الكتاب: الينابيع الفقهية
المؤلف: علي أصغر مرواريد
الجزء: ٢٧
الوفاة: معاصر
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤١٣ - ١٩٩٣ م
المطبعة:
الناشر: مؤسسة فقه الشيعة - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: أشرف على جمع أصولها الخطية وترتيبها حسب التسلسل الزمني وعلى تحقيقها وإخراجها وعمل قواميسها علي أصغر مرواريد

سلسلة الينابيع الفقهية 2
الصلاة 1
حقوق الطبع محفوظة للمؤلف
الطبعة الأولى
1413 ه‍ - 1993 م
مؤسسة فقه الشيعة
بيروت - لبنان
حارة حريك - شارع دكاش - بناية كليوباترا
ص. ب 209 / 25 - تلفون: 836763 - فاكس 04625848 - 357
سلسلة الينابيع الفقهية 2
الصلاة 1
أشرف على جمع أصولها الخطية وترتيبها حسب التسلسل
الزمني وعلى تحقيقها وإخراجها وعمل قواميسها
علي أصغر مرواريد
الصلاة
الإشراف للشيخ المفيد أبي عبد الله
محمد بن النعمان الحارثي البغدادي المعروف بابن المعلم
336 - 413 ه‍. ق
1

[أبواب الصلاة]
باب
ما يوجب الصلاة:
ويوجبها ستة أشياء:
كمال العقل، وعدم ما يغمر ما يوجب العدد، والاستطاعة، وعدم المنع،
ووجود الدلالة، ودخول الوقت.
باب
فرض الصلاة:
وفرضها ينقسم ثلاثة أقسام:
فرض الحضر في الأمن وهو سبعة عشر ركعة.
وفرض السفر وهو إحدى عشرة ركعة في الأمن.
وفرض الضرورة وهو مختلف لاختلاف أجناسه.
باب
تبيين فرض الحضر والسفر:
فأما فرض الحضر: فالظهر أربع ركعات والعصر كذلك، والمغرب ثلاث
3

ركعات، وعشاء الآخرة أربع ركعات، والغداة ركعتان.
وأما فرض السفر: فالظهر ركعتان، والعصر ركعتان، والمغرب ثلاث
ركعات، والعشاء الآخرة ركعتان، والغداة ركعتان.
باب
عدد التكبير في الفرض:
وعدده أربع وتسعون تكبيرة: اثنتان وعشرون في الظهر ومثلها في العصر،
وسبع عشرة في المغرب، واثنتان وعشرون في العشاء والآخرة، وإحدى عشر
في الغداة.
باب
تسبيح الركوع والسجود:
وعدد ذلك على قول الأمة كافة مائة وثلاث وخمسون تسبيحة:
ستة وثلاثون في الظهر ومثلها في العصر، وسبعة وعشرون في المغرب، وست
وثلاثون في العشاء الآخرة، وثماني عشر في الغداة إلا لمن أراد الفضل في الزيادة
على الثلاث.
باب
عدد سجدات فرض الصلاة في الحضر:
وعددها على كل الأمة أربع وثلاثون سجدة: ثمان في صلاة الظهر ومثلها
في العصر، وست في صلاة المغرب، وثماني في صلاة العشاء الآخرة، وأربع في
صلاة الغداة.
4

باب
عدد مواضع التوجه:
والتوجه في سبعة مواطن: في الأولة من الفرض، والأولة من نوافل الزوال، والأول من نوافل المغرب،
والأولة من الوتيرة، والأولة من صلاة الليل، والمفردة من الوتر، والأولى من
ركعتي الإحرام.
باب
مواضع القنوت:
وموضعه من جميع الصلوات الفرائض والنوافل، في الركعة الثانية قبل
الركوع إلا في صلاة الجمعة لمن صلاها ركعتين مع إمام في جماعة فإنه في
الأولة قبل الركوع، ولا بأس به بعد الركوع لمن نسيه قبله وذكره، وقبل
السجود بل هو لازم، وفي المفردة من الوتر.
باب
السلام في الصلاة:
والسلام ينقسم على ثلاثة أقسام:
الإمام تسليمة واحدة تجاه القبلة وينحرف بوجهه ذات اليمين قليلا، وللمأموم
في جماعة يمينا وشمالا، وللمنفرد واحدة أيضا تجاه القبلة ويميل بوجهه أقل من
مثل الإمام نحو اليمين.
باب
عدد السلام في الفرائض:
وعدده خمس تسليمات في كل فريضة تسليمة.
5

باب
نوافل فرض الصلاة:
ونوافلها تنقسم على قسمين: نوافل الحضر ونوافل السفر.
باب
عددها:
وعدد نوافل الحضر أربع وثلاثون ركعة، وعدد نوافل السفر سبع عشرة
ركعة.
باب تمييزها:
في الحضر ثمان ركعات قبل الظهر، وثمان قبل العصر، وأربع بعد
المغرب، وركعتان من جلوس بعد عشاء الآخرة تحسب واحدة، وثمان صلاة
الليل بعد انتصافه، وثلاث الشفع والوتر وركعتا الفجر.
باب
حدود الصلاة:
وحدودها أربعة آلاف حد بما جاء عن الصادقين عليه السلام.
باب الصلاة:
وأبوابها أربعة آلاف بما يؤثر عن الصادقين عليه السلام.
باب
أثلاث الصلاة:
روي عن الصادقين عليه السلام أنه قال: الصلاة ثلاثة أثلاث: ثلث طهور
وثلث ركوع وثلث سجود.
6

باب
عدد الكبار من حدود الصلاة:
وعددها سبعة: منها أربعة قبل الصلاة وثلاثة فيها، أولها الوقت ثم الطهور
ثم القبلة ثم التوجه ثم تكبيرة الافتتاح ثم الركوع ثم السجود.
باب
عدد الصغار من حدودها:
وعددها سبعة: الأول القراءة ثم تكبيرة الركوع ثم التسبيح ثم تكبيرة
السجود ثم القنوت ثم التشهد ثم التسليم.
مسألة وجواب ودليل:
إن سأل سائل فقال: ما بالكم لم تفصلوا الأربعة آلاف حد لتفصيل كبار ما
ذكرتموه من صغارها؟
قيل له: لأن علم تلك خاص وعلم هذه عام.
فإن قالوا: دلوا على ذلك؟
قيل: دلالته صحة الخبر بوضوح طريقه عجز الكل عن الإحاطة بالتفصيل
إلى الغاية.
باب
عدد فصول الأذان والإقامة:
وعدد ذلك خمس وثلاثون فصلا: الأذان ثمانية عشر فصلا، والإقامة سبعة
عشر فصلا.
7

باب
عدد مواقيت الصلوات:
وعددها خمس بعدد المفروض من الصلوات.
باب
عدد علاما ت المواقيت:
وعددها خمس: تعددها زوال الشمس للظهر، والفراع من مسحة العصر
للعصر أو مقدار ذلك من الزمان، وسقوط الفرض للمغرب، ومغيب الشفق
للعشاء الآخرة، واعتراض الفجر للغداة.
باب
عدد ما يجب به الاجتماع في صلاة الجمعة:
عدد ذلك ثماني عشر خصلة:
الحرية، والبلوع، والتذكير، وسلامة العقل، وصحة الجسم، والسلامة من
العمى، وحضور المصر، والشهادة للنداء، وتخلية السرب، ووجود أربعة نفر بما
تقدم ذكره من هذه الصفات، ووجود خامس يؤمهم له صفات يختص بها على
الاتحات ظاهر الإيمان والعدالة، والطهارة في المولد من السفاح، والسلامة من
ثلاثة أدواء: البرص والجذام [والعمى] والمعرفة بالحدود المشتبهة لمن أقيمت
عليه في الإسلام، والمعرفة بفقه الصلاة، والإفصاح بالخطبة، والقرآن، وإقامة
فروض الصلاة في وقتها من غير تقديم ولا تأخير عنه بحال، والخطبة بما يصدق
فيه من الكلام.
فإذا اجتمعت هذه الثماني عشر خصلة وجب الاجتماع في الظهر يوم الجمعة
على ما ذكرناه، وكان فرضها على النصف من فرض الظهر الحاضر في سائر
الأيام.
8

باب
عدد من يجتمع في الجمعة:
وعددهم خمس نفر في عدد الإمام والشاهدين والمشهود والمتولي لإقامة
الحد.
باب
أقل ما يكون بين الجماعتين في الجمعة من المسافة:
وأقل ذلك ثلاثة أميال بما روي عن الصادقين عليه السلام.
باب
عدد من يسقط عنهم الجمعة عند وجوبها على الناس:
وعددهم عند وجوبها على غيرهم من الناس عشرة:
الصغير، والكبير، والعبد، والمرأة، والمسافر، والأعرج، والمريض،
والممنوع، والمجنون، ومن كان فيها على أكثر من فرسخين.
باب
عدد من يجتمع في العيدين:
وعدد ذلك سبعة عدد:
الإمام وقاضيه والمدعي حقا والمدعى عليه والشاهدين والمتولي لإقامة
الحدود.
باب
تكبير صلاة العيدين:
وعدد ذلك اثنتا عشرة تكبيرة في الركعتين جميعا: سبع في الأولى
9

وخمس في الثاني منها تكبيرة الافتتاح ومنها تكبيرة الركوع.
باب
القراءة في صلاة العيدين:
والقراءة فيها سورة فاتحة الكتاب بسورتين، في الأولى منهما " هل أتاك
حديث الغاشية " وفي الأخرى " سبح اسم ربك الأعلى " والتكبير فيها بعد
القراءة، والقنوت بين كل تكبيرتين.
باب
عدد النوافل من شهر رمضان:
وعددها سوى نوافل الفرائض ألف ركعة:
منها أربعمائة في عشرين ليلة بحساب كل ليلة عشرين ركعة: ثمان بين
المغرب وعشاء الآخرة واثنتا عشرة بعد عشاء الآخرة.
وثلاثمائة ركعة في العشر الثاني: في كل ليلة ثلاثون ركعة، منها ثمان بين
العشائين، واثنتان وعشرون بعد العشاء الآخرة، فذلك سبعمائة ركعة.
وثلاثمائة في ثلاث ليال من جملة الشهر: ليلة تسع عشرة مائة ركعة، وليلة
إحدى وعشرين مائة ركعة، وليلة ثلاث وعشرين مائة ركعة، فذلك يكمله ألف
ركعة في طول الشهر.
وقد روي أن الليالي التي يصلى فيها المائة تسقط منها ما يجب في غيرها من
ليالي الشهر، فيسقط بحساب الثلاث ثمانون ركعة تصلي على ما جاء به الأثر في
ست دفعات في يوم كل جمعة من الشهر عشر ركعات: أربع منها صلاة أمير
المؤمنين عليه السلام، ويصلي ليلة آخر جمعة من الشهر عشرون ركعة من صلاة
أمير المؤمنين عليه السلام، وفي ليلة آخر ست من الشهر عشرون ركعة من صلاة
فاطمة عليها السلام، فذلك ثمانون ركعة بدل الثمانين الساقطة تكملة الألف
10

ركعة.
باب
صلاة يوم الغدير:
وصلاة يوم الغدير ركعتان، تصلي قبل الزوال بنصف ساعة: يقرأ في كل
واحدة الحمد مرة وقل هو الله أحد عشر مرات وإنا أنزلناه عشر مرات وآية
الكرسي عشر مرات، ويجزئك بدلا من ذلك ما تيسر من القرآن.
باب
صلاة الكسوف:
وصلاة الكسوف ركعتان فيهما عشر ركعات وأربع سجدات.
باب
القراءة فيها:
والقراءة فيها سورتان سوى فاتحة الكتاب تردد خمس مرات وهما سورتا
الكهف، والأنبياء، ويجزئك غيرهما من القرآن.
باب
صلاة الاستسقاء:
وصلاة الاستسقاء ركعتان فيهما اثنتا عشرة تكبيرة على صفة صلاة
العيدين.
11

باب
صلاة الاستخارة:
وصلاة الاستخارة ركعتان: يقرأ في كل منهما الحمد وسورة الحشر
والرحمن والمعوذتين، ويجزئك سورة واحدة.
باب
صلاة الحاجة:
وصلاة الحاجة ركعتان: يقرأ فيهما فاتحة الكتاب والإخلاص.
باب
صلاة الشكر
صلاة الشكر ركعتان: يقرأ فيهما الحمد والإخلاص وقل يا أيها الكافرون.
باب صلاة يوم عرفة:
صلاة يوم عرفة فيما سوى عرفات من الأماكن والأصقاع، ركعتان بعد
صلاة العصر وقبل الدعاء.
باب
صلاة يوم عاشوراء:
صلاة يوم عاشوراء ركعتان، من لم يحضر مشهد الحسين عليه السلام فليصلها ثم يومئ إليه
بالسلام.
12

باب
صلاة الزيارة:
وصلاة الزيارة ركعتان: يقرأ في الأولى منهما بالحمد وسورة الرحمن، في
الثانية الحمد وسورة ياسين، ويجزئك غيرهما مما تيسر من القرآن.
باب
صلاة الحبوة أربع ركعات: وهي صلاة جعفر بن أبي طالب عليه السلام:
وصلاة الحبوة أربع ركعات: يقرأ في الأولى منها فاتحة الكتاب وسورة إذا
زلزلت، وفي الثانية بفاتحة الكتاب والعاديات، وفي الثالثة فاتحة الكتاب وإذا
جاء نصر الله والفتح، وفي الرابعة بالفاتحة والإخلاص.
وتسبيح فاطمة عليه السلام أربع تسبيحات تقال قبل الركوع، وبعد
القراءة: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، خمس عشر مرة، وفي
الركوع عشرا، وفي السجود عشرا، وبين السجدتين عشرا، وفي السجدة الثاني ة
عشرا، وقبل القيام إلى الثانية عشرا، فذلك خمس وسبعون مرة، ويفصل بين
الأربع بتسليم.
باب
صلاة أمير المؤمنين عليه السلام: وصلاة أمير المؤمنين عليه السلام أربع ركعات: يقرأ في كل ركعة الحمد
وخمسون مرة قل هو الله أحد، ويفصل بين الأربع بتسليم.
باب
صلاة فاطمة عليه السلام:
وصلاة فاطمة عليه السلام ركعتان: يقرأ في الأولى منهما بفاتحة الكتاب
13

وإنا أنزلناه في ليلة القدر مائة مرة، وفي الثانية بالفاتحة وقل هو الله أحد مائة مرة.
باب
صلاة المبعث:
وهذه الصلاة اثنتا عشرة ركعة: [يقرأ في كركعة] منها بفاتحة الكتاب
وسورة ياسين، وفي عقيبها تمجيد مخصوص.
باب
صلاة ليلة النصف من شعبان:
وهذه الصلاة أربع ركعات: يقرأ في كل ركعة منها الحمد وسورة
الإخلاص مائة مرة، وفي عقيبها دعاء مخصوص.
باب
الصلاة على الموتى
والصلاة على الموتى ينقسم على خمسة أقسام:
قسم منها الصلاة على المؤمنين، وهي خمس تكبيرات، ويقف للرجل عند
وسطه وللمرأة عند صدرها.
والمخالف يصلى عليه تقية، يكبر عليه أربع تكبيرات.
والمستضعف يصلى عليه استشفاعا، ويكبر عليه خمسا.
والطفل الذي لا يعقل الصلاة يصلى نفسه، ويكبر عليه إن شاء خمسا وإن
شاء أربعا.
ومن لا يعرف عقيدته من جملة أهل الإسلام يكبر عليه خمسا، ويشترط في
الدعاء له.
14

باب
ما يجب إعادة الصلاة منه:
ويجب إعادة الصلاة من أربعين شيئا:
تكبيرة الافتتاح إذا ذكر أنه تركها، والقراءة إذا تركها متعمدا، والتسبيح في
الركوع إذا تركه متعمدا، وكذلك التسبيح في السجود، والصلاة على النبي
صلى الله عليه وآله إذا تركها متعمدا في التشهد الأخير.
والسهو حتى يسجد، والسهو عن السجدتين وذكرهما بعد الركوع من
الثانية، والوضوء إذا سها عن بعضه، والعلم بنجاسة ما كان توضأ به بعد الصلاة أو
فيها، والسهو في صلاة السفر، والسهو في صلاة الجمعة لمن صلاها أربع
ركعات، والسهو في الركعتين الأولتين من كل فريضة، والسهو في الفجر،
والسهو في المغرب.
واعتماد إتمام الصلاة فيما يجب فيه التقصير لها في الحال، واعتماد التقصير
لها فيما يجب فيه التقصير لها في الحال، واعتماد التقصير لها فيما يجب فيه إتمامها
من الأحوال، واعتماد الجهر بالقراءة فيما يجب فيه الإخفات من الصلاة، واعتماد
الإخفات فيما يجب الجهر بالقراءة فيه منها.
والائتمام بمن يخالف نيته في القربة بالصلاة، والصلاة إلى غير القبلة بالسهو
عنها والتباسها عليه للعلل، والصلاة إلى استدبارها سواء بقي الوقت أو خرج،
والصلاة قبل الوقت ما لم يدركه وهو منها في شئ، والصلاة في ثوب فيه نجاسة
يعلمها لتفريطه بترك الاحتياط قبل الصلاة، وبالسجود على مكان فيه ما يفسد
طهارته من الأنجاس، والصلاة في ثوب مغصوب، والصلاة في مكان مغصوب،
والصلاة بما قد حضر من الوضوء لها مغصوب، والصلاة بتيمم مع القدرة على
الماء، ومس ما يوجب الغسل، والسهو عما حصل عليه من الفرض وبقى عليه
شئ منه وتيقن الزيادة فيه وتيقن النقصان بعد الانصراف منه.
والقهقهة في الصلاة، والكلام فيها عامدا، وإحداث ما ينقض الوضوء
15

متعمدا، وصرف الوجه عن القبلة إلى استدبارها، والتعري مما لا بد منه من اللباس
احتياط، وترك القيام بحدود الصلاة على شرط الشرط.
16

الاقتصاد
الهادي إلى الرشاد
تأليف شيخ الطائفة
أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (قدس سره)
385 - 460 ه‍ ق
17

كتاب الصلاة
فصل
في ذكر أعداد الصلاة
الصلوات المفروضات في اليوم والليلة خمس صلوات: سبع عشرة ركعة
في الحضر وفي السفر إحدى عشرة ركعة: الظهر أربع ركعات بتشهدين و
تسليمة في الرابعة، وفي السفر ركعتان بتشهد وتسليم بعده، وكذلك العصر
والعشاء الآخرة، والمغرب ثلاث ركعات بتشهدين وتسليم في الثالثة، والغداة
ركعتان بتشهد وتسليمة بعده في السفر والحضر لا يقصران على حال.
والنوافل في الحضر أربع وثلاثون ركعة، وفي السفر سبع عشرة ركعة.
فنوافل الظهر والعصر ست عشرة ركعة ثمان قبل الفرض وثمان بعد
الفرض كل ركعتين بتشهد وتسليم بعده، ويسقط جميعه في السفر.
ونوافل المغرب أربع ركعات بتشهدين بعده في السفر والحضر، وركعتان
من جلوس بعد العشاء الآخرة تعدان بركعة يسقطان في السفر، وإحدى عشرة
ركعة صلاة الليل كل ركعتين بتشهد بعده، والمفردة من الوتر بتشهد وتسليم
بعده.
وركعتان نوافل الفجر يثبت جميع ذلك في الحضر والسفر.
19

فصل
في ذكر المواقيت
لكل صلاة من الفرائض الخمس وقتان أول وآخر: فأول الوقت هو
الأفضل، وهو وقت من لا عذر له، والآخر وقت من له عذر.
فأول وقت الظهر إذا زالت الشمس، وآخره إذا زاد الفئ أربعة أسباع
الشخص أو يصير ظل كل شئ مثله.
وأول وقت العصر عند الفراع من فريضة الظهر، وآخره إذا صار ظل كل
شئ مثليه، وعند العذر إلى أن يبقى من النهار مقدار ما يصلي أربع ركعات.
وأول وقت المغرب إذا غابت الشمس، وعلامة غروبها زوال الحمرة من
ناحية المشرق، وآخره إذا غاب الشفق، وهو زوال الحمرة من المغرب وعند
الضرورة إلى ربع الليل.
وأول وقت العشاء الآخرة ذهاب الشفق الذي وصفناه، وآخره ثلث الليل
وروي نصف الليل.
وأول وقت فريضة الغداة عند طلوع الفجر الثاني، وآخره طلوع الشمس.
خمس صلوات تصلي على كل حال ما لم يتضيق وقت فريضة حاضرة،
ومن فاتته صلاة فريضة فوقتها حين يذكرها ما لم يدخل وقت فريضة، وصلاة
الكسوف وصلاة الجنازة وركعتا الإحرام وركعتا الطواف.
ويكره ابتداء النافلة في خمسة أوقات: بعد فريضة الغداة عند طلوع
الشمس، وعند وقوف الشمس في وسط السماء إلا يوم الجمعة، وبعد العصر وعند
غروب الشمس.
وأما صلاة لها سبب كتحية المسجد أو زيارة مسجد أو قضاء نافلة فلا بأس
بها في هذه الأوقات.
20

فصل
في ذكر القبلة وأحكامها
الكعبة قبلة من كان في المسجد الحرام، والمسجد قبلة من كان في الحرم،
والحرم قبلة من كان في الآفاق.
فأهل العراق ومن يصلي إلى قبلتهم يتوجهون إلى الركن العراقي، وعليهم
التياسر قليلا، وليس على من يتوجه إلى غير هذا الركن ذلك، فإن أهل اليمن
يتوجهون إلى الركن اليماني، وأهل الغرب إلى الركن الغربي، وأهل الشام إلى
الركن الشامي.
ويمكن أهل العراق أن يعرفوا قبلتهم بكون الجدي خلف منكبهم الأيمن أو
كون الشفق محاذيا للمنكب الأيمن، أو الفجر محاذيا للمنكب الأيسر، أو عين
الشمس عند الزوال بلا فصل على حاجبه الأيمن.
فإذا فقدت هذه الأمارات صلى صلاة واحدة أربع مرات إلى أربع جهات،
فإن لم يقدر صلى إلى أي جهة شاء.
ومن صلى على الراحلة نافلة استقبل بتكبيرة الإحرام القبلة، ثم يصلي إلى
رأس الراحلة، ومن صلى في السفينة ودارت صلى مثل ذلك، ومن صلى صلاة
شدة الخوف صلى مثل ذلك.
فصل
في ستر العورة
العورة عورتان: مغلظة ومخففة. فالمغلظة السوءتان، فمن شرط صحة
الصلاة سترهما على الرجال، والمخففة ما بين السرة إلى الركبة فإنه مستحب ستر
جميع ذلك.
وأما المرأة الحرة فإن جميعها عورة يجب عليها ستره في الصلاة، ولا
تكشف غير الوجه فقط، فإن كانت مملوكة جاز أن تصلي مكشوفة الرأس.
21

وإن صلى الرجل في ثوب صفيق، فهو أفضل.
فصل
في ذكر ما تجوز الصلاة فيه من المكان واللباس
الأرض كلها مسجد، تجوز الصلاة فيها إلا ما كان مغصوبا أو نجسا، فإن
كان موضع السجود طاهرا جازت الصلاة فيها ما لم تتعد النجاسة إلى بدنه
لكونها رطبة.
وتكره الصلاة بين المقابر وفي أرض الرمل والسبخة ومعاطن الإبل وقرى
النمل وجوف الوادي وجواد الطريق والحمامات، وفي طريق مكة بوادي
ضجنان ووادي الشقرة والبيداء وذات الصلاصل.
وتكره الفريضة جوف الكعبة، والنوافل تستحب فيها.
وينبغي أن يجعل الإنسان بينه وبين ما يمر به ساترا ولو عنزة.
ولا يجوز السجود إلا على الأرض أو ما أنبتته الأرض مما ليس بمأكول ولا
ملبوس لبني آدم بمجرى العادة. ومن شرطه أن يكون مباح التصرف فيه، وأن
يكون خاليا من نجاسة.
وتجوز الصلاة في اللباس ما كان من قطن أو كتان وجميع ما ينبت في
الأرض، وفي الخز الخالص وفي الصوف والشعر والوبر مما يؤكل لحمه، وفي
جلد ما يؤكل لحمه إذا كان مذكى، وإن كان ميتا فلا يجوز، وإن دبغ فإنه
لا يطهر بالدباغ، وينبغي أن يكون ملكا أو في حكم الملك، ويكون خاليا من
نجاسة مانعة من الصلاة فيها مما قدمنا ذكره.
وما لا تتم الصلاة فيه منفردا فالتكة والجورب والقلنسوة والخف جاز أن
يكون فيها نجاسة، والتنزه عن ذلك أفضل.
22

فصل
في الأذان والإقامة
هما مسنونان مؤكدان في الصلوات الخمس، واجبان في صلاة الجماعة لا
تنعقد الجماعة إلا بهما، ولا يفعلان لشئ من النوافل.
وهما خمسة وثلاثون) فصلا: الأذان ثمانية عشر فصلا، والإقامة سبعة عشر
فصلا. فالأذان أربع تكبيرات في أوله، والإقرار بالتوحيد مرتين، والإقرار بالنبي
مرتين، والدعاء إلى الصلاة مرتين، وإلى الفلاح مرتين، وإلى خير العمل مرتين، و
تكبيرتان في آخره، والتهليل مرتين. والإقامة مثل ذلك، وتسقط تكبيرتان من
أوله، ويردد بدلهما " قد قامت الصلاة " مرتين، ويسقط التهليل مرة، والترتيب
فيهما واجب.
ويستحب أن يكون المؤذن على طهارة، ويستقبل القبلة، ولا يتكلم في خلاله
مع الاختيار، ولا يكون ماشيا ولا راكبا، ويرتل الأذان ويحدر الإقامة، ولا يعرب
أواخر الفصول، ويفصل بين الأذان والإقامة بجلسة أو سجدة أو خطوة، وكل هذه
سنة غير واجبة، وأشدها تأكيدا في الإقامة، ومن شرط صحتهما دخول الوقت.
فصل
فيما يقارن حال الصلاة
أول ما يجب من أفعال الصلاة المقارنة لها النية، ووقتها حين يريد استفتاح
الصلاة، وكيفيتها أن ينوي الصلاة التي يريد أن يصليها - فرضا كان أو نفلا -
ويعين الفرض أيضا فرض الوقت أو القضاء، مثاله: أن يريد صلاة الظهر فينبغي
أن ينوي صلاة الظهر على وجه الأداء دون القضاء متقربا بها إلى الله، وكذلك
باقي الصلوات، وينبغي أن يستديم حكم هذه النية إلى وقت الفراع من الصلاة،
ولا يعقد في خلال الصلاة نية تخالفها فإنه يفسد ذلك صلاته.
23

ويستفتح الصلاة بقوله " الله أكبر "، ولا تنعقد الصلاة إلا بهذا اللفظ
المخصوص صلى الله عليه وآله، ولا تنعقد بغيره من الألفاظ وإن كان بمعناه، وتكبيرة الإحرام فريضة
بها تنعقد الصلاة، فإن أراد السنة في الفضيلة كبر ثلاث مرات، ويرفع عند كل
تكبيرة يديه إلى حذاء شحمتي أذنيه، ويقول بعد الثلاث تكبيرات: اللهم أنت
الملك الحق لا إله إلا أنت، عملت سوءا وظلمت نفسي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب
إلا أنت.
ثم يكبر تكبيرتين أخريين مثل ما قدمناه ويقول: لبيك وسعديك والخير
في يديك والشر ليس إليك لا ملجأ ولا منجى ولا مفر إلا إليك، سبحانك
وحنانيك سبحانك رب البيت.
ثم يكبر تكبيرتين أخريين ويقول بعدهما: وجهت وجهي للذي فطر
السماوات والأرض على ملة إبراهيم ودين محمد وولاية أمير المؤمنين وما أنا من
المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له
وبذلك أمرت وأنا من المسلمين.
والفرض من ذلك تكبيرة واحدة، وهي التي ينوي بها الدخول في الصلاة،
والأولى أن تكون الأخيرة، ثم يتعوذ فيقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ثم
يستفتح الحمد فيقول " بسم الله الرحمن الرحيم " يرفع بها صوته سواء كانت
الصلاة يجهر فيها أو لم يجهر، فإن ثلاث صلوات يجب فيها الجهر بالقراءة
المغرب وعشاء الآخرة وصلاة الغداة، وصلاتان لا يجهر فيهما بالقراءة وهما
الظهر والعصر، فما يجهر فيها وجوبا يجب فيها الجهر ب‍ " بسم الله الرحمن الرحيم "
وما لا يجهر يستحب فيها ذلك.
ثم يقرأ الحمد، لا بد منها في كل صلاة فرضا كانت أو نفلا، لا تصح
الصلاة إلا بقراءتها، وفي الفرض يجب قراءة الحمد وسورة لا أقل منها ولا أكثر
في الركعتين الأوليين والأخيرتين، والثالثة من المغرب هو مخير
بين قراءة الحمد وبين قول " سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر " ثلاث مرات، أيها
24

فعل فقد أجزأه.
والسورة التي يقرأها مع الحمد ليست معينة، بل يقرأ ما شاء من السور، إلا
أربع سور، وهي: ألم تنزيل وحم السجدة والنجم واقرأ باسم ربك، فإن فيها
سجودا فرضا لا يزال في الفرائض، ولا يقرأ أيضا سورة طويلة يخرج الوقت
بقراءتها، بل يقرأ سورة وسطا من المفصل، وأفضل ما يقرأ " الحمد " و " إنا
أنزلناه " وفي الثانية " قل هو الله أحد ".
وقد خص غداة الاثنين والخميس بهل أتى على الإنسان، وفي ليلة الجمعة
في المغرب بسورة الجمعة وقل هو الله أحد، وفي العشاء الآخرة الحمد وسورة
الأعلى، وفي غداة يوم الجمعة قل هو الله أحد، وفي الظهر والعصر بالجمعة و
المنافقين، وفي باقي الصلوات ما شاء من السور إلا أنه يكون في صلاة الغداة و
في العشاء الآخرة أدون منها، وفي المغرب سورة خفيفة، ومثل ذلك في الظهر و
العصر والغداة فرض في الصلاة لا تصح الصلاة إلا معها مع الاختيار
والإمكان.
وينبغي أن يكون في حال قيامه ناظرا إلى موضع سجوده ولا يلتفت يمينا
ولا شمالا فإن ذلك نقصان في الصلاة، ولا يلتفت إلى ما وراءه فإنه يفسدها، ولا
يتمط في صلاته ولا يتثأب ولا يفرقع أصابعه ولا يعبث بلحيته ولا بشئ من
جوارحه، ولا يفعل فعلا كثيرا ينافي الصلاة.
فإذا فرع من القراءة فليركع بالتكبير، والركوع ركن في الصلاة، ويطأطئ
رأسه ويسوي ظهره ويمد عنقه ويكون نظره إلى ما بين رجليه ويسبح فيقول
" سبحان ربي العظيم وبحمده " ثلاث مرات، وإن قالها خمسا أو سبعا كان أفضل
وواحدة تجزئ، ولا يجوز تركها، ومن لم يذكر شيئا أصلا مع الإمكان فسدت
صلاته.
ثم ليرفع رأسه ويقول " سمع الله لمن حمده " وينتصب قائما فيقول " الحمد
لله رب العالمين ".
25

ثم يرفع يده بالتكبير ويهوي بها إلى السجود ويتلقى الأرض بيديه مع
الاختيار، ويسجد على سبعة أعظم فريضة الجبهة واليدين والركبتين وأطراف
أصابع رجليه، ويرغم بأنفه سنة، ويقول في سجوده " سبحان ربي الأعلى
وبحمده " ثلاث مرات أو خمسا أو سبعا، وواحدة تجزئ، وإن لم يقل شيئا
فسدت صلاته، وإن جمع بين دعاء الركوع ودعاء السجود في الركوع
والسجود وبين التسبيح كان أفضل.
ثم يرفع رأسه بالتكبير ويستوي جالسا ويقول: اللهم اغفر لي وارحمني
وأجرني واهدني وارزقني فإني لما أنزلت إلي من خير فقير.
ثم يرفع يديه بالتكبير ويعود إلى السجدة الثانية ويفعل فيها ما فعل في
الأولى سواء.
ثم يرفع رأسه بالتكبير ويجلس ثم يقوم، وإن قام من السجود إلى الركعة
الثانية كان جائزا، فإذا استوى قائما قرأ الحمد وسورة.
ثم يرفع يده بالتكبير للقنوت ويدعو بما أراد في قنوته، وأفضل ما يقول فيه
كلمات الفرج، وهي: لا إله إلا الله الحليم الكريم، لا إله إلا الله العلي العظيم،
سبحان الله رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع وما فيهن وما بينهن وما
تحتهن ورب العرش العظيم، والحمد لله رب العالمين، وإن قال غير ذلك كان
جائزا.
ثم يكبر للركوع ويصلي الركعة الثانية كما وصفناه للركعة الأولى.
ثم يجلس للتشهد، وينبغي أن يكون جلوسه متوركا على وركه الأيسر
ويجعل ظاهر قدم رجله اليمنى على باطن رجله اليسرى ثم يتشهد، والتشهد
فرض الأول والثاني، وأقل ما يجزئ فيه الشهادتان والصلاة على النبي وآله عليهم
السلام، وإن قال: بسم الله وبالله، والأسماء الحسنى كلها لله، أشهد ألا إله إلا الله
وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل على محمد وآل
محمد، وتقبل شفاعته في أمته وارفع درجته، كان أفضل.
26

ثم يسلم إن كانت الصلاة ثنائية كالغداة، وإن كانت ثلاثية كالمغرب أو
رباعية كالظهر والعصر والعشاء الآخرة قام إليها فيتم صلاته، فإذا جلس في
التشهد الثاني قال ما ذكرناه، وإن زاد فيه التحيات كان فيه فضل.
ثم يسلم إن كان إماما تسليمة واحدة تجاه القبلة ويومئ بطرف أنفه إلى يمينه
وإن كان منفردا مثل ذلك، وإن كان مأموما سلم يمينا وشمالا إن كان على
يساره إنسان، وإن لم يكن على يساره أحد أجزأه التسليم عن يمينه، وإن كانت
الصلاة نافلة يسلم في كل ركعتين، ولا يصل أكثر منهما بتشهد ولا بتسليم على
حال.
فإذا سلم في الفرائض عقب بعد التسليم بما أراد من الدعاء لنفسه ولإخوانه
ولدينه ودنياه، ولا يترك تسبيح الزهراء عليه السلام، وهو أربع وثلاثون
تكبيرة وثلاث وثلاثون تسبيحة وثلاث وثلاثون تحميدة تمام المائة.
فإذا فرع من التعقيب سجد سجدتي الشكر، ويقول فيها ثلاث مرات " شكرا
لله شكرا لله "، فإن قال مائة مرة كان أفضل.
وعلى هذا الشرح يصلي الخمس صلوات فرائضها ونوافلها، لا نطول بذكر
صلاة صلاة، فإن فيما ذكرناه كفاية إن شاء الله.
فصل
في ذكر قواطع الصلاة
كل شئ ينقض الوضوء متى عرض في خلال الصلاة فإنه يقطعها ويجب
منه استئنافها، وقد قدمنا ذكر ما ينقض الطهارة فلا وجه لإعادته.
ويقطع الصلاة الكلام متعمدا، والفعل الكثير الذي ليس من أفعال الصلاة
والتكتف يقطع الصلاة من غير تقية ولا خوف وهو وضع اليمين على الشمال
وقول " آمين " آخر الحمد مثل ذلك، والالتفات بالكلية مثل ذلك، والقهقهة مثل
ذلك، والتأفيف والتأنين مثل ذلك، كل هذه الأشياء يفسد الصلاة.
27

وأما الالتفات يمينا وشمالا والتثاؤب والتمطي والعبث باللحية أو بشئ من
جوارحه وفرقعة الأصابع والإقعاء بين السجدتين والتبصق والتنخم ونفخ
موضع السجود ومدافعة الأخبثين، فإن جميع ذلك نقصان في الصلاة وإن لم
يفسدها.
فصل
في حكم السهو
غلبة الظن لفعل الصلاة يقوم مقام العلم فيبنى عليه، ولا حكم للسهو عليه
معه فإنما يكون السهو حكم مع تساوي الظن أو الشك المحض، وعند ذلك
فهو على خمسة أقسام: أحدها يوجب الإعادة، والثاني يوجب التلافي، والثالث لا
حكم له، والرابع يوجب الاحتياط، والخامس يوجب سجدتي السهو.
والذي يوجب الإعادة على كل حال من صلى بغير طهارة، أو صلى قبل
دخول الوقت، أو صلى مستدبر القبلة، أو صلى إلى يمينها أو شمالها مع بقاء
الوقت، ومن صلى في مكان مغصوب مع العلم به مختارا، ومن صلى في ثوب
نجس مع تقدم علمه بذلك، ومن ترك النية أو تكبيرة الإحرام أو ترك الركوع
حتى يسجد، ومن ترك سجدتين في ركعة حتى يركع فيما بعدهما في الأوليين،
ومن زاد ركوعا أو زاد سجدتين في الأولتين، ومن زاد ركعة ومن شك في
الأولتين من الرباعية فلا يدري كم صلى أوشك في الغداة أو المغرب أو صلاة
السفر أو صلاة الجمعة مثل ذلك، ومن نقص ركعة فصاعدا حتى يتكلم أو
استدبر القبلة، ومن شك فلا يدري كم صلى فهؤلاء يجب عليهم الاستئناف.
وأما ما يوجب التلافي - إما في الحال أو فيما بعد - من سها عن قراءة الحمد
حتى قرأ سورة أخرى قرأ الحمد وأعاد سورة، ومن سها عن قراءة سورة بعد الحمد
قبل أن يركع قرأ ثم ركع، ومن شك في القراءة وهو قائم قرأ، ومن سها في
تسبيح الركوع وهو راكع سبح، ومن شك في الركوع وهو قائم ركع، فإن
28

ذكر أنه كان ركع أرسل نفسه ولا يرفع رأسه، ومن شك في السجدتين أو
واحدة منهما قبل أن يقوم سجدهما أو واحدة، ومن ترك التشهد الأول وذكر و
هو قائم رجع فتشهد، فإن لم يذكر حتى ركع مضى في صلاته ثم قضاه بعد
التسليم، ومن نسي التشهد الأخير حتى يسلم قضاه بعد التسليم.
وأما ما لا حكم له يبني على ما شاء، والبناء على الأول أفضل، ومن سها في
سهو فلا حكم له، ومن سها في صلاة خلف إمام يقتدى به لا سهو عليه، وكذلك
لا سهو على الإمام إذا حفظ عليه من خلفه، ومن شك في شئ وقد انتقل إلى غيره
فلا حكم له، نحو من شك في تكبيرة الإحرام في حال القراءة أو في القراءة في
حال الركوع أو في الركوع في حال السجود أو في السجود وقد قام إلى الثانية
أو شك في تسبيح الركوع أو السجود وقد رفع رأسه منهما أو شك في التشهد
الأول وقد قام إلى الثالثة، ومن سها عن ركوع الأخيرتين وسجد بعده ثم ذكر
حذف السجود وأعاد الركوع، وكذلك من ترك السجدتين في واحدة منهما
بنى على الركوع في الأول وسجد السجدتين.
وأما ما يوجب الاحتياط فمثل من شك فلا يدري صلى ركعتين أو أربعا بنى
على الأربع وسلم ثم صلى ركعتين من قيام، إن كان صلى أربعا كانت هاتان
نافلة وإن كان صلى اثنتين كانت هاتان تمام الصلاة، وكذلك إن شك بين
الثلاث والأربع أو بين الثنتين والثلاث بنى على الأكثر، فإذا سلم قام فصلى ركعة
من قيام أو ركعتين من جلوس لمثل ما ذكرناه، وإن شك بين الثنتين والثلاث
والأربع بنى على الأربع وصلى ركعتين من قيام وركعتين من جلوس لمثل ما
قلناه.
وأما ما يوجب سجدتي السهو فمثل من تكلم في الصلاة ساهيا أو سلم في
التشهد الأول من الرباعيات أو المغرب، ومن ترك واحدة من السجدتين حتى
يركع فيما بعد قضاها بعد التسليم وسجد سجدتي السهو، ومن شك بين الأربع
والخمس، بنى على الأربع وسجد سجدتي السهو في هذه المواضع.
29

وموضع سجدتي السهو بعد التسليم، يقول فيهما: بسم الله وبالله السلام
عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، ويتشهد بعدهما تشهدا خفيفا يقتصر على
الشهادتين والصلاة على النبي وآله ويسلم.
وفي أصحابنا من يقول: سجدتي السهو في كل زيادة أو نقصان على وجه
السهو.
فصل
في حكم الجمعة
صلاة الجمعة فريضة بلا خلاف، إلا أن لها شروطا منها: حضور السلطان
العادل أو من نصبه السلطان العادل للصلاة بالناس، ويجتمع العدد سبعة وجوبا
أو خمسة ندبا، وأن يكون بين الجمعتين ثلاثة أميال فصاعدا، وأن يخطب
خطبتين، وأقل ما يخطب به أربعة أشياء: الحمد لله، والصلاة على النبي وآله،
والوعظ، وقراءة سورة خفيفة من القرآن بين الخطبتين.
ويسقط فرض الجمعة عن المرأة، ومن ليس بكامل العقل من الصبيان
والمجانين، وعن المملوك، وعن المريض، وعن الأعمى، وعن الأعرج الذي لا
يقدر على المشي، وعن الشيخ الكبير الذي لا يقدر على الحضور، وعن المسافر،
وعن من بينه وبين الموضع أكثر من فرسخين.
فصل
في ذكر الجماعة
صلاة الجماعة فيها فضل كثير وثواب جزيل، وروي أنها تفضل على صلاة
المنفرد بخمس وعشرين صلاة، إلا أنها ليست بفريضة بلا خلاف إلا في الجمعة
على ما بيناه.
ولا تنعقد الجماعة إلا بشرطين: أحدهما الأذان والإقامة، والثاني أن يكونا
30

اثنين فصاعدا.
فإذا أرادوا صلاة الجماعة فليس يخلو أن يكونا اثنين أو ما زاد عليهما، فإن
كانا اثنين لم يخل أن يكونا رجلين أو امرأتين أو رجلا وامرأة، فإن كانا رجلين
مستوري العورة قام المأموم عن يمين الإمام، وإن كان رجلا وامرأة قامت المرأة
خلف الإمام، وإن كانا امرأتين قامت المأمومة عن يمين الإمامة.
وإن كانوا جماعة ليس يخلو أن يكونوا رجالا بلا نساء أو نساءا بلا رجال أو
رجالا ونساءا، فإن كانوا رجالا بلا نساء لا يخلو أن يكونوا عراة أو مستوري
العورة فإن كانوا مستوري العورة أو فيهم من هو مستور العورة تقدم فصلى بهم و
صلى الباقون خلفه من جلوس إن كان يصلح للإمامة، وإن كانوا كلهم عراة
صلوا من جلوس ووقف الإمام في وسطهم ويبرز عنهم بمقدار ركبتيه ويصلون
كلهم من جلوس يركعون ويومئون إلى السجود، وإن كانوا رجالا ونساءا قام
النساء خلف الرجال، وإن كن نساءا بلا رجال قامت الإمامة في الوسط ولا
تتقدمهن بحال.
وينبغي أن يكون الإمام مؤمنا عدلا مرضيا أقرأ الجماعة، فإن كانوا سواء في
القراءة فأفقههم، فإن كانوا في الفقه سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا فقهاء سواء
فأسنهم، فإن كانوا في السن سواء فأصبحهم وجها.
ولا يؤم بالناس ولد الزنى ولا المحدود ولا المفلوج بالأصحاء، ولا المقيد
بالمطلقين، ولا القاعد بالقيام، ولا المجذوم بالأصحاء، ولا الأبرص بمن ليس
بأبرص، والأعرابي بالمهاجرين، ولا المتيمم بالمتوضئين، ولا المسافر
بالحاضرين.
فصل
في صلاة الخوف
صلاة الخوف على ضربين: أحدهما صلاة شدة الخوف، والآخر
31

صلاة الخوف.
فصلاة شدة الخوف هو إذا كان في المسلمين قلة لا يمكنهم أن ينقسموا
قسمين، فعند ذلك يصلون فرادى إيماءا ويكون سجودهم على قربوس سرجهم،
فإن لم يتمكنوا من ذلك ركعوا وسجدوا بالإيماء ويكون سجودهم أخفض من
ركوعهم، فإن زاد الأمر على ذلك أجزأهم عن كل ركعة تسبيحة واحدة
" سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ".
وإن لم يبلغ الخوف إلى ذلك الحد وأرادوا أن يصلوا فرادى صلى كل
واحد منهم صلاة تامة الركوع والسجود.
وإن أرادوا أن يصلوا جماعة نظروا فإن كان العدو في جهة القبلة أمكنهم أن
يصلوا موضعا واحدا عليهم أسلحتهم، فإذا ركع الإمام بقوم وقف قوم، وإذا سجد
بقوم وقفت طائفة، فإذا قاموا من السجود سجد من خلفهم ولحقوهم فيصلي بهم
الإمام صلاة واحدة على هذا الوصف.
وإن كان العدو في خلاف وجه القبلة فإن كان في المسلمين كثرة يمكنهم
أن ينقسموا قسمين انقسموا كذلك على كل فرقة سلاحهم، فتقف فرقة بإزاء
العدو والأخرى خلف الإمام، فيستفتح بهم الإمام ويصلي بهم ركعة، فإذا قام إلى
الثانية طول في قراءته وخفف من خلفه الركعة الثانية وتشهدوا وسلموا وقاموا إلى
موقف أصحابهم ويجئ أولئك فيستفتحون الصلاة، فيصلي بهم الإمام الركعة
الثانية له وهي أولة لهم، فإذا جلس للتشهد طول وقام من خلفه وصلوا ركعة
أخرى، فإذا جلسوا سلم بهم الإمام، فتكون للفرقة الأولى تكبيرة الإحرام وركعة و
للأخرى الركعة الثانية مع التسليم.
هذا إذا كانت الصلاة الرباعية فإنها تقصر بنفس الخوف من غير سفر
وكذلك صلاة الغداة، وإن كانت صلاة المغرب صلى بالفرقة الأولى ركعة
وبالأخرى ركعتين، وإن صلى بالأولى ركعتين وبالفرقة الثانية ركعة كان جائزا
والأول أحوط، وإن كان فيهم قلة صلى كل واحد منهم على الانفراد.
32

فصل
في ذكر صلاة العيد والاستسقاء
صلاة العيد عندنا واجبة عند تكامل شروطها، وشروطها شروط الجمعة
سواء، وكل موضع تجب فيه الجمعة تجب فيه صلاة العيد، وكل موضع تسقط
الجمعة تسقط صلاة العيد لا فرق بينهما، وهي مستحبة على الانفراد، وإذا كانت لا
يجب قضاؤها ولا بدل لها، ووقتها من انبساط الشمس إلى زوال الشمس، فإذا
زالت فقد فات وقتها.
وليس لها أذان ولا إقامة، بل يقول المؤذن ثلاث مرات " الصلاة الصلاة
الصلاة "، وهما ركعتان باثنتي عشرة تكبيرة: سبع في الأولى منها تكبيرة الإحرام
وتكبيرة الركوع، وفي الثانية خمس منها تكبيرة الركوع.
يستفتح الصلاة بتكبيرة الإحرام، ويقرأ الحمد وسورة الأعلى أو غيرها من
السور، ثم يكبر ويقنت بعدها بما شاء، ثم يكبر ثانية وثالثة ورابعة وخامسة مثل
ذلك، ثم يكبر تمام السابعة ويركع بها، فإذا قام إلى الثانية قرأ الحمد والشمس
وضحاها أو غيرها، ثم يكبر أربع تكبيرات يقنت بعد كل تكبيرة ويكبر الخامسة
ويركع بعدها.
والخطبتان فيها بعد الفراع من الصلاة، ويستحب استماعهما وإن لم يكن
ذلك واجبا، وهي مثل خطبة الجمعة سواء.
وتصلي هذه الصلاة في الصحراء في سائر البلاد، إلا بمكة فإنها تصلي في
المسجد الحرام.
وصلاة الاستسقاء سنة مؤكدة، وهي مثل صلاة العيد في العدد والصفة
والكيفية سواء، والخطبة فيها أيضا بعد الصلاة، فإذا سلم كبر الله مائة مرة تجاه
القبلة، ويحمده مائة مرة عن يمينه، ويسبح الله مائة مرة عن يساره، ويستقبل
الناس ويهلل الله مائة مرة، ويفعل ذلك معه كل من حضر، ثم يخطب حسب
ما قدمناه.
33

ويستحب أن يخرج الصبيان والبله والشيوخ الكبار والبهائم فيستسقى بهم،
ولا يخرج اليهود والنصارى، فإنهم مسخوط عليهم وكتابهم منسوخ بالقرآن.
فصل
في صلاة الكسوف
صلاة الكسوف واجبة عند كسوف الشمس وخسوف القمر والزلازل
المتواترة والظلمة الشديدة. ومتى احترق القرص كله فمن تركها متعمدا كان عليه
القضاء مع الغسل وإن تركها ناسيا أعادها بلا غسل، وإن احترق بعض القرص
وتركها متعمدا قضاها بلا غسل وإن تركها ناسيا لا يجب عليه قضاؤها.
ووقت هذه الصلاة إذا ابتدأ في الاحتراق، وآخر الوقت إذا ابتدأ في الانجلاء،
وينبغي أن يكون مقدار زمان الصلاة مقدار زمان الكسوف، فإذا فرع منها قبل
الانجلاء أعادها استحبابا، وإلا جلس في موضعه يحمد الله ويسبحه.
وهي عشر ركعات بأربع سجدات، يستفتح الصلاة بتكبيرة الإحرام ويقرأ
الحمد وسورة، ويستحب أن تكون من السور الطوال كالأنعام والكهف والأنبياء،
فإذا ركع طول ركوعه بمقدار قراءته، ثم يرفع رأسه بتكبيرة ويعود إلى القراءة،
إن كان ختم السورة قرأ الحمد وسورة أخرى، وإن لم يختمها قرأ من الموضع
الذي انتهى إليه وهكذا خمس ركعات، ويقول في الخامسة " سمع الله لمن
حمده "، ثم يسجد سجدتين ثم يقوم إلى الأخرى فيصلي خمس ركعات مثل
ذلك ويقول في العاشرة " سمع الله لمن حمده "، ويقنت في كل ركعتين بعد
القراءة قبل الركوع مثل سائر الصلوات.
34

فصل
في ذكر نوافل شهر رمضان
وجملة من الصلوات المرغبة فيها
يستحب أن يزاد في نوافل شهر رمضان زيادة عن سائر الشهور ألف ركعة.
فيصلي من أول ليلة إلى عشرين ليلة كل ليلة عشرين ركعة: ثمان بعد
الفراع من فريضة المغرب ونافلتها كل ركعتين بتشهد وتسليم، واثنتي عشرة
ركعة بعد العشاء الآخرة، ويزيد في ليلة تسع عشرة مائة ركعة بعد الفراع من
جميع صلاته ويختم صلاته بالركعتين من جلوس.
ويصلي في العشر الأواخر كل ليلة ثلاثين ركعة: ثمان بعد المغرب،
واثنتين وعشرين ركعة بعد العشاء الآخرة، ويصلي في ليلة إحدى وعشرين
وثلاث وعشرين - زيادة على ما فيها - مائة ركعة كل ليلة، فيكون تمام الألف
ركعة.
ويستحب أن يزيد في ليلة النصف مائة ركعة زيادة على الألف.
ويصلي ليلة الفطر بعد الفراع من صلاته كلها ركعتين، يقرأ في الأولى الحمد
مرة واحدة وقل هو الله أحد ألف مرة، وفي الثانية الحمد مرة، ومرة واحدة قل
هو الله أحد.
ويستحب أن يصلي في الجمعات أوقات النشاط صلاة أمير المؤمنين عليه السلام،
وهي أربع ركعات: يقرأ في كل ركعة الحمد مرة وقل هو الله أحد
خمسين مرة.
ويستحب أيضا صلاة فاطمة عليه السلام، وهما ركعتان: يقرأ في الأولى
منهما الحمد مرة ومائة مرة إنا أنزلناه، وفي الثانية الحمد مرة وقل هو الله أحد مائة
مرة.
ويستحب صلاة التسبيح، وهي صلاة جعفر ابن أبي طالب عليه السلام،
وهي أربع ركعات بثلاثمائة مرة " سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله
35

أكبر "، وترتيبها أن يستفتح الصلاة ويقرأ الحمد وإذا زلزلت ويقول ذلك خمس
عشرة مرة، ثم يركع فيقول عشر مرات، ويرفع رأسه فيقول عشر مرات، ويسجد
فيقول عشر مرات، ويرفع رأسه فيقول عشر مرات، ويسجد ثانيا فيقول عشر
مرات، ويرفع رأسه فيقول عشر مرات، فذلك خمس وسبعون مرة في هذه
الركعة، ثم يقوم فيصلي أربع ركعات بتشهدين وتسليمتين على هذا الترتيب،
ويقرأ في الثانية والعاديات بعد الحمد، وفي الثالثة إذا جاء نصر الله، وفي الرابعة
الحمد وقل هو الله أحد.
ويستحب أن يصلي ليلة النصف من شعبان أربع ركعات: يقرأ في كل
ركعة الحمد مرة ومائة مرة قل هو الله أحد.
وإذا أراد أمرا من الأمور لدينه أو دنياه ينبغي أن يستخير الله فيغتسل فيصلي
ركعتين يقرأ فيهما ما شاء، فإذا فرع دعا الله وسأله أن يخير له فيما يريده، ويسجد
فيقول في سجوده مائة مرة: أستخير الله تعالى في جميع أموري خيرة في عافية،
ثم يفعل ما يقع في قلبه.
وإذا كان ليلة المبعث أو يومه - وهو السابع والعشرين من رجب يوم
مبعث النبي صلى الله عليه وآله - صلى ضحوة اثنتي عشرة ركعة، فإذا فرع عقب
بما أراد وقرأ سبع مرات المعوذتين والإخلاص وقل يا أيها الكافرون وإنا أنزلناه و
آية الكرسي، ثم يقول: الله الله ربي لا أشرك به شيئا، ويسأله ما أراد.
وإذا كان يوم الغدير - وهو الثامن عشر من ذي الحجة - وبقى بينه وبين
الزوال نصف ساعة اغتسل وصلى ركعتين، يقرأ في كل ركعة الحمد مرة وعشر
مرات قل هو الله أحد وعشر مرات إنا أنزلناه وعشر مرات آية الكرسي، فإذا سلم
عقب ودعا بدعاء يوم الغدير.
وإذا كانت له حاجة إلى الله صام يوم الأربعاء والخميس والجمعة، ثم
يغتسل يوم الجمعة، ويخرج إلى موضع خال، ويصلي ركعتين على ترتيب صلاة
التسبيح، غير أنه يجعل بدل التسبيح قراءة قل هو الله أحد خمس عشرة مرة في
36

حال القيام والركوع ورفع الرأس والسجود وفي جميع الأحوال، فإذا سلم سأل
الله تعالى حاجته، فإذا قضيت حاجته صلى ركعتين شكرا لله تعالى على ما أنعم
به عليه.
والصلوات المرغبة فيها كثيرة جدا ذكرناها في مصباح المتهجد في عمل
السنة، وفيما ذكرناه هاهنا كفاية إن شاء الله.
فصل
في ذكر الصلاة على الميت
كل ميت مسلم أو بحكم الإسلام ممن كان له ست سنين فصاعدا فإنه تجب
الصلاة عليه ولا يترك بلا صلاة.
وهي فرض على الكفاية، فإذا قام به قوم سقط عن الباقين، وأقل، من يسقط
به الفرض واحد فصاعدا، ومن لم يبلغ ست سنين صلي عليه استحبابا.
وأحق الناس بالصلاة على الميت أولاهم بميراثه من الرجال أو من يقدمه
الولي، والزوج أحق بالصلاة على المرأة من جميع قرابتها عصبة كانوا أو غير
ذلك، وإذا حضر رجل من بني هاشم كان أولى بالتقدم وعلى الولي تقديمه فإن لم
يفعل كان الولي أحق.
ولا يجوز التقدم على الإمام العادل، ويقف الإمام من الجنازة إن كانت
لامرأة عند صدرها وإن كانت لرجل في وسطه.
وإن كان عليه جرموق نزعه، وإن كان خف أو شمشك صلى فيها.
ويكبر على الميت خمس تكبيرات بعدد الخمس صلوات، يكبر أولا ويشهد
أن لا إله إلا الله، ثم يكبر ثانية ويصلي على النبي عليه السلام، ثم يكبر ثالثة ويدعو
للمؤمنين والمؤمنات، ويكبر الرابعة فيدعو بعدها للميت إن كان مؤمنا وعليه إن
كان منافقا، وإن كان طفلا سأل الله أن يجعله له ولأبويه فرطا، وإن كان
مستضعفا دعا له بدعاء المستضعفين، فيقول: ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا
37

بالأيمان... إلى آخرها، وإن كان لا يعرفه سأل الله أن يحشره مع من كان
يتولاه.
ويستحب أن يكون على طهارة، وإن فاجأته تيمم وصلى عليها.
وليس في هذه الصلاة قراءة ولا تسليم، بل هي دعاء على ما قدمناه.
38

الخلاف
تأليف شيخ الطائفة
أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (قدس سره)
385 - 460 ه‍. ق
39

كتاب الصلاة
مسألة 1: لا يجوز افتتاح الصلاة قبل دخول وقتها، وبه قال جميع الفقهاء
وروي في بعض الروايات عن ابن عباس أنه قال: يجوز استفتاح الصلاة
قبل الزوال بقليل.
دليلنا: إجماع الفرقة، بل إجماع المسلمين، فإن خلاف ابن عباس إن
صح عنه ذلك فقد انقرض، وأجمعوا على خلافه، وأيضا طريقة الاحتياط فإنه
لا خلاف إذا استفتح بعد دخول الوقت أن صلاته ماضية، وليس على خلاف
ذلك دليل.
مسألة 2: الدلوك عندنا هو الزوال، وبه قال ابن عباس وابن عمر وأبو
هريرة والشافعي وأصحابه، ورووا عن علي عليه السلام وابن مسعود أنهما قالا:
الدلوك هو الغروب.
فالآية عندنا محمولة على صلاة الظهر، وعند من خالف على صلاة المغرب.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 3: إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر، وبه قال جميع الفقهاء،
وفي الناس من قال: لا يجوز الصلاة حتى يصير الفئ مثل الشراك بعد الزوال
41

حكى ذلك عن مالك وأنه قال: أحب أن يؤخر الظهر بعد الزوال مقدار ما يزيد
الظل ذراعا. وهذا الذي ذكره مالك مذهبنا في استحباب تقديم النوافل إلى الحد
الذي ذكره، وإذا صار كذلك بدأ بالفرض.
دليلنا: على دخول الوقت عند الزوال: إجماع الفرقة، وأما الأخبار التي
رويت في هذا المعنى فأكثر من أن تحصى، وقد ذكرناها في كتابينا المقدم
ذكرهما.
مسألة 4: إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر، ويختص بها مقدار ما
يصلى فيه أربع ركعات، ثم بعد ذلك مشترك بينه وبين العصر إلى أن
يصير ظل كل شئ مثله، فإذا صار كذلك خرج وقت الظهر وبقى وقت العصر.
وقال قوم: آخر وقت الظهر إذا صار ظل كل شئ مثله، ويعتبر الزيادة من
موضع زيادة الظل لا من أصل الشخص بلا خلاف. فإذا زاد على ذلك زيادة
يسيرة خرج وقت الظهر، وبه قال الشافعي، والأوزاعي، والليث بن سعد
والثوري، والحسن بن صالح بن حي، وأبو يوسف، ومحمد، وأبو ثور، وأحمد بن
حنبل إلا أنهم قالوا: لا يدخل وقت العصر إلا بعد أن يخرج وقت الظهر الذي هو
ظل كل شئ مثله.
وقال قوم: وقت الظهر ممتد من حين الزوال إلى غروب الشمس. وبه قال
عطاء وطاووس ومالك واختاره المرتضى من أصحابنا رضي الله عنه وذهب
إليه قوم من أصحاب الحديث من أصحابنا.
وقال ابن جرير وأبو ثور والمزني: إذا صار ظل كل شئ مثله فقد دخل
وقت العصر، ولم يخرج وقت الظهر إلى أن يمضي من الوقت مقدار ما يصلي
أربع ركعات، ثم يخرج وقت الظهر ويكون باقي النهار إلى غروب الشمس
وقت العصر.
وعن أبي حنيفة ثلاث روايات:
42

إحداها وهي المشهورة رواها أبو يوسف وغيره وعليها يناظرون: إن آخر
وقتها إذا صار ظل كل شئ مثليه، ثم ما بعد ذلك وقت العصر.
وروى أبو يوسف في رواية شاذة: آخر وقت الظهر دون أن يصير ظل كل
شئ مثليه، ولم يحد ذلك المقدار.
وروى الحسن بن زياد اللؤلؤي رواية ثالثة: أن آخر وقت الظهر أن يصير
ظل كل شئ مثله كقولنا، إلا أنه لا يجعل ما بعد ذلك من وقت العصر بل
يقول أن أول وقت العصر إذا صار ظل كل شئ مثليه، وما يكون بينهما ليس
بوقت لواحدة من الصلاتين.
دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه: أن ما اعتبرناه لا خلاف أنه وقت للظهر
وهو ما بين الزوال إلى أن يصير ظل كل شئ مثله وما زاد عليه ليس على كونه
وقتا دليل، فوجب الاحتياط والأخذ بما قلناه. وقد تكلمنا على ما اختلف من
روايات أصحابنا في هذا الباب في الكتابين المقدم ذكرهما.
مسألة 5: أول وقت العصر إذا مضى من الزوال مقدار ما يصلى الظهر أربع
ركعات، وآخره إذا صار ظل كل شئ مثليه، وفي أصحابنا من قال: إنه ممتد إلى
غروب الشمس، وهو اختيار المرتضى (قدس الله روحه)، وبه قال مالك في
إحدى الروايتين، والرواية الأخرى أن أول وقت العصر إذا صار ظل كل شئ
مثله، وقال الشافعي وأصحابه: إذا صار ظل كل شئ مثله، وزاد عليه أدنى زيادة
خرج وقت الظهر، ودخل وقت العصر ثم لا يزال وقت العصر للمختار إلى أن
يصير ظل كل شئ مثليه، فإذا جاوز ذلك خرج وقت المختار ويبقى وقت
الجواز إلى أن تصفر الشمس، وبه قال الأوزاعي والليث بن سعد ومالك والحسن
بن صالح وأبو يوسف ومحمد.
وقال أبو حنيفة: أول وقت العصر إذا صار ظل كل شئ مثليه وآخره إذا
اصفرت الشمس.
43

دليلنا على ما قلناه من أول وقت العصر: إجماع الفرقة، فإنهم لا يختلفون
في أن الشمس إذا زالت فقد وجبت الصلاتان، إلا أن الظهر قبل العصر، وإنما
الخلاف في آخر الوقت.
وأما ما روي من أخبار القدم، والقدمين، والذراع، والقامة وغير ذلك فقد
بينا الوجه فيها في الكتابين المقدم ذكرهما، وبينا أن ذلك تقدير للنوافل لا
للفريضة فكأنهم قالوا: يجوز النوافل ذلك القدر فإذا خرج وجبت البدأة
بالفرض.
دليلنا على أن آخر الوقت ما قلناه: هو أن ما قلناه مجمع على أنه من وقت
العصر، وما ذكروه ليس على كونه وقتا للأداء دليل. وقد بينا الوجه في الأخبار
المختلفة في ذلك فيما أومأنا إليه من الكتابين.
مسألة 6: أول وقت المغرب، إذا غابت الشمس، وآخره إذا غاب الشفق
وهو الحمرة، وبه قال أبو حنيفة، والثوري، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وأبو بكر بن
المنذر في اختياره، وحكى أبو ثور هذا المذهب عن الشافعي، ولم يصححه
أصحابه، إلا أن أبا حنيفة قال: الشفق هو البياض، لكنه كره تأخير المغرب.
وقال الشافعي وأصحابه: إن وقت المغرب وقت واحد، وهو إذا غابت
الشمس، وتطهر وستر العورة وأذن وأقام فإنه يبتدئ بالصلاة في هذا الوقت، فإن
أخر الابتداء بها عن هذا الوقت فقد فاته. وقال أصحابه: لا يجئ على مذهبه غير هذا. وبه قال الأوزاعي.
وذهب مالك إلى أن وقت المغرب ممتد إلى طلوع الفجر الثاني، كما أن
وقت الظهر ممتد إلى المغرب، وفي أصحابنا من قال بذلك، ومنهم من قال: أن
وقته ممتد إلى ربع الليل.
دليلنا: إن ما اعتبرناه مجمع عليه بين الفرقة المحقة أنه من الوقت، وإنما
اختلفوا في آخره، وقد بينا الوجه فيما اختلف من الأخبار في هذا المعنى في
44

الكتابين المقدم ذكرهما، وطريقة الاحتياط تقتضي ما قلناه، فإنه إذا صلى في هذا
الوقت كان مؤديا بلا خلاف، واختلفوا إذا صلى بعد هذا الوقت.
مسألة 7: الأظهر من مذهب أصحابنا، ومن رواياتهم أن أول وقت العشاء
الآخرة إذا غاب الشفق الذي هو الحمرة، وفي أصحابنا من قال: إذا غابت الشمس
فقد دخل وقت الصلاتين، ولا خلاف بين الفقهاء أن أول وقت العشاء الآخرة
غيبوبة الشفق، وإنما اختلفوا في ماهية الشفق، فذهب الشافعي إلى أنه الحمرة، فإذا
غابت بأجمعها فقد دخل وقت العشاء الآخرة، وروي ذلك عن عبد الله بن
عباس، وعبد الله بن عمر وعبد الله بن مسعود، وأبي هريرة، وعبادة بن الصامت،
وشداد بن أوس، وبه قال مالك والثوري ومحمد.
وقال قوم: الشفق هو البياض لا تجوز الصلاة إلا بعد غيبوبته ذهب إليه
الأوزاعي وأبو حنيفة وزفر، وروي ذلك عن عمر بن عبد العزيز، وهو اختيار
المزني.
وذهب أحمد إلى أن وقتها في البلدان والأبنية غيبوبة البياض، وفي
الصحاري والفضاء غيبوبة الحمرة فإن البنيان يستر، فاحتيط بتأخير الصلاة إلى
غيبوب البياض، ليتحقق معه غيبوبة الحمرة، وفي الصحراء لا حائل يمنع من
ذلك فلم يعتبر ذلك، لا أنه جعل الوقت مختلفا في الصحاري والبنيان.
دليلنا: أن ما اعتبرناه من ذلك لا خلاف بين الطائفة المحقة أنه من الوقت،
وليس هاهنا إجماع على أن ما قبله وقت فوجب الاحتياط لئلا يصلي قبل دخول
الوقت، وقد تكلمنا على الأخبار المختلفة في هذا المعنى في الكتابين المقدم
ذكرهما.
مسألة 8: الأظهر من مذاهب أصحابنا ومن روايتهم أن آخر وقت العشاء
الآخرة إذا ذهب ثلث الليل وقد روي نصف الليل، وروي إلى طلوع الفجر.
45

وقال الشافعي في الجديد: إن آخر وقتها المختار إلى ثلث الليل، وروي
ذلك عن عمر وأبي هريرة وعمر بن عبد العزيز، وقال في القديم والإملاء: آخر
وقتها إلى نصف الليل، وهذا وقت الاختيار، فأما وقت الضرورة والإجزاء فإنه
باق إلى طلوع الفجر كما قالوا في الظهر والعصر إلى غروب الشمس، وبه قال
الثوري وأبو حنيفة وأصحابه. وقال قوم: وقتها ممتد إلى طلوع الفجر الثاني،
وروي ذلك عن ابن عباس وعطاء وعكرمة وطاووس ومالك. وقال النخعي:
آخر وقتها ربع الليل.
دليلنا: إجماع الفرقة بل إجماع المسلمين على أن وقتها ممتد إلى ثلث
الليل، وإنما الخلاف فيما زاد على ذلك، وقول النخعي قد تقدمه الإجماع وتأخر
عنه، وما زاد على ثلث الليل ليس عليه دليل فوجب اطراحه والأخذ بالاحتياط.
مسألة 9: الفجر الثاني هو أول النهار وآخر الليل فينفصل به الليل من النهار
وتحل به الصلاة ويحرم به الطعام والشراب على الصائم وتكون صلاة الصبح
من صلاة النهار، وبه قال عامة أهل العلم.
وذهبت طائفة إلى أن ما بين طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس ليس من
الليل ولا من النهار، بل هو زمان منفصل بينهما.
وذهبت طائفة إلى أن أول النهار هو طلوع الشمس وما قبل ذلك من الليل،
فتكون صلاة الصبح من صلاة الليل، ولا يحرم الطعام والشراب على الصائم إلى
طلوع الشمس ذهب إليه الأعمش وغيره، وروي ذلك عن حذيفة.
دليلنا: على فساد قول الفرقة الأولى: قوله تعالى: يولج الليل في النهار
ويولج النهار في الليل، وهذا ينفي أن يكون بينهما فاصل، ويدل على فساد قول
الأعمش قوله تعالى: أقم الصلاة طرفي النهار، ولم يختلفوا أن المراد بذلك صلاة
الصبح والعصر، فلما كانت صلاة الصبح تقام بعد طلوع الفجر وقبل طلوع
الشمس دل ذلك على أن هذا الوقت طرف النهار وعنده أنه من الليل.
46

وأيضا أجمعت الفرقة المحقة على تحريم الأكل والشرب بعد طلوع الفجر
الثاني، وقد بينا أن ذلك حجة على أن هذا الخلاف قد انقرض، وأجمع عليه
المسلمون فلو كان صحيحا لما انقرض.
مسألة 10: أول وقت صلاة الفجر لا خلاف فيه أنه حين يطلع الفجر الثاني،
فأما آخر الوقت فعندنا أن وقت المختار إلى أن يسفر الصبح ووقت المضطر إلى
طلوع الشمس، وبه قال الشافعي وجميع أصحابه.
وذهب الإصطخري من أصحابه إلى أنه إذا أسفر فات وقت الصبح.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: أن الوقت ممتد إلى طلوع الشمس من غير
تفصيل.
دليلنا: طريقة الاحتياط فإن ما اعتبرناه لا خلاف بين الأمة أنه من الوقت
وما زاد عليه ليس عليه دليل أنه وقت الاختيار، وقد بينا الوجه فيما اختلف من
أخبارنا في الكتابين المقدم ذكرهما.
مسألة 11: إذا صلى من الفجر ركعة ثم طلعت الشمس أو صلى من العصر
ركعة وغابت الشمس، فقد أدرك الصلاة جميعها في الوقت، وهو ظاهر مذهب
الشافعي وهو قول ابن خيران من أصحابه، وبه قال أحمد وإسحاق وعامة الفقهاء.
وذهبت طائفة من أصحاب الشافعي إلى أنه يكون مدركا للركعة الأولى في
وقتها وقاضيا للأخرى في غير الوقت. وقال المرتضى رحمه الله من أصحابنا: أنه
يكون قاضيا لجميع الصلاة.
دليلنا: إجماع الفرقة المحقة، فإنهم لا يختلفون في أن من أدرك ركعة من
الفجر قبل طلوع الشمس يكون مؤديا في الوقت، وإنما اختلفوا في أن هذا هل هو
وقت اختيار، أو وقت اضطرار، فأما أنه وقت الأداء فلا خلاف بينهم فيه.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال من أدرك ركعة من الصبح
47

قبل أن تطلع الشمس، فقد أدرك الصبح وهذا نص.
مسألة 12: يجوز الأذان قبل طلوع الفجر إلا أنه ينبغي أن يعاد بعد طلوع
الفجر، وبه قال الشافعي إلا أنه قال: السنة أن يؤذن للفجر قبل طلوع الفجر،
وأحب أن يعيد بعد طلوع الفجر فإن لم يفعل واقتصر على الأول أجزأه، وبه قال
مالك وأهل الحجاز والأوزاعي وأهل الشام وأبو يوسف وداود وأحمد وإسحاق
وأبو ثور.
وقال قوم لا يجوز أن يؤذن لصلاة الصبح قبل دخول وقتها كسائر
الصلوات، ذهب إليه الثوري وأبو حنيفة وأصحابه.
دليلنا: إجماع الفرقة فإنهم لا يختلفون في ذلك.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: إن بلالا يؤذن بليل، فكلوا و
اشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم فأخبر عليه السلام أن بلالا يؤذن بالليل، ولم
ينكر ذلك.
وروى ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام في النداء قبل طلوع الفجر
فقال: لا بأس، وأما السنة مع الفجر وإن ذلك لينفع الجيران يعني قبل الفجر.
مسألة 13: الوقت الأول هو وقت من لا عذر له ولا ضرورة، والوقت الآخر
وقت من له عذر وضرورة، وبه قال الشافعي.
وذكر الشافعي في الضرورة أربعة أشياء، الصبي إذا بلغ، والمجنون إذا
أفاق، والحائض والنفساء إذا طهرتا، والكافر إذا أسلم.
ولا خلاف بين أهل العلم في أن واحدا من هؤلاء الذين ذكرناهم إذا أدرك
قبل غروب الشمس مقدار ما يصلي ركعة، أنه يلزمه العصر، وكذلك إذا أدرك
قبل طلوع الفجر الثاني مقدار ركعة أنه يلزمه العشاء الآخرة، وقبل طلوع
الشمس بركعة يلزمه الصبح، لما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: من
48

أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك
ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر.
وكذلك روي عن أئمتنا عليه السلام، فأما إذا أدرك أقل من ركعة،
فعندنا أنه لا يجب عليه الصلاة.
واختلف قول الشافعي، فالذي عليه عامة أصحابه، ونص عليه في الأم،
ونقله المزني إلى المختصر وحكى أنه سمعه من الشافعي لفظا أنه إذا أدرك دون
الركعة بمقدار تكبيرة الإحرام يلزمه الصلاة، واختاره المزني، وبه قال أبو حنيفة.
وقال أبو حامد المروزي: هو أشهر القولين نص عليه في كتاب استقبال
القبلة.
والقول الآخر: أنه يجب بمقدار ركعة، ولا يجب بما دونها.
دليلنا: إجماع الأمة على أن من لحق ركعة تلزمه تلك الصلاة، وإذا لحق
أقل من ذلك فليس على لزومها دليل. والأصل براءة الذمة.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: من أدرك ركعة من العصر
قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر، ومن أدرك ركعة من الصبح قبل أن
تطلع الشمس فقد أدرك الصبح.
وروي أن (من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدركها)، وذلك يدل على أنه
إذا أدرك أقل من ركعة لا يجب عليه.
مسألة 14: إذا أدرك بمقدار ما يصلي فيه خمس ركعات قبل المغرب
لزمته الصلاتان بلا خلاف، وإن لحق أقل من ذلك لم يلزمه الظهر عندنا،
وكذلك القول في المغرب والعشاء الآخرة قبل طلوع الفجر.
وللشافعي فيه أربعة أقوال، أحدها: أنه يدرك الظهر بما يدرك به العصر،
وفي العصر قولان أحدهما: مقدار ركعة، والثاني: أقل من ركعة، والثالث: أنه
يدرك الظهر بإدراك ما يصلي فيه ركعة ويتطهر، والرابع: أنه يعتبر مقدار
49

إدراك خمس ركعات كما قلناه، قالوا والمنصوص للشافعي في القديم: أنه
يدرك الظهر بإدراك أربع ركعات، والعصر بإدراك ركعة.
وقال أبو إسحاق: يدرك العصر بإدراك أربع ركعات، والظهر بإدراك
ركعة واحدة، وقد خرج أبو إسحاق وجها خامسا، وهو أن يكون مدركا للظهر
والعصر بإدراك أربع ركعات، وتكبيرة.
وقال أبو حنيفة ومالك: أنهم لا يدركون الظهر بإدراك وقت العصر ولا
المغرب بإدراك وقت العشاء.
دليلنا: ما روي من الأخبار التي ذكرناها في الكتابين المقدم ذكرهما من أن
من أدرك ركعة من الصلاة قبل طلوع الشمس، فقد أدرك الصلاة، وكذلك
قالوا قبل أن تغيب الشمس، ولم يقولوا في من أدرك أقل من ركعة واحدة أنه قد
أدرك الصلاة، والأصل براءة الذمة، وإيراد هذه الأخبار يطول.
مسألة 15: إذا أدرك من أول وقت الظهر دون أربع ركعات، ثم غلب
على عقله بجنون أو إغماء أو حاضت المرأة، أو نفست لم يلزمهم الظهر، وإليه
ذهب جميع أصحاب الشافعي، إلا أبا يحيى البلخي فإنه قال: يجب عليه صلاة
الظهر قياسا على من لحق ركعة من آخر الوقت.
دليلنا: إجماع الفرقة فإنهم لا يختلفون في أن من لم يدرك من أول الوقت
مقدار ما يؤدي الفرض فيه لم يلزمه قضاؤه، وما رووه من أن المغمى عليه يقضي
ثلاثة أيام أو يوما وليلة محمول على الاستحباب.
مسألة 16: إذا أدرك من أول الوقت ما يصلي فيه أربع ركعات، ثم جن
لزمه قضاؤه، وكذلك الحائض والنفساء والمغمى عليه.
وإذا لحق مقدار ما يصلي فيه ثمان ركعات لزمه الظهر والعصر معا، وبه قال
أبو يحيى البلخي من أصحاب الشافعي، ويقتضيه أيضا مذهب مالك، ولست
50

أعرف نصه في ذلك.
وقال باقي أصحاب الشافعي: لا يلزمه العصر.
دليلنا: ما قدمناه من أن وقت العصر يلي وقت الظهر، وأنه إذا زالت الشمس
فإنه يختص بالظهر مقدار أن يصلي أربع ركعات، وما بعد ذلك مشترك بينه و
بين العصر، وإذا ثبت ذلك فهذا قد أدرك وقت العصر فإذا لم يصل فيه فينبغي
أن يجب عليه القضاء بالإجماع، ومن خالف في ذلك إنما بناه على أن وقت
العصر لم يدخل بعد. وقد دللنا على بطلان قوله.
مسألة 17: إذا أغمي عليه في جميع وقت الصلاة لم يلزمه قضاؤها، وإن
أغمي عليه أياما استحب له قضاء يوم وليلة، وروي ثلاثة أيام.
وقال الشافعي: لا يجب عليه القضاء، ولم يذكر الاستحباب.
وقال أحمد: يجب عليه قضاؤها أجمع كائنا ما كانت، وبالغا ما بلغت.
وقال أبو حنيفة: إن أغمي عليه في خمس صلوات وجب عليه قضاؤها، وإن
أغمي عليه في ست صلوات لا يجب عليه قضاؤها.
دليلنا: هو أن القضاء فرض ثان، والأصل براءة الذمة، وأما اختلاف
أخبارنا فقد بينا الوجه فيه في الكتابين المقدم ذكرهما، وقلنا أن ما ورد من أن عليه
القضاء محمول على الاستحباب، وما ورد في نفي الوجوب محمول على ظاهره.
مسألة 18: الصلاة تجب بأول الوقت وجوبا موسعا والأفضل تقديمها في
أول الوقت.
ومن أصحابنا من قال: تجب بأول الوقت وجوبا مضيقا إلا أنه متى لم يفعلها
لم يؤاخذ به عفوا من الله تعالى.
وقال الشافعي وأصحابه مثل قولنا، وإليه ذهب محمد بن شجاع البلخي من
أصحاب أبي حنيفة.
51

وتستقر الصلاة في الذمة إذا مضى من الوقت مقدار ما يؤدي فيه الفريضة،
فمتى جن أو منعه من فعلها مانع كان عليه القضاء على ما بيناه.
وقال أبو حنيفة: تجب الصلاة بآخر الوقت، واختلف أصحابه فمنهم من
يقول: تجب الصلاة إذا لم يبق من الوقت إلا مقدار تكبيرة الافتتاح، ومنهم من
قال تجب إذا أضاق الوقت ولم يبق إلا مقدار ما يصلي صلاة الوقت، فإذا صلى في
أول الوقت اختلف أصحابه، فقال الكرخي: تقع واجبة، والصلاة تجب بآخر
الوقت أو بالدخول فيها من أول الوقت.
ومنهم من قال: إذا صلاها في أول الوقت كانت مراعاة، فإن بقي على صفة
التكليف إلى آخر الوقت أجزأت عنه فإن مات أو جن كانت نافلة كما يقولون في
الزكاة قبل حلول الحول.
دليلنا: قوله تعالى: أقم الصلاة لدلوك الشمس، وقد بينا أن الدلوك هو
الزوال، والأمر يقتضي الوجوب عندنا والفور أيضا، فإذا ثبت ذلك كانت الصلاة
واجبة في أول الوقت، وأيضا إجماع الفرقة فإنهم لا يختلفون في وجوبها فيه، وإنما
اختلفوا في أنها هل هي واجبة مضيقة أو موسعة، فأما الأخبار فهي مختلفة في
التضييق والتوسعة، وقد بينا الوجه فيها في الكتابين المقدم ذكرهما، وليست
مختلفة في كونها واجبة في أول الوقت.
مسألة 19: الأذان عندنا ثمانية عشر كلمة، وفي أصحابنا من قال عشرون
كلمة، التكبير في أوله أربع مرات، والشهادتان مرتين مرتين، حي على الصلاة
مرتين، حي على الفلاح مرتين، حي على خير العمل مرتين، الله أكبر مرتين، لا إله
إلا الله مرتين.
ومن قال عشرون كلمة قال: التكبير في آخره أربع مرات.
وقال الشافعي: الأذان تسع عشرة كلمة في سائر الصلوات، وفي الفجر
إحدى وعشرون كلمة، التكبير أربع مرات، والشهادتان ثمان مرات مع الترجيع
52

والدعاء إلى الصلاة وإلى الفلاح مرتين مرتين، والتكبير مرتين والشهادة بالتوحيد
مرة واحدة، وفي أذان الفجر التثويب مرتين.
وقال أبو حنيفة: لا يستحب الترجيع، والباقي مثل قول الشافعي، إلا التثويب
فيكون الأذان عنده خمس عشرة كلمة.
وقال مالك: يستحب الترجيع والتكبير في أوله مرتان فيكون سبع عشرة
كلمة.
وقال أبو يوسف: التكبير مرتان، والترجيع لا يستحب فيه فيكون ثلاث
عشرة كلمة.
وقال أحمد بن حنبل: إن يرجع فلا بأس، وإن لم يرجع فلا بأس. وهذا
حكاه أبو بكر بن المنذر.
مسألة 20: الإقامة سبعة عشر فصلا على ترتيب فصول الأذان، وينقص منه
من التكبيرات في أولها تكبيرتين، ويزاد فيها بدلها قد قامت الصلاة مرتين بعد
قوله حي على خير العمل، وينقص من التهليل مرة واحدة.
ومن أصحابنا من قال: أن عددها اثنان وعشرون فصلا، أثبت عدد فصول
الأذان على ما حكيناه، وزاد فيها قد قامت الصلاة مرتين.
وقال الشافعي: الإقامة أحد عشر كلمة، التكبير مرتان، والشهادتان مرتان،
والدعاء إلى الصلاة وإلى الفلاح مرة مرة، والإقامة مرتان، والتكبير والتهليل مرة
مرة.
وقال في القديم: الإقامة مرة مرة ذكره أبو حامد المروزي: والأول هو
المشهور عندهم، وبه قال الأوزاعي وأحمد بن حنبل وإسحاق وأبو ثور وعروة بن
الزبير والحسن البصري.
وقال أبو حنيفة وسفيان الثوري: الإقامة مثنى مثنى مثل الأذان، ويزاد فيها
قد قامت الصلاة مرتين فتكون الإقامة عنده أكثر فصولا من الأذان وهي سبع
53

عشرة كلمة.
وقال مالك وداود: الإقامة عشر كلمات، ولفظ الإقامة مرة واحدة.
دليلنا: إجماع الفرقة، فإنهم لا يختلفون في أن ما قلناه من الإقامة والأذان،
وإن اختلفوا فيما زاد عليه، وقد بينا الوجه في اختلاف الأحاديث في هذا المعنى في
الكتابين المقدم ذكرهما.
مسألة 21: يستحب أن يكون المؤذن على طهارة فإن كان محدثا، أو جنبا
كان الأذان مجزئا، وإن ترك الأفضل.
وإن أذن الجنب في المسجد أو في منارة في المسجد كان عاصيا بلبثه في
المسجد، وإن كان الأذان مجزئا، وبه قال الشافعي.
وقال إسحاق: لا يعتد به.
دليلنا: إجماع الفرقة فإنهم لا يختلفون في ذلك، وأيضا الأصل براءة الذمة
وإيجاب الطهارة وجعلها شرطا في صحة الأذان يحتاج إلى دليل.
مسألة 22: يكره الكلام في الإقامة، ويستحب لمن تكلم أن يستأنفها، وبه
قال الشافعي.
وقال الزهري: إذا تكلم أعادها من أولها.
دليلنا: إجماع الفرقة وأيضا إيجاب إعادة الإقامة على ما قلناه يحتاج إلى
دليل، وليس في الشرع ما يدل عليه.
مسألة 23: يجوز للصبي أن يؤذن للرجال، ويصح ذلك، وبه قال
الشافعي.
وقال أبو حنيفة: لا يعتد بأذانه للبالغين.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا الأصل جوازه، والمنع يحتاج إلى دليل، ولا
54

دليل.
وأيضا الأخبار التي وردت بالأذان تتناول البالغين وغيرهم، فهي على
عمومها.
وروى الحسن بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام عن أبيه أن عليا كان
يقول: لا بأس أن يؤذن الغلام قبل أن يحتلم.
مسألة 24: أواخر فصول الأذان، والإقامة موقوفة غير معربة.
وقال جميع الفقهاء: يستحب بيان الإعراب فيها.
دليلنا: إجماع الفرقة، وقد بينا أن إجماعها حجة.
مسألة 25: إذا أذن ثم ارتد جاز لغيره أن يبني على أذانه ويقيم.
وقال الشافعي وأصحابه: لا يعتد بذلك، وينبغي أن يستأنف من أوله.
دليلنا: إنه ثبت أنه حين أذن كان مسلما، فحكمنا بصحته، وإيجاب الإعادة
أو استحبابها يحتاج إلى دليل.
مسألة 26: من فاتته صلاة أو صلوات يستحب له أن يؤذن ويقيم لكل
صلاة منها وإن اقتصر في الصلاة الأولة على الأذان والإقامة، وفي الباقي على
الإقامة كان أيضا جائزا، وإن اقتصر على الإقامة في جميعها كان أيضا جائزا.
وقال أبو حنيفة: يؤذن ويقيم لكل صلاة، واختلف قول الشافعي، فقال في
الأولى: يؤذن لها ويقيم لكل واحدة منها، وإنما الأذان للصلاة المفعولة في وقتها،
وبه قال مالك والأوزاعي وإسحاق.
وقال في القديم: يؤذن ويقيم للأولى وحدها ثم يقيم للتي بعدها، وبه قال
أحمد وأبو ثور.
وقال أبو بكر بن المنذر: هذا هو الصحيح، وإليه ذهب كثير من أصحابنا.
55

وقال في الإملاء، إن أمل اجتماع الناس أذن وأقام، وإن لم يؤمل الناس
أقام ولم يؤذن.
قال أبو إسحاق: ولا فرق بين الفائتة والحاضرة على قوله في الإملاء فإنه إذا
كانت الصلاة في وقتها وكان في موضع لا يؤمل اجتماع الناس لها لم يستحب
له الأذان لها، وإنما يستحب لها الإقامة.
وأما إذا جمع بين الصلاتين فإن جمع بينهما في وقت الأولى أذن وأقام
للأولى وأقام للثانية كما فعل رسول الله صلى الله عليه وآله بعرفة، وإن جمع
بينهما في وقت الثانية كان في الأذان الأقاويل الثلاثة التي تقدم ذكرها لأن الأولى
مفعولة في غير وقتها.
دليلنا: إجماع الفرقة وأيضا فإذا أذن وأقام لا خلاف أن صلاته كاملة
فاضلة، وإذا لم يفعل ليس على كمالها دليل، فالاحتياط يقتضي فعلهما.
مسألة 27: من جمع بين صلاتين ينبغي أن يؤذن للأولى، ويقيم للثانية
سواء كان ذلك في وقت الثانية أو الأولى، وفي أي موضع كان.
وقال الشافعي: إذا جمع بينهما في وقت الثانية ففيه ثلاثة أقوال، أحدها مثل
ما قلناه، والثاني: لا يؤذن لها ولكن يقيم لها ولما بعدها. والثالث: إن أمل جماعة
أذن لها، والذي صححه أصحابه أن يؤذن للأولى ويقيم لكل واحدة منهما مثل
قولنا.
وقال أبو حنيفة: لا يؤذن ولا يقيم للعشاء بالمزدلفة.
دليلنا: إجماع الفرقة وأيضا روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه جمع
بين المغرب والعشاء بالمزدلفة بأذان واحد، وإقامتين وهذا نص.
مسألة 28: الأذان والإقامة سنتان مؤكدتان في صلاة الجماعة، وفي
أصحابنا من قال: هما واجبان في صلاة الجماعة، وقال الشافعي: هما سنتان
56

مؤكدتان في صلاة الجماعة مثل قولنا.
وقال أبو سعيد الإصطخري من أصحابه: أنهما فرض على الكفاية، ويجب
أن يؤذن حتى يظهر الأذان لكل صلاة فإن كانت قرية فيجزئ أذان واحد فيها،
وإن كان مصر فيه محال كثيرة أذن في كل محلة حتى يظهر الأذان في البلد، وإن
اتفق أهل القرية أو البلد على ترك الأذان قوتلوا حتى يؤذنوا.
وقال باقي أصحابه: ليس ذلك مذهب الشافعي، ولا يعرف له ذلك.
وقال داود: هما واجبان ولا يعيد الصلاة من تركهما.
وقال الأوزاعي: يعيد الصلاة في الوقت، وإن فات الوقت فلا يعيدها.
وقال عطاء: إن نسي الإقامة أعاد الصلاة.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة وإيجاب شئ عليها يحتاج إلى دليل. وأيضا
قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم، فأوجب على
من يقيم الصلاة الوضوء. ولم يوجب عليه الأذان والإقامة. وقد بينا الوجه في
اختلاف أخبارنا في الكتابين المقدم ذكرهما.
مسألة 29: إذا سمع المؤذن يؤذن يستحب للسامع أن يقول مثل ما يقوله
إلا أن يكون في حال الصلاة سواء كانت فريضة أو نافلة، وبه قال الشافعي، وقال
مالك: إذا كنت في مكتوبة فلا تقل مثل ما يقول المؤذن، وإذا كنت في نافلة فقل
مثل قوله في التكبير والتشهد، وبه قال الليث بن سعد إلا أنه قال: ويقول في
موضع حي على الصلاة لا حول ولا قوة إلا بالله.
دليلنا على جوازه واستحبابه خارج الصلاة: إجماع الفرقة واستحباب
ذلك في حال الصلاة يحتاج إلى دليل إلا أنه متى قال ذلك في الصلاة لم يحكم
ببطلانها لأن عندنا يجوز الدعاء في حال الصلاة.
مسألة 30: لا يستحب التثويب في حال الأذان ولا بعد الفراع منه، وهو
57

قول القائل الصلاة خير من النوم في جميع الصلوات، وللشافعي في خلال الأذان
قولان، أحدهما: أنه مسنون في صلاة الفجر دون غيرها من الصلوات، والثاني: أنه
مكروه مثل ما قلناه، كرهه في الأم، واستحبه في مختصر البويطي.
وقال أبو إسحاق: فيه قولان، والأصح الأخذ بالزيادة، ورووا ذلك عن علي
عليه السلام، وبه قال مالك وسفيان وأحمد وإسحاق.
وقال محمد بن الحسن في الجامع الصغير كان التثويب الأول بين الأذان
والإقامة الصلاة خير من النوم ثم أحدث الناس بالكوفة حي على الصلاة، حي على
الفلاح بينهما وهو حسن.
واختلف أصحاب أبو حنيفة، فقال الطحاوي في اختلاف الفقهاء مثل قول
الشافعي.
وقال أبو بكر الرازي: التثويب ليس من الأذان، وأما بعد الأذان وقبل الإقامة
فقد كرهه الشافعي وأصحابه، وسنذكر ذلك. ومنهم من قال: يقول حي على
الصلاة، حي على الفلاح.
دليلنا على نفيه في الموضعين: أن إثباته في خلال الأذان وبين الأذان
والإقامة يحتاج إلى دليل وليس في الشرع ما يدل عليه. وأيضا عليه إجماع
الفرقة. وأيضا قال الشافعي في الأم: أكرهه لأن أبا محذورة لم يذكره، ولو كان
مسنونا لذكره أبو محذورة لأنه مؤذن النبي صلى الله عليه وآله مع ذكره لسائر
فصول الأذان.
وروي عن بلال أنه أذن ثم جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله يؤذنه
بالصلاة، فقيل له: إن رسول الله صلى الله عليه وآله نائم. فقال بلال: الصلاة خير
من النوم مرتين.
مسألة 31: التثويب في أذان العشاء الآخرة بدعة، وبه قال جميع الفقهاء،
إلا أنهم قالوا: ليس بمستحب، ولم يقولوا بدعة.
58

وقال الحسن بن صالح بن حي: إنه مستحب فيه وفي الفجر على حد واحد.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 32: لا يستحب الترجيع في الأذان، وهو تكرار الشهادتين مرتين
أخريين، وبه قال أبو حنيفة.
وقال الشافعي: يستحب أن يقول أشهد أن لا إله إلا الله مرتين، وأشهد أن
محمدا رسول الله مرتين يخفض بذلك صوته ثم يرجع فيرفع صوته فيقول ذلك مرتين
مرتين في جميع الصلوات.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا الأصل براءة الذمة، واستحباب ذلك يحتاج
إلى دليل.
وأيضا روى محمد بن عبد الله بن زيد الأذان، ولم يذكر فيه الترجيع وهو
الأصل في الأذان.
مسألة 33: يكره أن يقول بين الأذان والإقامة (حي على الصلاة، حي على
الفلاح) وبه قال الشافعي، وقال محمد بن الحسن: كان التثويب الأول الصلاة
خير من النوم مرتين بين الأذان والإقامة، ثم أحدث الناس حي على الصلاة، حي
على الفلاح مرتين بينهما وهو حسن.
وقال بعض أصحاب أبي حنيفة: يقول بعد الأذان حي على الصلاة، حي
على الفلاح بقدر ما يقرأ عشر آيات.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا الأصل براءة الذمة.
وروي أن عمر أنكر ذلك على أبي محذورة لما أذن بالصلاة، فقال: حي
على الصلاة، حي على الفلاح، فقال: ويحك أمجنون أنت؟ ما كان في دعائك
الذي دعوتنا ما نأتيك حتى تأتنا بهذا.
فدل على أنه مكروه لأنه لو لم يكره ذلك ما أنكره.
59

مسألة 34: الأذان لا يختص بمن كان من نسل مخصوص، بل كل من
كان على ظاهر الإسلام والعدالة يجوز أن يكون مؤذنا.
وقال الشافعي: أحب أن يكون من ولد من جعل النبي صلى الله عليه وآله
فيهم الأذان مثل أبي محذورة وسعد القرظ فإن انقرضوا جعل في أولاد واحد من
الصحابة، فإن انقرضوا نظر السلطان فيه وجعله في من يراه من خيار المسلمين.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا من خص ذلك في نسب معين يحتاج إلى
دليل والأخبار الواردة في الحث على الأذان عامة في كل أحد.
مسألة 35: لا بأس أن يؤذن اثنان واحد بعد الآخر، وإن أتيا بذلك
موضعا واحدا كان أفضل، ولا ينبغي أن يزاد على ذلك.
وقال الشافعي: المستحب أن يؤذن واحد بعد الآخر، ويجوز أن يكونوا أكثر
من اثنين، فإن كثروا وخيف فوات أول الوقت قطع الإمام بينهم الأذان وصلى.
دليلنا: إجماع الفرقة على ما رووه من أن الأذان الثالث بدعة، فدل ذلك
على جواز الاثنين، والمنع عما زاد على ذلك.
مسألة 36: لا يجوز أخذ الأجرة على الأذان، فإن أعطى الإمام المؤذن شيئا
من أموال المصالح كان جائزا.
وقال الشافعي: يجوز أخذ الأجرة على الأذان.
وقال بعض المتأخرين من أصحابه حكاه ابن المنذر: أنه يجوز أخذ الرزق،
ولا يجوز أخذ الأجرة، والمذهب الأول به قال مالك.
وقال أبو حنيفة: لا يجوز أخذ الأجرة، ويجوز أخذ الرزق، وبه قال
الأوزاعي.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال
لعثمان بن أبي العاص الثقفي اتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا، فدل هذا على
60

أن أخذ الأجرة عليه محرم.
مسألة 37: ليس بمسنون أن يؤذن الإنسان ويدور في الأذان في المأذنة،
ولا في موضعه، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: يستحب ذلك.
دليلنا: أن استحباب ذلك يحتاج إلى دليل، وأيضا أجمعت الفرقة على أن
استقبال القبلة بالأذان مستحب، وذلك يمنع من الدوران.
مسألة 38: يجوز أن يؤذن واحد، ويقيم آخر، وبه قال أبو حنيفة
وأصحابه.
وقال الشافعي: الأفضل أن يتولاهما واحد.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا الأصل جواز ذلك، والمنع من ذلك
يحتاج إلى دليل.
مسألة 39: تقديم الصلاة في أول وقتها أفضل في جميع الصلوات، وفي
أصحابنا من قال: لا يجوز تأخيرها إلا لعذر، ووافقنا الشافعي في أن تقديمها أفضل
في جميع الصلوات إلا أن يبرد بها في صلاة الظهر بشرط أن يكون الوقت حارا
في بلاد حارة وينتظر مجئ قوم إلى الجماعة في مسجد ينتابه الناس، فإذا
اجتمعت هذه الشروط فمنهم من قال: أن التأخير أفضل، ومنهم من قال: أن
التأخير رخصة، ولا يجوز عندهم تأخيرها مع الإيثار إلى آخر الوقت، وكذلك
قولهم في الجمعة أن تقديمها أفضل.
فأما صلاة الصبح فإن التغليس فيها أفضل عندنا، وعند الشافعي ومالك
وأحمد وإسحاق، وهو مذهب عمر وعثمان وأبي موسى الأشعري وعبد الله بن
عمر.
61

وقال أبو حنيفة والثوري: الأسفار أفضل، وبه قال النخعي، ورووا ذلك عن
علي عليه السلام وعبد الله بن مسعود.
دليلنا: إجماع الفرقة المحقة فإنهم لا يختلفون في ذلك، وقد ثبت أنه
حجة، وأيضا فقد ثبت أنه مأمور في هذا الوقت، والأمر عندنا يقتضي الفور، وأيضا
الاحتياط يقتضي تقديمه فإنه لا يأمن الحوادث.
وأيضا قوله تعالى: حافظوا على الصلوات ومن المحافظة أدائها في أول
الوقت.
وأما الظهر فكذلك تقديمها أفضل فإن كان الحر شديدا جاز تأخيرها قليلا
رخصة، وقد بينا اختلاف أصحاب الشافعي في ذلك، وفي الجمعة لهم فيها
قولان في جواز الإبراد.
وكذلك العصر تقديمها أفضل، وبه قال الشافعي سواء كان ذلك في
الشتاء أو الصيف، وبه قال الأوزاعي وأحمد وإسحاق.
وقال أبو حنيفة: تأخيرها أفضل، وقال سفيان الثوري مثل ذلك.
دليلنا: ما قدمناه في الصلاة الأولى.
وأما المغرب فتقديمها أفضل بلا خلاف.
والعشاء الآخرة عندنا تقديمها أفضل، وبه أكثر الروايات، وقد وردت رواية
في جواز تأخيرها إلى ثلث الليل.
وقال الشافعي في القديم وفي الإملاء: تقديمها أفضل.
وقال أبو إسحاق: اختيار الشافعي في الجديد أن تأخيرها أفضل، وهو
المشهور.
وقال غير أبي إسحاق: هذا القول لا يعرف للشافعي، والمشهور الأول.
دليلنا: ما قدمنا ذكره فلا وجه لإعادته.
مسألة 40: الصلاة الوسطى هي الصلاة الأولى، وبه قال زيد بن ثابت
62

وعائشة.
وقال الشافعي: هي صلاة الصبح، وبه قال مالك.
وحكى مالك في الموطأ أن ذلك مذهب علي عليه السلام وابن
عباس.
وقال أبو حنيفة: هي صلاة العصر.
دليلنا: إجماع الفرقة، وقوله تعالى: وقوموا لله قانتين، لا يدل على أنها
الفجر لأن القنوت فيها. لأن عندنا أن القنوت في كل صلاة.
مبحث مسائل القبلة
مسألة 41: الكعبة قبلة لمن كان في المسجد الحرام، والمسجد قبلة لمن
كان في الحرم، والحرم قبلة لمن كان خارجا عنه، وخالف جميع الفقهاء في
ذلك، وقالوا القبلة الكعبة لا غير، ثم اختلفوا فمنهم من قال: كلف الإنسان التوجه
إلى عين الكعبة، ومنهم من قال إلى الجهة التي فيها الكعبة، وكلا القولين
لأصحاب الشافعي.
وقال أبو حنيفة: كلف الجهة التي فيها الكعبة.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا فلو كلف التوجه إلى عين الكعبة لوجب إذا
كان صف طويل خلف الإمام أن تكون صلاتهم أو صلاة أكثرهم إلى غير القبلة،
ويلزمهم أن يصلوا حول الإمام دورا كما يصلى في جوف المسجد وكل ذلك
باطل بالإجماع وليس لهم أن يقولوا إنما كلف الجهة هربا من ذلك لأن جهات
القبلة أيضا غير منحصرة بل جهة كل واحد من المصلين غير جهة صاحبه، ولا
يمكن أن تكون الكعبة في الجهات كلها، فالسؤال لازم لهم ولا يلزمنا مثل ذلك
لأنا نقول أن فرضهم التوجه إلى الحرم والحرم طويل يمكن أن يكون كل واحد
من الجماعة متوجها إلى جزء منها فلا تبطل صلاتهم لذلك.
وروى ابن عقده بإسناده عن الجعفي أبي الوليد قال: سمعت جعفر بن محمد
63

عليه السلام يقول: البيت قبلة لأهل المسجد، والمسجد قبلة لأهل الحرم، والحرم
قبلة للناس جميعا.
وروى مكحول عن عبد الله بن عبد الرحمن قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وآله: الكعبة قبلة لأهل المسجد، والمسجد قبلة لأهل الحرم،
والحرم قبلة لأهل الآفاق.
مسألة 42: على المصلي إلى قبلة أهل العراق أن يتياسر قليلا، ولم يعرف
ذلك أحد من الفقهاء إلا ما حكاه أبو يوسف في كتاب الزوال، أن حماد بن زيد
كان يقول ينبغي أن يتياسر عندنا بالبصرة.
دليلنا: إجماع الفرقة، وروى المفضل بن عمر قال: سألت أبا عبد الله عن
التحريف لأصحابنا ذات اليسار عن القبلة، وعن السبب فيه، فقال: أن الحجر
الأسود لما أنزل من الجنة ووضع في موضعه جعل أنصاب الحرم من حيث يلحقه
النور نور الحجر فهي عن يمين الكعبة أربعة أميال، وعن يسارها ثمانية أميال كلها
اثنا عشر ميلا فإذا انحرف الإنسان ذات اليمين خرج عن حد القبلة لقلة أنصاب
الحرم، وإذا انحرف الإنسان ذات اليسار لم يكن خارجا عن حد القبلة.
مسألة 43: المتنفل في حال السفر يجوز له أن يصلي على الراحلة، وفي
حال المشي، ويتوجه إلى القبلة في حال تكبيرة الإحرام لا يلزمه أكثر من ذلك.
وقال الشافعي: يلزمه في حال تكبيرة الإحرام وحال الركوع والسجود، ولا
يلزمه فيما عداه.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا قوله تعالى: أينما تولوا فثم وجه الله.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليه السلام أنهم قالوا هذا في
النوافل خاصة فينبغي حمله على عمومه.
وأيضا روى إبراهيم الكرخي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: إني
64

أتحرى على أن أتوجه إلى القبلة في المحمل فقال: ما هذا الضيق أما لك برسول
الله صلى الله عليه وآله أسوة؟
وروى ابن أبي نجران عن أبي الحسن عليه السلام قال: سألته عن الصلاة
بالليل في السفر في المحمل، قال: إذا كنت على غير القبلة فاستقبل القبلة ثم كبر
وصلى حيث ذهب بك بعيرك.
مسألة 44: يجوز صلاة النافلة على الراحلة في السفر مع الاختيار سواء كان
السفر طويلا أو قصيرا، وبه قال الشافعي.
وقال مالك: لا يجوز ذلك إلا في السفر الطويل.
دليلنا على ذلك: الآية التي قدمناها، والإجماع من الطائفة المحقة، وعموم
الأخبار فمن خصصها فعليه الدليل.
مسألة 45: يجوز صلاة النافلة على الراحلة في غير السفر، وهو مذهب أبي
سعيد الإصطخري من أصحاب الشافعي.
وقال باقي أصحابه: لا يجوز.
دليلنا: أن المنع من ذلك يحتاج إلى دليل، وعليه إجماع الفرقة.
وروى حماد بن عثمان عن أبي الحسن الأول عليه السلام في الرجل يصلي
النافلة وهو على دابته في الأمصار، قال: لا بأس به.
وروى عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن عليه السلام قال: سألته عن
الرجل يصلي النوافل في الأمصار، وهو على ظهر دابته حيث توجهت به فقال:
نعم لا بأس.
مسألة 46: إذا صلى على الراحلة النافلة لا يلزمه أن يتوجه إلى جهة سيرها،
بل يتوجه كيف شاء.
65

وقال الشافعي: إذا لم يستقبل القبلة ولا جهة سيرها بطلت صلاته.
دليلنا: عموم الآية، والأخبار تتناول ذلك لأنهم لم يفصلوا.
مسألة 47: يجوز صلاة الفريضة على الراحلة عند الضرورة.
وقال جميع الفقهاء: لا يجوز ذلك.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا قوله تعالى وما جعل عليكم في الدين من
حرج.
وروى مندل بن علي قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: صلى رسول الله
صلى الله عليه وآله الفريضة على الراحلة في يوم مطير.
وروى عبد الله بن جعفر الحميري قال: كتبت إلى أبي الحسن يعني الثالث
عليه السلام جعلني الله فداك روى مواليك عن آبائك أن رسول الله
صلى الله عليه وآله الفريضة على راحلته في يوم مطير، ويصيبنا المطر ونحن في
محاملنا، والأرض مبتلة والمطر يؤذي فهل يجوز لنا يا سيدي أن نصلي في هذه
الحال في محاملنا أو على دوابنا الفريضة فوقع عليه السلام يجوز ذلك مع
الضرورة الشديدة.
وروى جميل بن دراج قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: صلى
رسول الله الفريضة في المحمل في يوم وحل ومطر.
وروى علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال: سألته عن
رجل جعل لله عليه أن يصلي كذا وكذا هل يجزئه أن يصلي ذلك على دابته،
وهو مسافر قال: نعم.
مسألة 48: إذا غلب في ظن نفسين أن القبلة في جهتين لم يجز لأحدهما
الاقتداء بصاحبه، وبه قال الشافعي.
وقال أبو ثور: يجوز.
66

دليلنا: أنهما إذا صليا على الانفراد كانت صلاتهما ماضية بالإجماع، وإذا
اقتدى واحد منهما بالآخر فيه خلاف، فالاحتياط يقتضي ما قلناه، وأيضا فكيف
يجوز لأحدهما أن يقتدي بالآخر مع اعتقاده أن صاحبه يصلي إلى غير القبلة وإن
من صلى إلى غير القبلة لا تجوز صلاته بالإجماع.
مسألة 49: الأعمى ومن لا يعرف أمارات القبلة يجب عليهما أن يصليا إلى
أربع جهات مع الاختيار، ومع الضرورة كانا مخيرين في الصلاة إلى أي جهة
شاءا.
وقال داود: يصليا إلى أي جهة شاءا، ولم يفصل.
وقال الشافعي: يرجعان إلى غيرهما ويقلدانه.
دليلنا: أنهما إذا صليا إلى أربع جهات برأت ذمتهما بالإجماع، وليس على
براءة ذمتهما إذا صليا إلى واحدة من الجهات دليل.
وأما إذا كان الحال حال ضرورة جاز لهما أن يرجعا إلى غيرهما لأنهما
مخيران في ذلك، وفي غيره من الجهات، وإن خالفاه كان لهما ذلك لأنه لم
يدل دليل على وجوب القبول من الغير.
مسألة 50: الأعمى إذا صلى إلى عين القبلة وأصاب في ذلك من غير أن
يرجع إلى غيره أو يسمع من يخبره بذلك تمت صلاته.
وقال الشافعي: صلاته باطلة.
دليلنا: قوله تعالى: وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره، وهذا قد صلى
إلى القبلة.
وأيضا الحكم ببطلان صلاته يحتاج إلى دليل، وليس في الشرع ما يدل
عليه.
67

مسألة 51: من اجتهد في القبلة، وصلى إلى واحدة من الجهات ثم بان له أنه
صلى إلى غيرها، والوقت باق أعاد الصلاة على كل حال، وإن كان قد خرج
الوقت، فإن كان استدبر القبلة أعاد الصلاة، وإن كان قد صلى يمينا أو شمالا، فلا
إعادة عليه.
وفي أصحابنا من يقول إذا صلى إلى استدبار القبلة وخرج الوقت لم يعد
أيضا.
وقال الشافعي: إن كان بان له بالاجتهاد الثاني لا يعيد، وإن كان بان له
بيقين مثل أن تطلع الشمس، ويعلم أنه صلى مستدبر القبلة فيه قولان، أحدهما: لا
يعيد، وهو قوله في القديم ونص عليه في كتاب الصلاة والطهارة، وبه قال أبو
حنيفة ومالك والمزني.
والقول الثاني: يعيد، نص عليه في الأم، وهو الصحيح عند أصحابه، ولم
يعتبر أحد بقاء الوقت ونقيضه.
دليلنا على أن الوقت إذا كان باقيا عليه الإعادة: إجماع الفرقة، وأيضا
فالذمة مشغولة بأداء الفرض بيقين، ولم يدل دليل على براءتها، والحال ما قلناه،
والاحتياط يقتضي إعادة الصلاة.
وروى عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا
صليت وأنت على غير القبلة واستبان لك أنك صليت وأنت على غير القبلة،
وأنت في وقت فأعد، وإن فاتك الوقت فلا تعد.
وروى ذلك سليمان بن خالد عن أبي عبد الله، وروى مثله يعقوب بن
يقطين عن أبي الحسن موسى عليه السلام، وزرارة عن أبي جعفر عليه السلام
والقاسم بن الوليد ومحمد بن الحصين عن أبي الحسن علي بن موسى عليه السلام
وغيرهم.
ومن قال: لا إعادة عليه وإن صلى إلى استدبارها عول على عموم هذه
68

الأخبار.
ومن قال: يعيدها خصها بما رواه عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام
في رجل صلى إلى غير القبلة فيعلم وهو في الصلاة قبل أن يفرع من صلاته قال:
إن كان متوجها فيما بين المشرق والمغرب فليحول وجهه إلى القبلة حين يعلم
وإن كان متوجها إلى دبر القبلة فليقطع الصلاة ثم يحول وجهه إلى القبلة ثم يفتتح
الصلاة.
مسألة 52: على الأبوين أن يؤدبا الولد إذا بلغ سبع سنين أو ثمانيا، وعلى
وليه أن يعلمه الصوم والصلاة، وإذا بلغ عشرا ضربه على ذلك، يجب ذلك على
الولي دون الصبي، وبه قال الشافعي.
وقال أحمد: يلزم الصبي ذلك.
دليلنا: ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: مروهم بالصلاة لسبع
واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع، وأيضا فالصبي ليس بعاقل
فكيف يكون مكلفا.
مسألة 53: الصبي إذا دخل في الصلاة أو الصوم ثم بلغ في خلال الصلاة
أو خلال الصوم بالنهار بما لا يفسد الصلاة من كمال خمس عشرة سنة أو الإنبات
دون الاحتلام الذي يفسد الصلاة ينظر فيه، فإن كان الوقت باقيا أعاد الصلاة من
أولها، وإن كان ماضيا لم يكن عليه شئ وأما الصوم فإنه يمسك فيه بقية النهار
تأديبا، وليس عليه قضاء، وقال الشافعي: لا يجب عليه الإعادة سواء كان الوقت
باقيا أو منقضيا واستحب له إعادة الصلاة مع بقاء الوقت.
وحكى أبو علي بن أبي هريرة عن بعض أصحابه أنه يجب عليه إعادة الصلاة
مع بقاء الوقت ولم يصححه، وقال: الصحيح غيره. وقال أبو حنيفة ومالك:
عليه إعادة الصلاة والصوم جميعا.
69

دليلنا على وجوب إعادة الصلاة مع بقاء الوقت: أنه مخاطب بها بعد
البلوغ، وإذا كان الوقت باقيا وجب عليه فعلها وما فعله قبل البلوغ لم يكن واجبا
عليه، وإنما كان مندوبا إليه ولا يجزئ المندوب عن الواجب وأما الصوم فلا يجب
عليه إعادته لأن أول النهار لم يكن مكلفا به فيجب عليه الإعادة وبقية النهار لا
يصح صومه، ووجوب الإعادة عليه يحتاج إلى دليل، والأصل براءة الذمة.
كتاب كيفية الصلاة
في مسائل النية
مسألة 54: من دخل في الصلاة بنية النفل، ثم نذر في خلالها إتمامها فإنه
يجب عليه إتمامها.
وقال أصحاب الشافعي: تبطل صلاته لأن النذر لا ينعقد إلا بالقول، والقول
الذي ينعقد به النذر يبطل الصلاة، لأنه ليس بتسبيح ولا تكبير ولا تحميد لله
تعالى، والذي قالوه صحيح في القول الذي هو نذر، إلا أن عندنا أن النذر ينعقد
بالقلب كما ينعقد بالقول، ولو نوى بقلبه ذلك لزمه، وإن نذره بلسانه بطلت
صلاته على ما قالوه.
مسألة 55: إذا دخل في صلاته ثم نوى أنه خارج منها، أو نوى أنه
سيخرج منها قبل إتمامها أو شك هل يخرج عنها أو يتمها فإن صلاته لا تبطل،
وبه قال أبو حنيفة.
وقال الشافعي في الأم ونص عليه: أنه تبطل صلاته، ويقتضيه مذهب
مالك.
دليلنا: أن صلاته قد انعقدت صحيحة بلا خلاف، وإبطالها يحتاج إلى
دليل، وليس في الشرع ما يدل عليه.
وأيضا فقد روي نواقض الصلاة وقواطعها، ولم ينقل في جملة ذلك شئ
70

مما حكيناه، ويقوى في نفسي أيضا أنها تبطل لأن من شرط الصلاة استدامة حكم
النية، وهذا ما استدامها.
وأيضا قوله عليه السلام الأعمال بالنيات، وقول الرضا عليه السلام لا عمل
إلا بالنية يدل عليه، وهذا عمل بغير نية، ولأنه يبعد أن تكون الصلاة صحيحة إذا
نوى الدخول فيها ثم نوى فيما بعد في حال القيام والركوع والسجود إلى آخر
التسليم أنه يفعل هذه الأفعال لا للصلاة فتكون صلاته صحيحة، فهذا المذهب
أولى وأقوى وأحوط.
مسألة 56: محل النية القلب دون اللسان، ولا يستحب الجمع بينهما.
وقال أكثر أصحاب الشافعي: أن محلها القلب، ويستحب أن يضاف إلى
ذلك اللفظ.
وقال بعض أصحابه: يجب التلفظ بها وخطأه أكثر أصحابه.
دليلنا: هو أن النية هي الإرادة التي تؤثر في وقوع الفعل على وجه دون
وجه، وبها يقع الفعل عبادة وواقعا موقع الوجوب أو الندب، وإنما سميت نية
لمقارنتها للفعل وحلولها في القلب، ولأجل ذلك لا تسمى إرادة الله نية لأنها
لا تحل في القلب، وإذا ثبت ما قلناه فمن أوجب التلفظ بها، أو استحب ذلك فعليه
الدليل، والشرع خال من ذلك.
مسألة 57: يجب أن ينوي بصلاة الظهر مثلا كونها ظهرا فريضة مؤداة على
طريق الابتداء أو القضاء.
وقال أبو إسحاق المروزي: يجب أن ينوي بها ظهرا فريضة.
وقال أبو علي بن أبي هريرة: يكفي أن ينوي صلاة الظهر، لأن صلاة الظهر لا
تكون إلا فرضا.
وقال بعض أصحاب الشافعي: يجب أن ينويها حاضرة مع ما تقدم من
71

الأوصاف دون الفائتة مثل ما قلناه.
دليلنا: على ما قلناه هو أنه إذا نوى جميع ما قلناه لا خلاف أن صلاته
صحيحة وبرئت ذمته وإن أخل بشئ من ذلك لم يدل دليل على براءة ذمته،
وأيضا فإنا اعتبرنا أن ينوي الصلاة ليتميز بذلك مما ليس بصلاة، واعتبرنا كونها
ظهرا ليتميز مما ليس بظهر، واعتبرنا كونها فريضة لأن الظهر قد يكون نفلا.
ألا ترى أن من صلى الظهر وحده ثم حضر جماعة استحب له أن يصليها
معهم، ويكون ظهرا وهو مندوب إليه، وإنما اعتبرنا كونها حاضرة لأنه يجوز أن
يكون عليه ظهر فائتة فلا تتميز الحاضرة من الفائتة إلا بالنية والقصد فعلم بذلك
صحة جميع ما اعتبرناه.
مسألة 58: من فاتته صلاة من الخمس، ولا تتميز له وجب عليه أن يصلي
أربع ركعات بنية الظهر والعصر والعشاء الآخرة، وثلاث ركعات بنية المغرب،
وركعتين بنية الصبح.
وقال المزني: يكفيه أن يصلي أربع ركعات، ويجلس في الثانية والثالثة
والرابعة.
وقال باقي أصحاب الشافعي والفقهاء: أنه يجب عليه أن يصلي خمس
صلوات.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا روى علي بن أسباط عن غير واحد من
أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من نسي صلاة من صلاة يومه واحدة،
ولا يدري أي صلاة هي صلى ركعتين وثلاثا وأربعا.
مسألة 59: من دخل في صلاة بنية الأداء ثم ذكر أن عليه صلاة فائتة وهو
في أول الوقت أو قبل تضيق وقت الحاضرة، عدل بنيته إلى الفائتة ثم استأنف
الحاضرة، فإن تضيق وقت الحاضرة تمم الحاضرة ثم قضى الفائتة.
72

وقال أصحاب الشافعي: من دخل في صلاة بنية ثم صرف نيته إلى صلاة
غيرها، أو صرف بنيته إلى الخروج منها وإن لم يخرج فسدت صلاته.
وقال أبو حنيفة: لا تبطل صلاته.
دليلنا: على جواز نقل النية من الحاضرة إلى الفائتة. إجماع الفرقة، وقد
بينا أن إجماعها حجة.
وأيضا روى زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: إذا ذكرت أنك لم تصل
الأولى، وأنت في صلاة العصر وقد صليت منها ركعتين، فصل الركعتين
الباقيتين، وقم فصل العصر وإن كنت ذكرت أنك لم تصل العصر حتى دخل
وقت صلاة المغرب، ولا تخاف فوتها فصل العصر ثم صل المغرب، وذكر
الحديث إلى آخره في سائر الصلوات.
مسألة 60: إذا دخل في الظهر بنية الظهر، ثم نقل نيته إلى العصر، فإن كان
إلى عصر فائت كان ذلك جائزا على ما قلناه في المسألة الأولى.
وإن كان إلى العصر الذي بعده لم يصح، وإن صرف النية عن الفرض إلى
التطوع لم يجزه عن واحد منهما.
وقال الشافعي في صرف النية من الظهر إلى العصر: لا يصح على كل
حال، فتبطل الصلاتان معا، الأولى تبطل لنقل النية عنها، والثانية تبطل لأنه لم
يستفتحها بنية، وفي نقلها عن الفريضة إلى التطوع قولان.
أحدهما: أن التطوع لا يصح ولا الفرض.
والثاني: يصح النفل دون الفرض.
دليلنا: على صحة نقلها إلى الفائتة ما قلناه في المسألة الأولى، وأما فساد
نقلها إلى العصر الذي بعده فلأنه لم يحضر وقته فلا تصح نية أدائه، وإنما قلنا لم
يحضر وقته لأنه مترتب على الظهر على كل حال سواء كان في أول الوقت أو في
آخره إلى أن يتضيق وقت العصر، وإذا ثبت ذلك فلا يصح أداء العصر قبل
73

