك قتل
السيد وخلد العبد الحبس، وإذا كان نادرا قتل العبد وخلد السيد الحبس.
وإذا قامت البينة على عاقل بقتل أو أقر به ثم خولط قتل بمن قتل، وإن قامت
الشهادة به في حال اختلاطه فالدية من ماله إن كان له مال وإلا فعلى عاقلته ولا
يعتد بإقراره في حال الاختلاط.
ويقاد الكفار بعض ببعض وإن اختلفت جهات كفرهم، ولا يقاد كفار
التأويل من المجبرة والمشبهة وغيرهم بذمي ولا وثني ويستقاد لهم من أهل الإيمان
ويستقاد لهم منهم.
وأما القصاص في الجروح فبين الحر المسلم والحر المسلم والحرة المسلمة فيما كان
من أعضائها وجراحها مقابلا لدية أعضاء الرجل وجراحة، وبين العبد والعبد والأمة
والأمة والعبد والأمة كالحر والحر والحر والحرة، وبين الذمي والذمي والذمية
والذمية والذمي والذمية كالمسلم والمسلمة بشرط انفصال العضو من الجملة كاليد أو
ثبوت فساده كالشلل والعماء.
91

ولا يجوز القصاص بجرح ولا قطع ولا كسر ولا خلع حتى يحصل اليأس من
صلاحه، فإن اقتص بجرح فبرئ المجروح والمقتص منه أو لم يبرأ فلا شئ
لأحدهما على صاحبه وإن يبرأ أحدهما والتأم جرحه أعيد القصاص من الآخر إن
كان القصاص باذنه وإن كان بغير إذنه رجع المقتص منه على المعتدي دون المجني
عليه.
فإن كان الجرح مما يخاف للاقتصاص به تلف المقتص منه كالجائفة والمأمومة
وما يجري مجراهما لم يجز الاقتصاص به، وإذا وقع القصاص موقعه من غير تعد فيه
فمات المقتص منه والمقتص له حي فلا تبعة على المقتص له وإن تعدى فيه وكان هو
متولي القصاص رجع أولياؤه عليه بما يفضل من ديته عن أرش الجراح، وإن كان
متوليه غيره رجع عليه بذلك دونه إلا أن يقصد المقتص منهما بتعديه فعل ما جرت
العادة بانتفاء الحياة معه كالقصاص للموضحة بالمأمومة وللجرح في الحلق بالذبح
فيموت المقتص منه والمقتص له حي فيكون لأوليائه القود من متولي ذلك بعد رد
أرش ما أتاه صاحبهم على ورثة المستفاد منه.
وإذا قلع الأعور عين سليم قلع عينه وإن عمي.
وإن قطع الأشل يد غيره قطعت يده الصحيحة، ومن قطع يد غيره اليمنى ولا
يمنى له قطعت يده اليسرى فإن لم يكن له يد قطعت رجله، وإن قطع يديه وليس له
إلا يد واحدة قطعت وإحدى رجليه، وإن قطع يمنى رجليه وليست له يمنى قطعت
اليسرى وإن لم يكن له رجل قطعت يده، وكذلك القول في أصابع اليدين
والرجلين والأسنان.
ومن قطع يد غيره ولا يد له أو رجله ولا رجل له أو قلع عينه ولا عين له إلى غير
ذلك فليس للمجروح إلا الدية.
وإذا قطع أصابع غيره أو واحدة منها وقطع آخر يده من الزند أو المرفق أو الإبط
أو إصبعا من رجله أو أصابعها وقطع آخر رجله من المفصل أو الركبة أو من أصل
الورك فأراد الدية فعلى الأول دية ما جناه وعلى الثاني دية ما بقي عنه، وإن اختار
92

اقتص من الأول والثاني ورد دية ما جناه الأول، وإن اختار أخذ الدية من الأول
عن جنايته فدفعها إلى الثاني، وكذلك الحكم في سائر الأعضاء.
والمجروح ولي القصاص له المطالبة به أو الدية أو العفو، وهذا حكم أولياء
المقتول وهم من عدا كلالة الأم من الإخوة والأخوال وأولادهم، وأولاهم بذلك
أولاهم بالميراث.
فإن كان أولياؤه كفارا فأسلم أحدهم فهو وليه، وإن لم يسلم منهم أحد أو لم
يكن له ولي فوليه سلطان الاسلام وهو مخير في قتل العمد بين أخذ الدية والقود، وفي
قتل الخطأ يأخذ الدية وليس له العفو على حال.
وإن اقتص ولي الدم من القاتل بضربة أو ضربات ثم عاش بعد ذلك كان له
قتله بعد تمكينه من الاقتصاص منه بما أتاه إليه من الجراح، ولا قود إلا بضرب العنق
- وإن كان القاتل قد نكل بالمقتول أو غرقه أو خنقه أو غير ذلك من ضروب
القتل - بضربة واحدة، وإن ترتب فعله فقطع يديه أو رجليه أو قلع عينيه إلى غير
ذلك ثم قتله بفعل آخر فليقتص منه ثم يقتل.
ولا يقاص بين الأحرار والعبيد، ولا بين المسلمين والكفار، ولا بين الصغار
والكبار، ولا المؤوفين والعقلاء، ولا قصاص فيما لم يمكن تميزه كنقص السمع أو
البصر أو الشم أو العقل أو النطق أو ذهاب جملته ببعض الجنايات.
وإذا قطع يمنى يدي رجلين فيده اليمنى للمقطوع الأول والثاني بالخيار بين قطع
يده اليسرى والدية، وإذا قطع بعض عضو كالإصبع والساعد والعضد والساق
والفخذ واللسان فيسري إلى مثله واقتص من القاطع كذلك.
93

الضرب السادس من الأحكام
ديات الأنفس والجوارح والجراح مستحقة بالخطا كالعمد، فدية قتل الحر المسلم
ألف دينار أو عشرة آلاف درهم فضة جيادا أو مائة من الإبل أو مائة بقرة أو مائتا
حلة أو ألف شاة بحسب ما يملك من تجب عليه الدية، ودية الحرة المسلمة النصف
من جميع ديات الحر المسلم، ودية رقيق المسلمين قيمته ما لم تتجاوز قيمة العبد دية
الحر والأمة دية الحرة فترد إليهما، ودية الحر الذمي ثمانمائة درهم وضحا، ودية
الحرة الذمية نصف دية الحر الذمي، ودية رقيقهم قيمته ما لم تتجاوز قيمة العبد
دية الحر الذمي والأمة دية الحرة فترد إليهما، وحال الصغار وذوي النقص حال
العقلاء البالغين.
فإن كان القتل عمدا في الحل فالدية مغلظة على القاتل نفسه إن كان حرا عاقلا
مائة من مسان الإبل تستأدى منه في مدة الحول، وإن كان القتل في الحرم أو في شهر
حرام فقد روي: أن عليه دية وثلثا. وإن كان القاتل عبدا فالدية على سيده إن
اختار فداه، وإن كان صغيرا أو مؤوفا فالدية على وليه.
فإن امتنع من أدائها في الحول أخذت قسرا إن كان القاتل أو وليه غنيا وإن
كان فقيرا لم يكن للأولياء إلا القود من العاقل الحر أو العبد أو النظرة بالدية أو
العفو، وكذلك الحكم في من لا يصح منه القود.
وإن كان القاتل ذميا لمسلم قتل وأخذ الدية من ورثته ولا يجوز العفو عنه.
ودية الخطأ على العاقلة، وعاقلة الحر المسلم عصبته وعاقلة الرقيق مالكه وعاقلة
94

الذمي الفقير الإمام.
فإن كان الخطأ خالصا - وهو أن يرمي غرضا أو طائرا فيصيب إنسانا وأشباه
ذلك - فديته على أهل الإبل ثلاثون حقة وثلاثون بنت لبون وعشرون بنت مخاض
وعشرون ابن لبون وتستأدى في ثلاث سنين.
وإن كان الخطأ شبيه العمد - وهو أن يضرب غيره ضربا لم تجر العادة بانتفاء
الحياة معه عن قصد أو خطأ أو يعالجه بدواء أو يقصده أو يقطع بعض أعضائه مداويا
فيموت عند ذلك أو يحصل التلف عند فعله بنفسه أو دابته متعديا - فديته ثلاث
وثلاثون حقة وثلاث وثلاثون جذعة وأربع وثلاثون ثنية وتستأدى منه في سنتين،
ومن البقر والغنم في هذه الديات مثل أسنان الإبل.
فإن لم يكن من وجبت عليه لعمد أو خطأ من أهل الأنعام فما عداها من العين
أو الورق أو الحلل.
ومن أخرج غيره من منزله ليلا ضمن ديته من ماله دون عاقلته حتى يرده إليه أو
يقيم البينة بسلامته أو موته حتف أنفه أو قتل غيره له.
والظئر الحاضنة ضامنة لدية الصبي في مالها حتى يقيم البينة ببراءتها من
هلكه.
وإذا عزل عن زوجته الحرة بغير إذنها فعليه لها دية النطفة عشرة دنانير، وإن
كان بإفزاع غيره له فالدية عليه لهما، وإن ضربها غيره فألقت نطفة فديتها عشرون
دينارا، وإن ألقت علقة وهي قطعة دم كالمحجمة فأربعون دينارا، وإن ألقت مضغة
وهي بضعة من لحم فستون دينارا، وإن ألقت عظما وهو أن يصير في المضغة سبع
عقد فثمانون دينارا، وإن ألقت جنينا قد كملت صورته قبل أن تلجه الروح فمائة
دينار، وإن ألقت حيا فاستهل أو تحرك تحركا يدل على الحياة ثم مات فديته كاملة
إن ذكرا فدية الذكر وإن أنثى فدية الأنثى.
وإن مات الجنين المعلوم كماله وحياته من الضرب في بطنها فنصف دية، فإن
كان الزوج هو الضارب فالدية للأم خاصة وإن كانت المرأة هي التي أسقطته بدواء
95

وغيره فالدية واجبة عليها للزوج، وإن كان الحمل له أحكام الرق أو أهل الذمة
فبحساب دياتهم.
ودية قطع رأس الميت عشر ديته وفي قطع أعضائه بحساب ذلك يتصدق بها عنه
ولا تورث، وهذه الدية مختصة بالجاني دون عاقلته.
ودية القتيل الموجود في القرية أو المحلة المتميزة أو الدرب أو الدار أو القبيلة
- ولا يعرف له قاتل بإقرار أو بينة - على أهل المحل الذي وجد فيه، فإن وجد
بين القريتين أو الدارين أو المحلتين أو القبيلتين فديته على أقربهما إليه وإن كان
وسطا فالدية نصفان.
وإذا وجد صبي في بئر لقوم فكانوا متهمين على أهله فعليهم الدية وإن كانوا
مأمونين فلا شئ عليهم.
ودية قتيل الزحام على الجسور وأبواب الجوامع وفي مواسم الحج لا يعرف قاتله
وبكل أرض لا مالك لها كالجبال والبراري وبحيث لا يمكن إضافته إلى أحد على
بيت المال.
ودية كل قتل يحصل بفعل القاتل وعند فعله عن تعد وخطأ واجبة عليه كوقوعه
من علو على غيره وهدمه حائطه عليه من غير قصد إلى ذلك وإحداثه في طريق
المسلمين أو ملك الغير ما يحصل التلف عنده وما يقتضي تضمينه من جناية دابته إلى
غير ذلك.
وإذا اشترك جماعة فيما يوجب الدية لهم أو عاقلتهم مشتركون فيها.
وقضى أمير المؤمنين ع في ستة نفر كانوا يسبحون في الفرات فغرق
أحدهم فشهد ثلاثة منهم على اثنين أنهما غرقاه وشهد الاثنان على الثلاثة أنهم
غرقوه: أن على الاثنين ثلاثة أخماس الدية وعلى الثلاثة خمسا الدية.
وقضى ع في أربعة نفر تباعجوا بالسكاكين فمات اثنان وبقي اثنان
مجروحان: أن على الباقيين ديتي المقتولين يقاصان منهما بأرش الجراح.
وقضى ع في امرأة ركبت عنق أخرى فجاءت أخرى فقرصت المركوبة
96

فقمصت فوقعت الراكبة فاندق عنقها: بأن على القارصة ثلث الدية وعلى المركوبة
الثلث وأسقط الثلث لركوبها عبثا، ولو كانت راكبة بأجر لكانت الدية على
القارصة والقامصة كاملة وإنما كانت لاعبة.
وإذا قتل المسلم ذميا عمدا فالدية في ماله وخطأ على عاقلته، ودية قتل العبد
على سيده والصغير والمحجور عليه على وليه فإن كان خطأ فعلى عاقلتهما.
وإذا قتل الذمي مسلما خطأ فديته عليه، فإن لم يكن له مال ولا يستطيع
السعي فيها فعلى بيت مال المسلمين.
وحكم المدبر والمكاتب الذي لم يتحرر منه شئ حكم العبد، فإن كان قد تحرر
بعض المكاتب فعليه من الدية بحسب ما تحرر منه وعلى مكاتبه منها ما بقي.
وإذا جنى العبد على حر جناية توفى بقيمته فعلى سيده تسليمه أو فداؤه وإن
كانت أقل من قيمته فعليه فداؤه أو تسليمه وأخذ الفاضل من قيمته عن أرش
الجناية، وإن جنى الحر على العبد ما يوجب الدية كقطع الأنف أو اليدين فعليه
قيمته لسيده وأخذه إليه.
وإذا قامت البينة على واحد بقتل خطأ وقامت بينة أخرى على إضافة ذلك القتل
إلى غيره خطأ فالدية على المشهود عليهما نصفان.
وإذا هرب قاتل العمد فمات قبل أن يقدر عليه فالدية من ماله، فإن لم يكن
مال فعلى عاقلته.
ومن خلص قاتل عمد من أولياء مقتوله قسرا أخذ بإحضاره، فإن أحضره وإلا
حبس حتى يحضره، فإن مات القاتل فعليه الدية.
ومن طفر من علو على فوق غيره قاصدا فقتله فهو قاتل عمد، وإن كان لغير ذلك
فوقع عليه من غير قصد إليه فالدية على عاقلته، وإن كان بدفع غيره فالدية على
الدافع، وإن كان بهبوب الرياح فالدية من بيت المال.
وإذا لم تكن لقاتل الخطأ عاقلة وله مال فالدية من ماله فإن لم يكن ذا مال
فالدية من بيت المال، ولا تعقل العاقلة عمدا ولا صلحا ولا إقرارا ولا ما وقع عن
97

تعد كحدث الطريق والدابة وكل مضمون ولا ما دون الموضحة.
فعلى هذا التحرير يتنوع القتل ستة أنواع: عمد يوجب القود، وخطأ محض،
وخطأ شبيه العمد يوجبان الدية على العاقلة، ومضمون بالتعدي وهو ما عدا الأنواع
الثلاثة المعلوم إضافتها وديته لازمة للمتعدي في ماله، وقتل لا يعرف فاعله وتصح
إضافته إلى محل وجوده كالقرية والمحلة وشبههما، وقتل لا يعرف ولا تصح إضافته
كقتيل الزحام ونظائره فديته على بيت المال.
فأما ذهاب الحواس والجوارح والجروح:
ففي ذهاب العقل الدية كاملة.
وفي ذهاب شعر الرأس أو اللحية لا ينبت الدية الكاملة، فإن نبت ففي شعر
رأس الرجل أو لحيته عشر ديته وفي شعر المرأة مهر مثلها.
وفي ذهاب البصر الدية كاملة وفي ذهابه من إحدى العينين نصف الدية
- ويعتبر بفتح العين مقابل عين الشمس - فإن لم تطرف فهو أعمى وإن أطرف
فهو بصير وإن أطرف بإحداهما فالأخرى ذاهبة النور، وفي نقصه منهما أو من
إحديهما بحساب ذلك - ويعتبر بالجسم الظاهر اللون في المسافة -.
وفي قلع العينين الدية كاملة وفي قلع إحديهما نصف الدية.
وفي ذهاب بصر الأعور خلقة أو قلع عينه الدية كاملة، وإن كان ذهاب
الأخرى لتعد عليه في حرب أو بحق لجناية على نفسه فنصف ديتها.
وفي شفر العين الأعلى ثلث دية العين وفي الأسفل نصف ديتها.
وفي خسف العين الواقفة العمياء ثلث ديتها، وفي طبق المفتوحة أو ذهاب
سوادها مع تقدم العمى ربع ديتها.
وفي ذهاب شعر الحاجبين نصف الدية وفي أحدهما ربع الدية، فإن نبت
فالأرش.
وفي ذهاب السمع جملة الدية كاملة، وفي ذهابه من إحدى الأذنين نصف الدية
- ويعتبر بالصوت الرفيع من حيث لا يعلم - فإن ارتاع فهو سميع وإن لم يرتع فهو
98

أصم، وفي نقصانه فيهما باعتبار التصويت بالطست في المسافة وقياس ذلك إلى مماثله
في السن، وفي إحديهما بسد السليمة بالقطن واعتبار حال الناقصة بالتصويت في
الجهة وقياس ذلك بالسليمة.
وفي قطع الأذنين الدية كاملة، وفي قطع إحديهما نصف الدية، وفي شحمة
الأذن ثلث ديتها، وفي بعض الأذن بحساب ديتها، يقاس بالخيط.
وفي ذهاب الشم الدية كاملة - ويعتبر بتقريب الحراق إلى الأنف - فإن
دمعت عينه فهو سليم وإن لم تدمع فقد ذهبت حاسة شمه.
وفي استئصال الأنف الدية كاملة، وفي الأرنبة نصف الدية، وفي إحدى
المنخرين ربع الدية، وفي النافذة فيهما نصف الدية فإن صلحت والتأمت فخمس
الدية، وفي النافذة في إحدى المنخرين سدس الدية فإن التأمت فعشر الدية، وفي
كسره وجبره من غير عيب ولا عثم عشر الدية.
وفي ذهاب النطق الدية كاملة - ويعتبر بالإبرة - فإن خرج الدم أسود أو لم
يخرج دم فهو أخرس وإن خرج أحمر هو سليم، وفي بعضه بحساب حروف المعجم
يلزم الجاني من أقساط الدية بعدد ما يختل النطق به منها.
وفي اللسان الدية كاملة وفي بعضه بحساب ذلك يقاس بالميل، وفي قطع لسان
الأخرس ثلث ديته وفي بعضه بحساب ذلك.
وفي الشفتين الدية كاملة، وفي العليا منهما ثلث الدية،
وفي السفلى ثلثا الدية، وفي بعضهما بحساب ذلك، وفي شق إحديهما ثلث الدية فإن التأمت فخمس
ديتها.
وفي الأسنان وهي ثمانية وعشرون سنا الدية كاملة، وفي كل سن من مقاديم
الفم وهي اثنا عشر سنا نصف عشر الدية، وفي كل سن من مآخير الفم وهي ستة
عشر سنا ربع عشر الدية، وفيما زاد على هذا العدد من الزوائد الأرش.
وفي سن الصبي قبل أن يثغر عشر عشر ديته، وفي كسر بعض السن بحساب
ديتها يقاس ذلك بنظيرها السالمة، وفي صدعها أو سوادها ثلثا ديتها.
99

وفي اليدين الدية كاملة، وفي إحديهما نصف الدية، وفي كل إصبع عشر الدية
إلا الإبهام فديتها ثلث الدية، وفي مفصلها نصف ديتها، وفي مفصل الطرف من
كل إصبع عدا الإبهام ثلث ديتها، وفي الثاني ثلثا ديتها، وفي الإصبع الزائدة ثلث
إصبع الخلقة المستقيمة، وفي شلل اليد والإصبع ثلثا ديتها، وفي قطعها شلاء ثلث
ديتها.
وفي الساعدين الدية وفي إحديهما نصف.
وفي العضدين الدية، وفي إحديهما نصف الدية وفي بعض ذلك بحسابه، يقاس
ويؤخذ دية ما قطع بحساب دية الساعد أو العضد.
وفي الرجلين الدية كاملة، وفي إحديهما نصف الدية، وفي كل أصبع من
أصابعها عشر دية، وفي مفصلها نصف ديتها، وفي الإصبع الزائدة ثلث الإصبع
المعتادة.
وفي الساقين الدية وفي إحديهما نصف الدية، وفي الفخذين الدية وفي إحديهما
نصف الدية، وفي نقص هذه الأعضاء بمقدار المقطوع من العضو.
وفي كسر الصلب الدية كاملة، فإن جبر وصلح من غير عيب فعشر الدية.
وفي قطع الحشفة وهي الكمرة من الذكر فما زاد الدية كاملة، وفي الخصيتين
الدية كاملة وفي إحديهما نصف الدية، وفي فرج المرأة الدية كاملة وفي ذهاب
حيضها ثلث ديتها، وفي إفضاء الحرة ديتها وفي الأمة قيمتها، وفيما ولد كون
المجني عليه آدرا خمسا الدية.
وفي الفحج الذي لا يقدر معه على المشي أو يستطيع منه ما لا ينتفع به في
التكسب أربعة أخماس الدية.
وفي كسر عظم عضو خمس دية العضو فإن جبر فصلح من غير عثم فأربعة أخماس
كسره وإن بطل العضو به فثلثا ديته، وفي موضحة العضو ربع دية كسره، وفي رضه
ثلث ديته فإن جبر فصلح من غير عيب فأربعة أخماس رضه، وفي فك العضو وبطلانه
له ثلثا ديته فإن جبر فصلح من غير عيب فأربعة أخماس فكه، وفي الطعنة النافذة في
100

العضو عشر ديته، وفي الناقلة في الجسد ثلث دية العضو.
وحكم الشجاج في الوجه حكمه في الرأس وهي ثمان: أو لها الدامية وهي
الخدش الذي يقشر الجلد ويسيل الدم ففيها عشر عشر دية المشجوج، ثم الباضعة
وهي التي تبضع اللحم ففيها خمس عشر ديته، ثم النافذة وهي التي تنفذ في اللحم
وتزيد على الباضعة وتسمى المتلاحمة ففيها خمس عشر وعشر عشر، ثم السمحاق وهي
التي تبلغ إلى القشرة الخفيفة الرقيقة المتغشية للعظم ففيها خمسا عشر ديته، ثم
الموضحة وهي التي توضح إلى العظم ففيها نصف العشر، ثم الهاشمة وهي التي
تهشم العظم ففيها عشر الدية، ثم الناقلة التي تكسر العظم وتزيد على الهاشمة
ويحتاج معها إلى نقل العظام من موضع إلى آخر ففيها عشر ونصف عشر دية، ثم
المأمومة التي تصل إلى أم الدماغ ففيها ثلث الدية.
وفي لطمة وجه الحر المسلم إذا احمر موضعها دينار ونصف فإن أخضر أو أسود
ثلاثة دنانير، وفي لطمة الجسد النصف من لطمة الوجه، وفي من عداه بحساب ديته.
وفي الجائفة تصل إلى الجوف ثلث الدية، وفيما بيناه من ديات الأعضاء
والجراح والشجاج بحسب دية المجروح.
101

الضرب السابع من الأحكام
ويضمن الحر العاقل قيمة ما أفسده وأرش ما جناه عن عمد أو خطأ عن قصد أو
سهو، وما يحصل عند فعله، أو ممن يلي عليه.
فالأول أن يقتل ما يملكه غيره من حيوان أو يجرحه أو يكسر آلته أو يحرق ثوبه أو
يفسد حرثه أو يهدم بناءه إلى غير ذلك عن عمد أو خطأ أو سهو فتلزمه في ماله قيمة ما
هلك وأرش ما نقص.
والثاني على ضروب:
منها أن يحدث في طريق المسلمين أو في الملك المشترك بغير إذن الشركاء أو في
ملك الغير بغير إذنه فضمن ما أثر ذلك من فساد أو حصل عنده من تلف أو نقص.
ومن ذلك أن يرسل كلبا عقورا أو جملا هائجا أو دابة مفسدة فيضمن ما
يجنونه، فإن ربط واحترزت فأفلت من غير تفريط منه لم يضمن.
ومن ذلك أن يرسل غنمه ليلا فيضمن ما تجنيه على كل حال، ولا يضمن ما
تجنيه نهارا إلا أن يرسلها في ملك غيره.
ومن ذلك ما تجنيه الدابة المركوبة بيديها على كل حال، وكذلك حكمه إن
كان قائدا، وبيديها ورجليها إن كان سائقا ولم يحذر، أو موقوفا لها في غير ملكه
والمباح عدا الطريق على كل حال، وحاملا عليها من لا يعقل على كل حال،
ومنفرا لها كذلك إلا أن ينفرها عن أذيته ومن يجري مجراه وعما يملكه من حرث فلا
يضمن.
102

ومنها أن يفصد غيره أو يحجمه أو يسقيه دواء أو يقطع له عضوا معالجا أو يعالج
له دابة ولا يبرأ إليه أو إلى وليه من تبعة ذلك فإنه يضمن جميع ما يحدث عنه فعله من
موت أو فساد عضو أو نقص، وإن برئ إليه لم يضمن.
والثالث ما يقع من الرقيق أو المضمون الجريرة والمحجور عليه من قتل خطأ أو
فساد عن مقصود أو عمد ممن لا يعقل فيلزم الولي دية النفس وقيمة المتلف وأرش
الجناية.
ولا دية ولا قيمة ولا أرش لما يحدث من البهيمة في ملك صاحبها أو المباح
كالجبال والبراري ولا البئر في الملك وللانتفاع بها في غيره، ولا انهدام البنيان
ابتداء ولا بفعل الهالك ويضمن ما يحصل من ذلك إلى ملك غيره أو طريق المسلمين.
ولا دية للغريق بإيثاره السباحة، وللهالك بشرب الدواء أو السم أو قطع العضو
باختياره أو وليه مع التبرؤ إليه من جريرته، ولا دية للمتردي من علو بنفسه أو
تفريطه أو بهبوب الرياح.
ولا دية للمستأجر فيما يحدث عليه في إجازته بفعله أو عبد له في نفسه ولا
أعضائه ولا آلته ولا دابته إلى غير ذلك، ولا دية للص والمفسد المدافع عن النفس والمال.
ولا دية للمحمول على الواجب والممنوع من القبيح بالأمر والنهي في حقه
كشرب الخمر وترك الصلاة وحق غيره كمريد المرأة على نفسها أو الغلام عليه.
ولا دية للهاجم دار غيره أو المطلع على عورته، ولا دية لمقتول الحدود أو الآداب
المشروعة أو القصاص من غير تعد والمقابل بمثل اعتدائه.
وكل موضع تسقط فيه الدية يسقط فيه قيمة المتلف وأرش الجناية، ولا ضمان
على من حذر، ولا دية ولا قيمة ولا أرش لما يهلك بعد تحذيره، ولا دية ولا قود لمن
قتل على سب رسول الله ص أو أحد الأئمة ع أو المجاهرة
بالسحر ويلزم من سمع سابا لبعض الحجج ع أو رأى مجاهرا بالسحر أن
يرفع خبره إلى السلطان ليقتله وإن سبق عليه فقتله لم يكن لأحد عليه سبيل إذا
ثبت أنه قتله لذلك.
103

النهاية
في مجرد الفقه والفتاوى
للشيخ الأجل أبي جعفر محمد بن الحسن بن علي بن الحسن الطوسي
المشتهر بشيخ الطائفة والشيخ الطوسي
385 - 460 ه‍ ق
105

كتاب الديات
باب أقسام القتل وما يجب فيه من القود والدية:
القتل على ثلاثة أضرب: عمد محض وخطأ محض وخطأ شبيه العمد.
فالعمد المحض هو كل من قتل غيره وكان بالغا كامل العقل بأي شئ كان
بحديد أو خشب أو حجر أو مدر أو سم أو خنق وما أشبه ذلك إذا كان قاصدا بذلك
القتل أو يكون فعله مما قد جرت العادة بحصول الموت عنده حرا كان أو عبدا
مسلما كان أو كافرا ذكرا كان أو أنثى، ويجب فيه القود والدية على ما نبينه فيما
بعد، ومتى كان القاتل غير بالغ وحده عشر سنين فصاعدا ويكون مع بلوغه زائل
العقل إما أن يكون مجنونا أو مؤوفا فإن قتلهما وإن كان عمد فحكمه حكم الخطأ.
والخطأ المحض هو أن يرمي الانسان شيئا كائنا ما كان فيصيب غيره فيقتله
فإنه يحكم له بالخطا، ويجب فيه ما يجب فيه من الدية ولا قود فيه على حال.
والخطأ شبيه العمد هو أن يقصد الانسان إلى تأديب ولده أو غلامه أو من له
تأديبه بما لم تجر العادة أن يموت الانسان بمثله فيموت أو يعالج الطبيب غيره بما قد
جرت العادة بحصول النفع عنده أو يفصده فيؤدى ذلك إلى الموت فإن جميع ذلك
يحكم فيه بالخطا شبيه العمد ويلزم فيه الدية مغلظة ولا قود فيه أيضا على حال.
وقاتل العمد إذا كان ظالما متعديا يجب عليه القود ولا يجوز أن يستقاد منه إلا
بالحديد وإن كان هو قد قتل صاحبه بغير الحديد من الضرب أو الرمي وما أشبه
ذلك، ولا يمكن أيضا من التمثيل به ولا تعذيبه ولا تقطيع أعضائه وإن كان هو
107

فعل ذلك بصاحبه بل يؤمر بضرب رقبته وليس له أكثر من ذلك.
وليس في قتل العمد الدية إلا أن يبذل القاتل من نفسه الدية ويختار ذلك أولياء
المقتول، فإن لم يبذل القاتل الدية من نفسه لم يكن لأولياء المقتول المطالبة بها
وليس لها إلا نفسه ومتى بذل الدية ولم يأخذها أولياء المقتول وطلبوا القود كان لهم
أيضا ذلك، فإن فادى القاتل نفسه بمال جزيل أضعاف أضعاف الدية الواجبة
ورضي به أولياء المقتول كان ذلك أيضا جائزا.
فإن اختلف أولياء المقتول فبعض يطلب القود وبعض يطلب الدية كان للذي
طلب القود أن يقتل القاتل إذا رد على الذي طلب الدية ماله منها من ماله خاصة
ثم يقتل القاتل، وكذلك إن اختلفوا فبعض عفا عن القاتل وبعض طلب القود أو
الدية فإن الذي طلب القود يجب عليه أن يرد على أولياء القاتل سهم من عفا عنه ثم
يقتله وإن طلب الدية وجب على القاتل أن يعطيه مقدار ما يصيبه من الدية.
وأولياء المقتول هم الذين يرثون ديته سوى الزوج والزوجة - وقد ذكرناهم في
باب المواريث - ويكون للجميع المطالبة بالقود ولهم المطالبة بالدية ولهم العفو على
الاجتماع والانفراد ذكرا كان أو أنثى على الترتيب الذي رتبناه.
وإذا مات ولي الدم قام ولده مقامه في المطالبة بالدم.
والزوج والزوجة ليس لهما غير سهمهما من الدية إن قبلها أولياء المقتول أو العفو
عنه بمقدار ما يصيبهما من الميراث وليس لهما المطالبة بالقود، ومن ليس له من الدية
شئ من الإخوة والأخوات من الأم ومن يتقرب من جهتها فليس لهم المطالبة بالدم
ولا الدية.
وإذا كان للمقتول أولياء صغار وأولياء كبار فاختار الكبار الدية كان لهم
حظهم منها، فإذا بلغ الصغار كان لهم مطالبة القاتل أيضا بقسطهم من الدية أو
المطالبة له بالقود بعد أن يردوا عليه ما أعطي الأولياء الكبار من الدية ولهم أيضا
العفو عنه على كل حال.
ودية العمد ألف دينار جيادا إن كان القاتل من أصحاب الذهب، أو عشرة
108

آلاف درهم إن كان من أصحاب الورق جيادا، أو مائة من مسان الإبل إن كان
من أصحاب الإبل، أو مائتا بقرة مسنة إن كان من أصحاب البقر، أو ألف شاة
وقد روي: ألف كبش إن كان من أصحاب الغنم. أو مائتا حلة إن كان من
أصحاب الحلل.
ويلزم دية العمد في مال القاتل خاصة ولا تؤخذ من غيره إلا أن يتبرع انسان بها
عنه، فإن لم يكن له مال فليس لأولياء المقتول إلا نفسه فإما أن يقيدوه بصاحبهم
أو يعفوا عنه أو يمهلوه إلى أن يوسع الله عليه.
ومتى هرب القاتل عمدا ولم يقدر عليه إلى أن مات أخذت الدية من ماله، فإن
لم يكن له مال أخذت من الأقرب فالأقرب من أوليائه الذين يرثون ديته ولا يجوز
مؤاخذتهم بها مع وجود القاتل.
ويجب على قاتل العمد أن يتوب إلى الله تعالى مما فعله، وحد التوبة أن يسلم
نفسه إلى أولياء المقتول فإما أن يستقيدوا منه أو يعفوا أو يقبلوا الدية أو يصالحهم على
شئ يرضون به عنه ثم يعزم بعد ذلك على ألا يعود إلى مثل ما فعل في المستقبل
ويعتق بعد ذلك رقبة ويصوم شهرين متتابعين ويطعم ستين مسكينا، فإذا فعل ذلك
كان تائبا.
وأما دية قتل الخطأ فإنها تلزم العاقلة الذين يرثون دية القاتل إن قتل ولا يلزم من
لا يرث من ديته شيئا على حال، وقال بعض أصحابنا: إن العاقلة يرجع بها على
القاتل إن كان له مال فإن لم يكن له مال فلا شئ للعاقلة عليه.
ومتى كان للقاتل مال ولم يكن للعاقلة شئ ألزم في ماله خاصة الدية.
ومتى لم يكن للقاتل خطأ عاقلة ولا من يضمن جريرته من مولى نعمة أو مولى
تضمن جريرة ولا له مال وجبت الدية على بيت مال المسلمين، ولا يلزم العاقلة من
دية الخطأ إلا ما قامت به البينة فأما ما يقر به القاتل أو يصالح عليه فليس عليهم
منه شئ ويلزم القاتل ذلك في ماله خاصة.
وحكم الجراح وكسر الأعضاء مثل قتل النفس سواء في أن ما كان منه عمدا
109

كان فيه إما القصاص أو الدية في مال الجارح خاصة، وما كان منه خطأ فإنه يكون
على العاقلة غير أنه لا يحمل في الجراح على العاقلة إلا الموضحة فصاعدا فأما ما كان
دون ذلك فإنه على الجارح نفسه، وما كان منه شبيه العمد فيلزم من يلزمه دية القتل
شبيه العمد على ما نبينه فيما بعد إن شاء الله.
والدية في قتل الخطأ مائة من الإبل عشرون منها بنت مخاض وعشرون منها ابن
لبون ذكر وثلاثون منها بنت لبون وثلاثون منها حقه، وقد روي: أن خمسا
وعشرين منها بنت مخاض وخمسا وعشرين منها بنت لبون وخمسا وعشرين منها حقة
وخمسا وعشرين منها جذعة. أو ألف من الشاة، أو مائتان من البقر، أو ألف
دينار، أو عشرة آلاف درهم، أو مائتا حلة - كما ذكرناه في قتل العمد سواء -
وتستأدى دية العمد في سنة واحدة ودية الخطأ في ثلاثة سنين.
وأما دية قتل الخطأ شبيه العمد فإنها تلزم القاتل نفسه في ماله خاصة، فإن لم
يكن له مال استسعى فيها أو يكون في ذمته إلى أن يوسع الله عليه، فإن مات أو
هرب أخذ أولى الناس إليه بها ممن يرث ديته، فإن لم يكن له أحد أخذت من
بيت المال.
والدية في ذلك مغلظة مائة من الإبل ثلاث وثلاثون منها بنت لبون وثلاث
وثلاثون منها حقة وأربع وثلاثون منها خلفة كلها طروقة الفحل، وقد روي: أنها
تكون أثلاثا ثلاثون منها بنت مخاض وثلاثون منها بنت لبون وأربعون خلفة كلها
طروقة الفحل. أو مائتان من البقر كذلك أثلاثا، أو ألف شاة مثل ذلك، أو ألف
دينار، أو عشرة آلاف درهم، أو مائتا حلة لا يختلف الحكم فيه، وقال بعض
أصحابنا: إن هذه الدية تستأدى في سنتين.
وعلى قاتل الخطأ المحض والخطأ شبيه العمد بعد إعطائه الدية كفارة عتق رقبة
مؤمنة، فإن لم يجد كان عليه صيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع أطعم ستين
مسكينا، فإن لم يقدر على ذلك أيضا تصدق بما استطاع أو صام ما قدر عليه.
ومن قتل عمدا وليس له ولي كان الإمام ولي دمه إن شاء قتل قاتله وإن شاء
110

أخذ الدية فتركها في بيت المال، وليس له أن يعفو لأن ديته لبيت المال كما أن
جنايته على بيت المال.
ومن قتل خطأ أو شبيه عمد ولم يكن له أحد كان للإمام أخذ ديته وليس له
أكثر من ذلك.
ومن عفا عن الدم فليس له بعد ذلك المطالبة به فإن قتل بعد ذلك القاتل كان
ظالما متعديا، ومن قبل الدية ثم قتل القاتل كان كذلك وكان عليه القود.
وإذا قتل الأب ولده خطأ كانت ديته على عاقلته يأخذها منهم الورثة دون
الأب القاتل لأنا قد بينا: أن القاتل إن كان عمدا فإنه لا يرث من التركة شيئا
وإن كان خطأ فإنه لا يرث من الدية شيئا - على ما بيناه - ومتى لم يكن له
وارث غير الأب فلا دية له على العاقلة على حال.
وإن قتله عمدا أو شبيه عمد كانت الدية عليه في ماله خاصة ولا يقتل به على
وجه وتكون الدية لورثته خاصة، فإن لم يكن له وارث غير الأب القاتل كانت الدية
عليه لبيت المال.
وإذا قتل الابن أباه عمدا قتل به، وإن قتله خطأ كانت الدية على عاقلته ولم
يكن له منها شئ على ما بيناه.
وإذا قتل الولد أمه أو قتلت الأم ولدها عمدا قتل كل واحد منهما بصاحبه،
وإن قتلها خطأ كانت الدية على عاقلته على ما بيناه، ولا يرث شيئا من الدية على
ما بينا القول فيه وشرحناه.
باب البينات على القتل وعلى قطع الأعضاء:
الحكم في القتل يثبت بشيئين: أحدهما قيام البينة على القاتل بأنه قتل والثاني
إقراره على نفسه بذلك سواء كان القتل عمدا أو خطأ أو شبيه عمد.
والبينة نفسان مسلمان عدلان يشهدان على القاتل بأنه قتل صاحبهم، فإن لم
يكن لأولياء المقتول نفسان يشهدان بذلك كان عليهم القسامة خمسون رجلا منهم
111

يقسمون بالله تعالى: أن المدعى عليه قتل صاحبهم، إن كان القتل عمدا وإن كان
خطأ فخمسة وعشرون رجلا يقسمون مثل ذلك، فأما إذا قامت البينة بشهادة غيرهم
فليس فيه أكثر من شهادة نفسين عدلين أي ضرب كان من أنواع القتل لا يختلف
الحكم فيه.
والقسامة إنما تكون مع التهمة الظاهرة ولا تكون مع ارتفاعها.
ومتى أقاموا نفسين يشهدان لهم بالقتل أو أقاموا القسامة وجب على المدعى عليه
إن كان القتل عمدا إما القود أو الدية حسب ما يتراضيان عليه، وإن كان القتل
خطأ أو شبيه عمد وجب عليه أو على عصبته الدية على ما بيناه.
ومتى لم يكن لأولياء المقتول من يشهد لهم من غيرهم ولا لهم قسامة من
أنفسهم كان على المدعى عليه أن يجئ بخمسين يحلفون عنه: أنه برئ مما ادعى
عليه، فإن لم يكن له من يحلف عنه كررت عليه الأيمان خمسين يمينا وقد برئت
عهدته، فإن امتنع من اليمين ألزم القتل وأخذ به على ما يوجبه الحكم فيه.
والبينة في الأعضاء مثل البينة في النفس من شهادة مسلمين عدلين والقسامة
فيها واجبة مثلها في النفس، فكل شئ من أعضاء الانسان يجب فيه الدية كاملة
مثل العينين والسمع وما أشبههما كان فيه القسامة ستة رجال يحلفون بالله تعالى:
أن المدعى عليه قد فعل بصاحبهم ما ادعوه عليه، فإن لم يكن للمدعي قسامة
كررت عليه ست أيمان، فإن لم يكن له من يحلف عنه ولا يحلف هو طولب المدعى
عليه بقسامة ستة نفر يحلفون عنه: أنه برئ من ذلك، فإن لم يكن له من يحلف
حلف هو ست مرات: أنه برئ مما ادعى عليه.
وفيما نقص من الأعضاء القسامة فيها على قدر ذلك إن كان سدس العضو
فرجل واحد يحلف بذلك وإن كان ثلثه فاثنان وإن كان النصف فثلاثة ثم على هذا
الحساب، وإن لم يكن له من يحلف كان عليه بعد ذلك الأيمان إن كان سدسا
فيمين واحدة وإن كان ثلثا فمرتين وإن كان النصف فثلاث مرات ثم على هذا
الحساب.
112

فإن لم يكن للمدعي من يحلف عنه وامتنع هو من أن يحلف طولب المدعى عليه
إما بمن يقسم عنه أو بتكرير الأيمان على حسب ما يلزم المدعي على ما بيناه.
وأما الإقرار فيكفي أن يقر به القاتل على نفسه دفعتين من غير إكراه ولا إجبار
ويكون كامل العقل حرا، فإن أقر وهو مكره أو هو ناقص العقل أو كان عبدا مملوكا
فإنه لا يقبل إقراره على حال.
ومتى شهد نفسان على رجل بالقتل وشهد آخران على غير ذلك الشخص بأنه
قتل ذلك المقتول بطل ههنا القود إن كان عمدا وكانت الدية على المشهود عليهما
نصفين، وإن كان القتل شبيه العمد فكمثل ذلك، وإن كان خطأ كانت الدية على
عاقلتهما نصفين.
وإذا قامت البينة على رجل بأنه قتل رجلا عمدا وأقر رجل آخر بأنه قتل ذلك
المقتول بعينه عمدا كان أولياء المقتول مخيرين في أن يقتلوا أيهما شاؤوا، فإن قتلوا
المشهود عليه فليس لهم على الذي أقر به سبيل ويرجع أولياء الذي شهد عليه على
الذي أقر بنصف الدية، وإن اختاروا قتل الذي أقر قتلوه وليس لهم على الآخر
سبيل وليس لأولياء المقر على نفسه على الذي قامت عليه البينة سبيل، وإن أراد
أولياء المقتول قتلهما جميعا قتلوهما معا وردوا على أولياء المشهود عليه نصف الدية
ليس عليهم أكثر من ذلك، فإن طلبوا الدية كانت عليهما نصفين: على الذي أقر
وعلى الذي شهد عليه الشهود.
متى اتهم الرجل بأنه قتل نفسا فأقر بأنه قتل وجاء آخر فأقر أن الذي قتل هو
دون صاحبه ورجع الأول عن إقراره درئ عنهما القود والدية ودفع إلى أولياء
المقتول الدية من بيت المال، وهذه قضية الحسن بن علي عليهما السلام في حياة أبيه
ع.
ومتى أقر نفسان فقال أحدهما: أنا قتلت رجلا عمدا، وقال الآخر: أنا قتلته
خطأ، كان أولياء المقتول مخيرين، فإن أخذوا بقول صاحب العمد فليس لهم على
صاحب الخطأ سبيل وإن أخذوا بقول صاحب الخطأ فليس لهم على صاحب العمد
113

سبيل.
والمتهم بالقتل ينبغي أن يحبس ستة أيام، فإن جاء المدعي ببينة أو فصل
الحكم معه وإلا خلي سبيله.
ومن قتل رجلا ثم ادعى أنه وجده مع امرأته أو في داره قتل به أو يقيم البينة
على ما قال.
باب الواحد يقتل اثنين أو أكثر منهما أو الاثنين والجماعة يقتلون واحدا:
إذا قتل اثنان واحدا أو أكثر منهما عمدا كان أولياء المقتول مخيرين بين أن
يقتلوا واحدا منهم يختارونه ويؤدى الباقون على ورثته مقدار ما كان يصيبهم لو
طولبوا بالدية، فإن اختار أولياء المقتول قتلهم جميعا كان لهم ذلك إذا أدوا إلى
ورثة المقتولين المقادين ما يفضل عن دية صاحبهم يتقاسمونه بينهم بالسوية.
وإذا قتل نفسان واحدا بضربتين مختلفتين أو متفقتين بعد أن يكون القتل يحدث
عن ضربهما كان الحكم فيه سواء لا يختلف، فإن كان قتلهما خطأ كانت الدية
على عاقلتهما بالسوية.
وإذا اشترك نفسان في قتل رجل فقتله أحدهما وأمسكه الآخر قتل القاتل
وحبس الممسك حتى يموت، فإن كان معهما ثالث ينظر لهما سملت عينه.
وإذا قتلت امرأتان رجلا عمدا قتلتا به جميعا، فإن كن أكثر من اثنتين كان
لهم قتلهن ويؤدوا ما يفضل عن دية صاحبهم على أوليائهن يقسمونه بينهم
بالحصص، وإن كان قتلهن خطأ كانت على عاقلتهن بالسوية.
فإن قتل رجل وامرأة رجلا كان لأولياء المقتول قتلهما جميعا ويؤدون إلى أولياء
الرجل نصف ديته خمسة آلاف درهم، فإن اختاروا قتل المرأة كان لهم قتلهما
ويأخذون من الرجل خمسة آلاف درهم وإن اختاروا قتل الرجل كان لهم قتله
وتؤدي المرأة إلى أولياء الرجل نصف ديتها ألفين وخمسمائة درهم، فإن أراد أولياء
المقتول الدية كان نصفها على الرجل ونصفها على المرأة سواء، وإن كان قتلهما
114

خطأ كانت الدية نصفها على عاقلة الرجل ونصفها على عاقلة المرأة سواء.
فإن قتل رجل حر ومملوك رجلا على العمد كان أولياء المقتول مخيرين بين أن
يقتلوهما ويؤدوا إلى سيد العبد ثمنه أو يقتلوا الحر ويؤدى سيد العبد إلى ورثته خمسة
آلاف درهم أو يسلم العبد إليهم فيكون رقا لهم أو يقتلوا العبد بصاحبهم خاصة
فذلك لهم وليس لسيد العبد على الحر سبيل، فإن اختاروا الدية كان على الحر
النصف منها وعلى سيد العبد النصف الآخر أو يسلم العبد إليهم يكون رقا لهم،
وإن كان قتلهما له خطأ كان نصف ديته على عاقلة الرجل ونصفها على مولى العبد
أو يسلمه إلى أولياء المقتول يسترقونه وليس لهم قتله على حال.
فإن قتلت امرأة وعبد رجلا حرا وأحب أولياء المقتول أن يقتلوهما قتلوهما فإن
كان قيمة العبد أكثر من خمسة آلاف درهم فليردوا على سيده ما يفضل بعد الخمسة
آلاف درهم، وإن أحبوا أن يقتلوا المرأة ويأخذوا العبد أخذوا إلا أن يكون قيمته
أكثر من خمسة آلاف درهم فليردوا على مولى العبد ما يفضل عن خمسة آلاف درهم
ويأخذون العبد أو يفتديه مولاه وإن كان قيمة العبد أقل من خمسة آلاف درهم
فليس لهم إلا نفسه، وإن طلبوا الدية كان على المرأة نصفها وعلى مولى العبد النصف
الآخر أو يسلمه برمته إليهم.
وإذا اشترك جماعة من المماليك في قتل رجل حر كان لأولياء المقتول قتلهم
جميعا وعليهم أن يؤدوا ما يفضل عن دية صاحبهم فإن نقص ثمنهم عن ديته لم
يكن لهم على مواليهم سبيل، فإن طلبوا الدية كانت على موالي العبيد بالحصص أو
تسليم العبيد إليهم، وإن كان قتلهم له خطأ كان على مواليهم دية المقتول أو تسليم
العبد إلى أولياء المقتول يستعبدونهم وليس لهم قتلهم على حال.
وإذا قتل رجل رجلين أو أكثر منهما وأراد أولياء المقتولين القود فليس لهم إلا
نفسه ولا سبيل لهم على ماله ولا على ورثته ولا على عاقلته، وإن أرادوا الدية كان
لهم عليه عن كل مقتول دية كاملة على الوفاء، وإن كان قتله لهم خطأ كان على
عاقلته دياتهم على الكمال.
115

فإن قتل رجل رجلا وامرأة أو رجالا ونساء أو امرأتين أو نساء كان الحكم أيضا
مثل ذلك سواء.
والمشتركون في القتل إذا رضي عنهم أولياء المقتول بالدية لزم كل واحد منهم
الكفارة التي قدمنا ذكرها على الانفراد رجلا كان أو امرأة إلا المملوك فإنه لا يلزمه
أكثر من صيام شهرين متتابعين وليس عليه عتق ولا إطعام.
وإذا أمر انسان حرا بقتل رجل فقتله المأمور وجب القود على القاتل دون الآمر
وكان على الإمام حبسه ما دام حيا، فإن أمر عبده بقتل غيره فقتله كان الحكم
أيضا مثل ذلك سواء، وقد روي: أنه يقتل السيد ويستودع العبد السجن،
والمعتمد ما قلناه.
باب القود بين الرجال والنساء والعبيد والأحرار والمسلمين والكفار:
إذا قتل رجل امرأة عمدا وأراد أولياؤها قتله كان لهم ذلك إذا ردوا على أوليائه
ما يفضل عن ديتها وهو نصف دية الرجل خمسة آلاف درهم أو خمسمائة دينار أو
خمسون من الإبل أو خمسمائة من الغنم أو مائة من البقر أو مائة من الحلل، فإن لم
يردوا ذلك لم يكن لهم القود على حال، فإن طلبوا الدية كان لهم عليه دية المرأة على
الكمال وهو أحد هذه الأشياء التي ذكرناها.
وإذا قتلت امرأة رجلا واختار أولياؤه القود فليس لهم إلا نفسها يقتلونها
بصاحبهم وليس لهم على أوليائها سبيل، وقد روي: أنهم يقتلونها ويؤدى أولياؤها
تمام دية الرجل إليهم، والمعتمد ما قلناه.
فإن طلب أولياء المقتول الدية ورضت هي بذلك كان عليها الدية كاملة دية
الرجل إن كانت قتلته عمدا أو شبيه العمد في مالها خاصة، وإن كانت خطأ فعلى
عاقلتها الدية على ما بيناه.
فأما الجراح فإنه يشترك فيها النساء والرجال السن بالسن والإصبع بالإصبع
بالإصبع والموضحة بالموضحة إلى أن تتجاوز المرأة ثلث دية الرجل، فإذا جاوزت
116

الثلث سفلت المرأة وتضاعف الرجل على ما نبينه فيما بعد إن شاء الله.
وإذا قتل الذمي مسلما عمدا دفع برمته هو وجميع ما يملكه إلى أولياء المقتول.
فإن أرادوا قتله كان لهم ذلك ويتولى ذلك عنهم السلطان وإن أرادوا استرقاقه كان
رقا لهم، فإن أسلم بعد القتل فليس عليه إلا القود أو المطالبة بالدية كما يكون على
المسلم سواء، فإن كان قتله له خطأ كانت الدية عليه في ماله خاصة إن كان له
مال، فإن لم يكن له مال كانت ديته على إمام المسلمين لأنهم مماليك له ويؤدون
الجزية إليه كما يؤدى العبد الضريبة إلى سيده وليس لهم عاقلة غير الإمام.
وإذا قتل المسلم ذميا عمدا وجب عليه ديته ولا يجب عليه القود إلا أن يكون
معتادا لقتل أهل الذمة، فإن كان كذلك وطلب أولياء المقتول القود كان على الإمام
أن يقيده به بعد أن يأخذ من أولياء الذمي ما يفضل من دية المسلم فيرده على
ورثته، فإن لم يردوه أو لم يكن معتادا فلا يجوز قتله به على حال.
ودية الذمي ثمانمائة درهم جيادا أو قيمتها من العين، ودية نسائهم على
النصف من دية رجالهم.
وإذا كان الانسان متعودا لقتل أهل الذمة جاز للإمام أن يلزمه الدية أربعة
آلاف درهم كي يرتدع عن مثله في المستقبل.
وإذا خرج أهل الذمة عن ذمتهم بتركهم شرائطها من ارتكابهم الفجور أو
التظاهر بشرب الخمور وما يجري مجرى ذلك مما قد ذكرناه فيما تقدم حل دمهم
وبطلت ذمتهم غير أنه لا يجوز لأحد أن يتولى قتلهم إلا الإمام أو من يأمره الإمام
به.
وديات أعضاء أهل الذمة وأرش جراحاتهم على قدر دياتهم سواء لا يختلف
الحكم فيه، ودية جنين أهل الذمة عشر دية آبائهم كما أن دية جنين المسلم كذلك
على ما نبينه فيما بعد إن شاء الله.
وإذا قتل أهل الذمة بعضهم بعضا أو تجارحوا أقيد بينهم واقتص لبعضهم من
بعض كما يقتص للمماليك بعضهم من بعض.
117

