الكتاب: الينابيع الفقهية
المؤلف: علي أصغر مرواريد
الجزء: ٢٩ق١
الوفاة: معاصر
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤١٣ - ١٩٩٣ م
المطبعة:
الناشر: مؤسسة فقه الشيعة - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: أشرف على جمع أصولها الخطية وترتيبها حسب التسلسل الزمني وعلى تحقيقها وإخراجها وعمل قواميسها علي أصغر مرواريد

الينابيع الفقهية 2
الزكاة والخمس
حقوق الطبع محفوظة للمؤلف
الطبعة الأولى
1413 ه‍ - 1993 م
مؤسسة فقه الشيعة
بيروت - لبنان
حارة حريك - شارع دكاش - بناية كليوباترا
ص. ب 209 / 25 - تلفون: 836763 - فاكس 04625848 - 357
سلسلة الينابيع الفقهية 2
الزكاة والخمس
أشرف على جمع أصولها الخطية وترتيبها حسب التسلسل
الزمني وعلى تحقيقها واخراجها وعمل قواميسها
علي أصغر مرواريد
الإشراف
للشيخ المفيد أبي عبد الله
محمد بن النعمان الحارثي البغدادي المعروف بابن المعلم 336 - 413 ه‍. ق
1

أبواب الزكاة
باب
ما يجب فيه الزكاة من الأجناس:
والزكاة تجب في تسعة أشياء: الذهب والفضة والحنطة والشعير والتمر
والزبيب والإبل والبقر والغنم، وليس فيما سوى هذه الأشياء زكاة على الوجوب
باب
صفات ما يجب فيه الزكاة:
وصفاتها ثلاثة: وهي المضروب من الذهب والفضة للتعامل دون ما كان
على الصفو عند خروجه من المعدن أو صيغ حليا وسبائك من هذين النوعين،
وما أشغله المسلمون من أرض الإسلام دون أرض الخراج من الثمار المذكورات،
والسائبة من الإبل والبقر والغنم دون ما عداها.
باب
كميات ما يجب فيه الزكاة من هذه السبعة الأشياء:
وأوائل كميات ما يجب فيه الزكاة من هذه الأنواع ستة مقادير: الورق
مائتا درهم وعشرين دينارا في العين وخمسة أوسق من الأربع ثمان، وخمسة في
3

الإبل، وثلاثون في البقر، وأربعون في الغنم.
باب
ما يتفرع عن كميات هذه الأنواع في المقدار:
والتفرع من ذلك في المقدار أحد وعشرون حدا، في العدد أربعين درهما
بعد المائتين في الورق، وأربعة مثاقيل بعد العشرين في العين، وعشرة من الإبل
بعد الخمس، وخمسة عشر بعد العشرة، وعشرون بعد ذلك، وسبعة وثلاثون
بعده، وستة وأربعون بعد ذلك، وستون بعده، وستة وسبعون من بعد واحد
وتسعون بعد ذلك إلى عشرين ومائة، فما زاد في العدد على ذلك كان في كل
أربعين فرض وفي كل خمسين فرض خلافه، وأربعون بعد الثلاثين من البقر.
ثم على حساب الماضي في كل ثلاثين فريضة، وفي كل أربعين فريضة
أخرى، ومائة وإحدى وعشرين بعد الأربعين في الغنم، في مائتين واحدة منها
فرض من ثلاثمائة فرض في كل مائة بعد ذلك بسوى الفرض.
باب
تفسير هذه الجملة:
ليس في الورق شئ حتى يبلغ مائتي درهم وزنا على ما ذكرناه، وإذا بلغ
ذلك وحال عليه الحول ففيه خمسة دراهم.
ثم ليس فيما زاد على المائتين شئ حتى يبلغ أربعين درهما ويحول عليها
الحول ففيها درهم واحد، ثم على هذا الحساب بالغا ما بلغ.
وليس في العين شئ حتى يبلغ عشرين مثقالا وزنا، فإذا بلغ ذلك وحال
عليه الحول ففيه نصف مثقال، ثم ليس فيما زاد على ذلك زكاة حتى يبلغ أربعة
مثاقيل، فإذا بلغ هذا القدر من الزيادة وحال عليها الحول ففيه عشر مثقال، ثم
على هذا الحساب بالغا ما بلغ.
4

وليس فيما غلته الأرض من حنطة وشعير وتمر وزبيب شئ حتى يبلغ
خمسة أوسق بعد إخراج البذر والمؤونة، فإذا بلغ ذلك بعد الذي ذكرناه ففيه
العشر إن كان مما سقي سيحا، أو نصف العشر إن كان سقي بالغرب والدوالي
والنواضح أمثال ذلك مما يلزم منه المؤونة، وعلى هذا الحساب في كل خمسة
أوسق بالعشر حسب ما بيناه من شروطه، وليس فيما دون خمسة أوسق شئ،
ولا فيما يزكي من ذلك زكاة ولو حال عليه حول وأحوال.
وليس في الإبل شئ حتى تبلغ خمسا، فإذا بلغت ذلك ففيها شاة واحدة،
وفي عشر شاتان، وفي خمس عشر ثلاث شياه، وفي عشرين أربع شياه، وفي
خمس وعشرين خمس شياه، فإذا زادت واحدة ففيها بنت لبون إلى خمسة
وأربعين، فإذا بلغت ذلك وزادت واحدة ففيها حقة إلى ستين، فإذا بلغت ذلك
وزادت واحدة ففيها جذعة إلى خمس وسبعين، فإذا بلغت ذلك وزادت واحدة
ففيها بنتا لبون إلى تسعين، فإذا بلغت ذلك وزادت واحدة ففيها حقتان إلى
عشرين ومائة، فإذا بلغت ذلك بطلت هذه العبرة وأخرج حينئذ من كل أربعين
بنت لبون، ومن كل خمسين حقة، وليس فيما بين النصابين مما سميناه شئ بعد
الذي ذكرناه.
ليس في البقر شئ حتى يبلغ ثلاثين، فإذا بلغت ذلك ففيها تبيع حولي
إلى أربعين، فإذا بلغت أربعين ففيها مسنة، ثم على هذا الحساب يكون ما يخرج
منها بالغا ما بلغت البقر لا يختلف الحكم في ذلك.
وليس فيما دون أربعين من الغنم شئ، فإذا بلغت ذلك وزادت واحدة
ففيها شاتان إلى مائتين، فإذا بلغت ذلك وزادت واحدة ففيها ثلاث شياه إلى
ثلاثمائة، فإذا بلغت ذلك وزادت عليه سقطت هذه العبرة وأخرج من كل مائة شاة
5

باب
عدد من يسقط عنه زكاة المال:
فإن بلغ النصاب وهما صنفان: إحديهما الإسلام والآخر من سقط عنه
التكليف بفساد عقله من النساء والرجال.
باب
عدد الأنواع التي يجب فيها الزكاة
وإن ملكها من يسقط عنه أمواله ممن ذكرناه وهي سبعة أشياء: الحنطة
والشعير والتمر والزبيب والإبل والبقر والغنم.
والزكاة في هذه الأنواع واجبة إذا بلغت من النصاب ما وصفناه وإن كان
ملاكها ممن سميناه ممن يسقط عنه زكاة الذهب والفضة من الأموال، لأن هذه
الأنواع لا تحل بارتفاعها هم صاحبها ولا فساد عقله كما تحل ذلك بصامت
الأموال.
باب
عدد مستحقي الزكاة من الأصناف:
وعددهم ثمانية أصناف كما نطق به القرآن، قال الله عز وجل: أنما
الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب
والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم.
باب
شرح الجمل من صفات مستحقي الزكاة:
الفقراء: هم الذين لا يجدون كفايتهم في القوت ممن دونهم في هذه الحال.
والمساكين: هم الذين لا يملكون شيئا يزيد على قوتهم وإن وجدوه على
6

التعيين دون التوسط والاتساع.
والعاملون على الزكوات: وهم جباتها ممن يجب له عليهم يحق نظره في
ذلك قسط منها حسب ما يقرره السلطان على التوسط والاقتصاد.
والمؤلفة قلوبهم: وهم الداخلون في الإيمان على وجه يخاف عليهم معه
مفارقتهم، فيتألفهم الإمام فيسقط من الزكاة لتطيب أنفسهم بما صاروا إليه ويقيموا
عليه فيألفوه، ويزول عنهم بذلك دواعي الارتياب.
وفي الرقاب: وهم المكاتبون على أداء ما عليهم من الكتاب بقسط من
الزكاة لتعتق رقابهم من الرق ويصيروا في جملة الأحرار.
والغارمون: وهم الذين باشرهم الديون في نفقات خرجت منهم في حلال
دون حرام، وفي سبيل الله وهو الجهاد لأعداء الإسلام.
وابن السبيل: وهم الغرباء العادمون كما تقوتهم وتعينهم على الدخول إلى
بلادهم وإن كانوا في أوطانهم أهل مسكن وتمكن ويسار.
باب
عدد ما يحظر الزكاة من الأوصاف على من يجب له من هذه الثمانية الأصناف:
يحظرها عليهم وصفان:
أحدهما: الضلال المخالف للهدى والإيمان.
والثاني: الفسق بارتكاب كبائر الآثام، فلا تحل الزكاة لمن كان على أحد
هذين الوصفين أو كليهما من الثمانية أصناف، وإنما تحل لهم إذا تعروا منهما
جميعا على ما ذكرناه.
باب
زكاة من يجب عليه الفطرة من أهل الإسلام:
ويجب زكاة الفطرة على فريق واحد من الناس، وهو من ملك من العين أو
7

الورق ما يجب فيه عند حلول الزكاة من أهل الإسلام، يخرجها عن نفسه وعن
كل من يعول من ذكر وأنثى وحر وعبد من صغير وكبير، وإن كان في الحكم
على خلاف الإسلام.
باب
عدد الأصناف التي تخرج في زكاة الفطرة عمن سميناه:
والأصناف التي تخرج في زكاة الفطرة أحد عشر صنفا:
الحنطة والشعير والذرة والدخن والأرز والسلت والتمر والزبيب والأقط
واللبن.
وقيمة ذلك بسعر وقت الفطرة من العين والورق، يخرج أهل كل صقع
في الفطرة ما غلب على أقواتهم من الأجناس، وأفضل ما يخرج من الفطرة التمر،
لإخراج رسول الله صلى الله عليه وآله ذلك عن نفسه ومن عال إلى أن مضى
لسبيله عليه وآله السلام.
باب
مقدار الفطرة والوزن المخصوص في الأوزان:
والفطرة الواجبة على كل أحد ممن سميناه صاع، وزنه ستة أرطال بالمدني
وتسعة أرطال بالبغدادي، وقدره وزن ألف درهم ومائة درهم وتسعون درهما،
والدرهم ستة دوانيق، والدانق ثمان حبات من أوسط حبات الشعير.
باب
عدد من لا يجب إخراج الزكاة إليه من أهل الإسلام وإن كانوا مساكين فقراء:
وعددهم خمسة: الولد وإن سفل، والوالدان وإن عليا، والزوجة، والمملوك.
8

لا يجوز أن يعطي الإنسان واحدا ممن ذكرناه شيئا من زكاة ماله وفطرته،
وإن أعطى لم يجزئه ذلك في الزكاة.
9

الاقتصاد
الهادي إلى الرشاد
تأليف شيخ الطائفة
أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (قدس سره)
385 - 460 ه‍. ق
11

كتاب الزكاة
الزكاة المفروضة في شرع الإسلام في تسعة أشياء: في الدراهم والدنانير
والإبل والبقر والغنم والحنطة والشعير والتمر والزبيب.
لا تجب الزكاة في شئ سوى هذه الأجناس، ولا تجب الزكاة في هذه
الأجناس - سوى الغلات - إلا إذا حال عليها الحول في الملك وتكون نصابا
كاملا من أول الحول إلى آخره.
أما الغلات فإنه تجب الزكاة فيها حين حصولها ولا يراعى فيها الحول.
لا تجب في شئ من الغلات سوى الأجناس الأربعة التي ذكرناها زكاة
وجوبا، ويستحب إخراج الزكاة في جميع ما يدخل تحت الكيل.
لا تجب في شئ من الحيوان سوى الأجناس الثلاثة المقدم ذكرها، وإنما
تستحب الزكاة في الخيل في كل سنة، في العتاق منها ديناران إذا كانت أنثى
مرسلة للنتاج، وفي البراذين دينار واحد مثل ذلك، وليس ذلك بواجب.
فأما الأموال فكل ما لم يكن دراهم أو دنانير لا يجب فيها زكاة وجوبا وإن
كان ذلك فيها ندبا واستحبابا، فمال التجارة على هذا إذا حال عليه الحول
أخرجت الزكاة عن قيمتها دراهم أو دنانير.
والذهب والفضة إذا كان مصاغا أو حليا لا زكاة فيها إلا إذا فر بها من
الزكاة، وإنما تجب الزكاة فيما كان دنانير أو دراهم مضروبة أو منقوشة، وما كان
13

بخلاف ذلك استحب فيها الزكاة.
والزكاة من الدراهم والدنانير تجب على كل حر مالك للنصاب إذا كان
كامل العقل، فأما من ليس بكامل العقل من الأطفال والمجانين فلا يجب في ما
لهم الصامت زكاة.
وما عداهما من الغلات والمواشي يجب على كل مالك، فإن كان عاقلا
وجب عليه إخراجه، وإن لم يكن عاقلا كان على وليه الإخراج من ماله.
ومال الدين والقرض إن كان على ملي باذل أي وقت طلبه منه فإن فيه
الزكاة، وإن كان على ملي مطول أو غير ملي لا يجب فيه الزكاة حتى يرجع إلى
ملكه، فإن عاد إليه وحال عليه الحول وجب عليه فيه الزكاة.
متى وجبت الزكاة في المال وجب إخراجها على الفور، فإن أخره مع
وجود المستحق كان ضامنا له إن هلك المال، سواء كان من وجب عليه في ماله
أو وليا يجب عليه الإخراج من مال من له عليه ولاية، الباب واحد.
فصل
في زكاة الذهب والفضة
إذا ملك الحر العاقل عشرين دينارا مضروبة منقوشة وحال عليهما الحول
بكمالها وجب عليه فيها نصف دينار، وليس فيما زاد على العشرين شئ حتى
يصير أربعة دنانير، فإذا زادت أربعة دنانير كان فيها عشر دينار، ثم على هذا
الحساب كلما زادت أربعة دنانير كان فيها عشر دينار بالغا ما بلغ، وما بين
النصابين عفو لا يتعلق به شئ.
أما الدراهم فإذا ملك مائتي درهم وجب فيها خمسة دراهم، ثم ليس فيها
شئ حتى تزيد أربعين درهما، فإذا زادت ذلك وجب فيها درهم آخر، ثم هكذا
كلما زادت أربعون درهما كان فيها زيادة درهم بالغا ما بلغ، وما بين النصابين
عفو.
14

وإذا رأى هلال الثاني عشر وجب في المال الزكاة، وإن قدم على ذلك
لمستحق جعله قرضا عليه يحتسب به من الزكاة إذا تكامل الحول.
والمعطي على حال يجب معها عليه الزكاة، ومن أعطاه على صفة يجوز له
أخذ الزكاة، فإن تغير أحدهما عن ذلك لم يجزئ ذلك عن الزكاة، وإن أخر
انتظارا لمستحق لم يكن عليه ضمان، وإن كان المستحق حاضرا وأخره في ذمته
إلى أن يخرج منه وحمل الزكاة من بلد إلى بلد مع وجود المستحق يجوز بشرط
الضمان، ومع عدم المستحق يجوز على كل حال.
فصل
في زكاة الإبل والبقر والغنم
لا زكاة في شئ من هذه الأجناس حتى يملكها الإنسان نصابا كاملا
ويحول عليها الحول وهي مرسلة سائمة، وأما المعلوفة منها فلا يتعلق بها زكاة،
وما لم يحل عليها الحول لا يعد فيما تجب فيه الزكاة لا بانفرادها ولا مع أمهاتها.
فأول نصاب في الإبل خمس يجب فيها شاة، وليس فيها بعد ذلك شئ
حتى تصير عشرا ففيها شاتان، إلى خمس عشرة فيها ثلاث شياه، إلى عشرين فيها
أربع شياه، إلى خمس وعشرين فيها خمس شياه، فإذا صارت ستا وعشرين كان
فيها بنت مخاض وهي التي حملت أمها بالبطن الثاني وضربها الطلق، أو ابن لبون
ذكر وهو الذي ولدت أمه وصار بها لبن.
ثم ليس فيها شئ إلى ست وثلاثين ففيها بنت لبون ذكر وهو الذي ولدت
أمه وصار بها لبن، ثم ليس فيها شئ حتى تصير ستا وأربعين ففيها حقة وهي التي
دخلت في السنة الرابعة فاستحقت الركوب، وأن يطرقها الفحل، وليس فيها بعد
ذلك شئ حتى تصير إحدى وستين ففيها جذعة وهي التي دخلت في السادسة،
إلى ست وسبعين ففيها ابنتا لبون، إلى إحدى وتسعين ففيها حقتان، إلى مائة
وإحدى وعشرين فيسقط هذا الاعتبار ويخرج من كل أربعين بنت لبون ومن
15

كل خمسين حقة بالغا ما بلغت.
فإذا وجبت بنت مخاض وعنده بنت لبون أخذت منه وردت عليه شاتان أو
عشرين درهما، وإن وجبت عليه بنت لبون وعنده بنت مخاض أخذ منه وأخذ منه
أيضا عشرون درهما أو شاتان، وما بين بنت لبون والحقة مثل ذلك، بين الحقة
والجذعة مثل ذلك.
أما غير ذلك من الأسنان فليس بمنصوص، ويجوز أن يؤخذ بالقيمة لأن
القيمة يجوز أخذها في سائر أجناس الزكاة عندنا.
أما البقر، فليس فيها زكاة حتى يصير ثلاثين ففيها تبيع أو تبيعة وهو الذي
تم له سنة ويتبع أمه، بعد إلى أن يصير أربعين ففيها مسنة وهي التي دخلت في
السنة الثانية، وعلى هذا الحساب في كل أربعين مسنة بالغا ما بلغ وفي كل
ثلاثين تبيع أو تبيعة، ما بين النصابين عفو.
أما الغنم، فليس فيها زكاة حتى يصير أربعين ففيها شاة، إلى مائة وإحدى
وعشرين ففيها شاتان، إلى مائتين وواحدة ففيها ثلاث شياه، إلى ثلاثمائة وواحدة
ففيها أربع شياه، إلى أربعمائة فسقط هذا الاعتبار وأخرج من كل مائة شاة بالغا
ما بلغ ما نقص عن النصاب. ما بين النصابين كله عفو.
لا يعد في الزكاة إلا ما حال عليه الحول بانفراده ولا مع الأمهات، ولا
يؤخذ في الزكاة ذات عوار ولا المهزولة ولا السمينة في الغاية بل وسطا من
جميع الأجناس.
والمال وإن كان نصابا إذا كانا بين خليطين لا تجب فيه الزكاة حتى يكون
لكل واحد نصاب، ولو كان في ملك واحد نصاب في مواضع متفرقة كان عليه
زكاة على كل حال.
16

فصل
في زكاة الغلات
قد بينا أنه لا زكاة واجبة في الغلات إلا في الأجناس الأربعة التي قدمنا
ذكرها، وليس فيها زكاة حتى تبلغ نصابا، وهو خمسة أوسق، والوسق ستون
صاعا، والصاع تسعة أرطال بالعراقي بعد إخراج المؤن كلها من الخراج وحق
الأكرة والثلث وغيره، فإذا فضل بعد ذلك القدر الذي ذكره أخرج منه الزكاة،
وفيما زاد على الخمسة تخرج منه الزكاة قليلا كان أو كثيرا لأنه ليس يراعى
نصاب آخر بعد النصاب الأول.
ثم ينظر في صفة الأرض: فإن كانت تسقى سيحا أو كان عذيا أو كان
الشجر بعلا يشرب بعرقه فلا يلزم على شئ من ذلك مؤونة مجحفة كان فيها
العشر، فإن كانت تسقى بالدوالي والنواضح والدواليب والقيمة وما يلزم عليه
المؤن الثقيلة ففيه نصف العشر.
ما عدا الأجناس الأربعة من المكيلات الزكاة فيها مستحبة على هذا
الحساب، وما نقص عن الخمسة أوسق لا تتعلق به الزكاة إذا كان كل جنس
بحاله نصاب كامل وإن كان لو جمع كان نصابا وأكثر، إلا إذا قصد الفرار
بذلك من الزكاة ففرقه كذلك فحينئذ تلزمه الزكاة.
فصل
في مستحق الزكاة ومقدار ما يعطي منه
مستحق الزكاة هم الثمانية أصناف الذين ذكرهم الله تعالى في آية الزكاة
في قوله: إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي
الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل.
فالفقير هو الذي لا شئ له، والمسكين، هو الذي له بلغة من العيش لا تكفيه،
وقيل بالعكس من ذلك، غير أنهما يستحقان جميعا سهما من الزكاة.
17

والعاملين عليها هم السعاة الذين يجمعون الزكاة ويجبونها.
والمؤلفة قلوبهم قوم كفار إنهم جميل في الإسلام يستعان بهم على قتال أهل
الحرب ويعطون سهما من الصدقة.
والرقاب هم المكاتبون وعندنا يدخل فيه المملوك الذي يكون في شدة
يشترى من مال الزكاة ويعتق ويكون ولاؤه لأرباب الزكاة لأنه اشترى بمالهم.
والغارمين هم الذين ركبتهم الديون في غير معصية ولا سرف.
في سبيل الله وهو الجهاد ويدخل فيه جميع مصالح المسلمين.
وابن السبيل وهو المنقطع به وإن كان في بلده ذا يسار.
يراعى فيهم أجمع - إلا المؤلفة - الإيمان والعدالة، ولا يكونون من
بني هاشم في حال تمكنهم من الخمس، ولا يكون ممن يلزمه نفقته من ولد أو
والدين نزلا أو صعدا ولا زوجة ولا مملوك.
يجوز وضع الزكاة في فرقة من هذه الفرق، وإن كان الأفضل أن يجعل
لكل صنف منهم جزءا ولو قليلا، ويجوز أيضا أن يفضل بعضهم على بعض.
أقل ما يعطي الفقير ما يجب في نصاب من الدراهم خمسة دراهم، وبعد
ذلك عشر دينار. ليس لكثيره حد، بل يجوز أن يعطي زكاة ماله كله لواحد
بعينه.
فصل
في ذكر ما يجب فيه الخمس وبيان مستحقه وقسمته
يجب الخمس في الغنائم التي تؤخذ من دار الحرب، وفي المعادن كلها:
الذهب والفضة والحديد والصفر والنحاس والرصاص والزئبق والكحل
والزرنيخ والنفط والقير والكبريت والمومياء والغوص والياقوت و الزبرجد
والبلخش والفيروزج والعقيق والعنبر.
وفي الكنوز من الذهب والفضة وغير ذلك، وفي أرباح التجارات
18

والمكاسب، وفيما يفضل من الغلات عن قوت السنة لصاحبه ولعياله، وفي المال
الذي يختلط حلاله بحرامه ولم يتميز، وفي أرض الذمي إذا اشتراها من مسلم.
يجب الخمس في هذه الأجناس عند حصولها، ولا يراعى فيه نصاب إلا
الكنوز، فإنه يراعى فيها نصاب زكاة المال، والغوص يراعى فيه مقدار دينار وما
عدا ذلك يخرج من قليله وكثيره.
والمستحق له من ذكره الله تعالى في قوله واعلموا أنما غنمتم من شئ فإن
لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل. فسهم الله
لرسوله إذا كان باقيا، وإذا مضى رسول الله فهذان السهمان مع سهم ذوي القربى
لمن قام مقام الرسول من الأئمة يصرفه في مؤونته ومؤونة من يلزمه نفقته، وسهم
اليتامى المساكين وابن السبيل مصروف إلى من كان بهذه الصفات من أهل بيت
رسول الله خاصة دون سائر الناس، فإن لأولئك الزكاة التي تحرم على هؤلاء
على ما بيناه.
فصل
في ذكر الأنفال
الأنفال كانت لرسول الله صلى الله عليه وآله وهي لمن قام مقامه من الأئمة،
وهي: كل أرض خربة باد أهلها، وكل أرض لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب،
وكل أرض أسلمها أهلها طوعا، ورؤوس الجبال وبطون الأودية والموات التي لا
مالك لها، والآجام، وصواف الملوك وقطائعهم إذا لم تكن غصبا، ميراث من
لا وارث له.
من الغنائم: الجارية الحسناء والفرس الفارة والثوب المرتفع وما لا نظير
له من رقيق أو متاع، ما لم يستغرق الغنيمة أو يجحف بالغانمين.
ومتى قاتل قوم أهل حرب من غير إذن الإمام فغنموا، كل ذلك للإمام
خاصة.
19

فصل
في ذكر زكاة الفطرة
تجب زكاة الفطرة على كل حر بالغ مالك النصاب تجب فيه الزكاة،
يخرجه عن نفسه وجميع من يعوله من والد وولد وزوجة ومملوك مسلما كان
أو كافرا.
ومن لا يملك النصاب لا تجب عليه وإن كان مستحقا له، حتى لو أخذ
زكاة الفطرة لفقره استحب له إخراجه عن نفسه وعن جميع من يعوله.
ووقت وجوب هذه الزكاة إذا طلع هلال شوال، وآخرها عند صلاة العيد
فإن قدم في أول الشهر - على ما قلناه في تقديم زكاة المال أيضا - جائزا وإن
أخره كان قضاءا.
والقدر الذي يجب صاع، وهو تسعة أرطال بالعراقي، من حنطة أو شعير أو
تمر أو زبيب أو أرز أو أقط أو لبن، غير أنه ينبغي أن يخرج كل أحد مما يغلب على
قوته، وأفضله التمر واللبن أربعة أرطال بالمدني وستة بالعراقي. ويجوز أن يخرج
قيمة ما يريد إخراجه بسعر الوقت.
ومستحق زكاة الفطرة هو مستحق زكاة المال من المؤمنين الفقراء العدول
أو أطفالهم، ومن كان بحكم المؤمنين من البله والمجانين. ومن لا يجوز أن يعطي
زكاة المال لا يجوز أيضا أن يعطي زكاة الفطرة ممن يجب عليه نفقته أو كان من
بني هاشم.
ولا يعطي الفقير أقل من صاع، ويجوز أن يعطي أصواعا.
20

الخلاف
تأليف شيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (قدس سره)
385 - 460 ه‍. ق
21

كتاب الزكاة
بسم الله الرحمن الرحيم
مسألة 1: يجب في المال حق سوى الزكاة المفروضة، وهو ما يخرج يوم
الحصاد من الضغث بعد الضغث، والحفنة بعد الحفنة يوم الجذاذ، وبه قال
الشافعي والنخعي ومجاهد، وخالف جميع الفقهاء في ذلك.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
وأيضا قوله تعالى: وآتوا حقه يوم حصاده، فأوجب إخراج حقه يوم
الحصاد، والأمر يقتضي الوجوب، والزكاة لا تجب إلا بعد التصفية والتذرية،
وبلوغه المبلغ الذي يجب فيه الزكاة.
وأيضا روت فاطمة بنت قيس أن النبي صلى الله عليه وآله قال: في المال
حق سوى الزكاة.
وروى حريز عن زرارة ومحمد بن مسلم وأبي بصير عن أبي جعفر
عليه السلام في قول الله تعالى: وآتوا حقه يوم حصاده، قالوا جميعا: قال أبو جعفر
عليه السلام: هذا من الصدقة، يعطي المسكين القبضة بعد القبضة، ومن الجذاذ
الحفنة بعد الحفنة حتى يفرع.
23

مسألة 2: في خمس وعشرين من الإبل خمس شياه، وفي ست وعشرين
بنت مخاض، وبه قال أمير المؤمنين عليه السلام.
وخالف جميع الفقهاء في ذلك وقالوا: في خمس وعشرين بنت مخاض،
وأما ما زاد على ذلك فليس في النصب خلاف إلى عشرين ومائة.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
وأيضا روى عاصم بن ضمرة عن علي عليه السلام قال: أظنه عن رسول الله،
وذكر مثل ما قلناه.
وقد روي مثل ذلك عن عمرو بن حزم، عن رسول الله صلى الله عليه وآله.
وأيضا روى عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله عليه السلام قال: في
خمس قلائص شاة، وليس في ما دون الخمس شئ، وفي عشر شاتان، وفي
خمس عشرة ثلاث شياه، وفي عشرين أربع شياه، وفي خمس وعشرين خمس،
وفي ست وعشرين بنت مخاض إلى خمس وثلاثين.
وقال عبد الرحمن: هذا فرق بيننا وبين الناس، وساق الحديث إلى آخره.
مسألة 3: إذا بلغت الإبل مائة وعشرين ففيها حقتان بلا خلاف، فإذا زادت
واحدة فالذي يقتضيه المذهب أن يكون فيها ثلاث بنات لبون، إلى مائة وثلاثين
ففيها حقة وبنتا لبون، إلى مائة وأربعين ففيها حقتان وبنت لبون، إلى مائة
وخمسين ففيها ثلاث حقاق، إلى مائة وستين ففيها أربع بنات لبون، إلى مائة
وسبعين ففيها حقة وثلاث بنات لبون، إلى مائة وثمانين ففيها حقتان وبنتا لبون،
إلى مائة وتسعين ففيها ثلاث حقاق وبنت لبون، إلى مائتين ففيها أربع حقاق أو
خمس بنات لبون، ثم على هذا الحساب بالغا ما بلغ، وبه قال الشافعي، وأبو ثور،
وابن عمر.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: إذا بلغت مائة وإحدى وعشرين استؤنفت
الفريضة، في كل خمس شاة، إلى مائة وأربعين ففيها حقتان وأربع شياه، إلى مائة
24

وخمس وأربعين ففيها حقتان وبنت مخاض، إلى مائة وخمسين ففيها ثلاث
حقاق.
ثم يستأنف الفريضة أيضا بالغنم، ثم بنت مخاض، ثم بنت لبون، ثم حقة
فيكون في كل خمس شاة إلى مائة وسبعين فيكون فيها ثلاث حقاق وأربع شياه.
فإذا بلغت خمسا وسبعين ومائة ففيها ثلاث حقاق وبنت مخاض، إلى مائة
وخمس وثمانين.
فإذا صارت ستا وثمانين ومائة ففيها ثلاث حقاق وبنت لبون، إلى خمس
وتسعين ومائة، فإذا صارت مائة وستا وتسعين ففيها أربع حقاق، إلى مائتين.
ثم يعمل في كل خمسين ما عمل في الخمسين التي بعد مائة وخمسين، إلى
أن ينتهي إلى الحقاق، فإذا انتهى إليها انتقل إلى الغنم، ثم بنت مخاض، ثم بنت
لبون، ثم حقة، وعلى هذا أبدا.
وقال مالك وأحمد بن حنبل: في مائة وعشرين حقتان، ثم لا شئ فيها
حتى تبلغ مائة وثلاثين فيكون فيها بنتا لبون وحقة، وجعلا ما بينهما وقصا.
وقال ابن جرير: هو بالخيار بين أن يأخذ بمذهب أبي حنيفة، أو مذهب
الشافعي.
دليلنا: ما رواه عبد الله بن بكير عن زرارة عن أبي جعفر وأبي عبد الله
عليه السلام قالا: ليس في الإبل شئ حتى تبلغ خمسا، فإذا بلغت خمسا ففيها شاة، ثم
في كل خمس شاة حتى تبلغ خمسا وعشرين، فإذا زادت ففيها ابنة مخاض، فإن
لم يكن ابنة مخاض فابن لبون ذكر، إلى خمس وثلاثين، فإذا زادت على خمس
وثلاثين فابنة لبون إلى خمس وأربعين، فإذا زادت فحقة إلى ستين، فإذا زادت
فجذعة إلى خمس وسبعين، فإذا زادت فبنتا لبون إلى تسعين، فإذا زادت فحقتان
إلى عشرين ومائة، فإذا زادت ففي كل خمسين حقة وفي كل أربعين ابنة لبون.
ومثل هذا روى الناس كلهم في كتاب النبي صلى الله عليه وآله كتبه لعماله
في الصدقات وهو مجمع عليه.
25

فوجه الدلالة من الخبر أنه لا يخلو أن يكون أراد بقوله: في كل خمسين حقة
وفي كل أربعين بنت لبون في الزيادة أو في الزيادة والمزيد عليه، ولا يجوز أن
يكون المراد بذلك الزيادة دون المزيد عليه، لأن ذلك خلاف الإجماع، لأنه لم
يقل له أحد، ولأنه كان يؤدي إلى أن يجري في مائة وخمسين حقتان، لأنه ما زاد
ما يجب فيه حقة أو بنت لبون.
وأجمعوا على أن فيها ثلاث حقاق، وكان يجب في مائة وسبعين ثلاث
حقاق، وذلك أيضا لم يقل به أحد، لأن أبا حنيفة يقول: فيها ثلاث حقاق وأربع
شياه، ومالك يقول: فيها حقة وثلاث بنات لبون، وكذلك يقول الشافعي.
وإن أراد أن ذلك في الزيادة والمزيد عليه، فلا يخلو من أن يكون أراد أنه لا
بد أن يجمع في المال الأمران، أو يكون المراد أي الأمرين أمكن.
والأول باطل لأنا أجمعنا على أن في مائة وخمسين ثلاث حقاق، ولم
يجتمع فيه العددان، فلم يبق إلا أنه أراد أي الجنسين أمكن في المال، فإنه يجب
ذلك.
وإذا ثبت ذلك فيمكن في مائة وإحدى وعشرين ثلاث بنات لبون، فوجب
ذلك فيه كما أنه يجب في مائة وخمسين ثلاث حقاق، وهذا بين.
وروى أبو بصير عن أبي عبد الله عليه السلام مثل ذلك سواء، وكذلك
روى عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله عليه السلام، وروى الفضيل بن
يسار، وبريد العجلي عن أبي عبد الله عليه السلام مثل ذلك.
وروى إبراهيم عن مسلم عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وآله قال: إذا بلغت
الإبل مائة وعشرين وواحدة ففيها ثلاث بنات لبون، وهذا نص.
مسألة 4: من وجب عليه بنت مخاض، ولا يكون عنده إلا ابن لبون ذكر،
أخذ منه ويكون بدلا مقدرا لا على وجه القيمة، وبه قال الشافعي وأبو يوسف.
وقال أبو حنيفة ومحمد: إخراجه على سبيل القيمة.
26

دليلنا: ما رويناه من الأخبار، فإنها تضمنت أنه متى لم تكن عنده بنت
مخاض فابن لبون ذكر، وما يكون على وجه القيمة لا يقدر، لأنه يختلف
باختلاف الأسعار والأوقات والبلدان، فإذا ثبت أنه على وجه واحد، دل على أنه
ليس على وجه القيمة، بل هو على وجه التقدير.
مسألة 5: إذا فقد بنت مخاض وابن لبون معا كان مخيرا بين أن يشتري
أيهما شاء، ويعطي. وبه قال الشافعي، وقال مالك: يتعين عليه شراء بنت
مخاض.
دليلنا: أنه إذا ثبت أنه مخير بين إخراج أيهما شاء، فإذا فقدهما كان مخيرا
بين شراء أيهما شاء.
على أن الخبر الذي رويناه، رواه أيضا مخالفونا أنه قال: فإن لم يكن عنده
بنت مخاض فابن لبون ذكر وهذا ليس عنده بنت مخاض، فينبغي أن يجوز له
شراء ابن لبون لظاهر الخبر.
مسألة 6: زكاة الإبل، والبقر، والغنم، والدراهم، والدنانير لا تجب حتى
يحول على المال الحول. وبه قال جميع الفقهاء، وهو المروي عن أمير المؤمنين
عليه السلام، وأبي بكر، وعمر، وابن عمر.
وقال ابن عمر: لا زكاة حتى يحول عليه الحول عند ربه، وقال ابن عباس:
إذا استفاد مالا زكاه لوقته كالركاز، وكان ابن مسعود إذا قبض العطاء زكاه
لوقته، ثم استقبل به الحول.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا فلا خلاف أنه إذا حال الحول يجب عليه
الزكاة، ولم يقم دليل على أنه يجب عليه قبل الحول، والأصل براءة الذمة.
وأيضا روت عائشة عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: لا زكاة في مال
حتى يحول عليه الحول. وروي عن علي عليه السلام وأنس أن النبي صلى الله عليه وآله
27

قال: ليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول، وروي مثل ذلك عن
ابن عمر.
وروى محمد الحلبي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يفيد
المال؟ قال: لا زكاة حتى يحول عليه الحول.
مسألة 7: إذا بلغت الإبل خمسا، ففيها شاة. ثم ليس فيها شئ إلى عشر
ففيها أيضا شاة، فما دون النصاب وقص، وما فوق الخمس إلى تسع وقص،
والشاة واجبة في الخمس، وما زاد عليه وقص، ويسمى ذلك شنقا، وبه قال
أبو حنيفة وأهل العراق وأكثر الفقهاء، وقالوا: لا فرق بين ما نقص عن نصاب ولا
ما بين الفريضتين.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما قال في الجديد والقديم والبويطي مثل ما
قلناه، في أنه في خمس شاة وما زاد عليه عفو، وهو اختيار المزني.
وظاهر قوله في الإملاء أن الشاة وجبت في التسع كلها، قال أبو العباس:
وهو أصح القولين، وأكثر أصحاب الشافعي عبروا عنها بالوجهين، والمسألة
مشهورة بالقولين، وهو ظاهر مذهبهم.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال:
إذا بلغت خمسة وعشرين ففيها بنت مخاض، ولا شئ في زيادتها حتى تبلغ ستا
وثلاثين، فإذا بلغتها ففيها بنت لبون.
وقوله: لا شئ في زيادتها نفي دخل على نكرة فاقتضى أنه لا شئ فيها
بحال.
وروى حريز عن زرارة ومحمد بن مسلم وأبي بصير وبريد بن معاوية
والفضيل بن يسار عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليه السلام في حديث زكاة الإبل
وساق الحديث على ما قلناه ثم قال: وليس على النيف شئ، ولا على الكسور
شئ.
28

مسألة 8: إذا بلغت الإبل مائتين، كان الساعي بالخيار بين أن يأخذ أربع
حقاق أو خمس بنات لبون.
وقال أبو حنيفة أربع حقاق لا غير، وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما
قلناه، والآخر مثل قول أبي حنيفة.
دليلنا: ما قدمناه من الأخبار من أن الإبل إذا زادت على مائة وعشرين ففي
كل خمسين حقة وفي كل أربعين بنت لبون، وهذا عدد اجتمع فيه خمسينات
وأربعينات فيجب أن يكون مخيرا.
مسألة 9: إذا كانت الإبل كلها مراضا، لا يكلف صاحبها شراء صحيحة
للزكاة، وتؤخذ منها. وبه قال الشافعي، وقال مالك: يكلف شراء صحيحة.
دليلنا: إجماع الفرقة وأيضا الخبر الذي تضمن ذكر كتاب أمير المؤمنين
عليه السلام إلى عامله قال فيه: فلا تدخلن عليه دخول متسلط، واجعل الخيار إلى
رب المال يدل على ذلك.
وأيضا فعلى من أوجب شراء صحيحة الدلالة، وليس في الشرع ما يدل
عليه، والأصل براءة الذمة.
مسألة 10: من وجب عليه جذعة، وعنده ماخض، وهي التي تكون حاملا،
لم يجب عليه إعطائها. فإن تبرع بها رب المال جاز أخذها، وبه قال الفقهاء
أجمع أبو حنيفة ومالك والشافعي وقال داود وأهل الظاهر: لا يقبل ماخضا
مكان حائل، ولا شيئا هو أعلى مكان ما هو دونها.
دليلنا: أن هذا الفضل في الحامل إذا تبرع به مالكه جاز أخذه. ألا ترى أنه
لو تبرع بإعطائه من غير أن يجب عليه جاز أخذه. فأما نهي النبي
صلى الله عليه وآله عن أخذ كرائم المال، فإنما نهى أن يؤخذ ذلك بغير رضا صاحب المال،
29

فأما مع رضاه فلم ينه عنه على حال.
مسألة 11: من وجب عليه شاة أو شاتان أو أكثر من ذلك وكانت الإبل بها
ذبل يساوي كل بعير شاة، جاز أن يؤخذ مكان الشاة بعير بالقيمة إذا رضي به
صاحب المال.
وقال الشافعي: إن كان عنده خمس من الإبل مراضا كان بالخيار بين أن
يعطي شاة أو واحدا منها، وكذلك إن كانت عنده عشر كان بالخيار بين شاتين
أو بعير منها، وإن كانت عنده عشرون فهو بالخيار بين أربع شياه أو بعير منها
الباب واحد.
وقال مالك وداود: لا يقبل منه في كل هذا غير الغنم ووافق مالك
الشافعي في أنه يقبل منه بنت لبون وحقة وجذعة مكان بنت مخاض وخالف
داود فيهما معا، إلا أنهم اتفقوا أن ذلك لا على جهة القيمة والبدل، لأن البدل
عندهم لا يجوز.
دليلنا: إجماع الفرقة، فإنهم لا يختلفون في جواز أخذ القيمة من الزكوات،
وإذا كان قيمة بعير قيمة شاة أو قيمة شاتين جاز أخذه بذلك.
مسألة 12: من وجبت عليه شاة في خمس الإبل أخذت منه من غالب غنم
أهل البلد، سواء كانت غنم أهل البلد شامية أو مغربية أو نبطية، وسواء كان ضأنا
أو ماعزا، وبه قال الشافعي، وقال مالك: نظر إلى غالب ذلك، فإن كان الضأن
هو الغالب أخذت منه، وإن كان الماعز الأغلب أخذ منه.
دليلنا: ما رواه سويد بن غفلة قال: أتانا مصدق رسول الله
صلى الله عليه وآله قال: نهينا أن نأخذ من المراضع، وأمرنا أن نأخذ الجذع من الضأن، والثني
من الماعز، وأطلق.
وأيضا قوله في خمس من الإبل شاة، والاسم يقع على جميع ما قلناه.
30

مسألة 13: إذا حال عليه الحول وأمكنه الأداء لزمه الأداء، فإن لم يفعل من
القدرة لزمه الضمان، وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: إذا أمكنه الأداء لم يلزمه
الأداء إلا بالمطالبة بها، ولا مطالبة عنده في الأموال الباطنة، وإنما تتوجه المطالبة
إلى الظاهرة، وإذا أمكنه الأداء فلم يفعل حتى هلكت فلا ضمان عليه.
دليلنا: أن الفرض تعلق بذمته، فإذا أمكنه ولم يخرج كان ضامنا له، ولم
يحكم ببراءة ذمته لأنه لا دلالة على ذلك.
وأما دليلنا على وجوب الأداء مع الإمكان: أنه مأمور به، والأمر يقتضي
الفور، فوجب عليه الأداء في هذه الحال، وإنما قلنا إنه مأمور به لقوله تعالى: أقيموا
الصلاة وآتوا الزكاة، فمن قال: لا يجب الأداء إلا مع المطالبة، فقد ترك الظاهر.
مسألة 14: لا شئ في البقر حتى تبلغ ثلاثين، فإذا بلغتها ففيها تبيع أو
تبيعة، وهو مذهب جميع الفقهاء، وقال سعيد بن المسيب والزهري: فريضتها في
الابتداء كفريضة الإبل في كل خمس شاة إلى ثلاثين، فإذا بلغت ثلاثين ففيها
تبيع.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا الأصل براءة الذمة، وقد أجمعنا على أن
الثلاثين فيها تبيع، فمن ادعى أن فيما دون ذلك شيئا فعليه الدلالة.
وأيضا روى الحكم عن طاووس عن ابن عباس قال: لما بعث رسول الله
صلى الله عليه وآله معاذا إلى اليمن أمره أن يأخذ من كل ثلاثين من البقر تبيعا أو
تبيعة، وجذعا أو جذعة، ومن كل أربعين بقرة بقرة مسنة فقالوا: الأوقاص؟
فقال: لم يأمرني فيها رسول الله صلى الله عليه وآله بشئ، وسأسأل رسول الله
صلى الله عليه وآله إذا قدمت عليه، فلما قدم على رسول الله صلى الله عليه وآله
سأله عن الأوقاص؟ فقال: ليس فيها شئ. ذكر هذا الخبر الدارقطني.
وروى حريز عن زرارة ومحمد بن مسلم وأبي بصير وبريد والفضيل عن
أبي جعفر وأبي عبد الله عليه السلام قالا في البقر: في كل ثلاثين بقرة تبيع
31

حولي، وليس في أقل من ذلك شئ. وفي أربعين بقرة بقرة مسنة، وليس فيما
بين الثلاثين إلى أربعين شئ حتى تبلغ أربعين فإذا بلغت أربعين ففيها مسنة،
وليس فيما بين الأربعين إلى الستين شئ، فإذا بلغت الستين فيها تبيعان إلى
السبعين، فإذا بلغت السبعين ففيها تبيع ومسنة إلى الثمانين، فإذا بلغت ثمانين ففي
كل أربعين مسنة إلى تسعين، فإذا بلغت تسعين ففيها ثلاث تبيعات حوليات، فإذا
بلغت عشرين ومائة في كل أربعين مسنة، ثم يرجع البقر إلى أسنانها. وليس على
النيف شئ، ولا على الكسور شئ، ولا على العوامل شئ، إنما الصدقة على
السائمة الراعية، وكلما لم يحل عليه الحول عند ربه فلا شئ عليه حتى يحول عليه
الحول، فإذا حال عليه الحول وجب عليه.
مسألة 15: زكاة البقر في كل ثلاثين تبيع أو تبيعة، وفي كل أربعين
مسنة، وليس بعد الأربعين فيه شئ حتى تبلغ ستين، فإذا بلغت ففيها تبيعان أو
تبيعتان، ثم على هذا الحساب في كل ثلاثين تبيع أو تبيعة، وفي كل أربعين
مسنة.
وبه قال مالك والشافعي والأوزاعي والثوري وأبو يوسف ومحمد وأحمد
وإسحاق.
وعن أبي حنيفة ثلاث روايات:
المشهور عنه ما ذكره في الأصول وهو أن ما زادت وجبت الزكاة فيه
بحسابه، فإذا بلغت إحدى وأربعين بقرة ففيها مسنة وربع عشر مسنة، وعليها
المناظرة.
والثانية: رواها الحسن بن زياد لا شئ عليه في زيادتها حتى تبلغ خمسين،
فإذا بلغتها ففيها مسنة وربع مسنة.
والثالثة: رواها أسد بن عمرو مثل قولنا. دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا خبر طاووس عن ابن عباس يدل على ذلك،
32

وخبر زرارة وغيره عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليه السلام صريح بما قلناه فلا
وجه لإعادته.
مسألة 16: إذا بلغت البقر مائة وعشرين كان فيها ثلاث مسنات أو أربع
تبائع مخير في ذلك.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما أن فيه ثلاث مسنات لا يجوز غيره، والآخر
مثل قولنا من التخيير.
دليلنا: إجماع الفرقة والأخبار المروية في هذا المعنى أن في كل ثلاثين
تبيعا أو تبيعة، وفي كل أربعين مسنة، فإذا اجتمع عدد يمكن أخذ كل واحد
منهما كان بالخيار بين إعطاء أيهما شاء.
مسألة 17: زكاة الغنم في كل أربعين شاة إلى مائة وعشرين، فإذا زادت
واحدة ففيها شاتان إلى مائتين، فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث شياه إلى ثلاثمائة،
فإذا زادت واحدة ففيها أربع شياه إلى أربعمائة، فإذا بلغت ذلك ففي كل مائة
شاة، وبهذا التفصيل قال النخعي والحسن بن صالح بن حي.
وقال جميع الفقهاء أبو حنيفة ومالك والشافعي وغيرهم مثل ذلك إلا أنهم
لم يجعلوا بعد المائتين وواحدة أكثر من ثلاث إلى أربعمائة، ولم يجعلوا في
الثلاثمائة وواحدة أربعا كما جعلناه.
وفي أصحابنا من ذهب إلى هذا على رواية شاذة، وقد بينا الوجه فيها، وهو
اختيار المرتضى.
دليلنا: إجماع الفرقة.
وروى حريز عن زرارة ومحمد بن مسلم وأبي بصير وبريد والفضيل عن
أبي جعفر وأبي عبد الله عليه السلام في الشاة: في كل أربعين شاة شاة، وليس
فيما دون الأربعين شاة شئ، ثم ليس فيها شئ حتى تبلغ عشرين ومائة، فإذا
33

بلغت عشرين ومائة ففيها مثل ذلك شاة واحدة، فإذا زادت على عشرين ومائة
واحدة ففيها شاتان، وليس فيها أكثر من شاتين حتى تبلغ مائتين، فإذا بلغت
المائتين ففيها مثل ذلك، فإذا زادت على المائتين شاة واحدة ففيها ثلاث شياه، ثم
ليس فيها شئ أكثر من ذلك حتى تبلغ ثلاثمائة، فإذا بلغت ثلاثمائة ففيها مثل
ذلك ثلاث شياه، فإذا زادت واحدة ففيها أربع حتى تبلغ أربعمائة، فإذا تمت
أربعمائة كان على كل مائة شاة، ويسقط الأمر الأول، وليس على ما دون المائة
بعد ذلك شئ، وليس في النيف شئ، وقالا: كل ما لا يحول عليه الحول عند
ربه فلا شئ عليه، فإذا حال عليه الحول وجب عليه.
مسألة 18: السخال لا تتبع الأمهات في شئ من الحيوان الذي يجب فيه
الزكاة، بل لكل شئ منها حول نفسه، وبه قال النخعي والحسن البصري.
وخالفت الفقهاء في ذلك على اختلاف بينهم سنذكره.
دليلنا: إجماع الفرقة، والأصل براءة الذمة، فمن أوجب عليه شيئا في
السخال إما بانفرادها أو مع أمهاتها فعليه الدليل.
وأيضا روت عائشة عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: لا زكاة في مال
حتى يحول عليه الحول.
وقد قدمنا في رواية من تقدم عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليه السلام ما هو
صريح بذلك، فلا معنى لإعادته.
وروي عن ابن عمر أنه قال: لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول عند
ربه.
وروى عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله
قال: ليس في مال المستفيد زكاة.
مسألة 19: قد بينا أنه لا زكاة في السخال ما لم يحل عليها الحول.
34

ومن أوجب فيها الزكاة اختلفوا، فقال الشافعي: السخال تتبع الأمهات
بثلاث شرائط: أن تكون الأمهات نصابا، وأن تكون السخال من عينها لا من
غيرها، وأن يكون اللقاح في أثناء الحول لا بعده.
وقال في الشرط الأول: إذا ملك عشرين شاة ستة أشهر فزادت حتى بلغت
أربعين شاة، كان ابتداء الحول من حين بلغت نصابا، سواء كانت الفائدة من
عينها، أو من غيرها. وبه قال أبو حنيفة وأصحابه.
وقال مالك ينظر فيه، فإن كانت الفائدة من غيرها كما قال الشافعي، وإن
كانت من عينها كان حولها حول الأمهات، فإذا حال الحول من حين ملك
الأمهات، أخذ الزكاة من الكل.
وقال في الشرط الثاني، وهو إذا كان الأصل نصابا، فاستفاد مالا من غيرها،
وكانت الفائدة من غير عينها: لم يضم إليها، وكان حول الفائدة معتبرا بنفسها،
وسواء كانت الفائدة من جنسها، مثل أن كان عنده خمس من الإبل ستة أشهر،
ثم ملك خمسا من الإبل، أو من غير جنسها مثل أن كان عنده خمس من الإبل،
فاستفاد ثلاثين بقرة.
وقال مالك وأبو حنيفة إن كانت الفائدة من غير جنسها مثل قول الشافعي،
وإن كانت من جنسها، كان حول الفائدة حول الأصل، حتى لو كانت عنده
خمس من الإبل حولا إلا يوما، فملك خمسا من الإبل، ثم مضى اليوم، زكى
المالين معا.
وانفرد أبو حنيفة فقال: هذا إذا لم يكن زكى بدلها، فأما إن زكى بدلها، مثل
أن كان عنده مائتا درهم حولا، فأخرج زكاته، ثم اشترى بالمائتين خمسا من
الإبل، فإنها لا تضم إلى التي كانت عنده في الحول، كما قال الشافعي. وقال: إن
كان له عبد، فأخرج زكاة الفطرة عنه، ثم اشترى به خمسا من الإبل، مثل قول
الشافعي.
وهذا الخلاف قد سقط عنا بما قدمناه من أنه لا زكاة على مال حتى يحول
35

عليه الحول، سخالا كانت أو مستفادا أو نقلا من جنس إلى جنس.
مسألة 20: المأخوذ من الغنم، الجذع من الضأن، والثني من المعز. فلا
يؤخذ منه دون الجذعة، ولا يلزمه أكثر من الثنية.
وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: لا يؤخذ إلا الثنية فيهما، وقال مالك:
الواجب الجذعة فيهما.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا روى سويد بن غفلة قال: أتانا مصدق
رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: نهانا أن نأخذ من المراضع، وأمرنا أن نأخذ
الجذعة والثنية.
مسألة 21: يفرق المال فرقتين ويخير رب المال، ويفرق الآخر كذلك
ويخير رب المال، إلى أن يبقى مقدار ما فيه كمال ما يجب عليه، فيؤخذ منه.
وقال عمر بن الخطاب: يفرق المال ثلاث فرق، يختار رب المال واحدا
منها، ويختار الساعي الفريضة من الفرقتين الباقيتين.
وبه قال الزهري، وقال عطاء والثوري: يفرقه فرقتين، ثم يعزل رب المال
واحدة، ويختار الساعي الفريضة من الأخرى، وقال الشافعي: لا يفرق المال.
ذكر ذلك في القديم.
دليلنا: إجماع الفرقة، والخبر المروي عن أمير المؤمنين علي عليه السلام
فيما قاله لعامله عند توليته إياه ووصاه به، وهو معروف.
مسألة 22: من كان عنده أربعون شاة أنثى، أخذ منه أنثى، وإن كانت
ذكورا كان مخيرا بين إعطاء الذكر والأنثى. وإن كان أربعين من البقر ذكرا
كانت أو أنثى ففيها مسنة، ولا يؤخذ منها الذكر.
وقال الشافعي: إن كان أربعون إناثا، أو ذكورا وإناثا، ففيها أنثى قولا
36

واحدا.
وإن كانت ذكورا فعلى وجهين: قال أبو إسحاق وأبو الطيب بن سلمة: لا
يؤخذ إلا الأنثى.
وقال ابن خيران: يؤخذ منها ذكر، قال: وهو قول الشافعي.
دليلنا: أن الأربعين ثبت أنه يجب فيها شاة، وهذا الاسم يقع على الذكر
والأنثى على حد واحد، فيجب أن يكون مخيرا.
وأما البقر، فلأن النبي صلى الله عليه وآله قال: في كل أربعين مسنة،
والذكر لا يسمى بذلك، فيجب اتباع النص.
مسألة 23: إذا كان عنده نصاب من الماشية إبل، أو بقر، أو غنم،
فتوالدت، ثم ماتت الأمهات، لم يكن حولها حول الأمهات، ولا يجب فيها شئ،
ويستأنف لها الحول.
وقال الشافعي: إذا كانت عنده أربعون شاة مثلا، فولدت أربعين سخلة،
كان حولها حول الأمهات، فإذا حال على الأمهات الحول، وجب فيها الزكاة من
السخال. وهذا منصوص الشافعي، وبه قال أبو العباس، وعليه عامة أصحابه.
وقال أبو القاسم بن بشار الأنماطي من أصحابه: ينظر فيه، فإن نقص من
الأمهات ما قصرت الأمهات عن نصاب، بطل حول الكل، وكان للسخال حول
بنفسها من حين كمل النصاب. وإن لم ينقص الأمهات عن نصاب، فالحول
بحاله.
وقال أبو حنيفة: إن ماتت الأمهات، انقطع الحول بكل حال، ولم يكن
للسخال حول حتى يصرن ثنايا. فإذا صرن ثنايا، يستأنف لهن الحول. وإن بقي
من الأمهات شئ ولو واحدة، كان الحول بحاله. كما قال الشافعي.
وحكي هذا المذهب عن الأنماطي، وقال من حكاه: في المسألة ثلاثة أوجه.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا فإن الأصل براءة الذمة، فمن أوجب في
37

السخال بانفرادها، أو بانضمامها إلى الأمهات، أو جعل حولها حول الأمهات،
فعليه الدلالة.
وأيضا قوله عليه السلام: لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول، يدل على
ذلك، لأن السخال لم يحل عليها الحول.
وروى جابر الجعفي عن الشعبي أن النبي صلى الله عليه وآله قال: ليس في السخال زكاة.
مسألة 24: قد بينا أنه إذا ملك أربعين شاة، فتوالدت أربعين سخلة، ثم
تماوتت الأمهات، لا يجب في السخال شئ، بل يستأنف حولها.
وقال الشافعي: لا ينقطع حولها، فإذا حال على الأمهات الحول أخذ من
السخال الزكاة، والفرض فيها واحد منها، ولا يكلف شراء كبيرة.
وقال مالك: يكلف شراء كبيرة، ولا يؤخذ منه واحد منها. وهذا الفرع
يسقط عنا، لأن عندنا يستأنف بالسخال الحول على ما بيناه، فإذا حال عليها
الحول أخذ منها.
مسألة 25: قد بينا أنه لا يؤخذ من الصغار شئ حتى يحول عليها الحول.
وقال الشافعي على ما مضى القول فيه: تعد الصغار تابعة للأمهات، والظاهر
من مذهبه أنه يؤخذ من الصغار الصغار، ومن الكبار الكبار، من خمس وعشرين
فصيلا فصيل، ومن ستة وثلاثين فصيلا فصيل، وعلى هذا. وكذلك في الغنم
والبقر.
وقال أبو العباس وأبو إسحاق معا: لا آخذ إلا السن المنصوص عليها بنت
مخاض، وبنت لبون، وحقة، وجذعة، وبنتا لبون، وعلى هذا الحساب.
وهذا الفرع يسقط عنا لما مضى القول فيه.
38

مسألة 26: لا يجوز نقل مال الزكاة من بلد إلى بلد مع وجود مستحقيه،
فإن نقله كان ضامنا له إن هلك، فإن لم يجد له مستحقا جاز له نقله، ولا ضمان
عليه أصلا.
وللشافعي في ذلك قولان، أحدهما: أنه يجزيه، والآخر: أنه لا يعتد به.
دليلنا: إجماع الفرقة المحقة، فإنهم لا يختلفون في ذلك، وقد بينا رواياتهم
في ذلك.
مسألة 27: إذا كان له ثمانون شاة في بلدين، فطالبه الساعي في كل بلد
من البلدين بشاة، لم يلزمه أكثر من شاة. وكان بالخيار بين أن يخرجها في أي بلد
شاء، وعلى الساعي أن يقبل قوله إذا قال: أخرجت في البلد الآخر، ولا يطالبه
بيمين.
وقال الشافعي: يجب عليه شاة واحدة يخرجها في البلدين، في كل بلد
نصفها، فإن قال: أخرجتها في بلد واحد أجزأه، فإن صدقه الساعي مضى، وإن
اتهمه كان عليه اليمين. وهل اليمين على الوجوب أو الاستحباب؟ على قولين.
هذا قوله في جواز نقل المال من بلد إلى بلد، فإن لم يجز ذلك أخذ في كل
واحد من البلدين نصف شاة، ولا يلتفت إلى ما أعطي.
دليلنا: إجماع الفرقة على قول أمير المؤمنين عليه السلام لعامله حين ولاه
الصدقات: أنزل ماءهم من غير أن تخالط أموالهم ثم قل: هل لله في أموالكم من
حق؟ فإن أجابك مجيب فامض معه، وإن لم يجبك فلا تراجعه.
فأمر عليه السلام بقبول قول رب المال، ولم يأمر باستظهار، ولا باليمين،
فمن أوجب ذلك فعليه الدلالة.
مسألة 28: إذا قال رب المال: المال عندي وديعة، أو لم يحل عليه
الحول، قبل منه قوله ولا يطالب باليمين، سواء كان خلافا للظاهر أو لم يكن
39

كذلك.
وقال الشافعي: إذا اختلفا، فالقول قول رب المال فيما لا يخالف الظاهر،
وعليه اليمين استحبابا وإن خالف الظاهر فعلى وجهين. وما يخالف الظاهر هو أن
يقول: هذا وديعة، قال: لأن الظاهر أنه ملك له إذا كان في يده، فهذا اليمين على
وجهين.
وإذا كان الخلاف في الحول، فإنه لا يخالف الظاهر، فيكون اليمين
استحبابا، فكل موضع يقول: اليمين استحبابا فإن حلف وإلا ترك، وكل
موضع يقول: يلزمه اليمين فإن حلف وإلا أخذ منه بذلك الظاهر الأول لا
بالنكول.
دليلنا: ما قدمناه في المسألة الأولى سواء، فلا وجه لإعادته.
مسألة 29: إذا حال على المال الحول، فالزكاة تجب في عين المال، ولرب
المال أن يعين ذلك في أي جزء شاء، وله أن يعطي من غير ذلك أيضا مخير
فيه. مثال ذلك: أن يملك أربعين شاة، وحال عليه الحول، استحق أهل الصدقة
منها شاة غير معينة، وله أن يعين ما شاء منها. وبه قال الشافعي في الجديد، وهو
أصح القولين عند أصحابه. وبه قال أبو حنيفة.
والقول الثاني: تجب في ذمة رب المال والعين مرتهنة بما في الذمة، فكان
جميع المال رهنا بما في الذمة.
دليلنا: إجماع الفرقة، ولأن كل خبر روي في وجوب الزكاة تضمن أن
الإبل إذا بلغت خمسا ففيها شاة - إلى قوله -: فإذا بلغت ستا وعشرين ففيها بنت
مخاض، وكذلك فيما بعد، وكذلك قالوا في البقر إذا بلغت ثلاثين، ففيها تبيع
أو تبيعة، وقالوا في الغنم إذا بلغت أربعين ففيها شاة إلى عشرين ومائة، فإذا زادت
ففيها شاتان، وهذه الأخبار صريحة بأن الفريضة تتعلق بالأعيان لا بالذمة.
وأيضا الأصل براءة الذمة، فمن علق عليها شيئا، كان عليه الدلالة.
40

مسألة 30: من كان له مال دراهم أو دنانير فغصبت، أو سرقت، أو
جحدت، أو غرقت، أو دفنها في موضع ثم نسيها، وحال عليه الحول، فلا خلاف
أنه لا تجب عليه الزكاة منها، لكن في وجوب الزكاة فيه خلاف، فعندنا لا تجب
فيه الزكاة. وبه قال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد، وهو قول الشافعي في القديم.
وقال في الجديد: تجب فيه الزكاة، وبه قال زفر.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم لا يختلفون في ذلك.
مسألة 31: من غل ماله، أو غل بعضه حتى لا تؤخذ منه الصدقة، فإن كان
جاهلا بذلك عفي عنه وأخذ منه الصدقة، وإن كان عالما بوجوبه عليه ثم فعله
عزره الإمام، وأخذ منه الصدقة. وبه قال الشافعي، إلا أنه قال: إن كان الإمام
عادلا عزره، وإن لم يكن الإمام عادلا لم يعزره، ويأخذ منه الصدقة. وهو مذهب
أبي حنيفة وأصحابه والثوري.
وقال أحمد بن حنبل وطائفة من أصحاب الحديث: تؤخذ منه الزكاة ويؤخذ معها نصف ماله.
وروي ذلك عن مالك أيضا.
دليلنا: أن الزكاة قد ثبت وجوبها عليه، فتؤخذ منه بلا خلاف، وتعزيره
مجمع عليه، ولسنا نحتاج أن نشرط عدالة الإمام، لأنه لا يكون عندنا إلا
معصوما، فأما أخذ نصف ماله فإنه يحتاج إلى دليل، وليس في الشرع ما يدل
عليه.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: ليس في المال حق سوى
الزكاة، ولم يفصل.
مسألة 32: المتغلب إذا أخذ الصدقة، لم تبرأ بذلك ذمته من وجوب
الزكاة عليه، لأن ذلك تحكم ظلم به، والصدقة لأهلها، ويجب عليه إخراجها، وقد
41

روي أن ذلك مجزئ عنه، والأول أحوط.
وقال الشافعي: إذا أخذ الزكاة إمام غير عادل أجزأت عنه، لأن إمامته لم
تزل بفسقه.
وذهب أكثر الفقهاء من المحققين وأكثر أصحاب الشافعي إلى أنه إذا فسق
زالت إمامته.
وقال أحمد بن حنبل وعامة أصحاب الحديث: لا تزول الإمامة بفسقه، وهو
ظاهر قول الشافعي. وقال أصحابه لا تجئ على أصوله.
فأما فسق الإمام فعندنا لا يجوز، لأنه لا يكون إلا معصوما، وليس هذا
موضع الدلالة عليه.
والذي يدل على أن ذمته لم تبرأ بما أخذه المتغلب، أن الزكاة حق لأهلها،
فلا تبرأ ذمته بأخذ غير من له الحق، ومن أبرأ الذمة بذلك فعليه الدلالة.
مسألة 33: المتولد بين الظباء والغنم سواء كانت الأمهات ظباء أو
الفحولة نظر فيه، فإن كان يسمى غنما كان فيها الزكاة وأجزأت في الأضحية،
وإن لم يسم غنما فليس فيها زكاة، ولا تجزئ في الأضحية.
فأما إذا كانت ماشية وحشية على حدتها فلا زكاة فيها بلا خلاف.
وقال الشافعي: إن كانت الأمهات ظباء، والفحولة أهلية، فهي كالظباء لا
زكاة فيها، ولا تجزئ في الأضحية. وعلى من قتلها الجزاء إذا كان محرما، وهذا لا
خلاف فيه.
وإن كانت الأمهات أهلية والفحولة ظباء قال الشافعي: لا زكاة فيها، ولا
تجزئ عن الأضحية، وفيها الجزاء.
وقال أبو حنيفة: هذه حكمها حكم أمهاتها فيها الزكاة، وتجزئ في الأضحية،
ولا جزاء على من قتلها.
دليلنا: ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله من قوله: " في سائمة الغنم
42

الزكاة " وهذه إذا كانت تسمى غنما فالاسم يتناولها، فيجب فيها الزكاة.
وكذلك قوله: " في أربعين شاة شاة " وهذه تسمى شاة، فيجب فيها
الزكاة.
وقد قيل: إن الغنم المكية آبائها الظباء، وتسمية ما يتولد بين الظباء والغنم، رخل،
وجمعه رخال، لا يمنع من تناول اسم الغنم له، فمن أسقط عنه الزكاة فعليه
الدلالة.
مسألة 34: لا زكاة في السخال والفصلان والعجاجيل حتى يحول عليها
الحول.
وقد قال الشافعي وأصحابه: هذه الأجناس كالكبار من ملك منها نصابا
جرت في الحول من حين ملكها، فإذا حال عليها الحول أخذت الزكاة منها، وبه
قال أبو يوسف.
وقال مالك وزفر مثل ذلك، لكنهما قالا: تجب الزكاة ولا تؤخذ، ولكن
يكلف عن الصغار كبيرة.
وقال أبو حنيفة ومحمد بن الحسن: لا يجري في الحول حتى يصير ثنايا، فإذا
صارت ثنايا جرت في حول الزكاة.
دليلنا: إجماع الفرقة، وما روي عن النبي صلى الله عليه وآله من قوله: لا
زكاة في مال حتى يحول عليه الحول.
مسألة 35: لا تأثير للخلطة في الزكاة، سواء كان خلطة أعيان، أو خلطة
أوصاف. وإنما يزكي كل واحد منهما زكاة الانفراد، فينظر إلى ملكه، فإن كان
فيه الزكاة على الانفراد ففيه الزكاة في الخلطة، وإن لم يكن فيه الزكاة على
الانفراد، فلا زكاة فيه مع الخلطة.
وخلطة الأعيان هي الشركة المشاعة بينهما، مثل أن يكون بينهما أربعون شاة
43

مشتركة مشاعة، أو ثمانون شاة، فهذه شركة أعيان، فإذا كان كذلك فإن كان
الأربعون بينهما فلا زكاة عليهما، وإن كان الثمانون بينهما كان عليهما شاتان، وإن
كان لواحد كان عليه شاة واحدة.
وخلطة الأوصاف أن يشتركا في المرعى والفحولة، ويكون مال كل واحد
منهما معروفا معينا، وأي الخلطتين كانت كان الحكم ما قدمنا ذكره. وبه قال
أبو حنيفة وأصحابه.
وقال الشافعي وأصحابه: أنهما يزكيان زكاة الرجل الواحد، فإن كان بينهما
أربعون شاة كان فيها شاة، كما لو كانت لواحد. وإن كانا خليطين في ثمانين
ففيها شاة، كما لو كانت لواحد. فلو كانت مائة وعشرين شاة لثلاثة ففيها شاة
واحدة، وإن لم يكن للمال خلطة كان فيها ثلاث شياه على كل واحد شاة. وبه
قال الأوزاعي، والليث بن سعد.
وقال عطاء وطاووس: إن كانت الخلطة خلطة أعيان فكما قال الشافعي،
وإن كانت خلطة أوصاف، اعتبر كل واحد بنفسه، ولم تؤثر الخلطة.
وقال مالك: إنما يزكيان زكاة الواحد إذا كان مال كل واحد منهما في
الخلطة نصابا، مثل أن يكون بينهما ثمانون شاة فتكون فيها شاة، فأما إن قصر
ملك أحدهما عن نصاب فلا زكاة عليه، فإن كان بينهما أربعون شاة فلا زكاة
فيها، وإن كان بينهما ستون لأحدهما عشرون وللآخر ما بقي، فعلى صاحب
الأربعين شاة، ولا شئ على صاحب العشرين.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأخبارهم فإنهم لا يختلفون فيما قلناه.
وروى أنس أن النبي صلى الله عليه وآله قال: إذا لم تبلغ سائمة الرجل
أربعين فلا شئ فيها ولم يفرق.
وروي عنه أنه قال: ليس على المرء فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة،
ولم يفصل.
وأما ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله من قوله: لا يجمع بين متفرق ولا
44

يفرق بين مجتمع، فنحمله على أنه لا يجمع بين متفرق في الملك لتؤخذ منه
الزكاة زكاة رجل واحد، ولا يفرق بين مجتمع في الملك، لأنه إذا كان ملك
للواحد وإن كان في مواضع متفرقة لم يفرق بينه وقد استعمل الخبر.
مسألة 36: إذا كان لرجل واحد ثمانون شاة في موضعين، أو مائة
وعشرون في ثلاثة مواضع، لا يجب عليه أكثر من شاة واحدة. وبه قال أبو حنيفة.
وقال الشافعي: لا يجمع بين ذلك، بل يؤخذ منه في كل موضع إذا بلغ
النصاب ما يجب فيه.
دليلنا: إجماع الفرقة، ولأن الأصل براءة الذمة، وما قلناه لا خلاف فيه،
وما ادعوه ليس عليه دليل.
وقوله عليه السلام: لا يفرق بين مجتمع، يمكن أن يكون لرب واحد، وأن
المراد به الجمع في الملك.
فإن قالوا: المراد المجتمع في موضع واحد.
قلنا: قد بينا أن ذلك غير واجب، فينبغي أن يكون المراد ما قلناه.
مسألة 37: لا يجب الزكاة في النصاب الواحد إذا كان بين شريكين، من
الدراهم والدنانير وأموال التجارات والغلات. وبه قال أبو حنيفة ومالك
والشافعي في القديم.
وقال في الجديد تضم الخلطة في ذلك، وتجب فيه الزكاة.
دليلنا: أنه إذا ثبت أنه الشركة والخلطة في المواشي لا يجب فيها الزكاة،
فلا تجب أيضا في هذه الأموال، لأن أحدا لا يفرق بين المسألتين.
مسألة 38: إذا كان لإنسان أربعون شاة، فأقامت في يده ستة أشهر، ثم
باع نصفها، بطل حوله. فمتى حال على الجميع الحول، لا تجب فيه الزكاة لا
45

على البائع ولا على المشتري. وإن حال عليه الحول من يوم يشتريه.
وقال الشافعي: إن حوله باق إذا باع مشاعا، فمتى حال عليه الحول وجب
عليه الزكاة، وعلى شريكه إذا حال الحول من يوم اشتراه، على هذا عامة أصحابه.
وقال ابن خيران: يستأنف الحول بينهما من يوم يبيعه، لأنه يحصل بينهما
الشركة في هذا الوقت.
دليلنا: إنا بينا أن مال الشركة لا تجب فيه الزكاة إذا نقص نصيب كل
واحد عن النصاب، فإذا كان هذا ناقصا من النصاب، لم تجب فيه الزكاة على ما
بيناه.
مسألة 39: من كان له أربعون شاة واستأجر لها أجيرا بشاة منها، سقط عنه
زكاتها إن كان أفرد الشاة بلا خلاف، لأنه نقص المال عن النصاب، وإن لم
يفردها فعندنا مثل ذلك، لأن ملكه قد نقص عن النصاب.
وقال الشافعي: فيها الزكاة على الجميع بالحساب.
وهذه المسألة فرع على أن المال المختلط فيه الزكاة، وقد بينا فساده، فلا
وجه للكلام على هذا الفرع.
مسألة 40: إذا كان لرجل أربعون شاة في بلد، وله عشرون في بلد آخر
خلطه مع عشرين لغيره، يجب عليه في الأربعين المنفردة شاة، ولا شئ عليه في
العشرين المشتركة.
وقال الشافعي: الواجب في ذلك شاة ثلاثة أرباعها على صاحب الأربعين،
والعشرين المشتركة وربعها على صاحب العشرين، وبه قال أبو إسحاق وغيره.
ومن أصحابه من قال: على صاحب العشرين نصف شاة، وعلى صاحب
الستين ثلاثة أرباع شاة.
وهذه المسألة تسقط عنا، لأنها مبنية على أن مال الخلطة تتعلق به الزكاة،
46

وقد دللنا على خلافه.
مسألة 41: إذا كان له ستون شاة في ثلاثة بلاد، في كل بلدة عشرون خلطة
مع عشرين لغيره، كان عليه شاة واحدة، لأن له ستين. ففي أربعين واحدة
والباقي عفو، وليس على الباقين شئ من الزكاة، لأن ما لهم نقص عن النصاب.
وقال الشافعي: في الكل شاة واحدة، على صاحب الستين منها نصف شاة،
وعلى كل واحد من الشركاء سدس شاة.
ومن أصحابه من قال: على كل واحد من أصحاب العشرين نصف شاة،
وعلى صاحب الستين نصف شاة، لأنه يضم بعض ماله إلى بعض الكل خلطة.
ومنهم من قال وهو أبو العباس بن سريج: على أصحاب العشرين على كل
واحد نصف شاة، وعلى صاحب الستين شاة ونصف، فيكون في الكل ثلاث
شياه وهذه المسألة أيضا تسقط عنا، لأنا بينا أن المراعي في النصاب الملك دون
الخلطة، وهذه الأقاويل مبنية على أن مال الخلطة فيه زكاة، وقد بينا فساده.
مسألة 42: مال الصبي والمجنون إذا كان صامتا لا تجب فيه الزكاة، وإن
كان غلات أو مواشي يجب على وليه أن يخرج عنه.
وقال الشافعي: ما لهما مثل مال البالغ العاقل تجب فيه الزكاة، ولم
يفصل. وبه قال عمر، وابن عمر، وعائشة، ورووه عن علي عليه السلام، وعن
الحسن بن علي عليه السلام، وبه قال الزهري، وربيعة، وهو المشهور عن مالك،
وبه قال الليث بن سعد، وابن أبي ليلى، وأحمد، وإسحاق.
وقال الأوزاعي والثوري: تجب الزكاة في مالهما، لكن لا يجب إخراجها،
بل تحصى، حتى إذا بلغ الصبي عرفوه مبلغ ذلك، فيخرجه بنفسه. وبه قال ابن
مسعود.
وذهب ابن شبرمة وأبو حنيفة وأصحابه إلى أنه لا تجب في ملكهما الزكاة،
47

ولم يفصلوا.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا الأصل عدم الزكاة، وإيجابها يحتاج إلى
دليل، وليس في الشرع ما يدل على ما قالوه.
ويمكن أن يستدل بما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: رفع القلم
عن ثلاثة عن الصبي حتى يبلغ، وعن النائم حتى ينتبه، وعن المجنون حتى يفيق.
ولا يلزمنا مثل ذلك في المواشي والغلات، لأنا قلنا ذلك بدليل.
مسألة 43: المكاتب على ضربين: مشروط عليه ومطلق، فإن كان
مشروطا عليه فبحكم الرق لا يملك شيئا، فإذا حصل معه مال في مثله الزكاة لم
تلزمه زكاة، ولا تجب أيضا على المولى زكاته، لأنه ما ملكه ملكا له التصرف فيه
على كل حال. وإن كان غير مشروط عليه فإنه يتحرر بمقدار ما أدى، فإن كان
معه مال [يخصه من الحرية قدر] تجب فيه الزكاة وجب عليه الزكاة، لأنه ملكه،
ولا يلزمه فيما عداه، ولا على سيده لما قلناه.
وقال الشافعي: لا زكاة في مال المكاتب على كل حال، وبه قال جميع
الفقهاء إلا أبا ثور فإنه قال تجب فيه الزكاة.
دليلنا: إجماع الفرقة على أن المكاتبة على القسمين اللذين ذكرناهما، فإذا
ثبت ذلك فما يصح إضافته إلى ملكه لزمه زكاته، وما لا يمكن إضافته إليه لا
يلزمه زكاته بلا خلاف.
وقد روي عن ابن عمر وجابر أنهما قالا: لا زكاة في مال المكاتب ولا
مخالف لهما.
مسألة 44: المكاتب إن كان مشروطا عليه وهو في عيلولة مولاه لزمه
فطرته، وإن لم يكن في عيلته يمكن أن يقال: إنها تلزمه لعموم الأخبار بوجوب
إخراج الفطرة عن المملوك، ويمكن أن يقال: لا تلزمه، لأنه ليس في عيلته.
48

وإن كان غير مشروط عليه، وتحرر منه جزء. فإن كان في عيلته لزمه
فطرته، وإن لم يكن في عيلته لا تلزمه، لأنه ليس بمملوك بالإطلاق، ولا هو حر
بالإطلاق، فيكون له حكم نفسه ولا يلزمه أيضا لمثل ذلك.
وقال الشافعي: لا يلزم واحدا منهما، ولم يفضل ومن أصحابه من قال: يجب
عليه أن يخرج الفطرة عن نفسه، لأن الفطرة تتبع النفقة.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، وليس هاهنا ما يدل على وجوب الفطرة
على واحد منهما.
فأما الموضع الذي قلنا إن على مولاه الفطرة إذا كان مشروطا عليه إن كان
في عيلته، فعموم الأخبار الموجبة للفطرة على من يعوله من المماليك وغيرهم.
مسألة 45: إذا ملك المولى عبده مالا، فإنه لا يملكه، وإنما يستبيح
التصرف فيه، ويجوز له الشراء منه. فإذا ثبت ذلك، فالزكاة تلزم السيد، لأنه
ماله، وله انتزاعه منه على كل حال.
وقال الشافعي في الجديد: لا يملك، وزكاته على سيده كما قلناه. وبه قال
أبو حنيفة.
وقال في القديم: يملك، وبه قال مالك. وعلى هذا قال: لا يلزمه الزكاة في
هذا المال.
دليلنا: إجماع الفرقة على أن العبد لا يملك، فإذا ثبت ذلك فالمال للسيد
فيلزمه زكاته.
وأيضا فلا خلاف بين أصحابنا في أن من باع مملوكه وله مال أنه إن علم
ذلك كان ماله للمشتري، وإن لم يعلم كان للبائع، فلو لا أنه ملكه لا يملك
المشتري ذلك مع علمه، ولا جاز له أخذه إذا لم يعلمه.
مسألة 46: لا يجوز تقديم الزكاة قبل حلول الحول إلا على وجه القرض،
49

فإذا حال الحول جاز له أن يحتسب به من الزكاة إذا كان المقترض مستحقا
والمقرض تجب عليه الزكاة.
وأما الكفارة، فلا يجوز تقديمها على الحنث.
وقال الشافعي: يجوز تقديم الزكاة قبل الحول، وتقديم الكفارة على
الحنث.
وقال داود وأهل الظاهر وربيعة: لا يجوز تقديم شئ منهما قبل وجوبه
بحال.
وقال أبو حنيفة: يجوز تقديم الزكاة قبل وجوبها، ولا يجوز تقديم الكفارة
قبل وجوبها.
وقال مالك: يجوز تقديم الكفارة قبل الحنث، ولا يجوز تعجيل الزكاة قبل
الوجوب، وبه قال أبو عبيد بن حربويه من أصحاب الشافعي.
وأبو حنيفة، ومالك في طرفي نقيض.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا فلا خلاف في أنه إذا أخرجه وقت وجوبه أنه
تبرأ ذمته، وليس على براءة ذمته إذا أخرجها قبل ذلك دليل.
وأيضا قول النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام: لا زكاة في مال
حتى يحول عليه الحول، يدل على ذلك.
مسألة 47: إذا تسلف الساعي لأهل السهمان من غير مسألة من الدافع
والمدفوع إليه، فجاء وقت الزكاة وقد تغيرت صفتهما أو صفة واحد منهما قبل
الدفع إلى أهل السهمان، ثم هلك بغير تفريط في يد الساعي، كان ضامنا. وبه
قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: لا ضمان عليه.
فأما إذا هلك بتفريط فإنه يضمن بلا خلاف.
دليلنا على ما قلناه: أنه قبض ما ليس له من غير أمر من المستحق ولا تبرع
50

من الدافع، فوجب عليه ضمانه، لأن إبراء ذمته من ذلك يحتاج إلى دليل.
مسألة 48: إذا تسلف بمسألتهما جميعا، وجاء وقت الزكاة، وقد تغيرت
صفتهما أو صفة واحد منهما قبل الدفع إلى أهل السهمان، ثم هلك قبل الدفع
بغير تفريط، فإن ضمان ذلك على الدافع والمدفوع إليه.
وقال الشافعي فيه وجهان: أحدهما: أن ضمانه على رب المال والثاني: على
أهل السهمان.
دليلنا: أنه قد حصل من كل واحد من الفريقين إذن، وليس أحدهما أولى
بالضمان من صاحبه، فوجب عليهما الضمان.
مسألة 49: ما يتعجله الوالي من الصدقة متردد بين أن يقع موقعها أو
يسترد. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: ليس له أن يسترد، بل هو متردد بين أن يقع موقعها أو يقع
تطوعا.
دليلنا على ذلك: أنا قد بينا أنه يجوز تقديم الزكاة على جهة القرض، فإذا
ثبت ذلك، وتغير حال الفقير من الفقر إلى الغنى لم يسقط عنه الدين، بل يتأكد
قضاؤه عليه، فمن أسقط عنه ما كان عليه فعليه الدلالة.
مسألة 50: إذا عجل زكاته لغيره، ثم حال عليه الحول وقد أيسر المعطى،
فإن كان أيسر بذلك المال فقد وقعت موقعها ولا يسترد، وإن أيسر بغيره استرد
أو يقام عوضه. وهو مذهب الشافعي.
وقال أبو حنيفة: لا يرد على حال أيسر به أو بغيره.
دليلنا: أنه قد ثبت أنه لا يستحق الزكاة غني، وإذا كان هذا المال دينا عليه
إنما يستحقه إذا حال عليه الحول، وإذا كان في هذه الحال غير مستحق لا يجوز له
51

أن يحتسب بذلك.
مسألة 51: إذا عجل له وهو محتاج، ثم أيسر، ثم افتقر وقت حول الحول
جاز أن يحتسب له بذلك.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل قولنا، والآخر أنه لا يحتسب له به.
دليلنا: أنا قد بينا أن هذا المال دين عليه، وإنما يحتسب بعد الحول، وإذا
كان في هذا الوقت مستحقا جاز أن يحتسب عليه فيها.
مسألة 52: إذا دفع إليه وهو موسر في الحال ثم افتقر عند الحول جاز أن
يحتسب به. وقال الشافعي: لا يحتسب به أصلا.
دليلنا: أنا قد بينا أن هذا المال دين عليه، والمراعي في استحقاق الزكاة عند
الإعطاء وهو حال الاحتساب، وفي هذه الحال فهو مستحق لها، فجاز
الاحتساب.
مسألة 53: إذا عجل زكاته، ومات المدفوع إليه، ثم حال الحول، جاز أن
يحتسب به بعد الحول.
وقال الشافعي: لا يجوز أن يحتسب به.
دليلنا: إجماع الفرقة على أنه يجوز أن يقضي به الدين عن الميت.
وأيضا قوله تعالى: وفي سبيل الله، وقضاء الدين عن المؤمنين في سبيل الله،
فيجب أن يكون جائزا.
مسألة 54: من ملك مائتي درهم، فعجل زكاة أربعمائة عشرة دراهم
بشرط أن يستفيد تمام ذلك. أو كان له مائتا شاة فقدم زكاة أربعمائة أربع شياه،
52

ثم حال الحول وعنده أربعمائة درهم. أو أربعمائة شاة لا يجزئ عنها، وهو أحد
قولي الشافعي المختار عند أصحابه.
والقول الآخر: أنه يجزئ.
دليلنا: أن هذه المسألة لا تصح على أصلنا، لأن عندنا المستفاد في الحول
لا يضم إلى الأصل، فما زاد على المائتين اللتين كانتا معه لا يجب عليه الزكاة،
لأنه لم يحل عليه الحول. فإن فرضنا أنه استوفى حول المستفاد جاز له أن
يحتسب بذلك من الزكاة، لأنا قد بينا أن ما يعجله يكون دينا جاز له أن يحتسب
بذلك من الزكاة.
مسألة 55: إذا كان عنده أربعون شاة فعجل شاة وحال الحول، جاز له أن
يحتسب بها. وإن كان عنده مائة وعشرون وعجل شاة، ثم نتجت شاة، ثم حال
الحول لا يلزمه شئ آخر. وكذلك إن كانت عنده مائتا شاة فعجل شاتين، ثم
نتجت شاة، ثم حال الحول لا يلزمه شئ آخر. وبه قال أبو حنيفة إلا أنه قال في
المسألة الأولى: إذا عجل من أربعين شاة أنها لم تقع موقعها لأن المال قد نقص
عن الأربعين.
وقال الشافعي في المسألة الأولى: أنها تجزئه، وفي الثانية والثالثة أنه تؤخذ
منه شاة أخرى.
دليلنا: أنه قد ثبت أن ما يعجله على وجه الدين، وما يكون كذلك فكأنه
حاصل عنده، وجاز له أن يحتسب به، لأن المال ما نقص عن النصاب في
المسألة الأولى، وفي المسألتين الأخيرتين لا يلزمه شئ آخر، وإن كان ما عجله
باقيا على ملكه، لأن ما نتج لا يعتد به، لأنه لا يضم إلى الأمهات على ما مضى
القول فيه.
مسألة 56: إذا مات المالك في أثناء الحول، وانتقل ماله إلى الورثة،
53

انقطع حوله، واستأنف الورثة الحول.
وقال الشافعي في القديم: لا ينقطع حوله، وتبني الورثة على حول مورثهم.
وقال في الجديد مثل قولنا. وعلى هذا إذا كان عجل زكاته كان للورثة
استرجاعه.
دليلنا على انقطاع الحول: أن الزكاة من فروض الأعيان، ومن شرط
وجوبها حلول الحول في الملك، وهذا لم يحل عليه الحول في ملك واحد منهما،
فيجب أن لا يلزمه فيه الزكاة، ومن يبني حول أحدهما على حول الآخر فعليه
الدلالة.
مسألة 57: النية شرط في الزكاة، وهو مذهب جميع الفقهاء إلا الأوزاعي،
فإنه قال: لا تفتقر إلى النية.
دليلنا: قوله تعالى: وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين - إلى قوله -
ويؤتوا الزكاة، والإخلاص لا يكون إلا بنية.
وأيضا فلا خلاف أنه إذا نوى كونها زكاة أجزأت عنه، ولم يدل دليل على
إجزائها مع فقد النية.
وأيضا قول النبي صلى الله عليه وآله: إنما الأعمال بالنيات، يدل على ذلك.
مسألة 58: محل نية الزكاة حال الإعطاء.
وللشافعي فيه وجهان: أحدهما مثل ما قلناه، والثاني أنه يجوز أن يقدمها.
دليلنا: أنه لا خلاف أنها إذا قارنت أجزأت، وليس على جوازها دليل إذا
تقدمت.
مسألة 59: يجوز إخراج القيمة في الزكاة كلها، وفي الفطرة أي شئ
كانت القيمة، ويكون القيمة على وجه البدل لا على أنه أصل. وبه قال أبو حنيفة،
54

إلا أن أصحابه اختلفوا على وجهين:
منهم من قال: الواجب هو المنصوص عليه، والقيمة بدل.
ومنهم من قال: الواجب أحد الشيئين، أما المنصوص عليه أو القيمة، وأيهما
أخرج فهو الأصل، ولم يجيزوا في القيمة سكنى دار، ولا نصف صاع تمر جيد
بصاع دون قيمته.
وقال الشافعي وأصحابه: إخراج القيمة في الزكاة لا يجوز، وإنما يخرج
المنصوص عليه، وكذلك يخرج المنصوص عليه فيما يخرج فيه على سبيل
التقدير لا على سبيل التقويم، وكذلك قال في الإبدال في الكفارات، وكذلك
قوله في الفطرة. وبه قال مالك، غير أنه خالفه في الأعيان فقال: يجوز ورق عن
ذهب، وذهب عن ورق.
دليلنا: إجماع الفرقة، فإنهم لا يختلفون في ذلك.
وأيضا فقد روى البرقي عن أبي جعفر الثاني عليه السلام قال: كتبت إليه:
هل يجوز جعلت فداك أن يخرج ما يجب في الحرث الحنطة والشعير، وما
يجب على الذهب دراهم بقيمة ما يسوي أم لا يجوز إلا أن يخرج من كل شئ ما
فيه؟ فأجاب عليه السلام: أيما تيسر يخرج منه.
وروى علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال: سألته عن
الرجل يعطي عن زكاته عن الدراهم دنانير، وعن الدنانير دراهم بالقيمة، أيحل
ذلك له أم لا؟ قال: لا بأس.
مسألة 60: يجوز أن يتولى الإنسان إخراج زكاته بنفسه عن أمواله الظاهرة
والباطنة، والأفضل في الظاهرة أن يعطيها الإمام، فإن فرقها بنفسه أجزأه.
وقال الشافعي: يجوز أن يخرج زكاة الأموال الباطنة بنفسه قولا واحدا،
والأموال الظاهرة على قولين: قال في الجديد:
يجوز أيضا، وقال في القديم: لا يجوز. وبه قال مالك وأبو حنيفة.
55

دليلنا: كل آية تضمنت الأمر بإيتاء الزكاة مثل قوله تعالى: أقيموا الصلاة
وآتوا الزكاة، وقوله: ويؤتون الزكاة، وما أشبه ذلك يتناول ذلك، لأنها عامة،
ولا يجوز تخصيصها إلا بدليل.
ولا ينافي ذلك قوله خذ من أموالهم صدقة، لأنا نقول: إذا طالب الإمام بها
وجب دفعها إليه، وإن لم يطالب وأخرج بنفسه أجزأه.
مسألة 61: لا تجب الزكاة في الماشية حتى تكون سائمة للدر والنسل، فإن
كانت سائمة للانتفاع بظهرها وعملها فلا زكاة فيها، أو كانت معلوفة للدر
والنسل فلا زكاة. وهو مذهب الشافعي، وبه قال في الصحابة علي عليه السلام،
وجابر، ومعاذ، وفي الفقهاء الليث بن سعد والثوري، وأبو حنيفة وأصحابه.
وقال مالك: تجب في النعم الزكاة سائمة كانت أو غير سائمة، فاعتبر
الجنس.
قال أبو عبيد: وما علمت أحدا قال بهذا قبل مالك. وقال الثوري مثل قول
أبي عبيد الحكاية، وقال داود: لا زكاة في معلوفة الغنم، فأما عوامل البقر والإبل
ومعلوفتهما الزكاة.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، فإنهم لا يختلفون فيه.
وأيضا الأصل براءة الذمة، وقد أجمعنا على أن ما اعتبرناه فيه الزكاة، وليس
في الشرع دليل بوجوب الزكاة فيما ذكروه.
وأيضا روى أنس أن النبي صلى الله عليه وآله قال: في سائمة الغنم زكاة،
فدل على أن المعلوفة ليس فيها زكاة عند من قال بدليل الخطاب.
وروى عاصم بن ضمرة، عن علي عليه السلام أن النبي صلى الله عليه وآله
قال: ليس في العوامل شئ.
وروى ابن عباس قال، قال النبي صلى الله عليه وآله: ليس في البقر العوامل
شئ، وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وآله قال:
56