دخول وقتها.
فأما نقل النية إلى النافلة فإنما قلنا لا يجزئ لأن الصلاة إنما تصح على ما
استفتحت عليه أولا، وإنما يخرج من ذلك ما تقدم بدليل وإلا فالأصل ما قلناه.
وروى ذلك يونس عن معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن رجل قام في الصلاة المكتوبة فظن أنها نافلة أو قام في النافلة فظن أنها مكتوبة
قال: هي على ما افتتح الصلاة عليه.
مسألة 61: وقت النية مع تكبيرة الافتتاح لا يجوز تأخيرها ولا تقديمها
عليها، فإن قدمها ولم يستدمها لم يجزئه، وإن قدمها واستدامها كان ذلك جائزا،
وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: إذا قدمها على الإحرام بزمان يسير، ولم يقطع بينهما بفعل
أجزأته هكذا ذكر أبو بكر الرازي.
وذكر الطحاوي أن مذهب أبي حنيفة كمذهب الشافعي.
وقال داود: يجب أن ينوي قبل التكبير ويحرم عقيبه.
دليلنا: أن النية إنما يحتاج إليها ليقع الفعل بها على وجه دون وجه،
والفعل في حال وقوعه يصح ذلك فيه فيجب أن يصاحبه ما يؤثر فيه حتى يصح
تأثيره فيه لأنها كالعلة في إيجاب معلولها، كما أن العلة لا تتقدم على المعلول
فكذلك ما قلناه، وأيضا فإذا قارنت صحت الصلاة بلا خلاف، وإذا تقدمت لم
يقم دليل على صحتها.
مسألة 62: لا يجوز في تكبيرة الافتتاح إلا قول الله أكبر مع القدرة على
ذلك، وبه قال مالك ومحمد بن الحسن.
وقال الشافعي: يجوز ذلك، ويجوز بقوله الله الأكبر.
واختلف أصحابه فمنهم من قال: يجوز أن يقول الله الأكبر، ويجوز أن يقول
74

الأكبر الله.
وقال آخرون: لا يجوز ذلك لأن الترتيب فيه مراعى.
وقال سفيان الثوري وأحمد وإسحاق وأبو ثور وداود مثل قول الشافعي.
وقال أبو حنيفة: تنعقد بكل اسم من أسماء الله تعالى على وجه التعظيم مثل
قول الله العظيم، الله الجليل، وما أشبه ذلك.
وقال أصحاب أبي حنيفة: لا تنعقد الصلاة إذا أتى باسمه على وجه النداء مثل
قوله يا الله، واللهم وأستغفر الله، وبه قال إبراهيم النخعي.
وقال أبو يوسف: تنعقد بلفظ التكبير حتى لو قال الله الكبير انعقدت به
الصلاة، ولا تنعقد بما ليس بلفظ التكبير.
دليلنا: هو أنه إذا أتى بما قلناه انعقدت صلاته بلا خلاف، وإذا أتى بغيره
فليس على انعقادها دليل، والاحتياط يقتضي ما قلناه.
وأيضا روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: صلوا كما رأيتموني أصلي،
ونحن نعلم أنه لم يستفتح الصلاة إلا بما قلناه فوجب أن لا يجزئ غيره.
مسألة 63: من لحق الإمام وقد ركع وجب عليه أن يكبر تكبيرة الافتتاح
ثم يكبر تكبيرة الركوع فإن لم يتمكن اقتصر على تكبيرة الافتتاح.
وقال الشافعي: لا بد من التكبيرتين على كل حال في الفرائض، وله في
النافلة قولان، أحدهما: أنه يكفي واحدة، والآخر: أنه لا بد منهما.
دليلنا على وجوب الجمع: هو أنه إذا جمع بينهما صحت صلاته
بلا خلاف، وإذا كبر واحدة فليس على صحتها دليل، وأما عند الضرورة وخوف
الفوت فإجماع الفرقة دليل عليه.
وروى معاوية بن شريح قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إذا جاء
الرجل مبادرا، والإمام راكع أجزأته تكبيرة واحدة لدخوله في الصلاة والركوع.
75

مسألة 64: الترتيب واجب في الشهادتين في حال التشهد.
وقال جميع الفقهاء: ليس بواجب.
دليلنا: هو أنه إذا رتب صحت صلاته بلا خلاف، وإذا لم يرتب لم يدل على
صحتها دليل، وأيضا قوله عليه السلام: صلوا كما رأيتموني أصلي، ونحن نعلم أنه
لم يقدم الشهادة الأخيرة على الأولى لأنه لو كان فعل لما جاز خلافه، وقد أجمعنا
على بطلانه.
مسألة 65: يستحب عندنا استفتاح الصلاة بسبع تكبيرات في مواضع
مخصوصة من النوافل ولم يوافقنا على ذلك أحد من الفقهاء.
دليلنا على ذلك: إجماع الفرقة.
وأيضا روى أبو بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا افتتحت الصلاة
فكبر إن شئت واحدة وإن شئت ثلاثا وإن شئت خمسا وإن شئت سبعا فكل ذلك
مجز عنك غير أنك إذا كنت إماما لم تجهر إلا بتكبيرة الافتتاح.
مسألة 66: من عرف العربية، وغيرها من اللغات لم يجز له أن يستفتح
الصلاة إلا بالعربية، وبه قال أبو يوسف ومحمد والشافعي.
وقال أبو حنيفة: يجوز التكبير بغير العربية، وإن كان يحسنها.
دليلنا: أنه إذا كبر بالعربية صحت صلاته بالإجماع، وإذا كبر بغيرها
فليس على صحتها دليل.
وأيضا قوله عليه السلام: صلوا كما رأيتموني أصلي، وأيضا قوله عليه السلام:
مفتاح الصلاة التكبير، ومن قال ذلك بغير العربية لم يسم تكبيرا.
مسألة 67: لا يكون داخلا في الصلاة إلا بإكمال التكبير، وهو أول الصلاة
وآخرها التسليم، وبه قال مالك والشافعي.
76

وقال أصحاب أبي حنيفة: قال أبو الحسن الكرخي: التكبير ليس من
الصلاة، وأما الصلاة فما بعد تكبيرة الافتتاح.
دليلنا: قوله عليه السلام تحريمها التكبير، فجعلها من الصلاة، وأيضا قوله
عليه السلام: إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شئ من كلام الناس إنما هي التكبير
والتسبيح وقراءة القرآن، فجعل التكبير من الصلاة.
وأيضا فلا خلاف أن حكم التكبيرة حكم ما بعدها في جميع ما يشترط فيه
وفي جميع ما يفسده لأن تكبيرة الإحرام تحتاج إلى الوقت والطهارة وستر
العورة واستقبال القبلة والإمساك عن الكلام وتفسد بفقد كل واحد من ذلك
كسائر أجزاء الصلاة فدل ذلك على أنها منها.
مسألة 68: ليس من المسنون أن يقول الإمام بعد فراع المقيم استووا
رحمكم الله، ولا أن يلتفت يمينا وشمالا، وينبغي أن يقوم الإمام والمأمون إذا
قال: قد قامت الصلاة.
وقال الشافعي: أن ذلك مسنون، وينبغي أن يقوم الإمام والمأمون إذا
فرع المقيم من الإقامة، وبه قال مالك وأبو يوسف وأحمد وإسحاق.
وقال أبو بكر بن المنذر: وعلى هذا أهل الحرمين. قال: ودخل عمر فأمر
قوما بتسوية الصفوف فإذا رجعوا إليه كبر.
وقال أبو حنيفة وسفيان الثوري: إذا قال المؤذن حي على الصلاة قاموا في
الصف، فإذا قال قد قامت الصلاة كبر الإمام، وكبر القوم.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة من الوجوب والاستحباب فمن أثبت شيئا من
ذلك فعليه الدلالة وأيضا عليه إجماع الفرقة، فإنهم لا يختلفون في ذلك.
مسألة 69: لا ينبغي أن يكبر المأموم إلا بعد أن يكبر الإمام ويفرع منه، وبه
قال الشافعي ومالك وأبو يوسف.
77

وقال أبو حنيفة وسفيان الثوري ومحمد: يجوز أن يكبروا مع تكبيرة الإمام
ويجوز أن يكبروا بعد فراغه.
دليلنا: أنه لا خلاف في أنه إذا كبر بعد فراغه أن صلاته ماضية كاملة،
واختلفوا فيه إذا كبر مع الإمام فينبغي الأخذ بالاحتياط.
وأيضا فالإمام إنما قيل إمام ليقتدى به، ومن كبر معه لم يكن مقتديا به لأنه
يحتاج أن يفعل الفعل على الوجه الذي فعله ولا يكون ذلك إلا بعد فراع
الإمام.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: إنما الإمام مؤتم به فإذا كبر
فكبروا وهذا نص.
مسألة 70: إذا صلى منفردا بعض الصلاة ركعة أو أقل منها أو أكثر ثم
أقيمت الصلاة تممها ركعتين وسلم، واستأنف مع الإمام أو يقطعها ويستأنف مع
الإمام.
وللشافعي فيه قولان، في جواز البناء على ذلك، أحدهما: يستأنف،
والآخر. يبني على ما هو عليه.
دليلنا: أنه إذا استأنف الصلاة، وصلى مع الإمام فلا خلاف أن صلاته
ماضية، وإذا لم يستأنفها لم يقم على صحتها دليل.
مسألة 71: يستحب رفع اليدين مع كل تكبيرة، وآكدها تكبيرة
الافتتاح.
وقال الشافعي: يرفع يديه عند ثلاث تكبيرات، ولا يرفعهما، في غيرها،
تكبيرة الافتتاح، وتكبيرة الركوع، وعند رفع الرأس من الركوع، وبه قال في
الصحابة أبو بكر وعبد الله بن الزبير وابن عمر وابن عباس وأنس وأبو سعيد
الخدري. وفي التابعين الحسن البصري وعطاء ومجاهد والقاسم بن محمد بن أبي
78

بكر، وفي الفقهاء عطاء وأهل مكة وأهل المدينة وأهل الشام ومصر والأوزاعي
والليث وأحمد وإسحاق وأبو ثور.
وقال أبو حنيفة وسفيان وابن أبي ليلى: يرفعهما عند تكبيرة الافتتاح، ولا
يعود.
وعن مالك روايتان، فروى عبد الله بن وهب عنه مثل قول الشافعي وروى
عبد الرحمن بن القاسم عنه مثل قول أبي حنيفة.
دليلنا: إجماع الفرقة المحقة فإنهم لا يختلفون في ذلك، وأنه أفضل.
وروى زرارة بن أعين عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: رفعك يديك
في الصلاة زين لها.
وروى معاوية بن عمار قال: رأيت أبا عبد الله عليه السلام يرفع يديه إذا
ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع، وإذا سجد، وإذا رفع رأسه من السجود، وإذا
أراد أن يسجد الثانية.
مسألة 72: ينبغي أن يرفع يديه إلى حذاء شحمتي أذنيه.
وقال الشافعي: يرفعهما إلى حذاء المنكبين.
وقال أبو حنيفة: إلى حذاء الأذنين، وبه قال سفيان الثوري.
دليلنا: إجماع الفرقة، فإنهم لا يختلفون في أن ذلك أفضل.
وروى أبو بصير قال قال أبو عبد الله عليه السلام: إذا افتتحت الصلاة
فكبرت، فلا تجاوز أذنيك ولا ترفع يديك بالدعاء في المكتوبة تجاوز بهما
رأسك.
وروى صفوان بن مهران الجمال قال: رأيت أبا عبد الله إذا كبر في الصلاة
يرفع يديه حتى تكاد تبلغ أذنيه.
مسألة 73: يستحب أن يكون مضموم الأصابع إذا رفع يديه بالتكبير.
79

وقال الشافعي: يستحب أن ينشرها.
دليلنا: الإجماع الذي تكرر.
وقد روي ذلك في خبر حماد بن عيسى عن أبي عبد الله عليه السلام في
الخبر الذي علمه فيه كيفية الصلاة.
مسألة 74: لا يجوز أن يضع اليمين على الشمال، ولا الشمال على اليمين
في الصلاة لا فوق السرة، ولا تحتها.
وقال الشافعي وأبو حنيفة وسفيان وأحمد وإسحاق وأبو ثور وداود: أن
وضع اليمين على الشمال مسنون مستحب، إلا أن الشافعي قال: وضع اليمين
على الشمال فوق السرة.
وقال أبو حنيفة: تحت السرة، وهو مذهب أبي هريرة.
وعن مالك روايتان، إحديهما مثل قول الشافعي، ومن وافقه.
وروى عنه ابن القاسم: أنه ينبغي أن يرسل يديه، وروي عنه أنه قال: يفعل
ذلك في صلاة النافلة إذا طالت، وإن لم تطل لم يفعل فيها ولا في الفرض
وقال الليث بن سعد: إن أعيى فعل ذلك، وإن لم يع لم يفعل، وهو مثل
قول مالك.
دليلنا: إجماع الفرقة، فإنهم لا يختلفون في أن ذلك يقطع الصلاة. وأيضا
أفعال الصلاة يحتاج ثبوتها إلى الشرع، وليس في الشرع ما يدل على كون
ذلك مشروعا، وطريقة الاحتياط تقتضي ذلك لأنه لا خلاف أن من أرسل يده
فإن صلاته ماضية.
واختلفوا إذا وضع إحديهما على الأخرى، فقالت الإمامية: إن صلاته باطلة،
فوجب بذلك الأخذ بالجزم.
وروى حريز عن رجل عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له فصل لربك
وانحر، قال: النحر الاعتدال في القيام أن يقيم صلبه، وقال: لا تكفر إنما يصنع
80

ذلك المجوس.
وروى محمد بن مسلم عن أحدهما عليه السلام قال: قلت له الرجل يضع
يده في الصلاة اليمنى على اليسرى، فقال: ذلك التكفير لا تفعله.
مسألة 75: المستحب عندنا عند أداء كل فريضة أن يكبر سبع تكبيرات
يكبر ثلاثا ويقول: اللهم أنت الملك الحق... إلى آخر الدعاء، ويكبر تكبيرتين،
ويقول: لبيك وسعديك إلى آخره، ويكبر تكبيرتين ويقول وجهت وجهي للذي
فطر السماوات والأرض - إلى قوله تعالى - وأنا من المسلمين.
وقال أبو حنيفة: يقول بعد تكبيرة الافتتاح سبحانك اللهم وبحمدك،
وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك، وبه قال الثوري والأوزاعي
وأحمد.
وقال مالك بن أنس: ليس التوجه في الصلاة بواجب على الناس، والواجب
عليهم التكبير والقراءة، وكان ابن القصار يقول ولا هو أيضا مسنون بعد التكبير
عنده.
ووافقنا الشافعي في استحباب هذه الأدعية، ولم يعرف الفصل بينهما
بالتكبيرات.
دليلنا: إجماع الفرقة، وقد بينا أن إجماعها حجة، وأيضا روى عبيد الله ابن
أبي رافع عن علي ابن أبي طالب عليه السلام أنه قال: كان رسول الله
صلى الله عليه وآله إذا افتتح كبر، ثم قال: وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض...
إلى آخره.
وروى أبو هريرة مثل هذا.
مسألة 76: يستحب أن يتعوذ قبل القراءة، وبه قال أبو حنيفة وسفيان
والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق.
81

وقال مالك: لا يتعوذ في المكتوبة، ويتعوذ في قيام شهر رمضان إذا قرأ.
وحكى أبو بكر بن أبي داود في شريعة القارئ عن إبراهيم النخعي، ومحمد
بن سيرين: أنهما كانا يتعوذان بعد القراءة.
دليلنا: قوله تعالى: فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله، وهذا عام في جميع
المواضع.
وأيضا إجماع الفرقة. وروى أبو سعيد الخدري: أن النبي صلى الله عليه وآله
كان يقول: قبل القراءة أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
مسألة 77: كيفية التعوذ أن يقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم قبل
القراءة، وبه قال الشافعي في الأم، وهو مذهب أبي حنيفة.
وقال سفيان الثوري في جامعه: يقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، إن الله
هو السميع العليم.
وقال الحسن بن صالح بن حي: يقول أعوذ بالله السميع العليم من
الشيطان الرجيم. وروي ذلك عن محمد بن سيرين.
وقال مالك: لا يتعوذ إلا في قيام شهر رمضان، ويتعوذ بعد القراءة، وبه قال
أبو هريرة.
دليلنا: إن ما اعتبرناه لفظ القرآن، لأن الله تعالى: قال: فاستعذ بالله من
الشيطان الرجيم، فمن أثبت غير ذلك من الألفاظ يحتاج إلى دليل.
مسألة 78: التعوذ مستحب في أول ركعة دون ما عداها.
وقال الشافعي فيه قولان، أحدهما مثل ما قلناه.
والثاني: أنه في كل ركعة إذا أراد القراءة، وعلى الأول أكثر أصحابه، وبه
قال ابن سيرين.
دليلنا: إن ما اعتبرناه مجمع عليه وتكراره في كل ركعة يحتاج إلى
82

دليل، وليس في الشرع ما يدل عليه.
مسألة 79: التعوذ يسر به في جميع الصلوات.
وللشافعي فيه قولان، أحدهما مثل ما قلناه.
والثاني: إنه يجهر فيه بالقراءة.
دليلنا: إجماع الفرقة.
مسائل القراءة
مسألة 80: القراءة شرط في صحة الصلاة، وبه قال جميع الفقهاء، إلا ما
حكى عن الحسن بن صالح بن حي من أنه قال: ليست القراءة شرطا فيها.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا قوله تعالى: فاقرؤوا ما تيسر من القرآن، وقوله
تعالى: فاقرؤوا ما تيسر منه، وقوله عليه السلام: لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب،
وطريقة الاحتياط.
مسألة 81: قراءة فاتحة الكتاب واجبة في الصلاة، وبه قال الشافعي
وسفيان ومالك وأحمد وإسحاق وأبو ثور وداود.
وحكي عن الأصم والحسن بن صالح بن حي إنها مستحبة في الصلاة.
وقال أبو حنيفة: يجب مقدار آية.
وقال أبو يوسف ومحمد: مقدار ثلاث آيات.
دليلنا: إجماع الفرقة، فإنهم لا يختلفون في ذلك، وأيضا طريقة الاحتياط
تقتضي ذلك لأنه إذا يقرأ الحمد صحت صلاته بيقين، وإذا لم يقرأها ليس على
صحتها دليل.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب،
وقوله لا صلاة لمن لا يقرأ بفاتحة الكتاب. وروى محمد بن مسلم قال: سألته عن
83

الذي لا يقرأ فاتحة الكتاب في صلاته، قال: لا صلاة له إلا أن يقرأها في جهر أو
إخفات.
مسألة 82: بسم الله الرحمن الرحيم آية من كل سورة من جميع القرآن،
وهي آية من أول سورة الحمد.
وقال الشافعي: أنها آية من أول الحمد بلا خلاف بينهم، وفي كونها آية من
كل سورة قولان:
أحدهما: أنها آية من أول كل سورة، والآخر: أنها بعض آية من كل سورة،
وإنما تتم مع ما بعدها فتصير آية.
وقال أحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وأبو عبيدة، وعطاء، والزهري، وعبد الله بن
المبارك: إنها آية من أول كل سورة حتى أنه قال: من ترك بسم الله الرحمن
الرحيم ترك مائة وثلاث عشرة آية.
وقال أبو حنيفة، ومالك، والأوزاعي، وداود: ليست آية من فاتحة الكتاب،
ولا من سائر السور.
وقال مالك والأوزاعي وداود: يكره أن يقرأها في الصلاة بل يكبر، ويبتدئ
بالحمد، إلا في شهر رمضان. والمستحب أن يأتي بها بين كل سورتين تبركا
للفصل، ولا يأتي بها في أول الفاتحة.
وقال أبو الحسن الكرخي: ليس عن أصحابنا رواية في ذلك، ومذهبهم
الإخفاء في قراءتها، فاستدللنا بذلك على أنها ليست من فاتحة الكتاب عندهم، إذ
لو كانت منها لجهر بها كما يجهر بسائر السور.
وكان أبو الحسن الكرخي يقول: ليست من هذه السورة ولا من سائر
السور، سوى سورة النمل. هكذا روى عنه أبو بكر الرازي، وقال أبو بكر: ثم
سمعناه بعد ذلك يقول أنها آية تامة مفردة في كل موضع أثبتت فيه إلا في سورة
النمل، فإنها بعض آية في قوله تعالى: إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن
84

الرحيم.
دليلنا: إجماع الفرقة، وقد بينا أن إجماعها حجة.
وأيضا روت أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وآله قرأ في الصلاة بسم
الله الرحمن الرحيم فعدها آية الحمد لله رب العالمين اثنتين، الرحمن الرحيم ثلاث
آيات مالك يوم الدين أربع آيات.
وقال: هكذا إياك نعبد وإياك نستعين وجمع خمس أصابعه هكذا،
ذكره أبو بكر بن المنذر في كتابه.
وروى معاوية بن عمار قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام إذا قمت إلى
الصلاة أقرأ بسم الله الرحمن الرحيم في فاتحة الكتاب؟ قال: " نعم "، قلت: فإذا
قرأت ما عدا فاتحة الكتاب أقرأ بسم الله الرحمن الرحيم مع السورة؟ قال:
" نعم ".
وروى علي بن مهزيار عن يحيى بن أبي عمران الهمداني قال: كتبت إلى أبي
جعفر عليه السلام جعلت فداك ما تقول في رجل ابتدأ ببسم الله الرحمن الرحيم
في صلاته وحده في أم الكتاب، فلما صار إلى غير أم الكتاب من السورة تركها.
فقال العباسي: ليس بذلك بأس، فكتب بخطه يعيدها مرتين على رغم أنفه، يعني
العباسي.
مسألة 83: يجب الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في الحمد، وفي كل
سورة بعدها، كما يجب بالقراءة هذا فيما يجب الجهر فيه، فإن كانت الصلاة
لا يجهر فيها استحب أن يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، وإن جمع في النوافل بين
سور كثيرة وجب أن يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم مع كل سورة، وهو مذهب
الشافعي، إلا أنه لم يذكر استحباب الجهر فيما يسر فيه بالقراءة ذكر ذلك في
البويطي، وفي اختلاف العراقيين.
وذكر ابن المنذر عن عطاء وطاووس ومجاهد وسعيد بن جبير أنهم كانوا
85

يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم، وروي مثل ذلك عن ابن عمر أنه كان لا
يدع الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في أم القرآن والسورة التي بعدها.
وذهب أبو حنيفة وسفيان الثوري والأوزاعي وأبو عبيدة وأحمد إلى أنه
يسر بها.
وقال مالك: المستحب أن لا يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، ويفتتح القراءة
بالحمد لله رب العالمين.
دليلنا: إجماع الفرقة، فإنهم لا يختلفون في ذلك.
روى صفوان قال: صليت خلف أبي عبد الله عليه السلام أياما فكان يقرأ في
فاتحة الكتاب بسم الله الرحمن الرحيم، فإذا كانت صلاة لا يجهر فيها بالقراءة
جهر ببسم الله الرحمن الرحيم، وأخفى ما سوى ذلك.
مسألة 84: قول آمين يقطع الصلاة سواء كان ذلك سرا أو جهرا في آخر
الحمد أو قبلها للإمام والمأموم على كل حال.
وقال أبو حامد الإسفرايني: إن سبق الإمام المأمومين بقراءة الحمد لم يجز
لهم أن يقولوا آمين، فإن قالوا ذلك، استأنفوا قراءة الحمد، وبه قال بعض
أصحاب الشافعي.
وقال الطبري وغيره من أصحاب الشافعي: لا يبطل ذلك قراءة الحمد،
ويبني على قراءته، فأما قوله عقيب الحمد، فقال الشافعي وأصحابه يستحب للإمام
إذا فرع من فاتحة الكتاب أن يقول آمين ويجهر به، وإليه ذهب عطاء، وبه قال
أحمد وإسحاق وأبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة، وأبو بكر بن المنذر وداود.
وقال أبو حنيفة وسفيان: يقوله الإمام ويخفيه وعن مالك روايتان إحديهما
مثل قول أبي حنيفة، والثانية: لا يقول آمين أصلا، وأما المأموم فإن الشافعي قال
في الجديد: يسمع نفسه، وقال في القديم: يجهر به.
واختلف أصحابه فمنهم من قال المسألة على قولين، ومنهم من قال: إذا
86

كانت الصفوف قليلة متقاربة يسمعون قول الإمام يستحب الإخفاء، وإذا كانت
الصفوف كثيرة، ويخفى على كثير منهم قول الإمام يستحب لهم الجهر ليسمعوا
من خلفهم.
وقال أحمد وإسحاق وأبو ثور وعطاء يستحب لهم الجهر.
وقال أبو حنيفة وسفيان الثوري: لا يستحب لهم الجهر بذلك.
دليلنا: إجماع الفرقة فإنهم لا يختلفون في أن ذلك يبطل الصلاة، وأيضا
فلا خلاف أنه إذا لم يقل ذلك أن صلاته صحيحة ماضية.
واختلفوا إذا قال ذلك، فينبغي العمل على الاحتياط بتركه.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: أن هذه الصلاة لا يصلح فيها
شئ من كلام الآدميين وقول آمين من كلام الآدميين.
وروى محمد الحلبي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام أقول إذا فرغت من
فاتحة الكتاب آمين قال: لا.
مسألة 85: من نسي قراءة فاتحة الكتاب حتى ركع مضى في صلاته، ولا
شئ عليه، وبه قال أبو حنيفة.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما، قاله في القديم: أنه تجوز صلاته، والثاني:
تبطل صلاته، وهو قول أكثر أصحابه.
دليلنا: إجماع الفرقة، وروى محمد بن مسلم عن أحدهما قال: إن الله
عز وجل فرض الركوع والسجود والقراءة سنة، فمن ترك القراءة متعمدا أعاد
الصلاة، ومن نسي القراءة فقد تمت صلاته، ولا شئ عليه.
وروى معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت الرجل يسهو
عن القراءة في الركعتين الأولتين فيذكر في الركعتين الأخيرتين أنه لم يقرأ قال:
أتم الركوع والسجود؟، قلت: نعم، قال: إني أكره أن أجعل آخر صلاتي أولها.
وروى منصور بن حازم قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إني صليت
87

المكتوبة فنسيت أن أقرأ في صلاتي كلها، فقال: أليس قد أتممت الركوع
والسجود؟ قلت: بلى، فقال: فقد تمت صلاتك إذا كنت ناسيا.
مسألة 86: الظاهر من روايات أصحابنا ومذهبهم أن قراءة سورة أخرى
مع الحمد واجبة في الفرائض، ولا يجزئ الاقتصار على أقل منها، وبه قال بعض
أصحاب الشافعي، إلا أنه جوز بدل ذلك ما يكون قدر آياتها من القرآن.
وقال بعض أصحابنا: إن ذلك مستحب، وليس بواجب، وبه قال الشافعي،
وأكثر أصحابه.
وحكى أبو بكر بن المنذر عن عثمان بن أبي العاص أنه قال: لا صلاة إلا
بفاتحة الكتاب، وثلاث آيات بعدها، وهذا قدر أقصر سورة.
دليلنا: على المذهب الأول: طريقة الاحتياط، لأنه إذا قرأ سورة مع الحمد
كانت صلاته صحيحة بلا خلاف، وإذا اقتصر على بعضها فليس على صحتها
دليل.
وروى منصور بن حازم قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: لا تقرأ في
المكتوبة بأقل من سورة، ولا بأكثر.
مسألة 87: الأظهر من مذهب أصحابنا أن لا يزيد مع الحمد على سورة
واحدة في الفريضة، ويجوز في النافلة ما شاء من السور.
ومن أصحابنا من قال: أنه مستحب وليس بواجب، ولم يوافق على ذلك
أحد من الفقهاء.
دليلنا: على ذلك: طريقة الاحتياط، فإنه إذا اقتصر على سورة واحدة
كانت صلاته ماضية بلا خلاف، وإذا زاد على ذلك فيه خلاف.
وروى محمد بن مسلم عن أحدهما قال: سألته عن الرجل يقرأ السورتين في
الركعة؟ فقال: لا، لكل سورة ركعة، وخبر منصور بن حازم يدل أيضا على
88

ذلك، وقد بينا الوجه في اختلاف الحديث في هذا المعنى في الكتابين المقدم
ذكرهما.
مسألة 88: يجوز في الركعتين الأخيرتين أن يسبح بدلا من القراءة، فإن
قرأ فليقتصر على الحمد وحدها، ولا يزيد عليه شيئا.
واختلف أصحاب الشافعي في ذلك، فقال في القديم: لا يستحب الزيادة
على الحمد، وهو رواية المزني، والبويطي في مختصره، وبه قال أبو حنيفة.
وقال في الأم في كتاب استقبال القبلة: وأحب أن يكون أقل ما يقرأ مع أم
القرآن في الركعتين الأوليين قدر أقصر سورة [من القرآن] مثل إنا أعطيناك
الكوثر، وما أشبهها، وفي الأخريين أم القرآن وآية، وما زاد كان أحب إلي ما لم
يكن إماما فيثقل.
وقال أبو حنيفة: تجب القراءة في الأولتين، ولا تجب في الأخيرتين.
دليلنا: طريقة الاحتياط، فإنه لا خلاف إذا اقتصر على الحمد أن صلاته
ماضية، وإذا زاد عليها اختلفوا في صحتها.
وأما جواز التسبيح بدلا من القراءة، فلم أجد به قولا لأحد من الفقهاء.
ودليلنا عليه: إجماع الفرقة، فإنهم لا يختلفون في أن ذلك جائز، وإنما
اختلفوا في المفاضلة بين التسبيح والقراءة، وقد بينا الأخبار في ذلك في الكتابين
المقدم ذكرهما، وبينا الوجه فيها.
مسألة 89: يجوز أن يسوى بين الركعتين في مقدار السورتين اللتين تقرءان
فيهما بعد الحمد، وليس لأحدهما ترجيح على الآخر، وبه قال الشافعي في الأم.
وحكى الطبري عن أبي الحسن الماسرجسي إنه قال: يستحب للإمام أن
تكون قراءته في الركعة الأولى في كل صلاة أطول من قراءته في الثانية،
ويستحب ذلك في الفجر أكثر.
89

وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: ذلك يستحب في الفجر دون غيرها.
وقال محمد وسفيان الثوري: يستحب أن يطيل الركعة الأولى على الثانية
في كل صلاة.
دليلنا: أن ما قلناه لا خلاف في جوازه، والفرق بينهما والمفاضلة فيهما
يحتاج إلى دليل.
وأيضا الأخبار التي وردت في الأمر بقراءة الحمد، وسورة معها عامة، ولم
يفرق فيها بين الأولى والثانية، ولا بين صلاة دون صلاة فوجب حملها على
عمومها.
مسألة 90: الظاهر في الروايات أنه لا يقرأ المأموم خلف الإمام أصلا، سواء
جهر أو لم يجهر، لا فاتحة الكتاب ولا غيرها، وروي ذلك عن عمر بن الخطاب و
ابن عباس وأبي بن كعب، وإحدى الروايتين عن علي بن أبي طالب
عليه السلام، وبه قال أبو حنيفة والثوري.
وروي في بعض الروايات: إنه يقرأ فيما لم يجهر به ولا يقرأ فيما يجهر، وبه
قالت عائشة وأبو هريرة والزهري وابن المبارك ومالك وأحمد وإسحاق
والشافعي في القديم، وفي بعض كتبه الجديدة، والذي عليه عامة أصحابه،
وصححه أبو إسحاق: أنه يقرأ الحمد سواء جهر الإمام أو لم يجهر، وبه قال
الأوزاعي وأبو ثور.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا قوله تعالى: وإذا قرئ القرآن
فاستمعوا له وأنصتوا والأمر بالإنصات ينافي الأمر بالقراءة، وهذا يدل على أنه إذا
جهر الإمام وجب الإصغاء إليه، فأما إذا خافت فالرجوع في ذلك إلى الروايات،
وقد أوردناها في الكتابين، وبينا الوجه فيها، منها:
ما رواه يونس بن يعقوب قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الصلاة
خلف من أرتضي به أقرأ خلفه؟ قال: من رضيت به فلا تقرأ خلفه.
90

وروى سليمان بن خالد قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أيقرأ الرجل في
الأولى والعصر خلف الإمام وهو لا يعلم أنه يقرأ؟ فقال: لا ينبغي له أن يقرأ، يكله
إلى الإمام.
وروى الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا صليت خلف إمام تأتم
به، فلا تقرأ خلفه. سمعت قراءته، أو لم تسمع.
مسألة 91: إذا كبر تكبيرة واحدة للاستفتاح، والركوع عند الخوف من
فوت الركوع أجزأه.
وقال الشافعي: ذلك يبطل صلاته لأنه يكبر بنية مشتركة.
دليلنا: إجماع الفرقة، وقد مضت هذه المسألة.
مسألة 92: إذا كبر للاستفتاح، والركوع أن يكبر قائما، فإن أتى ببعض
التكبير منحنيا لم تبطل صلاته.
قال الشافعي: إن كان ذلك في المكتوبة بطلت صلاته، وانعقدت نافلة.
دليلنا: إنا قد بينا صحة هذه التكبيرة، وانعقاد الصلاة بها، ولم يفصلوا بين
أن يأتي بها قائما، وبين أن يأتي ببعضها منحنيا، فمن ادعى أنه إذا أتى بها منحنيا
بطلت صلاته يحتاج إلى دليل.
مسألة 93: تجب القراءة في الركعتين الأولتين إذا كانت رباعية أو ثلاثية
أو كانت ركعتين مثل الصبح، وفي الأخيرتين أو الثالثة مخير بين القراءة
والتسبيح، ولا بد من واحد منهما فإن نسي القراءة في الأولتين قرأ في الأخيرتين.
وروى محمد أن التخيير قائم.
وقال الشافعي: تجب قراءة الحمد في كل ركعة، وهو مذهب الأوزاعي
وأحمد وإسحاق.
91

وقال مالك: تجب قراءة الحمد في معظم الصلاة، فإن كانت أربعا ففي
ثلاث، وإن كانت ثلاثا ففي ركعتين، وإن كانت فجرا قرأ فيهما لأنه لا معظم لها.
وقال أبو حنيفة: القراءة تجب في الأولتين فقط فإن كان عدد الصلاة أربع
قرأ في الركعتين، وهو في الأخيرتين بالخيار بين أشياء، بين أن يقرأ ويدعو
أو يسكت، وإن كانت ثلاثا قرأ في الأولتين وفي الثالثة على ما قلناه، فإن ترك
القراءة في الأولتين قرأ في الأخيرتين، وإن كانت الصلاة ركعتين مثل الفجر قرأ
فيهما.
وقال داود وأهل الظاهر: إنما تجب القراءة في ركعة واحدة.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا قوله تعالى: فاقرؤوا ما تيسر منه، وهذا قد قرأ
وتكراره يحتاج إلى دليل، وقول النبي صلى الله عليه وآله لا صلاة إلا بفاتحة
الكتاب يدل على ذلك أيضا، لأنه لم يذكر التكرار.
وروى علي بن حنظلة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن الركعتين
الأخيرتين ما أصنع فيها، فقال: إن شئت فاقرأ فاتحة الكتاب، وإن شئت فاذكر
الله فهو سواء قال: قلت فأي ذلك أفضل؟ قال: هما والله سواء
إن شئت سبحت وإن شئت قرأت، ومن قال: لا يبطل التخيير مع النسيان استدل بما رواه معاوية
بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: الرجل يسهو عن القراءة في
الركعتين الأولتين، فيذكر في الركعتين الأخيرتين أنه لم يقرأ، قال: أتم الركوع
والسجود، قلت: نعم، قال: إني أكره أن أجعل آخر صلاتي أولها وإنما قلنا
الأحوط القراءة في هذا الحال لما رواه الحسين بن حماد عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: قلت له: أسهو عن القراءة في الركعة الأولى، قال: اقرأ في الثانية،
قلت: أسهو في الثانية، قال: اقرأ في الثالثة، قلت: أسهو في صلاتي كلها، قال: إذا
حفظت الركوع والسجود فقد تمت صلاتك.
مسألة 94: من يحسن الفاتحة لا يجوز أن يقرأ غيرها، وإن لم يحسن الحمد
92

وجب عليه أن يتعلمها، فإن ضاق عليه الوقت وأحسن غيرها قرأ ما
يحسن، فإن لم يحسن شيئا أصلا ذكر الله تعالى وكبره، ولا يقرأ معنى القرآن بغير العربية بأي
لغة كان، فإن فعل ذلك لم يكن ذلك قرآنا وكانت صلاته باطلة، وبه قال
الشافعي.
وقال أبو حنيفة: القراءة شرط لكنها غير معينة بالفاتحة فمن أي موضع قرأ
أجزأه، وله في مقدار القراءة روايتان، المشهور عنه: أنه يجزئ ما يقع عليه اسم
القرآن، وإن كان بعض آية.
والثاني: أنه يجزئ آية قصيرة، وإن أتى بالعربية فهو قرآن، وإن أتى بمعناه
بأي لغة كان فهو تفسير القرآن وتجزئه الصلاة.
وقال أبو يوسف ومحمد: إن كان يحسن العربية لم يجز أن يقرأ بالفارسية،
فإن كان لا يحسنها جاز أن يقرأ بلغته فصار الخلاف في ثلاث مسائل، إحداها:
هل يتعين الحمد أم لا، وقد مضت هذه المسألة.
والثانية: إذا قرأ بالفارسية هل يكون قرآنا، أم لا، فعندنا لا يكون قرآنا،
وعنده يكون قرآنا.
والثالثة: إذا فعل هل تجزئه صلاته أم لا، فعندنا لا تجزئه وعنده تجزى.
دليلنا على المسألة الثانية: قوله تعالى: وإنه لتنزيل من رب العالمين نزل به
الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين، فأخبر أنه أنزل
القرآن بلسان عربي مبين، فمن قال إذا كان بغير العربية فهو قرآن فقد ترك الآية.
وقال تعالى: إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون، فأخبر أنه أنزله عربيا.
وقال تعالى: وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه.
وعند أبي حنيفة أرسل الله رسوله بكل لسان، وإذا ثبت أنه بغير العربية لا
يكون قرآنا سقط قولهم وثبت أنها لا تجزئ، وهي المسألة الثالثة لقوله
عليه السلام: لا تجزى صلاة من لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب.
وروى عبد الله بن أبي أوفى أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وآله فقال: إني
93

لا أستطيع أن أحفظ شيئا من القرآن فما ذا أصنع؟ فقال له: قل: سبحان الله
والحمد لله، فلو كان معناه قرآنا لقال له: احفظه بأي لغة سهل عليك فلما عدل به
إلى التسبيح والتحميد دل على أنه لا يكون قرآنا بغير هذه العبارات.
وأيضا فإن القرآن لا يثبت قرآنا إلا بالنقل المتواتر المستفيض، ولم ينقل لا
متواترا ولا آحادا، أن معناه يكون قرآنا.
وأيضا أجمعت الأمة على أن القرآن معجز، وإن اختلفوا في جهة إعجازه فمن
بين من جعل وجه الإعجاز الفصاحة دون النظم، وبين من اعتبرهما وبين من قال
بالصرفة.
فمن قال: أن معنى القرآن قرآن أبطل الإجماع، وأيضا من أتى بمعنى شعر
امرؤ القيس والأعشى وزهير، لا يقال أنشد شعرهم، ومن ارتكب ذلك خرج عن
المعقول.
وأيضا قوله تعالى: ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي
يلحدون إليه أعجمي، وهذا لسان عربي مبين، فالنبي صلى الله عليه وآله أتاهم
بالقرآن بلغة العرب، فادعوا عليه أن رجلا من العجم يعلمه فأكذبهم الله تعالى،
فقال: هذا الذي تضيفون إليه التعليم أعجمي، والذي أتاكم به لسان عربي مبين،
فلو كان الكل قرآنا بأي لغة كان لم ينكر عليهم ما ادعوه.
وأيضا فالصلاة في الذمة بيقين، وإذا قرأ القرآن بلفظه برئت ذمته بيقين، وإذا
قرأ بمعناه لم تبرأ ذمته بيقين فأوجب الاحتياط ما قلناه.
مسألة 95: إذا انتقل من ركن إلى ركن، من رفع إلى خفض، أو خفض
إلى رفع، ينتقل بالتكبير إلا إذا رفع رأسه من الركوع فإنه يقول: سمع الله لمن
حمده، وبه قال جميع الفقهاء.
وروي ذلك عن ابن عباس وابن عمر وجابر.
وقال عمر بن عبد العزيز: لا يكبر إلا تكبيرة الافتتاح، وبه قال سعيد بن
94

جبير.
دليلنا: إجماع الفرقة، فإنهم لا يختلفون في ذلك، وأيضا فلا خلاف أن من
فعل ما قلناه كانت صلاته ماضية، ولم يقم دليل على صحة صلاته إذا لم يفعل
ما قلناه.
وروى الزهري عن علي بن الحسين عليه السلام قال: كان رسول الله
صلى الله عليه وآله يكبر كلما خفض ورفع فما زالت تلك صلاته حتى لقي الله تعالى، و
قد بينا تفصيل ذلك في كتاب تهذيب الأحكام، وبينا أن عدد التكبيرات في
الخمس صلوات خمس وتسعون تكبيرة.
مسألة 96: إذا كبر للركوع يجوز أن يكبر ثم يركع، وبه قال أبو حنيفة و
يجوز أيضا أن يهوي بالتكبير إلى الركوع فيكون انتهاء التكبير مع انتهاء
الركوع، وهو مذهب الشافعي.
دليلنا: إجماع الفرقة، فإنهم لا يختلفون في ذلك، وقد روي ذلك في خبر
حماد بن عيسى وزرارة في صفة الصلاة عن أبي عبد الله عليه السلام.
مسألة 97: لا يجوز التطبيق في الصلاة، وهو أن يطبق إحدى يديه على
الأخرى ويضعهما بين ركبتيه، وبه قال جميع الفقهاء.
وقال ابن مسعود: ذلك واجب.
دليلنا: إجماع الفرقة، بل إجماع المسلمين، فإن هذا الخلاف قد انقرض.
وروى حماد بن عيسى وزرارة عن أبي عبد الله عليه السلام في خبر كيفية
الصلاة.
مسائل الركوع
مسألة 98: الطمأنينة في الركوع ركن من أركان الصلاة، وبه قال
95

الشافعي.
وقال أبو حنيفة: أنها غير واجبة، ولا يجب عنده أن ينحني بقدر ما يضع يديه
على ركبتيه.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا طريقة الاحتياط فإنه لا خلاف إذا اطمأن أن
صلاته ماضية واختلفوا إذا لم يطمئن. وأيضا روي عنه عليه السلام أنه قال: صلوا
كما رأيتموني أصلي. فلا يخلو إما أن يكون اطمأن، أو لم يطمئن، فإن كان اطمأن
وجب مثله وإن لم يكن اطمأن وجب أن لا تصح صلاة من اطمأن، وأجمعنا على
صحة صلاته.
وروى أبو مسعود البدري أن النبي صلى الله عليه وآله قال: لا تجزئ صلاة
الرجل حتى يقيم ظهره في الركوع والسجود.
مسألة 99: التسبيح في الركوع والسجود واجب، وبه قال أهل الظاهر
داود وغيره، وبه قال أحمد.
وقال عامة الفقهاء: أن ذلك غير واجب.
دليلنا: إجماع الفرقة، وطريقة الاحتياط لأنه إذا سبح جازت صلاته بغير
خلاف، وإذا لم يسبح فليس على صحتها دليل.
وقوله صلى الله عليه وآله صلوا كما رأيتموني أصلي، يدل عليه لأنه سبح
بغير خلاف.
وروى عقبة بن عامر قال: لما نزلت فسبح باسم ربك العظيم، قال رسول الله
صلى الله عليه وآله: اجعلوها في ركوعكم فلما نزلت سبح اسم ربك الأعلى
قال: اجعلوها في سجودكم. وهذا أمر يقتضي الوجوب.
مسألة 100: أقل ما يجزئ من التسبيح فيهما تسبيحة واحدة وثلاث أفضل
من الواحدة إلى السبع فإنها أفضل.
96

وقال داود وأهل الظاهر: الثلاث فرض.
دليلنا: إجماع الفرقة، وروى علي بن يقطين عن أبي الحسن الأول
عليه السلام قال: سألته عن الركوع والسجود كم يجزئ فيه من التسبيح، قال:
ثلاث، ويجزئك واحدة إذا أمكنت جبهتك من الأرض.
مسألة 101: إذا رفع رأسه من الركوع قال: سمع الله لمن حمده، الحمد لله
رب العالمين، أهل الكبرياء والعظمة، إماما كان أو مأموما.
وقال الشافعي: يقول سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد، إماما كان أو
مأموما، وإليه ذهب من الصحابة أبو بردة بن نيار، وفي التابعين عطاء وابن سيرين،
وبه قال إسحاق.
وذهب مالك والأوزاعي وأبو يوسف ومحمد إلى أن الإمام يقول كما قال
الشافعي، والمأموم لا يزيد على قول ربنا ولك الحمد.
وقال أبو حنيفة: لا يزيد الإمام على قول سمع الله لمن حمده، ولا يزيد
المأموم على قول ربنا ولك الحمد.
دليلنا: إجماع الفرقة، فإنهم لا يختلفون فيه والزيادة التي اعتبروها تحتاج
إلى شرع، وليس فيه ما يدل عليه، وحماد بن عيسى روى ما قلناه، ولم يذكر ربنا
ولك الحمد.
ورووا عن علي ابن أبي طالب عليه السلام أنه قال: كان رسول الله
صلى الله عليه وآله إذا افتتح الصلاة كبر وإذا رفع رأسه من الركوع، يقول سمع الله لمن
حمده، اللهم ربنا ولك الحمد أهل الثناء والمجد، وهذا في معنى ما قلناه.
مسألة 102: رفع الرأس من الركوع والطمأنينة واجب وركن، وبه قال
الشافعي.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: ليس الرفع من الركوع واجبا أصلا.
97

وروي عن أبي يوسف أن الرفع واجب.
دليلنا: إجماع الفرقة عليه، وخبر حماد وزرارة تضمن ذلك، وطريقة
الاحتياط تقتضي ذلك، لأنه إذا رفع رأسه واطمأن صحت صلاته بلا خلاف،
وإذا لم يفعل فليس على صحتها دليل.
وأيضا الخبر الذي تضمن تعليم النبي صلى الله عليه وآله الرجل الداخل في
المسجد الصلاة يتضمن ذلك لأنه قال له: ثم ارفع حتى تعتدل قائما، وهذا أمر.
مسألة 103: إذا رفع المأموم رأسه من الركوع قبل الإمام عاد إلى ركوعه،
ويرفع مع الإمام، وبه قال الشافعي: إلا أنه قال: فرضه قد سقط بالأول.
دليلنا: إجماع الفرقة، وروى علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن
عليه السلام عن الرجل يركع مع الإمام يقتدي به، ثم يرفع رأسه قبل الإمام، قال:
يعيد ركوعه معه.
فأما القول بإسقاط الفرض بالركوع الأول فيحتاج إلى دليل.
مسألة 104: إذا خر ساجدا، ثم شك هل رفع رأسه من الركوع أم لا؟
مضي في صلاته.
وقال الشافعي: عليه أن ينتصب قائما ثم يسجد عن قيام.
دليلنا: إجماع الفرقة، فإنهم لا يختلفون في أن من شك في شئ، وقد
انتقل إلى حالة أخرى فإنه لا حكم لشكه، وأيضا فإن إيجاب الانتصاب على من
قلناه يحتاج إلى دليل.
مسألة 105: إذا عرضت له علة تمنعه من الرفع أهوى إلى السجود عن
الركوع فإن زالت العلة بعد هوية مضى في صلاته كان ذلك قبل السجود أو
بعده.
98

وقال الشافعي: إن زالت قبل السجود انتصب قائما، ثم يخر عن قيام، وإن
زالت بعد السجود مضى في صلاته.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 106: إذا رفع رأسه من الركوع فقرأ شيئا من القرآن ساهيا سجد،
وليس عليه سجدتا السهو.
وقال الشافعي: عليه سجدتا السهو.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة وإيجاب ذلك يحتاج إلى دليل.
مسألة 107: إذا كبر للسجود جاز أن يكبر وهو قائم، ثم يهوي إلى
السجود، ويجوز أن يهوي بالتكبير إلى السجود فيكون انتهاؤه حين السجود،
والثاني: مذهب الشافعي.
والأول رواه حماد بن عيسى في وصفه للصلاة. والثاني رواه غيره فجعلناه
مخيرا.
مسألة 108: إذا أراد السجود تلقى الأرض بيديه أولا ثم ركبتيه، وهو
مذهب عبد الله بن عمر، والأوزاعي، ومالك.
وقال أبو حنيفة والشافعي والثوري: يتلقى الأرض بركبتيه ثم بيديه ثم
بجبهته وأنفه، وحكوا ذلك عن عمر بن الخطاب.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا رواه حماد بن عيسى وزرارة في خبريهما،
وأيضا لا خلاف أن من فعل ما قلناه صلاته ماضية صحيحة، وإذا خالف ليس
على كمالها دليل.
وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله قال: إذا سجد أحدكم فليضع
يديه قبل ركبتيه، ولا يبرك بروك البعير.
99

وروي عن ابن عمر أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا سجد
يضع يديه قبل ركبتيه.
وروى محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: رأيته يضع يديه
قبل ركبتيه.
وروى الحسين بن أبي العلاء قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل
يضع يديه قبل ركبتيه في الصلاة، قال: نعم [وإذا أراد أن يقوم يرفع ركبتيه قبل
يديه].
مسألة 109: وضع الجبهة على الأرض في حال السجود فرض ووضع
الأنف سنة، وبه قال الشافعي والحسن البصري وابن سيرين وعطاء وطاووس
والثوري وأبو يوسف ومحمد وأبو ثور.
وقال قوم: أن وضعهما فرض، ذهب إليه سعيد بن جبير والنخعي وعكرمة
وإسحاق.
وقال أبو حنيفة: هو بالخيار بين أن يقتصر على أنفه أو على جبهته فأيهما فعل
أجزأه.
دليلنا: إجماع الفرقة، وحديث حماد وزرارة في وصف الصلاة تضمن
ذلك.
وروي عن ابن عباس قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وآله أن يسجد على
سبع، يديه وركبتيه وأطراف أصابعه وجبهته.
مسألة 110: وضع اليدين والركبتين والقدمين في حال السجود فرض،
وللشافعي فيه قولان، أحدهما. نص عليه في الأم، وهو الأظهر وعليه أصحابه مثل
قولنا، والآخر نص عليه في الإملاء: إن ذلك مستحب، وبه قال أبو حنيفة.
دليلنا: إجماع الفرقة، وخبر حماد وزرارة يدل على ذلك وطريقة
100

الاحتياط تقتضي ذلك فإن من فعل ما قلناه كانت صلاته مجزئة بلا خلاف،
وليس على إجزائها إذا ترك ذلك دليل.
وخبر ابن عباس الذي قدمناه يدل عليه.
وروى العباس بن عبد المطلب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا سجد العبد
سجد معه سبعة، وجهه وكفاه وركبتاه وقدماه.
مسألة 111: إن كشف يديه في حال السجود كان أفضل، وإن لم يفعل
أجزأه، وللشافعي فيه قولان: أحدهما: أنه يجب عليه، والآخر: أنه مسنون.
دليلنا: إجماع الفرقة، ولأن الأصل براءة الذمة، وإيجاب ذلك يحتاج إلى
دليل.
مسألة 112: لا يجوز السجود إلا على الأرض أو ما أنبتته الأرض مما لا يؤكل
ولا يلبس من قطن أو كتان مع الاختيار، وخالف جميع الفقهاء في
ذلك، وأجازوا السجود على القطن والكتان والشعر والصوف وغير ذلك.
دليلنا: إجماع الفرقة، فإنهم لا يختلفون في ذلك، وأيضا طريقة الاحتياط
فإنه لا خلاف أنه إذا سجد على ما قلناه أن صلاته ماضية وذمته بريئة، وليس على
براءة ذمته دليل إذا سجد على ما قالوه.
وروى الفضل بن عبد الملك قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: لا تسجد إلا
على الأرض، أو ما أنبتته الأرض إلا القطن والكتان.
وروى زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له: أسجد على الزفت -
يعني القير -؟ قال: لا، ولا على الثوب الكرسف، ولا على الصوف ولا على
شئ من ثمار الأرض ولا على شئ من الحيوان ولا على شئ من الرياش.
مسألة 113: لا يجوز السجود على شئ هو حامل له ككور العمامة
101

وطرف الرداء وكم القميص، وبه قال الشافعي، وروي ذلك عن علي
عليه السلام، وابن عمر، وعبادة بن الصامت، ومالك وأحمد بن حنبل.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: إذا سجد على ما هو حامل له كالثياب التي عليه
أجزأه، وإن سجد على ما لا ينفصل منه مثل أن يفرش يده ويسجد عليها أجزأه
لكنه مكروه، وروي ذلك عن الحسن البصري.
دليلنا: إجماع الفرقة، وطريقة الاحتياط، وأيضا إذا ثبتت المسألة الأولى
ثبتت هذه لأن جميع ذلك ملبوس لا يجوز السجود عليه.
وروى رافع بن أبي رافع أن النبي صلى الله عليه وآله قال: لا تتم صلاة
أحدكم حتى يتوضأ كما أمر الله تعالى، وذكر الحديث إلى أن قال: ثم يسجد
ممكنا جبهته من الأرض حتى يرجع مفاصله، فعلق التمام بوضع الجبهة على
الأرض، فمن تركه ترك الخبر.
مسألة 114: التسبيح في السجود فرض، وبه قال أهل الظاهر.
وقال باقي الفقهاء: أنه مستحب، وحكى عن مالك أنه قال: لا أعرف
التسبيح في السجود.
دليلنا: ما قدمناه في وجوب التسبيح في الركوع، وهو يجمع الموضعين
فلا معنى لإعادته، ولأن أحدا لم يفصل بينهما.
مسألة 115: كمال التسبيح في السجود أن يسبح سبع مرات.
وقال الشافعي: أدناه ثلاث وأعلاه خمس، وقال بعض أصحابه: الكمال في
ثلاث.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 116: الطمأنينة في السجود ركن، وبه قال الشافعي.
102

وقال أبو حنيفة: ليس بركن.
دليلنا: إجماع الفرقة، وخبر حماد وزرارة يتضمن ذلك، وطريقة الاحتياط
تقتضيه لأنه إذا اطمأن جازت صلاته بلا خلاف، وإذا لم يطمئن فيه خلاف، وقول
النبي للذي علمه الصلاة ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، يدل عليه لأنه أمر يقتضي
الوجوب.
مسألة 117: رفع الرأس من السجود ركن، والاعتدال جالسا مثل ذلك لا
تتم الصلاة إلا بهما، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: القدر الذي يجب أن يرفع ما يقع عليه اسم الرفع، ولو
رفع رأسه بمقدار ما يدخل السيف بين وجهة وبين الأرض أجزأه وربما قالوا
الرفع لا يجب أصلا، فلو سجد ولم يرفع حتى حفر تحت جبهته حفيرة فحبط
جبهته إليها أجزأه.
دليلنا: إجماع الفرقة، وخبر حماد وزرارة تضمن ذلك، وطريقة الاحتياط
تقتضي ذلك لأنه إذا فعل ما قلناه كانت صلاته ماضية بلا خلاف، وليس على
إجزائها إذا لم يفعل دليل، وقول النبي صلى الله عليه وآله لمن علمه الصلاة
ثم ارفع حتى تطمئن جالسا، يدل عليه أيضا.
مسألة 118: الإقعاء مكروه، وبه قال جميع الفقهاء.
وروي ذلك عن علي عليه السلام وابن عمر وأبي هريرة، وحكي عن ابن
عباس أنه قال: هو السنة.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا إثبات أن ذلك سنة يحتاج إلى دليل، وخبر
حماد وزرارة يدلان عليه.
وروى معاوية بن عمار وابن مسلم والحلبي عنه عليه السلام أنه قال: لا تقع
بين السجدتين كإقعاء الكلب.
103

مسألة 119: إذا رفع رأسه من السجدة الثانية يستحب له أن يجلس ثم يقوم
عن جلوس، وبه قال في الصحابة مالك بن الحويرث وعمرو بن سلمة والحرمي،
والزهري ومكحول وإسحاق وأبو ثور والشافعي، ويجوز أيضا أن يعتمد على يديه
فيقوم من غير جلسة، وبه قال عبد الله بن عمر وعمر بن عبد العزيز ومالك وأحمد.
وقال قوم ينهض على صدور قدميه ولا يجلس ولا يعتمد، رووا ذلك عن
علي عليه السلام وابن مسعود، وبه قال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه، وقد ذكرنا
الأخبار التي ذكرناها في تهذيب الأحكام والاستبصار فإنها مختلفة على وجه لا
ترجيح فيها، فجعلنا الخيار في ذلك، وبينا ما يدل على أن الجلسة أفضل لأن
خبر حماد تضمن ذلك.
وروى أبو قلابة قال: جاءنا مالك بن الحويرث فصلى في مسجدنا، فقال:
والله إني لأصلي وما أريد الصلاة، ولكني أريد أن أريكم كيف رأيت رسول الله
صلى الله عليه وآله يصلي، قال: فكان مالك إذا رفع رأسه من السجدة الأخيرة
في الركعة الأولى استوى قاعدا ثم قام واعتمد على الأرض.
وروى عبد الحميد بن عواض عن أبي عبد الله عليه السلام قال: رأيته إذا رفع
رأسه من السجدة الثانية من الركعة الأولى جلس حتى يطمئن ثم يقوم.
وروى سماعة بن مهران عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: إذا
رفعت رأسك من السجدة الثانية من الركعة الأولى حين تريد أن تقوم فاستو
جالسا، ثم قم.
والوجه الآخر رواه زرارة قال: رأيت أبا جعفر وأبا عبد الله عليه السلام إذا
رفعا رؤوسهما من السجدة الثانية نهضا ولم يجلسا.
مسألة 120: يجلس عندنا في التشهدين متوركا، وصفته أن يخرج رجليه
من تحته، ويقعد على مقعدته ويضع رجله اليسرى على الأرض، ويضع ظاهر
قدمه اليمنى على بطن قدمه اليسرى.
104

وأما في الجلسة بين السجدتين، وفي جلسة الاستراحة فإن جلس على ما
وصفناه كان أفضل، وإن جلس على غير ذلك الوصف حسب ما يسهل عليه
كان أيضا جائزا.
وقال الشافعي: يجلس في التشهد الأول، وفي جميع جلساته إلا في الأخير
مفترشا، وفي الأخير متوركا، وصفة الافتراش أن يثني قدمه اليسرى فيفرشها
ويجعل ظهرها على الأرض، ويجلس عليها وينصب قدمه اليمنى، ويجعل بطون
أصابعها على الأرض يستقبل بأطراف أصابعه القبلة - وصفة التورك، أن يميط
برجليه فيخرجهما من تحت وركه الأيمن ويقعد بمقعدته إلى الأرض مثل ما قلناه -
وقال: ينصب قدمه اليمنى ويجعل بطن أصابعها على الأرض يستقبل بأطرافها
القبلة، وبه قال أحمد وإسحاق وأبو ثور.
وقال مالك: يجلس في التشهدين متوركا.
وقال أبو حنيفة: يجلس فيهما مفترشا.
دليلنا: إجماع الفرقة، وخبر حماد بن عيسى وزرارة في صفة الصلاة
يقتضي ذلك، ولأن ما قلناه لا خلاف أنه جائز والصلاة معه ماضية، وليس على
ما اعتبروه دليل.
وروى ابن مسعود قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله يجلس وسط
الصلاة، وآخرها على وركه الأيمن.
مسألة 121: التشهد الأول واجب، وبه قال الليث وأحمد.
وقال أهل العراق والشافعي والأوزاعي: هو سنة.
دليلنا: إجماع الفرقة، وطريقة الاحتياط، لأن من فعل ذلك كانت صلاته
ماضية بلا خلاف، وليس إذا لم يفعل ذلك على جواز صلاته دليل، وأخبارنا قد
ذكرناها في الكتاب الكبير.
وروى مالك بن الحويرث أن النبي صلى الله عليه وآله قال: صلوا
105

كما رأيتموني أصلي ومعلوم أنه كان يتشهد التشهد الأول.
مسألة 122: الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله واجبة في التشهد الأول.
وقال الشافعي: ليس بواجب، وفي كونه سنة قولان، أحدهما: أنه مسنون،
والآخر: أنه ليس بمسنون.
دليلنا: إجماع الفرقة، وطريقة الاحتياط، وأخبارنا المروية في ذلك من
خبر حماد وزرارة وغيرهما ذكرناها.
مسألة 123: يجوز الدعاء بعد الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله
في التشهد الأول، وبه قال مالك.
وقال الشافعي: لا يدعو.
دليلنا: إجماع الفرقة لأن ما رووه من التشهد الأول يتضمن ذلك.
مسألة 124: إذا قام من السجدة الثانية في الركعة الثانية، ولم يجلس
للتشهد فإنه يرجع ويجلس ويتشهد ما لم يركع، وليس عليه سجدتا السهو، وإن
ركع مضى ثم قضى بعد التسليم، وسجد سجدتي السهو.
وقال الشافعي: إن ذكر قبل أن ينتصب جلس وتشهد وكان عليه سجدتا
السهو وإن استوى قائما لم يرجع ومضى في صلاته، وكان عليه سجدتا السهو.
دليلنا: إجماع الفرقة، وروى سليمان بن خالد قال: سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن رجل نسي أن يجلس في الركعتين الأولتين، فقال: إن ذكر قبل أن
يركع فليجلس وإن لم يذكر حتى يركع فليتم الصلاة حتى إذا فرع فليسلم و
ليسجد سجدتي السهو.
مسألة 125: إذا قام من التشهد الأول إلى الثالثة، فمن أصحابنا من يقول:
106

يقوم بتكبيرة ويرفع يديه بها، ومنهم من قال: يقول بحول الله وقوته أقوم وأقعد،
ولا يكبر والأول مذهب جميع الفقهاء، وخالفوا في رفع اليدين، وقد بينا فيما
تقدم رفع اليدين، وأنه مستحب مع كل تكبيرة، رواه أبو حميد الساعدي في
صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله أنه رفع يديه حذو منكبيه في هذا
المكان، وقد بينا الوجه في اختلاف الأخبار في كتابينا المقدم ذكرهما.
مسألة 126: التشهد الأخير والجلوس فيه واجبان، وبه قال الشافعي، وفي
الصحابة عمر وابن عمر، وأبو مسعود البدري، وابن مسعود، وهو الصحيح عن
علي عليه السلام، وفي التابعين الحسن البصري وعطاء وطاووس ومجاهد
وأحمد وإسحاق.
وذهب قوم إلى أنهما غير واجبين، ورووا ذلك عن علي عليه السلام وسعيد
ابن المسيب والنخعي والزهري، وبه قال مالك والأوزاعي والثوري.
وقال أبو حنيفة وأصحابه الجلوس واجب بقدر التشهد، والتشهد غير
واجب.
دليلنا: إجماع الفرقة، وطريقة الاحتياط، والأخبار المروية في هذا المعنى
عنهم عليه السلام أكثر من أن تحصى، وقوله صلى الله عليه وآله: صلوا كما
رأيتموني أصلي، وأمره على الوجوب، ومعلوم أنه كان يجلس.
وروى ابن مسعود قال: أخذ بيدي رسول الله صلى الله عليه وآله وعلمني
التشهد، وقال: إذا قلت هذا أو قضيت هذا فقد قضيت صلاتك.
مسألة 127: أكمل التشهد ما ذكرناه في النهاية وتهذيب الأحكام، ويقول
في الأخير: التحيات لله، الصلوات الطيبات الطاهرات الزاكيات الرائحات
الناعمات والغاديات المباركات لله ما طاب وطهر وزكى وخلص ونمى، وما
خبث فلغيره، ثم الشهادتان والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله. والدعاء
107

للمؤمنين، ثم التسليم.
وقال مالك: الأفضل ما روي عن عمر بن الخطاب أنه علم الناس على المنبر
التشهد فقال: قولوا التحيات لله، الزاكيات لله، الصلوات لله، الطيبات لله، السلام
أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا
إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
وقال أبو حنيفة: أفضل التشهد ما رواه عبد الله بن مسعود قال: كنا إذا صلينا
مع رسول الله صلى الله عليه وآله في الصلاة قلنا: السلام على الله قبل عباده،
السلام على فلان وفلان، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا تقولوا السلام على
الله، فإن الله هو السلام، ولكن إذا جلس أحدكم فليقل التحيات لله والصلوات
الطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله
الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
وقال الشافعي: أفضل التشهد ما رواه ابن عباس قال: كان رسول الله
صلى الله عليه وآله يعلمنا التشهد كما يعلمنا القرآن، وكان يقول التحيات المباركات
الصلوات الطيبات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا
وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
دليلنا: إجماع الفرقة وأيضا طريقة الاحتياط، وأيضا ما رويناه فيه زيادة
والأخذ بالزيادة أولى، وأيضا فهو زيادة في الثناء على الله تعالى، وذكر صفاته
فينبغي أن يكون أفضل.
مسألة 128: الصلاة على النبي فرض في التشهدين، وركن من أركان
الصلاة، وبه قال الشافعي في التشهد الأخير، وبه قال ابن مسعود وأبو مسعود
البدري الأنصاري واسمه عقبة بن عمر، وابن عمر وجابر وأحمد وإسحاق.
وقال مالك والأوزاعي وأبو حنيفة وأصحابه: إنه غير واجب.
دليلنا: إجماع الفرقة، وطريقة الاحتياط لأنه لا خلاف إذا فعل ذلك أن
108

صلاته ماضية ولم يدل دليل على صحتها إذا لم يفعل ذلك، وأيضا قوله تعالى
يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما وهذا أمر من الله بالصلاة عليه يقتضي
الوجوب ولا موضع أولى من هذا الموضع.
فإن قيل: هذا أمر يقتضي وجوب الصلاة عليه دفعة واحدة، وكذلك نقول
لأنه يجب على كل أحد مسلم الصلاة على النبي عليه السلام في عمره مرة
واحدة، وهذا مذهب الكرخي. قلنا: كلامنا مع أبي حنيفة ومن وافقه في أن ذلك
غير واجب أصلا، ولن يضر ما قلناه أن نقول قد سبقه الإجماع، فإن الأمة بين
قائلين قائل يقول بوجوب الصلاة عليه، ولا موضع يجب ذلك إلا في التشهد. و
قائل يقول: لا تجب أصلا. فإحداث قول ثالث خروج عن الإجماع.
وروى كعب بن عجرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله يقول في
صلاته: اللهم صل على محمد وآل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل
إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم
وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
وقد قال النبي صلى الله عليه وآله: صلوا كما رأيتموني أصلي.
وروت عائشة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: لا يقبل
الله صلاة إلا بطهور وبالصلاة علي.
وروى أبو بصير عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: من صلى، ولم يصل
على النبي وتركه متعمدا فلا صلاة له.
مسألة 129: من ترك التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله ناسيا
قضى ذلك بعد التسليم، وسجد سجدتي السهو.
وقال الشافعي: يجب عليه قضاء الصلاة.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا فالقضاء فرض ثان يحتاج إلى دليل، ولا
دلالة تدل على ذلك.
109

وروى محمد بن مسلم عن أحدهما عليه السلام في الرجل يفرع من
صلاته، وقد نسي التشهد حتى ينصرف فقال إن كان قريبا رجع إلى مكانه
فتشهد، وإلا طلب مكانا نظيفا فتشهد فيه.
وروى محمد بن علي الحلبي، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل
يسهو في الصلاة، فنسي التشهد حتى ينصرف، فقال يرجع فيتشهد.
مسألة 130: من جهر في صلاة الإخفات أو خافت في صلاة الجهر متعمدا
بطلت صلاته وخالف جميع الفقهاء في ذلك.
دليلنا: إجماع الفرقة، وطريقة الاحتياط.
وروى حريز عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في رجل جهر فيما لا
ينبغي الإجهار فيه أو أخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه، فقال إن فعل ذلك متعمدا
فقد نقض صلاته، وعليه الإعادة وإن فعل ذلك ناسيا أو ساهيا، أو لا يدري فلا
شئ عليه، وقد تمت صلاته.
مسألة 131: أدنى التشهد الشهادتان، والصلاة على النبي
صلى الله عليه وآله.
وقال الشافعي: أقل ما يجزئه أن يقول خمس كلمات التحيات لله، السلام
عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد
أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله.
دليلنا: إجماع الفرقة. وروى سورة بن كليب قال: سألت أبا جعفر
عليه السلام عن أدنى ما يجزئ من التشهد، قال: الشهادتان.
وروى محمد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام التشهد في الصلاة قال مرتين
قال: قلت فكيف مرتين، قال: إذا استويت جالسا فقل: أشهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ثم تنصرف قال: قلت
110

قول العبد التحيات لله والصلوات الطيبات لله، قال: هذا اللطف من الدعاء
يلطف العبد ربه وأما الصلاة على النبي أوجبناها لخبر أبي بصير المقدم ذكره.
مسألة 132: الصلاة على آل النبي في التشهد واجبة.
وقال أكثر أصحاب الشافعي: إنه سنة، وقال التربجي من أصحابه: هي
واجبة.
دليلنا: إجماع الفرقة، وطريقة الاحتياط.
وروى جابر الجعفي عن أبي جعفر عن أبي مسعود الأنصاري قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وآله: من صلى صلاة لم يصل فيها علي وعلى أهل بيتي لم
تقبل منه.
مسألة 133: يجوز أن يدعو لدينه ودنياه، ولإخوانه، ويذكر من يدعو له
من شاء من النساء والرجال والصبيان في الصلاة، وهو مذهب الشافعي.
وقال أبو حنيفة: لا يجوز أن يدعو إلا بما ورد به القرآن.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا قوله تعالى: قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن،
وقال تعالى: ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها، ولم يستثن حال الصلاة.
وروى فضالة بن عبيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا
صلى أحدكم فليبدأ بحمد الله والثناء عليه ثم يصلي، ثم يدعو بعد ذلك بما
يشاء.
وروى أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا تشهد
أحدكم فليستعذ من أربع: من عذاب النار، وعذاب القبر، وفتنة المحيا والممات،
وفتنة المسيح الدجال، ثم يدعو لنفسه بما بدا له.
وروى الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن النبي
صلى الله عليه وآله لما رفع رأسه من الركعة الأخيرة من الفجر قال: ربنا ولك الحمد، اللهم
111

انج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين من
المؤمنين - وفي بعضها والمستضعفين بمكة - واشدد وطأتك على مضر ورعل و
ذكوان، واجعل عليهم سنين كسني يوسف، وعليه إجماع الصحابة، لأنه روي
عن علي عليه السلام أنه دعا في قنوته على قوم بأعيانهم وأسمائهم.
وروي عن أبي الدرداء أنه قال: إني لأدعو في صلاتي لسبعين أخا من
إخواني بأسمائهم وأنسابهم، ولا مخالف لهما في الصحابة.
مسألة 134: الأظهر من مذاهب أصحابنا أن التسليم في الصلاة مسنون،
وليس بركن ولا واجب، ومنهم من قال: هو واجب.
وقال الشافعي: لا يخرج من الصلاة إلا بشئ معين وهو التسليم لا غير، وهو
ركن منها، وبه قال الثوري.
وقال أبو حنيفة: الذي يخرج به منها غير معين، بل يخرج بأمر يحدثه وهو
ما ينافيها من كلام أو سلام أو حدث من ريح أو بول. ولكن السنة أن يسلم لأن
النبي صلى الله عليه وآله به كان يخرج منها، وإن طرقه في هذا المكان
ما ينافيها لا من فعله مثل طلوع الشمس أو رؤية الماء إذا كان متيمما بطلت صلاته
لأنه أمر ينافيها لا من جهته. قال: والذي يخرج به منها ليس منها.
دليلنا: على المذهب الأول: ما رواه أبو بصير عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: إذا كنت إماما فإنما التسليم أن تسلم على النبي صلى الله عليه وآله وتقول
السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فإذا قلت ذلك فقد انقطعت الصلاة، ثم
تؤذن القوم فتقول: وأنت مستقبل القبلة، السلام عليكم.
ومن نصر الأخير استدل بما رواه أمير المؤمنين عليه السلام أن النبي
صلى الله عليه وآله قال: مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها
التسليم.
112

مسألة 135: الإمام والمنفرد يسلمان تسليمة واحدة، والمأموم إن كان على
يساره إنسان سلم يمينا وشمالا، وإن لم يكن على يساره أحد سلم تسليمة واحدة.
وقال الشافعي: إذا كان المسجد ضيقا، واللفظ مرتفعا، وكان الناس سكوتا
فتسليمة واحدة. وإن كثروا، أو كان المسجد واسعا فتسليمتان هذا قوله في القديم.
وروي ذلك عن علي عليه السلام وأبي بكر وعمر وابن مسعود
وعمار بن ياسر من الصحابة، والنخعي.
وقال الشافعي في الجديد: أن الأفضل تسليمتان، وبه قال أهل الكوفة و
الثوري وأبو حنيفة وأصحابه وأحمد وإسحاق.
وقال قوم: الأفضل أن يقتصر على تسليمة واحدة، ذهب إليه ابن عمر وأنس
بن مالك وسلمة ابن الأكوع وعائشة، وفي التابعين عمر بن عبد العزيز والحسن
البصري وابن سيرين، وفي الفقهاء مالك والأوزاعي.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا روت عائشة قالت: كان رسول الله
صلى الله عليه وآله يسلم في صلاته تسليمة واحدة يميل إلى الشق الأيمن قليلا.
وروى سهل بن سعد الساعدي أنه سمع رسول الله
صلى الله عليه وآله يسلم تسليمة واحدة ولا يزيد عليها، ذكرهما الدارقطني.
وروى عبد الحميد بن عواض عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن كنت تؤم
قوما أجزأك تسليمة واحدة عن يمينك، وإن كنت مع إمام فتسليمتين، وإن
كنت وحدك فواحدة مستقبل القبلة.
وروى منصور بن حازم قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: الإمام يسلم
تسليمة واحدة، ومن وراءه يسلم اثنتين، فإن لم يكن عن شماله أحد سلم واحدة.
مسألة 136: إذا سلم الإمام يستحب له أن يعقب بعد الصلاة، فإن كان
المأموم يقعد لقعوده " بقعوده " كان أفضل، وإن لم يقعد جاز له الانصراف.
113

وقال الشافعي: يستحب له إذا سلم أن يثبت ويتحول من مكانه.
دليلنا: إجماع الفرقة، والأخبار التي ذكرناها.
مسألة 137: القنوت مستحب في كل ركعتين في جميع الصلوات بعد
القراءة فرائضها وسننها قبل الركوع، فإن كانت الفريضة رباعية كان فيها قنوت
واحد في الثانية من الأولتين، وإن كانت جمعة كان فيها قنوتان على الإمام في
الأولى قبل الركوع، وفي الثانية بعد الركوع وهو مسنون في ركعة الوتر في
جميع السنة.
وقال الشافعي: القنوت مستحب في صلاة الصبح خاصة بعد الركوع، فإن
نسيه كان عليه سجدتا السهو، وقال يجري ذلك مجرى التشهد الأول في كونه
سنة، وقال في سائر الصلوات: إذا نزلت نازلة قولا واحدا يجوز، وإذا لم تنزل كان
على قولين، ذكر في الأم: إن له ذلك، وقال في الإملاء: إن شاء قنت، وإن شاء
ترك.
وقال الطحاوي: القنوت في سائر الصلوات لم يقل به غير
الشافعي، وذكر الشافعي أن بمذهبه قال في الصحابة الأئمة الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي
عليه السلام، وبه قال أنس بن مالك، وإليه ذهب الحسن البصري، وبه قال مالك
والأوزاعي، وابن أبي ليلى قال: وهكذا القنوت في الوتر في النصف الأخير من
شهر رمضان لا غير.
وحكي عن قوم: إن القنوت في الصبح مكروه وبدعة، حكي ذلك عن ابن
عمر وابن مسعود وأبي الدرداء وبه قال أبو حنيفة والثوري وأصحاب أبي حنيفة.
وقال أبو حنيفة: مسنون في الوتر لا غير طول السنة.
وقال أحمد: إن قنت في الصبح فلا بأس، وقال: يقنت أمراء الجيوش.
دليلنا: إجماع الفرقة، فإنهم لا يختلفون في ذلك، وروى ذلك زرارة عن
أبي جعفر عليه السلام قال: القنوت في كل صلاة من الركعة الثانية قبل
114

الركوع.
وروى صفوان الجمال قال: صليت خلف أبي عبد الله عليه السلام أياما
فكان يقنت في كل صلاة يجهر فيها أو لا يجهر فيها.
وروى محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: القنوت في كل
ركعتين في التطوع والفريضة.
وروى أبو بصير عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: كل قنوت قبل
الركوع إلا الجمعة، فإن الركعة الأولى فيها قبل الركوع والأخيرة بعد الركوع.
وروى الشافعي عن سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن
أبي هريرة قال: لما رفع رسول الله صلى الله عليه وآله رأسه من الركعة الثانية من
الصبح قال: اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وابن أبي ربيعة،
والمستضعفين بمكة، واشدد وطأتك على مضر ورعل وذكوان واجعل عليهم
سنين كسني يوسف، وهذا خبر صحيح ذكره البخاري في الصحيح.
وروى الدارقطني بإسناده رفعه إلى أنس بن مالك قال: ما زال رسول الله
صلى الله عليه وآله يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا.
وروى البراء بن عازب قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله لا يصلي
صلاة مكتوبة إلا قنت فيها.
وروي عن علي عليه السلام أنه قنت في صلاة المغرب، ودعا على أناس
وأشياعهم.
مسألة 138: محل القنوت قبل الركوع، وهو مذهب مالك والأوزاعي
وابن أبي ليلى، وأبي حنيفة، وبه قال في الصحابة ابن مسعود وأبو موسى
الأشعري.
وقال ابن عمر: كان بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وآله يقنت
قبل الركوع، وبعضهم بعده، وانفرد بأن قال يكبر إذا أراد أن يقنت، ويقنت ثم
115

يكبر للركوع.
وقال الشافعي: القنوت بعد الركوع، وبه قال أبو عثمان
النهدي، وحكى
النهدي أنه أخذ ذلك عن أبي بكر وعمر وعثمان وذكر رابعا نسبة الراوي.
دليلنا: إجماع الفرقة، والأخبار التي قدمناها في المسألة الأولى.
مسألة 139: من فاتته صلوات حتى خرجت أوقاتها فعليه أن يقضيها على
الترتيب الذي فاتته، الأولى فالأولى، قليلا كان ما فاته أو كثيرا، دخل في التكرار
أو لم يدخل. فإذا ذكر في غير وقت صلاة حاضرة قضاها ولا مسألة. وإن ذكرها
وقد دخل وقت صلاة أخرى فإنه يبدأ بالفائتة ما لم يتضيق وقت الحاضرة، وهو
ألا يبقى من الوقت إلا مقدار ما يصلي فيه الحاضرة، فإذا كان كذلك، بدأ
بالحاضرة، ثم بالفائتة.
وإن دخل في أول الوقت في الحاضرة، ثم ذكر أن عليه صلاة أخرى، وقد
صلى منها ركعة أو ركعتين أو أكثر، فلينقل نيته إلى الفائتة ثم يصلي بعدها
الحاضرة، وإن ذكر أنه فاتته صلاة في صغره وقد كبر قضاها، ولا يجب عليه
إعادة ما صلى بعد تلك الصلاة.
وقال الشافعي: إذا فاتته صلوات كثيرة حتى خرجت أوقاتها سقط الترتيب
فيها كثيرة كانت أو قليلة، ضيقا كان الوقت أو واسعا، ذاكرا كان أو ناسيا، قال:
وإن كان ذكرها قبل التلبس بغيرها نظر، فإن كان الوقت ضيقا يخاف فوات
صلاة الوقت إن تشاغل بغيرها، فينبغي أن يقدم صلاة الوقت لئلا يقضيهما معا،
فإن كان الوقت واسعا قدم الفائتة على صلاة الوقت ليأتي بهما على الترتيب
ويخرج عن الخلاف، وبه قال الحسن البصري، وشريح، وطاووس.
وقال قوم: إن الترتيب شرط بكل حال، كان الوقت ضيقا أو واسعا، ناسيا
كان أو ذاكرا، قليلا كان ما فاته أو كثيرا. وفي الجملة لا تنعقد له صلاة فريضة
وعليه صلاة، ذهب إليه الزهري، والنخعي، وربيعة.
116

وذهب مالك، والليث بن سعد، إلى أنه ينظر فيه، فإن ذكرها وهو في أخرى
أتمهما استحبابا، وأتى بالفائتة ثم قضى التي أتمها، وإن ذكرها قبل الدخول في
غيرها فعليه أن يأتي بالفائتة ثم بصلاة الوقت، قالا: ما لم يدخل في التكرار، فإن
دخل في التكرار سقط الترتيب.
وقال أحمد: إن ذكرها وهو في أخرى أتمها واجبا، ثم قضى الفائتة ثم أعاد
التي أتمها واجبا، فأوجب ظهرين في يوم واحد. قال: وإن ذكرها قبل الدخول في
أخرى فعليه أن يأتي بالفائتة. قال: ولو ذكر الرجل في كبره صلاة فائتة في
صغره فعليه أن يأتي بالفائتة وبكل صلاة صلاها بعدها، وبه قال الزهري،
والنخعي، وربيعة.
وقال أبو حنيفة: إن دخلت الفوائت في التكرار، وهو إن صارت ستا سقط
الترتيب، وإن كانت خمسا ففيه روايتان، وإن كانت أربعا نظرت، فإن كان
الوقت ضيقا حتى تشاغل بغير صلاة الوقت فاتته فعليه أن يأتي بصلاة الوقت ثم
يقضي ما فاته، وإن كان الوقت واسعا نظر، فإن ذكرها وهو في أخرى بطلت،
فيأتي بالفائتة ثم بصلاة الوقت، وإن لم يذكر حتى فرع من الصلاة قضى الفائتة
وأجزأه فالترتيب شرط مع الذكر دون النسيان وسعة الوقت، وأن لا يدخل في
التكرار، هذه جملة الخلاف.
دليلنا: إجماع الفرقة فإنهم لا يختلفون في ذلك، وروى حريز عن زرارة
عن أبي جعفر عليه السلام قال: إذا نسيت صلاة أو صليتها بغير وضوء، وكان
عليك قضاء صلوات فابدأ بأولهن فأذن لها، وأقم، ثم صلها ثم صل ما بعدها
بإقامة إقامة لكل صلاة.
قال: وقال أبو جعفر: وإن كنت قد صليت الظهر وقد فاتتك الغداة
فذكرتها فصل أي ساعة ذكرتها ولو بعد العصر ومتى ما ذكرت صلاة فاتتك
صليتها.
وقال: إن نسيت الظهر حتى صليت العصر فذكرتها وأنت في الصلاة أو بعد
117

فراغك فانوها الأولى ثم صل العصر فإنما هي أربع مكان أربع، وإذا ذكرت
إنك لم تصل الأولى وأنت في صلاة العصر وقد صليت منها ركعتين فصل
الركعتين الباقيتين وقم فصل العصر، وإن كنت ذكرت إنك لم تصل العصر
حتى دخل وقت المغرب ولم تخف فوتها فصل العصر ثم صل المغرب وإن
كنت قد صليت المغرب فقم فصل العصر.
وإن كنت قد صليت من المغرب ركعتين، ثم ذكرت العصر فانوها العصر
ثم سلم ثم صل المغرب.
وإن كنت قد صليت العشاء الآخرة، ونسيت المغرب فقم فصل المغرب،
وإن كنت ذكرتها وقد صليت من العشاء الآخرة ركعتين أو قمت إلى الثالثة
فانوها المغرب، ثم سلم، ثم قم فصل العشاء الآخرة.
وإن كنت قد نسيت العشاء الآخرة حتى صليت الفجر فصل العشاء
الآخرة. وإن كنت ذكرتها وأنت في ركعة أو في الثانية من الغداة فانوها العشاء،
ثم قم فصل الغداة، وأذن، وأقم.
وإن كانت المغرب والعشاء الآخرة قد فاتتاك جميعا. فابدأ بهما قبل أن
تصلي الغداة، ابدأ بالمغرب ثم بالعشاء.
وإن خشيت أن تفوتك الغداة إن بدأت بهما، فابدأ بالمغرب، ثم بالغداة، ثم
صل العشاء.
وإن خشيت أن تفوتك الغداة إن بدأت بالمغرب، فصل الغداة، ثم صل
المغرب والعشاء، ابدأ بأوليهما لأنهما جميعا قضاء، أيهما ذكرت فلا تصلها إلا بعد
شعاع الشمس.
قال: قلت لم ذلك؟ قال: لأنك لست تخاف فوته.
قال محمد بن الحسن: جاء هذا الخبر مفسرا للمذهب كله، فأما ما تضمنه من
أنه إذا فرع من العصر وذكر أن عليه ظهرا فليجعلها ظهرا فإنما هي
أربع مكان أربع محمول على أنه إذا قارب الفراع منها، لأنه لو كان انصرف عنها بالتسليم
118

لما صح نقل النية فيها.
ويمكن أن يستدل على من أجاز الصلاة الحاضرة في أول الوقت، والعدول
عن الفائتة بما روي عن النبي صلى الله عليه وآله قال: لا صلاة لمن عليه صلاة
ولم يفرق.
وروي عنه أنه قال: من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها وذلك
وقتها وروي عنه عليه السلام أنه أخر أربع صلوات يوم الخندق حتى مضى هوي
من الليل فقضاها على الترتيب، فثبت أن الترتيب واجب.
فأما من أوجب الحاضرة ثم الفائتة ثم أعاد الحاضرة فقول يحتاج إلى دليل،
وليس في الشرع ما يدل عليه.
مسألة 140: من فاتته صلاة من صلاة الليل، وأراد قضاءها جهر فيها
بالقراءة، ليلا كان وقت القضاء أو نهارا. ومن فاتته صلاة من صلاة النهار وأراد
قضاءها أسر فيها بالقراءة، ليلا كان أو نهارا، إماما كان أو منفردا.
وحكى أبو ثور عن الشافعي أنه قال: إذا فاتته صلاة العشاء الآخرة فذكرها
بعد طلوع الشمس قضاها، وخافت بها. وبه قال الأوزاعي.
وقال أبو حنيفة: إن قضاها إماما جهر بها، وإن قضاها منفردا خافت بها، بناه
على أصله أن المنفرد يخافت بصلاة الليل، والإمام يجهر بها، فذهب إلى أن القضاء
كالأداء.
وقال أبو ثور: يجهر بها ليكون القضاء كالأداء.
وقال الشافعي: إن ذكرها ليلا جهر فيها.
وقال الأوزاعي: إن شاء جهر وإن شاء خافت. قال: وإن نسي صلاة نهار
فذكرها ليلا أسر فيها بالقراءة ولا يجهر.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا روى حريز عن زرارة قال: قلت له رجل فاتته
صلاة من صلاة السفر فذكرها في الحضر.
فقال: يقضي ما فاته كما فاته. وهذا
119

عام في جميع هيئات الصلاة.
مسألة 141: إذا سلم عليه وهو في الصلاة رد عليه مثله قولا، يقول سلام
عليكم، ولا يقول وعليكم السلام.
وقال الحسن البصري: يرد عليه قولا كما قلناه، ولم يعتبر أن يقول مثل
قوله.
وقال الشافعي في القديم: يرد بالإشارة برأسه، وقال في موضع آخر يشير
بيديه، وبه قال ابن عمر، وابن عباس، ومالك، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور.
وقال أبو ذر الغفاري، وعطاء، والثوري: يرد قولا لكن إذا فرع من الصلاة.
قال الثوري: إن كان باقيا رد عليه، وإن كان منصرفا اتبعه بالسلام.
وقال النخعي: يرد بقلبه.
وقال أبو حنيفة: لا يرد بشئ أصلا فيضيع سلامه.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا روى عثمان بن عيسى عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: سألته عن الرجل يسلم عليه، وهو في الصلاة؟ فقال: يرد، يقول سلام
عليكم، ولا يقول وعليكم السلام، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله كان
قائما يصلي فمر به عمار بن ياسر فسلم عليه فرد عليه النبي صلى الله عليه وآله
هكذا.
وروى محمد بن مسلم قال: دخلت على أبي جعفر عليه السلام وهو في
الصلاة، فقلت: السلام عليك. فقال: السلام عليك، قلت: كيف أصبحت
فسكت، فلما انصرف، قلت له: أيرد السلام وهو في الصلاة، فقال: نعم مثل ما
قيل له.
مسألة 142: إذا لم يجد المصلي شيئا ينصبه بين يديه إذا صلى في الصحراء
جاز أن يخط بين يديه خطأ، وإن لم يفعل أيضا فلا بأس.
120

وقال الشافعي: يخط خطا ذكره في القديم، وعليه أصحابه. وقال في الأم:
يستحب أن لا يخط إلا أن يكون فيه خبر ثابت، ووافقه على القول القديم الأوزاعي
وأحمد.
وقال مالك والليث بن سعد وأبو حنيفة: يكره ذلك.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا الأصل الإباحة، فمن ادعى كراهية ذلك فعليه
الدليل.
وروى أبو هريرة قال: قال أبو القاسم عليه السلام: إذا صلى أحدكم فليجعل
تلقاء وجهه شيئا، فإن لم يجد شيئا فلينصب عصا، وإن لم يكن معه عصا فليخط
خطا لا يضره ما مر بين يديه.
وروى محمد بن إسماعيل عن الرضا عليه السلام في الرجل يصلي قال:
يكون بين يديه كومة من تراب أو يخط بين يديه بخط.
وروى السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه عليه السلام قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وآله: إذا صلى أحدكم بأرض فلاة فليجعل بين يديه مثل
مؤخرة الرجل، [فإن لم يجد فحجرا]، فإن لم يجد فسهما، فإن لم يجد فليخط في
الأرض بين يديه.
مسألة 143: إذا عرض للرجل أو المرأة حاجة في صلاته جاز أن يومئ
بيده، أو يضرب إحدى يديه على الأخرى، أو يضرب الحائط، أو يسبح، أو يكبر،
سواء أومأ إلى إمامه، أو إلى غيره إذا أراد التنبيه على سهو لحقه، أو تحذير أعمى من
ترديه في بئر، أو يطرق عليه الباب فيسبح يقصد به الأذن له، أو يبلغه مصيبة
فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، ويقصد به قراءة القرآن، أو يقرأ آية يقصد بها أن
يفتح على غيره إذا غلط إمامه كان أو غير إمامه.
وهو مذهب الشافعي إلا أنه فرق بين الرجل والمرأة، فقال: يكره للمرأة أن
تسبح، وينبغي لها أن تصفق، وهو أن تضرب إحدى الراحتين على ظهر كفها
121

الأخرى، أو تضرب إصبعين على ظهر كفها، وروى ذلك أصحابنا أيضا.
وقال مالك: من نابه شئ في صلاته يسبح، رجلا كان أو امرأة.
وقال أبو حنيفة: إذا سبح الرجل، فإن قصد به إعلام إمامه شيئا قد نسيه أو
تركه لم تبطل صلاته، وإن قصد بذلك غير الإمام بطلت صلاته في جميع ما
قلناه.
دليلنا: إجماع الفرقة لأن الأصل الإباحة في جميع ذلك، والمنع يحتاج
إلى دليل.
وروى حماد عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سئل عن الرجل
يريد الحاجة وهو في الصلاة، فقال: يومئ برأسه، ويشير بيده، والمرأة إذا أرادت
الحاجة تصفق بيديها.
وروى أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي الوليد قال: كنت جالسا عند أبي
عبد الله عليه السلام فسأله ناجية بن أبو حبيب فقال له: جعلت فداك إن لي رحى
أطحن فيها فربما قمت في ساعة من الليل، فأعرف من الرحى أن الغلام قد نام،
فاضرب الحائط لأوقظه، فقال: نعم، أنت في طاعة الله عز وجل تطلب رزقه.
وروى علي بن الحسن بن رباط عن محمد بن بجيل أخي علي بن بجيل قال:
رأيت أبا عبد الله عليه السلام، يصلي فمر به رجل وهو بين السجدتين فرماه
أبو عبد الله بحصاة، فأقبل إليه الرجل.
وروى سهل بن سعد الساعدي أن النبي صلى الله عليه وآله قال
للناس: إذا نابكم شئ في صلاتكم فليسبح الرجال ولتصفق النساء، وهذا عام
في جميع ما ينوبه.
مسائل ستر العورة
مسألة 144: لا يجوز للمرأة الحرة أن تصلي مكشوفة الرأس، وأقل ما تصلي
فيه ثوبان تتقنع بأحدهما، وتتجلل بالآخر.
122

وأما الرجل فالذي يجب عليه ستر العورتين، والفضل في ستر ما بين السرة
إلى الركبتين، وأن يطرح على كتفه شيئا.
وقال الشافعي: يجب على المصلي ستر عورته، وعورة الرجل ما بين سرته
وركبته.
وأما المرأة فكلها عورة إلا الوجه والكفين، فإن انكشف شئ من عورة
المصلي قليلا كان أو كثيرا، عامدا كان أو ساهيا بطلت صلاته، وبه قال الأوزاعي.
وقال مالك: إذا صلت الحرة بغير خمار أعادت في الوقت.
قال أصحاب مالك: كل موضع - قال مالك يعيد في الوقت - يريد
استحبابا، فتحقيق قوله أن ستر العورة غير واجب، وإنما هو استحباب.
وعن أبي حنيفة روايتان في قدر العورة.
إحداهما: مثل قول الشافعي إلا في الركبة. فخالفه في الركبة، والثانية:
عورة الرجل كما قال الشافعي، والمرأة كلها عورة إلا الوجه والكفين وظهور
القدمين.
وقال أبو حنيفة: فإن انكشف شئ من العورة في الصلاة، فالعورة عورتان
مغلظة ومخففة، فالمغلظة نفس القبل والدبر، والمخففة ما عداهما، فإن انكشف من
المخففة شئ من العضو الواحد كالفخذ من الرجل والمرأة والذراع والبطن من
المرأة نظرت فإن كان ربع العضو فما زاد لم تجزه الصلاة، وإن كان أقل من
ذلك أجزأه، وبه قال محمد.
وقال أبو يوسف: إن انكشف من المخففة من العضو الواحد نصف العضو
فما زاد لم يجزه، وإن كان دون ذلك أجزأه.
وقال أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام: المرأة كلها عورة فعليها
أن تستر جميع بدنها في الصلاة وبه قال أحمد بن حنبل.
وقال داود: العورة نفس السوءتين، وما عدا هذا فليس بعورة.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا روى عمر بن أذينة عن زرارة قال سألت أبا
123

جعفر عليه السلام عن أدنى ما تصلي فيه المرأة قال: درع وملحفة تنشرها على
رأسها وتتجلل بها.
وروى محمد بن مسلم قال: رأيت أبا جعفر عليه السلام صلى في إزار واحد،
ليس بواسع، قد عقده على عنقه، فقلت له: ما ترى للرجل يصلي في قميص
واحد، فقال: إذا كان كثيفا فلا بأس به والمرأة تصلي في الدرع والمقنعة إذا كان
الدرع كثيفا.
وروى محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن الرجل
يصلي في قميص واحد أو قباء محشو وليس عليه إزار، فقال: إذا كان القميص
صفيقا أو القباء ليس بطويل الفرج، والثوب الواحد إذا كان يتوشح به،
والسراويل بتلك المنزلة كل ذلك لا بأس به، ولكن إذا لبس السراويل جعل
على عاتقه شيئا ولو حبلا.
وروى علي بن إسماعيل الميثمي عن محمد بن حكيم عن أبي عبد الله
عليه السلام أنه قال: إن الفخذ ليست من العورة.
وروي عن أبي الحسن الماضي عليه السلام أنه قال: العورة عورتان، القبل
والدبر، والدبر مستور بالأليتين فإذا سترت القضيب والبيضتين فقد سترت
العورة.
مسألة 145: يجوز للأمة أن تصلي مكشوفة الرأس، وبه قال جميع الفقهاء،
مزوجة كانت أو غير مزوجة.
وحكي عن الحسن البصري في إحدى الروايتين: أنها إن كانت مزوجة وقد
رآها زوجها وهي معه فعليها أن تغطي رأسها.
دليلنا: إجماع الفرقة، بل إجماع الأمة، لأن خلافه قد انقرض.
وروي عن أنس أن عمر بن الخطاب رأى أمة لآل أنس مقنعة فقال لها:
يا لكعاء اكشفي رأسك تشبهت بالحرائر، ولا مخالف له، وروايات أصحابنا أكثر
124

من أن تحصى.
مسألة 146: الأمة إذا صلت مكشوفة الرأس، وأعتقت في أثنائها فتممت
صلاتها لم تبطل صلاتها.
وقال الشافعي: إن كان بقربها ثوب أخذت وسترت رأسها، وكذلك إن
كان بالبعد وهناك من يناولها ناولها، وتممت صلاتها، وإن تطاولت المدة ففيه
وجهان، أحدهما: تبطل صلاتها، والآخر، لا تبطل، وإن احتاجت أن تمشي إليه
ومشت بطلت صلاتها.
وقال أبو حنيفة: تبطل صلاتها.
دليلنا: إن إبطال صلاتها يحتاج إلى دليل، وليس في الشرع ما يدل عليه.
مسألة 147: عورة الأمة أن تستر سائر جسدها غير كشف رأسها، وبه قال
بعض أصحاب الشافعي.
والذي عليه أكثر أصحابه أن يجب عليها ستر ما بين السرة والركبة مثل
الرجل، ولا يجب ما زاد على ذلك.
دليلنا: أنه لا خلاف أنه إذا غطت جميع جسدها سوى الرأس فإن صلاتها
ماضية، ولا دليل على جواز صلاتها إذا كشفت ظهرها وبطنها، فالاحتياط يقتضي
ما قلناه.
وأيضا الأخبار التي وردت بجواز كشف رأسها خصصنا بها الأخبار العامة
في أن المرأة كلها عورة، ولم يرد ما يخصص الصدر والظهر.
وروى محمد بن مسلم قال: قلت له الأمة تغطي رأسها، قال: لا، ولا على أم
الولد أن تغطي رأسها إذا لم يكن لها ولد.
مسألة 148: أم الولد مثل الأمة في جواز كشف رأسها في الصلاة، وبه قال
125

الشافعي.
وقال مالك وأحمد: أم الولد كالحرة.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا فإن أم الولد أمة يجوز بيعها عندنا، وإذا ثبت
ذلك ثبت ما قلناه، لأن أحدا لا يفرق، وخبر محمد بن مسلم الذي قدمناه تضمن
ذكر أم الولد.
مسألة 149: العورة التي يجب سترها على الرجل، حرا كان أو عبدا
السوءتان، وما بين السرة والركبة مستحب لا فرق بينهما.
وقال الشافعي: هو ما بين السرة والركبة، وليست السرة والركبة منها،
نص عليه في الإملاء والأم والقديم، وفي أصحابه من قال: إنهما من العورة.
وقال أبو حنيفة: الركبة من العورة، وليست السرة منها.
دليلنا: أن ما قلناه مجمع عليه، وما قالوه ليس عليه دليل، وأيضا عليه
إجماع الفرقة.
وقد قدمنا من الأخبار ما يدل على ذلك.
مسألة 150: إذا لم يجد إلا ثوبا نجسا لم يصل فيه، وصلى عريانا، ولا إعادة
عليه، وبه قال الشافعي وعليه أكثر أصحابه.
ومن أصحابه من قال: يصلي فيه ثم يعيد.
وقال أبو حنيفة: إن كان الثوب كله نجسا فهو بالخيار بين أن يصلي فيه،
وبين أن يصلي عريانا، وإن كان ربعه طاهرا فعليه أن يصلي فيه.
دليلنا: إجماع الفرقة، وروى سماعة بن مهران قال: سألته عن الرجل
يكون في فلاة من الأرض ليس عليه إلا ثوب واحد وأجنب فيه، وليس عنده ماء،
كيف يصنع؟ قال: يتيمم ويصلي قاعدا عريانا ويومئ.
وروى منصور بن حازم قال: حدثني محمد بن علي الحلبي عن أبي عبد الله
126

عليه السلام في رجل أصابته جنابة وهو بالفلاة، وليس عليه إلا ثوب واحد، و
أصاب ثوبه مني، قال: يتيمم، ويطرح ثوبه ويجلس مجتمعا فيصلي ويومئ إيماء.
وقد روي أنه يصلي مطلقا.
وروي أنه يصلي فيه، ويعيد. روى ذلك عمار الساباطي.
وقد بينا الوجه فيها في الكتابين المقدم ذكرهما.
مسألة 151: العريان إذا كان بحيث لا يراه أحد صلى قائما، وإن كان
بحيث لا يأمن أن يراه أحد صلى جالسا.
وقال الشافعي: العريان كالمكتسي يصلي قائما ولم يفصل، وبه قال عمر بن
عبد العزيز ومالك ومجاهد.
وقال الأوزاعي: يصلي جالسا، وروي ذلك عن ابن عمر.
وقال أبو حنيفة: هو بالخيار بين الصلاة قائما أو قاعدا.
دليلنا على وجوب الصلاة قائما: طريقة الاحتياط فإنه إذا صلى كذلك
برئت ذمته بيقين، وإذا صلى من جلوس لم تبرأ ذمته بيقين.
وأما إسقاط القيام حيث ما قلناه فلإجماع الفرقة، وأيضا ستر العورة واجب،
فإذا لم يمكن ذلك إلا بالقعود وجب عليه ذلك.
وروى حريز عن زرارة قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: رجل خرج من
سفينة عريانا أو سلب ثيابه ولم يجد شيئا يصلي فيه، فقال: يصلي إيماء، وإن كانت
امرأة جعلت يدها على فرجها، وإن كان رجلا وضع يده على سوأته ثم يجلسان
ويومئان إيماء ولا يركعان ولا يسجدان فيبدو ما خلفهما تكون صلاتهما إيماء
برؤوسهما.
وروي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: العاري إذا لم يكن له ثوب إذا
وجد حفيرة دخلها فسجد فيها وركع.
وروى علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال: سألته عن
127

الرجل إذا قطع عليه أو غرق متاعه فبقي عريانا وحضرت الصلاة كيف يصلي،
قال: إن أصاب حشيشا يستر به عورته أتم صلاته بالركوع والسجود، وإن لم
يصب شيئا يستر عورته أومأ وهو قائم.
مسألة 152: يجوز للمصلي أن يصلي في قميص واحد وإن لم يزره ولا أن
يشد وسطه بل شد الوسط مكروه سواء كان واسع الجيب أو ضيقه.
وقال الشافعي: لا يجوز أن يصلي فيه إلا أن يزره أو يخلله، وقال بعض
أصحابه: إنما أراد بذلك إذا كان واسع الجيب دقيق الرقبة فإنه يرى عورته إذا
ركع أو يراها غيره، قال: فإن كان ضيق الجيب، أو كان غليظ الرقبة، أو شد
وسطه، أو كان تحته مئزر لم يكن به بأس.
دليلنا على ذلك: إجماع الفرقة، وما قدمناه من الأخبار التي تدل على
جواز صلاة الرجل في قميص واحد ولم يفصلوا.
وروى زياد بن سوقة عن أبي جعفر عليه السلام قال: لا بأس أن يصلي
أحدكم في الثوب الواحد وأزراره محلولة، إن دين محمد صلى الله عليه وآله
حنيف.
وروى الحسن بن علي بن فضال عن رجل قال: سألت أبا عبد الله، أن
الناس يقولون: إن الرجل إذا صلى وأزراره محلولة، ويداه داخلة في القميص إنما
يصلي عريانا. قال: لا " بأس به ".
مسألة 153: من عجز عن القراءة ثم قدر عليها في أثناء الصلاة بأن يلقن،
أو عجز عن الكسوة فتلبس بها عريانا ثم قدر عليها بنى على صلاته، وبه قال
الشافعي.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: تبطل صلاته.
دليلنا: إن الأصل براءة الذمة، وإبطال الصلاة يحتاج إلى دليل.
128

مسألة 154: من تكلم في الصلاة عامدا بطلت صلاته، سواء كان كلامه
متعلقا بمصلحة الصلاة أو لم يتعلق.
وإن كان ناسيا لم تبطل صلاته، وكان عليه سجدتا السهو، وكذلك إن
سلم في الركعتين الأولتين حكمه حكم الكلام سواء، واختلفوا في ذلك على
خمسة مذاهب:
فذهب سعيد بن المسيب، والنخعي، وحماد بن أبي سليمان، إلى أن جنس
الكلام يبطل الصلاة ناسيا كان أو عامدا للمصلحة كان أو لغير المصلحة،
وكذلك إذا سلم ناسيا.
وذهب قوم إلى أن سهو الكلام يبطلها على كل حال، وأما السلام على وجه
السهو فلا يبطلها، وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه.
وحكي عن عبد الله بن مسعود، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عباس،
وأنس بن مالك، والحسن البصري، وعطاء، وعروة بن الزبير، وقتادة مثل ما
قلناه، وبه قال ابن أبي ليلى والشافعي.
وذهب قوم إلى أن سهو الكلام لا يبطلها كما قلناه، وعمده فإن كان لمصلحة
الصلاة لا يبطلها، وإن كان لغير مصلحتها أبطلها، ومصلحة الصلاة مثل أن يسهو
إمامه فيقول سهوت، ذهب إليه مالك بن أنس.
وقال قوم: إن سهو الكلام لا يبطلها، وعمده إن كان لمصلحة الصلاة لا
يبطلها كما قال مالك، وإن كان للمصلحة التي لا تتعلق بالصلاة لم يبطلها أيضا.
مثل أن يكون أعمى يكاد يقع في بئر فيقول: البئر أمامك، أو يرى من يحترق ماله
فيعرفه ذلك، ذهب إليه الأوزاعي.
دليلنا: إجماع الفرقة المحقة، وأيضا فقد أجمعت الأمة على أن من لم يتكلم
فإن صلاته ماضية، وإذا تكلم عامدا اختلفوا فيه، ولا يلزمنا مثل ذلك في الكلام
ناسيا لأنا قلنا ذلك بدليل، وهو ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال:
رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه، فأخبر أن الخطأ مرفوع عنهم،
129

ومعلوم أنه لم يرد به رفع فعل الخطأ لأن الفعل إذا وقع لم يمكن رفعه، فثبت أن
المراد به رفع حكم الخطأ، فإذا كان كذلك ثبت أن صلاته لا تبطل.
وأيضا روى أبو هريرة قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وآله صلاة
العصر فسلم في ركعتين، فقام ذو اليدين، فقال: أقصرت الصلاة أم نسيت
يا رسول الله؟ فأقبل على القوم، فقال: أصدق ذو اليدين فقالوا: نعم، فأتم ما بقي
من صلاته، وسجد وهو جالس سجدتين بعد التسليم.
وقد طعن في هذا الخبر بأن قيل: لا أصل له، لأن أبا هريرة أسلم بعد أن
مات ذو اليدين بسنين، فإن ذا اليدين قتل يوم بدر، وذلك بعد الهجرة بسنتين،
وأسلم أبو هريرة بعد الهجرة بسبع سنين.
فقال: من احتج بهذا الحديث إن هذا غلط، لأن الذي قتل يوم بدر هو
ذو الشمالين، واسمه عبد بن عمرو بن فضلة الخزاعي، وذو اليدين عاش بعد وفاة
النبي صلى الله عليه وآله، ومات في أيام معاوية. قال: وقبره بذي خشب، واسمه
الخرباق.
قالوا: والدليل عليه أن عمران بن الحصين روى هذا الحديث وقال فيه: فقام
الخرباق، فقال: أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله؟
وقد قيل في الجواب عن هذا الاعتراض إنه روى الأوزاعي فقال: فقام
ذو الشمالين فقال: أقصرت الصلاة أم نسيت، وذو الشمالين قتل يوم بدر لا محالة.
وروي في هذا الخبر أن ذا اليدين قال: أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول
الله؟ فقال: كل ذلك لم يكن.
وروي أنه قال: إنما سهوت لأبين لكم.
وروي أنه قال: لم أنس، ولم تقصر الصلاة.
وأما أصحابنا فقد رووا أن ذا اليدين كان يقال له ذو الشمالين، روي ذلك
عن سعيد الأعرج. عن أبي عبد الله عليه السلام في هذه القصة.
ومعتمدنا في المسألة على إجماع الفرقة على ما مضى.
130

وروى عبد الرحمن بن الحجاج قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
الرجل يتكلم ناسيا في الصلاة يقول: أقيموا صفوفكم فقال: يتم صلاته، ثم يسجد
سجدتين فقلت: سجدتا السهو قبل التسليم هما أو بعد التسليم؟ قال: بعد.
وروى علي بن النعمان الرازي قال: كنت مع أصحاب لي في سفر وأنا
إمامهم فصليت بهم المغرب فسلمت في الركعتين الأولتين، فقال أصحابي إنما
صليت بنا ركعتين فكلمتهم وكلموني، فقالوا: أما نحن فنعيد فقلت: ولكني لا أعيد
وآتي بركعة، فأتممت بركعة، ثم سرنا، فأتيت أبا عبد الله عليه السلام، فذكرت له
الذي كان من أمرنا فقال لي: أنت كنت أصوب منهم، إنما يعيد من لا يدري ما
صلى.
مسألة 155: النفخ في الصلاة إن كان بحرف واحد لا يبطل الصلاة،
وكذلك التأوه والأنين.
وإن كان بحرفين يبطلها، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: النفخ يبطلها وإن كان بحرف واحد، وأما التأوه فإنه
يقول: آه، فيأتي بحرفين، نظرت فإن كان خوفا من الله تعالى مثل أن ذكر النار
والعقاب لم يبطلها، وإن كان ذلك لألم يجده في نفسه بطلت.
دليلنا على أن الحرف الواحد لا يبطل الصلاة: أنه لا دليل على ذلك فمن
نقض الصلاة به فعليه الدليل.
وأما القطع بحرفين فلأنه كلام لا يتعلق بالصلاة على جهة العمد، وقد قدمنا
أن ذلك يفسد الصلاة.
وأيضا فقد روى محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له
الرجل ينفخ في الصلاة موضع جبهته، فقال: لا.
وما رواه إسحاق بن عمار عن رجل من بني عجلان قال: سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن المكان يكون عليه الغبار فانفخه إذا أردت السجود، قال: لا
131

بأس. فمحمول على أنه إذا كان بحرف واحد.
وأما الأنين فقد روي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: من أن في صلاته
فقد بطلت صلاته.
وروى طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيه عن علي عليه السلام أنه
قال: من أن في صلاته فقد تكلم.
مسألة 156: من ترك القراءة ناسيا حتى ركع مضى في صلاته، ولم يكن
عليه شئ، وبه قال الشافعي في القديم.
وقال في الجديد: لا تسقط بالنسيان، فإن ذكر قبل الركوع قرأ، وإن لم
يذكر إلا بعد الركوع أعاد الصلاة.
دليلنا: إجماع الفرقة، وروى منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: قلت له إني صليت المكتوبة فنسيت أن أقرأ في صلاتي كلها، قال: أليس قد
أتممت الركوع والسجود؟ قلت: بلى، قال: فقد تمت صلاتك إذا كان نسيانا.
وروى أبو بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا نسي أن يقرأ في الأولى
والثانية أجزأه تسبيح الركوع والسجود، وإن كانت الغداة فنسي أن يقرأ فيها
فليمض في صلاته.
ورووا عن عمر بن الخطاب أنه صلى المغرب فلم يقرأ، فلما فرع قيل له في
ذلك، فقال: كيف كان الركوع والسجود قالوا حسنا، فقال: لا بأس إذن.
قال الشافعي: وكان هذا منتشرا بينهم فلم ينكر عليه منكر، فثبت أنه
إجماع.
مسألة 157: من سبقه الحدث من بول، أو ريح، أو غير ذلك. لأصحابنا
فيه روايتان:
إحداهما وهي الأحوط: أنه تبطل صلاته، وبه قال الشافعي في الجديد، قال:
132

ويتوضأ ويستأنف الصلاة، وبه قال المسور بن مخرمة وابن سيرين، والنخعي،
والحسن بن صالح بن حي.
والرواية الأخرى أنه يعيد الوضوء ويبني، وبه قال مالك، وأبو حنيفة،
والشافعي في القديم.
قال أبو حنيفة: إن كان الحدث الذي سبقه منيا بطلت صلاته، وإن كان
دما فإن كان بغير فعله مثل أن شجه إنسان أو فصده بطلت صلاته، وإن كان بغير
فعل إنسان كالرعاف لم تبطل صلاته.
دليلنا: على الرواية الأولى: ما رواه أبو بكر الحضرمي عن أبي جعفر وأبي
عبد الله عليه السلام أنهما قالا: لا يقطع الصلاة إلا أربع: الخلاء، والبول،
والريح، والصوت.
وروى الحسن بن الجهم قال: سألته عن رجل صلى الظهر أو العصر،
فأحدث حين جلس في الرابعة فقال: إن كان قال أشهد أن لا إله إلا الله وأن
محمدا رسول الله فلا يعيد، وإن كان لم يتشهد قبل أن يحدث فليعد.
وروى عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يكون في
صلاته فيخرج منه حب القرع قال: فليس عليه شئ، ولم ينقض وضوؤه، وإن
كان متلطخا بالعذرة فعليه أن يعيد الوضوء، وإن كان في صلاة قطع الصلاة و
أعاد الوضوء والصلاة.
وأما الرواية الأخرى فرواها الفضيل بن يسار قال: قلت لأبي جعفر
عليه السلام أكون في الصلاة فأجد غمزا في بطني أو أذى أو ضربانا، فقال: انصرف ثم
توضأ وابن علي ما مضى من صلاتك ما لم تنقض الصلاة بالكلام متعمدا فإن
تكلمت ناسيا فلا بأس عليك فهو بمنزلة من تكلم في الصلاة ناسيا.
وروى زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في الرجل يحدث بعد أن يرفع
رأسه من السجدة الأخيرة، وقبل أن يتشهد قال: ينصرف ويتوضأ فإن شاء رجع
إلى المسجد، وإن شاء ففي بيته، وإن شاء حيث شاء قعد فتشهد ثم يسلم وإن كان
133

الحدث بعد الشهادتين فقد مضت صلاته.
وقد رووا ما يطابق هذه الرواية عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وآله قال:
إذا قاء أو رعف في صلاته أو أمذى فلينصرف وليتوضأ وليبن على ما مضى في
صلاته ما لم يتكلم.
ومثل الرواية الأولى رووه عن النبي صلى الله عليه وآله رواه علي بن طلق أن
النبي صلى الله عليه وآله قال: إذا فسا أحدكم وهو في الصلاة فلينصرف وليتوضأ
وليعد الصلاة.
ورووا عنه عليه السلام أنه قال: إن الشيطان يأتي أحدكم وهو في الصلاة
فيقول أحدثت فلا ينصرفن حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا.
قالوا: وهذا قد وجد ريحا.
والذي أعمل عليه وأفتي به الرواية الأولى فإن الصلاة ثابتة في ذمته بيقين ولا
تبرأ ذمته بيقين إلا إذا أعاد الصلاة من أولها لأنه إذا بنى فليس على صحة ذلك
دليل لأن فيه خلافا.
مسألة 158: إذا سبقه الحدث، فخرج ليعيد الوضوء، فبال أو أحدث
متعمدا لا يبني إذا قلنا بالبناء على الرواية الأخرى، وبه قال أبو حنيفة.
وقال الشافعي على قوله القديم الذي قال بالبناء: إنه يبني، قال: لأن هذا
الحدث طرأ على حدث فلم يكن له حكم.
دليلنا: طريقة الاحتياط، وما قدمناه من الأخبار من أنه إذا أحدث أعاد
الصلاة عامة، وإنما أخرجنا الرواية الأخرى بدليل.
مسألة 159: روي أن شرب الماء في النافلة لا بأس به، فأما الفريضة فلا
يجوز أن يأكل فيها ولا أن يشرب، وبهذا التفصيل قال سعيد بن جبير،
وطاووس.
134

وقال الشافعي: لا يجوز ذلك لا في نافلة، ولا في فريضة.
دليلنا: أن الأصل الإباحة فمن منع فعليه الدليل، وإنما منعنا في الفريضة
بدلالة الإجماع.
وأيضا روى سعيد الأعرج قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام إني أبيت
وأريد الصوم فأكون في الوتر فأعطش فأكره أن أقطع الدعاء فأشرب وأكره أن
أصبح وأنا عطشان وأمامي قلة بيني وبينها خطوتان أو ثلاثة، قال: تسعى إليها
وتشرب منها حاجتك وتعود في الدعاء.
مسألة 160: إذا أدرك مع الإمام ركعتين أو ركعة في الظهر أو العصر أو
العشاء الآخرة، كان ما أدركه معه أول صلاته يقرأ فيها بالحمد وسورة، ويقضي
آخر صلاته يقرأ الحمد أو يسبح على ما بيناه في التخيير، وبه قال في الصحابة علي
عليه السلام، وعمر، وأبو قتادة، وفي التابعين ابن المسيب، والحسن
البصري، والزهري، وفي الفقهاء الشافعي، والأوزاعي، ومحمد، وإسحاق.
وذهب قوم إلى أن ما أدركه آخر صلاة المأموم، فإذا فرع إمامه قام فقضى
أول صلاة نفسه، ذهب إليه في الصحابة ابن عمر، وإليه ذهب مالك، والثوري،
وأبو حنيفة، وأبو يوسف.
وقال أبو حنيفة تفصيلا لا يعرف للباقين، وهو أنه قال: هو أول صلاته فعلا،
وآخرها حكما، فإنه يبتدئ بأول الصلاة فعلا.
دليلنا: إجماع الفرقة، فإنهم لا يختلفون في ذلك، وروى زرارة عن أبي
جعفر عليه السلام قال: إذا أدرك الرجل بعض الصلاة وفاته بعض خلف إمام
يحتسب بالصلاة خلفه، جعل أول ما أدركه أول صلاته، وإن أدرك من الظهر أو
العصر أو من العشاء ركعتين وفاتته ركعتان قرأ في كل ركعة مما أدرك خلف
الإمام في نفسه بأم الكتاب وسورة، فإن لم يدرك السورة تامة أجزأته أم الكتاب،
فإذا سلم الإمام قام فصلى ركعتين لا يقرأ فيهما لأن الصلاة إنما يقرأ فيها في
135

الأولتين في كل ركعة بأم الكتاب وسورة وفي الأخيرتين لا يقرأ فيهما، إنما هو
تسبيح وتكبير وتهليل ودعاء ليس فيهما قراءة، وإذا أدرك ركعة قرأ فيها خلف
الإمام، فإذا سلم الإمام قام فقرأ أم الكتاب وسورة ثم قعد فتشهد ثم قام فصلى
ركعتين ليس فيهما قراءة.
وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله قال: إذا أقيمت الصلاة فلا
تأتوها وأنتم تسعون، إئتوها وأنتم تمشون، وعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا،
وما فاتكم فأتموا.
وحقيقة الإتمام إكمال ما تلبس به، وإنما يحمل على الابتداء مجازا.
ويدل على ذلك أنه إذا أخذ أحد في كتابة كتاب يقال له تمم، وكذلك من
تلبس بقراءة سورة وغير ذلك فمن قال عليه أن يقضي ما فاته فقد ترك الخبر.
مسألة 161: إذا صلى لنفسه منفردا، أو في جماعة، جاز أن يصليها معهم
دفعة ثانية وتكون الأولى فرضا، والثانية تكون نفلا، ويجوز أن ينوي بها قضاء
ما فاته، وأية صلاة كانت ظهرا أو عصرا أو مغربا أو عشاء آخرة، أو صبحا لا
يختلف الحكم فيه، وبه قال في الصحابة علي عليه الصلاة والسلام، وحذيفة،
وأنس، وفي التابعين سعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، والزهري، وفي الفقهاء
الشافعي، وأحمد بن حنبل، إلا أن الصحابة وأحمد قالوا: إن لم يكن مغربا أعادها
على الوجه وإن كانت مغربا يشفعها فيصليها أربعا.
وفي أصحاب الشافعي من قال: إن كان صلاها فرادى أعادها أية صلاة
كانت، وإن كان صلاها جماعة أعادها إلا العصر والصبح.
ومن أصحابه من قال: إن كان صلاها جماعة لا يعيدها أصلا وإعادتها
ليدرك فضيلة الجماعة، وقد أدرك فلا معنى للإعادة.
وذهبت طائفة إلى أنه يصليها بكل حال إلا المغرب، ذهب إليه في الصحابة،
ابن مسعود، وفي الفقهاء مالك والأوزاعي والثوري.
136