وإذا قتل حر عبدا لم يكن عليه قود وكان عليه ديته وديته قيمة العبد يوم قتله
إلا أن يزيد على دية الحر المسلم، فإن زاد على ذلك رد إلى دية الحر وإن نقص عنها
لم يكن عليه أكثر من قيمته، فإن اختلفوا في قيمة العبد يوم قتله كان على مولاه
البينة بأن قيمته كان كذا يوم قتل، فإن لم يكن له بينة وجب على القاتل اليمين
بأن قيمته كان كذا، فإن رد اليمين على المولى فحلف كان ذلك أيضا جائزا.
ودية الأمة قيمتها ولا يجاوز بقيمتها دية الحرائر من النساء، فإن زاد ثمنها على
دية الحرة ردت إلى دية الحرة وإن كانت أقل من ذلك لم يكن على قاتلها أكثر من
القيمة، وإن كان قتلها خطأ كانت الدية على عاقلته على ما بيناه.
فإن قتل عبد حرا عمدا كان عليه القتل إن أراد أولياء المقتول ذلك، فإن لم
يطلبوا القود وطلبوا الدية كان على مولاه الدية كاملة أو يسلم العبد إليهم، فإن
شاؤوا استرقوه وإن شاؤوا قتلوه فإن أرادوا قتله تولى ذلك عنهم السلطان أو يأذن لهم
فيه، وإن كان قتله خطأ كان على مولاه أن يؤدى عنه الدية أو يسلمه إليهم يكون
رقا لهم وليس لهم قتله على حال وللسلطان أن يعاقب من يقتل العبيد بما ينزجر عن
مثله في المستقبل.
وإذا قتل العبيد بعضهم بعضا أو تجارحوا أقيد بينهم واقتص لبعضهم من بعض
إلا أن يتراضى مواليهم بدون ذلك من الدية والأرش.
وإذا قتل مدبر حرا كانت الدية على مولاه الذي دبره إن شاء أو يسلمه برمته إلى
أولياء المقتول، فإن شاؤوا قتلوه إن كان قتل صاحبهم عمدا وإن شاؤوا استرقوه،
وإن كان قتله خطأ استرقوه وليس لهم قتله، فإذا مات الذي كان دبره استسعى في
دية المقتول وصار حرا.
ومتى قتل مكاتب حرا فإن كان لم يؤد من مكاتبته شيئا أو كان مشروطا
عليه وإن أدى من مكاتبته شيئا فحكمه حكم المماليك سواء، وإن كان غير
مشروط عليه وقد أدى من مكاتبته شيئا كان على مولاه من الدية بقدر ما بقي من
كونه رقا وعلى إمام المسلمين من بيت المال بقدر ما تحرر منه.
118

ومتى قتل حر مكاتبا وكان قد أدى من مكاتبته شيئا كان عليه بمقدار ما قد
تحرر منه من دية الحر وبمقدار ما قد بقي منه من قيمة المماليك وليس عليه أكثر من
ذلك، وديات الجوارح والأعضاء وأروش جراحاتهم على قدر أثمانهم كما أنها
كذلك في الأحرار.
ويلزم قاتل العبد إذا كان مسلما من الكفارة ما يلزمه من قتل حر سواء من
عتق رقبة وصيام شهرين متتابعين وإطعام ستين مسكينا إذا كان قتله عمدا، وإن
كان خطأ كان عليه الكفارة على الترتيب الذي رتبناه في الحر سواء.
ومن قتل عبده متعمدا كان على الإمام أن يعاقبه عقوبة تردعه عن مواقعة مثله
في المستقبل ويغرمه قيمة العبد فيتصدق بها على الفقراء وكان عليه بعد ذلك كفارة
قتل العمد، وإن كان قتله خطأ لم يكن عليه إلا الكفارة حسب ما قدمناه.
ومتى جرح انسان عبدا أو قطع شيئا من أعضائه مما يجب فيه قيمته على
الكمال وجب عليه القيمة ويأخذ العبد يكون رقا له.
ومتى قتل عبد حرين أو أكثر منهما أو جرحهما جراحة تحيط بثمنه واحدا بعد
الآخر كان العبد لأولياء الأخير لأنه إذا قتل واحدا فصار لأوليائه فإذا قتل الثاني
انتقل منهم إلى أولياء الثاني ثم هكذا بالغا ما بلغ، ومتى قتلهم بضربة واحدة أو
جناية واحدة كان بين أوليائهم بالسوية وليس على مولاه أكثر منه.
ومتى جرح عبد حرا فإن شاء الحر أن يقتص منه كان له ذلك وإن شاء أخذه
إن كانت الجراحة تحيط برقبته وإن كانت لا تحيط برقبته افتداه مولاه، فإن أبي
مولاه ذلك كان للحر المجروح من العبد بقدر أرش جراحته والباقي لمولاه يباع العبد
فيأخذ المجروح حقه ويرد الباقي على المولى.
وإذا قتل عبد مولاه قتل به على كل حال، وإذا كان لإنسان مملوكان قتل
أحدهما صاحبه كان بالخيار بين أن يقيده به أو يعفو عنه.
ولا قصاص بين المكاتب الذي أدى من مكاتبته شيئا وبين العبد - كما لا
قصاص بين الحر والعبد - ويحكم فيهما بالدية والأرش حسب ما يقتضيه حساب
119

المكاتب على ما بيناه.
وإذا قتل عبد حرا خطأ فأعتقه مولاه جاز عتقه ولزمه دية المقتول لأنه عاقلته على
ما بيناه.
باب من لا يعرف قاتله ومن لا دية له إذا قتل والقاتل في الحرم والشهر الحرام:
من مات في زحام يوم الجمعة أو يوم عرفة أو على جسر وما أشبه ذلك من المواضع
التي يتزاحم الناس فيها ولا يعرف قاتله كانت ديته على بيت المال إن كان له ولي
يطلب ديته، فإن لم يكن له ولي فلا دية له.
وإذا وجد قتيل في باب دار قوم أو في قرية أو في قبيلة ولا يدرى من قتله كانت
ديته على أهل تلك الدار أو القبيلة أو القرية التي وجد المقتول فيها هذا إذا كانوا
متهمين بقتله أو امتنعوا من القسامة على ما بيناه، فإن لم يكونوا متهمين بذلك أو
أجابوا إلى القسامة لم يكن عليهم شئ وكانت ديته على بيت المال.
فإن وجد القتيل بين قريتين كانت ديته على أهل أقرب القريتين إليه، فإن
كانت القريتان متساويتين إليه في المسافة كانت ديته على أهل القريتين.
وإذا وجد قتيل في مواضع متفرقة مقطعا كانت ديته على أهل الموضع الذي
وجد فيه قلبه وصدره وليس على الباقين شئ إلا أن يتهم قوم آخرون فيكون حينئذ
الحكم فيهم إما إقامة البينة أو القسامة على الشرح الذي قدمناه.
وإذا دخل صبي دار قوم فوقع في بئرهم فإن كانوا متهمين بعداوة بينهم وبين
أهله كانت عليهم ديته إن كان دخل عليهم بإذنهم، وإن كانوا مأمونين أو دخل
عليهم من غير إذنهم لم يكن عليهم شئ.
وإذا وقعت فزعة بالليل فوجد فيها قتيل أو جريح لم يكن فيه قصاص ولا
أرش وكانت ديته على بيت المال.
وإذا وجد قتيل في أرض فلاة كانت ديته على بيت المال، وإذا وجد قتيل في
معسكر أو في سوق من الأسواق ولم يعرف له قاتل كانت ديته على بيت المال.
120

ومن طلب إنسانا على نفسه أو ماله فدفعه عن نفسه فأدى ذلك إلى قتله فلا دية
له وكان دمه هدرا.
ومن أراد امرأة أو غلاما على فجور فدفعاه عن أنفسهما فقتلاه كان دمه هدرا،
ومن اطلع على قوم في دارهم أو دخل عليهم من غير إذنهم فزجروه فلم ينزجر فرموه
فقتلوه أو فقئوا عينه لم يكن عليهم شئ.
ومن قتله القصاص أو الحد فلا قود له ولا دية، ومن أخطأ عليه الحاكم بشئ
من الأشياء فقتله أو جرحه كان ذلك على بيت المال.
وقضى أمير المؤمنين ع في صبيان يلعبون بأخطار لهم فرمى أحدهم
بخطره فدق رباعية صاحبه فرفع إليه فأقام الرامي البينة بأنه قال: حذار، فقال
ع: ليس عليه قصاص وقد أعذر من حذر.
ومن اعتدى على غيره فاعتدي عليه فقتل لم يكن له قود ولا دية، وروى عبد
الله بن طلحة عن أبي عبد الله ع قال: سألته عن رجل سارق دخل على
امرأة ليسرق متاعها فلما جمع الثياب تابعته نفسه فكابرها على نفسها فواقعها فتحرك
ابنها فقام فقتله بفأس كان معه فلما فرع حمل الثياب وذهب ليخرج حملت عليه
بالفأس فقتلته فجاء أهله يطلبون بدمه من الغد، فقال أبو عبد الله ع:
اقض على هذا كما وصفت لك، فقال: يضمن مواليه الذين طلبوا بدمه دم الغلام
ويضمن السارق فيما ترك أربعة آلاف درهم لمكابرتها على فرجها أنه زان وهو في
ماله غرامة وليس عليها في قتلها إياه شئ لأنه سارق.
وعنه قال: قلت: رجل تزوج بامرأة فلما كان ليلة البناء عمدت المرأة إلى
صديق لها فأدخلته الحجلة فلما دخل الرجل يباضع أهله ثار الصديق واقتتلا في
البيت فقتل الزوج الصديق وقامت المرأة فضربت الزوج ضربة فقتلته بالصديق،
فقال: تضمن المرأة دية الصديق وتقتل بالزوج.
ومن قتل غيره في الحرم أو في أحد أشهر الحرم: رجب وذي القعدة وذي الحجة
والمحرم، وأخذت منه الدية كان عليه دية وثلث دية للقتل وثلث الدية لانتهاكه
121

حرمة الحرم وأشهر الحرم، فإن طلب منه القود قتل بالمقتول، فإن كان إنما قتل
في غير الحرم ثم التجأ إليه ضيق عليه في المطعم والمشرب ومنع من مخالطته ومبايعته
إلى أن يخرج فيقام عليه الحد، وكذلك الحكم في مشاهد الأئمة ع.
باب ضمان النفوس وغيرها:
من دعا غيره ليلا وأخرجه من منزله فهو له ضامن إلى أن يرده إلى منزله أو يرجع
هو بنفسه إليه، فإن لم يرجع إلى المنزل ولا يعرف له خبر كان ضامنا لديته، فإن
وجد قتيلا كان على الذي أخرجه القود أو يقيم البينة بأنه برئ من دمه، فإن لم
يقم بينة وادعى أن غيره قتله طولب بإقامة البينة على القاتل أو إحضاره ليحكم بما
تقتضيه شريعة الاسلام، فإن تعذر عليه ذلك كان عليه القود أو الدية يسلمها إلى
أوليائه إذا رضوا بها عنه، وقد روي: أنه إذا ادعى أنه برئ من قتله ولم تقم عليه
بينة بالقتل كان عليه الدية دون القود، وهذا هو المعتمد.
ومتى أخرجه من البيت ثم وجد ميتا وادعى أنه مات حتف أنفه كان عليه
الدية أو البينة على ما ادعاه.
وإذا استأجر انسان ظئرا فأعطاها ولده فغابت بالولد سنين ثم جاءت بالولد
فزعمت أمه أنها لا تعرفه وزعم أهلها أنهم لا يعرفونه فليس لهم ذلك فليقبلوه فإنما
الظئر مأمونة اللهم إلا أن يتحققوا العلم بذلك وأنه ليس بولد لهم فلا يلزمهم حينئذ
الإقرار به، وكان على الظئر الدية أو إحضار الولد بعينه أو من يشتبه الأمر فيه.
وإذا استأجرت الظئر ظئرا أخرى من غير إذن صاحب الولد فغابت به ولا يعرف
له خبر كان عليها الدية.
ومتى انقلبت الظئر على الصبي في منامها فقتلته فإن كانت إنما طلبت المظائرة
للفخر والعز كان عليها الدية في مالها خاصة، وإن كانت إنما فعلت للحاجة
كانت الدية على عاقلتها.
ومن نام فانقلب على غيره فقتله فإن ذلك شبيه العمد تلزمه الدية في ماله خاصة
122

وليس عليه قود.
ومن قتل غيره متعمدا فدفعه الوالي إلى أولياء المقتول ليقيدوه بصاحبهم فخلصه
انسان كان عليه رده، فإن لم يرده كان عليه الدية.
وإذا أعنف الرجل على امرأته أو المرأة على زوجها فقتل أحدهما صاحبه فإن
كانا متهمين ألزما الدية، وإن كانا مأمونين لم يكن عليهما شئ.
وإذا وقع انسان من علو على غيره فمات الأسفل أو الأعلى أو ماتا جميعا لم
يكن على واحد منهما شئ، فإن كان الذي وقع دفعه دافع أو أفزعه كانت دية
الأسفل على الذي وقع عليه ويرجع هو بها على الذي دفعه، وإن كان أصابه شئ
رجع عليه أيضا به.
ومن كان راكبا فنفر انسان دابته فرمت به أو نفرت الدابة فجنت على غيره
كانت جناية ما يصيبه أو يصيب غيره على الذي نفر بها.
ومن غشيته دابة وخاف أن تطأه فزجرها عن نفسه فجنت على الراكب أو على
غيره لم يكن عليه شئ.
ومن ركب دابة وساقها فوطئت إنسانا أو كسرت شيئا كان ما تصيبه بيديها
ضامنا له ولم يكن عليه لما وطئته برجلها شئ، فإن ضربها فرمحت فأصابت شيئا
كان عليه ضمان ما تصيبه بيديها ورجليها، وكذلك إذا وقف عليها كان عليه
ضمان ما تصيبه بيديها ورجليها.
وإن كان يسوق دابة فوطئت شيئا بيديها أو رجليها كان ضامنا له، وإن كان
يقودها فوطئت شيئا بيديها كان ضامنا له وليس عليه ضمان ما تصيب برجلها إلا
أن يضربها، فإن ضربها فرمحت برجلها فأصابت شيئا كان ضامنا له.
ومن آجر دابته إنسانا فركبها وساقها فوطئت شيئا كان ضمان ما تطأه على
صاحب الدابة دون الراكب، فإن لم يكن صاحب الدابة معها وكان الراكب
يراعيها لم يكن عليه شئ وكان على الراكب، فإن رمت الدابة بالراكب لم يكن
على الذي آجرها شئ سواء كان معها أو لم يكن إلا أن يكون نفر بها، فإن نفر بها
123

كان ضامنا لما يكون منها من الجنايات.
وحكم الدابة في جميع ما قلناه حكم سائر ما يركب من البغال والحمير والجمال
على حد لا يختلف الحكم فيه.
ومن حمل على رأسه متاعا بأجرة فكسره أو أصاب إنسانا به كان عليه ضمانه
أجمع اللهم إلا أن يكون انسان آخر دفعه فيكون حينئذ ضمان ذلك عليه.
ومن قتل مجنونا عمدا فإن كان المجنون أراده فدفعه عن نفسه فأدى ذلك إلى
قتله لم يكن عليه شئ وكان دمه هدرا، وإن لم يكن المجنون أراده وقتله عمدا
كان عليه ديته ولم يكن عليه قود، وإن كان قتله خطأ كانت الدية على عاقلته.
وإذا قتل مجنون غيره كان عمده وخطأه واحدا فإنه تجب فيه الدية على عاقلته،
فإن لم تكن له عاقلة كانت الدية على بيت المال اللهم إلا أن يكون المجنون قتل من
أراده فيكون حينئذ دم المقتول هدرا.
ومن قتل غيره وهو صحيح العقل ثم اختلط فصار مجنونا قتل بمن قتله ولا تكون
فيه الدية، ومن قتل غيره وهو أعمى فإن عمده وخطأه سواء فإن فيه الدية على
عاقلته.
ومن ضرب غيره ضربة سألت منها عيناه فقام المضروب فضرب ضاربه وقتله
فإن الحكم فيه أن يجعل دية المقتول على عاقلة الذي قتله وليس عليه قود لأنه ضربه
حين ضربه وهو أعمى وعمد الأعمى وخطأه سواء، فإن لم تكن له عاقلة كانت
الدية في ماله خاصة يوفيها في ثلاث سنين ويرجع هو بدية عينيه على ورثة الذي
ضربه فيأخذها من تركته.
ومن قتل صبيا متعمدا قتل به، فإن قتله خطأ كانت الدية على عاقلته.
وإذا قتل الصبي رجلا متعمدا كان عمده وخطأه واحدا فإنه يجب فيه الدية
على عاقلته إلى أن يبلغ عشر سنين أو خمسة أشبار، فإذا بلغ ذلك اقتص منه وأقيمت
عليه الحدود التامة.
ومتى وطئ امرأة قبل أن تبلغ تسع سنين فأفضاها كان عليه ديتها وألزم النفقة
124

عليها - إلا أن يموت - لأنها لا تصلح للرجال.
ومن أحدث في طريق المسلمين حدثا ليس له أو في ملك لغيره بغير إذنه من
حفر بئر أو بناء حائط أو نصب خشبة أو إقامة جذع أو اخراج ميزاب أو كنيف
وما أشبه ذلك فوقع فيه شئ أو زلق به أو أصابه منه شئ من هلاك أو تلف شئ
من الأعضاء أو كسر شئ من الأمتعة كان ضامنا لما يصيبه قليلا كان أو كثيرا،
فإن أحدث في الطريق ما له إحداثه لم يكن عليه شئ.
ومن رمى في دار غيره متعمدا نارا فاحترقت وما فيها كان ضامنا لجميع ما
تتلفه النار من النفوس والأثاث والأمتعة وغير ذلك ثم يجب عليه بعد ذلك القتل،
فإن أشعل في داره أو ملكه نارا فحملتها الريح إلى موضع آخر فاحترق لم يكن عليه
شئ.
وإذا اغتلم البعير على صاحبه وجب عليه حبسه وحفظه، فإن جنى قبل أن يعلم
به لم يكن عليه شئ، فإن علم به وفرط في حفظه كان ضامنا لجميع ما يصيبه من
قتل نفس أو غيرها، فإن كان ذلك الذي جنى عليه البعير ضرب البعير فقتله أو
جرحه كان عليه بمقدار ما جنى عليه مما ينقص من ثمنه يطرح من دية ما كان
جنى عليه البعير.
وإذا هجمت دابة على دابة غيره في مأمنها فقتلتها أو جرحتها كان صاحبها
ضامنا لذلك، وإن دخلت عليها الدابة إلى مأمنها فأصابها سبب لم يكن على
صاحبها شئ.
ومن أصاب خنزير ذمي فقتله كان عليه قيمته، فإن جرحه كان عليه قيمته ما
نقص من ثمنه عند أهله.
ومن أركب غلاما له مملوكا دابة فجنت الدابة جناية كان ضمانها على مولاه
لأنه ملكه.
ومن دخل دار قوم بغير إذنهم فعقره كلبهم لم يكن عليهم ضمانه، فإن كان
دخلها بإذنهم كان عليهم ضمانه.
125

وإذا أفلتت دابة فرمحت إنسانا فقتلته أو كسرت شيئا من أعضائه لم يكن على
صاحبها شئ.
ومن وطئ امرأته في دبرها فألح عليها فماتت كان عليها ديتها، ومن تطبب أو
تبيطر فليأخذ البراءة من وليه وإلا فهو ضامن.
وإذا ركب اثنان دابة فجنت جناية على ما ذكرناه كان أرشها عليهما بالسوية،
وروي: أن أمير المؤمنين ع ضمن ختانا قطع حشفة غلام.
باب الاشتراك في الجنايات:
روى الأصبغ بن نباتة قال: قضى أمير المؤمنين ع في جارية ركبت
جارية فنخستها جارية أخرى قمصت المركوبة فصرعت الراكبة فماتت فقضى: أن
ديتها نصفان بين الناخسة والمنخوسة.
وروى محمد بن قيس عن أبي جعفر ع قال: قضى أمير المؤمنين ع
في أربعة شربوا فسكروا وأخذ بعضهم على بعض السلاح فاقتتلوا فقتل اثنان وجرح اثنان
فأمر بالمجروحين فضرب كل واحد منهما ثمانين وقضى دية المقتولين
على المجروحين وأمر أن يقاس جراحة المجروحين فترفع من الدية، وإن مات واحد
من المجروحين فليس على أحد من أولياء المقتولين شئ.
وروى السكوني عن أبي عبد الله ع قال: رفع إلى أمير المؤمنين ع
ستة غلمان كانوا في الفرات فغرق واحد منهم فشهد ثلاثة منهم على اثنين
أنهما غرقاه وشهد اثنان على الثلاثة أنهم غرقوه فقضى ع بالدية ثلاثة
أخماس على الاثنين وخمسين على الثلاثة.
وروى محمد بن قيس عن أبي جعفر ع قال: قضى أمير المؤمنين ع
في أربعة نفر اطلعوا في زبية الأسد فخر أحدهم فاستمسك بالثاني واستمسك الثاني
بالثالث واستمسك الثالث بالرابع فقضى بالأول فريسة الأسد
وغرم أهله ثلث الدية لأهل الثاني وغرم الثاني لأهل الثالث ثلثي الدية وغرم
126

الثالث لأهل الرابع الدية كاملة.
وروى أبو بصير عن أبي عبد الله ع قال: قضى أمير المؤمنين في حائط
اشترك في هدمه ثلاثة نفر فوقع على واحد منهم فمات فضمن الباقين ديته لأن كل
واحد منهم ضامن صاحبه.
باب ديات الأعضاء والجوارح والقصاص فيها:
من قلب على رأس انسان ماء حارا فامتعط شعره فلم ينبت كان عليه الدية
كاملة، فإن نبت ورجع إلى ما كان عليه أرشه حسب ما يراه الإمام، فإن كان
امرأة كان عليها ديتها إذا لم ينبت الشعر، فإن نبت كان عليها مهر نسائها.
وفي الحاجبين إذا أذهب شعرهما خمسمائة دينار، وفي كل واحد منهما مائتان
وخمسون دينارا.
وفي شفر العين الأعلى ثلث دية العين مائة وستة وستون دينارا وثلثا دينار، وفي
شفر العين الأسفل نصف دية العين مائتان وخمسون دينارا.
وفي العينين الدية كاملة وفي كل واحدة منها نصف دية النفس وفي نقصان
ضوءهما بحساب ذلك.
فإن ادعى النقصان في إحدى العينين اعتبر مدى ما يبصر بها من أربع جوانب
بعد أن تشد الأخرى، فإن تساوى صدق وإن اختلف كذب ثم يقاس ذلك إلى
العين الصحيحة فما كان بينهما من النقصان أعطي بحساب ذلك بعد أن يستظهر
عليه بالأيمان حسب ما قدمناه في باب القسامة.
وإن ادعى النقصان في العينين جميعا قيس عيناه إلى عيني من هو من أبناء سنه
وألزم ضاربه ما بينهما من التفاوت ويستظهر عليه بالأيمان، ولا يقاس عين في يوم
غيم ولا في أرض مختلفة الجهات في الضوء والظلمة بل يقاس في أرض مستقيمة.
ومن ادعى ذهاب بصره وعيناه مفتوحتان صحيحتان ولا يعلم صدق قوله حلف
حسب ما قدمناه، وقد روي: أنه يستقبل بعينيه عين الشمس فإن كان كما قال
127

بقيتا مفتوحتين في عين الشمس وإن لم تكن كما قال غمضهما.
وفي العين العوراء الدية كاملة إذا كانت خلقة أو قد ذهبت في آفة من جهة الله
تعالى، فإن كانت قد ذهبت وأخذ ديتها أو استحق الدية وإن لم يأخذها كان فيها
نصف الدية.
والأعور إذا فقأ عين صحيح قلعت عينه وإن عمي فإن الحق أعماه، فإن قلعت
عينه كان مخيرا بين أن يأخذ الدية كاملة أو يقلع إحدى عيني صاحبه ويأخذ
نصف الدية، وفي العين القائمة إذا خسف بها ثلث ديتها صحيحة.
وفي الأذنين الدية كاملة وفي كل واحدة منهما نصف الدية وفيما قطع منهما
بحساب ذلك، وفي شحمة الأذن ثلث دية الأذن، وكذلك في خرمها ثلث ديتها.
وفي ذهاب السمع الدية كاملة وفيما نقص منه بحساب ذلك ويعتبر نقصانه
بأن يضرب الجرس من أربع جوانب وينظر إلى مدى ما يسمع منه، فإن تساوى
صدق واستظهر عليه بالأيمان وإن اختلف كذب، ومتى ادعى ذهاب سمعه كله
كانت عليه القسامة حسب ما قدمناه، ولا يقاس الأذن في يوم ريح بل يقاس في يوم
ساكن الهواء.
وفي الأنف إذا استؤصلت الدية كاملة، وكذلك إذا قطع مارنها كان فيه
الدية وفيما نقص منه بحساب ذلك، وكذلك في ذهاب الإحساس بها كله الدية
كاملة، وقد روي عن أمير المؤمنين ع أنه قال: يعتبر ذلك بأن يحرق
الحراق ويقرب منه فإن دمعت عينه ونحى أنفه كان كاذبا وإن بقي كما كان
صدق وينبغي أن يستظهر عليه بالأيمان حسب ما قدمناه.
وفي الشفتين جميعا الدية كاملة وفي العليا منهما أربعمائة دينار وفي السفلى
منهما ستمائة دينار - وإنما فضلت السفلى لأنها تمسك الطعام والشراب - وفيما
نقص منهما بحساب ذلك.
وفي اللسان إذا قطع فلم يفصح بشئ من الكلام الدية كاملة، فإن أفصح
ببعض ولم يفصح ببعض عرض عليه حروف المعجم وهي ثمانية وعشرون حرفا
128

فما أفصح به منها طرح عنه وما لم يفصح ألزم الدية بحساب ذلك لكل حرف جزء
من ثمانية وعشرين جزءا.
وإذا كان لسانه صحيحا وادعى أنه لا يفصح بشئ من الحروف كان عليه
القسامة حسب ما قدمناه، وروي عن أمير المؤمنين ع قال: يضرب لسانه
بإبرة فإن خرج منه دم أسود كان صادقا في قوله وإن خرج الدم أحمر كان كاذبا.
وفي لسان الأخرس إذا قطع ثلث دية لسان الصحيح.
وفي الأسنان كلها الدية كاملة، والتي يقسم عليها الدية ثمانية وعشرون سنا:
ستة عشر منها في مآخير الفم واثنا عشر في مقاديمه، فالتي هي في مآخير الفم لكل
سن منها خمسة وعشرون دينارا فذلك أربعمائة دينار، والتي في مقاديم الفم لكل
سن منها خمسون دينارا فذلك ستمائة دينار الجميع ألف دينار، وما زاد على ما
ذكرناه في العدد فليس له دية مخصوصة إلا إذا قلعت مفردة فإن قلع السن الزائد
مفردا كان فيه ثلث دية السن الأصلي، وفي السن الأسود ربع دية السن الصحيح،
وإذا ضربت السن فلم تسقط لكنها اسودت أو انصدعت ففيها ثلثا دية سقوطها.
ومن ضرب سن صبي بشئ فسقط انتظر به فإن نبتت لم يكن فيها قصاص
وكان فيها الأرش، ينظر فيما ينقص من قيمته بذلك أن لو كان مملوكا ويعطي
بحساب دية الحر منها إن شاء الله.
وفي اللحية إذا حلقت فلم تنبت الدية كاملة، فإن نبتت كان فيها ثلث الدية.
وفي العنق إذا كسر فصار الانسان منه أصور الدية كاملة.
وفي اليدين جميعا الدية كاملة وفي كل واحدة منهما نصف الدية، وفي أصابع
اليدين الدية كاملة وفي كل واحدة منها عشر الدية، وقد روي: أن في الإبهام ثلث
دية اليد وفي الأربع أصابع ثلثي ديتها بينها بالسوية.
وفي الإصبع الزائدة ثلث دية الإصبع الصحيحة.
وفي الظفر إذا قلع ولم يخرج أو خرج أسود عشرة دنانير، فإن خرج أبيض
فخمسة دنانير، ويتساوى في ذلك دية الرجل والمرأة إلى أن يبلغ ثلث دية النفس فإذا
129

بلغ ذلك رجعت المرأة إلى نصف دية الرجل وبقي الرجل على ما كان.
وفي الظهر إذا كسر ثم صلح ثلث الدية، فإن أصيب حتى صار بحيث لا ينزل
في حال الجماع كان فيه الدية كاملة، فإن أصيب الصلب فاحدودب منه الانسان
كان فيه الدية كاملة، وكذلك إن صار بحيث لا يقدر على القعود فيه الدية كاملة،
وفي النخاع إذا انقطع الدية كاملة.
وإذا كسر بعصوص الانسان أو عجانه فلم يملك بوله أو غائطه ففيه الدية
كاملة، فإن أصابه سلس البول ودام إلى الليل فما زاد عليه كان فيه الدية كاملة
وإن كان إلى الظهر ثلثي الدية وإن كان إلى ضحوة ثلث الدية ثم على هذا
الحساب.
وفي ذكر الرجل إذا قطعت حشفته فما زاد عليها الدية كاملة، وفي فرج المرأة
إذا قطع ديتها، وفي ذكر العنين ثلث دية الصحيح.
وفي الأنثيين معا الدية كاملة وفي كل واحدة منهما نصف الدية، وقد روي:
أن في اليسرى منهما ثلثي الدية وفي اليمنى ثلث الدية، لأن الولد يكون من
اليسرى.
وفي أدرة الخصيتين أربعمائة دينار، فإن فحج فلم يقدر على المشي أو مشى مشيا
لا ينتفع به كان فيه ثمانمائة دينار.
ومن أفضي جارية بأن يطأها قبل تسع سنين كان عليه ديتها كاملة ويلزم نفقتها
إلى أن تموت، فإن وطئها بعد تسع سنين فأفضاها لم يكن عليه شئ.
ومن افتض جارية بإصبعه فذهب بعذرتها كان عليه مهر نسائها سواء كان
الفاعل رجلا أو امرأة.
وفي الرجلين معا الدية كاملة وفي كل واحدة منهما نصف الدية، وفي أصابع
الرجلين الدية كاملة وفي كل واحدة منهما عشر الدية، وحكم المرأة حكم الرجل
على ما قلناه في اليدين سواء وقد روي: أن في الإبهام منها ثلث دية الرجل والثلثين
في الأربع أصابع، كما ذكرناه في اليدين سواء.
130

وكل ما كان في بدن الانسان منه اثنان ففيهما الدية كاملة وفي كل واحد
منهما نصف الدية إلا ما استثنيناه فيما مضى، وكل ما كان منه في البدن واحد
ففيه الدية كاملة.
وجميع ما ذكرناه إذا كان في الرجل الحر كان فيه ديته وإذا كان في المرأة كان
فيها ديتها، وإن كان في ذمي كان فيه ديته على ما بيناه، وإن كان في مملوك ففيه
قيمته على ما قدمنا القول فيه.
واليد إذا ضربت فشلت ولم تنفصل من الانسان كان فيها ثلثا دية انفصالها،
ومن كسر يد انسان ثم برأت وصلحت لم يكن فيها قصاص ويجب فيها الأرش على
ما بيناه، وفي اليد الشلاء إذا قطعت ثلث ديتها صحيحة.
ومن رعد قلبه فطار كان فيها الدية كاملة.
ومن داس بطن انسان حتى أحدث كان عليه أن يداس بطنه حتى يحدث أو
يفتديه بثلث الدية.
ومن ضرب امرأة مستقيمة الحيض على بطنها فارتفع حيضها فإنه ينتظر بها
سنة، فإن رجع طمثها إلى ما كان وإلا استحلفت وغرم ضاربها ثلث ديتها.
وفي ثديي المرأة الدية كاملة وفي كل واحد منهما نصف ديتها.
ومن قطع أنف انسان وأذنيه وقلع عينيه ثم قتله اقتص منه أولا ثم يقاد به إذا
كان قد فرق ذلك به، وإن كان قد ضربه ضربة واحدة فجنت الضربة هذه الجنايات
وأدت إلى القتل لم يكن عليه أكثر من القود أو الدية على ما بيناه.
ومن ضرب إنسانا على رأسه ضربة فذهب عقله انتظر به سنة، فإن مات فيما
بينه وبين سنة قيد به وإن لم يمت ولم يرجع عليه عقله كان عليه أيضا الدية كاملة،
فإن رجع عقله كان عليه أرش الضربة، وإن كان أصابه مع ذهاب عقله شجة إما
موضحة أو مأمومة أو غيرهما من الجراحات لم يكن فيه أكثر من الدية كاملة اللهم
إلا أن يكون ضربه ضربتين أو ثلاثة فجنت كل ضربة منها جناية كان عليه حينئذ
ديتها.
131

ومن قطع يمين رجل قطعت يمينه بها، فإن لم يكن له يمين وكانت له يسار
قطعت به، فإن لم يكن له يدان قطعت رجله باليد، فإن لم يكن له يدان ولا
رجلان كان عليه الدية لا غير ويسقط القصاص، وكذلك إذا قطع أيدي جماعة
قطعت يداه بالأول فالأول والرجل بالآخر فالآخر ومن يبقى بعد ذلك كان له الدية
لا غير.
باب القصاص وديات الشجاج:
من قطع شيئا من جوارح الانسان وجب أن يقتص منه إن أراد ذلك المقطوع،
وإن جرحه جراحة فمثل ذلك إلا أن يكون جراحة يخاف في القود منها على هلاك
النفس فإنه لا يحكم له فيها بالقصاص وإنما يحكم فيها بالأرش وذلك مثل
المأمومة والجائفة وما أشبههما.
وكسر الأعضاء التي يرجى انصلاحها بالعلاج فلا قصاص أيضا فيها بل يراعى
حتى ينجبر الموضع إما مستقيما أو على عثم فيحكم حينئذ بالأرش، فإن كان
شيئا لا يرجى صلاحه فإنه يقتص من جانبه على كل حال.
والقصاص: النفس بالنفس، والعين بالعين، والأنف بالأنف، والأذن
بالأذن، والسن بالسن، والجروح قصاص.
ولا قصاص بين الحر والعبد، فإن جرح حر عبدا كان عليه أرشه بمقدار ذلك من
ثمنه وكذلك الحكم في سائر أعضائه، فإن كانت الجناية تحيط بثمنه كان عليه
القيمة ويأخذ العبد.
فإن جرح عبد حرا كان على مولاه جنايته أو يسلمه إلى المجروح ليسترقه بمقدار
ماله منه، فإن استغرق أرش الجراحة ثمنه لم يكن لمولاه فيه شئ وإن لم يستغرق
كان له منه بمقدار ما يفضل من أرش الجراح.
ولا قصاص بين المسلم والذمي، فإن جرح ذمي مسلما أو قطع شيئا من
جوارحه كان عليه أن يقطع جارحته إن كان قطع أو يقتص منه إن كان جرح ويرد
132

مع ذلك فضل ما بين الديتين.
فإن جرحه المسلم كان عليه أرش جراحته بمقدار ديته التي ذكرناها، فإن كان
معتادا لذلك جاز للإمام أن يقتص منه لأولياء الذمي بعد أن يردوا عليه فضل ما
بين الديتين.
ويقتص للرجل من المرأة وللمرأة من الرجل ويتساوى جراحهما ما لم يتجاوز
ثلث الدية فإذا بلغت ثلث الدية نقصت المرأة وزيد الرجل، وإذا جرح الرجل المرأة
بما يزيد على الثلث وأرادت المرأة أن تقتص منه كان لها ذلك إذا ردت عليه فضل ما
بين جراحتيهما، وإن جرحت المرأة الرجل وأراد أن يقتص منها لم يكن له عليها
أكثر من جراحة مثلها أو المطالبة بالأرش على التمام.
ومن لطم إنسانا في وجهه فنزل الماء في عينيه وعيناه صحيحتان وأراد القصاص
فإنه يؤخذ مرآة محمية بالنار ويؤخذ كرسف مبلول فيجعل على أشفار عينيه على
جوانبها لئلا يحترق أشفاره ثم يستقبل عين الشمس بعينه وتقرب منها المرآة فإنه
تذوب الناظر ويبقى أعمى وتبقى العين.
ومن قطعت أصابعه فجاءه رجل فأطار كفه وأراد القصاص من قاطع الكف
فليقطع يده من أصله ويرد عليه دية الأصابع.
ومن قتل إنسانا مقطوع اليد وأراد أولياؤه القود فإن كانت يده قطعت في جناية
جناها على نفسه أو قطعت فأخذ ديتها قتلوا قاتله بعد أن يرد على أوليائه دية اليد،
فإن كانت يده قطعت في غير جناية ولم يأخذ ديتها قتلوا قاتله ولم يكن عليهم
شئ.
ومن شج غيره موضحة فعفا صاحبه عن أرشها فرجعت عليه فمات منها كان
على جارحه ديته إلا دية الموضحة، فإن أرادوا القود ردوا على قاتله قيمة الموضحة
التي عفا عنها صاحبها.
ومن قطع شحمة أذن انسان فطلب منه القصاص فاقتص له منه فعالج أذنه
حتى التصق المقطوع بما انفصل عنه كان للمقتص منه أن يقطع ما اتصل به من
133

شحمة أذنه حتى يعود إلى الحال التي استحق لها القصاص، وكذلك القول فيما
سوى ذلك من الجوارح والأعضاء.
ومن قتل غيره فسلمه الوالي إلى أولياء المقتول ليقتلوه فضربه الولي ضربة أو
ضربات وتركه ظنا منه أنه قد مات وكان به رمق فحمل ودووي فصلح ثم الولي
فطلب منه القود كان له ذلك وعليه أن يرد عليه دية الجراحات التي جرحه أو
يقتص له منه.
ومن ضرب غيره ضربا بالسوط أو الخشب أو العصا وجب أن يقتص منه بمثل
ما ضرب.
ومن جرح غيره جراحة في غير مقتل أو ضربه كذلك فمرض المجروح أو
المضروب ثم مات فإنه يعتبر حاله، فإن علم أنه مات من الجراح أو الضرب أو من
شئ جناه كان عليه القود أو الدية على الكمال على ما قدمناه، فإن كان مات لغير
ذلك أو اشتبه الأمر فيه فلا يعلم أنه مات منه أو من غيره لم يكن عليه أكثر من
القصاص.
والجراحات ثمانية: أو لها الحارصة وهي الدامية وفيها بعير، ثم الباضعة وهي
التي تبضع اللحم وفيها بعيران، ثم المتلاحمة وهي التي تنفذ في اللحم وفيها ثلاثة
أبعر، ثم السمحاق وهي التي تبلغ القشرة التي بين اللحم والعظم وفيها أربعة أبعر،
ثم الموضحة وهي التي تبلغ العظم وتوضحه وفيها خمسة أبعر، ثم الهاشمة وهي التي
تهشم العظم فتكسره من غير أن تفسده وفيها عشرة أبعر، ثم المنقلة وهي التي
تحوج إلى نقل العظم من موضعه وفيها خمسة عشر بعيرا، ثم المأمومة وهي التي تبلغ
أم الرأس وفيها ثلث الدية ثلاث وثلاثون بعيرا أو ثلث الدية من الغنم أو البقر أو
الذهب أو الفضة أو الحلة.
والقصاص ثابت في جميع هذه الجراح إلا في المأمومة خاصة لأن فيها تغريرا
بالنفس وليس فيها أكثر من ديتها، وهذه الجراح في الرأس والوجه سواء وأما إذا
كانت في البدن فلها حكم مفرد نذكره إن شاء الله.
134

والجائفة في البدن وهي التي تبلغ الجوف مثل المأمومة في الرأس وفيها ثلث الدية
وليس فيها قصاص.
وفي اللطمة في الوجه إذا أسود أثرها ستة دنانير فإن أخضر فثلاثة فإن احمر فدينار
ونصف، وإذا كانت اللطمة في الجسد فديتها على النصف من ديتها إذا كانت في
الوجه.
وفي كسر عظم من عضو خمس دية ذلك العضو وفي موضحته ربع دية كسره،
وإذا كسر عظم فجبر على غير عثم ولا عيب كانت ديته أربعة أخماس كسره.
وفي كسر الصلب الدية كاملة، فإن جبر فبرئ على غير عثم ولا عيب ففيه
دينار عشر دية كسره.
وفي الأنف إذا كسرت ففسدت كان فيها الدية وكذلك إذا استؤصل قطعها على
ما قدمناه، فإن جبرت فبرئت على غير عثم ولا عيب كان فيها مائة دينار.
وفي روثة الأنف وهو الحاجز بين المنخرين إذا قطع واستؤصل خمسمائة دينار،
فإن نفذت في الأنف نافذة لا تنسد فديتها ثلث دية النفس، فإن عولجت وانسدت
فديتها خمس دية الأنف مائتا دينار، فإن كانت النافذة في أحد المنخرين إلى
الخيشوم وهو الحاجز بين المنخرين فعولجت وبرئت والتأمت فديتها عشر دية الأنف
مائة دينار.
وإذا انشقت الشفتان حتى بدت الأسنان منها ولم تبرأ فدية شقها ثلث دية
النفس فإن عولجت فبرئت والتأمت فديتها خمس دية النفس مائتا دينار، وفي شق
إحديهما بحساب ذلك فإن التأمت وصلحت ففيها خمس ديتها.
والعظم إذا رض كان فيه ثلث دية العضو الذي هو فيه، فإن صلح على غير عيب
فديته أربعة أخماس دية رضه، فإن فك عظم من عضو فتعطل به العضو فديته ثلثا
دية العضو، فإن جبر فصلح والتأم فديته أربعة أخماس دية فكه.
وفي نقل عظام الأعضاء لفسادها مثل ما في نقل عظام الرأس بحساب دية
العضو وكذلك في غيرها من الجراحات.
135

وفي الشلل في اليدين والرجلين ثلثا دية اليد، وفي اليد الشلاء
أو الرجل الشلاء إذا قطعت ثلث ديتها صحيحة وكذلك الحكم في الأصابع.
واعلم أن لتفصيل هذه الأعضاء وما فيها من تفصيل الجراح ودياتها شرحا
طويلا قد ذكره أصحابنا في كتبهم مثل ظريف بن ناصح والحسن بن محبوب وعلي
بن رئاب وغيرهم وقد أوردناه نحن في كتاب تهذيب الأحكام فمن أراد الوقوف
عليه فليقف عليه من هناك إن شاء الله.
ولا ينبغي للحاكم أن يحكم في شئ من الجراحات وكسر الأعضاء حتى تبرأ
ثم ينظر في ذلك ويرجع فيه إلى أهل الخبرة فيحكم حسب ما تقتضيه الجناية إن شاء
الله.
ومن أراد القصاص فلا يقتص بنفسه وإنما يقتص له الناظر في أمر المسلمين أو
يأذن له في ذلك، فإن أذن له جاز له حينئذ الاقتصاص بنفسه.
باب دية الجنين والميت إذا قطع رأسه أو شئ من أعضائه:
الجنين أول ما يكون نطفة وفيه عشرون دينارا، ثم يصير علقة وفيه أربعون دينارا
وفيما بينهما بحساب ذلك، ثم يصير مضغة وفيها ستون دينارا وفيما بين ذلك
بحسابه، ثم يصير عظما وفيه ثمانون دينارا وفيما بين ذلك بحسابه، ثم يصير مكسوا
عليه اللحم خلقا سويا شق له العين والأذنان والأنف قبل أن تلجه الروح وفيه مائة
دينار وفيما بين ذلك بحسابه، ثم تلجه الروح وفيه دية كاملة.
وإذا قتلت المرأة وهي حامل متم ومات الولد في بطنها ولا يعلم أذكر هو أم
أنثى حكم فيها بديتها كاملة وفي ولدها بنصف دية الرجل ونصف دية المرأة فيكون
المبلغ اثنى عشر ألف درهم وخمسمائة درهم: للمرأة خمسة آلاف ونصف دية الرجل
خمسة آلاف ونصف دية المرأة ألفان وخمسمائة.
وفي قطع جوارح الجنين وأعضائه الدية من حساب ديته مائة دينار.
والمرأة إذا شربت دواء لتلقي ما في بطنها كان عليها الدية بحساب ما ذكرناه
136

لورثة المولود ولم يكن لها من ميراثه شئ.
ومن أفزع امرأة أو ضربها فألقت شيئا مما ذكرناه كان عليه ديته حسب ما
قدمناه.
ودية جنين الذمي عشر ديته وما يكون من أعضائه بحساب ذلك، وجنين الأمة
إذا كانت حاملا بمملوك عشر ثمنها وما كان من جراح وغير ذلك فبحساب ذلك،
وفي جنين البهيمة عشر قيمتها وفيما كان من ذلك بحساب ذلك.
ومن أفزع رجلا وهو على حال الجماع فعزل عن امرأته كان عليه دية ضياع
النطفة عشر دية الجنين عشر دنانير، وكذلك إذا عزل الرجل عن زوجته الحرة بغير
اختيارها كان عليه عشر دية الجنين يسلمه إليها على ما روي في الأخبار وفي عزله
عن الأمة ليس عليه شئ.
وحكم الميت حكم الجنين وديته ديته سواء، فمن فعل بميت فعلا لو فعله بالحي
لكان فيه تلف نفسه كان عليه ديته مائة دينار وفيما يفعل به من كسر يد أو قطعها
أو قلع عين أو جراحة فعلى حساب ديته كما تكون دية هذه الأعضاء في الحي كذلك
لا يختلف الحكم فيه، والفرق بين الجنين والميت أن دية الجنين يستحقها ورثته ودية
الميت لا يستحقها أحد من ورثته بل تكون له خاصة يتصدق بها عنه.
باب الجنايات على الحيوان:
من أتلف حيوانا لغيره مما لا تقع عليه الذكاة كان عليه قيمته يوم أتلفه وذلك
مثل الفهد أو البازي أو الصقر أو غير ذلك مما يجوز للمسلمين تملكه، فإن أتلف
عليه ما لا يحل للمسلم تملكه لم يكن عليه شئ، فإن أتلف شيئا من ذلك على
ذمي وجب عليه قيمته ومتى أتلف عليه شيئا مما تقع عليه الذكاة على وجه يمنعه
من الانتفاع به كان حكمه أيضا حكم ما لا تقع عليه الذكاة في أنه يجب عليه
قيمته يوم أتلفه، فإن أتلفه على وجه يمكنه الانتفاع به كان صاحبه مخيرا بين أن
يلزمه قيمته يوم أتلفه ويسلم إليه ذلك الشئ أو يطالبه بقيمة ما بين كونه متلفا
137

وكونه حيا.
ودية الكلب السلوقي أربعون درهما لا يزاد عليه، ودية كلب الحائط والماشية
عشرون درهما، وفي كلب الزرع قفيز من طعام، وليس في شئ من الكلاب غير
هذا شئ على حال.
والقول في جراح البهائم وقطع أعضائها بحسب ما بينا إن كان الحيوان مما
يتملك ففيه أرش ما بين قيمته صحيحا ومعيبا، وإن كان مما لا يتملك فحكم
جراحة وكسره حكم إتلاف نفسه.
ومن كسر عظم بعير أو شاة أو بقرة وما أشبه ذلك كان عليه أرشه وهو فضل ما
بين قيمته صحيحا ومعيبا وليس له خيار في أخذ قيمته وتسليمه إلى الجاني عليه
كما ذكرنا ذلك في إتلاف النفوس.
وقضى أمير المؤمنين ع في بعير بين أربعة نفر فعقل أحدهم يده فتخطى
إلى بئر فوقع فيها فاندق: أن على الشركاء الثلاثة أن يغرموا له الربع من قيمته لأنه
حفظ وضيعه عليه الباقون بترك عقالهم إياه.
وفي عين البهيمة إذا فقئت ربع قيمتها على ما جاءت به الآثار.
وإذا جنت بهيمة الانسان على غيره جناية أو على بهيمة فإن كانت الجناية
بتفريط وقع منه في حفظها أو بتعد في استعمالها كان ضامنا لجنايتها كائنا ما كان
وإن كان بغير ذلك لم يكن عليه ضمان، فمن ذلك جناية غنم الانسان على زرع
غيره فإنه إن كان ترك حفظها ليلا حتى دخلت على زرع غيره فأكلته أو أفسدته فهو
ضامن لذلك وإن كان إفسادها له نهارا من غير سبب أحد فليس عليه ضمان،
وذلك أن على صاحب الزرع مراعاته وحفظه نهارا وعلى صاحب الغنم حفظها ليلا.
ومن أتلف على مسلم شيئا من الملاهي التي لا يجوز تملكها مثل العود والطنابير
وما أشبه ذلك لم يكن عليه شئ، فإن أتلف ذلك على ذمي في حرزه كان عليه
ضمانه، فإن أتلفه عليه وكان قد أظهره لم يكن عليه شئ على حال.
138

المراسم العلوية
لأبي يعلى حمزة بن عبد العزيز الديلمي
الملقب بسلار
المتوفى: 463 ه‍ ق
139

ذكر أحكام الجنايات
وهي على ضربين: ديات وحدود، والديات على ضربين: أحدهما ما في قتل
النفس والآخر ما دونه، والنفس على ضربين: نفس آدمي ونفس بهيمة، فما في
نفس الآدمي على ثلاثة أضرب: ما في العمد وما في الخطأ
شبيه العمد وما في الخطأ المحض، وما في دون النفس على ضربين: جناية في الأعضاء وجراح. ونحن نبين
ذلك بعون الله ومنه:
الأول: قتل العمد وهو القتل بكل ما جرت العادة أن يقتل به كالسيف
والحجر والخشب وما شاكل ذلك.
وأما الخطأ شبيه العمد وهو لمن أدب عبده بضرب في غير مقتل فمات وعلاج
الأطباء بما جرت العادة أن ينتفع به فيموت.
وأما الخطأ المحض فكان يرمي كافرا فيصيب مؤمنا.
فالأول على ضربين: أحدهما أن يكون القاتل واحدا والآخر أن يكون أكثر من
واحد، فإن كان واحدا فعلى ضربين: أحدهما أن يكون قتل حر مسلم والآخر أن
يكون قتل غيره.
وقتل الحر المسلم على ثلاثة أضرب: قتل رجل رجلا وقتل رجل امرأة وقتل
امرأة رجلا.
فمتى قتل رجل رجلا حرا مسلما لزمه القود - إن اختار أولياء المقتول - أو
الدية ويجوز أن يعفوا عنها، فإن أرادوا القود فلا قود إلا بالسيف اللهم إلا أن يكون
141

القاتل أب المقتول فإن الأب لا يقاد بابنه بل يؤخذ منه ديته ولا يورث منها ويعاقب
فأما الأم فتقاد بالابن، وإن أرادوا الدية وبذلها القاتل من نفسه جاز وإن بذل نفسه
فليس لهم غيرها.
والدية فهي من الإبل إن كان القاتل من أهل الإبل مائة مسنة، وإن كان من
أهل البقر فمائتا بقرة، وإن كان من أهل الغنم فألف رأس، وإن كان من أهل
الحلل فمائتا حلة، وإن كان من أهل العين فألف دينار، وإن كان من أهل الورق
فعشرة آلاف درهم، وأكثر مدة استئدائها سنة وتؤخذ من ماله.
فإن كان قتل في الحرم أو في الأشهر الحرم فعليه دية وثلث إلا أن من وجب
عليه القود فلجأ إلى الحرم أو مشهد من مشاهد الأئمة عليهم السلام ضيق عليه
ليخرج فيستقاد منه، ويقتل من قتل في الحرم فيه.
وإن قتل رجل امرأة عمدا فاختار أولياؤها قتله أدوا إلى ورثته نصف ديته، فإن
اختاروا الدية فلهم نصف دية الرجل.
وإن قتلت امرأة رجلا عمدا فاختار قتلها أولياء المقتول فليس لهم إلا قتلها،
وإن أرادوا الدية وبذلها قومها فدية كاملة، فأما مع التساوي فالتساوي.
فأما قتل غير المسلم الحر فعلى ضربين: قتل عبد وقتل ذمي، ثم لا يخلو أن يكون
قاتلهما: حرا مسلما أو مثلهما.
فإن كان حرا مسلما لم يقتل بهما وإنما يؤخذ منه الدية، الذمي إن كان
رجلا ثمانمائة درهم وإن كان امرأة أربعمائة درهم، وثمن العبد ما لم يتجاوز الدية
الكاملة فإن تجاوزت ذلك ردت إليه، ويعاقب على ذلك ولا قود عليه إلا أن يكون
معتادا لقتل العبيد وأهل الذمة فيقتل به ويؤخذ الفاضل، وإن كان قاتل للعبد
مولاه أغرمه الإمام قيمته بعد العقوبة وتصدق بها.
ومن كان مثلهما فله حكمهما، فإن أريد القود منه أقيد وإن أريد الدية
أخذت.
فإن قتل ذمي حرا أو العبد المسلم رجلا مسلما أو امرأة مسلمة عمدا فالذمي
142

سواء قتل رجلا أو امرأة يدفع برمته وماله وولده الصغار إلى أولياء الدم، فإن
اختاروا قتلوه وإن اختاروا استرقوه.
وإذا قتل العبد المسلم رجلا أو امرأة مسلمين دفعه مولاه إلى أولياء الدم، فإن
شاؤوا قتلوه وإن شاؤوا استرقوه وإن بذل مولاه الدية واختارها الأولياء فدية كاملة
للرجل ونصف للمرأة، فإن كان العبد مدبرا أو مكاتبا في قتل العمد قيد منه
كالأحرار فأما في قتل الخطأ فسيد المدبر يرد عنه الدية، فإن لم يرد سلمه وكان لهم
أن يسترقوه أو يقتلوه، فأما المكاتب فإن شرط عليه مولاه أنه متى عجز رجع في الرق
فحكمه حكم المدبر وإن لم يشرط فعلى الإمام أن يرد عنه بقدر ما عتق منه
ويستسعي البقية.
فأما الخنثى فإن قتل رجلا وله حكم الرجال قتل به، وإن كان له حكم النساء
فحكمه ما تقدم، وإن كان الحال متلبسة فيه ففي قتله للرجل إما يقتل به أو يؤخذ
منه دية كاملة، وإن قتله رجل أدى إليه نصف دية الرجل ونصف دية المرأة.
وإن كان القاتل عمدا أكثر من واحد فعلى ثلاثة أضرب: أحدهما أن يكون
القتلة رجالا مسلمين قتلوا مسلما، والآخر نساء مسلمات قتلن مسلما، والثالث
أن يكون رجالا ونساء وصبيانا ومجانين وعبيدا مشتركين في القتل.
فالأول: إن أراد الأولياء القود فلهم أن يقتلوا الكل ويؤدون إلى ورثتهم ما
فضل عن دية رجل وإن أرادوا الدية فلهم دية واحدة على الكل تخرج من أموالهم
بأعدادهم، وحكم النساء على هذا إلا أن ديتهم على النصف من دية الرجال.
فإن كان القتلة رجالا ونساء عقلاء وأرادوا القود قتلوا وأدوا ما فضل عن دية
رجل واحد وإن كان المقتول امرأة أدوا ما فضل عن دية امرأة واحدة، وإن شاركهم
المجانين والصبيان في القتل فلا قود وإنما تؤخذ الدية من عاقلتهم لأن العمد منهم
كالخطأ، فإن شاركهم خنثى له حكم الرجال أو النساء فلا لبس وإن كان له
حكمهما بأن يبول من الموضعين ويقطع منهما فقتل وأعطي ورثته بحسب ديته من
جملة القاتلين نصفين نصف سهم رجل ونصف سهم امرأة.
143