ليس في الإبل العوامل شئ.
وروى زرارة عن أبي جعفر أو عن أحدهما قال: ليس في شئ من الحيوان
زكاة غير هذه الأصناف الثلاثة: الإبل والبقر والغنم وكل شئ من هذه
الأصناف من الدواجن والعوامل ليس فيها شئ.
مسألة 62: إذا كانت الماشية سائمة دهرها فإن فيها الزكاة، وإن كانت
دهرها معلوفة أو عاملة لا زكاة فيها، وإن كانت البعض والبعض حكم للأغلب
والأكثر، وبه قال أبو حنيفة.
وقال الشافعي: إذا كانت سائمة في بعض الحول، ومعلوفة في بعض
الحول، سقطت الزكاة، فأما مقدار العلف، فإن فيه وجهين:
أحدهما: أن يعلفها الزمان الذي لا يعزم فيه السوم.
والآخر: الذي يثبت به حكم العلف أن ينوي العلف ويعلف، فإذا حصل
الفعل والنية انقطع الحول وإن كان العلف بعض يوم.
ومن أصحابه من قال بمذهب أبي حنيفة.
دليلنا على ذلك: أن حكم السوم إذا كان معلوما فلا يجوز إسقاطه إلا
بدليل، وليس على ما اعتبره الشافعي دليل في إسقاط حكم السوم به.
مسألة 63: لا زكاة في شئ من الحيوان إلا في الإبل والبقر والغنم
وجوبا، وقد روى أصحابنا أن في الخيل العتاق على كل فرس دينارين، وفي غير
العتاق دينارا على وجه الاستحباب.
وقال الشافعي: لا زكاة في شئ من الحيوان إلا في الثلاثة الأجناس. وبه
قال مالك، والأوزاعي، والليث بن سعد، والثوري، وأبو يوسف، ومحمد.
وعامة الفقهاء قالوا: سواء كانت ذكورا، أو إناثا، أو سائمة، أو معلوفة وعلى
كل حال.
57

وقال أبو حنيفة: إن كانت الخيل ذكورا فلا زكاة فيها، وإن كانت إناثا ففيه
روايتان، أصحهما فيها الزكاة. وإن كانت ذكورا وإناثا ففيها الزكاة لا تختلف
الرواية عنه، ولا يعتبر فيها النصاب، فإن ملك واحدا كان بالخيار بين أن يخرج
عن كل فرس دينارا، وبين أن يقومه فيخرج ربع عشر قيمته كزكاة التجارة.
دليلنا: إجماع الفرقة، فإن ما فصلناه مجمع عليه عندهم.
وروى أبو يوسف، عن غورك السعدي، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن
جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وآله قال: في كل فرس دينارا إذا كانت
راعية.
وأيضا روى حريز عن محمد بن مسلم وزرارة عنهما جميعا قالا: وضع
أمير المؤمنين عليه السلام على الخيل العتاق الراعية في كل فرس في كل عام
دينارين، وجعل على البراذين دينارا.
مسألة 64: من كان معه نصاب فبادل بغيره، لا يخلو أن يبادل بجنس
مثله. مثل أن بادل إبلا بابل، أو بقرا ببقر أو غنما بغنم، أو ذهبا بذهب، أو فضة
بفضة، فإنه لا ينقطع الحول ويبني.
وإن كان بغيره مثل أن بادل إبلا بغنم، أو ذهبا بفضة، أو ما أشبه ذلك،
انقطع حوله، واستأنف الحول في البدل الثاني، وبه قال مالك.
وقال الشافعي: يستأنف الحول في جميع ذلك، وهو قوي، وقال
أبو حنيفة: فيما عدا الأثمان بقول الشافعي وقولنا، وفي الأثمان إن بادل فضة بفضة،
أو ذهبا بذهب بنى كما قلناه، ويجئ على قوله إن بادل ذهبا بفضة أن يبني.
دليلنا: إجماع الفرقة على أنه لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول، وإذا
بادل لم يحل عليه الحول، وهذا يقوي ما قلناه من مذهب الشافعي.
وأما ما اعتبرناه من الذهب والفضة، إذا بادل شيئا منهما بمثله خصصناه بقوله
عليه السلام: في الرقة ربع العشر، وما يجري مجراه من الأخبار المتضمنة
58

لوجوب الزكاة في الأجناس، ولم يفصل بين ما يكون بدلا من غيره أو غير بدل.
مسألة 65: يكره للإنسان أن ينقص نصاب ماله قبل حول الحول فرارا من
الزكاة، فإن فعل وحال عليه الحول وهو أقل من النصاب فلا زكاة عليه. وبه قال
أبو حنيفة وأصحابه والشافعي.
وقال بعض التابعين: لا ينفعه الفرار منها، فإذا حال عليه الحول وليس معه
نصاب أخذت الزكاة منه. وبه قال مالك.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: لا
زكاة في مال حتى يحول عليه الحول، وهذا لم يحل عليه الحول.
مسألة 66: إذا كان معه نصاب من جنس واحد، ففرقه في أجناس مختلفة
فرارا من الزكاة، لزمته الزكاة إذا حال عليه الحول، على أشهر الروايات. وقد
روي أن ما أدخله على نفسه أكثر.
وقال الفقهاء في هذه المسألة مثل ما قالوه في مسألة التنقيص سواء.
دليلنا على هذه الرواية: ما رواه إسحاق بن عمار قال: سألت أبا إبراهيم
عليه السلام عن رجل له مائة درهم وعشرة دنانير أعليه زكاة؟ قال: إن كان فر بها من
الزكاة فعليه الزكاة. قلت: لم يفر بها، ورث مائة درهم وعشرة دنانير؟ قال: ليس
عليه زكاة قلت: لا يكسر الدراهم على الدنانير، ولا الدنانير على الدراهم؟ قال:
لا.
مسألة 67: إذا أصدق المرأة أربعين شاة بأعيانها، ملكتها بالعقد، وجرت
في الحول من حين ملكتها، سواء كان قبل القبض أو بعده.
وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: لا تجري في حول الزكاة قبل القبض.
دليلنا: قوله صلى الله عليه وآله: لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول،
59

وهذا قد حال عليه الحول، فوجب أن يكون فيه زكاة.
مسألة 68: إذا رهن جارية أو شاة، فحملتا بعد الرهن، كان الحمل خارجا
عن الرهن، وكذلك لو رهن نخلة فأثمرت.
وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: نماء الرهن يكون رهنا مثل الرهن.
دليلنا: إجماع الفرقة، فإذا ثبت ذلك كانت الزكاة لازمة له.
مسألة 69: لا زكاة في شئ من الغلات حتى تبلغ خمسة أوسق،
والوسق: ستون صاعا، يكون ثلاثمائة صاع، كل صاع أربعة أمداد، يكون ألفا
ومائتي مد، والمد رطلان وربع بالعراقي، يكون ألفين وسبعمائة رطل.
فإن نقص عن ذلك فلا زكاة فيه، وبه قال الشافعي، إلا أنه خالف في وزن
المد والصاع، فجعل وزن كل مد رطلا وثلثا، يكون على مذهبه ألفا وستمائة
رطل بالبغدادي.
وبه قال ابن عمر، وجابر، ومالك والليث بن سعد، والأوزاعي، والثوري
وأبو يوسف ومحمد.
وقال أبو حنيفة: لا يعتبر فيه النصاب، بل يجب في قليله وكثيره حتى لو
حملت النخلة رطبة واحدة كان فيه عشرها.
دليلنا: إجماع الطائفة، وأيضا الأصل براءة الذمة، ولا خلاف أن ما قلناه
تجب فيه الزكاة، وليس على قول من قال في قليله وكثيره الزكاة دليل.
وروى أبو سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وآله قال: ليس فيما دون
خمسة أوسق من التمر صدقة.
وروى أبو الزبير عن جابر أن النبي صلى الله عليه وآله قال: لا زكاة في شئ
من الحرث حتى يبلغ خمسة أوسق، فإذا بلغ خمسة أوسق ففيه الصدقة والوسق
ستون صاعا.
60

وفي كتاب عمرو بن حزم الذي كتبه له رسول الله صلى الله عليه وآله ما
سقت السماء ففيه العشر وما سقي بنضح أو غرب ففيه نصف العشر إذا بلغ
خمسة أوسق.
مسألة 70: الصاع أربعة أمداد، والمد رطلان وربع بالعراقي.
وقال أبو حنيفة: المد، رطلان، وقال الشافعي: رطل وثلث.
دليلنا: إجماع الفرقة، ولأن ما اعتبرناه مجمع على تعلق الزكاة به، وإذا
نقص عنه ففيه خلاف.
مسألة 71: إذا نقص عن النصاب شئ، قل ذلك أو كثر، لم تجب فيه
الزكاة، وهو المختار لأصحاب الشافعي وقالوا: لو نقص أوقية لم تجب فيه
الزكاة.
وفيه قول آخر وهو أن ذلك على التقريب، فإن نقص رطل أو رطلان
وجب فيه الزكاة.
دليلنا: أن النبي صلى الله عليه وآله جعل النصاب حدا، فلو أوجبنا الزكاة
فيما نقص، لأبطلنا الحد. مجمع على وجوب الزكاة فيه، وما نقص عنه ليس
عليه دليل.
مسألة 72: النصاب من الغلات إذا كان بين خليطين لا تجب فيه الزكاة،
وبه قال أبو حنيفة.
وللشافعي فيه قولان، أحدهما: تجب، والآخر: لا تجب.
دليلنا: إجماع الفرقة، ولأن الأصل براءة الذمة، فمن أوجب عليها شيئا
فعليه الدلالة.
61

مسألة 73: يجوز الخرص على أرباب الغلات، وتضمينهم حصة
المساكين. وبه قال الشافعي، وعطاء، والزهري، ومالك، وأبو ثور وذكروا أنه
إجماع الصحابة.
وقال الثوري وأبو حنيفة: لا يجوز الخرص في الشرع، وهو من الرجم
بالغيب، وتخمين لا يسوع العمل به، ولا تضمين الزكاة هذا ما حكاه المتقدمون
من أصحاب الشافعي عنه.
وأصحابه اليوم ينكرون ويقولون: الخرص جائز، ولكن إذا اتهم رب المال
في الزكاة خرص عليه، وتركها في يده بالخرص، فإن كان على ما خرص
فذاك، وإن اختلفا فادعى رب المال النقصان، فإن كان ما يذكره قريبا قبل منه،
وإن كان تفاوت لم يقبل منه.
وأما تضمين الزكاة، فلم يجيزوه أصلا.
دليلنا: إجماع الفرقة، وفعل النبي صلى الله عليه وآله بأهل خيبر، وكان
يبعث في كل سنة عبد الله بن رواحة حتى يخرص عليهم.
وروت عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وآله يبعث عبد الله بن
رواحة خارصا إلى خيبر فأخبرت عن دوام فعله.
وروى الزهري عن سعيد بن المسيب عن عتاب أن النبي صلى الله عليه وآله
قال في الكرم: يخرص كما يخرص النخل، ثم تؤدي زكاته زبيبا، كما تؤدي
زكاة النخل تمرا.
مسألة 74: لا تجب الزكاة في شئ مما يخرج من الأرض إلا في الأجناس
الأربعة: التمر، والزبيب، والحنطة، والشعير.
وقال الشافعي: لا تجب الزكاة إلا فيما أنبته الآدميون ويقتات حال الادخار،
وهو البر، والشعير، والدخن، والذرة، والباقلاء، والحمص، و العدس. وما ينبت
من قبل نفسه كبذر قطونا ونحوه، أو أنبته الآدميون لكنه لا يقتات كالخضراوات
62

كلها القثاء، والبطيخ، والخيار، والبقول لا زكاة فيها. وما يقتات مما لا ينبته
الآدميون مثل البلوط لا زكاة فيه.
والثمار فلا يختلف قوله في العنب والرطب، واختلف قوله في الزيتون فقال
في القديم: فيه الزكاة، وقال في الجديد: لا زكاة فيه.
ولا على البقول في الورس، والزعفران وبه قال مالك، والثوري، وابن
أبي ليلى، وأبو يوسف، ومحمد لكن محمدا قال: ليس في الورس زكاة.
وقال أبو حنيفة وزفر والحسن بن زياد: كل نبت يسقى بماء الأرض فيه
العشر، سواء كان قوتا أو غير قوت. فأوجب في الخضروات العشر، وفي البقول
كلها، وفي كل الثمار.
وقال: الذي لا تجب فيه الزكاة القصب الفارسي، والحشيش، والحطب،
والسعف، والتبن، وقال في الريحان: العشر، وقال في حب الحنظل النابت في
البرية: لا عشر فيه، لأنه لا مالك له.
وهذا يدل على أنه لو كان له مالك لكان فيه العشر.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا الأصل براءة الذمة، وما ذكرناه مجمع على
وجوب الزكاة فيه، وما ذكروه ليس على وجوبه فيه دليل.
وروى علي عليه السلام، وطلحة بن عبيد الله، وأنس بن مالك عن النبي
صلى الله عليه وآله أنه قال: ليس في الخضروات صدقة.
وروت عائشة أن النبي صلى الله عليه وآله قال: ليس فيما أنبتت الأرض من
الخضر زكاة.
وروى معاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: فيما سقت
السماء والبعل والسيل العشر، وفيما سقي بالنضح نصف العشر يكون وإنما
ذلك في التمر والحنطة والحبوب، فأما القثاء والبطيخ والرمان والخضر فعفا
عنها رسول الله صلى الله عليه وآله.
63

مسألة 75: لا زكاة في الزيتون، وبه قال الشافعي في الجديد، وإليه ذهب
ابن أبي ليلى والحسن بن صالح بن حي.
وقال في القديم: فيه زكاة، وبه قال مالك والأوزاعي والثوري وأبو حنيفة
وأبو يوسف ومحمد، لكنهما خالفا أبا حنيفة في الخضروات.
دليلنا: ما قدمناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 76: لا زكاة في العسل، وبه قال الشافعي، وبه قال عمر بن
عبد العزيز.
وقال أبو حنيفة: إن كان في أرض الخراج فلا شئ فيه، وإن كان في غير
أرضه فيه العشر.
وقال أبو يوسف: فيه العشر، وفي كل عشر قرب قربة، هذا حكاية
أبي حامد، وحكى غيره قال: رأيته في كتبهم في كل عشرة أرطال رطل.
دليلنا: ما قدمناه في المسائل الأولة سواء.
مسألة 77: الحنطة والشعير جنسان لا يضم أحدهما إلى صاحبه، فإذا بلغ
كل واحد منهما نصابا - وهو خمسة أوسق - ففيه الزكاة، وإن نقص عن ذلك
لم يكن فيه شئ.
وأما السلت - فهو نوع من الشعير يقال: أنه بلون الحنطة، وطعمه طعم
الشعير بارد، مثله فإذا كان كذلك - ضم إليه، وحكم فيه بحكمه.
وأما ما عداه من سائر الحبوب فلا زكاة فيه.
وقال الشافعي: كلما يقتات ويدخر، مثل الحنطة، والشعير، والسلت،
والذرة، والدخن، والجاروس، وكذلك القطان كلها وهي الحمص، والعدس،
والذخر وهو اللوبيا، والفول وهو الباقلاء، والأرز، والماش، والهرطمان وهو
الحلبان كل هذا فيه الزكاة، ولا يضم بعضها إلى بعض.
64

واعتبر النصاب خمسة أوسق كما قلناه، وإن خالفنا في المقدار على ما
حكيناه عنه، وجعل السلت جنسا منفردا لم يضمه إلى الشعير.
قال: ولا زكاة في العث - وقيل: أنه بزر الأشنان، ذكر ذلك المزني، وقال
غيره: هو حب أسود يقشر يأكله أعراب طي - ولا حب الحنظل، ولا حب شجرة
توتة - وهو البلوط -، وحبة الخضراء، ولا في حب الرشاد - وهو الثفاء - ولا بزر
قطونا، ولا حبوب البقول، ولا بزر قثاء والبطيخ، ولا بزر كتان، ولا بزر الجزر،
ولا حب الفجل، ولا في الجلجان - وهو السمسم -، ولا في الترمس لأنه أدم، ولا
في بزور القدر مثل الكزبرة، والكمون، والكراويا، ودارصيني، والثوم، والبصل.
وقال أبو حنيفة: الزكاة واجبة في جميع ذلك، ولم يعتبر النصاب.
وقال مالك: الحنطة والشعير صنف واحد، والقطنية كلها صنف واحد،
فإذا بلغ خمسة أوسق ففيها الزكاة.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا فما ذكرناه لا خلاف في وجوب الزكاة فيه.
وما قالوه ليس عليه دليل، والأصل براءة الذمة.
وأما الدليل على أن الحنطة والشعير جنسان، فما رواه عبادة بن الصامت أن
النبي صلى الله عليه وآله قال: لا تبيعوا الذهب بالذهب، ولا الفضة بالفضة، ولا
الحنطة بالحنطة، ولا الشعير بالشعير، ولا التمر بالتمر، ولا الملح بالملح، إلا سواء
بسواء، عينا بعين، يدا بيد، ولكن بيعوا الذهب بالورق، والورق بالذهب،
والحنطة بالشعير، والشعير بالحنطة، والتمر بالملح، والملح بالتمر يدا بيد كيف
شئتم.
فلو كان الشعير من جنس الحنطة، لما جاز بيعه متفاضلا.
مسألة 78: كل مؤونة تلحق الغلات إلى وقت إخراج الزكاة على رب
المال، وبه قال جميع الفقهاء، إلا عطاء، فإنه قال: المؤونة على رب المال
والمساكين بالحصة.
65

دليلنا: قوله عليه السلام: فيما سقت السماء العشر، أو نصف العشر، فلو
ألزمناه المؤونة لبقي أقل من العشر أو نصف العشر.
مسألة 79: إذا سقي الأرض سيحا وغير سيح معا، فإن كانا نصفين، أخذ
نصفين، وإن كانا متفاضلين، غلب الأكثر. وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما
قلناه، والآخر بحسابه.
دليلنا: إجماع الفرقة.
مسألة 80: كل أرض فتحت عنوة بالسيف فهي أرض لجميع المسلمين
المقاتلة وغيرهم، وللإمام الناظر فيها تقبيلها ممن يراه بما يراه من نصف أو ثلث،
وعلى المتقبل بعد إخراج حق القبالة، العشر أو نصف العشر، فيما يفضل في يده
وبلغ خمسة أوسق.
وقال الشافعي: الخراج والعشر يجتمعان في أرض واحدة، يكون الخراج
في رقبتها والعشر في غلتها - قال: وأرض الخراج سواد العراق وحده من تخوم
الموصل إلى عبادان طولا، ومن القادسية إلى حلوان عرضا - وبه قال الزهري،
وربيعة، ومالك، والأوزاعي، والليث بن سعد، وأحمد وإسحاق. وقال أبو حنيفة
وأصحابه: العشر والخراج لا يجتمعان، بل يسقط العشر، ويثبت الخراج.
قال أبو حامد: وظاهر هذا أن المسألة خلاف.
وإذا شرح المذهبان، انكشف أن المسألة وفاق، وذلك أن الإمام إذا فتح
أرضا عنوة فعليه أن يقسمها عندنا بين الغانمين، ولا يجوز أن يقرها على ملك
المشركين.
ولا خلاف أن عمر فتح السواد عنوة، ثم اختلفوا فيما صنع، فعندنا أنه
قسمها بين الغانمين، فاستغلوها سنتين أو ثلاثا، ثم رأى أنه إن أقرهم على القسمة
تشاغلوا بالعمارة عن الجهاد وتعطل الجهاد، وإن تشاغلوا بالجهاد خرب السواد،
66

فرأى المصلحة في نقض القسمة، فاستنزل المسلمين عنها، فمنهم من ترك حقه
بعوض، ومنهم من تركه بغير عوض.
فلما حصلت الأرض لبيت المال - فعند الشافعي أنه - وقفها على المسلمين،
ثم أجرها منهم بقدر معلوم، يؤخذ منهم في كل سنة عن كل جريب من الكرم
عشرة دراهم، ومن النخل ثمانية دراهم، ومن الرطبة ستة، ومن الحنطة أربعة
دراهم، ومن الشعير درهمان. فأرض السواد عنده وقف لا تباع ولا توهب ولا
تورث.
وقال أبو العباس: ما وقفها ولكنه باعها من المسلمين بثمن معلوم يجب في
كل سنة عن كل جريب. وهو ما قلناه، فالواجب فيها في كل سنة ثمن أو أجرة،
وأيهما كان فإن العشر يجتمع معه بلا خلاف، فإن العشر والأجرة يجتمعان،
وكذلك الثمن والعشر يجتمعان، فعلى مقتضى مذهبنا لا خلاف بيننا وبينهم فيها.
وأما مذهب أبي حنيفة، فإن الإمام إذا فتح أرضا عنوة فعليه قسمة ما ينقل
ويحول كقولنا.
وأما الأرض، فهو بالخيار بين ثلاثة أشياء: بين أن يقسمها بين الغانمين، أو
يقفها على المسلمين، وبين أن يقرها في يد أهلها المشركين ويضرب عليهم الجزية
بقدر ما يجب على رؤوسهم. فإذا فعل هذا تعلق الخراج بها إلى يوم القيامة، ولا
يجب العشر في غلتها إلى يوم القيامة، فمتى أسلم واحد منهم أخذت تلك الجزية
منه باسم الخراج، ولا يجب العشر في غلتها، وهو الذي فعله في سواد العراق.
فعلى تفصيل مذهبهم لا يجتمع العشر والخراج إجماعا، لأنه إذا أسلم واحد
منهم سقط الخراج عندنا، ووجب العشر في غلتها. وعندهم استقر الخراج في
رقبتها، وسقط العشر من غلتها. فلا يجتمع العشر والخراج أبدا على هذا.
وأصحابنا اعتقدوا أن أبا حنيفة يقول: أن العشر والخراج الذي هو الثمن أو
الأجرة لا يجتمعان، وتكلموا عليه.
واعتقد أصحاب أبي حنيفة أنا نقول: أن العشر والخراج الذي هو الجزية
67

يجتمعان، فتكلموا عليه، وقد بينا الغلط فيه.
وعاد الكلام في غير ظاهر المسألة إلى فصلين:
أحدهما: إذا فتح أرضا عنوة بالسيف ما الذي يصنع؟ عندنا تقسم،
وعندهم بالخيار.
والثاني: إذا ضرب عليهم هذه الجزية، هل تسقط بالإسلام أم لا؟.
دليلنا: إجماع الفرقة، والأخبار التي أوردناها في كتاب تهذيب الأحكام
مفصلة مشروحة.
وروى محمد بن علي الحلبي قال: سئل أبو عبد الله عليه السلام عن السواد
ما منزلته؟ فقال هو لجميع المسلمين، لمن هو اليوم، ولمن يدخل في الإسلام بعد
اليوم، ولمن لم يخلق بعد. قلنا أيشتري من الدهاقين؟ قال: لا يصلح إلا أن
يشتري منهم على أن يصيرها للمسلمين، فإذا شاء ولى الأمر أن يأخذها أخذها.
قلنا: فإذا أخذها منه، قال: نعم يرد عليه رأس ماله، وله ما أكل من غلتها بما
عمل.
وروى أبو الربيع الشامي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا تشتروا من
أرض السواد شيئا إلا من كان له ذمة، فإنما هي فئ للمسلمين.
مسألة 81: إذا أخذ العشر من الثمار والحبوب مرة، لم يتكرر وجوبه فيما
بعد ذلك، ولو حال عليه أحوال، وبه قال جميع الفقهاء.
وقال الحسن البصري: كلما حال عليه الحول، وعنده نصاب منه، ففيه
العشر.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا الأصل براءة الذمة وعدم الزكاة، وإنما
أوجبنا في أول دفعة إجماعا، وتكراره يحتاج إلى دلالة، وليس في الشرع ما يدل
عليه.
68

مسألة 82: إذا كانت له نخيل، وعليه بقيمتها دين، ثم مات قبل قضاء
الدين، لم ينتقل النخيل إلى الورثة، بل تكون باقية على حكم ملكه حتى يقضي
دينه. ومتى بدا صلاح الثمرة في حياته فقد وجب هذه المثمرة حق الزكاة وحق
الديان، وإن بدا صلاحها بعد موته لا يتعلق به حق الزكاة، لأن الوجوب قد سقط
عن الميت بموته، ولم يحصل بعد للورثة، فتجب فيه الزكاة عليهم، وبه قال
أبو سعيد الإصطخري من أصحاب الشافعي.
وقال الباقون من أصحابه: أن النخيل تنتقل إلى ملك الورثة، ويتعلق الدين
بها كما يتعلق بالرهن.
وقالوا: إن بدا صلاحها قبل موته فقد تعلق به حق الدين والزكاة، وإن بدا
صلاحها بعد موته كانت الثمرة للورثة، ووجب عليهم فيه الزكاة، ولا يتعلق به
الدين.
دليلنا: قوله تعالى لما ذكر الفرائض ومن يستحق التركة قال في آخر
الآية: من بعد وصية يوصي بها أو دين، فبين أن الفرائض إنما تستحق بعد الوصية
والدين، فمن أثبته قبل الدين فقد ترك الظاهر.
مسألة 83: إذا كان للمكاتب ثمار وزروع، فإن كان مشروطا عليه، أو
مطلقا ولم يؤد من مكاتبته شيئا، فإنه لا يتعلق به العشر. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: فيه العشر. وإن كان المكاتب مطلقا وقد أدى بعض
مكاتبته، فإنه يلزمه بمقدار ما تحرر منه من ماله الزكاة إذا بلغ مقدارا تجب فيه
الزكاة.
وهذا التفصيل لم يراعه أحد من الفقهاء بل قولهم في المكاتب على كل
حال ما قلناه.
دليلنا: على الأول أن الزكاة لا تجب إلا على الأحرار، فأما المماليك فلا
تجب عليهم الزكاة.
69

وأيضا الأصل براءة الذمة، وليس في الشرع أن هذا المال فيه الزكاة.
وأيضا لا خلاف أن مال المكاتب لا زكاة فيه، وإنما يقول أبو حنيفة: أن هذا
عشر ليس بزكاة، والعشر زكاة بدلالة ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله رواه
عتاب بن أسيد أن النبي صلى الله عليه وآله قال في الكرم: يخرص كما يخرص
النخل فتؤدي زكاته زبيبا كما تؤدي زكاة النخل تمرا.
وروى جابر أن النبي صلى الله عليه وآله قال: لا زكاة في شئ من الحرث
حتى يبلغ خمسة أوسق فإذا بلغ خمسة أو ساق ففيه الزكاة.
وروى أبو سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وآله قال: ليس فيما دون
خمسة أو ساق من التمر صدقة، وهذه نصوص على أن العشر زكاة.
مسألة 84: إذا استأجر أرضا من غير أرض الخراج، كان العشر على
مالك الزرع دون مالك الأرض. وبه قال الشافعي، وأبو يوسف، ومحمد.
وقال أبو حنيفة: تجب على مالك الأرض دون مالك الزرع.
دليلنا: قوله عليه السلام: فيما سقت السماء العشر، فأوجب الزكاة في
نفس الزرع، وإذا كان مالكه المستأجر وجب عليه فيه الزكاة، ومالك الأرض
إنما يأخذ الأجرة، والأجرة لا تجب فيها الزكاة بلا خلاف.
مسألة 85: إذا اشترى الذمي أرضا عشرية وجب عليه فيها الخمس، وبه
قال أبو يوسف، فإنه قال: عليه فيها عشران.
وقال محمد: عليه عشر واحد، وقال أبو حنيفة: تنقلب خراجية، وقال
الشافعي: لا عشر عليه ولا خراج.
دليلنا: إجماع الفرقة، فإنهم لا يختلفون في هذه المسألة، وهي مسطورة
لهم، منصوص عليها.
روى ذلك أبو عبيدة الحذاء قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: أيما
70

ذمي اشترى من مسلم أرضا فإن عليه الخمس.
مسألة 86: إذا باع تغلبي - وهم نصارى العرب - أرضه من مسلم، وجب
على المسلم فيها العشر، أو نصف العشر، ولا خراج عليه.
وقال الشافعي: عليه العشر، وقال أبو حنيفة: يؤخذ منه عشران.
دليلنا: أن هذا ملك قد حصل لمسلم، ولا يجب عليه في ذلك أكثر من
العشر، وما كان يؤخذ من الذمي من الخراج كان جزية، فلا يلزم المسلم ذلك.
مسألة 87: إذا اشترى تغلبي من ذمي أرضا لزمته الجزية، كما كانت تلزم
الذمي.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: عليه عشران، وهذان العشران عندهم خراج
يؤخذ باسم الصدقة، وقال الشافعي: لا عشر عليه ولا خراج.
دليلنا: أن هذا ملك قد حصل لذمي فوجب عليه فيه الجزية كما يلزم في
سائر أهل الذمة.
مسألة 88: إذا نقص من المائتي درهم حبة أو حبتان في جميع الموازين،
أو بعض الموازين، فلا زكاة فيه. وبه قال أبو حنيفة والشافعي.
وقال مالك: إن نقص الحبة والحبتان في جميع الموازين ففيها الزكاة، هذا
هو المعروف من مذهب مالك.
وقال الأبهري: ليس هذا مذهب مالك، وإنما مذهبه أنها إن نقصت في
بعض الموازين، وهي كاملة في بعضها، ففيها الزكاة.
دليلنا: أنه لا خلاف أن في المائتين زكاة، وإذا نقص فليس على وجوب
الزكاة فيها دليل، فوجب نفيه. لأن الأصل براءة الذمة.
وأيضا روى أبو سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وآله قال: ليس فيما
71

دون خمس أواق صدقة، وهي مائتا درهم.
وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وآله أنه
قال: ليس فيما دون خمس أواق صدقة، وهي مائتا درهم. وروى علي عن النبي
صلى الله عليه وآله أنه قال: صدقة الرقة من كل أربعين درهما درهم، وليس في
أقل من مائتين شئ، فإذا كانت مائتين ففيها خمسة دراهم.
مسألة 89: إذا كان عنده دراهم محمول عليها، لا زكاة فيها حتى تبلغ ما
فيها من الفضة مائتي درهم، سواء كان الغش النصف أو أقل أو أكثر، وبه قال
الشافعي.
وقال أبو حنيفة: إن كان الغش النصف أو أكثر مثل ما قلناه، وإن كان
الغش دون النصف سقط حكم الغش، وكانت كالفضة الخالصة التي لا غش
فيها. فإن كان مائتي درهم فضة خالصة، فأخرج منها خمسة مغشوشة أجزأه، ولو
كان عليه دين مائتا درهم فضة خالصة فأعطى مائتين من هذه أجزأه.
وكل هذا لا يجوز عندنا، ولا عند الشافعي.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، وما ذكرناه لا خلاف فيه، وليس على ما
قاله دليل.
وأيضا روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة.
وأيضا قولهم عليه السلام: الزكاة في تسعة أشياء: الذهب والفضة والغش
ليس بفضة، وكل هذه نصوص.
مسألة 90: لا زكاة في سبائك الذهب والفضة، ومتى اجتمع معه دراهم أو
دنانير ومعه سبائك أو نقار، أخرج الزكاة من الدراهم والدنانير إذا بلغا النصاب،
ولم يضم السبائك والنقار إليها.
72

وقال جميع الفقهاء: يضم بعضها إلى بعض.
وعندنا أن ذلك يلزمه إذا قصد به الفرار من الزكاة.
دليلنا: الأخبار التي ذكرناها في الكتابين المقدم ذكرهما، وأيضا الأصل براءة
الذمة، وما ذكرناه تجب فيه الزكاة بلا خلاف، وما قالوه ليس على وجوب
الزكاة فيه دليل.
مسألة 91: من كان له سيوف مجراة بفضة أو ذهب، أو أواني، مستهلكا
كان أو غير مستهلك، لا تجب فيه الزكاة.
وقال الشافعي وباقي الفقهاء: إن كان مستهلكا بحيث إذا جرد وأخذ
وسبك لم يحصل منه شئ يبلغ نصابا فلا زكاة فيه، لأنه مستهلك. وإن لم يكن
مستهلكا وكان إذا جمع وسبك يحصل منه شئ يبلغ نصابا، أو بالإضافة إلى ما
معه نصابا ففيه الزكاة.
دليلنا: أنا بينا في المسألة الأولى أن السبائك والمصاع ليس فيها الزكاة،
وإذا ثبت ذلك فهذه فرع عليها، ولا أحد يفرق بينهما.
مسألة 92: إذا كان له لجام لفرسه محلى بذهب أو فضة، لم يلزمه زكاته،
واستعمال ذلك حرام، لأنه من السرف.
وقال الشافعي: إن لطخه بذهب فهو حرام بلا خلاف، ويلزمه زكاته، وإذا
كان بالفضة فعلى وجهين:
أحدهما: مباح، لأنه من حلي الرجال كالسكين والسيف والخاتم، فلا يلزمه
زكاته.
والآخر: أنه حرام، لأنه من حلي الفرس، فعلى هذا يلزمه زكاته.
دليلنا: ما قدمناه من أن ما عدا الدراهم والدنانير ليس فيه الزكاة، وهذا
ليس بدنانير ولا دراهم.
73

مسألة 93: إذا كان معه مائتا درهم خالصة، وجبت عليه خمسة دراهم منها
خالصة، فإن أخرج بهارج لم يجزئه، وعليه أن يتم خمسة دراهم خالصة.
وقال أبو العباس بن سريج من أصحاب الشافعي: لا يجزئه، وقال محمد بن
الحسن: قال أبو حنيفة: إن أخرج منها خمسة دراهم بهرجة أجزأه، وقال محمد:
عليه أن يخرج ما نقص.
دليلنا: الأخبار المروية في أن في مائتي درهم خمسة منها.
وأيضا قال عليه السلام: في الرقة ربع العشر، وهذا يقتضي أن يلزمه ربع
العشر منها، فإذا أخرج بهارج لم يخرج منها.
مسألة 94: إذا كان معه خلخال وزنه مائتا درهم، وقيمته لأجل الصنعة
ثلاثمائة درهم، لا تجب فيها الزكاة.
وقال محمد: قال أبو حنيفة: إن أخرج خمسة دراهم أجزأه، وبه قال
أبو يوسف.
وقال محمد بن الحسن: لا يجزئه، وبه قال أصحاب الشافعي.
دليلنا: أنا قد بينا أن ما ليس بدراهم ولا دنانير لا تجب فيه الزكاة، وسنبين
أن مال التجارة ليس فيه الزكاة، فعلى الوجهين لا تجب في هذا زكاة، لا في وزنه
ولا في قيمته.
وأما على قول من قال من أصحابنا: أن مال التجارة فيه الزكاة، فينبغي أن
نقول أنه تجب فيه زكاة ثلاثمائة، لأن الزكاة تجب في القيمة، وقيمته ثلاثمائة.
مسألة 95: المعتبر في الفضة التي تجب فيها الزكاة الوزن، وهو أن يكون
كل درهم ستة دوانيق، وكل عشرة سبعة مثاقيل، ولا اعتبار بالعدد،. ولا بالسود
البغلية التي في كل درهم درهم ودانقان، ولا بالطبرية الخفيفة التي في كل درهم
أربعة دوانيق، وبه قال جميع الفقهاء.
74

وقال المغربي: الاعتبار بالعدد دون الوزن، فإذا بلغت مائتي عدد ففيها
الزكاة، سواء كانت وافية أو من الخفيفة، وإن كانت أقل من مائتين عددا فلا
زكاة فيها، سواء كانت خفيفة أو وافية.
دليلنا: إجماع الفرقة، بل إجماع الأمة، وقول المغربي لا يعتد به، و مع
ذلك فقد انقرض وانعقد الإجماع على خلافه.
مسألة 96: لا زكاة في مال الدين إلا أن يكون تأخره من قبل صاحبه.
وقال أبو حنيفة، والشافعي في القديم: لا زكاة في الدين، ولم يفصلا. وقال
الشافعي في عامة كتبه: أن فيه الزكاة.
وقال أصحابه: إن كان الدين حالا، فله ثلاثة أحوال: إما أن يكون على ملي
باذل، أو على ملي جاحد في الظاهر باذل في الباطن، أو على جاحد في الظاهر
والباطن.
فإن كان على ملي باذل ففيه الزكاة، كالوديعة وهذا مثل قولنا.
وإن كان على ملي باذل في الباطن دون الظاهر، ويخاف إن طالبه أن
يجحده ويمنعه، فلا زكاة عليه في الحال، فإذا قبضه زكاه، لما مضى قولا واحدا.
وإن كان على ملي جاحد في الظاهر والباطن، فالحكم فيه وفي المعسر
واحد: لا يجب عليه إخراج الزكاة منه في الحال.
ولكن إذا قبضه هل يزكيه أم لا؟ على قولين كالمغصوب سواء، أحدهما:
يزكيه لما مضى. والثاني: يستأنف الحول كأنه الآن ملك.
وإن كان الدين إلى أجل، فهل يملكه أم لا؟ على وجهين: قال أبو إسحاق:
يملكه. وقال أبو علي بن أبي هريرة: لا يملكه. فعلى قول ابن أبي هريرة لا زكاة عليه
أصلا، وعلى قول أبي إسحاق لا زكاة في الحال عليه.
فإذا قبضه فهل يستأنف أم لا؟ على قولين كالمغصوب سواء.
والمال الغائب إن كان متمكنا منه ففيه الزكاة في البلد الذي فيه المال، وإن
75

أخرجه في غيره فعلى قولين.
وإن كان ممنوعا أو مفقودا يرجو طلابه لم يجب عليه أن يخرج الزكاة، فإذا
عاد إليه فهل يخرج الزكاة لما مضى؟ على قولين كالمغصوب سواء.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأخبارهم. وأيضا الأصل براءة الذمة،. وإيجاب
الزكاة في هذا المال يحتاج إلى دلالة شرعية، وليس فيها ما يدل على ما قالوه،
فوجب نفيه.
مسألة 97: لا زكاة فيما زاد على المائتين حتى يبلغ أربعين درهما، وعلى
هذا بالغا ما بلغ في كل أربعين درهما درهم، وما نقص عنه لا شئ فيه. والذهب
ما زاد على عشرين ليس فيه شئ حتى يبلغ أربعة دنانير، ففيها عشر دينار. وبه
قال أبو حنيفة.
وقال الشافعي: فيما زاد على المائتين وعلى العشرين دينارا ربع العشر، ولو
كان قيراطا بالغا ما بلغ، وبه قال ابن عمر. ورووه عن علي عليه السلام، وبه قال
ابن أبي ليلى، والثوري، وأبو يوسف، ومحمد، ومالك.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا ما قلناه لا خلاف أن فيه الزكاة، وليس على ما
قالوه دليل.
وروى أبو إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن علي عليه السلام أن النبي
صلى الله عليه وآله قال: عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق فهاتوا صدقة الرقة من
كل أربعين درهما درهما.
وروى محمد بن إسحاق عن المنهال بن الجراح عن حبيب بن نجيح عن
عبادة بن نسي عن معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وآله لما بعثه إلى اليمن
قال له: لا تأخذ من الكسر شيئا ولا شيئا من الورق حتى يبلغ مائتي درهم، فإذا
بلغها فخذ خمسة دراهم، ولا تأخذ من زيادتها شيئا حتى تبلغ أربعين درهما، فإذا
بلغها فخذ درهما، وهذا نص.
76

مسألة 98: إذا ارتد الإنسان ثم حال الحول، فإن كان ارتد عن فطرة
الإسلام وجب عليه القتل ولا يستتاب، وماله قد انتقل إلى ورثته، وليس عليهم فيه
زكاة، لأنهم يستأنفون الحول.
وإن كان إسلامه عن كفر ثم ارتد انتظر به العود، فإن عاد إلى الإسلام بعد
حلول الحول وجب عليه الزكاة بحلول الحول الأول، وإن لم يعد فقتل بعد
حلول الحول، أو لحق بدارهم الحرب وجب أن يخرج عنه الزكاة، لأن ملكه
كان باقيا إلى حين القتل.
وللشافعي في مال المرتد قولان: أحدهما: فيه الزكاة. والثاني: نتوقف فيه.
دليلنا: أنه قد ثبت أنه مأمور بالزكاة، ولا يجوز إسقاطها إلا بدليل، وليس
في الشرع ما يدل عليه.
وأيضا جميع الآيات المتناولة لوجوب الزكاة يتناول الكافر والمسلم، فمن
خصها فعليه الدلالة.
مسألة 99: لا زكاة في الذهب حتى يبلغ عشرين مثقالا، فإذا بلغت عشرين
مثقالا ففيها نصف مثقال، فإن نقص من العشرين ولو قيراط لا تجب فيه الزكاة،
وما زاد عليه ففي كل أربعة دنانير عشر دينار، وبه قال أبو حنيفة.
وقال الشافعي: ما زاد على العشرين فبحسابه، ولو نقص شئ ولو حبة فلا
زكاة، وبه قال أبو حنيفة وجميع الفقهاء.
وقال مالك: إن نقص حبة وحبتان وجاز جواز الوافية، فهي كالوافية، فيها
الزكاة بناء على أصله في الورق. وقد بيناه.
وقال عطاء والزهري والأوزاعي: لا نصاب في الذهب، وإنما يقوم بالورق،
فإن كان ذهبا قيمته مائتا درهم ففيه الزكاة وإن كان دون عشرين مثقالا، وإن لم
يبلغ مائتي درهم فلا زكاة فيه وإن زاد على عشرين مثقالا.
وقال الحسن البصري: لا زكاة في الذهب حتى يبلغ أربعين مثقالا، فإذا
77

بلغها ففيه دينار، وذهب إليه قوم من أصحابنا.
دليلنا: الروايات المجمع عليها عند الطائفة، وقد أوردناها في الكتابين
المذكورين، وبينا الكلام على الرواية الشاذة في هذا الباب.
وأيضا روى علي عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: ليس
فيما دون عشرين مثقالا من الذهب صدقة، فإذا بلغ عشرين مثقالا ففيه نصف
مثقال.
وروى ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله يأخذ من كل
عشرين دينارا نصف دينار، ومن كل أربعين دينارا دينارا.
مسألة 100: إذا كان معه ذهب وفضة، ينقص كل واحد منهما عن
النصاب، لم يضم أحدهما إلى الآخر. مثل أن يكون معه مائة درهم وعشرة دنانير
لا بالقيمة ولا بالأجزاء، وبه قال الشافعي وأكثر أهل الكوفة. ابن أبي ليلى
وشريك، والحسن بن صالح بن حي، وأحمد بن حنبل، وأبو عبيد القاسم بن
سلام.
وذهبت طائفة إلى أنهما متى قصرا عن نصاب ضممنا أحدهما إلى الآخر،
وأخذنا الزكاة منهما. ذهب إليه مالك، والأوزاعي، وأبو حنيفة، وأبو يوسف،
ومحمد.
ثم اختلفوا في كيفية الضم على مذهبين:
فكلهم قال إلا أبا حنيفة: أضم بالأجزاء دون القيمة، وهو أن أجعل كل دينار
بإزاء عشرة دراهم، فإذا كان معه مائة درهم وعشرة دنانير ضممناها إليها وأخذنا
الزكاة منهما، سواء كانت قيمة الذهب أكثر من مائة أو أقل، فإن كان معه مائة
درهم وتسعة دنانير لم يضم، وإن كان قيمة الذهب ألف درهم.
وقال أبو حنيفة: أضم إلى ما هو الأحوط للمساكين بالقيمة أو الإجزاء، فإن
كان معه مائة درهم وعشرة دنانير ضممتها بالأجزاء، وإن كانت قيمة الذهب
78

تسعين درهما وإن كانت قيمة مائة درهم تسعة دنانير ضممتها إليه، ولم أضم
بالأجزاء احتياطا للمساكين.
دليلنا: إجماع الفرقة فإنهم لا يختلفون فيه، وأيضا ما اعتبرناه لا خلاف
فيه، وما ادعوه ليس على صحته دليل.
وروى أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: ليس فيما
دون خمس أواق من الورق صدقة.
فمن قال: يجب فيها بأن يضم إليها غيرها فقد ترك الخبر.
وكذلك ما رواه علي عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله من قوله:
ليس فيما دون عشرين مثقالا من الذهب صدقة، يدل على ذلك أيضا.
مسألة 101: كل مال تجب الزكاة في عينه بنصاب وحول فلا زكاة فيه
حتى يكون النصاب موجودا في أول الحول إلى آخره، فإن كان عنده أربعون
شاة، فذهبت واحدة، انقطع الحول. فإن ملك واحدة كمل النصاب واستأنف.
وهكذا في عين الذهب والفضة متى نقص النصاب انقطع الحول، فإذا أكمل
استأنف الحول. وبه قال الشافعي وأصحابه.
وقال أبو حنيفة وصاحباه: إذا كان النصاب موجودا في طرفي الحول لم
يضر نقصان بعضه في وسطه، وإنما ينقطع الحول بذهاب كله، فأما بذهاب بعضه
فلا.
وقال مالك: لو ملك عشرين شاة شهرا، ثم توالدت، وبلغت أربعين، كان
حولها حول الأصل.
وقال أبو حنيفة: لو ملك أربعين شاة ساعة ثم هلكت إلا واحدة، ثم مضى
عليها أحد عشر شهرا، ثم ملك تمام النصاب، أخرج زكاة الكل.
دليلنا: إجماع الفرقة، ولأن ما اعتبرناه لا خلاف أن فيه الزكاة، وما ادعوه
ليس عليه دليل.
79

وروت عائشة أن النبي صلى الله عليه وآله قال: لا زكاة في مال حتى يحول
عليه الحول، وهذا لم يحل عليه الحول، وإنما حال على بعضه.
مسألة 102: الحلي على ضربين: مباح، وغير مباح.
فغير المباح، أن يتخذ الرجل لنفسه حلي النساء كالسوار، والخلخال،
والطوق. وأن تتخذ المرأة لنفسها حلي الرجال كالمنطقة، وحلية السيف وغيره.
فهذا عندنا لا زكاة فيه، لأنه مصاع، لا من حيث كان حليا. وقد بينا أن السبائك
ليس فيها زكاة.
وخالف جميع الفقهاء في ذلك، وقالوا: فيه زكاة.
وأما المباح، أن تتخذ المرأة لنفسها حلي النساء، ويتخذ الرجل لنفسه حلي
الرجال كالسكين، والمنطقة، فهذا المباح عندنا أنه لا زكاة فيه.
للشافعي فيه قولان:
قال في القديم والبويطي وأحد قوليه في الأم: لا زكاة فيه، وبه قال في
الصحابة ابن عمر، وجابر، وأنس، وعائشة، وأسماء. وفي التابعين سعيد بن
المسيب، والحسن البصري، والشعبي، وقالوا: زكاته إعارته كما يقول أصحابنا.
وفي الفقهاء مالك، وإسحاق، وأحمد وعليه أصحابه وبه يفتون.
والقول الآخر: فيه الزكاة، أومئ إليه في الأم، وبه قال في الصحابة عمر بن
الخطاب، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمرو بن
العاص، وفي التابعين الزهري، وفي الفقهاء المزني، والثوري، وأبو حنيفة
وأصحابه.
دليلنا: إجماع الفرقة فإنهم لا يختلفون فيه، وأيضا الأصل براءة الذمة، فمن
أوجب عليها الزكاة كان عليه الدلالة.
وأيضا روي عنهم عليه السلام أنهم قالوا: لا زكاة في الحلي وقالوا: زكاة
الحلي إعارته.
80

وروى أبو الزبير، عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وآله قال: لا
زكاة في الحلي، وهذا نص.
وروت فريعة بنت أبي أمامة قالت: حلاني رسول الله صلى الله عليه وآله
رعاثا من ذهب وحلي أختي، وكنا في حجره، فما أخذ منا زكاة حلي قط.
الرعاث: الحلق.
فإن قالوا: لم يأخذ لأنه لم يكن نصابا.
قلنا هو باطل، لأنه لا يقال: ما أخذ زكاة إلا والمال مما يجب فيه الزكاة.
مسألة 103: ذهب الشافعي إلى أن لجام الدابة لا يجوز أن يكون محلى
بفضة، وهو حرام. واختلف أصحابه، فذهب أبو العباس وأبو إسحاق إلى التحريم.
وقال أبو الطيب بن سلمة: مباح.
والمسألة عندهم على قولين:
والذهب كله حرام بلا خلاف إلا عند الضرورة، وذلك مثل أن يجدع
أنف إنسان فيتخذ أنفا من ذهب، أو يربط به أسنانه.
والمصحف لا يجوز أن يحليه بفضة على قولين، والذهب لا يجوز أصلا، وفي
أصحابه من أجازه.
فأما تذهيب المحاريب وتفضيضها قال أبو العباس: ممنوع منه، وكذلك
قناديل الفضة والذهب قال: والكعبة وسائر المساجد في ذلك سواء، فما أجازه
وأباحه لا تجب فيه الزكاة، وما حرمه ففيه الزكاة.
ولا نص لأصحابنا في هذه المسائل غير أن الأصل الإباحة، فينبغي أن
يكون ذلك مباحا إلا أنه لا زكاة فيه على كل حال، لأنها سبائك. وقد بينا أنه لا
تجب الزكاة إلا في الدراهم والدنانير.
مسألة 104: أواني الذهب والفضة محرم اتخاذها واستعمالها، غير أنه لا
81

تجب فيها الزكاة.
وقال الشافعي: حرام استعمالها قولا واحدا، وفي اتخاذها قولان:
أحدهما: محظور، والآخر: مباح. وعلى كل حال تجب فيه الزكاة.
دليلنا: ما قدمناه من أن المصاع لا تجب فيه الزكاة، وإنما تجب في
الدراهم والدنانير.
وأما الدليل على حظر استعمالها: ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه
نهى عن استعمال آنية الذهب والفضة، وقال: من شرب في آنية الفضة إنما يجرجر
في بطنه نار جهنم.
مسألة 105: كلما يخرج من البحر من لؤلؤ، أو مرجان، أو زبرجد، أو در،
أو عنبر، أو ذهب، أو فضة فيه الخمس إلا السمك وما يجري مجراه.
وكذلك الحكم في الفيروزج، والياقوت، والعقيق، وغيره من الأحجار
والمعادن، وبه قال عبيد الله بن الحسن العنبري البصري، وأبو يوسف.
وقال الشافعي: كل ذلك لا شئ فيه إلا الذهب والفضة، فإن فيه الزكاة.
وبه قال مالك، وأبو حنيفة، ومحمد بن الحسن.
دليلنا: إجماع الفرقة، فإنهم لا يختلفون فيه.
وأيضا قوله تعالى: واعلموا إنما غنمتم من شئ فإن لله خمسه، وهذا غنيمة.
مسألة 106: لا زكاة في مال التجارة عند المحصلين من أصحابنا، وإذا باع
استأنف به الحول.
وفيهم من قال: فيه الزكاة إذا طلب برأس المال أو بالربح.
ومنهم من قال: إذا باعه زكاه لسنة واحدة.
ووافقنا ابن عباس في أنه لا زكاة فيه. وبه قال أهل الظاهر كداود وأصحابه.
82

وقال الشافعي: هو القياس.
وذهب قوم إلى أنه ما دامت عروضا وسلعا لا زكاة فيه، فإذا قبض ثمنها زكاة
لحول واحد. وبه قال عطاء، ومالك.
وذهب قوم إلى أن الزكاة تجب فيه، يقوم كل حول ويؤخذ منه الزكاة. وبه
قال الشافعي في الجديد والقديم، وإليه ذهب الأوزاعي، والثوري، وأبو حنيفة
وأصحابه.
دليلنا: الأخبار التي أوردناها في الكتابين المقدم ذكرهما.
وأيضا الأصل براءة الذمة، ولا دليل على أن مال التجارة فيه الزكاة.
وأيضا ما رويناه من أن الزكاة في تسعة أشياء يدل على ذلك لأن التجارة
خارجة عنها.
وأيضا روي عن النبي صلى الله عليه وآله رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن
جده عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال: ابتغوا في أموال اليتامى لا تأكلها
الزكاة، فلو لا أن التجارة تحفظ من الزكاة وتمنع من وجوبها ما دلهم عليها.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: عفوت لكم عن صدقة الخيل
والرقيق، ولم يفصل بين ما يكون للتجارة والخدمة.
مسألة 107: على قول من قال من أصحابنا: أن مال التجارة فيه الزكاة، إذا
اشترى مثلا سلعة بمائتين، ثم ظهر فيها الربح، ففيها ثلاث مسائل:
أوليها: اشترى سلعة بمائتين، فبقيت عنده حولا، فباعها مع الحول بألف، لا
يلزمه أكثر من زكاة المائتين، لأن الربح لم يحل عليه الحول.
وقال الشافعي: حول الفائدة حول الأصل قولا واحدا، ظهرت الفائدة قبل
الحول بيوم أو مع أول الحول.
الثانية: حال الحول على السلعة، ثم باعها بزيادة بعد الحول، فلا يلزمه أكثر
من زكاة المائتين، لأن الفائدة لم يحل عليها الحول.
83

وقال الشافعي: زكاها مع الأصل.
قال أصحابه: هذا إذا كانت الزيادة حادثة قبل الحول.
الثالثة: اشترى سلعة بمائتين، فلما كان بعد ستة أشهر باعها بثلاثمائة، فنضت
الفائدة منها مائة، فحول الفائدة من حين نضت، ولا تضم إلى الأصل. وبه قال
الشافعي قولا واحدا.
وقال أصحابه المسألة على ثلاثة طرق:
منهم من قال: إذا نض المال كان حول الفائدة من حين نضت قولا واحدا.
وقال أبو العباس: زكاة الفائدة من حين ظهرت نضت أو لم تنض.
وقال المزني وأبو إسحاق وغيرهما: المسألة على قولين:
أحدهما: حول الفائدة حول الأصل. وبه قال أبو حنيفة.
والثاني: حولها من حيث نضت.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، ومن ضم الفائدة إلى الأصل يحتاج إلى
دليل.
وأيضا روي عنه عليه السلام أنه قال: لا زكاة في مال حتى يحول عليه
الحول، والفائدة لم يحل عليها الحول، فلا تجب فيها الزكاة.
مسألة 108: قد بينا أنه لا زكاة في مال التجارة، وأن على مذهب قوم من
أصحابنا فيه الزكاة، فعلى هذا إذا اشترى عرضا للتجارة بدراهم أو دنانير، كان
حول السلعة حول الأصل. وإن اشترى عرضا للتجارة بعرض كان عنده للقنية
كأثاث البيت فإن حول السلعة من حين ملكها للتجارة. وبه قال الشافعي.
وقال مالك: لا تدور في حول التجارة إلا بأن يشتريها بمال تجب فيه
الزكاة كالذهب والورق. فأما إذا اشترى بعرض كان للقنية فلا يجري في حول
الزكاة.
دليلنا: ما رواه سمرة بن جندب قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله يأمرنا
84

أن نخرج الزكاة من الذي نعد للبيع.
وأيضا متاع البيت لا زكاة فيه بلا خلاف، فمتى نقله أو عرضه للتجارة فإنما
تجب عليه الزكاة إذا حال الحول على ما تجب فيه الزكاة.
مسألة 109: على مذهب من أوجب الزكاة في التجارة تتعلق الزكاة
بالقيمة، وتجب فيها. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: تتعلق بالسلعة، وتجب فيها لا بالقيمة، فإن أخرج العرض
فقد أخرج أصل الواجب، وإن عدل عنه إلى القيمة فقد عدل إلى بدل الزكاة.
دليلنا: أنه لا بد من تقويم السلعة، فإنه لا يمكن النسبة إلى السلعة، فإذا ثبت
ذلك وجب أن يأخذ منها الزكاة.
وروى إسحاق بن عمار في حديث الزكاة، أوردناه في تهذيب الأحكام عن
أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: كل عرض فهو مردود إلى الدراهم والدنانير
وهذا يدل على أن الزكاة متعلقة بالقيمة.
مسألة 110: إذا ملك عرضا للتجارة، فحال عليه الحول من حين ملكه،
وبلغت قيمته نصابا، كان فيه الزكاة. وإن قصر عن نصاب فلا زكاة فيه، وإذا
بلغت قيمته في الحول الثاني نصابا استؤنف الحول من حين بلغ النصاب.
وقال ابن أبي هريرة من أصحاب الشافعي: أي وقت بلغت قيمته نصابا
فذاك آخر الحول في حقه وأقومه وآخذ منه الزكاة.
وقال أبو إسحاق: ينقطع حكم الحول الآخر من حول الأول ويكون ابتداء
الثاني عقيب خروج الأول، فإذا حال الثاني قومناه.
دليلنا: ما روي عنه عليه السلام من قوله: لا زكاة في مال حتى يحول عليه
الحول، وإنما يحول الحول من حين يكمل النصاب، فيجب أن يكون هو المراعي.
85

مسألة 111: إذا ملك سلعة للتجارة في أول الحول، ثم ملك أخرى للتجارة
بعدها بشهر آخر، ثم أخرى بعدها بشهر، ثم حال الحول، نظرت فإن كان حول
الأولى وقيمتها نصاب، وحول الثانية وقيمتها نصاب، وحول الثالثة كذلك،
يزكي كل سلعة بحولها.
وإن كانت الأولى نصابا، فحال حول الأولى وقيمتها نصاب، وحال حول
الثانية والثالثة وقيمة كل واحدة منهما أقل من نصاب، أخذ من الأولى الزكاة
خمسة دراهم، ومن الثانية والثالثة من كل أربعين درهما درهم.
وقال الشافعي في النصاب الأول مثل ما قلناه، وفيما زاد عليه ربع العشر.
وإن كانت بحالها فحال حول الأولى وهي أقل من نصاب، وحال حول الثانية
وهي أقل من نصاب، لم يضم بعضه إلى بعض.
واعتبرنا تكملة النصاب وحول الحول من عند تمام النصاب، وما بقي بعد
ذلك على ما قدمناه.
وقال الشافعي يضم بعضه إلى بعض، وأخذ منه الزكاة.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، وما ذكره يحتاج إلى دليل، وأيضا فقد بينا
في الأموال الصامتة أنه لا يضم بعضه إلى بعض، فحكم أموال التجارة حكم
الصامتة، لأن أحدا لا يفرق.
مسألة 112: إذا اشترى عرضا للتجارة ففيه ثلاث مسائل:
أوليها: أن يكون ثمنها نصابا من الدراهم أو الدنانير على مذهب من قال من
أصحابنا: أن مال التجارة ليس فيه زكاة، ينقطع حول الأصل. وعلى مذهب من
أوجب، فإن حول العرض حول الأصل. وبه قال الشافعي قولا واحدا.
فإن كان الذي اشترى بها عرضا للقنية، مثل شئ من متاع البيت من
الفرش وغير ذلك، كان حول السلعة من حين اشتراها. وبه قال الشافعي.
وإن كان الذي اشتراها نصابا تجب فيه الزكاة من الماشية: فإنه يستأنف
86

الحول. وبه قال أبو العباس، وأبو إسحاق من أصحاب الشافعي.
وقال الإصطخري: يبني ولا يستأنف، وهو ظاهر كلام الشافعي.
دليلنا: أنا قد روينا عن إسحاق بن عمار، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه
قال: كل ما عدا الأجناس التسعة مردود إلى الدنانير والدراهم فإذا ثبت ذلك لا
يمكن أن يبني على الحول الأول، لأن السلعة تجب في قيمتها من الدنانير والدراهم
الزكاة، والأصل تجب في عينها، ولا يمكن حمل أحدهما على الآخر.
وأيضا روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: لا زكاة في مال حتى
يحول عليه الحول، وإذا لم يحل على الأول الحول، وجب أن لا يبني عليه الثاني.
مسألة 113: إذا كان عنده سلعة ستة أشهر، ثم باعها استأنف الحول على
قول من لم يوجب الزكاة في مال التجارة، وعلى قول من أوجب فيها بنى على
الأول.
وقال الشافعي: بنى على حول الأصل، وهذا وفاق على مذهب من أوجب
في مال التجارة الزكاة، فأما من لا يوجب، فلا يصح، ويبني على أنه لا زكاة في
مال التجارة، وقد مضت فيما تقدم.
مسألة 114: إذا اشترى سلعة للتجارة بنصاب من جنس الأثمان، مثلا
اشتراها بمائتي درهم أو بعشرين دينارا، ثم حال الحول، قومت السلعة بما اشتراها
به، ولا يعتبر نقد البلد. وإن لم يكن نصابا لا يلزمه زكاته، إلا أن يصير مع الربح
نصابا، ويحول عليه الحول. وبه قال الشافعي، إلا أنه قال: إن كان الثمن أقل من
نصاب، فيه وجهان: أحدهما يقوم بما اشتراها به. وقال أبو إسحاق: يقوم بغالب
نقد البلد، ووافقنا أبو يوسف في أنه يقوم بالنقد الذي اشتراها به. وقال محمد: يقوم
بغالب نقد البلد، وبه قال ابن الحداد.
وقال أبو حنيفة: يقوم بما هو أحوط للمساكين.
87

دليلنا: ما روي عن أبي عبد الله السلام أنه قال: إن طلب برأس المال
فصاعدا ففيه الزكاة، وإن طلب بخسران فليس فيه زكاة ولا يمكن أن يعرف
رأس المال إلا أن يقوم بما اشتراه به بعينه.
مسألة 115: قد بينا أنه إذا بادل دنانير بدنانير، وحال الحول، لم ينقطع
حول الأصل، وكذلك إن بادل دراهم بدراهم. وإن بادل دراهم بدنانير، أو
دنانير بدراهم، أو بجنس غيرها، بطل حول الأول.
وقال الشافعي: يستأنف الحول على كل حال، بادل بجنسه أو بغير جنسه،
فإن كانت المبادلة للتجارة وهو الصرف الذي يقصد به شراء الذهب والفضة
للتجارة والربح على وجهين:
قال أبو العباس وأبو إسحاق وغيرهما: يستأنف، وكان أبو العباس يقول بشراء
الصيارف: أنه لا زكاة في أموالهم.
وقال الإصطخري: يبني ولا يستأنف، وكان يقول: الذي قال أبو العباس
خلاف الإجماع.
وقال أبو حنيفة: إن كانت المبادلة بالأثمان بنى جنسا كان أو جنسين، وإن
كان في الماشية استأنف جنسا كان أو جنسين.
دليلنا: ما روي عنهم عليه السلام أنهم قالوا: الزكاة في الدراهم والدنانير،
وعدوا تسعة أشياء، ولم يفرقوا بين أن تكون الأعيان باقية أو أبدلت بمثلها، فيجب
حملها على العموم.
مسألة 116: إذا اشترى عرضا للتجارة، جرى في الحول من حين اشتراه.
وبه قال الشافعي.
وقال مالك: إن اشتراه بالأثمان، كقولنا. وإن كان بغيرها لم يجر في حول
الزكاة.
88

دليلنا: قوله عليه السلام: لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول، وهذا لم
يحل عليه الحول.
مسألة 117: إذا ملك سلعة للقنية ثم نواها للتجارة، لم تصر للتجارة بمجرد
النية. وبه قال الشافعي وأبو حنيفة ومالك.
وقال الحسين الكرابيسي من أصحاب الشافعي: تصير للتجارة بمجرد النية،
وبه قال أحمد وإسحاق.
دليلنا: أنا قد اتفقنا أنه إذا اشترى بنية القنية لا يلزمه زكاته، فمن ادعى أن
بالنية عاد إلى التجارة فعليه الدلالة.
مسألة 118: النصاب يراعى في أول الحول إلى آخره، وسواء كان ذلك
في الماشية أو الأثمان أو التجارات.
وقال أبو حنيفة: النصاب يراعى في طرفي الحول، وإن نقص فيما بينهما جاز
في جميع الأشياء، الأثمان والمواشي. وبه قال الثوري.
وقال الشافعي وأصحابه فيه قولان:
قال أبو العباس: لا بد من النصاب طول الحول في المواشي والأثمان
والتجارات.
وقال باقي أصحابه: مال التجارة يراعى فيه النصاب حين حول الحول، فإن
كان في أول الحول أقل من نصاب لم يضره ذلك، فأما الأثمان والمواشي فلا بد
فيها من النصاب من أوله إلى آخره.
دليلنا: أن ما اعتبرناه لا خلاف أنه يتعلق به زكاة، وما ادعوه ليس عليه
دلالة.
وأيضا قوله عليه السلام: لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول، وذلك
عام في جميع الأشياء.
89

مسألة 119: من كان له مماليك للتجارة تلزمه زكاة الفطرة دون زكاة
المال، إذا قلنا لا تجب الزكاة في مال التجارة، وإذا قلنا فيه الزكاة، أو قلنا أنه
مستحب، ففي قيمتها الزكاة، وتلزمه زكاة الفطرة عن رؤوسهم. وبه قال الشافعي
ومالك وأكثر أهل العلم.
وقال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه: تجب زكاة التجارة دون صدقة الفطرة.
دليلنا على الأول: أنا قد بينا أن مال التجارة لا تجب فيه الزكاة، فإذا ثبت
ذلك، فزكاة الفطرة واجبة بالإجماع، لأن أحدا لم يسقطها مع إسقاط زكاة
المال.
وأما الذي يدل على الثاني فهو أن زكاة التجارة تجب في القيمة، وهي ثابتة
بالإجماع، لأن أحدا لم يسقطها، وإنما الخلاف في اجتماع زكاة الفطرة معها، أم
لا، وكل خبر ورد في وجوب إخراج الفطرة عن العبيد يتناول هذا الموضع.
وروى عبد الله بن عمر أنه قال: فرض رسول الله صلى الله عليه وآله زكاة
الفطرة في رمضان صاعا من تمر أو صاعا من شعير، وعلى كل حر وعبد، ذكر
وأنثى من المسلمين.
مسألة 120: إذا ملك مالا، فتوالى عليه الزكاتان، زكاة العين وزكاة
التجارة، مثل أن اشترى أربعين شاة سائمة للتجارة، أو خمسا من الإبل، أو ثلاثين
من البقر، وكذلك لو اشترى نخلا للتجارة فأثمرت ووجبت زكاة الثمار، أو أرضا
فزرعها فاشتد السنبل، فلا خلاف أنه لا تجب فيه الزكاتان معا، وإنما الخلاف في
أيهما تجب، فعندنا أنه تجب زكاة العين دون زكاة التجارة. وبه قال الشافعي في
الجديد.
وقال في القديم: تجب زكاة التجارة وتسقط زكاة العين، وبه قال أهل
العراق.
دليلنا: كل خبر ورد في وجوب الزكاة في الأعيان يتناول هذا الموضع
90

مثل قوله: في أربعين من الغنم شاة، وفي خمس من الإبل شاة، وفي ثلاثين من
البقر تبيع، ولم يفصل، فمن أسقط فعليه الدليل.
وأيضا فإن عندنا أن زكاة التجارة ليس بواجب على ما مضى، فلو أسقطنا
زكاة العين أدى إلى سقوطهما، وذلك خلاف الإجماع.
مسألة 121: إذا اشترى مائتي قفيز طعاما بمائتي درهم للتجارة، وحال
الحول وهو يساوي مائتي درهم، ثم نقص قبل إمكان الأداء فصار يساوي مائة
درهم، كان بالخيار بين أن يخرج خمسة أقفزة من ذلك الطعام أو درهمين
ونصف. وبه قال الشافعي، وأبو يوسف، ومحمد.
وقال أبو حنيفة: هو بالخيار بين أن يخرج خمسة دراهم أو خمسة أقفزة.
دليلنا: أنا قد بينا أن الزكاة تتعلق بالقيمة، والقيمة تراعى وقت الإخراج،
والإمكان شرط في الضمان، فإذا نقص قبل الإمكان فقد نقص منه، ومن مال
المساكين فلا يلزمه أكثر من خمسة أقفزة أو قيمتها درهمين ونصف.
مسألة 122: المسألة بعينها بفرض أن الطعام زاد، فصار كل قفيز
بدرهمين، فلا يلزمه أكثر من خمسة دراهم، أو قيمة قفيزين ونصف.
وقال أبو حنيفة: هو بالخيار بين أن يخرج خمسة دراهم أو خمسة أقفزة، لأنه
يعتبر القيمة عند حلول الحول.
وقال أبو يوسف ومحمد: هو بالخيار بين أن يخرج عشرة دراهم أو خمسة
أقفزة، لأنهما يعتبران القيمة حين الإخراج.
وللشافعي فيه ثلاثة أقوال:
أولها: يخرج خمسة دراهم، لأن عليه ربع عشر القيمة حين الوجوب.
والآخر: أخرج خمسة أقفزة وإن كانت قيمتها عشرة دراهم، لأن الحق
تعلق بالعين، فما زاد فللمساكين.
91

والثالث: هو بالخيار بين أن يخرج خمسة دراهم أو خمسة أقفزة قيمتها
عشرة دراهم.
دليلنا: أن ما اعتبرناه مجمع على لزومه، وما اعتبروه ليس عليه دليل.
مسألة 123: إذا دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة على أن يشتري بها
متاعا والربح بينهما، فاشترى سلعة بألف، وحال الحول، وهي تساوي ألفين،
فإنما تجب في الألف الزكاة، لأنه قد حال الحول عليها. وأما الربح فإن فيه
الزكاة من حين ظهر إلى أن يحول عليه الحول.
فزكاة الأصل على رب المال، وزكاة الربح ففي أصحابنا من قال: أن
المضارب له أجرة المثل وليس له من الربح شئ، فعلى هذا زكاة الربح على
رب المال.
ومنهم من قال: له من الربح بمقدار ما وقع الشرط عليه، فعلى هذا يلزم
المضارب الزكاة من الربح بمقدار ما يصيبه منه، وزكاة باقي الربح على صاحب
المال، هذا إذا كان المضارب مسلما.
فإن كان ذميا فمن قال: أن الربح لصاحب المال، كان الزكاة عليه. ومن
قال: بينهما فعلى صاحب المال بمقدار ما يصيبه منه، وليس يلزم الذمي شئ، لأنه
لا تجب الزكاة في ماله.
وقال الشافعي: إذا حال الحول والسلعة تساوي ألفين وجبت الزكاة في
الكل، لأن الربح في مال التجارة يتبع الأصل في الحول. فأما من تجب عليه فيه
قولان:
أحدهما: زكاة الكل على رب المال.
والثاني: على رب المال زكاة الأصل، وزكاة حصته من الربح. وعلى
العامل زكاة حصته من الربح.
دليلنا: روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: لا زكاة في مال حتى
92

يحول عليه الحول، والربح لم يحل عليه الحول.
وأيضا الأصل براءة الذمة، والأصل تجب فيه الزكاة بلا خلاف، فمن
أوجب في الربح الزكاة قبل الحول فعليه الدلالة، فأما صحة أحد المذهبين في
مال المضارب فقد بينا في الكتاب الكبير.
مسألة 124: إنما يملك المضارب الربح من حين يظهر الربح في السلعة.
وللشافعي فيه قولان:
أحدهما: مثل ما قلناه، وهو أصحهما. وبه قال أبو حنيفة.
فعلى هذا يكون عليه الزكاة من حين ظهر الربح.
والآخر: بالمقاسمة يملك، وهو اختيار المزني، فعلى هذا زكاة الكل على
رب المال إلى أن يقاسم.
دليلنا: أنه إذا صح أن الربح بينهما وثبت، فحين ظهر الربح يجب أن
يثبت للمضارب كما يثبت للمالك.
وأيضا روي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: من أعطي مالا للمضاربة
فاشترى أباه قال: يقوم فإن زاد على ما اشتراه بدرهم انعتق منه نصيبه ويستسعي
فيما بقي لرب المال.
فلو لا أنه ملك بالظهور دون المقاسمة لما صح هذا القول.
مسألة 125: إذا ملك نصابا من الأموال الزكاتية الذهب، أو الفضة، أو
الإبل، أو البقر، أو الغنم، أو الثمار، أو الحرث، أو التجارة وعليه دين يحيط به، فإن
كان له مال غير هذا بقدر الدين، كان الدين في مقابلة ما عدا مال الزكاة سواء
كان ذلك عقارا أو عرضا أو أثاثا أو أي شئ كان، وعليه الزكاة في النصاب.
وإن لك يكن له مال غير النصاب الذي فيه الزكاة، فعندنا أن الدين لا
يمنع من وجوب الزكاة.
93

واختلف الناس فيه على أربعة مذاهب:
فقال الشافعي في الجديد والأم: الدين لا يمنع وجوب الزكاة، وبه قال
ربيعة بن أبي عبد الرحمن، وحماد بن أبي سليمان، وابن أبي ليلى.
وقال في القديم، واختلاف العراقيين في الجديد: الدين يمنع وجوب
الزكاة، فإن كان الدين بقدر ما عنده منع من وجوب الزكاة، وإن كان أقل منع
الزكاة فيما قابله، فإن بقي بعده نصاب فيه الزكاة، وإلا فلا زكاة فيه. وبه قال
الحسن البصري، وسليمان بن يسار، والليث بن سعد، وأحمد، وإسحاق.
وذهب قوم إلى أنه إن كان ما في يده من الأثمان أو التجارة منع الدين من
وجوب الزكاة فيها، وإن كان من الماشية أو الثمار، أو الحرث لم يمنع. ذهب
إليه مالك، والأوزاعي.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: الدين يمنع من وجوب الزكاة في الماشية،
والتجارة، والأثمان. فأما الأموال العشرية الحرث والثمار، فالدين لا يمنع وجوب
العشر. وكأنه يقول: الدين يمنع وجوب الزكاة، والعشر ليس بزكاة عندهم، فلا
يمنع الدين منه.
دليلنا: كل خبر روي عن النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام
من أن الزكاة في الأجناس المخصوصة، متناول لهذا الموضع، لأنه لم يفرق بين
من عليه الدين، وبين من لم يكن عليه ذلك، فوجب حملها على العموم.
مسألة 126: إذا ملك مائتي درهم وعليه مائتان، وله عقار، وأثاث يفي بما
عليه من الدين، فعندنا أنه يجب عليه في المائين الزكاة.
وقال أبو حنيفة: المائتان في مقابلة المائتين، ويمنع الدين وجوبها فيه، ولا
يكون الدين في مقابلة ما عداه.
دليلنا: أنا قد بينا أنه لو لم يملك غير المائتين لم تسقط عنه الزكاة، لأن
الزكاة حق في المال، والدين يتعلق بالذمة، فلا يمنع منه.
94

مسألة 127: إذا ملك مائتين لا يملك غيرها، فقال: لله علي أن أتصدق
بمائة منها، ثم حال الحول، لا تجب عليه زكاتها.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما، إن قال: أن الدين يمنع، فهاهنا يمنع والآخر:
لا يمنع.
ففي هذا وجهان، أحدهما: يمنع. والآخر: لا يمنع. فإذا قال: لا يمنع
أخرج خمسة دراهم، وتصدق بمائة.
وقال محمد بن الحسن: النذر لا يمنع وجوب الزكاة عليه زكاة مائتين
خمسة دراهم. درهمين ونصف عن هذه المائة، ودرهمين ونصف عن المائة
الأخرى، وعليه أن يتصدق بسبعة وتسعين درهما ونصف.
دليلنا: أنه إذا جعل لله على نفسه من ذلك المال مائة فقد زال بذلك
ملكه، فإذا حال الحول لك يبق معه نصاب، فلا تجب عليه، لأنه علق النذر
بالمال لا بالذمة.
مسألة 128: إذا ملك مائتين، فحال عليها الحول، وجبت الزكاة فيها،
فتصدق بها كلها وليس معه مال غيرها، لم يسقط بذلك فرض الزكاة.
وللشافعي فيه وجهان: أحدهما مثل ما قلناه.
والثاني أن الخمسة تقع عن الفرض، والباقي عن النقل.
دليلنا: أن إخراج الزكاة عبادة، والعبادة تحتاج إلى نية، فمتى تجرد عن
نية العبادة والوجوب لم يجز.
ولو قلنا: أنها يجزئ عنه لأنه يستحق الزكاة منها، فإذا أخرج إلى مستحقها
فقد أجزأ عنه، لأن ذلك يجري مجرى الوديعة. إذا لم ينو فإنها يقع رد الوديعة
لكان قويا، والأحوط الأول.
مسألة 129: إذا كان له ألف، فاستقرض ألفا غيرها، ورهن هذه عند
95

المقرض، فإنه يلزمه زكاة الألف التي في يده إذا حال عليها الحول دون الألف
التي هي رهن، والمقرض لا يلزمه شئ، لأن مال القرض زكاته على المستقرض
دون القارض.
وقال الشافعي: هذا قد ملك ألفين وعليه ألف دين، فإذا قال: الدين لا يمنع
وجوب الزكاة زكى الألفين، وإذا قال: يمنع زكى الألف.
وأما المقرض ففي يده رهن بألف، والرهن لا يمنع وجوب الزكاة على
الراهن، وله دين على الراهن ألف، فهل تجب الزكاة في الدين على قولين.
دليلنا: أنه لا خلاف بين الطائفة أن زكاة القرض على المستقرض دون
القارض، وأن المال الغائب إذا لم يتمكن منه لا تلزمه زكاته، والرهن لا يتمكن
منه، فعلى هذا صح ما قلناه.
والمقرض يسقط عنه زكاة القرض بلا خلاف بين الطائفة، ولو قلنا أنه يلزم
المستقرض زكاة الألفين لكان قويا، لأن الألف القرض لا خلاف بين الطائفة أنه
يلزمه زكاتها، والألف المرهونة هو قادر على التصرف فيها بأن يفك رهنها،
والمال الغائب إذا كان متمكنا منه يلزمه زكاته بلا خلاف بينهم.
مسألة 130: إذا وجد نصابا من الأثمان أو غيرها من المواشي، عرفها سنة،
ثم هو كسبيل ماله وملكه، فإذا حال بعد ذلك عليه حول وأحوال، لزمته زكاته،
فإنه مالك، وإن كان ضامنا له، وأما صاحبه فلا زكاة عليه، لأن المال الغائب
الذي لا يتمكن منه لا زكاة فيه.
وقال الشافعي: إذا كان بعد سنة هل يدخل في ملكه بغير اختياره؟ على
قولين: أحدهما وهو المذهب: أنه لا يملكها إلا باختياره. والثاني: يدخل بغير
اختياره.
فإذا قال: لا يملكها إلا باختياره، فإذا ملكها فإن كان من الأثمان يجب مثلها
في ذمته، وإن كانت ماشية وجب قيمتها في ذمته.
96

فأما الزكاة فإذا حال الحول من حين التقط فلا زكاة فيها، لأنه أمين.
وأما صاحب المال فله مال لا يعلم موضعه على قولين مثل الغصب، وأما
الحول الثاني فإن لم يملكها فهي أمانة في يده.
ورب المال على قولين مثل الضالة، أو إذا ملكها الملتقط وحال الحول فهو
كرجل له ألف وعليه ألف، فإن قال: الدين يمنع، فهاهنا يمنع، وإن قال: لا
يمنع، فهاهنا لا يمنع، إذا لم يكن له ملك سواه بقدره، فإن كان له مال سواه
لزمه زكاته، ورب المال على قولين كالضالة والمغصوب.
دليلنا: ما روي عنهم عليه السلام أنهم قالوا: لقطة غير الحرم يعرفها سنة
ثم هي كسبيل ماله وسبيل ماله أن تجب فيه الزكاة فهذا تجب فيه الزكاة.
مسألة 131: إذا أكرى دارا أربع سنين بمائة دينار معجلة أو مطلقة، فإنها
تكون أيضا معجلة، ثم حال الحول، لزمته زكاة الكل إذا كان متمكنا من أخذه،
وكل ما حال عليه الحول لزمته زكاة الكل، إلا أنه لا يجب عليه إخراجه إلا بعد
مضي المدة التي يستقر فيها ملكه نصابا، فإذا مضت تلك المدة زكاه لما مضى،
ولا يستأنف الحول.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما اختيار المزني والبويطي وأكثر أصحابه مثل ما
قلناه، والذي نص الشافعي عليه أنه إذا حال عليه الحول زكى بخمسة وعشرين،
وفي الثانية زكى خمسين.
وقال مالك: كلما مضى شهر ملك الشهر.
وقال أبو حنيفة: إذا مضى خمس المدة ملك عشرين دينارا، وعندهما معا
حينئذ يستأنف الحول.
دليلنا: إن عندنا أن الأجرة تستحق بنفس العقد بإجماع الفرقة على ذلك
على ما نبينه في الإجارات إذا كانت مطلقة أو معجلة، وإذا كان هذا ملكا صحيحا
وحال الحول لزمته زكاته.
97

والذي يدل على أن ملكه صحيح، أنه يصح أن يتصرف فيه بجميع
تصرف الملك، ألا ترى أنه لو كانت الأجرة جارية جاز له وطؤها، فعلم بذلك
أن ملكه صحيح.
مسألة 132: يجوز قسمة الغنيمة في دار الحرب، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: يكره أن يقسمها في دار الحرب.
دليلنا على ذلك: أنه لا مانع في الشرع يمنع منه، فينبغي أن يكون
جائزا.
مسألة 133: إذا حصلت أموال المشركين في أيدي المسلمين فقد ملكوها،
سواء كانت الحرب قائمة أو تقضت.
وقال الشافعي: إن كانت الحرب قائمة فلا يملك ولا يملك إن يملك، و
معناه أن يقول أخذت حقي ونصيبي منها. وإن كانت الحرب تقضت فإنه لا
يملكها، ولكنه يملك إن يملكها.
دليلنا: ما روي عنهم عليه السلام: أن من سرق من مال المغنم بمقدار ما
يصيبه فلا قطع عليه فلو لم يكن مالكا لوجب عليه القطع.
وأيضا فلا خلاف أنه لو وطأ جارية من المغنم، فإنه لا يكون زانيا، ولا يقام
عليه الحد. وعندنا أنه يدرأ عنه الحد بمقدار ما يصيبه منها، فلو لا أنه مالك لما
وجب ذلك.
مسألة 134: إذا ملك من مال الغنيمة نصابا تجب فيه الزكاة جرى في
الحول ولزمته زكاته، سواء كانت الغنيمة أجناسا مختلفة مثل الذهب والفضة
والمواشي، أو جنسا واحدا.
وقال الشافعي: إن اختار أن يملك وملك وكانت الغنيمة أجناسا مختلفة لا
98

تلزمه الزكاة، وإن كانت جنسا واحدا لزمته.
دليلنا: أنه قد ملك من كل جنس ما تجب فيه الزكاة، فوجب أن يجب
عليه ذلك، لتناول الأمر له بذلك، ولا شئ يمنع منه، والشافعي إنما منع منه
لأنه قال: أنه لا يملك من كل جنس بل الإمام مخير أن يعطيه من أي جنس شاء
قسمته تحكما وهذا عندنا ليس بصحيح، لأن له في كل جنس نصيبا، فليس
للإمام منعه منه، وإنما قلنا ذلك لأن ما روي من وجوب قسمة الغنائم أنه يخرج
منه الخمس، والباقي يقسم بين المقاتلة يتناول ذلك، ولم يقولوا أن الإمام مخير في
ذلك، وله قسمة تحكم.
ولو قلنا: لا تجب عليه الزكاة لأنه غير متمكن من التصرف فيه قبل القسمة
لكان قويا.
مسألة 135: من ملك نصابا، فباعه قبل الحول بخيار المجلس، أو خيار
الثلاث، أو ما زاد على ذلك على مذهبنا، أو كان له عبد فباعه قبل أن يهل شوال
بشرط، ثم أهل شوال في مدة الشرط، فإن كان الشرط للبائع، أو لهما، فإن زكاة
المال وزكاة الفطرة على البائع، وإن كان الشرط للمشتري دون البائع فزكاته
على المشتري، زكاة الفطرة في الحال، وزكاة المال يستأنف الحول به.
وللشافعي في انتقال الملك ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه ينتقل بنفس العقد، فعلى هذا زكاة الفطرة على المشتري.
والآخر: أنه بشرطين، العقد وانقضاء الخيار، فالفطرة على البائع.
والثالث: أنه مراعى، فإن تم البيع فالفطرة على المشتري، وإن فسخ
فالفطرة على البائع، لأن به تبين انتقال الملك بالعقد.
وزكاة الأموال مثل ذلك مبنية على الأقوال الثلاثة:
إذا قال: ينتقل بنفس العقد، فلا زكاة عليه.
وإن قال: بشرط، فالزكاة على البائع.
99

وإن قال: مراعى، فإن صح البيع استأنف المشتري الحول، وإن انفسخ
فالزكاة على البائع.
دليلنا: ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: المؤمنون عند
شروطهم.
فإذا ثبت هذا، فإن كان الشرط للبائع، أو لهما، فالملك ثابت للبائع، فعليه
زكاته، وإن كان الشرط للمشتري، استأنف الحول، لأن ملك البائع قد زال.
مسألة 136: من باع ثمرة قبل بدو صلاحها بشرط القطع، كان البيع
صحيحا، فإن قطع فذاك، وإن توانى عنه حتى بدا صلاح الثمرة، فلا يخلو إما أن
يطالب المشتري بالقطع، أو البائع بالقطع، أو يتفقا على القطع، فإن لهما ذلك،
ولا زكاة على واحد منهما. وإن اتفقا على التبقية، أو اختار البائع تركه، كان له
تركه، وكانت الزكاة على المشتري.
وقال الشافعي: إن طالب البائع بالقطع فسخنا البيع بينهما، وعاد الملك
إلى صاحبه، وكانت زكاته عليه. وكذلك إن اتفقا على القطع، فإن اتفقا على
التبقية جاز، وكانت الزكاة على المشتري.
وقال أبو إسحاق: إن اتفقا على التبقية فسخنا البيع، فإذا رضي البائع بالتبقية
واختار المشتري القطع، فيه قولان، أحدهما: يجبر المشتري على التبقية، والآخر:
يفسخ البيع.
دليلنا: على ما قلناه: أن الأصل براءة الذمة، وفسخ العقد يحتاج إلى
دلالة، وليس في الشرع ما يدل عليه.
مسألة 137: يكره للإنسان أن يشتري ما أخرجه في الصدقة، وليس
بمحظور. وبه قال أبو حنيفة والشافعي.
وقال مالك: البيع مفسوخ.
100

دليلنا: قوله تعالى: وأحل الله البيع وحرم الربا، وهذا بيع، فمن ادعى
فسخه، فعليه الدلالة.
مسألة 138: المعادن كلها يجب فيها الخمس من الذهب، والفضة،
والحديد، والصفر، والنحاس، والرصاص ونحوها مما ينطبع ومما لا ينطبع،
كالياقوت، والزبرجد، والفيروزج ونحوها، وكذلك القير، والموميا، والملح،
والزجاج وغيره.
وقال الشافعي: لا يجب في المعادن شئ إلا الذهب والفضة فإن فيهما
الزكاة، وما عداهما ليس فيه شئ، انطبع أو لم ينطبع.
وقال أبو حنيفة: كلما ينطبع مثل الحديد، والرصاص، والذهب، والفضة
ففيه الخمس. وما لا ينطبع فليس فيه شئ مثل الياقوت، والزمرد، والفيروزج
فلا زكاة فيه لأنه حجارة.
وقال أبو حنيفة ومحمد: في الزيبق الخمس.
وقال أبو يوسف: لا شئ فيه، ورواه عن أبي حنيفة.
وقال أبو يوسف: قلت لأبي حنيفة: هو كالرصاص، فقال: فيه الخمس.
وقال أبو يوسف وسألته عن الزيبق بعد ذلك فقال: أنه يخالف الرصاص،
فلم أر فيه شيئا. فروايته عن أبي حنيفة ومذهبه الذي مات عليه أنه يخمس.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا قوله تعالى: واعلموا إنما غنمتم من
شئ فإن لله خمسه، وهذه الأشياء كلها مما غنمه الإنسان.
وأيضا الأخبار التي وردت عنهم عليه السلام في أن الأرض خمسها لنا،
وأن لنا خمس الأشياء حتى أرباح التجارات تتناول ذلك.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: في الركاز الخمس، والمعدن
ركاز.
101

مسألة 139: يجب الخمس في جميع المستفاد من أرباح التجارات،
والغلات، والثمار على اختلاف أجناسها بعد إخراج حقوقها ومؤنها، وإخراج
مؤونة الرجل لنفسه ومؤونة عياله سنة.
ولم يوافقنا على ذلك أحد من الفقهاء.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وطريقة الاحتياط تقتضي ذلك، لأنه إذا
أخرج الخمس عما ذكرناه كانت ذمته بريئة بيقين، وإن لم يخرج ففي براءة ذمته
خلاف.
مسألة 140: وقت وجوب الخمس في المعادن حين الأخذ، ووقت الإخراج
حين التصفية والفراع منه، ويكون المؤونة وما يلزم عليه من أصله، والخمس فيما
يبقى، وبه قال أبو حنيفة والأوزاعي.
وللشافعي فيه قولان:
أحدهما: يراعى فيه حلول الحول، وهو اختيار المزني، لأنه لا تجب الزكاة
إلا في الذهب والفضة، وهما يراعى فيهما حلول الحول.
والآخر وعليه أصحابه: أنه يجب عليه حين التناول، وعليه إخراجه حين
التصفية والفراع، فإن أخرجه قبل التصفية لم يجزئه.
دليلنا: قوله تعالى: فإن لله خمسه، والأمر يقتضي الفور، فيجب الخمس
على الفور.
وأما احتساب النفقة من أصله فعليه إجماع الفرقة.
وأيضا الأصل براءة الذمة، وما قلناه مجمع عليه، وما قالوه ليس عليه دليل.
مسألة 141: لا بأس ببيع تراب المعادن وتراب الصياغة، إلا أن تراب
الصياغة يتصدق بثمنه.
وقال مالك: يجوز بيع تراب المعدن دون تراب الصياغة.
102

وقال أبو حنيفة والشافعي: لا يجوز بيعه.
دليلنا: قوله تعالى وأحل الله البيع وحرم الربا، وهذا بيع.
وأيضا الأصل الإباحة، والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 142: قد بينا أن المعادن فيها الخمس، ولا يراعى فيها النصاب. وبه
قال الزهري وأبو حنيفة كالركاز سواء، إلا أن الكنوز لا يجب فيها الخمس إلا إذا
بلغت الحد الذي تجب فيه الزكاة.
وقال الشافعي في القديم والأم والجديد والإملاء: أن الواجب ربع العشر،
وبه قال أحمد وإسحاق.
وأومأ الشافعي في الزكاة إلى اعتبار النصاب مائتي درهم، وذهب غيرهم إلى
أن المعادن الركاز، وفيها الخمس.
وقال عمر بن عبد العزيز ومالك والأوزاعي: ما وجد بدرة مجتمعة، أو كان
في أثر سيل في بطحاء وغيرها، ففيه الخمس، وأومأ إليه في الأم.
وقال أبو إسحاق في الشرح: المسألة على ثلاثة أقوال ولا يختلف مذهبه في
أن في المعادن الزكاة.
دليلنا: إجماع الفرقة، وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله قال:
في الركاز الخمس. قلت: يا رسول الله وما الركاز؟ فقال: الذهب والفضة اللذان
خلقهما الله سبحانه في الأرض يوم خلقها، وهذه صفة المعادن.
وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وآله سئل
عن رجل وجد كنزا في قرية خربة؟ فقال: ما وجدته في قرية غير مسكونة، أو في
خربة جاهلية ففيه، وفي الركاز الخمس.
ثبت أن المعادن ركاز، لأنه عطف على الركاز.
مسألة 143: إذا كان المعدن لمكاتب أخذ منه الخمس، سواء كان
103

مشروطا عليه أو لم يكن. وبه قال أبو حنيفة.
وقال الشافعي: لا شئ عليه.
دليلنا: أن ذلك خمس، ولا يختص بالأحرار دون العبيد والمكاتبين، و
الشافعي إنما منع منه لأن عنده أنه زكاة، وقد بينا خلافه، وأنه خمس.
مسألة 144: الذمي إذا عمل في المعدن يمنع منه، فإن خالف وأخرج شيئا
منه ملكه، ويؤخذ منه الخمس. وبه قال أبو حنيفة والشافعي، إلا أنه قال: لا يؤخذ
منه شئ لأنه زكاة، ولا يؤخذ منه زكاة.
دليلنا: ما قدمناه في المسألة الأولى سواء من أن ذلك خمس، وليس
بزكاة، ولا يمنع الكفر من وجوب الخمس في ماله.
مسألة 145: حق الخمس يملك مستحقه مع الذي يخرج من المعدن
شيئا، وبه قال أبو حنيفة.
وقال الشافعي: المخرج يملكه كله، ويجب عليه للمساكين حق.
دليلنا: قوله تعالى: فإن لله خمسه، وهذا يتناول أن الخمس من نفس
الغنيمة.
وكذلك الأخبار المروية أن المعادن فيها الخمس تتناول ذلك.
مسألة 146: الركاز هو الكنز المدفون يجب فيه الخمس بلا خلاف،
ويراعى عندنا فيه أن يبلغ نصابا يجب في مثله الزكاة، وهو قول الشافعي في
الجديد.
وقال في القديم: يخمس قليله وكثيره، وبه قال مالك وأبو حنيفة.
دليلنا: إجماع الفرقة وأيضا ما اعتبرناه لا خلاف أن فيه الخمس، وما
نقص فليس عليه دليل.
104