وقال الحكم: يعيدها كلها إلا الصبح.
وقال النخعي: يعيدها كلها إلا العصر والصبح، مثل ما قال بعض أصحاب
الشافعي.
وقال أبو حنيفة: يعيدها كلها إلا العصر والمغرب والصبح.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا الأخبار التي وردت بفضل الجماعة والحث
عليها عامة في جميع الصلوات.
وأيضا روى يزيد بن الأسود قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وآله
صلاة الصبح في مسجد الخيف، فلما سلم، فإذا هو برجلين في ناحية المسجد لم
يصليا، فأرسل إليهما فجئ بهما وهما ترتعد فرائصهما، فقال لهما ما منعكما أن
تصليا معنا فقالا: كنا صلينا في رحالنا، فكرهنا أن نعيدها، فقال: لا تفعلا، إذا
صلى أحدكم في رحله، ثم أدرك الناس يصلون فليصل معهم، تكون صلاته
الأولى فرضا، وصلاته معهم تطوعا.
وفيه دليلان أحدهما: أنه أمرهما بإعادة صلاة الصبح فإنهما كانا صليا
الصبح، وهذا نص في موضع الخلاف.
والثاني، أنه قال: إذا صلى أحدكم في رحله ثم أدرك الناس يصلون فليصل
معهم فعم ولم يخص.
وروى عمار الساباطي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يصلي
الفريضة ثم يجد قوما يصلون جماعة أيجوز أن يعيد الصلاة معهم قال: نعم وهو
أفضل.
مسائل العاجز في بعض أفعال الصلاة
مسألة 162: من لم يقدر أن يركع في الصلاة لعلة بظهره، وقدر على القيام
وجب عليه أن يصلي قائما، وهو مذهب الشافعي.
137

وقال أبو حنيفة: إذا قدر على القيام وعجز عن الركوع كان بالخيار بين أن
يصلي جالسا أو قائما.
دليلنا: أنه لا خلاف إذا صلى من هذه صفته قائما في أن صلاته ماضية،
وليس على قول من قال إذا صلى جالسا إنه تصح صلاته دليل.
وروى عمران بن الحصين قال: كان بي بواسير (وفي بعضها نواصير)
فسألت النبي صلى الله عليه وآله فقال: صل قائما فإن لم تستطع فجالسا، فإن لم
تستطع فعلى جنب - وفي بعضها فعلى جنبك - وهذا مستطيع للقيام فلا يجوز
له الجلوس.
وقوله تعالى: وقوموا لله قانتين، يدل على ذلك فأمره بالقيام، وأمره يدل
على الوجوب، وروايات أصحابنا أكثر من أن تحصى في هذا المعنى.
مسألة 163: إذا صلى جالسا لعلة لا يقدر معها على القيام، الأفضل أن
يصلي متربعا، وإن افترش جاز.
وقال الشافعي: في موضع يجلس متربعا، ويجلس للتشهد على العادة، وبه
قال ابن عمر وابن عباس وأنس والثوري وأحمد.
وقال في موضع آخر: يجلس مفترشا، وبه قال ابن مسعود.
دليلنا: إجماع الفرقة، فإن أخبارهم في هذا المعنى متكافئة فلا ترجيح
لبعضها على بعض، وقد أوردناها في الكتابين المقدم ذكرهما.
مسألة 164: العاجز من السجود إذا رفع إليه شئ يسجد عليه كان ذلك
جائزا، وقال الشافعي: لا يجوز.
دليلنا: قوله تعالى: وما جعل عليكم في الدين من حرج.
وروى أبو بصير قال: سألته عن المريض هل تمسك له المرأة شيئا يسجد
عليه، فقال: لا إلا أن يكون مضطرا ليس عنده غيرها، وليس شئ مما حرم الله إلا
138

وقد أحله لمن اضطر إليه.
وروى زرارة قال: سألته عن المريض، قال: يسجد على الأرض أو على
مروحة، أو على سواك يرفعه هو أفضل من الإيماء، إنما كره من كره السجود
على المروحة من أجل الأوثان التي كانت تعبد من دون الله، وإنا لم نعبد غير الله
قط، فاسجد على المروحة أو على سواك أو على عود.
مسألة 165: إذا لم يقدر على السجود على جبهته، وقدر على السجود على
أحد قرنيه أو على ذقنه سجد عليه.
وقال الشافعي: لا يسجد عليه بل يقرب وجهه من الأرض بقدر ما يمكنه.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا هو مأمور بالسجود، ولا يتيقن أداءه بمقاربة
الأرض.
وأيضا سئل أبو عبد الله عليه السلام عمن بجبهته علة لا يقدر على السجود
عليها؟ قال: يضع ذقنه على الأرض، إن الله عز وجل يقول: يخرون للأذقان
سجدا.
مسألة 166: إذا صلى جالسا فقدر على القيام في أثناء الصلاة لم تبطل
صلاته، وبه قال الشافعي، ومالك، وأبو حنيفة، وأبو يوسف.
وقال محمد: تبطل صلاته بناه على أصل أبي حنيفة في العريان، إذا قدر على
الستر في حال الصلاة، فإنه تبطل صلاته عنده.
دليلنا: إنا بينا أنه يجوز له الصلاة من جلوس مع العجز، فإذا زال ذلك
وجب عليه القيام، لأنه مأمور في الأصل، وأما استئناف الصلاة فيحتاج إلى دليل
شرعي، وليس في الشرع ما يدل عليه.
مسألة 167: من عجز عن القيام وعن الجلوس، صلى مضطجعا على جانبه
139

الأيمن، وبه قال عمر بن الخطاب، وأبو حنيفة، والشافعي.
ومن أصحاب الشافعي من قال: يستلقي على ظهره وتكون رجلاه تجاه
القبلة.
وعن ابن عمر، والثوري روايتان.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا قوله تعالى: الذين يذكرون الله قياما وقعودا
وعلى جنوبهم، قال المفسرون: أراد به الصلاة في حال المرض، وخبر عمران بن
الحصين المتقدم يدل عليه، لأنه قال: إن لم تستطع جالسا فعلى جنبك،
وروايات أصحابنا لا يختلف فيه.
مسألة 168: إذا تلبس بالصلاة مضطجعا ثم قدر على الجلوس أو على
القيام انتقل إلى ما يقدر عليه وبنى صلاته، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة وصاحباه: إنه إذا قدر على القيام أو على الجلوس بطلت
صلاته، ووافقنا أبو حنيفة في الجالس إذا قدر على القيام.
دليلنا: ما قدمناه في المسألة التي تقدمت من أن استئناف الصلاة يحتاج
إلى دليل شرعي وليس في الشرع ما يدل على ذلك. والأخبار التي تقدمت
في جواز صلاة من ذكرناه ليس في شئ منها أنه يجب عليه الاستئناف.
مسألة 169: من كان به رمد، فقال أهل المعرفة بالطب: إن صليت قائما
زاد في مرضك وإن صليت مستلقيا رجونا أن تبرأ، جاز أن يصلي مستلقيا، وبه
قال الثوري، وأبو حنيفة، والشافعي.
وقال مالك والأوزاعي: لا يجوز ذلك.
دليلنا: قوله تعالى: وما جعل عليكم في الدين من حرج.
وأيضا روى سماعة بن مهران قال: سألته عن الرجل يكون في عينيه الماء،
فينزع الماء منها، فيستلقي على ظهره الأيام الكثيرة، أربعين يوما أقل أو أكثر
140

فيمتنع من الصلاة إلا إيماءا وهو على حال فقال: لا بأس بذلك، وليس شئ مما
حرم الله تعالى إلا وقد أحله لمن اضطر إليه.
مسألة 170: إذا قرأ المصلي آية رحمة، يستحب له أن يسأل الله تعالى، أو
آية عذاب أن يستعيذ به، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: يكره ذلك لأنه موضع قراءة.
دليلنا: إجماع الفرقة، وقوله تعالى: قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن،
وقوله: ادعوني أستجب لكم، ولم يستثن حالا دون حال.
ورواياتنا في ذلك أكثر من أن تحصى.
وروى حذيفة بن اليمان قال: صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وآله
فقرأ سورة البقرة، فما مر بآية رحمة إلا سألها الله، ولا بآية عذاب إلا استعاذ منها،
ثم قرأ سورة آل عمران، وسورة النساء، وفعل مثل ذلك. فهممت بأمر سوء فقيل
له: ما هو؟ قال: أردت أن أقطع الصلاة، وهذا نص.
مسألة 171: لا يجوز للرجل أن يصلي وامرأة تصلي إلى جانبه أو قدامه، فإن
صلت خلفه جاز، وإن كانت قاعدة بين يديه أو بجنبه لا تصلي جازت صلاته
أيضا، ومتى صلى وصلت إلى جانبه أو قدامه بطلت صلاتهما معا، اشتركا في
الصلاة أو اختلفا.
وقال الشافعي: ذلك مكروه ولا تبطل الصلاة. واختاره المرتضى من
أصحابنا.
وقال أبو حنيفة: ينظر، فإن وقفت إلى جانبه أو أمامه ولم تكن المرأة في
الصلاة، أو كانا في الصلاة لكن لم يشتركا فيها لا تبطل صلاة واحد منهما،
واشتراكهما في الصلاة عنده أن ينوي الإمام إمامتهما.
وإن كانا في صلاة يشتركان فيها نظرت، فإن وقفت بين رجلين بطلت
141

صلاة من إلى جانبيها ولم تبطل صلاة من إلى جانبيهما لأنهما حجزا بينها وبينه.
وإن وقفت إلى جانب الإمام بطلت صلاة الإمام، فإذا بطلت صلاته بطلت
صلاتها وصلاة كل الجماعة، لأن عنده أن صلاة الجماعة تبطل ببطلان صلاة
الإمام.
قال: فإن صلت أمام الرجال بطلت صلاة من يحاذيها من ورائها ولم تبطل
صلاة من يحاذي من يحاذيها وهذه المسألة يسمونها مسألة المحاذاة.
اللهم إلا أن يكون الصف الأول نساء كله، فإنه يبطل صلاة أهل الصف
الأول، والقياس أن لا تبطل صلاة أهل الصف الثاني والثالث لكن صلاة أهل
الصفوف كلها تبطل استحسانا.
وتحقيق الخلاف بين أبي حنيفة والشافعي، أنه إذا خالف سنة الموقف فعند
الشافعي لا تبطل الصلاة وعند أبي حنيفة تبطلها،
وعند الشافعي أن المخالفة منهما وعند أبي حنيفة من الرجل دونها فلهذا بطلت صلاته دونها.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا الذمة مشغولة بالصلاة، فلا تبرأ إلا بيقين، وإذا
صليا على هذا الوجه فلا تبرأ بيقين.
وروى أبو بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن الرجل والمرأة
يصليان جميعا في بيت المرأة عن يمين الرجل بحذائه؟ قال: لا، حتى يكون بينهما
شبر أو ذراع أو نحوه.
وروى عمار الساباطي، عن أبي عبد الله عليه السلام: قال إنه سئل عن
الرجل له أن يصلي وبين يديه امرأة تصلي؟ قال: لا يصلي حتى يجعل بينه وبينها
أكثر من عشرة أذرع، وإن كانت عن يمينه أو عن يساره جعل بينه وبينها مثل
ذلك، فإن كانت تصلي خلفه فلا بأس وإن كانت تصيب ثوبه، وإن كانت المرأة
قاعدة أو نائمة أو قائمة في غير الصلاة فلا بأس حيث كانت.
وروى مثل ذلك جماعة عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليه السلام.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: أخروهن من حيث أخرهن الله.
142

فأمر بتأخيرهن، فمن خالف ذلك وجب أن تبطل صلاته.
مسألة 172: إذا أحرمت المرأة خلف الرجل صح إحرامها وإن لم ينو
الإمام إمامتها. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: لا يصح اقتداؤها بالإمام إلا أن ينوي الإمام إمامتها.
دليلنا: قوله عليه السلام: إنما جعل الإمام إماما ليؤتم به، ولم يشترط نية
الإمام فيه.
وأيضا الأصل جوازه، وشرط ذلك يحتاج إلى دليل.
مسألة 173: سجود التلاوة في جميع القرآن مسنون مستحب إلا أربع
مواضع فإنها فرض وهي: سجدة لقمان، وحم السجدة، والنجم، واقرأ باسم
ربك، وما عداه فمندوب للقارئ والمستمع.
وقال الشافعي: الكل مسنون وبه قال عمر، وابن عباس، ومالك،
والأوزاعي. وقال أبو حنيفة: الكل واجب على القارئ والمستمع.
دليلنا: إجماع الفرقة، فإنهم لا يختلفون في ذلك، وأيضا فالأربعة مواضع
التي ذكرناها تتضمن الأمر بالسجود، وذلك يقتضي الوجوب، وما عداها ليس في
ظاهرها أمر به، والأصل براءة الذمة.
وروي عن علي عليه السلام أنه قال: عزائم السجود أربع، وقوله: عزائم،
عبارة عن الواجب.
وروى أبو بصير قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: إذا قرئ شئ من العزائم
الأربع فسمعتها فاسجد وإن كنت على غير وضوء، وإن كنت جنبا، وإن كانت
المرأة لا تصلي، وسائر القرآن أنت فيه بالخيار إن شئت سجدت وإن شئت لم
تسجد.
143

مسألة 174: لا يجوز قراءة العزائم الأربع في الفرائض، وخالف جميع
الفقهاء في ذلك.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا، الذمة مشغولة بالصلاة بيقين، ولا
تبرأ إلا بيقين مثله، وهو أن يقرأ غير العزائم.
وروى زرارة عن أحدهما عليه السلام قال: لا يقرأ في المكتوبة شئ من
العزائم، فإن السجود زيادة في المكتوبة.
وروى سماعة بن مهران عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا تقرأ اقرأ باسم
ربك في الفريضة واقرأ في التطوع.
مسألة 175: من لا يحسن القرآن ظاهرا، جاز له أن يقرأ في المصحف، وبه
قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: ذلك يبطل الصلاة.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا قوله تعالى: فاقرؤوا ما تيسر من
القرآن، وقوله: فاقرؤوا ما تيسر منه، ولم يفرق.
مسألة 176: سجدات القرآن خمسة عشر موضعا أربعة منها فرض على ما
قلناه، تفصيلها: أولها في آخر الأعراف، وفي الرعد، وفي النحل، وفي بني
إسرائيل، وفي مريم وفي الحج سجدتان، وفي الفرقان وزادهم نفورا،
وفي النمل، وفي ألم تنزيل، وفي صلى الله عليه وآله، وفي حم السجدة، وفي النجم، وفي انشقت، وفي آخر
اقرأ باسم ربك، وقد بينا الفرض منها، وبه قال أبو إسحاق وأبو العباس بن
سريح.
وقال الشافعي في الجديد: سجود القرآن أربعة عشر كلها مسنونة وخالف
في " صلى الله عليه وآله " وقال إنه سجود شكر لا يجوز فعله في الصلاة.
وقال في القديم: أحد عشر سجدة فأسقط سجدات المفصل وهي: سجدة
144

النجم، وانشقت، واقرأ باسم ربك، وبه قال ابن عباس وأبي بن كعب وزيد ابن
ثابت وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير والحسن البصري ومجاهد ومالك.
وقال أبو حنيفة: أربعة عشر سجدة فأسقط الثانية في الحج وأثبت سجدة "
صلى الله عليه وآله ".
وروي عن علي عليه السلام أنه قال: عزائم السجود أربع في المواضع التي
ذكرناها وهذا لا ينافي ما قدمنا ذكره عن أصحابنا لأن العزائم أراد بها الفرائض.
دليلنا: إجماع الفرقة فإنهم لا يختلفون في ذلك وأيضا فإنه إجماع الأمة إلا
في موضعين في " صلى الله عليه وآله " وفي الثانية من الحج ونحن ندل على ذلك.
ويدل على المواضع كلها قوله: يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا، فأمر
بالسجود فينبغي أن يكون محمولا على عمومه وعلى الوجوب إلا ما أخرجه
الدليل.
وروى عقبة بن عامر قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وآله في الحج
سجدتان فقال: نعم من لم يسجدهما فلا يقرأهما وهذا نص.
وروي عن عمرو بن العاص قال: أقرأني رسول الله صلى الله عليه وآله
خمس عشرة سجدة ثلاث في المفصل وسجدتان في الحج.
فأما سجدة صلى الله عليه وآله فقد روي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله سجد
في صلى الله عليه وآله وقرأ: أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده، يعني هدى الله داود وأمر
النبي صلى الله عليه وآله أن يقتدي به.
وروي عن أبي سعيد الخدري قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وآله على
المنبر صلى الله عليه وآله فلما بلغ السجدة نزل فسجد وسجد الناس معه فلما كان في الجمعة
الثانية قرأها فتشرف الناس للسجود فنزل وسجد وسجد الناس معه وقال: لم أرد
أن أسجدها فإنها توبة نبي وإنما سجدت لأني رأيتكم تشرفتم للسجود.
وتشرفتم أي تهيأتم، وقوله: لم أرد أن أسجد يدل على أنه ليس بواجب على ما
قدمنا القول فيه.
145

مسألة 177: موضع السجود في حم السجدة عند قوله: واسجدوا لله
الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون، وبه قال عمر، ومالك، والليث بن سعد، وإليه
ذهب أبو عمرو بن العلاء من القراء.
وقال الشافعي عند قوله: وهم لا يسئمون، وبه قال ابن عباس، والثوري،
وأهل الكوفة.
دليلنا: إجماع الفرقة فإنهم لا يختلفون فيه، ورواياتهم لا تختلف.
وأيضا قوله تعالى: فاسجدوا لله الذي خلقهن، وهذا أمر، والأمر يقتضي الفور
عندنا، وذلك يوجب السجود عقيب الآية.
مسألة 178: قد بينا أن العزائم لا تقرأ في الفرائض، ويجوز قراءتها في
النوافل، ويسجد، وما عدا العزائم يجوز أن يقرأ في الفرائض غير أنه لا يسجد فيها،
فإن قرأها في النوافل جاز أن يسجد، وإن لم يسجد جاز.
وقال الشافعي: لا يكره السجود في التلاوة في الصلاة في شئ من الصلوات
جهر بالقراءة أو لم يجهر.
وقال مالك يكره ذلك على كل حال.
وقال أبو حنيفة يكره فيما يسر فيه بالقراءة، ولا يكره فيما يجهر بها ولم
يفصل واحد منهم.
دليلنا: إجماع الفرقة، فإنهم لا يختلفون في ذلك وقد قدمنا خبر زرارة
وسماعة في ذلك.
مسألة 179: سجود العزائم واجب على القارئ والمستمع، ومستحب
للسامع، وما عداها مستحب للجميع.
وقال الشافعي: سجود التلاوة مسنون في حق التالي والمستمع دون
السامع، بناء على أصله أنه مسنون.
146

وقال أبو حنيفة: إنه واجب على التالي والمستمع والسامع، فإذا طرق سمعه
قراءة قارئ موضعها، وجب عليه أن يسجدها.
دليلنا: إجماع الفرقة فإنهم لا يختلفون فيه.
وروى عبد الله بن سنان قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل
يسمع السجدة تقرأ؟ قال: لا يسجد إلا أن يكون منصتا مستمعا لها أو يصلي
بصلاته، وأما أن يكون يصلي في ناحية وأنت في ناحية فلا تسجد لما سمعت.
مسألة 180: سجود التلاوة يجوز فعلها في جميع الأوقات وإن كانت
مكروهة الصلاة فيها، وبه قال الشافعي، وهي خمسة أوقات سيجئ بيانها فيما بعد.
وقال مالك: منهي في هذه الأوقات، فلا تصلي فيها صلاة بحال، وكذلك
سجود التلاوة.
وقال أبو حنيفة: ما نهي عن الصلاة فيه لأجل الوقت فلا صلاة فيها بحال،
وهو حين طلوع الشمس، وحين الزوال، وحين الغروب، وما نهي عنها فيه لأجل
الفعل، فلا صلاة فيها بحال إلا عصر يومه، وهو بعد الصبح، وبعد العصر
وكذلك السجود.
دليلنا: إجماع الفرقة وعموم الأخبار، والأمر بالسجود ولم يفصلوا بين
الأوقات، ولأن الأصل السجود في الأوقات كلها لإطلاق الأمر، والمنع يحتاج
إلى دليل.
مسألة 181: سجدة التلاوة ليست بصلاة، فإن سجدها في غير الصلاة
سجد من غير تكبير، وإذا رفع رأسه كبر، وليس عليه تشهد ولا تسليم ولا تكبيرة
إحرام، وإن كان في صلاة يجوز له أن يقرأ فيها سجد مثل ذلك، وقام وكبر وبنى
على قراءته، ويستقبل القبلة مع الإمكان فإن صلى ولم يسجد وجب عليه قضاء
الفرض منه، ويستحب قضاء النوافل.
147

وقال الشافعي: إن كان في الصلاة كبر وسجد وقام فكبر وبنى على القراءة،
قاله في الأم.
وقال ابن أبي هريرة: يسجد من غير تكبير ويرفع بغير تكبير.
وإن كان في غير الصلاة قال أبو إسحاق يكبر تكبيرة للإحرام وأخرى
للسجود.
وقال الترمذي يكبر للسجود لا غير.
وقال أبو حامد بقول أبي إسحاق وقال: إن كبر تكبيرة واحدة لهما لم يجزه
ويعيد السجود، فإذا رفع رأسه رفعه بتكبيرة.
وأما التشهد قال في البويطي: لا تشهد فيها ولا تسليم، واختلف أصحابه على
ثلاثة أوجه: منهم من نفى التشهد والتسليم، ومنهم من قال: يفتقر إلى تشهد
وسلام، وقال أبو العباس، وأبو إسحاق وغيرهما: يفتقر إلى سلام ولا يفتقر إلى
تشهد. قال أبو حامد: وهو أصح الأقوال.
وأما استقبال القبلة، قالوا: فالحكم فيه كالحكم في صلاة النافلة حرفا
بحرف، ومتى لم يسجد وفاته لم يستحب له إعادة.
دليلنا: الأصل براءة الذمة ومن أوجب التشهد والتسليم مع السجود
يحتاج إلى دليل، وليس في الشرع ما يدل عليه، وليس الأمر بالسجود أمرا
بالتكبير، فمن جمع بينهما كان قائسا، والقياس لا يجوز عندنا.
وأما القضاء فإن ذمته قد تعلقت بفرض أو سنة ولا تبرأ إلا بقضائه فعليه
القضاء.
وروى محمد بن مسلم عن أحدهما عليه السلام قال: سألت عن الرجل
يقرأ السجدة فينساها حتى يركع ويسجد؟ قال: يسجد إذا ذكر، إذا كانت من
العزائم.
مسألة 182: سجدة الشكر مستحبة عند تجديد نعم الله تعالى، أو دفع
148

البلايا، وأعقاب الصلوات، وبه قال الشافعي، والليث بن سعد، وأحمد، ومحمد بن
الحسن، غير أن محمدا كان يقول: لا بأس، وكلهم قالوا في جميع المواضع ولم
يخصوا عقيب الصلوات بالذكر.
وقال مالك مكروه.
وعن أبي حنيفة روايتان إحداهما: مكروه مثل قول مالك، والثانية: ليست
بشئ يعني ليست مشروعة.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا قوله: اركعوا واسجدوا وهذا عام في جميع
المواضع، وأيضا عموم أخبارنا بسجدة الشكر يدل على ذلك.
وروى أبو بكرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا جاء شئ يسره خر
ساجدا وهذا عام.
وروى عبد الرحمن بن عوف قال: سجد رسول الله صلى الله عليه وآله
فأطال السجود، فقلنا له: لم سجدت فأطلت السجود؟ قال: نعم، أتاني جبرائيل
فقال: من صلى عليك مرة صلى الله عليه عشرا فخررت ساجدا، شكرا لله تعالى.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه لما أتي برأس أبي جهل سجد شكرا
لله تعالى.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه رأى نغاشا فسجد. والنغاشي القصير
الردئ من الرجال.
وروي عن علي عليه السلام أنه لما كان يوم النهروان قال: اطلبوا ذا الثدية
فطلبوه فلم يجدوه فجعل يعرق جبينه وهو يقول والله ما كذبت ولا كذبت
اطلبوه، فطلبوه فوجدوه في جدول تحت القتلى فأتي به، فسجد لله تعالى شكرا
ولا مخالف له.
وروي عن أبي بكر أنه لما بلغه فتح اليمامة وقتل مسيلمة سجد شكرا لله.
وروى إسحاق بن عمار قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إذا
ذكرت نعمة الله عليك وكنت في موضع لا يراك أحد، فألصق خدك
149

بالأرض، وإذا كنت في ملأ من الناس، فضع يدك على أسفل بطنك، وليكن
تواضعا لله تعالى، فإن ذلك أحب، وترى أن ذلك غمز وجدته في أسفل
بطنك.
وروي عن العالم عليه السلام أن أول من عفر خده في الأرض موسى بن
عمران عليه السلام فأوحى له عز وجل يا موسى ليس على وجه الأرض إلى اليوم
عبد أذل نفسا منك لي.
مسألة 183: التعفير في سجدة الشكر مستحب، وخالفنا من وافق في
سجدة الشكر.
دليلنا: إجماع الفرقة، وخبر إسحاق بن عمار الذي قدمناه تضمنه.
وروى مرازم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن العبد إذا صلى ثم سجد
سجدة الشكر فتح الرب تعالى الحجاب بين العبد وبين الملائكة... تمام الخبر.
وروى إسحاق بن عمار قال: سمعته يقول: كان موسى بن عمران إذا صلى
لم ينفتل حتى يلصق خده الأيمن بالأرض، وخده الأيسر بالأرض.
قال: وقال إسحاق رأيت من يصنع ذلك، قال ابن سنان: يعني موسى بن
جعفر عليه السلام في الحجر، في جوف الليل.
وأخبارهم في ذلك أكثر من أن تحصى.
مسألة 184: ليس في سجدة الشكر تكبيرة الافتتاح، ولا تكبيرة السجود،
ولا فيه تشهد، ولا تسليم.
وقال الشافعي وأصحابه: إن حكم سجدة الشكر حكم سجدة التلاوة سواء،
وقد بينا مذهبنا في ذلك، فالكلام في المسألتين واحد.
مسألة 185: إذا مر بين يديه وهو يصلي إنسان، رجلا كان أو امرأة أو
150

حمارا أو بهيمة أو كلبا أو أي شئ كان، فلا يقطع صلاته وإن لم يكن قد نصب
بين يديه شيئا، سواء كان بالقرب منه أو بالبعد منه، وإن كان ذلك مكروها. وبه
قال جميع الفقهاء، إلا ما حكي عن الحسن البصري أنه قال: إذا كان المار بين
يديه كلبا أو امرأة أو حمارا قطع الصلاة، وبه قال جماعة من أصحاب الحديث.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا قواطع الصلاة تحتاج إلى أدلة شرعية،
وليس في الشرع ما يدل على أن هذه الأشياء تقطع الصلاة.
وروى أبو الوداك، عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وآله قال:
لا يقطع الصلاة شئ، فادرءوا ما استطعتم، فإنما هو شيطان.
وروى الفضل بن العباس قال: كنا ببادية فأتانا رسول الله
صلى الله عليه وآله ومعه العباس، فصلى في الصحراء، وليس بين يديه سترة، وكلب وحمار لنا
يعبثان بين يديه فما بالى ذلك.
وروى أبو بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا يقطع الصلاة شئ من
كلب ولا حمار ولا امرأة ولكن استتروا بشئ، فإن كان بين يديك قدر ذراع
رافعا من الأرض فقد استترت.
مسألة 186: لا يجوز أن يصلي الفريضة جوف الكعبة مع الاختيار، وأما
النافلة فلا بأس بها جوف الكعبة، بل هو مرغب فيه، وبه قال مالك.
وقال أبو حنيفة، وأهل العراق، والشافعي: يجوز أن يصلي الفريضة جوف
الكعبة.
وقال محمد بن جرير الطبري لا يجوز الفريضة ولا النافلة جوف الكعبة.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا قوله تعالى: وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم
شطره، أي نحوه، وإنما يولي وجهه نحوه إذا كان خارجا منه، فإذا لم يكن خارجا
منه لا يمكنه ذلك، وإذا لم يمكنه لم تجز صلاته، لأنه ما ولى وجهه نحوه.
وروى أسامة بن زيد أن النبي صلى الله عليه وآله دخل البيت ودعا وخرج،
151

فوقف على باب البيت وصلى ركعتين وقال: هذه القبلة، وأشار إليها، فثبت أنها
هي القبلة، فإذا صلى في جوفها فما صلى إلى ما أشار إليه بأنه هو القبلة.
وروى محمد بن مسلم عن أحدهما عليه السلام قال: لا تصل المكتوبة في
الكعبة.
مسألة 187: إذا استهدم البيت جاز للمصلي أن يصلي إلى موضع البيت.
وإن صلى في جوف العرصة، فإن وقف على طرفها حتى لا يبقى بين يديه شئ
منها فلا يجوز بلا خلاف، وإن وقف في وسطها وبين يديه شئ من عرصة البيت
جازت صلاته فيما نجوزه من النافلة والفريضة في حال الضرورة، وبه قال أبو
العباس بن سريج.
وقال أكثر أصحاب الشافعي أبو إسحاق المروزي والإصطخري وغيرهما:
إنه لا يجوز.
وهكذا الخلاف إذا صلى جوف الكعبة إلى ناحية الباب وكان الباب
مفتوحا ولا عتبة له سواء.
دليلنا: الأخبار التي وردت في جواز الصلاة جوف الكعبة في النوافل عامة
إذا كان هناك بنيان أو لم يكن بنيان، فوجب حملها على عمومها.
مسألة 188: إذا صلى فوق الكعبة، صلى مستلقيا على قفاه، متوجها إلى
البيت المعمور، ويصلي إيماء.
وقال الشافعي: إن كان للسطح سترة من نفس البناء جاز أن يصلي إليها،
وإن لم يكن له سترة أو كانت من غير البناء مثل أن يكون آجرا معبأ أو قصبا
مغروزا فيه أو حبلا ممدودا عليه إزار لم يجز صلاته.
وقال أبو حنيفة يجوز ذلك إذا كان بين يديه قطعة يستقبله، فريضة كانت
أو نافلة.
152

دليلنا: إجماع الفرقة.
وروى علي بن محمد، عن إسحاق بن محمد، عن عبد السلام، عن الرضا
عليه السلام قال في الذي تدركه الصلاة وهو فوق الكعبة فقال: إن قام لم تكن له
قبلة، ولكن يستلقي على قفاه، ويفتح عينيه إلى السماء، ويقصد بقلبه القبلة في
السماء، البيت المعمور ويقرأ، فإذا أراد أن يركع غمض عينيه، وإذا أراد أن يرفع
رأسه من الركوع فتح عينيه، والسجود على نحو ذلك.
مسألة 189: إذا قرأ في صلاته من المصحف، فجعل يقرأ ورقة فإذا فرع
صفح أخرى وقرأ لم تبطل صلاته، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: تبطل صلاته، لأنه تشبه بأهل الكتاب، وهذا ممنوع منه.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا الأصل الإباحة، والمنع يحتاج إلى دليل.
وأيضا نواقض الصلاة تعلم شرعا، وليس في الشرع ما يدل على أن ذلك
يبطل الصلاة.
وروى الحسن بن زياد الصيقل قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام ما تقول
في الرجل يصلي وهو ينظر في المصحف ويقرأ فيه، يضع السراج قريبا منه؟
فقال: لا بأس بذلك.
مسألة 190: المرتد الذي يستتاب يجب عليه قضاء ما فاته في حال الردة من
العبادات، صلاة كانت أو صوما أو زكاة، وإن كان قد حج حجة الإسلام قبل
الارتداد لم يجب عليه إعادتها بعد رجوعه إلى الإسلام، وكذلك إن كان قد فاته
شئ من هذه العبادات قبل الارتداد ثم ارتد ثم عاد إلى الإسلام وجب عليه قضاء
ذلك أجمع. وبه قال الشافعي، إلا أنه قال في الزكاة إنه لا يجب عليه قضاؤها
على القول الذي يقول إن ملكه زال بالردة وحال عليه الحول في حال الردة.
وقال مالك وأبو حنيفة: لا يقضي من ذلك شيئا، ولا ما كان تركه في حال
153

إسلامه قبل ردته. قال: وإن كان قد حج حجة الإسلام سقطت عنه ولم تجزه،
وعليه الحج متى وجد الزاد والراحلة.
فعندنا يقضي العبادات كلها إلا الحج وعندهما لا يقضي شيئا منها وعليه
قضاء الحج.
وظاهر هذا كالمناقضة من كل واحد من الفريقين، فإذا حقق انكشف أنه لا
مناقضة من واحد منهما.
دليلنا: إجماع الفرقة المحقة، وأيضا عندنا إن الكفار مخاطبون بالعبادات،
ومن جملة العبادات قضاء ما يفوت من وجب عليه، وإذا فاتهم وجب عليهم
قضاؤه، ولا يلزمنا ذلك في الكافر الأصلي، لأنا لو خلينا والظواهر لأوجبناه
ولكن تركنا ذلك لدليل الإجماع على أنه لا قضاء عليهم.
وروى سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال:
من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها وذلك وقتها، وهذا عام.
ولنا أن نفرض إذا كان قد نام عنها أو نسيها قبل ردته، ثم ارتد وأقام على
الردة، ثم عاد إلى الإسلام، ثم ذكرها فإن عليه أن يصليها بظاهر هذا الخبر، وإذا
ثبت هاهنا ثبت ما يفوته في حال الردة بالإجماع لأن أحدا لم يفرق بين
المسألتين.
وأما أخبارنا فكل خبر يرد بوجوب القضاء على من فاته شئ من العبادات
يتناول هؤلاء لعموم اللفظ، لأنه يدخل فيه المؤمن والكافر.
وأما الحج فلا يجب عليه، لأنه قد فعل الحج والنبي صلى الله عليه وآله لما
قيل له: ألعامنا هذا أم للأبد قال: للأبد، ولم يفصل، ومن ادعى أن عليه إعادة
الحج فعليه الدلالة.
مسألة 191: من شك في الركعتين الأولتين من كل فريضة فلا يدري كم
صلى ركعة أو ركعتين وجب عليه الاستئناف.
154

وخالف جميع الفقهاء في ذلك، إلا ما حكي عن الأوزاعي فإنه قال تبطل
صلاته ويستأنف تأديبا له ليحتاط فيما بعد، وبه قال في الصحابة ابن عمر، وابن
عباس، وعبد الله بن عمرو بن العاص.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا الصلاة في الذمة بيقين، وإذا استأنف برئت
ذمته بيقين وإذا بنى ومضى فيها فليس على براءة ذمته دليل، فالاحتياط يقتضي ما
قلناه.
وروى محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل شك في
الركعة الأولى؟ قال: يستأنف.
وروى عنبسة بن مصعب قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: إذا شككت في
الركعتين الأولتين فأعد.
وروى إسماعيل الجعفي وابن أبي يعفور عن أبي جعفر وأبي عبد الله
عليه السلام أنهما قالا: إذا لم تدر واحدة صليت أو اثنتين فاستقبل.
وأخبارنا أكثر من أن تحصى.
مسألة 192: إذا شك فلا يدري كم صلى اثنتين أو ثلاثا أو أربعا أو ثنتين أو
أربعا وغلب في ظنه أحدهما بنى عليه وليس عليه شئ وإن تساوت ظنونه بنى
على الأكثر وتمم فإذا سلم قام فصلى ما ظن أنه فاته إن كانت ركعتين فركعتين
وإن كانت واحدة فواحدة أو ركعتين من جلوس.
وقال الشافعي: إذا شك في أعداد الركعات أسقط الشك وبنى على اليقين،
وبيانه إن شك هل صلى ركعة أو ركعتين جعلها واحدة وأضاف إليها أخرى وإن
شك في اثنتين أو ثلاث أو أربع فكمثل، ورووا ذلك عن علي عليه السلام وابن
مسعود ورواه في القديم عن أبي بكر وعمر وعلي عليه السلام، وفي التابعين سعيد
بن المسيب وعطاء وشريح، وفي الفقهاء ربيعة ومالك والثوري.
وقال الأوزاعي: تبطل صلاته ويستأنف تأديبا ليحتاط فيما بعد وبه قال في
155

الصحابة ابن عمر، وابن عباس، وعبد الله بن عمرو بن العاص.
وقال الحسن البصري: يمضي في سهوه يعني يأخذ بالزيادة وبه قال أبو
هريرة وأنس.
وقال أبو حنيفة: إن كان أصابه مرة واحدة بطلت صلاته وإن تكرر ذلك
تحري في الصلاة واجتهد فإن غلب على ظنه الزيادة أو النقصان بنى عليه وإن
تساوت ظنونه بنى على الأقل كما قال الشافعي.
دليلنا: إجماع الفرقة.
وروى عبد الله بن سنان وأبو العباس البقباق عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: إذا لم تدر ثلاثا صليت أو أربعا ووقع رأيك على الثلاث فابن على الثلاث
وإن وقع رأيك على الأربع فابن على الأربع فسلم وانصرف وإن اعتدل وهمك
فانصرف وصل ركعتين وأنت جالس.
وروى الحسين بن أبي العلاء عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن استوى
وهمه في الثلاث والأربع سلم وصلى ركعتين وأربع سجدات بفاتحة الكتاب
وهو جالس يقصر في التشهد.
وأخبارنا أكثر من أن تحصى.
واستدلوا بما رواه أبو سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وآله قال: إذا
شك أحدكم في صلاته فليلق الشك وليبن على اليقين فإذا استقر التمام سجد
سجدتين فإن كانت الصلاة تامة كانت الركعة نافلة والسجدتان وإن كانت
ناقصة كانت الركعة تماما وكانت السجدتان ترغم الشيطان.
وهذا الخبر لا دلالة فيه لأنا نقول به وهو يوافق ما نقوله لأنه عليه السلام لم
يقل أنه يبني إنه اليقين من غير أن يسلم ونحن نقول إنه يبني على اليقين بمعنى أنه
يسلم ثم يصلي ما يتيقن معه أنه تمام صلاته ولولا ذلك لما كان ما يصلى بعد
الشك يحتسب من النافلة إذا كان قد صلى تاما لأنها صارت زيادة في الصلاة
وهي صلاة واحدة فلا يمكن ذلك إلا على ما فصلناه.
156

مسألة 193: من شك في صلاة الغداة أو المغرب فلا يدري كم صلى
أعاد الصلاة من أولها وقال جميع الفقهاء مثل ما قالوا في المسألة الأولى.
دليلنا: إجماع الفرقة.
وروى حفص بن البختري وغيره عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: إذا
شككت في المغرب فأعد وإذا شككت في الفجر فأعد.
وروى عنبسة بن مصعب قال: قال أبو عبد الله عليه السلام إذا شككت في
المغرب فأعد وإذا شككت في الفجر فأعد.
وروى محمد بن مسلم قال: سألت أحدهما عن السهو في المغرب، قال:
يعيد حتى يحفظ أنها ليست مثل الشفع.
مسألة 194: من شك في صلاة السفر، أو في صلاة الجمعة وجب عليه
الإعادة، والخلاف في هذه المسألة كالخلاف في التي قدمناها.
دليلنا: ما قدمناه في المسائل الأولة من إجماع الفرقة وطريقة الاحتياط.
وروى سماعة بن مهران قال: سألته عن السهو في صلاة الغداة؟ قال: إذا لم
تدر واحدة صليت أو ثنتين فأعد الصلاة من أولها والجمعة أيضا إذا سهى فيها
الإمام ولم يدر كم ركعة صلى فعليه أن يعيد الصلاة لأنها ركعتان والمغرب إذا
سهى فيها فلم يدر كم صلى فعليه أن يعيد الصلاة.
وروى العلاء بن رزين عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن الرجل
يشك في الفجر؟ قال: يعيد قال قلت: والمغرب؟ قال: نعم، والوتر والجمعة،
من غير أن أسأله.
مسألة 195: سجدتا السهو بعد التسليم سواء كان للنقصان أو للزيادة، وبه
قال علي عليه السلام، وابن مسعود، وعمار بن ياسر، وسعد بن أبي وقاص
وغيرهم، وفي التابعين النخعي، وفي الفقهاء أهل الكوفة ابن أبي ليلى، والثوري
157

وأبو حنيفة وأصحابه.
وقال الشافعي: إنهما قبل التسليم على كل حال، وعليه أكثر أصحابه.
وحكى الشافعي في خلافه مع مالك قال: قلنا في سجود السهو: إن كان عن
نقصان كان قبل التسليم، وإن كان عن زيادة كان بعد التسليم.
وذكر بعض أصحابه أن هذا قوله القديم.
وذكر أبو حامد أنه ليس الأمر على ما توهمه هذا القائل.
وعلى الأول أصحاب الشافعي وهو الذي نقله المزني والربيع في الجديد.
ونقل الزعفراني في القديم أن سجود السهو قبل التسليم، سواء كان
عن زيادة أو نقصان أو زيادة متوهمة أو نقصان، وإليه ذهب أبو هريرة وأبو سعيد
الخدري، وفي التابعين سعيد بن المسيب والزهري، وفي الفقهاء ربيعة والأوزاعي
والليث بن سعد.
وقال مالك: إن كان عن نقصان فالسجود قبل التسليم، وإن كان عن
زيادة، أو عن زيادة ونقصان، أو زيادة متوهمة فالسجود بعد التسليم.
وقد ذهب إلى هذا قوم من أصحابنا ورووا فيه روايات والمعول على الأول.
دليلنا: إجماع الفرقة الذين يعول عليهم، وقد بينا الوجه في الأخبار
المختلفة في ذلك في الكتابين المقدم ذكرهما.
وأيضا طريقة الاحتياط تقتضي ذلك، فإنه لا خلاف أنه إذا سجدهما بعد
الصلاة كانت مجزئة، لأن الشافعي وإن قال إنهما قبل التسليم فإنما هو على وجه
الاستحباب، ومن خالف في ذلك يقول متى فعلهما قبل التسليم بطلت صلاته،
وهم نحن، فالاحتياط يقتضي ما قلناه.
وروى عبد الله بن ميمون القداح، عن جعفر، عن أبيه، عن علي عليه السلام
قال: سجدتا السهو بعد التسليم وقبل الكلام.
وروى عبيد الله بن علي الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: إذا لم
تدر أربعا صليت أم خمسا أم نقصت أم زدت، فتشهد واسجد سجدتين بغير
158

ركوع ولا قراءة، وتشهد فيهما تشهدا خفيفا.
وروى إبراهيم، عن علقمة، عن أبي سعيد الخدري أن النبي
صلى الله عليه وآله قال: من شك في صلاته فليتحر الصواب، وليتم عليه، ثم يسلم ويسجد
سجدتين، وهذا نص.
وروى ثوبان أن النبي صلى الله عليه وآله قال: لكل سهو سجدتان بعد أن
يسلم.
وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله الظهر أو العصر فسلم في
اثنتين فقام ذو اليدين فقال: أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله؟ فأقبل رسول
الله صلى الله عليه وآله على القوم فقال: " أحق ما يقول ذو اليدين فقالوا: نعم،
فقام فأتم ما بقي من صلاته، ثم سلم، ثم سجد سجدتين وسلم.
مسألة 196: إذا قام في صلاة رباعية إلى الخامسة سهوا، فإن ذكر قبل
الركوع عاد فجلس وتمم تشهده وسلم، وإن لم يذكر إلا بعد الركوع بطلت
صلاته.
وفي أصحابنا من قال إن كان قد جلس في الرابعة فقد تمت صلاته ثم تمم
تلك الركعة ركعتين وإن لم يكن جلس بطلت صلاته.
وقال أبو حنيفة: إذا ذكر بعد أن سجد في الخامسة ينظر، فإن كان قعد في
الرابعة بقدر التشهد ثم قام في الخامسة تمت صلاة الفريضة بهذا القيام وانعقدت
صلاته نافلة وصارت ركعة نافلة صحيحة يقوم ويضيف إليها أخرى وقد صحت
فريضته وصحت له ركعتان نافلة، وإن لم يكن قعد في الرابعة بطلت فريضته بهذا
القيام وانعقدت له نافلة هذه الركعة فيقوم ويضيف إليها ركعة أخرى فيصح له
من النفل ركعتان وتبطل الفريضة.
وقال الشافعي: إذا قام إلى الخامسة فذكر وهو فيها فإن كان قبل أن يسجد
في الخامسة عاد إلى الرابعة فأتمها ويسجد سجدتي السهو ويسلم وإن ذكر بعد أن
159

سجد فيها فإنه يعود أيضا إلى الرابعة ويتمها ويسجد للسهو قبل السلام سواء قعد
في الرابعة أو لم يقعد، وبه قال الحسن البصري وعطاء، والزهري، وفي الفقهاء
مالك والليث بن سعد والأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور.
دليلنا على ما اخترناه: ما رواه زيد الشحام أبو أسامة قال: سألته عن الرجل
يصلي العصر ست ركعات أو خمس ركعات؟ قال: إن استيقن أنه صلى خمسا أو
ستا فليعد.
وروى زرارة وبكير ابنا أعين عن أبي جعفر عليه السلام قال: إذا استيقن أنه
زاد في صلاته المكتوبة لم يعتد بها واستقبل صلاته استقبالا إذا كان قد استيقن
يقينا.
وروى أبو بصير قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: من زاد في صلاته فعليه
الإعادة.
وأما التفصيل الذي ذكرناه عن بعض أصحابنا فرواه محمد بن مسلم قال:
سألت أبا جعفر عليه السلام عمن صلى فاستيقن بعد ما صلى الظهر أنه صلاها
خمسا؟ قال: فكيف استيقن؟ قلت: علم، قال: إن كان علم أنه كان جلس في
الرابعة فصلاة الظهر تامة فليقم وليضف إلى الركعة الخامسة ركعة وسجدتين
فتكونان ركعتين نافلة ولا شئ عليه.
وروى زرارة قال سألته عن رجل صلى خمسا؟ فقال: إن كان جلس في
الرابعة بقدر التشهد فقد تمت صلاته.
وقد تكلمنا على الجمع بين هذه الأخبار في الكتابين المقدم ذكرهما، وإنما
قوينا الطريقة الأولى لأنه قد ثبت أن الصلاة في ذمته بيقين، ولا تبرأ ذمته إلا بيقين،
وإذا زاد في الصلاة لا تبرأ ذمته إلا بإعادتها.
وأيضا فإن هذه الأخبار تضمنت الجلوس مقدار التشهد من غير ذكر التشهد،
وعندنا أنه لا بد من التشهد، ولا يكفي الجلوس بمقداره، وإنما يعتبر ذلك أبو
حنيفة فلأجل ذلك تركناها.
160

مسألة 197: إذا نسي التشهد الأول من صلاة رباعية أو ثلاثية وذكر قبل
الركوع من الثالثة عاد فجلس وتشهد وبنى وليس عليه شئ، وإن ذكر بعد
الركوع مضى في صلاته، فإذا سلم قضى التشهد ثم سجد سجدتي السهو.
وقال الشافعي: إذا ترك التشهد الأول وذكر في حال ارتفاعه قبل اعتداله
رجع إلى الجلوس وبنى على صلاته، وإن ذكر بعد اعتداله فإنه يمضي في صلاته
ولم يرجع، وبه قال عمر بن الخطاب، وابن مسعود، وابن الزبير، وابن عباس،
وعقبة بن عامر، والمغيرة بن شعبة، وسعد بن أبي وقاص، وعمران بن الحصين
وفي التابعين عمر بن عبد العزيز، وبه قال الأوزاعي وأبو حنيفة.
وقال مالك: إن ذكر بعد رفع اليدين عن الأرض لم يرجع وإن كان أقل
من ذلك رجع.
وقال النخعي: إن ذكر قبل أن يتلبس بالقراءة رجع، وإن ذكر بعد أن
تلبس بها لم يرجع.
وقال الحسن: إن ذكر قبل الركوع رجع وإن كان قد قرأ مائة آية، وإن
كان بعد الركوع لم يرجع.
دليلنا: إجماع الفرقة، وقد بينا إن إجماعهم حجة.
وروى سليمان بن خالد قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل نسي
أن يجلس في الركعتين الأولتين؟ فقال: إن ذكر قبل أن يركع فليجلس وإن لم
يذكر فليتم الصلاة حتى إذا فرع فليسلم وليسجد سجدتي السهو.
وروى الحسين بن أبي العلاء، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن
الرجل يصلي الركعتين من المكتوبة فلا يجلس فيهما حتى يركع في الثالثة؟ قال:
يتم صلاته ويسجد سجدتين وهو جالس قبل أن يتكلم وروى ابن أبي يعفور عن
أبي عبد الله عليه السلام مثل ذلك سواء.
مسألة 198: من ترك سجدة من الركعة الأولى ناسيا حتى قام إلى الثانية،
161

فإن ذكر قبل الركوع عاد فسجد وليس عليه أن يجلس ثم يسجد، سواء جلس
في الأولى جلسة الفصل أو جلسة الاستراحة أو لم يجلس، وإن لم يذكر حتى
يركع مضى في صلاته فإذا سلم قضى تلك السجدة، وسجد سجدتي السهو.
وفي أصحابنا من قال إن ترك سجدة من الركعتين الأولتين حتى يركع
استأنف، وإن تركها من الأخيرتين عمل على ما ذكرناه.
وقال أبو حنيفة: إن ذكر قبل أن يسجد في الثانية رجع فسجد، وإن لم
يذكره حتى يفرع من السجدة مضى في صلاته وقضاها فيما بعد وعليه سجدتا
السهو.
وقال الشافعي: إن ذكر قبل الركوع عاد فسجد.
فمنهم من يقول يعود فيسجد عن جلسة.
ومنهم من قال يسجد عن قيام وإن لم يذكر إلا بعد الركوع فكمثل ذلك
وأبطل حكم الركوع.
وإن ذكر بعد أن يسجد فقد تمت الركعة الأولى بسجدة واحدة من الثانية.
فمنهم من قال تمت بالسجدة الأولى من الثانية، ومنهم من قال تمت الأولى
بالسجدة الثانية، وبطل حكم ما تخلل ذلك.
وقال مالك: إذا ذكر في الثانية قبل أن يطمئن راكعا عاد إلى الأولى
فأكملها، وإن ذكر بعد أن اطمأن راكعا بطلت الأولى واعتد بالثانية، وإن ذكر
بعد أن سجد فيها تمت الثانية واعتد بها وبطلت الأولى.
والخلاف في الركعة الثانية والثالثة والرابعة مثل ذلك سواء.
دليلنا: على القول الأول ما رواه أبو بصير قال: سألته عمن نسي أن يسجد
سجدة واحدة فذكرها وهو قائم؟ قال: يسجدها إذا ذكرها ما لم يركع، فإن
كان قد ركع فليمض على صلاته، فإذا انصرف قضاها وليس عليه سهو.
وروى إسماعيل بن جابر عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل نسي أن
يسجد السجدة الثانية حتى قام فذكر وهو قائم أنه لم يسجد قال: فليسجد ما لم
162

يركع، فإذا ركع فذكر بعد ركوعه أنه لم يسجد فليمض على صلاته حتى يسلم
ثم يسجدها فإنها قضاء.
والذي يدل على القول الثاني من قول أصحابنا ما رواه أحمد بن محمد ابن
أبي نصر قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل يصلي ركعتين ثم ذكر في
الثانية وهو راكع أنه ترك سجدة من الأولى؟ فقال: كان أبو الحسن عليه السلام
يقول: إذا تركت السجدة في الركعة الأولى فلم تدر واحدة أو اثنتين استقبلت
الصلاة حتى تصح لك ثنتان وإذا كان في الثالثة والرابعة فتركت سجدة بعد أن
تكون حفظت الركوع أعدت السجود.
وهذا الخبر لا ينافي الأول لأن هذا الحكم يختص بمن شك فلم يذكر فلزمه
الإعادة وإنما يجوز له المضي في الصلاة وإعادة السجدة بعد التسليم إذا كان
ذلك مع العلم ولا تنافي بين هذه الأخبار.
مسألة 199: من صلى أربع ركعات فذكر أنه ترك فيها أربع سجدات
فليس لأصحابنا فيه نص معين، والذي يقتضيه المذهب أن عليه أن يعيد أربع
سجدات وأربع مرات سجدتي السهو، إن قلنا أن ترك سجدة في الركعة الأولى
لا تبطل الصلاة، وإن قلنا يبطلها بطلت الصلاة وعليه استئنافها.
وقال الشافعي: إذا ترك أربع سجدات تمت له ركعتان وعليه أن يأتي
بركعتين.
وقال بعض أصحابه: هذا على قول من قال: إن جلسة الاستراحة أو جلسة
الفصل قد حصلت له أو القيام يقوم مقام الجلسة، فأما من لم يقل ذلك فإنه
صحت له ركعة إلا سجدة، فعليه أن يأتي بما بقي من الصلاة، هذا مذهب أبي
العباس، والأول مذهب أبي إسحاق.
وقال الليث وأحمد: يبطل جميع ما فعله في الصلاة، ولم يصح له منها
شئ بحال إلا تكبيرة الإحرام.
163

وقال الثوري وأبو حنيفة صحت صلاته إلا أربع سجدات، فيأتي بأربع
سجدات على الولاء وتجزئه وقد تمت صلاته.
دليلنا: ما قدمناه في المسألة الأولى، لأن الأخبار التي قدمناها عمومها تقتضي
أن عليه أربع سجدات، عقيب كل سجدة سجدتا السهو، والمذهب الآخر يقتضيه
أيضا الخبر الذي أوردناه، فهذه المسألة مبنية على الأولى.
مسألة 200: من جلس في الأولى ناسيا أو في الثالثة ثم ذكر، قام وتمم
صلاته، سواء كان تشهد أو لم يتشهد.
فمن قال من أصحابنا: يجب عليه سجدتا السهو في كل زيادة ونقصان
اعتبر، فإن كانت الجلسة بقدر الاستراحة ولم يتشهد لم يكن عليه سجدتا السهو،
وإن كان تشهد أو جلس بمقدار التشهد كان عليه سجدتا السهو، وبه قال
الشافعي.
ومن قال من أصحابنا: إنه لا يجب سجدتا السهو إلا في مواضع مخصوصة
يقول: يتم صلاته وليس عليه شئ، وبه قال علقمة والأسود.
دليلنا: على الأول ما روي من الأخبار أن كل زيادة ونقصان فيه سجدتا
السهو، ويدل على الثاني ما يعارضه من الأخبار المقتضية لنفي سجدتي السهو إلا
في المواضع المخصوصة.
مسألة 201: إذا سهى ما يوجب سجدتي السهو بأنواع مختلفة أو متجانسة في
صلاة واحدة فالأحوط أن نقول عليه لكل واحد سجدتا السهو. وقال الأوزاعي:
مثل ذلك.
وقال باقي الفقهاء لا يلزمه إلا سجدتا السهو دفعة واحدة.
دليلنا: عموم الأخبار التي وردت بالأمر بسجدتي السهو عند هذه الأشياء،
فمن قال بتداخلها ترك ظاهرها.
164

وروى ثوبان عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: لكل سهو سجدتان،
وهذا عام.
وطريقة الاحتياط أيضا تقتضي ذلك، لأنه إذا فعل ما قلناه برأت ذمته بيقين،
وإذا لم يفعل ذلك فليس على براءة ذمته دليل.
مسألة 202: سجدتا السهو لا تجبان في الصلاة إلا في أربعة مواضع:
أحدها: إذا تكلم في الصلاة ناسيا.
والثاني: إذا سلم في غير موضع التسليم ناسيا.
والثالث: إذا نسي سجدة واحدة ولا يذكر حتى يركع في الركعة التي
بعدها.
والرابع: إذا نسي التشهد الأول ولا يذكر حتى يركع في الثالثة.
فإن هذه المواضع يجب عليه المضي في الصلاة، ثم سجدتا السهو بعد
التسليم وقد مضى ما يدل عليه، وأما ما عدا ذلك فهو كل سهو يلحق الإنسان ولا
يجب عليه سجدتا السهو فعلا كان أو قولا، زيادة كانت أو نقصانا، متحققة كانت
أو متوهمة وعلى كل حال.
وفي أصحابنا من قال: عليه سجدتا السهو في كل زيادة ونقصان.
وقال الشافعي سجود السهو يجب لأحد الأمرين لزيادة فيها أو نقصان.
فالزيادة ضربان: قول وفعل.
فالقول أن يسلم ساهيا في غير موضعه أو يتكلم ساهيا وأن يقرأ في ركوعه
وسجوده وفي غير موضع القراءة.
والفعل على ضربين: زيادة متحققة ومتوهمة، فالمتحققة أن يقعد في موضع
قيامه عقيب الأولى والثالثة أكثر من جلسة الاستراحة، أو يقوم في موضع قعوده،
وهو أن يقوم عن الثانية ثم يعود للقعود، أو يقوم بعد الرابعة إلى الخامسة يعتقدها
رابعة.
165

وأما الزيادة المتوهمة: وهو البناء على اليقين، لا يدري هل صلى ثلاثا أو
أربعا فإنه يضيف إليها أخرى.
وعقد هذا الباب كلما إذا فعله الإنسان عامدا بطلت صلاته، فإذا فعله ساهيا
جبره بسجود السهو.
وأما النقصان فإن يترك التشهد الأول أو الجلوس له، وكذلك القنوت في
الفجر وفي النصف الأخير من شهر رمضان من صلاة الوتر، وأما الصلاة على النبي
صلى الله عليه وآله في التشهد الأول فذكره في الجديد على قولين: أحدهما أنه
سنة، فإذا قال ذلك جبره بالسجود، والثاني أنه ليس بسنة، فعلى هذا لا يجبره.
قال: وأما ما لا يجبره فأركان الصلاة وهيئاتها، فإن ترك ركنا لم يجبره
بسهو لكن إن ذكره قريبا أتى به وسجد للسهو لأجل ما زاد من الفعل بتركه، وإن
ذكره بعيدا بطلت صلاته.
وأما الهيئات فإن يترك دعاء الافتتاح، والتعوذ، والجهر فيما يسر به،
والإسرار فيما يجهر به، ويترك القراءة بعد الفاتحة، والتكبيرات بعد الإحرام،
والتسبيحات في الركوع والسجود.
وأما الأفعال فترك رفع اليدين مع الافتتاح. وعند الركوع والرفع منه،
ووضع اليمين على الشمال في حال القيام، وترك وضعهما على الركبتين في
حال الركوع، وعلى الفخذين في حال الجلوس، وترك جلسة الاستراحة عقيب
الأولى والثالثة، وترك هيئة ركن من الأفعال كالافتراش في موضع التورك،
والتورك في موضع الافتراش، وكذلك إذا خطا خطوة أو خطوتين، أو التفت
أو لف عمامته لفة أو لفتين، كل هذا ترك هيئات الأركان فلا يجبره بسجود
السهو.
وجملته أن الصلاة تشتمل على أركان، ومسنونات، وهيئات. فالأركان لا
تجبر بسجدتي السهو، وكذلك الهيئات. والمسنونات تجبر بسجدتي السهو.
ووافق أبو حنيفة الشافعي في هذه المسائل كلها وزاد عليه في خمس مسائل
166

فقال: إن جهر فيما يسر به أو أسر فيما يجهر به - يعني الإمام - فإن المأموم عنده لا
يجهر أو ترك فاتحة الكتاب أو قرأ سورة قبل الفاتحة، أو أخر القراءة عن الأولتين
إلى الأخيرتين، أو ترك التكبيرات المتوالية في العيدين، أو تورك في موضع
الافتراش فالكل يسجد له.
وقال مالك: من ترك الهيئات سجد، ودعاء الافتتاح والتعوذ عنده لا
تفعل في الصلاة، لكن تكبيرات الصلاة غير الافتتاح، وترك التسبيح في
الركوع والسجود، وترك الإسرار أو الجهر فمذهبه أنه يجبر كل سهو يقع في
الصلاة.
وقال ابن أبي ليلى: إن أسر فيما يجهر به، أو جهر فيما يسر به بطلت صلاته،
وهذا مذهبنا.
دليلنا: على ما ذهبنا إليه إن المواضع الذي قلناه مما هو مجمع عليه وما فيه
خلاف، فقد دللنا عليه فيما مضى، وما عدا ذلك يحتاج إلى دليل في وجوب
سجدتي السهو فيها.
ومذهبنا في هذه المسائل كلها بيناه في كتاب " النهاية " وفصلناه في " الجمل
والعقود " وجملته إن هذه المسائل تشتمل على مفروض ومسنون، فالمفروض من
ذلك من سهى عن شئ وذكره تلافاه ولا شئ عليه، وإن فاته حتى انتقل إلى
ركن آخر فمنه ما يبطل الصلاة، ومنه ما يوجب المضي وقضاءه بعد التسليم
وسجدتي السهو، ومنه مالا سجدتا السهو فيه.
مسألة 203: سجود السهو واجب وشرط في صحة الصلاة، وهو مذهب
مالك، وبه قال الكرخي من أصحاب أبي حنيفة إلا أنه قال: ليس شرطا في صحة
الصلاة.
وقال الشافعي هو مسنون غير واجب، وبه قال أكثر أصحاب أبي حنيفة.
دليلنا: إنه مأمور بالسجود في المواضع التي قدمناها، والأمر يقتضي
167

الوجوب، فمن حمله على الندب فعليه الدلالة.
وأيضا لا خلاف إن من أتى به في صلاته أن صلاته ماضية وذمته برأت، وإذا
لم يأت به فيه خلاف، فالاحتياط يقتضي ما قلناه.
مسألة 204: من نسي سجدتي السهو ثم ذكر فعليه إعادتهما، تطاولت المدة
أو لم تبطل، وبه قال الأوزاعي، وهو أحد قولي الشافعي.
وقال الشافعي: إن تطاولت المدة لم يأت به، وإن لم تطل أتى به قولا واحدا
هذا قوله في الجديد.
وقال في القديم على قولين: أحدهما مثل ما قلناه، والآخر أنه لا يأتي به، وبه
قال مالك وأبو حنيفة.
دليلنا: أنه مأمور به، فمتى لم يفعله وجب عليه فعله إلى أن تبرأ ذمته،
وطريقة الاحتياط تقتضيه، والأخبار التي وردت بسجود السهو عامة في الحال
والمستقبل لأنها غير مقيدة بوقت، فمتى لم يفعل وجب عليه الإتيان بهما.
مسألة 205: إذا نسي سجدتي السهو، وقلنا أنه يجب عليه الإتيان بهما طالت
المدة أو لم تطل، فلا نحتاج إلى حد الطول، وإنما يحتاج إليه من يقول: إذا
طالت لا يجب عليه إعادته.
وللشافعي فيه قولان قال في الجديد: المرجع فيه إلى العرف، وقال في
القديم: ما لم يقم عن مجلسه.
وقال الحسن وابن سيرين ما لم ينحرف عن القبلة، وقال أبو حنيفة ما لم
يخرج من المسجد أو يتكلم.
وقد بينا أن هذا الفرع ساقط عنا، ولا نحتاج إلى حده.
مسألة 206: إذا سهى خلف من يقتدي به تحمل الإمام عنه سهوه، وكان
168

وجوده كعدمه، وبه قال جميع الفقهاء، وروي ذلك عن ابن عباس.
وقال إسحاق: هو إجماع إلا ما حكي عن مكحول الشامي أنه قال: إن قام
مع قعود إمامه سجد للسهو.
دليلنا: الإجماع، وقول مكحول لا يعتد به لأنه محجوج به، ثم إنه مع
ذلك قد انقرض.
مسألة 207: إذا ترك الإمام سجود السهو عامدا أو ساهيا وجب على
المأموم أن يأتي به، وبه قال مالك، والشافعي، والأوزاعي، والليث بن سعد.
وقال أبو حنيفة: لا يأتي به، وبه قال الثوري، والمزني، وأبو حفص بن
الوكيل من أصحاب الشافعي.
دليلنا: إن صلاة المأموم متعلقة بصلاة الإمام، فإذا وجب على الإمام ولم
يسجد وجب على المأموم ذلك لأن به تتم صلاته، وطريقة الاحتياط تقتضي
ذلك.
وأيضا روى عمر بن الخطاب أن النبي صلى الله عليه وآله قال: ليس على
من خلف الإمام سهو، فإن سهى الإمام فعليه وعلى من خلفه السهو، وإن سهى من
خلف الإمام فليس عليه سهو والإمام كافيه.
مسألة 208: إذا لحق المأموم مع الإمام ركعة أو ما زاد عليها ثم سهى الإمام
فيما بقي عليه، فإذا سلم الإمام وسجد سجدتي السهو لا يلزمه أن يتبعه، وكذلك
إن تركه متعمدا أو ساهيا لا يلزمه ذلك، وبه قال ابن سيرين.
وقال باقي الفقهاء إنه يتبعه في ذلك.
دليلنا: إنه قد ثبت أن سجدتي السهو لا تكونان إلا بعد التسليم، فإذا سلم
الإمام خرج المأموم فيما بقي من أن يكون مقتديا به فلا يلزمه أن يسجد بسجوده.
169

مسألة 209: كلما إذا تركه ناسيا لزمه سجدتا السهو إذا تركه متعمدا، فإن
كان فرضا بطلت صلاته مثل التشهد الأول والتسبيح في الركوع والسجود
سجدة واحدة، وإن كان فضلا ونفلا لا يلزمه سجدتا السهو مثل القنوت وما أشبه
ذلك.
وقال الشافعي: عليه سجدتا السهو فيما هو سنة.
وقال أبو حنيفة: لا يسجد للسهو في العمد، وبه قال أبو إسحاق.
دليلنا: إن الأصل براءة الذمة، فمن أوجب عليها شيئا فعليه الدلالة.
وأيضا الأخبار المتضمنة لوجوب سجدتي السهو إنما تضمنت حال السهو،
فمن حمل حال العمد عليه كان قائسا وذلك لا يجوز.
مسألة 210: لا سهو في النافلة، وبه قال ابن سيرين.
وقال باقي الفقهاء حكم النافلة حكم الفريضة فيما يوجب السهو.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا الأصل براءة الذمة، فمن أوجب عليها حكما
فعليه الدلالة، وأخبارنا في هذا الباب أكثر من أن تحصى.
مسألة 211: إذا صلى المغرب أربعا أعاد.
وقال جميع الفقهاء يسجد سجدتي السهو وقد مضت صلاته، وقال
الأوزاعي يضيف إليها خامسة ثم يسجد للسهو، وبه قال قتادة قال: لأن المغرب
وتر فإذا صلاها أربعا شفعها فأمرناه بأن يضيف إليها أخرى ليوترها.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا فالصلاة في ذمته بيقين ولا تبرأ بيقين إلا
بإعادتها.
مسألة 212: إذا أدرك مع الإمام آخر الصلاة صلى ما أدركه وتمم ما فاته
ولم يسجد سجدتي السهو، وبه قال أنس بن مالك وجميع الفقهاء.
170

وقال ابن عمر، وابن الزبير، وأبو سعيد الخدري يقضي ما فاته ويسجد للسهو
ثم يسلم قالوا: لأنه زاد في الصلاة ما ليس من صلاته مع إمامه.
دليلنا: إجماع الفرقة، بل إجماع الأمة لأن هذا الخلاف قد انقرض وأيضا
الأصل براءة الذمة وشغلها بفرض أو نفل يحتاج إلى دليل.
مسألة 213: من لا يحسن القرآن أصلا لا أم القرآن ولا غيرها وجب عليه
أن يحمد الله ويكبره مكان القرآن لا يجزئه غيره، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: إذا لم يحسن القرآن لم ينب منابه غيره، فيقوم ساكتا بغير
ذكر.
دليلنا: إجماع الفرقة، وطريقة الاحتياط فإنه إذا فعل ما قلناه برأت ذمته
بيقين وإذا لم يفعل لم تبرأ ذمته بيقين.
وروى رفاعة بن مالك أن النبي صلى الله عليه وآله قال: إذا قام أحدكم إلى
الصلاة فليتوضأ كما أمر الله تعالى، ثم ليكبر، فإن كان معه شئ من القرآن قرأه،
وإن لم يكن معه فليحمد الله وليكبر، وهذا أمر يقتضي الوجوب.
وروى إبراهيم السكسكي عن عبد الله بن أبي أوفى أن رجلا أتى رسول الله
صلى الله عليه وآله فقال: إني لا أستطيع أن آخذ شيئا من القرآن فعلمني ما يجزئ
عني فقال له: قل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة
إلا بالله العلي العظيم فقال الرجل: هذا لله تعالى فما لي؟ فقال: قل اللهم ارحمني
وعافني وارزقني، فانصرف الرجل وقال بيديه هكذا قبض عليهما، فقال النبي
صلى الله عليه وآله: أما هذا فقد ملأ يديه خيرا.
مسألة 214: إذا صلى الرجل بقوم على غير طهارة عالما كان بحاله أو
جاهلا وجب عليه الإعادة بلا خلاف، وأما المأموم فإن كان عالما بحال الإمام
واقتدى به وجب أيضا الإعادة بلا خلاف، وإن لم يكن المأموم عالما بحاله
171

فالمعول عليه عند أصحابنا والأظهر في رواياتهم أنه لا إعادة على المأموم، سواء
كان حدث الإمام جنابة أو غيرها، وسواء كان الإمام عالما بحدثه أو جاهلا،
وسواء علم المأموم بذلك في الوقت أو بعد خروج الوقت، وبه قال الشافعي،
وفي الصحابة علي عليه السلام، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعبد الله بن
عمرو بن العاص، وفي التابعين الحسن البصري، والنخعي، وسعيد بن جبير، وفي
الفقهاء الأوزاعي، والثوري، وأحمد بن حنبل وأبو ثور.
وقال قوم من أصحابنا برواية ضعيفة إن عليه الإعادة على كل حال، وبه قال
ابن سيرين، والشعبي، وفي الفقهاء حماد بن أبي سليمان، وأبو حنيفة وأصحابه.
وقال عبد الرحمن بن مهدي: قلت لسفيان بن عيينة: تعلم أحدا قال عليه
الإعادة؟ قال: نعم حماد بن أبي سليمان.
ولأبي حنيفة تفصيل يعرف به مذهبه، فقال: صلاة المأموم مرتبطة بصلاة
الإمام، فإن كان محدثا فأحرم بهم لم ينعقد لهم صلاة، وإن كانوا كلهم متطهرين
وأحدث الإمام بطلت صلاتهم بغير حدث لبطلان صلاة الإمام.
وقال مالك: إن كان الإمام عالما بالحدث بطلت صلاتهم لأنه مفرط، وإن
كان جاهلا بحدثه لم تبطل صلاتهم لأنه معذور.
وقال عطاء: إن كان حدثه جنابة بطلت صلاتهم، وإن كان غير الجنابة فإن
علموا بذلك في الوقت أعادوا، وإن علموا بعد الوقت فلا إعادة عليهم.
والكلام مع أبي حنيفة في فصلين:
أحدهما: هل تنعقد صلاتهم خلف محدث أم لا؟ فعندنا تنعقد، وعنده لا
تنعقد.
والثاني: إذا دخلوا على طهر ثم أحدث الإمام فهل تبطل صلاتهم أم لا؟
فعندنا لا تبطل، وعنده تبطل.
دليلنا: إجماع الفرقة الذين يعول عليهم وعلى قولهم ورواياتهم المعتمدة
وأيضا الإعادة فرض ثان تحتاج إلى دليل، وليس في الشرع ما يدل عليها.
172

وروى عبد الله بن بكير قال: سأل حمزة بن حمران أبا عبد الله عليه السلام
عن رجل أمنا في السفر وهو جنب وقد علم ونحن لا نعلم؟ قال: لا بأس.
وروى محمد بن مسلم قال: سألته عن الرجل يؤم القوم وهو على غير طهر
فلا يعلم حتى ينقضي صلاته؟ قال: يعيد ولا يعيد من صلى خلفه وإن أعلمهم أنه
كان على غير طهر.
وروى عبد الله بن أبي يعفور قال: سئل أبو عبد الله عليه السلام عن رجل أم
قوما وهو على غير وضوء؟ فقال: ليس عليهم إعادة وعليه هو أن يعيد.
وروى مثل ذلك زرارة.
وروى البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وآله قال: أيما إمام سهى
فصلى بالقوم وهو جنب فقد تمت صلاتهم، ثم ليغتسل هو، ثم ليعد صلاته، فإن
كان بغير وضوء فمثل ذلك.
وروى أبو إسحاق عن الحارث عن علي عليه السلام إنه قال: إذا أم رجل
قوما وهو جنب ولم يذكر فليعد صلاته، ولم يأمرهم أن يعيدوها.
مسألة 215: إذا صلى خلف كافر مستتر بكفره، ولا إمارة على كفره مثل
الزنادقة والمنافقين، ثم علم بعد ذلك، لم يجب عليه الإعادة.
وقال أصحاب الشافعي تجب عليه الإعادة.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا فإن صلاته خلفه مأمور بها، مرغب فيها مع
فقد العلم بحاله، فإذا انكشف حاله فمن أوجب الإعادة احتاج إلى دليل.
وأيضا روى ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه السلام في
قوم خرجوا من خراسان أو من بعض الجبال ولهم إمام يؤم بهم، فلما وصلوا إلى
الكوفة إذا هو يهودي قال: لا إعادة عليهم.
مسألة 216: لا تجوز الصلاة خلف من يشرب شيئا من المسكرات سواء
173

كان سكران في الحال أو سكر في خلال الصلاة أو لم يسكر.
وقال الشافعي: إن دخل في الصلاة وهو مفيق جازت الصلاة خلفه، فإن
سكر في خلال الصلاة وجبت مفارقته، فإن لم يفارقه بطلت صلاته.
دليلنا: إجماع الفرقة، فإنهم لا يختلفون في أن الصلاة خلف الفاسق لا
تجوز، وهذا فاسق، فلا تجوز الصلاة خلفه. فإن فرضنا أنه تاب عقيب الشرب
قبلت توبته وجازت الصلاة خلفه، وإن لحقه السكر في خلال الصلاة وجبت
مفارقته كما قال الشافعي، لأن الصلاة خلف السكران ومن لا يعقل لا تصح.
مسألة 217: طهارة البدن والثياب وموضع السجود شرط في صحة
الصلاة، وبه قال جميع الفقهاء، وزاد الشافعي: موضع الصلاة أجمع، وأبو
حنيفة موضع السجود والقدمين.
وقال مالك يعيد في الوقت، كأنه يذهب إلى أن اجتناب النجاسة ليس
شرطا في صحة الصلاة.
وذهبت طائفة إلى أن الصلاة لا تفتقر إلى الطهارة من النجاسة، روي ذلك
عن ابن عباس، وابن مسعود، وسعيد بن جبير، وأبي مجلز، أما ابن عباس فقال:
ليس على الثوب جنابة، وابن مسعود نحر جزورا فأصابه من فرثه و دمه فصلى ولم
يغسله، وابن جبير سئل عن رجل صلى وفي ثوبه أذى؟ فقال: اقرأ علي الآية التي
فيها غسل الثياب.
دليلنا: إجماع الفرقة، وطريقة الاحتياط.
وأيضا قوله تعالى: وثيابك فطهر، معناه من النجاسة لأن هذا حقيقته، وروي
ذلك عن ابن سيرين.
وقال ابن عباس معناه: فطهر من الغدر وقال: أما سمعت قول حسان بن
ثابت:
وإني بحمد الله لا ثوب فاجر لبست ولا من غدرة أتقنع
174

وقال ابن جبير: كان الغدار يسمى في الجاهلية دنس الثياب.
وقال النخعي وعطاء: وثيابك فطهر، معناه من الإثم.
وقال مجاهد وأبو رزين العقيلي: وعملك فأصلح.
وقال الحسن البصري معناه: وخلقك فحسن.
وقال ابن سيرين: وثيابك فطهر، أي فشمر.
وهذه التأويلات كلها خلاف الظاهر، والحقيقة ما قلناه، فإذا حمل على
شئ مما قالوه كان مجازا ويحتاج ذلك إلى دليل.
وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله قال: أكثر عذاب القبر من
البول، فلو كان معفوا عنه ما عوقب عليه.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال لأسماء في دم الحيض: حتيه ثم
اقرصيه ثم اغسليه بالماء، وأمره عليه السلام يحمل على الوجوب، ولو كان معفوا
عنه لما أمر بذلك.
مسألة 218: من لا يجد إلا ثوبا نجسا نزعه وصلى عريانا ولا إعادة عليه،
وبه قال الشافعي.
وقال في البويطي: وقد قيل: يصلي فيه ويعيد، قال أصحابه: وليس هذا
مذهبه وإنما حكى مذهب غيره.
وقال مالك: يصلي فيه ولا إعادة عليه، وبه قال محمد بن الحسن والمزني.
وقال أبو حنيفة: إن كان أكثره طاهرا لزمه أن يصلي فيه ولا إعادة عليه وإن
كان أكثره نجسا فهو بالخيار بين أن يصلي فيه وبين أن يصلي عريانا كيفما صلى
فلا إعادة.
دليلنا: إنا قد علمنا أن النجاسة ممنوع من الصلاة فيها، فمن أجاز الصلاة
فيها فعليه الدلالة، وأيضا إجماع الفرقة على ذلك.
وروى زرعة عن سماعة قال: سألته عن رجل يكون في فلاة من الأرض،
175

وليس عليه إلا ثوب واحد وأجنب فيه وليس عنده ماء كيف يصنع؟ قال: يتيمم
ويصلي عريانا قاعدا يومئ.
وروى محمد بن علي الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل أصابته
جنابة وهو بالفلاة وليس عليه إلا ثوب واحد وأصاب ثوبه مني قال: يتيمم
ويطرح ثوبه ويجلس مجتمعا ويصلي ويومئ إيماء.
وروى أصحابنا أنه يصلي فيه، روى ذلك محمد بن علي الحلبي، وعلي ابن
جعفر.
وقد رووا أنه يصلي فيه ثم يعيد الصلاة فيما بعد، روى ذلك عمار
الساباطي، وقد بينا الوجه في هذه الأخبار، وقلنا: إنما يجوز له أن يصلي فيه إذا
خاف على نفسه من البرد، فإنه يصلي فيه ويعيد، ونكون قد جمعنا بين الأخبار.
مسألة 219: دم ما ليس له نفس سائلة طاهر ولا ينجس بالموت، وكذلك
دم السمك، ودم البق، والبراغيث، والقمل، وبه قال أبو حنيفة.
وقال الشافعي: هو نجس.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا فإن النجاسة حكم شرعي ولا دلالة في الشرع
على نجاسة هذه الدماء.
وروى الحلبي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن دم البراغيث يكون في
الثوب هل يمنعه ذلك من الصلاة؟ قال: لا وإن كثر.
مسألة 220: جميع النجاسات يجب إزالتها عن الثياب والبدن، قليلا كان
أو كثيرا، إلا الدم فإن له ثلاثة أحوال:
دم البق ودم البراغيث ودم السمك وما لا نفس له سائلة ودم الجراح
اللازمة لا بأس بقليله وكثيره.
ودم الحيض والاستحاضة والنفاس لا تجوز الصلاة في قليله ولا كثيره.
176

ودم الفصاد والرعاف وما يجري مجراه من دماء الحيوان الذي له نفس
سائلة، نظر فإن بلغ مقدار الدرهم، وهو المضروب من درهم وثلث فصاعدا وجب
إزالته، وإن كان أقل من ذلك لم يجب ذلك فيه.
وقال الشافعي: النجاسات كلها حكمها حكم واحد، فإنها تجب إزالتها قليلة
وكثيرة إلا ما هو معفو عنه من دم البق والبراغيث، فإن تفاحش وجب إزالته.
وقال أبو حنيفة: النجاسات كلها يراعى فيها مقدار الدرهم فإذا زاد وجب
إزالتها، والدرهم هو البغلي الواسع، وإن لم يزد عليه فهو معفو عنه.
وقال مالك وأحمد إن كان متفاحشا فغير معفو عنه، وإن لم يكن متفاحشا
فهو معفو عنه، وقال أحمد: التفاحش شبر في شبر، وقال مالك: التفاحش نصف
الثوب.
وقال النخعي والأوزاعي: قدر الدرهم غير معفو عنه، وإن كان دونه
فمعفو عنه، فهما جعلا قدر الدرهم في حد الكثرة، وأبو حنيفة جعله في حد القلة.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا طريقة الاحتياط، فإن من أزال القليل والكثير
كانت صلاته ماضية بلا خلاف، وإذا لم يزل ففيه خلاف، ولا يلزمنا مثل ذلك
في مقدار الدرهم في الدم لأنا أخرجنا ذلك بدليل.
وأيضا فقد علمنا حصول النجاسة ووجوب إزالتها، ومن راعى مقدارا فعليه
الدلالة، ونحن لما راعينا مقدار الدرهم فلأجل إجماع الفرقة، وأخبار أصحابنا
أكثر من أن تحصى، وقد أوردناها في الكتابين المقدم ذكرهما.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال لأسماء في دم الحيض: حتيه ثم
اقرصيه ثم اغسليه بالماء، وهذا أمر يقتضي الوجوب ولم يعين مقدارا.
مسألة 221: إذا صلى ثم رأى على ثوبه أو بدنه نجاسة تحقق إنها كانت
عليه حين الصلاة ولم يكن علم بها قبل ذلك، اختلف أصحابنا في ذلك
واختلفت رواياتهم.
177

فمنهم من قال: يجب عليه الإعادة على كل حال وبه قال الشافعي: في الأم
وأبو قلابة، وأحمد بن حنبل.
ومنهم من قال: إن علم في الوقت أعاد وإن لم يعلم إلا بعد خروج الوقت لم
يعد، وبه قال ربيعة ومالك.
وقال أصحاب مالك: كل موضع قال مالك: إن علم في الوقت أعاد وإن
علم بعد الوقت لم يعد، فإنما يريد استحبابا.
ومنهم من قال: إن كان سبقه العلم بذلك قبل تشاغله بالصلاة أعاد على
كل حال، وإن لم يكن سبقه العلم بذلك أعاد في الوقت، فإن خرج الوقت فلا
إعادة عليه، وهذا الذي اخترناه في كتاب النهاية وبه تشهد الروايات.
وقال قوم: لا تجب عليه الإعادة على كل حال، ذهب إليه الأوزاعي، وروي
ذلك عن ابن عمر، وبه قال الشافعي في القديم، وبه قال أبو حنيفة على ما حكاه
عنه أبو حامد في تعليقته، وقد بينا الكلام على اختلاف أخبارنا في الكتابين المقدم
ذكرهما، فلا وجه لإعادته.
مسألة 222: الجسم الصقيل مثل السيف والمرآة والقوارير إذا أصابته
نجاسة، فالظاهر أنه لا يطهر إلا بأن يغسل بالماء، وبه قال الشافعي.
وفي أصحابنا من قال يطهر بأن يمسح ذلك منه أو يغسل بالماء، اختاره
المرتضى ولست أعرف به أثرا، وبه قال أبو حنيفة.
دليلنا: إنا قد علمنا حصول النجاسة في هذا الجسم، والحكم بزوالها
يحتاج إلى شرع، وليس في الشرع ما يدل على زوال هذا الحكم بما قالوه،
وطريقة الاحتياط تقتضي ما قلناه، لأنا إذا غسلناه بالماء علمنا طهارته يقينا، وإن لم
نغسله بالماء فليس على طهارته دليل.
مسألة 223: كلما لا تتم به الصلاة منفردا لا بأس بالصلاة فيه وإن كان فيه
178

نجاسة، وذلك مثل النعل، والخف، والقلنسوة، والتكة، والجورب.
وخالف جميع الفقهاء في ذلك، وقالوا في الخف: إذا أصاب أسفله نجاسة
فدلكها بالأرض قبل أن تجف لا يزول حكمها، وإن دلكها بالأرض بعد أن جفت
للشافعي فيه قولان: قال في الجديد: لا يزول حتى يغسلها بالماء.
وقال في أماليه القديمة والحديثة معا يزول حكمها، وبه قال أبو حنيفة.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا فإن النجاسة حكم شرعي فينبغي
أن لا يحكم بثبوت حكمها إلا بدليل، ولا دليل في الموضع الذي قالوه على
نجاسة ما تحصل فيه، والأصل براءة الذمة.
وروى عبد الله بن سنان عمن أخبره عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال:
كلما كان على الإنسان أو معه مما لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس أن يصلي
فيه وإن كان فيه قذر مثل القلنسوة، والنعل، والخفين، وما أشبه ذلك.
وروى حفص بن أبي عيسى قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام إني وطأت
عذرة بخفي ومسحته حتى لم أر فيه شيئا، ما تقول في الصلاة فيه؟ فقال: لا بأس.
وروى أبو سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وآله قال: إذا وطأ أحدكم
بخفه قذرا فطهوره التراب.
مسألة 224: إذا كان معه ثوبان طاهر ونجس، صلى في كل واحد منهما
فرضه، فيؤدي فرضه بيقين. وأما الإناءان إذا كان أحدهما طاهرا فإنه يتيمم ولا
يستعمل شيئا منهما ولا يجوز التحري في هذه المواضع، ووافقنا في الثوبين
الماجشون من أصحاب مالك.
وقال الشافعي في الإنائين والثوبين: يتحرى فيهما فما غلب على ظنه أنه
طاهر صلى فيه وليس عليه شئ.
وقال أبو حنيفة في الثوبين مثل قول الشافعي ولم يجوز التحري في الإنائين
وأجازه في الثلاثة إذا كان الطاهر أكثر، وإن تساويا فلا يجوز.
179

وقال المزني، وأبو ثور: لا يتحرى في شئ من هذا أصلا ويصلي عريانا إن
كان معه ثوبان، وإن كان معه إناءان يتيمم ويصلي ولا إعادة عليه، فوافقنا في
الإنائين وخالف في الثوبين، وذهب إليه قوم من أصحابنا.
دليلنا: على الثوبين أنه إذا صلى في كل واحد منهما قطع على أنه صلى في
ثوب طاهر فوجب عليه ذلك لأن الذمة لا تبرأ إلا بيقين، ولا يجوز أن يعدل إلى
الصلاة عريانا مع قدرته على ستر العورة، فأما الإناءان فعليه إجماع الفرقة.
وروى صفوان بن يحيى عن أبي الحسن عليه السلام قال: كتبت إليه أسأله
عن رجل كان معه ثوبان أصاب أحدهما بول ولم يدر أيهما هو وحضرت الصلاة
وخاف فوتها وليس عنده ماء كيف يصنع؟ قال: يصلي فيهما جميعا.
مسألة 225: من كان معه قميص، فنجس أحد كميه، لا يجوز له التحري
فيه، فإن قطع واحدا منهما فمثل ذلك، وكذلك إن أصاب الثوب نجاسة لا
يعرف موضعها ثم قطعه بنصفين لا يجوز له التحري ويصلي عريانا.
ولأصحاب الشافعي في الكمين وجهان: قال أبو العباس: يجوز التحري
لأنهما كالثوبين. وقال أبو إسحاق: لا يجوز التحري لأنه ثوب واحد.
فإن قطع أحد الكمين جاز التحري عند الجميع من أصحابه قولا واحدا،
فأما إذا كان لم يعرف موضع النجاسة فقطعه بنصفين لم تجز الصلاة في واحد
منهما ولا التحري عندهم.
دليلنا: إجماع الفرقة، والأخبار العامة في من معه ثوب واحد أصابته
نجاسة أنه لا يصلي فيه، ويجب غسله كله، فمن أجاز التحري فعليه الدلالة.
وأيضا الصلاة واجبة في ذمته بيقين، ولا تبرأ ذمته إلا بأن يسقطها بيقين، ومن
تحري وصلى فليس تبرأ ذمته بيقين، فوجب أن لا يجوز ذلك.
مسألة 226: إذا أصاب ثوب المرأة دم الحيض، يستحب لها حته ثم
180

قرصه، ثم غسله بالماء، فإن اقتصرت على الغسل بالماء أجزأها ذلك، وبه قال
جميع الفقهاء.
وذهب قوم من أهل الظاهر إلى أن الحت والقرص شرط في صحة الغسل.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا الأصل براءة الذمة ووجوب الغسل مجمع
عليه، فمن أوجب الحت والقرص فعليه الدلالة.
وأيضا روت خولة بنت يسار قالت قلت: يا رسول الله أرأيت لو بقي أثره؟
فقال: الماء يكفيك ولا يضرك أثره، فأخبر عليه السلام أن الماء يكفي، فدل
على أن ما زاد عليه ليس بواجب.
مسألة 227: عرق الجنب إذا كانت الجنابة من حرام يحرم الصلاة فيه،
وإن كانت من حلال فلا بأس بالصلاة فيه، وأجاز الفقهاء كلهم ذلك ولم
يفصلوا.
دليلنا: إجماع الفرقة، وطريقة الاحتياط، والأخبار التي ذكرناها في
الكتابين المقدم ذكرهما.
مسألة 228: المذي والوذي طاهران، لا بأس بالصلاة في ثوب أصاباه،
وكذلك البدن، وحكم نداوة فرج المرأة مثل ذلك.
وخالف جميع الفقهاء في ذلك وقالوا بنجاسته.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا الأصل الطهارة، فمن حكم في حكم بالنجاسة
فعليه الدلالة.
ولأصحاب الشافعي في نداوة فرج المرأة وجهان: أحدهما مثل ما قلناه
وقالوا: يجري مجرى العرق، والآخر يجري مجرى الوذي والمذي.
دليلنا: ما ذكرناه في طهارة المذي.
181

مسألة 229: بول الصبي قبل أن يأكل الطعام يكفي أن يصب عليه الماء
بمقدار ما يغمره ولا يجب غسله، ومن عدا الصبي من الصبية والكبار الذين أكلوا
الطعام يجب غسل أبوالهم، وحده أن يصب عليه الماء حتى ينزل عنه. ووافقنا
الشافعي في بول الصبي، وروي ذلك عن علي عليه السلام وبه قال أحمد
وإسحاق.
وقال الأوزاعي والنخعي: يرش بول الآدميين كلهم قياسا على بول الصبي
الذي لم يطعم.
وقال أبو حنيفة: يجب غسل جميعه، والصبي والصبية سواء.
دليلنا: إجماع الفرقة، وروي عن علي عليه السلام أن النبي
صلى الله عليه وآله قال: يغسل الثوب من بول الجارية، وينضح بالماء من بول الغلام ما لم
يطعم.
وروى الحلبي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن بول الصبي؟ قال:
يصب عليه الماء، فإن كان قد أكل فاغسله غسلا.
وروى السكوني عن جعفر عن أبيه أنه قال: إن عليا عليه السلام قال: لبن
الجارية وبولها يغسل منهما الثوب قبل أن يطعم، لأن لبنها يخرج من مثانة أمها،
ولبن الغلام لا يغسل منه الثوب ولا بوله قبل أن يطعم، لأن لبن الغلام يخرج من
العضدين والمنكبين.
مسألة 230: كلما يؤكل لحمه من الطيور والبهائم بوله، وذرقه، وروثه،
طاهر لا ينجس منه الثوب ولا البدن، إلا ذرق الدجاج خاصة فإنه نجس.
وما لا يؤكل لحمه فبوله وروثه وذرقه نجس لا يجوز الصلاة في قليله ولا
كثيره.
وما يكره لحمه كالحمر الأهلية والبغال والدواب فإنه يكره بوله وروثه وإن
لم يكن نجسا.
182

وقال الزهري ومالك وأحمد بن حنبل: بول ما يؤكل لحمه طاهر كله،
وبول ما لا يؤكل لحمه نجس.
وقال النخعي: بول ما يؤكل لحمه وما لا يؤكل لحمه وروثه كله نجس.
وقال الشافعي: بول جميع ذلك نجس وكذلك روثه أمكن الاحتراز منه
أو لم يمكن، أكل لحمه أو لم يؤكل، وبه قال ابن عمر، وحماد بن أبي سليمان.
وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: غير الآدميين من الحيوان أما الطائر فذرق
جميعه طاهر ما يؤكل لحمه وما لا يؤكل إلا الدجاج فإن ذرقه نجس.
وقال محمد: ما يؤكل لحمه روثه طاهر إلا الدجاج فإن ذرقه نجس، وما لا
يؤكل لحمه فذرقه نجس إلا الخشاف، فليس يختلفون في ذرق الخشاف
والدجاج.
وأما غير الطائر فروثه كله نجس عندهم جميعا إلا زفر فإنه قال: ما يؤكل
لحمه فروثه طاهر، وما لا يؤكل لحمه روثه نجس.
وأما أبوالها فقال أبو حنيفة وأبو يوسف: بول كله نجس، وقال محمد: بول
ما يؤكل لحمه طاهر، وما لا يؤكل لحمه بوله نجس كله.
فأما الإزالة فقال أبو حنيفة وأبو يوسف: إن كان ما لا يؤكل لحمه فهو كبول
الآدميين إن كان قدر الدرهم عفي عنه، وإن زاد عليه فغير معفو عنه، وأما ما يؤكل
لحمه فمعفو عنه عند أبي حنيفة وأبي يوسف ما لم يتفاحش، قال أبو يوسف:
سألت أبا حنيفة عن حد التفاحش فلم يحده.
قال أبو يوسف: التفاحش: شبر في شبر، وقال محمد: ربع الثوب.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأخبارهم وهي أكثر من أن تحصى.
وروى البراء بن عازب أن النبي صلى الله عليه وآله قال: ما يؤكل لحمه فلا
بأس ببوله.
وروى أنس أن العرنيين أسلموا وقدموا المدينة فاجتووها فانتفخت بطونهم،
فأمرهم أن يخرجوا إلى لقاح الصدقة فيشربوا من أبوالها وألبانها، فلو كانت
183

الأبوال نجسة ما أمرهم بشربها.
وأيضا فإن النبي صلى الله عليه وآله طاف على راحلته راكبا فلو كان بولها
نجسا لما عرض المسجد للنجاسة مع قوله عليه السلام: جنبوا مساجدكم
الأطفال والمجانين.
ولأن ذرق الطيور والعصافير في المسجد الحرام ومسجد الرسول
صلى الله عليه وآله من عهد النبي صلى الله عليه وآله إلى يومنا هذا لم ينكره منكر ولا رده
أحد، فثبت أنها طاهرة.
فإن قيل: قوله تعالى: وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونها من
بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين، فامتن علينا بأن سقانا من بين نجسين
فثبت أن الفرث نجس قيل: أراد أنه أخرج اللبن الأبيض من بين دم أحمر وفرث
أصفر.
وروى زرارة أنهما قالا: لا يغسل الثوب من بول كل شئ يؤكل لحمه.
وروى عبد الله بن سنان قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: اغسل ثوبك من
أبوال ما لا يؤكل لحمه، فدل على أن ما يؤكل لحمه بخلافه.
مسألة 231: المني كله نجس، لا يجزئ فيه الفرك، ويحتاج إلى غسله
رطبه ويابسه من الإنسان وغير الإنسان والرجل والمرأة لا يختلف الحكم فيه.
وقال الشافعي: مني الآدمي طاهر من الرجل والمرأة، وروي ذلك عن ابن
عباس، وسعد بن أبي وقاص، وعائشة، وبه قال في التابعين سعيد بن المسيب
وعطاء.
ووافقنا في نجاسته مالك، والأوزاعي، وأبو حنيفة وأصحابه، إلا أنهم اختلفوا
فيما يزول به حكمه.
فقال مالك: يغسل رطبا أو يابسا كما قلناه.
وقال أبو حنيفة: يغسل رطبا ويفرك يابسا.
184

وللشافعي في مني غير الآدميين ثلاثة أقوال: أحدها أنه طاهر إلا ما كان من
مني شئ يكون نجسا في حال الحياة من الكلب والخنزير وما توالد منهما أو من
أحدهما. والثاني نجس كله إلا مني الإنسان.
دليلنا: إجماع الفرقة، ودليل الاحتياط لأن من أزال ذلك بالغسل صحت
صلاته بلا خلاف، وإذا فركه وأزاله بغير الماء فيه خلاف.
وأيضا قوله تعالى: وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم
رجز الشيطان، وقال المفسرون إنما أراد به أثر الاحتلام.
وروى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله قال: سبعة يغسل الثوب منها:
منها البول والمني.
وروت عائشة أن النبي صلى الله عليه وآله قال: اغسليه رطبا وافركيه يابسا.
وروى عمار بن ياسر قال مر بي رسول الله صلى الله عليه وآله وأنا أسقي
راحلتي، وتنخمت فأصابتني نخامتي، فجعلت أغسل ثوبي، فقال رسول الله
صلى الله عليه وآله: ما نخامتك ودموع عينيك إلا بمنزلة الماء الذي في ركوتك إنما
تغسل ثوبك من الغائط والبول والمني والدم والقئ.
وروى ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن المني
يصيب الثوب؟ قال: إن عرفت مكانه فاغسله، وإن خفي مكانه فاغسله كله.
وروى سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام مثل ذلك سواء.
مسألة 232: العلقة نجسة، وبه قال أبو حنيفة وأبو إسحاق المروزي من
أصحاب الشافعي، وهو المذهب عندهم.
وقال الصيرفي من أصحابه وغيره أنها طاهرة.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا ما دل على نجاسة الدم يدل على نجاسة العلقة
لأنه دم، ودليل الاحتياط أيضا يدل على ذلك.
185

مسألة 233: من انكسر عظم من عظامه فجبر بعظم حيوان طاهر فلا
خلاف في أن ذلك جائز، فإن جبره بعظم ميت مما ليس بنجس العين فعندنا أنه
طاهر، لأن العظم عندنا لا ينجس بالموت.
وكذلك السن إذا انقلعت جاز له أن يعيده إلى مكانه أو غيره، ومتى كان
من حيوان نجس العين مثل الكلب والخنزير فلا يجوز له فعله، فإن فعل وأمكنه
نقله وجب عليه نقله وإن لم يمكنه إما لمشقة عظيمة تلحقه أو خوف التلف فلا
يجب عليه نقله.
وقال الشافعي: إن جبره بعظم طاهر وهو عظم ما يؤكل لحمه إذا ذكي
كالغنم جاز، وكذلك إذا سقطت سنه كان له أن يعيد مكانها سنا طاهرا وهو سن
ما يؤكل لحمه إذا ذكي.
وأما إن أراد أن يجبره بعظم نجس وهو عظم الكلب أو الخنزير أو عظم ما
لا يؤكل لحمه أو يؤكل لحمه بعد وفاته قال في الأم: أو بعظم الإنسان لم يكن له
ذلك.
وكذلك إذا سقطت سنه وأراد إعادتها بعينها لم يكن له، فإن خالف ففيه
ثلاث مسائل: ما لم ينبت عليه اللحم أو نبت عليه، ويستضر بقلعه ولا يخاف
التلف أو يستضر ويخاف التلف، فإن لم يستضر أصلا فعليه إزالته، وإن استضر
بقلعه لنبات اللحم عليه ولا يخاف التلف لا تلفه ولا تلف عضو من أعضائه فعليه
قلعه، فإن لم يفعل أجبره السلطان على قلعه.
وإن مات قبل قلعه قال الشافعي: لم يقلع بعد موته لأنه صار ميتا كله والله
تعالى حسيبه.
وقال أصحابه المذهب أن لا يقلع.
وقال الصيرفي: الأولى قلعه.
فإن خاف التلف من قلعه أو تلف عضو من أعضائه، قال الشافعي: المذهب
أنه يجب قلعه، وهو ظاهر قوله لأنه قال: أجبره السلطان على قلعه ولم يفصل.
186

وفي أصحابه من قال: لا يجب قلعه، وذهب إليه أبو إسحاق وهو المذهب.
وقال أبو حنيفة في المسألتين الأخيرتين لا يجب قلعه مثل قولنا.
دليلنا: قوله تعالى: وما جعل عليكم في الدين من حرج، وقلع شئ من
العضو قد نبت عليه اللحم أو يخاف التلف من قلعه من أضيق الحرج.
وأيضا الأصل براءة الذمة، وإيجاب القلع يحتاج إلى دليل.
مسألة 234: يكره للمرأة أن تصل شعرها بشعر غيرها، رجلا كان أو
امرأة، ولا بأس بأن تصل شعرها بشعر حيوان آخر طاهر. فإن خالفت تركت
الأولى ولا تبطل صلاتها.
وقال الشافعي: متى وصلت شعرها بشعر غيرها، وكذلك الرجل، إلا أن
يصل بشعر ما يؤكل لحمه قبل موته، فإن خالف بطلت صلاته.
دليلنا: على كراهية ذلك إجماع الفرقة.
وروى القاسم بن محمد عن علي عليه السلام قال: سألته عن امرأة مسلمة
تمشط العرائس، ليس لها معيشة غير ذلك، وقد دخلها ضيق؟ قال: لا بأس
ولكن لا تصل الشعر بالشعر.
وروى ابن أبي عمير عن رجل عن أبي عبد الله عليه السلام قال: دخلت
ماشطة على رسول الله صلى الله عليه وآله فقال لها: لا تصلي الشعر بالشعر، بعد
كلام طويل.
والذي يدل على أن ذلك مكروه، وليس بمحظور، ما رواه سعد الإسكافي
قال: سئل أبو جعفر عليه السلام عن القرامل التي تضعها النساء في رؤوسهن
يصلنه بشعورهن؟ فقال: لا بأس به على المرأة ما تزينت به لزوجها قال: قلت:
بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وآله لعن الواصلة والموصولة؟ فقال: ليس
هناك، إنما لعن رسول الله صلى الله عليه وآله الواصلة التي تزني في شبابها، فلما
كبرت قادت النساء إلى الرجال، فتلك الواصلة والموصولة.
187

مسألة 235: إذا بال على موضع من الأرض، فتطهيرها أن يصب الماء
عليه حتى يكاثره ويغمره ويقهره، فيزيل طعمه ولونه وريحه، فإذا زال حكمنا
بطهارة الموضع وطهارة الماء الوارد عليه، ولا يحتاج إلى نقل التراب ولا قلع
المكان، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: إن كانت الأرض رخوة، فصب عليها الماء، فنزل الماء عن
وجهها إلى باطنها طهرت الجلدة العليا دون السفلى التي وصل الماء والبول إليها،
وإن كانت الأرض صلبة فصب الماء على المكان فجرى عليه إلى مكان آخر طهر
مكان البول ولكن نجس المكان الذي انتهى إليه الماء، فلا يطهر حتى يحفر
التراب ويلقى عن المكان.
دليلنا: قوله تعالى: وما جعل عليكم في الدين من حرج، ونقل التراب من
الأرض إلى موضع آخر يشق.
وروى أبو هريرة قال: دخل أعرابي المسجد فقال: اللهم ارحمني وارحم
محمدا ولا ترحم معنا أحدا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: لقد تحجرت
واسعا، قال: فما لبث أن بال في ناحية المسجد، فكأنهم عجلوا إليه، فنهاهم النبي
صلى الله عليه وآله، ثم أمر بذنوب من ماء فأهريق عليه، ثم قال: علموا ويسروا ولا
تعسروا. وفيه دليلان:
أحدهما: أن النبي صلى الله عليه وآله قصد تطهير المكان عن النجاسة،
فأمرهم بما يطهر به، فالظاهر أنه كل الحكم، ولم ينقل أنه أمرهم بنقل التراب.
والثاني: أنه لو لم يطهر المكان بصب الماء عليه لكان في صب الماء عليه
تكثير للنجاسة، فإن قدر البول دون الماء، والبول الذي يجتمع في المسجد والنبي
صلى الله عليه وآله لا يأمر بطهارة المسجد بما يزيده تنجيسا.
مسألة 236: إذا بال على موضع من الأرض وجففته الشمس طهر
الموضع، وإن جفف بغير الشمس لم يطهر، وكذلك الحكم في البواري
188

والحصر سواء.
وقال الشافعي: إذا زالت أوصافها بغير الماء بأن تجففها الشمس أو بأن تهب
عليها الريح ولم يبق لون ولا ريح ولا أثر فيه قولان:
قال في الأم: لا يطهر بغير الماء، وبه قال مالك.
وقال في القديم: يطهر ولم يفرق بين الشمس والظل.
وذكر في الإملاء فقال: إن كان صاحبا للشمس فيجف ويهب عليه الريح
فلم يبق له أثر فقد طهر المكان، فأما إن كان في البيت أو في الظل فلا يطهر بغير
الماء، فخرج من هذا أنه إن جف بغير الشمس لم يطهر قولا واحدا، وإن كان في
الشمس فعلى قولين: أحدهما لا يطهر، والثاني: يطهر، وبه قال أبو حنيفة، وأبو
يوسف، ومحمد.
والظاهر من مذهبهم أنه لا فرق بين الشمس والظل، وإنما الاعتبار بأن
يجف.
دليلنا: إجماع الفرقة.
وروى عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سئل عن الشمس
هل تطهر الأرض؟ قال: إذا كان الموضع قدرا من البول أو غير ذلك فأصابته
الشمس ثم يبس الموضع، فإن الصلاة على الموضع جائزة، وإن أصابته الشمس
ولم ييبس الموضع القذر وكان رطبا لم تجز الصلاة عليه حتى ييبس.
وروى علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال: سألته عن
البواري يصيبها البول هل تصح الصلاة عليها إذا جفت من غير أن تغسل قال:
نعم لا بأس.
ويمكن أن يستدل على ذلك بقول النبي صلى الله عليه وآله: جعلت لي
الأرض مسجدا وترابها طهورا، فحيثما أدركتني الصلاة صليت، وهذا عام لأنه لم
يستثن.
189

مسألة 237: إذا صلى في مقبرة جديدة دفن فيها كان ذلك مكروها، غير
أنه لا يجب عليه إعادتها، وبه قال الشافعي.
وقال مالك لا تكره الصلاة فيها.
وقال بعض أهل الظاهر لا تجزئ فيها الصلاة، وإليه ذهب قوم من أصحابنا،
واستدلوا على ذلك بما رواه عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
سألته عن الرجل يصلي بين القبور؟ قال: لا يجوز ذلك إلا أن يجعل بينه وبين
القبور إذا صلى عشرة أذرع من بين يديه، وعشرة أذرع من خلفه، وعشرة أذرع
عن يمينه، ويساره، ثم يصلي إن شاء.
وروى معمر بن خلاد عن الرضا عليه السلام قال: لا بأس بالصلاة بين
المقابر ما لم يتخذ القبر قبلة.
وإنما قلنا إن ذلك مكروه لما رواه علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن
الماضي عليه السلام عن الصلاة بين القبور هل تصلح؟ قال: لا بأس.
وقد روت العامة النهي عن ذلك، فروى أبو سعيد الخدري أن النبي
صلى الله عليه وآله نهى أن يصلى بين القبور.
وروى علي عليه السلام قال: نهاني حبيبي أن أصلي في مقبرة أو في أرض
بابل، فإنها أرض ملعونة.
وروت عائشة وعبد الله بن عباس قالا: لما حضر رسول الله
صلى الله عليه وآله الوفاة كشف وجهه وقال: لعن الله اليهود، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد.
وروى عمرو بن عمران أن النبي صلى الله عليه وآله نهى عن الصلاة في سبعة
مواطن: المزبلة، والمجزرة، والمقبرة، ومحجة الطريق، والحمام، وأعطان الإبل،
وظهر بيت الله العتيق.
ويقوي ما قلناه من أن ذلك وإن كان مكروها، فإن الصلاة ماضية ما رواه
أبو ذر قال: قلت يا رسول الله أي مسجد وضع في الأرض أولا؟ قال: المسجد
الحرام قلت: ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى، قلت: كم بينهما؟ قال: أربعون سنة
190

- وقال -: حيثما أدركت فصل.
وروى حذيفة بن اليمان أن النبي صلى الله عليه وآله قال: جعلت لي الأرض
مسجدا وترابها طهورا، ولم يستثن.
مسألة 238: تكره الصلاة في بيوت الحمام، فإن كانت نجسة فلا يجوز
السجود عليها، وإن كانت طاهرة كانت مكروهة وهي تجزئ.
وقال أصحاب الشافعي فيه وجهان:
أحدهما: أنه لا يجزئ لأنه موضع نجاسة، فإن علم طهارته كان جائزا، وإن
علم نجاسته لم يجز، وإن جهل فعلى قولين مثل المقبرة المجهولة، فإن فيها قولين.
والقول الآخر: إن الصلاة فيه مكروهة، لأنه مأوى الشيطان.
دليلنا: على كراهته إجماع الفرقة، وما رويناه من الأخبار يؤكد ذلك.
ويزيده بيانا ما رواه عبد الله بن الفضل عمن حدثه عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: عشرة مواضع لا يصلى فيها: الطين، والماء، والحمام، والقبور، و
مسان الطريق، وقرى النمل، ومعاطن الإبل، ومجرى الماء، والسبخ، والثلج.
والذي يدل على أن ذلك مكروه دون أن يكون محظورا ما رواه عمار
الساباطي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الصلاة في بيت الحمام؟ قال: إن
كان موضعا نظيفا فلا بأس.
مسألة 239: اللبن المضروب من طين نجس إذا طبخ آجرا أو عمل خزفا
طهرته النار، وبه قال أبو حنيفة.
وكذلك العين النجسة إذا أحرقت بالنار حتى صارت رمادا، حكم للرماد
بالطهارة.
وقال أبو حنيفة كلها يطهر بالاستحالة إذا صارت ترابا أو رمادا، وحكي عنه
أنه قال: إن وقع خنزير في ملاحة فاستحال ملحا طهر.
191

وقال الشافعي: الأعيان النجسة كالكلب، والخنزير، والعذرة، والسرجين،
وعظام الموتى ولحومها، والدماء لا تطهر بالاستحالة، سواء استحالت بالنار
فصارت رمادا أو بالأرض والتراب فصارت ترابا.
وكان ابن المرزبان يقول: إذا ضرب اللبن من تراب فيه سرجين ثم طبخ
ذلك بالنار فأكل ذلك السرجين لأنه كرقاق التبن ويكون على ظاهر الآجر
كالزئبر فإذا غسل ظاهرها زال الزئبر فزالت النجاسة ويكون ظاهره طاهرا،
فيجوز الصلاة، عليه، ولا يجوز فيه.
قال أبو حامد: الذي قاله ابن المرزبان قريب، والأمر على ما قال.
دليلنا: إجماع الفرقة.
وروى الحسن بن محبوب قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الجص
يوقد عليه بالعذرة وعظام الموتى، ويجصص به المسجد، ويسجد عليه؟ فكتب
إلي بخطه: إن الماء والنار قد طهراه.
مسألة 240: إذا صلى على بساط وكان على طرفه نجاسة لا يسجد عليها
صحت صلاته، تحرك موضع النجاسة بحركته أو لم يتحرك، وبه قال
الشافعي، غير أنه اعتبر أن لا يقع عليها شئ من ثيابه.
وقال أبو حنيفة: إن كان البساط على سرير فكلما تحرك المصلي تحرك
البساط لم تصح صلاته.
دليلنا: إجماع الفرقة فإنهم لا يختلفون في ذلك، لأن عندهم المراعي
موضع السجود، فإن كان موضع سجوده طاهرا جازت صلاته وإن كان ما عداه
نجسا.
وروى زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن الشاذكونة تكون
عليها الجنابة أيصلي عليها في المحمل؟ قال: لا بأس.
وروى محمد بن أبي عمير قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أصلي على
192

الشاذكونة وقد أصابتها الجنابة؟ فقال: لا بأس.
مسألة 241: إذا ترك على رأسه طرف عمامة وهو طاهر وطرفه الآخر على
الأرض وعليه نجاسة لم تبطل صلاته.
وقال أبو حنيفة: إن كان الطرف الآخر يتحرك بطلت صلاته، وإن لم
يتحرك صحت صلاته.
وقال الشافعي: تبطل صلاته على كل حال.
دليلنا: إن الأصل براءة الذمة، فمن حكم ببطلان هذه الصلاة فعليه الدلالة.
مسألة 242: إذا كان موضع سجوده طاهرا صحت صلاته وإن كان
موضع قدميه وجميع مصلاه نجسا إذا كانت النجاسة يابسة لا تتعدى إلى ثيابه
وبدنه.
وقال الشافعي: يجب أن يكون جميع مصلاه طاهرا حتى أنه إذا صلى لم
يقع ثوبه على شئ منها رطبة كانت أو يابسة، فإن وقعت ثيابه على شئ منها
بطلت صلاته، وإن كانت مقابلة له صحت صلاته بلا خلاف.
وقال أبو حنيفة: الاعتبار بموضع قدميه، فإن كان موضعهما طاهرا أجزأه
ولا يضره ما وراء ذلك، وإن كان موضعهما نجسا لم تصح صلاته وإن كان
ما عداه طاهرا، وأما موضع السجود ففيه روايتان: فروى محمد أنه يجب أن يكون
موضع السجود طاهرا.
وروى أبو يوسف أنه لا يحتاج إليه لأنه إنما يسجد على قدر
الدرهم، وقدر الدرهم من النجاسة لا يمنع صحة الصلاة.
دليلنا: إجماع الفرقة فإنهم لا يختلفون فيه، والخبران اللذان قدمناهما في
المسألة الأولى يدلان عليه.
193

مسألة 243: إذا شد كلبا بحبل وطرف الحبل معه صحت صلاته، سواء
كان حاملا لطرف الحبل أو واقفا عليه، وكذلك إذا شد الحبل في سفينة فيها
نجاسة سواء كان الحبل مشدودا في النجاسة أو في طرف السفينة وهو طاهر.
وقال أصحاب الشافعي في الكلب: إن كان واقفا على الحبل صحت
صلاته، وإن كان حاملا لطرفه بطلت صلاته، وفيهم من فرق بين أن يكون الكلب
صغيرا أو كبيرا فقالوا: إذا كان كبيرا لا تبطل صلاته، وإن كان صغيرا تبطل
صلاته.
وأما السفينة فقالوا كلهم: إن كان الحبل مشدودا في موضع نجس فصلاته
باطلة، وإن كان مشدودا في موضع طاهر من السفينة صحت صلاته.
دليلنا: إن نواقض الصلاة أمور شرعية فإثباتها يحتاج إلى دلالة شرعية،
وليس في الشرع ما يدل على أن ذلك يقطع الصلاة.
وأيضا ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليه السلام من أن
قواطع الصلاة معروفة، ولم يذكروا في جملتها شيئا من ذلك، فينبغي أن لا
يكون قاطعا.
مسألة 244: إذا حمل قارورة مشدودة الرأس بالرصاص وفيها بول أو
نجاسة، ليس لأصحابنا فيه نص. والذي يقتضيه المذهب أنه لا ينقض الصلاة،
وبه قال ابن أبي هريرة من أصحاب الشافعي، غير أنه قاسه على حيوان طاهر في
جوفه نجاسة. وغلطه أصحابه والتزم القوم على ذلك حمل آجرة داخلها نجس
وظاهرها طاهر.
وقال جميع الفقهاء إن ذلك يبطل صلاته.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى من أن قواطع الصلاة طريقها الشرع،
ولا دليل في الشرع على أن ذلك يبطل الصلاة.
وإن قلنا أنه يبطل الصلاة لدليل الاحتياط كان قويا، ولأن على المسألة
194

الإجماع، فإن خلاف ابن أبي هريرة لا يعتد به.
مسألة 245: من صلى في حرير محض من الرجال من غير ضرورة كانت
صلاته باطلة، ووجب عليه إعادتها.
وخالف جميع الفقهاء في ذلك مع قولهم: إن الصلاة فيه ولبسه محرم،
غير أنه لا يجب فيه الإعادة.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا فلا خلاف في أنه منهي عن الصلاة فيه،
والنهي يدل على فساد المنهي عنه، فوجب أن تكون الصلاة فاسدة.
وأيضا فالصلاة في ذمته بيقين، ولا يبرأ بيقين إذا صلى في الحرير المحض.
وأيضا روى محمد بن عبد الجبار قال: كتبت إلى أبي محمد عليه السلام
أسأله: هل يصلى في قلنسوة حرير محض أو قلنسوة ديباج؟ فكتب: لا تحل
الصلاة في حرير محض.
وروى إسماعيل بن سعد الأشعري قال: سألته عن الثوب الإبريسم هل
يصلي فيه الرجال؟ قال: لا.
وروى علي بن أسباط عن أبي الحرث قال: سألت الرضا علي بن موسى
عليه السلام هل يصلي الرجل في ثوب إبريسم؟ قال: لا.
مسألة 246: إذا اختلط القطن أو الكتان بالإبريسم وكان سداه أو لحمته
قطنا أو كتانا زال تحريم لبسه.
وقال الشافعي: لا يزول التحريم إلا إذا تساويا أو يكون القطن أكثر.
دليلنا: إجماع الفرقة.
وروى صفوان بن يحيى عن يوسف بن إبراهيم عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: لا بأس بالثوب أن يكون سداه وزره وعلمه ولحمته حريرا، وإنما كره الحرير
المبهم للرجال.
195

مسألة 247: تكره الصلاة في الثياب السود.
وخالف جميع الفقهاء في ذلك.
دليلنا: إجماع الفرقة وطريقة الاحتياط.
وروي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: يكره السواد إلا في ثلاثة:
الخف، والعمامة، والكساء.
وروي عنه أيضا أنه سئل عن الصلاة في القلنسوة السوداء فقال: لا تصل
فيها فإنها لباس أهل النار.
مسألة 248: يكره السجود على الأرض السبخة، ولم يكره ذلك أحد من
الفقهاء.
دليلنا: إجماع الفرقة.
وأيضا روى أبو بصير قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الصلاة في
السبخة، فكرهه.
مسألة 249: يكره أن يصلي المصلي وفي قبلته نار أو سلاح، مجرد أو فيها
صورة، ولم يكره ذلك أحد من الفقهاء.
دليلنا: إجماع الفرقة، وطريقة الاحتياط.
وروى عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا يصلي الرجل
وفي قبلته نار أو حديد فقلت: أله أن يصلي وبين يديه مجمرة شبه؟ قال: نعم، فإن
كان فيها نار فلا يصلي حتى ينحيها عن قبلته. وعن الرجل يصلي وبين يديه قنديل
معلق فيه نار إلا أنه بحياله قال: إذا ارتفع كان شرا لا يصلي بحياله.
وروى علي بن جعفر قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يصلي
والسراج موضوع بين يديه في القبلة؟ فقال: لا يصلح له أن يستقبل النار.
وروى محمد بن مسلم قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام أصلي والتماثيل
196

قدامي وأنا أنظر إليها؟ قال: لا، اطرح عليها ثوبا. ولا بأس بها إذا كانت عن
يمينك، أو شمالك، أو خلفك، أو تحت رجليك، أو فوق رأسك. وإن كانت
في القبلة فألق عليها ثوبا.
مسألة 250: يكره التختم بالحديد خصوصا في حال الصلاة، فأما التختم
بالذهب فلا خلاف أنه لا يجوز للرجال. والحديد لم يكرهه أحد من الفقهاء.
دليلنا: إجماع الفرقة.
وروى موسى بن أكيل النميري عن أبي عبد الله عليه السلام في الحديد: أنه
حلية أهل النار، والذهب حلية أهل الجنة، وجعل الله الذهب في الدنيا زينة
للنساء، فحرم على الرجال لبسه، والصلاة فيه، وجعل الله الحديد في الدنيا زينة
الجن والشياطين فحرم على الرجل المسلم أن يلبسه في حال الصلاة، إلا أن يكون
في قبال عدو فلا بأس به.
قال: قلت: فالرجل في السفر يكون معه السكين في خفه لا يستغني عنه أو
في سراويله مشدودا أو المفتاح يخشى إن وضعه ضاع أو يكون في وسطه
المنطقة من حديد؟ قال: لا بأس بالسكين والمنطقة للمسافر في حال الضرورة
وكذلك المفتاح إذا خاف الضيعة والنسيان ولا بأس بالسيف وكل آلة
السلاح في الحرب وفي غير ذلك لا يجوز الصلاة في شئ من الحديد فإنه
نجس ممسوخ.
وروى السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وآله: لا يصلي الرجل وفي يده خاتم حديد.
مسألة 251: يكره للرجل أن يصلي وعليه لثام، بل ينبغي أن يكشف من
جبهته موضع السجود لا يجوز غيره، ويكشف فاه لقراءة القرآن، وقد مضى
الخلاف في موضع السجود. ولم يكره أخذ اللثام على الفم أحد من الفقهاء.
197

دليلنا: إجماع الفرقة.
وروى سماعة بن مهران قال: سألته عن الرجل يصلي فيتلو القرآن وهو
متلثم؟ فقال: لا بأس به وأن كشف عن فيه فهو أفضل وقال: سألته عن المرأة
تصلي متنقبة قال: إذا كشفت عن موضع السجود فلا بأس به، وإن أسفرت فهو
أفضل.
مسألة 252: يكره أن يصلي وهو مشدود الوسط، ولم يكره ذلك أحد من
الفقهاء.
دليلنا: إجماع الفرقة، وطريقة الاحتياط.
مسألة 253: لا تجوز الصلاة في الدار المغضوبة ولا في الثوب المغصوب
مع الاختيار.
وأجاز الفقهاء بأجمعهم ذلك، ولم يوجبوا إعادتها مع قولهم: أن ذلك
منهي عنه.
ووافقنا كثير من المتكلمين في ذلك مثل أبي علي الجبائي وأبي هاشم.
وكثير من أصحابهما.
دليلنا: إن الصلاة تحتاج إلى نية بلا خلاف، ولا خلاف أن التصرف في
الدار المغصوبة والثوب المغصوب قبيح، ولا يصح نية القربة فيما هو قبيح.
وأيضا طريقة براءة الذمة تقتضي وجوب إعادتها، لأن الصلاة في ذمته واجبة
بيقين، ولا يجوز أن يبرئها إلا بيقين، ولا دليل على براءتها إذا صلى في الدار
والثوب المغصوبين.
مسألة 254: الوضوء بالماء المغصوب لا يصح، ولا تصح الصلاة به.
وخالف جميع الفقهاء في ذلك.
198

دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى من وجوب اعتبار النية وأن التصرف في
الماء المغصوب قبيح لا يصح التقرب به.
وأيضا لا خلاف أنه منهي عن ذلك، والنهي يدل على فساد المنهي عنه.
وطريقة اعتبار براءة الذمة تقتضي ذلك لأنه إذا صلى بماء مملوك أو مباح
صحت صلاته، وإذا صلى بماء مغصوب فيه الخلاف.
مسألة 255: لا يجوز للرجل أن يصلي معقوص الشعر إلا أن يحله.
ولم يعتبر أحد من الفقهاء ذلك.
دليلنا: إجماع الفرقة.
وروى الحسن بن محبوب عن مصادف عن أبي عبد الله عليه السلام في
رجل صلى صلاة فريضة وهو معقوص الشعر قال: يعيد صلاته.
مسألة 256: كلما لا يؤكل لحمه لا يجوز الصلاة في جلده، ولا وبره، ولا
شعره، ذكي أو لم يذك، دبغ أو لم يدبغ، وما لا يؤكل لحمه إذا مات لا يطهر
جلده بالدباغ، ولا يجوز الصلاة فيه وقد بيناه فيما مضى.
ورويت رخصة في جواز الصلاة في الفنك والسمور والسنجاب والأحوط
ما قلناه.
وخالف جميع الفقهاء في ذلك وقالوا: إذا ذكي ودبغ جازت الصلاة فيما
لا يؤكل لحمه إلا الكلب والخنزير على ما مضى من الخلاف فيهما، وما يؤكل
لحمه إذا مات ودبغ فقد ذكرنا الخلاف فيه.
دليلنا: إجماع الفرقة، وطريقة الاحتياط، واعتبار براءة الذمة بيقين ولا يقين
لمن صلى فيما ذكرناه.
وروى علي بن أبي حمزة قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن لباس الفراء
والصلاة فيها فقال: لا تصل فيها، إلا فيما كان منه ذكيا قال: قلت أوليس الذكي
199

ما ذكي بالحديد؟ فقال: بلى إذا كان مما يؤكل لحمه. قلت: وما لا يؤكل لحمه
من غير الغنم؟ فقال: لا بأس بالسنجاب.
وروى إسماعيل بن سعد بن الأحوص قال: سألت أبا الحسن الرضا
عليه السلام عن الصلاة في جلود السباع؟ فقال: لا تصل فيها.
وروى محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن جلود الثعالب
أيصلي فيها؟ فقال: ما أحب أن أصلي فيها.
وروى جعفر بن محمد بن أبي زيد قال: سئل الرضا علي بن موسى
عليه السلام عن جلود الثعالب الذكية؟ فقال: لا تصل فيها.
مسألة 257: لا تجوز الصلاة في الخز المغشوش بوبر الأرانب.
وخالف جميع الفقهاء في ذلك.
دليلنا: إجماع الفرقة، وطريقة الاحتياط تقتضيه.
وروى أحمد بن محمد رفعه إلى أبي عبد الله عليه السلام في الخز الخالص
أنه لا بأس به فأما الذي يخلط بوبر الأرانب أو غير ذلك مما يشبه هذا فلا تصل
فيه.
وروى أيوب بن نوح رفعه قال: قال أبو عبد الله عليه السلام الصلاة في
الخز الخالص لا بأس به فأما الذي يخلط فيه وبر الأرانب أو غير ذلك مما يشبه
هذا فلا تصل فيه.
وقد روي رواية بخلاف ما قلناه وقد بينا الوجه فيها في الكتابين المقدم
ذكرهما.
مسألة 258: لا يجوز للجنب المقام في المسجد ولا اللبث فيه بحال، فإن
أراد الجواز فيه لغرض، مثل أن يقرب عليه الطريق أو يستدعي منه إنسانا جاز
ذلك، وإن كان لغير غرض كره ذلك وبه قال الشافعي، وفي التابعين سعيد بن
200

المسيب، والحسن البصري، وعطاء ومالك.
وقال أبو حنيفة لا يجوز له أن يعبر فيه بحال لغرض ولا لغيره إلا في موضع
الضرورة وهو إذا نام في المسجد فاحتلم فيه فإنه يخرج منه.
وقال الثوري مثل ذلك إلا أنه قال إذا أجنب في المسجد تيمم في مكانه
وخرج متيمما.
وقال أحمد وإسحاق: إذا توضأ الجنب فهو كالمحدث يقيم فيه ويلبث حيث
شاء، وبه قال زيد بن أسلم، غير أنه لا يعرف الوضوء عن زيد بن أسلم وأحمد
يروي مثل مذهبه عن بعض الصحابة.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة
وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا،
وموضع الدلالة هو أنه نهى الجنب عن قربان الصلاة، وحقيقة الصلاة أفعالها،
وحملها على موضعها مجاز، فإنه قد يعبر بها عن موضعها قال الله تعالى: وبيع
وصلوات، يعني مواضع الصلوات، لأن أفعال الصلاة لا تهدم، فإذا ثبت أنه
يعبر بها عن موضعها مجازا فالمراد بالآية موضع الصلاة بدلالة قوله تعالى: ولا
جنبا إلا عابري سبيل، يعني عابري طريق، والعبور في أفعال الصلاة محال، ثبت
أنه مكان الصلاة وموضعها.
وهذا التأويل مروي عن عمر، وابن مسعود، فكان تقدير الآية لا يقرب
المسجد سكران ولا جنب إلا عابري سبيل، فدل على جواز عبور الجنب فيه.
فإن قالوا: معنى الآية غير هذا وهو إن قوله تعالى: لا تقربوا الصلاة، حقيقة
هذه الصلاة، فنحملها على حقيقتها، ولا يقربها سكران ولا جنب إلا عابري سبيل،
وهو إذا كان مسافرا عابر سبيل، فإن له أن يتيمم وهو جنب ويصلي. فتساوينا في
الآية، لأنكم حملتم آخرها على الحقيقة وأولها على المجاز، ونحن حملنا أولها على
الحقيقة وأضمرنا في آخرها، ومن أضمر في الخطاب كمن ترك حقيقة إلى
المجاز. قالوا: وهذا تأويل ابن عباس وعلي عليه السلام.
201

قيل: إذا اختلفت الصحابة في تأويل آية وجب أن يرجح قول بعضهم
وتأويلنا أولى من وجوه:
أولها: إن جواز التيمم للجنب المسافر مستفاد من آخر الآية وهو قوله تعالى:
وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم
تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا، وإذا كان هذا الحكم مستفادا من آخرها فكيف
يحمل أولها عليه لأنه لا فائدة له، فكان حمل الخطاب على فائدة أولى من حمله
على التكرار.
والثاني: هو أن الإضمار في الكلام بمنزلة ترك الحقيقة فيه، لأنه إذا أمكن
حمله على الحقيقة فلا وجه لحمله على المجاز، وإذا أمكن حمله على ظاهره فلا
معنى للإضمار فيه، فصار الإضمار وترك الحقيقة سواء.
وإذا كانا سواء فقد تركنا حقيقة كلمة واحدة، وأنتم أضمرتم في آخر الآية
إضمارين فقلتم: ولا جنبا، إلا لمسافر عادم للماء وتيمم، فقد أضمرتم عدم الماء
والتيمم بعد عدمه، فمن أضمر في الخطاب إضمارا واحدا كان أولى ممن أضمر
إضمارين كما إن من حمله على ظاهره أولى ممن أضمر فيه إضمارا واحدا.
والثالث: إذا حملنا الصلاة على المسجد حملنا اللفظ على العموم لأنه يقتضي
أن لا يقرب الجنب المسجد أبدا إلا عابر سبيل.
وهم إذا حملوا الصلاة على حقيقتها حملوا قوله إلا عابري سبيل على
الخصوص فإنه يقتضي أن لا يجوز للجنب أن يصلي بالتيمم أبدا إلا للمسافر عند
عدم الماء وهذا مخصوص لأنه يجوز لغيره وهو الجريح والمريض في الحضر إذا
خافا التلف من استعمال الماء فكان حملها على العموم أولى من حملها على
الخصوص.
والرابع: إن حقيقة الاستثناء ما كان من جنس المستثنى منه وإذا كان من
غير جنسه كان مجازا.
ونحن إذا حملنا الصلاة على المسجد، جعلنا الاستثناء من جنسه، لأن الجنب
202

الذي منع من العبور في المسجد غير عابر سبيل، هو الجنب الذي جوز له العبور
فيه وهو جنب في الموضعين معا.
وعلى ما قالوا جعلوا الاستثناء من غير جنسه، لأن الجنب الذي منع من
قربان الصلاة في غير السفر الذي أباحوه له في السفر، لأنه منع منها غير
المسافر قبل التيمم، وأبيحت للمسافر بعد التيمم فليس من استباح الصلاة من
جنس من لا يستبيحها، فكان هذا مجازا، فكان حمله على حقيقته أولى من حمله
على المجاز.
والخامس: قوله: لا تقربوا الصلاة، حقيقة فيما كان من قرب المكان، يقال:
لا تقرب داري، ولا تقرب المسجد الحرام، وحمله على قرب الأفعال مجاز، لأنه لا
يقال في الحقيقة: لا تقرب أفعالك، ولا تقرب الأكل والشرب إلا مجازا، وإذا
كان كذلك فقد تركوا الحقيقة إلى هذا المجاز، فكان ما قلناه أولى.
فإن قالوا: ففي الآية ما يدل على أن المراد بالصلاة حقيقة الصلاة، لأنه قال:
لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون فلما شرط العلم بالقول،
علم أن المراد بالصلاة ما يفتقر إلى قول.
قلنا: هذا غلط، بل المراد بقوله: حتى تعلموا ما تقولون، معناه حتى تفيقوا،
لأن السكران إنما يفيق إذا علم ما يقول، فكان المنع من المسجد وهو سكران لأن
لا يقذر المسجد بالقئ ونحوه، فبطل أن يدل على حقيقة الصلاة.
وروت عائشة أن النبي صلى الله عليه وآله قال: ناوليني الخمرة من المسجد
قالت: فقلت: إني حائض فقال: إن حيضتك ليست في يدك، وأحد لم يفرق
بين الحيض والجنابة.
وأما أخبارنا فأكثر من أن تحصى.
من ذلك ما رواه جميل قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الجنب
يجلس في المساجد؟ قال: لا ولكن يمر فيها إلا المسجد الحرام ومسجد الرسول.
203

مسألة 259: يكره للحائض العبور في المساجد.
وقال الشافعي: أكره للحائض المرور في المسجد، واختلف أصحابه على
وجهين، فقال أبو العباس وأبو إسحاق: ينظر فيه، فإن كانت آمنة من تلويث
المسجد، وهو أن تكون استوثقت من نفسها، وأمنت من أن يتقطر منها الدم،
فحكمها حكم الجنب، وإن لم تأمن كره لها العبور في المساجد.
ومنهم من قال: يكره عبورها فيه على كل حال.
دليلنا: إجماع الفرقة.
وأيضا روى عبد الله بن سنان قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الجنب
والحائض يتناولان من المسجد المتاع تكون فيه؟ قال: نعم، ولكن لا يضعان في
المسجد شيئا.
مسألة 260: لا يجوز للمشركين دخول المسجد الحرام، ولا شئ من
المساجد، لا بإذن ولا بغير إذن، وبه قال مالك.
وقال الشافعي: لا يجوز لهم أن يدخلوا المسجد الحرام بحال، لا بإذن الإمام
ولا بغير إذنه، وما عداه من المساجد لا بأس أن يدخلوها بالإذن.
وقال أبو حنيفة: يدخل الحرم والمسجد الحرام وكل المساجد بإذن.
دليلنا: قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا
المسجد الحرام بعد عامهم هذا، فحكم عليهم بالنجاسة، وإذا ثبتت نجاستهم فلا
يجوز أن يدخلوا شيئا من المساجد، لأنه لا خلاف في أن المساجد يجب أن تجنب
النجاسات.
مسألة 261: يكره الصلاة في أعطان الإبل، ولا تكره في مراح الغنم، لا
لأن روث الإبل نجس، بل لما روي من أنه مأوى الشيطان.
وقال الشافعي: إن كانا نجسين بأرواثهما فالصلاة فيهما باطلة، وإن كانا
204

طاهرين فالصلاة فيهما جائزة غير أنها تكره في أعطان الإبل ولا تكره في مراح
الغنم مثل ما قلنا.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا فقد بينا أن روث ما يؤكل لحمه طاهر، وإذا
كان طاهرا فالصلاة فيها جائزة على كل حال.
وأما الفرق بين أعطان الإبل ومراح الغنم وكراهية أحدهما دون الآخر،
فليس لأجل النجاسة، لأن هذه الكراهية مجمع عليها مع الخلاف في نجاسة
روثهما، لما روى عبد الله بن معقل عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: إذا
أدركتم الصلاة وأنتم في أعطان الإبل فأخرجوا وصلوا فإنها حي من جن خلقت
ألا ترونها إذا نفرت كيف تشمخ بأنفها.
مسألة 262: إذا ماتت شاة وفي ضرعها لبن لا ينجس اللبن، ويجوز أن
يحلب ويشرب، وبه قال أبو حنيفة.
وقال الشافعي: ينجس ولا يجوز شربه.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم وقد ذكرناها.
مسألة 263: الأوقات التي تكره فيها الصلاة خمسة: وقتان تكره الصلاة
لأجل الفعل، وثلاثة لأجل الوقت.
فما كره لأجل الفعل، بعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، وبعد العصر
إلى غروبها.
وما كره لأجل الوقت ثلاثة: عند طلوع الشمس، وعند قيامها، وعند
غروبها.
والأول إنما يكره ابتداء الصلاة فيه نافلة، وأما كل صلاة لها سبب من قضاء
فريضة أو نافلة، أو تحية مسجد، أو صلاة زيارة، أو صلاة إحرام، أو صلاة
طواف، أو نذر، أو صلاة كسوف، أو جنازة فإنه لا بأس به ولا يكره.
205

وأما ما نهي فيه لأجل الوقت، فالأيام، والبلاد، والصلوات فيه سواء إلا يوم
الجمعة فإن له أن يصلي عند قيامها النوافل.
ووافقنا الشافعي في جميع ذلك، واستثني من البلدان مكة، فإنه أجاز
الصلاة فيها أي وقت شاء. ومن
الصلوات ما لها سبب وفي أصحابنا من قال في الصلوات التي لها سبب مثل ذلك.
وقال أبو حنيفة: الأزمان والصلوات والبلدان عامة، فلا يجوز شئ من
الصلوات فيها بحال إلا عصر يومه، فإنه يبتدئ بها وإن كان مع الغروب، ولا
يبتدئ بالصبح مع طلوع الشمس، فإن خالف فعليه قضاء ما فعله إلا عصر يومه،
وصلاة الجنازة، وسجود التلاوة.
وأما الوقتان اللذان نهي عنهما لأجل الفعل فله أن يصلي فيهما الفوائت
والجنائز وسجود التلاوة، ولا يصلي ركعتي الطواف ولا صلاة منذورة.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، فإنهم لا يختلفون في جواز هذه الصلوات
التي ذكرناها في هذه الأوقات، وإنما منهم من يزيد على ذلك، ويجوز الصلاة
التي لا سبب لها فيها.
وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله نهى عن الصلاة نصف النهار
حتى تزول الشمس إلا يوم الجمعة.
وروى جبير بن مطعم أن النبي صلى الله عليه وآله قال: يا بني عبد مناف من ولى منكم
من أمر الناس شيئا فلا يمنعن أحدا طاف بهذا البيت وصلى أي
وقت شاء من ليل أو نهار.
وروت أم سلمة قالت: دخل علي رسول الله ذات يوم بعد العصر فصلى
عندي ركعتين لم أكن أراه يصليهما فقلت: يا رسول الله لقد صليت صلاة لم أكن
أراك تصليها؟ فقال: إني كنت أصلي بعد الظهر ركعتين، وإنه قدم علي وفد من
تميم فشغلوني عنهما فهما هاتان الركعتان.
وروت عائشة قالت: ما كان رسول الله صلى الله عليه وآله في بيتي في يوم
206

بعد العصر إلا صلى ركعتين.
وروى عمران بن الحصين أن النبي صلى الله عليه وآله قال: من نسي صلاة
أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها، وفي بعضها أي حين ما كانت.
وأما روايات أصحابنا فأكثر من أن تحصى، من ذلك ما رواه الأصبغ بن
نباتة قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: من أدرك من الغداة ركعة قبل طلوع
الشمس فقد أدرك الغداة تامة.
وروى أبو بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: خمس صلوات تصليهن
في كل وقت: صلاة الكسوف، والصلاة على الميت، وصلاة الإحرام، والصلاة
التي تفوت، وصلاة الطواف، من الفجر إلى طلوع الشمس وبعد العصر إلى
الليل.
وروى عبد الله بن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام في قضاء صلاة
الليل والوتر تفوت الرجل أيقضيها بعد صلاة الفجر إلى طلوع الشمس وبعد
العصر إلى الليل؟ فقال: لا بأس بذلك.
وروى جميل بن دراج قال: سألت أبا الحسن الأول عليه السلام عن قضاء
صلاة الليل بعد الفجر إلى طلوع الشمس؟ قال: نعم، وبعد العصر إلى الليل وهو
من سر آل محمد المخزون.
وأخبارنا أكثر من أن تحصى وقد ذكرناها.
مسألة 264: ركعتا الفجر من النوافل أفضل من الوتر وبه قال مالك.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه قاله في القديم، وقال في الجديد:
الوتر أولى.
وأبو حنيفة خارج عن هذا الخلاف، لأن عنده أن الوتر واجب، وسيجئ
الكلام عليه.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
207

وروت عائشة أن النبي صلى الله عليه وآله قال: ركعتا الفجر خير من
الدنيا وما فيها.
مسألة 265: النوافل المرتبة في اليوم والليلة إذا فاتت أوقاتها استحب
قضاؤها.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما: لا تقضى، وبه قال مالك، وقال في القديم:
تقضى. قال أصحابه: وهو أصح القولين، واختيار المزني.
وقال أبو حنيفة: لا تقضى إلا ركعتا الفجر، فإنه إن تركهما دون الفرض لم
يقضهما، وإن تركهما مع الفرض قضاهما مع الفرض.
وقال محمد: تقضيان على كل حال.
دليلنا: إجماع الفرقة.
وأيضا فقد روى إسماعيل الجعفي قال: قال أبو جعفر عليه السلام: أفضل
قضاء النوافل قضاء صلاة الليل بالليل، وصلاة النهار بالنهار.
وروى أبو بصير قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: إن فاتك شئ من
تطوع النهار والليل فاقضه عند زوال الشمس، وبعد الظهر، وعند العصر، وبعد
المغرب، وبعد العتمة، ومن آخر السحر.
وروى محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن علي بن الحسين
كان إذا فاته شئ من الليل قضاه بالنهار، وإن فاته شئ من اليوم قضاه عن الغد أو في الجمعة أو في الشهر.
وخبر أم سلمة الذي قدمناه يدل عليه.
مسألة 266: النوافل في اليوم والليلة التابعة للفرائض أربع وثلاثون
ركعة: ثمان ركعات قبل فريضة الظهر بعد الزوال، وثمان ركعات بعدها قبل
فريضة العصر، وأربع ركعات بعد المغرب، وركعتان من جلوس بعد العشاء
208

الآخرة تعدان بركعة، وثمان صلاة الليل بعد انتصاف الليل، وثلاث ركعات
الشفع والوتر يفصل بينهما بتسليمة، وركعتا الفجر قبل فريضة الغداة، ويفصل
في جميع النوافل بين كل ركعتين بتسليمة.
وللشافعي فيه وجهان:
أحدهما: إحدى عشرة ركعة، ركعتان قبل الفجر وأربع مع الظهر قبلها
ركعتان وبعدها ركعتان، وبعد المغرب ركعتان، وبعد العشاء ركعتان، والوتر
ركعة.
ومنهم من قال: ثلاث عشرة ركعة هذه وزاد ركعتين فقال: أربع قبل
فريضة الظهر.
وقال أبو حامد: نص في الأم على القولين كالوجهين.
ومن الناس من قال: سبع عشرة ركعة زاد أربعا العصر.
وقال الثوري وابن المبارك وإسحاق يصلي هذه قبل الظهر أربعا وبعدها
ركعتين.
وقال أبو حنيفة: ركعتان قبل الفجر وأربع قبل الظهر.
وقبل العصر روايتان إحديهما أربع وروى الحسن عنه ركعتين، وركعتان
بعد المغرب، وأما العشاء الآخرة فأربع قبلها إن أحب وأربع بعدها، وكل أربع
ذكرها فهي بتسليمة واحدة.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأخبارهم لأن ذلك معلوم من مذهبنا للمخالف و
المؤالف، ولا يختلفون في العمل بها وإن اختلفت رواياتهم في ذلك، وقد بينا
الوجه فيما اختلف فيه من الأخبار في ذلك.
وروى إسماعيل بن سعد الأحوص الأشعري القمي قال: قلت للرضا علي بن
موسى عليه السلام كم الصلاة من ركعة؟ فقال: إحدى وخمسون ركعة.
وروى الفضيل بن يسار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: الفريضة والنافلة
إحدى وخمسون ركعة، النافلة أربع وثلاثون ركعة.
209

وروى الفضيل بن يسار والفضل بن عبد الملك وبكير بن أعين قالوا: سمعنا
أبا عبد الله عليه السلام يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي من
التطوع مثلي الفريضة، ويصوم من التطوع مثلي الفريضة.
مسألة 267: ينبغي لمن يصلي النافلة أن يتشهد في كل ركعتين ويسلم
بعده، ولا يصلي ثلاثا ولا أربعا ولا ما زاد على ذلك بتشهد واحد، ولا بتسليم
واحد. وأن يتشهد في كل ركعتين ويسلم، سواء كان ليلا أو نهارا، فإن خالف
ذلك خالف السنة.
وقال الشافعي: الأفضل أن يصلي مثنى مثنى ليلا كان أو نهارا، فأما الجواز
فإنه يصلي أي عدد شاء أربعا أو ستا أو ثمانيا أو عشرا شفعا أو وترا، وإذا زاد على
مثنى فالأولى أن يتشهد عقيب كل ركعتين، فإن لم يفعل وتشهد في آخرهن مرة
واحدة أجزأه.
وقال في الإملاء وإن صلى بغير إحصاء جاز. قال: وبه قال مالك.
وقال أبو حنيفة: الأفضل أربعا أربعا ليلا كان أو نهارا.
وقال أبو يوسف ومحمد بقوله نهارا وبقول الشافعي ليلا قال: والجائز في
النهار عددان مثنى أو أربعا، فإن زاد على أربع لم يصح، والجائز ليلا مثنى مثنى،
وأربعا أربعا، وستا ستا، وثمانيا ثمانيا، فإن زاد على ثمان لم يصح.
دليلنا: إجماع الفرقة وطريقة الاحتياط لأن ما قلناه مجمع على جوازه، وما
قالوه ليس عليه دليل بل فيه خلاف.
وروى مالك عن نافع عن ابن عمر، أن رجلا سأل رسول الله
صلى الله عليه وآله عن صلاة الليل؟ فقال عليه السلام: صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة
واحدة توتر له ما قد صلى.
وروي عن ابن عمر من غير طريق مالك أن النبي صلى الله عليه وآله قال:
صلاة الليل والنهار مثنى مثنى.
210

وظاهر هذين الخبرين يدل على أن ما زاد على مثنى مثنى لا يجوز.
وروت عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي فيما بين أن
يفرع من صلاة العشاء الآخرة إلى أن ينصدع الفجر إحدى عشرة ركعة يسلم في
كل ثنتين ويوتر بواحدة.
مسألة 268: نوافل شهر رمضان تصلي منفردا، والجماعة فيها بدعة.
وقال الشافعي: صلاة المنفرد أحب إلي منه.
وشنع ابن داود على الشافعي في هذه المسألة فقال: خالف فيها السنة
والإجماع.
واختلف أصحاب الشافعي في ذلك على قولين:
فقال أبو العباس وأبو إسحاق وعامة أصحابه: صلاة التراويح في الجماعة
أفضل بكل حال وتأولوا قول الشافعي فقالوا: إنما قال: النافلة ضربان: نافلة سن
لها الجماعة وهي العيدان، والخسوف، والاستسقاء. ونافلة لم تسن لها الجماعة
مثل ركعتي الفجر، والوتر. وما سن له الجماعة أوكد مما لم تسن له الجماعة.
ثم قال: وأما قيام شهر رمضان فصلاة المنفرد أحب إلي منه يعني ركعات
الفجر والوتر التي تفعل على الانفراد أوكد من قيام شهر رمضان.
والقول الثاني: منهم من قال بظاهر كلامه فقال: صلاة التراويح على
الانفراد أفضل منها في الجماعة بشرطين: أحدهما: أن لا تختل الجماعة بتأخره
عن المسجد. والثاني: أن يطيل القيام والقراءة، فيصلي منفردا ويقرأ أكثر مما يقرأ
إمامه، وقد نص في القديم على أنه إن صلى في بيته في شهر رمضان فهو أحب إلي،
وإن صلاها في جماعة فحسن.
واختار أصحابه مذهب أبي العباس وأبي إسحاق.
دليلنا: إجماع الفرقة، فإنهم لا يختلفون في أن ذلك بدعة.
وأيضا روى زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وآله قال: صلاة المرء في
211

بيته أفضل من صلاته في المسجد إلا المكتوبة.
وروت عائشة: أن النبي صلى الله عليه وآله في المسجد، فصلى بصلاته
ناس، ثم صلى في القابلة فكثر الناس، ثم اجتمعوا في الليلة الثالثة فلم يخرج إليهم
رسول الله صلى الله عليه وآله، فلما أصبح قال: رأيت الذي صنعتم فلم يمنعني من
الخروج إليكم إلا أني خشيت أن يفرض عليكم.
وروي عن عمر أنه أمر أن تصلي التراويح جماعة، وأمر بإخراج القناديل، ثم
قال: هي بدعة ونعمت البدعة هي.
فصرح عمر بأنها بدعة والنبي صلى الله عليه وآله قال: كل بدعة ضلالة،
وكل ضلالة في النار.
مسألة 269: يصلي طول شهر رمضان ألف ركعة زائدا على النوافل المرتبة
في سائر الشهور. عشرين ليلة في كل ليلة عشرين ركعة، ثمان بين العشائين،
واثنتا عشرة بعد العشاء الآخرة. وفي العشر الأواخر كل ليلة ثلاثين ركعة. وفي
ثلاث ليال وهي ليلة تسع عشرة، وليلة إحدى وعشرين، وليلة ثلاث وعشرين
كل ليلة مائة ركعة.
ومن أصحابنا من قال: تسقط في هذه الثلاث ليال النوافل المرتبة فيها من
عشرين ركعة وثلاثين ركعة، ويصليها في الجمعات في أربع جمع، في كل
جمعة أربع ركعات صلاة أمير المؤمنين عليه السلام، كل ركعة بخمسين مرة قل
هو الله أحد بعد الحمد.
وركعتين صلاة فاطمة عليه السلام، يقرأ في الأولى مائة مرة إنا أنزلناه بعد
الحمد، وفي الثانية مائة مرة قل هو الله أحد.
وأربع ركعات صلاة جعفر بن أبي طالب على الترتيب المعروف في
ذلك.
وفي آخر جمعة عشرين ركعة صلاة أمير المؤمنين عليه السلام.
212

وفي آخر سبت من الشهر عشرين ركعة صلاة فاطمة عليه السلام الجميع
ألف ركعة.
وفي ليلة النصف مائة ركعة كل ركعة بالحمد مرة وبعشر مرات قل هو الله
أحد.
وفي ليلة الفطر ركعتين في الأولى الحمد مرة وقل هو الله أحد ألف مرة،
وفي الثانية الحمد مرة وقل هو الله أحد مرة واحدة.
وذهب قوم من أصحابنا إلى أن حكم شهر رمضان حكم سائر الشهور،
لا يزاد فيها على النوافل المرتبة شئ.
وقال الشافعي: المستحب كل ليلة عشرون ركعة، بعد العشاء خمس
ترويحات، كل ترويحة أربع ركعات في تسليمتين.
وقال الشافعي: ورأيتهم بالمدينة يقومون بتسع وثلاثين ركعة ويقومون
بمكة بعشرين ركعة. قال أصحابه معناه إن أهل مكة يصلون خمس تراويح ويطوفون بالبيت بين
كل ترويحتين سبعا، فيحصل لهم خمس تراويح وأربعة أسباع من الطواف،
فأراد أهل المدينة أن يساووا أهل مكة، فزادوا في عدد الركعات، فجعلوا مكان
كل سبع من الطواف ترويحا، فزادوا أربع تراويح، يكون ست عشرة ركعة،
وعشرين ركعة الراتبة، ويوترون بثلاث ركعات تصير تسعا وثلاثين ركعة.
قال الشافعي: والسنة عشرون ركعة.
دليلنا: إجماع الفرقة، وقد أوردنا من الأخبار في هذا المعنى وما اختلف
منها في الكتابين المقدم ذكرهما ما فيه كفاية، وبينا وجه الخلاف فيها.
مسالة 270: القنوت في كل ركعتين من النوافل والفرائض في جميع
أوقات السنة والقنوت في الوتر في جميع أوقات السنة.
وقال الشافعي: لا يقنت في نوافل شهر رمضان إلا في النصف الأخير في
213

الوتر خاصة، وقد مضى ذكر ما يقول في قنوت صلاة الغداة وإن محله بعد
الركوع.
وقال أبو حنيفة يقنت في الوتر في جميع السنة، ولا يقنت فيما عداه.
دليلنا: إجماع الفرقة وأيضا قد دللنا في مسألة قنوت صلاة الغداة على أنه
في جميع الصلوات وذلك يتناول هذا الموضع.
وروى أبي بن كعب قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله يوتر بثلاث
ركعات يقرأ فيها سبح اسم ربك الأعلى وقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد،
وكان يقنت قبل الركوع.
مسألة 271: قنوت الوتر قبل الركوع، وبه قال أبو حنيفة.
ولأصحاب الشافعي فيها وجهان: أحدهما قبل الركوع، والآخر بعد
الركوع، وعليه نص الشافعي في حرملة وعليه أصحابه.
دليلنا: إجماع الفرقة، وحديث أبي بن كعب الذي قدمته.
وروى عبد الله بن مسعود قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وآله
لأنظر كيف يقنت في وتره، فقنت قبل الركوع، ثم لقنت أمي أم عبد الله فقلت:
بيتي مع نسائه فانظري كيف يقنت في وتره، فاتتني فأخبرتني أنه قنت قبل
الركوع.
مسألة 272: وقت صلاة الليل بعد انتصاف الليل، وكلما قرب إلى الفجر
كان أفضل.
وقال مالك: الثلث الأخير أفضل.
وقال الشافعي: إن جزى الليل نصفين كان النصف الأخير أفضل، وإن
جزاه ثلاثة أثلاث كان الثلث الأوسط أفضل.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا قوله تعالى: والمستغفرين بالأسحار، فمدح
214

المستغفرين أوقات السحر يدل على أن الدعاء فيه أفضل، والصلاة فيها الدعاء
والاستغفار.
مسألة 273: الوتر سنة مؤكدة وليس بواجب، وبه قال جميع الفقهاء إلا
أبا حنيفة.
وبمذهبنا قال علي عليه السلام، وعبادة بن الصامت، وهو اختيار أبي يوسف
ومحمد.
وقال أبو حنيفة: هو فرض، وأصحابه يقولون: هو واجب عنده.
وقال ابن المبارك: ما علمت أحدا قال الوتر واجب إلا أبا حنيفة.
قال حماد بن زيد: قلت لأبي حنيفة: كم الصلاة؟ قال: خمس. قلت:
فالوتر؟ قال: فرض، قلت: فكم الصلاة قال: خمس قلت: فالوتر قال فرض.
قلت: لا أدري تغلط في الجملة أو في التفصيل.
دليلنا: إجماع الفرقة فإنهم لا يختلفون في ذلك وإن كان قد ورد في
أخبارهم أن صلاة الليل واجبة، ويريدون بذلك شدة تأكدها.
وأيضا الأصل براءة الذمة، والإيجاب يحتاج إلى دليل.
وأيضا قوله تعالى: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى، يدل على
ذلك، لأنه ثبت به أن الصلوات خمس، لأن لها وسطى، فلو كان الوتر واجبا
لكانت ستا، فلا تكون لها وسطى.
وروي عن علي عليه السلام أنه قال: الوتر ليس بحتم إنما هو سنة سنها
نبيكم.
وروى طلحة بن عبيد الله قال: جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله
فسأله عن الإسلام؟ فقال: خمس صلوات في اليوم والليلة فقال: هل علي غيرها؟
فقال: لا إلا أن تتطوع، ثم سأله عن الصدقة؟ فقال: الزكاة فقال: هل علي
غيرها؟ قال: لا إلا أن تتطوع، ثم سأله عن الصوم؟ فقال: شهر رمضان في كل
215

سنة فقال: هل علي غيره؟ فقال: لا إلا أن تتطوع، فأدبر الرجل وهو يقول: والله
لا أزيد على هذا ولا أنقص منه. فقال النبي صلى الله عليه وآله. أفلح إن صدق.
وروى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله قال: ثلاث علي فرض ولكم
تطوع: الوتر، والنحر، وركعتا الفجر.
وروي عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله كان يوتر على راحلته ويصلي
التطوع عليها حيث ما توجهت به، يومئ برأسه إيماء.
وعندهم لا يجوز الوتر على الراحلة، وهذا حديث في الصحيح.
مسألة 274: صلاة الليل عندنا إحدى عشرة ركعة، كل ركعتين بتشهد
وتسليم بعده، والوتر ركعة مفردة بتشهد وتسليم.
وقال الشافعي: أفضل الوتر إحدى عشرة ركعة يسلم في كل ركعتين،
وأقل الأفضل ثلاث بتسليمتين، فالثلاث أفضل من الواحدة، والخمس أفضل من
ثلاث، وكلما زاد على إحدى عشرة ركعة كان أفضل. والوتر بالواحدة جائز،
والركعة الواحدة صلاة صحيحة. وبه قال في الصحابة أبو بكر، وعمر، وابن عمر،
وابن مسعود، وسعد بن أبي وقاص. وفي الفقهاء مالك، وأحمد، وإسحاق.
وقال أبو حنيفة: الوتر ثلاث ركعات بتسليمة واحدة، فإن زاد عليها أو نقص
منها لم يكن وترا. وقال: الركعة الواحدة لا تكون صلاة صحيحة.
وقال الثوري: لا يوتر بواحدة.
دليلنا: إجماع الفرقة، فإنهم لا يختلفون في ذلك.
وأما كون الركعة الواحدة صلاة صحيحة فالأولى أن نقول إنه لا يجوز لأنه
لا دليل في الشرع على ذلك، والركعتان مجمع على كونهما صلاة شرعية.
وروى ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وآله نهى عن البتيراء يعني الركعة
الواحدة.
وأما ما يدل على أنه ينبغي التسليم في كل ركعتين، فما رواه الزهري عن
216

سالم عن أبيه إن النبي صلى الله عليه وآله قال: صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا
خشيت فأوتر بركعة.
مسألة 275: لا يجوز أن يوتر أول الليل مع الاختيار، ويجوز ذلك مع
الاضطرار، وفي السفر، وخوف الفوات، وترك القضاء.
وقال الشافعي: هو بالخيار إن شاء أوتر أول الليل وإن شاء آخره. فإن كان
ممن يريد القيام بالليل لصلاة الليل فالوتر آخر الليل أفضل.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا فلا خلاف إنه إذا أوتر آخر الليل كان جائزا،
وليس على قول من أجازه أول الليل دليل.
وروى مسروق قال: قلت لعائشة: متى كان رسول الله صلى الله عليه وآله
يوتر؟ قالت: كل ذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وآله أوتر أول الليل، ونام
وسطه وآخره، ولكن انتهى وتره حين مات إلى السحر.
مسألة 276: من أوتر أول الليل وقام آخره لا يعتد بما فعله أولا بل يوتر،
وبه قال علي عليه السلام وابن عباس.
وقال الشافعي: إذا أوتر أول الليل ثم نام وقام للصلاة صلى ما أحب ولم
ينقض وتره التي صلاها وبه قال طلق بن علي في الصحابة، وهو قول مالك،
والثوري، وابن المبارك.
وقال علي عليه السلام وابن عباس: إذا قام نقض وتره، بأن يصلي ركعة
يشفع بها ما كان صلى، ثم يصلي، ثم يوتر بعد ذلك.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا فقد بينا إن وقت الوتر آخر الليل، فإذا ثبت
ذلك فمن أوتر أول الليل فقد صلى قبل دخول وقته، وذلك لا يعتد به.
مسألة 277: يستحب أن يقرأ في المفردة من الوتر قل هو الله أحد،
217

والمعوذتين، وفي الشفع يقرأ ما شاء.
وقال الشافعي: يقرأ في الأولة سبح اسم ربك الأعلى وفي الثانية قل يا أيها
الكافرون وفي الثالثة قل هو الله أحد والمعوذتين.
وقال أبو حنيفة: يقرأ ما قال الشافعي إلا المعوذتين.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا قوله تعالى: فاقرؤوا ما تيسر من القرآن، وقوله:
فاقرؤوا ما تيسر منه، يدل على جواز قراءة المعوذتين، لأنه لم يفرق.
وروت عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وآله يوتر بثلاث: يقرأ
في الركعة الأولى سبح اسم ربك الأعلى وفي الثانية قل يا أيها الكافرون وفي
الثالثة قل هو الله أحد والمعوذتين.
مسألة 278: دعاء قنوت الوتر ليس بمعين بل يدعو بما يشاء، وقد رويت
في ذلك أدعية معينة لا تحصى أوردنا طرفا منها في الكتاب الكبير.
وقال الشافعي: يدعو بما رواه الحسن بن علي عليه السلام قال: علمني
رسول الله صلى الله عليه وآله كلمات أقولهن في قنوت الوتر:
اللهم اهدني في من هديت، وعافني في من عافيت، وتولني في من توليت،
وبارك لي فيما أعطيت، وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك، وإنه
لا يذل من واليت، تباركت ربنا وتعاليت - هذا هو المنقول، وزاد أصحابه -: ولا
يعز من عاديت، ولك الحمد على ما قضيت.
218

كتاب الجماعة
مسألة 279: الجماعة في خمس صلوات سنة مؤكدة، وليست واجبة، ولا
فرضا، لا من فروض الأعيان، ولا من فروض الكفايات، وهو المختار من مذهب
الشافعي عند أصحابه، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه والأوزاعي ومالك.
وقال أبو العباس بن سريج وأبو إسحاق: هي من فرائض الكفايات كصلاة
الجنازة.
وقال داود وأهل الظاهر وقوم من أصحاب الحديث: إنها من فروض
الأعيان. ثم اختلفوا فقال داود: واجبة، ولكن ليست بشرط، وقال قوم من
أصحاب الحديث: شرط، فإن صلى فرادى لم تصح صلاته.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا الأصل براءة الذمة، وإيجاب الجماعة
وفرضها في هذه الصلوات يحتاج إلى دليل.
وأيضا روى نافع عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: صلاة
الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة.
وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله قال: صلاة الجماعة أفضل من
صلاة أحدكم وحده بخمسة وعشرين جزءا وابن مسعود بتسع وعشرين درجة.
فوجه الدلالة أن النبي صلى الله عليه وآله فاضل بين صلاة الجماعة وصلاة
219

الفذ، ولفظ أفضل في كلام العرب موضوع للاشتراك في الشئ وإن أحدهما
يفضل فيه، فلو كانت صلاة الفذ غير مجزئة لما وقعت المفاضلة فيها.
مسألة 280: إذا صلي في مسجد جماعة وجاء قوم آخرون ينبغي أن يصلوا
فرادى، وهو مذهب الشافعي إلا أنه قال: هذا إذا كان المسجد له إمام راتب يصلي
بالناس، فأما إذا لم يكن له إمام راتب، أو يكون مسجدا على قارعة الطريق، أو في
محلة لا يمكن أن يجتمع أهله دفعة واحدة، فإنه يجوز أن يصلوا جماعة بعد
جماعة.
وقد روى أصحابنا أنهم إذا صلوا جماعة وجاء قوم جاز لهم أن يصلوا دفعة
أخرى غير أنهم لا يؤذنون ولا يقيمون ويجتزئون بالأذان الأول.
دليلنا: الأخبار التي ذكرناها في الكتاب الكبير.
وروى أبو علي الحراني قال: كنا عند أبي عبد الله عليه السلام فأتاه رجل
فقال له: جعلت فداك صلينا في المسجد الفجر فانصرف بعضنا وجلس بعض
في التسبيح فدخل رجل المسجد فأذن فمنعناه ودفعناه عن ذلك؟ فقال أبو
عبد الله عليه السلام: أحسنت ادفعه عن ذلك وامنعه أشد المنع قلت: فإن دخلوا
فأرادوا أن يصلوا جماعة فيه؟ قال: يقومون في ناحية المسجد ولا يبدو لهم إمام.
وروى زيد بن علي عن أبيه عن آبائه قال: دخل رجلان المسجد وقد صلى
علي بالناس فقال لهما إن شئتما فليؤم أحدكما صاحبه ولا يؤذن ولا يقيم.
مسألة 281: صلاة الضحى بدعة لا يجوز فعلها.
وخالف جميع الفقهاء في ذلك وقالوا أنها سنة.
وقال الشافعي: أقل ما يكون فيها ركعتان، وأفضله اثنتا عشرة ركعة،
والمختار ثمان ركعات.
220

دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا الأصل براءة الذمة، وكون ذلك مسنونا
يحتاج إلى دليل.
وأيضا روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: صلاة الضحى بدعة.
وما رووه في هذا الباب من الأخبار فغير معروفة ولا معلومة، ويجوز أن
تكون نسخت فلا يجوز العمل بها.
مسألة 282: لا يجوز للجالس أن يؤم بالقيام، وبه قال مالك.
وقال الشافعي: الأفضل أن لا يصلى خلفه، فإن فعل أجزأه وصحت صلاته،
غير أنهم يصلون من قيام، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه.
وقال أحمد: إذا صلى الإمام قاعدا صلوا خلفه قعودا مع القدرة على القيام،
ولا يجوز أن يصلوا قياما خلف قاعد، فإن صلوا خلفه قياما لم تصح صلاتهم.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
وأيضا روى جابر الجعفي عن الشعبي أن النبي صلى الله عليه وآله قال: لا
يؤمن أحد بعدي قاعدا بقيام.
مسألة 283: يجوز للقاعد أن يأتم بالمومئ، ويجوز للمكتسي أن يأتم
بالعريان، ويكره للمتطهر أن يأتم بالمتيمم، وليس يفسد ذلك الصلاة، ولا تنعقد
صلاة القارئ خلف الأمي، ويجوز صلاة الطاهر خلف المستحاضة.
وقال الشافعي في هذه المسائل: إنه يجوز، إلا أنه قال في القارئ خلف
الأمي، والطاهر خلف المستحاضة وجهان.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: لا يجوز للقائم أن يأتم بالمومئ، ولا المتكسي
بالعريان، ولا القارئ بالأمي، ولا الطاهر بالمستحاضة، ولا خلاف بينهم في هذه
المسائل.
221

وأما القائم بالقاعد فقال محمد أيضا لا يجوز، وقال أبو حنيفة وأبو يوسف:
يجوز استحسانا.
والمتطهر خلف المتيمم قال محمد: لا يجوز استحسانا.
وأجمعوا على أنه يجوز للغاسل رجليه أن يأتم بمن مسح على خفيه.
دليلنا: على جواز ما اخترناه في هذه المسائل، ما ورد من الأخبار في فضل
الجماعة ولم تفرق بين اختلاف أحوال الأئمة والمأمومين، فوجب حملها على
العموم.
فأما صلاة القارئ خلف الأمي فإنما منعناه لقوله عليه السلام: يؤمكم
أقرؤكم، ومن خالف ذلك خالف النص، فلا تصح صلاته.
وأما كراهية ما ذكرناه فللأخبار التي رواها أصحابنا أوردناها في الكتابين
المقدم ذكرهما.
مسألة 284: يجوز للمفترض أن يأتم بالمتنفل، وللمتنفل أن يقتدي
بالمفترض، مع اختلاف نيتهما، وبه قال الحسن، وطاووس، وعطاء،
والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق.
وذهب قوم إلى أن اختلاف النية يمنع الائتمام على كل حال، ذهب إليه
الزهري، وربيعة، ومالك، وأبو حنيفة وقالوا: يجوز أن يأتم المتنفل بالمفترض،
ولا يجوز أن يأتم المفترض بالمتنفل ولا المفترض بالمفترض مع اختلاف
فرضيهما.
دليلنا: إجماع الفرقة فإنهم لا يختلفون في ذلك.
وأيضا روى جابر قال: كان معاذ بن جبل يصلي مع رسول الله
صلى الله عليه وآله العشاء ثم ينصرف إلى موضعه في بني سلمة فيصليها بهم هي له تطوع ولهم
222

مكتوبة.
مسألة 285: إذا أحس الإمام بداخل وقد قارب ركوعه أو هو راكع
يستحب له أن يطيل حتى يلحق الداخل الركوع.
وللشافعي فيه قولان:
أحدهما: أن ذلك مكروه، وبه قال أهل العراق. والمزني.
والثاني: لا يكره، وهو اختيار أبي إسحاق، وعلى ذلك أصحاب الشافعي.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم ذكرناها في الكتاب الكبير.
مسألة 286: يجوز إمامة العبد إذا كان من أهلها، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: هي مكروهة.
وروي في بعض رواياتنا أن العبد لا يؤم إلا مولاه.
دليلنا: عموم الأخبار الواردة في فضل الجماعة في ذلك ذكرناها في
الكتابين وقوله عليه السلام: يؤمكم أقرؤكم، ولم يفصل.
مسألة 287: لا يجوز إمامة ولد الزنى.
وقال الشافعي: إمامته مكروهة.
وقال أبو حنيفة: لا بأس بها.
دليلنا: إجماع الفرقة، وطريقة الاحتياط.
مسألة 288: لا يجوز أن يأتم الرجل بامرأة ولا خنثى، وبه قال جميع
الفقهاء إلا أبا ثور فإنه قال: يجوز ذلك.
223

دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا فالصلاة في الذمة بيقين ولا يجوز إبراؤها إلا
بيقين، ولا يقين لمن صلى خلف امرأة.
وأيضا روى جابر أن النبي صلى الله عليه وآله قال: لا تؤمن امرأة رجلا، ولا
يؤم أعرابي مهاجرا.
مسألة 289: لا بأس أن يؤم الرجل جماعة من النساء ليس فيهن رجال.
وقال الشافعي: ذلك مكروه.
دليلنا: إن كراهة ذلك يحتاج إلى دليل، وليس في الشرع ما يدل عليه.
مسألة 290: لا يجوز الصلاة خلف من خالف الحق من الاعتقادات، ولا
خلف الفاسق وإن وافق فيها.
وقال الشافعي: أكره إمامة الفاسق والمظهر للبدع، وإن صلى خلفه جاز.
وقال أصحابه: المختلفون في المذاهب على ثلاثة أضرب: ضرب لا نكفرهم
ولا نفسقهم، وضرب نكفره، وضرب نفسقه.
فأما الذين لا نكفرهم ولا نفسقهم فهم المختلفون في الفروع، مثل أصحاب
أبي حنيفة، ومالك فهؤلاء لا يكره الائتمام بهم لأنهم لا يفسقون فيها ولكن إن
كان فيهم من يعلم إنه يعتقد ترك بعض الأركان يكره الائتمام به، فإن تحقق أنه
ترك بعض الأركان لا يجوز الائتمام به.
والذين نكفرهم هم المعتزلة وغيرهم، فلا يجوز الائتمام بهم، لأنهم محكوم
بكفرهم، وليس لهم صلاة، فلا يصح الائتمام بهم.
وأما الذين نفسقهم ولا نكفرهم فهم الذين يسبون السلف والخطابية، فحكم
هؤلاء وحكم من يفسق بالزنى وشرب الخمر وغير ذلك واحد فهؤلاء الائتمام بهم
يكره ولكنه يجوز، وبهذا قال جماعة أهل العلم.
224

وحكي عن مالك أنه قال: لا يؤتم ببدعي.
دليلنا: إجماع الفرقة فإنهم لا يختلفون في ذلك، وأيضا الصلاة في ذمته
بيقين، ولا دليل على براءتها إذا صلى خلف من ذكرناه.
مسألة 291: لا يجوز أن يؤم أمي بقارئ، فإن فعل أعاد القارئ الصلاة،
وحد الأمي الذي لا يحسن فاتحة الكتاب أو لا يحسن بعضها، فهذا يجوز أن يؤم
بمثله. فأما أن يؤم بقارئ فلا يجوز سواء كان فيما جهر بالقراءة أو خافت.
وقال أبو العباس وأبو إسحاق: يخرج على قول الشافعي في الجديد ثلاثة
أقوال:
أحدها: أنه يجوز على كل حال، لأنه على قوله يلزم المأموم القراءة فيصح
صلاته، وبه قال المزني.
والثاني: أنه لا يجوز بكل حال، وبه قال أبو حنيفة.
والثالث: إن كانت الصلاة مما يجهر فيها لا يجوز، وإن كانت مما يسر فيها
جاز، وبه قال الثوري وأبو ثور، لأن ما لا يجهر فيها يلزم المأموم القراءة.
وقال أبو حنيفة: إذا ائتم قارئ بأمي بطلت صلاة الكل، وعند الشافعي
يبطل صلاة القارئ، وبه نقول.
دليلنا: إنه قد وجبت الصلاة في الذمة بيقين، فلا يجوز إسقاطها إلا بدليل.
وأيضا قوله عليه السلام: يؤمكم أقرؤكم، وهذا خالف المأمور به، فلا تصح
صلاته.
مسألة 292: إذا ائتم بكافر على ظاهر الإسلام، ثم تبين أنه كان كافرا، لا
يجب عليه الإعادة، ولا يحكم على الكافر بالإسلام بمجرد الصلاة، سواء كان
صلى في جماعة أو فرادى، وإنما يحكم بإسلامه إذا سمع منه الشهادتين.
وقال الشافعي: تجب عليه الإعادة، وقال: يحكم عليه في الظاهر بالإسلام
225

لكن لا يلزمه حكم الإسلام، فإن قال بعد ذلك ما كنت أسلمت لم يحكم بردته،
ولا فرق بين أن يصلي في جماعة أو منفردا.
وقال أبو حنيفة: إذا صلى في جماعة لزمه بذلك حكم الإسلام، فإن رجع
بعد ذلك حكم بردته، وإذا صلى منفردا فإنه لا يحكم بإسلامه.
وقال محمد: إذا صلى في المسجد منفردا أو في جماعة حكم بإسلامه، وإن
صلى منفردا في بيته لم يحكم بإسلامه.
دليلنا: إجماع الفرقة، والأخبار بذلك قد ذكرنا في الكتاب الكبير، وقد
قدمنا أيضا فيما تقدم بعضها.
وأيضا وجوب الإعادة يحتاج إلى دليل والأصل براءة الذمة.
فأما الحكم بإسلامه فإنه يحتاج إلى دليل.
وروي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله قال: أمرت أن أقاتل
الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، وهذا لم يقل ذلك.
مسألة 293: فيها ثلاث مسائل:
أولها: من صلى بقوم بعض الصلاة ثم سبقه الحدث فاستخلف إماما فأتم
الصلاة جاز ذلك، وبه قال الشافعي في الجديد.
وكذلك إن صلى بقوم وهو محدث أو جنب ولا يعلم حال نفسه ولا يعلمه
المأموم ثم علم في أثناء الصلاة حال نفسه، خرج، واغتسل، واستأنف الصلاة.
وقال الشافعي: إذا عاد أتم الصلاة، فانعقدت الصلاة في الابتداء جماعة بغير
إمام، ثم صارت جماعة بإمام.
الثانية: نقل نية الجماعة إلى حال الانفراد قبل أن يتمم المأموم يجوز ذلك،
وتنتقل الصلاة من حال الجماعة إلى حال الانفراد، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة تبطل صلاته.
الثالثة: أن ينقل صلاة انفراد إلى صلاة جماعة، فعندنا أنه يجوز ذلك،
226

وللشافعي فيه قولان: أحدهما: لا يجوز، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه.
والثاني: يجوز، وهو الأصح عندهم، وهو اختيار المزني مثل ما قلناه.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وقد ذكرناها في الكتاب الكبير، ولأنه لا
مانع يمنع منه، فمن ادعى المنع فعليه الدلالة.
مسألة 294: إذا أحرم خلف الإمام ثم أخرج نفسه من صلاته وأتمها منفردا
صح ذلك.
وقال الشافعي: إن كان لعذر صحت صلاته، وإن كان لغير عذر فعلى
قولين: أحدهما: يصح، كما قلناه وهو الأصح. والثاني: لا يصح.
وقال أبو حنيفة: بطلت صلاته، سواء كان لعذر أو لغير عذر.
مسألة 295: يجوز للمراهق المميز العاقل أن يكون إماما في الفرائض
والنوافل التي يجوز فيها صلاة الجماعة، مثل الاستسقاء. وبه قال الشافعي.
وعن أبي حنيفة روايتان:
إحديهما: أنه لا صلاة له ولا يجوز الائتمام به لا في فرض ولا في نفل.
والثانية: أن له صلاة لكنها نفل، ويجوز الائتمام به في النفل دون الفرض.
دليلنا: إجماع الفرقة، فإنهم لا يختلفون في أن من هذه صفته تلزمه الصلاة.
وأيضا قوله عليه السلام: مروهم بالصلاة لسبع، يدل على أن صلاتهم
شرعية.
مسألة 296: إذا أم رجل رجلا، قام المأموم على يمين الإمام، وبه قال
جميع الفقهاء، وذهب سعيد بن المسيب إلى أنه يقف على يساره.
وقال النخعي: يقف ورائه إلى أن يجئ مأموم فيصلي معه، فإن ركع الإمام
227

قبل أن يجئ مأموم آخر تقدم ووقف على يمينه.
دليلنا: إجماع الفرقة.
وأيضا روى عبد الله بن عباس قال: بت عند خالتي ميمونة، فجاء رسول الله
صلى الله عليه وآله فصلى، فوقفت على يساره، فأخذني بيمينه وأدارني من ورائه
حتى صيرني على يمينه.
مسألة 297: إذا وقف اثنان عن يمين الإمام ويساره، فالسنة أن يتأخرا عنه
حتى يحصلا خلفه، وبه قال الشافعي.
وحكي عن أبي حنيفة أنه قال: يتقدم الإمام.
دليلنا: إجماع الفرقة.
وروى جابر بن عبد الله قال: وقف رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي فوقفت عن يمينه، فجاء ابن صخر
فوقف على يساره، فأخذنا بيده حتى صيرنا خلفه.
مسألة 298: إذا دخل المسجد وقد ركع الإمام وخاف أن تفوته تلك
الركعة جاز أن يحرم ويركع ويمشي في ركوعه حتى يلحق بالصف إن لم يجئ
مأموم آخر، فإن جاء مأموم آخر وقف موضعه، وبه قال أحمد وإسحاق.
وقال الشافعي: إن وجد فرجة في الصف دخل فيه وإلا جذب واحدا إلى
خلفه ووقف معه، وإن لم يفعل وأحرم وحده كره له ذلك وانعقدت صلاته، وبه
قال مالك، وأبو حنيفة وأصحابه.
وقال النخعي وداود وابن أبي ليلى إن صلاته لا تنعقد.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم وقد ذكرناها.
مسألة 299: إذا وقف المأموم قدام الإمام لم تصح صلاته، وبه قال أبو
228

حنيفة والشافعي في الجديد، وهو الصحيح عند أصحابه.
وقال في القديم: تصح صلاته.
دليلنا: أنه لا خلاف أنه إذا صلى خلفه أو عن يمينه وشماله إن صلاته
صحيحة، ولا دليل على صحتها إذا صلى قدامه.
مسألة 300: إذا صلى في مسجد جماعة وحال بينه وبين الإمام والصفوف
حائل لا تصح صلاته.
وقال الشافعي: إن كان في مسجد واحد صح وإن حال حائل.
دليلنا: إجماع الفرقة، وما رووه من أن من صلى وراء المقاصير لا صلاة
له.
مسألة 301: يكره أن يكون الإمام أعلى من المأموم، على مثل سطح،
ودكان وما أشبه ذلك. وبه قال أبو حنيفة.
والذي نص عليه الشافعي أنه لا بأس به، وحكى الطبري أنه الأفضل.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم وقد ذكرناها.
مسألة 302: من صلى خارج المسجد وليس بينه وبين الإمام حائل، وهو
قريب من الإمام أو الصفوف المتصلة به صحت صلاته، وإن كان على بعد لم
تصح صلاته وإن علم بصلاة الإمام. وبه قال جميع الفقهاء إلا عطاء فإنه قال: إن
كان عالما بصلاته صحت صلاته وإن كان على بعد من المسجد.
دليلنا: إن ما اعتبرناه مجمع عليه، وما ادعاه ليس عليه دليل.
وأيضا قوله تعالى: فاسعوا إلى ذكر الله، فأمرنا بالسعي، وعلى قول عطاء:
يسقط وجوب السعي ويقتصر الناس على الصلاة في بيوتهم ومنازلهم.
229

مسألة 303: الطريق ليس بحائل، فإن صلى وبينه وبين الصف طريق
مقتديا بالإمام صحت صلاته، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: الطريق حائل، فإن صلى وبينهما طريق لم تصح إلا أن
تكون الصفوف متصلة.
دليلنا: إن المنع من ذلك يحتاج إلى دليل، والأصل جوازه، وعليه
إجماع الفرقة.
مسألة 304: إذا كان بين المأموم والصفوف حائل يمنع الاستطراق و
المشاهدة لم تصح صلاته، سواء كان الحائل حائط المسجد، أو حائط دار، أو
مشتركا بين الدار والمسجد، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: كل هذا ليس بحائل، فإن صلى في داره بصلاة الإمام في
المسجد صحت صلاته إذا علم صلاة الإمام.
دليلنا: إجماع الفرقة.
وروى حريز عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن صلى قوم وبينهم
وبين الإمام ما لا يتخطى فليس ذلك الإمام لهم بإمام، وأي صف كان أهله
يصلون بصلاة إمام وبينهم وبين الصف الذي يتقدمهم قدر ما لا يتخطى فليس
تلك لهم بصلاة، فإن كان بينهم سترة أو جدار فليس تلك لهم بصلاة إلا من
كان بحيال الباب - قال: وقال: - هذه المقاصير لم تكن في زمن أحد من الناس،
وإنما أحدثها الجبارون ليس لمن صلى خلفها مقتديا بصلاة من فيها صلاة.
مسألة 305: من صلى وراء الشبابيك لا تصح صلاته مقتديا بصلاة الإمام
الذي يصلي داخلها.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما وهو الأظهر عندهم مثل قولنا، والآخر أنه
يجوز.
230

دليلنا: ما قدمناه في المسألة الأولى سواء، والخبر صريح في المنع منه.
مسألة 306: كون الماء بين الإمام والمأموم ليس بحائل إذا لم يكن بينهما
ساتر من حائط وما أشبه ذلك، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: الماء حائل، وبه قال أبو سعيد الإصطخري من أصحاب
الشافعي.
ليلنا: إن كون ذلك مانعا يحتاج إلى دليل، وليس في الشرع ما يدل
عليه، وأخبار الجماعة والفضل فيها عامة في جميع الأحوال.
مسألة 307: لا يجوز أن يكون سفينة المأموم قدام سفينة الإمام، فإن
تقدمت في حال الصلاة لم تبطل الصلاة.
وللشافعي فيه قولان: قال في القديم يصح، وقال في الجديد لا يصح.
دليلنا: إن كون تقدم سفينة المأموم على سفينة الإمام مبطلا للصلاة يحتاج
إلى دليل، وليس في الشرع ما يدل عليه.
مسألة 308: إذا قلنا أن الماء ليس بحائل، فلا حد في ذلك إذا انتهى إليه
يمنع من الائتمام به إلا ما يمنع من مشاهدته والاقتداء بأفعاله.
قال الشافعي: يجوز ذلك إلى ثلاث مائة ذراع، فإن زاد على ذلك لا
يجوز.
دليلنا: إن تحديد ذلك يحتاج إلى شرع، وليس فيه ما يدل عليه.
مسألة 309: من سبق الإمام في ركوعه أو سجوده وتمم صلاته ونوى
مفارقته صحت صلاته سواء كان لعذر أو لغير عذر.
وقال أبو حنيفة: تبطل صلاته على كل حال.
231

وقال الشافعي: إن خرج لعذر لم تبطل صلاته، وإن خرج لغير عذر على
قولين:
قال أبو سعيد الإصطخري لا تبطل صلاته قولا واحدا كما قلناه.
ومنهم من قال: على قولين: أحدهما هذا، والثاني تبطل صلاته.
ونص الشافعي أنه قال: كرهته، ولم يبين أن عليه الإعادة.
دليلنا: إن إبطال صلاته بذلك يحتاج إلى دليل، وليس في الشرع ما يدل
عليه، والأصل الإباحة.
مسألة 310: لا يجوز الصلاة خلف الفاسق المرتكب للكبائر، من شرب
الخمر، والزنى، واللواط وغير ذلك.
وخالف جميع الفقهاء في ذلك إلا مالكا فإنه وافقنا في ذلك.
وحكى المرتضى عن أبي عبد الله البصري أنه كان يذهب إليه، ويحتج في
ذلك بإجماع أهل البيت، وكان يقول: إن إجماعهم حجة.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا الصلاة في الذمة بيقين، ولا تبرأ بيقين إذا صلى
خلف الفاسق.
وروى أحمد بن محمد عن سعد بن إسماعيل عن أبيه قال: قلت للرضا
عليه السلام: رجل يقارف الذنوب وهو عارف بهذا الأمر أصلي خلفه؟ قال: لا.
مسألة 311: يكره أن يؤم المسافر المقيم، والمقيم المسافر، وليس بمفسد
للصلاة، وبه قال أبو حنيفة.
وقال الشافعي: يجوز للمسافر أن يقتدي بالمقيم لأنه يلزمه التمام إذا صلى
خلفه، ويكره أن يصلي المقيم خلف المسافر كما قلناه.
دليلنا: إجماع الفرقة.
وأيضا روى الفضل بن عبد الملك عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا يؤم
232

الحضري المسافر، ولا المسافر الحضري، فإن ابتلي بشئ من ذلك فأم قوما
حاضرين فإذا أتم الركعتين سلم ثم أخذ بيد بعضهم فقدمه فأمهم، وإذا صلى
المسافر خلف المقيم فليتم صلاته ركعتين ويسلم، وإن صلى معهم الظهر فليجعل
الأولتين الظهر، والأخيرتين العصر.
مسألة 312: سبعة لا يؤمون الناس على كل حال: المجذوم، والأبرص،
والمجنون، وولد الزنى، والأعرابي بالمهاجرين، والمقيد بالمطلقين، وصاحب
الفالج بالأصحاء.
وقد ذكرنا الخلاف في ولد الزنى والمجنون لا خلاف أنه لا يؤم، والباقون
لم أجد لأحد من الفقهاء كراهية ذلك.
دليلنا: إجماع الفرقة.
وروى أبو بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: خمسة لا يؤمون الناس
على كل حال: المجذوم، والأبرص، والمجنون، وولد الزنى، والأعرابي.
وروى السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام عن أبيه قال: قال أمير المؤمنين
عليه السلام: لا يؤم المقيد المطلقين، ولا يؤم صاحب الفالج الأصحاء.
مسألة 313: يستحب للمرأة أن تؤم النساء فيصلين جماعة في الفرائض
والنوافل. وروي أيضا أنها تصلي بهن في النافلة خاصة. وبالأول قال الشافعي،
والأوزاعي، وأحمد، وإسحاق. وروي ذلك عن عائشة وأم سلمة.
وقال مالك: يكره ذلك لهن نفلا كان أو فرضا.
وقال النخعي: يكره في الفريضة دون النافلة.
وحكى الطحاوي عن أبي حنيفة أنه جائز غير أنه مكروه.
دليلنا: إجماع الفرقة.
وروى سماعة بن مهران قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المرأة تؤم
233

النساء؟ قال: لا بأس.
وروى عبد الله بن بكير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام في
الرجل يؤم المرأة قال: نعم، تكون خلفه - وعن المرأة تؤم النساء قال -: نعم،
تقوم وسطا بينهن ولا تتقدمهن.
مسألة 314: لا ينبغي أن يكون موضع الإمام أعلى من موضع المأموم إلا
بما يعتد به، فأما المأموم فيجوز أن يكون أعلى منه.
وقال الشافعي في الأم: له إذا أراد تعليم الصلاة أن يصلي على الموضع
المرتفع ليراه من ورائه، فيقتدي بركوعه وسجوده. وإن لم يكن بهم حاجة
فالمستحب أن يكونوا على مستو من الأرض.
وقال الأوزاعي: متى فعل هذا بطلت صلاته.
وقال أبو حنيفة: إن كان الإمام في موضع منخفض والمأموم أعلى منه جاز،
وإن كان الإمام على الموضع العالي فإن كان أعلى من القامة منع، وإن كان قامة
فما دون لم يمنع.
دليلنا: إجماع الفرقة.
وروى عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن الرجل
يصلي بقوم وهم في موضع أسفل من موضعه الذي يصلي فيه؟ فقال: إن كان
الإمام على شبة الدكان أو على موضع أرفع من موضعهم لم تجز صلاتهم، وإن
كان أرفع منهم بقدر إصبع أو أكثر أو أقل إذا كان الارتفاع بقدر مثله.
فإن كانت أرضا مبسوطة وكان في موضع منها ارتفاع فقام الإمام في
الموضع المرتفع وقام من خلفه أسفل منه والأرض مبسوطة إلا أنهم في موضع
منحدر؟
قال: لا بأس.
قال: وسئل: فإن قام الإمام في أسفل من موضع من يصلي خلفه؟ قال: لا
234

بأس وقال: فإن كان رجل فوق بيت أو دكان أو غير ذلك وكان الإمام يصلي
على الأرض أسفل منه جاز للرجل أن يصلي خلفه ويقتدي بصلاته وإن كان أرفع
بشئ كثير.
مسألة 315: وقت القيام إلى الصلاة عند فراع المؤذن من كمال الأذان،
وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: يجوز إذا قال المؤذن: حي على الصلاة، إن كان حاضرا،
وإن كان غائبا مثل قولنا.
دليلنا: ما اعتبرناه مجمع على جوازه وما اعتبروه ليس عليه دليل.
مسألة 316: وقت الإحرام بالصلاة حين يفرع المؤذن من كمال الإقامة،
وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: إذا بلغ المؤذن قد قامت الصلاة أحرم الإمام حينئذ.
دليلنا: إن ما ذكرناه لا خلاف أنه جائز، وما ذكروه ليس على جوازه
دليل.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما
يقول، فالظاهر أنه يتابع المؤذن في كل كلام الأذان حتى يفرع منه.
مسألة 317: ليس من شرط صلاة المأموم أن ينوي الإمام إمامته، رجلا
كان المأموم أو امرأة، وبه قال الشافعي.
وقال الأوزاعي: عليه أن ينوي إمامة من يأتم به رجلا كان المأموم أو امرأة.
وقال أبو حنيفة: ينوي إمامة النساء ولا يحتاج أن ينوي إمامة الرجال.
دليلنا: الأصل براءة الذمة، وكون هذه النية واجبة يحتاج إلى دليل،
وليس في الشرع ما يدل على ذلك، فوجب نفيه.
235

وروي عن ابن عباس أنه قال: بت عند خالتي ميمونة، فقام رسول الله
صلى الله عليه وآله فتوضأ، فوقف يصلي، فقمت فتوضأت، ثم جئت فوقفت على يساره،
فأخذ بيدي فأدارني من ورائه إلى يمينه ومعلوم من النبي صلى الله عليه وآله أنه ما
كان نوى إمامته.
مسألة 318: إذا ابتدى الإنسان بصلاة نافلة ثم أحرم الإمام بالفرض، نظر
فإن علم أنه لا يفوته الفرض معه أتم نافلته، وإن علم أنه تفوته الجماعة قطعها
ودخل في الفرض معه، وإن أحرم الإمام بالفريضة قبل أن يحرم بالنافلة فإنه يتبعه
بكل حال ويصلي النافلة بعد الفريضة، سواء كان الإمام في المسجد أو خارجا
منه، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: إن كان في المسجد مثل قولنا، وإن كان خارجا منه فإن
خاف فوت الثانية دخل معه كما قلناه، وإن لم يخف فواتها تمم الركعتين نافلة
ثم دخل المسجد فصلى معه.
دليلنا: أنه لا خلاف إن ما قلناه جائز، وليس على ما أجازوه دليل.
وروى أبو هريرة النبي صلى الله عليه وآله قال: إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة
إلا المكتوبة.
وروى سماعة بن مهران قال: سألته عن رجل كان يصلي، فخرج الإمام
وقد صلى الرجل ركعة من صلاة فريضة؟ قال: إن كان إماما عدلا فليصل أخرى
ولينصرف ويجعلها تطوعا، وليدخل مع الإمام في صلاته وإن لم يكن إمام عدل
فليبن على صلاته كما هو ويصلي ركعة أخرى يجلس فيها يقول: أشهد أن لا إله إلا
الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ثم ليتم صلاته معه على ما
استطاع، فإن التقية واسعة وليس شئ من التقية إلا وصاحبها مأجور عليها.
ووجه الدلالة من الخبر أنه أوجب إتمام الفرض ركعتين وأن يجعلها نافلة ثم
يقتدي بالإمام والنوافل بذلك أولى بالترك واللحاق، وقد ذكرنا الروايا ت في
236

هذا الباب في الكتاب الكبير.
237

كتاب صلاة المسافر
مسألة 319: سفر الطاعة واجبة كانت أو مندوبا إليها مثل الحج والعمرة
والزيارات وما أشبه ذلك فيه التقصير بلا خلاف، والمباح عندنا يجري مجراه
في جواز التقصير، وأما اللهو فلا تقصير فيه عندنا.
وقال الشافعي: يقصر في هذين السفرين.
وقال ابن مسعود: لا يجوز التقصير في هذين السفرين.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا قوله تعالى: وإذا ضربتم في الأرض فليس
عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة، فهذا عام في السفر المباح، والواجب،
والطاعة. ولا يلزمنا على ذلك سفر المعصية واللهو، لأنا أخرجنا ذلك بدليل
إجماع الفرقة المحقة.
وأيضا الأخبار التي رويت في وجوب التقصير عامة في جميع الأسفار، إلا ما
أخرجه الدليل.
مسألة 320: حد السفر الذي يكون فيه التقصير مرحلة، وهي ثمانية
فراسخ، بريدان، وهي أربعة وعشرون ميلا، وبه قال الأوزاعي.
وقال الشافعي: مرحلتان، ستة عشر فرسخا، ثمانية وأربعون ميلا، نص عليه
في البويطي.
238

ومنهم من قال: ستة وأربعون ميلا.
ومنهم من قال: زيادة على الأربعين ذكره في القديم.
وقال أصحابه: بين كل ميلين اثنا عشر ألف قدم، وبمذهبه قال ابن عمر،
وابن عباس، ومالك، والليث بن سعد، وأحمد، وإسحاق.
وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري: السفر الذي يقصر فيه ثلاث مراحل،
أربعة وعشرون فرسخا اثنان وسبعون ميلا، وروي ذلك عن ابن مسعود.
وقال داود: أحكام السفر يتعلق بالسفر الطويل والقصير.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا قوله تعالى: وإذا ضربتم في الأرض فليس
عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة، فالظاهر جواز التقصير في كل ما يسمى
سفرا إلا ما أخرجه الدليل وهو ما اعتبرناه، وما نقص عن الثمانية فراسخ فإنا
أخرجناه بإجماع الفرقة.
وأيضا قوله تعالى: ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر، ولم
يفرق، فوجب حمله على العموم، إلا ما أخرجه الدليل.
وأيضا روى العيص بن القاسم عن أبي عبد الله عليه السلام قال في التقصير:
حده أربعة وعشرون ميلا يكون ثمانية فراسخ.
مسألة 321: التقصير في السفر فرض وعزيمة، والواجب من هذه الصلوات
الثلاث: الظهر والعصر والعشاء الآخرة ركعتان، فإن صلى أربعا مع العلم وجب
عليه الإعادة.
وقال أبو حنيفة مثل قولنا إلا أنه قال: إن زاد على ركعتين فإن كان تشهد في
الثانية صحت صلاته، وما زاد على الثنتين يكون نافلة إلا أن يأتم بمقيم فيصلي
أربعا فيكون الكل فريضة أسقط بها الفرض.
والقول بأن التقصير عزيمة مذهب علي عليه السلام وعمر، وفي الفقهاء
مالك وأبي حنيفة وأصحابه.
239

وقال الشافعي: هو بالخيار بين أن يصلي صلاة السفر ركعتين وبين أن
يصلي صلاة الحضر أربعا فيسقط بذلك الفرض عنه.
وقال الشافعي: التقصير أفضل.
وقال المزني: والإتمام أفضل، وبمذهبه قال في الصحابة عثمان، وعبد الله بن
مسعود، وسعد بن أبي وقاص، وعائشة، وفي الفقهاء الأوزاعي، وأبو ثور.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا قوله تعالى: فمن كان منكم مريضا أو على
سفر فعدة من أيام أخر، فأوجب القضاء بنفس السفر والمرض. وكل من قال بأن
الفطر واجب لا يجوز غيره، قال في الصلاة مثله، فالفرق بين المسألتين مخالف
للإجماع.
وروى عمران بن الحصين قال: حججت مع النبي صلى الله عليه وآله فكان
يصلي ركعتين حتى ذهب، وكذلك مع أبي بكر، وكذلك مع عمر حتى ذهبا.
وقد ثبت أن أفعال النبي صلى الله عليه وآله على الوجوب، وأيضا فلو كان
التقصير رخصة لما عدل النبي صلى الله عليه وآله عن الفضل في الإتمام إلى
التقصير الذي هو الرخصة.
وروي عن عمر أنه قال: صلاة الصبح ركعتان وصلاة الجمعة ركعتان،
وصلاة الفطر ركعتان وصلاة السفر ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيكم.
وروى ابن عباس قال: فرض الله الصلاة على لسان نبيكم في السفر
ركعتين وفي الخوف ركعتين.
وروي عن عائشة قالت: فرضت الصلاة ركعتين ركعتين فأقرت صلاة
المسافر وزيد في صلاة الحضر.
وروى عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: الصلاة في السفر
ركعتان ليس قبلهما ولا بعدهما شئ إلا المغرب ثلاث.
وروى حذيفة بن منصور عن أبي جعفر عليه السلام وأبي عبد الله عليه السلام
أنهما قالا: الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما ولا بعد ما شئ.
240

وروى الحلبي قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام صليت الظهر أربع
ركعات وأنا في السفر؟ قال: أعدها.
مسألة 322: صلاة السفر لا تسمى قصرا، لأن فرض السفر مخالف لفرض
الحضر، وبه قال أبو حنيفة وكل من وافقنا في وجوب القصر.
وقال الشافعي: إنها تسمى قصرا.
دليلنا: إذا ثبت بما قدمناه أن الإتمام لا يجوز، فكل من قال بذلك قال أنه
فرض قائم بنفسه، فالقول بذلك مع تسميته قصرا خلاف الإجماع، والأخبار
التي قدمناها صريحة بذلك، وأنه فرض السفر.
مسألة 323: من صام في السفر الذي يجب فيه التقصير لم يجزئه، وعليه
الإعادة، وبه قال في الصحابة ستة: منهم عمر، وأبو هريرة.
وقال داود: يصح صيامه، ولكن عليه القضاء.
وقال أبو حنيفة والشافعي وغيرهما: إن شاء صام، وإن شاء أفطر، وإن صام
أجزأه.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا قوله تعالى: وإن كان مريضا أو على سفر
فعدة من أيام أخر، فأوجب صوم عدة الأيام بنفس السفر والمرض.
وإن قالوا: معناه فأفطر.
قلنا: ليس ذلك في الآية، فمن زاد ذلك فعليه الدلالة.
وأيضا إذا ثبت أن الإتمام لا يجوز في الصلاة على كل حال، ووجب منه
الإعادة، ولم يسمع فيه اجتهاد ثبت في الصوم لأن أحدا لم يفرق.
وأيضا روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: ليس من البر الصيام في
السفر.
وفي خبر آخر قال: الصائم في السفر كالمفطر في الحضر.
241

وتستوفي هذه المسألة في كتاب الصيام.
مسألة 324: إذا نوى السفر لا يجوز أن يقصر حتى يغيب عنه البنيان
ويخفى عنه أذان مصره أو جدران بلده، وبه قال جميع الفقهاء.
وقال عطاء: إذا نوى السفر جاز له القصر وإن لم يفارق موضعه.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا الصلاة في الذمة بيقين، ولا يجوز قصرها إلا
بيقين، وما ادعوه ليس عليه دليل، وما اعتبرناه مجمع عليه.
وأيضا قوله تعالى: وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا
من الصلاة، وهذا ما ضرب، فلا يجوز له القصر.
مسألة 325: إذا فارق بنيان البلد جاز له القصر، وبه قال جميع الفقهاء.
وقال مجاهد: إن سافر نهارا لم يقصر حتى يمسي، وإن سافر ليلا لم يقصر
حتى يصبح.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 326: المسافر إذا نوى المقام في بلد عشرة أيام وجب عليه التمام،
وإن نوى أقل من ذلك وجب عليه التقصير، وبه قال علي عليه السلام وابن
عباس، وإليه ذهب الحسن بن صالح بن حي.
وقال سعيد بن جبير: إن نوى مقام أكثر من خمسة عشر يوما أتم.
وعن ابن عمر ثلاث روايات:
إحديها: إن نوى مقام خمسة عشر يوما أتم، فجعل الحد خمسة عشر يوما،
وبه قال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه.
والثانية: قال: إن نوى مقام ثلاثة عشر يوما أتم، ولم يقل بهذا أحد.
والثالثة: إن نوى مقام اثني عشر يوما أتم، وعليه استقر مذهبه، وبه قال
242

الأوزاعي.
وقال الشافعي: إن نوى مقام أربعة سوى يوم دخوله وخروجه أتم، وإن
كان أقل قصر، وبه قال عثمان، وسعيد بن المسيب، وفي الفقهاء مالك، والليث
بن سعد، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور.
وقال ربيعة: إن نوى مقام يوم أتم.
وقال الحسن البصري: إن دخل بلدا فوضع رحله أتم.
وقالت عائشة: متى وضع رحله أتم أي موضع كان، فكأنها تذهب إلى
التقصير ما دام لم يحط الرحل، فمتى حط رحله أي موضع كان أتم، وإذا كانت
القافلة سائرة أو واقفة والرحل عليها لم يحط كان له التقصير، وإن حط لم يقصر.
دليلنا: إجماع الطائفة، وقد بينا أن إجماعها حجة.
وأيضا روى أبو بصير قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: إذا عزم الرجل أن
يقيم عشرا فعليه إتمام الصلاة، وإن كان في شك لا يدري ما يقيم فيقول اليوم أو
غدا فليقصر ما بينه وبين شهر، فإن أقام بذلك البلد أكثر من شهر فليتم الصلاة.
مسألة 327: إذا أقام في بلد ولا يدري كم يقيم، له أن يقصر ما بينه وبين
شهر، فإن زاد عليه وجب عليه التمام.
وقال الشافعي: له أن يقصر إذا لم يعزم على مقام شئ بعينه ما بينه وبين
سبعة عشر يوما، فإن زاد على ذلك كان على قولين: أحدهما أنه يقصر أبدا،
والثاني أنه يتم.
وقال أبو إسحاق: يقصر ما بينه وبين أربعة أيام، فإن زاد على ذلك كان على
قولين: أحدهما يتم، والثاني: يقصر أبدا إلى أن يعزم أربعة أيام.
وقال أبو حنيفة: له أن يقصر أبدا إلى أن يعزم ما يجب معه التمام.
دليلنا: إجماع الفرقة، فإنهم لا يختلفون فيه، وحديث أبي بصير في المسألة
الأولى تضمن ذلك صريحا، فلا وجه لإعادته.
243

مسألة 328: إذا حاصر الإمام بلدا وعزم على أن يقيم عشرا وجب عليه
وعلى من علق عزمه بعزمه التمام.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل قولنا، والآخر أن عليه التقصير أبدا، وبه
قال أبو حنيفة، واختاره المزني.
دليلنا: إجماع الفرقة، لأن الأخبار التي وردت في أن من عزم على المقام
عشرة أيام وجب عليه التمام عامة في المحارب وغيره، فوجب حملها على العموم.
وأيضا قوله تعالى: وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا.
وهذا ليس بضارب، فوجب أن لا يجوز له التقصير، ولا يلزمنا في من لم يعزم،
لأنا لو خلينا والظاهر لقلنا بذلك، لكن خصصناه بدليل.
مسألة 329: البدوي الذي ليس له دار مقام وإنما هو سيار ينتقل من موضع إلى
موضع طلبا للمرعى والخصب، ويتبع مواضع القطر يجب عليه
التمام.
وقال الشافعي: إذا سار سفرا يقصر في مثله قصر.
دليلنا: إجماع الفرقة.
وأيضا روى إسماعيل بن أبي زياد عن أبي عبد الله عليه السلام عن أبيه عليه السلام عن علي
عليه السلام قال: سبعة لا يقصرون الصلاة: الأمير الذي يدور في
إمارته، والجابي الذي يدور في جبايته، والتاجر الذي يدور في تجارته من سوق
إلى سوق، والبدوي الذي يطلب مواضع القطر ومنبت الشجر، والراعي،
والمحارب الذي يخرج لقطع السبل، والذي يطلب الصيد يريد به لهو الدنيا.
مسألة 330: يستحب الإتمام في أربعة مواضع: مكة، والمدينة، ومسجد
الكوفة، والحائر على ساكنه السلام.
ولم يخص أحد من الفقهاء موضعا باستحباب الإتمام فيه.
244

دليلنا: إجماع الفرقة المحقة، وقد أوردنا من الأخبار ما فيه كفاية في كتاب
تهذيب الأحكام.
وروى حماد بن عيسى عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من مخزون علم الله
الإتمام في أربعة مواطن: حرم الله، وحرم رسوله، وحرم أمير المؤمنين، وحرم
الحسين بن علي عليه السلام.
وروى زياد القندي قال: قال أبو الحسن عليه السلام: يا زياد أحب لك ما
أحبه لنفسي وأكره لك ما أكرهه لنفسي، أتم الصلاة بالحرمين، وبالكوفة، وعند
قبر الحسين عليه السلام.
مسألة 331: الوالي الذي يدور في ولايته يجب عليه التمام.
وقال الشافعي: إذا اجتاز بموضع ولايته وجب عليه التقصير، وإذا دخل بلد
ولايته بنية الاستيطان بها والتمام أتم.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا خبر السكوني الذي قدمناه صريح في ذلك.
والأخبار في هذا المعنى أوردناها في الكتاب الكبير.
مسألة 332: إذا خرج إلى السفر وقد دخل الوقت، إلا أنه مضى مقدار ما
يصلي فيه الفرض أربع ركعات جاز له التقصير، ويستحب له الإتمام.
وقال الشافعي: إن سافر بعد دخول الوقت، فإن كان مضى مقدار ما يمكنه
أن يصلي فيه أربعا كان له التقصير. قال: وهذا قولنا وقول الجماعة إلا المزني فإنه
قال: عليه الإتمام ولا يجوز له التقصير.
دليلنا: قوله تعالى: وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا
من الصلاة، ولم يخص، وهذا ضارب، فيجب أن يجوز له التقصير.
وأيضا فقد ثبت أن الوقت ممتد، وإذا لم يفت الوقت جاز له التقصير.
وروى إسماعيل بن جابر قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام يدخل علي
245

وقت الصلاة وأنا في السفر فلا أصلي حتى أدخل أهلي؟ قال: صل وأتم الصلاة
قلت: يدخل علي وقت الصلاة وأنا في أهلي أريد السفر فلا أصلي حتى أخرج؟
قال: صل وقصر فإن تفعل فقد والله خالفت رسول الله صلى الله عليه وآله.
وأما الاستحباب الذي قلناه فلما رواه بشير النبال قال خرجت مع أبي
عبد الله عليه السلام حتى أتينا الشجرة فقال لي أبو عبد الله عليه السلام: يا نبال
قلت: لبيك قال: إنه لم يجب على أحد من أهل هذا العسكر أن يصلي أربعا
غيري وغيرك وذلك أنه دخل وقت الصلاة قبل أن نخرج.
فلما اختلفت الأخبار حملنا الأول على الإجزاء، وهذا على الاستحباب.
مسألة 333: إذا سافر وقد بقي من الوقت مقدار ما يمكنه أن يصلي فيه
أربع ركعات، فالحكم فيه مثل الحكم في المسألة الأولى، وبه قال الجميع.
وقال المزني: ليس له التقصير، وتابعه أبو الطيب بن سلمة.
دليلنا: على ذلك ما قدمناه في المسألة الأولى.
مسألة 334: إذا بقي من الوقت ما يمكن أن يصلي فيه ركعة أو ركعتين فيه
خلاف بين أصحابنا، منهم من يقول: أن الصلاة تكون أداء، ومنهم من يقول: إن
بعضها أداء وبعضها قضاء. والأول أظهر. فعلى هذا إذا سافر في هذا الوقت وجب
عليه التقصير، لأنه لحق الوقت وهو مسافر، وعلى الوجه الآخر لا يجوز له التقصير
لأنه غير مؤد لجميع الصلاة في الوقت.
واختلف أصحاب الشافعي مثل ما قلناه فقال ابن خيران: أن الكل أداء،
فعلى هذا قالوا له التقصير، وقال أبو إسحاق وغيره: بعضها قضاء وبعضها أداء،
فعلى هذا لا يجوز له التقصير.
دليلنا: على ما اخترناه قوله تعالى: وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم
جناح أن تقصروا من الصلاة، وهذا ضارب في الأرض فيجب عليه التقصير.
246

وأيضا قد بينا فيما مضى أن من لحق ركعة في الوقت فقد لحق الوقت، وإذا
ثبت ذلك جاز له التقصير على ما بيناه.
مسألة 335: القصر لا يحتاج إلى نية القصر، بل يكفي فيه فرض الوقت،
وبه قال أبو حنيفة.
وقال الشافعي: لا يجوز القصر إلا بثلاثة شروط: أن يكون سفرا يقصر فيه
الصلاة، وأن ينوي القصر مع الإحرام، وأن تكون الصلاة أداء لا قضاء. فإن لم ينو
القصر مع الإحرام لم يجز له القصر.
وقال المزني: إن نوى القصر قبل السلام جاز له القصر.
دليلنا: أنه قد ثبت بما دللنا عليه إن فرضه التقصير، وإذا ثبت ذلك لم
يحتج إلى نية القصر، ويكفي أن ينوي فرض الوقت، فإن فرض الوقت لا يكون
إلا مقصورا.
وأيضا الأصل براءة الذمة، فمن أوجب عليه هذه النية فعليه الدلالة.
مسألة 336: إذا أحرم المسافر بالظهر بنية مطلقة أو بنية التمام من غير أن
ينوي المقام عشرا لم يلزمه، ووجب عليه التقصير.
وقال جميع أصحاب الشافعي أنه يلزمه التمام.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا بينا أن فرض المسافر التقصير، فإذا نوى
التمام من غير مقام عشرة أيام فقد نوى غير ما هو فرضه فلم يجزئه.
وأيضا فقد اتفقنا على أن له التقصير قبل هذه النية، فمن ادعى وجوب التمام
عند حدوثها فعليه الدلالة.
مسألة 337: إذا صلى بنية التمام، أو بنية مطلقة من غير أن يعزم المقام
عشرة أيام، ثم أفسد صلاته، لم يجب عليه إعادتها على التمام.
247

وقال جميع أصحاب الشافعي: يلزمه إعادتها على التمام.
وقال المزني: هو بالخيار بين التقصير والتمام.
دليلنا: أن هذه المسألة فرع على المسألة التي قبلها، فإذا ثبت تلك ثبت
هذه، لأن أحد لا يفرق بينهما.
مسألة 338: إذا أحرم المسافر خلف المقيم لا يلزمه التمام، بل عليه
التقصير، فإذا صلى لنفسه فرضه سلم، سواء أدركه في أول صلاته أو في آخرها.
وقال كل من جعل المسافر بالخيار بين التقصير والتمام ومن أوجب عليه
التقصير أنه يلزمه التمام سواء أدركه في أول الصلاة أو في آخرها، إلا الشعبي
وطاووس فإنهما قالا: له القصر وإن كان إمامه متما.
وقال مالك: إن أدرك معه ركعة أتم، وإن كان أقل منها كان له القصر.
دليلنا: قوله تعالى: إذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا
من الصلاة، وهذا ضارب في الأرض.
وأيضا فقد بينا إن فرض المسافر القصر، ولا يلزمه التمام إلا مع نية المقام
عشرا، وهذا لم ينو المقام عشرا، فلا يلزمه التمام.
مسألة 339: من ترك صلاة في السفر ثم ذكرها في الحضر قضاها صلاة
المسافر.
وللشافعي فيه قولان:
قال في الأم: عليه الإتمام، وبه قال الأوزاعي.
وقال في الإملاء: له القصر، وبه قال مالك وأبو حنيفة، غير أنهما قالا:
التقصير حتم وعزيمة مثل قولنا.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا فإن القضاء تابع للمقضي ويجب مثله في
صورته وكيفيته، وإذا بينا أن فرض المسافر القصر فالقضاء مثله.
248

وأيضا فإن أحدا لم يفرق بين المسألتين.
وأيضا روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: من نام عن صلاة أو نسيها
فليصلها إذا ذكرها، فذلك وقتها وقوله: فليصلها، فالهاء كناية عن التي تركها،
والتي تركها ركعتان.
وروى زرارة قال: قلت له عليه السلام: رجل فاتته صلاة في السفر فذكرها
في الحضر؟ قال: يقضي ما فاته كما فاته، إن كانت صلاة السفر أداها في الحضر
مثلها، وإن كانت صلاة الحضر فليقضها في السفر صلاة الحضر.
مسألة 340: إذا ترك صلاة في السفر فذكرها في سفر قضاها صلاة السفر
سواء كان ذلك السفر أو غيره.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل قولنا، والآخر أنه يقضيها صلاة المقيم
فالمسألة مشهورة بالقولين.
دليلنا: ما ذكرناه في المسألة الأولى سواء، وأيضا فإذا ثبت أنه يلزمه القصر
في الحضر فكذلك في السفر، لأن أحدا لم يفرق.
مسألة 341: إذا دخل المسافر في الصلاة بنية القصر، ثم عن له نية المقام
وقد صلى ركعة تمم صلاة المقيم ولا يبطل ما صلى بل يبني عليه، وبه قال
الشافعي.
وقال مالك: إن كان صلى ركعة أضاف إليها أخرى وصارت الصلاة
نافلة.
دليلنا: ما رويناه من أن من نوى المقام عشرا كان عليه التمام، ولم يفرقوا
بين من يكون صلى بعض الصلاة وبين من لم يصل شيئا أصلا، فوجب حملها
على عمومها.
249

مسألة 342: إذا نوى في خلال الصلاة التمام لزمه التمام على ما قلناه، فإن
كان إماما تمم صلاته، والمأمومون إن كانوا مسافرين كان عليهم التقصير ولا
يلزمهم التمام، وبه قال مالك.
وقال الشافعي: يلزمهم التمام.
دليلنا: ما قدمناه من أنه يجوز للمسافر أن يصلي خلف المقيم ولا يلزمه
التمام، والشافعي إنما بناه على أصله في أن المسافر إذا صلى خلف المقيم لزمه
التمام، وقد بينا فساده، فالكلام على المسألتين واحد.
مسألة 343: إذا أحرم مسافر بمسافرين ومقيمين فأحدث الإمام فاستخلف
مقيما أتم ولا يلزم من خلفه من المسافرين الإتمام، وبه قال أبو حنيفة.
وقال الشافعي: يلزمهم التمام.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى، فإن هذه فرع عليها.
مسألة 344: من صلى في السفينة وأمكنه أن يصلي قائما وجب عليه القيام،
واقفة كانت السفينة أو سائرة، وبه قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد.
وقال أبو حنيفة: هو بالخيار بين أن يصلي قائما أو قاعدا.
دليلنا: أنه لا خلاف أن فرض الصلاة قائما، فمن ادعى سقوط القيام في
هذه الحال فعليه الدلالة.
وأيضا روى عمران بن الحصين أن النبي صلى الله عليه وآله قال: صل قائما فإن لم تستطع فجالسا،
فإن لم تستطع فعلى جنب، ولم يفرق.
مسألة 345: إن أحرم المسافر خلف مقيم عالما به أو ظانا له أو لا يعلم
حاله نوى لنفسه التقصير، وكذلك إن نوى خلف مسافر عالما بحاله أو ظانا
لسفره لزمه التقصير في الأحوال كلها.
250

وقال الشافعي في المسائل كلها: يلزمه التمام، وإن بان له أنه كان مسافرا
وقصر الإمام لزم المأموم التمام، وإن علمه مسافرا أو غلب على ظنه ذلك نوى
القصر، فإن سلم في الركعتين تبعه، وإن صلى أربعا تماما فعليه الإتمام، وإن
أحدث الإمام وانصرف فإن أخبر أنه نوى القصر أو التمام عمل على ما أخبر، وإن
لم يخبر غير أنه عاد فصلى ركعتين أو أربعا عمل على ما شاهد، فإن قصر قصر،
وإن أتم فعليه التمام.
واختلف أصحابه فقال أبو إسحاق: عليه الإتمام، وقال أبو العباس: له القصر
غير أنه قال: إن أحدث المأموم فخرج فتوضأ لزمه التمام لأنه خفي عليه حال
الإمام.
دليلنا: ما قدمناه من أن المسافر إذا صلى خلف مقيم لم يلزمه التمام، وهذه
المسائل فرعها الشافعي وأصحابه على أصلهم، أن المسافر إذا صلى خلف مقيم
كان عليه التمام، وقد أبطلناه.
مسألة 346: إذا سافر إلى بلد له طريقان أحدهما يجب فيه التقصير، والآخر
لا يجب فيه التقصير، فقصد الأبعد لغرض أو لغير غرض كان عليه التقصير.
وقال الشافعي: إن سلك الأبعد لغرض صحيح ديني أو دنيوي كان له
التقصير، وإن كان لغير غرض فيه قولان: أحدهما: ليس له التقصير، وقال في
الأم والقديم له القصر، وبه قال أبو حنيفة، وهو اختيار المزني مثل ما قلناه.
دليلنا: كل ما دل على وجوب القصر في السفر إذا كان مباحا أو طاعة
يتناول هذا الموضع لأنه على عمومه مثل قوله تعالى: وإذا ضربتم في الأرض
فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة، وهذا ضارب ولم يفصل، وكذلك
عموم الأخبار.
مسألة 347: إذا صلى المسافر بنية القصر، فسها، فصلى أربعا، فإن كان
251

الوقت باقيا كان عليه الإعادة، وإن خرج الوقت لا إعادة عليه.
وقال الشافعي: هو كمن صلى الفجر أربعا ساهيا إن ذكر قبل التسليم سجد
للسهو، وإن لم يذكر إلا بعد السلام، فإن تطاول فعلى قولين، وإن لم يتطاول
سجد للسهو.
دليلنا: إجماع الفرقة.
وروى عيص بن القاسم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن رجل
صلى وهو مسافر فأتم؟ قال: إن كان في الوقت فليعد، وإن كان الوقت قد مضى
فلا.
وأيضا الذمة مشغولة بيقين، فلا تبرأ إلا بيقين، وليس هاهنا يقين إذا سجد
سجدتي السهو ولم يعد.
مسألة 348: المسافر تسقط عنه نوافل النهار، ولا تسقط عنه نوافل الليل.
وقال الشافعي: يجوز ألا يتنفل ولم يميز.
وفي الناس من قال: ليس له أن يتنفل أصلا.
دليلنا: إجماع الفرقة.
وأيضا روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه كان يوتر على الراحلة في
السفر، وأنه كان يتنفل على الراحلة في السفر حيثما توجهت به راحلته.
مسألة 349: المسافر في معصية لا يجوز له أن يقصر، مثل أن يخرج
لقطع طريق، أو لسعاية بمسلم، أو معاهد، أو قاصدا لفجور، أو عبد آبق من
مولاه، أو زوجة هربت من زوجها، أو رجل هرب من غريمه مع القدرة على أداء
حقه ولا يجوز له أن يفطر ولا أن يأكل ميتة، وبه قال الشافعي، ومالك، وأحمد،
وإسحاق، وزادوا المنع من الصلاة على الراحلة، والمسح على الخفين ثلاثا،
والجمع بين الصلاتين.
252

وقال قوم: سفر المعصية كسفر الطاعة في جواز التقصير سواء، ذهب إليه
الأوزاعي، والثوري، وأبو حنيفة وأصحابه.
دليلنا: إجماع الفرقة فإنهم لا يختلفون في ذلك.
وأيضا العبادة ثابتة في الذمة ولا يجوز إسقاطها إلا بدليل، وليس هنا ما
يقطع على ما قالوه.
وأيضا قوله تعالى: حرمت عليكم الميتة - إلى قوله - فمن اضطر في مخمصة
غير متجانف لإثم، فحرم أكل الميتة على كل حال إلا ما استثني بشرط أن لا
يكون متجانفا لإثم، وهذا متجانف لإثم.
ومثله قوله تعالى: فمن اضطر غير باع ولا عاد، وهذا عاد، فيجب أن لا
يجوز له أكله.
وروى الحسن بن محبوب عن أبي أيوب عن عمار بن مروان عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: سمعته يقول: من سافر قصر وأفطر إلا أن يكون رجلا سفره في
الصيد، أو في معصية الله، أو رسولا لمن يعصي الله، أو في طلب شحناء، أو سعاية
ضرر على قوم من المسلمين.
مسألة 350: إذا سافر للصيد بطرا أو لهوا لا يجوز له التقصير.
وخالف جميع الفقهاء في ذلك.
دليلنا: إجماع الفرقة.
وروى زرارة قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عمن يخرج من أهله بالصقور
والكلاب يتنزه الليلة والليلتين والثلاث هل يقصر من صلاته أم لا؟ فقال: لا يقصر
إنما خرج في لهو.
مسألة 351: يجوز الجمع بين الصلاتين، بين الظهر والعصر، وبين
المغرب والعشاء الآخرة، في السفر والحضر وعلى كل حال. ولا فرق بين أن
253

يجمع بينهما في وقت الأولة منهما أو في وقت الثانية، لأن الوقت مشترك بعد
الزوال وبعد المغرب على ما بيناه.
وقال الشافعي: كل من جاز له القصر جاز له الجمع بين الصلاتين، وهو
بالخيار بين أن يصلي الظهر والعصر في وقت الظهر، أو يصليهما في وقت العصر،
وكذلك في المغرب والعشاء الآخرة، ويمتزج الوقتان معا فيصيران وقتا لهما،
فأي وقت أحب جمع بينهما من حين تزول الشمس إلى خروج وقت العصر،
وهكذا يجمع بين المغرب والعشاء الآخرة أي وقت شاء من حين تغيب الشمس
إلى خروج وقت العشاء.
هذا هو الجائز، والأفضل إن سافر قبل الزوال أن يؤخر الظهر إلى وقت
العصر يجمع بينهما في وقت العصر، وإن زالت الشمس وهو في المنزل جمع
بينها وبين العصر في وقت الظهر، وبه قال مالك، وأحمد، وإسحاق.
وقال أبو حنيفة لا يجوز الجمع بينهما بحال لأجل السفر، لكن يجب
الجمع بينهما بحق النسك، فكل من أحرم بالحج قبل الزوال من يوم عرفة، فإذا
زالت الشمس جمع بين الظهر والعصر في وقت الظهر، ولا يجوز أن يجمع بينهما
في وقت العصر، وجمع بين المغرب والعشاء بمزدلفة في وقت العشاء، فإن
صلى المغرب في وقتها المعتاد أعاد، سواء كان الحاج مقيما من أهل مكة أو
مسافرا من غيرها من تلك النواحي، فلا جمع إلا بحق النسك.
دليلنا: إجماع الفرقة فإنهم لا يختلفون في ذلك.
وروي عن ابن عباس أنه قال: ألا أخبركم بصلاة رسول الله
صلى الله عليه وآله في السفر؟ كان إذا زالت الشمس وهو في منزله جمع بين الظهر والعصر في
الزوال، وإذا سافر قبل الزوال أخر الظهر حتى يجمع بينها وبين العصر في وقت
العصر.
وروى ابن شهاب عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا
ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر، ثم نزل فجمع بينهما،
254

وإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر ثم ركب.
وقد روي الجمع بين الصلاتين عن علي عليه السلام، وابن عمر، وابن
عباس وأبي موسى الأشعري، وجابر، وسعد بن أبي وقاص، وعائشة وغيرهم.
وروى الفضيل، وزرارة، وغيرهما عن أبي جعفر عليه السلام إن رسول الله
صلى الله عليه وآله جمع بين الظهر والعصر بأذان وإقامتين، وبين المغرب
والعشاء بأذان وإقامتين.
مسألة 352: إذا أراد أن يجمع بين الظهر والعصر في وقت العصر فلا يبدأ
إلا بالظهر أولا ثم بالعصر.
وقال الشافعي: يجوز له أن يبدأ بالعصر ثم بالظهر.
دليلنا: إجماع الفرقة، ولأنه لا خلاف إذا بدأ بالظهر أن تبرأ ذمته، وليس
على براءتها دليل إذا قدم العصر، فوجب البداءة بالظهر.
مسألة 353: يجوز الجمع بين الصلاتين في الحضر أيضا.
وقال الشافعي: يجمع بينهما في المطر فحسب، وبه قال مالك إلا أنه قال:
يجمع بين المغرب والعشاء ولا يجمع بين الظهر والعصر، وأجاز ذلك
الشافعي، وقال أبو حنيفة: لا يجوز ذلك على حال.
دليلنا: ما قدمناه من إجماع الفرقة، والأخبار المذكورة في هذا الباب.
وما قدمناه أيضا من أن وقتهما واحد إلا أن الظهر قبل العصر والمغرب قبل
العشاء الآخرة يدل عليه أيضا.
وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله جمع بين
المغرب والعشاء من غير خوف ولا سفر.
وروى سعيد بن جبير أيضا عن ابن عباس من غير طريق أبي الزبير أن النبي
صلى الله عليه وآله جمع بين المغرب والعشاء من غير خوف ولا مطر.
255

مسألة 354: يجوز الجمع بين الصلاتين على ما قلناه، سواء كان في
مسجد الجماعات أو في البيت.
وقال الشافعي في الموضع الذي أجاز فيه الجمع في المساجد: يجوز قولا
واحدا، وفي البيت على قولين: قال في الإملاء: يجوز، وقال في الجديد: لا يجوز.
وهكذا القولان إذا كان الطريق إلى المسجد تحت ساباط لا يناله المطر إذا
خرج إلى المسجد فهو على قولين أيضا.
دليلنا: إجماع الفرقة، وعموم الأخبار الواردة في هذا المعنى، وليس فيها
تخصيص.
256

كتاب الجمعة
مسألة 355: من كان مقيما في بلد من تاجر، أو طالب علم، وغير ذلك
وفي عزمه متى انقضت حاجته الخروج، فإنه تجب عليه الجمعة بلا خلاف،
وعندنا أنه تنعقد به الجمعة.
واختلف أصحاب الشافعي في صحة انعقادها به، فذهب ابن أبي هريرة إلى
أنه تنعقد به مثل قولنا، وقال أبو إسحاق: لا تنعقد لأنه غير مستوطن. وحكي عنه
أنه قال: لا تنعقد بي الجمعة لأني ما استوطنت بغداد، فإني على الخروج متى اتفق
لي الخروج إلى مصر والشام.
دليلنا: إجماع الفرقة، وعموم الأخبار الواردة بوجوب الجمعة، فإنها
متناولة لهم.
وأيضا فلا خلاف بين الأمة في وجوب الجمعة على كل أحد، وإنما يخرج
بعضهم بدليل، مثل العليل، والمسافر، والمرأة ومن أشبههم. وكذلك من تجب
عليه تنعقد به إلا من أخرجه الدليل.
وأيضا روى جابر أن النبي صلى الله عليه وآله قال: من كان يؤمن بالله
واليوم الآخر فعليه الجمعة يوم الجمعة إلا مريض أو مسافر أو امرأة أو صبي أو
مملوك.
والأخبار الواردة في عدد من ينعقد بهم الجمعة يتناول هؤلاء.
257

مسألة 356: إذا كان قوم في قرية العدد الذين ينعقد بهم الجمعة وهم
سبعة أحدهم الإمام، أو الخمسة على الاختلاف بين أصحابنا، وجب عليهم
الجمعة، وانعقدت بهم.
وقال الشافعي: إذا كانوا أربعين انعقدت بهم ووجب عليهم إقامتها في
موضعهم.
وقال أبو حنيفة: لا جمعة على أهل السواد.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا الأخبار الواردة في عدد من يتعلق بهم الجمعة
عامة في أهل السواد والبلد، فوجب حملها على العموم.
مسألة 357: من كان على رأس فرسخين فما دون، يجب عليه حضور
الجمعة إذا لم يكن فيهم العدد الذي ينعقد بهم الجمعة، فإن كان على أكثر من
ذلك لا يجب عليه الحضور.
وقال أبو حنيفة: إذا كان خارج البلد لم يجب عليه الحضور وإن كان على
قرب.
قال محمد: قلت لأبي حنيفة: تجب الجمعة على أهل زبارا بالكوفة؟ فقال: لا
وبين زبارا وبين الكوفة الخندق، وهي قرية بقرب الكوفة.
وقال الشافعي: إذا كانوا بحيث يبلغهم النداء من طرف البلد الذي يليهم،
وكان المؤذن صيتا، وكانت الأصوات صامتة، والريح ساكنة، وليسوا بأصم
المستمعين، وجب عليهم الحضور، وإلا لم يجب الحضور، لكن لو تكلفوها
وحضروها في المصر جاز ذلك، وبه قال عبد الله بن عمر، وسعيد بن المسيب،
وأحمد بن حنبل.
وقال الأوزاعي: إن كانوا على مسافة يحضرون البلد ويرجعون إلى وطنهم
بالليل لزمهم الحضور، وإن كانوا أبعد لم يجب عليهم الحضور، وبه قال في
الصحابة ابن عمر، وأنس، وأبو هريرة.
258

وقال عطاء: إن كانوا على عشرة أميال وجب عليهم الحضور، وإن كانوا
على أكثر من ذلك لم يجب عليهم.
وقال الزهري: إن كانوا على ستة أميال حضروا، وإن كانوا على أكثر لم
يجب عليهم، وهذا مثل مذهبنا.
وقال ربيعة: إن كانوا على أربعة أميال حضروا، وإن كانوا على أكثر لم
يجب عليهم.
وقال الليث ومالك إن كانوا على ثلاثة أميال حضروا وإن كانوا على أكثر
لم يحضروا.
دليلنا: إجماع الفرقة.
وأيضا روى زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: فرض الله عز وجل على
الناس من الجمعة إلى الجمعة خمسا وثلاثين صلاة، منها صلاة واحدة فرضها الله
تعالى في جماعة وهي الجمعة ووضعها عن تسعة: عن الصغير والكبير والمجنون
والمسافر والعبد والمرأة والمريض والأعمى ومن كان على رأس فرسخين.
وروى محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الجمعة؟
فقال: تجب على من كان منها على رأس فرسخين، فإن زاد على ذلك فليس عليه
شئ.
مسألة 358: الجمعة واجبة على أهل القرى والسواد كما تجب على أهل
الأمصار إذا حصل العدد الذي تنعقد بهم الجمعة، وبه قال الشافعي وإن خالفنا في
العدد، وبه قال في الصحابة ابن عمر، وابن عباس، وفي الفقهاء مالك، وأحمد،
وإسحاق.
وقال مالك كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله يصلون الجمعة
في هذه القرى التي بين مكة والمدينة.
وقال أبو حنيفة: لا تجب على أهل السواد، وإنما تجب على أهل الأمصار.
259

وقال أبو يوسف: المصر ما كان فيه سوق وقاض يستوفي الحقوق ووال
يستوفي الحدود، قال: فإن سافر الإمام، فدخل قرية، فإن كان أهلها يقيمون
الجمعة صلى الجمعة وإلا لم يصلها.
وتحقيق الخلاف معهم هل تصح الجمعة من أهل السواد أم لا؟ فإن تحقيق
مذهبهم في الوجوب أنها لا تجب على أهل المصر لأنهم قالوا: إن صلى الإمام يوم
الجمعة بعد الزوال ظهرا أربعا أساء وأجزأه، فلا معنى للكلام معهم في الوجوب
في أهل القرى والسواد.
دليلنا: إجماع الفرقة فإنهم أجمعوا على أن سبعة نفر تجب عليهم الجمعة،
ومنهم من يقول بالخمسة، ولم يفرقوا بين أهل المصر وبين أهل السواد، وأخبارهم
عامة، فوجب حملها على عمومها.
وروى محمد بن مسلم عن أحدهما عليه السلام قال: سألته عن أناس في
قرية هل يصلون الجمعة جماعة؟ قال: نعم، ويصلون أربعا إذا لم يكن من
يخطب، فدل على أنه إذا كان لهم من يخطب صلوا الجمعة.
وروى الفضل بن عبد الملك قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إذا
كان قوم في قرية صلوا الجمعة أربع ركعات، فإن كان لهم من يخطب بهم
جمعوا إذا كانوا خمسة نفر، وإنما جعلت ركعتين لمكان الخطبتين.
وأيضا قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا
إلى ذكر الله، وهذا عام في كل موضع.
وروي عن ابن عباس أنه قال: أول جمعة جمعت في الإسلام بعد جمعة في
مسجد النبي صلى الله عليه وآله بالمدينة جمعة جمعت بجؤاثا قرية من قرى
البحرين، وهذا نص.
مسألة 359: تنعقد الجمعة بخمسة نفر جوازا، وبسبعة تجب عليهم.
وقال الشافعي: لا تنعقد بأقل من أربعين من أهل الجمعة وبه قال عبيد الله
260

بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وعمر بن عبد العزيز من التابعين، وفي الفقهاء أحمد
وإسحاق.
وقال ربيعة تنعقد باثني عشر نفسا، ولا تنعقد بأقل منهم.
وقال الثوري وأبو حنيفة ومحمد: تنعقد بأربعة: إمام وثلاثة معه، ولا تنعقد
بأقل منهم.
وقال الليث بن سعد وأبو يوسف: تنعقد بثلاثة، ثالثهم الإمام، ولا تنعقد
بأقل منهم، لأنه أقل الجمع.
وقال الحسن بن صالح بن حي: تنعقد باثنين، قال الساجي: ولم يقدر
مالك في هذا شيئا.
دليلنا: إجماع الفرقة.
وروى محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: تجب الجمعة على
سبعة نفر من المسلمين ولا تجب على أقل منهم: الإمام، وقاضيه،
والمدعي حقا، والمدعى عليه، والشاهدان، والذي يضرب الحدود بين يدي الإمام.
وأما الجواز فقد روى أبو العباس الفضل بن عبد الملك عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: أدنى ما يجزئ في الجمعة سبعة أو خمسة أدناه.
وروى منصور عن أبي عبد الله عليه السلام قال: يجمع القوم يوم الجمعة إذا
كانوا خمسة فما زادوا فإن كانوا أقل من خمسة فلا جمعة لهم.
وروى ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا يكون الجمعة ما لم
يكن القوم خمسة.
وروى زرارة قال: كان أبو جعفر عليه السلام يقول: لا تكون الخطبة
والجمعة وصلاة ركعتين على أقل من خمسة رهط الإمام وأربعة.
مسألة 360: إذا انعقدت الجمعة بالعدد المراعي في ذلك وكبر الإمام
تكبيرة الإحرام ثم انفضوا لا نص لأصحابنا فيه، والذي يقتضيه مذهبهم أنه لا
261

تبطل الجمعة سواء انفض بعضهم أو جميعهم حتى لا يبقى إلا الإمام فإنه يتم
الجمعة ركعتين.
وللشافعي خمسة أقوال:
أحدها: العدد شرط في الابتداء والاستدامة، فمتى انفض منهم شئ أتمها
ظهرا، وهو أصح الأقوال عندهم، وبه قال زفر.
والثاني: إن بقي وحده أتمها جمعة كما قلناه، وأومأ الجرجاني إلى أنه
مذهب أبي يوسف ومحمد.
والثالث: إن بقي معه واحد أتمها جمعة.
والرابع: إن بقي معه اثنان أتمها جمعة.
والخامس: ينظر، فإن انفضوا بعد أن صلى ركعة أتمها جمعة، وإن كان قبل
أن يصلي ركعة أتمها ظهرا أربعا، وبه قال أبو حنيفة والمزني.
دليلنا: إجماع الفرقة، وإنه قد دخل في صلاة الجمعة وانعقدت بطريقة
معلومة، فلا يجوز إبطالها إلا بيقين، ولا دليل على شئ من هذه الأقوال، فيجب
العمل على ما قلناه.
مسألة 361: إذا دخل في الجمعة وخرج الوقت قبل الفراع منها لا يلزمه
الظهر، وبه قال مالك.
وقال أبو حنيفة والشافعي: بقاء الوقت شرط في صحة الجمعة، فإذا خرج
الوقت أتم الظهر أربعا عند الشافعي، وتبطل الصلاة عند أبي حنيفة.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى.
مسألة 362: إذا صلى المأموم خلف الإمام يوم الجمعة فقرأ الإمام وركع
المأموم فلما رفع الإمام رأسه وسجد زوحم المأموم فلم يقدر على السجود على
262

الأرض وأمكنه أن يسجد على ظهر غيره فلا يسجد على ظهره ويصبر حتى يتمكن
من السجود على الأرض، وبه قال عطاء، والزهري، ومالك.
وقال الشافعي في الأم: عليه أن يسجد على ظهر غيره، وقال في القديم إن
سجد على ظهر غيره أجزأه.
وأصحابه على أن عليه أن يسجد على ظهر غيره، وبه قال عمر بن الخطاب
من الصحابة، وفي الفقهاء الثوري وأبو حنيفة وأصحابه وأحمد وإسحاق.
وقال الحسن البصري: هو بالخيار بين أن يسجد على ظهر غيره وبين أن
يصبر حتى إذا قدر على السجود على الأرض سجد عليها، وبه قال بعض أصحاب
الشافعي وغلطوه فيه.
دليلنا: أن المأخوذ عليه أن يسجد على الأرض، فمن أجاز له أو أوجب عليه
السجود على ظهر غيره فعليه الدلالة.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: مكن جبهتك من الأرض،
والأمر يقتضي الوجوب.
مسألة 363: إذا تخلص المأموم بعد أن ركع الإمام من الركعة الثانية،
فليسجد معه في الثانية ولا يركع، وينوي أنهما للركعة الأولى، فإن نوى أنهما
للركعة الثانية لم يجزئه عن واحدة منهما ويبتدئ فيسجد سجدتين وينوي بهما
للركعة الأولى، ثم يقضي بعد ذلك ركعة أخرى، وقد تمت جمعته.
وقال الشافعي: عليه أن يتابع الإمام في سجوده ولم يفصل، ويحصل له
ركعة ملفقة ركوع في الأولى وسجود في الثانية، فإذا سلم الإمام فهل يتمها جمعة
على وجهين: قال أبو إسحاق: يتمها جمعة، وقال غيره: يتمها ظهرا، لأنه إنما يلحق
الجمعة بلحاق ركعة كاملة، وهذه ملفقة فلا يتم بها جمعة.
وقال أبو حنيفة: يتشاغل بقضاء ما عليه.
دليلنا: إجماع الفرقة.
263

وروى حفص بن غياث قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول في رجل
أدرك الجمعة وقد ازدحم الناس كبر مع الإمام وركع ولم يقدر على السجود
وقام الإمام والناس في الركعة الثانية وقام هذا معهم فركع الإمام ولم يقدر على
الركوع في الركعة الثانية من الزحام وقدر على السجود كيف يصنع؟ فقال أبو
عبد الله عليه السلام أما الركعة الأولى فهي إلى عند الركوع تامة، فلما لم يسجد
لها حتى دخل في الركعة الثانية لم يكن له ذلك فلما سجد للثانية فإن كان نوى
إن هذه السجدة هي للركعة الأولى تمت له الركعة الأولى، فإذا سلم الإمام قام
فصلى ركعة يسجد فيها ثم يتشهد ويسلم، وإن كان لم ينو أن تكون تلك
السجدة للركعة الأولى لم تجزء عنه الأولى ولا الثانية، وعليه أن يسجد سجدتين
وينوي أنهما للركعة الأولى، وعليه بعد ذلك ركعة تامة ثانية يسجد فيها.
مسألة 364: إذا تخلص الرجل والإمام راكع في الثانية، إن أمكنه أن
يتشاغل بالقضاء ويلحق الإمام فعل، وإلا صبر حتى يسجد مع الإمام.
وقال أبو حنيفة: يتشاغل بقضاء ما عليه.
وللشافعي قولان: أحدهما يتشاغل بالقضاء والثاني يتابع الإمام.
دليلنا: أنه إذا أمكنه قضاء ما عليه ولحاق الإمام في الركوع الثاني وجب
ذلك لأنه يلحق الجمعة كاملة، وإذا خاف الفوت ينبغي أن يسجد مع الإمام
وينوي أنها للأولى ليحصل له المتابعة وتمام الركعة الأولى.
وأيضا روى عبد الرحمان بن الحجاج قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن الرجل يكون في المسجد إما في يوم الجمعة وإما في غير ذلك من الأيام،
فيزدحمه الناس إما إلى حائط وإما إلى أسطوانة فلا يقدر على أن يركع ولا يسجد
حتى يرفع الناس رؤوسهم، فهل يجوز له أن يركع ويسجد وحده ثم يقوم مع
الناس في الصف؟ قال: نعم لا بأس بذلك.
264

مسألة 365: إذا سبق الإمام حدث في الصلاة جاز له أن يستنيب من يتم
بهم الصلاة، وبه قال أبو حنيفة.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما أنه يجوز، ذكره في الأم، وقال في القديم
والإملاء: لا يجوز بحال.
دليلنا: لا يجوز بحال.
وأيضا روى سليمان بن خالد قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل
يؤم القوم فيحدث ويقدم رجلا قد سبقه بركعة كيف يصنع؟ فقال: لا يقدم رجلا
قد سبقه بركعة، ولكن يأخذ بيد غيره فيقدمه.
مسألة 366: إذا سبق الإمام الحدث أو تعمد الحدث في الجمعة جاز له أن
يستخلف من لم يحرم معه بها، سواء كان حاضرا للخطبة أو غير حاضر لها.
دليلنا: عموم الأخبار الواردة في هذا المعنى.
وأيضا روى معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل
يأتي المسجد وهم في الصلاة وقد سبقه الإمام بركعة أو أكثر، فيعتل الإمام،
فيأخذ بيده ويكون أدنى القوم إليه فيقدمه؟ فقال: يتم القوم الصلاة ثم يجلس حتى
إذا فرغوا من التشهد أومئ بيده إليهم عن اليمين والشمال فكان الذي أومئ بيده
إليهم التسليم وانقضاء صلاتهم وأتم هو ما كان فاته إن بقي عليه.
مسألة 367: إن أحدث الإمام في الصلاة واستخلف من لم يحرم معه في
أول صلاته فإن لحقه في الركعة الثانية قبل أن يركع فيها اعتبر الثانية أولة لنفسه
وأتم بهم وبنفسه الجمعة.
وقال الشافعي: إذا لم يلحق معه التحريم واستخلف، صلى لنفسه الظهر
وكان للمأمومين جمعة، يتم بهم الجمعة ولنفسه الظهر.
دليلنا: ما قلناه من أن من لحق ركعة من الجمعة فقد لحق الجمعة.
265