ولا يقاد أيضا عاقل بمجنون بل عليه الدية.
فإن اشتركوا في قتله - لا بأن فعل كل واحد منهم ما العادة جارية بأن يموت
معه بل بأن يقتله منهم قوم وينظر لهم آخرون ويمسكه آخرون - قتل من قتله وأدى
فاضل ديتهم وخلد ممسكه الحبس حتى يموت وسملت عين من ينظر لهم.
فإن أقر انسان بقتله عمدا وآخر أقر بقتله خطأ فليس لولي الدم إلا المطالبة من
أحدهما دون الاثنين، وإن كان أولياء المقتول عمدا زائدا على واحد فاختلفوا فقال
بعضهم: القود، وقال الآخر: الدية، فليقتله من آثر قتله من الأولياء ويؤدى سهم
من لم يؤثر إلا الدية من ماله، فإن عفا أحدهم عنه وآثر الباقون قتله فليؤد من يريد
قتله إلى أولياء المقتاد منه قدر سهم من عفا من الدية وإلا لم يكن لهم قتله.
وقد بينا: أن من عدم البينة أقام خمسين رجلا قسامة، فإن نقص من الخمسين
جماعة أو لم يكن له قوم فليتمم الولي أيمانا يتم بها خمسون أو يحلف خمسين يمينا في
مقام الرجال.
ومن الاشتراك أن يشرف جماعة من علو فيقع منهم واحد فيتشبث بالذي قبله
ويتعلق الآخر بالآخر فيهلكون كلهم، فعلى الأول ثلث الدية وعلى الثاني ثلث الدية
وعلى الثالث ثلث الدية وعلى الرابع الدية كاملة
فإن كان القتل خطأ شبيه العمد فلا قود فيه، وفيه الدية مائة من الإبل منها
ثلاث وثلاثون حقة وثلاث وثلاثون جذعة وأربع وثلاثون ثنية كلها طروقة الفحل،
والغنم على هذه الأسنان، والبقر كأسنان الإبل في قتل العمد.
وأما قتل الخطأ المحض فلا قود فيه أيضا، وفيه الدية لمن كان من أهل الإبل
ثلاثون حقة وثلاثون بنت لبون وعشرون بنت مخاض وعشرون ابن لبون ذكر.
وبينهما فرق آخر وهو: أن دية الخطأ المحض تستأدى في ثلاث سنين، ودية
شبيه العمد في سنتين، ودية الخطأ ترجع العاقلة بها على مال القاتل.
واعلم أن ما يلحق بقتل الخطأ على ضربين: قتيل لا يعرف قاتله، وهو على
ضربين: قتيل الزحام والقتيل الموجود بين الفرق، ومن وجد مقتولا في أرض فعلى
144

أضرب: منهم من يكون بين قريتين فهو إلى أحدهما أقرب فديته عليهما، ومنهم من
يكون بينه وبين القريتين قدر متساو فديته عليهما ومن يوجد في قبيلة أو دار قوم فديته
عليهم، ومنهم من يكون مقطعا كل قطعة منه في موضع فديته على من وجد عنده
صدره وقلبه إلا أن يتهم غيرهم فيؤخذ منه بقدر ما يصيبه.
واعلم أن قاتل الخطأ إذا لم يكن له عاقلة وكان له مال أخذت منه الدية من
ماله، فإن لم يكن له مال أداها عنه السلطان من بيت المال وهذا خاص في قتل الخطأ.
فأما العمد فليس فيه إلا القود أو الدية من ماله إن كان له مال أو العفو أو القود
إن لم يكن له مال.
ومن قتل عبده خطأ فعليه الكفارة حسب هذا كله متى كان المقتول مظلوما أو
في حكم المظلوم، فأما من ليس هذا حكمه فدمه طائح كمن هجم على دار قوم
فتعتعوه حتى يخرج فلم يخرج فضربوه بعمود ليخرج فمات ومن اطلع لينظر عورات
قوم في دورهم فزجروه فلم ينزجر فرموه بالنشاب أو غيره فقتل أو من سقط من علو
على غيره فقتله وكمن أغشى دابته إنسانا فأراد الانسان دفعها عنه فنفرت فرمت به
فقتلته فلا دية له.
ومن الملحق بذلك ضمان النفوس.
ذكر: أحكام ضمان النفوس:
ومن أخرج غيره من بيته فهو ضامن له حتى يرجع، فإن لم يرجع فلا يخلو: أن
يعرف له أبدا خبر أو لا يعرف، فإن لم يعرف له خبر فعليه ديته إذا لم يثبت أنه
قتله، وإن وجده مقتولا فلا يخلو: أن يدعي ضامنه قتله على غيره أو لا يدعي، فإن
ادعى طولب بإحضار قاتله وإقامة البينة عليه فإن فعل ذلك فلا شئ عليه، وإن لم
يفعل فعليه ديته، وإن لم يدع ذلك فلا يخلو: أن يدعي أنه مات حتف أنفه أو لا
يدعي شيئا، فإن ادعى موته لزمه الدية، وإن لم يدع شيئا فأولياء المقتول مخيرين
145

بين قتله قودا أو بين أخذ الدية منه.
ومن جامع زوجته ولها دون تسع سنين فأفضاها لزمه ديتها والقيام بها حتى
يموت أحدهما.
ومن ائتمن ظئرا على ولده فسلمته إلى غيرها فلم يعرف له خبر فعليها الدية،
وإن نومت الصبي إلى جنبها فانقلبت عليه فقتلته فعليها الدية.
وإذا اعتنق الرجل بالمرأة فماتت فعليه ديتها، وكذا لو ضمته هي فقتلته لكان
عليها الدية.
وأي راكب قتلت دابته أو جنت بيدها فعليه الدية أو أرش الجناية، فإن قتلت
برجلها من غير أن يضربها فلا ضمان عليه وإن كان ضربها فعليه الضمان بحسب ما
تجني، فإن هجمت على دابة قوم في مربطها فجنت عليها فهو ضامن لما تجنيه، فإن
هجمت دابة القوم عليها فلا ضمان.
ومن أحدث في طريق المسلمين ما ليس له فضمان ما يلحق به من جناية عليه،
ولا ضمان عليه فيما أحدثه مما له إحداثه.
واعلم أن الحامل إذا قتلت فهي على ضربين: أحدهما يكون حملها تاما كاملا
فتقتل بقتله والآخر لا يكون كذلك، فغير التام الكامل عليها ديته، فإن كان ذكرا
فذكرا وإن كان أنثى فأنثى، فإن مات في جوفها ولم يعلم ما هو فعليها ديته نصفين
نصف دية الرجال ونصف دية الإناث.
فإذا ضرب امرأة فألقت علقة فعليه أربعون دينارا، فإن ألقت مضغة فستون
دينارا، فإن ألقت عظما فثمانون دينارا، وفي قطع جوارحه بحساب ديته، وفي قطع
رأس الميت مائة دينار، فإن شربت المرأة دواء فألقت جنينها لزمها ما ذكرناه، فإن
ألقت ما ولجت فيه الروح فعليها دية كاملة.
ومن أفزع رجلا يجامع زوجته فعزل فعليه عشرة دنانير، وفي جنين الأمة إذا ألقته
عشر قيمتها، وكذلك في جنين البهيمة بحساب ذلك ما يلقيانه من النطفة والعلقة
والمضغة والعظم.
146

ذكر: الجناية على البهائم:
البهائم على ضربين: بهيمة لا تدخل تحت ملك المسلم وهو الخنزير والدب
والقرد وبهيمة تدخل تحت الملك وهو ما عدا ما ذكرناه، وهذا الضرب على ضربين:
أحدهما لا يقع عليه ذكاة وهو ما لا يحل أكله والآخر يقع عليه ذكاة.
فإن أتلف انسان حيوانا لغيره مما يقع عليه الذكاة بالذكاة فلمالكه أن يعطيه
إياه ويأخذ منه قيمته حيا وله أن يأخذ أرش ذبحه، وإن أهلكه بالقتل لا بالذكاة
فعليه قيمته حيا.
فأما ما لا يقع عليه ذكاة مثل جوارح الطير والسباع والكلاب التي ينتفع بها
فعليه إذا أتلفه قيمته حيا، وقد وظف في دية الكلب المعلم أربعون درهما وفي كلب
الماشية والحائط عشرون درهما إلا أن ما لا يملكه المسلم إذا كان ملكا لذمي
كالخنزير فأتلفه فعليه قيمته له عند أهل نحلته.
فأما الجناية في أعضائها فبحسب قيمتها.
ذكر: أحكام الجناية على ما هو دون النفس من الأعضاء:
الأعضاء على ضربين: أحدهما في الانسان منه واحد فقط والآخر فيه أكثر من
واحد.
فالواحد اللسان والذكر وعين الأعور خلقة والصلب والرقبة وما كان مثل ذلك،
والجناية في هذا على ضربين: جناية استئصاله وجناية بغير استئصاله، فإذا استؤصل
نفسه ففيه دية كاملة.
والأنف ففيه دية كاملة وفي روثة الأنف خمسمائة دينار، فإن نفذت فيه نافذة لا
تنسد ففيها ثلث الدية، فإن عولجت وبرئت وانسدت ففيها خمس دية الأنف مائتا
دينار، إلا أن لسان الأخرس فيه ثلث الدية وما يذهب من هذه الأعضاء بعضه
بالجناية فبحسبه.
فأما اللسان الصحيح فيعتبر بحروف المعجم ثمانية وعشرون حرفا ويلفظ بها
147

فما نقص منها أخذ من الدية بكل حرف جزء، وللأخرس يؤخذ قدر ما مضى من
لسانه بالمثل وكذلك الذكر.
فأما عين الأعور إذا كان قد أخذ ديتها أو قلعت في قصاص ففيها نصف الدية،
فأما من لا يبصر شيئا وعينه قائمة فأذهبتا ففيها ربع دية العينين الصحيحتين وفي
كل واحدة من ذلك نصف ذلك.
فأما ما يزيد على الواحد فمنه ما فيه اثنان ففيهما الدية الكاملة إذا استؤصلا
كالعينين واليدين والعضدين والذراعين والساقين والفخذين والشفتين والرجلين
والأنثيين لأن في الشفة السفلى ثلثي الدية وفي العليا الثلث، وفي البيضة اليسرى
ثلثي الدية وفي اليمنى الثلث، وفي شق الشفة حتى تبدو الأسنان ولا تبرأ ثلث الدية
فإن برئت فخمس الدية، فأما الحاجبان إذا أصيبا فلم ينبت شعرهما ففيهما
خمسمائة دينار وفي أحدهما مائتان وخمسون دينارا.
وإذا جنى على انسان فصار أدرأ فله أربعمائة دينار، فإن لم يقدر لذلك على
المشي فله ثمانمائة دينار، وفي اليد الشلاء ثلث دية الصحيحة.
وأما ما في الانسان منه واحد وليس بعضو كاللحية وشعر الرأس ففي إذهابه
حتى لا ينبت الدية، وإذا ذهب بجناية بحاجبيه فنبت ففيه ربع الدية، وقد روي:
أن فيهما إذا لم ينبت مائة دينار.
فأما ما في الانسان منه أربعة أشياء كأشفار العين ففي شفر العين الأعلى ثلث
دية العين وفي الأسفل نصف ديتها، بالرسم النبوي العلوي.
ومن ادعى ذهاب نظره ولم يظهر أمره يقام مواجها لعين الشمس، فإن أطبقها
فقد كذب وإن لم يطبقها فقد صدق، فإن ادعى ذهاب بعض ضوئهما أو ضوء
أحدهما فإنه يؤخذ خيط وينظر غاية ما يبصر بها من هو في سنه ثم ينظر غاية ما يبصر
هو ويحسب النقصان فيؤخذ من الدية بحسبه، وإن كان في إحدى عينيه قيست إلى
الأخرى ويعتبر من أربع جهاته فإن تساوى قوله صدق وإن اختلف لم يصدق ولا
يعتبر ذلك في يوم غيم.
148

ويعتبر السمع بالصوت بدل الخيط على نحو ما ذكرناه في العين ويكون في يوم
ساكن الريح، ولمن كسرت يده ثم جبرت من غير عثم الأرش.
فأما ما في الانسان منه عشرون عضوا فالأصابع في اليد أصول عشرة وفي الرجل
كذلك، وفي أصابع اليدين الدية وفي أصابع الرجلين الدية وفي كل واحدة عشر
الدية، فأما الزوائد ففي كل واحدة ثلث دية الإصبع.
وما له حكم العضو السن في الانسان منها أصول ثمانية وعشرون، منها مقاديم
اثنا عشر ومآخير ستة عشر، وفي كل واحد من المقاديم خمسون دينارا ولكل واحد من
المؤخرات خمسة وعشرون دينارا فذلك ألف دينار في الكل، فإن ضرب سن فاسود
ولم يقع ففيه ثلثا ديته،
فأما الزوائد فقيل: إن في كل واحد ثلث دية الأصلي، وقيل: ليس فيه شئ
موظف وإنما ينظر من سقط سنه كم قيمته لو كان عبدا معها وكم ينقص
بسقوطها.
واعلم أن كل من فعل بإنسان جناية فمات منها مرض أو لم يمرض فعليه
القود، وإن لم يمت فالجناية على ضربين: جناية يخاف أن يقتص منها من تلف
نفس المقتص منه في الأغلب وجناية ليس هذا حكمها، فالأول لا قصاص فيه
وإنما فيه الدية والثاني صاحب الجناية مخير فيه بين القصاص والدية، ولا قصاص
فيما يبرأ أو يصلح وإنما فيه الأرش والقصاص فيما لا يبرأ.
ومن داس بطن انسان حتى أحدث داس بطنه أو يفتدي نفسه ثلث الدية.
واعلم أن المرأة تساوى الرجل في ديات الأعضاء والجراح حتى تبلغ ثلث الدية
فإذا بلغتها رجعت إلى النصف من دية الرجل.
فأما ديات أعضاء أهل الذمة فبحسب دياتهم، وديات أعضاء العبيد على
حسب قيمتهم.
ولا قصاص بين المسلم والذمي والعبد وإنما القصاص مع التساوي في الحرية
والدين.
149

ذكر: أحكام الجراح والشجاج وما يتبع ذلك:
الشجاج على ثمانية أضرب:
الحارصة وهي الخدش الذي يشق الجلد وفيه بعير، والدامية وهي التي يسيل
منها الدم وفيها بعيران، والباضعة وهي التي تقطع اللحم، وفيها ثلاث أبعرة،
والسمحاق وهي التي تقطع اللحم حتى يبلغ إلى الجلدة الرقيقة التي على العظم
وفيها أربعة أبعرة، والموضحة وهي التي توضح العظم وتقشر الجلد عنه وفيها خمسة
أبعرة، والهاشمة وهي التي تهشم العظم وفيها عشرة أبعرة، والناقلة وهي التي تكسر
العظم كسرا يحتاج معه إلى نقله من مكانه وفيها خمسة عشر بعيرا، والمأمومة وهي
التي تبلغ إلى أم الدماغ وفيها ثلث الدية.
وأما الجائفة فهي التي تصل إلى الجوف وفيها ثلث الدية أيضا، ولا قصاص إلا
في سبع منهن، ما عدا المأمومة والجائفة فإن فيهما تعزير بالنفس فلا قصاص فيهما.
وفي كسر عضو من عضو خمس دية العضو وفي موضحته ربع دية كسره، فإن جبر
على غير عثم ففيه أربعة أخماس كسره.
وفي رضه ثلث دية عضوه، فإن فك عظم من عضو فتعطل العضو بذلك ففيه ثلثا
دية العضو، فإن جبر فصلح ففيه دية أربعة أخماس فكه، وفي نقل عظام الأعضاء
مثل ما في نقل عظام الرأس بحساب دية العضو.
وفي لطمة الوجه إذا احمر لها دينار ونصف، فإن أخضر أو أسود فثلاثة دنانير،
وهي في البدن على النصف من ذلك.
واعلم أن القسامة في الأعضاء والجراح على قدر مبلغه من الدية من الرجال إن
وجب فيه نصف دية فخمسة وعشرون رجلا، وإن وجب فيه خمس دية فعشرة
رجال، وعلى هذا.
150

جواهر الفقه
للقاضي عبد العزيز بن البراج الطرابلسي
400 - 481 ه‍ ق
151

باب مسائل يتعلق بالقتل والقصاص وغيرهما
مسألة: إذا أرسل مسلم على نصراني سهما فأسلم قبل إصابة السهم له ثم
أصابه فقتله أو على مرتد فأسلم قبل وصوله ثم أصابه أو على عبد فأعتق قبل وصوله
ثم أصابه فقتله هل في ذلك قود أم لا؟
الجواب: لا قود في شئ من ذلك لأن المعتبر في القود إنما هو بالقصد إلى تناول
نفس مكافئة في وقت الجناية ووقت الجناية هو حال إرسال السهم والتكافؤ في
هذه الحال ليس بموجود فلا قصاص في ذلك بل فيه دية مسلم لأن الإصابة حصلت
وهو مسلم محقون الدم فكان مضمونا بالدية، وكذلك القول في من أرسل السهم إليه
وهو حربي وأسلم ثم أصابه فقتله.
مسألة: إذا أكره الانسان - خليفة الإمام كان أو غيره - مراهقا على قتل
الانسان فقتله المراهق هل عليه القود أم لا؟
الجواب: القتل عندنا لا يستباح بالإكراه فمن قتل غيره بإكراه مكره له على
ذلك أو أمر آمر له به كان على القاتل القود دون المكره والآمر، فإذا كان كذلك
قلنا ها هنا: إن القود على آمر المراهق لأنه إذا جاز عشر سنين كان عمده عمدا
ووجب عليه القود فإن لم يكن بلغ عشر سنين كان عمده وخطأه سواء ووجب
الدية على عاقلته.
مسألة: انسان يجنى عليه بقطع يده فقطع يده فقطع هو يد الجاني ثم سرى
القطع إلى الجاني ثم سرى القطع إلى المجني عليه فهلك الجاني قبل موت المجني
153

عليه فهل يكون نفسه قصاصا من نفس المجني عليه أم لا؟
الجواب: لا تكون نفسه قصاصا عن نفس المجني عليه بل يكون هدرا لأن
السراية حصلت قبل وجوب القصاص عليها ثم لو قلنا: بأنها تكون قصاصا، لكان
هذا سلفا في القصاص والسلف في ذلك لا يجوز.
مسألة: جرح رجل رجلا ثم إن المجروح قطع من مكان الجرح لحما ثم سرى إلى
نفسه فمات هل يجب فيه القود أم لا؟
الجواب: يجب في ذلك القود، لا يسقط قطع اللحم من مكان الجرح لأن
المجروح هلك من عمدين الواحد منهما مضمون وهو الأول والآخر هدر وهو قطع
اللحم، وهذا يجري مجرى مشاركة الأسد في قتل غيره أو من جرحه غيره وجرح
نفسه.
مسألة: إذا قطع رجل يد رجل وكان في هذه اليد ثلاث أصابع سالمة واثنان
شلاوان وكانت يد القاطع وأصابعه كلها سالمة من الشلل هل يجب في ذلك قود أم
لا؟
الجواب: لا قود في ذلك على القاطع لأن المعتمد عندنا في القود بالتكافؤ في
الأطراف وما فيه شلل فبطل من ذلك لأنه في الصحيح السالم منها، ولو اختار
القاطع قطع يده بدلا من اليد التي قطعها لم يجز قطعها بها لأن القود إذا لم يجب في
الأصل لم يجز استيفاؤه بالبدل ألا ترى أن الحر لو قتل عبدا ثم اختار هذا لقاتل
ومولاه أن يقتل لما جاز قتله به، وليس بعد ما ذكرناه إلا ثبوت القصاص في
الأصابع السليمة فإن عفا عن القصاص من كان له أن يأخذ عن السليمة ثلاثين
من الإبل ويأخذ من الشلاوين ثلث ديتهما صحيحتين.
مسألة: إذا قطع رجل لرجل آخر يدا حاملة الأصابع ويد هذا القاطع ينقص
إصبعين كيف الحكم في ذلك؟
الجواب: إذا اختار المجني عليه العفو وأخذ دية اليد بكمالها كان له ذلك لأنه
إنما يأخذ دية يده ويده كاملة، وإن أراد القصاص كان له ذلك في الموجود ويأخذ
154

دية المفقود وهو الإصبعان وفيهما عشرون من الإبل إلا أن يكون الإصبعان
معدومتان خلقة أو يكون ذهابهما بآفة من قبل الله تعالى فلا يأخذ ذلك.
مسألة: إذا قطع رجل أذن آخر فأخذها المجني عليه وألصقها فالتصقت بمكانها
في الحال هل له قصاص مع ذلك أم لا؟
الجواب: له القصاص لأن القصاص وجب بالإبانة والإبانة قد حصلت وليس
لإلصاقها تأثير في اسقاط لأنها ميتة قد ألصقها بنفسه وذلك مما يلزم إزالته عن نفسه
وقد ذكرنا ذلك فيما يتعلق بالصلاة من المسائل.
مسألة: المسألة وقال الجاني إن أريد القصاص مني فأزيلوا القطعة التي ألصقها
هل له ذلك أم لا؟ وهل يمنع من القصاص حتى يزال ذلك أم لا؟
الجواب: قد بينا أن هذه القطعة يجب إزالتها قسرا أراد ذلك الجاني أم لم يرده،
وأما المنع بذلك من القصاص فلا يصح لأنا قد بينا أن القصاص وجب بالإبانة
والإبانة قد حصلت.
مسألة: إذا كان الانسان على سطح أو شفير بئر أو ما جرى مجرى ذلك فصرخ به
غيره صرخة شديدة فسقط في ذلك الموضع فمات فهل على الصارخ في ذلك شئ أم
لا؟
الجواب: إذا كان الذي سقط رجلا عاقلا لم يكن عليه شئ لأنه ما سقط من
صرخته وإنما وافقت صرخته سقوطه لأن مثل الرجل الكامل العقل لا يسقط من
صيحة أو خوفة، فإن كان الذي سقط صبيا أو مختل العقل كان على الصارخ الدية
والكفارة لأن مثل هذا يسقط من الصيحة الشديدة، وهذه الدية على العاقل
والكفارة في ماله.
مسألة: إذا أنفذ الإمام أو خليفته إلى امرأة ذكرت عنده بسوء ليحضرها إليه
فخافت من ذلك وماتت هل على الإمام أو خليفته شئ أم لا؟ وكذلك إن كانت
حاملا فأسقطت هل عليهما في ذلك شئ أم لا؟
الجواب: إن لحقها موت وليست حاملا فليس على الإمام أو خليفته في ذلك
155

شئ، فإن كانت حاملا فأسقطت كان عليهما الضمان لإجماع الصحابة على
ذلك.
مسألة: إذا أشهر انسان سيفه يطالب غيره فهرب ذلك الغير من بين يديه حتى
ألقى نفسه في موضع عال أو في نار أو بئر هل على طالبه ضمان أم لا؟
الجواب: ليس على الذي طلبه ضمان لأنه فعل شيئا ملجئا إليه، وإذا كان
ذلك تعلق الضمان بصاحب السيف كما لو حفر بئرا فوقع فيها أعمى في أنه يكون
عليه الضمان، والفرق بين المسألتين أن هذا الأعمى لم يعلم ما وقع فيه ولا اختار
إيقاع نفسه بما فيه هلاكه وليس كذلك البصير.
مسألة: إذا كان الانسان جالسا في طريق فعثر به انسان آخر عثرة فهلك الجالس
فماتا جميعا ما الحكم فيهما؟
الجواب: إذا ماتا على الوجه المذكور كان على عاقلة كل واحد منهما كمال
الدية لأن كل واحد منهما مات بسبب انفرد به الآخر لأن الجالس قتله العاثر
مباشرة والعاثر مات بسبب لا كل من الجالس، يجري ذلك مجرى من حفر بئرا في
غير ملكه مخالف فخرج الحافر وسقط الخارج: في أن الخارج قتل الحافر مباشرة
والحافر قتل الخارج بسبب.
مسألة: إذا تصادم اثنان عن قصد منهما إلى ذلك فماتا جميعا ما الحكم فيهما؟
الجواب: إذا كان الأمر على ذلك كان في تركة كل واحد منهما نصف دية
الآخر، وليس يلزم في هذه المسألة أن يكون ما ذكرناه من الدية على عاقلتهما كما
ذكرناه في الجالس في الطريق لأن الفرق بينهما أن الجالس في الطريق والعاثر به
مات كل واحد منهما بسبب انفرد به صاحبه وليس كذلك المتصادمان لأنهما ماتا
جميعا من سبب اشتركا فيه فلا تجري هذه المسألة مجرى الأولى.
مسألة: إذ كان الرجل واقفا فجاء آخر فصدمه فماتا جميعا ما الحكم في ذلك؟
الجواب: إذا كان هذا الرجل واقفا فجاءه الآخر فصدمه وماتا جميعا كانت دية
الواقف على عاقلة الذي صدمه إذا لم يكن له مال فإن كان له مال كانت هذه
156

الدية في ماله، وإن كان المحروم واقفا في ملكه أو في موضع آخر واسع كالصحراء
أو الطريق الواسع فدية الصادم هدر لأنه إن كان في ملكه فقد فرط الصادم بدخوله
إلى ملكه، وإن كان واقفا في الموضع الواسع فله الوقوف فيه فإذا كان له ذلك
كانت دية الصادم هدرا، فإن كان انحرف الواقف فوافق انحرافه الصدم ووقع
الصدم والانحراف معا فماتا جميعا كان على كل واحد منهما نصف دية الآخر
لأنه مات من جنايته على نفسه فجناية الآخر عليه لأن الانحراف فعل منه، وإن
كان الواقف واقفا في طريق المسلمين ضيق فصدمه الآخر فماتا معا كانت دية
الصادم مضمونة لأنه تلف بسبب فرط فيه الواقف لأنه وقف في موضع ليس له الوقوف فيه.
مسألة: إذا كان قوم في سفينة فخافوا الغرق والهلاك فألقوا بعض ما فيها
للتخفيف وطلب السلامة ما الحكم في ذلك؟
الجواب: إذا كان بعض من في السفينة وألقى متاع نفسه فلا ضمان على أحد في
ذلك إلا أن يكون أحدهم أو جميعهم قالوا له: ألق متاعك وعلينا ضمانه، فإن
الضمان عليهم في ذلك، وإن كان ألقى مال غيره في البحر بغير أمر صاحبه فعليه
ضمانه لأنه متلف به لمال غير به بغير إذنه، فإن كان واحد منهم قال لبعض
أصحاب المال: ألق متاعك لتخف علينا السفينة، قبل منه وألقى متاعه في البحر
فلا ضمان على من سأله في ذلك سلموا أو هلكوا لأنه لم يسأله ذلك بضمان ولا
استدعى منه ذلك على ذلك الوجه.
مسألة: إذا أسلم انسان ولده وهو صبي صغير إلى السابح ليعلمه السباحة فغرق
الصغير هل على السابح ضمانه عليه أم لا؟
الجواب: كان على السابح ضمانه لأنه تلف بالتعليم ولأنه فرط فيه لأنه كان
يجب عليه أن يحتاط في حفظه وملازمته، فإذا لم يفعل ذلك كان له مفرطا ولزمه
الضمان، وإن كان المتعلم للسباحة كبيرا فإنه لا ضمان فيه لأن البالغ العاقل إذا
غرق بتعلم السباحة فهو الذي ترك الاحتياط في حق نفسه فلا ضمان على أحد في ذلك.
157

مسألة: إذا رمى عشرة لحجر عراد أو منجنيق إنسانا غيرهم فما الحكم في
ذلك؟
الجواب: إذا كانوا قصدوا هذا الانسان بعينه وكان ذلك منهم على وجه العمد له
أوجب ذلك القود، وإن كان خطأ كانت الدية عليهم في مالهم.
مسألة: إذا رمى هؤلاء العشرة بهذا الحجر فوقع على واحد منهم فقتله ما الحكم
في ذلك؟
الجواب: إذا كان الأمر على ما ذكر في هذه المسألة قيض الدية أعشارا ويهدر
العشر منها لأنه هو المقابل لجناية هذا لمقتول على نفسه وجناية الباقين يجب بها تسعة
أعشار الدية فيكون ذلك لأولياء المقتول على عاقلة التسعة المذكورين.
مسألة: إذا وضع الانسان في غير ملكه حجرا وحفر آخر بئرا عند الحجر فاجتاز
انسان آخر بالحجر فعثر به أو متعلق فسقط في البئر فمات هل الدية على واضع الحجر
أو على حافر البئر؟
الجواب: الدية على واضع الحجر وليس على حافر البئر شئ لأن واضع الحجر
كالدافع للواقع في البئر.
مسألة: وضع انسان حجرا في ملكه وحفر أجنبي عند هذا الحجر بئرا فعثر انسان
فقتل بالحجر فسقط في البئر فمات هل الدية على واضع الحجر أو على حافر البئر؟
الجواب: الدية ها هنا على حافر البئر دون واضع الحجر لأن واضع الحجر وضعه في
ماله وحافر البئر هو المتعدي بذلك فكانت الدية عليه دون الآخر.
مسألة: إذا وضع الانسان حجرا في ملكه وحفر عنده بئرا واجتاز آخر فتعلق
بالحجر فسقط في البئر فمات هل يلزم صاحب الملك أم لا؟
الجواب: لا يلزم هذا المالك شئ لأنه فعل في ملكه ما له فعله، فأما الهالك فدمه
هدر لأنه تعدى بدخوله إلى ملك غيره.
مسألة: إذا حفر البئر في طريق المسلمين كان ذلك الطريق واسعا أو ضيقا
وكان قصده بحفر البئر منفعة المسلمين فوقع فيه انسان فهلك هل على حافر البئر
158

شئ أم لا؟
الجواب: لا شئ على حافر البئر لأنه قصد بذلك الثواب ومنفعة المسلمين ولأن
النبي ص قال: اكسر حيان.
مسألة: إذا حمل انسان صبيا ومشى به عند هدف الرماة ودنا به من طريق
السهم فأصابه السهم فقتله هل ضمان على رامي السهم أو على الذي دنا به إلى
طريق السهم؟
الجواب: ضمان دية الصبي على الذي دنا به إلى طريق السهم لأنه هو الذي
عرضه لذلك بدنوه إلى طريق السهم وهو الذي أتلفه بذلك وليس على الرامي شئ
لأنه لم يقصد بذلك.
مسألة: إذا أخرج الانسان على حائط له جناحا إلى طريق المسلمين فسقطت
خشبة من هذا الجناح على انسان فقتلته هل على صاحب الجناح من ضمان ذلك أم
لا؟
الجواب: إذا كان هذه الخشبة سقطت بجملتها فقتلت هذا الانسان كان عليه
نصف الدية لأن المقتول هلك من فعلين مباح ومحظور فلزمه ذلك لما ذكرناه، لما
كانت الخشبة انقصفت فسقط ما كان منها على الحائط على الانسان فقتله فليس
عليه ضمان، وإذا كانت انقصفت فسقط البعض الخارج منها على الحائط على
الانسان فقتله كان ضامنا للدية، والفرق بين الأول في قصف الخشبة وهذا الوجه
الآخر أنه وضع ذلك البعض في ملكه وذلك مما له وضعه فلا يلزمه شئ والثاني أنه
وضع الخارج من الخشبة فيما ليس له وضعه فيه.
مسألة: إذا وضع انسان على حائط له جرة فسقطت على انسان فقتلته هل على
واضعها على الحائط شئ أم لا؟
الجواب: ليس على واضع الجرة على الحائط شئ لأنه فعل في ملكه ما له فعله فلا
يلزمه لذلك شئ.
مسألة: إذا وقف جماعة على زبية فيها أسد ينظرونه فسقط فيها منهم واحد
159

فجذب هذا الواحد ثانيا وجذب الثاني ثالثا وجذب الثالث رابعا فسقطوا كلهم
فقتلهم الأسد ما الحكم فيه؟
الجواب: إذا هلكت جميعهم على هذا الوجه كان الأول فريسة الأسد وكان دمه
هدرا لأنه لم يجز عليه أحد وعليه ثلث الدية للثاني وعلى الثاني ثلثا دية الثالث وعلى
الثالث الدية كلها بكمالها للرابع لأنه لم يجز على أحد وإنما هلك بجناية.
مسألة: من تقدمة عليه، فإن ازدحموا على الزبية فسقط هذا الواحد بتدافعهم
وازدحامهم كانت الدية على جميع من حضر لأنهم قد اشتركوا في دفع من سقط،
الأول من ربع الدية لأنه سقط من فوقه ثلاثة وللثاني ثلث الدية لأنه سقط من فوقه
اثنان وللثالث نصف الدية لأنه سقط من فوقه واحد وللرابع الدية كاملة.
مسألة: إذا ضرب انسان بطن ذمية حامل فأسلمت بعد الضربة ثم أسقطت
جنينا ميتا وكان الضرب وهي وجنينها ذميان وكان الإسقاط وهي وجنينها
مسلمان ما الحكم في ذلك؟
الجواب: إذا أسقطت الجنين كذلك وجبت ديته على الضارب مائة دينار لأن
الجناية إذا وقعت وهي مضمونة ثم سرت إلى النفس كان الاعتبار في الدية بحالة
الاستقرار، ويجري في ذلك مجرى عبد قطع انسان يده ثم أعتق بعد القطع وسرى إلى
نفسه ويكون فيه دية حر لأن الاعتبار في ذلك بحال الاستقرار.
مسألة: إذا ضرب انسان بطن مملوكة حامل وأعتقت بعد الضرب ثم ألقت
الجنين ميتا ما الحكم في ذلك؟
الجواب: من هذه المسألة مثل الجواب عن المسألة المتقدمة لها سواء في أنه يجب
في الجنين مائة دينار لأن الاعتبار بحال الاستقرار وقد قدمناه.
مسألة: إذا قطع انسان يدي مملوك وأعتق بعد القطع ثم اندمل حال الحرية ما
الذي يجب فيه؟
الجواب: الذي يجب فيه ديته وهو مملوك لأن الاعتبار ههنا بحال الجناية لأنها لا
تسري إلى النفس ولا غيرها ولهذا لم يعتد بحال الاندمال، وأيضا فإنها إذا
160

اندملت لم تزد على ما وجب بالجناية شيئا وإنما يستقر الاندمال ما كان وجب
بالجناية فلذلك كان الاعتبار بحال الاستقرار كما ذكرناه.
مسألة: إذا ضرب انسان بطن امرأة فألقت جنينا وادعت أنها ألقته من ضربته
لها وأنكر هو ذلك ما الحكم فيه؟
الجواب: الحكم في ذلك أن القول قوله مع يمينه لأن الأصل أنه ما ضربها وعليها
هي البينة في ذلك لأنها هي المدعية للضرب.
مسألة: المسألة بعينها واعترف بالضرب وأنكر أن هذا الجنين أسقطته وادعى
أنها التقطته ما الحكم في ذلك؟
الجواب: المقبول في ذلك قوله مع يمينه لأن الأصل براءة الذمة وعليها البينة لأن
ذلك مما يتعذر إقامته فيما ادعته.
مسألة: المسألة واعترف بالضرب والإسقاط واختلفا فقالت: أسقطت من
ضربك، وقاله هو: بل كان الإسقاط من غير ذلك ما الحكم فيه؟
الجواب: إذا كانت المرأة أسقطت الجنين عقيب الضرب كان المقول قولها وكان
عليها الضمان لأن الظاهر أن الجنين سقط من ضربه، وكذلك القول فيه إذا كان
الإسقاط بعد أيام ويثبت لها بينة بأنها لم يكن تزل عليلة متألمة عن الضرب حتى
سقط، وإن لم يكن لها بذلك بينة كان القول قوله مع يمينه لأنه يحتمل أن يكون
الإسقاط من الضرب ومن غيره والأصل براءة الذمة.
مسألة: إذا أسقطت المرأة الجنين فقال الوارث له للجاني: من يستهل فعليك
الدية، وقال الجاني: لم يستهل فليس على فيه إلا ديته ما الحكم في ذلك؟
الجواب: إذا اختلفا كما ذكر كان القول قول الجاني مع يمينه لأن الأصل أنه ما
استهل والأصل براءة الذمة.
مسألة: المسألة واختلفا كذلك ثم أقام الجاني البينة على أنه خرج ميتا وأقامها
الوارث على أنه استهل أي البينتين يقدم وعلى أيهما يعول؟
الجواب: إذا اختلفا كذلك كان المقدم والمعول عليه بينة الوارث لأنها تضمنت
161

زيادة خفيت على بينة الجاني، ويجري ذلك مجرى من مات وخلف ولدين وأحدهما
مسلم والآخر نصراني فإن بينة المسلم هي المعول عليها لأنها تضمنت زيادة وهي
حدوث الاسلام منه.
مسألة: إذا ادعى انسان على آخر بأنه قتل له وليا وأن له بذلك شاهدين فلما
أحضر الشاهدان شهد أحدهما بأنه قتله بالغداة وشهد الآخر بأنه قتله عشية أو شهد
الواحد بأنه قتله بحجر وشهد الآخر بأنه قتله بسيف هل يثبت بذلك القتل أم لا؟
الجواب: لا يثبت بذلك القتل لأن هذه الشهادة لم تكمل على فعل واحد لأن
قتله بكرة غير قتله عشية وقتله بالحجر غير قتله بالسيف.
مسألة: إذا كان الانسان ملففا بكساء أو إزار أو ما جرى مجرى ذلك فشهد
شاهدان على آخر بأنه ضربه فقطعه نصفين ولم يشهدا في وقت ضربه له بأنه كان
حيا ثم اختلف وليه والجاني فقال الولي: كان حيا في وقت ضربه له وقد قتله،
وقال الجاني: ما كان حيا في ذلك الوقت ما الحكم في ذلك؟
الجواب: إذا كان الأمر في المسألة على ما ذكر واختلف الولي والجاني على
الوجه المذكور كان القول قول الجاني مع يمينه لأن الأصل براءة الذمة.
مسألة: إذا ادعى انسان على غيره بأنه جرحه وقطع يده أو رجله وأقام المدعي
شاهدين هما أخواه وعماه بذلك هل تقبل شهادتهما في ذلك أم لا؟
الجواب: إن كان هذان الشاهدان شهدا بذلك بعد اندمال الجرح قبلت
شهادتهما وحكم للمشهود له لأن شهادة الأخ لأخيه مقبولة وهذه شهادة ليس فيها
جر نفع ولا دفع ضرر، وإن كانت شهادتهما قبل الاندمال لم تقبل لأنهما
متهمان لأن الجرح قد يصير تعسا فيجب الدية على القاتل ويستحقها الشاهدان.
162

المهذب
للقاضي عبد العزيز بن البراج الطرابلسي
400 - 481 ه‍ ق
163

كتاب الدية والقصاص وما يتعلق بذلك
باب تحريم القتل وسفك الدماء بغير حق:
قال الله تعالى: ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل
مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا.
وقال تعالى: ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق.
وقال سبحانه: والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس
التي حرم الله إلا بالحق.
وقال: ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله
عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما.
وقال: لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض
منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما ومن يفعل ذلك عدوانا
وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا.
وعن (وروي عن سيدنا أبي عبد الله جعفر بن محمد - خ ل) الصادق عن
آبائه ع عن النبي ص أنه قال: إن في جهنم واديا يقال
له: سعير، إذا فتح ذلك الوادي ضجت النيران منه أعده الله تعالى للقاتلين.
وقال: (وروي عنه ص أنه قال خ ل) أعتى الناس على الله من
قتل غير قاتله أو ضرب غير ضاربه أو تولى غير مواليه أو ادعى إلى غير أبيه.
وروي عنه أنه ص خطب الناس يوم النحر بمنى فقال: أيها
165

الناس لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض وإنما أمرت أن أقاتل
الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا فعلوا ذلك فقد عصموا مني دماءهم
وأموالهم إلى يوم يلقون ربهم فيحاسبهم ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم، فقال: اللهم
اشهد.
وروي عنه ص أنه أتى بقتيل وجد بين دور الأنصار فقال: هل
يعرف؟ قالوا: نعم يا رسول الله؟ قال: لو أن الأمة اجتمعت على قتل مؤمن أكبها
الله في نار جهنم.
وروي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع أنه قال: من الكبائر
قتل المؤمن عمدا والفرار من الزحف وأكل الربا بعد البينة وأكل مال اليتيم ظلما
والتعرب بعد الهجرة ورمى المحصنات الغافلات المؤمنات.
وروي عن النبي ص أنه مر بقتيل فقال: من هذا، فلم يذكر
له أحد فغضب ثم قال: والله الذي نفسي بيده لو اشترك فيه أهل السماء والأرض
لأكبهم الله في النار.
وروي عن النبي ص أنه قال: دماؤكم وأموالكم عليكم حرام
كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا وفي بلدكم هذا.
باب أقسام القتل وتفصيل ما فيه من الدية وأحكام ذلك:
القتل على ثلاثة أضرب: عمد محض وخطأ محض وخطأ شبيه العمد.
فأما العمد المحض: فإن يكون القاتل عامدا في قتل المقتول بآلة تقتل غالبا
مثل السكين والسيف والحجر الثقيل واللت وما أشبه ذلك عامدا في قصده وهو أن
يقصد بذلك قتله، فإذا كان عامدا في قصده عامدا في فعله كان القتل عمدا محضا.
وأما الخطأ المحض: فهو القتل الذي لا يشبه شيئا من العمد بأن يكون مخطئا
في فعله مخطئا في قصده مثل أن يرمي طائرا فيصيب إنسانا فقد أخطأ في الأمرين
جميعا.
166

وأما ما يشبه العمد وهو عمد الخطأ: فهو أن يكون عامدا في فعله مخطئا في
قصده، فأما عمده في فعله فهو أن يعمد إلى ضربه بآلة لا تقتل غالبا مثل العصا
الخفيفة والسوط وما أشبه ذلك، وأما الخطأ فإنه يكون قصده تأديبه وتعليمه وزجره
فيموت بذلك فهو عامد في فعله مخطئ في قصده.
فأما القتل العمد ففيه القود أو الدية وقبول الدية أولى عن الهاشمي.
وأما الدية فتنقسم بانقسام القتل:
فدية العمد المحض إذا كان القاتل من أصحاب الذهب ألف دينار جياد، وإن
كان من أصحاب الفضة فعشرة آلاف درهم جياد، وإن كان من أصحاب الإبل
فمائة مسنة قيمة كل واحدة منها عشرة دنانير، أو مائتا مسنة من البقرة إن كان من
أصحاب البقر قيمة كل واحدة منها خمسة دنانير، أو ألف شاة إن كان من أصحاب
الغنم قيمة كل واحد منها دينار واحد، أو مائتا حلة إن كان من أصحاب البز قيمة
كل حلة خمسة دنانير.
فهذه دية الحر المسلم صغيرا كان أو كبيرا، ودية المرأة الحرة المسلمة النصف
من ذلك صغيرة كانت أو كبيرة، فأما غير من ذكرناه من العبد والذمي وغيرهما
فسيأتي ذكرها إن شاء الله تعالى.
ودية العمد تجب في مال القاتل دون غيره من جميع الناس، فإن لم يكن له مال
لم يكن لأولياء الدم إلا نفسه فإما أن يقيدوا بصاحبهم وإما أن يعفوا عنه أو
ينظروه حتى يوسع الله تعالى عليه، فإن تبرع انسان عنه بالدية كان جائزا.
وإن هرب القاتل ولم يقدر عليه حتى مات وكان له مال أخذت الدية من
ماله، فإن لم يكن له مال أخذت من الأقرب فالأقرب من أوليائه المستحقين
لميراث ديته، ولا يجوز أن يؤخذ هؤلاء بالدية مع وجود القاتل.
وقاتل العمد تجب عليه التوبة وليس يصح منه إلا بعد أن يسلم نفسه إلى أولياء
المقتول ويعترف بالقتل، فإن شاؤوا بعد ذلك أقادوه بصاحبهم وإن شاؤوا عفوا عنه
وقبلوا منه الدية أو صالحوه على ما يرضون، فإن لم يقيدوه بصاحبهم كان عليه بعد
167

التوبة الكفارة وهي عتق رقبة وصوم شهرين متتابعين وإطعام ستين مسكينا على
الجمع.
وأما دية قتل الخطأ فواجبة على عاقلة القاتل الذين يرثون ديته ولا يجب على من
لا يرثها شئ، وذكر بعض أصحابنا: أن لهذه العاقلة الرجوع بها على مال القاتل
إن كان له مال فإن لم يكن له مال لم يكن لهم عليه شئ، وإن كان للقاتل مال
ولم يكن للعاقلة مال كانت الدية في مال القاتل، فإذا لم يكن للقاتل خطأ مال
ولا عاقلة ولا ضامن جريرة من مولى نعمة أو مولى يضمن جريرة كانت الدية على
بيت المال، ولا يجب على العاقل من دية الخطأ إلا ما قامت البينة به، فأما ما يقر
القاتل به أو يصالح عليه فليس عليهم منه شئ.
وأما الدية في قتل الخطأ فهي ألف دينار أو عشرة آلاف درهم أو مائة من الإبل
عشرون منها بنت مخاض وعشرون ابن لبون ذكر وثلاثون بنت لبون وثلاثون حقة،
وروي: أن فيها خمسا وعشرين بنت مخاض وخمسا وعشرين بنت لبون وخمسا
وعشرين حقة وخمسا وعشرين جذعة أو مائتان من البقر أو ألف شاة أو مائتا حلة
كما سلف ذكره في قتل العمد.
ودية العمد تستأدى في سنة واحدة، ودية الخطأ تستأدى في ثلاث سنين.
ودية قتل الخطأ شبيه العمد تجب على القاتل في ماله، فإن لم يكن له مال
استسعى فيها أو يبقى في ذمته حتى يوسع الله عليه، فإن هرب القاتل أو مات وكان
له من الأولياء من يرث ديته أخذت منه، فإن لم يكن منهم أحد حيا كانت
واجبة في بيت مال المسلمين.
والدية في ذلك مغلظة ألف دينار أو عشرة آلاف درهم أو مائة من الإبل ثلاث
وثلاثون بنت لبون وثلاث وثلاثون حقة وأربع وثلاثون خلفة كلها يتمخض من
أولادها أو مائتان من البقر " أثلاثا أيضا " أو ألف شاة مثل ذلك أو مائتا حلة،
وقد ذكر بعض أصحابنا: أن هذه الدية تستأدى في سنتين.
ويجب على قاتل الخطأ محضا كان أو شبيه العمد الكفارة وهي عتق رقبة
168

مؤمنة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا،
فإن لم يقدر على ذلك أيضا يتصدق بما يتمكن منه أو صيام (صام - خ ل) ما يقدر
على صيامه.
وإذا قتل الابن أباه عمدا قتل به، وإن قتله خطأ كانت الدية على عاقلته وليس
له منها شئ.
وإذا قتل الأب ابنه عمدا لم يقتل به وكان عليه الدية في ماله ويكون الدية
لورثته خاصة فإن لم يكن وارث غير أبيه القاتل كانت الدية لبيت المال، وإن كان
قتله خطأ محضا كانت الدية على عاقلته يأخذها الورثة منهم وليس للقاتل منها
شئ فإن لم يكن له وارث إلا أبوه القاتل وحده فإنه لا دية على العاقلة فيسقط
هاهنا على كل حال، وأما إن كان قتله خطأ شبيه العمد فإن الدية تكون في ماله
خاصة وتكون لورثته خاصة وليس للقاتل منها شئ فإن لم يكن له وارث إلا الأب
القاتل وحده كانت الدية عليه لبيت المال.
وإذا قتل الانسان عمدا ولم يكن له ولي كان الإمام ع ولي دمه إن
أراد أقاد القاتل بالمقتول وإن أراد أخذ منه الدية فجعلها في بيت المال وليس له العفو
عنه على حال لأن ديته لبيت المال كما أن ديته عليه، فإذا قتل خطأ أو شبيه العمد
ولم يكن له أحد كان للإمام ع أخذ ديته وليس له غير ذلك.
وإذا أعفا ولي الدم عن الدم لمن يكن له المطالبة بعد ذلك به فإن قتل القاتل بعد
ذلك كان ظالما، وكذلك إن قبل الدية ثم قتله بعد ذلك عمدا كان ظالما له
ووجب القود عليه.
وإذا تكافأت دماء اثنين واستوت حرمتهما جاز قتل أحدهما بالآخر، فيقتل
الحر بالحر والحرة بالحرة والحرة بالحر والحر بالحرة إذا ردوا فاضل الدية، ويقتل العبد
بالعبد والأمة بالأمة والأمة بالعبد والعبد بالأمة، والنصراني باليهودي واليهودي
بالنصراني والمجوسي بالنصراني واليهودي والنصراني أو اليهودي بالمجوسي، والشرك
كله ملة واحدة.
169

وإذا قتل المسلم كافرا لم يقتل المسلم به، وإذا قتل الكافر كافرا وأسلم القاتل
لم يقتل بالمقتول، وإذا قتل الحر عبدا لم يقتل به سواء كان عبد نفسه أو عبد غيره،
فإن كان عبده كان عليه التعزير والكفارة وإذا كان عبد غيره كان عليه مع التعزير
والكفارة قيمة العبد لسيده.
وإذا قتل عبد عبدا كان لسيد المقتول القود وهو مخير بين ذلك وبين العفو، فإن
قتل فقد استوفى حقه وإن عفا على مال تعلقت قيمة المقتول برقبة القاتل وسيده مخير
بين أن يفديه وبين تسليمه للبيع، فإن فداه فقد أخذ سيد المقتول حقه وإن سلمه
للبيع وبيع بما يكون وفقا لقيمة المقتول وأخذه سيده فذاك حقه وإن بيع بأقل من
قيمة المقتول لم يكن على سيده غير ذلك وإن بيع بأكثر كان الفاضل لسيده، وإذا
كانت قيمته أكثر وأراد سيده أن يفديه كان له ذلك وإن أراد تسليمه للبيع كان
ذلك له أيضا، فإن فداه جاز ذلك وإن سلمه للبيع وأمكن أن يباع منه بقدر ما
تعلق برقبته كان الباقي لسيده وإن لم يكن إلا ببيع جميعه بيع جميع ذلك وأخذ من
قيمة أرش الجناية ويكون الباقي لسيده.
وإذا قتل عبد عبدين لاثنين لكل واحد منهما عبد فإن عفوا على مال تعلق
برقبته قيمة كل واحد منهما ويكون سيده مخيرا على ما تقدم ذكره، ودية العبد قيمته
ما لم يزد على دية الحر فإن زادت قيمة أحدهما على ذلك ردت إلى دية الحر.
وإذا تداعى رجلان لقيطا لم نلحقه بواحد منهما إلا بالقرعة فإذا أقرعنا بينهما
ألحقناه بمن خرجت القرعة له، وإن قتلاه قبل إلحاقه بأحدهما لم يكن على واحد
منهما قود لأن كل واحد منهما يجوز أن يكون هو أباه، فإن رجعا عن الاعتراف به
لم يقبل رجوعهما لأنه قد حكم بأن أحدهما أبوه فلا يقبل رجوعه، فإن رجع أحدهما
وأقام الآخر على اعترافه ثبت نسبه من المعترف وانتفى عن المنكر لأنهما قد اتفقا
على أن هذا أبوه فحكمنا بقولهما أن أحدهما أبوه باعترافهما وسقط الآخر، فأما أبوه
فلا قود عليه وعليه لوارث الولد نصف الدية وأما الآخر فهو أجنبي شارك الأب في
قتل ولده فعليه القود بعد أن يرد على ورثته نصف الدية، فإن عفا عنه سقط عنه
170

القود وكان عليه نصف الدية وعلى كل واحد منهما الكفارة لأنهما اشتركا في
قتله.
وإذا كان لرجل زوجة وله منها ولد فقتل هذا الرجل هذه الزوجة ورثها ولده
ولم يرثها هو لأنه القاتل لها ولم يرث الولد القصاص من أبيه لأنه لو قتله أبوه لم
يملك القصاص عليه، فإن كانت هذه الزوجة لها مع ولدها منه ولد من غيره فقتلها
ورث ولدها منه وولدها من غيره التركة دون الزوج ويسقط عن الزوج القصاص
لأن أحد ورثتها ولده ولا يرث القصاص عليه وله القصاص بعد أن يرد نصيب
ولدها منه، وأما الدية فواجبة عليه للولدين لولده منها النصف وللآخر النصف،
فإن كانت هذه الزوجة لا ولد لها منه ولها ولد من غيره وقتلها لم يرثها وورثها
ولدها من غيره وورث القصاص على زوج أمه لأن زوج أمه لو قتله قتل به.
وإذا قتل جماعة واحدا كان لولي الدم قتلهم به إذا رد فاضل الدية، فإن أراد
واحدا منهم دون الباقين كان له ذلك ورد الباقون على أولياء المقاد منه ما يصيبهم
من الدية.
وإذا جرح واحد غيره مائة جراحة وجرحه آخر جراحة واحدة فمات المجروح
كانا جميعا قاتلين له وكان عليهما القود، والولي مخير بين قتلهما جميعا وبين العفو
عنهما ويأخذ من كل واحد منهما نصف الدية فيرد على أولياء المقاد منه.
وإذا قطع انسان يد غيره وقطع آخر رجله وأوضحه ثالث فسرى إلى نفسه كان
جميعهم قاتلة (قتلة له خ ل) وكان وليه مخيرا بين أن يقتص أو يعفو عنه، فإن اقتص
كان له أن يقتص في الجرح (الجراح - خ ل) فيقطع القاطع ثم يقتله ويوضح الذي
أوضحه ثم يقتله، فإن عفا عن الجميع أخذ الدية أثلاثا وإن عفا عن كل واحد على
ثلث الدية كان له قتل الآخرين إذا رد فاضل الدية.
وإذا قتل الصبي والمجنون إنسانا لم يكن عليهما قود، فإن اختلف ولي
المقتول والصبي بعد بلوغه فقال وليه: قتلته وأنت بالغ وعليك القود، وقال الصبي:
بل قتلته وأنا صبي، فليس على الصبي قود كان القول قول الجاني لأن الأصل
171

