الكتاب: الينابيع الفقهية
المؤلف: علي أصغر مرواريد
الجزء: ٢١
الوفاة: معاصر
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤١٠ - ١٩٩٠ م
المطبعة:
الناشر: دار التراث - بيروت - لبنان / الدار الإسلامية - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: أشرف على جمع أصولها الخطية وترتيبها حسب التسلسل الزمني وعلى تحقيقها وإخراجها وعمل قواميسها علي أصغر مرواريد

الينابيع الفقهية
الصيد والذبايح
حقوق الطبع محفوظة
الطبعة الأولى
1410 ه‍. 1990 م
دار التراث = الدار الاسلامية
بيروت.
سلسلة الينابيع الفقهية
الصيد والذبايح
أشرف على جمع أصولها الخطية وترتيبها حسب التسلسل
الزمنى وعلى تحقيقها واخراجها وعمل قواميسها
على أصغر مرواريد
بسم الله الرحمن الرحيم
1

فقه الرضا
المنسوب للإمام علي بن موسى الرضا ع
153 - 202 ه‍ ق
2

باب الصيد والذبايح
اعلم أن الطير إذا ملك جناحه فهو لمن أخذه إلا أن يعرف صاحبه فيرد عليه، ولا
يصلح أخذ الفراخ من أوكارها في جبل أو بئر أو أجمة حتى ينهض.
ويؤكل من الطير ما يدف بجناحيه ولا يؤكل ما يصف، وإن كان الطير يصف وكان
دفيفه أكثر من صفيفه أكل وإن كان صفيفه أكثر من دفيفه لم يؤكل، ويؤكل من البيض ما
اختلف طرفاه، ومن السمك ما كان له فلوس، وذكاة السمك والجراد أخذه ولا يؤكل
ما يموت في الماء من سمك وجراد وغيره، وإذا اصطدت سمكة وفي جوفها أخرى، أكلت إذا
كان لها فلوس، وروي: لا يؤكل ما في جوفه لأنه طعمته، ولا يؤكل الجري ولا المارماهي ولا
الزمار ولا الطافي، وهو الذي يموت في الماء فيطفو على رأس الماء. وإن وجدت سمكا
ولم تدر أ ذكي هو أم غير ذكي وذكاته أن يخرج من الماء حيا، فخذه واطرحه في الماء فإن طفا
على رأس الماء مستلقيا على ظهره فهو غير ذكي وإن كان على وجهه فهو ذكي،
وإن وجدت لحما ولم تعلم أنه ذكي أم ميتة فألق منه قطعة على النار فإن تقبض فهو ذكي
وإن استرخى على النار فهو ميتة، وإذا جعلت سمكة مع الجري في السفود فإن كانت
السمكة فوقه فكلها وإن كانت تحته فلا تأكل، وكل صيد إذا اصطدته في البر والبحر حلال
سوى ما قد بينت لك مما جاء في الخبر بأن أكله مكروه، وإذا كان اللحم مع الطحال في
السفود أكل اللحم والجوذابة لأن الطحال في حجاب ولا ينزل منه شئ إلا أن يثقب، فإن
ثقب وسأل منه لم يؤكل ما تحته من الجوذابة ولا غيره ويؤكل ما فوقه.
3

وإذا أردت أن ترسل الكلب على الصيد فسم الله عليه فإن أدركته حيا فاذبحه أنت
وإن أدركته وقد قتله كلبك فكل منه وإن أكل بعضه، لقوله تعالى: فكلوا مما أمسكن عليكم
وإن لم يكن معك حديد تذبحه فدع الكلب على الصيد وسم عليه حتى يقتل ثم تأكل منه،
وإن أرسلت على الصيد كلبك فشاركه كلب آخر فلا تأكله إلا أن تدرك ذكاته،
وإن رميت وسميت وأدركته وقد مات فكله إذا كان في السهم زج حديد وإن وجدته من الغد وكان
سهمك فيه فلا بأس بأكله إذا علمت أن سهمك قتله، وإن رميت وهو على جبل فأصابه
سهمك ووقع في الماء ومات فكله إذا كان رأسه خارجا من الماء وإن كان رأسه في الماء فلا
تأكله، ولا تأكل ما اصطدت بباز أو صقر أو فهد أو عقاب أو غير ذلك
إلا ما أدركت ذكاته إلا الكلب المعلم فلا بأس بأكل ما قتله إذا كنت سميت عليه.
4

باب النفقة والمآكل والمشارب والطعام
اعلم يرحمك الله أن الله وتعالى لم يبح أكلا ولا شربا إلا لما فيه المنفعة والصلاح ولم
يحرم ما فيه الضرر والتلف والفساد، فكل نافع مقو للجسم فيه قوة للبدن فحلال وكل مضر
يذهب بالقوة أو قاتل فحرام مثل: السموم، والميتة، والدم ولحم الخنزير، وذي ناب من
السباع ومخلب من الطير وما لا قانصة له منها، ومثل: البيض إذا استوى طرفاه والسمك
الذي لا فلوس له، فحرام كله إلا عند الضرورة، والعلة في تحريم الجري وهو السلور
وما جرى مجراه من سائر المسوخ البرية والبحرية ما فيها من الضرر للجسم لأن الله تقدست
آلاؤه مثل على صورها مسوخا فأراد أن لا يستخف بمثله.
والميتة تورث الكلب وموت الفجأة والآكلة، والدم يقسي القلب ويورث الداء الدبيلة،
والسموم قاتلة، والخمر يورث فساد القلب ويسود الأسنان ويبخر الفم ويبعد من الله ويقرب
من سخطه وهو من شراب إبليس، وقال: شارب الخمر ملعون، شارب الخمر كعبدة الأوثان
يحشر يوم القيامة مع فرعون وهامان، وسنذكر إن شاء الله تعالى في باب الخمر ما تورثه منه
بتمامه.
واعلم أن كل صنف من صنوف الأشربة التي لا تغير العقل، شرب الكثير منها لا بأس
به سوى الفقاع فإنه منصوص عليه لغير هذه العلة، وكل شراب يتغير العقل منه كثيره
وقليله حرام أعاذنا الله وإياكم منها، وليكن نفقتك على نفسك وعلى عيالك قصدا فإن الله
يقول: ويسألونك ما ذا ينفقون قل العفو والعفو: الوسط، وقال الله تعالى: والذين إذا أنفقوا لم
5

يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما، وقال العالم ع: ضمنت لمن اقتصد أن
لا يفتقر، واعلم أن نفقتك على نفسك وعيالك صدقة، والكاد على عياله من حل
كالمجاهد في سبيل الله، واعلم أنه جائز للوالد أن يأخذ من مال ولده بغير إذنه وليس
للولد أن يأخذ من مال والده إلا باذنه، وللمرأة أن تنفق من مال زوجها بغير إذنه المأدوم
دون غيره، وإذا أرادت الأم أن تأخذ من مال ولدها فليس لها إلا أن تقوم على نفسها لترده
عليه، ولا بأس للرجل أن يأكل من بيت أبيه وأخيه وأمه وأخته وصديقه ما يخشى عليه
الفساد من يومه بغير إذنه، مثل: البقول والفاكهة وأشباه ذلك، إذا مررت ببستان
فلا بأس أن تأكل من ثمارها ولا تحمل معك شيئا.
6

المقنعة في الأصول والفروع
للشيخ المفيد أبي عبد الله محمد ابن النعمان الحارثي
البغدادي المعروف بابن المعلم
336 - 413 ه‍ ق
7

باب الصيد والذبائح
وإذا أردت أن ترسل كلبا على صيد فسم الله فإن أدركته حيا فاذبحه أنت وإن
أدركته وقد قتله كلبك فكل منه وإن أكل بعضه، فإن الله تعالى يقول: فكلوا مما أمسكن
عليكم. وروي كل ما أكل الكلب وإن أكل ثلثيه. كل ما أكل الكلب ولو لم يبق منه إلا
بضعة واحدة. وإذا لم يكن معك حديدة تذبحه بها فدع الكلب يقتله ثم كل منه. وإن
أرسلت كلبك إلى صيد وشاركه كلب آخر، فلا تأكل منه إلا أن تدرك ذبحه. ولا تأكل مما صيد
بباز أو صقر أو فهد أو عقاب أو غير ذلك، إلا ما أدركت ذكاته إلا الكلب المعلم. ولا بأس
بأكل ما قتله إذا كنت قد سميت عليه.
وإذا رميت سهمك وسميت وأدركته وقد مات، فكله إذا كان في السهم زج حديد،
وإن وجدته من الغد وكان سهمك فيه، فلا بأس بأكله إذا علمت أن سهمك قتله. فإن
رميته وهو على جبل فسقط ومات فلا تأكله. وإن رميته فأصابه سهمك ووقع في الماء
فمات، فكله إذا كان رأسه خارجا من الماء. وإن كان رأسه في الماء فلا تأكله. ولا تأكل ما
صيد بالحجر والبندق.
وإن ذبحت فاستقبل بذبيحتك القبلة ولا تنخعها حتى تموت، ولا تأكل من ذبيحة لم
تذبح من مذبحها، وإن امتنع عليك بعير وأنت تريد نحره أو بقرة أو شاة أو غير ذلك،
فضربتها بالسيف وسميت فلا بأس بأكله. وإذا ذبحت فسبقت الحديدة فأبانت الرأس
فكله إذا خرج الدم. والشاة إذا طرفت عينها أو ركضت برجلها أو حركت ذنبها فهي ذكية.
9

وإن ذبحت شاة ولم تتحرك وخرج منها دم كثير غليظ فلا تأكل إلا أن يتحرك شئ
منها كما ذكرناه.
ولا تأكل من فريسة السبع ولا الموقوذة ولا المنخنقة ولا المتردية ولا النطيحة، إلا أن
تذبحها وتذكيها.
وإذا ذبحت ذبيحة في بطنها ولد، فإن كان تاما فكله. ذكاته ذكاة أمه. وإن لم يكن تاما
فلا تأكله. وروي إذا أشعر أو أوبر فذكاته ذكاة أمه. وإذا ذبحت البقرة من المنحر فلا
تأكلها، فإن البقر تذبح ولا تنحر وما نحر فليس بذكي.
ولا تأكل ذبيحة من ليس على دينك في الاسلام. ولا تأكل ذبيحة اليهودي
والنصراني والمجوسي، إلا إذا سمعتهم يذكرون اسم الله عليها. فإذا ذكروا اسم الله فلا
بأس بأكلها. فإن الله يقول: ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه. ويقول: فكلوا مما ذكر اسم
الله عليه إن كنتم بآياته مؤمنين.
ولا بأس بذبيحة النساء إذا ذكرن الله.
وسئل أبو عبد الله ع عن ذبائح النصارى. فقال: لا بأس بها. فإنهم
يذكرون عليها المسيح؟ فقال: إنما أرادوا بالمسيح، الله. وقد نهى في خبر عن أكل ذبيحة
المجوسي. ولا بأس بأكل ذبيحة المرأة والغلام، إذا كان قد صلى وبلغ خمسة أشبار. وإذا
كن نساء ليس معهن رجل فلتذبح أعلمهن ولتذكر اسم الله عليه.
وسئل أبو جعفر ع عن سباع الطير والوحش حتى ذكر له القنافذ
والوطواط والحمير والبغال والخيل فقال: ليس الحرام إلا ما حرم الله في كتابه. وقد نهى
رسول الله ص عن أكل لحوم الحمير يوم خيبر. وإنما نهاهم من أجل ظهورهم أن
يفنوها وليست الحمير بحرام. ثم قرأ هذه الآية: قل لا أجد فيما أوحي إلى محرما على
طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير
الله به. ولا بأس بأكل لحوم الحمر الوحشية.
واعلم أن الضب والفأرة والقرد والخنازير مسوخ لا يجوز أكلها. وكل مسخ حرام.
ولا تأكل الأرنب فإنه مسخ حرام. وقال رسول الله ص، كل ذي ناب من
10

السباع ومخلب من الطير والحمر الإنسية حرام. والكلب نجس. ولا تأكل من السباع شيئا
على الجملة.
وإياك أن تجعل جلد الخنزير دلوا تستقى به الماء. ولا تأكل من لحم حمل رضع من
خنزيرة.
ولا بأس بركوب البخاتي وشرب ألبانها. ولا تأكل اللحم نيا حتى يغيره الملح
والنار. ولا بأس بأكل القديد وإن لم تمسه النار.
وسئل أبو عبد الله ع عن جدي رضع من لبن خنزيرة حتى كبر وشب
واشتد عظمه. ثم إن رجلا استفحله في غنمه فأخرج له نسلا. فقال: أما ما عرفت من نسله
بعينه فلا تقربه وأما ما لا تعرفه فكله ولا تسأل عنه، فإنه بمنزلة الجبن. وقال: لا تشرب من
ألبان الإبل الجلالة، وإن أصابك شئ من عرقها فاغسله.
والطير إذا ملك جناحيه فهو لمن أخذه إلا أن يعرف صاحبه فيرده عليه. ولا يجوز
أخذ الفراخ من أوكارها في جبل أو بئر أو أجمة حتى ينهض.
ويؤكل من الطير ما يدف. ولا يؤكل ما يصف وإن كان يصف ويدف وكان دفيفه أكثر من صفيفه، أكل. وإن كان صفيفه
أكثر من دفيفه لم يؤكل.
واعلم أن ذكاة السمك والجراد أخذه. وكل من السمك ما كان له قشور ولا تأكل
ما ليس له قشور. وكل من البيض ما اختلف طرفاه. ولا تأكل ما مات في الماء من سمك
وجراد وغير ذلك. ولا تأكل الجري ولا المارماهي ولا الزمير ولا الطافي وهو الذي يموت في
الماء فيطوف على وجه الماء.
وإن وجدت سمكا ولم تعلم ذكي هو أو غير ذكي فذكاته أن يخرج من الماء حيا
فخذ منه واطرحه في الماء، فإن طفا على رأس الماء مستلقيا على ظهره فهو غير ذكي وإن كان
على وجهه فهو ذكي. وكذلك إذا وجدت لحما ولم تعلم أنه ذكي أو ميتة، فألق منه قطعة على
النار، فإن انقبض فهو ذكي وإن استرخى على النار فهو ميتة.
وإذا كان اللحم مع الطحال في سفود أكل اللحم إذا كان فوق الطحال، فإن كان
أسفل من الطحال لم يؤكل. ويؤكل جوذابه لأن الطحال في حجاب ولا ينزل منه إلا أن يثقب، فإن
11

ثقب سأل منه. ولم يؤكل ما تحته من الجوذاب. وإن جعلت سمكة يجوز أكلها مع جرى أو
غيرها مما لا يجوز أكله في سفود، أكلت التي لها فلوس إذا كانت في السفود فوق الجري وفوق
التي لا تؤكل وإن كانت أسفل من الجري لم تؤكل.
ولا تشرب في أواني الذهب والفضة.
واعلم أن في الشاة عشرة أشياء لا تؤكل: الفرث والدم والنخاع والطحال
والغدد والقضيب والأنثيان والرحم والحياء والأوداج.
12

الهداية بالخير
للشيخ أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي
الملقب بالصدوق المتوفى 381 ه‍ ق
13

باب الصيد والذبائح
باب ما يؤكل من الطير وما لا يؤكل
كل من الطير ما دف ولا تأكل ما صف. فإن كان الطير يصف ويدف وكان
دفيفه أكثر من صفيفه أكل وإن كان صفيفه أكثر من دفيفه لم يؤكل.
وقال النبي ص كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير
والحمر الأنسية حرام، ويؤكل من طير الماء ما كانت له قانصة أو صيصية.
باب ما يؤكل من البيض وما لا يؤكل
كل من البيض ما اختلف طرفاه، ولا تأكل ما استوى طرفاه.
باب ما يؤكل من السمك والجراد
كل من السمك ما كان له فلوس ولا تأكل ما ليس له فلوس. وذكاة السمك
والجراد أخذه. ولا تأكل الدبى من الجراد وهو الذي لا يستقل بالطيران. ولا تأكل
من السمك، الجري ولا المارماهي ولا الطافي ولا الزمير. وسئل الصادق ع
عن الربيثا، فقال: لا تأكلها فإنا لا نعرفها من السمك.
باب ما يؤكل من الشاة
لا تأكل من الشاة عشرة أشياء: الفرث والدم والطحال والنخاع والغدد
15

والقضيب والأنثيين والرحم، والحياء والأوداج وذوي العروق.
باب الأشياء التي هي من الميتة ذكية
عشرة أشياء من الميتة ذكية: العظم والشعر والصوف والريش والقرن و
الحافر والبيض والأنفحة، واللبن، والسن.
باب الصيد والذبائح
كل كلما صاد الكلب المعلم. وإن قتله وأكل منه. وإن لم يبق منه إلا بضعة
واحدة. ولا تأكل ما صيد بباز أو صقر أو عقاب أو فهد. إلا ما أدركت ذكاته.
ومن أرسل كلبه ولم يسم تعمدا، فأصاب صيدا لم يحل أكله، لأن الله عز وجل
يقول: ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق. يعني حرام. وإن نسي فليسم
حين يأكل وكذلك في الذبيحة.
ولا بأس بأكل لحوم الحمير الوحشية. ولا بأس بأكل ما صيد بالليل ولا يجوز
صيد الحمام بالأمصار ولا يجوز أخذ الفراخ من أوكارها في جبل أو بئر أو أجمة حتى
تنهض.
وذبيحة النصاب تؤكل إلى يوم. وذبيحة اليهود والنصراني لا تؤكل إلا إذا
سمعتموهم يذكرون اسم الله عليها.
16

المقنع
في الفقه
للشيخ أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي
الملقب بالصدوق المتوفى 381 ه‍ ق
17

باب الصيد والذكاة قال الله عز وجل يسألونك ما ذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من
الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه
واتقوا الله إن الله سريع الحساب، وقال تعالى: أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا
لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما واتقوا الله الذي إليه تحشرون.
فأحل سبحانه صيد البحر في كل حال وأحل صيد البر في أحوال الإحلال، ويؤكل من صيد
البحر كل ما كان له فلوس من السموك ولا يؤكل منه ما لا فلس له، ويجتنب الجري والزمار
والمارماهي من جملة السموك ولا يؤكل الطافي منه وهو الذي يموت في الماء فيطفو عليه.
وذكاة السمك صيده حيا ويؤكل من بيض السمك ما كان خشنا ويجتنب منه الأملس
والمنماع، وإذا صيدت سمكة فشق جوفها ووجد فيه سمكة قد كانت ابتلعتها، فإن كانت
ذات فلوس أكلت وإن لم تكن لها فلوس لم تؤكل، وإذا وجد الانسان سمكة على ساحل
بحر أو شاطئ نهر ولم يدر أذكية هي أم ميتة فليلقها في الماء فإن طفت على ظهرها فهي
ميتة وإن طفت على وجهها فهي ذكية.
ولا يؤكل ما صاده المجوس وأصناف الكفار، ويكره صيد الوحش والطائر في الليل
ولا يجوز أخذ الفراخ من أوكارها، ومن وجد في شجرة بيضا ولم يدر أ هو بيض ما يحل أكله
من الطير أم بيض ما يحرم، اعتبره فإن كان مختلف الطرفين أكله وإن كان متفق الطرفين
اجتنبه، ويحرم من الطير ما يصف ويحل منه ما يدف فإن كان مما يصف ويدف اعتبر، فإن
19

كان دفيفه أكثر من صفيفه أكل وإن كان صفيفه أكثر من دفيفه اجتنب.
والسنة في الصيد بالكلاب المعلمة دون ما سواها من الجوارح، وإذا أرسل الانسان
كلبه المعلم على صيد فليسم فإن ظفر به الكلب فليذكه ثم ليأكله فإن لم يدرك ذكاته حتى
قتله الكلب فليأكل منه إذا كان قد سمى عند إرساله فإن لم يكن سمى فلا يأكله، ولا بأس
بأكل ما أكل منه الكلب إذا كان ذلك شاذا منه، فإن كان الكلب معتادا لأكل الصيد لم يأكل
من صيده إلا ما أدرك بالذكاة.
ولا يؤكل من صيد البازي والصقر والفهد إلا ما أدرك ذكاته ويجتنب أكل ما قتله وإن
كان الانسان قد سمى عند إرساله، ولا يؤكل من الوحش ما يفرس بنابه أو بمخلبه ولا بأس
بأكل الحمار الوحشي، ولا يؤكل الأرنب فإنه مسخ بخس ولا يجوز أكل الثعلب والضب،
ولا يؤكل ما قتله البندق من الطير وغيره ورمى الجلاهق وهي قسي البندق حرام، ولا بأس
أن يرمي الانسان الوحش والطير بالنبل والنشاب ويسمي عند رميه فإذا قتله السهم أكله،
ولا بأس بصيد المعراض إذا خرق الجلد وأسال الدم، ولا يؤكل الصيد المقتول بالحجارة
والخشب، ومن لم يجد حديدا يذكي به ووجد زجاجة تفري اللحم أو ليطة من قصب لها حد
كحد السكين ذكي بها ولا يذكى بذلك إلا عند فقد الحديد.
وإذا وقع الصيد في الماء فيه لم يؤكل وإن وقع من جبل فتكسر ومات لم يؤكل، ولا ذكاة
إلا في الحلق واللبة إلا أن يقع الصيد أو غيره من الإبل والبقر والغنم في زبية أو بئر فلا يمكن
اخراجه منهما فلا بأس أن يطعن بالحديد في أي موضع وقع منه فإذا برد بالقتل أكل، وإن
استعصى أيضا بعير أو ثور وامتنعا من النحر والذبح جاز ضربهما بالسيوف وطعنهما بالرماح
وأكلهما بعد بردهما بعدم الحياة منهما، وذكاة الجواد أخذه ولا يؤكل منه الدبى وهو الذي
لا يستقل بالطيران.
20

باب الذبائح والأطعمة وما يحل من ذلك وما يحرم منه
قال الله عز وجل: ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى
أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون، فحرم سبحانه أكل ما لم يذكر اسم الله
عليه من الذبائح وحذر من دخول الشبهة فيه، وأصناف الكفار من المشركين واليهود
والنصارى والصابئين لا يرون التسمية على الذبائح فرضا ولا سنة فذبائحهم محرمة
بمفهوم التنزيل حسب ما أثبتناه.
والناصبة لآل محمد ع على ضربين: أحدهما يحل ذبيحته والآخر يحرم،
والذين تحل ذبائحهم منهم هم المعتقدون بمودة أمير المؤمنين ع وذريته الأبرار
ع وإن جهلوا كثيرا من حقوقهم على الآثار، والذين تحرم ذبائحهم فهم
الخوارج ومن ضارعهم في عداوة أمير المؤمنين ع وعترته الأطهار ع
لأنهم بذلك لاحقون بمن سميناه من الكفار في تحريم ذبائحهم لأنهم وإن كانوا يرون
التسمية على الذكاة فإنهم بحكم أهل الارتداد عن الاسلام لعنادهم لأولياء الله عز وجل
واستحلالهم منهم المحظورات وذبائح المرتدين وإن اعتقدوا التسمية عليها محرمة
بالإجماع.
ومن ذبح من أهل الاسلام فليستقبل القبلة بالذبيحة ويسمي الله عز وجل ولا يفصل
الرأس من العنق حتى تبرد الذبيحة، وإذا ذبح الحيوان فتحرك عند الذبح وخرج منه الدم
فهو ذكي وإن لم يكن منه حركة فهو منخنق وفي حكم الميتة وكذلك إن لم يسل منه دم،
21

ولا بأس بذبيحة الصبي إذا كان يحسنها ولا بأس بذبيحة المرأة أيضا إذا كانت تحسنها.
ومن وجد ذبيحة في أسواق المسلمين ولم يعلم أن ذابحها كافر ولم يتيقن ذلك فليأكل
منها وليس عليه أن يسأل عن الذابح ويكفيه في استحلالها ظاهر الاسلام، وإن تعمد المسلم
ترك التسمية على الذبيحة حرم أكلها فإن نسي التسمية كفته النية لها واعتقاد فرضها
والتدين بذلك في جواز أكلها.
وقد ظن أن ذبائح أهل الكتاب حلال لقوله عز وجل: اليوم أحل لكم الطيبات وطعام
الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم، وليس الأمر في معنى هذه الآية كما ظنوه لأن
اسم الطعام إذا أطلق اختص الأخباز والحبوب المقاتة دون الذبائح، ولو كانت تسميته تعم
بإطلاقها ذلك كله لأخرج الذبائح منها قوله جل اسمه: ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه
وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون،
وقد ثبت أن اليهود والنصارى لا يرون التسمية على الذبائح ولا يعتقدونها فرضا
في ملتهم ولا فضيلة، وكذلك قد ظن هؤلاء القوم بما في تمام هذه الآية من قوله: والمحصنات
من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن،
إباحة نكاح اليهوديات والنصرانيات وهذا الحكم منسوخ بقوله تعالى: ولا تمسكوا بعصم
الكوافر.
ولا يجوز مؤاكلة المجوس ولا استعمال آنيتهم حتى تغسل لاستحلالهم الميتة وإهمالهم
الطهارة من النجاسات، ويجتنب الأكل والشرب في آنية مستحلي شرب الخمور وكل
شراب مسكر، ولا تستعمل حتى تغسل، ولا يجوز أكل طبيخ قد جعل فيه شئ من الخمر
والأشربة المسكرة، وإذا وقع ذلك في طعام أو شراب أفسدهما، ولم يجز التغذي بهما ولا تناولهما
لنفع بأكل أو شرب على حال، وكذلك الحكم في الفقاع لأنه محرم لا يحل شربه ولا شئ
خالطه من طعام ولا شراب، والخمرة إذا انقلبت عينها واستحالت فصارت خلا حل
أكلها سواء انقلبت بعلاج وصنع مخلوق أو بصنع الله تعالى أو تغيير طبعها بالهواء وغيره،
لأن ما به اقتضت المصلحة تحريمها قد زال عنها بتغيرها عن طبيعتها.
وإذا وقعت الميتة في الطعام والشراب أفسدته أيضا وإن وقعت في إناء فيه لحم وتوابل
22

جاز أكله بعد غسله بالماء وإن وقع دم في قدر يغلي على النار جاز أكل ما فيها بعد زوال عين
الدم وتفريقها بالنار، وإن لم تزل عين الدم منها حرم ما خالطه الدم وحل منها ما أمكن غسله
بالماء، وإذا وقعت الفأرة في الزيت والسمن والعسل وأشباه ذلك وكان مائعا أهرق وإن
كان جامدا ألقي ما تحتها وما يليها من جوانبها واستعمل الباقي وأكل وتصرف الانسان في
الانتفاع به كيف شاء، وكذلك الحكم في الميتة وكل دابة نجسة إذا وقعت فيما سميناه.
وإن وقع ذلك في الدهن جاز الاستصباح به تحت السماء ولم يجز تحت الظلال،
ولا يجوز أكله ولا الادهان به على حال، وليس يفسد الطعام والشراب ما يقع فيه من الحيوان
الذي ليس له نفس سائلة والذباب والبق والجراد وأشباهه سواء مات فيه أو لم يمت،
ولا بأس باستعماله وإن وقع فيه على ما ذكرناه.
وإذا وقعت النجاسة في ماء وعجن منه أو طبخ أفسد ذلك العجين والطبيخ ولم يجز
أكلهما، ولا يؤكل من الأنعام والوحوش الطحال لأنه مجمع الدم الفاسد ولا يؤكل القضيب
والأنثيان، ويكره أكل الكليتين لقربهما من مجرى البول وليس أكلهما حراما ولا بأس بلحوم
الجواميس والبخت من الإبل وألياتها ولا يجوز التضحية بهما.
ولا بأس باستعمال وبر الميتة من الأنعام والوحوش الحلال وشعرها وصوفها وقرونها،
ويؤكل ما يوجد من البيض في أجواف الميت من الطير الحلال وما يوجد من اللبن في ضروع
الميتة من الإبل والبقر والغنم وأنفحتها، ولا بأس باستعمال عظامها وأسنانها بعد غسلها
بالماء.
وجنين الحيوان حلال إذا أشعر وأوبر وذكاته ذكاة أمه، ولا يجوز أكله قبل أن يشعر
ويوبر مع الاختيار، ومن نحر بدنة أو ذبح بقرة أو شاة في كفارة فلا يأكل منها شيئا، ولا بأس
أن يأكل مما نحره أو ذبحه في هدي دم المتعة بالحج، ويكره لأبوي الصبي أن يأكلا من
عقيقته لأنها قربة إلى الله تعالى جارية مجرى الكفارات.
ولا يؤكل ما قطع من البهيمة وهي حية لأنه ميتة محرم بلا ارتياب، ومن عمد إلى بهيمة
فضربها بالسيوف حتى فارقت الحياة، أو طعنها بالرماح أو قتلها بالسهام من غير اضطرار
في ذكاتها إلى ذلك أثم بما فعله ولم يحل له أكلها ولم تحل لغيره أيضا وكانت في حكم ما فارق
23

الحياة بغير ذكاة وقتيل العصا والحجر من الحيوان ميتة لا يؤكل على ما قدمناه.
ولا بأس بأكل ما عالجه الجنب والحائض من الخبز والطبيخ وأشباه ذلك من الآدام إذا
كانا مأمونين، ويكره أكله إذا عالجه من لا يحفظ دينه من الناس ولا يؤمن عليه إفساده
بالنجاسات، ولا يؤكل في آنية الذهب والفضة ولا يشرب فيها وإن كانت طاهرة لأن النبي
ص نهى عن ذلك وحذر من فعله بالنار.
24

الانتصار
للسيد الشريف المرتضى علم الهدي أبي القاسم
على ابن الحسين الموسى
355 - 436 ه‍ ق
25

كتاب الصيد والذبائح والأطعمة والأشربة واللباس
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية الآن - وإن وافقها في ذلك قول أقوام حكي قديما - القول: بأن
الصيد لا يصح إلا بالكلاب المعلمة دون الجوارح كلها من الطيور وذوات الأربع كالصقر
والبازي والشاهين وما أشبههن من ذوات الأربع كعناق الأرض والفهد وما جرى مجراهما،
ولا يحل عندهم أكل ما قتله غير الكلب المعلم.
وخالف باقي الفقهاء في ذلك وأجروا كل ما علم من الجوارح من الطيور وذوات الأربع
مجرى الكلاب في هذا الحكم.
وذكر أبو بكر أحمد بن علي الرازي الفقيه في كتابه المعروف بأحكام القرآن عن نافع
قال: وجدت في كتاب لعلي بن أبي طالب ع قال: لا يصلح أكل ما قتلته البزاة.
وروي أيضا عن ابن جريح عن نافع قال: قال عبد الله بن عمر: ما أمسك من الطير
البزاة وغيرها فما أدركت ذكاته فذكيته فهو لك وإلا فلا تطعمه. وروى سلمة بن علقمة
عن نافع أن عليا ع كره ما قتلته الصقور.
وروي عن مجاهد أنه كان يكره صيد الطير ويقول: مكلبين إنما هي الكلاب، وذكر
أبو بكر الرازي أن بعض العلماء حمل ا " مكلبين " على الكلاب خاصة وبعضهم حمل ذلك
27

على الكلاب وغيرها.
والذي يدل على صحة ما ذهبنا إليه بعد إجماع الطائفة المحقة عليه قوله تعالى: وما علمتم من
الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله
عليه، الآية. وهذا نص صريح على أنه لا يقوم مقام الكلاب في هذا الحكم غيرها لأنه تعالى لو
قال: وما علمتم من الجوارح، ولم يقل: مكلبين، لدخل في الكلام كل جارح من ذي ناب
وظفر ولما أتى بلفظ المكلبين وهي تخص الكلاب لأن المكلب هو صاحب الكلاب بلا خلاف
بين أهل اللغة، علمنا أنه لم يرد بالجوارح جميع ما يستحق هذا الاسم وإنما أراد الجوارح من
الكلاب خاصة ويجري ذلك مجرى قوله:
ركب القوم مهارهم * مبقرين أو مجمزين
فإنه لا يحتمل - وإن كان اللفظ الأول عام الظاهر - إلا على ركوب البقر والجمازات.
فإن قيل: دلوا على أن مكلبين إنما أراد به صاحب الكلاب، وما أنكرتم أن يريد به
المضري للجارح الممرن له والمجرى فيدخل فيه الكلب وغيره؟
قلنا: ليس ينبغي أن يتكلم فيما طريقه اللغة من لا يعرف موضوع أهلها، ولا يعرف
عن أحد من أهل اللغة العربية أن المكلب هو المغري أو المضري بل يقولون وقد نصوا في
كتبهم عليه: أن المكلب هو صاحب الكلاب، قال النابغة الذبياني:
سرت عليه من الجوزاء سارية * تزجى الشمال عليه جامد البرد
فارتاع من صوت كلاب فبات له * طوع الشوامت من خوف ومن صرد
وفسر أهل اللغة أنه أراد بالكلاب صاحب الكلب وكلاب ومكلب واحد.
وذكر صاحب كتاب الجمهرة: إن المكلب صاحب الكلاب، وأنشد قول الشاعر:
ضرا أحست بنائة من مكلب
وما ذكر في هذا الباب أكثر من أن يحصى، وقد ذكر في تصريف ما ينبنى من الكاف
واللام والباء أن المكلب هو المضري والمعلم وقد فتشنا سائر كتب أهل اللغة فما وجدنا
أحدا منهم ذكر ذلك، ومن اغتر بقولهم: فلان كلب على كذا وتكلب على كذا، فغير
متأمل، لأن الكلب هاهنا هو العطش والكلب عندهم هو العطشان، ولا يقول أحد منهم كلب
28

الطائر الجارح إذا علمه وأضراه لأن هذه لفظة مستعملة مشتقة من لفظ الكلاب فكيف
تستعمل في غيرها؟ وإذا قيل: قد قالوا أسير مكلب؟ قلنا: من قال ذلك فقد فسره وقال:
معنى مكلب مشدود بالكلب الذي هو القيد، ولما كان الأسير المشدود بالقيد الذي هو الكلب قيل
مكلب وما أنكرنا أن يكون المكلب في موضع من المواضع في غير الكلاب وإنما أنكرنا أن
يكون المكلب هو المعلم والمغري والمضري على أنا لو سلمنا هذه اللفظة وأنها قد
استعملت في التعليم والتمرين فذلك مجاز، والمعنى الذي ذكرنا استعمالها فيه حقيقة وحمل
القرآن على الحقيقة أولى من حمله على المجاز على أن قوله تعالى: وما علمتم من الجوارح،
يغني أن يتكرر ويقول معلمين، لأن من حمل لفظة مكلبين على التعليم لا بد من أن يلزمه التكرار،
وإذا جعلنا ذلك مختصا بالكلاب أفاد لأنه بيان، لأن هذا الحكم يتعلق بالكلاب دون غيرها،
ولو أبدلنا في الآية لفظة مكلبين بمعلمين لما حسنت فكيف تحمل على معناها؟ ولو صرحنا بها
لكان الكلام قبيحا.
ويدل أيضا على ما ذهبنا إليه أن الجارح غير الكلب إذا صاد صيدا فقتله فقد حله
الموت، وكل حيوان يحله الموت فهو ميتة ويستحق هذا الاسم في الشريعة إلا أن تقوم دلالة
شرعية على ذكاته فلا يجري عليه حينئذ اسم الميتة وإن حله الموت، فإن ادعوا ذكاة ما حله
الموت من صيد البازي والفهد وما أشبههما فعليهم الدلالة ولا يتمكنون من دلالة وإنما
يفزعون إلى خبر واحد أو قياس وما فيهما ما يوجب العلم فيترك له ظاهر القرآن.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية إن الكلب إذا أكل من الصيد نادرا أو شاذا وكان الأغلب أنه
لا يأكل حل الأكل من ذلك الصيد، وإن كثر أكله منه وتكرر فإنه لا يؤكل منه.
وخالف باقي الفقهاء في ذلك، فقال أبو حنيفة وأبو يوسف وزفر ومحمد: إذا أكل
الكلب من الصيد فهو غير معلم فلا يؤكل، ويؤكل صيد البازي وإن أكل، وهو قول
الثوري.
وقال مالك والأوزاعي والليث: يؤكل وإن أكل الكلب منه، وقال الشافعي: لا يؤكل
إذا أكل الكلب منه والبازي مثله، وإنما كان هذا انفرادا لأن من قال من الفقهاء أنه يؤكل
29

من الصيد وإن أكل منه لم يشرط ما شرطناه من الأقل والأغلب بل أطلق فصار الذي
شرطناه انفرادا في هذه المسألة.
والذي يدل على صحة ما ذهبنا إليه بعد إجماع الطائفة عليه أن أكل الكلب من
الصيد إذا تردد وتكرر دل على أنه غير معلم والتعليم شرط في إباحة صيد الكلب
بلا خلاف، وبدلالة قوله تعالى: وما علمتم من الجوارح، وإذا تتابع أكل الكلب من الصيد
دل على أنه غير معلم فلا يحل أكل صيده ولأنه إذا توالى أكله منه لا يكون ممسكا له على
صاحبه، بل يكون ممسكا له على نفسه.
وقول المخالف لنا: إن الكلب متى أكل يخرج من أن يكون معلما ليس بشئ، لأن الأكل
إذا شذ وندر لم يخرج به من أن يكون معلما، ألا ترى أن العاقل منا قد يقع منه الغلط فيما هو
عالم به ومحسن له على سبيل الشذوذ من صياغة ومن كتابة وغيرهما ولا يخرج عن كونه
عالما، فالبهيمة مع فقد العقل بذلك أحق، وتفرقة من فرق من القوم بين البازي وجوارح
الطير وبين الكلب - بأن الطير لا يقبل التعليم في ترك الأكل مما يصيده وأنه يكفي في كونها
معلمة مع أنها مستوحشة غير آنسة أن تألف صاحبها وتجيبه إذا دعاها، والكلب مستأنس
فلا يكفي في كونه معلما أن يدعى فيجيب ويألف صاحبه فلا بد من أن يكون تعليمه إنما هو
لترك الأكل - غير صحيحة، لأن البازي كما جاز أن يقهر ويمرن على ما يخالف طبعه من
الاستئناس وإجابة دعاء صاحبه جاز أيضا أن يمرن ويتعلم ترك الأكل لما يمسكه فيعتاد ذلك
ويفارق به طباعه كما فارق في الوجه الأول.
وأما الكلاب فليس كلها مستأنسة وفيها المستوحش أيضا فلم لا يكون علامة
كونها معلمة هي أن تأنس بنا وندعوها فتجيب؟ ومعلوم ضرورة أن إجابة داعيها ليس
هو شئ لها وإنما تعلمه وتمرن عليه فألا أجروها مجرى جوارح الطير في أن أكلها مما تمسكه
ليس مخرجا لها من التعليم وهذا كله من القوم حدس وخبط.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية تحريم أكل الثعلب والأرنب والضب ومن صيد البحر السمك
الجري والمارماهي والزمار وكل ما لا فلس له من السمك، وخالف باقي الفقهاء في ذلك إلا
30

أنه روي عن أبي حنيفة وأصحابه موافقتنا في الثعلب خاصة.
وروي عنهم أيضا كراهية أكل الضب، ورووا كلهم في خبر معروف رواه الأعمش وقال:
نزلنا أرضا كثيرة الضباب وأصابتنا مجاعة فطبخنا منها وإن القدر لتغلي بها إذ جاءنا رسول
الله ص فقال: ما هذا؟ قلنا: ضباب أصبناها، فقال ع إن أمة
من بني إسرائيل مسخت وأرانا في تلك الأرض وأنا أخشى أن يكون هذه منها فاكفؤوها،
وهذا الخبر يقتضي كما تراه أن الضب مع تحريمه مسخ، وهو قول الإمامية لأنهم يعدون الضب
من جملة المسوخ التي هي الفيل والأرنب والدب والعقرب والضب والعنكبوت والجري
والوطواط والقرد والخنزير، ولا يزال مخالفوهم إذا سمعوا منهم ذكر هذه المسوخ التي ما
اعتمدوا في أنها مسوخ إلا على الرواية تضاحكوا منهم واستهزؤوا بهم ونسبوهم إلى
الغفلة وبعد الفطنة وهم يروون عن طرقهم وعن رجالهم مثل ما عجبوا منه بعينه والله
المستعان.
والذي يدل على صحة ما ذهبنا إليه الاجماع المتردد وإن شئت أن تبني هذه
المسألة على مسألة تحريم صيد البازي وما أشبهه من جوارح الطير فعلت فقلت: كل من حرم صيد
جوارح الطير حرم ما عددناه، والتفرقة بين الأمرين خلاف الاجماع.
فإن استدل المخالف بقوله تعالى: (أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة
وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما)، وظاهر هذه الآية يقتضي أن جميع صيد البحر
حلال، وكذلك صيد البر إلا على المحرم خاصة، أو استدل بما لا يزال يستدل به على أن أصل
المنافع التي لا ضرر فيها عاجلا ولا آجلا على الإباحة وعلى من حظر شيئا من ذلك الدليل،
فالجواب: إن قوله تعالى: (أحل لكم صيد البحر) لا يتناول ظاهره الخلاف في هذه المسألة
لأن الصيد مصدر صدت وهو يجري مجرى الاصطياد الذي هو فعل الصائد وإنما يسمى
الوحش وما جرى مجراه صيدا مجازا وعلى وجه الحذف لأنه محل الاصطياد فسمي باسمه،
وإذا كان كلامنا في تحريم لحم الصيد فلا دلالة في إباحة الصيد، لأن الصيد غير المصيد.
فإن قيل: قوله تعالى: وطعامه متاعا لكم وللسيارة، يقتضي أنه أراد المصيد دون
الصيد، لأن لفظة الطعام لا تليق إلا بما ذكرناه دون المصدر؟
31

قلنا لو سلمنا أن لفظة الطعام نرجع إلى لحوم ما يخرج من حيوان البحر لكان لنا أن
نقول قوله تعالى: وطعامه، يقتضي أن يكون ذلك اللحم مستحقا في الشريعة لاسم الطعام،
لأن ما هو محرم في الشريعة لا يسمى بالإطلاق فيها طعاما كالميتة والخنزير، فمن ادعى في
شئ مما عددنا تحريمه أنه طعام في عرف الشريعة فليدل على ذلك فإنه يتعذر عليه.
وقد روي عن الحسن البصري في قوله تعالى (وطعامه) أنه أراد به البر والشعير
والحبوب التي تسقى بذلك الماء. وحمل أكثر المفسرين لفظة البحر على كل ماء كثير من
عذب وملح، وإذا حمل على الحبوب سقطت المسألة، فأما الجواب عن قولهم أن الأصل
الإباحة فهو كذلك إلا نرجع عن حكم الأصل بالأدلة القاطعة وقد ذكرناها.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية: إن من وجد سمكة على ساحل بحر أو شاطئ نهر ولم يعلم
هل هي ميتة أو ذكية فوجب أن يلقيها في الماء فإن طفت على ظهرها فهي ميتة وإن طفت
على وجهها فهي ذكية. فإن أبا حنيفة وإن وافقنا في أن السمك الطافي على الماء لا يؤكل فإنه
لا يعتبر هذا الاعتبار الذي ذكرناه.
ويجب على هذا الاعتبار أن يقول أصحابنا في السمك الطافي على الماء: أنه ليس بمحرم
على الإطلاق، بل يعتبرونه بما ذكرناه، فإن وجدوه طافيا على ظهره أو وجهه عملوا بحسب
ذلك دليلنا الاجماع المتردد، وإن شئت أن تبني هذه المسألة على بعض المسائل المتقدمة لها وإن
أحدا من المسلمين ما فرق بين الأمرين.
مسألة:
ومما انفردت الإمامية به: إن ذبائح أهل الكتاب محرمة لا يحل أكلها ولا التصرف فيها
لأن الذكاة ما لحقتها، وكذلك صيدهم وما يصيدونه بكلب أو غيره. وخالف باقي الفقهاء
في ذلك.
دليلنا على صحة ما ذكرناه الاجماع المتردد، وأيضا قوله تعالى: ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم
الله عليه وإنه لفسق، وهذا نص في موضع الخلاف، لأن من ذكرناه من الكفار لا يرون
التسمية على الذبائح فرضا ولا سنة فهم لا يسمون على ذبائحهم، ولو سموا لكانوا مسمين
لغير الله تعالى لأنهم لا يعرفون الله تعالى لكفرهم على ما دللنا عليه في غير موضع، وهذه
32

الجملة تقتضي تحريم ذبائحهم.
فإن قيل: هذا يقتضي أنه لا يحل ذبائح الصبي لأنه غير عارف بالله تعالى.
قلنا: ظاهر الآية يقتضي ذلك وإنما أدخلناه في من يجوز ذباحته بدليل، ولأن الصبي وإن
لم يكن عارفا فليس بكافر ولا معتقد أن إلهه غير من يستحق العبادة على الحقيقة وإنما هو
خال من المعرفة فجاز أن يجري مجرى العارف متى ذبح وتلفظ بالتسمية وهذا كله غير
موجود في الكفار.
فإن اعترض علينا بقوله تعالى: اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب
حل لكم وطعامكم حل لهم، وادعى أن الطعام يدخل فيه ذبائح أهل الكتاب
فالجواب عن ذلك إن أصحابنا يحملون قوله تعالى: وطعام الذين أوتوا الكتاب حل
لكم وطعامكم حل لهم، على ما يذكرونه مما يؤكل من حبوب وغيرها، وهذا تخصيص
لا محالة، لأن ما صنعوه طعاما. ذبائحهم يدخل تحت اللفظة ولا يجوز اخراجه إلا بدليل.
فإذا قلنا: تخصيصه بقوله تعالى: ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه، قيل لنا: ليس
أنتم بأن تخصصوا آيتنا بعموم آيتكم أولى منا إذا خصصنا الآية التي تعلقتم بعموم
ظاهرها بالآية التي استدللنا بها، والذي يجب أن يعتمد في الفرق بين الأمرين أنه قد ثبت
وجوب التسمية على الذبيحة وأن من تركها عامدا لا يكون مذكيا ولا يجوز أكل ذبيحته على
وجه من الوجوه وكل من ذهب إلى هذا المذهب من الأمة يذهب إلى تخصيص قوله تعالى:
وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم، وأن ذبائحهم لا تدخل تحته والتفرقة بين الأمرين
خلاف الاجماع، ولا يلزم على ما ذكرناه أن أصحاب أبي حنيفة يوافقونا على وجوب التسمية
وإن لم يخصصوا بالآية الأخرى لأنا اشترطنا إيجاب التسمية مع الذكر على كل حال. وعند
أصحاب أبي حنيفة أنه جائز يترك التسمية من أداه اجتهاده إلى ذلك، أو استفتى من هذه
حاله، والإمامية يذهبون إلى أن التسمية مع الذكر لا تسقط في حال من الأحوال.
فإن قيل: على هذه الطريقة التي نعتمدها من الجمع بين المسألتين، ما أنكرتم أن لمن
خالفكم أن يعكس هذه الطريقة عليكم ويقول قد ثبت أن التسمية غير واجبة أو يشير إلى
33

مسألة قد دل الدليل على صحتها عنده ثم يقول وكل من ذهب إلى هذا الحكم يذهب إلى
عموم قوله تعالى: وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم، والتفرقة بين الأمرين خلاف
الاجماع؟
قلنا الفرق بينهما ظاهر لأن إذا بنينا على مسألة ضمنا عهدة صحتها ونفي الشبهة عنها
ومخالفنا إذا بنى على مسألة مثل أن التسمية غير واجبة أو غير ذلك من المسائل لا يمكنه أن
يصحح ما بنى عليه ولا أن يورد حجة قاطعة والمحنة بيننا وبين من تعاطى ذلك، ونحن إذا
بنينا على مسألة دللنا على صحتها بما لا يمكن دفعه وهذا على التفصيل يخرجه الاعتبار
الاختيار.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بإيجاب استقبال القبلة عند الذبح مع إمكان ذلك،
وخالف باقي الفقهاء في وجوبه وأنه شرط في الذكاة.
دليلنا بعد الاجماع المتردد الطريقة التي تقدم نظيرها وهي أن من ذبح غير مستقبل
القبلة عامدا قد أتلف الروح وحل الموت في الذبيحة وحلول الموت يوجب أن يكون ميتة إلا
أن تقوم دلالة على حصول الذكاة فلا يستحق هذا الاسم، ومن ادعى دلالة شرعية على
ذلك كان عليه إقامتها ولن يجدها، ولم يبق بعد ذلك إلا كونها ميتة وداخلة تحت قوله تعالى:
حرمت عليكم الميتة.
وأيضا فإن الذكاة حكم شرعي، وقد علمنا أنه إذا استقبل القبلة وسمى اسم الله
تعالى يكون مذكيا باتفاق، وإذا خالف ذلك لم يتيقن كونه مذكيا فيجب الاستقبال
والتسمية ليكون بيقين مذكيا.
مسألة:
ومما ظن انفراد الإمامية به القول بوجوب العقيقة وهي الذبيحة التي تذبح عن المولود
ذكرا كان أو أنثى، وخالف باقي الفقهاء في ذلك فقال الشافعي ومالك: مستحبة، وقال أبو
حنيفة: ليست بمستحبة، وحكي عن الحسن البصري القول بوجوبها، وهو مذهب أهل
الظاهر وهذه موافقة للإمامية.
34

دليلنا بعد الاجماع المتردد، إن العقيقة نسك وقربة بلا خلاف وإيصال منفعة إلى
المساكين وتدخل في عموم قوله تعالى: وافعلوا الخير، وما أشبه هذه الآية من الأمر بالطاعات
والقربات، وظاهر الأمر في الشريعة يقتضي الوجوب.
فإن قيل على الاستدلال بقوله تعالى: وافعلوا الخير، في هذا الموضع وأشباهه هذا من
المسائل التي استدللنا بهذا العموم فيها ما أنكرتم من فساد الاستدلال بذلك من جهة أن
الخير لا نهاية له، ومحال أن يوجب الله تعالى علينا ما لا يصح أن نفعله، وإذا لم يصح
إيجاب الجميع وليس البعض بذلك أولى من البعض بطل الاستدلال بالآية.
قلنا: لا شبهة في أن إيجاب ما لا يتناهى لا يصح غير أنا نفرض المسألة فنقول: قد
ثبت أن من عق دفعة واحدة عن ولده يكون فاعلا لخير وفعل المرة صحيح غير محال فيجب
تناول الآية له، وهكذا نفرض في كل مسألة، وموضع استدلالنا بعموم هذه الآية على
وجوب شئ من العبادات والقربات وأن نعين على ما يصح تناول الإيجاب له ثم ندخله في
عموم الآية، ويمكن أن نذكر للمخالف على سبيل المعارضة ما يروونه عنهم النبي صلى الله
عليه وآله أنه قال في المولود: أهريقوا عنه دما، وفي خبر آخر: يعق عن الغلام شاتان، وعن
عائشة أنها قالت: أمرنا رسول الله ص أن نعق عن الغلام بشاتين، وعن
الجارية بشاة.
وروى ابن عباس أن النبي ص عق عن الحسن والحسين صلى الله
عليهما كبشا كبشا فجمع ع في إيجاب العقيقة بين القول والفعل، وليس لهم أن
يتعلقوا بما يروونه عن النبي عليه وآله السلام من قوله ليس في المال حق سوى الزكاة.
وبما يروى عنه عليه وآله السلام من قوله: من أحب أن ينسك عن المولود فلينسك عن
الغلام بشاتين وعن الجارية بشاة، فعلق ذلك بالمحبة وما كان واجبا لا يعلق بالمحبة.
وبما يروونه عن فاطمة صلوات الله عليها قالت: يا رسول الله أعق عن ابني الحسن،
فقال ص: احلقي رأسه وتصدقي بزنة شعره فضة، ولو كانت واجبة لأمرها ع بها.
الجواب عن ذلك كله أن هذه أخبار آحاد تنفردون بها ولا نعرف عدالة رواتها ولا
35

صفاتهم وبإزائها من الأخبار التي تقدمها ننفرد برواياتها ما لا يحصى وما تنفردون أيضا
بروايته ما قد ذكرنا بعضه ولو عدلنا عن هذا كله وسلمت هذه الأخبار من كل قدح وجرح
وأوجبت غالب الظن أ ليس من مذهبنا أن أخبار الآحاد لا توجب العمل في الشريعة
بها؟ وإنما جاز لنا أن نعارضهم بأخبار الآحاد لأنهم بأجمعهم يذهبون إلى وجوب العمل
بأخبار الآحاد ثم نستظهر متبرعين بذكر تأويل من الأخبار.
أما الخبر الأول فلا دلالة لهم فيه لأنه نفى أن يكون في المال حق سوى الزكاة والعقيقة
عند من أوجبها تجب في ذمة الوالدين لا في المال.
وأما الخبر الثاني فلا حجة فيه لأنه إنما علق الفضل في ذلك بالمحبة لا الأصل، والفضل
في أن يعق شاتين وقد تجزى الواحدة ويجري مجرى ذلك قول القائل: من أحب أن يصلى
فليصل في المساجد وفي الجماعات وإنما يريد الفضل وإن كان أصل الصلاة واجبا.
وأما الخبر الثالث فغير ممتنع أن يكون ع عق عنه أو عزم على أن يتولى ذلك
فعدل عن أمرها بذلك إلى قربة أخرى لهذه العلة.
مسألة
ومما انفردت به الإمامية: إن كل طعام عالجه الكفار من اليهود والنصارى وغيرهم ممن ثبت
كفرهم بدليل قاطع فهو حرام لا يجوز أكله ولا الانتفاع به، وخالف باقي الفقهاء في ذلك وقد
دللنا على هذه المسألة في كتاب الطهارة، حيث دللنا على أن سؤر الكفار نجس، لا يجوز
الوضوء به، واستدللنا بقوله تعالى: (إنما المشركون نجس)، واستقصيناه فلا معنى لإعادته.
مسألة:
ومما انفردت الإمامية به وإن كان الفقهاء رووا عن ابن عباس رحمه الله موافقتها في ذلك
تحليل لحوم الحمر الأهلية، وحرمها سائر الفقهاء وانتهوا في ذلك إلى أن ابن أبي القسم روي
عن مالك: إن الحمار الوحشي إذا تأنس وصار يعمل عليه كما يعمل على الحمار الأهلي فإنه
لا يؤكل، وإن خالف مالك سائر الفقهاء في ذلك.
دليلنا بعد الاجماع المتردد أن الأصل فيما فيه منفعة ولا مضرة الإباحة، ولحوم الحمر الأهلية
بهذه الصفة فإن ادعوا مضرة آجلة من حيث الحظر لها والنهي عنها فإنهم يفزعون إلى
36

أخبار آحاد ليست حجة في مثل ذلك وهي معارضة بأمثالها، على ويمكن أيضا أن يستدل
على ذلك بقوله تعالى: قل لا أجد فيما أوحي إلى محرما على طاعم يطعمه، الآية.
فإن احتجوا عليه بقوله تعالى: والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة، وأنه تعالى
أخبر أنها للركوب والزينة لا للأكل.
قلنا لهم: قوله تعالى بأنها للركوب والزينة لا يمنع أن يكون لغير ذلك، ألا ترى إلى قول
القائل: قد أعطيتك هذا الثوب لتلبسه، لا يمنع من جواز بيعه له وهبته والانتفاع به من وجوه
شتى، ولأن المقصود بالخيل والحمير الركوب والزينة، وليس أكل لحومها مقصودا فيها، ثم إنه
لا يمنع من الحمل على الحمير والخيل، وإن لم يذكر الحمل وإنما خص الركوب والزينة
بالذكر، وأكثر الفقهاء يجيزون أكل لحوم الخيل. ولم يمنع تضمن الآية ذكر الركوب والزينة
خاصة من أكل لحوم الخيل وكذلك الحمير.
فإن استدلوا بما يروونه عن ابن عباس رحمه الله أنه قال: نهى رسول الله
ص عن لحوم الحمر وأمر بلحوم الخيل أن تؤكل. وأيضا بما رواه خالد بن الوليد قال: كنا مع
النبي ص في خيبر فقال ع: لا تحلوا أموال المعاهدين إلا بحقها،
وحرام عليكم الحمر الأهلية وبغالها. وبما يرويه أنس عن النبي ع أنه نهى عن
لحوم الحمر، وقال: إنها نجس.
والجواب عن ذلك إن هذه أخبار آحاد، والعمل بها في الشريعة عندنا غير جائز ولا
يجوز مع ذلك أن يرجع بها عن ظاهر الكتاب ونعارضها بالأخبار التي ترويها الإمامية ما لا
يحصى.
ومما يرويه مخالفوها ما رواه غالب بن الحسن قال: قلت يا رسول الله لم يبق من مالي إلا
حمر، فقال ع أطعم أهلك من سمين مالك، فإني إنما نهيت عن جوال القرى،
وهذا لا محالة معارض لأخبارهم كلها، ثم يمكن أن يقال في تلك الأخبار أن سبب النهي عن
لحوم الحمر الأهلية هو لأجل الظهر وقلته في ذلك الزمان، كما أنه ع نهى عن لحوم
الخيل لهذه العلة، وقد روي عن ابن عباس رحمه الله أنه قال: نهى عن لحوم الحمر لئلا يقل
الظهر فقوى هذا التأويل هذه الرواية.
فأما الخبر الذي تضمن أنهار جس فالرجس والرجز والنجس واحد في الشريعة فلا
37

محصل من أهل الشريعة يذهب إلى أن الحمار الأهلي نجس العين.
مسألة
ومما انفردت به الإمامية تحليل لحوم البغال، وباقي الفقهاء على حظر ذلك. وروي عن
الحسن البصري أنه ذهب إلى إباحة لحوم البغال وهذه موافقة للإمامية، وكل شئ دللنا به
على إباحة لحوم الحمر الأهلية هو بعينه دليل على إباحة لحوم البغال، وأيضا فقد دللنا على
إباحة لحوم الحمر الأهلية، وكل من أباح لحومها أباح لحوم البغال، والتفرقة بين المسألتين
خروج عن الاجماع.
مسألة
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن الجنين الذي يوجد في بطن أمه بعد ذكاتها على
ضربين: إن كان كاملا - وعلامة كماله أن ينبت شعره إن كان من ذوات الشعر أو يظهر وبره
إن كان من ذوات الأوبار - فإنه يحل أكله، وذكاة أمه ذكاة له، وإن لم يبلغ الحد الذي ذكرناه
وجب أن يذكى ذكاة مفردة إن خرج حيا، وإن لم يخرج حيا فلا يؤكل، وإنما كان هذا انفرادا
لأن الشافعي ومن وافقه يذهب إلى أن ذكاة الجنين ذكاة أمه على كل حال، وأبو حنيفة ومن
وافقه يذهب إلى أن الجنين له ذكاة مفردة على كل حال.
دليلنا الاجماع المتردد وإن شئت أن تبني على بعض المسائل المتقدمة مثل وجوب
التسمية على كل وجه أو وجوب استقبال القبلة وإن أحدا من الأمة لم يفرق بين المسألتين.
وليس لهم أن يحتجوا علينا بما يروونه عن النبي ص من قوله: ذكاة الجنين
ذكاة أمه، ولم يفرق بين الكامل من الأجنة وغير الكامل وبما يروونه أيضا عن النبي
ص أنه سئل عن البقرة والشاة تذبحان ويوجد في بطنهما جنين أ نأكله أو نلقيه؟
فقال: كلوا إن شئتم، ولم يفصل كما فصلت الإمامية.
قلنا: إن الكلام قد مضى في أن أخبار الآحاد ليست حجة في الشرع، وأن هذا مما ينفرد
به المخالفون، وبإزائه ما يرويه الإمامية في ذلك، ولو سلمنا ذلك لكان لنا أن نقول: في الخبر
الأول لا يخلو من أن يكون تأويله على ما تأول الشافعي عليه من أن المراد أن
ذكاة الجنين هي ذكاة أمه وأنه يصير له حكم الذكاة لذكاتها، وإن كان كذلك حملناه على الجنين الكامل
38

الذي قد نبت عليه الشعر والوبر، وخصصنا عمومه بأدلتنا التي ذكرناها، أو يكون
التأويل على ما تأوله أبو حنيفة من أن ذلك على سبيل التشبيه، وإنما المراد بالخبر أن ذكاة
الجنين مثله ويماثل ذكاة أمه في الذبح فيحمل ذلك على الجنين الذي يخرج من بطن أمه حيا،
وذكاة ما خرج كذلك واجبة كذكاة الأم.
ويقوى تأويل الشافعي وإن كنا قد بينا تخريج مذهبنا على تأويل أبي حنيفة أن لفظ
الجنين مشتق من الاجتنان وهو الاستتار، وهو إنما سمي بهذا الاسم في حال كونه في بطن
أمه، وإذا ظهر زال عنه استحقاق هذا الاسم على الحقيقة وسمي بذلك مجازا من حيث
كان جنينا قبل حال ظهوره، فكيف يجوز أن يكون المراد أن الجنين إذا خرج حيا ذكي كما تذكى
أمه وهو لا يستحق هذا الاسم بعد خروجه؟
فالأشبه أن يكون المراد أن ذكاة أمه تتعدى إليه في الحكم وهو جنين في البطن، ومن وجه
آخر وهو أن تخصيص الأم بالذكر لا بد له من فائدة، وإذا حمل على أن ذكاتها ذكاة لجنينها
أفاد هذا التخصيص، وإذا حمل على أن المراد أن الجنين يذبح إذا خرج حيا كما يفعل بأمه لم
يفد هذا التخصيص بالأم، لأن غير الأم من الذبائح كلها كالأم في هذا المعنى فلا معنى للتخصيص.
فإن قيل: قد روي هذا الخبر بالنصب ومع النصب لا بد من التشبيه فكأنه قال:
ذكاة الجنين كذكاة أمه، فلما سقط الكاف تعدى الفعل إلى لفظ ذكاة فانتصب.
قلنا: قد بينا أن حمل الخبر على التشبيه يتخرج على مذهبنا فما علينا في النصب إلا
مثل ما علينا بالرفع، على أن أصحاب الشافعي قد أجابوا عن رواية النصب بعد أن دفعوا
ظهورها واشتهارها ومساواتها للرواية بالرفع بأن قالوا: أن النصب يمكن أن يكون وجهه
أن التقدير ذكاة الجنين بذكاة أمه أو في ذكاة أمه، فلما أسقط حرف الجر وجب النصب فلم
يخلص النصب للتشبيه على كل حال.
فأما الخبر الآخر الذي يتضمن: كلوا إن شئتم، فإن نحمله على الجنين الذي قد تكامل
وأشعر وأوبر ونترك عموم الظاهر بالأدلة.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية تحريم أكل الطحال والقضيب والخصيتين والرحم والمثانة،
39

ويكرهون الكليتين، وخالف باقي الفقهاء في ذلك، والدليل على صحة ما ذهبوا إليه الاجماع
الذي تردد وإن شئت أن تبني هذه المسألة على بعض المسائل المتقدمة التي عليها دليل
ظاهر، وأن أحدا من الأمة ما فرق بين المسألتين.
40

كتاب الأشربة
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بتحريم الفقاع وأنه جار مجرى الخمر في جميع الأحكام
من حد شاربها ورد شهادته وفي نجاسته، وخالف باقي الفقهاء في ذلك.
والدلالة الاجماع المتردد وإن شئت أن تبني هذه المسألة على بعض ما تقدم من المسائل
التي فيها ظاهر كتاب الله تعالى فعلت، ومما يعارض به المخالفون ما يروونه عن ثقاتهم
ورجالهم من تحريم الفقاع لأن الذي ترويه الشيعة وتختص به من الروايات في هذا
الباب ما يروونه ويقولون: نعرف هؤلاء ولا نثق برواتها.
فمن ذلك ما رواه أبو عبيد القاسم بن سلام قال: حدثنا أبو الأسود عن ابن لهيعة عن
دراج أبي السمح، وروى الساجي صاحب كتاب اختلاف الفقهاء، قال: حدثنا سليمان بن
داود، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني عمرو بن الحارث أن دراجا أبا السمح حدثه:
اجتمعا على أن دراجا قال: إن عمر بن الحكم حدثنا عن أم حبيبة زوج النبي
ص أن ناسا من أهل اليمن قدموا على رسول الله ص ليعلمهم الصلاة
والسنن والفرائض، فقالوا: يا رسول الله إن لنا شرابا نعمله من القمح والشعير، فقال عليه
السلام: الغبيراء؟ قالوا: نعم، قال ع: لا تطعموه، قال الساجي في حديثه قال
ع ذلك ثلاثا. وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: ثم لما كان بعد ذلك بيومين ذكروها
له ع، فقال: الغبيراء؟ قالوا: نعم، قال ع: لا تطعموها، فلما أرادوا أن
41

ينطلقوا سألوه ع أيضا، فقال: الغبيراء؟ قالوا: نعم، قال ع
لا تطعموها قالوا: فإنهم لا يدعونه، فقال ع من لم يتركها فاضربوا عنقه.
وروى أبو عبيد أيضا، عن ابن أبي مريم، عن محمد بن جعفر عن زيد بن أسلم، عن
عطاء بن يسار، إن النبي ص سئل عن الغبيراء فنهى ع عنها وقال: لا خير فيها.
وقال قال زيد بن أسلم: والأسكركة هي، وهذا اسم يختص الفقاع به، يعني الأسكركة
في لغة العرب.
قال ابن الرومي وهو ممن لا يطعن عليه في علم اللغة العربية، وكان مشهورا بالتقدم
فيها. ويروى عنه أنه قال لبعض رواته وقد عمل ابن الرومي قصيدته: الق بها أبا العباس
ثعلبا، فإن رد عليك شيئا من الإعراب فيها فالقني به، وإن رد عليك شيئا من اللغة فلا
ولا كرامة، ولا يتجاسر مع أبي العباس ثعلب على هذا القول إلا متقدم أو متناه في علم
اللغة. وأبيات ابن الرومي:
اسقني الأسكركة الصنبر في جعصلقونه
واجعل القيحن فيها يا خليلي بغصونه
إنها مصفاة أعلاه ومسك لبطونه
وأراد بالأسكركة الفقاع، والجعصلقون الكوز الذي يشرب فيه الفقاع والصنبر
البارد، والقيحن الشراب.
وقد روى أصحاب الحديث من طرق معروفة، إن قوما من العرب سألوا رسول الله
ص عن الشراب المتخذ من القمح، فقال رسول الله ص:
أ يسكر؟ قالوا: نعم فقال ع: لا تقربوه، ولم يسأل ع في الشراب المتخذ
من الشعير عن الإسكار بل حرم ذلك على الإطلاق، وحرم الشراب الآخر إذا كان مسكرا،
فدل ذلك على أن الغبيراء محرمة بعينها كالخمر. وقد روي أصحاب الحديث من العامة في
كتبهم المشهورة إن عبد الله الأشجعي كان يكره الفقاع. وقال أحمد بن وكان ابن المبارك
يكرهه. وقال أحمد: حدثنا أبو عبد الله المدائني قال: كان مالك بن أنس يكره الفقاع، ويكره
42

أن يباع في الأسواق، وكان يزيد بن هارون يكرهه.
قال أحمد: حدثنا عبد الجبار بن محمد الخطابي عن ضمرة قال: الغبيراء التي نهى
النبي ص عنها هي الفقاع. وقال أبو هاشم الواسطي: الفقاع نبيذ
الشعير، فإذا نش فهو خمر، وقال زيد بن أسلم: الغبيراء التي نهى رسول الله
ص عنها هي الأسكركة، وقال أبو موسى: الأسكركة خمر الحبشة. وإذا كانت هذه
رواياتهم وأقوال شيوخهم ومتقدمي أصحاب حديثهم فما المانع لهم من تحريم الفقاع وهم
يقبلون من أخبار الآحاد ما هو أضعف مما ذكرناه؟ وكيف يستحسنون الشناعة على
الشيعة الإمامية في تحريم الفقاع، ومالك بن أنس وهو شيخ الفقهاء وأصحاب الحديث ينهى
عنه وعن بيعه وكذلك ابن المبارك، ويزيد بن هارون وهما شيخا أصحاب الحديث لولا
العصبية واتباع الهوى نعوذ بالله منهما.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن الخمر محرمة على لسان كل نبي وفي كل كتاب نزل،
وأن تحريمها لم يكن متجددا، وخالف باقي الفقهاء في ذلك وذهبوا إلى أنها متجددة
التحريم.
دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه إجماع الطائفة المحقة فإنهم لا يختلفون فيما ذكرناه
ولك أيضا أن تبني هذه المسألة على نص المسائل المتقدمة التي فيها ظاهر كتاب الله أو ما
أشبهه، ويبين ذلك إن أحدا من المسلمين ما فرق بين المسألتين، وأن التفرقة بينهما خلاف
الاجماع. فإن عورضنا بما يروونه من الأخبار الواردة بتجديد تحريم الخمر وذكر أسباب
تحريمها فجوابنا إن جميع ما روي في تجديد تحريمها أخبار آحاد ضعيفة لا توجب علما ولا
عملا ولا يترك ما ذكرناه من الأدلة القاطعة بمثل هذه الأخبار.
فأما ما يدعيه اليهود والنصارى من تحليل أنبيائهم لها فكذب منهم عليهم كما كذبوا
على أنبيائهم في كل شئ كذبهم المسلمون فيه، ولا حجة فيما يدعيه هؤلاء المبطلون
المعروفون بالكذب.
43

مسألة:
عند الإمامية إذا انقلبت الخمر خلا بنفسها أو بفعل آدمي إذا طرح فيها ما تنقلب به
إلى الخل حلت. وخالف الشافعي ومالك في ذلك وأبو حنيفة لا يخالف الإمامية فيما حكيناه،
إلا أنه يزيد عليهم فيقول في من ألقى خمرا في خل فغلب عليها حتى لا يوجد طعم الخمر أنه
بذلك يحل، وعند الإمامية أن ذلك، لا يجوز، ومتى لم ينقلب الخمر إلى الخل لم يحل فكأنهم
انفردوا من أبي حنيفة بأنهم امتنعوا مما أجازه على بعض الوجوه وإن وافقوه على انقلاب
الخمر إلى الخل فجاز لذلك ذكره هذه المسألة في الانفرادات.
دليلنا بعد الاجماع المتردد أن التحريم إنما يتناول ما هو خمر وما انقلب خلا فقد خرج
من أن يكون خمرا، ولأنه لا خلاف في إباحة الخل، واسم الحل يتناول ما هو على صفة
مخصوصة، ولا فرق بين أسباب حصوله عليها. ويقال لأصحاب أبي حنيفة: أي فرق بين
غلبة الخل على الخمر في تحليلها وبين غلبة الماء عليها أو غيره من المائعات أو الجامدات
حتى لا يوجد لها طعم ولا رائحة؟ فإن فرقوا بين الأمرين بأن الخمر ينقلب إلى الخل ولا
ينقلب إلى غيره من المائعات أو الجامدات.
قلنا: كلامنا فيها على الانقلاب، والخمر إذا ألقيت في الخل الكثير فما انقلبت في
الحال بل عينها باقية وكذلك هي في الماء فما الفرق بين أن يلقى فيها ما يجوز أن ينقلب إليه
وبين ما لا ينقلب إليه إذا كانت في الحال موجودة لم تنقلب.
مسألة:
ومما يظن قبل التأمل انفراد الإمامية به القول: بتحليل شرب أبوال الإبل،
وكلما أكل لحمه من البهائم إما للتداوي أو غيره، وقد وافق الإمامية في ذلك مالك والثوري
وزفر.
وقال محمد بن الحسن في البول خاصة مثل قولنا، وخالف في الروث، وقال أبو حنيفة
وأبو يوسف والشافعي: بول ما أكل لحمه نجس، وروثه أيضا كنجاسة ذلك مما لا يؤكل لحمه.
44