وروينا أن للإمام أن يستخلف من سبقه بركعة، وإذا ثبت ذلك فلا يجب
عليه في الاستخلاف إلا ما كان يجب عليه قبل ذلك وهو تمام الجمعة، فمن
أوجب عليه الظهر فعليه الدلالة.
مسألة 368: إذا سبقه الحدث فاستخلف غيره ممن سبقه بركعة أو أقل أو
أكثر في غير يوم الجمعة صح ذلك، سواء وافق ترتيب صلاة المأمومين أو
خالف مثل أن يحدث في الركعة الأولة قبل الركوع صح الترتيب، وإن أحدث
في الركعة الثانية واستخلف من دخل فيها وهي أولة فإنه يختلف الترتيب، لأنها
أولة لهذا الإمام وهي ثانية للمأمومين، ويحتاج أن يقوم في التي بعدها والمأمومون
يتشهدون، فهذه مخالفة في الترتيب.
وقال الشافعي: إن استخلف فيما يوافق الترتيب صح، وإذا استخلف فيما
يخالف لم يصح.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا خبر معاوية بن عمار الذي قدمناه.
وروى أيضا طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيه قال: سألته عن رجل أم قوما
وأصابه رعاف بعد ما صلى ركعة أو ركعتين، فقدم رجلا ممن قد فاته ركعة أو
ركعتان؟ قال: يتم بهم الصلاة، ثم يقدم رجلا يسلم بهم، ويقوم هو فيتم صلاته.
مسألة 369: من سقط عنه فرض الجمعة لعذر، من العليل، والمسافر،
والعبد، والمرأة وغير ذلك، جاز له أن يصلي في أول الوقت، وجاز له أن يصليها
جماعة، وبه قال الشافعي إلا أنه يستحب تأخيره إلى آخر الوقت.
وقال أبو حنيفة: يكره لهم أن يصلوها جماعة.
دليلنا: الأخبار الواردة في فضل الجماعة وهي عامة في جميع الناس، فمن
خصها فعليه الدلالة.
266

مسألة 370: الواجب يوم الجمعة عند الزوال الجمعة، فإن صلى الظهر لم
يجزئه عن الجمعة ووجب عليه السعي، فإن سعى وصلى الجمعة برأت ذمته، وإن
لم يفعل حتى فاتته الجمعة وجب عليه إقامة الظهر.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه، وبه قال زفر، وقال في القديم
الواجب هو الظهر ولكن كلف إسقاطها بفعل الجمعة، وبه قال أبو حنيفة وأبو
يوسف.
وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: إذا صلى الظهر في داره يوم الجمعة قبل أن
تقام الجمعة صحت صلاته، ثم ينظر فيه، فإن سعى إلى الجمعة قال أبو حنيفة:
يبطل ما فعله من الظهر بالسعي إلى الجمعة، لأنه يتشاغل بعدها بما يختص
بالجمعة. وقال أبو يوسف: لا تبطل بالسعي إلى الجمعة، ولكنه إذا وافى الجامع،
فأحرم خلف الإمام، بطلت الآن ظهره وكانت الجمعة فرضه.
وقال محمد: إذا صلى الظهر كان مراعى، فإن لم يحضر الجمعة صحت
ظهره، وإن حضرها فصلى الجمعة بطلت الآن ظهره.
دليلنا: قوله تعالى: إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله.
وأيضا فلا خلاف إن الجمعة فرض، فمن قال: إن الفرض الظهر، فعليه
الدلالة.
وكذلك من قال: إن صلى الظهر في أول الوقت، ثم فاتته الجمعة، سقط
فرضه، فعليه الدلالة.
وأيضا فلا خلاف أنه إذا صلى الجمعة وسعى إليها فإن ذمته قد برأت، ولم
يقم دليل على براءتها إذا لم يفعل، وإذا فاتته الجمعة وأعاد الظهر فلا خلاف أن ذمته قد برأت، وإذا لم يقض الظهر لم يقم دليل على براءة
ذمته.
وأيضا حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وآله قال: من كان يؤمن بالله
واليوم الآخر فعليه الجمعة يوم الجمعة، وهذا نص.
267

مسألة 371: المقيم إذا زالت الشمس لا يجوز له أن ينشئ سفرا إلا بعد أن
يصلي الجمعة، وبه قال الشافعي.
وقال محمد بن الحسن: يجوز له ذلك، وبه قال باقي أصحاب أبي حنيفة.
دليلنا: أنه قد ثبت أن بزوال الشمس تجب عليه الجمعة، فلا يجوز له أن
يشرع فيما يسقط فرض الجمعة معه، فمن أجاز ذلك فعليه الدلالة.
مسألة 372: من طلع الفجر عليه يوم الجمعة وهو مقيم يكره له أن يسافر
إلا بعد أن يصلي الجمعة، وليس ذلك بمحظور.
وللشافعي فيه قولان:
أحدهما: أنه لا يجوز، وبه قال ابن عمر، وعائشة.
والآخر: أنه يجوز، وبه قال عمر، والزبير بن العوام، وأبو عبيدة بن الجراح،
وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه.
وروي أن عمر أبصر رجلا عليه هيئة السفر وهو يقول: لولا أن اليوم الجمعة
لخرجت، فقال عمر: اخرج فإن الجمعة لا تحبس مسافرا.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 373: العدد في الخطبة كما هو شرط في نفس الصلاة، فإن
خطب وحده ثم حضر العدد فأحرم بالجمعة لم تصح، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: العدد ليس بشرط في صحة الخطبة، فإن خطب وحده
فأحرم بهم أجزأه.
دليلنا: طريقة الاحتياط، فإنه لا خلاف إذا خطب مع حضور العدد في أن
الجمعة منعقدة، وليس هاهنا دليل على أنها تنعقد إذا لم يحضروا الخطبة، فاقتضى
الاحتياط ما قلناه.
268

مسألة 374: المعذور من المريض والمسافر والعبد إذا صلوا في دورهم
ظهرا وراحوا إلى الجمعة لم يبطل ظهرهم وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: يبطل ظهرهم بالسعي إلى الجمعة.
دليلنا: أنه قد ثبت أنهم قد صلوا فرضهم بلا خلاف، فمن ادعى بطلان ما
فعلوه فعليه الدلالة.
مسألة 375: لا تجب على العبد والمسافر الجمعة بلا خلاف، وهل تنعقد
بهم دون غيرهم أم لا؟ فإن عندنا أنهم إذا حضروا انعقدت بهم الجمعة إذا تم
العدد، وبه قال أبو حنيفة.
وقال الشافعي: لا تنعقد بهم الجمعة انفردوا أو تم بهم العدد.
دليلنا: إن ما دل على اعتبار العدد عام وليس فيه تخصيص بمن لم يكن
عبدا ولا مسافرا وإنما قالوا: لا تجب على العبد ولا المسافر الجمعة، وليس إذا لم
تجب عليهم لا تنعقد بهم كما أن المريض لا تجب عليه بلا خلاف، ولو حضر
انعقدت به بلا خلاف.
مسألة 376: غسل يوم الجمعة سنة مؤكدة وليس بواجب، وبه قال
الشافعي ومالك وأبو حنيفة وأصحابه.
وقال الحسن البصري وداود: واجب.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا الأصل براءة الذمة، وإيجاب ذلك يحتاج
إلى دليل.
وروي عن ابن عباس وابن مسعود أنهما قالا: غسل يوم الجمعة مسنون.
وروى زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن غسل يوم الجمعة
قال: سنة في السفر والحضر إلا أن يخاف المسافر على نفسه القر.
269

مسألة 377: من اغتسل يوم الجمعة قبل الفجر لم يجزئه عن غسل
الجمعة، إلا إذا كان آيسا من وجود الماء، فحينئذ يجوز تقديمه، ولو كان يوم
الخميس.
وإن اغتسل بعد طلوع الفجر أجزأه، وبه قال الفقهاء.
وقال الأوزاعي: يجوز قبل الفجر.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا لا خلاف أنه إذا اغتسل بعد الفجر أن غسله
جائز عن يوم الجمعة، وليس هاهنا دليل على أنه إذا قدم كان جائزا.
وأما عند الضرورة فقد روى أحمد بن محمد عن الحسين بن موسى بن جعفر
عن أمه وأم أحمد بن موسى بن جعفر قالتا: كنا مع أبي الحسن عليه السلام
بالبادية ونحن نريد بغداد فقال لنا يوم الخميس: اغتسلا اليوم لغد يوم الجمعة فإن
الماء غدا بها قليل.
مسألة 378: وقت غسل يوم الجمعة ما بين طلوع الفجر الثاني إلى أن
يصلي الجمعة، وبه قال أكثر الفقهاء.
وقال مالك: إن راح عقيب الاغتسال أجزأه، وإلا لم يجزئه.
دليلنا: إجماع الفرقة.
وأيضا قد روى عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من اغتسل من
طلوع الفجر كفاه غسله إلى الليل في كل موضع فيه الغسل، ومن اغتسل ليله
كفاه غسله إلى طلوع الفجر.
مسألة 379: من دخل المسجد والإمام يخطب، فلا ينبغي أن يصلي نافلة،
لا تحية المسجد ولا غيرها، بل يستمع الخطبة، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه،
ومالك، والليث بن سعد.
وقال الشافعي: يصلي ركعتين تحية المسجد ثم يجلس يستمع الخطبة، وبه
270

قال الحسن البصري، والثوري، أحمد، وإسحاق.
وقال الأوزاعي: ينظر فيه، فإن كان قد صلى تحية المسجد في داره لم يصل
وإلا صلاها.
دليلنا: إجماع الفرقة.
وأيضا قوله تعالى: وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا، وقال المفسرون
أراد بالقرآن هنا الخطبة.
وروى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله قال: إذا خطب الإمام فلا صلاة
ولا كلام، ولم يفرق.
وروى محمد بن مسلم قال: سألته عن الجمعة؟ فقال: إذا صعد الإمام المنبر
يخطب فلا يصلي الناس ما دام الإمام على المنبر.
مسألة 380: يكره لمن أتى الجمعة أن يتخطى رقاب الناس، سواء ظهر
الإمام أو لم يظهر وسواء كانت له عادة بالصلاة في موضع أو لم يكن، وبه قال
عطاء، وسعيد بن المسيب، والشافعي، وأحمد بن حنبل.
وقال مالك: إن لم يكن الإمام ظهر لم يكره، وإن كان قد ظهر الإمام كره،
وإن كان له مجلس عادته أن يصلي فيه لم يكره.
دليلنا: إن هذا الفعل فيه أذى على المسلمين، فيجب تجنبه.
وروى عبد الله بن بسر قال: جاء رجل يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة
والنبي صلى الله عليه وآله يخطب فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: اجلس
فقد آذيت.
مسألة 381: الخطبة شرط في صحة الجمعة، وبه قال سعيد بن جبير،
والأوزاعي، والثوري، وأبو حنيفة وأصحابه، والشافعي.
وقال الحسن البصري: يجوز بغير خطبة.
271

دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا لا خلاف أن مع الخطبة تنعقد الجمعة،
وليس على انعقادها مع فقد الخطبة دليل.
وروى محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: ليس تكون جمعة
إلا بخطبة.
مسألة 382: على الإمام أن يخطب قائما إلا من عذر، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: المستحب أن يخطب قائما، فإن خطب جالسا من غير عذر
جاز.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا فلا خلاف أنه إذا خطب قائما أن صلاته
وخطبته صحيحتان، وليس على جواز الخطبة جالسا دليل.
وروى معاوية بن وهب قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: إن أول من خطب
وهو جالس معاوية، واستأذن الناس في ذلك من وجع كان بركبتيه، - ثم
قال -: الخطبة وهو قائم خطبتان يجلس بينهما جلسة لا يتكلم فيها قدر ما يكون
فصل ما بين الخطبتين.
مسألة 383: إذا أخذ الإمام في الخطبة حرم الكلام على المستمعين حتى
يفرع من الخطبتين، وبه قال أبو يوسف، والشافعي وأصحابه.
وقال أبو حنيفة ومحمد: الكلام مباح ما لم يظهر الإمام، فإذا ظهر حرم حتى
يفرع من الخطبتين والصلاة.
دليلنا: إجماع الفرقة.
وروى محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا خطب الإمام
يوم الجمعة فلا ينبغي لأحد أن يتكلم حتى يفرع الإمام من خطبته، فإذا فرع من
خطبته تكلم ما بينه وبين أن تقام الصلاة، فإن سمع القراءة أو لم يسمع أجزأه.
وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله قال: إذا قلت لصاحبك أنصت
272

والإمام يخطب يوم الجمعة فقد لغوت، وفي بعضها: فقد لغت.
قال سفيان: لغت لغة أبي هريرة، فخص حال الخطبة بالمنع، فمن قال غير
حال الخطبة فقد ترك الخبر.
مسألة 384: أقل ما تكون الخطبة أن يحمد الله ويثني عليه، ويصلي على
النبي صلى الله عليه وآله، ويقرأ شيئا من القرآن، ويعظ الناس، فهذه أربعة أشياء
لا بد منها، فإن أخل بشئ منها لم يجزئه، وما زاد عليه مستحب. وبه قال
الشافعي.
وقال أبو حنيفة: يجزئ من الخطبة كلمة واحدة: الحمد لله، أو الله أكبر، أو
سبحان الله، أو لا إله إلا الله، ونحو هذا.
وقال أبو يوسف ومحمد: لا يجزئه حتى يأتي بما يقع عليه اسم الخطبة.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا فلا خلاف أنه إذا أتى بما قلناه فإنه يجزئه،
وليس على قول من قال يجزئه أقل من ذلك دليل.
وروى سماعة بن مهران قال: أبو عبد الله عليه السلام: ينبغي للإمام الذي
يخطب الناس أن يخطب وهو قائم، يحمد الله ويثني عليه، ثم يوصي بتقوى الله
تعالى، ثم يقرأ سورة من القرآن سورة قصيرة، ثم يقوم فيحمد الله ويثني عليه
ويصلي على محمد وآله وعلى أئمة المسلمين، ويستغفر للمؤمنين والمؤمنات، فإذا
فعل هذا أقام المؤذن فصلى بالناس ركعتين.
مسألة 385: الوقت الذي يرجى استجابة الدعوة فيه ما بين فراع الإمام
من الخطبة إلى أن يستوي الناس في الصفوف.
وقال الشافعي: هو آخر النهار عند غروب الشمس.
دليلنا: ما رواه عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: الساعة
التي يستحب فيها الدعاء يوم الجمعة ما بين فراع الإمام من الخطبة إلى أن يستوي
273

الناس في الصفوف.
وروى معاوية بن عمار قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام الساعة التي في
يوم الجمعة التي لا يدعو فيها أحد إلا استجيب له؟ قال: نعم إذا خرج الإمام
- قلت: إن الإمام يعجل ويؤخر قال: - إذا زاغت الشمس.
مسألة 386: من شرط الخطبة الطهارة، وهو قول الشافعي في الجديد.
وقال في القديم تجوز بغير طهارة، وبه قال أبو حنيفة.
دليلنا: أنه لا خلاف إذا خطب مع الطهارة أنه جائز وماض، والذمة تبرأ
وتصح الصلاة، وكل ذلك مفقود إذا خطب بغير طهارة، فوجب فعلها لتبرأ
الذمة بيقين.
مسألة 387: يستحب أن يقرأ في الأولى من ركعتي الجمعة الحمد وسورة
الجمعة، وفي الثانية الحمد والمنافقين، وبه قال الشافعي.
وقال مالك: يقرأ في الأولى الجمعة وفي الثانية بهل آتيك حديث الغاشية.
وقال أبو حنيفة: ليس في القرآن شئ معين يقرأ ما شاء.
دليلنا: إجماع الفرقة.
وروى محمد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: القراءة في
الصلاة فيها شئ مؤقت؟ فقال: لا إلا في الجمعة يقرأ فيها بالجمعة والمنافقين.
وروى جميل عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن الله
تعالى أكرم بالجمعة المؤمنين فسنها رسول الله صلى الله عليه وآله بشارة للمؤمنين
وتوبيخا للمنافقين ولا ينبغي تركها متعمدا، فمن تركها متعمدا فلا صلاة له.
وروى عبيد الله بن أبي رافع عن أبي هريرة أنه قرأ في الجمعة سورة الجمعة
وإذا جاءك المنافقون قال عبيد الله فقلت له: قرأت سورتين كان علي يقرأ بهما
في الجمعة فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يقرأ بهما في الجمعة.
274

مسألة 388: يستحب قراءة الجمعة في صلاة المغرب والعشاء الآخرة
وصلاة الغداة والعصر زائدا على ما قدمناه، ولم يخص أحد من الفقهاء هذه
الصلوات بهذه السورة.
دليلنا: إجماع الفرقة.
وأيضا روى أبو الصباح الكناني قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: إذا كان
ليلة الجمعة فاقرأ في المغرب سورة الجمعة وقل هو الله أحد وإذا كان في العشاء
الآخرة فاقرأ سورة الجمعة وسبح اسم ربك الأعلى، فإذا كان صلاة الغداة يوم
الجمعة فاقرأ سورة الجمعة وقل هو الله أحد، فإذا كان صلاة الجمعة فاقرأ سورة
الجمعة والمنافقين، وإذا كانت صلاة العصر يوم الجمعة فاقرأ سورة الجمعة وقل
هو الله أحد.
مسألة 389: يستحب أن يقرأ يوم الجمعة في صلاة الفجر الجمعة وقل هو
الله أحد على ما قلناه، ولا يقرأ في الأولى سجدة لقمان.
وقال الشافعي: يستحب أن يقرأ في الأولى الحمد والم تنزيل، وفي الثانية
الحمد وهل أتى على الإنسان.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا فلا خلاف أنه إذا قرأ ما قلناه أن صلاته ماضية
صحيحة، وإذا قرأ ما قالوا في صحة صلاته خلاف. وخبر أبي الصباح المقدم
ذكره يؤكد ذلك.
وروى أبو بصير قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: اقرأ في ليلة الجمعة
الجمعة وسبح اسم ربك الأعلى، وفي الفجر سورة الجمعة وقل هو الله أحد، وفي
الجمعة سورة الجمعة والمنافقين.
مسألة 390: يجوز للإمام أن يخطب عند وقوف الشمس، فإذا زالت صلى
الفرض، وفي أصحابنا من قال: إنه يجوز أن يصلي الفرض عند قيام الشمس يوم
275

الجمعة خاصة، وهو اختيار المرتضى.
وقال أحمد: إن أذن وخطب وصلى قبل الزوال أجزأه، وأول وقتها عند
أحمد حين يرتفع النهار.
وقال الشافعي: لا يجوز الأذان والخطبة إلا بعد الزوال فإن قدمها أو قدم
الخطبة لم يجزئه، فإن أذن قبل الزوال وخطب وصلى بعد الزوال أجزأه الجمعة،
ولم يجزئه الأذان، وكان كمن صلى الجمعة بغير أذان، وبه قال أبو حنيفة
وأصحابه.
وقال مالك: إن خطب قبل الزوال وصلى بعده أجزأه.
دليلنا: إجماع الفرقة، وروى عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي الجمعة حين تزول الشمس قدر
شراك، ويخطب في الظل الأول فيقول جبرئيل يا محمد صلى الله عليه وآله
قد زالت فانزل فصل، فإنما جعلت الجمعة ركعتين من أجل الخطبتين فهي صلاة
حتى ينزل الإمام.
وروى عبد الله بن سنان أيضا عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا صلاة
نصف النهار إلا يوم الجمعة، وروى إسماعيل بن عبد الخالق قال: سألت أبا
عبد الله عليه السلام عن وقت الظهر فقال: بعد الزوال بقدم أو نحو ذلك إلا في
يوم الجمعة أو في السفر فإن وقتها حين تزول.
وروى سلمة بن الأكوع قال: كنا نصلي مع رسول الله
صلى الله عليه وآله صلاة الجمعة ثم ينصرف وليس للحيطان فئ.
مسألة 391: إذا دخل في الجمعة وهو فيها فدخل وقت العصر قبل فراغه
منها تممها جمعة، وهو مذهب عطاء، ومالك، وأحمد.
وقال الشافعي: يتممها ظهرا إذا دخل عليه وقت العصر قبل الفراع.
وقال أبو حنيفة: تبطل صلاته.
276

دليلنا: أنه قد ثبت أنه قد دخل في صلاة الجمعة وانعقدت جمعة بلا
خلاف، فمن أوجبها ظهرا أو أبطلها فعليه الدلالة.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: ما أدركتم فصلوا وما فاتكم
فاقضوا، ولم يفرق.
مسألة 392: من أدرك مع الإمام ركعة من طريق المشاهدة أو الحكم
فقد أدرك الجمعة، فالمشاهدة أن يدركها معه من أولها أعني أول الثانية، والحكم
أن يدركه راكعا في الثانية فيركع معه، وإن رفع الإمام رأسه من الركوع صلى
الظهر أربعا، وبه قال الشافعي، وفي الصحابة ابن مسعود وابن عمر، وأنس بن
مالك، وفي التابعين سعيد بن المسيب، والزهري، وفي الفقهاء مالك،
والأوزاعي، والثوري، وأحمد بن حنبل، ومحمد بن الحسن.
وقال قوم: إن أدرك الخطبتين والركعتين صلى الجمعة، وإن أدرك دون
هذا صلى ظهرا أربعا ذهب إليه عمر بن الخطاب، وعطاء، وطاووس، ومجاهد.
وذهبت طائفة إلى أن من أدرك معه اليسير منها فقد أدرك الجمعة. ذهب
إليه أبو حنيفة، وأبو يوسف، وبه قال النخعي، وداود.
وقال أبو حنيفة: إن أدركه في سجود السهو بعد السلام كان مدركا لها،
لأنه إذا سجد للسهو عاد إلى حكم الصلاة.
دليلنا: إجماع الفرقة.
وأيضا روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: من أدرك
ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة، هذا رواية سفيان عن الزهري عن أبي سلمة
عن أبي هريرة.
وروى جماعة عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن النبي
صلى الله عليه وآله قال: من أدرك من الجمعة ركعة فليصل إليها أخرى، وفي بعضها
فليضف إليها أخرى.
277

وروى الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن من لم يدرك
الخطبة يوم الجمعة؟ قال: يصلي ركعتين فإن فاتته الصلاة فلم يدركها فليصل
أربعا وقال: إذا أدركت الإمام قبل أن يركع الركعة الأخيرة فقد أدركت الصلاة
فإن أنت أدركته بعد ما ركع فهي الظهر أربع.
وروى الفضل بن عبد الملك عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا أدرك
الرجل ركعة فقد أدرك الجمعة وإن فاتته فليصل أربعا.
مسألة 393: إذا أدرك مع الإمام ركعة فصلاها معه ثم سلم الإمام وقام
وصلى ركعة أخرى ثم ذكر أنه ترك سجدة فلم يدر هل هي من التي صلاها مع
الإمام أو من الأخرى؟ فليسجد تلك السجدة، ويسجد سجدتي السهو، وتمت
جمعة.
وقال الشافعي: يحسبها ركعة واحدة وأكملها الظهر أربعا.
دليلنا: ما قدمناه فيما مضى من أن من لحق مع الإمام ركعة فقد أدرك
الجمعة، وهذا قد لحقه. ومن فاتته سجدة فليس عليه استئناف الصلاة ولا إسقاط
الركعة التي ترك فيها السجود بل يقضي تلك السجدة ويسجد سجدتي السهو
على ما مضى القول فيه ومن أوجب عليه الاستقبال أو إكمالها ظهرا فعليه الدلالة.
مسألة 394: إذا جلس الإمام على المنبر لا يلزمه أن يسلم على الناس، وبه
قال: مالك وأبو حنيفة.
وقال الشافعي: يستحب له أن يجلس ويسلم على الناس.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، وشغلها بواجب أو ندب يحتاج إلى دليل.
مسألة 395: ليس على الإمام أن يلتفت يمينا وشمالا في خطبته وبه قال
الشافعي.
278

وقال أبو حنيفة: يلتفت يمينا وشمالا كالمؤذن.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة وشغلها يحتاج إلى دليل.
وروى البراء بن عازب قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله يقبل علينا
بوجهه ونقبل عليه بوجوهنا.
مسألة 396: يكره الكلام للخطيب والسامع، وليس بمحظور، ولا يفسد
الصلاة.
وللشافعي فيه قولان:
أحدهما: يحرم الكلام على الخطيب والسامع معا، قاله في القديم، وبه قال
في الإملاء، وإليه ذهب مالك، والأوزاعي، وأبو حنيفة وأصحابه، وأحمد. وحكى
الشافعي في القديم عن أبي حنيفة أنه قال: إذا تكلم حال الخطبة وصلى أعادها
وهكذا حكى عنه الساجي.
وقال محمد: لا يعيد، وقال أصحابه المذهب ما قال محمد.
والقول الثاني: قال في الأم الإنصات مستحب غير واجب، وبه قال النخعي
والحكم، وحماد والثوري.
دليلنا على نفي تحريمه: أن الأصل براءة الذمة، فمن ادعى التحريم فعليه
الدلالة. فأما كونه مكروها فلا خلاف فيه.
وروى محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا خطب الإمام
يوم الجمعة فلا ينبغي لأحد أن يتكلم حتى يفرع الإمام
من خطبته، فإذا فرع الإمام من خطبته تكلم ما بينه وبين أن تقام الصلاة.
مسألة 397: من شرط انعقاد الجمعة الإمام، أو من يأمره الإمام بذلك، من
قاض أو أمير ونحو ذلك، ومتى أقيمت بغير أمره لم تصح، وبه قال الأوزاعي،
وأبو حنيفة.
279

وقال محمد: إن مرض الإمام أو سافر أو مات فقدمت الرعية من يصلي بهم
الجمعة صحت، لأنه موضع ضرورة.
وصلاة العيدين عندهم مثل صلاة الجمعة.
وقال الشافعي: ليس من شرط الجمعة الإمام، ولا أمر الإمام، ومتى اجتمع
جماعة من غير أمر الإمام فأقاموها بغير إذنه جاز، وبه قال مالك وأحمد.
دليلنا: إنه لا خلاف أنها تنعقد بالإمام أو بأمره، وليس على انعقادهما إذا لم
يكن إمام ولا أمره دليل.
فإن قيل: أليس قد رويتم فيما مضى وفي كتبكم أنه يجوز لأهل القرايا
والسواد والمؤمنين إذا اجتمع العدد الذي تنعقد بهم أن يصلوا الجمعة؟
قلنا: ذلك مأذون فيه مرغوب فيه، فجرى ذلك مجرى أن ينصب الإمام من
يصلي بهم.
وأيضا عليه إجماع الفرقة فإنهم لا يختلفون إن من شرط الجمعة الإمام أو
أمره.
وروى محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: تجب الجمعة على
سبعة نفر من المسلمين ولا تجب على أقل منهم: الإمام، وقاضيه،
والمدعي حقا، والمدعى عليه، والشاهدان، والذي يضرب الحدود بين يدي الإمام.
وأيضا فإنه إجماع، فإن من عهد النبي صلى الله عليه وآله إلى وقتنا هذا ما
أقام الجمعة إلا الخلفاء والأمراء، ومن ولى الصلاة، فعلم أن ذلك إجماع أهل
الأعصار، ولو انعقدت بالرعية لصلاها كذلك.
مسألة 398: يجوز أن يكون العبد إماما في صلاة الجمعة وإن كان فرضها
ساقطا عنه إلا أنه إذا تكلفها جاز أن يكون إماما فيها، وبه قال أبو حنيفة والشافعي.
وقال مالك: لا تصح.
دليلنا: ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: يؤمكم أقرؤكم،
280

فالعبد إذا كان أقرأ الجماعة تناوله الخبر.
وروى محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد الله عن العبد يؤم القوم إذا رضوا
به وكان أكثرهم قرآنا؟ قال: لا بأس.
وروى سماعة قال: سألته عن المملوك يؤم الناس؟ قال: لا إلا أن يكون هو
أفقههم وأعلمهم.
مسألة 399: لا يجوز أن يكون إمام الجمعة فاسقا.
وقال الشافعي: يجوز ذلك، وحكي عن المزني أنه قال في المنثور، وفي
الناس من يقول: لا يصح.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا فقد بينا أنه لا يجوز إمامة الفاسق في
الجماعة، وكل من قال ذلك في الجماعة قال مثله في الجمعة، وليس في الأمة
من فرق بينهما.
مسألة 400: الصبي إذا لم يبلغ، لا تنعقد به الجمعة وإن كان تصح منه
صلاة التطوع.
وللشافعي فيه قولان: قال في الإملاء: يجوز ذلك، وقال في الأم: لا يجوز
ذلك.
دليلنا: إن انعقاد الجمعة به يحتاج إلى دليل، وليس في الشرع ما يدل
عليه.
مسألة 401: لا يجمع في مصر واحد وإن عظم وكثرت مساجده إلا في
مسجد واحد، إلا أن يكون البلد أكثر من ثلاثة أميال فيكون بين الجمعتين ثلاثة
أميال فتصح الجمعتان، وبه قال الشافعي، ومالك وهو الظاهر من قول أبي
حنيفة.
281

وقال أبو يوسف: إن كان البلد ذا جانب واحد مثل ذلك، وإن كان
ذا جانبين نظرت، فإن كان بينهما جسر فمثل ذلك، وإن لم يكن بينهما جسر
فكل جانب منه بلد مفرد.
وقال محمد بن الحسن: القياس أنه لا يقام فيه إلا جمعة واحدة، فإن أقيمت
في موضعين جاز استحسانا، وعنه رواية أخرى: إن أقيمت في ثلاثة مواضع جاز
استحسانا.
وحكى الساجي عن أبي حنيفة مثل قول محمد في أنه يجوز في موضعين
استحسانا إلا أنه يعتبر أحدهم ثلاثة أميال على ما قلناه.
دليلنا: إجماع الفرقة وأيضا فلا خلاف أنه إذا صلى في موضع واحد
صحت الجمعة، وإذا أقيمت في موضعين فيه خلاف.
وروى محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: تكون بين الجمعتين
ثلاثة أميال، وليس تكون جمعة إلا بخطبة وإذا كان بين الجماعتين في الجمعة
ثلاثة أميال فلا بأس بأن يجمع بهؤلاء، ويجمع بهؤلاء.
وأيضا فلا خلاف أن النبي صلى الله عليه وآله لم يكن يصلي إلا في موضع
واحد وقد قال صلى الله عليه وآله: صلوا كما رأيتموني أصلي، والاقتداء به
واجب.
مسألة 402: الوقت الذي يحرم فيه البيع يوم الجمعة إذا جلس الإمام على
المنبر بعد الأذان، ويكره بعد الزوال قبل الأذان على كل حال، وبه قال الشافعي،
وعمر بن عبد العزيز، وعطاء والزهري وغيرهم.
قال ميمون بن مهران: كان إذا جلس الإمام على المنبر وأخذ المؤذن في
الأذان نودي في أسواق المدينة حرم البيع حرم البيع.
وقال ربيعة ومالك وأحمد: إذا زالت الشمس يوم الجمعة حرم البيع،
جلس الإمام على المنبر أو لم يجلس.
282

دليلنا: قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة
فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع، فنهى عن البيع إذا نودي لها، فدل على أنه غير
منهي عنه قبل النداء.
وأيضا ما قلناه مجمع عليه وقبل ذلك يحتاج إلى دليل.
وأما كراهته قبل النداء فلأنا قد بينا أن وقت الزوال وقت الصلاة فإنه ينبغي
أن يخطب في الفئ فإذا زالت نزل فصلى الفرض، فإذا أخر فقد ترك الأفضل.
مسألة 403: لا يحرم البيع على من لم يجب عليه الجمعة من العبيد
وأمثالهم، وبه قال الشافعي.
وقال مالك: يمنع العبيد من ذلك كالأحرار.
دليلنا: قوله تعالى: إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله
وذروا البيع، فحرم البيع على من أوجب عليه السعي والعبد إذا لم يجب عليه
السعي لا يحرم عليه البيع.
مسألة 404: إذا باع في الوقت المنهي عنه لا يصح بيعه، وبه قال: ربيعة
ومالك وأحمد.
وقال أبو حنيفة، والشافعي، وعبيد الله بن الحسن العنبري يصح بيعه.
دليلنا: أنه قد ثبت أنه منهي عنه، والنهي يدل على فساد المنهي عنه عندنا
على ما بيناه في كتاب أصول الفقه.
مسألة 405: صلاة الجمعة فيها قنوتان، أحدهما في الركعة الأولى قبل
الركوع، وفي الثانية بعد الركوع.
وخالف جميع الفقهاء في ذلك.
دليلنا: إجماع الفرقة.
283

وروى إسماعيل الجعفي عن عمر بن حنظلة قال: قلت لأبي عبد الله
عليه السلام: القنوت يوم الجمعة؟ فقال: أنت رسولي إليهم في هذا، إذا صليتم في
جماعة ففي الركعة الأولى، وإذا صليتم وحدانا ففي الركعة الثانية.
وروى معاوية بن عمار قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول في قنوت
الجمعة: إذا كان إماما قنت في الركعة الأولى، فإن كان يصلي أربعا ففي الركعة
الثانية قبل الركوع.
وروى أبو بصير عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: كل القنوت قبل
الركوع إلا الجمعة، فإن الركعة الأولى القنوت فيها قبل الركوع والأخيرة بعد
الركوع.
مسألة 406: يستحب يوم الجمعة تقديم النوافل قبل الزوال ولم أعرف
لأحد من الفقهاء وفاقا في ذلك.
دليلنا: إجماع الفرقة فإنهم بين فرقتين: فرقة تستحب تقديم جميع
النوافل، وفرقة تستحب تقديم أكثرها، ورويت رواية شاذة في جواز تأخير النوافل
إلى بعد العصر، وقد بينا الوجه فيها في الكتابين المقدم ذكرهما.
وروى علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن النافلة التي
تصلي يوم الجمعة قبل الجمعة أفضل أو بعدها؟ قال: قبل الصلاة.
مسألة 407: من صلى الظهر منفردا يوم الجمعة أو المسافر، يستحب له
الجهر بالقراءة.
ولا أعرف لأحد من الفقهاء وفاقا في ذلك.
دليلنا: إجماع الفرقة.
وروى الحلبي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن القراءة في الجمعة إذا
صليت وحدي أربعا أجهر بالقراءة؟ قال: نعم - وقال -: اقرأ سورة الجمعة
284

والمنافقين يوم الجمعة.
وروى محمد بن مسلم قال: قال لنا: صلوا في السفر صلاة الجمعة جماعة
بغير خطبة واجهروا بالقراءة فقلت له: إنه ينكر علينا الجهر بها في السفر فقال:
اجهروا بها.
وروى محمد بن مروان قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن صلاة الظهر
يوم الجمعة كيف نصليها في السفر؟ قال: تصليها في السفر ركعتين والقراءة فيها
جهرا.
285

كتاب صلاة الخوف
مسألة 408: صلاة الخوف جائزة غير منسوخة، وبه قال جميع الفقهاء إلا
أبا يوسف والمزني، فإنهما قالا أنها منسوخة، ثم رجع أبو يوسف إلى قول
الفقهاء.
دليلنا: إجماع الفرقة، بل إجماع الأمة، فإن خلاف المزني وحده لا يعتد
به، ومع ذلك فقد انقرض.
وأيضا قوله تعالى: وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم
معك، الآية ومن ادعى النسخ فعليه الدلالة.
وروى صالح بن خوات بن جبير عمن صلى مع النبي صلى الله عليه وآله
صلاة الخوف بذات الرقاع.
وروى الحسن عن أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وآله صلى صلاة الخوف
ببطن النخل.
وروى جابر أن النبي صلى الله عليه وآله صلاة الخوف بعسفان.
وروي عن علي عليه السلام أنه صلى صلاة الخوف ليلة الهرير.
وروي عن أبي موسى أنه صلى بأصحابه صلاة الخوف.
وروي عن أبي هريرة أنه صلى صلاة الخوف.
وروي عن الحسين عليه السلام أنه صلى عند مصابه صلاة الخوف
286

بأصحابه.
وكان سعيد بن العاص واليا على الجيش بطبرستان فأمر حذيفة فصلى
بالناس صلاة الخوف.
فمن ادعى نسخ القرآن، والإجماع، والسنة فعليه الدلالة.
مسألة 409: من أصحابنا من يقول: إن صلاة الخوف مقصورة ركعتين
ركعتين إلا المغرب، سواء كان الخوف في سفر أو في حضر، وبه قال ابن
عباس.
وقال الإمام: يصلي بكل طائفة ركعة، وبه قال طاووس، والحسن
البصري، إلا أنهم قالوا: فرض المأموم ركعة.
ومن أصحابنا من يقول: لا يقصر أعدادها إلا في السفر، وإنما يقصر هيئتها،
فإن كان مسافرا صلى ركعتين، وإن كان حاضرا صلى أربعا، وبه قال جميع
الفقهاء، وفي الصحابة ابن عمر، وجابر.
والمذهب الأول أظهر، والدليل عليه قوله تعالى: وإذا كنت فيهم فأقمت لهم
الصلاة فلتقم طائفة منهم معك، الآية، وفيها دليلان.
أحدهما: قال فلتقم طائفة منهم معك فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم
- يعني تجاه العدو - فقد أخبر أنهم يفعلون قياما وسجودا، فقد ثبت أنهم أنما
يصلون ركعة واحدة.
والثاني: قال: ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك - يعني يصلون
صلاتهم معك - والذي بقي عليه ركعة واحدة ثبت أن الذي يصلون معه الركعة
الباقية.
وأيضا إجماع الفرقة على ذلك، وأخبارهم تشهد بذلك، لأنها تتضمن صفة
صلاة الخوف ركعتين ولم يفصلوا بين حال السفر والحضر، فيجب حملها على
جميع الأحوال، وقد ذكرناها في الكتابين المقدم ذكرهما.
287

وروى حريز عن زرارة قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن صلاة الخوف
وصلاة السفر تقصران؟ قال: نعم، وصلاة الخوف أحق أن تقصر من صلاة السفر
الذي ليس فيه خوف.
وإذا نصرنا القول الآخر، فدليله أن الصلاة أربع ركعات في الذمة وأسقطنا
حال السفر ركعتين بدليل، ولم يقم دليل على إسقاط شئ منها في غير السفر.
ويقوي الطريقة الأولة ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه صلى صلاة
الخوف في المواضع التي صلاها ركعتين، ولم يرو أنه صلى أربعا في موضع
من المواضع.
مسألة 410: كيفية صلاة الخوف أن يفرق الناس فرقتين، يحرم الإمام
بطائفة والطائفة الأخرى تقف تجاه العدو، فيصلي بالذين معه ركعة، ثم يثبت
قائما ويتمون الركعة الثانية لأنفسهم، وينصرفون إلى تجاه العدو، وتجئ الطائفة
الأخرى فيصلي الإمام بهم الركعة الثانية له، وهي أولة لهم، ثم يثبت جالسا فتقوم
هذا الطائفة فتصلي الركعة الباقية عليها، ثم تجلس معه، ثم يسلم بهم الإمام. وبه
قال الشافعي، وأحمد بن حنبل.
وكان مالك يقول به ثم رجع، فخالف في فصل، فقال: إذا صلت الطائفة
الأخرى معه ركعة سلم الإمام بهم، وقاموا بغير سلام، فصلوا لأنفسهم الركعة
الباقية.
وقال ابن أبي ليلى مثل قولنا، وخالفنا في فصل فقال: إذا أحرم بالصلاة
أحرم بالطائفتين معا ثم صلى بإحداهما على ما قلناه.
وقال أبو حنيفة: يفرقهم فرقتين على ما قلناه، فيحرم بطائفة فيصلي بهم ركعة
ثم يثبت قائما، وتنصرف هذه الطائفة وهي في الصلاة، فتقف تجاه العدو، ثم تأتي
الطائفة الأخرى فيصلي بهم الإمام الركعة التي بقيت من صلاته، ويسلم الإمام ولا
يسلمون بل تنصرف هذه الطائفة وهي في الصلاة إلى تجاه العدو، وتأتي الطائفة
288

الأخرى إلى الموضع فتصلي الركعة الباقية عليها، ثم تنصرف إلى تجاه العدو،
وتأتي الطائفة الأخرى فتصلي الركعة الباقية، وقد تمت صلاتهم.
وكان أصحاب الشافعي يحكون مذهب أبي حنيفة كمذهب ابن أبي ليلى
وأصحاب أبي حنيفة يحكون عن أصحاب الشافعي كمذهب ابن أبي ليلى.
دليلنا: إجماع الفرقة، فإنهم لا يختلفون في أن صلاة الخوف على الترتيب
الذي قدمناه.
وروى مالك عن يزيد بن رومان عن صالح بن خوات بن جبير عمن صلى
مع رسول الله صلى الله عليه وآله يوم ذات الرقاع صلاة الخوف أن طائفة صفت
معه وطائفة تجاه العدو فصلى بالذين معه ركعة ثم ثبت قائما وأتموا لأنفسهم ثم
انصرفوا فصفوا تجاه العدو وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت
من صلاته ثم ثبت جالسا وأتموا لأنفسهم ثم سلم بهم.
وروى عبيد الله بن عمر، عن القاسم بن محمد، عن صالح بن خوات بن
جبير، عن سهل بن أبي حثمة عن النبي صلى الله عليه وآله مثله.
وروى شعبة، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن صالح بن خوات بن
جبير، عن سهل بن أبي حثمة، عن النبي صلى الله عليه وآله مثله.
وروى الحلبي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن صلاة الخوف قال:
يقوم الإمام وتجئ طائفة من أصحابه فيقومون خلفه وطائفة بإزاء العدو، فيصلي
بهم الإمام ركعة، ثم يقوم ويقومون معه فيمثل قائما، ويصلون هم الركعة الثانية،
ثم يسلم بعضهم على بعض، ثم ينصرفون فيقومون في مقام أصحابهم ويجئ
الآخرون فيقومون خلف الإمام، فيصلي بهم الركعة الثانية، ثم يجلس الإمام
ويقومون هم فيصلون ركعة أخرى ثم يسلم عليهم فينصرفون بتسليمه.
قال: وفي المغرب مثل ذلك، يقوم الإمام وتجئ الطائفة فيقومون خلفه
فيصلي بهم ركعة ثم يقوم ويقومون فيمثل الإمام قائما ويصلون الركعتين
ويتشهدون ويسلم بعضهم على بعض، ثم ينصرفون فيقومون في موقف أصحابهم
289

ويجئ الآخرون فيقومون في موقف أصحابهم خلف الإمام فيصلي بهم ركعة يقرأ
فيها ثم يجلس ويتشهد ويقوم ويقومون معه يصلي ركعة أخرى ثم يجلس
ويقومون هم فيصلون ركعة أخرى ثم يسلم عليهم.
وروى عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام مثل ذلك
سواء.
مسألة 411: صلاة المغرب، الأفضل أن يصلي بالفرقة الأولى ركعة،
وبالفرقة الأخرى ركعتين، فإن صلى بالأولى ثنتين وبالأخرى ركعة كان أيضا
جائزا، فالأول رواية الحلبي، والثاني رواية زرارة، وبه قال الشافعي سواء إلا أن
أصحابه اختاروا وقالوا أصح القولين أن يصلي بالأولى ركعتين وبالثانية واحدة.
دليلنا: الروايات التي ذكرناها في الكتاب الكبير من رواية الحلبي وغيره
مع رواية زرارة، وإذا كانا جميعا مرويين، ولا ترجيح كنا مخيرين في العمل
بأيهما شئنا على حد واحد.
مسألة 412: صلاة الخوف جائزة في الحضر كما هي جائزة في السفر، وبه
قال الشافعي وأبو حنيفة.
وقال مالك: لا يجوز في الحضر.
دليلنا: قوله تعالى: وإذا كنت فيهم، الآية، ولم يخص حال السفر دون
حال الحضر، وقال: وإن خفتم فرجالا أو ركبانا ولم يخص، والأخبار المروية
أيضا عامة، وتخصيصها بحال السفر دون الحضر يحتاج إلى دليل.
فإن قالوا الآية تدل على أن الصلاة ركعتان، وكذلك الأخبار، وذلك لا
يكون إلا في السفر.
قلنا: قد بينا أن صلاة الخوف يقصر في السفر والحضر على كل حال، وقد
قدمنا في رواية حريز عن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام ذلك.
290

مسألة 413: إذا فرقهم في الحضر أربع فرق وصلى بكل فريق منهم ركعة
بطلت صلاة الجميع الإمام والمأموم.
وقال أبو حنيفة: تصح صلاة الإمام، وتبطل صلاة الطوائف.
وللشافعي فيه قولان:
أحدهما: تصح صلاة الإمام والمأموم.
والثاني: بطلت صلاته وصحت صلاة الطائفة الأولى والثانية، وبطلت صلاة
الثالثة والرابعة لأنهما دخلا في صلاة بعد فسادها وفسادها يكون عند الفراع من
الركعتين.
دليلنا: ما قدمناه من أن صلاة الخوف مقصورة ركعتان، فإذا صلى أربعا لا
يجزئه.
وإذا قلنا بالشاذ من قول أصحابنا، ينبغي أن نقول أيضا ببطلان صلاتهم، لأنه
لم يثبت لنا في الشرع هذا الترتيب، وإذا كان ذلك غير مشروع وجب أن
يكون باطلا.
مسألة 414: أخذ السلاح واجب على الطائفة المصلية، وبه قال داود، وهو
أحد قولي الشافعي. والقول الثاني أن أخذه مستحب، وبه قال أبو حنيفة.
دليلنا: قوله تعالى: فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم، فأمرهم
بأخذ السلاح، والأمر يقتضي الوجوب.
مسألة 415: إذا أصاب السيف الصقيل نجاسة، فمسح بخرقة، فمن
أصحابنا من قال أنه يطهر، وبه قال أبو حنيفة.
ومنهم من قال لا يطهر إلا بالماء، وبه قال الشافعي، وهو الأحوط، وقد
مضت هذه المسألة.
دليلنا: أنه قد ثبت نجاسته، ولا يتحقق طهارته إلا بأن يغسل بالماء،
291

ومسحه ليس عليه دليل.
مسألة 416: صلاة شدة الخوف وهي حالة المسائفة والتحام القتال يصلي
بحسب الإمكان إيماء وغير ذلك من الأنحاء قائما أو قاعدا أو ماشيا مستقبل القبلة
أو غير مستقبل القبلة، ولا تجب عليه الإعادة، وبه قال الشافعي إلا أنه قال: إن
ضارب فيها أو طاعن بطلت صلاته، ويمضي فيها ويعيدها هذا منصوص قوله.
وقال أبو العباس: يمضي فيها ولا يعيد كما قلناه.
وقال أبو حنيفة: يصلي كما قلنا إيماء وسائر أحواله إلا أنه لم يجز الصلاة
ماشيا.
وقال أيضا: إذا لم يتمكن إلا بالضرب والطعن فلا تصح صلاته، وينبغي أن
يؤخرها حتى يزول القتال ثم يقضيها.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا قوله تعالى: حافظوا على الصلوات - إلى
قوله - فإن خفتم فرجالا أو ركبانا، فأمر أن يصلي على حسب ما يتمكن على أي
صفة كان راكبا أو راجلا.
وروى زرارة وفضيل ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال في
صلاة الخوف عند المطاردة والمناوشة وتلاحم القتال، فإنه يصلي كل إنسان
منهم بالإيماء حيث كان وجهه إذا كانت المسايفة والمعانقة وتلاحم القتال، فإن
أمير المؤمنين عليه السلام في ليلة الهرير لم يكن صلى بهم الظهر والعصر
والمغرب والعشاء عند وقت كل صلاة إلا بالتكبير والتهليل والتسبيح والتحميد
والدعاء، وكانت تلك صلاتهم، ولم يأمرهم بإعادة الصلاة.
وروى الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: صلاة الزحف على الظهر
إيماء برأسك وتكبير، والمسايفة تكبير مع الإيماء، والمطاردة إيماء يصلي كل
رجل على حياله.
وأما الكلام على أبي حنيفة في وجوب التأخير، فهو أنه قد ثبت وجوب
292

الصلاة في أوقاتها بالإجماع، فمن أوجب تأخيرها فعليه الدلالة.
وروى أبو قتادة أن النبي صلى الله عليه وآله قال: ليس التفريط في النوم،
وإنما التفريط أن يؤخر صلاته حتى يدخل وقت أخرى.
مسألة 417: إذا رأى سوادا فظن أنه عدو، فصلى صلاة شدة الخوف إيماء،
ثم تبين أنه لم يكن عدوا وإنما كان وحشا، أو إبلا، أو بقرا، أو قوما مارة لم يجب
عليه الإعادة.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما: مثل ما قلناه لا إعادة عليه، والثاني: عليه
الإعادة، وبه قال أبو حنيفة.
دليلنا: قوله تعالى: فإن خفتم فرجالا أو ركبانا، وهذا خائف فيجب أن
تجوز صلاته، لأنه امتثل المأمور به.
وأيضا عموم الأخبار الواردة بالأمر بالصلاة في حال شدة الخوف، والأمر
يقتضي الإجزاء، وإيجاب الإعادة يحتاج إلى دليل.
وروى أبو بصير قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن كنت في
أرض مخافة فخشيت لصا أو سبعا فصل الفريضة وأنت على دابتك.
وروى عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
الرجل يخاف من سبع أو لص كيف يصنع؟ قال: يكبر ويومئ برأسه.
وروى زرارة قال: قال أبو جعفر عليه السلام الذي يخاف اللصوص
والسبع يصلي صلاة المواقفة إيماء على دابته - قلت: أرأيت إن لم يكن المواقف
على وضوء كيف يصنع ولا يقدر على النزول؟ قال: - يتيمم من لبد سرجه أو
دابته ومن معرفة دابته فإن فيها غبارا ويصلي ويجعل السجود أخفض من الركوع و
لا يدور إلى القبلة ولكن أينما دارت دابته غير أنه يستقبل القبلة بأول تكبيرة
حين يتوجه.
293

مسألة 418: إذا رأى العدو وصلى صلاة شدة الخوف ثم تبين له أن بينهم
خندقا أو نهرا كبيرا لا يصلون إليهم لا يجب عليه الإعادة.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما: مثل ما قلناه، والآخر: إنه تجب عليه الإعادة،
ومن أصحابه من قال: تجب الإعادة قولا واحدا.
دليلنا: كلما قلناه في المسألة الأولى.
مسألة 419: تجوز صلاة الجمعة على هيئة صلاة الخوف في مصر كان أو
في الصحراء إذا تم العدد والشرط.
وقال أبو حنيفة: لا يجوز أن تقام إلا في مصر، أو المصلى الذي يصلى فيه
العيد.
وقال الشافعي: لا يقام الجمعة إلا في جوف المصر، وأما في الصحراء فلا
تقام على حال.
قال أبو حامد: كنا نحكي هذا عن أبي إسحاق وصاحبنا قد نص عليه.
دليلنا: ما قدمناه من أن العدد متى اجتمع وجبت صلاة الجمعة، وذلك
عام في الصحاري والبنيان.
مسألة 420: إذا صلى صلاة الخوف في غير الخوف، فإن صلاة الإمام
صحيحة بلا خلاف، وصلاة المؤتمين عندنا أيضا صحيحة، سواء كان على الوجه
الذي صلاه النبي صلى الله عليه وآله بعسفان، أو ببطن النخل، أو ذات الرقاع.
وقال الشافعي: إن صلى بهم صلاة النبي صلى الله عليه وآله ببطن النخل
فصلاة الجميع صحيحة، وإن صلى بهم صلاته بذات الرقاع فصلاة المأمومين
على قولين: أحدهما تبطل، والآخر لا تبطل، والمختار أنها تبطل.
وإن صلى صلاة النبي بعسفان، فصلاة الإمام وصلاة الذين لم يحرسوه
صحيحة، وأما صلاة من حرسه على قولين، والمختار عندهم أنها لا تبطل.
294

دليلنا: أنه ليس على بطلان شئ من هذه الصلوات دليل، فيجب أن تكون
كلها صحيحة، ومن ادعى أنه من حيث فارق الإمام بطلت صلاته، فعليه الدليل.
مسألة 421: لبس الحرير المحض محرم على الرجال، وكذلك التدثر به،
وفرشه، والقعود عليه، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: فرشه والجلوس عليه غير محرم.
دليلنا: عموم الأخبار الواردة في تحريم الحرير المحض للرجال.
وأيضا روى علي بن أبي طالب عليه السلام قال: خرج النبي
صلى الله عليه وآله يوما وبيمينه قطعة من ذهب وبشماله قطعة من حرير فقال: إن هذين حرام
على ذكور أمتي وحل لإناثها.
وروى مالك عن نافع عن ابن عمر عن عمر أنه رأى حلة عند المسجد
تباع، فقال يا رسول الله ألا نشتريها لك تلبسها يوم الجمعة إذا قدم عليك الوفد؟
فقال صلى الله عليه وآله: هذا لباس من لا خلاق له في الآخرة.
مسألة 422: الثياب المنسوجة من الإبريسم إذا خالطها شئ من كتان أو
قطن أو خز سداه أو لحمته أو شئ منسوج فيه زال عنه التحريم، سواء كان مثله
أو غالبا عليه أو أقل منه.
وقال الشافعي: إن كان الغالب الإبريسم فهو حرام، وإن كان الغالب غيره
لم يحرم، وإن كانا نصفين فيه وجهان: أحدهما حرام، والآخر مباح.
وقال أبو حنيفة: إذا خالطه غيره لم يحرم مثل ما قلناه.
دليلنا: إجماع الفرقة فإنهم لا يختلفون في ذلك.
وروى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله قال: إنما حرم الديباج إذا
كان مصمتا سداه ولحمته، فأما أحدهما فلا.
وروى يوسف بن إبراهيم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا بأس بالثوب
295

أن يكون سداه وزره وعلمه حريرا، وإنما كره الحرير المبهم للرجال.
296

كتاب صلاة العيدين
مسألة 423: صلاة العيدين فرض على الأعيان، ولا تسقط إلا عمن تسقط
عنه الجمعة. وخالف جميع الفقهاء في ذلك، وقالوا: إنها سنة مؤكدة، إلا أبا سعيد
الإصطخري من أصحاب الشافعي فإنه قال: هي من فروض الكفايات.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا فلا خلاف أن من صلاها برأت ذمته، ومن لم
يصلها ففيه خلاف، فالاحتياط يقتضي فعلها.
وروى أبو أسامة زيد الشحام عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول:
صلاة العيدين فريضة، وصلاة الكسوف فريضة.
وروى جميل بن دراج قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: صلاة العيدين
فريضة.
مسألة 424: يستحب التكبير ليلة الفطر، وبه قال جميع الفقهاء، وروي
ذلك عن ابن عمر.
وروي عن ابن عباس، أنه سئل عن رجل كبر يوم الفطر فقال: كبر إمامه؟
فقالوا: لا قال: ذاك رجل أحمق، وكان يذهب إلى أن الاعتبار بالإمام إن كبر
كبر معه الناس، وإلا لم يكبروا. وقال النخعي: ذلك عمل الحواكين - يعني كبر
297

حين يغدو إلى الصلاة -.
وقال أبو حنيفة: يكبر في ذهابه إلى الأضحى، ولا يكبر يوم الفطر.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا فإن التكبير تعظيم لله تعالى، فينبغي أن لا
يكون مكروها.
مسألة 425: أول وقت التكبير عقيب صلاة المغرب، وآخره عقيب صلاة
العيدين. فيكون التكبير عقيب أربع صلوات: المغرب، والعشاء الآخرة،
والصبح، وصلاة العيد.
وقال الشافعي: له وقتان: أول، وآخر.
فالأول: حين تغيب الشمس من ليلة الفطر، وبه قال سعيد بن المسيب،
وعروة بن الزبير، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، هؤلاء من
الفقهاء السبعة، وهو قول أبي سلمة بن عبد الرحمن، وزيد بن أسلم.
وقالت طائفة: أول وقت التكبير عقيب صلاة الفجر، ذهب إليه مالك،
والأوزاعي، وأبو حنيفة وأصحابه، ورووه عن علي عليه السلام، وابن عمر.
وأما آخر وقته، فاختلف أصحاب الشافعي فيه، فقال أبو العباس وأبو
إسحاق: المسألة على قول واحد، وهو أن لا ينقطع التكبير حتى يفتتح صلاة
العيد. وقال: المسألة على ثلاثة أقوال: أحدها: إذا خرج الإمام، والثاني: حتى
يفتتح الصلاة، والثالث: حتى يفرع من الخطبتين.
فالخلاف بينهم أن من سنة الإمام التكبير حتى تنقضي الخطبتان.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا ما ذكرناه وافقنا عليه أكثرهم وزادوا عليه
والزيادة تحتاج إلى دليل.
وروى خلف بن حماد عن النقاش قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: أما أن
في الفطر تكبيرا ولكنه مسنون قال: قلت: وأين هو؟ قال: في ليلة الفطر في
المغرب والعشاء الآخرة وفي صلاة الفجر وصلاة العيد ثم يقطع قال: قلت
298

كيف أقول؟ قال: تقول: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد الله
أكبر على ما هدانا، وهو قول الله تعالى: ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما
هداكم.
مسألة 426: كيفية التكبير، أن يكبر عقيب الصلوات الأربع التي ذكرناها.
وقال الشافعي: التكبير مطلق، ومقيد:
فالمطلق: أن يكبر على كل حال ماشيا وراكبا وجالسا في الأسواق
والطرقات.
والمقيد: عقيب الصلوات التي ذكرناها وفيه وجهان: أحدهما أنه مسنون
وهو الأظهر، والآخر أنه ليس بمسنون.
دليلنا: إجماع الفرقة، وقد بينا الخبر في ذلك مفصلا، وأما مطلقه فيحتاج
إلى دليل شرعي.
مسألة 427: صلاة العيدين في المصلي أفضل منه في المساجد إلا بمكة،
فإن الصلاة في المسجد الحرام أفضل.
وقال الشافعي: إن كان المسجد ضيقا كره له الصلاة فيه وكان المصلى
أفضل، وإن كان واسعا كان الصلاة فيه أفضل، ويجوز أيضا في المصلى وليس
بمكروه.
دليلنا: إجماع الفرقة.
وروى يونس عن معاوية بن عمار قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: على
الإمام أن يخرج في العيدين إلى البر حيث ينظر إلى آفاق السماء، ولا يصلي على
حصير، ولا يسجد عليه، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله يخرج إلى
البقيع فيصلي بالناس.
وروى محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى رفعه عن أبي عبد الله
عليه السلام
299

قال: السنة على أهل الأمصار أن يبرزوا من أمصارهم في العيدين إلا أهل
مكة فإنهم يصلون في المسجد الحرام.
مسألة 428: تقدم صلاة الأضحى وتؤخر قليلا صلاة الفطر، لأن من السنة
أن يأكل الإنسان في الفطر قبل الصلاة، وفي الأضحى بعد الصلاة.
وقال الشافعي: يقدم الفطر ويؤخر الأضحى.
دليلنا: إجماع الفرقة.
وروى جراح المدائني عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ليطعم يوم الفطر
قبل أن يصلي، ولا يطعم يوم الأضحى حتى ينصرف الإمام.
وروى حماد بن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أطعم يوم الفطر
قبل أن تصلي، ولا تطعم يوم الأضحى حتى ينصرف الإمام.
وروى عبد الله بن بريدة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وآله كان لا يخرج
يوم الفطر حتى يطعم، وكان لا يأكل يوم النحر حتى يرجع ويأكل من أضحيته.
وروى أنس بن مالك قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله لا يخرج
يوم الفطر حتى يأكل تمرتين أو ثلاثا أو خمسا أقل من ذلك أو أكثر.
مسألة 429: الأذان في صلاة العيدين بدعة، وبه قال جميع الفقهاء.
وقال سعيد بن المسيب: أول من أحدث الأذان لصلاة العيدين معاوية.
وقال محمد بن سيرين: أول من أحدثه بنو أمية، وأخذه الحجاج منهم.
وقال أبو قلابة: أول من أحدثه لصلاة العيدين ابن الزبير.
دليلنا: إجماع الفرقة، بل إجماع المسلمين، لأن هذا الخلاف قد انقرض.
وروى طاووس عن ابن عباس قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وآله
العيد ثم خطب، وصلاها أبو بكر ثم خطب، وصلاها عمر ثم خطب، وصلاها
عثمان ثم خطب بغير أذان ولا إقامة.
300

وروى جابر بن سمرة قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وآله غير مرة
ولا مرتين العيد بغير أذان ولا إقامة.
وروى عطاء عن جابر بن عبد الله قال: شهدت الصلاة مع النبي
صلى الله عليه وآله يوم العيد، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بلا أذان ولا إقامة.
مسألة 430: التكبير في صلاة العيد اثنتا عشرة تكبيرة، في الأولى سبع،
منها تكبيرة الإحرام وتكبيرة الركوع، وفي الثانية خمس منها تكبيرة الركوع.
ومن أصحابنا من قال: فيها تكبيرة القيام، وموضع التكبير في الركعتين
بعد القراءة.
وقال الشافعي الزائد اثنتا عشرة تكبيرة، منها في الأولى سبع، وفي الثانية
خمس ليس منها تكبيرة الإحرام ولا تكبيرة الركوع، وموضعها قبل القراءة في
الركعتين معا، وبه قال أبو بكر، وعمر، وحكوه عن علي عليه السلام وعن عبد الله
بن عمر وزيد بن ثابت وأبي هريرة وعائشة، وبه قال في الفقهاء الأوزاعي وأحمد
وإسحاق ومالك، إلا أنه خالفهم في موضعه فقال: يكبر في الأولى سبعا مع
تكبيرة الإحرام فيكون الزائد على الراتب على مذهبنا تسعة، وعلى مذهب
الشافعي اثنتا عشرة، وعلى مذهب مالك إحدى عشرة.
وقال أبو حنيفة: يكبر في الأولى ثلاثا بعد تكبيرة الإحرام، وفي الثانية ثلاثة
سوى تكبيرة القيام، فالزائد على مذهبه ست تكبيرات.
دليلنا: إجماع الفرقة.
وأيضا روى علي بن أبي حمزة عن أبي عبد الله عليه السلام في صلاة العيدين
قال: يكبر ثم يقرأ ثم يكبر خمسا ويقنت بين كل تكبيرتين ثم يكبر السابعة
فيركع بها ثم يسجد ثم يقوم في الثانية فيقرأ ثم يكبر أربعا ويركع الخامسة.
وروى أبو الصباح الكناني قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن التكبير
في العيدين؟ قال: اثنتا عشرة تكبيرة، سبع في الأولى وخمس في الأخيرة.
301

وروى سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام في صلاة العيدين قال:
كبر ست تكبيرا ت واركع بالسابعة، ثم قم في الثانية فاقرأ، ثم كبر أربعا واركع
بالخامسة، والخطبة بعد الصلاة.
وروى عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال النبي صلى الله عليه وآله
التكبير في الفطر سبع في الأولى وخمس في الأخيرة.
وروى عمرو بن عوف قال: كبر رسول الله صلى الله عليه وآله في الفطر
والأضحى في الأولى سبعا قبل القراءة وفي الثانية خمسا.
مسألة 431: قد بينا أن موضع التكبيرات بعد القراءة في الركعتين.
وقال الشافعي يكبر تكبيرة الافتتاح، ويدعو بدعاء الاستفتاح، ثم يكبر
سبعا، ثم يأتي بالتعوذ بعدها، ثم يقرأ، وبه قال محمد بن الحسن.
وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: يأتي بدعاء الاستفتاح وبالتعوذ عقيبه ثم يكبر
ثلاثا ثم يقرأ.
دليلنا: ما قدمناه في المسألة الأولى سواء، فلا معنى لإعادته.
مسألة 432: يستحب أن يرفع يديه مع كل تكبيرة، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: خلاف ما قال في سائر الصلوات.
وقال مالك: يرفع يديه مع أول تكبيرة لا غير.
دليلنا: إجماع الفرقة.
وروي عن عمر بن الخطاب أنه صلى صلاة العيد، فكبر في الأولى سبعا،
وفي الثانية خمسا يرفع يديه مع كل تكبيرة، ولا مخالف له.
وروى علي بن أشيم عن يونس قال: سألته عن تكبير العيدين أيرفع يده مع
كل تكبيرة اثنتي عشر مرة، أو يرفع في أول تكبيرة؟ فقال: يرفع مع كل
تكبيرة.
302

مسألة 433: يستحب أن يدعو بين التكبيرات بما يسنح له.
وقال الشافعي: يقف بين كل تكبيرتين بقدر قراءة آية لا طويلة ولا قصيرة
فيقول: لا إله إلا الله والحمد لله.
وقال مالك: يقف بقدر ذلك ساكتا ولا يقول شيئا.
وقال أبو حنيفة: يوالي بين التكبيرات ولا يفصل بينها ولا يقول شيئا.
دليلنا: إجماع الفرقة:
وروي عن ابن مسعود أنه صلى صلاة العيد فكان يهلل ويكبر ويصلي على
النبي صلى الله عليه وآله بين كل تكبيرتين، ولا مخالف له.
وروى علي بن أبي حمزة عن أبي عبد الله عليه السلام في صلاة العيدين قال:
يكبر، ثم يقرأ، ثم يكبر خمسا، ويقنت بين كل تكبيرتين، ثم يكبر السابعة
ويركع بها، ثم يسجد، ثم يقوم في الثانية فيقرأ، ثم يكبر أربعا ويركع بالخامسة.
مسألة 434: يستحب أن يقرأ في الركعة الأولى الحمد مرة والشمس
وضحاها، وفي الثانية الحمد وهل أتاك حديث الغاشية.
وقال الشافعي: يقرأ في الأولى سورة قاف وفي الثانية سورة القمر.
دليلنا: إجماع الفرقة.
وروى معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن صلاة
العيدين قال: تقرأ في الأولى الحمد مرة والشمس وضحاها وفي الثانية الحمد مرة
وهل أتاك حديث الغاشية.
مسألة 435: إذا نسي التكبيرات حتى ركع مضى في صلاته ولا شئ
عليه، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: إذا ذكرها في حال الركوع كبر وهو راكع.
دليلنا: أنه لا دلالة على إعادة ذلك في الركوع.
303

وأيضا فقد روينا فيما تقدم عنهم عليه السلام أن كل من شك في شئ من
الصلاة وانتقل إلى حالة أخرى أنه يمضي في صلاته، وذلك عام في جميع
الصلوات.
مسألة 436: الخطبة في العيدين بعد الصلاة، وبه قال جميع الفقهاء.
وروي أن مروان بن الحكم كان يخطب قبل الصلاة.
دليلنا: إجماع الفرقة، بل إجماع الأمة، فإن خلاف مروان قد انقرض، مع
أنه لو كان لما اعتد به على أنه أنكر على مروان فعله.
وروى طارق بن شهاب عن أبي سعيد الخدري قال: أخرج مروان بن
الحكم المنبر في يوم العيد وبدأ بالخطبة قبل الصلاة، فقام رجل فقال: يا مروان
خالفت السنة، أخرجت المنبر في يوم عيد ولم يكن يخرج فيه، وبدأت بالخطبة
قبل الصلاة، فقال أبو سعيد الخدري: من هذا؟ قالوا: فلانا، فقال: أما هذا فقد
قضى ما عليه، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: من رأى منكرا
فاستطاع أن يغيره بيده فليفعل، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه
وذلك أضعف الإيمان.
مسألة 437: العدد شرط في وجوب صلاة العيد، وكذلك جميع شرائط
الجمعة، وبه قال أبو حنيفة.
وقال الشافعي: لا يراعى فيه شرائط الجمعة، ويجوز للمنفرد والمسافر والعبد
إقامتها.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا إذا ثبت أنها فرض وجب اعتبار العدد فيها،
لأن كل من قال بذلك يعتبر العدد، وليس في الأمة من فرق بينهما.
وروى معمر بن يحيى عن أبي جعفر عليه السلام قال: لا صلاة يوم الفطر
والأضحى إلا مع إمام.
304

وروى زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: من لم يصل مع إمام جماعة
يوم العيد فلا صلاة له ولا قضاء عليه.
فهذه الأخبار تدل على أن فرضها متعلق بوجود الإمام، فأما مع الانفراد فإنها
مستحبة.
ويدل على ذلك ما رواه سماعة بن مهران عنه عليه السلام قال: لا صلاة في
العيدين إلا مع إمام، فإن صليت وحدك فلا بأس.
وروى ربعي بن عبد الله والفضيل بن يسار قال: ليس في السفر جمعة ولا
فطر ولا أضحي.
مسألة 438: يكره التنفل يوم العيد قبل صلاة العيد وبعدها إلى بعد
الزوال، للإمام والمأموم، وهو المروي عن علي عليه السلام.
وقال الشافعي: يكره مثل ذلك للإمام، وأما المأموم فلا يكره له ذلك إذا
لم يقصد التنفل لصلاة العيد، وبه قال سهل بن سعد الساعدي، ورافع بن
خديج.
وقال الأوزاعي والثوري وأبو حنيفة: يكره قبلها ولا يكره بعدها.
دليلنا: إجماع الفرقة.
وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: خرج النبي صلى الله عليه وآله
يوم فطر صلى ركعتين ولم يتنفل قبلها ولا بعدها.
وروى عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: صلاة العيدين
ركعتان بلا أذان ولا إقامة، ليس قبلهما ولا بعدهما شئ.
وروى زرارة قال: قال أبو جعفر عليه السلام: ليس في يوم الفطر والأضحى
أذان ولا إقامة، أذانهما طلوع الشمس إذا طلعت خرجوا، وليس قبلهما ولا بعدهما
صلاة.
305

مسألة 439: المسافر، والمرأة، والعبد لا تجب عليهم صلاة العيد، لكن إذا
أقاموها سنة جاز لهم ذلك.
وقال أبو حنيفة: لا تصح منهم إقامتها، وللشافعي فيه قولان: أحدهما يصح
والآخر لا يصح.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا عموم الأخبار الواردة في الحث على صلاة
العيدين منفردا وذلك عام في جميعهم.
مسألة 440: روت العامة عن علي عليه السلام أنه خلف من صلى بضعفة
الناس في المصر وبه قال الشافعي.
وقال: إنه يجوز ذلك إذا كان المصلى بعيدا من البلد والمسجد يضيق عن
الصلاة بجميعهم.
والذي أعرفه من روايات أصحابنا أنه لا يجوز ذلك.
وروى محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال الناس لأمير
المؤمنين عليه السلام: ألا تخلف رجلا يصلي في العيدين بالناس؟ فقال: لا
أخالف السنة.
مسألة 441: إذا دخل الإنسان والإمام يخطب، فقد فاتته الصلاة، ولا إعادة
عليه.
وقال الشافعي: يسمع الخطبة ثم يقوم فيقضي صلاة العيد.
دليلنا: أن القضاء عبادة ثانية تحتاج إلى دلالة، وليس في الشرع ما يدل
على ذلك.
وأيضا فقد قدمنا من الأخبار ما يدل على أن من فاتته صلاة العيد فلا قضاء
عليه.
وأيضا روى زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: من لم يصل مع الإمام
306

في جماعة يوم العيد فلا صلاة له ولا قضاء عليه.
مسألة 442: التكبير عقيب خمس عشرة صلاة في الأضحى لمن كان بمنى
أولها بعد الظهر يوم النحر وآخرها صلاة الصبح آخر يوم التشريق، ومن كان
بغيرها من أهل الأمصار عقيب عشر صلوات أولها الظهر يوم النحر وآخرها
الصبح يوم النفر الأول، وهو الثاني من أيام التشريق.
واختلف الناس في هذه المسألة على أربعة مذاهب.
فذهبت طائفة إلى أنه يكبر بعد الصبح من يوم عرفة، ويقطع بعد العصر من
آخر التشريق، ذهب إليه في الصحابة عمر، وحكي عن علي عليه السلام وفي
الفقهاء أبو يوسف ومحمد وأحمد وإسحاق والمزني وأبو العباس.
وذهبت طائفة إلى أنه يكبر بعد الصبح من يوم عرفة، ويقطع بعد العصر
من يوم النحر خلف ثماني صلوات، ذهب إليه أبو حنيفة وروي عن ابن مسعود
وهي إحدى الروايتين عن علي عليه السلام على ما حكوه.
وذهبت طائفة إلى أنه يكبر خلف الظهر من يوم النحر، ويقطع بعد الصبح
من آخر التشريق، وهو المعروف من مذهب الشافعي وبه قال عثمان وابن عمر
وابن عباس. وقال الأوزاعي: يكبر خلف الظهر من يوم النحر ويقطع بعد العصر من آخر
التشريق خلف سبع عشرة صلوات.
ولست أعرف أحدا من الفقهاء فرق بين أهل منى وأهل الأمصار، بل نحن
منفردون به.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا قوله تعالى: واذكروا الله في أيام معدودات،
وهي عندنا أيام التشريق، وليس فيها ذكر مأمور به غير التكبير الذي ذكرناه.
وروى محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قوله تعالى:
واذكروا الله في أيام معدودات. قال: التكبير في أيام التشريق، صلاة الظهر من
307

يوم النحر إلى صلاة الفجر من اليوم الثالث، وفي الأمصار عقيب عشر صلوات،
فإذا نفر النفر الأول أمسك أهل الأمصار، ومن أقام بمنى وصلى بها الظهر والعصر
فليكبر.
وروى زرارة قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: التكبير في أيام التشريق في
دبر الصلوات؟ فقال: التكبير في منى في دبر خمس عشرة صلاة، وفي سائر
الأمصار دبر عشر صلوات وأول التكبير من دبر صلاة الظهر يوم النحر يقول فيه
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر على ما هدانا، والله أكبر على
ما رزقنا من بهيمة الأنعام. وإنما جعل في سائر الأمصار في دبر عشر صلوات
التكبير لأنه إذا نفر الناس في النفر الأول أمسك أهل الأمصار عن التكبير وكبر
أهل منى ما داموا بمنى إلى النفر الأخير.
مسألة 443: صفة التكبير أن يقول: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله
أكبر، الله أكبر ولله الحمد، وهو إحدى الروايتين عن علي عليه السلام، وبه قال
ابن مسعود والثوري وأبو حنيفة وأحمد.
وقال الشافعي: المسنون أن يكبر ثلاثا نسقا، فإن زاد على ذلك كان حسنا،
وبه قال ابن عمر وابن عباس ومالك بن أنس.
دليلنا: إجماع الفرقة، وقد ذكرناه في رواية زرارة عن أبي جعفر
عليه السلام في المسألة الأولى.
وروى جابر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا صلى الصبح من
غداة عرفة أقبل على أصحابه فيقول على مكانكم ويقول: الله أكبر الله أكبر لا إله
إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.
مسألة 444: التكبير عقيب الصلوات التي ذكرناها خمس عشرة صلاة لمن
كان بمنى، وعشر صلوات لمن كان بالأمصار، ولا فرق بين أن يصلي هذه
308

الصلوات في جماعة أو فرادى، في بلد كان أو في قرية، في سفر كان أو في
حضر، صغيرا كان المصلي أو كبيرا، رجلا كان أو امرأة.
ورويت رواية أنه يكبر أيضا عقيب النوافل، والأظهر الأول، وبه قال
الشافعي، إلا أنه قطع على التكبير عقيب النوافل.
وقال أبو حنيفة: لا يكبر إلا عقيب الفرائض في جماعة في مصر، فأما من عدا
هؤلاء فلا يكبر في قرية، ولا على سفر، ولا خلف نافلة، ولا فريضة منفردا.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا الأخبار التي أوردناها عامة في الجميع على
جميع الأحوال.
وأما النوافل، فإنما قلنا: لا يكبر خلفها، لأنهم حصروا التكبير عقيب خمس
عشرة صلاة بمنى، وخلف عشر صلوات بغير منى، فلو كان عقيب النوافل لزاد
على ذلك في العدد.
وأما الرواية التي قلناها، فرواها حفص بن غياث عن جعفر عن أبيه عن علي
عليه السلام قال: على الرجال والنساء أن يكبروا أيام التشريق في دبر
الصلوات، وعلى من صلى وحده، ومن صلى تطوعا.
مسألة 445: إذا صلى وحده كبر، وإن صلى خلف الإمام وكبر إمامه كبر
معه، فإن ترك الإمام التكبير كبر هو، فإن نسي التكبير في مجلسه كبر حيث
ذكره، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: إذا سلم من الصلاة نظرت، فإن تحدث قبل التكبير لم
يكبر، وإن لم يتحدث فقام نظرت، فإن لم يذكر حتى خرج من المسجد لم يكبر
وإن ذكر قبل أن يخرج منه عاد إلى مكانه وجلس فيه كما يجلس للتشهد وكبر
فيه.
قال: وإن لم يكبر حتى أحدث نظرت، فإن كان عامدا لم يكبر، وإن سبقه
الحدث كبر، فإن العامد يقطع الصلاة ولا يقطعها إذا سبقه الحدث.
309

دليلنا: طريقة الاحتياط، لأنه إذا فعلها على كل حال لا خلاف في براءة
ذمته، وإذا عمل بقول أبي حنيفة لم تبرأ ذمته بيقين.
مسألة 446: من نسي صلاة من الصلوات التي يكبر عقيبها ثم ذكرها بعد
انقضاء الأيام قضاها وكبر بعدها.
وقال الشافعي: ليس عليه إعادة التكبير، لأن محله قد فات.
دليلنا: طريقة الاحتياط في براءة الذمة.
وأيضا روينا عنهم عليه السلام فيما تقدم أنهم قالوا: من فاتته صلاة
فليقضها كما فاتته، وإذا كان هذا قد فاته صلاة مع تكبيرة عقيبها يجب أن يقضيها
مثل ذلك.
مسألة 447: أربع مسائل:
الأولى: إذا أصبح الناس صياما يوم الثلاثين، فشهد شاهدان أن الهلال كان
بالأمس، وأن اليوم يوم عيد، فعدلا قبل الزوال، أو شهدا ليلة
الثلاثين وعدلا يوم الثلاثين قبل الزوال، فإن الإمام يخرج بهم ويصلي بهم العيد، صغيرا كان البلد أو
كبيرا بلا خلاف في هذه المسألة.
الثانية: أن يشهدا يوم الحادي والثلاثين أن الهلال كان ليلة الثلاثين، أو
شهدا بعد غروب الشمس ليلة الحادي والثلاثين أن الهلال كان ليلة الثلاثين
وعدلا فقد فات العيد وفات وقت صلاة العيد ولا قضاء في ذلك.
وقال الشافعي في هذه المسألة: يخرج الإمام ويصلي بهم ويكون أداء لا
قضاء.
الثالثة: أن يشهدا قبل الزوال يوم الثلاثين أن الهلال كان البارحة وعدلا بعد
الزوال أو شهدا بعد الزوال وعدلا بعد الزوال لا قضاء في ذلك وقد فات الوقت.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل قولنا لا يقضي، وبه قال أبو حنيفة
310

واختاره المزني، وقال في الصيام يقضون.
وقال أصحابه: ثم ينظر فإن كان البلد صغيرا ويمكن اجتماع الناس خرج
وصلى بهم في الحال، وإن لم يمكن ذلك أخر إلى الغد وقضاه.
الرابعة: إن شهدا يوم الثلاثين قبل الزوال أو بعده أن الهلال كان البارحة،
وعدلا يوم الحادي والثلاثين أو ليلة الحادي والثلاثين، لا يقضي الصلاة، وبه قال
الشافعي في الأم.
وقال أصحابه: المسألة على قولين، لأن الاعتبار بالشهادة إذا عدلا بحال
أقامتها لا بحال التعديل، فإذا عدلا يوم الحادي والثلاثين وكانت الشهادة يوم
الثلاثين حكمنا بأن الفطر كان حين الشهادة، فيكون فطرهم بالأمس.
دليلنا: على هذه المسائل: إجماع الفرقة على أنه إذا فاتت صلاة العيد لا
تقضى.
وأيضا القضاء فرض ثان، وإثباته يحتاج إلى دليل آخر، وليس في الشرع
ما يدل عليه، والأصل براءة الذمة من فرض ومن نفل، وقد قدمنا من الأخبار ما
يدل على أنها إذا فات وقتها لا تقضى.
مسألة 448: إذا اجتمع عيد وجمعة في يوم واحد سقط فرض الجمعة، فمن
صلى العيد كان مخيرا في حضور الجمعة وأن لا يحضرها، وبه قال ابن عباس
وابن الزبير.
وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي: لا يسقط فرض الجمعة بحال.
دليلنا: إجماع الفرقة.
وأيضا روى أبو هريرة قال: اجتمع عيدان في يوم على عهد رسول الله
صلى الله عليه وآله فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وصلى صلاة العيد وقال: يا أيها
الناس إن هذا يوم قد اجتمع لكم فيه عيدان، فمن أحب أن يشهد الجمعة معنا
فليفعل، ومن أحب أن ينصرف فلينصرف.
311

وروى ابن عمر قال: قال النبي صلى الله عليه وآله من أحب أن يأتي الجمعة
فليأتها، ومن أحب أن يتخلف فليتخلف.
وروى وهب بن كيسان قال: وافق يوم الجمعة يوم عيد على عهد ابن
الزبير، فأخر الصلاة ثم خرج فصلى العيد، ثم خطب، فنزل، فصلى ركعتين،
ودخل ولم يخرج إلى الجمعة، فعابه قوم من بني أمية، وكان ابن عباس باليمن،
فلما قدم ذكر ذلك له فقال: أصاب السنة.
وفي بعض الأخبار: ذكر ذلك لابن الزبير فقال: كان مثل هذا على عهد
رسول الله صلى الله عليه وآله ففعل مثل ذلك.
وروى غياث بن كلوب عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام
عن أبيه أن علي بن أبي طالب عليه السلام كان يقول: إذا اجتمع عيدان في يوم
واحد فإنه ينبغي للإمام أن يقول للناس في خطبته الأولى أنه قد اجتمع لكم
عيدان فأنا أصليهما جميعا، فمن كان مكانه قاصيا فأحب أن ينصرف عن الآخر
فقد أذنت له.
وروى أبان بن عثمان عن سلمة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: اجتمع
عيدان على عهد أمير المؤمنين عليه السلام فخطب الناس فقال: هذا يوم اجتمع
فيه عيدان فمن أحب أن يجمع معنا فليفعل، ومن لم يفعل فإن له رخصة.
وروى أن معاوية سأل زيد بن أرقم: هل شهدت مع رسول الله
صلى الله عليه وآله عيدين في يوم واحد؟ فقال: نعم وخرج النبي صلى الله عليه وآله
فصلى العيد ورخص في ترك الجمعة.
مسألة 449: وقت الخروج إلى صلاة العيد بعد طلوع الشمس.
وقال الشافعي: يستحب له أن يبكر ليأخذ الموضع.
دليلنا: إجماع الفرقة. وروى سماعة قال: سألته عن الغدو إلى المصلى في
الفطر والأضحى فقال: بعد طلوع الشمس.
312

كتاب صلاة الكسوف
مسألة 450: صلاة الكسوف فريضة.
وقال جميع الفقهاء أنها سنة.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا طريقة الاحتياط، لأن من صلى الكسوف
برأت ذمته بلا خلاف، ومن لم يصلها ففي براءة ذمته خلاف.
وروى محمد بن حمران عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: صلاة
الكسوف فريضة.
وروى أبو أسامة زيد الشحام، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: صلاة
الكسوف فريضة.
وروى جميل عن أبي عبد الله عليه السلام قال: صلاة الكسوف فريضة.
وروت عائشة قالت: كسفت الشمس على عهد رسول الله
صلى الله عليه وآله فقال: إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله تعالى، يخوف بهما عباده، فإذا
رأيتم ذلك فصلوا.
وفي حديث جابر: فإذا رأيتم ذلك فصلوا حتى ينجلي.
وروى أبو مسعود البدري قال: انكسفت الشمس يوم مات إبراهيم بن
رسول الله صلى الله عليه وآله فقال الناس: انكسفت الشمس لموت إبراهيم فقال
رسول الله صلى الله عليه وآله إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله تعالى لا
313

ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم فافزعوا إلى ذكر الله وإلى الصلاة.
وهذان الخبران تضمنا الأمر بالصلاة، والأمر يقتضي الوجوب.
مسألة 451: صلاة الكسوف تصلي إذا وجد سببها، أية ساعة كانت من
ليل أو نهار، وفي الأوقات المكروهة لصلاة النافلة فيها، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة ومالك: لا تفعل في الأوقات المنهي عنها.
دليلنا: إجماع الفرقة.
وروى محمد بن حمران قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: وقت صلاة
الكسوف في الساعة التي تنكسف عند طلوع الشمس وعند غروبها.
مسألة 452: من ترك صلاة الكسوف كان عليه قضاؤها، وإن كان قد
احترق القرص كله وتركها متعمدا كان عليه الغسل وقضاء الصلاة.
ولم يوافق على ذلك أحد من الفقهاء.
دليلنا: إجماع الفرقة.
وروى حريز عمن أخبره عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا انكسف
القمر، فاستيقظ الرجل، فكسل أن يصلي، فليغتسل من غد، وليقض الصلاة. وإن
لم يستيقظ ولم يعلم بذلك وانكسف القمر، فليس عليه إلا القضاء بغير غسل.
مسألة 453: صلاة الكسوف عشر ركعات وأربع سجدات، يفتتح
الصلاة ويقرأ دعاء الاستفتاح ويتعوذ، ويقرأ الحمد ويقرأ بعدها سورة طويلة مثل
الكهف والأنبياء وما أشبههما، ثم يركع ويسبح في ركوعه بمقدار قراءته، ثم
يرفع رأسه ويقول: الله أكبر، فإن كان قد ختم السورة وأراد استئناف أخرى
أعاد الحمد وقرأ بعدها سورة أخرى، ثم يركع هكذا خمس مرات، فإذا رفع
رأسه في الخامسة قال سمع الله لمن حمده، ويسجد سجدتين، ثم يصلي بعدهما
314

خمس ركعات وبعدها سجدتين على الترتيب الذي قدمناه.
وقال الشافعي: يصلي على ما وصفناه أربع ركعات بأربع سجدات، كل
ركوعين بعدهما سجدتان، وعين في القراءة سورة البقرة أو عدد آياتها، وفي
الثانية أقل من ذلك، وفي الثالثة أقل، وفي الرابعة أقل. وبه قال مالك وأحمد
وإسحاق. وروي ذلك عن عثمان بن عفان وعبد الله بن عباس.
وقال قوم: إنه يصلي ركعتين كصلاة الفجر، فإن صلى في كل ركعة
ركوعين بطلت صلاته، ذهب إليه النخعي والثوري وأبو حنيفة ورواه أبو حنيفة
عن حماد عن إبراهيم النخعي.
دليلنا: إجماع الفرقة وروى حريز عن زرارة ومحمد بن مسلم قالا: سألنا
أبا جعفر عليه السلام عن صلاة الكسوف كم هي ركعة؟ وكيف نصليها؟ قال:
هي عشر ركعات بأربع سجدات تفتتح الصلاة بتكبيرة وتركع بتكبيرة وترفع
رأسك بتكبيرة إلا في الخامسة التي تسجد فيها وتقول: سمع الله لمن حمده
وتقنت في كل ركعتين قبل الركوع وتطيل القنوت والركوع على قدر القراءة،
والركوع والسجود ويستحب أن يقرأ فيها بالكهف والحجر إلا أن يكون إماما
يشق على من خلفه وإن استطعت أن تكون صلاتك بارزا لا يجنك بيت فافعل
وصلاة كسوف الشمس أطول من صلاة كسوف القمر وهما سواء في القراءة والركوع والسجود.
وروي عن علي عليه السلام أنه صلى بعد رسول الله صلى الله عليه وآله
بخمس ركعات في كل ركعة.
وروى مثل ذلك أبي بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وآله.
مسألة 454: يستحب أن تكون صلاة الكسوف تحت السماء.
وقال الشافعي: يستحب أن تكون في المساجد.
دليلنا: ما قدمناه في الرواية المتقدمة.
315

مسألة 455: السنة في صلاة كسوف الشمس أن يجهر فيها بالقراءة وبه
قال مالك وأبو يوسف ومحمد وأحمد وإسحاق.
وقال أبو حنيفة والشافعي: لا يجهر.
دليلنا: ما روي عن علي عليه السلام أنه صلى لكسوف الشمس فجهر فيها
بالقراءة، وعليه إجماع الفرقة.
مسألة 456: ليس بعد صلاة الكسوف خطبة، وبه قال أبو حنيفة ومالك.
وقال الشافعي: يصعد بعدها المنبر ويخطب كما يخطب في العيدين
والاستسقاء.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، وشغلها بوجوب أو ندب يحتاج إلى دلالة.
مسألة 457: صلاة خسوف القمر مثل صلاة كسوف الشمس سواء، وبه
قال الشافعي وإن خالف في كيفية أعداد الركعات.
وقال مالك: لا يصلي لكسوف القمر.
وقال أبو حنيفة: يصلي، ولكن فرادى لا جماعة.
دليلنا: إجماع الفرقة.
وروى أبو مسعود البدري أن النبي صلى الله عليه وآله قال: إن الشمس
والقمر آيتان من آيات الله لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك
فافزعوا إلى ذكر الله والصلاة.
وروى أبو بصير قال: انكسف القمر وأنا عند أبي عبد الله عليه السلام في
شهر رمضان فوثب وقال: إنه كان يقال: إذا انكسف القمر والشمس فافزعوا إلى
مساجدكم.
مسألة 458: صلاة الكسوف واجبة عند الزلازل، والرياح العظيمة،
316

والظلمة العارضة، والحمرة الشديدة وغير ذلك من الآيات التي تظهر في السماء.
ولم يقل بذلك أحد من الفقهاء، وروي مثل قولنا عن ابن عباس.
دليلنا: إجماع الفرقة.
وروى محمد بن مسلم وزرارة قالا: قلنا لأبي جعفر عليه السلام: هذه الرياح
والظلم التي تكون هل يصلى لها؟ فقال: كل أخاويف السماء من ظلمة أو ريح
أو فزع فصل له صلاة الكسوف حتى يسكن.
وروى عمر بن أذينة عن رهط عن كليهما عليه السلام ومنهم من رواه عن
أحدهما أن صلاة كسوف الشمس والقمر والرجفة والزلزلة عشر ركعات وأربع
سجدات.
مسألة 459: صلاة الكسوف تصلي فرادى وجماعة، وفي السفر والحضر
على كل حال، وبه قال الشافعي.
وقال الثوري ومحمد: إن صلى الإمام صلوا معه وإلا لم يصلوا.
دليلنا: إجماع الفرقة وأيضا خبر أبي مسعود البدري أن النبي
صلى الله عليه وآله أمر بهذه الصلاة يتوجه على كل أحد على جميع الأحوال.
وروى روح بن عبد الرحيم قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن صلاة
الكسوف تصلي جماعة؟ قال: جماعة وغير جماعة.
وروى محمد بن يحيى الساباطي عن الرضا عليه السلام قال: سألته عن
صلاة الكسوف تصلي جماعة أو فرادى؟ قال: أي ذلك شئت.
صلاة الاستسقاء
مسألة 460: صلاة الاستسقاء ركعتان كصلاة العيدين على حد واحد، وبه
قال الشافعي وإن خالفنا في زيادة تكبيرتين على ما مضى القول فيه، وفي موضع
317

التكبيرات، وبه قال محمد.
وقال الزهري، ومالك، والأوزاعي، وأبو يوسف: تصلي ركعتين كصلاة
الفجر.
والمشهور عن أبي حنيفة أنه لا صلاة للاستسقاء، ولكن السنة الدعاء.
وروى عنه محمد بن شجاع البلخي أنه تصلي ركعتين فرادى.
دليلنا: إجماع الفرقة.
وأيضا روى أبو هريرة قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وآله يوما
يستسقي، فصلى بنا ركعتين وهذا نص ذكره محمد بن إسحاق في المختصر
الصغير.
وابن عباس روى أنه صلى ركعتين كما صلى في العيدين، وروي مثل
ذلك عن أبي بكر وعمر.
وروى طلحة بن زيد عن أبي عبد الله عليه السلام أن رسول الله
صلى الله عليه وآله صلى للاستسقاء ركعتين، وبدء بالصلاة قبل الخطبة، وكبر سبعا
وخمسا، وجهر بالقراءة.
مسألة 461: يستحب أن يصام قبل الاستسقاء ثلاثة أيام، ويخرج يوم
الثالث والناس صيام.
وقال الشافعي يصوم ثلاثة أيام ويخرج الرابع.
دليلنا: ما رواه حماد السراج قال: أرسلني محمد بن خالد إلى أبي عبد الله
عليه السلام أقول له: إن الناس قد أكثروا علي في الاستسقاء فما رأيك في
الخروج غدا؟ فقلت ذلك لأبي عبد الله عليه السلام، فقال لي: قل له: ليس
الاستسقاء هكذا قل له: يخرج فيخطب الناس ويأمرهم بالصيام اليوم وغدا
ويخرج بهم يوم الثالث وهم صيام.
قال: فأتيت محمدا فأخبرته بمقالة أبي عبد الله عليه السلام، فخرج، وخطب
318

الناس، وأمرهم بالصيام كما قال أبو عبد الله عليه السلام، فلما كان في اليوم
الثالث أرسل إليه: ما رأيك في الخروج؟
وفي غير هذا الخبر أنه أمره أن يخرج يوم الاثنين.
مسألة 462: الخطبة في صلاة الاستسقاء بعد الصلاة، وبه قال الشافعي،
وبه قال أبو بكر وعمر.
وقال ابن الزبير: الخطبة قبل الصلاة، وبه قال الليث بن سعد.
وقال الساجي: كتب الليث بن سعد إلى مالك ينكر عليه الخطبة بعد
الصلاة.
دليلنا: إجماع الفرقة، وقد قدمناه في رواية طلحة بن زيد، والروايات
الواردة بأن صلاة الاستسقاء مثل صلاة العيد تقتضي أيضا ذلك.
مسألة 463: تحويل الرداء يستحب للإمام، سواء كان مقورا أو مربعا، وبه
قال مالك، وأحمد.
وقال الشافعي: إن كان مقورا حوله، وإن كان مربعا فيه قولان: أحدهما
يحوله، والآخر يقلبه. ويفعل مثل ذلك المأموم.
وقال محمد: يقلبه وحده دون المأموم، وقال أبو حنيفة: لا أعرف تحويل
الرداء.
دليلنا: إجماع الفرقة.
وروى عبد الله بن بكير قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول في
الاستسقاء قال: يصلي ركعتين ويقلب الرداء الذي على يمينه فيجعله على يساره،
والذي على يساره على يمينه، ويدعو الله فيستسقي.
وروى عبد الله بن زيد الأنصاري أن النبي صلى الله عليه وآله خرج
يستسقي، فصلى ركعتين، وجهر بالقراءة، وحول رداءه، ورفع يده رفعا،
319

واستسقى، واستقبل القبلة.
مسألة 464: من نذر أن يصلي صلاة الاستسقاء في المسجد أو يخطب على
المنبر انعقد نذره ووجب عليه الوفاء به بلا خلاف، ومتى صلى في غير المسجد أو
خطب على غير المنبر لم تبرأ ذمته.
وقال الشافعي: ينعقد نذره، غير أنه قال: إن صلى في غير المسجد أو خطب
على غير المنبر أجزأه.
دليلنا: إنه قد ثبت أن ذمته اشتغلت، وقد أجمعنا أنه إذا صلى حيث ذكر
وخطب حيث سمي برئت ذمته، وإذا خالف فلا دليل على براءة ذمته.
مسألة 465: تارك الصلاة متعمدا من غير عذر مع علمه بوجوبها حتى
يخرج وقتها لغير عذر يعزر ويؤمر بالصلاة، فإن استمر على ذلك وترك صلاة
أخرى فعل به مثل ذلك، وإن ترك ثالثة وجب عليه القتل.
وقال الشافعي: إن ترك مرة واحدة لا يقتل، ولم يذكر التعزير، وإن ترك
ثانية قال أبو إسحاق: إذا ضاق وقت الثانية وجب عليه القتل.
وقال الإصطخري: لا يجب عليه القتل حتى يضيق وقت الرابعة، وبه قال
مالك، وهو قول بعض الصحابة.
وقال قوم إنه لا يجب قتله بتركها، ذهب إليه الثوري، وأبو حنيفة وأصحابه،
وتابعهم المزني على هذا، لكن أهل العراق منهم من قال: يضرب حتى يفعلها،
ومنهم من قال: يحبس حتى يفعلها.
وقال أحمد وإسحاق: يكفر بترك فعلها كما يكفر بترك اعتقادها، وروي
هذا عن علي عليه السلام وعن عمر.
دليلنا: إجماع الفرقة على ما رووه من أنه ما بين الإسلام وبين الكفر إلا
ترك الصلاة، وإذا كان الكافر يجب قتله وجب مثله في تارك الصلاة.
320

وروي عنهم أنهم قالوا: أصحاب الكبائر يقتلون في الثالثة: ولا خلاف أن
هذا صاحب كبيرة.
وروى ذلك يونس عن أبي الحسن الماضي عليه السلام قال: أصحاب
الكبائر كلها إذا أقيم عليهم الحد قتلوا في الثالثة.
ويدل على ذلك أيضا قوله تعالى: فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا
المشركين حيث وجدتموهم - إلى قوله - فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة
فخلوا سبيلهم، فموضع الدلالة أن الله تعالى أمر بقتل المشركين حتى يفعل
شيئين: توبة هي الإيمان، وفعل الصلاة.
فالظاهر أن القتل باق عليه حتى يفعلهما، فمن قال: إذا فعل أحدهما سقط
القتل فقد ترك الظاهر.
321

كتاب الجنائز
مسألة 466: إذا حضر الإنسان الوفاة، يستحب أن يستقبل به القبلة، فيجعل
وجهه إلى القبلة وباطن رجليه إليها، وكذلك يفعل به حال الغسل.
وقال الشافعي: إن كان الموضع واسعا أضجع على جنبه الأيمن وجعل
وجهه إلى القبلة كما يجعل عند الصلاة وعند الدفن، وإن كان الموضع ضيقا
فعل به كما قلناه.
دليلنا: إجماع الفرقة وعملهم عليه، فإنهم لا يختلفون فيه.
مسألة 467: يكره أن يوضع على بطن الميت حديدة، مثل السيف، أو
صفيحة وما أشبه ذلك.
وقال الشافعي: ذلك مستحب.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 468: إذا ترك الميت على المغتسل يستحب للغاسل أن يلين
أصابع الميت، وبه قال المزني.
وقال أصحابه غلط المزني في هذا، وقالوا: ينبغي أن يكون تليين الأصابع
حالة موته فقط.
322

دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 469: يستحب أن يغسل الميت عريانا، مستور العورة، أما بأن
يترك قميصه على عورته أو ينزع القميص ويترك على عورته خرقة.
وقال الشافعي: يغسل في قميصه، وقال أبو حنيفة: ينزع قميصه ويترك
على عورته خرقة.
دليلنا: إجماع الفرقة وعملهم على أنه مخير بين الأمرين.
مسألة 470: يكره أن يسخن الماء لغسل الميت إلا في حال برد لا يتمكن
الغاسل من استعمال الماء البارد، أو يكون على بدن الميت نجاسة لا يقلعها إلا
الماء الحار، فأما مع عدم ذلك فلا يسخن الماء، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: إسخانه أولى.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 471: يستحب للغاسل أن يلف على يده خرقة ينجيه بها، وباقي
جسده يغسله بلا خرقة.
وقال الشافعي: يستعمل خرقتين في الغسلتين في سائر جسده.
وقال أبو إسحاق: يغسل بإحداهما فرجه، وبالأخرى جميع بدنه.
دليلنا: إجماع الفرقة وعملهم به.
مسألة 472: غسل الميت كغسل الجنب ليس فيه وضوء، وفي أصحابنا
من قال: يستحب فيه الوضوء قبله غير أنه لا خلاف بينهم أنه لا تجوز المضمضة
والاستنشاق فيه.
وقال الشافعي: يستحب أن يوضأ ويمضمض وينشق.
323

وقال أبو حنيفة: يوضأ ولا يمضمض ولا ينشق.
دليلنا: عمل الفرقة على ما قلناه، ومن قال من أصحابنا بالوضوء فيه، عول
على أخبار مروية في هذا الباب، ذكرناها في الكتابين.
مسألة 473: لا يجلس الميت في حال غسله، وهو مكروه.
وقال جميع الفقهاء يستحب ذلك.
دليلنا: إجماع الفرقة وعملهم.
مسألة 474: يبدأ الغاسل بغسل رأسه، ثم بجانبه الأيمن، ثم الأيسر.
ووافق جميع الفقهاء في البداية بغسل الرأس، وإن خالفوا في الترتيب.
وقال النخعي: يبدأ بغسل لحيته.
دليلنا: إجماع الفرقة وعملهم، فإنهم لا يختلفون فيه.
مسألة 475: لا يجوز تسريح لحيته، كثيفة كانت أو خفيفة، وبه قال أبو
حنيفة.
وقال الشافعي: إن كانت كثيفة يستحب تسريحها.
دليلنا: إجماع الفرقة.
مسألة 476: يغسل الميت ثلاث غسلات: الأولى بماء السدر، والثانية
بماء جلال الكافور، والثالثة بالماء القراح، وبه قال الشافعي.
وقال أبو إسحاق: الأولى يعتد بها، والأخيرتان سنة. وقال باقي أصحابه:
الأخيرة هي المعتد بها لأنها بالماء القراح، والأولى والثانية بالماء المضاف فلا
يعتد بهما.
وقال أبو حنيفة: ماء الكافور لا أعرفه.
324

دليلنا: إجماع الفرقة.
وأيضا روت أم عطية أن النبي صلى الله عليه وآله قال في ابنته: ثم اغسلنها
ثلاثا أو خمسا أو أكثر من ذلك بماء وسدر، واجعلن في الآخرة كافورا أو شيئا
من الكافور.
مسألة 477: لا يزاد في غسله على ثلاث غسلات على ما بيناه، وبه قال أبو
حنيفة والشافعي إلا أنهما قالا: الفرض واحدة، والثنتان سنة ولا يفصل أصحابنا
ذلك.
وقال الشافعي: إن لم ينق بالثلاث فخمسا، وقال مالك ليس لذلك حد،
يغسل حتى ينقي.
دليلنا: إجماع الفرقة وعملهم، والخبر الذي قدمناه عن أم عطية الأنصارية
تبطل قول مالك، ويمكن أن يستدل به على أن الثلاث واجب لأنه تضمن الأمر
بها، وهو يقتضي الإيجاب.
مسألة 478: لا يجوز تقليم أظافير الميت، ولا تنظيفها من الوسخ بالخلال.
وللشافعي في تقليمها قولان: أحدهما، أنه مباح، والآخر أنه مكروه.
وإذا قال مكروه استحب تخليل الأظافير بأخلة تنظف ما تحتها.
دليلنا: الإجماع المتردد، ولأن الأصل براءة الذمة، وإثبات ما قالوه
مستحبا يحتاج إلى دليل، وليس في الشرع ما يدل عليه.
مسألة 479: يستحب أن يمر يده على بطنه قبل الغسلتين الأولتين، ويكره
ذلك في الثالثة، وإن خرج منه شئ بعد الثالثة غسل الموضع ولا يجب إعادة
الغسل.
وقال الشافعي: يستحب ذلك في الثلاث غسلات، ويجلس. فإن خرج منه
325

شئ بعد ذلك فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: قاله المزني يعيد غسل الموضع فقط، ولا يجب وضوء ولا إعادة
غسل، وبه قال مالك والثوري وأبو حنيفة.
وقال أبو علي بن أبي هريرة: الواجب أن يوضئه وضوء الصلاة، ولا يجب
إعادة الغسل.
والثالث: منهم من قال: يجب إعادة غسله.
دليلنا: إجماع الفرقة، ولأن إعادة غسله أو وضوئه يحتاج إلى دليل،
وليس في الشرع ما يدل عليه.
مسألة 480: لا يستحب تليين أصابعه بعد الغسل.
وقال الشافعي: يستحب ذلك.
دليلنا: إجماع الفرقة وعملهم.
مسألة 481: حلق شعر العانة، والإبط، وحف الشارب، وتقليم الأظفار
للميت مكروه، وبه قال أبو حنيفة ومالك واختاره المزني، وهو أحد قولي
الشافعي قاله في القديم، وقال في الإملاء: إنه مباح.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم لا يختلفون في ذلك.
وأيضا تركه ليس بمكروه بلا خلاف، وإنما الخلاف في أنه مباح، وفعله
وكراهته خلاف، فالأحوط تركه.
مسألة 482: حلق رأس الميت مكروه وبدعة، وبه قال جميع الفقهاء إلا
الشافعي، فإن له فيه قولين: أحدهما وهو الأشهر مثل ما قلناه، والآخر أنه يجوز.
دليلنا: إجماع الفرقة وطريقة الاحتياط التي قدمناها.
326

مسألة 483: إذا مات محرم فعل به جميع ما يفعل بالحلال، إلا أنه لا
يقرب شيئا من الكافور، ويغطى رأسه وغير ذلك، وبه قال مالك والأوزاعي وأبو
حنيفة وأصحابه وهو المروي عن ابن عباس إلا أنهم لم يستثنوا الكافور.
وقال الشافعي: يجنب بعد وفاته ما كان يجتنبه في حال حياته، ولا يقرب
طيبا ولا يلبس المخيط، ولا يخمر رأسه، ولا يشد عليه كفنه، وبه قال في الصحابة
عثمان، وحكوه عن علي عليه السلام وابن عباس.
دليلنا: إجماع الفرقة.
وروى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله قال: خمروا وجوه موتاكم
ولا تشبهوا باليهود.
مسألة 484: يكره أن يكون عند غسل الميت مجمرة يبخر فيها.
واستحب ذلك الفقهاء كلهم.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا كون ذلك مستحبا يحتاج إلى دليل.
مسألة 485: إذا ماتت امرأة بين رجال لا نساء معهم ولا زوجها ولا أحد من
ذوي أرحامها دفنت بغير غسل ولا تيمم، وبه قال الأوزاعي.
وقد روي أنه يغسل منها ما يحل النظر إليه في حال الحياة من الوجه
واليدين.
وقال مالك وأبو حنيفة: تيمم ولا تغسل، وتدفن، وبه قال أصحاب
الشافعي.
وقال النخعي: تغسل في ثيابها، وبه قال بعض أصحاب الشافعي.
دليلنا: الأخبار المروية عن الأئمة عليه السلام في هذا المعنى وإجماعهم
عليها، وقد بينا القول في الرواية الشاذة في الكتابين المقدم ذكرهما.
327

مسألة 486: يجوز عندنا أن يغسل الرجل امرأته، والمرأة زوجها.
أما غسل المرأة زوجها فيه إجماع إذا لم يكن رجال قرابات أو نساء
قرابات.
وعند وجود واحد منهم للشافعي فيه وجهان: أحدهما الزوجة أولى، والثاني
رجال القرابات أولى، قالوا: والمذهب الأول.
وأما غسل الرجل زوجته، فإنه يجوز عندنا، وبه قال الشافعي وبه قال حماد
بن أبي سليمان، والأوزاعي، ومالك، وأحمد، وإسحاق، وزفر.
وقال الثوري وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد: ليس له ذلك.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا الأصل الإباحة، والمنع يحتاج إلى دليل.
وأيضا روت عائشة قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وآله فقال
وا رأساه فقلت: أنا بل وا رأساه فقال: ما عليك لو مت قبلي لغسلتك وحنطتك
وكفنتك.
وروت أسماء بنت عميس أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله
أوصتها أن تغسلها إذا ماتت هي وعلي عليه السلام فغسلتها هي وعلي.
مسألة 487: لا يجوز للمسلم أن يغسل المشرك، قريبا كان أو بعيدا منه،
مع وجود المشرك أو مع عدمه على كل حال، وكذلك إن كان زوجا أو
زوجة لا يغسل أحدهما صاحبه، وبه قال مالك، وقال: إن خاف ضياعه وأراه.
وقال الشافعي: إذا كان له قرابة مسلمون وقرابة مشركون وتشاحوا في
غسله، كان المشركون أولى. وإن لم يكن له قرابة مشركون أو لم يتشاحوا جاز
للمسلم أن يغسله.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا قوله تعالى: إنما المشركون نجس، فحكم
عليهم بالنجاسة في حال الحياة والموت يزيدهم نجاسة، فغسلهم لا فائدة فيه،
لأنه لا يطهر به.
328

مسألة 488:
الميت نجس.
وللشافعي فيه قولان:
أحدهما: مثل ما قلناه، وبه قال الأوزاعي وأبو العباس من أصحابه، وهو
مذهب أبي حنيفة.
والثاني: أنه طاهر، وبه قال أبو إسحاق وأبو بكر الصيرفي من أصحابه.
دليلنا: إجماع الفرقة.
مسألة 489: يجب الغسل على من غسل ميتا، وبه قال الشافعي في
البويطي، وهو قول علي عليه السلام وأبي هريرة.
وذهب ابن عمر وابن عباس وعائشة والفقهاء أجمع، مالك، وأبو حنيفة
وأصحابه، وأحمد، وإسحاق، وأحد قولي الشافعي قاله في عامة كتبه إن ذلك
مستحب.
دليلنا: إجماع الفرقة، ومن شذ منهم لا يعتد بقوله، ولأنه إذا اغتسل أدى
الصلاة بيقين، وإذا لم يغتسل لا يؤديها بيقين، فالاحتياط يقتضي فعله.
وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله قال: من غسل ميتا فليغتسل،
ومن حمله فليتوضأ.
مسألة 490: من مس ميتا بعد برده بالموت، وقبل تطهيره بالغسل، وجب
عليه الغسل. وكذلك إن مس قطعة من ميت، أو قطعة قطعت من حي وكان
فيها عظم، وجب
عليه الغسل.
وخالف جميع الفقهاء في ذلك.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى من إجماع الفرقة وطريقة الاحتياط.
مسألة 491: الكفن المفروض ثلاثة أثواب مع الإمكان، إزار، وقميص،
329

ومئزر. والمسنون خمسة: إزاران أحدهما حبرة، وقميص، ومئزر، وخرقة،
ويضاف إلى ذلك العمامة. وتزاد المرأة إزارين آخرين، وصفتها أن تكون من
قطن محض أبيض، لا من كتان، ولا إبريسم، ولا أسود.
وقال الشافعي في الأم: الواجب ما يواري عورته، وبه قال باقي الفقهاء.
قال الشافعي: والمستحب ثلاثة أثواب بلا زيادة ولا نقصان، وبه قال باقي
الفقهاء.
قال الشافعي: والمباح خمسة أثواب، والمكروه ما زاد على خمسة.
وأما صفتها ثلاثة أزر، يدرج فيها إدراجا، ليس فيها قميص ولا عمامة.
وقال أبو حنيفة: قميص، وإزار، ولفافة. وقال الشافعي: إن قمص تحت
الثياب أو عمم لم يضر هذا لكنه ترك السنة.
وأما الألوان، فالمستحب البياض بلا خلاف.
دليلنا: إجماع الفرقة، ولأن الذي اعتبرناه من العدد، واللون، والصفة لا
خلاف أنه يجوز، وإن اختلفوا في كونه أفضل، فالاحتياط فعل ذلك، لأن ما
عداه فيه خلاف.
مسألة 492: غسل الميت يحتاج إلى نية.
ومن أوجب النية في الغسل من الجنابة من الشافعي وأصحابه ومن وافقهم
لهم في هذه المسألة قولان: أحدهما مثل ما قلناه، والآخر لا يحتاج إلى نية.
دليلنا: إجماع الفرقة وطريقة الاحتياط، لأنه لا خلاف أنه إذا نوى أن
الغسل مجز، وإذا لم ينو فيه خلاف.
وأيضا قوله عليه السلام: الأعمال بالنيات، يدل على ذلك أيضا على ما بيناه
في كتاب الطهارة.
مسألة 493: يكره أن تجمر الأكفان بالعود.
330

وقال الشافعي: إن ذلك مستحب.
دليلنا: إجماع الفرقة وعملهم به.
مسألة 494: يستحب أن يدخل في سفل الميت شئ من القطن لئلا يخرج
منه شئ، وبه قال المزني.
وقال أصحاب الشافعي: ذلك غلط، وإنما يجعل بين أليتيه.
دليلنا: إجماع الفرقة وعملهم به.
مسألة 495: يوضع الكافور على مساجد الميت بلا قطن، ولا يترك على
أنفه، ولا أذنيه، ولا عينيه، ولا في فيه شئ من ذلك.
وقال الشافعي: يوضع على هذه المواضع كلها شئ من القطن مع الحنوط
والكافور.
دليلنا: إجماع الفرقة وعملهم.
مسألة 496: ما يفضل من الكافور عن مساجده يترك على صدره.
وقال الشافعي: يستحب أن يمسح على جميع بدنه.
دليلنا: إجماع الفرقة وعملهم.
مسألة 497: يكره أن يكون مع الكافور شئ من المسك والعنبر، وبه
قال مجاهد، وعطاء والشافعي في الأم.
وقال أصحاب الشافعي: ذلك مستحب، ورووا ذلك عن علي
عليه السلام، وابن عمر، وبه قال جميع الفقهاء.
دليلنا: إجماع الفرقة وعملهم.
331

مسألة 498: المسنون السنة الكاملة من الكافور ثلاثة عشر درهما وثلث،
والوسط أربعة دراهم، وأقله وزن مثقال. ولم أجد لأحد من الفقهاء تحديدا في
ذلك.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 499: يستحب أن يوضع مع الميت جريدتان خضراوان من النخل
أو غيرها من الأشجار.
وخالف جميع الفقهاء في ذلك.
دليلنا: إجماع الفرقة.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه اجتاز بقبرين فقال: إنهما ليعذبان،
وما يعذبان بكبيرة، لأن أحدهما كان نماما، والآخر ما كان يستبرئ من البول، ثم
استدعى بجريد، فشقها بنصفين، وغرس في كل قبر واحدا وقال: إنهما لتدفعان
عنه العذاب ما دامتا رطبتين.
مسألة 500: ينبغي أن يبدأ بشق الثوب الأيسر على جانب الميت الأيمن،
ثم يقلب بجانب الأيمن ويطرح على جانب الميت الأيسر، وبه قال أصحاب
الشافعي.
وقال المزني بالعكس من ذلك.
دليلنا: إجماع الفرقة وعملهم.
مسألة 501: إذا مات الميت في مركب، فعل به ما يفعل به إذا كان في البر
من الغسل والتكفين، ثم يجعل في خابية إن وجدت، فإن لم توجد يثقل بشئ
ثم يطرح في البحر، وبالتثقيل قال عطاء وأحمد بن حنبل.
وقال الشافعي: يجعل بين لوحين ويطرح في البحر، قال المزني: هذا إذا
332

كان بالقرب من المسلمين فإنه ربما وقع عليهم فأخذوه ودفنوه، وأما إذا كان في
بلاد الشرك ثقل كما قلناه.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 502: يستحب أن يحفر القبر قدر قامة، وأقله إلى الترقوة.
وقال الشافعي: قدر قامة، وبسطه ثلاثة أذرع ونصف.
وقال مالك: لا حد فيه، بل يحفر حتى يغيب عن الناس.
وقال عمر بن عبد العزيز، يحفر إلى السرة.
دليلنا: إجماع الفرقة وعملهم.
مسألة 503: اللحد أفضل من الشق إذا كانت الأرض صلبة، وقدر اللحد
ما يقعد فيه الرجل، وبه قال الشافعي، وليس فيه خلاف إلا أنه حده بمقدار ما
يوضع فيه الرجل.
دليلنا: إجماع الفرقة وعملهم.
مسألة 504: الكتابة بالشهادتين، والإقرار بالنبي والأئمة عليه السلام،
ووضع التربة في حال الدفن والجريدة انفراد محض لا يوافقنا عليه أحد من
الفقهاء.
دليلنا: إجماع الفرقة وعملهم عليه.
مسألة 505: تسطيح القبر هو السنة، وتسنيمه غير مسنون، وبه قال
الشافعي وأصحابه، وقالوا هو المذهب إلا ابن أبي هريرة فإنه قال: التسنيم أحب
إلي، وكذلك ترك الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، لأنه صار شعار أهل
البدع.
333

وقال أبو حنيفة والثوري: التسنيم هو السنة.
دليلنا: إجماع الفرقة وعملهم.
ورووا عن النبي صلى الله عليه وآله أنه سطح قبر إبراهيم ولده.
وروى أبو الهياج الأسدي قال: قال لي علي عليه السلام: أبعثك على ما
بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وآله لا ترى قبرا مشرفا إلا سويته، ولا تمثالا إلا
طمسته.
مسألة 506: غسل المرأة كغسل الرجل إجماعا، ولا يسرح شعرها، وبه
قال أبو حنيفة.
وقال الشافعي: يسرح شعرها ثلاث قرون ويلقى وراءها.
دليلنا: إجماع الفرقة.
مسألة 507: يكره أن يجلس على قبر، أو يتكئ عليه، أو يمشي عليه، وبه
قال أبو حنيفة والشافعي.
وقال مالك: إن فعل ذلك للغائط والبول كان مكروها، وإن فعل لغير
ذلك لم يكن به بأس.
دليلنا: ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: لأن يجلس أحدكم على
جمر فيحرق ثيابه وتصل النار إلى بدنه أحب إلي من أن يجلس على قبر.
مسألة 508: يؤخذ الكفن ومؤنة الميت من أصل تركته دون ثلثه، وبه قال
عامة الفقهاء.
وقال بعض الناس: إن كان موسرا فمن رأس ماله، وإن كان معسرا فمن
ثلثه. وهو قول طاووس، وقال بعضهم: من الثلث على كل حال.
دليلنا: إجماع الفرقة فإنهم لا يختلفون فيه.
334

مسألة 509: الحنوط فرض مع القدرة.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه، والآخر أنه مستحب.
دليلنا: إجماع الفرقة.
مسألة 510: كفن المرأة على زوجها في ماله دون مالها.
وللشافعي فيه قولان: قال ابن أبي هريرة: في مالها، وقال أبو إسحاق: على
زوجها. قالوا: وهو الأصح.
دليلنا: إجماع الفرقة.
مسألة 511: من غصب ثوبا وكفن به ميتا جاز لصاحبه نزعه منه، قرب
العهد أم بعد، والأفضل تركه وأخذ قيمته.
وقال أصحاب الشافعي: له قيمته وليس له نزعه منه.
وقال أبو حامد الإسفرايني: الذي يجئ عليه القياس أنه إن كان قريب العهد
يجوز له أن يأخذه، وإن بعد لم يجز له أن ينزعه.
دليلنا: كل ما دل على أن المغصوب لصاحبه أن يأخذه حيث وجده، فإنه
يتناول هذا الموضع، فيجب أن يحمل الأخبار على عمومها.
مسألة 512: يجب غسل السقط إذا ولد وفيه حياة، فأما الصلاة عليه فعندنا
لا تجب الصلاة عليه إلا بعد أن يصير له ست سنين بحيث يعقل الصلاة.
وقال سعيد بن جبير: لا يصلى عليه حتى يبلغ، وقال باقي الفقهاء تجب
الصلاة عليه.
دليلنا: إجماع الفرقة.
مسألة 513: إذا ولد لدون أربعة أشهر، لا يجب غسله، ويدفن بدمه، وإن
335

كان لأربعة فصاعدا غسل، ولا تجب الصلاة عليه.
وقال الشافعي في الأم مثل ما قلناه.
وقال في البويطي: يغسل ولا يصلى عليه، وبه قال أبو حنيفة.
وقال في القديم: يغسل ويصلى عليه.
دليلنا: إجماع الفرقة.
مسألة 514: الشهيد الذي يقتل في المعركة يدفن بثيابه ولا ينزع منه إلا
الجلود، ولا يغسل، ويصلى عليه، وبه قال أبو حنيفة والثوري.
وقال الشافعي: لا يغسل، ولا يصلى عليه، وينزع منه الجلود والحديد.
فأما الثياب فالأولياء مخيرون بين أن ينزعوه ويدفنوه في غيرها، وبين أن
يدفنوه فيها، وبه قال مالك والأوزاعي وأحمد.
وقال ابن المسيب والحسن البصري: يغسل ويصلى عليه.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا روي أن النبي صلى الله عليه وآله صلى على
حمزة وشهداء أحد.
مسألة 515: حكم الصغير والكبير والذكر والأنثى إذا استشهدوا في
المعركة سواء، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: يجب غسلهم والصلاة عليهم.
دليلنا: أن كل خبر روي أن الشهيد يدفن بدمه ولا يغسل يتناول هؤلاء
بعمومه.
مسألة 516: الجنب إذا استشهد في المعركة دفن كما هو، ولا يغسل،
ولكن يصلى عليه.
وقال الشافعي: لا يغسل ولا يصلى عليه بناء على أصله، وقال أبو العباس
336

من أصحابه: يغسل ولا يصلى عليه.
دليلنا: الأخبار العامة في وجوب دفن الشهيد بدمه من غير غسل، وهي
على عمومها.
مسألة 517: إذا وجد ميت في المعركة وليس به أثر قتل فحكمه حكم
الشهيد، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: إن لم يكن به أثر غسل وصلي عليه، وإن كان به أثر فإن
خرج الدم من عينيه أو أذنيه لم يغسل ويصلى عليه، وإن خرج الدم من أنفه أو
قبله أو دبره غسل وصلي عليه.
دليلنا: أن ظاهر الحال أنه شهيد، لأن القتل يحصل بما له أثر وبما ليس له
أثر فالحكم لظاهر الحال.
مسألة 518: إذا خرج من المعركة ثم مات بعد ساعة أو ساعتين قبل
تقضي الحرب، حكمه حكم الشهيد. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: إن أكل في الحرب أو شرب أو تكلم غسل وصلي عليه.
دليلنا: الأخبار العامة في من قتل بين الصفين، وهي متناولة له.
مسألة 519: إذا مات بعد تقضي الحرب، غسل وكفن وصلي عليه. وبه
قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: إن لم يأكل ولم يشرب ولم يتكلم فهو كالشهيد لا يغسل
ويصلى عليه.
دليلنا: إجماع الفرقة على أنه إذا مات بعد تقضي الحرب يجب غسله.
مسألة 520: كل من قتل في غير المعركة يجب غسله والصلاة عليه، سواء
337