الصغر حتى يعلم زواله، فإن اختلف هو والمجنون فإن كان يعرف له حال جنون
كان القول قول الجاني مع يمينه لأنه أعلم بوقته وإن لم يعرف له حال جنون كان
القول قول الولي لأن الأصل صحته وسلامته حتى يعلم أنه مجنون.
وإذا أضرم انسان نارا وألقى فيها إنسانا ولم يمكنه الخروج منها حتى مات
كان عليه القود، فإن كان يمكنه الخروج والتخلص منها فلم يخرج ولا خلص نفسه
منها حتى مات لم يجب على الملقى له فيها قود لأنه أعان على نفسه، فإن ألقاه في
لجة بحر فمات كان عليه القود.
فإن ألقاه في لجة فالتقمه حوت قبل وصوله إلى الماء كان عليه القود لأنه أهلكه
بنفس الإلقاء لأنه لو لم يأخذه الحوت كان هلاكه فيه فكان الحوت أهلكه (ابتلعه
خ ل) بعد أن حصل ما فيه هلاكه، وقول من يقول: إنه ما أهلك بالإلقاء وإنما هلك
بشئ آخر وهو التقام الحوت قبل هلاكه له، غير صحيح لأنه لو كان ذلك صحيحا
لكان إذا وصل إلى ماء ثم التقمه الحوت قبل هلاكه أن يكون ما هلك بالإلقاء وإنما
هلك بالتقام الحوت له صحيحا ولا يحكم عليه بقود فقد علم خلاف ذلك.
وإذا جنى انسان على غيره جناية جعله بها في حكم المذبوح مثل أن قطع
حلقومه ومريئه أو أبان خيشومه وأمعاؤه وجاء آخر فقده بنصفين أو ذبحه كان الأول
هو القاتل وعليه القود، والثاني غير قاتل وعليه التعزير لأن الأول جعله في حكم
المذبوح لأن الحياة التي فيه غير مستقرة والثاني يلزمه دية ميت.
وإذا قطع الصبي يد بالغ وبلغ الصبي وسرى القطع إلى نفس البالغ لم يكن
على الصبي قود، وكذلك الحكم إذا قطع مسلم يد نصراني له ذمة ثم أسلم وسرت
الجناية إلى نفسه وهو مسلم فمات أو قطع حر يد عبد ثم أعتق العبد وسرت الجناية
إلى نفسه سواء في أنه لا قود في ذلك لأن التكافؤ إذا لم يكن حاصلا في وقت القطع
وكان موجودا في وقت السراية لم يثبت القود في القطع ولا السراية، فإذا كان
كذلك ولم يلزم فيما ذكرناه قود كان فيه الدية لأن الجناية إذا وقعت مضمونة كان
الاعتبار بأرشها في حال الاستقرار.
172

يدل على ما ذكرناه أنه لو قطع يدي مسلم ورجليه كان فيه ديتان، فإن سرى
ذلك إلى نفسه كان فيه دية واحدة، ولو قطع إصبعا واحدة كان فيها عشر الدية،
فإن صارت نفسا كان فيه الدية اعتبارا بحال الاستقرار كما قدمناه.
وإذا قطع يد مرتد ثم أسلم ومات أو حربي فأسلم ثم مات وكان القطع في
حال كفره والسراية في حال إسلامه لم يجب هاهنا قود لما تقدم ذكره، فالدية لا
تجب هاهنا لأن الجناية إذا لم تكن مضمونة لم تكن سرايتها مضمونة.
وإذا رمى مسلم عبدا بسهم فأعتق ثم أصابه السهم فقتله أو نصرانيا فأسلم ثم
أصابه السهم فقتله أو مرتدا فأسلم ثم أصابه السهم فقتله لم يجب في شئ من ذلك
قود لما تقدم ذكره، ولأن الاعتبار بالقصد إلى تناول نفس مكافئة حين الجناية وحين
الجناية هو الإرسال للسهم فالتكافؤ غير موجود حينئذ فلا قصاص في ذلك، وفيه دية
مسلم لأن الإصابة حصلت وهو محقون الدم فكان مضمونا بالدية.
فإن رمى حربيا بسهم فأسلم ثم أصابه السهم فقتله لم يكن عليه قود وعليه
الدية، وليس بينه وبين ذلك في المرتد فرق لأن الإصابة صادفته وهو محقون الدم
فكان عليه لذلك الدية.
وإذا قطع المسلم يد مسلم وارتد المقطوع وسرت الجناية إلى نفسه فمات فإن عاد
إلى الاسلام قبل أن تحصل السراية كان عليه القود لأن الجناية وكل السراية قد
حصلت في حال التكافؤ، وإن عاد إلى الاسلام بعد أن أقام على الردة مدة سرت
الجناية فيها لم يكن فيه قود لأن القصاص إنما يجب بالقطع وكل السراية يبين
ذلك أنه: لو قطع مسلم يد مسلم فارتد المقطوع ثم مات وهو على ردته لم يكن عليه
قود، ولو قطع يد مرتد فأسلم المرتد ومات وهو مسلم لم يكن فيه قود أيضا.
ولو قطع يده خطأ ثم ارتد وعاد إلى الاسلام ومات فإن كان إسلامه حصل قبل
أن يحصل للجناية سراية في حال الردة كان عليه الدية لأنها جناية مضمونة سرت
إلى النفس وهي مضمونة واعتبار الدية بحال الاستقرار وهو في حال الاستقرار
مسلم، وإن أقام على الردة مدة تحصل فيها السراية وأسلم كان عليه الدية لأن
173

الجناية إذا كانت مضمونة كان الاعتبار فيها بحال الاستقرار وحال الاستقرار هو
حي مسلم فكانت الدية لازمة لأنه قد وجد الكمال في الطرفين.
فإن كانت هذه الجناية وقعت على مرتد ومات وهو مرتد لم يلزم في ذلك قود ولا
دية ولا كفارة. فأما المسلم الذي ارتد ثم عاد إلى الاسلام ومات وهو مسلم فإن
الكفارة تجب على القاطع له سواء أقام على ردته مدة سرت فيها الجناية إلى نفسه أو
لم يقم ذلك لأن الكفارة تلزم بقتل النفس التي لها حرمة والقاتل قد قتل نفسا لها
حرمة لأن الحرمة موجودة في الطرفين حال الجناية وحال السراية.
وإذا أمر الإمام غيره بقتل انسان لم يكن على القاتل المأمور بالقتل قود ولا إثم
ولا غير ذلك لأن الإمام لا يأمر بقتل انسان وهو غير مستحق (إلا وهو مستحق -
خ ل) للقتل.
فإن أمر خليفة الإمام غيره بقتل انسان لغير استحقاق وكان المأمور عالما بذلك
لم يجز له قتله لقول رسول الله ص: لا طاعة لمخلوق في معصية
الخالق، فإن خالف وقبل منه في قتل المأمور بقتله كان على هذا القاتل القود
والكفارة ولا قود على الآمر له بذلك ولا كفارة وهو آثم بما فعل من الأمر، فإن كان
المأمور يعتقد أن قتله حق وأن الإمام وخليفته لا يقتل إلا بالحق وأن طاعته فيما أمره
به واجبة كان عليه أيضا القود لأنه هو المباشر للقتل دون الآمر، فإن أكرهه فقال
له: إن قتلته وإلا قتلتك لم يجز له قتله وإن كان خائفا لأن قتل المؤمن لا يجوز
استباحته بالإكراه على قتله، فإن خالف وقتل فقد أثم بقتل نفس يحرم قتلها وكان
عليه القود.
وإذا جرح المسلم نصرانيا ثم ارتد المسلم ثم سرت الجناية إلى نفسه فمات لم
يكن على المرتد قود لفقد التكافؤ في حال الجناية.
باب قتل الاثنين أو أكثر منهما بواحد أو الواحد لاثنين أو أكثر منهما:
إذا قتل اثنان أو أكثر منهما واحدا عمدا كان ولي الدم مخيرا بين أن يقتل
174

منهم واحدا ويرد الباقون على وارثه مقدار ما كان نصيبهم لو طولبوا بالدية وبين أن
يقتلهم جميعا بعد أن يؤدى إلى ورثة المقادين ما يفضل عن دية صاحبهم يتقاسمونه
بينهم بالسوية.
وإذا قتل اثنان واحدا بسيفين أو ضربتين مختلفين فيكون القتل حادثا عن
ضربهما كان الحكم فيهما ما تقدم سواء، فإن كان قتلهما خطأ كانت الدية على
عاقلتهما بالسوية.
وإذا اشترك اثنان في قتل انسان فقتله واحد منهما وأمسكه الآخر قتل القاتل
وحبس الممسك في السجن حتى يموت ويضرب في كل سنة خمسين سوطا، وإن
كان معهما من ينظر إليهما سملت عيناه.
فإن قتلت امرأتان رجلا عمدا قتلتا به جميعا، فإن قتله منهن أكثر منهما كان
لولي الدم قتلهن كلهن ويؤدى ما يفضل عن دية صاحبه إلى أوليائهن يقتسمونه
بينهن بالحصص، فإن كان قتلهن له خطأ كانت الدية على عاقلتهن بالسوية.
فإن قتل رجل وامرأة رجلا كان لأولياء الدم قتلهما جميعا ويردوا إلى أولياء
الرجل نصف ديته، فإن اختاروا قتل المرأة كان لهم ذلك ويأخذون نصف الدية
وإن اختاروا قتل الرجل كان لهم ذلك وترد المرأة على أولياء الرجل نصف ديتها،
فإن أراد أولياء الدم الدية كان نصفها على الرجل ونصفها على المرأة، وإذا كان
قتلهما خطأ كانت الدية على عاقلتهما نصفين بالسوية.
وإذا قتل رجل حر ومملوك رجلا حرا عمدا كان أولياء المقتول مخيرين بين أن
يقتلوهما ويؤدوا إلى سيد المملوك ثمنه وبين أن يقتلوا الحر ويؤدى سيد المملوك إلى
ورثته نصف الدية أو يسلم المملوك إليهم، فإن اختاروا استرقاقه استرقوه وإن
اختاروا قتله قتلوه وليس لسيد المملوك على الحر سبيل، فإن اختاروا الدية كانت
على الحر وعلى سيد العبد نصفين أو يسلم السيد المملوك إليهم فيكون رقا لهم ويؤخذ
من الحر نصف الدية، فإن كان قتلهما له خطأ كان نصف الدية على عاقلة الرجل
والنصف الآخر على سيد المملوك أو يسلمه إلى أولياء الدم يسترقونه ولا يجوز لهم
175

قتله.
وإذا قتلت امرأة ومملوك رجلا حرا واختار أولياء الدم قتلهما جميعا كان لهم
ذلك، فإن كانت قيمة المملوك أكثر من خمسة آلاف درهم كان لهم أن يردوا على
سيد المملوك الفاضل عن خمسة آلاف درهم، فإن اختاروا أن يقتلوا المرأة ويأخذوا
المملوك كان لهم ذلك إلا أن تكون قيمة المملوك أكثر من خمسة آلاف درهم فعليهم
أن يردوا على سيد المملوك الفاضل من خمسة آلاف درهم ويأخذوا المملوك ويفتد به
سيده، فإن كان قيمة المملوك أقل من خمسة آلاف درهم لم يكن لهم غير نفسه، فإن
طلبوا الدية كان لهم ذلك ويكون على المرأة نصفها وعلى سيد المملوك النصف الآخر
أو يسلمه إليهم.
فإن اشترك جماعة من المماليك في قتل رجل حر عمدا كان لأولياء الدم قتلهم
جميعا وعليهم رد ما يفضل عن دية صاحبهم، فإن نقص ثمنهم عن ديته لم يكن
لهم سبيل على مواليهم، فإن اختاروا الدية كانت على مواليهم بالحصص أو يسلموا
المماليك إليهم، فإن كان قتلهم خطأ كانت الدية على ساداتهم أو يسلموا المماليك
إليهم يسترقونهم ولا يجوز لهم قتل واحد منهم.
وإذا قتل رجل عمدا رجلين أو أكثر منهما واختار أولياء الدم القود لم يكن لهم
غير نفس القاتل ولم يكن لهم سبيل على شئ من ماله ولا وارثه ولا عاقلته، وإن
اختاروا الدية كان لهم عن كل مقتول دية كاملة، وإن كان قتله لهم خطأ كان على
عاقلته ديات الجميع على كمالها.
وإذا قتل رجل رجلا وامرأة أو رجالا ونساء أو نساء كان الحكم فيه وفيهم مثل
ما تقدم.
وإذا اشترك قوم في قتل انسان فطلب منهم أولياء الدم الدية وأخذوها منهم
كان على كل واحد منهم الكفارة - وقد سلف ذكر ذلك - رجلا كان أو امرأة
إلا المملوك فإنه لا يجب عليه أكثر من صوم شهرين فأما العتق أو الإطعام فإن ذلك
لا يلزمه منه شئ.
176

باب القصاص والشجاج وما يلحق بذلك:
قد تقدم القول فيما تعلق بالنفس من القصاص، فأما دون النفس فنحن نذكر
منه جملة مقنعة بمشيئة الله.
قال الله تعالى: النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف...
الآية، ففصل الأعضاء - كما ترى - ثم عم بالقول الجميع فقال: والجروح
قصاص.
ولا خلاف في جواز القصاص في الشريعة، وليس يصح إلا بشروط وهي:
التساوي في الحرية بأن يكون المقتص والمقتص منه حرين مسلمين أو يكون المجني
عليه أكمل، وأن يحصل (يكون خ ل) الاشتراك في الخاص يمين بيمين ويسار بيسار
لأنه لا يقطع يسار بيمين ولا يمين بيسار، وأن تكون السلامة حاصلة لأنه لا تقطع
اليد الصحيحة باليد الشلاء، فأما ما كان في الرأس والوجه من الجراح فليس يجب
فيها القصاص إلا بشرط وهو: التكافؤ في الحرية أو يكون المجني عليه أكمل.
وجملة القول من ذلك أنا ننظر إلى طول الشجة وعرضها فيعتبر بمساحة طولها
وعرضها.
وأما الأطراف فلا يعتبر فيها بكبر ولا صغر، تؤخذ اليد السمينة بالهزيلة
والغليظة بالرقيقة، ولا يعتبر في ذلك المساحة وإنما يعتبر الاسم مع
السلامة مع التكافؤ في الحرية كما قال تعالى: وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس
والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن، فاعتبر الاسم
فقط.
فإذا كان كذلك فالقصاص في الموضحة جائز بعد الاندمال لأنها ربما صارت
نفسا وأول العمل في ذلك أن يجعل على موضع الشجة مقيسا من خيط أو عود، فإذا
علم قدرها حلق في مثل ذلك في الموضع بعينه من رأس الشجاج لأن الشعر إن كان
قائما لا يؤمن أن يؤخذ أكثر من الحق، فإذا حلق الموضع جعل عليه المقياس وخط
على الطرفين خطأ يكون مغيرا إما من سواد أو غيره حتى لا يزيد على مقدار الحق ثم
177

يضبط المقتص منه لئلا يتحرك فيجني عليه بأكثر من ذلك - ويكون الزيادة هدرا
لأنه هو الذي يجني على نفسه - فإذا ضبط وضع الحديدة من عند العلامة ثم
أوضحه إلى العلامة الأخرى.
ثم إن رأس المجني عليه إما أن يتفقا في القدر والمساحة أو يختلفا ويكون رأس
المجني عليه أصغر أو أكبر، فإن كانا متساويين وكانت الشجة في بعض الرأس أو
في كله استوفى حسب ما قدمناه، وإن كان رأس المجني عليه أكبر مثل أن يكون
من جبهته إلى قفاه نصف شبر وشبر والجاني شبر فقط وكانت الموضحة في بعض
رأس المجني عليه وذلك القدر جميع رأس الجاني فإنه يستوفي جميع رأس لا مثله في
المساحة، وإن كانت في جميع رأس المجني عليه فإنه يستوفي جميع رأسه من أوله إلى
آخره ولا يترك من الرأس إلا الجبهة لأن الجبهة عضو آخر ولا عن رأسه أيضا إلى
قفاه لأن القفاء عضو آخر ولا يوضح مكانا آخر لئلا يصير موضحتين بموضحة
واحدة.
فإن كان رأس المجني عليه أصغر من رأس الجاني أخذ قدر مساحتها من رأس
الجاني، إن أراد بدأ من الجبهة لأنه منتهى المساحة وإن أراد بدأ من القفاء إلى
منتهاها أيضا لأن السمت محل الاقتصاص إلا أنه بقدر الجناية من غير زيادة
عليها، ولو أراد أن يأخذ من وسط الرأس بقدر المساحة جاز لأن هذا السمت محل
الاقتصاص.
فإن أخذ قدر المساحة بغير زيادة عليها فقد استوفى الحق وإن زاد على ذلك وكان
متعمدا فالزيادة موضحة يجب القود فيها لأنه ابتداء إيضاح على وجه العمد، فإذا
ثبت أنها موضحة منفردة لم يكن أخذ القصاص فيها من رأسه لأن محلها ما اندمل
لكنه يصبر إلى أن يندمل، فإذا كان ذلك أخذ القصاص فيها في محل الاندمال هذا
إذا قال: عمدت، فإن قال: أخطأت، كان القول قوله لأنه الجاني فهو أعلم بحال
الجناية، فإذا حلف لزمه أرش الموضحة كاملة.
وإذا شجه دون الموضحة مثل أن شجه متلاحمة كان فيها القود.
178

فأما الأطراف:
فيجري القصاص فيها من المفاصل، في اليدين والرجلين والعينين والأذنين
والأنف والأسنان واللسان والذكر للآية.
ويجب ذلك بشروط وهي: الاتفاق في الحرية والسلامة والاشتراك في الاسم الخاص - يمين بيمين ويسار
بيسار - ولا يعتبر القدر والمساحة بل تؤخذ اليد السمينة بالهزيلة والغليظة بالرقيقة
للآية.
وإذا كان كذلك وقطع يده من مفصل الكوع فيقطع يده من المفصل المذكور
بعينه ويكون المجني عليه مخيرا بين أخذ القصاص وبين العفو على
مال، فإن عفا على مال كان فيها نصف الدية خمسون من الإبل.
فإن قطع يده من بعض الذراع لم يكن فيها قصاص من بعض الذراع لأن
نصف الذراع ليس يمكن قطعه خوفا من إتلافه أو أخذ أكثر من الحق، فيكون
المجني عليه مخيرا بين العفو على مال وله دية يد وحكومة في ما زاد عليها من الذراع
وبين القصاص فيقتص اليد من الكوع ويأخذ حكومة فيما بقي من الذراع.
فإن قطع من مفصل المرفق فله القصاص من هذا المفصل بعينه، والمجني عليه
مخير بين العفو ويأخذ دية اليد خمسين من الإبل وحكومة في الساعد وبين أن يقتص
من المرفق، فإن قال: أنا اقتص من الكوع وآخذ من الذراع حكومة، لم يجز له ذلك
لأنه إذا أمكنه أن يستوفي حقه أجمع قودا لم يكن له استيفاء بعضه وأخذ حكومة
فيما بقي، وهذا يفارق المسألة المتقدمة حيث كان له القصاص في الكوع وأخذ
الحكومة فيما بقي من الذراع لأنه لا يمكنه استيفاء جميع حقه قصاصا لأن نصف
الذراع لا ينفصل له.
وكذلك إذا قطع يده من مفصل المنكب على هذا التفصيل، فإن خلع كتفه
واقتلع العظم الذي هو المشط من ظهره سئل أهل الخبرة عن ذلك، فإن قالوا: إن
استيفاء ذلك يمكن قصاصا ولا يخاف عليه الجائفة، استوفى قصاصا لأن له حدا
179

ينتهي إليه، فإن قالوا: ليس يؤمن عليه الجائفة، كان المجني عليه مخيرا بين العفو
وأخذ دية اليد خمسين من الإبل وفيما يزيد على ذلك حكومة وبين أن يأخذه
القصاص من المنكب وفيما يزيد عليه حكومة.
فإن قطع يدا كاملة الأصابع ويده ناقصة الإصبع كان المجني عليه مخيرا بين
العفو على مال وله دية اليد خمسون من الإبل وبين أن يقتص فيأخذ يدا ناقصة
إصبعا قصاصا، وإن كانت يده شلاء فقطع صحيحة سئل أهل الخبرة فإن قالوا:
إن الشلاء إذا قطعت بقيت أفواه العروق لا تنضم ولا تنحسم ولا يبرأ ولا يؤمن
التلف بقطعها، لم تقطع لأنه لا يجوز أن يؤخذ نفس بيد، وإن قالوا: إنها تنحسم
وتبرأ في المقادة أخذنا بها (أخذ به - خ ل) لأنه قد رضي بأخذ ما هو أقل من حقه
فهو كالضعيفة بالقوية.
وإذا قطع يدا شلاء ويده صحيحة لم يكن فيها قود ويكون فيها ثلث دية اليد
الصحيحة.
وإذا قطع إصبع غيره فسرت إلى كفه فذهب كفه ثم اندملت كان عليه
بالإصبع والسراية جميعا القصاص.
وإذا قطع أطراف غيره مثل أن يكون قطع يديه ورجليه وأذنيه فله أن يأخذ دية
النفس دون ما زاد عليها وليس له أن يأخذ ثلاث ديات.
وإذا ذهب ضوء العين عن (من - خ ل) الموضحة بالسراية كان في ذلك
القصاص، وإذا كان فيه القصاص فالمجني عليه مخير بين العفو وبين استيفاء
القود، فإن عفا وجبت له دية موضحة وفي الضوء الدية، فإن أراد القصاص اقتص
في الموضحة ثم يصبر، فإن سرى القصاص إلى ضوء العين كان القصاص واقعا
موقعه وإن لم يسر إلى ضوء العين كان فيه القصاص، فإن أمكنه أن يقتص الضوء
كان ذلك له وإن لم يمكنه ذلك إلا بذهاب الحدقة لم يكن له القصاص فيه لأن
الذي يستحقه هو الضوء فلا يجوز أن يأخذ معه عضوا آخر.
وإذا لطم غيره فذهب ضوء عينه لطم مثلها، فإن ذهب بذلك ضوء عينه فقد
180

استوفى القصاص وإن لم يذهب الضوء استوفى بما يمكن استيفاء ذلك بمثله من
حديدة قد أحمى في النار أو كافور أو دواء يذر فيها.
فإن لطم غيره وذهب ضوء عينه وابيضت وشخصت لطم مثلها، فإن ذهب
الضوء وحصل البياض والشخوص فيها فقد استوفى الحق وإن ذهب الضوء ولم
يحصل البياض والشخوص وأمكن أن يعالج بما حصل به ذلك كان له فعله، فإن لم
يتمكن ذلك لم يكن فيه شئ.
وإذا ذهب شعر الرأس فلم يعد كان فيه الدية كاملة وكذلك شعر اللحية، فأما
شعر الحاجبين فمضمون بنصف الدية وكذلك شعر أشفار العينين، وما عدا ذلك من
الشعر ففيه حكومة.
وإذا جرح غيره ثم إن المجروح قطع من مكان الجرح لحما وسرى ذلك إلى
نفسه فإن كان اللحم الذي قطعه حيا كان على الجاني القود لأنه هلك من عمل
بين أحدهما مضمون والآخر هدر، فإن كان اللحم المقطوع ميتا كان قطع هذا
اللحم لا تأثير له لأنه لا سراية فيه وكان على الجاني القود.
وإذا قطع يد رجل وفي اليد إصبعان شلاوان وثلاث أصابع سليمة ليس فيها
شئ من الشلل لم يلزم القاطع قود لأن الاعتبار في لزوم ذلك في الأطراف إنما
يكون بالتكافؤ فيها واليد الشلاء لا تكافئ الصحيحة فإذا لم يلزم هذا القاطع قود
لما ذكرناه، ورضي الجاني بأن يقطع يده بتلك اليد لم يجز ذلك لأن القود إذا لم
يجب في الأصل لم يجز استيفاؤه بالبدل، وهذا يبين بالحر إذا قتل عبدا وقال الحر:
قد رضيت بأن يقتله (يقتلني - ظ) سيده، في أنه لا يجوز قتله ولا يعتبر رضاه في
ذلك، وللمجني عليه القصاص في الأصابع الثلاثة السليمة ويكون مخيرا بين العفو
والاستيفاء، فإن عفا عن القصاص أخذ في السليمة ثلاثين من الإبل ويأخذ في
الشلاوين ثلث ديتهما صحيحتين.
إذا قطع أنملة من إصبع وكانت الأنملة هي العليا ثم يقطع المجني عليه الأنملة
التي تحتها وسرى ذلك إلى نفسه كان عليه القود، ولا فرق بين أن يكون المجني
181

عليه قطع لحما حيا أو ميتا كما ذكرناه فيما تقدم.
وإذا قطع يدا كاملة الأصابع ويده ناقصة إصبعين كان المجني عليه مخيرا،
(فإن اختار القصاص أخذ الموجود ودية المفقود فيأخذ دية إصبعين عشرون من
الإبل)، فإن اختار القصاص لم يكن له أخذ المال وكذلك القول إذا كان ذلك
خلقة أو ذهب بآفة من الله تعالى، وإن كان قد أخذ ديتها أو استحقها على غيره
كان عليه رد المال.
وإذا كانت له إصبع زائدة فقطع يدا فإن كانت مثل يده في الزيادة وكانت
الزيادة من المقطوع في محل الزيادة من القاطع مثل أن يكون مع الإبهامين أو مع
الخنصرين منهما قطعت يده بيده لأنهما متساويتان في الخلقة والزيادة، وإن كانت
المقطوعة ذات خمس أصابع وللقاطع إصبع زائدة، فإن كانت الزائدة على ساعد
القاطع قطعت يده بذلك لأنا نأخذ ليد مثل يد والزيادة تسلم للقاطع، وإن كانت
الزيادة على كف القاطع لم يقطع يده بيده لأنها تزيد إصبعا فلا يقطع بما هي
ناقصة إصبعا.
فإذا كانت لا تقطع على ما ذكرناه فالزيادة إما تكون منفردة - كإحدى
الأصابع - أو تكون ملصقة بواحدة منها أو تكون على إصبع من الأصابع، فإن
كانت منفردة كإحدى الأصابع كان مخيرا بين العفو وله أخذ دية كاملة وبين أن
يقتص فيأخذ خمس أصابع قصاصا ويترك الزائدة، وإن كانت ملصقة بإحدى
الأصابع كان مخيرا بين العفو وله أن يأخذ دية كاملة وبين أن يقتص فيأخذ أربع
أصابع قودا وليس له أخذ الخامسة لأنها ملصقة بالزائدة وله ديتها عشرة من الإبل،
وإن كانت الزائدة على إصبع من الأصابع وكانت نابتة على الأنملة العليا كان
الحكم فيها كالحكم فيها إذا كانت ملصقة بالزائدة وقد تقدم ذلك، وإن كانت
نابتة على الأنملة الثانية كان القصاص في ثلاث أصابع وفي الأنملة العليا ودية
الأنملتين الباقيتين، وإن كانت على السفلى كان له القصاص في أربع أصابع
والأنملتين العليا والوسطى ودية الأنملة السفلى التي عليها الإصبع الزائدة.
182

فإن كانت يد القاطع ذات خمس أصابع ويد المقطوع ذات ست أصابع كان
للمقطوع القصاص لأنه يأخذ ناقصا بكامل ويكون مخيرا بين العفو والاستيفاء، فإن
عفا على مال كان له بيده يد كاملة وفي الإصبع الزائدة حكومة ولا تبلغ الحكومة في
ذلك يد الإصبع الأصلية لأنا لا نأخذ في الخلقة الزائدة ما نأخذه في الأصلية فإذا
كان كذلك فكان لا فرق بين قطعها وحدها أو مع اليد، فإن اندملت كان فيها
الأرش - ثلث الإصبع الصحيحة - كان بها شين بعد الاندمال أو لم يكن بها
كذلك.
وإذا قطع من غيره أنملة لها طرفان وكان للقاطع مثلها في تلك الإصبع كان عليه
القصاص لتساويهما في ذلك، وإن لم يكن له مثلها أخذ القصاص في الموجودة
وحكومة في المفقودة
وإن كانت أنملة القاطع لها طرفان وللمقطوعة طرف واحد فلا قصاص على
الجاني لأنا نأخذ زائدة بنا قصة وله دية أنملة - ثلث دية الإصبع - ثلاث وثلث من
الإبل.
وإذا قطع رجل يمين رجل وكان لهذا القاطع يمين قطعت بها وإن لم يكن له يمين
وكان له يسار قطعت يده اليسرى به، وكذلك الحكم إذا قطع يسرى غيره ولم يكن
له يسرى وله يمين فإنه تقطع يمينه باليسرى، فإن لم يكن له يدان وكانت له رجلان
قطعت رجله اليمنى باليمنى، فإن لم يكن له رجل يمنى وكانت له يسرى قطعت
رجله اليسرى بذلك، فإن لم يكن له يدان ولا رجلان كان له الدية وسقط
القصاص هاهنا.
وإذا قطع أذن رجل فأبانها ثم ألصقها المجني عليه في الحال فالتصقت كان على
الجاني القصاص لأن القصاص يجب بالإبانة، فإن قال الجاني: أزيلوا أذنه واقتصوا
مني، كان له ذلك لأنه ألصق بها ميتة، فإن كان ذلك ثم ألصقها الجاني
فالتصقت وقع القصاص موقعه، فإن قال المجني عليه: قد التصقت أذنه بعد إبانتها
أزيلوها عنه، وجب إزالتها.
183

وإذا صلى الذي ألصق المقطوع باذنه فالتصق لم تصح صلاته لأنه حامل
النجاسة في غير موضعها لغير ضرورة، فأما إذا أجبر عظمه بعظم ميتة فلا تمنع صحة
الصلاة عندنا معه لأن العظم ليس بنجس لأنه لا تحله الحياة، والميتة إنما تكون
ميتة بأن يفنى عنها الحياة التي تكون حياته فيها والعظم لا تحله الحياة كما قدمناه،
وقد ذكر: أن العظم إذا كان عظم ما هو نجس العين مثل الكلب والخنزير لم تجز
الصلاة فيه، والاحتياط يقتضي ذلك.
وإذا قطع أذن رجل وبقيت معلقة لم تبن من باقيها كان في ذلك القصاص
لأنها قد انتهت إلى حد يمكن فيها المماثلة، وكذلك القول في قطع اليد فإذا كان
كذلك وأراد القصاص اقتص منه إلى الجلدة التي هي متعلقة بها.
وإذا قطع ذكر رجل قطع ذكره، ويقطع ذكر الشاب بذكر الشاب وذكر الشاب بذكر
الشيخ وذكر الشيخ بذكر الشاب وكذلك ذكر الصبي بغيره مما
ذكرناه، ويقطع ذكر الفحل بذكر الخصي.
فإن قطع ذكر أشل أو به شلل - وهو الذي قد استرسل ولا ينتشر ولا يقوم ولا
ينبسط ولا ينقبض، صار مثل الحرمة - لم يكن في قطع قود مثل اليد السليمة
بالشلاء لا يقطع بها، فإن قطع أغلف ذكر مختون قطع ذكر الأغلف بالمختون.
وإذا قطع خصيتي رجل كان على القاطع القود، فإن قطع واحدة منهما سئل
أهل الخبرة عن الباقية فإن قالوا: لا يخالف عليها في هذا الموضع، قطعنا بها، وإن
قالوا: إنها لا يؤمن عليها من ذهاب منافعها، لم يكن من ذلك
قود هاهنا لأن ذلك يؤدى إلى أخذ عضوين بعضو واحد، فإن عفا على مال كان له نصف الدية إن
كانت المقطوعة هي اليمنى وإن كانت هي اليسرى كان فيها ثلثا الدية لأن منها
يكون الولد.
ويقتص من الأنف بالأنف والاعتبار في ذلك لا بصغر ولا كبر ولا بغلظ ولا دقة
ولا بأنه أفطس أو أقنى لتساويهما في الاسم وهو المراعي في هذا الموضع وما أشبهه،
فإن قطع رجل أنف مجذوم ولم يكن سقط منه شئ بالجذام قطع الأنف الصحيح به
184

لأنه يجوز عندنا أخذ الصحيح بالعليل، وإن كان قد ذهب بعضه وتناثر الجذام كان
المجني عليه مخيرا بين أن يأخذ بقدره من الدية فيما بقي وبين أن يقتص فيما بقي إن
كان الذي ذهب مما يمكن القصاص فيه وهو أن يكون ذهب جانبه بالجذام، فإن
كان الذاهب منه طرفه لم يكن فيه إلا الدية فيما بقي.
ويؤخذ الأنف الشام (السالم خ ل) بالأنف الأخشم، وألذ ي يؤخذ قودا وتجب
فيه دية كاملة من الأنف هو المارن - والمارن هو ما لأن منه وهو ما نزل من قصبة
الخياشيم التي هي العظم لأن له حدا ينتهي إليه فهو من قصبة الأنف وهو مثل اليد
من الساعد والرجل من الساق - فإن قطع جميعه كان المجني عليه مخيرا بين القود
والدية بكمالها لأن في الأنف الدية، فإن قطعه مع قصبة الأنف كان كقطع اليد من
الساعد - المجني عليه مخير بين العفو وتكون له دية كاملة في المارن وحكومة في
القصبة كما لو قطع يده من نصف الساعد فإن له العفو ويأخذ دية كاملة ويكون
كحكومة في الساعد - وإن أراد أخذ القصاص في المارن وحكومة في القصب مثل
الساعد سواء.
فإن قطع بعض المارن رجع إلى قد ذلك بالأجزاء، فإن كان ثلثا أو عشرا عرف
ذلك وأخذ بحسابه من أنف القاطع ولا يؤخذ بالمساحة لأنه قد يكون نصف المقطوع
مثل جميع أنف القاطع فيفضي ذلك إلى أن يأخذ أنفا بنصف وذلك لا يجوز.
فإن قطع واحدا من المنخرين كان له القصاص في ذلك لأن له حدا ينتهي إليه
هو مثل إحدى الإصبعين لأن بينهما حاجزا.
وإذا قطع رجل أذن رجل كان في ذلك القصاص ولا اعتبار في ذلك بصغر ولا
كبر ولا بسمن ولا دقة ولا بسميعة ولا صماء ولا بما جرى مجرى ذلك لأن الاسم
يتناول ذلك والاعتبار هاهنا به، فإن قطع الأذن كلها كان مخيرا بين قطع أذن
الجاني وبين أخذ كمال دية أذن، وإن قطع بعض الأذن علم هل ذلك ربع أو ثلث
أو عشر؟ فيؤخذ هذا الطرف من أذن الجاني، وتقطع الأذن التي لا ثقب فيها
بالمثقوبة.
185

وإذا قطع يدا لا أظافير لها جملة لم يكن في ذلك قود لأنه نقصان خلقة وليس
يؤخذ الكامل بالناقص، وله دية كاملة.
وفي الأسنان القصاص، فإن قلع سنا وكان سن متغير لم يكن فيها قصاص في
الحال ولا دية لأنها مما يرجى رجوعه وينبغي للمجني عليه أن يصبر حتى تسقط
أسنانه التي هي أسنان اللبن ويعود فإذا سقطت وعادت ولم تعد المقلوعة سئل أهل
الخبرة، فإن ذكروا: أنها لا يؤيس من رجوعها إلى وقت كذا وكذا، فينبغي أن
يصبر إلى ذلك الوقت، فإن لم تعد علم أنه قد أعدم إنباتها وآيس من عودها وكان
المجني عليه حينئذ مخيرا بين القصاص وبين العفو على مال ويأخذ دية سن كما لو
قلع سن مثغر - والمثغر هو الذي قد سقطت أسنان اللبن من ثغره ونبت موضعها
غيرها - فإن عادت السن في الوقت الذي ذكره أهل الخبرة أو مع عودة الأسنان
وكانت متغيرة سوداء أو خضراء أو صفراء فالظاهر أنه من فعله فيكون عليه
حكومة، وإن رجعت كما كانت سالمة من التغير والنقصان لم يكن فيها قصاص
ولا دية.
فإن مات قبل الإياس من رجوعها لم يكن فيها قصاص لأن الحدود تدرأ
بالشبهات، والشبهة هاهنا: أنا لا نعلم رجوعها، فأما الدية فلازمة لأن القلع قد
علم والقود متوهم ولا يسقط حقه بأمر متوهم.
وإذا قلع سن مثغر سئل أهل الخبرة، فإن ذكروا: أنها لا تعود أبدا، كان
المجني عليه مخيرا بين القصاص والعفو، فإن قالوا: يرجى رجوعها إلى كذا وكذا، فإن
عادت وإلا فلا يعود لم يكن فيها قصاص ولا دية إلى الحد الذي ذكره أهل الخبرة
فإذا كان ذلك ولم يعد كان المجني عليه مخيرا بين القصاص أو الدية، وإن عادت
وكان عودها قبل الإياس من عودها فهي مثل سن غير المثغر وقد تقدم ذكر ذلك،
وإن كان عودها بعد الإياس من ذلك - إما بعد المدة المحدودة أو قبلها وقد ذكروا
أنها لا تعود أبدا - فإن كان المجني عليه قد أخذ الدية كان عليه ردها لأن السن
التي أخذ الدية عنها قد عادت وإن كان قد اقتص كان عليه دية سن الجاني التي
186

أخذها قصاصا وليس عليه قصاص في ذلك وقد ذكر خلاف قولنا هذا، والاحتياط
يتناول ما ذكرناه.
والسن الزائدة هي: التي تكون خارجة من صف الأسنان وعن سمتها إما من
خارج أو داخل الفم، فإذا جنى انسان على ما هذه صفته ولم يكن له سن زائد
فليس في ذلك قصاص وعليه ثلث الدية للسن الأصلي، فإن كان له سن زائدة في
غير محل المقلوعة فليس في ذلك أيضا قصاص - لأنا لا نأخذ عضوا في محل بعوض
في محل آخر، ولا نأخذ الإصبع السبابة بالإصبع الوسطى وعليه ثلث دية السن
الأصلي كما قدمناه، فإن كان للجاني سن زائدة في محلها كان المجني عليه مخيرا
بين القصاص وبين العفو على مال، فإن أراد القصاص فلا فرق بين أن يكونا سواء
وبين أن يكون الواحد منهما أكبر من الأخرى.
وإذا وجب لإنسان على غيره قود في طرف أو نفس لم يجز أن يستوفيه بنفسه لأن
ذلك من فروض الأئمة عليهم السلام وعليه التعزير.
وإذا وجب قصاص على رجل في يمينه فقال له المجني عليه: أخرج يمينك
لأقتصها، فأخرج يساره فقطعها،
فإن كان المقتص جاهلا بأنها يساره لم يكن عليه قود لأنه قطعها معتقدا أنه
يستوفي حقه بها وكان شبهة (شبهته - خ ل) في سقوط القود فيها ولأنه قطعها ببذل
مالكها فلا قود عليه في ذلك، فأما ديتها فلازمة له لأنه بذلها عن يمينه وكان البذل
على سبيل المعاوضة، فإذا لم يصح كان على القابض الرد، فإذا عدمت كان عليه بدلها،
وإن كان المقتص عالما بأنها يساره فقطعها فإن هذا القطع مضمون لأنه إنما
بذلها بعوض فلم يسلم له فكان على القابض الضمان، فإذا كان ذلك مضمونا
فالضمان في اليد بالدية لأنه بذلها للقطع فكان شبهة في سقوط القود عنه، وسقوط
القود إنما يثبت لأنه مضمون بالدية.
وإذا كان الأمر في اليسار على ما ذكرناه فالقصاص باق في يمينه وله دية يساره،
وليس للمقتص قطع اليمين حتى ينظر ما يكون من قطع اليسار فإما أن تندمل أو
187

يسري، فإن اندملت فقد استقر على المقتص دية اليسار وله قطع اليمين، فإن
استوفاها قصاصا كان عليه دفع دية اليسار وإن عدل عن اليمين وجبت له دية
اليمين وكان عليه دية اليسار فليتقاصان، فإن سرى قطع اليسار إلى النفس كان
عليه ضمان النفس لأنه سراية عن قطع مضمون سرى إلى النفس وهي مضمونة
فكانت ديتها عليه فعليه دية نفس بغير زيادة على ذلك.
وإذا قطع يدي رجل ورجليه كان عليه ديتان دية في اليدين ودية في الرجلين،
فإن مات بعد الاندمال استقرت الديتان على الجاني، وإن سرى القطع إلى النفس
كان عليه دية واحدة لأن أرش الجناية يدخل في بدل النفس.
وإذا قطع يد عبد كان عليه نصف قيمته ويمسكه سيده، فإن قطع يدي عبد أو
رجليه كان عليه قيمته كاملة ويتسلم العبد.
وإذا قطع رجل يد عبد وآخر يده الأخرى كان عليهما قيمة كاملة على كل
واحد منهما نصفها ويمسكه سيده.
ودية الكافر ثمانمائة درهم، فإذا جنى عليه جناية لها أرش مقدر كان التقدير في
ديته، ففي يده أربعمائة درهم وفي موضحته أربعون درهما وفي إصبعه ثمانون
درهما، والمرأة الكافرة على النصف من ذلك.
ودية المسلم مائة من الإبل وقد ذكرنا ذلك مفصلا فيما تقدم، وفي يده خمسون
من الإبل، وفي إصبعه عشرون، وفي موضحته نصف عشر الدية - خمس من
الإبل - والمسلمة خمسون من الإبل وفي يدها خمس وعشرون، وتعادل الرجل إلى
ثلث الدية فيكون في إصبعها عشر من الإبل وفي ثلاث أصابع ثلاثون وفي أربع
عشرون.
وكل جناية لها في الحر أرش مقدر من ديته لها من العبد مقدر من قيمته، ففي
أنف الحر ولسانه وذكره وديته وفي كل واحد منها في العبد قيمته، في يده نصف
قيمته وفي إصبعه عشر قيمته وفي موضحته نصف عشر قيمته، فإذا كان كذلك وكان
قدر الجناية في العبد قيمته مثل الأنف واللسان والذكر واليدين والرجلين وجب ذلك
188

على الجاني ويسلم العبد.
وإذا قتل حر عبدا وجبت قيمته في ذمته وكذلك إن قطع أو قتله عمد الخطأ،
فإن قتله خطأ محضا فالقيمة على عاقلته وكذلك في أطرافه.
وإذا كان انسان على جانب حائطه أو حافة نهر أو شفير بئر فصاح به غيره صيحة
شديدة فسقط فمات فإن كان رجلا عاقلا لم يكن على الصائح شئ لأنه ما سقط
من صيحته وإنما وافق وقوعه صيحته، وإن كان الذي سقط صبيا أو مجنونا كان
على الصائح الدية والكفارة لأن مثل هذا يسقط من الصيحة الشديدة والدية على
عاقلته، وكذلك لو كان جالسا في غفلة واغتفله الصائح فصاح به مفزعا له فسقط
فمات كانت الدية على عاقلته والكفارة في ماله.
وإذا شهر رجل سيفه وطلب رجلا ففر المطلوب من بين يديه وألقى نفسه في نار
أو بئر أو من سطح أو جبل فمات لم يكن على طالبه ضمان لأنه إنما ألجأه إلى
الهرب ولم يلجئه إلى الوقوع بل المطلوب ألقى نفسه باختياره في مهلكة فالطالب
صاحب سبب والواقع مباشر، وإذا اجتمعت مباشرة مع سبب غير ملجئ لم يكن
على صاحب السبب - مثل الدافع والحافر - فإن الضمان على الدافع وليس على
الحافر ضمان.
فإن كان المطلوب أعمى فوقع كذلك كان ضمانه على الطالب لأنه سبب
ملجئ فإن الأعمى لم يعلم ذلك ولا أراد أن يلقى نفسه في مهلكة، والسبب إذا
كان ملجئا كان الضمان على صاحب السبب مثل أن يحفر بئرا فيقع فيها أعمى فإن
ضمانه على حافر البئر لأنه ألجأه إلى الوقوع فيها، ويفارق إذا كان بصيرا لأنه ما
ألجأه إلى الوقوع.
وإذا طلب بصيرا فهرب بين يديه فاعترضه أسد فقتله لم يلزم الطالب ضمانه
سواء كان المطلوب أعمى أو بصيرا لأن الأسد له قصد واختيار وكان من الطالب
سبب غير ملجئ ومن الأسد المباشرة فلا ضمان عليه مثل الدافع والحافر، فإن
اضطره مع الأسد إلى مضيق فقتله الأسد كان عليه الضمان لأن الأسد يفترس في
189

المضيق غالبا.
وإذا جنت أم الولد جناية كان على سيدها أرش جنايتها.
وإذا اصطدم فارسان فهلكا كان على عاقلة كل واحد منهما نصف دية الآخر
ويكون الباقي هدرا.
وإذا جلس انسان في طريق فعثر به غيره عثرة يقتل مثلها فهلكا معا كان على
عاقلة كل واحد منهما كمال الدية، والفرق بينهما أن كل واحد منهما هلك بسبب
انفرد به صاحبه لأن العاثر قتل الجالس مباشرة والعاثر مات بسبب كان من الجالس
فذلك (فلذلك: ظ) على عاقلة كل واحد منهما كمال دية الآخر، كما لو حفر بئرا
في غير ملكه ثم جاء رجل فجرح الحافر وسقط الجارح في البئر فإن الجارح قتل الحافر
بمباشرة والحافر قتل الجارح بسبب.
وكذلك لو نصب سكينا في غير ملكه وحفر آخر بئرا في غير ملكه فوقع الحافر على
السكين فمات ووقع الناصب في البئر فمات فإن على عاقلة كل واحد منهما كمال
دية الآخر لأنه مات بفعل انفرد به صاحبه، وليس كذلك مسألة الصدمة لأن كل
واحد من المتصادمين مات بفعل اشتركا فيه فلم يلزم عاقلة كل واحد بصير منهما
كمال دية الآخر، ولا فرق بين أن يكونا بصيرين أو ضريرين أو أحدهما بصير والآخر
ضرير لأنه إن كانا ضريرين كان القتل خطأ من كل واحد منهما فعلى عاقلة كل
واحد منهما نصف دية الآخر مخففة، وإن كانا بصيرين وكان ذلك خطأ كانا
كالضريرين، وإن كان كل واحد منهما على وجه العمد والقصد كان عمدا محضا
يوجب القود فيكون في تركة كل واحد منهما نصف دية الآخر حالة مغلظة.
وإذا مات ما تحت المصطدمين من المركوب كان على كل واحد منهما نصف
قيمة دابة الآخر، فإن كان قيمتهما متساويين تقاصا وإن كانت مختلفين فإنهما
يتقاصان ويترادان الفضل، ولا يكون ضمان القيمة على العاقلة لأن العاقلة لا يعقل
البهائم، ولا فرق بين أن يكون مركوبهما فرسين أو حمارين أو بغلين أو جملين أو
أحدهما مخالف للآخر لأنهما اشتركا في الجنايتين فكانا متساويين في الضمان كما
190

لو جرح أحدهما غيره مائة جرح وجرح نفسه أو غيره جرحا واحدا كانا متساويين في
الضمان وإن اختلفا، هذا حكم المصطدمين إذا كانا حرين كبيرين.
فإن كانا صغيرين وكان الركوب منهما كان على عاقلة كل واحد منهما نصف
دية الآخر، فإن كان ولياهما اللذان أركباهما كان الحكم فيهما كما لو كانا
بأنفسهما لأن على وليهما تعليمهما لأنه من الأدب، وإن كان أركبهما أجنبيان
كان على عاقلة كل واحد من المركبين لهما نصف دية الصغيرين معا لأنه فعل
ما ليس له فعله ولا يهدر شئ من دمهما.
ولا فرق بين أن يكون الصغيران مسلمين أو كافرين أو أحدهما مسلما والآخر
كافرا لأنه إن كانت الديتان كاملتين أو ناقصتين فإن على عاقلة كل واحد منهما
نصف الديتين، وإن كانت إحديهما ناقصة والأخرى كاملة فكذلك أيضا لأن
عاقلة كل واحد منهما يعقل نصف دية كاملة ونصف دية ناقصة.
فإن كان المصطدمان امرأتين غير حاملتين فالحكم فيهما كالحكم في الرجلين،
وإن كانتا حاملتين فأسقطت كل واحدة منهما جنينا ميتا كان دية الجنين عليهما
خاصة فعلى هذا يجبر (يجب على - خ ل) كل واحدة منهما نصف دية الجنين في
مالها.
فإن كان المصطدمان عبدين كانت قيمة كل واحد منهما هدرا لأنه مات من
فعله وفعل الآخر فما قابل فعله هدر وما قابل فعل غيره مضمون - وهو نصف
القيمة - غير أن محل تعلق نصف القيمة رقبة الجاني والرقبة قد هلكت فبطل محل
تعلق القيمة كما لو قتل العبد عبدا تعلقت قيمته برقبته، فإن هلكت سقطت القيمة
لفوت محلها.
فإن كان أحدهما حرا والآخر عبدا وماتا جميعا وجب نصف قيمة العبد في تركة
الحر ووجب بموت الحر نصف ديته وكان من حقها أن تكون متعلقة بتركته برقبة
العبد إلا أنها تحولت إلى قيمته لأن العبد إذا جنى تعلق أرش الجناية برقبته، فإن
قتله قاتل تحول الأرش إلى قيمته فكذلك هاهنا قد قتل الحر فوجب أن يتعلق نصف
191

الدية بنصف قيمته لورثة الحر فوجب لسيد العبد نصف قيمة عبده ووجب لورثة
الحر نصف الدية المتعلقة بنصف قيمة العبد، فإن تساويا تقاصا، وإن كان نصف
القيمة أقل من نصف الدية كان القدر الذي يقابل من ذلك نصف قيمة العبد،
الحكم فيه كما لو كان نصف القيمة ونصف الدية سواء والفاضل من نصف الدية
على نصف القيمة يكون هدرا لأنه لم يبق محل يتعلق به، وإن كان نصف القيمة
أكثر من نصف الدية لم يكن بالزيادة اعتبار.
فإن مات العبد أولا وجب نصف قيمته لأنه هلك من فعله وفعل غيره فكان ما
قابل فعل نفسه هدرا، فإن مات الحر أولا وجب بموته نصف ديته كما ذكرناه وكان
هذا النصف متعلقا برقبة العبد يباع فيها، فإن كانت قيمة العبد متساوية لنصف
الدية استوفى ذلك من ثمنه، فإن كانت أقل من نصف الدية لم يكن لمن وجب له
نصف الدية إلا قيمة العبد والزائد على ذلك يكون هدرا، وإن كانت قيمة العبد
أكثر من نصف الدية بيع منه بقدر نصف الدية وكان الفاضل لسيده.
فإن مات العبد حتف أنفه سقط ما كان متعلقا برقبته إلى غير بدل، فإن كان
قد قتله قاتل كانت قيمته واجبة على القاتل ويحول ما كان متعلقا برقبته إلى قيمته
يستوفى من الذي يجب القيمة عليه.
وإذا رمى عشرة بحجر منجنيق وأصاب واحدا منهم فمات كان موته بجنايته
على نفسه وجناية التسعة عليه فما قابل جنايته على نفسه كان هدرا وما قابل جناية
التسعة كان مضمونا فيكون على عاقلة كل واحد من التسعة عشر ديته فيكون لوارثه
تسعة أعشار الدية، فإن قتل الحجر واحدا من غيرهم فقد اشتركوا في قتله، فإن كان
الرمي خطأ كان على كل واحد منهم عشر الدية مخففة، فإن كان عمدا كان في
ذلك القود.
وما ذكرناه من هذا الضمان لازم لمن جر الحبال ورمى بالحجر، فإن أمسك
الخشب انسان أو وضع الحجر في كفة المنجنيق غير ما ذكرناه لم يلزمه ذلك لأن
المباشرة في الرمي منهم دون غيرهم، فأما من أمسك الخشب أو وضع الحجر في
192

الكفة إذا كان غير الذي يجر السهم ويرمي عنه فلا يلزمه ذلك.
وإذا تصادمت سفينتان - من غير قصد ممن فيهما إلى ذلك ولا تفريط -
وهلك بعض ما في إحديهما لم يكن عليهم شئ، وإن كان بقصد منهما إلى ذلك
كان على ملاحي السفينة التي لم يهلك منها شئ ضمان ما هلك من الأخرى.
وإذا كانت سفينة مشدودة على شاطئ البحر غير سائرة فوافقت سفينة سائرة
فصدمتها وكسرتها وهلك ما فيها فإن كان القيم الذي بها غير مفرط فليس عليه
ضمان، وأما السفينة الصادمة فإن كان القيم الذي بها مفرطا كان عليه الضمان
وإن لم يكن مفرطا لم يلزمه ضمان.
وإن كان في السفينة جماعة فثقلت وخافوا الهلاك والغرق فألقى بعضهم متاع
نفسه لم يكن على أحد ممن فيها ضمان لشئ من ذلك سلموا أو لم يسلموا لأنه
اختار إتلاف ماله لغرض، فإن أخذ مال غيره فألقاه في البحر بغير إذن صاحبه كان
عليه ضمان ذلك سلموا أو لم يسلموا لأنه أتلف مال غيره بغير إذنه، فإن قال واحد
منهم لبعض أصحاب المال: ألق متاعك في البحر ليخفف عنا ما نحن فيه، فقبل
منه فلا ضمان عليه من ماله سلموا أو هلكوا (أو لم يسلموا خ ل) فإن قال: ألق
متاعك في البحر وعلى ضمانه، فألقاه كان عليه ضمانه، فإن لم يخافوا الغرق وقال
لغيره: ألق متاعك في البحر، ففعل لم يلزمه ضمان، وإذا قال: ألق متاعك في
البحر على أني وركاب السفينة ضامنون ذلك،
والضمان ضربان: ضمان اشتراك وضمان اشتراك وانفراد.
فأما ضمان الاشتراك فمثل أن يقول جماعة لغيرهم: ضمنا لك الألف الذي لك
على زيد، فيكون جميعهم ضامنون لذلك وكل واحد منهم ضامن لعشر الألف فله أن
يطالبهم معا بالألف ويطالب كل واحد منهم بعشر الألف، وأما ضمان الاشتراك
والانفراد فمثل أن يقولوا: ضمنا لك وكل واحد منا الألف الذي لك على زيد،
فيكون الجميع ضامنين لكله وكل واحد ضامن لكله، فإن قال واحد منهم: ضمنت
لك أنا وأصحابي مالك على زيد، وسكت أصحابه ولم يكونوا وكلوه في ذلك كان
193

