الكتاب: الينابيع الفقهية
المؤلف: علي أصغر مرواريد
الجزء: ٣٥
الوفاة: معاصر
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤١٣ - ١٩٩٣ م
المطبعة:
الناشر: مؤسسة فقه الشيعة - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: أشرف على جمع أصولها الخطية وترتيبها حسب التسلسل الزمني وعلى تحقيقها وإخراجها وعمل قواميسها علي أصغر مرواريد

الينابيع الفقهية 2
المتاجر
تعريف الكتاب 1

حقوق الطبع محفوظة للمؤلف
الطبعة الأولى
1413 ه‍ - 1993 م
مؤسسة فقه الشيعة
بيروت - لبنان
حارة حريك - شارع دكاش - بناية كليوباترا
ص. ب 209 / 25 - تلفون: 836763 - فاكس 04625848 - 357
تعريف الكتاب 2

سلسلة الينابيع الفقهية 2
المتاجر
أشرف على جمع أصولها الخطية وترتيبها حسب التسلسل
الزمني وعلى تحقيقها واخراجها وعمل قواميسها
علي أصغر مرواريد
تعريف الكتاب 3

الفهرست الإجمالي للمتون
الإشراف - الإقتصاد
الخلافة - المبسوط
نزهة الناظر - تبصرة المتعلمين
إرشاد الأذهان - تلخيص المرام
الرسالة الفخرية - الدروس الشرعية
البيان - الألفية
النفلية - المحرر
الموجز الحاوي - مسائل ابن طي
تعريف الكتاب 4

التعريف
سلسلة الينابيع الفقهية
موسوعة فقهية متكاملة جمعت بين دفتيها أهم المتون الفقهية
الأصلية بتحقيق رائع وتنقيح أكاديمي، ومن أحدث المناهج
العلمية لفن التحقيق.
تعني الموسوعة بالتقسيم الموضوعي للأبواب الفقه الإسلامي -
كافة أبوابه - وبذلك تهئ للباحث والمحقق والأستاذ أسهل
الطرق لاستنباط ما يحتاجه، واستخلاص ما يبتغيه، بعيدا
عن عناء الاستقصاء والبحث.
تميزت هذه الدورة الكبرى باعتمادها الأصول الخطية
الأصلية لكل المتون الفقهية بمثابة الأصول الأساسية لتحقيق
النصوص التي بقيت لفترة ليست بالقصيرة أسيرة الطبعات السقيمة.
بالإضافة إلى احتوائها النصوص التي تطبع لأول مرة، موزعة
حسب الأبواب الفقهية.
تفيد المتخصصين بدراسة الفقه المقارن واختلاف الفتاوى
على مدى عشرة قرون.
مقدمة المشرف 5

إهداء وشكر...
إلى...
كل انسان يؤمن بأن الشريعة السمحاء أساس جميع القوانين في العالم...
والى...
الذين يهتمون بشؤون المجمعات البشرية وشيعون إلى اصطلاحها عن طريق
القسم الإسلامية.
والى...
كل الذين يعشقون الفقه الإسلامي باعتبار أفضل السبل وأنجح القوانين
المستمدة من أصول القرآن للوصل إلى الكمال الإنسان من الجوانب
المادية والروحية...
أقدم هذا الجهد المتواضع...
ولا يسعني - في غمرة سعادتي وسروري وأنا أرى سلسلة الينابيع
الفقهية هذه قد عانقت النور - إلا أن أتقدم بجزيل شكري وعظيم
امتناني لكل الذين ساهموا من قريب أو بعيد بإيجاز هذا العمل الجليل
من العلماء والفضلاء الذين قدموا لنا مساعدتهم ومشورتهم الخالصة،
ومن الأخوة العاملين والمحققين معنا... داعيا الله لهم جميعا التوفيق
والسداد وأن يجزل لهم الثواب وحسن العاقبة...
إنه سميع مجيب. علي أصغر مرواريد
مقدمة المشرف 6

بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المشرف 8

الخلاف
تأليف شيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (قدس سره) 385 - 460 ه‍. ق
1

كتاب البيوع
بسم الله الرحمن الرحيم
مسألة 1: بيع خيار الرؤية صحيح، وصورته أن يقول: بعتك هذا الثوب
الذي في كمي، أو في الصندوق، فيذكر جنسه وصفته، وبه قال ممالك، وهو
أحد قولي الشافعي. قال في القديم، وفي الحديث في الصرف يصح.
وقال في الأم والبويطي: لا يصح.
والمسألة على قولين، والذي يختارونه أنه لا يصح.
وقال أبو حنيفة: يصح ذلك وإن لم يذكر الجنس، مثل أن يقول: بعتك ما
في كمي، أو في صندوقي، أو ما في الجراب، أو الذي في البصرة وما أشبه ذلك.
فلا يفتقر عنده إلى ذكر الجنس، وإنما يفتقر إلى تعيين المبيع من غيره.
دليلنا: قوله تعالى: وأحل الله البيع وحرم الربا، فأباح ما يتناوله اسم
البيع، وهذا بيع.
وأيضا روي عنهم عليه السلام أنهم سئلوا عن بيع الجرب الهروية فقالوا: لا
بأس به إذا كان لها برنامج، فإن وجدها كما ذكرت وإلا ردها.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: من اشترى شيئا لم يره فهو
3

بالخيار إذا رآه.
مسألة 2: إذا ثبت هذا العقد، فمتى رأى المشتري المبيع، لم يثبت له الخيار
إلا أن يجده بخلاف الجنس، أو الصفة، وأما إذا وجده كما عين ووصف فليس له
الخيار.
وقال الشافعي - على قوله أنه يصح - أن له الخيار على كل حال.
دليلنا: أن جواز الخيار في ذلك يحتاج إلى دليل، والعقد قد صح، فمن
أبطله، أو أجاز الخيار مطلقا، فعليه الدلالة.
مسألة 3: إذا باع شيئا على أن يسلمه بعد شهر، صح العقد.
وقال الشافعي: لا يصح.
دليلنا: الآية، والمنع من ذلك يحتاج إلى دليل.
مسألة 4: إذا اشترى شيئا لم يره حال العقد، وكان قد رآه قبل العقد، صح الشراء
وهو مذهب الشافعي، وبه قال جميع الفقهاء.
وقال الأنماطي من أصحاب الشافعي: لا يصح حتى يشاهد المبيع حال
العقد.
دليلنا: قوله تعالى: وأحل الله البيع، وهذا بيع، والمنع يحتاج إلى دليل.
وأيضا الأصل الإباحة.
مسألة 5: إذا اشترى شيئا كان رآه قبل العقد، ولم يره في حال العقد مما
يجوز أن يتلف ولا يتلف، صح بيعه. فإذا وجده كما اشتراه مضى، وإن خالفه
كان بالخيار بين إمضاء البيع وفسخه. وبه قال أصحاب الشافعي.
وفيهم من قال: لا يصح البيع.
4

دليلنا: الآية، والأصل الإباحة، والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 6: البيع ينعقد بوجود الإيجاب من البائع، والقبول من المشتري،
لكنه لا يلزم المتبايعين بنفس العقد، بل يثبت لهما، ولكل واحد منهما خيار
الفسخ ما داما في المجلس، إلى أن يتفرقا أو يتراضيا بالتبايع في المجلس.
وروي هذا في الصحابة عن علي عليه السلام، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن
عباس، وأبي هريرة، وأبي برزة الأسلمي، وبه قال الحسن البصري، وسعيد بن
المسيب، والزهري، وعطاء، وفي الفقهاء الأوزاعي، وأحمد، وإسحاق، والشافعي.
وذهبت طائفة إلى أن البيع يلزم بمجرد العقد، ولا يثبت فيه خيار المجلس
بحال. ذهب إليه في التابعين شريح، والنخعي، وفي الفقهاء مالك، وأبو حنيفة
وأصحابه.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا فالأصل أن لا بيع، وثبوته يحتاج إلى دليل،
فمن ادعى أن بنفس الإيجاب والقبول يلزم، فعليه الدلالة.
وأيضا روي عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله قال:
المتبايعان كل واحد منهما بالخيار على صاحبه ما لم يتفرقا إلا بيع الخيار.
فأثبت للمتبايعين الخيار بعد تسميتهما متبايعين، وكل اسم اشتق من فعل
فإنه يسمى به، بعد وجود ذلك الفعل، كالضارب، والقاتل وغير ذلك.
وكذلك المتبايعان، إنما يسميان بذلك بعد وجود التبايع بينهما، فالخبر يقتضي
إثبات الخيار لهما في تلك الحالة، وعند المخالف أنه لا يثبت.
مسألة 7: بيع الخيار عندنا على ثلاثة أضرب.
أحدها: خيار المجلس: وهو أن يكون لكل واحد منهما الخيار وفسخ العقد
ما لم يتفرقا بالأبدان، فإن قال بعد انعقاد العقد أحدهما لصاحبه: اختر الإمضاء،
فإذا اختار ذلك انقطع الخيار، ولزم العقد، ولم يفتقر إلى التفرق بالأبدان عن
5

المكان.
والثاني: أن يشترط حال العقد لا يثبت بينهما خيار المجلس بعد انعقاد
البيع، فإذا تعاقدا بعد ذلك صح البيع، ويكون على ما شرطا.
والثالث: أن يشترطا في حال العقد مدة معلومة يكون لهما فيها الخيار ما
شاءا من الزمان، ثلاثا أو شهرا أو أكثر، فإنه ينعقد العقد، ويكون لهما الخيار في
تلك المدة إلا أن يوجباه بعد ذلك على أنفسهما، كما قلناه في البيع المطلق.
وقال أبو حنيفة ومالك: بيع الخيار هو ما يشترط فيه الخيار.
فيثبت في خيار الشرط، فعند أبي حنيفة ثلاثا، وعند مالك ما تدعوا الحاجة
إليه، فعندهما بيع الخيار ما يثبت فيه الخيار.
وعند الشافعي بيع الخيار ما قطع في الخيار.
وأكثر أصحابه على ما اخترناه أولا في القسم الأول، وفي أصحابه من قال
بالقسم الثاني أيضا، وأما الثالث فلم يقل به أحد منهم، وهو ما زاد على الثلاث.
دليلنا: قوله تعالى: وأحل الله البيع، وهذا بيع، فمن خصه فعليه الدلالة.
ويدل على خيار المجلس قول النبي صلى الله عليه وآله: البيعان بالخيار ما
لم يتفرقا إلا بيع الخيار، فأثبت لهما الخيار قبل التفرق، ثم استثنى بيع الخيار
الذي لم يثبت فيه الخيار، وهو ما أشرنا إليه من شرط ارتفاعه عند العقد، وإيجابه
وإبطال الخيار بعد ثبوت العقد.
وأيضا روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: المسلمون عند شروطهم،
وهذا شرط صحيح في مدة الخيار، ولا حصر في الخبر للعقد، فينبغي أن يكون
جائزا بحسب الشرط.
وروى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله قال: المتبايعان بالخيار ما لم
يفترقا، أو يكون بيعهما عن خيار، فإن كان بيعهما عن خيار فقد وجب البيع،
وهذا نص.
وروى عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله قال: المتبايعان بالخيار
6

ما لم يتفرقا عن مكانهما، فإذا تفرقا فقد وجب البيع.
وروى نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله قال: البيعان بالخيار
ما لم يتفرقا، أو يقول أحدهما لصاحبه: اختر.
وروى عطاء ابن أبي رياح، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله قال:
من اشترى بيعا، فوجب له بالخيار إن شاء أخذه، وإن شاء تركه، ما لم يفارقه
صاحبه، فإن فارقه فلا خيار له، فأثبت لهما الخيار بعد وجوب البيع.
وأبو حنيفة لا يثبت لهما الخيار.
والمذهب الذي اخترناه إجماع الصحابة، لأنه مروي عن علي عليه السلام،
وابن عباس، وابن عمر، وأبي برزة، وأبي هريرة.
أما علي عليه السلام فروي عنه أن جاريته اشترت لحما، ثم بدا لها،
فأخذ علي عليه السلام الدراهم فرده عليها.
وكان ابن عمر إذا أراد أن يجب البيع مشى قليلا ثم رجع، وعن ابن عباس
مثل ذلك.
وأبو برزة قال: ما أرى إلا تفرقهما، وأبو هريرة مثل ذلك. ولا مخالف لهم.
مسألة 8: يثبت في الحيوان الشرط ثلاثة أيام، شرط ذلك أو لم يشرط.
وقال جميع الفقهاء: حكم الحيوان، حكم سائر المبيعات.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأخبارهم ذكرناها في الكتاب الكبير.
مسألة 9: السلم يدخله خيار الشرط.
وعند الشافعي لا يدخله.
دليلنا: عمم الأخبار الواردة في جواز الشرط في العقود، وهي عامة إلا ما
أخرجه الدليل من الصرف.
7

مسألة 10: الصلح إذا كان معاوضة، مثل أن يقر له بعين أو بدين، ثم
صالحه على ذلك، لم يكن له بعد ذلك الرجوع فيه.
وقال الشافعي: هو مثل البيع، يدخله خيار الشرط وخيار المجلس، وإن
كان صرفا يدخله خيار المجلس وحده.
دليلنا: ما روي عنهم عليه السلام، واتفقنا عليه من جواز الشرط في
ذلك. ومن ادعى دخول الخيار فيه، فعليه الدليل. وجعل ذلك بيعا يصح
وجود الشرط فيه، يحتاج إلى دليل.
مسألة 11: إذا أحال بمال عليه على غيره، فقبل المحتال الحوالة، جاز أن
يدخلها خيار الشرط، ولا خيار مجلس فيه.
وقال الشافعي: لا يدخله خيار الشرط، وفي خيار المجلس وجهان.
دليلنا على جواز خيار الشرط: قوله عليه السلام: المؤمنون عند شروطهم.
وما روي عنهم عليه السلام من قولهم: كل شرط لا يخالف الكتاب
والسنة فإنه جائز، وهذا لا ينافيهما.
فأما خيار المجلس فإنه يدخل في البيع، وهذا ليس ببيع، بل هو إبراء
محض، فمن أجراه مجرى البيع فعليه الدلالة.
مسألة 12: الوكالة، والعارية، والقراض، والجعالة، والوديعة لا خيار فيها
في مجلس، ولا يمتنع دخول خيار الشرط فيها.
وقال الشافعي: لا يدخلها الخياران.
دليلنا على الأول: الإجماع، فإنه لا اختلاف أنه لا يدخلها خيار المجلس.
وأما الثاني: فعموم الأخبار الواردة في جواز كل شرط لا يخالف الكتاب
والسنة يتناول هذه المسائل، فمن ادعى تخصيصها فعليه الدلالة.
8

مسألة 13: إذا ملك الشفيع الشقص بالثمن، وانتزع من يد المشتري،
فليس له خيار المجلس.
وللشافعي فيه وجهان، أحدهما: مثل ما قلناه، والثاني: له الخيار.
دليلنا: خيار المجلس يثبت في البيع، فعلى من ألحقه بالبيع، الدلالة
والقياس عندنا لا يجوز.
مسألة 14: المساقاة لا يدخلها خيار المجلس، ويدخلها خيار الشرط.
وقال أصحاب الشافعي: لا يدخلها الخياران.
وقال أبو حامد الإسفرايني: الذي يجئ على قوله أن يدخلها خيار المجلس.
دليلنا على الأول: إنا قد بينا أن خيار المجلس يختص البيع، وهذا ليس
ببيع، فمن ألحقه به فعليه الدلالة.
وأما خيار الشرط، فعموم الأخبار المتناولة في جواز كل شرط لا يخالف
الكتاب يتناول هذا المكان.
مسألة 15: الإجارة على ضربين: معينة، وفي الذمة، وكلاهما لا يدخله
خيار المجلس، ولا يمتنع دخول خيار الشرط فيه.
وقال الشافعي: الإجارة المعينة لا يدخلها خيار الشرط، قولا واحدا. وأما خيار
المجلس فعلى وجهين، أحدهما: لا يدخلها، والآخر: يدخلها.
والإجارة في الذمة فيها ثلاثة أوجه:
فقال أبو إسحاق وابن خيران: لا يدخلها الخياران.
وقال الإصطخري: يدخلها الخياران معا، والمذهب أنه يدخلها خيار
المجلس دون خيار الشرط، عكس ما قلناه.
دليلنا على الأول: أنه لا دليل عليه، وعلى الثاني: أنه لا مانع يمنع منه،
وجواز الشرط بين المسلمين، وعموم الخبر به، فمن منع منه فعليه الدلالة.
9

مسألة 16: الهبة للواهب الخيار والرجوع فيها، قبل القبض وبعد القبض،
إلا أن يتعوض منها، أو يتصرف فيها الموهوب له، أو تكون الهبة لولده الصغار.
وقال الشافعي: هو بالخيار قبل الإقباض، فإذا أقبض فهو مبني على أن الهبة
هل تقتضي الثواب أم لا؟ فإذا قال: يقتضي الثواب، فعلى وجهين، أحدهما:
يدخلها الخياران معا، والثاني: لا يدخلان معا.
دليلنا: إجماع الفرقة على التفصيل الذي ذكرناه، وأخبارهم ذكرناها في
الكتاب المتقدم ذكره.
مسألة 17: إذا أصدقها وشرط الخيار ثلاثا، أو ما زاد عليه في النكاح،
بطل النكاح بلا خلاف. وإن شرط في الصداق الخيار وحده، كان بحسب ما يشرط.
وقال الشافعي - ونقله المزني عن الأم -: فسد المهر. وقال في الإملاء: بطل
النكاح.
واختلفوا على طريقين:
فمنهم من قال: المسألة على اختلاف حالين، قوله في الأم: فسد المهر، إذا
كان الشرط في المهر، وقوله في الإملاء: بطل
النكاح، إذا كان الشرط في النكاح.
ومنهم من قال: إذا كان الشرط في المهر وحده فهل يبطل النكاح؟ على
قولين، أحدهما: يبطل، والآخر: لا يبطل.
فإذا قال: لا يبطل، ففي الصداق ثلاثة أوجه.
أحدها: يصح الشرط والصداق فيهما، مثل ما قلناه.
والثاني: يبطلان معا، ولها مهر المثل.
والثالث: يبطل الشرط والصداق بحاله.
دليلنا: ما روي عنهم عليهم السلام من قولهم: أن كل شرط لا يخالف
الكتاب والسنة فهو جائز، فمن ادعى المنع منه، فعليه الدلالة.
10

مسألة 18: الخلع على ضربين: منجز، وخلع بصفة.
فالمنجز قولها: طلقني طلقة بألف، فقال: طلقتك بها طلقة، فليس له خيار
المجلس في الامتناع من قبض الألف ليكون الطلاق رجعيا. و
للشافعي فيه قولان، أحدهما: مثل ما قلناه، والثاني: له الخيار.
دليلنا: إنا قد بينا أن خيار المجلس يختص البيع، وإثباته في غيره يحتاج
إلى دليل.
مسألة 19: الخلع المعلق بصفة، إما أن يكون عاجلا أو آجلا:
فالعاجل أن يقول: إن أعطيتني ألفا فأنت طالق.
والآجل أن يقول: متى أعطيتني ألفا فأنت طالق.
وعلى الوجهين جميعا لا يصح الخلع، ولا الشرط.
وقال الشافعي: العاجل على الفور، فإن أعطته ألفا وقع الطلاق، وإن لم
تعطه ارتفع العقد ولا خيار له، والمؤجل فالخيار إليها في الإعطاء والامتناع.
وهل يثبت له خيار المجلس في رفع ما أوجبه لها؟ على وجهين:
أحدهما: لا خيار له، وهو المذهب.
والثاني: له خيار المجلس، وليس بشئ.
دليلنا: إجماع الفرقة على أن الخلع بصفة لا يقع، سواء كان مبينا بنفسه،
أو يحتاج إلى أن يتبع بطلاق، لا يختلفون في ذلك، وعلى من أجاز ذلك
الدلالة.
مسألة 20: القسمة إذا كان فيها رد أو لم يكن فيها رد، لا يدخلها خيار
المجلس إذا وقعت القرعة، وعدلت السهام، سواء كان القاسم الحاكم أو
الشريكين أو غيرهما، ويدخلها خيار الشرط.
وقال الشافعي: إن كان فيها رد فهو كالبيع سواء، يدخلها الخياران، وإن
11

كان مما لا رد فيه، فعدلت السهام، ووقعت القرعة، فإن كان القاسم الحاكم
ووقعت القرعة، فلا خيار. وإن كان القاسم الشريكين، فإن قالا: القسمة إفراز فلا
يدخلها خيار المجلس، وإن قال: بيع دخله خيار المجلس، ولا يدخلها خيار
الشرط
دليلنا: إنه لا دلالة على دخول خيار المجلس فيه، ولا يمنع من دخول خيار
الشرط فيه مانع، وكل شرط لم يمنع منه مانع فهو جائز، وخيار المجلس
يختص بالبيع، وهذا ليس ببيع، بل هو إفراز محض.
وأما خيار الشرط، فعموم الأخبار الواردة في جواز كل شرط لا يخالف
الكتاب والسنة.
مسألة 21: الكتابة إن كانت مشروطة، لا يثبت للمولى خيار المجلس، ولا
يمتنع من دخول خيار الشرط. والعبد له الخيار، لأن له الفسخ، أو يعجز نفسه
فينفسخ العقد.
وإن كانت مطلقة، فإن أدى من مكاتبته شيئا فقد انعتق بحسابه، ولا خيار
لواحد منهما بحال.
وقال الشافعي: لا خيار للسيد في الكتابة، والعبد له الخيار، لأنه إذا امتنع
كان الفسخ إليه.
دليلنا: إنه لا دليل على ثبوت خيار المجلس للمولى، وخيار الشرط لا مانع
يمنع منه، وعموم الأخبار في جواز الشرط دال على ذلك أيضا.
مسألة 22: يجوز عندنا البيع بشرط، مثل أن يقول: بعتك إلى شهر، فإن
رددت علي الثمن وإلا كان المبيع لي، فإن رد عليه وجب عليه رد الملك، وإن
جازت المدة ملك بالعقد الأول.
وقال جميع الفقهاء: أن ذلك باطل، يبطل به العقد.
12

دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا قوله صلى الله عليه وآله: الشرط جائز بين
المسلمين، ما لم يمنع منه كتاب ولا سنة، وعلى من ادعى المنع منه الدلالة.
مسألة 23: السبق والرماية لا يدخلهما خيار المجلس، ولا يمتنع من
دخول خيار الشرط فيه.
وللشافعي فيه قولان، أحدهما: أنه مثل الإجارة، فحكمه حكمه. والثاني: أنه
جعالة، فحكمه حكمه.
دليلنا على الأول: إنه لا دليل عليه، وعلى الثاني عموم الأخبار في جواز
الشرط بين المسلمين، والمنع منه يحتاج إلى دلالة.
مسألة 24: من ابتاع شيئا معينا، بثمن معين، ولم يقبضه، ولا قبض ثمنه،
وفارقه البائع، فالمبتاع أحق به ما بينه وبين ثلاثة أيام، فإن مضت ولم يحضره
الثمن، كان البائع بالخيار بين فسخ البيع وبين مطالبته بالثمن.
وإن هلك المبيع في مدة الثلاثة
كان من مال المبتاع، وإن هلك بعدها كان من مال البائع. وخالف جميع الفقهاء في ذلك.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأخبارهم.
مسألة 25: من ابتاع شيئا بشرط الخيار، ولم يسم وقتا ولا أجلا، بل
أطلقه، كان له الخيار ثلاثة أيام، ولا خيار له بعد ذلك.
وقال أبو حنيفة: أن البيع فاسد، فإن أجازه في الثلاثة جاز عنده خاصة، وإن لم
يجز حتى مضت الثلاثة بطل البيع.
وقال أبو يوسف ومحمد: له أن يجيز بعد الثلاثة.
وقال مالك: إن لم يجعل للخيار وقتا جاز، وجعل له من الخيار مثل ما
يكون في تلك الساعة.
13

وقال الحسن بن صالح بن حي: إذا لم يعين أجل الخيار، كان له الخيار
أبدا.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأخبارهم.
مسألة 26: أقل ما ينقطع به خيار المجلس خطوة فصاعدا.
وقال الشافعي: يرجع في ذلك إلى العادة، وقسم أقساما.
دليلنا: عموم الخبر الذي يتضمن أن البيعين بالخيار ما لم يفترقا، وإذا مشى
خطوة فقد افترقا، والزائد عليه يحتاج إلى دليل.
مسألة 27: إذا قال أحد المتبايعين لصاحبه في المجلس بعد العقد: اختر،
فإن اختار إمضاء العقد انقطع بينهما الخيار، وإن سكت أو لم يختر، كان الخيار
كما كان.
وقال الشافعي: يثبت في حيز الساكت، وفي حيز الآخر وجهان:
أحدهما يثبت، والآخر وهو المذهب: أنه ينقطع خياره وحده، ولصاحبه
الخيار.
دليلنا: إنا أجمعنا على أن لهما الخيار قبل هذا القول، فمن ادعى أن خيار
أحدهما قد زال، فعليه الدلالة.
مسألة 28: إذا شرطا قبل العقد، أن لا يثبت بينهما خيار بعد العقد، صح
الشرط، ولزم العقد بنفس الإيجاب والقبول.
وللشافعي فيه قولان:
أحدهما: أن ذلك لا يصح. وعلى ذلك أكثر أصحابه.
ومنهم من قال بصحته، مثل ما قلناه.
14

دليلنا: أنه لا مانع من هذا الشرط والأصل جوازه وعموم الأخبار في جواز
الشرط يتناول هذا الموضع.
مسألة 29: العقد يثبت بنفس الإيجاب والقبول، فإن كان مطلقا فإنه يلزم
بالافتراق بالأبدان، وإن كان مشروطا يلزم بانقضاء الشرط، فإن كان الشرط لهما
أو للبائع فإذا انقضى الخيار ملك المشتري بالعقد المتقدم، وإن كان الخيار
للمشتري وحده زال ملك البائع عن الملك بنفس العقد، لكنه لم ينتقل إلى
المشتري حتى ينقضي الخيار، فإذا انقضى ملك المشتري بالعقد الأول.
وللشافعي فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: ينتقل بنفس العقد.
والثاني: ينتقل بشرطين، العقد وقطع الخيار.
والثالث: مراعى، فإن تم البيع تبينا أن ملكه انتقل بنفس العقد، و
إن فسخ تبينا أن ملكه ما زال، سواء كان الخيار لهما أو للبائع وحده،
أو للمشتري، وخيار الشرط فيه وخيار المجلس سواء.
فأما أبو حنيفة فلا يثبت عنده خيار المجلس، ويثبت خيار الثلاث بالشرط،
فإن كان البيع مطلقا انتقل بنفس العقد، وإن كان بخيار الشرط، فإن كان الخيار
لهما أو للبائع لم ينتقل الملك عن البائع، فإذا انقضى الخيار ملك المشتري
وكان بعقد متقدم، وإن كان الخيار للمشتري وحده زال ملك البائع عن الملك
بالعقد، لكنه لم ينتقل إلى المشتري، فلا يكون له مالك حتى ينقضي الخيار، فإذا
انقضى ملكه المشتري الآن.
دليلنا على لزومه بعد انقضاء الشرط والافتراق: الإجماع، فإنه لا خلاف
فيه بين العلماء.
وأما الدليل على أن العقد يحصل بالإيجاب والقبول: قوله صلى الله عليه
وآله: البيعان بالخيار ما لم يفترقا، فأثبتهما بيعين، مع ثبوت الخيار لهما.
15

وأيضا خيار المجلس وخيار الشرط إنما هو لفسخ العقد، فلو كان العقد لم
يثبت لم يكن لفسخه معنى.
مسألة 30: إذا أعتق المشتري في مدة الخيار، ثم انقضت مدة الخيار، وتم
البيع، فإنه ينفذ عتقه. وبه قال أبو العباس بن سريج.
وقال باقي أصحاب الشافعي: لا ينفذ، لأن ملكه ما تم.
دليلنا: ما روي عنهم عليهم السلام من أن المشتري إذا تصرف في المبيع بطل
خياره، وهذا قد تصرف فيه، فينبغي أن يلزمه البيع، وإذا لزمه نفذ عتقه عند
تمام البيع.
مسألة 31: إذا وطأ المشتري في مدة الخيار، لم يكن مأثوما، ولحق به
الولد، وكان حرا، ولزم العقد من جهته.
وقال الشافعي: لا يجوز له وطؤها، فإن خالف ووطأها فلا حد عليه، وإن
علقت فالنسب لا حق به، والولد حر.
وفي لزوم العقد من جهته وجهان:
قال الإصطخري: يكون ذلك رضا بالبيع، وقطعا لخياره مثل ما قلناه،
وعليه أكثر أصحابه.
وقال أبو إسحاق: لا يكون ذلك قطعا لخياره، بل هو باق بحاله.
دليلنا: إجماع الفرقة على أن المشتري متى تصرف في المبيع بطل خياره،
وأخبارهم معروفة وذكرناها في الكتاب المتقدم ذكره، وهذا قد تصرف في
المبيع.
مسألة 32: إذا وطئ المشتري الجارية في مدة الخيار، ثم مضت مدة
الخيار، ولزم العقد، وجاءت بولد، كان لاحقا به، ولا يلزمه قيمته، ولا مهر عليه.
16

فإن فسخ البائع العقد لزمه قيمة الولد، وكانت الجارية أم ولده إذا انتقلت إليه
فيما بعده، ويلزمه لأجل الوطء عشر قيمتها إن كانت بكرا، وإن كانت ثيبا نصف
عشر قيمتها.
وقال الشافعي: إن أمضى البائع العقد، ففي لزوم المهر وقيمة الولد أقوال
ثلاثة:
فإذا قال: ينتقل بالعقد، أو قال: أنه مراعى، لا قيمة عليه، والأمة أم ولده، ولا
يجب عليه مهر، مثل ما قلناه.
وإذا قال: ينتقل بشرطين، فعليه قيمة المثل، والأمة لا تصير في الحال أم
ولده، فإذا ملكها فيما بعد فعلى قولين:
قال في الحرملة: تصير أم ولده.
وقال في الأم: لا تصير أم ولده.
وأما قيمة الولد فالمذهب أن عليه قيمته، وفي أصحابه من قال: لا قيمة عليه
وإن اختار البائع الفسخ.
فإن قال: مراعى: أو يثبت بشرطين، فعلى المشتري المهر، ولا تصير أم ولده،
فإن ملكها فيما بعد فعلى قولين، وعليه قيمة الولد قولا واحدا، مثل ما قلناه.
وإذا قال ينتقل بنفس العقد، فعلى قول أبي العباس: لا مهر عليه، وهي أم
ولده، ولا يجب عليه قيمة الولد.
وعلى قول الشافعي: عليه المهر، ولا تصير أم ولده في الحال، فإن ملكها فيما
بعد تصير أم ولده، قولا واحدا.
دليلنا على أنه لا يلزمه مع نفوذ البيع وتمامه، القيمة والمهر: أن الأصل
براءة الذمة، وإيجاب ذلك يحتاج إلى دليل.
وأما مع الفسخ، فالدليل على وجوب ما قلناه من قيمة الولد، والمهر:
إجماع الفرقة، وطريقة الاحتياط.
17

مسألة 33: إذا وطئ المشتري في مدة الخيار، لم يبطل خيار البائع، علم
بوطئه، أو لم يعلم. وبه قال الشافعي وأصحابه. وفي أصحابه من قال: إذا وطئ
بعلمه، بطل اختياره.
دليلنا: إنا قد اتفقنا على أن له الخيار، فمن أبطله فعليه الدلالة، ولا دليل على
ذلك.
مسألة 34: خيار المجلس يورث إذا مات المتبايعان، أو أحدهما،
وكذلك خيار الشرط، ويقوم الوارث مقام من مات منهما، فإن كان أحد
المتبايعين مكاتبا، قام سيده مقامه، وبه قال الشافعي في خيار الشرط.
وقال في خيار المجلس: إن كان البائع مكاتبا فقد وجب البيع. ولأصحابه
فيه ثلاثة طرق:
منهم من قال: ينقطع الخيار، ويلزم البيع بموت المكاتب، ولا يلزم بموت
الحر.
دليلنا: أنه إذا كان الخيار حقا للمشتري، جرى مجرى سائر الحقوق التي
تورث بظاهر التنزيل، فمن منع من شئ منها فعليه الدلالة.
مسألة 35: إذا أكره المتبايعان، أو أحدهما على التفرق بالأبدان، على وجه
يتمكنان من الفسخ والتخاير، فلم يفعلا، بطل خيارهما، أو خيار من تمكن من
ذلك.
وللشافعي فيه وجهان، فقال أبو إسحاق مثل ما قلناه، وقال غيره: لا ينقطع
الخيار.
دليلنا: أنه إذا كان متمكنا من الإمضاء والفسخ، فلم يفعل حتى وقع
التفرق بالأبدان، دل على الرضا بالإمضاء.
18

مسألة 36: خيار الثلاث موروث، سواء كان لهما أو لأحدهما، ويقوم
الوارث مقامه، ولا ينقطع الخيار بوفاته، وكذلك إذا مات الشفيع قبل الأخذ
بالشفعة، قام وارثه مقامه.
وهكذا في خيار الوصية إذا أوصي له بشئ ومات الموصي، كان الخيار في
القبول إليه، فإن مات قام وارثه مقامه، ولم ينقطع الخيار بوفاته. وبه قال مالك
والشافعي.
وقال أبو حنيفة: كل هذا ينقطع بالموت، ولا يقوم الوارث مقامه. فقال في
البيع: يلزم البيع بموته، ولا خيار لوارثه فيه. وبه قال الثوري وأحمد.
دليلنا: إن هذا الخيار إذا كان حقا للميت يجب أن يرثه مثل سائر الحقوق،
لعموم الآية، ومن أخرج شيئا منها فعليه الدلالة.
مسألة 37: إذا جن من له الخيار، أو أغمي عليه، صار الخيار إلى وليه. وبه
قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: لا ينقطع بالجنون.
دليلنا: أن الجنون لا يثبت معه التكليف والاختيار الصحيح، فيجب أن
لا يثبت معه الاختيار كالموت سواء، ومن ادعى ثبوته على ما كان فعليه الدلالة.
وأيضا قوله عليه السلام: رفع القلم عن ثلاث: المجنون حتى يفيق، يدل
على أنه لا حكم لاختياره، وأنه قد زال.
مسألة 38: إذا ثبت أن خيار الشرط موروث، فإن كان قد مضى بعضه،
ورث الوارث ما بقي منه إذا كان حاضرا عند موت مورثه، فإن كان غائبا فبلغه
الخبر وقد مضى مدة الخيار بطل خياره، وإن بقي منه ورث ما بقي.
وللشافعي فيه وجهان: أحدهما أنه يبطل خياره. والثاني: له ما بقي من
الخيار.
19

دليلنا: أنه إذا كان ذلك حقا له معينا في أيام معينة، فإذا مضت وجب أن
يبطل الخيار فيما بعدها، ومن أوجب فيما بعد فعليه الدلالة، وكذلك من أبطل
الخيار في جميعه وقد بقي بعضه فعليه الدلالة، والأصل بقاء الحق فيها.
مسألة 39: إذا كان المبيع حاملا، فإن الحمل لا حكم له، ومعناه أن الثمن
لا يقسط عليه.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه.
والثاني: أن له حكما، والثمن يتقسط عليهما، كأنه اشترى ناقة وفصيلها.
دليلنا: أن العقد وقع على الأصل، فينبغي أن يكون الثمن متعلقا به دون الحمل.
ألا ترى أنه لو عقد على الفرع منفردا لم يصح، وعلى من ادعى أنه يتقسط
عليهما الدلالة.
مسألة 40: من باع بشرط شئ، صح البيع والشرط معا إذا لم يناف
الكتاب والسنة. وبه قال ابن شبرمة.
وقال ابن أبي ليلى: يصح البيع، ويبطل الشرط.
وقال أبو حنيفة والشافعي: يبطلان معا.
وفي هذا حكاية رواها محمد بن سليمان الذهلي، قال: حدثنا عبد الوارث بن
سعيد، قال: دخلت مكة فوجدت بها ثلاثة فقهاء كوفيين، أحدهم أبو حنيفة، وابن
أبي ليلى، وابن شبرمة.
فصرت إلى أبي حنيفة فقلت: ما تقول في من باع بيعا وشرط شرطا؟ فقال:
البيع فاسد، والشرط فاسد.
فأتيت ابن أبي ليلى، فقلت ما تقول في رجل باع بيعا وشرط شرطا؟ فقال:
البيع جائز، والشرط باطل.
فأتيت ابن شبرمة، فقلت: ما تقول في من باع بيعا وشرط شرطا؟ فقال: البيع
20

جائز، والشرط جائز.
قال: فرجعت إلى أبي حنيفة فقلت: أن صاحبيك خالفاك في البيع. فقال:
لست أدري ما قالا؟ حدثني عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده أن النبي
صلى الله عليه وآله نهى عن بيع وشرط.
ثم أتيت ابن أبي ليلى فقلت: أن صاحبيك خالفاك في البيع، فقال: ما
أدري ما قالا؟ حدثني هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أنها قالت: لما اشتريت
بريرة جاريتي شرط علي مواليها أن أجعل ولاءها لهم إذا أعتقتها، فجاء النبي
صلى الله عليه وآله فقال: الولاء لمن أعتق، فأجاز البيع، وأفسد الشرط.
فأتيت ابن شبرمة فقلت: أن صاحبيك قد خالفاك في البيع فقال: لا أدري
ما قالا؟ حدثني مسعر، عن محارب بن دثار، عن جابر بن عبد الله قال: ابتاع
النبي صلى الله عليه وآله مني بعيرا بمكة، فلما نقدني الثمن شرطت عليه أن يحملني
على ظهره إلى المدينة، فأجاز النبي صلى الله عليه وآله البيع والشرط.
دليلنا: ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: المؤمنون عند شروطهم،
وهذا عام في كل شرط إلا ما أخرجه الدليل من شرط يخالف الكتاب والسنة.
مسألة 41: إذا تبايعا مطلقا، فكان بينهما خيار المجلس، أو تبايعا بشرط
الخيار، فكان بينهما خيار الشرط، جاز أن يتقابضا في مدة الخيار، ويكون الشرط
قائما حتى ينقطع وبه قال الشافعي.
وقال مالك: يكره قبض الثمن في مدة الخيار.
دليلنا: أن الأصل جوازه، ولا مانع في الشرع يمنع منه.
مسألة 42: خيار الشرط يجوز بحسب ما يتفقان عليه من المدة وإن كثر وبه
قال ابن أبي ليلى، وأبو يوسف، ومحمد.
وقال محمد ومالك: يجوز بقدر الحاجة، فإن كان المبيع ثوبا أو دارا أو
21

نحو هذا، جاز يوما ولا يزاد عليه، وإن كان قرية أو ما لا ينقلب إلا في مدة، جاز
الشهر والشهرين وقدر الحاجة.
وقال أبو حنيفة والشافعي والثوري: لا تجوز الزيادة على ثلاثة أيام، ويجوز
أقل من ذلك.
دليلنا: قوله عليه السلام: المؤمنون عند شروطهم، وهذا عام، والمنع من
ذلك يحتاج إلى دليل.
وأيضا عليه إجماع الفرقة، وأخبارهم متواترة بها.
وأيضا قوله تعالى: وأحل الله البيع وحرم الربا، فأطلق البيع على كل
حال.
مسألة 43: قد بينا أن ما زاد على الثلاث من الشرط صحيح. وحكينا عن
أبي حنيفة والشافعي أن ما زاد عليها باطل، قالا: فإن خالفا وشرطا أكثر من ذلك
كان البيع فاسدا عند الشافعي، سواء اتفقا على إسقاطه في مدة الخيار، أو لم يتفقا
على ذلك.
وهكذا إذا شرطا أجلا مجهولا كقوله: بعتك إلى الغلة، أو إلى الحصاد، أو
جذاذ النخل كان فاسدا، ولا يلحقه الصحة بعد هذا وبه قال زفر.
وقال أبو حنيفة وحده: إذا اتفقا على إسقاط ما زاد على الثلاث قبل انقضاء
الثلاث صح العقد، وإن سكتا حتى مضى بعد الثلاث جزء من الزمان، بطل
العقد، ولا سبيل إلى إسقاطه.
وهكذا الأجل إذا اتفقا على إسقاطه صح العقد، وإن لم يتفقا على ذلك
بطل.
هذه طريقة أهل العراق، وأصحابهم بخراسان يقولون: لا يقول العقد فاسد،
ولكنه مراعى، فإن أسقطا ما زاد على الثلاث قبل انقضاء الثلاث تبينا أن العقد
وقع صحيحا، وإن لم يتفقا على ذلك، تبينا أنه وقع فاسدا.
22

دليلنا على صحة المذهب: ما قدمناه في المسألة الأولى، فإذا ثبت ذلك،
فهذا الفرع يسقط عنا.
مسألة 44: مدة خيار الشرط من حين التفرق بالأبدان، لا من حين حصول
العقد.
وللشافعي فيه وجهان: أحدهما مثل ما قلناه. والثاني: أنه من حين العقد.
دليلنا: أن الخيار يثبت بعد ثبوت العقد، والعقد لا يثبت إلا بعد التفرق،
فوجب أن يكون الخيار ثابتا من ذلك الوقت.
مسألة 45: إذا ثبت أنه من حين التفرق، فشرطا أنه من حين الإيجاب
والقبول صح.
وقال الشافعي - على قوله أنه من حين العقد - متى شرطا من حين التفرق
بطل العقد. وعلى قوله - أنه من حين التفرق - فشرطاه من حين العقد على
وجهين: أحدهما لا يصح. والثاني يصح.
دليلنا: قوله عليه السلام: المؤمنون عند شروطهم، وأيضا الأصل جواز
ذلك، والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 46: إذا تبايعا نهارا، وشرطاه إلى الليل، انقطع بدخول الليل. وإن
تعاقدا ليلا، وشرطاه إلى النهار، انقطع بطلوع الفجر الثاني. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: إن كان البيع نهارا كما قلناه. وإن كان ليلا لم ينقطع
بوجود النهار، وكان الخيار باقيا إلى عند غروب الشمس.
وهكذا إن قال: إلى الزوال، أو إلى وقت العصر، اتصل إلى الليل.
دليلنا: إن ما قلناه متفق عليه، وما ادعاه ليس عليه دليل.
23

مسألة 47: إذا اختار من له الفسخ في مدة الخيار، كان ذلك له، ولم
يفتقر إلى حضور صاحبه. وهكذا فسخه بالعيب لا يفتقر إلى حضور صاحبه،
وقبل القبض وبعده سواء. والوكيل ليس له أن يفسخ بغير حضور موكله،
وكذلك الوصي ليس له أن يعزل نفسه. وبه قال أبو يوسف والشافعي، إلا أنهما
قالا في الوكيل والوصي: لهما ذلك بنفوسهما من غير حكم الحاكم.
وقال أبو حنيفة ومحمد: إذا اختار فسخ البيع في مدة خياره، لم يصح إلا
بحضور صاحبه، وإذا كان حاضرا لم يفتقر إلى رضاه، وهكذا فسخه بالعيب قبل
القبض كالفسخ بخيار الشرط، فإن كان ذلك بعد القبض، فلا يصح إلا
بتراضيهما أو حكم حاكم.
وأما الوكيل فلا يصح حتى يفسخ موكله.
وأما الوصي فلا يملك أن يعزل نفسه، وإنما يعزله الحاكم بالخيانة، أو بأن
يقر بالعجز فيعزله الحاكم.
دليلنا على مسألة الخيار: أنه إذا ثبت الخيار، فمن ادعى أنه يحتاج إلى
حضور صاحبه فعليه الدلالة.
وأما الوكيل والوصي، فإن وكالته ووصيته قد ثبتت، ولا دليل على أن لهما
الفسخ، فمن ادعى ذلك فعليه الدلالة.
مسألة 48: إذا باع عينا بشرط الخيار لأجنبي، صح ذلك.
وقال محمد في الجامع الصغير، قال أبو حنيفة: لو قال بعتك على أن الخيار
لفلان، كان الخيار له ولفلان.
وقال أبو العباس: جملة الفقه في هذا، أنه إذا باعه وشرط الخيار لفلان،
نظرت، فإن جعل فلانا وكيلا له في الإمضاء والرد صح قولا واحدا.
وإن أطلق الخيار لفلان، أو قال: لفلان دوني فعلى قولين، أحدهما يصح
على ما شرط.
24

والثاني: لا يصح. وهو اختيار المزني.
دليلنا: قول النبي صلى الله عليه وآله: المؤمنون عند شروطهم، وهذا عام
في جميع المواضع.
وما روي عنهم عليهم السلام من أن كل شرط لا يخالف الكتاب والسنة
فإنه جائز يتناول هذا الموضع.
مسألة 49: إذا ثبت أن ذلك يصح، فالخيار يكون لمن شرط، فإن كان
للأجنبي وحده، كان له. وإن شرط لهما، كان لهما، وإن أطلق للأجنبي، كان له
دونه.
وللشافعي فيه - على قوله أنه يصح - إن ذلك للعاقد، على وجهين:
أحدهما: يكون له، فيكون لهما الخيار وهو قول أبي حنيفة.
والثاني: يكون على ما شرطاه، ولا يكون للموكل شئ من هذا.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى، فلا وجه لإعادته.
مسألة 50: إذا باعه بشرط أن يستأمر فلانا، فليس له الرد حتى يستأمره.
وللشافعي فيه وجهان:
أحدهما وهو ظاهر المذهب مثل ما قلناه.
والثاني: له الرد من غير استئمار.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء، لأن الأخبار على عمومها.
مسألة 51: إذا صح الاستئمار، فليس له حد، إلا أن يشرط مدة معينة، قلت
أم كثرت.
وللشافعي فيه وجهان:
أحدهما: لا يصح حتى يشرط.
25

والثاني: مثل ما قلناه، من أنه يمتد ذلك أبدا.
دليلنا: أنه قد ثبت صحة هذا الشرط مع الإطلاق، فتقييده بزمان
مخصوص يحتاج إلى دليل.
مسألة 52: إذا باع عبدين، وشرط مدة من الخيار في أحدهما، فإن أبهم
ولم يعين من باعه منهما بشرط الخيار، فالبيع باطل بلا خلاف، لأنه مجهول.
وإن عين، فقال: على أن لك الخيار في هذا العبد دون هذا، ثبت الخيار فيما عين
فيه.
وقال أبو العباس، على قولين: أحدهما يصح. والآخر لا يصح. مثل أن
يجمع بين بيع وصرف، فيقول بعتك هذا الثوب وهذا الدرهم بهذين الدينارين،
فإنه على قولين.
دليلنا: قوله عليه السلام: المؤمنون عند شروطهم، وهذا شرط، فمن أبطله
فعليه الدلالة.
مسألة 53: إذا صح هذا البيع كان لكل واحد منهما بالقسط من الثمن،
وسواء قدر ثمن كل واحد منهما، فقال: هذا بألف وهذا بألف، أو أطلق فقال:
بعتكهما بألفين.
وقال الشافعي: الكل على قولين.
وقال أبو حنيفة: إن قدر ثمن كل واحد منهما صح، وإن أطلق بطل.
دليلنا: أنه إذا ثبت صحة البيع بما قدمناه، ولم يتعين بالتقدير، فلا بد من
التقسيط، وإلا أدى إلى بطلان العقد.
مسألة 54: روى أصحابنا أنه إذا اشترى عبدا من عبدين على أن للمشتري
أن يختار أيهما شاء، أنه جائز. ولم يرووا في الثوبين شيئا.
26

وقال الشافعي: إذا اشترى ثوبا من ثوبين على أنه بالخيار ثلاثة أيام لم يصح
البيع، وكذلك إذا اشترى ثوبا من ثلاثة أثواب على أنه بالخيار ثلاثا، أو ثوبا من
أربعة أثواب
وقال أبو حنيفة: يصح أن يشتري ثوبا من ثوبين، على أنه بالخيار ثلاثا،
والقياس يدل عليه، ويجوز أن يشتري ثوبا من ثلاثة أثواب على أنه بالخيار ثلاثا،
والاستحسان يدل عليه، ولا يجوز أن يشتري ثوبا من أربعة أثواب والقياس يدل
على أنه لا يجوز.
وإن باع بثمن من ثلاثة أثمان، قال أبو بكر الرازي: لا يحفظ ذلك عن
أبي حنيفة، وينبغي أن يجوز، لأنه لا فرق بين الثمن والمثمن.
دليلنا: إجماع الفرقة، وقوله عليه السلام: المؤمنون عند شروطهم.
مسألة 55: إذا هلك المبيع في مدة الخيار بعد القبض، لم ينقطع الخيار. و
به قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: ينقطع.
دليلنا: إن انقطاع الخيار يحتاج إلى دليل، والأصل ثبوته.
مسألة 56: إذا قال: بعنيه بألف، فقال: بعتك. لم يصح البيع حتى يقول
المشتري بعد ذلك: اشتريت، أو قبلت.
وقال الشافعي: يصح وإن لم يقل ذلك.
وقال أبو حنيفة: إن كان القبول بلفظ الخبر، كقوله: اشتريت منك، أو
ابتعت منك صح البيع. وإن كان بلفظ الأمر لم يصح، فإذا قال: بعني، فقال:
بعتك، لم ينعقد البيع حتى يقول المشتري بعد هذا قبلت.
دليلنا: إن ما اعتبرناه مجمع على ثبوت العقد به، وما ادعوه لا دلالة على
صحته، والأصل عدم العقد، ومن ادعى ثبوته فعليه الدلالة.
27