والذي يدل على صحة مذهبنا بعد الاجماع المتردد أن الأصل في ما يؤكل لحمه أو يشرب
لبنه في العقل الإباحة، وعلى من ذهب إلى الحظر دليل شرعي ولن يوجد ذلك في بول ما
يؤكل لحمه، لأنهم إنما يعتمدون على أخبار آحاد وقد بينا أن أخبار الآحاد إذا سلمت من
المعارضات والقدوح لا يعمل بها في الشريعة، ثم أخبارهم هذه معارضة بأخبار ترويها ثقاتهم
ورجالهم تتضمن الإباحة، وسيجئ الكلام في تفصيل هذه الجملة.
وأيضا فإن بول ما يؤكل لحمه طاهر غير نجس، وكل من قال بطهارته جوز شربه، ولا
أحد يذهب إلى طهارته والمنع من شربه. والذي يدل على طهارته أن الأصل الطهارة
والنجاسة هي التي يحتاج فيها إلى دليل شرعي ومن طلب ذلك لم يجده.
ومما يجوز يعارض به مخالفونا في هذه المسألة ما يروونه عن البراء بن عازب عن النبي
ص أنه قال: ما أكل لحمه فلا بأس ببوله. وبما يروونه أيضا عن حميد عن أنس
أن قوما من عرينة قدموا على النبي ص فاستوخموها فانتفخت أجوافهم،
فبعثهم عليه وآله السلام إلى لقاح الصدقة ليشربوا من أبوالها.
وأيضا فإن النبي ص طاف بالبيت راكبا على راحلته في جميع الروايات
ويدا الراحلة ورجلاها لا تخلو من بولها وروثها أيضا هذا هو الأغلب الأظهر فلو كان ذلك
نجسا لنزه النبي ص المسجد عنه.
فإن قيل: قوله ع: لا بأس به، يدل على الطهارة وإنما يقتضي خفة
حكمه عن غيره، ألا ترى أنه لا يجوز أن يقال مثل هذه اللفظة فيما لا شبهة في طهارته
وإباحته؟
قلنا: لا يجوز أن تحمل هذه اللفظة إلا على الطهارة والإباحة، لأن أهل الشريعة ما جرت
عادتهم بأن يقولوا فيما حظره ثابت أنه لا بأس به، على أن بعض النجاسات قد تكون أخف
حكما من بعض، ولا يقال فيه لا بأس، وإنما يجوز أن تدخل هذه اللفظة في المجمع على
طهارته وإباحته لأن العادة جرت بدخولها فيما هو مباح طاهر على اختلاف فيه ودخول شبهة
في حكمه.
فإن قالوا: في حديث العرنيين أنه ع إنما أباحهم شرب أبوال الإبل في حال
ضرورة على سبيل التداوي كما يحل الميتة مع الضرورة،
45

قلنا: لو كان في حال المرض يبيح الأبوال لأباح في أوقاتنا هذه، وأبو حنيفة يمنع من ذلك
وإنما يجيزه أبو يوسف والشافعي وإذا بطل اعتراض أبي حنيفة فالذي يبطل اعتراض أبي
يوسف والشافعي وجهان: أحدهما: إن النبي ص لو كان أباح ذلك
للضرورة لوقف عليه وبين اختصاصه بالضرورة، والوجه الثاني: ما روي عنه عليه وآله
السلام من قوله: إن الله عز وجل لم يجعل شفاء كم فيما حرم عليكم، ولهذا الذي ذكرناه تأول
قوم قوله تعالى: فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما، على أن المنافع هاهنا
هي في المكاسب،
فإن قالوا: ما أبيح في حال الاضطرار لم يتناوله هذا الخبر الذي رويتموه، لأنه إنما
يقتضي نفي الشفاء عما تحريمه ثابت، وما تدعو إليه الضرورة لا يكون حراما بل مباحا.
قلنا: الظاهر يقتضي نفي الشفاء عما حرم في سائر الأوقات، وتخفيف التحريم في حالة
دون أخرى عدول عن الظاهر. فإن قيل: معنى الخبر أن شفاؤكم ليس بمقصور على
المحرمات بل في المباحات لكم مندوحة، قلنا: هذا أيضا تخصيص للخبر وعدول عن
ظاهره.
فإن احتج علينا مخالفونا في نجاسة البول بما يروونه عن النبي ص من
قوله: إنما يغسل الثوب من البول والدم والمني، وأنه عام في سائر الأبوال وما يؤمر بغسله
وجوبا لا يكون إلا نجسا، وما هو نجس لا يجوز شربه. وبما يروونه عن النبي
ص أنه مر بقبرين فقال: إنهما يعذبان، وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان يمشي في
النميمة، وأما الآخر فكان لا يستبرئ من البول، وهذا عام في جميع الأبوال، وبما يروونه عنه
ع استنزهوا من البول. فإن عامة عذاب القبر منه، فيقال لهم: قد مضى أن أخبار
الآحاد ليست بحجة في الشريعة إذا خلت من المعارضات، ثم أخبارهم هذه معارضة بما
تروونه من طرقكم وقد ذكره بعضكم.
فأما ما نرويه نحن من طرقنا فما لا يحصى كثرة، وإذا سلمنا هذه الأخبار ولم نعارضها
بما يسقط الاحتجاج بها كان لنا أن نحمل الخبر الأول على ما هو نجس من الأبوال كبول
الانسان وبول ما لا يؤكل لحمه، ووجب هذا التخصيص لمكان الأدلة التي ذكرناها.
46

والشافعي لا يمكنه الاستدلال بهذا الخبر لأنه لا يوجب غسل المني لأنه عنده طاهر، ولا
بدله أيضا من تخصيص لفظة البول لأنه يرى أن بول الرضيع لا يجب غسله
فأما أبو حنيفة فلا بد له من تخصيص أيضا، وحمله على الدم والبول الكثيرين، لأنه
لا يوجب غسل القليلين منهما، لأنه يرى أن بول الرضيع طاهر ويعدل عن ظاهره أيضا لأنه
لا يوجب غسل المني وإنما يوجب فركه، وقد أجمعنا كلنا على تخصيص هذا الخبر.
ويقال لهم في الخبر الثاني: قد روي هذا الخبر على خلاف ما حكيتم لأنه روي أنه كان
لا يتنزه من بوله، وروي أيضا أنه كان لا يستبرئ من البول والاستبراء من البول يختص
ببوله لا بول غيره، وليس لهم أن يخالفوا في ذلك، فيقولوا: إن الاستبراء هو التباعد وقد
يلزمه التباعد والتنزه عن بوله وبول غيره، ولهذا يقال استبرأت الأمة إذا تباعدت عنها
لتعرف براءة رحمها، وذلك أن الاستبراء لا معتبر فيه بأصل وضع اللغة إذا كان في عرف
الشرع قد استقر على فائدة مخصوصة، فقد علمنا أن القائل إذا قال: فلان لا يستبرئ من
البول أو استبرأت من البول، لا يفهم عنه إلا بوله دون بول غيره، على أن ظاهر الخبر لو كان
عاما على ما رووه لوجب تخصيصه بالأدلة التي ذكرناها على أن في هذا الخبر ما يقتضي
الاختصاص ببول ما لا يؤكل لحمه، لأنه يتضمن الوعيد وذكر العذاب وعند من خالفنا أن
مسائل الاجتهاد لا يستحق فيها الوعيد.
فإن قالوا: لم يلحق الوعيد من حيث لم يتنزه فقط بل من حيث لم يتنزه عن البول مع
اعتقاد نجاسته، ومن فعل ذلك يلحقه الوعيد لا محالة.
قلنا: هذا عدول عن الظاهر، وبعد فهذا التأويل يسقط استدلالكم بالخبر، لأن تقدير
الكلام على هذا التأويل أنه يعذب، لأنه كان لا يتنزه عن البول مع اعتقاده نجاسته، وهذا لا
يدل على نجاسة كل بول، وإنما يدل على خطأ من أقدم على ما يعتقد قبحه ولم يجتنب ما
يعتقد نجاسته، لأن الفاعل لذلك في حكم من فعل القبيح، فأين دليلكم على نجاسة جميع
الأبوال وهو المقصود في المسألة على أن في الخبر اختلالا ظاهرا، لأنه يتضمن أنهما يعذبان
وما يعذبان على كبير وذلك كالمتناقض، لأن العذاب لا يكون إلا على الكبائر وما ليس بكبير
فلا عذاب على فاعله عند من جعل في المعاصي كبائر وصغائر من غير إضافة، ولا يصح
47

أيضا على مذهب القائلين بالإرجاء لأنهم يعتقدون أن جميع المعاصي كبائر، وأنه يستحق
العذاب على كل شئ منها، ومن ذهب إلى هذا المذهب لا ينفي اسم الكبيرة عن شئ من
المعاصي، وإنما يقول على سبيل الإضافة: هذه المعصية أصغر من تلك، فأما مع الإفراد
بالذكر فالكل عنده كبائر.
وأما الخبر الأخير الذي تعلقوا به فكلامنا عليه كالكلام في الخبر الذي تقدمه بلا فصل
فلا معنى لإعادته.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية: أنه يجوز لبس الثوب الحرير إذا كان في خلاله شئ من القطن
أو الكتان وإن لم يكن غالبا، وخالف باقي الفقهاء في ذلك، وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى
جواز لبس الحرير إذا كان سداه أو اللحمة من القطن أو الكتان ولم يجزه إذا كان اللحمة
أكثر، وحكى الطحاوي عن الشافعي أنه أباح لبس قباء محشو بقز، قال: لأن القز باطن
والذي يدل على صحة مذهبنا بعد الاجماع المتردد أن النبي ص إنما
نهى عن لبس الحرير، وهذا الاسم إنما يتناول ما كان محضا دون ما اختلط بغيره، والثوب
الذي فيه قطن أو كتان ليس بحرير محض، فجاز لبسه والصلاة فيه.
وإذا ذهبوا إلى أن الثوب الذي لحمته قطن وسداه حرير يجوز لبسه لأنه ليس بحرير محض
فكذلك ما كان بعضه قطنا وإن لم يكن جميع اللحمة.
فإن قيل: هذا يقتضي أنه لو كان في الثوب خيط واحد من قطن أو كتان جاز لبسه.
قلنا: ظاهر النهي عن لبس الحرير المحض يقتضي ذلك إلا أن يمنع منه مانع غيره،
والأولى أن يكون الخيط أو الخيطان غير معتد بهما ولا أثر لمثلهما، فأما إذا كان معتدا بمثله مثل
أن يكون له نسبة إلى الثوب كخمس أو سدس أو عشر فإنه يخرجه من أن يكون محضا.
والعجب كله من قول الشافعي: في حشو القباء الحرير المحض الذي يتناوله بلا شبهة
نهى النبي ص وأي تأثير لكون الحشو باطنا غير ظاهر أو لا يرى أنه بطانة
الجبة إذا كانت حريرا محضا لم يجز لبسها، وإن كانت البطانة لا تظهر للعين كظهور الظهارة.
هذا بعد شديد.
48

مسألة:
ومما كانت الإمامية منفردة به: أن جلود الميتة من جميع الحيوان لا تطهر بالدباغ، وقد
وردت لهم رواية ضعيفة بجواز اتخاذ جلود الميتة ما لم تكن كلبا أو خنزيرا بعد الدباع آنية،
وإن كانت الصلاة فيها لا تجوز والمعمول على الأول وخالف الشيعة جميع الفقهاء إلا
أحمد بن حنبل فقد حكي عنه أن الميتة لا تطهر بالدباغ.
دليلنا بعد الاجماع المتردد قوله تعالى: حرمت عليكم الميتة، والتحريم يجب أن يتناول كل
بعض من أبعاض الميتة حلته الحياة ثم فارقته، والجلد بهذه الصفة بعد الدباع وقبله
فيجب أن يحرم الانتفاع به بعد الدباع لأن اسم الميتة يتناوله.
ومما يجوز أن يذكر على سبيل المعارضة لهم ما رووه وسطروه في كتبهم عن النبي صلى
الله عليه وآله من قوله: لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب، وعموم هذا الخبر يقتضي
تحريم الانتفاع بها بعد الدباع. وقول بعضهم: إن اسم الإهاب يختص بالجلد قبل الدباع ولا
يستحقه بعده، غلط مفحش لأن الإهاب اسم للجلد في الحالين وغير مختص بأحدهما.
ولو جاز أن يدعى في الإهاب اختصاص جاز أن يدعى في الجلد مثل ذلك، فإن
اعترضوا بما يروونه عن النبي ص وقد سئل عن جلود الميتة فقال عليه وآله
السلام: دباغها طهورها. وفي خبر آخر أيما إهاب دبغ فقد طهر، كان جوابنا أن هذه أخبار
آحاد لا يعمل بها في الشريعة، ثم بإزائها ما رويتموه عن النبي ص من النهي
عن ذلك، وما رويناه من الأخبار التي لا تحصى في هذا المعنى، ولو لم يبطل هذين الخبرين إلا
ظاهر القرآن لكفى، وقد يجوز أن يحمل الخبران على الخصوص وأن يريد بقوله عليه وآله
السلام أيما إهاب دبغ فقد طهر: المذكي دون الميت.
49

المسائل الناصريات
للسيد الشريف المرتضى علم الهدي أبي القاسم
علي بن الحسين الموسوي
355 - 436 ه‍ ق
51

المسألة الثانية والمائتان
لا أرى أكل ما ذبح وهو يكيد بنفسه، هذا صحيح والحجة فيه أن الذي يكيد بنفسه
من الحيوان يدخل في عموم ما حرمه الله تعالى من الموقوذة لأن الموقوذة هي التي قد اشتد
جهدها وتعاظم ألمها ولا فرق بين أن يكون ذلك من ضرب لها أو من آلام يفعلها الله تعالى بها
يقضى إلى موتها وإذا دخلت في عموم هذه اللفظة كانت محرمة بحكم الظاهر.
المسألة الثالثة والمائتان:
لا يحل السمك الذي يصطاده ذمي وكذلك الجراد، لأن ذكاتهما صيدهما لست
أعرف لأصحابنا نصا في هذه المسألة إلى الآن فأعول عليه ومن ذهب إلى تحريم أكل
السمك والجراد إذا صادهما الذمي يعول على أن صيدهما ذكاتهما وأن العذر قد انقطع بأن
الذمي لا ذكاة له ولا تؤكل ذبيحته، غير أن الصيد ليس على الحقيقة وإنما أجرى مجرى
الذكاة في الحكم لا في وقوع الاسم وإذا وقع التحريم بتذكية الذمي وأنه لا ذكاة له، فإنما
يدخل في ذلك ما يكون حقيقة من الذبح وفري الأوداج ومما لا يكون حقيقة، ويسمى بهذه
التسمية فجاز ألا يدخل في الظاهر، إلا بدليل. فعلى من ادعى دخول صيد الذمي للسمك
والجراد تحت تحريم ذكاة الذمي فعليه الدليل وفي هذا نظر وليس هذا موضعه.
53

المسألة الرابعة والمائتان:
لا يجوز أكل الحمار الوحشي. عندنا إن أكل الحمار الوحشي والأهلي أيضا مباح
ولا أعرف من الفقهاء كلهم خلافا في الحمار الوحشي وإنما خالفونا في الحمار الأهلي.
دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه بعد الاجماع المتردد قوله تعالى: قل لا أجد فيما أوحي
إلي محرما علي طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير. فعدد المحرمات كلها
ونفى أن يكون ما عداها محرما ولم يذكر الحمار الوحشي ولا الأهلي، ولا يلزم على هذا الاستدلال
ما أثبتنا تحريمه وإن لم يدخل في هذه المذكورات في الآية لأن ذلك إنما عدلنا عن الظاهر
بدليل قاهر ولا دليل على إلحاق لحوم الحمير بالمحرمات في الآية، وأيضا قوله تعالى: إنما
حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير. ولم يذكر لحوم الحمير وقد بينا في غير موضع أن لفظة
إنما يدل على نفي الحكم عما عدا ما تعلق بها وفرقنا بين قول القائل عندي درهم وبين قوله إنما
له عندي درهم. واستدللنا على صحة هذه الطريقة بأن ابن عباس كان يذهب إلى أن الربا
تختص النسيئة واستدل على مذهبه بما روي عنه ع من قوله: إنما الربا في النسيئة،
وقول ابن عباس حجة فيما يتعلق باللغة لأنا رأينا من خالف ابن عباس وناظره على مذهبه
هذا. لم يرد عليه ما ذهب إليه فيه لفظة " إنما " ولا خالفه في موجب ما علقه عليها وإنما طعن على
مذهبه من غير هذه الجهة، فصار القول بأن لفظة " إنما " تنفى الحكم عمن عدا من دخلت
عليه إجماعا.
54

الكافي في الفقه
لأبي الصلاح تقي الدين ابن نجم الدين عبد الله الحلبي
374 - 447 ه‍ ق
55

باب تعيين المحرمات
إذا كان ما عدا واجبات العقول ومندوباتها وقبائحها على الإباحة لأنه القسم الرابع في
أوائل العقول كالحسن والقبيح ولكونه نفعا خالصا لا ضرر فيه، وحصول العلم الأول
بإباحة ما له هذا الحكم - وقد استوفينا الكلام في ذلك في غير موضع - وقف
العلم بنقل العلم بنقلها عن هذا الأصل إلى وجوب أو ندب أو تحريم على السمع، وقد بينا فيما سلف
ما ورد به السمع من العبادات فرضا ونفلا، ونورد هاهنا ما ثبت تحريمه من المآكل والمشارب
والمدركات وضروب التصرف والمناكح وتفصيل ذلك ليعلمه المكلف فيجتنبه ويستبيح
ما عداه.
فصل في بيان ما يحرم أكله:
ما يحرم أكله على ضربين: أحدهما يتعلق التحريم بعينه، الثاني بوقوعه على وجه.
الضرب الأول: البغل والخنزير والكلب والسنور والقرد والدب والفيل والثعلب
والأرنب والضب واليربوع والفأر والسلحف والقنفذ والدبى من الجراد وكل ذي ناب
ومخلب من الوحش وكل ذي مخلب من الطير وما لا حوصلة له ولا قانصة وما لا فلس له
من السمك ودواب البحر وحشار الأرض والدم المسفوح والطحال والقضيب والأنثيان
والغدد والمشيمة والمثانة والطين وبيض ما لا يؤكل لحمه ولبنه وما اتفق طرفاه من مجهول
البيض والسموم القاتلة.
57

الضرب الثاني: ميتة ذوات الأنفس السائلة ابتداء أو منخنقة بماء أو حبل
أو غيرهما أو غير متحركة بعد الذبح أو لم يسل منها دم أو موقوذة بحجر أو عصا أو بندق أو متردية
من علو أو فائتة بالنطح أو أكيلة سبع أو مقتولة طعنا أو ضربا مع إمكان الذكاة أو مقتولة بما
عدا كلب المسلم المعلم أو إرساله من الجوارح أو يذبح لغير الله تعالى أو من دون
التسمية تدينا أو بفعل كافر كاليهود والنصراني أو جاحد النص أو بذكاة في غير محلها
وقتيل مصيد الطير بغير النشاب وما قطع من الحيوان قبل الذكاة وبعدها قبل أن تجب
جنوبها وتبرد بالموت، وكل هذه المذكورات ميتة وإن اختلف جهات موتها.
وصيد الحرم على المحل والمحرم وصيد الحل على المحرم وما نبت لحمه بلبن الخنزير
من الأنعام وما أدمن شرب النجاسات حتى يمنع منها عشرا أو جلالة الغائط حتى تحبس،
الإبل والبقر أربعين يوما والشاة سبعة أيام والبط والدجاج خمسة أيام، وروي في الدجاج
خاصة بثلاثة أيام، وجلالة ما عدا العذرة من النجاسات حتى تحبس، الأنعام سبعا والطير
يوما وليلة، ومنكوح الانسان من الأنعام وكل طعام شيب بشئ من المحرمات أو النجاسات
وطعام الكفار وما باشروه ببعض أعضائهم وما شرب عليه الخمر من الطعام، والطعام في
آنية الذهب والفضة والطعام في جلود الميتة والأنجاس من الحيوان وإن دبغت، وجلود
السباع بعد الذكاة وقبل الدباع.
فصل في ما يحرم شربه:
قليل المسكر وكثيره خمر محرم وإن اختلفت أجناسه من عنب أو زبيب أو تمر أو عسل
أو غير ذلك نيا كان أو مطبوخا أو مشمسا، والفقاع وأعيان النجاسات المائعات وما
نجس من الطاهرات والشرب فيما لا يجوز الأكل فيه من الأواني والمعاقرة بالماء وغيره من
أنواع الأشربة الحلال من دونها.
فصل فيما يكره أكله وشربه:
يكره أكل الكليتين والنخاع والعروق وأذني القلب والمرارة وحبة الحدقة وخرزة
58

الدماع وجرجير البقل ولحوم الجواميس والبخت وحمر الوحش والأهلية ولحم الغريض
والأكل باليد اليسرى وبملعقة ومتكئا ومما يلي غيره ومن وسط الصحفة
والطعام الحار، وطعام من لم يدع إليه وطعام من دعا له الأغنياء دون الفقراء وطعام ولائم القبائح والإفراط
في الشبع وعرق العظم.
ويكره شرب الماء بالليل قائما والعب والنهل في نفس واحد ومن ثلمة الكوز ومما يلي
الأذن، وشرب الماء المالح والكبريتي والمتغير اللون أو الطعم أو الرائحة بغير النجاسات.
فصل فيما يحرم إدراكه:
يحرم سماع العود والطنبور وكل ذي وتر مطرب والطبول والمزامير وسائر الأغاني
وآلاتها كالقضيب وشبهه، والنوح بالباطل ومدح من يستحق الذم وذم من يستحقه
والكذب - ومنه الأسمار وقصص القصاص بالمغازي المخترعة أو المزيد فيها -
والنميمة وغيبة أهل الإيمان وجميع الأقوال القبيحة كالأمر بالقبيح والنهي عن الحسن، ورؤية
من حرم الله تعالى من النساء ومباشرتهن والإصغاء إلى حديثهن والتلذذ برؤية المرد للريبة
ومباشرتهم ومشاهدة المنكرات لغير الانكار.
فصل فيما يكره من ذلك:
يكره سماع الشعر الحسن في زمان الصوم وليلة الجمعة ويومها وفي المساجد والغزل
منه على كل حال، والأقوال الخالية من غرض ديني ودنيوي.
59

الضرب الثالث من الأحكام
ذكاة السمك والجراد صيد المسلم له خاصة، وحكم ما يكون في الماء من الحيوان حكم
حيوان البر في الذكاة، وذكاة ما يحل من الحيوان ذبح المسلم أو نحره، وينوب مناب ذلك
قتل الطير بالنشاب خاصة وقتل ما عداه من صيد البر بسائر السلاح وبالكلب المعلم
بشرط كون المتصيد بالسلاح ومرسل الكلب مسلما، وإذا استعصى شئ من الأنعام جرى
مجرى الوحش في صحة ذكاته بسائر السلاح، وكذلك حكمه إذا وقع في زبية وتعذر فيه
الذبح والنحر، ولا تقع الذكاة بشئ من الأنعام وغيرها مما تقع عليه إلا من مسلم.
وإذا أراد التذكية فليستقبل بالإبل القبلة ويعقل إحدى اليدين ويطعنها في لبتها
ويسمي، ويضجع باقي الذبائح تجاه القبلة ويسمي ويذبح في الحلق، ولا يفصل الرأس
حتى تبرد الذبيحة، فإذا وجبت جنوبها وبردت حل الانتفاع بها بأكل ما يؤكل منها
والتصرف فيما لا يؤكل من السباع، فإن لم تتحرك الذبيحة أو تحركت ولم يخرج منها دم فهي
منخنقة لا يحل الانتفاع بها.
وذكاة ما أشعر أو أوبر من الأجنة ذكاة أمه، وكذلك حكم ما يوجد من سمك في أجواف
غيره من السمك، فإن تعمد توجيهها إلى غير القبلة أو ترك التسمية فهي ميتة، وإن كان
ساهيا فهي ذكية، وتصح ذكاة المرأة المسلمة وولد المسلم المراهق والذكاة بالحديد مع
إمكانه، وبما يقوم مقامه في النحر وفري الأوداج عند تعذره.
ويؤكل ما يوجد في ضروع ميتة الأنعام وأمثالها من الوحش من اللبن، وما في أجواف
60

ميتة الطير من البيض ذي القشر دون المائع، ويجوز الانتفاع من ميتة ما تقع عليه الذكاة
بالشعر والصوف والوبر والقرن والظلف والخف والمخلب والسن واللبن والأنفحة
والريش.
وإذا وجد لحم لا تعلم ذكاته طرح على النار، فإن تقلص واجتمع فهو ذكي وإن
انبسط فهو ميتة، ويعتبر ذكي السمك من ميتته بطرحه في الماء فإن رسب فهو ذكي وإن طفا
فهو ميتة.
61

النهاية في مجرد الفقه والفتاوى
للشيخ الأجل أبي جعفر محمد بن الحسن بن علي بن الحسن الطوسي
المشهر بشيخ الطائفة والشيخ الطوسي
385 - 460 ه‍ ق
63

كتاب الأطعمة والأشربة
باب الأطعمة المحظورة والمباحة
كل طعام حصل فيه شئ من الخمر أو النبيذ المسكر أو الفقاع قليلا كان ما حصل
فيه أو كثيرا فإنه ينجس ذلك الطعام ولا يجوز استعماله على حال، وإذا كانت القدر تغلي
على النار فوقع فيها شئ من الخمر أهريق ما فيها من المرق وغسل اللحم وأكل بعد ذلك،
فإن حصل فيها شئ من الدم وكان قليلا ثم غلى جاز أكل ما فيها لأن النار تحيل الدم، وإن
كان كثيرا لم يجز أكل ما وقع فيه.
وكل طعام حصل فيه شئ من الميتات مما له نفس سائلة فإنه ينجس بحصوله فيه
ولا يحل استعماله، فإن كان ما حصل فيه الميتة جامدا مثل السمن والعسل ألقي منه
ما حوله واستعمل الباقي وإن كان ما حصل فيه الميتة مائعا لم يجز استعماله ووجب إهراقه،
فإن كان دهنا مثل البزر والشيرج جاز الاستصباح به تحت السماء ولا يجوز الاستصباح به
تحت الظلال، ولا الادهان به.
وكل ما ليس له نفس سائلة مثل الجراد والنمل والزنبور والخنافس وبنات وردان إذا
مات في شئ من الطعام والشراب جامدا كان أو مائعا فإنه لا ينجس بحصوله فيه.
ولا يجوز مؤاكلة الكفار على اختلاف مللهم ولا استعمال أوانيهم إلا بعد غسلها بالماء،
وكل طعام تولاه بعض الكفار بأيديهم وباشروه بنفوسهم لم يجز أكله لأنهم أنجاس ينجس
الطعام بمباشرتهم إياه، وقد رخص في جواز استعمال الحبوب وما أشبهها مما لا يقبل النجاسة
65

وإن باشروه بأيديهم.
ولا يجوز استعمال أواني الشراب المسكر إلا بعد أن يغسل بالماء ثلاث مرات ويجفف،
وإذا حصلت ميتة لها نفس سائلة في قدر أهريق ما فيها وغسل اللحم وأكل بعد ذلك،
ولا بأس بأكل ما باشره الجنب والحائض من الخبز والطبيخ وأشباه ذلك من الإدام إذا كانا
مأمونين، ويكره أكله إذا عالجه من لا يتحفظ ولا يؤمن عليه إفساد الطعام بالنجاسات.
ولا يجوز الأكل والشرب في أواني الذهب والفضة، فإن كان هناك قدح مفضض يجتنب
موضع الفضة منه عند الشرب، ولا بأس بما عدا الذهب والفضة من الأواني من صفر كان أو
من نحاس أو أي شئ كان، ولا بأس بطعام أو شراب أكل منه سنور ويكره أكل ما أكل منه
الفأر وليس بمحظور، ويكره أن يدعو الانسان أحدا من الكفار إلى طعامه فيأكل معه، فإن
دعاه فليأمره بغسل يديه ثم يأكل معه إن شاء.
ولا يجوز أكل شئ من الطين على اختلاف أجناسه إلا طين قبر الحسين بن علي عليهما
السلام فإنه يجوز أن يؤكل منه اليسير للاستشفاء به ولا يجوز الإكثار منه على حال، ولا بأس
أن يأكل من بيت من ذكره الله تعالى في قوله: ليس عليكم جناح أن تأكلوا... الآية، بغير
إذنه ولا يجوز أن يحمل منه شئ ولا إفساده، ولا بأس بأكل الثوم والبصل مطبوخا ونيا غير
أن من يأكلهما يكره له دخول المسجد لئلا يتأذى الناس برائحته.
وإذا نجس الماء بحصول شئ من النجاسات فيه ثم عجن به وخبز منه لم يجز أكل
ذلك الخبز، وقد رويت رخصة في جواز أكله وذكر أن النار طهرته والأحوط ما قدمناه، وإذا
وجد الانسان طعاما فليقومه على نفسه ثم يأكل منه فإذا جاء صاحبه رد عليه ثمنه، ولا بأس
بألبان الأتن والإبل حليبا ويابسا وعلى كل حال، ولا بأس بأن يستشفى بأبوال الإبل.
باب الأشربة المحظورة والمباحة
كل ما أسكر كثيره فالقليل منه حرام لا يجوز استعماله بالشرب والتصرف فيه بالبيع
والهبة، وينجس ما يحصل فيه خمرا كان أو نبيذا أو بتعا أو نقيعا أو مزرا أو غير ذلك من
أجناس المسكرات، وحكم الفقاع حكم الخمر على السواء في أنه حرام شربه وبيعه
66

والتصرف فيه.
والعصير لا بأس بشربه وبيعه ما لم يغل وحد الغليان الذي يحرم ذلك هو أن يصير
أسفله أعلاه، فإذا غلى حرم شربه وبيعه إلى أن يعود إلى كونه خلا، وإذا غلى العصير على
النار لم يجز شربه إلى أن يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه وحد ذلك هو أن يراه صار حلوا أو يخضب
الإناء ويعلق به أو يذهب من كل درهم ثلاثة دوانيق ونصف وهو على النار ثم ينزل به
ويترك حتى يبرد، فإذا برد فقد ذهب ثلثاه وبقي ثلثه.
ولا يجوز أن يؤتمن على طبخ العصير من يستحل شربه على أقل من الثلث وإن ذكر
أنه على الثلث، ويقبل قول من لا يشربه إلا على الثلث إذا ذكر أنه كذلك وإن كان على أقله
ويكون ذلك في رقبته، ويكره الاستسلاف في العصير فإنه لا يؤمن أن يطلبه صاحبه ويكون
قد تغير إلى حال الخمر بل ينبغي أن يبيعه يدا بيد، وإن كان لو فعل ذلك لم يكن محظورا،
ولا بأس أن يبيع العنب والتمر ممن يعلم أنه يجعله خمرا أو نبيذا لأن الإثم على من يجعله
كذلك وليس على البائع شئ غير أن الأفضل أن يعدل عنه إلى غيره.
وإذا خاف الانسان على نفسه من العطش جاز أن يتناول شيئا من الخمر بقدر ما يمسك
رمقه، ولا يجوز أن يتداوى بشئ من الأدوية وفيها شئ من المسكر وله عنه مندوحة، فإن
اضطر إلى ذلك جاز أن يتداوى به للعين ولا يجوز له أن يشربه على حال.
ولا بأس بشرب النبيذ غير المسكر وهو أن ينقع التمر أو الزبيب ثم يشربه وهو حلو
قبل أن يتغير، ويكره أن يسقي شئ من الدواب والبهائم الخمر أو المسكر، ويكره
الاستشفاء بالمياه الحارة التي تكون في الجبال، ومن شرب الخمر ثم بصق على ثوب فإن
علم أن معه شيئا من الخمر لم يجز الصلاة فيه وإن لم يعلم ذلك جازت الصلاة فيه.
وأواني الخمر ما كان من الخشب أو القرع وما أشبههما لم يجز استعمالها في شئ من
المائعات حسب ما قدمناه، وما كان من صفر أو زجاج أو جرار خضر أو خزف جاز استعمالها
إذا غسلت بالماء ثلاث مرات حسب ما قدمناه وينبغي أن تدلك في حال الغسل، والذمي
إذا باع خمرا أو خنزيرا ثم أسلم جاز له أن يقبض ذلك الثمن وكان حلالا له.
والخمر إذا صار خلا جاز استعماله سواء صار كذلك من قبل نفسه أو بعلاج غير أنه
67

يستحب أن لا يغير بشئ يطرح فيه بل يترك حتى يصير خلا من قبل نفسه، وإذا وقع شئ
من الخمر في الخل لم يجز استعماله إلا بعد أن يصير ذلك الخمر خلا، ويجوز أن يعمل الانسان
لغيره الأشربة من التمر والزبيب والعسل وغير ذلك ويأخذ عليها الأجرة ويسلمها إليه
قبل تغيرها، ولا بأس برب التوت والرمان والسفرجل والسكنجبين والجلاب وإن شم منه
رائحة السكر لأنه مما لا يسكر كثيره.
باب آداب الأكل والشرب
يستحب أن يغسل الانسان يديه قبل أن يأكل الطعام ويغسلهما بعد الأكل وليس ذلك
بواجب، ويستحب أيضا أن يسمي الله تعالى عند تناول الطعام والشراب ويحمد الله تعالى
عند الفراع، وإن كان على مائدة عليها ألوان مختلفة فليسم عند تناول كل لون منها وإن قال
بدلا من ذلك: بسم الله على أوله وآخره، كان جائزا وإن سمى واحد من الجماعة أجزأ عن
الباقين.
ولا يجوز الأكل على مائدة يشرب عليها شئ من المسكرات أو الفقاع، ولا ينبغي أن
يقعد الانسان متكئا في حال الأكل بل ينبغي أن يقعد على رجله، وكثرة الأكل مكروه وربما بلغ
حد الحظر ويكره الأكل على الشبع ويكره الأكل والشرب باليسار وينبغي أن يتولى ذلك
باليمين إلا عند الضرورة، ولا بأس بالأكل والشرب ماشيا واجتنابه أفضل، ويكره الشرب
بنفس واحد بل ينبغي أن يكون ذلك بثلاثة أنفاس.
ويستحب أن يبدأ صاحب الطعام بالأكل ويكون هو آخر من يرفع يده منه، فإذا أرادوا
غسل أيديهم يبدأ بمن هو عن يمينه حتى ينتهي إلى آخرهم، ويستحب أن تجمع غسالة الأيدي
في إناء واحد.
وإذا حضر الطعام والصلاة فالبداءة بالصلاة أفضل، فإن كان هناك قوم ينتظرونه
للإفطار معه وكان أول الوقت فالبداءة بالطعام أفضل وإن كان قد تضيق الوقت لا يجوز إلا
البداءة بالصلاة، ويستحب لمن أكل الطعام أن يستلقي على قفاه ويضع رجله اليمنى على
اليسرى.
68

ذكر الصيد والذبائح
باب ما يستباح أكله من سائر أجناس الحيوان وما لا يستباح:
الحيوان على ضروب: منها ما يكون في الحضر خاصة ومنها ما يكون في البر ومنها
ما يكون في البحر، وكل واحد من هذه الأجناس ينقسم أقساما ثلاثة: قسم منها مباح طلق
وقسم مكروه وقسم محظور.
فأما حيوان الحضر فالإبل والبقر والغنم وما ولد منها فإنها أجمع مباحة ويجوز
استعمالها على كل حال إلا ما كان منه جلالا فإنه محظور لا يجوز أكله، وحد الجلال الذي
لا يجوز أكله إلا بعد الاستبراء هو أن يكون غذاؤه أجمع عذرة الانسان لا يخلطها بغيرها، فإذا
كان مخلطا بأكل العذرة وغيرها فإن لحمها مكروه وليس بمحظور، ويستبرأ الجلال الإبل منه
بأربعين يوما يربط ويعلف حتى يزول عنه حكم الجلل، والبقر بعشرين يوما كذلك والشاة
بعشرة أيام.
وإذا شرب شئ من هذه الأجناس خمرا ثم ذبح جاز أكل لحمه بعد أن يغسل بالماء
ولا يجوز أكل شئ مما في بطنه ولا استعماله، وإذا رضع شئ من هذه الأجناس من خنزيرة
حتى اشتد على ذلك لم يجز أكل لحمه ولا ما كان من نسله، فإن شرب من خنزيرة دفعة أو
دفعتين كان أكل لحمه مكروها غير محظور إلا أنه يستبرأ بسبعة أيام إن كان مما يأكل العلف
كسبا وغيره أطعم ذلك، وإن لم يأكل سقى من لبن ما يجوز شرب لبنه سبعة أيام.
وإذا شرب شئ من هذا الحيوان بولا ثم ذبح لم يؤكل ما في بطنه إلا بعد غسله بالماء،
69

ومتى شرب شئ من هذه الأجناس من لبن امرأة واشتد كره أكل لحمه ولم يكن محظورا.
وأما الخيل والبغال والحمير فإن لحومها مكروهة وليست بمحظورة وإن كان بعضها
أشد كراهة من بعض لأن لحم البغل أشد كراهة من لحم الحمار، ولحم الحمار أشد كراهة من
لحم الخيل ولحم الخيل أدونهن كراهة، ولا يجوز أكل لحم الفيل.
ومتى وطئ شيئا من هذه الأجناس التي يحل أكل لحومها حرم ذلك لحومها ولحم
ما يكون من نسلها بعد ذلك ووجب إحراقها بالنار، فإن اختلطت بغيرها واشتبهت
استخرجت بالقرعة، بأن يقسم القطيع قسمين ويقرع على كل واحد منهما ثم يقسم كذلك
أبدا إلى أن لا يبقى إلا واحدة.
وأما حيوان البحر فلا يستباح أكل شئ منه إلا السمك خاصة، والسمك يؤكل منه
ما كان له فلس ويجتنب ما ليس له فلس، والجري لا يجوز أكله على حال وكذلك الطافي، وهو
الذي يموت في الماء فيطفو عليه، وأما المارماهي والزمار والزهو فإنه مكروه شديد الكراهية
وإن لم يكن محظورا، ولا بأس بالكنعت ولا بأس بالربيثاء.
ولا يؤكل من السمك ما كان جلالا إلا بعد أن يستبرأ يوما إلى الليلة في ماء طاهر يطعم
شيئا طاهرا ولا يجوز أكل ما نضب عنه الماء من السمك، وإذا شق جوف سمكة فوجد فيها
سمكة جاز أكلها إذا كانت من جنس ما يحل أكلها، فإن شق جوف حية فوجد فيها سمكة
فإن كانت على هيئتها لم تتسلخ لم يكن بأس بأكلها وإن كانت قد تسلخت لم يجز أكلها على
حال.
وإذا وثبت سمكة من الماء فماتت فإن أدركها الانسان وهي تضطرب جاز له أكلها
وإن لم يدركها كذلك تركها ولم يجز له أكلها، ولا بأس بالطمر والطبراني والإبلامي من
أجناس السمك.
وأما حيوان البر فإنه يجوز أكل شئ من السباع سواء كان ذا ناب أو غير ذي ناب
مثل السبع والفهد والنمر والكلب والخنزير والثعلب والأرنب والدب والذئب وما أشبه
ذلك من السباع والمسوخ، ولا بأس بأكل لحم الظبي والغزال والبقر الوحشي والحمار
الوحشي وإن كان لحم الحمار مكروها.
70

والقرد والسنور لا يجوز أكلهما ولا يجوز أكل السلحفاة والضب واليربوع والفأر
والحيات والعقارب والضفادع والسرطان والخنافس وبنات وردان والزنابير، ولا يجوز أكل
لحم الخز والسمور والسنجاب والفنك وما أشبهها.
وأما الطير فيؤكل منه ما دف ويترك منه كل ما يصف فإن كان طيرا يدف ويصف
يعتبر، فإن كان دفيفه أكثر من صفيفه أكل وإن كان صفيفه أكثر من دفيفه اجتنب، فإن لم
يكن هناك طريق إلى اعتباره بأن يوجد مذبوحا أكل منه ما كانت له قانصة أو حوصلة أو
صيصية ويجتنب ما لم يكن له شئ من ذلك.
ولا يجوز أكل شئ من سباع الطير مثل النسر والعقاب والرخمة والحدأة وما كان له
مخلب يأكل اللحم، ويكره أكل الغربان والقنابر والهدهد ولا يجوز أكل الخطاف والخشاف
ويكره لحم الحبارى وليس بمحظور، ولا بأس بأكل طير الماء وإن كان مما يأكل السمك إذا
اعتبر بما ذكرناه، ولا يجوز أكل لحم الطواويس، ويكره أكل لحم الصرد والصوام
والشقراق، والطير إذا كان جلالا، لم يجز أكله إلا بعد استبرائه وحبسه من ذلك، وتستبرأ
البطة وما أشبهها بخمسة أيام والدجاجة وما أشبهها بثلاثة أيام.
باب الصيد وأحكامه
صيد السمك أخذه وإخراجه من الماء حيا على أي وجه كان سواء كان من أخرجه
مسلما أو كافرا من أي أجناس الكفار كان لأنه لا يراعى في صيده وجوب التسمية، وإن
كانت التسمية أفضل إلا أن ما يصيده غير المسلم لا يجوز أكله إلا إذا شوهد اخراجه من
الماء حيا ولا يوثق بقوله في ذلك.
وإذا نصب الانسان شبكة في الماء يوما وليلة أو ما زاد على ذلك ثم قلعها وقد اجتمع
فيها سمك كثير جاز له أكل جميعه، وإن كان يغلب على ظنه أن بعضه مات في الماء لأنه
لا طريق له إلى تمييزه من غيره، فإن كان له طريق إلى تمييز ما مات في الماء مما لم يمت فيه لم يجز
له أكل ما مات فيه، وكذلك ما يصاد في الحظائر ويجتمع فيه جاز أكل جميعه مع فقد الطريق
إلى تمييز الميت من الحي، وإذا صيد سمك وجعل في شئ وأعيد في الماء فمات فيه لم يجز
71

أكله. ويكره صيد السمك يوم الجمعة قبل الصلاة ويكره صيد الوحش والطير بالليل
وليس ذلك بمحظور ويكره أخذ الفراخ من أعشاشهن، والطير إذا كان مالكا جناحيه
لا بأس بصيده بسائر أنواع الصيد ما لم يعرف له صاحب فإن عرف له صاحب، وجب
رده عليه، والمقصوص الجناح لا يجوز أخذه لأن ذلك لا يكون إلا لمالك.
ولا يؤكل من الطير ما يصاد بسائر أنواع آلات الصيد إلا ما أدرك ذكاته إلا ما يقتله
السهم ويكون مرسله قد سمى عند إرساله، فإن لم يكن صاحبه سمى أو صيد بالبندقية أو
المعراض أو الحجارة وما أشبه ذلك فمات فيه لم يجز أكله، وإذا رمى انسان طيرا بسهم
فأصابه وأصاب فرخا لم ينهض بعد فقتلهما جاز أكل الطير ولم يجز أكل الفرخ لأن الفرخ
ليس بصيد بعد، وإنما يكون صيدا إذا نهض وملك جناحيه.
وكل ما تصيده الجوارح من الطير مثل البازي والصقر والعقاب فلا يجوز أكله إلا
إذا أدرك ذكاته فما لم تلحق ذكاته لم يجز له أكله على حال، وأدنى ما يكون معه لحاق الذكاة
أن يجده وعينه تطرف أو ذنبه يتحرك أو رجله تركض.
وإذا قتل الصيد بسهم يصيبه ولا تكون فيه حديدة لم يجز أكله وإن كان فيه حديدة،
غير أنه أصابه معترضا فقتله جاز أكله، ولا يجوز أن يرمي الصيد بشئ أكبر منه فإن رمى
بشئ أكبر منه فقتله لم يجز أكله، وإذا لم يكن مع الصائد سهم فيه حديدة ومعه سهم حاد
ينفذ ويخرق جاز أكل ما يصيده به إذا خرق فإذا لم يخرق، لم يجز أكله.
وصيد الوحش يجوز بسائر أنواع آلات الصيد من الجوارح والشباك والمصائد
والحبالات إلا أنه لا يجوز أكل شئ من ذلك إلا ما أدرك الانسان ذكاته إلا ما يقتله الكلب
خاصة، فإن ما يقتله الكلب جاز أكله إذا سمى صاحبه عند إرساله فإن لم يسم صاحبه عند
إرساله لم يجز أكله، وإذا سمى عند إرساله فقتله وأكل منه الكلب فإن كان معتادا لأكل
ما يصيده لم يجز أكل ما بقي وإن لم يكن معتادا وكان ذلك شاذا منه جاز أكله، وإذا أرسل
الانسان كلبا وسمى وشاركه كلب آخر لم يسم صاحبه عند إرساله لم يجز أكل ما قتله،
ولا يجوز أن يؤكل ما قتله الفهد وغيره من السباع إلا ما أدرك ذكاته.
72

وأدنى ما تلحق معه الذكاة أن يجده تطرف عينه أو يتحرك يده أو رجله، وكل كلب
لا يكون معلما، فلا يجوز أكل صيده إلا ما أدرك ذكاته، وإذا أخذ الكلب المعلم
صيدا فأدركه صاحبه حيا وجب أن يذكيه فإن لم يكن معه ما يذكيه فليتركه حتى يقتله ثم ليأكل إن شاء.
وإذا انفلت كلب فصاد من غير أن يرسله صاحبه وسمى لم يجز أكل ما يقتله، ومن
نسي التسمية عند إرسال الكلب وكان معتقدا لوجوب ذلك عليه جاز أكل ما يقتله ولا يجوز
أن يسمي غير الذي يرسل الكلب، فإن أرسل واحد الكلب وسمى غيره لم يجز أكل
ما يقتله، وصيد الكلب إذا غاب عن العين ثم وجد مقتولا لا يجوز أكله.
وإذا رمى انسان سهما وسمى عند الرمي فأصاب وقتل جاز أكله وإن ظن أن غير
السهم قتله لم يجز له أكله، وإن أصاب الصيد سهم فتدهده من جبل أو وقع في الماء ثم مات
لم يجز أكله لأنه لا يأمن أن يكون قد مات في الماء أو من وقوعه من الجبل، وإذا طعن الصيد
برمح أو ضربه بسيف فقتله ويكون قد سمى جاز له أكله، فإن قده بنصفين ولم يتحرك
واحد منهما جاز له أكلهما إذا خرج منه الدم، وإن تحرك أحد النصفين ولم يتحرك الآخر
أكل الذي تحرك ورمى بما لم يتحرك، وإن قطع منه قطعة بسيف أو أخذت الحبالة منه ذلك
فليرم بالقطعة وليذك الباقي ويأكله.
وإذا أخذ الصيد جماعة فتناهبوه وتوزعوه قطعة قطعة، جاز أكله، ومتى رمى الانسان
صيدا بعينه وسمى فأصاب غير ما رماه فقتله جاز أكله، وإذا وجد لحما لا يعلم أ ذكي هو أم
ميت؟ فليطرحه على النار فإن انقبض فهو ذكي وإن انبسط فليس بذكي.
وصيد الجراد أخذه ولا يراعى فيه التسمية وإن سمى كان أفضل، ولا يؤكل من الجراد
ما مات في الماء أو الصحراء قبل أن يؤخذ ولا يؤكل منه الدبى وهو الذي لا يستقل
بالطيران، وإذا كان الجراد في أجمة أو قراح فأحرق الموضع فاحترق الجراد لم يجز أكله.
باب الذبح وكيفيته ووجوب التسمية
الذباحة لا يجوز أن يتولاها غير المسلمين، فمتى تولاها كافر من أي أجناس الكفار
كان يهوديا أو نصرانيا أو مجوسيا أو عابد وثن سمى على ذبيحته أو لم يسم فلا يجوز أكل
73

ذبيحته، ومن المسلمين لا يتولاها إلا أهل الحق فإن تولاها غير أهل الحق و يكون ممن
لا يعرف بعدواة لآل محمد ع لم يكن بأس بأكل ذبيحته، وإن كان ممن ينصب
لهم العداوة والشنآن لم يجر أكل ذبيحته وإن لم يجر أكل ذبيحته إلا في حال التقية، وكل
ما يباع في أسواق المسلمين جاز شراؤه وليس على من يبتاعه التفتيش عنه.
ولا بأس أن يتولى الذبيحة المرأة أو الغلام وإن لم يكن قد بلغ، إذا قوي على ذلك وكان
يحسن الذباحة وكذلك المرأة، فإن لم يحسنا الذباحة لم يجز أكل ما ذبحاه، والتسمية واجبة
في حال الذباحة فمن تركها متعمدا لم يجز أكل ذبيحته وإن تركها ناسيا لم يكن به بأس،
وينبغي أن توجه الذبيحة إلى القبلة، فمن لم يستقبل بها القبلة متعمدا لم يجز أكل ذبيحته
فإن فعل ذلك ناسيا لم يكن به بأس.
ولا يجوز الذباحة إلا بالحديد، فإن لم توجد حديدة وخيف فوت الذبيحة أو اضطر إلى
ذباحتها جاز له أن يذبح بما يفري الأوداج من ليطة أو قصبة أو زجاجة أو حجارة حادة
الأطراف، وذكاة ما يذبح أجمع لا يكون إلا في الحلق فإن ذبح في غير الحلق كان حراما، اللهم
إلا أن يكون في حال لا يتمكن فيه من ذباحته في الحلق بأن يكون وقع في بئر لا يقدر على
موضع ذكاته أو يكون ثور يستعصي فلا يقدر عليه جاز أن يذبح في غير الحلق، ويؤخذ الثور
بالسيوف والحراب وكان ذكيا.
وحكم ما ينحر من الإبل في أنه متى ذبح لا يجوز أكله حكم ما ينبغي أن يذبح إذا نحر
على السواء ولا يحل أكله على حال، وكل ما ذبح وكان ينبغي أن ينحر أو نحر وكان ينبغي
أن يذبح في حال الضرورة ثم أدرك ذكاته وجب تذكيته بما يجوز ذلك فيه فإن لم يفعل لم يجز
أكله.
ومن السنة ألا ينخع الذبيحة إلا بعد أن تبرد وهو ألا يبين الرأس من الجسد ويقطع
النخاع، فإن سبقته السكين وأبان الرأس جاز أكله إذا خرج منه الدم فإن لم يخرج الدم لم
يجز أكله ومتى تعمد ذلك لم يجز أكله، ولا يجوز أن يقلب السكين فيذبح إلى فوق بل ينبغي
أن يبتدئ من فوق إلى أن يقطع الحلقوم.
وإذا أراد ذبح شئ من الغنم فليعقل يديه وفرد رجله ويطلق فرد رجله ويمسك على
74

صوفه أو شعره إلى أن يبرد ولا يمسك على شئ من أعضائه، وإذا أراد ذبح شئ من البقر
فليعقل يديه ورجليه ويطلق رجليه، وإذا أراد ذبح شئ من الطير فليذبحه وليرسله
ولا يمسكه ولا يعقله، فإن انفلت منه الطير جاز أن يرميه بالسهم بمنزلة الصيد فإذا لحقه
ذكاه.
ولا يجوز ذبح شئ من الحيوان صبرا وهو أن يذبح شيئا وينظر إليه حيوان آخر،
ولا يجوز سلخ الذبيحة إلا بعد بردها، فإن سلخت قبل أن تبرد أو سلخ شئ منها لم يحل
أكله.
وإذا ذبحت الذبيحة فلم يخرج الدم أو لم يتحرك شئ من أعضائه: يده أو رجله أو
غير ذلك جاز أكله، وإذا ذبح شاة أو غيرها ثم وجد في بطنها جنين فإن كان قد أشعر أو أوبر
ولم تلجه الروح فذكاته ذكاة أمه وإن لم يكن تاما لم يجز أكله على حال، وإن كان فيه روح
وجبت تذكيته وإلا فلا يجوز أكله، ويكره الذباحة بالليل إلا عند الضرورة والخوف من فوتها
وكذلك يكره الذباحة بالنهار يوم الجمعة قبل الصلاة.
باب ما يحل من الميتة ويحرم من الذبيحة وحكم البيض والجلود:
يحرم من الإبل والبقر والغنم وغيرها مما يحل أكله وإن كانت مذكاة: الدم والفرث
والطحال والمرارة والمشيمة والفرج ظاهره وباطنه والقضيب والأنثيان والنخاع والعلباء
والغدد وذات الأشاجع والحدق والخرزة تكون في الدماع، وتكره الكليتان وليستا
بمحظورتين، ويحل من الميتة: الصوف والشعر والوبر والريش إذا جز ولا يحل شئ منه إذا
قلع منها، ويحل أيضا العظم والناب والسن والظلف والقرن والأنفحة واللبن والبيض إذا
كان قد اكتسى الجلد الفوقاني فإذا لم يكتس ذلك الجلد فلا يجوز أكله، وإذا جعل الطحال في
سفود مع اللحم ثم جعل في التنور فإن كان مثقوبا وكان فوق اللحم لم يؤكل اللحم
ولا ما كان تحته وإن كان تحته أكل اللحم ولم يؤكل ما تحته، وإن لم يكن مثقوبا جاز أكل جميع
ما يكون تحته.
وإذا اختلط اللحم الذكي بالميتة ولم يكن هناك طريق إلى تمييزه منها لم يحل أكل شئ
75

منه وبيع على مستحلي الميتة، ولا يجوز أن يأكل الميتة إلا إذا خاف تلف النفس، فإذا خاف
ذلك أكل منها ما أمسك رمقه ولا يتملأ منه، والباغي الذي يبغي الصيد بطرا ولهوا والعادي
الذي يخرج لقطع الطريق لم يحل لهما أكل الميتة وإن اضطرا إليه.
ويؤكل من البيض ما كان بيض ما يؤكل لحمه على كل حال، وإذا وجد بيض ولم يعلم
أهو بيض ما يؤكل لحمه أم بيض ما لا يؤكل لحمه اعتبر، فما اختلف طرفاه أكل وما استوى
طرفاه اجتنب.
والجلود على ضربين: فضرب منها جلد ما يؤكل لحمه، فمتى ذكي جاز استعمال جلده
ولبسه والصلاة فيه إذا كان خاليا من دم أو نجاس قبل الدباع وبعده وعلى كل حال،
وما لم يذك ومات لم يجز استعمال جلده في شئ من الأشياء لا قبل الدباع ولا بعده.
وما لا يؤكل لحمه فعلى ضربين: ضرب منه لا يجوز استعماله لا قبل الذكاة ولا بعدها دبغ
أو لم يدبغ، وهو جلد الكلب والخنزير.
والضرب الآخر يجوز استعماله إذا ذكي ودبغ غير أنه لا يجوز الصلاة فيه، وهي جلود
السباع كلها مثل النمر والذئب والفهد والسبع والسمور والسنجاب والأرنب وما أشبه
ذلك من السباع والبهائم، وقد رويت رخصة في جواز الصلاة في السمور والسنجاب
والفنك والأصل ما قدمناه، ولا يجوز استعمال شئ من هذه الجلود ما لم يذك فإن استعمله
انسان قبل الذكاة نجست يده ووجب عليه غسلها عند حضور الصلاة، وكذلك شعر
الخنزير لا يجوز له أن يستعمله ما لم يكن بقي فيه دسم ويغسل يده عند حضور الصلاة،
ويجوز أن يعمل من جلود الميتة دلو يستقى به الماء لغير وضوء الصلاة والشرب وتجنبه
أفضل.
وإذا قطع شئ من أليات الغنم وهن أحياء لم يجز أكله ولا الاستصباح به لأنه ميتة،
ويكره للإنسان أن يربي شيئا من النعم ثم يذبحه بيده بل إذا أراد ذبح شئ من ذلك
فليشتره في الحال وليس ذلك بمحظور.
76

المراسم العلوية
لأبي يعلى حمزة بن عبد العزيز الديلمي
الملقب بسلار
المتوفى: 463 ه‍ ق
77

ذكر: الصيد والذبائح:
الصيد على ضربين: صيد البر وصيد البحر. فصيد البحر على ضربين:
سمك وغير سمك. فغير السمك لا يؤكل، والسمك على ضروب: الجري والزمار والمرماهي والطافي
وغير ذلك. فالأول كله محرم وما عداه على ضربين: ما له فلس من السمك وما لا فلس له.
فالأول حل والثاني محرم. وذكاة السمك صيده.
وبيض السمك على ضربين: خشن وأملس. فالأول حل والثاني حرام. فإن وجد في
جوف سمكة سمكة أخرى فإن كانت ذات فلس حلت وإلا فهي حرام.
فأما ما يوجد من السمك على شاطئ المياه فإنه يعتبر بأن يلقى في الماء فإن طفى على
ظهره لم يؤكل، وإن طفى على وجهه أكل. وأحب أن لا يؤكل إلا ما يصيده المؤمنون.
فأما صيد البر فعلى ثلاثة أضرب: وحش وطير وجراد.
فالوحش على ضربين: ما له مخلب وما لا مخلب له. فما له مخلب على ضربين:
ما يفرس وما لا يفرس. وكل ما يفرس محرم، وما لا يفرس، الأرنب - وهو محرم - والثعلب
والضب والقنفذ واليربوع. وكل ما عدا الحمر الوحشية والبقر والكباش الجبلية واليحمور
والغزلان والنعام وما شاكل ذلك محرم.
وأما الطير فعلى ثلاثة أضرب:
ما يكون صفيفه أقل من دفيفه، وما يكون صفيفه أكثر من دفيفه، وما يدف ولا يصف.
فالحرام منه ما صفيفه أكثر من دفيفه، والباقي حل. ولا يؤكل - على هذا - جارح الطير.
79

واعلم أن الصيد على ضربين: أحدهما يؤخذ بمعلم الكلاب أو الفهد أو الصقر
أو البازي أو النبل أو النشاب أو الرمح أو السيف أو المعراض أم الحبال أو الشبك والآخر
ما يصاد بالبندقية والحجارة والخشب.
فالأول أكله كله - إذا لحق ذكاته - حل إلا ما يقتله معلم الكلاب فإنه حل أيضا فإن
أكل منه الكلب نادرا حل، وإن اعتاد الأكل لم يحل منه إلا ما يذكى. والثاني لا يؤكل منه
إلا [ما] يلحق ذكاته وهو بخلاف الأول لأنه يكره. وقد روي تحريم ما يصاد بقسى البندق.
وروي جواز ما قتل بسهم أو بسيف أو رمح إذا سمى القاتل.
فأما ما يؤخذ من البيض ولا يعلم أي بيض هو فإنه يؤكل ما اختلف طرفاه لا ما اتفق،
وبيض ما يؤكل لحمه ميتا كان أو حيا أو مذكى. فأما الجراد فصيده ذكاته.
ذكر: الذبائح:
لا بد في ذلك من التسمية والتوجه إلى القبلة وأن يكون المتولي لذلك مسلما ولا يفصل
الرأس إلا بعد البرد. فإن تحرك - إذا ذبح المذبوح - وخرج منه الدم وإلا لم يؤكل لحمه.
ولا يمسك الذبيحة بعد فري الحلقوم. وليس البلوغ شرطا في صحة الذبح بل جائز أن يذبح
الصبيان.
ذكر: الأطعمة:
الطعام على ضربين: نجس وغير نجس. فالنجس حرام وهو على ضربين: نجس
بمباشرة الكفار ونجس بوقوع النجاسة فيه. فالأول: يحرم على كل حال ولهذا لا يؤاكل
أصحابنا سائر الكفرة على اختلافهم.
والثاني على ضربين: أحدهما تزيل النار حكم نجاسته، والآخر لا تزيله. فالأول ما وقع
فيه الدم من المرق فأغلي فإنه يزول حكم نجاسته ويحل أكله. فأما ما يقع فيه شراب محرم
فقد روي أنه لا يؤكل المرق بل يغسل اللحم والتوابل ويؤكل، والأحوط اجتنابه.
ولا يؤكل الطحال ولا القضيب ولا الأنثيان، ويكره أكل الكلى. فأما أجنة ما يؤكل
80

لحمه إذا وجدت في جوفه - بعد ذبحه أو موته - فإن أشعر أو أوبر - وأمه مذكاة - فذكاته ذكاة
أمه إذا لم تلجه الروح، وإن ولجته الروح فلا بد من تذكيته، وإذا لم يكن أشعر وتمت خلقته
فلا يحل أكله.
ولا يؤكل ما يوجد في بطون الميتة إلا ما تلحقه الذكاة، وما يقطع مما يحل أكله - وهو حي -
لا يجوز أكله. ولا يؤكل ولا يشرب في آنية من ذهب أو فضة ولا آنية من يستحل الخمر حتى
تطهر.
ذكر: الأشربة:
يحرم من الأشربة كل مسكر وفقاع وما هو نجس في حال الاختيار. فإن انقلب شئ
من المسكر إلى الحموضة وانتفت عنه الشدة المطربة حل سواء كان ذلك بعلاج أو غير
علاج.
فأما الأدهان والدبس والعسل وما شاكل ذلك فإن وقع فيه نجاسة وهو مائع
فلا يؤكل، وإن كان جامدا بحيث لا يسري فيه فإنه يلقى منه ما يكشف النجاسة والباقي
حل.
ويجوز الاستصباح بالأدهان النجسة تحت السماء لا تحت الأظلة، وقد بينا أن ما لا نفس
له سائلة كالذباب والجراد لا ينجس ما يموت فيه. فإن عجن دقيق بماء نجس فلا يؤكل.
ولا تؤكل ألبان الميتة التي توجد في ضروعها بعد الموت، وما تعالجه حائض أو جنب من
الأطعمة يكره أكله إذا كانا غير مأمونين.
81

جواهر الفقه
للقاضي عبد العزيز بن البراج الطرابلسي
400 - 481 ه‍ ق
83

باب مسائل يتعلق بالصيد
مسألة: إذا أرسل انسان سهمه نحو صيد وكانت الريح شديدة فحملت الريح
السهم فوقع في الصيد فقتلته. ولولا الريح لما وصل إليه. هل يجوز أكله أم لا؟
الجواب: يجوز أكله لأن الإرسال الأول له حكم الإباحة فلا يعتبر الريح، لأن الاحتراز
ليس يمكن فيه.
مسألة: المسألة، وأرسل السهم ثم وقع على الأرض فطار فأصاب الصيد فقتله.
هل يجوز أكله أم لا؟
الجواب: يجوز أكله، لأن حكم الإباحة للأول على ما قدمناه.
مسألة: إذا علم الانسان كلبا فاصطاد به كافر، هل يحل أكل الصيد أم لا؟
الجواب: لا يحل أكله، لأن الاعتبار بالمرسل للكلب، والإرسال يفتقر إلى التسمية
وهي لا تصح من الكافر.
مسألة: إذا علم الكافر كلبا فاصطاد به المسلم، هل يجوز أكل ذلك الصيد أم
لا؟
الجواب: إذا كان الاعتبار بالمرسل على ما ذكرناه في المسألة المتقدمة على هذه، حل
أكله.
مسألة: إذا رأي الانسان في الليل شيئا فظنه حجرا أو إنسانا أو خنزيرا، وأرسل كلبه فبان بعد ذلك له أنه صيد يؤكل وقد قتله، هل يحل أكله أم لا؟
85

الجواب: لا يحل أكل ذلك لأنه ما أرسله على صيد، ولو لم يرسله على ذلك لم يحل
أكله على ما ذكرناه.
مسألة: إذا اصطاد الكافر سمكا هل يحل أكله أم لا؟
الجواب: يحل أكل ذلك لأن صيد السمك لا يراعى فيه التسمية وإنما يراعى في
الذبح. وإن لم يراع التسمية في ذلك جاز ما ذكرناه.
باب مسائل يتعلق بالأطعمة:
مسألة: إذا لم يجد المضطر ميتة فيأكل منها ووجد طعاما لغيره، ولم يقدر على ثمن
ابتياعه منه، أو قدر على ذلك وقال صاحب الطعام لا أبيعه منه شيئا، ولا أدفع إليه شيئا منه
ببذل ولا غيره. هل للمضطر قتاله على ذلك أم لا؟
الجواب: له قتاله على ذلك لأن دفع المضار واجب بالفعل. ولقوله تعالى: ولا تلقوا
بأيديكم إلى التهلكة. وقوله سبحانه: ولا تقتلوا أنفسكم. لا سيما وقد روي عن النبي صلى
الله عليه وآله قال: من أعان على قتل مسلم ولم يشطر كلمة، جاء يوم القيمة مكتوبا بين
عينيه: آئس من رحمة الله. وهذا أولى في الإعانة على قتله.
مسألة: المسألة. قاتل المضطر صاحب الطعام فقتله المضطر. ما حكمه في ذلك؟
الجواب: إذا قتل المضطر صاحب الطعام لم يلزم المضطر شئ، وكان دمه هدر، لأنه
قتل بحق.
مسألة: المسألة، تقاتلا وقتل صاحب الطعام المضطر. ما حكمه في ذلك؟
الجواب: إذا قتل صاحب الطعام المضطر كان عليه ضمانه لأنه مقتول ظلما.
86

المهذب
للقاضي عبد العزيز بن البراج الطرابلسي
400 - 481 ه‍ ق
87

كتاب الأطعمة والأشربة والصيد والذبائح
قال الله تعالى: إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافور الآيات.
وروي عن النبي ص أنه قال: من أهون أهل النار عذابا ابن جذعان
فقيل له: ولم ذلك يا رسول الله؟ قال: كان يطعم الطعام، وعنه ع: أن أعرابيا
قال له: يا رسول الله علمني عملا أدخل به الجنة، فقال له: أطعم الطعام وأفش السلام
وصل بالليل والناس نيام، قال: لا أطيق ذلك، قال: فهل لك إبل؟ قال: نعم، قال:
فانظر بعيرا منها فاسق عليه أهل بيت لا يشربون الماء إلا غبا فلعلك لا ينفق بعيرك ولا
يتحرق سقاؤك حتى يجب لك الجنة.
وقال ص: لا يضيق الضيف إلا كل مؤمن ومن مكارم الأخلاق قرى
الضيف وحد الضيافة ثلاثة أيام فما كان أكثر من ذلك فهو صدقة، وقال: من أكل طعاما
لم يدع إليه فإنما يأكل في جوفه شعلة من نار.
وقال الصادق ع لبعض أصحابه: ما يمنعك أن تعتق كل يوم رقبة؟ قال:
لا يحتمل ذلك ما لي جعلت فداك، قال: فأطعم كل يوم رجلا مؤمنا موسرا كان أو معسرا
إن الموسر قد يشتهي الطعام، وذكر باقي الحديث.
باب أقسام الأطعمة والأشربة: الأطعمة ضربان: حيوان وغير حيوان، والحيوان على ثلاثة أضرب: مباح ومحرم
89

ومكروه.
فالمباح هو كل ما كان ذكيا من الإبل والبقر والغنم والطير الحلال أكله - ويتميز
ذلك بذكرنا ما يحرم أكله وسيأتي ذكر ذلك بمشيئة الله تعالى - ومن ذلك ما كان جلالا،
واستبرأ بعد ذلك الجلال من الإبل بأربعين يوما والبقر بعشرين يوما والحمل والشاة
بعشرة أيام، وكل ما شرب من هذه الأجناس خمرا ثم ذبح غسل بالماء، وكل ما شرب من
ذلك يسيرا من لبن امرأة ولم يشتد بذلك وكل ما كان من الطير جلالا يأكل العذرة
وحدها أو يأكلها مع غيرها، واستبرأ البط وما جرى مجراه بخمسة أيام والدجاج وما يجري
مجراه بثلاثة أيام.
وأما المحرم فهو الميتة وكل ما لم يتحرك منه شئ بعد الذبح وإن سأل منه الدم، وكل
ما لم يسل منه دم والمنخنقة والمتردية والموقوذة بحجر أو غيره والنطيحة وكل ما كانت
الذكاة ممكنة منه فضرب أو طعن فمات من ذلك وما أكله السبع وما قتله غير كلب المسلم
المعلم من الكلاب، وكل ما ذكاه كافر وكل ما ذكي في غير موضع الذكاة وما قطع من
الحيوان قبل الذكاة وما قطع من ذكي الحيوان قبل أن يبرد بالموت، وكل ما كان في بطن
ما شرب خمرا من ذلك غسل بعد الذكاة أو لم يغسل وكل ما وطئه انسان من الأجناس
الثلاثة السالف ذكرها وينبغي إحراقها بالنار، وكل ما شرب من لبن خنزيرة واشتد
بذلك وكل ما كان من نسل ذلك وأولاده أبدا ما تناسلت وتوالدت.
والفيل والثعلب والأرنب والسبع والنمر والفهد والكلب والخنزير والدب والقرد
والسنور والسلحفاة والضب واليربوع والفأر والحيات والعقارب والخنافس والنمل
والسرطان وبنات وردان والزنابير وفراخها والنحل والسنجاب والفنك والسمور والقنفذ
وكل ذي ناب ومخلب من الوحوش وكل ما يصف من الطير وكل ما كان صفيفه أكثر من
دفيفه إن كان مما يصف ويدف، والنسر والعقاب والحدأة والرخمة وكل ما كان له مخلب
من الطير وكل ما ليس له حوصلة من ذلك ولا قانصة والخطاف والخفاش والطواويس.
وأما المكروهة فهو كل ما شرب من الأجناس الثلاثة لبن خنزيرة دفعة واستبرأ سبعة
90

أيام ويطعم فيها العلف إن كان يأكله أو يسقي اللبن إن كان يشربه، والخيل والبغال
والحمير أهلية كانت أو وحشية، والحبارى والهدهد والصرد والقنابر والصوام والشقراق
والغراب وكل ما كان جلالا يأكل العذرة وحدها أو يأكلها مع غيرها، ثم استبرأ بعد
ذلك الأنعام والبط والدجاج بما تقدم ذكره وغير ذلك من الطير بيوم وليلة.
وأما ما ليس بحيوان فيما تقدم ذكره فعلى ثلاثة أضرب: محرم ومكروه ومباح.
فأما المحرم فهو السمائم القاتلة أجمع والنجاسات كلها وكل طعام وقع فيه دم إلا أن
يكون يسيرا فيقع في قدر فإنه ينبغي أن يهراق ما فيها ويغسل ثم يغسل اللحم ويعاد طبخه
بغير ما كان معه من المرق أو غيره، وكل طعام أو دهن مائع وقع فيه شئ من ميتة ذوات
الأنفس السائلة أو وقع فيه وزع أو عقرب إلا أن يكون جامدا فيلقى ما حول ذلك
ويستعمل الباقي منه.
ومؤاكلة الطعام مع الكفار وكل طعام مائع باشره كافر أو جعل في إناء كان يستعمله
كافر في طعام أو غيره من غير أن يغسل، وكل طعم جعل في شئ من أواني الخمر قبل أن
يغسل الإناء ثلاث مرات ويجف بعد الغسل وكل طعام في آنية ذهب أو فضة حتى يزال
من ذلك إلى غيره، والطين إلا تربة الحسين ع فإنه يجوز استعمال اليسير منه
للشفاء من الأمراض، وكل عجين عجن بماء نجس وكل خبز يخبز من ذلك العجين،
وبيض ولبن ما لا يحل أكل لحمه وكل ما استوى طرفاه من البيض.
وأما المكروه من ذلك فهو كل طعام باشره جنب أو حائض إذا كانا ممن لا يؤمن منه
بعد التحفظ من النجاسة وكل ما أكل الفجار منه وأكل البصل والثوم مطبوخا ونيا لمن
يريد دخول المساجد وكل بيض يوجد في بطن ميتة كان يجوز أكل لحمها وكل لبن يوجد
في ضرعها، وحرير البقل وطعام اللحاط وكل طعام لم يدع الانسان إليه وطعام الولائم
القبائح والخبز المقطع بالسكين.
وأما المباح فضربان: حبوب وغير حبوب وجميعها هو كل ما عدا ما ذكرناه من محرم
ومكروه.
91