عليه ضمان العشر من الألف لأنه لم يضمن الكل وإنما يضمن بالحصة،
فإذا كان الضمان على ما بيناه كان إلقاء المتاع في البحر على ذلك، فإن كان
الضمان فيه ضمان اشتراك وانفراد ضمن كل واحد منهم جميع المتاع، فإن قال:
ألقه على أني وركبان السفينة ضمناء، فسكتوا ضمن بالحصة أيضا، فإن قال:
على أني وكل واحد منهم ضامن، ضمن الكل، فإن قال: على أني وهم ضمناء
وقد ضمنت بإذنهم، فأنكروه كان عليه الضمان دونهم، فإن قال: على أني أؤدي
لك من مالهم، كان عليه الضمان دونهم، فإن قال: أنا ألقيه، ثم ألقاه كان عليه
ضمان الجميع.
وإذا خرق السفينة فغرق ما فيها وكان الذي فيها مالا ومتاعا وما جرى مجراه
كان عليه ضمان جميعه ولا فرق في ذلك بين أن يكون عمدا أو خطأ أو شبيه
العمد، فإن كان فيها أحرارا وكان خرقه لها عمدا - مثل أن قلع منها لوحا وتكون
في لجة البحر بعيدا من الشط - فهو عمد محض وعليه القود، وإن كان خطأ محضا -
مثل أن يكون في يده حجر أو فأس فسقط منها فخرقها - كان على عاقلته الدية
والكفارة في ماله، وإن كان عمد الخطأ - مثل أن قلع لوحا ليدخل غيره عوضا
منه أو يصلح مسمارا فانخرقت فذلك عمد الخطأ - فعليه في ماله الدية مغلظة
والكفارة في ماله أيضا.
وإذا تجارح اثنان فجرح كل واحد منهما الآخر وادعى واحد منهما أنه جرح
صاحبه دفعا عن نفسه وأنكر الآخر ذلك كان القول قول المنكر مع يمينه لأن الظاهر
حصول الجناية وهو يدعي الإسقاط كان القول قوله مع يمينه لما ذكرناه.
وإذا سلم ابنه إلى السابح ليعلمه السباحة فغرق فإن كان كبيرا بالغا لم يكن
على المعلم ضمان لأن البالغ العاقل إذا غرق في تعلم السباحة كان هو الذي ترك
الاحتياط في حق نفسه فليس على غيره ضمان، وإن كان المتعلم غير بالغ كان على
معلمة السابح ضمانه لأنه أتلفه بالتعليم كما لو ضرب معلم صبيا على التعليم
فمات ولأنه فرط فيه وكان يجب عليه الاحتياط في حفظه وملازمة رجليه، فإذا لم
194

يفعل كان مفرطا وجب الضمان عليه وذلك عمد الخطأ فعليه الدية في ماله مغلظة
مؤجلة على ما قدمناه.
وإذا غشيت الدابة إنسانا فزجرها لئلا تطأه فجنت عند زجره لها جناية على
راكبها أو على غيره لم يكن عليه شئ، فإذا نفرها انسان فرمت راكبها أو جنت
على غيره كان ضمان ما أصاب راكبها أو غيره على الذي نفرها، وإذا ركبها انسان
وساقها فوطئت إنسانا أو كسرت شيئا كان ضامنا لما يصيبه بيديها ولم يكن عليه
شئ فيما يصيبه برجليها، وإذا ضربها فرمحت فأصابت شيئا كان عليه ضمان ما
أصابته بيديها أو رجليها.
وإذا ساق دابة فوطئت شيئا بيديها أو رجليها كان عليه ضمان ذلك، فإن كان
يقودها كان عليه ضمان ما يصيبه بيديها دون ما يصيبه برجليها إلا أن يضربها
فترمح برجلها فتصيب شيئا فإنه يكون ضامنا له.
وإذا آجر انسان دابته لغيره فركبها وساقها فوطئت شيئا كان ضمانه على مالك
الدابة دون راكبها هذا إذا كان مالكها معها، فإن لم يكن معها وكان الراكب هو
الذي يدبرها ويراعيها لم يكن على مالكها شئ وكان على راكبها الضمان.
وإذا رمت الدابة راكبها لم يكن على المؤجر لها شئ كان معها أو لم يكن معها
إلا أن يكون نفرها فيكون ضامنا لما يحدث منها من الجناية، وحكم الدابة في كل
ما ذكرناه وحكم ما يركب من الدواب والجمال على حد واحد لا يختلف.
وإذا حمل انسان على رأسه متاعا بأجرة فكسره أو أصاب به انسان كان ضامنا
له، فإن دفعه دافع كان ضمان ذلك على الدافع له.
وإذا قال انسان لغيره: أعطني أو أعرني ولدك يطلع لي نخلة، فدفعه إليه فصعد
الولد النخلة فسقط منها فهلك لم يكن عليه شئ لأنه قد بين له أنه يصعد النخلة ولو
لم يكن بين له كان عليه ضمانه.
وإذا قتل انسان مجنونا عمدا كان عليه ديته ولم يكن فيه قود، فإن كان
المجنون أراده فدفعه عن نفسه فقتله لم يكن عليه شئ ويكون دم المجنون هدرا، وإن
195

كان قتله خطأ كانت الدية على عاقلته.
فإن قتل المجنون إنسانا كان عمده وخطأه واحدا تجب الدية فيه على عاقلته،
فإن لم يكن له عاقلة كانت على بيت المال.
وإذا قتل انسان غيره وعقله سليم ثم جن قتل به.
وإذا قتل انسان غيره وهو أعمى كان عمده وخطأه واحدا تجب الدية فيه على
عاقلته، وقد تقدم طرف من ذلك.
وإذا ضرب انسان غيره ضربة سألت عيناه منها فضرب المضروب الضارب فقتله
كان على عاقلة القاتل دية المقتول ولم يكن عليه قود لأنه حين ضربه فقتله كان
أعمى وقد قدمنا القول بأن عمد الأعمى وخطأه سواء، فإن لم يكن له عاقلة كانت
الدية في ماله خاصة يؤديها في ثلاث سنين ويرجع بدية عينيه على وارث الذي ضربه
فيأخذ ذلك من تركته.
وإذا وطأ رجل زوجته ولم تبلغ تسع سنين فأفضاها كان عليه ديتها والنفقة
عليها إلى حين موتها لأنه قد جعلها بحيث لا تصلح للرجل، فإن وطأها بعد تسع
سنين فأفضاها لم يكن عليه شئ.
وإذا رمى انسان نارا في دار غيره متعمدا فاحترقت الدار وما فيها كان عليه
ضمان جميع ما هلك بالنار من نفس ومتاع ويجب عليه القتل بعد ذلك، فإن أشعل
نارا في داره أو شئ من ملكه وحملته الريح إلى موضع آخر فاحترق لم يكن عليه
شئ.
وإذا أحدث انسان حدثا في طريق المسلمين ليس هو بحق أو أحدثه في ملك
غيره بغير إذن المالك مثل حفر بئر أو بناء جدار أو نصب خشبة أو اخراج ميزاب أو
كنيف أو ما أشبه ذلك فوقع فيه انسان أو زلق به أو لحقه منه شئ من هلاك أو تلف
شئ من الأعضاء أو كسر شئ من الأمتعة كان عليه ضمان ما يصيبه، فإن أحدث
في الطريق ما له إحداثه لم يكن عليه شئ.
وإذا اغتلم البعير كان على صاحبه حبسه وحفظه، فإن جنى جناية قبل أن يعلم
196

به لم يلزمه شئ، فإن علم به وفرط في حفظه كان عليه ضمان جميع ما يصيبه من
قتل نفس أو غير ذلك، فإن كان الذي جنى البعير عليه ضرب البعير فجرحه أو قتله
كان عليه مقدار ما جنى عليه مما ينقص من ثمنه يطرح من دية ما كان جنى عليه
البعير.
وإذا هجمت دابة على أخرى في موضعها فجرحتها أو قتلتها كان على مالكها
ضمان ذلك، وإن دخلت الدابة عليها في موضعها فأصابها شئ لم يلزم فيها ضمان
شئ من ذلك.
فإذا أصاب انسان خنزير ذمي فقتله كان عليه قيمته، فإن جرحه كان عليه ما
نقص من ثمنه عند أصحابه.
وإذا ركب اثنان دابة فجنت جناية كان أرش ذلك عليهما بالسوية.
وإذا وطأ امرأة في دبرها فألح عليها فماتت من ذلك كان ضامنا لديتها.
وإذا انفلتت دابة فرمحت إنسانا فقتلته أو أتلفت شيئا أو كسرت عضو انسان
لم يكن على صاحبها شئ.
وإذا دخل انسان دار قوم بإذنهم فعقره كلبهم كان عليهم ضمان ذلك، فإن
دخل بغير إذنهم لم يجب عليهم شئ.
وإذا أركب انسان عبدا له دابة فجنت الدابة جناية كان ضمان ذلك على سيد
العبد.
وإذا عبر الراعي بالغنم على قنطرة أو جسر فازدحمت عليه فوقع منها شئ فهلك
فإن كان ضربها أو صرخ بها بخلاف العادة كان عليه ضمان ذلك، وإن لم يكن
فعل ذلك لم يكن عليه شئ هذا إذا كان ذلك طريقه، فأما إن كان مضى بها فيما
ليس هو طريقه وأصابها على القنطرة أو الجسر ذلك كان عليه الضمان.
وإذا استأجر عبدا بغير إذن سيده أو صبيا بغير إذن والده أو وليه فأصابها شئ
كان عليه الضمان.
وإذا استسقى رجل من قوم فلم يسقوه وهم متمكنون مما يسقونه منه وتركوه
197

حتى مات كان عليهم ديته.
وإذا وقف جماعة على زبية أسد أو شفير واد أو نهر جزار فزلت رجل أحدهم
فسقط وتعلق بآخر وتعلق الثاني بثالث وتعلق الثالث برابع وهلك جميعهم كان على
الأول ثلث دية الثاني وعلى الثاني ثلثا دية الثالث وعلى الثالث دية الرابع كاملة
وليس على الرابع شئ لأنهم بمنزلة المشتركين في قتل الرابع والرابع لم يجن على
واحد منهم، وكذلك الحكم لو كانوا أكثر من أربعة في أنه يكون نقص دية غير
الأخير منهم على جميعهم.
وإذا دخل ستة غلمان الماء فغرق واحد منهم فشهد اثنان منهم على الثلاثة
بأنهم غرقوه وشهد الثلاثة على الاثنين أنهما غرقاه فيجب أن تفرض الدية أخماسا:
على الاثنين ثلاثة أخماس الدية وعلى الثلاثة خمسا الدية.
وإذا شرب أربعة نفر خمرا فتباعجوا بالسكاكين أو غيرها فمات منهم اثنان
وجرح اثنان فالحكم فيهم: أن يضرب المجروحان كل واحد منهما ثمانين جلدة
ويكون عليهما دية المقتولين ثم تقاس جراحتهما وترفع من الدية، وإن مات واحد
من المجروحين لم يكن على أولياء المقتولين شئ.
وإذا ركبت جارية جارية فنخستها أخرى فقمصت المركوبة فصرعت الراكبة
فماتت كانت الدية على الناخسة والقامصة نصفين، وروي: أن عليهما ثلثي الدية
وسقط الثلث الباقي لركوب الميتة عليها، والأول أظهر.
وإذا قطع الختان حشفة غلام كان عليه ضمان ذلك.
وإذا تطبب انسان أو تبيطر فليأخذ البراءة وإلا كان ضامنا لما يحدثه من جناية.
باب البينات على القتل والقسامة:
القتل يثبت بأمرين: بينة أو إقرار.
فأما البينة فهي شهادة شاهدين عدلين بأن المدعى عليه قتل المقتول، وأما
198

الإقرار فهو إقرار القاتل على نفسه بأنه قتل المقتول، ولا فصل في هذين الوجهين بين
أن يكون القتل عمدا أو خطأ في أن الحكم يثبت بكل واحد منهما.
فإن لم يكن لأولياء الدم شاهدان يشهدان لهم على القاتل بأنه قتل صاحبهم
كان عليهم القسامة وهي ضربان: أحدهما قسامة قتل العمد والآخر قسامة قتل
الخطأ.
وقسامة قتل العمد خمسون رجلا من أولياء المقتول يقسم كل واحد منهم بالله
تعالى أن زيد المدعى عليه قتل عمروا صاحبهم، وأما قتل الخطأ فقسامته خمسة
وعشرون رجلا يحلفون كذلك، فإذا ثبت البينة أو القسامة بالقتل وجب على المدعى
عليه القود إن كان القتل عمدا أو الدية إن رضي أولياء الدم بها وإن كان القتل
خطأ محضا أو شبيه العمد وجب على المدعى عليه أو على عصبته الدية على ما تقدم
ذكره.
وإذا قامت بينة بالقتل على ما بيناه فلا قسامة، والقسامة إنما تكون مع التهمة
الظاهرة مثل أن يكون الذي يسند القتل إليه أو قبيلته أعداء للمقتول بشر (بسبب
خ ل) متقدم بينهم وبين المقتول أو بينه وبين بعض أهله أو يشهد على المدعى عليه
بالقتل من لا تقبل شهادته كالنساء وغيرهن من (ممن - ظ) ليس هو من أهل
العدالة أو يشهد عدل واحد بذلك أو قال المقتول: فلان هو القاتل، أو شئ مما
أشبه ذلك مع اللطخ، فإذا كان الأمر على ما ذكرناه وكان المقتول مسلما وجبت
القسامة على أولياء الدم، فإذا وجبت عليهم فينبغي أن يقسم على أن فلانا قتل
المقتول إن كان واحدا وإن كان القاتل اثنين أقسموا على أن فلانا وفلانا قتلا
صاحبنا فلانا، وكذلك إن كان أكثر من ذلك ذكروه في القسامة.
وإذا لم يكن لأولياء الدم بينة تشهد لهم بأن المدعى عليه هو القاتل لصاحبهم
ولا لهم أيضا قسامة منهم كان على المدعى عليه إحضار خمسين رجلا يحلفون عنه أنه
برئ مما ادعى عليه من القتل، فإذا حلفوا كذلك برأ ذمته مما ادعى عليه من
ذلك، فإن لم يكن له ذلك ردت الأيمان عليه حتى يستكمل خمسين يمينا أنه برئ
199

من ذلك، فإن حضر أقل من عدة (عدد - خ ل) القسامة استحلف الحاضرون منهم
وكررت عليهم الأيمان حتى يستكمل خمسين يمينا.
فإن أقسم القوم القسامة كلها بأن فلانا هو القاتل لصاحبهم وثبتت بينة عادلة
قبل أن يحكم في المدعى عليه أن القاتل لصاحبهم غيره حكم بالبينة وبطلت
القسامة ولم يكن لهم على من أقسموا سبيل.
وإذا وجبت القسامة لقوم ولم يرفعوا إلى الحاكم أمرهم ولا قطع بها حكم حتى
مات القوم أو مات بعضهم كان لورثته مثل ما لهم من ذلك.
والبينة في الأعضاء مثل البينة في النفس، وكل ما تجب الدية فيه من أعضاء
الانسان مثل العينين والسمع واليدين جميعا فإن القسامة فيه وهي: ستة رجال
يقسمون أن المدعى عليه فعل ما ادعوه بصاحبهم، فإن لم يكن للمدعي قسامة
كررت عليه ستة أيمان، فإن لم يحلف أو لا يكون له من يحلف طولب المدعى عليه
بقسامة ستة رجال يقسمون على أنه برئ مما ادعوه عليه.
وفيما نقص من الأعضاء القسامة على قدر ذلك إن كان سدس العضو فرجل
واحد يقسم بذلك وإن كانت ثلث العضو فرجلان يقسمان به وإن كان النصف
فثلاثة رجال وعلى هذا الحساب، فإن لم يكن له من يقسم كان عليه بعد ذلك
الأيمان إن كان السدس فيمين واحدة وإن كان ثلثا فيمينان وعلى هذا الحساب
كما تقدم ذكره، فإن لم يكن للمدعي من يحلف عنه وامتنع هو من اليمين طولب
المدعى عليه إما بمن يحلف عنه أو بتكرير الأيمان عليه كما يلزم المدعي على ما تقدم
ذكره.
وأما الإقرار فالمراعى أن يقر القاتل - وهو حر كامل العقل غير مجبر ولا مكره -
على نفسه بالقتل مرتين، فإن أقر وهو مملوك أو ناقص العقل أو مجبر أو مكره لم يكن
لإقراره تأثير ولا يقبل على وجه.
وإذا كان القتل عمدا وشهد شاهدان على انسان بأنه قتل المقتول وشهد
شاهدان بأن القاتل غيره سقط القود هاهنا ووجبت الدية على الاثنين المشهود
200

عليهما نصفين.
وإذا كان القتل شبيه العمد كان الحكم فيه كذلك، وإن كان خطأ محضا
كانت الدية فيه على عاقلتهما نصفين.
وإذا اتهم رجل بأنه قتل رجلا وأقر هو بذلك ثم أقر آخر بأنه هو القاتل له دون
الأول ورجع الأول عن إقراره درئ عنهما جميعا القود والدية أيضا، ودفعت
الدية إلى أولياء الدم من بيت المال.
وإذا قامت بينة على انسان بأنه قتل غيره عمدا وأقر آخر بأنه هو القاتل لذلك
الانسان بعينه عمدا كان أولياء الدم مخيرين في أن يقتلوا من أرادوا منهما إلا أنه
متى أرادوا قتل المشهود عليه لم يكن لهم على المقر سبيل ويرجع أولياء المشهود عليه
على المقر بنصف الدية، وإن قتلوا المقر لم يكن لهم على المشهود عليه سبيل ولا
لأولياء المقر عليه أيضا سبيل، وإن أرادوا قتلهما جميعا قتلوهما وردوا على أولياء
المشهود عليه نصف الدية بغير زيادة على ذلك، فإن يطلبوا الدية كان ذلك على
المشهود عليه وعلى المقر نصفين.
وإذا قتل رجل رجلا وادعى القاتل أنه وجده مع زوجته كان عليه القود إلا أن
يقيم البينة بما ادعاه.
وإذا أقر اثنان بأنهما قتلا إنسانا فاختلفا فقال الواحد منهما: قتلته عمدا،
وقال الآخر: قتلته خطأ، كان أولياء الدم مخيرين فيهما، فإن عملوا على قول المقر
بالعمد لم يكن لهم على المقر بالخطا سبيل، وإن عملوا على قول المقر بالخطا لم يكن
لهم على المقر بالعمد سبيل.
وإذا اتهم انسان بالقتل وجب أن يحبس ستة أيام، فإن أحضر المدعي بينة
تشهد له بما ادعاه أو فصل الحكم فيه وإلا أطلق من الحبس ولم يكن للمدعي سبيل
عليه.
201

باب العاقلة:
الاجماع منعقد على أن العاقلة تحمل دية الخطأ إلا الأصم وخلافه غير قادح فيما
انعقد عليه الاجماع.
والعاقلة التي تحمل ذلك هم كل عصبة خرجت عن الوالدين والمولودين وهم
الآخرة وأبناؤهم والأعمام وأبناؤهم وأعمام الأب وأبناؤهم والموالي، فإذا كانت
العاقلة هي من ذكرناه فينبغي أن يبدأ فيها بالأقرب فالأقرب على ترتيب الميراث،
ولا يلزم ولد أب وهناك من هو أقرب منه، فالأقرب الإخوة وأبناؤهم ثم الأعمام ثم
أبناؤهم ثم أعمام الأب ثم أبناؤهم، فإذا لم يبق أحد من العصبات فالمولى، فإذا
لم يكن مولى فبيت المال.
وأكثر ما يحمله كل رجل من العاقلة نصف دينار إن كان موسرا فإن لم يكن
موسرا فربع دينار، فإذا كان له أخ والعقل دينار كان عليه نصف دينار والباقي على
بيت المال وإن كان له أخوان كان على كل واحد منهما نصفه، فإن كان العقل
دينارين وله أخ وابن أخ وعم وابن عم كان على كل واحد نصف دينار، فإن كان
العقل خمسة دنانير وله عشرة إخوة فعلى كل واحد منهم نصف دينار وعلى هذا يجري
الأمر في ذلك أبدا.
فإن اجتمع له أخوان وكانا لأب أو لأب وأم كانا في ذلك سواء، فإن كان
أحدهما لأب والآخر لأب وأم كان على الأولى بالميراث وهو الأخ من الأب والأم،
وليس على النساء ولا الصبيان ولا المجانين عقل.
والذي يتحمل العقل عن القاتل من العاقلة من كان غنيا أو متحملا وليس على
الفقير أن يتحمل منها شيئا، ويعتبر الغنى والفقر وقت المطالبة والاستيفاء وهو عند
حلول الحول ولا يعتبر ذلك قبل المطالبة، فمن كان غنيا عند دخول الحول طولب
بذلك وإن كان فقيرا فيما تقدم، ومن كان فقيرا ترك وكذلك يفعل عند دخول كل
حول.
وإذا حال الحول على موسر وجبت عليه المطالبة، فإن مات بعد ذلك لم تسقط
202

عنه وكان ما وجب عليه ثابتا في تركته، وقد ذكرنا في ما تقدم أن دية الخطأ
تستأدى في ثلاث سنين في كل سنة نجم.
وإذا جنى انسان على نفسه جناية فيها تلف نفسه أو قطع عضو منها عمدا كان
ذلك منه أو خطأ كان هدرا.
وأما المولى فإن كان من فوق - وهو المعتق المنعم - فإنه يعقل عن المولى من
أسفل - وهو المعتق المنعم عليه - لأن رسول الله ص قال: الولاء
لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب ولا يورث، فشبهه بالنسب.
وبالنسب يتحمل العقل فكذلك بالولاء فإن الولاء لا يعقل وإنما يعقل إذا لم يكن للقاتل
عصبة أو كان له عصبة لا يتسع حالها لتحمل الدية، فإذا كان إنما يعقل بعد
العصبات ووجبت الدية وحال الحول فرق الثلث على العصبات على الإخوة وأبنائهم
ثم الأعمام وأبنائهم ثم أعمام الأب وأبنائهم على هذا الترتيب أبدا، فإذا لم يبق له
عصبة مناسب تحمل المولى ما بقي، فإن اتسعوا لما بقي وإلا فعلى عصبة المولى ثم على
مولى الموالي (المولى - خ ل) فإن لم يتسعوا فعلى عصبتهم على ترتيب الميراث، فإن
لم يتسعوا وفضل فضل فمن بيت المال يؤخر بيت المال عن الموالي كما يؤخر عنهم في
الميراث، فإن كان بيت المال ليس فيه مال تأخرت حتى يحدث من يحملها من بيت
المال.
فأما المولى من أسفل فليس يعقل المولى من فوق.
وإذا وضع انسان حجرا في طريق المسلمين أو في ملك غيره فتعقل به انسان فوقع
فمات أو نصب مكان الحجر سكينا فوقع عليها انسان فمات أو وضع حجرا في هذا
الموضع ونصب قريبا منه سكينا فتعقل بالحجر فوقع على السكين فمات كان على
فاعل ذلك الدية في ماله لأنه متعمد وهو في ذلك بمنزلة الدافع للذي مات.
فإن كان ذلك من اثنين مثل أن وضع أحدهما في هذا الموضع حجرا ونصب
الآخر سكينا قريبا منه فتعقل انسان بالحجر فوقع على السكين فمات كانت الدية
على واضع الحجر وحده لأنه كالدافع له على السكين، وكذلك لو وضع أحدهما
203

حجرا وحفر الآخر قريبا منه بئرا فتعقل انسان بالحجر فسقط في البئر كان على واضع
الحجر الضمان كما إذا دفعه في البئر، فإن كان هذا الواضع في ملكه فوضع فيه
حجرا أو نصب سكينا أو وضع الحجر ونصب السكين فتعقل انسان بالحجر فوقع على
السكين أو وقع فمات لم يكن عليه ضمان لأنه فعل ما له فعله والتعدي كان من
الهالك لأنه فرط بدخوله غير ملكه فهدر دمه.
فإن كان ذلك من اثنين وضع المالك الحجر ونصب الأجنبي سكينا فتعقل
انسان بالحجر فوقع على السكين فمات كان على صاحب السكين الضمان دون
الواضع للحجر لأن الناصب هو المتعدي دون صاحب الحجر، وكذلك لو أن المالك
نصب السكين ثم وضع الحجر أجنبي كان الضمان على واضع الحجر الأجنبي لأن
المتعدي هو.
وإذا حفر بئرا فسقط فيها انسان أو بهيمة فهلك وكان ذلك في ملكه لم يكن
عليه شئ لأن له أن يفعل في ملكه ما أراد، وكذلك الحكم إذا حفرها في موات
ليملكها به لأنه لا فرق بين ذلك وبين أن يفعله في ملكه.
فإن حفر البئر في غير ملكه بغير إذن المالك كان ضمان ما يتلف بذلك على الحافر
للبئر لأنه تعدى بحفرها، فإن أبرأه المالك وقال: قد رضيت بحفرك، وأقره عليه زال
الضمان عنه.
وإذا حفر بئرا في طريق المسلمين وكان الطريق ضيقا كان عليه الضمان سواء
حفرها بإذن الإمام أو بغير إذنه لأنه لا يملك الإذن فيما يضيق على المسلمين ويلحقهم
بذلك الضرر.
وإذا بنى انسان في ملكه حائطا مستويا فسقط دفعة واحدة فأتلف شيئا من
الأنفس والأموال لم يكن عليه شئ لأن له أن يصنع في ملكه ما أراد من غير
تفريط، وكذلك الحكم إذا بناه في ملكه مائلا إلى ملكه، وكذلك إذا بناه في ملكه
فمال بنفسه إلى ملكه أو بناه مائلا في الأصل.
فإن بناه في ملكه مستويا فمال إلى الطريق أو إلى دار جاره وطالبه جاره بنقضه
204

وأشهد عليه أو لم يشهد فوقع فأتلف نفسا أو غيرها فإن كان ذلك قبل المطالبة
بنقضه وقبل الإشهاد لم يكن عليه الضمان، وإن كان بعد ذلك كان عليه الضمان
إذا كان قادرا ومتمكنا من نقضه فلم يفعل، فإن لم يكن قادرا ولا متمكنا من
ذلك لم يكن عليه شئ.
وإذا أخرج جناحا إلى طريق المسلمين فوقع على انسان فقتله أو أصاب بوقوعه
شيئا فأتلفه كان عليه الضمان.
وإذا كان الحائط بين دارين فتشقق وتقطع وخيف من سقوطه ولم يمل إلى دار
أحدهما لم يكن لأحدهما مطالبة شريكه بنقضه، لأنه إذا مال إلى هواء دار الجار فقد
حصل في ملكه وكان له المطالبة بإزالته كما لو عبر غصن من شجرته إلى دار جاره
فإن له المطالبة بإزالته بقطع أو غيره.
وإذا أراد اخراج جناح إلى شارع المسلمين أو إلى درب نافذ أو غير نافذ وبابه فيه
أو أراد عمل ساباط فكان قد عمل ذلك على وجه يستضر به المجتازون والعابرون
منع منه، وإن لم يكن كذلك لم يمنع منه.
وإذا مشى انسان بين الرماة والهدف فأصابه سهم من الرماة كان ذلك خطأ لأن
الرامي لم يقصده وإنما قصد الهدف، فإن كان معه صبي فقربه إلى طريق السهم
فوقع السهم فيه فقتله كان على الذي قربه الضمان دون الرامي لأن الرامي ما قصده
والذي قربه عرضه لذلك.
وإذا بالت دابته في الطريق فزلق به انسان فمات كانت الدية عليه سواء كان
راكبا أو قائدا أو سائقا لأن يده عليها كما لو بال هو في هذا المكان.
وإذا أكل شيئا فرمى بقشره في الطريق مثل الخيار والبطيخ والقثاء كان الحكم
إذا زلق به انسان مثل ما تقدم، وكذلك إذا رش في طريق ماء فزلق به انسان فهلك
فإن عليه الضمان في كل ذلك.
205

باب دية الجنين والميت إذا قطع رأسه أو بعض أعضائه:
دية الجنين تلزم بحسب ما تلقيه أمه وذلك على وجوه منها: أن يضرب انسان
بطن امرأة حامل أو يضربها بحيث تلقي ما في بطنها فتلقى ذلك نطفة ففيه عشرون
دينارا، فإن ألقته علقة كان عليه فيه أربعون دينارا، فإن ألقته مضغة كان فيه ستون
دينارا، فإن ألقته وفيه عظم كان فيه ثمانون دينارا، فإن ألقته وقد اكتسى لحما
وكمل خلقه ولم ينشأ فيه الروح كان فيه مائة دينار، فإن ألقته فيما بين شئ من
هذه الوجوه الخمسة كان فيه بحساب ذلك.
وإذا ألقت المرأة جنينا وادعت حياته وأنكر الجاني ذلك كان عليها البينة
والقول قول الجاني مع يمينه بأنه كان ميتا.
وإذا ضرب رجل امرأة فادعت أنها ألقت جنينا وأنكر الجاني ذلك كان القول
قوله مع يمينه، فإن ثبت لها بذلك بينة حكم لها بها.
وإذا قتلت امرأة وهي حامل ومات الولد في بطنها ولم يعلم هل هو ذكر أو أنثى
كان على الجاني دية امرأة كاملة وفي ولدها نصف دية رجل ونصف دية امرأة،
تكون جملة ذلك اثنا عشر ألف درهم وخمس مائة درهم.
وإذا قطع شئ من جوارح الجنين - الذي ليس بحي - وأعضائه كان فيه
الدية من حساب جوارح الجنين الذي ليس بحي وهي مائة دينار.
وإذا شربت امرأة دواء لتلقي ما في بطنها وألقتها كان عليها الدية بحساب ما
قدمنا ذكره لوارث المولود دونها.
ودية الجنين الذمي عشر دية أبيه، وما يكون من أعضائه بحساب ذلك.
ودية جنين الأمة إذا كانت حاملا من مملوك عشر قيمتها وما كان منه فبحسابه،
وفي جنين البهيمة عشر قيمتها، وفيما كان دون ذلك فبحسابه.
وإذا أفزع انسان رجلا وهو يجامع فعزل عن المرأة كان عليه لضياع النطفة عشر
دية الجنين وهو عشرة دنانير، فإن عزل الرجل عن زوجته الحرة غير المجنونة بغير إذنها
كان عليه مثل ما تقدم من دية ضياع النطفة عشرة دنانير، فإن عزل عن الأمة لم
206

يكن عليه شئ.
وحكم الميت حكم الجنين وديته كديته سواء، فإذا فعل انسان بميت فعلا لو
فعله بالحي لكان فيه تلف نفسه كان عليه مائة دينار وفيما يفعل به من قلع عين أو
قطع يد أو كسرها أو جراحة فبحساب ديته، ودية الحي يستحقها وارثه ودية الميت
لا يستحقها منهم أحد بل هي له يتصدق بها عنه.
وإذا ضرب رجل أمة أو ذمية فأعتقت الأمة أو أسلمت الذمية قبل أن تلقى
جنينها ثم ألقته بعد ذلك كان حكمه حكم أمة في وقت الولادة.
باب الجنايات على الحيوان:
متى أتلف حيوانا لغيره وكان الحيوان مما لا يقع عليه الذكاة من الفهود
والصقور وما أشبه ذلك مما يجوز للمسلم تملكه كان عليه قيمته يوم أتلفه، فإن أتلف
عليه شيئا مما لا يحل للمسلم تملكه لم يكن عليه شئ وإن أتلف شيئا من ذلك
على ذمي كان عليه قيمته.
فإن أتلف عليه شيئا مما يقع الذكاة عليه على وجه يمنعه من الانتفاع به كان
حكمه أيضا حكم ما لا يقع عليه الذكاة في أنه يجب عليه قيمته في يوم إتلافه، فإن
أتلفه على وجه يمكنه الانتفاع به كان لصاحبه الخيار بين أن يلزمه قيمته يوم أتلفه
ويسلم إليه ذلك الشئ أو يطالبه بقيمة ما بين كونه متلفا وكونه حيا.
ودية الكلب السلوقي أربعون درهما، ودية كلب الحائط والماشية عشرون
درهما، وفي كلب الزرع قفيز من طعام، وليس في غير ما ذكرناه من الكلاب شئ.
وجراح البهائم وقطع أعضائها يجري على حسب ما قدمناه، وإن (فإن - ظ
) كان الحيوان مما يتملك كان فيه أرش ما بين قيمته صحيحا ومعيبا، وإن كان
مما لا يتملك فحكم جراحة وكسره حكم إتلاف نفسه.
فإذا كسر انسان عظم بعير أو بقرة أو شاة أو ما أشبه ذلك كان عليه أرشه كما
قدمناه، وليس له خيار في أخذ قيمته وتسليمه إلى الجاني عليه.
207

وإذا كان البعير بين أربعة نفر فعقل واحد منهم يده فتخطى إلى بئر فوقع فيها
فاندق كان على الشركاء الثلاثة للذي عقله ربع قيمته، لأنه حفظ وضيع عليه
الباقون بترك عقالهم إياه.
وإذا فقأ عين بهيمة كان عليه ربع قيمتها.
وإذا جنت بهيمة انسان على غيره جناية أو على بهيمة فإن كانت الجناية بتفريط
وقع منه في حفظها أو تعد في استعمالها كان عليه ضمان جنايتها كائنا ما كان وإن
كان بغير ذلك لم يكن عليه شئ، فمن ذلك جناية غنم الانسان على زرع فإنه إن كان
ترك حفظها ليلا حتى دخلته وأكلته وأفسدته كان عليه ضمان ذلك وإن كان إفسادها كذلك نهارا من غير سبب لم يكن عليه شئ.
وإذا أتلف انسان على مسلم شيئا من الملاهي التي لا يجوز له تملكها مثل
العيدان والطنابير وآلات الزمر وما أشبه ذلك لم يكن عليه شئ، فإن أتلف من
ذلك شيئا على ذمي في حرزه كان عليه ضمانه.
باب ما لا دية فيه ولا قود ومن لا يعرف قاتله والقاتل في الحرم والأشهر الحرم:
إذا قصد انسان غيره يريد نفسه أو ماله فدفعه المقصود إليه عن نفسه فأدى الدفع
له إلى قتله كان دمه هدرا.
ومن مات في زحام على جسر أو على عبور موضع أو في يوم عرفة أو يوم جمعة أو ما
أشبه ذلك من المواضع التي يزدحم الناس عليها (فيها - خ ل) ولا يعرف له قاتل
وكان له ولي يطلب ديته كان ديته على بيت المال، فإن لم يكن له ولي فلا دية
له.
وإذا وجد قتيل في قرية أو قبيلة أو وجد على باب دار قوم ولا يعرف له قاتل
ويكونون متهمين بقتله ويمتنعون من القسامة كانت ديته على أهل تلك القرية أو
القبيلة أو الدار، فإن لم يكونوا متهمين أو أجابوا إلى القسامة لم يكن عليهم شئ
وكانت ديته على بيت المال.
208

وإذا وجد قتيل بين القريتين كانت ديته على أهل أقرب القريتين إليه، فإن
كانت القريتين في المسافة متساويتين كانت الدية على أهلهما جميعا بالسوية.
وإذا وجد قتيل بين عسكرين نازلين كان الحكم فيه مثل ما تقدم في القريتين.
وإذا رمى مسلم في حرب كافرا بسهم فأسلم الكافر قبل وصول السهم إليه لم
يكن له دية.
وإذا وجد قتيل مقطعا في مواضيع متفرقة كانت ديته على أهل المواضع التي
يكون فيها قلبه وصدره ولا شئ على الباقين إلا أن يتهم قوم آخرون بقتله فيحكم
فيهم بإقامة البينة أو القسامة.
وإذا وقفت قرعة الليل ووجد مجروح أو قتيل بين الناس لم يكن فيه أرش ولا
قصاص وكانت ديته على بيت المال.
وإذا دخل صبي دار قوم فوقع في بئرهم فمات وكان دخوله بإذنهم وهم متهمون
بعداوة بينهم وبين أهله كانت الدية عليهم، وإن كانوا مأمونين غير متهمين لم يكن
عليهم شئ.
وإذا وجد قتيل في صحراء أو أرش فلاة لم يكن فيها أحد كانت ديته على بيت
المال وإذا وجد قتيل في معسكر أو سوق ولم يعرف له قاتل كانت ديته على بيت
المال.
وإذا أراد انسان غلاما أو امرأة على فجور فدفعاه عن أنفسهما فمات كان دمه
هدرا.
وإذا مات انسان في قصاص أو حد لم يكن فيه دية ولا قود.
وإذا اطلع انسان على قوم في دارهم أو دخل عليهم دارهم بغير إذنهم فزجروه فلم
ينزجر فرموه فقتلوه أو فقئوا عينه لم يكن عليهم شئ وكان دمه هدرا.
وإذا قصد مجنون إنسانا بخشبة أو حجر أو سيف أو ما جرى مجرى ذلك فدفعه
عن نفسه فقتله كان دمه هدرا.
وإذا لعب الصبيان فرمى أحدهم غيرهم بخطره فدق رباعيته أو ما أشبه ذلك
209

وكان قد قال: حذار، لم يكن عليه قصاص.
وقد روي في امرأة أدخلت صديقها في حجلتها ليلة دخول زوجها بها وأنه لما
خلى الزوج بها ثار الصديق إليه واقتتلا فقتل الزوج الصديق ثم إن المرأة ضربت
زوجها ضربة فقتلته ثم إن المرأة تضمن دية الصديق وتقتل هي بزوجها.
وروي أيضا في لص دخل على امرأة فجمع الثياب ثم حملته نفسه على وطء
المرأة فلما وطأها ثار ابنها إليه فقتله اللص وأن المرأة حملت عليه بفأس فقتلته وجاء
أولياؤه من الغد يطلبون بدمه: فإن ضمان دية الغلام على أوليائه الذين طلبوا بدمه
ويضمن السارق فيما ترك أربعة آلاف درهم لمكابرة المرأة على فرجها لأنه زان وهو
في ماله غرامة وليس على المرأة في قتله شئ لأنه سارق.
وإذا قتل انسان غيره في الحرم أو في أحد الأشهر الحرم طلبت منه الدية للقتل
والثلث لانتهاكه حرمة الحرم والأشهر الحرم، وإن اختار أولياء المقتول القود كان
لهم ذلك.
وإذا قتل انسان غيره في غير الحرم ثم التجأ إلى الحرم ونحرم به لم يقتل فيه بل
يضيق عليه في المطعم والمشرب ويمنع من مبايعته ومعاملته حتى يخرج منه فيقام
الحد عليه، وكذلك الحكم في من التجأ في مثل ذلك إلى مشهد من مشاهد الأئمة
عليهم السلام.
210

فقه القرآن
لسعيد بن عبد الله بن الحسين بن هبة الله بن الحسن الراوندي
المتوفى 573 ه‍ ق
211

كتاب الديات
اعلم أن القتل على ثلاثة أضرب: عمد محض - ويجب فيه القود أو الدية على ما نبينه وخطأ
محض وخطأ شبيه العمد وفيهما الدية لا غير. وفي كل واحد منهما يجب على القاتل الكفارة
بعد أخذ الدية أو العفو على ما ذكرناه في باب الكفارة.
باب القتل العمد وأحكامه:
قال الله تعالى: ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها... الآية.
فالعمد المحض هو كل من قتل غيره وكان بصيرا بالغا كامل العقل بحديد
أو بغيره إذا كان قاصدا بذلك القتل أو يكون فعله مما قد جرت العادة بحصول الموت
عنده يجب عليه القود ولا يستفاد منه إلا بحديد، وإن كان قتل هو صاحبه بغير الحديد
ولا يمكن من تقطيع أعضائه وإن كان هو فعل ذلك بصاحبه بل يؤمر بضرب رقبته.
ويستوي في القاتل جميع ذلك ذكرا كان أو أنثى حرا كان أو مملوكا مسلما كان أو كافرا
وليس لأولياء المقتول إلا نفسه وليس لهم مطالبته بالدية، فإن فادى القاتل نفسه بمال جزيل
ورضوا به جاز.
أخبر الله تعالى في هذه الآية أن من يقتل مؤمنا متعمدا - يعني قاصدا إلى
قتله - أن
213

جزاؤه جهنم خالدا مؤبدا فيها وغضب الله عليه، وقد بينا أن غضب الله: هو إرادة عقابه
والاستخفاف به، ولعنه معناه: أبعده من رحمته.
وسأل سماعة أبا عبد الله ع عن قول الله: ومن يقتل مؤمنا متعمدا
فجزاؤه جهنم، قال: من قتل مؤمنا على دينه ولإيمانه فذاك المتعمد الذي قال الله تعالى في
كتابه: وأعد له عذابا عظيما، قلت: فالرجل يقع بينه وبين الرجل فيضربه بسيفه فيقتله،
قال: ليس ذاك التعمد الذي قال الله عز وجل.
وإن كان قتله متعمدا الغضب أو لسبب شئ من الدنيا فإن توبته أن يقاد منه، وهذا
حد من الله والتوبة منه مع الاستسلام.
وإن لم يكن علم به أحد وانطلق إلى أولياء المقتول فأقر عندهم بقتل صاحبهم،
فإن عفوا عنه فلم يقتلوه وأعطاهم الدية أو عفوه عن الدية أيضا أعتق نسمة وصام
شهرين متتابعين وأطعم ستين مسكينا كفارة وتوبة إلى الله تعالى.
فصل:
واختلفوا في صفة قتل العمد،
قال قوم: لا يكون قتل العمد إلا ما كان بحديد، وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه
والشافعي في رواية.
وقال آخرون: إن من قصد قتل غيره بما يقتل مثله في غالب العادة سواء كان
بحديدة حادة كالسلاح أو مثقلة من حديد أو خنق أو سم أو إحراق أو تغريق أو ضرب
بالعصا أو الحصى حتى يموت فإن جميع ذلك عمد يوجب القود، وبه قال الشافعي وأصحابه
واختاره الطبري وهو مذهبنا على ما ذكرناه، وقد أمر الله تعالى بذلك في قوله: يا أيها الذين
آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى.
فإن قيل: كيف قال " كتب عليكم " بمعنى فرض والأولياء مخيرون بين القصاص
والعفو؟
قلنا عنه جوابان: أحدهما أنه فرض عليكم ذلك إن اختار أولياء المقتول
القصاص والفرض قد يكون مضيقا وقد يكون مخيرا فيه، والثاني فرض عليكم ترك
214

مجاوزة ما حد لكم إلى التعدي فيما لم يجعل لكم، والقصاص الأخذ من الجاني مثل ما جنى
وذلك لأنه تال لجنايته.
فصل:
وقال بعض المفسرين: إن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى: وكتبنا عليهم فيها أن
النفس بالنفس، قال جعفر بن مبشر: ليس هذا عندي كذلك لأنه تعالى إنما أخبرنا أنه كتبها
على اليهود، قلنا: وليس في ذلك ما يوجب أنه فرض علينا لأن شريعتهم منسوخة بشريعتنا.
والذي نقوله نحن: إن هذه الآية ليست منسوخة لأن ما تضمنته معمول عليه
ولا ينافي قوله تعالى: " النفس بالنفس " لأن تلك عامة وهذه
خاصة ويمكن بناء تلك على هذه ولا تناقض ولا يحتاج إلى أن تنسخ إحديهما بالأخرى.
وقال قتادة: نزلت هذه الآية لأن قوما من أهل الجاهلية كانت لهم جولة على غيرهم
فكانوا يتعدون في ذلك فلا يرضون بالعبد إلا الحر ولا بالمرأة إلا الرجل فنهاهم الله بهذه الآية
عن مثل ذلك.
ويجوز قتل العبد بالحر والأنثى بالذكر إجماعا ولقوله تعالى: ومن قتل مظلوما فقد
جعلنا لوليه سلطانا، ولقوله تعالى: النفس بالنفس، وقوله تعالى: في هذه الآية: الحر بالحر
والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى، لا يمنع من ذلك لأنه تعالى لم يقل ولا
تقتل الأنثى بالذكر ولا العبد بالحر، وإذا لم يكن في الظاهر فما تضمنته الآية معمول به وما قلناه مثبت بما تقدم من الأدلة.
فأما قتل الحر بالعبد فعندنا لا يجوز، وبه قال الشافعي وأهل
المدينة، وقال أهل العراق: يجوز.
ولا يقتل الوالد بالولد عندنا وعند أكثر الفقهاء، وقال مالك: يقتل به على بعض
الوجوه.
فأما قتل الوالدة بالولد فعندنا تقتل به، وعند جميع الفقهاء: أنها جارية مجرى
الأب.
فأما قتل الولد بالوالد فيجوز إجماعا، ولا يقتل مولى بعبده.
ويجوز قتل الجماعة بواحد إجماعا ولقوله تعالى: ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه
215

سلطانا، إلا أن عندنا يرد أولياء المقتول فاضل الدية وعندهم لا يرد شئ على حال.
وإذا اشترك بالغ مع طفل أو مجنون فعندنا لا يسقط القود عن البالغ، وبه قال
الشافعي، وقال أهل العراق: يسقط.
فصل:
ثم قال سبحانه: فمن عفي له من أخيه شئ، معنى عفي ههنا: ترك، من عفت
المنازل أي تركت حتى درست، والعفو عن المعصية: ترك العقاب عليها.
والعفو عن القتل يكون على وجهين:
أحدهما: أن يعفو أولياء المقتول عن القاتل ويصفحوا عنه ولا يطلبون منه شيئا إما
للتقرب إلى الله وإما لغرض من الأغراض.
والثاني: أن يكون العفو ترك القود بقبول الدية إذا بذل القاتل ورضي به أولياء
المقتول.
وأولياء المقتول كل من يرث الدية إلا الزوج والزوجة ليس لهما غير سهمهما من
الدية أن قبلها الأولياء أو العفو عنه بمقدار ما تصيبهما من الميراث وليس لهما المطالبة بالقود،
فأما من سواهما من الأولياء فلهم المطالبة بالقود ولهم الرضا بالدية ولهم العفو على الاجتماع
والانفراد ذكرا كان أو أنثى.
فإن اختلفوا فبعض عفا عن القاتل وبعض طلب القود وبعض رضي بالدية كان
للذي يطلب القود أن يقتل القاتل إذا رد على الذي طلب الدية ماله منها ورد على أولياء
القاتل سهم من عفا عنه.
وقال أبو حنيفة: إذا كان للمقتول ولد صغار وكبار فللكبار أن يقتلوا واحتج بقاتل
أمير المؤمنين ع، وقال غيره: لا يجوز حتى يبلغ الصغار، وعندنا: أن لهم ذلك إذا
ضمنوا حصة الصغار من الدية إذا بلغوا ولم يرضوا بالقصاص.
وقال الزجاج: معنى قوله " فمن عفي له من أخيه شئ " أي من ترك قتله ورضي منه
بالدية وهو من العفو الذي هو الصفح وترك المؤاخذة بالذنب، فمعنى عفي له: صفح عنه،
216

بأن لا يؤاخذ بما يستحقه عليه من القصاص والقتل.
وقيل " العفو ": الترك - كما قدمناه - واستدل بقول النبي ع: عفوت عنكم
عن صدقة الخيل، أي تركتها، وأصل العفو: محو الأثر.
وهذا العفو كما ذكرناه على ضربين: أحدهما عفو عن دم القاتل وعن الدية جميعا
والآخر عفو عن الدم والرضا بالدية، وهو المراد بالآية.
والمراد بقوله " من أخيه " أي من القاتل عفا ولي المقتول عن دمه الذي له من جهة
أخيه المقتول، والمراد بقوله " شئ " الدم، فالهاء في قوله " من أخيه " تعود إلى أخ المقتول في
قول الحسن، وقال الآخرون: تعود إلى أخ القاتل.
فإن قيل: كيف يجوز أن تعود إلى أخ القاتل وهو في تلك الحال فاسق.
قيل: عن ذلك ثلاثة أجوبة:
أحدها أنه أراد أخوة النسب لا في الدين كما قال: وإلى عاد أخاهم هودا.
الثاني لأن القاتل قد يتوب فيدخل في الجملة غير التائب على وجه التغليب.
الثالث تعريفه بذلك على أنه كان أخاه قبل أن قتله كما قال تعالى: إذا طلقتم النساء
فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن، يعني الذين كانوا أزواجهن.
فصل:
وقوله تعالى: فاتباع بالمعروف، يعني العافي، وعلى المعفو عنه " أداء إليه بإحسان "
وبه قال ابن عباس والحسن، وهو المروي عن أبي عبد الله ع، وقال قوم: هما على
المعفو عنه.
ودية القصاص في قود النفس ألف دينار أو عشرة آلاف درهم أو مائة من مسان
الإبل أو مائتان من البقر أو ألف شاة أو مائتا حلة، فهذه الستة أصل في نفس الدية وليس
بعضها بدلا عن بعض، وهذا كما نقول في زكاة الفطرة أنها تجب صاع من أحد الأجناس
الستة: الحنطة والشعير والتمر والزبيب والأرز والأقط، فإن كل واحد منها أصل فيها وليس
بعضها بدلا من بعض.
217

ولا يجبر القاتل عمدا على الدية، فإن رضي فهي عليه في ماله، فإن لم يقبل أولياء
المقتول الدية وفادى القاتل نفسه بأضعاف الدية فلا بأس، بقوله تعالى " فاتباع بالمعروف "
أي فعليه اتباع الأخ العافي بمعروف، " وأداء إليه بإحسان " أي يتبعه بالحمد والشكر والثناء
ويؤدى إليه الدية بإحسان، أي على وجه جميل.
وقال الزجاج: قيل على الولي العافي اتباع القاتل بالمطالبة للدية وعلى القاتل أداء
الدية بإحسان، قال: وجائز أن يكون الاتباع بالمعروف والأداء بالإحسان جمعا على القاتل.
وجاء في التفسير: أن الأداء بإحسان أن يكون منجما ولا يذهب شئ من الدية
والاتباع بالمعروف أن يقبضها برفق، وقال أبو مسلم أي على قاتل العمد الذي يرضى منه
ولي المقتول بالدية ويعفو له عن القود أن يتبع ما أمره الله تعالى في إعطاء الولي ما يصالحه
عليه ويرضى به منه.
ويحتمل " بالمعروف " أن يكون صفة لأمر الله أن يكون ما يتعارفه العرب
بينها من دية القتلى بينهم إذا أرادوا الإصلاح وحقن الدماء.
وتؤخذ دية العمد لسنة وقد حث الله تعالى كل واحد منهما على الإحسان، فليؤد
المطلوب إلى الطالب إن استطاع بتعجيل وليرفق الطالب في طلب الدية.
وأنكر بعض أهل اللغة أن يكون العفو في الآية بمعنى الإعطاء كما قاله البصري أن
الضمير في " أخيه " يرجع إلى أخ المقتول الذي يرث دمه، والأخ المراد به في النسب بذل له
من دم أخيه شئ يعطي عفوا، أي الدية في سهولة وذلك لأنه لو كان من الإعطاء لقيل: فمن
أعطى له، وليس في الكلام عفي له منه بمعنى أعطيه عفوا، إنما يقال: أعفى له بكذا، إذا
أعطاه، وإنما هو عفو ولي المقتول عن دم القاتل.
وقوله: القاتل لا يكون أخا المقتول إلا في النسب، ليس بصحيح لأنه يمكن
أن يكون القاتل عمدا والمقتول مسلمين.
قال ابن مهرايزد: الصحيح أن الضمير في " أخيه " للقاتل الذي عفي له
القصاص وأخوه ولي المقتول، والضمير في " إليه " أيضا له، أن يؤدى القاتل الدية إلى
الولي العافي " بإحسان " أي من غير مطل ولا أذى.
218

فصل:
ثم قال: ذلك تخفيف من ربكم. المشار إليه بذا ترخيص الله ترك القصاص
والاقتصار على الدية " فمن اعتدى " بعد ذلك " فله عذاب أليم " أي من اعتدى بعد
البيان في الآية فقتل غير قاتل وليه أو بعد قبول الدية فله عذاب أليم، أي من قتل منكم
نفسا في الدنيا قتلته في النار مائة ألف قتلة مثل قتله صاحبه.
وجاء في التفسير: أن الاعتداء ههنا أن يقتل بواحد عدة كما كان يفعل كبراء الكفار في
الجاهلية وكل هذا تحتمله الآية، والمروي عن ابن عباس: أن الاعتداء هو القتل بعد قبول
الدية، وكذلك عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام.
معنى " تخفيف من ربكم " أنه جعل لكم القصاص أو الدية أو العفو، وكان لأهل التوراة
قصاص وعفو ولأهل الإنجيل عفو ودية.
ثم قال: ولكم في القصاص حياة، المراد به القصاص في القتل، وإنما كان فيه حياة
من وجهين: أحدهما أنه إذا هم الانسان بالقتل فذكر القصاص ارتدع فكان ذلك سببا
للحياة، وحياة الذي هم هو بقتله وحياة له لأنه من أجل القصاص أمسك عن القتل
فسلم من أن يقتل. وقال السدي: من جهة أنه لا يقتل إلا القاتل دون غيره خلاف فعل
الجاهلية الذين كانوا يتفانون بالطوائل، والمعنيان جميعا حسان، ونظير هذه الآية قولهم:
القتل أنفى للقتل.
وإنما خص الله بالخطاب أولى الألباب لأنهم المكلفون المأمورون ومن ليس بعاقل
لا يصح تكليفه، فعلى هذا متى كان القاتل غير بالغ - وحده عشر سنين فصاعدا -
أو يكون مع بلوغه زائل العقل إما أن يكون مجنونا أو مؤوفا فإن قتلهما وإن كان عمدا فحكمه
حكم الخطأ.
فصل:
قوله تعالى: ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، يعني إلا بالقود أو الكفر
أو ما جرى مجراهما فإن قتله كذلك حق وليس بظلم.
219

" ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف " أي فلا يسرف القاتل في القتل،
وجاز أن يضمر وإن لم يجر له ذكر لأن الحال يدل عليه ويكون تقييده بالإسراف جاريا مجرى
قوله في أكل مال اليتيم " ولا تأكلوها إسرافا " وإن لم يجر أن يأكل منه على الاقتصاد
فكذلك لا يمتنع أن يقال للقاتل الأول لا تسرف في القتل لأنه يكون بقتله مسرفا فلا يسرف لأن
من قتل مظلوما كان منصورا بأن يقتص له وليه والسلطان إن لم يكن له ولي فيكون هذا
رد القاتل عن القتل.
والآخر أن يكون في " يسرف " ضمير " الولي " أي لا يسرف الولي في القتل وإسرافه
فيه أن يقتل غير من قتل أو يقتل أكثر من قاتل وليه، أي فلا يسرف الولي فإنه منصور
بقتل قاتل وليه والاقتصاص منه.
والسلطان الذي جعله الله للولي قال ابن عباس: هو القود أو العفو أو الدية.
فصل:
ومما تقتضيه الآيات أن المرأة إذا قتلت رجلا واختار أولياؤه القود فليس لهم
إلا نفسها، فإن قتل الرجل امرأة عمدا وأراد أولياؤها قتله كان لهم ذلك إذا ردوا نصف
دية الرجل.
وإذا قتل المسلم ذميا عمدا وجب عليه ديته ولا يجب فيه القود، وكذلك إذا قتل حر
عبدا أو أمة لم يكن عليه قود وعليه الدية يعطي قيمتهما يوم قتلهما فإن زادت القيمة على دية
الحر والحرة رد إليها.
وإن قتل عبد حرا عمدا كان عليه القتل إن أراد أولياء المقتول ذلك، وإن طلبوا الدية
كان على مولاه الدية كاملة أو تسليم العبد إليهم إن شاؤوا استرقوه وإن شاؤوا قتلوه.
وإذا قتل جماعة واحدا فإن أولياء الدم مخيرون بين أمور ثلاثة: أحدها أن يقتلوا
القاتلين كلهم ويؤدوا فضل ما بين دياتهم ودية المقتول إلى أولياء المقتولين، والثاني أن
يتخيروا واحدا منهم فيقتلوه ويؤدوا المستبقون ديته إلى أولياء صاحبهم بحساب أقساطهم
من الدية، الثالث إن اختار أولياء المقتول أخذ الدية كانت على القاتلين بحسب عددهم،
220