مسألة 147: النفقة التي تلزم على المعادن والركاز من أصل ما يخرج.
وقال الشافعي: تلزم رب المال.
دليلنا: إجماع الفرقة.
مسألة 148: إذا وجد دراهم مضروبة في الجاهلية فهو ركاز، ويجب فيه
الخمس، سواء كان ذلك في دار الإسلام أو دار الحرب، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: يجب فيه الخمس إن كان في دار الإسلام، وإن كان في دار
الحرب لا شئ عليه.
دليلنا: قوله تعالى: فإن لله خمسه، ولم يفرق، والأخبار الواردة أن الركاز
فيه الخمس على عمومها.
وخبر أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: في الركاز الخمس،
عام أيضا ولم يفرق.
مسألة 149: إذا وجد كنزا عليه أثر الإسلام، بأن تكون الدراهم أو الدنانير
مضروبة في دار الإسلام، وليس عليه أثر ملك، يؤخذ منه الخمس.
وقال الشافعي: هو بمنزلة اللقطة إذا كان عليها أثر الإسلام، وإن كانت مبهمة
لا سكة فيها، والأواني فعلى قولين، أحدهما: بمنزلة اللقطة. والثاني: أنه ركاز
وغلب عليه المكان، فإن كان في دار الحرب خمس، وإن كان في دار الإسلام
فهي لقطة.
دليلنا: عموم ظاهر القرآن والأخبار الواردة في هذا المعنى، وتخصيصها
يحتاج إلى دليل.
مسألة 150: إذا وجد ركازا في ملك مسلم أو ذميا في دار الإسلام لا
يتعرض له إجماعا، وإن كان ملكا لحربي في دار الحرب فهو ركاز، وبه قال
105

أبو يوسف وأبو ثور.
وقال الشافعي: هو غنيمة.
وفائدة الخلاف المصرف، لأن وجوب الخمس فيه مجمع عليه.
دليلنا: عموم الأخبار المتناولة لوجوب الخمس في الركاز فمن خصها فعليه
الدليل.
مسألة 151: إذا وجد ركازا في دار استأجرها، فاختلف المكتري
والمالك، فادعى كل واحد منهما أنه له، كان القول قول المكتري مع يمينه. وبه
قال الشافعي.
وقال المزني: القول قول المالك.
دليلنا: أن الظاهر أنه للمكتري، لأن المالك لا يكري دارا وله فيها دفين،
فإن فعل فهو نادر، والغالب ما قلناه.
مسألة 152: مصرف الخمس من الركاز والمعادن مصرف الفئ. وبه قال
أبو حنيفة.
وقال الشافعي وأكثر أصحابه: مصرفها مصرف الزكاة، وبه قال مالك،
والليث بن سعد.
وقال المزني وابن الوكيل من أصحاب الشافعي: مصرف الواجب في
المعدن مصرف الصدقات، وأما مصرف حق الركاز فمصرف الفئ.
دليلنا: عموم الظاهر، والأخبار الواردة في مستحق الخمس، وعليه إجماع
الطائفة.
مسألة 153: إذا أخذ الإمام الخمس من مال، فليس له أن يرده على من
أخذه منه، وبه قال الشافعي.
106

وحكي عن أبي حنيفة أنه قال: له أن يرده عليه.
دليلنا: أن الخمس لمستحقه، فلا يجوز أن يعطي من لا يستحقه، والواجد لا
يخلو من أن يكون من أهل الخمس أو من غير أهله، فإن كان من غير أهله فلا
يجوز أن يعطاه، لأنه لا يستحقه ومن كان من أهله فله مشارك آخر، فلا يجوز
إعطائه، إلا أن يقاص من غيره.
مسألة 154: على من وجد الركاز إظهاره وإخراج الخمس منه، وبه قال
الشافعي.
وحكي في القديم عن أبي حنيفة: أنه بالخيار بين كتمانه ولا شئ عليه، وبين
إظهاره وإخراج الخمس منه.
دليلنا: كل ظاهر دل على وجوب الخمس يتناوله، فعلى من أجاز الكتمان
الدليل.
مسألة 155: على الإمام إذا أخذ الزكاة أن يدعو لصاحبها، وبه قال داود.
وقال جميع الفقهاء: أن ذلك مستحب غير واجب.
دليلنا: قوله تعالى: خذ من أموالهم صدقة - إلى قوله -: وصل عليهم، وهذا
أمر يقتضي الوجوب.
107

كتاب زكاة الفطرة
مسألة 156: زكاة الفطرة فرض، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: هي واجبة غير مفروضة.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا قوله تعالى: قد أفلح من تزكى وذكر اسم
ربه فصلى، وروي عنهم عليه السلام أنها نزلت في زكاة الفطرة، والأخبار
المروية في هذا المعنى أكثر من أن تحصى، وظاهرها يقتضي الأمر، وهو يقتضي
الإيجاب.
وروى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله فرض صدقة من رمضان طهرة
للصائم من الذنب واللغو، وطعمة للمساكين، فمن أداها قبل الصلاة كانت له
زكاة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات.
مسألة 157: زكاة الفطرة على كل كامل العقل إذا كان حرا، يخرجها
عن نفسه وعن جميع من يعوله من العبيد والإماء وغيرهم، مسلمين كانوا أو
كفارا. فأما المشرك فلا يصح منه إخراج الفطرة، لأن من شرطه الإسلام.
وقال الشافعي: تجب على كل مسلم حر يخرجها عن نفسه وغيره من عبيد
وغيرهم إذا كانوا مسلمين، فأما إخراجها عن المشرك فلا يجوز.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا الأخبار التي وردت في أنه يخرجها عن نفسه
108

وعن من يعوله وعن عبيده عامة في المسلمين والكفار، فعلى من خصصها الدلالة.
وأيضا طريقة الاحتياط تقتضيه، لأنه إذا أخرجها عمن قلناه برئت ذمته بلا
خلاف، وإذا لم يخرجها فيه خلاف.
مسألة 158: العبد لا تجب عليه الفطرة، وإنما يجب على مولاه أن يخرجها
عنه. وبه قال جميع الفقهاء.
وقال داود: تجب على العبد، ويلزم المولى إطلاقه. ليكتسب ويخرجها عن
نفسه.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا عندنا لا تجب الفطرة إلا على من يملك نصابا
تجب في مثله الزكاة. والعبد لا يملك شيئا، فلا تجب عليه الفطرة.
وأيضا الأصل براءة الذمة، فعلى من شغلها الدلالة.
وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله قال: ليس على المسلم في عبده
ولا في فرسه صدقة، إلا صدقة الفطرة في الرقيق.
مسألة 159: إذا ملك عبده عبدا، وجب على السيد الفطرة عنهما.
وللشافعي فيه قولان:
أحدهما: مثل ما قلناه، وهو قوله في الجديد، لأنه يقول إذا ملك لا يملك.
وقال قديما: إذا ملك ملك، فعلى هذا لا تجب على واحد منهما الفطرة.
دليلنا: أنه ثبت أن العبد لا يملك شيئا وإن ملك، فإذا لم يملك فما ملكه
ملك لمولاه، فعلى المولى فطرتهما.
مسألة 160: المكاتب لا تجب عليه الفطرة إذا تحرر منه شئ، وتجب على
سيده بمقدار ما بقي منه، وإن كان مشروطا عليه وجب على مولاه الفطرة عنه.
وقال الشافعي: لا تجب الفطرة عليه ولا على سيده.
109

وحكى أبو ثور في القديم أن على السيد إخراجها عن مكاتبه.
دليلنا: على المشروط عليه هو أنه عبده، فما أوجب الفطرة عليه من العبيد
يوجب عليه في المكاتب المشروط عليه، لأنه داخل فيهم.
وأما المطلق فلانه ليس بملك له، لأن بعضه حر ولا هو حر كله فيلزمه،
فيجب أن تسقط الفطرة بمقدار ما تحرر منه.
مسألة 161: يجب على الزوج إخراج الفطرة عن زوجته. وبه قال
الشافعي، ومالك وأبو ثور.
وذهب الثوري وأبو حنيفة وأصحابه إلى أنها لا تتحمل بالزوجية.
دليلنا: إجماع الفرقة، فإنهم لا يختلفون فيه.
وأيضا روى إبراهيم بن أبي يحيى الهجري عن جعفر بن محمد عن أبيه عن
جده أن النبي صلى الله عليه وآله فرض صدقة الفطرة عن الصغير، والكبير،
والحر، والعبد، والذكر، والأنثى ممن تمونون وهذا نص.
مسألة 162: روى أصحابنا: أن من أضاف إنسانا طول شهر رمضان
وتكفل بعيلولته لزمته فطرته. وخالف جميع الفقهاء ذلك.
دليلنا: إجماع الفرقة، وطريقة الاحتياط.
مسألة 163: الولد الصغير إذا كان معسرا، فطرته على والده. وبه قال
أبو حنيفة والشافعي.
غير أن أبا حنيفة قال: تجب عليه فطرته، لأن له عليه ولاية.
وعندنا أنه يلزمه، لأنه في عياله، وهذا داخل تحت العموم، والصريح بما
روي أنه تجب عليه الفطرة يخرجها عن نفسه وعن ولده. وأما الشافعي فقال: لأن
عليه نفقته.
110

مسألة 164: إذا كان الولد الصغير موسرا لزم أباه نفقته، وعليه فطرته. وبه
قال محمد بن الحسن.
وقال أبو حنيفة ومالك وأبو يوسف والشافعي: نفقته وفطرته من مال نفسه.
دليلنا: كل خبر روي في أنه تجب الفطرة على الرجل يخرجها عن نفسه، وعن ولده يتناول هذا الموضع، فعلى من خصها الدلالة.
مسألة 165: ولد الولد إذا كان صغيرا موسرا كان أو معسرا مثل ولد
الصلب على ما مضى القول فيه.
وقال الشافعي مثل ذلك، وقال: إن كان موسرا فنفقته وفطرته من ماله،
وإن كان معسرا فنفقته وفطرته على جده.
وقال أبو حنيفة: نفقته على جده دون فطرته.
وقال الساجي في كتابه " قال محمد بن الحسن: قلت لأبي حنيفة: لم لا تجب
فطرته على جده؟ فقال: لأنها لا تجب على جده. فسألته عن العلة فأعاد
المذهب ".
دليلنا: ما قدمناه في المسألة الأولى، لأنها فرع عليها، فإذا ثبتت تلك ثبتت
هذه، لأن اسم الولد يقع على ولد الولد حقيقة.
مسألة 166: الوالد إن كان معسرا نفقته وفطرته على ولده، زمنا كان أو
صحيحا.
وقال الشافعي: إن كان زمنا فعليه نفقته وفطرته.
وقال أبو حنيفة: تلزمه النفقة دون الفطرة.
وإن كان صحيحا ففيها قولان: قال في الزكاة: نفقته على ولده، وقال في
النفقات: لا نفقة عليه.
وقال أبو حنيفة: عليه نفقته.
111

دليلنا: عموم الأخبار التي رويت في أن الإنسان يجبر على نفقة الوالدين
والولد يتناول هذا الموضع، لأنها على عمومها. فمن خصها بالزمن دون الصحيح
فعليه الدلالة، وإذا ثبتت النفقة وجبت الفطرة لأنه صار من عياله، فيتناوله عموم
اللفظ في وجوب الفطرة عمن يمونه.
مسألة 167: الولد الكبير إن كان موسرا فنفقته وفطرته عليه بلا خلاف،
وإن كان معسرا فنفقته وفطرته على والده، صحيحا كان أو زمنا.
وقال الشافعي: إن كان زمنا نفقته وفطرته على أبيه.
وقال أبو حنيفة: عليه النفقة دون الفطرة.
وإن كان معسرا صحيحا فعلى طريقين: منهم من قال على قولين، ومنهم من
قال: لا نفقة على والده قولا واحدا.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 168: إذا كان له مملوك غائب يعلم حياته وجبت عليه فطرته رجى
عوده أو لم يرج، وإن لم يعلم حياته لا تلزمه فطرته.
وقال الشافعي في الأول مثل ما قلناه، وفي الثاني على قولين:
أحدهما: تلزمه فطرته، وهو قول أبي إسحاق.
والثاني: لا تلزمه، وبه قال المزني.
دليلنا: أنه إذا لم يعلم بقاؤه لا يعلم أنه مالك للعبد، وإذا لم يتحقق الملك
لا تلزمه، لأن النبي صلى الله عليه وآله قال: يخرجه عن نفسه وعن مملوكه، وهذا
لا يعلم أنه له مملوكا فلا تلزمه.
فأما إذا علم حياته فإنما أوجبنا عليه لعموم الأخبار.
مسألة 169: المملوك المعضوب - وهو المقعد خلقة - لا يلزم نفقته. وبه
112

قال أبو حنيفة. وقال الشافعي: تلزمه.
دليلنا: أن من هذه صفته ينعتق عليه على ما سنبينه فيما بعد، وعليه إجماع
الفرقة، فإذا انعتق لا تلزمه نفقته إلا أن يتكفل بنفقته فتلزمه حينئذ فطرته.
مسألة 170: إذا كان له مملوك كافر، أو زوجة كافرة، وجب عليه
إخراج الفطرة عنهما.
وقال الشافعي: لا يجب عليه إخراج الفطرة عن الكافر.
وقال أبو حنيفة: تلزمه إخراج الفطرة عن المملوك وإن كان كافرا، ولا
يلزمه إخراجها عن الزوجة، بناء منه على أن الفطرة لا تجب بالزوجية.
دليلنا: عموم الأخبار.
وأيضا روى ابن عمر قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وآله بصدقة الفطرة
عن الصغير والكبير والحر والعبد ممن تمونون.
وفيه دليلان: أحدهما في قوله: عن العبد، ولم يفرق. والثاني قوله: ممن
تمونون، وهذا ممن يمونه. مسألة 171: إذا كان لمشرك عبد مشرك، فأسلم العبد، أجبر على بيعه،
ولا يترك على ملكه. فإن أهل هلال شوال ثم أسلم إلى قبل الزوال، لم يلزم
فطرته.
وللشافعي فيه وجهان: أحدهما مثل ما قلناه. والثاني أنه يزكى، وهو
أصحهما عندهم.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، وإيجاب ذلك عليه يحتاج إلى دليل.
وعندنا وإن كان الكافر مخاطبا بالعبادات، فإخراج الزكاة لا يصح منه،
لأنه يحتاج إلى نية القربة، وهي لا تتأتى مع كفره.
113

مسألة 172: قد بينا أن زكاة الفطرة تتحمل بالزوجية، فإن أخرجت المرأة
عن نفسها بإذن زوجها أجزأ عنها بلا خلاف، وإن أخرجت بغير إذنه فإنه لا
يجزئ عنها.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه. والثاني أنه يجزئ.
دليلنا: أنا قد بينا أن فطرتها على زوجها، ففعلها لا يسقط الفرض عنه إلا
بدليل، ولا دليل على ذلك.
مسألة 173: اختلف روايات أصحابنا في من ولد له مولود ليلة العيد، فروي
أنه يلزمه فطرته. وروي
أنه لا يلزمه فطرته إذا أهل شوال.
وقال الشافعي في القديم: تجب الفطرة بطلوع الفجر الثاني من يوم الفطر،
فإن تزوج امرأة أو ملك عبدا أو ولد له ولد أو أسلم كافر قبل طلوع الفجر
بلحظة، ثم طلع فعليه فطرته، فإن ماتوا قبل طلوعه فلا شئ عليه. وبه قال
أبو حنيفة وأصحابه.
وقال في الجديد: تجب بغروب الشمس في آخر يوم من رمضان، فلو
تزوج امرأة أو ملك عبدا أو ولد له ولد أو أسلم كافر قبل الغروب بلحظة، ثم
غربت، وجبت الفطرة، وإن ماتوا قبل الغروب بلحظة فلا فطرة عليه.
فأما إذا وجدت الزوجية أو ملك العبد أو ولد له ولد بعد الغروب وزالوا
قبل طلوع الفجر، فلا فطرة بلا خلاف.
وقال مالك في العبد بقوله الجديد، وفي الولد بقوله القديم.
دليلنا على أنه لا يلزمه: ما رواه معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن مولود ولد ليلة الفطر، عليه فطرة؟ قال: لا قد خرج الشهر.
وسألته عمن أسلم ليلة الفطر عليه فطرة؟ قال: لا.
والرواية الأخرى رواها العيص بن القاسم قال: سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن الفطرة متى هي؟ قال: قبل الصلاة يوم الفطر.
114

والوجه في الجمع بينهما أن يحمل الخبر الأول على سقوط الفرض بخروج
الشهر، والثانية بحملها على الاستحباب، ويقوي ذلك أن الأصل براءة الذمة، فلا
يعلق عليها شئ إلا بدليل.
وروي عن ابن عباس قال: فرض رسول الله صلى الله عليه وآله صدقة
الفطرة في رمضان طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين.
مسألة 174: إذا كان العبد بين شريكين فعليهما فطرته بالحصة، وكذلك
إن كان بينهما ألف عبد، أو كان ألف عبد لألف نفس مشاعا، الباب واحد. وبه
قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: إذا كان العبد بين شريكين سقطت الفطرة، ولو كان بينهما
ألف عبد مشاعا فلا فطرة.
دليلنا: عموم الأخبار في وجوب إخراج الفطرة عن العبد، ولم يفرقوا بين
أن يكون مشاعا أو غير مشاع.
وأيضا الاحتياط يقتضي ذلك، لأنه إذا أخرج برئت ذمته بيقين، وإذا لم
يخرج ففي براءتها خلاف.
مسألة 175: إذا أوجبنا على الشريكين زكاة عبد واحد، كان عليهما من
فاضل قوتهما الغالب عليه، فإن اختلف قوتاهما كانا مخيرين بين الإنفاق من
جنس واحد، سواء كان الأدون أو الأعلى. وإن أخرجا مختلفين كان أيضا جائزا.
وقال ابن سريج: يخرجان من جنس واحد من أدونهما قوتا.
وقال أبو إسحاق: يخرجان من جنسين مختلفين على قول الشافعي أنه يجب
إخراجه من غالب قوته، وبه قال أبو عبيد بن حربويه.
والذي اختاره أبو العباس وأبو إسحاق أنهما يخرجان من غالب قوت البلد،
لأنه الذي يلزم المكلف دون قوت نفسه.
115

دليلنا: عموم الأخبار في التخيير بين الأجناس ولم يفرقوا.
وروى يونس بن عبد الرحمن عمن ذكره عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
قلت له: جعلت فداك هل على كل أهل البوادي الفطرة؟ قال، فقال: الفطرة
على كل من اقتات قوتا فعليه أن يؤدي من ذلك القوت.
وروى هذا الخبر الصفار بإسناده من يونس عن زرارة وابن مسكان عن أبي
عبد الله عليه السلام.
مسألة 176: إذا كان بعض المملوك حرا، وبعضه مملوكا، لزمته فطرته
بمقدار ما يملك منه. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: لا فطرة في هذا.
وقال مالك: على سيده بمقدار ما يملك، ولا شئ على العبد بالحرية.
وقال ابن الماجشون: تلزمه زكاته تامة، ولا شئ على العبد.
وعندنا فيما يبقى منه، إن كان يملك نصابا، وجب عليه فطرته، وإلا فلا
شئ عليه.
وقال الشافعي: إن كان معه ما يفضل عن قوت يومه لزمته، وإلا فلا شئ
عليه.
دليلنا: ما دللنا به على العبد بين الشريكين.
مسألة 177: إذا باع عبدا قبل هلال شوال، فأهل شوال قبل أن تمضي
ثلاثة أيام التي هي شرط في الحيوان، كان الفطرة على البائع، لأنه في ملكه بعد،
وإن كان بينهما الشرط أكثر من ثلاثة أيام للبائع أو لهما، كان مثل ذلك على
البائع فطرته، وإن كان الشرط فيما زاد للمشتري، كانت الفطرة عليه، لأنه إذا
اختار دل على أن العقد كان له في الأول.
وقال الشافعي: إذا باع عبدا بشرط خيار المجلس أو خيار الثلاث، وكان
116

الخيار لهما أو لأحدهما، فلا فرق في ذلك الباب واحد، تكون الفطرة على مالك
العبد، وله فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: ينتقل بنفس العقد، فالفطرة على المشتري، وهو اختيار المزني.
والثاني: بالعقد، وقطع الخيار، فعلى هذا على البائع فطرته.
والثالث: مراعى باختيار أحدهما، فإن كان الاختيار للبائع كان العبد له
والفطرة عليه، وإن اختار المشتري تبين أن العبد له وعليه فطرته.
دليلنا: ما روي عنهم عليه السلام أنهم قالوا: إذا مات الحيوان في مدة
الخيار كان من مال البائع دون مال المشتري وذلك يدل على أن الملك له
وعليه فطرته.
مسألة 178: إذا أهل شوال، وله رقيق، وعليه دين، ثم مات، فإن الدين لا
يمنع وجوب الفطرة، فإن كانت تركته تفي بما عليه من الصدقة والدين، قضي
دينه و أخرجت فطرته، وما بقي فللورثة. وإن لم تف، كانت التركة بالحصص
بين الدين والفطرة.
وللشافعي فيه ثلاثة أقوال: أحدها: يقدم حق الله تعالى.
والثاني: يقدم حق الآدمي.
والثالث: يقسم فيهما.
دليلنا: أنهما حقان وجبا عليه، وليس تقديم أحدهما على صاحبه أولى من
الآخر، فيجب أن يسوي بينهما، ومن رجح فعليه الدلالة.
مسألة 179: إذا مات قبل هلال شوال وله عبد، وعليه دين، ثم أهل شوال
بيع العبد في الدين، ولم يلزم أحدا فطرته. وبه قال أبو سعيد الإصطخري من
أصحاب الشافعي.
117

وقال باقي أصحابه: أنه تلزم الفطرة الورثة، لأن التركة لهم وإن كانت
مرهونة بالدين.
دليلنا: قوله تعالى في آية الميراث: من بعد وصية يوصى بها أو دين، فثبت
أن الميراث يستحق بعد قضاء الدين والوصية، فلا يجوز نقلها إليهم مع بقاء
الدين.
فإن قيل: لو لم ينتقل إلى الورثة بنفس الموت، لكان إذا مات وله تركة
وعليه دين وله ابنان، فمات أحدهما وخلف ابنا، ثم أبرأه من له الدين عنه، كانت
التركة بين الابن وابن الابن، فلو لم تكن منتقلة إلى الابنين بوفاته لما كان لابن
الابن شئ هاهنا، فإن الوارث يملك ممن له الدين.
وأيضا فإن الوارث يملك قضاء الدين من غير التركة.
وأيضا فإنه يملك طلب التركة حيث وجدها، ويملك المخاصمة، ويملك
أن يحلف، فلو لا أنها له ما ملك إثباتها بيمينه، لأن أحدا لا يثبت بيمينه مال غيره.
قيل له: الملك وإن لم ينتقل إليهما فهو مبقي على ملك الميت، فإذا أبرأه من
له الدين، انتقل منه إلى ابنيه اللذين خلفهما، ولذلك صحت منهم المطالبة واليمين
وغير ذلك من الأحكام.
مسألة 180: إذا أوصى بعبده، ومات الموصي قبل أن يهل شوال، ثم قبل
الموصى له الوصية، لم يخل من أحد الأمرين: إما أن يقبل قبل أن يهل شوال أو
بعده، فإن قبل قبله، كانت الفطرة عليه، لأنه حصل في ملكه بلا خلاف، وإن قبل
بعد أن يهل شوال، فلا يلزم أحدا فطرته.
وللشافعي فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: يملك حين قبل، فعلى هذا لا يلزم أحدا
فطرته، وفيه وجه آخر أن فطرته في تركة الميت.
والثاني: مراعى، فإن قبل تبينا أنه ملك بالوصاية ولزمته فطرته. وإن رد
118

تبينا أن الورث انتقل إليهم بالوفاة، فعليهم فطرته.
والثالث: قول ابن عبد الحكم: أنه يزول ملكه عنه بالموت إلى الموصى له
بذلك، كالميراث. وهذا نقل المزني إلى المختصر، وأنه دخل في ملك الموصى
له بغير اختياره، فإن قبل استقر ملكه، وإن رد خرج الآن من ملكه إلى ورثة
الميت. لا عن الميت، فعلى هذا يلزم الموصى له فطرته، وأبي أكثر أصحابه هذا
القول.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، وليس في الشرع دليل على شغل واحد
منهما، فيجب تركهما على الأصل.
مسألة 181: إذا مات الموصي، ثم مات الموصى له قبل أن يقبل الوصية،
قام ورثته مقامه في قبول الوصية، وصار مثل المسألة الأولى سواء. وبه قال
الشافعي.
وقال أبو حنيفة: تبطل الوصية، وحكي عنه أيضا أنها تتم بموت الموصى له،
ودخلت في ملكه بموته ولا يفتقر إلى قبول.
وقد بينا في المسألة الأولى من الذي تلزمه فطرته.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 182: من وهب لغيره عبدا قبل أن يهل شوال فقبله الموهوب له،
ولم يقبضه حتى يهل شوال، ثم قبضه، فالفطرة على الموهوب له. وبه قال
الشافعي في الأم، وهو قول مالك.
وقال أبو إسحاق: الفطرة على الواهب، لأن الهبة تملك بالقبض.
دليلنا: أن الهبة منعقدة بالإيجاب والقبول، وليس من شرط انعقادها
القبض، وسنبين ذلك في باب الهبة، فإذا ثبت ذلك، ثبت هذه، لأن أحدا لا
يفرق بينهما.
119

وفي أصحابنا من قال القبض شرط في صحة الهبة، فعلى هذا لا فطرة عليه،
كما قال أبو إسحاق، وتلزم الفطرة الواهب.
مسألة 183: تجب زكاة الفطرة على من ملك نصابا تجب فيه الزكاة، أو
قيمة نصاب. وبه قال أبو حنيفة وأصحابه.
وقال الشافعي: إذا فضل صاع عن قوته وقوت عياله ومن يمونه يوما وليلة
وجب ذلك عليه، وبه قال أبو هريرة، وعطاء، والزهري، ومالك، وذهب إليه
كثير من أصحابنا.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، وقد أجمعنا على أن من ذكرناه تلزمه زكاة
الفطرة، ولا دليل على وجوبها على من قالوه.
مسألة 184: إذا كان عادما وقت الوجوب، ثم وجد بعد خروج الوقت، لا
يجب عليه، بل هو مستحب. وبه قال الشافعي.
وقال مالك: يجب عليه.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، وإيجاب ذلك يحتاج إلى دليل، وليس في
الشرع ما يدل عليه.
مسألة 185: المرأة الموسرة إذا كانت تحت معسر، أو تحت مملوك، أو
الأمة تكون تحت مملوك أو معسر، فالفطرة على الزوج بالزوجية. فإذا كان لا
يملك لا يلزمه شئ، لأن المعسر لا تجب عليه الفطرة، ولا يلزم الزوجة، ولا مولى
الأمة شئ، لأنه لا دليل على ذلك.
وقال الشافعي وأصحابه فيها قولان:
أحدهما: يجب عليها أن تخرجها عن نفسها، وعلى السيد أن يخرجها عن
أمته.
120

والثاني: لا يجب ذلك عليه، كما قلناه.
دليلنا: ما بيناه من أن الفطرة تجب على الزوج، فإذا أعدم سقط عنه فرضها
ووجوب ذلك على الزوجة، والسيد. ورجوعها عليهما يحتاج إلى دليل، وليس
في الشرع ما يدل عليه.
مسألة 186: إذا أخرج الفقير الفطرة تبرعا، وهو ممن يحل له أخذ الفطرة،
فرد عليه فطرته بعينها، كره له أخذها.
وقال الشافعي: لا بأس به.
دليلنا: ما روي عنهم عليه السلام أنهم قالوا: إذا أخرجت شيئا في الصدقة
فلا ترده في مالك.
مسألة 187: زكاة الفطرة صاع من أي جنس يجوز إخراجه. وهو
المروي عن علي عليه السلام، وعبد الله بن الزبير، وأبي هريرة، وأبي سعيد
الخدري، وعائشة، ومن التابعين النخعي وغيره، وبه قال مالك، والشافعي،
وأحمد بن حنبل وإسحاق.
وذهب أبو حنيفة إلى أنه إن أخرج تمرا أو شعيرا فصاع، وإن أخرج البر
فنصف صاع، وعنه في الزبيب روايتان.
قال الكرخي: هو إجماع الصحابة، روي ذلك عن أبي بكر، وابن عباس،
وجابر.
وقال الثوري: بقوله في البر.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا الذمة تبرأ بيقين بإخراج الصاع، ولا تبرأ
بيقين بإخراج نصف صاع.
وأيضا روى عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن النبي
صلى الله عليه وآله فرض صدقة الفطرة صاعا من تمر أو صاعا من شعير أو صاعا من بر على
121

كل حر وعبد، ذكر أو أنثى.
وروى أبو سعيد الخدري قال كنا نخرج إذ كان فينا رسول الله
صلى الله عليه وآله صاعا من طعام أو صاعا من تمر أو صاعا من شعير أو صاعا من أقط أو
صاعا من زبيب، ولم نزل نخرجه حتى قدم علينا معاوية حاجا أو معتمرا وهو
يومئذ خليفة فخطب الناس على منبر رسول الله صلى الله عليه وآله وذكر زكاة
الفطرة فقال: إني لأرى مدين من سمراء الشام تعدل صاعا من تمر، وكان ذلك
أول ما ذكر الناس المدين، قال أبو سعيد: فأما أنا فلا أخرجه إلا ذاك ما عشت
أبدا.
وروي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه سئل عن صدقة الفطرة؟ قال:
صاع من طعام، فقيل: أو نصف صاع؟ فقال: بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان،
يعني قيمة معاوية.
مسألة 188: يجوز إخراج صاع من الأجناس السبعة: التمر، أو الزبيب أو
الحنطة، أو الشعير، أو الأرز، أو الأقط، أو اللبن. ويجوز إخراج قيمته بسعر
الوقت.
وقال الشافعي: يجوز إخراج صاع مما كان قوتا حال الاختيار كالبر،
والشعير، والذرة، والدخن، والثقل يعني ما له ثقل من الحبوب دون ما لا ثفل له
من الأدهان وقال: لا يجوز إخراج القيمة.
وحكى يونس بن بكر عن أبي حنيفة أنه إن أخرج صاعا إهليلج أجزأه فإن
كان هذا منه على سبيل القيمة فهو وفاق منه، وإن كان منه على سبيل أنه أصل
فهو خلاف.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا فالأجناس التي اعتبرناها لا خلاف أنها تجزئ
وما عداها ليس على جوازها دليل.
فأما جواز إخراج القيمة فقد مضى في باب زكاة الأموال، فلا وجه لإعادته.
122

مسألة 189: المستحب ما يكون غالبا على قوت البلد.
وللشافعي فيه قولان:
أحدهما: الغالب على قوت نفسه، وهو قول أبي عبيد بن حربويه.
وقال أبو العباس وأبو إسحاق مثل قولنا.
دليلنا: إجماع الفرقة على الرواية المروية عن أبي الحسن العسكري
عليه السلام في تصنيف أهل الأمصار، وما يخرجه أهل كل مصر وبلدة، وقد ذكرناها
في الكتاب الكبير، وذلك يدل على أن المراعي غالب قوت أهل البلد، لأن اعتبار
قوت نفس الإنسان لا طريق إلى تعيينه.
مسألة 190: إذا اعتبرنا حال قوت البلد، فلا فرق بين أن يخرجه من أعلاه
أو من أدونه، فإنه يجزئه.
ومن وافقنا من أصحاب الشافعي في هذه المسألة لهم فيها قولان: أحدهما
مثل ما قلناه. والثاني: أنه إن كان الغالب الأدنى، وأخرج
الأعلى أجزأه، وإن كان الأعلى فأخرج الأدنى لم يجزئه.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا الأخبار المروية في هذا الباب تضمنت
التخيير، لأن النبي صلى الله عليه وآله قال: صاع من تمر أو صاع من زبيب أو
حنطة أو شعير، ولم يفرق.
مسألة 191: لا يجزئ في الفطرة الدقيق والسويق أصلا، وبه قال الشافعي.
فإن أخرجه على وجه القيمة كان جائزا عندنا.
وقال أبو حنيفة: الدقيق والسويق يجزئ كل واحد منهما أصلا كالبر.
وقال أبو القاسم بن بشار الأنماطي من أصحاب الشافعي: يجوز إخراج
الدقيق.
دليلنا: أنه لا خلاف أن ما قلناه جائز، وليس على إجزاء ما ذكروه دليل.
123

وأيضا الأخبار المروية تضمنت الحب ولم تتضمن الدقيق والسويق، فما
خالفها وجب إطراحه.
مسألة 192: زكاة الفطرة واجبة على المسلمين من أهل الحضر والبادية.
وبه قال جميع الفقهاء.
وقال عطاء، وعمر بن عبد العزيز، وربيعة بن أبي عبد الرحمن: لا فطرة على
أهل البادية.
دليلنا: إجماع الفرقة، والأخبار المروية في هذا الباب عامة لجميع الناس،
فمن خصصها فعليه الدلالة.
مسألة 193: يجوز لأهل البادية أن يخرجوا أقطا أو لبنا.
وقال الشافعي: يجوز إخراج الأقط، فإن لم يكن فصاعا من لبن. وقال في
الأم: لا يؤدوا أقطا، فإن أدوا لا أقول تجب عليهم الإعادة.
واختلف أصحابه فقال أبو إسحاق: لا يختلف قوله أنه جائز.
وقال غيره: المسألة على قولين: أحدهما، أنه جائز، والآخر غير جائز.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا الأخبار التي رويناها.
وروى أبو سعيد الخدري فيما قدمناه: أو صاعا من أقط.
مسألة 194: إذا كان عبد بين شريكين، فقد قلنا: عليهما فطرته، فإن أخرج
كل واحد منهما جنسا يخالف الجنس الآخر كان جائزا. وبه قال أبو إسحاق
المروزي.
وقال أبو العباس: لا يجوز.
دليلنا: الأخبار التي رويت في التخيير، فإذا كان مخيرا فينبغي أن يجزئ
عنهما.
124

مسألة 195: إذا كان قوته مثلا حنطة، أو يكون قوت البلد الغالب حنطة،
جاز أن يخرج شعيرا.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه. والثاني أنه لا يجزئه.
دليلنا: الأخبار الواردة في هذا الباب ظاهرها يقتضي التخيير، لأنه قال:
(صاعا من تمر أو صاعا من زبيب أو صاعا من حنطة أو صاعا من شعير) فوجب
حملها على ظاهرها.
مسألة 196: مصرف زكاة الفطرة مصرف زكاة الأموال إذا كان مستحقه
فقيرا مؤمنا.
والأصناف الموجودة في الزكاة خمسة: الفقير، والمسكين، والغارم، وفي
سبيل الله، وابن السبيل. ويجوز أن يخص فريق منهم بذلك دون فريق، ولا
يعطي الواحد أقل من صاع.
وقال الشافعي: مصرفه هؤلاء الخمسة، وأقل ما يعطي من كل فريق ثلاثة
يقسم كل صاع خمسة عشر سهما لكل إنسان منهم سهم.
وقال مالك يخص به الفقراء والمساكين، وبه قال أبو سعيد الإصطخري من
أصحاب الشافعي، فإذا أخرجها إلى ثلاثة أجزأ.
وقال أبو حنيفة: له أن يضعها في أي صنف شاء، كما قلناه. وهكذا الخلاف
في زكاة المال، وزاد بأن قال: لو خص بها أهل الذمة جاز.
دليلنا: قوله تعالى: إنما الصدقات للفقراء والمساكين، الآية والصدقة
تتناول زكاة الفطرة وزكاة المال، فأما تخصيص فريق دون فريق فإجماع
الطائفة عليه.
مسألة 197: يستحب حمل الزكوات زكاة الأموال الظاهرة والباطنة
وزكاة الفطرة إلى الإمام ليفرقها على مستحقها، فإن فرقها بنفسه جاز.
125

وقال الشافعي: الباطنة هو بالخيار، والفطرة مثلها، والظاهرة فيها قولان:
أحدهما يتولاه بنفسه، والآخر: يحملها إلى الإمام.
ومنهم من قال: الأفضل أن يلي ذلك بنفسه إذا كان الإمام عادلا، فإن كان
الإمام جائرا فإنه يليها بنفسه قولا واحدا، وإن حملها إليه سقط عنه فرضها.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا قوله: خذ من أموالهم صدقة، يدل
على ذلك، والإمام قائم مقام النبي صلى الله عليه وآله في ذلك.
مسألة 198: وقت إخراج الفطرة يوم العيد قبل صلاة العيد، فإن أخرجها
بعد صلاة العيد كانت صدقة، فإن أخرجها من أول الشهر كان جائزا، ومن
أخرج بعد ذلك أثم، ويكون قضاء. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: يجوز أن يخرج قبله، ولو أخرجها بسنين جاز.
دليلنا: إجماع الفرقة، ولأن ما ذكرناه لا خلاف أنه جائز، وما ادعاه
أبو حنيفة ليس عليه دليل.
مسألة 199: الصاع المعتبر في الفطرة أربعة أمداد، والمد رطلان وربع
بالعراقي، يكون تسعة أرطال.
وقال الشافعي: المد رطل وثلث يكون خمسة أرطال وثلث، وبه قال
مالك، وإليه رجع أبو يوسف، وإليه ذهب أحمد بن حنبل.
وذهب الثوري وأبو حنيفة ومحمد إلى أن المد رطلان، والصاع ثمانية
أرطال.
دليلنا: إجماع الفرقة، وطريقة الاحتياط، لأنه إذا أخرج ما قلناه برئت ذمته
بيقين بلا خلاف، وليس على براءتها إذا أخرج ما قالوه دليل.
مسألة 200: الزكاة إذا وجبت بحلول الحول، وتمكن من إخراجها، لم
126

تسقط بوفاته. سواء كانت زكاة الأموال، أو زكاة الفطرة. وتستوفى من صلب
ماله كالدين، وكذلك العشر، والكفارات، والحج. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: يسقط ذلك بوفاته، فإن أوصى بها كانت صدقة تطوع
تعتبر من الثلث هكذا زكاة الفطرة، والكفارات، والحج.
والجزية والعشر عنه روايتان، قال في الأصول ونقله أبو يوسف ومحمد أنه
تسقط بالوفاة كالخراج.
وروى ابن المبارك أنهما لا يسقطان بالموت.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا فإن هذه الحقوق واجبة تعلقت بذمته أو بماله،
فلا يجوز إسقاطها بالموت إلا بدليل، ولا دليل يدل عليه.
وأيضا قوله تعالى: خذ من أموالهم صدقة، وهذا خطاب للنبي
صلى الله عليه وآله، ومن يقوم مقامه، فإذا كانت الأموال ثابتة وجب أن يؤخذ منها الصدقة.
127

المبسوط
في فقه الإمامية
تأليف شيخ الطائفة
أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (قدس سره)
385 - 460 ه‍. ق
129

كتاب الزكاة
فصل: في حقيقة الزكاة وما يجب فيها وبيان شروطها:
الزكاة في اللغة هي النمو، يقال: زكى الزرع إذا نمى، وزكى الفرد إذا صار
زوجا فشبه في الشرع إخراج بعض المال زكاة لما يؤول إليه من زيادة الثواب.
وقيل أيضا إن الزكاة هي التطهير لقوله تعالى: أقتلت نفسا زكية، أي طاهرة من
الذنوب. فشبه إخراج المال زكاة من حيث تطهر ما بقي، ولولا ذلك لكان
حراما من حيث إن فيه حقا للمساكين، وقيل: أنها تطهير المالك من مأثم منعها،
ومدار الزكاة على أربعة فصول:
أحدها: ما يجب فيه الزكاة، وبيان أحكامه.
وثانيها: من يجب عليه الزكاة وبيان شروطه.
وثالثها: مقدار ما يجب فيها.
ورابعها: بيان المستحق وكيفية القسمة.
فأما الذي تجب فيه الزكاة فتسعة أشياء: الإبل والبقر والغنم والدنانير
والدراهم والحنطة والشعير والتمر والزبيب.
وشروط وجوب الزكاة من هذه الأجناس ستة: اثنان يرجعان إلى المكلف
وأربعة ترجع إلى المال. فما يرجع إلى المكلف: الحرية وكمال العقل، وما
يرجع إلى المال: الملك والنصاب والسوم وحؤول الحول، والحرية شرط في
131

الأجناس كلها لأن المملوك لا تجب عليه الزكاة لأنه لا يملك شيئا، وكمال العقل
شرط في الدنانير والدراهم فقط، فأما ما عداهما فإنه يجب فيه الزكاة، وإن كان
مالكها ليس بعاقل من الأطفال والمجانين، والملك شرط في الأجناس كلها،
وكذلك النصاب والسوم شرط في المواشي لا غير، وحؤول الحول شرط في
المواشي والدنانير والدراهم لأن الغلات لا يراعى فيها حؤول الحول. فهذه شرائط
الوجوب.
فأما شرائط الضمان فاثنان: الإسلام وإمكان الأداء، لأن الكافر وإن وجبت
عليه الزكاة لكونه مخاطبا بالعبادات فلا يلزمه ضمانها إذا أسلم، وإمكان الأداء
لا بد منه لأن من لا يتمكن من الأداء وإن وجبت عليه، ثم هلك المال يلزمه ضمان،
ونحن نذكر لكل جنس من ذلك فصلا مفردا إن شاء الله.
فصل: في زكاة الإبل:
شرائط وجوب زكاة الإبل أربعة: الملك والنصاب والسوم حؤول الحول،
والكلام في ذلك كلام في ثلاثة فصول: في النصاب والوقص والفريضة.
فالنصاب هو الذي يتعلق به الفريضة، والوقص هو ما لم يبلغ نصابا فهو
وقص وفي الإبل يسمى ذلك شنقا، والفريضة فهي المأخوذة من النصاب.
فالنصب في الإبل ثلاثة عشر نصابا: خمس وعشر وخمس عشرة عشرون خمس
وعشرون وست وعشرون ست وثلاثون ست وأربعون إحدى وستون ست
وسبعون إحدى وتسعون مائة وإحدى وعشرون، وما زاد على ذلك أربعون أو
خمسون.
والأوقاص فيها ثلاثة عشر وقصا، خمسة منها أربعة أربعة أولها الأربعة
الأولة، والثاني ما بين الخمس والعشر وما بين العشر إلى
خمس عشر وما بين خمس عشرة إلى عشرين، وما بين عشرين إلى خمس
وعشرين، وليس بين خمس وعشرين وست وعشرين وقص، واثنان تسعة تسعة بين ست وعشرين إلى ست
132

وثلاثين، وما بين ست وثلاثين إلى ست وأربعين وثلاث بعد ذلك كل واحد
أربعة عشر ما بين ست وأربعين إلى إحدى وستين. وما بين إحدى وستين إلى
ست وسبعين، وما بين ست وسبعين إلى إحدى وتسعين، وواحد تسع
وعشرون، وهو ما بين إحدى وتسعين إلى مائة وإحدى وعشرين، وبعد ذلك
واحد ثمانية وهو ما بين مائة وواحد وعشرين إلى مائة وثلاثين، ثم بعد ذلك
تستقر الأشناق تسعة تسعة لا إلى نهاية.
والفريضة المأخوذة منها اثنتي عشرة فريضة، خمس منها متجانسة وهو ما
يجب في كل خمس من الإبل شاة إلى خمس وعشرين، وسبعة مختلفة في ست
وعشرين بنت مخاض أو ابن لبون ذكر نصا مقدرا لا بالقيمة، وفي ست وثلاثين
بنت لبون، وفي ست وأربعين حقة، وفي إحدى وستين جذعة، وفي ست وسبعين
بنتا لبون، وفي إحدى وتسعين حقتان.
فإذا بلغت مائة وإحدى وعشرين ففي كل خمسين حقة، وفي كل أربعين
بنت لبون بلا خلاف بين أصحابنا إلا أنهم لم يفصلوا، والأخبار مطلقة، والذي
يقتضيه عمومها أن يراعى العدد، فإن انقسمت خمسينات أخرجنا عن كل خمسين
حقة، وإن انقسمت أربعينات أخرجنا عن كل أربعين بنت لبون، فإن اجتمع فيها
هذان أخرجنا عن كل خمسين حقة وعن كل أربعين بنت لبون.
فيخرج من ذلك إن في مائة وإحدى وعشرين ثلاث بنات لبون، إلى مائة و
ثلاثين ففيها حقة وبنتا لبون، إلى مائة وأربعين ففيها حقتان وبنت لبون، إلى مائة
وخمسين ففيها ثلاث حقاق، إلى مائة وستين ففيها أربع بنات لبون، إلى مائة
وسبعين ففيها حقة وثلاث بنات لبون، إلى مائة وثمانين ففيها حقتان وبنتا لبون،
إلى مائة وتسعين ففيها ثلاث حقاق وبنت لبون، إلى مائتين ففيها إما أربعة حقاق
أو خمس بنات لبون، وعلى هذا الحساب بالغا ما بلغ لعموم قوله عليه السلام في
كل خمسين حقة وفي كل أربعين بنت لبون.
وأسنان الإبل التي تؤخذ في الزكاة أربعة:
133

أولها بنت مخاض، وهي التي استكملت سنه ودخلت في الثانية، وإنما سميت
بنت مخاض لأن أمها ماخض وهي الحامل، والماخض: اسم جنس لا واحد له
من لفظه والواحد خلفة.
وبنت لبون، وهي التي يتم لها سنتان ودخلت في الثالثة، وسميت بنت لبون
لأن أمها قد ولدت وصار لها لبن.
والحقة وهي التي لها ثلاث سنين ودخلت في الرابعة، وسميت بذلك لأنها
استحقت أن يطرقها الفحل، وقيل: لأنها استحقت أن يحمل عليها.
والجذعة بفتح الذال، وهي التي لها أربع سنين، وقد دخلت في الخامسة،
وهي أكبر سن يؤخذ في الزكاة.
فأما ما دون بنت مخاض فأول ما ينفصل ولدها يقال له فصيل ويقال له:
حوار أيضا ثم بنت مخاض ثم بنت لبون ثم الحقة ثم الجذع، وقد فسرناها. فإذا
كان له خمس سنين ودخل في السادسة فهو الثني، فإن كان له ست سنين ودخل
في السابعة فهو رباع ورباعية، فإن كان له سبع سنين ودخل في الثامنة فهو
سديس وسدس، فإذا كان له ثمان سنين ودخل في التاسعة فهو بازل، وإنما سمي
بازلا لأنه طلع نابه، ويقال له: بازل عام وبازل عامين، والبازل والمخلف واحد.
فمن وجب عليه بنت مخاض ولم يكن عنده وعنده ابن لبون ذكر أخذ منه
لاعلى وجه القيمة بل هو مقدر فإن عدمهما كان مخيرا بين أن يشترى أيهما شاء.
فإن وجبت عليه بنت مخاض وكانت عنده إلا أنها سمينة وجميع إبله
مهازيل لا يلزمه إعطاؤها، وجاز أن يشترى من الجنس الذي وجب عليه، فإن
تبرع بإعطائه أخذ منه، فإن اختار إعطاء ثمنه أخذ منه.
والزكاة تجب بحؤول الحول فيما يراعى فيه الحول إذا كمل النصاب وباقي
الشروط، ولا يقف الوجوب على إمكان الأداء فإن أمكنه ولم يخرج كان ضامنا،
والإمكان شرط في الضمان، وفي الناس من قال: إن إمكان الأداء شرط في
الوجوب، والأول أظهر لقولهم عليه السلام لا زكاة في مال حتى يحول عليه
134

الحول ولم يقولوا: إذا أمكن الأداء، وما بين النصاب والنصاب وقص لا يتعلق به
الزكاة لا منفردا ولا مضافا إلى النصاب.
من كان له خمس من الإبل فتلف بعضها أو كلها قبل الحول فلا زكاة فيها
لأن الحول ما حال على نصاب، وإن حال الحول وأمكنه الأداء فلم يخرج زكاتها
حتى هلكت أو بعضها فعليه زكاتها لأنه ضمنها بالتفريط.
فإن حال الحول فتلفت كلها بعد الحول قبل إمكان الأداء فلا ضمان عليه
لأن شرط الإمكان لم يوجد بعد، وإن تلف منها واحدة بعد الحول قبل الإمكان
فمن قال: الإمكان شرط في الوجوب يقول: لا شئ عليه، وعلى ما قلناه: من أن
الإمكان شرط في الضمان فقد هلك بعد الوجوب وقبل الضمان خمس المال.
فإذا هلك كان من ماله ومال المساكين لأن مال المساكين أمانة في يديه لم يفرط
فيها فيكون عليها أربعة أخماس الشاة، هذا إذا هلكت واحدة بعد الحول وقبل
إمكان الأداء، وهكذا إذا هلك اثنتان أو ثلاث أو أربع. فإذا هلكت الكل فلا شئ
عليه لأن شرط الضمان ما وجد.
ومتى كان عنده تسع من الإبل فهلكت أربع بعد حؤول الحول قبل إمكان
الأداء فعليه شاة لأن وقت الزكاة جاء وعنده خمس من الإبل سواء قلنا: إن
إمكان الأداء شرط في الوجوب أو الضمان، لأن النصاب وجد على الوجهين.
فإن كانت المسألة بحالها فهلك منها خمس بعد الحول قبل إمكان الأداء
فمن قال: الإمكان شرط في الوجوب قال: لا شئ عليه، وعلى ما قلناه: من أن
الإمكان شرط في الضمان فقد هلك خمس اتساع المال بعد الوجوب وقبل
الضمان، فعليه أربعة أخماس شاة لأنه هلك من المال الذي يتعلق الوجوب به
خمسه.
فإن كانت له ثمانون شاة فهلك منها أربعون بعد الحول قبل إمكان الأداء
كان فيها شاة سواء قيل: إن الإمكان شرط في الوجوب أو الضمان، لأنه قد بقي
معه نصاب كامل يجب فيه شاة.
135

فإن كان له ست وعشرون من الإبل فحال الحول عليها ثم هلك منها
خمس قبل إمكان الأداء فمن قال: إمكان الأداء شرط في الوجوب قال: عليه أربع
شياه لأن وقت الوجوب جاء ومعه أحد وعشرون، وفي عشرين أربع شياه
وواحدة عفو، وعلى ما قلناه: إن إمكان الأداء شرط في الضمان، فقد هلك خمس
المال إلا خمس الخمس بعد الوجوب وقبل الضمان، فما هلك منه ومن مال
المساكين فيكون عليه أربعة أخماس بنت مخاض وأربعة أخماس خمسها، وعلى
المساكين خمس بنت مخاض إلا أربعة أخماس خمسها، وإنما كان الأمر على ما
قلناه في هذه المسائل لقوله عليه السلام: الإبل إذا بلغت خمسا ففيها شاة، فأوجب
فيها ولو وجبت في الذمة للزمه على كل حال.
من وجبت عليه بنت مخاض وليست عنده وعنده ابن لبون ذكر أخذ منه
ولا شئ له ولا عليه، وإن كانت عنده بنت لبون أخذت منه وأعطي شاتين
أو عشرين درهما.
وإن كانت عنده بنت مخاض وعليه بنت لبون أخذت منه ومعها شاتان
أو عشرين درهما، وبين بنت لبون وحقة مثل ما بين بنت لبون وبنت مخاض
لأيهما فضل أخذ الفضل، وكذلك ما بين حقة وجذعة سواء.
فإن وجبت جذعة وليس معه إلا ما فوقها من الأسنان أي سن كان فليس فيه
شئ مقدر إلا أنه يقوم ويترادان الفضل، وليس الخيار للساعي فيها من انتفاء
أجوده ولا للمعطي أيضا أن يعطي رديئة، وإن تشاحا أقرع بين الإبل ويقسم أبدا
حتى يبقى المقدار الذي فيه ما يجب عليه فيؤخذ عند ذلك.
وإن وجبت عليه أسنان مختلفة مثل حقة وبنت لبون وعنده إحدى النوعين
ترادا الفضل، وقد بيناه، وكذلك الحكم فيما عداهما من الأسنان يؤخذ بالقيمة
وترادا الفضل، وإن اختار المعطى أن يشترى ما وجب عليه كان له ذلك بعد أن
لا يقصد شراء رديئة.
فإن كانت إبله كلها مهازيل لزمه منها، فإن كان فيها مهازيل وسمان أخذ
136

منه وسطا ولا يؤخذ سمين ولا هزيل، فإن تبرع بإعطاء السمان جاز أخذه.
وإن اجتمع مال يمكن أن يؤخذ منه حقة على حدته أو بنت لبون مثل أن
يكون المال مائتين فإنه يجوز أن يؤخذ أربع حقاق أو خمس بنات لبون غير أن
الأفضل أن يؤخذ أرفع الأسنان ولا يتشاغل بكثرة العدد فيؤخذ الحقاق.
وإن كانت إبله صحاحا والأسنان الواجبة مراضا لا يؤخذ ذلك، ويؤخذ من
الصحاح بالقيمة، وإنما قلنا ذلك لقوله عليه السلام ولا يؤخذ هرمة ولا ذات عوار،
ويجوز النزول من الجذعة إلى بنت مخاض، والصعود من البنت مخاض إلى
جذعة على ما قدر في الشرع بين الأسنان، فأما الصعود من جذعة إلى الثني وما
فوقه فليس بمنصوص عليه لكنه يجوز على وجه القيمة، وكذلك النزول عن بنت
مخاض يجوز على وجه القيمة وإن لم يكن منصوصا عليه.
فإن كانت الإبل كلها مراضا أو معيبا لم يكلف شراء صحيح، ويؤخذ من
وسط ذلك لا من جيدها ولا رديئها فإن تشاحا استعمل القرعة، وإن كان عنده
مهازيل وسمان أخذ بمقدار ما يصيب كل واحد من النوعين منه، وإن كان نصاب
واحد نصفه مهازيل ونصفه سمان فإن تبرع صاحب المال بإعطاء ما يجب عليه
سمينا أخذ، فإن لم يفعل قوم ما يجب عليه مهزولا وسمينا، ويؤخذ منه نصفه بقيمة
المهزول ونصفه بقيمة السمين، وعلى هذا يجري هذا الباب، وكذلك حكم
المعايب سواء.
ومن وجبت عليه جذعة حائلا جاز أن يؤخذ حاملا، ويسمى ماخضا إذا
تبرع به صاحبه، وكذلك إذا ضربها الفحل ولا يعلم أهي حامل أو حائل؟ جاز
أخذها به.
الشاة التي تجب في الإبل ينبغي أن تكون الجذعة من الضأن والثنية من المعز روي ذلك سويد بن غفلة عن النبي عليه السلام، ويؤخذ
من نوع البلد لا من نوع بلد آخر لأن الأنواع تختلف فالمكية بخلاف العربية، والعربية بخلاف
النبطية، وكذلك الشامية والعراقية وسواء كان ما أخذ من الشاة ذكرا أو أنثى
137

لأن الاسم يتناوله، وسواء كانت الإبل ذكورا أو إناثا لأنه لم يفرق في الشرع
ذلك.
وأما المعلوف فلا يلزم فيه الزكاة على حال.
والمال على ضربين: صامت وناطق، وإن شئت قلت: ظاهر وباطن.
فالوجوب قد بينا أنه يتعلق بحؤول الحول فيما عدا الغلات، وبلوع النصاب،
والضمان يتعلق بإمكان الأداء مع الإسلام.
ومعناه إذا كانت الأموال باطنة من الذهب والفضة أن يقدر على دفعها إلى
من تبرأ ذمته بالدفع إليه من الإمام أو خليفة الإمام أو مستحقيه.
وإن كانت ظاهرة وهي الماشية والثمار والحبوب فالكلام في أحكامه مثل
ما قلناه في الأموال الباطنة من إمكان دفعها إلى الإمام أو خليفته أو مستحقه سواء،
فإن حمل ذلك إلى الإمام أولى لأن له المطالبة بهذه الصدقات.
فإذا ثبت ما قلناه فإذا كان عنده مثلا أربعون شاة أو خمس من الإبل فحال
عليها الحول وعدها الساعي أو لم يعدها فتلف بعضها قبل أن يمكنه تسليمها فما
تلف فمنه ومن المساكين على ما بيناه وهكذا الحكم فيه.
إذا حال الحول على مائتي درهم فأفرد منها خمسة فتلف قبل إمكان الأداء
ضمن بالحصة. إذا قبض الساعي مال الزكاة برئت ذمة المزكي فإن هلك في يد
الساعي من غير تفريط لم يكن عليه ضمان، وإن كان بتفريط ضمن الساعي،
وتفريطه أن يقدر على إيصاله إلى مستحقه فلا يفعل على ما بيناه.
الصعود والنزول في صدقة الإبل واحد وهو منصوص عليه من غير قيمة،
ويجوز مثل ذلك في سائر أنواع ما يجب فيه الزكاة من البقر والغنم إلا أنه يكون
بقيمة من كان عنده ست وعشرون من الإبل فمرت ثلاث سنين يلزمه بنت
مخاض للسنة الأولى، ثم ينقص عن النصاب الذي يجب فيه بنت مخاض فيلزمه
خمس شياه في السنة الثانية، وفي الثالثة ينقص عن النصاب الذي فيه خمس شياه
فيلزمه أربع شياه فيجتمع عليه بنت مخاض وتسع شياه، ومن كان عنده خمس
138

من الإبل ومرت به ثلاث سنين لم يلزمه أكثر من شاة واحدة لأن الشاة استحقت
فيها فيبقي أقل من خمس فلا يلزمه فيها شئ.
فصل: في زكاة البقر:
شرائط زكاة البقر مثل شرائط الإبل وهي: الملك والنصاب والحول
والسوم.
والنصب في البقر أربعة:
أولها: ثلاثون فيه تبيع أو تبيعة.
والثاني: أربعون فيه مسنة لا غير، ولا يجوز الذكر إلا بالقيمة.
والثالث: ستون فيه تبيعان أو تبيعتان.
والرابع: في كل أربعين مسنة وكل ثلاثين تبيع أو تبيعة، فإن اجتمع عدد
يمكن أن يخرج عن كل واحد منهما على الانفراد كان مخيرا في إخراج أيهما
شاء مثال ذلك مائة وعشرون من البقر فإن شاء أخرج ثلاث مسنات، وإن شاء
أربع تبائع، وإخراج المسنات أفضل.
والأوقاص فيها أربعة: أولها: تسع وعشرون، والثاني: تسعة ما بين الثلاثين
إلى الأربعين. والثالث: تسع عشرة ما بين أربعين إلى ستين، والرابع: تسعة
تسعة بالغا ما بلغ.
والفرض فيها اثنان: تبيع أو تبيعة مخير في ذلك، والثاني: مسنة لا غير،
والخيار إلى رب المال غير أنه لا يؤخذ منه الردئ، ولا يلزمه الجياد بل يؤخذ
وسطا فإن تشاحا استعمل القرعة.
فأما أسنان البقر فإذا استكمل ولد البقر سنة ودخل في الثانية فهو جذع
وجذعة، فإذا استكمل سنتين ودخل في الثالثة فهو ثني وثنية، فإذا استكمل ثلاثا
ودخل في الرابعة فهو رباع ورباعية، فإذا استكمل أربعا ودخل في الخامسة فهو
سديس وسدس، فإذا استكمل خمسا ودخل في السادسة فهو صالغ - بالصاد
139

غير المعجمة والغين - ثم لا اسم له بعد هذا، وإنما يقال: صالغ عام، وصالغ
عامين، وصالغ ثلاثة أعوام.
قال أبو عبيدة: تبيع لا يدل على سن، وقال غيره: إنما سمي تبيعا لأنه يتبع
أمه في الرعي، ومنهم من قال: لأن قرنه يتبع أذنه حتى صارا سواء. فإذا لم تدل
اللغة على معنى التبيع والتبيعة فالرجوع فيه إلى الشرع، والنبي عليه السلام قد
بين وقال: تبيع أو تبيعة جذع أو جذعة، وقد فسره أبو جعفر وأبو عبد الله
عليه السلام بالحولي.
وأما المسنة فقالوا أيضا: فهي التي تم لها سنتان وهو الثني في اللغة، فينبغي
أن يعمل عليه، وروي عن النبي عليه السلام أنه قال: المسنة هي الثنية فصاعدا.
ولا زكاة في شئ من البقر حتى يحول عليه الحول، ولا تعد لا مع أمهاتها
ولا منفردا عنها بل لكل شئ حول نفسه وسواء كانت متولدة من أمهاتها أو
مستفادة من غيرها أو من جنسها أو غير جنسها، وكذلك حكم الإبل والغنم
سواء.
ولا زكاة في شئ من العوامل منها، ولا المعلوف مثل ما قلناه في الإبل
سواء، فإن كانت المواشي معلوفة أو للعمل في بعض الحول وسائمة في بعضه
حكم للأغلب، فإن تساويا فالأحوط إخراج الزكاة فإن قلنا: لا يجب فيها الزكاة
كان قويا لأنه لا دليل على وجوب ذلك في الشرع والأصل براءة الذمة.
فصل: في زكاة الغنم:
شرائط زكاة الغنم مثل شرائط الإبل والبقر، وهي: الملك والنصاب والسوم
والحول.
والنصب في الغنم خمسة:
أولها: أربعون فيها شاة.
والثاني: مائة وإحدى وعشرون فيه شاتان.
140

الثالث: مائتان وواحدة فيها ثلاث شياه.
والرابع: ثلاثمائة وواحدة فيها أربع شياه.
الخامس: أربع مائة يؤخذ من كل مائة شياه بالغا ما بلغ.
والعفو فيها خمسة: أولها: تسع وثلاثون. الثاني: ثمانون، وهو ما بين
أربعين إلى مائة وأحد وعشرين. الثالث: تسعة وسبعون وهو ما بين مائة وأحد
وعشرين إلى مائتين وواحدة. الرابع: مائة إلا واحدا ما بين مائتين وواحد إلى
ثلاثمائة وواحد. الخامس: مائة إلا اثنتين وهو ما بين ثلاثمائة وواحدة إلى أربع
مائة، ولا يؤخذ الربا وهي التي تربي ولدها إلى خمسة عشر يوما وقيل: خمسين
يوما فهي في هذه الحال بمنزلة النفساء من ابن آدم، ولا المخاض وهي الحامل ولا
الأكولة وهي السمينة المعدة للأكل، ولا الفحل.
وأسنان الغنم أول ما تلد الشاة يقال لولدها سخلة ذكرا كان أو أنثى في
الضأن والمعز سواء، ثم يقال بعد ذلك بهيمة ذكرا كان أو أنثى فهما سواء. فإذا
بلغت أربعة أشهر فهي من المعز جفر للذكر والأنثى جفرة، وجمعها جفار. فإذا
جازت أربعة أشهر فهي العقود وجمعها عقدان، وعريض وجمعها عراض، ومن
حين ما يولد إلى هذه الغاية يقال لها: عناق للأنثى والذكر جدي، فإذا استكمل
سنة فالأنثى عنز والذكر تيس، فإذا دخلت في الثانية فهي جذعة، والذكر جذع،
فإذا دخلت في الثالثة فهي الثنية والذكر الثني، فإذا دخلت في الرابعة فرباع
ورباعية، فإذا دخلت في الخامسة فهي سديس وسدس، فإذا دخلت في السادسة
فهي صالغ. ثم لا اسم له بعد هذا السن لكن يقال: صالغ عام، وصالغ عامين،
وعلى هذا أبدا.
وأما الضأن فالسخلة والبهيمة مثل ما في المعز سواء ثم هو حمل للذكر
والأنثى حتى دخل إلى سبعة أشهر، فإذا بلغت سبعة أشهر قال ابن الأعرابي: إن
كان بين شاتين فهو جذع، وإن كان بين هرمين فلا يقال جذع حتى يستكمل
ثمانية أشهر وهو جذع أبدا حتى يستكمل سنة، فإذا دخل في الثانية فهو ثني وثنية
141

على ما ذكرناه في المعز سواء إلى آخرها، وإنما قيل: جذع في الضأن إذا بلغ
سبعة أشهر وأجزأ في الأضحية لأنه إذا بلغ هذا الوقت فإن له نزو وضراب، والمعز
لا ينزو حتى يدخل في السنة الثانية فلهذا أقيم الجذع في الضحايا مقام الثني من
المعز، وأما الذي يؤخذ في الصدقة من الضأن الجذع ومن المعز الثني.
فإذا ثبت ذلك فلا يخلو حال الغنم من أمور: إما أن يكون كلها من السن
الذي يجب فيها فإنه يؤخذ منها، فإن كانت دونها في السن جاز أن يؤخذ منه
بالقيمة، وإن كانت فوقه وتبرع بها صاحبها أخذت منه، وإن لم يتبرع رد عليه
فاضل مما يجب عليه ولا يلزمه أكثر ما يجب عليه، ومتى كان عنده أربعون شاة
أحد عشر شهرا وأهل الثاني عشر فقد وجبت عليه الصدقة وأخذت منها، فإن
ماتت قبل إمكان أدائه لا يجب عليه ضمانها، وإن ماتت بعد إمكان أدائها ضمنها،
وإن لم يهل الثاني عشر وولدت أربعين سخلة وماتت الأمهات لم تجب الصدقة
في السخال وانقطع حول الأمهات واستؤنف حول السخال.
إذا كان المال ضأنا وماعزا وبلغ النصاب أخذ منه لأن كل ذلك يسمى
غنما، ويكون الخيار في ذلك إلى رب المال إن شاء أعطي من الضأن، وإن شاء
أعطي من المعز لأن اسم ما يجب عليه من الشاة يتناولهما إلا أنه لا يؤخذ أردأها، ولا
يلزمه أعلاها وأسمنها بل يؤخذ وسطا، فإن كانت كلها ذكور أخذ منه ذكرا، وإن
كانت إناثا أخذ منه أنثى فإن أعطا بدل الذكر أنثى أو بدل الأنثى ذكرا أخذ منه
لأن الاسم يتناوله.
إذا قال رب الماشية: لم يحل على مالي الحول، صدق ولا يطالب ببينة ولا
يلزمه يمين، ولا يقبل قول الساعي عليه لقول أمير المؤمنين عليه السلام لعامله: لا
تخالط بيوتهم بل قل لهم: هل لله في أموالكم حق؟ فإن أجابوك نعم فامض
معهم، وإن لم يجبك مجيب فارجع عنهم.
وأما إذا شهد عليه شاهدان عدلان بحؤول الحول قبل ذلك وأخذ منه
الحق.
142

إذا كان من جنس واحد نصاب، وكانت من أنواع مختلفة مثل أن يكون
عنده أربعون شاة بعضها ضأن وبعضها ما عز، وبعضها مكية وبعضها عربية
وبعضها شامية يؤخذ منها شاة لأن الاسم يتناوله، ولا يقصد أخذ الأجود ولا يرضى
بأدونه بل يؤخذ ما يكون قيمته على قدر قيمة المال، وكذلك الحكم في ثلاثين
من البقر بعضها سوسي وبعضها نبطي وبعضها جواميس يؤخذ منها تبيع أو تبيعة
من أوسط ذلك على قدر المال، وكذلك الإبل إذا كانت عنده ست وعشرون
إبلا بعضها عربية وبعضها بختية وبعضها ألوك وغير ذلك وجبت فيها بنت
مخاض على قدر المال.
وكذلك الحكم في الغلات إذا اتفق جنس واحد من أنواع مختلفة مثل أن
يكون طعام بلغ النصاب بعضه أجود من بعض أو التمر بعضه أجود من بعض أو
الزبيب مثل ذلك أخذ ما يكون على قدر المال.
وكذلك القول في الذهب والفضة سواء بأن يكون بعضه دنانير صحاحا
وبعضها مكسرة فالحكم فيه سواء. فإن كان سبائك أو غير منقوشة فلا زكاة فيها
على ما نبينه إن شاء الله.
إذا كان عنده نصاب في بلدين من الماشية كانت فيها فريضة واحدة، مثال
ذلك أن يكون له أربعون شاة في بلدين يلزمه زكاته لأنه قد اجتمع في ملكه
نصاب وإن كانت أقل من نصاب في بلدين لا يلزمه كذلك، وإن كانت له
ثمانون شاة أو مائة وعشرون شاة في بلدين أو ثلاث بلاد لا يلزمه أكثر من شاة
واحدة لأنها في ملك واحد، وإن كان في كل بلد نصاب فرب المال بالخيار بين
أن يعطي في أي البلدين شاء.
فإن وجبت عليه شياه كثيرة وله غنم في مواضع متفرقة يستحب أن يفرق ما
يجب عليه في الموضع الذي فيه الماشية إذا وجد مستحقه فيه فإن كان له ثمانون
شاة في بلدين فطالبه الساعي في كل بلد شاة فقال: إني أخرجتها في البلد الآخر
قبل قوله، ولا يلزمه يمين لقول أمير المؤمنين لساعيه المقدم ذكره فجعل الأمر إلى
143

صاحب المال ولم يأمره باليمين، فإن كان عنده مال فذكر أنه وديعة أو لم يحل
عليه الحول قبل قوله ولا يلزمه اليمين لا وجوبا ولا استحبابا.
والزكاة تجب في الأعيان التي يجب فيها الزكاة لا في الذمة لما روي عنهم
عليه السلام إن الغنم إذا بلغت أربعين ففيها شاة، والإبل إذا بلغت خمسا ففيها
شاة، والبقر إذا بلغت ثلاثين ففيها تبيع أو تبيعة، والدنانير إذا بلغت عشرين ففيها
نصف دينار، والدراهم إذا بلغت مائتين ففيها خمسة دراهم، وهذا صريح بأن
الوجوب يتعلق بالأعيان لا بالذمة ولأنه لا خلاف أنه لو تلف المال كله بعد الحول
لم يلزمه شئ فدل على أن الفرض يتعلق بالأعيان لا بالذمة.
من كانت عنده أربعون شاة فحال عليها الحول فولدت شاة منها، ثم حال
عليها الحول الثاني فولدت شاة ثانية، ثم حال عليها حول ثالث وجب عليه ثلاث
شياه لأن الحول الأول أتى عليه وهي أربعون وجب عليه فيها شاة، فلما ولدت
تمت من الرأس أربعين، فلما حال الحول الثاني فقد حال على الأمهات وعلى
السخل الحول وهي أربعون وجب فيها شاة أخرى فلما ولدت تمت أربعين فلما
حال عليها الحول وجب عليه ثلاث شياه.
فأما إذا كانت أربعين ولم تلد منها شئ أصلا وجبت فيها شاة، فلما حال
عليها الحول الثاني والثالث لم يلزمه أكثر من شاة واحدة لأن المال قد نقص عن
النصاب، فإن كان معه مائتا شاة وواحدة ومرت به ثلاث سنين كان عليه سبع
شياه لأنه يلزمه في السنة الأولة ثلاث شياه، وفي كل سنة شاتان لأن المال في
الثاني والثالث قد نقص عن مائتين وواحدة فلم يلزمه أكثر من شاتين، وعلى هذا
الترتيب بالغا ما بلغ وبقى ما بقي.
ومن قال: إن الزكاة تتعلق بالذمة، فمتى مر على ذلك ثلاث سنين فما زاد
عليها كان عليه في كل سنة مثل ما في الأولى، فمتى استكمل أربعين سنة صار
كلها للفقراء والمساكين.
من كان عنده نصاب من الماشية فغصب ثم عادت إلى ملكه في مدة
144

الحول، استأنف بها الحول سواء كانت سائمة عنده أو معلوفة عند الغاصب أو
بالعكس من ذلك، وقيل: إنه إذا كمل الحول فعليه الزكاة لأنه مالك للنصاب،
وقد حال عليه الحول، والأول أحوط لأنه يراعى في المال إمكان التصرف فيه
طول الحول وهذا لم يتمكن.
وعلى هذا إذا كان معه دنانير أو دراهم نصابا فغصبت أو سرقت أو دفنها
فنسيها فليس عليه فيها الزكاة ولا يتعلق في أعيانها الزكاة، فإذا عادت إليه
استأنف بها الحول ولا يلزمه أن يزكي لما مضى، وقد روي: أنه يزكي لسنة
واحدة وذلك محمول على الاستحباب.
ومن أسر في بلد الشرك وله في بلد الإسلام مال فعلى ما اعتبرناه من إمكان
التصرف في المال لا زكاة عليه، وعلى القول الثاني يزكي لما مضى لحصول
الملك والنصاب، ويقوي القول الآخر قولهم عليه السلام: لا زكاة في مال
غائب.
إذا كانت عنده أربعون شاة فنتجت شاة ثم ماتت واحدة منها فلا يخلو من
أن يموت قبل الحول أو بعده. فإن ماتت قبله فليس فيها شئ سواء ولدت الشاة
في حال موت الأخرى أو بعدها لأن الحول ما حال على النصاب كاملا،
والسخال لا تعد مع الأمهات على ما بيناه، وإن ماتت بعد الحول أخذ منها شاة
لأنها وجبت فيها بحؤول الحول إلا أن على ما قلناه: من أن الشاة يجب فيها يجب
أن ينقص من الشاة جزء من أربعين لأن الشاة ماتت من مال رب الغنم، ومن مال
المساكين لأن مالهم واحدة منها.
ومن كانت عنده أربعون شاة فضلت واحدة ثم عادت قبل حؤول الحول أو
بعده وجب عليه فيها شاة لأن النصاب والملك وحؤول الحول قد حصل فيه،
فإن لم يعد إليه أصلا فقد انقطع الحول بنقصان النصاب فلا يلزمه شئ، وإن
قلنا: إنها حين ضلت انقطع الحول لأنه لم يتمكن من التصرف فيها مثل مال
الغائب فلا يلزمه شئ، وإن عادت كان قويا.
145

المسلم الذي ولد على فطرة الإسلام إذا ارتد وله مال فلا يخلو أن يكون قد
حال عليه الحول أو لم يحل.
فإن كان قد حال عليه الحول وجب في ماله الزكاة وأخذت منه، ولا ينتظر
عوده إلى الإسلام فإنه يجب قتله على كل حال.
وإن كان لم يحل على ماله الحول لم يجب فيه شئ، وكان المال لورثته
يستأنف به الحول، فإن ملكه قد زال بارتداده ووجب القتل عليه على كل حال،
وإن كان قد أسلم عن كفر ثم ارتد لم يزل ملكه، فإن كان قد حال على المال
الحول أخذ منه الزكاة، وإن لم يكن حال الحول انتظر به حؤول الحول ثم تؤخذ
منه الزكاة وإن عاد إلى الإسلام وإلا قتل، فإن لحق بدار الحرب ولا يقدر عليه
زال ملكه وانتقل المال إلى ورثته إن كان له ورثة وإلا إلى بيت المال، فإن كان
حال عليه الحول أخذ منه الزكاة، وإن لم يحل عليه لم يجب عليه شئ من غل ما
له أو بعضه حتى لا يؤخذ منه صدقة، فإذا وجد أخذ منه الواجب من غير زيادة
عليه، وعلى الإمام تعزيره.
المتغلب على أمر المسلمين إذا أخذ من الإنسان صدقة ما له لم يجزئ عنه
ذلك، ويجب عليه إعادته لأنه ظلم بذلك، وقد روي أن ذلك يجزئه، والأول
أحوط.
المتولد بين الظباء والغنم إن كانت الأمهات ظباء لا خلاف أنه ليس فيه
زكاة، وإن كانت الأمهات غنما فالأولى أن يجب فيها الزكاة لأن اسم الغنم
يتناوله فإنها تسمى بذلك، وإن قلنا: لا يجب عليه شئ لأنه لا دليل عليه والأصل
براءة الذمة كان قويا، والأول أحوط.
الخلطة لا تأثير لها في الزكاة سواء كانت خلطة أعيان أو خلطة أوصاف بل
يعتبر ملك كل مالك على حدته، فإذا بلغ ملكه نصابا تجب فيه الزكاة أخذ منه
في موضع واحد كان أو مواضع متفرقة وإن لم يبلغ ملكه مفردا النصاب لم
يلزمه شئ ولا يؤخذ من ماله شئ، وسواء كانت الخلطة في المواشي أو الغلات
146

أو الدراهم أو الدنانير وعلى كل حال.
وصفة خلطة الأعيان أن يكون بين شريكين مثلا أربعون شاة فليس عليهما
شئ، فإن كان بينهما ثمانون شاة كان عليهما شاتان، وإن كانت مائة وعشرين
بين ثلاث كان عليهم ثلاث شياه، وإن كانت المائة وعشرين لاثنين كان عليهما
شاتان، وإن كانت لو أحد كان عليه شاة واحدة، وكذلك حكم الأصناف الباقية
من الإبل والبقر غير ذلك يجري على هذا المنهاج.
وخلطة الأوصاف أن يكون الملك متميزا غير أنهم يشتركون في مرعى واحد أو شرب
واحد أو مراح واحد أو محل واحد فالحكم مثل ذلك سواء،
وقد بينا أن حكم الدنانير والدراهم في أنه لا يجب الزكاة في نصاب واحد إذا كان
بين شريكين حكم المواشي سواء، وكذلك حكم الغلات.
إذا كان وقف على إنسان واحد أو جماعة ضيعة فدخل منها الغلة وبلغت
نصابا فإن كان لواحد تجب فيها الزكاة، وإن كان لجماعة وبلغ نصيب كل
واحد النصاب كان عليهم الزكاة، وإن نقص عن ذلك لا يلزمهم شئ لأن ملك
كل واحد قد نقص عن النصاب وإنما أوجبنا الزكاة لأنهم يملكون الغلة، وإن
كان الوقف غير مملوك.
وإن وقف على إنسان أربعين شاة وحال عليها الحول لا تجب فيها الزكاة
لأنها غير مملوكة والزكاة تتبع الملك، فإن ولدت وحال على الأولاد الحول
وكانت نصابا وجب عليه فيها الزكاة. إذا كان الواقف شرط أن جميع ما يكون
منها للموقوف عليه، وإن ذكر أن الغنم وما يتوالد عنها وقف وإنما لهم منافعها من
اللبن والصوف لا تجب عليهم الزكاة لما قلناه من عدم الملك.
ومعنى قول النبي عليه السلام: عليه وآله. لا نجمع
بين متفرق، ولا نفرق
بين مجتمع إنه إذا كان لإنسان مائة وعشرون شاة في ثلاثة مواضع لم يلزمه أكثر
من شاة واحدة لأنها قد اجتمعت في ملكه، فلا يفرق عليه ليؤخذ ثلاث شياه،
وكذلك إن كان أربعون شاة بين شريكين فقد تفرق في الملك فلا يجمع ذلك
147

ليؤخذ شاة، وعلى هذا سائر الأشياء ولا فرق بين أن تكون الشركة من أول الحول
أو بعد الحول بزمان، وسواء كان ذلك ببيع أو غير بيع كل ذلك لا معتبر به.
فإذا ثبت ذلك فكل ما يتفرع على مال الخلط، وكيفية الزكاة فيها يسقط
عنا وهي كثيرة.
من اشترى أربعين شاة ولم يقبضها حتى حال عليها الحول فإن كان متمكنا
من قبضها أي وقت شاء كان عليه الزكاة، وإن لم يتمكن من قبضها لم يكن عليه
شئ.
من كان له أربعون شاة فاستأجر أجيرا بشاة منها ثم حال عليها الحول لم
يجب فيها الزكاة لأنه قد نقص الملك عن النصاب سواء أفرد تلك الشاة أو لم
يفرد.
والخلطة لا تتعلق بها الزكاة على ما بيناه.
المكاتب المشروط عليه لا زكاة في ماله ولا على سيده لأنه ليس بملك
لأحدهما ملكا صحيحا لأن العبد لا يملكه عندنا، والمولى لا يملكه إلا بعد عجزه،
فإذا ثبت ذلك فإذا أخذه السيد استأنف به الحول، وكذلك إن أدى مال مكات بته
استأنف الحول بما يبقى معه، وعلى هذا لا يلزمه أيضا الفطرة لأنه غير مالك، ولا
يلزم مولاه إلا أن يكون في عيلولته، وإن قلنا: إنه يلزم مولاه فطرته كان قويا لعموم
الأخبار في أنه تلزمه الفطرة أن يخرجه عن نفسه وعن مملوكه والمشروط عليه
مملوك، وإن كان غير مشروط عليه يلزمه بمقدار ما تحرر منه، ويلزم مولاه بمقدار
ما تبقى، وإن قلنا: لا يلزم واحدا منهما لأنه لا دليل عليه لأنه ليس بحر فيلزمه حكم
نفسه ولا هو مملوك لأنه يحرر منه جزء، ولا هو من عيلولة مولاه فيلزمه فطرته
لمكان العيلولة كان قويا.
إذا ملك المولى عبده مالا فلا يملكه، وإنما يجوز له التصرف فيه والتسري
منه إذا كان ذلك مطلقا، ويلزم المولى زكاته لأنه ملكه لم يزل عنه، و أما فاضل
الضريبة وأروش ما يصيبه في نفسه من الجنايات فمن أصحابنا من قال: إنه يملكه،
148

فعلى قوله يلزمه الزكاة، ومنهم من قال: لا يملكه، وهو الصحيح فعلى المولى
زكاته لأنه له، ويجوز له أن يأخذ منه أي وقت شاء ويتصرف فيه، وإن جاز للعبد
أيضا التصرف فيه.
من نقص ماله عن النصاب لحاجته إليه لم يلزمه الزكاة إذا حال عليه
الحول، وإن نقصه من غير حاجة فعل مكروها ولا يلزمه شئ إذا كان التنقيص
قبل الحول فأما إذا نقصه بعد الحول فإنه يلزمه الزكاة.
إذا بادل جنسا بجنس مخالف مثل إبل ببقر أو بقر بغنم أو غنما بذهب أو
ذهبا بفضة أو فضة بذهب استأنف الحول بالبدل وانقطع حول الأول، وإن فعل
ذلك فرارا من الزكاة لزمته الزكاة، وإن بادل بجنسه لزمه الزكاة مثل ذهب
بذهب أو فضة بفضة أو غنم بغنم وما أشبه ذلك.
ومتى بادل ما تجب الزكاة في عينه بما يجب الزكاة في عينه لم تخل
المبادلة من أحد أمرين: إما أن تكون صحيحة أو فاسدة، فإن كانت صحيحة
استأنف الحول من حين المبادلة، فإن أصاب بما بادل به عيبا لم يخل من أحد
أمرين: إما أن يكون علم قبل وجوب الزكاة فيه أو بعد وجوبها.
فإن كان علم بالعيب قبل وجوب الزكاة فيه مثل أن مضى من حين المبادلة
دون الحول كان له الرد بالعيب، فإذا رد استأنف الحول من حين الرد لأن الرد
بالعيب فسخ للعقد في الحال وتجدد ملك في الوقت.
فإذا كان بعد وجوب الزكاة فيه لم يخل من أحد أمرين: إما أن يعلم قبل
إخراج الزكاة منه أو بعد إخراجها. فإن كان قبل إخراج الزكاة منه لم يكن له
رده بالعيب، لأن المساكين قد استحقوا جزءا من المال على ما بيناه من أن الزكاة
تتعلق بالمال لا بالذمة، وليس له رد ما يتعلق حق الغير به، فإن أخرج الزكاة
منها لم يكن له رده بالعيب وله المطالبة بأرش العيب لأنه قد تصرف فيه، وإن
أخرج من غيرها كان له الرد.
وإن كانت المبادلة فاسدة فالملك ما زال من واحد منهما وبنى كل واحد
149

منهما على حوله، ولم يستأنف.
من كان عنده نصاب من مال فحال عليه الحول ووجبت فيه الزكاة فباع
رب المال النصاب كله فقد باع ما يملك وما لا يملك من حق المساكين، لأنا قد
بينا أن الحق يتعلق بالعين لا بالذمة فيكون العقد ماضيا فيما يملكه وفاسدا فيما
لا يملكه، فإن أقام عوضا للمساكين من غيره مضى البيع صحيحا لأن له أن يقيم
حق المساكين من غير ذلك المال، وإن لم يقم كان للمشتري رد المال بالعيب
لأنه باع مالا يملك وليس يمكنه مقاسمة المساكين لأن ذلك إلى رب المال وهو
المطالب به.
إذا أصدق الرجل امرأته شيئا ملكته بالعقد وضمنته بالقبض فهو من ضمانه
حتى يقبض فإذا قبضت صار من ضمانها، فإن طلقها لم تخل من أحد أمرين: إما
أن يكون قبل الدخول أو بعده. فإن كان بعد الدخول استقر كله لها ولم يعد إليه
شئ منه، وإن كان قبل الدخول عاد إليه نصف الصداق ولا يخلو أن تكون
العين باقية أو تالفة. فإن كانت قائمة أخذ نصفها دون قيمتها، وإن كان لها نماء
نصف نمائها، وإن كانت تالفة نظر فإن كان لها مثل مثل الحبوب والأدهان
والأثمار كان له نصف المثل، وإن لم يكن له مثل كالعبد والثياب وغيرهما
رجع بنصف القيمة يوم العقد لأن بالعقد قد صار ملكها، وإن كان قد زاد في
الثمن كانت الزيادة لها، وإن نقص كان من ضمانها يرجع عليها به.
وإن كان أصدقها أربعين شاة معينة فقد ملكها بالعقد وجرت في الحول من
حين ملكتها قبل القبض وبعده، فإن طلقها بعد الدخول بها فقد استقر لها الملك
والصداق ولا شئ له فيه، فإذا حال الحول وجبت فيه الزكاة، وإن كان قبل
الدخول لم يخل من أحد أمرين: إما أن يكون قبل الحول أو بعده. فإن كان قبل
الحول عاد إليه النصف، وإن كان بعد الحول لم يخل من ثلاثة أحوال: إما أن
يكون قد أخرجت الزكاة من عينها أو من غيرها أو لم يخرج الزكاة أصلا فإن
كان قد أخرجت من غيرها أخذ الزوج نصف الصداق لأنه أصابه بعينه حين
150

الطلاق، وإن كانت أخرجت الزكاة من عينها وبقى تسعة وثلاثون شاة كان له
منها عشرون لأنه نصف ما أعطاها، وإن لم يكن أخرجت الزكاة بعد نظرت فإن
أخرجتها من عين المال كان كما لو طلقها بعد أن أخرجتها من عينه أخذ مما بقي
عشرين شاة، وإن أخرجتها من غيرها فهو كما لو طلقها بعد أن أخرجتها من غيره،
وإن لم يكن أخرجت الزكاة ولكن اقتسمت هي والزوج الصداق كان ما أخذه
الزوج صحيحا، وعليها فيما أخذته حق أهل الصدقات فإن هلك نصيبها وبقى
نصيب الزوج كان للساعي أن يأخذ حقه من نصيب الزوج، ويرجع الزوج
عليها بقيمته لأن الزكاة استحقت في العين دون الذمة، هذا إذا أصدقها أربعين شاة
بأعيانها.
فأما إذا أصدقها أربعين شاة في الذمة فلا يتعلق بها الزكاة لأن الزكاة لا تجب
إلا فيما يكون سائما، وما يكون في الذمة لا يكون سائما، وأما إذا قال لها:
أصدقتك أربعين شاة، من جملة غنم له كثيرة كان الصداق باطلا لأنه مجهول.
إذا وجبت الزكاة في ماله فرهن المال قبل إخراج الزكاة منه لم يصح
الرهن في قدر الزكاة ويصح فيما عداه، وكذلك الحكم لو باعه صح فيما عدا
مال المساكين، ولا يصح فيما لهم.
ثم ينظر فإن كان الراهن مال غيره وأخرج حق المساكين منه سلم الرهن
جميعه وكذلك البيع، وإن لم يكن له مال سواه أخرج الزكاة منه، فإذا فعل
ذلك كان الرهن فيما عدا مال المساكين، ومتى رهن قبل أن تجب فيه الزكاة ثم
حال الحول وهو رهن وجبت الزكاة وإن كان رهنا لأن ملكه حاصل.
ثم ينظر فيه فإن كان للراهن مال سواه كلف إخراج الزكاة منه، وإن كان
معسرا فقد تعلق بالمال حق المساكين يؤخذ منه لأن حق المرتهن في الذمة بدلالة
أنه إن هلك المال رجع على الراهن بماله، ثم يليه حق الرهن الذي هو رهن به،
وإن كان على صاحبه دين آخر سواه تعلق بعد إخراج الحقين به.
151

فصل: في زكاة الذهب والفضة:
شروط زكاة الذهب والفضة أربعة: الملك والنصاب والحول وكونهما
مضروبين دنانير أو دراهم منقوشتين. ولكل واحد منهما نصابان وعفوان:
فأول نصاب الذهب: عشرون مثقالا ففيه نصف دينار.
والثاني: كلما زاد أربعة فيه عشر دينار بالغا ما بلغ.
والعفو الأول فيه: ما نقص عن عشرين مثقالا ولو حبة وحبتين.
والثاني: ما نقص عن أربعة مثاقيل مثل ما قلناه.
وأول نصاب الفضة: مائتا درهم ففيه خمسة دراهم.
والثاني: كلما زاد أربعون درهما ففيه درهم.
والعفو الأول: ما نقص عن المائتين ولو حبة وحبتين.
والثاني: ما نقص عن الأربعين مثل ذلك، ولا اعتبار بالعدد في الجنسين
سواء كانت ثقالا أو خفافا، وإنما المراعي الوزن، والوزن هو ما كان من أوزان
الإسلام كل درهم ستة دوانيق وكل عشرة سبعة مثاقيل.
إذا كان معه دراهم جيدة الثمن مثل الرضوية والراضية ودراهم دونها في
القيمة ومثلها في العيار ضم بعضها إلى بعض، وأخرج منها الزكاة، والأفضل أن
يخرج من كل جنس ما يخصه، وإن اقتصر على الإخراج من جنس واحد لم
يكن به بأس لأنه عليه السلام قال: في كل مائتين خمسة دراهم، ولم يفرق،
وكذلك حكم الدنانير سواء.
الدراهم المحمول عليها لا يجوز إنفاقها إلا بعد أن يتبين ما فيها، ولا يجب
فيها الزكاة حتى يبلغ ما فيها من الفضة نصابا، فإذا بلغ ذلك فلا يجوز أن يخرج
دراهم مغشوشة، وكذلك إن كان عليه دين دراهم فضة لا يجوز أن يعطي
مغشوشة، وإن أعطى لم تبرأ ذمته بها وكان عليه تمامها.
ومتى كان معه مثلا ألف درهم مغشوشة فإن أخرج منها خمسة وعشرين
درهما فضة خالصة فقد أجزأه لأنه أخرج الواجب وزيادة، وإن أراد إخراج
152

الزكاة منها ففيه ثلاث مسائل:
أحدها: أن يحيط علمه بقدر الفضة فيها فيعلم أن في الألف ستمائة فضة، وفي
كل عشرة ستة، فإذا عرف ذلك أخرج الزكاة منها خمسة وعشرين من الألف
فيكون قد أخرج زكاة ستمائة خمسة عشرة نقرة.
الثانية: أن لا يحيط علمه بالمقدار لكنه إذا استظهر عرف أنه أعطى الزكاة
وزيادة. فإنه يخرج على هذا الاستظهار ما يقطع بأنه أخرج قدر الواجب.
الثالثة: قال: لا أعرف مبلغها ولا أستظهر قيل له: عليك أن تصفيها حتى
تعرف مبلغها خالصة فحينئذ يخرج الزكاة على ذلك، ولا فرق بين أن يتولى
ذلك بنفسه أو يحمله إلى الساعي لأنه حمله على وجه التبرع دون الوجوب لأن
الأموال الباطنة لا يلزمه حملها إلى الساعي، وإنما يستحب له حملها إلى الساعي.
فأما سبائك الذهب والفضة فإنه لا تجب فيها الزكاة إلا إذا قصد بذلك
الفرار فيلزمه حينئذ الزكاة. فإذا ثبت ذلك فمتى كان معه ذهب وفضة مختلطين
مضروبين دراهم أو دنانير يلزمه أن يخرج بمقدار ما فيه من الذهب ذهبا، وما فيها
من الفضة فضة، وإن كانت أواني ومراكب وحليا وغير ذلك أو سبائك فإنه
لا يلزمه زكاتها، وكذلك الحكم فيما كان مجراة في السقوف المذهبة وغير
ذلك، وإن كان فعل ذلك محضورا لأنه من السرف غير أنه لا يلزمه الزكاة،
ومتى قصد بذلك الفرار لزمه زكاته في جميع ذلك فإن تحقق أخرج ما تحقق
وإلا أخذ بالاستظهار أو صفاها.
إذا كان معه مائتا درهم خالصة أخرج منها خمسة دراهم مغشوشة لم
يجزئه، وعليه إتمام الجياد سواء كانت نصفين أو أقل أو أكثر، وإذا كان معه
خلخال فيه مائتان وقيمته لأجل الصنعة ثلاث مائة لا يلزمه زكاته لأنه ليس
بمضروب، فإن كان قد فر به من الزكاة لزمه زكاته على قول بعض أصحابنا
فعلى هذا يلزمه ربع عشرها، وفيه خمس مسائل: فإن كسرها لا يمكنه لأنه يتلف
ماله ويهلك قيمته، فإن أعطى خمسة قيمتها سبعة ونصف قبلت منه لأنه مثل ما
153