مسألة 57: إذا قال: بعتك على أن تنقد في الثمن إلى ثلاث، فإن نقدتني
الثمن إلى ثلاث وإلا فلا بيع بيننا، صح البيع. وبه قال أبو حنيفة.
وقال الشافعي: البيع باطل.
دليلنا: قول النبي صلى الله عليه وآله: المؤمنون عند شروطهم، مع قوله
تعالى: وأحل الله البيع وحرم الربا، وهذا بيع وشرط، فيجب أن يصحا معا
للآية والخبر.
مسألة 58: إذا قال واحد لاثنين: بعتكما هذا العبد بألف، فقال أحدهما:
قبلت نصفه بحسابه، ورد الآخر، لم ينعقد العقد. وبه قال أبو حنيفة.
وقال الشافعي: ينعقد العقد في حقه، سواء قبل صاحبه أو رده.
دليلنا: إن قبوله غير مطابق للإيجاب، وإن العقد يحتاج إلى دلالة، ولا
دليل على ثبوت هذا العقد.
مسألة 59: إذا دفع قطعة إلى البقلي، أو إلى الشارب، وقال: أعطني بقلا أو
ماء، فأعطاه، فإنه لا يكون بيعا، وكذلك سائر المحقرات، وإنما يكون إباحة، له
أن يتصرف كل واحد منهما فيما أخذه، تصرفا مباحا من غير أن يكون ملكه.
وفائدة ذلك، أن البقلي إذا أراد أن يسترجع البقل، أو أراد صاحب القطعة
أن يسترجع قطعته كان لهما ذلك، لأن الملك لم يحصل لهما. وبه قال
الشافعي.
وقال أبو حنيفة: يكون بيعا صحيحا وإن لم يوجد الإيجاب والقبول، قال
ذلك في المحقرات دون غيرها.
دليلنا: إن العقد حكم شرعي، ولا دلالة في الشرع على وجوده هاهنا،
فيجب أن لا يثبت. فأما الاستباحة بذلك فهو مجمع عليه، لا يختلف العلماء فيها.
28

مسألة 60: إذا اشترى، فبان له الغبن فيه، كان له الخيار إذا كان مما لم
تجري العادة بمثله، إلا أن يكون عالما بذلك، فيكون العقد ماضيا، لا رجوع له
فيه.
وقال أبو حنيفة والشافعي معا: ليس له الخيار، سواء كان الغبن قليلا أو
كثيرا.
وقال مالك: إن كان الغبن دون الثلث فلا خيار له، وإن كان الثلث مما
فوقه كان له الخيار. وبه قال أبو يوسف وزفر.
دليلنا: ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: لا ضرر ولا ضرار،
وهذا ضرر، لأنه إذا اشترى ما يساوي عشرة بمائة فإن ذلك غاية الضرر، وقول
النبي صلى الله عليه وآله يبطله.
وأيضا روي عنه عليه السلام أنه نهى أن تلقى الركبان، فمن تلقاها فصاحبها
بالخيار إذا دخل السوق، ومعلوم أنه إنما جعل له الخيار لأجل الغبن.
مسألة 61: بيع الدرهم بدرهمين، ودينار بدينارين نسية لا خلاف في
تحريمه، وبيعه كذلك نقدا وموازنة ربا محرم. وبه قال جميع الفقهاء والعلماء.
وروى مجاهد بن جبير قال: سمعت ثلاثة عشر نفسا من أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وآله يحرمون ذلك. وبه قال جميع التابعين، وجميع الفقهاء
المعروفين.
وذهب أربعة أنفس من الصحابة إلى جواز التفاضل في الجنس نقدا، فأجازوا
بيع الدرهم بدرهمين نقدا. ذهب إليه عبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير،
وأسامة بن زيد، وزيد بن أرقم.
دليلنا: إجماع الفرقة، بل إجماع المسلمين، فإن هذا الخلاف قد انقرض،
وإجماع الأعصار حجة.
29

مسألة 62: إذا ثبت تحريم التفاضل في الجنس، فلا فضل بين المضروب
بالمضروب، والتبر بالتبر، والمصوع بالمصوع، فإن التفاضل فيه نقدا ربا. وبه
قال الشافعي وأبو حنيفة.
وقال مالك: إذا كان وزن الخلخال مائة، وقيمته لأجل الصنعة مائة
وعشرة، فباعه بمائة وعشرة جاز. ويكون المائة بالمائة، والعشرة بالصنعة.
دليلنا: إجماع الفرقة.
وأيضا عموم الأخبار المروية عن النبي صلى الله عليه وآله مثل ما رواه
أبو سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وآله قال: لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا
مثلا بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلا بمثل ولا
تشفوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا منها غائبا بناجز.
مسألة 63: الربا عندنا في كل مكيل وموزون، سواء كان مطعوما أو غير
مطعوم.
وقال داود وأهل الظاهر: الربا في الأجناس الستة: الذهب، والفضة،
والحنطة، والشعير، والتمر، والملح، وما عدا ذلك فلا ربا فيه.
وقال أهل القياس كلهم: أن الربا يثبت في غير الأجناس الستة، على
اختلاف بينهم أن الربا في ما ذا يثبت.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأخبارهم صريحة في ذلك ذكرناها في الكتاب
المتقدم ذكره، وطريقة الاحتياط تقتضي ما قلناه. فأما الأجناس الستة فلا خلاف
فيها بين الأمة.
مسألة 64: ما يثبت فيه الربا إنما يثبت بالنص، لا لعلة من العلل. واختلف
أهل القياس في علة الربا في الدراهم والدنانير.
فقال الشافعي: علة الربا فيها أنها أثمان جنس، وربما قالوا: جنس الأثمان،
30

وعلى القولين غير متعدية إلى غيرهما.
وقال أبو حنيفة: العلة موزون جنس، فالعلة متعدية عنده إلى كل موزون
كالحديد، والصفر، والفضة، والقطن، والإبريسم وغير ذلك.
واختلفوا فيما عدا الأثمان:
فقال الشافعي في القديم: علتها ذات أوصاف ثلاثة: مأكول، مكيل أو
موزون، جنس.
فعلى هذا كلما يؤكل مما لا يكال ولا يوزن كالقثاء، والبطيخ، والسفرجل،
والرمان، والموز، والبقول لا ربا فيها، لأنها لا تكال ولا توزن.
وقال مالك: العلة ذات أوصاف ثلاثة: مأكول، مقتات، جنس فكل
مأكول لا يقتات كالقثاء، والبطيخ، وحب الرشاد لا ربا فيه، لأنه لا يقتات.
وقال الشافعي في الجديد: العلة ذات وصفين: مطعوم، جنس. فكل
مأكول ومطعوم فيه الربا، سواء كان مما يكال أو يوزن كالحبوب، والأدهان،
واللحمان. أو لا يكال ولا يوزن كالقثاء، والبطيخ، والرمان، والسفرجل ونحو
هذا فيه الربا.
وقال أبو حنيفة: العلة ذات وصفين أيضا: مكيل أو موزون، جنس. فكل
مكيل فيه الربا سواء أكل أو لم يؤكل كالحبوب والأدهان والجص والنورة
والأشنان، ومما يوزن ما أكل أو لم يؤكل كاللحم والسكر والصفر والنحاس
والقطن والصوف.
وقال ربيعة: العلة ذات وصفين: جنس، تجب فيه الزكاة، فأجرى الربا في
الحبوب التي تجب فيه الزكاة، وفي النعم أيضا.
وقال ابن سيرين: العلة ذات وصف واحد: وهو الجنس، فأجرى الربا في
الثياب والحيوان والخشب، وكل شئ هو جنس واحد.
وقال سعيد بن جبير: ذات وصف واحد: وهو تقارب المنفعة، فأجرى الربا
في الجنس الواحد لاتفاق المنفعة، وكل جنسين يقارب نفعهما كالتمر والزبيب
31

والجاورس والدهن.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأخبارهم، وأيضا فإن هذا الخلاف بين القائلين
بالقياس، وعندنا أن القياس باطل، فما هو فرع على ثبوته ساقط عنا.
مسألة 65: إذا باع ما فيه الربا من المكيل والموزون، مختلف الجنس،
مثل الطعام والتمر، جاز بيع بعضه ببعض متماثلا ومتفاضلا.
ويجوز بيع الجنس بعضه ببعض متماثلا يدا بيد، ويكره نسيئة، فإن تفرقا
قبل القبض لم يبطل البيع. وبه قال أبو حنيفة.
وقال الشافعي: يبطل البيع إذا افترقا قبل القبض.
دليلنا: أن العقد صحيح بلا خلاف، فمن ادعى بطلانه بالتفرق قبل
القبض فعليه الدلالة.
مسألة 66: الحنطة والشعير جنس واحد في باب الربا، لا يجوز بيع بعضه
ببعض إلا مثلا بمثل، وبه قال مالك، والليث بن سعد، والحكم، وحماد.
وقال أبو حنيفة والشافعي: هما جنسان، يجوز بيعهما متفاضلا يدا بيد، ولا
يجوز نسيئة. وبه قال سفيان الثوري، وأحمد، وإسحاق، وأبو برزة، وأبو ثور، و
النخعي، وعطاء.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا أجمعنا على جواز بيع بعضها ببعض متماثلا،
ولا دليل على جواز التفاضل فيهما.
وأيضا قوله تعالى: اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا، وقوله: يمحق الله
الربا، والربا هي الزيادة، والآية على عمومها إلا ما أخرجه الدليل.
وروي عن معمر بن عبد الله أنه بعث غلاما ومعه صاع من قمح، فقال: بعه
واشتر به شعيرا، فجاءه بصاع وربع صاع، فقال: رده فإن النبي صلى الله عليه وآله
قال: الطعام بالطعام مثلا بمثل، وطعامنا يومئذ الشعير، فثبت أن الطعام
32

ينطلق عليهما، فلذلك رده. وبه قال عمر، وسعد بن أبي وقاص، ولا مخالف لهما.
مسألة 67: الثياب بالثياب، والحيوان بالحيوان لا يجوز بيع بعضه ببعض
نسيئة، متماثلا ولا متفاضلا، ويجوز ذلك نقدا، وبه قال أبو حنيفة.
وقال الشافعي: يجوز ذلك نقدا ونسيئة.
وقد روي ذلك أيضا في أخبارنا.
دليلنا: إنا أجمعنا على جواز ذلك نقدا، ولا دليل على جوازه نسيئة،
وطريقة الاحتياط تقتضي المنع منه.
وروى الحسن، عن سمرة أن النبي صلى الله عليه وآله نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة. وروى جابر أن النبي صلى الله عليه وآله قال: الحيوان بالحيوان واحدا
باثنين لا بأس به نقدا، ولا يجوز نسيئة، ولا يجوز إلى أجل.
مسألة 68: بيع الحيوان بالحيوان جائز، متفاضلا ومتماثلا نقدا، سواء كانا
كسيرين أو صحيحين، أو أحدهما كسيرا والآخر صحيحا. وبه قال الشافعي،
وأجاز نقدا ونسيئة.
وقال مالك: إذا كانا كسيرين لا يصلحان لغير الذبح، وكان مما يؤكل
لحمه كالنعم، ولا ينتفع به بنتاج ولا ركوب، ولا يصلح لشئ غير اللحم، لم
يجز بيع بعضه ببعض.
دليلنا: الآية، وهي قوله تعالى: وأحل الله البيع وحرم الربا، فمن خصصه
فعليه الدليل.
مسألة 69: الطين الذي يأكله الناس حرام، لا يحل أكله ولا بيعه.
وقال الشافعي: يجوز ذلك، ولا ربا فيه.
33

دليلنا: إجماع الفرقة، وأخبارهم.
وأيضا روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال لعائشة: لا تأكليه يا
حميراء فإنه يصفر اللون وهذا نهي يقتضي التحريم.
مسألة 70: الماء لا ربا فيه.
وللشافعي فيه وجهان:
أحدهما: فيه الربا. والثاني: لا ربا فيه.
دليلنا: أنه ليس بمكيل ولا موزون فيدخل تحت الأخبار، وقد بينا أنه لا ربا إلا
فيما يكال أو يوزن.
مسألة 71: يجوز بيع الخبز بعضه ببعض مثلا بمثل، إذا كانا من جنس
واحد، وإن كانا مختلفي الجنس جاز متفاضلا، سواء كان يابسا أو لينا.
وقال الشافعي: إن كان لينا لا يجوز بيع بعضه ببعض، لا متماثلا ولا
متفاضلا. وأما إذا جف ودق فالصحيح أنه لا يجوز، ذكره في الأم، وقال في
الحرملة: يجوز.
دليلنا: قوله تعالى: وأحل الله البيع وحرم الربا، وهذا بيع، فمن منع منه
فعليه الدلالة.
مسألة 72: لا ربا في المعدودات، ويجوز بيع بعضها ببعض متماثلا
ومتفاضلا، نقدا ونسيئة.
وللشافعي فيه قولان:
قال في القديم مثل ما قلناه.
وقال في الجديد: فيه الربا إذا كان مطعوما - مثل السفرجل والرمان
والبطيخ وما أشبه ذلك - فعلى هذا يجوز بيع جنس بجنس غيره متفاضلا يدا
34

بيد، مثل رمانة بسفرجلتين، وسفرجلة بخوختين، وما أشبه ذلك، لأن التفاضل
لا يحرم في جنسين، وإنما يحرم النسيئة والتفرق قبل القبض.
وأما الجنس الواحد فإنه لا يجوز بيع بعضه ببعض متفاضلين، مثل رمانة
برمانتين، وسفرجلة بسفرجلتين، وخوخة بخوختين، وبطيخة ببطيختين.
وهل يجوز بيع بعضه ببعض متساويين؟ نظر فيه:
فإن كان مما ييبس ويبقى منفعته يابسا - مثل الخوخ والكمثرى - فإنه لا
يجوز بيع الرطب بالرطب حتى ييبس.
وإن كان مما لا ييبس مثل القثاء وما أشبه ذلك، أو كان رطبا لا يصير
تمرا، أو عنبا لا يصير زبيبا، ففيه قولان:
أحدهما: لا يجوز بيع بعضه ببعض، وإنما يباع بغير جنسه، وهو مذهبه
المشهور.
والقول الثاني: يجوز بيع بعضه ببعض.
دليلنا: الآية، وأيضا الأصل الإباحة، والمنع منه يحتاج إلى دليل، وأيضا
عليه إجماع الفرقة، وأخبارهم تدل على ذلك.
مسألة 73: يجوز بيع الطعام بالدقيق إذا كان من جنسه، مثلا بمثل، يدا
بيد، ولا يجوز نسيئة. وإن كان من غير جنسه يجوز متفاضلا ومتماثلا.
وقال الشافعي: لا يجوز بيع الدقيق بالحنطة مثلا بمثل، ولا متفاضلا لا
بالوزن ولا بالكيل، وبه قال حماد بن أبي سليمان،
والحكم، والحسن البصري، ومكحول، والثوري، وأبو حنيفة وأصحابه.
وقال أبو الطيب بن سلمة من أصحاب الشافعي بجوازه.
وحكي عن الكرابيسي أنه قال، قال أبو عبد الله: يجوز بيع الحنطة بدقيقها.
فقال ابن الوكيل: أراد بذلك الشافعي، فصار ذلك قولا آخر له.
وسائر أصحابه ذهبوا إلى الأول، وقالوا: إنه لم يرد به الشافعي، وإنما أراد به
35

أحمد أو مالكا، لأن كلاهما يكنى أبا عبد الله، وهما مخالفان في المسألة.
وذهب مالك، وابن شبرمة، وربيعة، والليث بن سعد، وقتادة، والنخعي إلى
أنه يجوز بيع الحنطة بدقيقها، كيلا بكيل متماثلا.
وقال أحمد وإسحاق والأوزاعي:
يجوز بيع الحنطة بدقيقها، وزنا بوزن، ولا يجوز كيلا بكيل متماثلا.
وقال أبو ثور: الحنطة والدقيق جنسان، يجوز بيع أحدهما بالآخر، متماثلا
ومتفاضلا.
دليلنا: أن الأصل جوازه، والمنع يحتاج إلى دلالة. وأيضا قوله تعالى:
وأحل الله البيع، وهذا بيع، وتخصيصها يحتاج إلى دليل، ولا دلالة.
مسألة 74: يجوز بيع الحنطة بالسويق منه، وبالخبز، وبالفالوذج المتخذ
من النشا مثلا بمثل.
وقال الشافعي: لا يجوز ذلك، ولا بيع شئ منها بالآخر.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء، من الآية ودلالة الأصل، وأن المنع
والتخصيص يحتاج إلى دلالة.
مسألة 75: يجوز بيع دقيق الحنطة بدقيق الحنطة، ودقيق الشعير بدقيق
الشعير، مثلا بمثل.
وقال الشافعي: لا يجوز.
وروى المزني في المنثور أنه يجوز، وكذلك كل جنس من المطعومات
التي فيها الربا.
وقال أبو حنيفة: يجوز ذلك إذا تساويا في اللين والخشونة.
دليلنا: قوله تعالى: وأحل الله البيع، والمنع منه يحتاج إلى دليل.
36

مسألة 76: يجوز بيع الدقيق بالسويق مثلا بمثل. وبه قال أبو يوسف،
ومالك، إلا أنهما قالا: ويجوز أيضا متفاضلا.
وقال الشافعي: لا يجوز ذلك. وبه قال أبو حنيفة، إلا ما رواه أبو يوسف عنه
من جوازه في الأصول.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 77: يجوز بيع خل الزبيب بخل الزبيب مثلا بمثل، ولا يجوز
متفاضلا، وبيع خل التمر بخل التمر.
وقال الشافعي: لا يجوز ذلك.
دليلنا: قوله تعالى: وأحل الله البيع، والمنع منه يحتاج إلى دلالة.
مسألة 78: يجوز بيع خل الزبيب بخل العنب مثلا بمثل، ولا يجوز
متفاضلا.
وقال الشافعي: لا يجوز ذلك.
دليلنا: الآية، ودلالة الأصل، والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 79: يجوز بيع خل الزبيب بخل التمر، متماثلا ومتفاضلا.
وقال الشافعي فيه قولين:
أحدهما: يجوز إذا لم يعتبر الربا في
الماء. والآخر: لا يجوز إذا اعتبر الربا في الماء.
دليلنا: الآية، ودلالة الأصل، والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 80: لا يجوز بيع مكيل بمكيل جزافا، سواء كان ذلك في الحضر
أو في السفر. وبه قال الشافعي وأبو حنيفة.
37

وقال مالك: إذا كان البيع في البدو يجوز بيع الصبرة بالصبرة بالتخمين
والحرز.
دليلنا: ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه نهى عن بيع الغرر، وهذا
غرر.
وما روي عن أئمتنا عليهم السلام من أنه نهى عن بيع الصبرة بالصبرة، ولا
يدري ما كيل هذه من كيل هذه، وهذا نص.
مسألة 81: يجوز بيع الشيرج بعضه ببعض، متماثلا يدا بيد. وبه قال
جميع أصحاب الشافعي، إلا ابن أبي هريرة فإنه منع منه.
دليلنا: الآية، ودلالة الأصل، والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 82: يجوز بيع زيت الزيتون بزيت الفجل متفاضلا.
وللشافعي فيه قولان:
أحدهما: مثل ما قلناه، لأنهما جنسان. والآخر: لا يجوز، لأنهما يجمعهما اسم
زيت.
دليلنا: الآية، ودلالة الأصل، والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 83: دهن البذر والسمك فيه الربا.
وقال الشافعي: لا ربا فيه.
وفي أصحابه من قال مثل ما قلناه.
دليلنا: إجماع الفرقة على أن كل مكيل وموزون فيه الربا، وهذا إما أن
يكال أو يوزن بحسب عادة البلاد، فقد دخل تحته، وطريقة الاحتياط أيضا تقتضي
المنع منه.
38

مسألة 84: عصير العنب، والسفرجل، والتفاح، والرمان، والقصب وغير
ذلك يجوز بيع جنس واحد منه بعضه ببعض، مثلا بمثل، نيئا كان أو مطبوخا،
ولا يجوز متفاضلا.
وقال الشافعي: إن كان نيئا مثل ما قلناه. وإن كان مطبوخا لا يجوز.
دليلنا: الآية، ودلالة الأصل، والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 85: العسل الذي فيه الشمع - وهو الشهد - يجوز بيع بعضه
ببعض، مثلا بمثل.
وقال الشافعي: لا يجوز ذلك، سواء كان الشمع فيهما أو في أحدهما.
دليلنا: الآية، ودلالة الأصل، والمنع يحتاج إلى دلالة.
مسألة 86: العسل الذي صفي يجوز بيع بعضه ببعض متماثلا، سواء
صفي بالشمس أو بالنار.
وقال الشافعي: إن صفي بالشمس يجوز بيع بعضه ببعض مثلا بمثل، وإن
صفي بالنار نظر، فإن كان قد أذيب بالنار وأخذ أول ما ذاب قبل أن ينعقد أجزاءه
يجوز ذلك مثلا بمثل، وإن ترك حتى انعقد أجزاءه وثخن لم يجز بيع بعضه
ببعض.
دليلنا: الآية، ودلالة الأصل، والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 87: يباع العسل بالعسل وزنا دون الكيل، مثلا بمثل. وبه قال
الشافعي نصا.
وقال أبو إسحاق المروزي: يباع كيلا، لأن أصله الكيل.
دليلنا: أنا قد أجمعنا على صحة بيعه وزنا، ولا دليل على جواز بيعه كيلا.
وأيضا فإنا لو بعناه كيلا لم نأمن فيه التفاضل، وإذا وزناه أمنا ذلك فيه وأيضا
39

المرجع في ذلك إلى العادة، ولم تجر العادة ببيع العسر والسمن إلا بالوزن.
مسألة 88: يجوز بيع مد من طعام بمد من طعام وإن كان في أحدهما
فضل، وهو عقد التبن، أو زوان - وهو حب أصغر منه دقيق الطرفين - أو شيلم
وهو معروف.
وقال الشافعي: لا يجوز.
دليلنا: الآية، ولا مانع يمنع منه.
مسألة 89: الألبان أجناس مختلفة، فلبن الغنم الأهلي جنس واحد وإن اختلفت أنواعه،
ولبن الغنم الوحشي - وهو الظباء - جنس آخر.
وكذلك لبن البقر الأهلي جنس واحد وإن اختلفت أنواعه، والجواميس
منها، ولبن البقر الوحشي جنس آخر.
ولبن الإبل جنس بانفراده وإن اختلفت أنواعه، وليس في الإبل وحشي.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما: مثل ما قلناه. والثاني: أن الألبان كلها جنس
واحد.
دليلنا على اختلاف أجناسها: أن الاسم يتناول كل واحد منها ولا يتناول
الآخر، ولأن أصول هذه الألبان أجناس مختلفة، فوجب في الألبان مثله.
مسألة 90: يجوز بيع اللبن بالزبد متماثلا، ولا يجوز متفاضلا.
وقال الشافعي: لا يجوز.
دليلنا: الآية، ودلالة الأصل، والمنع يحتاج إلى دلالة.
مسألة 91: يجوز بيع اللبن الحليب بالدوغ - وهو المخيض - مثلا بمثل.
وقال الشافعي: لا يجوز.
40

دليلنا: الآية، ودلالة الأصل، ولا مانع يمنع عنه.
مسألة 92: يجوز بيع اللبن بالجبن، والمصل، والأقط مثلا بمثل.
وقال الشافعي: لا يجوز.
دليلنا: الآية، والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 93: بيع الزبد بالزبد يجوز متماثلا، ولا يجوز متفاضلا.
وقال الشافعي: لا يجوز بيع بعضه ببعض.
دليلنا: الآية، ودلالة الأصل، والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 94: بيع الجبن بالجبن، والأقط بالأقط، والمصل بالمصل يجوز.
وقال الشافعي: لا يجوز.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 95: الجبن، والأقط، والسمن، والمصل كل واحد منها بالآخر يجوز
متماثلا، ولا يجوز متفاضلا.
وقال الشافعي: لا يجوز بيع بعضه ببعض على حال.
دليلنا: الآية، ودلالة الأصل، والمنع يحتاج إلى دليل.
وأما التفاضل فلأنا قد بينا أن كل موزون ومكيل ففيه الربا إذا كان الجنس
واحدا، وهذه جنس واحد.
مسألة 96: بيع الزبد بالسمن مثلا بمثل يجوز.
وقال الشافعي: بيع بعضه ببعض لا يجوز أصلا.
دليلنا: الآية، ودلالة الأصل، والمنع يحتاج إلى دليل.
41

مسألة 97: بيع الزبد بالمخيض يجوز مثل بمثل، ونص الشافعي على
جوازه.
وقال أصحابه: الذي يجئ على قياس مذهبه أنه لا يجوز.
دليلنا: الآية، ودلالة الأصل، والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 98: يجوز بيع مد من تمر ودرهم بمدي تمر، وبيع مد من حنطة
ودرهم بمدي حنطة، ومد من شعير ودرهم بمدي شعير. وهكذا إذا كان بدل
الدرهم في هذه المسائل ثوب أو خشبة أو غير ذلك مما فيه الربا، أو ما لا ربا فيه.
وهكذا يجوز بيع درهم وثوب بدرهمين، وبيع دينار وثوب بدينارين،
وبيع دينار قاساني ودينار إبريزي بدينارين نيسابوريين.
وجملته أنه يجوز بيع ما يجري فيه الربا بجنسه ومع أحدهما غيره مما فيه
ربا أو لا ربا فيه. وبه قال أبو حنيفة.
وقال الشافعي: أن جميع ذلك لا يجوز.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأخبارهم التي ذكرناها، وقوله تعالى: وأحل الله
البيع، وقال: إلا أن تكون تجارة عن تراض، وهذه الأشياء كلها بيع وتجارة،
فيجب أن يكون مباحا لعموم الآيتين، والتخصيص يحتاج إلى دليل.
مسألة 99: إذا باع شاة في ضرعها لبن بلبن كان جائزا.
وقال الشافعي: لا يجوز، لأن ذلك ربا.
دليلنا: الآية، ودلالة الأصل، والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 100: إذا باع شاة مذبوحة في ضرعها لبن بلبن كان جائزا.
وقال الشافعي: لا يجوز إن كان في ضرعها لبن بيعها بلبن، وإن لم يكن في
ضرعها لبن كان جائزا.
42

دليلنا: الآية، ولا مانع يمنع منه.
مسألة 101: إذا باع شاة في ضرعها لبن، بشاة في ضرعها لبن، كان جائزا.
وقال جميع أصحاب الشافعي: لا يجوز.
وقال أبو الطيب بن سلمة منهم: يجوز.
دليلنا: الآية، ولا مانع يمنع منه.
مسألة 102: القسمة تمييز الحقين، وليس ببيع.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه. والآخر أنه بيع.
دليلنا على أنه ليس ببيع: أن لفظ البيع من الإيجاب والقبول ليس بموجود
فيه، ولأنه لا خلاف أن القرعة تستعمل في ذلك، ولا تستعمل في شئ من عقود
البيع، فدل على أنه ليس ببيع.
مسألة 103: إذا ثبت أنه تمييز الحقين، فإذا كان المال المشترك مكيلا أو
موزونا - مما يجري فيه الربا أو مما لا يجري صح بيع بعضه ببعض، مثل
الرطب، والعنب، وسائر الثمار وما أشبه ذلك - فإنه يصح القسمة فيه.
وللشافعي فيه قولان:
إذا قال: هو تمييز الحقين، قال مثل ما قلناه.
وإذا قال: هو بيع، فإن كان المشترك مكيلا أو موزونا لم يجز أن يقتسما
ما أصله الكيل إلا كيلا، ولا يجوز وزنا، وما أصله الوزن لا يجوز إلا وزنا ولا يجوز
كيلا.
وعلى القول الآخر: يجوز القسمة كيلا ووزنا وعلى كل حال.
وقال: ما لا يجوز بيع بعضه ببعض مثل الرطب، والعنب، وسائر الثمار،
فإن قال أنه بيع لم يجز قسمته، وإذا قال تمييز حق جاز ذلك.
43

دليلنا: ما قد بينا أن ذلك تمييز الحقين، وليس بيع، فمن منع منه إنما
يمنع منه لما يؤدي إلى الربا، وهذا لا يتم مع ارتفاع البيع.
مسألة 104: إذا كانت الثمرة على أصولها مشتركة، يصح قسمتها
بالخرص، سواء كان فيها العشر أو لم يكن.
وللشافعي فيه قولان: إذا قال أن القسمة بيع لم يجز ذلك، لأنه لا يجوز بيع
ما على رؤوس النخل بالتمر.
وإذا قال تمييز الحقين، فإن كان مما لا يجب فيه العشر لا يصح فيه القسمة،
لأن الخرص لا يجوز فيه، وإن كان مما يجب فيه العشر كالرطب والعنب يجوز،
لأنه يجوز فيه الخرص ليعرف مقدار حق الفقراء ويضمنه رب المال.
دليلنا: أنا قد بينا القسمة تمييز حق، فإذا ثبت ذلك فالأصل جواز القسمة،
والمنع يحتاج إلى دلالة.
مسألة 105: لا يجوز بيع الرطب بالتمر، فأما بيع العنب بالزبيب، أو ثمرة
رطبة بيابسها مثل التين الرطب بالجاف، والخوخ الرطب بالمقدد وما أشبه
ذلك، فلا نص لأصحابنا فيه، والأصل جوازه، لأن حملها على الرطب قياس،
ونحن لا نقول به.
وقال الشافعي: أن جميع ذلك لا يجوز. وبه قال سعيد بن المسيب،
ومالك، والليث بن سعد، وأحمد، وإسحاق، وأبو يوسف، ومحمد.
وقال أبو حنيفة: يجوز ذلك كله.
وأظن أبا ثور معه.
دليلنا على منع بيع الرطب بالتمر: إجماع الفرقة وأخبارهم، وعلى جواز
الباقي الآية ودلالة الأصل، والمنع يحتاج إلى دليل، وحمله على الرطب قياس،
وهو عندنا فاسد.
44

مسألة 106: يجوز بيع الرطب بالرطب. وبه قال محمد، وأبو يوسف،
ومالك، والمزني.
وقال الشافعي: لا يجوز.
دليلنا: الآية، ودلالة الأصل، والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 107: الرطب الذي لا يصير تمرا يجوز بيع بعضه ببعض، مثل
الدقل، والعمري وغيره.
وقال الشافعي: لا يجوز، وكذلك قال في الفواكه التي لا يمكن ادخارها.
وفي أصحابه من قال مثل ما قلناه.
دليلنا: الآية، ودلالة الأصل، والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 108: الفجل المغروس في الأرض، والشلجم، والجزر إذا اشترى
ورقه بشرط القطع أو بغير شرطه، أو أصله بشرط القطع أو بشرط التبقية، فإنه
يجوز.
وقال الشافعي: أنه إن اشترى ورقه بشرط القطع جاز، وإن لم يشرط ذلك
لم يصح، وأما بيع أصله فإنه لا يجوز على حال.
دليلنا: الآية، والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 109: إذا اشترى سلعة من غيره ولم يقبضها، فهلكت في يد البائع،
فإنها تهلك من ضمانه، وينفسخ البيع، ولا يجب على المشتري تسليم ثمنها إليه.
وبه قال أبو حنيفة والشافعي إلا أنا نشترط أن يكون البائع لم يمكنه من التسليم،
ولم أجد لهم نصا في ذلك.
وقال مالك: لا ينفسخ البيع، ويتلف المبيع من ضمان المشتري، وعليه
تسليم الثمن إلى البائع، ولا شئ على البائع، إلا أن يكون طالبه المشتري بتسليمه
45

إليه فلم يسلمه حتى يتلف، فيجب عليه قيمته للمشتري. وبه قال أحمد وإسحاق.
دليلنا على أنه لا يلزمه الثمن: أنه لم يتمكن من العوض، فلا يلزمه لأنه في
مقابله، فمتى لم يحصل لم يجب عليه ذلك، والأصل براءة الذمة، وعلى المسألة
إجماع الفرقة، وعليها تدل أخبارهم.
مسألة 110: الدراهم والدنانير تتعينان بالعقد، فإذا اشترى سلعة بدراهم أو
دنانير بعينها لم يجز له أن يسلم غيرها. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: لا يتعينان، ويجوز أن يسلم غير ما وقع عليه العقد.
دليلنا: إن ما وقع عليه العقد مجمع على جوازه، وإقامة البدل مقامه
يحتاج إلى دليل أو تراض، وليس هاهنا واحد منهما.
وأيضا روي عن النبي صلى الله عليه آله أنه قال: لا تبيعوا الذهب بالذهب،
ولا الورق بالورق، ولا البر بالبر، ولا الشعير بالشعير، ولا التمر بالتمر، ولا الملح
بالملح إلا سواء، عينا بعين، يدا بيد.
فقوله عليه السلام: عينا بعين، يدل على أنهما يتعينان، ولو كانا لا يتعينان
لما كان عينا بعين.
مسألة 111: إذا ثبت أنهما يتعينان، فمتى باع دراهم بدنانير، أو دنانير
بدراهم، ثم خرج إحديهما زائفا، بأن تكون الدراهم رصاصا، أو الدنانير نحاسا
كان البيع باطلا، وبه قال الشافعي وأكثر أصحابه.
وقال أبو علي الطبري في الإيضاح من أصحاب الشافعي: ومن أصحابنا من
قال البيع صحيح، ومخير فيه.
قال أبو علي الطبري: وفيه نظر، وأكثر أصحابه على الأول، وهو نص
للشافعي.
دليلنا على بطلان العقد: إن العقد وقع على شئ بعينه، وإذا لم يصح
46

بطل، والتخيير يحتاج إلى دليل، وليس في الشرع ما يدل عليه.
مسألة 112: إذا وجد بالدراهم عيبا من جنسه، مثل أن يكون فضة خشنة،
أو ذهبا خشنا، أو يكون سكة مضطربة مخالفة لسكة السلطان، فهو بالخيار بين أن
يرده ويسترجع ثمنه وليس له بدله.
فإن كان العيب في الجميع، كان بالخيار بين رد الجميع وبين الرضا به.
وإن كان العيب في البعض، كان له رد الجميع لوجود العيب في الصفقة، وليس
له أن يرد البعض ويمسك الباقي. وبه قال الشافعي، إلا أنه قال:
إذا وجد العيب في البعض فله أن يرد المعيب دون الصحيح.
وله في المسألة قولان: أحدهما مثل ما قلناه. والثاني: ما حكيناه.
وإذا قال: له إمساكه، فهل يمسكه بحصة من الثمن أو بجميع الثمن؟ فعلى
قولين.
دليلنا: أن العيب إذا وجد كان له رد الجميع بلا خلاف، وهل له رد
البعض دون الجمع؟ يحتاج إلى دليل، وليس في الشرع ما يدل عليه وحمله
على تفريق الصفقة قياس، ونحن لا نقول به.
مسألة 113: إذا باع دراهم بدراهم، أو دنانير بدنانير بأعيانها، فوجد
ببعضها عيبا من جنسها، كان ذلك عيبا، له رده وفسخ العقد، وله الرضا به.
وإن كان العيب من غير جنسه، كان البيع باطلا.
وقال أبو طيب الطبري من أصحاب الشافعي: الأمران سواء عندي، والبيع
باطل، فإنه باع جيدا ومعيبا بجنسه، فينقسم الثمن عليهما على قدر الثمن فيؤدى
إلى التفاضل، ويكون مثل أن يبيع دينارا جيدا ودينارا رديا بدينارين.
دليلنا على صحة البيع: الآية، وإبطاله يحتاج إلى دليل، وردها بالعيب
47

وفسخ العقد به لا خلاف فيه.
مسألة 114: إذا باع دراهم بدنانير في الذمة، وتفرقا بعد أن تقابضا، ثم
وجد أحدهما بما صار إليه عيبا من جنسه في الكل، كان له رده واسترجاع ثمنه،
وكان له الرضا به، وإن أراد إبداله بغير معيب كان له ذلك. وبه قال أبو يوسف،
ومحمد، وأحمد، وهو أحد قولي الشافعي، وهو اختيار المزني.
والقول الثاني: ليس له ذلك، ويبطل العقد.
دليلنا على أن له ذلك: أن ذلك عيب، والعيب لا يدل على بطلان العقد،
وإنما يجب للمشتري إما الرضا به أو الفسخ، وإن كان ذلك كذلك كان البيع
صحيحا، وله الرضا والفسخ، ومن حكم ببطلان العقد فعليه الدلالة.
مسألة 115: إذا باع مائة دينار جياد ومائة دينار رديئة، بمائتي دينار وسط،
كان ذلك جائزا.
وقال الشافعي: لا يجوز ذلك، لأن المائة الجيدة تأخذ من المائتين أكثر مما
تأخذ الرديئة، فيؤدى إلى التفاضل، كما قال في مدي عجوة.
دليلنا: الآية، ودلالة الأصل، والمنع يحتاج إلى دليل.
وقوله عليه السلام: لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا سواء بسواء، وهذا باعه
سواء بسواء، فيجب أن يكون جائزا.
مسألة 116: يجوز بيع دينار صحيح ودينار قراضة بدينارين صحيحين،
وبدينارين قراضة، ويجوز بيع درهم صحيح ودرهم مكسر، بدرهمين صحيحين،
أو مكسرين.
وقال الشافعي: لا يجوز ذلك لمثل، تعليله في مدي عجوة بمدي عجوة.
وأما إذا باع دينارين جيدين أو صحيحين بدينارين رديين أو مكسرين، جاز
48

ذلك بلا خلاف بيننا وبين الشافعي، لأن أجزاء الدينارين الجيدين متساوية
القيمة، وأجزاء الدينارين الرديين متساوية القيمة فإذا قسم أحدهما على الآخر على
قدر أجزاء المقسوم أخذ كل جزء مثل ما يأخذ الجزء الآخر من عوضه، فلا
يؤدي إلى التفاضل.
دليلنا: الآية، ودلالة الخبر المتناول في جواز بيع الذهب بالذهب سواء
بسواء ولم يفصل، فمن فصل فعليه الدلالة، وما اعتبره ضرب من القياس وعندنا
لا يجوز.
مسألة 117: إذا باع سيفا محلى بفضة بدراهم، أو كان محلى بالذهب فباعه
بدنانير، وكان الثمن أكثر مما فيه من الذهب أو الفضة، كان ذلك جائزا وإن كان
مثله أو أقل منه لم يجز.
وقال الشافعي: لا يجوز ذلك على كل حال.
دليلنا على ذلك: الآية، ودلالة الأصل، والمنع يحتاج إلى دليل. ولأنه إذا
كان الثمن أكثر، كان ما يقابله مثلا بمثل، والفاضل ثمن الفضل والغلافة مثل ما
قلناه فيما تقدم.
مسألة 118: فإن باع السيف بغير جنس حليته، مثل أو يكون محلى بفضة
فباعه بدنانير، أن يكون محلى بذهب فباعه بدراهم، كان ذلك صحيحا على كل
حال.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه.
والثاني: لا يجوز، لأنه بيع وصرف، وهما عقدان مختلفان في الأحكام، فلم
يجز الجمع بينهما في عقد واحد.
دليلنا: الآية، ودلالة الأصل، والمنع يحتاج إلى دليل، وعليه إجماع الفرقة
وأخبارهم، وكذلك المسألة الأولى.
49

مسألة 119: إذا باع خاتما من فضة بدراهم أكثر مما فيه من الفضة، كان
ذلك جائزا.
وقال الشافعي: لا يجوز على كل حال.
دليلنا: الآية، ودلالة الأصل، والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 120: فإن بيع الخاتم بذهب كان جائزا.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه. والثاني: أنه لا يجوز، لأنه بيع
وصرف.
دليلنا: الآية، ودلالة الأصل، والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 121: إذا كان مع إنسان دراهم صحاح يريد أن يشتري بها مكسرة
أكثر منها وزنا، فاشتري بالصحاح ذهبا، ثم اشترى بالذهب مكسرة أكثر من
الصحاح، كان جائزا بعد أن يتقابضا ويتفرقا بالأبدان، ولا فرق بين أن يكون
ذلك مرة أو أكثر أو متكررا منه. وبه قال الشافعي.
وقال مالك: إن كان ذلك مرة جاز، وإن تكرر ذلك لم يجز، لأنه
يضارع الربا.
دليلنا: الآية، ودلالة الأصل، والمنع يحتاج إلى دليل.
وقوله عليه السلام: إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم. وهذا بيع
جنس بغيره، فوجب أن يكون جائزا.
مسألة 122: اللحمان أجناس مختلفة. وبه قال أبو حنيفة.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه، وهو اختياره، والصحيح عند
أصحابه. والآخر: أنها جنس واحد.
دليلنا على أنها أجناس: أنها لحوم أجناس من الحيوان مختلفة، مثل الإبل
50

والبقر والغنم، وينفرد كل جنس منها باسم وحكم في الزكاة، ولا يضم بعضها
لبعض، ولو كان جنسا واحدا لضم بعضها إلى بعض، وذلك باطل بالإجماع.
مسألة 123: قد بينا أن اللحمان أجناس مختلفة، والسمك كلما يختص
باسم فهو جنس مخالف للجنس الآخر.
وعلى قول الشافعي الذي يقول: أنها جنس واحد، اختلف قول أصحابه في
السمك، فنص الشافعي على أنها من جنس سائر اللحوم، لأن اسم اللحم يجمعها.
وبه قال أبو إسحاق في الشرح، وأبو حامد المروزي في جامعه.
وقال أبو علي الطبري في الإفصاح: من قال أن اللحمان صنف واحد استثنى
الحيتان منها، لأن لها اسما أخص من اللحم وهو السمك، فيكون الحيتان على
هذا القول جنسا واحدا، وتكون مثل الألبان جنسا واحدا، ولا يدخل في اللحمان،
وهو اختيار أبي حامد الإسفرايني في التعليق، وهو قوي لما ذكره من تناول الاسم
له.
دليلنا: ما قلناه أولا في المسألة الأولى سواء، فلا معنى لإعادته.
مسألة 124: بيع اللحم صنف منه بعضه ببعض جائز مثلا بمثل، سواء
كان رطبا أو يابسا، ولا يجوز أن يباع الرطب باليابس.
وقال أصحاب الشافعي: إذا قلنا أن اللحوم صنف واحد، أو قلنا أصناف،
فباع من الصنف الواحد منها بعضه ببعض، إما أن يكون في حال الرطوبة، أو في
حال اليبس والجفاف:
فإن كان في حال الرطوبة، فالذي نص عليه الشافعي أنه لا يجوز.
وذكر أبو العباس بن سريج: أن فيه قولا آخر، أنه يجوز، قال: الباقون وهذا
ليس بمشهور.
وإن كان في حال اليبس، فلا يخلو أن يكون تناهي يبسه، أو بقيت فيه
51

رطوبة، فإن كانت بقيت فيه رطوبة ينقص باليبس، فإنه لا يجوز بيع بعضه ببعض.
وإن تناهي يبسه فلا يخلو من أحد الأمرين: إما أن يكون منزوع العظم أو فيه
عظم، فإن كان منزوع العظم جاز قولا واحدا. وإن بيع مع العظم قال أبو سعيد
الإصطخري: يجوز ذلك. وحكي عن أبي إسحاق أنه لا يجوز.
دليلنا: الآية، ودلالة الأصل، والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 125: يجوز بيع لحم مطبوخ بعضه ببعض، وبيع المشوي بعضه
ببعض، وبيع المشوي بالمطبوخ، وبيع المطبوخ أو المشوي بالنئ.
وقال الشافعي: كل ذلك لا يجوز.
وقال: إذا يبس ثم أصابه الندي حتى ابتل لم يبع بعضه ببعض.
دليلنا: الآية، ودلالة الأصل، ولا مانع يمنع منه لأنه بيع.
مسألة 126: لا يجوز بيع لحم الحيوان بالحيوان إذا كان من جنسه، مثل
لحم الشاة بالشاة، ولحم بقر ببقر، وإن اختلف لم يكن به بأس. وبه قال في
الصحابة أبو بكر، وهو مذهب مالك، والشافعي، والفقهاء السبعة من أهل المدينة،
إلا أن للشافعي في بيعه بغير جنسه قولين:
أحدهما: لا يجوز، لعموم الخبر.
والثاني: يجوز، لأنه يؤمن فيه الربا.
وقال أبو حنيفة وأبو يوسف، يجوز. وهو اختيار المزني.
وقال محمد بن الحسن: يجوز، على اعتبار اللحم الذي في الحيوان، فإن
كان أقل من اللحم الذي في مقابلته يجوز، فيكون مبيعا بقدره من اللحم والزيادة
في مقابلة جلد الحيوان والسواقط، كما قال أبو حنيفة في بيع الشيرج بالسمسم،
والزيت بالزيتون.
52

دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
وروى سعيد بن المسيب أن النبي صلى الله عليه وآله نهى عن بيع اللحم
بالشاة الحية. وفي بعضها أنه نهى عن بيع الحي بالميت.
وروي هذا الحديث مسندا، عن سهل بن سعد الساعدي من جهة الزهري،
ومن جهة الحسن عن سمرة، ومن جهة عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه
وآله أنه نهى عن بيع اللحم بالحيوان.
وأيضا إجماع الصحابة.
روي عن ابن عباس أن جزورا نحرت على عهد أبي بكر، فجاء رجل بعناق
فقال: أعطوني جزءا بهذه العناق، فقال أبو بكر: لا يصلح هذا. ولا يعرف له
مخالف.
مسألة 127: إذا باع لحما مذكى بحيوان لا يؤكل لحمه، مثل الحمار
والبغل، والعبد، لم يكن به بأس. وللشافعي فيه قولان.
وكذلك إذا باع سمكة بلحم شاة، أو بقرة، أو جمل، أو باع حيوانا بلحم
سمك لم يكن به بأس. وللشافعي أيضا فيه قولان.
دليلنا: الآية، ودلالة الأصل، والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 128: يجوز للمسلم أن يشتري من الحربي درهمين بدرهم، ولا يجوز أن
يبيعه درهمين بدرهم، بل ينبغي أن يأخذ الفضل ولا يعطيه، وكذلك
جميع الأجناس التي فيها الربا.
وقال الشافعي: لا يجوز ذلك، والربا في دار الحرب ودار الإسلام، في
جميع ما يجري فيه الربا سواء، ولا فرق فيه بين الدارين، ولا فرق بين المسلمين،
وبين مسلم وحربي.
وقال أبو حنيفة: إذا باع حربي من مسلم في دار الحرب درهمين بدرهم، أو
53

قفيزين من طعام بقفيز جاز، ولم يكن ذلك ربا.
وحكي عنه أنه قال في رجلين أسلما في دار الحرب ولم يخرجا إلى دار
الإسلام، فتبايعا درهما بدرهمين: إنه يجوز، ولا يكون ذلك ربا.
دليلنا: إجماع الفرقة.
وما روي عنهم عليهم السلام من قولهم: ليس بيننا وبين أهل حربنا ربا. وروى
ذلك عمرو بن جميع، عن أبي عبد الله عليه السلام، عن أبيه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ليس بيننا وبين أهل حربنا ربا، نأخذ منهم
ألف درهم بدرهم، ونأخذ منهم ولا نعطيهم، وهذا نص فيما قلناه.
مسألة 129: من باع نخلا مطلعة، فإن كان أبر الطلعة، فالثمرة للبائع، إلا
أن يكون المشتري قد اشترطها وإن لم يكن أبرها فالثمرة للمشتري إلا أن يشترط
البائع أن تكون له، وبه قال الشافعي.
وقال ابن أبي ليلى: الثمرة للمشتري سواء أبرها أو لم يؤبرها.
وقال أبو حنيفة: الثمرة للبائع سواء أبرها أو لم يؤبرها.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا فإن أصل النخل والثمرة للبائع
قبل البيع، وانتقل النخل إلى ملك المشتري بالإجماع، ولا دليل على انتقال
الثمرة.
وروى سالم، عن أبيه، عن عبد الله بن عمر، عن النبي صلى الله عليه وآله: أنه
قال: من باع نخلا من بعد أن يؤبر فثمرتها للبائع إلا أن يشترط المبتاع. وهذا
نص.
وأخبارنا في هذا المعنى قد أوردناها في الكتاب الكبير.
مسألة 130: إذا أبر بعض ما في البستان مثل نخلة واحدة، لم يصر الباقي
في حكم المؤبر، فإذا باع نخل البستان كانت ثمرة النخلة المؤبرة للبائع، وما لم
54

يؤبر يكون للمشتري.
وقال الشافعي: إذا كانت واحدة مؤبرة صار الجميع للبائع.
وقال جميع أصحابه: حكم جميع الثمار حكم النخل. إلا ابن خيران فإنه
قال: التأبير لا يكون إلا في النخل.
دليلنا: ظاهر الخبر الذي قدمناه من أنه إذا باع نخلا قد أبر فثمرته للبائع
وما لم يؤبر فللمشتري، وذلك يتناول عين المؤبرة دون غيرها، وما لم يؤبر
يتناول حكم المشتري، كذلك أخبارنا.
مسألة 131: إذا باع نخلا مؤبرا، فقد قلنا أن الثمرة للبائع والأصل
للمشتري، فإذا ثبت هذا، فلا يجب على البائع نقل هذه الثمرة حتى يبلغ أبان
الجذاذ في العرف والعادة.
وكذلك إذا باع ثمرة منفردة بعد بدو الصلاح فيها، وجب على البائع
تركها حتى يبلغ أوان الجذاذ. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: يلزمه قطعها، وتفريغ النخل منها.
دليلنا على وجوب تبقيته: أن المرجع في ذلك إلى العادة، والعادة جارية
أن الثمار لا تشترى إلا على أن تأخذ في أوانها، فأما قبل أوانها فإن ذلك لم تجربه
العادة.
ولأن النبي صلى الله عليه وآله قال: لا ضرر ولا ضرار، وقطعها في غير
وقتها فيه ضرر.
مسألة 132: إذا قال بعتك هذه الأرض، ولم يقل بحقوقها، وفيها بناء
وشجر، لم يدخل في البيع البناء والشجر.
وللشافعي فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: يدخل البناء والشجر في البيع. وفي الرهن، قال: لا يدخل فيه إلا
55

إذا قال بحقوقها.
والثاني: قال بعض أصحابه: لا فرق بين البيع والرهن، ولا يدخل البناء
والشجر فيها إلا أن يقول بحقوقها. مثل قولنا.
ومنهم من قال: لا يدخلان في الرهن إلا أن يقول بحقوقها، ويدخلان في
البيع بمطلق العقد.
دليلنا: أنه إذا أطلق البيع، فإنما تناول العقد، الأرض دون البناء والشجر،
فمن قال يدخل فيه البناء والشجر فعليه الدلالة، ولا يلزم مثل ذلك إذا قال
بحقوقها، فإن ذلك مجمع عليه، وهو داخل في حقوقها.
مسألة 133: إذا باع دارا وفيها رحى مبنية، وغلق منصوب، دخل الرحى
التحتاني والغلق في البيع بلا خلاف، وعندنا أن الرحى الفوقاني والمفتاح أيضا
يدخلان فيه.
وللشافعي فيه وجهان: أحدهما مثل ما قلناه.
والثاني: لا يدخلان فيه، لأنهما منفصلان.
دليلنا: أن ذلك من حقوق الدار، لأن هكذا ينتفع بالرحى، وكذلك
ينصب الأغلاق، وهما من حقوقها.
مسألة 134: الماء الذي في البئر مملوك لصاحب الدار.
وللشافعي فيه وجهان: أحدهما مثل ما قلناه، وهو اختيار ابن أبي هريرة.
والثاني: لا يملك، وهو اختيار المروزي أبي إسحاق.
دليلنا على أنه يملك: أنه في ملكه، وله منع الغير منه، ومن التصرف فيه،
فدل على أنه ملكه، وقولهم: أنه ليس بمملوك لأنه للمستأجر أن يستبيح الماء من
غير أن يشتمل عليه عقد الإجارة باطل، لأن ذلك معلوم بالعادة، لأن الإنسان لا
يؤجر دارا إلا ويبيح التصرف في مائها، فبطل بذلك ما قالوه.
56