باب الأشربة: هي على ثلاثة أضرب: محرم ومكروه ومباح، فالمحرم هو الخمر بعينها والمسكر من كل
شراب وإن اختلفت ضروبه وأنواعه من عنب كان أو زبيب أو تمر أو عسل أو حنطة أو
شعير أو غير ذلك، والفقاع وكل مائع من النجاسات مثل الأبوال وغيرها، وكل ما كان
من المائعات الطاهرة فنجس ببعض النجاسات، والشرب فيما لا يجوز الأكل منه من أواني
الذهب والفضة وغيرهما وقد تقدم ذكر ذلك والعامرة بما كان من الأشربة الحلال مثل
الماء وشرب الجلاب والورد وما أشبه ذلك من الأشربة الحلال.
وأما المكروه فهو شرب الماء في الليل قائما والعب والنهل في نفس واحد والشرب من
كسر الكوز ومما يلي أذنه، والشرب في حال الاتكاء وشرب الماء المالح وشرب المياه
الكبريتية والماء الآجن وكل ما تغير لونه أو طعمه أو رائحته بغير نجاسة.
وأما المباح فهو كل ما عدا ما ذكرناه.
باب ما يتعلق بذلك:
إذا كانت قدر على نار وهي تغلي فوقع فيها خمر وكان قليلا فإنه يهراق ما فيها ويجوز
غسل اللحم وأكله بعد ذلك، وإن كان كثيرا فإنه يهراق ما فيها ولا يؤكل شئ منه
والأحوط في الوجهين جميعا أن لا يؤكل من ذلك شئ على وجه، فإن وقع فيها دم وكان
قليلا وغلى جاز أكل ما فيها بعد أن يغسل وإن كان كثيرا لم يجز أكل شئ منها، وقيل إن
هذا إنما جاز في الدم بغير غسل اللحم لأن النار تحيل الدم ولأن اللحم لا يكاد يعرى منه
وقد جاز أكله بعد الغسل مع أنه كذلك، والأحوط عندي في الوجهين جميعا أن لا يؤكل من
ذلك شئ.
وإذا وقع شئ من ذوات الأنفس السائلة في شئ نجسه فإن كان ما وقع فيه مائعا
مثل الزيت والشيرج وما أشبه ذلك من الأدهان لم يجز استعماله في أكل ولا غيره إلا في
الاستصباح به تحت السماء، ولا يجوز الاستصباح به تحت السقف ولا ما يستظل به
92

الانسان، فإن كان جامدا مثل السمن والزبد وما أشبه ذلك ألقي ما يكون حول الميتة
وجاز أكل الباقي بعد ذلك.
وإذا مات ما لا نفس له سائلة مثل الجراد وبنات وردان والخنافس وما أشبه ذلك في
شئ من الأطعمة والأشربة أو غيرها جامدا كان ما وقع فيه ذلك أو مائعا فإنه لا ينجس
به على ما ذكرناه فيما تقدم ويجوز استعماله في الأكل والشرب وغير ذلك، ولا يجوز الأكل
والشرب مع الكفار ولا استعمال آنيتهم إلا على ما قدمناه، ويجوز استعمال ما باشروه
بأيديهم من الحبوب وما جرى مجراها مما لا يقبل النجاسات، وأواني من يشرب الخمر
والمسكر لا يجوز استعمال شئ منها حتى يغسل ثلاث مرات بالماء ويجفف.
وإذا مات شئ من ذوات الأنفس السائلة في قدر وهي تغلي أهريق ما فيها وكان
الحكم في اللحم مثل ما ذكرناه في الدم من الغسل والأكل، وكل طعام أكل منه سنور
فجائز أكله، وكذلك ما شرب منه إلا أن يكون في أكله أو شربه كان فيه أثر دم من
حيوان أكله، وإذا نجس الماء بوقوع شئ من النجاسات فيه ثم عجن به عجين وخبز لم يجز
أكله إلا في حال الضرورة الشديدة التي تخاف معها على تلف النفس، فإنه يجوز أن يؤكل
منه مقدار ما يمسك الرمق، فأما في غير ذلك فلا يجوز أكل شئ منه، وقد وردت رواية
بجواز أكله وذكر فيها أن النار قد طهرته والأحوط ما قدمناه.
ويجوز شرب أبوال الإبل للتداوي بذلك وكذلك شرب ألبانها على كل حال وكذلك
ألبان الأتن وأكل ما يعمل من ألبانها أيضا على كل حال، وكل عصير لم يغل فإنه حلال
استعماله، فإن غلى لم يجز استعماله على حال والغليان الذي معه لا يجوز استعماله هو أن
يصير أسفله أعلاه بالغليان، فإن صار بعد ذلك خلا جاز استعماله وقد تقدم ذكر ذلك.
فإذا طبخ العصير على النار وغلى ولم يذهب ثلثاه لم يجز استعماله، فإن ذهب ثلثاه
وبقي ثلثه جاز استعماله وحد ذلك أن يصير حلوا يخضب الإناء، ومن كان يستحل شرب
العصير إذا طبخ فلم يذهب منه الثلثان فلا يجوز أن يؤتمن على طبخه ولا يسمع قوله فيه،
ومن خاف على نفسه من العطش جاز له أن يشرب من الخمر أو المسكر مقدار ما يمسك
93

رمقه، وإذا كان في الدواء شئ من المسكر لم يجز التداوي به إلا أن لا يكون له عنه
مندوحة والأحوط تركه.
ولا يجوز أن يسقي بشئ من البهائم والأطفال شيئا من الخمر والمسكر، ويجوز شرب
النبيذ الذي لا يسكر مثل أن يلقى التمر أو الزبيب في الماء المر أو المالح وينقع فيه إلى أن
يحلو فإن تغير لم يجز شربه، وما يستعمل من الأواني في الخمر وهو خشب فلا يجوز استعماله
في شئ من المائعات، وما كان مثل الجرار من النحاس والصفر أو الفخار أو الكيزان
التي تجري هذا المجرى فإنه يجوز استعماله بعد غسله بالماء ثلاث مرات.
باب آداب الأكل والشرب:
يستحب لمن أراد الأكل والشرب أن يغسل يديه قبل الأكل والشرب ويسمي الله
تعالى عند ابتداء الأكل والشرب ويحمده عند الفراع منهما، فإن كان ممن ينقل إليه ألوان
كثيرة فيستحب له أن يسمي عند ابتدائه في أول كل لون منها، فإن قال في أول ذلك:
بسم الله على أوله وآخره، أجزأ وإذا كان مع الانسان غيره وسمى على المائدة واحد منهم
أجزأ ذلك أيضا فالأول أفضل، ولا يحضر الانسان على مائدة يشرب عليها شئ من الخمر
أو المسكر أو الفقاع ولا يكثر من الأكل ولا يزيد على شبعه.
وإذا أراد شرب الماء فليشربه مقطعا في ثلاثة أنفاس ويسمي الله في أول كل دفعة
من ذلك وعند الفراع منها، وينبغي أن يبتدئ صاحب الطعام بالأكل وهو آخر من يرفع
يده منه ولا يأكل ولا يشرب بيساره إلا لضرورة ولا من كسر الكوز ولا من عند عروته
وقد تقدم ذكر ذلك أيضا، فإذا حضر الطعام في وقت صلاة فينبغي أن يبتدئ بالصلاة فإن
حضر عند صاحبه قوم ينتظرون ذلك فينبغي الابتداء بالطعام، فإن كان وقت صلاة قد
تضيق وجب الابتداء بالصلاة على كل حال، ومن شرب ماء فليصمه ولا يعبه ومن
شرب لبنا فليعبه ولا يتجرعه.
وإذا شرب الماء قال: الحمد لله الذي سقانا عذبا زلالا برحمته ولا يسقينا ملحا أجاجا
94

بذنوبنا، وإذا شرب اللبن قال: اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه، وإذا أكل سمكا قال:
اللهم بارك لنا فيه وأبدلنا به خيرا منه.
باب الصيد والذبائح:
قال الله تعالى: أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد
البر ما دمتم حرما، وقال الله تعالى: أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم، وقال
تعالى: وإذا حللتم فاصطادوا، وقال تعالى: يسألونك ما ذا أحل لهم قل أحل لكم
الطيبات وما علمتم من الجوارح إلى قوله: فكلوا مما أمسكن عليكم.
فأباح تعالى صيد البحر لكل واحد وأباح صيد البر إلا لمن كان محرما، واستفيد من
ذلك جواز الاصطياد وأكل الصيد وجواز تعليم الجوارح للصيد والاصطياد وأكل ما يصيد
ويقتل إذا كان كلبا معلما.
والصيد ضربان: صيد البر وصيد البحر، فأما صيد البر فعلى ثلاثة أضرب: أولها
حلال أكله على كل حال وثانيها محرم وثالثها مكروه.
فأما الحلال أكله على كل حال فهو كل صيد أخذ بشبكة أو حبالات أو ما أشبه
ذلك من آلات الصيد وأدركت ذكاته، وكل صيد أخذه كلب معلم أو غير معلم أو فهد
وكان المرسل له قد سمى الله تعالى عند إرساله وأدركت ذكاته، وكل ما قتله كلب معلم
وإن لم يدرك ذكاته إذا كان المرسل له قد سمى الله تعالى عند إرساله، وكلما أخذه أيضا
كلب معلم سمى المرسل له عند إرساله فأكل منه وكان ذلك منه شاذا وهو غير معتاد
لأكل الصيد.
وكل ما اشترك في قتله من الكلاب المعلمة اثنان أو أكثر ولم يدرك ذكاته إذا كان
صاحب كل كلب منها قد سمى عند إرساله، وكل صيد ضرب بالسيف أو طعن برمح
فقتله بذلك الضارب له أو الطاعن وكان قد سمى عند ضربه أو طعنه، وكذلك إن ضربه
أو طعنه فقطعه بنصفين وتحرك كل واحد منهما وخرج منه دم، فإن تحرك أحدهما وخرج
95

منه دم دون الآخر فالمتحرك هو الحلال أكله دون الذي لم يتحرك ولم يخرج منه دم، وكل
صيد انقطعت منه قطعة وأدركت ذكاة الباقي منه وكل ما أصابه سهم وإن كان الرامي
قصد غيره إذا سمى عند الرمي بسهم وكل صيد أخذ وتناهبه جماعة فأخذوه قطعا وكل
ما أخذ بباز أو ما جرى مجراه من الجوارح وأدركت ذكاته مع التسمية عند الإرسال وكل
جراد أخذ حيا.
وأما المحرم أكله من ذلك فهو كل صيد أخذ بأي نوع من آلات الصيد كان ولم يدرك
ذكاته أو قتله سهم ولم يكن الرامي له سمى عند رميه، وكل صيد أخذ بالبندقية أو
الحجارة أو الخشب أو المعاريض أو ما جرى مجرى ذلك ومات فيه، وكل فرخ أصابه سهم
ولم ينهض بالطيران وإن كان صاحب السهم قد سمى عند رميه وكل ما يصيده البازي أو
غيره من الجوارح ولم يدرك ذكاته.
وكل صيد أصابه سهم ليس فيه حديدة فقتله وكل صيد رمى بأكبر منه فقتله وكل
صيد قتله كلب غير معلم وكل صيد أكل منه كلب معلم وهو معتاد لأكل الصيد وكل
ما اشترك في قتله غير واحد من الكلاب المعلمة وإن كان صاحب أحدهم قد سمى عند
إرساله ولم يسم صاحب الآخر عند إرساله، وكل صيد قتله فهد ولم يدرك ذكاته وكل
صيد انقلب عليه كلب معلم من غير أن يرسله صاحبه عليه فقتله، وكل صيد لم يسم
الصائد عند إرساله ما يصيده به أو عند ذكاته وكل صيد أرسل عليه كلب فقتله وسمى
عليه غير المرسل له وكل صيد غاب عن عين صاحبه ثم وجده بعد ذلك مقتولا وكل صيد
رمى بسهم فسقط من موضع عال من جبل أو غيره أو وقع في الماء ومات.
وكل صيد ضرب بسيف فانقطع بنصفين ولم يتحرك واحد منهما ولا خرج منه دم فإن
تحرك أحدهما فقد تقدم ذكره، وكل ما قطع من الصيد وهو حي وكل جراد وقع في الماء
فمات فيه أو مات في الصحراء قبل أخذه أو كان في موضع فوقع فيه نار فاحترق، وكل
طائر مالك لجناحه يعرف صاحبه وكل طائر مخصوص الجناح، وصيد المحرم على المحل
والمحرم وصيد المحل على المحرم، وكل صيد لم يسم الصائد له عند أخذه ولا الإرسال عليه إذا
96

كان لا يعتقد وجوب التسمية ناسيا كان أو غير ناس.
وأما المكروه فهو كل صيد لم يسم الصائد له عند أخذه والإرسال عليه ناسيا إذا كان
يرى وجوب التسمية وكل صيد أكل منه كلب معلم ولم يكن معتادا لأكل الصيد وكل
جراد لم يسم الصائد له عند أخذه.
وأما صيد البحر فعلى ثلاثة أضرب: أولها يحل أكله على كل حال وثانيها محرم وثالثها
مكروه، فأما الحلال أكله على كل حال فهو كل سمك له فلس أخذه مسلم وأخرجه من
الماء حيا أو أخرجه كافر وشاهد مسلم اخراجه له كذلك، أو أخذ مجتمعا في حظيرة أو
شبكة أو ما جرى مجرى ذلك وأقام في الماء يوما وليلة وكان فيه ما قد مات في الماء ولم يجد
السبيل إلى تمييز ما مات منه فيه مما لم يمت، وكل ما وجد منه على ساحل البحر وألقي في
الماء فرسب أصله ولم يطف عليه وكل ما كان منه جلالا واستبرأ، واستبراؤه هو أن يجعل
في ماء طاهر يوما كاملا ويطعم شيئا طاهرا.
وأما المحرم فهو كل سمك لا فلس له وكل سمك أخذه كافر ولم يشاهد مسلم اخراجه
من الماء حيا، وكل ما مات منه في الماء سواء كان موته فيه ابتداء أو أخرج منه وجعل في
شئ وأعيد إلى الماء فمات فيه وكل ما خالف ما له فلس من جميع الحيوان في الماء.
وأما المكروه فهو كل ما في الماء ولم يتميز الميت منه في الماء مما لم يمت فيه لأنه إن
تميز من ذلك لحق بباب المحرم، وكل ما كان صيده في يوم الجمعة وكل ما لم يسم الصائد
له عنده، والمارماهي والزهو والزمار والكنعت والربيثا والطمر والإيلامي والطيراني.
باب ما يحل من الذبائح وما يحرم منها ومن الميتة
والبيض والجلود
لا يجوز أن يتولى الذبح إلا من كان مسلما من أهل الحق فإن تولاه غير من ذكرناه
من الكفار المخالفين لدين الاسلام أو من كفار أهل الملة على اختلافهم في جهات كفرهم
لم يصح ذكاته ولم يؤكل ذبيحته، وكذلك إن تولاها من أهل الحق من تعمد ترك التسمية
97

عند الذبح لم يصح ذكاته ولم يؤكل ذبيحته إلا أن يكون في حال تقية.
وإذا أحسن الصبي أو المرأة الذبح وقويا عليه جاز أكل ذبيحتهما، فإن لم يحسناه لم
يؤكل ذبيحتهما، والتسمية واجبة في الذبح فمن تعمد تركها كما ذكرناه لم يؤكل ذبيحته،
فإن أخل بها ناسيا جاز أكل ذبيحته. وكيفية التسمية أن يقول الذابح: بسم الله والله
أكبر، ويجوز أن يقتصر على التسمية والأول أفضل.
واستقبال القبلة بالذبيحة أيضا واجب، فمن تعمد ترك ذلك لم يؤكل ذبيحته فإن
تركها ناسيا لم يكن بها بأس، والذباحة لا يجوز إلا بالحديد فمن خاف من موت الذبيحة
ولم يقدر على الحديد جاز أن يذبح بشئ له حدة مثل الزجاجة والحجر الحاد أو القصب،
والحديد أفضل وأولى من جميع ذلك.
وذكاة ما يريد الانسان ذكاته لا يجوز إلا في الحلق، فإن ذبح في غير الحلق كان ذلك
حراما ولم يؤكل ذبيحته، فإن كان في حال لا يقدر فيها على ذبح ما يريد ذبحه مثل أن يكون
عند ثور قد استعصى عليه أو وقع في بئر أو ما أشبه ذلك أو جاموس قد ند وحمى نفسه من
الوصول إليه جاز أن يذبح في غير الحلق ويؤخذ الثور والجاموس بالسيوف والحراب، فإذا
لحق وفيه حياة زكى على كل حال.
وما كان مما ينحر فإنه يجب أن ينحر في اللبة فإن نحر في غيرها لم يجز أكله إلا أن
يكون قد استعصى فيجري حكمه مجرى ما تقدم ذكره في الثور والجاموس، وكل ما نحر
وكان مما يجب ذبحه أو ذبح وكان مما يجب نحره لم يؤكل إلا أن يكون على الوجه الذي
قدمناه، وكل ما ذبح في حال الضرورة وكان مما ينبغي نحره أو نحر فيها وكان مما ينبغي
ذبحه إذا أدرك وفيه حياة وجب تذكيته على كل حال، فإن تركت تذكيته حتى مات لم
يجز أكله.
ومن أراد الذباحة فلا يجوز أن يقلب السكين ويذبح بها إلى فوق بل يبتدئ بالذبح
من فوق إلى أسفل، ولا يجوز للذابح أن ينخع البهيمة حتى يبرد بالموت وذلك أن لا يفصل
رأسها من جسدها ويقطع نخاعها وهو عظم في العنق، فإن سبقه السكين فأبانت الرأس
98

من الجسد لم يكن بأكل ذلك بأس، وإذا أراد أن ينحر من الإبل شيئا فينبغي أن يشد
أخفافه إلى بطنه ويطلق رجليه ثم ينحره، وإن أراد أن يذبح شيئا من البقر فينبغي أن
يعقل يديه ورجليه ويطلق ذنبه، وإن أراد ذبح شئ من الغنم فينبغي أن يعقل يديه وفرد
رجليه ويطلق رجله الأخرى ويمسك على صوفه أو شعره حتى يبرد ولا يمسك شيئا من
أعضائه.
وإذا أراد ذبح شئ من الطير فينبغي أن يذبحه ويرسله ولا يعقله ولا يمسكه، فإن
انفلت منه جاز أن يرميه بسهم ويكون حكمه حكم الصيد فإذا لحقه حياة ذكاه، وإذا
ذبحت ذبيحة ولم يتحرك منها شئ لم يجز أكلها، فإن تحرك شئ منها مثل يدها أو رجلها
أو ذنبها أو خفيها أو أذنها جاز أكلها.
ومن ذبح بهيمة لم يجز أن يسلخها إلا بعد أن تبرد بالموت فإن سلخها قبل ذلك أو سلخ
منها شيئا لم يجز أكلها، ومن ذبح شاة أو غيرها ووجد في بطنها جنينا قد أشعر وأوبر ولم
تنشش فيه الروح فذكاته أمه وإن لم يكن كذلك أو لم يكن تاما لم يجز أكله، وكل جنين
كان قد أشعر وأوبر وولجته الروح وأدرك كذلك لم يكن بد من ذكاته، فإن لم يدرك لم
يجز أكله على كل حال، والذبح في الليل مكروه إلا لضرورة أو للخوف من فوت الذبيحة
ويكره أيضا الذبح في نهار يوم الجمعة قبل الصلاة إلا لضرورة.
وكل ما كان من الإبل أو البقر أو الغنم مذكى أو غير ذلك مما يجوز أكله فإنه يحرم
منه الطحال والمشيمة والفرث والقضيب والمرارة والنخاع والأنثيان والفرج ظاهره
وباطنه، والعلباء والغدد وذوات الأشاجع والحدق والخزرة تكون في الدماع، ويكره
الكليتان.
ويحل من الميتة الشعر والوبر والصوف والريش إذا جز وما لا يجز من ذلك ويقلع منها
ليس بحلال، ويحل منها أيضا السن والظفر والظلف والعظم والقرن والناب والأنفحة
واللبن والبيض إذا كان قد اكتسى الجلد الفوقاني فإن لم يكن اكتسى ذلك فلا يحل
أكله.
99

فإذا اختلط لحم ذكي بميتة ولم يمكن تمييزه لم يحل أكل شئ منه، وقد قيل أنه يجوز
بيعه على مستحلي الميتة والأحوط ترك بيعه، وإذا جعل طحال في سفود مع لحم وجعل في
تنور فإن كان اللحم تحته لم يجز أكل ذلك اللحم وما تحته إن كان تحته شئ، فإن كان
الطحال تحت اللحم أكل اللحم ولم يؤكل ما تحته من لحم أو غيره.
ولا يحل أكل شئ من الميتة إلا عند الضرورة التي يخاف معها من تلف النفس فإنه
يجوز أن يؤكل منها عند ذلك ما يمسك الرمق ما لم يكن هذا المضطر عاديا وهو الذي يخرج
لقطع الطريق ولا باغيا وهو الذي يبغي الصيد على وجه اللهو والبطر، فإن هؤلاء لا يجوز
لهم أن يأكلوا منها شيئا على حال، ويجوز أن يؤكل من البيض ما كان مما يؤكل لحمه، فإن
وجد بيض ولا يعرف هل هو بيض ما يؤكل لحمه أو غير ذلك فإنه يعتبر باختلاف طرفيه
فما كان مختلف الطرفين جاز أكله لأنه من بيض ما يؤكل لحمه وما استوى طرفاه فلا يجوز
أكله.
وأما الجلود فإن كان مما يؤكل لحمه وكان مذكى فإنه يجوز استعماله في اللباس
والصلاة وغير ذلك قبل الدباع وبعده إذا لم يكن عليه نجاسة ولا أثر دم، فإن كان ميتة ولم
يكن مذكى لم يجز استعماله على وجه من الوجوه لا قبل الدباع ولا بعده.
وإن كان مما لا يؤكل لحمه فإن كان كلبا أو خنزيرا فلا يجوز استعماله لا قبل الذكاة
ولا بعدها دبغ أو لم يدبغ على كل حال، وإن كان جلد فهد أو نمر أو ذئب أو أرنب أو سبع
أو ثعلب أو سنجاب أو سمور أو غير ذلك من السباع والبهائم فإنه يجوز استعماله إذا كان
مذكى ودبغ إلا في الصلاة فإنه لا يجوز استعماله فيها، فإن استعمله انسان نجست يده وما
يصيبه من بدنه ويجب عليه غسل ذلك، وشعر الخنزير لا يجوز استعماله مع الاختيار، فإن
اضطر انسان إلى استعماله فلا يستعمل منه إلا ما لا يكون قد بقي فيه شئ من الدسم،
وإذا حضر وقت الصلاة وجب عليه غسل يديه منه.
ومن ربي شيئا من الغنم فأراد ذبحه فإنه يكره له أن يتولى ذلك بنفسه وليس ذلك
بمحظور والأفضل أن يجعل غيره يتولى ذلك، ولا يجوز عمل دلو من جلود الميتة ولا
100

استعماله في الماء، وقد ذكر جواز ذلك فيما عدا الشرب والطهارة والأحوط ترك استعماله
في ذلك وفي غيره، وإذا قطع انسان شيئا من أليات الغنم وهي أحياء لم يجز أكل شئ
منها ولا أن يستصبح بشئ من دهن ذلك لأنه ميتة وذلك مما لا يجوز استعماله على
حال.
101

كتاب الطب والاستشفاء بالبر وفعل الخير
قد ورد الأمر عن رسول الله ص بالتداوي فقال: تداووا فما أنزل الله
داءا إلا أنزل معه دواءا إلا السام فإنه لا دواء له، يعني الموت.
ويجب على الطبيب أن يتقى الله فيما يفعله بالمريض وينصح فيه، ولا بأس بمداواة
اليهودي والنصراني للمسلمين، وإذا أصاب المرأة علة في جسدها واضطرت إلى مداواة
الرجل كان جائزا، وإذا كان بالإنسان رمد كره له أكل التمر، فإن أكله وكان الرمد
بعينه اليسرى أكله بضرسه الأيمن وإن كان الرمد بعينه اليمنى، أكله بضرسه الأيسر، ومن
كان يستضر جسده بترك العشاء فالأفضل له أن لا يتركه ولا يبيت إلا وجوفه مملوء من
الطعام، وإذا كان لإنسان مريض فلا ينبغي أن يكره على تناول الطعام والشراب بل
يلطف به في ذلك فإن امتنع لم يكره عليه.
وأكل اللحم واللبن ينبت اللحم ويشد العظم، واللحم يزيد في السمع و البصر،
وأكل اللحم بالبيض يزيد في الباه، وماء الكماة فيه شفاء العين، ووصف زيد بن علي بن
الحسين ع ذلك وقال: ينبغي أن يؤخذ الكماة فيغسل حتى ينقي ويعصر بخرقة
ويؤخذ ماؤها فيرفع على النار حتى ينعقد ويلقى فيه قيراط من المسك ثم يجعل في قارورة
ويكتحل به لأوجاع العين كلها فإذا جف سحق بماء السماء أو غيره ويكتحل منه لأوجاع
العين.
ويكره أن يحتجم الانسان في يوم أربعاء أو سبت فإنه ذكر أنه يحدث منه الوضح
102

والحجامة في الرأس فيه شفاء من كل داء، وأفضل الدواء في أربعة أشياء: الحجامة
والحقنة والنورة والقئ، فإن نبع الدم بإنسان فينبغي أن يحتجم في أي الأيام كان ويقرأ
آية الكرسي ويستخير الله ويصلى على النبي وآله.
وإذا عرضت الحمى لإنسان فينبغي أن يداويها بصب الماء عليه، فإن لم يسهل عليه
فليحضر له إناء فيه ماء بارد ويدخل يده فيه، وروي أن النبي ص كان
يفعل ذلك، والاكتحال بالأثمد عند النوم يذهب بالقذى ويصفي البصر، فإذا لدغت
العقرب إنسانا فليأخذ شيئا من الملح ويضعه على موضع اللدغة ثم يعصر بإبهامه حتى
يذوب، وأكل العجوة يشفي من السم وصفة ذلك أن يؤخذ تمر العجوة فينزع نواه ثم يدق
دقا جيدا ويعجن بسن بقر عتيق ويرفع فإذا احتيج إليه أكل للسم، هكذا وصفه زيد بن
علي بن الحسين ع.
وأفضل ما استشفت به النفساء أكل الرطب، ومن اشتد وجعه فينبغي أن يستدعي
بقدح فيه ماء ويقرأ عليه الحمد أربعين مرة ثم يصبه على نفسه، وأكل الزبيب المنزوع
العجم على الريق فيه منافع عظيمة، فمن أكل منه كل يوم على الريق إحدى وعشرين
زبيبة منزوعة العجم قل مرضه وقيل إنه لا يمرض إلا المرض الذي يموت فيه، ومن أكل عند
نومه سبع تمرات عوفي من القولنج وقتل دود البطن، وأكل الحبة السوداء فيه شفاء من
كل داء إلا الموت وأكل التفاح يكفي الحرارة ويبرد الجوف وينفع من الحمى.
وفي شراب العسل منافع كثيرة فمن استعمله انتفع به ما لم يكن به مرض حار، ومن
اشتد به مرض فيسأل امرأته أن تهب له من مهرها درهما ويشترى به عسلا ويشربه بماء
السماء فإنه ينتفع بذلك، وفي شرب لبن البقر منافع فمن تمكن منه فليشربه وفي الحبة
السوداء شفاء من كثير من الأمراض وأكل السمن نافع للأحشاء وهو في الصيف خير منه
في الشتاء، ومن وطئ برجله على رمضاء فأحرقته فيطأ على بقلة البصلة فإن ذلك يزول
بوطئه لها، وأكل القرع يزيد في العقل وينفع الدماع، ويستحب أكل الهندباء وذكر أنه
ليس فيه ورقة إلا وفيها من ماء الجنة.
103

وعن الصادق ع قال: إذا دخلتم أرضا فكلوا من بصلها فإنه يذهب عنكم
وبائها، وعنه ع أن رجلا من أصحابه شكى إليه اختلاف البطن فأمره أن يتخذ
من الأرز سويقا ويشربه ففعل فعوفي له، وقال: مرضت سنتين أو أكثر فألهمني الله تعالى
الأرز فأمرت به فغسل وجفف ثم مس النار وطحن وجعلت بعضه سويقا وبعضه حساء
واستعملته فبرأت.
وقال أمير المؤمنين ع: ما من شجرة حرمل إلا ومعها ملائكة يحرسونها حتى
تصل إلى من وصلت وفي أصل الحرمل الشرة وفي فرعها شفاء من اثنين وسبعين داء، قال
النبي ع: إياكم والشبرة فإنه حار بارد وعليكم بالسناء فتداووا به فلو دفع شئ
الموت لدفعه السناء، وتداووا بالحلبة فلو يعلم أمتي ما لها في الحلبة لتداووا بها ولو بوزنها
ذهبا.
وقال الصادق ع: المحموم يغسل له السويق ثلاث مرات ويعطاه فإنه
يذهب الحمى وينشف المرة والبلغم ويقوى الساقين، وقال: السويق ينبت اللحم ويشد
العظم، ونهى رسول الله ص عن شرب الماء الحميم وهو الشديد الحرارة،
وقال: إدمان أكل السمك الطري يذيب الجسد، وقال الصادق ع: أكل التمر
بعد السمك الطري يذهب أذاه، وقال لرجل شكى إليه وجع الخاصرة: عليك بما يسقط
من الخوان فكله ففعل فبرأ.
وقال: الريح الطيبة يشد العقل ويزيد في الباه، ونهى النبي ع عن أكل
الطفل والطين والفحم، وقال: من أكل الطين أعان على نفسه ومن أكله فمات لم يصل
عليه وأكل الطين يورث النفاق، وقال ع: فضلنا أهل البيت على الناس
كفضل دهن البنفسج على سائر الأدهان، وقال: أمير المؤمنين ع: الخل يسكن
المراء ويحيي القلوب ويقتل دود البطن ويشد الفم. فهذه جملة مقنعة اختصرناها من جملة ما ورد عن الأئمة ع في الاستشفاء
بفعل الخير والبر والتعوذ والرقي فنحن نورد أيضا من جملة ما ورد عنهم في ذلك جملة مقنعة.
104

وقال الصادق ع: ثلاثة يذهبن النسيان ويحددن الفكر: قراءة القرآن
والسواك والصيام، وقال لبعض أهل بيته قد ذكر له أنه عليل: ادع مكتلا فاجعل فيه برا
واجعله بين يديه وأمر غلمانك إذا جاء سائل أن يدخلوه إليه فتناوله منه بيده ويأمر أن
يدعوا له، قال: أ فلا أعطى الدنانير والدراهم، قال: اصنع ما أمرتك به وكذلك رويناه
ففعل فرزق العافية، وقال: ارغبوا في الصدقة وبكروا فيها فما من مؤمن تصدق بصدقة حين
يصبح يريد بها ما عند الله إلا دفع الله بها عنه شر ما ينزل من السماء ذلك اليوم، ثم قال:
لا تستخفوا بدعاء المساكين للمرضى منكم فإنه يستجاب لهم فيكم ولا يستجاب لهم في
أنفسهم.
وروي عنه ع: أن رجلا من أصحابه شكى إليه وضحا أصابه بين عينيه
وقال: بلغ مني يا بن رسول الله مبلغا شديدا، فقال: عليك بالدعاء وأنت ساجد، ففعل
فبرأ منه، وقال: إذا أصابك سقم فامسح يدك على موضع سجودك ثم أمر يدك على
وجهك من جانب خدك الأيسر وعلى جبينك إلى جانب خدك الأيمن ثم قل: بسم الله
الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم اللهم اذهب عني الهم والحزن
ثلاثا:
وقال على ع: شكوت إلى رسول الله ص تفلت القرآن مني،
فقال: يا علي سأعلمك كلمات تثبت القرآن في قلبك قل: اللهم ارحمني بترك معاصيك
وارزقني حسن النظر فيما يرضيك عني وألزم قلبي حفظ كتابك كما علمتني وأن أتلوه على
النحو الذي يرضيك عني اللهم نور بكتابك بصري واشرح به صدري واستعمل به بدني
وأعني عليه إنه لا يعين إلا أنت، فدعوت بهن فثبت الله القرآن في صدري.
وقال أمير المؤمنين ع: ضمنت لمن سمى الله على طعامه أن لا يشتكي منه،
قال ابن الكواء: قد أكلت البارحة طعاما وسميت عليه ثم أصبحت وقد آذاني، فقال له:
لعلك أكلت ألوانا فسميت على بعضها ولم تسم على بعض؟ فقال: قد كان ذلك، قال:
فمن ذلك أتيت يا لكع.
105

وقال الصادق ع في المستحاضة: تغتسل عند كل صلاة احتسابا فإنه لم
تفعله امرأة إلا عوفيت من ذلك، وقال من قال كل يوم ثلاثين مرة: بسم الله الرحمن
الرحيم الحمد لله رب العالمين تبارك الله أحسن الخالقين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي
العظيم دفع الله عنه سبعة وسبعين نوعا من البلاء أهونها الجذام.
وقال علي ع: مرضت فعادني رسول الله ص وأنا أتقلب على
فراشي فقال ع: يا علي أشد الناس بلاء النبيون ثم الأوصياء ثم الذين يلونهم
أبشر فإنها حظك من عذاب الله مع ما لك من الثواب، ثم قال: أ تحب أن يكشف الله
ما بك؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال قل: اللهم ارحم جلدي الرقيق وعظمي الدقيق
وأعوذ بك من فورة الحريق يا أم ملدم إن كنت آمنت بالله فلا تأكلي اللحم ولا تشربي
الدم ولا تفوري من الفم وانتقلي إلى من يزعم أن مع الله إلها آخر فأنا أشهد أن لا إله إلا
الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله، قال: ففعلتها فعوفيت من ساعتي، قال
جعفر بن محمد ع: ما فزعت إليه قط إلا وجدته وكنا نعلمه النساء والصبيان.
وقال الصادق ع: كان رسول الله ص يجلس الحسن على فخذه اليمنى والحسين على
فخذه اليسرى ثم يقول: أعيذ كما بكلمات الله التامات من شر
كل شيطان وهامة ومن عين لامة، ثم يقول: هكذا كان إبراهيم ع يعوذ ابنيه
إسماعيل وإسحاق، وعنه ع: إذا أردت أن تعوذ فضم كفيك واقرأ فيهما فاتحة
الكتاب وقل هو الله أحد ثلاث مرات ثم أجعلهما على المكان الذي تجد ثم ضمهما واقرأ
فاتحة الكتاب وقل أعوذ برب الناس ثلاث مرات ثم ضعهما على المكان.
وقال الصادق ع: إذا أردت أن ترقي الجراح فضع يدك عليه وقال: بسم الله
أرقيك والله يشفيك بسم الله الأكبر من الحديد والحجر والباب الاسم والغرق فلا يفتر
والعين فلا يسهر تردده ثلاث مرات، وقال على ع: من ساء خلقه فأذنوا في
أذنه، وعن النبي ص أنه نهى عن السحر والنمائم، فلا يجوز استعمال
شئ من ذلك على حال.
106

فقه القرآن لسعيد بن عبد الله بن الحسين بن هبة الله بن الحسن الراوندي
المتوفى 573 ه‍ ق
107

كتاب الصيد والذبائح
قال الله تعالى: أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد
البر ما دمتم حرما، أباح سبحانه صيد البحر مطلقا لكل أحد، وأباح صيد البر إلا في حال
الإحرام وفي الحرم، وقال تعالى: يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا، وقال: إذا
حللتم فاصطادوا، أي إذا حللتم من إحرامكم فاصطادوا الصيد الذي نهيتكم عنه أن
تحلوه وأنتم حرم، يعني لا حرج عليكم في اصطياده إن شئتم حينئذ لأن السبب المحرم
قد زال، لأن معناه الإباحة وإن كانت هذه الصورة مشتركة بينها وبين الأمر.
باب أحكام الصيد:
أما الذي أحل بقوله تعالى: أحل لكم صيد البحر، فهو على ما قاله المفسرون الطبري
منه، وأما العتيق فلا خلاف في كونه حلالا، وإذا حل صيد البحر حل صيد الأنهار لأن
العرب تسمى النهر بحرا، ومنه قوله تعالى: ظهر الفساد في البر والبحر، والأغلب على البحر
هو الذي يكون ماؤه ملحا لكن إذا أطلق دخل فيه الأنهار بلا خلاف.
وقوله تعالى: وطعامه متاعا لكم، يعني طعام البحر وفي معناه قولان: أحدهما ما قذف به
ميتا والثاني أنه المملوح، واختار الرماني الأول وقال: لأنه بمنزلة ما صيد منه وما لم يصد منه
فعلى هذا تصح الفائدة في الكلام، والذي يقتضيه مذهبنا ويليق به القول الثاني، فيكون
قوله: صيد البحر، المراد به ما أخذ طريا.
109

وقوله: وطعامه، ما كان منه مملوحا لأن ما يقذف به البحر ميتا لا يجوز عندنا أكله لغير
المحرم ولا للمحرم إلا إذا قذف به البحر حيا وتحضره أنت فيجوز لك أكله وإن لم تكن
صدته. وقال الزجاج: معنى قوله وطعامه، ما ينبت بمائه من الزرع والنبات، وقوله تعالى:
متاعا لكم، مصدر بدل قوله: أحل لكم، على أنه قد متعكم متاعا، أي منفعة للمقيم
والمسافر.:
وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما: يقتضي ظاهره تحريم الصيد في حال الإحرام
وأكل ما صاده غيره وهو مذهبنا، وصيد السمك اخراجه من الماء حيا على أي وجه كان،
وما يصيده غير المسلم لا يؤكل إلا ما شوهد ولا يوثق بقوله أنه صاده حيا.
فصل: وقوله تعالى: يسألونك ما ذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح
مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه، هذه
أبين آية في كتاب الله في الاصطياد وأكل الصيد لأنها أفادت جواز تعليم الجوارح
للاصطياد وأكل ما يصيد الكلب ويقتل إذا كان معلما، لأنه لو لم يقتله لما جاز أكله حتى يذكى
معلما كان أو غير معلم، فمعنى الآية: يسألك يا محمد أصحابك أي شئ أحل لهم أكله من
المطاعم؟ فقل لهم: أحل لكم الطيبات، أي ما يستلذ منها وهو حلال، وأحلت لكم أيضا مع
ذلك صيد ما علمتم من الجوارح وهي الكواسب من سباع الطير والبهائم، ولا يجوز أن
يستباح عندنا أكل شئ مما اصطاده الجوارح والسباع سوى الكلب إلا ما أدرك ذكاته.
وقوله: وما علمتم، تقديره وصيد ما علمتم، فحذف لدلالة الكلام عليه لأن القوم على
ما روي كانوا سألوا النبي ص حين أمرهم بقتل الكلاب عما يحل لهم اتخاذه
منها وصيده فأنزل الله فيما سألوه عنه هذه الآية، فاستثنى ع كلاب الصيد
وكلاب الماشية وكلاب الحرث مما أمر بقتله وأذن في اتخاذ ذلك.
110

فصل:
واختلفوا في الجوارح التي ذكرت في الآية، فقال ابن عباس: الجوارح التي في قوله: وما
علمتم من الجوارح مكلبين، هو كلما علم الصيد فيتعلمه بهيمة كان أو طائرا والفهد
والبازي من الجوارح، وروي ذلك عن علي بن الحسين وأبي جعفر ع أيضا.
وقال قوم: عني بذلك الكلاب خاصة دون غيرها من السباع وهو ما رواه أصحابنا عنهما
ع، فأما ما عدا الكلب مما أدرك ذكاته فهو مباح وإلا فلا يحل له أكله وبهذا يجمع
بين الروايتين، ويقوي قولنا قوله سبحانه: مكلبين، وذلك مشتق من الكلب أي في هذه الحال
يقال: رجل مكلب وكلاب إذا كان صاحب صيد بالكلاب، وفي ذلك دليل على أن صيد
الكلب الذي لم يعلم حرام إذا لم يدرك ذكاته.
وقوله تعالى: تعلمونهن مما علمكم الله معناه تؤدبون الجوارح فتعلمونهن طلب
الصيد لكم بما علمكم الله من التأديب الذي أدبكم به، وقيل: صفة المعلم أن يجيبه إذا
دعاه ويطلب الصيد إذا أرسله عليه ولا يفر منه، ولا يأكل ما يصيده على العادة بل يمسكه
إلى أن يلحقه صاحبه فيطعمه منه ما يريده، فإن أكل منه على العادة فغير معلم وصيده
حرام إلا أن يذكى فإنه إنما أمسكه على نفسه، وهو الذي دلت عليه أخبارنا غير أنا نعتبر أن
يكون أكل الكلب للصيد دائما، فأما إذا كان نادرا فلا بأس بأكل ما أكل منه.
وقال قوم: لا حد لتعلم الكلاب، فإذا فعل ما قلنا فهو معلم وقد دل على ذلك رواية
أصحابنا، لأنهم رووا أنه إذا أخذ كلب مجوسي فعلمه في الحال فاصطاد به جاز أكل ما يقتله،
وقد بينا أن صيد غير الكلب لا يحل أكله إلا ما أدرك ذكاته فلا يحتاج أن يراعى كيف يعلمه
ولا أكله منه، ومن أجاز ذلك أجاز أكل ما أكل منه البازي والصقر ذهب إليه ابن عباس،
وقال: تعلم البازي هو أن يرجع إلى صاحبه.
وقال قوم: تعليم كل جارحة من البهائم والطير واحد وهو أن يشلي على الصيد
فيستشلي ويأخذ الصيد ويدعوه صاحبه فيجيبه، فإذا كان كذلك كان معلما وإن أكل ثلثه
فكل، وقوله تعالى فكلوا مما أمسكن عليكم، يقوي قول من قال ما أكل منه الكلب لا يجوز
111

أكله لأنه أمسك على نفسه.
ومن شرط استباحة ما يقتله الكلب أن يكون صاحبه سمى عند إرساله، فإن لم يسم
عمدا لم يحل أكله إلا إذا أدرك ذكاته، وحده أن تجده يتحرك عينه أو أذنه أو ذنبه فتذكيه
حينئذ بفري الحلقوم والأوداج.
فصل: واختلفوا في من التي في قوله تعالى: مما أمسكن عليكم، فقال قوم: هي زائدة لأن جميع ما
يمسكه فهو مباح وتقديره فكلوا ما أمسكن عليكم، ويجرون ذلك مجرى قوله: يكفر عنكم
من سيئاتكم، وأنكر قوم ذلك وقالوا: من للتبعيض كما يقال: أكلت من الطعام، تريد أكلت
شيئا من الطعام.
والأقوى أن تكون من للتبعيض في الآية لأن ما يمسكه الكلب من الصيد لا يجوز أكل
جميعه، لأن في جملته ما هو حرام من الدم والفرث والغدد والطحال والمرارة والمشيمة والفرج
والقضيب والأنثيين والنخاع والعلباء وذات الأشاجع والحدق والخرزة تكون في الدماع، فإذا
قال تعالى: فكلوا مما أمسكن عليكم، أفاد ذلك بعض ما أمسكن وهو الذي أباح الله أكله
من اللحم وغيره
وقوله تعالى: واذكروا اسم الله عليه، صريح في وجوب التسمية عند الإرسال، وهو قول
ابن عباس، وقوله: أمسكن عليكم، يدل على أن الكلب متى غاب عن العين مع الصيد ثم
رآه ميتا لا يجوز أكله لأنه يجوز أن يكون مات من غير قتل الكلب له، ومتى أخذ الكلب
الصيد ومات في يده من غير أن يجرحه لم يجز أكله، وفحوى الآية يدل على هذا أيضا،
وعموم الآية يدل على أن من لا يؤكل ذبيحته من أجناس الكفار لا يؤكل صيده، فأما
الاصطياد بكلابه المعلمة إذا صاد المسلم بها فجائز.
باب ما يحرم من الصيد:
يحرم أكل الأرنب والضب ومن صيد البحر الجري والمارماهي وكلما لا فلس له من
112

السمك والدليل عليه الاجماع المتردد، فإن استدل المخالف بقوله تعالى: أحل لكم صيد
البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما، وقال: ظاهر الآية
يقتضي أن جميع صيد البحر حلال وكذا صيد البر إلا على المحرم خاصة؟
الجواب: أن قوله: أحل لكم صيد البحر، لا يتناول ظاهره الخلاف في هذه المسألة لأن
الصيد مصدر صدت، وهو يجري مجرى الاصطياد الذي هو فعل الصائد، وإنما يسمى
الوحش وما جرى مجراه صيدا مجازا وعلى وجه الحذف لأنه محل للاصطياد سمي باسمه،
وإذا كان كلامنا في تحريم لحم الصيد فلا دلالة في إباحة الصيد لأن الصيد غير المصيد.
فإن قيل: قوله تعالى: وطعامه متاعا لكم وللسيارة، يقتضي أنه أراد المصيد دون
الصيد لأن لفظة " الطعام " لا تليق إلا بما ذكرناه دون المصدر؟ قلنا: أولا روي عن الحسن
البصري في قوله " وطعامه " أنه أراد به البر والشعير والحبوب التي تسقى بذلك فعلى هذا
سقط السؤال. ثم لو سلمنا أن لفظة الطعام ترجع إلى لحوم ما يخرج من حيوان البحر لكان
لنا أن نقول قوله " وطعامه " يقتضي أن يكون ذلك اللحم مستحقا في الشريعة لاسم الطعام،
لأن ما هو محرم في الشريعة لا يسمى بالإطلاق فيه طعاما كالخنزير والميتة، فمن ادعى في شئ
مما عددنا تحريمه أنه طعام في عرف الشريعة فليدل على ذلك وأنه يتعذر عليه.
فصل:
وصيد أهل الكتاب محرم لا يحل أكله وكذلك ذبائحهم، قال الله تعالى: ولا تأكلوا مما لم
يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق، وهذا نص في موضع الخلاف لأن من ذكرناه من الكفار
لا يرون التسمية على الذبائح فرضا ولا سنة فهم لا يسمون الله عند إرسال الكلب إلى
الصيد وقد أوجبه الله بقوله: واذكروا اسم الله عليه، وكذلك لا يسمون على ذبائحهم ولو
سموا لكانوا مسمين لغير الله لأنهم لا يعرفون الله لكفرهم. وهذه الجملة تقتضي تحريم
صيدهم وذبائحهم.
فإن قيل: هذا يقتضي أن لا يحل ذباحة الصبي لأنه غير عارف بالله؟ قلنا: ظاهر الآية
يقتضي ذلك، وإنما أدخلناه في من يجوز ذباحته بدليل، ولأن الصبي وإن لم يكن عارفا فليس
113

بكافر ولا معتقد أن الله غير مستحق للعبادة على الحقيقة وإنما هو خال من المعرفة، فجاز أن
يجري مجرى العارف متى ذبح وتلفظ بالتسمية، وهذا كله موجود في الكفار.
فإن اعترض علينا بقوله: اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل
لكم وطعامكم حل لهم، وادعى أن الطعام يدخل فيه ذبائح أهل الكتاب وصيدهم؟
فالجواب عن ذلك: أن أصحابنا يحملون قوله: وطعام الذين أوتوا الكتاب، على ما يؤكل من
حبوب وغيرها وهذا تخصيص لا محالة، لأن ما صنعوه طعاما من ذبائحهم يدخل تحت
اللفظة ولا يجوز اخراجه إلا بدليل.
فإذا قلنا: نخصصه بقوله: ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه قيل لنا: ليس أنتم
بأن تخصوا آيتنا بعموم آيتكم بأولى منا إذا خصصنا الآية التي تعلقتم بها لعموم ظاهر
الآية التي استدللنا بها.
والذي يجب أن نبينه في الفرق بين الأمرين أنه قد ثبت وجوب التسمية عند إرسال
الكلب وعند الذبيحة وأن من تركها عامدا لا يكون مذكيا ولا يجوز أكل صيده وذبيحته
على وجه من الوجوه، وكل من ذهب إلى هذا المذهب من الأمة يذهب إلى تخصيص قوله:
وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم، وأن ذبائحهم لا تدخل تحته والتفرقة بين الأمرين
خلاف الاجماع.
ولا يلزم على ما ذكرناه أن أصحاب أبي حنيفة يوافقونا على وجوب التسمية لأنا نرى
وجوب التسمية مع الذكر على كل حال، وعند أصحاب أبي حنيفة أنه جائز أن يترك
التسمية من أداه اجتهاده إلى ذلك أو استفتى من هذه حاله، والإمامية يذهبون إلى أن
التسمية مع الذكر لا تسقط بحال من الأحوال.
فإن قيل: على هذه الطريقة التي تعتمدونها من الجمع بين المسألتين ما أنكرتم من
مخالفكم أن يعكس هذه الطريقة عليكم ويقول: قد ثبت أن التسمية غير واجبة، أو يشير إلى
مسألة قد دل الدليل على صحتها عنده، ثم يقول: وكل من ذهب إلى هذا الحكم يذهب إلى
عموم قوله تعالى: وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم، والتفرقة بين الأمرين خلاف
الاجماع؟
114

قلنا: الفرق بيننا ظاهر لأنا إذا بنينا على مسألة ضمنا عهدة صحتها ونفي الشبهة عنها،
ومخالفنا إذا بنى على مسألة مثل أن التسمية غير واجبة أو غير ذلك من المسائل لا يمكنه أن
يصحح ما بنى عليه ولا أن يورد حجة قاطعة واضحة بيننا وبين من تعاطى ذلك، ونحن إذا
بنينا على مسألة دللنا على صحتها بما لا يمكن دفعه بهذا على التفصيل يخرجه الاعتبار.
باب الذبح:
الذكاة حكم شرعي والمذكي إذا استقبل القبلة ووجه الذبيحة إليها أيضا وسمى
الله تعالى يكون مذكيا بيقين، فقد صرحوا بأن من ذبح يجب أن يكون مستقبلا، ولا يناقضه
قولهم: ينبغي أن يوجه الذبيحة إلى القبلة فمن لم يستقبل بها القبلة متعمدا لم يجز أكل
ذبيحته، وإن فعله ناسيا لم يكن به بأس لأن هذا أيضا مما يجب أن يفعل على ما يمكن، وقوله
تعالى: فكلوا مما ذكر اسم الله عليه إن كنتم بآياته مؤمنين، لم يذكر الله في هذه الآية ذبحا
ولكن الأمة أجمعت على أن المراد أنه مباح لكم أكل لحوم ما ذكر اسم الله على تذكيته.
ويجب استقبال القبلة عند الذبح مع إمكان ذلك على ما ذكرناه لأن من ذبح غير
مستقبل القبلة عامدا قد أتلف الروح وحل الموت في الذبيحة، وحلول الموت يوجب أن
يكون ميتة ويدخل تحت قوله تعالى: حرمت عليكم الميتة، إذ لم تقم دلالة على حصول
الذكاة المشروعة فيستحق هذا الاسم.
ولا يجوز أن يتولى الذباحة غير المسلمين لما ذكرناه من الأدلة، وقال ابن عباس: لا ينفع
الاسم في الشرك ولا يضر النسيان في الملة، وهذا إشارة إلى أن ذبائح المشركين ومن
ضارعهم وإن ذكروا اسم الله عليها لا يجوز أكلها، وأن تذكية أهل الحق العارفين بالله
المعترفين بتوحيده وعدله لا بأس بها وإن ترك ذكر اسم الله عليها نسيانا.
ومعنى قوله تعالى: إن كنتم بآياته مؤمنين، لا تأكلوا إلا ما ذكر اسم الله عليه إن كنتم
مؤمنين على ما ذكرنا، وليس المراد إن كنتم مؤمنين فكلوا مما ذكر اسم الله البتة لأن المؤمن
لا يخرج من أن يكون مؤمنا وإن لم يأكل اللحم قط.
فبان أن المراد النهي عن أكل ما لم يذكر اسم الله عليه والأمر باعتقاد تحليل أكل ما ذكر
اسم الله عليه حقيقة يدل على ذلك قوله: وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه، وهذا كأنه
115

إنكار على من يرى أنه لا يجوز أكل ما ذكر اسم الله عليه، فقيل: ما الذي يمنعكم من أكله
وكان المشركون ينكرون على المسلمين أن يأكلوا ما قتلوه ويمتنعوا من أكل ما قتله الله؟،
فأعلم تعالى أنه أحل ما ذكر اسم الله عليه وحرم غيره من الميتة وذبيحة المشرك ومن
بحكمه وقد فصل المحرمات من المأكولات في قوله: حرمت عليكم الميتة.
وإذا ذبحت الذبيحة فلم يخرج الدم ولم يتحرك شئ منها لم يجز أكلها لأنها ميتة ماتت
خوفا على ما روي.
باب ما يحل أو يكره لحمه:
وقال الله تعالى: أحلت لكم بهيمة الأنعام، قال قوم: أحلت لكم بهيمة الأنعام الوحشية
من الضباء والبقر والحمر غير مستحلين اصطيادها: وأنتم حرم إلا ما يتلى عليكم، من قوله:
حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير، والأقوى أن يحمل على عمومه في جميع ما حرمه الله
في كتابه.
وقال قوم: أراد ببهيمة الأنعام أجنة الأنعام التي توجد في بطون أمهاتها إذا ذكيت
الأمهات وهي ميتة، وعندنا أنه إذا ذبح شاة أو غيرها ووجد في بطنها جنين فإن كان قد أشعر
أو أوبر ولم يلجه الروح فذكاته ذكاة أمه وإن لم يكن تاما لم يجز أكله على حال وإن كان فيه
روح وجبت تذكيته ليحل أكله، يدل عليه الخبر إذا روي بالنصب ذكاة أمه، والأنعام على
الإطلاق مقصورة على الإبل والبقر والغنم لأن الله فصل في سورة الأنعام ثمانية أزواج ولم
يذكر إلا هذه الثلاثة.
وقال عبد الجبار: ما يصاد ليس من الأنعام لأنه تعالى قال: فجزاء مثل ما قتل من النعم
فدل هذا على أن المقتول الذي جعل جزاؤه مثله من النعم ليس من النعم ثم عارض نفسه
بقوله تعالى: غير محلي الصيد وأجاب بأن ذلك ليس باستثناء والمراد به سوى الصيد
المحرم على المحرم، فكأنه تعالى بين أن المحلل والمحرم فيه غير الأمر بالإحرام وهو
الصيد، فهو بيان أمر ثالث سوى ما يحل من الأنعام ويحرم.
وقال تعالى: يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا، وإنما جمع الوصفين لاختلاف
116

الفائدتين إذ وصفه بأنه حلال يفيد أنه طلق ووصفه بأنه طيب يفيد أنه مستلذ إما في العاجل
أو الآجل،: ولا تتبعوا خطوات الشيطان، أي آثاره وأعماله نزل لما حرم أهل الجاهلية من
البحيرة والسائبة والوصيلة فنهى الله عما كانوا يفعلونه وأمر المؤمنين بخلافه، والإذن في
الحلال يدل على حظر الحرام على اختلاف ضروبه وأنواعه فحملها على العموم أولى.
والمآكل والمنافع في الأصل للناس فيها ثلاثة أقوال: فقال قوم: هي على الحظر وقال
آخرون: هي على الإباحة ومنهم من قال: بعضها على الحظر وبعضها على الإباحة، وهذه الآية
دالة على إباحة المأكل إلا ما دل الدليل على حظره، وقال تعالى: والأنعام خلقها لكم
فيها دف ء ومنافع ومنها تأكلون، وهي الإبل والبقر والغنم، أي خلقها لمنافعكم.
فصل:
ثم اعلم أن لحوم الخيل والبغال والحمير مكروهة غير محرمة وبعضها أشد كراهية من
بعض، ويستدل على ذلك بقوله: قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه الآية.
وحرم سائر الفقهاء لحوم الحمر الأهلية واحتجوا عليه بقوله تعالى: والخيل والبغال
والحمير لتركبوها وزينة، وأنه تعالى أخبر أنها للركوب والزينة لا للأكل؟ والجواب لهم:
أنها وإن كانت للركوب والزينة فلا يمتنع أن يكون لغير ذلك أيضا، أ لا ترى إلى قول
القائل: أعطيتك هذا الثوب لتلبسه، فلا يمنعه من جواز بيعه له أو هبته والانتفاع به من
وجوه شتى ولأن المقصود بالخيل والحمير الركوب والزينة وليس أكل لحومها مقصودا منها
ثم إنه لا يمنع من الحمل على الحمير والخيل وإن لم يذكر الحمل وإنما خص الركوب والزينة
بالذكر.
وأكثر الفقهاء يجيزون أكل لحوم الخيل ولم يعلموا بمضمون الآية، ذكر الركوب والزينة
خاصة، وقد رووا عن ابن عباس إنما نهى عن لحوم الحمر لئلا يقل الظهر وذلك النهي
محمول على الكراهة للقرينة.
باب ما حلل من الميتة وما حرم من المذكي:
اعلم أن العلم بتحليل ذلك أو تحريمه هو السمع وليس للعقل فيه مجال، فإن وردت
117

العبارة الشرعية بتحريم ما له صفة المباح في العقل امتنع منه وإن أباحت الشريعة ما كان
محظورا قيل به، وقد نطق الكتاب بتحريم الميتة قال الله تعالى: حرمت عليكم الميتة،
وأطلقت الأمة القول بتحريم الميتة ثم أجمعت على أن إطلاق قولها بالتحريم وما ورد به نص
الكتاب مخصوص غير محمول على عمومه وشموله وإن اختلفوا فيما هو مباح منها.
والميتة هي كل حيوان صامت مات لا على وجه الذكاة، والذكاة مع الإمكان على ثلاثة
أضرب: الإبل إذا نحرت من غير تعمد ترك التسمية والسمك والجراد إذا اصطيدا، لقوله
ع وقد سئل عن ذكاتهما فقال: صيده ذكاته، وما سوى ذلك مما يعمل فيه الذكاة
إذا ذبح ولم يتعمد ترك التسمية على التسمية على ما ذكرناه في نحر الإبل.
فإن قيل: ما معنى قولكم: مع التمكين، من أي شئ تحرزتم به؟ قلنا: نتحرز بذلك من
الجمل والبقر وما جرى مجراهما إذا صال شئ منها أو تردى في بئر ولم يتمكن من تذكيته، فإن
الأمر ورد بأن ينفح بالرماح أو يرمي بالسهام أو يضرب بالسيوف حتى يموت فتلك ذكاته،
وإن وقع في غير منحره أو مذبحه وتحرزنا أيضا عما نذكره، فأما إذا رمينا صيدا وقد سمينا
فأصابه السهم فقتله فإنه لا خلاف بين الأمة في ذكاته وإن لم يقع في مذبحه، وكذا ما يقتله
الكلب المعلم.
وقد قال أبو عبد الله ع: أحل من الميتة عشرة أشياء: الصوف والشعر
والوبر والبيض والناب والقرن والظلف والأنفحة واللبن والعظم، فالمباح من الميتة عندنا
هذه العشرة والدليل على ذلك إجماع الإمامية على القول بصحته والفتوى به، ويدل عليه
قوله تعالى: قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما
مسفوحا أو لحم خنزير... الآية، ولا يجوز الحكم بتحريم شئ سوى ما ذكر في الآية إلا بدليل
ولا دليل مقطوع به على تحريم شئ مما عددناه.
وأما المحظور من المذكي فالمجمع عليه عشرة أشياء أيضا: الدم والخصيتين و
القضيب والرحم والمثانة والغدد والطحال والمرارة والنخاع وذات الأشاجع وهي موضع
الذبح ومجمع العروق، والدليل على ذلك إجماع الطائفة والأخبار المتواترة عن أئمة الهدي
ع في ذلك.
118

فأما ما روي عن أبي الحسن ع أنه قال: حرم من الشاة سبعة أشياء: الدم
والخصيتان والقضيب والمثانة والطحال والمرارة، فإنه لا يبطل التجاوز إلى العشرة
ولو كان لازما للزم من يقول بدليل الخطاب، لأن عندهم أن الحكم إذا علق بصفة دل انتفاء
الصفة عن غيره على انتفاء الحكم، وهذا مذهب فاسد لأنه غير ممتنع أن يتناول دليل
التحريم سبعة أشياء ويأتي دليل آخر على زيادة عليها كما قلناه في مواضع من العبادات
الموجب منها والمحظور، قال الله تعالى: أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة، فأوجب بهذا اللفظ
علينا فعلهما ولم يمنع من إيجاب عبادات أخر بأدلة غير هذا.
وكذا قال تعالى: قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة
أو دما مسفوحا أو لحم خنزير، ثم حرم أشياء أخر بالكتاب وغيره فلم يمنع قوله " قل لا أجد "
من القول بتحريم أشياء أخر، وقد ورد خبر بتحريم أربعين شيئا من المذكي ونحن نحملها
على الكراهية لقرينة تدل عليه ونعدل عن تحريمها للإجماع على تحريم تلك العشرة التي
ذكرناها فقط.
باب الزيادات:
قد ذكرنا أنه لا يحل أكل ما قتله غير الكلب المعلم عندنا من ذوات الأربع والطيور،
قال الله تعالى: وما علمتم من الجوارح مكلبين، لأنه لو لم نقل مكلبين لدخل في الكلام كل
جارح من ذي ناب وظفر، ولما أتى بلفظة " مكلبين " وهي تخص الكلاب لأن المكلب صاحب
الكلاب بلا خلاف بين أهل اللغة، علمنا أنه لم يرد بالجوارح جميع ما يستحق هذا الاسم وإنما
أراد الجوارح من الكلاب خاصة، ويجري ذلك مجرى قولهم: ركب القوم نهارهم مبقرين
محمرين، فإنه لا يحمل وإن كان اللفظ الأول عام الظاهر إلا على ركوب البقر والحمير.
وليس لأحد أن يقول: المكلب في الآية المراد به المفري للجارح الممرن له والمغري
فيدخل فيه الكلب وغيره لأنه لا يعرف عن أحد من أهل اللغة العربية أن المكلب هو
المغري والمفري بل نصوا في كتبهم على أن المكلب صاحب الكلاب، على أنا لو سلمنا
أنها قد استعملت في التعليم والتمرين فذلك مجاز وحمل القرآن على الحقيقة أولى من حمله
119

على المجاز ما أمكن.
على أن قوله تعالى: وما علمتم من الجوارح، يعني أن يكرر ويقول: مكلبين لأن من حمل
لفظة مكلبين على التعليم لا بد من أن يلزمه التكرار، وإذا جعلنا ذلك مختصا بالكلاب أفاد
فائدة أخرى لأنه بيان أن هذا الحكم يتعلق بالكلاب دون غيرها.
مسألة:
روي أن أمير المؤمنين ع مر بسوق القصابين فنهاهم عن بيع أشياء منها الطحال، فقيل: ما الكبد و
الطحال إلا سواء؟ فقال ع: كذبت إئتني بتورين من ماء أنبئك بخلاف ما تقول، فأتي بطحال وكبد وتورين من
ماء فقال: شق الكبد من وسطه
والطحال من وسطه واجعلهما في الماء جميعا ففعل فلم ينقص من الكبد شئ وصار الطحال كله
دما وهي جلد وعروق، فقال: هذا لحم و هذا دم، وقال تعالى فيه تبيان لكل شئ وقال: وما
يعقلها إلا العالمون فالقرآن يدل على جميع ذلك جملة والسنة تفصيلا.
مسألة:
قوله: وما علمتم من الجوارح، عطف على الطيبات إذا كانت ما موصولة ويجوز أن يكون
قوله وما علمتم كلاما مستأنفا وجعل ما شرطية وجعل جوابها فكلوا.
والمكلب مؤدب الكلاب واشتق من لفظه، فإذا استعمل في غيره من السباع فهو على
المجاز، فالأولى حمله على الحقيقة.
120

كتاب الأطعمة والأشربة
الحلال هو الجائز من الأفعال مأخوذ من أنه طلق لم يعقد بحظر والمباح مثله، وليس كل
حسن حلالا لأن أفعاله تعالى حسنة ولا يقال أنها حلال، إذ الحلال إطلاق في الأفعال لمن
يجوز عليه المنع.
وقد دللنا على إباحة المأكل إلا ما دل الدليل على حظره وقد استدل بقوله تعالى: هو
الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا، على أن الأشياء التي يصح أن ينتفع بها ولم تجر مجرى
المحظورات من العقل خلقت في الأصل مباحة قد أطلق لكل أحد أن يتناولها ويستنفع بها،
كالماء من البحر والحطب ونحوه من البر، فليست على هذا الوجه على العموم بل هو
مخصوص، وقيل: معناه خلقها لأجلكم ولانتفاعكم به في دنياكم ودينكم بالنظر فيها.
باب ما أباحه الله من الأطعمة:
قال الله تعالى: يسألونك ما ذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات، الطيب في الأصل خلاف
الخبيث وهو على ثلاثة أقسام: الطيب المستلذ والطيب الجائز والطيب الطاهر، والأصل
واحد وهو المستلذ إلا أنه وصف به الطاهر والجائز تشبيها، إذا ما يزجر عنه العقل أو الشرع
كالذي تتكرهه النفس في الصرف عنه وما يدعو إليه بخلاف ذلك، فالطيب الحلال
والطيب النظيف.
واختلفوا في معنى الطيبات في الآية، فقال البلخي: هو ما يستطاب ويستلذ وقال
121

الطبري وغيره: هو الحلال الذي أذن لكم ربكم في أكله من الذبائح، والأول أولى لأن الثاني
يؤول تقديره إلى ما لا فائدة فيه، وهو يسألونك ما الذي هو حلال لهم؟ فقل: الذي هو
حلال لكم هو الحلال، وهذا لا معنى له.
وإذا كان المراد بالذي أحل المستلذ حسن أن يقال: إن الأشياء التي حرمت غير
مستلذة لأنه لا يميل كل أحد إلى الميتة، والدم أيضا ليس من طيبات الرزق. فقل لهم:
الطيبات من المأكولات محللة لكم، والضمير في " يسألونك " للمؤمنين الذين حرم عليهم
ما فصل في الآية الأولى من قوله: حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير... الآية، أي
يسألونك تفصيل المحللات فقل أحل لكم الطيبات. قال أبو علي: كل ما لم يجر ذكره في
آيات التحريم كله حلال.
وقال تعالى: يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم، ونحوه قوله: يا أيها
الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا، إلا أن تلك الآية خطاب للمؤمنين وهذه خطاب
لجميع الناس، يعني أن من آمن بالله لا يحل ولا يحرم إلا بأمره، ومن امتنع من أكل ما أحل
الله فقد خالف أمره والله أحل المستلذ، فقوله " كلوا " يحتمل أن يكون إباحة وتخييرا وأمرا
على الإيجاب أو الندب فالأمر في وقت الحاجة إليه إذ لا يجوز لأحد أن يترك ذلك حتى يموت
مختارا مع إمكان تناوله.
والإذن على أن أكل المستلذ مما ملكتم وهو الحلال مباح لكم، وفي الآية دلالة على النهي
عن أكل الخبيث في قول بعض المفسرين كأنه قيل: كلوا من الطيب دون الخبيث كما لو قال
كلوا من الحلال لكان ذلك دالا على حظر الحرام، وهذا صحيح فيما له ضد قبيح مفهوم فأما
غير ذلك فلا يدل على قبح ضده لأن قول القائل: كل من مال زيد، لا يدل على أن المراد
تحريم ما عداه لأنه قد يكون الغرض البيان لهذا خاصة، وذكر الشرط هاهنا إنما هو على وجه
المظاهرة في الحجاج.
وقال سبحانه: يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم، والتحريم هو
العقد على ما لا يجوز فعله للعبد والتحليل حل ذلك العقد، وذلك كتحريم السبب بالعقد على
أهله فلا يجوز لهم العمل فيه وتحليله تحليل ذلك العقد وذلك يجوز لهم الآن العمل فيه.
122

" ولا تعتدوا " إلى ما حرم عليكم، والاعتداء مجاوزة حد الحكمة إلى ما نهى عنه الحكيم
وزجر عنه أما بالعقل أو بالسمع، ثم قال تعالى: وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا، والرزق هو
ما للحي الانتفاع به وليس لغيره منعه منه.
فإن قيل: إذا كان الرزق لا يكون إلا حلالا فلم قال الله تعالى: حلالا طيبا؟ قلنا:
ذكر ذلك على وجه التأكيد كقوله تعالى: وكلم الله موسى تكليما والطيب قد يكون مستلذا،
وقد أطلق في موضع آخر فقال: ومما رزقناهم ينفقون.
ثم اعلم أن الطيب يقع على الحلال كقوله تعالى: يا أيها الرسل كلوا من الطيبات،
ويقع على الطاهر كقوله تعالى: فتيمموا صعيدا طيبا، ويقع على ما لا أذى فيه كما يقال: زمان
طيب ومكان طيب للذي لا حر فيه ولا برد، ويقع على ما يستطاب من المأكول يقال: هذا
طعام طيب لما تستطيبه النفس ولا تنفر منه.
فصل:
ثم قال تعالى: اليوم أحل لكم الطيبات، أي ما تستطيبونه ولا تستخبثونه فردهم إلى
عادتهم، ولا يمنع أن يقال: المراد به ما لا أذى فيه من المباح الذي ليس بمحرم فكأنهم لما
سألوه عن الحلال فقال هو ما لا يستحق المدح و الذم بتناوله، وذلك عام في جميع المباحات
سواء علمت كذلك عقلا أو شرعا، ومن اعتبر العرف والعادة اعتبر عرف أهل الترف
والغنى والمكنة الذين كانوا في القرى والأمصار على عهد النبي ص حال
الاختيار دون من كان من أهل البوادي من جفاة العرب، فإذا قيل: عادتهم مختلفة؟ قلنا:
اعتبرنا العام الشائع دون الشاذ النادر.
وقوله تعالى: وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم، مبتدأ وخبر، وذلك يخص عند أكثر
أصحابنا بالحبوب لأنها المباحة من أطعمة أهل الكتاب، فأما ذبائحهم وكل مائع يباشرونه
بأيديهم فإنه ينجس ولا يحل استعماله، وتذكيتهم لا تصح، لأن من شرط صحتها التسمية
لقوله تعالى: ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه، وهؤلاء لا يذكرون اسم الله عليه، وإذا
ذكروا قصدوا بذلك اسم من أبد شرع موسى أو عيسى ع، أو اتخذ عيسى
123