وجب عليه، وإن جعل للفقراء ربع عشرها إلى وقت بيعها قبل منه ذلك، وإن
أعطى بقيمته ذهبا يساوي سبعة ونصف أجزأه أيضا لأنه يجوز إخراج القيمة
عندنا، وإن كان مكان الخمسة سبعة دراهم ونصف لم يقبل منه لأنه ربا.
أواني الذهب والفضة محظور استعمالها، ولا قيمة للصنعة يتعلق الزكاة بها
إلا إذا قصد الفرار فإنه إذا قصد الفرار لزمه ربع عشرها، وفيه الخمس مسائل، فإن
أراد كسرها للزكاة جاز، وإن أعطى مشاعا جاز، وإن أعطى من غيره من جنسه
وطبعه أجزأه، وإن أعطى بقيمته ذهبا أو غيره جاز، وإن أعطى بقيمته فضة لم يجز
لأنه ربا.
ومن أتلفها لزمه قيمتها قيمة الفضة لأن الصنعة محرمة لا يحل تملكها وعليه
وزنها من نوعها، ومن قال: اتخاذها مباح ألزمه قيمتها مع الصنعة، ويؤخذ منه
وزنا مثل وزنه بحذاء وزنه ولمكان الصنعة من غير جنسه لئلا يؤدي إلى الربا،
والأولى أن يجوز ذلك لأن الزيادة تكون لمكان الصنعة لا للتفاضل.
ولا زكاة في المال الغائب، ولا في الدين إلا أن يكون تأخره من جهته فأما
إن لم يكن متمكنا فلا زكاة عليه في الحال، فإذا حصل في يده استأنف به الحول،
وفي أصحابنا من قال: يخرج لسنة واحدة هذا إذا كان حالا فإن كان مؤجلا فلا
زكاة فيه أصلا لأنه لا يمكنه في الحال المطالبة به.
وقد روي أن مال القرض الزكاة فيه على المستقرض إلا أن يكون صاحب
الدين قد ضمن الزكاة عنه، فإذا كان معه بعض النصاب وبعضه دين يتمكن من
أخذه ضم الدين إلى الحاصل وأخرج زكاة جميعه، وحكم مال الغائب حكم
الدين سواء فإن لم يتمكن منه لم يضم إليه، ويعتبر نصاب الحاصل مفردا.
ومن كان له مال دفنه وخفي عليه موضعه سنين. ثم وجده لم يلزمه زكاة ما
مضى، وقد روي أنه يزكيه لسنة واحدة.
يكره أن يخرج الزكاة من ردئ المال، وينبغي أن يخرجه من جيدة أو من
وسطه، والأفضل إخراجه من الجنس الذي وجب فيه، ومتى أخرج من غير جنسه
154

أخرجه بالقيمة إذا لم يكن مما فيه ربا فإن كان مما فيه ربا أخرج مثلا بمثل،
ويكون ترك الاحتياط.
والحلي على ضربين: مباح ومحظور.
فالمحظور مثل حلي النساء للرجال مثل أن يتخذ الرجل خلخالا أو سوارا أو
غير ذلك، ومثل حلي الرجال إذا اتخذته النساء مثل المنطقة، وحلي السيف
والخاتم إذا كان من فضة وما أشبه ذلك، فإنه لا زكاة فيها لأنا قد قدمنا أن
المسبوك لا زكاة فيه، فإن قصد الفرار بذلك من الزكاة لزمه ذلك.
وأما الحلي المباح فهو حلي النساء للنساء، وحلي الرجال للرجال فهذا أيضا
لا زكاة فيه لما مضى، ولما روي من أنه لا زكاة في الحلي وزكاته إعارته.
يجوز للرجل أن يتحلى بمثل المنطقة والخاتم والسكين والسيف من فضة و
لا يجوز ذلك في حلي الدواة وحلي الفرس لأن ذلك من الآلات، وآلات الفضة
محرم استعمالها، وإن قلنا: إنه مباح لأنه لا دليل على تحريمه كان قويا.
وأما الذهب فإنه لا يجوز أن يتحلى بشئ منه على حال لما روى علي عن
النبي أنه خرج يوما وفي يده حرير وقطعتي ذهب فقال: هذان حرام على ذكور
أمتي، وحل لإناثها، ولا يجوز أن يحلى المصحف بفضة لأن ذلك حرام.
حلي النساء المباح مثل السوار والخلخال والتاج والقرط، فأما إذا اتخذت
حلي الرجال مثل السيف والسكين فإنه حرام، وحكم المرأة حكم الرجل سواء،
والمقدمة والمرآة والمشط والميال والمكحلة، وغير ذلك فكله حرام لأنه من
الأواني والآلات غير أنه لا يجب فيها الزكاة لأنه ليس بمنقوش.
وتنصيب الأواني بالفضة مكروه للحاجة وغير الحاجة، ومتى حصل شئ
من ذلك تجنب موضع الفضة في الاستعمال.
إذا انكسر الحلي كسرا يمنع من الاستعمال والصلاح أو لا يمنع من
الاستعمال والصلاح فعلى جميع الوجوه لا زكاة فيه وسواء نوى كسره أو لم ينو
لأنه ليس بدارهم ولا دنانير.
155

وإذا ورث حليا فلا زكاة عليه فيهما سواء نوى استعماله للزوجة أو الجارية
أو لم ينو أو العارية أو لم ينو لأنه ليس بدارهم ولا دنانير، وإذا خلف دنانير أو
دراهم نفقة لعياله لسنة أو لسنتين أو أكثر من ذلك وكانت نصابا، فإن كان
حاضرا وجب عليه فيها الزكاة، وإن كان غائبا لم يلزمه فيها الزكاة.
ومن ورث مالا ولم يصل إليه إلا بعد أن يحول عليه حول أو أحوال فليس
عليه زكاة إلى أن يتمكن منه ويحول بعد ذلك عليه حول.
ومال القرض زكاته على المستقرض دون المقرض إلا أن يشترط على
المقرض زكاته فيلزمه حينئذ بحسب الشرط.
وإذا ملك من أجناس مختلفة ما يكون بمجموعها أكثر من نصاب ونصابين،
ولا يبلغ كل جنس نصابا لا يلزمه زكاتها ولا يضم بعضها إلى بعض بل يراعى
كل جنس بانفراده نصابا مثل أن يكون معه مائتا درهم إلا عشرة أو تسعة عشر
دينارا وتسعة وثلاثون شاة وتسعة وعشرون بقرة وأربع من الإبل وأربعة أوسق
من الغلات لا يلزمه زكاة، وكذلك الغلات يراعى في كل جنس منها نصاب
مفرد ولا يضم بعضها إلى بعض، ويجوز إخراج القيمة في سائر الأجناس بقيمة
الوقت سواء كان من جنس الأثمان أو غير الأثمان.
فصل: في زكاة الغلات:
شرط زكاة الغلات اثنان: الملك والنصاب. فالنصاب فيها واحد والعفو
واحد.
والنصاب ما بلغ خمسة أوساق بعد إخراج حق السلطان والمؤن كلها،
والوسق: ستون صاعا، والصاع: أربعة أمداد، والمد: رطلان وربع بالعراقي،
فإذا بلغ ذلك ففيه العشر إن كان سقي سيحا أو شرب بعلا أو كان عذيا، وإن
سقي بالغرب والدوالي وما يلزم عليه مؤن ففيه نصف العشر وما زاد على النصاب
156

فبحسابه بالغا ما بلغ.
والعفو ما نقص عن خمسة أوسق، وإذا كانت الغلة مما قد شربت سيحا
وغير سيح حكم فيها بحكم الأغلب، فإن كان الغالب سيحا أخذ منها العشر، وإن
كان الغالب غير السيح أخذ منها نصف العشر، فإن تساويا أخذ نصفه بحساب
العشر، والنصف الآخر بحساب نصف العشر والقول قول رب المال في ذلك
مع يمينه.
ووقت وجوب الزكاة في الغلات إذا كانت حبوبا إذا اشتدت، وفي الثمار
إذا بدا صلاحها، وعلى الإمام أن يبعث سعاته لحفظها، والاحتياط عليها كما فعل
النبي عليه السلام بخيبر.
ووقت الإخراج إذا ديس الحب ونقى وصفي، وفي الثمرة إذا جففت
وشمست، والمراعي في النصاب مجففا مشمسا. فإن أراد صاحب الثمرة جذاذها
رطبا خرصت عليه ما يكون تمرا وأخذ من التمر زكاته، والحكم إن أراد أن يأخذ
بلحا أو بسرا مثل ذلك، ووقت الإخراج في الحب إذا ذري وصفي.
وإذا أخرج زكاة الغلات فلا شئ فيها بعد ذلك، وإن بقيت أحوالا إلا أن
تباع وتصير أثمانا ويحول على الثمن الحول.
إدراك الغلات والثمار يختلف أوقاتها باختلاف البلاد، فثمرة النخل بتهامة
قبل ثمرة العراق، وبعض الأنواع أيضا يتقدم على بعض الشهر والشهرين، وأكثر
من ذلك، وفي ذلك أربع مسائل:
أولها: إذا طلعت كلها في وقت واحد وأدركت في وقت واحد، فاتفق وقت
اطلاعها وإدراكها فهذه كلها ثمرة عام واحد، فإن بلغت نصابا ففيها الزكاة.
الثانية: اتفق اطلاعها واختلف إدراكها مثل أن أطلعت دفعة واحدة، ثم
أدرك بعضها بعد بعض ضممنا بعضها إلى بعض لأنها ثمرة عام واحد.
الثالثة: اختلف اطلاعها وإدراكها وهو أن أطلع بعضها وأرطب ثم أطلع
الباقي بعد ذلك فإنه يضم بعضها إلى بعض وإن كان بينهما الشهر والشهران
157

لأنها ثمرة سنة واحدة.
الرابعة: اختلف اطلاعها وإدراكها وهو أن أطلع بعضها وأرطب وجذ ثم
أطلع الباقي بعد جذاذ الأول، فكل هذا يضم بعضها إلى بعض لأنه ثمرة عام
واحد، وكذلك إن كان له نخل كثير في بعضه رطب وفي بعضه بسر وفي
بعضه بلح وفي بعضه طلع فجذ الرطب ثم أدرك البسر فجذ ثم أدرك البلح
فجذ ثم أدرك الطلع فجذ، ضم بعضه إلى بعض لأنها ثمرة عام واحد.
وإن كان له ثمرة بتهامة وثمرة بنجد فأدركت التهامية وجذت ثم أطلعت
النجدية ثم أطلعت التهامية مرة أخرى، لا يضم النجدية إلى التهامية الثانية وإنما
يضم إلى الأولى لأنها لسنة واحدة، والتهامية الثانية لا تضم إلى الأولى ولا إلى
النجدية لأنها في حكم سنة أخرى.
إذا كانت الثمرة نوعا واحدا أخذ منه، وإن كانت أنواعا مختلفة أخذ على
حساب ذلك لا يؤخذ كله جيدا ولا كله رديئا، والنخل إذا حمل في سنة واحدة
دفعتين كان لكل حمل حكم نفسه لا يضم بعضه إلى بعض لأنها في حكم
السنتين.
إذا بدا صلاح الثمار ووجبت فيها الزكاة وبعث الإمام الساعي على ما
قدمناه ليخرص عليهم ثمارهم وهو الحزر فينظركم فيها من الرطب والعنب، فإذا
شمس كم ينقص وما ذا يبقى، فإذا عرف هذا نظر فإن كانت الثمرة خمسة أوسق
ففيها الزكاة، وإن كانت دونها فلا شئ فيها، ثم يخير أرباب الأرض بين أن
يأخذوا بما يخرص عليهم ويضمنوا نصيب الزكاة أو يؤخذ منهم ذلك ويضمن
لهم حقهم منها كما فعل النبي صلى الله عليه وآله مع أهل خيبر، فإنه كان ينفذ
عبد الله بن رواحة حتى يخرص عليهم، وإن أراد أن يترك في أيديهم أمانة ووثق
بهم في ذلك كان أيضا جائزا إذا كانوا أهلا لذلك، فمتى كان أمانة لم يجز لهم
التصرف فيها بالأكل والبيع والهبة لأن فيها حق المساكين، وإن كان ضمانا
جاز لهم أن يفعلوا ما شاؤوا.
158

ومتى أصاب الثمرة آفة سماوية أو ظلم ظالم وغير ذلك من غير تفريط منهم
سقط عنهم مال الضمان لأنهم أمناء في المعنى، فإن اتهموا في ذلك كان القول
قولهم مع يمينهم، ومتى خرص عليهم الثمرة، ثم ظهر في الثمرة أمارة اقتضت
المصلحة تخفيف الحمل عنها خفف وسقط عنهم بحساب ذلك.
وإذا أراد قسمة الثمرة على رؤوس النخل كان ذلك جائزا لأن الأولى في
القسمة أن يكون أفراد الحق دون أن يكون بيعا فلأجل ذلك تصح القسمة، ولو
كان بيعا لم يصح لأن بيع الرطب بالرطب لا يجوز، وإذا كان أفرادا جاز من
الساعي بيع نصيب المساكين من رب المال ومن غيره وتفريق ثمنها فيهم، وإن
رأى قسمتها خرصا على رؤوس النخل فيفرد للمساكين تقسيمهم من نخلات
بعينها فعل، وإن رأى أن يبيعها أو يجذها فعل، وإن رأى قسمتها بعد الجذاذ كان
أيضا جائزا، لأنه إفراد لحق.
ولا ينبغي لرب المال أن يقطع الثمرة إلا بإذن الساعي إذا لم يكن ضمن
حقهم فإن كان ضمنه جاز له ذلك، وإنما قلنا ذلك لأنه يتصرف في مال غيره
بغير إذنه وذلك لا يجوز، ومتى أتلف من الثمرة شيئا لزمه بحصة المساكين، وهو
مخير بين أن يأخذ حقه من الثمرة وبين أن يأخذ ثمنه منه بقيمته.
ومتى أراد رب الثمرة قطعها قبل بدو صلاحها مثل الطلع لمصلحة جاز له
ذلك من غير كراهية، ويكره له ذلك فرارا من الزكاة، وعلى الوجهين معا لا
يلزمه الزكاة، وأما قطع طلع الفحل فلا يكره على حاله.
الرطب على ضربين: ضرب يجئ منه تمر، والثاني لا يجئ منه.
فالأول كلما كثر لحمه وقل ماؤه كالبرني والمعقلي وغير ذلك، والكلام
فيه في ثلاثة فصول: في جواز التصرف، وفي قدر الضمان، والنوع الذي يضمنه.
فأما التصرف فلا يجوز فيه قبل قبول الضمان بالخرص لأن فيه حق المساكين،
ومتى خرص عليه واختار رب المال ضمانها وضمن جاز له التصرف على
الإطلاق، ومتى أتلف الثمرة ببيع أو أكل وغير ذلك، فإن كان ذلك بعد
159

الضمان فعليه قدر الزكاة على ما خرص عليه، وإن أتلفه قبل الخرص والضمان
فالقول قوله مع يمينه، ويضمن قدر الزكاة تمرا، وإنما قلنا ذلك لأن عليه القيام به
حتى يصير تمرا، والنوع الذي يخرجه فإنه يلزمه في كل شئ بحصته وإن كانت
الأنواع كثيرة ضمن من أوسطها، وكذلك الحكم في العنب سواء إذا كان مما
يجئ منه زبيب.
وأما مالا يجئ منه التمر مثل الخاستوي والإبراهيمي والعنب الحمري، فإن
هذا لا يجئ منه تمر ولا زبيب مثل الأول لكن حكمه حكم الأول سواء في أنه
يقدر ويحزر بتمر وزبيب، لأن عموم الاسم في الفرض يتناول الكل، وينبغي أن
يحرز ما يجئ منه التمر والزبيب من نوعه لا من نوع آخر، و يكفي في الخرص
خارص واحد إذا كان أمينا ثقة، لأن النبي عليه السلام بعث عبد الله بن رواحة ولم
يرو أنه أنفذ معه غيره وإن استظهر بآخر معه كان أحوط.
لا زكاة في شئ من الحبوب غير الحنطة والشعير، والسلت شعير فيه مثل
ما فيه، وكل مؤونة تلحق الغلات إلى وقت إخراج الزكاة على رب المال دون
المساكين، والعلس نوع من الحنطة يقال: إذا ديس بقي كل حبتين في كمام ثم
لا يذهب ذلك حتى تدق أو تطرح في رحى خفيفة ولا يبقى بقاء الحنطة، وبقاؤها
في كمامها، ويزعم أهلها أنها إذا هرست أو طرحت في رحى خفيفة خرجت على
النصف، فإذا كان كذلك تخير أهلها بين أن يلقى عنها الكمام ويكال على ذلك
فإذا بلغت النصاب أخذ منها الزكاة، أو يكال على ما هي عليه ويؤخذ عن كل
عشرة أوسق زكاة، فإذا اجتمع عنده حنطة وعلس ضم بعضه إلى بعض لأنها
كلها حنطة، ووقت إخراج الزكاة عند التصفية والتذرية لأن النبي عليه السلام
قال: إذا بلغ خمسة أوسق، ولا يمكن الكيل إلا بعد التصفية.
متى أخذ الساعي الرطب قبل أن يصير تمرا وجب عليه رده على صاحبه،
فإن هلك كان عليه قيمته، فإذا رده أو قيمته أخذ الزكاة في وقتها، فإن لم يرده
وشمس عنده فصار تمرا نظر فإن كان بقدر حقه فقد استوفاه، وإن كان دونه
160

وفي، وإن كان فوقه وجب عليه رده.
إذا كان لمالك واحد زروع في بلاد مختلفة الأوقات في الزراعة والحصاد
ضم بعضه إلى بعض لأن الحنطة والشعير لا يكون في البلاد كلها في السنة إلا
دفعة واحدة، وإن تقدم بعضه على بعض بالشئ اليسير.
وإذا أراد القسمة بدأ بصاحب المال فكال له تسعة وللمساكين واحدا إذا
كانت الأرض عشرية، فإن وجب فيها نصف العشر كال له تسعة عشر
وللمساكين واحدا.
الحنطة والشعير كل واحد منهما جنس مفرد يعتبر فيه النصاب مفردا ولا
يضم بعضه إلى بعض.
إذا باع الثمرة قبل بدو صلاحها من ذمي سقط عنه زكاتها، فإذا بدا صلاحها
في ملك الذمي لا يؤخذ منه الزكاة لأنه ليس ممن يؤخذ من ماله الزكاة، فإن
اشتراها من الذمي بعد ذلك لم يجب عليه الزكاة لأنه دخل وقت وجوب الزكاة
وهو في ملك غيره، وكذلك إن كان عنده نصاب من الماشية فباعه قبل الحول
من غيره انقطع الحول، فإذا حال الحول واشتراه استأنف الحول، ومن اشتراه
لا يجب عليه أيضا لأنه لم يبق في ملكه حولا كاملا.
إذا أخذ من أرض الخراج الخراج وبقى بعد ذلك مقدار ما يجب فيه
الزكاة وجب فيه العشر أو نصف العشر فيما يبقى لا في جميعه.
إذا كان له نخيل وعليه دين بقيمتها ومات لم ينتقل النخيل إلى الورثة حتى
يقضي الدين، فإذا ثبت ذلك فإن أطلعت بعد وفاته أو قبل وفاته كانت الثمرة مع
النخيل يتعلق به الدين، فإذا قضى الدين وفضل شئ كان للورثة، فإذا بلغت
الثمرة النصاب الذي يجب فيه الزكاة لم تجب فيها زكاة لأن مالكها ليس بحي
ولم يحصل بعد للورثة فلا تجب في هذا المال الزكاة، ومتى بدا صلاح الثمرة
قبل موت صاحبه وجب فيه الزكاة ولم تسقط الزكاة بحصول الدين لأن الدين
في الذمة والزكاة تستحق في الأعيان، ويجتمع الدين و الزكاة في هذه الثمرة
161

ويخرجان معا وليس أحدهما بالتقديم أولى من صاحبه، فإن لم يسع المال
الزكاة والدين كان بحساب ذلك.
إذا كان للمكاتب ثمار، وكان مشروطا عليه أو مطلقا ولم يؤد من مكاتبه
شيئا ولا زكاة عليه لأن الزكاة لا تجب على المماليك، وإن كان مطلقا وقد تحرر
منه شئ أخرج من ماله بحساب حريته الزكاة إذا بلغ ما يصيبه بالحرية
النصاب.
من استأجر أرضا فزرعها كان الزكاة واجبة على الزارع في زرعه دون
مالك الأرض، لأن المالك يأخذ الأجرة والأجرة لا يجب فيها الزكاة بلا خلاف
لأن النبي صلى الله عليه وآله قال: فيما سقت السماء العشر، فأوجب العشر في
نفس الزرع دون أجرة الأرض، وعلى مذهبنا يجوز إجارتها بطعام أو شعير، فعلى
هذا إن آجرها بغلة منها كانت الإجارة باطلة والغلة للزارع، وعليه أجرة المثل
وعليه في الغلة الزكاة إذا بلغت النصاب، وإن آجرها بغلة من غيرها كانت الإجارة
صحيحة، ولا يلزمه الزكاة فيما يأخذه من الغلة لأنها ما أخرجت أرضه، وإنما أخذ
أجرة والأجرة لا تجب فيها الزكاة.
ومن اشترى نخلا قبل أن يبدو صلاح الثمرة ثم بدا صلاحها كانت الثمرة
في ملكه وزكاتها عليه، وكذلك إن وصى له بالثمرة فقبلها بعد موت الموصي ثم
بدا صلاحها وهي على النخل، فإنها ملك له وزكاتها عليه لأن زكاة الثمار
لا يراعى فيها الحول، فإن اشترى الثمرة قبل بدو الصلاح كان البيع باطلا،
والثمرة على أصل وزكاتها على مالكها، فإن اشتراها بعد بدو الصلاح ووجوب
الزكاة فيها فإن كان بعد الخرص وضمان رب المال الزكاة كان البيع صحيحا
في جميعه والزكاة على البائع، وإن باعها قبل الخرص وقبل ضمان الزكاة
بالخرص كان البيع باطلا فيما يختص من مال المساكين وصحيحا في مال
صاحب المال، وإن باعها قبل بدو الصلاح بشرط القطع فقطعت قبل وجوب
الزكاة فلا كلام، وإن توانى فلم يقطع حتى بدا صلاحها فإن طالب البائع بالقطع
162

أو اتفقا على ذلك أو طالب المشتري بذلك كان لهم ذلك ولا زكاة على واحد
منهما لأنه لا دلالة على ذلك، فإن اتفقا على التبقية أو برضا البائع كان له ذلك،
وكان الزكاة على المشتري لأن الثمرة في ملكه.
إذا بدا صلاح الثمرة فأهلكها ربها كان عليه ضمان مال الزكاة، فإن كان لم
يخرص بعد قبل قوله في مقداره، وإن كان بعد الخرص طولب بما يجب عليه من
الخرص.
وكل ما يكال مما يخرج من الأرض ففيه الزكاة مستحبة دون أن تكون
واجبة، وكيفيتها مثل الغلات على ما بيناه.
وأما الخضراوات كلها والفواكه والبقول فلا زكاة في شئ منها.
فصل: في مال التجارة هل فيه زكاة أم لا؟
لا زكاة في مال التجارة على قول أكثر أصحابنا وجوبا وإنما الزكاة فيها
استحبابا، وقال قوم منهم: تجب فيها الزكاة في قيمتها تقوم بالدنانير والدراهم،
وقال بعضهم: إذا باعه زكاة لسنة واحدة إذا طلب برأس المال أو بربح، فأما إذا
طلب بنقصان فلا خلاف بينهم أنه ليس فيه الزكاة، فإذا ثبت هذا فعلى قول من
أوجب فيه الزكاة أو من استحب ذلك.
إذا اشترى مثلا سلعة بمائتين ثم ظهر فيها ربح ففيه ثلاث مسائل:
أولها: اشترى سلعة بمائتين فأقامت عنده حولا فباعها مع الحول بألفين
يزكي زكاة المائتين لحوله، وزكاة الفائدة من حين ظهرت، ويستأنف بالفائدة
الحول.
الثانية: حال الحول على السلعة ثم باعها بزيادة بعد الحول فلا يلزمه أكثر من
زكاة المائتين، ويستأنف بالفائدة الحول.
الثالثة: اشتراها بمائتين فلما كان بعد ستة أشهر باعها بثلاث مائة استأنف
بالفائدة الحول.
163

وإذا اشترى سلعة فحال الحول على السلعة كان حول الأصل حول السلعة
لأنها مردودة إليه بالقيمة ولا يستأنف، وإن كان اشتراها بعوض كان للقنية
استأنف بالسلعة الحول، والزكاة تتعلق بقيمة التجارة لأنها نفسها.
إذا ملك عرضا للتجارة فحال عليها الحول من حين ملكه وقيمتها نصاب
وجب فيها الزكاة وإن نقص لم يجب، فإن بلغ نصابا في الحول الثاني استأنف
الحول من حين كمل النصاب.
إذا ملك سلعة للتجارة في أول الحول ثم ملك أخرى بعده بشهر ثم أخرى
بعدها بشهر ثم حال الحول، فإن كان حول الأولى وقيمتها نصابا وحول الثانية
وقيمتها نصابا وكذلك الثالثة زكى كل سلعة بحولها، وإن كانت الأولى نصابا
فحال حولها وقيمتها نصاب، وحال حول الثانية والثالثة، وقيمتهما أقل من نصاب
أخذ من الأول الزكاة خمسة دراهم ومن الثانية والثالثة من كل أربعين درهما
درهم.
إذا اشترى عرضا للتجارة بدراهم أو دنانير وكان الثمن نصابا، فإن حول
العرض حول الأصل لأنه مردود إليه بالقيمة، وإن كان اشترى السلعة للتجارة
بسلعة قنية استأنف الحول، وقد ذكرناها، وإن كان اشتراها بنصاب من غير
الأثمان مثل خمس من الإبل أو ثلاثين من البقر أو أربعين من الغنم استأنف الحول
لأنه مردود إلى القيمة بالدراهم أو الدنانير لا إلى أصله، وإذا كان معه سلعة ستة
أشهر ثم باعها بنى على حول الأصل لأن له ثمنا وثمنه من جنسه.
إذا اشترى سلعة من جنس الأثمان فحال الحول قومها بما اشتراه من الدراهم
أو الدنانير ولا يراعى نقد البلد، وكذلك إن لم يكن نصابا، فإن اشترى بالدراهم
والدنانير قومها بما اشتراها من النقدين، فإن كان كل واحد منهما نصابا في
الأصل زكاه، وإن نقص كل واحد منهما عن النصاب لم تجب فيه الزكاة، وإن
بلغ أحدهما ولم يبلغ الآخر زكى الذي بلغه ولا يضم إليه الآخر.
إذا اشترى سلعة بدراهم فحال عليها الحول وباعها بالدنانير قومت السلعة
164

دراهم وأخرج منها الزكاة لأن الزكاة تجب في ثمنها وثمنها كان دراهم، وإن
باعها قبل الحول بالدنانير وحال الحول قومت الدنانير دراهم لأنها ثمن الدراهم
التي حال عليها الحول. وإذا حال الحول على السلعة فباعها صح البيع لأن الزكاة تجب في ثمن
السلعة لا في عينها، وليس كذلك إذا كان معه نصاب من المواشي فباعها بعد
الحول لأن الزكاة تستحق فيها وهو جزء من الماشية فيصح العقد فيما عدا مال
المساكين ولا يصح في مال المساكين، فإن عوض المساكين من غير ذلك
المال مضى البيع.
إذا كانت معه سلعة للتجارة فنوى بها القنية سقطت زكاته، وإن كانت عنده
للقنية فنوى بها التجارة لا تصير تجارة حتى يتصرف فيها للتجارة.
إذا اشترى سلعة للقنية انقطع حول الأصل، وإن اشتراه للتجارة بنى على
الحول الأول، وإن كان المال أقل من النصاب أول الحول ونصابا آخره لم يعتد
به، ويراعى كمال النصاب من أوله إلى آخره.
تجتمع في قيمة المماليك إذا كانوا للتجارة الزكاة ويلزمه فطرة رؤوسهم
لأن سبب وجوبهما مختلف.
كل من ملك جنسا يجب فيه الزكاة للتجارة فإنه يلزمه زكاة العين دون
زكاة التجارة، مثل أن يشتري أربعين شاة سائمة أو خمسا من الإبل سائمة أو
ثلاثين من البقر مثل ذلك كل ذلك للتجارة، فإنه يلزمه زكاة الأعيان ولا يلزمه
زكاة التجارة لعموم تناول الأخبار لها، فإذا ثبت ذلك فاشترى أربعين شاة ثمنها
أقل من نصاب فحول هذا من حين ملك الماشية وأخذ زكاة الماشية وانقطع
حول الأصل.
وإن ملك للتجارة أقل من أربعين شاة قيمتها مائتان أخرج زكاة التجارة
استحبابا أو على الخلاف فيه وعلى ما قلناه: من أن الزكاة تتعلق بعينها يجب أن
نقول: لا زكاة فيها لأنها أقل من النصاب، فإن اتفق النصابان مثل أن يكون أربعين
165

شاة تساوي مائتين أخذ زكاة العين لأنها واجبة.
وزكاة التجارة مستحبة أو مختلف فيها لعموم الأخبار هذا إذا كان حولهما
واحدا، فإن اختلف حولهما مثل أن كان عنده مائتا درهم ستة أشهر ثم اشترى بها
أربعين شاة للتجارة بناه على حول الأصل لأن التجارة مردودة إلى ثمنها وهو
الأصل، وعلى ما قلناه: من إن الزكاة تتعلق بالعين ينقطع حول الأصل.
إذا اشترى نخلا للتجارة فأثمرت قبل الحول في التجارة فإنه يؤخذ منه زكاة
الثمرة لتناول الظاهر له ولا يلزمه زكاة التجارة في ثمن النخل والأرض لأن ذلك
تابع للنخل والزرع.
وإذا كان عنده أربعون شاة سائمة للتجارة ستة أشهر واشترى بها أربعين شاة
سائمة للتجارة كان حول الأصل حولها في إخراج زكاة مال التجارة، ولا يلزمه
زكاة العين لأنه لم يحل على واحد منهما الحول، وعلى ما قلناه: إنه تتعلق الزكاة
بالعين ينبغي أن نقول: إنه يؤخذ زكاة العين لأنه بادل بما هو من جنسه والزكاة
تتعلق بالعين، وقد حال عليه الحول.
إذا اشترى غراسا للتجارة أخرج زكاة التجارة إذا حال الحول، وكذلك إذا
اشترى نخلا حائلا للتجارة أو أرضا بورا لم يزرع فيها فإنه يخرج زكاة التجارة إذا حال الحول على ثمن الأرض والنخل.
إذا اشترى مائتي قفيز طعام بمائتي درهم للتجارة وحال عليه الحول وقيمته
مائتا درهم أخرج منه خمسة دراهم لأن قيمته مائتا درهم، وإن شاء أخرج خمسة
أقفزة، فإن عدل إلى طعام جيد فأخرج منه قفيزا يساوي خمسة دراهم كان جائزا
لأن الذي وجب عليه خمسة دراهم ويجوز إخراج القيمة.
ومتى كانت المسألة بحالها وحال الحول وقيمة الطعام مائتان لكن يغير
الحال الحول إما بنقصان قيمة لنقصان السوق أو يزيد لزيادته أو ينقص قيمته
لعيب حدث، فإن نقص لنقصان السوق أو لعيب فيه فلا يسقط عنه زكاته لأنه
نقص النصاب بعد أن وجب عليه، هذا إذا كان بعد الإمكان وإن كان قبل إمكان
166

الأداء فلا شئ عليه من ضمان النقصان لكن ما ينقص نقص منه ومن المساكين،
وإن زاد ليس عليه أكثر من خمسة دراهم لأن الزيادة ما حال عليها الحول.
من أعطى غيره مالا مضاربة على أن يكون الربح بينهما فاشترى مثلا بألف
سلعة فحال الحول وهو يساوي ألفين فإن زكاة الألف على رب المال، والربح إذا
حال عليه الحول من حين الظهور كان فيه الزكاة على رب المال نصيبه، وعلى
العامل نصيبه إذا كان العامل مسلما، فإن كان ذميا يلزم رب المال ما يصيبه
ويسقط نصيب الذمي لأنه ليس من أهل الزكاة، هذا على قول من أوجب له الربح من أصحابنا وهو الصحيح، فأما من أوجب له أجرة المثل فزكاة الأصل والربح
على رب المال، وعلى القول الأول رب المال بالخيار بين أن يخرج الزكاة من
هذا المال، وبين أن يخرجه من غيره، فأما العامل فلا يجوز له إخراجه بنفسه إلا
بعد القسمة لأن ربحه وقاية للمال لما لعله يكون من الخسران، ولو قلنا: إن ذلك
له كان أحوط لأن المساكين يملكون من ذلك المال جزءا، وإذا ملكوه خرج من
أن يكون وقاية للخسران بعرض.
ومن ملك نصابا يجب فيه الزكاة أي جنس كان وعليه دين يحيط به.
فإن كان له مال غير هذا النصاب بقدر الدين كان الدين في مقابله ما عدا
مال الزكاة سواء كان ذلك عقارا أو أثاثا، أو أي شئ كان بعد أن لا يكون دار
مسكن أو خادما يخدمه وتجب الزكاة في المال.
فإن لم يملك غير ذلك النصاب فعندنا أنه تجب فيه الزكاة، ولا يمنع
الدين من وجوب الزكاة عليه لأن الدين يتعلق بالذمة، والزكاة تجب في المال
بدلالة قوله عليه السلام: الزكاة في تسعة أشياء، ثم فصل فقال: في مائتي درهم
خمسة، وفي عشرين مثقالا نصف مثقال، وكذلك باقي الأجناس ولم يقل: إن لم
يكن عليه دين، فإذا ثبت هذا وحال الحول ولم يقض الحاكم عليه بالدين أخرج
زكاة العين وقضى بعد ذلك ما عليه من الدين، وإن كان حكم عليه الحاكم به
وحجر عليه فيه ثلاث مسائل:
167

إحداها: حجر عليه وفرق ماله على الديان، ثم حال الحول فلا زكاة عليه لأنه
حال الحول ولا مال له.
الثانية: عين لكل ذي حق شيئا من ماله وقال: هذا لك بما لك فحال الحول
قبل أن يقبض ذلك فلا زكاة عليه لأن الحول حال ولا مال له لأنهم ملكوه قبل
القبض.
الثالثة: حجر ولم يعين فحال الحول فهاهنا المال له لكنه محجور عليه فيه
ممنوع من التصرف فيه فلا زكاة عليه أيضا لأنه غير متمكن من التصرف فيه، وقد
روي عنهم عليه السلام في المال الغائب الذي لا يمكنه التصرف فيه أنه لا زكاة
فيه.
إذا كان معه مائتان فقال: لله على أن أتصدق بمائة منها، ثم حال عليها
الحول لم تجب عليه الزكاة لأنه زال ملكه عن مائته وما يبقى فليس بنصاب، وإن
قال: لله على أن أتصدق بمائتين ولم يقل بهذه المائتين لزمه زكاة المائتين لأن
الدين يتعلق بذمته.
إذا ملك مائتين فحال عليها الحول فتصدق بها كلها تطوعا لم يسقط عنه
فرض الزكاة سواء ملك غيرها أو لم يملك، وكانت الزكاة في ذمته.
إذا كان معه مائتان وعليه مائتان فطالبه الديان عند الحاكم فأقر أن عليه
زكاتها أو عليه زكاة سنين كثيرة، فإن كان إقراره قبل أن يحجر الحاكم عليه
كان القول قوله مع يمينه، فإذا حلف أخرج منه الزكاة وتقاسم الباقي الغرماء
لأن الزكاة في العين والدين في الذمة، فإن كان إقراره بعد أن حجر الحاكم بدين
لزمه مثل ذلك الزكاة، وبقى في ذمته وتقاسم الغرماء بالمال.
من كان له أربعون شاة فاستأجر أجيرا يرعاها سنة بشاة منها معينة فإن
الأجير يملك تلك الشاة بالعقد، فإذا حال الحول لم يلزمه في المال الزكاة لأنه
قد نقص عن النصاب، وكذلك الحكم إذا استأجر بثمرة نخلة بعينها لينظر الباقي،
وكان ما يبقى أقل من نصاب لا يلزم واحدا منهما الزكاة فإن استأجره بشاة في
168

الذمة أو بثمرة في الذمة لم يسقط بذلك فرض الزكاة.
إذا استأجر بأربعين شاة في الذمة أو بخمسة أوسق من الثمرة لم يلزم الأجير
الزكاة لأن الغنم لا يجب فيها الزكاة إلا إذا كانت سائمة، وما في الذمة لا يكون
سائمة، والثمرة لا يجب فيها الزكاة إلا إذا ملكها من شجرها، وأما رب المال فعليه
هذه الأجرة في ذمته، وذلك لا يمنع من وجوب الزكاة على ما مضى القول فيه.
فإن استأجره بمائتي درهم أو عشرين دينارا وحال عليه الحول كان على
الأجير زكاته لأنه ملكه بالعقد إذا كان متمكنا من أخذه، وأما المستأجر فالأجرة
دين عليه والدين لا يمنع من وجوب الزكاة عليه على ما بيناه.
إذا كان له ألف درهم واستقرض ألفا غيرها ورهن عنده هذه الألف، فقد
حصل له ألفان، فإذا حال عليهما الحول لزمته زكاة الألف التي في يده من مال
القرض، لأن زكاته على المستقرض، والألف الرهن ليس بمتمكن منه فلا يلزمه
زكاته، فأما المقرض فلا يلزمه شئ لأن المذهب أن القارض لا تلزمه الزكاة وإنما
على المستقرض.
إذا وجد نصابا في غير الحرم عرفها سنة ثم هو كسبيل ما له إذا تملكه، وهو
ضامن لصاحبه فإذا حال بعد ذلك عليه حول وأحوال لزمه زكاته لأنه ملكه، وأما
صاحبه فلا يلزمه شئ لأن ماله غائب عنه لا يتمكن من التصرف فيه فلا يلزمه
زكاته.
إذا أكرى داره بمائة دينار أربع سنين معجلة أو مطلقة فقد ملك الأجرة
بالعقد، فإذا حال الحول لزمه زكاة الكل إذا كان متمكنا من قبضه، وإذا باع
سلعة بنصاب وقبض الثمن ولم يسلم المبيع وحال الحول على الثمن، لزمه زكاته
لأنه قد ملك الثمن بدلالة أن له التصرف فيه على كل حال ألا ترى أن له وطؤها
إن كانت جارية، وهذا بعينه دليل المسألة الأولى غير أن في المسألتين لا يجب
عليه إخراج الزكاة إلا بعد أن يستقر ملكه على الأجرة والثمن لأنهما معرضان
للفسخ بهلاك المبيع أو هدم المسكن، فإذا مضت المدة أخرج الزكاة من حين
169

ملكه حال العقد.
إذا حاز المسلمون أموال المشركين فقد ملكوها سواء كان ذلك قبل تقضي
الحرب أو بعد تقضيه، فإذا ملك من الغنيمة نصابا وجب عليه الزكاة إذا حال
عليه الحول سواء كانت الغنيمة أجناسا مختلفة زكاتية أو جنسا واحدا بعد أن
يكون له من كل جنس قدر النصاب، وإن قلنا: لا زكاة عليه لأنه غير متمكن من
التصرف فيه قبل القسمة، كان قويا.
إذا عزل الإمام صنفا من مال الغنيمة لقوم حضور، وكان من الأموال
الزكاتية جرى في حول الزكاة، وإذا عزل صنفا من المال لقوم غيب فلا زكاة
عليهم لأنهم غير متمكنين من التصرف فيه وهو في حكم المال الغائب.
وإذا عزل الخمس لأهله فلا زكاة عليهم لأنهم غير متمكنين من التصرف فيه
قبل القسمة، ولا يختص أيضا بمن حضر دون من غاب بل كلهم مشتركون فيه
ومال الغنيمة يختص بمن حضر القتال.
وأما الأنفال فهي للإمام خاصة يلزمه زكاته إذا حال عليه الحول لأنه يملك
التصرف فيها.
إذا باع نصابا يجب فيه الزكاة قبل حؤول الحول بشرط الخيار مدة فحال
عليه الحول في مدة الشرط، فإن كان الشرط للبائع أو لهما فإنه يلزمه زكاته لأن
ملكه لم يزل، وإن كان الشرط للمشتري استأنف الحول، فإن كان المبيع عبدا
وقد بيع بخيار الشرط للمشتري لزمه فطرته، وإن كان الخيار للبائع، أو لهما كان
على البائع فطرته.
العقار والدكاكين والدور والمنازل إلا ما كانت للغلة فإنه يستحب أن
يخرج منهما الزكاة، ورحل البيت والقماش والفرش والآنية من الصفر والنحاس
والحديد والرقيق، وفي الماشية البغال والحمير كل هذا لا زكاة فيه بلا خلاف.
فأما الخيل فإن كانت عتاقا ففي كل فرس في كل سنة ديناران، وإن كانت
براذين فدينار واحد إذا كانت سائمة إناثا فإن كانت معلوفة فلا زكاة فيها بحال.
170

فصل: في وقت وجوب الزكاة وتقديمها قبل وجوبها أو تأخيرها:
الأموال الزكاتية على ضربين: أحدهما: يراعى فيه الحول، والآخر: لا يراعى
فيه.
فما يراعى فيه الحول الأجناس الخمسة التي ذكرناها من المواشي والأثمان.
فما هذه صورته إذا استهل الشهر الثاني عشر فقد وجبت فيه الزكاة، وإذا أمكن
بعد ذلك إخراجها فلا يخرجها كان ضامنا لها إذا كان من أهل الضمان على ما
فسرناه.
وما لا يراعى فيه الحول فهي الثمار والغلات ويجب الزكاة فيها إذا بدا
صلاحها، وعلى الإمام أن يبعث الساعي في الزروع إذا اشتد، وفي الثمار إذا بدا
صلاحها كما فعل النبي عليه السلام بخيبر.
ولا يجوز تقديم الزكاة قبل محلها إلا على وجه القرض، فإذا جاء وقتها
وكان الدافع على الصفة التي يجب عليه فيها الزكاة، والمدفوع إليه على الصفة
التي معها يجب له الزكاة احتسب به من الزكاة.
فإن تغيرت صفات الدافع من غنى إلى فقر، ومن حياة إلى موت جاز
استرجاعها، وكذلك إن تغيرت صفات المدفوع إليه من فقر إلى غنى أو إيمان
إلى كفر أو فسق جاز استرجاعها منه ولا يجوز احتسابها من الزكاة، فإن كان
المدفوع إليه قد مات جاز أن يحتسب به من الزكاة.
فإذا ثبت ذلك فإن تسلف الساعي الزكاة لم يخل من أربعة أقسام: إما أن
يكون بمسألة الدافع أو بمسألة المدفوع إليه أو بمسألتها أو من غير مسألة من
واحد منهما.
فإن كان بغير مسألة منهما مثل أن رأى في أهل الصدقة حاجة وفاقة وإضافة
فاستسلف لهم نظر، فإن حال الحول والدافع والمدفوع إليه من أهل الزكاة فقد
وقعت موقعها، وإن جاء وقت الوجوب وقد تغيرت الحال لم يخل من أحد
أمرين: إما أن يكون تغيرها بعد الدفع أو قبله. فإن كان بعد الدفع مثل أن افتقر
171

الدافع أو مات أو استغنى المدفوع إليه أو ارتد فمتى تغير حالهما أو حال أحدهما
لم تقع الزكاة موقعها.
فإذا ثبت ذلك فإن الإمام يردها ثم نظر، فإن كان لتغير حال الدافع أو
تغيرهما ردهما ردها عليه لأنه لم تجب عليه، وإن كان لتغير حال المدفوع إليه
فإنه يدفعها إلى غيره من أهل الصدقة، وإن تغيرت الحال قبل الدفع إليهم
وهلكت في يد الساعي بغير تفريط فإن عليه ضمانه، وكذلك إن كان بتفريط لأنه
أخذ من غير مسألة من الفريقين فكان أخذه مضمونا.
وإن كان بإذن أهل السهمان دون رب المال فإن حال الحول والحال ما
تغيرت وقعت موقعها، وإن كانت الحال متغيرة فإن كان بعد الدفع فالحكم على
ما مضى حرفا بحرف، وإن كان قبل الدفع وهلك في يد الساعي كان من
ضمان أهل السهمان لأنهم صرحوا له بالإذن.
فإن كان بإذن صاحب المال دون أهل السهمان فإن لم يتغير الحال فقد
وقعت موقعها، وإن تغيرت الحال، فإما أن يكون بعد الدفع أو قبله. فإن كان بعد
الدفع فالحكم على ما مضى في القسم الأول، وإن كان قبل الدفع وهلك في يد
الساعي فهي من ضمان رب المال، والساعي أمين لأنه ائتمنه.
وإن كان بإذن من الفريقين فإن لم يتغير الحال فقد وقعت موقعها، وإن
تغيرت فإما أن يكون بعد الدفع أو قبله. فإن كان بعد الدفع فالحكم على
ما مضى، وإن كان قبل الدفع وهلكت فالأولى أن يكون بينهما لأن كل فرقة لها
إذن في ذلك ولا ترجيح لأحدهما على صاحبه.
إذا استسلف الوالي بعيرا لرجلين وسلمه إليهما وماتا بعد ذلك فلا يخلو من
أن يموتا قبل الحول أو بعده، فإن ماتا بعد الحول وبعد وجوب الزكاة، وكانا من
أهلها حين الوجوب، وكان الدافع من أهلها حين الوجوب، وقعت الزكاة
موقعها، وإن ماتا قبل الحول وقبل الوجوب، فإن الزكاة لا تقع موقعها إلا أن
يكون لم يخلفا شيئا فعندنا يجوز أن يحتسب به من الزكاة، وإن خلف تركة لا
172

يجوز له معها لو كان حيا الزكاة استرجعت من تركته.
وإذا ثبت أن له أن يسترده لم يخل البعير من أحد أمرين: إما أن يكون قائما
أو تالفا، فإن كان تالفا كان له أن يسترد قيمته من تركته، ويلزمه قيمته يوم قبضه
لأنه قبضه على جهة القرض فيلزمه قيمته يوم القرض، وإن كان قائما بعينه أخذت
عينه بلا كلام.
ومتى استرد الوالي قيمة البعير نظر في حال رب المال، فإن كان ما بقي
عنده بعد التعجيل نصابا كاملا أخرج زكاة ما بقي عنده، وإن كان الباقي أقل من
نصاب لم تضم هذه القيمة إلى ما عنده ليكمل نصابه لأنه لما هلك البعير كان
الواجب لرب المال قيمته والقيمة لا تضم إلى الماشية ليكمل النصاب بلا خلاف
بين أصحابنا، ومتى كان البعير قائما بعينه فلا كلام، وقد بيناه.
ثم لا يخلو من ثلاثة أحوال: إما أن يكون نقص أو زاد أو يكون بحاله. فإن
كان بحاله أخذه ولا كلام، وإن كان نقص لم يلزمه أكثر من ذلك لأنه لا دليل
على وجوب رد شئ معه والأصل براءة الذمة، وإن كان زائدا غير متميز مثل
السمن والكبر فإنه يرده بزيادته لأنه عين مال صاحب المال، وإن كانت متميزة
مثل أن كانت ناقة فولدت أو شاة فولدت، لزمه رد النماء لأنه نماء ماله.
فإذا ثبت أنه يأخذ بعيره زاد أو نقص ينظر في ماله، فإن كان معه نصاب
كامل أخرج زكاته، وإن نقص عن نصاب إلا أنه يكمل بهذا البعير نصاب وجب
عليه ذلك لأن هذا ماله بعينه وكان حكم ملكه ثابتا هذا إذا عجلها الوالي.
فأما إذا عجل رب المال زكاة نفسه ثم تغيرت حال المدفوع إليه لغنى أو
رده لم تقع الزكاة موقعها وله أن يستردها منه.
ثم لا يخلو حاله من أحد أمرين: إما أن يكون أعطاه مقيدا أو مطلقا. فإن
أعطاه مقيدا بأن يقول: هذه زكاتي عجلتها لك، فإن هذا يكون دينا وله أن
يستردها، وإن أعطاه مطلقا بأن يقول: هذه زكاتي ولم يقل: عجلتها لم يكن له
مطالبته لأن قوله: هذه زكاتي الظاهر أنه كان واجبا عليه ولا يقبل قوله بعد ذلك
173

لأنه عجلها له.
فإذا ثبت أنه ليس له الرجوع مع الإطلاق فقال الدافع: احلف إنك لا تعلم
أني إنما عجلت زكاتي قبل وجوبها، كان له ذلك لأنه مدع على ما يقوله، فإذا
فقد البينة كان على المدعي عليه اليمين.
إذا عجل الزكاة لمسكين قبل الحول ثم حال الحول وقد أيسر لم يخل من
أحد أمرين، إما أن يوسر من هذا المال أو غيره.
فإن أيسر منه مثل أن كانت ماشية فتوالدت أو مالا فاتجر به وربح وقعت
الصدقة موقعها، ولا يجب استرجاعها لأنه يجوز أن يعطيه عندنا من مال الزكاة ما
يغنيه به لقول أبي عبد الله عليه السلام: أعطه وأغنه وأيضا لو استرجعنا منه افتقر
وصار مستحقا للإعطاء، ويجوز أن يرد عليه، وإذا جاز ذلك جاز أن يحتسب به.
وإن كان قد أيسر بغير هذا المال مثل أن ورث أو غنم أو وجد كنزا أو ما
يجري مجراه لم تقع الصدقة موقعها ووجب استرجاعها أو إخراج عوضها لأن ما
كان أعطاه كان دينا عليه، وإنما يحتسب عليه بعد حؤول الحول، وفي هذه
الحال لا يستحق الزكاة لغناه فيجب أن لا يحتسب له به.
إذا عجل له مالا ثم أيسر ثم افتقر عند الحول جاز له أن يحتسب به من
الزكاة، لأن المراعي في صفة المستحق حال حؤول الحول ولا اعتبار بما تقدم من
الأحوال، وفي هذا الوقت هو مستحق.
إذا عجل زكاة مائتي درهم يملكها خمسة دراهم فهلك ما بقي قبل الحول
كان له الرجوع، فإن كان قال لمن أعطاه: هذه زكاتي عجلتها لك أحتسبها لك
عند الحول، فله أن يستردها، وإن قال له: هذه زكاتي، مطلقا ولم يقل: عجلتها،
لم يكن له الرجوع فيما مضى، فإن تشاحوا واختلفوا كان الحكم ما تقدم، وإن
كان قال له: هذه صدقة، لم يكن له أيضا الرجوع لأن الصدقة تقع على الواجب
والندب وليس له الرجوع بواحد منهما على حال، وإن كان المعطي الوالي كان
له أن يرجع أطلق القول أو لم يطلق أو قيد، ورب المال إن قيد رجع وإن أطلق
174

لم يرجع.
فإن مات المدفوع إليه جاز لرب المال أن يحتسب به من الزكاة على كل
حال عند الحول.
فإن عجل الزكاة وبقى معه أقل من النصاب، فإن كان في الموضع الذي له
أن يسترده وجب عليه أن يخرج من الرأس، وإن كان في الموضع الذي له
الاحتساب احتسب به لأن ما له استرجاعه في حكم ما في يده ولو كان في يده
لوجب عليه إخراج الزكاة، هذا إذا أمكنه استرجاعه أي وقت شاء.
فإن لم يمكنه لم يلزمه الزكاة لأن الدين الذي لا يتمكن من أخذه لا زكاة على
صاحبه، وكذلك الحكم في إسلاف المواشي، وسواء كان تلف فاستحق القيمة
أو كانت العين باقية، لأن ذلك دين له فهو في حكم ملكه يلزمه زكاته، والذي
يستحقه عين ما أعطاه، وإنما ينتقل إلى القيمة إذا فقدت العين.
إذا كان معه مائتا درهم فأخرج منها خمسة دراهم وأعطاها الفقير فخرج
واحد منها رديئا ليس له قيمة أو له قيمة تنقص عن المائتين كان له استرجاع ما
أعطاه.
إذا كان معه مائتان فعجل زكاة أربع مائة، فحال الحول ومعه أربع مائة
لا يلزمه أكثر من زكاة مائتين، لأن المستفاد لا يضم إلى الأصل على ما بيناه.
إذا كان عنده أربعون شاة فعجل واحدة ثم حال الحول جاز أن يحتسب بها
لأنها تعد في ملكه ما دامت عينها باقية، فإن أتلفها المدفوع إليه قبل الحول فقد
انقطع حول النصاب ولا يجب على صاحبها زكاة وكان له استرجاع ثمنها.
وإن كان عنده مائة وعشرون شاة فعجل واحدة ونتجت أخرى وحال
الحول لم يلزمه أخرى لأن النتاج لا يضم إلى الأمهات، وكذلك إن كانت عنده
مائتان وعجل ثنتين وولدت واحدة لا يلزمه شئ آخر لمثل ما قلناه.
إذا مات المالك انقطع الحول واستأنف الوارث الحول، ولا يبني على
حوله.
175

فصل: في اعتبار النية في الزكاة:
النية معتبرة في الزكاة، ويعتبر نية المعطي سواء كان المالك أو من يأمره
المالك أو من يتولى أمر مال اليتيم الذي يجب فيه الزكاة ومال المجنون، وينبغي
أن يقارن النية حال الإعطاء، وينبغي أن ينوي بها زكاة أو صدقة الفرض، ولا
يحتاج أن يعين بنية بأن يقول: هذه زكاة مال معين دون مال، لأنه ليس على
ذلك دليل.
من كان له مال غائب يجب عليه فيه الزكاة فأخرج زكاته وقال: إن كان
مالي باقيا فهذه زكاته أو نافلة، أجزأه، وقد قيل: إنه لا يجزئه لأنه لم يعين النية في
كونها فرضا.
وإن قال: إن كان مالي باقيا سالما فهذه زكاته، وإن لم يكن سالما فهو نافلة،
أجزأه بلا خلاف لأنه أفرده بالنية.
وإن كان له مال غائب ومثله حاضر فأخرج زكاة أحدهما، وقال: هذا
زكاة أحدهما أجزأه لأنه لم يشرك بين نية الفرض وبين نية النفل، وإن قال: هذه
زكاة مالي إن كان سالما، وكان سالما أجزأه، وإن كان تالفا لم يجز أن ينقله إلى
زكاة غيره لأن وقت النية قد فاتته.
ومن كان له والد غائب عنه شيخ وله مال فأخرج زكاته وقال: هذا زكاة
ما ورثت من أبي، فإن كان أبوه مات وانتقل المال إلى ملكه فقد أجزأ عنه، وإن
كان لم يمت ثم مات بعد ذلك لم يجزئه لأن وقت النية قد فاتت، هذا على قول
من يقول أن المال الغائب تجب فيه الزكاة، فأما من قال: لا تجب، فلا تجب عليه
الزكاة إلا بعد أن يعلم أنه ورثه وتمكن من التصرف فيه.
وإن قال: إن كان مات فهذا زكاته أو نافلة، لم يجز لأنه لم يخلص نية
الفرض، وإن قال: وإن لم يكن مات فهو نافلة ثم إنه كان قد مات فقد أجزأه لأنه
خلص النية للفرض.
من أعطى زكاته لوكيله ليعطيها الفقير ونوى أجزأه إذا نوى الوكيل حال
176

الدفع لأن النية ينبغي أن تقارن حال الدفع إلى الفقير، وإن لم ينو رب المال
ونوى الوكيل لم يجز لأنه ليس بمالك له، وإن نوى هو ولم ينو الوكيل لم يجز
لما قلناه ولأنه بدفعه إلى الوكيل لم يدفعها إلى المستحق، وإن نويا معا أجزأه.
ومتى أعطى الإمام أو الساعي ونوى حين الإعطاء أجزأه لأن قبض الإمام أو
الساعي قبض عن أهل السهمان، وإن لم ينو الإمام أيضا أجزأه لما قلناه، وإن نوى
الإمام ولم ينو رب المال، فإن كان أخذها منه كرها أجزأه لأنه لم يأخذ إلا
الواجب، وإن أخذه طوعا ولم ينو رب المال لم يجزئه فيما بينه وبين الله غير أنه
ليس للإمام مطالبته دفعة ثانية.
يجوز لرب المال أن يتولى إخراج الزكاة بنفسه ويفرقها في أهلها سواء كان
ماله ظاهرا أو باطنا، والأفضل حمل الظواهر إلى الإمام أو الساعي من قبله، ومتى
طالبه الإمام بالزكاة وجب عليه دفعها إليه.
وإذا أراد أن يتولى بنفسه فلا ينبغي أن يوكل في ذلك لأنه من نفسه على
يقين ومن غيره على شك، وإن حمله إلى بعض إخوانه ممن يثق به جاز أيضا،
والأفضل دفعها إلى العلماء ليتولوا تفريقها لأنهم أعرف بمواضعها.
إذا جمع الساعي السهمان من المواشي وغيرها من الغلات والثمار ووجد
مستحقها في المواضع الذي جمع فرقه فيهم، وإن لم يجد حملها إلى الإمام، ولا
يجوز له بيعها إلا أن يخاف عليها من هلاك في الحمل، فإن باعها من غير خوف
كان البيع باطلا لأن السهمان لمستحقها لقوله تعالى: " إنما الصدقات للفقراء، فلا
يجوز بيعها إلا بإذنهم أو بإذن الإمام، فإذا انفسخ البيع رجع على المشتري
واسترجع المبيع، ورد الثمن إن كان من الأثمان وإلا قيمته إن كان سلعة قد
استهلكها.
يكره أن يشتري الإنسان ما أخرجه في الصدقة وليس بمحظور، ومن اشتراه
كان شراؤه صحيحا إذا باعه بإذن الإمام أو باعه مستحقه.
وإذا وجبت الزكاة وتمكن من إخراجها وجب إخراجها على الفور والبدار،
177

فإن عدم مستحقها عزلها من ماله وانتظر به المستحق، فإن حضرته الوفاة وصى به
أن يخرج عنه.
وإذا عزل ما يجب عليه جاز أن يفرقه ما بينه وبين شهر وشهرين ولا يكون
أكثر من ذلك، فأما حمله إلى بلد آخر مع وجود المستحق فلا يجوز إلا بشرط
الضمان، ومع عدم المستحق يجوز له حمله ولا يلزمه الضمان.
فصل: في مال الأطفال والمجانين:
مال الطفل ومن ليس بعاقل على ضربين: أحدهما: يجب فيه الزكاة،
والآخر: لا يجب فيه.
فالأول: الغلات والمواشي، فإن حكم جميع ذلك حكم أموال البالغين على
السواء وقد مضى ذكره، غير أن الذي يتولى إخراجها الولي أو الوصي أو من له
ولاية على التصرف في أموالهم، ولا يجوز لغيرهم ذلك على حال.
والقسم الثاني: الدنانير والدراهم، فإنه لا يتعلق بهما زكاة، فإن اتجر متجر
بمالهم نظرا لهم استحب له أن يخرج منه الزكاة كما قلناه في أموال التجارة،
وجاز له أن يأخذ من الربح بقدر ما يحتاج إليه على قدر الكفاية، وإن اتجر لنفسه
دونهم وكان في الحال متمكنا من ضمانه كانت الزكاة عليه والربح له، وإن لم
يكن متمكنا في الحال من ضمان مال الطفل وتصرف فيه لنفسه من غير وصية
ولا ولاية لزمه ضمانه وكان الربح لليتيم، ويخرج منه الزكاة.
فصل: في حكم أراضي الزكاة وغيرها:
الأرضون على أربعة أقسام حسب ما ذكرناه في النهاية:
فضرب منها: أسلم أهلها عليها طوعا من قبل أنفسهم من غير قتال، فتترك
الأرض في أيديهم ويؤخذ منهم العشر أو نصف العشر، وكانت ملكا لهم يصح
لهم التصرف فيها بالبيع والشراء والوقف وسائر أنواع التصرف إذا عمروها
178

وقاموا بعمارتها، فإن تركوا عمارتها وتركوها خرابا جاز للإمام أن يقبلها ممن
يعمرها بما يراه من النصف أو الثلث أو الربع، وكان على المتقبل - بعد إخراج
حق القبالة ومؤونة الأرض إذا بقي معه النصاب - العشر أو نصف العشر، ثم على
الإمام أن يعطي أربابها حق الرقبة.
والضرب الآخر من الأرضين: هو ما أخذ عنوة بالسيف، فإنها تكون
للمسلمين قاطبة المقاتلة وغير المقاتلة، وعلى الإمام تقبيلها لمن يقوم بعمارتها بما
يراه من النصف أو الثلث، وعلى المتقبل إخراج مال القبالة وحق الرقبة، وفيما
يفضل في يده إذا كان نصابا العشر أو نصف العشر. وهذا الضرب من الأرضين
لا يصح التصرف فيها بالبيع والشراء والوقف وغير ذلك، وللإمام أن ينقله من
متقبل إلى غيره إذا انقضت مدة ضمانه، وله التصرف فيه بحسب ما يراه من
مصلحة المسلمين، وارتفاع هذه الأرضين ينصرف إلى المسلمين بأجمعهم وإلى
مصالحهم، وليس للمقاتلة خصوصا إلا ما يحويه العسكر.
والضرب الثالث: كل أرض صالح أهلها عليها - وهي أرض الجزية -
يلزمهم ما يصالحهم الإمام عليه من نصف أو ثلث وليس عليهم غير ذلك، فإذا
أسلم أربابها كان حكم أراضيهم حكم أرض من أسلم طوعا ابتداء، ويسقط عنهم
الصلح لأنه جزية وقد سقطت بالإسلام، ويصح في هذا الضرب من الأرضين
التصرف بالبيع والشراء والهبة وغير ذلك، وللإمام أن يزيد وينقص ما صالحهم
عليه بعد انقضاء مدة الصلح حسب ما يراه من زيادة الجزية ونقصانها.
والضرب الرابع: كل أرض انجلى عنها أهلها، وكانت مواتا لغير مالك
فأحييت، أو كانت آجاما وغيرها مما لا يزرع فاستحدثت مزارع، فإنها كلها
للإمام خاصة ليس لأحد معه فيها نصيب، وكان له التصرف فيها بالقبض والهبة
والبيع والشراء حسب ما يراه، وكان له أن يقبلها بما يراه من نصف أو ثلث أو
ربع، ويجوز له نزعها من يد متقبلها إذا انقضى مدة الضمان، إلا ما أحييت بعد
مواتها فإن من أحياها أولى بالتصرف فيها إذا تقبلها بما يقبلها غيره، فإن أبي ذلك
179

كان للإمام نزعها من يده وتقبيلها لمن يراه، وعلى المتقبل بعد إخراج مال القبالة
والمؤن فيما يحصل من حصته العشر أو نصف العشر.
وكل موضع أوجبنا فيه العشر أو نصف العشر من أقسام الأرضين إذا
أخرج الإنسان مؤونته ومؤونة عياله لسنة وجب عليه فيما بقي بعد ذلك الخمس
لأهله.
فصل: في ذكر ما يجب فيه الخمس:
الخمس يجب في كل ما يغنم من دار الحرب، ما يحويه العسكر وما لم
يحوه، وما يمكن نقله إلى دار الإسلام وما لا يمكن نقله من الأموال والذراري
والأرضين والعقارات والسلاح والكراع وغير ذلك مما يصح تملكه، وكانت
في أيديهم على وجه الإباحة أو الملك، ولم يكن غصبا لمسلم.
ويجب أيضا الخمس في جميع المعادن، ما ينطبع منها - مثل الذهب
والفضة والحديد والصفر والنحاس والرصاص والزئبق - وما لا ينطبع مثل
الكحل والزرنيخ والياقوت والزبرجد والبلخش والفيروزج والعقيق.
ويجب أيضا في القير والكبريت والنفط والملح والمومياء، وكل ما يخرج
من البحر، وفي العنبر، وأرباح التجارات والمكاسب وفيما يفضل من الغلات عن
قوت السنة له ولعياله.
ويجب أيضا في الكنوز التي توجد في دار الحرب من الذهب والفضة
والدراهم والدنانير، سواء كان عليها أثر الإسلام أو لم يكن عليها أثر الإسلام.
فأما الكنوز التي توجد في بلاد الإسلام، فإن وجدت في ملك الإنسان وجب
أن يعرف أهله، فإن عرفه كان له، وإن لم يعرفه أو وجدت في أرض لا مالك لها
فهي على ضربين: فإن كان عليها أثر الإسلام مثل أن يكون عليها سكة الإسلام
فهي بمنزلة اللقطة سواء وسنذكر حكمها في كتاب اللقطة، وإن لم يكن عليها أثر
الإسلام أو كانت عليها أثر الجاهلية من الصور المجسمة وغير ذلك فإنه يخرج
180

منها الخمس وكان الباقي لمن وجدها.
وإذا اختلط مال حرام بحلال حكم فيه بحكم الأغلب، فإن كان الغالب
حراما احتاط في إخراج الحرام منه، وإن لم يتميز له أخرج منه الخمس وصار
الباقي حلالا، وكذلك إن ورث ما لا يعلم أن صاحبه جمعه من جهات محظورة
من غصب وربا وغير ذلك ولم يعلم مقداره أخرج منه الخمس واستعمل الباقي،
فإن غلب في ظنه أو علم أن الأكثر حرام احتاط في إخراج الحرام منه، هذا إذا لم
يتميز له الحرام، فإن تميز له بعينه وجب إخراجه - قليلا كان أو كثيرا - ورده إلى
أربابه إذا تميزوا، فإن لم يتميزوا تصدق به عنهم.
وإذا اشترى ذمي من مسلم أرضا كان عليه فيها الخمس.
والعسل الذي يوجد في الجبال وكذلك المن يؤخذ منه الخمس.
وإذا كان المعدن لمكاتب أخذ منه الخمس لأنه ليس بزكاة، وإذا كان
العامل في المعدن عبدا وجب فيه الخمس لأن كسبه لمولاه.
والمعدن يملك منه أصحاب الخمس خمسهم والباقي لمن استخرجه إذا كان في المباح، فأما إذا
كان في الملك فالخمس لأهله والباقي لمالكه.
ولا يعتبر في شئ من المعادن والكنوز التي يجب فيها الخمس الحول لأنه
ليس بزكاة، ولا يضم أيضا إلى ما معه من الأموال الزكاتية لأنه لا يجب فيها
الزكاة، فإذا حال بعد إخراج الخمس منه حول كان عليه فيه الزكاة إن كان
دراهم أو دنانير، وإن كان غيره فلا شئ عليه فيه.
وإذا وجد الكنز في ملك إنسان فقد قلنا أنه يعرف، فإن قال: ليس لي وأنا
اشتريت الدار، عرف البائع، فإن عرف كان له، وإن لم يعرف كان حكمه ما
قدمناه.
وإذا وجد في دار استأجرها ركاز واختلف المكري والمكتري في الملك
كان القول قول المالك لأن الظاهر أنه ملكه، وإن اختلفا في مقداره كان القول
قول المكتري وعلى المالك البينة لأنه المدعي.
181

وجميع ما ذكرناه يجب فيه الخمس - قليلا كان أو كثيرا - إلا الكنوز
ومعادن الذهب والفضة فإنه لا يجب فيها الخمس إلا إذا بلغت إلى القدر الذي
يجب فيه الزكاة.
والغوص لا يجب فيه الخمس إلا إذا بلغ قيمته دينارا. وما يصطاد من البحر
من سائر أنواع الحيوانات لا خمس فيه لأنه ليس بغوص، فأما ما يخرج منه
بالغوص أو يؤخذ قفيا على رأس الماء ففيه الخمس.
والغلات والأرباح يجب فيها الخمس بعد إخراج حق السلطان ومؤونة
الرجل ومؤونة عياله بقدر ما يحتاج إليه على الاقتصاد.
والكنوز والمعادن يجب فيها الخمس بعد إخراج مؤنها ونفقاتها إن كانت تحتاج إلى ذلك، وإن لم تحتج إليه وبلغت الحد الذي ذكرناه كان فيها الخمس، وسنذكر كيفية قسمة الخمس في كتاب قسمة الفئ.
182

كتاب الفطرة
الفطرة واجبة على كل حر بالغ مالك لما يجب فيه زكاة المال، مسلما
كان أو كافرا غير أنه لا يصح إخراجه إلا بشرط تقدم الإسلام، ولا يضمن إلا
بشرط الإسلام.
ويلزم من تجب عليه أن يخرجه عن نفسه وجميع من يعوله من ولد ووالد
وزوجة ومملوك وضيف مسلما كان أو ذميا، وكذلك يلزمه عن المدبر
والمكاتب المشروط عليه، فإن كان مطلقا وقد تحرر منه جزء يلزمه بحساب
ذلك إن لم يكن في عيلته، وإن كان في عيلته فزكاة فطرته عليه.
ويلزمه أيضا الفطرة عن عبد العبد لأنه ملكه والعبد لا يملك شيئا.
والولد الصغير يجب إخراج الفطرة عنه معسرا كان أو موسرا، وحكم ولد
الولد حكم الولد للصلب سواء كان ولد ابن أو ولد بنت لأن الاسم يتناوله، وأما
الولد الكبير فله حكم نفسه، إن كان موسرا فزكاته على نفسه، وإن كان بحيث
يلزم الوالد نفقته فعليه أيضا فطرته.
والولد إن كان موسرا فنفقته وفطرته على نفسه بلا خلاف، وإن كان معسرا
كانت نفقته وفطرته على ولده، وكذلك حكم الوالدة، وحكم الجد والجدة من
جهتهما وإن عليا حكمهما على سواء.
ويلزم الرجل إخراج الفطرة عن خادم زوجته - كان ملكه أو ملكها أو
183

مكتري لخدمتها - لأنه ليس يجب على المرأة الخدمة، وإنما يجب على الزوج أن
يقوم بخدمتها أو يقيم من يخدمها إذا كانت امرأة لم تجر عادتها وعادة مثلها
بالخدمة، وإن كانت عادتها وعادة مثلها الخدمة لا يجب عليه ذلك وفطرة
خادمتها التي تملكها في مالها خاصة، وإنما قلنا: لا يجب عليها الخدمة لقوله
تعالى: وعاشروهن بالمعروف، وهذا من المعروف.
وإذا كان له مملوك غائب يعرف حياته وجبت عليه فطرته رجي عوده أو
لم يرج، وإن لم يعلم حياته لا يلزمه إخراج فطرته، وفي الأول يلزمه إخراج
الفطرة في الحال ولا ينتظر عود المملوك.
إذا كان له عبد مرهون لزمه فطرته لعموم الأخبار، وإن كان مقعدا - وهو
المعضوب - لا يلزمه فطرته لأنه ينعتق عليه، وإن كان معضوبا لا يلزمه فطرته لأنه
ليس بملك له، ولا يلزم أيضا مالكه فطرته لأنه ليس بمتمكن منه.
العبد إذا كان بين شريكين كان عليهما فطرته، وكذلك إذا كان بين أكثر
من اثنين، وإن كان عبد بين أكثر من اثنين أو بين اثنين كانت فطرته عليهم. وإن
كان بعضه حرا وبعضه مملوكا كان عليه بقدر ما يملكه منه.
وإذا مات وقد أهل شوال وله عبد وعليه دين يلزم في ماله فطرته وفطرة
مملوكه، ويكون ماله قسمة بين الديان والفطرة، فإن مات قبل أن يهل شوال فلا
يلزم أحدا فطرته لأنه لم ينتقل إلى ورثته لأن عليه دينار، وإن مات قبل هلال شوال
ولا دين عليه كانت فطرته على الورثة لأنه ملكهم.
إذا أوصي له بعبد ومات الموصي قبل أن يهل شوال ثم قبله الموصى له قبل
أن يهل شوال ففطرته عليه لأنه ملكه بلا خلاف، وإن قبله بعده لا يلزم أحدا فطرته
لأنه ليس بملك لأحد في تلك الحال، فإن مات الموصى له أيضا قبل أن يهل
شوال قام ورثته مقامه في قبول الوصية، فإن قبلوها قبل أن يهل شوال لزمهم فطرته
لأنهم ملكوه، وإن قبلوها بعده فلا يلزم أحدا لأن الملك لم يحصل لأحد.
ومن وهب لغيره عبدا قبل أن يهل شوال فقبله ولم يقبض العبد حتى يستهل
184

شوال فالفطرة على الموهوب له لأنه ملكه بالإيجاب والقبول، وليس القبض
شرطا في الانعقاد، ومن قال: القبض شرط في الانعقاد، قال: على الواهب فطرته
لأنه ملكه، وهو الصحيح عندنا، فإن قبل ومات قبل القبض وقبل أن يهل شوال
فقبضه ورثته بعد دخول شوال لزم الورثة فطرته.
لا تجب الفطرة إلا على من ملك نصابا من الأموال الزكوية، والفقير لا تجب
عليه وإنما يستحب له ذلك، فإن ملك قبل أن يهل شوال بلحظة نصابا وجب
عليه إخراج الفطرة، وكذلك إن ملك عبدا قبل أن يهل شوال بلحظة ثم أهل
شوال لزمه فطرته، وإن باعه بعد هلاله لم تسقط عنه فطرته.
وإذا ولد له ولد بعد هلال شوال لم يلزمه فطرته، وقد روي أنه إذا ولد إلى
وقت صلاة العيد كان عليه فطرته وإن ولد بعد الصلاة لم يكن عليه شئ،
وذلك محمول على الاستحباب، وفي أصحابنا من قال: تجب الفطرة على الفقير،
والصحيح أنه مستحب.
المرأة الموسرة إذا كانت تحت معسر أو مملوك لا يلزمها فطرة نفسها،
وكذلك أمة الموسرة إذا كانت تحت معسر أو مملوك لا يلزم المولى فطرتها لأن
بالتزويج قد سقط عنه فطرتها ونفقتها وسقط عن الزوج لإعساره.
الفقير الذي يجوز له أخذ الفطرة إذا تبرع بإخراج الفطرة فرد عليه ذلك
بعينه كره له أخذه وليس بمحظور.
إذا أسلم قبل هلال شوال بلحظة لزمه الفطرة، وإن أسلم بعد الاستهلال لا
يلزمه وجوبا، وإنما يستحب له إلى أن يصلي صلاة العيد.
ومن لا تجب عليه الفطرة لفقر وأحب إخراجها عن نفسه وعياله ترادوها ثم
أخرجوا رأسا واحدا إلى خارج وقد أجزأ عن الجميع. والفطرة تجب صاع - وزنه تسعة أرطال بالعراقي وستة أرطال بالمدني -
من التمر أو الزبيب أو الحنطة أو الشعير أو الأرز أو الأقط أو اللبن، واللبن يجزئ
منه أربعة أرطال بالمدني، والأصل في ذلك أنه أفضله أقوات البلد الغالب على
185

قوتهم.
وقد خص أهل كل بلد بشئ مخصوص استحبابا، فعلى أهل مكة والمدينة
وأطراف الشام واليمامة والبحرين والعراقين وفارس والأهواز وكرمان التمر،
وعلى أوساط أهل الشام ومرو - من خراسان والري - الزبيب، وعلى أهل الجزيرة
والموصل والجبال كلها وباقي خراسان الحنطة أو الشعير، وعلى أهل طبرستان
الأرز، وعلى أهل مصر البر، ومن سكن البوادي من الأعراب والأكراد فعليهم
الأقط فإن عدموه كان عليهم اللبن.
وإن أخرج واحد من هؤلاء من غير ما قلناه كان جائزا إذا كان من أحد
الأجناس التي قدمنا ذكرها، ولا يجوز أن يخرج صاعا واحدا من جنسين لأنه
يخالف الخبر، فإن كان ممن تجب عليه أصواع عن رؤوس فأخرج عن كل
رأس جنسا كان جائزا.
فإن غلب على قوته جنس جاز أن يخرج ما هو دونه، والأفضل أن يخرج
من قوته أو ما هو أعلى منه، وأفضل ما يخرجه التمر، ولا يجوز إخراج المسوس
ولا المدود لقوله تعالى: ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون.
والوقت الذي يجب فيه إخراج الفطرة يوم الفطر قبل صلاة العيد، فإن
أخرجها قبل ذلك بيوم أو يومين أو من أول الشهر إلى آخره كان جائزا غير أن
الأفضل ما قدمناه، فإذا كان يوم الفطر أخرجها وسلمها إلى مستحقها، فإن لم يجد
لها مستحقا عزلها من ماله ثم يسلمها بعد الصلاة أو من غد يومه إلى مستحقها، فإن
وجد لها أهلا وأخرها كان ضامنا، وإن لم يجد لها أهلا وعزلها لم يكن عليه
ضمان.
ويستحب حمل الفطرة إلى الإمام أو إلى العلماء ليضعها حيث يراه، وإن
تولى تفريقها بنفسه كان جائزا، ولا يجوز أن يعطيها إلا لمستحقها، ومستحقها هو
كل من كان بالصفة التي يحل له معها الزكاة، ويحرم على من يحرم عليه زكاة
الأموال.
186

ولا يجوز حمل الفطرة من بلد إلى بلد إلا بشرط الضمان، فإن لم يوجد لها
مستحق جاز أن يعطي المستضعفين من غيرهم، ولا يجوز إعطاؤها لمن لا معرفة له
إلا عند التقية أو عدم مستحقيه، والأفضل أن يعطي من يخافه من غير الفطرة
ويضع الفطرة في مواضعها.
وأقل ما يعطي الفقير من الفطرة صاعا، ويجوز إعطاؤه أصواعا، وقد روي
أنه إذا حضر نفسان محتاجان ولم يكن هناك إلا رأس واحد جاز تفرقته بينهما.
وأفضل من تصرف الفطرة إليه الأقارب ولا يعدل عنهم إلى الأباعد، كذلك
لا يعدل عن الجيران إلى الأقاصي، فإن لم يجد جاز ذلك، وإن خالف فإنه تبرأ
ذمته غير أنه قد ترك الأفضل.
ويجوز إخراج القيمة عن أحد الأجناس التي قدمناها سواء كان الثمن سلعة
أو حبا أو خبزا أو ثيابا أو دراهم أو شيئا له ثمن بقيمة الوقت، وقد روي أنه يجوز أن
يخرج عن كل رأس درهما، وروي أربعة دوانيق في الرخص والغلاء، والأحوط
إخراجه بسعر الوقت.
إذا نشزت المرأة عن زوجها سقطت نفقتها، فإن أهل شوال وهي مقيمة على
النشوز لم يلزمه فطرتها لأنه لا يلزمه نفقتها.
وإن أبق عبده فأهل شوال لم تسقط فطرته عنه لأن ملكه ثابت فيه، ويجب
عليه أن يخرج الزكاة عن عبيده، وهذا منهم.
وإذا طلق زوجته قبل أن يهل شوال فأهل شوال وهي في العدة، فإن كانت
عدة يملك فيها رجعتها لزمته فطرتها لأن عليه نفقتها، وإن كانت التطليقة بائنة فلا
فطرة عليه لأنه لا يلزمه نفقتها.
187

كتاب قسمة الزكاة
والأخماس والأنفال
المستحق للزكاة هم الثمانية أصناف الذين ذكرهم الله تعالى في كتابه
العزيز في قوله عز وجل: إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها و
المؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل.
ولا يجوز أن يعطي شئ من الزكوات من ليس على ظاهر الإسلام من سائر
أصناف الكفار، لا زكاة الفطرة، ولا زكاة الأموال ولا شئ من الكفارات.
والأموال على ضربين: ظاهرة وباطنة.
فالباطنة الدنانير والدراهم وأموال التجارات، فالمالك بالخيار في هذه
الأشياء بين أن يدفعها إلى الإمام أو من ينوب عنه وبين أن يفرقها بنفسه على
مستحقيه بلا خلاف في ذلك.
وأما زكاة الأموال الظاهرة مثل المواشي والغلات فالأفضل حملها إلى الإمام
إذا لم يطلبها، وإن تولى تفرقتها بنفسه فقد أجزأ عنه، ومتى طلبها الإمام وجب
دفعها إليه، وإن فرقها بنفسه مع مطالبته لم يجزئه.
فإذا وجبت عليه الزكاة وقدر على دفعها إلى من يجوز دفعها إليه - إما الإمام
أو الساعي - فإنه يلزمه إخراجها إليه ولا يجوز له حبسها.
فإذا ثبت ذلك فالأموال على ضربين: أحدهما: يعتبر فيه الحول، والآخر
لا يعتبر فيه ذلك. فما يعتبر فيه الحول المواشي والأثمان وأموال التجارات، والذي
188

لا يعتبر فيه الحول الزروع والثمار، ويجب الزكاة فيها عند تكاملها على ما بيناه.
وعلى الإمام أن يبعث الساعي في كل عام إلى أرباب الأموال لجباية
الصدقات، ولا يجوز له تركه لأن النبي صلى الله عليه وآله كان يبعث بهم كل
عام.
فإذا أنفذ الساعي فمن دفع إليه أخذه، ومن لم يدفع وذكر أنه قد أخرج
الزكاة صدقة على ذلك على ما بيناه.
فإذا أخذ الإمام صدقة المسلم دعا له استحبابا لقوله تعالى: خذ من أموالهم
صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم، وذلك على
الاستحباب.
ومن تجب عليه الزكاة فلا يخلو من ثلاثة أحوال: إما أن يدفعها إلى الإمام، أو
إلى الساعي، أو يتولى بنفسه تفريقها.
فإن دفعها إلى الإمام فالفرض قد سقط عنه، والإمام يضعها كيف شاء لأنه
مأذون له في ذلك.
وإن دفعها إلى الساعي فإنها تسقط عنه أيضا الفرض لأنه بمنزلة دفعها إلى
الإمام، فإن كان الإمام أذن للساعي في تفرقتها على أهلها فرقها حسب ما يراه من
المصلحة بحسب اجتهاده، وإن لم يكن أذن له في ذلك لم يجز له تفرقتها بنفسه.
وإن أراد رب المال تفرقتها بنفسه - وكان من الأموال الباطنة أو الظاهرة إذا
قلنا له ذلك - فإنه يلزمه تفرقتها على من يوجد من الأصناف الثمانية الذين تقدم
ذكرهم، إلا العامل فإنه لا يدفع إليه شيئا لأنه إنما يستحق إذا عمل وهاهنا ما عمل
شيئا، فإن أخل بصنف منهم جاز عندنا لأنه مخير في أن يضع في أي صنف شاء.
وإذا وجبت عليه زكاة فعليه أن يصرفها في فقراء أهل بلده ومستحقيها، فإن
نقلها إلى بلد آخر مع وجود المستحق في بلده ووصل إليهم فقد أجزأه، وإن
هلك كان ضامنا، وإن لم يجد لها مستحقا في بلده جاز له حملها إلى بلد آخر ولا
189

ضمان عليه على حال.
وإنما قلنا: إن تفرقتها في بلده أولى، لقول النبي صلى الله عليه وآله لمعاذ:
أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم، فثبت أنه للحاضرين.
فإذا ثبت هذا وكان الرجل ببلد والمال في ذلك البلد فعليه أن يفرقه في
ذلك البلد ولا يجوز له نقلها إلا على ما قلناه، فإن كان هو في موضع وماله في
موضع آخر وكان ما له زرعا أو ثمارا أخرج صدقته في موضع ماله، وإن كان
غير ذلك من الأموال التي يعتبر فيها الحول فإنه يخرج زكاته في الموضع الذي
يحول عليه الحول.
وأما زكاة الفطرة فإنه إن كان هو وماله في بلد واحد أخرج زكاة الفطرة
فيه، وإن كان هو في بلد وماله في بلد آخر أخرج الفطرة في البلد الذي فيه
صاحب المال لأنها تتعلق بالبدن لا بالمال، وقد قيل: إنه يخرج في البلد الذي فيه
المال، والأول أصح.
ولا فرق بين أن ينقلها إلى موضع قريب أو موضع بعيد فإنه لا يجوز نقلها
عن البلد مع وجود المستحق إلا بشرط الضمان، ومع عدم المستحق يجوز
بالإطلاق، غير أنه متى وصل إلى مستحقه في البلد الذي حمل إليه فإنه يسقط به
الفرض عنه.
وإذا أراد أن يفرق الزكاة بنفسه فرقها في الأصناف السبعة إن كانوا
موجودين، وإن لم يكونوا موجودين وضعها في من يوجد منهم، والأفضل أن
يجعل لكل جنس منهم سهما من الزكاة، فإن لم يفعل ووضعها في جنس أو
جنسين كان جائزا، وإن فرق في الجنس على جماعة كان أفضل، وإن أعطاها
لواحد فقد برئت ذمته، وأما العامل فليس له شئ هاهنا.
وإذا دفعها إلى الساعي فقد سقط عنه الفرض، فإذا حصلت في يده الساعي
وكان مأذونا له في التفرقة فإنه يأخذ سهمه منها ثم يصرف الباقي على حسب ما
يراه، وإن لم يكن قد أذن له في التفرقة دفعها إلى الإمام.
190

وإذا عدم صنف من الأصناف فلا يخلو من أن يعدموا في سائر البلاد أو في
بلد المال وحده، فإن عدموا في سائر البلدان - كالمؤلفة قلوبهم والمكاتبين - فإن
سهمهم ينتقل إلى باقي الأصناف فيقسم فيهم لأنهم أقرب، وإن عدموا في بلد المال
وكانوا موجودين في بلد آخر فرق في من بقي من الأصناف في بلد المال ولا يحمل
إلى غيره إلا بشرط الضمان.
سبب استحقاق الزكاة على ضربين: سبب مستقر وسبب مراعى. فالمستقر
الفقر والمسكنة وغير ذلك، فإن الفقراء والمساكين يأخذون الصدقة أخذا مستقرا
ولا يراعى ما يفرقونه فيه سواء فرقوها في حاجتهم أو لم يفرقوها لا اعتراض
عليهم. والمراعي مثل الغارمين والمكاتبين فإنه يراعى حالهم، فإن صرفوها في
قضاء الدين ومال الكتابة وإلا استرجعت عنهم.
الفقير إذا أطلق دخل فيه المسكين، وكذلك لفظة المسكين إذا أطلق دخل
فيه الفقير لأنهما متقاربان في المعنى، فأما إذا جمع بينهما كآية الصدقة وغيرها ففيه
خلاف بين العلماء، فقال قوم وهو الصحيح: إن الفقير هو الذي لا شئ له
ولا معه، والمسكين هو الذي له بلغة من العيش لا تكفيه، وفيهم من قال بالعكس
من ذلك، والأول أولى لقوله تعالى: أما السفينة فكانت لمساكين، وهي تساوي
جملة.
تحرم الصدقة على من يقدر على التكسب الذي يقوم بأوده وأود عياله.
إذا جاء رجل إلى الإمام أو الساعي وذكر أنه لا مال له ولا كسب وسأله أن
يعطيه شيئا من الزكاة، فإن عرف الإمام صدقه أعطاه، وإن عرف كذبه لم يعطه،
وإن جهل حاله نظر، فإن كان جلدا في الظاهر أعطاه، وقيل: إنه يحلف لأنه
يدعي أمرا يخالف الظاهر، وقيل: إنه لا يحلف وهو الأقوى، وأما إذا كان ضعيفا
في الظاهر فإنه يعطيه من الصدقة ولا يحلفه لأن الظاهر موافق لما يدعيه.
فإن ادعى هذا السائل أنه يحتاج إلى الصدقة لأجل عياله فهل يقبل قوله؟
فيه قولان: أحدهما: يقبل قوله بلا بينة. والثاني: لا يقبل إلا ببينة لأنه لا يتعذر،
191

وهذا هو الأحوط، هذا في من لا يعرف له أصل مال، فأما إذا عرف له أصل مال
فادعى أنه تلف وأنه محتاج لا يقبل قوله إلا ببينة لأن الأصل بقاء المال. وهكذا
الحكم في العبد إذا ادعى أن سيده أعتقه أو كاتبه وأنه يستحق الصدقة فإنه لا يقبل
ذلك إلا ببينة لأن الأصل بقاء الرق.
ويعتبر مع الفقر والمسكنة الإيمان والعدالة، فإن لم يكن مؤمنا أو كان
فاسقا فإنه لا يستحق الزكاة، والمخالف إذا أخرج زكاته ثم استبصر كان عليه
إعادة الزكاة لأنه أعطاها لغير مستحقها. ويجوز أن يعطي أطفال المؤمنين الزكاة،
ولا يجوز أن يعطي الزكاة أطفال المشركين.
يجوز أن يعطي الزكاة لمن كان فقيرا - ويستحيي من أخذه - على وجه
الصلة وإن لم يعلم أنه من الزكاة المفروضة.
ومن أعطي زكاة ليفرقها وكان محتاجا جاز له أن يأخذ مثل ما يعطي غيره،
فإن عين له على أقوام لم يجز له أن يأخذ منها شيئا.
العامل هو الذي يجبي الصدقة، فإذا جباها استحق سهما منها، ولا يستحق
فيما يأخذه الإمام بنفسه أو فرقه رب المال بنفسه لأنه لم يعمل.
وإذا أراد الإمام أن يولي رجلا على الصدقات احتاج أن يجمع ست شرائط:
البلوغ والعقل والحرية والإسلام والأمانة والفقه، فإن أخل بشئ منها لم يجز أن
يوليه.
فإذا قبض الإمام الصدقات بنفسه لم يجز له أن يأخذ منها شيئا بلا خلاف
عندنا لأن الصدقة محرمة عندنا عليه، وعند الفقهاء لأن له رزقا من بيت المال على
تولية أمر المسلمين فلا يجوز أن يأخذ شيئا آخر، وكذلك خليفة الإمام على أقليم
أو بلد إذا كان عمل على الصدقات وجباها فلا يستحق عوضا على ذلك، لكن إن
تطوع به جاز لأنه قائم مقام الإمام.
وإذا ولى الإمام رجلا للعمالة فإنه يستحق العوض، ثم لا يخلو حاله من ثلاثة
أقسام: إما أن يكون من ذوي القربى، أو من مواليهم، أو لا منهم ولا من مواليهم.
192

فإن كان من أهل ذوي القربى فإنه لا يجوز أن يتولى العمالة لأنه لا يجوز له
أن يأخذ الصدقة، وقال قوم: يجوز ذلك لأنه يأخذ على وجه العوض والأجرة
فهو كسائر الإجارات، والأول أولى لأن الفضل بن العباس والمطلب بن ربيعة
سألا النبي صلى الله عليه وآله أن يوليهما العمالة فقال لهما: الصدقة إنما هي أوساخ
الناس وإنها لا تحل لمحمد وآل محمد، هذا إذا كانوا متمكنين من الأخماس، وأما
إذا لم يكونوا كذلك فإنه يجوز لهم أن يتولوا الصدقات ويجوز لهم أيضا أخذ
الزكاة عند الحاجة.
فأما موالي ذوي القربى فإنه يجوز لهم أن يولوا العمالة، ويجوز لهم أن
يأخذوا منها بلا عمالة.
فأما سائر الناس غير ذوي القربى ومواليهم فإنه يجوز أن يكونوا عمالا
ويأخذوا من الصدقة لعموم الأخبار والآية.
فإذا ثبت هذا فالإمام في العامل بالخيار، إن شاء استأجره مدة معلومة، وإن
شاء عقد معه عقد جعالة، فإذا وفي العمل دفع إليه العوض الذي شرط له. فإذا
عمل العامل العمل واستقر له العوض نظر في السهم من الصدقة، فإن كان بقدر
الأجرة دفع إليه، وإن كان أكثر دفع إليه قدر أجرته وصرف الباقي إلى أهل
السهمان، وإن كان أقل تممت له أجرته من سهمان الصدقات لعموم الآية، وقيل:
إنه من سهم المصالح.
فإن قبض الساعي الصدقات وتلفت في يده فإنها تتلف من حق المساكين
لأنه أمينهم وقبضه عنهم.
والمؤلفة قلوبهم عندنا هم الكفار الذين يستمالون بشئ من مال الصدقات
إلى الإسلام.
ويتألفون ليستعان بهم على قتال أهل الشرك، ولا يعرف أصحابنا مؤلفة
أهل الإسلام. وللمؤلفة سهم من الصدقات كان ثابتا في عهد النبي
صلى الله عليه وآله، وكل من قام مقامه عليه السلام جاز له أن يتألفهم لمثل ذلك، ويعطيهم
193