مسألة 135: معدن الذهب يجوز بيعه بالفضة، ومعدن الفضة يجوز بيعه
بالذهب.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه.
والثاني: لا يجوز لأنه بيع وصرف.
دليلنا: قوله تعالى: وأحل الله البيع، والأصل أيضا الإباحة، والمنع من
ذلك يحتاج إلى دليل.
مسألة 136: إذا باع أرضا وفيها حنطة أو شعير مطلقا من غير اشتراط
الزرع، فالزرع للبائع، ويلزم المشتري تبقيته في الأرض إلى وقت الحصاد. وبه
قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: يلزمه نقله وتفريغ الأرض.
دليلنا: أن هذا إضرار، والنبي صلى الله عليه وآله قال: لا ضرر ولا ضرار،
ولا يلزم مثل ذلك المشتري، فإن عليه ضررا في التبقية، فإنه اشترى مع علمه
بدخول هذا الضرر عليه.
مسألة 137: يجوز بيع الحنطة في سنبلها منفردا من الأرض، ومع
الأرض. وبه قال الشافعي في القديم.
وقال في الجديد: لا يجوز.
دليلنا: الآية، ودلالة الأصل، والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 138: إذا باع أرضا فيها بذر مع البذر فالبيع صحيح.
وللشافعي وأصحابه فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه. والآخر أنه يبطل البيع
فيهما.
وله قول آخر وهو أنه يبطل في البذر دون الأرض، ويأخذها بجميع الثمن،
57

لأن البذر مجهول، لا يمكن أن يتقسط على الثمن.
دليلنا: الآية، ولا مانع في الشرع يمنع منه.
مسألة 139: إذا باع ثمرة منفردة عن الأصل، مثل ثمرة النخل أو الكرم أو
سائر الثمار، فلا يخلو من أحد أمرين: إما أن يكون قبل بدو الصلاح، أو بعده،
فإن كان قبل بدو الصلاح، فلا يخلو البيع من أحد أمرين: إما أن يبيع سنتين
فصاعدا، أو سنة واحدة، فإن باع سنتين فصاعدا فإنه يجوز عندنا خاصة، وخالف
جميع الفقهاء في ذلك.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأخبارهم، ودلالة الأصل يدلان عليه.
مسألة 140: وإن باع سنة واحدة فلا يخلو البيع من ثلاثة أحوال: إما أن
يبيع بشرط القطع، أو مطلقا، أو بشرط التبقية.
فإن باع بشرط القطع في الحال، جاز بالإجماع، وإن باع مطلقا أو بشرط
التبقية لم يصح البيع. وبه قال الشافعي، ومالك، وأحمد، وإسحاق.
وقال أبو حنيفة: يجوز بشرط القطع، ويجوز مطلقا، ويجب عليه القطع في
الحال، ولا يجوز بشرط التبقية، فحصل الخلاف في البيع المطلق.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وقد ذكرناها في الكتاب المذكور.
وأيضا روى عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله نهى عن بيع الثمار
حتى يبدو صلاحها، ونهى البائع والمشتري.
وروى أيضا عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله عن بيع الثمار حتى
يذهب العاهة، فقيل لعبد الله بن عمر: متى ذلك؟ قال: إذا طلع الثريا.
وروى أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وآله نهى عن بيع الثمار حتى
تزهي، قيل: يا رسول الله وما تزهي؟ قال: حتى تحمر.
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله أرأيت إذا منع الله الثمرة فبم يأخذ
58

أحدكم مال أخيه.
وروى جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وآله نهى عن بيع الثمرة حتى
تشقح؟ قال: تحمر وتصفر ويؤكل منها.
وروى أبو سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وآله قال: لا تبايعوا الثمرة
حتى يبدو صلاحها، قيل: وما بدو صلاحها؟ قال: يذهب عاهتها ويخلص طيبها.
وروى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله نهى عن بيع الثمرة حتى
تطعم.
وروى أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وآله نهى عن بيع العنب حتى
يسود، وعن بيع الحب حتى يشتد.
مسألة 141: إذا كانت الأصول لرجل، والثمرة لآخر، فباع الثمرة من
صاحب الأصول، فلا يصح أيضا بيعها قبل بدو الصلاح.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه، وهو القياس عندهم، والثاني: أنه
يجوز.
دليلنا: عموم الأخبار، وتخصيصها يحتاج إلى دليل.
مسألة 142: إذا باع الثمرة بعد بدو الصلاح صح البيع، سواء كان مطلقا
أو بشرط التبقية، أو بشرط القطع. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: إذا باع مطلقا جاز وأجبر على القطع، وإذا باع بشرط
القطع جاز، وإذا باع بشرط التبقية لم يجز ذلك.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
والأخبار التي قدمناها من أن النبي صلى الله عليه وآله نهى عن بيع الثمار
حتى يبدو صلاحها، يدل على أن بعد الصلاح يجوز بيعها.
59

مسألة 143: لا اعتبار بطلوع الثريا في بدو الصلاح في الثمار، بل المراعي
منه صلاحها بأنفسها بالبلوغ أو التلون. وقال الشافعي مثل ذلك.
وقال بعض الناس: أن الاعتبار بطلوع الثريا لما رواه ابن عمر.
دليلنا: الأخبار التي قدمناها من تقييد جواز ذلك حتى تزهي، وهي تعارض
خبر ابن عمر، ولأن عندما قلناه يجوز بيعه بلا خلاف عند من أجاز بيعه، ولم يقم
دليل على جواز بيعه عند طلوع الثريا إذا لم يبد صلاحه، على أن قول ابن عمر:
إذا طلع الثريا ليس من قول النبي صلى الله عليه وآله، وإنما هو من قوله، ولا
يجب اتباع قوله.
مسألة 144: إذا بدا الصلاح في بعض الجنس، جاز بيع الجميع مما في
البستان من ذلك الجنس وإن لم يبد صلاحه. وكذلك إذا بدا صلاح بعض
الثمار في بستان واحد ولم يبد صلاح نوع آخر فيه، فإنه يجوز بيع الجميع.
وإن كان ذلك في بستانين، أو في بساتين، فلا يجوز إلا أن يبدو الصلاح
في كل بستان، إما في جميعه، أو في بعضه.
وقال الشافعي: يعتبر في بعض الثمرة وإن قل، حتى لو وجد في بسرة
واحدة، لكان الباقي من ذلك النوع في ذلك البستان تابعا لها، وجاز بيع
الجميع من غير شرط القطع.
وهل يكون بدو الصلاح في نوع بدو الصلاح في نوع آخر من جنس واحد في بستان
واحد؟ فيه وجهان:
أحدهما: أنه يكون بدو الصلاح فيه، ويجوز بيع الجميع.
والثاني: لا يكون بدو الصلاح فيه، ولا يكون نوعه النوع آخر، وهو
الصحيح عندهم، ولا يختلف مذهبهم أن بدو الصلاح في جنس لا يكون بدو
الصلاح في جنس آخر.
هذا كله في بستان واحد، وأما في بستانين فلا يتبع أحدهما الآخر، فإذا بدا
60

الصلاح في نوع من الثمرة في بستان، لا يجوز بيع ذلك النوع في بستان آخر
إذا لم يبد فيه الصلاح.
وقال مالك: يجوز.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا نهي النبي صلى الله عليه وآله عام
في بيع الثمار قبل بدو صلاحها إلا ما خصه الدليل.
مسألة 145: إذا باع من البطيخ، والباذنجان، والقثاء، وما أشبه ذلك
الحمل الموجود، وما يحدث بعده من الأحمال دون الأصول، كان البيع
صحيحا. وبه قال مالك.
وقال الشافعي: يبطل في الجميع.
دليلنا قوله تعالى: وأحل الله البيع، ودلالة الأصل، والمنع يحتاج إلى
دليل، وعليه إجماع الفرقة.
مسألة 146: يجوز بيع الباقلاء الأخضر في القشر الأخضر الفوقاني، ويجوز
بيع الجوز واللوز وما أشبه ذلك في القشر الفوقاني الأخضر على الأرض، وعلى
الشجر منفردا عن الشجر، ومع الشجر. وبه قال أبو حنيفة.
وقال الشافعي: كل ذلك لا يجوز.
وقال أبو العباس بن القاص، وأبو سعيد الإصطخري من أصحابه: يجوز
ذلك، مثل ما قلناه، إلا أنهما قالا: يجوز ذلك إذا كان رطبا، فإذا جف ذلك
القشر فلا يجوز.
دليلنا: الآية، ودلالة الأصل، والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 147: يجوز بيع الحنطة في سنبلها، وبه قال أبو حنيفة، ومالك،
والشافعي في القديم.
61

وقال في الجديد: لا يجوز بيع الحنطة في سنبلها.
دليلنا: الآية، ودلالة الأصل، والمنع يحتاج إلى دليل.
وروى أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وآله نهى عن بيع العنب حتى
يسود، وعن بيع الحب حتى يشتد، ولم يفصل.
وروى عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله نهى عن بيع السنب
حتى يبيض ويأمن العاهة.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه نهى عن بيع الحب حتى يفرك وهو
أن يبلغ أوان الفرك، كما يقال: احصد، إذا بلغ أوان الحصاد.
مسألة 148: إذا بلغ ثمرة بستان، جاز أن يستثني أرطالا معلومة. وبه قال
مالك.
وقال أبو حنيفة والشافعي: لا يجوز ذلك، لأن الثمرة مقدارها مجهول.
دليلنا: إن الأصل جواز ذلك، والمنع يحتاج إلى دليل، وعليه إجماع
الفرقة.
مسألة 149: لا يجوز أن يبيع شاة ويستثني رأسها أو جلدها، سواء كان
ذلك في سفر أو حضر، وعلى كل حال، ومتى باع كذلك كان شريكا له
بمقدار ما يستثني منه من الثمن.
وقال أبو حنيفة والشافعي: لا يجوز ذلك على كل حال.
وقال مالك: إن كان في حضر لا يجوز، وإن كان في سفر يجوز.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا فاستثناء الرأس من الشاة استثناء من غير
جنسه، فمن أجازه فعليه الدلالة.
مسألة 150: إذا باع ثمرة وسلمها إلى المشتري، والتسليم أن يخلي بينها
62

وبينه، ثم أصابتها جايحة، فهلكت أو هلك بعضها، فإنه لا ينفسخ البيع.
وقال الشافعي في القديم: ينفسخ البيع. وقال في الأم: لا ينفسخ.
وذكر في الصرف قولين:
أحدهما: ينفسخ في التالف، وهو قوله في القديم.
والثاني: لا ينفسخ وهو قوله في الأم. وبه قال أبو حنيفة وهو المشهور من
مذهب الشافعي.
وقال مالك: إن كان ذلك فيما دون الثلث فهو من ضمان المشتري، وإن
كان الثلث فصاعدا فهو من ضمان البائع.
دليلنا: إنه قد ثبت العقد، فمن فسخه في جميعه أو في بعضه فعليه الدلالة.
مسألة 151: القبض في الثمرة على رؤوس النخل، هو التخلية بينها وبين
المشتري.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه، وهو قوله الجديد.
والثاني: قوله القديم، وهو أن القبض فيها النقل، مثل أن يكون على وجه
الأرض.
دليلنا على ما قلناه: إن العادة في الشجرة أنها لا تنقل ولا تحول، والثمرة ما
دامت متصلة بها كانت بمنزلتها، فيكون القبض فيها التخلية.
مسألة 152: لا يجوز المحاقلة، وهو بيع السنابل التي انعقد فيها الحب
واشتد، بحب من جنسه ومن ذلك السنبل.
وروى أصحابنا أنه إن باع بحب من جنسه من غير ذلك السنبل فإنه
يجوز.
وقال الشافعي: لا يجوز بيعها بحب من جنسها على كل حال.
وإليه ذهب قوم من أصحابنا.
63

وحكي عن مالك أنه قال: المحاقلة إكراء الأرض للزرع بالحب.
دليلنا: أخبار أصحابنا وإجماعهم على أن ما قلناه لا يجوز، وإن اختلفوا فيما
عداه، فالأصل فيما عداه الإباحة.
وأيضا روى جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وآله نهى عن المحاقلة
والمزابنة.
والمحاقلة: أن يبيع الرجل الزرع بمائة فرق حنطة.
والمزابنة: أن يبيع التمر في رؤوس النخل بمائة فرق تمرا.
مسألة 153: المزابنة: بيع الثمر على رؤوس الشجر، بثمر موضوع على
الأرض، وهو محرم بلا خلاف.
ومن أصحابنا من قال: إن المحرم أن يبيع ما على الرؤوس من النخل بتمر
منه.
فأما بتمر آخر فلا بأس به، والخبر الذي قدمناه يدل على ذلك.
وأيضا روى نافع، عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله نهى عن المزابنة
، والمزابنة بيع التمر بالتمر كيلا، وبيع العنب بالزبيب كيلا.
مسألة 154: يجوز بيع العرايا - وهو جمع عرية - وهو أن يكون لرجل
نخلة في بستان لغيره أو دار، فشق دخوله بالبستان، فيشتريها منه بخرصها تمرا
بتمر ويعجله له. وبه قال مالك.
وقال الشافعي: يجوز بيع العرايا - وهو بيع التمر على رؤوس النخل -
خرصا بمثله من التمر كيلا، ويجوز فيما دون خمسة أوسق قولا واحدا، وفي
خمسة أوسق على قولين، وفيما زاد على خمسة أوسق لا يجوز.
واختلف قوله، فقال في الأم: الغني والفقير المحتاج سواء. وقال في
اختلاف الأحاديث والإملاء: لا يجوز إلا للفقير، وهو اختيار المزني.
64

وقال أبو حنيفة: لا يجوز ذلك في القليل والكثير، وهو ربا.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
وأيضا روى سهل بن أبي حثمة أن النبي صلى الله عليه وآله نهى عن بيع
الثمر بالتمر إلا أنه رخص في العرايا أن تباع بخرصها تمرا، يأكلها أهلها رطبا،
وهذا نص.
وما ذكرناه من تفسير العرية قول أبي عبيدة من أهل اللغة.
مسألة 155: إذا كان لرجل نخلة عليها تمر، ولآخر نخله عليها تمر،
فخرصاهما تمرين، فإنه لا يجوز بيع إحديهما بالأخرى، إلا أن يكونا عريتين.
وللشافعي فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه يجوز. ذهب إليه ابن خيران أبو علي.
والثاني: إن كانا نوعا واحدا لا يجوز، وإن كانا نوعين يجوز ذلك. حكي
عن أبي إسحاق.
والثالث: لا يجوز بحال، وإنما يجوز بيعه بالتمر الموضوع على الأرض
كيلا. حكي عن أبي سعيد الإصطخري.
دليلنا على ما قلناه: عموم الأخبار في النهي عن بيع المزابنة، وإنما استثنى
من جملتها العرايا.
مسألة 156: إذا فسرنا العرايا بما تقدم ذكره، فلا يجوز لأحد أن يبيع تمرة
بستانه نخلة نخلة بيع العرية.
وقال الشافعي: يجوز أن يبيع نخلة نخلة، أو نخلتين إذا كان ذلك دون
الخمسة أو ساق.
دليلنا: أنا قد بينا حقيقة العرية، وذلك لا يتأتى في نخل البستان كله.
65

مسألة 157: العرية لا تكون إلا في النخل خاصة، فأما الكرم وشجر
الفواكه فلا عرية فيها، ولا يمكن أن يقاس على ذلك لبطلان القياس عندنا.
وقال الشافعي: في العنب عرية مثل ما في النخل قولا واحدا.
وفي سائر الأشجار له فيها قولان، أحدهما: أن فيها عرية، والثاني: لا عرية
فيها.
دليلنا: أنا أجمعنا على ثبوت العرية في النخل، ولا دليل على ثبوتها في
غيرها من الكرم والأشجار، وإلحاق غيرها بالنخل قياس، وذلك لا يجوز عندنا.
مسألة 158: يجوز بيع ما عدا الطعام قبل أن يقبض. وبه قال مالك.
وقال الشافعي: لا يجوز بيعه قبل القبض، ولا فرق بين الطعام وبين غيره.
وبه قال عبد الله بن عباس.
وقال أحمد بن حنبل: إن كان مكيلا أو موزونا لم يجز بيعه قبل القبض،
ويجوز في غيرهما. وبه قال الحسن البصري، وسعيد بن المسيب.
وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: إن كان مما ينقل ويحول لم يجز بيعه قبل
القبض، وإن كان مما لا ينقل ويحول من العقار جاز بيعه قبل القبض.
دليلنا: على ما قلناه: أن الطعام مجمع عليه، ولا دليل على ما عداه، وظاهر
الآية يقتضي جوازه.
وأيضا قول النبي صلى الله عليه وآله: من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى
يستوفيه.
فخص الطعام بذلك، ولو كان حكم غيره حكمه لبينه.
مسألة 159: القبض فيما عدا العقار والأرضين نقل المبيع إلى مكان آخر.
وبه قال الشافعي:
وقال أبو حنيفة: القبض هو التخلية في جميع الأشياء.
66

دليلنا: أن ما اعتبرناه لا خلاف في أنه قبض، وما ادعوه لا دليل على ثبوته
قبضا.
مسألة: 160: يجوز بيع الصداق قبل القبض، ويجوز بيع مال الخلع قبل
قبضه.
وبه قال أبو حنيفة.
وقال الشافعي: لا يجوز.
دليلنا: قوله تعالى: وأحل الله البيع، ودلالة الأصل، والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 161: الثمن إذا كان معينا يجوز بيعه قبل قبضه ما لم يكن صرفا،
وإن كان في الذمة أيضا يجوز.
وقال الشافعي في المعين لا يجوز قولا واحدا، وفيما في الذمة قولان.
دليلنا: الآية، ودلالة الأصل، وجواز التصرف، والمنع يحتاج إلى دليل.
وروى سعيد بن جبير، عن ابن عمر أنه قال: كنت أبيع الإبل بالبقيع،
فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم، وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير، آخذ هذه من
هذه، وأعطي هذه من هذه، فقال رسول الله عليه وآله صلى الله: لا بأس أن
تأخذها ما لم تفترقا وبينكما شئ.
مسألة 162: إذا قال لمن أسلم إليه: اذهب إلى من أسلمت إليه واكتل منه
الطعام لنفسك، فذهب واكتاله، لم يصح قبضه بلا خلاف.
وإذا قال: احضر اكتيالي منه حتى أكتاله لك، فحضر معه واكتاله، لم يجز
أيضا بلا خلاف.
وإن قال: احضر معي حتى أكتاله لنفسي، ثم تأخذه أنت من غير كيل، فإن
رضي باكتياله لنفسه كان عندنا جائزا، ولا يجوز ذلك عند الشافعي.
67

وإذا اكتاله لنفسه، ويتركه ولا يفرغه، ويكون ما عليه مكيالا واحدا، فكاله
عليه، جاز عندنا، وللشافعي فيه وجهان.
وإن اكتاله المشتري منه وفرغه، ثم كاله كيلا مستأنفا على من باع منه،
كان القبضان جميعا صحيحين بلا خلاف.
دليلنا على المسألتين: إجماع الفرقة، وأخبارهم تدل على أن قبضه عنه
صحيح، ثم يحتسب لنفسه.
مسألة 163: إذا كان لرجل على غيره قفيز طعام من جهة السلم، والذي
عليه الطعام من جهة السلم له على غيره طعام من جهة القرض، فجاء المسلم
فطالب المسلم إليه بالطعام، فأحاله على من له عليه من جهة القرض، كان جائزا.
وكذلك إن كان الطعام الذي له قرضا والذي عليه سلما كان جائزا.
وقال الشافعي في المسألتين: لا يجوز.
دليلنا: إن الأصل جواز ذلك، والمنع يحتاج إلى دليل.
وأيضا فإن هذه حوالة ليست بيعا، فلا وجه للمنع منه، فمن قال أنه بيع
فعليه الدلالة.
مسألة 164: إذا كان الطعامان قرضين، يجوز الحوالة بلا خلاف. وإن
كانا سلمين يجوز أيضا عندنا.
وعند الشافعي لا يجوز.
وفي أصحابه من قال: لا يجوز أيضا إذا كانا قرضين، وهو ضعيف عندهم.
دليلنا: أن الأصل جوازه، والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 165: إذا انقطع المسلم فيه لم ينفسخ البيع، ويبقى في الذمة.
وللشافعي فيه قولان، أحدهما: أنه ينفسخ السلم.
68

والآخر: له الخيار، إن شاء رضي بتأخيره إلى قابل، وإن شاء فسخه.
دليلنا: أن هذا عقد ثابت، وفسخه يحتاج إلى دليل، وليس في الشرع ما
يدل عليه.
مسألة 166: إذا باع طعاما قفيزا بعشرة دراهم مؤجلة، فلما حل الأجل
أخذ بها طعاما جاز ذلك إذا أخذ مثله، فإن زاد عليه لم يجز.
وقال الشافعي: يجوز على القول المشهور، ولم يفصل. وبه قال بعض
أصحابنا.
وقال مالك: لا يجوز، ولم يفصل.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأخبارهم، ولأن ذلك يؤدي إلى بيع طعام بطعام،
فالتفاضل فيه لا يجوز.
والقول الآخر الذي لأصحابنا قوي، لأنه بيع طعام بدراهم في القفيزين معا،
لا بيع طعام بطعام، فلا يحتاج إلى اعتبار المثلية.
مسألة 167: التصرية تدليس يثبت به الخيار للمشتري بين الرد وفسخ
البيع وبين الإمساك، وبه قال مالك، والليث، وابن أبي ليلى، والشافعي،
وأحمد، وإسحاق، وهو مذهب عبد الله بن مسعود ذكره البخاري في صحيحه.
وبه قال ابن عمر، وأبو هريرة، وأنس بن مالك.
وقال أبو حنيفة: لا خيار له.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
وأيضا روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: لا تصروا الإبل
والغنم للبيع، فمن ابتاعها بعد ذلك فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها، فإن رضيها
أمسكها، وإن سخطها ردها وصاعا من تمر.
وروى محمد بن سيرين عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله قال: من
69

اشترى شاة مصراة فهو بالخيار ثلاثة أيام إن شاء أمسكها وإن شاء ردها وصاعا
من تمر، وفي بعضها سمر يريد به حنطة.
وروى عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله قال: من ابتاع محفلة فهو
بالخيار ثلاثة أيام، فإن ردها رد معها مثل لبنها، أو مثلي لبنها قمحا.
مسألة 168: مدة الخيار في المصراة ثلاثة أيام مثل مدة الخيار في سائر
الحيوان.
واختلف أصحاب الشافعي فيها.
فقال أبو إسحاق: قدر الثلاثة للوقوف على التدليس، ومعرفة عيب التصرية.
وقال ابن أبي هريرة أبو علي: الثلاثة إذا شرط الخيار فيه، وخيار التصرية على
الفور.
ومنهم من قال: إذا وقف على خيار التصرية فيما دون الثلاث كان له الخيار
في بقية الثلاث للسنة، ذهب إليه أبو حامد المروزي في جامعه، وعليه نص
الشافعي في اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلى.
دليلنا: إجماع الفرقة على ثبوت الخيار في الحيوان ثلاثة أيام شرط أو لم
يشرط، وقد تقدم، وهذا داخل في ذلك، والخبر الذي رويناه عن أبي هريرة وابن
عمر صريح بذلك.
مسألة 169: عوض اللبن الذي يحلبه صاع من تمر، أو صاع من بر على ما
نص النبي صلى الله عليه وآله.
واختلف أصحاب الشافعي:
فقال أبو العباس بن سريح: يرد في كل بلد من غالب قوته.
قال أبو إسحاق المروزي: الصاع من التمر هو الأصل، فينظر في الحنطة فإن
كانت أغلى منه وأكثر ثمنا جاز، وإن كانت دونه لم يجز، وإن كان في موضع لا
70

يوجد فيه التمر وجبت قيمة الصاع من التمر بالمدينة، وإن كان في بلد يوجد إلا
أن ثمنه كثير يأتي على ثمن الشاة أو على أكثره قوم بقيمة المدينة.
ومنهم من قال: التمر هو الواجب وإن أتى على ثمن الشاة للسنة، وهو
الصحيح، أو البر الذي ثبت أنه عوض عنه.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا الأخبار التي قدمناها تضمن التمر أو
البر، فمن قال غيره يقوم مقامه فعليه الدلالة.
مسألة 170: التصرية في البقرة مثل التصرية في الناقة والشاة. وبه قال
الشافعي.
وقال داود: لا يجوز له رد البقر.
دليلنا: إجماع الفرقة.
وأيضا خبر عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: من اشترى
محفلة فهو بالخيار ثلاثة أيام وذلك يتناول البقرة، والناقة، والشاة على حد سواء.
مسألة 171: إذا صرى جارية وباعها، لم يثبت له الخيار لمكان التصرية،
وللشافعي فيه ثلاثة أوجه.
أحدها: أن ذلك بمنزلة التصرية في الإبل والبقر والغنم، وهو الأصح
عندهم.
والثاني: أنه يردها ولا يرد معها صاعا من تمر.
والثالث: لا يردها أصلا.
دليلنا: أن ثبوت ذلك عيبا في النعم مقطوع به عليه دلالة قاطعة، ولا
دليل على ثبوت مثله في الجارية، فمن ادعى الجمع بينهما فعليه الدلالة.
مسألة 172: إذا صرى أتانا فلا يثبت فيه حكم التصرية.
71

وقال أصحاب الشافعي: له ردها.
وأما رد التمر فمبني على طهارة لبنها.
فقال أبو سعيد الإصطخري: لبنها طاهر.
وقال باقي أصحابه: لبنها نجس.
فمن قال: طاهر رد بدله صاعا من تمر، ومن قال: نجس لا يرد شيئا.
دليلنا: أن ثبوت ذلك عيبا في النعم مجمع عليه، ولا دليل على ثبوت
ذلك عيبا في الأتان، فأما لبنها فإنه طاهر عندنا، وعليه إجماع الفرقة.
مسألة 173: إذا اشتراها مصراة، ثم زال تصريتها، وصار اللبن عادة لجودة
المرعى، لم يثبت الخيار.
وللشافعي وأصحابه فيه قولان:
أحدهما: مثل ما قلناه، وهو الأقوى عندهم، مثل العيب إذا زال عنه.
والآخر: أن الخيار لا يسقط، لأنه تدليس، وهو ضعيف.
وعندي أن هذا الوجه قوي لمكان الخبر.
دليلنا: على أن ليس له الرد: هو أنه إنما كان له الرد لمكان العيب، فلما
زال العيب زال خيار الرد، لأنه تابع له. وإذا قلنا له الرد، فلمكان الخبر، لأنه لم
يفصل بين أن تزول التصرية وأن لا تزول.
مسألة 174: إذا حصل من المبيع فائدة من نتاج أو ثمرة بعد القبض، ثم
ظهر به عيب كان فيه قبل العقد، كان ذلك للمشتري. وبه قال الشافعي.
وقال مالك: الولد يرده مع الأم، ولا يرد الثمرة مع الأصول.
وقال أبو حنيفة: يسقط رد الأصل بالعيب.
دليلنا: إجماع الفرقة.
وروت عائشة أن النبي صلى الله عليه وآله قضى أن الخراج بالضمان. ولم
72

يفرق بين الكسب والولد والثمرة، فهو على عمومه.
مسألة 175: إذا اشترى حيوانا حاملا، فولد في ملك المشتري بعد
القبض، ثم وجد به عيبا كان به قبل البيع، ردها ورد الولد معها.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما: مثل ما قلناه إذا قال للولد قسط من الثمن.
والآخر: لا يرد الولد، لأن الولد ليس له قسط من الثمن.
دليلنا: أن عقد البيع قد اشتمل على جارية حاملة، والحمل داخل في
الثمن، فإذا أراد الرد، وجب أن يرد جميع المبيع.
مسألة 176: إذا اشترى جارية حاملا، فولدت في ملك المشتري عبدا
مملوكا، ثم وجد بالأم عيبا، فإنه يرد الأم دون الولد.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه.
والثاني: له أن يردهما معا، لأنه لا يجوز أن يفرق بين الأم وولدها فيما دون
سبع سنين. والأول أصح عندهم.
دليلنا: عموم قوله عليه السلام: الخراج بالضمان.
مسألة 177: من اشترى جارية فوطئها، ثم علم بعد الوطء أن بها عيبا، لم
يكن له ردها وله الأرش. وبه قال أبو حنيفة، وسفيان الثوري، وهو المروي عن
علي عليه السلام.
وقال الشافعي، ومالك، وأبو ثور، وعثمان البتي: له ردها، ولا يجب عليه
مهرها إن كانت ثيبا، وإن كانت بكرا لم يكن له ردها.
وقال ابن أبي ليلى: يردها ويرد معها مهر مثلها. وروي ذلك عن عمر بن
الخطاب.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وقد ذكرناها في الكتاب المتقدم ذكره.
73

وأيضا فيه إجماع الصحابة، لأنهم بين قائلين: قائل يقول بما قلناه. والثاني:
يردها ويرد معها مهر نسائها. وقول الشافعي خارج عن إجماع الصحابة، وذلك
لا يجوز، لأنه لا يجوز إحداث قول ثالث إذ أجمعوا على قولين، كما لا يجوز
إحداث قول ثان إذا أجمعوا على قول واحد.
مسألة 178: إذا حدث بالمبيع عيب في يد البايع، كان للمشتري الرد
والإمساك، وليس له إجازة البيع مع الأرش، ولا يجبر البائع على بذل الأرش
بلا خلاف، فإن تراضيا على الأرش كان جائزا. وبه قال ابن سريج.
وظاهر مذهب الشافعي أنه لا يجوز.
دليلنا: قوله عليه السلام: الصلح جائز بين المسلمين، إلا ما حرم حلالا أو
أحل حراما.
مسألة 179: إذا اشترى نفسان من إنسان عبدا أو جارية وقبضاها، ثم وجدا
بها عيبا، كان لهما الرد بالعيب إجماعا. وإن أراد أحدهما أن يرد نصيبه وأراد
الآخر إمساكه، لم يكن لمن أراد الرد أن يرد نصيبه حتى يتفقا. وبه قال أبو حنيفة.
وقال الشافعي: له أن يرد نصيبه.
دليلنا: إنا أجمعنا أن لهما الخيار عند الاجتماع، ولا دليل على أن لهما الرد
عند الانفراد، وإن قلنا له الرد لعموم الأخبار، لأنه عليه السلام لم يفصل، كان
قويا.
مسألة 180: إذا اشترى عبدين صفقة واحدة، فوجد بأحدهما عيبا، لم يجز
له أن يرد المعيب دون الصحيح، وله أن يردهما. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: له أن يرد المعيب دون الآخر.
دليلنا:
إجماع الفرقة وأخبارهم.
74

وأيضا فإن الصفقة اشتملت عليهما، فمن أجاز التبعيض فيهما فعليه الدلالة،
فأما رد الكل فعليه إجماع الفرقة على ما قلناه.
مسألة 181: إذا قال واحد لاثنين: بعتكما هذا العبد بألف، فقال أحدهما:
قبلت نصفه بخمسمائة، ورد الآخر لم ينعقد العقد. وبه قال أبو حنيفة.
وقال الشافعي: ينعقد العقد في حقه، سواء قبل صاحبه أو رد.
دليلنا: أنه لا دليل على ثبوت هذا العقد في حصته، وقبوله غير مطابق
للإيجاب، فوجب أن لا يثبت العقد.
مسألة 182: إذا اشترى جارية رأى شعرها جعدا، ثم وجده سبطا، لم يكن
له الخيار، وبه قال أبو حنيفة.
وقال الشافعي: له الخيار.
دليلنا: أنه قد ثبت العقد وإثبات الرد بذلك وجعله عيبا يحتاج إلى دليل.
مسألة 183: إذا بيض وجهها بالطلاء، ثم أسمر أو احمر خديها بالدمام -
وهو الكلكون - ثم أصفر، لم يكن له الخيار.
وقال الشافعي: له الخيار.
دليلنا: ما قدمناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 184: إذا اشترى جارية على أنها بكر فكانت ثيبا، روى أصحابنا أنه
ليس له الرد.
وقال الشافعي: له الرد.
دليلنا: أخبارهم التي رويناها.
وأيضا إثبات ذلك عيبا يرد منه يحتاج إلى دليل.
75

مسألة 185: إذا اشترى عبدا على أنه كافر فخرج مسلما لم يكن له الخيار.
وبه قال المزني.
وقال باقي أصحاب الشافعي: له الخيار.
دليلنا: أن إثبات الخيار في ذلك يحتاج إلى شرع، والأصل صحة العقد.
مسألة 186: إذا اشترى عبدا أو أمة، فوجدهما زانيين، لم يكن له الخيار.
وقال الشافعي: له الخيار.
وقال أبو حنيفة: في الجارية له الخيار، وفي العبد لا خيار له.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 187: إذا اشترى عبدا فوجده أبخر، أو الجارية كذلك، لم يكن له
الخيار.
وقال الشافعي: له الخيار فيهما.
وقال أبو حنيفة: يثبت الخيار في الجارية دون العبد.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 188: إذا كان العبد يبول في الفراش لا يثبت فيه الخيار، سواء كان
صغيرا أو كبيرا.
وقال الشافعي: يثبت الخيار في الكبير دون الصغير.
وقال أبو حنيفة: يثبت في الجارية دون العبد.
دليلنا: ما قلناه من أنه لا دليل على أن ذلك يوجب الرد.
مسألة 189: إذا كان العبد غير مختون، فلا خيار فيه، صغيرا كان أو
كبيرا.
وقال الشافعي: يثبت الخيار في الكبير دون الصغير، لأنه لا يخاف عليه من
76

قطعه.
فأما الجارية فلا خلاف أنه لا خيار فيها.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 190: إذا اشترى جارية فوجدها مغنية لم يكن له الخيار. وبه قال
الشافعي.
وقال مالك: له الخيار.
دليلنا: ما قلناه من أن إثبات ذلك عيبا يرد به يحتاج إلى دليل.
وأيضا فإن العلم بالغناء ليس بمحرم، وإنما صنعته واستعماله حرام، فلا يثبت
بالعلم الرد.
مسألة 191: إذا اشترى عبدا فقتله، ثم علم أنه كان به عيب، كان له
الرجوع بالأرش. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: ليس له ذلك.
دليلنا: أنه إذا ثبت أن ذلك العيب مما يوجب الأرش، فمن أسقطه فعليه
الدلالة.
مسألة 192: إذا اشترى شيئا وقبضه، ثم وجد به عيبا كان عند البائع
وحدث عنده عيب آخر، لم يكن له رده، إلا أن يرضى البائع بأن يقبله ناقصا،
فيكون له رده ويكون له الأرش إذا امتنع البائع من قبوله معيبا. وبه قال
الشافعي.
وقال أبو ثور، وحماد بن أبي سليمان: إذا حدث عند المشتري عيب ووجد
عيبا قديما كان عند البائع، رده ورد معه أرش العيب.
وقال مالك وأحمد: المشتري بالخيار بين أن يرده مع أرش العيب
77

الحادث، وبين أن يمسكه ويرجع على البائع بأرش العيب القديم.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 193: إذا اشترى رجل من غيره عبدين، أو ثوبين، أو درهمين،
فوجد بأحدهما عيبا، لم يكن له أن يرد المعيب منهما، وكان بالخيار بين رد
الجميع أو يأخذ أرش المعيب.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما - وهو الظاهر من مذهبه - مثل ما قلناه أنه:
ليس له رده.
وقال أبو حنيفة: يجوز له رده وفسخ البيع في المعيب منهما.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
وأيضا فإنا أجمعنا أن له الخيار في رد الجميع، ولا دليل على أن له الخيار
في رد المعيب دون غيره، فمن ادعى أن له ذلك فعليه الدلالة.
مسألة 194: إذا اشترى عبدين، ووجد بهما عيبا، ثم مات أحدهما، لم يثبت
له الخيار في الباقي وكان له الأرش.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه.
والثاني: له رده إذا قال بتفريق الصفقة، ويرده بحصته من الثمن.
وقال بعض أهل خراسان: يفسخ العقد على هذا القول فيهما جميعا، ثم يرد
الباقي وقيمة التالف، ويسترجع الثمن.
دليلنا: أنا قد بينا أنه إذا حدث عند المشتري عيب آخر لم يكن له الرد،
وله الأرش، والموت في أحدهما من أكبر العيوب، فوجب أن لا يثبت له الخيار.
مسألة 195: إذا أراد أن يرد المعيب بالعيب، جاز له فسخ البيع في غيبة
البائع وحضرته، قبل القبض وبعده. وبه قال الشافعي.
78

وقال أبو حنيفة: إن كان قبل القبض يجوز له فسخه بحضرة البائع وفي
غيبته، وإن كان بعد القبض فلا يجوز إلا بحضوره ورضاه أو بحكم الحاكم.
دليلنا: أن الرد إذا كان حقا للمشتري كان له رده أي وقت شاء، ومن قال
أن له ذلك في حال دون حال فعليه الدلالة.
مسألة 196: إذا باع ما يكون مأكوله في جوفه وبعد كسره، مثل البيض
واللوز والجوز وغير ذلك، فليس للمشتري رده، وله الأرش ما بين قيمته صحيحا
ومعيبا.
وللشافعي فيه ثلاثة أقوال على ما قاله أبو إسحاق في الشرح:
أحدها: أنه لا يرده. مثل ما قلناه.
والثاني: يرده ولا يرد معه شيئا.
والثالث: يرده ويرد معه أرش النقص الذي حدث في يده.
دليلنا: أنه قد تصرف بالمبيع، فليس له رده لعموم الأخبار الواردة في
ذلك.
مسألة 197: إذا اشترى ثوبا، ونشره فوجد به عيبا، فإن كان النشر ينقص
من ثمنه - مثل الشاهجاني المطوي على طاقين - لم يكن له رده.
وقال أصحاب الشافعي: إن كان مما لا يمكن الوقوف عليه إلا بالنشر فعلى
الخلاف الذي بينهم، وفيه الأقوال الثلاثة التي في المسألة الأولى.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 198: إذا كان لرجل عبد فجنى، فباعه مولاه بغير إذن المجني عليه،
فإن كانت جناية توجب القصاص فلا يصح البيع، وإن كانت الجنابة توجب
الأرش صح إذا التزم مولاه الأرش.
79

وللشافعي فيه قولان:
أحدهما: يصح بيعه. وهو اختيار المزني، وأبي حنيفة ولم يفصلوا.
والثاني: لا يصح. ولم يفصل.
إلا أن أصحاب الشافعي قالوا فيه ثلاث طرق:
أحدها: أن في العمد الذي يوجب القصاص، وفي الخطأ الذي يوجب المال
قولين، فلا فرق بينهما.
وفيهم من قال: القولان فيما يوجب المال، وأما ما يوجب القصاص فلا يمنع
من صحة البيع قولا واحدا.
ومنهم من قال: القولان في العمد الذي يوجب القصاص، فأما ما يوجب
المال فيمنع من صحة بيعه كما يمنع الرهن.
دليلنا: أنه إذا وجب عليه القود فلا يصح بيعه، لأنه قد باع منه ما لا يملك،
لأن ذلك حق للمجني عليه.
وأما إذا وجب عليه الأرش فإنه يصح بيعه، لأن رقبته سليمة من العيب، والجنابة
أرشها فقد التزمها السيد، فلا وجه يفسد البيع.
مسألة 199: إذا باع ذهبا بفضة، ومع أحدهما عرض، مثل أن باع دراهم وثوبا
بذهب، أو ذهبا وثوبا بفضة، فهو بيع وصرف، فإنهما يصحان معا.
وبه قال أبو حنيفة.
وللشافعي فيه قولان، أحدهما: يصحان. والآخر: يبطلان.
دليلنا: الآية، ودلالة الأصل، والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 200: إذا باع ثوبا وذهبا، بذهب أو فضة، وثوبا بدراهم، فإن كان
الثوب مع أقلهما وزنا صح، وإن تساوى النقدان في الوزن لم يصح.
وقال الشافعي: يبطلان قولا واحدا.
80

دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 201: إذا قال لعبده: بعتك عبدي هذا وكاتبتك بألف إلى نجمين،
فالبيع باطل بلا خلاف، لأنه لا يصح بيع عبده من عبده.
وهل تصح الكتابة؟ فعندنا تصح.
وللشافعي فيه قولان بناء على تفريق الصفقة.
دليلنا: ما قدمناه من الآية، ودلالة الأصل، وقوله تعالى: فكاتبوهم إن علمتم
فيهم خيرا، وهذا كتابة، والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 202: إذا قال: بعني هذا الثوب وتخيطه لي بألف، أو قال: بعني هذه
الحنطة وتطحنها بألف، أو: بعني هذه القلعة وتحذوها لي جميعا بدينار، فهو
كالكتابة يصح جميع ذلك.
وللشافعي فيه قولان.
دليلنا: ما قلناه في المسائل الأولة سواء، وإجماع الفرقة، وأخبارهم وردت
بمثل هذا.
مسألة 203: إذا قال له: زوجتك بنتي هذه وبعتك عبدها هذا جميعا
بألف، فهذا بيع ونكاح، فإنهما يصحان، ويقسط العوض عليهما بالحصة.
وللشافعي فيهما قولان: أحدهما مثل ما قلناه. والثاني: يبطلان.
دليلنا: ما تقدم في المسائل الأولة سواء.
مسألة 204: إذا قال أبوها لزوجها: زوجتك بنتي هذه ولك هذا الألف
بعبدك هذا، فالعبد بعضه مبيع وبعضه مهر، فعندنا يصحان.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه، ويقسط العبد على مهر المثل،
81

والألف بالحساب.
والآخر: يبطلان.
دليلنا: ما تقدم في المسألة الأولى سواء.
مسألة 205: إذا قال لرجل: زوجتك بنتي هذه ولك هذه الألف معا
بهذين الألفين من عندك، صح البيع والمهر معا، ويكون صرفا ونكاحا.
وقال الشافعي: يبطل - قولا واحدا -، وذلك أنه فضة وبضع بفضة، فهو
كما لو باعه ثوبا وفضة بفضة.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء، ولأنا بينا أن الأصل الذي بني عليه
غير صحيح عندنا.
مسألة 206: إذا قال زوجتك بنتي هذه ولك هذا الألف درهم بهذا الألف
دينار، كان صحيحا، ويكون نكاحا وصرفا مع اختلاف الجنس.
وللشافعي فيه قولان.
دليلنا: ما تقدم في المسألة الأولى سواء.
مسألة 207: إذا ملك العبد سيده شيئا، ملك التصرف فيه، ولا يملكه.
وللشافعي فيه قولان:
قال في القديم: يملك إذا ملكه سيده. وبه قال مالك، وعثمان البتي،
وداود، وأهل الظاهر، وزاد مالك فقال: يملك وإن لم يملكه سيده.
وقال في الجديد: لا يملك. وبه قال أكثر أهل العلم أهل العراق، وأحمد،
وإسحاق.
دليلنا على أنه لا يملك قوله تعالى: ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شئ.
82

وفيه دليلان: أحدهما: أنه قال: لا يقدر على شئ، ونحن نعلم أنه ما نفي القدرة
على الفعل، لأنه قادر على الأفعال، فبقي أن يكون أراد أنه لا يملكه.
الثاني: أنه نفي عنه القدرة على كل حال، فوجب حمل الآية على عمومها إلا
ما أخرجه الدليل.
وأيضا قوله تعالى: ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم مما ملكت أيمانكم
من شركاء فيما رزقناكم فأنتم فيه سواء فنفى أن يشاركه أحد في ملكه، وجعل
الأصل العبد مع مولاه، فقال: إذا لم يشارك عبد أحدكم مولاه في ملكه
فيساويه، فكذلك لا يشاركني أحد في ملكي فيساويني فيه، ثبت أن العبد لا
يملك أبدا.
وأيضا فلو ملك العبد لأدى إلى تناقض الأحكام، لأنه إذا ملك السيد عبده
مالا، واشترى العبد بذلك المال عبدا، ثم ملكه مالا، فمضى عبد العبد إلى سيد
سيده فاشترى سيده منه، فيصير كل واحد منهما عبدا لصاحبه، وهذا تناقض
، وليس لأحدهما أن يسافر بصاحبه إلا وله أن يقول: بل أسافر بك، فإنك عبدي،
وإذا أفضي إلى هذا بطل في نفسه.
واستدل من خالف بما روى سالم عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وآله قال:
من باع عبدا وله مال، فماله للبائع إلا أن يشرط المبتاع.
وروي هذا الخبر عن علي عليه السلام، وعمر، وجابر، وعائشة. وفيه
دليلان:
أحدهما: أنه أضاف المال إلى العبد بلام الملك، فقال: وله مال، وحقيقته
يقتضي صحة الملك.
والثاني: قال: فماله للبائع، فلو لا أن هناك ما يوهم أن يكون بالبيع للعبد
فيبقي على ملكه لما قال فهو للبائع.
وأيضا روى نافع، عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله قال: من أعتق
83

عبدا وله مال، فماله للعبد إلا أن يستثنيه السيد.
وروي أن سلمان كان عبدا، فأتى النبي صلى الله عليه وآله بشئ، فقال: هو
صدقه فرده، فأتاه ثانيا، فقال: هو هدية فقبله.
فلو لا أنه كان يملكه لما قبله.
وأيضا قوله تعالى: وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم
إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله، فبين أنه يغنيهم بعد فقر، فلو لم يكن يملك
لما كان الأمر كذلك، ولما تصور فيه الغنى.
والجواب عن الآية أولا: أن معناه يغنيهم بالعتق، بدليل أن من كان في يده
مال للغير لا يملك منعه منه فليس بغني، وهذه صفة العبد، فثبت أنه أراد ما قلناه.
والجواب عن الخبر الأول: أن إضافة المال إلى العبد إضافة محل، لا إضافة
ملك، أو إضافة جواز التصرف فيه، لأنا قد أجزنا ذلك، بدلالة أنه أضاف المال
إلى العبد بعد البيع، فقال: من باع عبدا وله مال.
وأيضا فإنه قال: فماله للبائع، ولا يجوز أن يكون هذا المال لكل واحد
منهما، ثبت أنه أضاف إلى العبد مجازا لا حقيقة.
وأيضا ذكر أنه للبائع لأن هناك ما يوهم، لأن العادة أن أحدا لا يبيع عبده
وعليه ثياب إلا والثياب يأخذها المشتري، فأراد أن يزيل هذا الظاهر لئلا يظن أنه
ليس للبائع أخذ ثيابه.
وأما الحديث الثاني فإنه ضعيف.
وقال أحمد: من أعتق عبدا وله مال، فماله لسيده إلا أن يصح حديث
عبد الله بن أبي حفص.
وأيضا فقد رووا أنه قال: مال العبد له.
ورووا أيضا أنه قال: فماله لسيده إلا أن يجعله له، فتعارضا.
وأما حديث سلمان ففيه جوابان:
أحدهما: ما كان سلمان عبدا، وإنما كان مغلوبا على نفسه، مسترقا بغير
84

حق، والدليل عليه أن النبي صلى الله عليه وآله قال له: سلهم أن يكاتبوك، فلما
فعلوا قال النبي صلى الله عليه وآله: استنقذوه، وإنما يقال هذا في من كان مقهورا
بغير حق.
والثاني: أنه لو كان مملوكا لا حجة فيه، لأنه لا خلاف أن هدايا المملوك لا
تقبل بغير إذن سيده، فلما قبلها النبي صلى الله عليه وآله ثبت أنه كان بإذن سيده.
مسألة 208: إذا كان مع العبد مائة درهم، فباعه بمائة درهم لم يصح
البيع، فإن باعه بمائة درهم ودرهم صح. وبه قال أبو حنيفة.
وللشافعي فيه قولان.
دليلنا: قوله تعالى: وأحل الله البيع، والمنع منه يحتاج إلى دليل.
مسألة 209: إذا كان ماله دينا، فباعه وماله صح البيع.
وقال الشافعي: باطل، لأن بيع الديون لا يصح.
دليلنا: قوله تعالى: وأحل الله البيع، والمنع يحتاج إلى دليل، وأيضا فإن
بيع الدين عندنا صحيح، فما بنى عليه من الأصل غير مسلم.
مسألة 210: إذا باع عبده ومالا، ثم علم بالعيب، وما حدث به عنده عيب،
ولا نقص، كان له رده والمال معه. وبه قال الشافعي.
وقال داود: يرده دون المال.
دليلنا على أن له ردهما: أنه اشترى عبدا ذا مال، فلا يجوز له رد عبد
بالعيب غير ذي مال، لأنه يرده بغير الصفة فلا يقبل منه.
مسألة 211: من باع شيئا وبه عيب لم يبينه، فعل فعلا محظورا، وكان
للمشتري الخيار بين إمضاء العقد والرضا بالعيب وبين فسخه. وبه قال الشافعي.
85

وقال داود: البيع باطل.
دليلنا: الآية ودلالة الأصل، وإبطاله يحتاج إلى دليل.
وأيضا روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله قال: لا تصروا الإبل
والغنم، فمن ابتاعها بعد ذلك فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها، فإن رضيها
أمسكها، وإن سخطها ردها وصاعا من تمر.
فنهى عن التدليس وجعل المشتري بالخيار بين الإمساك والرد، فلو كان
البيع باطلا ما جعله بالخيار فيه.
مسألة 212: من اختلط ماله الحلال بالحرام، فالشراء مكروه منه، وليس
بحرام إذا لم يكن ذلك الحرام بعينه، سواء كان الحرام أقل أو أكثر أو متساويا.
وبه قال الشافعي.
وقال مالك: إن كان الحرام أكثر حرم كله، وإن كان الحلال أكثر فهو
حلال.
دليلنا: قوله تعالى: وأحل الله البيع، ومن حكم بتحريم الكل فعليه
الدلالة.
وأيضا روى النعمان بن بشير قال: سمعت رسول الله يقول: الحلال بين
والحرام بين وبين ذلك أمور مشتبهات لا يدري كثير من الناس
أمن الحلال هي أم من الحرام، فمن تركها استبرأ لدينه وعرضه فقد سلم،
ومن واقع شيئا منها يوشك أن يواقع الحرام، كما أنه من يرعى حول الحمى
يوشك أن يواقعه، ألا وأن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه.
مسألة 213: إذا باع عبدا، أو حيوانا، أو غيرهما من المتاع بالبراءة من
العيوب، صح البيع، وبرأ من كل عيب ظاهرا كان أو باطنا، علمه أو لم يعلمه.
وبه قال أبو حنيفة.
86