أو عزيرا ابنا وكذب محمدا ع وذلك غير الله عز وجل وقد حرمه الله بقوله: وما
أهل به لغير الله. "
وطعامكم حل لهم " أي أنه حلال لهم سواء قبلوه أو لم يقبلوه، وقيل: حلال للمسلم
بذله لهم ولو كان محرما لما جاز بذله إياهم.
وقوله: فكلوا مما ذكر اسم الله عليه الذكر المأمور به هو قول " بسم الله " وقيل: كل اسم
يختص الله به أو صفة تختصه كقول: بسم الله الرحمن، أو باسم القديم، أو: باسم القادر
لنفسه، أو: باسم العالم لنفسه، وما جرى مجرى ذلك فالأول مجمع على جوازه والظاهر يقتضي
جواز غيره، ولقوله تعالى: قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء
الحسنى، وهذا يقتضي مخالفة المشركين في أكلهم ما لم يذكر اسم الله عليه، فأما ما لم يذكر
اسم الله عليه سهوا أو نسيانا من المؤمنين فإنه يجوز أكله على كل حال.
والاسم إنما يكون لمسمى مخصوص بالقصد وذلك مفتقر إلى معرفته واعتقاده،
والكفار على مذهبنا لا يعرفون الله فكيف يصح منهم تسميته تعالى فلا يجوز أكل ذبائح
الكفار لهذا.
ثم قال: وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه، أي لم لا تأكلوا وبينهما فرق لأن " لم
لا تفعل " أعم من حيث أنه يكون بحال يرجع إليه وقد يكون بحال يرجع إلى غيره فأما:
مالك أن لا تفعل فالحال يرجع إليه والمعنى أي شئ لكم في أن لا تأكلوا، وقيل: ما منعكم أن
تأكلوا، لأن: مالك أن تفعل، و: مالك لا تفعل، بمعنى واختار الزجاج الأول. "
وقد فصل لكم ما حرم عليكم " يعني ما ذكره في مواضع من قوله: حرمت عليكم
الميتة... الآية وغيرها، " إلا ما اضطررتم إليه " معناه إلا إذا خفتم على نفوسكم الهلاك من
الجوع وترك التناول فحينئذ يجوز لكم تناول ما حرمه الله في قوله: حرمت عليكم الميتة
والدم ولحم الخنزير.
واختلفوا في مقدار ما يسوع تناوله حينئذ له، فعندنا لا يجوز أن يتناول إلا ما يمسك
الرمق، ومن الناس من قال: يجوز له أن يشبع منه إذا اضطر إليه وأن يحمل منها معه حتى يجد
ما يأكل، قال: وفي الآية دلالة على أن ما يكره عليه من هذه الأجناس يجوز أكله لأن المكره
124

يخاف على نفسه مثل المضطر.
فصل:
وقال تعالى: قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو
دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به فمن اضطر غير باع
ولا عاد فلا إثم عليه فإن ربك غفور رحيم، أمر الله نبيه ع أن يقول لهؤلاء الكفار
أنه لا يجد فيما أوحي الله إليه شيئا محرما إلا هذه الثلاثة، وقيل: إنه خص هذه الأشياء الثلاثة
بذكر التحريم مع أن غيرها محرم مما ذكره تعالى في المائدة كالمنخنقة والموقوذة لأن جميع ذلك
يقع عليه اسم الميتة وفي حكمها، فبين هناك على التفصيل وهنا على الجملة.
وأجود من ذلك أن يقال: خص الله هذه الثلاثة تعظيما لتحريمها وبين ما عداها في
موضع آخر، وقيل: إنه تعالى خص هذه الأشياء بنص القرآن وما عداه بوحي غير القرآن،
وقيل: إن ما عداه حرم فيما بعد بالمدينة والسورة مكية.
والدم المسفوح هو المصبوب، وإنما خص المسفوح بالذكر لأن ما يختلط منه باللحم مما
لا يمكن تخليصه منه لقلته معفو مباح، وقال قوم: إنما قال " مسفوحا " لأن الكبد يشبه الدم
الجامد وإن لم يكن دما وليس بحرام، فذكر المسفوح ليبين الحلال من الحرام، فأما الطحال
فإنه إذا ثقب وطرح في الماء فيسيل كله لأنه دم وهو حرام.
وقوله: أو لحم خنزير، فإنه وإن خص لحمه بالذكر هنا فإن جميع ما يكون منه من
الشحم والجلد والشعر محرم، " فإنه رجس " يعني ما تقدم ذكره ولذلك كنى عنه بكناية الذكر،
والرجس كل مستقذر منفور عنه، وقوله " أو فسقا " عطف على قوله " أو لحم خنزير "، والمراد
بالفسق ما أهل لغير الله به، وكان ابن عباس وعائشة يتعلقان بظاهر هذه الآية في إباحة
لحوم الحمير.
ثم قال: فمن اضطر غير باع ولا عاد، قيل فيه قولان: أحدهما غير طالب بأكله التلذذ
والثاني غير قاصد لتحليل ما حرمه الله، وروى أصحابنا أن المراد به الخارج على الإمام
العادل وقطاع الطريق فإنهم لا يرخصون لذلك على حال.
125

" ولا عاد " أي لا يعتدي بتجاوز ذلك إلى ما حرمه الله، والضرورة التي تبيح أكل الميتة
هي خوف التلف على النفس من الجوع، وقد استدل قوم بهذه الآية على إباحة ما عدا هذه
الأشياء المذكورة، وهذا ليس بشئ لأن هنا محرمات كثيرة غيرها كالسباع
وكل ذي ناب وكل ذي مخلب وغير ذلك من البهائم والمسوخ مثل الفيلة والقردة، ويمكن أن يستدل بهذه
الآية على تحريم الانتفاع بجلد الميتة فإنه دخل تحت التعدي.
فصل:
وقوله تعالى: وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم
شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم، أخبر تعالى أنه حرم على
اليهود في أيام موسى ع كل ذي ظفر. قال ابن عباس: إنه كل ما ليس بمنفرج
الأصابع كالإبل والنعام والبط والإوزة.
وأخبر تعالى أيضا أنه كان حرم عليهم شحوم البقر والغنم مما في أجوافهما واستثنى
من ذلك بقوله: إلا ما حملت ظهورهما، فإنه لم يحرمه واستثنى أيضا ما على الحوايا من الشحم
فإنه لم يحرمه واستثنى أيضا من جملة ما حرم ما اختلط بعظم وهو شحم الجنب والألية لأنه على
العصعص، وهذه الأشياء وإن كانت محرمة في شرع موسى ع فقد نسخ الله
تحريمها وأباحها على لسان محمد ص.
ثم قال تعالى: ذلك جزيناهم ببغيهم، معناه إنا حرمنا ذلك عليهم عقوبة لهم على
بغيهم، فإن قيل: كيف يكون التكيف عقابا وهو تابع للمصلحة ومع ذلك فهو تعريض
للثواب؟ قلنا: إنما سماه عقوبة لأن عظيم ما أتوه من المعاصي اقتضى تحريم ذلك فيه عقوبة
وتعيين المصلحة وحصول اللطف، ولولا جرمهم لما اقتضت المصلحة ذلك. "
وإنا لصادقون " يعني فيما أخبر به من أن ذلك عقوبة لأوائلهم ومصلحة لمن بعدهم
إلى وقت النسخ، والصحيح أن تحريم ذلك لما كان مصلحة عند هذا الإقدام منهم جاز أن
نقول حرم عليهم بظلمهم، لما روي أن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه.
126

باب الأطعمة المحظورة:
قال الله تعالى: حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به،... الآية،
بين تعالى في هذه الآية ما استثناه في قوله: أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم، فهذا
مما تلاه علينا فقال سبحانه مخاطبا للمكلفين: حرمت عليكم الميتة وهي كل ما فارقته الحياة
من دواب البر وطيره بغير تذكية واستثنى النبي ص منها السمك والجراد
فقال: ميتتان مباحتان.
ثم قال تعالى " والدم " أي حرم عليكم الدم، فقيل: إنهم كانوا يجعلون الدم في المباعر
ويشوونها ويأكلونها، فأعلم الله أن الدم المسفوح أي المصبوب حرام، فأما اللحم
المتلطخ بالدم وما يرى أنه منه مثل الكبد فهو مباح، وأما الطحال فهو الدم المسفوح على ما
ذكرناه وإنما شرطنا في الدم الحرام ما كان مسفوحا لأنه تعالى بين ذلك في الآية الأخرى فقال
تعالى: أو دما مسفوحا.
ثم قال: ولحم الخنزير، أي حرم عليكم لحم الخنزير أهليه وبريه، فالميتة والدم مخرجهما
في الظاهر مخرج العموم والمراد بهما الخصوص، ولحم الخنزير مخصوص ظاهره مع أن كل
ما كان من الخنزير حرام كلحمه من الشحم والجلد وغير ذلك فالمراد به العموم، وقوله
تعالى: وما أهل لغير الله به، أي وحرم عليكم ما أهل لغير الله به أي ما ذبح للأصنام والأوثان
مما تقرب به من الذبح لغير الله أو رفع الصوت عليه بغير اسم الله حرام.
وكل ما حرم أكله مما عددناه يحرم بيعه وملكه والتصرف فيه، والخنزير يقع على الذكر
والأنثى، وفي الآية دلالة على أن ذبائح كل من لم يذكر اسم الله عليه حرام سواء كان كافرا
أو من دان بالتجسيم والصورة أو قال بالجبر والتشبيه أو خالف الحق، فعندنا لا يجوز أكل
ذبيحته، وقد قدمنا أن التسمية على الذبيحة واجبة، فإن تركها ناسيا لم يكن به بأس.
فصل:
ثم قال تعالى: والمنخنقة، قال السدي: هي التي تدخل رأسها بين شعبتين من شجرة
فتختنق وتموت، وقال الضحاك: هي التي تختنق فتموت، وقال قتادة: هي التي تموت في
127

خناقها، وقال: كان أهل الجاهلية يخنقونها ثم يأكلونها، والأولى حمل الآية على عمومها في
جميع ذلك سواء كان بشئ من قبلها أو من قبل غيرها لأنه تعالى وصفها بالمنخنقة، ولو كان
الأمر على ما ذكره قتادة فقط لقال: والمخنوقة.
وقوله تعالى: والموقوذة، يعني التي تضرب حتى تموت، " والمتردية " التي تقع من جبل
أو تقع في بئر فتموت، فإن وقعت في شئ من ذلك ويعلم أنها لم تمت بعد ولم يقدر على
موضع ذكاته جاز أن تطعن وتضرب بالسكين في غير المذبح حتى تبرد ثم تؤكل، "
والنطيحة " يعني التي تنطح أو تنطح.
فإن قيل: كيف تكون بمعنى المنطوحة وقد ثبت فيها الهاء وفعيل إذا كان بمعنى مفعول
لا يثبت فيه الهاء، مثل " عين كحيل " و " كف خضيب "؟
قلنا: اختلف في ذلك فقال البصريون أثبت في " النطيحة " الهاء لأنها جعلت كالاسم
مثل الطويلة، فوجه التأويل النطيحة إلى معنى الناطحة، ويكون المعنى حرمت عليكم
الناطحة التي تموت من نطاحها، وقال بعض الكوفيين: إنما يحذف هاء الفعيل بمعنى المفعول
إذا كان مع الموصوف، فأما إذا كان منفردا فلا بد من إثبات الهاء، فيقال: رأيت قتيلة،
والقول بأن النطيحة بمعنى المنطوحة هو قول أكثر المفسرين لأنهم أجمعوا على تحريم
الناطحة والمنطوحة إذا ماتتا.
وقوله: وما أكل السبع، أي وحرم عليكم ما أكل السبع بمعنى ما قتله السبع، قاله ابن
عباس وهو فريسة السبع، " إلا ما ذكيتم " أي إلا ما أدركتم ذكاته فذكيتموها من هذه الأشياء
التي وصفها، وموضع ما نصب بالاستثناء.
واختلفوا في الاستثناء إلى ما ذا يرجع، فقال قوم: يرجع إلى جميع ما تقدم ذكره من
قوله: حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة
والمتردية والنطيحة وما أكل السبع، إلا ما لا يقبل الذكاة من لحم الخنزير والدم، وهو الأقوى
وهو المروي عن علي ع وابن عباس، قال: وهو أن تدركه يتحرك رجله أو ذنبه
أو تطرف عينه، وهو المروي عنهما ع.
وقال آخرون: هو استثناء من التحريم لأنه من المحرمات لأن الميتة لا ذكاة لها
128

ولا الخنزير، قالوا: والمعنى حرمت عليكم الميتة والدم وسائر ما ذكر إلا ما ذكيتم مما أحله الله
تعالى له بالتذكية فإنه حلال لكم.
وسئل مالك عن الشاة يخرق جوفها السبع حتى تخرج أمعاؤها، فقال: لا أرى أن تذكى
ولا تؤكل أي شئ يذكى منها، وقال كثير من الفقهاء: إنه يراعى أن يلحق وفيه حياة
مستقرة فيذكى فيجوز أن يؤكل، فأما ما يعلم أنه لا حياة فيه مستقرة فلا يجوز بحال.
فصل:
فإن قيل: فما وجه تكرير قوله تعالى: وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة، وجميع
ما عدد تحريمه في هذه الآية يعمه قوله تعالى: حرمت عليكم الميتة، وإن اختلف أسباب موته
من خنق أو ترد أو نطح أو إهلال لغير الله أو أكل سبع، وإنما يكون كذلك يعني على قول من
يقول: إنها وإن كانت فيه حياة إذا كانت غير مستقرة فلا يجوز أكلها؟ قلنا: الفائدة في
ذلك أن الذين خوطبوا بذلك لم يكونوا يعدون الميت إلا ما مات حتف أنفه من دون شئ من
هذه الأسباب، فأعلمهم الله تعالى أن حكم الجميع واحد وأن وجه الاستباحة هي التذكية
الشرعية، وقال السدي: إن ناسا من العرب كان يأكلون جميع ذلك ولا يعدونه ميتا، إنما
يعدون الميت الذي يموت من الوجع.
فإن قيل: قد جاء في البقرة: وما أهل به لغير الله، وفي المائدة وفي الأنعام وفي النحل: وما
أهل لغير الله به، فما وجه ذلك؟ قلنا: الأصل ما جاء في سورة البقرة لأن الباء التي يتعدى
بها الفعل بمنزلة جزء منه تقول: ذهبت بزيد وأذهبته، وما يتعدى إليه الفعل باللام لا يتنزل
منه اللام منزلة الجزء منه فالباء أحق بالتقديم، لأن معنى: أهل به لغير الله، ذبح لغير الله أي
سمي عليه بعض الآلهة، إن لم يكن الذابح ممن يعرف الله فيسميه.
فالأصل ما هو في البقرة، ثم لما كان الإهلال بالمذبوح لا يستنكر إلا إذا كان ما عدا الأصل
فتقديم المستنكر أولى، أ لا ترى أنهم يقدمون المفعول إذا كانوا ببيانه أعني فيقولون: ضرب
عمرا زيد، فلهذا بدئ في البقرة ثم قدم في المواضع الثلاثة الاسم وهو ذكر المستنكر في غير
الله، والتذكية هي فري الأوداج والحلقوم إذا كانت فيه حياة ولا يكون بحكم الميت والذكاة
129

في اللغة تمام الشئ. فالمعنى على هذا في قوله تعالى: إلا ما ذكيتم، أي ما أدركتم ذبحه على
التمام.
فصل:
ثم قال تعالى: وما ذبح على النصب، فالنصب الحجارة التي كانوا يعبدونها وهي
الأوثان واحدها نصاب ويجوز أن يكون واحدا والجمع أنصاب، والفرق بين هذا وبين ما
أهل به لغير الله أن المراد ما يصدق به تقربا إلى الأنصاب، والمراد بالأول ما ذبحه الكافر
أو من سمى غير الله عند ذبحه على ما ذكرناه لأي شئ ذبحه من بيع أو إضافة أو تصدق،
وقال ابن جريح: النصب ليست أصناما وإنما كانت حجارة تنصب إذا ذبحوا لآلهتهم
جعلوا اللحم على الحجارة ونضحوا الدم على ما أقبل من البيت، فقال المسلمون: عظمت
الجاهلية البيت بالدم فنحن أحق أن نعظمه، فأنزل الله تعالى: لن ينال الله لحومها
ولا دماءها... الآية.
وقوله: وأن تستقسموا بالأزلام ذلكم فسق، أي وحرم عليكم الاستقسام بالأزلام وهي
سهام كانت الجاهلية يطلبون قسم الأرزاق بها ويتفألون بها في أسفارهم وابتداءات أمورهم
وبه قال ابن عباس، وقال مجاهد: هي سهام العرب وكعاب فارس والروم.
والأنصاب الأصنام وإنما قيل لها ذلك لأنها كانت تنصب للعبادة لها، قال تعالى: إنما
الخمر والميسر والأنصاب والأزلام، والميسر القمار، وعن أبي جعفر ع يدخل فيه
الشطرنج والنرد حتى اللعب بالجوز، وروي عن أمير المؤمنين ع أنه قال:
الشطرنج ميسر العجم. والأزلام القداح وهي سهام كانوا يجيلونها للقمار، قال الأصمعي:
كان الجزور يقسمونه على ثمانية وعشرين جزءا، وذكرت أسماؤها مفصلة وهي عشرة
منها ذوات الحظوظ سبعة، ثم قال: رجس من عمل الشيطان، فوصفها بذلك يدل على
تحريمها.
130

فصل:
أما قوله تعالى: كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على
نفسه من قبل أن تنزل التوراة، فقد كان سبب نزول هذه الآية أن اليهود أنكروا تحليل
النبي ص لحوم الإبل، فبين الله أنها كانت محللة لإبراهيم وولده إلى أن
حرمها إسرائيل على نفسه وهو يعقوب، نذر إن برأ من النساء أن يحرم أحب الطعام
والشراب إليه وهي لحوم الإبل وألبانها، فلما برأ وفي بنذره فحاجهم النبي ع
بالتوراة فلم يجسروا أن يحضروها لعلمهم بصدق محمد ع.
فإن قيل: كيف يجوز للإنسان أن يحرم شيئا وهو لا يعلم ما له فيه من المصلحة مما له فيه
المفسدة؟
قلنا: يجوز ذلك إذا أذن الله في ذلك وأعلمه وكان الله أذن لإسرائيل في هذا النذر ولذلك
نذر، فأما غير الأنبياء والأوصياء فلا يجوز لهم مثل ذلك.
باب الأشربة المباحة والمحظورة:
قال الله تعالى: يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير، قال أكثر المفسرين:
الخمر عصير العنب الني إذا اشتد، وقال جمهور أهل المدينة: كلما أسكر كثيره فهو خمر،
وهو الظاهر في رواياتنا، واشتقاقه في اللغة من قولهم: خمرت الشئ أي سترته لأنها تغطي
على العقل، وكل مسكر على اختلاف أنواعه حرام قليله وكثيره لاشتراكهما في المعنى أن
يجري عليها أجمع جميع أحكام الخمر.
وقوله تعالى: قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس، فالمنافع التي في الخمر ما كانوا يأخذونه
في أثمانها وربح تجارتها وما فيها من اللذة بتناولها، أي فلا يغتروا بالمنافع التي فيها
فضررها أكبر منها.
قال الحسن وغيره: هذه الآية تدل على تحريم الخمر لأنه تعالى ذكر أن فيهما إثما وقد
حرم الله الإثم في قوله: قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم، على أنه تعالى
قد وصفها بأن فيها إثما كبيرا، والإثم الكبير محرم بلا خلاف.
131

وقال قوم: المعنى أن الإثم بشرب هذه والقمار بهذا أكبر وأعظم لأنهم كانوا إذا سكروا
وثب بعضهم على بعض وقاتل بعضهم بعضا، قال قتادة: وإنما يدل على تحريمها الآية التي في
المائدة من قوله: إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان
فاجتنبوه، أخبر الله تعالى أن هذه الأشياء رجس من عمل الشيطان ثم أمرنا باجتنابها بأن
قال: فاجتنبوه، أي كونوا على جانب منها أي في ناحية.
ففي الآية دلالة على تحريم الخمر وعلى تحريم هذه الأشياء من أربعة أوجه: أحدها: أنه
وصفها بأنها رجس والرجس والنجس بلا خلاف محرم، الثاني: نسبها إلى عمل الشيطان
وذلك لا يكون إلا محرما. الثالث: أنه تعالى أمرنا باجتنابه والأمر يقتضي الإيجاب شرعا،
الرابع: أنه جعل الفوز والفلاح في اجتنابه. والهاء في قوله: فاجتنبوه، راجعة إلى عمل
الشيطان.
فصل:
ثم قال تعالى: إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر
ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون، قيل: إن هل هاهنا مع ما بعدها بمنزلة
الأمر أي انتهوا، وسبب نزول هذه الآية أن سعد بن أبي وقاص لاقى رجلا من الأنصار وقد
كانا شربا الخمر فضربه بلحي جمل، وقيل: إنه لما نزل قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا
لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى، قال رجل: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا، فنزلت هذه
الآية.
معناه: الشيطان إنما يريد إيقاع العداوة والبغضاء بينهم بالإغراء المزين لهم ذلك حتى
إذا سكروا زال عقولهم وأقدموا من المكاره والقبائح ما كانت تمنعهم منه عقولهم، وقال
قتادة: كان الرجل يقامر في ماله وأهله فيقمر ويبقى حزينا سليبا فيكسبه ذلك العداوة
والبغضاء.
وقوله: ويصدكم عن ذكر الله، أي يمنعكم من الذكر لله بالتعظيم والشكر على آلائه، لما
في ذلك من الدعاء إلى الصلاح واستقامة الحال في الدين والدنيا. وقوله تعالى: فهل أنتم
132

منتهون، صيغته الاستفهام ومعناه النهي وإنما جاز ذلك لأنه إذا ظهر قبح الفعل للمخاطب
صار في منزلة من نهى عنه، فإذا قيل له: أ تفعله بعد ما قد ظهر من أمره صار في محل من
عقد عليه بإقراره.
فإن قيل: ما الفرق بين انتهوا عن شرب الخمر وبين لا تشربوا الخمر؟ قلنا: الفرق
بينهما أنه إذا قال: انتهوا. دل ذلك على أنه مريد لأمر ينافي شرب الخمر وصيغة النهي تدل
على كراهة الشرب لأنه قد ينصرف عن الشرب إلى أحد أشياء مباحة، وليس كذلك المأمور
به لأنه لا ينصرف عنه إلا إلى محظور، والمنهي عنه قد ينصرف عنه إلى غير مفروض.
ثم قال: وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا فإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا
البلاغ المبين، لما أمر سبحانه باجتناب الخمر والميسر والأنصاب والأزلام أمر بطاعته في
ذلك وفي غيره من أوامره ثم أمر بالحذر وهو امتناع القادر من الشئ لما فيه من الضرر
والخوف، هو توقع الضرر الذي لا يؤمن كونه، " فإن توليتم " الوعيد " فاعلموا " أنكم
قد استحققتم العذاب لتوليكم عما أدى رسولنا من البلاغ المبين.
والخمر محرمة على لسان كل نبي وفي كل كتاب نزل وأن تحريمها لم يكن متجددا، فإذا
انقلبت الخمر خلا بنفسها أو بفعل آدمي إذا طرح فيها ما ينقلب به إلى الخل حلت.
ثم قال: ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا و
آمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا، قال ابن عباس: إنه لما نزل
تحريم الخمر قال الصحابة: كيف بمن مات من إخواننا وهو يشربها فأنزل الله الآية وبين أنه
ليس عليهم في ذلك شئ إذا لم يكونوا عالمين بتحريمها وقد كانوا مؤمنين عاملين للصالحات
ثم يتقون المعاصي وجميع ما حرم الله عليهم.
والصحيح أن معناه ليس على المؤمنين إثم ولا حرج في أكل طيبات الدنيا إذا أكلوها
من الحلال، ودل على هذا المعنى بقوله: إذا ما اتقوا وآمنوا، وتكرار الاتقاء إنما حسن لأن
الأول المراد به اتقاء المعاصي، الثاني الاستمرار على الاتقاء، الثالث اتقاء مظالم العباد.
133

فصل: أما قوله تعالى: وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم، إلى قوله: ومن ثمرات النخيل
والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا، فإن قوما ممن لا يؤبه بهم استدلوا بهذه الآية على
تحليل النبيذ، بأن قالوا أمتن الله علينا وعدده من جملة نعمه علينا أن خلق لنا الثمار التي
يتخذ منها السكر والرزق الحسن وهو سبحانه وتعالى لا يمتن بما هو محرم، وهذا لا دلالة لهم
فيه لأمور:
أحدها: أن المفسرين على خلاف هذا ولم يقل أحد منهم هو ما حرم من الشراب وإنما
ذكروا في معناه تتخذون منه ما حل طعمه من شراب أو غيره.
الثاني: أنه لو أراد بذلك تحليل السكر لما كان لقوله: ورزقا حسنا، معنى لأن ما أحله
وأباحه فهو أيضا رزق حسن، فإن قيل: فلم فرق بين الرزق الحسن وبينه والكل شئ
واحد؟
قلنا: الوجه فيه أنه تعالى خلق هذه الثمار لتنتفعوا بها فاتخذتم أنتم منها ما هو محرم
عليكم وتركتم ما هو رزق حسن.
وأما وجه المنة فبالأمرين معا ثابتة، لأن ما أباحه وأحله فالمنة به ظاهرة ليعجل له
الانتفاع به، وما حرمه فوجه النعمة فيه أنه إذا حرم علينا وأوجب الامتناع ضمن في
مقابلته الثواب الذي هو أعظم النعمة، ويؤكد ذلك قوله: وهديناه النجدين، وقوله: فألهمها
فجورها وتقواها، ونحوه قولنا: إن خلق نار جهنم نعمة من الله على العباد.
الثالث: أن السكر إذا كان مشتركا بين السكر والطعم وجب أن يتوقف فيه ولا يحمل
على أحدهما إلا بدليل، وما ذكرناه مجمع على أنه مراد وما ذكروه ليس عليه دليل.
والسكر في اللغة على أربعة أقسام: أحدها ما أسكر والثاني ما طعم من الطعام كما قال
الشاعر:
جعلت عيب الأكرمين سكرا
أي طعما، الثالث المصدر من قولك سكر سكرا، وأصله انسداد المجاري بما يلقى فيها
ومنه السكر وهو القسم الرابع، على أنه كان يقتضي أن يكون كل ما أسكر منه يكون حلالا
134

وذلك خلاف الاجماع، لأنهم يقولون: القدر الذي لا يسكر هو المباح، وكان يلزم على ذلك أن
يكون الخمر مباحا وذلك لا يقوله أحد من المسلمين، ويلزم أن يكون النقيع حلالا وذلك
خلاف الاجماع.
باب بيان تحريم الخمر:
حدث علي بن يقطين قال: سأل المهدي الخليفة أبا الحسن موسى بن جعفر
ع عن الخمر أ هي محرمة في كتاب الله تعالى، فإن الناس إنما يعرفون النهي [عنها]
ولا يعرفون التحريم [لها] فقال له أبو الحسن: بل هي محرمة في كتاب الله تعالى. فقال: في
أي موضع هي محرمة في كتاب الله تعالى يا أبا الحسن؟ فقال: قول الله تعالى: قل إنما حرم
ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم.
فأما قوله: ما ظهر منها، فإنه يعني بذلك الزنى المعلن ونصب الرايات التي كانت
ترفعها الفواجر في الجاهلية، وأما قوله تعالى: وما بطن، فإنه يعني به ما نكح من الآباء فإن
الناس كانوا من قبل أن يبعث الله النبي ص إذا كان للرجل زوجة ومات
عنها زوجها تزوجها ابنه من بعده إذا لم تكن أمه فحرم الله ذلك، وأما قوله: والإثم، فإنه يعني
به الخمرة بعينها، وقد قال الله تعالى في مواضع أخر: يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما
إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما، فإنما عني بالإثم حراما عظيما، وقد سماها
الله تعالى أخبث الأسماء رجسا.
ثم قال ع: إن أول ما نزل في تحريم الخمر: يسألونك عن الخمر والميسر قل
فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما، فلما نزلت هذه الآية أحس القوم
بتحريم الخمر وعلموا أن الإثم مما يجب اجتنابه ثم نزلت آية أخرى وهي قوله: إنما الخمر
والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون، وكانت
هذه الآية أشد من الأولى وأغلظ في التحريم ثم ثلث بآية أخرى أغلظ وكانت من الآية الأولى
والثانية وأشد، وهي قوله: إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر
والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون، فأمر باجتنابها وفسر عللها
135

التي لها ومن أجلها حرمها.
ثم بين تعالى تحريمها وكشفه في الآية الرابعة مع ما دل عليه في هذه الآي المتقدمة بقوله:
إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم، وقال في الآية: يسألونك عن الخمر
والميسر قل فيهما إثم كبير، فخبر أن الإثم في الخمر وغيرها وأنه حرام وذلك أن الله تعالى إذا
أراد أن يفرض فريضة أنزلها شيئا بعد شئ حتى يوطن الناس أنفسهم عليها ويسكنوا إلى
أمر الله ونهيه فيها وذلك من فعل الله تعالى، ووجه التدبير والصواب لهم ليكونوا أقرب
إلى الأخذ بها وأقل لنفارهم منها. فقال المهدي: هذه والله فتوى هاشمية.
فصل:
وروي أنه شرب قدامة بن مظعون الخمر في عهد عمر فأراد أن يحده فقال له قدامة: إنه
لا يجب علي الحد لأن الله تعالى يقول: ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح
فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا، فدرأ
عنه الحد فبلغ ذلك أمير المؤمنين ع فأتى المسجد وفيه عمر فقال له: لم تركت
إقامة الحد على قدامة في شربه الخمر؟ فقال: تلا علي آية وتلاها عمر، فقال له أمير المؤمنين
ع: ليس قدامة من أهل هذه الآية ولا من سلك سبيله في ارتكاب ما حرم الله، إن
الذين آمنوا لا يستحلون حراما، فاردد قدامة واستتبه مما قال فإن تاب فأقم عليه الحد وإن
لم يتب فاقتله فقد خرج من الملة، فعرف قدامة الخبر فأظهر التوبة.
والآية إنما أنزلت في القوم الذين حرموا على أنفسهم اللحوم وسلكوا طريق الترهب
كعثمان بن مظعون وغيره، فبين الله لهم أنه لا جناح في تناول المباح مع اجتناب المحرمات
أي ليس عليهم إثم وحرج فيما طعموا من الحلال. وهذه اللفظة صالحة للأكل والشرب،
وقوله ثم اتقوا وآمنوا، أي اتقوا شربها بعد التحريم " ثم اتقوا " أي داموا على الاتقاء،
فالاتقاء الأول من الشرب والاتقاء الثاني هو الدوام عليه والاتقاء الثالث اتقاء جميع
المعاصي وضم الإحسان إليه.
136

وقال تعالى: واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا،
قال أبو جعفر ع: الميثاق هو ما بين لهم في حجة الوداع من تحريم كل مساء وكيفية
الوضوء على ما ذكره الله في كتابه ونصب أمير المؤمنين ع إماما للخلق كافة،
وتحريم الفقاع لا يعلل بالسكر وإنما تحريمه مثل تحريم لحم الخنزير والدم.
فصل:
وقد أباح الله تعالى الماء الذي هو أذل موجود وأعز مفقود، وقد قال تعالى: وجعلنا من
الماء كل شئ حي، وقال: هو الذي أنزل من السماء ماءا لكم منه شراب، أخبر تعالى أنه
الذي ينزل من السماء ماء، يعني غيثا ومطرا لمنافع خلقه فينبت بذلك الماء هذه الأشياء التي
عددها.
وقال تعالى: وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا، إلى أن قال: يخرج من
بطونها شراب مختلف ألوانه، من أصفر وأبيض وأحمر مع أنها تأكل الحامض المر فيجعله
الله تعالى عسلا حلوا لذيذا فيه شفاء للناس، وأكثر المفسرين على أن الهاء راجعة إلى
العسل وهو الشراب الذي ذكر أن فيه شفاءا من كثير من الأمراض، وإنما قال: من بطنها،
وهو خارج من فيها لأن العسل يخلقه الله في بطن النحل ثم يخرجه إلى فيه ثم يخرجه من فيه،
ولو قال من فيها لظن أنها تلقيه من فيها وليس بخارج من البطن.
وقال الرضي في كتاب مجاز القرآن: إن العسل عند المحققين من العلماء غير خارج
من بطون النحل، وإنما تنقله بأفواهها من مساقطه ومواقعه من أوراق الأشجار وأصناف
النبات لأنه يسقط كسقوط الندي في أماكن مخصوصة وعلى أوصاف معلومة، والنحل ملهمة
بتتبع تلك المساقط فتنقل العسل بأفواهها إلى المواضع المعدة لها فقال تعالى: يخرج من
بطونها، والمراد من جهة بطونها وجهة بطونها أفواهها وهذا من غوامض البيان و
شرائف الكلام.
وقال أمير المؤمنين ع: اشربوا ماء السماء فإنه يطهر البدن ويدفع الأسقام،
قال تعالى: وينزل عليكم من السماء ماءا ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان، وجاءه
137

رجل فشكى إليه وجع البطن فقال ع: أ لك زوجة؟ قال: نعم، قال: استوهب
منها درهما من صداقها بطيبة نفسها من مالها واشتر به عسلا واسكب عليه من ماء السماء
ثم اشربه، ففعل الرجل فبرأ، فسئل ع عن ذلك فقال سمعت الله تعالى يقول في
كتابه: فإن طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا، وقال: يخرج من بطونها شراب
مختلف ألوانه فيه شفاء للناس، وقال: وأنزلنا من السماء ماءا مباركا، فإذا اجتمعت البركة
والشفاء والهنئ والمرئ رجوت فيه لك الشفاء.
باب الزيادات:
قال الشافعي: إنفحة الميتة نجسة لا يحل الانتفاع بها، وعندنا وعند أبي حنيفة هي
طاهرة وبذلك نصوص عن أئمة الهدي ع يؤيد ذلك قوله تعالى: كلوا مما في
الأرض حلالا طيبا، وهذا عام إلا ما أخرجه الدليل ولا دليل على تحريم الأنفحة من الميتة
ولا نجاستها من كتاب وسنة ولا إجماع. ويؤكد ذلك ما ذكره أبو جعفر محمد بن يعقوب الكليني في كتابه المشهور عن أبي حمزة
الثمالي قال: كنت في مسجد النبي ع إذ دخل رجل وقال لي: من أنت؟
فقلت: رجل من أهل الكوفة، قال: تعرف محمد الباقر؟ قلت: نعم فما حاجتك إليه؟
قال: هيأت أربعين مسألة أسأله عنها فما كان من حق أخذته وما كان من باطل تركته قال
أبو حمزة: فقلت له: هل تعرف ما بين الحق والباطل؟ قال: نعم قلت: ما حاجتك إليه إن
كنت تعرف الفرق ما بين الحق والباطل؟ قال: أنتم قوم لا تطاقون.
فما انقطع كلامه حتى أقبل أبو جعفر ع وحوله أهل خراسان وغيرهم
يسألونه عن مناسك الحج، فقال للرجل: ممن أنت؟ فقال: أنا قتادة بن دعامة البصري،
قال: أنت فقيه البصرة؟ قال: نعم، أخبرني عن الجبن، فتبسم أبو جعفر ع
وقال: رجعت مسائلك إلى هذا فقال: ضلت عني، فقال ع: لا بأس به، فقال: ربما
جعلت فيه إنفحة الميتة؟ قال: ليس بها بأس، إن الأنفحة ليس لها عروق وليس فيها دم ولا
لها عظم إنما تخرج من بين فرث ودم، وإنما الأنفحة بمنزلة دجاجة ميتة أخرجت منها بيضة.
138

قال: لا آمر بأكلها، فقال ع: فإن حضنت تلك البيضة فخرجت منها دجاجة
أتأكلها؟ قال: نعم، قال: فما حرم عليك البيضة وأحل لك الدجاجة كذلك الأنفحة مثل
البيضة، فاشتر الجبن من أسواق المسلمين من أيدي المصلين ولا تسأل عنه.
مسألة:
قوله تعالى: كل الطعام كان حلا، أي كل المطعومات أو كل أنواع الطعام و
الحل مصدر حل الشئ كما يقال: عز الرجل عزا وذلت الدابة ذلا، ولذلك استوفى في الوصف به المذكر
والمؤنث والواحد والجميع، قال تعالى: لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن، والمعنى كل المطاعم
لم يزل حلالا لهم من قبل إنزال التوارة وتحريم ما حرم عليهم منها لظلمهم وبغيهم لم يحرم
منها شئ قبل ذلك غير المطعوم الواحد الذي حرمه أبوهم إسرائيل على نفسه فتبعوه على
تحريمه.
وهو رد على اليهود وتكذيب لهم حيث أرادوا براءة ساحتهم مما نزل فيهم في قوله:
فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم. الآية، وفي قوله: وعلى الذين
هادوا حرمنا كل ذي ظفر، فقالوا: لسنا بأول من حرمت عليه وما هو إلا تحريم قديم كانت
محرمة على نوح وعلى إبراهيم ومن بعده وهلم جرا إلى أن انتهى التحريم إلينا، وغرضهم
تكذيب شهادة الله تعالى عليهم بالبغي والظلم وأكل الربا، فقال الله تعالى: قل فأتوا
بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين.
139

غنية النزوع
إلى علمي الأصول والفروع
لحمزة بن علي بن زهرة الحسيني الإسحاقي الحلبي
511 - 585 ه‍ ق
141

فصل في الصيد والذبائح والأطعمة والأشربة
لا يجوز الصيد عندنا إلا بالكلب المعلم دون غيره من سباع الوحش والطير
بدليل إجماع الطائفة وأيضا قوله تعالى: وما علمتم من الجوارح مكلبين، لأنه سبحانه لما أتى
بلفظة مكلبين وهي تختص الكلاب علمنا أنه لم يرد بالجوارح جميع ما استحق هذا الاسم
وإنما أراد الكلاب خاصة، ويجري ذلك مجرى أن يقال: ركب القوم مبقرين أو مجمزين، في أنه
يختص ركوب البقر والجميزاء وإن كان اللفظ عام الظاهر.
ولا يجوز حمل لفظة " مكلبين " في الآية على أن المراد بها التضرية للجوارح والتمرين لها
حتى يدخل في ذلك غير الكلاب لأن " مكلبا " عند أهل اللغة هو صاحب الكلاب
بلا خلاف بينهم، وقد نص على ذلك صاحب كتاب الجمهرة وأنشد قول الشاعر:
تبارى مراخيها الزجاج كأنها ضراء * أحست نبأة من مكلب
ولم يقل أحد من أهل اللغة أن المكلب هو المضري والمعلم، على أن حمل مكلبين على
ما ذكروه يقتضي التكرار لأنا قد استفدنا هذا المعنى من قوله تعالى: وما علمتم، وحملها على
ما قلناه يفيد زيادة على ذلك وهو أن هذا الحكم يختص بالكلاب دون غيرها.
والكلب يعتبر في كونه معلما أن يرسله صاحبه فيسترسل ويزجره فينزجر ولا يأكل مما
يمسكه ويتكرر هذا منه حتى يقال في العادة أنه معلم، وما هذه حاله يحل أكل ما قتله
بلا خلاف إذا سمى صاحبه المسلم عند إرساله، وفي ذلك خلاف.
والتسمية شرط عند إرسال الكلب والسهم وعند الذبح بدليل إجماع الطائفة وطريق
143

الاحتياط وقوله تعالى: ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه، وإنما أخرجنا من هذا الظاهر
ما تركت التسمية عليه سهوا أو نسيانا بدليل إجماع الطائفة، ويحتج على المخالف بما رووه
من قوله ع: إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل، فأباح ذلك
بشرط الإرسال والتسمية، وفي خبر آخر: فكل وإلا فلا.
ولا يحل أكل الصيد إذا أكل منه الكلب وكان أكله معتادا لأن ذلك يخرجه عن كونه
معلما على ما قلناه ولقوله تعالى: فكلوا مما أمسكن عليكم، وما هذه حاله ممسك على نفسه
دون صاحبه، فإن كان أكله نادرا لم يخرجه عن كونه معلما لأن العاقل إذا لم يخرجه السهو
والغلط فيما كان عالما به عن كونه عالما بذلك بالإطلاق فالبهيمة مع فقد العقل بذلك أولى.
وكل صيد أخذ حيا ولم تدرك ذكاته لا يحل أكله، ولا يحل أكل ما قتله غير كلب المسلم
المعلم من الجوارح، ولا ما قتله الكلب إذا انفلت من صاحبه ولم يرسله، أو كان المسمى عند
إرساله غير صاحبه الذي أرسله، أو شاركه في القتل غير واحد من الكلاب المعلمة ولم يسم
أحد أصحابها، وكذا حكم كل صيد وجد مقتولا بعد ما غاب عن العين أو سقط في ماء أو من
موضع عال أو ضرب بسيف فانقطع نصفين ولم يتحرك واحد منهما ولا سأل منه دم، كل ذلك
بدليل الاجماع المشار إليه وطريقة الاحتياط.
ولا يحل أكل ما قتل من مصيد الطير بغير النشاب ولا به إذا لم يكن فيه حديد بدليل
ما قدمناه، وما عدا الطير من صيد البر يحل أكل ما قتل منه بسائر السلاح - وإن كان قتله
بالعقر في غير الحلق واللبة من بدنه - بلا خلاف بشرط كون المتصيد مسلما بدليل إجماع
الطائفة.
وحكم ما استعصى من الأنعام أو وقع في زبية وتعذر نحره أو ذبحه حكم الوحش في
صحة ذكاته بسائر السلاح على أي وجه كان، وفي ذلك خلاف، ويدل عليه إجماع الطائفة.
والنحر في الإبل والذبح فيما عداها هو السنة بلا خلاف، ولا يجوز في الإبل الذبح وفيما
عداها النحر، فإن فعل ذلك لم يحل الأكل بدليل إجماع الطائفة.
وإذا أراد نحر شئ من الإبل عقل يديه وطعنه في لبته وهو بارك، ويضجع ما عدا الإبل،
فإن كان من الغنم عقل يديه وأحد رجليه، وإن كان من البقر عقل يديه ورجليه.
144

ولا تكون الذكاة صحيحة مبيحة للأكل إلا بقطع الحلقوم والودجين على الوجه الذي
قدمناه، مع التمكن من ذلك بالحديد أو ما يقوم مقامه في القطع عند فقده من زجاج أو حجر
أو قصب، مع كون المذكي مسلما، ومع التسمية واستقبال القبلة بدليل ما قدمناه.
ولا تحل التذكية بالسن والظفر المتصلين بلا خلاف ولا بالمنفصلين، وفي ذلك خلاف،
وطريقة الاحتياط تمنع من ذلك بعد إجماع الطائفة.
ولا تحل ذبائح الكفار لأنهم لا يرون التسمية فرضا ولا سنة، ولأنهم لو سموا لما كانوا
مسمين لله تعالى لأنهم غير عارفين به سبحانه ولا في حكم العارفين، ولا يلزم على ذلك تحريم
ما يذبحه الصبي الذي يحسن الذبح لأنه غير كافر وفي حكم العارف ولأنا نخرجه من ظاهر
الآية بدليل.
ولا يحل أكل كل ذبيحة تعمد فيها قلب السكين والذبح من أسفل إلى فوق أو فصل
الرأس منها أو سلخ جلدها قبل أن تبرد بالموت أو لم تتحرك أو تحركت ولم يسل منها دم بدليل
الاجماع الماضي ذكره وطريقة الاحتياط.
وذكاة ما أشعر أو أوبر من الأجنة ذكاة أمه، إن خرج ميتا حل أكله، وإن خرج حيا
فأدركت ذكاته أكل وإلا فلا، وإن لم يكن أشعر أو أوبر لم يحل أكله إذا خرج ميتا بدليل
إجماع الطائفة.
وذكاة السمك والجراد صيد المسلم له فقط، ومن أصحابنا من قال: يجوز صيد الكافر
لهما لأنه ليس من شرط ذلك التسمية وإن كانت أولى إلا أنه لا يحل أكل شئ من ذلك إذا لم
يشاهد المسلم أخذ الكافر له حيا، والقول الأول أحوط.
ولا يحل من السمك إلا ما كان له فلس، ولا يحل الدبى من الجراد، ولا يحل من السمك
ما مات في الماء ولا من الجراد ما مات في الصحراء، وكذا حكم ما مات من السمك لذهاب
الماء عنه وما مات من الجراد لوقوعه في ماء أو نار بدليل ما قدمناه من الاجماع وطريقة
الاحتياط.
ويحرم أكل الكلب والخنزير والثعلب والأرنب والضبع والضب واليربوع والسلحف
والقنفذ والفأر والسنور والقرد والدب والفيل وكل ذي ناب ومخلب من السباع وكل ذي
145

مخلب من الطير وما لا حوصلة له منه ولا قانصة ودواب البحر ما عدا ما قدمناه من السمك
وحشرات الأرض والميتة والدم المسفوح والطحال والقضيب والأنثيين والغدد والمشيمة
والمثانة والطين إلا اليسير من تربة الحسين ع وبيض ما لا يؤكل لحمه ولبنه
وما اتفق طرفاه من مجهول البيض والسموم القواتل وما قطع من الحيوان قبل الذكاة
وبعدها قبل أن يبرد بالموت وما كان في بطن ما شرب خمرا من ذلك وإن غسل والذي في بطن
ما شرب بولا حتى يغسل وما وطئه الانسان من الأنعام وما شرب من لبن خنزيرة واشتد به
وما كان من ولد ذلك ونسله وما أدمن شرب النجاسات حتى يمتنع منه عشرا وجلالة الغائط
إذا كان غذاؤه كله من ذلك حتى تحبس الإبل أربعين يوما والبقر عشرين يوما والشاة عشرة
أيام وروي سبعة، والبط والدجاج خمسة أيام وروي في الدجاج ثلاثة أيام، والسمك يوما
وليلة، والطعام النجس والمغصوب والطعام في آنية الذهب والفضة.
ويحرم شرب قليل المسكر وكثيره - من عنب كان أو من غيره مطبوخا كان أو غير
مطبوخ - والفقاع وكل ما ليس بطاهر من المياه وغيرها من المائعات.
وثمن كل ما يحرم أكله وشربه من المسوخ والأنجاس - إلا ما استثنيناه في كتاب البيع -
وأجر عمل المحرمات من الملاهي وآلات القمار وغير ذلك من كل محرم حرام، وكذا الأجر
على العبادات التي أمر بها المكلف لا بسبب الاستئجار، كل ذلك بدليل إجماع الطائفة
وطريق الاحتياط.
ويحتج على الشافعي في قوله بإباحة أكل الثعلب والضبع بما رواه أبو هريرة من قوله
ع: كل ذي ناب من السباع حرام، ومن طريق آخر أنه ع نهى عن
أكل كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير، ويحتج عليه في تحليل أكل الضب
بما رووه من أن رسول الله ص أتى أصحابه وقد نزلوا بأرض كثيرة الضباب
وهم يطبخون فقال: ما هذا؟ فقالوا: ضباب أصبناها، فقال ع: إن أمة من بني
إسرائيل مسخت دوابا في هذه الأرض وإني أخشى أن تكون هذه فاكفؤوا القدور.
ويحتج على أبي حنيفة في تحليل ما عدا الخمر من النبيذ بما رووه من قوله ع:
ما أسكر كثيره فقليله حرام، وقوله: حرمت الخمر بعينها والمسكر من كل شراب.
146

ويحتج على المخالف في تحريم الفقاع بما رواه أبو عبيد القسم بن سلام والساجي في
كتاب اختلاف الفقهاء عن أم حبيبة زوجة النبي ص من أن قوما من أهل
اليمن قدموا عليه ص لتعلم الصلاة والفرائض والسنن فقالوا: يا رسول
الله إن لنا شرابا نتخذه من القمح والشعير، فقال ع: الغبيراء؟ - فقالوا: نعم،
فقال: لا تطعموه، قال الساجي في حديثه: إنه ع قال ذلك ثلاثا، وقال أبو عبيد في
حديثه: لما كان بعد ذلك بيومين ذكروها له ع، فقال: الغبيراء؟ - فقالوا: نعم،
قال ع: لا تطعموها، قالوا: فإنهم لا يدعونها، فقال ع: من لم يتركها
فاضربوا عنقه، وروى أبو عبيد أيضا عن زيد بن أسلم أن النبي ع سئل عن
الغبيراء فنهى عنها وقال: لا خير فيها، قال وقال زيد بن أسلم: والأسكركة هي، وقد علمنا
أن الأسكركة اسم يختص في لغة العرب بالفقاع، وقد روى ابن حنبل عن ضمرة أنه قال:
الغبيراء التي نهى ع عنها الفقاع، وقال ابن حنبل: إن مالك بن أنس كان يكره
الفقاع ويكره بيعه في الأسواق، وإن ابن المبارك كان يكرهه، وكان يزيد بن هارون يكرهه
أيضا، وهؤلاء عند المخالف من كبار شيوخ أصحاب الحديث.
ولحوم الحمر الأهلية والبغال غير محرمة بدليل إجماع الطائفة، وأيضا الأصل الإباحة
والمنع يحتاج إلى دليل ولا دليل يقطع به على ذلك لأن ما يتعلق به المخالف في تحريم لحم
الحمر أخبار آحاد لا يجوز العمل بها في الشرعيات، ثم هي معارضة بغيرها ومحمولة على أن
سبب النهي عن ذلك قلة الظهر في ذلك الوقت لا تحريم اللحم كما كان نهيه ع
عن لحوم الخيل كذلك.
وقوله تعالى: والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة، لا دلالة للمخالف فيه لأن
جعلها للركوب والزينة لا يمنع من كونها لغيرهما بدليل جواز الحمل عليها - وإن لم يذكره -
وأكل لحوم الخيل عند الأكثر ولأن الظاهر أن المقصود بذلك الركوب والزينة دون أكل
اللحم وكذا نقول، وليس ذلك بمانع من كون لحمها حلالا إذا أريد أكله ألا ترى أن من قال
لغيره: قد وهبتك هذه الفرس لتركبها، لا يمنع من جواز انتفاعه به بغير الركوب.
ويجوز أن ينتفع من ميتة ما يقع الذكاة عليه بالصوف والشعر والوبر والقرن والظلف
147

والخف والمخلب والسن واللبن والأنفحة والريش.
ومتى وجد لحم ولم يعلم أ ذكي هو أو ميت طرح على النار، فإن تقلص فهو ذكي، وإن
انبسط فهو ميتة. ويعتبر السمك بطرحه في الماء، فإن رسب فهو ذكي، وإن طفا فهو ميت،
كل ذلك بدليل الاجماع الماضي ذكره.
148

الوسيلة إلى نيل الفضيلة
لعماد الدين أبي جعفر محمد بن علي بن حمزة الطوسي
المعروف بابن حمزة
149

كتاب المباحات
فصل في بيان أحكام الصيد:
الصيد ضربان: صيد البحر وصيد البر، فصيد البحر ضربان: طير وغيره، والطير
حكمه حكم طير البر وسنذكر أحكام الجميع، وغير الطير: سمك وغير سمك، فالسمك
ضربان: ذات فلس وغير ذات فلس.
فذات الفلس حلال إذا كانت مذكاة وذكاتها صيدها، وهو اخراجها من الماء حية
والتسمية مستحبة فيه، وغير ذات الفلس حرام على كل حال، وما مات في الماء حرام وإن
كان ذا فلس، طافيا كان أو غير طاف، وإن التبس ما مات في الماء بما لم يمت لم يؤكل منها
شئ، وإن وجدت سمكة على شاطئ الماء ولم يعلم حالها ألقيت في الماء فإن طفت على
الظهر فهي ميتة وإن طفت على الوجه فذكية، وبيضها يحل الخشن منها ويحرم الأملس.
وأما صيد البر: فوحش وطير، فالوحش يحل منها ستة أنواع: الظباء والكباش الجبلية
واليحمور والأوعال والحمر الوحشية والبقر الوحشي، وما سوى ذلك فحرام أكله من جميع
أجناس الحيوانات الوحشية والحشرات والهوام والمؤذيات والسنانير.
ولم يخل ما يحل لحمه من ضربين: إما يكن مقدورا على ذبحه وفيه حياة مستقرة أو غير
مقدور عليه، فالأول: لا بد من ذبحه حتى يحل أكله، والثاني لم يخل: إما أن يصاد بالجوارح
أو بغيرها، فما يصاد بالجوارح لم يخل: إما يصاد بالكلاب المعلمة أو بغيرها، فما
يصاد بالكلاب المعلمة يحل أكله بشرطين: إذا قتل أن يسمي مرسلها ويكون مسلما.
151

وأنما يكون الكلب معلما باجتماع ثلاثة شروط: استرساله إذا أرسل وانزجاره إذا زجر
وإمساكه على صاحبه مرة بعد أخرى، وإن قتله الكلب وأكل منه نادرا حل وإن أكل معتادا
لم يحل لأنه غير معلم، وإن جعله في حكم المذبوح كان مخيرا إن شاء ذبحه والذبح أولى
وإن شاء تركه حتى يرد، وإن صاده الكلب وأدركه صاحبه لم يخل: إما أدركه وفيه حياة
مستقرة أو غير مستقرة أو أدركه ممتنعا.
فالأول: إن اتسع الزمان لذبحه لم تحل إلا بعد الذكاة ويعرف ذلك بأن تحرك ذنبه أو
تركض رجله أو تطرف عينه، وإن لم يتسع الزمان لذبحه حل من غير ذكاة، والثاني: لم يحتج
إلى الذكاة والذكاة أفضل، والثالث: إن أخذه ذبحه وإن هرب عدوا وأخذ يعدو خلفه، فإن
وقف وفيه حياة مستقرة أو غير مستقرة فحكمه على ما ذكرنا.
وإن أرسل شخصان كلبين لم يخل: إما كان كلاهما مسلمين أو كافرين أو كان أحدهما
مسلما والآخر كافرا، ولم يخل الكلبان: إما كانا معلمين أو غير معلمين، أو كان أحدهما معلما
والآخر غير معلم، فإن كانا مسلمين وكان الكلبان معلمين وسميا وقتلاه معا أو أحدهما
حل، وإن لم يسميا أو كان الكلبان غير معلمين وسميا وقتلاه حرم، وإن سمى أحدهما ولم
يسم الآخر وكان أحد الكلبين معلما وسمى مرسله وقتله المعلم حل، وإن قتله غير المعلم
حرم سمى صاحبه أو لم يسم وإن قتله المعلم ولم يسم المرسل حرم أيضا وإن قتله الكلبان
معا حرم.
وإن كان المرسلان كافرين أو كان أحدهما كافرا والآخر مسلما وسمى المسلم وقتلاه
معا حرم على كل حال، وإن قتله كلب المسلم وكان معلما وسمى مرسله حل، وكل موضع
يحرم الصيد إذا قتله الكلب، فإن أدرك وفيه حياة مستقرة وذكي حل، وما يصاد بغير
الكلاب المعلمة من الجوارح فإن أدرك وفيه حياة مستقرة ولم يكن في حكم المذبوح وذكي
حل وإن خالف ذلك حرم.
وإن صيد بغير الجوارح من السهم والنشاب والمعراض والرمح والسيف أو الحربة أو
كافرين أو كان أحدهما مسلما والآخر كافرا، فحكمه على ما ذكرنا في إرسال الكلبين
والرمي بسهمين على صيد الوحش، وإذا رمى بسهم وسمى فأصاب طيرا ونفذ منه إلى
152

آخر ناهض وقتلها معا حلا، وإن كان الآخر غير ناهض حرم لأنه مقدور عليه.
وذبح المقدور عليه في الحلق واللبة أنسيا كان كالنعم أو في حكمه كالمثبت من الصيد
أو وحشيا فتأنس، وغير المقدور عليه ذكاته عقره في أي موضع قدر عليه وحشيا كان أو في
حكمه مثل حيوان تردى في بئر أو غيره ولم يقدر على الحلق واللبة أو أنسيا فتوحش، وأما
البيض فحكمه حكم البائض في التحريم والتحليل والكراهية، فإن اشتبه فالاعتبار
بالنظر إليه فإن استوى طرفاه حرم وإن اختلفا حل.
فصل في بيان أحكام حيوان الحضر:
حيوان الحضر ضربان: نعم وطير، فالنعم ثلاثة أضرب: إبل وبقر وغنم. والطير أيضا
ثلاثة: دجاج وحمام وبط وجميع ذلك ضربان: أحدهما عرض له شئ يحرم لحمه بسببه أو يكره
والآخر لم يعرض.
فالأول ضربان: إما يمكن إزالته بالاستبراء أو لا يمكن، فما يمكن إزالته أن يكون جميع
غذائه عذرة الانسان، فإن كان إبلا ربطه أربعين يوما وعلفه العلف الطاهر، وإن كان بقرا
ربطه عشرين يوما وإن كان غنما ربطه عشرة أيام وإن كان بطا ربطه خمسة أيام وإن كان
دجاجا أو حماما ربطه ثلاثة أيام على ما ذكرنا زال حكم الجلل والتحريم عنه جميعا.
وإن كان الجلال رضيعا سقاه مكان العلف اللبن الطاهر وإن كان بعض غذائه عذرة،
أو ارتضع من لبن المرأة وإن كثر أو من لبن الخنزيرة مرة أو مرتين كره لحمه ويمكن إزالة
الكراهية بما ذكرنا، وما لا يمكن إزالته بالاستبراء شيئان، أحدهما: أن يشرب لبن الخنزيرة
حتى يشتد عليه لحمه، والثاني: أن يطأه آدمي.
فإذا حصل أحد هذين لم يمكن إزالة تحريمه وحرم لحمه ولحم جميع ما يكون من نسله،
وإن شرب شئ من هذه الحيوانات خمرا أو مسكرا وذبح حل لحمه بعد الغسل دون أحشاء
بطنه، وإن شرب البول حل لحمه وأحشاؤه بعد الغسل.
153

فصل في بيان أحكام الذباحة:
النحر للإبل والمنحر الوهدة في أعلى الصدر، والذبح لغير الإبل المذبح من أصل
اللحيين، ويتعلق بالنحر أحد عشر حكما: ثلاثة منها ترجع إلى النفي والباقي إلى الإثبات،
فالنفي: أن لا يجعل الذبح مكان النحر ولا ينخع، وهو إبانة الرأس قبل أن يبرد ولا
يسلخ قبل أن يبرد، فإن نخع عمدا أو سهوا ولم يخرج الدم حرم وإن خرج الدم وفعل سهوا
أو سبقه السكين لم يحرم وإن سلخ قبل أن يبرد حرم، والإثبات: شد أخفافه إلى إباطه
وإطلاق رجليه وغرز السكين أو الحربة في الوهدة وقطع الحلقوم والمرئ والودجين
واستقبال القبلة به والتسمية.
وإن كان الذبح للبقرة عقل يديه ورجليه معا وأطلق ذنبه وابتدأ الذبح من أسفل
اللحيين، وإن أراد ذبح الغنم أو مثله عقل يديه وفرد رجليه وأطلق الأخرى وأمسك على
صوفه دون أعضائه إلى أن يبرد، وباقي الأحكام على ما ذكرنا في النحر، وإن أراد ذبح طير
أخذه باليد من غير عقل واستقبل به القبلة وذبحه وأرسله، فإن انفلت فهو في حكم
الصيد.
وإن كان الذبح حاملا: لم يخل الجنين من ثلاثة أحوال: إما أشعر ولم تلجه الروح أو
أشعر وولجته الروح أو لم يتم خلقه، فالأول: تحصل ذكاته بذكاة أمه، والثاني: يلزم تذكيته،
والثالث: يحرم أكله.
والذابح يجب أن يكون مؤمنا أو في حكمه عالما بالذباحة وإن وليها فقيه متدين كان
أفضل، والذبح يجب أن يكون حالة الاختيار بالحديدة ويجوز حالة الضرورة بما يقري
الأوداج من الليطة والمروة والخشبة والحديدة، وذبيحة الكافر والناصب حرام والمستضعف
تكره ذبيحته للمختار.
فصل في بيان ما يحرم من الذبيحة ويحل من الميتة وحكم الجلود والبيض:
يحرم من الذبيحة أربعة عشر شيئا: الدم والطحال والمشيمة والفرث والمرارة
والقضيب والأنثيان والفرج ظاهره وباطنه والعلباء والغدد والنخاع وذوات الأشاجع
154

والحدق والخرزة، وتكره الكليتان.
ويحل من الميتة أحد عشر شيئا: الصوف والشعر والوبر والريش المجزوزات والعظم
والناب والظلف والقرن والبيض إذا اكتسى الجلد الفوقاني، والأنفحة واللبن
والمخلب والحافر على رواية البعض إذا قلعا من الميتة.
وإن اختلط لحم الميتة بالمذكى ولم يتميز لم يؤكل وبيع على مستحليه، وإن اشتبه المذكي
بالميتة طرح على النار فإن انقبض فهو مذكى وإن انبسط فهو ميتة، وإن جعل سمكة مما
يؤكل مع أخرى مما لا يؤكل في سفود وما يؤكل فوق ما لا يؤكل حل وإن كان تحته لم يحل،
وحكم اللحم والطحال كذلك فإن جعل تحت الطحال مثقوبا جوذاب حرم وغير مثقوب لم
يحرم، وروي أن حكم اللحم والطحال كذلك.
وأما الجلود فثلاثة أضرب: جلود الميتة ولا يجوز استعمالها ولا التصرف فيها، وجلود
المذكاة مما يحل أكله ويجوز استعمالها والصلاة فيها والتصرف بالبيع والشراء، وجلود
المذكاة من السباع ويجوز استعمالها والتصرف فيها بالبيع والشراء دون الصلاة إذا كانت
مدبوغة، وجلود غير السباع مما لا يؤكل لحمه وهي في حكم الميتة على كل حال، وأما
البيض فقد ذكرنا حكمه.
155

فصل في بيان أحكام الأطعمة:
الطعام ضربان: حيوان وغير حيوان، فالحيوان ثلاثة أضرب: إما يحل لحمه أو يحرم أو
يكره، فما يحل أكله: فقد ذكرناه والأسباب العارضة التي يحرم لها وما يمكن إزالتها وما
لا يمكن وكذلك ما يحرم أكله.
وما يكره: فالخيل والبغال والحمير، وما يكره لحمه أو يحرم إذا اضطر إليه الانسان حل
له أكله غير باع ولا عاد وغير الحيوان أيضا ثلاثة أضرب: حرام وحلال ومكروه، فالحرام
أصله خمسة أشياء: السموم القاتل قليلها وكثيرها وجميع أنواع الطين إلا يسيرا من تربة
الحسين ع ومما يتداوى به وجميع النجاسات والمنجسات إذا لم يمكن تطهيرها فإن
أمكن وطهرت حل أكلها، وجميع أنواع الميتات.
والحلال ضربان: حلال حالة السعة والاختيار وحلال حالة الاضطرار، فالأول: كل
طعام طاهر يصلح للأكل مثل الحبوب والفواكه والخضر والبطائخ وما يتخذ من ذلك، ومثل
البذور واللبوب وأدهانها وما يتخذ منها وما تتخذ من ألبان ما يؤكل لحمه من جميع الأنواع
ما لم ينجس.
والثاني: كلما يكون حراما حالة السعة والاختيار من الميتة والدم وما هو في حكم الميتة
وغير ذلك، والمضطر من يخاف التلف أو ما هو في حكم التلف، وهو أربعة أشياء: المرض
بترك الأكل والضعف عن المشي للمسافر ماشيا وعن الركوب للمسافر راكبا والتقية
بالأكل، وأبيح له قدر ما يسد به الرمق دون الشبع ما لم يكن باغيا ولا عاديا، فالباغي على
156

ثلاثة أضرب: من خرج على إمام عدل أو طلب الصيد لهوا أو بطرا، والعادي: من يقطع
الطريق.
والمكروه سبعة: كل طعام باشره الجنب والحائض المتهمة وسباع الطير وسؤر الفأرة
وما أكلته منه والثوم الني والبصل الني إذا أراد دخول المسجد ومن اضطر إلى طعام الغير
وكان ذلك الغير محتاجا إليه لم يكن له اخراجه من يده، فإن يكن محتاجا إليه
واستباعه فلم يبعه وكان الثمن حاضرا أجبر عليه وإن لم يكن الثمن حاضرا وامتنع
من البيع لم يجبر عليه.
فصل في بيان أحكام الأشربة:
الأشربة ضربان: مأخوذة من الحيوان ثلاثة أضرب: إما يكن لحمه حراما أو حلالا أو
مكروها.
فالحرام اللحم: ضربان: نحل وغيره، فما يؤخذ من النحل حلال وما يؤخذ من غيره
حرام من اللبن وغيره، والحلال اللحم يحل ما يتخذ منه من اللبن بضروبه وما يتخذ منه،
والمكروه اللحم يكره لبنه، ولا يجوز شرب دماء الحيوانات ولا أبوالها مختارا إلا بول الإبل
فإنه يجوز شربه للاستشفاء.
وما يؤخذ من الأشربة من غير الحيوان ضربان: مسكر وغير مسكر، فالمسكر نجس
حرام خمرا كان أو نبيذا أو جعة أو نقيعا أو تبعا أو مزرا، وغير المسكر ضربان: فقاع وغيره،
فالفقاع حرام نجس، وغير الفقاع ضربان: رب، وغيره.
فالرب حلال طيب على اختلاف أنواعه مثل رب التوت والسفرجل والتفاح
والرمان وغيرها، وما يتخذ من التمر والزبيب والعنب والعسل ما لم يسكر، وغير الرب
ضربان: إما جعل فيه شئ من المسكرات ويحرم شربه وينجس بوقوع المسكر فيه أو لم يجعل
فيه شئ منها.
فإن كان عصيرا لم يخل: إما غلى أو لم يغل، فإن غلى لم يخل: إما على من قبل نفسه أو
بالنار، فإن غلى من قبل نفسه حتى يعود أسفله أعلاه حرم ونجس إلا أن يصير خلا
157

بنفسه أو بفعل غيره فيعود حلالا طيبا، وإن غلى بالنار حرم شربه حتى يذهب على النار
نصفه ونصف سدسه ولم ينجس، أو يخضب الإناء ويعلق به ويجلو، وإن لم يغل أصلا حل
خلا كان أو عصيرا، وإن كان نبيذا وهو أن يطرح شئ من التمر أو الزبيب في الماء، فإن
تغير كان في حكم الخمر وإن لم يتغير جاز شربه والتوضؤ به ما لم يسلبه إطلاق اسم الماء،
ويكره الاستشفاء بالمياه الحارة.
فصل في بيان أدب الأكل والشرب:
إذا أراد العبد أن يأكل الطعام لم يخل: إما كان وقت الصلاة أو لم يكن، فإن كان آخر
وقت الصلاة ابتدأ بها وإن كان أول وقت لم يخل: إما ينتظره قوم ويبدأ بالطعام أو لا ينتظره
ولا يغلب عليه الجوع ويبدأ بالصلاة أو غلب عليه الجوع ويخاف التهافت في الصلاة
ويبدأ بالطعام أو لا يخاف التهافت ويكون بالخيار، وإن لم يكن وقت الصلاة ولم يكن عنده
ضيف حرم عليه ستة أشياء ويستحب له أربعة عشر شيئا ويكره له ثلاثة أشياء.
فالحرام: الأكل من الطعام الحرام أو المغصوب والجلوس على مائدة يؤكل عليها طعام
حرام أو يشرب مسكر، ومؤاكلة الكافر والناصب.
والمستحب الوضوء قبل الطعام وبعده والجلوس على الرجل اليسرى غير متربع في
حال الأكل والتسمية إذا ابتدأ بالأكل، وأن يضع لقمة على الملح أول كل شئ ويضع في فيه
والأكل باليمين مختارا والتسمية عند الابتداء بأكل كل لون من الطعام والحمد لله تعالى إذا
فرع من الطعام وغسل الفم والمضمضة ثلاث مرات إن كان للطعام وضر، وجمع غسالة
الأيدي والبدأة بواحد وإدارة الإناء من جانب يمينه حتى يعود إليه والاستلقاء على القفاء
قليلا بعد الفراع من الطعام ووضع الرجل اليمنى على اليسرى، وإن كان عند صاحب
الطعام ضيف زاد له في الاستحباب شيئان: الابتداء بالأكل قبله وكف اليد عنه بعده تأنيسا
له، وإن سمى واحد من جماعة أجزأ وإن قال: بسم الله على أوله وآخره أجزأ عن التسمية
عند كل لون من الطعام.
والمكروه: التربع عند الأكل والأكل باليسار مختارا ومؤاكلة المخالف والمستضعف.
158

وسنة الشرب ستة أشياء: التسمية ابتداء والحمد إذا فرع والشرب قاعدا متمكنا
بثلاث دفعات، والتأني فيه والاجتناب من العب فإنه يورث الكباد.
فصل في بيان أحكام الملبوسات:
اللباس ضربان: إما يكون من نبات أو حيوان، فما هو من نبات مطلق للرجال
والنساء سواء كان من قطن أو كتان أو غيرهما، وما هو من حيوان ضربان: خارج منه ونابت
عليه.
فالخارج منه: قز وإبريسم، ويحل للنساء لبسه والصلاة فيه في جميع الأحوال إلا حالة
الحداد سواء كان خالصا أو مخلوطا بغيره ما لم يكن نجسا، ويحرم على الرجال لبسه
خالصا إلا في حالة الحرب ومخلوطا بما لا تحل الصلاة فيه، ويجوز لبسه إذا كان مخلوطا
بشئ من القطن أو الكتان أو شئ آخر مما ينبت من الأرض أو كفه للثوب أو ذيلا أو جيبا
أو رقعة مخيطة عليه، أو تكة أو قلنسوة أو شيئا من أمثالها على كراهية، وما
يحرم عليه لبسه يحرم عليه فرشه والتدثر به والاتكاء عليه وأسباله سترا.
والثابت عليه ضربان: إما يكون من حيوان يحل لحمه أو يحرم، فإن كان من حيوان
حلال اللحم حل للرجال والنساء لبسه وتملكه والتصرف فيه صوفا كان أو شعرا أو وبرا
إذا جز من الحي أو الميت وإذا نتف أيضا من المذكي أو جلدا إذا سلخ من المذكي ودبغ دون
غيره، وإن نتف الشعر والوبر والصوف أو سلخ الجلد من الميت أو الحي لم يجز لبسه
ولا تملكه وإن دبغ، ولا التصرف فيه إلا إذا اتخذ دلوا يستسقي بها على كراهية لغير
الوضوء والشرب.
وإن كان من حيوان يحرم لحمه فهو أيضا ضربان: إما كان سباعا أو غير سباع، فإن
كان سباعا جاز استعمال شعره إذا جز في غير الصلاة واستعمال جلده إذا كان مذكى
مدبوغا في غير الصلاة، وإن كان غير سباع لم يجز ذلك إلا السنجاب فإنه يجوز استعماله
وتملكه والصلاة فيه، وقد روي في السمور والفنك أيضا مثل ذلك وهي محمولة على حالة
الاضطرار.
159