السهم الذي سماه الله تعالى لهم، ولا يجوز لغير الإمام القائم مقام النبي
صلى الله عليه وآله ذلك، وسهمهم مع سهم العامل ساقط اليوم.
وقال الشافعي: المؤلفة قلوبهم ضربان: مسلمون ومشركون.
فالمشركون ضربان: أحدهما: قوم لهم شرف وطاعة في الناس وحسن نية
في الإسلام يعطون استمالة لقلوبهم وترغيبا لهم في الإسلام مثل صفوان بن أمية
وغيره. والثاني: قوم من المشركين لهم قوة وشوكة وطاعة إذا أعطاهم الإمام
كفوا شرهم عن المسلمين، وإذا لم يعطوا تألبوا عليه وقاتلوه، فهؤلاء كان النبي
صلى الله عليه وآله يعطيهم استكفافا لشرهم. وبعد النبي صلى الله عليه وآله هل
لمن قام مقامه أن يعطيهم ذلك؟ فيه قولان، ومن أين يعطيهم من سهم المصالح
أو من سهم الصدقات؟ فيه قولان.
وأما مؤلفة الإسلام فعلى أربعة أضرب:
أحدها: قوم لهم شرف وسداد لهم نظراء إذا أعطوا هؤلاء نظر إليهم نظراؤهم
فرغبوا في الإسلام، فهؤلاء أعطاهم النبي صلى الله عليه وآله مثل الزبرقان بن بدر
وعدي بن حاتم وغيرهما.
والضرب الثاني: قوم لهم شرف وطاعة أسلموا وفي نياتهم ضعف، أعطاهم
النبي صلى الله عليه وآله ليقوي نياتهم مثل أبي سفيان بن حرب، أعطاه النبي
صلى الله عليه وآله مائة من الإبل، وأعطى صفوان مائة، وأعطى الأقرع بن حابس مائة،
وأعطى عيينة ابن الحصين مائة، وأعطى العباس بن مرداس أقل من مائة فاستعتب
فتمم المائة. وهل لمن قام مقام النبي صلى الله عليه وآله أن يعطي هذين؟ فيه قولان، ومن أين يعطيه؟ فيه
قولان.
الضرب الثالث: هم قوم من الأعراب في طرف من بلاد الإسلام وبإزائهم قوم
من المشركين إن أعطاهم قاتلوا عن المسلمين وإن لم يعطوا لم يقاتلوا، واحتاج
الإمام إلى مؤونة في تجهيز الجيوش إليهم، فهؤلاء يعطون ويتألفون ليقاتلوا
المشركين ويدفعوهم.
194

والضرب الرابع: قوم من الأعراب في طرف من بلد الإسلام بإزائهم قوم من
أهل الصدقات إن أعطاهم الإمام جبوا الصدقات وحملوها إلى الإمام وإن لم
يعطهم لم يجبوها، واحتاج الإمام في إنفاذ من يجبيها إلى مؤونة كثيرة، فيجوز أن
يعطيهم لأن فيه مصلحة.
ومن أين يعطيهم أعني هذين الفريقين؟ فيه أربعة أقوال:
أحدها: من سهم المصالح.
الثاني: من سهم المؤلفة من الصدقات.
الثالث: يعطون من سهم سبيل الله لأنه في معنى الجهاد.
الرابع: يعطون من سهم المؤلفة ومن سهم سبيل الله.
وهذا التفصيل لم يذكره أصحابنا غير أنه لا يمنع أن يقول: إن للإمام أن
يتألف هؤلاء القوم ويعطيهم إن شاء من سهم المؤلفة وإن شاء من سهم المصالح،
لأن هذا من فرائض الإمام وفعله حجة، وليس يتعلق علينا في ذلك حكم اليوم
فإن هذا قد سقط على ما بينا، وفرضنا تجويز ذلك والشك فيه ولا يقطع على
أحد الأمرين.
وأما سهم الرقاب فإنه يدخل فيه المكاتبون بلا خلاف، وعندنا أنه يدخل فيه
العبيد إذا كانوا في شدة، فيشترون ويعتقون عن أهل الصدقات ويكون ولاؤهم
لأرباب الصدقات، ولم يجز ذلك أحد من الفقهاء، وروى أصحابنا أن من وجب
عليه عتق رقبة في كفارة ولا يقدر على ذلك جاز أن يعتق منه، والأحوط عندي
أن يعطي ثمن الرقبة لكونه فقيرا فيشتري هو ويعتق عن نفسه.
وأما المكاتب فإنما يعطي من الصدقة إذا لم يكن معه ما يعطي ما عليه من
مال الكتابة، ومتى كان معه ما يؤدي به مال الكتابة فإنه لا يعطي شيئا، هذا إذا حل
عليه نجم وليس معه ما يعطيه أو ما يكفيه لنجمه، وإن لم يكن معه شئ غير أنه لم
يحل عليه نجم فإنه يجوز أيضا أن يعطي لعموم الآية.
ومتى أعطي المكاتب وصرفه فيما عليه من مال الكتابة فإنه قد وقع موقعه،
195

وإن صرفه في غير ذلك استرجع فيه عند الفقهاء، ويقوي عندي أنه لا يسترجع
لأنه لا دليل عليه، وسواء في ذلك عجز نفسه أو تطوع إنسان عنه أو أبرأه مالكه
من مال الكتابة.
وأما الغارمون فصنفان: صنف استدانوا في مصلحتهم ومعروف في غير معصية ثم عجزوا عن أدائه
فهؤلاء يعطون من سهم الغارمين بلا خلاف. وقد ألحق بهذا قوم أدانوا مالا في دم
- بأن وجد قتيل لا يدرى من قتله وكاد أن تقع بسببه فتنة فتحمل رجل ديته لأهل
القتيل - فهؤلاء أيضا يعطون أغنياء كانوا أو فقراء لقوله عليه السلام: لا تحل
الصدقة لغني إلا لخمس: غاز في سبيل الله أو عامل عليها أو غارم. وألحق به
أيضا قوم تحملوا في ضمان مال، بأن يتلف مال الرجل ولا يدري من أتلفه وكاد
أن يقع بسببه فتنة فتحمل رجل قيمته وأطفا الفتنة.
والغارمون في مصلحة أنفسهم فعلى ثلاثة أضرب:
ضرب: أنفقوا المال في الطاعة كالحج والصدقة ونحو ذلك.
وضرب: أنفقوه في المباحات من المأكول والملبوس، فهذان يدفع إليهما
مع الفقر لأنهم محتاجون ولا يدفع إليهم مع الغنى.
والضرب الثالث: من أتلف ماله في المعاصي كالزنا وشرب الخمر واللواط،
فإن كان غنيا لم يعط شيئا، وإن كان فقيرا نظر، فإن كان مقيما على المعصية لم
يعطه لأنه إعانة على المعصية، وإن تاب فإنه يجوز أن يعطي من سهم الفقراء ولا
يعطي من سهم الغارمين.
وكل من قلنا أنه يعطي من الصدقات - من مكاتب وغارم وغيرهما - فإنما
يعطي إذا كان مسلما مؤمنا عدلا، فأما إذا كان كافرا فإنه لا يعطي، وكذلك حكم
المخالف والفاسق.
إذا أعطى الغارم فإنما يعطي بقدر ما عليه من الدين لا يزاد عليه لقوله
عليه السلام: أو رجل حمل حمالة فحلت له المسألة حتى يؤديها ثم يمسكه. وإذا أعطي
196

فقضى به دينه فقد وقعت موقعه، وإن لم يقضه، فإن أبرئ منه أو تطوع غيره
بالقضاء عنه فإنه يسترجع منه كالمكاتب، والذي يقوي في نفسي أنه لا يسترجع
لأنه لا دليل عليه، وأما إذا قضاه من ماله أو قضى عنه غيره فلا يجوز أن يأخذ عوضه
من مال الصدقة.
وأما سبيل الله فإنه يدخل فيه الغزاة في سبيل الله المطوعة الذين ليسوا
بمرابطين، لأن المرابطين وأصحاب الديوان لهم سهم من الغنائم والفئ دون
الصدقات، ولو حمل على الكل لعموم الآية كان قويا.
ويدخل في سبيل الله معونة الحاج وقضاء الديون عن الحي والميت
وجميع سبل الخير والمصالح، وسواء كان الميت الذي يقضي عنه - إذا لم
يخلف شيئا - كان ممن يجب عليه نفقته في حياته أو لم يكن. ويدخل فيه معونة
الزوار والحجيج وعمارة المساجد والمشاهد وإصلاح القناطر وغير ذلك من
المصالح.
والغزاة يأخذون الصدقة مع الغنى والفقر، ويدفع إليهم قدر كفايتهم
لذهابهم ومجيئهم على قدر كفاياتهم من كونهم رجالة وفرسانا، ومن له صاحب
ومن ليس له كذلك، وعلى قدر السفر إن كان طويلا أو قصيرا، ومتى أعطي
الغازي ذلك وخرج وغزا وقعت الصدقة موقعها، وإن بدا له فلم يخرج أو رجع
من الطريق استرجع منه.
وأما ابن السبيل فعلى ضربين: أحدهما: المنشئ للسفر من بلده،
الثاني: المجتاز بغير بلده، وكلاهما يستحق الصدقة عند أبي حنيفة
والشافعي، ولا يستحقها إلا المجتاز عند مالك، وهو الأصح لأنهم عليه السلام
فسروه فقالوا: هو المنقطع به. وإن كان في بلده ذا يسار، فدل على أنه المجتاز،
وقد روي أن الضيف داخل فيه، والمنشئ للسفر من بلده إن كان فقيرا جاز أن
يعطي من سهم الفقراء دون سهم ابن السبيل.
والسفر على أربعة أضرب: واجب وندب ومباح ومعصية. فالواجب
197

كالحج والعمرة الواجبتين، والندب كالحج المتطوع والعمرة كذلك
والزيارات وغير ذلك من بر الوالدين وصلة الأرحام، فهذين السفرين يستحق
الصدقة بلا خلاف، والمباح يجري هذا المجرى على السواء، وفي الناس من منع
من ذلك.
وأما السفر إذا كان معصية لقطع طريق أو قتل مؤمن أو سعاية وما أشبه
ذلك
فإنه لا يستباح به الصدقة ولا يستحقها بلا خلاف.
فإذا ثبت هذا، فابن السبيل متى كان منشئا من بلده ولم يكن له مال أعطي
من سهم الفقراء عندنا، وعندهم من سهم ابن السبيل، وإن كان له مال لا يدفع إليه
لأنه غير محتاج بلا خلاف، وإن كان مجتازا بغير بلده وليس معه شئ دفع إليه
وإن كان غنيا في بلده لأنه محتاج في موضعه، فإذا دفع إليه فإنه يدفع بقدر
كفايته لذهابه ورجوعه ثم ينظر، فإن صرف ذلك في سفره وقع موقعه، وإن بدا
له من السفر وأقام استرجع منه.
وإن دفع إليه قدر كفايته فضيق على نفسه حتى فضل له فضل ووصل إلى
بلده استرجع منه لأنه غني في بلده. والغازي إذا ضيق على نفسه وفضل معه
فضل إذا فرع من غزوه لا يسترجع منه لأنه يعطي مع الغنى والفقر.
وأهل الأصناف على ثلاثة أقسام: أحدها: من يقبل قوله في استحقاقه
الصدقة من غير بينة، ومن لا يقبل إلا ببينة، ونحن نذكر ذلك على ترتيب
الأصناف: فالفقراء والمساكين إذا ادعى إنسان أنه منهم وطلب أن يعطي من الصدقة،
فإن لم يكن عرف له مال فالقول قوله ويعطي من غير بينة ولا استحلاف لأن
الأصل عدم المال، وإن عرف له مال وادعى ذهابه وتلفه لم يقبل قوله إلا ببينة لأن
الأصل بقاء المال.
وأما العامل، فإن خرج وعمل استحق، وإن لم يعمل فلا شئ له، وكذلك
في المؤلفة قلوبهم لأن أمرهم ظاهر.
198

وأما الرقاب والمكاتبون فيهم ثلاث مسائل:
أحدها: أن يدعي عبد أن سيده كاتبه وأنكر سيده، فالقول قول السيد ولا
يقبل قول العبد، ولا يعطي من الصدقة لأن الأصل عدم الكتابة.
وإن أقام البينة على الكتابة فإنه يعطي من الصدقة لأنه ثبت كونه مكاتبا.
وإن ادعى الكتابة وصدقه السيد يقبل قولهما وأعطي لأن تصديق السيد
مقبول لأنه إقرار في حقه، وقيل: إنه لا يقبل لأنه يجوز أن يكون تواطئا على ذلك
ليأخذا من الصدقة، والأول أولى في من عرف أن له عبدا، والثاني أحوط في من
لا يعرف ذلك من حاله.
وأما الغارمون فعلى ضربين: غارمون لمصلحة ذات البين، فأمره ظاهر لأنه
يحتمل حمالة ظاهرة معروفة، فإذا فعل ذلك أعطي من الصدقات وأما الغارم
لمصلحة نفسه، فإن أقام البينة بأن عليه دينا أعطي من الصدقة لأنه ثبت غرمه، وإن
ادعى الدين وصدقه صاحبه عليه فالقول فيه كالقول في المكاتب سواء.
وأما سبيل الله الذين هم الغزاة فأمره أيضا ظاهر لأن الذي ينفذ الغزاة هو
الإمام أو خليفته فإذا بعضهم أعطاهم.
وابن السبيل فأمره ظاهر أيضا سواء كانوا أنشأوا السفر أو كانوا مجتازين،
ويقبل قولهم لأن الأصل عدم المال، وإن قال المجتاز، كان لي مال هاهنا فتلف، لم
يقبل قوله منه إلا ببينة، وإن قال: لا مال لي أصلا، أو قال: لي مال في بلدي
وليس لي هاهنا قبل قوله.
الفصل الثاني: في أحكامهم:
وهو من يدفع إليه دفعا مراعى ومن يدفع إليه مقطوعا.
فالفقراء والمساكين والعاملون والمؤلفة فهؤلاء يعطون عطاء مقطوعا
لا يراعى ما يفعلون بالصدقة.
وأما الرقاب والغارمون وفي سبيل الله وابن السبيل فإنهم يعطون عطاء
199

مراعى، فإن صرف المكاتب ما أخذه في دينه والغارم في غرمه والغازي في
جهاده وابن السبيل في سفره، وإلا استرجع لقوله تعالى: وفي الرقاب والغارمين
وفي سبيل الله وابن السبيل، فجعلهم ظرفا للزكاة ولم يجعلهم مستحقين كما
جعل الأصناف الأربعة المتقدمة فإنه أضاف إليهم بلام الملك، فإذا ثبت ذلك
فإنه يراعى.
والمكاتب إذا أخذ الصدقة ودفعها في مال الكتابة وعتق فلا كلام، وإن أبرأه
سيده من مال الكتابة أو تطوع به إنسان بالأداء أو عجز نفسه فاسترقه السيد
استرجعت منه، وإن أخذها فقضى بعض ما عليه من الدين وبقى البعض فعجزه
السيد فيه وجهان، والأقوى عندي أنه لا يسترجع منه لأنه لا دليل عليه.
وأما الغارم، فإن قضى بها دينه أجزأه، وإن تطوع عنه إنسان بقضائه أو أبرأه
صاحب الدين استرجعت منه.
وأما الغازي، فإن صرفها في جهة الغزو أجزأه، وإن بدا له ولم يخرج
استرجعت منه.
وابن السبيل، إن صرف ماله في سفره أجزأه، وإن ترك السفر استرجعت
منه.
الفصل الثالث: في بيان من يأخذ
الصدقة مع الغنى والفقر، ومن لا يأخذها إلا مع الفقر:
فالفقراء والمساكين والرقاب والغارمون لمصلحة نفوسهم وابن السبيل
المنشئ للسفر من بلده لا يأخذون هؤلاء كلهم إلا مع الفقر والحاجة ولا
يأخذونها مع الغناء، والعاملون والمؤلفة والغزاة والغارمون لمصلحة ذات البين
وابن السبيل المجتاز بغير بلده يأخذون الصدقة مع الغنى والفقر. فالأصناف
الخمسة الذين لا يأخذون إلا مع الفقر لا خلاف فيه بين أهل العلم، وأما الأصناف
الذين يأخذون مع الغنى والفقر فيه خلاف.
200

إذا ولى الإمام رجلا عمالة الصدقات وبعث فيها فينبغي أن يعرف عدد أهل
الصدقات وأسماءهم وأنسابهم وحلاهم، وقدر حاجتهم، حتى إذا أعطى واحدا
منهم أثبت اسمه ونسبه وحليته حتى لا يعود فيأخذ دفعة أخرى، ويعرف قدر
حاجتهم حتى يقسم الصدقة بينهم على ذلك.
ثم يبتدئ فيفرع أولا من جبايتها، فإذا تكاملت تشاغل بتفرقتها عقيب
حصولها، ولا تؤخر فربما استضر بتأخرها، وربما تلفت الصدقة فيلزمه غرامتها.
فإذا عرف ذلك وحصلت الصدقات، فإن كانت الأصناف كلهم موجودين
فالأفضل أن يفرقها على ثمانية أصناف كما قال الله تعالى، وإن سوى بينهم جاز،
وإن فضل صنفا على صنف كان أيضا جائزا، وإن فقد منهم صنفا قسمها على
سبعة، وإن فقد صنفين قسمها على ستة، ولو أنه قسم ذلك في صنف من أرباب
الصدقة على حسب ما يراه من المصلحة كان جائزا، وتفضيل بعضهم على بعض
أيضا جائز وإن كان الأفضل ما قلناه.
وينبغي أن يبدأ أولا فيخرج منه سهم العامل لأنه يأخذ عوض عمله، فإن
كان قدر الصدقة وفق أجرته دفع إليه، وإن كان أكثر صرف الفضل إلى باقي
الأصناف، وإن كان أقل تممه الإمام من المصالح.
وإن احتيج إلى كيال أو وزان في قبض الصدقة فعلى من تجب؟ قيل: فيه
وجهان: أحدهما: على أرباب الأموال لأن عليهم إيفاء الزكاة، كأجرة الكيال
والوزان في البيع على البائع. والآخر: إنه على أرباب الصدقات لأن الله تعالى
أوجب عليهم قدرا معلوما من الزكاة، فلو قلنا أن الأجرة تجب عليهم لزدنا على
قدر الواجب، والأول أشبه.
وإن تولى الإمام تفرقتها أعطى العامل أجرته وصرف الباقي في باقي
الأصناف على قدر حاجاتهم وكفاياتهم، فإن كانوا فقراء فعلى قدر كفايتهم، وإن
كانوا غارمين فعلى قدر ديونهم، وإن كانوا غزاة فعلى قدر حاجتهم لغزوهم.
فإذا فرق في صنف قدر حاجتهم وكفايتهم وفضل فرق في الباقين، وإن
201

فضل عن الجميع بقدر حاجتهم وكفايتهم صرفه إلى مستحقي أقرب البلاد إليه،
ثم لا يزال كذلك حتى يستوفي تفرقة مال الصدقة، وإن نقص عن قدر كفاياتهم
فرقها على حسب ما يراه ويتم سهام الباقين من سهام المصالح أو من بيت مال
الصدقة.
والغنى الذي يحرم معه أخذ الصدقة أن يكون قادرا على كفايته وكفاية من
يلزمه كفايته على الدوام، فإن كان مكتفيا بصنعة وكانت صنعته ترد عليه
كفايته وكفاية من تلزمه نفقته حرمت عليه، وإن كانت لا ترد عليه حل له ذلك، وهكذا
حكم العقار.
وإن كان من أهل الصنائع احتاج أن يكون معه بضاعة ترد عليه قدر
كفايته، فإن نقصت عن ذلك حلت له الصدقة، ويختلف ذلك على حسب
اختلاف حاله، حتى إن كان الرجل بزازا أو جوهريا يحتاج إلى بضاعة قدرها
ألف دينار أو ألفي دينار فنقص عن ذلك قليلا حل له أخذ الصدقة، هذا عند
الشافعي، والذي رواه أصحابنا أنها تحل لصاحب السبع مائة وتحرم على
صاحب الخمسين، وذلك على قدر حاجته إلى ما يتعيش به، ولم يرووا أكثر من
ذلك، وفي أصحابنا من قال: إن ملك نصابا تجب عليه فيه الزكاة كان غنيا
وتحرم عليه الصدقة، وذلك قول أبي حنيفة.
وأما العامل فالإمام مخير بين أن يستأجره إجارة صحيحة بأجرة معلومة،
وإن شاء بعثه بعثه مطلقة ويستحق أجرة مثل عمله، فإن استأجره لم يجز أن يزيده
على أجرة مثله، وإن بعثه مطلقا فعمل استحق أجرة مثله، ويختلف ذلك
باختلاف عمله في طول المسافة وقصرها وكثرة العمل وقلته، وعلى حسب أمانته
ومعرفته في الظاهر والباطن. ويعطي الحاسب والوزان والكاتب من سهم
العاملين.
والمؤلفة قلوبهم فقد مضى القول فيهم.
والمكاتب، فإن كان معه ما يفي بمال الكتابة لم يعطه شيئا لأنه غير محتاج،
202

وإن لم يكن معه شئ أعطي قدر ما يؤديه من المال الذي عليه، وإن كان معه
بعض ما عليه أعطي تمام ما عليه، وإن دفع إلى سيده كان جائزا.
ويعطي الغازي المحمولة والسلاح والنفقة والكسوة، وإن كان القتال بباب
البلد أو موضع قريب ولا يحتاج الغازي إلى حمولة لكن يحتاج إلى سلاح ونفقة
أعطي ذلك، وإن كان فارسا دفع إليه السلاح والفرس ونفقة فرسه، وإن كان
القتال في موضع بعيد أعطي ما يركبه ويحمل عليه آلته، ويدفع إليه قدر نفقته
لذهابه ورجوعه.
وابن السبيل ينظر فيه، فإن كان ينشئ السفر من بلده ويقصد موضعا بعينه
أعطي قدر كفايته لسفره في ذهابه ورجوعه وأعطي ما يشتري به المركوب، وإن
كان يقصد موضعا قريبا أعطي النفقة ولم يعط المركوب إلا أن يكون شيخا أو
ضعيفا لا يقدر على المشي.
وأما المجتاز بغير بلده، فإن كان يقصد الرجوع إلى بلده أعطي ما يبلغه إليه،
وإن كان يقصد الذهاب إلى موضع والرجوع منه إلى بلده أعطي ما يكفيه لذهابه
ورجوعه، فإن دخل بلدا في طريقه، فإن أقام به يوما أو يومين إلى عشرة أعطي
نفقته، وإن أقام أكثر من ذلك لم يعط لأنه يخرج من حكم المسافرين. وإذا لم
يوجد إلا صنف واحد جاز أن يفرق فيهم على ما بيناه.
إذا أخرج الرجل زكاته بنفسه - إما زكاة الظاهرة أو الباطنة - فلا يخلو من
أن يكون من أهل الأمصار أو البوادي.
فإن كان من أهل الأمصار ينبغي أن يفرقها في من قدمناه ببلد المال، ويجوز
أن يخص بها قوما دون قوم، ويجوز التفضيل والتسوية على ما بيناه، فإن عمت
الأصناف وإلا فرقها في من يسعهم لكفاياتهم، وإن لم يسع جاز تفرقتها في بعضهم
لأنه ربما كان في تفرقتها في جميعهم مشقة. فإن كان له أقارب فتفريقها فيهم أولى
من الأجانب، فإن عدل إلى الأجانب جاز، فإن كان له أقارب بغير بلد المال لم
يجز نقلها إليهم إلا بشرط الضمان على ما بيناه.
203

وإن كان من أهل البادية فهم بمنزلة أهل المصر سواء، وإن كانوا يظعنون
من موضع إلى موضع وينتجعون الماء والكلأ، فإن لم يكن لهم حلل مجتمعة
وكانوا متفرقين فإن من كان منهم على مسافة لا يقصر إليها الصلاة من موضع
المال فهو من أهلها، ومن كان على أكثر من ذلك فليس من أهلها، وإن كان لأهل
البادية حلل مجتمعة كل حلة متميزة عن الأخرى فكل حلة منها لها حكم نفسها
مثل بلد بجنب بلد.
من يجبر على نفقته لا يجوز أن يعطيه الصدقة الواجبة ومن لا يجبر عليها جاز
أن يعطيه. ومن يجبر على نفقته من كان من عمود الولادة من الآباء والأمهات وإن
علوا، والأولاد وأولاد الأولاد وإن نزلوا، سواء كانوا أولاد بنين أو أولاد بنات.
ومن خرج عن عمود الولادة من الإخوة والأخوات وأولادهم، والأعمام
والعمات وأولادهم فلا نفقة لهم، ويجوز دفع الصدقة إليهم.
وكل من لا تجب نفقته إذا كان فقيرا جاز دفع الصدقة إليه، وهو أفضل من
الأباعد على ما بيناه.
ومن تجب نفقته لا يجوز دفعها إليه وإن كان من الفقراء والمساكين، فإن
كان أراد أن يدفع إليهم من غير سهم الفقراء جاز أن يدفع إليه من سهم العاملين
والمؤلفة والغارمين والغزاة ومن سهم الرقاب.
وابن السبيل يجوز أن يدفع إليه قدر حاجته للحمولة، فأما قدر النفقة فلا
يجوز فإنه يجب عليه نفقته.
وإذا كانت له زوجة فلا يخلو أن تكون مقيمة أو مسافرة.
فإن كانت مقيمة فلا يجوز له أن يعطيها الزكاة الواجبة بسهم الفقراء
والمسكنة، لأنها إن كانت طالقة رجعية فنفقتها واجبة عليه فهي مستغنية بذلك،
وإن كانت ناشزا يمكنها أن تعود إلى طاعته وتأخذ النفقة منه فهي مستغنية أيضا.
وأما إن كانت مسافرة.
فإن كانت مع الزوج فنفقتها عليه لأنها في قبضته ونفقتها عليه، وأما
204

الحمولة، فإن كانت سافرت باذنه فحمولتها واجبة عليه ولا يجوز أن يعطيها شيئا
من الصدقة لأجلها، فإن سافرت بغير إذنه فحمولتها غير واجبة لكن لا يجوز أن
يعطيها الحمولة من الصدقة لأنها عاصية بسفرها فلا تستحق شيئا من الصدقة.
وأما إذا سافرت وحدها، فإن خرجت باذنه فعليه نفقتها فلا يجوز أن يعطيها
الزكاة، وأما الحمولة فلا يجب عليه بحال فيجوز أن يعطيها من سهم ابن السبيل،
وإن خرجت بغير إذنه فلا نفقة لها عليه ولا حمولة، ولا يجوز أن يعطيها الحمولة
لأنها عاصية بخروجها، وأما النفقة فإنه يجوز أن يعطيها وإن لم تكن واجبة عليه،
والعصيان لا يمنع من النفقة.
فأما إذا أراد أن يعطيها من غير سهم الفقراء فلا يتصور أن تكون عاملة - لأن
المرأة لا تكون عاملة - ولا مؤلفة ولا غازية، ويتصور مكاتبة فيجوز أن يعطيها من
سهم الرقاب لأنه لا يلزمه أن يفك عنها الدين، وكذلك إن كانت غارمة جاز أن
يعطيها ما تقضي دينها، وإن كانت من أبناء السبيل فقد ذكرنا حكمها.
وإذا كانت المرأة غنية وزوجها فقيرا جاز أن تدفع إليه زكاتها بسهم
الفقراء.
الصدقة المفروضة محرمة على النبي وآله وهم ولد هاشم، ولا تحرم على من
لم يلده هاشم من المطلبين وغيرهم، ولا يوجد هاشمي إلا من ولد أبي طالب -
العلويين والعقيليين والجعفريين - ومن ولد العباس بن عبد المطلب، ومن أولاد
الحرث بن عبد المطلب، ويوجد من أولاد أبي لهب أيضا.
فأما صدقة التطوع فإنها لا تحرم عليهم، ولا تحرم الصدقة الواجبة من
بعضهم على بعض، وإنما تحرم صدقة غيرهم عليهم.
فأما الصدقة على مواليهم فلا تحرم على حال، هذا في حال تمكنهم من
الأخماس، فأما إذا منعوا من الخمس فإنه يحل لهم زكاة الأموال الواجبة.
وإذا اجتمع لشخص واحد سببان يستحق بكل واحد منهما الصدقة - مثل
أن يكون فقيرا غارما أو فقيرا غازيا أو غارما غازيا - جاز أن يعطي بسببين، ويجوز
205

أن يعطي بسبب واحد.
ولا مانع يمنع إذا كان الرجل من أهل الفئ المرابطين في الثغور فأراد أن
يصير من أهل الصدقات - يغزو إذا نشط ويأخذ سهما منها - كان له ذلك، وإن
كان من أهل الصدقات فأراد أن يصير من أهل الفئ كان له ذلك أيضا.
إذا اجتمع أهل السهمان، فإن كانت الصدقة مما تنقسم وتتجزأ كالدراهم
والدنانير والغلات أوصل إلى كل واحد منهم قدر ما يراه الإمام أو رب المال أو
الساعي.
ولا يعطي فقيرا أقل مما يجب في نصاب وهو أول ما يجب في نصاب
الدنانير نصف دينار، وبعد ذلك عشر دينار، ومن الدراهم ما يجب في مائتي
درهم خمسة دراهم، وبعد ذلك ما يجب في كل أربعين، ويجوز الزيادة على
ذلك.
وزكاة الدنانير والدراهم يختص بها أهل الفقر والمسكنة الذين يتبذلون
ويسألون، وصدقة المواشي يختص بها أهل العفاف والمتجملين الذين لا يتبذلون
ولا يسألون. ويجوز أن يشرك بين جماعة في صدقة المواشي، وإن أعطى ما يجب
في كل نصاب كان أيضا جائزا.
وإذا أعطى جماعة شيئا من المواشي، فإن شاءوا ذبحوا واقتسموا اللحم، وإن
شاؤوا باعوه واقتسموا الثمن، وإن أراد رب المال أن يعطيهم قيمة ما يجب عليه
كان ذلك جائزا، فأما الإمام والساعي فلا يجوز أن يبيع ذلك ويفرق ثمنه على
أهل السهمان لأنه لا دليل عليه، وإن قلنا: له ذلك من حيث كان حاكما عليهم
وناظرا لهم، كان قويا.
إذا دفع الإمام الصدقة الواجبة إلى من ظاهره الفقر ثم بان أنه كان غنيا في
تلك الحال فلا ضمان عليه لأنه أمين، وما تعدى، ولا طريق له إلى الباطن، فإن
كانت الصدقة باقية استرجعت سواء كان الإمام شرط حال الدفع أنها صدقة
واجبة أو لم يشرط، وإن كانت تالفة رجع عليه بقيمتها، فإن كان موسرا أخذها
206

ودفعها إلى مسكين آخر، وإن لم يكن موسرا وكان قد مات فقد تلف المال من
المساكين ولا ضمان على الإمام لأنه أمين.
وإذا تولى الرجل إخراج صدقته بنفسه فدفعها إلى من ظاهره الفقر ثم بان
أنه غني فلا ضمان عليه أيضا لأنه لا دليل عليه، فإن كان شرط حالة الدفع أنها
صدقة واجبة استرجعها سواء كانت باقية أو تالفة، فإن لم يقدر على استرجاعها
فقد تلف من مال المساكين، وقيل: إنه تلف من ماله لأنه كان يمكنه إسقاط
الفرض عن نفسه بدفعها إلى الإمام، والأول أولى، وأما إن دفعها مطلقا أو لم
يشترط أنها صدقة واجبة فليس له الاسترجاع لأن دفعه محتمل للوجوب
والتطوع، فما لم يشترط لم يكن له الرجوع.
وإذا دفعها إلى من ظاهره الإسلام ثم بان أنه كان كافرا، أو إلى من ظاهره
الحرية ثم بان أنه كان عبدا، أو إلى من ظاهره العدالة ثم بان أنه كان فاسقا، أو
بان أنه من ذوي القربى كان الحكم فيه مثل ما قلناه في المسألة الأولى.
ومتى لم يأت السعاة أو يكون في وقت لا يكون فيه إمام فعلى رب المال أن
يتولى تفرقتها بنفسه ولا يدفعها إلى سلطان الجور.
فإن أخرج رب المال الزكاة ثم جاء الساعي وادعى رب المال أنه أخرجها
صدقة الساعي وليس عليه يمين لا واجبة ولا مستحبة.
وأهل السهمان لا يستحقون شيئا من مال الصدقة إلا بعد القسمة لأنه لا يتعين
مستحقهم سواء كانوا كثيرين في بلد كبير أو قليلين في بلد صغير، ومتى مات
واحد منهم لم ينتقل حقه إلى ورثته لأنهم لم يتعينوا لأن لرب المال والإمام أن
يخص بها قوما دون قوم ويحمل إلى بلد آخر بشرط الضمان.
وينبغي لوالي الصدقة أن يسم كل ما أخذ منها من إبل الصدقة وبقرها
وغنمها، لما روي أنس أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يسم إبل الصدقة،
ولأنها إذا وسمت تميزت من غيرها في المرعى والمشرب.
وينبغي أن يسمها في أقوى موضع وأصبله وأعراه من الشعر لئلا يضر الوسم
207

بالحيوان، ويظهر السمة، فالإبل والبقر توسم في أفخاذها، والغنم في أصول آذانها،
ويكون ميسم الإبل والبقر أكبر من ميسم الغنم لأنها أضعف، ويكتب في الميسم
إذا كان إبل الصدقة: صدقة، أو: زكاة، وإن كان للجزية: جزية، أو: صغار،
ويكتب: لله، فإن فيه تبركا باسم الله تعالى.
فصل: في ذكر قسمة الأخماس:
قد ذكرنا في كتاب الزكاة ما يجب فيه الخمس وما لا يجب، ونحن نذكر
الآن كيفية قسمته.
الخمس إذا أخذه الإمام ينبغي أن يقسمه ستة أقسام: سهم لله
وسهم لرسوله وسهم لذي القربى، فهذه الثلاثة أقسام للإمام القائم مقام النبي صلى الله عليه وآله
يصرفه فيما شاء من نفقته ونفقة عياله وما يلزمه من تحمل الأثقال ومؤن غيره،
وسهم ليتامى آل محمد وسهم لمساكينهم وسهم لأبناء سبيلهم، وليس لغيرهم من
سائر الأصناف شئ على حال.
وعلى الإمام أن يقسم هذه السهام بينهم على قدر كفايتهم ومؤونتهم في السنة
على الاقتصاد، ولا يخص فريقا منهم بذلك دون فريق بل يعطي جميعهم على ما
ذكرناه من قدر كفاياتهم، ويسوي بين الذكر والأنثى، فإن فضل منه شئ كان
له خاصة، وإن نقص كان عليه أن يتمم من حصته خاصة، واليتامى وأبناء السبيل
منهم يعطيهم مع الفقر والغنى لأن الظاهر يتناولهم.
ومستحقو الخمس هم الذين قدمنا ذكرهم ممن يحرم عليهم الزكاة الواجبة
ذكرا كان أو أنثى، ومن كانت أمه هاشمية وأبوه عاميا لا يستحق شيئا، ومن كان
أبوه هاشميا وأمه عامية كان له الخمس، وكذلك من ولد بين هاشميين.
ومن حل له الخمس حرمت عليه الصدقة، ومن حلت له الصدقة حرم عليه
الخمس، ولا يستحق بنو المطلب وبنو عبد مناف شيئا من الخمس ولا تحرم عليه
الصدقة.
208

وينبغي أن يفرق الخمس في الأولاد وأولاد الأولاد، ولا يخص بذلك
الأقرب فالأقرب لأن الاسم يتناول الجميع، وليس ذلك على وجه الميراث، ولا
يفضل ذكر على أنثى من حيث كان ذكرا لأن التفرقة إنما هي على قدر حاجتهم
إلى ذلك، وذلك يختلف بحسب أحوالهم، ويعطي الصغير منهم والكبير لتناول
الاسم.
والظاهر يقتضي أن يفرق في جميع من يتناوله الاسم، في بلد الخمس كان
أو في غيره من البلاد، قريبا كان أو بعيدا، إلا أن ذلك يشق والأولى أن يقول:
يخص بذلك من حضر البلد الذي فيه الخمس ولا يحمل إلى غيره إلا مع عدم
مستحقه، ولو أن إنسانا حمل ذلك إلى بلد آخر ووصل إلى مستحقه لم يكن عليه
شئ إلا أنه يكون ضامنا إن هلك مثل الزكاة، فعلى هذا إذا غنم من الروم مثلا
قسم الخمس على من كان ببلد الشام، وإذا غنم في بلاد الهند والترك لم يحمل
إلى بلد الشام بل يفرق في بلد خراسان.
ولا ينبغي أن يعطي إلا من كان مؤمنا أو بحكم الإيمان، ويكون عدلا
مرضيا، فإن فرق في الفساق لم يكن عليه ضمان لأن الظاهر يتناولهم.
ومتى فرق في الحاضرين وفضل منه شئ جاز حمله إلى البلد الذي يقرب
منه، ثم على هذا التدريج الأقرب فالأقرب.
ومتى حضر الثلاثة أصناف ينبغي أن لا يخص بها قوم دون قوم بل يفرق
في جميعهم، وإن لم يحضر في ذلك البلد إلا فرقة منهم جاز أن يفرق فيهم ولا
ينتظر غيرهم ولا يحمل إلى بلد آخر.
فصل: في ذكر الأنفال ومن يستحقها:
الأنفال هي كل أرض خربة باد أهلها، وكل أرض لم يوجف عليها بخيل
ولا ركاب أو سلمها أهلها طوعا بغير قتال، ورؤوس الجبال وبطون الأودية
والآجام والأرضون الموات التي لا أرباب لها، وصوافي الملوك وقطائعهم التي
209

كانت في أيديهم لا على جهة الغصب، وميراث من لا وارث له. وله من الغنائم
قبل أن تقسم الجارية الحسناء والفرس الفارة والثوب المرتفع وما أشبه ذلك مما
لا نظير له من رقيق أو متاع. وإذا قاتل قوم أهل الحرب بغير إذن الإمام فغنموا
كان الغنيمة للإمام خاصة دون غيره.
فجميع ما ذكرناه كان للنبي صلى الله عليه وآله خاصة، وهي لمن قام مقامه
من الأئمة في كل عصر، فلا يجوز التصرف في شئ من ذلك إلا باذنه، فمن
تصرف في شئ من ذلك بغير إذنه كان عاصيا وما يحصل فيه من الفوائد
والنماء للإمام دون غيره، ومتى تصرف في شئ من ذلك بأمر الإمام وبإباحته أو
بضمانه كان عليه أن يؤدي ما يصالحه الإمام عليه من نصف أو ثلث والباقي له،
هذا إذا كان في حال ظهور الإمام وانبساط يده.
وأما حال الغيبة فقد رخصوا لشيعتهم التصرف في حقوقهم مما يتعلق
بالأخماس وغيرها مما لا بد له من المناكح والمتاجر والمساكن، فأما ما عدا
ذلك فلا يجوز التصرف فيه على حال.
وما يستحقونه من الأخماس في الكنوز والمعادن وغيرهما في حال الغيبة
فقد اختلف أقوال الشيعة في ذلك، وليس فيه نص معين.
فقال بعضهم: إنه جار في حال الاستتار مجرى ما أبيح لنا من المناكح
والمتاجر، وهذا لا يجوز العمل عليه لأنه ضد الاحتياط وتصرف في مال الغير بغير
إذن قاطع.
وقال قوم: إنه يجب حفظه ما دام الإنسان حيا، فإذا حضرته الوفاة وصى به
إلى من يثق به من إخوانه ليسلم إلى صاحب الأمر عليه السلام إذا ظهر، ويوصي به
كما وصي إليه إلى أن يصل إلى صاحب الأمر.
وقال قوم: يجب دفنه لأن الأرضين تخرج كنوزها عند قيام القائم.
وقال قوم: يجب أن يقسم الخمس ستة أقسام، فثلاثة أقسام الإمام تدفن أو
تودع عند من يوثق بأمانته، والثلاثة أقسام الأخر تفرق على أيتام آل محمد
210

ومساكينهم وأبناء سبيلهم لأنهم المستحقون لها وهم ظاهرون، وعلى هذا يجب أن
يكون العمل لأن مستحقها ظاهر، وإنما المتولي لقبضها وتفرقتها ليس بظاهر، فهو
مثل الزكاة في أنه يجوز تفرقتها وإن كان الذي يجبي الصدقات ليس بظاهر. وإن
عمل عامل على واحد من القسمين الأولين من الدفن أو الوصاية لم يكن به بأس،
فأما القول الأول فلا يجوز العمل به على حال.
211

تبصرة المتعلمين
في أحكام الدين
للشيخ جمال الدين أبي منصور الحسن بن سديد الدين
يوسف بن زين الدين علي بن محمد مطهر الحلي المشتهر بالعلامة الحلي
والعلامة على الإطلاق
647 - 726 ه‍. ق
213

كتاب الزكاة
وهي قسمان: زكاة المال وزكاة الفطرة.
وهنا أبواب:
الباب الأول: في شرائط الوجوب ووقته:
إنما تجب زكاة المال على البالغ العاقل الحر المالك للنصاب المتمكن من
التصرف فيه.
ويستحب لمن اتجر في مال الطفل من أوليائه إخراجها عنه، والمال الغائب
إذا لم يتمكن صاحبه منه لا تجب فيه، ولو مضت عليه أحوال كذلك استحب
إخراج زكاة حول عنه بعد وجوده، ولا زكاة في الدين، وزكاة القرض على
المقترض إن تركه بحاله حولا.
ومع هلال الثاني عشر تجب مع بقاء الشرائط في كمال الحول، ولا يجوز
التأخير مع المكنة فيضمن، ولا تقديمها قبل وقت الوجوب، فإن دفع كان قرضا له
استعادته واحتسابه منها مع بقائه على الاستحقاق وتحقق الوجوب.
ولا يجوز نقلها عن بلدها مع وجود المستحق فيه، ويضمن، ولو عدم نقل
ولا ضمان، ولا بد من النية عند الإخراج.
وأما الضمان فشرطه اثنان: الإسلام وإمكان الأداء. فالكافر يسقط عنه بعد
إسلامه، ومن لم يتمكن من إخراجها مع الوجوب إذا تلفت لم يضمنها.
215

الباب الثاني: فيما تجب فيه الزكاة:
وهي تسعة أصناف لا غير، وينضمها ثلاثة فصول:
الأول: النعم:
تجب الزكاة في النعم الثلاثة: الإبل والبقر والغنم، بشروط أربعة: النصاب
والسوم والحول وإن لا تكون عوامل.
فنصاب الإبل اثنا عشر: خمس وفيها شاة، ثم عشر وفيها شاتان، ثم خمس
عشرة وفيها ثلاث شياه، ثم عشرون وفيها أربع شياه، ثم خمس وعشرون وفيها
خمس شياه، ثم ست وعشرون وفيها بنت مخاض، ثم ست وثلاثون وفيها بنت
لبون، ثم ست وأربعون وفيها حقة، ثم إحدى وستون وفيها جذعة، ثم ست
وسبعون وفيها بنتا لبون، ثم إحدى وتسعون وفيها حقتان، ثم مائة وواحدة
وعشرون ففي كل خمسين حقة وفي كل أربعين بنت لبون بالغا ما بلغ.
وأما البقر فلها نصابان: أحدهما ثلاثون وفيه تبيع أو تبيعة، والثاني أربعون
وفيه مسنة.
وأما الغنم ففيها خمسة نصب: أربعون وفيها شاة، ثم مائة وإحدى وعشرون
ففيها شاتان، ثم مائتان وواحدة ففيها ثلاث شياه، ثم ثلاثمائة وواحدة ففيها أربع
شياه، ثم أربعمائة ففي كل مائة شاة بالغا ما بلغت.
وما لا يتعلق به الزكاة - وهو ما بين النصابين - في الإبل شنقا، وفي البقرة
وقصا، وفي الغنم عفوا.
وأما السوم: فهو شرط في الجميع طول الحول، فلو اعتلفت في أثناء الحول
من نفسها، أو أعلفها مالكها، استأنف الحول بعد العود إلى السوم.
وأما الحول: فهو شرط في الجميع، وهو اثنا عشر شهرا، وبدخول الثاني
عشر تجب الزكاة، ولو ثلم النصاب قبل الحول سقط الوجوب ولو قصد الفرار،
ولو كان بعده لم يسقط.
216

مسائل:
الأولى: الشاة المأخوذة في الزكاة أقلها الجذع من الضأن، والثني من المعز،
ويجزئ الذكر والأنثى.
وبنت المخاض والتبيع: هو الذي كمل حولا، وبنت اللبون والمسنة: ما
كمل الحولين، والحقة: ما كملت ثلاثا ودخلت في الرابعة، والجذعة: ما دخلت
في الخامسة.
الثانية: لا تؤخذ المريضة ولا الهرمة ولا الوالدة ولا ذات العوار، ولا تعد
الأكولة ولا فحل الضراب، ولو كانت إبله مراضا أخذ منها.
الثالثة: من وجب عليه بنت مخاض وعنده بنت لبون، دفعها واستعاد شاتين
أو عشرين درهما، ولو كان بالعكس دفع بنت مخاض ومعها شاتين أو عشرين
درهما، وكذا الحقة والجذعة، وابن اللبون يساوي بنت المخاض.
الرابعة: لا يجب إخراج العين، بل يجوز دفع القيمة.
الفصل الثاني: في زكاة الذهب والفضة:
تجب الزكاة فيهما بشروط: الحول - وقد مضى - والنصاب وكونهما
مضروبين بسكة المعاملة.
ونصاب الذهب: عشرون دينارا ففيه نصب دينار، ثم أربعة دنانير ففيها
قيراطان وهكذا دائما، ولا يجب فيما نقص عن عشرين ولا عن أربعة شئ.
ونصاب الفضة: مائتا درهم ففيها خمسة دراهم، ثم أربعون ففيها درهم، ولا
شئ فيما نقص عن المائتين، ولا عن الأربعين، ولا السبائك، ولا الحلي وإن
قصد الفرار قبل الحول، وبعده تجب.
الفصل الثالث: في زكاة الغلات:
تجب الزكاة في أربعة أجناس منها، وهي: الحنطة والشعير والتمر والزبيب.
217

ولا تجب فيما عداها.
وإنما تجب فيها بشرطين:
الأول: النصاب، وهو في كل واحد منها خمسة أوسق، كل وسق ستون
صاعا، كل صاع أربعة أمداد، كل مد رطلان وربع بالعراقي، فيجب العشر إن
سقي سيحا أو بعلا أو عذيا وإن سقي بالقرب والدوالي والنواضح فنصف العشر،
ثم كل ما زاد بالحساب وإن قل، بعد إخراج المؤن من بذر وغيره، ولو سقي
بهما اعتبر بالأغلب، ولو تساويا قسط.
الثاني: أن ينمو في ملكه، فلو انتقلت إليه بالبيع أو الهبة أو غيرهما لم تجب
الزكاة إن كان نقلها بعد بدو الصلاح، وإن كان قبله وجبت.
ويتعلق الزكاة بالغلات إذا اشتدت، وفي الثمار إذا بدا صلاحها، ووقت
الإخراج عند التصفية وجذ الثمرة، وإن اجتمعت أجناس مختلفة ينقص كل
جنس عن النصاب لم يضم بعضه إلى بعض.
الفصل الرابع: فيما يستحب فيه الزكاة:
يستحب الزكاة في مال التجارة بشرط: الحول، وأن يطلب برأس المال أو
بزيادة في الحول كله، وبلوع قيمته النصاب، يقوم بالنقدين.
ويستحب في الخيل بشرط: الحول والسوم والأنوثة. فيخرج عن العتيق
ديناران وعن البرذون دينار واحد.
ويستحب فيما تخرج الأرض عدا الأجناس الأربعة من الحبوب، بشرط
حصول شرائط الوجوب في الغلات، ويخرج كما يخرج منها.
الباب الثالث: في المستحق للزكاة
وهم ثمانية أصناف:
الأول والثاني: الفقراء والمساكين، وهم الذين لا يملكون قوت سنتهم لهم
218

ولعيالهم، ويكون عاجزا عن تحصيل الكفاية بالصنعة، ويعطي صاحب دار
السكنى وعبد الخدمة وفرس الركوب.
الثالث: العاملون، وهم السعاة للصدقات.
الرابع: المؤلفة قلوبهم، وهم الذين يستمالون للجهاد وإن كانوا كفارا.
الخامس: في الرقاب، وهم المكاتبون والعبيد الذين في الشدة.
السادس: الغارمون، وهم المدينون في غير معصية الله.
السابع: في سبيل الله، وهو كل مصلحة أو قربة، كالجهاد والحج وبناء
المساجد والقناطر.
الثامن: ابن السبيل، وهو المنقطع به في الغربة، وإن كان غنيا في بلده،
والضيف إذا كان سفرهما مباحا.
ويعتبر في الأولين الإيمان، ويعطي أولاد المؤمنين، ولو أعطى المخالف مثله
أعاد مع الاستبصار، وأن لا يكونوا واجبي النفقة عليه، من الأبوين وإن علوا،
والأولاد وإن نزلوا، والزوجة والمملوك، وأن لا يكونوا هاشميين إذا كان المعطي
من غيرهم وتمكنوا من الخمس، وتحل للهاشمي المندوبة، ويجوز إعطاء مواليهم،
ويجوز تخصيص واحد بها أجمع.
والمستحب تقسيطها على الأصناف.
وأقل ما يعطي الفقير ما يجب في النصاب الأول، ولا حد للكثرة.
الباب الرابع: في زكاة الفطرة:
وهي واجبة على المكلف الحر الغني، وهو مالك سنته في كل سنة عند
هلال شوال، وتتضيق عند صلاة العيد.
ويجوز تقديمها في رمضان، ولا تؤخر عن العيد إلا لعذر، ولو فاتت قضيت،
ولو عزلها ثم تلفت من غير تفريط فلا ضمان، ولا يجوز نقلها عن بلده مع وجود
المستحق.
219

وقدرها: تسعة أرطال [بالعراقي] من الحنطة والشعير والتمر والزبيب
والأرز والأقط، ومن اللبن أربعة أرطال بالمدني، وأفضلها التمر ثم الزبيب ثم ما
يغلب على قوت السنة، ويجوز إخراج القيمة.
ويجب أن يخرجها عن نفسه وعن من يعوله من مسلم وكافر حر وعبد
صغير وكبير، وإن كان متبرعا بالعيلولة.
ويجب فيها النية وإيصالها إلى مستحق زكاة المال. والأفضل صرفهما إلى
الإمام عليه السلام، ومع غيبته إلى المأمون من فقهاء الإمامية.
ولا يعطي الفقير أقل من صاع، ولا حد لأكثره، ويستحب اختصاص القرابة
بها ثم الجيران، ويستحب للفقير إخراجها.
الباب الخامس: في الخمس:
وهو واجب في غنائم دار الحرب، والمعادن، والغوص، وأرباح التجارات
والصناعات والزراعات، وأرض الذمي إذا اشتراها من مسلم، والحرام الممتزج
من الحلال ولم يتميز.
ويعتبر في المعادن والكنوز عشرون دينارا، وفي الغوص دينار، وفي أرباح
التجارات والصناعات والزراعات الزيادة عن مؤونة السنة له ولعياله بقدر
الاقتصاد فيجب في الزائد.
ووقت الوجوب وقت حصول هذه الأشياء.
ويقسم الخمس ستة أقسام: سهم لله وسهم لرسوله وسهم لذي القربى، فهذه
الثلاثة للإمام. وسهم للمساكين من الهاشميين وسهم لأيتامهم وسهم لأبناء سبيلهم.
ولا يحمل عن البلد مع وجود المستحق فيه، ويجوز اختصاص بعض
الطوائف الثلاثة بنصيبهم، ويعتبر فيهم الإيمان، وفي اليتيم الفقر.
والأنفال: كل أرض خربة باد أهلها، وكل أرض لم يوجف عليها بخيل ولا
ركاب، وكل أرض أسلمها أهلها من غير قتال، ورؤوس الجبال، وبطون الأودية،
220

والموات التي لا أرباب لها، والآجام، وصوافي الملوك وقطائعهم غير المغصوبة،
وميراث من لا وارث له، والغنائم المأخوذة بغير إذن الإمام. فهذه كلها للإمام.
وأبيح لنا المساكن والمتاجر والمناكح.
221

إرشاد الأذهان
للشيخ جمال الدين أبي منصور الحسن بن سديد الدين يوسف بن زين الدين
علي بن محمد مطهر الحلي المشتهر بالعلامة الحلي والعلامة على الإطلاق
647 - 726 ه‍. ق
223

كتاب الزكاة
والنظر في أمور ثلاثة:
الأول: في زكاة المال:
وفيه مقاصد:
الأول: في شرائط الوجوب ووقته:
إنما تجب على: البالغ العاقل الحر، المالك للنصاب، المتمكن من
التصرف.
فلا زكاة على الطفل ولا على المجنون مطلقا على رأي، ويستحب لمن اتجر
في مالهما بولاية لهما إخراجها، ولو اتجر لنفسه وكان وليا مليا، وكان الربح له
والزكاة المستحبة عليه، ولو فقد أحدهما كان ضامنا والربح لهما ولا زكاة،
وتستحب في غلات الطفل ومواشيه.
ولا زكاة على المملوك، ولا على المكاتب المشروط، والذي لم يؤد، ولو
تحرر من المطلق شئ وجبت الزكاة في نصيبه إن بلغ نصابا.
ولا بد من تمامية الملك، فلا يجزئ الموهوب في الحول إلا بعد القبض، ولا
الموصى به إلا بعد القبول بعد الوفاة، والغنيمة بعد القسمة، والقرض حين
القبض، وذو الخيار حين البيع.
ولا زكاة في المغصوب، والغائب عن المالك ووكيله، والوقف، والضال،
225

والمفقود - فإن عاد بعد سنين استحب زكاة سنة - ولا الدين حتى يقبضه وإن
كان تأخيره من جهة مالكه.
والقرض إن تركه المقترض بحاله حولا فالزكاة عليه، وإلا سقطت.
وشرط الضمان: الإسلام وإمكان الأداء، فلو تلفت بعد الوجوب وإمكان
الأداء ضمن المسلم لا الكافر، ولو تلفت قبل الإمكان فلا ضمان، ولو تلف
البعض سقط من الواجب بالنسبة.
ولا يجمع بين ملكي شخصين امتزجا، ولا يفرق بين ملكي شخص واحد
وإن تباعدا.
والدين لا يمنع الزكاة، ولا الشركة مع بلوع النصيب نصابا.
ووقت الوجوب في الغلات بدو صلاحها، وفي غيرها إذا أهل هلال الثاني
عشر من حصولها في يده، ولا يجوز التأخير مع المكنة - فإن أخر معها ضمن -
ولا التقديم، فإن دفع مثلها قرضا احتسبه من الزكاة عند الحلول مع بقاء الشرائط
في المال والقابض، ولو كان المدفوع تمام النصاب سقطت، ويجوز أخذها
وإعطاء غيره، وللفقير حينئذ دفع عوضها مع بقائها، ولو استغنى بعين المدفوع جاز
الاحتساب، ولو استغنى بغيره لم يجز.
المقصد الثاني:
فيما تجب فيه: وهي تسعة لا غير: الإبل، والبقر، والغنم، والذهب، والفضة، والحنطة،
والشمير، والتمر، والزبيب.
فهاهنا مطالب:
الأول:
تجب الزكاة في الأنعام الثلاثة بشروط أربعة:
الحول وهو أحد عشر شهرا كاملة، ولو اختل أحد الشروط في أثنائه
226

سقطت، وكذا لو عاوضها بجنسها أو بغيره وإن كان فرارا، ولو ارتد عن فطرة
استأنف ورثته الحول، ولا ينقطع لو كان عن غيرها.
الثاني: السوم بطول الحول، فلو اعتلفت أو أعلفها مالكها في أثنائه وإن
قل استأنف الحول عند استئناف السوم، وكذا لو منعها الثلج أو غيره، ولا اعتبار
باللحظة عادة، ولا تعد السخال إلا بعد استغنائها بالرعي، ولها حول بانفرادها.
الثالث: أن لا تكون عوامل، فإنه لا زكاة في العوامل السائمة.
الرابع: النصاب، وهو:
في الإبل اثنا عشر: خمس وفيها شاة، ثم عشر وفيه شاتان، ثم خمس عشرة
وفيها ثلاث شياه، ثم عشرون وفيها أربع، ثم خمس وعشرون وفيه خمس، ثم
ست وعشرون وفيها بنت مخاض، ثم ست وثلاثون وفيها بنت لبون، ثم ست
وأربعون وفيها حقة، ثم إحدى وستون وفيها جذعة، ثم ست وسبعون وفيه بنتا
لبون، ثم إحدى وتسعون وفيه حقتان، ثم مائة وإحدى وعشرون ففي كل
خمسين حقة وفي كل أربعين بنت لبون، وهكذا الزائد دائما.
وفي البقر نصابان: ثلاثون وفيه تبيع أو تبيعة، ثم أربعون وفيه مسنة وهكذا
دائما.
وفي الغنم خمسة: أربعون وفيها شاة، ثم مائة وإحدى وعشرون وفيها
شاتان، ثم مائتان وواحدة ففيه ثلاث شياه، ثم ثلاثمائة وواحدة ففيه أربع على
رأي، ثم أربعمائة ففي كل مائة شاة، وهكذا دائما، وما بين النصابين لا
زكاة فيه.
ويسمى في الإبل شنقا، وفي البقر وقصا، وفي الغنم عفوا.
خاتمة:
بنت المخاض والتبيع والتبيعة ما دخلت في الثانية، وبنت اللبون والمسنة ما
دخلت في الثالثة، والحقة ما دخلت في الرابعة، والجذعة في الخامسة، والشاة
المأخوذة أقلها الجذع من الضأن والثني من المعز، ولا تؤخذ المريضة من
227

الصحاح، ولا الهرمة، ولا ذات العوار ولا الوالد، ولا تعد الأكولة ولا فحل
الضراب ويجزئ الذكر والأنثى، والخيار في التعيين للمالك، وتجزئ المريضة
عن مثلها، ويخرج من الممتزج بالنسبة، ويجزئ ابن اللبون عن بنت المخاض
وإن كان أدون قيمة.
ولو وجب عليه سن من الإبل ولم يجد إلا الأعلى بسن دفعها واستعاد شاتين
أو عشرين درهما، وبالعكس يدفع معها شاتين أو عشرين درهما، والخيار إليه
سواء كانت القيمة السوقية أقل أو لا.
ولو كان [التفاوت] بأكثر من سن فالقيمة على رأي، وكذا تعتبر القيمة فيما
عدا الإبل وفيما زاد على الجذع، ويتخير في مثل مائتين بين الحقاق وبنات
اللبون.
المطلب الثاني: في زكاة الأثمان:
تجب الزكاة في الذهب والفضة بشروط ثلاثة:
الحول على ما تقدم.
وكونها منقوشة بسكة المعاملة، أو ما كان يتعامل به.
والنصاب، وهو:
في الذهب: عشرون مثقالا وفيه نصف مثقال، ثم أربعة وفيه قيراطان،
وهكذا دائما في الذهب.
وفي الفضة: مائتا درهم وفيه خمسة دراهم، ثم أربعون وفيه درهم، وهكذا
دائما.
ولا زكاة في الناقص عن النصيب - والدرهم ستة دوانيق، والدانق ثمان
حبات من أوسط حب الشعير، تكون العشرة سبع مثاقيل - ولو نقص في أثناء
الحول، أو عاوض بجنسها أو بغيره، أو أقرضها أو بعضها مما يتم به النصاب، أو
جعلها حليا قبل الحول - وإن فر به - سقطت.
228

ولا زكاة في الحلي ولا السبائك ولا النقار ولا التبر، ولو صاغها بعد الحول
وجبت.
ولا تخرج المغشوشة عن الصافية، ولا زكاة فيها حتى يبلغ الصافي نصابا،
ولو جهل البلوغ لم تجب التصفية، بخلاف ما لو جهل المقدر، ويضم الجوهران
من الواحد مع تساويهما وإن اختلفت الرغبة، لكن يخرج بالنسبة إن لم يتطوع
بالأرغب.
المطلب الثالث: في زكاة الغلات:
إنما تجب في الغلات الأربع إذا ملكت بالزراعة لا بالابتياع وغيره، إذا
بلغت النصاب، وهو: خمسة أوسق في كل واحد، والوسق ستون صاعا،
والصاع أربعة أمداد، والمد رطلان وربع بالعراقي.
وفيه العشر إن سقي سيحا أو بعلا أو عذيا، ونصف العشر إن سقي بالغرب
والدوالي - وما يلزمه مؤونة بعد إخراج المؤن، من حصة سلطان وأكار وبذر
وغيره - ولو سقي بهما اعتبر الأغلب، وإن تساويا قسط، ثم يجب في الزائد مطلقا
وإن قل.
ويتعلق الوجوب عند بدو الصلاح، وهو: انعقاد الحصرم، واشتداد الحب
واحمرار التمرة واصفرارها.
والإخراج عند التصفية والجذاذ والصرام، ولا يجب بعد ذلك زكاة وإن
بقي أحوالا، بخلاف باقي النصب.
وتضم التمار في البلاد المتباعدة وإن اختلفت في الإدراك، والطلع الثاني
إلى الأول فيما يطلع مرتين في السنة.
ولو اشترى ثمرة قبل البدو فالزكاة عليه، وبعده على البائع.
ويجزئ الرطب والعنب عن مثله لا عن التمر والزبيب، ولا يجزئ المعيب
كالمسوس عن الصحيح.
229

ولو مات المديون بعد بدو الصلاح أخرجت الزكاة وإن ضاقت التركة عن
الدين، ولو مات قبله صرفت في الدين إن استوعب التركة، وإلا وجبت على
الوارث إن فضل النصاب بعد تقسيط الدين على جميع التركة.
ولو بلغت حصة عامل المزارعة والمساقاة نصابا وجبت عليه، ويجوز
الخرص بشرط السلامة.
خاتمة:
الزكاة تجب في العين لا في الذمة، فلو تمكن من إيصالها إلى المستحق أو
الساعي أو الإمام ولم يدفع ضمن، ولو لم يتمكن سقطت، ولو حال على النصاب
أحوال وكان يخرج من غيره تعددت الزكاة ولو لم يخرج أخرج عن سنة لا
غير، ولو كان أزيد من نصاب تعددت الزكاة ويجبر من الزائد في كل سنة حتى
ينقص النصاب، فلو حال على ست وعشرين ثلاثة أحوال وجب بنت مخاض
وتسع شياه.
والجاموس والبقر جنس، وكذا الضأن والمعز والبخاتي والعراب، ويخرج
من أيهما شاء.
ويصدق المالك في عدم الحول، ونقصان الخرص المحتمل، وإبدال
النصاب، والإخراج من غير يمين.
ولو شهد عليه اثنان حكم عليه، ولو طلقها بعد حول المهر قبل الدخول
فالزكاة عليها أجمع، ولا زكاة لو نقصت الأجناس وإن زادت مع الانضمام.
المطلب الرابع: فيما تستحب فيه الزكاة.
وهي أصناف:
الأول: مال التجارة وهو: ما ملك بعقد معاوضة للاكتساب عند التملك.
وإنما تستحب إذا بلغت قيمته بأحد النقدين نصابا، وطلب برأس المال أو
230

الربح طول الحول، فلو نقض رأس ماله في أثنائه أو طلب بنقيصته ولو حبة سقط
الاستحباب، وكذا لو نوى القنية في الأثناء.
ولو اشترى بالنصاب للتجارة استأنف حولها من حين الشراء، ولو كان
رأس المال أقل من نصاب استأنف عند بلوغه، وتتعلق بالقيمة لا بالمتاع.
ولو بلغت النصاب بأحد النقدين خاصة استحب، ولو ملك الزكوي
للتجارة وجبت المالية، ولو عاوض الزكوي بمثله للتجارة استأنف الحول للمالية،
ولو ظهر الربح في المضاربة ضم المالك الأصل إلى حصته وأخرج عنهما.
ويخرج العامل عن نصيبه إن بلغ نصابا وإن لم ينض.
الثاني: كل ما ينبت من الأرض مما يدخل المكيال والميزان غير الأربعة
تستحب فيه الزكاة، إذا حصلت الشرائط التي في الأربعة.
الثالث: الخيل الإناث السائمة مع الحول يستحب عن كل فرس عتيق
ديناران، وبرذون دينار.
الرابع: الحلي المحرم والمال الغائب والمدفون إذا مضى عليه أحوال ثم عاد.
الخامس: العقار المتخذ للنماء يخرج الزكاة من حاصله استحبابا، ولو بلغ
نصابا وحال عليه حول وجبت، ولا يستحب في المساكن ولا الثياب والآلات
وأمتعة القنية.
المقصد الثالث: في المستحق:
يستحق الزكاة ثمانية أصناف:
الفقراء والمساكين، ويشملهما من يقصر ماله عن مؤونة السنة له ولعياله.
والعاملون عليها، وهم: السعاة لتحصيلها.
والمؤلفة، وهم: الكفار الذين يستمالون للجهاد.
وفي الرقاب، وهم: المكاتبون والعبيد تحت الشدة، أو في غير شدة مع
عدم المستحق.
231

والغارمون، وهم: الذين علتهم الديون في غير معصية.
وفي سبيل الله، وهو: الجهاد، وكل مصلحة يتقرب بها إلى الله تعالى، كبناء
القناطر وعمارة المساجد وغيرهما.
وابن السبيل، وهو: المنقطع به وإن كان غنيا في بلده، والضيف، بشرط
إباحة سفرهما.
ويشترط في المستحقين:
الإيمان - إلا المؤلفة - لا العدالة على رأي، ويعطي أطفال المؤمنين دون
غيرهم، ويعيد المخالف لو أعطي مثله.
وأن لا يكونوا واجبي النفقة، كالأبوين وإن علوا والأولاد وإن نزلوا والزوجة
والمملوك، من سهم الفقراء، ويجوز من غيرهم.
وأن لا يكون هاشميا، إذا لم يكن المعطي منهم، وهم: أولاد أبي طالب،
والعباس، والحارث، وأبي لهب،
ولو قصر الخمس عن كفايتهم، أو كان العطاء من المندوبة، أو كان المعطي
منهم، أو أعطي مواليهم جاز.
ويشترط العدالة في العامل، وعلمه بفقه الزكاة ويتخير الإمام بين الجعالة
والأجرة.
والقادر على تكسب لقوته بصنعة أو غيرها ليس بفقير وإن كان معه خمسون
درهما، ولو قصر تكسبه جاز وإن كان معه ثلاثمائة.
ويعطي صاحب دار السكنى، وعبد الخدمة، وفرس الركوب.
ويصدق في ادعاء الفقر وإن كان قويا، وفي ادعاء تلف ماله، وفي ادعاء
الكتابة إذا لم يكذبه المولى، وفي ادعاء الغرم إذا لم يكذبه الغريم.
ولا يجب إعلامه أنها زكاة.
ولو ظهر عدم الاستحقاق ارتجعت مع المكنة، وإلا أجزأت، ولا يملكها
الأخذ.
232

ولو صرف المكاتب في غير الكتابة، والغازي في غير الغزو، والغارم في
غير الدين استعيد، إلا أن يدفع إليه من سهم الفقراء.
ويجوز أن يعطي الغارم ما أنفقه في المعصية من سهم الفقراء وأن يعطي من
سهم الغرم ما جهل حاله. ويجوز مقاصة الفقير بما عليه، وأن تقضى عنه حيا وميتا
ولو كان واجب النفقة.
ولا يشترط الفقر في الغازي والعامل والمؤلفة ويسقط في الغيبة سهم الغازي -
إلا أن يجب - والعامل والمؤلفة.
المقصد الرابع: في كيفية الإخراج:
يجوز أن يتولاه المالك بنفسه ووكيله، والإمام، والساعي إن أذن له الإمام،
وإلا فلا.
ويستحب حملها إلى الإمام، ولو طلبها وجب، ولو فرق حينئذ أتم وأجزأ
على رأي، وحال الغيبة يستحب دفعها إلى الفقيه ليفرقها، ويستحب بسطها على
الأصناف، ويجوز تخصيص واحد بها، وأن يعطي غناه دفعة.
ويحرم حملها عن بلدها مع وجود المستحق فيه، وتأخير الدفع مع المكنة
فيضمن لا بدونها، ويجوز النقل مع عدم المستحق ولا ضمان، ولو حفظها حينئذ
في البلد حتى يحضر المستحق فلا ضمان.
ويستحب صرفها في بلد المال ولو كان غير بلده، ويجوز دفع العوض في
بلده، وفي الفطرة الأفضل صرفها في بلده.
ويدعو الإمام أو الساعي إذا قبضها وجوبا على رأي، وتبرأ ذمة المالك لو
تلفت من يد أحدهما، ويعطي ذو الأسباب بكل سبب شيئا، وأقل ما يعطي الفقير
ما يجب في الأول استحبابا.
ولو فقد المستحق وجبت الوصية بها عند الوفاة، ويستحب عزلها قبله.
وتجب النية عند الدفع - المشتملة على الوجه، وكونه عن زكاة مال أو
233

فطرة متقربا - من الدافع، إماما كان أو ساعيا أو مالكا أو وكيلا، ولو كان الدافع
غير المالك جاز أن ينوي أحدهما، ولو نوى بعد الدفع احتمل الإجزاء، ولو
قال: إن كان مالي الغائب سالما فهذه زكاته وإن كان تالفا فنافلة صح، ولو قال:
أو نافلة بطل.
ولو أخرج عن أحد ماليه من غير تعيين صح، ولو أخرج عن الغائب إن
كان سالما فبان تالفا جاز النقل، ولو نوى عما يصل لم يجز وإن وصل.
ولو نوى الدافع لا المالك صح طوعا كان الأخذ أو كرها.
ولو مات من أعتق من الزكاة ولا وارث له فميراثه للإمام على رأي.
وأجرة الكيل والوزن على المالك.
ويكره تملكه لما تصدق به اختيارا، ولا كراهية في الميراث وشبهه وينبغي
وسم النعم في المنكشف الصلب.
النظر الثاني في زكاة الفطرة:
يجب عند هلال شوال إخراج صاع من القوت الغالب - كالحنطة،
والشعير، والتمر، والزبيب، والأرز، واللبن، والأقط - إلى مستحق زكاة المال
على كل مكلف حر متمكن من قوت السنة له ولعياله، عنه وعن كل من يعوله،
وجوبا وتبرعا، مسلما كان المعال أو كافرا، حرا أو عبدا، صغيرا أو كبيرا عند
الهلال.
وكذا يخرج عن الضيف إذا كان عنده قبل الهلال، وعن المولود كذلك، و
المتجدد في ملكه حينئذ، ولو كان بعد الهلال لم يجب، ولو تحرر بعض
المملوك وجب عليه بالنسبة، ولو عاله المولى وجبت عليه.
ويستحب للفقير إخراجها: بأن يدير صاعا على عياله ثم يتصدق به.
ولو بلغ قبل الهلال أو أسلم أو أفاق من جنونه أو استغنى وجب إخراجها،
ولو كان بعده استحب ما لم يصل العيد.
234

ويخرج عن الزوجة والمملوك وإن كاتبه مشروطا إذا لم يعلمهما غيره، و
يسقط عن الموسرة والضيف الغني بالإخراج عنه، وزكاة المشترك عليهما إذا
عالاه أو لم يعله أحد.
ولو قبل وصية الميت بالعبد قبل الهلال وجبت عليه، وإلا سقطت عنه وعن
الورثة على رأي.
ولو لم يقبض الموهوب له فلا زكاة عليه، ولو مات الواهب فالزكاة على
الوارث، وتتقسط التركة على الدين.
وفطرة العبد بالحصص لو مات بعد الهلال، وقبله تسقط.
ويجزئ من اللبن أربعة أرطال، والأفضل التمر، ثم الزبيب، ثم غالب قوته.
ويجوز إخراج القيمة السوقية، وتقديمها قرضا في رمضان، وإخراجها بعد
الهلال، وتأخيرها إلى قبل صلاة العيد أفضل، فإن خرج وقتها - وهو وقت
العيد - وقد عزلها أخرجها، وإن لم يعزلها وجب قضاؤها على رأي، ويضمن لو
عزل وتمكن ومنع، ولا يضمن مع عدم المكنة.
ولا يجوز حملها إلى بلد آخر مع وجود المستحق فيضمن، ويجوز مع عدمه
ولا ضمان.
ويتولى المالك إخراجها، والأفضل الإمام أو نائبه أو الفقيه.
ولا يعطي الفقير أقل من صاع إلا مع الاجتماع والقصور، ويجوز أن يعطي
غناه دفعة، ويستحب اختصاص القرابة بها ثم الجيران.
النظر الثالث: في الخمس:
وهو واجب في غنائم دار الحرب - حواها العسكر أو لا - إذا لم يكن
مغصوبا.
وفي المعادن: - كالذهب، والفضة، والرصاص، والياقوت، والزبرجد،
والكحل، والعنبر، والقير، والنفط، والكبريت - بعد المؤونة، وبلوع عشرين
235

دينارا.
وفي الكنوز المأخوذة في دار الحرب أو دار الإسلام وليس عليه أثره، والباقي
له، ولو كان عليه سكة الإسلام فلقطة على رأي، ولو كان في مبيع عرفه البائع،
فإن عرفه فهو له، وإلا فللمشتري بعد الخمس، وكذا لو اشترى دابة فوجد في
جوفها شيئا، ولو اشترى سمكة فوجد في جوفها شيئا فهو للواجد من غير تعريف
بعد الخمس.
وفي الغوص، كالجواهر والدرر إذا بلغ قيمته دينارا بعد المؤونة، ولو أخذ
من البحر شئ بغير غوص فلا خمس، والعنبر إن أخذ بالغوص فله حكمه، وإن
أخذ من وجه الماء فمعدن.
وفيما يفضل عن مؤونة السنة له ولعياله من أرباح التجارات والصناعات
والزراعات.
وفي أرض الذمي إذا اشتراها من مسلم.
وفي الحلال المختلط بالحرام، ولا يتميز ولا يعرف صاحبه ولا قدره، ولو
عرف المالك خاصة صالحه، ولو عرف القدر خاصة تصدق به.
ويجب على واجد الكنز والمعدن والغوص، صغيرا كان أو كبيرا، حرا
كان أو عبدا.
ولا يعتبر الحول في الخمس، بل متى حصل وجب، وتؤخر الأرباح حولا
احتياطا له.
والقول قول مالك الدار في ملكية الكنز، وقول المستأجر في قدره.
ويقسم الخمس ستة أقسام: ثلاثة للإمام عليه السلام وثلاثة لليتامى
والمساكين وأبناء السبيل من الهاشميين المؤمنين، ويجوز تخصيص الواحد بها
على كراهية، ويقسم بقدر الكفاية، فالفاضل للإمام والمعوز عليه.
ويعتبر في اليتيم الفقر، وفي ابن السبيل الحاجة عندنا لا في بلده، ولا يحل
نقله مع المستحق فيضمن، ويجوز مع عدمه.
236

والأنفال تختص بالإمام عليه السلام، وهي: كل أرض موات سواء ماتت
بعد الملك أو لا، وكل أرض ملكت من غير قتال سواء انجلى أهلها أو أسلموها طوعا، ورؤوس الجبال، وبطون الأودية الآجام، وصفايا الملوك، وقطائعهم
غير المغصوبة.
ويصطفي من الغنيمة ما شاء، وغنيمة من قاتل بغير إذنه له.
ثم إن كان ظاهرا تصرف كيف شاء، ولا يجوز لغيره التصرف في حقه إلا
باذنه، ويجب عليه الوفاء فيما قاطع عليه، وإن كان غائبا ساع لنا خاصة
المناكح والمساكين والمتاجر في نصيبه - ولا يجب صرف حصص الموجودين
فيه - وأما غيرها فيجب صرف حصة الأصناف إليهم، وما يخصه عليه السلام
يحفظ له إلى حين ظهوره، أو يصرفه من له أهلية الحكم بالنيابة عنه في المحتاجين
من الأصناف على سبيل التتمة، ولو فرقه غير الحاكم ضمن.
237

تلخيص المرام
في معرفة الأحكام
للشيخ جمال الدين أبي منصور الحسن بن سديد الدين
يوسف بن زين الدين علي بن محمد مطهر الحلي المشتهر بالعلامة الحلي
والعلامة على الإطلاق
647 - 726 ه‍. ق
239

كتاب الزكاة
الزكاة وهي قسمان:
الأول:
من ملك عشرين دينارا، على رأي، منقوشة حائلة، أحد عشر شهرا كاملة،
من العقلاء المتمكنين، وجب عليه نصف دينار على الفور، ثم قيراطان في أربعة
مستمرا وفي مائتي درهم وزنا خالصة كذلك خمسة وفي كل أربعين واحد.
وزكاة الحلي إعارته، والفار قبل الحول لا تجب عليه، وقيل: تجب فلو زاد
بالصنعة جعل للفقراء ربع العشر إلى وقت البيع، أو أعطى المساوي قيمة من غير
الجنس أو منه المساوي قيمة ومقدارا لا أحدهما، والمغشوشة تخرج منها إن بلغ
الصافي نصابا، ومع الجهل بالمقدار يصفيها، بخلاف الجهل بالبلوغ.
وفي كل خمس من الإبل، حائلة سائمة كمالية على رأي، غير عوامل، شاة
إلى ست وعشرين على رأي، ففيها، بنت مخاض، إلى ست وثلاثين وفيها بنت
لبون، وفي ست وأربعين حقة، وفي إحدى وستين جذعة، وفي ست وسبعين بنتا
لبون، وفي إحدى وتسعين حقتان، إلى مائة وإحدى وعشرين فما زاد، ففي كل
خمسين حقة، وفي كل أربعين بنت لبون على رأي، ويتخير لو اجتمعا من عنده
أعلى من الواجب بسن أو أدون دفع وأخذ شاتين أو عشرين درهما أو دفعها، ولو
زاد فقيمة السوق على رأي، ولا جبر بين ابن لبون وبنت مخاض، وله إخراج
241

القيمة مطلقا على رأي، وتجب في الذكورة على رأي.
وتجب في كل ثلاثين بقرة - كما تقدم - تبيع أو تبيعة، وفي كل أربعين
مسنة وكذا الجاموس، وفي كل أربعين شاة - كما تقدم - شاة، إلى مائة وإحدى
وعشرين ففيها شاتان، وفي مائتين وواحدة ثلاث، وفي ثلاثمائة وواحدة أربع،
على رأي إلى أربعمائة فواحدة في كل مائة، وكذا المعز.
ولو ملك أربعين ثم اثنتين وثمانين أتم حول الأول واستأنف للثاني، أما لو
ملك بعدها أربعين أخرى فلا زكاة فيها، وهل الشاتان في المجموع أو في كل
واحد واحدة احتمال، فعلى الأول، لو تلف شئ بعد الحول بغير تفريط نقص من
الواجب في النصب بقدر التالف، وعلى الثاني يوزع على ما بقي من النصاب
الذي وجب فيه التالف.
وناقص الإبل شنق، والبقر وقص، والغنم عفو فلا تجب فيه، فلو كان معه
تسعة وهلك أربعة فالشاة باقية، ولو تلف من النصاب بعد الحول بغير تفريط
سقط منها بالحساب.
ولا يؤخذ مريضة ولا هرمة ولا ذات عوار ولا الوالد إلى خمسة عشر يوما ولا
الأكولة ولا فحل الضراب.
ولا يجب صحيحة في المراض، ولو جبر في الحول أو عاوض بجنس أو
بخلاف استأنف على رأي.
ويجب في كل خمسة أوسق - وهي ألفان وسبعمائة رطل بالعراقي - من
الحنطة والشعير والتمر والزبيب مملوكة بالزرع، نصف العشر إن سقيت
بالناضح وشبهه، وإلا فالعشر بعد المؤونة على رأي، ويعتبر الأغلب مع
الاجتماع، وفي التساوي تقسط، وكذا ما زاد مطلقا، ثم لا يجب ولو بقيت أحوالا،
وقيل: تجب وقت الحصاد والجذاذ والحفنة والحفنتان والضغث والضغثان.
ووقت الوجوب بدو الصلاح في الثمرة واشتداد الحب على رأي، ولا يجب
الأداء إلا بعد التصفية والجفاف إجماعا، ولو كان له نخيل طلع مرتين ضممناهما
242

لسنة على رأي، ولو أدرك البعض متقدما ضممناه مع المتأخر، ولو صار تمرا
وهو مدين ومات وجبت، ولو قصرت عنهما فالنقص على الدين، ولو مات قبل
ذلك فلا زكاة، ولو ملك الثمرة قبل بدو الصلاح فالزكاة عليه، وبعده على
البائع.
ويجوز الخرص في الأربع على رأي وقت بدو الصلاح، ويخيرهم بين
إبقائها أمانة فيمنعون من البيع والأكل والهبة، وبين التضمين فلا منع، وبين
الضمان لهم، ولو تلفت مع الأمانة بغير تفريط فلا ضمان.
ويجوز القطع من دون الخارص مطلقا على رأي والقول قوله في النفقة
المحتملة.
ويستحب في النابت مطلقا عدا الخضر، بشرط ما تجب فيه، وفي مال
التجارة على رأي بشرط النصاب في الحول كله، وأن يطلب برأس المال أو
زيادة، وأن لا يقطع نية التجارة بنية القنية، وأن يكون رأس المال منتقلا بعقد
معاوضة للاكتساب.
والزكاة تتعلق بقيمة المتاع لا بعينه، وتقوم بأحد النقدين، فتستحب لو
بلغت بأحدهما دون الآخر، ولو ملك نصابا للتجارة وجبت المالية وسقطت
الأخرى.
وفي الخيل الإناث مع الحول، ففي العتيق ديناران وفي البرذون دينار في
الغائب، وفي العقار المتخذ للنماء من حاصله، وفي غلات الطفل ومواشيه على
رأي، ونقديه إذا اتجر له من له ولاية، ولو ضمنه واتجر لنفسه فالربح له إذا كان
مليا، ولو فقد أحدهما ضمن والربح لليتيم ولا زكاة.
وصامت المجنون كصامت الطفل ولا زكاة في ماله على رأي، والمكاتب
المطلق إذا بلغ نصيبه النصاب وجبت فيه، والموهوب لا يجزئ في الحول إلا بعد
القبض، والموصى به يجزئ بعد القبول والوفاة، وذو الخيار من حين الانتقال لا
بعد الانقضاء، والملتقط بعد التعريف ونية التملك، ولو نذر الصدقة، في أثناء
243

الحول انقطع وإمكان الأداء شرط في الضمان، فلو تمكن المسلم ولم يخرج
ضمن بخلاف الكافر.
وزكاة القرض على المقترض وإن شرط على رأي، ولو اقترض ألفا ورهن
ألفا وجبت عليه فيهما على رأي.
ولا يجمع بين ملكي شخصين وإن اختلطا، ولا يفرق بين ملكي شخص وإن
تباعدا.
والمرتد عن فطرة يستأنف ورثته الحول في الحال، ولو أمهر نصابا وطلق
قبل الدخول فله كمال النصف وعليها الزكاة، والتارك للنفقة تخرج إن كان
حاضرا وإلا فلا على رأي، ولو أخرج من غير النصاب تكررت مع بقائه، ولو
منع أحوالا نقص من المتأخر المأخوذ من المتقدم، ويصدق المالك في الإخراج
وعدم الحول.
والمستحق من لم يملك قوت السنة أو لم يقدر كالصانع على رأي، من
المؤمنين أو أطفالهم غير واجبي النفقة، ولا الهاشميين - وهم أولاد أبي طالب
والعباس والحارث وأبي لهب على رأي - من غيرهم، واعتبر قوم العدالة، وإن
كان له دار وخادم إذا كان من أهلهما، وأقل ما يعطي ما يجب في النصاب الأول
على رأي، ويجوز إن كان أهلهما.
وأقل ما يعطي ما يجب في النصاب الأول على رأي، ويجوز أن يعطي غناه
دفعة، ولو تكررت حرم ما زاد، ولو بان على الخلاف بعد الاجتهاد استعيدت،
فإن تعذر أجزأت.
ومن يجبي الصدقة يجب أن يكون عدلا فقيها فيها وأن لا يكون هاشميا،
ويتخير الإمام بين أن يقرر جعالة أو أجرة عن مدة معينة.
ومن يستمال للجهاد من الكفار خاصة على رأي، ولا يسقط بعد موت النبي
على رأي.
والمكاتبون والعبيد تحت الشدة، ومطلقا مع عدم المستحق، ومع موتهم
244

بغير وارث يرثهم أربابها.
والمديون في غير معصية، ويجوز مع الجهل على رأي، ومن سهم الفقراء
معه، ويقضي هو وكل قربة ومصلحة كالجهاد، والقناطر على رأي.
وابن السبيل، وهو المجتاز على رأي وإن نوى المقام عشرة على رأي،
والضيف إذا كان سفرهما مباحا ولو كان غنيا في بلده، ويجوز التخصيص وأن لا
يعلم كونها زكاة، ولو ادعى الفقر أو الكتابة أو الغرم صدق إذا لم يعلم كذبه،
ولو صرف المكاتب والغارم والغازي وابن السبيل في غيرها استعيدت، ويجوز
أن يقاص الفقير، وكذا لو مات يقضى عنه ويقاص، ولو كان على من هو واجب
النفقة.
ويعطي الغازي مع الغناء بشرطه، ويعطي من تجب نفقته إذا كان عاملا أو
غازيا أو مكاتبا أو ابن سبيل ما يحتاج بسفره زائدا عن واجب النفقة.
ويعطي الهاشمي من غيره إن لم يكفه الخمس والمندوبة مطلقا ومواليهم،
وللمالك التفريق بنفسه وبوكيله.
ويستحب حملها إلى الإمام، ومع الطلب يجب، وفي الإجزاء مع المخالفة
خلاف، ويستحب مع الغيبة الحمل إلى الفقيه المأمون، ولا يجوز حملها إلى غير
البلد مع عدم المستحق فيه ويضمن، ولا تأخيرها على رأي ومع عدمه لا بأس ولا
ضمان مع عدم التفريط، ولو لم يوجد المستحق وجبت الوصية بها ويبرأ المالك
مع الدفع إلى الإمام أو الساعي، وأجرة الكيل والوزن على المالك.
ويستحب الدعاء لصاحبها على رأي، وأن يوسم نعم الصدقة، وأن يعزل مع
عدم المستحق، ويكره أن يملك اختيارا ما تصدق به، ولو اجتمعت أسباب جاز
أن يعطي بحسبها ولا يقدم الزكاة، فلو دفع قبل الوقت ما يتم به النصاب سقطت،
ولو لم يكن جاز أن يستعيدها ويعطي عوضها لعدم التعيين.
ويجوز للآخذ دفع العوض كالقرض وإن كره، فلو دفع شاة فزادت بسمن
فللفقير دفع قيمة المهزولة، ولو ولدت فالولد له، ولو نقصت رد قيمة الصحيحة،
245

ولو استغنى بالعين جاز الاحتساب وبغيره يستعيد.
ولا بد من النية المشتملة على القربة والوجوب أو الندب، وكونها زكاة مال
أو فطرة وقت الدفع، وفيما بعد قول بالجواز، ولو نوى الساعي أو الإمام دون
المالك قيل: إن أخذها كرها جاز، وإلا فلا، ولو قال: إن كان مالي الغائب سالما
فهذه زكاته وإلا فهي نفل صح، ولو أتى ب‍ " أو " بطل، ولو نوى الزكاة عن أحد
ماليه من غير تعيين صح، وكذا لو قال: إن كان مالي الغائب سالما صح، ولو
بان تالفا جاز النقل إلى غيره.
الثاني:
يجب على المكلف، المالك قوت السنة على رأي، عنه وعن عياله مطلقا،
عن كل رأس عند هلال شوال على رأي، تسعة أرطال بالعراقي مما يغلب على
قوته ومن اللبن أربعة، والأفضل التمر ثم الزبيب، ويجوز القيمة السوقية خاصة على
رأي، والدقيق والسويق والخبز قيمة لا أصلا على رأي، ولا يجوز التقديم على
الهلال على رأي إلا قرضا، ولا التأخير عن آخر وقت العيد لغير عذر ومعه يجب
القضاء على رأي، ولا يجوز حملها إلى غير البلد إلا مع العلم، ولو عزل معه لم
يضمن، ولا معه يضمن.
ولو تحرر بعضه وجب عليه بالنسبة إلا أن يعوله المولى.
ويستحب للفقير إخراجها، وأقله أن يدير صاعا على عياله ثم يخرجه.
ويجب على الكافر ولا تصح منه، ومع الإسلام يسقط، ولو اتصف بما
يجب معه أو ولد له أو ملك عبدا آخر جزء من رمضان وجبت، ولو كان بعده
إلى قبل صلاة العيد استحبت، ولو لم تعل الزوجة والمملوك وجبت عليه عنهما،
وإن عالهما غيره سقطت عنه، ويسقط عن الزوجة والضيف لوجوبها عليه،
واشترط قوم في الضيف: ضيافة جميع الشهر، وآخرون: العشر الأواخر،
وآخرون: آخر ليلة من الشهر، والمشترك زكاته عليهما إلا مع اختصاص
246

العيلولة.
والمغصوب والآبق والصغيرة والناشز والغائب المجهول حياته يخرج عنهم
على رأي، وعن خادم الزوجة إلا أن يكون بأجرة، وعن المطلقة رجعيا، وتسقط
عن الزوجة الموسرة وأمة الغني إذا كانتا تحت معسر، أو مملوك على رأي،
وقيل: تخرج عن ولده الصغير الموسر، والوجه اشتراط العيلولة.
ولو مات المولى بعد الهلال وجبت الزكاة وإن كان مدينا، ومع القصور
يقسط، ولو أوصي له بعبد فقبل بعد الموت والهلال سقطت الزكاة عنه لا على من
يعوله، ولو وهب له لم يجب الزكاة إلا مع القبض على رأي، والمستحق هو الأول.
والنية واجبة، ولا يعطي أقل من صاع، والأفضل تولية الإمام أو من نصبه
للتفريق، ومع غيبته الفقيه، ويعطي المستضعف مع الفقر على رأي، ويستحب
اختصاص القرابة بها ثم الجيران.
ويجب الخمس في غنائم الحرب غير المغصوبة والمعادن بعد المؤونة إذا
بلغت عشرين دينارا على رواية، وكذا في الكنز الموجود في دار الحرب، أو ملك
مبتاع لم يعرفه البائع، أو دار الإسلام وليس عليه أثره، وإن كان عليه أثره فلقطة
على رأي، ولو اختلف مالك الدار ومستأجرها في ملكية الكنز فالقول قول
المالك على رأي، ولو ادعى مقدارا أزيد فالقول قول المستأجر، والغوص إذا بلغ
دينارا والعنبر كذلك إن أخرج بالغوص وإلا فمعدن، قيل وكذا الحيوان،
وفاضل أرباح التجارات والصناعات والزراعات وجميع الاكتسابات، دون
الميراث والهبة والهدية على رأي، له ولعياله عن السنة، وأرض الذمي المنتقلة من
مسلم، والحرام الممتزج مطلقا على رأي.
ويقسم: ثلاثة للإمام، وثلاثة لليتامى والمساكين وأبناء السبيل من الهاشميين
على رأي المنتسبين بالأب على رأي، المؤمنين، ومع وجود الإمام يصرف إليه
نصيبهم وله فاضلهم وعليه نقيصتهم على رأي، ومع الغيبة يقسم المتولي للحكم
247

سهمه على رأي.
ويجوز الاقتصار على واحد من كل طائفة، وهل يجوز حرمان بعض
الطوائف أو اعتبار الحاجة في اليتيم خلاف.
ويعتبر في ابن السبيل الحاجة إن كان غنيا في بلده ويحرم حمله من بلده،
ومعه يضمن إلا مع عدم المستحق وأبيح لنا المساكن والمناكح والمتاجر في
الغيبة، ولا يجب إخراج حصة غيره منها، ويخصه الآجام ورؤوس الجبال وبطون
الأودية والأرض المسلمة بغير قتال والمنجلى عنها والمختص بالملوك بغير
غصب وما لا وارث له وما يغنم بغير إذنه، وله أن يصطفي من الغنيمة، وإذا قاطع
وجب عليه الوفاء وحل للمقاطع الفاضل.
248

الرسالة الفخرية لمحمد بن الحسن بن يوسف بن علي بن المطهر الحلي الملقب بفخر المحققين 682 - 771 ه‍. ق
249

كتاب الزكاة
وإنما تجب في تسعة أشياء:
الحنطة والشعير والتمر والزبيب.
وتعلق الزكاة: عند بدو صلاحها والإخراج واعتبار النصاب بعد الجفاف
حالة كونها تمرا أو زبيبا، وفي الغلة بعد التصفية من التبن والعشر.
وإنما تجب بعد المؤنة وهي العشر إن سقي سيحا ونصفه إن سقي بالغرب و
الدوالي.
والذهب والفضة: بشرط النصاب، فهو في الذهب عشرون مثقالا وفيه
نصف دينار، ثم أربعة دنانير فيها قيراطان. وفي الفضة مائتا درهم وفيها خمسة
دراهم، ثم أربعون درهما وفيها درهم. والحول وهو أحد عشر شهرا ودخول
الثاني عشر، وكونهما منقوشين بسكة المعاملة.
وفي الإبل: بشرط النصاب، وهو خمس في كل خمس شاة، ثم ست
وعشرون وفيها بنت مخاض، ثم ست وثلاثون وفيها بنت لبون، ثم ست وأربعون
وفيها حقة، ثم إحدى وستون وفيها جذعة، ثم ست وسبعون وفيها بنتا لبون، ثم
إحدى وتسعون وفيها حقتان، ثم مائة وإحدى وعشرون ففي كل خمسين حقة،
وفي كل أربعين بنت لبون. والسوم طول الحول، والحول، وألا يكون عوامل.
والبقر: ولها نصابان: ثلاثون وفيه تبيع أو تبيعة، وأربعون وفيه مسنة
251