وللشافعي فيه ثلاثة أقوال: أحدها مثل ما قلناه.
والثاني: أنه لا يبرأ من عيب بحال، علمه أو لم يعلمه، بحيوان كان أو بغيره.
وهو مذهب الإصطخري، وبه قال أحمد، وإسحاق.
والثالث: أنه لا يبرأ من عيب بحال علمه أو لم يعلمه، إلا من عيب واحد وهو
عيب بباطن الحيوان لم يعلمه البائع، فأما غير هذا فلا يبرأ منه، سواء كان بباطن
الحيوان يعلمه أو بظاهر الحيوان، أو في غير الحيوان علمه أو لم يعلمه. وبه قال
مالك، وهو الأظهر عندهم.
فإن كان المبيع غير حيوان كالثياب والخشب والعقار ففيها قولان:
أحدهما: يبرأ بكل حال.
والثاني: لا يبرأ من عيب بحال.
والثالث: يسقط، لأنه لا باطن لغير الحيوان إلا ويمكن معرفته، ولا يمكن
ذلك في الحيوان.
وقال غيره من أصحاب الشافعي: المسألة على قول واحد، فإنه لا يبرأ إلا من
عيب واحد، وهو عيب بباطن الحيوان لم يعلمه، ولا يبرأ من عيب سواه. وهذا هو
المذهب.
وقال ابن أبي ليلى: يبرأ من كل عيب يعده على المشتري، فإن وجد به عيبا
غير الذي عده البائع عليه كان له رده، ولا يرده بما عده عليه.
دليلنا: إجماع الفرقة على أن البراءة من العيوب صحيح، وأخبارهم عامة
في ذلك، فوجب حملها على ظاهرها، وتخصيصها بعيب دون عيب يحتاج إلى
دليل.
وأيضا روي عن النبي صلى الله عليه وآله قال: المؤمنون عند شروطهم،
فينبغي أن يكون على ما شرطاه.
مسألة 214: إذا اشترى ثوبا فصبغه، ثم علم أن به عيبا، كان له الرجوع
87

بأرش العيب، ولم يكن له رده إلا أن يشاء البائع أن يقبله مصبوغا، ويضمن قيمة
الصبغ، ويكون المشتري بالخيار بين إمساكه بغير أرش أو يرده ويأخذ قيمة
الصبغ. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: المشتري بالخيار بين إمساكه ويطالب بالأرش، وبين دفعه
إلى البائع ويأخذ قيمة الصبغ.
دليلنا: أنا قد بينا أن من اشترى شيئا فتصرف فيه، ثم علم أن به عيبا لم
يكن له رده، وإنما له أرشه، وهذا قد تصرف فيه بالصبغ. وأما إذا قبل البائع
الثوب مصبوغا فلا بد أن يرد على المشتري ثمن صبغه، لأنه عين ماله، إلا أن
يتبرع بتركه.
مسألة 215: إذا اشترى ثوبا فقطعه وباعه أو صبغه، ثم باعه، ثم علم
بالعيب، فليس له إلا المطالبة بالأرش. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: إن كان قد قطع الثوب
ثم باعه كما قلناه، وإن كان صبغه ثم باعه كان له الرجوع.
وهذه المسألة مبنية على الأولى، وقد بينا ما فيها.
مسألة 216: إذا وكل وكيلا لبيع عبد له فباعه، فظهر عيب عند المشتري،
فطالب الوكيل فأنكر أن يكون العيب به قبل القبض فالقول قوله، فإن حلف
سقط الرد، وإن نكل رددنا اليمين على المشتري، فإن حلف رده على الوكيل،
فإذا رده عليه لم يكن له رده على الموكل لأنه عاد إليه باختياره. وبه قال
الشافعي.
وقال أبو حنيفة: القول قول الوكيل، فإن حلف سقط الرد، وإن لم يحلف
حكمنا عليه بالنكول ورد عليه العبد بذلك، وكان له رده على موكله.
دليلنا: ما أشرنا إليه من أنه عاد إليه باختياره، ونكوله عن اليمين فيه إيجاب
88

على الغير لا يقبل منه.
مسألة 217: إذا ادعى عمرو عبدا في يد زيد، وأقام البينة أنه له اشتراه من
زيد، وأقام زيد البينة أنه له وأنه هو اشتراه من عمرو، فالبينة بينة الخارج وهو
عمرو، وبه قال محمد.
وقال أبو حنيفة والشافعي: البينة بينة الداخل.
دليلنا: قول النبي صلى الله عليه وآله: البينة على المدعي واليمين على
المدعى عليه.
والمدعى عليه هاهنا زيد، لأن العبد في يده.
مسألة 218: إذا اشترى رجلان من رجل عبدا صفقة واحدة، ثم غاب أحد
المشتريين قبل القبض وقبل دفع الثمن، فللحاضر أن يقبض قدر حقه ويعطي ما
يخصه من الثمن، وله أن يعطي كل الثمن نصفه عنه، ونصفه عن شريكه، فإذا فعل
فإنما له قبض نصيبه دون نصيب شريكه، فإذا عاد شريكه كان له قبض نصيبه
من البائع، وليس لشريكه الرجوع عليه بما قضي عنه من الثمن. وبه قال الشافعي
وأصحابه.
وخالف أبو حنيفة في المسائل الثلاث فقال: ليس للحاضر أن ينفرد بقبض
نصيبه بدفع نصيبه من الثمن، وقال: للحاضر أن يدفع جميع الثمن عن نفسه
وعن شريكه، فإذا دفع كان له قبض كل العبد نصيبه ونصيب شريكه، قال: وإذا
حضر الغائب كان للحاضر أن يرجع عليه بما قضى عنه من الثمن.
دليلنا على أن له قبض نصيبه: أنه حقه فله قبضه، ومن منع منه احتاج إلى
دليل، وقبض نصيب الغير يحتاج إلى دليل في صحته، والرجوع عليه بما دفع
عنه من الثمن مثل ذلك، لأنه قضى دينه بغير إذنه، فيحتاج إلى دليل في صحة
رجوعه عليه.
89

مسألة 219:
الاستبراء واجب على البائع في الجارية، وعلى المشتري معا.
وبه قال الثوري، والحسن البصري، والنخعي، وابن سيرين.
وقال أبو حنيفة وأصحابه والشافعي ومالك: الاستبراء مستحب للبائع،
واجب على المشتري. وبه قال أكثر الفقهاء.
وقال عثمان البتي: الاستبراء واجب على البائع، مستحب للمشتري.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم ظاهرها الوجوب، وطريقة الاحتياط
تقتضيه، لأن بعد استبراءها يحل وطؤها بلا خلاف، وقبل ذلك فيها خلاف.
مسألة 220: إذا حاضت الجارية في مدة الخيار عند المشتري، جاز أن
يعتد به في الاستبراء، ويكفيه ذلك.
وقال الشافعي: إن كان الخيار للبائع أو لهما لا يعتد به، وإن كان للمشتري
وحده فمبني على أقواله الثلاثة في انتقال الملك، فإذا قال أنه ينتقل بنفس العقد أو
مراعى فقد كفاه في الاستبراء، وإذا قال بمجموعهما لم يعتد بذلك.
دليلنا: ما روي عنهم عليهم السلام أنه إذا اشترى جارية وهي حائض، جاز
أن يعتد بذلك في الاستبراء، وهو إجماع بينهم لا أعرف فيه خلافا.
مسألة 221: الاستبراء يكون عند المشتري سواء كانت جميلة أو قبيحة،
ولا يجب المواضعة - وهو جعلها عند عدل حتى تستبرأ - وبه قال أبو حنيفة
والشافعي.
وقال مالك: إن كانت وخشة مثل ما قلناه، وإن كانت جميلة رائعة وجبت
المواضعة عند عدل حتى تستبرأ، ثم يقبضها المشتري.
دليلنا: أن النبي صلى الله عليه وآله أوجب الاستبراء على المشتري ومنع
من وطئها، ولا يكون ذلك إلا مع تمكنه من ذلك، ومع المواضعة لا يتم ذلك.
وروي عنه عليه السلام أنه قال: لا توطأ حامل حتى تضع، ولا حائل حتى
90

تحيض.
مسألة 222: إذا اشترى جارية في حال حيضها، احتسب بقية الحيض
وكفاه.
وقال الشافعي: لا يحتسب ببقيته، وعليه أن يستأنف للاستبراء حيضة
أخرى. وبه قال أبو حنيفة.
وقال مالك: إن مضى الأقل وبقى الأكثر يحتسب به.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 223: يكره بيع المرابحة بالنسبة إلى أصل المال، وصورته أن
يقول: بعتك برأس مالي وربح درهم على كل عشرة، وليس ذلك بمفسد
للبيع. وبه قال ابن عمر، وابن عباس.
قال ابن عباس: أكره أن أبيع ده يازده وده دوازده، لأنه بيع الأعاجم.
وقال أبو حنيفة والشافعي ومالك وأكثر الفقهاء: أنه غير مكروه، والبيع
صحيح طلق، وروي ذلك عن ابن مسعود وعمر.
وقال أحمد وإسحاق بن راهويه: بيع المرابحة باطل.
دليلنا: إجماع الفرقة فإنهم لا يختلفون في ذلك، ومثل قول ابن عباس
رووه في أخبارهم وهي كثيرة ذكرناها في الكتاب الكبير.
مسألة 224: إذا اشترى سلعة بمائة إلى سنة، ثم باعها في الحال مرابحة،
وأخبر أن ثمنها مائة، فالبيع صحيح بلا خلاف، فإذا علم المشتري بذلك كان
بالخيار بين أن يقبضه بالثمن حالا أو يرده بالعيب، لأنه تدليس. وبه قال أصحاب
الشافعي، وقالوا: لا نص لنا في المسألة، والذي يجئ على المذهب هذا.
وقال أبو حنيفة: يلزم البيع بما تعاقدا عليه، ويكون الثمن حالا لأنه قد
91

صدق فيما أخبر.
وقال الأوزاعي: يلزم العقد، ويكون الثمن في ذمة المشتري على الوجه الذي
هو في ذمة البائع إلى أجل.
دليلنا على أن له الخيار: أن هذا تدليس وعيب، لأن ما يباع بثمن إلى أجل
لا بد أن يكون زائدا في ثمنه على ما يباع حالا، فلما لم يبين كان ذلك تدليسا
، وله رده به.
مسألة 225: إذا قال: بعتك هذه السلعة بمائة ووضيعة درهم من كل
عشرة، كان الثمن تسعين، وإن كان قال: بوضيعة درهم من كل أحد عشر
درهما، كان الثمن تسعين درهما ودرهما إلا جزء من أحد عشر جزء من درهم.
وحكى أبو الطيب الطبري أن هذه المسألة التي يقول بها أبو ثور، ومحمد بن
الحسن دون الأخرى التي حكاها البندنيجي في تعليقته.
وقال أبو الطيب الطبري: وهكذا إذا قال: بعتك بوضيعة عشر أحد عشرة
كان مثل ذلك، وإن قال: بعتكها بمائة مواضعة العشرة درهما اختلف الناس
فيها.
فقال أبو حنيفة وأصحابه والشافعي: يكون مبلغ الثمن الذي وقع به البيع
، ووجب للبائع على المشتري تسعين درهما ودرهم إلا جزء من أحد عشر جزء من
درهم.
وقال أبو ثور: الثمن تسعون درهما. وبه قال أبو الطيب الطبري في تعليقته.
وخطأ أبا حامد الإسفرايني فيها لأنه لو باعه مرابحة ربح درهم على كل
عشرة كان قدر الربح عشرة، وكان مبلغ الثمن مائة وعشر، فإذا قال: مواضعة
درهم من كل عشرة كانت الوضيعة عشرة، فيكون المبلغ تسعين.
دليلنا: ما ذكره حذاق العلماء، وهو أن البيع مرابحة ومواضعة، فإذا باعه
مرابحة ربح درهم على كل عشرة كان مبلغ الثمن مائة وعشرة، وكان قدر
92

الربح جزء من أحد عشر جزء من الثمن، وجب أن يكون المواضعة حط جزء من
أحد عشر جزء من الثمن، فإذا كان الثمن مائة حططت منه جزءا، من أحد عشر
جزءا ينحط.
تسعة من تسعة وتسعين، لأنها جزء من أحد عشر جزء من تسع وتسعين
فيكون تسعين، ويبقى هناك واحد يحط به جزء من أحد عشر جزء من الثمن،
فيكون المبلغ ما ذكرناه.
وقيل فيه أيضا، قوله: وضيعة درهم من كل عشرة، معناه يوضع من كل
عشرة يبقى له درهم من أصل رأس المال.
وتقديره: وضيعة درهم بعد كل عشرة، فإذا حصل له تسعون من المائة،
ووضعت لكل عشرة درهما، فتضع تسعة ويبقى درهم تضع منه جزء من أحد
عشر جزء، فيكون الثمن تسعين ودرهما إلا جزءا من أحد عشر جزء من درهم،
وعلى هذا أبدا.
قالوا: إذا أردت مبلغ الثمن في ذلك، فعقد الباب فيه أن تضيف الوضيعة
إلى رأس المال للمقابلة، ثم ننظركم قدرهما؟ فما اجتمع فأسقط ذلك القدر من
رأس المال وهو الثمن.
وبابه إذا قال: رأس مالي عشرون بعتكها برأس مالي مواضعة للعشرة
درهمين ونصف، فتضيف إلى العشرين قدر الوضيعة وهو خمسة دراهم، فيصير
خمسا وعشرين، فتنظر كم خمسة من خمسة وعشرين، فإذا هو خمسها فأسقط من
رأس المال وهو عشرون الخمس، وهو أربعة، فيكون الثمن ستة عشر درهما،
وعلى هذا أبدا.
وقول أبي ثور أقوى عندي، لأنه إذا قال: مواضعة عشرة واحدة أضاف
المواضعة إلى رأس ماله، ورأس ماله مائة، فيجب فيه عشرة، فيبقي تسعين ولم
يضفه إلى ما يبقى في يده. ولو قال ذلك لكان الأمر على ما قالوه، فأما حمل
الوضيعة على الربح وإضافة ذلك إلى أصله فهو قياس، ونحن لا نقول به.
93

مسألة 226: إذا قال: هذا علي بمائة، بعتك بربح كل عشرة درهم،
فقال: اشتريت، ثم قال: غلطت، اشتريته بتسعين، كان البيع صحيحا. وبه قال
أبو حنيفة، وأبو يوسف، ومحمد، وابن أبي ليلى، والشافعي قولا واحدا. وحكى أبو
حامد المروزي في جامعه وجها آخر أنه لا يجوز.
وقال مالك: البيع باطل.
دليلنا: أن المشتري إذا بان له نقصان في الثمن، فقد بان ما ليس له، وذلك
لا يفسد البيع، ولأن الأصل صحته، وبطلانه يحتاج إلى دليل.
مسألة 227: إذا ثبت أن البيع صحيح، فلم يلزمه عندنا، أنه بالخيار بين أن
يأخذه بمائة وعشرة أو يرد، والخيار إليه. وبه قال أبو حنيفة، ومحمد، وأحد قولي
الشافعي.
وقال ابن أبي ليلى، وأبو يوسف: يلزمه تسعة وتسعون درهما، وهو قول
الشافعي الثاني، وهو قوي، لأنه باعه مرابحة.
دليلنا على الأول: أن العقد وقع على مائة وعشرة، فإذا تبين نقصانا في
الثمن كان ذلك عيبا له رده به أو الرضا به، فالخيار إليه في ذلك، ومن ألزمه
بدون ذلك فعليه الدلالة، ولو قال له: بعتك برأس مالي وزيادة العشرة واحدا
كان القول قول أبي يوسف.
مسألة 228: إذا باع سلعة، ثم حط من ثمنه بعد لزوم العقد، وأراد بيعه
مرابحة لم يلزمه حطه، وكان الثمن ما عقد عليه قبل الحط، وكان الحط هبة
للمشتري. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: يلحق ذلك بالعقد، ويكون الثمن ما بعد العقد.
دليلنا: أن الثمن قد استقر، فمن قال إن الحط بعد اللزوم يلحق به، فعليه
الدلالة.
94

مسألة 229: إذا اشترى ثوبا بعشرة وباعه بخمسة عشر، ثم اشتراه بعشرة،
فقد ربح خمسة، فإذا أراد بيعه مرابحة أخبر بالثمن الثاني وهو عشرة، ولم يجب
عليه أن يخبر بدونه. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: عليه أن يخبر بما قد قام عليه، وهو أن يحط الخمسة التي قد
ربحها.
دليلنا: أنه قد ملك بالثمن الثاني، فوجب أن يجوز له أن يخبر به، ولا يبني
عقد على عقد، لأنه لا دليل عليه.
مسألة 230: إذا باع عبدا أو سلعة، وقبض المشتري المبيع، ولم يقبض
البائع الثمن، يجوز للبائع أن يشتريه منه بأي ثمن شاء، نقدا ونسيئة، وعلى كل
حال. وبه قال الشافعي، وبه قال في الصحابة ابن عمر، وزيد بن أرقم وإليه ذهب
أبو ثور.
وفي أصحابنا من روى أن ذلك لا يجوز، وذهب إليه عائشة، وابن عباس
وفي الفقهاء مالك، والأوزاعي، وأبو حنيفة وأصحابه.
وتفصيل مذهب أبي حنيفة: أن له أن يشتريه منه بمثل ذلك الثمن، أو أكثر
منه، فإن اشتراه بأقل منه لم يخل من أحد أمرين.
إما أن يكون الثمنان معا مما فيه الربا، أو مما لا ربا فيه:
فإن لم يكن فيهما الربا، اشتراه كيف شاء، فلو باعه بثوبين واشتراه بثوب
واحد جاز.
وإن كان الثمنان فيهما الربا نظرت، فإن كان الثمنان جنسا واحدا
كالطعامين، أو دراهم، أو دنانير لم يجز أن يشتريه بأقل من ذلك الثمن كيلا ولا
وزنا ولا حكما.
فإن كان النقص كيلا مثل أن باعه بمائة قفيز، واشتراه بخمسين قفيزا لم
يجز.
95

وإن كان النقص وزنا، مثل أن باعه بمائة درهم، واشتراه بخمسين لم يجز.
والحكم أن يبيعه نقدا ويشتريه بذلك إلى سنة، أو إلى سنة ويشتريه إلى سنتين،
كل هذا لا يجوز.
قال: وإن كانا جنسين جاز أن يشتريه بأقل إلا في الذهب والورق، فإن
القياس يقتضي أنه جائز، لكن لا يجوز استحسانا، وهذا إنما يتصور في القيمة، فإذا
باعه بمائة درهم لم يجز أن يشتريه بدينار قيمته أقل من مائة.
قال: وكل موضع قلنا لا يجوز أن يشتريه البائع من المشتري، فكذلك
عبد البائع المأذون له في التجارة، وكذلك مكاتبه ومدبره ومضاربه، وكذلك
شريكه إن دفع الثمن من مال الشركة. وبه قال أبو يوسف ومحمد.
قال أبو حنيفة: وكذلك لا يجوز أن يشتريه أبو البائع ولا ولده، وخالفه
أبو يوسف ومحمد هاهنا.
قال: فإن عاب العبد في يد المشتري، جاز له أن يشتريه منه بأي ثمن شاء.
قال: فإن خرج العبد عن ملك المشتري نظرت:
فإن خرج عن ملكه ببيع أو هبة، جاز له أن يشتريه ممن انتقل الملك إليه
كيف شاء.
وإن خرج عن ملكه بالموت إلى وارثه لم يجز له أن يشتريه من وارثه.
والخلاف معه في فصل واحد، وهو إذا كان الجنس واحدا، فأراد أن
يشتريه بأقل من ذلك الثمن كيلا أو وزنا أو حكما على ما فصلناه.
دليلنا: قوله تعالى: وأحل الله البيع، وهذا بيع، وقوله: إلا أن تكون تجارة
عن تراض منكم، وهذه تجارة عن تراض، ومن منع منه فعليه الدلالة، وأكثر
أخبارنا تدل على ما قلناه.
واحتجوا بما روي: أن رجلا باع من رجل حريرة بمائة، ثم اشتراه
بخمسين، فسأل ابن عباس عن ذلك فقال: دراهم بدراهم متفاضلة دخلت بينهما حريرة.
96

وروى يونس بن أبي إسحاق السبيعي عن أمه عالية بنت أيفع قالت:
خرجت إلى الحج أنا وأم محبة فدخلنا على عائشة فسلمنا عليها، فقالت: من أين
أنتن؟ فقلنا: من الكوفة - وكأنها أعرضت -، فقالت لها أم محبة: يا أم المؤمنين
كانت لي جارية، فبعتها من زيد بن أرقم بثمانمائة درهم إلى عطائه - وفي بعضها
إلى العطاء - فأراد أن يبيعها، فاشتريتها منه بستمائة نقدا، فقالت: بئس ما شريت
وبئس ما بعت، أخبري زيد بن أرقم أنه أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وآله
إلا أن يتوب، فقالت: أرأيت إن أخذت رأس مالي؟ قالت: قوله تعالى: فمن
جاء موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف.
ورواه أبو إسحاق السبيعي عن امرأته قالت: حججت أنا وأم ولد زيد بن
أرقم، فدخلنا على عائشة، الحديث.
والجواب عن خبر عائشة أن راويه عالية بنت أيفع وأم محبة.
قال الشافعي: هما امرأتان مجهولتان، والمجهول، أضعف من الضعيف
المعروف.
وقال الطحاوي: عالية بنت أيفع امرأة معروفة زوجة أبي إسحاق السبيعي،
ولها ولدان فقيهان.
قلنا ليس الكلام على أولادها، وإنما الكلام عليها، فإذا كانت مجهولة لم
تتعرف بأولادها.
قال الشافعي: وأصل الخبر لا يصح من وجه آخر، وذلك أنه لا يخلو زيد
أن يكون قال ذلك اجتهادا أو سمع من النبي صلى الله عليه وآله شيئا وخالفه،
فإن كان الثاني فهذا طعن على الصحابي ولا يقولون به.
والقول الأول لا يحبط الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وآله، لأنه صادر
عن اجتهاد، فعلم بذلك بطلان الخبر، ولو صح، فابن عمر، وزيد بن أرقم
يخالفان فيه، فالمسألة خلاف من الصحابة.
على أنه لو سلم الخبر من كل طعن، لم يكن فيه دلالة، لأن المرأة أخبرت أن
97

زيدا اشترى الجارية إلى العطاء، ثم باعها، والشراء إلى العطاء باطل، لأنه أجل
مجهول، والشراء بعد البيع الفاسد باطل، وكذلك نقول.
وكلامنا إذا كان البيع صحيحا، يدل على ذلك قولها: (بئس ما شريت
وبئس ما بعت) يعني بئس الشراء والبيع معا.
مسألة 231: إذا اشترى سلعتين بثمن واحد، فإنه لا يجوز أن يبيع أحدهما
مرابحة، ويقسم الثمن عليهما على قدر قيمتهما. وبه قال أبو حنيفة في السلعتين،
وأجاز في القفيزين.
وقال الشافعي: يجوز في الكل.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا فإن تقويمه ليس هو الذي انعقد
البيع عليه، فلا يجوز أن يخبر بذلك شراء، لأنه كذب.
مسألة 232: إذا باع شيئين صفقة واحدة، أحدهما ينفذ فيه البيع والآخر لا
ينفذ فيه البيع، بطل فيما لا ينفذ البيع فيه، وصح فيما ينفذ فيه، سواء كان
أحدهما مالا والآخر ليس بمال ولا في حكم المال، مثل أن باع خلا وخمرا، أو
حرا وعبدا، أو شاة وخنزيرا.
وما يكون أحدهما مالا والآخر في حكم المال، مثل أن باع أمته وأم ولده،
أو عبده وعبدا موقوفا، أو كان أحدهما ماله والآخر مالا لكنه ملك الغير، الباب
واحد.
وقال الشافعي: يبطل فيما لا ينفذ فيه البيع قولا واحدا. وهل يبطل في
الآخر؟ على قولين: أصحهما عندهم أن البيع يصح في أحدهما.
وقال أبو حنيفة: إن كان أحدهما مالا والآخر ليس بمال ولا في حكم المال،
بطل في المال.
وإن كان أحدهما مالا والآخر في حكم المال، صح في المال.
وإن كان أحدهما مالا له والآخر لغيره، نفذ في ماله وكان في مال الغير موقوفا.
98

وقال مالك وداود: يبطل فيهما.
دليلنا: قوله تعالى: وأحل الله البيع، وهذا بيع فيما يصح أن ينفذ بيعه،
فوجب أن يكون صحيحا، فمن أبطله فعليه الدلالة، وعليه إجماع الفرقة، ولا
يختلفون فيه.
مسألة 233: إذا باع حرا وعبدا، بطل البيع في الحر وصح البيع في
العبد.
وقال أبو حنيفة: بطل البيع في العبد قولا واحدا.
وعند الشافعي لا يبطل في أحد القولين.
دليلنا: قوله تعالى: وأحل الله البيع، وهذا بيع، وقوله تعالى: إلا أن تكون
تجارة عن تراض، وهذه تجارة عن تراض، فمن أبطله فعليه الدلالة.
مسألة 234: قد قلنا أنه إذا جمع في الصفقة ما يصح بيعه وما لا يصح،
فإنه ينفذ فيما يصح، ويبطل فيما لا يصح. وللشافعي فيه قولان على ما مضى.
فللمشتري الخيار بين أن يرد أو يمسك ما يصح فيه البيع بما يخصه من
الثمن الذي يتقسط عليه.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه.
والآخر: أن له أن يمسكه بجميع الثمن أو يرد.
دليلنا: أن جميع الثمن إنما كان في مقابلتهما، ويقسط على الشيئين معا،
فإذا بطل بيع أحدهما سقط عنه بحسابه، فمن أوجب الجميع فعليه الدلالة.
مسألة 235: إذا اختار إمساكه بكل الثمن، فلا خيار للبائع، وإن اختار
إمساكه بما يخصه من الثمن، فلا خيار له أيضا عندنا.
وللشافعي فيه وجهان، أحدهما: مثل ما قلناه. والآخر: له الخيار.
99

دليلنا: أن البيع صح من جهته، فمن أثبت له الخيار فعليه الدلالة، ولأنه قد
دخل مع العلم بأنه لا يسلم له إلا بعض الثمن، وهو ما قابل العبد دون الحر،
فلهذا لم يكن له الخيار.
مسألة 236: إذا اختلف المتبايعان في قدر الثمن، فقال البائع: بعتكه
بألف، وقال المشتري: بخمسمائة، فالقول قول المشتري مع يمينه إن كانت
السلعة تالفة، وإن كانت سالمة فالقول قول البائع مع يمينه.
وقال الشافعي: يتحالفان وينفسخ البيع بينهما أو يفسخ، وسواء كانت
لسلعة قائمة أو تالفة، وإنما يتصور الخلاف إذا هلكت في يد المشتري، فأما إذا
هلكت في يد البائع يبطل البيع (بلا خلاف).
وقال الشافعي: رجع محمد بن الحسن إلى قولنا وخالف صاحبه.
وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: إن كانت السلعة قائمة تحالفا، وإن كانت تالفة
فالقول قول المشتري لأنه غارم.
وقال مالك: إن كانت تالفة فالقول قول المشتري، وإن كانت قائمة فعنه
روايتان:
إحديهما: القول قول المشتري أيضا.
والثانية: القول قول من في يده السلعة والآخر مدعى عليه، فإن كانت في يد البائع
فالقول قوله، وإن كانت في يد المشتري فالقول قوله والبائع مدعي.
وقال زفر وأبو ثور: القول قول المشتري، سواء كانت السلعة سالمة أو
تالفة.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
وأيضا روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله قال: البينة على المدعي
واليمين على من أنكر.
والمشتري مدعى عليه وهو المنكر، لأنهما قد اتفقا على العقد وانتقال
100

الملك، والمشتري معترف بذلك ويذكر أن الثمن خمسمائة والبائع يدعي عليه
خمسمائة، فوجب أن يكون القول قول المشتري، ولا يلزمنا ذلك مع بقاء السلعة
أن القول قول البائع، لأنا لو خلينا وظاهر الخبر لقلنا بذلك.
ولكن روي عن أئمتنا عليهم السلام أنهم قالوا: القول قول البائع، فحملناه
على أنه مع بقاء السلعة.
فأما ما رواه ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وآله قال: إذا اختلف
المتبايعان ولا بينة مع واحد منهما والسلعة قائمة تحالفا أو ترادا، فهو خبر واحد لا
نعرفه، ولا يلزمنا العمل به.
وهو معارض بما رواه سفيان بن عيينة، عن محمد بن عجلان، عن عون بن
عبد الله، عن عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وآله قال: إذا اختلف
المتبايعان فالقول قول البائع والمبتاع بالخيار.
مسألة 237: إذا اختلفا في شرط يلحق بالعقد يختلف لأجله الثمن، مثل أن
قال: بعتكه نقدا، فقال: بل إلى سنة. أو قال: إلى سنة، فقال: إلى سنتين، فلا فصل
بين أن يختلفا في أصل الأجل أو في قدره.
وكذلك في العين إذا اختلفا في أصله، وكذلك الشهادة.
وهكذا في ضمان العهدة، وهو أن يضمن عن البائع الثمن متى وقع
الاختلاف في شئ من هذا، فالقول قول البائع مع يمينه.
وقال الشافعي: يتحالفان.
وقال أبو حنيفة: لا يتحالفان، ويكون القول قول من ينفي الشرط.
دليلنا: عموم الأخبار، وأنه متى اختلف المتبايعان فالقول قول البائع.
وحديث ابن مسعود المقدم ذكره أن النبي صلى الله عليه وآله قال: إذا
اختلف المتبايعان فالقول قول البائع والمبتاع بالخيار، وهو على عمومه في كل شئ.
101

مسألة 238: إذا اختلفا في شرط يفسد البيع، فقال البائع: بعتك إلى
أجل معلوم، وقال المشتري: إلى أجل مجهول. أو قال: بعتك بدراهم أو دنانير،
فقال: اشتريته بخمر أو خنزير، كان القول قول من يدعي الصحة، وعلى من ادعى
الفساد البينة. وبه قال الشافعي.
وقال أبو علي ابن أبي هريرة من أصحابه في الإفصاح: فيه وجهان، وصوبه
أبو الطيب الطبري.
دليلنا: أن الأصل في العقد الصحة، فمن ادعى الفساد فعليه الدلالة.
مسألة 239: إذا باع شيئا بثمن في الذمة، فقال البائع: لا أسلم المبيع حتى
أقبض الثمن، وقال المشتري: لا أسلم الثمن حتى أقبض المبيع، فعلى الحاكم أن
يجبر البائع على تسليم المبيع أولا، ثم يجبر المشتري على تسليم الثمن بعد
ذلك، بعد أن يحضر الثمن والمبيع.
وقال الشافعي فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: يجبر البائع، وهو ظاهر كلامه.
والثاني: يجبر كل واحد منهما، مثل ما قلناه، وهو الصحيح عندهم.
والثالث: لا يجبر واحد منهما.
وقال أبو حنيفة ومالك: يجبر المشتري على تسليم الثمن أولا.
دليلنا على ما قلناه: أن الثمن إنما يستحق على المبيع، فيجب أولا تسليم
المبيع فيستحق الثمن، فإذا سلم المبيع استحق الثمن، فوجب حينئذ إجباره على
تسليمه تسليمه، فلا بد إذا مما قلناه.
مسألة 240: إذا كان البيع عينا بعين، فالحكم فيه كالحكم في المسألة
الأولى سواء.
وللشافعي فيه ثلاثة أقوال:
102

أحدها: يجبر كل واحد منهما على إحضار ما عليه.
والثاني: لا يجبر واحد منهما، وأيهما تطوع بالدفع أجبر الآخر على التسليم.
والثالث: يجبر الحاكم أيهما شاء على التسليم، فإذا سلم أجبر الآخر على
التسليم.
وقال أبو حنيفة: إن كان الثمن دراهم أو دنانير فالحكم فيه كما لو كان
في الذمة، لأن الأثمان عنده لا تتعين، وإن كان من غيرها فالحاكم يجبر من شاء
منهما أولا، فإذا دفع دفع الآخر ما عليه.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى.
مسألة 241: إذا اختلفا فقال: بعتك هذا العبد بألف درهم، وقال
المشتري: بل بعتني هذه الجارية بألف ولم تبعني العبد، وليس هناك بينة، كان
القول قول البائع مع يمينه أنه ما باع الجارية، والقول قول المشتري مع يمينه أنه
ما اشترى العبد، ولا يجب على واحد منهما الجمع بين النفي والإثبات.
ولا يكون هذا تحالفا وإنما يحلف كل واحد منهما على النفي، فإذا حلف
البائع أنه ما باع الجارية بقيت الجارية على ملكه كما كانت، وجاز له التصرف
فيها.
وأما المشتري فإنه يحلف أنه ما اشترى العبد، فإذا حلف فإنه ينظر، فإن
كان العبد في يد المشتري فإنه لا يجوز للبائع مطالبته به لأنه لا يدعيه. وإن كان
في يد البائع فإنه لا يجوز له التصرف فيه، لأنه معترف بأنه للمشتري وإن ثمنه في
ذمته، ويجوز له بيعه بقدر الثمن. وبه قال أبو حامد الإسفرايني.
وقال أبو الطيب الطبري: ذكر أبو بكر ابن الحداد في كتاب الصداق نظير
هذه المسألة وقال: يتحالفان، فقال: إذا اختلف الزوجان فقال الزوج: مهرتك
أباك، وقالت: مهرتني أمي تحالفا.
وقال: وكذلك إذا قال: مهرتك أباك ونصف أمك، وقالت: بل مهرتني
103

أمي ونصف أبي تحالفا، قال: ولا يختلف أصحابنا في ذلك، فسقط ما قال أبو
حامد.
دليلنا على ما قلناه: أن هاهنا دعويين، يجب في كل واحد منهما البينة، فإذا
عدمت كان في مقابلتها اليمين، فالبائع إذا ادعى ابتياع العبد كان عليه البينة، فإذا
عدمها على المشتري اليمين أنه ما اشتراه، وكذلك إذا ادعى المشتري أنه اشترى
الجارية كان عليه البينة، فإذا عدمها كان على البائع اليمين، ولا وجه للتحالف في
شئ واحد، ولا دليل عليه.
مسألة 242: إذا مات المتبايعان، واختلف ورثتهما في مقدار الثمن أو
المثمن، فالقول قول ورثة المشتري مع يمينهم في مقدار الثمن، وقول ورثة البائع
في الثمن مع اليمين.
وقال الشافعي: يتحالفان.
وقال أبو حنيفة: إن كان المبيع في يد وارث البائع تحالفا، وإن كان في يد
وارث المشتري كان القول قوله مع يمينه.
دليلنا على أن القول قول ورثة المشتري في مقدار الثمن: أنهما قد اتفقا على
البيع، وادعى ورثة البائع ثمنا أكثر مما يذكره ورثة المشتري، فعليه البينة، فإذا
عدمت كان على ورثة المشتري اليمين.
ودليلنا على أن القول قول ورثة البائع في المثمن: أن الأصل أن لا بيع،
فمن ادعى البيع في شئ بعينه فعليه الدلالة، والأصل بقاء ملك البائع على
ورثته.
مسألة 243: إذا تلف المبيع قبل القبض للسلعة، بطل العقد. وبه قال أبو
حنيفة والشافعي.
وقال مالك: لا يبطل.
104

دليلنا: أنه إذا باع، فإنما يستحق الثمن إذا قبض المبيع، فإذا تلف، تعذر
عليه التسليم، فلا يستحق العوض.
مسألة 244: إذا كان الثمن معينا، فتلف قبل القبض، سواء كان من الأثمان
أو غيرها، بطل العقد. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: إن كان من غير الأثمان كقولنا، وإن كان من الأثمان دراهم
أو دنانير لم يبطل بناء على أصله أن الثمن لا يتعين بالعقد.
دليلنا: أنه إذا عين الثمن وعقد عليه العقد، كان مثل السلعة الباقية في
تعينه، وإنما لم يتعين إذا كان بثمن بالذمة، فالأصل الذي بنى عليه غير مسلم.
مسألة 245: إذا كانت له أجمة يحبس فيها السمك، فحبس فيها سمكا
وباعه، لا يخلو من أحد أمرين:
إما أن يكون الماء قليلا صافيا يشاهد فيه السمك، ويمكن تناوله من غير
مؤنة، فالبيع جائز بلا خلاف، فإنه مبيع مقدور على تسليمه، وإن كان الماء
كدرا بطل البيع، لأنه مجهول.
والأمر الآخر: أن يكون الماء كثيرا صافيا والسمك مشاهدا إلا أنه لا يمكن
أخذه إلا بمؤونة وتعب حتى يصطاد، فعندنا أنه لا يصح بيعه، إلا بأن يبيعه مع ما
فيه من القصب، أو يصطاد شيئا منه ويبيعه مع ما يبقى فيه، فمتى لم يفعل ذلك
بطل البيع.
وقال أبو حنيفة والشافعي والنخعي: البيع باطل، ولم يفصلوا.
وقال ابن أبي ليلى جائز، وبه قال عمر بن عبد العزيز.
دليلنا على جواز بيعه مع شئ آخر: إجماع الفرقة، وعلى بطلانه منفردا
أيضا ذلك.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه نهى عن بيع الغرر.
105

وهذا غرر، ولأن صحة بيعه تحتاج إلى دليل شرعي.
مسألة 246: إذا باع عبدا بيعا فاسدا وتقابضا، فأكل البائع الثمن وفلس،
كان على المشتري رد العبد على البائع، وكان أسوة للغرماء. وبه قال أبو
العباس بن سريج.
وقال أبو حنيفة المشتري أحق بعين العبد - يعني له إمساكه على قبض
الثمن، ويكون ثمنه مقدما على الغرماء.
دليلنا: أنه إنما قبضه على أنه ملكه، فإذا لم يكن ملكا له فعليه رده إلى
مالكه، فمن قال له إمساكه فعليه الدلالة.
مسألة 247: إذا قال لرجل: بع عبدك هذا من فلان بخمسمائة، على أن
علي خمسمائة، قال أبو العباس بن سريج يحتمل معنيين، أحدهما: البيع باطل،
والثاني: يصح ويكون على الضامن.
والذي عندي أن هذا بيع صحيح، لأنه شرط لا ينافي الكتاب والسنة،
والنبي صلى الله عليه وآله قال: المؤمنون عند شروطهم.
مسألة 248: إذا قال له: بع عبدك منه بألف، على أن على فلان خمسمائة، فيه
مسألتان.
إن سبق الشرط العقد، وعقد البيع مطلقا عن الشرط، لزم البيع ولم يلزم
الضامن شئ.
وإن قارن العقد فقال: بعتك بألف على أن فلانا ضامن خمسمائة، صح
البيع بشرط الضمان، فإن ضمن فلان ذلك مضى، وإن لم يضمن كان البائع
بالخيار، لأنه لم يصح له الضمان. وبه قال أبو العباس وأبو الحسن.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
106

مسألة 249: إذا اشترى جارية بشرط أن لا خسارة عليه إذا باعها، أو بشرط
أن لا يبيعها، أو لا يعتقها، أو لا يطأها، ونحو هذا كان العقد صحيحا، والشرط
باطلا. وبه قال ابن أبي ليلى، والنخعي، والحسن البصري.
وقال أبو حنيفة والشافعي: الشرط والبيع باطلان.
وقال ابن شبرمة: البيع جائز، والشرط جائز.
دليلنا على صحة البيع: قوله تعالى: وأحل الله البيع، وهذا بيع.
وعلى بطلان الشرط: أنه مخالف للكتاب والسنة، وكل شرط يخالفهما فهو
باطل.
وأيضا روي أن عائشة اشترت بريرة بشرط العتق، ويكون ولاؤها لمواليها،
فأجاز النبي صلى الله عليه وآله البيع وأبطل الشرط، فإنه صعد المنبر وقال: ما
بال أقوام يشرطون شروطا ليست في كتاب الله، كل شرط ليس في كتاب الله
فهو باطل، كتاب الله أحق، وشروطه أوثق.
مسألة 250: إذا اشترى جارية شراء فاسدا، ثم قبضها فأعتقها، لم يملك
بالقبض ولم ينفذ عتقها، ولا يصح شئ من تصرفه فيها، مثل البيع والهبة
والوقف وغير ذلك، ويجب عليه ردها على البائع بجميع نمائها المنفصل منها.
وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: يملك بالقبض، ويصح تصرفه فيها، ويجب على كل
واحد منهما فسخ الملك ورد المبيع على صاحبه.
دليلنا على ذلك: أنه إذا كان البيع فاسدا فملك الأول باق لم يزل، وإذا
لم يزل فكل من تصرف في ملكه بغير إذنه يجب أن لا يصح تصرفه، لأنه لا دليل
على صحته.
مسألة 251: إذا اشترى جارية بيعا فاسدا فوطئها، فإنه لا يملكها ووجب
107

عليه ردها، وعليه إن كانت بكرا عشر قيمتها، وإن كانت ثيبا نصف عشر قيمتها.
وقال الشافعي: إن كانت ثيبا فمهر مثلها الثيب، وإن كانت بكرا مهر البكر
وأرش الافتضاض.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، فإنهم رووا ذلك منصوصا عن الأئمة
عليهم السلام، وإجماعهم حجة.
مسألة 252: إذا حبلت وأتت بولد، كان الولد حرا بالإجماع، وعلى
الواطئ قيمة الولد يوم سقط حيا. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: يوم التحاكم.
دليلنا على ذلك: أنا أجمعنا على وجوب قيمته يوم سقط حيا، ولا دليل
على وجوب قيمته يوم المحاكمة، والأصل براءة الذمة، فمن ادعى ذلك فعليه
الدلالة.
مسألة 253: إذا ملك هذه الجارية فيما بعد بعقد صحيح، وكانت ولدت
منه بالعقد الفاسد، فإنها تكون أم ولده.
وللشافعي فيه قولان، أحدهما: مثل ما قلناه.
والثاني: أنها لا تصير أم ولده.
دليلنا: أن له ولدا منها، وثبت له نسب إليه نسبا شرعيا، فوجب أن تكون أم
ولده، ولأن ظاهر اللغة والشرع يقتضيه، ومن نفاه فعليه الدلالة.
مسألة 254: إذا اشترى من رجل عبدا، وشرط البائع على المشتري أن
يعتقه، كان العقد صحيحا والشرط صحيحا. وهو الذي نص عليه الشافعي في
كتبه.
108

وروى أبو ثور عنه أنه قال: الشرط فاسد والبيع صحيح. حكاه القاضي أبو
حامد عنه، والأول هو المشهور.
وقال أبو حنيفة: الشرط فاسد والبيع فاسد.
دليلنا: قوله عليه السلام: المؤمنون عند شروطهم، ولأنه لا مانع يمنع من
كتاب ولا سنة ولا إجماع.
مسألة 255: إذا باع دارا واستثنى سكناها لنفسه مدة معلومة جاز البيع
وثبت الشرط، وكذلك إذا باع دابة واستثنى ركوبها مدة أو مسافة معلومة صح
البيع والشرط. وبه قال الأوزاعي، وأحمد، وإسحاق بن خزيمة.
وقال مالك: يجوز في مدة يسيرة كاليوم واليومين.
وقال أبو حنيفة والشافعي: لا يصح البيع في جميع ذلك.
دليلنا: قول النبي صلى الله عليه وآله: المؤمنون عند شروطهم، وهذا
شرط، ولأنه لا مانع يمنع منه في الشرع من كتاب أو سنة أو إجماع، والأصل
جوازه.
وروى جابر بن عبد الله أنه باع من رسول الله صلى الله عليه وآله جملا
واشترط حملانه إلى أهله بالمدينة، وهذا يدل على جوازه.
مسألة 256: إذا قال: بعتك هذه الدار وأجرتك هذه الدار الأخرى،
فجمع بين البيع والإجارة في صفقة واحدة كان صحيحا، وثبت البيع والإجارة،
وهو أصح قولي الشافعي.
والقول الآخر: أنهما يبطلان.
دليلنا: أن البيع والإجارة مباحان، فمن أبطلهما في حال الاجتماع فعليه
الدلالة.
109

مسألة 257: إذا باع زرعا بشرط أن يحصده، وكان الزرع مما يجوز
بيعه، إما أن يكون قصيلا أو يكون قد عقد الحب واشتد وهو شعير، لأن بيع
سنبل الشعير جائز، ولا يجوز بيع سنبل الحنطة لأنه في غلاف، كان البيع
صحيحا، ووجب عليه أن يحصده له.
وقال أبو إسحاق المروزي: فيه قولان، أحدهما: يبطلان. والثاني: يصحان،
لأنه بيع وإجارة في صفقة واحدة.
وقال غيره: لا يصح هذا قولا واحدا.
دليلنا: أنه لا مانع يمنع منه في الشرع، والأصل جوازه.
وأيضا قوله عليه السلام: المؤمنون عند شروطهم، وهذا شرط.
مسألة 258: ما يباع كيلا لا يصح بيعه جزافا وإن شوهد.
وقال الشافعي: إذا قال: بعتك هذه الصبرة، وقد شاهدها، بثمن معلوم كان
صحيحا.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، ولأنا أجمعنا على أنه إذا باعه كيلا
صح البيع، ولم يدل دليل على أنه إذا باعه جزافا كان صحيحا.
مسألة 259: إذا قال: بعتك هذه الصبرة كل قفيز بدرهم صح البيع. وبه
قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: لا يصح.
دليلنا: قوله تعالى: وأحل الله البيع، والأصل أيضا جوازه، والمنع يحتاج
إلى دليل.
مسألة 260: إذا قال: بعتك عشرة أقفزة من هذه الصبرة بكذا، صح
البيع. وبه قال الشافعي.
وقال داود: لا يصح.
110

دليلنا: الآية، ولا مانع يمنع منه.
مسألة 261: إذا قال: بعتك من هذه الصبرة كل قفيز بدرهم صح البيع،
إذا لم يرد بمن التبعيض، فإن أراد التبعيض لم يصح، لأن البعض مجهول.
وقال الشافعي: لا يجوز، ولم يفصل.
دليلنا على جواز ما قلناه: أن الأصل جوازه، والآية تدل عليه، والمنع
يحتاج إلى دليل.
مسألة 262: إذا قال: بعتك نصف هذه الصبرة، أو ثلثها، أو ربعها، لا
يصح البيع.
وقال الشافعي: يصح.
دليلنا: ما قدمناه من أن ما يباع كيلا لا يصح بيعه جزافا، وهذا بيع من
غير كيل، فوجب أن لا يصح.
مسألة 263: إذا قال: بعتك هذه الدار كل ذراع بدينار، كان جائزا. وبه
قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: لا يجوز.
دليلنا: الآية، ودلالة الأصل، والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 264: إذا قال: هذه الدار مائة ذراع، وقد بعتك عشرة أذرع منها
بكذا، كان جائزا. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: لا يجوز.
دليلنا: الآية، ودلالة الأصل، ولا مانع يمنع منه. ولأن عشرة أذرع من
مائة عشرها، فلا فرق بين أن يقول: بعتك عشرها، وبين أن يقول: عشرة أذرع
111

من مائة.
مسألة 265: إذا قال: بعتك من هذه الدار عشرة أذرع، من موضع معين
إلى حيث ينتهي، كان البيع صحيحا.
وللشافعي فيه وجهان، أحدهما: مثل ما قلناه. والثاني: أنه لا يصح.
دليلنا: أنه باعه جزء معلوما من موضع معين، فيجب أن لا يمنع منه مانع،
لأنه ليس بمجهول.
مسألة 266: إذا باع ذراعا معينا من ثوب، كان البيع صحيحا، مثل ما
قلناه في الدار.
واختلف أصحاب الشافعي، فقال بعضهم مثل ما قلناه، وإليه ذهب ابن
القفال في التقريب، واختاره أبو الطيب الطبري.
وقال بعضهم: لا يجوز، ذكره أبو العباس بن القاص.
دليلنا: الآية، ودلالة الأصل، والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 267: إذا قال: بعتك هذا السمن مع الظرف كل رطل بدرهم،
كان جائزا.
وقال الشافعي: إن كان وزن كل واحد منهما معلوما، بأن يكون الظرف
ربعا أو سدسا أو غير ذلك كان جائزا، وإن لم يكن كذلك بطل العقد، لأنه إذا
باع موازنة يجب أن يكون مقدار المبيع من كل جنس الذي جعل الثمن في
مقابلته معلوما، وهذا مجهول.
دليلنا: الآية، ودلالة الأصل، والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 268: إذا اشترى من رجل عشرة أقفزة من صبرة، فكالها على
112

المشتري وقبضها، ثم ادعى المشتري أنه كان تسعة، كان القول قول البائع مع
يمينه.
وللشافعي فيه قولان، أحدهما وهو الصحيح مثل ما قلناه.
والثاني: أن القول قول المشتري مع يمينه.
دليلنا: أن المشتري قد قبض حقه في الظاهر، وإنما يدعي الخطأ في
الكيل، فعليه البينة.
مسألة 269: إجارة الفحل للضراب مكروه، وليس بمحظور، وعقد
الإجارة عليه غير فاسد.
وقال مالك: يجوز. ولم يكرهه.
وقال أبو حنيفة والشافعي: إن الإجارة فاسدة، والأجرة محظورة.
دليلنا: أن الأصل الإباحة، فمن ادعى الحظر والمنع فعليه الدلالة. فأما
كراهية ما قلناه فعليه إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 270: بيض ما لا يؤكل لحمه لا يجوز أكله ولا بيعه، وكذلك مني
ما لا يؤكل لحمه. وللشافعي فيه وجهان.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، فإنها تتضمن ذكر البيض، فأما المني فإنه
نجس عندنا، وما كان نجسا لا يجوز بيعه ولا أكله بلا خلاف.
مسألة 271: بيض ما يؤكل لحمه، إذا وجد في جوف الدجاجة الميتة
واكتسى الجلد الفوقاني، فإنه يجوز أكله وبيعه.
وللشافعي فيه وجهان، أحدهما: مثل ما قلناه. والثاني: لا يجوز.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، ودلالة الأصل، وقوله تعالى: وأحل الله
البيع، والمنع يحتاج إلى دليل.
113