والحلي ثلاثة أضرب: ذهب وفضة وجوهر، فالذهب حرام على الرجال التزين به حلال
للنساء إلا في حال للحداد، والفضة والجوهر يجوز للرجال التزين بهما كما يجوز للمرأة،
ولبس ما يختص بأحدهما مكروه للآخر، والمموه من الخاتم والمجرى فيه الذهب
والمصنوع من الجنسين على وجه لا يتميز والمدروس من الطراز مع بقاء أثره حل للرجال
أيضا.
160

إصباح الشيعة
بمصباح الشريعة
161

كتاب الصيد والذبائح
لا يجوز الصيد إلا بالكلب المعلم خاصة ويعتبر في كونه معلما أن يرسله صاحبه
فيسترسل ويزجره فينزجر ولا يأكل مما يمسكه ويتكرر هذا منه حتى يقال في العادة أنه
معلم، وما هذه حاله يحل أكل ما قتله إذا سمى صاحبه المسلم عند إرساله. والتسمية
شرط عند إرسال الكلب والسهم وعند الذبح.
لا يحل الصيد إذا أكل منه الكلب وكان أكله معتادا فإن كان أكله نادرا لم يخرجه عن
كونه معلما وكذا إن جرح الصيد فشرب من دمه لم يحرم أكله، وكل صيد أخذ حيا ولم تدرك
ذكاته لا يحل أكله. ولا يحل أكل ما قتله غير كلب المسلم المعلم من الجوارح ولا ما قتله
الكلب إذا انفلت من صاحبه ولم يرسله أو كان المسمى عند إرساله غير صاحبه الذي
أرسله أو شاركه في القتل غير واحد من الكلاب المعلمة ولم يسم أحد أصحابها، وكذا
حكم كل صيد وجد مقتولا بعد ما غاب عن العين أو سقط في ماء أو من موضع عال أو ضرب
بسيف فانقطع نصفين ولم يتحرك واحد منهما ولا سأل منه دم، ولا يحل أكل ما قتل من
مصيد الطير بغير النشاب ولا به إذا لم يكن فيه حديد.
فصل:
وإذا أرسل المسلم آلته على صيد وأرسل ذمي آلته أو عابد وثن آلته أيضا عليه
كأن أرسل كلبين أو سهمين أو أرسل أحدهما كلبا والآخر سهما فأصاباه وقتلاه حرم أكله
163

سواء السهمان دفعة واحدة أحدهما بعد الآخر إذا كان القتل منهما، فأما إذا صيره الأول في
حكم المذبوح كأن قطع الحلقوم والمرئ والودجين ثم رماه الآخر فالأول ذابح والآخر
جارح فالحكم للأول فإن كان الأول هو المسلم حل أكله وإن كان الكافر فلا، فإن كان مع
مسلم كلبان معلم وغير معلم فأرسلهما معا فقتلا أو كان معه كلبان أرسل أحدهما
واسترسل الآخر بنفسه فقتلا حرم أكله.
ويجب غسل ما عضه الكلب من الصيد احتياطا. ولو أرسل كلبا على صيد فغاب
قبل أن يعقره الكلب فوجده قتيلا لم يحل أكله، وكذا لو عقره ولم يصيره في حكم المذبوح فإن عقره
قبل أن يغيب عنه - عقرا صيره في حكم المذبوح كأن قطع حلقومه ومريئه أو أبان حشوته
أو شق قلبه ثم تحامل الصيد على نفسه فغاب فوجد ميتا حل أكله لأنه غاب بعد أن
حصل مذكى.
وكل ما قتله بحده حديدة كان أو مروة حادة أو خشبة حادة أو ليطة ونحو هذا مما
يخرق جاز أكله، فأما ما يقتل بثقله كالحجر والبغدق والمعراض فلم يجز.
إذا عقر الصيد بكلب أو سهم ولم يصيره في حكم المذبوح بل وجده وفيه حياة مستقرة
يعيش اليوم ونصف اليوم واتسع الزمان لذكاته فلم يذكه لم يحل أكله عامدا ترك ذلك
أو لعدم آلة، وإن لم يتسع الزمان لذكاته حل أكله.
إذا أرسل كلبه على صيد أو رمى نحوه بسهم وسمى فقتل غيره جاز أكله.
إذا أرسل الكلب أو السهم وهو لا يريد صيدا فإن أصاب صيدا فقتل لم يحل أكله
سمى عند إرساله أولا، وكذا لو استرسل الكلب بنفسه بلا إرسال أو رمى سهما في
الغرض فأصاب في طريقه صيدا أو نصب سكينا فانذبحت بها شاة.
إذا ضرب الصيد أو طعنه فقده بنصفين ولم يتحرك واحد منهما وقد سمى حل
أكلهما إذا خرج منه الدم وإن كان النصف الذي مع الرأس أكبر وتحرك ولم
يتحرك الباقي حل ما تحرك ورمى بما لم يتحرك، فإن عقره وأبان منه بعضه وكان الباقي على
الامتناع فرماه ثانيا فقتله حل أكله دون ما بان منه بالرمية الأولى، وكذا لو أبان بعضه وأدركه
وفيه حياة مستقرة فذكاه أو تركه حتى مات حل أكله دون ما بان منه، وكذا حكم قطعة
164

أخذتها الحبالة من الصيد. ولو ترك التسمية عند إرسال الكلب أو السهم ناسيا وكان
معتقدا وجوب ذلك جاز أكل ما يقتله وإن تركه متعمدا فلا. إذا أرسل وسمى غيره لم يجز
أكل ما يقتله.
إذا صاد صيدا بسهمه أو كلبه ثم وجده مقتولا وظن أن غير آلته قتله أو رمى طائرا
في الهواء فسقط على الأرض فوجده ميتا ولم يعلم بسبب موته أو رمى صيدا فتدهده من جبل
أو وقع في بئر أو ماء ثم مات لم يجز أكله، وإن جرح الصيد جرحا قاتلا حل أكله على كل حال.
لا يحل صيد الكافر بكلب مسلم وإن كان معلما لأن الاعتبار بمن يرسل الكلب
لا بالكلب نفسه ولا بمن علمه.
إذا توالى على الصيد رميتان عن اثنين فإن كان الأول صيره في حكم المذبوح فقد
ملكه وإن بقي بعد رميه على حال الامتناع ثم رماه الثاني فقتله فقد ملكه، وإن أثبته الأول ولم
يصيره في حكم المذبوح بل بقية الحياة مستقرة فيه فقد ملكه، فإذا وجأه الثاني في الحلق
حل أكله لأنه مقدور عليه وعليه ما نقص بالذبح، وإن وجأه في غير الحلق وقتله حرم أكله
وعليه كمال قيمته.
إذا رمى صيدا بسهم فأصابه وأصاب فرخا لم ينهض بعد فقتلهما جاز أكل الطير
دون الفرخ لأنه ليس بصيد وإنما يكون صيدا إذا نهض وملك جناحيه.
إذا رمى شخصا قد ظنه آدميا أو صيدا لا يؤكل فبان صيدا مأكولا قد قتله لم يحل
أكله، وكذا لو رمى سهما إلى فوق غير قاصد لصيد فأصاب طائرا فقتله أو أرسل كلبا في
ظلمة الليل لا على صيد فقتل صيدا. ويكره صيد الوحش والطير بالليل، ويكره أخذ
الفراخ من أعشاشهن.
فصل:
كل ما كان مقدورا عليه من الحيوان كالأنسي والوحشي إذا تأنس أو كان له من
الصيد ممتنعا فأخذته وهو تام أو يصيبه بآلة فأثبته فوجده والحياة فيه مستقرة فإن
ذكاته في الحلق واللبة، وما لم يكن مقدورا عليه إن كان وحشيا فعقره في أي موضع كان هو
165

ذكاته وإن كان إنسيا توحش فكذلك، وكذا إذا تردى أهلي في بئر فلم يقدر على الحلق و
اللبة أو استعصى فلم يقدر عليه فيؤخذ بالسيوف والحراب ويذبح في غير المذبح كان ذكيا،
وكذا الطير الأهلي. وبالجملة فما لم يقدر على ذكاته فعقره ذكاته.
من ترك التسمية أو لم يستقبل بالذبيحة القبلة ناسيا يجوز أكل ذبيحته فأما عامدا
فلا، ولا يفصل رأس الذبيحة من الجسد إلا بعد أن تسكن وتموت، فإن تعمد ذلك مختارا لم
يجز أكله، وإن سبقه السكين وأبان الرأس جاز إذا خرج الدم وإلا فلا.
ويكره الذباحة بالليل إلا لضرورة وكذا قبل الزوال من يوم الجمعة وكذا يكره
للإنسان أن يذبح بيده ما رباه. والذابح يستحب أن يكون مؤمنا عارفا
بالحق ولا يجوز أكل ذبيحة الكافر يهوديا كان أو نصرانيا أو مجوسيا أو عابد وثن سمى أولا
وكذا المجبرة والمشبهة والناصب لعداوة آل محمد ع، وإذا ابتاع اللحم في
أسواق المسلمين ولم يفتش جاز، ويجوز ذبح المرأة والغلام غير البالغ إذا أحسنا ذلك.
إذا أدرك شاة وقد جرحها سبع جراحة يجوز أن تموت منها وأن لا تموت وفيها حياة
مستقرة فذبحها حل أكلها وكذا إن كان جراحة تموت منها لا محالة لكن فيها حياة مستقرة
تعيش يوما فصاعدا كأن يشق جوفها وظهرت الأمعاء ولم تنفصل، وإن كان بحيث لم
يبق فيها حياة مستقرة كأن تبين الحشوة وتنفصل أو كان الجرح في اللبة فإنه لا يحل وإن
ذكاه وفيه حياة وخرج الدم لأن الحركة إذا كانت حركة المذبوح فلا يراعى ما وراء ذلك.
والنحر في الإبل والذبح فيما عداها، فإن خولف ذلك بلا ضرورة لم يحل الأكل، يعقل
يدي البعير ويطعنه في لبته وهو بارك، ويعقل يدي الغنم وأحد رجليه، وإن كان من البقر
عقل يديه ورجليه، ويذبح الطير ويرسله ولا يعقله.
ولا تكون الذكاة صحيحة مبيحة للأكل إلا بقطع الحلقوم والودجين مع التمكن من
ذلك بالحديد أو ما يقوم مقامه في القطع عند فقده من زجاج أو حجر أو قصب مع كون
المذكي مسلما ومع التسمية واستقبال القبلة، ولا يحل التذكية بالسن والظفر المتصلين ولا
بالمنفصلين ولا يحل ذبيحة تععد فيها قلب السكين والذبح من أسفل إلى فوق
أو سلخ جلدها قبل أن يبرد بالموت أو لم يتحرك أو تحرك ولم يسل منها دم.
166

وذكاة ما أشعر وأوبر من الأجنة ذكاة أمه إن خرج ميتا حل أكله وإن خرج حيا
فأدركت ذكاته أكل وإلا فلا، وإن لم يكن أشعر وأوبر لم يحل أكله إذا خرج ميتا. وذكاة
السمك والجراد صيد المسلم إياهما فقط، وقيل: يجوز أن يصيدهما الكافر إذ ليس من
شرطهما التسمية وإن كانت أولى إلا أنه لا يحل أكل ذلك إذا لم يشاهد المسلم أخذ الكافر
إياهما حيا، والأول أحوط.
ولا يحل من السمك إلا ما كان له فلس، ولا يحل أكل الدبى من الجراد وهو الذي يقفز
ولا يستقل بالطيران. ولا يحل من السمك ما مات في الماء ولا من الجراد ما مات في الصحراء
وكذا حكم ما مات من السمك لذهاب الماء عنه وما مات من الجراد لوقوعه في ماء أو نار.
إذا أخذ سمك وجعل في شئ وأعيد في الماء فمات فيه لم يحل أكله.
إذا اصطاد سمكة فانفلتت من يده وبقيت فيها قطعة منها وذهب الباقي حيا حل
أكله.
إذا اصطاد سمكة وفي جوفها أخرى من جنس ما يؤكل حل أكلها.
إذا وثبت سمكة في الماء فماتت فإن أدركها الانسان وهي تضطرب جاز أكلها وإلا
فلا. ويكره صيد السمك يوم الجمعة قبل الزوال.
167

كتاب المأكول والمشروب
فصل:
الحيوان طير وغير طير، وغير الطير بري وبحري وحشي وإنسي.
فالإنسي مباح ومكروه ومحظور. فالمباح: الإبل والبقر والغنم. والمكروه: الخيل
والبغال والحمير وأشدها كراهة البغال ثم الحمير ثم الخيل. والمحظور: الكلب والهرة
وغيرهما من سائر الحشرات والهوام.
فالمباح يؤكل ما لم يمت أو كان جلالا فالميتة لا تحل إلا للمضطر الخائف من تلف
النفس لا غير، والجلال ما يكون غذاؤه كله عذرة الانسان لا يأكل سواها، ولا يجوز أكله
وشرب لبنه إلا أن يستبرأ وهو أن يربط ويعلف علفه: الإبل أربعين يوما، والبقر عشرين،
والغنم عشرة أيام. وإن كان يأكل العذرة ويأكل معها علفه المعتاد كان مكروها غير
محظور.
إذا شرب شئ من ذلك خمرا ثم ذبح جاز أكل لحمه بعد الغسل دون ما في بطنه،
وإذا رضع لبن خنزيرة أو شرب منه حتى اشتد على ذلك لم يجز أكل لحمه ولا ما كان من نسله،
فإن شرب منه دفعة أو دفعتين كان مكروها غير محظور غير أنه يجب استبراؤه سبعة أيام،
وإن كان صغيرا لا يأكل العلف سقي العلف سقي لبن غيره سبعة أيام وإن شرب بولا ثم
ذبح لم يؤكل ما في بطنه إلا بعد غسله بالماء وإن شرب من لبن امرأة فاشتد فلحمه مكروه
غير محظور، وما وطأه انسان حرم لحمه ولحم ما يكون من نسله ويحرق بالنار فإن اشتبه بغير
168

استخرج بالقرعة.
وأما الوحشي فمباح ومكروه ومحظور أيضا. فالمباح: الظبي والغزال والوعل و
البقر. والمكروه: الحمار فقط. والمحظور: الخنزير والضبع والفيل والأسد والفهد والنمر
والدب والثعلب والأرنب وابن آوى والقرد والسنور والسمور والسنجاب والخز والفنك
وما أشبه ذلك من السباع والمسوخ - ذا ناب كان أولا - والسلحفاة والضب والوزع والفأر
واليربوع والحية والعقرب والقنفذ والضفدع والخنفساء والجعل وبنات وردان والديدان
والزنابير والنحل والبق والبراغيث وغير ذلك من حشرات الأرض وهوامها.
وأما البحري فمباح ومكروه ومحظور.
فالمباح: كل سمكة لها فلس.
والمكروه: الزهو والزمار منه ولا يجوز أن يقلى السمك حيا ويجوز أكل ما يقلى من
صغار السمك من غير أن يلقى رجيعه لأن رجيع ما يؤكل لحمه غير نجس، ولا يجوز ابتلاع
السمك قبل أن يموت ولا أكل الجلال منه وهو ما يكون في ماء قذر إلا بعد أن يستبرأ يوما
وليلة في ماء طاهر يلقى إليه شئ طاهر.
والمحظور: ما لا فلس له من السمك وحيوانات الماء المسوخ منها وغير المسوخ
كالكلب والخنزير والحية وكالسلحفاة والضفدع والسرطان والتمساح وما أشبهها.
وأما الطير فبري وبحري. فالبري: مباح ومكروه ومحظور.
فالمباح: كالحمام إنسيا كان أو وحشيا وكل مطوق كالفواخت والقماري
وكالورشان والدباسي والدراج والتدرج والقبج والطيهوج والكراكي والقطاة والبطاط
وغراب الزرع والزاع والعصافير وأشباه ذلك مما يكون طيرانه دفيفا أو كان أكثره كذلك.
والمكروه: الحبارى والصرد والصوام والشقراق والهدهد والقنابر.
والمحظور جميع سباع الطيور ومسوخها كالنسر والعقاب والصقر والشاهين
والبازي والباشق والرخمة والحدأة وكل ذي مخلب والطاووس والغراب الأبقع والأسود
وما يأكل الجيف والخطاف والخشاف والصعوة، وكل ما صف في طيرانه أو يكون صفيفه
أكثر من دفيفه، فإن لم يتميز بأن يوجد مذبوحا أكل ما له قانصة أو حوصلة أو صيصية دون
169

ما ليس له شئ من ذلك.
وأما أصناف طير الماء، فالمباح منه البط والإوز وغيرهما مما يدف في طيرانه أو كان
دفيفه أكثر وإن كان مذبوحا فالاعتبار كما في البري سواء. ولا مكروه فيه. ويؤكل طير الماء
بالاعتبار المذكور وإن كان مما يأكل السمك ولا يجوز أكل الجلال منه إلا بعد استبرائه، البطة
وما أشبهها بخمسة أيام، والدجاج وما أشبهها بثلاثة أيام.
فصل:
يحرم من المباح المذكي الدم والفرث والطحال والمرارة والمشيمة والفرج ظاهره
وباطنه والقضيب والأنثيان والنخاع والعلباء والغدد وذوات الأشاجع وهي الأوداج والحدق
والخرزة تكون في الدماع ويكره الكليتان.
ويحل من الميتة الصوف والوبر والشعر والريش إذا جز وأما إذا قلع فلا، ويحل منه
العظم والناب والسن والظلف والقرن والأنفحة واللبن والبيض إذا اكتسى الجلد الفوقاني
فإن لم يكتسه فلا. وإذا علق الطحال المثقوب مع اللحم في التنور لم يؤكل ما تحته من اللحم
وغيره ويؤكل ما فوقه، وغير المثقوب يؤكل ما تحته أيضا.
إذا وجد لحم لا يدري أ ذكي. أم لا طرح على النار فإن انقبض فهو ذكي وإن انبسط
فلا. إذا قطعت ألية شاة وهي بعد حية لم يحل أكلها لأنها ميتة.
وأما البيض فلا يحل منه إلا بيض ما يؤكل لحمه فإن اشتبه لا يؤكل إلا ما اختلف
طرفاه.
وقد روي أنه يجوز أن يتخذ من جلد الخنزير دلو يسقي بها الماء لغير الطهارة
والشرب، وتجنبه أفضل وكذا جلود الميتات، وإن ألجأت الضرورة إلى
استعمال شعر الخنزير استعمل منه ما لم يبق فيه دسم ثم يغسل اليد للصلاة.
يحل الميتة وكل محرم لمن يخاف تلف النفس ومن هو في معناه كمن يخاف المرض إن
تركها أو كان في سفر يمشي وعلم أنه إن لم يأكلها ضعف وانقطع عن الرفقة، وما يسد به
الرمق من ذلك يجب عليه تناوله والزائد عليه حرام.
170

من لم يجد الميتة ومع رفيقه ما يسد رمقه ولا يبيعه منه نقدا ولا نسيئة ولا يبذله وجب
عليه قتاله إن قدر، وإن قتله فدمه هدر، وإن قتل المضطر فالقاتل ضامن لدمه. وجيفة
الآدمي كغيره في جواز تناول المضطر إياها عند فقد غيرها، ولا تحل الميتة للخارج على
الإمام العادل ولا لقاطع الطريق وإن كانا مضطرين. وقد جوز للمضطر قتل من كان مباح
الدم وأكله كالكافر الأصلي والمرتد المولود على الاسلام والزاني المحصن وغيرهم.
إذا وجد المضطر بولا وخمرا شرب البول لا غيره لأنه لا يسكر ولا حد فيه.
فصل:
كل طعام أو شراب حصل فيه أو أصابه شئ من النجاسات قليلا كان أو كثيرا
فإنه ينجس ويحرم أكله، ثم إن كان جامدا والنجاسة على ظاهره ويمكن غسله غسل، وإن لم
يمكن غسله كالدبس ونحوه أزيلت النجاسة منه ومما حولها وحل الباقي، وإن كانت
النجاسة أصابت المائع قبل جموده ثم جمد أو الدقيق والعجين ثم خبزا أو اللبن ثم اتخذ منه
الجبن والأقط ونحو ذلك لم يجز أكله وجاز بيعه ممن يستحل الميتة والنجاسة، فإذا نجس
الدهن المائع فلا يمكن تطهيره بالماء لأنه لا يمتزج بالماء امتزاج الخل والماء ورد النجس يطهر
به، ويجوز الاستصباح به تحت السماء دون السقوف وبيعه كذلك، وحمل الشيخ أبو جعفر
رضي الله عنه النهي الوارد عن الاستصباح به تحت السقف على الكراهية دون الحظر
وقال: إن دخانه ودخان كل نجس من العذرة وجلود الميتة إذا حرقت ليس بنجس وكذلك
رماده لما روي من جواز السجود على جص أو قد عليه بالنجاسة، وقد روي جواز
الاستصباح بالأدهان النجسة تحت الظلال لأن النار تأكل ما فيه.
كل دواء عمل بشئ من المحرمات يحرم أكله والتداوي به كالترياق من لحوم
الأفاعي ونحو ذلك والسم النباتي الذي يقتل كثيره وينفع قليله كالسقمونيا لا يحرم منه
القدر النافع ويحرم ما يقتل منه، ولا يحل أكل ما تولاه الكفار بأيديهم وباشروه بنفوسهم
إلا ما كان يابسا من الحبوب ونحوها، ولا يجوز مؤاكلة الكفار على اختلاف مللهم
ولا استعمال أوانيهم إلا بعد غسلها، ولا يجوز استعمال أواني المسكرات إلا بعد الغسل سبعا،
171

وكذا كل مائع ماتت فيه فأرة، ويكره أكل سؤر الفأرة ولا يكره أكل ما أكل منه السنور
أو شرب.
إذا أكل الكلب أو الخنزير من الخبز أو شمه ترك الموضع وأكل الباقي ولا بأس
بغيرهما من السباع والدواب.
إذا وقع ميتة ما له نفس سائلة في قدر أهريق ما فيها وغسل اللحم وأكل، وإن كان مما
لا نفس له سائلة يلقى هو ويستعمل الباقي إلا أن يكون من ذوات السموم كالعظاية و
العقرب فإنه لا يجوز أكل ما ماتا فيه للسم فإن أخرجا منه حيين كره أكله.
إذا وقع في القدر دم قليل ثم غلى جاز أكل ما فيها لأن النار تحيل الدم، فإن كان
كثيرا لا يؤكل ما فيه إلا اللحم فإنه يؤكل بعد الغسل، ويكره أكل ما عالجه الجنب
والحائض من الطعام إذا لم يتحفظ ويحرم إن علم أنه يعمل الطعام بالنجاسة ولا يحترز، وإن
كان مأمونا فلا بأس.
لا يجوز الأكل والشرب في أواني الذهب والفضة، ولا يصير المأكول ولا المشروب
حراما بالأكل والشرب فيها وإنما حرم استعمالها في ذلك، فإن كان قدحا مفضضا أو مذهبا
بعضه فأكل أو شرب متجنبا موضع الذهب والفضة فلا بأس.
ولا يجوز أكل الطين إلا القليل من تربة الحسين ع للاستشفاء خاصة دون
الكثير.
ويكره الأكل والشرب على الجنابة، ويكره أكل اللحم نيا حتى تغيره النار أو الشمس.
ولا بأس أن يأكل الانسان من بيت من ذكره الله في قوله: أو بيوت آبائكم... الآية،
بغير إذن صاحبه ولا يجوز حمل شئ منه ولا إفساده.
والثمار في البساتين ما لم يجنها صاحبها جاز للمارة أكل شئ منها بلا إذن صاحبها،
فأما الحمل منها فلا، ومن وجد طعاما فليقومه على نفسه ثم يأكل منه فإذا جاء صاحبه رد عليه ثمنه.
فصل:
الخمر وكل مسكر حرام قليله وكثيره ولا يجوز شربه والتصرف فيه وكذا الفقاع،
172

ولا بأس بشرب العصير وبيعه ما لم يغل فإذا غلى حرم شربه وبيعه. وحد غليانه المحرم
أن يصير أسفله أعلاه فإذا صار بعد ذلك خلا بنفسه أو ذهب ثلثاه على النار أو يخضب
الإناء فقد حل، وقد روي أنه إذا ذهب على النار من كل درهم ثلث وربع ثم برد فقد ذهب
ثلثاه، ولا يجوز أن يؤتمن على طبخ العصير من يستحل شربه على أكثر من الثلث.
رخص للمضطر في التداوي بالمسكر للعين لا غير.
إذا صار الخمر خلا جاز استعماله سواء كان ذلك من قبل نفسها أو بعلاج والأولى
أن لا يعالج. ومتى خلط خمر في الخل لم يجز استعماله إلا بعد أن يصير الخمر خلا، ويعلم ذلك
بأن يأتي عليه زمان يصير الخمر في مثله خلا، فإن كان الخمر كثيرا والخل قليلا يعلم ذلك
بأن يتغير الخمر عن حالها إلى حال الخل في الطعم والشم.
لا بأس برب التوت والرمان والسفرجل وإن شم منه رائحة المسكر لأن قليل ذلك
وكثيره لا يسكر، ويكره أن يسقى البهائم شئ من المسكرات، ويكره الاستشفاء بالمياه
الحارة في الجبال، ولا بأس بشرب أبوال الإبل والغنم والبقر والأتن للتداوي بها.
فصل:
يستحب لمن حضر الطعام أن يغسل يده وإذا كانوا جماعة ابتدأ غسلها رب البيت
ثم من عن يمينه إلى آخرهم، ويجلس الآكل على وركه الأيسر ويسمي الله تعالى وإن سمى
عند كل لون من ألوان ما على الخوان كان أولى، وإذا فرع قال: الحمد لله، وليكن صاحب
الطعام أول من يبدأ بالأكل وآخر من يترك، ويبدأ بالملح ويختم به، وروي الختم بالخل، ويأكل
بثلاث أصابع ويصغر اللقمة ويجيد المضغ ويقل النظر في وجوه الناس ويأكل مما يليه
و يلعق الإصبع ولا يمسحها بالمنديل، ويمسك عن الطعام وبه بعض الشهوة فإن كثرة
الطعام والشراب ربما بلغ حد الحظر، ويسمي الله عند شرب الماء ويشرب بثلاثة أنفاس إلا
إذا ناوله الكوز حر فليشرب بنفس واحد، ويشرب بالرفق ويمص الماء ولا يعبه ويحمد الله
تعالى إذا فرع من الشرب. ويكره شرب الماء من قيام بالليل خاصة، ويكره الأكل
والشرب بالشمال بلا عذر، ويكره الشرب من عند العروة ومن موضع الكسر، واجتناب
173

الأكل والشرب ماشيا أفضل ولا يأكل متكئا ولا منبطحا إلا إذا كان معلولا، ولا يقطع الخبز
واللحم على المائدة بالسكين ولا يفرق اللحم عن العظم بالخبز، ولا يمسح الأصابع بالخبز عن
الفم ولا يأكل اللحم غير نضيج ولا ينهك العظم، ولا يأكل على مائدة يشرب عليها مسكر
أو فقاع، ولا يجيب فاسقا إلى طعامه، ولا يكثر الكلام عند أكل الطعام ولا يسكت بمرة،
ولا يقرب بين نوعين من الفواكه، ولا يأكل الجنب ولا يشرب إلا بعد المضمضة
والاستنشاق ولا يأكل اللحم إلا في كل ثلاثة أيام ولا يترك أكله مختارا، ولا يأكل الحار حتى
يبرد، ولا يترك العشاء ولو بلقمة وكان عشاء الأنبياء ع بعد العتمة ولا يبيت
المسن إلا ممتلئ الجوف من الطعام.
وفي الضيافة فضل كثير وثواب جزيل، ويكره أن يصوم المضيف تطوعا لئلا
يحتشمه الضيف في الأكل، وليقعد الضيف حيث ينزله المضيف وليستقبله المضيف إذا دخل
هنيئة وليمش إلى باب الدار إذا خرج، ولا يعاون الضيف على نقل الرحل من منزله إذا
رحل، ولا يستخدم الضيف، وإذا وضع الطعام دعي إليه من حضر مسلم أو لا، ومن
خصال الكرام إكرام الضيف [و] إذا دعي إلى طعام فلا يستتبعن ولده وإلا أكل حراما ودخل
غاصبا، وإذا فرع الضيف من الطعام دعا للمضيف بالخير والبركة ويحمد الله جاهرا إذا
فرع ليذكر الحمد من نسيه، ثم يبدأ بغسل يد من على يمنى الباب أو يمين المضيف إلى آخرهم
ويكون هو آخرهم، ويجمع الغسالة في إناء واحد، ومن غسل يديه من الطعام مسح
بهما رأسه ووجهه قبل أن يمسحهما بالمنديل ثم يستعمل الخلال إن احتاج ويكسر من رأسه
شيئا بأنيابه ويرمي بما يخرج بالخلال، وإن أخرجه بلسانه ازدرده، وروي أن من حق الضيف أ
ن يعد له الخلال، ولا يخلل بالطرفاء ولا بالريحان ولا بقضيب الرمان ولا بالقصب
والخوص والآس [ولا بأس بالكتان]..
174

السرائر الحاوي لتحرير الفتاوى
لأبي منصور محمد بن إدريس محمد العجلي الحلي
558 - 598 ه‍ ق
175

كتاب الصيد والذبائح
قال الله تعالى: أحل لكم صيد البحر، وطعامه مناعا لكم وللسيارة وحرم عليكم صيد
البر ما دمتم حرما، فأباح تعالى صيد البحر مطلقا لكل أحد وأباح صيد البر إلا في حال
الإحرام وقال تعالى: أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم غير محلى الصيد وأنتم حرم،
وقال: يسألونك ما ذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين إلى
قوله فكلوا مما أمسكن عليكم، وهذه أبين آية في كتاب الله في الاصطياد وأكل الصيد لأنها
أفادت جواز تعليم الجوارح للاصطياد وأكل ما تصيد وتقتل إذا كان معلما، لأنه لو لم يقتله لما
جاز أكله حتى يذكى معلما كان أو غير معلم، وأيضا على ذلك إجماع الأمة.
فأما ما يجوز الاصطياد به فعندنا لا يجوز الاصطياد بشئ من الجوارح إلا الكلب
المعلم فقط دون ما عداه سواء كان من جوارح السباع أو جوارح الطير.
يدل على صحة ما قلناه بعد إجماعنا قوله تعالى: وما علمتم من الجوارح مكلبين، وهذا نص
صريح على أنه لا يقوم مقام الكلاب في هذا الحكم غيرها لأنه تعالى لو قال: وما علمتم من
الجوارح، ولم يقل مكلبين لدخل في هذا الكلام كل جارح من طير وبهيمة ذي ظفر وناب
ومخلب، وإنما أتى بلفظ مكلبين وهي تختص الكلاب لأن المكلب هو صاحب الكلاب بلا خلاف
بين أهل اللغة فعلمنا أنه تعالى لم يرد بالجوارح جميع ما يستحق هذا الاسم وإنما أراد بالجوارح
الكلاب خاصة ويجري ذلك مجرى قولهم: ركب القوم مهاريهم مبقرين ومجمزين، فإنه لا يحمل -
وإن كان اللفظ الأول عاما - إلا على ركوب البقر والجمازات، وليس لأحد أن يقول المكلب
177

المضري والممرن والمغري لأنا نقول هذه لفظة عربية مشتقة من الكاف واللام والباء فلا يعدل
عن الحقيقة إلى المجاز ولا يتكلم فيما طريقه اللغة إلا أهلها، قال طفيل الغنوي:
تبارى مراخيها الزجاج كأنها ضراء أحسب نبأة من مكلب.
يصف خيلا والمراخي جمع مرخاء وهي السريعة العدو والزجاج جمع زج والضراء جمع
ضرورة وهي الكلبة، وقال النابغة: فارتاع من صوت كلاب.
وإنما يكون معلما بثلاث شرائط: أحدها إذا أرسلته استرسل وثانيها إذا زجرته انزجر
وثالثها لا يأكل مما يمسكه ويتكرر هذا منه دفعات حتى يقال في العادة أنه معلم.
ثم يكون مرسله ممن يعتقد وجوب التسمية عند إرساله ويسمي إذا أرسله فإن أكل
الكلب منه نادرا فلا بأس بأكل الباقي، وإن كان الأكل عادة له فلا يجوز أكل ما قتله، وأما إذا
استرسل بنفسه فإن وجده وفيه حياة مستقرة لم يحل حتى يذكيه معلما كان أو غير معلم،
وإن قتله فلا يحل أيضا، فكأنه إنما يحل موضع واحد وهو إذا أرسله فقتله وهو معلم لدليل
الآية.
إذا أرسل المسلم آلته على صيد وأرسل المجوسي أو أي كافر كان، آلته أيضا على
ذلك الصيد، مثل أن أرسلا كلبين أو سهمين أو أحدهما كلبا والآخر سهما فأصاباه وقتلاه
حرم أكله بلا خلاف، ولا فصل بين أن يقع السهمان دفعة واحدة أو واحد بعد الآخر إذا
كان القتل منهما، فأما إن صيره الأول في حكم المذبوح ثم رماه الآخر، مثل أن قطع الأول
الحلقوم والمرئ والودجين ثم رماه الآخر، فالأول ذابح والآخر جارح فيكون الحكم الأول،
فإن كان الأول مجوسيا لم يحل أكله وإن كان مسلما والثاني مجوسيا حل أكله لأن الحكم
للأول.
فأما إن أرسلا معا فوجدا الصيد قتيلا لم يعلم أي الكلبين قتله حرم أكله، فإن أرسلا
معا كلبا واحدا فقتل حرم أكله، فإن كان مع مسلم كلبان فأرسلهما وأحدهما معلم والآخر
غير معلم لم يحل أكله، وإن كان معه كلبان أرسل أحدهما ولم يرسل الآخر واسترسل الآخر
بنفسه حرم أكل ما قتلاه، فإن أرسل مسلم كلبه ومجوسي كلبه فأدركه كلب المجوسي فرده
إلى كلب المسلم فقتله كلب المسلم وحده كل أكله.
178

إذا غصب رجل آلة فاصطاد بها كالسهم أو الكلب كان الصيد للصائد دون
صاحب الآلة وعلى الغاصب أجرة المثل في تلك الآلة، فإذا اصطاد بالكلب صيدا فعضه
الكلب وجرح موضعا منه كان موضع العضة نجسا لأن سؤر الكلب ولعابه نجس وماسه
نجس بغير خلاف بيننا، فأما قوله تعالى: فكلوا مما أمسكن عليكم، ولم يأمر بالغسل
فرجوع عن ظاهره بالإجماع المقدم ذكره.
واختار شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه قول بعض المخالفين أنه لا يجب غسله ولا يكون نجسا إلا أنه رجع
إذا شرب الكلب المعلم من دم الصيد ولم يأكل من لحمه لم يحرم لقوله تعالى: فكلوا مما
أمسكن عليكم، وقد ثبت أن المراد بذلك ألا يأكل منه لأنه لو أكل لكان ممسكا على نفسه
دون صاحبه.
إذا عقر الكلب المعلم الصيد عقرا لم يصيره في حكم المذبوح وغاب الكلب
والصيد عن عينه ثم وجده ميتا لم يحل أكله، فإن كان قد صيره في حكم المذبوح بأن قطع
المرئ والحلقوم والودجين أو قطعه نصفين فإنه يحل أكله لأنا نعلم أنه قتله.
إذا أدركه وفيه حياة مستقرة لكنه في زمان لم يتسع لذبحه أو كان ممتنعا فجعل
يعدو خلفه فوقف له وقد بقي من حياته زمان لا يتسع لذبحه لا يحل أكله.
إذا أرسل كلبه المعلم وسمى عند إرساله على صيد بعينه فقتل غيره حل أكله،
وكذلك إن أرسله في جهة فعدل عن سمته إلى جهة غيرها وقتل حل أكله.
إذا رمى سهما أو حربة ولم يقصد شيئا فوقع في صيد فقتله أو رمى شخصا فوقع في صيد
فقتله لا يحل ذلك ولا يجوز أكله بحال لأنه لم يسم وقد دللنا على وجوب التسمية.
إذا رمى سهما وسمى فوقع على الأرض ثم وثب بالاعتماد الأول فأصاب الصيد. فقتله
حل أكله.
إذا قطع الصيد بنصفين وخرج منهما الدم حل أكل الكل بلا خلاف، وإن كان الذي
مع الرأس أكثر حل الذي مع الرأس دون الباقي، وكان الذي مع الوركين أكثر حل الجميع
أيضا.
هكذا ذكره شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه ومبسوطه وهو قول بعض المخالفين، والذي
179

ينبغي تحصيله في ذلك أن الجميع يحل سواء كان الذي مع الرأس أكثر أو أقل إذا لم يكن قد
بقي مع الذي مع الرأس حياة مستقرة لأنهما جميعا مذبوحان ميتان مقتولان، وأما إذا كان
الذي مع الرأس فيه حياة مستقرة فلا يجوز أكل الباقي لأنه أبين من حي فهو ميتة، لأن كل ما
أبين من الحي وقطع منه والحي على حياته فهو ميتة، فأما إذا لم يقطع من حي بل كلاهما غير
حي بل صيد مقتول فلا يحرمان.
إذا اصطاد المسلم بكلب علمه مجوسي حل أكل ما قتله وبه قال جميع الفقهاء. إذا كان
المرسل كتابيا لم يحل أكل ما قتله. إذا كان المرسل مجوسيا أو وثنيا لم حل أكل ما اصطاده
بلا خلاف، وإن كان أحد أبويه مجوسيا أو وثنيا والآخر كتابيا لم يجز أيضا عندنا.
كل حيوان مقدور على ذكاته إذا لم يقدر عليه بأن يصير مثل الصيد أو يتردى في بئر
فلا يقدر على موضع ذكاته كان عقره ذكاته في أي موضع وقع منه.
لا تحل التذكية بالسن ولا بالظفر سواء كان متصلا أو منفصلا فإن خالف وذبح لم يحل
أكله.
هكذا ذكره شيخنا في مسائل خلافه، والذي ينبغي تحصيله في هذا الإطلاق، فإن كان ذلك في
حال الاختيار فهو على ما قال صحيح، وإن كان في حال الاضطرار فغير صحيح بل عندنا
بلا خلاف بيننا أنه يجوز الذباحة في حال الاضطرار وعند تعذر الحديد بكل شئ يفري
الأوداج سواء كان ذلك عظما أو حجرا أو عودا أو غير ذلك، وإنما بعض المخالفين يذهب إلى:
أن ذلك ذلك لا يجوز الذبح بالسن والظفر في حال الاضطرار والاختيار، واستدل بخبر رواه
المخالف من طرقهم وما رواه أحد من أصحابنا فليلحظ ذلك ولا يظن أنه قولنا.
لا يحل ذبائح أهل الكتاب: اليهود والنصارى، ولا يجوز الذكاة في اللبة إلا في الإبل
خاصة فأما البقر والغنم فلا يجوز ذبحها إلا في الحلق، فإن ذبح الإبل ونحر البقر والغنم لم
يحل أكله.
إذا ملك صيدا فأفلت منه لم يزل ملكه عنه طائرا كان أو غير طائر لحق بالبراري يلحق،
لأنه قد ثبت ملكه قبل الإفلات بلا خلاف ولا دليل على زواله فيما بعد وعلى من ادعى ذلك
الدلالة.
180

إذا قتل المحل صيدا في الحل لا جزاء عليه سواء كان منشأه في الحل ولم يدخل الحرم
أو دخل إلى الحرم وخرج إلى الحل أو كان منشأه في الحرم فخرج إلى الحل.
وصيد السمك أخذه وإخراجه من الماء حيا وكذلك إن وجده الانسان على الجدد
فأخذه حيا، ولا يكفي مشاهدته له دون أخذه ولمسه سواء كان من أخرجه وأخذه مسلما أو
كافرا من أي أجناس الكفار كان، لأنه لا يراعى في صيده وجوب التسمية، إلا أن
ما يصيده غير المسلم لا يجوز أكله إلا إذا شوهد اخراجه له من الماء حيا سواء مات في يده بعد
اخراجه أو أخذه المسلم منه وهو حي.
وذهب شيخنا أبو جعفر في استبصاره لما أورد الأخبار وتأولها لما وردت عامة بأنه: لا بأس
بصيد المجوس، إلى أن قال: فالوجه في هذه الأخبار أن نحملها على أنه لا بأس بصيد
المجوس إذا أخذه الانسان منهم حيا قبل أن يموت، ولا يقبل قولهم في اخراج السمك من الماء
حيا لأنهم لا يؤمنون على ذلك، معتمدا على خبر رواه الحسين بن سعيد عن فضالة عن أبان
عن عيسى بن عبد الله قال: سألت أبا عبد الله ع عن صيد المجوس فقال: لا بأس
إذا أعطوكه حيا والسمك أيضا وإلا فلا تجز شهادتهم إلا أن تشهده.
قال محمد بن إدريس رحمة الله عليه: وهذا تخصيص منه رحمه الله للعموم بخبر واحد، وقد
بينا أن أخبار الآحاد لا توجب علما ولا عملا، وأيضا فالخبر الذي خصص به واعتمد عليه
هو دليل الخطاب لأنه قال: لا بأس إذا أعطوكه حيا، ولم يقل: إذا شاهدت إخراجهم له حيا
وأخذته منه بعد ذلك ميتا لا يجوز أكله، وقد يترك دليل الخطاب لدليل آخر، وإجماعنا منعقد:
أن صيد السمك أخذه وإخراجه من الماء حيا، ولا يراعى فيه وجوب التسمية، والأولى لشيخنا
أنه كان يتأول ما شذ من الأخبار على أنه إذا صاده المجوس وجميع الكفار لا يجوز أكله إلا إذا
شاهد المسلم اخراج الكافر السمك حيا من الماء سواء مات في يده بعد اخراجه أو أخذه
المسلم منه وهو حي، بخلاف صيد المسلم له لأن صيد المسلم يحل سواء شاهد اخراجه أو لم
يشاهد ويقبل قوله في ذلك سواء كان محقا أو مبطلا والكفار لا يقبل قولهم في ذلك، كما ذهب
إلى هذا القول في نهايته، وهذا وجه صحيح في تأويل الأخبار مستمر على قاعدة النظر وأصل
المذهب، وهو الذي يذهب إليه المحصلون من أصحابنا، وهو أنه لا خلاف بينهم قديما
181

وحديثا في أن صيد السمك لا يراعى فيه التسمية بل الحال التي يحل معها أكله أن يخرجه
آدمي من الماء حيا أو يأخذه من غير الماء وهو حي، سواء أخذه أو أخرجه مسلم أو كافر من
أي أجناس الكفار كان، إلا أن ما يخرجه غير المسلم يراعى فيه المشاهدة له وقد أخذه حيا،
ولا يقبل قوله: في أنه أخرجه من الماء حيا، والمسلم يقبل قوله في ذلك سواء كان المسلم محقا
أو مبطلا، فهذا فرق ما بين المسلم والكافر، وقد حقق ذلك السيد المرتضى في الناصريات.
فأما من تمسك وذهب إلى تحريم أكل السمك والجراد إذا صادهما الذمي والمسلم غير المحق
يعول على أن صيدهما هي ذكاتهما وأن العذر قد انقطع بأن غير المحق لا ذكاة له ولا تؤكل
ذبيحته.
فأقول: إن أخذ السمك وإخراجه من الماء حيا ليس بذكاة على الحقيقة وإنما أجري مجرى
الذكاة في الحكم لا في وقوع الاسم، وإذا وقع التحريم بتذكية غير المحق وأنه لا ذكاة له، فإنما
يدخل في ذلك ما يكون حقيقة من الذبح وفري الأوداج، ومما لا يكون لا يكون حقيقة ويسمى
بهذه التسمية جاز أن لا يدخل في الظاهر إلا بدليل، فعلى من ادعى دخول صيد غير المحق
السمك والجراد تحت تحريم ذكاة المبطل الدليل.
وقد رجع شيخنا أبو جعفر عما ذكره في استبصاره إلى ما ذهبنا إليه في مبسوطه، وحقق
ذلك في نهايته على ما قدمناه وبيناه أولا وحكيناه، قال في مبسوطه: إذا اصطاد السمك من
لا يحل ذبيحته كالمجوسي والوثني حل أكله بلا خلاف غير أنا نعتبر أن يشاهده وقد أخرجه
حيا ولا يصدق على ذلك لأنه يجوز أن يكون مات في الماء وعندنا لا يجوز أكل ذلك، وكذلك ما
اصطاده اليهودي والنصراني من السمك، والفرق بين صيد السمك والذبيحة على مذهبنا:
أن صيد السمك لا يراعى فيه التسمية والذباحة تجب فيها التسمية فلأجل ذلك لم يصح
منهما، هذا آخر كلامه رحمه الله فتدبره واعتبره.
وأيضا لو كان صيد السمك ذكاة حقيقة لما قال الرسول عليه وآله السلام لما سئل عن ماء
البحر فقال: هو الطهور ماؤه الحل ميتته، فأحل ميتته فلو كان صيده ذكاة حقيقة لما أطلق عليه
اسم الميتة لأن الحيوان المذكي لا يسمى ميتة في عرف الشرع. ولما قال أمير المؤمنين عليه
السلام عند سؤال السائل له عن دم السمك فقال: لا بأس بدمه ما لم يذك، فبان بذلك ما نبهنا.
182

وأدل دليل على جواز أكل صيد غير المحق مع المشاهدة له السمك وقد أخرجه من الماء حيا
وإن مات في يده، وأن الصيد للسمك ليس بذكاة حقيقة وإنما أجري مجرى الذكاة الحقيقية في
الحكم لا في وقوع الاسم، إجماع أصحابنا المحصلين على أن الشاة المذكاة يحرم منها أربعة
عشر شيئا وإجماعهم على أن السمك لا يحرم منه شئ فلو صيده ذكاة حقيقية لحرم منه ما يحرم
من الشاة المذكاة ذكاة حقيقية، وأحد لا يقول بذلك.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: وإذا نصب الانسان شبكة في الماء يوما وليلة أو ما زاد على
ذلك ثم قلعها وقد اجتمع فيها سمك كثير جاز له أكل جميعه وإن كان يغلب على ظنه أن
بعضه مات في الماء لأنه لا طريق له إلى تمييزه من غيره، فإن كان له طريق إلى تمييز ما مات في الماء
مما لم يمت فيه لم يجز له أكل ما مات فيه، وكذلك ما يصاد في الحظائر ويجمع فيها جاز أكل ذلك
جميعا مع فقد الطريق إلى تمييز الميت من الحي.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: هذه رواية أوردها رحمه الله إيرادا لا اعتقادا، وتحرير ذلك أن
الانسان متى نصب الشبكة ووقع فيها السمك وأخذه منها وهو حي فإنه حلال، وإن أخذه
وهو ميت فلا يجوز أكله بحال لأنا أجمعنا على أنه ما يموت من السمك في الماء فإنه حرام، وهذا
إجماع منعقد من أصحابنا فلا يجوز أن يرجع عنه بأخبار الآحاد التي لا توجب علما ولا عملا.
وإذا صيد سمك وجعل في شئ وأعيد في الماء فمات فيه لم يجز أكله، وإن أعيد إلى غير
الماء حتى يموت فيه لا بأس بأكله، والفرق بين الأمرين: إن في الأول مات فيما فيه حياته والثاني
مات فيما ليس فيه حياته.
وروي أنه يكره صيد السمك يوم الجمعة قبل الصلاة، ويكره صيد الوحش والطير
بالليل، ويكره أخذ الفراخ من أعشاشهن وأوكارهن وليس ذلك بمحظور.
والطير إذا كان مالكا جناحيه فلا بأس بصيده بسائر آلات الصيد ما لم يعرف له
صاحب فإن عرف له صاحب فلا يجوز اصطياده فإن اصطيد وجب رده على صاحبه،
والمقصوص الجناح لا يجوز أخذه لأن له صاحبا فإن أخذه كان حكمه حكم اللقطة في جميع
أحكامها.
ولا يؤكل من الطير ما يصاد بسائر أنواع آلات الصيد إلا ما أدرك ذكاته إلا ما يقتله
183

السهم، ويكون مرسله قد سمى عند إرساله أو ترك التسمية ساهيا مع اعتقاده لوجوبها،
فإن لم يكن صاحبه قد سمى أو صيد بالبندقية.
وهو الجلاهق، وهو الطين المدور يرمى به عن القوس، فارسي وأصله بالفارسية جلاهه
الواحدة جلاهقة وجلاهقان وليس الجلاهق القسي كما يظنه بعض الناس. وقال شيخنا
المفيد في مقنعته: ورمي الجلاهق وهي قسي البندق حرام، والصحيح ما ذكرناه فإنه قول
اللغويين ذكره ابن الجواليقي في المعرب، وذكره أيضا الجوهري في كتاب الصحاح،
والاعتماد على أهل اللغة في ذلك فإنهم أقوم به.
والمعراض
وهو سهم بلا ريش ولا نصل ويصيب بعرض عوده دون حده، ومنه حديث عدي أنه قال:
إني أرمي بالمعراض فيخرق فقال رسول الله ص: إن خرق فكل وإن أصاب
بالعرض فلا تأكل، هذا قول الهروي في غريب الحديث. وقال ابن فارس صاحب مجمل
اللغة: المعراض سهم طويل له أربع قذذ دقاق فإذا رمى به اعترض.
وكذلك ما يقتله الحجارة وما أشبه ذلك فمات منه لم يجز أكله.
وإذا رمى انسان طيرا بسهم فأصابه وأصاب فرخا لم ينهض بعد فأصابهما وقتلهما، جاز
أكل الطير لأنه صيد، ولم يجز أكل الفرخ الذي لم ينهض لأنه ليس بصيد وهو مقدور عليه
فلا يكون حكمه حكم الصيد، وإذا قتل الصيد بسهم يصيبه ولم تكن فيه حديدة لم يجز
أكله، فإن كان فيه حديدة غير أنه أصابه معترضا فقتله جاز أكله، ولا يجوز أن يرمى الصيد
بشئ أكبر منه، فإن رمى بشئ أكبر منه فقتله لم يجز أكله على ما روي في الأخبار، وإذا لم يكن
مع الصائد سهم فيه حديدة ومعه سهم حاد ينفذ ويخرق - بكسر الراء - جاز أكل
ما يصيده به إذا خرق فإذا لم يخرق لم يجز أكله.
وصيد الوحش يجوز بسائر آلات الصيد من الجوارح والسباع والمصائد والحبالات.
إلا أنه لا يجوز أكل شئ من ذلك عند أصحابنا إلا ما أدرك الانسان ذكاته إلا الكلب خاصة
على ما تقدم بيانه وتحريره.
وروى أصحابنا: أن أدنى ما يلحق معه الذكاة أن يجده تطرف عينه أو تتحرك يده أو رجله أو ذنبه.
184

وإذا أخذ الكلب المعلم صيدا فأدركه صاحبه حيا وجب أن يذكيه، فإن لم يكن معه
ما يذكيه به فليتركه حتى يقتله ثم ليأكل إن شاء.
هكذا أورده شيخنا في نهايته، والأولى عندي أنه يجب عليه أن يذكيه، فإن لم يكن معه ما يذكيه
به فلا يحل أكله إذا قتله الكلب بعد ذلك، لأنه ليس بصيد الكلب بعد القدرة عليه لأنه غير
ممتنع بل هو مقدور عليه فهو بمنزلة الغنم.
إذا لم يكن مع الانسان ما يذكيه ويذبحه به ومعه كلب فلا يجوز له أن يدع الكلب
يذبحه بلا خلاف، لأنه ليس بصيد.
هذا الذي تقتضيه أصول المذهب، وإنما أورد هذا الخبر شيخنا إيرادا لا اعتقادا كما أورد أمثاله
مما لا يعمل عليه في هذا الكتاب.
وإذا انفلت كلب فصاد من غير أن يرسله صاحبه وسمى لم يجز أكل ما يقتله، ومن
نسي التسمية عند إرسال الكلب وكان معتقدا لوجوب ذلك جاز أكل ما يقتله،
يسمي غير الذي يرسل الكلب، فإن أرسل واحد الكلب وسمى غيره لم يجز أكل ما يقتله
ومن شرط أكل ما يقتله الكلب خاصة أن لا يغيب عن العين فإذا غاب عين العين ثم وجد
مقتولا لم يجز أكل ما قتله.
هكذا أورده شيخنا في نهايته، والذي تقتضيه الأدلة أن يقال: هذا يكون إذا عقره عقرا لم
يصيره في حكم المذبوح، فأما إذا عقرا يصيره في حكم المذبوح، بأن أخرج حشوته أو فلق
قلبه أو قطع الحلقوم والمرئ والودجين، ثم غاب عن العين بعد ذلك فإنه يحل أكله، وإلى هذا
التحرير والتفصيل يذهب رحمه الله في مسائل خلافه.
فأما السهم فإن غاب عن العين وكان قد جعله السهم في حكم المذبوح، بأن قطع
الحلقوم والمرئ والودجين وجميع الرقبة ما خلا الجلد أو أبان السهم حشوته - بكسر الحاء
يعني جميع ما في بطنه - وما أشبه ذلك فلا بأس بأكله، فأما إن كان بخلاف ذلك فلا يجوز أكله
لأن في الأول يقطع على أن سهمه القاتل له والثاني لا قطع معه، وبهذا وردت الأخبار عن
الأئمة الأطهار وأصول المذهب أيضا تقتضيه، فإن أصاب الصيد سهم فتدهده من جبل
أو وقع في الماء ثم مات فعلى ما فصلناه من الاعتبار.
185

وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: وإذا أصاب الصيد سهم فتدهده من جبل أو وقع في
قبل أن يسقط أو بعد ما سقط، وقال بعضهم: إذا مات بعد ما سقط لم يحل أكله لأن سقوطه على
الأرض قبل موته فقد أعانت السقطة على قتله، فقد مات من مبيح وحاظر فغلبنا حكم الحظر
كما لو سقط في الماء، وهذا أليق بمذهبنا، فأما إن سقط عن الإصابة في ماء أو تردى من جبل أو
وقع على شجرة فتردى منها إلى الأرض لم يحل أكله لقوله تعالى: والمنخنقة
والموقوذة والمتردية، فما وقع في الماء فالماء يخنقه، وما وقع على الجبل ثم تردى فهو المتردية، هذا إذا كان
الجرح غير موجئ، فأما إن كان الجرح قاتلا موجئا مثل أن وقع السلاح في حلقه فذبح أو في
قلبه أو كبده فقتله حل أكله بكل حال، لأنه صار مذكى فلا يقدح فيه ما وراء ذلك، كما لو
ذبح شاة ثم وقعت في الماء فماتت فيه فإنه يحل أكلها، هذا آخر كلام شيخنا أبي جعفر في
مبسوطه.
وقال شيخنا في نهايته: فإذا طعن الصيد برمح أو ضربه بسيف فقتله ويكون قد سمى جاز له
أكله، فإن قده بنصفين ولم يتحرك واحد منهما جاز له أكلهما إذا خرج منهما الدم، وإن تحرك
أحد النصفين ولم يتحرك الآخر أكل الذي تحرك ورمى ما لم يتحرك.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: إذا سأل الدم منهما أكلهما جميعا ما يتحرك وما لم يتحرك.
وذهب شيخنا في مسائل خلافه: إذا قطع الصيد بنصفين حل أكل الكل بلا خلاف وإن كان
الذي مع الرأس أكثر حل الذي مع الرأس دون الباقي.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: الاعتبار بما مع الرأس إذا لم يكن فيه حياة مستقرة، فإذا كان
كذلك حل الجميع، وإن كان الذي مع الرأس فيه حياة مستقرة، فلا يؤكل ما عداه مما أبين منه
لأنه أبين من حي وما أبين من حي فهو ميتة، فأما إذا لم يكن فيه حياة مستقرة فما هو مما أبين
من حي فيؤكل الجميع، وشيخنا استدل على تحريمه بأنه أبين من حي ولم يفصل ما فصلناه
ولا حرر ما حررناه، فليلحظ ما بيناه بعين الانصاف تجده واضحا جليا.
وإن قطع منه قطعة بسيف أو أخذت الحبالة منه ذلك فليرم القطعة وليذك الباقي
ويأكله.
وإذا أخذ الصيد جماعة فتناهبوه وتوزعوه قطعة قطعة جاز أكله بشرط أنهم جميعا
186

صيروه في حكم المذبوح أو أولهم، فإن كان الأول منهم لم يصيره في حكم المذبوح بل أدرك
وفيه حياة مستقرة يعيش اليوم واليومين، ولم يذكوه في موضع ذكاته الشرعية بل تناهبوه
وتوزعوه من قبل ذكاته، فلا يجوز لهم أكله لأنه صار مقدورا على ذكاته ولم يصر في حكم
الصيد الذي لا يعتبر في قتله وتحليله موضع ذكاته، لأنه غير مقدور عليه فيذكى في أي موضع
كان من جسده فليلحظ ذلك.
ومتى رمى الانسان صيدا بعينه وسمى فأصاب غير ما رماه فقتله جاز أكله، وإذا وجد
لحما لا يعلم أ ذكي هو أم ميت فليطرحه على النار فإن انقبض فهو ذكي وإن انبسط فليس
بذكي، وقد قدمنا أن صيد الجراد أخذه ولا يراعى فيه التسمية، ولا يجوز أن يؤكل من الجراد
ما مات في الماء أو الصحراء قبل أن يؤخذ ولا ما يحرق في الشجر قبل التناول له، وعلى
هذا التحرير إذا كان الجراد في أجمة أو قراح فاحترق الموضع فاحترق الجراد لم يجز أكله ولا
يؤكل منه الدبى بفتح الدال وهو الذي لا يستقل بالطيران لأنه ليس بصيد قبل نهوضه.
باب ما يستباح أكله من سائر أجناس الحيوان وما لا يستباح:
الحيوان على ضروب: منها ما يكون في الحضر خاصة ومنها ما يكون في البر ومنها ما يكون
في البحر. وكل واحد من هذه الأجناس ينقسم أقساما ثلاثة: قسم منها مباح طلق بكسر
الطاء وقسم مكروه وقسم محظور.
فأما حيوان الحضر:
فالإبل والبقر والغنم، فإنها أجمع مباحة ويجوز استعمالها وأكلها على كل حال إلا ما
كان منها جلالا وهو الذي يكون غذاؤه أجمع الجلة - بفتح الجيم وتشديد اللام وهي عذرة
بني آدم - فإنه محظور لا يجوز أكله، وحد الجلال الذي لا يجوز أكله إلا بعد الاستبراء هو أن
يكون غذاؤه أجمع عذرة الانسان لا يخلطها بغيرها على ما قدمناه، وإذا كان مخلطا يأكل
العذرة وغيرها فإنه لحمه مكروه وليس بمحظور.
ويستبرأ الجلال: الإبل منه بأربعين يوما يربط ويعلف علفا مباحا حتى يزول عنه حكم
187

الجل، والبقر منه بعشرين يوما كذلك، والشاة بعشرة أيام، والبطة بخمسة أيام، والدجاجة
بثلاثة أيام، والسمك بيوم واحد.
وقد روي: أنه إذا شرب شئ من هذه الأجناس خمرا ثم ذبح جاز أكل لحمه بعد أن يغسل
بالماء ولا يجوز أكل شئ مما في بطنه ولا استعماله، والأولى حمل هذه الرواية على الكراهية دون
الحظر لأنه لا دليل على تحريم ذلك من كتاب ولا سنة مقطوع بها ولا إجماع والأصل الإباحة.
وإذا رضع شئ من هذه الأجناس من خنزيرة حتى اشتد على ذلك لم يجز أكل لحمه،
وروي: أنه لا يجوز أيضا أكل ما كان من نسله.
وإن كان شربه من الخنزيرة دفعة أو دفعتين ولم يشتد على ذلك كان أكل لحمه مكروها
غير محظور إلا أنه يستبرأ بسبعة أيام - على ما روي في الأخبار - إن كان مما يأكل العلف كسبا
وغيره أطعم ذلك، وإن لم يكن مما يأكل العلف سقي من لبن ما يجوز شرب لبنه سبعة أيام.
وروي: أنه إذا شرب شئ من هذه الحيوانات بولا ثم ذبح لم يؤكل ما في بطنه إلا بعد غسله
بالماء، ومتى شرب شئ من ذلك من لبن امرأة واشتد على ذلك كره أكل لحمه ولم يكن
محظورا.
فأما الخيل والبغال والحمير فإن لحمها مكروه عند أصحابنا وليس بمحظور، وإن كان
بعضه أشد كراهة من بعض لأن لحم البغل أشد كراهة من لحم الحمار، ولحم الحمار أشد كراهة
من لحم الخيل، ولحم الخيل أدونهن كراهة. وذهب بعض أصحابنا إلي: أن أشد ذلك كراهة
لحم الحمار.
فإن جل واحد من هذه الأجناس الثلاثة كان لحمه محظورا إلا أن يستبرأ ولم يرد حد في
مدة استبراء شئ من ذلك.
والذي ينبغي أن يعول عليه أنه يستبرأ بمدة تخرجه من اسم الجلل، بأن يصير غذاؤه أجمع بما يجوز
أكله من المباحات بعد أن كان قد صار غذاؤه أجمع من عذرة الانسان، بحيث يزول عنه اسم
الجليل بأن لا يسمى جلالا لأنه لم يصر غذاؤه أجمع عذرة الانسان، فليلحظ ذلك فهذا تحرير
فقهه.
ولا يجوز أكل لحم الفيل. ومن وطئ شيئا من الأجناس التي يحل أكل لحمها حرم
188

ذلك لحمها ولحم ما كان من نسلها على ما رواه أصحابنا ووجب إحراقها بالنار، فإن
اختلطت بغيرها واشتبهت، استخرجت بالقرعة بأن يقسم القطيع قسمين ويقرع على كل
واحد منهما ثم يقسم ذلك أبدا إلى أن لا تبقى إلا واحدة.
وأما حيوان البحر:
فلا يستباح أكل شئ منه إلا السمك خاصة، والسمك يؤكل منه ما كان له فلس وهو
القشر، فأما ما لم يكن له قشر وإن انطلق عليه اسم السمك فلا يحل أكله.
فعلى هذا التحرير الجري - بكسر الجيم والراء وتشديدها وتشديد الياء - أيضا لا يجوز
أكله، وكذلك الجريث - بكسر الجيم أيضا وتشديد الراء وكسرها - فلا يجوز أكله. ولا يجوز
أكل الطافي وهو الذي يموت في الماء فيطفو عليه، وكذلك لا يجوز أكل المارماهي ولا الزمار
والزهو - بالزاء المعجمة - لأنه لا قشر له ولا هو سمك.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: وأما المارماهي والزمار والزهو فإنه مكروه شديد الكراهية
وإن لم يكن محظورا.
وهذا غير مستقيم ولا صحيح لأنه مخالف لأصول مذهبنا ولأن إجماع أصحابنا بغير خلاف بينهم:
أنه لا يؤكل شئ من حيوان البحر إلا السمك والسمك لا يؤكل منه إلا ما كان له فلس، وهذه
الأجناس التي ذكرها لا تسمى سمكا لا لغة ولا عرفا وليس لها أيضا فلس، وإنما هذا خبر
واحد أورده إيرادا لا اعتقادا كما أورد أمثاله مما لا يعمل عليه، إلا أنه رحمه الله عاد وقال في
نهايته أيضا: يعزر آكل الجري والمارماهي ومسوخ السمك كلها والطحال ومسوخ البر
وسباع الطير وغير ذلك من المحرمات، فإن عاد أدب ثانية فإن استحل شيئا من ذلك وجب
عليه القتل، هذا آخر كلامه. فمن يوجب عليه القتل باستحلاله لأكله كيف يجعله مكروها
غير محظور؟ وإنما ذلك خبر واحد أورده إيرادا على ما رواه ووجده.
ولا بأس بأكل الكنعت، ويقال أيضا: الكنعد بالدال غير المعجمة، ولا بأس أيضا بأكل
الربيثا بفتح الراء وكسر الباء، وكذلك لا بأس بأكل الإربيان بكسر الألف وتسكين الراء
وكسر الباء وهو ضرب من السمك البحري أبيض كالدود والجراد الواحدة إربيانة.
189

ولا يؤكل من السمك ما كان جلالا إلا بعد أن يستبرأ يوما إلى الليل - على ما قدمناه -
في ماء طاهر يطعم شيئا طاهرا، ولا يجوز أكل ما نضب عنه الماء من السمك وإذا شق جوف
سمكة فوجد فيها سمكة جاز أكلها إذا كانت من جنس ما يحل أكلها.
على ما روي في الأخبار وأورده شيخنا أو جعفر في نهايته، والذي يقتضيه المذهب أنه إن كانت
الموجودة حية فإنه يؤكل ويصح العمل بالرواية، وإن كانت ميتة فلا يجوز أكلها على حال
فهذا تحرير هذه الفتيا.
فإن شق جوف حية فوجد فيها سمكة فإن كانت على هيئتها ولم تتسلخ لم يكن
بأكلها بأس، وإن كانت قد تسلخت لم يجز أكلها على حال.
على ما وردت الرواية بذلك وأوردها شيخنا أبو جعفر في نهايته، والأولى أن يقال: إن كانت
السمكة الموجودة في جوف الحية حية فإنها تؤكل سواء تسلخت أو لم تتسلخ وإن كانت ميتة
فلا يجوز أكلها سواء تسلخت أو لم تتسلخ على حال، فهذا تحرير هذه الرواية على ما يقتضيه
أصول مذهبنا.
وإذا وثبت سمكة من الماء فماتت، فإن أدركها الانسان بمباشرة سوى حاسة النظر
وفيها روح جاز له أكلها، وإن لم يدركها كذلك تركها ولم يجز له أكلها.
وإذا وجد الانسان سمكة على ساحل بحر أو شاطئ نهر ولم يدر أذكية هي أم ميتة
فليلقها في الماء، فإن طفت على ظهرها فهي ميتة، وإن طفت على وجهها فهي ذكية.
ولا بأس بأكل الطمر بالطاء غير المعجمة المكسورة والميم المسكنة والراء غير
المعجمة، وكذلك لا بأس بأكل الطبراني بالطاء غير المعجمة المفتوحة والباء بنقطة واحدة
من تحتها المفتوحة والراء غير المعجمة، وهذان جنسان من أجناس السمك لهما فلوس،
وكذلك الإبلامي بكسر الهمزة وبالباء المنقطة بنقطة واحدة من تحتها المسكنة، وهو جنس
أيضا من أجناس السمك الذي له فلس وقشر.
وأما حيوان البر:
فإنه لا يجوز أكل شئ من السباع سواء كان ذا ناب قوي يعدو على الناس أو غير ذي
190

ناب قوي، كالثعلب وابن آوى والأرنب، وغير ذلك مثل السبع والفهد والنمر والكلب
والخنزير والدب، وما أشبه ذلك من المسوخ والسباع.
ولا يحل أكل الوبر.
بفتح الواو وتسكين الباء، وهي دويبة فوق السنور ودون الأرنب، وقال شيخنا في مسائل
خلافه: هي سوداء أكبر من ابن عرس تأكل وتجتر، وقال بعض اللغويين: الوبر هي دويبة
فوق السنور ودون الأرنب حجازي لا أذناب لها وهي أقذر ما تكون. قال جرير يهجو بني نمير
امرأة منهم.
تطلي وهي سيئة المعري. بصن الوبر تحسبه ملابا
قال: الصن جعر الوبر.
ولا بأس بأكل لحم الظباء.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: ولا بأس بأكل لحم الظبي والغزال. ويمكن أن يقال: الفرق
بين الظبي والغزال أن الظبي الكبيرة والغزال الصغيرة، قال الشاعر:
ولم أر مثلها نظرا وعينا ولا أم الغزال ولا الغزالا
وإن كان كل واحد منهما يعبر به عن هذا الجنس إلا أنه لما اجتمعا أمكن ما قلناه من الفرق،
وإن قيل: أن المعنى واحد إلا أنه لما اختلف اللفظ جاز ذلك وإن كان المعنى واحدا كما قيل:
الناي والبعد والكذب والمين ونظائر ذلك.
ولا بأس بأكل لحم البقر الوحشي والحمار الوحشي وإن كان لحم الحمار مكروها.
والقرد والسنور سواء كان بريا أو أهليا لا يجوز أكلهما، ولا يجوز أكل السلحفاة بفتح
اللام وهي كبار الرقاق الذي تسمية العامة الرفش ولا جميع الرقاق والضفادع، ولا يجوز
أكل اليربوع والفأر والقنافذ والحيات والعقارب والسرطان والخنافس وبنات وردان
والزنابير وحشرات الأرض والضب حرام، ولا يجوز أكل السمور والسنجاب والفنك والخز
وما أشبه ذلك.
قال محمد بن إدريس رحمة الله عليه: قال بعض مصنفي أصحابنا: إن الخز هي دابة صغيرة
تطلع من البحر تشبه الثعلب ترعى في البر وتنزل البحر لها وبر تعمل منه ثياب تحل فيها
191

الصلاة وصيدها ذكاتها مثل السمك، يعضد هذا القول ما رواه ابن أبي يعفور قال: كنت عند
أبي عبد الله ع إذ دخل عليه رجل من الخزازين فقال له: جعلت فداك ما تقول في
الصلاة في الخز؟ فقال لا بأس بالصلاة فيه، فقال له الرجل: جعلت فداك إنه ميت وهو
علاجي وأنا أعرفه، فقال له أبو عبد الله ع: أنا أعرف به منك، فقال له الرجل: إنه
علاجي وليس أحد أعرف به مني، فتبسم أبو عبد الله ع ثم قال له: تقول أنه دابة
تخرج من الماء أو تصاد من الماء فتخرج فإذا فقد الماء مات، فقال الرجل: صدقت جعلت
فداك هكذا هو، فقال أبو عبد الله ع: فإنك تقول إنه دابة تمشي على أربع وليس هو في
حد الحيتان فيكون ذكاته خروجه من الماء، فقال الرجل: إي والله هكذا أقول، فقال له
أبو عبد الله ع: إن الله تعالى أحله وجعل ذكاته موته كما أحل الحيتان وجعل ذكاتها
موتها.
أورد هذا الخبر شيخنا أبو جعفر الطوسي في تهذيب الأحكام وكثير من أصحابنا المحققين
المسافرين يقولون: إنه القندس، ولا يبعد هذا القول من الصواب لقولهم ع:
لا بأس بالصلاة في الخز ما لم يكن مغشوشا بوبر الأرانب والثعالب، والقندس أشد شبها
بالوبر من المذكورين.
وأما الطير:
فالحمام على اختلاف ضروبه وقيل: إن كل مطوق فهو عند العرب حمام، وقيل: إنه كل
ما عب فهو حمام، فإن جميع ذلك حلال يؤكل لحمه مسرولا كان أو غير مسرول،
داجنا أو غير داجن.
والدواجن هي التي تألف البيوت وتستأنس فيها، وكذلك الرواجن أيضا بالراء أيضا غير
المعجمة، والأول بالدال غير المعجمة والجيم فيهما جميعا، يقال ذلك للطير والشاة والبقرة
وكذلك جميع الدجاج حبشيا كان أو غير حبشي.
وأما ما عدا ذلك من الطيور فإن السباع منها لا يحل أكلها، وما عدا السباع فإن
العصافير والقنابر والزرازر والصعو والهدهد يؤكل لحمها.
192