بالشروط المذكورة.
وفي الغنم: ولها خمسة نصب: أربعون وفيه شاة، ثم مائة وإحدى
وعشرون وفيه شاتان، ثم مائتان وواحدة وفيها ثلاث شياه، ثم ثلاثمائة وواحدة
وفيها أربع شياه، ثم أربعمائة فيؤخذ من كل مائة شاة بالغا ما بلغ بشرط الحول
والسوم طوله.
ونيته في ذلك كله: أخرج هذا القدر من الزكاة الواجبة علي في كذا وكذا
لوجوبها قربة إلى الله.
ويستحب فيما تنبت الأرض من الحبوب غير الأربعة بالشرائط المعتبرة في
الأربعة، وفي مال التجارة بشرط الحول، وأن يطلب برأس المال، أو الزيادة في
الحول كله، وبلوع قيمته بأحد النقدين النصاب، وفي الخيل الإناث بشرط الحول
والسوم، فيخرج عن كل عتيق ديناران وعن البرذون دينار.
ونيته: أخرج هذا القدر زكاة عن كذا لندبه قربة إلى الله.
ونية الصدقة المندوبة: أتصدق بهذا لندبه قربة إلى الله.
ويستحق الزكاة: الفقراء والمساكين والعاملون عليها والمؤلفة قلوبهم وفي
الرقاب والغارمون وفي سبيل الله وابن السبيل، بشرط أن لا يكونوا هاشميين إذا
كان المعطى من غيرهم، ويجوز لهم الأخذ مع عدم حصول كفايتهم من الخمس
من الواجبة، أما المندوبة فيجوز مطلقا، ويشترط الإيمان إلا في المؤلفة قلوبهم.
ويجب زكاة الفطرة عند هلال شوال إلى قبل صلاة العيد، ويقضي لو فاتت
عنه وعن كل من يعوله فرضا وتبرعا.
والضيف والمملوك والزوجة، إذا لم يعلهما أحد غيره، عن كل واحد
تسعة أرطال بالعراقي من الحنطة والشعير أو التمر أو الزبيب أو الأرز أو الأقط،
ومن اللبن يجزئ أربعة أرطال بالعراقي.
ونيته: أخرج هذا القدر من زكاة الفطرة لوجوبه علي قربة إلى الله.
ونية قضائها: أخرج هذا القدر قضاء عن زكاة الفطرة لوجوبه قربة إلى الله.
252

ونية النيابة في الزكاة: أخرج هذا بالوكالة عن فلان من زكاة الفطرة عن
موكلي لوجوبه عليه قربة إلى الله.
253

كتاب الخمس
إنما يجب الخمس في سبعة أشياء:
الأول: غنائم دار الحرب وإن قلت.
الثاني: المعادن مائعة أو جامدة منطبعة أو غير منطبعة.
الثالث: الكنز، ويشترط فيهما النصاب وهو عشرون دينارا بعد إخراج المؤن
كالحفر والسبك وغيرهما.
الرابع: ما يخرج من البحر كالجواهر واللئالئ بشرط بلوع قيمته دينارا.
الخامس: أرباح التجارات والصناعات والزراعات، يخرج الخمس من
الفاضل بعد مؤنة سنة له ولعياله الواجبي النفقة.
السادس: أرض الذمي إذا اشتراها من مسلم.
السابع: الحرام الممتزج بالحلال المجهول قدره ومالكه.
ونية: أخرج هذا القدر من الخمس الواجب لوجوبه علي قربة إلى الله.
ويقسم الخمس ستة أقسام: سهما لله وسهما لرسوله وسهما لذي القربى.
وهذه الثلاثة للإمام يتولى أمرها الحاكم.
ونية إخراجها: أدفع هذا من حصة الإمام عليه السلام لوجوبه قربة إلى الله.
ثم يدفعه إلى الحاكم أو يفعل به ما يأمره الحاكم به، ومع التعذر يعزله
بإذن الحاكم، ولا يجوز بغير إذنه إلا إذا تعذر الحاكم وأراد إيداعه جاز ذلك،
254

فإذا أودعه تعين للإمام صلى الله عليه وآله فيقول:
أعزل هذا من حصة الإمام من الخمس الواجب لوجوبه علي قربة إلى الله.
وسهما ليتامى بني هاشم وسهما لمساكينهم وسهما لأبناء سبيلهم، وهم الآن
أولاد أبي طالب والعباس والحارث وأبي لهب بشرط الإيمان والفقر.
255

الدروس الشرعية
للشهيد السعيد محمد بن جمال الدين مكي العاملي
" الشهيد الأول "
734 - 786 ه‍. ق
257

كتاب الزكاة
وهي الصدقة المقدرة بالأصالة ابتداء ولغة التطهير والنماء، قال الله تعالى:
وآتوا الزكاة، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن الله فرض عليكم الزكاة
كما فرض عليكم الصلاة زكوا أموالكم تقبل صلاتكم، وأخرج خمسة من
المسجد وقال: لا تصلوا فيه وأنتم لا تزكون، وقال النبي صلى الله عليه وآله: ما
من ذي زكاة مال نخل أو زرع أو كرم يمنع زكاة ماله إلا قلده الله بزنة أرضه
يطوق به من سبع أرضين إلى يوم القيامة، وقال صلى الله عليه وآله: ملعون
ملعون من لا يزكي، وقال الصادق عليه السلام: وضع رسول الله
صلى الله عليه وآله الزكاة على تسعة أشياء: الحنطة والشعير والتمر والزبيب والذهب والفضة
والإبل والبقر والغنم، وعليها الإجماع.
وقول يونس وابن الجنيد بوجوبها في جميع الحبوب شاذ، وكذا إيجاب ابن
الجنيد الزكاة في الزيتون والزيت في الأرض العشرية، وكذا العسل فيها لا في
الخراجية، نعم يستحب فيما يكال أو يوزن عدا الخضر كالبطيخ والقضب،
وروي سقوطها عن الغض كالفرسك وهو الخوخ وشبهه، وعن الأشنان والقطن
والزعفران وجميع الثمار، والعلس حنطة والسلت شعير عند الشيخ.
ويكفر مستحل ترك الزكاة المجمع عليها، إلا أن يدعي الشبهة الممكنة،
ويقاتل مانعها حتى يدفعها، ولا يكفر ولا تسبى أطفاله.
259

وليس في المال حق واجب سوى الزكاة والخمس، وقيل: يجب إخراج
الضغث عند الجذاذ والحفنة عند الحصاد.
ولا زكاة واجبة في مال الطفل وإن كان غلة أو ماشية على الأقرب، إلا أن
يتجر له الولي فيستحب، والأقرب استحبابها في الغلة والماشية أيضا، ويتولى
الإخراج الولي فيضمن لو أهمل مع القدرة، في ماله وجوبا أو ندبا لا في مال
الطفل.
ويجوز للولي الملئ اقتراض مال الطفل، فلو اتجر به استحبت الزكاة عليه،
ولو انتفت الملاءة فالربح لليتيم إن اشترى بالعين، والأقرب استحباب زكاة
التجارة حينئذ، وإن اشترى في الذمة فهو له ويضمن المال ويأثم، ولو انتفت
الولاية واشترى في الذمة فهو له أيضا، وإن اشترى بالعين وأجاز الولي فالربح
لليتيم، وإلا فالبيع باطل. وحكم المجنون حكم الطفل.
درس [1]:
يشترط أيضا في وجوبها الملك، فلا زكاة على العبد وإن قلنا بملكه، لعدم
التمكن من التصرف، ولو صرفه مولاه فهو تصرف متزلزل، ولو تحرر بعضه
وجب في نصيب الحرية.
ولا تجب في مال بيت المال ولا في الموهوب قبل القبض، ولا الوصية قبل
الموت والقبول، ولا الغنيمة قبل القسمة والقبض وعزل الإمام كاف فيه على
قول.
وإمكان التصرف، فلا زكاة في الوقف وإن كان خاصا، والمبيع بخيار
للبائع يجري في الحول من حين العقد على الأصح، والصداق من حين عقد
النكاح، والخلع من حين البذل والقبول، والأجرة من حين العقد وإن كان ذلك
في معرض الزوال، ولا في الرهن مع عدم التمكن من فكه إما لتأجيل الدين أو
لعجزه، ولا يكفي في الرهن المستعار تمكن المستعير من الفك.
260

ولا يجب في المال المغصوب والضال والمجحود مع عدم الوصلة إليه، ولا
في المال الغائب ما لم يكن في يد وكيله، ولو عادت هذه إليه استحب زكاتها
لسنة، ولا في النفقة المخلفة لعياله مع الغيبة ويجب مع الحضور، وقول ابن
إدريس بعدم الفرق مزيف.
ولا يمنع الدين من وجوبها ولو لم يملك سوى وفائه، ولا الكفر، نعم لو
أسلم استأنف الحول، أما الردة فإن كانت عن فطرة انقطع الحول، وإلا فلا ما لم
يقتل أو يمت، وفي المبسوط: أو ينتقل إلى دار الحرب. وليس المنع من التصرف
هنا مانعا كما لا يمنع حجر السفه والمرض، وقال الشيخ: يمنع حجر المفلس.
وفي وجوبها في الدين مع استناد التأخير إلى المدين قولان: أقربهما
السقوط، نعم يستحب زكاته لسنة بعد عوده.
ولو شرط المقترض الزكاة على المقرض فالوجه بطلان الشرط، والأقرب
إبطال الملك أيضا، ولو تبرع المقرض بالإخراج عن المديون فالوجه اشتراط
إذنه في الإجزاء.
وإمكان الأداء شرط في الضمان لا الوجوب كالإسلام، فلو تلف النصاب
قبل التمكن من الأداء فلا ضمان، ولو تلف البعض فبالنسبة، وكذا لو تلف قبل
الإسلام أو بعده ولم يحل الحول. ولا تسقط الزكاة بالموت بعد الحول، وفي
سقوطها بأسباب الفرار قولان: أشبههما السقوط.
فروع:
في الصداق لو تشطر قبل الدخول وبعد الحول فالزكاة عليها، وفي جواز
القسمة هنا نظر أقربه الجواز وضمانها، وبه قطع في المبسوط، فلو تعذر أخذ
الساعي من نصيب الزوج ورجع الزوج عليها، ولا يسقط وجوب الزكاة في
النصف هنا لو طلق قبل إمكان الأداء، لرجوع العوض إليها.
الثاني: لو استرد المهر بردتها بعد الحول فالزكاة عليها، ويقدم حق الزكاة
261

وتغرمه للزوج، ولو كان المهر حيوانا أو نقدا في الذمة فلا زكاة عليها في
الموضعين على الأقرب.
الثالث: لو طلقها بعد الإخراج من العين غرمت له نصف المخرج، ولا
ينحصر حقه في الباقي خلافا للمبسوط.
درس [2]:
يشترط في زكاة الأنعام شروط:
أحدها: الحول، وهو مضي أحد عشر شهرا كاملة، واحتساب الحول الثاني
من آخر الثاني عشر، ويسقط باختلال بعض الشروط فيه كالمعاوضة ولو كان
بالجنس، ويصدق المالك بغير يمين في عدم الحول إلا مع قيام البينة.
ولو تعدد ولا إخراج سقط من المال في كل حول قدر المستحق وزكى
الباقي حتى ينقص النصاب. وللسخال حول بانفرادها بعد غنائها بالرعي قاله
الحليان، واعتبر الشيخ وابن الجنيد الحول من حين النتاج وهو المروي.
فروع:
لو حال الحول عليها ولم يكن فيها الفريضة كست وعشرين فصيلا ليس
فيها بنت مخاض أخرج منها، وحينئذ قد تتساوى النصب المختلفة في الفريضة،
وكذا لو كانت بنات مخاض أو بنات لبون أو حقاقا أخرج منها وتساوت
النصب، على إشكال في الجميع، ويحتمل اعتبار قيمة الصغار والكبار و ينقص
من الواجب بالنسبة، فلو ساوت قيمة ست وثلاثين صغارا مائتين وكبارا ضعفها،
أخرج بنت لبون خسيسة بقيمة نصفها مجزئة.
ولو ملك مالا آخر في أثناء الحول من جنس ما عنده، فإن كان نصابا
مستقلا، كخمس من الإبل بعد خمس، وكأربعين بقرة وعنده ثلاثون، أو مائة
وإحدى وعشرين من الغنم وعنده أربعون، فلكل حول بانفراده، ولو كان غير
262

مستقل كالأشناق استؤنف الحول للجميع عند تمام حول الأول على الأصح.
ولو ملك إحدى وعشرين بعد خمس فالشياه بحالها، وكذلك إلى خمس
وعشرين، ولو ملك ستا وعشرين جديدة ففيها بنت مخاض عند تمام حولها،
وفي أربعين من الغنم بعد أربعين وثلاثين من البقر بعد ثلاثين وجه بالوجوب،
وقيل: لو ملك بعد الأربعين إحدى وثمانين فلكل حول، ورد بثلم النصاب
بمستحق المساكين فاشترط زيادة واحدة، وهو سهو ولو قلنا بأن الزكاة في الذمة
على القول النادر.
الثاني: السوم، فلا يجب في المعلوفة وإن كان لا مؤونة فيه أو بعض الحول،
ولا عبرة باللحظة وفي اليوم في السنة، بل في الشهر تردد أقربه بقاء السوم
للعرف، والشيخ اعتبر الأغلب، ولا فرق بين أن يكون العلف لعذر أو لا، وبين
أن تعتلف بنفسها أو بالمالك أو بغيره، من دون إذن المالك أو باذنه، من مال
المالك أو غيره.
ولو اشترى مرعى فالظاهر أنه علف، وأما استئجار الأرض للرعي أو ما يأخذه
الظالم على الكلأ فلا.
الثالث: أن لا تكون عوامل ولو في بعض الحول، فلا زكاة فيها وإن كانت
سائمة، وشرط سلار كونها إناثا، وهو متروك.
الرابع: النصاب، ففي الإبل اثني عشر: خمسة كل واحد خمس وفيه شاة، ثم
ست وعشرون ففيها بنت مخاض دخلت في الثانية، ثم ست وثلاثون فبنت لبون
دخلت في الثالثة، ثم ست وأربعون فحقة دخلت في الرابعة، ثم إحدى وستون
فجذعة دخلت في الخامسة، ثم ست وسبعون فبنتا لبون، ثم إحدى وتسعون
فحقتان، ثم مائة وإحدى وعشرون ففي كل خمسين حقة وفي كل أربعين بنت
لبون، وقال الحسن وابن الجنيد: في خمس وعشرين بنت مخاض، وقال ابنا
بابويه: في إحدى وثمانين ثني، وقال المرتضى: لا يتغير الفرض من إحدى
وتسعين إلا بمائة وثلاثين، وكل متروك.
263

ويتخير المالك في مثل مائتين بين الحقاق وبنات اللبون، وفي الخلاف
الساعي، ولا فرق بين العرابي والبخاتي، وفي الإخراج يقسط، وكذا في البقر
والجاموس والمعز والضأن.
والشنق ما بين النصب ولا زكاة فيه، ولو تلف بعد الحول لم يسقط من
الفريضة شئ، وكذا الوقص في البقر والعوف في الغنم.
وللبقر نصابان: ثلاثون وفيه تبيع أو تبيعة دخل في الثانية، وأربعون وفيه
مسنة دخلت في الثالثة. وأوقاصها تسعة إلا ما بين أربعين إلى ستين فتسعة عشر.
وللغنم خمسة نصب على الأقوى: أربعون وفيه شاة، وقال ابنا بابويه:
يشترط إحدى وأربعون، ثم مائة وإحدى وعشرون فشاتان، ثم مائتان وواحدة
فثلاث، ثم ثلاثمائة وواحدة فأربع، ثم أربعمائة ففي كل مائة شاة، وقيل بسقوط
الاعتبار من ثلاثمائة وواحدة، وعلى الأول لا يتغير الفرض عن الرابع حتى يبلغ
خمسمائة، وعلى الثاني لا يتغير عن الثالث حتى يبلغ أربعمائة، وإنما التغير
معنوي، وتظهر الفائدة في المحل، ويتفرع عليه الضمان، وقد بيناه في شرح
الإرشاد، والشاة المأخوذة هنا وفي الإبل أقلها الجذع من الضأن لسبعة
أشهر، وقيل: ابن الهرمين لثمانية أشهر والثني من المعز بالدخول في الثانية.
فرع: لو فقدا في غنمه دفع الأقل وأتم القيمة، أو الأكثر واسترد.
ولا تؤخذ الربا إلى خمسة عشر يوما لأنها كالنفساء، ولا الماخض ولا
الأكولة والفحل، وفي عدهما قولان، والمروي المنع، ولا ذات عوار أو مريضة أو
مهزولة إلا من مثلهن، ولا الأردأ والأجود بل الأوسط، والخيار إلى المالك، وقال
الشيخ: يقرع.
ويجبر السن الناقصة في الإبل بشاتين أو عشرين درهما فتساوي تاليها،
وقيل: الجبر بشاة، ويدفع الساعي ذلك في الزائدة، ولا جبر بتضاعف الدرج،
ولا فيما زاد على الجذعة، ولا في غير الإبل، بل القيمة، وتجزئ في الجميع
264

والعين أفضل.
ويجزئ ابن اللبون عن بنت المخاض، وفرض كل نصاب أعلى عن الأدنى،
وفي إجزاء البعير عن الشاة فصاعدا لا بالقيمة وجهان، ومنع المفيد من القيمة في
الأنعام، ويجزئ شياه الإبل من غير غنم البلد، أما شياه الغنم فلا إلا أن يكون
أجود أو بالقيمة، ويجزئ الذكر والأنثى عن مثلهما ومخالفهما.
ولا يفرق بين مجتمع في الملك كما لا يجمع بين متفرق فيه، ولا عبرة
بالخلطة سواء كانت خلطة أعيان كأربعين بين شريكين أو ثمانين بينهما مشاعة،
أو خلطة أوصاف كالاتحاد في المرعى والمشرب والمراح مع تميز المالين،
ولا يجبر جنس بآخر.
درس [3]:
يشترط في زكاة النقدين الحول، والسكة وإن هجرت، فلا زكاة في
السبائك والنقار والحلي، وزكاته إعارته، والنصاب، فلا زكاة فيما دون عشرين
مثقالا من الذهب، ولا فيما دون أربعة بعده، ولا فيما دون مائتي درهم من الفضة
وأربعين بعدها، والمخرج ربع العشر عينا أو قيمة، والدرهم نصف المثقال
وخمسه وزنا، أو ثمانية وأربعون حبة شعير هي ستة دوانيق.
والمغشوش يشترط بلوع خالصه نصابا، فإن شك فيه فلا شئ، وإن علم
وشك في قدر الغش صفي إن ماكس، ثم يخرج عن المغشوشة منها أو صافية
بحسابها، ولا عبرة بالرغبة، والإخراج بالقسط، وفي المبسوط: يجزئ الأدون مع
تساوي العيار.
ويشترط في الغلات تملكها بالزراعة وانعقاد الحب وبدو الصلاح، ويكفي
انتقالها قبلهما إلى ملكه، فلا زكاة في البلح، ويجب في البسر والحصرم على
الأصح، ووقت الإخراج عند الجفاف والتصفية.
والنصاب، وهو ألفا رطل وسبعمائة رطل بالعراقي، هو ثلاثمائة صاع هي
265

خمسة أوسق، ويعتبر جافا مشمسا، فيخرج منه العشر إن سقيت سيحا أو بعلا أو
عذيا، ونصفه إن سقيت بالدوالي والغرب وما فيه مؤونة، ولو اجتمعا اعتبر الأغلب
في عيش الزرع والشجر، فإن تساويا فثلاثة أرباع العشر، ويجب في الزائد وإن
قل، كل ذلك بعد المؤونة وحصة السلطان ولو جائرا، وفي الخلاف
والمبسوط: المؤونة على المالك. ولا يتكرر فيها الزكاة بعد وإن مضى عليها
أحوال. ويضم الزروع والثمار المتباعدة في النصاب وإن اختلف في الاطلاع
والإدراك، وفيما يحمل مرتين قولان.
ويجوز الخرص، فيضمن المالك الزكاة، أو الساعي للمالك، أو تبقى أمانة،
واستقرار الضمان مشروط بالسلامة، ويصدق المالك في تلفها بظالم أو غيره
بيمينه، ويجوز التخفيف للحاجة ويسقط بالحساب.
ويجوز دفع الثمرة على الشجرة، والعنب الذي لا يصير زبيبا، والرطب
الذي لا يصير تمرا، يخرص على تقدير الجفاف، وعلى الإمام بعث خارص،
ويكفي الواحد العدل، والعدلان أفضل. والحنطة والشعير جنسان هنا. ولو
اختلف الثمار والزروع في الجودة قسط، ولو أخذ العنب عن الزبيب أو الرطب
عن التمر رجع بالنقيصة عند الجفاف. ولا يكفي الخراج عن الزكاة.
فرع: لو مات المديون قبل بدو الصلاح وزع الدين على التركة، فإن فضل
نصاب لكل وارث ففي وجوب الزكاة عليه قولان، ولو مات بعد بدو الصلاح
وجبت، ولو ضاقت التركة قدمت، وفي المبسوط: توزع.
وتجب الزكاة على عامل المزارعة والمساقاة بالشرائط خلافا لابن زهرة.
نعم لو آجر أرضا بطعام لم يزكه. وحكم ما يستحب فيه الزكاة من الغلات
حكم الواجب. ولو باع النصاب كان نصيب المستحق مراعى بالإخراج، لتعلق
الزكاة بالعين ومن ثم لم يمنعها الدين.
266

درس [4]:
تستحب زكاة التجارة، وأوجبها ابنا بابويه، وهي الاسترباح بالمال المنتقل
بعقد المعاوضة، فلا زكاة في الميراث والموهوب ولا في القنية، ولو تجدد قصد
الاكتساب كفى على الأقوى.
ويشترط فيها حول النقدين ونصاباهما، ولا بد من بقاء النصاب وسلامة
رأس المال طول الحول، ولو زاد اعتبر له حول من حين الزيادة. ولا يشترط بقاء
العين في الأصح فلو تبدلت زكيت، وفي بناء حول العروض على حول النقدين
قولان، ولا إشكال في بناء حول النقد على حول العروض ما دامت التجارة.
وتتعلق بالقيمة لا بالعين فلو باع العين صحت، ولو ارتفعت قيمتها بعد
الحول أخرج ربع عشر القيمة عند الحول، ولو نقصت بعده وقبل إمكان الأداء
فلا ضمان، وإلا ضمن النقص سواء كان لعيب أو لنقص سوق، وفي المعتبر:
الأنسب تعلقها بالعين، فعلى هذا يثبت نقيض الأحكام، ولا يمنعه الدين،
والأقرب أنه على القول بالقيمة لا يمنعها أيضا.
ولو اشترى نصابا زكويا وأسامة قدمت المالية ولو قلنا بوجوبها، ولا
يجتمعان إجماعا، فلو زرع أرض التجارة أو استثمر نخلها فعشرهما لا يغني عن
زكاة التجارة في الأصل خلافا للمبسوط، ولا يمنع انعقاد الحول على الفرع.
وعامل المضاربة يخرجها إذا بلغ نصيبه نصابا، وفي تعجيل الإخراج قبل
القسمة قولان، والجمع بين كون الربح وقاية وبين تعجيل الإخراج بتغريم
العامل قول محدث، مع أن فيه تغريرا بمال المالك لو أعسر العامل، ونتاج مال
التجارة منها، ويجبر منه نقصان الولادة.
والعبرة في التقويم بالنقد الذي اشتريت به لا بنقد البلد، فلو اشترى بدراهم
وباعها بعد الحول بدنانير قومت السلعة دراهم، ولو باعها قبل الحول قومت
الدنانير دراهم عند الحول، وقيل: لو بلغت بأحد النقدين النصاب استحبت، وهو
حسن إن كان رأس المال عرضا، ولو مضى عليه سنون ناقصا عن رأس المال
267

استحب زكاة سنة.
وتستحب في الخيل بشرط الأنوثة والسوم والحول، ففي العتيق ديناران
و في البرذون دينار، والأقرب أنه لا زكاة في المشترك حتى يكون لكل واحد
فرس، وفي اشتراط كونها غير عاملة نظر، أقربه نعم لرواية زرارة.
ولا زكاة في البغال والحمير والرقيق إلا في التجارة.
والعقار المتخذ للنماء تستحب الزكاة في حاصله، قيل: ولا يشترط فيه
النصاب ولا الحول، والمخرج ربع العشر.
ولا زكاة في الفرش والآنية والأقمشة للقنية، وروى شعيب عن الصادق
عليه السلام: كل شئ جر عليك المال فزكه وما ورثته أو اتهبته فاستقبل به، وروى
عبد الحميد عنه عليه السلام: إذا ملك مالا آخر في أثناء حول الأول زكاهما عند
حول الأول.
وفيهما دلالة على أن حول الأصل يستتبع الزائد في التجارة وغيرها، إلا
السخال، ففي رواية زرارة عنه عليه السلام: حتى يحول عليها الحول من يوم
تنتج، وروى رفاعة عنه: لا عشر في الخراجية. وفي إجزاء ما يأخذه الظالم زكاة
قولان أحوطهما الإعادة.
درس [5]:
أصناف المستحقين للزكاة ثمانية: الفقراء والمساكين، ويشملهما من لا
يملك مؤونة سنة له ولعياله، وقيل: من لا يملك نصابا ولا قيمته، والمروي أن
المسكين أسوأ حالا. ويعطي ذو الدار والخادم والدابة مع الحاجة أو اعتباره
لذلك، ويمنع من يكتفي بكسبه ولو ملك خمسين، كما لا يمنع من لا يكتفي به
ولو ملك سبعمائة درهم، وكذا ذو الصنعة والضيعة، ولو كان أصلها يقوم به دون
النماء استحق، وهل يأخذ تتمة السنة أو يسترسل الأخذ؟ قولان.
ولو اشتغل بالفقه ومحصلاته عن التكسب جاز الأخذ. ولو تعفف المستحق
268

ففي رواية هو كمن يمتنع من أداء ما يجب عليه، ويحمل على الكراهية، إلا أن
يخاف التلف فيحرم الامتناع.
والعاملون، وهم السعاة في تحصيلها جباية وكتابة وحسابا وحافظا ودلالة.
والمؤلفة قلوبهم، وهم كفار يستمالون بها إلى الجهاد، وقال ابن الجنيد: هم
المنافقون، وفي مؤلفة الإسلام قولان، أقربهما أنهم يأخذون من سهم سبيل الله.
وفي الرقاب، وهم المكاتبون والعبيد في الشدة، وفي جواز شراء العبد منها
بغير شدة، أو ليكفر به في المرتبة أو المخيرة مع العجز خلاف، ويجوز صرفها
إلى المكاتب وإلى سيده بعد حلول النجم، وقبله إذا لم يجد ما يصرفه في كتابته.
ويقبل قوله في المكاتبة إلا أن يكذبه السيد، ولو دفعه في غيرها ارتجع.
والغارمون، وهم المدينون في غير معصية ولا يتمكنون من القضاء، ولو
كان في معصية جاز من سهم الفقراء مع توبته إن شرطنا العدالة، ولو جهل الحال
فالمروي المنع.
ويجوز الدفع إلى رب الدين بغير إذن الغارم وبعد وفاته، ودين واجب
النفقة وغيره سواء إلا ما يجب قضاؤه منه، ويجوز مقاصة المستحق حيا وميتا إذا
لم يترك ما يصرف في دينه، وقيل: وإن ترك مع تلف المال، وإعطاء الغارم
لإصلاح ذات البين وإن كان غنيا.
وفي سبيل الله، وهو الجهاد سواء كان الغازي متطوعا أو مرتزقا مع قصور
الرزق، والأقرب إلحاق القرب به، كعمارة المساجد والربط ومعونة الحاج
والزائرين.
وابن السبيل، وهو المنقطع به في غير بلده وإن كان غنيا في بلده، فيأخذ ما
يبلغه بلده، ولو فضل أعاده، وقيل: منشئ السفر كذلك، وهو حسن مع فقره
إلى السفر ولا مال يبلغه، وإن كان له كفاية في الحضر، وقيل: ابن السبيل هو
الضيف إذا كان محتاجا في الحال وإن كان غنيا في بلده، رواه الشيخان.
ولو نوى المسافر إقامة عشرة خرج عن ابن السبيل عند الشيخ، ولم
269

يخرج عند ابن إدريس، ولو كان السفر معصية فلا استحقاق.
درس [6]:
يشترط فيهم إلا المؤلفة الإيمان، فلا تعطى المخالف وإن كان مستضعفا، و
لو في زكاة الفطرة على الأقرب، وتعطى أطفال المؤمنين وإن كان آباؤهم فساقا
دون أطفال غيرهم. وفي اشتراط العدالة أقوال ثالثها اشتراط مجانبة الكبائر، وفي
الساعي يعتبر إجماعا.
ولا تعطى واجب النفقة كالزوجة والولد، وفي رواية عمران القمي: يجوز
للولد، وفي رواية أخرى: يعطي ولد البنت، ويحملان على المندوبة، ولو أخذ من
غير المخاطب بالإنفاق فالأقرب جوازه، إلا الزوجة إلا مع إعسار الزوج وفقرها،
ويجوز للزوجة إعطاء زوجها، وإعطاء الزوجة المستمتع بها، وفي إعطاء الناشز
على القول بجواز إعطاء الفاسق تردد، أشبهه الجواز، أما المعقود عليها ولما تبذل
التمكين ففيها وجهان مرتبان وأولى بالمنع، ولو قلنا باستحقاقها النفقة فلا إعطاء.
ولا تعطى الهاشمي إلا من قبيله أو قصور الخمس، ويعطي التتمة لا غير على
الأقوى، ويقبل دعوى الفقر والعجز عن التكسب إلا مع علم الكذب، ولو ادعى
تلف ماله كلف البينة عند الشيخ، ودعوى الغرم ما لم يكذبه المستحق. ولا
تعطى القن ولا المدبر ولا أم الولد من المالك ولا غيره.
ويعيد المخالف ما أعطاه لفريقه إذا استبصر، ولا يعيد عبادة فعلها سوى
الزكاة.
ولو ظهر الآخذ غير مستحق أجزأت مع الاجتهاد وإلا فلا، ولو أمكن
ارتجاعها أخذت، ولو ظهر عبده لم يجزئ، بخلاف ما لو ظهر واجب النفقة
كالزوجة، وفي الزوجة مع عدم إنفاقه عليها نظر، نعم لا يرتجع منها مع التلف
ولو قلنا بعدم الإجزاء، ولو دفع زيادة عن النفقة الواجبة ارتجعت إن أمكن وإلا
أجزأت.
270

ولو صرف الغارم والغازي وابن السبيل في غير سبب استحقاقه ارتجع،
ولا حجر على الباقين، ولو فضل عن الغرم أو السفر أعاده، بخلاف ما يفضل مع
الغازي، ولا يشترط فيه ولا في العامل الفقر، ويجوز الدفع إلى واجب النفقة غازيا
ومكاتبا وعاملا وابن السبيل ما زاد على النفقة في الحضر.
ويتخير الإمام بين الأجرة للعامل والجعل المعين، فلو قصر النصيب أتم له
الإمام من بيت المال، أو من سهم آخر إذا كان موصوفا بسبب ذلك السهم.
ويجوز أن يعطي جامع الأسباب بكل سبب، وإغناء الفقير لقول الباقر
عليه السلام: إذا أعطيته فأغنه، نعم لو تعدد الدفع حرم الزائد على مؤونة السنة،
والأفضل بسطها على الأصناف، ولو خص صنفا بل واحدا بها جاز.
ويستحب التفضيل بمرجح كالعقل والفقه والهجرة في الدين وترك
السؤال وشدة الحاجة والقرابة، وإعطاء زكاة الخف والظلف المتجمل، وباقي
الزكوات المدقع، والتوصل بها إلى من يستحيي من قبولها هدية، وروى محمد
بن مسلم: إن لم يقبلها على وجه الزكاة فلا تعطه، وإذا نوى بما أخرجه من ماله
إعطاء رجل معين فالأفضل إيصاله إليه، ولو عدل به إلى غيره جاز.
ويكره جعل الزكاة وقاية للمال، بل ينبغي أن تدفع إلى من يعتاد الإهداء
إليه وبره من غيرها.
وروى الوابشي جواز شراء الأب من الزكاة، وروى عبيد بن زرارة جواز
الإعتاق مطلقا مع عدم المستحق، فإن مات ولا وارث له فلأهل الزكاة ميراثه،
لأنه اشترى بمالهم، وفيه إيماء إلى أنه لو اشترى من سهم الرقاب لم يطرد الحكم، لأنه اشترى بنصيبه لا بمال غيره فيرثه الإمام.
وروى أبو بصير جواز التوسعة بالزكاة على عياله، وروى سماعة ذلك بعد
أن يدفع منها شيئا إلى المستحق كل ذلك مع الحاجة، وروى علي بن يقطين
في من مات وعليه زكاة وولده محاويج: يدفعون إلى غيرهم منها شيئا ويعودون
بالباقي على أنفسهم.
271

وأقل ما يعطي الفقير ما يجب في النصاب الأول من النقدين، إلا مع
الاجتماع والقصور، ولو كان الوكيل في دفعها من أهل السهمان فالمروي جواز
أخذه كواحد منهم، إلا أن يعين له قوما.
ويكره إعادة الزكاة إلى ماله، ولو عادت بملك قهري كالإرث فلا بأس،
وكذا لو اضطر إليها.
درس [7]:
يجب دفع الزكاة عند وجوبها، ولا يجوز تأخيرها إلا لعذر كانتظار
المستحق وحضور المال فيضمن بالتأخير، وكذا الوكيل والوصي بالتفرقة لها أو
لغيرها من الحقوق المالية، وهل يأثم؟ الأقرب نعم، إلا أن ينتظر بها الأفضل أو
التعميم، وروي جواز تأخيرها شهرا أو شهرين، وحمل على العذر.
ولا يجوز تقديمها على وقت الوجوب، وروي جوازه بأربعة أشهر وبسبعة
أشهر وفي أول السنة، وقال الحسن: يقدم من ثلث السنة، وحمل على القرض،
فيحتسب عند الوجوب بشرط بقائه على صفة الاستحقاق. ولو استغنى بها
احتسب وأجزأت وإن لم ينتزعها منه ثم يعيدها إليه، ولو استغنى بغيرها لم يجزئ
وإن كان بنمائها أو ارتفاع قيمتها.
وللمالك ارتجاعها وإن كان باقيا على الاستحقاق، فيعطيها غيره أو يعطيه
غيرها أو يعطي غيره غيرها، ولو تم بها النصاب سقط الوجوب، خلافا للشيخ مع
بقاء العين، ولا تعاد الزيادة المنفصلة ولا المتصلة على الأقرب، بل له إعطاء القيمة
يوم القبض، وقال الشيخ: تؤخذ منه الزيادة لأنه إنما أقرضها زكاة فلا تملك،
ولو كان القرض مثليا فمثله، فإن تعذر فقيمته يوم التعذر.
ولو اقترضها غنيا أو فاسقا فصار عند الوجوب أهلا جاز الاحتساب، ولو
تسلف الساعي بإذن المستحق وهلكت فمن مال المستحق، بخلاف ما إذا كان
المالك هو الآذن فإنها من ماله، ولو أذنا قال الشيخ: تكون منهما.
272

ولو اختلفا في كونها زكاة أو قرضا تبع اللفظ، فإن اختلفا فيه حلف المالك
واستعادها، ولو قال: هذه صدقة ثم قال: أردت القرض، فالأقرب عدم السماع،
فإن ادعى علم القابض أحلفه، فإن نكل حلف المالك واستعادها.
ويجب دفع الزكاة إلى الإمام أو نائبه مع الطلب وإلا استحب، وفي الغيبة
إلى الفقيه المأمون وخصوصا الأموال الظاهرة، وأوجب المفيد والحلبي حملها إلى
الإمام فنائبه فالفقيه ابتداء. ومع الوجوب لو فرقها بنفسه فالأجود عدم الإجزاء.
ويجب على الإمام الدعاء لصاحبها عند الأخذ، وقيل: يستحب. ولا
يجوز نقلها مع وجود المستحق فيضمن، وقيل: يكره ويضمن، وقيل:
يجوز بشرط الضمان، وهو قوي، ولو عدم المستحق ونقلها لم يضمن، وأجرة
الاعتبار على المالك، ويجوز للمالك تفرقتها بنفسه ونائبه.
وتجب النية عند الدفع إلى الولي أو المستحق، مشتملة على الوجوب أو
الندب وكونها زكاة مال أو فطرة أو صدقة، ولا يشترط تعيين المال، ولا يفتقر
الساعي إلى نية أخرى عند الدفع إلى الفقراء، ولو نوى المالك بعد الدفع
فالأقرب الإجزاء مع بقاء العين أو تلفها وعلم القابض بعدم النية. ويجب على
الوكيل النية عند الدفع إلى المستحق، والأقرب وجوبها على الموكل عند الدفع
إلى الوكيل، فإن فقدت إحديهما فالأقرب إجزاء نية الوكيل، وقال الشيخ: لا
يجزئ إلا نيتاهما.
ولو لم ينو المالك عند أخذ الإمام أو الساعي أو الفقيه أجزأت إن أخذت
كرها، ويجب عليهم النية عند الدفع إلى المستحق، ولو أخذت طوعا فوجهان
أقربهما الإجزاء إذا نوى الثلاثة.
ويجب فيها الجزم، فلو قال: هذا زكاة أو خمس أو فرض أو نفل، أو إن
كان مالي الغائب باقيا فهو زكاة أو نفل، لم يجزئ، ولو قال: إن لم يكن باقيا
فنفل أجزأ، ولو دفعها عن المال الغائب فبان تالفا، فالأقرب جواز صرفه إلى غيره
مع بقاء العين أو تلفها وعلم القابض بالحال.
273

درس [8]:
إذا قبض أحد الثلاثة الزكاة من المالك برئت ذمته ولو تلفت، بخلاف ما لو
قبضها الوكيل وكان قد تقدم تفريط من المالك فتلفت في يد الوكيل، ولو عزلها
المالك إما وجوبا عند إدراك الوفاة أو ندبا، فإن لم يكن تمكن من الإخراج فلا
ضمان مع التلف، وإلا ضمن.
ولو عين المالية أو الفطرة في مال تعين مع عدم المستحق، والأقرب التعيين
مع وجوده، فليس له إبداله في الموضعين في وجه، نعم لو نما كان له. وروى
الكليني عن الباقر عليه السلام: أنه لو اتجر بها تبعها ربحها، ولو اتجر بماله ولما
يعزلها فلها بقسطها ولا وضيعة عليها. ولو كان غائبا عنه ضمن بنقله إلى بلد آخر.
ويستحب صرف الفطرة في بلده والمالية في بلدها، وصرف صدقة البوادي
على أهلها والحاضرة على أهلها، ووسم النعم في القوي الظاهر، كالفخذ في الإبل
والبقر، وأصول الآذان في الغنم، ويكتب في الميسم اسم الله وأنها زكاة أو صدقة
أو جزية. ويجب على الإمام بعث عامل إلى كل بلد، ويراعى فيه البلوغ والعقل
والإيمان والعدالة والفقه في الزكاة، وأن لا يكون هاشميا ولا عبدا على الأقوى،
ولو كان مكاتبا فالأقرب الإجزاء، ولو تولى الهاشمي العمالة على قبيله احتمل
الجواز، وكذا لو تطوع بها بغير سهم.
ولو فرقها الإمام أو الفقيه سقط سهم العامل، وكذا لو فرقها المالك بنفسه
على الأصناف، وتسقط مع الغيبة أيضا إلا مع تمكن الفقيه من نصبه، وسهم
المؤلفة إلا مع وجوب الجهاد، ولا يسقط سهم سبيل الله، ولو قصرناه على الجهاد
كان تابعا له. ويجوز الدفع إلى موالي الهاشميين، وكرهه ابن الجنيد، وإلى بني
المطلب خلافا للمفيد.
274

درس [9]:
تجب زكاة الفطرة عند هلال شوال على البالغ العاقل الحر غير المغمى عليه
المالك أحد نصب الزكاة أو قوت سنته على الأقوى، ولا تجب على الفقير خلافا
لابن الجنيد، وتجب على المكتسب قوت سنته إذا فضل عنه صاع.
ويجب إخراجها عن عياله، وجبت نفقتهم كالزوجة والعمودين والرقيق، أو
استحبت كالقريب والضيف ولو كان كافرا. ولو أبق العبد فالوجوب باق ما لم
يعلم موته أو يعله مكلف بالفطرة، ولو كانت الزوجة صغيرة أو غير ممكنة أو
ناشزا أو مستمتعا بها فلا وجوب على الزوج خلافا لابن إدريس، ولو أعسر
الزوج فالأقرب الوجوب عليها مع يسارها، ولو أيسر الصغير فلا زكاة إلا أن
يعوله الأب تبرعا، وأوجبها الشيخ على الأب.
وتجب فطرة خادم الزوجة والولد والأب مع الزمانة، ولو غصب العبد
وعاله الغاصب وجبت عليه، وإلا فعلى المالك، إلا أن تجعل الزكاة تابعة
للعيلولة، ولو تبعضت الحرية وجبت بالنسبة، وللشيخ قول بعدم الوجوب
عليهما، وتجب عن المكاتب المشروط خلافا لابن البراج، لا عن المطلق إلا مع
العيلولة، وفي مرفوعة محمد بن يحيى تجب عن المكاتب وما أغلق عليه بابه.
فروع خمسة:
الأول: لو مات المولى قبل الهلال وعليه دين مستوعب فلا زكاة في رقيقه
عند الشيخ، بناء على أن التركة لم تنتقل إلى الوارث.
الثاني: لو أوصي له بعبد وقبل بعد الهلال، وجبت زكاته على القابل إذا
كانت الوفاة قبل الهلال، وفي المبسوط: لا زكاة على أحد.
الثالث: لو وهب له عبدا فقبله وتأخر القبض عن الهلال بني على ملك
الموهوب، والمشهور أنه بالقبض، ولو مات المتهب بعد القبول وقبل القبض،
فعلى اشتراط القبض تبطل الهبة، وعلى عدمه يقبض الوارث.
الرابع: فطرة العبد في خيار الثلاثة على المشتري، وفي الخلاف: على البائع
275

لأنه لو تلف كان منه.
الخامس: فطرة المشترك على ملاكه بالنسبة، وقيل: لا فطرة فيه.
ويستحب للفقير إخراجها ولو بصاع، يديره على عياله بنية الفطرة من كل
واحد، ثم يتصدق به على غيرهم. ولو ملك عبدا أو ولد له أو تزوج بعد الهلال
استحبت إلى صلاة العيد، والمراد بالهلال دخول شوال.
ويكفي في الضيف أن يكون عنده في آخر جزء من رمضان متصلا بشوال،
سمعناه مذاكرة، والأقرب أنه لا بد من الإفطار عنده في شهر رمضان ولو ليلة،
وقيل: عشره الأخير أو نصفه بل كله.
ووقتها يمتد إلى زوال الشمس يوم الفطر. ولا يقدم على شوال، والمشهور
جوازها من أول شهر رمضان، والأولى جعلها قرضا واحتسابها في الوقت، وقال
المرتضى والمفيد: وقتها طلوع الفجر من يوم الفطر إلى قبل صلاة العيد، واختاره
الشاميون الثلاثة، والإجماع على أن إخراجها يوم الفطر قبل الصلاة أفضل. ولو
خرج وقتها فالأقرب وجوب قضائها سواء عزلها أو لا، وقال ابن إدريس: تكون
أداء. والواجب صاع وزنه ألف درهم ومائة وسبعون درهما شرعية من القوت
الغالب، وأكثر الأصحاب حصروه في السبعة: التمر والزبيب والحنطة والشعير
والأرز والأقط واللبن، والأقرب أنه للفضيلة، وأفضله التمر ثم الزبيب ثم القوت
الغالب، وفي الخلاف: المستحب القوت الغالب، وقال سلار: أعلاها قيمة.
وتجزئ القيمة بسعر الوقت، وروي درهم في الغلاء والرخص، وروي ثلثاه في
الرخص.
فروع:
الدقيق والسويق والخبز ليست أصولا، وكذا الرطب والعنب، وفيها نظر،
وقال ابن إدريس: الخبز أصل.
الثاني: لا يجزئ المعيب ولا غير المصفى إلا بالقيمة.
276

الثالث: لو أخرج نصف صاع أعلى قيمة يساوي صاعا أدنى ففي إجزائه
تردد، وقطع بالإجزاء في المختلف.
الرابع: لو أخرج صاعا من جنسين أو أجناس فالأقرب المنع، سواء كان عن
عبد مشترك بين اثنين مختلفي القوت أو لا.
ومصرفها المالية، ويستحب اختصاص القرابة والجيران مع الصفات، وأن
لا يعطي المستحق أقل من صاع مع الإمكان.
277

كتاب الخمس
وهو حق يثبت في الغنائم لبني هاشم بالأصالة عوضا من الزكاة، ويجب في
سبعة:
الأول: ما غنم من دار الحرب على الإطلاق، إلا ما غنم بغير إذن الإمام فله، أو
سرق أو أخذ غيلة فلآخذه، وما يملك من أموال البغاة غنيمة، وكذا فداء
المشركين وما صولحوا عليه، وألحق ابن الجنيد الجزية وعشور أهل الحرب.
الثاني: جميع المكاسب من تجارة وصناعة وزراعة وغرس، بعد مؤونة السنة
له ولعياله الواجبي النفقة والضيف وشبهه، ولو عال مستحب النفقة اعتبر مؤونته،
ولو أسرف حسب عليه، ولو قتر حسب له. ورخص ابن الجنيد في ترك خمس
المكاسب، وأضاف الحلبي الميراث والهبة والهدية والصدقة، ومنعه ابن إدريس،
وهو ظاهر ابن الجنيد، وأضاف الشيخ العسل الجبلي والمن، وأضاف الفاضلان
الصمغ وشبهه.
ولا يتوقف الوجوب على الحول خلافا لابن إدريس، نعم يجوز تأخيره
احتياطا للمكلف، ولا يعتبر الحول في كل تكسب، بل يبتدئ الحول من حين
الشروع في التكسب بأنواعه، فإذا تم خمس ما فضل، ولو ملك قبل الحول ما
يزيد على المؤونة دفعة أو دفعات تخير في التعجيل والتأخير. ومؤونة الحج لا
خمس فيها، نعم لو اجتمعت من فضلات أو لم يصادف سير الرفقة الحول وجب
278

الخمس، والأقرب أن الحول هنا تام فلا يجزئ الطعن في الثاني عشر.
والمؤونة مأخوذة من تلاد المال في وجه، ومن طارفه في وجه، ومنهما
بالنسبة في وجه، ولا يجبر ما تلف من التلاد بالطارف، ويجبر خسران التجارة
والصناعة والزراعة بالربح في الحول الواحد، والدين المقدم أو المقارن للحول
مع الحاجة إليه من المؤونة. ولو وهب المال في أثناء الحول أو اشترى بغبن حيلة
لم يسقط ما وجب.
الثالث: الحلال المختلط بالحرام ولا يعلم صاحبه ولا قدره، ولم يذكره
جماعة من الأصحاب، ولو علم صاحبه صالحه، ولو علم قدره تصدق به، ولو
كان الخليط مما يجب فيه الخمس ففي تعدده نظر، ولو علم زيادته على الخمس
خمسه وتصدق بالزائد في ظنه.
الرابع: أرض الذمي إذا اشتراها من مسلم وإن لم يكن في أصلها الخمس، إما
من رقبتها أو من ارتفاعها. والنية هنا غير معتبرة من الذمي، وفي وجوبها على
الإمام أو الحاكم نظر، أقربه الوجوب عنهما لا عنه عند الأخذ والدفع. وهذه
الأربعة لا نصاب لها، بل يجب فيها وإن قلت، ويظهر من المفيد في الغرية اعتبار
عشرين دينارا في الغنيمة.
الخامس: الكنز والركاز إذا وجد في دار الحرب مطلقا أو في دار الإسلام ولا
أثر له، ولو كان عليه أثر الإسلام فلقطة، خلافا للخلاف. ولو وجده في ملك
مبتاع عرفه البائع ومن قبله، فإن لم يعرفه فلقطة أو ركاز بحسب أثر الإسلام
وعدمه، والظاهر أن مجرد قول المعرف كاف بلا بينة ولا يمين ولا وصف، نعم
لو تداعياه كان لذي السيد بيمينه، ولو كان مستأجرا فقولان للشيخ.
ولا فرق في الركاز بين أصناف الأموال، ولا بين الواجدين حتى العبد
والكافر والصبي، ولا يسقط الخمس بكتمانه، ونصابه عشرون دينارا عينا أو قيمة
بعد المؤونة، ولا يعتبر فيه نصاب ثان ولا حول.
السادس: المعادن على اختلاف أنواعها حتى المغرة والجص والنورة وطين
279

الغسل والعلاج وحجارة الرحى والملح والكبريت، ونصابه عشرون دينارا في
صحيح البزنطي عن الرضا عليه السلام، واعتبر الحلبي دينارا لرواية قاصرة،
والأكثر لم يعتبروا نصابا، وكل ذلك بعد مؤونة الإخراج والتصفية.
ولا فرق بين أن يكون الإخراج دفعة أو دفعات كالكنز وإن تعددت بقاعها
وأنواعها، ولا بين كون المخرج مسلما أو كافرا بإذن الإمام أو صبيا أو عبدا، ولو
اتجر بالمعدن أو الكنز خمس ربحهما بعد المؤونة.
السابع: كل ما أخرج بالغوص إذا بلغ قيمته دينارا دفعة أو دفعات أعرض
أو لا، وكذا العنبر المأخوذ بالغوص، فلو بغير غوص فالأقرب أنه معدن. وصيد
البحر يلحق بالمكاسب على الأصح، وفي قول: لا خمس فيه، وفي وجه من
الغوص، وألحق ابن الجنيد النفل من الغنائم، وقال الشيخ: لا خمس فيه.
درس [1]:
مستحق الخمس الإمام عليه السلام واليتامى والمساكين وأبناء السبيل من
الهاشميين بالأب، فهو بينه وبينهم نصفين، وفي رواية ربعي: له خمس الخمس
والباقي لهم، وفي أخرى: له الثلث، وظاهر ابن الجنيد أن سهم الله يليه الإمام،
وسهم الرسول صلى الله عليه وآله للأقرب إليه، وسهم ذوي القربى لهم، ونصف
الخمس للثلاثة الباقية من المسلمين بعد كفاية أولي القربى ومواليهم المعتقين، وهو
شاذ، وأعطى المرتضى المنسوب بأمه، والمفيد وابن الجنيد بني المطلب.
ويعتبر في الأصناف الإيمان لا العدالة على الأقوى، وفي المسكين وابن
السبيل ما مر، وفي اعتبار فقر اليتيم نظر، ولم يعتبره الشيخ وابن إدريس، وكذا
في اعتبار تعميم الأصناف، وأما الأشخاص فيعم الحاضر.
ولا يجوز النقل إلى بلد آخر إلا مع عدم المستحق كالزكاة، ومع وجود
الإمام يصرف الكل إليه، فيعطي الجميع كفايتهم والفاضل له والمعوز عليه،
وأنكره ابن إدريس.
280

وفي غيبته قيل: يدفن أو يسقط أو يصرف إلى الذرية وفقراء الإمامية مستحبا
أو يوصي به، والأقرب صرف نصيب الأصناف عليهم، والتخيير في نصيب الإمام
بين الدفن والإيصاء وصلة الأصناف مع الإعواز بإذن نائب الغيبة، وهو الفقيه
العدل الإمامي الجامع لشرائط الفتوى، فيجب بسطه عليهم ما استطاع بحسب
حاجتهم وغرمهم ومهور نسائهم، فإن فضل عن الموجودين في بلده فله حمله إلى
بلد آخر، وفي وجوبه نظر، والأقرب أن له الحمل مع وجود المستحق لطلب
المساواة بين المستحقين، وهم أولاد أبي طالب والعباس والحارث وأبي لهب.
وينبغي توفير الطالبيين على غيرهم، وولد فاطمة عليه السلام على الباقين،
ولا يتجاوز بالإعطاء مؤونة السنة وقضاء الدين، ويجوز المقاصة بالخمس للحي
والميت على الأقوى، لأن جهة الغرم أقوى من جهة المسكنة والتكفين به.
ومصرف المختلط بالحرام والمعدن والركاز مصرف الباقي لا مصرف الزكاة.
والأنفال للإمام عليه السلام، وهي الأرض التي باد أهلها أو انجلوا عنها أو
سلموها بغير قتال، ومنها البحرين في رواية محمد بن مسلم، والمفاوز، وموات
الأرض، ورؤوس الجبال، وبطون الأودية وما يكون بها، والآجام، وصفايا
ملوك الكفر وقطائعهم غير المغصوبة من مسلم أو مسالم، وصفايا الغنائم كالأمة
الرائقة، والفرس الجواد، والثوب الفاخر، والسيف القاطع، والدرع، وميراث
الحشري وإن كان كافرا، وغنيمة من غزا بغير إذنه في رواية العباس المرسلة عن
الصادق عليه السلام. ولا يجوز التصرف في حقه بغير إذنه.
وفي الغيبة تحل المناكح كالأمة المسبية ولا يجب إخراج خمسها، وليس
من باب التحليل، بل تمليك للحصة أو للجميع من الإمام عليه السلام. والأقرب
أن مهور النساء من المباح وإن تعددن لرواية سالم، ما لم يؤد إلى الإسراف
كإكثار التزويج والتفريق. وتحل المساكن إما من المختص بالإمام كالتي انجلى
عنها الكفار، أو من الأرباح بمعنى أنه يستثني من الأرباح مسكن فما زاد مع
الحاجة.
281

وأما المتاجر فعند ابن الجنيد على العموم لرواية يونس بن يعقوب، وعند ابن
إدريس أن يشتري متعلق الخمس ممن لا يخمس، فلا يجب عليه إخراج الخمس،
إلا أن يتجر فيه ويربح.
والأشبه تعميم إباحة الأنفال حال الغيبة كالتصرف في الأرضين الموات و
الآجام وما يكون بها من معدن وشجر ونبات، لفحوى رواية يونس والحارث،
نعم لا يباح الميراث إلا لفقراء بلد الميت. وأما المعادن فالأشهر أن الناس فيها
شرع، وجعلها المفيد وسلار من الأنفال وكذا البحار.
282

البيان
للشهيد السعيد محمد بن جمال الدين مكي العاملي
" الشهيد الأول "
734 - 786 ه‍. ق
283

كتاب الزكاة
وهي مصدر زكا إذا نما، فإن إخراجها يستجلب بركة في المال وتنمية
وللنفس فضيلة الكرم، أو من زكى بمعنى طهر فإنها تطهر المال من الخبث
والنفس من البخل.
وشرعا: قدر معين يثبت في المال أو في الذمة للطهارة والنماء.
ووجوبها بالكتاب والسنة والإجماع، ويكفر مستحل تركها إلا أن يدعي
الشبهة المحتملة، ويقاتل مانعها لا مستحلا حتى يدفعها، ولا تباح أمواله ولا ذريته
ولا يؤخذ منه زيادة على الواجب، وقول الصادق عليه السلام: من منع قيراطا من
الزكاة فليس بمؤمن ولا مسلم محمول على المستحل أو على نفي كمال الإيمان
والإسلام بناء على إطلاقهما على الأعمال.
وثوابها عظيم، قال النبي صلى الله عليه وآله: من أدى ما افترض الله
عليه فهو أسخى الناس، وقال الصادق عليه السلام: إن أحب الناس إلى الله
أسخاهم كفا وأسخى الناس من أدى زكاة ماله، وقال الكاظم عليه السلام: من
أخرج زكاة ماله تاما فوضعها في موضعها لم يسأل من أين اكتسب ماله.
وعقاب تركها عظيم، وروى أبو ذر رحمه الله عن النبي صلى الله عليه وآله:
ما من رجل له إبل أو غنم أو بقر لا يؤدي حقها إلا أتى بها يوم القيامة أعظم ما
يكون وأسمنها تطؤه بإخفافها وتنطحه بقرونها كلما جازت عليه أخريها ردت عليه
285

أوليها حتى يقضي بين الناس.
وقال الصادق عليه السلام: ما من ذي مال ذهب أو فضة يمنع زكاة ماله إلا
أحبسه الله يوم القيامة بقاع قرقر - أي أملس - وسلط عليه شجاعا أقرع يريده
وهو يحيد عنه فإذا رأى أنه لا يتخلص منه أمكنه من يده فيقضمها كما يقضم
الفجل ثم يصير طوقا في عنقه، وما من ذي مال إبل أو بقر أو غنم يمنع زكاة ماله
إلا حبسه الله تعالى يوم القيامة بقاع قرقر تطؤه كل ذات ظلف وتنهشه كل ذات
ناب، وما من ذي نخل أو كرم أو زرع منع زكاته إلا طوقه الله عز وجل ريعة
أرضه إلى سبع أرضين.
ثم الزكاة قسمان: زكاة المال وزكاة الفطرة.
القسم الأول: زكاة المال:
وهو يعتمد على أربعة أركان:
الركن الأول: في من تجب عليه:
وهو البالغ العاقل الحر المالك، فلا زكاة على الطفل والمجنون في النقدين
إجماعا ولا في الغلات والمواشي على الأصح، نعم يستحب فيهما، وفي نقديه إذا
اتجر الولي أو مأذونه للطفل خلافا لظاهر كلام أبي إدريس في نفي الاستحباب في
الموضعين، وقال المفيد: يجب إخراج زكاة التجارة من مالهما، ويريد به الندب
لأنه يقول باستحباب زكاة التجارة.
ولو اتجر الولي لنفسه ضامنا للمال مليا ملك الربح خلافا لابن إدريس، و
لو لم يكن مليا واشترى بالعين فكالشراء لليتيم، وقال الفاضلان: لا زكاة هنا، وكذا
لو كان أجنبيا وأجازه الولي، ولو اشتريا في الذمة ضمن المال، وفي تملك
المبتاع تردد.
فرع: لو كان المال لحمل ففي إلحاقه بالمنفصل وجهان أقربهما أنه مراعى
286

بالانفصال حيا، ولو انفصل ميتا كان المال لمن عداه، فإن كان موليا عليه من
المتصرف نفذ ولا ينظر إلى خصوصية قصد اليتيم، وإن كان غير مولى عليه وقف
على إجازته.
وله تتبع العقود بالنقض والإبقاء بيعا وشراء، والفرق بين الطفل والمجنون
في تعلق الزكاة بماله دون المجنون مدخول.
ولا يجب على العبد إما لفقد الملك أو لفقد إمكان التصرف ولو صرفه
المولى لتزلزله والزكاة على المولى، وعلى القول بملك العبد فالأقرب انتفاؤها
عنهما لنفي ملك المولى ولنفي تصرف العبد، وقدرة المولى على الانتزاع لا تؤثر
في الوجوب عليه إذ لا يلزم من القدرة الملك بالفعل، ونقل الشيخ وجوبها على
العبد، ولا فرق بين المكاتب والمدبر والمستولدة، وتجب على المبعض إذا ملك
بنصيب الحرية.
ولا تجب الزكاة على غير المالك، ولو أقرضها وشرطها على المقرض
فالأشبه فساد الشرط، ولو وهبه ولما يقبض بنى على القول بانتقال الملك والأشهر
أنه بالتقبض، ولو أوصي له لم تجز في الحول حتى يقبل بعد الوفاة ولا يشترط
القبض، ولو التقط نصابا جرى في الحول بعد التملك الشرعي، ولو جعل
النصاب صدقة أو أضحية بالنذر خرج عن الملك سواء قارن النذر الجعل أو نذر
مطلقا ثم عين شاة عن الأضحية.
ولا بد من كون المالك معينا فلا زكاة في مال بيت المال، ومن كون
الملك تاما ونقصه بالمنع من التصرف.
والموانع ثلاثة:
أحدها: الشرع كالوقف، ولو نتج زكى النتاج إلا أن يشترط الواقف
دخوله، قاله الشيخ، ومنذور الصدقة به سواء كان النذر مطلقا أو مشروطا على
قول، أما لو نذر الصدقة بمال في الذمة لم يكن مانعا من وجوب الزكاة في ماله
وإن كان بصفات المنذور والرهن إلا مع قدرته على فكه على الأقرب، وإن كان
287

ببيعه وهدي السياق بعد عقد إحرامه به أو وجوب سوقه.
ومال المفلس بعد الحجر عليه والدين وإن كان على موسر ما لم يعينه
ويمكنه منه في وقته على الأقوى، وأوجبها الشيخان إذا كان على موسر، والظاهر
أنه أراد به النقد إذ الحيوان في الذمة لا يعقل فيه السوم، والمبيع والثمن المعين
قبل القبض في كل موضع لا يجب تسليمه، كما إذا باع ولم يتقابضا فإن للبائع
حبس المبيع وللمشتري حبس الثمن حتى يسلما معا، فإذا افتقر التسليم إلى زمان
لم يجز في الحول قبله، وما زاد على ذلك الزمان ليس مانعا شرعيا.
وصاحب خيار التأخير غير مانع فيه ولا بعده، فيجب على المشتري مع
تمكنه من دفع الثمن وإلا فلا، وهل يجري تمكنه من بيع المبيع بالثمن مجرى
تمكنه من دفع الثمن؟ يحتمل ذلك.
ولو اشترى بخيار للبائع أو لهما فالأقرب جريانه في الحول بالعقد، سواء
كان أصليا كخيار الحيوان أو لا.
والغنيمة إلا بعد القسمة وقبض القائم أو وكيله، ولا يكفي تعيين الإمام، نعم
لو عين له قابضا عنه تم الملك، ولو قلنا لا تملك الغنيمة بالاستيلاء فهو من باب
عدم الملك.
المانع الثاني: القهر، فلا يجب في المغصوب، والمسروق، والمبيع في يد من
يمنعه ظلما، والمجحود مع عدم إمكان استنقاذه، فلو أمكن وجب ولو صانعه
ببعضه وجب في المقبوض، وفي إجراء إمكان المصانعة مجرى التمكن نظر،
وكذا الاستعانة بظالم أما الاستعانة بالعادل فيمكن.
ولو حبس عن ماله من غير إثبات اليد عليه وجبت الزكاة لنفوذ تصرفه فيه،
نعم لو كانت سائمة لا راعي لها ولا حافظ احتمل السقوط لاشتراطهم في الغائب
كونه في يد الوكيل.
288

المانع الثالث: الغيبة، فلا زكاة في الموروث حتى يصل إليه أو إلى وكيله،
ولا في الضال والمدفون مع جهل موضعه، والساقط في البحر حتى يعود، والنفقة
المرصدة للعيال مع غيبة المالك وإن فضل منها النصاب إذا لم يعلم زيادتها عن
قدر الحاجة.
وتجب عند حضوره، وابن إدريس لم يفرق بل اعتبر التمكن من التصرف
وعدمه في الوجوب.
وسقوطه ولو مضى على الغائب سنتان فصاعدا ثم عاد زكاة لسنة استحبابا.
وهنا أمور ظن أنها مانعة وليست كذلك وهي سبعة:
الأول: الكفر: وليس مانعا فتجب وإن لم تصح منه، نعم هو شرط في الضمان
فلو تلف النصاب حال كفره فلا ضمان عليه وإن كان بتفريطه، ويستأنف الحول
لو أسلم منذ إسلامه، ولو ارتد المسلم انقطع الحول إن كان عن فطرة وإلا فلا.
والحجر عليه غير مانع لقدرته على إزالته، ولو كان المرتد امرأة لم ينقطع
الحول مطلقا، ولو التحق المرتد بدار الحرب انقطع على قول المبسوط، وأنكره
الفاضل.
وتؤخذ الزكاة في حال الردة وينوي الساعي عند قبضها وإعطائها
المستحق، ولو عاد إلى الإسلام كان المأخوذ مجزئا بخلاف ما لو أداها بنفسه ما
لم تكن العين باقية أو يكن القابض عالما بردته فإنه يستأنف النية ويجزئ.
الثاني: الدين: وليس مانعا، ولو انحصر الإيفاء فيه ما لم يحجر عليه للفلس،
ولا فرق بين كون الدين من جنس ما تجب فيه الزكاة كالنقد أو لا، ولا بين كون
المال الذي مع المديون من جنس الدين أو لا.
فروع:
الأول: لو ملك مائتي درهم وعليه مثلها فعلى قول الشيخ يمكن أن تجب
289

الزكاة عليهما ولا شئ لعدم اتحاد المحل، وفي رواية منصور بن حازم: إن أدى
المقرض الزكاة فلا زكاة على المقترض وإلا أداها المقترض، وفيها دلالة على
عدم الجمع بين الزكاتين.
الثاني: لو ملك أربعين شاة وعليه مثلها فالزكاة هنا على المديون خاصة
لعدم تصور السوم في الدين.
الثالث: لو مات المديون قبل الوفاء وبعد تعلق الزكاة وضاق المال فالأقرب
تقديم الزكاة لسبق تعلقها، ولقوله صلى الله عليه وآله: فدين الله أحق بالقضاء،
نعم لو عدمت أعيان متعلق الزكاة وصارت في الذمة وزعت التركة مع القصور.
الرابع: لو وجب عليه الحج لم يكن مانعا من وجوب الزكاة لأن المال غير
مقصود في الحج، ولو قصد فغايته أنه دين فهو غير مانع، ولو استطاع بالنصاب
فتم الحول قبل سير القافلة وجبت الزكاة، فلو خرج بدفعها عن الاستطاعة سقط
وجوب الحج في عامه، وهل يكون تعلق الزكاة كاشفا عن عدم وجود الاستطاعة أو تنقطع
الاستطاعة حين تعلق الزكاة إشكال، وتظهر الفائدة في
استقرار الحج فعلى الأول لا تستقر وعلى الثاني يمكن استقراره إذا كان قادرا على
صرف النصاب في جهازه لأنه بالإهمال جرى مجرى المتلف ماله بعد
الاستطاعة.
الخامس: لو مات المديون وخلف ثمرة وعليه دين مستوعب فبدا صلاحها
قبل الإيفاء، فالدين غير مانع إن قلنا بملك الوارث، وإن جعلناه على حكم مال
الميت فلا زكاة، وعلى تقدير وجوب الزكاة على الوارث فالأقرب أنه يغرم العشر
للديان لسبق حقهم، نعم لو زادت الثمرة عن وقت الانتقال إليهم فلهم الزيادة
ويتقاصان، ويحتمل عدم غرم الوارث لأن الوجوب قهري فهو كنقص السوق،
والنفقة على التركة، ولو قلنا بالتغريم ووجد الوارث ما لا يخرجه عن الواجب ففي
تعيينه للإخراج وجهان أحدهما " نعم " لأنه لا فائدة في الإخراج ثم الغرم،
والثاني " لا " لتعلق الزكاة بالعين فاستحق أربابها حصة منها.
290

الثالث: تزلزل الملك: فلا يمنع خيار البائع من انعقاد النصاب كما سلف
وأولى منه تطرق الانفساخ والاقتسام إلى العين المستأجرة، فلو قبض مائة دينار
أجرة سنتين وجب عليه عند كل حول زكاة جميع ما في يده، وأولى منهما
وجوب الزكاة على الزوجة في المهر المعين، فلو طلق قبل الدخول بعد الحول
وجبت الزكاة عليها، فإن طلق بعد الإخراج أخذ نصف الباقي ونصف قيمة
المخرج ولا ينحصر حقه في الباقي على الأقوى، وإن طلق قبل الإخراج احتمل
أن لها الإخراج من العين وتضمن للزوج، ولو اقتسما قبل الإخراج فالأقوى
صحة القسمة وتضمن للساعي، فلو أفلست فله الرجوع على الزوج ثم هو يرجع
عليها، ولو طلق قبل تمكنها من الإخراج لم يسقط زكاة ما أخذه الزوج لرجوع
عوضه إليها وهو البضع، بخلاف ما إذا تلف بعض النصاب قبل التمكن من
الإخراج.
الرابع: السفه: وهو غير مانع وإن استمر، ويتولى الإخراج الحاكم، ويجب
على السفيه النية عند أخذ الحاكم.
الخامس: المرض: ولا يقطع الحول وإن حجر عليه في غير الثلث.
السادس: اشتراط كون زكاة المال على غير صاحبه غير مانعة من الوجوب
على مالكه، وله صورتان:
إحديهما: اشتراط المستقرض الزكاة على المقرض، وجوزه الشيخ فأسقط
الزكاة عن المستقرض للرواية، وحملت على تبرع المقرض بالإخراج ويشكل
لعدم اعتبار النية من غير المالك أو وكيله.
الثانية: لو باع شيئا وقبض ثمنه واشترط على المشتري زكاة ذلك المال
سنة أو سنتين لم يؤثر ذلك الشرط خلافا لعلي بن بابويه للرواية.
291

السابع: عدم إمكان الأداء: وهو غير مانع من الوجوب وإن منع من الضمان،
فلو حال الحول وهو غير متمكن من الأداء وجب الإخراج إذا تجدد التمكن فلو
تلف المال قبله فلا ضمان، ولو تلف البعض سقط من الواجب بنسبته، ولا تسقط
الزكاة بموته سواء كان قد تمكن من الأداء أم لا.
الركن الثاني: في المحل:
وفيه مقصدان:
الأول: فيما تجب فيه:
وهو تسعة: الأنعام الثلاثة: الإبل والبقر والغنم، والغلات الأربع: الحنطة
والشعير والتمر والزبيب، والنقدان: الذهب والفضة.
وأوجب الشيخ الزكاة في العلس - بفتح العين واللام - بناء على أنه حنطة
وجعل نصابه عشرة أوسق قبل أن يلقى عنه الكمام بالدق أو الطحن، وخمسة
أوسق بعد أحدهما لأن حبتين منه في كمام ويزعم أهله أنه بعد دقه يبقى على
النصف.
وأوجبها أيضا في السلت - بضم السين وسكون اللام - بناء على أنه شعير،
ونفاهما الفاضلان لمغايرة الاسم، والأقوى الأول لنص أهل اللغة.
وأوجب ابن بابويه زكاة التجارة، وابن الجنيد زكاة ما يدخله الفقير من
الحبوب في أرض العشر، وكذا في الزيتون والزيت منها، وكذا في العسل منها،
وهما نادران.
فرع: على قوله رحمه الله الظاهر أنه يتخير بين إخراج الزكاة من الزيتون أو
من الزيت وكسبه وليس الكسب كالتين لأن الزكاة تجب في الحب وهنا في
الزيتون، ويحتمل الاجتزاء بزكاة الزيت لأنه المقصود من الزيتون.
إما الشمع فالظاهر وجوب الإخراج منه ويحتمل عدمه لعدم التسمية.
292

فهنا فصول أربعة:
الفصل الأول في زكاة الأنعام
وفيه ثلاثة مباحث:
البحث الأول: في زكاة الإبل:
ويشترط فيها خمسة:
أولها: الحول، وهو مضي أحد عشر شهرا فإذا أهل الثاني عشر وجبت الزكاة
وتحتسب من الحول الأول.
وثانيها: أن تكون سائمة طول الحول، ولا عبرة بالعلف لحظة، وفي المبسوط
والخلاف: يعتبر الأغلب من السوم والعلف، فإن تساويا قال في المبسوط:
الأحوط إخراج الزكاة وإن كان عدم الوجوب قويا، وقال ابن إدريس و
الفاضلان: يقدح في الوجوب ما يسمى علفا، والأول أقوى وهو خيرة ابن الجنيد
لصدق اسم السوم على ذلك عرفا، أما لو تساويا فالوجه السقوط للأصل السالم
عن معارضة العرف.
وثالثها: أن يكون غير عوامل للنص الصحيح عن الباقر والصادق
عليه السلام، والكلام في اعتبار الأغلب كالكلام في السوم.
فروع أربعة:
الأول: لو غطى الثلج المرعى فعلفها المالك روعي الأغلب سواء كان يقصد
ردها إلى السوم أو لا، وكذا لو منع من خروجها مانع.
الثاني: لو علفها غير المالك بغير إذنه من مال الغير ما يعتد به فالأقرب
خروجها عن اسم السوم، ويحتمل العدم نظرا إلى المعنى إذ لا مؤونة على المالك
فيه، ولو علفها من مال المالك بغير إذنه فكذلك لوجوب الضمان عليه.
الثالث: لو صانع رب الماشية ظالما على المرعى بعوض لم يخرج عن
السوم، ولا يكون ذلك العوض مؤونة ولا يخرج من النصاب كما لا يخرج
293

أجرة الراعي والإصطبل، ولو اشترى مرعى في موضع الجواز فإن كان مما
يستنبته الناس كالزروع فعلف وإن كان غيره فعندي فيه تردد نظرا إلى الاسم
والمعنى.
الرابع: لا يثني حول الأمهات على حول السخال عندنا، وهل يشترط في
ابتدائه سوم السخال؟ اعتبره الفاضلان، ورواية زرارة عن أحدهما عليه السلام
مصرحة بأن مبدأه النتاج وعليها ابن الجنيد والشيخ رحمه الله، وهو الأقرب إذا
كان اللبن الذي تشربه عن السائمة.
ورابعها: بقاء عين النصاب طول الحول، فلو بدله في أثنائه استأنف سواء
كان فرارا من الزكاة أم لا، وقال المرتضى رحمه الله، يجب مع الفرار إجماعا في
جميع ما تجب فيه الزكاة، وكذا لو سبك النقدين والأول أجود، ومن هذا لو
كان معه نصاب ففرقه في أجناس مختلفة، وقال الشيخ في الخلاف: تلزمه
الزكاة إذا فعله فرارا على أشهر الروايات، قال: وقد روي أن ما أدخله على نفسه
أكثر.
وخامسها: بلوع النصاب، ونصب الإبل اثني عشر، خمسة كل واحد خمس
وفيه شاة، أما جذع من الضأن عمره سبعة أشهر أو ثني من المعز دخل في السنة
الثانية، وفي إجزاء ما يجزئ في باقي النصب من بنت المخاض فما فوقها هنا مع
نقص قيمته عن الشاة نظر أقربه المنع.
فإذا بلغت ستا وعشرين صارت كلها نصابا وفيه بنت مخاض دخلت في
الثانية فأمها ماخض، ويجزئ عنها ابن اللبون لو فقدت، ويتخير لو لم يكونا عنده
في شراء أيهما شاء في الوجه تعينها مع الإمكان فإن تعذرت فابن اللبون لمفهوم
رواية عن أحدهما عليه السلام، وقال ابن الجنيد وابن أبي عقيل: تجب بنت
المخاض في خمس وعشرين لرواية جماعة عنهما عليه السلام: وهي معارضة
بأشهر منها ومحمولة على التقية.
فإذا بلغت ستا وثلاثين ففيها بنت لبون دخلت في الثالثة وأمها ذات لبن.
294

ثم في ست وأربعين حقة دخلت في الرابعة فاستحقت الركوب وطروق
الفحل، وهو معنى قول ابن أبي عقيل وابن الجنيد: أنها تكون طروقة الفحل.
ثم في إحدى وستين جذعة دخلت في الخامسة.
ثم في ست وسبعين بنت اللبون.
ثم في إحدى وتسعين حقتان، وقال ابنا بابويه: في إحدى وثمانين ثني وهو
نادر.
فإذا بلغت مائة وإحدى وعشرين استقر الوجوب أبدا على وجوب حقة في
خمسين وبنت لبون في الأربعين، وللسيد المرتضى رحمه الله قول شاذ بأنه لا
يتغير الفرض عن إحدى وتسعين إلا ببلوغ مائة وثلاثين.
فرع:
في انبساط الوجوب على الواحدة نظر من أن الوجوب في الأربعين يمنع
هذا البسط، ولا يبعد أن يكون الواحدة شرطا في تعين الواجب وإن لم يتعلق بها
كما أن الأخوين يحجبان عن الإرث وإن لم يرثا، وهو ظاهر الروايات، ومن
اعتبارها أن في الوجوب، وقول بعضهم تجب فيها ثلاث بنات لبون، وتظهر
الفائدة لو تلفت بعد الحول بغير تفريط أو تلف أكثر منها.
مسائل:
كلما لا يتعلق به الوجوب يسمى شنقا، ولو تلف شئ من الفريضة تعتبر ما
بين النصاب لم يتقسط عليه الوجوب ويسمى محل الواجب فريضة ولو تلف شئ
من الفريضة بغير تفريط قسط، فلو هلك من ست وعشرين خمسة سقط خمسة
أجزاء من ستة وعشرين جزء من بنت مخاض وهكذا.
الثانية: تجزئ شاة من غير غنم البلد وإن كانت أدون، وقال في المبسوط:
يؤخذ من نوع البلد لا من نوع آخر، فالمكية بخلاف العربية والنبطية والشامية
295

والعراقية، ويجزئ الذكر والأنثى عن الإبل الذكور والإناث.
الثالثة: يجوز إخراج القيمة عن الواجب ومنعه ابن الجنيد في ظاهر كلامه،
والمفيد هنا وفي باقي الأنعام، والمعتبر قيمة السوق حين الإخراج.
الرابعة: يجوز لمن لم يجد الفرض إخراج الأعلى بسن والأدون منه ويأخذ
من المستحق الشاتين أو عشرين درهما لو دفع الأعلى، ويدفع إليه ذلك لو دفع
الأدنى سواء زاد عن القيمة السوقية أو نقص، والخيار في الأعلى والأدنى والشاتين
والدراهم إلى المالك، وجعل علي بن بابويه الجبر بشاة بين بنت اللبون وبنت
المخاض، ولو زاد العلو بما فوق درجة فالقيمة السوقية، وطرد الشيخ في ظاهر
كلامه وأبو الصلاح الجبر الشرعي في الجميع وأجمعوا على انتفائه فيما زاد على
الجذع وفي أسنان غير الإبل.
الخامسة: لو أمكن في فريضة بنات اللبون والحقاق تخير المالك، وفي
الخلاف يتخير الساعي، ولا يجب إخراج الأغبط للفقراء ولا التقسيط، ولا يجزئ
ذكر إلا بالقيمة إلا في ابن اللبون عن بنت المخاض.
السادسة: لا تجزئ المريضة عن الصحاح وتجزئ عن مثلها وكذا المعيبة،
ولو تبعض النصاب وزع، ولو أريد الجبر في المريضة روعي الأغبط للفقراء، فلو
خرج من عنده ست وثلاثون مراضا حقة مريضة مجبورة من الفقراء لم يجز إلا
مع حفظ القيمة، ولو أخرج بنت مخاض وجبرها صح وأجزأت، ولا يجزئ
الجبر بشاة وعشرة دراهم في الصحاح ولا المراض، ولا الجبر بشاة مريضة وإن
كانت الفريضة مراضا إلا أن تكون القيمة السوقية محفوظة فإن الإجزاء محتمل،
ولو كان الواجب شاة والفريضة مريضة أجزأت شاة مريضة، والظاهر اشتراط
اتحاد نوع المرض.
السابعة: يجوز إخراج الأعلى عن الأدنى وإن نقص في السوق أما الثني فما
فوقه من الرباع والسدس والبازل فمعتبر بالقيمة، ولو أخرج عن ابن اللبون حقا
أو جذعا أجزأ.
296

الثامنة: لو كان عنده ألف من الإبل فله التخيرات المحتملة وإخراج الحقاق
أفضل، ولو فقد الصنفان جاز له إخراج الجذعات وبنات المخاض مع الجبر،
ولو وجد بعض الواجب أخرجه وجبر غيره وليس له جبر مهما أمكن الواجب،
فلو وجد عشر حقاق وعشر بنات لبون أخرج الحقاق عن خمسمائة وعشر بنات
لبون عن أربع مائة، ثم يتخير بين إخراج قيمة حقتين وبين شرائهما وبين جذعتين
ويأخذ الجبر، وبين بنتي المخاض ويعطي الجبران قلنا باطراده، وليس له إخراج
بنتي لبون ونصف إلا بالقيمة عن الحقتين سواء أجبرهما أم لا، ولا إخراج عشر
بنات اللبون مجبورات عن عشر حقاق.
التاسعة: البخاتي والعراب واللوك يضم بعضها إلى بعض، وفي الإخراج
إن تطوع بالأرغب وإلا فالأقرب التقسيط فيؤخذ واحدة منها بثلث قيمة المجموع،
ومال الفاضل إلى التخيير لشمول الاسم.
العاشرة: لو حال الحول على النصاب وهو دون بنت مخاض في السن أخرج
منه وحينئذ ربما تساوى المخرج في الست والعشرين إلى الإحدى والستين،
ويحتمل وجوب السن الواجبة من غيره.
الحادي عشر: لو كانت السن الواجبة حاملا فإن تطوع المالك بإخراجها وإلا
أخرج غيرها وكانت كالمفقودة، ولو تعددت السن في إبله تخير في دفع أيها
شاء، وقيل: يقرع وهو على الندب، ولو طرقها الفحل فهي كالحامل لتجويز
الحمل.
الثانية عشرة: لا تؤخذ الأكولة وهي السمينة المعدة للأكل، ولا فحل الضراب
وفي عده قولان أقربهما المنع إلا أن تكون كلها فحولا أو معظمها فتعد، وكذا لو
تساوت الفحول والإناث، ولو كانت كلها حوامل أجزأت حامل، وفي وجوبه
عندي نظر وقطع به الفاضل.
297

البحث الثاني: في زكاة البقر:
وشرائطها شرائط زكاة الإبل الخمسة، ونصابها: ثلاثون وفيه تبيع أو تبيعة،
وهو ما دخل في الثانية لتبعية قرنه أذنه أو لتبعية أمه في المرعى.
وأربعون وفيه مسنة وهي ما دخلت في الثالثة، ولا يجزئ المسن إلا بالقيمة،
نعم يجزئ عن التبيع أما ما فوق المسنة فيعتبر بالقيمة، وما نقص عن النصاب
وقص، وكذا ما بين النصابين وهو تسعة دائما إلا ما بين أربعين إلى ستين فإنه
تسعة عشر.
ويتخير في نحو مائة وعشرين بين الأتبعة والمسان، ويتضاعف التخيير
بتضاعف العدد، وتضم الجاموس إلى البقر إجماعا وكذا سوسي البقر إلى نبطية،
فلو كان عنده ثلاثون من كل عشرة وتبيع الجاموس يساوي عشرين وتبيع
السوسي يساوي خمسة عشر وتبيع النبطي يساوي عشرة أخرج تبيعا من أيها
شاء يساوي خمسة عشر عند الشيخ، ويحتمل أن يجب في كل صنف ثلاث
تبيع منه أو قيمته، ورد بأن عدول الشرع في الناقص عن ست وعشرين من الإبل
إلى غير العين إنما هو لئلا يؤدي الإخراج من العين إلى التشقيص وهو هنا
حاصل، نعم لو لم يؤد إلى التشقيص كان حسنا كما لو كان عنده من كل نوع
نصاب.
ولا زكاة في بقر الوحش حملا للفظ على حقيقته، ولا عبرة بتأنسها، ولو تولد
بين زكوي وغيره روعي فيه الاسم لا للأم، وفي المبسوط: المتولد بين الظباء
والغنم إن كانت الأمهات ظباء فلا زكاة فيه إجماعا وإن كانت الأمهات غنما
فالأولى الوجوب لتناول اسم الغنم له، وإن قلنا لا تجب لعدم الدليل كان قويا،
فالأول أحوط.
البحث الثالث: في زكاة الغنم:
وشرائطها الخمسة السالفة، ونصبها: أربعون وفيه شاة، ثم مائة وإحدى
298

وعشرون وفيه شاتان، ثم مائتان وواحدة وفيه ثلاث شياه، ثم ثلاثمائة وواحدة
وفيه قولان مشهوران مرويان أظهرهما أن فيه أربع شياه، ثم أربعمائة فيستقر
الوجوب على شاة في كل مائة، وعلى القولين يلزم تساوي المأخوذ في الأقل
والأكثر، فعلى المشهور يتساوى ثلاثمائة وواحدة وأربع مائة، وعلى القول بسقوط
الاعتبار من ثلاثمائة وواحدة فإنه يجب فيه ثلاث شياه فيتساوى هو ومائتان
وواحدة، ولكن المحل متغاير والضمان تابع.
ومن النوادر قول ابن بابويه: أنه لا تجب في الغنم الزكاة حتى تبلغ إحدى
وأربعين.
والضأن والمعز جنس، وفي الإخراج يراعى ما سلف، وابن الجنيد حكم
للأغلب هنا وفيما سلف.
ولا تؤخذ المريضة إلا من المراض، ولا ذات العوار إلا من مثلها، ولا الهرمة
كذلك، ولا الربا وهي الوالد إلى خمسة عشر يوما وقيل: خمسين يوما، ولا
الأكولة ولا فحل الضراب وفي عده القولان وعده ابن إدريس.
وما نقص عن النصاب أو كان بين النصابين فعفو.
ولا زكاة في الضباء إجماعا، ولا يشترط الأنوثة في الأنعام خلافا لسلار،
وتمسكه بنحو سائمة الغنم الزكاة وفي خمس من الإبل شاة ضعيف لأن التأنيث
باعتبار التأويل في الإبل بالنفس أو بالدابة، وفي الغنم باعتبار الشاة التي تطلق
على الذكر.
فرع: لو ملك أربعين بعض الحول ثم ملك ما لم يكمل به النصاب فلا
شئ فيه، ولو ملك أربعين فصاعدا ففيه أوجه:
أحدها ابتداء حوله مطلقا.
والثاني ابتداؤه إذا كمل النصاب الثاني.
والثالث عدم ابتدائه مطلقا بل حتى يكمل حول الأول، وكذا الكلام في
299

باقي الأنعام.
تتمة: لا عبرة بتفرق الماشية في المكان مع اجتماعها في ملك واحد، كما لا
عبرة باجتماعها مع تعدد المالك فلا أثر للخلطة عندنا سواء كانت خلطة أعيان
كما لو اشتركا في ثمانين من الغنم فإنه يجب عليها شاتان ولو اشتركا في أربعين
فلا شئ، أو خلطة أوصاف كما إذا اجتمعت الماشيتان لمكلفين بالزكاة في
المسرح والمراح والمشرع والفحل والحالب والمحلب فإنه لا ضم.
الفصل الثاني: في زكاة الغلات الأربع:
وفيه بحثان:
الأول: في شروطها:
وهي ثلاثة:
التملك بالزراعة فلا زكاة فيما ملك بغيرها كالإرث والعقد إلا أن يكون
قبل بدو صلاحه فتجب.
الثاني: بلوع النصاب وهي خمسة أوسق كل وسق ستون صاعا كل صاع
أربعة أمداد، كل مد رطلان وربع بالعراقي، كل رطل أحد وتسعون مثقالا
وروي تسعون مثقالا واختاره الفاضل، وشذ قول البزنطي أن المد رطل وربع،
ولو نقص عن النصاب قليلا سقط.
والاعتبار بالوزن ويحتمل أن يكفي الكيل ولو نقص عن الوزن كما في
الحنطة الخفيفة والشعير وهما جنسان هنا، ولو اختلفت الموازين فبلغ في بعضها
وتعذر التحقيق فالأقرب الوجوب، ولو تعذر الاعتبار فإن علم النصاب وجب وإلا
فلا ولكن يستحب على قول.
الثالث: إخراج المؤن كلها من المبتدأ إلى المنتهى ومنها البذر وحصة
السلطان والعامل، وفي الخلاف: كل المؤن على المالك، ونقل في الخلاف فيه
300

الإجماع إلا من عطاء.
ويجب على العامل كالمالك بخلاف مؤجر الأرض فإنه لا زكاة عليه وإن
كان مال الإجارة غلة، وسوى ابن زهرة رحمه الله بين الأمرين فأسقط الزكاة عن
العامل أيضا إن كان البذر من مالك الأرض وإلا فعلى العامل.
ولا زكاة على مالك الأرض لأن الحصة كالأجرة، قلنا لو سلم لكن قد
ملك قبل بدو الصلاح فيجب عليه كباقي الصور حتى لو آجر الأرض بزرع قبل
بدو صلاحه زكاه فإن منع تملك غير صاحب البذر إلا بالانعقاد في الغلة وبدو
الصلاح في الثمرة فهو بعيد، ولو سلم فالعلة حينئذ تأخير ملكه لا كونه أجرة.
فروع:
يخرج المشتري ثمن الثمرة كالمؤن أما ثمن الأصل فلا، ولو اشتراهما وزع
الثمن، ولو أصدقها ثمرة قبل بدو الصلاح أخرج قدر مهر مثلها، ولو وهب الثمرة
فلا مؤونة والخلع كالصداق وعندي في الكل تردد.
الثاني: قال في المبسوط: لو اشتراها قبل بدو الصلاح بشرط القطع فاتفقا
على التبقية زكاها، ولو طالب أحدهما بالقطع وأهمل قيدا الصلاح فلا زكاة
على أحدهما، وفي المختلف أوجبها على المشتري، والأقرب أن المشتري إن طلب
القطع فمنعه البائع أو كان قد شرط قطعه على البائع فتركه وجبت الزكاة على
المشتري، فإن طلب البائع القطع الواجب على المشتري أو أهمل في الجانبين
ففيه تردد من عدم التمكن من التصرف التام.
الثالث: لو باعها المالك على من لا يخاطب بالإخراج كالصبي والذمي ثم
اشتراها بعد بدو الصلاح، فإن كان لا فرارا فلا زكاة، وإن كان فر فعلى
الخلاف، وأطلق في المبسوط عدم وجوبها.
الرابع: المؤن اللاحقة للسقي الموجب لنقص الواجب كغيرها في اعتبار
الإخراج، ولعل النقص مستندا إلى مشقة المالك، ويشكل بتصريحهم أن نصف
301

العشر لأجل المؤونة فيكون فيه تقوية لقول الشيخ بوجوب المؤن على المالك
كما مر، أما على القول بوجوبها وسطا فالإشكال ثابت، فيحتمل أن يسقط مؤونة
السقي لأجل نصف العشر ويعتبر ما عداها إلا أنا لا نعلم به قائلا.
الخامس: لو كان له زروع متعددة فالمؤن مخرجة من الجميع وإن تفاوتت
في الحاصل ولو أيف بعض الزروع أو لم ينبت أو أيف بعضه ففي إسقاط مؤونته
عندي تردد.
السادس: لو اشترى بذرا فالأقرب أن المخرج أكثر الأمرين من الثمن والبذر،
ويحتمل إخراج القدر خاصة لأنه مثلي، أما لو ارتفعت قيمة ما بذره أو انخفضت
ولم يكن قد عاوض عليه فإن المثلي معتبر قطعا، ولو كان البذر معيبا فالظاهر أن
المخرج بقدره صحيحا.
السابع: لا يحتسب على المالك ما ينبت في خلل الزرع من الزوان وغيره
وإن كان له قيمة وكذلك التبن.
الثامن: لا يمنع الدين زكاة الغلات ولا غيرها واجبة كانت أو مندوبة مالية
كانت أو فطرية، نعم لو مات بعد بدو صلاحها هو عليه دين وقصرت تركته، قال
في المبسوط: يوزع على الدين والزكاة نظرا إلى اتحاد متعلقهما الآن، وقال
الفاضلان: تقدم الزكاة لسبق التعلق، وهو حسن إن قلنا بتعلق الزكاة بالمال
تعلق التركة، وإن قلنا كتعلق الرهن أو الجناية في العبد فالأول أحسن.
ولو مات قبل بدو الصلاح سواء كان بعد الظهور أو لا فلا زكاة على
الوارث عند الشيخ إذا كان الدين مستوعبا حال الموت بناء على أن التركة على
حكم مال الميت سواء فضل له نصاب أم لا، ولو قلنا يملك الوارث وجبت إن
فضل نصاب عن الدين، ويحتمل عندي الوجوب في متعلق الدين على هذا القول
لحصول السبب والشرط، أعني إمكان التصرف، وتعلق الدين هنا أضعف من
تعلق الرهن.
302