مسألة 272: بذر دود القز يجوز بيعه.
وللشافعي فيه وجهان.
دليلنا: الآية، ودلالة الأصل، والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 273: يجوز بيع دود القز، وبيع النحل إذا رآها، ثم اجتمعت في
بيتها وحبسها فيه حتى لا يمكنها أن تطير، ثم يعقد البيع عليها. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: لا يجوز بيع دود القز، ولا بيع النحل.
دليلنا: الآية، والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 274: لا يجوز بيع العبد الآبق منفردا، ويجوز بيعه مع سلعة
أخرى.
وقال الفقهاء بأسرهم: لا يجوز بيعه، ولم يفصلوا.
وحكي عن ابن عمر أنه أجازه، وعن محمد بن سيرين أنه قال: إن لم يعلم
موضعه لم يجز وإن علم موضعه جاز.
دليلنا على منع بيعه منفردا: إجماع الفرقة، ولأنه لا يقدر على تسليمه، ولأنه
بيع الغرر، فأما جوازه مع السلعة الأخرى فإجماع الفرقة، ودلالة الأصل،
والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 275: إذا باع إنسان ملك غيره بغير إذنه، كان البيع باطلا. وبه
قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: ينعقد البيع، ويقف على إجازة صاحبه. وبه قال قوم من
أصحابنا.
دليلنا: إجماع الفرقة، ومن خالف منهم لا يعتد بقوله، ولأنه لا خلاف أنه
ممنوع من التصرف في ملك غيره، والبيع تصرف.
114

وأيضا روى حكيم، عن النبي صلى الله عليه وآله أنه نهى عن بيع ما ليس
عنده، وهذا نص.
وروى عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وآله أنه
قال: لا طلاق إلا فيما يملك، ولا عتق إلا فيما يملك، ولا بيع إلا فيما يملك.
فنفى عليه السلام البيع في غير الملك، ولم يفصل.
مسألة 276: لا يجوز بيع الصوف على ظهور الغنم منفردا. وبه قال
أبو حنيفة والشافعي.
وقال مالك والليث بن سعد: يجوز.
دليلنا: إجماع الفرقة، ولأنه بيع الغرر.
وروى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله نهى أن يباع الثمرة حتى
يتبين صلاحها، أو يباع صوف على ظهر.
والنهي يدل على فساد المنهي عنه.
مسألة 277: المسك طاهر يجوز بيعه وشراؤه. وبه قال أكثر الفقهاء،
وفي الناس من قال: نجس لا يجوز بيعه، لأنه دم.
دليلنا: أن النجاسة حكم شرعي، ولا دلالة في الشرع على نجاسة المسك.
وروى أبو سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وآله قال: أطيب الطيب
المسك، ولا خلاف أن النبي صلى الله عليه وآله كان يتطيب به، ولم يكن
يتطيب بالنجاسات.
مسألة 278: يجوز بيع المسك في فأرة، والأحوط أن يفتح ويشاهد، وبه
قال ابن سريج.
وقال باقي أصحاب الشافعي: لا يجوز بيعه في فأرة حتى يفتح.
115

دليلنا: الآية، ودلالة الأصل، والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 279: يجوز بيع الأعمى وشراؤه، سواء ولد أعمى أو عمي بعد
صحته. وبه قال أبو حنيفة.
وقال الشافعي: إن كان ولد أعمى فلا يجوز بيعه وشراؤه في الأعيان، بل
يوكل. وإن كان بصيرا ثم عمي، فإن باع شيئا أو اشتراه ولم يكن قد رآه فلا
يجوز بيعه وشراؤه، وإن كان قد رآه فإن كان الزمان يسيرا لا يتغير في العادة، أو
كان الشئ مما لا يفسد في الزمان الطويل مثل الحديد والرصاص جاز بيعه،
فإن وجد على ما رآه فلا خيار له، وإن وجد متغيرا كان بالخيار.
وإن كان الزمان تطاول والشئ مما يتغير، مثل أن يكون عبدا صغيرا فكبر
أو شجرة صغيرة فكبرت، فإن بيعه لا يجوز، لأن المبيع مجهول الصفة.
هذا إذا قال: أن بيع خيار الرؤية لا يجوز، وإذا قال: أنه يجوز بيع خيار
الرؤية ففيه وجهان:
أحدهما: لا يجوز، لأن بيع خيار الرؤية يتعلق برؤيته، وهذا لا يصح في
الأعمى.
والثاني: يجوز ويوكل من يصفه، فإن رضيه قبضه، وإن كرهه فسخ البيع.
دليلنا: قوله تعالى: وأحل الله البيع، ولم يخص. وقوله: وأشهدوا إذا
تبايعتم، ولم يفرق.
وأيضا فإن جماعة من الصحابة كفوا ولم يقل أحد أنهم منعوا من البيع، ولو
منعوا لنقل ذلك.
مسألة 280: إذا نجش بأمر البائع ومواطاته، وهو أن يزيد في السلعة،
ليقتدي به المشتري فيشتريه، يصح البيع بلا خلاف، ولكن للمشتري الخيار.
واختلف أصحاب الشافعي في ذلك، فقال أبو إسحاق المروزي مثل ما
116

قلناه.
ومنهم من قال: لا خيار له، وهو قول ابن أبي هريرة وظاهر قول الشافعي.
دليلنا: أن هذا تدليس، وعيب وجب أن يثبت الخيار مثل سائر العيوب.
وإن قلنا: أنه لا خيار له كان قويا، لأن العيب ما يكون بالمبيع، وهذا ليس
كذلك، وللبائع والمشتري حكم نفسه فيما يشتريه دون حكم غيره، فإذا اشترى
مضى شراؤه.
مسألة 281: لا يجوز أن يبيع حاضر لباد، سواء كان بالناس حاجة إلى ما
معهم، أو لم يكن لهم حاجة، فإن خالف أثم، وهو الظاهر من مذهب الشافعي.
وفي أصحابه من قال: إذا لم يكن بهم حاجة إلى ما معهم جاز أن يبيع لهم.
دليلنا: عموم الخبر في النهي عن ذلك من قوله عليه السلام: لا يبيعن حاضر لباد.
مسألة 282: تلقي الركبان لا يجوز، فإن تلقى واشترى كان البائع بالخيار
إذا ورد السوق، إلا أن ذلك محدود بأربعة فراسخ، فإن زاد على ذلك كان
جلبا، ولم يكن به بأس.
وللشافعي فيه قولان، أحدهما: لا يجوز، ولم يحده.
والثاني: ليس له الخيار.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله نهى عن تلقي الجلب، فإن تلقى
متلق فاشتراه، فصاحب السلعة بالخيار إذا ورد السوق. وهذا نص.
مسألة 283: يكره البيع والسلف في عقد واحد، وليس بمحظور ولا
فاسد، وهو أن يبيع دارا على أن يقرض المشتري ألف ردهم، أو يقرضه البائع
117

ألف درهم، وليس ذلك بمحظور.
وقال الشافعي: ذلك حرام.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم. وأيضا الأصل الإباحة، والمنع يحتاج إلى
دليل.
وأيضا البيع صحيح بالانفراد، والقرض صحيح مثله، فمن ادعى أن الجمع
بينهما فاسد فعليه الدلالة.
مسألة 284: من أقرض غيره مالا على أن يأخذه في بلد آخر، ويكتب له به
نسخة كان جائزا.
وقال الشافعي: إذا شرط ذلك كان حراما.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم. وأيضا الأصل الإباحة، والمنع يحتاج إلى
دليل.
مسألة 285: يجوز أن يقرض غيره مالا ويرد عليه بدله خيرا منه من غير
شرط، سواء كان ذلك عادة، أو لم يكن. وبه قال أكثر أصحاب الشافعي.
ومنهم من قال: إذا كان ذلك عادة لا يجوز.
دليلنا: أن الأصل جوازه، والمنع يحتاج إلى دليل، وعليه إجماع الفرقة
وأخبارهم.
مسألة 286: إذا شرط في القرض أن يرد عليه أكثر منه أو أجود منه فيما لا
يصح فيه الربا، مثلا أن يقول أقرضتك ثوبا بثوبين كان حراما. وهو مذهب أكثر
أصحاب الشافعي.
وقال أبو علي في الإفصاح: يجوز ذلك كما يجوز في البيع.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا قوله عليه السلام: كل قرض جر منفعة فهو
118

ربا.
مسألة 287: إذا لم يجد مال القرض بعينه، وجب عليه مثله. وعليه أكثر
أصحاب الشافعي.
وفيهم من قال: يجب عليه قيمته كالمتلف.
دليلنا: أنه إذا قضى مثله برئت ذمته، وإذا رد قيمته لم يدل دليل على
براءتها.
وأيضا فالذي أخذه عين مخصوصة، فمن نقل إلى قيمتها فعليه الدلالة.
مسألة 288: كلما يضبط بالوصف أو يصح السلم فيه يجوز إقراضه من
المكيل، والموزون، والمذروع، والحيوان وغيره. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: لا يجوز القرض في الثياب، ولا في الحيوان، ولا يجوز إلا
فيما له مثل من المكيل والموزون.
دليلنا: عموم الأخبار في جواز القرض، والحث على فعله، والتخصيص
يحتاج إلى دلالة، وأيضا الأصل الإباحة، والحظر يحتاج إلى دليل.
مسألة 289: يجوز استقراض الخبز. وبه قال الشافعي. وقال أبو حنيفة:
لا يجوز. وقال أبو يوسف: يجوز وزنا.
وقال محمد: يجوز عددا.
دليلنا: عموم الأخبار في جواز القرض، ودلالة الأصل.
وأيضا هو إجماع، فإن الناس يستقرضون من عهد النبي صلى الله عليه وآله
إلى يومنا الخبز. من غير تناكر بينهم، فمن خالف خالف الإجماع.
مسألة 290: ليس لأصحابنا نص في جواز إقراض الجواري، ولا أعرف
119

لهم فيه فتيا، والذي يقتضيه الأصول أنه على الإباحة، ويجوز ذلك سواء كان
ذلك من أجنبي أو من ذي رحم لها، ومتى أقرضها ملكها المستقرض بالقرض،
ويجوز له وطؤها إن لم تكن ذات رحم محرمة. وبه قال داود، ومحمد بن جرير
الطبري.
وقال الشافعي: يجوز إقراضها من ذي رحمها، مثل أبيها أو أخيها أو عمها أو
خالها، لأنه لا يجوز لهم وطؤها، فأما الأجنبي ومن يجوز له وطؤها من القرابة فلا
يجوز قولا واحدا.
دليلنا: أن الأصل الإباحة، والحظر يحتاج إلى دليل.
وأيضا الأخبار التي رويت في جواز القرض والحث عليه عامة في جميع
الأشياء إلا ما أخرجه الدليل.
وأيضا روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: الناس مسلطون على
أموالهم، وقال: لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه.
وقال الله تعالى: أوفوا بالعقود، والقرض عقد بلا خلاف.
مسألة 291: المستقرض يملك القرض بالقبض.
واختلف أصحاب الشافعي في ذلك، فمنهم من قال مثل ما قلناه. ومنهم من
قال: يملك بالتصرف فيه.
دليلنا: على أنه يملك بالقبض: أنه إذا قبض، جاز له التصرف فيه، فلو لم
يملكه لم يجز له التصرف فيه.
مسألة 292: يجوز للمستقرض أن يرد مال القرض على المقرض بلا
خلاف، وأما المقرض فعندنا أن له الرجوع فيه.
ولأصحاب الشافعي فيه قولان، أحدهما: مثل ما قلناه.
ومنهم من قال: إن قلنا يملك بالقبض، فليس له الرجوع، وإن قلنا: يملك
120

بالتصرف، فليس له الرجوع بعد التصرف.
دليلنا: أنه عين ماله، فكان له الرجوع فيه، لأن المنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 293: من كان له على غيره دين من ثمن متاع حالا، أو أجرة، أو
صداقا، فحط منه شيئا، أو حط جميعه، كان جائزا. وإن أجله لم يصر مؤجلا
ويستحب له الوفاء به، سواء كان ذلك ثمنا، أو أجرة، أو صداقا، أو كان قرضا،
أو أرش جناية، وإن اتفقا على الزيادة لم يصح ولم يثبت، وإن حط من الثمن شيئا
أو حط جميعه كان ذلك إبراء ولا يلحق بالعقد، ويكون إبراء في الوقت الذي
أبرأه فيه. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: التأجيل يثبت في الثمن والأجرة والصداق ويلحق بالعقد،
وكذلك الزيادة. وأما الحط فينظر فيه، فإن كان لبعض الثمن لحق بالعقد، وإن
كان لجميع الثمن لم يلحق بالعقد، وكان إبراء من الوقت الذي أبرأه منه.
قال: وأما في الدين من جهة القرض أو أرش الجناية فإنه لا يثبت فيهما
التأجيل ولا الزيادة بحال.
وقال مالك: يثبت التأجيل في الجميع من الثمن، والأجرة والصداق
والقرض وأرش الجناية، وقال في الزيادة مثل قول أبي حنيفة.
دليلنا: أنه إذا ثبت ألحق بأحد الأسباب المتفق عليه، فالزيادة عليه،
وإلحاقها به يحتاج إلى دلالة، والأصل عدمها.
مسألة 294: لا يصح بيع الصبي وشراؤه، سواء أذن له فيه الولي أو لم
يأذن. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: إن كان بإذن الولي صح، وإن كان بغير إذنه وقف على
إجازة الولي.
دليلنا: أن البيع والشراء حكم شرعي، ولا يثبت إلا بشرع، وليس فيه ما
121

يدل على أن بيع الصبي وشراؤه صحيحان.
وأيضا قوله عليه السلام: رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون حتى يفيق، وعن
الصبي حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ.
مسألة 295: الولي إذا كان فقيرا جاز له أن يأكل من مال اليتيم أقل
الأمرين من كفايته، أو أجرة مثله، ولا يجب عليه القضاء.
وللشافعي فيه وجهان، أحدهما: مثل ما قلناه. والثاني أن عليه القضاء.
دليلنا: قوله تعالى: ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف، ولم يوجب
القضاء.
مسألة 296: لا يصح شراء العبد بغير إذن مولاه بثمن في ذمته. وبه قال
أبو سعيد الإصطخري من أصحاب الشافعي.
وقال ابن أبي هريرة: يصح.
دليلنا: قوله تعالى: عبدا مملوكا لا يقدر على شئ، والبيع من جملة
الأشياء، فوجب أن لا يكون قادرا عليه.
مسألة 297: إذا أذن المولى للعبد في التجارة، فركبه دين، فإن كان أذن
له في الاستدانة قضى مما في يده من المال، وإن لم يكن في يده مال كان على
المولى القضاء عنه، وإن لم يكن أذن له في الاستدانة كانت ذلك في ذمته،
يطالب به إذا أعتق.
وقال الشافعي: متى أذن له في التجارة، فركبه دين، فإن كان في يده مال
قضى عنه، وإن لم يكن في يده مال يقضى منه كان في ذمته يتبع به إذا أعتق، ولا
يباع فيه.
وقال أبو حنيفة: يباع العبد فيه إذا طالبه الغرماء ببيعه.
122

دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم وقد ذكرناها.
وأيضا فقد ثبت أن العبد لا يملك، فإذا أذن له في التجارة فركبه الدين فلا
يجوز أن يباع فيه، لأنه ملك الغير، وإيجاب بيعه والقضاء به يحتاج إلى دلالة،
والشرع خال منه، والأصل براءة الذمة.
مسألة 298: إذا أقر العبد على نفسه بجناية توجب القصاص عليه، أو
الحد، لا يقبل إقراره في حق المولى، ولا يقتص منه ما دام مملوكا. وبه قال زفر،
والمزني، وداود، وابن جرير.
وقال أبو حنيفة، ومالك، والشافعي: يقبل إقراره ويقتص منه.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا فإن إقراره على نفسه يتضمن إقرارا على الغير،
لأنه ملك الغير، فإذا أقر بما يوجب القصاص كان ذلك إقرارا بإتلاف مال
الغير، فيجب أن يكون باطلا.
مسألة 299: إذا أقر العبد بسرقة توجب القطع، لا يقبل إقراره.
وقال الشافعي: يقبل إقراره قولا واحدا، وتقطع يده.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 300: إذا أقر العبد بمال وقد تلف المال، لا يقبل إقراره.
وقال الشافعي: إن كان تالفا فيه وجهان، أحدهما: مثل ما قلناه، وهو
الصحيح عندهم. والثاني: يقبل إقراره.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 301: إذا أقر العبد بمال في يده لغير سيده، لا يقبل إقراره.
وقال ابن سريج: فيه قولان.
وفي أصحابه من قال: لا يقبل إقراره قولا واحدا.
123

دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 302: يجوز بيع كلاب الصيد، ويجب على قاتلها قيمتها إذا كانت
معلمة، ولا يجوز بيع غير الكلب المعلم على حال.
وقال أبو حنيفة ومالك: يجوز بيع الكلاب مطلقا، إلا أنه مكروه. فإن باعه
صح البيع ووجب الثمن، وإن أتلفه متلف لزمته قيمته.
وقال الشافعي: لا يجوز بيع الكلاب معلمة كانت أو غير معلمة، ولا يجب
على قاتلها القيمة.
دليلنا: إجماع الفرقة، فإنهم لا يختلفون فيه، ويدل على ذلك أيضا قوله
تعالى: وأحل الله البيع، وقوله: إلا أن تكون تجارة عن تراض، ولم يفصل.
وروى جابر أن النبي صلى الله عليه وآله نهى عن ثمن الكلب والسنور إلا
كلب الصيد. وهذا نص.
مسألة 303: يجوز إجارة كلب الصيد.
واختلف أصحاب الشافعي، فمنهم من قال: لا يجوز إجارته مطلقا، وهو
الصحيح عندهم.
ومنهم من قال: يجوز إجارته، ذهب إليه أبو العباس بن القاص في
التلخيص.
دليلنا: أنا قد دليلنا على جواز بيعه، وكل من قال بجواز بيعه قال بجواز
إجارته.
مسألة 304: يجوز اقتناء الكلب لحفظ البيوت.
ولأصحاب الشافعي فيه قولان:
أحدهما: مثل ما قلناه. وهو الصحيح عند محصليهم.
124

ومنهم من قال لا يجوز، لأن السنة خصت كلب الصيد، والماشية، والزرع.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأخبارهم.
مسألة 305: يجوز اقتناء الكلب لحفظ الماشية، أو الحرث، أو الصيد إن
احتاج إليه، وإن لم يكن له في الحال ماشية ولا حرث.
ولأصحاب الشافعي فيه قولان:
أحدهما: مثل ما قلناه. والثاني: أنه لا يجوز.
وقالوا في تربية الجرو - وهو فرخ الكلب - أيضا وجهان.
دليلنا: ظواهر الأخبار، ولأن الأصل الإباحة، والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 306: القرد لا يجوز بيعه.
وقال الشافعي: يجوز بيعه.
دليلنا: إجماع الفرقة على أنه مسخ نجس، وما كان كذلك لا يجوز بيعه
بالاتفاق.
مسألة 307: لا يجوز بيع الغراب الأبقع إجماعا، والأسود عندنا مثل
ذلك، سواء كانت كبارا أو صغارا.
وقال الشافعي: الصغار منها على وجهين.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأخبارهم فإنها عامة.
مسألة 308: لا يجوز بيع شئ من المسوخ مثل القرد، والخنزير،
والدب، والثعلب، والأرنب، والذئب، والفيل وغير ذلك مما سنبينه.
وقال الشافعي: كلما ينتفع به يجوز بيعه مثل القرد، والفيل، وغير ذلك.
دليلنا: إجماع الفرقة.
125

وأيضا قوله عليه السلام: إن الله تعالى إذا حرم شيئا حرم ثمنه.
وهذه الأشياء محرمة اللحم بلا خلاف إلا الثعلب، فإن فيه خلافا، وهذا
نص.
مسألة 309: الزيت النجس لا يمكن تطهيره بالغسل.
واختلف أصحاب الشافعي فيه: فقال أبو إسحاق المروزي، وأبو العباس بن
سريج: يمكن غسله وتنظيفه، وهل يجوز بيعه؟ فيه وجهان، والصحيح عندهم أنه
لا يجوز.
وقال أبو علي ابن أبي هريرة في الإفصاح: من أصحابنا من قال: لا يصح
غسله كالسمن.
دليلنا: أنا قد علمنا نجاسته بالاتفاق، وطريق تطهيره الشرع، وليس في
الشرع ما يدل عليه.
مسألة 310: سرجين ما يؤكل لحمه يجوز بيعه.
وقال أبو حنيفة: يجوز بيع السراجين.
وقال الشافعي: لا يجوز بيعها. ولم يفصلا.
دليلنا على جواز ذلك: أنه طاهر عندنا، ومن منع منه فإنما منع لنجاسته،
ويدل على ذلك بيع أهل الأمصار في جميع الأعصار لزروعهم وثمارهم، ولم
نجد أحدا كره ذلك، ولا خلاف فيه، فوجب أن يكون جائزا.
وأما النجس منه، فلدلالة إجماع الفرقة.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: إن الله تعالى إذا حرم شيئا
حرم ثمنه. وهذا محرم بالإجماع، فوجب أن يكون بيعه محرما.
مسألة 311: لا يجوز بيع الخمر. وبه قال الشافعي.
126

وقال أبو حنيفة: يجوز أن يوكل ذميا ببيعها وشرائها.
دليلنا: إجماع الفرقة.
وأيضا روي عن عائشة أنها قالت: إن النبي صلى الله عليه وآله حرم التجارة
في الخمر.
وروي عنه أنه قال: إن الذي حرم شربها حرم بيعها.
وروى ابن عباس قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله أتاه جبريل فقال:
يا محمد إن الله لعن الخمر وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمول إليه وشاربها
وبائعها ومبتاعها وساقيها.
وروى جابر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله عام الفتح بمكة يقول:
إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام، فقيل: يا رسول الله
أفرأيت شحوم الميتة فإنه يطلى بها السفن ويدهن بها الجلود ويستصبح بها
الناس؟ فقال: لا، هو حرام، ثم قال: قاتل الله اليهود، إن الله لما حرم عليهم
شحومها، جملوها، ثم باعوها فأكلوا ثمنها.
مسألة 312: يجوز بيع الزيت النجس لمن يستصبح به تحت السماء.
وقال أبو حنيفة: يجوز بيعه مطلقا.
وقال مالك والشافعي: لا يجوز بيعه بحال.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا قوله تعالى: وأحل الله البيع وحرم
الربا، وقوله: إلا أن تكون تجارة عن تراض، وهذا بيع وتجارة. وأيضا دلالة
الأصل، والمنع يحتاج إلى دليل.
وروى أبو علي ابن أبي هريرة في الإفصاح أن النبي صلى الله عليه وآله أذن
في الاستصباح بالزيت النجس، وهذا يدل على جواز بيعه للاستصباح، وأن
لغيره لا يجوز إذا قلنا بدليل الخطاب.
127

مسألة 313: يجوز بيع لبن الآدميات، وبه قال الشافعي وأحمد.
وقال أبو حنيفة ومالك: لا يجوز.
دليلنا: الآية، ودلالة الأصل، والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 314: يجوز بيع لبن الأتن.
وخالف جميع الفقهاء في ذلك.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا فقد ثبت عندنا أن لحم الحمار غير محرم، بل
هو مباح، وكل من قال بإباحته قال بجواز بيع لبنه.
مسألة 315: إذا اشترى كافر عبدا مسلما، لا ينعقد الشراء، ولا يملكه
الكافر. وبه قال الشافعي في الإملاء.
وقال في الأم: يصح الشراء ويملكه، ويجبر على بيعه. وبه قال أبو حنيفة
وأصحابه.
دليلنا: قوله تعالى: ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا، وهذا عام
في جميع الأحكام.
مسألة 316: لا يجوز بيع رباع مكة وإجارتها، وبه قال أبو حنيفة ومالك.
وقال الشافعي: يجوز.
دليلنا: قوله تعالى: إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد
الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد.
والمسجد الحرام، اسم لجميع الحرم بدلالة قوله تعالى: سبحان الذي أسرى
بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وإنما أسرى به من بيت
يجة، وروي من شعب أبي طالب، فسماه مسجدا، فدل على ما قلناه.
روي عن عبد الله بن عمر أنه قال: الحرم كله مسجد.
128

يدل على أن بيعها وإجارتها لا يجوز: ما رواه عبد الله بن عمرو بن العاص
النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: مكة حرام وحرام بيع رباعها وحرام أجرة
وتها وهذا نص.
روي عن علقمة بن نضلة الكندي أنه قال: كانت تدعي بيوت مكة على
د رسول الله صلى الله عليه وآله وأبي بكر وعمر: السوائب لا تباع من احتاج
ن، ومن استغنى أسكن.
روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: منى مناخ من سبق.
عليه إجماع الفرقة وأخبارهم، وهي كثيرة أوردناها في الكتاب الكبير، ولا
رف خلافا بينهم في ذلك.
مسألة 317: إذا وكل مسلم كافرا في شراء عبد مسلم، لم يصح ذلك.
للشافعي فيه قولان.
يلنا: قوله تعالى: ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا.
هذا عام في جميع الأحكام.
مسألة 318: إذا قال كافر لمسلم: أعتق عبدك عن كفارتي، فأعتقه، لم
يصح إذا كان مسلما، وإن كان كافرا يصح.
وقال الشافعي: يصح على كل حال، ويدخل في ملكه، ويخرج منه
بالعتق، ولم يفصل.
دليلنا: أنا قد بينا أن الكافر لا يصح أن يملك المسلم، والعتق فرع على
الملك، فإذا لم يصح ملكه لم يصح عتقه.
وإذا كان كافرا جاز أن يملكه، فيصح عتقه، فينتقل إليه بالملك ثم ينعتق.
مسألة 319: إذا استأجر كافر مسلما العمل في الذمة، صح بلا خلاف.
129

وإذا استأجره مدة من الزمان شهرا أو سنة ليعمل له عملا، صح أيضا عندنا.
واختلف أصحاب الشافعي، ففيهم من قال: فيه قولان كالشراء.
ومنهم من قال: لا يصح قولا واحدا.
دليلنا: أن الأصل جواز ذلك، والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 320: إذا اشترى رجل من غيره عبدا فقبضه، ثم ظهر به عيب، فإنه
يرده بكل عيب يظهر فيه في مدة الثلاثة أيام من حين العقد.
وما يظهر بعد الثلاث فإنه لا يرده منه إلا بثلاثة عيوب: الجنون، والجذام،
والبرص فإنه يرده بها إلى سنة، ولا يرده بعد سنة بشئ من العيوب.
وقال الشافعي: لا يرده بشئ من العيوب التي تحدث بعد القبض.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
وأيضا فقد بينا فيما تقدم أن الخيار في الحيوان ثلاثة أيام شرط أو لم يشرط
، وإذا ثبت ذلك فكل عيب يحدث في مدة الثلاثة للمشتري الخيار فيه.
وأيضا روى الحسن البصري، عن عقبة بن عامر، أن النبي صلى الله عليه وآله
قال: عهدة الرقيق ثلاثة أيام.
مسألة 321: إذا رهن المبيع قبل قبضه من البائع صح رهنه.
ولأصحاب الشافعي فيه قولان: أحدهما: مثل ما قلناه، وهو نص الشافعي
في التلخيص.
والآخر: لا يصح إلا بعد القبض.
دليلنا: أنا قد بينا أنه يملك بالعقد، فإذا ثبت ذلك فلا مانع يمنع من
إرهانه ما يملكه، ولا دليل عليه.
130

كتاب السلم
مسألة 1: يجوز السلم في المعدوم إذا كان مأمون الانقطاع في وقت
المحل. وبه قال مالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق.
وقال أبو حنيفة: لا يجوز، إلا أن يكون جنسه موجودا في حال العقد والمحل
وما بينهما. وبه قال الثوري والأوزاعي.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
وروى عبد الله بن عباس قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وآله المدينة
وهم يسلفون في التمر السنة والسنتين والثلاث، فقال النبي صلى الله عليه وآله:
من سلف فليسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم، وأقرهم على ما
كانوا عليه من السلف في التمر سنتين، ونحن نعلم أن التمر ينقطع في خلال هذه
المدة.
مسألة 2: إذا أسلم في رطب إلى أجل، فلما حل الأجل لم يتمكن من
مطالبته لغيبة المسلم إليه، أو لغيبته، أو هرب منه، أو توارى من سلطان، وما أشبه
ذلك ثم قدر عليه وقد انقطع الرطب، كان المسلف بالخيار
بين أن يفسخ العقد وبين أن يصبر إلى العام القابل.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه، وهو الصحيح عندهم.
131

والآخر: أن العقد ينفسخ.
دليلنا: أن هذا العقد كان ثابتا بلا خلاف، فمن حكم بانفساخه فعليه
الدلالة.
مسألة 3: السلم لا يكون إلا مؤجلا، ولا يصح أن يكون حالا، قصر الأجل
أم طال. وبه قال أبو حنيفة.
وقال الشافعي: يصح أن يكون حالا إذا اشترط ذلك، أو يطلق فيكون
حالا.
ومنهم من قال: من شرطه أن يكون حالا، ويكون السلم في الموجود.
فأما إذا أسلم في المعدوم، فلا يجوز حالا ولا مؤجلا إلى حين لا يوجد فيه،
وإنما يجوز إلى حين يوجد فيه غالبا. وبه قال عطاء، وأبو ثور، وهو اختيار أبو بكر
بن المنذر.
وعن مالك روايتان: إحديهما مثل ما قلناه، روى عنه ابن عبد الحكم.
والأخرى: لا بد فيه من أيام يتغير فيه الأسواق، روى عنه ابن القاسم.
وقال الأوزاعي: إن سميت أجلا ثلاثة أيام فهو بيع السلف، فجعل أقل
الأجل ثلاثة أيام.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا فلا خلاف في صحة ما اعتبرناه، وما قاله
المخالف ليس عليه دليل.
وروى ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: من سلف فليسلف
في كيل معلوم، ووزن معلوم، وأجل معلوم، وروي إلى أجل معلوم، والأمر
يقتضي الوجوب.
مسألة 4: رأس المال إن كان معينا في حال العقد، ونظر إليه، فإنه لا يكفي
إلا بعد أن يذكر مقداره، سواء كان مكيلا أو موزونا أو مذروعا، ولا يجوز جزافا،
132

وإن كان مما يباع كذلك مثل الجوهر، واللؤلؤ، فإنه يغني المشاهدة عن وصفه.
وللشافعي فيه قولان:
أحدهما مثل ما قلناه، وهو اختيار أبي إسحاق المروزي في الشرح.
والثاني لا يصح، وهو اختيار المزني، وهو الصحيح عند سائر أصحابه.
وقال أبو حنيفة: إن كان رأس المال من جنس المكيل أو الموزون، لا بد من
بيان مقداره، وضبطه بصفاته، ولا يجوز أن يكون جزافا.
وإن كان من جنس المذروع مثل الثياب، فلا يجب ذلك، ويكفي تعيينه
ومشاهدته.
وقال أصحاب مالك: لا نعرف لمالك نصا.
دليلنا: أن ما اعتبرناه لا خلاف أنه يصح معه السلم، ولا دليل على صحة
ما قالوه، فوجب اعتبار ما قلناه.
مسألة 5: كل حيوان يجوز بيعه يجوز السلم فيه، من الرقيق، والإبل،
والبقر، والغنم، والحمر، والدواب، والبغال. وبه قال مالك، والشافعي، وأحمد،
وإسحاق.
وقال أبو حنيفة: لا يجوز السلم في الحيوان. وبه قال الثوري، والأوزاعي.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وقد ذكرناها في الكتاب الكبير.
وأيضا قال الله تعالى: وأحل الله البيع، وهذا بيع.
وروى عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه
وآله أن أجهز جيشا، وليس عندنا ظهر، فأمر النبي صلى الله عليه وآله أن يبتاع
البعير بالبعيرين وبالأبعرة إلى خروج المصدق، وهو نص.
وروي أن الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب عليهم السلام باع [على]
جملا له يدعى عصيفيرا بعشرين بعيرا إلى أجل.
وروى نافع، أن عبد الله بن عمر اشترى راحلة بأربعة أبعرة [مضمونة عليه]
133

يوفيها صاحبها بالربذة.
وروى القاسم بن محمد، أن عبد الله بن مسعود أسلم في وصائف أحدهم
أبو زائدة مولاه.
وروي عن عبد الله بن عمر أنه سئل عن السلم في الوصائف؟ فقال: لا
بأس.
وروى عطاء عن عبد الله بن عباس أنه لم ير بذلك بأسا.
وهذا يدل على إجماع الصحابة، لأنه لم يرو عن أحد النكير في ذلك.
مسألة 6: من شرط صحة السلم، قبض رأس المال قبل التفرق. وبه قال
أبو حنيفة، والشافعي.
وقال مالك: إن تفرقا قبل القبض من غير أن يكون تأخير القبض شرطا،
كان جائزا، وإن لم يقبضه أبدا، وإن كانا شرطا تأخير القبض، فإن كان ذلك
اليوم واليومين جاز، وإن كان أكثر من ذلك لم يجز.
دليلنا: أنا أجمعنا على أنه متى قبض الثمن صح العقد، ولم يدل على
صحته قبل قبض الثمن، فوجب اعتبار ما قلناه.
مسألة 7: لا يجوز أن يؤجل السلم إلى الحصاد، والدياس، والجذاذ،
والصرام. وبه قال أبو حنيفة والشافعي.
وقال مالك: ذلك جائز.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
وأيضا فإذا عين أجلا معلوما، فلا خلاف في صحة العقد، ولا دليل على
صحته إذا ذكر ما قاله المخالف.
وروي عن عبد الله بن عباس أنه قال: لا تبايعوا إلى الحصاد ولا إلى الدياس،
ولكن إلى شهر معلوم وهذا نص.
134

مسألة 8: إذا جعل محله في يوم كذا، أو في شهر كذا، أو في سنة كذا،
جاز، ولزمه بدخول الشهر واليوم والسنة. وبه قال ابن أبي هريرة من أصحاب
الشافعي نصا، وباقي أصحابه لا يجوزونه، لأنه جعل اليوم ظرفا لحلوله، ولم
يبين، فيصير تقديره يحل في ساعة من ساعاته، ووقت من أوقاته، وذلك لا يجوز.
دليلنا: أن هذا معلوم، وليس بمجهول، لأنه إذا كان اليوم معلوما، وأوله
معلوما وهو طلوع الفجر، وجب بطلوعه، فصار الوقت والساعة معلومين.
وكذلك إذا كان الشهر معلوما، وأوله معلوما، فليس ذلك بمجهول، فبطل
قول المخالف.
مسألة 9: إذا كان السلم مؤجلا، فلا بد من ذكر موضع التسليم، فإن كان
في حمله مؤونة، فلا بد من ذكره أيضا.
وللشافعي في ذكر الموضع قولان:
أحدهما: يجب ذكره، وإليه ذهب أبو إسحاق في الشرح، قال: فإذا أخل به
بطل السلم.
والثاني: لا يجب ذكره، وإليه ذهب القاضي أبو حامد في جامعه، وقال:
أولى القولين أنه يجب ذكره، وهكذا ذكر أبو علي في الإفصاح. وأما المؤونة إن
كانت، وجب ذكرها، ذكره ابن القاص.
وقال أبو الطيب الطبري: الصحيح أنه يجب ذكر الموضع والمؤونة.
دليلنا: طريقة الاحتياط، لأنه إذا ذكر الموضع والمؤونة صح السلم بلا
خلاف، وإذا لم يذكرهما فلا دليل على صحته.
مسألة 10: يجوز السلم في الأثمان، مثل الدراهم والدنانير إذا كان رأس
المال من غير جنسهما، مثل الثياب، والحيوان أو غيرهما. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: لا يجوز السلم في الأثمان.
135

دليلنا: عموم الأخبار المتضمنة لذكر السلم، مثل قوله عليه السلام: من
سلف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم وأجل معلوم، ولم يفرق، وهي على
عمومها.
وقوله تعالى: وأحل الله البيع، وهذا بيع.
وأيضا دلالة الأصل.
مسألة 11: إذا سلف دراهم في دراهم، أو في دنانير مطلقا، كان باطلا.
وقال الشافعي: إذا أطلق كان حالا، فإن قبضه في المجلس وقبضه رأس
المال جاز. وهو اختيار أبي الطيب الطبري.
وفي أصحابه من قال: لا يجوز.
دليلنا: ما قدمناه من أن السلم لا يصح إلا مؤجلا، فإذا ثبت ذلك لا يصح
في الدراهم مع الدنانير، والدراهم مع الدراهم، لأن الصرف لا يجوز فيه التأخير
أصلا بالإجماع.
مسألة 12: لا يجوز السلم في اللحوم.
وقال الشافعي: يجوز على اختلافها إذا ذكر أوصافها.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، ولأن ذلك لا يمكن ضبطه بالصفة من
السمن والهزال، لأنه لا ينحصر، وذلك يؤدى إلى كونه مجهولا.
مسألة 13: الإقالة فسخ في حق المتعاقدين، سواء كان قبل القبض أو
بعده، وفي حق غيرهما. وبه قال الشافعي.
وقال مالك: الإقالة بيع.
وقال أبو حنيفة: في حق المتعاقدين فسخ، وفي حق غيرهما بيع.
وفائدته في وجوب الشفعة بالإقالة، فعند أبي حنيفة يجب الشفعة بالإقالة،
136

وعندنا وعند الشافعي لا تجب.
وقال أبو يوسف: الإقالة فسخ قبل القبض، وبيع بعده، إلا في العقار، فإن
الإقالة بيع فيها، سواء كان قبل القبض أو بعده، لأن بيع العقار جائز قبل
القبض وبعده عنده.
دليلنا: ما روى أبو صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله أنه
قال: من أقال نادما في بيع أقاله الله نفسه يوم القيامة.
وإقالة نفسه هي العفو والترك، فوجب أن يكون الإقالة في البيع هي الترك
والعفو.
وأيضا فلو كان الإقالة بيعا، لوجب أن يكون إلى المتبايعين نقصان الثمن
وزيادته، والتأجيل والتعجيل، فلما أجمعنا على أن الإقالة لا يصح فيها شئ من
ذلك، دل على أنها ليست ببيع.
وأيضا لو كانت الإقالة بيعا لم يصح الإقالة في السلم، لأن البيع في السلم لا
يجوز قبل القبض، فلما صحت الإقالة فيه إجماعا، دل على أنها ليست ببيع.
وأيضا فقد أجمعنا على أن رجلا لو اشترى عبدين، فمات أحدهما، ثم تقايلا،
صحت الإقالة. فلو كانت بيعا وجب أن لا يصح، لأن بيع الميت مع الحي لا
يصح.
مسألة 14: إذا أقاله بأكثر من الثمن، أو بأقل، أو بجنس غيره، كانت الإقالة
فاسدة، والمبيع على ملك المشتري كما كان. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: يصح الإقالة، ويبطل الشرط.
دليلنا: أن كل من قال بأن الإقالة فسخ على كل حال، قال بهذه المسألة،
فالفرق بين الأمرين خارج عن الإجماع.
مسألة 15: تصح الإقالة في بعض السلم، كما تصح في جميعه. وبه قال
137

الشافعي، وأبو حنيفة، وسفيان الثوري، وبه قال عطاء، وطاووس، وعمرو بن
دينار، والحكم بن عيينة، وفي الصحابة عبد الله بن عباس، وقال: لا بأس به، وهو
من المعروف، وهو اختيار أبي بكر بن المنذر.
وقال مالك، وربيعة، والليث بن سعد، وابن أبي ليلى: لا يجوز ذلك.
وكره أحمد بن حنبل ذلك، وقال أبو بكر بن المنذر: هو قول ابن عمر،
والحسن البصري، وابن سيرين، والنخعي.
دليلنا: ما رويناه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: من أقال نادما في بيع
أقاله الله نفسه يوم القيامة، وهذا إقالة.
وروي عن ابن عباس أنه قال: لا بأس بذلك، وهو من المعروف، ولا
مخالف له.
مسألة 16: إذا أقاله جاز أن يأخذ مثل ما أعطاه من غير جنسه، مثل أن
يكون أعطاه دنانير، فيأخذ دراهم أو عرضا، فيأخذ دراهم وما أشبه ذلك. وبه
قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: لا يجوز أن يأخذ بدله شيئا آخر استحسانا.
دليلنا: قوله تعالى: وأحل الله البيع، وقوله: أوفوا بالعقود، وهذا عام.
وقول النبي صلى الله عليه وآله: إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم،
ولم يفرق، فهو على عمومه.
مسألة 17: إذا أسلف في شئ، فلا يجوز أن يشرك فيه غيره، ولا أن يوليه
بالشركة، وهو أن يقول له رجل: شاركني في نصفه بنصف الثمن.
والتولية أن يقول: ولني جميعه بجميع الثمن، أو ولني نصفه بنصف الثمن
، فلا يجوز. وبه قال أبو حنيفة والشافعي.
وقال مالك: يجوز ذلك.
138

دليلنا: أن جواز ذلك يحتاج إلى دليل.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه نهى عن بيع ما لم يقبض.
وروى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله قال: من ابتاع طعاما فلا يبيعه
حتى يستوفيه.
وروى أبو سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وآله قال: من أسلم في شئ
فلا يصرفه إلى غيره.
والتولية، والشركة بيع قبل القبض، وصرف للمسلم فيه قبل قبضه، فوجب
أن لا يصح لعموم الخبر.
مسألة 18: إذا قال المسلم للمسلم إليه: عجل لي حقي وأنا آخذ دون ما
أستحقه، أو أدلى منه بطيبة من نفسه، كان جائزا.
وقال الشافعي: لا يجوز.
دليلنا: أن الصلح والتراضي بين المسلمين جائز، والمنع منه يحتاج إلى
دليل.
مسألة 19: لا يجوز السلم في الجوز، والبيض إلا وزنا. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: يجوز عددا.
دليلنا: أن ذلك يختلف بالصغر والكبر، ويختلف ثمنه بذلك، فلا يضبط
بالصفة، فوجب أن لا يصح السلف فيه لذلك.
فأما البطيخ فلا يجوز السلم فيه إجماعا.
مسألة 20: لا يصح السلم في الرؤوس سواء كانت مشوية أو نيئة.
أما المشوية فلا خلاف فيها، مثل اللحم المطبوخ، فإنه لا خلاف أنه لا يجوز السلم فيه.
139

وأما النيئة فللشافعي فيه قولان:
أحدهما: يجوز. وبه قال مالك.
والثاني لا يجوز. وبه قال أبو حنيفة.
دليلنا: أن ذلك يختلف، ولا يمكن ضبطه بالصفة. فيجب أن لا يجوز.
مسألة 21: اختلف روايات أصحابنا في السلم في الجلود، فروي أنه لا بأس به
إذا شاهد الغنم، وروي أنه لا يجوز.
وقال الشافعي: لا يجوز، ولم يفصل.
دليلنا على جوازه: قوله تعالى: وأحل الله البيع، ولم يفصل والأخبار
المروية في هذا المعنى مؤكدة له.
وأيضا الأصل الجواز، ولا مانع في الشرع يمنع منه.
مسألة 22: إذا أسلم مائة درهم في كر من طعام، وشرط خمسين نقدا
وخمسين دينا له في ذمة المسلم إليه، صح السلم فيما نقده بحصته من المسلم فيه،
ولا يصح في الدين. وبه قال أبو حنيفة.
وقال أصحاب الشافعي: لا يصح في الدين، كما قلناه. وهل يصح في
النقد؟ قولان بناء على تفريق الصفقة.
دليلنا: قوله تعالى: وأحل الله البيع، وأيضا أجمعنا على فساد العقد
في الدين، ومن ادعى فساده في النقد فعليه الدلالة.
مسألة 23: إذا أسلم في جنسين مختلفين، في حنطة وشعير صفقة واحدة،
أو أسلم في جنس واحد إلى أجلين، أو آجال، فإن السلم صحيح.
وهو الأظهر من قولي الشافعي، وله قول آخر أنه لا يصح.
دليلنا: الآية، ودلالة الأصل، والمنع يحتاج إلى دليل.
140

مسألة 24: إذا اختلفا في قدر المبيع، أو قدر الأجل، كان القول قول البائع
مع يمينه، وإن اختلفا في قدر الثمن، كان القول قول المشتري مع يمينه، إذا لم
يكن مع أحدهما بينة.
وقال الشافعي: يتحالفان في جميع ذلك.
دليلنا: أن كل واحد منهما مدعى عليه فيما أوجبنا عليه فيه اليمين، فيجب
أن يكون صحيحا مع فقد البينة.
مسألة 25: إذا خالف إنسان أهل السوق بزيادة سعر أو نقصانه، فلا
اعتراض لأحد عليه. وبه قال الفقهاء أجمع، إلا مالكا فإنه قال: يقال له: إما أن
تبيع بسعر أهل السوق وإما تنعزل.
دليلنا: أن النبي صلى الله عليه وآله امتنع من التسعير بلا خلاف فيه،
ولم يسئل عن السعر هل هو من الجماعة من أهل السوق، أو من بعضهم، بل أخبر أن
ذلك من جهة الله تعالى.
وأيضا فإنه مالك، لا يجوز لأحد الاعتراض عليه إلا بدليل، ولا دلالة في
الشرع على ذلك.
مسألة 26: إذا أسلم في تمر، فأتاه بزبيب، أو أسلم في ثوب قطن، فأتاه
بكتان وتراضيا به كان جائزا.
وقال الشافعي: لا يجوز.
دليلنا: قوله عليه السلام: الصلح جائز بين المسلمين إلا ما حرم حلالا،
أو حلل حراما. وأيضا الأصل جوازه، والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 27: إذا أسلم في زبيب رازقي مثلا، فأتاه بزبيب خراساني، أو أسلم
141

في ماعز، فأتاه بضأن وتراضيا به، كان جائزا.
وللشافعي فيه وجهان:
أحدهما: لا يجوز. وبه قال أبو إسحاق.
والثاني: يجوز. وبه قال ابن أبي هريرة.
ومنهم من قال: في الزبيب خلاف هذا، وإنما هو في الإجبار على فعله
وجهان، ويجوز التراضي وجها واحدا.
دليلنا: قوله عليه السلام: الصلح جائز بين المسلمين.
مسألة 28: من كان له عند غيره سلم لا يخاف عليه، ولا هو مما يحتاج
إلى موضع كبير يحفظه فيه، فأتاه به قبل محله، لم يلزمه قبوله، ولا يجبر عليه.
وقال الشافعي: يجبر عليه، وذلك مثل الحديد والرصاص وما أشبه ذلك.
دليلنا: أنه يجوز أن يكون له غرض في تأخيره وأخذه في محله، وإن لم
يظهر لنا ذلك، وكان إجباره على ذلك يحتاج إلى دليل، وعليه إجماع الفرقة،
فإنها منصوصة لهم.
مسألة 29: إذا شرط عليه مكان التسليم، وأعطاه في غيره، وبذل له أجرة
الحمل، وتراضيا به، كان جائزا.
وقال الشافعي: لا يجوز أن يأخذ العوض عن ذلك.
دليلنا: أنه لا مانع يمنع منه، والأصل الإباحة.
مسألة 30: إذا أخذ المسلم السلم، وحدث عنده فيه عيب، ثم وجد به عيبا
كان قبل القبض، لم يكن له رده، وكان له المطالبة بالأرش. وبه قال الشافعي
وقال أبو حنيفة: ليس له الرجوع بالأرش.
دليلنا: أنه إذا ثبت أنه إنما يستحقه بريئا من العيب، فإذا أخذه معيبا كان له
142

أرش عيبه، فأما الرد فليس له إجماعا.
مسألة 31: إذا جاء المسلم إليه بالمسلم فيه أجود مما شرط من الصفة،
وقال: خذ هذا، وأعطني بدل الجودة دراهم، لم يجز. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: يجوز.
دليلنا: أن الجودة صفة لا يمكن إفرادها بالبيع، ولا دليل على صحة
ذلك.
مسألة 32: إذا أسلم جارية صغيرة في جارية كبيرة كان جائزا.
وقال أبو إسحاق المروزي: لا يجوز.
وقال باقي أصحاب الشافعي: يجوز، مثل ما قلناه.
دليلنا: قوله تعالى: وأحل الله البيع، ودلالة الأصل، والمنع يحتاج إلى
دليل.
مسألة 33: استصناع الخفاف، والنعال، والأواني من الخشب والصفر
والرصاص والحديد، لا يجوز. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: يجوز، لأن الناس قد اتفقوا على ذلك.
دليلنا على بطلانه: أنا أجمعنا على أنه لا يجب تسليمها، وأنه بالخيار بين
التسليم ورد الثمن، والمشتري لا يلزمه قبضه، فلو كان العقد صحيحا لما جاز
ذلك، ولأن ذلك مجهول غير معلوم بالمعاينة، ولا موصوف بالصفة في الذمة،
فيجب المنع منه.
مسألة 34: يجوز أن يشترى قلعة بدراهم، على أن يجعلها مشتركة. وبه
قال أبو حنيفة.
143

وقال الشافعي: لا يجوز.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأخبارهم تدل عليه.
وأيضا فالأصل جوازه، والمنع يحتاج إلى دلالة.
وأيضا فالناس يفعلون هذا من عهد النبي صلى الله عليه وآله إلى يومنا هذا،
وما أنكر ذلك أحد عليهم.
مسألة 35: إذا قال: اشتريت منك هذه القلعة، واستأجرتك على أن
تشركها أو تحذوها كان جائزا.
واختلف أصحاب الشافعي.
فمنهم من قال: فيه قولان، لأنه بيع في عقد إجارة.
ومنهم من قال: لا يجوز قولا واحدا، لأنه استأجره في العمل فيما لا يملك.
دليلنا: أن البيع والإجارة جميعا جائزان على الانفراد بلا خلاف، فمن منع
الجمع بينهما وحكم بفساده فعليه الدلالة.
مسألة 36: إذا أذن لمملوك غيره أن يشترى نفسه له من مولاه بكذا،
فاشتراه به لا يصح ذلك.
ولأصحاب الشافعي فيه وجهان: أحدهما: مثل ما قلناه. والثاني: أنه يجوز.
دليلنا: ما ثبت أن العبد لا يملك شيئا، وليس له التصرف في نفسه، وإذا
ثبت ذلك لم يجز أن يكون وكيلا لغيره إلا إذا أذن له مولاه فيه.
مسألة 37: إذا اشترى العبد نفسه من مولاه لغيره، فصدقه ذلك الغير، أو
لم يصدقه، لم يكن البيع صحيحا. ولا يلزمه شئ.
وقال الشافعي على قوله بصحة ذلك: إن صدقه لزمه الشراء، وإن كذبه
حلفه وبرئ وكان الشراء للعبد فيملك نفسه وينعتق، ويكون الثمن في ذمته يتبعه
144