والدليل على صحته إجماع الطائفة ولأن ما ذكرناه أشبه بالعدل.
والذي يدل على الفصل الأول - زائدا على الاجماع - قوله تعالى: ولكم في القصاص
حياة، ومعنى هذا أن القاتل إذا علم أنه قتل قتل كف عن القتل وكان ذلك أزجر له وكان
داعيا إلى حياته وحياة من هم بقتله، فلو أسقطنا القود في حال الاشتراك سقط هذا المعنى
المقصود بالآية وكان من أراد قتل غيره من غير أن يقتل به شارك غيره في قتله وسقط
القود عنهما.
ويمكن أن يستدل أيضا على من خالف في قتل الجماعة بواحد بقوله تعالى: فمن
اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم، والقاتلون إذا كانوا جماعة وكلهم معتد
فيجب أن يعاملوا بمثل ما عاملوا به القتيل.
فإن قالوا: الله تعالى يقول النفس بالنفس والحر بالحر وهذا ينفي أن يؤخذ نفسان
بنفس وحران بحر.
قلنا: المراد بالنفس والحر ههنا الجنس لا العدد فكأنه تعالى قال: إن جنس النفوس
يؤخذ بجنس النفوس وكذا جنس الأحرار، فالواحد والجماعة يدخلون في ذلك.
فإن قيل: قد ثبت أن الجماعة إذا اشتركوا في سرقة نصاب لم يلزم كل واحد منهم قطع
وإن كان كل واحد منهم إذا انفرد بسرقته لزمه القطع، فأي فرق بين ذلك وبين القتل مع
الاشتراك؟
قلنا: الذي نذهب إليه - وإن خالفنا فيه الجماعة - أنه إذا اشترك نفسان في سرقة شئ
من حرز وكان قيمة المسروق ربع دينار ويكون أيديهما عليه فإنه يجب عليهما القطع معا وقد
سوينا بين القتل والقطع، ولهذه المسألة تفصيل ذكر في بابه.
فصل:
واختلف أهل التأويل في قوله تعالى: من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض
فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا.
قال الزجاج: معناه أنه بمنزلة من قتل الناس جميعا في أنهم خصومه في قتل ذلك الانسان.
221

قال الحسن: معناه تعظيم الوزر والإثم.
قال ابن مسعود: من قتل نفسا فكأنما قتل الناس عند المقتول، ومن أحياها فكأنما
أحيا الناس عند المستقيد.
وقال ابن زيد: معناه أنه يجب من القتل والقود مثل ما يجب عليه لو قتل الناس جميعا،
ومعنى من أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا من نجاها من الهلاك مثل الحرق والغرق.
وقيل: من عفا عن دمها وقد وجب القود عليها، وقيل: معناه من زجر عن قتلها بما فيه
حياتها على وجه يفتدي به فيها بأن يعظم تحريم قتلها كما حرمه الله على نفسه فلم يقدم
عليه فقد حيي الناس بسلامتهم منه وذلك إحياؤه إياها، وهو اختيار الطبري.
والله هو المحيي للخلق لا يقدر عليه غيره، وإنما قال: أحياها، على وجه المجاز بمعنى
نجاها من الهلاك، كما حكى عن نمرود: أنا أحيي وأميت، فاستبقي واحدا وقتل الآخر.
والقول في ذلك أن يقال: إن الله تعالى شبه قاتل النفس بقاتل جميع الناس ومنجيها
بمنجي جميع الناس، وتشبيه الشئ بالشئ يكون من وجوه حقيقة ومجازا، فيجب أن ينظر
في التشبيه ههنا بما ذا يتعلق فلا يجوز أن يكون شبه الفعل بالفعل لأن قتل
واحد لا يشبه قتل اثنين فلا بد من أن يكون التشبيه في المعنى.
ولا يجوز أن يقال شبه الإثم بالإثم والعقاب بالعقاب، لأن الذي يحاسب على الفتيل
والقطمير وتمدح بأنه لا يظلم مثقال حبة من خردل يمنع غناه وحكمته وعدله أن يسوي في
العقاب بين قاتل نفس واحدة وبين قاتل نفسين فكيف من قتل نوع الناس فإذا التشبيه
مجاز والمراد به تهويل أمر القتل ومبالغة في الزجر عنه وأنه يستحق في الدنيا من كل مؤمن
البراءة واللعنة والعداوة كما لو تعرض له نفسه بالقتل لاستحق كل ذلك منه لكون المؤمنين
يدا واحدة على من سواهم.
وقد قضى الحسن بن علي عليهما السلام في رجل اتهم بأنه قتل نفسا فأقر بأنه قتل
وجاء آخر فأقر أن الذي قتل هو دون صاحبه ورجع الأول عن إقراره: أنه درأ عنهما القود
والدية ودفع إلى أولياء المقتول الدية من بيت المال وقرأ هذه الآية ثم قال: هذا إن قتل ذاك
فقد أحيا هذا.
222

والأولياء هم الوراث من الرجال، فمن الأولاد الذكور ومن الأقارب من كان ذكرا من
قبل الأب.
باب القتل الخطأ المحض
قال الله تعالى: وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة
مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا.
اعلم أن النفي ههنا متعلق بالجواز في دين الله وحكمه أي لا يجوز ذلك في حكم الله،
والظاهر إخبار بانتفاء الجواز ويتضمن النفي أي فلا تفعلوه، ولدخول كان إفادة أن هذا
ليس حكما حادثا بل لم يزل حكم الله تعالى على هذا.
وقد ذكر الله في هذه الآية ديتين وثلاث كفارات:
ذكر الدية والكفارة بقتل المؤمن في دار الاسلام فقال: ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير
رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله.
وذكر الكفارة دون الدية بقتل المؤمن في دار الحرب في صف المشركين إذا حضر معهم
الصف فقتله مسلم ففيه الكفارة دون الدية فقال: فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن
فتحرير رقبة مؤمنة، لأن قوله تعالى " وإن كان " كناية عن المؤمن الذي تقدم ذكره.
ثم ذكر الدية والكفارة بقتل المؤمن في دار المعاهدين فقال: وإن كان من قوم بينكم وبينهم
ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة.
وعند المخالف: أن ذلك كناية عن الذمي في دار الاسلام، وما قلناه أليق بسياق الآية
لأن الكنايات كلها في " كان " عن المؤمن فلا ينبغي أن نصرفها إلى غيره بلا دليل، ومعناه لم
يأذن الله ولا أباح لمؤمن أن يقتل مؤمنا فيما عهده إليه لأنه لو أباحه أو أذن فيه لما كان خطأ،
والتقدير: إلا أن يقتله خطأ فإن حكمه كذا، ذهب إليه قتادة.
وقوله تعالى: إلا خطأ، استثناء منقطع في قول أكثر المفسرين، وتقدير الآية: إلا أن
المؤمن قد يقتل المؤمن خطأ وليس ذلك فيما جعله الله له، وإجماع أن قتل المؤمن لا يجوز
لا عمدا ولا خطأ فالتقدير: غير جائز في حكم الله أن يقتل مؤمن مؤمنا لكن إن وقع عليه
223

والدية الواجبة في قتل الخطأ مائة من الإبل إن كانت العاقلة من أهل الإبل.
وقال ابن مهرايزد: هو أن يكون المقتول مؤمنا (من قوم معاهدين، وذكر ابن إسحاق
أنه يجوز أن لا يكون مؤمنا) ولأجل المهادنة والميثاق وجبت الدية والكفارة.
فصل:
أما دية أهل الذمة فقال قوم: هي دية المسلم سواء، ذهب إليه ابن مسعود واختاره
أبو حنيفة، وقال قوم: هي على النصف من دية المسلم، وقال قوم: هي على الثلث من دية
المسلم، ذهب إليه الشافعي وقال: إنها أربعة آلاف.
وأما دية المجوسي فلا خلاف أنها ثمانمائة درهم وكذلك عند نادية النصراني
واليهودي، والأنثى منهم أربعمائة درهم، والدليل عليه إجماع الطائفة.
فإن احتج المخالف بقوله تعالى: ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى
أهله، ثم قال: وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة، وظاهر الكلام يقتضي أن
الدية واحدة.
قلنا: هذا السؤال ساقط على قول من يقول: هذا القتيل الذي هو من قوم بينكم وبينهم
ميثاق هو مؤمن، ومعناه إن كان القتيل الذي قتله المؤمن خطأ من قوم بينكم وبينهم ميثاق -
أي ذمة وعهد وليسوا أهل حرب لكم - فدية مسلمة إلى أهله لأنهم أهل ذمة، وأما على قول
من يقول: إن هذا القتيل كافر، فلا شبهة في أن ظاهر الكلام لا يقتضي التساوي في مبلغ
الدية، وإنما يقتضي التساوي في وجوب الدية على سبيل الجملة.
وفي تقديم تحرير الرقبة على الدية في صدر الآية وتقديم الدية على تحرير الرقبة في آخر
الآية خبيئة لطيفة، وكذلك في قوله " إلا أن يصدقوا " إشارة حسنة والأحسن أن تكون
الكناية في " كان " من قوله " فإن كان من قوم عدو لكم " للقتيل دون أن يكون للمؤمن لأن
قوله " وهو مؤمن " يمنع من ذلك.
وكذا الكناية في " كان " من قوله " وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق " للمقتول لأن
المقتول يقع على المؤمن والكافر، فإن كان القتيل من هؤلاء الكافرين كافرا فديته دية
224

" إلا أن يصدقوا " معناه يتصدقوا، وهو في قراءة أبي فأدغمت التاء في الصاد لقرب
مخرجهما.
فصل:
وقوله تعالى: فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة، يعني إن كان
هذا القتيل الذي قتله المؤمن خطأ من قوم هم أعداء لكم مشركون وهو مؤمن فعلى قاتله
تحرير رقبة مؤمنة.
واختلفوا في معناه:
فقال قوم: إذا كان القتيل في عداد أعداء وهو مؤمن بين أظهرهم لم يهاجر فمن قتله
فلا دية له وعليه تحرير رقبة مؤمنة لأن الدية ميراث وأهله كفار لا يرثونه، هذا قول ابن
عباس.
وقال آخرون: بل عني به من أهل الحرب من تقدم دار الاسلام ثم يرجع إلى دار الحرب،
فإذا مر بهم جيش من أهل الاسلام فهرب قومه وأقام ذلك المسلم بينهم فقتله المسلمون وهم
يحسبونه كافرا.
ثم قال: وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة،
معناه إن كان القتيل الذي قتله المؤمن خطأ من قوم بينكم وبينهم أيها المؤمنون ميثاق - أي
عهد وذمة - وليسوا أهل حرب لكم فدية مسلمة إلى أهله تلزم عاقلة قاتله وتحرير رقبة
مؤمنة على القاتل كفارة لقتله.
واختلفوا في صفة هذا القتيل الذي هو من قوم بيننا وبينهم ميثاق أ هو مؤمن أم كافر؟
فقال قوم: هو كافر إلا أنه يلزم قاتله ديته لأن له ولقومه عهدا، ذهب إليه ابن عباس.
وقال آخرون: بل هو مؤمن فعلى قاتله ديته يؤديها إلى قومه من المشركين لأنهم أهل
ذمة، وهو المروي في أخبارنا إلا أنهم قالوا: يعطي ديته ورثته المسلمين دون الكفار.
والميثاق: العهد، والمراد به ههنا الذمة وغيرها من العهود.
والخطأ: هو أن يريد شيئا فيصيب غيره
225

غلط فأخطأ في مقصده وفعل هذا المحظور فعليه كذا وكذا.
فصل:
ثم أخبر سبحانه بحكم من قتل من المؤمنين مؤمنا خطأ فقال: ومن قتل مؤمنا خطأ
فتحرير رقبة مؤمنة، معناه فعليه تحرير رقبة مؤمنة، يعني مظهرة للإيمان، وظاهر ذلك يقتضي أن
تكون بالغة ليحكم لها بالإيمان وذلك في ماله خاصة.
" ودية مسلمة إلى أهله " يؤديها عنه عاقلته إلى أولياء المقتول.
" إلا أن يصدقوا " أولياء المقتول على من لزمته دية قتلهم فيعفوا عنه فحينئذ يسقط
عنهم، وموضع " أن " من قوله: إلا أن يصدقوا، نصب لأن المعنى فعليه ذلك إلا في حال
التصدق ثم حذفت " في ".
وقيل: إلا حال التصدق، وأصله إلا على أن تصدقوا ثم سقط " على " ويعمل فيه ما قبله
على معنى الحال أو هو مصدر وقع موقع الحال، ويجوز في سبب نزول الآية كلما قيل.
والذي يعول عليه: أن ما تضمنته الآية حكم من قتل خطأ.
وقال ابن عباس والحسن: الرقبة المؤمنة لا تكون إلا بالغة قد آمنت وصامت وصلت
فأما الطفل فإنه لا يجزئ ولا الكافر، وقال عطاء: كل رقبة ولدت في الاسلام فهي تجزئ،
والأول أقوى لأن المؤمن على الحقيقة لا يطلق إلا على بالغ عاقل مظهر للإيمان ملتزم لوجوب
الصلاة والصوم إلا أنه لا خلاف أن المولود بين مؤمنين يحكم له بالإيمان، فهذا الاجماع
ينبغي أن يجري في كفارة قتل الخطأ، فأما الكافر أو المولود بين كافرين فإنه لا يجزئ بحال.
ودية قتل الخطأ تلزم العاقلة، والعاقلة ترجع بها على القاتل إن كان له مال فإن لم يكن
له مال فلا شئ للعاقلة عليه، ومتى كان للقاتل مال ولم يكن للعاقلة مال ألزم في ماله الدية
خاصة، ولا يلزم العاقلة من دية الخطأ إلا ما قامت به البينة فأما ما يقر به القاتل فليس عليهم
منه شئ ويلزم القاتل ذلك في ماله خاصة، وتستأدى دية الخطأ في ثلاث سنين.
والعاقلة هم الذين يرثون دية القاتل إن لو قتل ولا يلزم من لا يرث من ديته شيئا،
والدية المسلمة إلى أهل القتيل هي المدفوعة إليهم موفرة غير منقصة حقوق أهلها منها.
226

الكافر وإن كان مؤمنا فديته دية المؤمن، هذا هو المذهب، ويجوز أن يكون " كان " تامة في أول
الآية من قوله " وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ " أي ما وقع قتل مؤمن لمؤمن إلا قتلا
خطأ.
فصل:
ثم قال تعالى: فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، اختلفوا في معناه: فقال قوم:
يعني فمن لم يجد الرقبة المؤمنة كفارة عن قتله المؤمن خطأ لإعساره فعليه صيام شهرين
متتابعين، وقال آخرون: فمن لم يجد الدية فعليه صوم شهرين عن الدية والرقبة، وقال
مسروق: تأويل الآية فمن لم يجد رقبة مؤمنة ولا دية يسلمها إلى أهله فعليه صوم شهرين
متتابعين، والأول هو الصحيح لأن دية قتل الخطأ على العاقلة والكفارة على القاتل بإجماع
الأمة على ذلك.
وصفة التتابع في الصوم أن يتابع الشهرين لا يفصل بينهما بإفطار يوم على ما قدمناه
في باب الكفارة.
ثم قال: توبة من الله، وهو نصب على القطع، ومعناه رخصة من الله لكم إلى
التيسير عليكم بتخفيفه ما خفف عنكم من فرض تحرير رقبة مؤمنة بإيجاب صوم شهرين
متتابعين.
قال الجبائي: إنما قال " توبة من الله " لأنه تعالى بهذه الكفارة التي يلزمها يدرأ العقاب
والذم عن القاتل لأنه يجوز أن يكون عاصيا في السبب وإن لم يكن عاصيا في القتل من حيث
أنه رمى في موضع هو منهي عنه وإن لم يقصد القتل، وهذا ليس بشئ لأن الآية عامة في كل
قاتل خطأ وما ذكره ربما اتفق في الآحاد.
وإلزام دية قتل الخطأ للعاقلة ليس هو مؤاخذة البرئ بالسقيم فإن ذلك ليس بعقوبة
بل هو حكم شرعي تابع للمصلحة، ولو خلينا والعقل ما أو جبنا، وقد قيل: إن ذلك على
وجه المواساة والمعاونة.
ثم قال: ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها.
227

واستدلت المعتزلة بهذه الآية على أن مرتكب الكبيرة يخلد في نار جهنم وأنه إذا قتل
مؤمنا يستحق الخلود فيها ولا يعفى عنه.
ولنا أن نقول لهم: ما أنكرتم أن يكون المراد بالآية الكفار ومن لا ثواب له أصلا فأما من
يستحق الثواب فلا يجوز أن يكون مرادا بالخلود في النار أصلا، وقد استوفى الكلام فيه
أصحابنا في الأصول.
وقد ذكر جماعة من المفسرين: أن الآية متوجهة إلى من يقتل مؤمنا تعصبا لإيمانه وذلك
لا يكون إلا كافرا.
وقال علي بن موسى القمي: إن التقدير في الآية من يقتل مؤمنا لدينه والوعيد ورد على
هذا الوجه لأنه إذا قتله لأجل أنه مؤمن فقد كفر.
فصل:
أما قوله تعالى: يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا، فقد قال أبو جعفر
ع: نزلت في أمر بني النضير وبني قريظة.
قال قتادة: إنما كان ذلك في قتيل منهم، قالوا: إن أفتاكم محمد بالدية فاقتلوه وإن
أفتاكم بالقود فاحذروه، فلما أرادوا الانصراف تعلقت قريظة بالنضير فقالوا: يا أبا
القاسم - وكانوا يكرهون أن يقولوا يا محمد لئلا يوافق ذلك ما في كتبهم من ذكره - هؤلاء
إخواننا بنو النضير إذا قتلوا منا قتيلا لا يعطون القود منهم وأعطونا سبعين وسقا من تمر وإن
قتلنا منهم قتيلا أخذوا بالقود ومعه سبعون وسقا من تمر وإن أخذوا الدية أخذوا منا مائة
وأربعين وسقا وكذلك جراحاتنا على أنصاف جراحاتهم، فأنزل الله تعالى: وإن تعرض
عنهم فلن يضروك شيئا وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط، أي فاحكم بينهم بالسواء،
فقالوا: لا نرضى بقضائك، فأنزل الله تعالى: أ فحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله
حكما لقوم يوقنون.
ثم قال تعالى: وكيف يحكمونك وعندهم التوراة، شاهدا لك فيما يخالفونك، ثم فسر
ما فيها من حكم الله فقال: وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين... الآية.
228

" فإن تولوا " يعني بني النضير لما قالوا: لا نرضى بحكمك.
باب القتل الخطأ شبيه العمد:
اعلم أن القتل على ثلاثة أضرب:
عمد محض، وهو أن يكون عامدا بآلة تقتل غالبا كالسيف والسكين والحجر الثقيل
عامدا في قصده وهو أن يقصد قتله بذلك، فمتى كان عامدا في قصده عامدا في فعله فهو
العمد المحض، قال تعالى: ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم.
والثاني: خطأ محض، وهو ما لم يشبه شيئا من العمد بأن يكون مخطئا في
فعله مخطئا في قصده مثل أن رمى طائرا وأصاب إنسانا فقد أخطأ في الأمرين، قال الله تعالى: ومن قتل
مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة.
الثالث: عمد الخطأ أو شبه العمد والمعنى واحد، وهو أن يكون عامدا في
فعله مخطئا في قصده، فأما كونه عامدا في فعله فهو أن يعمد إلى ضربه لكنه بآلة لا تقتل غالبا كالسوط
والعصا الخفيفة، والخطأ في القصد أن يكون قصده تأديبا وزجره وتعليمه لكنه إن مات منه
فهو عامد في فعله مخطئ في قصده، ويمكن أن يستدل على هذا النوع من القتل أيضا بقوله
تعالى: وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ... الآية، فالخطأ شبيه العمد هو أن يعالج
الطبيب غيره بما قد جرت العادة بحصول النفع عنده أو بفصده فيؤدى ذلك إلى الموت
فإن هذا وما قدمناه يحكم فيه بالخطا شبيه العمد ويلزم فيه الدية مغلظة ولا قود فيه على
حال.
والدية فيه يلزم القاتل نفسه في ماله خاصة وإن لم يكن له مال استسعى فيها أو يكون
في ذمته إلى أن يوسع الله عليه، والدية في ذلك مائة من الإبل أثلاثا وهذه الدية تستأدى في
سنتين.
وعلى هذا القاتل بعد إعطاء الدية كفارة عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجد كان عليه صيام
شهرين متتابعين، فإن لم يستطع أطعم ستين مسكينا كما على قاتل الخطأ المحض لأن الآية
229

أيضا دالة عليه.
وكفارة قتل العمد بعد العفو له ببدل أو بلا بدل هذه الثلاثة والدليل عليه بعد الاجماع
السنة، فإن لم يقدروا على ذلك تصدقوا بما استطاعوا وصاموا ما قدروا عليه.
باب ديات الجوارح والأعضاء والقصاص فيها:
قال الله تعالى: وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف
والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص.
هذا وإن كان إخبارا من الله تعالى أنه مما كتب على اليهود في التوراة فإنه لا خلاف أن
ذلك ثابت في شرعنا، وذلك لأنه إذا صح بالقرآن أو بالسنة أن حكما من الأحكام كان ثابتا في
شريعة من كان قبل نبينا من الأنبياء ع ولا يثبت نسخة لا قرآنا ولا سنة فإنه يجب
العمل به.
يقول الله عز وجل: فرضنا على اليهود الذين تقدم ذكرهم في التوراة أن النفس
بالنفس، ومعناه إذا قتلت نفس نفسا أخرى متعمدا أنه يستحق عليها القود إذا كان القاتل
عاقلا مميزا وكان المقتول مكافئا للقاتل إما أن يكونا مسلمين حرين أو كافرين أو مملوكين،
فأما أن يكون القاتل حرا مسلما والمقتول كافرا أو مملوكا فإن عندنا لا يقتل به وفيه خلاف
بين الفقهاء، وإن كان القاتل مملوكا أو كافرا والمقتول مثله أو فوقه فإنه يقتل بلا خلاف.
ويراعى في قصاص الأعضاء ما يراعى في قصاص النفس من التكافؤ ومتى لم يكونا
متكافئين فلا قصاص على الترتيب الذي رتبناه في النفس سواء، وفيه أيضا خلاف.
ويراعى في قصاص الأعضاء التساوي أيضا، فلا تقلع العين اليمنى باليسرى ولا تقطع اليمين
باليسار ولا تقطع الناقصة بالكاملة، فمن قطع يمين غيره وكانت يمين القاطع شلاء قال
أبو علي: يقال له: إن شئت قطعت يمينه الشلاء أو تأخذ دية يدك، وقد ورد في أخبارنا أن
يساره تقطع إذا لم يكن للقاطع يمين.
وروى عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله ع أنه قال: دية اليد إذا قطعت
230

خمسون من الإبل فما كان جروحا دون الاصطلام فيحكم به ذوا عدل منكم ومن لم يحكم
بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون، وفي هذا إشارة إلى أن الحكم بذلك أو بغيره ليس إلا حجة
الله أو من يأمره الحجة.
فأما عين الأعور فإنها تقطع بالعين التي يقلعها سواء كانت المقلوعة عوراء أو لم تكن،
وإن قلعت العوراء كان فيها كمال الدية إذا كانت خلقة أو ذهبت بآفة من الله تعالى أو تقلع
إحدى عيني القالع ويلزمه مع ذلك نصف الدية، وفيه خلاف.
فصل:
وقوله تعالى: والجروح قصاص، والتقدير: أو جبنا أن النفس تقتل إذا قتلت نفسا
بغير حق وفرضنا عليهم أن الجروح قصاص.
وظاهر هذه الآية لا يقتضي أنا متعبدون بهذه الأحكام لأنها حكاية عن أمة أنه فرض
عليهم ذلك إلا أن العلماء مجمعون على أنا أيضا بهذه الأحكام متعبدون لا بهذه الآية بل الآية
التي في سور البقرة وهي مجارية لهذه، ولا يجب من الاتفاق في كثير من المتعبدات أن تكون
الشريعتان واحدة بعينها.
ومعنى " النفس بالنفس " تقتل النفس بسبب قتل النفس، قيل: وذلك مجمل وله بيان
طويل، وفيه تخصيص.
ومعنى " العين بالعين " تقلع العين لمن قلع عينا بغير حق.
وكذا إن قطع أنفه أو أذنه أو قلع أو كسر سنا له أو جرحه بجراحة يفعل به مثله، وهذا
معنى قوله: والجروح قصاص، لأن القصاص أن يتبع به فعله فيفعل مثل فعله، ومعناها ذات
قصاص، أي يقاص الجارح قصاصا.
وتفاصيل هذه الأحكام بكتب الفقه أولى، لكنا نذكر ألفاظا يسيرة.
فصل:
وأما الجروح فإنه يقتص منها إذا كان الجارح مكافئا للمجروح على ما بيناه في
231

النفس، فيقتص بمثل جراحته الموضحة بالموضحة والهاشمة بالهاشمة والمنقلة بالمنقلة،
ولا قصاص في المأمومة وهي التي تبلغ أم الرأس ولا الجائفة وهي التي تبلغ الجوف لأن في
القصاص منهما تضريرا بالنفس.
ولا ينبغي أن يقتص من الجراح إلا بعد أن تندمل من المجروح، فإذا اندمل اقتص
حينئذ من الجارح وإن سرت إلى النفس كان فيها القود.
وكسر العظم لا قصاص فيه وإنما فيه الدية.
وكل جارحة كانت ناقصة فإذا قطعت كان فيها حكومة ولا يقتص بها الجارحة
الكاملة كيد شلاء وعين لا تبصر وسن سوداء متآكلة فإن في جميع ذلك حكومة لا تبلغ دية
تلك الجارحة، وقد روينا في هذه الأشياء مقدرا وهو ثلث دية العضو الصحيح.
والعين تقلع بالعين وإن تفاوتتا في الصغر والكبر والحسن والقبح وزيادة البصر
إلا أن تكون عمياء.
فصل:
وقوله تعالى: فمن تصدق به فهو كفارة له، الهاء في " كفارة له " يحتمل عودها إلى
أحد الأمرين:
أحدهما: - وهو الأقوى - أنها عائدة على المتصدق من المجروح أو ولي المقتول لأنه
إذا تصدق بذلك على الجارح لوجه الله تعالى كفر الله بذلك عنه عقوبة ما مضى من معاصيه.
الثاني: أنها تعود على المتصدق عليه لأنه يقوم مقام أخذ الحق عنه.
وإنما رجحنا الأول لأن العائد يجب أن يرجع إلى مذكور وهو " من " والمتصدق عليه لم
يجر له ذكر، على أنه لو كان ههنا كفارة وقصاص - كما في قتل خطأ المؤمن في دار الاسلام
كفارة ودية - لما سقطت الكفارة وإن أسقط المجروح القصاص كما لا تسقط الكفارة في
قتل الخطأ وإن تصدقوا بالدية فتسقط.
ومعنى " من تصدق به " عفا عن الحق وأسقط.
فإن قيل: هل يكفر الذنب إلا التوبة أو اجتناب الكبيرة؟
232

قلنا: على مذهبنا لا يجوز أن يكفر الذنب شئ من أفعال الخير ويجوز أن يتفضل الله
تعالى بإسقاط عقابها كما قال ع: من يعف الله عنه.
وقوله: فمن تصدق به، " من " لصاحب الحق والذي له أن يطلب القصاص
والضمير في " به " لحقه، يقول: ولي المقتول ومن جرح أو أصيب عضو منه إن عفا واحد منهم
عن حقه ولم يطالب بالقصاص أو الدية " فهو " - أي فعله ذلك وتركه لحقه - كفارة له، أي
يكفر الله له ذنوبه فلا يؤاخذه بها، وقال ابن عباس: إنه كفارة للحامي، أي يسقط عنه
الولي والمخرج القود والقصاص عن القاتل والجارح. والأول أوجه.
فصل:
وأما قوله: والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون، إلى قوله: وجزاء سيئة سيئة
مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله.
العفو في الآية المراد به ما يتعلق بالإساءة إلى نفوسهم الذي له الاختصاص بها فمتى
عفوا عنها كانوا ممدوحين، وأما ما يتعلق بحقوق الله وحدوده فليس للإمام تركها ولا العفو
عنها ولا يجوز له عن المرتد وعمن يجري مجراه.
" وجزاء سيئة سيئة مثلها " يحتمل أن يكون المراد ما جعل الله لنا الاقتصاص منه من "
النفس بالنفس والعين بالعين... الآية " فإن المجني عليه (له) أن يفعل بالجاني مثل ذلك
من غير زيادة، وسماه سيئة للازدواج كما قال: وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به. ثم
مدح العافي بماله أن يفعله فقال: فأجره على الله، أي فجزاؤه عليه وهو سبحانه يثيبه على
ذلك " إنه لا يحب الظالمين " أي لم أرغبكم في العفو عن الظالم لأني أحبه بل لأني أحب الإحسان
والعفو.
ثم أخبر أن من انتصر بعد أن تعدى عليه فليس عليه سبيل، قال قتادة " بعد ظلمه "
فيما يكون فيه القصاص بين الناس في النفس أو الأعضاء أو الجرح، فأما غير ذلك فلا يجوز
أن يفعل بمن ظلمه.
وقال قوم: إن له أن ينتصر على يد سلطان عادل بأن يحمله إليه ويطالبه بأخذ حقه منه
233

لأن السلطان هو الذي يقيم الحدود ويأخذ من الظالم للمظلوم.
فصل:
وقوله تعالى: ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين
ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما.
فأول ما يكون الجنين نطفة وفيها عشرون دينارا، ويصير علقة وفيها أربعون دينارا
وفيما بينهما بحساب ذلك ثم يصير مضغة وفيها سبعون دينارا، ثم يصير عظما وفيه
ثمانون دينارا، ثم يصير صورة بلا روح مكسوا عليها اللحم خلقا سويا شق له العينان
والأذنان والأنف قبل أن تلجه الروح وفيه مائة دينار، ثم تلجه الروح وفيه دية كاملة، وبذلك
قضى أمير المؤمنين ع وقرأ الآية.
قوله: يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم
من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم.
قال قوم: أراد به جميع الخلق لأن النطفة التي خلقهم الله تعالى منها تكون من الغذاء
والغذاء يكون من التراب والماء فكان أصلهم كلهم التراب، ثم أحاله بالتدريج إلى
النطفة، ثم أحال النطفة علقة - وهي القطع من الدم جامدة - ثم أحال العلقة مضغة وهي
شبيه قطعة من اللحم ممضوغة والمضغة مقدار ما يمضغ من اللحم، فخلقه تامة الخلق وغير
تامة، وقيل: متصورة وغير متصورة، وهو السقط.
" ثم أنشأناه خلقا آخر " بنبات الأسنان والشعر وأعضاء العقل والفهم، وقيل: خلقا
آخر، أي ذكرا وأنثى.
وجاء في الأثر: أن الصحابة اختلفوا في الموؤدة ما هي وهل الاعتزال وأد وهل اسقاط
المرأة جنينها وأد؟ قال على ع: إنها لا تكون موؤدة حتى يأتي عليها البارات
السبع، فقال عمر: صدقت.
وأراد أمير المؤمنين ع " بالبارات السبع " طبقات الخلق السبع المثبتة في قوله:
ولقد خلقنا الانسان من سلالة... الآية، فعنى سبحانه ولادته ميتا، فأشار على ع
234

أنه إذا استهل بعد الولادة ثم دفن فقد وئد، وقصد بذلك أن يدفع قول من توهم أن الحامل
إذا أسقطت جنينها قبل أن تلجه الروح بالتداوي فقد وأدته.
باب الزيادات:
اعلم أن الحر لا يقتل بالعبد أخذا بقوله تعالى: كتب عليكم القصاص في القتلى
، وهي مفسرة لما أبهم في قوله: النفس بالنفس، لأن تلك واردة لحكاية ما كتب في التوراة على
أهلها وهذه خوطب بها المسلمون وكتب عليهم فيها.
وروي: أنه كان بين حيين دماء في الجاهلية فأقسموا لنقتلن الاثنين بالواحد والحر
بالعبد فتحاكموا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله حين جاء الاسلام فنزلت وأمرهم أن
يتساووا. وقوله: فمن عفي له من أخيه شئ، كقولك " سير " يريد بعض السير، ولا يصح
أن يكون " شئ " في معنى المفعول به لأن عفا لا يتعدى إلى المفعول به إلا بواسطة.
و " أخوه " هو ولي المقتول، وذكره بلفظ الإخوة ليعطف أحدهما على صاحبه بذكر ما هو
ثابت بينهما من الجنسية والإسلام.
فإن قيل: إن " عفا " يتعدى بعن لا باللام فما وجه قوله " فمن عفي له "؟
قلنا: يتعدى بعن إلى الجاني وإلى الذنب فيقال: عفوت عن فلان وعن ذنبه، قال تعالى:
عفا الله عنك، وقال: عفا الله عنها، فإن تعدى إلى الذنب قيل: عفوت لفلان عما جنى،
كما يقال: تجاوزت له عنه، وعلى هذا فما في الآية كأنه قيل: فمن عفا له من جنايته،
فاستغنى عن ذكر الجناية.
فإن قيل: هنا فسرت عفا بترك جنى يكون شئ في معنى المفعول به.
قلنا: لأن عفا الشئ إذا تركه ليس يثبت ولكن أعفاه ذمته، قوله ع أعفوا
اللحى.
فإن قيل: فقد ثبت قولهم " عفا الشئ " إذا محاه فإن له فهلا فعلت معناه فمن عفا له
من أخيه شئ.
235

قلنا: عبارة قلقة في مكانها والعفو في الجنايات عبارة مشهورة في الشرع فلا نعدل
عنها.
مسألة:
قوله: ولكم في القصاص حياة عرف القصاص ونكر الحياة لأن المعنى ولكم في هذا
الجنس من الحكم الذي هو القصاص حياة عظيمة وذلك أنهم كانوا يقتلون بالواحد
الجماعة كما قاد مهلهل بأخيه كليب حتى كاد يفنى بكر بن وائل، فلما جاء الاسلام فشرع
القصاص كانت فيه حياة أي حياة أو نوع من الحياة وهي الحياة الحاصلة بالارتداع عن
القتل لوقوع العلم بالاقتصاص من القاتل، وقرئ " ذلكم في القصص حياة " أي مما
قص عليكم من حكم القتل والقصاص.
مسألة:
وقوله: ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، أي بإحدى ثلاث إلا بأن يكفر
أو يقتل مؤمنا عمدا أو يزني بعد إحصان.
" ومن قتل مظلوما " أي غير راكب واحدة منهن " فقد جعلنا لوليه سلطانا " على العاقل
في الاقتصاص منه " فلا يسرف " الولي، أي فلا يقتل غير القاتل، وقيل: الإسراف المثلة،
وقرئ " فلا يسرف " بالرفع على أنه خبر في معنى الأمر وفيه مبالغة ليست في الأمر، وقرئ
بالتاء على خطاب الولي أو قتل المظلوم.
" أنه كان منصورا " الضمير إما للولي يعني حسبه أن الله ناصره بأن أوجب له
القصاص فلا يسترد على ذلك وبأن الله نصره بمعونة السلطان وبإظهار المؤمنين على
استيفاء الحق فلا يقع ما وراء حقه أما المظلوم لأن الله ناصره حيث أوجب القصاص بقتله
وبنصره وفي الآخرة بالثواب وأما الذي يقتله الولي بغير الحق ويسرف في قتله فإنه
منصور بإيجاب القصاص على المسرف.
236

مسألة:
وأما قوله: ومن قتل نفسا بغير نفس، فتقديره بغير قتل نفس " أو فساد " عطف على
نفس بمعنى أو بغير فساد، وهو الشرك أو قطع الطريق.
فإن: قيل: كيف شبه الواحد بالجمع أو جعل حكمه حكمهم؟
قلنا: لأن كل انسان مدلى بما يدلي به الآخر وثبوت الحرمة فإذا قتل فقد أهين وتركت
حرمته وعلى العكس، فلا فرق بين الواحد والجمع في ذلك.
" ثم إن كثيرا منهم بعد ذلك " أي بعد ما كتبنا عليهم " لمسرفون " في القتل لا يبالون
بعظمته.
مسألة:
سئل أبو عبد الله ع عن القسامة في القتل فكان بدؤها من قبل رسول الله
ص فقد وجد أنصاري قتل، قالوا: يا رسول الله قتلت اليهود صاحبنا، قال:
ليقسم
منكم خمسون رجلا (على أنهم قتلوه)، فقالوا: نقسم على ما لم نر، فقال: ليقسم اليهود،
قالوا: من يصدق اليهود، فقال: أنا أؤدي دية صاحبكم، إن الله حكم في الدماء ما لم
يحكم في شئ من حقوق الناس لتعظيمه الدماء فاليمين على المدعى عليه في سائر الحقوق
وفي الدم على المدعي، كما ترى.
مسألة:
" وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ " أي ما صح ولا استقام ولا لاق بحاله أن
يقتل مؤمنا ابتداءا غير قصاص إلا خطأ، أي إلا على وجه الخطأ. وانتصب " خطأ " على
أنه مفعول له أي ما ينبغي له أن يقتله لعله من العلل إلا للخطأ وحده، ويجوز أن يكون حالا
بمعنى لا يقتله في حال من الأحوال إلا في حال الخطأ، وأن يكون صفة مصدرا إلا قتلا خطأ.
" ومن قتل مؤمنا خطأ فعليه تحرير رقبة " والتحرير: الإعتاق، والرقبة عبارة عن النسمة
كما عبر عنها بالرأس، يقال: فلان يملك كذا رأسا من الرؤوس.
237

فإن قيل: على من تجب الدية أو الرقبة؟
قلنا: على القاتل إلا أن الرقبة في ماله على كل حال، والدية إن كان أقر هو على نفسه
بذلك فعلى ماله أيضا على الأحوال، وإن كان بإقامة البينة عليه بذلك فالدية يتحملها عنه
العاقلة، فإن لم يكن له عاقلة أو كانوا ولم يكن لهم مال ففي ماله، وإن لم
يكن يستسعي، وإن لم يكن ففي بيت المال.
" إلا أن يصدقوا " عليه بالدية، ومعناه العفو.
فإن قيل: بم يتعلق " أن يصدقوا " وما محله؟
قلنا: يتعلق بعليه أو بتسليمه كأنه قيل: ويجب عليه الدية أو تسليمها إلا حين يتصدقون
عليه، ومحلها النصب على الظرف بتقدير خلاف الزمان كقولهم: اجلس ما دام زيد جالسا،
ويجوز أن يكون حالا من أهله بمعنى إلا يتصدقن.
مسألة:
قوله: وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين، المعطوفات كلها قرئت
منصوبة ومرفوعة، والرفع للعطف على محل أن النفس لأن المعنى وكتبنا عليهم النفس
بالنفس، إما لإجراء كتبنا مجرى قلنا وإما لأن معنى الجملة التي هي قوله " النفس بالنفس "
ما يقع عليه الكتب كما يقطع عليه القراءة
وكذلك قال الزجاج: لو قرئ " إن النفس بالنفس " بالكسر لكان صحيحا
أو الاستئناف، والمعنى فرضنا عليهم فيها أن النفس مأخوذة بالنفس مقتولة بها إذا
قتلها بغير حق.
وكذلك العين مفقوءة بالعين والأنف مجدوع بالأنف والأذن مقطوعة بالأذن والسن
مقلوعة بالسن والجروح ذات قصاص وهو المقاصة، ومعناه ما يمكن فيه القصاص
ويعرف المساواة.
238

مسألة:
إن قيل: في قوله تعالى " والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون " أ هم محمودون على
الانتصار؟
قلنا: نعم لأن من أخذ الحق غير متعد حد الله ولم يسرف في القتل إن كان ولي الدم أورد
على سفيه محاماة على عرضه فهو مطيع وكل مطيع محمود، على أن كلتا التعليلين الأولى وجزاؤها
سيئة لأنها تسوء من ينزل به.
والمعنى أنه يجب إذا قوبلت الإساءة أن يقابل بمثلها من غير زيادة، فمن عفا وأصلح
بينه وبين خصمه بالعفو فأجره على الله، عده مبهمة لا يقاس أمرها في العظم لأنه لا يحب
الظالمين دلالة على أن (...) لا يكاد مؤمن فيه تجاوز بالسيئة خصوصا في حال الحرب
والتهاب الحمية، والله أعلم بالصواب.
239

غنية النزوع إلى علمي الأصول والفروع
لحمزة بن علي بن زهرة الحسيني الإسحاقي الحلبي
511 - 585 ه‍ ق
241

كتاب الجنايات
وما توجبه الجنايات على ضربين: قتل وغير قتل، فالقتل على ضروب ثلاث:
عمد محض وخطأ محض وخطأ شبيه العمد.
فالعمد المحض هو ما وقع من كامل العقل عن قصد إليه بلا خلاف سواء كان
بمحدد أو مثقل أو سم أو خنق أو تغريق أو تحريق، بدليل إجماع الطائفة وأيضا قوله
تعالى: ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا، لأنه لم يفصل بين أن يكون
القتل بمحدد أو غيره، ويحتج على المخالف بما رووه من قوله ع: ثم أنتم
يا خزاعة قد قتلتم هذا القتيل من هذيل وأنا والله عاقلته فمن قتل بعده قتيلا فأهله
بين خيرتين إن أحبوا قتلوا وإن أحبوا أخذوا الدية، لأنه لم يفرق أيضا.
والخطأ المحض هو ما وقع من غير قصد إليه ولا إيقاع سببه بالمقتول نحو أن
يقصد المرء رمى طائر مثلا فيصيب إنسانا فيقتله، بلا خلاف.
والخطأ شبيه العمد هو ما وقع من غير قصد إليه بل إلى إيقاع ما يحصل عنده مما
لم تجر العادة بانتفاء الحياة بمثله بالمقتول نحو أن يقصد المرء تأديب من له تأديبه أو
معالجة غيره بما جرت العادة بحصول النفع عنده من مشروب أو فصد أو غيرهما،
بدليل إجماع الطائفة، ويحتج على مالك في قوله بقوله ع: ألا إن في قتيل
عمد الخطأ بالسوط والعصا مائة من الإبل، ومن طريق آخر: ألا إن دية الخطأ شبيه
العمد ما كان بالسوط والعصا مائة من الإبل، وهذا نص لأن ذلك غير مختص بما
رووه من قوله.
243

والضرب الأول من القتل موجبه القود بشروط:
منها أن يكون غير مستحق بلا خلاف.
ومنها أن يكون القاتل بالغا كامل العقل فإن حكم العمد ممن ليست هذه
حاله حكم الخطأ بدليل إجماع الطائفة، ويحتج على المخالف بما رووه من قوله عليه
السلام: رفع القلم عن ثلاثة.
ومنها أن لا يكون المقتول مجنونا بلا خلاف بين أصحابنا.
ومنها أن لا يكون صغيرا على خلاف بينهم فيه وظاهر القرآن يقتضي الاستفادة
به.
ومنها أن لا يكون القاتل والد المقتول بدليل الاجماع المشار إليه، ويحتج على
المخالف بما رووه من قوله ع: لا يقتل الوالد بولده.
ومنها أن لا يكون القاتل حرا والمقتول عبدا سواء كان عبد نفسه أو عبد غيره
بدليل إجماع الطائفة وأيضا قوله تعالى: الحر بالحر والعبد بالعبد، يدل على ما
قلناه، ويحتج على المخالف بما رووه من قوله ع: لا يقتل حر بعبد.
ومنها أن لا يكون القاتل مسلما والمقتول كافرا سواء كان معاهدا أو مستأمنا
أو حربيا بدليل إجماع الطائفة وأيضا قوله تعالى: ولن يجعل الله للكافرين على
المؤمنين سبيلا، ويحتج على المخالف بما رووه من قوله ع: لا يقتل
مسلم بكافر ولا ذو عهد في عهده ويقتل الحر بالحرة بشرط أن يؤدى أوليائها إلى
ورثته الفاضل عن ديتها من ديته وهو النصف، بدليل إجماع الطائفة وقوله تعالى:
والأنثى بالأنثى، وإنما أخرجنا من ذلك قتله بها مع الشرط الذي ذكرناه
بدليل الاجماع.
وتقتل الجماعة بالواحد بشرط أن يؤدى ولي الدم إلى ورثتهم الفاضل عن دية
صاحبه، فإن اختار ولي الدم قتل واحد منهم كان له ذلك ويؤدى المستبقون ما
يجب عليهم من أقساط الدية إلى ورثة المقاد منه، ويدل على ذلك إجماع الطائفة
وأيضا فما اشترطناه أشبه بالعدل والتوبة، ويدل على جواز قتل الجماعة بالواحد بعد
244

الاجماع المشار إليه قوله تعالى: ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا، لأنه
لم يفرق بين الواحد والجماعة، وأيضا قوله تعالى: ولكم في القصاص حياة،
لأن المعنى أن القاتل إذا علم أنه إذا قتل قتل كف عن القتل وكان في ذلك حياته
وحياة من هم بقتله، وسقوط القود بالاشتراك في القتل يبطل المقصود بالآية.
ويحتج على المخالف بما رووه من قوله ع: فمن قتل بعده قتيلا فأهله
بين خيرتين... الخبر، لأنه لم يفرق، وقوله تعالى " النفس بالنفس والحر بالحر "
المراد به الجنس لا العدد فكأنه قال: إن جنس النفوس يؤخذ بجنس النفوس
وجنس الأحرار يؤخذ بجنس الأحرار.
ولا تجب الدية في قتل العمد مع تكامل الشروط الموجبة للقود، فإن بذلها القاتل
ورضي به ولي الدم جاز ذلك وسقط حقه من القصاص بدليل إجماع الطائفة وأيضا
قوله تعالى: النفس بالنفس، وقوله: كتب عليكم القصاص في القتلى
الحر بالحر، ومن أوجب زيادة على ذلك فقد ترك الظاهر.
ومتى هرب قاتل العمد ولم يقدر عليه حتى مات أخذت الدية من ماله، فإن
لم يكن له مال أخذت من الأقرب فالأقرب من أوليائه الذين يرثون ديته بدليل
الاجماع المتكرر.
ويقتل الواحد بالجماعة إن اختار أولياء الدم قتله ولا شئ لهم غيره، فإن
تراضوا بالدية فعليه وإن أراد بعض الأولياء القود وبعض الدية كان لهم ذلك وإن
عفا بعضهم سقط حقه وبقي حق من لم يعف على مراده.
ولو كان المقتول واحدا وأولياؤه جماعة فاختار بعضهم القود والبعض الدية والعفو
جاز قتله بشرط أن يؤدى من أراده إلى مريدي الدية أقساطهم منها أو إلى ورثة المقاد
منه أقساط من عفا، بدليل إجماع الطائفة وأيضا قوله تعالى: ومن قتل مظلوما فقد
جعلنا لوليه سلطانا، ومن أسقط القود مع عفو بعض الأولياء أو أراد به الدية فقد
ترك الظاهر، ويجوز لأحد الأولياء استيفاء القصاص من غير استئذان لشركائه فيه
بشرط أن يضمن نصيبهم من الدية بدليل إجماع الطائفة وظاهر الآية لأنه ولي
245

فيجب أن يكون له سلطان.
ويقتل الذمي بمن قتله من المسلمين، ويرجع على تركته أو أهله بديات الأحرار
وقيمة الرقيق أو بما يلحقه من قسط ذلك إن كان مشاركا في القتل.
وإذا قتل العبد الحر وجب تسليمه إلى ولي الدم وما معه من مال وولد إن شاء
قتله وتملك ماله وولده وإن شاء استرقه أيضا، بدليل إجماع الطائفة.
فإن كان العبد شريكا للحر في هذا القتل واختار الأولياء قتل الحر فعلى سيد
العبد لورثته نصف ديته أو تسليم العبد إليهم يكون رقا لهم بدليل الاجماع المشار
إليه، وإن اختاروا قتل العبد كان ذلك لهم بلا خلاف بين أصحابنا وليس لسيد
العبد على الحر سبيل عند الأكثر منهم وهو الظاهر في الروايات، ومنهم من قال:
يؤدى الحر إلى سيد العبد نصف قيمته، وإن اختاروا قتلهما جميعا كان لهم ذلك
بلا خلاف بين أصحابنا، ومنهم من قال: بشرط أن يؤدوا قيمة العبد إلى سيده
خاصة، ومنهم من قال: وإلى ورثة الحر أيضا.
وإذا قامت البينة بالقتل على انسان وأقر آخر بذلك القتل وبرأ المشهود عليه منه
فأوليائه مخيرون بين قبول الدية منهما نصفين وبين قتلهما ورد نصف ديته على ورثة
المشهود عليه دون المقر ببراءته وبين قتل المشهود عليه ويؤدى المقر إلى ورثته نصف
ديته وبين قتل المقر ولا شئ لورثته على المشهود عليه، وإذا لم يبرئ المقر المشهود
عليه كانا شريكين في القتل متساويين فيما يقتضيه.
وإذا أقر انسان بقتل يوجب القود وأقر آخر بذلك القتل خطأ كان ولي الدم
بالخيار بين قتل المقر بالعمد ولا شئ لهم على الآخر وبين أخذ الدية منهما نصفين
والقود على المباشر للقاتل دون الآمر به أو المكره عليه، كل ذلك بدليل الاجماع
المشار إليه، وقد روي: أن الآمر إن كان سيد العبد وكان معتادا لذلك قتل السيد
وخلد العبد الحبس وإن كان نادرا قتل العبد وخلد السيد الحبس.
وإذا اجتمع ثلاثة في قتل فأمسك أحدهم وضرب الآخر وكان الثالث عينا لهم
قتل القاتل وخلد الممسك الحبس وسملت عين الرقيب بدليل إجماع الطائفة،
246

ويحتج على المخالف لما رووه من قوله ع: يقتل القاتل ويصبر الصابر،
قال أبو عبيدة: معناه يحبس الحابس.
وإذا قتل السيد عبده بالغ السلطان في تأديبه وأغرمه قيمته وتصدق بها، فإن
كان معتادا لقتل الرقيق مقرا عليه قتل لفساده في الأرض - لا على وجه
القصاص - وكذا لو كان معتادا لقتل أهل الذمة.
ولا يستقيد إلا سلطان الاسلام أو من يأذن له في ذلك، وهو ولي من ليس له
ولي من أهله يقتل بالعمد أو يأخذ الدية ويأخذ دية الخطأ، ولا يجوز له العفو كغيره
من الأولياء.
ولا يستقاد إلا بضرب العنق، ولا يجوز قتل القاتل بغير الحديد وإن كان هو
فعل ذلك بلا خلاف بين أصحابنا في هذا كله، ومن أصحابنا من قال: إن قصاص
الطرف يدخل في قصاص النفس وكذلك ديته تدخل في دية النفس، ومنهم من
قال: إن قطع يده أو قلع عينه ثم قتله بفعل آخر فعل به مثل ذلك ثم قتل، وظاهر
قوله تعالى: والجروح قصاص، وقوله تعالى: فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه
بمثل ما اعتدى عليكم، معه.
وأما الضربان الآخران من القتل ففيهما الدية على ما نبينه فيما بعد إن شاء
الله.
وتجب الكفارة في ضروب القتل كلها إلا أنها في العمد عتق رقبة وصيام
شهرين متتابعين وإطعام ستين مسكينا على الجمع، ولا تجب إلا مع التراضي بالدية
وفي الخطأ على التخير بدليل إجماع الطائفة على ذلك وطريقة الاحتياط تقتضي ذلك،
ويحتج على المخالف في كفارة قتل العمد بما رووه من أن عمر بن الخطاب قال:
يا رسول الله إني وأدت في الجاهلية، فقال: أعتق عن كل موؤودة رقبة، وبما رواه
واثلة قال: أتينا رسول الله في صاحب لنا قد استوجب النار بالقتل، فقال: أعتقوا
رقبة يعتق الله بكل عضو منها عضوا منه من النار.
وأما ما عدا القتل من الجناية على الآدمي في بدنه بالجروح وغيرها، وفي
247