البحث الثاني: في المخرج:
وهو العشر فيما سقي سيحا أو بعلا أو عذيا، ونصف العشر فيما سقي
بالنواضح والدوالي وشبههما، ولو اجتمعا حكم للأغلب أما في عدد السقي وأما
في مدة العيش فإن تساوى العدد والزمان أخذ منه ثلاث أرباع العشر، ولو تقابل
العدد والزمان فإشكال كما لو سقي بالنضح مرة واحدة في أربعة أشهر وبالسيح
ثلاثا في ثلاثة أشهر فإن اعتبر العدد فالعشر وإلا فنصفه ويحتمل اعتبار الأنفع
بحسب ظن الجزاء، ولا ينظر إلى العدد والزمان فعلى هذا لو استويا في النفع
والتقسيط، ولو أشكل الأغلب فالأقرب أنه كالاستواء، ويحتمل العشر ترجيحا
للاحتياط ونصفه ترجيحا للأصل ولا يلتفت إلى سقيه يقطع بأنه لا يقع لها أو
بأنها ضارة.
ولا يعتبر النصاب بعد الأول بل يخرج من الزائد وإن قل، ويضم الزروع
والثمار المتلاحقة بعضها إلى بعض سواء اتفقت في الإدراك والاطلاع أو
اختلفت فيهما أو في أحدهما، ولو كان له تهامية أو نجدية فجذت التهامية ثم
أطلعت النجدية ضمت إلى التهامية، فلو أطلعت التهامية ثانيا قال في المبسوط: لا
يضم هذا الطلع إلى إحديهما لأنه في حكم سنة أخرى، وضمه الفاضلان.
ووقت تعلق الزكاة عند انعقاد الحب والثمرة، ويشترط الاشتداد في الحب
وبدو الصلاح في الثمرة بأن يصير حصرما أو بسرا أحمر أو أصفر، وقال ابن
الجنيد والمحقق: يشترط التسمية عنبا أو تمرا.
ووقت الإخراج في الغلة إذا صفيت وفي الثمرة إذا احترقت وشمست، وما لا
يبلغ من العنب زبيبا ومن الرطب تمرا يقدر فيه البلوغ ليعلم النصاب ثم يخرج
منه قدر الواجب، أما من العين كما هي وأما منها مقدرة زبيبا وتمرا أو قيمة
أحدهما، ولو اتخذ من العنب طلاء ومن التمر صقرا وأخرج من ذينك أجزأ إلا أن
ينقص عن قيمتي الزبيب والتمر، ولو دفع الواجب على رؤوس الأشجار أجزأ
وليس له التصرف إلا بعد ضمان ما يتصرف فيه أو الخرص فيضمن أو يضمن له
303

الساعي، ولو تركها أمانة جاز بخرص وغيره.
ويجوز قطع بعض الثمرة قبل البدو لمصلحة، ويكره لا لها وإن قر به ولا
زكاة في الموضعين على الأقرب، ولا يكره قطع طلع الفحل مطلقا، ويكفي
الخارص الواحد العدل لاقتصار النبي صلى الله عليه وآله على إنفاذ عبد الله بن
رواحة إلى خيبر للخرص، وقال في المبسوط: والاثنان أحوط استظهارا.
واستقرار الوجوب مشروط بالسلامة، فلو أيفت الثمرة من السماء أو من
الأرض ولو من ظالم فلا ضمان وإن كان بعد التضمين ما لم يفرط، ولو اقتضت
المصلحة التخفيف من الثمرة بعد البدو سقط بالنسبة، ويقدم قول المالك في
القدر الواجب وفي النقص المحتمل وفي الإخراج من غير يمين، وكذا في باقي
أجناس الزكاة، وفي كيفية السقي، وأوجب في المبسوط عليه اليمين في السقي.
ولا تكرر الزكاة في الغلة إلا إذا تكرر الزرع، ولا يجزئ العنب ولا الرطب
عن الزبيب والتمر، فلو أخذه الساعي وجب رده فإن تلف ضمنه، فإن جف
فنقص طالب وإن زاد طولب، ولو باع المالك الثمرة بعد البدو بطل في نصيب
المستحق إلا مع تقدم الضمان، ولو جذها بسرا أو رطبا أخرج عشره أو عشر ما
يصير إليه تمرا، ولو جذها بلحا فكذلك عند الشيخ وفيه بعد لعدم تعلق
الوجوب حينئذ.
ولو اختلفت أصناف الغلة في الجودة فالأجود التقسيط إلا أن يتطوع
بالأجود، وينبغي للخارص التخفيف بقدر ما جرت العادة بهلاكه من الثمرة كما
تأكله المارة والهامة.
ولا يمين على المالك لو ادعى التلف بسبب خفي أو ظاهر ولا تهمة ولو اتهم
قال الشيخ: يحلف، ولو ادعى غلط الخارص قبل في المحتمل دون غيره، ولو
ادعى تعمد الكذب لم يقبل.
ولو زاد عن الخرص فالزيادة للمالك عند ابن الجنيد ويستحب بذلها، ولو
نقص فلا شئ عليه، ولو خرص المالك بنفسه جاز إذا كان عارفا.
304

فروع:
لا تسقط الزكاة في الأرض الخراجية بأخذ الخراج بل يجتمعان والخراج من
المؤن، وروى رفاعة بن موسى عن الصادق عليه السلام، وسهل بن اليسع عن
الكاظم عليه السلام سقوط العشر بالخراج، ويتصور هذا الخراج في موضعين:
في المفتوحة عنوة، وفي أرض صالح الإمام أهلها الكفار على أن يكون للمسلمين
وعلى رقابهم الجزية، ثم يرد الأرض عليهم مخرجة ثم يسلمون، فإنه يبقى الخراج،
ولا تسقط الزكاة بخلاف ما لو ضرب على أرضهم المملوكة خراجا وأسلموا فإنه
يسقط، والفرق بأن الأول أجرة والثاني جزية.
الثاني: تجب الزكاة في غلة الأرض الموقوفة سواء كان الوقف خاصا أو
عاما أم للمساجد والرباط إذا آجرها الناظر، أما لو زرعها الناظر ببذر من مال
المسجد مثلا فلا زكاة لعدم تعين المالك، وكذا تجب في غلة الضيعة المغصوبة
وإن وجب إخراج الأجرة ويشكل بعدم كمال التصرف.
الثالث: قال الشيخ: إذا أراد القسمة - يعني الساعي - بدأ بالمالك فأعطاه
تسعة أو تسعة عشر وللمساكين الباقي لأن حق المساكين إنما يظهر بحق المالك
فهو تابع فيه، وهذا يتم إذا لم يكن قد اعتبر المجموع: أما إذا اعتبر وعرف قدر
نصيب المساكين فإنه يقتصر على إخراجه.
الرابع: الأقرب جريان الخرص في الزرع واستتاره بالسنبل لا يمنع ظن
الخبير، ونفاه الفاضلان في المعتبر والتحرير، وبه قال ابن الجنيد قال: ويدع
الخارص من التمر والعنب ما يأكله أهله والمارة رطبا وعنبا، وقال: وقت الخرص
الزمان الذي يصح فيه البيع.
الخامس: لو تضررت الأصول ببقاء الثمرة إلى الاختراف فالأقرب قطع
الثمرة وإن تضرر المساكين لأنهم ينتفعون ببقاء الأصول فيما يأتي، فحينئذ يخرج
عشر ذلك أو قيمته وإن كان قد سبق منه ضمان.
السادس: لو أخذ الظالم العشر أو نصفه باسم الزكاة ففي الاجتزاء بها روايتان
305

والأقرب عدمه وحينئذ يزكي الباقي وإن نقص عن النصاب بالمخرج.
السابع: لا تتكرر الزكاة في الغلات وإن بقيت أحوالا، وقول الحسن البصري
بوجوب العشر في كل حول ملحوق بالإجماع.
الفصل الثالث: في زكاة النقدين:
ويختص بهما شروط ثلاثة:
أن يكونا مضروبين دراهم أو دنانير بسكة المعاملة ولو زال التعامل بها، فلا
زكاة في السبائك وإن تعامل بها، ولا في التبر وهو غير المضروب من الذهب
والفضة ولا في الحلي محرما كان كالذهب للرجال وحلية المرأة لهم أو محللا،
ولو فر بذلك ففيه القولان والأقرب السقوط، ولو كان الفرار بعد الحول لم
يسقط، فلو سبك المائتين حليا فصارت قيمته إلى ثلاثمائة وقلنا بالوجوب مع
الفرار قال الشيخ: يتخير بين إخراج ربع العشر وقت البيع وبين إخراج خمسة
دراهم قيمتها سبعة ونصف وبين إخراج قيمتها ذهبا وليس له أن يدفع مكان
الخمسة سبعة دراهم ونصفا لأنه ربا ويشكل بأنه ليس معاوضة.
وإخراج القيمة جائز عندنا ولأن الشيخ يحكم بأنه لو أتلفها متلف فعليه
قيمتها وقيمة الصنعة والزيادة لمكان الصنعة مع أنه معاوضة فهنا أولى.
ولو ضرب من النقدين وجبت ويخرج بالحساب، فإن علمه وإلا توصل إليه
بالسبك أو ميزان الماء إن أفاد اليقين أو الاحتياط، ولو ضرب من أحدهما
وغيرهما اشترط بلوع الخالص نصابا.
ثم إن علم النصاب أخرج عن جملة المغشوشة منها بحسابه أو عن الخالص
منها فإن علم الغش وإلا توصل إليه بالميزان أو السبك إن لم يحفظ، ولو جهل
قدر النصاب فلا شئ عملا بالأصل.
ولو اتفق العيار واختلفت القيمة للرغبة كالرضوية والراضية في الجودة
وغيرهما دونهما جمعا في النصاب وتوزعا في الإخراج إلا أن يتطوع بالأرغب،
306

وقال الشيخ: التوزيع على الأفضل فلو أخرج من أيها شاء كان أجزأ لقوله عليه السلام
: في كل مائتين خمسة، ولم يفرق.
الشرط الثاني: حؤول الحول المعتبر في الأنعام، ولا بد أن يكون عينها باقية
فيه من أوله إلى آخره، فلو بدلها بغيرها من جنسها أو غير ذلك فلا زكاة وإن
قصد الفرار، وكذا لو نقص عن النصاب في أثناء الحول.
الشرط الثالث: بلوع النصاب، ولكل منهما نصابان وعفوان.
فنصاب الذهب الأول عشرون دينارا على الأظهر، وقال علي بن بابويه:
أربعون دينارا، وهما مرويان غير أن الأول أكثر.
والثاني أربعة دنانير، وقال رحمه الله: إنه أربعون دينارا أيضا وهو في تلك
الرواية المتضمنة للنصاب الأول.
ونصاب الفضة الأول مائتا درهم، ونصابها الثاني أربعون درهما.
فالعفو فيهما ما نقص عن النصب ولو حبة سواء أثر النقصان في الرواج أم
لا، كما لو كان المتعاملون يسمحون بأخذ المائتين ناقصة حبة أو حبتين لعدم
القدر المعلق عليه.
والمعتبر في الدينار بزنة المثقال، وهو لم يختلف في الإسلام ولا قبله، وفي
الدرهم ما استقر عليه في زمن بني أمية بإشارة زين العابدين عليه السلام بضم
الدرهم البغلي إلى الطبري وقسمتها نصفين، فصار الدرهم ستة دوانيق كل عشرة
سبعة مثاقيل ولا عبرة بالعدد في ذلك.
والواجب ربع العشر، فيؤخذ من العشرين نصف دينار، ومن الأربعة
قيراطان، ومن المائتين خمسة دراهم، ومن الأربعين درهم، ولو ملك في أثناء
الحول مالا آخر اعتبر له حول بانفراده وفيه ما مر، ولكن الوجوب هنا أقوى
لعدم الحكم باتحاد النصاب هنا بخلاف الأنعام فإن المجموع يصير نصابا
307

واحدا.
الفصل الرابع: في اللواحق:
وفيه مسائل:
الأولى: روى محمد بن مسلم عن الصادق عليه السلام وسأله ما أقل ما تجب
فيه الزكاة؟ قال: خمسة أوسق ويترك معافارة وأم جعرور ولا يزكيان وإن
كثرتا، وهما ضربان من أردأ التمر، وقال الأصمعي: الجعرور ضرب من الدقل
تحمل شيئا صغارا لا خير فيه، وروي أن النبي صلى الله عليه وآله نهى عن لونين
من التمر الجعرور والوجبيق، وهو أيضا دقل، والمراد أنهما لا يؤخذان في الزكاة،
ويحتمل تفسير الترك في الخبر الأول بذلك أيضا وإن كان ظاهره تركهما بغير
زكاة لعدم الانتفاع بهما منفعة التمر.
الثانية: لا تسقط الزكاة بموت المالك بعد الحول، ويجب إخراجها وإن لم
يوص بها من أصل المال، ولو مات في أثناء الحول استأنف الوارث الحول.
الثالثة: لا يضم جنس إلى غيره ليكمل النصاب سواء كان حيوانا أو نقدا،
كمن عنده أربع من الإبل وثمان من الغنم أو عشرون من البقر وثلث نصاب من
الغنم أو عشرة دنانير ومائة درهم.
الرابعة: لو باع النصاب قبل الحول سقطت الزكاة سواء باعه بجنسه أو
بغيره زكوي أو غيره، فلو وجد المشتري به عيبا فرده أو وجد البائع بالثمن
المعين فرده استؤنف الحول من حين الرد، فلو رده بعد الحول صح إن كان قد
ضمن الزكاة، ويحتمل المنع لأن تعلق الزكاة به شركة فهو عيب، ولو لم يضمن
لم يصح الرد قطعا، ولو تبين فساد البيع فلا زكاة على المشتري، وهل تجب
على البائع؟ الأقرب المنع إلا مع علمه بالفساد وقدرته على الاسترجاع.
الخامسة: لو أخرج في الزكاة منفعة بدلا من العين كسكنى الدار فالأقوى
الصحة وتسليمها بتسليم العين، ويحتمل المنع لأنها تحصل تدريجا، ولو آجر
308

الفقير نفسه أو عقاره ثم احتسب مال الإجارة جاز وإن كان معرضا للفسخ.
السادسة: وجوب الزكاة في العين، ونقل ابن حمزة عن بعض الأصحاب
وجوبها في الذمة، والفائدة في تكررها بتكرر الحول، وفي سقوطها بتلف النصاب
بغير تفريط بعد الحول، ولو كان عنده أزيد من نصاب وتكرر الحول تكررت
حتى ينقص عن النصاب ومتى تعدى أو فرط تعلقت في الذمة بمعنى عدم سقوطها
بتلف النصاب لا في تأثيره في التكرر بحسب الحول في النصاب الواحد.
السابعة: في كيفية تعلقها بالعين وجهان: أحدهما أنه بطريق الاستحقاق
فالفقير شريك، وثانيها أنه استيثاق فيحتمل أنه كالرهن، ويحتمل أنه كتعلق أرش
الجناية بالعبد، وتضعف الشركة بالإجماع على جواز أدائها من مال آخر، وهو
مرجح للتعلق بالذمة، وعورض الإجماع على تتبع الساعي العين ولو باعها
المكلف، فلو تمحض التعلق بالذمة امتنع، ويحتمل أن يفرد تعلق الزكاة في
نصب الإبل الخمسة بالذمة لأن الواجب شاة ليست من جنس المال ويجاب بأن
الواجب في عين المال قيمة شاة.
الثامنة: إذا باع المالك النصاب بعد الوجوب نفذ في قدر نصيبه قولا واحدا
وفي قدر الفرض يبني على ما سلف، فعلى الشركة يبطل البيع فيه ويتخير
المشتري الجاهل لتبعض الصفقة، فلو أخرج البائع من غيره ففي نفوذ البيع فيه
إشكال من حيث أنه كإجازة الساعي، ومن أن قضية الإجازة تملك المجيز الثمن،
وهنا ليس كذلك إذ قد يكون المخرج من غير جنس الثمن ومخالف له في
القدر، وعلى القول بالذمة يصح البيع فيه قطعا، فإن أدى المالك لزم وإلا
فللساعي تتبع العين فيتجدد البطلان ويتخير المشتري، وعلى الرهن يبطل البيع
إلا أن يتقدم الضمان أو يخرج من غيره، وعلى الجناية يكون البيع التزاما بالزكاة
فإن أداها نفذ وإن امتنع تتبع الساعي العين، وحيث قلنا بالتتبع لو أخرج البائع
الزكاة فالأقرب لزوم البيع من جهة المشتري، ويحتمل عدمه إما لاستصحاب
خياره وإما لاحتمال استحقاق المدفوع فيعود مطالبة الساعي.
309

المقصد الثاني: فيما يستحب فيه الزكاة:
وفيه فصلان:
الأول: في مال التجارة:
وهو المملوك بعقد معاوضة للتكسب عند التملك.
فلا يكفي النية المجردة من دون الشراء لعدم مسمى التجارة بغير تصرف،
كما لا يكفي نية السوم من دون الإسامة، وقال في المعتبر: وهو قول بعض
العامة، يكفي لأن التربص والانتظار تجارة، ولأن نية القنية تقطع التجارة فكذا
العكس.
ولا الملك بغير عقد كالإرث وأرش الجناية والاحتطاب والاحتشاش
والاصطياد وإن قصد التجارة، ولا بعقد غير معاوضة كالهبة والصدقة والوقف،
ولا يملك من توابع المعاوضة كما لو رجع إليه المبيع بالخيار فنوى باسترجاعه
التجارة لأنه لا يعد معاوضة، أما لو تقابض التاجران ثم ترادا بالعيب وشبهه فإن
المتاعين جاريين في التجارة كتعلقها بالمالية لا بالعين.
ولو اشترى عرضا للتجارة بعوض قنية فرد عليه عرض القنية بالعيب
انقطعت التجارة لأن النية كانت في العقد وقد استرد، ولو باع عرض تجارة
بعرض للقنية ثم رد عليه عرضه فكذلك لانقطاع التجارة بنية القنية في بدله
الذي يجري مجراه في المالية التي هي معتبرة في التجارة.
وهل يعتبر في المعاوضة أن تكون محضة ليخرج الصداق والمختلع به
والصلح عن دم العمد إذا نوى به التجارة نظر من أنه اكتساب بعوض ومن عدم
عد مثلها عوضا عرفا، أما الصلح على الأعيان فكاف سواء قلنا بفرعيته أم
بأصالته.
ولو استأجر دارا بنية التجارة أو آجر أمتعة التجارة فهي تجارة، ونتاج مال
التجارة منها على الأقرب لأنه جزء منها، ووجه العدم أنه ليس باسترباح فلو
نقصت الأم ففي جبرها به نظر من حيث أنه كمال آخر ومن حيث تولده منها.
310

ويمكن القول بأن الجبر متفرع على احتسابه من مال التجارة، فإن قلنا به
جبر وإلا فلا، وثمار نخل التجارة كالنتاج ولا يمنع وجوب العشر فيها من انعقاد
حول الأصل ولا حولها، وفي المبسوط: يمنع لأن المقصود من النخل والأرض
الثمرة فهي كالتابعة لها وقد زكيت بالعشر الواقع عن الثمرة والشجرة ومغرسها
قلنا لا نسلم التبعية لوجوب العشر على من ملك الثمرة مجردة عن الأصل
والمغرس ولئن سلمنا ذلك فجهتا الزكاتين متغايرتان فلا شئ.
ولا بد من مقارنة النية للانتقال، فلو تأخرت عنه ففيه ما سلف ولو نوى القنية
في الابتداء سقطت زكاة التجارة، ولو نواها في الأثناء انقطع حولها وحيث علمت
ماهية التجارة، فلنشرع في مباحثها وهي ثلاثة:
البحث الأول: في النصاب:
ويعتبر في تعلق الزكاة وجوده طول الحول، فلو نقص بانخفاض الأسعار
في آن منه انقطع، ولا يكفي وجوده في الابتداء والانتهاء، وكذا يعتبر وجود
رأس المال طول الحول، فلو طلب بنقيصة في أثنائه سقطت، فلو عاد النصاب
ورأس المال استؤنف الحول من حين العود.
والعبرة بالقيمة لا بالعين فيقوم بما اشترى به لو اشتراه بعرض، اعتبر قيمة
العرض بالنقد الغالب، فإن تساوى النقدان وبلغ بأحدهما زكي، وإن بلغ بكل
واحد منهما قوم بما شاء، ولا يجب التقويم بالأنفع للمستحق.
ولو اشترى بالنقدين قسط وقوم بالنسبة كما لو اشترى بمائتي درهم
وعشرين دينارا وكان قيمة العشرين أربعمائة فيقوم ثلثاه بالذهب وثلثه بالفضة.
ولو اشترى مائتي قفيز حنطة بمائتي درهم فتم الحول وهي على ذلك أخرج
منها خمسة دراهم أو خمسة أقفزة، فإن صارت تساوي ثلاثمائة درهم بعد الحول
فليس عليه شئ سوى خمسة دراهم أو حنطة بقيمتها لأن الزيادة لم يحل عليها
الحول، ولو قلنا يتعلق بالعين كما أومأ إليه في المعتبر وتبعه في التذكرة أخرج
311

خمسة أقفزة أو سبعة دراهم ونصف، ولو ساوت بعد الحول مائة درهم لعيب أو
نقص في السوق ولم يكن فرط زكى الباقي وإن فرط ضمن خمسة لا غير، وإن
زاد ثمن الحنطة فيما بعد، وكذا لو تلفت بتفريط.
البحث الثاني: في الحول:
وهو معتبر أيضا بتمامه كحول المالية، ولو ربح في الأثناء فللربح حول
بانفراده من حين ظهوره، ولو اشترى عرضا للتجارة بعرض آخر للتجارة
فالأقرب البناء، ولا يقدح تبدل الأعيان لأن المعتبر المالية، ونقل فيه الفاضل
الإجماع، وقيل: يقدح كالغصبية، وهو ضعيف للتعلق بالعين هناك، ولو
اشتراه بعرض قنية فابتداء الحول من حين التجارة، ولو اشتراه بنقد كان تجارة
بنى أيضا، ولو اشتراه بنقد كان قنية ففي بنائه نظر من أنه مردود إلى القيمة، وهو
قول المبسوط والخلاف محتجا بقول الصادق عليه السلام: كل عرض فهو
مردود إلى الدراهم والدنانير وادعى بعض العامة عليه الإجماع.
ومن عدم مسمى التجارة قبل الشراء، ولو اشترى سلعة بالنقدين فبلغ
أحدهما نصابا زكاه دون الآخر، نص عليه الشيخ، وبعض المتأخرين أثبت
التقويم بنقد البلد لأنه لا بما اشترى به فعلى قوله يضم، وكذا لو اشترى سلعة
بدراهم فباعها بعد الحول بدنانير قومت السلعة بالدراهم، وعلى قوله يزكي
الدنانير.
ولو باع السلعة بعد الحول كان البيع صحيحا بخلاف العينية لتعلق
الزكاة هنا بالقسمة ولو اشترى سلعة بعد سلعة، فلكل حول فإن كانت الأولى
نصابا زكاها عند حولها وإلا ضمنها من حين بلوع النصاب ويزكي ما بعد ذلك
إذا بلغ أربعين درهما، ولو اشترى رقيقا للتجارة لم تغن زكاة الفطرة عن زكاة
التجارة ولم يمنعها، أما زكاة العين فإنها مانعة كما لو ملك أربعين سائمة.
ولو عارض أربعين سائمة للتجارة بمثلها للتجارة بنى على حول العينية عند
312

الشيخ، والأقرب عندي البناء على حول التجارة، ويستحب عند كمال حول.
الأولى ثم تجب عند كمال حول الثانية على تردد من جريانها في حول التجارة،
فلا تجري في حول المالية وكذا لو اشترى معلوفة للتجارة ثم أسامها في أثناء
الحول فإنه يستحب إخراج الزكاة عند تمام الحول الأول، وفي وجوب المالية
عند تمام حولها الوجهان.
البحث الثالث: في الأحكام:
هذه الزكاة وإن وجبت في القيمة فهي مشروطة ببقاء العين أو تلفها بعد
التمكن من الإخراج، فحينئذ يتعلق بالذمة، وكذا على القول المشهور
بالاستحباب. ويستحب في مال القراض على المالك والعامل إن بلغ نصيبه
النصاب لأنه يملك بالظهور على الأصح، ولا يبني حوله على حول المالك، ولا
يكفي بلوع الأصل نصابا إذ الخلط عندنا لا أثر لها، ومبدأ حوله من حين ظهور
الزيادة لا من حين اقتسام الربح.
وللمالك الاستبداد بالإخراج وفي استبداد العامل وجهان لتنجز التكليف
عليه فلا تعلق على غيره، وحينئذ لو خسر المال ففي ضمان ما أخرج للمالك نظر
من حيث أنه كالمؤن أو كأخذ طائفة من المال، وكذا إذا أخرج المالك، والثاني
أقرب والأول ظاهر مذهب الشيخ لأن المساكين يملكون من ذلك المال جزءا
فإذا ملكوه خرج عن الوقاية بخسران يعترض وهو حسن على القول بوجوبها.
ولا يكفي إنضاض المال في الاستبداد بل لا بد من إذن المالك على ما مر،
أما لو اقتسما الربح وفسخت المضاربة فلا إشكال في الاستبداد وعدم تعلق
أحدهما بالآخر، ولو اقتسماه وبقيت المضاربة فله الاستبداد، وفي الضمان
الوجهان.
والدين لا يمنع من زكاة التجارة كما مر في العينية وإن لم يكن الوفاء من
غيره لأنها وإن تعلقت بالقيمة فالأعيان مرادة، وكذا لا يمنع من زكاة الفطرة إذا
313

كان مالكا مؤونة السنة، ولا من الخمس إلا خمس الأرباح، نعم يمكن أن يقال لا
يتأكد إخراج زكاة التجارة للمديون لأنه نقل يضر بغرض وفي الجعفريات عن
أمير المؤمنين عليه السلام: من كان له مال وعليه مال فليحسب ماله وما عليه، فإن
كان له فضل مائتي درهم فليعط خمسه، وهذا نص في منع الدين الزكاة،
والشيخ ما تمسك في الخلاف على عدم منع الدين الزكاة إلا بإطلاق الأخبار
الموجبة للزكاة.
الفصل الثاني: في باقي ما يستحب فيه الزكاة:
وهو ستة:
إحداها: جميع ما تنبت الأرض عدا الأربع والخضروات إذا كان مكيلا أو
موزونا، ونصابه والمخرج منه كالأربع، ويعتبر السقي هنا أيضا.
وثانيها: الخيل الإناث السائمة إذا حال عليها الحول، ففي العتيق ديناران،
وفي البرذون دينار، وفي اشتراط الانفراد ومنع استعمالها عندي نظر، واشتراطها
قريب وخصوصا الانفراد، فلو ملك اثنان فرسا فلا زكاة.
وثالثها: الحلي وزكاته الإعارة على الرواية.
ورابعها: ما يفر به من الزكاة قبل الحول.
وخامسها: المال الغائب إذا عاد بعد سنين.
وسادسها: العقار المتخذ للنماء كالدكان والخان والدار.
ويستحب الزكاة في حاصله، والظاهر أنه يشترط فيه الحول والنصاب عملا
بالعموم، ويحتمل عدم اشتراط الحول إجراء له مجرى الغلات، فعلى هذا لو حال
الحول على نصاب منه وجبت ولا يمنعها الإخراج الأول، وحينئذ لو آجره بالنقد
لم يتحقق الاستحباب على قولنا، ولو آجره بالعرض وكان غير زكوي تحقق،
وفي التذكرة: لا يشترط النصاب ولا الحول بل يخرج ربع العشر مطلقا، ولم
يذكر عليه دليلا.
314

ولا زكاة في الرقيق والحمير والبغال والأمتعة المتخذة للقنية كأثاث البيت
وشبهه.
الركن الثالث: في المستحق:
وهو ثمانية أصناف:
أحدها: الفقراء.
وثانيها: المساكين، واختلف الأصحاب في الأشد حاجة منها ونعني به الذي
لا يملك شيئا يعتد به والآخر من يملك مالا لا يقوم بكفايته.
فابن الجنيد والشيخ في النهاية وسلار: هو المسكين لصحيح أبي بصير عن
الصادق عليه السلام: الفقير الذي لا يسأل الناس والمسكين أجهد منه.
وقال في المبسوط والخلاف وتبعه جماعة منهم ابن إدريس: هو الفقير
للابتداء به ولسؤال النبي صلى الله عليه وآله المسكنة واستعاذته من الفقر.
والاتفاق واقع على أنه يشترط فيهما أن يقصر مالهما عن مؤونة السنة لهما
ولعيالهما أو عن نصاب أو قيمته على اختلاف القولين والأول أقوى.
وقال الشيخ والراوندي والفاضل: يدخل كل منهما في إطلاق لفظ الآخر،
فإن أرادوا به حقيقة ففيه منع ويوافقون على أنهما إذا اجتمعا كما في الآية يحتاج
إلى فضل تميز بينهما.
ويعطي صاحب الخادم والدابة مع الحاجة إليهما، وذو الحرفة والصنعة إذا
قصرتا عن حاجته أو شغلاه عن طلب العلم على الأقرب، ويأخذ الفقير والمسكين
غناهما دفعة، وذو التكسب القاصر على خلاف، وقيل يأخذ التتمة وهو حسن،
وما ورد في الحديث من الإغناء بالصدقة محمول على غير المتكسب، ونقل
الشيخ في الخلاف عن بعض الأصحاب جواز دفع الزكاة إلى المتكسب من
غير اشتراط قصور كسبه، ونقل الإجماع على خلافه لقول النبي صلى الله عليه وآله
: لاحظ فيها لغني ولا لذي له قوة متكسب.
315

ويعطي صاحب الكثير كسبع مائة إذا لم تنهض بحاجته، ويمنع صاحب
الخمسين إذا نهضت.
ولا يشترط مع الفقر الزمانة ولا التعفف ومن تجب نفقته على غيره لفقده
غني مع بذل المنفق، وفي رواية عبد الرحمن بن الحجاج: يجوز له تناولها، وهو
قوي، نعم لا يجوز له أخذها من قريبه المنفق، ولو لم يبذل النفقة جاز من غيره
قطعا.
وثالثها: العاملون عليها، وهم السعاة في جبايتها بولاية وكتابة وقسمة
وحساب وعرافة وحفظ، ولا يشترط فيهم الفقر، ويشترط العدالة والفقه في
الزكاة، وفي المعتبر: يكفي سؤال العلماء وهو حسن.
ويتخير الإمام بين الجعالة والإجارة فيشترط في الإجارة العلم بالعمل
والأجرة، ولو قصر السهم عن أجرته أتمه الإمام من بيت المال أو من باقي السهام،
ولو زاد نصيبه عن أجرته فهو لباقي المستحقين، ولو لم يسم له شيئا جاز ويعطيه
الإمام ما يراه رواه الحلبي عن الصادق عليه السلام.
ويجوز كون المكاتب عاملا، وفي القن وجهان من حيث الملك وأهلية
التكسب، ولا يجوز كونه هاشميا لمنع النبي صلى الله عليه وآله من ذلك الفضل
بن العباس والمطلب بن ربيعة، وقال: الصدقة أوساخ ولا تحل لمحمد وآل
محمد.
فرع: لو فرض للهاشمي أجرة من بيت المال أو تولى عمالة قبيلة فالوجه
الجواز، وكذا لو تعذر الخمس.
هذا ويجب على الإمام بعث ساع في كل عام، ولو علم أن قبيلا يؤدونها لم
يجب البعث إليهم، ولو فرقها المالك بنفسه أو فرقها الفقيه أو الإمام سقط نصيب
العاملين.
ورابعها: المؤلفة قلوبهم، وهم كفار يستمالون للجهاد بالسهم، وقال ابن
الجنيد: هم المنافقون ليجاهدوا، وقال المفيد رحمه الله: يجوز كونهم مسلمين،
316

وبه قال ابن إدريس والفاضلان.
والمسلمون أربعة: قوم لهم نظراء من المشركين إذا أعطوا رغب نظراؤهم
وقوم في نياتهم ضعف فتقوى نياتهم، وقوم بإزائهم آخرون من أصحاب
الصدقات إذا أعطوا جبوها وأغنوا الإمام عن عامل، وقوم من الأعراب في أطراف
بلاد الإسلام إذا أعطوا منعوا الكفار من الدخول أو رغبوا في الإسلام.
ولقائل أن يقول: مرجع هذه إلى سبيل الله وإلى العمالة.
والظاهر أن التالف باق بعد موت النبي صلى الله عليه وآله.
وخامسها: الرقاب، وهم المكاتبون والعبيد تحت الشدة، وروى علي بن
إبراهيم في تفسيرها جواز التكفير للعاجز وربما حمل على الغارمين، وروى عبيد
بن زرارة شراء العبد مطلقا من الزكاة عند عدم المستحق، والمكاتب إنما يعطي
مع قصور كسبه، وإن لم يحل النجم على الأقرب، ولو صرفه في غيره قال
الشيخ: أجزأ، وقوى المحقق ارتجاعه إذا كان الصرف لكونه مكاتبا ويقبل
دعواه الكتابة من غير بينة ولا يمين ما لم يكذبه المولى، ويجوز إعطاء مكاتبه
خلافا لابن الجنيد.
وسادسها: الغارمون إذا لم يستدينوا في معصية، ولو تابوا صرف إليهم من
سهم الفقراء وجاز القضاء، وجوز المحقق الإعطاء من سهم الغارمين أيضا وهو
بعيد، ولو جهل فيما أنفقه منع عند الشيخ لمرسلة محمد بن سليمان عن الرضا
عليه السلام وللشك في الشرط، وجاز عند الفاضلين حملا لتصرف المسلم على
الجائز، ولا يجزئ لو صرفه في غير الغرم خلافا للشيخ، وإنما يعطي مع الحاجة.
ويجوز مقاصة المستحق وقضاء دينه حيا كان أو ميتا، ولا يعتبر الإذن ولا
كونه غير واجب النفقة، وهل يشترط في الاحتساب على الميت قصور تركته عن
دينه؟ صرح به ابن الجنيد والشيخ في المبسوط، ونفاه الفاضل للعموم ولانتقال
التركة إلى الوارث فيصير عاجزا، وفي الأخير منع ظاهر لتأخر الإرث عن الدين،
نعم لو أتلف الوارث المال وتعذر الاقتضاء لم يبعد جواز الاحتساب والقضاء.
317

وسابعها: سبيل الله، وهو الجهاد والأقرب عمومه فتدخل فيه معونة الحاج
والزائرين وبناء القناطر والمساجد والمدارس وجميع سبيل الخير، لما رواه علي
بن إبراهيم في التفسير.
ولا يشترط في الغازي الفقر ولو غزا لم يستعد، ولو صرفه في غيره
فالوجهان، ولو احتيج إلى الجهاد في الغيبة صرف فيه، ولا فرق بين المرتزقة
وهم المثبتون في سهم الفئ وبين غيرهم على الأقوى، ولو تطوع المرتزق أو
انتقل المرتزق إلى التطوع جاز.
وثامنها: ابن السبيل، وهو المجتاز بغير بلده فيعطى مع حاجته وإن كان غنيا
في بلده، ويدخل الضيف فيه، وقال ابن الجنيد، وكذا المشي للسفر، ومنعه
الفاضلان إلا من سهم الفقراء ويشترط كون السفر مباحا، وابن الجنيد شرط كونه
واجبا أو ندبا، وروى علي بن إبراهيم كونه طاعة ويعطي ما يكفيه فإن فضل أعاده
ولو صرفه في غير سفره فالوجهان.
ويلحق بذلك مسائل:
يشترط الإيمان في الجميع إلا المؤلفة، فلا يعطي الكافر ولا معتقد غير الحق
من المسلمين ولو أعطى مخالف فريقه ثم استبصر أعاد، ولو كانت العين باقية
فالأقرب جواز استرجاعها، ولو فقد المؤمن ففي رواية يعقوب بن شعيب: يجوز
دفعها إلى من لا يعرف بنصب، وأقوى في الجواز زكاة الفطرة لرواية الفضيل عن
الصادق عليه السلام، والوجه المنع منهما.
وحكم الطفل حكم أبويه ولا يضر فسقهما، ولو تولد بين المسلم والكافر
فمسلم ولو تولد بين المحق والمبتدع فالأقرب جواز إعطائه وخصوصا إذا كان
المحق الأب.
أما الصدقة المندوبة فلا يشترط في قابضها الإيمان خلافا لابن أبي عقيل.
الثانية: العدالة شرط في المؤمن عند المرتضى ناقلا فيه الإجماع، واختاره
318

الشيخ وهو منصوص في شارب الخمر، وجوز الفاضلان إعطاء الفاسق، واقتصر
بعضهم على مجانبة الكبائر.
الثالثة: لا يجوز صرف الزكاة إلى واجبي النفقة، ولو صرفها في توسعة
فالأقرب جوازه، ويجوز صرف الزوجة إلى زوجها وإن كان ينفق عليها منها،
ومنع ابن بابويه من إعطائه مطلقا، وابن الجنيد تعطيه ولا ينفق منه عليها ولا على
ولدها منه.
ويجوز أن يدفع إليهم من غير سهم الفقراء إذا اتصفوا بموجبه، وابن السبيل
يعطي الزائد عن نفقة الحضر، ولو كان في عياله يتيم تبرعا جاز صرفها إلى وليه
وإنفاقها عليه باذنه، ويجوز صرفها إلى باقي الأقارب غير العمودين وإن كانوا في
عياله أو كانوا وارثين بل هو أفضل.
الرابعة: لا يجوز صرفها إلى الهاشمي من غير قبيله إلا مع قصور الخمس عن
حاجته فيقتصر على الضرورة، ويجوز المندوبة ولمواليهم، وكرهه ابن الجنيد
والشيخ لقول الصادق عليه السلام: مواليهم منهم.
ولا تحل الصدقة من الغريب لمواليهم وربما حملت على الباقي على الرقية،
وهم الآن بنو أبي طالب والعباس والحارث وأبي لهب، وفي منع بني المطلب
أخي هاشم قول للمفيد وابن الجنيد بناء على استحقاقهم الخمس ولم يثبت.
فرع: لو وجدها الهاشمي زكاة قبيله وخمسا تخير في الأخذ، وفي الأفضل منها
عندي نظر، ولعل الأقرب الخمس لأن الزكاة أوساخ في الجملة، ولو أخذ الزكاة
من الأجانب فتمكن من الخمس ففي استعادتها نظر من الملك وزوال المقتضي.
الخامسة: تقبل دعوى الفقر إلا مع علم الكذب، وكذا دعوى العجز عن
التكسب اللائق بحاله ودعوى طلب العلم المانع من التكسب، ولو كان ذا مال
فادعى تلفه كلف البينة عند الشيخ والوجه المنع عنها وعن اليمين، ولو ظهر غناه
استعيدت فإن تعذر أجزأت مع اجتهاد الدافع وأعاد لا معه، ولو ادعى ابن
319

السبيل تلف ماله قبل قوله بغير بينة خلافا للشيخ.
ولا يجب إعلام المستحق بكونها زكاة، فلو كان ممن يترفع عنها أهديت
إليه.
السادسة: يجوز أن يغني الفقير مع اتحاد الدفع لقول النبي صلى الله عليه وآله
: خير الصدقة ما أبقت غنى، ولقول الباقر عليه السلام: إذا أعطيته فأغنه.
ولو تعدد الدفع فملك مؤونة السنة حرم الزائد، ولو نقص بعد ذلك عن
المؤونة فله الأخذ.
وإن كان مالكه من أهلها لعدم ملكه، ولو قيل بملكه فهو في معنى ملك
السيد، ولو ظهر أن المدفوع إليه عبد فكظهور الغنى إلا أن يكون عبده فإنه لا
يجزئ لعدم الخروج عن ملكه.
ولا فرق بين كون الدافع إلى من يظهر عدم أهليته إماما أو ساعيا أو وكيلا
أو مالكا.
الثامنة: يجوز الدفع إلى الغارم في إصلاح ذات البين وإن كان غنيا، وكذا
يجوز صرفها في إصلاح ذات البين ابتداء، ولا يراعى إذن الحاكم.
ومنع ابن الجنيد من قضاء مهور النساء المستغنى عنهن من الزكاة، وفي
مرسلة العباس عن الصادق عليه السلام: على الإمام أن يقضي الديون ما خلا مهور
النساء، وفي ما رواه علي بن إبراهيم تقييد الإنفاق بنفي الإسراف، وجوزه
الفاضل، والوجه قول ابن الجنيد.
التاسعة: لو تعدد السبب جاز أن يتناول بحسبه، فإن كان في الأسباب الفقر
فلا حصر في الإعطاء إذا كان دفعة وإلا تقيد بحسب الحاجة، ويستحب بسطها
على الأصناف وجعل جماعة من كل صنف.
العاشرة: أقل ما يعطي الفقير ما يجب في أول نصاب من النقدين كنصف
دينار أو خمسة دراهم، وقال ابن الجنيد وسلار: ما يجب في النصاب الثاني،
والأول أشهر، ولم يقدره المرتضى، والأقرب أن ذلك على سبيل الندب.
320

ولو اجتمع جماعة وقصر الحاصل فالبسط أفضل، والأقرب استحباب
الترجيح بمرجحات دينية كشدة الحاجة والعلم والورع والرحمية، وقال المفيد:
يجب تفضيل الفقراء في الزكاة على قدر منازلهم في الفقه والبصيرة والطهارة
والديانة، وعن الباقر عليه السلام: أعطهم على الهجرة والدين والفقه والعقل.
الحادي عشر: لا يملك أهل السهمان إلا بالقبض، فلو مات قبله، لم يكن لوارثه
شئ، وإن كان مثبتا في ديوان الزكاة.
الثانية عشرة: يكره تملك ما أخرجه من الزكاة اختيارا، ويجوز مع الضرورة
إليه، ولا كراهية في الميراث وشبهه كقضاء دينه وشراء وكيله.
ويستحب إعطاء أهل التجمل زكاة النعم وإعطاء المشهورين بأخذها غيرها،
وفي رواية عبد الله بن سنان تدفع صدقة الظلف والخف إلى المتجملين وصدقة
الذهب والفضة والغلات إلى المدقعين لأن المتجملين يستخفون من الناس فيدفع
إليهم أجل الأمرين عند الناس، ويكره للفقير الامتناع من قبولها.
الثالثة عشرة: لو وكل في إخراجها مستحقا فإن عين له لم يتعده وإن أطلق
ففي جواز أخذه قولان أقربهما الجواز، وكذا كل من وكل في الدفع إلى قبيل
وهو منهم، قال الشيخ: ويأخذ مثل غيره لا أزيد، والرواية تدل عليه دلالة ما.
ولا تسقط الزكاة بالموت، وتجب على من أدركته الوفاة وهي عنده الوصية
بها.
الرابعة عشرة: لو مات العبد المبتاع من الزكاة ولا وارث له ورثه أرباب
الزكاة، ورواه عبيد بن زرارة عن الصادق عليه السلام في من أعتق مملوكا من
الزكاة لعدم وجود المستحق، ولا نعلم فيه مخالفا إلا احتمالا للمحقق من أنه يرثه
الإمام جريا على العموم، فإن العبد أحد مصارفها فلا يكون المال للفقراء،
واستضعافا لسند الرواية ثم قوى فتوى الأصحاب.
321

الركن الرابع: في دفع الزكاة:
وفيه فصول
الأول: في الدافع:
يجوز للمالك دفع الزكاة بنفسه والأفضل صرفها إلى الإمام وخصوصا في
الأموال الظاهرة، وقال المفيد وأبو الصلاح: يجب حملها إلى الإمام أو نائبه ومع
الغيبة إلى الفقيه المأمون، وطرد أبو الصلاح الحكم في الخمس والأصح
الاستحباب في الجميع، ونقل الشيخ الإجماع على جواز تفريق الزكاة الباطنة
بنفسه، ولو طلبها الإمام من المالك وجب دفعها إليه، فلو فرقها المالك فالأصح
عدم الإجزاء لعدم إيقاعها على الوجه المأمور به شرعا.
ولا يجوز دفعها إلى الجائر إلا مع الخوف، فإن خاف وكان قد عزلها لم
يضمن بالدفع إليه وإلا فالأقرب الضمان، وإذا قبض الساعي الزكاة لا يصرفها إلا
بإذن الإمام وليس له بيعها إلا مع الضرورة كعطبها أو خوف تلفها، ومع الإذن لا
يجوز له التأخير.
وينبغي قسمة زكاة البادية فيها والحاضرة فيها، ولا يجوز النقل إلى بلد آخر
مع إمكان الدفع في بلد المال فيضمن، ولو لم يمكن الدفع لعدم المستحق و
شبهه فلا ضمان لو تلفت في الطريق أو بعده بغير تفريط، ويظهر من المبسوط
جواز النقل مع وجود المستحق بشرط الضمان، وصرح ابن حمزة بكراهية النقل
والضمان، وهو فتوى الفاضل في المختلف لرواية أحمد بن حمزة، ودرست
وشرط أبو الصلاح في نقلها إذن الفقيه.
وأجرة الكيل والوزن على المالك، وفي موضع من المبسوط: هي من سهم
العاملين، ويدعو الإمام أو الساعي أو الفقيه للمالك عند أخذها استحبابا على
الأقوى، ويجوز بصيغة الصلاة لقول النبي صلى الله عليه وآله: اللهم صل على آل أبي أوفى قال
أبي أوفى أو يقول: آجرك الله فيما أعطيت وجعله طهورا وبارك
لك فيما أبقيت، والصلاة عندنا جائزة على كل مؤمن يعرف اللغة لقوله تعالى:
322

هو الذي يصلي عليكم وملائكته أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة، والقول
بكراهيتها على غير النبي أو بأن تركها أولى تحكم محض.
ويستحب وسم الإبل والبقر على أفخاذها والغنم في آذانها لكثرة الشعر على
أفخاذها، وليكن ميسمها ألطف من ميسم البقر وهو ألطف من ميسم الإبل،
والفائدة فيه تمييزها عند الاشتباه ومعرفة مالكها بها لئلا يشتريها، ويكتب في
الميسم: زكاة لله أو صدقة.
ولو ادعى المالك الإخراج أو عدم الحول أو تلف المال قبل بغير يمين،
ولو شهد عليه شاهدان بالحول أو ببقاء المال أو بنفي الإخراج وكان نفيا محصورا
سمعت الشهادة، ولو كان ماله في غير بلده فصرفها في بلد المال أولى، ولو
صرف بدلها في بلده جاز، ولو نقل الواجب إلى بلده فعلى ما مضى.
ويستحب عزلها مع عدم المستحق، ويستحب دفع زكاة الفطرة في بلد
البدن وإن كان ماله في غيره، ولو عزلها في مال غائب أو حاضر في موضع
جواز العزل ثم نقلها لعدم المستحق فلا ضمان، كما لا يضمن في زكاة المال.
الفصل الثاني: في كيفية الدفع:
ويجب فيه النية، وهي القصد إلى الزكاة الواجبة أو النافلة مالية أو بدلية،
لوجوبها أو ندبها، تقربا إلى الله تعالى مقارنة للدفع أو واقعة بعده أو احتسابا لما
في الذمة.
ولا يشترط تعيين نوع المال، فلو كان عنده خمس من الإبل وأربعون من
الغنم فأخرج شاة عما في ذمته برئت ذمته منها وبقى عليه شاة، وكذا لو أخرج
قيمة شاة، فلو تلف بعد ذلك من أحد النصابين أو منهما من غير تفريط فالظاهر
التوزيع، ويحتمل أنه يصرف الآن إلى ما شاء وهو فتوى التذكرة.
ولو دفعها إلى الإمام أو إلى نائبه نوى عند الدفع وينوي القابض أيضا عند
التصرف فلو نوى القابض خاصة فالأصح الجواز، وإن أخذها طوعا لأنه كالولي
323

للمالك، وكذا الوكيل، وقال الشيخ والمحقق: لا تجزئ نيته عن نية المالك ولا
بالعكس، والوجه إجزاء الطرد لا العكس، وفي المختلف كلاهما مجزيان.
ولو قال من له مال غائب: تجب فيه الزكاة إن كان باقيا فهذه زكاته وإن
كان تالفا فنافلة صح، ولو قال: هذه زكاته أو نافلة لم يجز سواء جعله في مال
غائب أو حاضر لعدم تعيين الفرض، بخلاف الترديد لأنه أفرد كل قسم بنية،
وفي المبسوط سوى بينهما في الإجزاء.
ولو قال: إن كان الغائب باقيا فعنه وإن كان تالفا فعن الحاضر، أجزأ لأن
مقتضى إطلاقه هذا، ويحتمل المنع لأن الإجزاء عن الحاضر مبني على تلف
الغائب وهو مشكوك فيه، بخلاف نية النقل على تقدير تلف الغائب للتسامح
فيه.
ولو نوى عن الغائب لظن بقائه فظهر تلفه جاز جعلها عن مال آخر مع بقاء
العين أو تلفها وعلم الفقير، ولو تلفت ولم يعلم لم يجز النقل لعدم كونها مضمونة
عليه، وفي المبسوط منع من النقل على الإطلاق لفوات محل النية.
ولو دفع زكاة مال غائب لا يتمكن منه لرجاء وصوله لم يجز إذ لا وجوب
عليه، ولو جوز موت مورثه فنوى نية جازمة على زكاته أو مترددة فظهر ملكه
لم يجز أيضا.
والأفضل المباشرة للدفع لا التوكيل لحصول اليقين، أما الدفع إلى الإمام
أو الفقيه فهو الأفضل عندنا إذ لا يتطرق إليهما الخيانة لعصمة الإمام وعدالة الفقيه
ومعرفته بمصرفها وكيفية صرفها.
وولي الطفل والمجنون يتولى النية عنهما، ويتولى الإمام عنهما ويتولى الإمام
النية عن المرتد والممتنع من دفعها.
الفصل الثالث: في وقت الدفع:
وهو واجب عند كمال الشرائط على الفور، فلا يجوز التأخير إلا لعذر كعدم
324

التمكن من المال أو الخوف من الجائر أو انتظار المستحق فيضمن مع الإمكان،
وجوز الشيخان تأخيرها شهرا أو شهرين، وفي رواية معاوية بن عمار الصحيحة عن
الصادق عليه السلام: لا بأس بتأخيرها من شهر رمضان إلى المحرم وبتعجيلها في
شهر رمضان وإن كان الحول في المحرم.
وروى حماد بن عثمان عنه: جواز التأخير والتعجيل شهرين، وروى
أبو بصير: جواز تعجيلها إذا مضت خمسة أشهر وحملت على انتظار المستحق
والقرض، نعم له التربص للأفضل والأحوج والمعتاد للطلب منه بما لا يؤدي إلى
الإهمال.
ويظهر من ابن أبي عقيل وسلار جواز تعجيلها زكاة وقدره ابن أبي عقيل
بمضي ثلث السنة فصاعدا، وأكثر الأصحاب على جعل ذلك قرضا واحتسابه من
الزكاة بشرط بقاء المال على الوجوب والمقترض على الاستحقاق، فلو استغنى
بغيره ارتجع، وكذا به إذا كان سلبه منه لا يخرجه عن الغنى كما لو تضاعف
الثمن عن القيمة يوم القبض، ويجوز ارتجاعه منه وإن بقي على الاستحقاق ودفعه
إلى غيره ودفع غيره إليه ودفع غيره إلى غيره، ولا فرق بين موته وحياته.
ولو عجل من أربعين شاة صح على القول بالتعجيل، ويراعى بقضاء المال
كله، وعلى القول بالقرض يسقط الوجوب لأن النصاب انثلم، وقال الشيخ: لا
يسقط مع بقاء الشاة بناء على وجوب دفعها بعينها لو طلبها المالك، والشيخ
صرح بأنها باقية على ملك الدافع ما دامت عينها باقية وفرع عليه: أنها لو زادت
زيادة متصلة أو منفصلة كانت للمالك، ولو نقصت أخذها المالك ولا أرش، مع
قوله بأنها لو تلفت لزمه قيمتها يوم القبض كالقرض، وكل هذا مبني على أن
القرض إنما يملك بالتصرف، وربما علل وجوب الزكاة مع بقاء العين بأن هذه
رخصة أثبتت إرفاقا بالمساكين فلا ينشأ من عين الرخصة منعها.
325

فروع:
على التعجيل، لو قال المالك: هذه زكاتي المعجلة وإن سقط الوجوب
ارتجعها، فله الرجوع قطعا.
الثاني: لو قال: هذه الزكاة معجلة، أو علم المستحق ذلك بقرينة ولم يذكر
الرجوع فالأصح إنه كالأول.
الثالث: أن لا يتعرض للتعجيل ولا يعلم المستحق به، ففي جواز ارتجاعها
احتمال، ولا فرق بين كون الدافع المالك أو الإمام، وقطع في المبسوط بعدم
جواز الارتجاع، ولو ادعى علم المستحق بالتعجيل فله إحلافه، ويحتمل قبول
قول المالك في قصد التعجيل بيمينه لأنه أعرف، أما لو ادعى التلفظ بالتعجيل
افتقر إلى البينة لإمكان إقامتها عليه، أما الإمام فقوله مقبول لعصمته، وفي الساعي
وجهان لأنه كالنائب عن الفقراء.
الرابع: أن يقول: هذه صدقتي الواجبة، وفيه وجهان أقربهما حمله على
المنجزة فلا يرجع به لأن الوجوب حقيقة في الناجز.
الخامس: لو كانت العين باقية وتغيرت الشرائط استردها المالك، وفي جواز
منع القابض من العين إلى بدلها مثلا أو قيمة وجهان مبنيان على أن التغير هل
يكشف عن عدم الملك كما أن بقاء الشرائط كاشف عن الملك، أو أن التغير
يجعل العين كالقرض فعلى الأول يتعين العين وعلى الثاني يبني على أن القرض
يملك في القبض أو بالتصرف، فعلى الثاني يتعين العين، وهو قول الشيخ رحمه
الله، وعلى الأول لا يتعين.
السادس: لو تلفت العين فهي مضمونة، فإن قلنا بالأول فالقيمة يوم التلف وإن
قلنا بالثاني فالقيمة يوم القبض وعلى توقف الملك على التصرف يوم التصرف
ولو عابت ينزل أرشها منزلة أرش المبيع بتعيب قبل قبض المشتري، فإن أثبتناه
هناك ينبغي الثبوت هنا وهو الأقوى فيهما تنزيلا للجزء منزلة الكل.
السابع: لو كان القابض قد باع العين أو وهبها أو وقفها وقلنا بصيرورته
326

قرضا فلا سبيل إلى إبطاله ويكون كالتلف، وإن قلنا بالكشف ينبغي بطلان
التصرفات لأنا بينا بعدم الشرائط عدم الملك، نعم لو أجازه المالك نفذ.
الثامن: لو عجل عن نصاب بعينه فتلف فله احتسابه عن نصاب آخر من
جنسه أو من غير جنسه.
التاسع: قال في المبسوط: لو تسلف الساعي الزكاة بغير مسألة أربابها وحال
الحول على الشرائط وقعت موقعها، وإن تغيرت جاز ارتجاعها، وإن تلفت في يد
الساعي ضمنها سواء فرط أم لا، وإن كان بسؤال أربابها فالضمان عليهم، وإن
كان بسؤال الدافع فهي من ضمانه، وإن سألاه فالضمان عليهما دون الساعي.
القسم الثاني: في زكاة الفطرة:
وفصولها ثلاثة:
الأول: في من تجب عليه:
وهو البالغ العاقل الحر المالك لمؤونة السنة له ولعياله، فلا تجب على
الصبي والمجنون والمغمى عليه ولا على العبد، بل تجب على من يعولهم إذا كان
من أهلها، ولو كان غير المكلف غنيا يعال من ماله فلا زكاة على أحد، وقال
الشيخ في الخلاف: نفقته وفطرته على الأب، وكذا ولد الولد، ولا فرق بين القن
وغيره.
والمكاتب المطلق إذا تحرر بعضه وجبت عليه بحسابه، وفي جزية الرق
و المكاتب المشروط خلاف، فاستحبها ابن البراج إذا لم يعله المولى ولو عاله
وجبت عليه، وفي الخلاف: لا تجب على الجزء الحر، وقواه في المبسوط، وقوى
فيه أيضا عدم وجوبها على السيد في الجزء الآخر، وفي موضع آخر من الخلاف
والمبسوط أشار إلى ما قلناه.
ولا تجب على من نقص ماله عن مؤونة السنة المستقبلة، وقيل: من يحل له
زكاة المال وهو حسن، إذا قيد بسبب الفقر فإن الغارم تحل له زكاة المال مع
وجوب زكاة الفطرة عليه إذا ملك المؤونة، واكتفى ابن الجنيد بأن يفضل عن
327

مؤونته ومؤونة عياله صاع وهو نادر، والأخبار الصحيحة المتضمنة لثبوتها على
الفقير محمولة على الندب توفيقا بين الأخبار، واعتبر جماعة ملك النصاب أو
قيمته في الوجوب ولم نقف لهم على شاهد، ودعوى ابن إدريس الإجماع عليه لم
يثبت.
ولو كان له كسب يقوم به فهو غني فتجب عليه إن فضل معه ما يخرجه.
ولا يمنع الكفر وجوبها غير أنها لا تصح من الكافر، فلو أسلم قبل الهلال
وجبت، ولو أسلم بعده أو تحرر العبد أو استغنى الفقير أو ولد له ولد أو تزوج أو
ملك رقيقا استحبت ما لم يصل العيد، ولا يجب قضاء ما سلف زمن كفره من
زكاة بدنية أو مالية.
وإذا كملت الشرائط أخرجها عن نفسه وعياله من ولد وإن نزل، وزوجة
وأب وإن علا، وضيف وخادم، وعبد وأمة كفارا كانوا أو مسلمين، ولو عالهم
غيره وكان أهلا سقطت عنه وإلا وجبت.
وفطرة زوجة العبد على المولى، ويعتبر في الزوجة التمكين، فلو كانت
صغيرة أو ناشزة فلا فطرة، وقال ابن إدريس: يكفي في الوجوب الزوجية، فيجب
على الزوج وإن لم يعلها وإن كانت مؤجلة النكاح أو ناشزا، ولو جهل خبر
الرقيق الغائب فلا فطرة عند الشيخ والفاضل، وأوجبها ابن إدريس، ومأخذ
القولين الشك في السبب والاستصحاب.
ويجب على الزوج فطرة خادم المرأة الواجب إخدامها سواء كان ملكها أو
مستأجرا أو مستعارا عند الشيخ في المبسوط، وأنكره ابن إدريس، وقال
الفاضلان: تجب على غير المستأجر أما المستأجر ففطرته على نفسه سواء شرطت
له النفقة أم لا، لأن النفقة أجرة، وقال في التحرير: لو أنفق عليه مستأجرا وجبت
الفطرة وخادم القريب مع الزمانة كخادم الزوجة.
ولو غصب العبد وعاله الغاصب وجبت عليه فطرته وسقطت عن المولى، و
لو لم يعله أو كان غير أهل للوجوب وجبت على المالك عند ابن إدريس خلافا
328

للشيخ في المبسوط، ولعله بناه على أن التمكن من التصرف فيه شرط كما قال في
الغائب ولم يوجبها على الغاصب أيضا.
ولو مات المديون قبل الهلال وكان من أهل الوجوب وله عبد فبيع في
الدين ففي وجوب إخراج فطرته على الوارث وجهان مبنيان على انتقال التركة
إلى الوارث أو كونها على حكم مال الميت، وقطع الشيخ والمحقق بعدم
وجوبها، وقطع الفاضل بالوجوب.
ولو مات الموصي بعبد قبل الهلال فقبل الموصى له بعده، ففي الوجوب
على الورثة أو على الموصى له وجهان مبنيان على أن القبول هل هو ناقل أو
كاشف؟ فعلى الأول الزكاة على الوارث، وعلى الثاني على الموصى له، وقال
الشيخ: لا زكاة على أحد لأن ملك الوارث تمنعه الوصية وملك الموصى له
يمنعه تأخر القبول، فكان على حكم مال الميت.
ولو وهب له عبد فمات بعد القبول وقبض الوارث قبل الهلال ففي وجوب
فطرته على الوارث وجهان مبنيان على بطلان الهبة بموته قبل القبض أو عدمه،
وهو مبني على أن القبض هل هو شرط في انعقادها أو لا؟ ومختار الشيخ في أحد
قوليه الوجوب، وكذا لو قبض الوارث بعد الهلال أو تأخر قبض الموهوب له عن
الهلال.
ولو اشترى عبدا فأهل شوال في زمان خياره الأصلي، ففي وجوب الفطرة
على البائع أو المشتري وجهان مبنيان على أن المبيع يملك بما ذا؟ واختار في
الخلاف الوجوب على البائع لأنه ملكه، ولهذا لو تلف كان من ماله، قال: وكذا
لو كان الخيار للبائع أو لهما، ولو زاد خيار المشتري على الثلاثة ففطرته على
المشتري عنده.
ولا يشترط في وجوب والنفقة والفطرة على الولد الزمانة وكذا الوالد.
ولو صار المملوك معضوبا أو مقعدا أعتق ولا نفقة له ولا فطرة على المولى،
ولو أسلم عبد الكافر لم يكلف إخراج فطرته، ولو خرجت الزوجة عن نفسها
329

بإذن الزوج صح وإلا فلا على الأصح.
ولو كان العبد بين شريكين فصاعدا تحاصوا في الفطرة، وقال الصدوق: لا
فطرة عليهم، ولو اشترك العبيد بين اثنين فكذلك على الأصح، ولو اختلف
أقوات الموالي جاز اختلافهم في المخرج، ولو اتفق أنفقوا وقال في الخلاف:
يجزئ المختلف مطلقا وهو قوي.
ولو تهايأ الموليان فاتفق الوقت في نوبة أحدهما لم يختص بالفطرة، وكذا
لو هايأ المبعض مولاه.
ولو ضاقت التركة عن فطرة الرقيق والدين قسمت بالحصص، ولو كان
زوج الحرة أو الأمة معسرا أو مملوكا فلا فطرة على أحد عند الشيخ في الخلاف
والمبسوط، وقال ابن إدريس: تجب على الزوجة والمولى، وفي المختلف: إن بلغ
الإعسار إلى حد يسقط معه نفقة الزوجة بأن لا يفضل معه شئ البتة وجبت
عليهما، وإن أنفق عليهما مع إعساره فلا فطرة لأنها تابعة للإنفاق، ويضعف بأن
النفقة لا تسقط فطرة الغني إلا إذا تحملها المنفق، ثم رجع إلى بناء المسألة على
وجوبها على الزوج بالأصالة أو عليها بالأصالة ويتحملها الزوج فعلى الأول لا
فطرة على أحد وعلى الثاني تجب على الزوجة والمولى، وظاهر الأصحاب وجوبها
إصالة على الزوج.
وتجب فطرة الرجعية لا البائنة إلا مع الحمل فيجب سواء قلنا: النفقة للحمل
أو للحامل، وبناها الفاضل على المذهبين فأسقطها إن قلنا بأنها للحمل إذ لا فطرة
له قلنا الإنفاق في الحقيقة على الحامل وإن كان لأجل الحمل.
والضيافة الموجبة للفطرة مختلف في قدرها، فالمرتضى والشيخ طول شهر
رمضان، واكتفى المفيد بالنصف الأخير منه، واجتزأ ابن إدريس بليلتين في آخره،
والفاضل بآخر ليلة منه، وموثقة عمرو بن يزيد مطلقة فيمكن الاكتفاء بمسمى
الضيافة في جزء من الشهر بحيث يدخل شوال، وهو عنده كما قاله في المعتبر إلا
أن مخالفة قدماء الأصحاب مشكل.
330

فكل من وجبت فطرته على غيره سقطت عنه، وظاهر ابن إدريس وجوبها
على الضيف والمضيف، ولو كان المضيف معسرا فهي واجبة على الضيف، فلو
تبرع المعسر بإخراجها عن الضيف مستحبا لم يجز، وفي المختلف احتمال
الإجزاء لأن هذه زكاة الضيف، وقد ندب الشرع إليها، والمانع أن يمنع الندب
في هذا وإنما المنصوص استحباب إخراجها للفقير عن نفسه وعياله، والمفهوم من
عياله الفقراء سلمنا لكن الندب قاصر عن الوجوب في المصلحة الراجحة فلا
يساويه في الإجزاء.
ولو أدار الفقير صاعا بنية الإخراج على عياله ثم تصدق به الأخير منهم على
أجنبي تأدى الاستحباب، فلو تصدق به الأجنبي الفقير على المتصدق فطرة أو
غيرها كره له تملكه كما قلناه في زكاة المال، وهل يكون الكراهية مختصة
بالأخير منهم لأنه المباشر للصدقة عن نفسه أو هي عامة للجميع؟ الأقرب الثاني
لصدق إعادة ما أخرجه من الصدقة إلى ملكه ولأن إخراجها إلى الأجنبي مشعر
بذلك وإلا لأعادها الأخير إلى الأول منهم صدقة.
وتجب الفطرة على البادية كالحاضرة، وقول عطاء وعمرو بن عبد العزيز
وربيعة بسقوطها عنهم مردود.
ولا تجب الفطرة على العبد، وقول داود بوجوبها عليه وبوجوب إطلاقه
التكسب ضعيف، ولو ملك العبد عبدا فالفطرة على المولى عنهما، وإن قلنا
بملك العبد، ويحتمل على هذا سقوط الفطرة عنهما أما عن العبد فلمانع العبودية
وأما عن المولى فلسلب الملكية.
الفصل الثاني: في وقتها:
وتجب بهلال شوال على الأظهر، وتمتد إلى زوال الشمس يوم العيد، وقال
المفيد والمرتضى وابن الجنيد والحلبيون: تجب بطلوع الفجر من يوم الفطر،
وكثير من الأصحاب ناط خروج وقتها بصلاة العيد.
331

ولا ريب أن الأفضل إخراجها قبل الصلاة، ويظهر من ابني بابويه: إن تجدد
الشرائط ما بين طلوع الفجر إلى الزوال مقتضية للوجوب، كما لو أسلم الكافر أو
تجدد الولد، وجوزا إخراجها في جميع شهر رمضان وجعل آخر يوم منه أفضل
وقتها، والشيخ أيضا جوز إخراجها في الشهر والأكثر على تقديمها فيه قرضا ثم
يحتسب، وفي الصحيح من الأخبار عن الباقر والصادق عليه السلام: هو في
سعة أن يعطيها من أول يوم يدخل من شهر رمضان إلى آخره، وعليه اعتمد في
المختلف، وهو محمول على القرض توفيقا بينه وبين الأخبار الباقية.
ولا يجوز تأخيرها عن الزوال إلا لعذر فيأثم بدونه، ويجب قضاؤها عزلها أو
لا، وقال ابنا بابويه والمفيد: تسقط ويأثم إن تعمد، وقال ابن إدريس: تجب بنية
أداء كالمالية لوجود سبب الوجوب فيهما ويشكل بعدم التجديد في المالية
بخلاف الفطرة.
وتجدد الشرائط مبني على الوقت، ويستحب فيما بين الوقت إلى الزوال، ولو
عدم المستحق وهو من تقدم في زكاة المال - وجبت نية القضاء واستحب العزل،
ولو أدركته الوفاة وجب عزلها والإيصاء بها، ولا تسقط بموته بل تخرج من
صلب التركة ويحاص الدين.
ولا يجوز تأخيرها مع وجود المستحق فيضمن ويأثم، وكذا نقلها وكرهه
ابن إدريس، والأفضل إخراجها في بلده وإن كان ماله في غيره، ولا يعطي الفقير
أقل من صاع وجوبا في ظاهر كلام معظم الأصحاب، وصرح كثير منهم بالمنع
من النقص عن صاع كابني بابويه والمرتضى، وقال الشيخ: يستحب، ونسبه في
المختلف إلى الشذوذ، ولو ضاقت عنهم وزعت، ويجوز أن يعطي غناه دفعة.
ويجوز للمالك صرفها بنفسه ودفعها إلى الإمام أو الفقيه أفضل، ولو تلفت
في يد أحدهما بغير تفريط فلا ضمان عليهما ولا على المخرج كزكاة المال.
ويستحب اختصاص القرابة والجيران وتحري الأعلم والأورع، وتجب النية
في إخراجها وعزلها المشتملة على الوجوب والقربة والتعيين والأداء والقضاء.
332

الفصل الثالث: في المخرج:
وهو صاع مما يقتات به غالبا، وقصره جماعة على الغلات الأربع والأرز
والأقط واللبن، لرواية إبراهيم الهمداني في مكاتبة الهادي عليه السلام، وهو على
الأفضل، فيجوز الإخراج من الذرة والدخن والسلت، ولو قلنا يغاير الحنطة.
والأفضل التمر ثم الزبيب ثم غالب قوت البلد، وقال سلار: الأفضل الأرفع
قيمة، وفي الخلاف: المستحب غالب القوت العام لا قوت نفسه، وقال ابن
البراج: بتخصيص أهل الحرمين واليمامة والبحرين والعراقين وفارس والأهواز
وكرمان وأطراف الشام بالتمر، وتخصيص أهل الموصل والجزيرة وخراسان
والجبال بالحنطة والشعير، وبتخصيص أوساط الشام ومرو من خراسان والري
بالزبيب، وتخصيص أهل طبرستان بالأرز، وأهل مصر بالبر، والأعراب بالأقط ثم
اللبن لحديث الهمداني وهو محمول على الأغلب أو الأفضل.
والصاع تسعة أرطال بالعراقي وزنه ألف درهم ومائة وسبعون درهما من
جميع الأجناس على الظاهر من كلام الأكثر، وقال الشيخ: يجزئ من الأقط
واللبن ستة أرطال، وتبعه ابن حمزة وابن إدريس في اللبن، وفي رواية مرسلة:
أربعة أرطال من اللبن، وفسره الشيخ بالمدني لرواية أخرى، وأكثر الروايات على
عدم الفرق.
ويجوز العدول إلى القيمة اختيارا بسعر الوقت، وقال المفيد: سئل الصادق
عليه السلام عن القيمة فقال: درهم في الغلاء والرخص، وروي: إن أقل القيمة في
الرخص ثلثا درهم، وروى الشيخ عن إسحاق بن عمار عن الصادق عليه السلام
درهما، ثم قال الشيخ: هذه رخصة لو عمل بها لم يأثم، ونزله بعض الأصحاب
على سعر ذلك الزمان.
والدقيق والسويق قيمة عند الشيخ، فالخبز بطريق الأولى، وقال ابن
إدريس: الخبز أصل فيلزمه إصالة الدقيق والسويق بطريق الأولى، وفي الخبر عن
الباقر والصادق عليه السلام ذكر الدقيق والسويق والذرة والسلت.
333

ولو كان نصف صاع دقيق بإزاء صاع شعير أو حنطة فظاهر الشيخ
إجزائه، بل ظاهره أنه يجزئ نصف صاع حنطة عن صاع شعير وغيره بالقيمة،
ونظيره في المختلف، والأقرب أن الأصول لا تكون قيمة، نعم لو باعه على
المستحق بثمن المثل ثم احتسب الثمن قيمة عن جنس آخر أجزأ، ومنع الشيخ
من إخراج صاع من جنسين لمخالفة الخبر، وجوزه الراوندي والمحقق على
سبيل القيمة، وفي المختلف: يجوز أصلا كما لو اتفق الشركاء في العبد،
والأقرب أن الاعتبار بالكيل فلو نقص المكيل عن الوزن لخفة الجوهر احتمل
الإجزاء، ولو زاد المكيل عن الوزن ففي وجوب الزائد نظر.
ويجوز الإخراج من غير الغالب على قوته وإن كان مرجوحا لكن الغالب
أفضل، ولو اشتمل البر على تراب يسير جرت العادة به أو زوان فالظاهر الإجزاء
ولو كان التصفية أفضل، ولو خرج إلى حد الكثرة أو كان في المخرج عيب لم
يجزئ، وروى جماعة عن الصادق عليه السلام: إجزاء نصف صاع من بر، ولعله
تقية لما روي أن معاوية قال: إني لا أرى مدين من صمراء الشام تعدل صاعا من
تمر، فأخذ الناس بذلك، وحمله الفاضل على القيمة عن غيره.
334

كتاب الخمس
وهو الحق الواجب في الغنيمة للإمام الأعظم عليه السلام وقبيله، ودل على
وجوبه في الجملة الكتاب والسنة والإجماع، وبيانه في فصلين:
الأول: في محله:
وهو بشهادة الاستقراء سبعة داخلة في اسم الغنيمة:
أحدها: غنائم دار الحرب من الحيوان الأناسي وغيره، والمنقول وغيره، ما
لم يكن غصبا من مسلم أو مسالم فهو للمغصوب منه.
ولا يعتبر في الغنيمة مقدار على الأصح، وقال المفيد رحمه الله: في الغرية
يعتبر فيها بلوع عشرين دينارا، واختلف الشيخ وابن الجنيد في النفل وهو ما
جعله الإمام لبعض الغانمين كنفل البدأة والرجعة، فأوجب فيه الخمس ابن
الجنيد ونفاه الشيخ، وكذا الخلاف في السلب فنفى الشيخ الخمس فيه على
الإطلاق وبه قال ابن الجنيد في كتاب الأنفال، وقال في كتاب الخمس: يجب فيه
الخمس إذا كان المنفل له غير إمام عدل ولا صاحبه يعني نائب الإمام.
وقال بعض الأصحاب: يقدم الخمس على المؤن كلها، فعلى هذا يخمس
النفل والسلب والجعائل وغيرها، وقال أبو الصلاح: يخرج الإمام صفاياه ومؤنه
ويخمس الباقي.
335

ولا يشترط في وجوب الخمس في الغنيمة قبض العسكر، بل تجب فيما لم
يحوه من الأرضين والأموال البعيدة.
وثانيها: المعادن واشتقاقها من عدن إذا أقام لإقامتها في الأرض سواء
كانت منطبعة كالنقدين والحديد والصفر والرصاص، أم غير منطبعة كالياقوت
والعقيق والبلخش والفيروزج، أم سائلة كالقار والنفط والكبريت والملح، وألحق
به حجارة الرحى، وكل أرض فيها خصوصية يعظم الانتفاع بها كالنورة والمغرة
والجص.
ويشترط فيها بلوع عشرين دينارا وقيمتها بعد المؤونة، والظاهر الاكتفاء
بمائتي درهم أيضا كما هو ظاهر الأصحاب، وإن كانت صحيحة البزنطي عن
الرضا عليه السلام لم تتضمنها، وأكثر الأصحاب ظاهرهم الوجوب في مسماه،
ومنهم من صرح به كالشيخ في الخلاف وابن إدريس، وقال أبو الصلاح: نصابه
دينار، وهو مروي عن أبي الحسن عليه السلام، ولا فرق بين كون الآخذ من
المعادن مكلفا أو لا، حرا أو عبدا.
فروع:
الأول: لو استأجر على إخراج المعدن فالخارج للمستأجر، ولو نوى الأجير
التملك لنفسه لم يملك.
الثاني: يمنع الذمي من العمل في المعدن لنفسه فإن خالف، قال في
الخلاف: يملك ويخمس.
الثالث: لو وجد معدنا في أرض مملوكة فهو لصاحبها ولا شئ للمخرج ولا
تعد هذه مؤونة بالنسبة إلى المالك.
الرابع: لو أخرج خمس تراب المعدن ففي إجزائه عندي نظر من اختلافه في
الجوهر، ولو اتخذ منه دراهم أو دنانير أو حليا فالظاهر أن الخمس في السبائك لا
336

غير.
الخامس: لا يشترط في المعدن الإخراج دفعة بل يضم بعضه إلى بعض،
وشرط الفاضل أن لا يتخلل بين المرات إعراض فلو أهمله معرضا ثم أخرج لم
يضم، في اشتراط اتحاد المعدن في النوع نظر، فإن قلنا به لم يضم الذهب إلى
الحديد والمغرة وإلا ضم، وهو قوله رحمه الله.
السادس: ولو اشترك جماعة في استخراجه اشترط بلوع نصيب كل واحد
النصاب، وظاهر الرواية قد يفهم منه عدم الاشتراط، ونعني بالشركة الاجتماع
على الحفر والحيازة، فلو اشترك قوم فصدر عن بعضهم الحفر ومن آخرين النقل
وعن قوم السبك، احتمل كونه للحائز وعليه أجرة الناقل والسابك واحتمل
كونه بينهم أثلاثا، ويرجع كل واحد منهم على الآخرين بثلث أجرة عمله بناء على
أن نية الحائز تؤثر في نية ملك غيره.
وثالثها: المكنوز، ويسمى الكنز الركاز وهو المال المدفون في الأرض،
مشتق من الركز وهو الصوت الخفي وله شرطان:
الأول: أن يبلغ عشرين دينارا ويمكن إقامة نصاب الفضة مقامها.
الشرط الثاني: أن يكون في دار الحرب سواء كان عليه أثر الإسلام أم لا،
وفي دار الإسلام إذا خلا من أثره ونعني بأثر الإسلام اسم النبي صلى الله عليه وآله
أو أحد ولاة الإسلام، ولو وجد في كنز دار الإسلام أثره فالأقرب أنه لقطة، ولو
كان في ملك الغير عرفه فإن عرفه فله وإلا فللواجد ويخمسه، ولو وجده فيما
ابتاعه عرف كل من جرت عليه يده، ولو وجده في موروث وجب تعريف كل
وارث فإن نفوه عرف من سبقهم من الملاك.
فروع:
الأول: لا فرق بين كون واجده حرا أو عبدا مكلفا أو غيره مسلما أو كافرا
337

ويتناول الإخراج الولي.
الثاني: لا فرق بين أنواع الكنوز مما يعد مالا، وفي ضم بعض الأنواع إلى
بعض نظر، ولا يعتبر فيه الإظهار بل يجب الخمس وإن كتمه الواجد.
الثالث: اعتبار النصاب بعد المؤونة، والظاهر أنه يجب في الزائد عن النصاب
من غير اعتبار ما يعتبر في الزكاة، ويلوح من الرواية اعتباره ولا يشترط إخراجه
دفعة.
الرابع: لو استأجره على حفره فهو للمستأجر وإن استأجره على حفر بئر مثلا
فهو للأجير إذا كانت الأرض مباحة.
الخامس: لو اختلف مالك الدار ومستأجرها أو مستعيرها أو معمرها في
ملكية الكنز عمل بقرينة الحال مع اليمين، أما للمالك فكظهور التقدم على زمان
الإجارة وإما للمستأجر فكظهور التأخر، ومع عدم القرينة فللشيخ قولان، ففي
المبسوط: يحلف المالك لسبق يده ولأن داره كيده وهو اختيار المحقق في
المعتبر، وفي الخلاف: للمستأجر لثبوت يده حقيقة ويد المالك حكما ولاستبعاد
إجارة دار فيها كنز، وهو اختيار الفاضل في المختلف وهو قريب.
أما لو اختلفا في القدر حلف من نسب إلى الخيانة ولو نفياه عن أنفسهما تتبع
الملاك من قبل.
ورابعها: الغوص، وهو كل ما يخرج من البحر من اللؤلؤ والمرجان
والذهب والفضة التي ليست عليها سكة الإسلام، ولو كان عليها سكة الإسلام ففي
اعتبارها عندي نظر، ورواية السكوني تستلزم كونها غير معتبرة لأنه حكم بكون
مال السفينة المنكسرة الخارج بالغوص للمخرج، ويعتبر بلوغه دينارا أو قيمته
والبحث في الدفعة والدفعات كما سلف، والأقرب ضم الجميع وإن أعرض أو
تباعد الزمان.
338

فروع:
الأول: اعتبار الدينار في الغوص بعد المؤن ولو أخذ منه شئ من غير غوص
فالظاهر أنه بحكمه ولو كان مما ألقاه الماء على الساحل، أما العنبر فالنص عن
أبي الحسن عليه السلام أن فيه الخمس، ولكن هل هو من المعادن أو من
الغوص؟ فصل بعض الأصحاب فقال: إن أخرج من قعر البحر فهو من الغوص
وإن جنى من وجه الماء أو من الساحل فهو معدن، وهل هو نابت في الماء أو من
عين في البحر؟ قال الشيخ بالأول، وقال أهل الطب هو جماجم يخرج من عين
في البحر أكبرها وزنه ألف مثقال.
الثاني: الحيوان المصيد من البحر من باب الأرباح، وقال الشيخ: لا خمس
فيه، والظاهر أنه أراد نفي كونه من الغوص، وكان بعض من عاصرنا يجعله من
قبيل الغوص.
الثالث: لو اشترك جماعة في الغوص فالأقرب اشتراط بلوع نصيب كل
واحد منهم نصابا ويضم أنواع المخرج بعضها إلى بعض في التقويم ولا يتعين
الإخراج من العين بل تجزئ القيمة.
وخامسها: أرض الذمي المنتقلة إليه من مسلم بالشراء أو غيره وإن كانت
رواية أبي عبيدة عن الباقر عليه السلام بلفظ الشراء ولم يذكرها ابن أبي عقيل
وابن الجنيد والمفيد وسلار وأبو الصلاح.
فروع:
الأول: لا فرق على القول بالوجوب بين ما خمس من الأرض كالمفتوحة
عنوة وبين غيرها في موضع جواز بيع المفتوحة عنوة تبعا لآثار المتصرف.
الثاني: لو اشتملت على أشجار وبناء فالخمس واجب في الأرض لا فيهما،
وفي المعتبر الظاهر أن المراد أرض الزراعة لا المساكن، فظاهره أن المراد انتفاء
339

الخمس في أرض المسكن، ويجوز الأخذ من الرقبة ومن الارتفاع، ولا يشترط
فيها النصاب ولا الحول ولا النية.
الثالث: لو باعها الذمي على ذمي آخر لم يسقط الخمس إذا لم يكن قد أخذ،
ولو باعها على مسلم فالأقرب أنه كذلك لأن أهل الخمس استحقوا في العين.
الرابع: لو شرط الذمي في البيع سقوط الخمس عنه فسد الشرط والأولى
إفساده البيع، ولو تقايلا بعد البيع احتمل سقوط الخمس لأن الإقالة فسخ عندنا.
وسادسها: الحلال المختلط بالحرام، ولا يعرف قدره ولا صاحبه لما روي
عن أمير المؤمنين عليه السلام، ولم يذكره ابن الجنيد والمفيد وابن أبي عقيل،
وربما احتج المانع برواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام: ليس
الخمس إلا في الغنائم خاصة، قلنا كل ذلك غنيمة.
فروع:
الأول: لو عرف صاحب الحرام وقدره دفعه إليه، ولو عرفه دون قدره
صالحه عليه ولا خمس بعد ذلك، ولو عرف قدره خاصة ويئس من صاحبه
تصدق به عن صاحبه على مصارف الزكاة، ولو علم زيادته على الخمس وشك
في قدر الزيادة فالظاهر أنه يتصدق بما يغلب على ظنه، وقال الفاضل: يجب
الخمس ثم ما يغلب على الظن من الزائد، وقال الشيخ في المبسوط: إذا اختلط
الحلال بالحرام وغلب الحرام احتاط في إخراج الحرام منه وإن لم يتميز له خمسه
وحل الباقي.
الثاني: لا فرق بين أن يكون المختلط من كسبه أو من ميراث يعلم ذلك فيه،
ولا يشترط في ذلك نصاب.
الثالث: لو كان خليط الحرام فيما فيه الخمس كالمعادن والغوص والأرباح
لم يكف خمس واحد لأنه ربما يكون بإزاء الحرام، بل يجب الاحتياط هنا بما
340

يتعلق بما يغلب على الظن من خمس الحلال، ثم يخمس الباقي بعد الحلال
المظنون، ولو تساوى الاحتمالان في المقدار احتمل إجزاء خمس واحد لأنه يأتي
على الجميع.
الرابع: لو أخرج الخمس ثم تبين الزيادة عليه أما معلومة المقدار أو مجهولة
احتمل إخراج الزائد صدقة، واحتمل استدراك الصدقة في الجميع بالاسترجاع
فإن لم يمكن أجزأ وتصدق بالزائد، ولو تبين المالك بعد الإخراج فالأقرب
الضمان ويحتمل عدمه لامتثال الأمر.
الخامس: ظاهر الأصحاب أن مصرف هذا الخمس أهل الخمس، وفي
الرواية: تصدق بخمس مالك فإن الله تعالى رضي من الأموال بالخمس، وهذه
تؤذن بأنه في مصارف الصدقات لأن الصدقة الواجبة محرمة على مستحق
الخمس.
وسابعها: جميع أنواع التكسب من تجارة وصناعة وزراعة وغير ذلك
ويعتبر فيها إخراج مؤونة سنته له ولعياله، ومنها قضاء دينه وحجه وغزوته وما
ينوبه من ظلم أو مصادرة على الاقتصاد من غير إسراف ولا إقتار، فيجب خمس
الزائد عن ذلك، وظاهر ابن الجنيد وابن أبي عقيل العفو عن هذا النوع وأنه لا
خمس فيه، والأكثر على وجوبه وهو المعتمد لانعقاد الإجماع عليه في الأزمنة
التابعة لزمانيهما واشتهار الروايات فيه.
فروع:
الأول: أوجب أبو الصلاح في الميراث والهدية والهبة الخمس، ونفاه ابن
إدريس والفاضل للأصل، فلا يثبت الوجوب مع الشك في سببه، نعم لو نمى
ذلك بنفسه أو باكتساب الحق بالأرباح.
الثاني: لو قتر في النفقة فلا شئ في الفاضل بسبب الإقتار، ولو أسرف وجب
341

في الفائت بسبب الإسراف.
الثالث: لا يعتبر الحول في الوجوب بمعنى توقف الوجوب عليه بل بمعنى
تقدير الاكتفاء فلو علم الاكتفاء من أول الحول وجب الخمس ولكن يجوز تأخيره
إلى آخره احتياطا له وللمستحق لجواز زيادة النفقة بسبب عارض أو نقصها، ولا
يعتبر الحول فيما عدا المكاسب.
وثامنها: العسل المأخوذ من الجبال والمن ذكره الشيخ رحمه الله وابن
إدريس وجماعة، وهل هو قسم بانفراده أو من قبيل المعادن أو من قبيل الأرباح؟
ظاهر الفاضل أنه من قبيل الأرباح، وقال السيد المرتضى: لا خمس فيه، فيحتمل
نفي الماهية ويحتمل نفي الخصوصية، ونفي بعض الأصحاب الخمس عن
المسك، والاحتمالان فيه قائمان والظاهر أنه من المكاسب.
الفصل الثاني: في مصرف الخمس:
وهو المذكور في الآية، قال الأصحاب: فسهم الله ورسوله وذي القربى
للإمام، عليه السلام والثلاثة الأخر وهي النصف ليتامى الهاشميين ومساكينهم
وأبناء سبيلهم، وشذ قول ابن الجنيد أنه مقسوم على ستة أقسام، فسهم الله يلي أمره
الإمام، وسهم رسول الله صلى الله عليه وآله لأولي الناس به رحما وأقربهم إليه
نسبا، وسهم ذي القربى لأقارب رسول الله صلى الله عليه وآله من الهاشميين و
المطلبيين، وروى ابن بابويه عن الصادق عليه السلام: سهم الله للرسول يضعه
في سبيل الله وخمس الرسول لأقاربه، وخمس ذوي القربى لأقاربه، وقال ابن
الجنيد: المراد باليتامى والمساكين وأبناء السبيل العموم، لكن يقدم ذوي القربى
فإن فضل عنهم شئ فلمواليهم عتاقة فإن فضل شئ فللأصناف الثلاثة من
المسلمين، وهذا من الشذوذ بمكان.
وروى ربعي في الصحيح عن الصادق عليه السلام: إن خمس الخمس للنبي
342

صلى الله عليه وآله وأربعة أخماسه لذوي القربى واليتامى والمساكين وأبناء
السبيل، و المعتمد الأول.
ويشترط الانتساب بالأب فلا يكفي الأم، وقال المرتضى وابن حمزة: يكفي،
والأول مروي عن الكاظم عليه السلام.
ويشترط فيهم الإيمان لا العدالة على الأقرب فيهما، ولا تجب القسمة في
الأصناف الثلاثة وإن كان أحوط، وظاهر الشيخ وأبي الصلاح الوجوب، وفي
رواية البزنطي يفوض إلى الإمام.
ويشترط في المسكين ما سلف وكذا ابن السبيل، وأما اليتيم وهو الطفل
الذي لا أب له، فقال الشيخ وابن إدريس: لا يعتبر فيه الفقر، وإلا لتداخلت
الأقسام، والوجه اشتراطه، ولا تداخل للمغايرة بوجه، ومع حضور الإمام يدفع
إليه جميع الخمس فيقسمه على الأصناف بحسب احتياجهم، فالفاضل له والمعوز
عليه، للرواية عن الكاظم عليه السلام، وقال ابن إدريس: لا يحل له الفاضل ولا
يجب عليه الإكمال.
ولو أخرج المكلف حصة الأصناف أجزأ عند المحقق رحمه الله، وينبغي
استثناء ما يغنم من المشركين فإنه لا يتولاه غير الإمام، ومع الغيبة أقوال أصحها
صرف النصف إلى الأصناف الثلاثة وجوبا أو استحبابا، ولا تجب التسوية بينهم،
وحفظ نصيب الإمام إلى حين ظهوره، ولو صرفه العلماء إلى من يقصر حاصله من
الأصناف كان جائزا بشرط اجتماع صفات الحكم فيهم.
ويستحب توقير بني فاطمة عليها السلام على باقي الهاشميين لزياد القرب إلى
النبي صلى الله عليه وآله ثم باقي بني علي عليه السلام ثم باقي الطالبيين ثم الباقون
من الهاشميين، وظاهر المفيد في الغرية: أنه لا يشترط فيه الحاكم.
ورخص في حال الغيبة المناكح والمساكن والمتاجر أي حل الأمة المسببة
وإن كانت للإمام وسقوط الخمس في المهر وفي المسكن وفيما يشترى ممن لا
يخمس إلا إذا نما فيجب في النماء، وقول ابن الجنيد بأن الإباحة إنما هي من
343

صاحب الحق في زمانه فلا يباح في زماننا ضعيف، لأن الروايات ظاهرها العموم
وعليه إطباق الإمامية.
ولا يجوز نقل الخمس إلى بلد آخر إلا مع عدم المستحق فيضمن بالنقل،
ولا يجب تتبع الغائب بل يقسم على من حضر، ولو احتيج إلى نقله اقتصر على
أقرب الأماكن فالأقرب، والأقرب أنه لا يجوز أن يتجاوز بالدفع إلى المسكين
مؤونة السنة وإن كان دفعة لما قلناه من قسمة الإمام عليه السلام.
ويلحق بذلك الأنفال:
وهي ما يختص به الإمام عليه السلام بالانتقال من النبي صلى الله عليه وآله،
وهي: كل أرض لم يؤجف عليها بخيل ولا ركاب، أو انجلى أهلها عنها، أو
سلموها بغير قتال، أو باد أهلها وإن كانوا مسلمين.
وميراث من لا وارث له، ورؤوس الجبال، وبطون الأودية والآجام، وموات
الأرض التي لا مالك لها، وصفايا الملوك من أهل الحرب وقطائعهم غير
المغصوبة من محترم المال كالمسلم والذمي.
وصفو الغنيمة بحسب اختياره، وليس له الاستغراق خلافا لأبي الصلاح،
وغنيمة من يقاتل بغير إذنه على المشهور، ومع وجوده لا يجوز التصرف في شئ
من ذلك بغير إذنه، فلو تصرف متصرف أثم وضمن، ومع غيبته فالظاهر إباحة
ذلك لشيعته، وهل يشترط في المباح له الفقر؟ ذكره الأصحاب في ميراث فاقد
الوارث، أما غيره فلا.
ومنع ابن إدريس من اختصاص الإمام برؤوس الجبال وبطون الأودية على
الإطلاق بل قيد ذلك بما يكون في موات الأرض أو الأرض المملوكة للإمام،
وهذا القول يفضي إلى التداخل وعدم الفائدة في ذكر اختصاصه بهذين النوعين.
وأما المعادن الظاهرة والباطنة فأثبتهما من الأنفال بعض الأصحاب، والوجه
أنهما للمسلمين.
344

المحرر في الفقه الشيخ جمال الدين أبو العباس
أحمد بن شمس الدين محمد بن فهد الأسدي الحلي
757 - 841 ه‍. ق
345

كتاب الزكاة
وهي قسمان:
الأول: في زكاة المال:
والنظر فيما يجب فيه وعليه وله:
النظر الأول:
فيما تجب فيه:
تجب الزكاة في الأجناس التسعة: الإبل والبقر والغنم، والذهب والفضة،
والحنطة والشعير والتمر والزبيب.
ولا تجب فيما عداها، بل يستحب فيما يكال أو يوزن إذا لم يكن من الفواكه
أو الخضر، والاستحباب فيه على حذو الوجوب في الغلات، أعني اعتبار السقي
وبلوع النصاب.
وفي الخيل من الحيوان بشرط الحول والأنوثة والسوم، فعن العتيق ديناران،
وعن البرذون دينار، وفي حاصل العقار المتخذ للنماء قل أو كثر.
وفي مال التجارة بشرط الحول وبلوع النصاب بأحد النقدين، وأن يطلب
في جملته برأس ماله أو الربح، ولا يتعلق بغير ذلك.
347