ويكره لحم الشقراق بكسر الشين والقاف وتشديد الراء وفتحها، وكذلك يكره لحم
الصرد والصوام بضم الصاد وتشديد الواو وفتحها وهو طائر أغبر اللون طويل الرقبة
أكثر ما يبيت في النخل، وكذلك يكره لحم الحبارى على رواية شاذة.
والغربان على أربعة أضرب ثلاثة منها لا يجوز أكل لحمها وهي: الغداف الذي يأكل
الجيف ويفرس ويسكن الخرابات وهو الكبير من الغربان السود، وكذلك الأغبر الكبير لأنه
يفرس ويصيد الدراج فهو من جملة سباع الطير، وكذلك لا يجوز أكل لحم الأبقع الذي
يسمى العقعق طويل الذنب، فأما الرابع فهو غراب الزرع الصغير من الغربان السود
الذي يسمى الزاع - بالزاء المعجمة والغين المعجمة - فإن الأظهر من المذهب أنه يؤكل
لحمه على كراهية دون أن يكون لحمه محظورا.
وإلى هذا القول يذهب شيخنا أبو جعفر في نهايته، وإن كان قد ذهب إلى خلافه في مبسوطه
ومسائل خلافه فإنه قال بتحريم الجميع، وذهب في استبصاره إلى تحليل الجميع، وقال في
مبسوطه: ما يأكل الخبائث كالميتة ونحوها من الطائر كله حرام وهو النسر والرخم والبغاث
والغراب ونحو ذلك عندنا وعند جماعة فروي أن النبي ص أتي بغراب
فسماه فاسقا وقال: ما هو والله من الطيبات، والغراب على أربعة أضرب: الكبير الأسود الذي
يسكن الجبال ويأكل الجيف، والثاني الأبقع فهذان حرامان، والثالث
الزاع وهو غراب الزرع، والرابع الغداف وهو أصغر منه أغبر اللون كالرماد. قال قوم: هو حرام لظاهر
الأخبار، وقال آخرون: هو مباح، وهو الذي ورد في رواياتنا، إلى ههنا كلامه رحمه الله.
والذي يقوي ما اخترناه أن التحريم يحتاج إلى دلالة شرعية لأن الأصل في الأشياء الإباحة على
الصحيح من أقوال مصنفي أصول الفقه ولا إجماع على حظره ولا أخبار متواترة ولا كتاب الله
تعالى.
ولا يجوز أكل الخطاف ولا أكل الخشاف بغير خلاف بين أصحابنا في ذلك، ولا يجوز
أكل لحم الطواويس ولا الرخمة ولا الحدأة بكسر الحاء وما كان له مخلب ومنسر يأكل اللحم،
وأما باقي الطائر فيوكل منه ما دف ويترك منه ما يصف، فإن كان يصف ويدف يعتبر، فإن
كان دفيفه أكثر من صفيفه أكل، وإن كان صفيفه أكثر من دفيفه اجتنب، فإن لم يكن
193

هناك طريق إلى اعتبار ذلك بأن يؤخذ مذبوحا، أكل منه ما كانت له قانصة، أو حوصلة
بتشديد اللام، أو صيصية.
وهي الخارجة من كف الطائر فإنها بمنزلة الإبهام من بني آدم وكل ما تحصن به صيصية بغير
همزة لأنها مشتقة من الصياصي وهي الحصون والصياصي أيضا
القرون. ويجتنب ما لم يكن له شئ من ذلك، هذا إذا كان مجهول الجنس اعتبرنا بالاعتبار الذي
قدمناه، فإن كان من الجنس الذي يحل أكله أو من الجنس الذي يحرم أكله فلا يحتاج إلى
هذا الاعتبار، ولا بأس بأكل لحم طير الماء وإن كان مما يأكل السمك إذا اعتبر بما ذكرناه.
والطير إذا كان جلالا لم يجز أكله إلا بعد استبرائه وحبسه من ذلك، وتستبرأ البطة وما
أشبهها بخمسة أيام والدجاجة وما أشبهها بثلاثة أيام على ما قدمناه فيما مضى وبيناه.
وقال شيخنا في مبسوطه: قد بينا أن حشرات الأرض كلها حرام كالحية والعقرب والفأرة
والخنافس والديدان والجعلان، وعدد أشياء وقال: وكذلك اللحكاء، وقيل: اللحكة وهي دويبة
كالسمكة تسكن الرمل فإذا رأت الانسان غاصت وتغيبت فيه وهي صقيلة ولهذا تشبه أنامل
العذارى بها فهو حرام، هذا آخر كلامه رحمه الله.
قال محمد بن إدريس مصنف هذا الكتاب رحمه الله: قال الجوهري في كتاب الصحاح:
الحلكة مثل الهمزة والحلكاء مثل العنقاء ضرب من العظاءة ويقال: دويبة تغوص في الرمل،
وقال: والحلكة دويبة أظنها مقلوبة من اللحكة، قال ابن السكيت: اللحكة دويبة شبيهة
بالعظاء تبرق زرقاء ليس لها ذنب مثل ذنب العظاءة وقوائمها خفية، هذا آخر كلام الجوهري.
باب الذبح وكيفية وجوب التسمية:
الذباحة لا يجوز أن يتولاها غير معتقدي الحق، فمتى تولاها غير معتقدي الحق من
أي أجناس الكفار كان يهوديا كان أو نصرانيا أو مجوسيا أو عابد وثن ومن ضارعهم في
الكفر على اختلاف ضروبه، كافر ملة أو كافر أصل أو مرتدا كان، سمى على ذبيحته أو لم
يسم فلا يجوز أكل ذبيحته عند المصلين من أصحابنا والباحثين عن مأخذ الشريعة
والمحققين، ولا بأس بأكل ذبيحة المستضعف وقد بيناه في كتاب الطهارة.
وقال شيخنا في نهايته: ولا يتولى الذباحة إلا أهل الحق، فإن تولاها غيرهم ويكون ممن
194

لا يعرف بعداوة آل محمد ع لم يكن بأس بأكل ذبيحته.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: المراد بقوله غيرهم يعني المستضعفين الذين لا منا ولا من
مخالفينا وصحيح أنهم غيرنا فلا يظن ظان أنه أراد بغيرهم من مخالفينا
المستضعفين لأن المستضعفين لا منا ولا منهم كما قال تعالى: إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء.
ولا يحل أكل ذباحة المحق إلا بشروط منها: استقبال القبلة بالذبيحة مع قدرته على
ذلك، فإذا لم يكن عارفا بالقبلة وكان ممن فرضه الصلاة إلى أربع جهات فإنه يذبح إلى أي
جهة شاء لأنها حال ضرورة ولأنه ما تعمد ترك استقبال القبلة، وكذلك إذا لم يقدر على
استقبال القبلة بالذبيحة فإنه يجزئه الذباحة مع ترك الاستقبال لأنها حال ضرورة ولم يترك
الاستقبال تعمدا منه بأن تقع الذبيحة في بئر وما أشبه ذلك.
والتسمية مع الذكر لها، وقطع أربعة أعضاء: المرئ والحلقوم والودجين، وهما محيطان
بالحلقوم فالمرئ مجرى الطعام والحلقوم مجرى النفس، مع القدرة على قطعها ويكون قطعها
بحديد مع قدرته عليه، هذا إذا كان مذبوحا وهي الغنم والبقر وما أشبهها من الحيوان
المأكول اللحم، فإن جميعه مذبوح إلا الإبل فإنها منحورة.
والشرائط المقدم ذكرها ثابتة ما عدا الأعضاء، فإن نحرها في ثغرة النحر وهي الوهدة
مجز في استباحة أكلها مع القدرة أيضا على ذلك، فإن نحرت البقر والغنم وغيرها ما عدا
الإبل مع القدرة والتمكن من ذبحها فلا يجوز أكل لحمها بحال، وكذلك إن ذبحت الإبل
مع التمكن من نحرها فلا يجوز أكل لحمها على حال بغير خلاف بين أصحابنا.
وكل ما يباع في أسواق المسلمين فجائز شراؤه وأكله وليس على من يبتاعه التفتيش
عنه. ولا بأس بأن يتولى الذباحة المرأة والغلام الذي لم يبلغ إذا كان من أولاد المحقين فإن
حكمه حينئذ حكمهم، وكذلك المجنون فإن حكمه حكم الصبي حرفا فحرفا، ولا بأس
بذباحة الأخرس إذا كان محقا، وكذلك لا بأس بذباحة الجنب والحائض إذا فعلوا ما قدمناه
من الشروط وأحسنوه فإن لم يحسنوا ذلك فلا يجوز أكل ما ذبحوه.
وقد قدمنا أنه لا تجوز الذباحة إلا بالحديد، فإن لم يوجد حديد وخيف فوت الذبيحة أو
اضطر إلى ذباحتها جاز أن يذبح بما يفري الأوداج من ليطة أو قضبة - والليط هو القشر
195

اللاصق بها الحاد مشتق من لاط الشئ بقلبه إذا لصق به والقصبة واحدة القصب -
أو زجاجة أو حجارة حادة الأطراف مثل الصخور والمرو وغير ذلك.
وكل ما ذبح وكان ينبغي أن ينحر أو نحر وكان ينبغي أن يذبح في حال الضرورة ثم
أدرك في حال ذكاته وجبت تذكيته بما يجوز ذلك فيه، فإن لم يفعل لم يجز أكله.
ويكره أن تنخع الذبيحة إلا بعد أن تبرد بالموت، وهو أن لا يبين الرأس من الجسد
ويقطع النخاع وهو الخيط الأبيض الذي الخرز منظومة فيه وهو من الرقبة ممدود إلى عجب
الذنب، وأكله عند أصحابنا حرام من جملة المحرمات التي في الذبيحة، وسيأتي بيان ذلك
إن شاء الله.
فإن سبقته السكين وأبانت الرأس جاز أكله ولم يكن ذلك الفعال مكروها، وإنما
المكروه تعمد ذلك دون أن يكون محظورا على الأظهر من أقوال أصحابنا بلا خلاف بين
المحصلين في ذلك.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: ومن السنة أن لا تنخع الذبيحة إلا بعد أن تبرد وهو أن
لا يبين الرأس من الجسد ويقطع النخاع، فإن سبقته السكين وأبانت الرأس جاز أكله إذا
خرج منه الدم، فإن لم يخرج الدم لم يجز أكله، ومتى تعمد ذلك لم يجز أكله.
إلا أنه رجع عن ذلك في مسائل خلافه في الجزء الثاني، فقال مسألة: يكره إبانة الرأس من
الجسد وقطع النخاع قبل أن تبرد الذبيحة، فإن خالف و أبان لم يحرم أكله وبه قال جميع
الفقهاء، وقال سعيد بن المسيب، يحرم أكله، دليلنا أن الأصل الإباحة وأيضا قوله: وكلوا مما ذكر
اسم الله عليه، وهذا ذكر اسم الله عليه وعليه إجماع الصحابة، روي عن علي ع
أنه سئل عن بعير ضربت رقبته بالسيف فقال: يؤكل. وعمران بن حصين قيل له في رجل
ذبح بطة فأبان رأسها فقال: تؤكل، وعن ابن عمر نحوه ولا مخالف لهم، هذا آخر كلامه رحمه
الله في المسألة.
وما أورده في نهايته لا دليل عليه من كتاب ولا سنة مقطوع بها ولا إجماع وإنما أورده إيرادا
لا اعتقادا على ما تكرر قولنا في ذلك واعتذرنا له.
وإذا قطعت رقبة الذبيحة من قفاها فلحقت قبل قطع الحلقوم والمرئ والودجين وفيها
196

حياة مستقرة - وعلامتها أن تتحرك حركة قوية ومثلها يعيش اليوم واليومين - حل أكلها
إذا ذبحت، وإن لم تكن فيها حركة قوية لم يحل أكلها لأنها ميتة.
ويكره أن يقلب السكين فيذبح إلى فوق بل ينبغي أن يبتدئ من فوق إلى أن يقطع
الأعضاء الأربعة المقدم ذكرها.
وقال شيخنا في نهايته: ولا يجوز أن يقلب السكين فيذبح إلى فوق. قوله رحمه الله: ولا يجوز،
على تغليظ الكراهية دون أنه لو فعله لكانت الذبيحة محرمة اللحم، لأن تحريمها يحتاج إلى دلالة
شرعية ولا دليل على ذلك والأصل الإباحة، وشرائط الاجزاء فقد فعلها من استقبال القبلة
والتسمية وقطع الحلقوم والمرئ والودجين.
ويستحب إذا أراد ذبح شئ من الغنم فليعقل يديه وفرد رجليه ويلق فرد رجله
ويمسك على صوفه أو شعره إلى أن يبرد ولا يمسك على شئ من أعضائه، وكذلك يستحب له
إذا أراد ذبح شئ من البقر أن يعقل يديه ورجليه ويطلق ذنبه، وإذا أراد نحر شئ من الإبل
يستحب له أن أخفافه إلى آباطه ويطلق رجليه.
وإذا أراد ذبح شئ من الطير فليذبحه وليرسله ولا يمسكه ولا يعقله، فإن انفلت منه
الطير جاز أن يرميه بالسهم بمنزلة الصيد، فإذا لحقه ذكاه.
وأورد شيخنا في نهايته: أنه لا يجوز ذبح شئ من الحيوان صبرا وهو أن يذبح شيئا وينظر إليه
حيوان آخر، وهذه رواية أوردها إيرادا فإن صحت حملت على الكراهية دون الحظر، لأنه
لا دليل على حظر ذلك وتحريمه من كتاب ولا سنة ولا إجماع، والأصل الإباحة.
وروي: أنه لا يجوز أن يسلخ الذبيحة إلا بعد بردها فإن سلخت قبل أن تبرد أو سلخ
شئ منها لم يجز أكله.
أوردها شيخنا أبو جعفر في نهايته إيرادا لا اعتقادا، لأنه لا دليل على حظر ذلك من كتاب
ولا سنة مقطوع بها ولا إجماع منعقد، وأخبار الآحاد لا يرجع بها عن الأصول المقررة الممهدة
لأنها لا توجب علما ولا عملا، وكتاب الله تعالى أحق أن يتمسك به ولا يلتفت إلى هذه الرواية
الشاذة المخالفة لأصول المذهب، وهو قوله تعالى: وكلوا مما ذكر اسم الله عليه وهذا قد ذكر
اسم الله عليه وذبح ذباحة شرعية وحصلت جميع الشرائط المعتبرة في تحليل الذباحة، فمن
197

ادعى بعد ذلك حظرها يحتاج إلى دلالة شرعية لأنه قد ادعى حكما شرعيا يحتاج في إثباته إلى
دليل شرعي ولن يجده.
وإذا ذبحت الذبيحة فلم يخرج الدم أو لم يتحرك شئ منها لم يجز أكله، فإن خرج
الدم أو تحرك شئ من أعضائها يدها أو رجلها أو غير ذلك جاز أكله، فالمعتبر على
الصحيح من المذهب أحد الشيئين في تحليل أكلها أما خروج الدم الذي له دفع أو الحركة
القوية أيهما كان جاز أكلها.
وقال شيخنا المفيد في مقنعته: الاعتبار في جواز الأكل بعد الذبح بمجموع الشيئين معا، والأول
هو الأظهر لأنه يعضده ظواهر القرآن والأخبار المتواترة.
وإذا ذبح شاة أو غيرها ثم وجد في بطنها جنين، فإن كان قد أشعر أو أوبر ولم تلجه
الروح فذكاته ذكاة أمه، فإن لم يكن أشعر أو أوبر لم يجز أكله على حال إلا أن يكون فيه
روح، فإن كانت فيه روح وإن لم يشعر ولا أوبر وجبت تذكيته وإلا فلا يجوز أكله إذا لم يدرك
ذكاته. وروي: كراهية الذباحة بالليل إلا عند الضرورة والخوف من فوتها، وكذلك روي:
أنه يكره الذباحة بالنهار يوم الجمعة قبل الصلاة.
باب ما يحل من الميتة ويحرم من الذبيحة وحكم البيض والجلود:
يحرم من الغنم والبقر والإبل وغير ذلك مما يحل أكله بالذبح ما عدا السمك وإن كان
الحيوان مذكى شرعية بالذبح أو النحر: الدم والفرث والطحال والمرارة والمشيمة والفرج
ظاهرة وباطنه والقضيب والأنثيان والنخاع،
بضم النون وكسرها معا وقد قدمنا شرح ذلك.
والعلباء،
بكسر العين وهي عصبتان عريضتان صفراوان ممدودتان من الرقبة على الطهر إلى عجب
الذنب.
والغدد، وذوات الأشاجع،
والأشاجع أصول الأصابع التي تتصل بعصب ظاهر الكف الواحد أشجع ومنه قول لبيد:
وإنه يدخل فيها إصبعه
198

والحدق الذي هو السواد، والخرزة،
تكون في الدماغ والدماغ المخ يخالف لونها لون المخ بقدر الحمصة إلى الغبرة ما يكون.
والمثانة.
بالثاء المنقطة بثلاث نقط وهي موضع البول ومحقنه.
ويكره الكليتان وليستا بمحظورتين.
ويحل من الميتة غير المذبوحة المذكاة: الصوف والشعر والوبر والريش، سواء قلع
جميع ذلك أو جز، إلا أنه إذا قلع وعليه شئ من الميتة أو فيه شئ من ذلك وجب إزالة ذلك
وغسله واستعماله بعد ذلك من غير أن يحرم إذا قلع.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: ولا يحل شئ منه إذا قلع منها، يعني لا يحل استعماله إذا قلع
قبل إزالة الميتة منه أو قبل غسله دون تحريمه رأسا لأنه لا دليل على ذلك من كتاب ولا سنة
ولا إجماع.
ويحل أيضا: العظم والناب والسن والظلف والحافر والقرن وكل ذلك إذا قلع من الميتة
أو لامسها لا يستعمل إلا بعد غسله وإزالة ما عليه من الدسم.
وذكر شيخنا أبو جعفر في نهايته: إلا نفحة - بكسر الهمزة وفتح الفاء كرش الحمل أو الجدي
ما لم يأكل فإذا أكل فهي كرش - واللبن والبيض إذا اكتسى الجلد الفوقاني وإذا لم يكتس
ذلك لا يجوز أكله.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: أما اللبن فإنه نجس بغير خلاف عند المحصلين من
أصحابنا لأنه مائع في ميتة ملامس لها، وما أورده شيخنا في نهايته رواية شاذة مخالفة لأصول
المذهب لا يعضدها كتاب الله تعالى ولا سنة مقطوع بها ولا إجماع، ودليل الاحتياط يقتضي
ما ذكرناه لأنه لا خلاف بين المسلمين أنه إذا لم يأكل هذا اللبن فإنه غير معاقب ولا مأثوم وذمته
بريئة من الآثام، وإذا أكله فيه الخلاف والاحتياط يقضي ما ذكرناه. وإلى ما اخترناه بذهب
شيخنا أبو يعلى سلار الطبرستاني رحمه الله في رسالته ولأجل ذلك قالوا: يحل البيض إذا كان
قد اكتسى الجلد الصلب واعتبروا الجلد الفوقاني والصلب فإذا لم يكن عليه الجلد
الصلب فلا يحل لأنه يكون بمنزلة المائع ينجس بمباشرة الميتة له.
199

وإذا جعل طحال في سفود مع اللحم ثم جعل في التنور، فإن كان مثقوبا وكان فوق
اللحم لم يؤكل اللحم ولا ما تحته من الجوذاب، وإن كان الطحال مثقوبا وكان فوق اللحم لم
يؤكل اللحم ولا ما كان تحته من الجوذاب، وإن كان الطحال المثقوب تحت اللحم أكل اللحم
ولم يؤكل الجوذاب، وإن لم يكن الطحال مثقوبا جاز أكل جميع ما يكون تحته من اللحم
وغيره.
وإذا اختلط اللحم الذكي بلحم الميتة ولم يكن هناك طريق إلى تميزه منها لم يحل أكل
شئ منه ولا يجوز بيعه ولا الانتفاع به.
وقد روي: أنه يباع على مستحل الميتة، والأولى إطراح هذه الرواية وترك العمل بها لأنها
مخالفة لأصول مذهبنا ولأن الرسول ع قال: إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه.
ولا يجوز
ولا يجوز أن يأكل الميتة إلا إذا خاف تلف النفس، فإذا خاف ذلك أكل منها ما يمسك
رمقه وهو بقية الحياة، ولا يجوز له الامتلاء منها.
والباغي الذي يبغي الصيد بطرا ولهوا - وقال بعض أصحابنا: الباغي هو الذي
يبغي على إمام المسلمين - والعادي الذي يقطع الطريق لم يجل لهما أكل الميتة وإن اضطرا
إليها لقوله تعالى: فمن اضطر غير باع ولا عاد.
ويؤكل من البيض ما كان بيض ما يؤكل لحمه على كل حال، وإذا وجد الانسان بيضا
ولم يعلم أ هو بيض ما يؤكل لحمه أو بيض ما لا يؤكل لحمه؟ اعتبر فما اختلف طرفاه أكل
وما استوى طرفاه اجتنب.
وقد ذهب بعض أصحابنا إلى: أن بيض السمك ما كان منه خشنا فإنه يؤكل ويجتنب الأملس
والمنماع، ولا دليل على صحة هذا القول من كتاب ولا سنة ولا إجماع، ولا خلاف أن جميع ما في
بطن السمك طاهر ولو كان ذلك صحيحا لما حلت الصحناة.
فأما الجلود فعلى ضربين.
ضرب منها جلد ما يؤكل لحمه، فمتى ذكي جاز استعماله ولبسه والصلاة فيه سواء
دبغ أو لم دبغ إذا كان خاليا من نجاسة، وما لم يذك ومات فلا يجوز استعمال جلده ولا
200

الانتفاع به في شئ من الأشياء لا قبل الدباع ولا بعده لأنه ميتة.
وما لا يؤكل لحمه فعلى ضربين: ضرب منهما لا يجوز استعماله لا قبل الذكاة ولا بعدها دبغ
أو لم يدبغ وهو جلد الكلب والخنزير، والضرب الآخر يجوز استعماله بشرطين: الذكاة
الشرعية والدباغ.
فأما بيعه فيجوز بعد الذكاة وقبل الدباع، وأما استعماله لا يجوز إلا بعد الدباع، فإذا
دبغ جاز استعماله في جميع الأشياء مائعا كان أو غير مائع، لأنه طاهر بغير خلاف إلا في
الصلاة فإنه لا يجوز الصلاة فيه بغير خلاف بيننا مع الاختيار، وهي جلود جميع السباع
كلها مثل: النمر والذئب والفهد والسبع والسمور والسنجاب والفنك والأرنب والثعلب،
وما أشبه ذلك من السباع والبهائم.
وقد رويت رخصة في جواز الصلاة في السمور والسنجاب والفنك، والأصل ما قدمناه وهذا
رجوع من شيخنا عما ذكره في الجزء الأول من نهايته في أنه: لا بأس بالصلاة في السنجاب
على ما قدمناه.
ولا يجوز استعمال شئ من هذه الجلود ما لم يذك فإن استعمله انسان قبل الذكاة
نجست يده ووجب عليه غسلها عند الصلاة، وكذلك شعر الخنزير لا يجوز للإنسان
استعماله مع الاختيار،
على الصحيح من أقوال أصحابنا، وإن كان قد ذهب منهم قوم إلى جواز استعماله.
وتمسك بأنه لا تحله الحياة، إلا أن أخبارنا متواترة عن الأئمة الأطهار بتحريم استعماله
والاحتياط يقتضي ذلك.
فإن اضطر إلى استعماله فليستعمل منه ما لم يكن فيه دسم بأن يتركه في فخار ويجعله في
النار، فإذا ذهب دسمه استعمله عند الضرورة والحاجة إليه، ويغسل يده عند حضور
الصلاة على ما وردت الأخبار بذلك وروي: أنه يجوز أن يعمل من جلود الميتة دلو يستقى به
الماء لغير وضوء الصلاة والشرب.
وإذا قطع شئ من أليات الغنم وهن أحياء لم يجز أكله ولا الاستصباح به لأنه ميتة
لا تحت السماء ولا تحت الظلال، وحمله على الدهن النجس قياس لا نقول به. وروي: أنه
201

يكره للإنسان أن يربي شيئا من الغنم ثم يذبحه بيده، بل إذا أراد ذبح شئ من ذلك
فليشتره في الحال وليس ذلك بمحظور.
202

كتاب الأطعمة والأشربة:
باب الأطعمة المحظورة والمباحة:
الترتيب في معرفة ما يحل أكله من الحيوان وما لا يحل أن يرجع إلى الشرع، فما أباحه
الشرع فهو مباح وما حظره فهو محظور وما لم يكن له في الشرع ذكر أصلا فلا يخلو أن يكون
حيوانا في حال حياته أو بعد أن تفارقه الحياة، فإن كان في حال الحياة فهو محظور لأن ذبح
الحيوان محظور إلا بالشرع وإن لم يكن حيوانا كان مباحا لأن الأشياء على الأظهر عند محققي
أصول الفقه على الإباحة.
فأما ما حرم شرعا فجملته أن الحيوان ضربان: طاهر ونجس. فالنجس الكلب
والخنزير، وما عداهما كله طاهر في حال حياته، بدلالة إجماع أصحابنا المنعقد على أنهم
أجازوا شرب سؤرها والوضوء منه ولم يجيزوا ذلك في الكلب والخنزير، وأجازوا استعمال
جلودها بعد التذكية والدباغ ولم يجيزوا ذلك في الكلب والخنزير بحال، فأما الصلاة فيها
فلا يجوز بحال على ما قدمناه.
فإذا ثبت هذا فكل ما كان نجسا في حال الحياة لم يحل أكله بلا خلاف وما كان طاهرا في
حال الحياة فعلى ضربين: مأكول اللحم وغير مأكول اللحم. فالسباع كلها محرمة الأكل
سواء كانت من البهائم أو من الطير بلا خلاف على ما أسلفنا القول فيه وبيناه، وكذلك
حشرات الأرض كلها حرام مثل الحية والعقرب والفأرة والديدان والجعلان والذباب
والخنافس والبق والزنابير والنحل، والسباع كلها سواء كانت ذوات أنياب قوية تعدو على
203

الناس كالسبع والنمر والذئب والفهد، أو كانت ذوات أنياب ضعيفة لا تعدو على الناس
مثل الضبع والثعلب والأرنب وما أشبه ذلك، واليربوع والضب وابن آوى والسنور بريا
كان أو أهليا على ما قدمناه، والوبر والقنفذ والفيل والدب والقرد، والمجثمة - بالجيم والثاء
المنقطة ثلاث نقط - والمصبورة أيضا حرام وهي التي تجرح وتحبس حتى تموت لنهي النبي
ع عن تصبير البهائم وعن أكلها بلا خلاف وقال قوم: المجثمة هي أن ترميها وهي
جاثمة، وقيل: هي الشاة تشد ثم ترمى كأنها تقتل صبرا.
فأما الطائر فعلى ضربين: ذي مخلب وغير ذي مخلب:
فأما ذو المخلب فهو الذي يقتل بمخاليبه ويدعو على الطائر والحمام، كالبازي
والصقر والعقاب والباشق والشاهين ونحو هذا، فجميعه حرام أكله على ما قدمناه فيما مضى
وشرحناه.
فأما ما لا مخلب له فعلى ضربين: ما يأكل الخبائث كالميتة ونحوها فكله حرام مثل النسر
والرخم والبغاث التي لا تفترس فلا يؤكل.
قال الجاحظ في كتاب الحيوان: وإن الطير كله سبع وبهيمة وهمج، والسباع من الطير على
ضربين: فمنها العتاق والأحرار والجوارح، ومنها البغاث وهو كل ما عظم من الطير إذا لم يكن من
ذوات السلاح والمخاليب المعقفة كالنسر والزمج وأشباههما من لئام السباع، والسبع من الطير
ما أكل اللحم خالصا والبهيمة ما أكل الحب خالصا.
والغراب الأبقع والأغبر والغداف على ما قدمنا القول في جميع ذلك لأن جميع ذلك
مستخبث وداخل في تحريم الخبائث.
وأما المستطاب من الطائر كالحمام إنسيه ووحشيه والفواخت وكل متطوق كالقماري
والدباسي والورشان والدراج والدجاج والقباج والطيهوج والكراكي والكروان والحبارى
ونحو ذلك كله حلال أكله.
وكل طعام حصل فيه شئ من الخمر أو النبيذ المسكر أو الفقاع قليلا كان ما حصل
فيه أو كثيرا فإنه ينجس ذلك الطعام ولا يجوز استعماله على حال، وإن كانت القدر تغلي
على النار فوقع فيها شئ من الخمر أهريق ما فيها من المرق وغسل اللحم والتوابل وأكل
204

بعد ذلك، فإن حصل فيها شئ من الدم فكذلك سواء كان الدم قليلا أو كثيرا إذا كان
دما نجسا، لأن في الدماء ما هو طاهر عندنا بغير خلاف وهو دم السمك.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: فإن حصل فيها شئ من الدم وكان قليلا ثم غلى جاز أكل
ما فيها لأن النار تحيل الدم، فإن كان كثيرا لم يجز أكل ما وقع فيه. وهو رواية شاذة مخالفة
لأصول المذهب أوردها في كتابه إيرادا ولا يرجع عن الأدلة القاهرة إلا بمثلها، قوله: إن كان
قليلا ثم غلى جاز أكل ما فيها لأن النار تحيل الدم، قول عجيب هب أن النار أحالته المائع الذي
قد وقع فيه أ ليس قد نجسه وقت وقوعه فيه؟ والنار لعمري ما أذهبت جميع المرق وما عهدنا ولا
ذهب أحد من أصحابنا إلى أن المائع النجس بالغليان يطهر إلا ما خرج بالدليل من العصير إذا
ذهب بالنار والغليان ثلثاه فقد طهر وحل الثلث الباقي على ما يأتي بيانه.
وكل طعام حصل فيه شئ من الميتات مما له له نفس سائلة فإنه ينجس بحصوله
فيه ولا يحل استعماله، فإن كان ما حصل فيه الميتة جامدا مثل السمن والعسل ألقي منه
وما حوله واستعمل الباقي، وإن كان ما حصل فيه الميتة مائعا لم يجز استعماله ووجب
إهراقه، فإن كان دهنا مثل الشيرج والبزر جاز الاستصباح به تحت السماء ولا يجوز
الاستصباح به تحت الظلال، لا لأن دخانه نجس بل تعبد تعبدنا به لأن دخان الأعيان
النجسة ورمادها طاهر عندنا بغير خلاف بيننا، ولا يجوز الادهان به ولا استعماله في شئ
من الأشياء سوى الاستصباح تحت السماء.
وقال شيخنا أبو جعفر في مبسوطه في كتاب الأطعمة: وروى أصحابنا أنه يستصبح به تحت
السماء دون السقف وهذا يدل على أن دخانه نجس، قال رحمه الله: غير أن عندي أن هذا
مكروه، فأما دخانه ودخان كل نجس من العذرة وجلود الميتة؟ للكلام تتمة لأن السرجين
والبعر وعظام الميتة عندنا ليس بنجس وأما ما يقطع بنجاسته قال قوم: دخانه نجس وهو الذي
دل عليه الخبر الذي قدمناه من رواية أصحابنا وقال آخرون وهو الأقوى: أنه ليس بنجس فأما
رماد النجس فعندنا طاهر وعندهم نجس وإنما قلنا ذلك لما رواه أصحابنا من جواز السجود على
جص أوقد عليه بالنجاسات، هذا آخر كلام شيخنا في مبسوطه.
قوله رحمه الله: وروى أصحابنا أنه يستصبح به تحت السماء دون السقف وهذا يدل على أن
205

دخانه نجس غير أن عندي أن هذا مكروه، يريد به الاستصباح تحت السقف.
قال محمد بن إدريس: ما ذهب أحد من أصحابنا إلى أن الاستصباح به تحت الظلال مكروه
بل محظور بغير خلاف بينهم، وشيخنا أبو جعفر محجوج بقوله في جميع كتبه إلا ما ذكره ههنا
فالأخذ بقوله وقول أصحابنا أولى من الأخذ بقوله المنفرد عن أقوال أصحابنا.
فأما بيعه فلا يجوز إلا بشرط الاستصباح به تحت السماء دون الظلال.
وكل ما ليس له نفس سائلة مثل الجراد والنمل والزنابير والخنافس وبنات وردان
والذبان والعقارب وما أشبه ذلك إذا مات في شئ من الطعام والشراب جامدا كان أو مائعا
فإنه لا ينجس بحصوله فيه وموته.
ولا يجوز مواكلة الكفار على اختلاف آرائهم بأي أنواع الكفر كانوا ولا استعمال
أوانيهم التي باشروها بالمائعات إلا بعد غسلها بالماء، وكل طعام تولاه بعض الكفار بأيديهم
وباشروه بنفوسهم له يجز أكله، لأنهم أنجاس ينجس الطعام بمباشرتهم إياه، ولأن أسارهم
نجسة على ما قدمناه في كتاب الطهارة. فأما ما لا يقبل النجاسة مثل الحبوب وما أشبهها فلا
بأس باستعماله وإن باشروه بأيديهم وأنفسهم إذا كانت يابسة.
ولا يجوز استعمال أواني المسكر إلا بعد غسلها بالماء على ما قدمناه وحررناه في كتاب
الطهارة.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: ولا يجوز استعمال أواني المسكر إلا بعد أن تغسل بالماء
ثلاث مرات وتجفف.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: ليس على وجوب التجفيف دليل من كتاب ولا سنة ولا
إجماع، وأما غسلها ثلاث مرات فبعض أصحابنا يوجبه وبعض منهم لا يرى ولا يراعي عددا
في المغسول إلا في الولوع خاصة، وروي رواية أنها تغسل سبع مرات.
وإذا حصلت ميتة لها نفس سائلة في قدر أهريق ما فيها من المرق وغسل اللحم
والتوابل وأكل بعد ذلك.
ولا بأس بأكل ما باشره الجنب والحائض من الخبز والطبيخ وأشباه ذلك من الآدام إذا
كانا مأمونين، ويكره أكله إذا عالجه من لا يتحفظ ولا يؤمن عليه إفساد الطعام بالنجاسات.
206

ولا يجوز الأكل والشرب للرجال والنساء جميعا في أواني الذهب والفضة ولا استعمالها
في بخور ولا غيره - حتى أن بعض أصحابنا حرم المأكول الذي فيهما وهو شيخنا المفيد في
بعض كلامه - فإن كان هناك قدح مفضض تجنب موضع الفضة منه عند الشرب. ولا بأس بما
عدا الذهب والفضة من الأواني ثمينة كانت أو غير ثمينة من صفر أو نحاس أو بلور بكسر
الباء وفتح اللام وتشديدها، ولا بأس بطعام أو شراب أكل أو شرب منه سنور أو فأر،
وروي، كراهية ما أكل منه الفأر وليس ذلك بمحظور لأن سؤر السنور والفأر وسائر الحشار
طاهر.
ورويت رواية شاذة: أنه يكره أن يدعو الانسان أحدا من الكفار إلى طعامه ليأكل معه، فإن
دعاه فليأمره بغسل يده ثم يأكل معه إن شاء.
أوردها شيخنا في نهايته إيرادا لا اعتقادا، وهذه الرواية لا يلتفت إليها ولا يعرج عليها لأنها
مخالفة لأصول المذهب، لأنا قد بينا بغير خلاف بيننا أن سؤر الكفار نجس ينجس المائع بمباشرته
والأدلة لا تتناقض وبإزاء هذه الرواية روايات كثيرة بالضد منها، وأيضا الاجماع على خلافها.
قال السيد المرتضى في انتصاره مسألة: ومما انفردت به الإمامية أن كل طعام عالجه الكفار من
اليهود والنصارى وغيرهم ممن ثبت كفرهم بدليل قاطع فهو حرام لا يجوز أكله ولا الانتفاع به،
وخالف باقي الفقهاء في ذلك وقد دللنا على هذه المسألة في كتاب الطهارة حيث دللنا على أن
سؤر الكفار نجس لا يجوز الوضوء به واستدللنا بقوله تعالى: إنما المشركون نجس، و استقصيناه
فلا معنى لإعادته، هذا آخر كلام المرتضى رضي الله عنه.
ولا يجوز أكل شئ من الطين على اختلاف أجناسه سواء كان أرمنيا أو من طين
البحيرة أو غير ذلك إلا طين قبر الحسين ع، فإنه يجوز أن يؤكل منه اليسير
للاستشفاء فحسب دون غيره، ولا يجوز الإكثار منه ولا الإفطار عليه يوم عيد الفطر.
على ما ذهب إليه شيخنا أبو جعفر في مصباحه، إلا أنه عاد عنه في نهايته فإنه قال: ولا يجوز
أكل شئ من الطين على اختلاف أجناسه إلا طين قبر الحسين ع فإنه يجوز أن يؤكل
منه اليسير للاستشفاء به
ولا بأس أن يأكل الانسان من بيت من ذكره الله تعالى في قوله: ليس عليكم جناح أن تأكلوا
207

... الآية بغير إذنه إذا دخل البيت باذنه سواء كان المأكول مما يخشى عليه الفساد أو لا يخشى
ذلك عليه ما لم ينهه عن الأكل.
وذهب بعض أصحابنا إلى أنه لا يأكل إلا ما يخشى عليه الفساد والأول هو الظاهر.
ولا يجوز أن يحمل معه شيئا ولا إفساده.
ولا بأس بأكل الثوم والبصل والكراث مطبوخا ونيئا - بكسر النون وهمز الياء ومدها -
غير أن من يأكل ذلك نيئا يكره له دخول المساجد لئلا يتأذى الناس برائحته لنهيه عليه
السلام من أن يقرب المسجد حتى يزول رائحته.
وإذا نجس الماء بحصول شئ من النجاسات فيه ثم عجن به وخبز لم يجز أكل ذلك
الخبز، وروي في شواذ الأخبار جواز أكله وأن النار قد طهرته والأصل ما قدمناه.
وإذا وجد الانسان طعاما فليقومه على نفسه ويأكل منه فإذا جاء صاحبه رد عليه ثمنه،
وقد قدمنا ذلك في كتاب اللقطة. ولا بأس بألبان الأتن حليبا ويابسا فإنه طاهر عندنا،
وكذلك لبن الآدميات طاهر عندنا بغير خلاف من در ولادة ابن أو بنت، وروي في شواذ
الأخبار أن لبن البنت نجس والأصل ما قدمناه.
ولا بأس بشرب أبوال الإبل وكل ما أكل لحمه من البهائم إما للتداوي أو غيره.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: ولا بأس بأن يستشفى بأبوال الإبل، ولم يذكر غيرها وليس
ذكره لها دليلا على أن غيرها لا يجوز الاستشفاء به ولا يجوز شربه لأنا بلا خلاف بيننا أن أبوال
ما يؤكل لحمه طاهرة غير نجسة.
إذا أضطر إلى أكل الميتة يجب عليه أكلها ولا يجوز له الامتناع منها، دليلنا ما علمناه
ضرورة من وجوب دفع المضار عن النفس عقلا، وإذا كان الأكل من الميتة في حال
الاضطرار يدفع به الضرر العظيم عن نفسه وجب عليه ذلك.
إذا اضطر إلى طعام الغير لم يجب على الغير إعطاؤه لأن الأصل براءة الذمة وإيجاب
ذلك يحتاج إلى دليل.
إذا وجد المضطر ميتة وصيدا حيا وهو محرم: اختلف أقوال أصحابنا وأحاديثهم، فبعض يذهب
إلى أنه يأكل الصيد، وبعض يذهب إلى أنه يأكل الميتة، وهذا هو الصحيح من الأقوال لأن
208

الصيد إذا كان حيا وذبحه المحرم كان حكمه حكم الميتة ويلزمه الفداء، فإن أكل الميتة أولى من
غير أن يلزمه فداء ولا إثم، والأولى أن نحمل الروايا ت التي وردت بأكل الصيد على من وجد
الصيد مذبوحا قد ذبحه محل في غير الحرم، فإن الأولى أن يأكل ويفدي ولا يأكل الميتة، وإلى
هذا التحرير ذهب شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله في مسائل خلافه في الجزء الثالث من
كتاب الأطعمة.
إذا اضطر إلى شرب الخمر للعطش فله شربه فإن اضطر إليه للتداوي أو الجوع فلا يجوز
له تناوله بحال لا للتداوي للعين ولا لغيرها لما روي: من أنه ما جعل شفاء في محرم، وأيضا
فتحريمها معلوم من دين الرسول ع وتحليلها يحتاج
إلى دليل. إذا مر انسان بحائط غيره - يعني بستانه لأن الحائط عبارة عن البستان - وبثمرته جاز
له أن يأكل منها سواء كان في حال ضرورة أو في حال اختيار ولا يأخذ منها شيئا يحمله معه
ما لم ينهه صاحبه عن الدخول والأكل، فإن نهاه عن الأكل والدخول فلا يجوز له الأكل
والدخول.
وقال المخالف: لا يجوز له الأكل منه إلا في حال الضرورة، دليلنا إجماع أصحابنا على ذلك فإنهم
لا يختلفون في ذلك، وما رواه المخالف عن ابن عمر أن النبي ص قال: إذا مر
أحدكم بحائط غيره فليدخل وليأكل ولا يتخذ خبنة:
بالخاء المعجمة وبضمها والباء وتسكينها وبالنون المفتوحة، وهو ما يحمله الانسان في حضنه،
هكذا قاله الجوهري في كتاب الصحاح. وقال الهروي في غريب الحديث: الخبنة ثبان الرجل
وهو ذلذل ثوبة المرفوع يقال: رفع في خبنته شيئا قال شمر: الخبنة والحنكة في الحجزة والثبنة في
الإزار، قال ابن الأعرابي: أخبن الرجل إذا خبا في خبنته، سراويله مما يلي البطن، هذا
الذي قاله وحكاه أبو عبيد الهروي في غريب الحديث، فأما من قال ذلك بالياء المنقطة نقطتين
من تحتها موضع النون فهو خطأ وتصحيف صرف.
جملة القول في الأعيان النجسة على أنها أربعة أضرب:
الأول: نجس العين، وهو الكلب والخنزير وما توالد منهما وما استحال نجسا كالخمر
والبول والعذرة وجلد الميتة، فكل هذا نجس العين لا ينتفع به ولا يجوز بيعه.
209

الثاني: ما ينجس بالمجاورة ولا يمكن غسله ولا يطهره الغسل بالماء وهو اللبن والخل
والدبس ونحو ذلك، فلا ينتفع به ولا يجوز بيعه بحال.
والثالث: ما ينجس بالمجاورة وينتفع بمقاصده ويمكن غسله وتطهيره بالماء، وهو
الثياب وما في معناها فهذا يجوز بيعه قبل تطهيره.
والرابع: ما اختلف في جواز غسله، وهو الزيت والشرج فعند أصحابنا بغير خلاف
بينهم أنه لا يجوز غسله ولا يطهره الغسل بالماء، وكذلك البزر والأدهان أجمع فعندنا وإن لم
يجز غسله فيجوز الانتفاع به في الاستصباح تحت السماء على ما قدمناه وشرحناه، ويجوز
بيعه بهذا الشرط عندنا أيضا ولا يجوز الانتفاع به في غير الاستصباح.
إذا وجد المضطر آدميا ميتا حل له الأكل منه بمقدار ما يمسك رمقه كما لو كانت الميتة
بهيمة للآيات وعمومها.
وفي الناس من قال: لا يجوز أكل لحم الآدمي بحال للمضطر لأنه يؤدى إلى أكل لحوم الأنبياء،
وهذا ليس بصحيح لأن المنع من ذلك يؤدى إلى أن الأنبياء يقتلون أنفسهم بترك لحم الآدمي
عند الضرورة، فكان من حفظ النبي في حال حياته أولى من الذي لم يحفظه بعد وفاته، بدليل
أن من قتل نبيا حيا ليس كمن أتلف آدميا ميتا.
فإن لم يجد المضطر شيئا بحال، قال قوم: له أن يقطع من بدنه من المواضع اللحمية
كالفخذ ونحوها فيأكله خوفا على نفسه، لأنه لا يمتنع إتلاف البعض لاستيفاء الكل كما لو
كان به أكلة أو خبيثة يقطعها.
والصحيح عندنا أنه لا يفعل ذلك لأنه إنما يأكل خوفا على نفسه وفي القطع منه الخوف على
نفسه فلا يزال الخوف بالخوف. ويفارق الخبيثة لأن في قطعها قطع السراية وليس كذلك قطع
موضع من بدنه لأن في قطعه إحداث سراية.
فأما إن وجد المضطر بولا وخمرا فإنه يشرب البول ولا يجوز له أن يشرب الخمر لأن
البول لا يسكر ولا حد في شربه، فإن لم يجد إلا الخمر فقد قلنا ما عندنا في ذلك فلا وجه
لإعادته.
210

باب الأشربة المحظورة والمباحة:
كل ما أسكر كثيره فالقليل منه حرام لا يجوز استعماله بالشرب والتصرف فيه بالبيع
والهبة، وينجس ما يحصل فيه خمرا كان أو نبيذا أو بتعا.
بكسر الباء المنقطة من تحتها بنقطة واحدة وتسكين التاء المنقطة من فوقها بنقطتين والعين غير
المعجمة وهو شراب يتخذ من العسل.
أو نقيعا.
وهو شراب يتخذ من الزبيب.
أو مزارا،
بكسر الميم وتسكين الزاء المعجمة وبعدها الراء غير المعجمة وهو شراب يتخذ من الذرة.
وغير ذلك من المسكرات.
وحكم الفقاع عند أصحابنا حكم الخمر على السواء في أنه حرام شربه وبيعه
والتصرف فيه، فأما عصير العنب فلا بأس بشربه ما لم يلحقه نشيش بنفسه، فإن لحقه
طبخ قبل نشيشه حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه حل شرب الثلث الباقي، فإن لم يذهب ثلثاه
ويبقى ثلثه كان ذلك حراما، وكذلك القول فيما ينبذ من الثمار في الماء أو اعتصر من
الأجسام من الأعسال في جواز شربه ما لم يتغير، فإن تغير بالنشيش لم يشرب.
ولا يقبل في طبخ العصير وغيره شهادة من يرى جواز شربه في الحال التي لا يجوز
شربه عندنا فيها وقد بيناها ويقبل قول من لا يرى شربه إلا إذا ذهب ثلثاه وبقي ثلثه.
ولا يجوز شرب الفضيخ.
بالفاء والضاد المعجمة والياء المنقطة من تحتها بنقطتين والخاء المعجمة، وهو ما عمل من تمر
وبسر ويقال: هو أسرع إدراكا.
وكذلك كل ما عمل من لونين حتى نش وتغير وأسكر كثيره فالقليل منه حرام،
والحد في قليله وكثيره واحد كالخمر وإن لم يسكر منها شاربها، لأن النبيذ اسم مشترك لما حل
شربه من الماء المنبوذ فيه تمر النخل وغيره قبل حلول الشدة فيه، وهو أيضا واقع على ما دخلته
الشدة من ذلك أو نبذ على عكر والعكر بقية الخمر في الإناء كالخميرة عندهم ينبذون عليه،
211

فمهما ورد في الأحاديث في تحليل النبيذ فهو في الحال الأولى ومهما ورد من التحريم له فإنما هو
في الحال الثانية التي يتغير فيها، ويحرم بما حله من الشدة والسكر والعكر وضراوة الآنية
بالخمرة وغليانه وغير ذلك من أسباب تحريمه، ولا أختار أن ينبذ للشرب الحلال إلا في أسقية
الأدم التي تملأ ثم توكأ رؤوسها فإنه قد قيل: أن الشدة حين يبتدأ بالنبيذ لسوء الأسقية وإنه إن
لحقه منه شئ أخرجه إلى الحموضة، في الرواية عن النبي ع.
فأما الحنتم.
بالحاء غير المعجمة والنون والتاء المنقطة من فوقها بنقطتين، وهي الجرة الخضراء، هكذا ذكره
الجوهري في كتاب الصحاح، وقال شيخنا أبو جعفر في مبسوطه: الحنتم الجرة الصغيرة.
والدباء - بضم الدال وتشديد الباء - والنقير والمزفت،
قال محمد بن إدريس رحمه الله: الزفت من الأرزن، هكذا ذكره الجاحظ في كتاب الحيوان.
والقطران من الصنوبر هكذا ذكر، فقد روي: أن الرسول ع نهى أن ينبذ في هذه
الأواني وقال: انبذوا في الأدم فإنه يوكأ ويعلق.
كل هذا المنهي عنه لأجل الظروف فإنها تكون في الأرض فتسرع الشدة إليها، ثم أباح هذا
كله بما روي عن ابن بريدة عن أبيه عن النبي ع قال: نهيتكم عن ثلاث وأنا
آمركم بهن: نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإن زيارتها تذكرة، ونهيتكم عن الأشربة أن
تشربوا إلا في ظروف الأدم فاشربوا في كل وعاء غير أن لا تشربوا مسكرا، ونهيتكم عن لحوم
الأضاحي أن تأكلوا بعد ثلاث فكلوا واستمتعوا.
فإن نبذ في شئ من تلك الظروف لا يشرب إلا ما وقع اليقين بأنه لم تحله شدة ظاهرة
ولا خفية ولا يكون ذلك إلا بسرعة شرب ما ينبذ فيه.
فأما الدباء فإنه القرع، والنقير خشبة تنقر وتحوط كالبرنية، والمزفت ما قير بالزفت بكسر
الزاء، قال الجاحظ في كتاب الحيوان: القطران من الصنوبر والزفت من الأرزن.
وقد قلنا: أن العصير لا بأس بشربه وبيعه ما لم يغل - وحد الغليان على ما روي الذي
يحرم ذلك وهو أن يصير أسفله أعلاه - فإذا غلا حرم شربه وبيعه والتصرف فيه إلى أن
يعود إلى كونه خلا، ولا بأس بإمساكه ولا يجب إراقته بل يجوز إمساكه إلى أن يعود خلا.
212

وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: ويكره الاستسلاف في العصير فإنه لا يؤمن أن يطلبه
صاحبه ويكون قد تغير إلى حال الخمر، بل ينبغي أن يبيعه يدا بيد وإن كان لو فعل ذلك لم
يكن محظورا.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: ما ذكره شيخنا رحمه الله فيه نظر لأن السلف لا يكون إلا في
الذمة ولا يكون في العين، فإذا كان في الذمة فسواء تغير ما عنده إلى حال الخمر أو لم يتغير فإنه
يلزمه تسليم ما له في ذمته إليه من أي موضع كان، فلا أرى للكراهية وجها وإنما هذا لفظ خبر
واحد أورده إيرادا.
ولا بأس أن يبيع العنب والتمر ممن يعلم أنه يجعله خمرا أو نبيذا، لأن الإثم على من
يجعله كذلك وليس على البائع شئ، غير أن الأفضل أن يعدل عنه إلى غيره، وقد حررنا
ذلك وشرحناه في كتاب البيوع فليلحظ من هناك فلا وجه لإعادته.
وقال شيخنا في نهايته: ولا يجوز أن يتداوى بشئ من الأدوية وفيها شئ من المسكر وله عنه
مندوحة، فإن اضطر إلى ذلك جاز أن يتداوى به للعين ولا يجوز أن يشربه على حال إلا عند
خوفه على نفسه من العطش على ما قدمناه.
وقد قلنا: أنه لا يجوز له التداوي به للعين ولا غيرها، وإنما هذا خبر واحد من شواذ أخبار
الآحاد أورده إيرادا ورجع عنه في مسائل خلافه حتى أنه حرم شربها عند الضرورة للعطش
وإليه أيضا ذهب في مبسوطه فإنه قال: إن وجد المضطر بولا وخمرا يشرب
البول دون الخمر لأن البول لا يسكر ولا حد في شربه، فإن لم يجد إلا الخمر فالمنصوص لأصحابنا أنه لا سبيل لأحد
إلى شربها سواء كان مضطرا إلى الأكل أو الشرب أو التداوي، وبه قال جماعة وقال بعضهم: إن
كانت الضرورة العطش حل له شربها ليدفع العطش عن نفسه، وقال بعضهم: يحل للمضطر
إلى الطعام والشراب ويحل التداوي، ويجوز على ما روي في بعض أخبارنا عند الضرورة
التداوي به للعين دون الشرب، هذا آخر كلامه في مبسوطه.
وذهب في نهايته: إلى جواز شربه خوف ضرر العطش، وهو الذي يقوى في نفسي واخترناه في
كتابنا هذا ولا أدفع جوازه للمضطر إلى أكل ما يكون فيه الخمر خوفا من تلف نفسه لقوله
تعالى: ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة، وأيضا فأدلة العقول تجوزه وتوجبه لأنه يدفع الضرر به
213

عن نفسه فلا مانع يمنع منه عقلا وسمعا.
وقد قلنا: أنه لا بأس بشرب النبيذ غير المسكر وهو أن ينقع التمر والزبيب ثم يشربه
وهو حلو قبل أن يتغير، ويكره أن يسقى شيئا من الدواب والبهائم الخمر أو المسكر. ويكره
الاستشفاء بالمياه الحارة التي تكون في الجبال.
ومن شرب الخمر ثم بصق على ثوب فإن علم أن معه شيئا من الخمر لم تجز الصلاة
فيه وإن لم يعلم ذلك بأن لا يكون ملونا جازت الصلاة فيه.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: وأواني الخمر ما كان من الخشب أو القرع وما أشبههما لم يجز
استعمالها في شئ من المائعات حسبما قدمناه، وما كان من صفر أو زجاج أو جرار خضر أو
خزف جاز استعمالها إذا غسل ثلاث مرات حسبما قدمناه، وينبغي أن يدلك في حال
الغسل.
وقال في مبسوطه في الجزء الأول: أواني الخمر ما كان قرعا أو خشبا منقورا روى أصحابنا: أنه
لا يجوز استعماله بحال وأنه لا يطهر، وما كان مقيرا أو مدهونا من الجرار الخضر أو خزفا فإنه
يطهر إذا غسل سبع مرات حسبما قدمناه، وعندي أن الأول محمول على ضرب من التغليظ
والكراهة دون الحظر، هذا آخر كلامه في مبسوطه.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: وهو الذي يقوى في نفسي واخترناه في كتابنا هذا.
والذمي إذا باع خمرا أو خنزيرا ثم أسلم جاز له أن يقبض ذلك الثمن وكان حلالا
له، والخمر إذا صار خلا جاز استعماله سواء صار ذلك من قبل نفسه أو بعلاج إذا طرح فيها
ما يقلب إلى الخل غير أنه يستحب أن لا يغير بشئ يطرح فيه على ما روي، بل يترك حتى
يصير خلا من قبل نفسه.
وقد روي في بعض الأخبار: أنه إذا وقع شئ من الخمر في الخل لم يجز استعماله إلا بعد
أن يصير ذلك الخمر خلا.
أورد الرواية شيخنا أبو جعفر في نهايته، والذي يقتضيه أصول مذهبنا ترك العمل بهذه
الرواية الشاذة، ولا يلتفت إليها ولا يعرج عليها لأنها مخالفة لأصول الأدلة مضادة للإجماع، لأن
الخل بعد وقوع قليل الخمر في الخل صار بالإجماع الخل نجسا، ولا دلالة على طهارته بعد ذلك
214

ولا إجماع لأنه ليس له حال ينقلب إليها، ولا يتعدى طهارة ذلك الخمر المنفرد واستحالته
وانقلابه إلى الخل الواقع فيه قليل الخمر المختلط به الذي حصل الاجماع على نجاسته،
وهذه الرواية الشاذة موافقة لمذهب أبي حنيفة، فإن صح ورودها فتحمل على التقية لأنها
موافقة لمذهب من سميناه بذلك على ما نبهنا عليه قول السيد المرتضى في انتصاره،
فإنه قال مسألة: عند الإمامية إذا انقلبت الخمر خلا بنفسها أو بفعل آدمي إذا طرح فيها
ما ينقلب به إلى الخل حلت وخالف الشافعي ومالك في ذلك، وأبو حنيفة موافق للإمامية فيما
حكيناه إلا أنه يزيد عليهم فيقول في من ألقى خمرا في خل فغلب عليها حتى لا يوجد طعم
الخمر: أنه بذلك يحل، وعند الإمامية أن ذلك لا يجوز، ومتى لم ينقلب الخمر إلى الخل لم يحل،
فكأنهم انفردوا من أبي حنيفة بأنهم امتنعوا مما أجازه على بعض الوجوه وإن وافقوه على
انقلاب الخمر إلى الخل، فجاز لذلك ذكر هذه المسألة في الانفرادات، دليلنا بعد الاجماع المتردد
أن التحريم إنما يتناول ما هو خمر، وما انقلب خلا فقد خرج من أن يكون خمرا وأنه لا خلاف في
إباحته الخل واسم الخل يتناول ما هو على صفة مخصوصة ولا فرق بين أسباب حصوله
عليها، ويقال لأصحاب أبي حنيفة: أي فرق بين غلبة الخل على الخمر في تحليلها وبين غلبة الماء
عليها أو غيره من المائعات والجامدات حتى لا يوجد لها طعم ولا رائحة؟ فإن فرقوا بين
الأمرين بأن الخمر ينقلب إلى الخل ولا ينقلب إلى غيره من المائعات والجامدات، قلنا: كلامنا
فيها على الانقلاب والخمر إذا ألقيت في الخل الكثير فما انقلبت في الحال إلى الخل بل عينها
باقية فكذلك هي في الماء، فما الفرق بين أن يلقى فيما يجوز أن ينقلب إليه وبين ما لا ينقلب
إليه إذا كانت في الحال موجودة لم تنقلب؟ هذا آخر كلام المرتضى رضي الله عنه في المسألة
فالحظه وتأمله بعين قلبك فإنه دال على ما قلناه كاشف لما حررناه.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: ويجوز أن يعمل الانسان لغيره الأشربة من التمر
والزبيب والعسل وغير ذلك ويأخذ عليها الأجرة ويسلمها إليه من قبل تغيرها.
قال محمد بن إدريس رحمه الله: إذا استأجره على عمل ذلك فحلال له الأجرة سواء سلمها
إليه قبل التغير أو بعده فإنها تهلك من مال صاحبها لأنها ما زالت على ملكه.
ولا بأس برب التوت بتائين كل واحدة بنقطتين من فوق. ولا بأس برب الرمان
215

والسكنجبين والجلاب وإن شم فيه رائحة المسكر لأنه ما لا يسكر كثيره.
والجلاب شراب الورد على ما حكاه الهروي في غريب الحديث عن الأزهري وكذلك ذكره ابن
الجواليقي اللغوي في كتاب المعرب، وفحوى الكلام هاهنا يدل على ذلك.
باب آداب الأكل والشرب:
يستحب أن يغسل الانسان يده قبل أن يأكل الطعام ويغسلها بعده، ويستحب أيضا
أن يسمي الله تعالى عند تناول الطعام والشراب ويحمد الله تعالى عند الفراع.
وإن كان على مائدة عليها ألوان مختلفة فليسم عند تناول كل لون منها، وإن قال بدلا
من ذلك: بسم الله على أوله وآخره، كان كافيا. وقد روي: أنه إن سمى واحد من الجماعة
أجزأ عن الباقين.
ولا يجوز الأكل على مائدة يشرب عليها شئ من المسكرات أو الفقاع بل يجب عليه
الانكار مع القدرة عليه أو القيام، فإن أكل ما هو طاهر فالأكل حرام محظور.
ويكره أن يقعد الانسان متكئا في حال الأكل بل ينبغي أن يجلس على رجله، وكثرة
الأكل مكروه وربما بلغ حد الحظر، ويكره الأكل على الشبع بفتح الباء، ويكره الأكل والشرب
باليسار وينبغي أن يتولى ذلك باليمين إلا عند الضرورة، ويكره الأكل والشرب ماشيا،
ويكره الشرب بنفس واحد بل ينبغي أن يكون ذلك بثلاثة أنفاس فإنه روي: أن العب
يورث الكباد.
ويكره أكل طعام لم يدع إليه إن تبع غيره ممن دعي إليه ولا يجوز الأكل من طعام يعصي
الله به أو عليه من اختلاطه بخمر أو نجاسة غير الخمر أو شربه عليه.
ويكره قطع الخبز بالسكين على المائدة، ويكره الشرب من عروة الكوز وكذلك من
ثلمته، ويستحب أن يتتبع ما يسقط من فتات الخبز عند الأكل ويترك إذا كان في صحراء،
ويشرب صاحب المنزل أول القوم ويغسل آخرهم ولا يتمندل قبل الطعام ويمسه بعده،
ويستحب الخلال ولا يتخلل بعود ريحان ولا قصب. ويستحب أن يبدأ صاحب الطعام
بالأكل ويكون هو آخرهم رفعا يده منه.
216

فإذا أرادوا غسل أيديهم يبدأ بمن هو عنه يمينه حتى ينتهي إلى آخرهم، و يستحب أن
يجعل غسالة الأيدي في إناء واحد، وإذا حضر الطعام والصلاة فالبدأة بالصلاة أفضل إذا
كانوا في أول الوقت فإن كان في آخر الوقت فذلك هو الواجب لا الأفضل، فإن كان هناك
قوم ينتظرونه للإفطار معه وكان أول الوقت وشهر صيام فالبدأة بالطعام أفضل لموافقتهم، فإن
كان قد تضيق الوقت لا يجوز إلا البدأة بالصلاة على ما قدمناه، ويستحب لمن أكل الطعام
أن يستلقي على قفاه ويضع رجله اليمنى على اليسرى.
كتاب الطب والاستشفاء بالبر وفعل الخير:
وقد ورد الأمر عن رسول الله ص ووردت أخبار عن الأئمة من
ذريته ع بالتداوي فقالوا: تداووا فما أنزل الله داء إلا أنزل معه دواء إلا السام فإنه
لا دواء معه، يعني الموت.
ويجب على الطبيب أن يتقي الله سبحانه فيما يفعله بالمريض وينصح فيه، ولا بأس
بمداواة اليهودي والنصراني للمسلمين عند الحاجة إلى ذلك، وإذا أصاب المرأة علة في
جسدها واضطرت إلى مداواة الرجال لها كان جائزا.
ومن كان يستضر جسده بترك العشاء فالأفضل له أن لا يتركه ولا يبيت إلا وجوفه مملؤة
من الطعام. فقد روي: أن ترك العشاء مهرمة. وإذا كان للإنسان مريض فلا ينبغي أن يكرهه
على تناول الطعام والشراب بل يتلطف به في ذلك، وروي: أن أكل اللحم واللبن ينبت
اللحم ويشد العظم، وروي: أن اللحم يزيد في السمع والبصر، وروي: أن أكل اللحم
بالبيض يزيد في الباءة وروي: أن ماء الكماة فيه شفاء للعين، وروي: أنه يكره أن يحتجم
الانسان في يوم أربعاء أو سبت فإنه ذكر أنه يحدث منه الوضح، والحجامة في الرأس فيها
شفاء من كل داء.
وروي: أن أفضل الدواء في أربعة أشياء: الحجامة والحقنة والنورة والقئ، فإن تبيع
الدم
بالتاء المنقطة بنقطتين من فوق والباء المنقطة من تحتها بنقطة واحدة والياء المنقطة من تحتها
217

بنقطتين وتشديدها والغين المعجمة، ومعنى ذلك
هاج به يقال: تبوع الدم بصاحبه وتبيع أي هاج به.
فينبغي أن يحتجم في أي الأيام كان من غير كراهية وقت من الأوقات ويقرأ آية
الكرسي وليستخر الله سبحانه ويصلى على النبي وآله ع.
وروي: أنه إذا عرضت الحمى لإنسان فينبغي أن يداويها بصب الماء عليه، فإن لم
يسهل عليه ذلك فليحضر له إناء فيه ماء بارد ويدخل يده فيه. والاكتحال بالأثمد عند
النوم يذهب القذى ويصفي البصر. وروي: أنه إذا لدغت العقرب إنسانا فليأخذ شيئا
من الملح ويضعه على الموضع ثم يعصره بإبهامه حتى يذوب.
وروي: أنه من اشتد وجعه فينبغي أن يستدعي بقدح فيه ماء ويقرأ عليه الحمد أربعين
مرة ثم يصبه على نفسه. وروي: أن أكل الزبيب المنزوع العجم على الريق فيه منافع
عظيمة، فمن أكل منه كل يوم على الريق إحدى وعشرين زبيبة منزوعة العجم قل مرضه،
وقيل: أنه لا يمرض إلا المرض الذي يموت فيه. ومن أكل عند نومه تسع تمرات عوفي من
القولنج وقتل دود البطن على ما روي: وروي: أن أكل الحبة السوداء فيه شفاء من كل داء
على ما روي.
وفي شراب العسل منافع كثيرة فمن استعمله انتفع به ما لم يكن به مرض حار.
وروي: أن لبن البقر فيه منافع فمن تمكن منه فليشربه. وروي: أن أكل البيض نافع
للأحشاء وروي: أن أكل القرع يزيد في العقل وينفع الدماغ.
ويستحب أكل الهندباء وروي عن سيدنا أبي عبد الله جعفر بن محمد ع، أنه
قال: إذا دخلتم أرضا فكلوا من بصلها فإنه يذهب عنكم وباؤها.
وروي: أن رجلا من أصحابه ع شكا إليه اختلاف البطن فأمر أن يتخذ من
الأرز سويقا ويشربه ففعل فعوفي.
وروي: أن النبي ع قال: إياكم والشبرم فإنه حار بارد وعليكم بالسناء
فتداووا به فلو دفع شئ من الموت لدفعه السناء وتداووا بالحلبة فلو علم أمتي ما لها في
الحلبة لتداووا بها ولو بوزنها ذهبا.
218

وروي عنه ع أنه قال: إدمان أكل السمك الطري يذيب الجسم. وروي: أن
أكل التمر بعد السمك الطري يذهب أذاه.
وروي عنه ع: أن رجلا شكا إليه وجع الخاصرة فقال له ع عليك
بما يسقط من الخوان فكله ففعل فعوفي.
وروي عنه ع، أنه قال: الريح الطيبة تشد العقل وتزيد في الباءة.
وروي عن رسول الله ص: أنه نهى عن أكل الطفل: الطين والفحم، وقال:
من أكل الطين فقد أعان على نفسه ومن أكله فمات لم يصل عليه وأكل الطين يورث النفاق.
وروي عنه ص، أنه قال: فضلنا أهل البيت على الناس كفضل
البنفسج على سائر الأدهان.
وروي عن أمير المؤمنين علي ع أنه قال: من أكل الرمان بشحمه دبغ معدته
والسفرجل يذكي القلب الضعيف ويشجع الجبان.
وروي عن سيدنا أبي عبد الله جعفر بن محمد ع أنه قال: الخل يسكن المرار
ويحيي القلب ويقتل دود البطن ويشد الفم.
فهذه جملة مقنعة من جملة ما ورد عن الأئمة ع في هذا الباب وإيراد جميعه
لا يحصى ولا يسعه كتاب، فأما ما ورد عنهم ع في الاستشفاء بفعل الخير والبر
والتعوذ والرقي فنحن نورد من جملة ما ورد عنهم في ذلك جملة مقنعة بمشيئة الله سبحانه:
وروي عن سيدنا أبي عبد الله جعفر بن محمد ع أنه قال: ثلاث يذهبن
النسيان ويحدان الفكر: قراءة القرآن والسواك والصيام.
وروي عنه ع: أن بعض أهل بيته ذكر له أمر عليل عنده فقال: ادع بمكتل
فاجعل فيه برا واجعله بين يديه وأمر غلمانك إذا جاء سائل أن يدخلوه إليه فيناوله منه بيده
ويأمره أن يدعو له، قال: أ فلا أعطى الدنانير والدراهم؟ قال: اصنع ما آمرك به فكذلك
رويناه، ففعل فرزق العافية.
وروي عنه ع قال: ارغبوا في الصدقة وبكروا فيها فما من مؤمن تصدق
219

بصدقة حين يصبح يريد بها ما عند الله إلا دفع الله بها عنه شر ما ينزل من السماء ذلك
اليوم، ثم قال: لا تستخفوا بدعاء المساكين للمرضى منكم فإنه يستجاب لهم فيكم
ولا يستجاب لهم في أنفسهم.
وروي عنه ع: أن رجلا من أصحابه شكا إليه وضحا أصابه بين عينيه وقال:
بلغ مني يا بن رسول الله مبلغا شديدا، فقال: عليك بالدعاء وأنت ساجد ففعل فبرأ منه.
وروي عنه ع أنه قال: إذا أصابك هم فامسح يدك على موضع سجودك ثم مر
يدك على وجهك من جانب خدك الأيسر وعلى جبينك إلى جانب خدك الأيمن، ثم قل:
بسم الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم اللهم أذهب عني الهم
والحزن ثلاثا.
وروي عنه ع أنه قال: من قال كل يوم ثلاثين مرة: بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين تبارك الله أحسن الخالقين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم دفع
الله عنه تسعة ولتسعين نوعا من البلاء أهونها الجذام.
وروي عن أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب ع أنه قال: مرضت فعادني
رسول الله ص وأنا لا أتقار على فراشي فقال: يا علي إن أشد الناس
بلاء النبيون ثم الأوصياء ثم الذين يلونهم أبشر فإنها حظك من عذاب الله مع مالك من
الثواب، ثم قال أ تحب أن يكشف الله ما بك؟ قال: قلت بلى يا رسول الله، قال: قل اللهم
ارحم جلدي الرقيق وعظمي الدقيق وأعوذ بك من فورة الحريق يا أم ملدم إن كنت أمنت
بالله فلا تأكلي اللحم ولا تشربي الدم ولا تفوري من الفم وانتقلي إلى من يزعم أن مع الله إلها
آخر فإني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، قال:
فقلتها فعوفيت من ساعتي. قال جعفر بن محمد ع: ما فزعت إليه قط إلا وجدته
[نافعا] وكنا نعلمه النساء والصبيان.
وروي عن سيدنا أبي جعفر محمد ع، أنه قال: كان رسول الله ص
يجلس الحسن على فخذه اليمنى والحسين على فخذه اليسرى ثم يقول: أعيذكما
بكلمات الله التامات كلها من شر كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة، ثم يقول: هكذا
220

كان إبراهيم أبي ع يعوذ بنيه إسماعيل وإسحاق ع.
وروي عن أمير المؤمنين ع أنه قال: من ساء خلقه فأذنوا في أذنه.
وروي عن النبي ع أنه نهى عن السحر والكهانة والقيافة والتمائم،
فلا يجوز استعمال شئ من ذلك على حال، وهذه جملة مقنعة واستقصاء ذلك يطول به
الكتاب ويحصل به الإسهاب.
221