قتل بسلاح أو غير سلاح، شوهد أو لم يشاهد، عمدا كان أو خطأ، وبه قال
الشافعي.
وقال أبو حنيفة إن شوهد وقتل عمدا لم يغسل ويصلى عليه كالشهيد، وإن
لم يشاهد أو قتل خطأ أو عمدا بمثقل فإنه يغسل ويصلى عليه.
دليلنا: أن الأصل في الأموات وجوب غسلهم، والصلاة عليهم، وليس على
سقوط غسل هذا دليل، لأن الأخبار التي وردت في من قتل في المعركة لم تتناول
هذا.
مسألة 521: المرجوم والمرجومة يؤمران بالاغتسال، ثم يقام عليهما الحد،
ولا يغسلان بعد ذلك، ويصلي عليهما الإمام وغيره وكذلك حكم المقتول
قودا.
وقال الشافعي يغسلان بعد الموت ويصلي عليهما الإمام وغيره.
وقال الزهري: لا يصلى على المرجومة. وقال مالك لا
يصلي الإمام عليهما ويصلي غيره، وكذلك عنده كل من مات في حد.
دليلنا: إجماع الفرقة فإنهم لا يختلفون فيه.
وروى عمران بن الحصين أن النبي صلى الله عليه وآله صلى على مرجومة.
مسألة 522: ولد الزنى يغسل ويصلى عليه، وبه قال جميع الفقهاء.
وقال قتادة: لا يغسل ولا يصلى عليه.
دليلنا: إجماع الفرقة وعموم الأخبار التي وردت بالأمر بالصلاة على
الأموات.
وأيضا قوله عليه السلام: صلوا على من قال: لا إله إلا الله.
مسألة 523: النفساء تغسل ويصلى عليها، وبه قال جميع الفقهاء.
338

وقال الحسن البصري: لا تغسل ولا يصلى عليها.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى.
مسألة 524: إذا قتل رجل من أهل العدل رجلا من أهل البغي، فإنه لا
يغسل ولا يصلى عليه، وبه قال أبو حنيفة.
وقال الشافعي: يغسل ويصلى عليه.
دليلنا: على ذلك أنه قد ثبت أنه كافر بأدلة ليس هذا موضع ذكرها، ولا
يصلى على كافر بلا خلاف.
مسألة 525: إذا قتل رجل من أهل البغي رجلا من أهل العدل، لا يغسل و
يصلى عليه، وبه قال أبو حنيفة.
وقال الشافعي في القديم والجديد أنه يغسل ويصلى عليه، وله قول آخر أنه
لا يغسل ولا يصلى عليه.
دليلنا: أنه أجمعت الفرقة على أنه شهيد، وإذا ثبت ذلك كان حكمه حكم
قتيل المعركة.
وروت الطائفة أن أمير المؤمنين عليه السلام صلى على قتلى أصحابه بصفين
والجمل، مثل هاشم المرقال، وعمار بن ياسر وغيرهما، ولم يغسلهم.
مسألة 526: من قتله قطاع الطريق يغسل ويصلى عليه.
وللشافعي فيه قولان، مثل من قتله أهل البغي.
دليلنا: قوله عليه السلام: صلوا على من قال: لا إله إلا الله، فهو على عمومه
إلا من أخرجه الدليل.
مسألة 527: إذا وجد قطعة من ميت فيه عظم وجب غسله، وإن كان
339

صدره وما فيه قلبه وجب الصلاة عليه، وإذا لم يكن فيه عظم لا يجب غسله.
وقال الشافعي: يغسل ويصلى عليه سواء كان الأقل أو الأكثر.
وقال أبو حنيفة ومالك: إن وجد الأكثر صلي عليه، وإن وجد الأقل لم
يصل عليه.
وقال فإن وجد نصفه نظر، فإن كان قطع عرضا فوجد النصف الذي فيه
الرأس غسل وصلي عليه، وإن وجد النصف الأخير لم يغسل ولم يصل عليه.
وانشق بالطول لم يغسل واحد منهما، ولم يصل عليه.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
وأيضا روي أن طائرا ألقت يدا بمكة من وقعة الجمل، فعرفت بالخاتم،
فكانت يد عبد الرحمن عتاب بن أسيد، فغسلها أهل مكة وصلوا عليها.
مسألة 528: إذا اختلط قتلى المسلمين بقتلى المشركين، فروي عن أمير
المؤمنين عليه السلام أنه أمر بدفن من كان منهم صغير الذكر، فعلى هذه
الرواية هذه أمارة لكونه مؤمنا يميز به ويصلى عليه ويدفن. وإن قلنا يصلى على
كل واحد منهم فينوي بشرط أن يكون مؤمنا كان احتياطا، وبه قال الشافعي.
ولا فرق بين أن يكون المسلمين أقل أو أكثر.
وقال أبو حنيفة: إن كان المسلمون أكثر مثل هذا وإن كانوا أقل لم يصل
على أحد منهم. ولو قلنا أنه يصلى عليهم صلاة واحدة وينوي بها الصلاة على
المؤمنين منهم كان أيضا جائزا قويا، لأن بالنية توجهت الصلاة إلى المؤمنين دون
الكافرين.
مسألة 529: إذا احترق الإنسان ولا يمكن غسله يمم بالتراب مثل الحي،
وبه قال جميع الفقهاء، إلا ما حكاه الساجي عن الأوزاعي أنه قال: يدفن من غير
غسل ولم يذكر التيمم.
340

دليلنا: إجماع الفرقة، ولأن فعل التيمم لا يضر وهو الأحوط، فإن عند فعله
يزول الخلاف.
مسألة 530: حمل الجنازة على التربيع أفضل، وبه قال أبو حنيفة
والثوري.
وقال الشافعي: الأفضل أن يجمع بين التربيع والحمل بين العمودين، فإن
أراد الاقتصار على أحدهما فالأفضل الحمل بين العمودين، وبه قال أحمد، وقال
مالك هما سواء.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 531: صفة التربيع، أن يبدأ بيسرة الجنازة، ويأخذها بيمينه
ويتركها على عاتقه، ويرفع الجنازة ويمشي إلى رجلها، ويدور عليها دور الرحى
إلى أن يرجع إلى يمنة الجنازة فيأخذ ميامن الجنازة بمياسره، وبه قال سعيد بن
جبير والثوري وإسحاق.
وقال الشافعي وأبو حنيفة: يبدأ بمياسر مقدم السرير فيضعها على عاتقه
الأيمن، ثم يتأخر فيأخذ بمياسره فيضعها على عاتقه الأيمن، ثم يعود إلى مقدمه
فيأخذ بميامن مقدمه فيضعها على عاتقه الأيسر، ثم يتأخر فيأخذ بميامن مؤخره
فيضعها على عاتقه الأيسر.
وأما الحمل بين العمودين، فهو أن يضع جانبه على عاتقه ويكون طرفا
السرير على كاهله.
دليلنا: إجماع الفرقة وعملهم.
مسألة 532: يكره الإسراع بالجنازة.
وقال الشافعي: يستحب ذلك ويكون ذلك فوق مشي العادة دون الحث.
341

دليلنا: إجماع الفرقة وعملهم به، فإن خيف على الميت جاز الإسراع بلا
خلاف.
مسألة 533: المشي خلف الجنازة أفضل حال الاختيار، وبه قال أبو
حنيفة وأصحابه.
وقال الشافعي: المشي قدام الجنازة أفضل، وبه قال الزهري ومالك
وأحمد.
وقال الثوري: إن كان راكبا فورائها، وإن كان ماشيا فكيف شاء.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 534: يجوز أن يجلس الإنسان إلى أن يفرع من دفن الميت، وبه
قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: لا يجلس حتى يوضع في اللحد.
دليلنا: أنه لا مانع من ذلك والأصل الإباحة.
وأيضا روى عبادة بن الصامت قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا
كان في جنازة لم يجلس حتى يوضع في اللحد، فاعترض بعض اليهود وقال: إنا
لنفعل ذلك فجلس وقال: خالفوهم.
مسألة 535: أولى الناس بالصلاة على الميت أولاهم به أو من قدمه الولي،
فإن حضر الإمام كان أولى بالصلاة عليه، ويجب عليه تقديمه.
وقال الشافعي: الولي أولى على كل حال، وبه قال مالك بن أنس.
وقال قوم: الوالي أحق من الولي، رووا ذلك عن علي عليه السلام وجماعة
من التابعين، وبه قال أحمد بن حنبل وأومئ إليه الشافعي في القديم.
وقال أبو حنيفة: الوالي العام أولى، وكذلك إمام الحي والمحلة.
342

دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا قوله تعالى: وأولوا الأرحام بعضهم أولى
ببعض، وذلك عام في كل شئ.
مسألة 536: أحق القرابة الأب ثم الولد، وجملته من كان أولى بميراثه
كان أولى بالصلاة عليه، وبه قال الشافعي إلا أنه قدم العصبة كما قدمهم في
الميراث، وقال: إذا اجتمع أخ لأب وأم مع أخ لأب فيه قولان، وفي أصحابه من
قال: يقدم الأخ من الأب والأم قولا واحدا وبه نقول.
دليلنا: إجماع الفرقة، وقوله تعالى: وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض،
وذلك عام.
مسألة 537: إذا اجتمع جماعة أولياء في درج، يقدم الأقرأ، ثم الأفقه، ثم
الأسن.
وقال الشافعي وأصحابه: فيه قولان: أحدهما يقدم الأسن في صلاة الجنازة،
وفي غيرها يقدم الأفقه والأقرأ.
دليلنا: قوله صلى الله عليه وآله: يؤمكم أقرؤكم، وذلك عام في جميع
الصلوات.
مسألة 538: يكره أن يصلى على الجنازة في المساجد إلا بمكة، وبه قال
أبو حنيفة ومالك، ولم يستثنيا مكة. وقال الشافعي: ذلك جائز في كل موضع.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا ما ذكرناه لا خلاف في جوازه وما قالوه في
كراهته خلاف.
مسألة 539: المستحب أن يدفن الميت نهارا مع الإمكان وإن دفن ليلا لم
يكن به بأس، وبه قال جميع الفقهاء.
343

وقال الحسن: يكره الدفن ليلا.
دليلنا: كل خبر يتناول الأمر بدفن الميت عام في جميع الأحوال، وليس
فيه تخصيص بوقت.
مسألة 540: الصلاة على الجنازة تجوز في الأوقات الخمسة المكروه ابتداء
النوافل فيها، وبه قال الشافعي وأبو يوسف وأحمد.
وقال الأوزاعي: لا يجوز فعلها في هذه الأوقات.
وقال مالك وأبو حنيفة: لا يجوز أن يفعل في الثلاث أوقات التي نهي عنها
للوقت.
دليلنا: إجماع الفرقة.
وما روي عنهم عليه السلام من أن خمس صلوات تصلي في كل وقت منها
صلاة الجنازة.
مسألة 541: إذا اجتمع جنازة رجل وصبي وخنثى وامرأة، وكان الصبي
ممن يصلى عليه، قدمت المرأة إلى القبلة، ثم الخنثى، ثم الصبي، ثم الرجل. ووقف
الإمام عند الرجل، وإن كان الصبي لا يصلى عليه قدم أولا الصبي إلى القبلة ثم
المرأة ثم الخنثى ثم الرجل، وبه قال الشافعي إلا أنه لم يقدم الصبي على حال من
الأحوال، وبه قال جميع الفقهاء إلا الحسن وابن المسيب، فإنهما قالا: يقدم
الرجال إلى القبلة، ثم الصبيان، ثم الخناثى ثم النساء، ويقف الإمام عند النساء.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
وروى عمار بن ياسر قال: أخرجت جنازة أم كلثوم بنت علي عليه السلام
وابنها زيد بن عمر، وفي الجنازة الحسن عليه السلام والحسين عليه السلام وعبد الله بن عمر،
وعبد الله بن عباس، وأبو هريرة فوضعوا جنازة الغلام مما يلي
الإمام والمرأة ورائه وقالوا: هذا هو السنة.
344

مسألة 542: يكره القراءة في صلاة الجنازة، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه
والثوري ومالك والأوزاعي بل يحمد الله ويمجده، وروي ذلك عن أبي هريرة
وابن عمر.
وقال الشافعي: لا بد فيها من قراءة " الحمد " وهي شرط في صحتها، فإن
أخل بها لم تجزء، فإن صلى نهارا أسر بها، وإن صلى ليلا جهر بالقراءة، وبه قال
عبد الله بن عباس، وابن مسعود، وابن الزبير، وفي الفقهاء أحمد.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم لا يختلفون في ذلك.
مسألة 543: يكبر أولا ويشهد الشهادتين، ثم يكبر ثانيا ويصلى على النبي
صلى الله عليه وآله، ثم يكبر ثالثا ويدعو للمؤمنين، ويكبر رابعا ويدعو للميت،
ويكبر خامسا وينصرف بها.
وقال الشافعي: يكبر أولا ويقرأ، ويكبر ثانيا ويشهد الشهادتين ويصلي على
النبي صلى الله عليه وآله ويدعو للمؤمنين، ويكبر ثالثا ويدعو للميت، ويكبر الرابعة و
يسلم بعدها.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 544: ليس في صلاة الجنازة تسليم.
وخالف جميع الفقهاء في ذلك على اختلافهم في كونه فرضا أو سنة،
وكيفيته عندهم مثل التسليم في الصلاة.
دليلنا: إجماع الفرقة.
مسألة 545: تجوز الصلاة على الجنازة بغير طهارة مع وجود الماء،
والطهارة أفضل وإن لم يتيمم، وبه قال ابن جرير.
وقال الشافعي: تفتقر إلى الطهارة مثل سائر الصلوات، ولا يجوز التيمم مع
345

القدرة على الماء.
وقال أبو حنيفة: تفتقر إلى الطهارة ويجوز التيمم.
دليلنا: إجماع الفرقة.
مسألة 546: يسقط الفرض بصلاة واحد.
وقال الشافعي: إذا صلى جماعة على جنازة منهم متطهرون ومنهم محدثون
فإن كان المتطهرون ثلاثة سقط فرض الصلاة، وإن كانوا أقل من ذلك لم
يسقط، قال أصحابه: هذا من كلامه يدل على أن فرض الصلاة لا يسقط بأقل من
الثلاث، وهو أقل الجمع.
دليلنا: إجماع الفرقة.
مسألة 547: إذا أدرك الإمام في أثناء الصلاة على الجنازة فإنه يكبر
ويدخل في الصلاة ولا ينتظر تكبيرة الإمام، فإذا فرع الإمام قضى ما فاته، سواء
رفعت الجنازة أو لم ترفع، وبه قال أبو يوسف ومحمد والشافعي.
وقال الأوزاعي: يأتي بما أدرك مع الإمام، فإذا سلم سلم معه، ولا يقضي ما
فاته.
وقال أبو حنيفة: إذا أدرك بعض الصلاة فلا يدخل حتى يكبر الإمام ثم
يدخل، فإذا فرع الإمام من الصلاة نظر، فإن رفعت الجنازة بطلت صلاته ولا
يقضي ما فاته، وإن لم ترفع قضى ما فاته.
دليلنا: إجماع الفرقة.
مسألة 548: من صلى على جنازة يكره له أن يصلي عليها ثانيا، ومن فاتته
الصلاة جاز أن يصلي على القبر يوما وليلة، وقد روي: ثلاثة أيام.
وقال الشافعي: يجوز أن يصلي عليها ثانيا وثالثا، وكذلك يجوز أن يصلي
346

على القبر ولم يحد، إلا أنه قال إذا صلى دفعة يبادر بدفنه إلا أن يكون الولي لم
يصل عليه فيحبس لأجله، إلا أن يخاف عليه الانفجار، وبه قال ابن سيرين،
والأوزاعي، وأحمد، وادعى أنه إجماع الصحابة.
وذهب مالك وأبو حنيفة إلى أنه لا يجوز إعادة الصلاة بعد سقوط فرضها،
قال أبو حنيفة: إلا أن تكون العامة صلت عليه من غير وال ولا إمام محلة، وقال أبو
يوسف: يجوز للولي الصلاة عليه إلى أيام، وقال محمد: أراد به إلى ثلاثة أيام.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم أوردناها في الكتابين المقدم ذكرهما.
مسألة 549: قد حددنا الصلاة على القبر يوما وليلة وأكثره ثلاثة أيام.
وللشافعي فيه ثلاثة أقوال:
منهم من قال: تجوز الصلاة على القبر أبدا وهو أضعفها.
ومنهم من قال: تجوز الصلاة عليه ما دام يعلم أنه باق في القبر أو شئ منه
ويختلف ذلك في البلاد.
والثالث: يجوز أن يصلي عليه من كان من أهل الصلاة في وقته ولا يجوز إن
حدث بعده وكان هذا أشبه عندهم فقالوا: والصلاة على قبر النبي
صلى الله عليه وآله مبنية على هذه الأوجه:
فإذا قالوا: ما دام يعلم أنه بقي منه شئ لا تجوز الصلاة عليه لأنه روي أنه
قال: إنا لا نترك في القبر.
وإذا قالوا: تجوز لمن هو من أهل الصلاة في وقته كان ذلك جائزا للصحابة
الذين كانوا من أهل الصلاة عليه، وعلى الوجه الثالث لا يجوز ذلك، لأنه يؤدي
إلى الفتنة والفساد.
وقد روي أنه قال: لا تتحدوا قبري وثنا، لعن الله اليهود فإنهم اتخذوا قبور
أنبيائهم مساجد.
347

مسألة 550: القيام شرط في الصلاة على الجنازة مع القدرة، وبه قال
الشافعي.
وقال أبو حنيفة: يجوز الصلاة قاعدا مع القدرة.
دليلنا: أن ما ذكرناه لا خلاف في سقوط الفرض به، وما قالوه ليس عليه
دليل.
مسألة 551: يجوز أن تتولى إنزال المرأة القبر امرأة أخرى.
وقال الشافعي: لا يتولى ذلك إلا الرجال.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 552: إذا أنزل الميت القبر يستحب أن يغطى القبر بثوب وبه قال
الشافعي.
وقال أبو حنيفة: إن كان امرأة غطي، وإن كان رجلا لا يغطى.
دليلنا: أن ما اعتبرناه لا خلاف أنه جائز والاحتياط يقتضي استعماله.
مسألة 553: لا بأس أن ينزل القبر الشفع أو الوتر وهما سواء. وقال
الشافعي: الوتر أفضل.
دليلنا: إجماع الفرقة.
مسألة 554: يؤخذ الرجل من ناحية رجلي القبر، فيؤخذ أولا رأسه ويسل
سلا. وتنزل المرأة عرضا من قدام القبر.
وقال الشافعي: يؤخذ من عند الرجلين ولم يفصل، وقال أبو حنيفة يؤخذ
عرضا ولم يفصل.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
348

مسألة 555: التكبيرات على الجنازة خمس.
وخالف جميع الفقهاء في ذلك وقالوا: هي أربع.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وقد ذكرناها في الكتاب الكبير.
مسألة 556: يجوز التعزية قبل الدفن وبعد الدفن، وبعده أفضل.
وقال الشافعي: بعد الدفن، وقال الثوري: قبل الدفن.
دليلنا: أنه ثبت أن التعزية مأمور بها بلا خلاف، وتوقيتها يحتاج إلى
شرع، وليس في الشرع تخصيص وقت بها، فيجب أن يكون الجميع جائزا.
مسألة 557: إذا ماتت امرأة وفي بطنها ولد يتحرك، شق جوفها وأخرج
الولد، وبه قال ابن سريج، ولا أعرف فيه خلافا. فإن مات الجنين ولم يخرج
والأم حية جاز للقابلة ومن يقوم مقامها أن تدخل يدها فتقطع الجنين وتخرجه،
ويغسل ويدفن ولا أعرف للفقهاء نصا في هذه المسألة.
دليلنا: إجماع الفرقة.
مسألة 558: إذا ماتت مشركة حامل من مسلم وولدها ميت معها، دفنت
في مقابر المسلمين، وجعل ظهرها إلى القبلة ليكون الولد متوجها إلى القبلة، ولا
أعرف للفقهاء نصا في هذه المسألة.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 559: إذا بلع الحي جوهرا ومات، فإن كان ملكا لغيره قال
الشافعي: يشق جوفه ويخرج، وإن كان ملكا له: فيه قولان: أحدهما: يشق
جوفه لأنه ملك للورثة، والثاني: أنه لا يشق لأنه بمنزلة ما أكل من ماله.
وليس لنا في هذه المسألة نص، والأولى أن نقول لا يشق جوفه على كل
349

حال، لما روي عنهم عليه السلام أنهم قالوا: حرمة المؤمن ميتا كحرمته حيا،
وإذا كان حيا لا يشق جوفه بلا خلاف. فينبغي أن يكون ذلك حكمه بعد موته.
مسألة 560: إذا دفن الميت من غير غسل لا يجوز نبشه ولا يعاد عليه
الغسل، قرب العهد أم بعد.
وقال أبو حنيفة: إذا أهيل عليه التراب لا ينبش.
وقال الشافعي: إذا لم يخش عليه الفساد في نبشه نبش وغسل، وإن خيف
ترك.
دليلنا: كل خبر روي يتضمن النهي عن نبش القبور، عمومه يقتضي المنع
عن ذلك، وكذلك الخلاف في ترك توجيهه إلى القبلة.
مسألة 561: يستحب أن يعرف المؤمنون بموت الميت ليتوفروا على
الصلاة عليه، وبه قال أحمد. وأما النداء فلا أعرف فيه نصا.
وقال الشافعي: يكره النداء وقال أبو حنيفة: لا بأس.
دليلنا: إجماع الفرقة.
مسألة 562: السنة أن يقف الإمام عند رأس الرجل، وصدر المرأة.
وقال الشافعي: عند رأس الرجل وعجيزة المرأة، وقال أبو حنيفة: يقف في
الوسط.
دليلنا: إجماع الفرقة.
مسألة 563: لا تجوز الصلاة على الغائب بالنية، وبه قال أبو حنيفة.
وقال الشافعي: يجوز ذلك.
دليلنا: أن ثبوت ذلك يحتاج إلى دليل شرعي، وليس في الشرع ما يدل
350

عليه، وأما صلاة النبي صلى الله عليه وآله على النجاشي فإنما دعا له، والدعاء
يسمى صلاة.
351

المبسوط
في فقه الإمامية
تأليف شيخ الطائفة
أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (قدس سره)
385 - 460 ه‍. ق
353

كتاب الصلاة
الصلاة في اللغة هي الدعاء لقوله تعالى: وصل عليهم إن صلاتك سكن
لهم، وقوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه، وقال الشاعر:
وصلى على دنها وارتسم.
يعني دعا لها، وهي في الشريعة عبارة عن أفعال مخصوصة من قيام وركوع
وسجود إذا ضامه أذكار مخصوصة، وفي الناس من قال: إنها في الشرع أيضا
الدعاء إذا وقع في محال مخصوصة، والأول أصح، فإذا ثبت ذلك نحتاج فيها
إلى معرفة شيئين: أحدهما مقدماتها، والآخر ما يقارنها، فما يتقدمها على ضربين:
مفروض ومسنون، فالمفروض: الطهارة، وأعداد الصلاة، ومعرفة الوقت، ومعرفة
القبلة، ومعرفة ما تجوز الصلاة فيه من اللباس وما لا تجوز، ومعرفة ما تجوز
الصلاة فيه من المكان وما لا تجوز، ومعرفة ما يجوز السجود عليه وما لا يجوز من
المكان واللباس، ومعرفة ستر العورة. ومعرفة تطهير الثياب والبدن من
النجاسات. والمسنون هو الأذان والإقامة، فأما الطهارة فقد مضى ذكرها وكذلك
تطهير الثياب من النجاسات، ونحن نذكر الآن ما بقي قسما قسما إن شاء الله
تعالى، ونذكر بعده ما يقارن حال الصلاة إن شاء الله تعالى.
355

فصل: في ذكر أقسام الصلاة، وبيان أعدادها وعدد ركعاتها
في السفر والحضر:
الصلاة على ضربين: مفروض ومسنون. فالمفروض على ضربين: أحدهما
يجب بالإطلاق بأصل الشرع، والآخر يجب عند سبب.
فما يجب عند السبب على ضربين: أحدهما يجب عند سبب من جهة
المكلف، والآخر يجب عند سبب لا يتعلق به. فالأول هو ما يجب بالنذر، وذلك
يجب بحسبه من قلة وكثرة، والآخر مثل صلاة الكسوف والعيدين، فإنهما يجبان
عندنا وإن لم يتعلق سببهما به.
وأما ما يجب بالإطلاق فالخمس صلوات في اليوم والليلة في السفر
والحضر، وشرائط وجوبها: البلوغ وكمال العقل، لأن من ليس ببالغ لا تجب
عليه الصلاة وإنما يؤخذ بها تعليما وتمرينا من بعد ست سنين إلى حين البلوغ،
وإن بلغ ولا يكون كامل العقل لا تجب عليه الصلاة، وإن كانت امرأة فمن شرط
وجوبها عليها أن تكون طاهرا من الحيض. فأما الإسلام فليس من شرط الوجوب
عندنا لأن الكافر مخاطب بالعبادات، وإنما هو من شرط صحة الأداء.
وعدد ركعاتها في الحضر سبع عشرة ركعة، وفي السفر إحدى عشرة
ركعة، تفصيلها: الظهر أربع ركعات في الحضر بتشهدين وتسليم في الرابعة،
وفي السفر ركعتان بتشهد واحد وتسليم بعده، والعصر مثل ذلك، والمغرب
ثلاث ركعات في الحضر والسفر بتشهدين أحدهما في الثانية والثاني في الثالثة
وتسليم بعده، والعشاء الآخرة مثل الظهر والعصر، والغداة ركعتان بتشهد في
الثانية وتسليم بعده في الحضر والسفر.
والنوافل في اليوم والليلة المرتبة في الحضر أربع وثلاثون ركعة، وفي
السفر سبع عشرة ركعة، بعد الزوال قبل الفرض ثمان ركعات، وبعد الفرض
ثمان ركعات، كل ركعتين بتشهد في الثانية وتسليم بعده، وكذلك سائر
النوافل - نوافل النهار كانت أو نوافل الليل، مرتبة كانت أو غير مرتبة - فلا يجوز
356

صلاة أكثر من ركعتين من النوافل بتشهد واحد وتسليم واحد، وتسقط نوافل
النهار في السفر، ونوافل المغرب أربع ركعات في السفر والحضر بتشهدين
وتسليمين، وركعتان من جلوس بعد العشاء الآخرة في الحضر يعدان بركعة،
ويسقطان في السفر، ويسميان الوتيرة، وصلاة الليل إحدى عشرة ركعة في السفر
والحضر، كل ركعتين بتشهد وتسليم بعده، والوتر مفردة بتشهد وتسليم بعده،
وركعتا الفجر بتشهد وتسليم بعده في الحالتين معا.
فصل: في ذكر المواقيت:
لكل صلاة وقتان: أول وآخر. فأول الوقت وقت من لا عذر له ولا ضرورة
تمنعه، والوقت الآخر وقت من له عذر أو به ضرورة.
والأعذار أربعة أقسام: السفر والمطر والمرض وأشغال يضر به تركها في
باب الدين أو الدنيا.
والضرورات خمسة: الكافر إذا أسلم، والصبي إذا بلغ، والحائض إذا
طهرت، والمجنون إذا أفاق، وكذلك المغمى عليه.
فإذا زالت الشمس فقد دخل وقت فريضة الظهر، ويختص به مقدار ما يصلى
فيه أربع ركعات، ثم يشترك الوقت بعده بينه وبين العصر إلى أن يصير ظل
كل شئ مثله، وروي حتى يزيد الظل أربعة أقدام، وهو أربعة أسباع الشخص
المنتصب، ثم يختص بعد ذلك بوقت العصر إلى أن يصير ظل كل شئ مثليه،
فإذا صار كذلك فقد فات وقت العصر، هذا وقت الاختيار.
فأما وقت الضرورة فهما مشتركان فيه إلى أن يبقى من النهار مقدار ما يصلى
فيه أربع ركعات، فإذا صار كذلك اختص بوقت العصر إلى أن تغرب الشمس،
وفي أصحابنا من قال: إن هذا أيضا وقت الاختيار إلا أن الأول أفضل.
فإن لحق بركعة من العصر قبل غروب الشمس لزمه العصر كلها ويكون
مؤديا لها لا قاضيا لجميعها ولا لبعضها على الظاهر من المذهب، وفي أصحابنا من
357

قال: يكون قاضيا لجميعها، وفيهم من قال: يكون قاضيا لبعضها. فأما إن لحق
أقل من ركعة فإنه لا يكون أدرك الصلاة، ويكون قاضيا بلا خلاف بينهم.
وإذا لحق قبل أن يختص الوقت بالعصر ركعة لزمه فريضة الظهر، وهو إذا
بقي من النهار مقدار ما يصلى فيه خمس ركعات، فإن مقدار الأربع ركعات
يختص بالعصر والركعة للظهر، فحينئذ يجب عليه الصلاتان معا، فإن لحق أقل
من خمس ركعات لم يلزمه إلا العصر لا غير لأنه لا دليل على ذلك.
وينبغي أن يكون قد لحق مقدار ما يمكنه الطهارة - إما وضوءا أو غسلا -
ويبقى بعده مقدار ما يصلى فيه ركعة، فإن لحق مقدار ما يتطهر فيه من غير تفريط
فخرج الوقت لم يلزمه القضاء، هذا إذا عملنا على ما روي من الأخبار من أن
الحائض إذا طهرت قبل مغيب الشمس كان عليها الصلاتان، فأما إذا عملنا
بالأخبار الأولة والجمع بينها فنقول: إنه إذا خرج وقت الظهر لم يلزمها إلا العصر
لا غير، وإنما نحمل هذه الأخبار المقيدة إلى غروب الشمس على ضرب من
الاستحباب دون الفرض والإيجاب.
وحكم المجنون والمغمى عليه، والذي يبلغ والذي يسلم بحكم الحائض
على السواء، ومتى أفاق المجنون أو المغمى عليه قبل أن يمضى من الوقت مقدار
ركعة وجب عليه الصلاة على ما بيناه، فإن عاد إليه الجنون قبل انقضاء الوقت أو
عند انقضائه لم يلزمه قضاؤها لأنه لم يلحق جميع الوقت الذي يمكنه أداء شئ
من الفرض فيه.
وأما الصبي إذا بلغ في خلال الصلاة بما لا يفسد الصلاة من كمال خمس
عشرة سنة أو الإنبات والوقت باق وجب عليه إتمام الصلاة، وإن بلغ بما ينافيها
أعادها من أولها، فأما الصوم فإنه يمسك بقية النهار تأديبا ولا قضاء عليه.
والدلوك هو الزوال، ويعتبر بزيادة الفئ من الموضع الذي انتهى عليه
الظل دون أصل الشخص، فإذا كان في موضع لا يكون للشخص ظل أصلا
مثل مكة وما أشبهها فإنه يعتبر الزوال بظهور الفئ، فإذا ظهر الفئ دل على
358

الزوال، وفي البلاد التي للشخص فئ يعرف الزوال بأن ينصب شخص، فإذا
ظهر له ظل في أول النهار فإنه ينقص مع ارتفاع الشمس إلى نصف النهار، فإذا
وقف الفئ فيعلم على الموضع، فإذا زالت رجع الفئ إلى الزيادة، وقد روي أن
من يتوجه إلى الركن العراقي إذا استقبل القبلة ووجد الشمس على حاجبه الأيمن
علم أنها قد زالت.
فأما اعتبار الذراع والقدم والقامة وما أشبه ذلك من الألفاظ التي وردت بها
الأخبار فإنما هي لتقدير النافلة، فإن النافلة يجوز تقديمها هذا المقدار، فإذا بلغ
ذلك القدر كانت البدأة بالفرض أولى.
وهذه الأوقات والتقديرات تراعى إذا كانت الشمس طالعة، فأما إذا كانت
السماء متغيمة وتحقق الزوال فينبغي أن يبادر بالصلاة لئلا يفوت وقت الفضل،
فإن اتفق له ما يقطعه عنه وغلب في ظنه أن قد مضى من الزوال مقدار ما كان
يصلى فيه النوافل بدأ بالفرض وترك النوافل إلى أن يقضيها، وكذلك إذا غلب
في ظنه تضيق الوقت المختار بدأ بالفرض لئلا يفوته الصلاة.
فإن أخبره غيره ممن ظاهره العدالة عمل على قوله وبدأ بالفرض لأنه قد
تحقق دخول الوقت بتحقيقه زوال الشمس، وكذلك الأعمى يجوز له أن يقبل
قول غيره في دخول الوقت، فإن انكشف له بعد ذلك أنه كان قبل الوقت أعاد
الصلاة، وإن تبين أنه كان بعده كان ذلك جائزا ولم يلزمه شئ.
فأما مع زوال الأعذار وكون السماء مصحية وصحة حاسته لا يجوز أن يقبل
قول غيره في دخول الوقت، فإن كان ممن لا طريق له إلى معرفة ذلك استظهر
حتى يغلب في ظنه دخول الوقت ويصلى إذ ذاك.
وحكم المحبوس بحيث لا يهتدي إلى الزوال والأوقات حكم الأعمى سواء،
ومعرفة الوقت واجبة لئلا يصلى في غير الوقت، فإن صلى قبل الوقت متعمدا
أو ناسيا أعاد الصلاة، فإن دخل فيها بأمارة غلب معها في ظنه دخوله ثم دخل
الوقت وهو في شئ منها فقد أجزأه، فإن فرع منها قبل دخول الوقت أعاد على
359

كل حال.
ووقت المغرب غيبوبة الشمس، وآخره غيبوبة الشفق وهو الحمرة من ناحية
المغرب، وعلامة غيبوبة الشمس هو أنه إذا رأى الآفاق والسماء مصحية ولا حائل
بينه وبينها ورآها قد غابت عن العين علم غروبها، وفي أصحابنا من قال: يراعى
زوال الحمرة من ناحية المشرق وهو الأحوط.
فأما على القول الأول إذا غابت الشمس عن البصر ورأى ضوءها على جبل
يقابلها أو مكان عال - مثل منارة إسكندرية أو شبهها - فإنه يصلى ولا يلزمه حكم
طلوعها بحيث طلعت، وعلى الرواية الأخرى لا يجوز ذلك حتى تغيب في كل
موضع تراه، وهو الأحوط.
وغيبوبة الشفق هو أول وقت العشاء الآخرة، وآخره ثلث الليل، هذا وقت
الاختيار، فأما وقت الضرورة فإنه يمتد في المغرب إلى ربع الليل وفي العشاء
الآخرة إلى نصف الليل، وفي أصحابنا من قال: إلى طلوع الفجر.
فأما من يجب عليه القضاء من أصحاب الأعذار والضرورات فإنا نقول
هاهنا: عليه القضاء إذا لحق قبل الفجر مقدار ما يصلي ركعة أو أربع ركعات
صلى العشاء الآخرة، وإذا لحق مقدار ما يصلى خمس ركعات صلى المغرب أيضا
معها استحبابا.
وإنما يلزمه وجوبا إذا لحق قبل نصف الليل بمقدار ما يصلى فيه أربع
ركعات، وقبل أن يمضى ربعه مقدار ما يصلى ثلاث ركعات المغرب، وفي
أصحابنا من قال: إذا غابت الشمس يختص بالمغرب مقدار ما يصلى فيه ثلاث
ركعات وما بعده، مشترك بينه وبين العشاء الآخرة إلى أن يبقى إلى آخر الوقت
مقدار ما يصلى فيه أربع ركعات فيختص بالعشاء الآخرة، والأول أظهر وأحوط.
ويكره تسمية العشاء الآخرة بالعتمة، وكذلك يكره تسمية صلاة الصبح
بالفجر، بل يسميان بما سمى الله، قال الله تعالى: فسبحان الله حين تمسون وحين
تصبحون، يعني المغرب وصلاة الصبح، " وله الحمد في السماوات والأرض
360

وعشيا " يعني العشاء الآخرة، " وحين تظهرون " يعني الأولى، وإن سمي بغير
ذلك لم يكن به إثم ولا عقاب، وصلاة الوسطى هي صلاة الظهر على ما روي في
الأخبار.
وأما أول وقت صلاة الصبح فهو إذا طلع الفجر الثاني الذي يعترض في
أفق السماء ويحرم عنده الأكل والشرب على الصائم،
وآخره طلوع الشمس، وآخر وقت المختار طلوع الحمرة من ناحية المشرق، فمن لحق قبل طلوع
الشمس ركعة على التمام كان قد أدرك الوقت، ويجب على أصحاب
الضرورات عند ذلك صلاة الصبح بلا خلاف، وإن لحق أقل من ذلك لم يكن
عليه شئ.
وإذا أدرك من أول وقت الظهر دون أربع ركعات ثم جن أو أغمي عليه أو
حاضت المرأة لم يكن عليهم قضاء، فإن لحقوا مقدار أربع ركعات كان عليهم
قضاء الظهر.
والمسافر إذا قدم أهله قبل أن يخرج الوقت بمقدار ما يصلى فيه الصلاة على
التمام أتم، وإن خرج بعد أن يمضى من الوقت مقدار ما يمكنه منه فرض الوقت
كان عليه التمام، وإن خرج قبل ذلك قصر، وقد روي أنه يقصر إذا خرج قبل
آخر الوقت بمقدار ما يصلى فيه فرض الوقت، فإن خرج بعده صلى على التمام
خمس صلوات.
يصلى في كل وقت ما لم يتضيق وقت فريضة حاضرة من فاتته صلاة،
فوقتها حين يذكرها، وكذلك قضاء النوافل ما لم يدخل وقت فريضة، وصلاة
الكسوف، وصلاة الجنازة، وركعتا الإحرام، وركعتا الطواف.
فأما أوقات النوافل المرتبة فإنه يصلى نوافل الزوال من بعد الزوال إلى أن
يبقى إلى آخر الوقت مقدار ما يصلى فيه فريضة الظهر، ونوافل العصر ما بين
الفراع من فريضة الظهر إلى خروج وقت المختار، ولا يجوز تقديم نوافل النهار
قبل الزوال إلا يوم الجمعة على ما سنبينه، ووقت نوافل المغرب عند الفراع من
361

فريضته، ووقت الوتيرة بعد الفراع من فريضة العشاء الآخرة، فإن كان عليه
صلاة أخرى ختم بهاتين الركعتين.
ووقت صلاة الليل بعد انتصاف الليل إلى طلوع الفجر الثاني، فلا يجوز في
أول الليل إلا قضاء أو يكون مسافرا يخاف الفوات أو من يمنعه آخر الليل مانع
من مرض وغير ذلك فإنه يجوز له التقديم أول الليل، والقضاء أفضل.
ووقت ركعتي الفجر عند الفراع من صلاة الليل بعد أن يكون الفجر الأول
قد طلع إلى طلوع الحمرة من ناحية المشرق، سواء طلع الفجر الثاني أو لم
يطلع، وأن تصلي مع صلاة الليل أفضل.
والأوقات المكروهة ابتداء النوافل فيها خمس: بعد فريضة الغداة، وعند
طلوع الشمس، وعند قيامها نصف النهار إلى أن تزول إلا يوم الجمعة بعد فريضة
العصر، وعند غروب الشمس، فأما إذا كانت نافلة لها سبب - مثل قضاء النوافل
أو صلاة زيارة أو تحية مسجد أو صلاة إحرام أو طواف نافلة - فإنه لا يكره على
حال.
والصلاة قبل دخول وقتها لا تجزئ على كل حال، وتكون بعد خروج وقتها قضاء وفي
وقتها أداء، إلا أن الوقت الأول أفضل من الأوسط والأخير، غير
أنه لا يستحق عقابا ولا ذما وإن كان تاركا فضلا، هذا إذا كان لغير عذر، فأما إذا
كان لعذر فلا حرج عليه على حال، وفي أصحابنا من قال: يتعلق الفرض بأول
الوقت ومتى أخره لغير عذر أثم واستحق العقاب غير أنه قد عفي عن ذلك،
والأول أبين في المذهب.
ويستحب أن يقضى من النوافل ما فات بالليل بالنهار وما فات بالنهار بالليل.
تقديم الصلاة في أول الوقت أفضل في جميع الصلوات الخمس، وكذا
صلاة الجمعة، بل في الجمعة آكد، فإنه إذا زالت الشمس يوم الجمعة بدأ بالفرض
وترك النوافل إلى بعد ذلك، فإن كان الحر شديدا في بلاد حارة وأرادوا أن
يصلوا جماعة في مسجد جاز أن يبردوا بصلاة الظهر قليلا ولا يؤخر إلى آخر
362

الوقت. فأما العشاء الآخرة فقد رخص في تأخيرها إلى ثلث الليل، والأفضل
تقديمها.
فصل: في ذكر القبلة وأحكامها:
معرفة القبلة واجبة للتوجه إليها في الصلوات مع الإمكان، واستقبالها عند
الذبيحة واحتضار الأموات وغسلهم والصلاة عليهم ودفنهم، والتوجه إليها واجب
في جميع الصلوات - فرائضها وسننها - مع التمكن وارتفاع الأعذار.
والمكلفون على ثلاثة أقسام:
منهم من يلزمه التوجه إلى نفس الكعبة، وهو كل من كان مشاهدا لها بأن
يكون في المسجد الحرام، أو في حكم المشاهد بأن يكون ضريرا أو يكون بينه
وبين الكعبة حائل أو يكون خارج المسجد بحيث لا يخفى عليه جهة الكعبة.
والقسم الثاني: من يلزمه التوجه إلى نفس المسجد، وهو كل من كان مشاهدا
للمسجد أو في حكم المشاهد ممن كان في الحرم.
والقسم الثالث: من يلزمه التوجه إلى الحرم، وهو كل من كان خارج الحرم
ونائيا عنه.
وفرض الناس في التوجه على أربعة أقسام: فأهل العراق يتوجهون إلى
الركن العراقي، وأهل الشام إلى الركن الشامي، وأهل اليمن إلى الركن اليماني،
وأهل المغرب إلى الركن الغربي، ويلزم أهل العراق التياسر قليلا.
ويعرف أهل العراق قبلتهم بأربعة أشياء:
أحدها: أن يكون الجدي خلف منكبه الأيمن.
وثانيها: أن يكون الفجر موازيا لمنكبه الأيسر.
وثالثها: أن يكون الشفق موازيا لمنكبه الأيمن.
ورابعها: أن يكون عين الشمس عند الزوال على حاجبه الأيمن، فإن فقد هذه
الأمارات صلى إلى أربع جهات مع الاختيار الصلاة الواحدة، ومع الضرورة
363

يصلى إلى أي جهة شاء، وهذه أمارات قبلة أهل العراق ومن يصلى إلى قبلتهم من
أهل المشرق، فأما من يتوجه إلى غير قبلتهم من أهل المغرب والشام واليمن
فأماراتهم غير هذه الأمارات.
وقد تعلم القبلة بالمشاهدة أو بخبر عن مشاهدة توجب العلم، أو بنصب قبلة
نصبها النبي صلى الله عليه وآله أو واحد من الأئمة عليه السلام أو علم أنهم صلوا
إليها، فإن بجميع ذلك تعلم القبلة.
ومن كان بمكة خارج المسجد وجب عليه التوجه إلى المسجد مع العلم،
سواء غريبا أو قاطنا، ولا يجوز أن يجتهد في بعض بيوتها لأنه لا يتعذر عليه طريق
العلم.
ومن كان وراء جبل وهو في الحرم وأمكنه معرفة القبلة من جهة العلم لم
يجز أن يعمل على الاجتهاد بل يجب عليه طلبه من جهة العلم.
ومن نأى عن الحرم فقد قلنا: إنه يطلب جهة الحرم مع الإمكان، فإن كان
له طريق يعلم معه جهة الحرم وجب عليه ذلك، فإن لم يكن له طريق يعلم معه
ذلك رجع إلى الأمارات التي ذكرناها وعمل على غالب الظن، فإن فقد الأمارات
صلى إلى أربع جهات على ما قلناه، فإن لم يتسع له الزمان أو لا يتمكن من ذلك
صلى إلى أي جهة شاء.
وعلى هذا إذا كانوا جماعة وأرادوا أن يصلوا جماعة جاز أن يقتدوا بواحد
منهم إذا تساوت حالهم في التباس القبلة، فإن غلب في ظن بعضهم جهة القبلة
وتساوى ظن الباقين جاز أيضا أن يقتدوا به لأن فرضهم الصلاة إلى أربع جهات
مع الإمكان وإلى واحدة منها مع الضرورة وهذه الجهة واحدة منها، ومتى
اختلفت ظنونهم وأدى اجتهاد كل واحد منهم إلى أن القبلة في خلاف جهة
صاحبه لم يجز لواحد منهم الاقتداء بالآخر على حال، ومتى لزم جماعة الصلاة
إلى أربع جهات لفقد الأمارات جاز أن يصلوا جماعة، ويقتدي كل واحد بصاحبه
في الأربع جهات.
364

وإذا دخل غريب إلى بلد جاز له أن يصلى إلى قبلة البلد إذا غلب في ظنه
صحتها، فإن غلب على ظنه أنها غير صحيحة وجب عليه أن يجتهد ويرجع إلى
الأمارات الدالة على القبلة، ومن فقد أمارات القبلة أو يكون ممن لا يحسن ذلك
وأخبره عدل مسلم بكون القبلة في جهة بعينها جاز له الرجوع إليه.
والأعمى يجوز له أن يرجع إلى غيره في معرفة القبلة لأنه لا يمكنه معرفتها
بنفسه، والمسافر يصلى الفريضة إلى القبلة لا يجوز له إلا ذلك، ولا يصلى على
الراحلة مع الاختيار، فإن لم يمكنه ذلك جاز له أن يصلى على الراحلة غير أنه
يستقبل القبلة على كل حال لا يجوز له غير ذلك.
وأما النوافل فلا بأس أن يصليها على الراحلة في السفر في حال الاختيار،
وكذلك حال المشي، ويستقبل القبلة، فإن لم يمكنه استقبل بتكبيرة الإحرام
القبلة والباقي يصلى إلى حيث تسير الراحلة، أو يتوجه إليه في مشيه، ولا يلزمه
التوجه إلى القبلة حال الركوع والسجود، ويجوز له أن يقتصر على الإيماء وإن لم
يسجد على الأرض.
فإن كان راكبا منفردا وأمكنه أن يتوجه إلى القبلة كان ذلك هو الأفضل،
فإن لم يفعل لم يكن عليه شئ، لأن الأخبار الواردة في جواز ذلك على عمومها،
هذا إذا لم يتمكن في حال كونه راكبا من استقبال القبلة.
فإن تمكن من ذلك بأن يكون في كنيسة واسعة يمكنه أن يدور فيها
ويستقبل القبلة كان فعل ذلك أفضل، وكذلك الصلاة في السفينة إذا دارت
يدور معها حيث تدور، فإن لم يمكنه صلى إلى صدر السفينة بعد أن يستقبل القبلة
بتكبيرة الإحرام.
فأما حال شدة الخوف أو حال المطاردة والمسايفة فإنه يسقط فرض
استقبال القبلة ويصلى كيف شاء، ويمكن منه إيماء أو يقتصر على التكبير على ما
سنبينه فيما بعد.
كل صلاة فريضة غير الصلاة الخمس - مثل صلاة نذر أو قضاء فرض أو
365

صلاة جنازة أو صلاة كسوف أو صلاة العيدين - لا تصلي على الراحلة مع
الاختيار، ويجوز ذلك مع الضرورة العموم أخبار المنع من ذلك.
ويجوز أن يصلى النوافل على الراحلة في الأمصار مع الضرورة والاختيار،
وفعلها على الأرض أفضل.
ومتى كان الإنسان عالما بدليل القبلة غير أنه اشتبه عليه الأمر لم يجز له أن
يقلد غيره في الرجوع إلى إحدى الجهات لأنه لا دليل عليه بل يصلى إلى أربع
جهات مع الاختيار، ومع الضرورة يصلى إلى أي جهة شاء، وإن قلد غيره في
حال الضرورة جازت صلاته لأن الجهة التي قلده فيها هو مخير في الصلاة إليها
وإلى غيرها.
يجوز للأعمى أن يقبل من غيره ويرجع إلى قوله في كون القبلة في بعض
الجهات - سواء كان ذلك رجلا أو امرأة عبدا كان أو حرا صبيا كان أو بالغا -
فإن لم يرجع إلى غيره وصلى برأي نفسه وأصاب القبلة كانت صلاته ماضية،
وإن أخطأ القبلة أعاد الصلاة لأن فرضه أن يصلى إلى أربع جهات مع الاختيار،
وإن كان في حال الضرورة كانت صلاته ماضية، ولا يجوز له أن يقبل من الكافر
ومن ليس على ظاهر الإسلام، ولا من الفاسق لأنه غير عدل.
وإذا صلى البصير إلى بعض الجهات ثم تبين أنه صلى إلى غير القبلة والوقت
باق أعاد الصلاة، فإن كان صلى بصلاته أعمى وجب عليه أيضا إعادة الصلاة،
وكذلك إن صلى بقوله ولم يصل معه، فإن انقضى الوقت فلا إعادة عليه إلا أن
يكون استدبر القبلة فإنه يعيدها على الصحيح من المذهب، وقال قوم من
أصحابنا: لا يعيد، هذا إذا خرج من صلاته.
فإن كان في حال الصلاة ثم ظن أن القبلة عن يمينه أو عن شماله بنى عليه
واستقبل القبلة وتممها، وإن كان مستدبر القبلة أعاد الصلاة من أولها بلا خلاف،
فإن كان صلى بصلاته أعمى انحرف بانحرافه.
فإن دخل الأعمى في صلاته بقول واحد ثم قال له آخر: القبلة في جهة غيرها
366

عمل على قول أعدلهما عنده، فإن تساويا في العدالة مضى في صلاته لأنه دخل
فيها بيقين فلا ينصرف إلا بيقين.
ومثله إذا دخل الأعمى في صلاة بقول بصير ثم أبصر وشاهد أمارات القبلة
صحيحة بنى على صلاته، وإن احتاج إلى تأمل كثير وطلب أمارات ومراعاتها
استأنف الصلاة لأن ذلك عمل كثير في الصلاة، وإن قلنا أنه يمضى فيها لأنه
لا دليل على انتقاله كان قويا، غير أن الأحوط للعبادة الأول.
فإن دخل بصيرا في الصلاة ثم عمي تمم صلاته لأنه توجه إلى القبلة بيقين ما
لم يلتو عن القبلة، فإن التوى عنها التواء لا يمكنه الرجوع إليها بيقين بطلت صلاته،
ويحتاج إلى استئنافها بقول من يسدده، فإن كان له طريق رجع إليها وتمم
صلاته، فإن وقف قليلا ثم جاء من يسدده جازت صلاته وتممها.
إذا تساوت عنده الجهات فقد قلنا إنه يصلى إلى أربع جهات مع الإمكان،
ويكون مخيرا في حال الضرورة، فإن دخل فيها ثم غلب على ظنه أن الجهة في
غيرها مال إليها وبني على صلاته ما لم يستدبر القبلة، فإن كان استدبرها أعاد
الصلاة كما قلنا مع العلم سواء.
وإذا اجتهد قوم فأدى اجتهادهم إلى جهة واحدة جازت صلاتهم إليها جماعة
وفرادى، فإن صلوا جماعة ثم رأى الإمام في صلاته أنه أخطأ رجع إلى القبلة على
ما فصلناه، وأما المأمون، فإن غلب ذلك على ظنهم فعلوا مثل ذلك، وإن لم
يغلب على ظنهم ذلك بقوا على ما هم عليه وتمموا صلاتهم منفردين، وكذلك
الحكم في بعض المأمومين سواء.
يجب على الإنسان أن يتبع أمارات القبلة كلما أراد الصلاة عند كل صلاة،
اللهم إلا أن يكون قد علم أن القبلة في جهة بعينها أو ظن ذلك بأمارات صحيحة
ثم علم أنها لم تتغير جاز حينئذ التوجه إليها من غير أن يجدد اجتهاد في طلب
الأمارات.
من صلى في السفينة استقبل بتكبيرة الإحرام القبلة، فإن دارت دار معها مع
367

الإمكان، فإن لم يمكنه صلى إلى صدر السفينة.
فصل: فيما يجوز الصلاة فيه من اللباس:
تجوز الصلاة في القطن والكتان وجميع ما ينبت من الأرض من أنواع
الحشيش والنبات بشرطين:
أحدهما: أن يكون ملكا أو مباحا.
وثانيها: أن يكون خاليا من نجاسة.
فإن كان مغصوبا لم يجز الصلاة فيها، وتجوز الصلاة في الشعر والوبر
والصوف إذا كان مما يؤكل لحمه بالشرطين المقدمين، ومتى كان مما لا يؤكل
لحمه لم تجز الصلاة فيه من أوبار الثعالب والأرانب وغيرهما.
وأما الخز إذا كان خالصا فلا بأس بالصلاة فيه، وإن كان مغشوشا بوبر
الأرانب وغيرها مما لا يؤكل لحمه لم تجز الصلاة فيها، والإبريسم المحض لا
يجوز لبسه للرجال ولا يجوز الصلاة فيه، ومتى كان سداه أو لحمته قطنا أو كتابا
أو خزا خالصا جاز لبسه والصلاة فيه، سواء كان القطن أو الكتان أو الخز مثله أو
أقل أو أكثر منه بعد أن يكون في نفس الثوب، فأما إذا خيط بالقطن أو الكتان لم
يزل التحريم عنه بحال.
ولا فرق بين أن يلبسه الإنسان منفردا أو يكون بطانة لقطن أو كتان أو ظهارة
أو يلبسه بينهما فإنه لا تجوز الصلاة فيه، ولو كان على جيبه أو ذيله أو مواضع منه
خروق مخيطة كره الصلاة فيه وتكون مجزئة.
وجلد ما يؤكل لحمه إذا كان مذكى يجوز لبسه والصلاة فيه سواء كان
مدبوغا أو لم يكن بالشرطين المقدمين.
وما لا يؤكل لحمه لا يجوز الصلاة في جلده - ذكي أو لم يذك، دبغ أو لم
يدبغ - ويجوز استعماله ولبسه في غير الصلاة إذا ذكي ودبغ، إلا الكلب
والخنزير فإنهما لا يطهران بالذكاة والدباغ، وعلى هذا لا يجوز الصلاة في جلد
368

الثعلب والأرنب والدب وسائر السباع والسنور وغيرها مما لا يحل أكله مما
نذكره فيما بعد، ورويت رخصة في جواز الصلاة في الفنك والسمور، والأصل
ما قدمناه، فأما السنجاب والحواصل فإنه لا خلاف أنه يجوز الصلاة فيهما.
وجلد الميتة لا يطهر بالدباغ، سواء أكل لحمه أو لم يؤكل، وكلما لا تتم
الصلاة فيه منفردا جازت الصلاة فيه وإن كان من إبريسم - مثل التكة والجورب
والقلنسوة والخف والنعل - والتنزه عنه أفضل، والثوب إذا كان فيه تمثال
وصورة لا يجوز الصلاة فيه، ويجوز للنساء الصلاة في الإبريسم المحض والتنزه
عنه أفضل.
ومن اشترى جلدا على أنه مذكى جاز أن يصلى فيه وإن لم يكن كذلك إذا
اشترى ذلك من سوق المسلمين ممن لا يستحل الميتة، ولا يجوز شراؤها ممن
يستحل ذلك أو كان متهما فيه.
ويكره الصلاة في الثياب السود كلها ما عدا العمامة والخف فإنه لا بأس
بالصلاة فيهما وإن كانا سوداوين، ويجوز للرجال الصلاة في ثوب واحد إذا كان
صفيقا، وإن كان رقيقا كره له ذلك إلا أن يكون تحته مئزر يستر العورة.
ويكره أن يأتزر فوق القميص.
ويكره اشتمال الصماء، وهو أن يلتحف بالإزار ويدخل طرفيه من تحت يده
ويجمعهما على منكب واحد كفعل اليهود، ويجوز أن يأتزر ببعض ثوب ويرتدي
بالبعض الآخر، فإن لم يكن معه إلا سراويل لبسه وطرح على عنقه خيطا أو تكة
أو ما أشبههما.
ويكره للرجل أن يصلى في عمامة لا حنك لها، ولا يصلى الرجل وعليه لثام
بل يكشف موضع جبهته للسجود وفاه لقراءة القرآن.
ويكره للمرأة النقاب في الصلاة، ولا يصلى الرجل وعليه قباء مشدود إلا
بعد أن يحله إلا في حال الحرب.
ويكره الصلاة في الشمشك والنعل السندي، ويستحب الصلاة في النعل
369

العربي، ويجوز الصلاة في الخفين والجرموقين إذا كان لهما ساق.
ويكره للإمام في الصلاة ترك الرداء مع الاختيار، ويجوز ذلك عند
الضرورة، ولا يجوز الصلاة في الثوب الذي يكون تحت وبر الثعالب ولا الذي
فوقه على ما وردت به الرواية، وعندي أن هذه الرواية محمولة على الكراهة أو على
أنه إذا كان أحدهما رطبا، لأن ما هو نجس إذا كان يابسا لا تتعدى منه النجاسة إلى
غيره.
ويكره الصلاة في القلنسوة والتكة إذا عملا من وبر ما لا يؤكل لحمه، و
كذلك يكره إذا كانا من حرير محض.
ويكره الصلاة في الحديد المشهر مثل السكين والسيف، فإن كان في غمد
أو قراب فلا بأس به، وكذلك حكم المفتاح والدراهم السود، ويجوز للرجل أن
يصلي في ثوب المرأة إذا كانت مأمونة، وكذلك تصلي المرأة في ثوب الرجل.
وإذا عمل كافر لمسلم ثوبا فلا يصلى فيه إلا بعد غسله، وكذلك إذا صبغه
له لأن الكافر نجس، سواء كان كافر أصل أو كافر ردة أو كافر ملة، وإذا استعار
ثوبا من مستحل شئ من النجاسات أو المسكرات فلا يصلى فيه حتى يغسله.
ويكره للمرأة أن تصلي في خلاخل لها صوت، فإن كانت صماء لم يكن
بالصلاة فيها بأس، ولا بأس أن يصلى وفي كمه طائر إذا خاف ضياعه، ولا يصلى
في ثوب فيه تماثيل، ولا في خاتم كذلك، ويجوز الصلاة في خرق الخضاب
للرجال والنساء إذا كانت طاهرة.
فصل: في ذكر ما يجوز الصلاة فيه من المكان وما لا يجوز:
تجوز الصلاة في الأماكن كلها بشرطين:
أحدهما: أن يكون ملكا أو في حكم الملك بأن يكون مأذونا له فيه.
والثاني: أن يكون خاليا من نجاسة.
فإن صلى في مكان مغصوب مع الاختيار لم تجز الصلاة فيه، ولا فرق بين
370

أن يكون هو الغاصب أو غيره ممن أذن له في الصلاة فيه، لأنه إذا كان الأصل
مغصوبا لم تجز الصلاة فيه، وإن كان في مكان مغصوب ولا يمكنه الخروج منه
- بأن يكون محبوسا أو يخاف على نفسه في الخروج منه - فإنه يجوز له الصلاة
فيه.
ومتى أذن له المالك في الدخول إلى ملكه والتصرف فيه جاز له الصلاة لأن
ذلك من جملة التصرف، وكذلك إذا دخل ملكه بغير إذنه وعلم بشاهد الحال
أنه لا يكره مالكه الصلاة فيه فإن الصلاة فيه صحيحة، وعلى هذا إذا دخل الإنسان
ملك غيره في الصحاري والبساتين وغيرها فإنه يجوز أن يصلى فيها، لأن من
المعلوم أن أصحابها لا يكرهون الصلاة فيها، وإنما الممنوع منه هو ما يعلم أن
صاحبه كره له التصرف في ملكه على كل حال فلا يجوز له الصلاة فيه.
فأما من حصل في ملك غيره باذنه فأمره بالخروج منه أو نهاه عن المقام
فيه، فإن أقام في موضعه وصلى لم تجزئه صلاته، وإن تشاغل بالخروج فصلى في
طريقه كانت صلاته ماضية لأنه متشاغل بالخروج، وإنما قدم فرض الله تعالى
على فرض غيره، غير أن هذا إنما يجزئه إذا كان تضيق عليه الوقت، وأما إذا كان
أول الوقت فينبغي أن يقدم الخروج أولا، فإن لم يفعل وصلى لم يجزئه صلاته.
ويكره الصلاة في اثنى عشر موضعا: وادي ضجنان، ووادي الشقرة،
والبيداء، وذات الصلاصل، وبين المقابر إلا إذا جعل بينه وبين القبر عشرة أذرع
عن يمينه وعن شماله وقدامه، ولا يعتبر ذلك من خلفه - وقد روي جواز الصلاة
إلى قبور الأئمة عليه السلام خاصة في النوافل، والأحوط ما قدمناه - وأرض
الرمل والسبخة إذا لم تتمكن الجبهة من السجود عليهما، ومعاطن الإبل، وقرى
النمل، وجوف الوادي، وجواد الطرق، والحمامات وليس ذلك بمحظور، لأنه
إن صلى في هذه المواضع على الشرطين اللذين قدمنا ذكرهما كانت صلاته
ماضية.
ويستحب أن يجعل بينه وبين ما يمر به ساترا ولو عنزة، وإن لم يفعل فلا
371

يقطع صلاته ما يمر به من كلب أو خنزير أو امرأة أو رجل وغير ذلك.
ويكره الفريضة في جوف الكعبة، فإن تضيق عليه الوقت ولم يمكنه
الخروج منها جاز أن يصلى فيها، وكذلك إن كان محبوسا فيها، وأما النوافل
فإنه مأمور بالصلاة فيها.
ومتى انهدم البيت جاز الصلاة إلى جهته، وإن حصل فوق الكعبة روى
أصحابنا أنه يصلى مستلقيا ويصلى إلى البيت المعمور في السماء الثالثة أو الرابعة
- على الخلاف فيه - إيماء، ويعرف البيت بالصراح.
وإن صلى كما يصلى إذا كان جوفها كانت صلاته ماضية، سواء كان
السطح له سترة من نفس البناء أو مفروضا فيه السترة، وسواء وقف على سطح
البيت أو على حائطه، اللهم إلا أن يقف على طرف الحائط حتى لا يبقى بين يديه
جزء من البيت فإنه لا تجوز حينئذ صلاته لأنه يكون حينئذ استدبر القبلة.
وإذا صلى جوف الكعبة، فلا فرق بين أن يصلى إلى بعض البنيان أو إلى
ناحية الباب، وسواء كان الباب مفتوحا أو لم يكن، وسواء كان للباب عتبة أو لم
يكن، فإن الصلاة جائزة في جميع هذه الأحوال، وسواء صلى منفردا أو جماعة
فإن الصلاة ماضية، ومتى انهدم البيت وصلى جوف عرصته كان جائزا إذا بقي
من البيت جزء يستقبله على ما قلناه فوق الكعبة سواء.
مرابض الغنم لا بأس بالصلاة فيها، ولا يصلى على الثلج، فإن لم يقدر على
الأرض فرش فوقه ما يسجد عليه، فإن لم يجد صلب بيده الثلج وسجد عليه مع
الضرورة. فإن كان في أرض وحل أو في حال خوض الماء صلى إيماء ولا
يسجد عليها.
ولا يصلى في بيوت النيران وليس ذلك بمحظور، والصلاة في الظواهر بين
الجواد ليس به بأس، ويجوز الصلاة في البيع والكنائس، ويكره في بيوت
المجوس، فإن فعل رش الموضع بالماء فإذا جف صلى فيه.
ولا يصلى وفي قبلته أو يمينه أو شماله صورة وتماثيل إلا أن يغطيها، فإن
372

كانت تحت رجله لم يكن به بأس.
ويكره أن يصلى وفي قبلته نار في مجمرة أو قنديل أو غيرهما، وكذلك
يكره أن يكون في قبلته سيف مشهر إلا عند الخوف من العدو.
ولا يصلى الرجل وإلى جنبه امرأة تصلي، سواء كانت مقتدية به أو لم تكن
كذلك، فإن فعلا بطلت صلاتهما، فإن صلت خلفه في صف بطلت صلاة من عن
يمينها وشمالها ومن يحاذيها من خلفها، ولا تبطل صلاة غيرهم، وإن صلت بجنب
الإمام بطلت صلاتها وصلاة الإمام، ولا تبطل صلاة المأمومين الذين هم وراء
الصف الأول، فإن كانت بين يديه أو عن يمينه أو عن شماله قاعدة لا تصلي أو من
خلفه - وإن كانت تصلي - لم يكن صلاة واحد منهما باطلة، فإن اجتمعا في
محمل صلى الرجل أولا أو المرأة ولا يصليان معا في حالة واحدة.
وتكره الصلاة في موضع بين حائط قبلته من بول أو قذر، وكذلك تكره
الصلاة في بيت فيه مجوسي، ولا تكره إذا كان فيه يهودي أو نصراني.
ويكره أن يكون بين يديه مصحف مفتوح أو شئ مكتوب لأنه يشغله عن
الصلاة.
ويستحب أن يكون جميع مكان المصلي طاهرا لا نجاسة فيه، غير أنه متى
كان موضع سجوده طاهرا وعلى الباقي نجاسة يابسة لا تتعدى إليه أجزأت
صلاته، سواء تحركت بحركته أو لم تتحرك بأن يكون النجاسة في أطرافه.
فصل: في ستر العورة:
ستر العورتين اللتين هما القبل والدبر واجب على الرجال، والفضل في
ستر ما بين السرة إلى الركبة وستر الركبتين مع ذلك، وأفضل من ذلك أن
يكون عليه ثوب ضيق أو إزار، فإن انكشف عورتاه في الصلاة وجب عليه
سترهما ولا تبطل صلاته، سواء كان ما انكشف عنه قليلا أو كثيرا بعضه أو كله.
فأما العريان، فإن قدر على ما يستر به عورته من خرق أو ورق أو طين يطلي
373

به وجب عليه أن يستره، فإن لم يقدر ووجد موضعا يستر فيه وجب عليه أيضا
ذلك ويصلي قائما، وإن لم يقدر على ذلك وكان في موضع لا يراه أحد صلى
قائما، وإن كان بحيث لا يأمن أن يطلع عليه غيره صلى من جلوس، فإن كانوا
جماعة صلوا صفا واحدا من جلوس، ويتقدمهم إمامهم بركبتيه.
وإن كان مع واحد منهم ثوب صلى بهم ذلك، وإن لم يكن أقرأهم صلى
منفردا، ويستحب له أن يعير ثوبه لغيره واحدا واحدا حتى يصلوا كلهم مع ستر
العورة، فإن لم يفعل لم يجب عليه ذلك.
فأما المرأة الحرة فإنه يجب عليها ستر رأسها وبدنها من قرنها إلى قدمها، ولا
يجب عليها ستر الوجه والكفين وظهور القدمين، وإن سترته كان أفضل، والفضل
لها في ثلاثة أثواب: مقنعة وقميص ودرع.
وأما الأمة فلا يجب عليها ستر رأسها، سواء كانت مطلقة أو مدبرة أو أم ولد،
مزوجة كانت أو غير مزوجة، فإن كانت مكاتبة مشروطا عليها فهي كالقن سواء،
وإن كانت مطلقة وقد أدت بعض مكاتبتها وانعتق بعضها أو كان بعضها حرا من
غير مكاتبة فعلت ما تفعله الحرة سواء.
فإن أعتقت المملوكة في حال الصلاة وقدرت على ثوب تغطي رأسها وجب
عليها أخذه وتغطية الرأس به، وإن لم يتم لها ذلك إلا بأن تمشي إليه خطي قليلة
من غير أن تستدبر القبلة كان مثل ذلك، وإن كان بالبعد منها وخافت فوات
الصلاة أو احتاجت إلى استدبار القبلة صلت كما هي وليس عليها شئ، ولا تبطل
صلاتها لأنه لا دليل على ذلك.
وأما ما عدا الرأس فإنه يجب عليها تغطيته من جميع جسدها لأن الأخبار
وردت بأن لا يجب عليها ستر الرأس، ولم ترد بجواز كشف ما عداه.
ولا بأس أن يصلي الإنسان في ثوب وإن لم يزر جيبه، فإن كان في الثوب
خرق ولا يواري العورة لا بأس، به، فإن حاذى العورة لم يجز.
وصفة الثوب أن يكون صفيقا لا يرى ما تحته، فإن ظهرت البشرة من تحته
374

لم يجز لأنه لا يستر العورة.
فإن لم يجد ثوبا يستر العورة ووجد جلدا طاهرا أو ورقا أو قرطاسا أو شيئا
يمكنه أن يستر عورته وجب عليه ذلك على ما بيناه، فإن وجد طينا وجب أن
يطين عورته به، فإن لم يجد ووجد نقبا دخل فيه وصلى فيه قائما، فإن لم يجد
صلى من قعود على ما فصلناه.
فإن وجد ما يستر بعض العورة وجب عليه ستر ما قدر عليه، فإن أعاره غيره
ثوبا أو وهبه له وجب عليه قبوله وستر عورته به لأنه صار متمكنا.
فإذا كانوا جماعة عراة مع واحد ثوب يعير واحدا بعد واحد وجب عليهم
قبوله ولا يصلوا عراة، فإن خافوا فوات الوقت صلوا عراة ولم ينتظروا الثوب،
وكذلك إن كانوا في سفينة ولم يكن لجميعهم موضع وكان لواحد انتظروا
حتى يصلى واحد واحد قائما في موضعه، فإن خافوا فوات الوقت صلوا من قعود.
وإن أرادوا أن يصلوا جماعة جلس إمامهم وسطهم ولا يتقدمهم إلا بركبتيه،
إلا أن يكون مستور العورة فيخرج حينئذ عنهم.
فإن كن نساء ورجالا صلى الرجال منفردين عن النساء لأنه لا يمكنهن
الوقوف معهم في الصف فتفسد صلاة الجميع، وإن وقفن خلفهم نظرن إلى
عورات الرجال، فإن كان بينهن وبينهم حائل جاز ذلك، وإلا صلى كل واحد
من الفريقين منفردا.
ولا بأس أن يصلي الرجل في قميص واحد وأزراره محلولة، واسع الجيب
كان أو ضيقة، دقيق الرقبة كان أو غليظه، كان تحته مئزر أو لم يكن، والأفضل
أن يكون تحته مئزر، ويزر القميص على نفسه، فأما شد الوسط فمكروه.
والصبية التي لم تبلغ فلا يجب عليها تغطية الرأس وحكمها حكم الأمة، فإن
بلغت في خلال الصلاة بالحيض بطلت صلاتها، وإن بلغت بغير ذلك فعليها ما
على الأمة إذا أعتقت سواء.
375

فصل: فيما يجوز السجود عليه، وما لا يجوز:
لا يجوز السجود إلا على الأرض أو ما أنبتته الأرض مما لا يؤكل ولا يلبس
بشرطين:
أحدهما: أن يكون له التصرف فيه إما بالملك أو الإذن.
والثاني: أن يكون خاليا من نجاسة، فأما الوقوف عليه فإنه يجوز وإن كان
عليه نجاسة إذا كانت يابسة لا تتعدى إليه، وإن كانت رطبة لم يجز، والتنزه عنه
أفضل.
وعلى هذه الجملة لا يجوز السجود على الكتان والقطن والصوف والشعر و
الوبر والجلود كلها، مذكاة كانت أو غير مذكاة، مدبوغة كانت أو غير مدبوغة،
مما يؤكل لحمه أو لا يؤكل لحمه، وكذلك حكم ما عمل من هذه الأجناس
لا يجوز السجود عليه، والثمار كلها والمطعومات لا يجوز السجود عليها.
وكذلك الكحل والزرنيخ والنورة وجميع المعادن من الذهب والفضة،
والصفر والنحاس والحديد وغير ذلك لا يجوز السجود عليها.
فأما القير والفقر فلا يجوز السجود عليهما مع الاختيار، فإن اضطر إلى ذلك
بأن يكون بحيث لا يقدر على غيره ولا معه ما يغطيه به جاز السجود عليه،
وكذلك إن كان في أرض رمضاء جاز أن يسجد على ثوب بقي به الحر وإن
كان قطنا أو كتانا.
ولا يجوز أن يسجد على ما هو بعض له مثل يده أو كفه أو ساعده أو غير
ذلك.
فأما ما ينبت من غير المأكولات والملبوسات فإنه يجوز السجود عليه من
سائر أنواع الحشيش، وكذلك إذا حصل في موضع قذر لا يقدر على مكان
طاهر جاز أن يسجد على القطن والكتان إذا لم يقدر على سواهما.
ويجوز السجود على الجص والآخر والحجر والخشب، ولا يجوز على
الزجاج، ولا على الرماد، ويجوز أن يترك كفا من حصا على البساط يسجد
376

عليه، ولا يسجد على الصهروج.
والسجادة إذا كانت معمولة بالخيوط جاز السجود عليها، وإن كانت معمولة
بالسيور وكانت ظاهرة تقع الجبهة عليها لم يجز، وكذلك حكم الحصر وما
يعمل من نبات الأرض.
ويكره السجود على القرطاس إذا كان مكتوبا لمن يحسن القراءة فإن كان
خاليا من الكتابة أو لا يحسن أن يقرأها أو كان الموضع مظلما زالت الكراهة.
والبواري والحصر وكلما عمل من نبات الأرض غير القطن والكتان إذا
أصابتها نجاسة مائعة مثل البول وما أشبهه وجففتها الشمس جاز السجود عليها،
فأما غير ذلك من الثياب فإنه لا يطهر بالشمس، وإن جففتها الريح في القئ لم
يجز السجود عليها.
وحكم الأرض إذا كانت عليها نجاسة مائعة حكم البواري والحصر سواء،
ومتى كانت النجاسة جامدة لا يطهرها غير الغسل بالماء.
ولا يجوز أن يسجد على ما هو لابس له، فإن خاف الرمضاء جاز أن يسجد
على كمه، فإن لم يكن معه ثوب سجد على كفه، وإذا حصل في ثلج ولم يكن
معه ما يسجد عليه جاز أن يسجد عليه إذا أمكن جبهته من السجود عليه.
فصل: في حكم الثوب والبدن والأرض إذا أصابته
نجاسة وكيفية تطهيره:
قد فصلنا في كتاب الطهارة النجاسة التي يجب إزالة قليلها وكثيرها، وما لا
يجب إزالة قليلها ولا كثيرها، وما يجب إزالة كثيرها دون قليلها، فلا وجه لإعادته.
فمتى صلى في ثوب نجس متعمدا أعاد الصلاة على كل حال، وإن صلى
ساهيا والوقت باق أعاد، وإن خرج الوقت وكان علم حصول النجاسة في ثوبه
فلم يزله أعاد، وإن لم يعلم أصلا إلا بعد أن صلى وقد خرج الوقت فلا إعادة
عليه. وحكم الظن في هذا الباب حكم العلم سواء.
377

فإذا علم في خلال الصلاة أن ثوبه نجس طرحه وصلى في غيره بقية الصلاة،
فإن لم يكن عليه غيره وبالقرب منه ثوب وأمكنه أخذه من غير أن يستدبر القبلة
أخذه وتمم صلاته، وإن لم يمكنه إلا بقطع الصلاة فالأحوط قطعها وأخذ الثوب،
أو غسل النجاسة واستئناف الصلاة، وإن لم يقدر على غيره أصلا صلى عريانا
إيماء.
ومن كان معه ثوبان أحدهما نجس واشتبها عليه صلى في كل واحد منهما
منفردا تلك الصلاة، وفي أصحابنا من قال ينزعهما ويصلى عريانا.
فإن كانت ثيابا كثيرة واحد منها نجس، صلى في ثوبين منها، في كل واحد
منهما تلك الصلاة لأن فيهما طاهرا بيقين.
وإن كانت ثيابا كثيرة واحد منها طاهر والباقي نجس وأمكنه الصلاة في
كل واحد منها فعل ذلك، وإن خاف الفوات أو شق عليه ذلك تركها وصلى
عريانا، وإذا كان معه ثوب واحد وأصابته نجاسة نزعه وصلى عريانا فإن لم يمكنه
خوفا من البرد أو غيره صلى فيه ثم يعيدها في ثوب طاهر. إذا أصاب ثوبه نجاسة
لا يعرف موضعها وجب عليه غسله كله، فإن علم النجاسة في إحدى الكمين
وجب عليه غسلهما، فإن لم يكن معه ماء يغسله به صلى عريانا إن أمكنه وإلا صلى
فيه ثم أعاد الصلاة. فإن نجس أحد كميه ثم قطع أحدهما لم يجز له التجري،
وكذلك إن كان أصاب موضعا من الثوب ثم قطعه بنصفين لا يجوز التجري ويصلي
عريانا أو يقطعه ويصلي في كل واحد على الانفراد.
وإذا أصاب الأرض نجاسة ولم يعرف موضعها، فإن كان الموضع
محصورا تجنبه وصلى في غيره مثل بيت ودار وما أشبه ذلك، وإن كان فضاء من
الأرض صلى كيف شاء لأن هذا يشق، والأصل الطهارة. هذا إذا لم يكن معه ما
يسجد عليه، فأما إن كان معه ما يسجد عليه سجد عليه.
دم الحيض يجب غسله ويستحب حته وقرصه، وليسا بواجبين فإن اقتصر
على الغسل أجزأه، فإن بقي له أثر استحب صبغه بالمشق أو بما يغير لونه.
378

يجوز الصلاة في ثوب الحائض ما لم يعلم فيه نجاسة، وكذلك في ثوب
الجنب، فإن عرق فيه وكانت الجنابة من حرام روى أصحابنا أنه لا تجوز الصلاة
فيه، وإن كان من حلال لم يكن به بأس، ويقوى في النفس أن ذلك تغليظا في
الكراهية دون فساد الصلاة لو صلى فيه.
والمني لا يجوز الصلاة في قليله وكثيره، ولا يزيله غير الغسل بالماء.
والمذي والوذي طاهران.
ولا يجوز الصلاة في ثياب الكفار التي باشروها بأجسامهم الرطبة أو كانت
الثياب رطبة، سواء كانوا متدينين بذلك أو لم يكونوا كذلك، ولا بأس بثياب
الصبيان ما لم يعلم فيها نجاسة.
والنجاسة إذا كانت يابسة لا ينجس بها الثوب. العلقة نجسة وكذلك المني
من سائر الحيوان.
إذا جبر عظم بعظم ميت لا يجب قلعه لأن العظم لا ينجس بالموت، فإن كان
من حيوان نجس العين - كالكلب والخنزير - ففيه ثلاث مسائل:
أحدها: أنه يمكنه قلعه من غير مشقة فإنه يجب قلعه بلا خلاف.
الثانية: يمكنه قلعه بمشقة بأن يكون قد نبت عليه اللحم، ولا يخاف على النفس
من قلعه، فإنه لا يجب قلعه لقوله تعالى: وما جعل عليكم في الدين من حرج.
الثالثة: أن يخاف على النفس من قلعه فلا يجب أيضا قلعه للآية. والذي يجب
عليه قلعه من غير مشقة متى لم يقلعه وصلى بطلت صلاته لأنه حامل للنجاسة
وعلى السلطان إجباره على ذلك، فإن مات ولم يقلع فلا يجوز قلعه.
إذا اضطربت سن الإنسان وتحركت ولم تندر قيل: كان له أن يربطها
بشئ طاهر كالفضة والذهب والحديد ونحو ذلك لأن جميعه طاهر.
ويكره أن يصل شعره بشعر غيره، رجلا كان أو امرأة، فإن فعلت المرأة
لزوجها ذلك لم يكن عليها شئ والأفضل تركه، والماشطة لا ينبغي أن تفعل
ذلك، فإن فعلت ووصلت شعرها بشعر غير الآدمي مما هو طاهر كان جائزا.
379

إذا بال الإنسان على الأرض فتطهيره أن يطرح عليه ذنوب من ماء، ويحكم
بطهارة الأرض وطهارة الموضع الذي ينتقل إليه ذلك الماء، فإن بال اثنان
وجب أن يطرح مثل ذلك، وعلى هذا أبدا لأن النبي صلى الله عليه وآله أمر
بذنوب من ماء على بول الأعرابي.
الماء الذي تزال به النجاسة نجس لأنه ماء قليل خالطه نجاسة، وفي الناس
من قال: ليس بنجس إذا لم يغلب على أحد أوصافه بدلالة أن ما يبقى في الثوب
جزء منه وهو طاهر بالإجماع فما انفصل عنه فهو مثله، وهذا أقوى، والأول
أحوط، والوجه فيه أن يقال: إن ذلك عفي عنه للمشقة.
إذا بال في موضع فإنه يزول نجاسته بستة أشياء:
أحدها: أن يكاثر عليها الماء حتى يستهلكه فلا يرى له لون ظاهر ولا رائحة.
الثاني: أن يمر عليه سيل أو ماء جاري فإنه يطهر.
الثالث: أن يحفر الموضع في حال رطوبة البول فينقل جميع الأجزاء الرطبة
فيحكم بطهارة ما عداه.
الرابع: أن يحفر الموضع وينقل ترابه حتى يغلب على الظن أنه نقل جميع
الأجزاء التي أصابها النجاسة.
الخامس: أن يجئ عليها مطر أو يجئ عليها سيل فيقف فيه بمقدار ما يكاثره
من الماء.
السادس: أن يجف الموضع بالشمس فإنه يحكم بطهارته، فإن جف بغير
الشمس لم يطهر.
وحكم الخمر حكم البول إذا أصاب الأرض إلا إذا جففتها الشمس فإنه لا
يحكم بطهارته، وحمله على البول قياس لا يجوز استعماله، وإذا أصاب الخمر
الأرض فطريق تطهيرها ما قدمناه، ولا يحكم مع بقاء أحد أوصافها لونها أو
رائحتها لأن بقاء أحد الأمرين يدل على بقاء العين إلا أن يظن أن رائحته بالمجاورة
فحينئذ يحكم بطهارته، وبول المرطوب والمحرور حكمه حكم واحد، وإذا
380

أصاب الأرض بول وجففتها الشمس جاز التيمم فيها.
وقد قدمنا كراهية الصلاة إلى شئ من القبور وفصلناه، فأما إذا نبش قبر
وأخرج ترابه وقد صار الميت رميما واختلط بالتراب فلا يجوز السجود على ذلك
التراب لأنه نجس، فإن لم يعلم أن هناك ميتا اختلط بالتراب جاز، والأولى تجنبه
احتياطا وإلا فالأصل الطهارة، فإن كان القبر طريا وعلم أنه لم ينبش فلا تبطل
الصلاة عليها والسجود وإن كان مكروها، فأما إذا كانت مقبرة مجهولة فلا يدرى
هي منبوشة أم لا فالصلاة تجزئ وإن كان الأولى تجنبها.
والنجاسة على ضربين: مائع وجامد. فالمائع قد بينا كيفية تطهيرها من
الأرض، والجامد لا يخلو من أحد أمرين: إما أن يكون عينا قائمة متميزة عن التراب
أو مستهلكة فيه.
فإن كانت عينا قائمة كالعذرة والدم وغيرهما وجلد الميتة ولحمه نظرت،
فإن كانت نجاسة يابسة فإذا أزالها عن المكان كان مكانها طاهرا، وإن كانت
رطبة فإذا أزالتها وبقيت رطوبتها في المكان فتلك الرطوبة بمنزلة البول، وقد
مضى حكمه.
وإن كانت العين مستهلكة فيها كجلود الموتى ولحومهم والعذرة ونحو
ذلك فهذا المكان لا يطهر بصب الماء عليه، وإنما يجوز السجود عليه بأحد
أمرين: قلع التراب حتى يتحقق أنه لم يبق من النجاسة شئ بحال، والثاني: ان
يطين المكان بطين طاهر فيكون حائلا دون النجاسة فيجوز السجود على الحائل،
فإن ضرب لبنا لا يجوز السجود عليه، فإن حمله المصلي معه لم تجز صلاته لأنه
حامل لنجاسة، فإن طبخ آجرا طهرته النار وكذلك الجص، ويكره أن يبني
المسجد بذلك اللبن ومواضع القرب، فإن فعل تجنب السجود عليه وجاز أن
يبني به الحيطان.
إذا أصابت الأرض نجاسة وتعين الموضع لم يسجد عليه، وإن لم يتعين
الموضع وتعينت الناحية التي فيها النجاسة تجنبها، وإن لم يتعين له أصلا صلى
381

كيف شاء لأن معرفة ذلك لا طريق إليه ويشق لأنه ربما لم يتعين له جميع ذلك
أصلا فيؤدى إلى أن لا يصلى على الأرض أصلا.
إذا كانت العمامة على أحد طرفيها نجاسة والطرف الآخر طاهر، فترك
الطاهر على رأسه والطرف الآخر على الأرض أو على سرير هو واقف عليه
فتحرك بحركته أو لم يتحرك صحت صلاته لأنه ليس بحامل لنجاسة ولا
بلابس لثوب نجس.
ومتى شد حبلا في كلب أو في سفينة فيها نجاسة - إما في موضع النجاسة أو
في موضع طاهر - والطرف الآخر معه سواء كان واقفا عليه أو في يده أو
مشدودا به فإنه لا تبطل صلاته لأنه لا دليل عليه.
من حمل حيوانا طاهرا مثل الطيور وغيرها أو مثل حمل صغير أو صبيا
صغيرا لم تبطل صلاته، فإن حمل ما هو نجس مثل الكلب والخنزير والأرنب
والثعلب بطلت صلاته.
وإن حمل قارورة فيها نجاسة مشدودة الرأس بالرصاص فجعلها في كمه أو
في جيبه بطلت صلاته لأنه حامل لنجاسة، وفي الناس من قال: لا تبطل، قياسا
على حمل حيوان في جوفه نجاسة، والأول أصح.
التختم بالذهب حرام على الرجال، وكذا لبس الحرير، ومباح ذلك
للنساء، ولبس الثياب المفدمة بلون من الألوان والتختم بالحديد مكروه في
الصلاة.
ولا يجوز للمشرك دخول شئ من المساجد لا بإذن ولا بغير إذن،
ولا يحل لمسلم أن يأذن له في ذلك لأن المشرك نجس والمساجد تنزه من
النجاسات.
فصل: في ذكر الأذان والإقامة وأحكامها:
الأذان والإقامة سنتان مؤكدتان في الخمس صلوات المفروضات في اليوم
382

والليلة للمنفرد، وأشدهما تأكيدا الإقامة، وهما واجبتان في صلاة الجماعة، ومتى
صلى جماعة بغير أذان وإقامة لم يحصل فيه فضيلة الجماعة والصلاة ماضية.
وآكد الصلوات بأن يفعلا فيها ما يجهر فيها بالقراءة، وآكد من ذلك
المغرب والغداة لأنهما لا يقصران في سفر ولا حضر.
ولا يجوز الأذان والإقامة لشئ من النوافل، فأما قضاء الفرائض فيستحب
فيه الأذان والإقامة كما يستحب في الأداء، ويجب في الموضع الذي يجب وهو
إذا صلوا جماعة قضاء.
ومتى دخل المنفرد في الصلاة من غير أذان وإقامة استحب له الرجوع ما لم
يركع، ويؤذن ويقيم ويستقبل الصلاة، فإن ركع مضى في صلاته. والأذان
مأخوذ من الوحي النازل على النبي صلى الله عليه وآله دون الرؤيا والمنام.
والترجيع غير مسنون في الأذان وهو تكرار التكبير والشهادتين في أول
الأذان، فإن أراد تنبيه غيره جاز تكرار الشهادتين.
والتثويب مكروه في الأذان وهو قول: الصلاة خير من النوم، في صلاة
الغداة والعشاء الآخرة، وما عدا هاتين الصلاتين فلا خلاف أنه لا تثويب فيها يعتد
به.
ويشتملان على الواجب والمسنون، فالواجب فيهما الترتيب لأنه لا يجوز
تقديم بعض الفصول على بعض.
والمسنون عشرة أشياء: أن يكون على طهارة، وأشدها تأكيدا في الإقامة،
وأن يكون مستقبل القبلة، ولا يتكلم في خلالهما، ويكون قائما مع الاختيار، ولا
يكون ماشيا ولا راكبا، ويرتل الأذان ويحدر الإقامة، ولا يعرب أواخر الفصول،
ويفصل بينهما بجلسة أو سجدة أو خطوة أو ركعتي نافلة إلا في المغرب فإنه لا
نافلة قبل الفريضة لضيق الوقت، وأشدها تأكيدا في الإقامة.
ومن شرط صحتهما دخول الوقت، وقد روي جواز تقديم الأذان لصلاة
الغداة تنبيها للنائم ولا بد من إعادته بعد دخول الوقت.
383

ولا فرق بين أن يكون الأذان في المنارة أو على الأرض، والمنارة لا يجوز أن
تعلى على حائط المسجد. ويكره الأذان في الصومعة. وإن وضع إصبعيه في أذنيه
في حال الأذان كان جائزا، وإن لم يفعل لم يكن به بأس، ويستحب رفع
الصوت بالأذان من غير أن يبلغ ما يقطع صوته.
وإن تكلم في خلال الأذان جاز له البناء، وإن كان في الإقامة استحب له
الاستقبال إذا كان الكلام لا يتعلق بالصلاة، فأما إذا تعلق بها جاز البناء عليه.
السكوت الطويل بين فصول الأذان يبطل حكمه، ويستحب معه الاستقبال،
والقليل لا يوجب ذلك. أواخر الفصول موقوفة غير معربة، فإن أعرب لم يبطل
حكمه.
من نام في خلالهما أو أغمي عليه ثم انتبه أو أفاق استحب له استئنافه، وإن لم
يفعل فلا شئ عليه لأنه ليس من شرطها الطهارة، فأما الإقامة فأشدهما تأكيدا في
الاستئناف.
فإذا أذن في بعض الأذان ثم ارتد ثم رجع إلى الإسلام استأنف الأذان، وإن
أذن بعض الأذان وأغمي عليه وتمم غيره أو أذن إنسان آخر ثم أفاق الأول جاز له
البناء عليه، وإن استأنفه كان أفضل، وإن تمم الأذان، ثم ارتد جاز لغيره أن يقيم
ويعتد بذلك الأذان لأنه وقع صحيحا في الأول، وحكم بصحته، ولا يبطل إلا
بدليل.
وإن فاتته صلوات كثيرة أذن لكل واحد منها ويقيم إذا أراد القضاء، وإن
أذن للأولى وأقام واقتصر على الإقامة في باقي الصلوات كان أيضا جائزا.
ومن جمع بين صلاتين أذن وأقام للأولى منهما ويقيم للأخرى بلا أذان
سواء جمع بينهما في وقت الأولى أو الثانية.
ولا أذان ولا إقامة إلا للصلوات الخمس المفروضات، ولا يؤذن ولا يقام
لغيرها كصلاة الكسوف والاستسقاء والعيدين وغير ذلك، ويكفي أن يقال:
الصلاة الصلاة.
384

وليس على النساء أذان ولا إقامة، فإن فعلن كان لهن فيه الثواب غير أنهن لا
يرفعن أصواتهن بحيث يسمعن الرجال، وإن أذنت المرأة للرجال جاز لهم أن
يعتدوا به ويقيموا لأنه لا مانع منه.
ويستحب للإنسان أن يقول مع نفسه مثل ما يسمع من فصول الأذان،
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: يقول إذا قال حي على الصلاة:
لا حول ولا قوة إلا بالله، إلا أن يكون في حال الصلاة فإنه لا يقول ذلك.
ولا فرق بين أن يكون فريضة أو نافلة إلا أنه متى قاله في الصلاة لم تبطل
صلاته، فأما إذا لم يقل ذلك وفرع من الصلاة كان مخيرا إن شاء قاله وإن شاء
لم يقله، ليس لأحدهما مزية على الآخر إلا من حيث كان تسبيحا أو تكبيرا لا من
حيث كان أذانا.
هذا في جميع فصول الأذان إلا في قوله: حي على الصلاة، فإنه متى قال
ذلك مع العلم بأنه لا يجوز فإنه يفسد الصلاة لأنه ليس بتحميد ولا تكبير بل هو
كلام الآدميين المحض، فإن قال بدلا من ذلك: لا حول ولا قوة إلا بالله لم تبطل
صلاته.
وكل من كان خارج الصلاة وسمع المؤذن فينبغي أن يقطع كلامه إن
كان متكلما، وإن كان يقرأ القرآن فالأفضل له أن يقطع القرآن ويقول كما يقول
المؤذن لأن الخبر على عمومه.
وروي أنه إذا سمع المؤذن يؤذن بقول: أشهد أن لا إله إلا الله أن يقول: وأنا
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، رضيت بالله
ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا، وبالأئمة الطاهرين أئمة، ويصلي على النبي وآله
ثم يقول: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة
وابعثه المقام المحمود الذي وعدته وارزقني شفاعته يوم القيامة، ويقول عند أذان
المغرب: اللهم هذا إقبال ليلك وإدبار نهارك وأصوات دعائك فاغفر لي.
ويستحب أن يكون المؤذن عدلا أمينا عارفا بالمواقيت مضطلعا بها، وأن
385

يكون صيتا ليكثر الانتفاع بصوته، وأن يكون حسن الصوت مرتلا مبينا للحروف
مفصحا بها، ويرتل الأذان ويحدر الإقامة مع بيان ألفاظها، فإن أدرج الأذان
أو رتل الإقامة كان مجزئا.
ويكره أن يلتوي ببدنه كله عن القبلة في حال الأذان، ولا يبطل ذلك
الأذان، فأما الإقامة فلا بد فيها من استقبال القبلة. وإن أذن الصبي غير البالغ كان
جائزا. ويكره أن يكون المؤذن أعمى لأنه لا يبصر الوقت، فإن كان معه من يسدده
ويعرفه من البصراء كان ذلك جائزا، ولا يلزم أن يكون المؤذن من قوم بأعيانهم،
ولا من نسب مخصوص بل كل من قام به كان سائغا له.
وإذا تشاح الناس في الأذان أقرع بينهم لقول النبي صلى الله عليه وآله: لو
يعلم الناس ما في الأذان والصف الأول ثم لم تجدوا إلا أن يستهموا عليه لفعلوا،
فدل على جواز الاستفهام فيه.
ويجوز أن يكون المؤذن اثنين اثنين إذا أذنوا في موضع واحد فإنه أذان
واحد، فأما إذا أذن واحد بعد الآخر فليس ذلك بمسنون ولا مستحب، ولا بأس
أن يؤذن جماعة كل واحد منهم في زاوية من المسجد لأنه لا مانع منه.
إذا وجد من يتطوع بالأذان فلا يجوز أن يقدم غيره ويعطي شيئا من بيت
المال، فإن لم يوجد من يتطوع به كان للإمام أن يعطيه شيئا من بيت المال بعينه
على حاله من سهم المصالح، ولا يكون من الصدقات ولا من الأخماس لأن لذلك
أقواما مخصوصين، وإن أعطى الإمام من مال نفسه ذلك مع وجود من يتطوع به
كان له ذلك.
والأذان فيه فضل كبير وثواب جزيل وكذلك الإقامة، فإن جمع بينهما
كان أفضل، فإن أضاف إليهما أو إلى واحد منهما الإمامة كان أفضل، وأما الإمامة
بانفرادها أفضل من الأذان والإقامة بانفرادهما لأن النبي صلى الله عليه وآله كان
يؤم الناس ولا يؤذن ولا يقيم بل يقوم بهما غيره، ولا يجوز أن يترك الأفضل
لغيره.
386

ويستحب أن يكون المؤذن على موضع مرتفع. أذان المسافر مثل أذان
الحاضر.
إذا أذن في مسجد دفعة لصلاة بعينها كان ذلك كافيا لكل من يصلي تلك
الصلاة في ذلك المسجد، ويجوز له أن يؤذن ويقيم فيما بينه وبين نفسه، فإن لم
يفعل فلا شئ عليه.
ومن أذن وأقام ليصلي وحده وجاء قوم أرادوا أن يصلوا جماعة أعادهما فلا
يكتفي بما تقدم.
وإذا دخل قوم المسجد وقد صلى الإمام جماعة وأرادوا أن يجمعوا فليس
عليهم أذان ولا إقامة، يتقدم أحدهم يجمع بهم إذا لم ينفض الجمع، فإن انفضوا
أذنوا وأقاموا.
ومن أحدث في حال الأذان أعاد الوضوء وبنى عليه، وإن كان في الإقامة
استقبلها، وإن أحدث في الصلاة استأنفها إذا توضأ، وليس عليه إعادة الإقامة إلا أن
يتكلم فإن تكلم أعاد الإقامة.
ومن صلى خلف من لا يقتدى به أذن لنفسه وأقام، وليس عليه ذلك إذا
صلى خلف من يقتدى به، وإذا دخلت المسجد وكان الإمام ممن لا يقتدى به
وخشيت إن اشتغلت بالأذان والإقامة فاتتك الصلاة جاز الاقتصار على
التكبيرتين، وعلى قول: قد قامت الصلاة، وروي أنه يقول: حي على خير العمل،
دفعتين لأنه لم يقل ذلك.
وإذا قال المقيم: قد قامت الصلاة، فقد حرم الكلام على الحاضرين إلا ما
يتعلق بالصلاة من تقديم إمام أو تسوية صف. ويستحب رفع الصوت بالأذان في
المنزل فإنه ينفي العلل والأسقام على ما روي عنهم عليه السلام.
والأذان والإقامة خمسة وثلاثون فصلا: ثمانية عشر فصلا الأذان، وسبعة
عشر فصلا الإقامة.
ففصول الأذان: أربع تكبيرات في أوله، والإقرار بالتوحيد مرتين، والإقرار
387

بالنبي مرتين، والدعاء إلى الصلاة دفعتين وإلى الفلاح مرتين، والدعاء إلى خير
العمل مرتين، وتكبيرتان، والتهليل دفعتين.
وفصول الإقامة مثل ذلك، ويسقط في أوله التكبير دفعتين، ويزيد بدله قد
قامت الصلاة مرتين، ويسقط التهليل مرة واحدة، ومن أصحابنا من جعل فصول
الإقامة مثل فصول الأذان وزاد فيها قد قامت الصلاة مرتين، ومنهم من جعل في
آخرهما التكبير أربع مرات.
فأما قول: أشهد أن عليا أمير المؤمنين، وآل محمد خير البرية، على ما ورد في
شواذ الأخبار فليس بمعمول عليه في الأذان، ولو فعله الإنسان لم يأثم به غير أنه
ليس من فضيلة الأذان ولا كمال فصوله.
فصل: فيما يقارن حال الصلاة:
ما يقارن حال الصلاة على ثلاثة أقسام: أفعال، وكيفياتها، وتروك، وكل
واحد منها على ضربين: مفروض ومسنون.
فالمفروض من الأفعال في أول ركعة ثلاثة عشر فعلا: القيام مع القدرة أو
ما يقوم مقامه مع العجز، والنية، وتكبيرة الإحرام، والقراءة، والركوع،
والتسبيح فيه، ورفع الرأس منه، والسجود الأول والتسبيح فيه، ورفع الرأس
منه، والسجود الثاني والذكر فيه، ورفع الرأس منه. وفي الركعة الثانية أحد عشر
فعلا، لأنه تسقط تكبيرة الإحرام وتجديد النية، ويزيد عليه بخمسة أشياء: الجلوس
في التشهد، والشهادتان، والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله والصلاة على آله،
يصير الجميع في الركعتين تسعة وعشرين فعلا، فإن كانت صلاة الفجر أضاف
إلى ذلك التسليم فيصير ثلاثين، وفي أصحابنا من قال: إنه سنة، وإن كانت
المغرب زاد في الثالثة مثل ما زاد في الثانية وجعل التسليم في آخرها، وإن كانت
رباعية أضاف إلى الركعتين مثلها وجعل التسليم في آخرها.
وتنقسم هذه الأفعال قسمين: أحدهما: تسمى ركنا، والآخر ليس بركن،
388

فالأركان ما إذا تركه عامدا أو ناسيا بطلت صلاته إذا ذكرها، وهي خمسة أشياء:
القيام مع القدرة، والنية، وتكبيرة الإحرام، والركوع والسجود، وما ليس بركن
هو ما إذا تركه عامدا بطلت صلاته وإن تركه ناسيا لم تبطل، وله حكم، وهو
ما عدا الأركان من الأفعال الواجبات.
ونحن نذكر قسما قسما من ذلك، ونذكر ما فيه ونذكر كيفياته، ونورد في
خلال ذلك الأفعال المسنونة وكيفياتها، ونذكر بعد ذلك التروك إن شاء الله
تعالى.
فصل: في ذكر القيام وبيان أحكامه:
القيام شرط في صحة الصلاة وركن من أركانها مع القدرة، فمن صلى قاعدا
مع قدرته على القيام فلا صلاة له، متعمدا كان أو ناسيا، فإن لم يمكنه وأمكنه أن
يتكئ على الحائط أو عكاز وجب عليه ذلك، وليس لما يبيح له الجلوس حد
محدود بل الإنسان على نفسه بصيرة، وقد قيل: إنه إذا لم يقدر على الوقوف
بمقدار زمان صلاته جاز له أن يصلي جالسا.
وقد روى أصحابنا أنه إذا لم يقدر على القيام في جميع الصلاة قرأ جالسا
فإذا أراد الركوع نهض وركع عن قيام، ومن لا يقدر على القيام وقدر على أن
يصلي جالسا صلى من قعود، ويستحب أن يكون متربعا في حال القراءة،
ومتوركا في حال التشهد، فإذا لم يقدر على الجلوس صلى مضطجعا، فإن لم يقدر
عليه صلى مستلقيا مومئا، وإن صلى مومئا ثم قدر في خلال الصلاة على
الاضطجاع صلى كذلك وبنى على صلاته، وإن صلى مضطجعا وقدر على
الجلوس جلس ويبني على ما صلى، وإن صلى جالسا ثم قدر على القيام قام وبنى
على صلاته.
وبالعكس من ذلك إذا صلى قائما فعجز جلس، أو صلى جالسا فضعف
صلى مضطجعا، أو صلى مضطجعا فزاد مرضه صلى مستلقيا، وبنى على صلاته.
389

ومتى كان في إحدى هذه الحالات لم يقدر على السجود جاز أن يرفع شيئا
من الأرض إليه ويسجد عليه من سجادة أو غيرها، وإن لم يقدر أن يتوضأ بنفسه
وضاه غيره، ونوى هو رفع الحدث بذلك.
وينبغي أن يكون نظره في حال قيامه إلى موضع سجوده، وفي حال ركوعه
إلى ما بين رجليه، وفي حال سجوده، إلى طرف أنفه، وفي حال تشهده إلى حجره،
وينبغي أن يفرق بين قدميه في حال قيامه مقدار أربع أصابع إلى شبر، ويضع
يديه على فخذيه محاذيا عيني ركبتيه.
فصل: في ذكر النية وبيان أحكامها:
النية واجبة في الصلاة، ولا بد فيها من نية التعيين، ومن صلى بلا نية أصلا
فلا صلاة له، والنية تكون بالقلب ولا اعتبار بها باللسان بل لا يحتاج إلى تكلفها
لفظا أصلا.
وكيفيتها أن ينوي صلاة الظهر مثلا فريضة على جهة الأداء لا على جهة
القضاء، لأنه لو نواها فريضة فقط لم يتخصص بظهر دون غيرها، وإن نواها ظهرا
فقط انتقض بمن صلى الظهر ثم أعادها في صلاة الجماعة، فإن الثانية ظهر وهو
مستحب غير واجب. ولا بد من نية الأداء لأنه لو كان عليه قضاء ظهر آخر لم
يتخصص هذه الصلاة بظهر الوقت دون الظهر الفائت، فلا بد من جميع ما قلناه.
ووقت النية هو أن يقارن أول جزء من حال الصلاة، وأما ما يتقدمها فلا
اعتبار بها لأنها تكون عزما، ومن كان عليه الظهر والعصر فنوى بالصلاة أداءهما
لم يجز عن واحدة منهما لأنهما لا يتداخلان، ولم ينو منهما واحدة بعينها.
من فاتته صلاة لا يدري أيها هي صلى أربعا وثلاثا واثنتين، وينوي بالأربع
إما ظهرا أو عصرا أو العشاء الآخرة، وينوي بالثلاث المغرب، وبالثنتين صلاة
الصبح.
من دخل في صلاة حاضرة ثم نقل نيته إلى غيرها فائتة كان ذلك صحيحا
390

ما لم يتضيق وقت الحاضرة، فإن تضيق لم يصح ذلك وبطلت الصلاتان معا،
وكذلك إن دخل في الفريضة ثم نقلها إلى النفل أو دخل في النافلة ثم جعلها
فريضة لم يصح ذلك ولم يجزئه عن واحدة منهما. واستدامة حكم النية واجبة،
واستدامتها معناه أن لا ينقض نيته ولا يعزم على الخروج من الصلاة قبل إتمامها
ولا على فعل ينافي الصلاة، فمتى فعل العزم على ما ينافي الصلاة من حدث أو
كلام أو فعل خارج عنها ولم يفعل شيئا من ذلك فقد أثم ولم تبطل صلاته لأنه
لا دليل على ذلك، وإن نوى بالقيام أو القراءة أو الركوع أو السجود غير الصلاة
بطلت صلاته لقوله عليه السلام: الأعمال بالنيات، وهذا عمل بغير نية أو بنية
لا تطابقها.
فصل: في تكبيرة الافتتاح وبيان أحكامها:
تكبيرة الإحرام من الصلاة، وهي ركن من أركانها لا تنعقد الصلاة إلا بها،
فمن تركها عامدا فلا صلاة له، وإن تركها ناسيا ثم ذكر استأنف الصلاة بها، وإن
لم يذكرها أصلا مضى في صلاته إذا كان قد انتقل إلى حالة أخرى.
ولا تنعقد الصلاة إلا بقول: الله أكبر، ولا ينعقد بغيرها من الألفاظ وإن
كانت في معناها، ولا بها إذا دخلها الألف واللام، ومن اقتصر على بعضها لم
تنعقد صلاته مثل أن يقول: الله أكب.
ومن يحسن ذلك ويتمكن أن يتلفظ بالعربية فتكلم بغيرها لم تنعقد صلاته،
فإن لم يتمكن من ذلك ولا يحسنه ولا يتأتى له جاز أن يقول بلسانه ما في معناه،
ولا يجوز أن يمد لفظ الله ولا يمطط أكبر فيقول: أكبار، لأن أكبار جمع كبر وهو
الطبل.
وينبغي للإمام أن يسمع المأمومين تكبيرة الافتتاح ليقتدوا به فيها، ومن
لحق الإمام وقد ركع وجب عليه أن يكبر تكبيرة الافتتاح ثم يكبر تكبيرة
الركوع، فإن خاف الفوات اقتصر على تكبيرة الإحرام وأجزأته عنهما، وإن نوى
391

بها تكبيرة الركوع لم تصح صلاته لأنه لم يكبر للإحرام.
وأما صلاة النافلة فلا يتعذر فيها لأن عندنا صلاة النافلة لا تصلي جماعة إلا أن
يفرض في صلاة الاستسقاء، فإن فرض فيها كان حكمها حكم الفريضة سواء في
وجوب الإتيان بها مع الاختيار، وفي جواز الاقتصار على تكبيرة الإحرام عند
التعذر.
والترتيب واجب في تكبيرة الإحرام يبدأ أولا بالله، ثم يقول: أكبر، فإن
عكس لم تنعقد صلاته، ومن يحسن العربية لا يجوز أن يكبر تكبيرة الإحرام ولا
يسبح ولا يقرأ القرآن ولا غير ذلك من الأذكار إلا بها، فإن لم يحسن ذلك جاز
له أن يقول كما يحسنه إلا أنه يجب عليه أن يتعلم حتى يؤدي صلاته به، فإن أمكنه
أن يتعلم ولم يتعلم لم تصح صلاته وكان عليه قضاؤها بعد التعلم، وإن لم يتأت
له ذلك كانت صلاته ماضية. هذا إذا كان الوقت ضيقا يخاف فوت الصلاة
بالاشتغال بالتعلم، فأما إذا لم يكن الوقت ضيقا وجب الاشتغال بتعلم ذلك
المقدار.
ومن كان في لسانه آفة من تمتمة أو غنة أو لثغة جاز له أن يقول كما يأتي
ويقدر عليه ولا يجب عليه غير ذلك، وكذلك إذا كان أخرس، فإن لم ينطلق
لسانه أصلا كان تكبيره إشارته بأصابعه وإيماؤه، وكذلك تشهده، وقراءة
القرآن لا تدخل في الصلاة إلا بإكمال التكبير. وينبغي إذا فرع المؤذن من الإقامة
أن يقوم الإمام والمأمومون، وليس بمسنون أن يلتفت يمينا وشمالا، ولا أن يقول:
استووا رحمكم الله.
وينبغي أن تكون تكبيرة المأموم بعد تكبيرة الإمام وفراغه منه، فإن كبر معه
كان جائزا غير أن الأفضل ما قدمناه، فإن كبر قبله لم يصح ووجب عليه أن
يقطعها بتسليمة ويستأنف بعده أو معه تكبيرة الإحرام، وكذلك إن كان قد صلى
شيئا من الصلاة وأراد بأن يدخل في صلاة الإمام قطعها واستأنف معه.
رفع اليدين في الصلاة مع كل تكبيرة مستحب، وأشدها تأكيدا تكبيرة
392

الإحرام وهو أن يرفع يديه إلى شحمتي أذنيه، فإن كان بهما علة رفعهما ما
استطاع، ولا يضع يمينه على شماله على حال إلا في حال التقية، فإن استعمل
التقية وضعهما كيف شاء سواء كان فوق السرة أو تحتها، وينبغي أن تكون
أصابعه مضمومة في حال رفع اليدين، فإن كانت إحدى يديه عليلة لم يقدر على
رفعها رفع الأخرى إلى حيث يتمكن.
ويرفع يديه في كل صلاة نافلة كانت أو فريضة، وفي كل تكبيرة للعيدين
وصلاة الاستسقاء، ولا فرق بين الإمام والمأموم والمنفرد في ذلك، فإن ترك
رفع اليدين في جميع هذه المواضع لم تبطل صلاته إلا أنه يكون تاركا فضلا.
ويستحب التوجه بسبع تكبيرات في أول كل فريضة، وأول ركعة من
نوافل الزوال، وأول ركعة من نوافل المغرب، وفي أول ركعة من الوتيرة، وأول
ركعة من صلاة الليل، وفي المفردة من الوتر، وفي أول ركعة من ركعتي الإحرام
بينهن ثلاثة أدعية يكبر ثلاث تكبيرات ويقول. اللهم أنت الملك الحق لا إله إلا
أنت عملت سوء، وظلمت نفسي، واعترفت بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا
أنت، ويكبر تكبيرتين ويقول: لبيك وسعديك، والخير في يديك، والشر ليس
إليك، والمهدي من هديت، عبدك وابن عبديك منك وبك ولك وإليك، لا
ملجأ ولا منجا ولا مفر ولا مهرب منك إلا إليك، سبحانك وحنانيك تباركت
وتعاليت، سبحانك ربنا ورب البيت الحرام، ويكبر تكبيرتين ويقول: وجهت
وجهي للذي فطر السماوات والأرض... إلى آخره، فإن اقتصر على وجهت وجهي
كان جائزا.
وإن فرق بين هذه التكبيرات من غير فصل بدعاء وقرأ بعدها كان أيضا
جائزا، وواحدة من هذه التكبيرات السبع تكبيرة الإحرام والباقي فضل وليس
بفرض، وتكبيرة الإحرام هي التي ينوي بها الدخول في الصلاة سواء قصد بالأولة
أو بالأخيرة أو بالوسطى أو غيرها، فإن نوى بالأولة تكبيرة الإحرام كان ما عداها
واقعا في الصلاة، وإن نوى بالأخيرة ذلك كان ما عداها واقعا خارج الصلاة،
393

والأفضل أن ينوي بالأخيرة ذلك.
ومتى لحق الإمام في حال القراءة استحب له أن يتوجه بما قدمناه فإن خاف
فوت القراءة اشتغل بالقراءة وترك التوجه، وإن توجه في النوافل كلها بما
قدمناه كان فيه فضل وإن كان ما ذكرناه أفضل.
وينبغي أن يقول: وأنا من المسلمين، ولا يقول: وأنا أول المسلمين، وما
روي عن النبي صلى الله عليه وآله أفضل الصلاة والسلم أنه قال كذلك إنما جاز
لأنه كان أول المسلمين من هذه الأمة.
ثم يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وكيفية التلفظ أن يقول: أعوذ بالله من
الشيطان الرجيم لأنه لفظ القرآن فإن قال: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان
الرجيم كان أيضا جائزا، وينبغي أن يكون التعوذ قبل القراءة في أول الركعة
لا غير، وليس بمسنون بعد القراءة ولا تكراره في كل ركعة قبل القراءة، ومن
ترك التعوذ لم يكن عليه شئ، ويستحب أن يتعوذ سرا، ويجهر ببسم الله الرحمن
الرحيم قبل الحمد وقبل كل سورة، سواء كانت الصلاة يجهر بها أو لم يجهر،
وإن تعوذ جهرا وأخفى بسم الله الرحمن الرحيم لم تبطل صلاته وإن كان قد
ترك الأفضل.
إذا كبر تكبيرة الإحرام انعقدت صلاة، فإن كبر أخرى ونوى بها الافتتاح
بطلت صلاته لأن الثانية غير مطابقة للصلاة، فإن كبر ثالثة ونوى بها الافتتاح
انعقدت صلاته وعلى هذا أبدا، وإن لم ينو بما بعد تكبيرة الإحرام الافتتاح صحت
صلاته، بل هو مستحب على ما قلناه من الاستفتاح بسبع تكبيرات.
إذا كبر للافتتاح والركوع ينبغي أن يأتي بهما وهو قائم، ولا تبطل صلاته
إن أتى ببعض التكبير منحنيا.
فصل: في ذكر القراءة وأحكامها:
القراءة فرض في الصلاة فمن صلى بغير قراءة بطلت صلاته إذا كان متعمدا،
394

وإن تركه ناسيا ولم يفته محل القراءة - وهو أن لا يكون ركع - قرأ، فإن فاته
ذلك وذكر بعد الركوع مضى في صلاته ولا شئ عليه، وفي أصحابنا من قال:
يستأنف الصلاة، فجعل القراءة ركنا، والأول أظهر.
وفي الروايات بسم الله الرحمن الرحيم آية من الحمد ومن كل سورة من
سور القرآن، وبعض آية من سورة النمل بلا خلاف، ويجب الجهر بها فيما يجب
الجهر فيه بالقراءة من الصلوات، ويستحب الجهر بها فيما لا يجهر بها.
فإن نسي بسم الله الرحمن الرحيم حتى قرأ بعض الحمد استأنف من أولها
لأنه لا صلاة إلا بقراءتها على الكمال، ويجب أن يرتبها على أول الحمد.
وكذلك آيات الحمد يجب ترتيب بعضها على بعض، فمن قدم شيئا منها
على شئ فلا صلاة له، فإن قرأ في خلالها آية أو آيتين من غيرها ساهيا أتم قراءتها
من حيث انتهى إليه حتى يرتبها، فإن وقف في خلالها ساعة ثم ذكر مضى على
قراءته، وإن قرأ متعمدا في خلالها من غيرها وجب عليه أن يستأنفها من أولها، وإن
نوى أن يقطعها ولم يقطعها بل قرأها كانت صلاته ماضية، وإن نوى قطعها ولم
يقرأ بطلت صلاته واستأنفها، فإن قدم السورة على الحمد قرأ الحمد وأعاد السورة.
وقراءة الحمد واجبة في كل صلاة في الركعتين الأولتين، ولا تقوم قراءة
غيرها مقامها سواء كان عدد آياتها أو أقل أو أكثر، ومن لا يحسن الحمد وأحسن
غيرها قرأ ما يحسنه إذا خاف خروج الوقت - سواء كان بعدد آياتها أو دونها
أو أكثر - ثم يتعلمها فيما بعده.
وينبغي أن يرتل القراءة ولا يخل بشئ من حروفها ولا تشديدها لأنه
حرف، فإن ترك تشديدة من سورة الحمد متعمدا فلا صلاة له لقوله عليه
السلام: لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب، وذلك يفيد قراءة جميعها، والتشديد حرف
منها. فإن لحن متعمدا أو مع التمكن من إصلاح لسانه بطلت صلاته سواء أخل
بالمعنى أو لم يخل، فإن فعل ذلك ناسيا لم يلزمه شئ، ومن لا يمكنه ذلك
وجب عليه تعلمه، فإن لم يتأت له ذلك وشق عليه لم يكن عليه شئ.
395

قول آمين يقطع الصلاة، سواء كان ذلك في خلال الحمد أو بعده، للإمام
والمأمومين، وعلى كل حال في جهر كان ذلك أو إخفات.
يجوز أن يدعو الإنسان في حال الصلاة بما يريده لدينه أو دنياه، وينبغي أن
يبين القراءة ويرتلها، ولا يجوز أن يقرأ في نفسه بل ينبغي أن يسمع نفسه ذلك
ويحرك به لسانه، والإمام يسمع المأمومين التكبير في جميع الصلاة، ولا يجزئ
من القرآن ما لا يسمع نفسه، وقراءة الأخرس ومن به آفة لا يقدر على القراءة أن
يحرك لسانه.
يجب القراءة في الأولتين من كل صلاة، وفي الأخيرتين أو الثالثة من
المغرب هو مخير بين القراءة وبين التسبيح عشر تسبيحات، فإن نسي القراءة في
الأولتين لم يبطل تخييره في الأخيرتين، وإنما الأولى له القراءة لئلا تخلو الصلاة
من القراءة، وقد روي أنه إذا نسي في الأولتين القراءة تعين في الأخيرتين.
والترتيب واجب في القراءة في سورة الحمد وهو ألا يقدم آية ويؤخر آية ولا
يقرأ في خلال الحمد من غيرها، فإن فعل ذلك متعمدا استأنف قراءة الحمد ولا
تبطل صلاته إذا قرأ سورة قبل الحمد لم يجزئه وكان عليه إذا قرأ الحمد أن يقرأ
سورة بعدها.
الظاهر من المذهب أن قراءة سورة كاملة مع الحمد في الفرائض واجبة، و
أن بعض السورة أو أكثرها لا يجوز مع الاختيار غير أنه إن قرأ بعض السورة أو
قرن بين سورتين بعد الحمد لا يحكم ببطلان الصلاة، ويجوز كل ذلك في حال
الضرورة، وكذلك في النافلة مع الاختيار.
والضحى وألم نشرح سورة واحدة، وكذلك سورة الفيل ولإيلاف
لا يبعضان في الفريضة.
وقد بينا أن قراءة الحمد لا بد منها مع القدرة، فمن لا يحسن وجب عليه
تعلمها، فإن خاف فوت الصلاة صلى بما يحسنه من قراءة وتكبير وتهليل
وتسبيح ثم يتعلم فيما بعد ما يؤدي به الصلاة.
396

ولا يجوز أن يقرأ القرآن بغير لغة العرب بأي لغة كان، ومتى قرأ بغير
العربية على ما أنزله الله لم يكن ذلك قرآنا، ولا تجزئه صلاته.
قد بينا أن رفع اليدين مع كل تكبيرة مستحب في جميع الصلوات
فرائضها ونوافلها وعلى اختلاف أحوالها من صلاة قائم وقاعد ونوم ومستلق، ومن
صلاة عيد واستسقاء، وصلاة جنازة - على خلاف بين أصحابنا في صلاة
الجنازة، وعند رفع الرأس في السجود للتلاوة، لأن عموم الأخبار يقتضي ذلك،
فإن نسي الرفع قبل انتهاء التكبير رفع، فإن لم يذكر إلا بعد الانتهاء مضى في
صلاته ولا شئ عليه، وإن تركه متعمدا فقد فاته فضل وثواب ولا يجب منه
الإعادة. ويجوز أن يكبر للركوع وهو قائم ثم يركع، ويجوز أن يهوي بها إلى
الركوع.
إذا قرأ سورة بعد الحمد في الفريضة وأراد الانتقال إلى غيرها جاز له ذلك ما
لم يتجاوز نصفها إلا سورة الكافرين والإخلاص فإنه لا ينتقل منهما إلى غيرها إلا
في الظهر يوم الجمعة فإنه يجوز له الانتقال عنهما إلى الجمعة والمنافقين.
ويقرأ في الفريضة أي سورة شاء مع الحمد إلا أربع سور العزائم فإنه
لا يقرأها في الفريضة على حال.
وأفضل ما يقرأه في الفريضة بعد الحمد سورة القدر والإخلاص وسورة
الجحد، وهو مخير فيما سوى ذلك، ولا يقرأ في الفريضة السور الطوال التي
يخرج الوقت بقراءتها بل يقرأ القصار والمتوسطة، ويقرأ في الظهر والعصر و
المغرب مثل سورة القدر وإذا جاء نصر الله وألهيكم وما أشبهها، وفي عشاء
الآخرة مثل الطارق والأعلى وإذا السماء انفطرت وما أشبهها، وفي الغداة مثل
المزمل والمدثر وهل أتى وما أشبهها، وإن اقتصر على سورة الإخلاص في جميع
الصلوات كان جائزا.
ويستحب أن يقرأ في غداة يوم الاثنين والخميس سورة هل أتى، وليلة الجمعة
في المغرب والعشاء الآخرة الجمعة وسورة الأعلى، وغداة يوم الجمعة الجمعة
397