السيد فيطالبه.
دليلنا: أنا قد بينا أن بيعه فاسد، وإذا كان كذلك فالتفريع عليه فاسد.
مسألة 38: إذا قال: اشتريت منك أحد هذين العبدين بكذا، أو أحد هؤلاء
العبيد الثلاثة بكذا، لم يصح الشراء. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: إذا شرط فيه الخيار ثلاثة أيام جاز، لأن هذا غرر يسير، وأما
في الأربعة فما زاد عليها فلا يجوز.
دليلنا: أن هذا بيع مجهول، فيجب أن لا يصح، ولأنه بيع غرر لاختلاف
قيم العبيد، ولأنه لا دليل على صحة ذلك في الشرع.
وقد ذكرنا هذه المسألة في البيوع، وقلنا: أن أصحابنا رووا جواز ذلك في
العبدين، فإن قلنا بذلك تبعنا فيه الرواية، ولم نقس غيرها عليها.
145

المبسوط
في فقه الإمامية
تأليف شيخ الطائفة
أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (قدس سره)
385 - 460 ه‍. ق
147

كتاب البيوع
فصل: في حقيقة البيع وبيان أقسامه:
البيع هو انتقال عين مملوكة من شخص إلى غيره بعوض مقدر على وجه
التراضي وهو على ثلاثة أضرب: بيع عين مرئية وبيع عين موصوف في الذمة،
وبيع خيار الرؤية.
فأما بيع الأعيان المرئية فهو أن يبيع إنسان عبدا حاضرا أو ثوبا حاضرا أو
عينا من الأعيان حاضرة فيشاهد البائع والمشتري ذلك فهذا بيع صحيح
بلا خلاف.
وأما بيع الموصوف في الذمة فهو أن يسلم في شئ موصوف إلى أجل
معلوم ويذكر الصفات المقصودة فهذا أيضا بيع صحيح بلا خلاف.
وأما بيع خيار الرؤية فهو بيع الأعيان الغائبة، وهو أن يبتاع شيئا لم يره
مثل أن يقول: بعتك هذا الثوب الذي في كمي أو الثوب الذي في الصندوق، وما
أشبه ذلك ويذكر جنس المبيع ليتميز من غير جنسه ويذكر الصفة، ولا فرق
بين أن يكون البائع رآه والمشتري لم يره أو يكون المشتري رآه والبائع لم يره
أو لم يرياه معا، فإذا عقد البيع ثم رأى المبيع فوجده على ما وصفه كان البيع
ماضيا، وإن وجده بخلافه كان له رده وفسخ العقد.
ولا بد من ذكر الجنس والصفة فمتى لم يذكرهما أو واحدا منهما لم يصح
149

البيع.
ومتى شرط البائع خيار الرؤية لنفسه كان جائزا فإذا رآه بالصفة التي
ذكرها لم يكن له الخيار وإن وجده مخالفا كان له الخيار هذا إذا لم يكن قد رآه
فإن كان قد رآه فلا وجه لشرط الرؤية لأنه عالم به قبل الرؤية.
ولا يجوز بيع عين بصفة مضمونة مثل أن يقول: بعتك هذا الثوب على أن
طوله كذا وعرضه كذا، وغيره من الصفات على أنه متى كان بهذه الصفة وإلا
فعلي بدله على هذه الصفات لأن العقد قد وقع على شئ بعينه فإذا لم تصح فيه
فثبوته في بدله يحتاج إلى استئناف عقد، ويجوز أن يبيع شيئا ويشترط أن يسلمه
إليه بعد شهر أو أكثر من ذلك.
ويجوز بيع العين الحاضرة بالعين الحاضرة ويجوز بالدين في الذمة، وإذا
ابتاع ثوبا على خف منساج وقد نسج بعضه على أن ينسج الباقي ويدفعه إليه
كان البيع باطلا لأن ما شاهده من الثوب البيع فيه لازم من غير خيار رؤية وما لم
يشاهده يقف على خيار الرؤية فيجتمع في شئ واحد خيار الرؤية وانتفاؤها
وهذا متناقض له.
إذا اشترى شيئا قد رآه قبل العقد صح البيع، وإن لم يره في الحال ثم
لا يخلو من ثلاثة أحوال: إما أن يكون المبيع من الأشياء التي لا يسرع إليها التلف
والهلاك ولا يتغير في العادة أو يكون مما يتلف ويهلك بمضي الأوقات أو
يكون مما قد يتلف وقد لا يتلف.
فإن كان مما لا يتلف ولا يتغير في العادة كالصفر والنحاس والأراضي وما
أشبه ذلك فإن البيع يصح لأن الظاهر من حال المبيع السلامة، ثم ينظر عند
رؤيته: فإن وجده على حالته أخذه، وإن وجده ناقصا عما رآه كان له رده،
فإن اختلفا فقال المشتري: نقص، وقال البائع: لم ينقص، فالقول قول
المبتاع لأنه الذي ينتزع الثمن منه، ولا يجب انتزاع الثمن منه إلا بإقراره أو ببينة
تقوم عليه.
150

وأما ما يسرع إليه التلف من الفواكه والخضر والبقول وما أشبه ذلك
فإنه ينظر فإن ابتاعه بعده بزمان يعلم أنه قد تلف مثل أن يراه ثم يبتاعه بعده
بشهرين أو ثلاثة فالابتياع باطل لأنه ابتاع ما يعلم تلفه، وإن ابتاعه بعد مدة يجوز
أن يكون تالفا وغير تالف فالحكم فيه وفي القسم الثالث وهي الأموال التي قد
تتلف وقد لا تتلف كالحيوان وما أشبهه واحد.
فإذا أراها ثم ابتاعها بعد مدة فإنه يصح بيعه لأن الأصل السلامة والسلامة
يجوز فيه من غير أمارة فيبنى على الأصل.
فصل: في بيع الخيار وذكر العقود التي يدخلها الخيار ولا يدخلها:
بيع الخيار على ثلاثة أضرب:
أحدها: أن يعقد العقد بالإيجاب والقبول فيثبت لهما الخيار ما لم يتفرقا
بأبدانهما، ويسمى هذا خيار المجلس، فإذا ثبت بينهما العقد وأرادا أن يوجبا العقد
ويبطلا الخيار جاز لهما أن يقولا أو يقول أحدهما ويرضى به الآخر: قد أوجبنا
العقد وأبطلنا خيار المجلس، فإنه يثبت العقد ويبطل خيار المجلس.
الثاني: أن يشرطا حال العقد أن لا يثبت بينهما خيار المجلس فإن ذلك جائز
أيضا.
الثالث: أن يشرطا في حال العقد مدة معلومة قل ذلك أم كثر ثلاثا كان أو
أكثر أو أقل هذا فيما عدا الحيوان.
فأما الحيوان فإنه يثبت فيه الخيار ثلاثا شرطا أو لم يشرطا للمشتري خاصة
، وما زاد عليها فعلى حسب ما يشرطانه من الخيار إما لهما أو لواحد منهما، فإن
أوجبا البيع بعد أن يشرطا مدة معلومة ثبت العقد وبطل الشرط المتقدم.
إذا أراد أن يشتري لولده من نفسه، وأراد الانعقاد ينبغي أن يختار لزوم
العقد عند انعقاد العقد أو يختار بشرط بطلان الخيار على كل حال، وقد قيل
: إنه ينتقل من المكان الذي يعقد فيه العقد فيجري ذلك مجرى تفرق المتبايعين.
151

فأما العقود التي يدخلها الخيار فنحن نذكرها عقدا عقدا وما يصح فيه
الخيار وما لا يصح:
أما البيع فإن كان بيع الأعيان المشاهدة دخلها خيار المجلس بإطلاق
العقد وخيار المدة ثلاثا كان أو ما زاد عليها بحسب الشرط، وإن كان حيوانا
دخله خيار المجلس وخيار الثلاث بإطلاق العقد، وما زاد على الثلاث بحسب
الشرط.
وإن كان بيع خيار الرؤية دخله الخياران معا خيار المجلس وخيار الرؤية
إذا رآه، ويكون خيار الرؤية على الفور دون خيار المجلس.
وأما الصرف فيدخله خيار المجلس لعموم الخبر.
فأما خيار الشرط فلا يدخله أصلا إجماعا لأن من شرط صحة العقد القبض.
وأما السلم فيدخله خيار المجلس للخبر، وخيار الشرط لا يمنع من دخوله
أيضا مانع وعموم الخبر يقتضيه.
وأما الرهن فعلى ضربين: رهن بدين ورهن في بيع.
فإن كان بدين مثل أن كان له عليه ألف دينار فقال له: رهنتك بها هذا
العبد، فإن قبل صح العقد، وكان الراهن بالخيار بين أن يقبض أو لا يقبض فإن
أقبضه لزم من جهته، وكان من جهة المرتهن جائزا إن شاء أمسك وإن شاء
فسخ فالرهن يلزم بالقبض من جهة الراهن وهو جائز من جهة المرتهن.
فالأحوط أن يقول: إن الرهن يلزم من قبل الراهن بالقول ويلزمه إقباضه
وأما من جهة المرتهن فهو جائز على كل حال.
وإن كان رهنا في بيع مثل أن قال: بعتك داري هذه بألف على أن ترهن
عبدك هذا، فإذا وقع البيع على هذا الشرط نظرت: فإن كان في مدة خيار
المجلس أو الشرط فالراهن بالخيار بين أن يقبض الرهن أو يدع.
فإن أقبض لزم من جهة كونه رهنا والبيع بحاله في مدة الخيار لكل واحد
منهما الفسخ فإن لزم بالقبض أو بانقضاء خيار الشرط فقد لزم الرهن على ما
152

كان، وإن فسخا أو أحدهما البيع بطل الرهن.
وإن لم يقبض الرهن حتى لزم البيع بالتفرق أو بانقضاء مدة الخيار فالراهن
بالخيار بين أن يقبض أو يدع فإن أقبض لزم الرهن من جهة الراهن، وإن امتنع
لم يجبر عليه وكان البائع المرتهن بالخيار إن شاء أقام على البيع بغير رهن
وإن شاء فسخ، وقد قلنا: إن الأولى أن يقول: إنه يلزم الرهن من جهة الراهن بالقول
ويلزمه الإقباض، فعلى هذا متى لزم البيع لزمه إقباض الرهن.
وأما الصلح فعلى ضربين: أحدهما إبراء وحطيطة، والآخر معاوضة.
فإن كان إبراء وحطيطة مثل أن قال: لي عندك ألف فقد أبرأتك عن
خمسمائة منه أو حططت عنك خمسمائة منه وأعطني الباقي، فلا خيار له فيما
وقع الحط عنه وله المطالبة بما بقي.
وإن كان الصلح معاوضة مثل أن يقول: أقر له بعين أو دين، ثم صالحه
على بعض ذلك فهو مثل ذلك سواء ليس له الرجوع فيه لأن النبي صلى الله عليه وآله
قال: الصلح جائز بين المسلمين، ولا دليل على إجرائه مجرى البيوع.
وأما الحوالة فإذا حال لغيره بمال عليه وقبل المحتال الحوالة لم يدخله
خيار المجلس لأنه يختص البيع وخيار الشرط جائز لقوله عليه السلام:
المؤمنون عند شروطهم.
وأما الضمان فعلى ضربين: مطلق ومقيد في دين.
فالمطلق مثل أن يكون له على رجل دين فيبذله له غيره أن يضمنه له عنه
فهو بالخيار إن شاء ضمن وإن شاء امتنع، فإن ضمن لزم من جهته دون جانب
المضمون عنه.
وإن كان في بيع مثل أن يقول: بعتك على أن يضمن لي الثمن فلان أو تقيم
لي به ضامنا، فإذا فعلا نظرت: فإن ضمن في مدة الخيار في البيع لزم من حيث
الضمان فإن لزم العقد فلا كلام، وإن فسخا العقد أو أحدهما زال الضمان، وإن
لم يضمن حتى لزم البيع كان بالخيار بين أن يضمن أو يدع، فإن ضمن فلا كلام
153

وإن امتنع كان البائع بالخيار بين إمضائه بلا ضمان وبين فسخه مثل ما قلناه في
الرهن سواء.
وأما خيار الشفيع فعلى الفور فإن اختار الأخذ فلا خيار للمشتري لأنه
ينتزع منه الشقص قهرا، وأما الشفيع فقد ملك الشقص بالثمن وليس له خيار
المجلس لأنه ليس بمشتر وإنما أخذه بالشفعة.
وأما المساقاة فلا يدخلها خيار المجلس ولا يمتنع دخول خيار الشرط فيها
لقوله عليه السلام: المؤمنون عند شروطهم.
وأما الإجارة فعلى ضربين:
أحدهما: معينة مثل أن يقول: آجرتك داري هذه أو فرسي هذا أو عبدي هذا
شهرا من وقتي هذا أو يومي هذا، فيذكر مدة معينة فهذا لا يدخله خيار المجلس لأنه
ليس ببيع، وخيار الشرط لا مانع منه، وعموم الخبر يقتضيه.
والثاني: إجارة في الذمة مثل أن يقول: استأجرتك لتخيط لي هذا الثوب أو
لتبني لي حائطا من صفته كذا، فلا يدخله خيار المجلس لأنه ليس ببيع، ويجوز
خيار الشرط فيه للخبر ولأنه لا مانع منه.
وأما الوقف فلا يدخله الخياران معا لأنه متى شرط فيه لم يصح الوقف
وبطل.
وأما الهبة فله الخيار قبل القبض وبعد القبض ما لم يتعوض أو يتصرف
فيه الموهوب له أو لم تكن الهبة لولده الصغار على ما سنبينه فيما بعد.
وأما النكاح فلا يدخله الخياران معا للإجماع على ذلك.
وأما الصداق فإنه إذا أصدقها وشرط الخيار إما لهما أو لأحدهما نظرت:
فإن كان الشرط في النكاح بطل النكاح، وإن كان فيهما فكمثل ذلك، وإن
كان في الصداق وحده كان بحسب ما شرط ولا يبطل النكاح.
وأما الخلع فهو على ضربين: منجز وخلع بصفة.
فلمنجز قولها: طلقني طلقة بألف، فقال: طلقتك بها طلقة، فليس له الخيار
154

والامتناع من قبض الألف ليكون الطلاق رجعيا.
وأما الخلع بصفة فعلى ضربين: عاجل وآجل، فالعاجل قوله: إن أعطيتني
الآن ألفا فأنت طالق، والآجل أن يقول: متى أعطيتني ألفا فأنت طالق، وكلاهما
لا يصحان لأنه تعليق للخلع وهو طلاق بصفة وذلك باطل عندنا.
وأما الطلاق والعتق فلا يدخلهما الخيار إجماعا.
وأما السبق والرماية فلا يدخلهما خيار المجلس ولا يمتنع دخول خيار
الشرط فيه.
وأما الوكالة والعارية والوديعة والقراض والجعالة فلا يمنع من دخول
الخيارين معا فيها مانع.
وأما القسمة فعلى ضربين: قسمة لا رد فيها وقسمة فيها رد، وعلى الوجهين
معا لا خيار فيها في المجلس لأنها ليست ببيع، وأما خيار الشرط فلا يمتنع دخوله
للخبر، ولا فرق بين أن يكون القاسم الحاكم أو الشريكان أو غيرهما ممن
يرضيان به.
وأما الكتابة فعلى ضربين: مشروطة ومطلقة.
فالمشروطة ليس للمولى فيه خيار المجلس ولا مانع من دخول خيار الشرط
فيه، وأما العبد فله الخياران معا لأنه إن عجز نفسه كان الفسخ حاصلا.
وإن كانت مطلقة وأدى من مكاتبته شيئا فقد انعتق بحسبه ولا خيار لواحد
منهما فيها لأن الحر لا يمكن رده في الرق.
العتق لا يدخله الخياران معا لأن خيار المجلس يختص البيع وخيار الشرط
يفسده العتق لأن العتق بشرط لا يصح عندنا، روى أصحابنا أن البيع بشرط
يجوز وهو أن يقول: بعتك إلى شهر، والأحوط عندي أن يكون المراد بذلك أن
يكون للبائع خيار الفسخ دون أن يكون مانعا من انعقاد العقد.
إذا ثبت خيار المجلس على ما بيناه فإنما ينقطع بأحد أمرين: تفرق أو تخاير.
فأما التفرق الذي يلزم به البيع وينقطع به الخيار فحده مفارقة المجلس
155

بخطوة فصاعدا، ومتى ثبتا موضعهما وبنى بينهما حائط لم يبطل خيار المجلس
، ولو طال مقامهما في المكان شهرا فما زاد عليه لم يبطل ذلك خيار المجلس
لعموم الأخبار.
وأما التخاير فعلى ضربين: تخاير بعد العقد، وتخاير في نفس العقد.
فما كان بعد العقد أن يقول أحدهما لصاحبه في المجلس بعد العقد وقبل
التفرق: اختر الإمضاء، فإذا قال هذا فإن قال الآخر: اخترت إمضاء البيع، انقطع
الخيار ولزم العقد، وإن سكت ولم يختر الإمضاء ولا الفسخ فخيار الساكت باق
بحاله، ولم يبطل خيار الأول لأنه إذا ثبت خيار أحدهما ثبت خيار صلى الله عليه وآله
أثبت لهما الخيار.
وما كان منه في نفس العقد مثل أن يقول: بعتك بشرط أن لا يثبت بيننا
خيار المجلس، فإذا قال المشتري: قبلت، ثبت العقد ولا خيار لهما بحال، وإذا
قال: بعتك بشرط، ولم يذكر مقدار الشرط كان البيع باطلا، وقال بعضهم: إنه
يصح البيع ويرجع ويثبت شرط فقط.
البيع إن كان مطلقا من غير شرط فإنه يثبت بنفس العقد ويلزم بالتفرق
بالأبدان، وإن كان مشروطا لزومه بنفس العقد لزم بنفس العقد، وإن كان مقيدا
مشروطا لزم بانقضاء الشرط، فإذا ثبت ذلك فلا يخلو: أن يتصرف المشتري فيه
أو لا يتصرف، فإن تصرف فيه بالهبة والتمليك والعتق ونحو ذلك لزم العقد من
جهته ويبطل خياره ونفذ تصرفه وكان خيار البائع باقيا، فإن تصرف فيه
البائع بالهبة أو التمليك أو العتق أو غير ذلك كان ذلك فسخا للعقد، فإن
حدث بالمبيع هلاك في مدة الخيار وهو في يد البائع كان من مال البائع دون
مال المشتري ما لم يتصرف فيه، فإن اختلفا في حدوث الحادثة فعلى المشتري
البينة أنه حدث في مدة الخيار دون البائع لأنه المدعي وكذلك الحكم في
حدوث عيب فيه يوجب الرد.
ومتى وطئ المشتري في مدة الخيار لزمه البيع ولم يجب عليه شئ
156

ويلحق به الولد ما لم يفسخ البائع فإن فسخه كان الولد لاحقا بأبيه ويلزمه
للبائع قيمته، وإن لم يكن هناك ولد لزمه عشر قيمتها إن كانت بكرا وإن
كانت غير بكر فنصف عشر قيمتها ويبطل خياره.
وأما خيار البائع فإنه لا يبطل بوطئ المشتري سواء وطئ بعلمه أو بغير
علمه إلا أن يعلم رضاه به لأنه لا دليل على ذلك، ومتى وطئ البائع في مدة
الخيار كان ذلك فسخا للبيع إجماعا.
وجملة هذا الباب أن كل تصرف وقع للبائع كان فسخا مثل العتق
والوطء والهبة والبيع والوصية وغير ذلك، ومتى وقع من المشتري كان إمضاء
وإقرارا بالرضا بالبيع ولزمه بذلك العقد من جهته.
فأما إذا اتفقا على التصرف فيه وتراضيا مثل أن أعتق المشتري أو باع في
مدة الخيار بإذن البائع أو وكل المشتري البائع في عتق الجارية أو بيعها فإن
الخيار ينقطع في حقهما ويلزم البيع وينفذ العتق والبيع، لأن في تراضيهما
بذلك رضاء بقطع الخيار ووقوع العتق والبيع بعد ذلك.
خيار المجلس والشرط موروث إذا مات المتبايعان أو واحد منهما سواء
كانا حرين أو مملوكين مأذونين في التجارة أو أحدهما حرا والآخر مملوكا أو
مكاتبا فإنه يقوم سيده مقامه، فأما إذا جن أو أغمي عليه أو خرس في مدة الخيار
فإن وليه يقوم مقامه فيفعل ما له الحظ فيه، هذا إذا كان الأخرس لا تعرف إشارته
فإن عرفت إشارته أو كان يحسن أن يكتب كان خياره باقيا، ومتى تصرف الولي
ثم زال عذر هؤلاء فلا خيار لهم ولا اعتراض لهم فيما فعله الولي.
فإن أكرها أو أحدهما على التفرق في المكان فإن منعنا التخاير والفسخ معا
كان وجود هذا التصرف وعدمه سواء.
فإذا زال الإكراه كان لهما الخيار في مجلس زواله عنه ما لم يفترقا، وإن كان
الإكراه على التفرق لا يمنع التمكن من التخاير والفسخ ينقطع الخيار لأنه إذا
كان متمكنا من الإمضاء والفسخ فلم يفعل حتى وقع التفرق كان ذلك دليلا
157

على الرضا والإمضاء، وقد ذكرنا أن خيار الشرط موروث فإذا ثبت ذلك
نظرت في الوارث: فإن كان حاضرا عند موت مورثه قام مقامه فيه فإن كان
قد مضي منه بعضه كان للوارث بقيته، وإن كان الوارث غائبا فبلغه موت مورثه
بعد أن مضت مدة الخيار فقد بطل خياره لأن المدة قد مضت.
قد بينا أن الملك لا يلزم إلا بعد مضي مدة الخيار، وأما الحمل فلا حكم له
ومعناه أن الثمن لا يتقسط عليهما بل يكون الثمن في الأصل والحمل تابع، فإذا
ثبت ذلك فمتى وضع الحمل في مدة الخيار فلا يخلو: إما أن يتم العقد أو لا يتم،
فإن تم كانا معا للمشتري وإن فسخ كان للبائع، ومتى كان النماء والحمل بعد
لزوم البيع وانقطاع الخيار ووضعت ثم بطل البيع كان النماء للمشتري
خاصة دون البائع وإن حملت ووضعت في يد البائع قبل القبض ثم هلكت
بطل البيع وكان الولد له.
وإذا اشترى نخلة بكر تمر فبقيت في يد البائع حتى حملت وجذت
وحصل منها كر تمر ثم هلكت النخلة فإن البيع يبطل بتلفها قبل القبض ويبرأ
المشتري عن الثمن، وتكون ثمرة النخلة له لأنه حصل في ملكه، ومتى باع بشرط
الخيار متى شاء فالبيع باطل لأنه مجهول.
يجوز أن يتقابض المتبايعان الثمن والمبيع معا في مدة خيار المجلس
وخيار الرؤية وخيار الشرط ويكون الخيار باقيا على ما كان.
خيار المجلس يثبت للمتبايعين وخيار الشرط إن شرط لهما أو لأحدهما يثبت
بحسب الشرط.
فإذا ثبت ذلك فيكون مدة الشرط من حين العقد لا من حين التفرق،
والأولى أن نقول: أن يثبت من حين التفرق لأن الخيار يدخل إذا ثبت العقد
والعقد لم يثبت قبل التفرق فإن شرطا أن يكون من حين العقد صح ذلك للخبر
في جواز الشرط، فإن وقع العقد نهارا وشرطاه إلى الليل انقطع بدخول الليل،
وإن وقع ليلا وشرطاه إلى النهار انقطع بطلوع الفجر الثاني.
158

إذا شرطا لكل واحد منهما ثلاثا أو ما زاد عليه صح، وإن شرطا لأحدهما
أقل وللآخر أكثر مثل أن يشرط لأحدهما يوما أو يومين وللآخر ثلاثا صح، فإذا
مضت المدة القصيرة لزم العقد من جهته وكان لصاحبه الخيار حتى تنقضي
مدته.
إذا اشترطا الخيار ثلاثا أو ما زاد عليه لكل واحد منهما كان لكل واحد
الفسخ والإمضاء فإن اختار الإمضاء من جهته لم يفتقر إلى حضور صاحبه
بلا خلاف، وإن اختار الفسخ كان ذلك له ولا يفتقر أيضا إلى حضور صاحبه
وهكذا فسخه بالعيب له فسخه ولا يفتقر إلى حضور صاحبه من قبل القبض
وبعده سواء، وهكذا للوكيل أن يفسخ بغير حضور صاحبه وكذلك للوصي أن
يعزل نفسه متى شاء ولا يفتقر ذلك إلى حاكم ولا غيره وفيه خلاف.
إذا باع شيئا وشرط الخيار لأجنبي صح ذلك ثم ينظر: فإن شرط له وحده
لم يكن له الخيار، وإن شرط له ولنفسه كان لهما، وإن أطلق كان لمن جعله له،
وإذا وكله في البيع فباع وشرط الثلاث لموكله صح، وإن شرط لأجنبي لم
يصح لأنه لا يملك ذلك، فإن شرط الوكيل الخيار لنفسه دون موكله كان ذلك
صحيحا.
وإذا قال: بعتك هذه السلعة على أن أستأمر فلانا في الرد، كان على ما
شرط وليس له الرد حتى يستأمر لأنه شرط أن لا يكون له الرد إلا باجتماعهما
وليس لاستئماره حدا إلا أن يذكر زمانا معينا، ومتى لم يذكر زمانا كان له ذلك
أبدا حتى يستأمره.
وإذا باع عبدين وشرط مدة الخيار في أحدهما وأبهم ولم يعين من باعه
منهما بشرط الخيار فالبيع باطل لأنه مجهول، وإن عين فقال: على أن لك الخيار
في هذا العبد دون هذا، ثبت الخيار فيما عين ولم يثبت في الآخر وكان لكل
واحد منهما الثمن بالقسط سواء قدر ذلك بأن يقول: ثمن كل واحد منهما
ألف، أو يقول: ثمنهما ألفان، ولا فرق بينهما.
159

إذا كان المبيع شيئا بعينه فهلك بعد العقد لم يخل من أحد أمرين: إما أن
يكون قبل القبض أو بعده:
فإن كان قبل القبض بطل البيع وسواء كان التلف في مدة الخيار أو بعد
انقضاء مدة الخيار، فإذا تلف هلك على ملك البائع وبطل الثمن، فإن كان
الثمن مقبوضا رده، وإن كان غير مقبوض سقط عن المشتري.
وإن كان الهلاك بعد القبض لم يبطل البيع سواء كان في يد المشتري أو
في يد البائع، مثل أن قبضه المشتري ثم رده إلى البائع وديعة أو عارية الباب
واحد.
فإذا ثبت أنه لا ينفسخ نظرت: فإن كان الهلاك بعد انقضاء مدة الخيار فلا
كلام، وإن كان في مدة الخيار لم ينقطع الخيار ثم لا يخلو من أحد أمرين: إما أن
يجيزا البيع أو يفسخا.
فإن فسخاه أو أحدهما سقط الثمن ووجبت القيمة على المشتري.
وإن اختار إمضاء البيع أو سكتا حتى مضت مدة الخيار فإنه يلزم الثمن ولا
يلزم القيمة لأنه
عقد النكاح ينعقد بالإيجاب والقبول سواء تقدم الإيجاب فقال: زوجتك
بنتي، فقال: قبلت النكاح، أو تأخر الإيجاب كقوله: زوجني بنتك، فقال:
زوجتك، بلا خلاف.
فأما البيع فإن تقدم الإيجاب فقال: بعتك، فقال: قبلت، صح بلا خلاف،
وإن تقدم القبول فقال: بعنيه بألف، فقال: بعتك، صح، والأقوى عندي أنه
لا يصح حتى يقول المشتري بعد ذلك: اشتريت.
فإذا ثبت هذا فكل ما يجري بين الناس إنما هو استباحات وتراض دون أن
يكون ذلك بيعا منعقدا، مثل أن يعطي للخباز درهما فيعطيه الخبز أو قطعة للبقلي
فيناوله البقل، وما أشبه ذلك، ولو أن كل واحد منهما يرجع فيما أعطاه كان له
ذلك لأنه ليس بعقد صحيح هو بيع.
160

وإذا قال: بعتك على أن تنقدني الثمن إلى ثلاث فإن نقدتني وإلا فلا بيع
لك، صح البيع ثم ينظر: فإن جاء الثالث فأتاه بالثمن كان البيع له وإن لم
يجئ بطل البيع، وروى أصحابنا أنه إذا اشترى شيئا بعينه بثمن معلوم وقال
للبائع: أجيئك بالثمن، ومضى فإن جاء في هذه الثلاثة كان البيع له، وإن لم
يجئ في هذه المدة بطل البيع.
وإذا اشترى شيئا فبان له الغبن فيه، فإن كان من أهل الخبرة لم يكن له رده،
وإن لم يكن من أهل الخبرة نظر: فإن كان مثله لم تجر العادة بمثله فسخ العقد
إن شاء، وإن كان جرت العادة بمثله لم يكن له الخيار، وفيه خلاف لأن أكثرهم
أجازه.
فصل: في ذكر ما يصح فيه الربا وما لا يصح:
الربا في كل ما يكال أو يوزن، ولا ربا فيما عداهما، ولا علة لذلك إلا
النص.
فإذا ثبت ذلك فمتى أراد بيع فضة بفضة أو ذهب بذهب لم يخل من أحد
أمرين: إما أن تكون مضروبة أو غير مضروبة.
فإن كانت غير مضروبة وهو التبر والآنية والمصاع لم يجز بيعه إلا مثلا
بمثل للخبر وتناول الاسم له، وبيع المصاع من الأواني وغير ذلك لا يجوز
بأكثر منه بجنسه، وإن كان أكثر قيمة منه لأجل الصنعة، فأما من أتلف على غيره
مصاغا فإنه يلزمه قيمته، فإن كان قيمته في البلد من غير جنسه قوم به ولا ربا، وإن
كان قيمته في البلد بجنسه قوم به وإن فضل عليه، ولا ربا بلا خلاف لأنه ليس
ببيع.
وإن كانت مضروبة وهي الدراهم والدنانير لم يخل من أحد أمرين: إما أن
تكون مختلفة أو غير مختلفة، فإن لم تكن مختلفة في نوع ولا صفة ولا غش بيع
سواء بسواء من غير تفاضل يدا بيد، وإن كانت مختلفة لم يخل من ثلاثة أحوال:
161

إما أن يكون الاختلاف من حيث النوع والجوهر أو الصنعة والغش.
فإن كان الاختلاف من حيث النوع والجوهر وهو إن كان إحديهما فضة
ناعمة رطبة والأخرى يابسة خشنة جاز بيعه مثلا بمثل من غير تفاضل للخبر
وتناول الاسم له.
وإن كان الاختلاف من حيث الصنعة والحذق في تحسين الضرب فكذلك
يباع أيضا بلا تفاضل.
وإن كان الاختلاف من حيث الغش لم يخل من أحد أمرين: إما أن يكون
الغش مستهلكا أو غير مستهلك.
فإن كان غير مستهلك ومعناه لم تهلك قيمته كالرصاص والنحاس لم
يجز بيع أحدهما بالآخر لأن ما فيه من الفضة مجهول، فإن اشترى بهذه المغشوشة
غير الفضة كالثياب والحيوان أو غير ذل أو اشترى بها ذهبا جاز.
وإن كان الغش مستهلكا لم يجز أيضا بيع أحدهما بالآخر لمثل ما قلناه
ويجوز بيعها بجنس آخر إذا كان مشاهدا.
إذا تبايعا عينا بعين لم يخل من ثلاثة أحوال: إما أن لا يكون في واحدة منهما
الربا أو في واحدة منهما الربا أو في كل واحدة منهما الربا.
فإن لم يكن في واحدة منهما الربا مثل الثياب والحيوان وغير ذلك مما لا
ربا فيه جاز بيع بعضه ببعض متماثلا ومتفاضلا نقدا، ويكره ذلك نسيئة، ويجوز
إسلاف إحديهما بالأخرى والافتراق قبل القبض في الجنس الواحد والجنسين
لأنه لا مانع منه.
وإن كان الربا في إحديهما دون الأخرى كالأثمان والثياب والمكيل
والموزن بالحيوان جاز أيضا متماثلا ومتفاضلا نقدا ونسيئة، ويجوز السلم فيه
والتفرق قبل القبض، والحكم فيه كالحكم في الذي قبله إلا أن هاهنا لا يتم إلا في
جنسين لأن في جنس واحد من الأثمان الربا.
والثالث أن يكون في كل واحد منهما الربا فلا يخلو من أحد أمرين: إما أن
162

يكون أثمانا أو غير أثمان.
فإن كان أثمانا جاز أن يشترى بهما المكيل والموزون متماثلا ومتفاضلا
نقدا أو نسيئة، وجاز التفرق قبل القبض كما تقدم سواء فأما بيع بعضه ببعض
فيجوز متماثلا إذا كان الجنس واحدا، وإن اختلف جنساهما جاز متماثلا
ومتفاضلا نقدا ولا يجوز نسيئة، فإن تقابضا قبل التفرق صح البيع، وإن افترقا
قبل التقابض بطل البيع.
وإن كان من غير جنس الأثمان مثل أن يتبايعا برا بتمر ومكيلا بموزون غير
الأثمان متفاضلا أو متماثلا جاز، فإن تقابضا فهو الأحوط قبل الافتراق، وإن افترقا
قبل القبض لم يبطل البيع، وإن باع بعض الجنس بجنس مثله غير متفاضل
جاز مثل ذلك، والأحوط أن يكون يدا بيد.
الذهب والفضة جنسان، والبر والشعير روى أصحابنا أنهما جنس واحد في
الربا وجنسان في الزكاة، والتمر والبلح جنسان، فكل جنسين يجوز التفاضل
فيهما يدا بيد والنسيئة على ما مضى من الكراهية.
ما يكال ويوزن فيه الربا، فما كان منه رطبا يجوز بيع مثل بمثل والجنس
واحد يدا بيد، ولا يجوز ذلك متفاضلا، وإن كان يابسا جاز أيضا بيع بعضه
ببعض والجنس واحد متماثلا ولا يجوز متفاضلا، ويجوز بيع بعض الجنس
بجنس آخر متفاضلا ولا يجوز ذلك نسيئة، ولا يجوز بيع الرطب بالتمر لا
متفاضلا ولا متماثلا على حال والإهليلج والبليلج والسقمونيا ونحو ذلك من
العقاقير فيه الربا لأنه من الموزون.
فأما الطين الذي يتداوى به من الأرمني فمثل ذلك وغيره من الخراساني
لا يجوز بيعه أصلا لأنه محرم، وإذا لم يجز بيعه فلا اعتبار للربا في ذلك.
وأما الماء فإنه لا ربا فيه لأنه لا يكال ولا يوزن.
المماثلة شرط في الربا وإنما تعتبر المماثلة بعرف العادة بالحجاز على عهد
رسول الله صلى الله عليه وآله، فإن كانت العادة فيه الكيل لم يجز إلا كيلا في
163

سائر البلاد وما كان العرف فيه الوزن لم يجز فيه إلا وزنا في سائر البلاد
، والمكيال مكيال أهل المدينة، والميزان ميزان أهل مكة، هذا كله لا خلاف فيه.
فإن كان مما لا يعرف عادته في عهد النبي صلى الله عليه وآله حمل على
عادة البلد الذي فيه ذلك الشئ فإذا ثبت ذلك فما عرف بالكيل لا يباع إلا
كيلا، وما كان العرف فيه وزنا لا يباع إلا وزنا.
بيع الخبز بالخبز يجوز لينة بلينة متماثلا أو يابسة بيابسة متماثلا ولا يجوز
بيع لينة بيابسة لا متفاضلا ولا متماثلا، فإن كانا من جنسين يجوز متفاضلا
ومتماثلا مثل خبز الحنطة والشعير بخبز الذرة لأنه لا مانع منه، ويجوز بيع
الحنطة بدقيقها متماثلا ولا يجوز متفاضلا يدا بيد ولا يجوز نسيئة، والأحوط أن
يباع بعضه ببعض وزنا مثلا بمثل لأن الكيل يؤدي إلى التفاضل لأن الدقيق
أخف وزنا من الحنطة.
ومتى كان أحدهما يباع وزنا والآخر كيلا فلا يباع أحدهما بصاحبه إلا وزنا
ليزول التفاضل مثل الحنطة والخبز وما أشبه ذلك.
يجوز بيع الحنطة بالسويق وبالخبز وبالفالوذج المتخذ من النشاء مثلا
بمثل، ولا يجوز متفاضلا يدا بيد، ولا يجوز نسيئة، فأما الفالوذج فيجوز بيعه
بالحنطة والدقيق متفاضلا ما لم يؤد إلى التفاضل في الجنس لأن فيه غير النشاء،
ويجوز بيع دقيق الحنطة بدقيق الحنطة، وبيع دقيق الشعير بدقيق الشعير مثلا بمثل،
ويجوز بيع السويق بالسويق وبيع الدقيق بالسويق مثلا بمثل، ويجوز
بيع خل العنب بخل العنب مثلا بمثل، ويجوز بيع خل التمر بخل التمر مثل
ذلك، وبيع خل الزبيب والعنب بخل التمر متفاضلا لأن الجنس مختلف،
ويجوز بيع خل الزبيب بخل العنب مثلا بمثل ولا يجوز متفاضلا، وقال قوم: لا
يجوز بيعه أيضا مثلا بمثل لأن في خل الزبيب ماء، وهو قوي، ويجوز بيع
العصير بعضه ببعض متماثلا ولا يجوز متفاضلا ما لم يغل فإذا غلى فلا يجوز بيعه
حتى يصير خلا.
164

الأدهان على أربعة أضرب: دهن يعد للأكل، ودهن يعد للدواء، ودهن
يعد للطيب ودهن يتخذ لا لشئ من ذلك.
فالذي للأكل مثل الزيت والشيرج ودهن الجوز واللوز ودهن الفجل
ونحو ذلك فالربا فيها ثابت لأنها إما أن تكون مكيلة أو موزونة، إذا كان الجنس
واحدا فإن بيع بعضه ببعض من جنسه يجوز متماثلا ولا يجوز متفاضلا نقدا ولا
يجوز نسيئة، فإن بيع بعضه بجنس آخر جاز متماثلا ومتفاضلا نقدا ولا يجوز
نسيئة.
وما يتخذ للدواء مثل دهن اللوز المر ودهن الخروع فالربا أيضا فيه ثابت
لأنه إما أن يكال أو يوزن.
والضرب الثالث، ما يتخذ للطيب مثل دهن البنفسج والورد والنيلوفر
وغير ذلك ففيه الربا لا يباع بعضه ببعض إلا متماثلا يدا بيد، ولا يجوز نسيئة لأن
أصل الجميع شيرج والتفاضل فيه ربا.
والضرب الرابع، مالا يتخذ للطيب ولا للأكل ولا للدواء مثل البزر ودهن
السمك ونحوه ففيه الربا أيضا لأنه مكيل أو موزون.
عصير العنب والتفاح والسفرجل والرمان والقصب وغير ذلك من
الفواكه أجناس مختلفة لأن أصولها أجناس مختلفة فإذا بيع بعضها ببعض فإن
كان جنسها بجنس آخر جاز ذلك متماثلا ومتفاضلا طبخ أو لم يطبخ، فإن بيع
جنس واحد منه بعضه ببعض جاز ذلك متماثلا ولا يجوز متفاضلا سواء كان نيا
أو مطبوخا.
العسل على ضربين: أحدهما فيه شمع، والآخر مصفى، وجميعا يجوز بيع
بعضه ببعض متماثلا يدا بيد، ولا يجوز متفاضلا وسواء صفي بالنار أو بالشمس أو
أحدهما مصفى والآخر غير مصفى لأنه لا مانع منه، والعسل إذا أطلق أريد به
عسل النحل فأما ما يتخذ من السكر والعنب وإن سمي فيجوز بيع ذلك بعسل
النحل متفاضلا وبعضه ببعض متماثلا، ويجوز بيع مد من طعام بمد من طعام
165

وإن كان في أحدهما فضل وهو عقد التبن أو زؤان أو شيلم لأنه لا مانع يمنع منه،
وكذلك إن كان في أحدهما قليل تراب أو دقاق تبن، وقال قوم: لا يجوز، وهو
الأحوط.
والألبان أجناس مختلفة فلبن الغنم الأهلي جنس واحد ضائنه وماعزه، ولبن
البري مثل الظباء جنس آخر، ولبن البقر الأهلي جنس آخر سواء كان جاموسيا أو
غير جاموسي، ولبن البقر الوحشي جنس آخر ولبن الإبل جنس مفرد، وليس في
الإبل وحشي.
فإذا ثبت ذلك فبيع بعضه ببعض جائز إن كان جنسا واحدا يجوز بيع
بعضه ببعض متماثلا ولا يجوز متفاضلا.
وإن كانا جنسين يجوز متفاضلا وسواء كان ذلك حليبا أو رائبا أو يابسا أو
رطبا لا يختلف الحال فيه وسواء غلى أحدهما أو لم يغل، وما يتخذ من الألبان من
الزبد والسمن والأقط والمصل وغير ذلك فالحكم فيه أيضا مثل ذلك لا يجوز
بيع بعضه ببعض إلا متماثلا لأن الجنس واحد، فإن اختلف جنسه جاز متفاضلا.
يجوز بيع مد من تمر ودرهم بمدين من تمر، وبيع مد من حنطة ودرهم
بمدي حنطة ومد شعير ودرهم بمدي شعير، وهكذا إذا كان بدل الدرهم في هذه
المسائل ثوب أو خشبة أو غير ذلك مما فيه الربا أو لا ربا فيه، وهكذا يجوز بيع
درهم وثوب بدرهمين وبيع دينار وثوب بدينارين وبيع دينار قاساني دينارا
تبريزي بدينارين نيسابوريين.
وجملته أنه يجوز بيع ما يجري فيه الربا بجنسه ومع أحدهما غيره مما فيه
ربا أو لا ربا فيه، ولا بأس أن يبيع شاة في ضرعها لبن يقدر على حلبه بلبن لأنه
لا مانع منه، وسواء باعها بلبن شاة أو بلبن بقرة أو غير ذلك وسواء كانت الشاة
مذبوحة أو حية وعلى كل حال يجوز بيع شاة في ضرعها لبن بشاة في ضرعها
لبن لمثل ما قلناه.
القسمة تمييز أحد الحقين من الآخر وليس ببيع، فإذا كان كذلك يجوز
166

فيما فيه الربا وفيما لا ربا فيه على كل حال وفيما يجوز بيع بعضه ببعض وفيما
لا يجوز كالرطب بالتمر والعنب بالزبيب ويجوز قسمته كيلا ووزنا وعلى كل
حال، وإذا كانت ثمرة على أصول المشتركة صح قسمتها بالخرص سواء كان
فيه العشر أو لم يكن.
بيع الرطب بالتمر لا يجوز إذا كان خرصا بما يؤخذ منه، فأما إذا كان تمرا
موضوعا على الأرض فإنه يجوز، وبه قال الشافعي، فأما بيع العنب بالزبيب
والكمثرى الرطب والتين الرطب بالمقدد منه وما أشبه ذلك فلا نص لأصحابنا
فيه، والأصل جوازه لقوله تعالى: " وأحل الله البيع " ولا يجوز بيع الحنطة
المبلولة بالجافة وزنا مثلا بمثل لأنه يؤدي إلى الربا لأن مع أحدهما ماء فينقص
إذا جف، والتفاضل لا يجوز لفقد الطريق إلى العلم بمقدار الماء.
يجوز بيع الرطب بالرطب سواء كان مما يصير تمرا أو لا يصير كذلك لأن
الأصل جوازه وكذلك البقول والفواكه التي تباع وزنا أو كيلا يجوز بيع بعضه
ببعض ولا مانع يمنع منه.
الفجل المغروس في الأرض والشلجم والجزر إذا اشترى ورقه وأصله بشرط
القطع والتبقية جاز ولا مانع.
الدراهم والدنانير تتعينان، فإذا اشترى سلعة بدراهم أو دنانير بأعيانهما لم
يجز أن يسلم غيرها إلا برضاه.
فإذا ثبت ذلك وتبايعا دراهم أو دنانير بدراهم بأعيانهما ثم وجد أحدهما بما
صار إليه عيبا فلا يخلو العيب من أحد أمرين: إما أن يكون من غير جنس المعقود
عليه أو من جنسه.
فإن كان من غير جنس المعقود عليه مثل أن يشتري دنانير فتخرج نحاسا
أو يشتري دراهم فتخرج رصاصا فإن البيع باطل، وهكذا إذا قال: بعتك هذه
البغلة، فخرجت حمارا أو باع ثوبا على أنه قز فخرج كتانا أو كتانا فخرج قزا
فإنه إذا تبين أنه من الجنس الآخر كان البيع باطلا.
167

فإذا ثبت هذا فإن كان الكل من غير جنسه كان البيع باطلا في الجميع،
وإن كان البعض من غير جنسه بطل البيع فيه ولا يبطل في الباقي كما قلناه في
تبعيض الصفقة، ويأخذ بحصته من الثمن، ويكون بالخيار بين أن يرده ويفسخ
البيع وبين أن يرضى به بحصته من الثمن، هذا إذا كان العيب من غير جنسه.
فإن كان العيب من جنسه مثل أن يكون فضة خشنة أو ذهبا خشنا، أو
تكون سكته مضطربة مخالفة لسكة السلطان فهذا عيب، فهو بالخيار بين أن يرده
ويسترجع ثمنه وبين أن يرضى به، وليس له أن يطالب ببدله لأن العقد وقع على
عينه فلم يجز إبداله.
فإن كان العيب في الجميع كان بالخيار بين رد الجميع وبين الرضا به،
وإن كان العيب في البعض كان له رد الجميع لوجود العيب في الصفقة، وليس
له أن يرد البعض المعيب ويمسك الباقي.
إذا اشترى دراهم بدراهم أو دنانير بدنانير فوجد ببعضها عيبا من جنسها أو
من غير جنسها كان البيع صحيحا وللمشتري أن يرد المعيب للعيب أو يفسخ
العقد في الجميع، هذا كله إذا تبايعا دراهم بأعيانها بدنانير بأعيانها.
فأما إذا تبايعا في الذمة بغير أعيانها فلا يخلو من أحد أمرين: إما أن يطلق
البيع فيبيع دينارا بعشرة دراهم فهذا ينظر فيه فإن كان نقد البلد واحدا لا يختلف
أو كان مختلفا إلا أن واحدا منهما هو الغالب رجع الإطلاق إليه ووجب منه،
وإن كان مختلفا وليس بعضها بأغلب من بعض لم يصح البيع.
وأما إن يصف فيقول: بعني دينارا قاسانيا بعشرة دراهم راضية أو مقدرية، فيصح
البيع فينعقد البيع على هذا النقد الموصوف، فإذا ثبت ذلك فلا يجوز أن
يتفرقا حتى يتقابضا، فإذا تقابضا ثم وجد أحدهما بما صار إليه عيبا فلا يخلو: أن
يكون ذلك قبل التفرق أو بعده.
فإن كان في المجلس كان له إبداله سواء كان العيب من جنسه أو من غير
جنسه لأن العقد وقع على ما في الذمة صحيحا لا عيب فيه، فإذا قبض معيبا كان
168

له أن يطالبه بما في ذمته مما تناوله العقد.
وإن كان ذلك بعد التفرق فلا يخلو من أحد أمرين: إما أن يكون العيب
من جنسه أو من غير جنسه.
فإن كان من غير جنسه بطل الصرف لأنهما تفرقا من غير قبض فيما تناوله
العقد وينظر فيه: فإن كان ذلك في الكل بطل عقد الصرف، وإن كان في
البعض بطل العقد فيه ولا يبطل في الباقي، كما قلناه في تبعيض الصفقة.
وإن كان العيب من جنسه فلا يخلو من أحد أمرين: إما أن يكون في الكل
أو البعض، فإن كان في الكل كان له رده واسترجاع ثمنه وكان له الرضا به
لأنه من جنس ما تناوله العقد، وإن أراد إبداله بغير معيب كان له ذلك، وإن
كان العيب في البعض فله أن يبدل البعض وله أن يفسخ البيع في الجميع.
يجوز أن يبيع مائتي دينار مائة جيدة ومائة رديئة بمائتي دينار وسط للآية
ولأنه ذهب بذهب من غير تفاضل وظاهر الخبر يجيزه، وعلى هذا يجوز بيع دينار
صحيح ودينار قراضة بدينارين صحيحين أو رديئين، ويجوز بيع درهم صحيح
ودرهم مكسور بدرهمين صحيحين أو مكسرين.
إذا باع دينارا جيدا بدينار ردئ الجنس جاز بلا خلاف.
إذا باع سيفا محلى بفضة بدراهم أو كان محلى بذهب فباعه بدنانير وكان ما
فيه من الذهب أو الفضة أقل من الثمن في الوزن كان جائزا وكان الفاضل من
الثمن ثمن النصل والعلاقة، فإن كان مثله أو أكثر منه لم يجز، وإن باعه بغير
جنس حليته مثل أن يكون محلى بفضة فباعه بدنانير أو كان محلى بذهب فباعه
بدراهم كان جائزا على كل حال، وإن باع هذا السيف بعرض جاز بلا خلاف.
إذا اشترى خاتما من فضة مع قبضة بفضة جاز إذا كان الثمن أكثر مما فيه
من الفضة.
إذا كان معه مائة درهم صحاحا يريد أن يشتري بها مكسرة أكثر منها وزنا
فاشترى بالصحاح ذهبا ثم اشترى بالذهب مكسرة أكثر من الصحاح كان
169