شرائع الاسلام
كتاب الأطعمة والأشربة والنظر فيه يستدعي بيان أقسام ستة
القسم الأول: في حيوان البحر:
ولا يؤكل منه إلا ما كان سمكا له فلس سواء بقي عليه كالشبوط والبياح أو لم يبق
كالكنعت، أما ما ليس له فلس في الأصل كالجري ففيه روايتان أشهرهما التحريم وكذا والزمار
والمارماهي والزهو، لكن أشهر الروايتين هنا الكراهية، ويؤكل الربيثا والإربيان والطمر
والطبراني والإبلامي، ولا يؤكل السلحفاة ولا الضفادع ولا السرطان ولا شئ من حيوان
البحر ككلبه وخنزيره.
ولو وجد في جوف سمكة أخرى حلت إن كانت من جنس ما يحل وإلا فهي حرام،
وبهذا روايتان طريق إحديهما السكوني والأخرى مرسلة، ومن المتأخرين من منع استنادا
إلى عدم اليقين بخروجها من الماء حية، وربما كانت الرواية أرجح استصحابا لحال الحياة،
ولو وجدت في جوف حية سمكة أكلت إن لم تكن تسلخت ولو تسلخت لم تحل، والوجه
أنها لا تحل إلا أن تقذفها والسمكة تضطرب، ولو اعتبر مع ذلك أخذها حية ليتحقق
الذكاة كان حسنا.
ولا يؤكل الطافي وهو ما يموت في الماء سواء مات بسبب كضرب العلق أو حرارة الماء
أو بغير سبب، وكذا ما يموت في شبكة الصائد في الماء أو في حظيرته، ولو اختلط الميت
بالحي بحيث لا يتميز قيل: حل الجميع واجتنابه أشبه، ولا يؤكل الجلال من السمك حتى
يستبرأ بأن يجعل في الماء يوما وليلة ويطعم علفا طاهرا، وبيض السمك المحلل حلال
222

وكذا بيض المحرم حرام، ومع الاشتباه يؤكل ما كان خشنا لا ما كان أملس.
القسم الثاني: في البهائم:
ويؤكل من الإنسية الإبل والبقر والغنم، ويكره الخيل والبغال والحمير الأهلية على
تفاوت بينها في الكراهية، وقد يعرض التحريم للمحلل من وجوه:
أحدهما: الجلل وهو أن يغتذي عذرة الانسان لا غير فيحرم حتى يستبرأ، وقيل:
يكره، والتحريم أظهر، وفي الاستبراء خلاف والمشهور استبراء الناقة بأربعين يوما والبقرة
بعشرين، وقيل: تستوي البقرة والناقة في الأربعين،
والأول أظهر، والشاة بعشرة وقيل: بسبعة والأول أظهر، وكيفيته أن يربط ويعلف علفا طاهرا هذه المدة.
الثاني: أن يشرب لبن خنزيرة، فإن لم يشتد كره ويستحب استبراؤه بسبعة أيام، وإن
اشتد حرم لحمه ولحم نسله.
الثالث: إذا وطئ الانسان حيوانا مأكولا حرم لحمه ولحم نسله، ولو اشتبه بغيره قسم
فريقين وأقرع عليه مرة بعد أخرى حتى تبقى واحدة، ولو شرب شئ من هذه الحيوانات خمرا
لم يحرم لحمه بل يغسل ويؤكل ولا يؤكل ما في جوفه، ولو شرب بولا لم يحرم ويغسل ما في
بطنه ويؤكل، ويحرم الكلب والسنور أهليا كان أو وحشيا، ويكره أن يذبح بيده ما رباه من
النعم، ويؤكل من الوحشية والبقر والكباش الجبلية والحمر والغزلان واليحامير، ويحرم
منها ما كان سبعا، وهو ما كان له ظفر أو ناب يفترس به قويا كان كالأسد والنمر والفهد
والذئب أو ضعيفا كالثعلب والضبع وابن آوي، ويحرم الأرنب والضب والحشار كلها كالحية
والفأرة والعقرب والجرذان والخنافس والصراصر وبنات وردان والبراغيث والقمل،
وكذا يحرم اليربوع والقنفذ والوبر والخز والفنك والسمور والسنجاب والعظاءة واللحكة
وهي دويبة تغوص في الرمل تشبه بها أصابع العذارى.
223

القسم الثالث: في الطير:
والحرام منه أصناف:
الأول: ما كان ذا مخلب قوي يعدو به على الطير كالبازي والصقر والعقاب
والشاهين والباشق أو ضعيف كالنسر والرخمة والبغاث، وفي الغراب روايتان وقيل: يحرم
الأبقع والكبير الذي يسكن الجبال، ويحل الزاع وهو غراب الزرع والغداف وهو أصغر
منه يميل إلى الغبرة ما هو.
ما كان صفيفه أكثر من دفيفه فإنه يحرم، ولو تساويا أو كان الدفيف أكثر لم يحرم.
الثالث: ما ليس له قانصة ولا حوصلة ولا صيصية، فهو حرام، وما له
أحدها فهو حلال ما لم ينص على تحريمه.
الرابع: ما يتناوله التحريم عينا كالخشاف والطاووس ويكره الهدهد، وفي الخطاف
روايتان والكراهية أشبه، وتكره الفاختة والقبرة والحبارى، وأغلظ منه كراهية، الصرد
والصوام والشقراق وإن لم يحرم، ولا بأس بالحمام كله كالقماري والدباسي والورشان، وكذا
لا بأس بالحجل والدراج والقبج والقطاة والطيهوج والدجاج والكروان والكركي
والصعوة، ويعتبر في طير الماء ما يعتبر في الطير المجهول من غلبة الدفيف أو مساواته
للصفيف أو حصول أحد الأمور الثلاثة: القانصة أو الحوصلة أو الصيصية فيؤكل مع
هذه العلامات وإن كان يأكل السمك، ولو اعتلف أحد هذه عذرة الانسان محضا لحقه حكم
الجلل ولم يحل حتى يستبرئ، فتستبرأ البطة وما أشبهها بخمسة أيام والدجاجة وما
أشبهها بثلاثة أيام، وما خرج عن ذلك يستبرئ بما يزول عنه حكم الجلل إذ ليس فيه شئ
موظف، وتحرم الزنابير والذباب والبق، وبيض ما يؤكل حلال وكذا بيض ما يحرم حرام،
ومع الاشتباه يؤكل ما اختلف طرفاه لا ما اتفق، والمجثمة حرام وهي التي تجعل غرضا
وترمى بالنشاب حتى تموت والمصبورة وهي التي تجرح وتحبس حتى تموت.
224

القسم الرابع: في الجامدات:
ولا حصر للمحلل منها فلنضبط المحرم وقد سلف منه شطر في كتاب المكاسب.
ونذكر هنا خمسة أنواع: الأول: الميتات، وهي محرمة إجماعا، نعم قد يحل منها ما
لا تحله الحياة فلا يصدق عليه الموت، وهو الصوف والشعر والوبر والريش، وهل يعتبر فيها
الجز؟ الوجه أنها إن جزت فهي طاهرة وإن استلت غسل منها موضع الاتصال،
وقيل: لا يحل منها ما يقلع، والأول أشبه، والقرن والظلف والسن والبيض إذا اكتسى القشر
الأعلى والأنفحة، وفي اللبن روايتان إحديهما الحل وهي أصحهما طريقا، والأشبه التحريم
لنجاسته بملاقاة الميتة.
وإذا اختلط الذكي بالميتة وجب الامتناع منه حتى يعلم الذكي بعينه، وهل يباع ممن
يستحل الميتة؟ قيل نعم، وربما كان حسنا إن قصد بيع المذكي حسب، وكل ما أبين من
حي فهو ميتة يحرم أكله واستعماله، وكذا ما يقطع من أليات الغنم فإنه لا يؤكل ولا يجوز
الاستصباح به، بخلاف الدهن النجس بوقوع النجاسة.
الثاني: المحرمات من الذبيحة خمسة: الطحال والقضيب والفرث والدم والأنثيان، وفي
المثانة والمرارة والمشيمة تردد أشبه التحريم لما فيها من الاستخباث، أما الفرج والنخاع
والعلباء والغدد ذات الأشاجع وخرزة الدماغ والحدق فمن الأصحاب من حرمها والوجه
الكراهية، ويكره الكلأ وأذنا القلب والعروق، ولو شوى الطحال مع اللحم ولم يكن مثقوبا
لم يحرم اللحم وكذا لو كان اللحم فوقه، أما لو كان مثقوبا وكان اللحم تحته حرم.
الثالث: الأعيان النجسة كالعذرات النجسة وكذا كل طعام مزج بالخمر أو النبيذ أو
المسكر أو الفقاع وإن قل أو وقعت فيه نجاسة فهو مائع كالبول أو باشره الكفار وإن كانوا أهل
ذمة على الأصح.
الرابع: الطين، فلا يحل شئ منه عدا تربة الحسين ع فإنه يجوز للاستشفاء
ولا يتجاوز قدر الحمصة وفي الأرمني رواية بالجواز وهي حسنة لما فيها من المنفعة للمضطر
إليها.
الخامس: السموم القاتل قليلها وكثيرها، أما ما لا يقتل القليل منها كالأفيون
225

والسقمونيا في تناول القيراط والقيراطين إلى ربع الدينار في جملة حوائج المسهل فهذا
لا بأس به لغلبة الظن بالسلامة، ولا يجوز التخطي إلى موضع المخاطرة منه كالمثقال من
السقمونيا والكثير من شحم الحنظل أو الشوكران، فإنه لا يجوز لما يتضمن من ثقل المزاج
وإفساده.
القسم الخامس: في المائعات:
والمحرم منها خمسة:
الأول: الخمر وكل مسكر كالنبيذ والبتع والفضيخ والنقيع والمزر والفقاع قليله
وكثيره، ويحرم العصير إذا غلا سواء غلا من قبل نفسه أو بالنار، ولا يحل حتى يذهب ثلثاه
أو ينقلب خلا، وما مزج بها أو بأحدها أو ما وقعت فيه من المائعات.
الثاني: الدم المسفوح نجس فلا يحل تناوله، وما ليس بمسفوح كدم الضفادع والقراد
وإن لم يكن نجسا فهو حرام لاستخباثه، وما لا يدفعه الحيوان المذبوح ويستخلف في اللحم
طاهر ليس بنجس ولا حرام، ولو وقع قليل من دم كالأوقية فما دون في قدر وهي تغلي على
النار قيل: حل مرقها إذا ذهب الدم بالغليان، ومن الأصحاب من منع الرواية وهو حسن،
أما ما هو جامد كاللحم والتوابل فلا بأس به إذا غسل.
الثالث: كل ما حصل فيه شئ من النجاسات كالدم أو البول أو العذرة، فإن كان
مائعا حرم وإن كان كثر ولا طريق إلى تطهيره، وإن كان له حالة جمود فوقعت النجاسة فيه
جامدا كالدبس الجامد والسمن والعسل ألقيت النجاسة وكشط ما يكتنفها والباقي
حل، ولو كان المائع دهنا جاز الاستصباح به تحت السماء ولا يجوز تحت الأظلة، وهل ذلك
لنجاسة دخانه الأقرب؟ لا بل هو تعبد. ودواخن الأعيان النجسة عندنا طاهرة، وكذا كل ما
أحالته النار فصيرته رمادا أو دخانا على تردد.
ويجوز بيع الأدهان النجسة ويحل ثمنها لكن يجب إعلام المشتري بنجاستها، وكذا ما
يموت فيه حيوان له نفس سائلة، أما ما لا نفس له كالذباب والخنافس فلا
ينجس بموته ولا ينجس ما يقع فيه، والكفار أنجاس ينجس المائع بمباشرتهم له سواء كانوا أهل الحرب أو
226

أهل الذمة على أشهر الروايتين، وكذا لا يجوز استعمال أوانيهم التي استعملوها في
المائعات، وروي إذا أراد مواكلة المجوسي أمره بغسل يده وهي شاذة، ولو وقعت ميتة لها
نفس في قدر نجس ما فيها وأريق المائع وغسل الجامد وأكل، ولو عجن بالماء النجس
عجين لم يطهر بالنار إذا خبز على الأشهر.
الرابع: الأعيان النجسة كالبول مما لا يؤكل لحمه نجسا كان الحيوان كالكلب
والخنزير أو طاهرا كالأسد والنمر، وهل يحرم مما يؤكل؟ قيل: نعم إلا أبوال الإبل فإنه يجوز
الاستشفاء بها، وقيل: يحل الجميع لمكان طهارته، والأشبه التحريم لمكان استخباثها.
الخامس: ألبان الحيوان المحرم كلبن اللبوة والذئبة والهرة، ويكره لبن ما كان لحمه
مكروها كلبن الأنثى مائعة وجامدة وليس بمحرم.
القسم السادس: في اللواحق: وفيه مسائل:
الأولى: لا يجوز استعمال شعر الخنزير اختيارا، فإن اضطر استعمل ما لا دسم فيه
وغسل يده، ويجوز الاستسقاء بجلود الميتة وإن كان نجسا، ولا يصلى من مائها وترك
الاستسقاء أفضل.
الثانية: إذا وجد لحم ولا يدري أ ذكي هو أم ميت؟ قيل: يطرح في النار فإن انقبض
فهو ذكي وإن انبسط فهو ميت.
الثالثة: لا يجوز أن يأكل الانسان من مال غيره إلا باذنه.
وقد رخص مع عدم الإذن في التناول من بيوت من تضمنته الآية إذا لم يعلم منه
الكراهية ولا يحمل منه، وكذا ما يمر به الانسان من النخل وكذا الزرع والشجر على تردد.
الرابعة: من تناول خمرا أو شيئا نجسا فبصاقه طاهر ما لم يكن متلونا بالنجاسة،
وكذا لو اكتحل بدواء نجس فدمعه طاهر ما لم يتلون بالنجاسة، ولو جهل تلونه فهو على
أصل الطهارة.
الخامسة: الذمي إذا باع خمرا أو خنزيرا ثم أسلم ولم يقبض الثمن فله قبضه.
السادسة: تطهر الخمر إذا انقلبت خلا سواء كان انقلابها بعلاج أو من قبل
227

نفسها، وسواء كان ما يعالج به عينا باقية أو مستهلكة وإن كان يكره العلاج، ولا
كراهية فيما ينقلب من قبل نفسه، ولو ألقي في الخمر خل حتى تستهلكه لم تحل ولم
تطهر، وكذا لو ألقي في الخمر خل فاستهلكه الخل، وقيل: يحل إذا ترك حتى تصير
الخمر خلا، ولا وجه له.
السابعة: أواني الخمر من الخشب والقرع والخزف غير المغضور لا يجوز استعماله
لاستبعاد تخلصه والأقرب الجواز بعد إزالة عين النجاسة وغسلها ثلاثا.
الثامنة: لا يحرم شئ من الربوبات والأشربة وإن شم منه رائحة المسكر كرب الرمان
والتفاح لأنه لا يسكر كثيره.
التاسعة: يكره أكل ما باشره الجنب والحائض إذا كانا غير مأمونين، وكذا يكره
أكل ما يعالجه من لا يتوقى النجاسات، وأن يسقى الدواب شيئا من المسكرات، ويكره
الاستسلاف في العصير، وأن يستأمن على طبخه من يستحل شربه قبل أن يذهب ثلثاه إذا
كان مسلما، وقيل: لا يجوز مطلقا، والأول أشبه، ويكره الاستشفاء بمياه الجبال الحارة.
ومن اللواحق: النظر في حال الاضطرار وكل ما قلناه بالمنع من تناوله فالبحث فيه مع
الاختيار، ومع الضرورة يسوع التناول لقوله تعالى: فمن اضطر غير باع ولا عاد فلا إثم
عليه، وقوله: فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم، وقوله: وقد فصل لكم ما حرم
عليكم إلا ما اضطررتم إليه.
فليكن النظر في المضطر وكيفية الاستباحة.
أما المضطر فهو الذي يخاف التلف لو لم يتناول وكذا لو خاف المرض بالترك، وكذا لو
خشي الضعف المؤدي إلى التخلف عن الرفقة مع ظهور إمارة العطب أو ضعف الركوب
المؤدي إلى خوف التلف، فحينئذ يحل له تناول ما يزيل تلك الضرورة، ولا يختص ذلك نوعا
من المحرمات إلا ما سنذكره، ولا يرخص للباغي وهو الخارج على الإمام، وقيل: الذي
يستحل الميتة ولا العادي وهو قاطع الطريق، وقيل: الذي يعدو شبعه.
وأما كيفية الاستباحة فالمأذون فيه حفظ الرمق والتجاوز حرام لأن القصد حفظ
النفس، وهل يجب التناول للحفظ؟ قبل نعم وهو الحق، فلو أراد التنزه والحال حالة خوف
228

التلف لم يجز، ولو اضطر إلى طعام الغير وليس له الثمن وجب على صاحبه بذله لأن في
الامتناع إعانة على قتل المسلم، وهل له المطالبة بالثمن؟ قيل: لا لأن بذله واجب فلا
يلزم له العوض، وإن كان الثمن موجودا وطلب ثمن مثله وجب دفع الثمن، ولا يجب
على صاحب الطعام بذله لو امتنع من بذل العوض لأن الضرورة المبيحة لاقتساره مجانا
زالت بالتمكن من البذل، وإن طلب زيادة عن الثمن قال الشيخ: لا تجب الزيادة، ولو
قيل تجب كان حسنا لارتفاع الضرورة بالتمكن.
ولو امتنع صاحب الطعام والحال هذه جاز له قتاله دفعا لضرورة العطب، ولو واطأه
فاشتراه بأزيد من الثمن كراهية لإراقة الدماء قال الشيخ: لا يلزمه إلا ثمن المثل لأن
الزيادة لم يبذلها اختيارا، وفيه إشكال لأن الضرورة المبيحة للإكراه ترتفع بإمكان الاختيار
ولو وجد ميتة وطعام الغير، فإن بذل له الغير طعامه بغير عوض أو بعوض هو قادر عليه لم
يحل الميتة، ولو كان صاحب الطعام غائبا أو حاضرا ولم يبذل وقوي صاحبه على دفعه عن
طعامه أكل الميتة، وإن كان صاحب الطعام ضعيفا لا يمتنع أكل الطعام وضمنه ولم تحل الميتة،
وفيه تردد.
وإذا لم يجد المضطر إلا آدميا ميتا حل له إمساك الرمق من لحمه، ولو كان حيا محقون
الدم لم يحل، ولو كان مباح الدم حل له منه ما يحل من الميتة، ولو لم يجد المضطر ما يمسك رمقه
سوى نفسه قيل: يأكل من المواضع اللحمة كالفخذ وليس شيئا إذ فيه دفع الضرر بالضرر،
ولا كذلك جواز قطع الأكلة لأن الجواز هناك إنما هو لقطع السراية الحاصلة وهنا إحداث
سراية، ولو اضطر إلى خمر وبول تناول البول، ولو لم يجد إلا الخمر قال الشيخ في المبسوط:
لا يجوز دفع الضرورة بها، وفي النهاية: يجوز، وهو أشبه. ولا يجوز التداوي بها ولا بشئ من
الأنبذة ولا بشئ من الأدوية معها شئ من المسكر أكلا ولا شربا، ويجوز عند الضرورة أن
يتداوى بها للعين.
خاتمة في الآداب:
يستحب غسل اليدين قبل الطعام وبعده، ومسح اليد بالمنديل والتسمية عند الشروع
والحمد عند الفراع، وأن يسمي على كل لون على انفراده، ولو قال: بسم الله على أوله
229

وآخره، أجزأ، ويستحب الأكل باليمين مع الاختيار وأن يبدأ صاحب الطعام وأن يكون
آخر من يمتنع، وأن يبدأ في غسل اليد بمن على يمينه ثم يدور عليهم إلى الأخير، وأن يجمع
غسالة الأيدي في إناء واحد، وأن يستلقي الآكل بعد الأكل، ويجعل رجله اليمنى على رجله
اليسرى، ويكره الأكل متكئا والتملي من المأكل، وربما كان الإفراط حراما لما يتضمن من
الإضرار، ويكره الأكل على الشبع والأكل باليسار، ويحرم الأكل على مائدة يشرب عليها
شئ من المسكرات والفقاع.
230

كتاب الصيد والذباحة والنظر في الصيد يستدعي بيان أمور ثلاثة
الأول: في ما يؤكل صيده وإن قتل:
ويختص من الحيوانات بالكلب المعلم دون غيره من جوارح السباع والطير، فلو
اصطاد بغيره كالفهد والنمر أو غيرهما من السباع لم يحل منه إلا ما يدرك ذكاته، وكذا لو
اصطاد بالبازي والعقاب والباشق وغير ذلك من جوارح الطير معلما كان أو غير معلم،
ويجوز الاصطياد بالسيف والرمح والسهام وكل ما فيه نصل، ولو أصاب معترضا فقتل
حل، ويؤكل ما قتله المعراض إذا خرق اللحم، وكذا السهم الذي لا نصل فيه إذا كان
حادا فخرق اللحم.
ويشترط في الكلب لإباحة ما يقتله أن يكون معلما، ويتحقق ذلك بشروط ثلاثة: أن
يسترسل إذا أرسله وينزجر إذا زجره وألا يأكل ما يمسكه، فإن أكل نادرا لم يقدح في
إباحة ما يقتله وكذا لو شرب دم الصيد واقتصر، ولا بد من تكرار الاصطياد به متصفا
بهذه الشرائط ليتحقق حصولها فيه ولا يكفي اتفاقها مرة.
ويشترط في المرسل شروط أربعة:
الأول: أن يكون مسلما أو بحكمه كالصبي، فلو أرسله المجوسي أو الوثني لم
يحل أكل ما يقتله، وإن أرسله اليهودي أو النصراني فيه خلاف أظهره أنه لا يحل.
الثاني: أن يرسله للاصطياد، فلو استرسل من نفسه لم يحل مقتوله، نعم لو زجره
عقيب الاسترسال فوقف ثم أغراه صح لأن الاسترسال انقطع بوقوفه وصار الإغراء إرسالا
231

مستأنفا، ولا كذلك لو استرسل فأغراه.
الثالث: أن يسمي عند إرساله، فلو ترك التسمية عمدا لم يحل ما يقتله ولا يضر لو
كان نسيانا، ولو أرسل واحد وسمى به آخر لم يحل الصيد مع قتله له، ولو سمى فأرسل
آخر كلبه ولم يسم فاشتركا في قتل الصيد لم يحل.
الرابع: أن لا يغيب الصيد وحياته مستقرة، فلو وجد مقتولا أو ميتا بعد غيبته لم
يحل لاحتمال أن يكون القتل لا منه سواء وجد الكلب واقفا عليه أو بعيدا منه. ويجوز
الاصطياد بالشرك والحبالة والشباك لكن لا يحل منه إلا ما يدرك ذكاته ولو كان فيه
سلاح، وكذا السهم إذا لم يكن فيه نصل ولا يخرق، وقيل: يحرم أن يرمى الصيد بما هو
أكبر منه، وقيل: بل يكره، وهو أولى.
الثاني: في أحكام الاصطياد:
ولو أرسل المسلم والوثني آلتهما فقتلاه لم يحل سواء اتفقت آلتهما مثل أن يرسلا
كلبين أو سهمين أو اختلفا كأن يرسل أحدهما كلبا والآخر سهما، وسواء اتفقت الإصابة
في وقت واحد أو وقتين إذا كان أثر كل واحدة من الآلتين قاتلا. ولو أثخنه المسلم فلم
تعد حياته مستقرة ثم دفف عليه الآخر حل لأن القاتل المسلم، ولو انعكس الفرض لم
يحل، ولو اشتبه الحالان حرم تغليبا للحرمة، ولو كان مع المسلم كلبان أرسل أحدهما
واسترسل الآخر فقتلا لم يحل. ولو رمى سهما فأوصلته الريح إلى الصيد فقتله حل وإن
كان لولا الريح لم يصل، وكذا لو أصاب السهم الأرض ثم وثب فقتل.
والاعتبار في حل الصيد بالمرسل لا بالمعلم، فإن كان المرسل مسلما فقتل حل
ولو كان المعلم مجوسيا أو وثنيا، ولو كان المرسل غير مسلم لم يحل ولو كان المعلم
مسلما. ولو أرسل كلبه على صيد وسمى فقتل غيره حل، وكذا لو أرسله على صيود كبار
فتفرقت عن صغار فقتلها حلت إذا كانت ممتنعة، وكذا الحكم في الآلة، أما لو أرسله ولم
يشاهد صيدا فاتفق إصابة الصيد لم يحل ولو سمى سواء كانت الآلة كلبا أو سلاحا لأنه
لم يقصد الصيد فجرى مجرى استرسال الكلب.
232

والصيد الذي يحل بقتل الكلب له أو الآلة في غير موضع الذكاة هو كل ما كان
ممتنعا وحشيا كان أو إنسيا، وكذلك ما يصول من البهائم أو يتردى في بئر وشبهها ويتعذر
ذبحه أو نحره فإنه يكفي عقرها في استباحتها، ولا يختص العقر حينئذ بموضع من
جسدها. ولو رمى فرخا لم ينهض فقتل لم يحل، وكذا لو رمى طائرا وفرخا لم ينهض فقتلهما حل
الطائر دون الفرخ. ولو تقاطعت الكلاب الصيد قبل إدراكه لم يحرم.
ولو رمى صيدا فتردى من جبل أو وقع في الماء فمات لم يحل لاحتمال أن يكون
موته من السقطة، نعم لو صير حياته غير مستقرة حل لأنه يجري مجرى المذبوح. ولو
قطعت الآلة منه شيئا كان ما قطعته ميتة ويذكى ما بقي إن كانت حياته مستقرة، ولو قده
بنصفين فلم يتحركا فهما حلال، ولو تحرك أحدهما فالحلال هو دون الآخر، وقيل:
يؤكلان إن لم يكن في المتحرك حياة مستقرة، وهو أشبه، وفي رواية يؤكل ما فيه الرأس،
وفي أخرى يؤكل الأكبر دون الأصغر، وكلاهما شاذ.
الثالث: في اللواحق: وفيه مسائل:
الأولى: الاصطياد بالآلة المغصوبة حرام، ولا يحرم الصيد ويملكه الصائد دون
صاحب الآلة، وعليه أجرة مثلها سواء كانت كلبا أو سلاحا.
الثانية: إذا عض الكلب صيدا كان موضع العضة نجسا يجب غسله على الأصح.
الثالثة: إذا أرسل كلبه أو سلاحه فجرحه ثم أدركه حيا، فإن لم تكن حياته مستقرة
فهو بحكم المذبوح. وفي الأخبار أدنى ما يدرك ذكاته أن يجده يركض رجله أو يطرف
عينه أو يتحرك ذنبه، وإن كانت مستقرة والزمان يتسع لذبحه لم يحل أكله حتى يذكى،
وقيل: إن لم يكن معه ما يذبح به ترك الكلب حتى يقتله ثم يأكله إن شاء، أما إذا لم يتسع
الزمان لذبحه فهو حلال ولو كانت حياته مستقرة، وإن صيره الرامي غير ممتنع ملكه وإن
لم يقبضه، فلو أخذه غيره لم يملكه الثاني ووجب دفعه إلى الأول.
233

وأما الذباحة فالنظر فيها إما في الأركان وإما في اللواحق
أما الأركان فثلاثة: الذابح والآلة وكيفية الذبح.
أما الذابح: فيشترط فيه الاسلام أو حكمه، فلا يتولاه الوثني فلو ذبح كان المذبوح
ميتة، وفي الكتابي روايتان أشهرهما المنع، فلا تؤكل ذباحة اليهودي ولا النصراني
ولا المجوسي، وفي رواية ثالثة: تؤكل ذباحة الذمي إذا سمعت تسميته وهي مطروحة.
وتذبح المسلمة والخصي والجنب والحائض وولد المسلم وإن كان طفلا إذا أحسن.
ولا يشترط الإيمان، وفيه قول بعيد باشتراطه، نعم لا يصح ذباحة المعلن بالعداوة لأهل
البيت ع كالخارجي وإن أظهر الاسلام.
وأما الآلة: فلا يصح التذكية إلا بالحديد، ولو لم يوجد وخيف فوت الذبيحة جاز
بما يفري أعضاء الذبح ولو كان ليطة أو خشبة أو مروة حادة أو زجاجة، وهل تقع الذكاة
بالظفر أو السن مع الضرورة؟ قيل: نعم لأن المقصود يحصل، وقيل: لا لمكان النهي
ولو كان منفصلا.
وأما الكيفية: فالواجب قطع الأعضاء الأربعة: المرئ وهو مجرى الطعام، والحلقوم
وهو مجرى النفس، والودجان وهما عرقان محيطان بالحلقوم. ولا يجزئ قطع بعضها مع
الإمكان، هذا في قول مشهور، وفي الرواية: إذا قطع الحلقوم وخرج الدم فلا بأس. ويكفي
في المنحور طعنه في ثغرة النحر وهي وهدة اللبة، ويشترط فيها شروط أربعة:
الأول: أن يستقبل بها القبلة مع الإمكان، فإن أخل عامدا كانت ميتة وإن كان ناسيا
صح، وكذا لو لم يعلم جهة القبلة.
الثاني: التسمية، وهي أن يذكر الله سبحانه، فلو تركها عامدا لم يحل ولو نسي لم
يحرم.
الثالث: اختصاص الإبل بالنحر وما عداها بالذبح في الحلق تحت اللحيين، فإن
نحر المذبوح أو ذبح المنحور، فمات لم يحل، ولو أدركت ذكاته فذكي حل، وفيه تردد إذ
لا استقرار لحياته بعد الذبح أو النحر، وفي إبانة الرأس عامدا خلاف أظهره الكراهية،
وكذا سلخ الذبيحة قبل بردها أو قطع شئ منها، ولو انفلت الطير جاز أن يرميه بنشاب أو
234

رمح أو سيف، فإن سقط وأدرك ذكاته ذبحه وإلا كان حلالا.
الرابع: الحركة بعد الذبح كافية في الذكاة، وقال بعض الأصحاب: لا بد مع ذلك من
خروج الدم، وقيل: يجزئ أحدهما، وهو أشبه، ولا يجزئ خروج الدم متثاقلا إذا انفرد عن
الحركة الدالة على الحياة.
ويستحب في ذبح الغنم أن تربط يداه ورجل واحدة ويطلق الأخرى ويمسك صوفه أو
شعره حتى يبرد، وفي البقر تعقل يداه ورجلاه ويطلق ذنبه، وفي الإبل تربط أخفافه إلى
آباطه وتطلق رجلاه، وفي الطير أن يرسل بعد الذباحة. ووقت ذبح الأضحية ما بين طلوع
الشمس إلى غروبها، وتكره الذباحة ليلا إلا مع الضرورة، وبالنهار يوم الجمعة إلى
الزوال، وأن ينخع الذبيحة، وأن يقلب السكين فيذبح إلى فوق وقيل: فيهما يحرم، والأول
أشبه، وأن يذبح حيوان وآخر ينظر إليه.
وأما اللواحق: فمسائل:
الأولى: ما يباع في أسواق المسلمين من الذبائح واللحوم يجوز شراؤه ولا يلزم
الفحص عن حاله.
الثانية: كل ما يتعذر ذبحه أو نحره من الحيوان إما لاستعصائه أو لحصوله في
موضع لا يتمكن المذكي من الوصول إلى موضع الذكاة منه وخيف فوته جاز أن يعقر
بالسيوف أو غيرها مما يجرح ويحل وإن لم يصادف العقر موضع التذكية.
الثالثة: إذا قطعت رقبة الذبيحة وبقيت أعضاء الذباحة، فإن كانت حياتها
مستقرة، ذبحت وحلت بالذبح وإلا كانت ميتة، ومعنى المستقرة التي يمكن أن يعيش
مثلها اليوم والأيام، وكذا لو عقرها السبع، ولو كانت الحياة غير مستقرة وهي التي يقضى
بموتها عاجلا لم تحل بالذباحة لأن حركتها كحركة المذبوحة.
الرابعة: إذا نذر أضحية معينة زال ملكه عنها ولو أتلفها كان عليه قيمتها، ولو نذرها
أضحية وهي سليمة فعابت نحرها على ما بها وأجزأته، ولو ضلت أو عطبت أو ضاعت من
غير تفريط لم يضمن.
235

الخامسة: إذا نذر الأضحية فذبحها يوم النحر غيره ولم ينو عن صاحبها لم يجز عنه، ولو نوى
عنه أجزأته وإن لم يأمره.
السادسة: إذا نذر الأضحية وصارت واجبة لم يسقط استحباب الأكل منها.
السابعة: ذكاة السمك اخراجه من الماء حيا، ولو وثب فأخذه قبل موته حل، ولو
أدركه بنظره، فيه خلاف أشبهه أنه لا يحل، ولو أخرجه مجوسي أو مشرك فمات في يده
حل، ولا يحل أكل ما يوجد في يده حتى يعلم أنه مات بعد اخراجه من الماء، ولو أخذ
وأعيد في الماء فمات لم يحل وإن كان ناشبا في الآلة لأنه مات فيما فيه حياته، وهل يحل
أكل السمك حيا؟ قيل لا، والوجه الجواز لأنه مذكى، ولو نصبت شبكة فمات بعض ما
حصل فيها واشتبه الحي بالميت قيل: حل الجميع حتى يعلم الميت بعينه، وقيل:
يحرم الجميع تغليبا للحرمة، والأول حسن.
الثامنة: ذكاة الجراد أخذه ولا يشترط في أخذه الاسلام، ولو مات قبل أخذه لم
يحل، وكذا لو وقع في أجمة نار فاحترقتها وفيها جراد لم يحل وإن قصده المحرق،
ولا يحل الدبى حتى يستقل بالطيران فلو أخذ قبل استقلاله لم يؤكل.
التاسعة: ذكاة الجنين ذكاة أمه إن تمت خلقته، وقيل: ولم تلجه الروح. ولو ولجته
لم يكن بد من تذكيته، وفيه إشكال. ولو لم يتم خلقته لم يحل أصلا، ومع الشرطين يحل
بذكاة أمه، وقيل: لو خرج حيا ولم يتسع الزمان لتذكيته حل أكله، والأول أشبه.
خاتمة تشتمل على أقسام:
الأول: في مسائل من أحكام الذباحة:
وهي ثلاث:
الأولى: يجب متابعة الذبح حتى يستوفي الأعضاء الأربعة، فلو قطع بعض الأعضاء
وأرسله فانتهى إلى حركة المذبوح ثم استأنف قطع الباقي حرم لأنه لم يبق فيه حياة
مستقرة، ويمكن أن يقال: يحل لأن إزهاق روحه بالذبح لا غير، وهو أولى.
الثانية: لو أخذ الذابح في الذبح فانتزع آخر حشوته معا كان ميتة، وكذا كل فعل
236

لا يستقر معه الحياة.
الثالثة: إذا تيقن بقاء الحياة بعد الذبح فهو حلال، وإن تيقن الموت قبله فهو
حرام، وإن اشتبه الحال ولم يعلم حركة المذبوح ولا خروج الدم المعتدل فالوجه تغليب
الحرمة.
الثاني: فيما تقع عليه الذكاة:
وهي تقع على كل حيوان مأكول بمعنى أنه يكون طاهرا بعد الذبح، ولا تقع على
حيوان نجس العين كالكلب والخنزير بمعنى أنه يكون باقيا على نجاسته بعد الذبح.
وما خرج عن القسمين فهو أربعة أقسام:
الأول: المسوخ: ولا تقع عليها الذكاة كالفيل والدب والقرد، وقال المرتضى رحمه
الله تقع.
الثاني: الحشرات: كالفأرة وابن عرس والضب وفي وقوع الذكاة عليها تردد
أشبهه أنه لا يقع.
الثالث: الآدمي لا يقع عليه الذكاة لحرمته ويكون ميتة ولو ذكي.
الرابع: السباع: كالأسد والنمر والفهد والثعلب، وفي وقوع الذكاة عليها تردد
والوقوع أشبه، وتطهر بمجرد الذكاة، وقيل: لا تستعمل مع الذكاة حتى تدبغ.
الثالث: في مسائل من أحكام الصيد: وهي عشرة:
الأولى: ما يثبت في آلة الصياد كالحبالة والشبكة يملكه ناصبها وكذا كل ما يعتاد
الاصطياد به، ولا يخرج عن ملكه بانفلاته بعد إثباته، نعم لا يملكه بتوحله في أرضه ولا
بتعشيشه في داره ولا بوثوب السمك إلى سفينته، ولو اتخذ موحلة للصيد فنشب بحيث
لا يمكنه التخلص لم يملكه بذلك لأنها ليست آلة معتادة وفيه تردد. ولو أغلق عليه بابا ولا
مخرج له أو في مضيق لا يتعذر قبضه ملكه وفيه أيضا إشكال، ولعل الأشبه أنه لا يملك هنا
237

إلا مع القبض باليد أو الآلة، ولو أطلق الصيد من يده لم يخرج عن ملكه، فإن نوى
إطلاقه وقطع نيته عن ملكه هل يملكه غيره باصطياده؟ الأشبه لا لأنه لا يخرج عن ملكه
بنية الإخراج، وقيل: يخرج كما لو وقع منه شئ حقير فأهمله فإنه يكون كالمبيح له، ولعل
بين الحالين فرقا.
الثانية: إذا أمكن الصيد التحامل طائرا أو عاديا بحيث لا يقدر عليه إلا بالاتباع
المتضمن للإسراع لم يملكه الأول وكان لمن أمسكه.
الثالثة: إذا رمى الأول صيدا فأثبته وصيره في حكم المذبوح ثم قتله الثاني فهو
للأول ولا شئ على الثاني إلا أن يفسد لحمه أو شيئا منه، ولو رماه الأول فلم يثبته ولا صيره
في حكم المذبوح ثم قتله الثاني فهو له دون الأول وليس على الأول ضمان شئ مما جناه،
ولو أثبته الأول ولم يصيره في حكم المذبوح فقتله الثاني فهو متلف، فإن كان أصاب
محل الذكاة فذكاه على الوجه فهو للأول وعلى الثاني الأرش، وإن أصابه في غير المذبح
فعليه قيمته إن لم تكن لميته قيمة وإلا كان له الأرش، وإن جرحه الثاني ولم يقتله، فإن
أدرك ذكاته فهو حلال للأول، وإن لم يدرك ذكاته فهو ميتة لأنه تلف من فعلين أحدهما مباح
والآخر محظور كما لو قتله كلب مسلم ومجوسي، وما الذي يجب على الجارح؟ فالذي
يظهر لي: أن الأول إن لم يقدر على ذكاته فعلى الثاني قيمته بتمامها معيبا بالعيب الأول،
وإن قدر فأهمل فعلى الثاني نصف قيمته معيبا، ولعل فقه هذه المسألة ينكشف باعتبار
فرض نفرضه: وهي دابة قيمتها عشرة جني عليها فصارت تساوي تسعة ثم جنى آخر
فصارت إلى ثمانية ثم سرت الجنايتان، ففيها احتمالات خمسة لا يخلو أحدها من
خلل، وهو إما إلزام الثاني بكمال قيمته معيبا لأن جناية الأول غير مضمونة بتقدير أن يكون
مباحا وهو ضعيف لأنه مع إهمال التذكية جرى مجرى المشارك في جنايته، وأما التسوية
في الضمان وهو حيف على الثاني أو إلزام الأول بخمسة ونصف والثاني بخمسة وهو
حيف أيضا، أو إلزام الأول بخمسة والثاني بأربعة ونصف وهو تضييع على المالك، أو
إلزام كل واحد منهما بنسبة قيمته يوم جنى عليه وضم القيمتين وبسط العشرة عليهما
فيكون على الأول عشرة أسهم من تسعة عشر من عشرة وهو أيضا إلزام الثاني بزيادة
238

لا وجه لها.
والأقرب أن يقال: يلزم الأول خمسة ونصف والثاني أربعة ونصف لأن الأرش يدخل
في قيمة النفس فيدخل نصف أرش جناية الأول في ضمان النصف ويبقى عليه نصف
الأرش مضافا إلى ضمان نصف القيمة، وهذا أيضا لا يخلو من ضعف، ولو كانت إحدى
الجنايتين من المالك سقط ما قابل جنايته وكان له مطالبة الآخر نصيب جنايته.
الرابعة: إذا كان الصيد يمتنع بأمرين كالدراج والقبج يمتنع بجناحه وعدوه
فكسر الرامي جناحه ثم كسر آخر رجله قيل: هو لهما، وقيل: للأخير لأن بفعله تحقق
الإثبات، والأخير قوي.
الخامسة: لو رمى الصيد اثنان فعقراه ثم وجد ميتا، فإن صادف مذبحه فذبحه فهو
حلال وكذا إن أدركاه أو أحدهما فذكاه، فإن لم يدرك ذكاته ووجد ميتا لم يحل لاحتمال
أن يكون الأول أثبته ولم يصيره في حكم المذبوح فقتله الآخر وهو غير ممتنع.
السادسة: ما يقتله الكلب بالعقر يؤكل ولا يؤكل ما يقتله بصدمه أو غمه أو إتعابه.
السابعة: لو رأى صيدا فظنه خنزيرا أو كلبا أو غيره مما لا يؤكل فقتله لم يحل،
وكذا لو رمى سهما إلى فوق فأصاب صيدا، وكذا لو مر بحجر ثم عاد فرماه ظانا بقاءه فبان
صيدا، وكذا لو أرسل كلبا ليلا فقتل لأنه لم يقصد الإرسال فجرى مجرى الاسترسال.
الثامنة: الطير إذا صيد مقصوصا لم يملكه الصائد وكذا مع كل أثر يدل على
الملك، وإن كان مالكا جناحه فهو لصائده إلا أن يكون له مالك، وعلى هذا لو انتقلت
الطيور من برج إلى آخر لم يملكها الثاني.
التاسعة: ما يقطع من السمك بعد اخراجه من الماء ذكي سواء ماتت أو وقعت في
الماء مستقرة الحياة لأنه مقطوع بعد تذكيتها.
العاشرة: إذا أصابا صيدا دفعة، فإن أثبتاه فهو لهما، ولو كان أحدهما جارحا
والآخر مثبتا فهو للمثبت ولا ضمان على الجارح لأن جنايته لم تصادف ملكا لغيره، ولو
جهل المثبت منهما فالصيد بينهما، ولو قيل: يستخرج بالقرعة، كان حسنا.
239

المختصر النافع
لأبي القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن بن أبي زكريا
يحيى بن الحسن بن سعيد الهذلي المشتهر بالمحقق والمحقق الحلي
602 - 676 ه‍ ق
241

كتاب الصيد والذبائح:
يؤكل من الصيد ما قتله السيف والرمح والسهم والمعراض إذا خرق. ولو أصاب
السهم معترضا حل إن كان فيه حديدة، ولو خلا منها لم يؤكل إلا أن يكون حادا فيخترق
وكذا ما يقتله الكلب المعلم دون غيره من الجوارح.
ولا يؤكل ما قتله الفهد وغيره من جوارح البهائم. ولا ما قتله العقاب وغيره من
جوارح الطير إلا أن يذكى. وإدراك ذكاته بأن يجده ورجله تركض أو عينه تطرف. وضابطه
حركة الحيوان.
ويشترط في الكلب أن يكون معلما يسترسل إذا أغرى وينزجر إذا زجر وألا يعتاد أكل
صيده، ولا عبرة بالندرة.
ويعتبر في المرسل أن يكون مسلما أو بحكمه قاصدا بإرساله الصيد مسميا عند
الإرسال. فلو ترك التسمية عامدا لم يؤكل صيده، ويؤكل لو نسي إذا اعتقد الوجوب.
ولو أرسل وسمى غيره لم يؤكل صيده إلا أن يذكيه، ويعتبر ألا يغيب عنه، فلو غاب وحياته
مستقرة ثم وجده مقتولا أو ميتا لم يؤكل. وكذا السهم ما لم يعلم أنه القاتل.
ويجوز الاصطياد بالشرك والحبالة وغيرهما من الآلة وبالجوارح لكن لا يحل منه
إلا ما ذكي. والصيد ما كان ممتنعا، ولو قتل بالسهم فرخا أو قتل الكلب طفلا غير ممتنع لم
يحل ولو رمى طائرا فقتله وفرخا لم يطر حل الطائر دون فرخه.
243

مسائل: من أحكام الصيد:
الأولى: إذا تقاطعته الكلاب قبل إدراكه حل.
الثانية: لو رماه بسهم فتردى من جبل أو وقع في ماء فمات لم يحل وينبغي
هنا اشتراط استقرار الحياة.
الثالثة: لو قطعه السيف اثنين فلم يتحركا حلا، ولو تحرك أحدهما فهو الحلال إن
كانت حياته مستقرة لكن بعد التذكية. ولو لم تكن مستقرة حلا. وفي رواية يؤكل الأكبر دون
الأصغر وهي شاذة. ولو أخذت الحبالة منه قطعة فهي ميتة.
الرابعة: إذا أدرك الصيد وفيه حياة مستقرة ولا آلة ليذكيه لم يحل حتى يذكى. وفي
رواية جميل: يدع الكلب حتى يقتله.
الخامسة: لو أرسل كلبه فأرسل كافر كلبه فقتلا صيدا. أو مسلم لم يسم أو لم يقصد
الصيد، لم يحل.
السادسة: لو رمى صيدا فأصاب غيره حل. ولو رمى لا للصيد فقتل صيدا لم يحل.
السابعة: إذا كان الطير مالكا جناحه فهو لصائده إلا أن يعرف مالكه فيرده إليه
ولو كان مقصوصا لم يؤخذ لأن له مالكا. ويكره أن يرمى الصيد بما هو أكبر منه ولو اتفق قيل
يحرم والأشبه الكراهية. وكذا يكره أخذ الفراخ من أعشاشها. والصيد بكلب علمه
مجوسي. وصيد السمك يوم الجمعة قبل الصلاة. وصيد الوحش والطير بالليل.
والذبائح، تستدعي بيان فصول:
الأول: الذابح:
ويشترط فيه الاسلام أو حكمه ولو كان أنثى. وفي الكتابي روايتان أشهرهما: المنع. وفي
رواية ثالثة: إذا سمعت تسميته فكل والأفضل أن يليه المؤمن. نعم لا تحل ذبيحة المعادي
لأهل البيت ع.
244

الثاني: الآلة:
ولا تصح إلا بالحديد مع القدرة، ويجوز بغيره مما يفري الأوداج عند الضرورة،
ولو مروة أو ليطة أو زجاجة. وفي الظفر والسن مع الضرورة تردد.
الثالث: الكيفية:
وهي قطع الأعضاء الأربعة: المرئ، والودجان، والحلقوم، وفي الرواية: إذا قطع
الحلقوم وخرج الدم فلا بأس. ويكفي في النحر الطعن في الثغرة.
ويشترط استقبال القبلة بالذبيحة مع الإمكان، والتسمية، فلو أخل بأحدهما عمدا لم
يحل، ولو كان نسيانا حل، ويشترط نحر الإبل وذبح ما عداها. فلو نحر المذبوح أو ذبح المنحور
لم يحل. ولا يحل حتى يتحرك بعد التذكية حركة الحي، وأدناه أن يتحرك الذنب أو تطرف
العين ويخرج الدم المعتدل. وقيل: يكفي الحركة، وقيل: يكفي أحدهما، وهو أشبه.
وفي إبانة الرأس بالذبح قولان، المروي: أنها تحرم ولو سبقت السكين فأبانته لم تحرم
الذبيحة.
ويستحب في الغنم ربط يدي المذبوح وإحدى رجليه وإمساك صوفه أو شعره حتى
يبرد. وفي البقر عقد يديه ورجليه وإطلاق ذنبه. وفي الإبل ربط أخفافه إلى إبطيه. وفي الطير
إرساله.
ويكره الذباحة ليلا، ونخع الذبيحة وقلب السكين في الذبح، وأن يذبح حيوانا وآخر
ينظر إليه، وأن يذبح بيده ما رباه من النعم. ويحرم سلخ الذبيحة قبل بردها. وقيل يكره،
وهو أشبه.
ويلحق به أحكام:
الأول: ما يباع في أسواق المسلمين يجوز ابتياعه من غير تفحص.
الثاني: ما يتعذر ذبحه أو نحره من الحيوان كالمستعصي والمتردي في بئر يجوز عقره
بالسيف وغيره مما يجرح إذا خشي تلفه.
245

الثالث: ذكاة السمك: اخراجه من الماء حيا. ولا يعتبر في المخرج الاسلام ولا
التسمية. ولو وثب أو نضب عنه الماء فأخذ حيا حل: وقيل: يكفي إدراكه يضطرب، ولو صيد
وأعيد في الماء فمات لم يحل وإن كان في الآلة.
وكذا الجراد ذكاته أخذه حيا. ولا يشترط إسلام الآخذ ولا التسمية ولا يحل ما يموت قبل أخذه. وكذا لو أحرقه
قبل أخذه. ولا يحل منه ما لم يستقل بالطيران.
الرابع: ذكاة الجنين: ذكاة أمه إذا تمت خلقته. وقيل: يشترط مع إشعاره ألا تلجه
الروح وفيه بعد. ولو خرج حيا لم يحل إلا بالتذكية.
246

كتاب الأطعمة والأشربة والنظر فيه يستدعي أقساما
الأول: في حيوان البحر: ولا يؤكل منه إلا سمك له فلس ولو زال عنه كالكنعت. ويؤكل الربيثا والإربيان والطمر والطبراني والإيلامي.
ولا يؤكل السلحفاة، ولا الضفادع
ولا السرطان. وفي الجري روايتان، أشهرها التحريم وفي الزمار والمارماهي والرهو،
روايتان. والوجه: الكراهية. ولو وجد في جوف سمكة سمكة أخرى حلت إن كانت مما
يؤكل. ولو قذفت الحية تضطرب، فهي حلال إن لم تنسلخ فلوسها.
ولا يؤكل الطافي وهو الذي يموت في الماء وإن كان في شبكة أو حظيرة. ولو اختلط الحي
فيهما بالميت حل والاجتناب أحوط. ولا يؤكل جلال السمك حتى يطعم علفا طاهرا يوما
وليلة. وبيض السمك المحرم مثله. ولو اشتبه أكل منه الخشن لا الأملس.
الثاني: في البهائم: ويؤكل من الإنسية: النعم، ويكره الخيل والحمر وكراهية البغل
أشد. ويحرم الجلال منها على الأصح وهو ما يأكل عذرة الانسان محضا. ويحل مع الاستبراء
بأن يربط ويطعم العلف. وفي كميته اختلاف، محصله: استبراء الناقة بأربعين يوما والبقرة
بعشرين، والشاة بعشرة.
ويؤكل من الوحشية البقر، والكباش الجبلية، والحمر، والغزلان، واليحامير. ويحرم
كل ما له ناب، وضابطه: ما يفترس كالأسد. والثعلب. ويحرم الأرنب، والضب، واليربوع،
247

والحشار: كالفأرة، والقنفذ، والحية والخنافس، والصراصر، وبنات الوردان، والقمل.
القسم الثالث: في الطير: ويحرم منه ما كان سبعا كالبازي والرخمة. وفي الغراب
روايتان، والوجه: الكراهية. ويتأكد في الأبقع.
ويحرم من الطير ما كان صفيفه أكثر من دفيفه، وما ليس له قانصة ولا حوصلة ولا
صيصية. ويحرم الخفاش والطاووس. وفي الخطاف تردد. والكراهية أشبه. ويكره الفاختة
والقبرة. وأغلظ من ذلك كراهية الهدهد، والصرد، والصوام، والشقراق.
ولو كان أحد المحللة جلالا حرم حتى يستبرأ، فالبطة وما أشبهها بخمسة أيام.
والدجاجة ثلاثة أيام، ويحرم الزنابير، والذباب، والبق والبرغوث، وبيض ما لا يؤكل لحمه.
ولو اشتبه أكل منه ما اختلف طرفاه وترك ما اتفق.
مسألتان:
الأولى: إذا شرب المحلل لبن الخنزيرة كره. ولو اشتد به عظمه حرم لحمه ولحم
نسله.
الثانية: لو شرب خمرا لم يحرم بل يغسل، ولا يؤكل ما في جوفه ولو شرب بولا لم
يحرم وغسل ما في جوفه.
القسم الرابع: في الجامد وهو خمسة:
الأول: الميتات: والانتفاع بها محرم ويحل منها ما لا تحله الحياة إذا كان الحيوان طاهرا
في حال الحياة وهو عشرة: الصوف، والشعر، والوبر، والريش، والقرن، والعظم، والسن،
والظلف، والبيض إذا اكتسى القشر الأعلى، والأنفحة وفي اللبن روايتان، والأشبه التحريم.
الثاني: ما يحرم من الذبيحة: وهو خمسة: القضيب، والأنثيان، والطحال والفرث،
والدم.
وفي المثانة والمرارة تردد، أشبهه: التحريم للاستخباث. وفي الفرج، والعلباء، والنخاع، وذات الأشاجع، والغدد، وخرزة الدماغ، والحدق
خلاف، أشبهه: الكراهية. وتكره الكلى، والقلب والعروق. وإذا شوى الطحال مثقوبا فما
248

تحته حرام وإلا فهو حلال
الثالث: الأعيان النجسة: كالعذرات وما أبين من حي والعجين إذا عجن بالماء
النجس، وفيه رواية بالجواز بعد خبزه، لأن النار قد طهرته.
الرابع: الطين وهو حرام إلا طين قبر الحسين ع للاستشفاء ولا يتجاوز قدر
الحمصة.
الخامس: السموم القاتلة، قليلها وكثيرها، وما يقتل كثيره فالمحرم ما بلغ ذلك الحد.
القسم الخامس: في المائعات: والمحرم خمسة:
الأول: الخمر، وكل مسكر، والعصير إذا غلا.
الثاني: الدم. وكذا العلقة ولو في البيضة، وفي نجاستها تردد، أشبه: النجاسة. ولو
وقع قليل دم في قدر وهي تغلي، لم يحرم المرق، ولا ما فيها إذا ذهب بالغليان. ومن
الأصحاب من منع من المائع وأوجب غسل التوابل وهو حسن، كما لو وقع غيره من
النجاسة.
الثالث: كل مانع لاقته نجاسة فقد نجس، كالخمر، والدم، والميتة، والكافر
الحربي. وفي الذمي روايتان، أشهرهما: النجاسة. وفي رواية: إذا اضطر إلى مؤاكلته أمره
بغسل يده وهي متروكة.
ولو كان ما وقعت فيه النجاسة جامدا ألقي ما يكتنف النجاسة وحل ما عداه. ولو كان
المائع دهنا جاز بيعه للاستصباح به تحت السماء خاصة لا تحت الأظلة. ولا يحل ما يقطع من
أليات الغنم، ولا يستصبح بما يذاب منها. وما يموت فيه ما له نفس سائلة من المائع نجس
دون ما لا نفس له.
الرابع: أبوال ما لا يؤكل لحمه. وهل يحرم بول ما يؤكل لحمه؟ قيل: نعم، إلا بول
الإبل، والتحليل أشبه.
الخامس: ألبان الحيوان المحرم كاللبوة، والذئبة، والهرة، ويكره ما كان لحمه مكروها
كالأتن حليبه وجامده.
249

القسم السادس: في اللواحق: وهي سبع:
الأولى: شعر الخنزير نجس سواء أخذ من حي أو ميت على الأظهر. فإن اضطر
استعمل ما دسم فيه وغسل يده. ويجوز الاستقاء بجلود الميتة ولا يصلى بمائها.
الثانية: إذا وجد لحم فاشتبه ألقي في النار فإن انقبض فهو ذكي وإن انبسط فهو ميتة.
ولو اختلط الذكي بالميتة اجتنبا. وفي رواية الحلبي: يباع ممن يستحل الميتة. على الأصح.
الثالثة: لا يأكل الانسان من مال غيره إلا باذنه. وقد رخص مع عدم الإذن في الأكل
من بيوت من تضمنته الآية إذا لم يعلم الكراهية. وكذا ما يمر الانسان به من ثمرة النخل.
وفي ثمرة الزرع والشجر تردد. ولا يقصد ولا يحمل.
الرابعة: من شرب خمرا أو شيئا نجسا، فبصاقه طاهر ما لم يكن متغيرا بالنجاسة.
الخامسة: إذا باع ذمي خمرا ثم أسلم فله قبض ثمنها.
السادسة: الخمر تحل إذا انقلبت خلا، ولو كان بعلاج، ولا تحل لو ألقي فيها خل
استهلكها. وقيل: لو ألقى، في الخل خمر من إناء فيه خمر لم يحل حتى يصير ذلك الخمر خلا
وهو متروك.
السابعة: لا يحرم الربوبات والأشربة وإن شم منها رائحة المسكر. ويكره الإسلاف في
العصير. وأن يستأمن على طبخه من يستحله قبل أن يذهب ثلثاه، والاستشفاء بمياه
الجبال الحارة التي يشم منها رائحة الكبريت.
250

الجامع للشرائع
للشيخ أبي زكريا يحيى بن أحمد بن يحيى بن الحسن
بن سعيد الهذلي
601 - 689 أو 690 ه‍ ق
251

كتاب المباحات:
باب الصيد والذبائح والطعام والشراب واللباس والآنية وما يتعلق بذلك:
الصيد هو الحيوان الممتنع المتوحش في أصل الخلقة وهو ضربان: صيد بحر وصيد بر،
ويحل من صيد البر الظباء واليحامير والأوعال والأراوي و الحمر والبقر والنعام، ويحرم
السباع ذات الناب وغير ذات الناب كالسبع والفهد والنمر والكلب والخنزير والأرنب
والثعلب والذئب والسمع والفرعل والضبع وابن آوى وشبهها والمسوخ.
ويؤكل من الطير الدجاج والعصفور والبط والإوز والحمام وكلما دف أو غلب دفيفه
صفيفه، ولا يؤكل منه ما صف أو غلب صفيفه، ولا يؤكل سباع الطير كالنسر والعقاب والحدأة
والرخم وذي المخلب آكل اللحم والغربان أجمع والطاووس والشغراق والخطاف
والخشاف.
والقرد والسنور والسلحفاة والضب والوبر واليربوع والفأرة والقنفذ والدود والحيات
والعقارب والأوزاع والضفادع والسرطان والخنفساء وبنت وردان والزنبور وسائر الحشار
ولا بأس بأكل طير الماء وإن أكل السمك إذا كان يدف أو يغلب دفيفه صفيفه، فإن تعذر
معرفته كالمذبوح، أكل ذو الصيصية والحوصلة والقانصة فقط، ويكره الصرد
والصوام والحبارى والقنابر والهدهد ويحرم جلال الطير وهو آكل العذرة يومه خالصة
حتى يستبرأ البطة بخمسة أيام والدجاجة وشبهها بثلاثة أيام، والخز والفنك والسنجاب
والسمور حرام.
253

ولا يحل من صيد البحر سوى السمك، فقد قيل فيه مثل كل ما في البر ولا من السمك
إلا ذو الفلس، ولا يحل أكل الطافي في الماء الحار والبارد والمقذوف على شاطئه وما نضب
عنه الماء وما وثب منه على الساحل ولم يدرك بالأخذ حتى مات، وعن جعفر بن محمد عليه
السلام: كل ما كان في البحر مما يؤكل في البر مثله فجائز أكله، وكل ما كان في البحر مما
لا يجوز أكله في البر لم يجز أكله. ولا يحل الجري والمارماهي والزمار والزهو، ولا ما كان منه
جلالا حتى يستبرأ يوما ويطعم شيئا طاهرا، ويحل الكنعت والربيثا لأن لهما فلسا والإربيان
والطمر والطبراني والإيلامي من السمك، وإذا شق جوف سمكة فوجد فيها أخرى مما يحل
حلت أو في جوف حية فألقتها ولم تسلخ أحلت، فإن تسلخت لم تحل.
وأما حيوان الحضر فالإبل والبقر والغنم فإنها مباحة، فإن كانت جلاله يأكل العذرة
خالصة يومها أجمع لم يحل لحمها ولبنها حتى يستبرأ بعلف طاهر، الإبل أربعين يوما
والبقر عشرين يوما والشاة عشرة أيام، فإن خلط كره ولم يحرم، وإن شرب شئ منها خمرا
وذبح جاز أكله بعد غسله ولا يؤكل ما في بطنه ولا يستعمل، فإن شرب بولا أكل بعد الذبح
إلا ما في بطنه فإنه يؤكل بعد غسله، فإن رضع شئ منها خنزيرة حتى اشتد لم يؤكل هو
ولا نسله، فإن شرب منها دفعة أو دفعتين، استبرئ بسبعة أيام بعلف أو كسب طاهر أو
يستقى لبنا طاهرا بسبعة أيام إن كان مما يشرب، وحل، فإن شرب من لبن امرأة حتى اشتد
كره ولم يحرم.
ويكره لحم البغال والخيل والحمير، ولحم البغل أشد كراهة من لحم الحمار ولحم الحمار
أشد كراهة من الخيل والخيل أدونهن كراهة، ولا يحل أكل الفيل وموطوءة آدمي ونسلها
ولبنها وتحرق بالنار، فإن اختلطت بغيرها أقرع حتى لا يبقى إلا واحدة.
ويحل ما صاده الكلب المعلم وهو الذي إذا بعث انبعث وإذا زجر انزجر، ولا يأكل من
صيده إلا نادرا، ولو شرب من دمه حل، ويرسله المسلم أو من بحكمه ويسمي عند إرساله،
فإن شاركه كلب غير معلم أو معلم لم يسم صاحبه أو كلب مجوسي لم يحل أكله. ويكفي تزكية
الكلب له فإن خنقه لم يحل وإن لحق ذكاته وجب تذكيته، فإن لم يفعل لم يحل، وأدنى ما يلحق
به الذكاة أن يجده يطرف عينه أو يتحرك ذنبه أو يركض رجله وأدرك ما يسعها، فإن لم يكن
254

معه ما يذكيه يترك الكلب ليقتله، ولا يجوز الاصطياد بغير الكلب من الجوارح كالبازي
والصقر ولا بالبندقية وإن أدركت ذكاته ذكيته، فإن لم تدرك فهو ميتة.
ويؤكل ما صيد بآلة حديد كالسهم والنشاب والسيف والرمح إذا كان الصائد مسلما
أو بحكمه ويسمي، فإن أدرك ذكاته ذكاه، وإن صاده بغير حديد وخرق حل وإن اعترضه
لم يحل، وإن سقط في الماء أو تدهده من جبل لم يحل، وأما في المذبوح كالشاة إذا أجاد ذبحها
ثم وقفت في الماء أو من الجبل فلا بأس، وإن أصاب الصيد بسهم وجاء من الغد فوجد
سهمه فيه وليس به أثر غير سهمه ورأى أن غيره لم يقتله حل، وإذا أرسل الكلب فأصاب
صيدا ثم غاب عن عينه لم يأكله، فإن رمى الصيد بأكبر منه لم يؤكل.
ولا يؤكل صيد المجوسي والمرتد والوثني، لأن التسمية لا يوجد منهم، و لا يؤكل ذبائح
أهل الكتاب، وقال بعض أصحابنا يؤكل، وروي في المجوسي يؤكل ذبيحته إذا سمى.
وإذا قطع الصيد بنصفين وتحركا أو لم يتحركا أكلا، فإن تحرك أحدهما أكل دون
الآخر، فإن كان أحد النصفين أكبر أكله دون الأصغر، فإن ضرب صيدا فأبانه أكل ما يلي
الرأس ويترك الذنب، ويحل اصطياد مأكول اللحم وغير مأكوله، وإذا قطع عضوا من
الصيد أكل الصيد دونه، وصيد المحرم وتذكيته إياه كالمجوس.
فإذا انفلت كلب المسلم من غير إرسال لم يحل صيده وكذلك إذا لم يكن معلما إلا ما
أدرك ذكاته، وإذا أخذ الصيد جماعة فتوزعوه قبل موته قطعة قطعة في حال جاز، وإذا
أرسل كلبه على صيد أو قصد بالرمي صيدا ففاته وصاد الكلب غيره أو وقع السهم في غيره
فهو حل، فإن قصد به غير صيد فبان صيدا لم يحل، وقيل: يحل، وإن عضه الكلب نجس
الموضع وغسل، ويجب أن يسمي الرامي والمرسل فلو أرسل شخص الكلب وسمى غيره لم
يحل.
وإذا رمى صيدا بسهم فأثبته أو نصب شبكة فأمسكت أو فخا فحصل فيها صيد
ملكه ولم يحل لغيره أخذه، وإذا وجدت صيدا فيه سهم وهو ميت لا تدري من قتله فلا تأكله،
وإن رمى شخص صيدا فأثخنه فرماه آخر فقتله برميه لم يحل أكله لأنه صاد بفعل الأول
كالشاة وخرج من كونه صيدا وضمن قيمته مثخنا، وإن لم يثخنه الأول فهو حال وملكه الثاني
لأنه الصائد، وإذا رمى الصيد فوقع على الأرض ابتداء أكل لأنه بعد رميه يسقط قطعا.
255

ولا يحل المنخنق بخنق أو ماء وما ضرب في رأسه وهو الموقوذة حتى مات والمتردية من
جبل وشبهه وما نطحه حيوان آخر وما أكله سبع إلا أن يدرك ذكاة ذلك، وما ذبح لوثن
أو حجر أو صنم، وما تركت التسمية عليه عمدا حرام فإن كان ناسيا حل.
ونهى عن قتل النحل والنمل والضفدع والصرد والهدهد والخطاف، ويحرم
الاستقسام بالأزلام، كانوا في الجدب يشترون جزورا ثم يجيلون سهام المسيرة وهي عشرة
فيقع غرم الثمن بحسب ما يخرج منها ويطعم الفقراء، ويكره الذباحة والصيد بالليل
ويوم الجمعة قبل الصلاة ما لم يخف فوت الذبيحة، وذبح الحيوان صبرا وهو أن يذبحه
وحيوان آخر ينظره، وأخذ الفرخ من عشه وذبح ما رباه.
ويحل صيد المسلم بكلب المجوسي المعلم على كراهية، وإذا رمى الصيد فلم يدر
سمي أم لا حل، وإذا أرسل مسلم ومجوسي كلبين، فلم يدر ما قتله منهما لم يحل، والصيد
لمن صاده لا لمن رآه، فإن استرسل الكلب بنفسه نحو الصيد فأغراه صاحبه لم يحل، وإن
فلت منه صيد بعد أن ملكه فعلى ملكه وإن لحق بالبر.
وإذا كان أثبت اثنان صيدا فهو بينهما نصفين، ومتى تفرد بإثباته أحدهما فله تقدم أو
تأخر، فإن كان امتناعه برجله وجناحه كالدراج فكسر واحد رجله وآخر جناحه فبينهما
وقيل: للثاني، وكلاهما قوي، وإذا رمى اثنان صيدا فوجأه الأول ثم جرحه الثاني أو أثبته
الأول فقط كان كسر رجل الظبي أو جناح الطائر أو كليهما في الدراج وجأه الثاني أو لم يوجئه
أو جرحه الأول ولم يثبته ووجأه الثاني، ففي الأولى للأول ملك حل وعلى الثاني أرش قطع
الجلد.
والثانية إن وجأه الثاني بالذبح حل وعليه ما نقص بالذبح، وإن وجأه بغير الذبح
حرم وضمن كمال قيمته وبه الجرح.
والثالثة إن ذكاه الأول حل وضمن الثاني أرش جرح مجروح فقط، وإن لم يذكه حرم
وليس على الثاني كمال القيمة لأنهما سريا إلى نفسه، فلنفرض جناية الأول عليه وقيمته
عشرة دراهم وأرشها درهم، وجناية الثاني أرشها درهم، فالأصح دخول الأرش في بدل
256

النفس فتنضم إحدى القيمتين إلى الأخرى، كأن كلا منهما تفرد بقتله، فتنضم تسعة إلى
عشرة فيصير تسعة عشر فيسقط للأول عشرة أجزاء من أصل تسعة عشر جزءا من
العشرة، فوجب على الثاني تسعة أجزاء من أصل تسعة عشر جزءا، وهذا أصل في
الجنايات، والرابعة للثاني ملك حل ولا أرش على الأول.
فإذا رمى سهما فأصاب طائرا وفرخه الذي لم ينهض فقتلهما أكل الطائر وحرم الفرخ
لأنه ليس بصيد.
صيد السمك:
وذكاة السمك صيده وإن لم يقطع رأسه، ولا يراعى فيه التسمية ولو صاده مجوسي حل،
إلا أنه لا يؤتمن على أنه أخرجه حيا إذا أخبر بذلك، وإن أخذته منه حيا أو شاهدته اخراجه
حيا حل. وإذا مات السمك في الماء بعد صيده لم يحل، وإذا نصب شبكة فيه فاجتمع فيها
سمك جاز أكله، فإن علم أن فيه ميتا في الماء ولم يتميز ألقي ذلك في الماء، فإن طفى على
ظهره لم يؤكل وإن طفى على وجهه أكل وكذلك صيد الحظائر.
والطائر يصاد ما لم يعرف له رب، فإن عرف له رب رد عليه وإن ساوى درهما أو دونه.
صيد الجراد:
وذكاة الجراد صيده كالسمك، ولا يحل أكل الدبى ولا ما مات في الصحراء والماء ولو
أحرق الشجر وهو عليه لم يؤكل لأنه لم يصد، ولا بأس بابتلاعه وشيه وشئ السمك حيا بعد
صيده، والكافر والمسلم في صيده سواء، كما قلنا في السمك.
والبخت والعراب من الإبل والحمام المسرول وغيره سواء في الحل، وإذا اختلط اللحم
الذكي بالميت بيع على مستحل الميتة وثمنه حلال، فإذا أراد الأكل ألقاه على النار فإن
تقبض فهو ذكي وإن تبسط فهو ميت.
257

أحكام الذباحة:
ويحل الذكاة بكل محدد من حديد أو صفر أو خشب أو مرو أو زجاج مع تعذر الحديد،
ويكره بالسن والظفر المتصلين والمنفصلين، والنحر للإبل في اللبة والذبح لغيرها في
الحلق، فإن نحر المذبوح أو ذبح المنحور مع التمكن حرم إلا أن يدرك ذكاته، فإن استعصى
الثور أو اغتلم البعير أو تردى في البئر أخذ بالسيف والسهم كالصيد وحل، ويعتبر قطع
الحلقوم والمرئ والودجين إبانة والتسمية عند ذلك من مسلم أو بحكمه، والمرأة والرجل
الطاهران والجنب والحائض والصبي سواء.
ولا يحل ذبيحة المجوسي والمرتد والوثني وأهل الكتاب، وقال بعض أصحابنا بحله
من أهل الكتاب.
فإن سهى عن التسمية حل، وإن ترك استقبال القبلة مع القدرة عمدا لم يحل، وإن
نسي أو جهل فلا بأس، وإن ذبح أو نحر فخرج الدم ينتحب أو تحرك بعض أعضائه حل وإن
لم يحصلا لم يحل، وإن خرج الدم متثاقلا ولا حركة لم يحل، ولا ينخع الذبيحة ولا يسلخها
ولا يقطع شيئا منها حتى تبرد، فإن سبقه السكين فأبان الرأس فلا بأس إذا خرج الدم،
ولا يقلب السكين فيذبح إلى فوق بل من فوق إلى أسفل.
والسنة في الغنم عقل اليدين وإحدى الرجلين والإمساك على الصوف والشعر حتى
تبرد دون الأعضاء، وفي البقر عقل اليدين والرجلين وإطلاق الذنب، وفي الإبل جعل اليدين
كواحد بالعقال وإطلاق الرجلين ولتكن قائمة، ولا إمساك ولا عقل في الطائر، وإن انفلت
فهو كالصيد يرمى بالسهم وشبهه فإن لحقه ذكاه.
وروي أن بهيمة الأنعام الأجنة، فإن كانت تامة وهو أن تشعر أو تؤبر وخرجت لا روح
فيها فذكاتها ذكاة أمها، وإن خرجت وفيها روح فبحكم نفسها، وإن لم يكن تامة فهي
حرام.
وقال أمير المؤمنين ع: لا تأكلوا ذبيحة نصارى تغلب فإنهم ليسوا أهل
الكتاب، وعن جعفر بن محمد ع: أنهم مشركو العرب، وروى زكريا بن آدم
قال قال أبو الحسن: إني أنهاك عن ذبيحة كل من كان على خلاف الذي أنت عليه
258