وقل هو الله أحد، وروي المنافقين، وفي الظهر والعصر الجمعة والمنافقين.
وفي النوافل يقرأ من أي موضع شاء ما شاء، ويجوز قراءة العزائم فيها، فإن
قرأها وبلغ موضع السجود سجد، فإذا رفع رأسه من السجود قام بالتكبير فتمم
ما بقي من السورة إن شاء، وإن كانت السجدة آخر السورة ولم يرد أن يقرأ سورة
أخرى قرأ الحمد ثم يركع عن قراءة، وينبغي أن يقرأ في نوافل النهار السور
القصار، والاقتصار على سورة الإخلاص أفضل.
ويستحب أن يقرأ قل يا أيها الكافرون في سبعة مواضع: في أول ركعة من
ركعتي الزوال، وأول ركعة من نوافل المغرب، وأول ركعة من صلاة الليل،
وأول ركعة من ركعتي الإحرام، وركعتي الفجر، وركعتي الغداة إذا أصبح بها،
وفي ركعتي الطواف. وقد روي أنه يقرأ في هذه المواضع في الأولى قل هو الله
أحد، وفي الثانية قل يا أيها الكافرون.
ويستحب أن يقرأ في الركعتين الأولتين من صلاة الليل ثلاثين مرة قل هو
الله أحد في كل ركعة، وفي باقي الصلاة السور الطوال مثل الأنعام والكهف
والأنبياء والحواميم إذا كان عليه وقت، فإن قرب من الفجر خفف صلاته.
وينبغي أن يجهر بالقراءة في صلاة المغرب والعشاء الآخرة والغداة، فإن
خافت فيها متعمدا أعاد الصلاة، ويخافت في الظهر والعصر، فإن جهر فيهما
متعمدا وجبت عليه الإعادة، وإن كان ناسيا لم يجب عليه شئ.
وإذا جهر فلا يرفع صوته عاليا بل يجهر متوسطا ولا يخافت دون إسماع
نفسه على ما بيناه، ويستحب الجهر بالقراءة في نوافل الليل، وإن جهر في نوافل
النهار كان جائزا غير أن الإخفات فيها أفضل، وليس على النساء جهر بالقراءة في
شئ من الصلوات.
وعلى الإمام أن يسمع من خلفه القراءة ما لم يبلغ صوته حد العلو، فإن
احتاج إلى ذلك لم يلزمه بل يقرأ قراءة وسطا، ويستحب للإمام أن يسمع من
خلفه الشهادتين، وليس على المأموم ذلك، ويكره أن يكون على فمه لثام عند
398

القراءة إذا منع من سماع القراءة، فإن لم يمنع من السماع لم يكن به بأس، وإذا
غلط الإمام في القراءة رد عليه من خلفه، وإذا أراد المصلي أن يتقدم بين يديه خطوة
أو أكثر أمسك عن القراءة وتقدم فإذا استقر به المكان عاد إلى القراءة، ويجوز أن
يقرأ في الصلاة من المصحف إذا لم يحسن ظاهرا، وإذا مر المصلي بآية رحمة
ينبغي أن يسأل الله تعالى فيها، وإذا مر بآية عذاب جاز أن يستعيذ منها.
فصل: في ذكر الركوع والسجود وأحكامهما:
الركوع ركن من أركان الصلاة من تركه عامدا أو ناسيا بطلت صلاته إذا
كان في الركعتين الأولتين من كل صلاة، وكذلك إن كان في الثالثة من
المغرب، وإن كان في الركعتين الأخيرتين من الرباعية إن تركه متعمدا بطلت
صلاته، وإن تركه ناسيا وسجد سجدتين أو واحدة منهما أسقط السجدة وقام
فركع وتمم صلاته؟
وكمال الركوع أن ينحني ويضع يديه على ركبتيه مفرجا أصابعه، ولا
يدلي رأسه ولا يرفعه عن ظهره، ويسوي ظهره ولا يتبازخ وهو أن يجعل ظهره
مثل سرج، فإن كان ببدنه علة انحنى إلى حيث يمكنه وضع اليدين على الركبتين ويرسلهما، وإن كان بأحدهما علة وضع الأخرى على الركبة وأرسل
الأخرى. والطمأنينة واجبة في الركوع، وكذلك رفع الرأس منه حتى ينتصب
ويطمئن واجب.
ومن قدر على القيام وعجز عن الركوع صلى قائما، فإن قدر على كمال
الركوع وجب عليه ذلك، وإن لم يقدر عليه وأمكنه أن يعتمد على شئ حتى
يركع لزمه الاعتماد عليه، فإن لم يمكنه أن يركع على سنن الركوع وقدر أن
ينحني إلى جانب لزمه ذلك، فإن لم يقدر على ذلك حتى رأسه وظهره، فإن لم
يقدر عليه أو ما برأسه وظهره.
وإن كان عاجزا عن الانتصاب لكنه إذا قام في صورة الراكع لكبر أو زمانة
399

قام على حسب حاله، فإذا أراد الركوع زاد على الانحناء قليلا ليفرق بين حال
القيام والركوع، فإن لم يفعل لم يلزمه ويكفيه ذلك.
وإذا عجز عن القيام والركوع صلى جالسا، فإن قدر على القيام غير أنه
يلحقه مشقة شديدة يستحب له أن يتكلفها، وإن احتاج إلى ما يستعين به من عصا
أو حائط فعل وكان أفضل، وإن لم يفعل وصلى جالسا كانت صلاته ماضية.
فإذا صلى جالسا تربع في حال القراءة، فإن افترش جاز في حال التشهد
على العادة، وإذا جاء وقت السجود، فإن قدر على كمال السجود سجد، وإن عجز
عنه وضع شيئا ثم سجد عليه، وإن رفع إليه شيئا وسجد عليه كان أيضا جائزا،
وإن كان صحيحا ووضع بين يديه شبه مخدة وسجد عليه كان مكروها وأجزأه،
وإن كان أكثر من ذلك لم يجزئه، ومتى لم يتمكن من السجود أصلا أومأ إيماء
وأجزأه.
وإذا قدر على القيام في خلال الصلاة قام وبنى ولم تبطل صلاته، وإذا قدر
على القيام لم يخل من ثلاثة أحوال: إما أن يقدر عليه قبل القراءة أو بعدها أو في
خلالها، فإن قدر قبل القراءة لزمه القيام ثم القراءة، وإن قدر عليه بعدها قبل
الركوع وجب عليه القيام ثم الركوع عن قيام، ولا يجب عليه استئناف القراءة
وإن أعادها لم تبطل صلاته، وإن قدر عليه في خلال القراءة وجب عليه القيام
وإتمام القراءة، ويمسك عن القراءة في حال قيامه ليكون قراءته قائما.
وإذا صلى مع إمام فقرأ الحمد وسورة طويلة فعجز المأموم عن القيام جاز له
أن يقعد، وإن صلى من وصفناه منفردا كان أولى.
من عجز عن الجلوس صلى على جنبه الأيمن كما يوضع الميت في اللحد،
فإن عجز عن ذلك صلى مستلقيا مؤمئا بعينه، وإذا صلى على جنبه فقدر على
الجلوس أو جالسا فقدر على القيام انتقل إلى ما يقدر عليه وبنى ولا تبطل صلاته.
من كان به وجع العين وقيل له: إن صليت قائما زاد في مرضك، جاز له
أن يصلي جالسا أو على جنبه.
400

تكبير الركوع مع باقي التكبيرات سنة مؤكدة على الظاهر من المذهب
لا تبطل بتركها الصلاة عمدا كان أو ناسيا وإن كان تاركا فضلا، وفي أصحابنا
من قال: إنها واجبة من تركها متعمدا بطلت صلاته. فأما تكبيرة الإحرام
فلا خلاف أنها ركن على ما قدمناه.
وعدد التكبيرات في الخمس صلوات خمس وتسعون تكبيرة، خمس منها
تكبيرات الإحرام، وتسعون مسنونة منها خمس للقنوت: في الظهر اثنان وعشرون
تكبيرة، وفي العصر والعشاء الآخرة مثل ذلك، وفي المغرب سبع عشرة
تكبيرة، وفي الفجر اثنتا عشرة تكبيرة.
شرحها: تكبيرة الإحرام، وتكبيرة الركوع، وتكبيرة السجود، وتكبيرة
رفع الرأس منه، وتكبيرة العود إليه، وتكبيرة الرفع من الثانية، وفي الركعة
الثانية مثل ذلك إلا تكبيرة الإحرام فإنها تسقط، ويكبر بدلها للقنوت فيصير اثنتي
عشرة تكبيرة إن كانت صلاة الفجر.
وإن كانت المغرب أضيف في الركعة الثالثة خمس تكبيرات، وتسقط
تكبيرة الإحرام وتكبيرة القنوت فيصير سبع عشرة تكبيرة.
وإن كانت رباعية ففي الأولتين اثنتا عشرة تكبيرة على ما فصلناه، وفي
الأخيرتين عشر تكبيرات يكون الجميع في الرباعيات اثنتين وعشرين تكبيرة.
وفي أصحابنا من أسقط تكبيرات القنوت وجعل بدلها التكبير عند القيام من
التشهد في الثانية إلى الثالثة، وجعل التكبيرات أربعا وتسعين تكبيرة،
والمنصوص المشروح ما فصلناه.
ومن كبر للقنوت قال عند القيام من التشهد الأول إلى الثالثة: بحول الله
وقوته أقوم وأقعد، كما يقول عند القيام من الأولة إلى الثانية وهو الذي أعمل عليه
وأفتى به. وأقل ما يجزئ من الركوع أن ينحني إلى موضع يمكنه وضع يديه
على ركبتيه مع الاختيار، وما زاد عليه فمندوب إليه.
والتسبيح في الركوع أو ما يقوم مقامه من الذكر واجب تبطل بتركه
401

متعمدا الصلاة، وإن تركه ناسيا حتى رفع رأسه لم يكن عليه شئ، وأقل ما
يجزئ فيه منه تسبيحة واحدة، وأفضل منه ثلاث تسبيحات، وأفضل من ذلك
خمس، والكمال في سبع، وإن جمع بين التسبيح والدعاء كان أفضل، ويكره
القراءة في حال الركوع والسجود والتشهد وليس بمبطل للصلاة.
والرفع من الركوع واجب، فمن تركه متعمدا فلا صلاة له، وإن تركه ناسيا
وسجد مضى في صلاته، وقول: سمع الله لمن حمده، عند الرفع مستحب.
وإذا رفع رأسه قبل الإمام وهو مقتد به عاد إلى الركوع ليرفع برفعه، فإن
لم يكن مقتديا به فلا يعد لأنه يزيد في الصلاة، فإذا أهوى إلى السجود ثم شك في
رفع الرأس عن الركوع مضى لأنه قد انتقل إلى حالة أخرى، فإن ركع ثم
اعترضت به علة منعته عن الرفع والاعتدال لم يجب عليه الرفع بل يسجد عن
ركوعه، فإذا زالت العلة وقد أهوى إلى السجود مضى في صلاته سواء كان ذلك
قبل السجود أو بعده.
ويكره أن يركع ويده تحت ثيابه، ويستحب أن تكون بارزة أو في كمه،
فإن خالف لم تفسد صلاته.
والإمام يرفع صوته بالذكر عند الرفع ويخفي المأموم، والمسنون للإمام
والمأموم قول: سمع الله لمن حمده، وإن قال: ربنا ولك الحمد، لم تفسد
صلاته، وإذا رفع وبقى يدعو أو يقرأ ساهيا مضى في صلاته ولا شئ عليه.
وإذا انتصب قائما رفع يديه بالتكبير وأهوى إلى السجود بخشوع
وخضوع، ويتلقى الأرض بيديه ولا يتلقاها بركبتيه.
وإذا سجد سجد على سبعة أعظم فريضة: الجبهة واليدين والركبتين وطرف
أصابع الرجلين، ويرغم بأنفه سنة. والسجود فرض في كل ركعة دفعتين، فمن
تركهما أو واحدة منهما متعمدا فلا صلاة له، وإن تركهما ساهيا فلا صلاة له، وإن
ترك واحدة منهما ساهيا قضاها بعد التسليم وسجد سجدتي السهو، وإن ترك
سجدتين من ركعتين ناسيا قضاهما بعد التسليم وسجد سجدتي السهو مرتين،
402

وكذلك إن ترك أربع سجدات من أربع ركعات قضاها كلها بعد التسليم
وسجد سجدتي السهو أربع مرات.
ولا يجوز السجود على كور العمامة ولا على شئ هو لابسه، ولا على شئ
من جوارحه مثل كفه إلا عند الضرورة على ما قدمناه.
وكشف الجبهة واجب في حال السجود، والأعضاء الأخر إن كشفها كان
أفضل وإن لم يكشفها كان جائزا، وإن وضع بعض كفيه أو بعض ركبتيه أو
بعض أصابع رجليه أجزاء عنه، والكمال أن يضع العضو بكماله. والطمأنينة في
السجود واجبة.
وهيئة السجود أن يكون متخويا يجافي مرفقيه عن جنبيه، ويعلي بطنه ولا
يلصقه بفخذيه، ويضع يديه حذاء منكبيه، ويضم أصابع يديه، ويوجههن نحو
القبلة، ولا يحط صدره ولا يرفع ظهره فيحدودبه، ويفرج بين فخذيه.
والذكر في السجود فريضة من تركه متعمدا بطلت صلاته، وإن تركه ناسيا
حتى يرفع رأسه فلا شئ عليه، وأقل ما يجزئه تسبيحة واحدة، والثلاث أفضل،
والفضل في خمسة، والكمال في سبعة، فإن جمع بين التسبيح والدعاء
المخصوص بذلك كان أفضل.
ثم يرفع رأسه من السجدة الأولى، والرفع منها فريضة، والاطمئنان فيه
واجب، ويستحب أن يجلس بين السجدتين جلسة الاستراحة، ثم يسجد الثانية
على هيئة الأولى سواء.
فإذا رفع رأسه منها جلس جلسة الاستراحة، والأفضل أن يجلس متوركا،
وإن جلس بين السجدتين وبعد الثانية مقعيا كان أيضا جائزا.
ثم يقوم بعدها معتمدا على يديه، فإذا انتصب قائما صلى الركعة الثانية على
هيئة الأولى، ويقنت بعد الفراع من القراءة قبل الركوع، ويرفع يديه إلى القنوت
بتكبيرة ويدعو بما شاء، وأفضله كلمات الفرج، وإن قنت بغيرها كان جائزا.
والقنوت سنة مؤكدة في جميع الصلوات فرائضها ونوافلها، ومحلها قبل
403

الركوع بعد الفراع من القراءة، ولا ينبغي تركه مع الاختيار إلا في حال الضرورة
أو التقية، فإن لم يحسن الدعاء سبح ثلاث تسبيحات، فإن ترك القنوت عامدا
لم تبطل صلاته، ويكون تاركا فضلا، وإن تركه ساهيا قضاه بعد الانتصاب من
الركوع، فإن فاته فلا قضاء عليه، وروي أنه يقضيه بعد التسليم.
وإن كانت الصلاة رباعية ففيها قنوت واحد في الركعة الثانية، وكذلك في
باقي الصلوات في كل ركعتين إلا في يوم الجمعة فإن على الإمام أن يقنت قنوتين،
في الركعة الأولى قبل الركوع، وفي الثانية بعد الركوع.
والقنوت في الفرائض آكد منه في النوافل، وفيما يجهر فيها بالقراءة آكد مما
لا يجهر، ولا بأس أن يدعو فيه لدينه ودنياه بما شاء.
سجدات القرآن خمسة عشر موضعا: آخر الأعراف، وفي الرعد، وفي
النحل، وفي بني إسرائيل، وفي مريم، وفي موضعين من الحج، وفي الفرقان، وفي
النمل، وفي ألم السجدة، وفي صلى الله عليه وآله، وفي حم السجدة، وفي النجم، وفي إذا السماء
انشقت، وفي اقرأ باسم ربك. أربعة منها فريضة: في ألم سجدة، وحم سجدة،
والنجم، واقرأ باسم ربك، والباقي سنة.
وقد بينا أن العزائم لا تقرأ في الفرائض فأما في النوافل فلا بأس بقراءتها،
فإذا انتهى إلى موضع السجود سجد يهوي بغير تكبير ويرفع رأسه ويكبر،
وكذلك الحكم إذا قرأها خارج الصلاة، فإن كانت السجدة في آخر السورة قام
من السجود وقرأ إما الحمد أو سورة أخرى أو آية من القرآن ثم يسجد عن قراءة
وقيام، وإذا صلى مع قوم فتركوا سجدة العزيمة في الصلاة أو ما إيماء.
ويجب سجدة العزائم على القارئ والمستمع، ويستحب للسامع إذا لم يكن
مصغيا، فإذا كان خارج الصلاة وقرأ أو سمع شيئا من العزائم وجب عليه
السجود، وليس عليه إذا أراد السجود تكبيرة الافتتاح بل يكبر إذا رفع رأسه منها،
وليس بعدها تشهد ولا تسليم.
وأما سجدات النوافل، فإن قرأها في الفرائض فلا يسجد، وإن قرأها في
404

النوافل سجد إن شاء وهو أفضل، وإن تركه كان جائزا، ويجوز للحائض
والجنب أن يسجد للعزائم وإن لم يجز لهما قراءته، ويجوز لهما تركه. وموضع
السجود من حم السجدة عند قوله: إن كنتم إياه تعبدون.
ويجوز سجود العزائم في جميع الأوقات وإن كان وقت يكره فيه الابتداء
بالنوافل من الصلاة، فأما سجدات النوافل فإنها تكره عند طلوع الشمس
وغروبها، وإن اتفق للمصلي أن يقرأ سورة العزائم في شئ من الفرائض فلا يقرأ
موضع السجود، وإن انتقل إلى غيرها من السور كان جائزا، ومن لقن إنسانا
موضع العزيمة وجب عليه أن يسجد كلما أعاد الموضع الذي فيه السجود، فإن
فاتته سجدة العزيمة أو نسيها وجب عليه قضاؤها، وأما النافلة فإن شاء قضاها وإن
لم يقضها لم يكن عليه شئ.
وسجدة الشكر مستحبة عند تجديد نعم الله ودفع المضار وعقيب
الصلوات، ويستحب فيها التعفير، وليس فيها تكبير الافتتاح ولا التشهد ولا
التسليم، ويستحب أن يكبر إذا رفع رأسه من السجود.
وموضع السجود من قصاص شعر الرأس إلى الجبهة، أي شئ وقع منه
على الأرض أجزأه، فإن كان هناك دمل أو جراح ولم يتمكن من السجود عليه
سجد على أحد جانبيه، فإن لم يتمكن سجد على ذقنه، وإن جعل لموضع الدمل
حفيرة يجعله فيها كان جائزا، وينبغي أن يكون موضع سجوده مساويا لموضع
قيامه، ولا يكون أرفع منه إلا بمقدار ما لا يعتد به مثل لبنة وما أشبهها، فإن كان
أكثر منه لم يكن جائزا.
فصل: في ذكر التشهد وأحكامه:
التشهد في الصلاة فرض واجب، الأول والثاني في الثلاثية والرباعيات، وفي
كل ركعتين في باقي الصلوات، فمن تركهما أو واحدا منهما متعمدا فلا صلاة له،
ومن تركهما أو واحدا منهما ناسيا حتى فرع من الصلاة قضاهما بعد التسليم وأعاد
405

التسليم بعد التشهد الأخير، وإن ترك التشهد الأول قضاه، وليس عليه تسليم
بعده.
والتشهد يشتمل على خمسة أجناس: الجلوس، والشهادتان، والصلاة على
النبي، والصلاة على آله. فهذه الخمسة لا خلاف بين أصحابنا فيها إنها واجبة.
والسادس: التسليم، ففي أصحابنا من جعله فرضا، وفيهم من جعله نفلا.
وصفة الجلوس أن يجلس متوركا يضع ظاهر رجله اليمنى على باطن رجله
اليسرى، ويضع يده اليمنى على فخذه اليمنى، واليسرى على فخذه اليسرى،
ويبسطهما مضمومتي الأصابع، وهذه الهيئة مسنونة، ويطمئن فيه وهو فرض.
ويشهد الشهادتين وهو أقل ما يجزئه في التشهد، والصلاة على النبي محمد
صلى الله عليه وآله، فإن نقص شيئا من ذلك فلا صلاة له، وكلما زاد
على ذلك من الألفاظ الواردة فيه فهو زيادة في العبادة والثواب، ومن ترك
التشهد ناسيا أو شيئا منه قضاه بعد التسليم - طالت المدة أم قصرت - ويسجد
سجدتي السهو على قول بعض أصحابنا، وعلى قول الباقين - وهم الأكثر - ليس
عليه ذلك ولا يجب عليه إعادة الصلاة.
إذا أدرك المأموم إمامه في صلاة المغرب في الركعة الثالثة فدخل معه في
صلاته جلس معه في التشهد الذي هو فرض للإمام وهو متبع له في ذلك لا يعتد
به لنفسه، فإذا سلم إمامه قام فصلى ما عليه، فيصلي ركعة أخرى ويجلس عقبيها
وهو التشهد الأول، ثم يصلي الثالثة ويجلس عقبيها وهو التشهد الثاني، فيكون
صلى ثلاث ركعات بثلاث جلسات.
ويتقدر أن يجلس أربع جلسات، وهو إذا أدركه في التشهد الأول، فإنه
يجلس معه فإذا قام قام معه في ثالثة الإمام وهي أولة له، ثم يجلس معه عقبيها تبعا
لإمامه فيحصل له جلستان على سبيل التبع، فإذا سلم الإمام قام فيصلي بقية
الصلاة وقد بقي له ركعتان يجلس عقيب كل واحدة منهما، فيحصل له أربع
جلسات.
406

فأما أربع جلسات في الرباعيات فهي اثنين، لأنه إذا لحق الإمام في الركعة
الثانية، فإذا جلس الإمام بعدها جلس هو تبعا له، فإذا صلى معه الثالثة وهي ثانية
له جلس هو لنفسه عقيبها ويتشهد تشهدا خفيفا، ويلحق بالإمام، فإذا جلس الإمام
في الرابعة جلس معه تبعا له، فإذا سلم الإمام قام فصلى الرابعة لنفسه وجلس
عقيبها، فيحصل له أربع جلسات اثنتان تبعا للإمام واثنتان له.
من لا يحسن التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وجب عليه أن
يتعلم ذلك إذا كان عليه وقت، فإن ضاق الوقت أتى بما يحسنه ويتعلم لما
يستأنف من الصلاة، ومن قال من أصحابنا أن التسليم سنة يقول: إذا قال: السلام
علينا وعلى عباد الله الصالحين، فقد خرج من الصلاة، ولا يجوز التلفظ بذلك في
التشهد الأول، ومن قال أنه فرض فبتسليمة واحدة يخرج من الصلاة، وينبغي أن
ينوي بها ذلك، والثانية ينوي بها السلام على الملائكة أو على من في يساره.
والتسليم على أربعة أضرب: الإمام والمنفرد يسلمان تجاه القبلة، والمأموم
الذي لا أحد على يساره يسلم على يمينه، ومن كان على يساره غيره يسلم يمينا
وشمالا.
ويستحب الانصراف من الصلاة عين اليمين، وإن خالف كان جائزا وقد
ترك الأفضل، وينبغي أن يكون نظره في حال التشهد إلى حجره، ولا يلتفت
يمينا ولا شمالا، فإذا سلم كبر ثلاثا رافعا بها يديه إلى شحمتي أذنيه، ويعقب بعدها
بما شاء من الدعاء فإن التعقيب مرغب فيه عقيب الفرائض، والدعاء فيه مرجو،
ولا يترك تسبيح فاطمة عليه السلام خاصة، وهي أربع وثلاثون تكبيرة، وثلاث
وثلاثون تحميدة، وثلاث وثلاثون تسبيحة، يبدأ بالتكبير ثم بالتحميد ثم
بالتسبيح، وفي أصحابنا من قدم التسبيح على التحميد، وكل ذلك جائز، فأما
الأدعية في ذلك فكثيرة، وأفضلها ما يصدر عن صدق النية وخالص الطوية، وقد
استوفينا ذلك في مصباح المتهجد، فلا نطول بذكره هاهنا.
407

فصل: في ذكر تروك الصلاة وما يقطعها:
تروك الصلاة على ضربين: مفروض ومسنون. فالمفروض أربعة عشر
تركا: لا يكتف، ولا يقول آمين لا في خلال الحمد ولا في آخرها، ولا يلتفت إلى ما
وراءه، ولا يتكلم بما ليس من الصلاة سواء كان متعلقا بمصلحة الصلاة أو لا يكون
كذلك، ولا يفعل فعلا كثيرا ليس من أفعال الصلاة، ولا يحدث ما ينقض
الوضوء من البول والغائط والريح أو استمناء أو جماع في فرج أو مس ميت برد
بالموت قبل تطهيره بالغسل، ولا يئن بحرفين، ولا يتأفف مثل ذلك بحرفين، ولا
يقهقه، فأما التبسم فلا بأس به.
وهذه التروك الواجبة على ضربين:
أحدهما: متى حصل عامدا كان أو ناسيا أبطل الصلاة، وهو جميع ما ينقض
الوضوء، فإنه إذا انتقض الوضوء انقطعت الصلاة، وقد روي أنه إذا سبقه الحدث
جاز أن يعيد الوضوء ويبني على صلاته، والأحوط الأول.
والقسم الآخر: متى حصل ساهيا أو ناسيا أو للتقية فإنه لا يقطع الصلاة، وهو
كل ما عدا نواقض الوضوء، فإنه متى حصل متعمدا منه وجب استئناف الصلاة.
ويقطع الصلاة أيضا ما لا يتعلق بفعله زائدا على ما قدمناه، وهو خمسة
أشياء: الحيض، والاستحاضة، والنفاس، والنوم الغالب على السمع والبصر،
وكل ما يزيل العقل من الإغماء والجنون.
ومتى اعتقد أنه فرع من الصلاة لشبهة ثم تكلم عامدا فإنه لا يفسد صلاته،
مثل أن يسلم في الأولتين ناسيا ثم يتكلم بعده عامدا ثم يذكر أنه صلى ركعتين
فإنه يبني على صلاته، ولا تبطل صلاته، وقد روي أنه إذا كان ذلك عامدا قطع
الصلاة، والأول أحوط.
والحدث الذي يفسد الصلاة هو ما يحصل بعد التحريمة إلى حين الفراع
من كمال التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله، فمتى حدث فيما بين
ذلك بطلت صلاته، هذا على قول من يقول من أصحابنا أن التسليم ليس بواجب،
408

ومن قال أنه واجب قال: تبطل صلاته ما لم يسلم، والأول أظهر في الروايات،
والثاني أحوط للعبادة.
والعمل القليل لا يفسد الصلاة، وحده ما لا يسمى في العادة كثيرا مثل إيماء
إلى شئ أو قتل حية أو عقرب أو تصفيق أو ضرب حائط تنبيها على حاجة وما
أشبهه.
والأكل والشرب يفسدان الصلاة، وروي جواز شرب الماء في صلاة
النافلة، وما لا يمكن التحرز منه مثل ما يخرج من بين الأسنان فإنه لا يفسد الصلاة
ازدراده، والبكاء من خشية الله لا يفسدها، وإن كان لمصيبة أو أمر دنياوي فإنه
يفسدها.
وأما التروك المسنونة فثلاثة عشر تركا: لا يلتفت يمينا، ولا شمالا، ولا
يتثاءب، ولا يتمطى، ولا يفرقع أصابعه، ولا يعبث بلحيته، ولا شئ من جوارحه،
ولا يقعي بين السجدتين، ولا يتنخم، ولا يبصق، فإن عرض له شئ من ذلك
أخذه في ثيابه أو رمى به تحت رجليه أو يمينا أو شمالا، ولا يرميه تجاه القبلة، ولا
ينفخ موضع سجوده، ولا يتأوه بحرف فأما بحرفين فإنه كلام يقطع الصلاة،
وهذه المسنونات متى حصلت عامدا كانت أو ناسيا لم تبطل الصلاة، وإنما
ينقصها. ومتى نوى الصلاة بنية التطويل ثم خفف لم تبطل صلاته.
قتل القملة والبرغوث جائز في الصلاة، والأفضل رميها.
وإذا رعف في صلاته انصرف وغسل الموضع والثوب - إن أصابه ذلك -
ثم يبني على صلاته ما لم ينحرف عن القبلة أو يتكلم بما يفسد الصلاة، فإن
انحرف أو تكلم متعمدا أعاد الصلاة.
ولا يقطع الصلاة ما يمر بين يديه من كلب أو دابة أو رجل أو امرأة أو شئ
من الحيوان والأفضل أن يجعل بينه وبين ممر الطريق ساترا ولو عنزة أو لبنة.
وإذا عطس في صلاته حمد الله وليس عليه شئ، وإذا سلم عليه وهو في
الصلاة رد مثل ذلك، فيقول: سلام عليكم، ولا يقول: وعليكم السلام.
409

وإذا عرض له ما يخافه من سبع أو عدو دفعه عن نفسه، فإن لم يمكنه إلا
بقطع الصلاة قطعها ثم استأنف، ومتى رأى دابة له انفلتت أو غريما يخاف فوته
أو مالا يخاف ضياعه أو غريقا يخاف هلاكه أو حريقا يلحقه أو شيئا من ماله أو
طفلا يخاف سقوطه جاز له أن يقطع الصلاة ويستوثق من ذلك ثم يستأنف
الصلاة.
ولا يصلي الرجل وهو معقوص الشعر، فإن صلى كذلك متعمدا كان عليه
الإعادة.
فصل: في أحكام السهو والشك في الصلاة:
السهو على خمسة أقسام: أحدها: يوجب الإعادة، والثاني: لا حكم له، و
الثالث: يوجب تلافيه في الحال أو فيما بعده، والرابع: يوجب الاحتياط،
والخامس: يوجب الجبران بسجدتي السهو.
فما يوجب الإعادة في أحد وعشرين موضعا: من صلى بغير طهارة، ومن
صلى قبل دخول الوقت، ومن صلى إلى غير القبلة، ومن صلى إلى يمينها وشمالها
مع بقاء الوقت، ومن صلى في ثوب نجس مع تقدم علمه بذلك ومن سجد على
شئ نجس مع تقدم علمه بذلك، ومن صلى في مكان مغصوب مع تقدم علمه
بذلك مختارا، ومن صلى في ثوب مغصوب كذلك، ومن ترك النية، ومن
ترك تكبيرة الإحرام.
ومن ترك الركوع حتى سجد، وفي أصحابنا من قال: يسقط السجود
ويعيد الركوع ثم يعيد السجود، والأول أحوط لأن هذا الحكم يختص الركعتين
الأخيرتين.
ومن ترك ركوعا واحدا ولا يدري أين موضعه، فعلى المذهب الأول يجب
عليه الإعادة لأنه لا يأمن أن يكون من الركعتين الأولتين، وعلى المذهب الثاني
يجب أن يعيد ركعة أخرى وقد تمت صلاته، لأنه إن كان تركه من الركعة الأولى
410

بطل حكم السجدتين فيها وبنى على الثانية وإن كان في الثانية بطل حكم
السجدتين فيها وصارت الثالثة ثانية، وإن كان من الثالثة فقد بطل حكم
السجدتين فيها وتمت الثالثة بالرابعة فيضيف إليها ركعة أخرى. ومتى تحقق
صحة الأولتين وشك في الأخريين أضاف إليهما ركعة أخرى وتمت صلاته على
المذهبين.
ومن ترك سجدتين من ركعة من الركعتين الأولتين حتى يركع بعدها
أعاد على المذهب الأول، وعلى الثاني يجعل السجدتين في الثانية للأولة وبنى على
صلاته.
ومتى ترك سجدتين من ركعة واحدة ولا يدري من أيها هي، فعلى المذهب
الأول متى جوز ترك السجدتين من الركعتين الأولتين وجب عليه إعادة الصلاة،
وعلى المذهب الثاني صحت له ثلاث ركعات ويضيف إليها ركعة، لأنه إن كان
تركهما من الركعة الأولى فقد تمت الأولى بالسجدتين في الثانية وبطل حكم
الركوع في الثاني لأنه زيادة فعل في الصلاة لا حكم له مع السهو، وإن كان
تركهما من الثانية فقد تمت الثانية بالثالثة، وإن كانتا من الثالثة فقد تمت الثالثة
بالرابعة وبطل حكم الركوع في الرابعة فيأتي بركعة وقد تمت صلاته، وإن كانتا
من الرابعة فقد تمت له الثالثة وصح له الركوع في الرابعة، فليضف إليها
سجدتين وقد تمت صلاته ولا يضره الركوع، وكذلك الحكم إن تحقق أنه
تركهما من الثانية أو الثالثة أو الرابعة فالحكم فيه سواء، فإن تحقق صحة الأولتين
وشك في الأخيرتين فقد تمت له الثالثة بالرابعة فيضيف إليها ركعة أخرى وقد
تمت صلاته.
ومن ترك سجدة واحدة من الركعة الأولى وذكرها وهو قائم قبل الركوع
عاد فسجد، ولا يلزمه الجلوس ثم السجود سواء كان جلس في الأولى جلسة
الاستراحة أو جلسة الفصل أو لم يجلسهما، وإن لم يذكر حتى يركع مضى في
الصلاة، فإذا سلم أعادها وسجد سجدتي السهو، وهذا الحكم في الركعة الثانية
411

والثالثة والرابعة.
ومن صلى أربع ركعات ثم ذكر أنه ترك أربع سجدات، فالذي يقتضيه
عموم الأخبار أن عليه أربع سجدات وعقيب كل سجدة سجدتي السهو، ومن قال
من أصحابنا: إن كل سهو يلحق الركعتين الأولتين يجب منه إعادة الصلاة، يجب
أن يقول في هذه المسائل: إنه يعيد الصلاة.
فإن ذكر أنه ترك ثلاث سجدات ولا يدري موضعها، فعلى المذهب الأول
يعيد ثلاث سجدات ومع كل سجدة سجدتي السهو، وعلى المذهب الثاني يجب
منه إعادة الصلاة لأنه لم تسلم له الأولتان.
ومن ذكر أنه ترك سجدتين من ركعتين ولا يدري موضعهما، فعلى
المذهب الأول يعيد السجدتين مع كل سجدة سجدتي السهو، وعلى الثاني يجب
إعادة الصلاة لأنه لا يأمن أن يكونا من الركعتين الأولتين أو الثانية والثالثة.
فإن ذكر أنه ترك سجدتين من الركعتين الأخيرتين، فعلى المذهبين معا
يجب أن يعيد السجدتين مع كل سجدة سجدتي السهو، لأنه سلمت له الأولتان.
فإن ذكر أنه ترك سجدة واحدة ولا يدري موضعها وجب عليه أن يعيدها
ويسجد سجدتي السهو على المذهب الأول، وعلى المذهب الثاني يعيد الصلاة لأنه
لا يأمن أن يكون من الأولة أو الثانية، وإن تحقق أنها من الأخيرتين ولا يدرى من
أيهما هي أعاد السجدة مع سجدتي السهو على المذهبين معا.
ومن زاد ركوعا في الأولتين أعاد، ومن زاد سجدتين في ركعة من الأولتين
أعاد، ومن زاد في الصلاة ركعة أعاد، وفي أصحابنا من قال: إن كانت الصلاة
رباعية وجلس في الرابعة مقدار التشهد فلا إعادة عليه، والأول هو الصحيح لأن
هذا قول من يقول أن الذكر في التشهد غير واجب.
ومن شك في الأولتين من كل رباعية فلا يدري كم صلى أعاد، ومن شك
في والغداة ولا يدري كم صلى أعاد، ومن شك في المغرب ولا يدري كم صلى
أعاد، ومن شك في صلاة السفر ولا يدري كم صلى أعاد، ومن نقص ركعة أو
412

ما زاد عليها ولا يذكره حتى يتكلم أو يستدبر القبلة أعاد، وفي أصحابنا من قال:
إنه إذا نقص ساهيا لم يكن عليه إعادة الصلاة لأن الفعل الذي يكون بعده في
حكم السهو، وهو الأقوى عندي، سواء كان ذلك في صلاة الغداة أو المغرب أو
صلاة السفر أو غيرها من الرباعيات، فإنه متى تحقق ما نقص قضى ما نقص وبنى
عليه، وفي أصحابنا من يقول: إن ذلك يوجب استئناف الصلاة في هذه الصلاة،
التي ليست رباعيات. ومن شك فلا يدري كم صلى أعاد.
والقسم الثاني وهو ما لا حكم له ففي اثنى عشر موضعا: من كثر سهوه وتواتر
- وقيل: إن حد ذلك أن يسهو ثلاث مرات متوالية - ومن شك في شئ وقد
انتقل إلى غيره مثل من شك في تكبيرة الافتتاح وهو في حال القراءة، فإن شك
قبل القراءة كبر وأعاد القراءة، وإن شك في القراءة في حال الركوع أو في
الركوع في حال السجود، أو في السجود في حال القيام، أو في التشهد الأول
وقد قام إلى الثالثة فإنه لا يلتفت إليه ويمضي في الصلاة، ومن شك في النية فإنه
يجدد النية إن كان في وقت محلها، وإن انتقل إلى حالة أخرى مضى في صلاته،
فإن تحقق أنه نوى ولا يدري نوى فرضا أو نفلا استأنف الصلاة احتياطا، ومن
سها في النافلة أو سها في سهو أو سها عن تسبيح الركوع حتى يرفع رأسه أو عن
تسبيح السجود حتى يرفع فإنه يمضي في صلاته لأنه انتقل إلى حالة أخرى.
وأما ما يوجب تلافيه إما في الحال أو بعده ففي تسعة مواضع: من سها عن
قراءة الحمد حتى قرأ سورة أخرى قرأ الحمد وأعاد السورة، ومن سها عن قراءة
سورة بعد الحمد قبل أن يركع قرأ ثم ركع، ومن شك في القراءة وهو قائم لم
يركع قرأ ثم ركع، فإن ذكر أنه كان قرأ لم يضره شئ، ومن شك في الركوع
وهو قائم ركع، فإن ذكر أنه كان ركع أرسل نفسه إرسالا، ومن سها عن تسبيح
الركوع وهو راكع سبح.
ومن شك في السجدتين أو واحدة منهما قبل أن يقوم سجدهما أو واحدة
منهما، فإن ذكر فيما بعد أنه كان سجدهما أعاد الصلاة، وإن كان زاد واحدة لم
413

يجب عليه الإعادة.
ومن ترك التشهد الأول وذكر وهو قائم رجع فتشهد، فإن لم يذكر حتى
يركع مضى في صلاته وقضاه بعد التسليم وسجد سجدتي السهو، ومن نسي
سجدة واحدة وقام ثم ذكر أنه لم يسجد قبل أن يركع رجع فسجد، فإن ذكر
بعد الركوع مضى في صلاته وقضاها بعد التسليم، ومن نسي التشهد الأخير حتى
يسلم قضاه بعد التسليم أي وقت كان.
وأما ما يوجب الاحتياط فخمسة مواضع:
من شك فلا يدري صلى اثنتين أم ثلاثا في الرباعيات وتساوت ظنونه بنى
على الثلاث وتمم، فإذا سلم صلى ركعة من قيام أو ركعتين من جلوس، وكذلك
من شك بين الثلاث والأربع.
ومن شك بين الثنتين والأربع بنى على الأربع، فإذا سلم صلى ركعتين من
قيام.
ومن شك بين الثنتين والثلاث والأربع بنى على الأربع، ثم صلى ركعتين
من قيام وركعتين من جلوس، فإن غلب في ظنه في أحد هذه المواضع أحدهما
عمل عليه لأن غلبة الظن في جميع أحكام السهو يقوم مقام العلم سواء.
ومن سها في النافلة بنى على الأقل وإن بنى على الأكثر جاز.
وأما ما يوجب الجبران بسجدتي السهو فخمسة مواضع: من تكلم في الصلاة
ساهيا، ومن سلم في الأولتين ناسيا، ومن نسي التشهد الأول حتى يركع في الثالثة
قضاه بعد التسليم وسجد سجدتي السهو، ومن ترك واحدة من السجدتين حتى
يركع فيما بعدها قضاها بعد التسليم وسجد سجدتي السهو. ومن شك بين
الأربع والخمس بنى على الأربع وسجد سجدتي السهو، ومن أصحابنا من قال:
إن من قام في حال قعود أو قعد في حال قيام فتلافاه كان عليه سجدتا السهو.
ومن شك في سجدتي السهو أو واحدة منهما فالأحوط أن يأتي بهما، فإن
انتقل إلى حالة أخرى لم يلتفت إليه.
414

ومن سها سهوين أو أكثر منهما بما يوجب سجدتي السهو فليس عليه أكثر من
سجدتي السهو، لأن زيادته تحتاج إلى دلالة، وإن قلنا: إن كل ما كان منه فيه
سجدتا السهو إذا اجتمع مع غيره لا يتداخل ووجب سجدتا السهو لكل واحدة
من هذه لعموم الأخبار، كان أحوط.
وسجدتا السهو واجبتان فمن تركهما وجب عليه إعادتهما، فإن تطاول
الزمان ومضى لم يجب عليه إعادة الصلاة وأعادهما، وليس للطول حد إذا بلغه
سقطت عنه الإعادة.
لا سهو على المأموم إذا حفظ عليه الإمام، فإن سها الإمام وجب عليه سجود
السهو، ويجب على المأموم اتباعه في ذلك، فإن كان المأموم ذاكرا ذكر الإمام.
ونبهه عليه ووجب على الإمام الرجوع إليه، فإن لم يذكره كان على الإمام سجدتا
السهو ويجب على المأموم أيضا اتباعه في ذلك، وقد قيل: إنه لا يجب لأنه متيقن.
ومتى سها المأموم والإمام فيما يوجب الاستئناف استأنفوا، وفيما يوجب
الجبران أو الاحتياط فعلوا ذلك، وإذا سجد الإمام سجود السهو سجد من خلفه
أيضا معه، فإن لم يسجد الإمام عامدا أو ساهيا سجد المأموم، فإن كان إمامه قد
سبقه ببعض صلاته سجدهما بعد القضاء اتباعا للإمام، فإن سجد الإمام واحدة
وأحدث كان على المأموم أن يأتي بالثانية.
وإذا دخل مع الإمام في أثناء صلاته - مثل أن أدركه وقد صلى ركعة فكبر
ودخل معه فيما بقي من الصلاة - فيه مسئلتان:
إحديهما: إذا سها الإمام فيما بقي من الصلاة.
والثانية: إذا كان قد سها فيما مضى قبل دخول المأموم في صلاته معه.
فأما الثانية - وهي أن يكون قد سها فيما مضى - فإذا كان آخر صلاة الإمام
وقد بقي على المأموم ركعة لم يخل الإمام من أحد أمرين: إما أن يسجد للسهو أو
يترك، فإن سجد للسهو لم يتبعه المأموم، وكذلك إن تركه عامدا أو ساهيا لم
يجب عليه الإتيان به، لأن سجدتي السهو لا يكونان إلا بعد التسليم وقد انفصل
415

بالتسليم من أن يكون مقتديا به فلا يجب عليه اتباعه، فإذا لم يتبعه وقضى صلاته
لم يجب عليه الإتيان بهما لأنه إنما كان يتبع الإمام في سهوه وفي هذه الحال ليس
هو مؤتما به.
وأما المسألة الأولى - وهو أن سهو الإمام كان فيما بعد - فإذا سلم الإمام
وسجد للسهو لم يتبعه المأموم في هذه الحال ويؤخر حتى يتم صلاته ويأتي
بسجدتي السهو، لأن سجدتي السهو لا يكونان إلا بعد التسليم وهو لم يسلم بعد
لأن عليه فائتا من الصلاة يحتاج أن يتممه، فإن أخل الإمام بسجدتي السهو عامدا
أو ساهيا أتى بهما المأموم إذا فرع من الصلاة لأنهما جبران للصلاة، فلا يجوز
تركهما.
وقد بينا أن سجدتي السهو لا يجبان إلا في خمس مواضع، وفي أصحابنا من
قال: يجبان في كل زيادة ونقصان، فعلى هذا يجبان في كل زيادة على أفعال
الصلاة أو هيئاتها فرضا كان أو نفلا، وكذلك في كل نقصان فعلا كان أو هيئة
نفلا كان أو فرضا، إلا أن الأول أظهر في الروايات والمذهب.
سجدتا السهو موضعهما بعد التسليم سواء كان لزيادة أو نقصان، وفي
أصحابنا من قال: إن كانتا لزيادة كانتا بعد التسليم، وإن وجبتا لنقصان كانتا
قبل التسليم، والأول أظهر.
فإذا أراد أن يسجد سجدتي السهو استفتح بالتكبير وسجد عقيبه، ويرفع
رأسه، ثم يعود إلى السجدة الثانية، ويقول فيهما: بسم الله وبالله السلام عليك أيها
النبي ورحمة الله وبركاته، وغير ذلك من الأذكار، ثم يتشهد بعدهما تشهدا خفيفا
فيأتي بالشهادتين والصلاة على النبي وآله ويسلم بعده.
فصل: في حكم قضاء الصلوات وحكم تاركها:
من يفوته الصلاة على ضربين: أحدهما: كان مخاطبا بها، والآخر: لم يكن
مخاطبا بها أصلا.
416

فمن لم يكن مخاطبا بها لم يلزمه قضاؤها، وذلك مثل المجنون والمغمى
عليه ومن زال عقله بشئ من فعل الله تعالى، فإن هؤلاء لا يجب عليهم قضاء ما
يفوتهم من الصلوات إذا أفاقوا إلا الصلاة التي يفيقون في وقتها وقد بقي مقدار ما
يؤدونها أو مقدار ركعة على ما مضى بيانه فيلزمهم حينئذ أداؤها، فإن فرطوا كان
عليهم قضاؤها، وما سواها فليس عليهم قضاؤها، وقد روي أنهم يقضون صلاة يوم
وليلة، وروي ثلاثة أيام، وذلك محمول على الاستحباب. ويجري مجرى هؤلاء
الحائض فإن ما يفوتها في حال الحيض لا يلزمها قضاؤه على حال إلا ما يدركه
في وقته أو بعضه على ما قدمنا القول فيه.
وأما من كان مخاطبا بها ففاتته فعلى ضربين: أحدهما: لا يلزمه قضاؤها،
والثاني: يلزمه القضاء.
فالأول من كان كافرا في الأصل فإنه إذا فاتته الصلاة في حال كفره
- لكونه مخاطبا بالشرائع - فلا يلزمه قضاؤها على حال.
والضرب الآخر وهو من يلزمه القضاء، وهو كل من كان على ظاهر الإسلام
كامل العقل بالغا، فإن جميع ما يفوته من الصلاة بمرض وغيره يلزمه قضاؤها
حسب ما فاتته، وكذلك ما يفوته في حال السكر أو بتناول الأشياء المرقدة
والمنومة - كالبنج وغيره - وفي حال النوم المعتاد، فإنه يجب عليهم قضاؤها على
كل حال، وكذلك من كان مسلما فارتد فإنه يلزمه قضاء جميع ما يفوته في
حال ردته من العبادات.
ووقت الصلاة الفائتة حين يذكرها - أي وقت كان من ليل أو نهار - ما لم
يتضيق وقت فريضة حاضرة، فإن دخل وقت صلاة حاضرة ودخل فيها من أول
وقتها ثم ذكر أن عليه صلاة فائتة نقل نيته إلى ما فاتته ثم استأنف الحاضرة، مثال
ذلك أنه إذا فاتته صلاة الظهر فإنه يصليها ما دام يبقى إلى آخر الوقت مقدار ما
يصلي الظهر، فإنه عند ذلك يصلي الظهر ويعود إلى الفائتة، وفي أصحابنا من
يقول: يصلي الفائتة ما دام يبقى من النهار مقدار ما يصلي فيه الظهر والعصر، يبدأ
417

بالظهر ثم العصر، فإن لم يبق من النهار إلا مقدار ما يصلي فيه العصر بدأ به ثم
قضى الظهر.
فإن كان دخل في العصر ما بينه وبين الوقت الذي ذكرناه نقل نيته إلى
الظهر، ثم يصلي بعده العصر، وكذلك متى دخل وقت المغرب وعليه صلاة
صلى الفائتة ما بينه وبين أن يبقى إلى سقوط الشفق مقدار ما يصلي فيه ثلاث
ركعات، فإن بدأ بالمغرب قبل ذلك ثم ذكر نقل نيته إلى التي فاتته ثم استأنف
المغرب، وإذا دخل وقت العشاء الآخرة وعليه صلاة صلى الفائتة ما بينه وبين
نصف الليل ثم يصلى بعدها العشاء الآخرة، فإن انتصف الليل بدأ بالعشاء
الآخرة ثم صلى الفائتة، وإذا طلع الفجر وعليه صلاة فليصلها ما بينه وبين أن يبقى
إلى طلوع الشمس مقدار ما يصلي فيه ركعتي الغداة، فإن بدأ بهما نقل نيته
إلى التي فاتته ثم يصلي بعدها ركعتي الغداة.
ومن فاتته صلوات كثيرة وتحققها قضاها كما فاتته يبدأ بالأول فالأول حتى
يقضيها كلها، سواء دخل في حد التكرار أو لم يدخل، فإن قدم منها شيئا على
شئ لم يجزئه واحتاج إلى إعادتها لقوله عليه السلام: لا صلاة لمن عليه صلاة،
ولما رواه زرارة عن أبي عبد الله في الخبر الطويل الذي فيه كيفية قضاء الصلوات،
وقال له: اقض الأول فالأول، مثال ذلك أن يكون قد فاتته خمس صلوات،
ويكون أول ما فاته الظهر فإنه ينبغي أن يقضي أولا الظهر ثم يرتب بعدها العصر
إلى تمام الخمس صلوات، فإن قضى أولا العصر أو المغرب قبل الظهر لم يجزئه
واحتاج إلى إعادته.
ومتى كانت عليه صلوات كثيرة فإنه يقضي أولا فأولا، فإذا تضيق وقت
صلاة فريضة حاضرة قطع القضاء وصلى فريضة الوقت ثم عاد إلى القضاء على
الترتيب، فأما الصلوات التي يؤديها في أوقاتها قبل أن يعلم أن عليه صلاة فائتة فإنه
لا يبطل أداؤها لكونها مرتبة على الفوائت سواء أداها في أول وقتها أو في آخر
الوقت إذا لم يعلم أن عليه قضاء، فإن علم أن عليه قضاء وأدى فريضة الوقت في
418

أوله فإنه لا يجزئه، فإذا خرج وقتها صارت مثل سائر الفوائت ويرتب عليها.
ومن دخل في صلاة نافلة ثم ذكر أن عليه فريضة قبل أن يفرع منها استأنف
التي فاتته ثم استأنف النافلة.
ومن فاتته صلاة واحدة من الخمس ولا يدري أيها هي صلى أربعا وثلاثا
واثنتين، ينوي بالثلاث المغرب، وبالثنتين الغداة، وبالأربع إما الظهر أو العصر أو
العشاء الآخرة.
فإن فاتته صلاة واحدة مرات كثيرة وهو يعلمها بعينها غير أنه لا يعلم كم
مرة فاتته صلى من تلك الصلاة إلى أن يغلب على ظنه أنه قضاها أو زاد عليه، فإن
لم يعلم الصلاة بعينها صلى في كل وقت ثلاثا وأربعا واثنتين إلى أن يغلب على
ظنه أنه قضى ما عليه.
ومن فاتته صلاة فريضة لمرض لا يزيل العقل لزمه قضاؤها، فإن أدركته
الوفاة وجب على وليه القضاء عنه.
ومن فاتته صلاة في الحضر فذكرها وهو مسافر قضى صلاة الحاضر، وإن
فاتته في السفر وهو حاضر قضى صلاة المسافر.
وأما المرتد الذي يستتاب فإنه يقضي كل ما يفوته من الصلاة والصوم
والزكاة إذا حال عليه الحول في حال الردة، وكذلك إن كان فاته شئ من
ذلك قبل الارتداد وجب عليه أن يقضيه إذا عاد إلى الإسلام، وإن كان قد حج
حجة الإسلام قبل أن يرتد ثم ارتد ثم عاد إلى الإسلام لم يجب عليه إعادة الحج.
وما يلحقه من زوال العقل والإغماء في حال الارتداد على ضربين: أحدهما:
أن يكون بفعله - من شرب المسكر والبنج والمرقد وما أشبه ذلك مما يزيل
العقل - فإنه يجب عليه إعادة ما يفوته في تلك الحال، وإن كان زوال عقله بشئ
من فعل الله - مثل الجنون والإغماء - فإنه لا يجب عليه قضاء ما يفوته في تلك
الحال.
ومن فاته شئ من النوافل المرتبة قضاه أي وقت ذكره ما لم يكن وقت
419

فريضة، فإن فاته شئ كثير منها صلى إلى أن يغلب على ظنه أنه قضاها، فإن لم
يتمكن من ذلك جاز له أن يتصدق عن كل ركعتين بمد من طعام، فإن لم
يتمكن فعن كل يوم بمد منه، فإن لم يمكنه ذلك فلا شئ عليه.
ومن فاته شئ من النوافل بمرض فليس عليه قضاؤه، فإن قضاها أو تصدق
عنها كان أفضل.
ويستحب أن يقضي نوافل النهار بالليل، ونوافل الليل بالنهار، ومن فاتته
صلاة الليل فليصلها أي وقت شاء، وإن كان بعد الغداة أو بعد العصر، و متى
قضاها فليس عليه إلا ركعة مكان ركعة، ولا بأس أن يقضي أوتارا جماعة في ليلة
واحدة، وينبغي أن يجعل القضاء أول الليل والأداء آخره.
من فاته الجمعة لم يجب عليه قضاؤها، وإنما يلزمه الظهر أربع ركعات،
وكذلك إن فاتته صلاة العيد لم يجب عليه قضاؤها، وإن صلى لنفسه منفردا كان
له فيه فضل.
وصلاة الكسوف إذا تعمد تركها يجب عليه قضاؤها، فإن كان احترق
القرص كله اغتسل مع ذلك.
من ترك الصلاة لغير عذر حتى خرج وقتها قيل له: لم تركتها؟ فإن قال:
لأنها غير واجبة وأنا لا أعتقد وجوبها، فقد ارتد ووجب عليه القتل بلا خلاف،
ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين، ويكون ماله لورثته المسلمين، فإن لم
يكن له ورثة كان للإمام عندنا، وعند الفقهاء لبيت المال، وإن قال: ما علمت
وجوبها، ومثله يعذر مثل أن يكون قريب العهد بالإسلام عرف أنها واجبة عليه،
فإن اعتقد وجوبها ترك، وإن قال: لا أعتقد وجوبها ألحق بالقسم الأول، وإن
قال: نسيتها، قيل له: صلها الآن فقد ذكرتها، فإن قال: أنا عاجز عنها لعلة، قلنا:
صلها على حسب حالك قائما أو جالسا أو مضطجعا أو إيماء على حسب
طاقتك، فإن قال: هي واجبة وأنا ذاكر وعلى فعلها قادر لكني لست أنشط لفعلها
أو أنا كسلان عن إقامتها، وأقام على ذلك حتى خرج وقتها أنكر عليه ذلك وأمر
420

بأن يصليها قضاء، فإن لم يفعل عزر، فإن انتهى وصلى برئت ذمته، وإن أقام على
ذلك حتى ترك ثلاث صلوات وعزر فيها ثلاث مرات قتل في الرابعة، لما روي
عنهم عليه السلام أن أصحاب الكبائر يقتلون في الرابعة، وذلك عام في جميع
الكبائر، ولا يقتل حتى يستتاب، فإن تاب وإلا قتل وكفن وصلي عليه وكان
ميراثه لورثته المسلمين، فإن لم يكن له وارث مسلم كان للإمام، ويدفن في مقابر
المسلمين.
فصل: في ذكر صلاة أصحاب الأعذار من المريض والموتحل
والعريان، ومن كان في السفينة:
المريض لا يسقط عنه فرض الصلاة، ويجب عليه أداؤها على حسب طاقته
إذا كان عقله ثابتا، فإن زال عقله بجنون أو إغماء فلا يجب عليه القضاء إلا ما أفاق
في وقته، وما يقضي وقته فلا يجب عليه قضاؤه على ما فصلناه في الفصل الأول.
وإذا لم يزل عقله فإنه يجب أن يصلي قائما مع القدرة على ذلك، فإن لم
يمكنه قائما إلا بأن يعتمد على حائط أو عكاز صلى كذلك، فإن لم يقدر على
ذلك صلى جالسا وقرأ جالسا، فإذا فرع من القراءة وقدر على أن يقوم فيركع
عن قيام فعل، وإن لم يقدر عليه ركع عن جلوس ويسجد كذلك، فإن لم
يتمكن من السجود رفع إليه ما يسجد عليه.
وإن لم يقدر على الصلاة جالسا صلى مضطجعا على جانبه الأيمن وسجد،
فإن لم يتمكن من السجود أو ما إيماء، فإن لم يتمكن من الاضطجاع صلى مستلقيا
على قفاه مؤمئا، يستفتح الصلاة بالتكبير ويقرأ، فإذا أراد الركوع غمض عينيه،
فإذا أراد رفع الرأس منه فتحهما، فإذا أراد السجود غمضهما، فإذا أراد رفع الرأس
منه فتحهما، فإذا أراد السجود ثانيا غمضهما، فإذا أراد رفع الرأس ثانيا فتحهما،
وعلى هذا تكون صلاته.
فإن صلى على وجه ثم تجددت له قدرته على غير تلك الهيئة انتقل إلى ما
421

يقدر عليه ويبني على ما فصلناه فيما مضى.
والموتحل والغريق والخائض والسابح إذا تضيق عليهم وقت الصلاة ولا
يتمكنون من موضع يصلون عليه أو فيه صلوا إيماء، ويكون ركوعهم وسجودهم
إيماء، ويكون السجود أخفض من الركوع، ويلزمهم استقبال القبلة مع الإمكان
فإن لم يمكنهم صلوا على ما يتمكنون منه.
والمريض إذا كان مسافرا راكبا ولا يقدر على النزول صلى الفريضة على
ظهر الدابة على حسب ما يتمكن منه من الركوع والسجود، وإن لم يقدر إلا على
الإيماء كان جائزا، ويجزئه في النوافل أن يصلي إيماء مع القدرة على إتمام
الركوع والسجود.
وحد المرض الذي يبيح له الصلاة جالسا ما يعلمه الإنسان من حال نفسه
أنه لا يتمكن من الصلاة قائما، وقد روي أنه إذا لم يقدر على المشي بمقدار زمان
صلاته.
والمبطون إذا صلى ثم حدث به ما ينقض صلاته أعاد الوضوء وبنى على
صلاته، ومن به سلس البول صلى كذلك بعد أن يتبرأ، ويستحب له أن يلف
خرقة على ذكره لئلا تتعدى النجاسة إلى ثيابه وبدنه.
وإذا صلى المريض جالسا قعد متربعا في حال القراءة فإذا أراد الركوع ثنى
رجليه، فإن لم يتمكن من ذلك جلس كيف ما سهل عليه. والممنوع بالقيد أو
من كان أسيرا في أيدي المشركين أو كان مصلوبا إذا لم يقدر على الصلاة صلى
إيماء.
والعريان إذا لم يكن معه ما يستر عورتيه وكان وحده بحيث لا يرى أحد
سوأته صلى قائما، وإن كان معه غيره أو كان بحيث لا يأمن من اطلاع غيره عليه
صلى جالسا، فإن كانوا جماعة بهذه الصفة تقدم إمامهم بركبتيه وصلى بهم جالسا
وهم جلوس، ويكون ركوع الإمام وسجوده إيماء يكون سجوده أخفض من
ركوعه، ويركع المأمومون ويسجدون، وإن وجد العريان ما يستر به عورته من
422

حشيش الأرض وغيره ستر به عورتيه وصلى قائما.
وأما من كان في السفينة، فإن تمكن من الخروج منها والصلاة على الأرض
خرج فإنه أفضل، وإن لم يفعل أولا يتمكن منه جاز أن يصلى فيها الفرائض
والنوافل، وسواء كانت صغيرة أو كبيرة.
وإذا صلى قائما مستقبل القبلة، فإن لم يمكنه قائما صلى جالسا مستقبل
القبلة، فإن دارت السفينة دار معها كيف ما دارت و
استقبل القبلة، فإن لم يمكنه استقبل بأول تكبيرة القبلة ثم صلى كيف ما دارت، وقد روي أنه يصلي إلى صدر
السفينة، وذلك يختص النوافل.
وإذا لم يجد فيها ما يسجد عليه سجد على خشبها، فإن كان مقيرا غطاه
بثوب وسجد عليه، فإن لم يقدر عليه سجد على القير عند الضرورة وأجزأه.
فصل: في ذكر النوافل من الصلاة:
صلاة النوافل على ضربين: أحدهما: ما كان مرتبا في اليوم والليلة، والآخر:
ما لم يكن مرتبا بل هو مرغب فيه على الجملة أو في وقت مخصوص.
فالمرتب قد بينا أنه في اليوم والليلة أربع وثلاثون ركعة في الحضر، وفي
السفر سبع عشرة ركعة، وقد فصلنا ذلك فيما مضى ورتبناه وبينا أيضا مواقيتها
فلا وجه لإعادته.
وذكرنا أن صلاة الليل لا يجوز أن تصلي في أول الليل إلا قضاء أو عند
الضرورة والخوف من الفوت وتعذر القضاء وأن وقتها من بعد نصف الليل.
فإذا قام إلى صلاة الليل استعمل السواك فإن فيه فضلا في هذا الوقت
خاصة كثيرا، ويستفتح الصلاة بسبع تكبيرات، ويقرأ في الركعة الأولى سورة
الإخلاص، وفي الثانية قل يا أيها الكافرون، وروي في كل واحدة منهما الحمد
وقل هو الله أحد ثلاثين مرة، وفي الست البواقي ما شاء، ويستحب السور الطوال.
فإن قام إلى صلاة الليل، ولم يكن بقي من الوقت مقدار ما يصلى كل ليله
423

خفف صلاته واقتصر على الحمد وحدها، فإن خاف مع ذلك من طلوع الفجر
صلى ركعتين وأوتر بعدهما وصلى ركعتي الفجر ثم صلى الغداة وقضى الثمان
ركعات، وإن كان قد صلى أربع ركعات وطلع الفجر تمم صلاة الليل وخفف
القراءة فيها، وقد روي أنه إذا طلع الفجر جاز أن يصلي صلاة الليل ويخفف فيها
ثم يصلي الفرض، والأحوط الأول وهذه رخصة.
ومن نسي ركعتين من صلاة الليل ثم ذكر بعد أن أوتر قضاهما وأعاد الوتر،
ومن نسي التشهد في النافلة وذكر في حال الركوع أسقط الركوع وجلس
وتشهد.
فإذا فرع من صلاة الليل قام فصلى ركعتي الفجر وإن لم يكن بعد طلع
الفجر الثاني، فإن صلاهما وقد بقي من الليل كثير - وهو أن لا يكون قد طلع
الفجر الأول - أعادهما استحبابا، ويستحب الاضطجاع بعد هاتين الركعتين
والدعاء فيه بما روي، وقراءة خمس آيات من آل عمران، وإن جعل مكان
الضجعة سجدة كان ذلك جائزا.
ويجوز أن يصلي النوافل جالسا مع القدرة على القيام، وقد روي أنه يصلي
بدل كل ركعة ركعتين، وروي أنه ركعة بركعة، وجميعهما جائزان.
زمن كان في دعاء الوتر ولم يرد قطعه وفي عزمه الصوم وبين يديه ماء جاز
له أن يتقدم خطي ويشرب ولا يستدبر القبلة، ويرجع فيبني على صلاته.
وأما ما ليس بمرتب من النوافل فعلى ضربين: أحدهما: لا وقت له معين،
والآخر: له وقت معين.
فالأول مثل صلاة أمير المؤمنين عليه السلام، وصفتها أربع ركعات
بتسليمتين، يقرأ في كل ركعة الحمد مرة وخمسين مرة قل هو الله أحد، ومثل
صلاة فاطمة عليه السلام، وهي ركعتان يقرأ في الأولى منهما الحمد مرة وإنا
أنزلناه مائة مرة، وفي الثانية الحمد مرة وقل هو الله أحد مائة مرة.
ومثل صلاة جعفر عليه السلام، وتسمى صلاة التسبيح وصلاة الحبوة،
424

وهي أربع ركعات في كل ركعة خمس وسبعون مرة سبحان الله والحمد لله ولا
إله إلا الله والله أكبر، يبتدئ الصلاة فيقرأ الحمد ويقرأ في الأولى إذا زلزلت ثم
يسبح خمس عشرة مرة على ما قلناه، ثم يركع ويقول في ركوعه عشر مرات،
ويرفع رأسه ويقول عشرا، ثم يسجد ويقول في سجوده عشرا، ثم يرفع رأسه
ويقول عشرا، ثم يعود إلى السجدة الثانية فيقول ذلك عشرا، ثم يرفع رأسه
ويقول عشرا، ثم ينهض فيصلي الثانية مثل ذلك ويقرأ بعد الحمد والعاديات، ثم
يصلي الركعتين الأخيرتين مثل ذلك، يقرأ في الأولى إذا جاء نصر الله، وفي الثانية
التي هي الرابعة قل هو الله أحد، ويدعو في آخر السجدة بما أراد، ويستحب أن
يكون ذلك بما روي من قول: يا من لبس العز والوقار... إلى تمام الدعاء. وغير
ذلك من الصلوات المرغبة فيها ذكرناها في مصباح المتهجد وفي عمل السنة.
وأما ماله وقت معين فمثل تحية المسجد فإن وقتها عند دخول المسجد،
ومثل صلاة يوم الغدير فإنه يستحب أن يصلى ذلك اليوم إذا بقي إلى الزوال
نصف ساعة بعد أن يغتسل ركعتين، يقرأ في كل واحدة منهما الحمد مرة وقل
هو الله أحد عشر مرات، وآية الكرسي عشر مرات، وإنا أنزلناه عشر مرات، فإذا
سلم دعا بعدها بالدعاء المعروف.
ويستحب أن يصلي يوم المبعث أو ليلته، - وهو اليوم السابع والعشرين من
رجب - اثنى عشرة ركعة، يقرأ في كل ركعة الحمد وما سهل عليه، وقيل: يس،
فإذا فرع قرأ سبع مرات الحمد، وقل هو الله أحد مثل ذلك، والمعوذتين مثل
ذلك، وقل يا أيها الكافرون وإنا أنزلناه وآية الكرسي مثل ذلك، وروي أربع
مرات، ثم يقول سبع مرات: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، ثم
يقول سبع مرات: الله لا أشرك به شيئا، وقد روي مثل ذلك في ليلة المبعث.
ويستحب أن يصلي ليلة النصف من شعبان أربع ركعات، يقرأ في كل
ركعة الحمد مرة، وقل هو الله أحد مائة مرة.
وإذا أراد أمرا من الأمور لدينه أو دنياه يستحب له أن يصلي ركعتين يقرأ
425

فيهما ما شاء ويقنت في الثانية، فإذا سلم دعا بما أراد، ويسجد ويستخير الله في
سجوده مائة مرة يقول: أستخير الله في جميع أموري، ثم يمضى في حاجته.
وإذا عرضت له حاجة صام الأربعاء والخميس والجمعة، وبرز تحت السماء
يوم الجمعة، وصلى ركعتين يقرأ فيهما مائتي مرة وعشر مرات قل هو الله أحد
على ترتيب صلاة التسبيح، إلا أنه يجعل بدل التسبيح في صلاة جعفر عليه
السلام خمس عشرة مرة قل هو الله أحد بعد الحمد، وكذلك في الركوع
والسجود وفي جميع الأحوال، فإذا فرع منها سأل الله حاجته.
فإذا قضيت حاجته صلى ركعتين شكرا لله تعالى، يقرأ في الأولى الحمد وإنا
أنزلناه، وفي الثانية الحمد وقل هو الله أحد، ثم يشكر الله تعالى على ما أنعم به
عليه في حال السجود والركوع وبعد التسليم.
فصل: في ذكر النوافل الزائدة في شهر رمضان:
يستحب أن يصلي في شهر رمضان من أول ليلة فيه إلى آخر الشهر زيادة
ألف ركعة على نوافله في سائر الشهور، يصلي في أول ليلة إلى ليلة الثامن عشر
كل ليلة عشرين ركعة، ثمان ركعات بين المغرب والعشاء الآخرة، واثنتي عشرة
ركعة بعد العشاء الآخرة قبل الوتيرة، ويختم صلاته بالوتيرة، وفي ليلة تسع
عشرة مائة ركعة، وفي ليلة العشرين عشرين ركعة على ما فصلناه، وفي ليلة
إحدى وعشرين وثلاث وعشرين كل ليلة مائة ركعة، ويصلى في ليلة اثنتين
وعشرين وليلة أربع وعشرين إلى آخر الشهر كل ليلة ثلاثين ركعة، ثمان ركعات
بين العشائين واثنتين وعشرين بعد العشاء الآخرة، وروي أنه يصلى بين العشائين
اثنتي عشرة ركعة والثمان عشرة بعد العشاء الآخرة، فهذه تسع مائة وعشرين
ركعة، ويصلي في كل جمعة من شهر رمضان أربع ركعات صلاة أمير المؤمنين
عليه السلام، وركعتين صلاة فاطمة عليه السلام، وأربع ركعات صلاة جعفر
عليه السلام، ويصلي ليلة آخر جمعة من الشهر عشرين ركعة صلاة أمير المؤمنين
426

عليه السلام وفي عشية تلك الجمعة عشرين ركعة صلاة فاطمة عليه السلام،
فهذه تمام الألف ركعة.
ويستحب أيضا أن يصلي ليلة النصف مائة ركعة، يقرأ في كل ركعة الحمد
مرة، وقل هو الله أحد عشر مرات، ويستحب أن يصلي ليلة الفطر ركعتين، يقرأ
في الأولى الحمد مرة، وألف مرة قل هو الله أحد، وفي الثانية الحمد مرة وقل
هو الله أحد مرة واحدة.
فصل: في ذكر صلاة الاستسقاء:
إذا أجدبت البلاد وقلت الأمطار استحب صلاة الاستسقاء، وينبغي أن يتقدم
الإمام أو من يقوم مقامه أو من نصبه الإمام إلى الناس أن يصوموا ثلاثة أيام ثم
يخرجوا يوم الثالث إلى الصحراء، ويستحب أن يكون ذلك يوم الاثنين، ولا
يصلوا في المساجد في سائر البلدان إلا بمكة خاصة، ويقدم المؤذنين كما يفعل في
صلاة العيدين ويخرج على أثرهم بسكينة ووقار، فإذا انتهى إلى الصحراء قام
فصلى بهم ركعتين من غير أذان ولا إقامة، يقرأ فيهما ما شاء من السور، ويكون
ترتيب الركعتين كترتيب صلاة العيدين سواء على ما سنبينه إن شاء الله تعالى.
فإذا فرع منهما استقبل القبلة وكبر الله مائة تكبيرة يرفع بها صوته ويكبر
معه من حضر، ويلتفت عن يمينه فيسبح الله مائة مرة يرفع بها صوته ويسبح معه
من حضر، ثم يلتفت عن يساره فيهلل الله مائه مره يرفع به صوته ويسبح معه
من حضر، ثم يستقبل الناس يوجهه ويحمد الله مائة مرة يرفع بها صوته
ويقول ذلك من حضر معه، ثم يدعو ويخطب بخطبة الاستسقاء المروية عن
أمير المؤمنين عليه السلام، فإن لم يحسنها اقتصر على الدعاء.
ويستحب أن يخرج للاستسقاء الشيوخ الكبار والصبيان الصغار والعجائز،
ولا يخرج الشباب منهن، ويكره إخراج أهل الذمة - في الاستسقاء لأنهم مغضوب
عليهم، ويستحب لأهل الخصب أن يدعوا لأهل الجدب، فإن خرج فسقوا قبل أن
427

يصلوا صلوا شكرا لله، فإن صلوا ولم يسقوا خرجوا ثانيا وثالثا لأنه لا مانع من
ذلك، وتحويل الرداء مستحب للإمام والمأموم، مقورا كان الرداء أو مربعا، ولا
يحتاج أن يقلب الرداء.
وإذا نذر الإمام أن يصلي صلاة الاستسقاء انعقد نذره لأنه نذر في طاعة،
وليس له أن يخرج غيره ولا أن يلزمهم الخروج، وإن نذر غير الإمام انعقد أيضا
نذره لمثل ذلك.
فإن نذر الإمام أن يستسقي هو وغيره لزمه في نفسه دون غيره لأن نذره
لا ينعقد فيما لا يملك، ويستحب له أن يخرج في من يطيعه من ولده وغيرهم.
فإذا انعقد نذره صلاها بحيث يصلي صلاة الاستسقاء في الصحراء، فإن نذر
أن يصلي في المسجد وجب عليه الوفاء به فإن صلا في غيره لم يجزه عما نذر.
فإن نذر أن يخطب انعقد نذره، ويخطب إن شاء جالسا، وإن شاء قائما أو
على منبر أو على غيره، وإن نذر أن يخطب على المنبر وجب عليه أن يخطب
كذلك، فإن لم يفعل لم يجزئه إذا خطب على حائط وما أشبه ذلك.
إذا نصب ماء العيون أو مياه الآبار جاز صلاة الاستسقاء لأنه لا مانع، ولا
يجوز أن يقول: مطرنا بنوء كذا، لأن النبي صلى الله عليه وآله نهى عن ذلك.
كتاب صلاة المسافر:
السفر على أربعة أقسام: واجب مثل الحج والعمرة، وندب مثل الزيارات
وما أشبهها، ومباح مثل تجارة وطلب معيشة وقوت وما أشبهها، فهذه الأنواع
الثلاثة كلها يجب فيما التقصير في الصوم والصلاة، والرابع سفر معصية مثل باع
أو عاد أو سعاية أو قطع طريق، وما أشبه ذلك من اتباع سلطان جائر في طاعته
مختارا أو طلب صيد للهو والبطر، فإن جميع ذلك لا يجوز فيه التقصير لا في
الصوم ولا في الصلاة.
فأما الصيد، فإن كان لقوته أو قوت عياله فهو مباح وهو من الأقسام الأولة،
428

وإن كان للتجارة دون الحاجة روى أصحابنا أنه يتم الصلاة ويفطر الصوم.
وفرض السفر لا يسمى قصرا لأن فرض المسافر مخالف لفرض الحاضر.
ولا يجوز أن يقصر حتى يغيب عنه أذان مصره أو يتوارى عنه جدران بلده،
ولا يجوز أن يقصر ما دام بين بنيان البلد سواء كان عامرا أو خرابا، فإن اتصل
بالبلد بساتين فإذا حصل بحيث لا يسمع أذان المصر قصر، فإن كان دونه تمم.
وإذا سافر فمر في طريقه بضيعة له أو على مال له أو كانت له أصهار أو زوجة
فنزل عليهم ولم ينو المقام عشرة أيام قصر، وقد روي أنه عليه التمام، وقد بينا
الجمع بينهما وهو أن ما روي أنه إن كان منزله أو ضيعته مما قد استوطنه ستة
أشهر فصاعدا تمم، وإن لم يكن استوطن ذلك قصر.
وإذا أبق له عبد فخرج في طلبه، فإن قصد بلدا يقصر في مثله الصلاة وقال:
إن وجدته قبله رجعت معه، لم يجز له أن يقصر لأنه لم يقصد سفرا يقصر فيه
الصلاة، وإن لم يقصد بلدا لكنه نوى أن يطلبه حيث بلغ لم يكن له القصر لأنه
شاك في المسافة التي يقصر فيها الصلاة، وإن نوى قصد ذلك البلد سواء وجد
العبد قبل الوصول إليه أو لم يجده كان عليه التقصير لأنه نوى سفرا يجب فيه
التقصير، فإذا خرج بهذه النية قصر، فإن وجده في بعض الطريق فعن له
الرجوع إلى وطنه وترك قصد تلك البلدة انقطع سفره هاهنا وكان في رجوعه
مستأنفا للسفر، فإن كان بين هذا المكان وبين بلده مسافة يقصر فيها وجب عليه
التقصير، وإلا فعليه التمام.
إذا قصد بلدا وبينه وبين ذلك البلد بلد آخر في طريقه فسافر عن وطنه بنية
أنه يقيم في البلد الأول عشرة أيام ثم يسير إلى الثاني نظرت، فإن كان بين بلده
وبين البلد الأول مسافة يقصر فيها قصر وإلا أتم، وإن كانت المسافة إليه أقل منها
وجب عليه التقصير، فإذا وصل إليه انقطع قصره لعزمه منه على المقام عشرة أيام
فيه سواء أقام فيه أو لم يقم، فإذا أراد السفر إلى البلد الثاني فإن كانت المسافة إليه
يقصر فيها الصلاة قصر، وإلا أتم لأنه ابتدأ بالسفر منه، فإذا حصل في البلد الثاني
429

وأراد العود إلى وطنه نظرت، فإن كانت المسافة يقصر فيها الصلاة قصر، وإلا
فعليه التمام، وإذا قصد وطنه من الثاني والمسافة يقصر فيها قصر سواء دخل البلد
الأول أو لم يدخل لأنه طريقه ولم ينو المقام به في رجوعه.
إذا خرج من بغداد يريد الكوفة قصر، فلما أتى القصر خاف من الطريق
فأقام فيه بنية أن يقيم عشرة أيام ليعرف خبر الطريق - أو عدل منه إلى بلد آخر
للمقام به، أو ليعرف الخبر فيه - انقطع قصره بالقصد لأنه قد قطع منه السفر
الأول، ثم ينظر في البلد الذي يقصده من القصر، فإن كان على مسافة يقصر فيها
الصلاة فقصر، وإلا لم يقصر لأن السفر الأول قد انقطع، اللهم إلا أن يرجع عن
طريق القصر يؤم الكوفة فحينئذ يستديم التقصير للنية الأولة.
إذا سافر فدخل في سفره بلدا وقال: إن لقيت فلانا فيه أقمت عشرة أيام أو
أكثر، فله التقصير حتى يلقى فلانا لأنه ما نوى المقام قطعا، فإن لقي فلانا أتم لأنه قد
وجد شرطه في نية الإقامة عشرا، فإن لقيه ثم بدا له في المقام عشرا وقال: أخرج
من وقتي أو قبل عشرة أيام، لم يكن له القصر لأنه قد صار مقيما بالنية ولا يصير
مسافرا بمجرد النية حتى يسافر.
وإن دخل البلد وقال: إن لقيت فلانا أقمت عشرة، وانتظره كان له القصر،
فإن اتصل له المقام على هذا شهرا قصر، فإن زاد أتم.
والمسافر في والبر والبحر والنهر سواء في جميع أحكام السفر من وجوب
تقصير أو إتمام لا يختلف الحال فيه، ومتى دخل المركب في البحر إلى موضع من
الجزائر أو موضع يقف فيه فالحكم فيه كالحكم في دخوله في البر إلى بلد
لا يختلف الحال فيه، فكل موضع يجب فيه التمام أو التقصير في البر فالبحر مثله
سواء.
فإذا خرج إلى مسافة يقصر في مثلها فردته الريح كان له التقصير لأنه ما
رجع ولا نوى مقاما. فأما مالك السفينة فإنه يجب عليه التمام لأنه ممن يجب عليه
التمام من جملة المسافرين.
430

والبدوي على ضربين: أحدهما: له دار مقام جرت عادته فيها بالإقامة فهذا
يجب عليه التقصير إذا سافر عن بلده سفرا يوجب التقصير، والآخر: لا يكون له دار
مقام وإنما يتبع مواضع النبت ويطلب مواضع القطر وطلب المرعى والخصب
فهذا يجب عليه التمام ولا يجوز له التقصير.
إذا خرج حاجا إلى مكة وبينه وبينها مسافة يقصر فيها الصلاة ونوى أن يقيم
بها عشرا قصر في الطريق فإذا وصل إليها أتم، فإن خرج إلى عرفة يريد قضاء
نسكه لا يريد مقام عشرة أيام إذا رجع إلى مكة كان له القصر لأنه نقض مقامه
لسفر بينه وبين بلد يقصر في مثله.
وإن كان يريد إذا قضى نسكه مقام عشرة أيام بمكة أتم بمنى وعرفة ومكة
حتى يخرج من مكة مسافرا فيقصر، هذا على قولنا بجواز التقصير بمكة، وأما على
ما روي من الفضل في الإتمام بها فإنه يتم على كل حال غير أنه يقصر فيما عداها
من عرفات ومنى وغير ذلك، إلا أن ينوي المقام عشرا فيتم حينئذ على ما قدمناه.
الوالي يجب عليه أن يتم إذا كان يدور في إمارته وولايته.
يكره للمسافر أن يؤم بالمقيم، وكذلك يكره للمقيم أن يؤم بالمسافر، فإن
كانا جميعا مسافرين فدخلا بلدا نوى أحدهما المقام عشرا والآخر لم ينو ذلك لا
ينبغي أن يؤم أحدهما صاحبه، فإن فعلا أتم الناوي صلاته وقصر الآخر، فإن كان
الناوي للمقام هو الإمام فإذا صلى ركعتين سلم الذي خلفه وانصرف، وإن كان
الإمام من لم ينو المقام صلى ركعتين وسلم ولم يسلم المأموم وقام فصلى تمام
صلاته، وكذلك القول إذا كان أحدهما مقيما والآخر مسافرا سواء.
من خرج من البلد إلى موضع بالقرب من مسافة فرسخ أو فرسخين بنية أن
ينتظر الرفقة هناك - والمقام عشرا فصاعدا، فإذا تكاملوا ساروا سفرا يجب عليهم
القصر - لا يجوز أن يقصر إلا بعد المسير من الموضع الذي يجتمعون فيه لأنه
ما نوى بالخروج إلى هذا الموضع سفرا يجب فيه التقصير، وإن لم ينو المقام
عشرة أيام وإنما خرج بنية أنه متى تكاملوا ساروا قصر ما بينه وبين شهر ثم يتمم،
431

فإن عن لبعضهم حاجة في البلد فعاد إليه في طريقه في الرجوع، فإن دخل بيته
وحضرت الصلاة تمم لأنه في موضع مقامه وإن أراد الخروج بعده بلا فصل.
من دخل عليه الوقت وهو مسافر وجب عليه التقصير، فإن نوى المقام قبل
أن يخرج الوقت لزمه التمام.
من دخل في الصلاة بنية القصر ثم عن له المقام عشرا تمم الصلاة، فإن شك
فلا يدري بنية القصر دخل أولا ولم ينو المقام عشرا قصر ولم يتمم، فإن كان
نوى المقام عشرا ودخل في الصلاة بنية التمام ثم عن له الخروج لم يجز له
القصر إلى أن يخرج مسافرا.
المسافر إذا صلى خلف مقيم لا يلزمه التمام، دخل معه في أول صلاته أو
آخرها.
من ترك الصلاة في حضر قضاها على التمام، مسافرا كان أو حاضرا، وإن
تركها في السفر وذكر قضاها على التقصير، مسافرا كان أو حاضرا.
إذا أم مسافر بمسافرين ومقيمين وأحدث ثم استخلف مقيما صلى المستخلف
صلاة المقيم، ولا يلزم المسافرين التمام.
ومتى نوى المسافر في خلال الصلاة المقام تمم الصلاة ولا يستأنفها صلاة
مقيم، فإن كان المأمومون مسافرين لم يلزمهم التمام.
من نسي في السفر فصلى صلاة مقيم لم يلزمه الإعادة إلا إذا كان الوقت باقيا
فإنه يعيد، ومتى صلى صلاة مقيم متعمدا أعاد على كل حال، اللهم إلا أن لم يعلم
وجوب التقصير فحينئذ يسقط عنه فرض الإعادة.
إذا قصر المسافر مع الجهل بجواز التقصير بطلت صلاته لأنه صلى صلاة
يعتقد أنها باطلة.
إذا أحرم في السفينة بصلاة مقيم ثم سارت السفينة لم يلزمه التقصير، لأن من
شرط التقصير أن يتوارى عنه جدران مصره أو يخفى عليه أذان مصره، فإن دخل
في الصلاة مسافرا بنية التقصير وسارت السفينة فدخلت بلدة وهو فيها تمم صلاة
432

المسافر إذا كان في آخر الوقت، فإن كان في أوله صلى صلاة مقيم.
إذا صلى خلف مقيم عالما به أو ظانا بحاله أو لم يعلم أصلا ولا ظن، أو
خلف مسافر عالما به أو ظانا لزمه التقصير على كل حال.
إذا سافر إلى بلد له طريقان فسلك الأبعد لغرض أو لا لغرض لزمه التقصير
وإن كان الأقرب لا يجب فيه التقصير لأن ما دل على وجوب التقصير عام.
إذا صلى المسافر فسها فصلى أربعا بطلت صلاته، لأن من أصحابنا من قال:
إن كل سهو يلحق الإنسان في صلاة السفر فعليه الإعادة، ومن لم يقل ذلك
يقول: هذا زاد في صلاته فعليه الإعادة على كل حال.
إذا كان قريبا من بلده وصار بحيث يغيب عنه أذان مصره فصلى بنية
التقصير، فلما صلى ركعة رعف فانصرف إلى أقرب بنيان البلد ليغسله فدخل
البنيان أو شاهدها بطلت صلاته لأن ذلك فعل كثير، فإن صلى في موضعه الآن
تمم لأنه في وطنه ومشاهد لبنيانه، فإن لم يصل وخرج إلى السفر والوقت باق
قصر، فإن فاتت الصلاة قضاه على التمام لأنه فرط في الصلاة وهو في وطنه.
فإن دخل في طريقه بلدا يعزم فيه على المقام عشرا لزمه التمام، فإن خرج
منه وفارق بنيانه لزمه التقصير، فإن عاد إليه لقضاء حاجة أو أخذ شئ نسيه لم
يلزمه التمام لأنه لم يعد إلى وطنه، وكان هذا فرقا بين هذه المسألة والتي قبلها.
إذا صلى مسافر بمقيمين ومسافرين صلى المسافرون ركعتين، ثم يسلم بهم
ويأمر المقيمين أن يتموا أربعا.
يجوز الجمع بين الصلاتين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء الآخرة في
السفر والحضر عند المطر وغير المطر، والجمع بينهما في أول وقت الظهر، فإن
جمع بينهما في وقت العصر كان جائزا. وإنما يكون جمعا إذا جمع بين
الفرضين، فأما إذا صلى بينهما نافلة فلا جمع، وليس بمحتاج إلى نية مفردة على
نية الصلاة للجمع لأنه لا دلالة عليها.
وحد المسافة التي يجب فيها التقصير ثمانية فراسخ أربعة وعشرون ميلا،
433

فإن كانت أربعة فراسخ وأراد الرجوع من يومه وجب أيضا التقصير، وإن لم يرد
الرجوع من يومه كان مخيرا بين التقصير والإتمام.
ولا يجوز التقصير للمكاري والملاح والراعي والبريد، والبدوي الذي قدمنا
وصفه ممن لا يكون له دار مقام، والوالي الذي يدور في ولايته أو جبايته، ومن
يدور في تجارته من سوق إلى سوق، ومن كان سفره أكثر من حضره، فهؤلاء
كلهم لا يجوز لهم التقصير ما لم يكن لهم مقام في بلدهم عشرة أيام، فإن كان لهم
في بلدهم مقام عشرة أيام كان عليهم التقصير، وإن كان مقامهم في بلدهم خمسة
أيام قصروا بالنهار وتمموا الصلاة بالليل.
من خرج بنيه السفر ثم بدا له وكان قد صلى على التقصير لم يلزمه شئ،
فإن لم يكن صلى أو كان في الصلاة تمم صلاته، فإن خرج من منزله وقد دخل
الوقت وجب عليه التمام إذا بقي من الوقت مقدار ما يصلي فيه على التمام، فإن
تضيق الوقت قصر ولم يتمم، وإن كان دخل في سفره قبل دخول الوقت وقد بقي
من الوقت مقدار ما يتمكن فيه من التمام تمم، وإن لم يبق مقدار ذلك قصر.
ومن عزم على المقام في بلد عشرة أيام وجب عليه التمام، فإن غير نيته عن
المقام نظرت، فإن كان قد صلى على التمام ولو صلاة واحدة لم يجز له التقصير
إلا بعد الخروج، وإن كان لم يصل شيئا على التمام قصر، فإن لم يدر ما مقامه
قصر ما بينه وبين شهر، فإذا مضى شهر صلى على التمام ولو صلاة واحدة.
ويستحب الإتمام في أربعة مواطن في السفر: بمكة والمدينة ومسجد الكوفة
والحائر على ساكنه السلام، وقد روي الإتمام في حرم الله وحرم الرسول
صلى الله عليه وآله وحرم أمير المؤمنين عليه السلام وحرم الحسين عليه السلام، فعلى
هذه الرواية يجوز الإتمام خارج المسجد بالكوفة وبالنجف، وعلى الرواية الأولى
لا يجوز إلا في نفس المسجد، ولو قصر في هذه المواضع كلها كان جائزا غير أن
الأفضل ما قدمناه.
ويسقط عن المسافر الجمعة وصلاة العيد، والمشيع لأخيه المؤمن يجب عليه
434

التقصير لأنه إما طاعة أو مباح.
ومن وجب عليه التقصير في السفر إذا مال إلى الصيد لهوا وبطرا تمم، فإذا
عاد إلى السفر رجع إلى التقصير.
ويستحب للمسافر أن يقول عقيب كل صلاة ثلاثين مرة: سبحان الله
والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، فإن ذلك جبران الصلاة، وليس على
المسافر، نوافل النهار، فإن سافر بعد زوال الشمس قبل أن يصلي نوافل الزوال
قضاها في السفر ليلا أو نهارا، وعليه نوافل الليل على ما قدمناه.
كتاب صلاة الجمعة:
صلاة الجمعة فريضة إذا حصلت شرائطها، وشروطها على ضربين: أحدهما:
يرجع إلى من وجبت عليه، والآخر: يرجع إلى صحة انعقادها.
فما يرجع إلى من وجبت عليه على ضربين: أحدهما: يرجع إلى الوجوب،
والآخر: يرجع إلى الجواز.
فشرائط الوجوب عشرة: الذكورة، والحرية، والبلوع، وكمال العقل،
والصحة من المرض، وارتفاع العمى، وارتفاع العرج، وأن لا يكون شيخا
لا حراك به، وأن لا يكون مسافرا، ويكون بينه وبين الموضع الذي يصلي فيه
فرسخان فما دونه.
وما يرجع إلى الجواز: الإسلام والعقل، فالعقل شرط في الوجوب والجواز
معا، والإسلام شرط في الجواز لا غير دون الوجوب لأن الكافر عندنا متعبد
بالشرائع. وإنما قلنا ذلك لأن من ليس بعاقل أوليس بمسلم لا تصح منه
الجمعة، وما عدا هذين الشرطين من الشرائط المقدم ذكرها شرط في الوجوب
دون الجواز، لأن جميع من قدمنا ذكره يصح منه فعل الجمعة.
فأما الشروط الراجعة إلى صحة الانعقاد فأربعة: السلطان العادل أو من يأمره
السلطان، والعدد سبعة وجوبا وخمسة ندبا، وأن يكون بين الجمعتين ثلاثة أميال
435

فما زاد عليها، وأن يخطب خطبتين.
والناس في باب الجمعة على خمسة أضرب: من تجب عليه وتنعقد به، ومن
لا تجب عليه ولا تنعقد به ومن تنعقد به ولا تجب عليه، ومن تجب عليه ولا تنعقد
به، ومختلف فيه.
فأما من تجب عليه وتنعقد به فهو كل من جمع الشرائط العشرة التي
ذكرناها.
ومن لا تجب عليه ولا تنعقد به فهو الصبي والمجنون والعبد والمسافر و
المرأة، فهؤلاء لا تجب عليهم ولا تنعقد بهم، ويجوز لهم فعلها تبعا لغيرهم.
وأما من تنعقد به ولا تجب عليه فهو المريض والأعمى والأعرج ومن كان
على رأس أكثر من فرسخين، فإن هؤلاء لا يجب عليهم الحضور، فإن حضروا
الجمعة وتم بهم العدد وجبت عليهم وانعقدت بهم الجمعة.
وأما من تجب عليه ولا تنعقد به فهو الكافر لأنه مخاطب عندنا بالعبادة ومع
هذا لا تنعقد به لأنه لا تصح منه الصلاة.
وأما المختلف فيه فهو من كان مقيما في بلد من التجار وطلاب العلم ولا
يكون مستوطنا بل يكون من عرفه متى انقضت حاجته خرج، فإنه يجب عليه و
تنعقد به عندنا، وفي انعقادها به خلاف.
من كان في بلد وجب عليه حضور الجمعة سمع النداء أو لم يسمع، فإن
كان خارجا عنه وبينه وبينه فرسخان فما دونه وجب عليه أيضا الحضور، فإن زاد
على ذلك لا تجب عليه. ثم لا يخلو أن يكون فيهم العدد الذي تنعقد بهم الجمعة
أم لا، فإن كانوا كذلك وجب عليهم الجمعة، وإن لم يكونوا لم يجب عليهم غير
الظهر. ومتى كان بينهم وبين البلد أقل من فرسخين وفيهم العدد الذي ينعقد بهم
الجمعة جاز لهم إقامتها ويجوز لهم حضور البلد.
ومن وجبت عليه الجمعة فصلى الظهر عند الزوال لم يجزئه عن الجمعة، فإن
لم يحضر الجمعة وخرج الوقت وجب عليه إعادة الظهر أربعا لأن ما فعله أولا لم
436

يكن فريضة.
يجب على أهل القرى والسواد إذا كان فيهم العدد الجمعة، ومن شرط ذلك
أن تكون قراهم مواضع استيطان، فأما أهل بيوت مثل البادية والأكراد فلا يجب
عليهم ذلك لأنه لا دليل على وجوبها عليهم، ولو قلنا: إنها تجب عليهم إذا حضر
العدد، لكان قويا لعموم الأخبار في ذلك.
إذا كان في قرية جماعة تنعقد بهم الجمعة فكل من كان بينه وبينهم مسافة
فرسخين فما دونها وليس فيهم العدد الذي تنعقد بهم الجمعة وجب عليهم
الحضور، وإن كان فيهم العدد جمعوا لنفوسهم.
قد بينا أن العدد معتبر سبعة وجوبا وخمسة ندبا، والعدد شرط في صحة
الخطبة أيضا لعموم الأخبار، وهو شرط في واجبات الخطبة لا في مسنوناتها لأن
المسنونات يجوز تركها.
إذا انعقدت الجمعة عند حصول شرائطها وبعد تكبيرة الإحرام ثم انتقض
العدد بعضهم أو أكثرهم أو لم يبق إلا الإمام فإنه يتم الجمعة ولا يلزمه الظهر أربعا
لأنه لا دليل عليه.
بقاء الوقت ليس بشرط في صحة الجمعة، بل لو خرج الوقت قبل الفراع
منها لم ينتقل إلى الظهر أربعا إلا أن يخرج الوقت كله قبل التلبس بها فحينئذ
ينتقل إلى فرض الظهر قضاء بلا خلاف.
إذا ركع الإمام وركع معه المأموم، فلما سجد الإمام زوحم المأموم فلم
يتمكن من السجود وتمكن من السجود على ظهر غيره لا يجوز أن يسجد عليه
ويصبر حتى يسجد على الأرض لأنه لا دليل على جواز ذلك.
فإذا رفع الإمام رأسه من السجود وتخلص المأموم فلا يخلو من ثلاثة
أحوال: إما أن يتخلص المأموم قبل ركوع الإمام في الثانية، أو بعد ركوعه في
الثانية، أو وهو راكع.
فإن تخلص والإمام في الثانية قبل الركوع فعلى المأموم أن يتشاغل بقضاء
437

ما عليه ثم يلحق به، فإذا سجد والإمام قائم بعد قام معه وركع معه، وإن قام
والإمام راكع انتصب ثم ركع ولا يتشاغل بالقراءة لأنه ليس على المأموم قراءة،
وهذا إذا تخلص قبل أن يركع الإمام في الثانية، فأما إن تخلص بعد أن يركع في
الثانية فعليه أن يسجد مع الإمام وينوي بهما للركعة الأولى، فإن لم ينو كذلك
فلا يعتد بهما ويستأنف سجدتين للركعة الأولى ثم استأنف بعد ذلك ركعة
أخرى وقد تمت جمعته، وقد روي أنه تبطل صلاته.
إذا سبق للإمام حدث جاز له أن يستخلف غيره ويقدمه ليتم بهم الصلاة في
جميع الصلوات وكذلك الجمعة، وسواء أحدث بعد الخطبة قبل التحريمة أو
بعد التحريمة وعلى كل حال لعموم الأخبار في جواز الاستخلاف، ويتم بهم
الإمام الثاني الجمعة ولا ينتقل إلى الظهر لأنه لا دليل على ذلك، وكذلك إن
تقدم إنسان عند انصراف الإمام فصلى بهم أو قدمه غير الإمام فصلى بهم كان
جائزا.
إذا صلى المسافر بمقيمين ففرع من فرضه جاز له أن يقدم من يصلي بهم تمام
صلاتهم.
العبد يسقط عنه فرض الجمعة، وكذلك المدبر والمكاتب المشروط عليه،
فأما من انعتق بعضه أو اتفق مع مولاه على مهاياة في الأيام واتفق يوم نفسه يوم
الجمعة يجب عليه حضورها لأنه ملك نفسه في هذا اليوم، فإن لم يحصل بينه
وبين مولاه مهاياة لم يلزمه لأنه لا يتميز له حق نفسه.
المسافر لا تجب عليه الجمعة إلا إذا أقام في بلد عشرة أيام فصاعدا.
والمرأة ليس عليها الجمعة عجوزا كانت أو شابة، والأفضل أن تصلي في
بيتها.
والمريض لا تجب عليه الجمعة، فإن حضرها وجب عليه الدخول فيها،
وكل من لا تجب عليه الجمعة إذا تكلف وحضر وصلاها سقط عنه فرض الظهر.
من كان فرضه الظهر دون الجمعة جاز له أن يصليه في أول الوقت، ولا
438

يجب عليه التوقف حتى يفرع الإمام من الجمعة، ويجوز له أن يصلي جماعة، فإن
صلى في أول الوقت ثم حضر الجمعة فقد سقط فرض الوقت عنه، فإن دخلها كان
له فيه فضل.
من تجب عليه الجمعة يجوز له أن يتركها لعذر في نفسه أو أهله أو قرابته أو
أخيه في الدين، مثل أن يكون مريضا يهتم بمراعاته أو ميتا يقوم على دفنه وتجهيزه
أو ما يقوم مقامه.
إذا زالت الشمس يوم الجمعة لا يجوز أن يسافر إلا بعد أن يصلي الجمعة، لأنه
تعين عليه فرض الجمعة فلا يجوز أن يشرع فيما يسقطه، ويكره له السفر إذا طلع
عليه الفجر من يوم الجمعة إلى أن يصلي الجمعة.
العدد شرط في صحة الخطبة، فإن خطب وحده ثم حضره العدد أعاد الخطبة
وإلا لم تصح الجمعة.
المعذور من العبد والمسافر والمريض إذا صلوا في منازلهم الظهر ثم سعوا
إلى الجمعة لم يبطل ظهرهم لأنه لا دليل عليه.
تكره النوافل عند وقوف الشمس وسط النهار في سائر الأيام إلا يوم الجمعة
فإنه يجوز ذلك ما لم يقعد الإمام على المنبر ويأخذ في الخطبة، فإذا أخذ فيها
فليس لأحد أن يصلي، وينبغي أن يصغي إليه، ولا ينبغي أن يتكلم في حال خطبة
الإمام.
ولا ينبغي لأحد أن يتخطى رقاب الناس ظهر الإمام أو لم يظهر، سواء كان
له عادة بالصلاة في موضع أو لم يكن فإن كان داخل الزحمة سعة لم يكره
ذلك، فأما الإمام فلا يكره له ذلك لأنه لا يجد عنه مندوحة، وينبغي أن يفرجوا
له.
إذا كان جالسا ينتظر الخطبة فغلبه النعاس فينبغي أن يتشاغل بما يمنع من
النعاس، وإن احتاج إلى الانتقال من مكانه انتقل ليزول عنه النعاس.
ولا ينبغي لأحد أن يقيم غيره عن مكانه الذي هو جالس فيه ليجلس فيه في
439

الجامع، وإن تبرع إنسان بالقيام عنه لم يكره، وإن أنفذ بثوب ففرش له في مكان
لم يكن بذلك أحق من غيره فيه، وللغير رفعه والجلوس فيه، فإن قام من موضعه
لحاجة ثم عاد كان أحق بمكانه من غيره.
الخطبة شرط في صحة الجمعة لا تصح من دونها، ومن شرط الخطبة أن يأتي
بها قائما، ويفصل بين الخطبتين بجلسة خفيفة، والكلام فيهما وبينهما مكروه
وليس بمحظور، وإن خطب جالسا مع العذر من علة أو زمانة صحت صلاته
وصلاة من خلفه، فإن لم يكن به علة بطلت صلاته وصحت صلاة من خلفه إذا لم
يعلموا ذلك، فإن علموا أو علم بعضهم أنه ليس به علة بطلت صلاة من علم ذلك
وصحت صلاة من لم يعلم.
من شرط الخطبة الطهارة، وأقل ما يكون الخطبة أربعة أصناف: حمد الله
تعالى، والصلاة على النبي وآله، والوعظ، وقراءة سورة خفيفة من القرآن، وما زاد
عليه مستحب، ولا يطول الخطبة بل يقتصد فيها لئلا يفوته فضيلة أول الوقت.
إذا دخل في الجمعة فدخل عليه وقت العصر قبل أن يتم الجمعة تممها جمعة
ولم يلزمه أن يتمها ظهرا لأنه لا دليل عليه، وإن بقي من وقت الظهر ما يأتي فيه
بخطبتين خفيفتين وركعتين خفيفتين أتى بهما وصحت الجمعة.
فإن بقي من الوقت ما لا يتسع للخطبتين وركعتين فينبغي أن يصلي الظهر،
ولا يصح له الجمعة لأن من شرط الجمعة الخطبة، وهذا ليس يمكنه أن يأتي
بالخطبتين لأنه لو خطبهما فاته الوقت، وقد روي أنه من فاته الخطبتان صلى
ركعتين، فعلى هذه الرواية يمكن أن يقال: يصلي الجمعة ركعتين ويترك
الخطبتين، والأول أحوط، والوجه في هذه الرواية أن يكون مختصة بالمأموم الذي
يفوته الخطبتان فإنه يصلي الركعتين مع الإمام، فأما أن تنعقد الجمعة من غير
خطبتين فلا تصح على حال.
ومن خطب وصلى الجمعة وشك هل كان الوقت باقيا قبل التسليم أو
خارجا صحت صلاته، لأن الأصل بقاء الوقت ولم يعلم خروجه، على أنه قد بينا
440

أن بقاء الوقت ليس بشرط في صحة الجمعة إذا كان دخل فيها في الوقت.
إذا أدرك ركعة من الجمعة فقد لحق الجمعة، وآخر ما يلحق الجمعة أن
يلحق الإمام في الركوع في الثانية، فإن لحقه وقد رفع رأسه من الركوع في
الثانية فقد فاتته الجمعة وعليه الظهر أربع ركعات، وكذلك إن كبر تكبيرة
الإحرام والإمام راكع فحين كبر رفع الإمام رأسه فقد فاتته تلك الركعة وسجد
مع الإمام تابعا له ولا يعتد به ويصلى لنفسه الظهر إن شاء.
وإن كبر خلفه وركع والإمام راكع ورفع الإمام، لكنه شك هل لحق
بإمامه قبل أن يرفع أو بعده، فعليه الظهر لأنه لم يتحقق أنه لحق مع الإمام
ركعة.
ولو أدركه راكعا وركع ورفع وسجد سجدتين، ثم شك هل سجد مع
إمامه سجدة أو سجدتين تمم الجمعة لأنه لا سهو على المأموم خلف الإمام.
وإن أدرك معه ركعة فصلاها معه ثم سلم الإمام، وقام فصلى ركعة أخرى
ثم ذكر أنه ترك سجدة فلم يدر هل هي من التي صلاها مع الإمام أو من الأخرى
أضاف إليها سجدة وقد تمت صلاته، لأن الركعة الأولى مع الإمام لا حكم
لسهوه فيها، والركعة التي انفرد بها إذا شك أنه سجد واحدة أو ثنتين أضاف إليها
سجدة أخرى، فإن ذكر بعد ذلك أنه كان تركها من الركعة التي مع الإمام
قضى سجدة إذا سلم وقد تمت جمعته، وإن ذكر أنها كانت من التي انفرد بها فقد
تممها بالتي فعلها.
يستحب للإمام أن يصعد المنبر بسكينة ووقار، ويقعد دون الدرجة العليا،
ثم يجلس عليه للاستراحة، وينبغي أن يعتمد على سيف أو عصا أو قوس لأنه روي
أن النبي صلى الله عليه وآله فعل هكذا، ولا يضع يمينه على شماله كما لا يفعل
ذلك في الصلاة، وينبغي أن يكون الإمام فصيحا في خطبته بليغا لا يلحن، ويكون
صادق اللهجة، ويكون ممن يصلي في أول الوقت، ولا ينبغي أن يطول الخطبة لما
بيناه، فإن أرتج على الإمام جاز أن يفتح عليه من خلفه إذا لم يتذكر من قبل
441

نفسه.
فإن قرأ الإمام سورة على المنبر فيها سجدة، فإن كانت من العزائم نزل و
سجدها وسجد الناس معه، وإن لم تكن من العزائم جاز أن لا ينزل ولا يسجد.
والإنصات للخطبة مستحب ليس بواجب، وموضع الإنصات من وقت أخذ
الإمام في الخطبة إلى أن يفرع من الصلاة، وإن تكلم بعد فراغه من الخطبتين قبل
الصلاة لم يكن به بأس غير أن الأفضل ما قلناه، وإذا دخل المسجد والإمام
يخطب ترك السلام، فإن سلم عليه جاز أن يرد الجواب كما يجوز أن يرده في
الصلاة، ويجوز أن يسمت العاطس، ولا بأس بشرب الماء والإمام يخطب.
وقد بينا أن من شرط انعقاد الجمعة الإمام أو من يأمره الإمام بذلك، ولا
يجوز مع حضور الإمام العادل أن يتولى الجمعة غيره إلا إذا منعه من الحضور
مانع من مرض وغيره، ولا تنعقد الجمعة بإمامة فاسق ولا امرأة، وكل من
لا تنعقد به الجمعة لا يكون إماما فيها، ويجوز أن يكون إمام الجمعة عبدا إذا كان
أقرأ الجماعة ويكون العدد قد تم بالأحرار.
والمسافر يجوز أن يصلي الجمعة بالمقيمين وإن لم يكن واجبا عليه، إلا أنه لا
يصح منه ذلك إلا إذا أتى بالخطبتين ويكون العدد قد تم بغيره، وإن صلى بقوم
مسافرين بلا خطبة كان ظهرا لا جمعة.
والنساء إذا اجتمعن فلا تنعقد بهن جمعة لأنه لا دليل على ذلك، والصبي
الذي لم يبلغ لا تنعقد به الجمعة.
وأقل ما يكون بين الجمعتين ثلاثة أميال، فإن صلى في موضعين بهما أقل
من ثلاثة أميال فلا يخلو أن يكون الجمعتان وقعتا في حالة واحدة أو تقدمت
أحدهما الأخرى، فإن وقعتا في حالة واحدة بطلتا معا، فإذا بطلتا، فإن كان الوقت
باقيا ففرضهما الجمعة، وإن فات الوقت وجب عليهما الظهر أربع ركعات، وإن
تقدمت إحديهما الأخرى كانت المتقدمة صحيحة والأخرى باطلة.
وإن لم يعلم أيهما سبق أو علم إن إحديهما سابقة غير أنه لا يعلم عينها أو
442

عرف عينها إلا أنها نسيت بطلت في الأحوال الثلاث الصلاتان معا، وكان
فرضهما الجمعة مع بقاء الوقت والظهر مع تقضي الوقت.
والسابق منهما يكون بمقدار تكبيرة الإحرام، لأنها إذا سبقت بذلك فقد
انعقدت فما يطرأ عليها يكون باطلا.
وإذا أحرم بالجمعة فأخبر أنه قد صلي في البلد في موضع آخر الجمعة لم
تنعقد جمعته ويصلي ظهرا إذا لم يكن بينهما ثلاثة أميال.
ولا يؤذن إلا أذان واحد يوم الجمعة، والثاني مكروه، روي أن أول من فعل
ذلك عثمان، وقال عطاء: إن أول من فعل ذلك معاوية، وقال الشافعي: ما فعله
النبي صلى الله عليه وآله وأبو بكر وعمر أحب إلي وهو السنة، وهو مثل ما قلناه.
والوقت الذي يحرم البيع فيه يوم الجمعة حين يقعد الإمام على المنبر بعد
الأذان، وإنما يحرم ذلك على من تجب عليه الجمعة من الأحرار البالغين العقلاء
المقيمين، فأما المسافر والعبد والصبي والمرأة وغيرهم ممن لا تجب عليهم الجمعة
فإنه لا يحرم عليه البيع.
فإن كان أحدهما يجب عليه والآخر لا يجب عليه كره لمن لا يجب عليه
مبايعته لأنه يكون إعانة على ما هو محرم عليه.
فإن خالف من يحرم عليه البيع وتبايعا فالظاهر من المذهب أنه لا ينعقد
البيع لأنه منهي عنه، والنهي يدل على فساد المنهي عنه، وفي أصحابنا من قال:
ينعقد العقد وإن كان محرما ويملك به ما يملكه بالعقد الصحيح.
وتقديم النوافل يوم الجمعة خاصة قبل الزوال أفضل، وفي غيرها من الأيام
لا يجوز، ويستحب أن يصلى ست ركعات عند انبساط الشمس، وست ركعات
عند ارتفاعها، وست ركعات إذا قرب من الزوال، وركعتين عند الزوال، ثم
يجمع بين الفرضين بأذان واحد وإقامتين، فإن فصل بين الفرضين بست ركعات
على ما ورد به بعض الروايات والباقي على ما بيناه كان أيضا جائزا، وإن أخر
جميع النوافل إلى بعد العصر جاز أيضا، غير أن الأفضل ما قلناه، فإن زالت
443

الشمس ولم يكن قد صلى شيئا من النوافل أخرها كلها وجمع بين الفرضين فإنه
أفضل.
والزيادة في نوافل نهار يوم الجمعة أربع ركعات مستحبة على ما فصلناه.
ومن السنن اللازمة يوم الجمعة الغسل على النساء والرجال والعبيد
والأحرار، في الحضر والسفر مع الإمكان، ووقته من طلوع الفجر إلى الزوال
الشمس، وكلما قرب من الزوال كان أفضل، فإن فاته قضاه إما بعد الزوال أو يوم
السبت، وإن قدمه يوم الخميس جاز إذا خاف ألا يجد الماء يوم الجمعة أو لا
يتمكن من استعماله.
ويستحب أن يتنظف يوم الجمعة ويحلق رأسه ويقص أظفاره ويأخذ من
شاربه، ويلبس أطهر ثيابه ويمس شيئا من الطيب جسده، فإذا توجه إلى المسجد
الأعظم مشى على سكينة ووقار ويدعو في توجهه بما هو معروف.
وينبغي للإمام إذا قرب من الزوال أن يصعد المنبر ويأخذ في الخطبة بقدر ما
إذا فرع منها تزول الشمس، فإذا زالت نزل فصلى بالناس، ويفصل بين الخطبتين
بجلسة وبقراءة سورة خفيفة.
ولا يجوز أن يكون الإمام أجذم أو أبرص أو مجنونا، بل يكون مسلما مؤمنا
عدلا غير فاسق، ويستحب له أن يلبس العمامة شاتيا أو قائظا ويتردى ببرد يمنية.
وإذا اختل شئ مما وصفناه من صفات الإمام سقط فرض الجمعة وكان
الفرض الظهر مثل سائر الأيام، فإن حضر ليصلي خلف من لا يقتدي به جمعة،
فإن تمكن أن يقدم فرضه أربع ركعات فعل، وإن لم يتمكن صلى معه ركعتين
فإذا سلم الإمام قام فأضاف إليهما ركعتين آخرتين ويكون ذلك تمام صلاته.
وإذا صلى الإمام بالناس ركعتين جهر فيهما بالقراءة، ويقرأ في الأولى منهما
الحمد وسورة الجمعة، وفي الثانية الحمد والمنافقين، ويقنت قنوتين: أحدهما في
الركعة الأولى قبل الركوع، والثاني في الركعة الثانية بعد الركوع.
ومن صلى وحده استحب له أيضا أن يقرأ السورتين اللتين ذكرناهما في
444

الظهر والعصر، فإن سبق إلى غيرهما ثم ذكر عاد إليهما ما لم يتجاوز فيما أخذ
نصف السورة، فإن تجاوز نصفها تمم الركعتين واحتسب بهما نافلة واستأنف
الفريضة بالسورتين، هذا هو الأفضل، فإن لم يفعل وقرأ غيرهما كانت الصلاة
ماضية، ويكون ترك الأفضل.
ومن صلى الظهر فليس عليه إلا قنوت واحد، ويستحب له أن يجهر بالقراءة.
ولا بأس أن يجمع المؤمنون في زمان التقية بحيث لا ضرر عليهم فيصلون
جمعة بخطبتين، فإن لم يتمكنوا من الخطبة صلوا جماعة ظهرا أربع ركعات.
والصلاة يوم الجمعة في المسجد الأعظم أفضل منها في المنزل وإن لم يكن
هناك إمام يقتدى به، ويكره الأذان لصلاة العصر يوم الجمعة بل ينبغي إذا فرع
من فريضة الظهر أن يقيم للعصر ويصلي، إماما كان أو مأموما.
كتاب صلاة الجماعة:
صلاة الجماعة فيما عدا الجمعة سنة مؤكدة في جميع الصلوات الخمس،
وليست بفرض لا على الأعيان ولا على الكفايات، فمن فعلها جماعة فقد فضلت
صلاته على صلاة المنفرد بخمس وعشرين صلاة، ومن صلى منفردا جازت صلاته
وفاته الفضل.
وأقل ما ينعقد به الجماعة اثنان فصاعدا وأكثره لا حصر له، وكلما كثروا
كان أفضل، والظاهر من المذهب أن الجماعة لا تنعقد جماعة إلا بشرط تقديم
الأذان والإقامة، وفي أصحابنا من قال: إن ذلك من الفضل دون الوجوب.
إذا صلي في مسجد جماعة كره أن يصلى فيه دفعة أخرى جماعة تلك
الصلاة، فإن حضر قوم صلوا فرادى، وروي صحة ذلك غير أنهم لا يؤذنون ولا
يقيمون ويجتزئون بما تقدم من الأذان والإقامة، هذا إذا لم يكن الصف قد انفض،
فإن انفض جاز لهم أن يؤذنوا ويقيموا.
ولا ينبغي أن يترك صلاة الجماعة إلا لعذر عام أو خاص.
445

فالعام: المطر والوحل والرياح الشديدة وما أشبه ذلك، وهذه الأعذار في
الجماعة هي أعذار في ترك الجمعة لقول النبي صلى الله عليه وآله: إذا ابتلت
النعال فالصلاة على الرحال، قال الأصمعي: النعال وجه الأرض الصلبة.
والعذر الخاص: المرض، والخوف، ومدافعة الأخبثين، وحضور الطعام
مع شدة الشهوة، أو فوات رفقة، أو هلاك طعام له من طبيخ أو خبز يخاف
احتراقه، أو خوف ضرر يلحقه دينا أو دنيا، أو يكون له عليل، أو يغلبه النعاس
فيخاف في انتظار الجماعة عليه النوم وانتقاض الطهر فتفوته الصلاة، أو ذهاب
مال، أو إباق عبد وما أشبه ذلك فإن عند جميع ذلك يجوز له التأخير لقوله
تعالى: ما جعل عليكم في الدين من حرج.
يجوز للمنتقل أن يأتم بالمفترض، والمفترض بالمنتفل، والمفترض
بالمفترض، مع اختلاف فرضيهما ومع اتفاقهما.
إذا رأى رجلين يصليان فرادى فنوى أن يأتم بهما لم يصح صلاته لأن
الاقتداء بإمامين لا يصح، وإذا نوى أن يأتم بأحدهما لا بعينه لم يصح لأنه إذا لم
يعرف إمامه لم يمكنه الائتمام به، فإذا رأى رجلين أحدهما إمام فنوى الاقتداء
بالمأموم لم يصح لأن الإمام هو الذي يتبع ولا يتبع المأموم، وكذلك إذا نوى
الائتمام بالإمام ثم بان أن المأموم كان قد خالف سنة الموقف ووقف مكان
الإمام لا تصح صلاته لأنه بان أنه ائتم بمن لا يصح أن يكون إماما.
وإذا صلى رجلان فذكر كل واحد منهما أنه إمام صحت صلاتهما، وإن ذكر
كل واحد منهما إنه مأموم بطلت صلاتهما، وإن شكا فلم يعلم كل واحد منهما أنه
إمام أو مأموم لم تصح أيضا صلاتهما لأن الصلاة لا تنعقد إلا مع القطع.
يكره للإمام أن يطول صلاته انتظارا لمن يجئ فيكثر به الجماعة أو ينتظر
من له قدر، فإن أحس بداخل لم يلزمه التطويل ليلحق الداخل الركوع، وقد
روي أنه إذا كان راكعا يجوز أن يطول ركوعه مقدار الركوع دفعتين ليلحق
الداخل تلك الركعة.
446

يكره إمامة من يلحن في قراءته - سواء كان في الحمد أو غيرها، أحال المعنى
أو لم يحل - إذا لم يحسن إصلاح لسانه، فإن كان يحسن ويتعمد اللحن فإنه
تبطل صلاته وصلاة من خلفه إن علموا بذلك، وإن لم يعلموا لم تبطل صلاتهم،
وإنما قلنا ذلك لأنه إذا لحن لم يكن قارئا للقرآن لأن القرآن ليس بملحون.
ويكره الصلاة خلف التمتام ومن لا يحسن أن يؤدى الحرف، وكذلك
الفأفاء، والتمتام: هو الذي لا يؤدي التاء، والفأفاء: هو الذي لا يؤدي الفاء،
وكذلك لا يأتم بأرت ولا ألثغ ولا أليغ، فالأرت: الذي يلحقه في أول كلامه
رتج فيتعذر عليه فإذا تكلم انطلق لسانه، والألثغ: الذي يبدل حرفا مكان
حرف، والأليغ: الذي لا يأتي بالحروف على البيان والصحة. وإذا أم أعجمي
لا يفصح بالقراءة أو عربي بهذه الصفة كرهت إمامته.
ولا يأتم رجل بامرأة ولا خنثى، لأن الخنثى يجوز أن يكون امرأة، فإن ثبت
أنه رجل جاز، وإن ثبت أنها امرأة لم يجز، ولا يجوز أن يأتم الخنثى بخنثى، لأنه
يجوز أن يكون الإمام امرأة والمأموم رجلا فلا تصح صلاته، ويجوز أن تأتم المرأة
بالرجل وبخنثى، لأنه يجوز لها أن تأتم بالرجل والمرأة، ولا بأس أن يؤم الرجل
بجماعة النساء وإن لم يكن له فيهن محرم.
ولا يجوز أن يأتم بفاسق ولا مخالف في اعتقاد الحق - من القول بالتوحيد
والعدل والنبوة وإمامة الاثني عشر - على اختلاف مذاهبهم وآرائهم، ولا بمن
يوافقه في الاعتقاد إذا لم يكن عدلا مرضيا لأن إمامة الفاسق غير جائزة.
ولا يأتم القارئ بالأمي، وحد الأمي من لا يحسن قراءة الحمد، ويجوز أن يأتم
أمي بأمي، فإن صلى أمي بقارئ بطلت صلاة القارئ وصحت صلاة الأمي، فإن
صلى بقارئ وأمي بطلت أيضا صلاة القارئ وحده وصحت صلاة الإمام والمأموم
الأمي.
من صلى خلف رجل ثم تبين أنه كان كافرا لم تجب عليه الإعادة، ولا
يحكم على المصلي بالإسلام سواء صلى منفردا أو في جماعة في مسجد كان أو في
447