القصاص مع حصول الشروط التي اعتبرناها في القصاص بالقتل ومضاف إلى ذلك
شرطان آخران: أحدهما أن يكون ما فعله الجاني مما لا يرجى صلاحه كقطع اليد
مثلا أو عطبها وقلع العين أو ذهاب ضوئها وما أشبه ذلك، والثاني أن لا يخاف
بالاقتصاص به تلف نفس المقتص منه كالجائفة والمأمومة وما جرى مجراهما فإنها
يخاف منها تلف النفس ولا يصح فيها ولا في مثلها القصاص.
ومتى اقتص بجرح أو كسر أو خلع قبل اليأس من صلاحه فبرأ أحدهما ولم
يبرأ الآخر أعيد القصاص عليه إن كان باذنه وإن كان بغير إذنه رجع المقتص منه
على المعتدي دون المجني عليه.
وإذا لم يتعد المقتص المشروع له ومات المقتص منه لم يكن عليه شئ، فإن
تعدى بما لا يقصد معه تلف النفس كان ضامنا لما يفعل عن أرش الجناية عليه من
ديته كل ذلك بدليل إجماع الطائفة.
ومن قطع أصابع غيره أو واحدة منها وقطع آخر يده من الزند أو المرفق أو الإبط
فعلى الأول دية ما جناه وعلى الثاني دية ما بقي بعده، وإن شاء اقتص منهما ورد
على الثاني دية ما جناه الأول أو أخذ من الأول دية ما جناه فدفعها إلى الثاني
بدليل الاجماع المشار إليه وأيضا قوله تعالى: والجروح قصاص، يدل على جواز
القصاص.
ومن قطع يمين غيره ولا يمين له قطعت يساره، فإن لم يكن له يسار قطعت رجله.
اليمنى، فإن لم يكن له قطعت اليسرى بدليل الاجماع المشار إليه.
وما لم يتكامل فيه الشروط التي معها يجب القصاص ففيه الدية، ويضمن الحر
قيمة ما أفسده وأرش ما جناه عن عمد أو خطأ أو قصد أو سهو وما يحصل من ذلك
عند فعله أو فعل من يلي عليه على الوجه الذي نذكره، فمن قتل حيوان غيره أو
جرحه أو كسر آلته أو مزق ثوبه أو هدم بناءه ضمن، وكذا لو حصل شئ من ذلك
بإحداثه في طريق المسلمين أو في غيره من الملك المشترك أو ملك الغير الخاص ما لم
يبح له، ويضمن ما يحصل بمداواته من فساد إذا لم يبرأ إلى المداوي أو وليه منه أو
248

بإرساله جمله الهائج وكلبه العقور أو بإرسال غنمه ليلا على كل حال ولا يضمن ما
تجنيه نهارا إلا أن يكون أرسلها في ملك غيره.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أن ناقة البراء بن عازب دخلت حائطا
فأفسدته فقضى عليه: أن على أهل الأموال حفظها نهارا وعلى أهل المواشي حفظها
ليلا وأن على أهلها الضمان في الليل.
ويضمن ما تجنيه دابته بيدها إذا كان راكبا لها أو قائدا ولا يضمن ما تجنيه
برجلها إلا أن يؤلمها بسوط أو مهماز أو لجام، ويضمن كل ذلك إذا كان سائقا ولم
يحذر أو حاملا عليها من لا يعقل على كل حال، ويضمن ما تفسده إذا نفرها إلا أن
يكون قصد بذلك دفع أذاها عنه أو عمن يجري مجراه، ويضمن جناية الخطأ عن
رقيقه وعمن هو في حجره كل ذلك بدليل إجماع الطائفة عليه.
فصل: في الديات:
دية الحر المسلم في قتل العمد مائة من مسان الإبل أو مائتا بقرة أو مائتا حلة أو
ألف شاة أو ألف دينار أو عشرة آلاف درهم فضة جيادا على حسب ما يملكه من
يؤخذ منه في الموضع الذي ذكرناه، يدل على ذلك إجماع الطائفة وأيضا فالأصل
براءة الذمة، ومن قال: إنها من الغنم ألفان ومن الدراهم اثنا عشر ألفا، فعليه
الدليل.
وتجب هذه الدية في مال القاتل بلا خلاف وتستأدى في سنة بدليل إجماع
الطائفة.
ودية قتل الخطأ شبيه العمد على أهل الإبل ثلاث وثلاثون حقة وثلاث وثلاثون
جذعة وأربعة وثلاثون ثنية كلها طروقة الفحل، وقد روي: ثلاث وثلاثون بنت
لبون وثلاث وثلاثون حقة وأربع وثلاثون خلفة، وروي: أنها ثلاثون بنت مخاض
وثلاثون بنت لبون وأربعون خلفة، وما ذكرناه أولا تقتضيه طريقة الاحتياط لأن
الأسنان فيه الأعلى، وتجب هذه الدية في مال القاتل.
فإن لم يكن له مال استسعى فيها وأنظر إلى حين اليسر، فإن مات أو هرب
249

أخذت من أوليائه الذين يرثون ديته الأقرب فالأقرب، فإن لم يكن له أولياء
أخذت من بيت المال، يدل على ذلك إجماع الطائفة وأيضا فذمة العاقلة في الأصل
بدنة وشغلها بإيجاب الدية مع قدرة القاتل عليها يفتقر إلى دليل، وتستأدى هذه
الدية في سنتين بلا خلاف من أصحابنا.
ودية قتل الخطأ المحض على أهل الإبل ثلاثون حقة وثلاثون بنت لبون
وعشرون بنت مخاض وعشرون ابن لبون ذكرا، وروي: أنها خمس وعشرون بنت
مخاض وخمس وعشرون بنت لبون وخمس وعشرون حقة وخمس وعشرون جذعة،
والأول أظهر في الروايات.
وتجب هذه الدية على العاقلة بلا خلاف إلا من " الأصم " وتستأدى في ثلاث
سنين بلا خلاف إلا من ربيعة فإنه قال: في خمس، وإذا لم يكن للعاقلة مال أو لم
يكن له عاقلة وجبت الدية في ماله، فإن لم يكن له مال وجبت في بيت المال
بدليل إجماع الطائفة.
وعاقلة الحر المسلم عصبته الذين يرثون ديته، وعاقلة الرقيق مالكه، وعاقلة
الذمي الفقير الإمام، وتعقل العاقلة صلحا ولا إقرارا ولا ما وقع عن تعد كحدث
الطريق وما دون الموضحة.
ودية رقيق المسلمين قيمته ما لم يتجاوز قيمة العبد دية الحر المسلم وقيمة الأمة
دية الحرة، فإن تجاوزت ذلك ردت إليه.
ودية اليهودي والنصراني والمجوسي ثمان مائة درهم بدليل إجماع الطائفة
وأيضا فالأصل براءة الذمة وشغلها بما زاد على ذلك يفتقر إلى دليل، ودية رقيقهم
قيمته ما لم يتجاوز قيمة العبد دية الحر الذمي وقيمة الأمة دية الحرة الذمية، فإن
تجاوزت ذلك فترد إليها بدليل الاجماع المشار إليه.
ودية المرأة نصف دية الرجل بلا خلاف إلا من ابن حلية والأصم فإنهما
قالا: هما سواء، ويحتج عليهما بما روي من طرقهم من قوله ع: ودية
المرأة على النصف من دية الرجل.
250

ويجب على القاتل في الحرم أو في شهر حرام دية وثلث.
ومن أخرج غيره من منزله ليلا ضمن ديته في ماله حتى يرده أو يقيم البينة
بسلامته أو براءته من هلاكه، وكذا حكم الظئر مع الصبي الذي تحضنه.
وإذا وجد صبي في بئر لقوم وكانوا متهمين على أهله فعليهم الدية وإن كانوا
مأمونين فلا شئ عليهم والقتيل إذا وجد في قرية ولم يعرف من قتله فديته على
أهلها، فإن وجد بين القريتين فالدية على أهل الأقرب إليه منهما، فإن كان وسطا
فالدية نصفان، وحكم القبيلة والمحلة والدرب والدار حكم القرية.
ودية كل قتيل لا يعرف قاتله ولا يمكن إضافته إلى أحد على بيت المال كقتيل
الزحام والموجود بالأرض التي لا مالك لها كالبراري والجبال كل ذلك بطريق
إجماع الطائفة.
ومن عزل عن زوجته الحرة بغير إذنها لزمه لها دية النطفة عشرة دنانير، وإن كان
ذلك بإفزاع غيره فالدية لهما عليه.
ومن جنى على امرأة فألقت نطفة فعليه في ماله ديتها عشرون دينارا، وإن ألقت
علقة وهي قطعة دم كالمحجمة فأربعون دينارا، وإن ألقت مضغة وهي بضعة من
لحم فستون دينارا، وإن ألقت عظما وهو أن يصير في المضغة سبع عقد فثمانون
دينارا، وإن ألقت جنينا كامل الصورة فمائة دينار، وإن وضعته تاما ولم تلجه
الروح ففيه مائة دينار، وإن ألقته حيا ثم مات لزم فيه دية كاملة، وإن مات
الجنين في الجوف ففيه نصف الدية، وتجب الدية للأم خاصة إن كان الزوج هو
الجاني وتجب للزوج خاصة إن كانت الجانية هي.
وإذا كان للحمل حكم الرقيق أو أهل الذمة ففيه بحساب دياتهم.
وفي قطع رأس الميت عشر ديته وفي قطع أعضائه بحساب ذلك،
ولا يورث ذلك بل يتصدق به عنه كل ذلك بدليل الاجماع المشار إليه.
وقضى أمير المؤمنين ع في ستة غلمان كانوا يسبحون فغرق أحدهم
فشهد منهم ثلاثة على اثنين بتغريقه وشهد الاثنان على الثلاثة بذلك، أن على
251

الاثنين ثلاثة أخماس الدية وعلى الثلاثة خمسا الدية.
وقضى ع في أربعة تباعجوا بالسكاكين فمات اثنان وبقي اثنان: أن
على الباقين دية المقتولين يقاصان منها بأرش جراحهما.
وقضى ع في امرأة ركبت عنق أخرى فجاءت أخرى فقرصت المركوبة فقمصت فوقعت الراكبة
فاندق عنقها: أن على القارصة ثلث الدية وعلى المركوبة الثلث وأسقط الثلث لأن الراكبة
كانت لاعبة ولم تكن مستأجرة ولو كانت كذلك لوجبت الدية عليهما كاملة.
واعلم أن في ذهاب العقل الدية كاملة بلا خلاف.
وفي شعر الرأس واللحية إذا لم ينبت الدية كاملة، فإن نبت كان في شعر رأس
الرجل أو لحيته عشر الدية وفي شعر المرأة مهر مثلها بدليل إجماع الطائفة.
وفي قلع العينين أو ذهاب ضوئهما الدية كاملة، وفي إحديهما نصف الدية بلا
خلاف ويعتبر بالفتح في عين الشمس، فإن أطرق حكم بالسلامة وإن لم يطرق
حكم بذهاب النور.
وفي قلع عين الأعور إذا كان عورة خلقه أو بآفة من قبل الله تعالى الدية كاملة
بدليل إجماع الطائفة، فإن كان عورة بغير ما ذكرناه فنصف الدية.
وفي بعض البصر بحساب ما ذكرناه، وتقاس إحدى العينين بالأخرى بلا
خلاف والعينان بعيني من هو من أبناء سنه عندنا ويعتبر مدى ما يبصر بها من أربع
جهات، فإن استوى ذلك صدق وإن اختلف كذب بلا خلاف.
وفي شفر العين الأعلى ثلث ديتها وفي الأسفل نصف ديتها، والعين العمياء إذا
كانت واقعة ففي خسفها ثلث ديتها وفي طبقها إذا كانت مفتوحة أو ذهاب سوادها
ربع ديتها.
وفي ذهاب شعر الحاجبين إذا لم ينبت الدية كاملة وفي أحدهما نصف الدية،
فإن نبت ففيه الأرش.
وفي قطع الأذنين أو ذهاب السمع جملة الدية كاملة وفي إحديهما نصف الدية،
252

وفي نقصان السمع بحساب ذلك يقاس بالصوت في الجهات كالقياس في العين
بالبصر، وفي قطع شحمة الأذنين ثلث ديتها كل ذلك بدليل إجماع الطائفة.
وفي ذهاب الشم الدية كاملة بلا خلاف ويعتبر بتقريب الحراق، فإن دمعت العين فحاسة الشم سليمة وإلا فلا.
وفي استئصال الأنف بالقطع الدية كاملة، وفي قطع الأرنبة نصف الدية، وفي
إحدى المنخرين الربع منها، وفي النافذة في المنخرين ثلث الدية وإن كانت في
إحديهما فالسدس فإن صلحت الأولى والتأمت كان فيها خمس الدية وإن التأمت
الثانية كان فيها العشر، وفي كسره وجبره من غير عيب ولا عثم عشر الدية أيضا
بدليل الاجماع المشار إليه.
وفي استئصال اللسان بالقطع أو ذهاب النطق به جملة الدية كاملة ويعتبر
بالإبرة، فإن لم يخرج دم أو خرج وكان أسود فهو أخرس وإن خرج أحمر فهو
صحيح، وفي قطع بعضه بحساب الواجب في جميعه ويقاس بالميل وكذا الحكم في
ذهاب بعض اللسان ويعتبر بحروف المعجم فما ذهب من المنطق به منها فعلى
الجاني من الدية بعدده، وفي لسان الأخرس إذا قطع ثلث دية الصحيح بدليل
الاجماع المشار إليه.
وفي الشفتين الدية كاملة بلا خلاف وفي العليا الثلث منها وفي السفلى الثلثان
وفي البعض منها بحساب ذلك، وفي شق إحديهما ثلث ديتها فإن التأمت فالخمس
بدليل إجماع الطائفة.
وفي الأسنان الدية كاملة بلا خلاف، وفي كل واحدة مما في مقاديم الفم وهي
اثنتا عشرة نصف عشر الدية، وفي كل واحدة مما في مآخيره وهي ست عشرة ربع
عشر الدية، وفي السن الزائدة على هذا العدد الأرش، وفي سن الصبي قبل أن يثغر
فيها عشر عشر الدية وفي بعض السن بحساب ديتها، وفي اسودادها ثلثا دية سقوطها
وفي قلعها بعد الاسوداد ثلث ديتها صحيحة.
وفي الثديين الدية كاملة وفي أحدهما نصف الدية.
253

وفي اليدين الدية كاملة وفي إحديهما النصف منهما، وفي كل واحد من
الساعدين أو العضدين نصف الدية، وفي كل إصبع عشر الدية إلا الإبهام فإن فيها
ثلث دية اليد، وفي أنملة كل إصبع ثلث ديتها إلا الإبهام فإن في الأنملة منها نصف
ديتها، وحكم الفخذين والساقين والقدمين وأصابعهما حكم اليدين، وفي كل
إصبع زائدة ثلث دية الأصابع الأصلية.
وفي الصلب إذا كسر الدية كاملة، فإن جبر وصلح من غير عيب فعشر الدية.
وفي قطع الحشفة فما زاد من الذكر الدية كاملة، وفي الأنثيين الدية كاملة وفي
إحديهما نصف الدية، وروي: أن في اليسرى منهما الثلثين وفي اليمنى الثلث.
وفي إفضاء الحرة ديتها.
وفي كسر عظام العضو خمس دية العضو فإن جبر وصلح من غير عيب فأربعة
أخماس ديته، وفي موضحة كل عضو من اليدين ربع دية كسره، وفي رضه ثلث ديته
فإن جبر فصلح من غير عيب فأربعة أخماس رضه، وكل عضو فيه مقيد إذا جنى عليه
فصار أشل وجب ثلثا ديته كل ذلك بدليل إجماع الطائفة.
وحكم الشجاج في الوجه حكمها في الرأس وهي ثمانية: فأولها الحارصة وهي
الدامية وهي التي تشق الجلد وتسيل الدم ففيها عشر عشر دية المشجوج، ثم الباضعة
وهي التي تبضع اللحم وفيها خمس عشر ديته، ثم النافذة وتسمى المتلاحمة وهي
التي تنفذ في اللحم وفيها خمس عشر وعشر عشر، ثم السمحاق وهي التي تبلغ
القشرة التي بين اللحم والعظم وفيها خمسا عشر ديته - ويثبت في هذه الأربع
أيضا القصاص بدليل إجماع الطائفة، وقال جميع الفقهاء: فيها حكومة وليس فيها
شئ مقدر ولا قصاص - ثم الموضحة وهي التي توضح عن العظم وفيها نصف
عشر الدية بلا خلاف وفيها القصاص أيضا بلا خلاف، ثم الهاشمة وهي التي
تهشم العظم وفيها عشر الدية، ثم المنقلة وهي التي تحوج مع كسر العظم إلى نقلة
من موضع إلى آخر وفيها عشر ونصف عشر، ثم المأمومة وهي التي تصل إلى أم
الدماغ وفيها ثلث الدية، وفي هذه الثلاث ما ذكرناه من المقدر بلا خلاف وليس
254

فيها قصاص بلا خلاف.
وأما الجائفة فليست من الشجاج لأنها في البدن وهي التي تبلغ الجوف، ولا
قصاص فيها وفيها ثلث الدية أيضا بلا خلاف.
وفي لطمة وجه الحر إذا احمر موضعها دينار ونصف، فإن أخضر أو أسود فثلاثة
دنانير، وفي لطمة الجسد النصف من لطمة الوجه.
والمرأة تساوى الرجل في ديات الأعضاء والجراح حتى تبلغ ثلث الدية فإذا
بلغت ذلك رجعت إلى النصف من ديات الرجال، وديات ذلك في العبيد بحساب
قيمتهم ما لم تزد على دية الحر فيرد إلى ذلك على ما قدمناه، وديات ذلك في أهل
الذمة بحساب ديات أنفسهم، ولا دية للمستأجر مما يحدث عليه في إجارته بفعله أو
عند فعله، ولا دية لمقتول الحدود والآداب المشروعة ولا للمدافعة عن النفس أو
المال، وما تسقط الدية فيه تسقط قيمة المتلف وأرش الجناية ودليل ذلك كله إجماع
الطائفة عليه وفيه الحجة على ما بيناه.
255

الوسيلة إلى نيل الفضيلة
لعماد الدين أبي جعفر
محمد بن علي بن حمزة الطوسي المعروف بابن حمزة
257

باب
أحكام القتل والشجاج وما يتعلق بذلك من القصاص والديات
والقسامة وغير ذلك
فصل في بيان أقسام القتل:
القتل ضربان: أحدهما يلزم به القصاص أو الدية والآخر لا يلزم به ذلك.
فالأول ثلاثة أضرب عمد محض وخطأ محض وعمد الخطأ.
فالعمد المحض ما اجتمع فيه خمسة شروط: أن يكون القاتل بالغا كامل العقل
قاصدا إلى القتل وإلى المقتول بما يمكن زهاق الروح بسببه غالبا أو نادرا، سواء
كان بآلة قاطعة أو مثقلة أو محرقة أو دافعة للتنفس تحبس عن الطعام والشراب أو
تغريق أو اخراج الدم على وجه يقتل أو علاج الطبيب بشئ لم تجر العادة بحصول
نفع فيه وموجب ذلك القود لا غير، فإن عفا الولي فله ذلك وإن طلب الدية لم يكن
له ذلك إلا إذا أجابه القاتل إليه.
والخطأ المحض كل قتل اجتمع فيه أربعة شروط: أن يكون القاتل بالغا عاقلا
مخطئا في القصد وفي الفعل، وقتل المجنون والصبي في حكمه عمدا كان أو خطأ،
وصورة الخطأ أن يرمي انسان قاصدا إلى صيد أو غيره فأصاب إنسانا فقتله أو ما
شابه ذلك وموجبه الدية على العاقلة.
وعمد الخطأ أن يجتمع فيه أربعة شروط: أن يكون القاتل بالغا كامل العقل
عامدا في الفعل مخطئا في القصد، وصوره أن يعمد إلى تأديب الغير أو تعلمه أو زجره
بآلة لا تقتل غالبا أو يعالج الطبيب بما قد جرت به العادة بحصول النفع عنده
وموجبه الدية مغلظة في مال القاتل.
والثاني ضربان: قتل بالاستحقاق وقتل لدفع الضرر.
259

فما هو للاستحقاق بسبب الحد أو بتأدية الحد إليه وقتل بغير الحد، فما هو بالحد
مثل رجم الزاني وقتل ناكح ذوات المحارم والمتلوط والساحر المسلم وغير ذلك مما
ذكرنا وما يحصل بتأدية الحد إليه فهو مثل من قطع في السرقة أو جلد أو عزر في أمر
يوجب ذلك من غير تعد فتلف بسببه، وأما القتل المستحق بغير الحد فثلاثة: قتل
الكافر والمرتد والباغي إذا لم يفئ.
وما هو لدفع الضرر فضربان: أحدهما يكون له القصد إلى قتل المدفوع ابتداء وهو
ما لا يمكن الدفع إلا بالقتل، والآخر لا يكون له القصد إلى القتل ابتداء بل قصد
إلى الدفع بالمقال ثم بالفعال فإن تراقى إلى القتل لم يضمن.
فصل في بيان أحكام قتل العمد المحض:
القاتل عمدا ضربان: كامل وناقص، فالكامل من فيه خصلتان: الحرية
والإسلام أو حكمه، والناقص من فيه أحد أمرين: الكفر أو حكمه والرق.
والكامل ضربان: أحدهما يجري بينهما القود على كل حال والثاني يجري القود
من وجه ولا يجري من آخر.
فالأول هو أن يقتل مسلم حر بالغ كامل العقل عمدا حرا مسلما أو صبيا من أهل
الاسلام ولم يكن ولده ولا ولد ولده، أو حرة مسلمة بالغة عاقلة مثلها أو رحلا حرا
مسلما كامل العقل أو صبيا.
والثاني ضربان: أحدهما يصح القود إذا رد ولي المقتول على ولي القاتل فضل
ما بين ديتهما وهو إذا قتل حر مسلم عاقل حرة مسلمة وطلب ولي الدم الاقتصاص
منه فإن له ذلك إذا رد ما ذكرناه، والآخر ضربان: أحدهما إذا قتل أحدهما صاحبه
قتل به والثاني إذا قتله صاحبه لم يقتل به، فالأول إذا قتل انسان أباه أو جده أو
صبيا من أهل الاسلام قتل به والثاني إذا قتل انسان ولده أو ولد ولده لم يقتل به
ولزمه الدية في ماله وإذا قتل صبي عاقلا لم يقتل به وتكون الدية على عاقلته.
ويقتل الكامل بالكامل والناقص بالناقص إذا كان النقصان من وجه واحد
260

والناقص بالكامل، ولا يقتل الكامل بالناقص إلا إذا اعتاد قتل أهل الذمة والعبيد
فيقاد به بعد ما يؤخذ من وليه فضل ما بين الديتين أو الدية وقيمته.
وإذا قتل حر مسلم لم يخل من تسعة أضرب: إما قتل مثله واحدا أو أكثر أو
حرة مسلمة أو أكثر أو كافرا أو عبدا أو أكثر أو مجنونا أو صبيا أو أكثر.
فإن قتل واحدا مثله وكان المقتول محقونا دمه لزم القود ولم تثبت الدية إلا
بالتراضي ولم يخل الحال من وجهين: إما كان ولي الدم واحدا وكان إليه العفو
والقصاص والصلح أو كان الولي أكثر من واحد وهو على ضربين: إما اتفقوا على
الاقتصاص أو اختلفوا، فإن اتفقوا وبادر أحدهم فقتله صح وإن اتفقوا على العفو أو
أخذ الدية ورضي القاتل بالدية صح، وإن اختلفوا لم يخل: إما طلب القود بعضهم
وعفا الآخر أو أخذ الدية أو عفا البعض وطلب الدية البعض، فإن عفا أحد وأخذ
الدية لم يسقط حق القصاص في حق من يطلبه وكان له ذلك إذا رد على ولي
المقتص منه من ديته بقدر حق من عفا عنه أو أخذ الدية، وإن عفا واحد وطلب
الآخر الدية كان له ذلك.
وإن قتل أكثر من واحد لم يكن لأولياء الدم غير القصاص، فإن اقتص ولي
أحد من قتلهم سقط حق الباقين إلى غير مال، فإن اجتمع أولياء الدم عند الحاكم
وطلبوا جميعا القصاص قتل بمن قتله أولا وسقط حق الباقين، وإن طلبوا جميعا الدية
ورضي به القاتل جاز وإن لم يرض لم يكن لهم ذلك، وإن بذل القاتل لواحد أكثر
من دية واحدة ورضي به ولي الدم صح.
وإن قتل حرة مسلمة كان لوليها القصاص إذا رد نصف الدية أو العفو، فإن
طلب الدية لم يكن له إلا برضا القاتل.
فإن قتل حرتين كان لأوليائهما القصاص من غير رد شئ أو العفو، فإن عفا
ولي أحد الدمين كان للآخر القصاص إذا رد ما ذكرنا، وإن قتل حرائر فحكمه
على ما ذكرنا.
وإن قتل كافرا لم يخل: إما كان الكافر حربيا أو ذميا، فالأول لم يلزمه
261

قصاص ولا دية والثاني ضربان: إما اعتاد قتل أهل الذمة أو لم يعتد، فإن اعتاد
وطلب ولي الدم القصاص جاز للإمام أن يقتص إذا أخذ منه فضل ما بين ديتهما
وإن لم يطلب القصاص جاز للإمام أن يأخذ للحر ديته أربعة آلاف درهم وللحرة
نصفها، وإن لم يعتد كان عليه الدية دون القصاص.
وإن قتل عبدا لم يخل: إما قتل عبد نفسه أو عبد غيره، فإن قتل عبد نفسه
عاقبه السلطان وأخذ منه قيمته وتصدق بها على المسلمين وإن قتل عبد غيره لزمته
قيمته ما لم تتجاوز دية الحر فإن تجاوزت ردت إلى أقل من دية الحر ولو بدينار،
وإن قتل أمة لزمه قيمتها ما لم تتجاوز دية الحرة، والمدبر والمكاتب المشروط عليه في
حكم العبد والمدبرة وأم الولد في حكم الأمة، والمكاتب المطلق إن أدى بعض مال
الكتابة لزم دية الحر بقدر ما تحرر وقيمته بقدر الرق.
وإن قتل مجنونا - لم يحكم عليه بحكم الاسلام - لم يلزم القصاص وكان
عليه دية كاملة إن قتله عمدا أو عمد الخطأ وعلى عاقلته إن قتله خطأ.
وإن قتل صبيا بحكم الاسلام كان حكمه حكم البالغ.
وإن قتل حران مسلمان واحدا مثلهما كان لولي الدم قتلهما معا إذا رد إحدى
الديتين أو قتل أحدهما ورد الآخر على ورثته نصف الدية، وإن تصالحا على ديته
كان على كل واحد منهما نصفها.
وإن قتلا حرة مسلمة كان لوليها أن يقتص منهما ويرد دية كاملة ونصف دية
على ورثتهما وعلى ذلك حكم الجماعة.
وإن قتلت حرة مسلمة مثلها لزم القصاص، وإن قتلت حرتين أو حرائر كان
حكمها حكم حر قتل حرين أو أحرارا، وإن قتلت حرا مسلما كان لوليه
القصاص أو العفو فإن بذلت الدية ورضي بها ولي الدم لزم دية الحر، وإن قتلت
أحرارا فعلى ما ذكرنا، وإن قتلت كافرا أو عبدا أو أمة أو مجنونا أو مجنونة لم يلزم
القصاص ولزمت الدية على ما ذكرنا.
والصبي والصبية بمنزلة الرجل والمرأة في القصاص والدية.
262

وإن قتل عبد حرا لزم القصاص أو الدية وجاز العفو فإن قتل مولاه
قتل به لا غير، وإن قتل غير مولاه وأراد ولي الدم القصاص لم يكن له غير
ذلك، فإن أراد الدية لزمت مولاه وهو بالخيار بين فديتها وتسليم العبد من
ولي الدم، فإن فدى فذاك وإن سلم العبد كان ولي الدم مخيرا بين استرقاقه
وبين قتله، فإن أراد قتله لم يكن له إلا بإذن الإمام.
وإن اشترك جماعة من العبيد على قتل حر لم يخل: إما كانوا لمولى واحد
أو لموالي.
فالأول كان ولي الدم مخيرا بين العفو والاقتصاص وأخذ الدية، فإن
عفا فذاك، وإن أراد الاقتصاص لم يخل قيمتهم من ثلاثة أوجه: إما تكون
وفقا لديته ويكون له قتلهم جميعا من غير رد أو تزيد قيمتهم على ديته وكان
مخيرا إن شاء قتلهم جميعا ورد على مولاهم فاضل القيمة أن تنقض قيمتهم
عن ديته وليس له في ذلك غير القصاص، وإن أراد الدية كان مولاه مخيرا بين
الفدية وتسليم العبيد بقدر الدية إليه.
وإن كانوا لموالي جماعة فالحكم فيه على ما ذكرنا.
وإن قتل كافر حرا مسلما أو كفار وأسلموا قبل الاقتصاص كان
حكمهم حكم المسلمين، وإن لم يسلموا دفعوا برمتهم مع أولادهم وجميع ما
يملكونه إلى ولي الدم إن شاء قتل القاتل واسترق الأولاد وتملك الأموال وإن
شاء استرق القاتل أيضا.
وإن قتل حر كافر عبدا مسلما قتل به، وإن قتل عبد مسلم ذميا لم يقتل
به ولزم الدية مولاه وليس له تسليمه من ولي الدم لأن الكافر لا يتملك
المسلم.
فإن قتل عبد عبدا ألزم القود مع تقارب القيمتين من غير تراد، فإن
كانا لسيدين واقتص سيد المقتول جاز وإن عفا فله وإن طالب الدية كان
مولاه بالخيار بين الفدية والتسليم، فإن فدى لزمته القيمة وإن سلم للبيع لم
يخل من ثلاثة أوجه: إما يبتاع بمثل قيمة المقتول أو بأكثر منه أو بأقل، فالأول
263

يكون ثمنه بأسره لسيد المقتول والثاني إما أمكن أن يبتاع منه بقدر قيمة
المقتول بيع والباقي رق لسيده وإن لم يمكن بيع بأسره ورد على سيده ما فضل
من ثمنه على قيمة المقتول وإن نقص لم يكن له غير ذلك.
وإن قتل صبي أو مجنون واحدا أو أكثر من الحر المسلم أو الحرة أو
العبد أو الأمة أو الكافر لم يلزم القصاص بوجه وكان الدية على عاقلته.
وإن قتل حران آخر وكان قتل أحدهما عمدا والآخر خطأ أو قتل عاقل
وصبي أو مجنون حرا لم يلزم القصاص ولزم الدية وكان ما يصيب من الدية
الحر العاقل العامد في ماله مغلظا ونصيب المخطئ أو الصبي أو المجنون على
عاقلته، وإنما يكون عمد المجنون خطأ إذا زال عقله بغير فعله فإن زال بفعله
كان حكمه حكم العاقل.
فإن اشترك جماعة على قتل واحد لم يخل من ثلاثة أوجه: إما ضربوه
دفعة واحدة - وموجبه القصاص على ما ذكرنا - أو ضربوه واحدا بعد واحد
ولم يخل: إما جعله الأول في حكم المذبوح منه ويلزمه القصاص وحده أو لم
يجعله ومات في جميع الضربات فلزمهم القصاص، أو أمسكه واحد وقتله آخر
وربي لهما ثالث ويلزم القصاص على القاتل والتخليد في الحبس على الممسك
وتسمل العينين على الرائي.
وجملة الأمر في ذلك على خمسة عشر وجها وهو: أن الكامل لا يقتل
بالناقص ويقتل بالكامل - إلا ما استثنيناه من الأب والجد - ويقتل الناقص
بمثله مع اتفاق الملة وبخلافه إذا كان الناقص المقتول مسلما ولا يقتل إذا كان
كافرا ويقتل الناقص بالكامل ويدفع إليه مال الناقص وولده برمته إذا كان
النقصان مع الكفر ويقتل العاقل بالصبي ولا يقتل بالمجنون ولا المجنون به
ولا الصبي ويقتل الواحد بالجماعة من أمثاله والجماعة بواحد من مثلها إذا رد
الفاضل من دياتهم على ديته والحر بالحرة والحرة بالحر على ما ذكرنا.
264

فصل في بيان قتل الخطأ المحض:
موجب قتل الخطأ المحض الدية، ولم يخل هذا القتل: إما ثبت باعتراف القاتل
أو بالبينة، فإن ثبت بالاعتراف أو بالمصالحة لزم الدية القاتل وإن ثبت بالبينة لزمت
العاقلة والعاقلة من يضمن الدية.
والعاقلة أربعة: فعاقلة الحر إذا لم يوال إلى أحد ورثته إن كانت له ورثة
والإمام إن لم يكن له ورثة، وعاقل المملوك والمعتق إذا لم يكن سائبة ولم يكن له
وارث مولاه، وعاقلة الذمي ومن لا وارث له الإمام، وعاقلة من والى إلى غيره من له
الموالاة، ولا يلزم عاقلة القاتل عمدا شئ من الدية إلا إذا هرب القاتل ولم يقدر
عليه حتى مات ولم يخلف مالا.
والدية ضربان: دية نفس ودية جراحة، فدية النفس تستوفى في ثلاث سنين
ودية الجراحة ضربان: إما لم يبلغ أرش الموضحة ويلزم في مال الجاني أو بلغت
وتكون على العاقلة، فإن بلغت مقدار الثلث من دية النفس تستوفى في مدة سنة بعد
انقضائها وإن بلغت مقدار ثلثي دية النفس تستوفى في الثلث الباقي بعد انقضاء
السنة الثانية وإن زاد شئ كان في الزائد على الثلثين بعد انقضاء السنة الثالثة.
والقتل ضربان: مجهز وما يحصل بالسراية، فالأول يبتدئ الحول من وقت
القتل والثاني من وقت الموت وابتداء حول الجراح من وقت الاندمال.
والعاقلة ثلاثة أضرب: غنى ومتوسط وفقير - والاعتبار بوقت الأداء دون
الوجوب - والفقير لا يلزمه شئ، وإن مات الغني قبل الأداء لزم في ماله، ومن له
سبب واحد يقدم عليه من له سببان، ويقدم الأقرب فالأقرب والقريب والبعيد
والحاضر والغائب سواء إذا كانوا من أهل الأداء، و لا يلزم الموالي مع العصبة شئ
وإنما يلزم المولى من علو إذا فقد العصبة، والعاقلة من يرث الدية سوى الوالد والولد
والزوج والزوجة يرث الدية ولا يرث حق القصاص.
والذمي إذا قتل مسلما خطأ أو عمد الخطأ لم يدفع برمته، وأما عمد الخطأ
فيلزم فيه الدية في ماله مغلظة وسيجئ لها بعد ذلك بيان إن شاء الله تعالى.
265

وإذا أمر انسان أحدا بقتل غيره لم يخل: إما أمر حرا أو عبدا، فإن أمر حرا لم
يخل: إما كان عاقلا بالغا أو طفلا أو مجنونا، فإن أمر عاقلا وقتل لزم القود لمباشره
- والمراهق في حكم العاقل - وإن أمر صبيا أو مجنونا ولم يكرهه لزم الدية عاقلته
وإن أكرهه كان نصف الدية على الآمر ونصفها على عاقلة القاتل، وإن أمر عبدا له
صغيرا أو كبيرا غير مميز لزم الآمر القود وإن كان مميزا كان القصاص على المباشر.
وإذا ألزم القود المباشر خلد الآمر في الحبس وإن لزم الآمر خلد المباشر في الحبس
إلا أن يكون صبيا أو مجنونا، ويعتبر القصاص بحال الجناية والأرش بحال
الاستقرار.
وإذا أراد الولي القود وقدر على الاستيفاء استوفى بنفسه بسيف صارم وليس له
المثلة بالقصاص منه ولا تعذيبه ولا ضربه حتى يموت وإن فعل هو بصاحبه ذلك، فإن
ضربه ضربة عمدا على غير المقتل وقتله في الحال عزر وإن تركه حتى برئ ثم أراد أن
يستقيد منه لم يكن له ذلك إلا بعد أن يقتص منه - والجرح إن كان مما يدخله
القصاص أو يدفع إليه الأرش إن لم يدخله القصاص - وإن جرحه فسرى إلى
نفسه فقد استوفى وإن ضربه دهشا على غير المقتل وقتله في الحال لم يلزمه شئ.
والمرأة إذا اقتص منها حائلا حكمها حكم الرجل وإن كانت حاملا تركت
حتى تضع حملها وترضعها اللبأ، فإذا وضعت وأرضعت وهناك من يقوم بأمر الولد
جاز للاقتصاص منها وإن لم يكن لم يجز الاقتصاص منها حتى يستقل الولد، وإن
وكل غيره في الاستيفاء مع القدرة عليه جاز وإن لم يقدر على الاستيفاء بنفسه وجب
عليه التوكل.
والمولى لم يخل من ستة: إما كان عاقلا بالغا رشيدا أو غير رشيد أو طفلا أو
غائبا أو كان جماعة حضورا - بعضهم رشيد أو بعضهم غير رشيد أو طفل - أو
كان بعضهم حاضرا وبعضهم غائبا.
فالأول قد ذكرنا حكمه، والثاني إن كان لغير الرشيد ولي لم يكن له
الاستيفاء فإن عفا على مال صح، فإذا رشد ولي الدم أو بلغ الطفل رشيدا أو رضي
266

بذلك فقد صح وإن لم يرض وأراد القود كان له ذلك إذا رد ما أخذ وليه وإن لم
يعف الولي على مال حبس القاتل إلى وقت القصاص، وإن كان ولي الدم غائبا
وكان واحدا حبس القاتل حتى يحضر، وإن كان الأولياء جماعة حضورا رشيدا وغير
رشيد أو كان بعضهم حاضرا وبعضهم غائبا كان للرشيد وللحاضر الاقتصاص
ويضمن نصيب غير الرشيد أو الغائب بالدية، فإذا رشد هذا أو حضر ذلك لم يخل
من ثلاثة أوجه: إما رضي بالقصاص ووقع موقعه أو عفا ورد المقتص على ورثة
المقتص منه من الدية بعد ما عفا عنه أو طلب الدية ودفع إليه بقدر نصيبه من الدية.
وإن كان أبوان ولهما ولدان فقتل أحدهما أباه والآخر أمه كان لقاتل الأب
الاقتصاص من قاتل الأم وميراثا ولقاتل الأم الاقتصاص من قاتل الأب وميراثه.
فصل في بيان حكم القتيل إذا لم يعرف قاتله:
إذا وجد قتيل في زحام أو في فلاة أو في سوق أو في معسكر أو على باب دار قوم أو
قرية أو قبيلة أو بين قريتين أو قبيلتين على التساوي - ولم يكونا متهمين وأجابوا إلى
القسامة - ولم يعرف له قاتل وكان له ولي يطلب بدمه كان ديته في بيت المال
وإن كانوا متهمين بقتله ولم يجيبوا إلى القسامة لزمتهم الدية، فإن لم يكن له ولي أو
كان ولم يطالب بدمه لم يلزم شئ.
وإن وجد صبي قتيل في دار قوم متهمين به لزمتهم الدية وإن لم يكونوا متهمين
لم يلزمهم شئ، وإن وجد قتيل قطعة قطعة فديته على من وجد عنده صدره إذا لم
يكن غيره متهما به.
فصل في بيان أحكام الديات:
الدية ضربان: دية النفس ودية الأعضاء، ودية النفس ضربان: أحدهما تجب
بنفس القتل والأخرى بدل القود، فما يجب بنفس القتل ضربان: أحدهما يجب على
العاقلة وهي دية قتل الخطأ المحض إذا ثبت بالبينة من غير مصالحة والآخر تجب على
267

القاتل وهو دية عمد الخطأ ودية الخطأ المحض إذا ثبت القتل باعتراف القاتل أو
الدية بالمصالحة، وما يجب بدل القود فهو دية قتل العمد المحض ويلزم القاتل إلا إذا
هرب ولم يظفر به حتى يموت ولم يكن له مال كما ذكرنا.
ودية العمد تنقسم قسمين: أحدهما دية القتل في الحرم أو في الأشهر الحرم
والأخرى ديته في غير هذه المواضع والأوقات، فالأول ديته دية كاملة للقتل وثلث
دية لانتهاكه حرمة الحرم والأشهر الحرم، وأصول الديات ستة: إبل وبقر وغنم
ودرهم ودينار وحلة.
فإن كان القاتل من أهل الإبل ولزمته في ماله وجب عليه مائة من الإبل وإن
وجبت على العاقلة فالاعتبار بحالها، فإن كان من أهل البقر فمائتان منها، وإن
كان من أهل الغنم فألف منها، وإن كان من أهل الدراهم فعشرة آلاف درهم،
وإن كان من أهل الذهب فألف دينار، وإن كان من أهل الحلة فمائتا حلة والحلة
ثوبان: إزار ورداء.
ودية عمد المحض مغلظة بثلاثة أشياء على جميع الأحوال وبشئ آخر على بعض
الوجوه، فالأول التغليظ بالسن والصفة والاستيفاء فأما السن فيلزمه المسان والصفة
يلزمه السمان والاستيفاء يلزمه حالة، والمغلظة على بعض الوجوه وهي ما ذكرنا من
لزوم دية وثلث لوقوعه في الحرم أو في الأشهر الحرم.
ودية الخطأ مخففة من كل وجه إلا إذا وقع في الحرم أو في الأشهر الحرم فإنه يلزم
التغليظ بالزيادة، فأما التخفيف في السن فيلزمها أرباعا من الجذاع والحقاق وبنات
لبون وبنات مخاض وتخفيفها بالصفة أنه لا يلزم فيها شئ من الحوامل وتخفيفها
بالاستيفاء هو أن تؤخذ في ثلاث سنين من العاقلة.
ودية عمد الخطأ مخففة من وجه مغلظة من آخر، فالتغليظ كونها أثلاثا ثلاثة
وثلاثون منها بنت لبون ومثلها حقة والباقي كلها خلفة طروقة الفحل وتستأدى في
سنة إذا كان القاتل في غنى ويسار وفي سنتين إذا لم يكن، وأما البقر أو الغنم
فيجب أن يكون المسان في دية قتل العمد وأرباعا في دية قتل الخطأ وأثلاثا في دية
268

عمد الخطأ، ولا يدخل التغليظ والتخفيف في دية الذهب والفضة والحلة.
فصل في بيان أحكام الشجاج والجراح وما يصح فيه القصاص وما لا يصح وكيفية
الاقتصاص وأحكام الديات وما يتعلق بذلك:
القصاص فيما دون النفس في شيئين: في جرح مشقوق وعضو مقطوع، وكل
عضو لا يكون منه التلف غالبا وينتهي إلى مفصل يدخله القصاص وقد يكون
الاعتبار فيها بالمساحة طولا وعرضا لا بالمقادير من الصغر والكبر والنحافة والسمن،
وكل شخصين يجري بينهما القصاص في النفس يجري في الأطراف بشرطين:
أحدهما الاشتراك في الاسم مثل اليمين واليسار إذا كان له عضوان إلا ما يستثني
منه، والآخر التماثل في الصحة والفساد والاقتصاص فيما يكون منه التلف غالبا
مثل المأمومة والجائفة وما لا تلحقه الآفة لا يعتبر بالسلامة، والاعتبار فيه التكافؤ في
ثلاثة أشياء: الحرية والإسلام والعبودة، ويلزم الاقتصاص بين الكاملين والناقصين
ويقتص الكامل من الناقص دون العكس.
وتلزم دية النفس كاملة في أحد سبعة وثلاثين عضوا: العقل إذا ذهب به ولم
يرجع، وشعر رأس الرجل والمرأة إذا ذهب به ولم ينبت، وفي ذهاب السمع كله من
كلتا الأذنين، وفي قطعهما صحيحتين من الأصل، وفي ذهاب البصر بأسره من كلتا
العينين، وفي العينين البصيرتين، وفي الأهداب جميعا إذا ذهب بها ولم تنبت على
رواية، وفي الأنف إذا رعب جدعا، وفي الشم، وفي الشفتين، وفي اللحيين، وفي
الأسنان كلها، وفي إذهاب الكلام بأسره، وفي اللسان بأسره، وفي ذهاب الذوق،
وفي اللحية إذا ذهب بها ولم تعد، وفي العنق إذا جعله أصور، وفي الترقوة إذا كسرها
فأجبرت على عثم، وفي الصدر إذا كسره وانجبر على تثن فيه، وفي الكتفين معا،
وفي قطع الحلمتين من ثدي المرأة، وفي الظهر إذا كسره وانجبر على عثم، أو لم يمكنه
القعود، أو احدودب، أو ذهب مشيه أصلا من غير شلل في الرجل، أو جماعة من غير
شلل في الذكر، أو أصابه سلس البول ودام إلى الليل، وفي الأليتين إذا قطعهما إلى
269

العظم، وفي الورك إذا كسر بعصوصه، أو عجانه ولم يملك البول أو الغائط، وفي
الذكر إذا أذهبه بالقطع، أو قطع جميع الحشفة دفعة أو مع بعض القصبة، وفي
الأنثيين، وفي قطع الإسكتين، وقطع الشفرين، وقطع أصابع اليدين، وقطع
اليدين، وقطع أصابع الرجلين.
وقطع كل ما يكون في نفس الانسان منه واحد ففيه دية كاملة إن كان من
الرجل ففيه دية الرجل وإن كان من المرأة ففيه دية المرأة مثل اللسان واللحية
والذكر، وكل ما يكون فيه اثنان ففيهما دية كاملة وفي أحدهما نصف الدية إلا
الشفة والخصيتين فإن في الشفة السفلى ثلاثة أخماس الدية وفي العليا خمساها وفي
الخصية اليسرى ثلثا الدية وفي اليمنى ثلثها، وما ليس فيه دية كاملة فسيأتي شرحه
إن شاء الله تعالى.
فأما العقل فإن أذهبه بشربه الأدوية المجننة أو بضربه شيئا على رأسه حتى طار
قلبه ورعد وذهب عقله لم يخل من خمسة أوجه: إما ناب إليه عقله أو مات قبل أن
ينوب أو لم يذهب عقله بأسره وينتفع به وقتا دون وقت أو لم ينتفع به أصلا أو
انتفع به غير مقدر، فالأول عزر لسقيه الأدوية المجننة ولم يلزمه شئ ولزمه
القصاص أو أرش الجناية مع التعزير في الضرب والثاني لزمه دية كاملة والثالث فيه
الدية على قدر الإفاقة والجنون إذا كان مقدرا والرابع فيه الدية أيضا والخامس كان
موكولا إلى رأي الإمام.
فأما شعر الرأس فلا قصاص فيه، فإن كان رجلا ولم ينبت ففيه الدية وإن
نبت بعضه أو كله ففيه الأرش على ما يراه الإمام، وإن كانت امرأة ولم يعد ففيه
ديتها فإن عاد ففيه مهر نسائها.
وأما الرأس ففي بعض شجاجه الأرش دون القصاص وفي البعض القصاص أو
الأرش وهي ثمانية: أو لها الحارصة ثم الباضعة ثم المتلاحمة ثم السمحاق ثم
الموضحة ثم الهاشمة ثم المنقلة ثم المأمومة.
فالحارصة الدامية وهي التي تشق الجلد دون اللحم وفيها القصاص أو الأرش
270

وهو بعير، والذكر والأنثى فيه سواء، والدية في العمد والخطأ في مال الجاني، وأرش
المملوك على قدر قيمته، وأرش الذمي على قدر ديته، وأرش الحر والحرة سواء إلى أن
يبلغ ثلث الدية فإذا بلغ كان أرش الحرة على النصف من أرش الحر.
والباضعة هي التي تقطع اللحم وفيها القصاص أو الدية بعيران.
والمتلاحمة وهي التي تنفذ في اللحم وفيها القصاص أو الأرش ثلاثة أبعرة.
والسمحاق ما يبلغ القشرة بين اللحم والعظم وفيه القصاص أو الدية أربعة
أبعرة.
والموضحة ما يوضح العظم أي يكشفه من القشرة وفيه الدية خمسة أبعرة أو
القصاص إن كان عمدا وإن كان خطأ فالدية على عاقلته وإن كان عمد الخطأ
فالدية في مال الجاني ولا قصاص فيهما، وإن سرى إلى ما فوقه ضمن.
والهاشمة ما يهشم العظم ولا يحتاج إلى النقل وفيها القصاص إن كان عمدا أو
الدية وهي عشرة أبعرة، وحكم الخطأ وعمده فيها وفيما فوقها على ما ذكرنا في
الموضحة.
والمنقلة ما يكسر العظم ويحوج إلى النقل من موضع إلى موضع وديتها خمسة عشر
بعيرا، وفي عمدها القصاص أو الدية.
والمأمومة ما تبلغ أم الدماغ ويقال لها: الدامغة، وفيها الدية دون القصاص
وديتها على الثلث من دية النفس مغلظة في العمد ومخففة في الخط وبين بين في عمد
الخطأ.
الوجه: والجناية على الوجه تكون بالجرح واللطم، فالجرح على ستة أضرب: إما
جرح ولم يوضح ثم برئ وفي الخدين أثر وفيه عشرة دنانير، أو سقط منه فرعة لحم مع
ما ذكرنا وفيه ثلاثة وثلاثون دينارا، أو حصل منه صدع وفيه ثلاثون دينارا، أو إن
وضح العظم ولم ينفذ إلى الجوف وفيه خمسون دينارا، أو نفذ إلى جوف الفم وبه شين
فأحسن بعد برء الجوف والظاهر وفيه أيضا خمسون دينارا، وإن برئ الجوف دون
الظاهر وفيه مائة دينار - وحكم الجبهة والجبين مثل حكم الرأس في الموضحة
271

وغيرها - وأما اللطمة فإن أسود أثرها ففيه ستة دنانير وإن أخضر ففيه نصفها وإن
احمر ففيه ربعها.
وأما الحاجبان ففي ذهاب شعرهما نصف الدية وفي أحدهما ربع الدية وفي
البعض بالحساب.
وأما السمع فإن ذهب كله من الأذنين ففيه دية كاملة، وإن ذهب من واحدة
ففيه نصف الدية، وإن ذهب البعض من كليهما أو واحدة فبالحساب، وإذا أخذ
الأرش ثم عاد لم يلزم رده، وإن ذهب السمع من أحد الأذنين بسبب من الله تعالى
ففي الآخر الدية كاملة وإن ذهب بسبب من الناس لم يتغير حكم الآخر.
الأذن: والجناية عليها بأحد ثلاثة أشياء: بالقطع والحزم وغير ذلك.
فالقطع فيه القصاص - مع التساوي في الصحة - أو الدية، فإن استأصلهما
كان فيهما الدية كاملة وفي الواحدة نصف الدية، وتقطع الكبيرة والثخينة
والسمينة والسميعة وغير المثقوبة بأضدادها، ولا تقطع الصحيحة بالمقطوع بعضها ولا
بالمنخرمة ولا بالشلاء، وفي الشلاء ثلث ديتها صحيحة وفي المقطوع بعضها كان
فيها الأرش بالحساب، وفي شحمة الأذن القصاص أو ثلث الدية وفي قطع بعضها
كذلك.
والخرم ديتها ثلث دية الأذن إذا لم تبن، ولم يلزم فيه القصاص إلا بعد أن
يندمل ولم يتصل وإن اتصل سقط القصاص وفيه حكومة، وإن سرى إلى السمع لم
يدخل أرش الجناية في أرشه.
وغير القطع والخرم وهو الثقب ففيه حكومة.
البصر: وفي ذهابه من العينين كمال الدية ومن إحديهما نصفها أو القصاص مع
التساوي أو نقصان ضوء المجني عليه خلقة، وفي نقصان الضوء بالحساب، وفي قلع
الحدقة بعد ذهاب البصر ثلث دية العين.
الانسان لم يخل من ستة أوجه: إما كانت له عينان صحيحتان أو عمشاوان أو
كان أعور خلقة أو غير خلقة أو أعمى قائم العين أو غير قائم.
272

فإذا جنى على عينه غيره وكان الجاني مثله كان فيه الأرش أو القصاص إن
أمكن - والصغر والكبر والملاحة والقباحة بمنزلة - ودية الصحيحتين دية النفس
ودية العمشاوين ثلث دية النفس ودية الأعور خلقة دية النفس ودية غير خلقة على
النصف ودية العمياء قائمة إذا قلعها أو خسف بها ثلث دية الصحيحة، فإن ذهب
بضوئها بجناية كان فيه الدية، فإن خسف بها قائمة بعد ذهاب البصر كان فيه
ثلث الدية وإن بخعها كان فيها دية واحدة، فإن سمل صحيح العينين صحيحة
الأعور خلقة كان المجني عليه بالخيار بين أخذ الدية وبين أن يسمل إحدى عينيه
ويأخذ نصف الدية، وإن سمل الأعور خلقة إحدى عيني البصير والأعور غير خلقة
كان له قلعها.
وإن اشترك جماعة في سمل عين أو قطع أذن أو أنف أو غير ذلك وتميز فعل كل
واحد منهم عن فعل الآخر لم يلزم فيه القصاص وعلى كل واحد أرش جنايته، فإن
لم يتميز كان المجني عليه بالخيار بين العفو وأرش الدية والاقتصاص من واحد ورد
الباقون عليه بالنصيب وبين القصاص من الجميع ويرد الفاضل عليهم بالحساب.
الجفن: وفي الجفن الأعلى من كل عين ثلث ديتها وفي الأسفل نصف الدية، وفي
كل هدب ثلث دية الجفن وفيه القصاص أيضا فإن اقتص وسرى إلى البصر لم يلزم
شئ.
الأنف: وهو ما لأن من المنخرين والحاجز والقصبة وفيه الدية كاملة أو
القصاص، فإن جدع مع المارن شيئا من القصبة أو من اللحم الذي تحته إلى الشفة
كان في المارن دية وفي القصبة أو اللحم حكومة، وفي روثة الأنف القصاص أو
نصف الدية وفي بعضها بالحساب، وفي الشم دية كاملة، وفي قطع أحد المنخرين
القصاص أو نصف الدية فإن كسره ولم ينجبر ففيه دية وإن انجبر على غير عثم ولا
عيب ففيه مائة دينار وإن اعوج ففيه أيضا حكومة وإن جعله أشل ففيه ثلث الدية،
وإن شق ما بين المنخرين ففيه خمسون دينارا فإن بقي فيه فرجا ففيه زيادة حكومة،
وإن شق الأنف كان حكمه حكم الدامية والموضحة في الرأس.
273

الشفة: وفيها القصاص أو الدية - وقد ذكرنا مقدار الدية - وإن قطع بعضها
كان الاعتبار بالمساحة في الأرش والقصاص، وإن شقهما حتى بدت الأسنان ولم
يلتئما كان فيهما ثلث دية النفس، وإن التأمتا كان فيهما خمس الدية، وإن
التأمت إحديهما فبالحساب.
اللحيان: وفيهما القصاص أو الدية كاملة، وفي أحدهما القصاص أو نصف
الدية فإن قلع وكان معه الأسنان وجب أرش السن أيضا، وفي رضهما ثلث الدية،
وفي كسرهما أرش الهاشمة أو المنقلة إن احتاج إلى النقل وإن انجبر على غير عثم ولا
عيب ففيه أربعة أخماس دية كسره.
الأسنان: لم يخل: إما كانت زائدة أو أصلية.
فإن كانت زائدة وللجاني مثلها ففيها القصاص أو الدية وديتها ثلث دية
الأصلية، وإن لم تكن له مثلها ففيها الأرش.
وإن كانت أصلية وكانت من صغره وجب لكل سن بعير وإن قلع سن كبير
كان فيها القصاص أو الأرش، فإن اقتص ورجع كلاهما أو لم يرجعا لم يكن
لأحدهما على الآخر سبيل له، وإن رجع سن الجاني كان للمجني عليه قلعه وإن
رجع سن المجني عليه لم يكن للجاني عليه سبيل، ولا تقلع الكاملة بالناقصة.
فإن كسر بعض السن ففيه الدية بالحساب، وفي اسودادها وانصداعها ثلث
ديتها، وفي قلع السوداء والمنصدعة ثلث ديتها، وفي اصفرارها واخضرارها حكومة،
وإن نقصت بجناية وقال أهل الخبرة: ذلك تسقط على كل حال، ففيه الأرش في
الحال.
وإذا قلع جميع الأسنان ففيها القصاص أو دية النفس، وما يقسم عليه الدية
ثمانية وعشرون وما زاد عليه زائد، وفي كل واحدة من مقاديم الأسنان وهي اثنتا
عشرة خمسون دينارا نصف عشر الدية، وفي كل واحدة من المآخير وهي ست عشرة
ربع العشر، وإن نقص منها شئ نقص من الأرش وإن زاد عليها شئ كان الزائد
ثلث دية ما يجنيه.
274