جائزا، إذا تقابضا وافترقا بالأبدان، ولا فرق بين أن يكون ذلك مرة أو مكررا،
والافتراق بالبدن لا بد منه فإن لم يفترقا لكن خيره فقال له: اختر ما شئت من
إمضاء البيع وفسخه، فإن اختار إمضاء البيع لزم البيع وسقط الخيار وقام
التخاير مقام التفرق إلا أنه يكون التخاير بعد التقابض فإن تخايرا قبل التقابض
بطل الصرف.
وأما إذا تقابضا ولم يتفرقا ولم يتخايرا لكنه اشترى منه بالذهب الذي قبضه
دراهم مكسرة صح الشراء لأن شروعهما في البيع قطع للخيار وإمضاء للبيع،
لأنا قد بينا أنه إذا تصرف فيه أو أحدث المشتري فيه حدثا بطل خياره وهاهنا قد
حصل التصرف منهما فبطل خيارهما وصح الشراء الثاني.
وإن باعه قبل التخاير أو التفرق من غير بائعه لم يصح لأن للبائع حق
الخيار، هذا إذا اشترى من بائعه دراهم.
فأما إذا لم يفعلا هكذا لكنه أقرضه الصحاح التي معه واستقرض منه مكسرة
أكثر منها ثم أبرأ كل واحد منهما صاحبه كان جائزا، وكذلك إذا وهب كل
واحد منهما لصاحبه ما معه وأقبضه كان جائزا، وكذلك إذا باع الصحاح
بوزنها من المكسرة ثم وهب له الفضل من المكسرة كان جائزا.
إذا كان مع رجل عشرة دراهم ومع آخر دينار قيمته عشرون درهما فإن
أراد أن يشتري منه الدينار بعشرين درهما فاشترى نصف دينار بعشرة دراهم
وسلم العشرة إليه ثم قبض الدينار منه فيكون نصفه عن بيع ونصفه وديعة في يده
إن تلف لم يضمن، ثم استقرض العشرة التي دفعها إليه واشترى منه بها النصف
الآخر من الدينار صح ذلك، فيكون جميع الدينار للمشتري، والبائع قد استوفى
جميع الثمن وله على المشتري عشرة دراهم من جهة القرض، وإن لم يفعل
هكذا لكنه اشترى جميع الدينار منه بعشرين درهما وسلم إليه العشرة التي معه ثم
استقرضها منه وقضاه بماله من العشرة في ذلك المجلس كان أيضا جائزا وكان
مثل الأولى.
170

إذا كان لرجل على رجل عشرة دنانير فأعطاه عشرة دنانير عددا قضاء لما
عليه، فوزنها القابض فوجدها أحد عشر دينارا كان الدينار الزائد للقاضي مشاعا
فيها، ولا يكون مضمونا على القابض لأجل أنه أخذه عوضا ويكون بمنزلة الأمانة
في يده، فإذا ثبت هذا فإن شاء استرجع منه دينارا وإن شاء وهبه له وإن شاء
اشترى منه عوضا به وإن شاء أخذ به دراهم ويكون صرفا، ولا يجوز أن يفارقه قبل
أن يقبض الدراهم، وإن شاء جعله ثمنا لموصوف في ذمته إلى أجله فيكون سلما.
إذا اشترى دينارا بعشرين درهما ومعه تسعة عشر درهما وامتنع من إقراضه
، فالوجه أن يفاسخه الصرف ثم يشتري منه بقدرها فيكون جزء من عشرين جزء
من الدينار وفي يده مقبوضا عن وديعة والباقي عن الصرف، فإذا ثبت هذا عمل
في الجزء الزائد ما ذكرناه في المسألة الأولى سواء في الدينار الزائد، وإن لم
يفاسخه ولكنه قبض الدينار وفارقه ليوفيه الدرهم الذي بقي عليه فإن الصرف
ينفسخ في قدر الدرهم ولا ينفسخ في الباقي كما نقوله في تفريق الصفقة.
إذا تصارفا فلا بأس أن يطول مقامهما في مجلسهما ولا بأس أن يصطحبا من
مجلسهما إلى غيره ليوفيه لأنها لم يفترقا، وإن سلم ما في يده ووكل رجلا في
قبض ما في يد صاحبه ثم فارقه نظر: فإن فارقه قبل أن يقبض وكيله بطل
الصرف لأنه فارق صاحبه قبل القبض لأن التوكيل في القبض ليس بقبض، وإن
فارقه بعد أن قبض وكيله صح لأن قبض وكيله بمنزلة قبضه، وإن لم يكن له بد
من مفارقته ولم يمكن قبضه في الحال لم يجز له أن يفارقه قبل المفاسخة لأنه ربا،
فإذا كان كذلك فاسخه ووكل وكيلا في استئناف عقد الصرف معه إذا أمكنه
تسليمه إليه ثم فارقه فإذا فعل هذا لم يكن عليه إثم.
إذا كان له عند صيرفي دينار فقبض ثمنه من غير لفظ البيع لم يكن ذلك
صرفا وكان للصيرفي في ذمته دراهم، وله عند الصيرفي دينار ولا يجوز أن يتقاصا
لأنهما جنسان مختلفان، فإن أراد أن يتبارءا أبرأ كل واحد منهما صاحبه بما له عليه.
171

إذا اشترى رجل من رجل عشرين درهما نقرة بدينار فقال له رجل: ولني
نصفها بنصف الثمن، صح، والتولية بيع، وإن قال له: اشتر عشرين درهما نقرة
بدينار لنفسك ثم ولني نصفها بنصف الثمن، لم يجز لأنه إذا اشتراها لنفسه ثم
ولاه كانت التولية بيعا من الغائب وذلك لا يجوز.
إذا قال رجل لصائغ: صغ لي خاتما من فضة لأعطيك وزنها فضة وأجرتك
للصياغة، فعمل الصائغ ذلك لم يصح وكان الخاتم على ملك الصائغ لأنه
شراء فضة مجهولة بفضة مجهولة وتفرقا قبل التقابض وذلك يفسد
البيع. فإذا صاغه وأراد أن يشتريه اشتراه شراء مستأنفا بغير جنسه كيف شاء أو
بجنسه بمثل وزنه.
فرع:
إذا باع ثوبا بمائة درهم من صرف عشرين درهما بدينار لم يصح الشراء
لأن الثمن غير معين ولا موصوف بصفة يصير بها معلوما.
إذا اشترى ثوبا بمائة درهم إلا دينارا أو مائة دينار إلا درهما لم يصح لأن
الثمن مجهول لأنه لا يدري كم حصة الدرهم من الدنانير ولا حصة الدينار من
الدراهم إلا بالتقويم والرجوع إلى أهل الخبرة.
فإن استثنى من جنسه فباع بمائة دينار إلا دينارا أو بمائة درهم إلا درهما
صح البيع لأن الثمن معلوم وهو ما بقي بعد الاستثناء.
إذا اشترى من رجل ثوبا بنصف دينار لزمه شق دينار ولا يلزمه من دينار
صحيح، وكذلك إذا اشترى منه ثوبا آخر بنصف دينار لزمه نصف دينار آخر
مكسور ولا يلزمه دينار صحيح لأن نصف دينار يقتضي منفردا، وإن وفاه دينارا
صحيحا فقد زاده خيرا.
وإن شرط في البيع الثاني أن يعطيه دينارا صحيحا عن الأول والثاني نظر
: فإن كان الأول قد لزم وانقطع الخيار بينهما فإن البيع الثاني لا يصح والأول
172

صحيح لازم بحاله لأنه لم يرض بأن يكون في الثوب الثاني نصف دينار صحيح
حتى يزيد في ثمن الثوب الأول فيجعل المكسور من دينار صحيح، وهذه الزيادة
لا تلحق بالأول لانبرامه ولأن الزيادة مجهولة، وإذا لم تلحق بالأول ولم يثبت كان
الثمن في الثوب الثاني مجهولا فلم يصح وإن كان الأول لم ينبرم وكان الخيار
باقيا بينهما فسد الأول، ولم يصح الثاني لأن زيادة الصفة منفردة عن العين
مجهولة ولا يصح إلحاقه بالثمن فلم يثبت، وإذا لم تثبت هذه الزيادة فلم يرض بأن
يكون نصف دينار ثمنا حتى يكون معه هذه الزيادة في ثمن الثوب الآخر صار
الثمن مجهولا فلم يصح.
إذا اشترى من غيره ثوبا بعشرين درهما وجاءه بعشرين صحاحا وزنها
عشرون درهما ونصف وقبض بنصف درهم فضة جاز، وإن كان ذلك شرطا
في أصل بيع الثوب لم يصح البيع لأنه شرط عليه بيع نصف درهم منه وهذان
بيعتان في بيعة وذلك لا يجوز.
اللحمان أجناس مختلفة، فلحم الإبل جنس واحد عرابها ونجاتيها وسائر
أنواعها واحد، ولحم البقر عرابها وجواميسها صنف واحد، ولحم الغنم ضأنها
وماعزها صنف واحد، والوحشي من البقر صنف غير الإنسي، والوحشي من الغنم
صنف من غير الغنم الإنسي، وعلى هذا لحم الأرانب صنف، ولحم اليرابيع
صنف، ولحم الضباع صنف، ولحم الثعالب صنف، وإن كان كل ذلك
محرما ولا يجوز بيعه، ومن الطير لحم الكراكي صنف ولحم الحبارى صنف،
ولحم الحجل صنف ولحم الحمام ولحم الفواخت صنف، ولحم القماري
صنف، ولحم الدجاج صنف، ولحم العصافير صنف، ومن الحيتان كلما
اختص باسم وصفة فهو صنف.
فإذا تقرر هذا فباع صنفا بصنف آخر جاز البيع مثلا بمثل رطبين كانا أو
يابسين، أو أحدهما رطب والآخر يابس وزنا وجزافا لأن التفاضل بينهما يجوز،
فأما بيع بعضه ببعض فإنه لا بأس به أيضا سواء كانا رطبين أو يابسين لقوله عليه
173

السلام: إذا اتفق الجنس بيعوا مثلا بمثل، وإن اختلف بيعوا كيف شئتم.
ويجوز أيضا بيع لحم مطبوخ بعضه ببعض أيضا، وكذلك المشوي يجوز
بيع بعضه ببعض، وكذلك بيع المشوي بالمطبوخ، وبيع المطبوخ
بالمشوي وبيع المطبوخ بالنئ، واللحم إذا كان جنسا واحدا فهو سواء، سواء
كان أحمر أو أبيض أو بعضه أحمر وبعضه أبيض، فأما الألية فهي جنس آخر و
الشحم الذي في الجوف جنس آخر، ويجوز بيع كل جنس من ذلك بالآخر
متفاضلا.
لا يجوز بيع اللحم بالحيوان إذا كان من جنسه مثل أن تبيع شاة بلحم شاة
أو بقرة بلحم بقرة أو جملا بلحم جمل.
وإن باع شاة بلحم بقرة أو بقرة بلحم شاة أو جملا بلحم شاة فإنه يجوز لأنه
يؤمن فيه الربا، وعلى هذا إذا باع لحما مذكى بحيوان لا يؤكل لحمه مثل الحمار
والبغل والعبد فإنه لا بأس به، وإذا باع سمكة حية بلحم شاة أو بقرة أو جمل
أو باع حيوانا بلحم سمك لم يكن به بأس، ويجوز بيع دجاجة فيها بيض ببيض
لأنه لا مانع منه.
فصل: في أحكام العقود وما يدخل فيها وما لا يدخل:
إذا باع نخلا قد أطلع فإن كان قد أبر فثمرته للبائع، وإن لم يكن أبر فثمرته
للمشتري، وكذلك إن تزوج بامرأة على نخلة مطلعة أو تخالعه المرأة على نخلة
مطلعة أو يصالح رجلا من شئ على نخلة مطلعة أو يستأجر دارا مدة معلومة
بنخلة مطلعة، فجميع ذلك إن كان أبر فثمرته باقية على ملك المالك الأول وإن
لم يكن أبر فهو لمن انتقل إليه النخل بأحد هذه العقود.
وإذا انتقل ملك النخل من غير عقد معاوضة مثل أن يشتري رجل من
رجل نخلة حائلا فاطلعت في الملك المشتري ثم فلس بالثمن فيرجع البائع
بالنخلة، وليس له أن يرجع عليه بالطلع لأنه لا دليل عليه، وكذلك إذا طلق
174

زوجته وقد أطلعت النخلة في يدها فإن الزوج يرجع بنصف النخلة ولا يرجع
بالطلع لما قلناه.
وإذا وهب نخلة مطلعة لم يؤبرها ثم سلمها فإنه لا يدخل الطلع في الهبة لأنه
لا دليل عليه، وكذلك إذا وهب نخلة حائلة لمن له الرجوع في هبته فاطلعت في
يد الموهوب له ثم رجع الواهب في النخلة فليس له الرجوع في الطلع لأن الطلع
حصل في ملك الموهوب له، وأما إذا رهن نخلة مطلعة قبل التأبير فلا يدخل
الطلع في الرهن لأن عقد الرهن لم يتناوله.
وإذا أبر بعض ما في البستان مثل نخلة واحدة لم يصر الباقي في المعنى
المؤبر.
فإذا باع نخل البستان كانت ثمرة النخلة المؤبرة للبائع والباقي للمشتري
فظاهر قوله عليه السلام: إن كان أبرها فالثمرة للبائع، يتناول غير ما أبر دون
غيره، وحكم سائر الثمار حكم النخل وثمرتها لأن أحدا لا يفصل، فإذا باع المؤبر
لواحد والباقي لآخر كانت ثمرة المؤبرة للبائع وثمرة غير المؤبرة للمشتري
الآخر، وكذلك إن باع النخلة المؤبرة دون غيرها كانت ثمرتها للبائع، وإن باع
غير المؤبر فثمرتها للمشتري ولا يتعدى حكم إحديهما إلى الأخرى.
وإذا أبر بعضها ثم باع النخل كله وأطلع بعض النخل في ملك المشتري
كان للمشتري.
وإذا كان بستانان فأبر نخيل أحدهما لم يكن ذلك تأبيرا لما في البستان
الآخر بلا خلاف.
إذا تشقق طلع النخلة أو شئ منه وظهرت الثمرة بالرياح اللواقح وهو أن
يكون فحول النخل في ناحية الصبا وهبت الصبا في وقت الآبار فإن الإناث تتأبر،
فإن كان فيها فحول نخل بعد أن تؤبر الإناث منها فثمرتها للبائع.
وإذا باع نخلة مطلعة من الفحول كان الطلع للبائع سواء تشقق أو لم
يتشقق لأنه لا دليل على انتقال ملكه إلى المشتري.
175

الكرسف هو القطن وهو ضربان: ضرب له أصل ثابت يبقى سنين كثيرة
يحمل في كل سنة القطن كما يحمل النخل - يكون ذلك بالبصرة وفارس
وأرض الحجاز - فإذا باع أصله وقد خرجت جوزته فإن كان قد تشقق فالقطن
للبائع إلا أن يشترط المشتري، وإن لم يكن قد تشقق فهو للمشتري إلا أن يشترط
البائع لنفسه، والضرب الثاني أن يكون القطن زرعا لا أصل له ثابت مثل ما يكون
ببغداد وخراسان وسائر البلاد.
فإذا بيعت الأرض وفيها القطن نظر فيه: فإن كان زرعا أو جوزا لم يشتد
فإنه للبائع إلا أن يشترط المشتري، وإن كان قد قوي وتشقق وظهر القطن
فيكون أيضا للبائع إلا أن يشترط المشتري فيكون له بالشرط، وإن كان قوي في
جوزة واشتد ولم يتشقق ولم يظهر القطن كان أيضا للبائع والأرض للمشتري،
فإن شرط المشتري أن يكون القطن له لم يصح شرطه لأن القطن مقصود وهو
مغيب فلا يصح شراؤه فيبطل البيع فيه ولا يبطل في الأرض، وهكذا إذا باع
أرضا فيها حنطة قد أخرجت السنابل واشتدت وشرط السنابل للمشتري فإن
البيع في السنابل يبطل ولا يبطل فيما عداها من الأرض.
وأما ما عدا النخل من الأشجار النابتة التي لها حمل في كل سنة خمسة
أضرب
: أحدها: مثل النخل والقطن وقد بينا حكمهما.
والثاني: يخرج الثمرة بارزة ولا يكون في كمام ولا ورد مثل العنب والتين
وما أشبه ذلك، فإذا باع أصل العنب والتين فإن كان قد خرجت الثمرة فهي
للبائع إلا أن يشترط المشتري، وإن لم يكن خرجت وإنما خرجت في ملك
المشتري فهي للمشتري.
والثالث: يخرج الثمرة في ورد فإذا باع الأصول وقد خرج وردها وتناثر
وظهرت الثمرة فهي للبائع إلا أن يشترط المبتاع، وإن لم يتناثر وردها ولم تظهر
الثمرة ولا بعضها فإن الثمرة للمشتري.
176

والضرب الرابع: يخرج الثمرة في كمام مثل الجوز واللوز وغيرهما مما دونه
قشر يواريه إذا ظهر ثمرته فالثمرة للبائع إلا أن يشترطها المبتاع.
والضرب الخامس: ما يقصد ورده مثل شجر الورد والياسمين والنسرين
والبنفسج والنرجس وما أشبه ذلك مما يبقى أصله في الأرض يحمل حملا بعد
حمل، فإذا بيع أصله نظر: فإن كان ورده قد تفتح فهو للبائع، وإن لم يكن تفتح
وإنما هو جنبذ فهو للمشتري.
وإذا باع أصل التوت وقد خرج ورقه فإنه يكون للمشتري على كل حال
تفتح أو لم يتفتح لأن الورق من الشجر بمنزلة الأغصان وليس بثمر.
وإذا باع أرضا وفيها زرع تبقى عروقه وتجز مرة بعد مرة فإن كان مجزوزا
فهو للمشتري وما ينبت يكون في ملكه، وإن لم يكن مجزوزا وكان ظاهرا فالجزة
الأولى للبائع والباقي للمشتري لأنه ينبت في ملكه.
وإذا باع نخلة مؤبرة فقد قلنا: إن الثمرة للبائع والأصل للمشتري.
فإذا ثبت هذا فلا يجب على البائع نقل هذه الثمرة حتى تبلغ أوان الجزاز في
العرف والعادة، وكذلك إذا باع ثمرة منفردة بعد بدو الصلاح منها وجب على
البائع تركها حتى تبلغ أوان الجزاز في العرف والعادة، فإن كان مما يصير رطبا
فهو إلى أن ينتهي نضجه وبلوغه، وإن كان بسرا فلا يعتبر أن يصير رطبا لأن
الجيسوان وما يجري مجراه لا يراعى فيه ذلك، فمتى بلغ أوان الجزاز وسأل
التبقية حتى يأخذ منها أولا فأولا وقال: تركها على الأصل أبقى لها، لم يلزمه
تركها وكان له مطالبته بنقلها، وإذا عطشت الثمرة الباقية على ملك البائع وأراد
سقيها لم يكن للمشتري منعه منه لأن ذلك من صلاح الثمرة، ومؤونة السقي
تكون على البائع، وإذا عطشت الأصول وأراد المشتري أن يسقي الأصول لم
يكن للبائع منعه منه، وتكون مؤونة السقي على المشتري، وإن كان السقي ينفع
أحدهما دون الآخر مثل أن ينفع الأصول ويضر بالثمرة أو يضر بالأصول وينفع
الثمرة وتمانعا فسخ العقد بينهما وقيل: إنه يجبر الممتنع عليه.
177

وإذا جعلنا للبائع سقي ثمرته ومنعنا المشتري من معارضته فإنما له أن يسقي
النخل مقدار ما فيه صلاح الثمرة ولا يزيد عليه، وإن اختلفا في قدر ما فيه صلاح
فقال البائع: في كل خمس أو أقل أو أكثر، وخالفه المشتري رجع إلى أهل
الخبرة فإذا شهد رجلان من أهل الخبرة بقدر من ذلك حملا عليه وقد قلنا: إن
البائع إذا لم يؤبر فالثمرة للمبتاع فإن شرط البائع أن يكون له كان ذلك جائزا.
وإذا باع من رجل حملا ظاهرا من الثمرة مثل التين قبل أن يبدو صلاحه
بشرط القطع أو بعد بدو الصلاح مطلقا فلم يلقطه المشتري حتى اختلط به حمل
آخر للبائع، فإن كان يتميز بالصغر والكبر كان للمشتري البالغ وللبائع
الصغار، وإن كان لا يتميز يفسخ البيع أو يقول البائع: سلمت الجميع إلى
المشتري، أجبر المشتري على قبوله ومضى البيع لأنه زاد فضلا، وإن امتنع
البائع من ذلك فسخ الحاكم البيع لأن المبيع لا يمكن تسليمه لأنه غير متميز.
وإذا باع شجرة تين وعليها تين ظاهر فإن الأصل للمشتري والتين الظاهر
للبائع فإذا لم يلقطه حتى حدث حمل آخر فإن كان يتميز كان الحمل الموجود
حال العقد للبائع والحادث للمشتري، وإن اختلط الحادث بالموجود اختلاطا
لا يتميز فسخ العقد أو يسلم البائع، كما قلناه في المسألة الأولى سواء، وهكذا
القول في الباذنجان في شجرة والبطيخ وغيرهما الحكم فيه على ما قلناه سواء،
وهكذا القول في من باع جزة من قت متى اختلط ما وقع العقد عليه بما يتجدد كان
حكمه كما قلناه، وكذلك لو باع حنطة معينة فانثالت عليها حنطة فله الخيار في
أن يسلم له الزيادة أو يفسخ لاختلاط ما باع بما لم يبع.
وإذا اختلطت الثمرة بعد قطعها وقبضها لم ينفسخ البيع ويكون القول قول
الذي في يده الثمرة في مقدار ما يدعيه لنفسه، وصورته أن يكون المشتري تركها
بعد القبض وديعة عند البائع ثم اختلط فيكون القول قول البائع في مقدار ما
يدعيه مع يمينه، وإن كان البائع ترك الطعام في يد المشتري وديعة عنده
فاختلط كان القول قول المشتري مع يمينه.
178

إذا باع أرضا وفيها بناء وشجر فلا يخلو من أحد أمرين: إما أن يقول: بعتك
هذه الأرض بحقوقها، أو لا يقول: بحقوقها.
فإن قال: بحقوقها، دخل البناء والشجر في البيع وصار الجميع للمشتري
لأن البناء والشجر من حقوق الأرض.
وإن قال: بعتك هذه الأرض، ولم يقل: بحقوقها، فلا يدخل البناء والشجر
في البيع.
وإذا قال: بعتك هذا البستان، دخل فيه الشجر مع الأرض لأن البستان
اسم للأرض والشجر فإن الأرض التي لا شجر فيها لا تسمى بستانا.
وإذا قال: بعتك هذه القرية، فإن اسم القرية يقع على البيوت دون المزارع،
ولا تدخل المزارع في البيع إلا بالتسمية، وإن قال: بحقوقها، لم يدخل أيضا في
البيع لأن المزارع ليست من حقوق القرية فإن كان بين البيوت شجر كان ذلك
داخلا في البيع لأنه من حقوق القرية والبيوت.
إذا باع دارا فإنه يدخل في البيع الأرض والبناء لأن الدار اسم للأرض
والبنيان، وإن كانت فيها نخلة أو شجرة كان أيضا داخلا في البيع لأنه من حقوق
الدار.
وأما البناء فإنه يدخل في البيع جميع ما كان مبنيا من حيطان وسقوف و
درجة معقودة وأبواب منصوبة، وإن كان فيها سلم فإن كان مستمرا دخل في
البيع وكان من جملة البناء، وإن كان غير مستمر وإنما ينقل من مكان إلى مكان
لم يدخل في البيع، وكذلك إن كان فيها باب مقلوع لم يدخل في البيع.
والأوتاد المقررة في الحيطان تدخل في البيع، والرفوف التي عليها إن
كانت أطرافها في البناء أو كانت مستمرة دخلت في البيع وإن كانت على الأوتاد
من غير تسمير ولا بناء لم تدخل في البيع، وإن كان فيها خواني مدفونة دخلت
في البيع لأنها محارزه كالخزائن وإن كانت فيها حجارة مدفونة أو آجر مدفون
ليخرج ويستعمل لم يدخل في البيع، وإن كانت فيها رحى لليد غير مبنية وإنما
179

ينقل من مكان إلى مكان لم يدخل في البيع وإن كانت مبنية دخل السفلاني و
الفوقاني في البيع لأن هكذا تنصب.
والأغلاق تدخل في البيع وكذلك المفتاح، ولا يدخل في البيع الحبل
والدلو والبكرة لأنه يمكن نقله، وبئر الماء يدخل في البيع وكذلك ما فيها من
الآجر واللبن والماء الذي في البئر مملوك لصاحب الدار بدلالة أن له منع الغير
منه، وقد قيل: إنه لا يملك لأن للمستأجر أن يشتريه ويتصرف فيه من غير إذن
صاحب الدار، والأول أقوى وتصرف المستأجر يستباح بعرف العادة.
وإذا ثبت أنه مملوك فلا يصح بيعه لأنه إن باع الجميع فهو مجهول لأن له
مددا وإن باع الموجود منها فذلك لا يمكن تسليمه إلا بأن يختلط بغيره.
وأما العيون المستنبطة فإن قرارها مملوك وماؤها مملوك إلا قدر ما يشرب
منه ويؤخذ منه بمجرى العادة، فأما صرفه من عين إلى عين فلصاحب العين المنع
منه، ويجوز بيع العين أو سهم منها.
وأما المياه التي تجري في الأنهار مثل الفرات والدجلة ونحوها من الأنهار
الكبار والصغار فليست مملوكة لأحد بلا خلاف، لأنها تنبع في المواضع التي
ليست بمملوكة من الجبال والشعاب والصخور وغير ذلك، ومن استقى منها شيئا
وحازه ملكه، وإذا جرى ماء من هذه الأنهار إلى ملك إنسان فلا يملكه إلا
بالحيازة، وكذلك نزول الثلج في أرضه وتوحل الظبي في ملكه وتعشش الطير
في شجره أو بنائه.
وإذا حفر نهرا أو أجرى فيه من هذه الأنهار ماء فالأولى أن نقول: إنه يملكه
لأنه حازه، وقال الفقهاء: إنه لا يملكه لأن للعطشان أن يشرب منه بغير إذن، و
ذلك مستثنى بالعادة.
وأما المعادن التي تظهر في ملكه.
فإن كانت أعينا لمائع مثل النفط والقير وما أشبه ذلك فهو بمنزلة الماء، وقد
قيل: إنه مملوك، ولا يجوز بيع ما ظهر منه إلا أن يفرد ويميز لأنه يختلط بغيره
180

فلا يمكن تسليمه.
وإن كانت معادن الجامدات مثل الذهب والفضة والفيروزج وسائر
الحجارة فإن الجامد من أجزاء الأرض المملوكة مملوك وحكمه حكم الأرض،
ويجوز بيعها مع الأرض وينظر: فإن كان معدن الذهب جاز بيعه بالفضة وبغير
الذهب والفضة، ولا يجوز بيعه بجنسه من الذهب لأنه لا يؤمن أن يؤدي إلى الربا
لأنه لا يمكن معرفة ما فيه من الذهب أو الفضة فيباع بأكثر ويقسط عليه وعلى
الأرض ويجوز بيعه بالفضة، وإن كان المعدن الفضة جاز بيعه بالذهب وبغير
الفضة ولم يجز بيعه بالفضة لما قلناه.
وإذا باع نخلا لم يؤبر فإن الثمرة للمشتري، فإن هلكت الثمرة في يد البائع
قبل التسليم كان للمشتري الخيار إن شاء فسخ البيع لتلف بعض المبيع قبل
التسليم وإن شاء أجاز البيع في الأصول بجميع الثمن أو بحصته من الثمن مخيرا
فيهما.
وإن اشترى عبدا فقطعت يده قبل القبض فالمشتري بالخيار بين فسخ
البيع لنقصان المبيع، وبين إجازته بجميع الثمن لأن الثمن لا ينقسم على
الأطراف وينقسم على الأصل والثمرة في المسألة الأولى.
وإن باع نخلا مؤبرا فالثمرة للبائع على ما مضى، فإن عطشت وانقطع الماء
ولم يتمكن من سقيها وكان تركها على الأصول يضر بها فإن كان قدرا يسيرا
أجبر المشتري عليه، وإن كان كثيرا بأن يخاف على الأصول الجفاف أو نقصان
حملها مستقبلا نقصانا كثيرا فإنه لا يجبره المشتري على القطع لأنه لما دخل في
بيع الأصول منفردا عن الثمرة فقد رضي بما يؤدي الثمرة إليه من الضرر، وقال
قوم: يجبر البائع على نقل الثمرة وتفريع الأصول لأن الثمرة لا تخلو من الضرر
على كل حال تركت أو صرمت.
2 وإذا باع أرضا فيها زرع ظاهر فلا يخلو من أحد أمرين: إما أن يكون مما
يحصد مرة واحدة أو يكون له أصل يبقى في الأرض ويحصده مرة بعد أخرى.
181

فإن كان مما يحصد مرة واحدة مثل الحنطة والشعير وما أشبههما فلا يخلو
البيع من أحد أمرين: إما أن يكون مطلقا أو مقيدا باشتراط الزرع.
فإن كان مطلقا فالزرع للبائع ولا يدخل في البيع لأن اسم الأرض
لا يتناول الزرع، فإذا ثبت أنه للبائع فإنه يبقى في الأرض إلى أوان الحصاد، ولا
يلزمه أجرة المثل للمشتري لأن هذا مستثنى لم يملكه المشتري، فإذا ثبت هذا
وحصد البائع الزرع وهو فصيل ثم أراد الانتفاع بالأرض إلى وقت الحصاد لم
يكن له لأن الذي استحقه تبقية الزرع المخصوص، وإن أخره إلى أوان الحصاد
فإنه يلزمه حصاده في أول وقت الحصاد، ولا يجوز تبقيته بعد ذلك وإن كان
الخير له في تبقيته وتأخيره لأن الواجب إزالة الضرر، فأما التوفير فلا يجب ولا
طلب الخير.
فإذا حصده في أول وقت الحصاد فإن لم تكن عروقه تضر بالأرض فلا
يلزمه نقل العروق، وإن كانت تضر بالأرض مثل عروق القطن والذرة فإنه يلزمه
نقله لأنها للبائع فيلزمه نقلها، فإذا نقل العروق فإن صارت الأرض حفرا لزمه
تسويتها.
وهكذا إذا باع دارا وفيها قماشه لزمه نقله، فإن كان فيها حب كبير لا يخرج
من الباب وجب نقض الباب حتى يخرج الحب ويلزم البائع ما نقص من الباب،
والأولى أن نقول: إنه يلزمه بناؤه.
وإن غصب فصيلا فكبر في داره فجاء صاحبه فطالبه فلم يخرج من الباب
نقض الباب ولم يجب على صاحب الجمل شئ لأن هذا متعد جنى على نفسه ما
دخل عليه من الضرر، وليس كذلك البائع في المسألة الأولى، هذا إذا كان
البيع مطلقا.
فأما إذا باع الأرض مع الزرع فلا يخلو الزرع من أن يكون حشيشا لم
يسنبل أو سنبل واشتد حبه أو سنبل ولم يشتد حبه فهما سواء، ويكون الشرط
صحيحا، ويكون الزرع مع الأرض للمشتري بلا خلاف، وإن كان قد اشتد
182

الحب، فإن كان الحب ظاهرا لا كمام له مثل الشعير والذرة والأرز في كمام
تدخر فيه فهو بمنزلة الظاهر ويجوز بيعه وشرطه منفردا، وإن كان الحب في
كمام لا يدخل فيه كالحنطة في سنبلها فإنه يجوز عندنا أيضا بيعه لأنه لا مانع منه،
وقال قوم: لا يجوز بيعه لأنه غير مرئي ولا موصوف في الذمة، هذا إذا كان الزرع
يحصد مرة واحدة.
فأما إذا كان يحصده مرة بعد أخرى مثل القت، ومن البقول الكراث
والنعناع والسداب والكرفس والهندباء وما أشبه ذلك فإنه ينظر فيه: فإن كان
مجزوزا دخلت العروق في بيع الأرض لأنها من حقوقها، وإن كان نابتا كانت
الجزة الأولى للبائع والباقي للمشتري لأن الجزة الأولى نابتة ظاهرة في الحال فلم
تدخل في البيع إلا بشرط، فإذا ثبت ذلك طولب البائع بجزها في الحال، وليس
له أن يتركها حتى تبلغ أوان الجزاز لأن تركها يؤدي إلى اختلاط حق البائع
بحق المشتري لأن الزيادة التي تحصل للمشتري تنبت على أصوله.
فإذا باع أرضا فيها بذر فلا يخلو من أحد أمرين: إما أن يكون لأصل يبقى
لحمل بعد حمل مثل نواة الشجر وبذر القت وما أشبهه مما يجز دفعة بعد أخرى
فإن كان هكذا فإنه يدخل في البيع لأنه من حقوقه.
وهكذا إذا غرس في الأرض غراسا، وباع الأرض قبل أن ينبت الغراس و
ترسخ عروقه فإنه يدخل في البيع.
وإن كان بذرا لما يحصد مرة واحدة مثل الحنطة والشعير فلا يخلو من
أحد أمرين: إما أن يبيع الأرض مطلقا أو مع البذر.
فإن باع الأرض مطلقا لم يدخل البذر في البيع لأن اسم الأرض لم يتناوله،
وإذا ثبت هذا نظر في المشتري: فإن كان عالما ببذرها لم يكن له الخيار لأنه قد
رضي بضرره ويجب عليه تركه إلى أوان الحصاد، وإن كان جاهلا به كان له
الخيار إن شاء فسخ البيع وإن شاء أجازه، فإن أجازه أخذه بجميع الثمن لأن
النقص الذي في الأرض بترك الزرع إلى الحصاد لا يتقسط عليه الثمن بل هو
183

عيب محض له الخيار بين الرد والإمساك، وإن قال البائع: أنا أنقله، وأمكنه
ذلك في مدة يسيرة ونقله لم يكن للمشتري الخيار لأن العيب قد زال.
وإن اشترى الأرض مع البذر كان البيع صحيحا، وقال الفقهاء: لا يصح
لأنه مجهول.
إذا اشترى نخلة مطلعة ولم يقل للمشتري إنها مؤبرة ولم يعلم بتأبيرها ثم
علم كان له الخيار إن شاء فسخه وإن شاء رضي به، لأنه تفوته ثمرة عامه ولم يعلم
منه الرضا به.
وإذا باع أرضا فيها حجارة فلا تخلو الحجارة من ثلاثة أقسام: إما أن تكون
مخلوقة أو مبنية أو مستودعة للنقل.
فإن كانت مخلوقة في الأرض دخلت في البيع لأنها من أجزاء الأرض،
وعلى هذا المعادن كلها مثل الذهب والفضة تدخل في بيع الأرض ثم لا يخلو
من أحد أمرين: إما أن يضر بالشجر والزرع أو لا يضر بهما.
فإن كانت لا تضر بهما لبعدهما عن وجه الأرض وأن العروق لا تصل إليهما
فالمشتري لا خيار له ولا تكون هذه الحجارة عيبا في الأرض.
وإن كانت تضر بهما أو بأحدهما مثل أن تضر بالشجر لأن عروقها تصل إلى
الحجارة ولا تضر بالزرع لأن عروقها لا تصل إليها، فإن كان المشتري عالما بها
حال العقد لم يكن له خيار لأنه دخل في شرائها راضيا بعيبها، وإن كان جاهلا
بها ثبت له الخيار فإن شاء رضي بها مع عيبها وإن شاء ردها واسترجع الثمن،
فإن رضي وأجاز البيع أخذها بجميع الثمن.
وإن كانت حجارة مبنية مثل أن يكون فيها أساس مبني من حجارة أو آجر
أو دكة مبنية فهذا يدخل أيضا في البيع، وكان الحكم فيها مثل الحجارة المخلوقة
سواء.
وأما القسم الثالث وهو إذا كانت الحجارة مستودعة في الأرض للنقل أو
التحويل إذا احتاج إليها للبناء فإنها لا تدخل في بيع الأرض وتكون باقية على
184

ملك البائع لأن اسم الأرض لم يتناولها.
وعلى هذا إذا كان في الأرض كنز مدفون من الدنانير والدراهم فلا يدخل
في البيع ويكون باقيا على ملك البائع، فإذا ثبت هذا فإن الأرض تكون
للمشتري والحجارة للبائع.
ولا تخلو الأرض من أحد أمرين: إما أن تكون بيضاء أو ذات شجر، فإن
كانت بيضاء لا شجر فيها فلا تخلو من أحد أمرين: إما أن تكون الحجارة مضرة
بالزرع إن زرعها المشتري أو بالغراس إن غرسها أو لا تضر.
فإن كانت تضر بهما أو بأحدهما فإن كان المشتري عالما بالحجارة
وبضررها حال العقد فلا خيار له لأنه رضي بعيبها، وللبائع نقل الحجارة لأنه عين
ماله، وللمشتري مطالبته بنقلها لأن ملكه مشغول بملك البائع ولا عادة في تركه
فكان له المطالبة في الحال بنقلها.
وكذلك إن اشترى دارا وفيها قماش وغلات له المطالبة بنقل جميع
ذلك، وإذا نقلها لزمه تسوية الأرض وردها إلى حالها لأنه حفرها لاستخلاص
ملكه، وأما زمان النقل فلا أجرة لصاحبه وإن كان زمان النقل طويلا إلا أنه إذا
علم بالحجارة أو علم بها ولم يعلم ضررها فقد رضي بضرر الذي يلحقه زمان
النقل، وإن كان جاهلا بالحجارة أو علم بها ولم يعلم ضررها ثم علم بعد ذلك
فهو عيب.
فإن قال البائع: أنا أنقل الحجارة، وكان زمان النقل يسيرا لا تبطل فيه
منفعة الأرض لم يكن للمشتري ردها، لأن العيب يزول بذلك من غير ضرر،
وكذلك إن غصب المبيع من يد البائع فيقول: أنا أنزعه من يد الغاصب في
زمان يسير، لم يكن للمشتري الخيار، وإن كان زمان النقل يتطاول مدة ويفوت
فيها منفعة الأرض كان المشتري بالخيار بين رد الأرض بالعيب وبين رضائه بها
وإجازة البيع، فإن ردها فلا كلام، وإن أجاز البيع أخذ الأرض بجميع الثمن ولا
يلزمه الأجرة، وقيل: إن كان نقل الحجارة قبل تسليم الأرض لا يلزمه الأجرة وإن
185

كان بعد التسليم لزمه أجرة المثل.
وإن كانت الحجارة لا تضر بالأرض لأنها بعيدة من وجه الأرض فلا يصل
إليها عروق الشجر والزرع فإن أراد البائع نقلها كان له.
ومتى كان زمان النقل يسيرا لا يبطل فيه منفعة الأرض لم يكن للمشتري
الخيار، وإن كان زمان النقل طويلا يبطل في مثله منفعة الأرض كان له الخيار
إن شاء أجازه فالحكم في الأجرة على ما تقدم بيانه، وإن أراد البائع تركها فلا
خيار للمشتري لأنه لا ضرر عليه في تركها ولا ينتقل الملك بالتبقية إلى المشتري
لأنه لا دليل عليه، هذا كله إذا كانت الأرض بيضاء لا شجر فيها.
فأما إذا كان فيها شجر فلا يخلو من أحد أمرين: إما أن يكون الشجر كان
موجودا في حال البيع أو أخذ به المشتري بعده.
فإن كان موجودا في حال البيع فلا تخلو الحجارة من أربعة أحوال:
إما أن يكون تركها في الأرض لا يضر بها وقلعها لا يضر بها.
وإما أن يكون تركها وقلعها يضر معا.
وإما أن يكون تركها يضر بالشجر وقلعها لا يضر به.
وإما أن يكون تركها لا يضر وقلعها يضر.
فإن كان تركها وقلعها لا يضر مثل أن تكون بعيدة عن الشجر فلا يبلغ إليها
عروق الشجر والزرع ويكون بين الشجر يمكن قلعها من غير أن يقطع عروق
الشجر فإذا كان هكذا كان الحكم فيه كالحكم في الأرض البيضاء.
إذا كانت الحجارة لا تضر بما يستحدث فيها من الزرع وشجرة وكان قلعها
لا يضر به يكون الحكم ما ذكرناه، وإن كان تركها يضر وقلعها لا يضر فالحكم ما
ذكرناه في الأرض البيضاء.
وإن كان تركها يضر وقلعها يضر فلا يخلو المشتري من أحد أمرين: إما أن
يكون عالما بالحجارة وضررها حال البيع أو لم يكن عالما، فإن كان عالما فلا
خيار له، وللبائع نقل الحجارة وللمشتري المطالبة بنقلها، وليس له أرش النقصان
186

ولا الأجرة لأنه دخل على بصيرة بالضرر ورضاء به، وإن كان جاهلا بالحجارة
أو عالما بها وجاهلا بضررها كان المشتري بالخيار إن شاء ردها وإن شاء
أمسكها، فإن ردها فلا كلام، وإن أمسكها كان للبائع أن ينقل الحجارة
وللمشتري أن يطالبه به، ويكون الكلام في تسوية الأرض والأجرة على ما مضى.
وأما أرش النقص الذي يدخل في الشجر بقطع العروق فلا يجب قبل
القبض وبعده، وفي الناس من قال: إن كان قبل القبض لا يلزم وإن كان بعده
يلزم.
وإن كان تركها لا يضر وقلعها يضر، فإن أراد البائع نقلها كان للمشتري
الخيار لأنه يدخل النقص عليه بقطع عروق الشجر، فإن ترك الحجارة فلا خيار
له لأن الضرر زال ولا يملك الحجارة بذلك، هذا إذا كان الشجر للبائع باعه مع
الأرض.
وإن كان الشجر للمشتري أحدثه بعد شراء الأرض ثم علم بالحجارة فلا
خيار له لأنه علم بالعيب بعد ما تصرف فيه تصرفا نقص قيمتها لأن قيمة الأرض
وفيها شجر أقل من قيمتها وهي بيضاء.
فإن كان الترك والقلع يضران، فللبائع القلع لأنه يأخذ ملكه، وللمشتري
المطالبة بذلك لإزالة ضرر الترك، فإذا قلع فعلى البائع أرش النقص لأن
النقص أدخل في عين المبيع.
وإن كان قلعها يضر وتركها لا يضر، فإن رضي بتركها فلا خيار للمشتري،
وإن أراد قلعها كان ذلك له، وله تسوية الأرض وأرش النقص الداخل في
الشجر، وهو أن ينظر قيمة الشجر قبل القلع وكم قيمته بعد القلع فيلزمه ما
نقص.
فصل: في بيع الثمار:
إذا باع ثمرة مفردة عن الأرض مثل ثمرة النخل والكرم وسائر الفواكه فلا
187

يخلو البيع من أحد أمرين: إما أن يكون قبل بدو الصلاح أو بعده.
فإن كان قبل بدو الصلاح فلا يخلو البيع من أحد أمرين: إما أن يكون سنتين
فصاعدا أو سنة واحدة، فإن كان سنتين فصاعدا فإنه يجوز عندنا خاصة، وإن
كان سنة واحدة فلا يخلو البيع من ثلاثة أقسام: إما أن يبيع بشرط القطع أو
مطلقا أو بشرط التبقية.
فإن باع بشرط القطع في الحال جاز إجماعا، فإن باع بشرط التبقية فلا
يجوز إجماعا، وإن باع مطلقا فلا يجوز عندنا، وفيه خلاف، هذا إذا باع الثمرة
دون الأصول.
فأما إذا باع الثمرة مع الأصول مطلقا صح البيع ولا يحتاج إلى شرط
القطع بلا خلاف، فإن كانت الأصول لواحد والثمرة لآخر فباع الثمرة من
صاحب الأصول لم يصح، كما لا يصح من غيره لعموم الأخبار.
وإن كان البيع بعد بدو الصلاح فإنه جائز، وبدو الصلاح يختلف بحسب
اختلاف الثمار فإن كانت الثمرة مما تحمر أو تسود أو تصفر فبدو الصلاح فيها
الحمرة أو السواد أو الصفرة، وإن كانت مما تبيض فهو أن يتموه وهو أن ينمو فيه
الماء الحلو ويصفر لونه.
وإن كان مما لا يتلون مثل التفاح والبطيخ فبأن يحلو ويطيب أكله، وإن
كان مثل البطيخ فبأن يقع فيه النضج لأن له نضجا كنضج الرطب، وقد روى
أصحابنا أن التلون يعتبر في ثمرة النخل خاصة.
فأما ما يتورد فبدو صلاحه أن ينتثر الورد وينعقد.
وفي الكرم أن ينعقد الحصرم، وإن كان مثل القثاء والخيار الذي لا يتغير
طعمه ولا لونه فإن ذلك يؤكل صغارا فبدو صلاحه فيه أن يتناهى عظم بعضه،
ولا اعتبار بطلوع الثريا على ما روي في بعض الأخبار.
إذا كان في البستان ثمار مختلفة وبدا صلاح بعضه جاز بيع الجميع سواء
كان من جنسه أو من غير جنسه، وإن كان بستانان فبدا صلاح الثمرة في
188

أحدهما ولم يظهر في الآخر لم يجز بيع ما لم يبن صلاحه لأن كل بستان له
حكم نفسه، سواء كان من جنس ما ظهر صلاحه أو من غير جنسه، وفيه
خلاف.
إذا كان في الأرض أصول البطيخ أو القثاء أو الخيار أو الباذنجان وقد حملت
فباع ذلك فلا يخلو من أحد أمرين: إما أن يبيع الحمل الظاهر أو يبيع الأصول
، فإن باع الحمل الظاهر دون الأصول نظر: فإن كان قبل بدو الصلاح فيه لم يجز
بيعه إلا بشرط القطع، فأما بيعه مطلقا أو بشرط التبقية إلى أوان اللقاط فلا يجوز،
وإن كان قد بدا صلاحه جاز بيعه بشرط القطع وبشرط التبقية إلى البلوغ وأوان
اللقاط، ويجوز بيعه مطلقا من غير شرط.
فإذا اشتراه ولقطه فقد استوفى حقه، وإن تركه حتى اختلط بحمل حادث
بعده فإن كان يتميز أخذ الحمل الأول وكان الحادث للبائع، وإن كان لا يتميز
فعلى ضربين: إما أن يقال للبائع: إن سلمت الجميع إلى المشتري، فإن فعل
أجبر المشتري على قبوله ونفذ البيع لأنه زاده زيادة، وإن امتنع البائع فسخ
الحاكم البيع، وإن باع أصولها جاز بيعها كبيع الشجر فإذا ثبت ذلك كانت
الأصول للمشتري والحمل الموجود للبائع، وما بعده من الباطن للمشتري إلا
أن يشترط المشتري الحمل الموجود والثمرة الموجودة إذا باع الأصول.
وإذا كان الحمل للبائع فإن لقطه فقد استوفى حقه، وإن تركه حتى اختلط
بما يحدث بعده اختلاطا لا يتميز فإما أن يسلمه البائع فإنه ينفذ البيع ويجبر
المشتري على الثمن، وإن لم يسلم فسخ البيع، هذا إذا باع الحمل الموجود
أو باع الأصول.
فأما إذا باع الحمل الموجود وما يحدث بعده من الأحمال دون الأصول
جاز البيع عندنا، وعند الفقهاء لا يجوز لأنه مجهول، وهو قوي.
الثمرة على ضربين: ضرب بارز لا كمام عليه، وضرب عليه كمام.
فالبارز الذي لا كمام عليه مثل التفاح والمشمش والسفرجل والخوخ
189

والكمثرى والرطب والعنب والتين وما أشبه ذلك فإنه يجوز بيعه موضوعا على
الأرض وعلى الشجر، منفردا ومع الأصل على ما مضى.
والذي في الكمام فعلى ضربين:
أحدهما: كمامه مصلحة له لحفظه رطوبته وصحته وبقائه، فإذا أخرج منه
أسرع إليه التغيير والفساد، وذلك مثل الجوز في قشره الثاني واللوز في قشره
الثاني، فهذا يجوز بيعه في كمامه، ويكون حكمه حكم البارز الظاهر من الثمرة.
والثاني: كمامه لا مصلحة له فيه مثل القشر الأخضر على اللوز والجوز، فإن
ذلك تركه عليها مفسدة لها، فيجوز أيضا بيعه في هذا القشر موضوعا على
الأرض وعلى الشجر منفردا عن الشجر أو مع الشجر كل ذلك يجوز، وكذلك
يجوز بيع الباقلي الأخضر في القشر الفوقاني.
السنبل على ضربين: ضرب يكون حبه ظاهرا مثل الشعير والذرة، وضرب
يكون حبه في كمامه مثل الحنطة والأرز ويجوز بيع جميعه على كل حال سواء
كان قشره مما يدخر عليه مثل الأرز أو لا يدخر عليه مثل الحنطة قائما في الأرض
ومحصودا ومدوسا مذرا.
يجوز أن يبيع ثمرة بستان ويستثني منها أرطالا معلومة ولا مانع منه، وإن
استثنى ربعه أو ثلثه أو نخلات بأعيانها جاز بلا خلاف، وهو أحوط لأن في الأول
خلافا.
وإن باع ثمرة بستانه إلا نخلة لم يعينها لم يصح لأن ذلك مجهول.
وإذا قال: بعتك قفيزا من هذه الصبرة إلا مكوكا، صح البيع لأن ذلك
معلوم.
وأما إذا قال: بعتك هذا الثوب بدينار إلا درهما، لم يصح لأن الدرهم ليس
من جنس الدينار ولا هو معلوم كم هو منه في الحال.
وإن قال: بعتك هذه الثمرة بأربعة آلاف إلا ما يخص ألفا منها، صح
ويكون المبيع ثلاثة أرباعها لأنه يخص ألفا منها ربعها.
190