بيته، ولا يحكم بارتداده إذا قال: لم أسلم لأن الحكم بهما يحتاج إلى دليل.
من صلى بقوم بعض الصلاة ثم سبقه الحدث فاستخلف فأتم الثاني الصلاة
جاز ذلك.
ويستحب أن لا يستخلف إلا من شهد الإقامة، وإن استخلف غيره كان
جائزا، فإن استخلف من سبق بركعة صلى بهم تمام ما بقي لهم ويومئ إليهم
ليسلموا ويقوم هو فيتم الصلاة لنفسه، فإن لم يعلم كم فاته مع الإمام نبهه عليه
من خلفه بالإيماء.
وإذا صلى بقوم وهو محدث أو جنب ولا يعلم حال نفسه، ولا علم المأموم
ذلك، ثم علم في أثناء الصلاة خرج واغتسل أو توضأ وأعاد الصلاة من أولها
لأنه صلى بغير طهارة، ولا يلزم المأمومين استئناف الصلاة بل صلاتهم تامة إن لم
يعلموا، فإن علموا حاله كانت صلاتهم أيضا باطلة وعليهم استئنافها.
المراهق إذا كان عاقلا مميزا يصلي صلاة صحيحة جاز أن يكون إماما، وإن
لم يكن مميزا عاقلا لم يجز ذلك.
ولا يتقدم أحد على غيره في مسجده ولا في منزله ولا في إمارته إلا بأمره
وإذنه. فإن أذن له جاز له ذلك إذا كان يصلح للإمامة، وإذا حضر رجل من بني
هاشم فهو أولى بالتقدم إذا كان ممن يحسن القراءة.
ويكره أن يؤم المتيمم المتوضئين، وكذلك يكره أن يؤم المسافر
الحاضرين، فإن فعل صلى صلاته وسلم وقدم من يصلي بهم تمام الصلاة، وإن
صلى مسافر خلف مقيم صلى فرضه وانصرف، ولا يلزمه الإتمام.
ولا يجوز أن يؤم ولد الزنى، ولا الأعرابي المهاجرين، ولا العبيد الأحرار،
ويجوز أن يؤم العبد بمواليه إذا صلح للإمامة، ويجوز أن يؤم الأعمى بالمبصر إذا
كان من ورائه من يسدده ويوجهه إلى القبلة.
ولا يؤم المجذوم والأبرص والمحدود والمجنون من ليس كذلك، ويجوز
إمامته بمن كان مثله، ولا يؤم المقيد المطلقين، ولا صاحب الفالج الأصحاء.
448

ولا يصلى خلف الناصب، ولا خلف من يتولى أمير المؤمنين إذا لم يتبرأ من
عدوه، ولا يؤم العاق أبويه ولا قاطع الرحم ولا السفيه ولا الأغلف.
المأموم إذا كان واحدا وقف عن يمين الإمام، فإن وقف عن يساره أو ورائه
لم تبطل صلاته وإن كان ترك الأفضل، وإن صلى قدامه بطلت صلاته دون
صلاة الإمام، فإن كانا اثنين وقفا خلفه، فإن لم يفعلا ووقفا عن يمينه وشماله لم
تبطل صلاتهما.
المرأة تقف خلف الإمام وكذلك الخنثى المشكل أمره، فإن اجتمع امرأة
وخنثى وقف الخنثى خلف الإمام والمرأة خلف الخنثى، فإن اجتمع رجال ونساء
وخناثى وصبيان وقف الرجال وراء الإمام ثم الصبيان ثم الخناثى ثم النساء، ولا
يمكن الصبيان من الصف الأول.
وأما جنائزهم، فإنه يترك جنازة الرجال بين يدي الإمام ثم جنائز الصبيان
ثم جنائز الخناثى ثم النساء.
فأما دفنهم، فالأولى أن يفرد لكل واحد منهم قبر لما روي عنهم عليهم
السلام أنه لا يدفن في قبر واحد اثنان، فإن دعت ضرورة إلى ذلك جاز أن يجمع
اثنان وثلاثة في قبر واحد كما فعل النبي صلى الله عليه وآله يوم أحد، فإذا اجتمع
هؤلاء جعل الرجال مما يلي القبلة والصبيان بعدهم ثم الخناثى ثم النساء.
وإذا دخل المسجد وخاف فوت الركوع مع الإمام جاز أن يحرم ويركع
مكانه، وينتظر مجئ من يقف معه، فإن لم يجئ أحد جاز له أن يمشي في ركوعه
حتى يلحق بالصف، وإن سجد في موضعه ثم لحق بالصف في الركعة الثانية
كان أفضل.
من صلى قدام الإمام فقد قلنا إنه لا تصح صلاته لأنه لا دليل على صحتها، فإن
وقف في طرف المسجد والإمام في طرف آخر ولم تتصل الصفوف بينه وبين
الإمام أو فوق سطح المسجد أجزأه ما لم يحل بينه وبين الإمام حائل أو بين
الصفوف وبينه ذلك. ولا يجوز أن يكون الإمام على موضع أعلى من موضع
449

المأموم، ويجوز أن يكون المأموم على مكان أعلى منه.
من صلى خارج المسجد ولم يحل بينه وبين الإمام حائل، أو بينه وبين
الصفوف المتصلة المشاهدة للإمام ذلك، ولا بعد مفرط صحت صلاته، ومتى
بعد ما بينهما لم تصح صلاته وإن علم بصلاة الإمام.
وحد البعد ما جرت العادة بتسميته بعدا، وحد قوم ذلك بثلاث مائة
ذراع، وقالوا على هذا: إن وقف وبينه وبين الإمام ثلاث مائة ذراع، ثم وقف
آخر وبينه وبين هذا المأموم ثلاث مائة ذراع، ثم على هذا الحساب والتقدير بالغا
ما بلغوا صحت صلاتهم، قالوا: وكذلك إذا اتصلت الصفوف بالمسجد ثم
اتصلت بالأسواق والدروب والدور بعد أن يشاهد بعضهم بعضا ويرى الأولون
الإمام صحت صلاة الكل، وهذا قريب على مذهبنا أيضا، والشارع ليس بحائل
يمنع الائتمام بصلاة الإمام لأنه لا دليل عليه.
الحائط وما يجري مجراه مما يمنع من مشاهدة الصفوف يمنع من صحة
الصلاة والاقتداء بالإمام، وكذلك الشبابيك والمقاصير يمنع من الاقتداء بإمام
الصلاة إلا إذا كانت مخرمة لا تمنع من مشاهدة الصفوف.
الصلاة في السفينة جماعة جائزة، وكذلك فرادى، سواء كان الإمام
والمأموم في سفينة واحدة أو في سفن كثيرة، وسواء كانت مشدودة بعضها إلى
بعض أو لم يكن كذلك، وكذلك لا فرق بين أن يكون الإمام على الشط
والمأمون في السفينة أو الإمام في السفينة والمأمومون على الشط إذا لم يحل
بينهما حائل، لأن ما روي من جواز الصلاة في السفينة عام في جميع الأحوال.
إذا كانت دار بجنب المسجد كان من يصلي فيها لا يخلو من أن يشاهد من
في المسجد والصفوف أو لا يشاهد، فإن شاهد من هو داخل المسجد صحت
صلاته، وإن لم يشاهد غير أنه اتصلت الصفوف من داخل المسجد إلى خارج
المسجد واتصلت به صحت صلاته أيضا وإلا لم تصح، وإن كان باب الدار
بحذاء باب المسجد وباب المسجد عن يمينه أو عن يساره واتصلت الصفوف من
450

المسجد إلى داره صحت صلاتهم، فإن كان قدام هذا الصف في داره صف لم
تصح صلاة من كان قدامه، ومن صلى خلفهم صحت صلاته، سواء كان على
الأرض أو في غرفة منها، لأنهم مشاهدون الصف المتصل بالإمام والصف الذي
قدامه لا يشاهدون الصف المتصل بالإمام.
يستحب أن ينتظر الإمام الذي جرت عادته بالصلاة في المسجد، فإن خيف
فوت الوقت أو فوت وقت الفضل جاز تقديم غيره.
من فارق الإمام لغير عذر بطلت صلاته، وإن فارقه لعذر وتمم صلاته صحت
صلاته ولا يجب عليه إعادتها.
شرائط إمام الصلاة خمسة: القراءة والفقه والشرف والهجرة والسن.
فالقراءة والفقه مقدمان، والقراءة مقدمة على الفقه إذا تساويا في الفقه، ويعني
بالقراءة القدر الذي يحتاج إليه في الصلاة، فإذا تساويا في القراءة قدم الأفقه، فإن
كان أحدهما فقيها لا يقرأ والآخر قارئ لا يفقه فالقارئ أولى، لأن القراءة شرط في
صحة الصلاة والفقه ليس بشرط، وإن كان أحدهما يقرأ ما يكفي في الصلاة لكنه
أفقه، والآخر كامل القراءة غير كامل الفقه لكنه معه من الفقه ما يعرف معه
أحكام الصلاة جاز تقديم أيهما كان.
فإن تساويا في الفقه والقراءة قدم الأشرف، فإن تساويا في الشرف قدم
أقدمهما هجرة، فإن تساويا في الهجرة قدم أسنهما - ويريد بذلك من كان سنه في
الإسلام أكثر، لأنه لو أسلم كافر وله تسعون سنة وهناك من له ثمانون سنة مسلما
لم يقدم الأسن - فإن تساويا في ذلك قدم أصبحهما وجها.
يجوز للمرأة أن تؤم النساء في الفرائض والنوافل، وتقوم وسطهن ولا تبرز
من الصف، فإن كثر النساء وقفن صفوفا مثل الرجال.
ويكره للرجل أن يصلي بقوم وهم له كارهون. وقت القيام إلى الصلاة عند
فراع المؤذن من كمال الأذان، وكذلك وقت الإحرام بها عند الفراع منه على
التمام. ليس من شرط صلاة الإمام أن ينوي أنه يصلي بقوم نساء كانوا أو رجالا،
451

ويجب على المأموم أن ينوي الائتمام.
إذا ابتدأ الإنسان بصلاة نافلة ثم أحرم الإمام بالفرض، فإن علم أنه لا يفوته
الإمام في الجماعة تمم صلاته وخففها، وإلا قطعها ودخل معه في الصلاة، وإن
كانت فريضة كمل ركعتين وجعلهما نافلة وسلم ودخل مع الإمام في الصلاة،
فإن لم يمكنه قطعها، هذا إذا كان مقتديا به، فإن لم يكن مقتديا به دخل معه في
الصلاة من غير أن يقطعها، فإذا تمم صلاة نفسه سلم إيماءا وقام فصلى مع الإمام
بقية صلاته واحتسبها نافلة.
وإذا صلى خلف من يقتدي به لا يجوز أن يقرأ خلفه سواء كانت الصلاة
يجهر فيها أو لا، بل يسمع وينصت إذا سمع القراءة فإن كانت مما لا يجهر فيها
سبح مع نفسه وحمد الله تعالى، وإن كانت يجهر فيها وخفي عليه القراءة قرأ
لنفسه، وإن سمع مثل الهمهمة أجزأه، وإن قرأ في هذه الحال كان أيضا جائزا.
ويستحب أن يقرأ الحمد فيما لا يجهر فيها بالقراءة، وإن لم يقرأها كانت
صلاته صحيحة لأن قراءة الإمام مجزئة عنه.
وإذا صلى خلف من لا يقتدي به قرأ على كل حال، سمع القراءة أو لم
يسمع، فإن كان في حال تقية أجزأه من القراءة مثل حديث النفس، ولا يجوز أن
يترك القراءة على حال، وإن لم يقرأ أكثر من الحمد وحدها كان جائزا، ولا
يجوز أقل منها، وإذا فرع المأموم من القراءة قبل الإمام سبح مع نفسه.
ويستحب أن يبقي آية من السورة، فإذا فرع الإمام قرأ تلك الآية وركع عن
قراءة.
ومن صلى بقوم إلى غير القبلة متعمدا كانت عليه إعادة الصلاة، ولم يكن
عليهم ذلك إذا لم يكونوا عالمين، فإن علموا ذلك كان عليهم أيضا الإعادة،
ومتى لم يعلم الإمام والمأموم ذلك أعادوا إن بقي الوقت، وإن فات الوقت وكانوا
صلوا مستدبري القبلة أعادوا أيضا، وإن كانت يمينا وشمالا لم يكن عليهم شئ.
ومتى مات الإمام فجأة نحي عن القبلة وتقدم من يتم بهم الصلاة، ومن نحاه
452

فإن باشر جسمه وقد برد بالموت بطلت صلاته وعليه الغسل وإعادة الصلاة.
ومن لحق بتكبيرة الركوع فقد أدرك تلك الركعة، فإن خاف فوت
الركوع أجزأه تكبير واحد عن الاستفتاح والركوع إذا نوى به الاستفتاح، فإن
نوى به تكبير الركوع لم تصح صلاته.
ومن فاتته ركعة مع الإمام جعل ما يلحق معه أول صلاته، فإذا سلم الإمام
قام فتمم ما فاته مثال ذلك من صلى مع الإمام الظهر أو العصر وفاتته ركعتان،
قرأ في الركعتين مع الحمد وسورة إن تمكن، فإن لم يمكنه اقتصر على الحمد
وحدها ثم صلى بعد تسليم الإمام ركعتين يقرأ فيهما الحمد وحدها أو يسبح.
وإن فاتته ركعة قرأ في الثانية الحمد وسورة وجلس مع الإمام في التشهد
الأول تبعا له ولا يعتد به ويحمد الله ويسبحه، فإذا قام الإمام إلى الثانية قام إليها
وكانت ثانية له، فإذا صلى الإمام الثالثة جلس هو للتشهد وتشهد تشهدا خفيفا، ثم
يلحق به في الرابعة للإمام وتكون ثالثة له، فإذا جلس للتشهد الأخير جلس معه
يحمد الله تعالى ويسبحه، فإذا سلم الإمام قام فأضاف إليها ركعة وتشهد وسلم.
وينبغي ألا يرفع رأسه من الركوع قبل الإمام، فإن رفع رأسه ناسيا عاد إليه
ليكون رفعه مع رفع الإمام، وكذلك القول في السجود، وإن فعل ذلك متعمدا
لم يجز له العود إليه أصلا بل يقف حتى يلحقه الإمام، هذا إذا كان مقتديا به، فإن
لم يكن مقتديا به لم يجز له العود إليه على كل حال لأنه يزيد في صلاته.
ومن أدرك الإمام وقد رفع رأسه من الركوع استفتح الصلاة وسجد معه
السجدتين ولا يعتد بهما، وإن وقف حتى يقوم الإمام إلى الثانية كان له ذلك،
وإن أدركه في حال التشهد استفتح وجلس معه، فإذا سلم الإمام قام واستقبل
الصلاة، ولا يجب عليه إعادة تكبيرة الإحرام.
وتسليمة الإمام في الصلاة مرة واحدة تجاه القبلة يشير بعينه إلى يمينه، ولا
ينبغي أن يزول من مكانه حتى يتم من فاته شئ من الصلاة صلاته.
ويستحب للإمام أن يسمع من خلفه الشهادتين في جميع الصلوات، وليس
453

عليهم أن يسمعوه ذلك.
ولا يجوز لمن يصل الظهر أن يصلي مع الإمام العصر ويقتدي به، فإن نوى
أنها ظهر له - وإن كان عصرا للإمام - جاز له ذلك.
من صلى وحده ولحق جماعة جاز له أن يعيدها مرة أخرى تلك الصلاة
سواء كان إماما أو مأموما، وتكون الأولى فرضه والثانية إما أن ينوي بها فائته وهو
الأفضل أو ينوي بها تطوعا فإنها تكون على ما نوى، سواء كانت ظهرا أو عصرا
أو مغربا أو العشاء الآخرة أو الفجر.
ولا يقف في الصف الأول الصبيان والعبيد والمخانيث، وينبغي أن يكون
بين الصفين مقدار مربض عنز، ولا بأس أن يقف الرجل وحده في صف إذا
امتلأ ت الصفوف، فإن كان في الصف فرجة كره له ذلك، ويجوز الوقوف بين
الأساطين ويكره وقوف الإمام في المحراب الداخل في الحائط ولا يفسد ذلك
الصلاة، وقد رخص للنساء أن يصلين مع الإمام من وراء الحوائل.
ولا يجوز أن يكون الإمام على موضع مرتفع مثل سقف أو دكة عالية وما
أشبه ذلك والمأمومون أسفل منه، وإن كان على أرض عالية منحدرة جاز أن
يكون أعلى منهم، ويجوز للمأموم أن يقف على موضع عالي وإن كان الإمام في
موضع أسفل منه.
ويجوز أن يسلم المأموم قبل الإمام وينصرف في حوائجه عند الضرورة،
و ليس عليه الوقوف لتعقيب الإمام.
ولا يجوز للجالس أن يؤم بقيام، فإن كانوا كلهم جلوسا جاز ذلك غير أنه
لا يتقدمهم إلا بركبتيه إذا كانوا عراة.
وإذا أقيمت الصلاة فلا يجوز أن يصلي النوافل إذا كان الإمام مقتديا به، فإن
لم يكن كذلك كان جائزا.
وموقف النساء خلف الرجال، وإن كانت الصفوف كثيرة وقفن صفا
مفردا، فإن وقفن كذلك ودخل جماعة من الرجال تأخرن قليلا حتى يقف
454

الرجال قدامهن.
ومن صلى خلف من لا يقتدي به فقرأ سجدة العزائم ولم يسجد الإمام سجد
إيماءا وقد أجزأه.
بناء المساجد فيه فضل كثير وثواب جزيل، ويكره تعلية المساجد بل يبنى
وسطا، ويكره أن تكون مظللة، ويستحب أن تكون مكشوفة، ولا يجوز أن تكون
مزخرفة أو مذهبة أو فيها شئ من التصاوير، ولا تبنى المساجد بشرافات بل تبنى
جما، ولا تبنى المنارة في وسط المسجد بل تبنى مع حائط المسجد لا تعلى عليه،
ويكره المحاريب الداخلة في الحائط، وتجعل الميضاة على أبواب المساجد دون
داخلها.
وإذا استهدم مسجد استحب نقضه وإعادته إذا أمكن وكان بحيث ينتابه
الناس فيصلون فيه، ولا بأس باستعمال آلته في إعادته أو في بناء غيره من
المساجد، ولا يجوز بيع آلته بحال، ولا يؤخذ من المساجد في الملك، ولا في
الطريق، ويكره أن يتخذ المسجد طريقا إلا عند الضرورة، ومن أخذ شيئا من آلة
المسجد فعليه أن يرده إليه أو إلى غيره من المساجد، وإذا انهدم المسجد وخرب
ما حوله لا يعود ملكا.
ويجوز نقض البيع والكنائس واستعمال آلتها في المساجد إذا اندرس أهلها
أو كانت في دار حرب، فأما إذا كان لها أهل من الذمة يؤدون الجزية ويقومون
بشرائط الذمة فلا يجوز ذلك، ويجوز أن تبنى مساجد، ولا يجوز اتخاذهما ملكا
ولا استعمال آلتهما في الأملاك.
وتجنب المساجد البيع والشراء، والمجانين والصبيان، والأحكام، والضالة،
وإقامة الحدود، وإنشاد الشعر، ورفع الأصوات فيها، وعمل الصنائع فيها.
ولا يجوز إزالة النجاسة في المساجد ولا الاستنجاء من البول والغائط فيها،
وغسل الأعضاء في الوضوء لا بأس به فيها.
ويكره النوم في المساجد كلها وخاصة في المسجد الحرام ومسجد النبي
455

صلى الله عليه وآله وإذا احتلم في أحد هذين المسجدين تيمم في مكانه وخرج
واغتسل، وليس عليه ذلك في غيرها.
ويستحب كنس المساجد وتنظيفها، ويكره إخراج الحصى منها، فمن
أخرجها ردها إليها أو إلى غيرها من المساجد. ويستحب الإسراج في المساجد
كلها.
ومن أكل شيئا من المؤذيات - مثل الثوم والبصل وما أشبههما نيا - فلا
يحضر المسجد حتى تزول رائحته، وإن كان مطبوخا لا رائحة له لم يكن به بأس.
وإذا أراد دخول المسجد ينبغي أن يتعاهد نعله أو خفه أو غير ذلك لئلا
يكون فيها شئ من النجاسة، ثم يقدم رجله اليمنى قبل اليسرى ويقول: اللهم
صل على محمد وآل محمد وافتح لنا باب رحمتك واجعلنا من عمار مساجدك،
وإذا خرج قدم رجله اليسرى قبل اليمنى وقال: اللهم صل على محمد وآل محمد
وافتح لنا باب فضلك، ولا ينبغي أن يتنعل وهو قائم بل يجلس ويلبسهما.
ولا يبصق ولا يتنخم في شئ من المساجد فإن فعل غطاه بالتراب، ولا
يقصع القمل في المساجد، فإن خالف دفنها في التراب.
ويكره سل السيف وبري النبل وسائر الصناعات في المساجد، ولا يكشف
عورته في شئ من المساجد، ويستحب أن يستر ما بين السرة إلى الركبة، ولا
يرمي الحصى خذفا.
ولا يجوز نقض شئ من المساجد إلا إذا استهدمت، ومن كان في داره
مسجد قد جعله للصلاة جاز له تغييره وتبديله وتوسيعه وتضييقه حسب ما يكون
أصلح له وأراده، وإذا بنى مسجدا خارج داره في ملكه، فإن نوى به أن يكون
مسجدا يصلي فيه كل من أراده زال ملكه عنه، وإن لم ينو ذلك فملكه باق عليه
سواء صلى فيه أو لم يصل.
ولا يدفن الميت في المساجد، ويجوز أن يبني مسجدا على بئر غائط إذا طم
وانقطعت الرائحة، ولا يجوز ذلك مع وجود الرائحة.
456

وصلاة المكتوبة في المسجد أفضل منها في المنزل، وصلاة النوافل في
المنزل أفضل وخاصة نوافل الليل.
كتاب صلاة الخوف:
صلاة الخوف على ضربين: أحدهما: صلاة الخوف، والثاني: صلاة شدة
الخوف وهو الذي يسميه أصحابنا صلاة المطاردة والمسايفة.
فصلاة الخوف غير منسوخة بل فرضها ثابت، ولا يجوز إلا بثلاثة شرائط:
أحدها: أن يكون العدو في غير جهة القبلة بحيث لا يتمكن من الصلاة حتى
يستدبر القبلة، أو يكون عن يمينه أو شماله.
والثاني: خوف العدو إن تشاغلوا بالصلاة أكبوا عليهم، ولا يأمنون كثرتهم
وغدرهم.
والثالث: أن يكون في المسلمين كثرة إذا افترقوا فرقتين كل فرقة تقاوم العدو
حتى تفرع الأخرى من صلاتها.
فإذا ثبت هذه الشروط قصرت الصلاة وصليت ركعتين، واختلف
أصحابنا، فظاهر أخبارهم تدل على أنه يقصر مسافرا كان أو حاضرا، ومنهم من
قال: لا يقصر إلا بشرط السفر. والإمام والمأموم سواء في أنه يجب عليهما ركعتين
في جميع الصلوات إلا المغرب فإنها ثلاث ركعات على كل حال.
وكيفيتها أن يفترق القوم فرقتين: فرقة تقف بحذاء العدو، والفرقة الأخرى
تقوم إلى الصلاة، ويتقدم الإمام فيستفتح بهم الصلاة ويصلي ركعة، فإذا قام إلى
الثانية وقف قائما يقرأ ويطول قراءة ويصلون الذين خلفه الركعة الثانية، وينوون
الانفراد بها ويتشهدون ويسلمون ويقومون إلى لقاء العدو، ويجئ الباقون فيقفون
خلف الإمام، ويفتتحون الصلاة بالتكبير، ويصلي الإمام بهم الركعة الثانية، وهي
أولى لهم، فإذا جلس في تشهده قاموا هم إلى الركعة الثانية له فيصلونها، فإذا
فرغوا منها تشهدوا، ثم يسلم بهم الإمام.
457

وإن كانت الصلاة صلاة المغرب صلى بالفرقة الأولى ركعة على ما قدمناه،
ويقف في الثانية، ويصلون هم ما بقي لهم من الركعتين ويخففون فيها، فإذا سلموا
انصرفوا إلى لقاء العدو، وجاء الباقون فاستفتحوا الصلاة بالتكبير وصلى بهم
الإمام الثانية له وهي أولة لهم، فإذا جلس في تشهده الأول جلسوا معه وذكروا
الله، فإذا قام إلى الثالثة له قاموا معه وهي ثانية لهم فيصليها، فإذا جلس للتشهد
الثاني جلسوا معه وتشهدوا وهو أول تشهد لهم وخففوا، ثم قاموا إلى الثالثة لهم
فيصلونها، فإذا جلسوا للتشهد الثاني لهم وتشهدوا سلم بهم الإمام.
وقد بينا أن الطائفة الأولى ينبغي أن تنوي مفارقة الإمام عند القيام إلى الثانية،
فإذا فعلت ذلك وسهت الطائفة الأولى بعد مفارقة الإمام لحقها حكم سهوها.
وإن رفع الإمام رأسه من السجدة الأخيرة من الركعة الأولى ولم يقم إلى
الثانية بل جلس، فلا يخلو أن يكون ذلك سهوا أو عمدا، فإن كان لسهو لحقه
حكم سهوه دون الطائفة الأولى لأنها برفع الرأس قد فارقته، وإن كان عامدا،
فلا يخلو أن يكون لعلة أو لغير علة، فإن كان لعلة فصلاته وصلاة من يصلي معه
صحيحة، وإن كان لغير عذر فقد بطلت صلاته ولا تبطل صلاة الطائفة الأولى
لأنها فارقته حين رفع الرأس، ومتى جاءت الطائفة الأخرى فاقتدت به وهو
جالس لعلة صحت صلاة الجميع، وإن كان لغير علة وكانت عالمة بحاله بطلت
صلاتها، وإن لم تعلم بحاله صحت صلاتها وبطلت صلاته هو.
وينبغي أن يكون الطائفتان ثلاثة ثلاثة فصاعدا، فإن كان واحدا واحدا صح
ذلك أيضا لأن اسم الطائفة تقع على الواحد وعلى الجماعة، ذكر ذلك الفراء.
وصلاة المغرب مخير بين أن يصلي بالطائفة الأولى ركعة واحدة وبالأخرى
ثنتين، وبين أن يصلي بالأولى ثنتين وبالأخرى واحدة، كل ذلك جائز.
وأخذ السلاح واجب على الطائفة لقوله تعالى: وليأخذوا أسلحتهم،
والسلاح الذي يحمله ينبغي أن يكون خاليا من نجاسة، فإن كان عليه ريش ما لا
يؤكل لحمه مثل النسر والعقاب فلا بأس به.
458

ويكره أن يكون ثقيلا لا يتمكن معه من الصلاة والركوع والسجود
كالجوشن الثقيل والمغفر السابغ لأنه يمنع من السجود على الجبهة، وينبغي أن
يحمل مثل السيف والسكين والقوس وعنزة والرمح، فإن كان عليه شئ من
النجاسة لم يكن به بأس لأنه لا يتم الصلاة فيه منفردا.
وحمل الرمح إنما يجوز إذا كان في طرف الصفوف لأنه لا يتأذى به أحد،
فإن كان في وسط الصفوف كره له ذلك لأنه يتأذى به الناس.
إذا أصاب السيف الصقيل نجاسة فمسح ذلك بخرقة، فمن أصحابنا من
قال: إنه يطهر، ومنهم من قال: إنه لا يطهر غير أنه تجوز الصلاة فيه لأنه لا يتم
الصلاة فيه منفردا.
إذا سها الإمام بما يوجب سجدتي السهو في الركعة الأولى مع الطائفة الأولى
فإذا فرغت هذه الطائفة من تمام صلاتها كان عليها أن تسجد سجدتي السهو لسهو
الإمام، فإن كانت سهت في الركعة التي صلت مع الإمام لم يعتد بذلك السهو،
وإن سهت في الركعة التي تنفرد بها لزمها سجدتا السهو.
فإذا اجتمع سهوها في حال الانفراد مع سهو الإمام في الأولى أجزأها سجدتا
السهو دفعة واحدة، لأنه مجمع على وجوبهما ولا دليل على ما زاد عليه، وإن قلنا:
إنها تسجد لكل سهو سجدتين، كان أحوط لعموم الأخبار.
وأما الطائفة الثانية إذا صلت مع الإمام وكان الإمام قد سها في الأولى فإذا
سلم بهم الإمام وسجد سجدتي السهو لم يجب عليها اتباعه فيه، وإن تبعته كان
أحوط، وإن سها الإمام في الركعة التي يصلي بهم فإذا سجدهما تبعوه على ذلك،
ومتى سهت هذه الطائفة فيما ينفرد به فإذا سلم بهم الإمام سجدوا هم لنفوسهم
سجدتي السهو ولا يجب على الإمام متابعتهم على ذلك، ومتى سهت في الركعة
التي تصلي مع الإمام لم يلزمها حكم ذلك السهو ولا يجب عليها شئ.
وإذا احتاج الإمام أن يفرق الناس أربع فرق في أربع وجوه لا يمكنه أن
يصلي بهم صلاة واحدة، لأن صلاة الخوف قد بينا أنها ركعتان، فإذا كان
459

كذلك صلى الركعتين بفرقتين ثم يعيدها فتكون نفلا له وفرضا للباقين على
الترتيب الأول سواء.
هذا الترتيب كله إذا أرادوا أن يصلوا جماعة، فأما إذا انفرد كل واحد منهم
وصلى منفردا كانت صلاته ماضية ويبطل حكم القصر إلا في السفر.
وأما صلاة شدة الخوف فتكون في حال المسايفة والمعانقة، ويصلي إيماء
كيف أمكنه، مستقبل القبلة وغير مستقبل القبلة، راكبا كان أو ماشيا، وعلى كل
حال، غير أنه يستقبل القبلة بتكبيرة الإحرام، فإن أمكنه أن يسجد على قربوس
السرج فعل، وإن لم يمكنه وصلى إيماء جعل سجوده أخفض من ركوعه في
جميع الأحوال، وعند المطاعنة والمضاربة، ولا إعادة عليه، ولا يجوز له تأخير
الصلاة حتى يخرج الوقت، فإن أخرها إلى آخر الوقت كان جائزا، ومتى زاد
الخوف ولا يمكنه الإيماء أيضا أجزأه عن كل ركعة تسبيحة واحدة، وهي:
سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، كما فعل أمير المؤمنين عليه السلام
ليلة الهرير.
ومتى صلى ركعة مع شدة الخوف ثم أمن نزل وصلى بقية صلاته على
الأرض، وإن صلى على الأرض آمنا ركعة فلحقه شدة الخوف ركب فصلى بقية
صلاته إيماء ما لم يستدبر القبلة في الحالتين، فإن استدبرها بطلت صلاته
واستأنفها.
من رأى سوادا فظنه عدوا جاز له أن يصلى صلاة شدة الخوف إيماء، ولا
إعادة عليه سواء كان ما رآه صحيحا أو لم يكن كذلك لأنه لا دليل على وجوب
الإعادة.
ومتى كان بينهم وبين العدو خندق أو حائط وخافوا إن تشاغلوا بالصلاة أن
يطموا الخندق أو ينقبوا الحائط جاز لهم أن يصلوا صلاة الخوف إيماء إذا ظنوا
أنهم يطمون قبل أن يصلوا، فإن ظنوا أنهم لا يطمون ولا ينقبون الحائط إلا بعد
فراغهم من الصلاة لم يصلوا صلاة شدة الخوف.
460

ومتى رأوا العدو فصلوا صلاة شدة الخوف ثم بان لهم أن بينهم خندقا أو
نهرا كبيرا لا يصلون إليهم لم تجب عليهم الإعادة.
ومتى كان العدو في جهة القبلة، ويكونون في مستوي الأرض لا يسترهم
شئ ولا يمكنهم أمر يخاف منه، ويكون في المسلمين كثرة لا يلزمهم صلاة
الخوف ولا صلاة شدة الخوف، وإن صلوا كما صلى النبي صلى الله عليه وآله
بعسفان جاز، فإنه قام صلى الله عليه وآله مستقبل القبلة والمشركون أمامه، فصف
خلف رسول الله صلى الله عليه وآله صف، وصف بعد ذلك الصف صف آخر،
فركع رسول الله صلى الله عليه وآله وركعوا جميعا، ثم سجد صلى الله عليه وآله
وسجد الصف الذي يلونه وقام الآخرون يحرسونه، فلما سجد الأولون السجدتين
وقاموا سجد الآخرون الذين كانوا خلفهم، ثم تأخر الصف الذي يلونه إلى مقام
الآخرين ويقدم الصف الأخير إلى مقام الصف الأول، ثم ركع رسول الله وركعوا
جميعا في حالة واحدة، ثم سجد وسجد الصف الذي يليه وقام الآخرون
يحرسونه، فلما جلس رسول الله صلى الله عليه وآله والصف الذي يليه سجد
الآخرون، ثم جلسوا جميعا فسلم بهم جميعا. وصلى بهم صلى الله عليه وآله أيضا
هذه الصلاة يوم بني سليم.
وإذا كان بالمسلمين كثرة يمكن أن يفترقوا فرقتين وكل فرقة تقاوم العدو
جاز أن يصلي بالفرقة الأولى الركعتين ويسلم بهم، ثم يصلي بالطائفة الأخرى
ويكون نفلا له وهي فرض للطائفة الثانية، ويسلم بهم، وهكذا فعل النبي
صلى الله عليه وآله ببطن النخل، روى ذلك الحسن عن أبي بكرة أن النبي
صلى الله عليه وآله هكذا صلى، وهذا يدل على جواز صلاة المفترض خلف المتنفل.
وإذا أراد أن يصلى صلاة الخوف صلاة الجمعة فإنه يخطب بالفرقة الأولى
ويصلى بهم ركعة، ويصلى بالثانية الركعة الثانية على ما بيناه في غير يوم الجمعة
سواء لعموم الأخبار في صلاة الخوف.
هذا إذا كان الفرقة الأولى تبلغ عددهم الذين تنعقد بهم الجمعة، فإن كانوا
461

أقل من ذلك لم تنعقد الجمعة ويصلون الظهر، غير أنهم يصلون الظهر في حال
الخوف أيضا ركعتين لكن يسقط اعتبار الخطبة والعدد معا.
ومتى كان في الفرقة الأولى العدد الذي تنعقد بهم الجمعة وخطب بهم ثم
انصرفوا وجاء الآخرون لا يجوز أن يصلي بهم الجمعة إلا بعد أن يعيد الخطبة، لأن
الجمعة لا تنعقد إلا بخطبة مع تمام العدد.
فإن صلى بالطائفة الأولى الجمعة كاملة لم يجز أن يصلى بالثانية جمعة، فإن
صلى بهم الظهر كان جائزا. وسواء كان إقامة الجمعة على هذا الوجه في مصر أو
صحراء لا يختلف الحكم فيه.
ومن صلى صلاة الخوف في غير الخوف كانت صلاة الإمام والمأموم
صحيحة وإن تركوا الأفضل من حيث فارقوا الإمام وصاروا منفردين، وسواء كان
كصلاة النبي صلى الله عليه وآله بذات الرقاع أو بعسفان أو ببطن النخل، وعلى
كل حال.
ولا يجوز صلاة الخوف في طلب العدو لأنه ليس هناك خوف، فإن طلبهم
ليس بفرض، والخوف إنما يكون بمشاهدتهم أو الظن لرؤيتهم بشئ من
الأمارات.
كل قتال كان واجبا - مثل الجهاد - أو مباحا - مثل الدفع عن النفس أو
عن المال - جاز أن يصلى فيه صلاة الخوف وصلاة شدة الخوف، وكل قتال
كان محظورا مثل قتال اللصوص وقطاع الطريق فلا يجوز لهم صلاة الخوف،
فإن خالفوا وصلوا صلاة الخوف كانت صلاتهم ماضية لأنهم لم يخلوا بشئ من
أركان الصلاة، وإنما يصيرون منفردين بعد أن كانوا مأمومين وذلك لا يبطل
الصلاة، وإن صلوا صلاة شدة الخوف بالإيماء والتكبيرات فإنه لا يجزئهم ويجب
عليهم الإعادة لأنه لم يقم دليل على أن لهم هذه الرخصة.
الفار من الزحف إذا صلى صلاة شدة الخوف وجب عليه الإعادة متى كان
عاصيا بفراره، فإن لم يكونوا عاصين - بأن يكونوا متحيزين إلى فئة أو متحرفين
462

لقتال - كانت صلاتهم ماضية، ويكون الفار عاصيا متى فر من اثنين، فإن فر من
أكثر منهما لم يكن عاصيا وجازت صلاته، وإذا خاف من سيل يلحقه أو عدو
يأخذه أو سبع يفترسه ولم يقدر على التحرز منه جاز له أن يصلي صلاة الخوف.
لبس الحرير محرم في جميع الأحوال على الرجال، فإن فاجأته أمور لا يمكنه
معها نزعه في حال الحرب لم يكن به بأس، فأما فرشه والتدثر به والاتكاء عليه
فهو أيضا محرم لعموم تناول النهي له، وكذلك الحكم في الستور المعلقة لأنه
محرم.
فأما إذا خالطه كتان أو قطن أو خز خالص لم يكن به بأس، سواء كان غالبا
أو نصفين أو أقل من الإبريسم فإنه يزول التحريم.
فأما إذا كان جيبا أو كما أو ذيلا أو تكة أو جوربا أو قلنسوة وما أشبه ذلك
فمكروه غير محرم.
لبس الذهب محرم على الرجال سواء كان خاتما أو طرازا وعلى كل حال،
وإن كان مموها أو مجرى عليه فيه أو يكون قد اندرس وبقى أثره لم يكن به
بأس.
كتاب صلاة العيدين:
صلاة العيدين فريضة عند حصول شرائطها، وشرائطها شرائط الجمعة سواء
في العدد والخطبة وغير ذلك وتسقط عمن تسقط عنه الجمعة.
ومن فاتته صلاة العيد لا يلزمه قضاؤها، ومتى تأخر عن الحضور لعارض
صلاها في المنزل منفردا سنة وفضيلة كما يصليها مع الإمام سواء، وقد روي أنه
إن أراد أن يصليها أربع ركعات جاز. ومن امتنع من الحضور لغير عذر مع
حصول جميع شرائطها فعلى الإمام أن ينكر عليه، فإن امتنع قاتله عليه. والغسل
فيه مستحب، ووقته من بعد طلوع الفجر إلى أن يصلي صلاة العيد.
ووقت صلاة العيد إذا طلعت الشمس وارتفعت وانبسطت، فإن كان يوم
463

الفطر أصبح بها أكثر لأن من المسنون يوم الفطر أن يفطر أولا على شئ من
الحلاوة ثم يصلي، وفي يوم الأضحى أن لا يذوق شيئا حتى يصلي ويضحي
ويكون إفطاره على شئ مما يضحي به. والوقت باق إلى زوال الشمس، فإذا
زالت فقد فاتت ولا قضاء على ما بيناه.
ويستحب التكبير ليلة الفطر عقيب المغرب والعشاء الآخرة وصلاة الفجر
وصلاة العيد، وليس بمسنون في غير هذه الصلوات، ولا في الشوارع والأسواق
ولا غيرهما.
وصلاة العيدين في الصحراء أفضل مع القدرة وارتفاع الأعذار من المطر
والوحل والخوف وغير ذلك، إلا بمكة فإنه يصلي بها في المسجد الحرام.
وينبغي أن يتعمم الإمام شاتيا كان أو قائظا، ويخرج ماشيا مع القدرة، فإن
لم يتمكن جاز له الركوب.
والأذان والإقامة في صلاة العيد بدعة، وينبغي أن يقتصر المؤذن على أن
يقول ثلاث مرات: الصلاة الصلاة الصلاة.
ويستحب أن يسجد المصلي على الأرض، وإن صلى على غيرها مما يجوز السجود
عليه كان جائزا.
ولا يصلي يوم العيد قبل صلاة العيد ولا بعدها شئ من النوافل لا ابتداء ولا
قضاء، إلا بعد الزوال، إلا بالمدينة خاصة فإنه يستحب أن يصلى، ركعتين في
مسجد النبي صلى الله عليه وآله قبل الخروج إلى المصلى، فأما قضاء الفرائض
فإنه يجوز على كل حال. والمشي حافيا مستحب للإمام خاصة على سكينة
ووقار.
وإذا اجتمعت صلاة عيد وجمعة في يوم واحد فمن شهد صلاة العيد كان
مخيرا بين حضور الجمعة وبين الرجوع إلى المنزل، وعلى الإمام أن يعلمهم ذلك
في خطبته بعد صلاة العيد. ويستحب له أن يتطيب ويلبس أطهر ثيابه.
وصلاة العيدين ركعتان باثنتي عشرة تكبيرة: سبع في الأولى وخمس في
464

الثانية، منها تكبيرة الإحرام وتكبيرة الركوع، فيكون الزائد على المعتاد في سائر
الصلوات تسع تكبيرات.
وكيفيتها أن يفتتح صلاته بتكبيرة الإحرام ويتوجه إن شاء، ثم يقرأ الحمد
وسورة الأعلى، ثم يكبر خمس تكبيرات يقنت بين كل تكبيرتين منها بما شاء من
الدعاء والتحميد، فإن دعا بما روي في هذا الموضع من الدعاء كان أفضل، ثم
يكبر السابعة ويركع بها، فإذا قام إلى الثانية قام بغير تكبير، ثم يقرأ الحمد ويقرأ
بعدها والشمس وضحاها، ثم يكبر أربع تكبيرات يقنت بين كل تكبيرتين منها،
ثم يكبر الخامسة ويركع.
فإذا فرع من الصلاة قام الإمام فخطب بالناس، ولا تجوز الخطبة إلا بعد
الصلاة، وكيفية الخطبة مثل خطبة الجمعة سواء، ومن حضر وصلى صلاة العيد
كان مخيرا في سماع الخطبة وتركها.
وينبغي أن يقوم الإمام في حال الخطبة على شبه المنبر معمول من طين، ولا
ينقل المنبر من موضعه.
ويستحب أن يكبر في الأضحى عقيب خمس عشرة صلاة إن كان بمنى:
أولها الظهر يوم النحر، وآخرها الفجر من آخر أيام التشريق وهو الرابع من يوم
النحر، وفي غيره من الأمصار عقيب عشر صلوات: أولها الظهر من يوم النحر،
وآخرها الفجر من يوم الثاني من التشريق، سواء كان إماما أو مأموما أو منفردا،
وليس بمسنون عقيب النوافل، ولا في غير أعقاب الصلوات.
وكيفية التكبير في الفطر أن يقول: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله
أكبر ولله الحمد، والحمد لله على ما هدانا، وله الشكر على ما أولانا، وفي الأضحى
مثل ذلك ويزيد في آخرها بعد قوله " وله الشكر على ما أولانا ": ورزقنا من
بهيمة الأنعام.
ويكره أن يخرج من البلد بعد الفجر إلا بعد أن يشهد صلاة العيد، فإن
خالف فقد ترك الأفضل، فأما قبل ذلك فلا بأس به. ولا يخرج إلى المصلى
465

بسلاح إلا عند الخوف من العدو.
ومتى نسي التكبيرات في صلاة العيد حتى يركع مضى في صلاته ولا شئ
عليه، وإن شك في أعداد التكبيرات بنى على اليقين احتياطا، وإن أتى بالتكبيرات
قبل القراءة ناسيا أعادها بعد القراءة، وإن فعل ذلك تقية لم يكن عليه شئ.
ويستحب أن يرفع يديه مع كل تكبيرة.
وإذا أدرك مع الإمام بعض التكبيرات تممها مع نفسه، فإن خاف فوت
الركوع وإلى بينهما من غير قنوت، فإن خاف الفوت تركها وقضاها بعد
التسليم: ولا يجوز أن يصلي في المساجد في مواضع كثيرة.
ويستحب للإمام أن يحث الناس في خطبته في الفطر على الفطرة، وفي
الأضحى على الأضحية.
ومن لا تجب عليه صلاة العيد من المسافر والعبد وغيرهما يجوز لهما إقامتها
منفردين سنة.
ولا بأس بخروج العجائز ومن لا هيئة لهن من النساء في صلاة الأعياد
ليشهدن الصلاة، ولا يجوز ذلك لذوات الهيئات منهن والجمال.
ويستحب للإنسان إذا خرج في طريق أن يرجع من غيره اقتداء بالنبي
صلى الله عليه وآله.
كتاب صلاة الكسوف:
صلاة كسوف الشمس وخسوف القمر فرض واجب، وكذلك عند
الزلازل والرياح المخوفة والظلمة الشديدة يجب مثل ذلك.
ويستحب أن تصلي هذه الصلاة جماعة، وإن صلى فرادى كان جائزا.
ومن ترك هذه الصلاة متعمدا عند كسوف الشمس أو القمر بأجمعها
قضاها مع الغسل، وإن تركها ناسيا والحال ما قلناه قضاها بلا غسل، ومتى
احترق بعض الشمس أو القمر وترك الصلاة متعمدا قضاها بلا غسل، وإن تركها
466

ناسيا لم يكن عليه قضاء.
ووقت هذه الصلاة إذا ابتدأ الشمس أو القمر في الانكساف إلى أن يبتدئ في
الانجلاء، فإذا ابتدأ في ذلك فقد مضى وقتها.
متى كان وقت صلاة الكسوف وقت فريضة، فإن كان أول الوقت صلى
صلاة الكسوف ثم صلاة الفرض، فإن تضيق الوقت بدأ بصلاة الفرض ثم قضى
صلاة الكسوف، وقد روي أنه يبدأ بالفريضة على كل حال وإن كان في أول
الوقت، وهو الأحوط، فإن دخل في صلاة الكسوف فدخل عليه الوقت قطع
صلاة الكسوف ثم صلى الفرض ثم استأنف صلاة الكسوف.
فإن كان وقت صلاة الليل صلى أولا صلاة الكسوف ثم صلى صلاة الليل،
فإن فاتته صلاة الليل قضاها بعد ذلك وليس عليه شئ.
وإذا اجتمع صلاة الكسوف وصلاة الجنازة وصلاة الاستسقاء بدأ بالصلاة
على الميت ثم بصلاة الكسوف ثم الاستسقاء لأنه مسنون يجب تأخره عن
الفرض.
ومتى علم بالكسوف صلى صلاة الكسوف، فإن غابت الشمس أو القمر أو
تغيمت ولا يعلم وقت الانجلاء استظهر.
وصلاة الكسوف واجبة على الرجال والنساء، لأن عموم الأخبار يقتضي
ذلك، غير أنه لا ينبغي أن يحضر جماعة الرجال إلا العجائز من النساء، فأما
غيرهن فينبغي أن يصلين في بيوتهن، فإن اجتمع جماعة من النساء جاز أن يصلين
جماعة منفردات عن الرجال.
وصلاة الكسوف عشر ركعات بأربع سجدات وتشهد واحد، يركع
خمس ركعات ويسجد في الخامسة، ثم يقوم فيصلي خمس ركعات ويسجد في
العاشرة.
ويقرأ في أول ركعة سورة الحمد وسورة أخرى إن شاء، وإن أراد قراءة
بعض السورة كان أيضا جائزا، فإذا أراد في الثانية تتمة بقية تلك السورة قرأها
467

ولا يلزمه قراءة سورة الحمد بل يبني من الموضع الذي انتهى إليه، فإن أراد أن يقرأ
سورة أخرى قرأ الحمد ثم قرأ بعدها سورة، وكذلك القول في باقي الركعات.
ويقنت في كل ركعتين قبل الركوع، فإن لم يفعل واقتصر على القنوت في
العاشر لم يلزمه شئ، وكلما رفع رأسه من الركوع قال: الله أكبر، إلا في
الخامسة والعاشرة فإنه يقول: سمع الله لمن حمده.
ويستحب أن يكون مقدار قيامه في الصلاة مقدار زمان الكسوف، ويكون
مقدار قيامه في الركوع مقدار قيامه للقراءة، ويطول سجوده، ويستحب قراءة
السور الطوال مثل الأنبياء والكهف.
ومتى فرع من الصلاة ولم يكن قد انجلى الكسوف استحب له إعادة
الصلاة، وإن اقتصر على التسبيح والتحميد لم يكن به بأس.
ويجوز أن يصلي صلاة الكسوف على ظهر الدابة أو يصليها وهو ماش إذا لم
يمكنه النزول والوقوف.
كتاب الجنائز:
مدار هذا الكتاب على أربعة أشياء: أولها: الغسل وبيان أحكامه، والثاني:
التكفين وبيان أحكامه، والثالث: دفنه وبيان أحكامه. والرابع: الصلاة عليه
وبيان أحكامها.
فأما الغسل فيتقدم ذلك آداب وسنن تتعلق بحال الاحتضار.
فإذا حضر الإنسان الوفاة استقبل بوجهه القبلة فيجعل باطن قدميه إليها على
وجه لو جلس لكان مستقبلا للقبلة، وكذلك يفعل به حال الغسل، فأما في حال
الدفن والصلاة عليه يجعل معترضا ويكون رأس الميت مما يلي يمين المتوجه إلى
القبلة ورجلاه مما يلي يساره.
وينبغي أن يلقن الشهادتين والإقرار بالأئمة واحدا واحدا، ويلقن كلمات
الفرج وهي: لا إله إلا الله الحليم الكريم، لا إله إلا الله العلي العظيم، سبحان الله
468

رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع وما فيهن وما بينهن وما تحتهن ورب
العرش العظيم، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. ولا يحضره
جنب ولا حائض.
ومتى يصعب عليه خروج الروح نقل إلى مصلاه الذي كان يصلي فيه في
حياته، ويتلى القرآن عنده ليسهل الله عليه خروج نفسه.
فإذا قضى نحبه غمضت عيناه، وشد لحياه، ومدت ساقاه، وأطبق فوه،
ومدت يداه إلى جنبيه، وغطي بثوب، وإن كان ليلا أسرج في البيت مصباح إلى
الصباح، ولا يترك وحده بل يكون عنده من يذكر الله تعالى، ولا يترك على
بطنه حديدة أصلا.
ومتى مات أخذ في أمره عاجلا وفي تجهيزه ولا يؤخر إلا الضرورة.
واعلم أن غسل الميت وتكفينه والصلاة عليه ودفنه فرض على الكفاية
بلا خلاف، والميت لا يخلو من أن يكون رجلا أو امرأة.
فإن كان رجلا فأولى الناس به أولاهم بحمله ودفنه والصلاة عليه، أبا كان
أو ابنا أو أخا أو عما أو جدا، فإن تشاحوا في ذلك فأولاهم بميراثه أولاهم بتولي
أمره.
ومتى كان هناك رجال أباعد ونساء أقارب لهن رحم محرم فالرجال أولى
بتولي غسله، وقد روي أنه إذا كانت ذات رحم محرم جاز لها أن تتولى غسله من
وراء الثياب، والأول أحوط، فأما إن لم يكن لها رحم محرم فهي كالأجنبيات
سواء.
ومن مات بين رجال كفار ونساء مسلمات لا ذات رحم له فيهن أمر بعض
النساء رجالا من الكفار بالاغتسال ثم تعلمهم بغسل أهل الإسلام ليغسلوه
كذلك، وإن مات بين نساء مسلمات ورجال كفار وكان له فيهن محرم - من
زوجة أو غيرها - غسلنه من وراء الثياب ولم يجردنه من ثياب، وإن لم يكن له
فيهن محرم ولا معهن رجال مسلمون ولا كفار دفنه بثيابه ولم يغسلنه على حال.
469

وأما إن كان امرأة، فلا تخلو أن يكون لها زوج أو لم يكن، فإن كان لها
زوج فالزوج أولى بجميع ذلك من كل أحد، وإن لم يكن لها زوج فلا يخلو
من أن يكون نساء بلا رجال أو رجال بلا نساء أو رجال ونساء.
فإن كان هناك نساء بلا رجال فهو على ثلاثة أضرب: من لها رحم
ومحرم، ومن لها رحم بلا محرم، ومن لا رحم لها ولا محرم، فكل من لو كانت
رجلا لم يحل له نكاحها - كأمها وجدتها وبنتها - فهن أولى من كل أحد،
والترتيب فيه كالترتيب في الرجل، ويكون أولاهم بميراثها أولاهم بتولي أمرها.
والتي لها رحم وليست بمحرم فكل من لو كانت رجلا حل له نكاحها - كبنات
عمها وبنات عماتها وبنات خالها وبنات خالاتها - فهن أولى من الأجنبيات. فإن
لم يكن هناك رحم ولا محرم فهن الأجنبيات فهي أولى ممن له الولاء.
وإن كان رجال بلا نساء فكل من كان محرما لها جاز له أن يتولى ذلك
منها الأولى فالأولى كما قلناه في الرجال سواء، ومن لا محرم له من الرجال كابن
العم، وابن الخال فهو كالأجنبي.
فإن اجتمع رجال ونساء من القرابات فالنساء أولى من الرجال لأنهن
أعرف وأوسع في باب النظر إليهن.
ومتى لم يكن هناك قرابة فالمذهب أنه لا يجوز لأحد أن يغسلها ولا ييممها
وتدفن بثيابها، وقد رويت رواية في أنه يجوز لهم أن يغسلوا محاسنها، يديها
ووجهها، والأول أحوط.
وإذا ماتت بين رجال مسلمين أجانب - ولا زوج لها فيهم - ونساء كافرات
أمر الرجال بعض النساء الكافرات بالاغتسال وتغسلها تغسيل أهل الإسلام، وإن
كان لها في الرجال محرم أو زوج غسلوها من وراء ثيابها ولم تقربها الكافرة.
فإن كانت صبية لها ثلاث سنين فصاعدا فحكمها حكم النساء البالغات،
فإن كان دون ذلك جاز للرجال تغسيلها عند عدم النساء.
والصبي إذا مات وله ثلاث سنين فصاعدا فحكمه حكم الرجال سواء، وإن
470

كان دون ذلك جاز للأجنبيات غسله مجردا من ثيابه.
إذا اجتمع أموات جماعة، فإن كان فيهم من يخشى فساده بدئ به، وإن لم
يكن كذلك فالأولى بالتقديم الأب ثم الابن وابن الابن ثم الجد، وإن كان إخوان
في درجة قدم أسنهما، فإن تساويا أقرع بينهما، وإن كان أحدهما أقوى سببا قدم
لذلك. والزوجتان إذا اجتمعا قدمت أسنهما، فإن تساوتا أقرع بينهما.
والكفن المفروض ثلاثة أثواب لا يجوز أقل منها مع القدرة: مئزر وقميص
وإزار، والفضل في خمسة أثواب، والزيادة عليها سرف ولا يجوز، وهي: لفافتان
إحديهما حبرة عبرية غير مطرزة بالذهب أو شئ من الحرير المحض، وقميص،
وإزار، وخرقة، فهذه الخمسة جملة الكفن، ويضاف إليها العمامة وليست من جملة
الكفن لكنها سنة مؤكدة لا ينبغي تركها، هذا إذا كان رجلا، وإن كان امرأة زيدت
لفافتين فيكمل لها سبعة أثواب ولا يزدن على ذلك، والاقتصار على مثل ما
للرجال جائز، هذا إذا تمكن منه، فإن تعذر ذلك أو أجحف بالورثة اقتصر من
الكفن على ما يستره فحسب.
ولا يجوز أن يكفن في الحرير المحض، ويكره تكفينه فيما قد خلط فيه الغزل
مع الاختيار، ويكره أيضا أن يكفن في الكتان، والمستحب ما كان قطنا محضا.
ومتى لم يكن له ما يكفن به وكانت له قميص مخيطة فلا بأس أن يكفن فيها
إذا كانت خالية من نجاسة نظيفة، ويقطع أزرارها ولا يقطع أكمامها، وإنما يكره
الأكمام فيما يبتدئ من القمصان.
وإذا حصلت الأكفان فرشت الحبرة في موضع نظيف، وينثر عليها شئ من
الذريرة المعروفة بالقمحة، ويفرش فوقه الإزار وينثر عليه شئ من الذريرة،
ويفرش فوق الإزار قميص.
ويستحب أن يكتب على الحبرة والإزار والقميص والعمامة: فلان يشهد أن
لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن أمير المؤمنين
والأئمة من بعده - يذكرون واحدا واحدا - أئمته أئمة الهدي الأبرار، ويكتب
471

ذلك بتربة الحسين عليه السلام إن وجد، فإن لم يوجد يكتب بالإصبع، ولا
يكتب ذلك بالسواد، وإن لم يوجد حبرة جعل بدلها لفافة أخرى.
ويكره أن يقطع شئ من الأكفان بالحديد بل ينبغي أن يخرق، والمستحب
أن يخاط بخيوط منه ولا تبل بالريق.
فإذا فرع من الكفن، لف جميعه وعزل، ويستعد معه من الكافور الذي لم
تمسه النار وزن ثلاثة عشر درهما وثلث إن تمكن منه وهو الأفضل، فإن لم يتمكن
منه فأوسطه وزن أربعة مثاقيل، فإن لم يوجد فمقدار درهم، فإن لم يوجد فما
تيسر، فإن لم يوجد أصلا دفن بغير كافور، ولا يخلط بالكافور مسك أصلا ولا
شئ من أنواع الطيب.
ويستعد شئ من السدر لغسل رأسه، فإن لم يوجد فالخطمي أو ما يقوم
مقامه في تنظيف الرأس، وقليل من الكافور للغسلة الثانية.
ويستعد أيضا جريدتان خضراوان من النخل، فإن لم يوجد فمن السدر، فإن
لم يوجد فمن الخلاف، فإن لم يوجد فمن غيره من الشجر الرطب، فإن لم يوجد
أصلا فلا بأس بتركه، ويكتب عليهما أيضا ما كتب على الأكفان.
ويستعد أيضا مقدار رطل من القطن ليحشى به المواضع التي يخاف من
خروج شئ منها.
فإذا فرع من جميع ذلك أخذ في أمر غسله أولى الناس به على ما بيناه أو
من يأمره هو به، وتوضع ساجة أو سرير مستقبل القبلة عرضا على ما بيناه،
ويوضع عليها الميت مثل ذلك.
ويحفر لصب الماء حفيرة يدخل فيها الماء، فإن لم يمكن جاز أن ينصب إلى
البالوعة، ويكره أن ينصب إلى الكنيف، ولا يسخن الماء لغسل الميت، فإن كان
بردا شديدا يخاف الغاسل على نفسه جاز إسخان الماء.
ثم يؤخذ السدر فيطرح في إجابة ويصب عليه الماء ويضرب حتى يرغو،
ويؤخذ رغوته فيطرح في موضع نظيف ليغسل به رأسه، وينبغي أن يغسل
472

الميت تحت سقف، ولا يغسل تحت السماء، فإن لم يمكن جاز خلافه.
ثم ينزع قميصه، يفتق جيبه وينزع من تحته، ويترك على عورته ما يسترها،
ثم يلين أصابعه فإن امتنعت تركها على حالها، ثم يبدأ بفرجه فيغسله بماء السدر
والحرض، ويغسله ثلاث مرات، ويكثر الماء ويمسح بطنه مسحا رفيقا.
ثم يتحول الغاسل إلى رأسه فيبدأ بغسل رأسه، يبدأ بشق رأسه الأيمن ولحيته
ورأسه، ويثني بالشق الأيسر منه ولحيته ووجهه، ويغسله برفق ولا يعنف به.
فإذا غسله ثلاث مرات أضجعه على شقه الأيسر ليبدو له الأيمن، ثم يغسله
من قرنه إلى قدمه ثلاث غسلات متواليات، ويكون الذي يصب عليه الماء لا يقطعه
بل يصبه من قرنه إلى قدمه متواليا، فإذا بلغ حقويه أكثر من الماء.
ثم يرده إلى جانبه الأيمن ليبدو له الأيسر فيغسله من قرنه إلى قدمه ثلاث
مرات مثل ذلك، ويمسح يده على بطنه وظهره.
ثم يرده على قفاه فيبدأ بفرجه بماء الكافور فيصنع كما صنع أول مرة،
فيغسله ثلاث مرات بماء الكافور، ويمسح يده على بطنه مسحا رفيقا، ثم يتحول
إلى رأسه فيصنع كما صنع أولا، فيغسل رأسه من جانبيه كليهما ووجهه وجميع
رأسه بماء الكافور ثلاث غسلات، ثم يرده إلى جانبه الأيسر ليبدو له الأيمن
فيغسله ثلاث غسلات من قرنه إلى قدمه، ويدخل يده تحت منكبيه وذراعيه،
ويكون الذراع والكف مع جنبه طاهرة، كلما غسل شيئا منه أدخل يده تحت
منكبيه وباطن ذراعيه.
ثم يرده على ظهره ويغسله بماء قراح كما فعل أولا، ويبدأ بالفرج ثم
يتحول إلى الرأس والوجه ويصنع كما صنع أولا بماء قراح، ثم الجانب الأيمن
ثم الأيسر على ما بيناه في الغسلتين الأولتين. وكلما غسل الميت غسلة غسل
الغاسل يديه إلى المرفقين، ويغسل الإجابة بماء قراح ثم يطرح فيها ماء آخر
للغسلة المستأنفة.
ولا يركب الميت في حال غسله بل يكون على جانبه، ولا يقعده، ولا يغمز
473

بطنه، وقد روي أنه يوضأ الميت قبل غسله فمن عمل بها كان جائزا، غير أن عمل
الطائفة على ترك العمل بذلك، لأن غسل الميت كغسل الجنابة ولا وضوء في
غسل الجنابة.
فإذا فرع من غسله نشفه بثوب نظيف، ثم يأخذ في تكفينه، فيتوضأ أولا
الغاسل وضوء الصلاة، وإن ترك تكفينه حتى يغتسل كان أفضل، إلا أن يخاف
على الميت بأن يظهر به حادثة فيبدأ أولا بتكفينه.
وغسل الغاسل للميت فرض واجب، وكذلك كل من مسه بعد برده
بالموت وقبل غسله يجب عليه الغسل فإن مسه بعد تطهيره لم يجب عليه شئ،
وإن مسه قبل برده لم يلزمه الغسل ويغسل يده.
فإذا فرع من ذلك حنطه، فيعمد إلى قطن ويذر عليه شيئا من الذريرة
ويضعه على فرجيه - قبله ودبره - ويحشو القطن في دبره لئلا يخرج منه شئ،
ويأخذ الخرقة - ويكون طولها ثلاثة أذرع ونصفا في عرض شبر أو أقل أو أكثر -
فيشدها في حقويه، ويضم فخذيه ضما شديدا ويلفها في فخذيه، ثم يخرج رأسها
من تحت رجليه إلى الجانب الأيمن ويغمرها في الموضع الذي لف فيه الخرقة،
ويلف فخذيه من حقويه إلى ركبتيه لفا شديدا.
ثم يأخذ الإزار فيؤزره به، ويكون عريضا يبلغ من صدره إلى الرجلين، فإن
نقض عنه لم يكن به بأس، ويعمد إلى الكافور فيسحقه بيده - ويكره أن يسحقه
بحجر أو غير ذلك - ويضعه على مساجده، جبهته وباطن كفيه ويمسح به
راحتيه وأصابعهما، ويضع على عيني ركبتيه وظاهر أصابع قدميه، ولا يجعل
على سمعه وبصره وفيه شيئا من الكافور، ولا يجعل فيها أيضا شيئا من القطن إلا
أن يخاف خروج شئ، منه فإن فضل من الكافور شئ جعله على صدره
ومسح صدره به.
ثم يرد القميص عليه ويأخذ الجريدتين فيجعل إحديهما من جانبه الأيمن مع
ترقوته ويلصقها بجلده، والأخرى من جانبه الأيسر ما بين القميص والإزار.
474

ثم يعمه فيأخذ وسط العمامة فيثبتها على رأسه بالتدوير، ويحنكه بها ويطرح
طرفيها جميعا على صدره، ولا يعممه عمة الأعرابي
بلا حنك. ثم يلفه في اللفافة فيطوي جانبها الأيسر على جانبها الأيمن،
وجانبها الأيمن على جانبها الأيسر.
ثم يصنع بالحبرة أيضا مثل ذلك ويعقد طرفيها مما يلي رأسه ورجليه، فإذا
فرع من جميع ما ذكرناه حمله إلى قبره على سريره.
وإن كان الميت مجدورا أو كسيرا أو صاحب قروح أو محترقا ولم يخف
من غسله غسل، فإن خيف من مسه صب عليه الماء صبا، فإن خيف أيضا من
ذلك يمم، بالتراب.
وإن كان الميت غريقا أو مصعوقا أو مبطونا أو مدخنا أو مهدوما عليه
استبرئ بعلامات الموت، فإن اشتبه ترك ثلاثة أيام ثم غسل ودفن بعد أن يصلي
عليه، وإن كان الميت محرما غسل كما يغسل الحلال وكفن كتكفينه غير أنه
لا يقرب شيئا من الكافور.
وإن كان الميت صبيا غسل كتغسيل الرجال وكفن كتكفينهم وتحنيطهم،
فإن كان قد بلغ ست سنين فصاعدا صلي عليه، وإن كان دون ذلك لم تجب
الصلاة عليه، ويجوز ذلك عند التقية.
وإن كان الصبي سقطا وقد بلغ أربعة أشهر فصاعدا وجب غسله وتحنيطه
وتكفينه، وإن كان لأقل من ذلك دفن كما هو بدمه.
وغسل المرأة كغسل الرجل وتحنيطها كتحنيطه إلا أنها تزاد لفافتين على ما
قدمناه، ويستحب أن تزاد خرقة يشد بها ثدياها إلى صدرها، ويكثر القطن لقبلها،
وإذا أريد دفنها جعل سريرها قدام القبر، ويؤخذ إلى القبر عرضا، ويأخذها من
قبل وركيها زوجها أو أحد ذوي أرحامها، ولا يتولى ذلك أجنبي إلا عند
الضرورة، وإن كانت نفساء أو حائضا غسلت كتغسيلها طاهرا.
وإن كانت حبلى لا يغمز بطنها في الغسلات، وإن مات الصبي معها في
475

بطنها دفن معها، فإن كانت ذمية والولد من مسلم دفنت في مقابر المسلمين لحرمة
ولدها، وروي أنه يجعل ظهرها إلى القبلة - إذ الجنبين في بطن أمه وجهه إلى
ظهرها - ليكون الولد مستقبل القبلة.
وإن ماتت المرأة ولم يمت الولد شق بطنها من الجانب الأيسر وأخرج الولد
وخيط الموضع وغسلت ودفنت، فإن مات الولد ولم تمت هي ولم يخرج الولد
أدخلت القابلة أو من يقوم مقامها يدها في فرجها فقطعت الصبي وأخرجته قطعة
قطعة وغسل وكفن وحنط ودفن إن أمكن ذلك.
ولا يجوز قص شئ من شعر الميت ولا من ظفره، ولا يسرح رأسه ولا
لحيته، ومتى سقط منه شئ من ذلك جعل معه في أكفانه، وإذا خرج من الميت
شئ من النجاسة بعد الفراع من غسله غسل منه، ولم يجب إعادة الغسل عليه،
فإن أصاب ذلك كفنه قرض الموضع منه بالمقراض.
والجريدة توضع مع جميع الأموات من النساء والرجال والصبيان
والأطفال مع التمكن، فإن كانت الحال حال تقية ولم يتمكن من وضعها مع
الكفن طرحت في القبر، فإن لم يمكن ذلك ترك بغير جريدة.
ولا ينبغي للمؤمن أن يغسل أهل الخلاف، فإن اضطر إليه غسله غسل أهل
الخلاف، ولا يترك معه الجريدة، وإذا لم يوجد كافور ولا سدر غسل بالماء
القراح.
وإذا مات الميت في مركب في البحر ولا يقدر على الشط يغسل ويحنط
ويكفن ويصلي عليه، ثم يثقل ويطرح في البحر ليرسب إلى قرار الماء.
ومن وجب عليه القود والرجم أمر أولا بالاغتسال والتحنط ثم يقام عليه الحد
ويدفن بعد ذلك، ولا يجب غسله بعد موته لكن يصلى عليه إذا كان مسلما.
والشهيد هو الذي يقتل بين يدي إمام عدل في نصرته أو بين يدي من نصبه
الإمام، وينبغي أن يدفن بثيابه ولا يغسل، ويدفن معه جميع ما عليه ويصلى عليه
إذا أصابه الدم إلا الخفين، وقد روي أنهما إذا أصابهما دم دفنا معه، ومن حمل من
476

المعركة وبه رمق ثم مات نزع عنه ثيابه وغسل وكفن وحنط وصلى عليه.
وكل مقتول سوى من ذكرناه فلا بد من غسله وتحنيطه وتكفينه ظالما كان
أو مظلوما، وحكم الصغير والكبير والذكر والأنثى سواء إذا قتل في المعركة غير
أنه يصلى عليه، ولا فرق بين أن يقتل بحديد أو بخشب أو بحجارة أو برفس،
والحكم فيه سواء لعموم الأخبار.
الجنب إذا استشهد لا يجب غسله وكان حكمه حكم من ليس كذلك لأنه لا
دليل عليه.
إذا وجد في المعركة ميت وليس به أثر حكم له بحكم الشهداء.
إذا جرح في المعركة ومات قبل أن تنقضي الحرب وينقل عنها فهو شهيد،
أكل أو لم يأكل، وإن مات بعد تقضي الحرب وجب غسله وإن لم يأكل
ويشرب.
كل من قتل في المعركة حكم له بحكم الشهادة، عمدا قتل أو خطأ،
بسلاح أو غير سلاح، شوهد قاتله أو لم يشاهد.
إذا وجد غريق أو محترق في حال القتال حكم له بالشهادة، وإن خرج بعد
القتال وبقى ولو كانت ساعة أو أوصى أو أكل وجب غسله.
ولد الزنى يغسل ويصلى عليه إذا مات، خلافا لقتادة في أنه لا يغسل ولا
يصلى عليه.
والنفساء تغسل ويصلى عليها، خلافا للحسن البصري في أنه لا يصلى عليها.
قتيل أهل البغي لا يغسل ولا يصلي عليه لأنه كافر.
قتيل أهل العدل في جهة أهل البغي لا يغسل ويصلى عليه.
قطاع الطريق إذا قتلوا غسلوا وصلى عليهم، ومن قتله قطاع الطريق غسلوا
وصلي عليهم.
إذا اختلط قتلى المسلمين بالمشركين، روي أن أمير المؤمنين عليه السلام
قال: ينظر إلى مؤتزرهم فمن كان صغير الذكر يدفن، فعلى هذا يصلى على من
477

هذه صفته، وإن قلنا: إنه يصلى على كل واحد منهم منفردا بنية شرط إسلامه، كان
احتياطا، وإن قلنا: يصلى عليهم صلاة واحدة وينوي بالصلاة الصلاة على
المؤمنين منهم، كان قويا.
ومن وجد من المقتول قطعة، فإن كان فيه عظم وجب غسله وتحنيطه
وتكفينه، وإن كان موضع الصدر صلى عليه أيضا، ويجب على من يمسه الغسل
إذا كان ذلك في غير المعركة، فإن كان في المعركة سقط غسله ووجب باقي
الأحكام، وإن كانت القطعة التي فيها العظم قطعت من حي وجب على من مسها
الغسل، وإن لم يكن فيها عظم دفن كما هو ولم يغسل ولا يجب على من مسه
الغسل.
وإذا أراد الغاسل للمقتول غسله بدأ فغسل دمه، ثم صب عليه الماء صبا ولا
يدلك جسده، ويبدأ بيديه ودبره، ويربط جراحاته بالقطن والعصيب، وكذلك
موضع الرأس، ويجعل عليه زيادة قطن، وإن كان الرأس قد بان من الجسد وهو
معه غسل الرأس أولا ثم الجسد على ما بيناه، ويضع القطن فوق الرقبة ويضم
إليه الرأس ويجعل معه في الكفن، وكذلك إذا أنزله في القبر تناوله مع الجسد
وأدخله اللحد ووجهه إلى القبلة.
وإذا حمل الميت إلى قبره فينبغي أن يتبع الجنازة ولا يتقدمها، وإن مشى
يمينها وشمالها كان أيضا جائزا، وإن تقدمها لعارض من مرض أو ضرورة كان
جائزا، وإن كان لغير ذلك فقد ترك الفضل، ويكره الركوب خلف الجنازة إلا
عند الضرورة.
ويستحب لمن شيع الجنازة أن يحمله من أربع جوانبه، يبدأ بمقدم السرير
الأيمن ثم يمر معه ويدور من خلفه إلى الجانب الأيسر فيأخذ رجله اليسرى ويمر
معه إلى أن يرجع إلى المقدم كذلك دور الرحى.
ويستحب إعلام المؤمنين بجنازة المؤمن ليتوفروا على تشييعه، ويستحب
لمن رأى جنازة أن يقول: الحمد لله الذي لم يجعلني من السواد المخترم.
478

ثم يمر بها إلى المصلى فيصلي عليه. وأولى الناس بالصلاة على الميت الولي
أو من يقدمه الولي. فإن حضر الإمام كان أولى بالتقدم، ويجب على الولي تقديمه،
فإن لم يفعل لم يجز له أن يتقدم، فإن لم يحضر الإمام وحضر رجل من بني هاشم
استحب للولي أن يقدمه، فإن لم يفعل لم يجز له أن يتقدم.
فإن حضر جماعة من الأولياء كان الأب أولى، ثم الولد، ثم والد الولد، ثم
الجد من قبل الأب، ثم الأخ من قبل الأب والأم، ثم الأخ من قبل الأب، ثم الأخ
من قبل الأم، ثم العم، ثم الخال، ثم ابن العم، ثم ابن الخال، وجملته أن من كان
أولى بميراثه كان أولى بالصلاة عليه لقوله تعالى: وأولوا الأرحام بعضهم أولى
ببعض، وذلك عام.
وإذا اجتمع جماعة في درجة قدم الأقرأ ثم الأفقه ثم الأسن لقوله عليه السلام
يؤمكم أقرؤكم، الخبر. فإن تساووا في جميع الصفات أقرع بينهم.
الولي الحر أولى من المملوك في الصلاة على الميت، وكذلك الذكر أولى
من الأنثى إذا كان ممن يعقل الصلاة.
ويجوز للنساء أن يصلين على الجنازة مع عدم الرجال، وحدهن إن شئن
فرادى، وإن شئن جماعة، فإن صلين جماعة وقفت الإمامة وسطهن.
المعمول به من وقت النبي صلى الله عليه وآله إلى وقتنا هذا في الصلاة على
الجنازة أن يصلى جماعة، فإن صلى فرادى جاز، كما صلى النبي
صلى الله عليه وآله الأوقات المكروهة للنوافل يجوز أن يصلي فيها على الجنازة.
لا بأس بالصلاة والدفن ليلا، وإن فعل بالنهار كان أفضل إلا أن يخاف على
الميت.
إذا اجتمع جنازة رجل وصبي يصلي عليه وخنثى وامرأة قدمت المرأة إلى
القبلة وبعدها الخنثى ثم الصبي ثم الرجل، ويقف الإمام عند الرجل، وإن كان
الصبي لا يصلى عليه قدم أولا الصبي ثم على ما رتبناه، وإن صلي عليهم فرادى كان
أفضل.
479

يسقط فرض الصلاة على الميت إذا صلى عليه واحد، والزوج أحق بالصلاة
على المرأة من جميع أوليائها.
وإذا أراد الصلاة وكانوا جماعة تقدم الإمام ووقفوا خلفه صفوفا، فإن كان
فيهم نساء وقفن آخر الصفوف، فإن كان فيهن حائض وقفت وحدها في صف
بارزة عنهن وعنهم، فإن كانوا نفسين تقدم واحد ووقف الآخر خلفه بخلاف
صلاة الجماعة، ولا يقف على يمينه، وإن كان الميت رجلا وقف الإمام في وسط
الجنازة، وإن كان امرأة وقف عند صدرها، وينبغي أن يكون بين الإمام وبين
الجنازة شئ يسير لا يبعد عنها، ويتحفى عند الصلاة عليه إن كان عليه نعلان، فإن
لم يكن عليه نعل أو كان عليه خف صلى عليه كذلك ولا ينزعهما.
وكيفية الصلاة عليه أن يرفع يديه بالتكبير ويكبر تكبيرة ويشهد أن لا إله إلا
الله، ثم يكبر تكبيرة أخرى ولا يرفع يديه ويصلي على النبي وآله، ثم يكبر الثالثة
ويدعو للمؤمنين، ثم يكبر الرابعة ويدعو للميت إن كان مؤمنا، وعليه إن كان
ناصبا ويلعنه ويبرأ منه، وإن كان مستضعفا قال: ربنا اغفر للذين تابوا، إلى آخر
الآية، وإن كان لا يعرف مذهبه سأل الله أن يحشره مع من كان يتولاه، وإن كان
طفلا سأل الله أن يجعله له ولأبويه فرطا، ثم يكبر الخامسة، ولا يبرح من مكانه
حتى ترفع الجنازة ويراها على أيدي الرجال.
ومن فاته شئ من التكبيرات أتمها عند فراع الإمام متتابعة، فإن رفعت
الجنازة كبر عليها وإن كانت مرفوعة، وإن بلغت إلى القبر كبر على القبر إن شاء.
والأفضل ألا يرفع يده فيما عدا الأولة، فإن رفعها كان أيضا جائزا. ومن كبر
تكبيرة قبل الإمام أعادها مع الإمام.
ومن فاتته الصلاة على الجنازة جاز أن يصلي على القبر بعد الدفن يوما وليلة،
فإن زاد على ذلك لم تجز الصلاة عليه، ولا تجوز الصلاة على غائب مات في بلد
آخر لأنه لا دليل عليه.
ويكره أن يصلى على جنازة واحدة دفعتين.
480

وإذا تضيق وقت فريضة بدأ بالفرض ثم الصلاة على الميت، إلا أن يكون
الميت يخاف من ظهور حادثة فيه فحينئذ يبدأ بالصلاة عليه.
وأفضل ما يصلي على الجنائز في مواضعها الموسومة بذلك، وإن صلي عليها
في المساجد كان أيضا جائزا.
ومتى صلي على جنازة ثم بان أنها كانت مقلوبة سويت وأعيدت الصلاة
عليها ما لم تدفن، فإن دفن فقد مضت الصلاة.
والأفضل أن لا يصلي على الجنازة إلا على طهر، فإن فاجأته جنازة ولم يكن
على طهر تيمم وصلى عليها، فإن لم يمكنه صلى عليها بغير طهر، وكذلك الحكم
إن كان جنبا والمرأة إن كانت حائضا جاز أن يصليا من غير اغتسال، ومع
الغسل أفضل، وإن صلى بغير تيمم أيضا جاز.
وإذا كبر على جنازة تكبيرة أو تكبيرتين وأحضرت جنازة أخرى فهو مخير
بين أن يتم خمس تكبيرات على الجنازة الأولة ثم يستأنف الصلاة على الأخرى،
وبين أن يكبر الخمس تكبيرات من الموضع الذي انتهى إليه وقد أجزأه عن
الصلاة عليهما.
ومتى صلى جماعة عراة على ميت فلا يتقدم إمامهم، بل يقف في الوسط،
فإن كان الميت عريانا ترك في القبر أولا وغطيت سوأته ثم يصلى عليه بعد ذلك
ويدفن.
فإذا فرع من الصلاة عليه حمل إلى القبر، فإذا دنا من قبره وضعه دون القبر
بمقدار ذراع. ثم يمر بها إلى شفير القبر مما يلي رجليه في ثلاث دفعات إن كان
رجلا، ولا يفدحه في القبر دفعة واحدة، وإن كانت امرأة تركها قدام القبر مما يلي
القبلة.
ثم ينزل إلى القبر الولي أو من يأمره الولي به سواء كان شفعا أو وترا، وإن
كانت امرأة لا ينزل إلى قبرها إلا زوجها أو ذو رحم لها، فإن لم يكن أحد منهم
جاز أن ينزل إليه بعض الرجال المؤمنين، وإن نزل بعض النساء عند عدم
481

الرجال من ذوي الأرحام كان أفضل.
وينبغي أن يتحفى من ينزل إلى القبر ويكشف رأسه ويحل أزراره، ويجوز أن
ينزل بالخفين عند الضرورة والتقية.
ثم يؤخذ الميت من قبل رجلي القبر فيسل سلا فيبدأ برأسه وينزل به القبر،
ويقول عند معاينة القبر: اللهم اجعلها روضة من رياض الجنة ولا تجعلها حفرة من
حفر النار، ويقول إذا تناوله: بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله
صلى الله عليه وآله، اللهم إيمانا بك وتصديقا بكتابك، هذا ما وعد الله ورسوله
وصدق الله ورسوله، اللهم زدنا إيمانا وتسليما.
ثم يضجعه على جانبه الأيمن ويستقبل به القبلة، ويحل عقد كفنه من قبل
رأسه ورجليه، ويضع خده على التراب، ويستحب أن يجعل معه شئ من تربة
الحسين عليه السلام.
ثم يشرج عليه اللبن ويقول من يشرجه: اللهم صلى وحدته وآنس وحشته
وارحم غربته، وأسكن إليه من رحمتك رحمة يستغني بها عن رحمة من سواك،
واحشره مع من كان يتولاه.
ويستحب أن يلقن الميت الشهادتين وأسماء الأئمة عليهم السلام عند وضعه
في القبر قبل تشريح اللبن عليه، فيقول الملقن: يا فلان بن فلان اذكر العهد الذي
خرجت عليه من دار الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا
عبده ورسوله، وأن عليا أمير المؤمنين والحسن والحسين - ويذكر الأئمة إلى
آخرهم - أئمتك أئمة الهدي الأبرار.
فإذا فرع من تشريج اللبن عليه أهال التراب عليه، ويهيل كل من حضر
الجنازة استحبابا بظهور أكفهم ويقولون عند ذلك: إنا لله وإنا إليه راجعون، هذا
ما وعد الله ورسوله، وصدق الله ورسوله، اللهم زدنا إيمانا وتسليما، ولا يهيل
الأب على ولده التراب، ولا الولد على والده، ولا ذو رحم على رحمه، وكذلك
لا ينزل إلى قبره فإنه يقسي القلب.
482

فإذا أراد الخروج من القبر خرج من قبل رجليه، ثم يطم القبر، ويرفع من
الأرض مقدار أربع أصابع، ولا يطرح فيه من غير ترابه، ويجعل عند رأسه لبنة
أو لوح.
ثم يصب الماء على القبر، يبدأ بالصب من عند الرأس ثم يدار من أربع
جوانبه حتى يعود إلى موضع الرأس، فإن فضل من الماء شئ صب على وسط
القبر.
فإذا سوى القبر وضع يده على قبره من حضر الجنازة استحبابا، ويفرج
أصابعه بعد ما ينضح القبر بالماء ويدعو للميت.
فإذا انصرف الناس عن القبر تأخر أولى الناس بالميت وترحم عليه، ونادى
بأعلى صوته إن لم يكن في موضع تقية: يا فلان بن فلان الله ربك ومحمد نبيك
وعلى إمامك والحسن والحسين ويسمي - الأئمة واحدا واحدا - أئمتك أئمة
الهدي الأبرار.
ويكره التابوت إجماعا، فإن كان القبر نديا جاز أن تفرش بشئ من الساج
أو ما يقوم مقامه.
تجصيص القبر والبناء عليه في الموضع المباحة مكروه إجماعا.
ويستحب أن يكون حفر القبر قدر قامة أو إلى الترقوة، واللحد ينبغي أن
يكون واسعا بمقدار ما يتمكن الرجل فيه من الجلوس، ويجوز الاقتصار على الشق
واللحد أفضل.
ويكره نقل الميت من الموضع الذي مات فيه إلى بلد آخر، إلا إذا نقل إلى
بعض المشاهد فإنه يستحب ذلك، فإذا دفن في موضع مباح أو مملوك لا
يجوز تحويله من موضعه، وقد رويت رخصة في جواز نقله إلى بعض المشاهد
سمعناها مذاكرة، والأول أفضل.
ولا يترك المصلوب على خشبته أكثر من ثلاثة أيام، ثم ينزل إلى القبر
ويوارى في التراب.
483

ويكره تجديد القبور بعد اندراسها، ولا بأس بتطيينها ابتداء، والأفضل إن
يترك عليه شئ من الحصى.
ويكره أن يحفر قبر مع العلم به فيدفن فيه ميت آخر إلا عند الضرورة.
والكفن يؤخذ من نفس التركة قبل قسمة المال وقضاء الديون والوصايا،
ثم يقضي الديون ثم الوصايا ثم الميراث، وإن كان الميت امرأة لزم زوجها كفنها
وتجهيزها ولا يلزم ذلك في مالها.
ويستحب أن يدفن الميت في أشرف البقاع، فإن كان بمكة ففي مقبرتها،
وكذلك المدينة والمسجد الأقصى، وكذلك مشاهد الأئمة عليه السلام،
وكذلك كل بلد له مقبرة تذكر بخير وفضيلة من شهداء أو صالحين وغيرهم.
والدفن في المقبرة أفضل من الدفن في البيت، لأن النبي صلى الله عليه وآله
اختار لأصحابه المقبرة، فإن دفن في البيت جاز أيضا، ويستحب أن يكون
للإنسان مقبرة ملك يدفن فيها أهله وأقرباءه.
وإذا تشاح نفسان في مقبرة مسبلة فمن سبق إليها كان أولى بها لأنه
بالحيازة قد ملكه وإن جاءا دفعة واحدة أقرع بينهما فمن خرج اسمه قدم على
صاحبه.
ومتى دفن في مقبرة مسبلة لا يجوز لغيره أن يدفن فيه إلا بعد اندراسها ويعلم
أنه قد صار رميما، وذلك على حسب الأهوية والترب، فإن بادر إنسان فنبش قبرا،
فإن لم يجد فيه شيئا جاز أن يدفن فيه، وإن وجد فيه عظاما أو غيرها رد التراب فيه
ولم يدفن فيه.
ومن استعار من إنسان أرضا فدفن فيها، فإن رجع فيه قبل الدفن كان له،
وإن رجع فيه بعد الدفن لم يكن له لأن العارية على حسب العادة والدفن فيه
يكون مؤبدا إلى أن يبلى الميت فحينئذ تعود الأرض إلى مالكها.
ومن غصب غيره أرضا فدفن فيها جاز لصاحبها قلعه منها، والأفضل أن
يتركه ولا يهتك حرمته.
484

وإذا مات إنسان وخلف ابنين أحدهما حاضر والآخر غائب فدفن الحاضر
الميت في أرض مشتركة بينه وبين الغائب، ثم قدم الغائب يستحب له أن لا ينقله
لأنه لو كان أجنبيا استحب له ألا ينقله، فإن اختار النقل كان له ذلك.
ومتى اتفق سائر الورثة على دفنه في موضع ثم أراد بعضهم نقله فليس له
ذلك، ومتى اختلفوا فقال بعضهم: ندفنه في الملك، وقال الباقون: ندفنه في
المسبل، كان دفنه في المسبل أولى.
ومتى دفن الميت في القبر ثم بيعت الأرض جاز للمشتري نقل الميت عنها،
والأفضل أن يتركه لأنه لا دليل يمنع من ذلك.
يكره أن يتكئ على قبر أو يمشي عليه، ويكره أن يبني على القبر مسجدا
يصلى عليه إجماعا.
إذا اختلفت الورثة في الكفن اقتصر على المفروض منه. إذا غصب ثوبا وكفن
به ميتا جاز لصاحبه نزعه منه، والأفضل تركه وأخذ قيمته. إذا أخذ السيل الميت
أو أكله السبع وبقى الكفن كان ملكا للورثة دون غيرهم، إلا أن يكون تبرع
إنسان بتكفينه فيعود إليه دون الورثة إن شاء وإن تركه عليهم كان لهم.
التعزية جائزة قبل الدفن وبعد الدفن، ويكفي في التعزية أن يراه صاحب
المصيبة، ويكره الجلوس للتعزية يومين وثلاثة إجماعا، ويستحب تعزية الرجال
والنساء والصبيان، ويكره تعزية الشباب من النساء للرجال الذين لا رحم بينهم
وبينهن، ويستحب لقرابة الميت وجيرانه أن يعملوا طعاما لأرباب المصيبة ثلاثة
أيام كما أمر النبي صلى الله عليه وآله لأهل جعفر - رحمة الله عليه -.
البكاء ليس به بأس، وأما اللطم والخدش وجز الشعر والنوح فإنه كله
باطل محرم إجماعا، وقد روي جواز تخريق الثوب على الأب والأخ ولا يجوز
ذلك على غيرهم، وكذلك يجوز لصاحب الميت أن يتميز من غيره بإرسال
طرف العمامة أو أخذ مئزر فوقها على الأب والأخ، فأما على غيرهما فلا يجوز على
حال.
485

نزهة الناظر
في الجمع بين الأشباه والنظائر
تأليف
المحقق يحيى بن سعيد الحلي
487

فصل
[ما يجوز فيه الصلاة من اللباس]
يجوز الصلاة في تسعة وعشرين شيئا:
القطن، والكتان، وجميع ما ينبت من الأرض من الحشيش والنبات، وجلد
ما يؤكل لحمه إذا كان مذكى، فإن كان مما لا يؤكل لحمه أو كان ميتا فلا يجوز
الصلاة فيه دبغ أم لم يدبغ، وصوفه، وشعره، ووبره، وروثه، وعظمه، ميتا كان
أو مذكى، والخز الخالص والسنجاب على قول، وبه قال الشيخ أبو جعفر في
الأول من النهاية ومعظم كتبه، وإليه ذهب جماعة من أصحابنا.
والحرير المحض للنساء في حال الاختيار مع الكراهة، وللرجال عند
الضرورة.
والثوب الإبريسم إذا كان سداه أو لحمته مما يجوز الصلاة فيه، والذهب
للنساء إذا عمل منه ما يسترهن، والحديد، والصفر، والرصاص، والنحاس،
والجوهر، والصدف، والطين والجص، والنورة، والخزف والآجر، والصخر،
والقرطاس، والمسك، والزباد، والعنبر، واللاذن والمن، والغيم، والثلج،
والملح. جميع هذا إذا ستر العورة جازت الصلاة فيه.
489

فصل
[فيما يكره فيه الصلاة]
تكره الصلاة في ثمانية وعشرين شيئا:
الثياب السود إلا العمامة، والخف، ويكره أيضا الإحرام فيها. وقال
أبو الصلاح: تكره الصلاة في الثوب المصبوغ وأشدها كراهية الأسود ثم الأحمر،
والمشبع، والمذهب والموشح، والمموه، والملحم بالحرير والذهب، والثوب
الشفاف إذا كان تحته ثوب آخر، والثوب الواحد.
والسنجاب على قول الشيخ أبي جعفر في الأول من النهاية وأكثر كتبه،
وإليه ذهب جماعة من أصحابنا، والصحيح أنه لا يجوز، وبه قال سيدنا المرتضى
قدس الله روحه والشيخ أبو جعفر في الثاني من النهاية والأول من مسائل
الخلاف وأبو الصلاح في الكافي، وهو اختيار الفقيه محمد بن إدريس.
والثوب الذي فوق جلد الثعلب أو تحته. وقال الشيخ في النهاية: لا يجوز.
والحرير المحض للنساء، والعمامة بغير حنك، والثوب المؤتزر به فوق
القميص، والثياب المنقوشة بالتماثيل، والقميص المكفوف بالديباج أو الحرير
المحض، والثوب المشتمل به اشتمال الصماء وثوب الحائض إذا كانت متهمة،
وثوب شارب الخمر ومن لا يتحفظ من النجاسات إذا لم يعلم فيه نجاسة.
وكلما لا ينم الصلاة فيه منفردا كالتكة والجورب والقلنسوة والنعل والخف
والسيف والمنطقة والخاتم والسوار والخلخال والدملج وما أشبه ذلك إذا كان
فيها نجاسة، وجاء خبر مرسل يتضمن ما كان على الإنسان أو معه وفيه نجاسة.
والخلاخل إذا كان لها صوت، والأسورة كذلك، واللثام إذا لم يمنع من
القراءة، فإن منع كانت الصلاة فيها غير جائزة، وروي خبر: أما على الأرض فلا
وأما على الدابة فلا بأس.
والخاتم إذا كان فيه صورة، والنقاب للمرأة، والقباء إذا كان مشدودا إلا في
حال الحرب. وقال الشيخ المفيد: لا يجوز، وقال الشيخ في التهذيب: ذكر
490

ذلك علي بن الحسين بن بابويه وسمعناها من الشيوخ مذاكرة ولم أعرف به
خبرا مسندا.
والتكة من الإبريسم المحض للرجال، على ما روي وهو مذهب
أبي الصلاح.
والتكة والقلنسوة إذا عملا من وبر ما لا يؤكل لحمه، على ما ذكره في
المبسوط، وجاء به أحاديث، والصحيح أنه لا يجوز الصلاة فيهما.
فصل
[في مواضع تكره الصلاة فيها]
يكره الصلاة في سبع وثلاثين موضعا مع الاختيار:
وادي ضجنان ووادي الشقرة، والبيداء، وذات الصلاصل، وعلى القير ورد
به خبر.
وبين المقابر إلا إذا كان بينه وبينها عشرة أذرع أمامه وعن يمينه وشماله
وخلفه، ورواه عمار الساباطي في الجهات الأربع.
والأرض الرملة، والسبخة وجاء خبر صحيح في السبخة فإن كانت أرضا
مستوية فلا بأس.
ومعاطن الإبل فإن كنسها ورشها بالماء زالت الكراهة، ومرابط الخيل
والبغال والحمير، والمزابل، ومذابح الأنعام، وقرى النمل، وبطن الوادي،
والحمامات، وجواد الطرق، وبيوت الغائط، وبيوت النيران، وبيوت المجوس،
والكنائس، والوحل، والثلج، وعلى كديس الحنطة، وإن كان مطمئنا، وإليه
ذهب الشيخ في التهذيب وجاء به خبر صحيح.
والموضع الذي يصلي فيه هو والمرأة معا إذا كانت بين يديه أو عن يمينه أو
عن شماله ولم يكن بينها وبين عشرة أذرع على الصحيح من المذهب، وبه قال
المرتضى في مصباحه وجماعة من أصحابنا وهو اختيار ابن إدريس، وذهب الشيخ
491

أبو جعفر في الأول من النهاية إلى تحريمه معتمدا في التحريم على ما رواه عمار
الساباطي وهو فطحي، وقد روي من طريق العدول ما يعارض رواية عمار،
وأطلق ذلك الشيخ المفيد فقال: لا يجوز للمرء أن يصلي وامرأة تصلي إلى جانبه
أو في صف معه، ومتى صلى وهي مسامتة له بطلت صلاته.
وبيوت الخمر والنيران، والموضع الذي يكون فيه بين يدي المصلي نار في
مجمرة أو قنديل، والموضع الذي يكون فيه بين يديه تماثيل غير مغطاة،
والموضع الذي يكون فيه سلاح مشهر، والموضع الذي يكون فيه مصحف
مفتوح وهو يحسن قراءته، والموضع الذي فيه امرأة جالسة، والموضع الذي فيه
إنسان مواجه، والموضع الذي في قبلته حائط ينز من بالوعة يبال فيها، والموضع
الذي فيه نجاسة لا تتعدى إليه. وقال أبو الصلاح لا يجوز الوقوف في الصلاة على
الأرض النجسة ولا يجوز السجود بشئ من الأعضاء السبع إلا على محل طاهر.
وتكره الصلاة أيضا في سطح الكعبة في الفريضة خاصة دون النوافل، وبه
قال الشيخ أبو جعفر في النهاية في باب ما يجوز الصلاة فيه من الثياب والمكان،
وقال في باب النفر من منى وفي مسائل الخلاف: لا يجوز أن يصلي الإنسان
الفريضة في جوف الكعبة مع الاختيار.
فصل
[المواضع التي تجوز العبادة فيها قبل دخول وقتها]
يجوز العبادة قبل دخول وقتها في خمسة عشر موضعا:
نوافل الليل في أوله للمسافر والشاب الذي يغلبه النوم لرطوبة رأسه آخر
الليل، ونافلة الفجر قبل دخول وقت الفجر. وقال بعض الأصحاب: لا يجوز إلا
بعد طلوع الفجر، والصحيح أن وقتها بعد صلاة الليل سواء كان قبل الفجر أو
معه أو بعده للخبر الصحيح.
وأذان الفجر قبل طلوع الفجر، وقال ابن إدريس: وغسل يوم الجمعة ويوم
492

الخميس لمن يغلب على ظنه عوز الماء، وكذلك غسل الإحرام قبل الميقات إذا
خاف عوز الماء.
وطواف السعي والحج وطواف النساء، ويجوز تقديم هذه الثلاثة للمتمتع
إذا كان شيخا كبيرا أو مريضا أو امرأة تخاف الحيض، جاءت به أخبار.
وطواف الحج، وسعي الحج للقارن والمفرد مع عدم الشيخوخة والمرض
والخوف والحيض ووجودها، وطواف النساء لهما مع الشيخوخة والمرض
والحيض والخوف. وروي في الطواف للمفرد ولم يتعرض بالقارن ولا بالسعي
عن محمد بن يعقوب عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن الحسين بن
سعيد عن صفوان عن حماد بن عثمان عن أبي الحسن موسى عليه السلام.
وصوم ثلاثة أيام للمتمتع بالعمرة إلى الحج من أول ذي الحجة في دم المتعة
لمن يتعذر عليه دم الهدي أو ثمنه، ذكره الشيخ في النهاية وغيرها من كتبه على ما
رواه سعيد بن عبد الله عن أحمد بن محمد عن علي بن النعمان عن محمد بن سنان
عن عبد الله بن مسكان عن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: من لم يجد
الهدي وأحب أن يصوم ثلاثة أيام من أول العشر، وهذا الخبر لا يجوز العمل به،
لأن في سنده محمد بن سنان وهو ضعيف، وإلى ما قلنا ذهب ابن إدريس.
ورمي الجمار بالليل للنساء والصبيان والخائف والرعاة والعليل والعبيد،
فأما غير هؤلاء فلا يجوز لهم الرمي إلا بالنهار وكلما قرب من الزوال كان أفضل،
رواه في التهذيب في باب نزول المزدلف في الصبيان والنساء عن محمد بن
يعقوب عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن
أبي المعزا عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام، ورواه في الخائف في باب
الرجوع إلى منى ورمي الجمار عن الحسين بن سعيد عن صفوان بن يحيى عن
عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام، وروى سعد عن أبي جعفر عن
العباس بن معروف عن علي بن مهزيار [عن الحسين بن سعيد عن زرعة عن
سماعة بن مهران] عن أبي عبد الله عليه السلام قال: رخص للعبيد والخائف
493

والراعي أن يرموا ليلا.
وقد ألحق بعض أصحابنا بذلك نوافل يوم الجمعة إذا صليت قبل الزوال،
وغسل من وجب عليه الرجم أو القتل أو الصلب.
فصل
[في المواضع التي يستحب تأخير العبادة فيها]
يستحب تأخير العبادة عن أول وقتها في تسعة مواضع:
صلاة الليل عن أول وقتها وهو انتصاف الليل إلى قرب الفجر، وغسل يوم
الجمعة عن أول وقته وهو طلوع الفجر إلى قرب الزوال، وصلاة العشاء الآخرة
إلى غيبوبة الشفق، والوتيرة إلى بعد الفراع من كل ما يتطوع به من الصلاة
عقيب العشاء الآخرة، وصلاة المغرب والعشاء الآخرة ليلة الأضحى إلى ربع
الليل ليصليها بالمشعر، وصلاة عيد الفطر قليلا عن أول وقتها وهو طلوع
الشمس، ورمي الجمار عن أول وقته وهو طلوع الفجر إلى قرب الزوال، وزكاة
الفطرة عن أول وقتها وهو غيبوبة الشمس ليلة عيد الفطر إلى قرب الخروج إلى
المصلى، وتأخير الصلاة قليلا عن أول وقتها انتظارا بها الجماعة، وصلاة الظهر
جاءت به في التهذيب في باب الأوقات أحاديث.
فصل
[في علامات القبلة]
علامات القبلة ست عشرة علامة:
لأهل العراق أربع: كون الشمس عند الزوال على طرف حاجبه الأيمن،
والشفق بحذاء المنكب الأيسر، والجدي خلف المنكب الأيمن، والفجر بحذاء
المنكب الأيسر.
ولأهل الشام ست: بنات النعش حال غيبوبتها خلف الأذن اليمنى والجدي
494

خلف الكتف الأيسر، وموضع مغيب سهيل على العين اليمنى، وطلوعه بين
العينين، والصبا على الخد الأيسر، والشمال على الكتف الأيمن.
ولأهل المغرب ثلاث: الثريا على يمينه، والعيوق على شماله، والجدي على
صفحة خده الأيسر.
ولأهل اليمن ثلاث: وقت طلوع الجدي بين عينيه، وسهيل حين يغيب على
كتفيه، والجنوب على موضع كتفه الأيمن.
فصل
[المواضع التي يسقط استقبال القبلة فيها]
يسقط استقبال القبلة عن المكلف بها في حال الضرورة في ثلاثة عشر
موضعا:
إذا لم يعلم جهتها ولا غلب على ظنه ذلك يصلي إلى أربع جهات إذا كان
الوقت واسعا فإن تضيق الوقت صلى إلى جهة واحدة.
والمصلي صلاة شدة الخوف، والمواجه للسبع إذا كان السبع في جهة
القبلة، ومن يضيق عليه وقت الفريضة وهو على الراحلة ولم يتمكن من استقبال
القبلة ولا النزول.
والمصلي في السفينة إذا دارت السفينة فليدر معها وليجتهد في استقبال القبلة،
فإن لم يتمكن من استقبال القبلة ولا الصلاة على الأرض فليستقبلها بأول تكبيرة ثم
يصلي.
والغريق المتوحل والسائح والأسير إذا لم يتمكنوا من استقبال القبلة
فليستقبلوها بأول تكبيرة ويصلون، والمريض إذا صلى مستلقيا على قفاه مع عدم
التمكن من الصلاة جالسا أو مضطجعا على يمينه.
ومن يصلي على الراحلة نافلة يستقبل بأول تكبيرة القبلة ثم يصلي حيث
توجهت مع تمكنه من استقبال القبلة وعدم تمكنه، والذابح إذا لم يتمكن من
495

استقبال القبلة وخاف فوت الذبيحة، والثور إذا استعصى، والبعير إذا اغتلم ولم
يقدر عليه جرى مجرى الصيد في رميه بالسهم أو السيف أو الحربة ويسقط عن
راميه استقبال القبلة.
فصل
[مواضع استحباب التوجه بالتكبيرات]
يستحب التوجه بالتكبيرات في سبعة مواضع:
الأولة من كل فريضة، والأولة من نوافل الزوال، والأولة من نوافل المغرب،
والأولة من الوتيرة، والأولة من صلاة الليل، والمفردة من الوتر، والأولة من
ركعتي الإحرام.
قال الشيخ أبو جعفر في التهذيب إشارة إلى سبعة مواضع: ذكر ذلك علي
بن بابويه في رسالته ولم أجد به خبرا مستندا.
فصل
[مواضع استحباب قراءة سورة الجحد]
يستحب قراءة " قل يا أيها الكافرون " في سبعة مواضع: الأولة من نوافل
الزوال، والأولة من نوافل المغرب، والأولة من نوافل الليل، والأولة من نوافل
الفجر، وفي ركعتي الغداة إذا أصبح بها، والأولة من ركعتي الإحرام، والأولة من
ركعتي الطواف.
فصل
[التكبيرات الواجبة والمستحبة في الصلوات الخمس]
التكبير في الصلوات الخمس خمس وتسعون تكبيرة: الواجب منها خمس
وهي تكبيرات الإحرام.
496

[والمستحب منها تسعون] وتفصيل ذلك: في الظهر اثنتان وعشرون
تكبيرة، وكذلك في العصر والعشاء الآخرة، وفي المغرب سبع عشرة تكبيرة،
وفي الصبح اثنتي عشرة تكبيرة. في كل ركعة من الصلوات المذكورات خمس
تكبيرات: تكبيرة الركوع، وتكبيرة السجدة الأولى، وتكبيرة رفع الرأس منها،
وتكبيرة السجدة الثانية [وتكبيرة رفع الرأس منها]، ويضاف إلى هذه الخمس
التكبيرات في كل فريضة من الفرائض الخمس تكبيرتان، وهما: تكبيرة الإحرام،
وتكبيرة القنوت.
وقال سلار رحمه الله: ومن أصحابنا من ألحق تكبيرات الركوع والسجود
والقيام والقعود والجلوس في التشهدين والتسليم، وهو الأصح في نفسي، وما عدا
ذلك مسنون.
فصل
[عدد التكبيرات في صلاة العيد]
التكبيرات في صلاة العيد عشرون تكبيرة: الواجب منها تكبيرة الإحرام
خاصة، والبواقي تستحب. وقد ذكر الشيخ ذلك في التهذيب.
وتفصيل ذلك: تكبيرة الإحرام، والتكبيرات الزوائد وهي تسع، وتكبيرات
الركوع والسجود في الركعتين في كل ركعة خمس على ما تقدم.
فصل
[عدد التكبيرات في صلاة الكسوف]
التكبيرات في صلاة الكسوف أربع وعشرون تكبيرة: الواجب منها تكبيرة
الإحرام خاصة، وعشر تكبيرات في الركوعات العشر، وثمان تكبيرات في
السجدات الأربع، وخمس تكبيرات للقنوتات الخمس.
497

فصل
[التكبيرات الواجبة في الصلوات الواجبة]
التكبيرات الواجبة في الصلوات الواجبات عشرون تكبيرة: خمس تكبيرات
الإحرام في الفرائض الخمس، وتكبيرة الإحرام في صلاة العيد، وتكبيرة الإحرام
في صلاة الكسوف أو الخسوف أو الرياح السود الشديدة أو الزلازل، وخمس
تكبيرات في صلاة الجنازة، وتكبيرة الإحرام في صلاة الجمعة، وتكبيرة الإحرام
في ركعتي الطواف الواجب، وتكبيرة الإحرام في الصلاة الواجبة بالنذر أو العهد
أو اليمين.
أما التكبير بمنى عقيب خمس عشرة صلاة أوله عقيب الظهر يوم النحر
فواجب أيضا، وهو مذهب السيد المرتضى قدس الله روحه في الانتصار، وبه قال
الشيخ أبو جعفر الطوسي في التبيان والاستبصار والجمل، وذهب في النهاية
والمصباح إلى أنه ليس بواجب، والدليل على وجوبه قوله تعالى: " واذكروا الله
في أيام معدودات " أمر الله تعالى بالذكر، والأمر للوجوب، والإجماع منعقد على
أن الأيام المعدودات هي أيام التشريق، وأن الذكر هو التكبير فيها عقيب
الصلوات المفروضات.
وقال الشيخ أبو جعفر في الأول: إن الأيام المعدودات هي أيام التشريق بلا
خلاف، حكاه في التبيان عن ابن عباس والحسن ومالك. وقال في النهاية: إنها
عشر ذي الحجة، وهو قول الفراء.
ويدل أيضا على أن المراد بالآية التكبيرات أيام التشريق ما رواه محمد بن
يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن حماد بن عيسى عن حريز عن محمد بن
مسلم قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل: " واذكروا الله في
أيام معدودات ". قال: التكبير في أيام التشريق من صلاة الظهر من يوم النحر إلى
صلاة الفجر من يوم الثالث.
ويدل أيضا على وجوب التكبير ما رواه حفص بن غياث عن أبيه عن علي
498

عليه السلام أنه قال: على الرجال والنساء أن يكبروا أيام التشريق في دبر
الصلوات.
فصل
[أنواع السجودات وأعدادها]
السجود على ضربين: واجب، ومندوب.
فالواجب أربعة أشياء: سجود الصلاة، وسجود قضاء ما فاته من سجدات
الصلاة ناسيا، وسجود السهو في الصلاة، وسجود العزائم. وهي أربع سجدات:
سجدة ألم تنزيل وهي قوله: " إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا "
إلى قوله: " وهم لا يستكبرون "، وسجدة حم وهي قوله تعالى: " ومن آياته الليل و
النهار " إلى قوله: " إن كنتم إياه تعبدون "، وسجدة النجم وهي قوله تعالى: "
فاسجدوا لله واعبدوا " وسجدة اقرأ وهي قوله تعالى: " كلا لا تطعه واسجد
واقترب ".
والمندوب خمس عشرة سجدة: الفصل بين الأذان والإقامة، وسجدة
الشكر، وسجدة المتابعة للإمام ومعناه أنه إذا رأى الإمام رافعا رأسه من الركوع
أو السجود وأراد الدخول معه في الصلاة سجد فإذا رفع الإمام رأسه رفع هو رأسه
وقام فاستقبل الصلاة.
والسجود لمن دخل المسجد الحرام إذا قرب من الحجر الأسود، وسجدات
ما عدا العزائم الأربع، وهي إحدى عشرة سجدة: سجدة آخر الأعراف وهي قوله
تعالى: " ويسبحونه وله يسجدون "، وفي الرعد وهي قوله تعالى: " ولله يسجد
من في السماوات والأرض طوعا وكرها " إلى " وبالآصال "، وفي النحل وهي
قوله تعالى: " ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم
لا يستكبرون "، وفي بني إسرائيل وهي قوله تعالى: " ويخرون للأذقان سجدا
يبكون ويزيدهم خشوعا "، وفي مريم وهي قوله تعالى: " إذا تتلى عليهم آيات
499

الرحمن خروا سجدا وبكيا "، وفي الحج سجدتان: الأولى قوله تعالى: " ألم تر أن
الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض "، والثانية " يا أيها الذين آمنوا
اركعوا واسجدوا "، وفي الفرقان وهي قوله تعالى: " وإذا قيل لهم اسجدوا
للرحمن قالوا وما الرحمن وزادهم نفورا "، وفي النمل وهي قوله تعالى: " ألا
يسجدوا لله الذي يخرج "، وفي صلى الله عليه وآله وهي قوله تعالى: " فخر راكعا وأناب "،
وفي الانشقاق وهي قوله تعالى: " وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون ".
فصل
[مواضع وجوب سجدة السهو]
تجب سجدة السهو في ستة مواضع:
إذا تكلم في الصلاة ناسيا.
وإذا تكلم فيها متعمدا معتقدا أنه قد فرع منها، وإليه ذهب الشيخ أبو جعفر
في التهذيب في باب السهو في كل زيادة أو نقيصة، وسنورد في آخر هذا الفصل
ما يدل على ذلك.
وإذا سلم في الأولين ناسيا.
وإذا ترك سجدة واحدة ولم يتذكر حتى يركع أو يتشهد ويسلم في الثانية
قضاها بعد التسليم وسجد سجدتي السهو.
وإذا ترك التشهد الأول ولم يذكر حتى ركع في الثالثة قضاه بعد التسليم
وسجد سجدتي السهو.
وإذا شك بين الأربع والخمس وهو جالس تشهد وسلم وسجد سجدتي
السهو، فإن كان قائما لم يركع قعد وتشهد وسلم وصلى ركعة من قيام أو
ركعتين من جلوس، فإن كان قد ركع ولم يرفع رأسه أرسل نفسه من غير أن
يرفع رأسه وفعل مثل ذلك، فإن كان قد رفع رأسه بعد شكه أو شك فيه قبل
رفع رأسه ثم رفعه بطلت الصلاة.
500

وألحق بهذا أربعة مواضع، فقال ابن بابويه وسلار: من قعد في حال القيام
أو قام في حال القعود فعليه سجدتا السهو. وقال أبو الحسن علي بن بابويه في
الرسالة: وإذا شككت فلم تدر أصليت ركعتين أم ثلاثا وذهب وهمك إلى الأقل
فابن عليه وتشهد في كل ركعة ثم اسجد سجدتي السهو بعد التسليم.
[وقال أيضا: وإن شككت فلم تدر أثلاثا صليت أم
أربعا وذهب وهمك إلى الأربع فاسجد سجدتي السهو].
والأخبار المشار إليها:
سعد عن أيوب بن نوح عن علي بن النعمان الرازي قال: كنت مع
أصحاب لي في سفر وأنا إمامهم فصليت بهم المغرب فسلمت في الركعتين
الأولتين، فقال أصحابي: إنما صليت بنا ركعتين. فكلمتهم وكلموني، فقالوا: أما
نحن فنعيد. فقلت: لكنني لا أعيد وأتم بركعة، فأتممت بركعة ثم سرنا، فأتيت أبا
عبد الله عليه السلام فذكرت له الذي كان من أمرنا. فقال: أنت كنت أصوب
منهم فعلا، إنما يعيد من لا يدري ما صلى.
الحسين بن سعيد عن فضالة عن القاسم بن بريد عن محمد بن مسلم عن
أبي جعفر عليه السلام في رجل صلى ركعتين من المكتوبة فسلم وهو يرى أنه قد
أتم الصلاة وتكلم ثم ذكر أنه لم يصل غير ركعتين؟ فقال: يتم ما بقي من صلاته
ولا شئ عليه.
محمد بن أحمد بن يحيى عن أحمد بن الحسن بن علي بن فضال عن عمرو
بن سعيد المدائني عن مصدق بن صدقة عن عمار بن موسى الساباطي عن أبي
عبد الله عليه السلام في الرجل يذكر بعد ما قام وتكلم ومضى في حوائجه أنه إنما
صلى ركعتين في الظهر والعصر والعتمة والمغرب. قال: يبني على صلاته فيتمها
ولو بلغ الصين، ولا يعيد الصلاة.
أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن النعمان عن سعيد الأعرج قال:
سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: صلى رسول الله صلى الله عليه وآله ثم
501

سلم في الركعتين، فسأله من خلفه: يا رسول الله أحدث في الصلاة شئ؟ قال:
وما ذاك؟ قالوا: إنما صليت ركعتين. فقال: أكذاك يا ذا اليدين - وكان يدعى
ذا الشمالين -؟ فقال: نعم. فبنى على صلاته فأتم الصلاة أربعا وسجد سجدتين
لمكان الكلام.
الحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير [عن جميل] قال: سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن رجل صلى ركعتين ثم قام؟ قال: يستقبل. قلت: فما يروي الناس
- فذكرت له حديث ذي الشمالين - فقال: إن رسول الله
صلى الله عليه وآله لم يبرح من مكانه.
وعنه [عن فضالة] عن الحسين بن [عثمان عن] سماعة عن أبي بصير عن أبي
عبد الله عليه السلام مثله.
وعن الحسن بن صدقة عن أبي الحسن الأول عليه السلام: إن رسول الله
صلى الله عليه وآله صلى وسلم في الركعتين الأولتين.
محمد بن أحمد بن يحيى، عن محمد بن يحيى المعاذي، عن الطيالسي، عن
سيف بن عميرة، عن إسحاق بن عمار قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: إذا ذهب
وهمك إلى التمام أبدا في كل صلاة فاسجد سجدتين بغير ركوع. هذا الخبر فيه
حجة لما ذكره ابن بابويه في من شك بين الثلاث والأربع.
سعد بن عبد الله، عن أبي جعفر، عن محمد بن أبي عمير، عن بعض أصحابنا،
عن سفيان بن السمط، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: تسجد سجدتي السهو في
كل زيادة ونقصان تدخل عليك.
عن حماد بن عثمان، عن عبيد الله بن علي الحلبي، عن أبي عبد الله
عليه السلام أنه قال: إذا لم تدر أربعا صليت أم خمسا أم نقصت أم زدت فتشهد وسلم
واسجد سجدتي السهو بغير ركوع ولا قراءة وتشهد فيهما تشهدا خفيفا.
أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن
بعض أصحابنا، عن سفيان بن السمط، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: تسجد
502

سجدتي السهو في كل زيادة تدخل عليك أو نقصان.
محمد بن أحمد بن يحيى، عن أحمد بن الحسن، عن عمرو بن سعيد، عن
مصدق بن صدقة، عن عمار بن موسى الساباطي قال: سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن السهو ما يجب فيه سجدتا السهو؟ فقال: إذا أردت أن تقعد فقمت أو
أردت أن تقوم فقعدت أو أردت أن تقرأ فسبحت أو أردت أن تسبح فقرأت
فعليك سجدتا السهو، وليس في شئ مما يتم به الصلاة سهو.
فصل
[الخطب الواجبة والمندوبة]
الخطب إحدى عشرة خطبة، وهي على ضربين: واجب، ومندوب.
فالواجب خطبة الجمعة.
والمندوب: خطبة عيد الفطر، وخطبة عيد الأضحى، والخطبة عند أمر الإمام
الناس بالصوم للاستسقاء قبل صلاة الاستسقاء، والخطبة بعد الفراع من صلاة
الاستسقاء، والخطبة قبل يوم التروية يخبر الإمام الناس فيها بمناسك الحج،
والخطبة يوم التروية، والخطبة يوم عرفة قبل الأذان للزوال، ذكرها الشيخ
أبو جعفر في الأول من مسائل الخلاف.
والخطبة بمنى يوم النحر إذا زالت الشمس بعد صلاة الظهر، والخطبة بعد
الزوال يوم النفر الأول من منى، ذكرها الشيخ أبو جعفر في الأول من مسائل
الخلاف أيضا، وخطبة النكاح.
فصل
[المواضع التي يجوز فيها المشي في الصلاة]
يجوز المشي في الصلاة في عشرة مواضع:
إن وجد الإمام راكعا وخاف فوات تلك الركعة وبينه وبين الصفوف قدر
503

يزيد على مربض عنز، كبر وركع ومشى في ركوعه حتى يلحق بالصف وسجد،
وإن شاء ركع وسجد في موضعه، فإذا رفع الإمام رأسه رفع هو رأسه، وقام
ومشى في صلاته حتى يلحق بالصف - منع المفيد من ذلك.
ومن كان في صلاة الجماعة ورأى خللا في صف مشى ووقف في ذلك
الخلل، والمرأة إذا جاء رجل أو رجال ووقفوا في صفها مشت القهقرى ووقفت
منفردة عن صف الرجال.
ومن رعف في الصلاة وأصاب ثوبه أو بدنه منه قدر درهم فصاعدا جاز أن
يمشي من غير أن يستدبر القبلة ويغسل الدم ويتم الصلاة.
ومن تضايقت عليه الصفوف جاز أن يمشي ليوسع على نفسه أو على غيره
ويقف منفردا أو يقف في صف غير ذلك الصف.
ومن كان في دعاء الوتر وهو عطشان وعزم الصوم من الغد وأمامه قلة
وبينه وبينها خطوتان أو ثلاث مشى إليها وشرب منها قدر حاجته وعاد في الدعاء
- كذا رواه سعيد الأعرج عن أبي عبد الله عليه السلام بهذه الشروط مقيدا في
الباب الأخير من التهذيب، ورواه في الباب الأول علي بن أبي حمزة وغيره عمن
حدثه مطلقا.
والمسافر إذا جد به السفر ولم يتمكن من الوقوف في الصلاة صلى ماشيا -
جاءت به أحاديث في باب صلاة المسافر.
ومن كان في الصلاة ورأى حية أو عقربا جاز له أن يمشي إليها ويقتلها ويتم
الصلاة. وروى عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام في الحية إذا كان بينه
وبينها خطوة واحدة فليخط وليقتلها وإلا فلا.
ومن خاف ضياع مال أو إباق عبد أو إتلاف دابة أو هلاك صبي جاز له
أن يمشي في الصلاة ويستوثق في حفظ ذلك ويرجع فيتم صلاته، فإن لم يتمكن
إلا بقطع الصلاة قطعها.
والمتيمم إذا صلى ركعة واحدة وأحدث ما به ينتقض التيمم من غير تعمد ثم
504

وجد الماء جاز له أن يمشي إليه ويتوضأ ويبني على صلاته ما لم يتكلم أو يستدبر
القبلة - جاء به حديثان صحيحان، وإليه ذهب الشيخ أبو الحسن علي بن بابويه
في الرسالة والشيخ أبو جعفر الطوسي في كتبه لكنه لم يقيده بصلاة ركعة.
ومن كان في موضع مغصوب وتضيق عليه وقت الصلاة صلى ماشيا إيماء
وخرج من ذلك الموضع إذا تمكن من الخروج.
فصل
[المواضع التي يكره فيها الكلام]
يكره الكلام في ستة عشر موضعا:
في حال الجماع، وحال الغائط وحال البول إلا بحمد الله تعالى وقراءة آية
الكرسي فيما بينه وبين نفسه، وحكاية الأذان والإقامة إذا سمعها فيما بينه وبين
نفسه أيضا، والدعاء المروي عند شدة الزحير.
وحال الأكل إلا بحمد الله تعالى، وخلال الإقامة وهو فيها أشد كراهية من
الأذان، وعند غيبوبة الشمس إلى غيبوبة الشفق إلا بذكر الله تعالى، ومن طلوع
الفجر إلى طلوع الشمس إلا بذكر الله تعالى، وحال الطواف، وحال السعي،
وحال الاعتكاف إلا بذكر الله تعالى أو ما لا بد منه، وحالة استماع القرآن، وفي
الفراش وهو مع امرأته إذا كان جنبا فقد قال النبي صلى الله عليه وآله:
يا علي من كان جنبا في الفراش مع امرأته فلا يقرأ القرآن، فإني أخشى أن تنزل
عليهما نار من السماء فتحرقهما.
وفي المساجد برفع الصوت وإنشاد الشعر وإيراد قصص الجاهلية ورطانة
العجم، وخلال دعاء أم داود، وإذا قال المؤذنون " قد قامت الصلاة " كره الكلام
إلا ما يتعلق بتسوية الصفوف أو تقديم إمام يصلي بالجماعة، وحرمه الشيخ في
النهاية معتمدا على خبرين ضعيفين، والصحيح أنه مكروه.
ويكره الكلام في حال خطبة صلاة الجمعة، وإليه ذهب الشيخ أبو جعفر في
505

المبسوط، وذهب في النهاية ومسائل الخلاف إلى تحريمه، ولم أقف من طريق
أصحابنا على خبر يقتضي التحريم.
506