اللسان: والجناية عليه بأحد شيئين: بالقطع أو ذهاب الكلام، والقطع ثلاثة
أضرب: قطع لسان من بلغ النطق ولسان من لم يبلغه ولسان الأخرس، ومن بلغ
النطق لم يخل: إما تكلم أو تأخر بنطقه، فإن تكلم لم يخل: إما قطعه من الأصل
أو قطع بعضه.
فإن قطع من الأصل ففيه دية النفس أو القصاص وإن قطع بعضه اعتبر
بالحروف ولزم من الدية بمقدار ما ذهب منها وإن تأخر نطقه لعلة ففيه ثلث الدية،
فإذا ترعرع وتكلم ببعض الحروف اعتبر به ولزم من الدية بمقدار ما ذهب.
فإن ذهب من الحروف بمقدار الثلث فقد استوفى حقه وإن ذهب أكثر من ذلك
فعليه الإتمام وإن ذهب أقل من ذلك رد الزائد.
ومن لم يبلغ النطق وهو يتحرك لسانه للبكاء أو غيره بما يعبر عنه باللسان
فحكمه حكم الناطق، وفي قطع لسان الأخرس ثلث الدية.
ومن ضرب ضربة على رأس غيره فذهب جميع كلامه فعليه دية كاملة وفي قطعه
بعد ذلك ثلث الدية وإن ذهب بعض حروفه لزمه بالحساب من الدية، فإن ادعى
ذهاب كلامه غرز لسانه بالإبرة، فإن خرج منه دم أسود صدق وإن خرج أحمر
كذب.
وأما الشم ففيه الدية كاملة، والذقن في حكم الوجه في الخدش والبضع
والإيضاح والكسر وغيره.
العنق: فإن جنى عليه وجعله أصور ففيه الدية، وإن جعله بحيث لا يقدر على
ابتلاع الريق أو على الازدراد ولم يمت ففيه حكومة وإن مات ففيه القود.
الترقوة: فإن كسرها وانجبرت على عثم ففيه دية النفس وإن انجبرت على غير
عثم ففيه أربعون دينارا، وفي صدعها أربعة أخماس دية الكسر، فإن أوضح ففيه خمسة
وعشرون دينارا، وإن كسرها واحتاجت إلى النقل ففيه ستون دينارا.
الصدر: فإن بضع لحمه فديته نصف دية الباضعة في الرأس، فإن أوضحه ففيه
خمسة وعشرون دينارا، فإن رضه وتثني كلا شقيه ففيه نصف الدية وفي الواحد ربع
275

الدية، وإذا تثني الصدر والكتفان معا ففيه الدية كاملة وإن لحقه صور بعد لم يمكنه
معه الالتفات ففيه نصف الدية، وفي جائفته ثلث الدية.
وفي قطع حلمة الرجل ثمن الدية، وفي قطع الحلمتين من ثديي المرأة ديتها، وفي
قطع ثدييها بعد ذلك حكومة.
البطن: في جائفته ثلث الدية، وفي باضعته وداميته نصف ما في الرأس، وفي
دوسه حتى يحدث القصاص أو ثلث الدية.
الضلع: في كسر واحد من جانب القلب خمسة وعشرون دينارا وفي صدعه نصف
ذلك ودية موضحته ونقبه ربع دية كسره، وفي كسر واحد مما يلي العضدين عشرة
دنانير وفي صدعه سبعة دنانير وفي موضحته ربع ما في كسره ديناران ونصف، وفي
نقبه من الجانبين برميه أو طعنه أربعمائة وثلاثة وثلاثون دينارا وثلث دينار.
الظهر: وفي كسره إن انجبر على عثم دية كاملة وغير عثم خمس الدية، وإن لم
يمكنه العقود أو احدودب أو ذهب مشيه أصلا من غير شلل في الرجل أو انقطع نخاعه
أو أصابه سلس البول ودام إلى الليل أو ذهب جماعه من غير شلل في الذكر ففيه أيضا
دية، وإن دام سلس البول إلى الظهر ففيه ثلثا الدية، وإن دام إلى الضحوة ففيه ثلث
الدية وإن ذهب مشيه إلا على عكازة بيده ففيه حكومة.
الألية: في قطعها إلى العظم نصف الدية وفي كلتيهما دية كاملة وفي البعض
بالحساب.
الورك: في كسره إذا انجبر على غير عثم مائتا دينار، وفي صدعه مائة وستون
دينارا، وفي موضحته خمسون دينارا، وفي ناقلته مائة وخمسة وسبعون دينارا، وفي فكه
ثلاثون دينارا، وفي رضه ثلث الدية، وفي كسره بعصوصه أو عجانه وملك البول
والغائط حكومة وإن لم يملك البول أو الغائط دية كاملة.
الذكر: فيه القصاص أو الدية، ولا يقطع الصحيح بما به شلل أو عنة والباقي
يقطع هذا بذاك مع اختلاف الأحوال، ويقطع ذكر الفحل بذكر المشلول.
الخصيتين: ويقطع ما به عنة أو شلل بالصحيح، وديته إذا قطع الجميع أو الحشفة
276

بأسرها أو الحشفة مع بعض القصبة دفعة دية النفس، فإن قطع بعضه طولا أو بعض
الحشفة ففيه الدية بالحساب، وإن جعله أشل ففيه ثلثا الدية، وإن ظهر به بجنايته
دمل لا يبرأ أو برص أو جراح ففيه حكومة.
الأنثيان: وفيهما دية كاملة أو القصاص كانتا لفحل أو لمن لا ذكر له، وفي
اليسرى ثلثا الدية وفي اليمنى ثلثها ولا تقطع أحدهما بالأخرى، وفي الأدرة خمسا
الدية وإن صار أفحج بحيث لا يقدر على المشي أو لا ينتفع به ففيه أربعة أخماس
الدية.
العانة: إذا خرق صفاقها فصار آدر ففيها أربعة أخماس الدية.
فرج النساء تكون الجناية عليه بأحد ستة أشياء: بالقطع والإفضاء والشلل
وارتفاع الحيض وإذهاب العذرة وخرق المثانة.
فإذا قطعت امرأة من أخرى أسكتيها أو شفريها ففيهما القصاص أو الدية
- وهي دية نفسها - وفي واحد نصف الدية، وفي قطع الركب حكومة، وفي
إفضائها إذا كانت تسع سنين ديتها سواء كان زوجا لها أو غير زوج أو جامعها
بشبهة نكاح أو عقد، وفي شلل أسكتيها ثلثا الدية، وفي ارتفاع حيضها بعد
الاستقامة إذا لم يرجع بعد سنة ثلث ديتها، وفي إذهاب العذرة بالإصبع مهر
نسائها، وفي خرق المثانة إذا لم تستمسك البول ثلث ديتها.
الخنثى لم يخل من أربعة أوجه: إما بأن كونه ذكرا أو أنثى أو مشكلا أمره أو لم
يبن.
فإن بان ذكرا وقطع مثله ذكره أو أنثييه كان فيه القصاص وإن جنى على فرجه
ففيه حكومة، وإن بان أنثى وقطع إسكتيها أو شفريها أو ركبها لزم فيه الدية على ما
ذكرنا قبل، وإن قطع ذكرها أو خصييها ففيه حكومة، وإن جنت عليها امرأة على
آلة النساء كان فيها القصاص أو الدية، فإن أشكل أمره كان في الجناية عليه الدية
دون القصاص، وإن لم يبن أمره صبر حتى بان ليحكم فيه على ما ذكرنا، فإن لم
يصبر أعطي الدية على اليقين، فإن بان على ما صالح عليه فذاك وإن بان بخلافه
277

استوفى الباقي.
اليد: تقع الجناية عليها بأحد ستة أشياء: بالقطع والفك والكسر والرض والجرح
والضرب.
والقطع يكون من مفصل ومن غير مفصل، وفي القطع من المفصل القصاص أو
الدية، وفي قطع أنملة الإبهام القصاص أو نصف ديتها وديتها ثلث دية اليد، وفي
قطع أنملة من سواها ثلث ديتها سدس دية اليد، وإن قطع اليدين من أصول الأصابع
أو مع بعض الكف أو من الكوع ففيه القصاص أو دية النفس به وفي إحديهما نصف
الدية، وإن قطعهما من عظم الذراع أو من عظم المرفق كان فيه دية وحكومة
والضحة والعسم والشنج فيها بمنزلة، ولا تقطع الكاملة بالناقصة وتقطع الناقصة
بالكاملة ما لم يخف فيه التلف، ولا تقطع اليمنى باليسار ولا اليسار باليمين إلا
إذا لم يكن له مثل ما قطعه، فإن قطع يمينا قطعت يمينه فإن لم يكن له يمين فيساره
فإن لم يكن له يسار فرجله فإن لم يكن له رجل سقط القصاص.
وأما الفك فإذا فك كفا وتعطلت ففيها ثلثا دية اليد فإن صلحت والتأمت ففيها
أربعة أخماس دية الفك، وفي فك أنملة الإبهام عشرة دنانير، وفي فك المفصل الثاني
منها نصف دية فك الكف، وفي فك كل مفصل من غير الإبهام ثلاثة دنانير وثلث،
وفي فك العضد أو المرفق أو المنكب ثلاثون دينارا فإن تعطل العضو بالفك ففيه ثلثا
دية اليد فإن انجبر والتأم ففيه أربعة أخماس دية الفك.
وأما الكسر فإن كسر العضد أو المنكب أو المرفق أو قصبة الساعد أو أحد
الزندين أو الكفين ففيه خمس دية اليد، وفي كسر الأنملة الأولى من الإبهام ثلث دية
كسر الكف وفي الثانية نصف دية كسر الكف، وفي كسر المفصل الثاني من
الأصابع سوى الإبهام أحد عشر دينارا وثلث وفي كسر الأول نصفه، وفي صدع
العضو أربعة أخماس دية الكسر.
وأما الرض فإن رض أحد خمسة أعضاء المنكب والعضد والمرفق والكرسع
والكف فانجبر على عثم ففيه ثلث دية اليد، فإن انجبر على غير عثم ففيه مائة دينار
278

وقيل: مائة وثلاثة وثلاثون دينارا وثلث.
وأما الجرح فديته على النصف من دية أمثالها في الرأس.
وأما الضرب فإن ضربها حتى أسود أو أخضر أو احمر ففيه نصف ما في أمثالها في
الوجه.
وأما الظفر فلم يخل: إما عاد أو لم يعد، فإن عاد أبيض ففي كل واحد خمسة
دنانير وإن عاد أسود أو لم يعد أصلا ففي كل واحد عشرة دنانير.
الرجل: حكمها حكم اليد في وجوب القصاص وكمية الدية في الصحيحة
والشلاء وفي القطع من المفصل وغير المفصل وقطع أصابعها وأناملها وفي الفك
والكسر والرض والجرح والضرب وغير ذلك، وحكم الحر والحرة سواء ما لم يبلغ
ثلث الدية فإذا بلغت عاد أرش الحرة إلى النصف من أرش الحر وسقط الاقتصاص
إلا بعد رد الفاضل.
فصل في بيان ضمان النفوس والاشتراك في الجنايات وغيرها:
من دعا غيره ليلا وأخرجه من منزله ولم يرده إليه ولا رجع هو ولم يعرف خبره
حيا أو وجد ميتا أو قتيلا ولم يقم الداعي بينة على أنه مات حتف أنفه أو قتله غيره
ضمن ديته في الموت ولزمه القصاص في القتل إذا لم يدع البراءة من قتله.
وإذا سلم ولد من ظئر وأنامته بجنبها فانقلبت عليه فمات وقد طلبت الظؤورة
للفخر لزمها الدية وإن طلبتها للفقر لزمت عاقلتها.
وإذا مر رجل بين الرماة وبين الغرض فأصابه سهم وقد حذره الرامي لم
يضمن وإن لم يحذره وكان في ملكه وقد دخل عليه بغير إذنه فكذلك، وإن دخل
عليه باذنه إن كان في غير ملكه ولم يحذره فديته على عاقلته.
وقضى على ع في أربعة نفر شربوا فسكروا وأخذوا السلاح فاقتتلوا
فقتل منهم اثنان وجرح اثنان: بأن دية المقتولين على المجروحين، ووضع أرش
جراحهما عن الدية وإن مات أحد المجروحين لم يكن له على أولياء المقتولين شئ
279

وحد المجروحان حد الخمر.
وقضى ع في أربعة نفر وقد اطلعوا على زبية الأسد فخر أحدهم
فاستمسك بالثاني والثاني بالثالث والثالث بالرابع: بأن الأول فريسة الأسد وغرم
أهله ثلث الدية للثاني وأهل الثاني للثالث ثلثي الدية وأهل الثالث للرابع تمام
الدية.
ومن اعتدى على المعتدي عليه لم يضمن، وسئل أبو عبد الله ع عن
سارق دخل على امرأة ليسرق متاعها فلما جمع الثياب تابعته نفسه فكابرها على
نفسها فواقعها فتحرك ابنها فقام فقتله بفأس كان معه فلما فرع حمل الثياب وذهب
ليخرج حملت عليه بالفأس فقتلته فجاء أهله يطلبون بدمه، فقال ع: اقض
في هذا كما وصفت لك يضمن مواليه الذين يطلبون بدمه دم الغلام ويضمن السارق
فيما ترك أربعة آلاف درهم لمكابرتها على فرجها لأنه زان وهو في ماله غرامة وليس
عليها شئ في قتلها إياه لأنه سارق.
ومن ضرب ضربة على رأس غيره فسالت عيناه وضربه المضروب فقتله فإن ضربه
دافعا لم يلزمه شئ وله الرجوع على تركة المقتول بدية عينيه وإن ضربه مقتصا لم
يلزمه القود لأنه أعمى فكان دية المقتول على عاقلة الأعمى ودية عيني الأعمى في
تركة الضارب، فإن لم يكن له عاقلة تقاصا.
فصل في بيان دية الجنين والميت:
إذا ضرب انسان بطن حامل فألقت الولد لم يخل من سبعة أوجه: إما ألقته
حيا ومات في الحال أو مات بمدة بعد ذلك أو ألقته ميتا مخلقة ولم تلجه الروح أو غير
مخلقة وظهر فيه العظم أو مضغة مثل قطعة لحم فيها مثل العروق أو علقة شبهة
المحجمة من الدم أو نطفة.
فالأول يجب فيه دية كاملة ويتعلق بذلك أربعة أحكام: الدية والكفارة
وانقضاء العدة وأن تصير الأمة أم ولد.
280

والثاني لم يخل من وجهين: إما أمكن موته بسبب الجناية أو لم يمكن، فإن
أمكن وكانت للمرأة بينة أن الولد لم يزل ضمنا حتى مات قبل قولها وإن لم تكن
لها بينة كان القول قول الجاني، وإن لم يمكن موته بسبب ذلك لم يكن على الجاني
شئ.
والثالث يلزم فيه عشر الدية.
والرابع فيه ثمانون دينارا، وفيما بين المخلقة وغيرها بالحساب.
والخامس فيه ستون دينارا، وفيما بين المضغة والعظم بالحساب.
والسادس فيه أربعون دينارا، وفيما بين العلقة والمضغة بالحساب، ويتعلق بكل
واحد ثلاثة أحكام: الدية وانقضاء العدة وصيرورة الأمة أم ولد.
والسابع فيه عشرون دينارا، وفيما بين النطفة والعلقة بالحساب، ولا يتعلق
بالنطفة حكم سوى وجوب الأرش.
فإن قتل حرة مسلمة حاملا متما ولم ينفصل ولدها ومات في بطنها لزمه دية
الحرة من جهة الأم ونصف دية حر ونصف دية حرة من جهة الولد وإن انفصل حيا
ومات وكان ذكرا لزمه دية حر ودية حرة، وإن كانت أنثى لزمته دية حرتين.
وفي عزل الرجل عن امرأته الحرة بغير إذنها عشرة دنانير لها، وفي إفزاعه في حال
الجماع حتى يعزل عشرة دنانير أيضا.
وإذا ضرب بطن حامل متم فألقت جنينا فيه حياة مستقرة وقتله آخر وجب
عليه القود وإن كانت فيه حياة غير مستقرة كانت الدية على الضارب وعلى القاتل
التعزير.
وإن ضرب بطنها وألقت يدا لم يخل من خمسة أوجه: إما بقيت ضمنة حتى
ألقت الجنين حيا وماتا أو عاشا أو ألقته ميتا أو برئت من الضرب ثم ألقته أو لم
تسقط الجنين وماتت، فالأول يلزم فيه ديتان والثاني يلزم فيه نصف دية والثالث
يلزم فيه دية جنين والرابع يلزم فيه دية يد الجنين والخامس يلزم فيه دية الأم ودية
الجنين معا وعلى ذلك حكم جميع أعضاء الجنين.
281

وأما الأمة فلم يخل: إما أن يكون ولدها حرا أو رقا، فإن كان حرا فحكمه
على ما ذكرنا - وحكم الأم يجري على القيمة - وإن كان رقا فالاعتبار فيه أيضا
بالقيمة.
وإن ضربت بطن الذمية فألقت ولدها فالاعتبار في ذلك بالحساب إلى دية أهل
الذمة وهي ثمان مائة درهم للحر وأربعمائة للحرة.
وأما دية الميت فمثل دية الجنين مائة دينار، وفي قطع رأسه وفي الأعضاء
بحساب ذلك ويتصدق بديته.
فصل في بيان أحكام الشهادة على الجنايات وأحكام القسامة:
إذا ادعى انسان على غيره بأنه جنى على ولي له لم يخل من ضربين: إما أن
تكون معه بينة أو لا تكون، فإن كانت معه بينة حكم له بها وإن لم تكن له بينة لم
يخل من وجهين: إما اعترف به المدعى عليه أو لم يعترف، فإن اعترف واجتمع فيه
ثلاثة شروط وهي: كمال العقل والحرية والطواعية، قبل منه وحكم للمدعي به
وإن لم يعترف لم يخل من وجهين: إما أن يكون معه لوث أو لا يكون، فإن كان
معه لوث وأقام القسامة حكم له به وإن لم يقم القسامة أو لم يكن معه لوث كان
حكمه حكم سائر الدعاوي.
وإنما يثبت القتل والجراح والشجاج بأحد ثلاثة أشياء: بالإقرار - وقد ذكرنا
حكمه - وبالبينة والقسامة.
فأما البينة فشهادة عدلين فيما يوجب القصاص وأحد ثلاثة أشياء فيما يوجب
المال وهي: شهادة عدلين أو شهادة رجل وامرأتين أو شهادة عدل ويمين، وتقبل
شهادة الصبيان المميزين على وجه في الشجاج - وقد ذكرنا ذلك في باب أحكام
الشهادات - وإذا قامت البينة على القتل لم يخل: إما شهدا على الإطلاق أو على
التقييد.
فإن شهدا على الإطلاق واتفقا وقالا: إن هذا قتل فلانا، أو قتل فلان بن
282

فلان، يثبت القتل فحسب. فإن كذبهما المشهود عليه لم يقبل منه وألزم بيانه،
فإذا بين لم يخل: إما بين بما يوجب القصاص أو بما يوجب المال، فإن بين بما يوجب
القصاص قبل منه صدقه أو كذبه، وإن بين بما يوجب المال وصدقه الولي فذاك ولزم
في ماله الدية كان القتل خطأ محضا أو عمد المحض وإن كذبه كان عليه القسامة.
وإن شهدا على التقييد لم يخل: إما اتفقا في الشهادة في خمسة أشياء أو اختلفا،
فإن اتفقا في بيان نوع القتل من العمد وعمد الخطأ والخطأ والوقت والمكان والرؤية
والآلة التي قتل بها وحكم بمقتضى الشهادة، وإن اختلفا لم يخل: إما اختلفا في نوع
القتل أو في غيره.
فإن اختلفا في نوع القتل وشهد أحدهما بما يوجب القصاص والآخر بما يوجب
المال لم يخل: إما اختار ولي الدم بما يوجب القصاص أو بما يوجب المال، فإن
اختار ما يوجب القصاص أقام القسامة لأن الشاهد الواحد لوث وإن اختار ما
يوجب المال كان له أن يقيم امرأتين لتشهدا له أو يحلف، فإذا أقام أو حلف ثبت له
ما ادعاه ولزم الدية في مال القاتل إن كان القتل خطأ محضا وعلى العاقلة إن كان
عمد الخطأ.
وإن اختلفا في غير ذلك من الوجوه الباقية كان على الولي القسامة، وإن شهد له
شاهد واحد بالعمد المحض كان ذلك لوثا وثبت بالقسامة، وإن شهد بالخطا
المحض أو بعمد الخطأ كان مخيرا بين إقامة المرأتين واليمين على ما ذكرنا.
فأما القسامة فهي عبارة عن كثرة اليمين أو عن تغليظ اليمين بالعدد ولا يكون
لها حكم إلا مع اللوث، واللوث في ستة أشياء وهي: الشاهد الواحد، أو وجدان
قتيل في قرية قوم أو محلتهم أو بلدتهم الصغيرة أو حلتهم التي لا يختلط بهم فيها
غيرهم وإن اختلط بهم غيرهم ليلا أو نهارا يكون لوثا في الوقت الذي لا يختلط بهم
غيرهم هذا إذا كان بينهم وبين القتيل أو أهله عداوة، أو أخل في ندوة أو دعوة أو
مشورة عن قتيل، فإن لم يكن بينهم عداوة أو وجدان قتيل في برية والدم جار
وبالقرب منه رجل في يده سكين عليها دم أو على الرجل ولا يكون عنده سبع ولا
283

غير ولي القتيل بيده سكين والدم يرشش في غير طريقة، أو وجدان قتيل بين طائفة
وقاتلها طائفة أخرى أو قاربتها وتراميا بحيث تصل سهام إحديهما إلى الأخرى، أو
شهادة جماعة كثيرة لا يصح عليهم التواطؤ ممن لا تقبل شهادتهم في القتل واللوث
ما يقوى الظن بصدق المدعي ويوقعه في القلب فإذا كان معه لوث وادعى جناية
توجب القصاص وأقام القسامة ثبت له ما ادعاه.
فإن كانت الجناية على النفس عمدا محضا كانت القسامة خمسين يمينا وإن
كان معه شاهد واحد كان عليه خمسة وعشرون يمينا، وإن كانت الجناية على
الطرف وأوجبت دية النفس كان فيها ستة أيمان وإن أوجبت نصف الدية ففيها
ثلاث أيمان وإن أوجبت سدس الدية ففيها يمين واحدة.
فإذا أوجبت خمسين يمينا وكان لولي الدم خمسون رجلا يحلفون بالله تعالى أن
المدعى عليه أو عليهم قتل صاحبهم وإن كان له أقل من خمسين رجلا كرر عليهم
الأيمان بالحساب، فإن لم يكن له من يحلف كرر عليه خمسون يمينا وإن كان من
يحلف ثلاثة حلف كل واحد سبعة عشرة يمينا لأن اليمين لا تنقسم - والرجل
والمرأة في اليمين سواء - فإذا حلفوا ثبت لهم القود، وإن رد الولي اليمين كان له
ووجب على المدعى عليه إقامة القسامة - على ما ذكرنا - فإن أقام أسقط دعواه
وإن نكل لزمه ما ادعى عليه المدعي.
وإن كان الدعوى بما يوجب المال وكان لوثه غير الشاهد وأقام قسامة خمسة
وعشرين يمينا ثبت له ما ادعاه وإن كان اللوث شاهدا واحدا ذكرنا حكمه، ولا
تسمع الدعوى في ذلك إلا محررة، وإقامة القسامة في الأطراف على ما ذكرنا في
الكمية من ستة وخمسة وثلاثة وغير ذلك على ما ذكرنا وفي الكيفية على حد القسامة
في النفس.
والمتهم بقتل لم يخل: إما أنكر أو أقر، فإن أنكر حبس ثلاثة أيام، فإن قامت
عليه بينة وإلا خلي سبيله وإن لم تقم واعترف طوعا لزمه، وإن جاء آخر فاعترف
بأنه هو الذي قتله دون المتهم المقر لم يخل: إما رجع الأول عن الإقرار أو ثبت
284

عليه، فإن رجع يسقط عنهما القود والدية معا وكانت الدية في بيت المال والثاني
كان الولي مخيرا بين قتلهما معا وبين قتل أحدهما وبين العفو، فإن قتلهما رد دية
واحدة على ورثتهما وإن قتل واحدا رد الآخر على ورثة المقتول نصف ديته.
وإذا قامت بينة على شخص بأنه قتل آخر عمدا وجاء آخر فأقر بأنه قتله خطأ
كان الحكم فيه على ما ذكرنا إلا في شئ واحد وهو أنه إذا قتل المقر لم يرد المشهود
عليه شيئا على ورثته.
285

إصباح الشيعة بمصباح الشريعة
لنظام الدين أبي الحسن سلمان بن الحسن بن سليمان الصهرشتي
287

كتاب الديات
دية الحر المسلم في قتل العمد مائة من مسان الإبل أو مائتا بقرة أو مائتا حلة أو
ألف شاة أو ألف دينار أو عشرة آلاف درهم فضة جيادا حسب ما يملكه من تؤخذ
منه، ويجب في مال القاتل ويستأدى في سنة.
ودية قتل الخطأ شبه العمد على أهل الإبل ثلاث وثلاثون حقة وثلاث وثلاثون
جذعة وأربع وثلاثون ثنية كلها طروقة الفحل، وروي: ثلاث وثلاثون بنت لبون
وثلاث وثلاثون حقة وأربع وثلاثون خلفة، وروي: ثلاثون بنت مخاض وثلاثون
بنت لبون وأربعون خلفة، والأول أحوط لأن الأسنان فيه أعلى. ويجب أيضا في
مال القاتل، فإن لم يكن للقاتل مال استسعى فيها أو أنظر إلى حين اليسر، فإن
مات أو هرب أخذت من أوليائه الذين يرثون ديته الأقرب فالأقرب، فإن لم يكن
له أولياء أخذت من بيت المال وتستأدى هذه في سنتين.
ودية قتل الخطأ المحض على أهل الإبل ثلاثون حقة وثلاثون بنت لبون وعشرون
بنت مخاض وعشرون ابن لبون، وروي: أنها خمس وعشرون بنت مخاض وخمس
وعشرون بنت لبون وخمس وعشرون حقة وخمس وعشرون جذعة، والأول أشيع.
وتجب هذه الدية على العاقلة وتستأدى في ثلاث سنين، وإذا لم يكن للعاقلة أو لم
يكن له عاقلة وجبت في ماله، فإن لم يكن له مال وجبت في بيت المال، وعاقلة
الحر المسلم عصبته الذين يرثون ديته، وعاقلة الرقيق مالكه وعاقلة الذمي الإمام، ولا
تعقل العاقلة صلحا ولا إقرارا ولا ما يقع من تعد كحدث الطريق ولا ما دون الموضحة.
289

ودية رقيق المسلم قيمته ما لم يتجاوز قيمة العبد دية الحر المسلم، ودية الأمة
قيمتها ما لم يتجاوز قيمة الأمة دية الحرة فإن تجاوزت ذلك ردت إليه، ودية
اليهودي والنصراني والمجوسي ثمان مائة درهم ودية رقيتهم قيمته ما لم تتجاوز قيمة
العبد دية الحر الذمي، وقيمة الأمة دية الحرة الذمية وإلا فترد إليها، ودية المرأة
نصف دية الرجل.
ويجب على القاتل في الحرم أو في شهر حرام دية وثلث، ومن قتل في غير الحرم ثم
التجأ إليه ضيق عليه في المطعم والمشرب حتى يخرج فيحد وكذا في مشاهد الأئمة
عليهم السلام.
ومن أخرج غيره من منزله ليلا ضمن ديته في ماله حتى يرده أو يقيم البينة
بسلامته أو ببراءته من هلاكه، وكذا حكم الظئر مع الصبي الذي تحضنه.
وإذا وجد ميت مبني في بناء قوم كانوا متهمين على أهله فعليهم الدية، وإن
كانوا مأمونين فلا شئ عليهم.
والقتيل إذا وجد في قرية ولم يعرف من قتله فديته على أهلها، فإن وجد بين
القريتين فالدية على أهل الأقرب إليه منهما، فإن كان وسطا فالدية نصفان،
وحكم القبيلة والمحلة والدرب والدار حكم القرية.
ودية كل قتيل لا يعرف قاتله ولا يمكن إضافته إلى أحد على بيت المال كقتيل
الزحام والموجود بالأرض التي لا مالك لها كالبراري والجبال.
ومن عزل عن زوجته الحرة بغير إذنها لزمته دية النطفة عشرة دنانير، وإن كان
ذلك بإفزاع غيره فالدية لها عليه.
ومن جنى على امرأة فألقت نطفة فعليه من ماله ديتها عشرون دينارا، وإن
تغيرت النطفة عن حالها وصار مقدار قطرة منها دما فاثنان وعشرون دينارا وفي مقدار
قطرتين أربعة وعشرون دينارا وفي قدر ثلاث قطرات ستة وعشرون دينارا وفي قدر
أربع قطرات ثمانية وعشرون، وهكذا إلى أن يصير الكل دما فيكون علقة، وإن ألقت
علقة وهي قطعة دم كالمحجمة فأربعون دينارا، وإن ألقت مضغة وهي بضعة من لحم
290

فستون دينارا، وإن ألقت عظما وهو أن يصير في المضغة سبع عقد فثمانون دينارا
وفيما بين كل حدين بحساب ذلك، وإذا صار مكسوا عليه اللحم خلقا سويا شق له
العين والأذن والأنف قبل أن تلجه الروح ففيه مائة دينار.
وإذا ضرب بطن امرأة فألقت جنينا كاملا فديته مائة دينار وكفارة الجنين
مائتان وهكذا، وإن كان الجاني أكثر من واحد فعلى الجميع الدية بالسوية وعلى
كل واحد كفارة، وكمال الجنين يكون بإسلام أبويه أو أحدهما وبكونه حرا "
أعني الولد " ويكون فيه تصوير كالإصبع والعين والظفر، وإن ألقت حيا ثم
مات ففيه دية كاملة، وإن مات الجنين في الجوف ففيه نصف الدية، ويجب الدية
لأمه خاصة إن كان الزوج هو الجاني ويجب للزوج خاصة إن كانت الجانية هي،
وإذا كان للحمل حكم الرقيق أو أهل الذمة ففيه بحساب دياتهم وفي قطع رأس
الميت عشر ديته وفي قطع أعضائه بحسب ذلك، ولا يورث ذلك بل يتصدق به عنه.
وقضى أمير المؤمنين ع في ستة غلمان كانوا يسبحون فغرق أحدهم
فشهد منهم ثلاثة على اثنين بتغريقه وشهد الاثنان على الثلاثة بذلك: على الاثنين
ثلاثة أخماس الدية وعلى الثلاث خمسا الدية، وقضى ع في أربعة تباعجوا
بالسكاكين فمات اثنان وبقي اثنان: أن على الباقيين دية المقتولين ويتقاصان
منهما بأرش جراحتهما، وقضى في امرأة ركبت عنق أخرى فنخستها أخرى
فقمصت المركوبة فوقعت الراكبة فدق عنقها: أن على القارصة ثلث الدية وعلى
المركوبة ثلث وأسقط ثلث، وروي: أن الدية على الناخسة والقامصة نصفين.
وفي ذهاب العقل الدية كاملة، وفي شعر الرأس أو اللحية إذا لم ينبت الدية
فإن نبت كان في شعر رأس الرجل أو لحيته عشر الدية وفي شعر المرأة مهر مثلها،
وقيل في اللحية إذا حلقت فنبتت: ثلث الدية.
وفي قلع العينين أو ذهاب ضوئهما الدية، وفي أحدهما نصف الدية ويعتبر في
عين الشمس فإن أطرف حكم بالسلامة وإن لم يطرف حكم بذهاب النور وفي قلع
عين الأعور - إذا كان عورة خلقة أو بآفة من قبل الله تعالى - الدية وإن كان بغير
291

ذلك فنصف الدية، والأعور إذا فقأ عين صحيح قلعت عينه وإن عمي.
وفي نقص البصر بحساب ما ذكرناه ويقاس إحدى العينين بالأخرى والعينان
بعيني من هو من أبناء سنه، ويعتبر مدى ما يبصر بها من أربع جهات فإن استوى
ذلك صدق وإذا اختلف كذب.
وفي شفر العين الأعلى ثلث ديتها وفي الأسفل نصف ديتها، والعين العمياء إذا
كانت واقفة ففي خسفها ثلث ديتها وفي طبقها إذا كانت مفتوحة أو ذهاب سوادها
ربع ديتها.
وفي ذهاب شعر الحاجبين إذا لم ينبت الدية وفي إحديهما نصف الدية، فإن
نبت ففيه الأرش.
وقيل في ذهاب شعر الحاجبين: نصف الدية، وفي إحديهما: الربع، فإن نبت
ففيه الأرش.
وفي قطع الأذنين أو ذهاب السمع جملة الدية وفي إحديهما نصفها، وفي نقصان
السمع بحساب ذلك يقاس بالصوت في الجهات كالقياس في العين بالبصر، وفي
قطع شحمة الأذن ديتها وكذا في خرمها.
وفي ذهاب الشم الدية ويعتبر في الشم بتقريب الحراق، فإن دمعت العين
فحاسة الشم سليمة وإلا فلا.
وفي استئصال الأنف بالقطع الدية، وفي قطع مارنها الدية، وفي قطع الأرنبة
نصفها، وفي إحدى المنخرين ربعها، وفي النافذة في المنخرين ثلثها فإن كانت
إحديهما فالسدس فإن صلحت الأولى والتأمت ففيها خمس الدية وإن التأمت
الثانية ففيها العشر، وفي كسره وجبره من غير عيب وعثم العشر أيضا.
وفي استئصال اللسان بالقطع أو ذهاب النطق جملة الدية ويعتبر بالإبرة، فإن
لم يخرج دم أو خرج وكان أسود فهو أخرس وإن خرج أحمر فهو صحيح، وفي قطع
بعضه بحساب الواجب بجميعه ويقاس بالميل، وكذا الحكم في ذهاب بعض
اللسان ويعتبر بحروف المعجم فما ذهب من النطق منها فعلى الجاني من الدية
292

بعدده، وفي لسان الأخرس إذا قطع ثلث دية الصحيح.
وفي الشفتين الدية وفي العليا ثلثها وفي السفلى ثلثاها، وقيل في العليا: أربعمائة
دينار، وفي السفلى: ستمائة، وفي البعض منها بحساب ذلك، وفي شق إحديهما
ثلث ديتها فإن التأمت فالخمس.
وفي الأسنان الدية، وفي كل واحدة مما في مقاديم الفم وهي اثنتا عشرة نصف
عشر الدية، وفي كل واحدة مما في مآخيره وهي ست عشرة ربع عشر الدية، وفي
كل سن زائد على هذا العدد الأرش، وقيل: ثلث دية الأصلية. وفي سن الصبي
قبل أن يثغر عشر الدية وفي بعض السن بحساب ديتها، وفي اسودادها ثلثا دية
سقوطها وكذا في انصداعها، وفي قلعها بعد الاسوداد ثلث ديتها صحيحة، وقيل:
ربع ديتها. وفي اسقاط سن الصبي إذا لم ينبت بعد من ديته بحساب ما نقص من
قيمته لو كان عبدا.
وفي كسر العنق الدية إذا صار منه أصور، وفي الثديين الدية وفي إحديهما
النصف وفي جملة ثدي الرجل ثمن ديته.
وفي اليدين الدية، وفي إحديهما نصفها، وفي كل واحد من الساعدين أو
العضدين نصف الدية، وفي قطع اليد الشلاء ثلث دية الصحيحة وكذا في الرجل وفي
ضرب اليد الصحيحة حتى شلت ولم ينفصل ثلثا دية انفصالها، وفي كل إصبع عشر
الدية إلا الإبهام فإن فيها ثلث دية اليد وفي أنملة كل إصبع ثلث ديتها إلا الإبهام
في أنملتها نصف ديتها، وفي قلع الظفر إذا لم يخرج أو خرج أسود عشرة دنانير فإن
خرج أبيض فخمسة دنانير، وفي كل إصبع زائدة ثلث دية الأصلية.
وحكم الفخذين والساقين والقدمين وأصابعهما حكم اليدين.
وفي الصلب إذا كسر الدية، فإن جبر وصلح من غير عيب فعشرها، وقيل: في
كسر الظهر إذا صلح ثلث الدية. وفي انقطاع النخاع الدية.
وفي كسر العصعوص أو العجان بحيث لا يملك بوله أو غائطه الدية، وإن أصابه
سلس البول ودام إلى الليل فصاعدا ففيه الدية وإن كان إلى الظهر فثلثاها وإلى
293

الضحوة ثلثها ثم على هذا.
وما خالطه القلب من الأضلاع دية كل واحد منها خمسة وعشرون دينارا ودية
صدعه اثنا عشر دينارا ونصف ودية نقل عظامه سبعة دنانير ونصف ودية رضه ربع
كسره، وما يلي العضدين منها دية كسر كل ضلع منها عشرة دنانير ودية شقه ودية
نقل عظامه خمسة.
وفي رض الصدر إذا انثنى شقاه نصف الدية، وإذا انثنى أحد شقيه فربع الدية،
وإذا انثنى الصدر والكتفان فالدية، وإذا انثنى الكتفان مع كسر الصدر فنصف
الدية، ودية موضحة الصدر أو الكتفين والظهر خمسة وعشرون دينارا، وإن اعترى من
ذلك صغر ولا يقدر على الالتفات فنصف الدية، ومن رعب قلبه فطار ففيه الدية.
وفي قطع الحشفة فما زاد من الذكر الدية وكذا في الأنثيين الدية، وفي إحديهما
النصف، وروي: أن في اليسرى منهما الثلثين وفي اليمنى الثلث. وفي أدرة
الخصيتين أربع مائة دينار فإن فحج فلم يقدر على المشي أو لا ينتفع بمشيه فثمان مائة
دينار، وفي ذكر العنين ثلث دية الصحيح، وفي قطع فرج المرأة ديتها، وفي إفضاء
الحرة قبل تسع سنين ديتها.
وفي الورك إذا كسر فجبر بلا عثم خمس الدية، فإن صدع فأربعة أخماس دية
كسره، ولنقل عظامه مائة وخمسة وسبعون دينارا، ولموضحتها خمسة وعشرون،
ولسفلها ثلاثون دينارا وثلث.
وفي الركبة إذا كسرت فجبرت بلا عثم وعيب خمس دية الرجلين، فإن عثمت
فثلث دية النفس، وإذا رض الكعب فجبر بلا عيب فثلث دية الرجلين فإن
انصدعت فأربعة أخماس كسرها، وفي الساق إذا جبرت بلا عيب فثلث دية، وفي
كسر القدم إذا جبرت بلا عيب خمس دية الرجلين وفي ناتئة القدم ربع دية كسرها.
كل ما للحر فيه الدية فللمملوك فيه القيمة، ومن داس بطن غيره حتى يحدث
فعليه ثلث الدية أو يفعل به مثله، ومن ضرب بطن امرأة فارتفعت حيضها لذلك فإن
لم يرجع طمثها كما كان إلى سنة فعليه ثلث الدية، ومن ضرب رأسه فذهب عقله
294

ومات إلى سنة قيد به الضارب وإن لم يمت وبقي غير عاقل فعليه الدية وإن عقل
فعليه أرش الضربة.
وفي كسر عظام العضو خمس دية العضو، فإن جبر فصلح بلا عيب فأربعة
أخماس دية كسره، وفي موضحة كل عضو من البدن ربع دية كسره، وفي رضه ثلث
ديته فإن جبر فصلح بلا عيب فأربعة أخماس رضه، وكل عضو فيه مقدر إذا جني
عليه فصار أشل وجب فيه ثلثا ديته.
وحكم الشجاج في الوجه حكمها في الرأس وهي ثمانية: الخارصة: وهي
الدامية وهي التي تقشر الجلد ويسيل الدم وفيها عشر دية المشجوج، والباضعة: وهي
التي تبضع اللحم وفيها خمس عشر دية، والنافذة: وتسمى المتلاحمة وهي التي تنفذ
في اللحم وفيها خمس عشر، والسمحاق: وهي التي تبلغ القشرة التي بين اللحم
والعظم وفيها خمس عشر الدية، والموضحة: وهي التي توضح العظم وفيها نصف
عشرة الدية " ويثبت في هذه الخمسة أيضا القصاص " والهاشمة: وهي التي تهشم
العظم وفيها عشر الدية، والمنقلة: وهي التي تحوج مع كسر العظم إلى نقله من
موضع إلى آخر وفيها عشر ونصف عشر، والمأمومة: وهي التي تصل إلى أم الدماغ
وفيها ثلث الدية، وليس في هذه الثلاث قصاص، وقيل: في جميع ذلك القصاص
إلا في المأمومة لأن فيها تعزيرا بالنفس.
وأما الجائفة فليس من الشجاج لأنها في البدن وهي التي تبلغ الجوف ولا
قصاص فيها وفيها ثلث الدية.
وفي لطمة وجه الحر إذا احمر موضعها دينار ونصف فإن أخضر أو أسود فثلاث
دنانير، وقيل: إذا أسود أثرها فستة دنانير وإن أخضر فثلاثة. وفي لطم الجسد
النصف من لطمة الوجه، والمرأة تساوي الرجل في ديات الأعضاء والجوارح حتى
تبلغ ثلث الدية فإذا بلغت ذلك رجعت إلى النصف من ديات الرجل، وديات ذلك
في العبيد بحساب قيمتهم ما لم يزد على دية الحر فإن زادت فترد إلى ذلك، وديات
ذلك في أهل الذمة بحساب ديات أنفسهم.
295

ولا دية للمستأجر بما يحدث عليه في إجارته بفعله أو عند فعله ولا دية لمقتول في
الحدود والآداب المشروعة ولا للمدافعة عن النفس أو المال وما يسقط الدية فيه
تسقط فيه قيمة المتلف وأرش الجناية.
حكم الميتة حكم الحي وديته كديته سواء فمن فعل بميت ما لو فعله بحي كان
فيه تلف نفسه كان عليه مائة دينار وفيما يفعل به من كسر يده أو قطعها أو قلع عينه
أو جراحة فعلى حساب ديته على عشر ديتها لو كان حيا إلا أن دية الميت يتصدق
بها عنه لا غير، وفي جنين بهيمة الغير عشر قيمتها وفيما دونه بحسابه، ودية الكلب
المعلم أربعون درهما ودية كلب الحائط أو الماشية عشرون، ودية كلب الزرع فقير من
طعام، وفي فقأ عين البهيمة ربع قيمتها.
فصل:
من قصد دم غيره أو ماله أو حريمه فله أن يدفعه بما يمكن الأيسر فالأيسر، فإن
لم يدفع إلا بالسلاح ونحوه فأدى إلى قتل القاصد فدمه هدر فإن ولى القاصد
وانصرف وجب الكف عنه، فإن ضربه بعد أن ولى فجرحه فعليه القصاص لأن
الضرب بعد التولي محظور.
ومن أطلع غيره على حريمه فرماه بشئ فذهبت عينه فلا شئ عليه فإن فاق منه
فلا كفارة، فإن رماه بعد الارتداع من الاطلاع كان عليه القود أو الدية.
من وجد مع امرأته رجلا يفجر بها وهما محصنان كان له قتلهما وكذا إن وجد مع
جاريته أو غلامه. من قال: إني شجرت فلانا أو قتلته عمدا كان عليه القود. والله
أعلم.
296

كتاب الجنايات
الجناية ضربان: قتل وغير قتل. فالقتل ثلاثة أضرب: عمد محض وخطأ محض
وخطأ شبيه العمد.
فالعمد المحض ما وقع من كامل العقل عن قصده إليه سواء كان بمحدد أو بقتل
أو سم أو خنق أو تغريق أو تحريق. والخطأ المحض ما وقع من غير قصد إليه ولا
إيقاع سببه بالمقتول كأن يرمي طائرا فيصيب إنسانا فيقتله. والخطأ شبيه العمد
ما وقع من غير قصد إليه بل إلى إيقاع ما يحصل عنده مما لم تجر العادة بانتفاء الحياة
بمثله كأن يقصد تأديب من له تأديبه أو معالجة غيره مما جرت العادة بحصول النفع
عنده من مشروب أو فصد أو غيرهما.
والضرب الأول من القتل موجبه القود بشروط وهي: أن يكون غير مستحق وأن
يكون القاتل بالغا كامل العقل فإن حكم العمد ممن ليست هذه حاله حكم
الخطأ، وأن لا يكون المقتول مجنونا ولا يكون صغيرا ولا يكون القتال والد المقتول وأن
لا يكون القاتل حرا والمقتول عبدا سواء كان عبد نفسه أو عبد غيره وأن لا يكون
القاتل مسلما والمقتول كافرا سواء كان معاهدا أو مستأمنا أو حربيا.
ويقتل الحر بالحرة بشرط أن يؤدي أولياؤها إلى ورثته الفاضل عن ديتها من ديته
وهو النصف، ويقتل الجماعة بالواحد بشرط أن يؤدى ولي الدم إلى ورثتهم الفاضل
عن دية صاحبه، فإن اختار ولي الدم قتل واحد منهم كان له ذلك ويؤدى
المستبقون ما يجب عليهم من أقساط الدية إلى ورثة المقاد منه.
297

ولا تجب الدية في قتل العمد مع تكامل الشروط الموجبة للقود، فإن بذلها القاتل
ورضي بها ولي الدم جاز ذلك وسقط حقه من القصاص، ومتى هرب قاتل العمد
ولم يقدر عليه حتى مات أخذت الدية من ماله فإن لم يكن له مال أخذت الدية
من الأقرب فالأقرب من أوليائه الذين يرثون ديته.
ويقتل الواحد بالجماعة إن اختار أولياء الدم قتله ولا شئ لهم غيره، فإن
تراضوا بالدية فعليه من الديات الكاملة بعدد من قتل، ومتى أراد بعض الأولياء
القود وبعض الدية كان لهم ذلك، وإن عفا بعضهم سقط حقه لا غير وبقي حق
غيره على مراده، وإن كان المقتول واحدا وأولياؤه جماعة فاختار بعضهم القود
والبعض الدية والبعض العفو جاز قتله بشرط أن يؤدى من أراده إلى مريدي الدية
أقساطهم منها أو إلى ورثة المقاد منه أقساط من عفا، ويجوز لأحد الأولياء استيفاء
القصاص من غير استئذان لشركائه فيه بشرط أن يضمن نصيبهم من الدية.
ويقتل الذمي بمن قتله من المسلمين ويرجع على تركته وأهل بيته الأحرار وقيمة
الرقيق أو بما يلحقه من قسط ذلك إن كان مشاركا في القتل، وإذا قتل العبد الحر
وجب تسليمه إلى ولي الدم وما معه من ماله وولده إن شاء قتله ويملك ماله وولده
وإن شاء استرقه أيضا، فإن كان العبد شريكا للحر في هذا القتل واختار الأولياء
قتل الحر فعلى سيد العبد لورثته نصف ديته أو تسليم العبد إليهم ليكون رقا لهم، وإن
اختاروا قتل العبد كان لهم وليس لسيد العبد على الحر سبيل، وقيل: يؤدى الحر إلى
سيد العبد نصف قيمته. وإن اختاروا قتلهما جميعا كان لهم ذلك بشرط أن يردوا
قيمة العبد إلى سيده.
وإذا قامت البينة بالقتل على انسان وأقر آخر بذلك القتل وبرئ المشهود عليه
منه فأولياؤه مخيرون بين قبول الدية منهما نصفين وبين قتلهما ورد نصف الدية على
ورثة المشهود عليه دون المقر ببراءته وبين قتل المشهود عليه، ويؤدى المقر إلى ورثته
نصف ديته وبين قتل المقر ولا شئ لورثته على المشهود عليه، وإذا لم يبرأ المقر عليه
كانا شريكين في القتل متساويين فيما يقتضيه.
298

وإذا أقر انسان بقتل يوجب القود وأقر آخر بذلك القتل خطأ كان ولي الدم
بالخيار بين قتل المقر بالعمد ولا شئ لهم على الآخر وبين أخذ الدية منهما نصفين
والقود على المباشر للقتل دون الآمر به أو المكره عليه، وقد روي: أن الأمر إن كان
سيد العبد وكان معتادا لذلك قتل السيد وخلد العبد الحبس فإن كان قادرا قتل
العبد وخلد السيد الحبس.
وإذا اجتمع ثلاثة في قتل فأمسك أحدهم وضرب الآخر وكان الثالث عينا لهم
قتل القاتل وخلد الممسك الحبس وسملت عينا الرقيب، وإذا قتل السيد عبده بالغ
السلطان في تأديبه وأغرمه قيمته وتصدق بها، فإن كان معتادا لقتل الرقيق مصرا
عليه قتل لفساده في الأرض لا على وجه القصاص، وكذلك لو كان معتادا قتل أهل
الذمة، ولا يستقيد إلا سلطان الاسلام أو من يأذن له في ذلك وهو ولي من ليس له
ولي من أهله يقتل بالعمد أو يأخذ الدية ويأخذ دية الخطأ ولا يجوز له العفو كغيره
من الأولياء ولا يستقاد إلا بضرب العنق، ولا يجوز القتل بغير الحديد وإن كان هو
فعل ذلك.
وقصاص الطرف يدخل في قصاص النفس وكذلك ديته تدخل في دية النفس
وقيل: لا تدخل، فإن من قطع يده أو قلع عينه ثم قتله بفعل آخر فعل به مثل ذلك
ثم قتل لظاهر قوله تعالى: والجروح قصاص، وقوله: فمن اعتدى عليكم فاعتدوا
عليه بمثل ما اعتدى عليكم.
وأما الضربان الآخران من القتل ففيهما الدية على ما سيأتي، وأما ما عدا القتل
من الجناية فيعتبر في القصاص منه مع الشروط المذكورة شرطان آخران: أحدهما أن
يكون ما فعله الجاني مما لا يرجى صلاحه كقطع اليد وقلع العين وذهاب ضوئها
ونحو ذلك، والثاني: أن لا يخاف بالاقتصاص به تلف نفس المقتص منه.
ومتى اقتص بجرح أو نحوه قبل اليأس من صلاحه فبرأ أحدهما ولم يبرأ الآخر
عند القصاص عليه إن كان باذنه وإن كان بغير إذنه رجع المقتص منه على المعتدي
دون المجني عليه، وإذا لم يتعد المقتص المشروع له ومات المقتص منه لم يكن عليه
299

شئ، فإن تعدى بما لا يقصد معه تلف النفس كان ضامنا لما يفضل عليه أرش
الجناية من ديته.
ومن قطع أصابع غيره أو إحديها وقطع آخر يده من الزند أو المرفق أو الإبط كان
على الأول دية ما جناه وعلى الثاني دية ما بقي بعده، وإن شاء اقتص منهما ورد
على الثاني دية ما جناه الأول وأخذ من الأول دية ما جناه فدفعها إلى الثاني.
ومن قطع يمين غيره ولا يمين له قطعت يساره، فإن لم يكن له يسار قطعت رجله
اليمنى، فإن لم تكن فاليسرى، وما لم يتكامل فيه الشروط التي معها يجب
القصاص ففيه الدية.
فصل:
من أتلف ما لا يحل تملكه للمسلم فلا شئ عليه إلا أن يكون للذمي وكان مما
يحل أكله عندهم أو كان مما لا يؤكل وقد أحرزه الذمي كالملاهي فإن عليه قيمته،
ومن أتلف شيئا من الملاهي التي لا يجوز تملكها كالطنبور والعود ونحو ذلك على
المسلم فلا ضمان عليه، وكذلك إذا أتلفه على ذمي وقد أظهره فإن أتلفه في حرز
للذمي ضمن، وعلى صاحب الكلب العقور ضمان ما يتلفه إذا لم يحفظه، وكذا في
السنور المعروف بأكل الطيور وغير ذلك.
يضمن الحر قيمة ما أفسده وأرش ما جناه عن عمد أو خطأ أو قصد أو سهو وما
يحصل من ذلك عند فعله أو فعل من يلي عليه، فمن قتل حيوان غيره أو جرحه أو
كسر آلته أو مزق ثوبه أو هدم بناه ضمن، وكذلك لو حصل شئ من ذلك بإحداثه
في طريق المسلمين أو في غيره من الملك مشتركا أو ملك الغير الخاص ما لم يبح له
ويضمن ما يحصل بمداواته من فساد لم يبرأ إلى المداوي أو وليه منه أو بإرساله جمله
الهائج وكلبه العقور وسنوره المعروف بأكل الطيور أو بإرسال غنمه ليلا، ولا يضمن
ما يجنيه نهارا إلا أن يكون إرساله في ملك غيره.
ويضمن ما تجنيه دابته بيدها إن كان راكبا لها أو قائدا ولا يضمن ما تجنيه
300

برجلها إلا أن يؤلمها بسوط أو لجام أو نحوه، ويضمن كل ذلك إذا كان سائقا ولم
يحذر أو حاملا عليها من لا يعقل، ويضمن ما يفسده إذا نفرها إلا أن يكون قصد
بذلك رفع أذاها عنه أو عمن يجري مجراه، ويضمن جناية الخطأ عن رقيقه وعمن هو
في حجره، ومن هجمن دابته على دابة غيره في مأمنها فقتلتها أو جرحتها ضمن ذلك
وإن كانت هجمت المقتولة على القاتلة فلا. والله أعلم بالصواب وعليه التكلان.
301