وأصحابك إلا في وقت الضرورة إليه، وعن أبي بصير عن أبي جعفر ع أنه قال:
لم يحل ذبائح الحرورية، وروى محمد بن قيس عن أبي جعفر عن علي ع: ذبيحة
من دان بكلمة الاسلام وصام وصلى لكم حلال إذا ذكر اسم الله تعالى عليه. ولا بأس بشراء
الذبيحة من سوق المسلمين ولا يسأل عنه.
ما يحرم من الذبيحة:
ويحرم من الإبل والبقر والغنم وما أشبهها الفرث والدم والطحال لأنه محقن الدم
الفاسد، والنخاع والعلباء والغدد والقضيب والأنثيان وظهر الفرج وبطنه والمرارة
والمشيمة والمثانة والحدقة والخرزة التي في الدماغ.
وإذا جعل طحال مع لحم في سفود ولم يثقب أكل ما تحته، وإن ثقب وجعل فوق اللحم لم
يؤكل اللحم وما تحته من جوذاب، وإن جعل تحته أكل فاللحم لا ما تحته، وإن جعلت سمكة
تحل مع سمكة لا تحل في سفود وما يؤكل فوقه حل وتحته لم يحل، ويكره الكليتان ولا يحرم،
ويحل من الميتة ما لا يكون ميتا: الشعر والوبر والصوف والعظم والحافر والظلف والقرن
والسن، والبيض عليه الجلد الغليظ والأنفحة واللبن، ولا يحل الاستصباح بأليات الغنم
تؤخذ منها حية.
ويؤكل من مجهول البيض مختلف الطرفين فقط ومن مجهول بيض السمك الخشن
لا الأملس، ولا يحل أكل الميتة والدم وشرب النجس إلا لمضطر يخاف على نفسه التلف
ولا يجد سواها، ويتناول ما يسد الرمق بلا زيادة إلا الباغي على الإمام، وصالب الصيد لهوا
وبطرا والعادي يقطع الطريق فإنهم كالمختار في ذلك، وإذا وقفت دابة المسلم في أرض
العدو ذبحها ولم يعرقبها، وروي جواز استعمال شعر الخنزير عند الاضطرار ما ليس فيه
دسم، ويغسل يده عند الصلاة.
وإذا ماتت فأرة في قدر يطبخ فيها أريق المرق وغسل اللحم، فإن وقع فيها أوقية دم
فلا بأس لأن النار تحيله، وإن كان كثيرا لم يجز، وإذا حصلت النجاسة في مائع أفسدته، فإن
كان دهنا استصبح به تحت السماء خاصة، وبيع وأعلم مشتريه، وإن كان جامدا ألقي
259

حوله وطهر، فإن وقع القدر خمر أو فقاع ألقي المرق أو أطعم الذمي أو الكلب وغسل الباقي
وأكل، فإن وقع خمر أو فقاع أو دم في عجين فسد وبيع من الذمي وعرف.
ولا يؤكل طعام المشركين وأهل الكتاب، ولا يشرب في سقوط أوانيهم، وفسر الصادق جعفر
بن محمد ع الآية بالحمص والعدس وشبه ذلك، وروي لا بأس بمؤاكلة اليهودي
والنصارى، إذا كان من طعامك وبمؤاكلة المجوس إذا توضأ يعني عند يده.
ولا تحل أكل الطين إلا اليسير من طين قبر أبي عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما
السلام للاستشفاء به فهو الدواء الأكبر، ويدعو عند أخذه ويضعه على عينيه ويدعو عند
تناوله ويدعو ويقرأ من القرآن بالمأثور، ولا يحل: استعمال أواني الذهب والفضة لرجل أو
امرأة، وموضع الفضة من المفضض والمدهن والمشط والمرآة من ذلك، ولا بأس بالبرة من
الفضة، ولا بأس بما عدا الذهب والفضة من الآنية وإن عظم ثمنها، ويكره أذني القلب
وجرجير البقل وبملعقة ومما يلي غيره ومن وسط الصحفة والطعام الحار وما دعي إليه
الأغنياء والشرب من ثلمة الكوز وعروته والأكل على الشبع فقد يبلغ الخطر ورفع الجشاء إلى
السماء وباليسار والشرب والتناول بها، وروي أن كلا يدي الإمام يمين، وأكل ما تحمله النملة
بفيها وقوائمها.
وإذا دعي انسان إلى طعام لم يدخل ولده معه ولا يأكل ما لم يدع إليه، ولا بأس
بالجلوس على المائدة متربعا والأكل والشرب ماشيا ومتكئا والقعود أفضل، ويستحب أن
يجيب إلى دعوة أخيه ولو على خمسة أميال وفي ختان ووليمة لا في خفض الجارية، ويكره
الشرب قائما بالليل ولا بأس به بالنهار ويشرب في ثلاثة أنفاس وإن كان ساقيه حرا
فبنفس واحد.
ويأكل من بيت من ذكره الله تعالى في كتابه ما لم ينه عنه من الثمرة والمأدوم من غير
إفساد ولا حمل والمرأة من بيت زوجها مثله، ويتصدق منه إلا أن ينهى أو يحجف به ولا يحل
ما عداه، وقوله: أو ما ملكتم مفاتحه يعني وكيل الشخص القائم في أمره، ولا بأس أن يأكل
الصديق من منزل صديقه ويتصدق.
ويكره أكل الثوم والبصل وشبههما لمريد المسجد خوف الإيذاء، ويستحب تسمية الله
260

تعالى عند الأكل والشرب.
ويجب أن يعرف ما يأكل ويشكر ويرضى، فإن اختلف الألوان فعلى كل لون، وإن سمى
بعض الجماعة أجزأ عن الباقين، فإن نسي التسمية ثم ذكر قال: بسم الله على أوله وآخره،
ويجلس على وركه الأيسر ويأكل بثلاث أصابع ومما يليه ويمص أصابعه ويبقى الذروة ففيها
البركة ويقل النظر في وجوه الناس ويصغر اللقم ويجيد المضغ ويتأنى فيه ويحمد الله في
أثنائه وبعد فراغه ويغسل يديه قبل الطعام وبعده ويبدأ صاحب الطعام بالأكل ويختم به
ويجمع غسالة الأيدي في إناء واحد ويبدأ بسقي من عن يمينه وغسل يده حتى يرجع إليه
ويكرم ضيفه ولا يعاونه عند انفصاله على اخراج متاعه ويدعو لمن أكل طعامه، ولا ينبغي
أن يبيت ويده غمرة ولا يبيت القمامة في البيت حتى يخرجها.
وإذا وجد سفرة فيها لحم وخبز وبيض قومها على نفسه وغرم قيمتها لصاحبها،
ولا بأس بأكلها أن يكون لمسلم أو مجوسي لأنه في سعة ما لا يعلم، وإذا حضر الطعام
والصلاة ولم يغلبه الجوع بدأ بالصلاة، وإن غلبه أو حضر من ينتظره بدأ بالطعام في أول
وقتها وبها إذا ضاق، وينبغي إذا أكل أن يستلقي على قفاه ويضع رجله اليمنى على
اليسرى.
ولا بأس أن يأكل القديد والاستشفاء بأبوال الإبل وألبانها وألبان الأتن ويحل شربها
ولا يحل الجلوس على مائدة يشرب أو يؤكل عليها محرم إلا لضرورة، ويحرم أكل النجاسات
والمنجسات قبل التطهير وأكل السموم القاتل كثيرها منه وقليلها، ويكره أكل وشرب ما
باشره الجنب والحائض غير المأمونين وما أسار الفأرة وأبقى من طعام وسباع الطير، ومن
اضطر إلى طعام غيره لم يجب عليه بذله له، فإن لم يكن صاحبه محتاجا إليه وبذل له ثمنه
وجب عليه بيعه.
والخمر والفقاع والنبيذ الشديد حرام، والمزر والجعة والنقيع والبتع حرام، وما أسكر
كثيره فالجرعة منه حرام صرفا وممزوجا بغيره وبيعه وشراءه والتصريف فيه، والعصير
حلال حتى يغلي وهو أن يصير أسفله أعلاه فيحرم حتى يذهب ثلثاه أو يصير خلا،
ولا يؤتمن عليه إلا من يرى حرمته إلى أن يذهب ثلثاه، وإن أخبر من يحله من دون ذهاب
261

ذلك بذهاب ثلثيه لم يحل، ولا بأس أن يجمع بين عشرة أرطال عصيرا وبين عشرين رطلا
ماء ثم يغلي حتى يبقى عشرة فيحل.
وكتب محمد بن علي بن عيسى إلى علي بن محمد الهادي ع: جعلت فداك
عندنا طبيخ يجعل فيه الحصرم وربما جعل فيه العصير من العنب، وإنما هو لحم يطبخ به،
وقد روي عنهم في العصير: أنه إذا جعل على النار لم يشرب حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه،
فإن الذي يجعل في القدر من العصير بتلك المنزلة وقد اجتنبوا ذلك إلى أن يستأذن مولانا
في ذلك، فكتب ع بخطه: لا بأس بذلك.
وإذا خاف تلف النفس جاز أن يتناول من الخمر ما يمسك رمقه، ولا يجوز التداوي
بمسكر، وروي جوازه للضرورة في العين، وشربها لا يجوز على كل حال، ويجوز أن يشرب
ما نبذ فيه تمر ليكسره فيحلو ويكره أن يسقى الدواب الخمر فإن شرب خمرا ثم بصق ملوثا
بها فهو نجس وإلا فلا، وإذا وقع خمر في خل نجس وحرم وإن صار ذلك الخمر خلا،
ولا بأس بما لا يسكر كثيره و إن شم منه رائحة الخمر، وإذا انقلبت الخمر خلا حلت، بعلاج
وبنفسها وترك العلاج أفضل، ويجوز إمساكها للتخلل والتخليل.
ولا يحل لبس الحرير المحض للرجال إلا حال الحرب ويحل للنساء وروي أنه لا بأس
بالتدثر به خارج محدود والاتكاء عليه للرجال وبالزر والعلم، ولا يجوز للرجال التحلي
بالذهب ويجوز للنساء، ولا بأس مما سداه أو لحمته قطن أو كتان والباقي إبريسم، ويتحلى
الرجل بالفضة خاتما ومنطقة وحلية سيف وبرة بعير.
ويجوز أن يلبس الصبي الحرير والذهب ولا يجوز أن يسقي مسكرا، ويكره التعشير في
المصحف لأنه لم يكن، ولا بأس بخصاء البهائم، ويقبل قول الصبي في الهدية والإذن.
والزينة الظاهرة: الوجه والكفان، فينظر ذلك لضرورة الإشهاد والأخذ والإعطاء
والقاضي للحكم عليها، ويجوز لشهود الزنى النظر إلى العورة للشهادة والطبيب للضرورة،
ولا بأس بنظر رؤوس القواعد من النساء عن الحيض لكبره وذراعها ووجهها وأن يكشف
ذلك، ونهى عن التطلع في الدور، ولا بأس بنظر الشابة إلى غير ذي إربة من الرجال ونظره
262

إليها، وينظر الرجل إلى بدن الرجل إلا العورة والمرأة إلى المرأة كذلك، وينظر الزوج
ومالك الجارية إلى فرجها.
وينظر ذو المحرم من ذات محرمه إلى الوجه واليدين والرأس والصدر والساقين
والعضدين لقوله تعالى عز وجل: ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن، والمراد من موضع الزينة:
اليد موضع السوار والعضد للدملج والصدر للقلادة والرأس موضع العقاص والساق
للخلخال، ويمس ما جاز نظره إليه، وإذا بلغت الصبية ست سنين لم يجز لغير ذي محرمها
قبلتها ولا ضمها إليه.
وإذا أراد شراء أمة نظر وجهها ومحاسنها وشعرها ومشيها لغير تلذذ والكتابية كالأمة،
ولمن يريد تزويج امرأة وأجابته أن ينظر إلى وجهها ومحاسنها وماشية في ثوب رقيق وكذلك
المرأة.
والخصي كالفحل، وليس للمملوك أن ينظر من سيدته إلا ما جاز للأجنبي منها،
ويستحب النظر إلى الكعبة والوالدين والعالم وفي المصحف فإن ذلك عبادة، والنظر إلى
المرأة الحسناء والخضرة تسره، ويكره النظر في أدبار النساء، وينبغي للرجال يمشي أمامها،
ولا يحل النظر في النرد والشطرنج، والسلام على اللاعب بهما.
ويكره أن يركب ذات فرج سرجا وأن يجلس مجلس المرأة عند قيامها منه حتى يبرد وأن
يصافح غير ذات محرم إلا من وراء الثوب، ولا يجوز أن يخلو بها في بيت، وينبغي أن
لا يحدثها فوق خمس كلمات، ويكره السلام على الشابة الأجنبية والمصلي ومن هو على حال
بول أو غائط، وتحدث المرأة بما يخلو به مع زوجها.
ويحرم اللعب بالنرد والشطرنج وتعلمه وتعليمه والدف والخاتم والأربعة عشر والمزمار
والعود والكوبة والعرطبة والغناء وتعليمه وتعلمه واستماعه، وآلاته كالقصب وشبهه
والسمر بالكذب والقصص المخترعة والمزيد فيها، ويكره بغير ذلك لئلا يجري آخر
ليله، ويحرم التلذذ بنظر الأمرد ومباشرتهم وزينتهم زينة النساء، وإياك وضرب الصوانج.
ونهى عن التحريش بين البهائم إلا بالكلاب والنوح الباطل والمدح والهجاء بمثله
والقذف والقيافة والشعبذة والكهانة والسحر وتعلم ذلك وتعليمه والغيبة والنميمة
263

واستماعهما كله محرم محظور.
ومن السنة التختم في اليمين وجعل الفص داخل الكف، وندب إلى التختم بالعقيق
وكره بصفر أو حديد وما عليه صورة، والسنة جهر العاطس بحمد الله وتسمية والدعاء
لمسمته وإذا كان العاطس إماما قيل له صلى الله عليك، وتقصير الثوب والسلام على
الصبيان وحمل حاجته بنفسه وحلبة شاته بيده وخصفة نعله ورقعه واهي ثوبه وأكله مع
عبيده وركوبه برديفه لا برديفين وركوب الحمار عاريا ليذل نفسه.
ويجوز له ضرب الدابة إذا قصرت عن مثل سيرها إلى مذودها ولا يضرب وجهها،
وينبغي أن يسرع بها في الجدب ويسلس لها في الخصب وأن يبدأ بهما قبل نفسه، ويجوز له
ضربها عند العثار أو النفار، ويكره أن يتخذ ظهرها مجلسا، وإذا استصعبت عليه قرع
عليها: وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وإليه يرجعون، وآية السخرة فإن خاف س
ساحرا أو شيطانا قرأ آية السخرة، وإذا ركبها قرأ سورة القدر ثلاثا وقال: سبحان الذي سخر
لنا هذا وما كنا له مقرنين.
وعلى الجالس في الرفاق رد السلام ورد واحد يكفي الباقين وإرشاد الضال وغض
الطرف، وإذا وجد في نفسه من امرأة تمر به شيئا فليأت أهله، ويصلى في ثوب جديد عند
لبسه ركعتين ويقول: الحمد لله الذي كساني من الرياش ما أؤدي به فريضتي واستر به
عورتي، ويكره النوم بين العشائين وبعد الصبح إلى طلوع الشمس فإنه يحرم الرزق فيهما،
وأن يكلم مجذوما إلا وبينهما قدر ذراع، وأن يدخل بيتا مظلما بلا سراج، ونوم المؤمن على
جنبه الأيمن مستقبل القبلة ولا ينام على وجهه وعلى سطح غير محجر وفي بيت وحده.
264

قواعد الأحكام
في مسائل الحلال والحرام
للشيخ جمال الدين أبي منصور الحسن بن سديد الدين يوسف بن زين الدين
علي بن محمد بن مطهر الحلي المشتهر بالعلامة الحلي والعلامة على الإطلاق
647 - 726 ه‍ ق
265

كتاب الصيد والذبائح:
وفيه مقاصد:
الأول: الآلة:
يجوز الاصطياد بجميع آلاته كالسيف والرمح والسهم والكلب والفهد
والنمر والبازي والصقر والعقاب والباشق والشرك والحبالة والشباك والقل
والفخ والبندق وجميع الآلات والسباع من الجوارح وغيرها، ثم إن أدركه مستقر
الحياة وجب تذكيته، وإن قتلت الآلة الصيد حرم إلا ما يقتله الكلب المعلم
والسهم.
أما الكلب: فيحل ما قتله بشروط:
أ: أن يكون معلما، ويتحقق بأن يسترسل إذا أرسله وينزجر إذا زجره وأن
لا يأكل ما يمسكه إلا نادرا، فلو أكل نادرا لم يقدح وكذا لو شرب دم الصيد،
ويحصل العلم بتكرر ذلك منه مرة بعد أخرى، ولا يكفي المرة الأولى ولا ما يتفق
فيه ذلك من المرات.
ب: أن يرسله المسلم أو من هو بحكمه من الصبيان رجلا كان أو امرأة، ولو
أرسله الكافر لم يحل وإن كان ذميا.
ج: أن يرسله للاصطياد، فلو أرسله لغير صيد فاتفق صيده لم يحل وكذا لو
267

استرسل من نفسه، نعم لو زجره فأمسك ثم أغراه صح بخلاف ما لو أغراه حالة
استرساله فازداد عدوا، ولو حصل زيادة العدو بإغراء ما أرسله المسلم من مجوسي لم
يقدح في الحل ولو حصل من غاصب لم يملكه، ولا يشترط عين الصيد فلو أرسله إلى
سرب من الظباء فاصطاد واحدا حل، وكذا لو أرسله على صيد فاصطاد غيره، ولو
أرسله على غير صيد كالخنزير فأصاب صيدا لم يحل، ولو أرسله ولم يشاهد صيدا
وسمى فأصاب صيدا لم يحل.
د: أن يسمي عند إرساله ولو تركها عمدا لم يحل، ويحل لو كان ناسيا، ولو
أرسل واحد وسمى غيره أو سمى وأرسل آخر كلبه ولم يسم واشتركا في قتله لم
يحل.
ه‍: استناد القتل إلى الصيد، فلو وقع في الماء بعد جرحه أو تردى من جبل
فمات لم يحل إذا كانت فيه حياة مستقرة، ولو صير حياته غير مستقرة حل وإن
مات في الماء بعد ذلك، ولو غاب عن العين وحياته مستقرة ثم وجده مقتولا أو
ميتا بعد غيبته لم يحل سواء وجد الكلب واقفا عليه أو بعيدا منه.
و: أن يقتله الكلب بعقره فلو قتله بصدمه أو غمه وإتعابه لم يحل.
وأما السهم: فالمراد به كل آلة محددة كالسهم والرمح والسيف وغيرها
ويحل مقتوله، بشرط أن يرسله المسلم ويسمي عند إرساله وقصد جنس الصيد لا
عينه ويستند الموت إليه، فلو أرسله غير المسلم لم يحل وإن كان ذميا سواء سمى أو
لا، ولو ترك المسلم التسمية عمدا لم يحل ولو تركها ناسيا حل، ولو أرسله ثم سمى
قبل الإصابة أو سمى عند عض الكلب بعد إرساله فالأقرب الاجزاء، ولو أرسل
آخر آلته وكان كافرا أو مسلما لم يسم عمدا فقتل السهمان لم يحل، وكل ما فيه
نصل حل ما يقتله وإن كان معترضا، ولو قتله المعراض أو السهم الذي لا نصل
فيه حل إن كان حادا وخرقه ولو أصابه معترضا لم يحل، ولو سمى غير المرسل لم
يحل.
268

ولو رمى خنزيرا فأصاب صيدا أو رمى صيدا ظنه خنزيرا لم يحل وإن سمى،
ولو رمى صيودا فأصاب أحدها أو رمى صيدا فأصاب غيره حل، ولو رمى صيدا
فوقع في الماء أو من جبل قبل صيرورة حياته غير مستقرة لم يحل، وإن كان بعدها
حل، ولو قطع من السمك بعد اخراجه من الماء حل لأنه مقطوع بعد التذكية سواء
ماتت السمكة أو وقعت في الماء مستقرة الحياة، ولو قطعها في الماء وأخرجها لم يحل
وإن خرجت السمكة وماتت خارجا.
المقصد الثاني: في أحكام الصيد: لو أرسل مسلم وكافر آلتين فقتلتا صيدا لم يحل اتفقت الآلة أو اختلفت،
وسواء اتفقت الإصابة زمانا أو اختلفت إلا أن يسبق إصابة المسلم وتصيره في
حكم المذبوح فيحل، ولو انعكس أو اشتبه لم يحل، ولو أرسل المسلم كلبه
واسترسل آخر له معه فقتلا لم يحل، ولو أرسل سهما للصيد فأمالته الريح إليه حل
وإن كان لولا الريح لم يصب، وكذا لو أصاب الأرض ثم وثب وقتل، ولو وقع
السيف من يده فانجرح الصيد أو نصب منجلا في شبكته أو سكينا في بئر لم يحل،
ولو رمى بسهم فانقطع الوتر فارتمى السهم فأصاب فالوجه الحل، وقيل: يحرم رميه
بما هو أكبر منه، وقيل: يكره.
ولو اعتاد المعلم الأكل حرمت الفريسة التي ظهرت بها عادته ولا يحرم التي
أكل منها قبله على إشكال، وموضع العضة نجس يجب غسله والاعتبار في حل
الصيد بالمرسل لا المعلم، فلو أرسل المسلم حل وإن كان المعلم كافرا دون
العكس، ولو أرسلها على كبار فتفرقت عن صغار فقتلها حلت إن كانت ممتنعة،
وكذا السهم. ولا يشترط إصابة السهم موضع التذكية بل كل موضع خرق فيه
اللحم وقتل أجزأ، وإنما يحل الصيد بقتل الكلب المعلم أو السهم في غير موضع
التذكية إذا كان ممتنعا سواء كان وحشيا كالظبي وحمار الوحش وبقرة الوحش أو
269

أنسيا كالثور المستعصي والجاموس الممتنع، وكذا ما يصول من البهائم أو يتردى في
بئر وشبهها إذا تعذر ذبحه أو نحره فإنه يكفي عقره في موضع التذكية وغيره.
ولو رمى فرخا لم ينهض فقتله لم يحل، ولو رمى طائرا وفرخا حل الطائر
خاصة دون الفرخ، ولو رمى خنزيرا وصيدا فأصابهما حل الصيد خاصة، وكذا لو
أرسل كلبه عليهما دفعة، ولو تقاطعت الكلاب الصيد قبل إدراكه حل، ولو قطعت
الآلة منه شيئا كان المقطوع ميتة فإن كانت حياة الباقي مستقرة حل بالتذكية، ولو
قطعه بنصفين حلا معا سواء تحركا أو لم يتحركا أو تحرك أحدهما خاصة إلا أن يكون
أحدهما حياته مستقرة فيجب تذكيته ويحل بعدها والآخر حرام، وكل آلات يجب
فيها تذكية الصيد إن كانت حياته مستقرة وكذا الكلب والسهم.
فلو أرسلهما فجرحه وجب الإسراع إليه، فإن أدركه مستقر الحياة لم يحل إلا
بالتذكية إن اتسع الزمان لها وإلا حل إذا لم يتسع، وإن كانت حياته مستقرة
ما لم يتوان في ذكاته أو يتركه عمدا وهو قادر على ذكاته، ولو كانت حياته غير
مستقرة حل من غير تذكية فيهما خاصة دون باقي الآلات، وروي أن أدنى ما يدرك
به ذكاته أن يجده تركض رجله أو تطرف عينه أو تحرك ذنبه، وقيل: إن لم يكن
معه ما يذبحه به ترك الكلب يقتله ثم يأكله إن شاء، وفيه نظر. وإذا كانت الآلة
مغصوبة ملك الغاصب الصيد وعليه أجرة الآلة وكان اصطياده حراما لا صيده،
ولو قتلته الآلة كان حلالا.
المقصد الثالث: في أسباب الملك:
وهي أربعة: إبطال منعته وإثبات اليد وإثخانه والوقوع فيما نصب آلة
للصيد، وكل من رمى صيدا لا يد لأحد عليه ولا أثر ملك فإنه يملكه إذا صيره غير
ممتنع وإن لم يقبضه، فإن أخذه غيره دفع إلى الأول، وما يثبت في آلة الصيد
كالحبالة والشبكة يملكه ناصبها، وكذا جميع ما يصطاد به عادة، ولو انفلت قبل
270

قبضه بعد إثباته لم يخرج عن ملكه، وكذا لو أطلقه من يده ناويا لقطع ملكه عنه،
وقيل هنا: يخرج كما لو رمى الحقير مهملا له فإنه يكون مباحا لغيره.
ولا يملك الصيد بتوحله في أرضه ولا بتعشيشه في داره ولا بوثوب السمكة إلى
سفينته، نعم هو أولى، فإن تخطى أجنبي داره أو دخل سفينته وأخذ الصيد أساء
وملكه، فلو اتخذ موحلة للصيد فوقع فيها بحيث لا يمكنه التخلص لم يملكه لأنها
ليست آلة في العادة على إشكال، ولو أغلق عليه بابا ولا مخرج له أو ألجأه إلى
مضيق وأمكنه قبضه ففي تملكه بذلك نظر، أما لو قبضه بيده أو بآلته فإنه يملكه
قطعا وإن هرب من يده أو آلته بعد ولو قصد ببناء الدار تعشيش الطائر أو بالسفينة
وثوب السمك فإشكال، ولو اضطر السمك إلى بركة واسعة لم يملك وهو أولى،
ولو كانت ضيقة ملك على إشكال.
ولو اختلط حمام برج بحمام آخر وعسر التمييز لم ينفرد أحدهما ببيعه من
ثالث ولو باعه من الآخر صح، ولو اتفقا على بيع الجميع من ثالث وعلما مقدار
قيمة الملكين أو اتفقا على تقدير حتى يمكن التوزيع جاز وإلا فلا، ولو امتزج حمام
مملوك محصور بحمام بلدة لم يحرم الصيد ولو كان غير محصور فإشكال، ولو انتقلت
الطيور من برج إلى آخر لم يملكها الثاني، ولو كان الطير مقصوصا لم يملكه الصائد
وكذا مع كل أثر يدل على الملك، ولو كان مالكا جناحه ولا أثر عليه فهو لصائده
إلا أن يكون له مالك معروف فلا يحل تملكه.
ولو اشترك اثنان في الاصطياد، فإن أثبتاه دفعة فهو لهما، وإن أثبته الأول
اختص به وكذا الثاني، ولو أصاباه دفعة وكان أحدهما مزمنا أو مدففا دون الآخر
فهو له ولا ضمان على الآخر، وإن احتمل أن يكون الأزمان بهما أو بأحدهما فهو
لهما، ولو علمنا أن أحدهما مدفف وشككنا في الثاني فللمعلوم النصف والنصف
الآخر موقوف على التصالح، ولو أثبته أحدهما وجرح الآخر فهو للمثبت ولا شئ
على الجارح، ولو جهل المثبت منهما اشتركا ويحتمل القرعة، ولو كان يمتنع بأمرين
271

كالدراج يمتنع بجناحه وعدوه فكسر الأول جناحه ثم الثاني رجله قيل: هو لهما،
وقيل: للثاني لتحقق الإثبات بفعله.
ولو رمى الأول الصيد فأثبته وصيره في حكم المذبوح ثم قتله الثاني فهو
للأول ولا شئ على الثاني إلا أن يفسد لحمه أو جلده، ولو لم يصيره في حكم
المذبوح ولا أثبته ثم قتله الثاني فهو له ولا شئ على الأول وإن أفسد منه شيئا،
ولو أثبته الأول ولم يصيره في حكم المذبوح فقتله الثاني فقد أتلفه، فإن كان قد
أصاب محل الذبح فذكاه فهو حلال ويملكه الأول وعلى الثاني الأرش، وإن أصابه
في غير محل الذبح فهو ميتة ويضمن قيمته إن لم يكن لميته قيمة وإلا فله الأرش،
ولو جرحه الثاني ولم يقتله، فإن أدرك ذكاته حل للأول وإلا فهو ميتة.
ولو دفف أحدهما وأزمن الآخر ولم يعلم السابق فهو حرام لاحتمال كون
التدفيف قاتلا بعد الأزمان، ولو ترتب الجرحان وحصل الأزمان بالمجموع فهو بينهما،
وقيل: للثاني، فعلى الأخير لو عاد الأول فجرحه فالأولى هدر والثانية مضمونة، فإن
مات بالجراحات الثلاث وجب قيمة الصيد وبه جراحة الهدر وجراحة المالك،
ويحتمل ثلث القيمة وربعها.
ولو رمياه فعقراه ثم وجد ميتا فإن صادفا مذبحه فذبحاه فهو حلال، وكذا إن
أدركاه أو أحدهما فذكاه، ولو لم يكن كذلك فهو حرام لاحتمال أن يكون الأول
أثبته ولم يصيره في حكم المذبوح ثم قتله الآخر غير ممتنع، ولو أصابه فأمكنه
التحامل طيرانا أو عدوا بحيث لا يقدر عليه إلا بالاتباع مع الإسراع لم يملكه الأول
وكان لمن أمسكه، ولو رد كلب الكافر الصيد على كلب المسلم فافترسه حل، ولو
أثخنه كلب المسلم فأدركه كلب الكافر فقتله وحياته مستقرة حرم وضمنه الكافر.
272

المقصد الرابع في الذباحة وفيه فصلان
الأول: في الأركان: وفيه أربعة مطالب:
الأول: الذابح:
ويشترط فيه: الاسلام أو حكمه والتسمية، فلو ذبح الكافر لم يحل وإن كان
ذميا وكان ميتة، ولا يحل لو ذبحه الناصب - وهو المعلن بالعداوة لأهل البيت
عليهم السلام كالخوارج وإن أظهر الاسلام - ولا الغلاة، ولا يشترط الإيمان إلا في
قول بعيد فيحل لو ذبحه المخالف، وكذا يحل ذبيحة المرأة والخنثى والخصي
والأخرس والجنب والفاسق والحائض والصغير إذا أحسن وكان ولد مسلم، ولو
ذبحه المجنون أو الصبي غير المميز لم يحل، وكذا السكران والمغمى عليه لعدم القصد
إلى التسمية.
وإذا سمى المسلم على الذبيحة حالة الذبح حل، ولو تركها عمدا لم يحل،
ولو تركها ناسيا حل، وصورة التسمية: باسم الله، ولو قال: باسم محمد أو
باسم الله ومحمد، لم يحل. ولو قال: باسم الله ومحمد رسول الله، وقصد الأخبار
بالرسالة حل وإن قصد العطف ووصف محمدا بالرسالة لم يحل، ولو قال: الحمد
لله أو والله أكبر، وما شابهه من الثناء حل، ولو قال: الله، وسكت أو قال:
اللهم اغفر لي، فإشكال، ولو ذكر بغير العربية جاز وإن أحسنها.
ويجب صدور التسمية من الذابح فلو سمى غيره لم يحل، والأخرس يحرك
لسانه، ولو سمى الجنب أو الحائض بنية العزائم فإشكال، ولو وكل المسلم كافرا
في الذبح وسمى المسلم لم يحل بأن شاهده أو جعل يده معه، ولو ذبح الأعمى
حل، وفي اصطياده بالرمي والكلب إشكال لعدم تمكنه من قصد الصيد، نعم
يجب مشاهدة بصير لقتل ما يرسله من الكلب أو السهم إن سوغناه.
273

المطلب الثاني: المذبوح:
وهو كل حيوان مأكول لا يحل ميته، فلو ابتلع السمكة حل، وقد تقع
الذكية على ما لا يحل أكله بمعنى أنه يكون طاهرا بعد الذبح وهو كل ما ليس
بنجس العين ولا آدمي، فلا يقع على نجس العين كالكلب والخنزير بمعنى أنه يكون
باقيا على نجاسته بعد الذبح، ولا على الآدمي وإن كان طاهرا أو مباح الدم
ويكون ميتة وإن ذكي، وفي المسوخ كالقرد والدب والفيل قولان، وكذا في
السباع كالأسد والنمر والفهد والثعلب، والأقرب الوقوع وتطهر جلودها بالتذكية،
وفي اشتراط الدبغ قولان. أما الحشرات كالفأر والضب وابن عرس فالأقرب عدم وقوع التذكية فيها،
وأما السمك فذكاته اخراجه من الماء حيا، وذكاة الجراد أخذه حيا و
ذكاة الجنين ذكاة أمه إن تمت خلقته بأن أشعر أو أوبر وخرج ميتا، وإن لم يتم خلقته فهو
حرام، ولو خرج حيا فلا بد من تذكيته، قيل: ولو خرج حيا وعاش بقدر ما لا
يتسع الزمان لتذكيته حل، وإن عاش ما يتسع الزمان لذبحه ثم مات قبل الذبح
حرم سواء تعذر ذبحه لتعذر الآلة أو لغيرها.
المطلب الثالث: الآلة:
ولا يصح التذكية إلا بالحديد، فإن تعذر وخيف فوت الذبيحة جاز بكل
ما يفري الأعضاء كالزجاجة والليطة والخشبة والمروة الحادة، وهل يصح بالظفر
والسن مع تعذر غيرهما؟ قيل: نعم، وقيل بالمنع وإن كانا منفصلين، ولا يجزئ
بغير الحديد مع إمكانه ولا مع تعذره إذا لم نخف فوت الذبيحة إلا مع الحاجة.
أما المثقل فيحرم ما مات به عمدا أو اضطرارا كما لو رمى في الصيد ببندقية
فمات أو رماه في البئر فانصدم أو اختنق بالأحبولة أو مات بالتغريق أو تحت الكلب
غما أو مات بسهم وبندقة أو انصدام بالأرض، وإن كان مع الجرح إلا أن يكون
274

الجرح قاتلا، ويستحب أن يكون السكين حادة.
المطلب الرابع: في الكيفية:
ويشترط لإباحة المذكي أمور ستة:
أ: قطع الأعضاء الأربعة أعني: المرئ وهو مجرى الطعام، والحلقوم وهو
مجرى النفس، والودجين وهما عرقان محيطان بالحلقوم، ولو قطع بعضها مع الإمكان
لم يحل، ويكفي في المنحور طعنه في ثغرة النحر وهي وهدة اللبة.
ب: قصد الذبح: فلو وقع السكين من يده فصادف حلق حيوان فذبحه لم
يحل.
ج: استقبال القبلة بالذبيحة مع الإمكان فإن أخل به عمدا اختيارا لم يحل،
ولو كان ناسيا أو جاهلا لموضع القبلة حل، ويسقط في المتردي والمرمي بالسهم
والصيد.
د: التسمية.
ه‍: اختصاص الإبل بالنحر وباقي الحيوانات بالذبح في الحلق تحت اللحيين،
فإن ذبح المنحور أو نحر المذبوح فمات حرم، ولو أدرك ذكاته فذكاه فإن كانت
حياته مستقرة حل وإلا فلا هذا في حال الاختيار، أما لو انفلت الطير أو غيره من
الإبل والبقر والغنم جاز رميه بالنشاب أو الرمح أو السيف، فإذا سقط أو أدرك
ذكاته ذبحه أو نحره وإلا حل.
و: الحركة بعد الذبح أو خروج الدم المعتدل، ولو خرج متثاقلا ولم يتحرك
حركة تدل على الحياة حرم ولا يجب اجتماعهما، وإذا علم بقاء الحياة بعد الذبح
فهو حلال وإن علم الموت قبله فهو حرام، وإن اشتبه الحال كالمشرف على الموت
اعتبر بخروج الدم المعتدل أو حركة تدل على استقرار الحياة، فإن حصل أحدهما حل
وإلا كان حراما. ونعني بما حياته مستقرة بما يمكن أن يعيش مثله اليوم أو الأيام،
275

وبغير المستقرة ما يقضى بموته عاجلا.
ويستحب في المذبوح من الغنم ربط يديه ورجل وإطلاق الأخرى والإمساك
على صوفه أو شعره حتى يبرد، وفي البقر عقل يديه ورجليه وإطلاق ذنبه، وفي
الإبل ربط أخفافه إلى آباطه وإطلاق رجليه، وفي الطير إرساله بعد الذبح
والإسراع بالذبح، ويكره أن ينخع الذبيحة وأن يقلب السكين فيذبح إلى فوق،
وقيل: يحرمان، وأن يذبح وحيوان آخر ينظر إليه.
الفصل الثاني: في اللواحق:
يكره سلخ الذبيحة قبل بردها أو قطع شئ من أعضائها وإبانة الرأس على
رأي، ووقت الأضحية ما بين طلوع الشمس إلى غروبها، ويكره الذبح ليلا إلا مع
الضرورة ويوم الجمعة قبل الزوال، ويستحب متابعة الذبح حتى يستوفى أعضاؤه
الأربع، فلو قطع البعض وأرسله ثم استأنف قطع الباقي، فإن كان بعد الأول حياته
مستقرة حل وإلا حرم على إشكال لاستناد إزهاق الروح إلى الذبح، ولو ذبح من القفاء
أو قطعت الرقبة وبقيت أعضاء الذبح، فإن أسرع في الذبح حتى انقطع الحلق قبل
أن ينتهي إلى حركة المذبوح حل، وإن بقيت حياته غير مستقرة حرم وكذا لو عقرها
السبع، ولو شرع في الذبح فانتزع آخر حشوته معا أو فعل ما لا يستقر معه الحياة
حرم.
وكل ما يتعذر ذبحه أو نحره من الحيوان إما لاستعصائه أو بحصوله في موضع
يتعذر الوصول إلى موضع التذكية وخيف فوته جاز عقره بالسيف وكل ما يجرح
وإن لم يصادف موضع الذكاة، وما يباع في أسواق المسلمين من الذبائح واللحوم
حلال لا يجب الفحص عنه.
وذكاة السمك اخراجه من الماء حيا ولا يشترط التسمية، ولو وثب فأخذه
حيا حل، ولو أدركه بنظره فالأقرب التحريم، ولا يشترط إسلام مخرجه، نعم
276

يشترط الإشراف عليه، فلو أخرجه مجوسي والمسلم ينظر إليه ومات في يده حل
للمسلم أخذه، ولا يحل له ما يجده في يده ميتا إلا أن يعلم أنه خرج من الماء حيا،
ويشترط أن يموت خارج الماء فلو أخرجه حيا ثم أعاده إلى الماء ومات فيه لم يحل
وإن كان ناشبا في الآلة، ولو نصب شبكة في الماء فمات فيها بعضه واشتبه بالحي
حرم الجميع على رأي، ويباح أكله حيا على رأي، ولو ضرب السمكة بآلة في الماء
فصير حياتها غير مستقرة ثم أخرجها فالأقرب التحريم.
وذكاة الجراد أخذه حيا، ولا يشترط الاسلام في أخذه ولا التسمية ولو أخذه
ميتا لم يحل، ولا يحل الدبى وهو الصغير منه إذا لم يستقل بالطيران فيحرم أكله لو
أخذه، ولو احترق الجراد في أجمة وغيرها قبل أخذه لم يحل وإن قصده المحرق.
المقصد الخامس: في الأطعمة والأشربة: وفيه فصلان:
الأول: حالة الاختيار: وفيه مطالب:
الأول: حيوان البحر:
ويحل منه السمك الذي له فلس خاصة سواء بقي عليه كالشبوط أو لا
كالكنعت، ويحرم ما لا فلس له كالجري، وفي المارماهي والزمار والزهو روايتان،
ولا بأس بالربيثاء والطمر والطبراني والإبلامي، ويحرم السلاحف والضفادع
والرقاق والسرطان وجميع حيوان البحر وإن كان جنسه حلالا في البر سوى
السمك، ولو وجدت سمكة في بطن أخرى حلت على رأي ومنشأ الخلاف عدم
اليقين بالشرط والاستصحاب، ولو وجدت في جوف حية قيل: حلت إن لم
يتسلخ، والوجه التحريم إلا أن يأخذها حية.
والطافي حرام وهو ما يموت في الماء سواء كان بسبب كسخونة الماء وضرب
277

العلق أو بغيره، وكذا ما يموت في الشبكة الموضوعة في الماء أو الحظيرة فيه، والجلال
حرام وهو ما يأكل العذرة إلا أن يستبرأ بجعله في ماء يوما وليلة ويطعم فيه علفا
طاهرا بالأصالة على إشكال، والبيض تابع فإن اشتبه بيض المحلل بالمحرم أكل
الخشن خاصة، ويجوز صيد السمك بالنجس كالدم والعذرة والميتة، ولو قذفه
البحر حيا أو نضب عنه حيا فأدرك ففي أكله إشكال أقربه اشتراط أخذه حيا ولو
ذبح حيوان البحر مثل كلبه وفرسه وغيرهما لم يحل.
المطلب الثاني: في حيوان البر:
وهو إما إنسي أو وحشي.
فالأول: يحل منه الإبل والبقر والغنم، ويكره الخيل والبغال والحمير
الأهلية وأدونها الخيل ثم الحمير، ويحرم ما عداها من الكلب والسنور وسائر
الحشرات كالحية والفأرة والعقرب والخنافس وبنات وردان والصراصر والجرذان
والقنفذ والضب واليربوع والذباب والقمل والنمل والبراغيث والوبر والفنك
والسمور والسنجاب والعظاءة واللحكة.
والثاني: يحل منه البقر والكباش الجبلية والغزلان واليحامير والحمر، ويحرم
السباع كافة وهي ما كان له ظفر أو ناب يفرس به وإن كان ضعيفا كالأسد
والنمر والفهد والذئب والثعلب والضبع وابن آوى، وكذا يحرم الأرنب والضب
وابن عرس والخنزير والسنور الوحشي.
ويحرم منه كل ذي مخلب سواء قوي به على الطائر كالبازي والصقر
والعقاب والشاهين والباشق أو ضعيف كالنسر والرخمة والبغاث، وأما الغراب
فيحرم منه الأسود الكبير الذي يسكن الجبال ويأكل الجيف والأبقع، وأما الزاع
المطلب الثالث: في الطير:
278

وهو غراب الزرع والغداف وهو أصغر منه أغبر اللون كالرماد ففي تحريمهما خلاف،
ويحرم كل ما كان صفيفه أكثر من دفيفه، ولو تساويا أو كان الدفيف أكثر لم
يحرم، ويحرم ما ليس له قانصة ولا حوصلة ولا صيصية ويحل ما له أحدها إذا لم
ينص على تحريمه، ويحرم أيضا الخشاف والطاووس والزنابير والبق وبيض ما يحرم
أكله لا ما يحل، ولو اشتبه حرم ما اتفق طرفاه دون ما اختلفا.
ويكره الهدهد والخطاف على رأي والفاختة والقنبرة والحبارى، وأغلظ منه
كراهية الصرد والصوام والشقراق، ولا بأس بالحمام كله كالقماري والدباسي
والورشان، وكذا لا بأس بالحجل والدراج والقبج والقطاة والطيهوج والكروان
والصعو والكركي والدجاج والعصافير، ويعتبر في طير الماء ما يعتبر في المجهول من
مساواة الدفيف أو غلبته أو حصول أحد الثلاثة، أما القانصة أو الحوصلة أو
الصيصية فيؤكل ما يوجد فيه أحدها وإن كان ما يأكل السمك.
فائدة: المحلل من الحيوان قد يعرض له التحريم من وجوه:
أ: الجلل وهو أن يغتذي عذرة الانسان لا غير، فيحرم على الأشهر إلى أن
يستبرأ بأن يقطع عنه ذلك ويربط ويطعم علفا طاهرا مدة ما قدره الشارع وهو، في
الناقة أربعون يوما وفي البقرة عشرون يوما على رأي وفي الشاة عشرة والبطة
وشبهها خمسة أيام والدجاجة وشبهها ثلاثة، وليس في غيرها موظف فيستبرأ بما
يزيل حكم الجلل، ولا يكره الزرع وإن كثر الزبل تحت أصله.
ب: وطء الانسان فيحرم هو ونسله بذلك، والأقرب اختصاص هذا الحكم
بذوات الأربع دون الطيور، ولو اشتبه الموطوء قسم القطيع قسمين وهكذا إلى أن
تبقى واحدة.
ج: أن يشرب شئ من الدواب لبن خنزيرة حتى يشتد فيحرم هو ونسله،
ولو لم يشتد كره لحمه واستحب استبراؤه بسبعة أيام، ولو شرب خمرا لم يحرم لحمه
279

بل يغسل ويؤكل ولا يؤكل ما في جوفه، ولو شرب بولا نجسا لم يحرم ويغسل ما في
بطنه ويؤكل.
د: المجثمة حرام وهي التي تجعل غرضا وترمى بالنشاب حتى تموت،
والمصبورة أيضا وهي التي تجرح وتحبس حتى تموت.
المطلب الرابع: الجامدات:
وقد تقدم ذكر بعضها في كتاب التجارة، ولنذكر هنا أنواعا خمسة:
الأول: الميتة، ويحرم أكلها واستعمالها إلا ما لا تحله الحياة مثل الصوف
والشعر والوبر والريش والقرن والظلف والعظم والسن والبيض إذا كسى
القشر الأعلى والأنفحة، ولا يحل اللبن على رأي، ولو قطع الشعر والريش غسل
موضع الاتصال، ولو امتزج الذكي بالميت اجتنبا، وقيل: يباع ممن يستحل الميتة
وتحمل على قصد بيع الذكي خاصة، وكل قطعة أبينت من حي فهي ميتة يحرم
أكلها صغيرة كانت أو كبيرة، ولو كانت ألية الغنم لم يجز الاستصباح بها تحت
السماء بخلاف الدهن النجس، ولا يجوز أكل الأطعمة التي فيها دود كالفواكه
والقثاء والمسوس من الثمار إلا بعد إزالة الدود عنه ويكفي الظن.
الثاني: يحرم من الذبيحة الدم والفرث والطحال والقضيب والأنثيان
والمثانة والمرارة والمشيمة والفرج ظاهره وباطنه، والنخاع والعلباء والغدد
وذوات الأشاجع والحدق وخرزة الدماغ، ويكره الكلى وأذنا القلب والعروق،
ولو شوى الطحال واللحم فوقه أو لم يكن مثقوبا وإن كان تحته لم يحرم، ولو كان
مثقوبا واللحم تحته حرم، ولا يحرم من الذبيحة سوى ما ذكرناه من عظم وغيره.
الثالث: الأعيان النجسة كالعذرة مما لا يؤكل لحمه وكل طعام نجس بملاقاة
خمر أو بول وشبهه من النجاسات أو مباشرة كافر، ولو قبل التطهير حل أكله بعد
غسله، ويحرم أكل العذرة من مأكول اللحم أيضا وإن كانت طاهرة لاستخباثها.
280

الرابع: الطين ويحرم قليله وكثيره عدا تربة الحسين ع فإنه يجوز
الاستشفاء باليسير منه ولا يتجاوز قدر الحمصة، ولو اضطر إليه للتداوي كالأرمني
فالوجه الجواز.
الخامس: السموم القاتل كثيرها وقليلها، ولا بأس باليسير مما لا يقتل قليله
كالأفيون والسقمونيا وشحم الحنظل والشوكران إذا مزج بغيره من الحوائج ولا
يجوز الإكثار منه كالمثقال، وبالجملة ما يخاف معه الضرر.
المطلب الخامس: المائعات:
ويحرم منها خمسة:
أ: لبن ما يحرم أكله كالذئبة والهرة واللبوة والمرأة إلا للصبي ويكره لبن
مكروه اللحم كالأتن مائعة وجامده.
ب: البول سواء كان نجسا كبول ما لا يؤكل لحمه سواء كان الحيوان نجسا
كالكلب والخنزير، أو طاهرا كالذئب والقرد، أو طاهرا كبول ما يؤكل لحمه
للاستخباث، نعم يجوز للاستشفاء بشرب بول الإبل وشبهه.
ج: الدم المسفوح حرام نجس وإن كان الحيوان مأكول اللحم، وكذا
ما ليس بمسفوح من الحيوان المحرم كدم الضفادع والقراد وإن لم يكن نجسا
لاستخباثه، أما ما لا يدفعه الحيوان المأكول إذا ذبح مما يبقى في اللحم فإنه طاهر
حلال، ولو وقع قليل من الدم النجس في قدر تغلي على النار وجب غسل اللحم
والتوابل وأكل، والمرق نجس على رأي.
د: الخمر وسائر المسكرات المائعة نجسة على أصح القولين سواء كانت نبيذا أو
بتعا أو فضيخا أو نقيعا أو مزرا، والفقاع كالخمر بالإجماع في جميع الأحكام إلا في
اعتقاد إباحته وإباحة بيعه فإنه لا يقتل معتقده، والعصير إذا غلا حرام نجس سواء
غلا من قبل نفسه أو بالنار ولا يحل حتى يذهب ثلثاه أو يصير خلا، وكذا الخمر
281

يطهر بانقلابه من نفسه أو بعلاج ما لم يمازجه نجس، ولا فرق بين أن يكون ما يعالج
به باقيا أو مستهلكا وإن كان العلاج مكروها.
ه‍: كل ما لاقاه نجس وكان أحدهما رطبا فإنه يحرم قبل غسله إن قبل التطهير
وإلا حرم مطلقا، ولو وقعت النجاسة في جامد كالدبس والسمن والعسل مع
جمادها وعدم سريان النجاسة في أجزائها ألقيت النجاسة وما يكتنفها وحل الباقي،
ولو كان مائعا نجس وجاز الاستصباح به إن كان دهنا تحت السماء لا تحت
الظلال، والأقرب أنه تعبد لا نجاسة دخانه فإن دخان الأعيان النجسة طاهر،
وكل ما أحالته النار إلى الرماد أو الدخان من الأعيان النجسة فإنه يطهر بالإحالة،
ويحل بيع الأدهان النجسة لفائدة الاستصباح تحت السماء ويجب إعلام المشتري،
وكذا كل الأعيان النجسة القابلة للتطهير.
وكل ما مات فيه حيوان له نفس سائلة سواء كان مأكول اللحم أو لا من
المائعات فإنه ينجس بموته فيه دون ما لا نفس له سائلة كالذباب وكل ما باشره
كافر من المائعات والأجسام الرطبة واليابسة إذا كان هو رطبا نجس، ولا يجوز
استعمال أوانيهم التي باشروها برطوبة، وروي أنه يأمر المجوسي إذا أراد مؤاكلته
بغسل يده، وهي محمولة على الأجسام الجامدة أو مع اختلاف الأواني، ولو وقعت
نجاسة في قدر تغلي ألقي المرق وغسل اللحم والتوابل وأكل، ولو عجن بالماء
النجس لم يطهر بخبزه، ويكره أكل ما باشره الجنب والحائض إذا كانا غير
مأمونين، وما يعالجه من لا يتوقى من النجاسات.
تتمة: لو ألقى الخمر في الخل حتى استهلكها الخل أو بالعكس لم يطهر وكان الخل
نجسا سواء انقلب الباقي من الخمر خلا أو لا، وبصاق شارب الخمر وغيره من
النجاسات طاهر ما لم يتلون بالنجاسة، وكذا مع المكتحل بالنجس ما لم يتلوث به،
ومع الجهل بالتلوث فهو طاهر، ويكره الإسلاف في العصير، وأن يؤمن على طبخه
282

من يستحل شربه قبل ذهاب ثلثيه إذا كان مسلما، وقيل: بالمنع وهو أجود، ويكره
الاستشفاء بمياه الجبال الحارة، وسقى الدواب المسكر، ولا يحرم شئ من الربوبات
والأشربة وإن شم منها رائحة المسكر كرب الأترج والرمان والتفاح والسكنجبين
لأنه لا يسكر كثيره.
وكل مسكر حرام سواء كان جامدا أو مائعا كالحشيشة وما يتخذ من الحنطة
وغيرها، ولا ينجس منها سوى المائع، وأواني الخمر يطهر بالغسل ثلاثا بعد زوال
العين وإن كانت من خشب أو قرع أو خزف غير مغضور على رأي، ويحرم استعمال شعر
الخنزير فإن اضطر استعمال ما لا دسم فيه وغسل يده، ويجوز الاستقاء بجلد الميتة
لغير الطهارة وتركه أفضل، ولو كان يسع كرا فأملأه من الفرات جاز استعمال
ما فيه، ولو كان أقل كان نجسا، ولو وجد لحم مطروح لا يعلم ذكاته اجتنب،
وقيل: يطرح في النار فإن انقبض فذكي وإن انبسط فميت.
والذمي إذا باع الخمر أو الخنزير على مثله ثم أسلم قبل قبض ثمنه كان له
قبضه، وكذا يجوز للمسلم قبضه من دينه عليه، ولا يجوز أن يأكل الانسان من مال
غيره إلا باذنه، وقد رخص في الأكل من بيت من تضمنته الآية إن لم يعلم
كراهيته ولا يحمل منه شيئا، وروي إباحة ما يمر به الانسان من الشجر والزرع
والنخل إذا لم يقصده ولم يفسده ولا يأخذ منه شيئا.
الفصل الثاني: في حالة الاضطرار: ومطالبه ثلاثة:
الأول: المضطر:
وهو كل من يخاف التلف على نفسه لو لم يتناول أو المرض أو الضعف المؤدي
إلى التخلف عن الرفقة مع ظهور العطب أو ضعف الركوب المؤدي إلى خوف
التلف، ولو خاف طول المرض أو عسر علاجه فالأقرب أنه مضطر وسواء كان
المضطر حاضرا أو مسافرا، ولا يترخص الباغي وهو الخارج على الإمام العادل،
283

وقيل: الذي يبغي الميتة، ولا العادي وهو قاطع الطريق، وقيل: الذي يعدو
شبعه، وهل يترخص العاصي بسفره كالآبق والظالم وطالب الصيد لهوا وبطرا؟
إشكال.
وكل مضطر يباح له جميع المحرمات المزيلة لتلك الضرورة، ولا يختص نوعا
منها إلا ما سنذكره، وهل للمضطر التزود من الميتة؟ الأقرب ذلك، فإن لقيه مضطر
آخر لم يجز له بيعها عليه إذ لا ضرورة في البيع، ويجب دفعها إليه بغير عوض إذا لم
يكن هو مضطرا في الحال.
المطلب الثاني: في قدر المستباح:
وهو لسد الرمق، والتجاوز حرام سواء بلغ الشبع أو لا، ولو اضطر إلى الشبع
للالتحاق بالرفقة وجب، ولو كان يتوقع مباحا قبل رجوع الضرورة تعين سد الرمق
وحرم الشبع، ويجب التناول للحفظ فلو طلب التنزه وهو يخاف التلف لم يجز،
وإذا جاز التناول وجب حفظا للنفس.
المطلب الثالث: في جنس المستباح:
كل ما لا يؤدى إلى قتل معصوم حل كالخمر لإزالة العطش، وقيل: يحرم،
وأما التداوي به فحرام ما لم يخف التلف ويعلم بالعادة الصلاح ففيه حينئذ
إشكال، وكذا باقي المسكرات وكل ما مازجها كالترياق وشبهه أكلا وشربا،
ويجوز عند الضرورة أن يتداوى به العين، ولو اضطر إلى خمر وبول تناول البول،
ولو وجد المضطر ميتة ما لا يؤكل لحمه وما يؤكل أكل ما يؤكل لحمه، ولو وجد
ميتة ما يؤكل لحمه وما لا يؤكل لحمه حيا ذبح ما لا يؤكل لحمه فهو أو لي من
الميتة، وكذا مذبوح الكافر أو لي من الميتة، ولو لم يجد إلا الآدمي ميتا تناول منه،
ولو كان حيا محقون الدم لم يحل ولو كان مباح الدم جاز قتله والتناول منه وإن
284

كان حيا.
ولا فرق بين المرتد والكافر الأصلي والمرأة الحربية والصبي الحربي والزاني
المحصن لكن المرتد الأصلي أو لي من المرأة والصبي والزاني، ولو اضطر إلى الذمي
والمعاهد فإشكال، ولا يحل العبد ولا الولد. ولو لم يجد سوى نفسه، قيل: جاز أن
يأكل من مواضع اللحمة كالفخذ، وفيه إشكال ينشأ من أنه دفع الضرر بمثله
بخلاف قطع الأكلة لأنه قطع سراية وهنا إحداث لها، وليس له أن يقطع من فخذ
غيره.
ولو وجد طعام الغير، فإن كان صاحبه مضطرا فهو أولى ولو كان يخاف
الاضطرار فالمضطر أو لي، فإن لم يكن معه ثمن وجب على المالك بذله فإن منعه
غصبه، فإن دفعه جاز له قتل المالك في الدفع، قيل: ولا يجب عليه دفع العوض
لوجوب بذله على مالكه، ولو كان الثمن موجودا لم يجز قهر مالكه عليه إذا طلب
ثمن مثله بل يجب دفعه، ولو طلب زيادة، قيل: لا يجب بذلها، والأقرب الوجوب
إذ القدرة رافعة للضرورة، ولو اشتراه بأزيد من الثمن كراهية لإراقة الدم، قيل: لا
يجب إلا ثمن المثل.
ولو وجد ميتة وطعام الغير، فإن بذله بغير عوض أو بعوض هو قادر عليه لم يحل
الميتة، ولو كان صاحبه غائبا أو حاضرا مانعا عن بذله قويا على دفعه أكل الميتة،
ولو تمكن المضطر من دفع صاحب الطعام لضعفه، قيل: أكله وضمنه ولا تحل له
الميتة، وكذا لو وجد المحرم الصيد والميتة، قيل: أكل الميتة إن لم يقدر على الفداء،
أما لو وجد لحم الصيد كان أولى من الميتة لأن تحريمه خاص، ويحل له الشبع
حينئذ.
كلام في الآداب:
يستحب غسل اليد قبل الطعام وبعده ومسحها بالمنديل والتسمية عند الشروع
285

في كل لون بانفراده، ولو قال: بسم الله على أوله وآخره، كفاه عن الجميع، ولو
سمى واحد من الجماعة كفى عن الباقين، وحمد الله تعالى عند الفراع، والأكل
والشرب باليمين اختيارا، وبدأة صاحب الطعام بالأكل، وأن يكون آخرهم فيه،
وأن يبدأ في غسل الأيدي بمن على يمينه ثم يدور عليهم إلى الآخر، وأن يجمع غسالة
الأيدي في إناء واحد، وأن يستلقي بعد الأكل على قفاه ويضع رجله اليمنى على
اليسرى.
ويحرم الأكل على مائدة يشرب عليها شئ من المسكرات أو الفقاع، والأقرب
التعدية إلى الاجتماع للفساد واللهو والقمار، وينبغي أن يقعد حال الأكل على
رجله، ويكره الاتكاء وكثرة الأكل وربما حرم مع الضرر، والأكل على الشبع
والأكل والشرب باليسار اختيارا، ولا بأس بالأكل والشرب ماشيا واجتنابه
أفضل، ويكره الشرب بنفس واحد وينبغي أن يكون بثلاثة أنفاس، وإذا حضر
الطعام والصلاة فالبدأة بالصلاة أفضل، ولو تضيق الوقت وجب البدأة بالصلاة،
ولو كان هناك من ينتظره فالبدأة بالطعام في أول الوقت أو لي.
286

اللمعة الدمشقية
للشيخ أبي عبد الله شمس الدين محمد بن الشيخ جمال الدين مكي بن الشيخ شمس الدين
محمد بن حامد بن أحمد المطلبي العاملي النباطي الجزيني المشتهر بالشهيد الأول
734 - 786 ه‍ ق
287

46 كتاب الصيد والذبائح وفيه فصول:
الأول:
يجوز الاصطياد بجميع آلاته، ولا يؤكل منها ما لم يذك في الأصل إلا ما قتله
الكلب المعلم بحيث يسترسل إذا أرسله وينزجر إذا زجره ولا يعتاد أكل ما يمسكه،
ويتحقق ذلك بالتكرار على هذه الصفات، ولو أكل نادرا أو لم يسترسل نادرا لم يقدح،
وتجب التسمية عند إرساله وأن يكون المرسل مسلما أو بحكمه
وأن يرسله للاصطياد، وأن لا يغيب الصيد وحياته مستقرة.
ويؤكل أيضا ما قتله السيف والرمح والسهم وكلما فيه نصل والمعراض إذا خرق
اللحم كل ذلك مع التسمية والقصد والإسلام، ولو اشترك فيه آلتا مسلم وكافر لم يحل
إلا أن يعلم أن جرح المسلم أو كلبه هو القاتل، ويحرم الاصطياد بالآلة المغصوبة ولا يحرم
الصيد وعليه أجرة الآلة.
ويجب عليه غسل موضع العضة، ولو أدرك ذو السهم أو الكلب الصيد وحياته
مستقرة ذكاه وإلا حرم إن اتسع الزمان لذبحه.
الفصل الثاني: في الذباحة:
ويشترط في الذابح الاسلام أو حكمه. ولا يشترط الإيمان إذا لم يكن النصب،
ويحل ما يذبحه المسلم والخصي والصبي المميز والجنب والحائض.
289

والواجب في الذبيحة أمور سبعة:
آ: أن يكون بالحديد فإن خيف فوت الذبيحة وتعذر الحديد جاز بما يفري الأعضاء
من ليطة أو مروة حادة أو زجاجة وفي السن والظفر للضرورة قول بالجواز.
ب: استقبال القبلة مع الإمكان ولو تركها ناسيا فلا بأس.
ج: التسمية وهو أن يذكر الله تعالى فلو تركها ناسيا حل.
د: اختصاص الإبل بالنحر وما عداها بالذبح فلو عكس حرم.
ه‍: قطع الأعضاء الأربعة وهي: المرئ وهو مجرى الطعام، والحلقوم وهو النفس،
والودجان وهما عرقان يكتنفان الحلقوم. ويكتفى في المنحور طعنه في وهدة اللبة.
و: الحركة بعد الذبح أو خروج الدم المعتدل ولو علم عدم استقرار الحياة حرم.
ز: متابعة الذبح حتى يستوفى ولا تضر التفرقة اليسيرة ويستحب نحر الإبل قد ربطت
أخفافها إلى آباطها وأطلقت أرجلها، والبقر يعقل يداه ورجلاه ويطلق ذنبه، والغنم تربط
يداه ورجل واحد ويمسك صوفه وشعره ووبره حتى يبرد، والطير يرسل.
ويكره أن تنخع الذبيحة وأن يقلب السكين فيذبح إلى فوق والسلخ قبل البرد، وإبانة
الرأس عمدا، وقيل: بالتحريم. وإنما تقع الذكاة على حيوان طاهر العين غير آدمي ولا
حشار ولا يقع على الكلب والخنزير ولا على الآدمي وإن كان كافرا ولا على الحشرات
وقيل: يقع، والظاهر وقوعها على المسوخ والسباع.
الفصل الثالث:
في اللواحق:
وفيه مسائل:
ذكاة السمك اخراجه من الماء حيا، ولو وثب فأخرجه حيا أو صار خارج الماء
فأخذه حيا حل، ولا يكفي نظره ولا يشترط في مخرجه الاسلام لكن يشترط حضور مسلم
عنده في حل أكله ويجوز أكله حيا، ولو اشتبه الميت بالحي في الشبكة أو غيرها حرم
الجميع.
290

الثانية: ذكاة الجراد أخذه ولو كان الآخذ كافرا إذا استقل بالطيران فلو أحرقه قبل
أخذه حرم ولا يحل الدبى.
الثالثة: ذكاة الجنين ذكاة أمه إذا تمت خلقته سواء ولجته الروح أو لا أو أخرج ميتا
أو أخرج حيا غير مستقر الحياة، ولو كانت مستقرة ذكي.
الرابعة: ما يثبت في آلة الصائد يملكه ولو انفلت بعد ولا يملك ما عشش في داره أو وقع
في موحلته أو وثب إلى سفينته، ولو أمكن الصيد التحامل عدوا أو طيرانا بحيث لا
يدركه إلا بسرعة شديدة فهو باق على الإباحة.
الخامسة: لا يملك الصيد المقصوص أو ما عليه أثر الملك.
291

كتاب الأطعمة والأشربة
إنما يحل من حيوان البحر سمك له فلس وإن زال عنه كالكنعت ولا يحل الجري
والمارماهي والزهو على قول، ولا السلحفاة والضفدع والسرطان، ولا الجلال من السمك
حتى يستبرأ بأن يطعم علقا طاهرا في الماء يوما وليلة، والبيض تابع ولو اشتبه أكل
الخشن دون الأملس.
ويؤكل من حيوان البر الأنعام الثلاثة وبقر الوحش وحماره وكبش الجبل والظبي
واليحمور.
ويكره الخيل والبغال والحمر الأهلية وآكدها البغل ثم الحمار، وقيل: بالعكس.
ويحرم الكلب والخنزير والسنور وإن كان وحشيا والأسد والنمر والفهد والثعلب
والأرنب والضبع وابن آوى والضب والحشرات كلها: كالحية والفأرة والعقرب
والخنافس والصراصر وبنات وردان والبراغيث والقمل واليربوع والقنفذ والوبر والخز
والفنك والسمور والسنجاب والعظاءة واللحكة.
ومن الطير ما له مخلب كالبازي والعقاب والسقر والشاهين والنسر والرخم والبغاث
والغراب الكبير والأبقع، ويحل غراب الزرع في المشهور والغداف وهو أصغر منه إلى
الغبرة ما هو.
ويحرم ما كان صفيفه أكثر من دفيفه دون ما انعكس أو تساويا فيه، ويحرم ما ليس
له قانصة ولا حوصلة ولا صيصية والخفافش والطاووس، ويكره الهدهد والخطاف أشد
كراهية، ويكره الفاختة والقبرة والحبارى أشد كراهية والصرد والصوام والشقراق.
292

ويحل الحمام كله كالقماري والدباسي والورشان، ويحل الحجل والدراج والقطاة
والطيهوج والدجاج والكروان والكركي والصعو والعصفور الأهلي ويعتبر في طير الماء ما
يعتبر في البري من الصفيف والدفيف والقانصة والحوصلة والصيصية والبيض تابع في
الحل والحرمة.
وتحرم الزنابير، والبق والذباب، والمجثمة وهي التي تجعل غرضا وترمى بالنشاب
حتى تموت، والمصبورة وهي التي تجرح وتحبس حتى تموت، والجلال وهو الذي يغتذي
عذرة الانسان محضا حرام حتى يستبرأ على الأقوى وقيل: يكره. فتستبرأ الناقة بأربعين
يوما، والبقرة بعشرين، والشاة بعشرة بأن تربط وتطعم علفا طاهرا، وتستبرأ البطة
ونحوها بخمسة، والدجاجة وشبهها بثلاثة، وما عدا ذلك تستبرأ بما يغلب على الظن.
ولو شرب المحلل لبن خنزير واشتد حرم نسله وإن لم يشتد كره ويستحب استبراؤه
بسبعة أيام، ويحرم موطوء الانسان ونسله ولو اشتبه قسم وأقرع حتى تبقى واحدة، ولو
شرب المحلل خمرا لم يؤكل ما في جوفه ويجب غسل باقيه ولو شرب بولا غسل ما في بطنه
وأكل.
وهنا مسائل:
الأولى:
تحرم الميتة إجماعا ويحل منها الصوف والشعر والوبر والريش فإن قلع غسل أصله،
والقرن والظلف والسن، والبيض إذا اكتسى القشر الأعلى، والأنفحة واللبن على قول
مشهور ولو اختلط الذكي بالميت اجتنب الجميع، وما أبين من حي يحرم أكله واستعماله
كأليات الغنم ولا يجوز الاستصباح بها تحت السماء.
الثانية: تحرم من الذبيحة خمسة عشر: الدم والطحال والقضيب والأنثيان والفرث
والمثانة والمرارة والمشيمة والفرج والعلباء والنخاع والغدد وذات الأشاجع وخرزة الدماغ
والحدق. ويكره الكلأ وأذنا القلب والعروق ولو ثقب الطحال مع اللحم وشوى حرم ما
تحته ولو لم يكن مثقوبا لم يحرم.
الثالثة: تحرم الأعيان النجسة كالخمر والنبيذ والمسكر والبتع والفضيخ والنقيع والمزر
293

والجعة والعصير العنبي إذا غلا حتى يذهب ثلثاه أو ينقلب خلا، ولا يحرم من الزبيب
وإن غلا على الأقوى، ويحرم الفقاع وإن قل، والعذرات والأبوال النجسة، وكذا ما يقع
فيه هذه من المائعات أو الجامدات إلا بعد الطهارة وكذا مباشرة الكفار.
الرابعة: يحرم الطين إلا طين قبر الحسين ع فيجوز الاستشفاء بقدر الحمصة
فما دون وكذا الأرمني.
الخامسة: يحرم السم كله ولو كان كثيره يقتل حرم دون قليله.
السادسة: يحرم الدم المسفوح وغيره كدم القراد وإن لم يكن نجسا أما ما يتخلف في
اللحم فطاهر من المذبوح.
السابعة: الظاهر أن المائعات النجسة غير الماء لا تطهر ما دامت كذلك وتلقى
النجاسة وما يكتنفها من الجامد.
الثامنة: تحرم ألبان الحيوان المحرم لحمه ويكره لبن المكروه لحمه كالأتن.
التاسعة: المشهور استبراء اللحم المجهول ذكاته بانقباضه بالنار فيكون مذكى وإلا
فميتة.
العاشرة: لا يجوز استعمال شعر الخنزير فإن اضطر استعمل ما لا دسم فيه وغسل يده.
الحادية عشرة: لا يجوز الأكل من مال غيره إلا من بيوت من تضمنت الآية إلا مع
علم الكراهية.
الثانية عشرة: إذا انقلب الخمر خلا حل سواء كان بعلاج أو من قبل نفسه.
الثالثة عشرة: لا يحرم شرب الربوبات وإن شم منها ريح المسكر كرب التفاح وشبهه
لعدم إسكاره وإصالة حله.
الرابعة عشرة: يجوز عند الاضطرار تناول المحرم عند خوف التلف أو المرض أو الضعف
المؤدي إلى التخلف عن الرفقة مع ظهور إمارة العطب، ولا يرخص الباغي وهو الخارج
على الإمام وقيل: الذي يبغي الميتة. ولا العادي وهو قاطع الطريق وقيل: الذي يعدو
شبعه. وإنما يجوز ما يحفظ الرمق، فلو وجد ميتة وطعام الغير فطعام الغير أولى إن بذله بغير
294

عوض أو بعوض هو قادر عليه وإلا أكل الميتة.
الخامسة عشرة: يستحب غسل الأيدي قبل الطعام وبعده ومسحها بالمنديل في الغسل
الثاني لا الأول والتسمية عند الشروع وعلى كل لون، ولو نسيها تداركها في الأثناء، ولو
قال: بسم الله على أوله وآخره أجزأ. ويستحب الأكل باليمين اختيارا وبدأة صاحب
الطعام وأن يكون آخر من يأكل ويبدأ في الغسل بمن على يمينه ويجمع غسالة الأيدي في
إناء واحد وأن يستلقي بعد الأكل ويجعل رجله اليمنى على رجله اليسرى، ويكره الأكل
متكئا ولو على كفه وروي: عدم كراهية الاتكاء على اليد. والتملي من المأكل وربما
كان الإفراط حراما، والأكل على الشبع وباليسار مكروهان، ويحرم الأكل على مائدة
يشرب عليها شئ من المسكرات أو الفقاع وباقي المحرمات يمكن إلحاقها بها.
295