ويعتبر في الواجبة شروط:
الأول: النصاب:
وهو في الإبل اثنا عشر: خمسة كل واحد خمس، في كل واحدة شاة، ثم
ست وعشرون وفيها بنت مخاض، ثم ست وثلاثون وفيها بنت لبون، ثم ست
وأربعون وفيها حقة، ثم أحد وستون وفيها جذعة، ثم ست وسبعون وفيها بنتا
لبون، ثم إحدى وتسعون وفيها حقتان، ثم مائة وواحدة وعشرون، ففي كل
خمسين حقة، وفي كل أربعين بنت لبون، ولو أمكن فرضهما في عدد تخير
المالك أحدهما أو هما.
وفي البقر نصابان: ثلاثون وفيها تبيع أو تبيعة ثم أربعون وفيها مسنة.
وفي الغنم خمسة: أربعون وفيها شاة، ثم مائة وواحد وعشرون وفيها شاتان،
ثم مائتان وواحدة ففيها ثلاث، ثم ثلاثمائة وواحدة ففيها أربعة، ثم في كل مائة
شاة بالغا ما بلغ.
وما لا يتعلق به من الإبل يسمى شنقا، ومن البقر وقصا، ومن الباقي عفوا.
وفي الذهب نصابان: عشرون مثقالا وفيه نصف مثقال، ثم أربعة وفيه عشر
دينار.
وفي الفضة نصابان: مائتا درهم وفيها خمسة دراهم، ثم أربعون وفيها درهم.
وفي الغلات نصاب واحد، وهو خمسة أوسق قدرها ألفان وسبعمائة رطل
بالعراقي، كل رطل مائة وثلاثون درهما.
الثاني: الحول:
وهو أحد عشر شهرا، يعلم كمالها بدخول الثاني عشر، ولا يجزئ السخال
في حول أمهاتها حتى تستغني بالرعي، ولو ملك أربعين في نصف حول، ثم اثنين
وثمانين، فعند كمال حول الأولى يخرج شاة، ثم يستأنف الحول المائة وإحدى
وعشرين.
348

ومثله لو ملك ثلاثين بقرة، وبعد نصف حول ملك إحدى عشرة، ابتدأ
حول الثانية بعد تمام حول الأولى.
ولو كان الجديد عشرة، فإن أخرج عن الأولى عن غير العين فكالأول، وإن
أخرج من عينها جرى الحول على ثلاثين والزائد وقص، ولو ارتد عن فطرة
استأنف ورثته الحول، ويجري عليه لو كان عن غيرها.
الثالث: السوم:
فلا تجب في المعلوفة ولو بعض الحول، ولو اشترى مرعى أو احتش لها
فمعلوفة، ولو أخذ السلطان منه عن المرعى فسائمة.
والشاة المأخوذة أقلها الجذع من الضأن وهو ما كمل سبعة أشهر، والثني
من المعز، وبنت المخاض ما تم لها حول ودخلت في الثانية، وبنت اللبون في
الثالثة، والحقة في الرابعة، والجذعة في الخامسة، والتبيع ما دخل في الثانية،
والمسنة في الثالثة.
ولو لم يكن عنده سن وجبت عليه وعنده الأعلى بسن دفعها وأخذ شاتين أو
عشرين درهما، ولو انعكس جبرها بذلك، ولو كان التفاوت بأكثر من درجة
رجع إلى القيمة السوقية، ويجوز أن يدفع عما وجب عليه قيمة السوقية وقت
الدفع، والعين أفضل خصوصا الغنم.
ويكره أن يملك ما أخرجه اختيارا، ولا كراهة في الميراث، وما اشتراه وكيله
من غير علمه.
ولا تؤخذ الهرمة وذات العوار والمريضة إلا عن مثلها، ولا الوالد إلى خمسة
عشر يوما، ولا فحل الضراب، ولا الأكولة وهي السمينة التي أعدها للأكل، ويعد
عليه الجميع.
349

تتمة:
يعتبر في النقدين كونهما مضروبين للمعاملة، فلا زكاة في السبائك وإن
قصد بها الفرار إلا بعد الحول، ولو خلف لعياله قدر النصاب فصاعدا ومضى عليه
الحول فإن كان حاضرا وجبت وإلا فلا.
والدرهم ست دوانيق، والدانق ثمان حبات من أوسط حب الشعير، فتكون
العشرة سبعة مثاقيل.
ويعتبر في الغلات أن تملك بالزراعة، فلا زكاة فيما يملك حبا، ولا يتكرر
فيها وإن بقيت أحوالا، وتتعلق بها الزكاة عند انعقاد حب الزرع والحصرم وزهو
الثمرة ولا يجب الإخراج حينئذ، بل عند الجذاذ والتصفية من التبن، ولو تلف فيما
بينهما بلا تفريط فلا ضمان، نعم لو باعها أو وهبها فالزكاة عليه.
ويجب الخرص ليتصرف، ويخرص بنفسه، والأجود عارفان، وخارص
الإمام أولى، ويجوز التقبيل ويستقر بالسلامة، ويملك ما زاد ويضمن ما نقص
بيسير فيهما، ولو كان كثيرا يعلم كونه غلطا استدرك له وعليه.
ولو أخرجها فيما بينهما، بأن قسم الزرع أو قاسم على رؤوس النخل أو
صرمها وأخرج بسرا أو باعها وأخرج الثمن جاز، ولا يجوز قبل الزهو، وما لا يبلغ
من البسر تمرا تخرص على تقدير جفافه، فما بلغ النصاب وجبت فيه.
وكذا البحث في العنب والحصرم وما يسقى سيحا أو بعلا أو عذيا كان فيه
العشر، وما سقي بالدوالي فيه نصف العشر، ولو اجتمعا حكم للأغلب ولو تساويا
أو أشكل فثلاثة الأرباع بعد المؤونة، وثمن الثمرة، وأجرة الناطور، وحصة
الأكار، وأجرة الأرض وحفر السواقي، وخراج الأرض، وما يأخذه الجائر
مصادرة بسبب النخل أو الزرع.
ولو كانت الأرض له أو عمل بنفسه لم يخرج لذلك أجرة، ويجمع ماله
من الثمرة في المتباعدة، فما بلغ نصابا وجبت فيه، ثم تجب فيما بعده وإن قل.
350

النظر الثاني:
من تجب عليه:
تجب على البالغ العاقل المالك للنصاب المتمكن من التصرف، فلا تجب
على الصبي، بل تستحب في غلاته ونقديه إذا اتجر له الولي، ولا تجب في مال
المجنون مطلقا، وتجب على الكافر ولا تصح منه، وتسقط بإسلامه.
ولا تجب على الممنوع قهريا كان المنع كالمغصوب، أو اتفاقيا كالضال
والمفقود، أو شرعيا كالمرهون مع تعذر الأداء بالأجل أو العسر ومنذور التصدق
به.
وتجب على الممنوع بالسفه والردة، ولا تجب على المملوك وإن تشبث
بالحرمة كأم الولد والمدبر والمكاتب المشروط والمطلق قبل أداء شئ، ولو
تبعض وبلغ نصيب الحرية نصابا وجبت فيه.
وتجب في العين لا الذمة، فلو حال على النصاب أحوال فزكاة حول، ولو
كان أزيد جبر من الزائد حتى ينقص النصاب، وعلى الفور فلو أخر مع المكنة
صمن، ولو عزلها مع النية صارت أمانة لا يضمنها بدون التفريط أو التعدي، ولو
أراد التصرف فيها بعد ذلك لم يمنع منه وعادت إلى ذمته بمجرد العزم وإن لم
يتصرف.
ولا بد من النية المشتملة على الوجوب أو الندب، وكونها زكاة مال أو فطرة
عند الدفع إلى الفقير أو الساعي أو الإمام من الدافع مالكا أو وكيلا، ولا يجب على
الإمام والساعي إلا أن يأخذها قهرا.
ويجب دفعها إلى الإمام إذا طلبها ويأثم لو منع، فإن أخرجها أثم وأجرأت
بخلاف الخمس، ويستحب دفعها إليه ابتداءا، ومع الغيبة إلى الفقيه فإنه أبصر
بمواقعها، ولتوجه قصد المحاويج إليه، ولما فيه من رفع الغض عن الفقير،
ولاشتماله على الاستتار وتعظيم شعائر الله بإجلال منصب الفقيه.
ولا يجوز تقديمها قبل وقت الوجوب، فإن آثر ذلك دفع مثلها قرضا
351

واحتسبها عند الحول مع بقاء الشرائط في المال والقابض.
ولو صار الفقير غنيا بها جاز احتسابها عليه ولا يجب أخذها وإعادتها، ولو تم
بها النصاب سقطت.
ويكره نقلها مع وجود المستحق فيضمن، ولو أخرها للبسط لم يأثم
ويضمن.
النظر الثالث:
وهم الأصناف الثمانية المذكورة في الآية:
الفقراء والمساكين، ويشملهما من نقص ماله عن مؤونة السنة له ولعياله
الواجبي النفقة، ولو استغنى بكسبه حرمت عليه، ولا يمنع لو ملك الدار والخادم
إذا كان من أهله، وكذا من في يده ما يتكسب به وقصر حاصله عن كفايته ولو
سبعمائة درهم، ويمنع لو استنمي كفايته ولو كان رأس ماله درهما.
ويعطي مدعي الفقر وإن كان قويا في بدنه، وكذا من عرف له أصل مال إذا
ادعى تلفه ولم يعلم كذبه ولا يجب إحلافه، ولو بان غير مستحق ارتجعت مع
المكنة، وإن تعذر فلا ضمان إن كان اجتهد، والعاملون عليها وهم جباتها.
والمؤلفة، وهم كفار يستمالون إلى الجهاد أو الإسلام بالأسهام من الزكاة، أو
مسلمون لهم نظراء إذا أعطوا رغب النظراء في الإسلام، أو مسلمون مطاعون
يرجى قوة إيمانهم ومساعدة قومهم، أو مسلمون في الأطراف بالعطايا يمنعون
الكفار من الدخول، أو أهل قوة إذا أعطوا أخذوا الزكاة من مانعيها.
وفي الرقاب، وهم المكاتبون والعبيد في شدة، وإذا لم يوجد مستحق.
والغارمون، وهم المدينون في غير معصية، ويمنع من صرفه فيها، ولو جهل
الأمران فلا منع.
وفي سبيل الله، وهو الجهاد وكل مصلحة كبناء القناطر والمساجد
وإصلاح الطرقات.
352

وابن السبيل، وهو المجتاز لا المقيم عشرا مع النية، إلا مع الضرر كانتظار
الرفقة.
ويعتبر الإيمان ومجانبة الكبائر في الأولين، وأن لا يكون واجب النفقة ولا
هاشميا، وفي العامل العدالة والفقه في الزكاة، وأن لا يكون هاشميا،
ولا يعتبر الفقر ولا كونه غير واجب النفقة.
ولا يعتبر الإيمان ولا الفقر في المؤلفة، ويعتبر في المكاتب عدم ما يصرفه في
الكتابة، وكذا الغارم.
ويعتبر الحاجة في أربعة: الفقير والمسكين والغارم والمكاتب، ويعطي مع
الغنى أربعة: العامل والغازي والغارم لذات البين والمؤلفة.
ويملك ما يدفع إليه مستقرا أربعة: الفقير والمسكين والعامل والمؤلفة،
ويملك مراعى أربعة: المكاتب والغارم والغازي وابن السبيل، فلو صرفه الغارم
في غير القضاء، أو الغازي لا في الجهاد، أو فضل مع ابن السبيل إلى بلده، أعاده
إلى مالكه، فإن تعذر فإلى الحاكم، فإن تعذر فإلى الأصناف.
وابن السبيل يعتبر فيه الحاجة في بلد التسليم لا في بلده، نعم لو حصل له
من يدينه إلى بلده حرمت عليه، ولو كان واجب النفقة أعطي الزائد عليها
كالحمولة، وكذا لو كان مكاتبا أو غازيا أو غارما بقسميه جاز أن يقضى عنه، وإن
كان واجب النفقة حيا وميتا.
ويعطي من عدا الأبوين والولد والزوجة والمملوك وإن قربوا، كالأخ والعم
والزوج، وإن عاد نفعه عليها كالمديون، فلو مات المبتاع بمال الزكاة ورثه
أربابها.
ويعطي زكاة النعم أهل التجمل، والنقدين والغلات أهل المسكنة، ولا
يجب إعلامه أنها زكاة إلا مع التهمة، ويجوز التوصل بها لمن يستحيي من قبولها
على وجه الصلة أو الهدية وعلى وجه القرض ثم يحتسبها بعد ذلك.
ومن لا يقضى عنه في حال حياته يقضى عنه بعد موته، وإن تعذر قضاء الدين
353

بمنع الوارث أو تلف التركة.
القسم الثاني:
في زكاة الفطرة:
وتجب على الغني، وهو المالك لمؤونة السنة له ولعياله الواجبي النفقة،
يخرجها عنه وعمن يعوله مطلقا، وكذا من يحرم عليه بتكسبه وفضل عنده عن
قوت ليلة الفطر صاعا أخرجها.
ولا تجب على من حلت له الزكاة، بل تستحب له وإن قبلها، ومع الفاقة يدير
صاعا على عياله، والنية من كل واحد، ويتولاها الولي عن ناقص الحكم، ثم
يخرج إلى أجنبي.
والواجب صاع هو تسعة أرطال بالعراقي من الحنطة والشعير أو التمر أو
الزبيب أو الأرز أو اللبن أو الأقط، وله إخراج القيمة بسعر الوقت.
ووقت الوجوب غروب الشمس من ليلة الفطر ويمتد إلى زوال العيد، ثم
يصير قضاءا ويأثم بتأخيرها، وله إخراجها من أول رمضان أداءا، وقبله تكون
قرضا.
ولو ملك عبدا أو ولد له قبل الهلال وجبت، ولو كان بعده إلى قبل العيد
استحبت، وكذا الضيف، ولو كان عنده قبل الهلال بيوم أو يومين، ثم فارق ليلة
الهلال بعد الغروب ولم يطعم عنده لم يخرج عنه، بخلاف واجب النفقة ومن
وجبت زكاته على غيره كالزوجة والضيف سقطت عنه، إلا أن يكون الزوج
فقيرا وكذا المضيف.
ومصرفها كزكاة المال، ويستحب دفعها إلى الإمام، ومع غيبته إلى الفقيه.
ويستحب اختصاص القرابة ثم الجيران، وإخراجها في بلده، وزكاة المال في بلد
المال، ولا يدفع إلى الفقير أقل من صاع إلا مع الاجتماع والقصور، وإذا عزلها
وخرج وقت الوجوب كانت أداءا، ولو تلفت مع إمكان الدفع ضمن لا مع عدمه.
354

كتاب الخمس
ويجب في غنائم الحرب والمعادن والكنوز والغوص وأرباح التجارات
والصناعات والزراعات وأرض اشتراها الذمي من مسلم.
وفي الحلال إذا اختلط بالحرام وأشكل، فيخرج خمسه في أرباب الخمس، و
لو تميز مالكه وقدره دفعه إليه، ولو تميز المالك خاصة صالحه عليه، وبالعكس
يتصدق به عنه، ويستوي أرباب الخمس وغيرهم.
ويعتبر في الكنز والمعدن بلوع القيمة عشرين دينارا بعد المؤونة من الحفر
والسبك، وفي الغوص بلوع قيمته دينارا، ولا يشترط اتحاد الغوصة بل عدم نية
الإغواص، ولا فرق بين أن يخرجه بنفسه أو بآلته.
ولا شئ في الحيوان بل يلحق بالأرباح، ولا يجب فيها إلا أن يفضل عن
مؤونة السنة له ولعياله الواجبي النفقة من غير إسراف ولا تقتير.
ولو خمس قدرا واستمر يتعيش به جملة الحول، احتسب المؤونة في الحول
المستقبل من الربح الجديد، ولو تلف من ماله شئ بسبب التجارة، ثم ربح جبر
بالربح، نعم لو تلف الكل ثم ربح خمس الحاصل، ويقسم ستة أقسام: ثلاثة
للإمام، وثلاثة لليتامى والمساكين وأبناء السبيل ممن ينتسب إلى عبد المطلب
بالأب لا الأم وحدها.
ويعتبر الإيمان والفقر وإن كان يتيما لا العدالة، ويجوز وضعه في واحد
355

وبسطه أفضل، ويكره نقله عن بلده مع وجود المستحق فيه فيضمن إلا مع عدمه
، ويقاص الهاشمي بالدين كالزكاة.
ومع ظهوره عليه السلام يصرف إليه، فيفرق على الأصناف كفايتهم،
والفاضل له والمعوز عليه، وفي حال الغيبة يصرف النصف إلى مستحقه،
ويصرف مستحقه عليه السلام إلى الأصناف مع قصور كفايتهم، ويتولى ذلك
الفقيه.
وأبيح المناكح حال الغيبة والمساكن والمتاجر لنا خاصة، ومعناه في
الأول سقوط الخمس، وفي الباقين إباحة التصرف والانتفاع بهما مجانا، لا إسقاط
الخمس من ربحها.
ويختص بالأنفال، وهي ما ملك من الأرض من غير قتال، كفدك وموات
باد أهلها أو لم يكن لها أهل، ورؤوس الجبال وبطون الأودية والآجام، وما
يختص به ملوك أهل الحرب ما لم يكن مغصوبا من مسلم أو معاهد، وميراث
الحشري، وغنيمة من غزا بغير إذنه عليه السلام.
356

الموجز الحاوي
الشيخ جمال الدين أبو العباس
أحمد بن شمس الدين محمد بن فهد الأسدي الحلي
757 - 841 ه‍. ق
357

كتاب الزكاة
وأبوابه ثلاثة:
الأول: زكاة المال:
وتجب في كل عشرين دينارا مضروبة للتعامل حائلة أحد عشر شهرا
ودخول الثاني عشر، وهو من الثاني نصف دينار، ثم قيراطان في أربعة.
وفي كل مائتي درهم خالصة كذلك خمسة دراهم، ثم درهم في كل
أربعين، ويضم الأرغب والمرغوب، ويخرج بالنسبة، ومن المغشوشة بحسابها
صافية أو منها، ولو ماكس صفي مع علم البلوغ لا جهله.
وفي كل خمس من الإبل غير عوامل حائلة سائمة كاملة - وهي الراعية لا إن
كانت معلوفة، وإن لم يكن بثمن أو اشترى مرعى وإن كان لعذر بما يعتد به لا
اللحظة ولو عادة، أو استأجر أرض المرعى أو أخذ منه الظالم على الكلأ كما لو
علفها غير المالك متبرعا لا إن كان من مال المالك - شاة إلى ست وعشرين،
فبنت مخاض أو ابن لبون مخيرا، إلى ست وثلاثين فبنت لبون، إلى ست وأربعين
فحقة، إلى إحدى وستين فجذعة، إلى ست وسبعين فبنتا لبون، إلى إحدى
وتسعين فحقتان، إلى مائة وإحدى وعشرين ففي كل خمسين حقة، وفي كل
أربعين بنت لبون، ويتخير لو أمكن أحدهما أو هما.
وفي كل ثلاثين من البقر كذلك تبيع أو تبيعة، وفي كل أربعين مسنة. ولو
359

ملك ثلاثين نصف حول ثم أحد عشر فتبيع عند تمام حوله، ثم يستأنف
للأربعين، ولو كانت عشرا لم ينتقل عن الثلاثين إلا أن يخرج من غيرها.
وفي كل أربعين من الغنم كذلك شاة، وفي مائة وإحدى وعشرين شاتان،
وفي مائتي وواحدة ثلاث، وفي ثلاثمائة وواحدة أربع، فإذا بلغت أربعمائة ففي
كل مائة شاة.
ولو ملك أربعين ثم اثنين وثمانين أتم للأول واستأنف للثاني ولا شئ فيما
زاد. ولو تلف بعد الحول بلا تفريط جبر من الباقي، ولو كان قدر النصاب قسط
التالف. وتجزئ الهرمة المؤوفة عن مثلها، ولا تؤخذ الوالد إلى نصف شهر
كالأكولة وفحل الضراب وإن عددن، ولمن دفع أعلى بسن شاتين أو عشرين
درهما وعليه مع العكس بفقد الفريضة.
ويتخير في شراء الأعلى والأدون - ولا عبرة بالسوقية، وذلك مع الإمام
وعامله لا الفقيه والفقير بل السوق، كتضاعف الدرج والنصاب من البخاتي
والعراب والبقر والجاموس والضأن والمعز - وفي الإخراج بالنسبة، فلو تنصف
وتبيع البقر بعشرة، والجاموس بعشرين فخمسة عشر أو ما قيمته ذلك من
أحدهما، ويتخير في خمسة الإبل ما يسمى شاة ولو من غير البلد.
وفي كل خمسة أوسق هي ألفان وسبعمائة رطل عراقية من الحنطة والشعير
والتمر والزبيب لا العلس والسلت، والذرة والدخن والسمسم والأرز، كالزيتون،
والزيت والعسل ولو في العشرية ملكت بالزرع. ولو كان عاملا أو مالك أرض
زارع عليها بعد المؤن وحصة السلطان وثمن البذر إن اشتراه، وما يؤخذ منه بسببه
ولو مصادرة وضيافة المارة وثمن الثمرة وحفر الساقية وكري النهر لا إنشاؤه
وعمل المسناة بل مرمتها.
والضابط ما يتكرر كل سنة من المؤونة وما لا فلا كثمن أصل النخل
والأرض، كأجرة عمله والعوامل وسهم الدالية والأرض إن كانت مستعارة، ولو
استأجر للجميع أو غصب الأرض حسبت الأجرة ونصف العشر إن سقيت
360

بالدالية وشبهها، والضابط ما افتقر في إيصال الماء إلى أصول الزرع لمؤونة وإن
قرب منه وإلا فالعشر.
ولا يؤثر كري الأنهار وحفر السواقي وإن حسب في المؤنة، ويحكم للأغلب
منها في عيش الزرع، ولو تساويا أو اشتبه قسط وفيما زاد وإن قل، ثم لا يجب وإن
حالت كما لو ملك حبا أو استرد ما باعه قبل الزهو على ذمي - بإقالة أو رد عليه
بعيب بعده - أو مسلم، لكن هنا يجب على المشتري لا إن ظهر فساد البيع.
ويضم الزروع في المتباعدة، ولو توى بعضها جبر بالآخر، والثاني إلى الأول فيما
يطلع مرتين.
ويتعلق الوجوب بالزهو في الثمرة، واشتداد الحب، وانعقاد الحصرم، فلو
نقلها وجبت عليه، ولو لم يخرج تبعها الساعي، ولو تيقن المشتري عدم إخراجها
فالزكاة عليه.
ووقت الإخراج عند التصفية والجذاذ، ويجوز وقت الوجوب، وما لا يصير
تمرا من البسر أو الرطب يخرج كذلك ويخرص جافا فيجب فيه عند بلوغه،
ومثله العنب والحصرم.
وينصب الإمام عليه ساعيا ليخرص بعد الزهو، ويخير المالك بين إبقائها
أمانة فيمنع من البيع والأكل ولا ضمان إلا بالتفريط، وبين تضمينه فلا منع،
ويلزمه مع الموافقة أو الجهل أو المخالفة بيسير لا بكثير يعرف كونه خطأ،
فيستدرك له وعليه، ويخفف عنه ما يأكله المار والضيف والجار و ينتابه الطير.
وله القطع بدون الخارص في وقته وقبله مع الحاجة، وبدونها مع
المصلحة، فيقاسم الساعي بسرا أو رطبا، وله البيع فالحصة من الثمن. ولو كفاها
التخفيف خففت، ولو لم يكن خارص فالمالك ليتصرف فيحتاط، ويقبل قوله
في نقص المحتمل والتلف ولو بظاهر بلا يمين، لا كذب الخارص.
ولو تعددت الأنواع أخرج بالنسبة. وتجزئ القيمة في كل الأجناس،
والعين أفضل.
361

ولو مات المديون بعد الزهو قدمت، وقبله بعد ظهورها تسقط، وإن فضل
النصاب، وقبله الوارث على الكامل المتمكن من التصرف، فلا يجب على الممنوع
قهرا كالمغصوب والمجحود بلا حجة والضال والدين ولو كان على باذل،
ومخلف النفقة مع الغيبة، وشرعا كالمرهون بالعجز عن فكه بالأجل، أو العسر.
ويجب مع التمكن لا إن كان مالكه معيرا أذن في رهنه وإن تمكن مستعيره
ومنذور التصدق وإن تعلق بشرط قبله لا إن لم يعين.
ولو قال: لله علي أن هذا المال صدقة، أو إن هذا الغنم أضحية، خرج في
الحال كنمائه، والتفليس ما لم يكن بعد الحول، وإن لم يتمكن من الأداء كالسفه
والردة الملية ويزكي المقترض.
ولو تبرع المقرض فأخرج عنه باذنه صح وإلا فلا، ولو شرطها عليه فسد
العقد فلا ملك. ولو استطاع الحج بالنصاب ثم تم الحول قبل انقضاء أشهر
الحج قدمها عليه، وإن سقط، ويقدمه على النكاح وإن نالته مشقة ولا ضرر كثير.
أما الخمس:
فإن وجب في العين كالمعدن فكالزكاة وإلا كالأرباح، فإن وقع الحج في
أول الحول أو في أثنائه قدم، وإن سبق الحول على خروج الوفد فالخمس،
وناقص الملك كالموقوف ولو خاصا بل في نمائه ثمرة أو أنعاما بالشرائط لا إن
شرط دخول النتاج أو كان عاما إلا بعد الاختصاص في الأنعام.
والمحبوس والمعمر والموهوب قبل القبض كالموصى به قبل الموت، بل
بعده مع القبول، والمغنوم قبل القسمة وإن عزل إلا مع حضوره، ومال القن وإن
ملك، ولو تبعض وجبت في نصيبه مع بلوغه.
ويجزئ المبيع في الحول حين العقد ولو كان بخيار للبائع، ولو زاد عن
حول ورجع فالزكاة على المشتري، فإن أخرج من غيره وإلا أسقط البائع من
الثمن مقابل الفريضة. ولا يشترط قبض المشتري بل تمكنه منه، والصداق حين
362

العقد وإن تعرض للسقوط والتشطير، ولو عرض بعد الحول فالزكاة عليها وإن
كان ذلك قبل تمكن الأداء كالواهب لو رجع فيخرج الموهوب الفريضة، ولا
ضمان عليه إذا كان بعد تمكن الأداء، وقبله يسقط. واللقطة بعد الحول والتملك.
ولو قبض أجرة المسكن مائتين عن أحوال زكاها وإن كانت متشطرة، ولا
يقدح تفرق الأمكنة ولو في الزروع وإن اختلفت في الاطلاع والإدراك، ويجبر
بعضها ببعض، كما لا تضر الخلطة مع بلوع كل لا مع نقصه، فتجب شاتان في
الثمانين لاثنين لا لثلاثة.
فصل:
ويستحب في النابت عدا الخضر بشرط ما يجب فيه وكميته واعتباره.
وإناث الخيل السائمة الحائلة غير العاملة، فديناران عن العتيق ودينار عن
البرذون. والعقار المستنمي فربع عشر حاصله بلا حول ولا نصاب. والضال
والمفقود والغائب والمغصوب أحوالا عن حول. وغلات الطفل ونقديه إذا اتجر له
وليه، وصامت المجنون مثله. وإمكان الأداء شرط الضمان في المسلم الكامل، فلا
يضمن الكافر وناقص الحكم بل وليه.
فصل:
وفيما ملك بمعاوضة للتجارة مع التملك لا المحاز والموهوب وعوض
الخلع والصداق والمقتني وإن تجدد قصد التجارة كعكسه، بحول النقدين
ونصابهما وبقاء النصاب ورأس المال جملة الحول، لا إن نقص بسوق أو عيب إلا
بعد أحوال فيحول، وإن عاد استأنف حوله ومؤنتها وأرش عيوبها يجبر بربحها.
ويهدم نقص رأس المال الحول وإن لم يقصر عن النصاب، ولو زاد فحول
الزيادة من حينه لا بقاء العين.
ويقوم بأحد النقدين وإن قصرت بالآخر إذا كان الثمن عروضا، وتقوم
363

السلعة بما اشتريت به وإن خالف البلد، فإن كان عرضا قوم المبيع من حين
الشراء بأحد النقدين، ثم يقوم في الأثناء إلى الأخير بثمنه الذي ملك به، ثم يقوم
الثمن بالنقدين، فإن قصر مال التجارة عن الثمن وما قوم به انقطع الحول، وكذا
لو قصر عن أحدهما والآخر على حاله.
أما لو نقص أحدهما وزاد الآخر، فإن رخص الثمن بأن كان مال التجارة
يزيد عليه ويقصر عما قوم به زكاه. ولو غلا، فإن قصر عن الثمن وزاد عن ما قوم
به فلا زكاة إلا أن يكون العرض مال تجارة. ولو بادل نصابا بجنسه وهما للتجارة
بنى الثاني على الأول، لا إن كانا للقنية أو الأول خاصة، فيستأنف الثاني للمالية
والتجارة، وإن كان الأول نقدا كما لو اختص بالتجارة.
ويتعلق بالقيمة لا بالعين، فلو باع بعد الحول صح، ولو ارتفعت قيمته بعده
فالاعتبار عند الحول، والزيادة بعده للثاني. ولو نقصت بعده قبل تمكن الأداء
فالنقص على الكل، وبعده بعيب أو سوق من ضمانه، ولا يمنعها الدين.
ولو اشترى نصابا زكويا وأسامة قدمت المالية. ولو نتجت اعتبر النصاب
الأول للنتاج، ولو اشترى بأربعة قيمتها مائتان أو عشرون تعلقت به التجارة، فإن
زاد اعتبر لها الثاني أربعون أو أربعة.
ولو ملك أموالا متعاقبة وقيمة كل واحد نصابا فزكاة كل بحوله، ولو بلغ
المجموع فعند حولانه عليه أجمع، ولو بلغ الأول دون الثاني أخذ منه عند تمامه،
ومن الثاني عن كل أربعة أو أربعين، ولو قصر ضمه إلى الثالث وهكذا.
ولو ملك أربعين قيمتها دون المائتين وأسامها وجبت المالية، ولو تم حولها
ثم بلغت بسوق أو نتاج فعند بلوغه يعتبر نصابه الأول للتجارة.
ولو اشترى شقصا بعشرين يساوي مائتين ثم أخذه الشفيع بعد الحول
أخذه بعشرين وعليه زكاة المائتين كما لو رد المبيع لعيب أو أقاله بعد الحول.
ولو اشترى سلعة بدراهم وباعها بدنانير وكان بعد الحول قوم السلعة بدراهم
وقبله يقوم الدنانير بدراهم.
364

ولو زرع أرض التجارة أو استثمر نخلها فعشرهما لا يمنع زكاة التجارة على
الأصل ولا انعقاد الحول على الثمرة لكن بعد الإخراج لا الزهو، كما لا يمنع
فطرة العيد ربع العشر عن ثمنه. ولو اتفق الزهو عند تمام حول الثمن أو الأرض
فالعشر في الحب وربعه فيها لا في ثمن الحب.
ولو اشترى أربعين سائمة للتجارة بمثلها وتساوت الحولان والشرائط قدمت
المالية، ولو اختلت في أحدهما فالأخرى. ولو ملك أربعين سائمة فنتجت فللأولى
حول منفرد. وللسخال بانفرادها من حين نتاجها نصابا أولا، ولو اختلت الواجبة
ضمت السخال إليها فيعتبر الثاني بعد بلوع الأول.
ولو ملك معلوفة نصف سنة ثم أسامها فربع العشر عند حوله، ثم المالية
عند حولها من حين الإسامة.
ولو اشترى عرضا للقنية بمثله فرد فأخذه للتجارة، أو كان الثاني للتجارة فرد
أو بالعكس لم ينعقد لها إلا إن كان للتجارة. والنتاج من الربح، ولو ظهر في
المضاربة ضم المالك نصيبه إلى أصله وأخرج عاجلا عند العامل إلا مع القسمة.
فصل:
ووجوبها في العين، فلو مضى على الواحد أحوال فلواحد، وعلى أزيد يجبر
منه لينقص، فلو مضى على ست وعشرين ثلاثة فبنت مخاض وتسع شياه. وسبعة
أحوال بنت مخاض وخمسة وعشرون، وفي الثامن ثمان وعشرون وبنت مخاض،
وهكذا، فيزداد في كل حول ثلاثة حتى تقصر عن الخمسة عشر، فلو مضى اثنا
عشر حولا وجب أربعون شاة وبنت مخاض، ثم يزداد لكل حول شاتان، وسبعة
عشر خمسون شاة وبنت مخاض، واثنان وعشرون خمسة وخمسون وبنت
مخاض ثم لا يجب شئ.
ولو وجب العشر فزرع الحاصل قبل الإخراج ولما يضمن لم يتضاعف
الواجب. ولو باع الغلة قبله وأخذ منها الساعي تخير المشتري في الفسخ
365

والرجوع بالقسط، وفي الأنعام يبطل البيع بدون الضمان. ولو أدى المالك قبل
الفسخ لزم البيع في الموضعين. ولو ضمن ولم يؤد فالخيار باق ولا يمنعها
الدين، ويقدم عليه لو مات بعد الحول.
ولو عزلها مع النية تعينت فلا يضمن بلا تفريط، ولو تصرف فيها لنفسه لم
يأثم وربحها له ولأربابها لهم، ولو خلطها فبالنسبة.
ويخرجها المالك بنفسه وبوكيله، والإمام أفضل، ويتعين مع طلبه فيأثم لو
خالف ويجزئ، ومع غيبته الفقيه لبصارته وقصدهم له، وحط الغضاضة عنهم،
ويبرأ لمجرد الدفع إليهم دون وكيله.
والنية عنده وبعده ببقاء عينها من الدافع إلى المستحق، أو الإمام وعامله،
ولهما خلطها وإخراجها بلا نية إن أخذاها طوعا، وكرها ينويان دونه بلا خلط.
ويجتزئ بنية وكيله بلا عكس بعد الحول لا قبله إلا قرضا فيحتسب بعده، وإن
استغنى به وبغيره يرتجع حتما، وفي الأول تخييرا. ولو كانت شاة جاز أخذها
وإعطاؤه غيرها وإعطاؤها، أو غيرها لغيره، وللفقير بدل القيمة.
366

المسائل لابن طي
للشيخ أبي القاسم
علي بن علي بن جمال الدين محمد بن طي العاملي
367

كتاب الزكاة
وفيه مسائل:
مسألة [1]: المستضعفين هل يجوز أن يعطوا من الزكاة أم لا؟
الجواب: إذا كانوا من الإمامية جاز وإلا فلا.
مسألة [2]: العبد المشتري من الزكاة لعدم المستحق إذا مات ميراثه لأربابها
وإلا فللإمام.
مسألة [3]: مكان الأداء شرط في الضمان، معناه أنه لو كان عند الحول غير
متمكن من الأداء لم تسقط عنه الزكاة بل يجب عليه، غير أنه لو تلف النصاب
بغير تفريط لم يضمن المعطى فهو غير شرط في الوجوب لحصوله، وإن لم يتمكن
من الأداء.
وقال بعض: هو شرط في الوجوب لنا عموم قوله عليه السلام: مما سقت
السماء العشر، ونحوه.
وإصالة عدم الاشتراط قولهم: إن التكليف بالإخراج مع عدم إمكان الأداء
تكليف بالمحال وإذا انتفى التكليف انتفى الوجوب، وجوابه: إن عنيت به أن
التكليف بالإخراج منتف في الحال مسلم، ولكن لا يلزم من انتفائه في الحال
369

انتفاؤه مطلقا، وإن عنيت به انتفاؤه مطلقا ممنوع، فإن القائل بذلك يقول أنه
يجب عليه الإخراج إذا وجد المستحق على أن قوله: يلزم من انتفاء التكليف
بالإخراج انتفاء الوجوب فممنوع، فإن الوجوب أمر والإخراج آخر، وإذا تغايرا
ولم يتلازما جاز انفكاك أحدهما عن الآخر، فحينئذ الوجوب حاصل ولم يجب
عليه الأداء مع عدم التمكن، فإذا لم يتمكن لم يضمن.
مسألة [4]: الفائدة في الوجوب على القول بسقوط الاعتبار يجب في ثلاثمائة
وواحدة ثلاث، وعلى القول بعدم سقوطه يجب أربع، وفائدة الضمان أنه لو تلف
من ثلاثمائة وواحدة واحدة سقط جزء من ثلاثمائة جزء وجزء من ثلاث شياه،
وعند الشيخ يسقط جزء من ثلاثمائة جزء وجزء من أربع شياه، كذا قرر صاحب
النهاية وقول الشيخ أقوى، وكل نصاب مع الذي قبله نصاب واحد.
مسألة [5]: تصح فطرة الضيف له مع فقره، وكذلك من يجب نفقته إذا
كان بالشرط مع زيادة وهو مديون أو يقصد بها التوسعة زيادة على موجب
الإنفاق كثوب جيد ومطعم كذلك، فإن ذلك زائد على موجب الإنفاق، وله
التزويج من الزكاة وأخذ نفقة زوجته وولده وعبده وفعل القربات.
مسألة [6]: يجوز للإنسان أن يقبض شيئا من الزكاة ويصرفه على أطفال
مستحقيه بغير توكيل من حاكم أو وصي، قال: لا بد من إذن الحاكم ومع التعذر
يجوز، وقيل يجوز مطلقا.
مسألة [7]: إذا كان على الإنسان خمس أو زكاة وترك دفعها وظن أنه لا
شئ عليه أو لأجلا مسألة هو مستشكل فيها هل تصح صلاته في أول الوقت؟
نعم إذا لم يناف كأن يكون المال معه والمستحق حاضر.
370

مسألة [8]: زكاة الغلة يخرج البذر وأجرة الأجراء من حين الحرث، وأيضا
أرش الفدان مما يخص الحنطة والشعير، وكذا علف الفدان وما يغرم على آلة
الحرث وما يلحقه من المؤونة ثم يعتبر بعد ذلك النصاب.
مسألة [9]: الضيف الذي تجب فطرته أن يضيف ليلة العيد، قال: لا بد من
ليلة في رمضان قبل غياب الشمس سواء كان الهلال رئي قبل قدومه أو لا.
مسألة [10]: لا يشترط العدالة في قابض الزكاة بل اجتناب الكبائر، ولا
يجوز تأخيرها إذا وجد المستحق.
مسألة [11]: لا تجب فطرة الزوجة المستمتع بها ولا كسوتها، وفطرة
زوجة المعسر الموسرة على نفسها، وكذا ضيفه الموسر على نفسه، ولو ملك المضيف
الضيف ما يأكله لم تسقط عنه.
مسألة [12]: لو قبض المستحق من مال الزكاة ما يزيد عن مؤونة السنة،
كأن يقبض دفعة لا يجب فيه الخمس ولو حال عليه أحوال، ويجب فيه الزكاة إن
بلغ النصاب وحال عليه الحول.
مسألة [13]: هل تجب زكاة الفطرة على من عليه دين مستغرق لما في يده
قبل دفعه إلى الغرماء وهو نفقة سنة أو أزيد أم لا؟ قال: لا يجب.
مسألة [14]: لو حال على أربعين شاة نصف حول ثم ملك أحد وثمانين، ثم
حال عليهما الحول فعند إتمام حول الأربعين تجب شاة، ولا تجب في الباقي شئ
لنقصها، وكذا لو ملك ثلاثين بقرة وحال عليها نصف حول ثم ملك عشرة،
371

لزمه تبيع لا غير لنقصها.
مسألة [15]: قوله في زكاة الدين على مؤخره، بمعنى أن المديون إن كان غير
المال في وقته وخلي بينه وبينه فزكاته على مؤخره.
مسألة [16]: الغني الذي تجب عليه الفطرة هو أن يملك ليلة العيد مؤونة
سنته له ولعياله فعلا أو قوة لتلك السنة المستقبلة.
مسألة [17]: قوله تعالى: ومن الأنعام حمولة وفرشا، الحمولة: ما يحمل
عليها، والفرش: الصغار من الإبل وغيرها.
مسألة [18]: لو أراد إنسان أن يدفع زكاة ماله إلى طفل لا وصي له إما بأن
يطعمه أو يكسوه أين يكون محل النية وكيف صورة النية؟
الجواب: لا بد من إذن الحاكم وإن تعذر نوى عند الكسوة بأن يقول: أكسو
هذا من زكاة مالي لوجوبه قربة إلى الله.
مسألة [19]: قوله في الفطرة: الضيف وشبهه، كضيف الضيف مع إذن
المضيف تجب عليه فطرته وإلا فلا.
مسألة [20]: العقار المتخذ للنماء يستحب أن يزكي حاصله، قال: كان عميد
الدين يقول: يشترط أن يكون ذلك الحاصل نصابا لأنه لا يزكي إلا ما هو
نصاب.
مسألة [21]: الرطل العراقي مائة وثلاثون درهما، وفي رواية أخرى مائة
372

وثمانية وعشرين درهما وأربعة أسباع درهم، والأول أولى وأحوط، فيكون الرطل
على الرواية الأولى أحد وتسعين مثقالا وعلى الثانية تسعين فقط، وأيضا الدينار
عشرين قيراطا والقيراط ثلاث حبات والحبة أربع أرزات، فيكون الدينار ستون
حبة ويكون مائتين وأربعين أرزة، ويكون مقدار الدرهم ثمانية وأربعين حبة من
أوسط حب الشعير، والمثقال ثمانية وستون حبة وأربعة أسباع حبة شعير، فيكون
المثقال درهم وربع وسدس درهم وأربعة أسباع حبة شعير، ويكون أيضا المثقال
ثمانية دوانيق وأربعة أسباع دانق.
مسألة [22]: إذا زرع المغل وفيه عشر الصدقة فهل ينمو على ملكهم أو لا
يلزم المالك سوى القدر المذكور؟ قال: النماء للمالك وحده.
مسألة [23]: قوله في زكاة الفطرة: وهي أداء دائما ما لم يصل العيد، قال:
هي أداء ما لم تزل الشمس سواء صليت قبل الزوال أو عنده.
مسألة [24]: قول الفقهاء يجوز من غير غنم البلد وإن كان أدون قيمة، يريد
بها الشاة المأخوذة في زكاة الإبل لأن العين ليس فيها من جنسه الواجب، أما في
الواجب غير الإبل لا تجزئ إلا منها، قال: يجزئ مطلقا.
مسألة [25]: الدراهم المضروبة إذا طمست بسكتها لا تجب فيها زكاة وإن
كان الطمس بفعل المالك، ويجب تعريفها للتعامل بها.
مسألة [26]: إذا كان على الإنسان دين وما في يده يقصر عن دينه وهو أكثر
من قوت سنته، قال: يجوز أن يوفي دينه من سهم الغارمين والأولى أخذ تمام ما
زاد عن قوت يومه وليلته فوق ماله.
373

مسألة [27]: نص الأصحاب رحمهم الله تعالى على أن الزكاة إذا أخرجها من
البلد مع وجود المستحق يضمن فهل يضمن بنفس الخروج ولو أعادها إلى البلد
بنفسه لم يزل الضمان أو يزول بعودها إليه.
مسألة [28]: لو تولى إنسان مصلحة يتيم أما بأن يوكله الولي أو الوصي أو
يتولاه هو من حيث الأمر بالمعروف وقبض لليتيم شئ من الزكاة كيف صورة
الإقباض وصورة الاحتساب؟ قال: يقول المقرض: أقرضت فلانا هذا، فيقول:
اقترضت، ثم ينوي عند الاحتساب: أحتسب مالي في ذمة الطفل الفلاني من زكاة
مالي لوجوبه قربة إلى الله.
مسألة [29]: لا يتبعض صاع الفطرة مطلقا.
مسألة [30]: الزوجة والضيف إذا أخرجوا عنهما الفطرة لم يجز إلا بإذن
الزوج أو المضيف.
مسألة [31]: الناشز تسقط فطرتها عنه.
مسألة [32]: لو وجب عليه زكاة المال وعزلها انتظارا للمستحق فهلكت من
غير تفريط منه يلزمه ضمانها أم لا؟ قال: لا يلزمه الضمان والحال هذه.
مسألة [33]: العلس والسلت يجبر بهما النصاب، ولو بلغ أحدهما النصاب
وجب فيه.
مسألة [34]: لو أقرض فقيرا غني شيئا من المال وأراد التوصل إلى مال الغني
374

ليحسبه عليه من زكاة أو من فطرة، ثم باع الفقير الغني شيئا من الحنطة إلى أجل،
وإنما فعلا هذا حيلة إلى التوصل إلى مال الغني، فهل هذا صحيح أم لا؟
قال: هذا مكروه وتركه أولى، وإن كان جزءا من الباعث على الإعطاء من
الزكاة بحيث ينافي الإخلاص كان الدفع غير مبري لذمته، وإن كان لا مدخل
له في الإخلاص فلا بأس والمكلف فيه مدين بنيته، وبالجملة كلما كان من هذا
الباب كان مانعا من البراءة من حق الواجب.
مسألة [35]: الفقير يقرض الغني ليلة العيد مالا ويدفعه الغني إليه من الفطرة
فقد وقع هذا فهل هذا باطلا أم لا؟ الظاهر لا، وتركه أحوط.
مسألة [36]: قوله في الدروس في باب الزكاة: ولو قبض الفقير من غير
المخاطب بالإنفاق جاز سواء كان باذلا أو لا أو مع المنع، وإذا كان طفلا فهل
للمخاطب أعني الولي يتولى القبض له من الغير أم لا؟ قال: يجوز مطلقا.
الجواب: جوازه في الموضعين قوي حسن.
مسألة [37]: إذا كانت المرأة فقيرة لكن لها حلي إذا باعته كفاها مؤونة سنة
إلا أنها من أهل التجمل به فهل يجوز لها قبض المؤونة ولا يلزمها بيع الحلي أم
لا؟ قال: لا يجب عليها بيع ما جرت العادة به إذا كانت من أهل التجمل أما لو
كانت مسنة لا تتوقع به نفعا من زوج ولا خاطب فإنه يباع.
مسألة [38]: قوله في المختصر: وهي قبل العيد فطرة وبعدها صدقة، أي قبل
الصلاة صدقة واجبة وبعدها صدقة مندوبة أي في الثواب.
مسألة [39]: لو حصل ضيف عند إنسان يجوز أن يضيفه من الزكاة، وكذا
375

العلوي بشرط كونهما مستحقين ومحل النية عند التناول، ولو هلك الطعام
بالأكل لا يجوز الاحتساب عليه إلا أن يعلمه بأنه مضمون عليه.
مسألة [40]: يجوز أن يشتري بزكاة ماله كتابا ويوقفه على المؤمنين، ومحل
النية عند الشراء بأن يقول: أشتري هذا الكتاب بزكاة مالي، وكذا لو قبض من
غيره ولو كان هناك من له حاجة إلى الزكاة فهو أولى.
مسألة [41]: البذر يعزله ويزكي ما عداه سواء كان البذر مزكى أم لا؟ نعم
وذلك بعد إخراج المؤونة.
مسألة [42]: إذا أراد المالك أن يخرج زكاة في السبيل كأن يشتري
كتب أو آلة حفر القبور ينوي عند الدفع إلى البائع أو بعد شراء الآلة، وهل هذا أفضل
أو إعطائها الفقير؟
الجواب: المشهور الجواز والفقير أولى مع الحاجة.
مسألة [43]: إذا كان لليتيم عقار أو بستان واضطر إليه لكن يمكنه أن يأكل
من الزكاة، هل يجوز بيعه؟
الجواب: يجوز لوليه بيع نماءه إذا كفاه نماءه، ولو لم يكفه وأمكن تحصيل
النفقة من الزكاة لم يبعه لأن الأصل لا يحسب عليه.
مسألة [44]: الضيف يجوز أن يأخذ من الزكاة وإن كان معه مال إذا لم يلق
شيئا يشتري دون ابن السبيل، إذ المعتبر في الضيف الحاجة.
مسألة [45]: لو ترك الإنسان النية في الزكاة والخمس ناسيا، فهل يجزئه
376

ويستحق ثوابا؟ وهل يفتقر في النية إلى مقارنة قبض الفقير له أم لا؟
الجواب: لا يجزئ ويعيدها وإن كان بعد القبض إذا كانت عينها باقية، وإن
كانت تالفة لا تجزئ ولا يرجع على الفقير لأنه سلطه عليها إلا أن يعلمه أنها زكاة
وذهل عن النية.
مسألة [46]: هل يكفي نية الوكيل وحده أو الموكل وحده في دفع الخمس
أو الزكاة أم لا بد من نيتهما؟
الجواب: يكفي نية الوكيل وحده أما الموكل فلا.
مسألة [47]: تجب الفطرة على من يعمل معه الغير على سبيل الإجارة من غير
عقد، أما من استؤجر مدة بقدر وأذن له أن يصرف عليه في مؤونته شيئا منه لا
يجب عليه الفطرة.
مسألة [48]: لو أخر الفطرة وجب القضاء، قال: ولا يعطي الفقير أقل من
صاع إذا كان صاعه، أما ما يجب عن عياله فيجوز أقل من صاع على كراهية.
مسألة [49]: ابن السبيل إذا نوى المقام سنة جاز له أن يقبض مؤونة السنة
من الزكاة، فإن سافر قبلها وفضل شئ رده على المالك وإلا دفعه إلى الحاكم.
مسألة [50]: إذا قبض مؤونة السنة له ولعياله وأنفق منها شهرا أو درهما
واحدا فصار بعد ذلك مستحقا يحل له أن يقبض تمام مؤونة السنة، وهكذا
دائما.
مسألة [51]: من هو غني بالقوة كالصانع إذا نهضت صنعته بمؤنته وفضل
377

قوت يوم وليله وقدر ما يخرج وجب عليه الفطرة.
مسألة [52]: إذا أقرضت الفقير شيئا ثم غاب عنك، جاز أن تحسب مالك
في ذمته من الزكاة ما لم تعلم تغير حاله، لأن الأصل بقاء ما كان عليه، ولو
تغيرت حاله حالة الاحتساب ولم يعلم الدافع ففي الإجزاء احتمال قوي،
والأحوط وجوب الإعادة، وتظهر الفائدة في عدم تضيق الصلاة.
مسألة [53]: لو طلب الإمام الزكاة ثم أخرجها مالكها بعد المطالبة لم تجزئه.
مسألة [54]: السمينة لا تعد ولا تؤخذ، وفحل الضراب لا يؤخذ ويعد.
مسألة [55]: الجندي والوكيل إذا كانا عند الفلاح ليلة العيد عليه مؤونتهما،
هل تجب عليه فطرتهما أم لا؟
الجواب: إن عالهما بغير إكراه وجب عليه فطرتهما وإلا فلا تجب مع الجبر.
مسألة [56]: إذا كان الشخص قادر على أنه يتكسب ويأكل، هل يجوز أن
يأخذ من الزكاة ويتعلم الواجب والمندوب أم لا؟ فلو كان يعلم أقل من الواجب،
هل يجوز له أن يأخذ ويزداد أم لا؟
الجواب: يجوز مطلقا، وقيل بالتفصيل وهو أنه إن كان يعلم أنه يقوم منه
مدرس في العلم جاز له أخذها وإلا فلا.
مسألة [57]: هل الإنسان إذا كان له على رجل مؤمن دين وهو أخوه في الله
تعالى، هل له أن يقضي عنه من الزكاة من عنده ويقبض له من الغير أيضا ويقضي
أم لا؟ وعلى تقدير الجواز، أين يكون محل النية؟
378

الجواب: نعم ذلك جائز في حق الحي والميت والنية عند دفعها إلى مستحق
الدين.
مسألة [58]: هل تستحب الزكاة في الثمار اليابسة كالتين والمشمش؟ نص
في المبسوط على عدم الاستحباب ولم يقل شيئا.
مسألة [59]: لو كان له نصف فرسين استحب له أن يزكي عن فرس؟ قال:
لا يستحب حتى يكون له فرس واحدة.
مسألة [60]: قال: الذي يستحي من قبولها يجوز أن ينوي بعد حصولها في
منزله ما دامت عينها باقية.
مسألة [61]: الزائر والحاج الذي يجوز صرف الزكاة إليهما بشرط
حاجتهما.
مسألة [62]: لا تشترط الغربة في الضيف فيجوز للجار.
مسألة [63]: لو أمكن ابن السبيل القرض لم يجز له الأخذ من الزكاة.
مسألة [64]: قال أبو القاسم والعميد بتحريم جميع الصدقات الواجبة
والأموال الواجبة إخراجها كاللقطة بعد إباحة الصدقة والدين مع جهل المالك
على العلوي وشركائهم لصدق الاسم، وأخذ الحسن عليه السلام ثمرة من الصدقة
فقال له النبي صلى الله عليه وآله: كخ كخ، فلفظها الحسن عليه السلام.
379

مسألة [65]: يجب التقسيط في إخراج الزكاة إن حصل تفاوت بين
الجاموس والبقر والعرابي والبخاتي وكذا الغلات والثمار، قال: يجزئ من غير
تقسيط مطلقا.
مسألة [66]: قوله: وإن خرج بالتمام، أي تسع عشر مثقالا يخرج بعشرين
دينارا.
مسألة [67]: المراد بالسبائك المقطعة الكبار من الذهب والفضة والنقار
تهيئتها للضرب بأن انتهت إلى حال ما عادت تحتاج إلا إلى السكة لا غير، وقد
يراد بالنقرة جوهر أحدهما.
مسألة [68]: لو اشترى بذرا وزرعه ثم نقصت قيمته كما لو اشترى غرارة
حنطة مثلا بمائة ثم رخصت إلى خمسين فإن أخذ بالمضايقة حسب مائة وإن أخذ
بالأحوط حسب خمسين والكل جائز وهو مخير في ذلك، ولو كان البذر من
عنده بغير شراء حسبه أيضا.
مسألة [69]: إذا ادعى الإخراج في الزكاة فشهد عليه عدلان، قبل بأن تنافي
الشهادة مدعاه ولم يرد على النفي كأن يدعي الاحتساب على إنسان بدين فشهدوا
بقبضه بعينه منه، أو إخراج شاة فشهدوا بموتها قبل ذلك الزمان أو ما شابه
ذلك.
مسألة [70]: يشترط بلوع غلة السنة الواحدة نصابا فلو نقصت عنه ولو
حبتان لم يجبر بالقابل.
380

مسألة [71]: لا تجب الزكاة على المتجر بمال الطفل بل ذلك مذهب السنة
ولو ترك الولي مال الطفل بحاله ولم يتجر به لم تلزمه زكاته.
مسألة [72]: الكافر إذا أسلم وقد بقي لحول ماله يوما يستأنف الحول من
حين إسلامه، وقيل: يجب عليه تمام الحول.
مسألة [73]: قوله: والدين لا يمنع الزكاتين، المراد به زكاة المال وزكاة
التجارة.
مسألة [74]: قال: الرضوية منسوبة إلى الرضا عليه السلام، والراضية منسوبة
إلى أحد خلفاء العباسية، ليس أحدهما معينا بل كل منهما جوهر لا يوجد جوهر
قديما أحسن منه فهما وغيرهما سواء في الحكم.
مسألة [75]: لا يكفي وضع يد الفقير في الزكاة إلا أن تكون في وعاء الفقير
أو يعيره الوعاء أو ينقلها.
مسألة [76]: إذا اشترى الثمرة قبل بدو صلاحها ثم بدا، فإن بلغت النصاب
بعد إسقاط ما قابل الثمرة وسائر الغرامات وجبت الزكاة وإلا فلا، والغرامة تقسط
على الزكوي وغيره.
مسألة [77]: إذا اقترض شخص من مستحق الزكاة ثم أراد احتسابه في غير
بلد المحاسبة ولم يكن المقرض عين الواجب ما الاعتبار بالقيمة؟
الجواب: القيمة معتبرة ببلد المحاسبة حال احتساب الناوي.
381

مسألة [78]: يجوز تأخير الزكاة مع وجود المستحق إذا جوز أن يلقى بعده
أحد الأصناف، لكن إن تلفت يضمن.
مسألة [79]: الزكاة إنما تقدم على الدين إذا وجبت في المال الموجود أما بعد
استقرارها في الذمة بالضمان فهي والدين سواء.
مسألة [80]: إذا مضى على خمس وعشرين بعض الحول ثم ملك واحدة
أخرى قال: يخرج عنها في الأول خمس شياه ويستأنف في الثاني لبنت
المخاض.
مسألة [81]: قال العلوي: يأخذ من زكاة غير قبيله مع جوازه من غير
تحديد، وإذا دفع إلى الفقير بعض الصبرة قال: لم يجز لعدم القبض حينئذ اللهم
إلا أن تكون في وعاء المستحق.
مسألة [82]: الضمان تابع للوجوب، فإذا تلف شئ من النصاب المذكور
بعد حؤول الحول بغير تفريط المالك سقط من الواجب بنسبة التالف، أما من
الأربع كما ذهب إليه المصنف وموافقوه أو من الثلاث على القول الآخر. وقد يغلط هنا أناس يظنون أنه إذا تلف هنا واحدة مثلا يجب ما يجب في
النصاب السابق مثلا، ويبسطون الشاة الزائدة على ما زاد عليه، ويسقطون نصيب
الواحدة التالفة من ذلك ويوجبون الباقي، وهو غلط فإن النصاب المتأخر ليس
عبارة عن مجموع نصب سابقة عليه معه، بل إذا بلغ ذلك القدر صار نصابا آخر
واحدا غير الأول، وكان الفرض متعلقا بمجموعه. فإذا تلف ذلك بسط مجموع الواجب على مجموع النصاب ويسقط منه
بنسبة التالف، مثلا: إذا تلفت واحدة في صورة الفرض بسطنا الشياه الأربع على
382

ثلاثمائة وواحدة، وسقط من ذلك جزءا واحدا من ثلاثمائة جزء وجزء من أربع
شياه، كما أنه لو تلف نصف النصاب سقط نصف الواجب أو ثلثه فثلثه وهكذا،
ففي هذه الصورة يجب عليه ثلاث شياه ومائتا جزء وسبعة وتسعون جزءا من
ثلاثمائة جزء وجزء من شاة، وسقط عنه أربعة أجزاء من ثلاثمائة جزء وجزء من
شاة، لأن الساقط جزء من ثلاثمائة جزء وجزء من أربع شياه، وهذا القدر جزء
من ذلك القدر من شاة.
مسألة [83]: لو أخرج الزكاة قبل التصفية وقبل بلوع الثمرة جاز.
مسألة [84]: قال لو ضمن القرية بشئ معين فإنه يقسط مال الضمان على ما
فيه الزكاة وغيره ويجوز بشراء.
مسألة [85]: يعطي صاحب السبع مائة وإن كان الأصل له، وكذا لو كان له
عقار يساوي هذا المقدار ونماؤه يقصر عن الكفاية، وقال ضياء الدين: يحسب
عليه الأصل.
مسألة [86]: لو اكتسب ألف درهم وهي قدر مؤونة السنة فحرزها في منزله
أحوالا وكدى من الناس وأكل لا يجب فيها خمس وتجب الزكاة.
مسألة [87]: لو كان لإنسان أولاد ابن وأبوهم قادر على نفقتهم ولم ينفق
عليهم وهم فقراء عاجزين عن تكسب النفقة وأبي أبوهم أن ينفق عليهم، هل يجوز
للجد أن ينفق عليهم من زكاة ماله أو يجب أن ينفق عليهم كما لو كان الأب
معدوما أو فقيرا أم لا؟
الجواب: يجوز إعطاؤهم من الزكاة إذا كان غنيا ومانع من النفقة من الجد
383

وغيره.
مسألة [88]: إذا عزل السلطان حصته وأعطاها لشخص، ثم وهبها ذلك
للمالك أو أعطاها الظالم للمالك مع العزل أو بدونه على من الزكاة وإذا أخلطها
الظالم بملك الغير، هل للمالك أخذ قدر حصته من المختلط أم لا؟
الجواب: إذا عادت من الظالم بغير عوض زكاها بشروطها ومن غير الظالم
فلا.
مسألة [89]: لو جار الظالم في المقاسمة بأن أخذ أزيد من المقاسمة بأن زاد
عن الثلث، ولولا أخذ ما زاد عن الثلث لبقي نصاب، فهل يجب أن يزكيه أم لا
يزكي إلا ما كان نصابا كيف كان؟
الجواب: المعتبر اسم المقاسمة وإن زاد عن الثلث.
مسألة [90]: هل يجوز للشيعي استئجار الأرض المقطعة لسلطان الجور منه
أم لا؟ وعلى تقديره هل تجوز مقاسمته أم لا؟ وهل يجوز شراء هذه المقاسمة من
هذا المستأجر أم لا؟ قال: الظاهر أن الكل جائز، والتنزه عنه أولى.
مسألة [91]: فرق بين المنذور والمتصدق به وبين قوله: وأقوى في السقوط
ما لو جعل هذه الأغنام ضحايا أو هذا المال صدقة، قال المصنف: وجه القوة
خروج الثاني عن ملكه، أما في الصورة الأولى فيفتقر إلى المباشرة.
مسألة [92]: قال في النهاية: تحسب أجرة المساعد والحافظ وغيره، قال
السيد: ولو لم يكن بأجرة لأن فيه منة عليه، وكذا الخراج لو زاد السلطان زيادة،
384

ولو زاد زيادة فهي على المالك والفقراء.
مسألة [93]: كلما يخسره الفلاح يحسبه من مؤونة المباشر والوكيل وغيره
ويقسط على جميع الغلة فيحسب ما يخص الحنطة والشعير فيسقط ما يخصهم.
قال السيد:
مسألة [94]: إذا كان له على الفقير دين أو قرض ثم أن صاحب الدين وكل
المديون في أن يحسبه عنه جاز في الصورتين.
مسألة [95]: لو تلف ماله قبل تمكنه من إخراج زكاة الفطرة ضمن.
مسألة [96]: لو أهمل الوكيل الإخراج من الزكاة الموكل في حفظها ضمن.
مسألة [97]: إذا كان غنيا بالقوة واشتغل بقضاء صلاته جاز له الأخذ من
الزكاة.
مسألة [98]: لو اعتلفت السائمة لحظات متعددة مرارا لا تخرج عن كونها
سائمة ولو كان أياما متعددة.
مسألة [99]: ابن السبيل إذا نوى إقامة سنة لا يجوز أن يأخذ من سهم السبيل
ويجوز أن يأخذ من سهم الفقراء.
مسألة [100]: إذا كانت ذمته مشغولة بالحقوق للناس ولا يعرف أصحابها أو
يعرف بعضهم ولا يمكنه الوصول إليه لموته أو عدم معرفته بوارث له هل تكفيه
385

الصدقة عن أصحابها أم لا؟ وهل يجوز الصدقة على العلويين وغيرهم سواء كانوا
أغنياء أو فقراء أم لا؟ وما كيفية النية في ذلك؟
الجواب: إذا آيس من معرفة أربابها أجزأ الصدقة، وجوازه للسادات الأشراف
قوي إن شاء الله تعالى هنا لأنها صدقة مندوبة بالنسبة إلى المالك، والنية،
أتصدق بهذا عما له في ذمتي حق مالي لوجوبه قربة إلى الله.
مسألة [101]: إذا استأجر على رعي البقر والإبل والمعز مدة الحول أو أخذ
الظالم منها بعضها باسم الزكاة أو العداد، هل يحسب ذلك من المؤن أم لا؟
الظاهر أنه لا تحسب المؤن في الماشية مطلقا، قالوا: لأن لبنها وشعرها بإزاء
ذلك، نعم تسقط زكاة ما أخذه الظالم قبل التمكن من الإخراج، وقد قيل
بإجزائه عن الزكاة، وبه رواية وأكثر للأول أولى.
مسألة [102]: عيال الإنسان لو أضيفوا هل تسقط فطرتهم عنه أم لا؟ ولو
أضيف إنسان تلك الليلة لكن ما أكل شيئا عنده بل عند غيره فعلى من تجب
الفطرة، على الضيف الأول أو الذي أكل عنده؟
الجواب: نعم تسقط فطرة عياله بضيافة غيره إياهم من المكلف بها كما لو
أضاف هو، ولو تعدد المضيفون حكم بمن غربت الشمس وهو عنده، ولو اقترنوا
وجبت عليهم فطرة واحد بالسوية.
مسألة [103]: لو كان للإنسان ولدا ووالد فقير وهو يكدي من الناس فهل
فطرته على من تجب عليه النفقة أم لا؟ وهل لا فرق بين أن يختار الفقير الكدية أم
لا؟
الجواب: الأشبه وجوب فطرته على ولده أو والده مع احتمال عدمه لعدم
العيلولة الحقيقية، ولا فرق بين أن يختار الكدية أو لا، قاله ابن مكي رحمه الله.
386

مسألة [104]: قوله في الفطرة: الفقير مندوب إلى إخراجها ومع الضرورة
يدير صاعا، معنى ذلك تمليك كل واحد ثم القابض ينوي ويدفع عن نفسه
ومن هو دون التكليف ينوي وليه عنه.
مسألة [105]: قال: تجب زكاة الفطرة على مالك قوت السنة وإن كان من
الخمس أو من الزكاة قد قبضه.
مسألة [106]: قوله في الزكاة: لو كان مليا ووليا الصور هنا يو
أ - أن يكون مليا وليا ويشتري بعين المال لنفسه بعد اقتراضه، فالزكاة عليه
إن جوزنا ذلك وهو الأصح.
ب - الصورة بحالها ويشتري في الذمة فالصور بحالها.
ج - الصورة بحالها ولما يقرض ويشتري بالعين بنية أنه لنفسه ففيه وجهان:
الزكاة عليه لجريانه في ملكه بالنية، وتعلقها في مال اليتيم لعدم سبق القرض
المملك.
د - الصورة بحالها واشترى في الذمة لنفسه وبذل المال ففيه الوجهان.
ه‍ - كان ملي غير والي واشترى بالعين لنفسه لم يملك قطعا وتوقف على
إجازة الولي الخاص أو العام ومعها تكون الزكاة في مال اليتيم كما أن الربح له
ومع عدمها يكون المبيع باقيا على ملك بائعه ونماءه له وفي الصورتين يضمن.
و - الصورة بحالها واشترى في الذمة فالربح له والزكاة عليه ويضمن المال.
ز - كان وليا غير ملي واشترى بالعين لنفسه بعد القرض فالربح لليتيم
والزكاة في ماله ويشكل بما أنه نوى لنفسه، فكيف يملك الطفل؟ قلنا: النية
لاغية والولاية حاصلة والفائدة متوقعة فتجري في ملك الطفل.
ح - الصورة بحالها واشترى بالعين قبل القرض لنفسه حكمها حكم السابق
يضمن في الموضعين بالنية الفاسدة.
387

ط - اشترى في الذمة قبل القرض لنفسه، فالربح له ويضمن المال والزكاة
عليه.
ي - الصورة بحالها بعد القرض والحكم واحد.
يا، يب - كان غير ملي ولا ولي واشترى بالعين أو في الذمة فحكمه ما سلف
في غير الولي.
يج، يد - كان مليا وليا واشترى بالعين لليتيم أو في الذمة فالربح لليتيم
والزكاة في ماله.
يه، يو - كان مليا غير ولي واشترى بالعين أو في الذمة لليتيم فالحكم
كذلك.
مسألة [107]: في الزكاة، لو اشترى حصيدا أو عشبا في أرض غيره أو
احتش لها من القرية، هل يسمى ذلك علفا أم لا؟ أجاب فخر الدين رحمه الله بأن
كل ما كان مال المالك إما بثمن عليه أو إذا لم يرعاه لكان مالا مقوما له فإذا رعته
خرجت عن السوم فحينئذ يكون ما ذكره علفا مثل الاحتشاش.
مسألة [108]: لو خرص على المالك أن عليه نصابا ثم زاد لا شئ عليه في
الزائد ولو جاء الزائد أكثر من نصاب لا شئ قال تحسب عليه زكاة الزائد.
مسألة [109]: قال عميد الدين رحمه الله: لو ضمن إنسان القرية بشئ معين
فإنه يقسط مال الضمان على ما تجب فيه الزكاة وغيره.
مسألة [110]: وقال أيضا: يجوز لواجب النفقة على غيره أن يأخذ الزكاة
والخمس من غير من وجبت نفقته عليه، وقال أيضا: يجوز لطالب العلم المباح
واللغة والنحو أن يأخذ من الزكاة والخمس وإن كان قادرا على التكسب، دون
388

العلم المحرم كالفلسفة وغيره، وقال أيضا، لو أن السلطان أقطع شخصا قرية من
بلاد الشام لم يجز للمقطع له أن يأخذ منها شيئا باسم المقاسمة ويكون مضمونا
عليه، لكن يجوز لنا أن نشتريه منه لأنه أخذه باسم المقاسمة على سبيل الاستنقاذ.
مسألة [111]: لو كانت الثمرة تسقى بالنواضح والدوالي فباعها بعد بدو
الصلاح وبعد الابتياع لا يلزم المشتري عليهما مؤونة، هل يكون عليهما العشر أو
نصفه؟ ثبوت نصف العشر قوي لأنه زرع سقي بالنواضح.
مسألة [112]: لو كان له دار غلة أو ضيعة ولا يكفيه حاصلها لمؤونة سنته،
نعم لو باعها لكفته هل تجب عليه الفطرة أم لا؟ قال دام ظله: تجب.
مسألة [113]: لو وجب على شخص زكاة فتهاون فيها حتى افتقر، وكذا لو
أغصب مالا فأغرم، هل يجوز له قبض الزكاة ويقضي؟ نعم يجوز، وكتب
الشيخ: وله القضاء.
مسألة [114]: لو كان له ضيعة حاصلها لا يقوم بمؤونتها وله ضيعة أخرى
يحصل منها نصاب فاضل عن مؤونتها، هل لكل ضيعة حكم نفسها؟ وكذا لو
كان له ضيعة لا يحصل منها شيئا أصلا ولا مؤونة.
الجواب: بل يجمع الكل في الحاصل والمؤونة ويكون الجميع كالمال
الواحد وكتبه الشيخ.
مسألة [115]: هل يجوز صرف الزكاة إلى المرأة لجهاز بنتها وما يشترى به
حليا إذا لم يرغب فيها إلا بذلك؟ وهل يجوز ذلك للوالد ومن تجب نفقته عليه
أم لا؟ قال دام ظله: يجوز ذلك كله مع وجود المستحق وغيره من سهم
389

السبيل.
مسألة [116]: أجرة الكيال والوزان في الزكاة على المالك على رأي، وقيل
على المستحق بمعنى أنها تخرج من النصاب لا تخرج من النصاب.
مسألة [117]: لا يشترط القدرة على جميع التكسب بل ما يليق بحاله في
النهاية.
مسألة [118]: لو غصب المال في أثناء الحول ثم عاد استأنف الحول، وكذا
لو جحد الودعي الوديعة يستأنف الحول من حين عوده، وكذا لو طلب من
الوكيل فلم يدفعه لعدم تمكن الوكيل من الدفع أو الودعي كذلك، استأنف
الحول من حين يمكنه من التصرف فيه.
قال السيد: ولو اشترى المالك وحيل بينه وبين ماله فلا زكاة، وإن تمكن
فيه من التصرف البيع وشبهه لنقص التصرف ولو تمكن من أنواع التصرف
وجبت الزكاة، قاله في نهاية الأحكام.
مسألة [119]: لو كان في عيلولته الشهر كله حتى عال نفسه ليلة الهلال
وجبت الفطرة على نفسه، وكذا الأجير الذي هو واجب النفقة لو عال نفسه ليلة
الهلال سقطت فطرته عن المستأجر، نقله السيد عن المشايخ رحمهم الله.
مسألة [120]: قال: يجوز أن يعطي زكاته المندوبة لزوجته أو أبيه أو ولده أو
للغني، قاله شيخنا رحمه الله.
مسألة [121]: إذا لم يزارع الإنسان الأكار مزارعة شرعية كما يعمل الناس
الآن، وحصل نصاب فما زاد، وأخذ الأكار حصته الجارية بين الناس كالثلث أو
390

الرابع مثلا، وجاء نصاب، هل يجب عليه إخراج زكاته أو على مالك البذر لأنه
لم ينتقل عنه بسبب شرعي أم لا يجب على أحدهما؟
الجواب: لا يجب على الأكار زكاة حصته ولا على المالك إذا لم تزد عن
أجرة المثل لأنها من المؤن وإن زادت عن أجرة المثل، فإن كان المالك متمكن
من أن لا يعطيه شيئا ولا يحصل له ضرر بمنعه كخوف على عرضه من الشتم أو
على ماله فإذا أعطاه الزيادة كان متبرعا بها وعلى المالك زكاة الزيادة.
391

كتاب الخمس وفيه مسائل:
مسألة [1]: الدين لا خمس فيه وهو أن لا يكون مقبوضا ولا امتنع من قبضه.
مسألة [2]: الخمس المضمون سابقا هو والدين سواء، والخمس الواجب في
العين كالمعادن والكنوز والغوص متقدم على الدين.
مسألة [3]: يجوز مقاصة العلوي بما في ذمته من الخمس حيا وميتا ويكفيه من
الخمس؟ نعم يجوز.
مسألة [4]: إذا أقرض ما فضل عنه بعد الوجوب في ذمته والتمكن منه لم
يسقط خمس ذلك.
مسألة [5]: فدان الحرث وعنوز يأكل لبنها وبقرات وغير ذلك ودابة
يحطب عليها ويقضي عليها حوائجه ودار يسكنها وثياب بدنه التجمل وما يعمل
بها الشغل ودجاج يأكل منها، وبالجملة كلما يحتاج إليه من مؤونة السنة لا
خمس فيه.
392

مسألة [6]: أثاث البيت المحتاج إليه لا خمس فيه، إذا كان اشتراه بمال غير
مخمس، ولو ملك مالا بقدر ثياب البدن المحتاج إليه لا خمس فيه.
مسألة [7]: لو أخرج خمس كرمه وهو نصب صغير من العين وخمس
السخال من العين أيضا، ثم كبر النصب وكبرت السخال، وجب الخمس في
الزيادة إن فضل عن مؤونة السنة.
مسألة [8]: لو كان على الإنسان دين بقدر ماله وحال عليه أحوال لا يجب
عليه خمس إلا ما استفيد من الأرباح إن فضل.
مسألة [9]: قال: مال الإجارة مكتسب يجب فيه الخمس إن فضل.
مسألة [10]: الميراث والمهر والهدية ليس فيهم خمس، أما النماء إن كان
باكتساب وجب فيه الخمس بعد مؤونة السنة.
مسألة [11]: لو خمس إنسان دابتين له فزادت إحديهما ونقصت الأخرى،
هل يجبر زيادة أحدهما نقص الأخرى أم لكل منهما حكم نفسها؟ أفتنا مأجورا.
الجواب: الظاهر لا جبر إن كان النقص عينا، بل إذا نمت الأخرى نماء
يخرج منه ومن سائر الاكتساب مؤونة سنة لم يجب الخمس في الفاضل.
مسألة [12]: لا يجوز للعلوي أن يأخذ من الخمس أزيد من مؤونة سنته.
مسألة [13]: هل يجب في البذر خمس أم لا؟ قال: إن كان دفع وفضل عن
393

مؤونة السنة وجب وإلا فلا، وإن لم يكن دفع فإن كانت عينا فلا شئ على
أحدهما، نعم تجب في نمائه إذا كان باكتساب.
مسألة [14]: إذا كان ملك الإنسان لا يكفيه نماءه لسنته أو يكفيه هل يجب
في الأصل خمس أم لا؟ قال: لا.
مسألة [15]: الركاز عبارة عن الفضة التي لم يطبع عليها سكة الإسلام من
عمل الجاهلية.
مسألة [16]: ولد الشريف نفقته واجبة على أبيه مع فقره ويسار أبيه، فهل
يجوز له أن يقبض من الخمس مع إنفاق أبيه أم لا؟ قال: لا يجوز.
مسألة [17]: إنسان له غنم وبقر وأخرج خمسها منها أو من غيرها، هل يجب
بعد ذلك خمس نمائها المنفصل من السخال واللبن والشعر والصوف على الفور
أم يراعي المكلف الحول؟
قال: بل يجب الخمس بعد إخراج مؤونة السنة له ولعياله والتأخير
استظهار، والوجوب يتعلق بحصوله، وعلم المكلف أو ظنه باشتماله على أنه
فاضل عن المؤونة لكن هذا من الواجب الموسع يتضيق عند تمام الحول.
مسألة [18]: إنسان مشتغل بالعلم وله كتب، هل يجب عليه فيها خمس أم
لا؟
الجواب: إن كانت مما يرجى الانتفاع بها وهو من أهل الاشتغال والعلم فلا
شئ فيها وإلا وجب إن فضل عن مؤونة السنة.
394

مسألة [19]: فيما يفضل حين الحاج من الأجرة هل يجب عليه خمسه على
الفور أم يراعى فيه الحول؟ قال: يتعلق الوجوب أولا، لكن هذا من باب الواجب
الموسع إلى تمام الحول.
مسألة [20]: الحطب والبطم الذي يجبيه الإنسان من مال الغائب عليه السلام
هل يجب فيه خمس أم لا؟ وإن وجب هل يجب على الفور أو يراعى فيه الحول؟
قال: نعم يتعلق الوجوب بالحصول ويجوز التأخير إلى آخر الحول.
مسألة [21]: سهم الغائب عليه السلام لو وجد من هو في ذمته أو مستودعا له
رجل ضرير من بني عبد المطلب أو زمنا أو ذو حاجة، هل يجوز له صرفه أو
صرف بعضه إلى من هو بهذه الصفة وأن لم يكن الدافع مفتيا لكنه مشتغلا
بالعلم؟
قال: الأمر فيه إلى الحاكم ولا يجوز التصرف فيه بغير الحفظ.
مسألة [22]: لو حصر الإنسان مال الغائب عليه السلام في عروض مثلا
كالسيف والعقار يصح، ولو قال الإنسان: هذا المتاع - كالشجر مثلا - للإمام
وأوصى لبعض ورثته بالتسلط على ثمرته مدة حياته صح وكان الأصل بعد المدة
المشروطة يصرف للذي أوصي له به، ولكن شرط أن تكون العين التي عينها
تحرز المقدار الذي في ذمته فصاعدا.
مسألة [23]: أجرة الحاج والتزويج والزيارات من جملة المؤن، بمعنى لو
كان معه ألفان ثم حج بألف منها، ثم نمت الألف الأخرى إلى أن بلغت ألفين لا
يجب فيها خمس لأن الذي أذهبه في الحاج من المؤن والنماء جبرا لها، قال: لا
يجبر بل يخمس.
395

مسألة [24]: إذا كان هناك ملك للغائب، وقال رجل أنه باعه لشخص
بإذن الفقيه، هل يباح أم لا؟
الجواب: يقبل قول ذي اليد بما في يده ظاهرا إذا كانت شرعية.
مسألة [25]: إذا باع الشريف شيئا قيمته خمسين بمائة، وحسب ذلك المائة
من الخمس وهما عالمان بالقيمة قاصدين حال البيع أن يحسبها له من الخمس.
الجواب: الأولى تحريم مثل هذا العقود بالقصود.
مسألة [26]: قوله: يجب الخمس على واجد الكنز صغيرا كان أو كبيرا عاقلا
أو مجنونا، ما الفرق بينه وبين الزكاة؟ قال: لأن الوجوب متعلق بالعين لا
بالصغير وشبهه.
مسألة [27]: إذا امتزج الحلال بالحرام يخرج خمسه لأرباب الخمس.
مسألة [28]: الحلال المختلط بالحرام إما أن يعتقد قدره وصاحبه يقينا أو ظنا
أو التفريق، أو لا يعلمه أصلا فالأقسام عشرة:
أ - أن يعتقد يقينا فالدفع.
ب - أن يعتقد ظنا فالصلح للمضمون، وفي سقوط الخمس وجهان.
ج - أن يعلم صاحبه ظنا والقدر يقينا، وفي إعطائه وجهان.
د - أن ينعكس فالصلح.
ه‍ - أن يعلم صاحبه ولا يعلم قدره أصلا فالصلح.
و - أن يجهلا مطلقا فالصلح لمستحقه على الأصح.
ز - أن يجهل المالك أصلا ويعلم القدر يقينا فالصدقة للفقراء بعد اليأس.
ح - أن يعلم قدره تخمينا وأنه أزيد من الخمس قطعا فالزائد صدقة، وفي
396

الخمس وجهان.
ط - أن يعلم أنه أنقص من الخمس، فالصدقة ليس إلا أن تتردد بين الخمس
والناقص ويقطع على نفي الزائد فالوجهان.
ي - أن يتردد بين الخمس والزائد فالزيادة صدقة قطعا، وفي الخمس
الوجهان، فهذه الصورة الأخيرة مع جهل المالك أصلا وإلا فالصلح.
فرع: لو علم المالك وجهل القدر أصلا فإنه يصالحه على ما ذكر، فلو امتنع
من الصلح، قال صاحب التذكرة: يدفع إليه الخمس ويحل الباقي لأن الشرع
طهر به المال.
مسألة [29]: الخمس حق ثبت للنبي عليه السلام ولقرائبه عوضا عن الزكاة.
مسألة [30]: في من له حيوان أو عقار ويحصل له من نمائه قوت حول، ولا
يفضل من نمائه شئ عند تمام الحول سوى الأصل، هل يجب عليه أن يخرج
خمس الأصل أم لا؟ أو يخمس ما فضل من النماء على تقديره حسب؟ ولو باع
الأصل كفاه لقوت سنة أو أقل وهل تجب عليه زكاة الفطرة أو لا؟
الجواب: إن كان أصله مما يجب فيه الخمس وكان نماءه يكفي سنته أخرج
خمس الأصل مرة وخمس النماء إن فضل في كل عام، وتجب الفطرة إذا كان
الأصل يكفيه سنة، والنماء بطريق الأولى وجوبا، وقال شيخنا دام ظله: لا يجب
الخمس في الأصل.
مسألة [31]: من خمس ماله وأخرجه في وجه آخر، وذلك الوجه يسبب
لتحصيل مال آخر، هل يجب فيه الخمس أو يسقط خمس المخمس ويخمس ما
فضل عن النفقة من النماء على تقديره؟ أفتنا مأجورا.
397

الجواب: كلما حصل بسبب المال بحيث لولا المال لم يحصل، وفضل عن
مؤونة السنة زيادة عن المال الأصلي وجب خمسه.
وكتب محمد بن مكي:
مسألة [32]: ما يجمع الإنسان من ثمن الحطب والخشب والزيتون والبطم
الذي هو للإمام والبابير وسائر المباحات هل فيها خمس أم لا؟ وهل الخمس في
هذه على الفور أو في ما يفضل عن مؤونة السنة أم لا؟
الجواب: لا شئ في هذه المذكورات إلا أن يفضل عن مؤونة السنة له
ولعياله وإن علم فضلها عن مؤونة السنة تخير في الإخراج والتأخير إلى الحول،
فإن لم يعلم فلا إخراج حتى يحول الحول، وكذا باقي المكاسب.
مسألة [33]: الهبة هل فيها خمس أم لا؟ الجواب: لا.
مسألة [34]: إذا خمس خمسمائة فأخرج منها مائة ثم ملك مالا آخر واستمر
وجود المال المخمس، فهل عليه خمس في المال المتجدد أم لا؟
قال: النفقة تختص بالمال المتجدد، فإن فضل عن النفقة شئ عن المتجدد
خمسه وإلا فلا، أما لو تلف المال المخمس لم يكن له أن يجعل المتجدد مكانه
وسقط الخمس عنه، بل كل مال متجدد لم يجبر به مال سبق، هذا نقل عن
العميد. ولو أنفق من غير الأرباح جبر من الأرباح، وكذا لو تلف بعض
المخمس جبرها بالنماء، ولو تلف كله لم يجبره.
مسألة [35]: الحنضين وتراب الخزف معدن، وضابطه كلما كان له خاصة
لا توجد لغيره.
398

مسألة [36]: قال: يجوز أن يردد في الخمس كما يجوز أن يردد في الزكاة
كأن يقول: إن كان مالي الغائب سالما فهذا خمسه وإلا صدقة.
مسألة [37]: لو كان عند إنسان مثلا خمسمائة درهم، فأخرج خمسمائة
واتجر بالباقي فربحت مائتين، هل يجب عليه في القابل أن يخمس الأصل أو
الربح وحده الذي هو المائتين لكن الكل فاضل عن مؤونة السنة الأصل
والربح؟
الجواب: لا يجب عليه أن يخمس سوى المائتين مما ربح المال بعد إخراج
مؤونة السنة.
مسألة [38]: قال الشارع: لا يجوز أن يدفع زكاته إلى من تجب عليه نفقته،
فهل يكون حكم الخمس كذلك أم لا؟
مسألة [39]: لو كان لإنسان بنت ثم أنه زوجها، فهل يجوز أن يدفع خمسه
أو زكاته إليها لو كان زوجها فقيرا عاجزا عن نفقتها أو غاب عنها أو غنيا ولم ينفق
عليها، ولا حاكم هنا يجبر على الإنفاق عليها، هل يجوز أن ينفق عليها من الزكاة
أم لا؟
الجواب: لا يجوز دفع الخمس إلى واجب النفقة، أما دفع الزكاة إلى البنت
المزوجة مع عسر الزوج أو مماطلته مع تعذر النفقة بالحاكم وغيره فهو جائز.
مسألة [40]: لو أن إنسان بذر غرارة قمح مثلا، ولولا بذرها لفضلت عن
مؤونة السنة، هل فيها خمس أم لا؟ الجواب: لا.
مسألة [41]: لو باعني الشريف شيئا من ماله بعشرة وهو يساوي مائة، طمعا
399

منه أن أخلفها عليه وزيادة وهو عارف بالقيمة، يصح هذا البيع ويملك السلعة
بهذا الثمن لكنه مكروه، وكذا العكس لو بعت الشريف أو الفقير متاعا بمائة
درهم وقيمته عشرة وهما عارفان بالقيمة طمعا من البائع والمشتري أن يحصل له
ثمنها من الخمس أو الزكاة يصح البيع ويلزم لكنه مكروه.
مسألة مفيدة [42]: لا تنافي بين الخمس والزكاة لأن الخمس دين والدين غير
مناف للزكاة، فلو فضل عنه مائتي درهم وابتدأ حولها من أول حول الخمس
أخرج زكاتها عند تمام حولها وعدت من المؤن وخمس ما عداها، ولو فرض
تطابق الحولين في الأثناء بأن يكون بالمائتين عروض ثم نفت، فإن تطابقا في
الأثناء فهنا يجب خمس المائتين أجمع، ويجب عليه إخراج الزكاة لأنها وجبت
بعد استقرار وجوب الخمس في المال التام، وإن جعلناه كحول الزكاة فلتطابق
الحول في الأثناء.
مسألة [43]: لو أخذ مالا من الفواضل وتوصل به إلى النكاح خسارة عليه
كالسمسرة مثلا لا خمس فيه.
مسألة [44]: هل في حلي المرأة من ذهب وفضة أو لؤلؤ أو جوهر وغيره
خمس أم لا؟ فإن كان نعم فهل تقومه وتخرجه أم كيف؟
الجواب: الظاهر أنه إذا كان معتادا لبسه ولو في بعض الأوقات فلا خمس
فيه، لأنه من المؤن، نعم لو خرج في الكثرة إلى حد الإسراف فيه أخرج خمسه
بعد المؤونة إذا كان أصله من متعلق الخمس.
مسألة [45]: لم لا ذكر الفقير في آية الخمس وذكره في آية الزكاة؟
الجواب: هذا سؤال حسن لم أقف عليه لغير مولانا السيد المرتضى أدام الله
400

تعالى شرفه، وله أجوبة:
آ - إن الفقير والمسكين بمعنى واحد، فذكر المسكين كذكر الفقير لاتحاد
معناهما، ويكون ذكره في آية الزكاة تأكيدا.
ب - إن النبي عليه السلام استعاذ من الفقر فشملت الاستعاذة أقرباءه لأنهم
منه فبقي المساكين لأنه سأل المسكنة.
ج - إن المشهور في رواياتنا أن المسكين أسوأ حالا، رواه أبو بصير في
الصحيح عن الصادق عليه السلام، فحينئذ لا شئ للفقير هنا بهذا اللفظ وإن كان
له باعتبار كونه يتيما أو ابن سبيل.
د - قال الراوندي رحمه الله تعالى والشيخ الإمام جمال الدين في
المختلف: إن الفقير إذا أطلق دخل فيه المسكين وبالعكس وإنما موضع الخلاف
إذا اجتمعا كآية الزكاة فحينئذ ذكر المسكين كذكرهما معا.
مسألة [46]: مستودع مال الغائب عليه السلام إذا كان في يده، ثم مضى
عليه وقت كثير وما عاد يتحقق الموضع الذي وضعه فيه، وهو يعلم أنه إما دفنه
أو جعله في مكان لا يعلمه، فهل يكون ضامنا له أم لا؟ فلم لا يكون صاحبه أخذه،
نعم يضمن لأنه تفريط والأصل عدم أخذه إياه.
مسألة [47]: إذا كان في ذمته حق للغائب فلم يتمكن من إخراجه ثم قال
لورثته: إن جميع ما تركت فإنه للغائب أو بعضه فإن أدركتم أيامه فأعلموه بذلك
وإلا فوصوا به إلى الثقة، هل ينفعه ذلك أم لا؟ وهل يجب على الورثة العمل
بذلك أم لا؟ نعم إذا كانوا ورثته عدولا يثق منهم بالفعل أو الإيصاء.
مسألة [48]: في رجل قدر له حول فيه الخمس، وأنفق على نفسه من كسبه
طول الحول، وفضل عنده مائة دينار فأخرج خمسها ثم أنفقها في الحول الثاني،
401

وتمم باقي سنته من كسبه وفضل عن المبلغ المذكور، فهل يجب فيه الخمس أم
لا؟
الجواب: هذا لا خمس فيه، لأن إخراج المؤن من الكسب الزائد، فإذا أخرج
المائة المخمسة حسب له بإزائها، نعم لو قلنا بأن النفقة من الأصل أو منهما توجه
الخمس وقد كان يفتي به شيخنا فخر الدين رحمه الله تعالى، وبالأول أفتى سيدنا
عميد الدين قدس الله روحه.
مسألة [49]: إذا ورث الإنسان مالا من ميت مخالف وهو لا يعتقد وجوب
الخمس ولا يخرجه، هل يجب على وارثه المؤمن الخمس أم لا؟
الجواب: لا يجب على وارثه إخراجه وإن علم تعلق الخمس به وباء بإثمه
الأول وهو منصوص الأصحاب في قولهم: وأبيح له المتاجر، وفسروه بأن
يشتري ما فيه حقوقهم عليه السلام.
مسألة [50]: لو ترك إخراج الخمس هل يتصور أن أرباب الخمس شركاء
في جميع ما يتجدد من النماء أم لا؟
الجواب: أما ما يجب في المعادن والغوص والأرض المغنومة فكالزكاة، وأما
ما يجب في الأرباح فأبعد لأن تعلقها بالذمة أقوى، ومال الغائب إذا تعين بتعين
الحاكم صار نماؤه له إن قدر ذلك، قال دام ظله: إذا كان الشريف قادرا على
التكسب وهو لائق به منع من الخمس.
مسألة [51]: قال عميد الدين رحمه الله: لا يجوز تكفين العلوي من الخمس
ويجوز من الزكاة، وكذا كل قربة سهم من سبيل الله، ومن فوائده أيضا أنه قال:
لا يجوز للإنسان أن يبيع العلوي شيئا بأزيد من قيمته ويحسبه عليه من الخمس،
ولو فعل ذلك لم تبرأ ذمته من أكثر من القيمة، ولا أن يتهب منه ولا أن يحتال
402

على الخمس بشئ من ذلك، لأن فتح هذا الباب يؤدي إلى ضرر عظيم بالفقراء،
وكذا قال فخر الدين، ومن فوائده أيضا أنه نقل عن الشيخ أبي القاسم ابن سعيد أنه
كان يحرم المبايعة ولا يجيزها، وعن الشيخ يحيى أنه كان يجيزها، وعن خاله
الشيخ أنه كان يجيزها، واختار هو أن يشتري منه سلعة من غير شرط ثم يبيعها
عليه بزيادة على ما يتفقان عليه، أما إذا قال له: أعطيتك المائة بمائة وعشرين، فإن
هذا حرام قطعا.
مسألة [52]: الحيوان إن كان تسمينه برسم العيال لا خمس فيه، والفاضل
من النماء يجب فيه الخمس بعد المؤونة.
مسألة [53]: لو أخرج من تحت الماء لؤلؤة قيمتها دينارا فصاعدا لا بالغوص
بل مد يده وأخرجها بآلة، هل يجب فيها الخمس أم لا؟ قال: نعم.
وكتب فخر الدين:
مسألة [54]: قال الشيخ مشافهة منه أنه: إذا آجر ملكه وأخذ أجرته لا يجب
فيها الخمس، وكذا قال: لو باع ملكه فإنه لا يجب في ثمنه الخمس وإنما يجب في
السبعة المذكورة.
مسألة [55]: لو اختلط مال الطفل الحلال بالحرام وجب على الولي إخراج
الخمس منه، ولو قصر الولي حتى تلف المال ضمن، وكذا في الغوص يضمن
الولي لو أخل بالإخراج منه.
مسألة [56]: قال: الغوص يجب إخراج الخمس منه إذا بلغ دينارا ولا تعتبر
المؤونة.
403

مسألة [57]: قال: يجب إخراج الخمس مما يصطفيه الإمام لأنه من جملة
الغنائم، أما رؤوس الجبال والأودية، في الأرض فلا سبيل له عليها بل لأربابها وما
كانت للإمام أو كانت لغير مالك أو كانت للمسلمين، فليس فيها خمس
لخروجها عن الأقسام التي يتعلق بها الخمس، وإن كانت من أرض أهل الحرب
التي فتحت عنوة فهو له وفيها الخمس.
404