وإن قال: بعتك هذه الثمرة بأربعة آلاف إلا ما يساوي ألفا منها بسعر اليوم،
لم يجز لأن ما يساوي ألف درهم من الثمرة لا يدري قدره فيكون مجهولا.
ولا يجوز أن يبيع شاة ويستثني جلدها ولا رأسها ولا أكارعها، ولا فرق بين
أن يكون ذلك في حضر أو سفر، ومتى فعل ذلك كان شريكا بمقدار الرأس أو
الجلد أو ما يستثنيه من الأطراف.
إذا اشترى ثمرة على رؤوس النخل أو الشجر بعد بدو الصلاح أو قبله
بشرط القطع إلا أنه لم يقطعها فأصابتها جائحة فلا يخلو من أحد أمرين: إما أن
يكون قبل التسليم أو بعده.
فإن كان قبل التسليم فإن تلف الجميع بطل البيع ووجب رد الثمن، وإن
تلف البعض انفسخ البيع في التالف ولا ينفسخ في الباقي، ويأخذه بحصته من
الثمن.
وإن كان بعد التسليم - وهو التخلية بينها وبين المشتري - فإنه لا ينفسخ
البيع لأنه لا دليل عليه لا في جميعه ولا في قدر التالف، وإن قلنا: إنه ينفسخ في
مقدار التالف، كان قولا قويا، والأول أحوط.
وأما إذا عجز البائع عن سقي الثمرة وتسليم الماء فإنه يثبت للمشتري الخيار
لعجز البائع عن تسليم بعض ما يتناوله البيع.
إذا تلف المبيع قبل القبض فلا يخلو من أن تكون ثمرة أو غيرها: فإن كان
غير الثمرة مثل الحيوان أو العرض والعقار فلا يخلو من أربعة أحوال: إما أن يتلف
بأمر سماوي أو بإتلاف البائع أو بإتلاف الأجنبي أو بإتلاف المشتري.
فإن كان بأمر سماوي فقد انفسخ البيع لأنه لا يمكنه الإقباض، فعلى هذا إن
كان المشتري لم يسلم الثمن فقد سقط عنه وبرئ منه، وإن كان قد سلمه وجب
على البائع رده عليه.
وأما إذا أتلفه البائع فهو كذلك ينفسخ لما ذكرناه من استحالة التقبيض.
فإذا أتلفه الأجنبي كان المشتري بالخيار بين أن يفسخ البيع ويسترجع من
191

البائع الثمن لما قلناه، وبين أن يجيز البيع ويرجع على الأجنبي بالقيمة لأن
الأجنبي يصح الرجوع عليه بالقيمة، ويكون القبض في القيمة قائما مقام القبض
في المبيع لأنها بدله.
وإذا أتلفه المشتري فإنه يستقر به البيع ويكون إتلافه بمنزلة القبض ولهذا
نقول: إن المشتري إذا أعتق قبل القبض فإنه ينفذ عتقه ويكون ذلك قبضا.
وإن كان المبيع ثمرة فلا يخلو أن تكون مجذوذة موضوعة على الأرض أو
تكون على الأشجار.
فإن كانت موضوعة على الأرض فإن القبض فيها النقل لأنها مما ينقل
ويحول، فإن تلفت قبل النقل فقد تلفت قبل القبض ويكون فيها الأقسام الأربعة
التي قدمنا ذكرها.
وإن كانت على رؤوس الشجر فإن القبض فيه التخلية بينها وبين المشتري،
فإن تلفت قبل التخلية كان فيها الأقسام الأربعة، فإذا تلفت بعد التخلية قبل الجذاذ
يكون تلفها من ضمان المشتري بكل حال لأن بالتخلية صارت مقبوضة، وتلف
المبيع بعد القبض لا يؤثر في البيع بلا خلاف.
بيع المحاقلة والمزابنة محرم بلا خلاف وإن اختلفوا في تأويله.
فعندنا أن المحاقلة بيع السنابل التي انعقد فيها الحب واشتد بحب من ذلك
السنبل، ويجوز بيعه بحب من جنسه على ما روي في بعض الأخبار، والأحوط أن
لا يجوز بحب من جنسه على كل حال لأنه لا يؤمن أن يؤدي إلى الربا.
والمزابنة وهي بيع التمر على رؤوس النخل بتمر منه، فأما بتمر موضوع
على الأرض فلا بأس به، والأحوط أن لا يجوز ذلك لمثل ما قلناه في بيع السنبل
سواء، فأما أن يقول: أضمن لك صبرتك هذه بعشرين صاعا فما زاد فلي وما
نقص فعلي إتمامها، فإنه حرام بلا خلاف، وكذلك إذا قال: عد قثائك أو
بطيخك المجموع فما نقص من مائة فعلي تمامه وما زاد فلي، أو طحن حنطتك
هذه فما زاد على كذا فلي وما نقص فعلي، فذلك حرام بلا خلاف.
192

ويجوز بيع العرايا " وهي جمع عرية " وهو أن يكون لرجل في بستان غيره
نخلة يشق عليه الدخول إليها، يجوز أن يبيعها منه بخرصها تمرا ولا يجوز في غير
ذلك.
وإن كان له نخل متفرق في كل بستان نخلة جاز أن يبيع كل ذلك واحدة
واحدة بخرصها تمرا سواء بلغ الأوساق أو لم يبلغ.
وإن كان لرجل نخلتان عليهما تمرة فخرصاهما تمرا، فإن كانا عريتين صح
بيعهما، وإن لم يكونا عريتين لم يجز لأن نهي النبي صلى الله عليه وآله عن المزابنة
عام في جميع ذلك.
ولا يجوز بيع رطب في رؤوس النخل خرصا برطب موضوع على الأرض
كيلا لأنه من المزابنة.
وإذا أراد الإنسان أن يشتري العرية وجب أن ينظر المتبايعان إلى الثمرة التي
على النخلة وبجزرانها، فإذا عرفا مقدار الرطب إذا جف صار كذا تمرا فيبيع بمثله
من التمر كيلا أو وزنا حسب ما يقع الجزر عليه، ومن شرط صحة البيع أن
يتقابضا قبل التفرق لأن ما فيه الربا لا يجوز التفرق فيه قبل التقابض.
والقبض في التمر الموضوع على الأرض النقل وفي الرطب التخلية، وليس
من شرطه أن يحضر التمر موضوع النخلة لأنهما إذا تعاقدا البيع وخلى البائع بين
المشتري وبين التمرة جاز أن يمضيا إلى موضع التمر ويستوفيه، لأن التفرق إنما
هو بالبدن وذلك لا يحصل إذا انتقلا جميعا عن موضع البيع إلى موضع آخر، و
جملته أنه يراعى شرطان:
أحدهما: المماثلة من طريق الخرص.
والثاني: التقابض قبل التفرق بالبدن.
والعرية لا تكون إلا في النخل خاصة فأما في الكرم وشجر الفواكه فإنه
لا دليل عليه.
وإذا باع صبرة من طعام بصبرة فإن كانتا من جنس واحد نظر: فإن كانا
193

اكتالا وعرفا تساويهما في المقدار جاز البيع، وإن جهلا مقدارهما ولم يشترطا
التساوي لم يجز لأن ما يجري فيه الربا لا يجوز بيع بعضه ببعض جزافا، وإن
قال: بعتك هذه الصبرة بهذه الصبرة كيلا بكيل سواء بسواء، فقال: اشتريت،
فإنهما يكالان، فإن خرجتا سواء جاز البيع، وإن كانت إحديهما أكثر من
الأخرى فإن البيع باطل لأنه ربا.
وأما إذا كانتا من جنسين مختلفين فإن لم يشرطا كيلا بكيل سواء بسواء
فإن البيع صحيح لأن التفاضل جائز في الجنسين، فإن اشترطا أن يكون كيلا
بكيل سواء بسواء فإن خرجتا متساويتين في الكيل جاز البيع، وإن خرجتا
متفاضلتين فإن تبرع صاحب الصبرة الزائدة جاز البيع، وإن امتنع من ذلك و
رضي صاحب الصبرة الناقصة بأن يأخذ بقدرها من الصبرة الزائدة جاز البيع،
وإن تمانعا فسخ البيع بينهما لا لأجل الربا لكن لأن كل واحد منهما باع جميع
صبرته بجميع صبرة صاحبه وعلى أنهما سواء في المقدار، فإذا تفاضلا وتمانعا
وجب فسخ البيع بينهما.
فصل: في حكم بيع ما لم يقبض:
إذا ابتاع شيئا وأراد بيعه قبل قبضه فلا يخلو المبيع من أحد أمرين: إما أن
يكون طعاما أو غيره، فإن كان طعاما لم يجز بيعه حتى يقبضه إجماعا، وأما غير
الطعام من سائر الأموال فإنه يجوز بيعه قبل القبض لأنه لا مانع في الشرع منه.
وأما إذا قبضه فإنه يجوز بيعه بلا خلاف، وكيفية القبض ينظر في المبيع:
فإن كان مما لا ينقل ولا يحول فالقبض فيه التخلية، وذلك مثل العقار
والأرضين، وإن كان مما ينقل ويحول فإن كان مثل الدراهم والدنانير والجوهر
وما يتناول باليد فالقبض فيه هو التناول، وإن كان مثل الحيوان كالعبد والبهيمة
فإن القبض في البهيمة أن يمشي بها إلى مكان آخر وفي العبد يقيمه إلى مكان آخر،
وإن كان اشتراه جزافا كان القبض فيه أن ينقله من مكانه، وإن اشتراه مكايلة
194

فالقبض فيه أن يكيله، هذا كله في كيفية القبض.
فأما القبض الصحيح فضربان:
أحدهما: أن يسلم المبيع باختياره فيصح القبض.
والثاني: أن يكون الثمن مؤجلا أو حالا إلا أن المشتري أوفاه، فإذا قبضه
المشتري بغير اختيار البائع صح القبض، فأما إذا كان الثمن حالا ولم يوفه
الثمن ثم قبض المبيع بغير اختيار البائع لم يصح القبض وكان للبائع مطالبته
برد المبيع إلى يده لأن له حق الحبس والتوثق به إلى أن يستوفي الثمن وهذا في
بيع المبيع قبل القبض وبعده.
فأما إجارته قبل القبض، فإنه يصح أيضا إلا فيما لا يصح بيعه قبل القبض
لأن الإجارة ضرب من البيوع، وكذلك الكتابة تصح لأنها نوع من البيوع إلا
فيما استثنيناه.
وأما الرهن فإنه يصح على كل حال لأنه ملكه فصح منه التصرف، ويجوز
منه تزويج الأمة قبل قبضها ويكون وطء المشتري أو الزوج قبضا، ويجوز للمرأة
بيع الصداق قبل أن تقبضه، ويجوز للرجل أن يبيع مال الخلع قبل قبضه.
وأما الثمن إذا كان معينا فإنه يجوز بيعه قبل قبضه، وإن كان في الذمة
فكذلك يجوز لأنه لا مانع منه ما لم يكن صرفا فإذا كان صرفا فلا يجوز بيعه قبل
القبض.
إذا ورث طعاما أو أوصي له به ومات الموصي وقبل الوصية أو اغتنمه وتعين
عليه ملكه فإنه يجوز له بيعه قبل قبضه.
وإذا أسلم في طعام ثم باعه من آخر لم يصح إلا أن يجعله وكيله في القبض
فإذا قبضه عنه حينئذ كان قبضا عنه.
وإذا أسلم في طعام معلوم واستسلف من رجل مثله فلما حل عليه الطعام
قال لمن أسلم إليه: احضر معي عند من أسلمت إليه فإن لي فيه قفيزا من طعام حل
عليه حتى أكتاله لك، فإنه يجوز له أن يكتاله لنفسه ويقبضه إياه بكيله إذا شاهده،
195

وإن أمره بأن يكتال له من ذلك الغير ووكله فيه فإذا قبضه احتسب به عنه كان
أيضا جائزا، وإن اكتال هو لنفسه منه ووثق به ذلك الغير الذي له عليه كان أيضا
جائزا لأنه لا مانع منه.
وإن قال له: امض إليه واكتل لنفسك، لم يصح لأنه يكون قد باع طعاما
قبل أن يكيله ويحتاج أن يرد ما أخذه على صاحبه ويكتاله إما عن الآمر بقبضه أو
يكتاله الآمر فيصح ثم يقبضه منه إما بكيل مجدد أو يصدقه فيه، وإن اكتاله الآمر
ثم اكتاله المشتري منه كان صحيحا بلا خلاف، وهو الأحوط.
إذا حل عليه الطعام بعقد السلم فدفع إلى المسلم دراهم نظر:
فإن قال: خذها بدل الطعام، لم يجز لأن بيع المسلم فيه لا يجوز قبل
القبض سواء باعه من المسلم إليه أو من الأجنبي إجماعا.
وإن قال: اشتر بها الطعام لنفسك، لم يصح لأن الدراهم باقية على ملك
المسلم إليه فلا يصح أن يشتري بها طعاما لنفسه.
وإن اشترى الطعام نظر: فإن اشتراه بعينها لم يصح البيع، وإن اشتراه في
الذمة ملك الطعام وضمن الدراهم التي عليه لأنها مضمونة عليه فيكون للمسلم إليه
في ذمته دراهم، وله عليه الطعام الذي كان له في ذمته.
وإن قال له: اشتر بها الطعام لي ثم اقبضه لنفسك، صح الشراء لأنه وكيل
في شراء الطعام، وإذا قبضه منه لنفسه فهل يصح أم لا؟ على ما ذكرت في
المسألة التي قبلها.
وإن قال: اشتر لي بها طعاما واقبضه لي ثم اقبضه لنفسك من نفسك، لم
يجز قبضه من نفسه لنفسه لأنه لا يجوز أن يكون وكيلا لغيره في قبض حق نفسه
من نفسه.
إذا كان لرجل على غيره قفيز طعام من جهة السلم والذي عليه الطعام من
جهة السلم له على رجل آخر طعام من جهة القرض، فأحاله على من له عليه من
جهة القرض كان جائزا، وكذلك إن كان الطعام الذي له قرضا والذي عليه
196

سلما كان جائزا لأنه لا مانع منه.
فإن كان الطعامان قرضين يجوز بلا خلاف، وإن كانا سلمين لا يجوز بلا
خلاف، لأن بيع السلم لا يجوز قبل القبض إجماعا لا لعلة، ولا يلحقه فسخ لأن
المسلم فيه إذا انقطع لم ينفسخ السلم ويبقى في الذمة، وله الخيار إما أن يؤخره
إلى القابل أو يفسخ البيع.
إذا كان لإنسان على غيره طعام بكيل معلوم فقبضه منه جزافا من غير كيل
كان القبض فاسدا إجماعا.
وإن قال: قد كلته أنا وهو عشرة أقفزة، فقبل قوله وقبضه، كان القبض
صحيحا، فإذا تقرر هذا نظر في الطعام: فإن كان باقيا وكيل فإن خرج وفق حقه
فقد استوفى حقه، وإن خرج أقل من حقه رجع على صاحبه بتمامه، وإن خرج
أكثر منه رد الزيادة وإن كان قد استهلكه فالقول قوله مع يمينه في قدره، فإن
ادعى قدر حقه فقد سقط حقه عن ذمة من كان عليه، وإن ادعى النقصان فالقول
قوله مع يمينه سواء كان يسيرا أو كثيرا، وأما إن حضر اكتياله ممن اشتراه فأخذ
الكيل الذي أخذه به كان ذلك صحيحا، فإن ادعى النقصان فإن كان يسيرا يقع
مثله في بخس الكيل كان القول قوله مع يمينه، فإن كان كثيرا لا يقع مثله في
بخس الكيل لا يقبل قوله.
والفرق بينهما أن هذا شاهد اكتيال صاحبه من بائعه فلا يقبل قوله إلا في قدر
تفاوت الكيل وليس كذلك في المسألة الأولى لأنه قبض جزافا أو قبل قوله فيما
كاله.
وأما التصرف في الطعام الذي قبضه من غير كيل، فإن باع الجميع نفذ
البيع فيما يتحقق أنه حقه وما يزيد عليه لا ينفذ بيعه فيه، وإن كان قدر المستحق أو
أقل صح ذلك.
إذا كان له على غيره طعام قرضا فأعطاه مالا نظر: فإن كان ما أعطاه طعاما
من جنس ما عليه فهو نفس حقه، وإن كان من جنس آخر فلا يخلو من أحد أمرين:
197

إما أن يكون طعاما أو غيره.
فإن كان طعاما مثل الشعير والذرة والأرز فلا يخلو من أحد أمرين: إما أن
يكون في الذمة أو عينا، فإن كان في الذمة نظر: فإن كان عينه قبل التفرق وقبضه
جاز، وإن فارقه قبل قبضه وتعيينه فلا يجوز لأن ذلك يصير بيع دين بدين، وقد
نهى عليه السلام عن بيع الكالئ بالكالي.
وإن كان غير الطعام مثل الدراهم والدنانير والثياب والحيوان فإنه يجوز،
فإن كان في الذمة ثم قبضه جاز في المجلس، وإن كان في الذمة وفارقه قبل
القبض لم يجز لأنه باع دينا بدين، وإن كان معينا وفارقه قبل القبض فإنه يجوز،
كما إذا باعه طعاما بعينه بثمن في الذمة وافترقا قبل التقابض صح.
إذا كان له في ذمة غير طعام فباعه منه طعاما بعينه ليقبضه منه الطعام الذي
له في ذمته، لم يصح، لأنه شرط قضاء الدين في ذمته من هذا الطعام بعينه وهذا لا
يلزمه، ولا يجوز أن يجبر على الوفاء به، وإذا كان كذلك سقط الشرط وكان
فاسدا لأن الشرط الفاسد إذا اقترن بالبيع فسد البيع، لأن الشرط يحتاج أن يزيد
بقسطه من الثمن وهذا مجهول ففسد البيع، ولو قلنا: يفسد الشرط ويصح البيع،
كان قويا.
إذا باع منه طعاما بعشرة دراهم على أن يقبضه الطعام الذي له عليه أجود منه فإنه لا يصح لأن الجودة لا يجوز أن تكون ثمنا بانفرادها، وإن قضاه أجود
ليبيعه طعاما بعينه بعشرة لم يجز.
إذا باع طعاما بعشرة مؤجلة فلما حل الأجل أخذ بها طعاما جاز إذا أخذ
مثل ما أعطاه، وإن أخذ أكثر لم يجز، وقد روي أنه يجوز على كل حال.
إذا أقرض غيره طعاما بمصر فلقيه بمكة وطالبه به لم يجبر على دفعه لأن
قيمته تختلف، وإن طالبه المستقرض بقبضه منه لم يجبر المقرض على قبضه لأن
عليه في حمله مؤونة وإن تراضيا عليه جاز، وإن طالبه بقيمته بمصر أجبر على دفعها
لأنه يملك ذلك.
198

وكذلك إذا غصب طعاما وأتلفه كان الحكم فيه ما ذكرناه، وإن أسلم إليه
في طعام كان الحكم مثل ذلك إلا في أخذ البدل فإنه لا يجوز لأن بيع المسلم
فيه قبل قبضه لا يجوز.
إذا اشترى صبرة من طعام فوجدها مصبوبة على دكة أو صخرة أو ربوة في
الأرض فهذا غش وخيانة ويثبت للمشتري فيه الخيار إن شاء رضي وإن شاء
فسخ البيع، وعلى مذهبنا البيع باطل لأن ما يكال ويوزن لا يجوز بيعه جزافا.
إذا اشترى من رجل عبدا بثوب وقبض العبد ولم يسلم الثوب فباع العبد
صح بيعه لأنه قبضه وانتقل إليه ضمانه.
وإذا باعه وسلمه إلى المشتري ثم تلف الثوب الذي في يد البائع انفسخ
البيع ولزمه قيمة العبد لبائعه، لأنه لا يقدر على رده بعيبه فهو بمنزلة المستهلك،
وإن باع العبد ولم يسلمه حتى تلف العبد والثوب جميعا في يده بطل البيعان
معا.
إذا اشترى شقصا من دار أو أرض بعبد وقبض الشقص ولم يسلم العبد
كان للشفيع أن يأخذ منه بقيمة العبد، فإن قبضه ثم هلك العبد في يده بطل
البيع ولم تبطل الشفعة في الشقص، ووجب عليه أن يدفع إلى البائع قيمة
الشقص حين قبضه، ووجب على الشفيع للمشتري قيمة العبد حين وقع البيع
عليه لأن ثمن الشقص إذا كان لا مثل له وجب قيمته حين البيع.
إذا اشترى نخلا حائلة ثم أثمرت في يد البائع كانت الثمرة للمشتري، وهي
أمانة في يد البائع، فإن هلكت الثمرة في يد البائع وسلمت الأصول لم يجب عليه
الضمان، وإن هلكت النخيل دون الثمرة انفسخ البيع وسقط الثمن عن المشتري
وكانت الثمرة له لأنه ملكها بغير عوض، وكذلك إذا كان المبيع استفاد مالا في
يد البائع ووجد لقطة أو كنزا ووهب له شئ أو أوصى له به كان ذلك كله
للمشتري.
199

فصل: في بيع المصراة:
المصراة أن يترك حلب الناقة أو البقرة أو الشاة يوما ويومين فيجتمع في
ضرعها لبن كثير، ثم يحملها إلى السوق فإذا نظر المشتري إلى ضرعها رآه كبيرا
ولبنها غزيرا، فيظن أنه لبنها في كل يوم فيزيد في ثمنها، فإذا حلبها ونقص لبنها
ووقف على التصرية، كان بالخيار إن شاء ردها وإن شاء رضي بها، وإذا ردها
ردها مع صاع من تمر عوضا عن اللبن.
وسميت مصراة لجمع اللبن في ضرعها يقال: صرى الماء في الحوض
والطعام في السوق والماء في الظهر إذا لم يتزوج، وسميت الصراة بهذا الاسم
لاجتماع الماء فيها، وتسمى أيضا محفلة - والتحفيل هو الجمع - وتسمى مجامع
الناس محافل.
وتكون مدة الخيار ثلاثة أيام مثلها في سائر الحيوان، وعوض اللبن التمر أو
صاع من البر لنص النبي صلى الله عليه وآله، فإن تعذر وجبت قيمته وإن أتى على
قيمة الشاة، ولا اعتبار بفضل الأقوات، وسائر البلاد في هذا الباب بمنزلة المدينة،
ويلزم قيمتها ولا يلزم قيمة المدينة لأنه لا دليل عليه.
وإذا كان لبن التصرية باقيا لم يشرب منه شيئا فأراد رده مع الشاة لم يجبر
البائع عليه، وإن قلنا: إنه يجبر عليه لأنه عين ماله، كان قويا، والتصرية في البقرة
بمنزلتها في الإبل والشاة، والتصرية في الجارية لا تصح لأنه لا دليل عليه وحملها
على البقرة والناقة والشاة قياس.
وإذا صرى أتانا لم يكن له حكم التصرية لمثل ذلك لا لأجل نجاسة لبنها لأن لبنها طاهر عندنا.
وإذا اشترى شاة مصراة مع العلم بالتصرية لم يكن له الخيار لمكان التصرية.
وإذا اشترى شاة وهي مصراة فثبت لبنها وصار لبن العادة بتغير المرعى زال
الخيار لأن العيب قد زال، فإن رضيها المشتري وحلبها زمانا ثم أصاب بها عيبا
200

غير التصرية فله ردها بالعيب، ويرد صاعا من تمر أو بر بدل لبن التصرية، ولا يرد
اللبن الحادث لأن النبي صلى الله عليه وآله قضى أن الخراج بالضمان.
وإذا باع شاة غير مصراة وحلبها أياما ثم وجد بها عيبا فأراد ردها نظر: فإن
اشتراها محلوبة لا لبن في ضرعها كان له ردها وما حل من اللبن في ضرعها له ولا
شئ عليه لأنه حدث في ملكه، وإن كان في ضرعها لبن نظر: فإن كان قد
استهلك لم يجز له ردها لأن بعض المبيع قد تلف وله المطالبة بالأرش، وإن
كان قائما لم يستهلك كان له ردها، وقيل: ليس له ردها لأنه تصرف في اللبن
بالحلب.
وإذا حدث في بعض الصفقة عند المشتري عيب لم يجز له الرد ورجع
بالأرش، والعيب الحادث في اللبن ما ذكرته وهو أنه إن تصرف فيه بالحلب
فليس له الرد، وقيل: إن له الرد لأنه لم يستهلكه، وفي الناس من قال: إذا
استهلك اللبن جاز له رد الشاة ولا يرد شيئا بدل اللبن وليس بشئ.
فصل: في أن الخراج بالضمان:
إذا كان لرجل مال فيه عيب فأراد بيعه وجب عليه أن يبين للمشتري عيبه و
لا يكتمه أو يتبرأ إليه من العيوب، والأول أحوط، فإن لم يبينه واشتراه إنسان
فوجد به عيبا كان المشتري بالخيار إن شاء رضي به وإن شاء رده بالعيب
واسترجع الثمن. فإن اختار فسخ البيع ورد المبيع نظر: فإن لم يكن حصل من
جهة المبيع نماء رده واسترجع ثمنه، وإن كان حصل نماء وفائدة فلا يخلو: من
أن يكون كسبا من جهته أو نتاجا وثمرة.
فإن كان كسبا مثل أن يكتسب بعلمه أو تجارته أو يوهب له شئ أو يصطاد
شيئا أو يحتطب أو يحتش فإنه يرد المعيب ولا يرد الكسب بلا خلاف، لقوله صلى الله عليه وآله
: الخراج بالضمان.
فالخراج اسم للغلة والفائدة التي تحصل من جهة المبيع، ويقال للعبد الذي
201

ضرب عليه مقدار من الكسب في كل يوم أو في كل شهر: عبد مخارج.
وقوله صلى الله عليه وآله: الخراج بالضمان، معناه أن الخراج لمن يكون
المال يتلف من ملكه ولما كان المبيع يتلف من ملك المشتري لأن الضمان
انتقل إليه بالقبض كان الخراج له.
فأما النتاج والثمرة فإنهما أيضا للمشتري، وإن حصل من المبيع نماء قبل
القبض كان ذلك للبائع إذا أراد الرد بالعيب لأن ضمانه على البائع لظاهر
الخبر.
ومتى نقصت الأمة بالولادة لم يكن له ردها على البائع ورجع بالأرش
للعيب، لأنه إذا أحدث بالمبيع عند المشتري عيب ووجد به عيبا كان عند
البائع لم يجز له رده لأنه لا يمكنه رده كما أخذه من البائع وله الأرش، هذا إذا
اشترى بهيمة حائلا فحملت عند المشتري وولدت.
فأما إذا اشتراها حاملا ثم ولدت ثم وجد بها عيبا كان عند البائع فإنه يردها
ويرد الولد معها لأن الولد له قسط من الثمن.
إذا اشترى جارية حائلا فولدت في ملك المشتري عبدا مملوكا ثم وجد
بالأم عيبا فإنه يرد الأم دون الولد، مثل ما قلناه في البهيمة سواء.
وإذا اشترى أمة فوطئها ثم ظهر لها بعد ذلك عيب، لم يكن له ردها وكان
له الأرش سواء كانت بكرا أو ثيبا، وطريق ذلك أن تقوم الجارية صحيحة، فإذا
كانت تساوي ألفا ثم قومت معيبة فإذا قيل: تسعمائة، فقد علمنا أنه نقص عشر
قيمتها فيرجع بعشر ثمنها، وإنما قلنا يرجع بما نقص من الثمن دون القيمة لأنه لو
رجع بما نقص من القيمة لأدى إلى أن يجتمع للمشتري الثمن والمثمن جميعا،
وهو إذا اشترى رجل من رجل جارية تساوي ألفي درهم بألف درهم ووجد بها
عيبا نقص نصف قيمتها وهو ألف درهم، وحدث عنده عيب آخر يمنع من ردها
فإنه لو رجع بما نقص من العيب من القيمة لوجب أن يرجع نصف " الألفين "
درهم فيحصل عنده الثمن وهو ألف درهم والمثمن وهذا لا يجوز، ويخالف ذلك
202

إذا غصب جارية فافتضها فإنه يلزمه ما نقص من قيمتها إجماعا لأنه لا يؤدي إلى
اجتماع البدل والمبدل.
وإذا وجد المشتري عيبا حدث في يد البائع بعد البيع كان بالخيار بين
الرد والإمساك، كما إذا كان العيب موجودا حال البيع فإن فسخ البيع ورده
واسترجع الثمن فقد استوفى حقه، وإن أمسكه ورضي بعيبه فقد لزمه البيع و
يسقط الخيار.
وإن قال المشتري: أنا أجيز البيع مع أرش العيب، لم يجبر البائع على
بذل الأرش، فإذا تراضيا البائع والمشتري على الأرش كان جائزا، فإذا أجازه
سقط الخيار وثبت الأرش على البائع وسقط خيار الرد.
إذا عفا الشفيع عن الشفعة بعوض شرطه على المشتري لم يملك العوض
وإن قبضه رده، ولا يسقط حقه في الشفعة لأنه لا دليل عليه ولأنه أسقط حقه بشرط
أن يسلم له العوض فإذا لم يسلم له العوض رجع إلى حقه، وقال قوم: إنه سقط
لأنه عفا عن حقه وأسقطه.
إذا اشترى نفسان عبدا ووجدا به عيبا كان لهما الرد والإمساك، فإن أراد
أحدهما الرد والآخر الإمساك لم يكن لمن أراد الرد أن يرد حتى يتفقا، هذا إذا
اشترياه بصفقة واحدة.
فأما إذا اشترى أحدهما نصف العبد بعقد، واشترى الآخر النصف الآخر
بعقد آخر ثم وجدا به عيبا كان لكل واحد منهما رد نصيبه بالعيب إجماعا.
وإذا اشترى عبدين صفقة واحدة ووجد بأحدهما عيبا لم يكن له رد المعيب
دون الصحيح وله ردهما معا.
وإذا قال واحد لاثنين: بعتكما هذا العبد بكذا، فقال أحدهما: قبلت نصفه
بنصف ما قال من الثمن، لم ينعقد العقد لأنه غير مطابق لإيجابه.
وإن قال واحد لرجلين: بعتكما هذين العبدين بألف، فقبل أحدهما أحد
العبدين بخمسمائة لم يجز إجماعا، وفي الأول خلاف.
203

والفرق بينهما أنه إذا قال: بعتكما هذين العبدين بألف، فإنما أوجب لكل
واحد منهما نصف كل واحد من العبدين، فإذا قبل أحد العبدين فقد قبل ما لم
يوجبه وبثمن لا يقتضيه إيجابه لأن الثمن ينقسم على قدر قيمة العبدين ولا يقابل
نصف الثمن أحدهما.
فإن قال: قبلت نصف كل واحد منهما بنصف الثمن، كان مثل المسألة
الأولى سواء.
وإن قال: قد قبلت نصف أحد العبدين بحصته من الثمن، لم يصح إجماعا
لأن حصته مجهولة.
وإن قال واحد لرجلين: بعتكما هذين العبدين بألف درهم هذا العبد منك
وهذا العبد الآخر منك، فقبله أحدهما بخمسمائة لم يصح لأنه قبله بثمن لم يوجب
له لأن الألف مقسومة على قدر القيمتين لا على عددهما وهو إجماع.
وإن قال لرجل: بعتك هذين العبدين بألف درهم، فقال: قبلت البيع،
صح وإن جهل ما يقابل كل واحد من العبدين من الألف لأن ذلك صفقة
واحدة والثمن في الجملة معلوم.
وإذا باعهما من رجلين كان ذلك صفقتين، ويجب أن يكون الثمن معلوما
في كل واحد منهما.
وأما إذا قال: بعتكما هذين العبدين هذا العبد منك بخمسمائة وهذا العبد
الآخر منك بخمسمائة، صح لأنه قد حصل ثمن كل واحد منهما معلوما.
وإذا قال: بعتك هذين العبدين بألف، فقال: قبلت نصفي هذين العبدين
بخمسمائة، لم يصح لمثل ما قلناه.
وإذا وكل رجلان رجلا في شراء عبد فاشتراه من رجل نظر: فإن بين
للبائع أنه يشتريه لموكليه فإن الشراء يقع لهما والملك ينتقل إليهما، ولا يجوز
لأحدهما رد نصيبه كما قلناه في اثنين.
إذا اشتريا عبدا ووجدا به عيبا فلا يكون لأحدهما رد نصيبه، وفي هذه
204

خلاف، وإن لم يبين ذلك واشترى منه مطلقا ثم وجد به عيبا وأراد رد نصيبه لم
يكن له بلا خلاف، لأن قوله لا يقبل بعد البيع أنه اشتراه لهما، والظاهر أنه اشتراه
له صفقة واحدة.
وإذا اشترى جارية فالبيع لا يصح حتى ينظر إلى شعرها، لأنه مقصود و
يختلف الثمن باختلاف لونه من السواد والبياض والشقرة والجعودة والسبوطة،
فإذا نظر المشتري إلى شعرها فوجده جعدا فاشتراها فلما كان بعد أيام صار سبطا
وتبين أن البائع دلس فيه كان له الخيار لأنه عيب، وكذلك إذا بيض وجهها
بالطلاء ثم أسمر أو أحمر خديها بالدمام - وهو الكلكون - ثم أصفر كان له
الخيار لمثل ذلك، وإن قلنا: ليس له الخيار لأنه لا دليل في الشرع على كونه عيبا
يوجب الرد، كان قويا.
وأما إذا أسلم في جارية جعدة فسلم إليه سبطة كان له ردها لأنها دون ما
أسلم فيه لا لأنه عيب، وإن أسلم في جارية سبطة فسلم إليه جعدة كان له الرد لأنها
بخلاف ما شرط، وقال قوم: ليس له الرد لأنها خير مما شرط.
وإذا اشترى جارية ولم يشترط بكارتها ولا ثيوبتها فخرجت بكرا أو ثيبا لم
يكن له الخيار لأنه لم يشترط إحدى الصفتين.
وإن شرط أن تكون بكرا فخرجت ثيبا، روى أصحابنا أنه ليس له الخيار وله
الأرش.
وإن شرط أن تكون ثيبا فخرجت بكرا لم يكن له الخيار، وفي الناس من
قال: له الخيار، وإنما قلنا ذلك لأنه لا دليل عليه.
إذا اشترى عبدا مطلقا فخرج كافرا أو مسلما لم يكن له الخيار لأنه لم يشرط
أحد الأمرين.
وإن شرط أن يكون مسلما فخرج كافرا كان له الخيار لأنه بخلاف ما
شرطه.
وإن شرط أن يكون كافرا فخرج مسلما كان له الخيار عند قوم، والأولى أن
205

لا يكون له الخيار لقوله عليه السلام: الإسلام يعلو ولا يعلى عليه.
إذا اشترى عبدا مطلقا فخرج فحلا لم يكن له الخيار، وإن خرج خصيا كان
له الخيار لأن مطلق العبد يقتضي سلامة الأعضاء في الأطراف.
وإن شرط أن يكون خصيا فخرج فحلا ثبت له الخيار لأنه بخلاف الشرط.
وإذا اشترى جارية أو غلاما فوجدهما زانيين لم يثبت له الخيار لأنه لا دليل
عليه، فإذا وجدهما أبخرين فمثل ذلك، وقال قوم: له الخيار، وقال قوم: إن كان
بالجارية عيب ثبت له الخيار وإن كان بالغلام فلا خيار له.
إذا وجد العبد مخنثا أو سارقا أو آبقا كان له الخيار إجماعا.
وإن وجد العبد أو الجارية غير مختونين لم يكن له الخيار لأنه لا دليل عليه
سواء كانا صغيرين أو كبيرين، فأما إذا كان بهما جنون أو برص أو جذام كان له
الرد بلا خلاف، وروى أصحابنا أن هذه الأحداث يرد منها إذا ظهرت بعد البيع
ولو كان إلى سنة.
إذا اشترى من غيره شيئا وباعه وعلم به عيبا فلا يخلو من أحد أمرين: إما أن
يعلم بالعيب قبل أن يبيعه أو يعلم به بعد البيع.
فإن علم العيب قبل البيع فإن ذلك يكون رضا بالعيب لأنه تصرف فيه، فإذا ثبت
هذا فإن العلقة قد انقطعت بين البائع والمشتري، وينظر في المشتري
الثاني: فإن علم بالعيب ورده عليه لم يكن له رده على بائعه، وإن حدث عنده
عيب ورجع بأرش العيب عليه لم يكن له أن يرجع بأرش العيب على بائعه لأنه
قد رضي بالعيب.
وأما إن باعه قبل العلم بالعيب ثم علمه فإنه لا يمكنه الرد لزوال ملكه، ولا
يجب أيضا له الأرش لأنه لم ييأس من رده على البائع، فإذا ثبت هذا فلا يخلو
المشتري الثاني من ثلاثة أحوال: إما أن يرده على المشتري الأول بالعيب أو
يحدث عنده عيب فيرجع على المشتري الأول بأرش العيب أو يرضى بالعيب،
فإن رده على المشتري الأول واسترجع الثمن فإن المشتري الأول يرده على
206

البائع أيضا ويأخذ الثمن، وإن رجع عليه بأرش العيب رجع هذا على بائعه
بأرش العيب، وإن رضي بالعيب سقط رده والرجوع بأرش العيب، وأما
المشتري الأول فإنه لا يرجع بأرش العيب لأنه لا دليل عليه، وهو إجماع.
ثم لا يخلو المبيع من أحد أمرين: إما أن يرجع إلى المشتري الأول ببيع
أو هبة أو إرث أو لا يرجع ذلك بل يعرض فيه ما يسقط الرد بالعيب.
فإن رجع إليه ببيع أو هبة أو إرث كان له رده على بائعه، وإن عرض ما
يسقط رده وهو أن يهلك في يد المشتري الثاني أو يحدث فيه عيب أو يعتقه إن
كان عبدا أو يقفه إن كان غير ذلك، فإذا كان كذلك فإنه يرجع بأرش العيب
لأنه آيس من الرد، هذا كله إذا باعه.
وأما إذا وهبه ثم علم بالعيب فليس له الرجوع لأنه لم ييأس من الرد لأنه
يمكن أن يرجع فيه فيرده على بائعه، فإن رجع إليه بهبة أو بيع أو إرث فإنه يجوز
له رده على بائعه.
وإذا اشترى عبدا فأبق منه، فإن كان الإباق كان به قبل البيع فإنه عيب
يوجب الرد لكن المشتري لا يمكنه رده ما دام آبقا، ولا يجوز له الرجوع بأرش
العيب لأنه لم ييأس من رده، فإن رجع الآبق رده على بائعه، وإن لم يرجع
وهلك في الإباق رجع على البائع بأرش العيب، وأما إذا لم يكن الإباق موجودا
قبل البيع فإنه حادث في يد المشتري فلا يجب له الرد والرجوع بأرش عيبه.
إذا اشترى عبدا فوجد به عيبا مثل البرص أو غير ذلك ثم أبق العبد قبل أن
يرده على بائعه نظر: فإن كان الإباق كان عند البائع فإنه لا يمكن رده في الحال
ولا يرجع بأرش العيب، فإن رجع العبد إليه رده وإن هلك في الإباق رجع
بأرش العيب، وإن كان الإباق حادثا فإنه قد حدث به عيب عنده فلا يجوز له
رده وله أن يرجع بأرش العيب في الحال.
إذا اشترى عبدا فأعتقه أو وقفه أو قتله أو مات حتف أنفه ثم علم بعيبه رجع
بأرش العيب عليه، وهكذا إذا اشترى طعاما فأكله ثم علم أنه كان به عيب رجع
207

بالأرش، وكذلك إذا اشترى ثوبا فقطعه أو صبغه ثم أصاب به عيبا كان له
الأرش.
وأما إذا باع بعضها ثم وجد بها عيبا فلا يخلو من أحد أمرين: إما أن يكون
عينا واحدة أو عينين، فإن كان عينا واحدة فإنه لا يجوز له رد النصف الذي باعه
لأنه زال ملكه ولا رد النصف الذي في ملكه لأن فيه إفساد المبيع على صاحبه
بتبعيض الصفقة والشركة، ولا يجوز أن يرجع بالأرش لأنه لم ييأس من رد
الجميع، وإن كان عينين لم يكن أيضا له الرجوع لأن في ذلك أيضا تبعيض
الصفقة وذلك لا يجوز.
إذا اشترى شيئا وقبضه ثم وجد به عيبا كان عند البائع وحدث عنده عيب
آخر لم يكن له رده إلا أن يرضى البائع بأن يقبلها ناقصة فيكون له ردها، ولا
يكون له أن يرجع بأرش العيب عند الفقهاء وكذلك عندي، وقيل: إن له
الأرش لأن أرش العيب كان ثابتا له وإنما سقط حكم الرد بحدوث العيب عنده،
فلما رضي البائع باسترجاعه لم يسقط حق الأرش لأنه يحتاج إلى دليل، وإن
امتنع البائع من قبوله معيبا كان للمشتري حق الأرش بلا خلاف، وقد بينا
كيفية الأرش وهو أن يقوم المبيع صحيحا ومعيبا وينظر كم نقص من أجزاء
القيمة فينقص بمقداره من أجزاء الثمن، ويعتبر التقويم في أقل الحالين قيمة من
وقت العقد ووقت القبض.
إذا باع عبدا وقطع طرف من أطرافه عند المشتري ثم وجد به عيبا قديما
سقط حكم الرد إجماعا ووجب الأرش.
إذا باع عبدين أو ثوبين أو غيرهما ووجد بأحدهما عيبا لم يكن له رد
المعيب دون الصحيح، وله الخيار بين رد الجميع وبين أرش المعيب، وفيه
خلاف، فأما إذا كان المبيع مصراعي الباب أو زوجي الخف فوجد بأحدهما عيبا
لم يكن له رد المعيب بلا خلاف.
وكذلك إذا اشترى كرين من طعام أو سائر ما يتساوى أجزاؤه لم يكن رد
208

المعيب دون الصحيح بلا خلاف.
فأما إذا اشترى عبدين وشرط في أحدهما الخيار أكثر من الثلاث كان له
الفسخ في الشرط الذي شرط فيه الخيار ولم يثبت له في الآخر.
إذا اشترى عبدين ووجد بهما عيبا إلا أنه مات أحدهما لم يكن له رد الباقي
وكان له الأرش لأن رد الجميع لا يمكنه.
إذا اشترى من غيره إبريقا من فضة وزنه مائة درهم بمائة درهم ووجد به
عيبا وحدث في يده عيب آخر فإنه لا يجوز له رده لحدوث العيب فيه عنده، ولا
يجوز له الرجوع بالأرش لأنه ينقص الثمن عن وزنه فيكون ربا، ولا يجوز إسقاط
حكم العيب لأن ذلك لا يجوز.
فإذا ثبت ذلك فقد قيل: إنه يفسخ البيع ويغرم المشتري قيمة الإبريق من
الذهب ولا يجوز رده على البائع لحدوث العيب عنده فيه ويكون بمنزلة التالف،
وقيل أيضا: يفسخ البيع ويرد الإبريق على البائع مع أرش النقصان الذي
حصل في يد المشتري ويكون ذلك بمنزلة المأخوذ على طريق السوم.
إذا حدث فيه النقص فإنه يجب رده مع أرش النقصان، وإن كان الإبريق
تالفا فسخ البيع ويرد قيمته ذهبا، وتلفه لا يمنع من فسخ البيع.
إذا أراد المشتري أن يرد المبيع بالعيب جاز له فسخ البيع في غيبة البائع
وحضرته قبل القبض وبعده.
إذا اختلف البائع والمشتري في العيب فلا يخلو من ثلاثة أقسام: إما أن
يكون العيب لا يجوز أن يكون حادثا في يد المشتري مثل أن يكون إصبعا زائدة
أو قطع إصبع قد اندمل موضعه وقد اشتراه من يومه أو من أمسه، ولا يجوز أن
تبرأ الجراحة في مثله فيكون القول قول المشتري من غير يمين.
وإن كانت الجراحة طرية وقد اشتراه من سنة ولا يجوز أن تكون الجراحة
من سنة فالقول قول البائع من غير يمين.
وإن أمكن حدوثه عند البائع وعند المشتري واختلفا فالقول قول البائع مع
209

يمينه، وعلى المشتري البينة لأن الأصل سلامته من العيب والأصل لزوم العقد،
والمشتري يدعي حدوث العيب في يد البائع ويدعي ما يفسخ به البيع فيكون
عليه البينة.
فإذا ثبت هذا، فإذا ادعى المشتري أنه باعه السلعة وبها عيب نظر في جواب
البائع، فإن قال: لا يستحق الرد علي بهذا العيب، كان جوابا صحيحا ووجب على
الحاكم استماع ذلك منه وإحلافه على ذلك، وإن قال: بعته بريئا من هذا
العيب، جاز أن يحلفه بالله لا يستحق رده عليه لأنه قد يبيعه وبه العيب ثم يسقط
الرد بالرضا بالعيب، فلو أراد الحاكم أن يحلفه " والله لقد باعه بريئا من هذا
العيب " لم يمكنه أن يحلف على هذا الوجه، فإذا نكل عن اليمين رده عليه فيكون
قد ظلمه، وقد قيل: إن له أن يحلفه بالله لقد بعته بريئا من هذا العيب، لأنه لما
أجاب بهذا دل على أنه يمكنه أن يحلف على هذا الوجه.
وهكذا إذا ادعى رجل على رجل مالا في يده وقال للحاكم: إنه غصبه من
يدي وأنا مطالب برده علي، فإن أجاب بأنه لا يستحق ذلك كان جوابا صحيحا
وأحلفه الحاكم عليه، وإن أجاب بأني ما غصبته كان الجواب صحيحا، ويجوز أن
يحلفه ما غصبه أو لا يستحق رده عليه على الوجهين معا، فإذا ثبت هذا فإنه يحلفه
والله لقد أقبضته وما به هذا العيب، لأن ما يحدث بعد البيع وقبل التسليم
مضمون عليه ويستحق المشتري رده بالعيب عليه، هذا إذا ادعى المشتري هكذا.
فأما إذا ادعى أنه باعه وبه هذا العيب وأجاب البائع أنه باعه بريئا حلفه
الحاكم على حسب الدعوى.
وأما إذا ادعى أنه أقبضه فإنه يحلفه على الإقباض دون البيع، وإن شاء له أن
يحتاط له في الإحلاف أحلفه على ما قدمناه من أنه أقبضه وما به هذا العيب،
واليمين يكون على البت والقطع دون العلم فإن الأيمان كلها أربع: يمين على
إثبات فعل الغير، وعلى نفي فعل الغير، وعلى إثبات فعل نفسه، وعلى نفي فعل
نفسه، وكلها على القطع والبت، إلا يمينا واحدة فإنها على العلم وهي اليمين على
210

نفي فعل الغير.
إذا باع من غيره شيئا مما يكون مأكولة في جوفه كالبيض والجوز واللوز
وكسره المشتري فوجده فاسدا فلا يخلو من أحد أمرين:
إما أن لا يكون لفاسده قيمة مثل بيض الدجاج، فإن كان هكذا فالبيع
باطل لأنه لا يجوز بيع ما لا قيمة له، وعلى هذا لا يجوز بيع الحشرات مثل
الخنافس والديدان والجعلان وبنات وردان والذباب وغير ذلك، ومن أتلفه فلا
ضمان عليه لأنه لا قيمة له.
وإن كان لفاسده قيمة مثل بيض النعامة والجوز واللوز والبطيخ والرمان
نظر فيه: فإن كان لم يزد في كسره على القدر الذي يستعلم به العيب ولا يمكن
أن يعلم بما دونه - مثل أن يكون ثقب الرمان فعرف حموضته وثقب البطيخ
فعرف حموضته أو قطعه قطعا يسيرا عرف به أنه مدود لأن التدويد لا يمكن
معرفته بالثقب - فإن كان هكذا لا يجوز رده، وقد قيل: إن له رده، والأول أقوى
لأنه تصرف في المبيع، ويجب له الأرش، وقد بينا كيفية الأرش وهو ما بين قيمته
صحيحا وقشره صحيح، وبين كونه فاسدا وقشره صحيح، فما يثبت يرجع
بمقداره من الثمن ولا يقوم مكسورا لأن الكسر نقص حصل في يده.
إذا اشترى ثوبا فنشر ووجد به عيبا فإن كان النشر لا ينقصه من الثمن فإنه
يرده بالعيب، وإن كان النشر ينقصه مثل الشاهجاني المطوي على طاقين الذي
يلتزق أحدهما بالآخر فيتكسر بالنشر فإنه يبطل الرد وله الأرش بالعيب.
إذا جنى عبد فباعه مولاه بغير إذن المجني عليه فإن كانت جناية توجب
القصاص فلا يصح بيعه.
وإن كانت جناية توجب الأرش صح بيعه إذا تطوع السيد بالتزام أرش
الجناية.
وأما إذا كان العبد مرهونا وجنى، بيع في الجناية إذا كانت توجب أرشا،
ويبطل الرهن وينتقل ما على الرهن إلى الذمة، فإذا ثبت ما قلناه من أنه يبطل بيعه
211

فيما يوجب القصاص فإنه يرده ويسترجع الثمن وتبقى الحكومة بين المجني عليه
وبين سيد العبد الجاني وينظر: فإن كانت الجناية عمدا توجب القصاص فاقتصه
منه فقد استوفى حقه، وإن عفا على مال أو كانت الجناية توجب مالا فإن المال
يتعلق برقبة العبد، والمولى بالخيار إن شاء سلمه المبيع وإن شاء فداه من ماله.
فإن سلمه المبيع فبيع نظر: فإن كان الثمن مثل أرش الجناية دفع إلى
المجني عليه، وإن كان أقل منه فلا يلزم السيد غيره لأن الأرش لم يثبت في ذمة
المولى ولا يتعلق بسائر ماله، وإن كان أكثر من الأرش فإن الفاضل يرد على
المولى.
وإن اختار أن يفديه فبكم يفديه؟ ينظر: فإن كانت الجناية أقل من قيمته لزمه
أرش الجناية، وإن كانت أكثر من رقبته لم يلزمه أكثر من ذلك، وقد روي أنه
يلزمه جميع الأرش أو يسلم العبد.
وينبغي أن نقول فيما يوجب الأرش أن يبيعه إياه بعد ذلك دلالة على التزام
المال في ذمته، ويلزمه أقل الأمرين: إما الأرش إن كان أقل من قيمة
العبد، أو قيمة العبد إن كانت الجناية أكثر من قيمته.
وإن كانت الجناية عمدا توجب القصاص فإن اختار ولي الدم وعفا عن
القصاص كان للحكم كما ذكرناه، وإن طالب بالقصاص قتله ونظر: فإن كان
ذلك قبل تسليمه إلى المشتري فقد انفسخ البيع لأن المبيع قد هلك قبل
القبض وفات التسليم المستحق بالعقد، وإن كان بعد القبض فإنه يرجع
بجميع الثمن لأن هذا القتل وجب في ملك البائع فلم يمنع من فسخ البيع
ورده.
وفي الناس من قال: يرجع بأرش العيب وهو أن يقوم وهو غير جان ويقوم
وهو جان جناية توجب القصاص فيما ينقص من أجزاء الثمن يرجع بقدره من
أجزاء القيمة، مثل المريض الذي لا يعلم بمرضه، والأول أصح.
إذ غصب عبدا من غيره فجنى في يد الغاصب جناية توجب القصاص ثم رد
212

الغاصب العبد على مولاه فقتل قصاصا كان لمولاه أن يرجع بقيمة العبد على
الغاصب لأنه قتل بجناية حدثت في يده.
وكذلك إذا اشترى أمة حاملا ولم يعلم بحملها فماتت من الطلق رجع
بأرش العيب لأنها ماتت من أوجاع الطلق وهي حادثة في يد المشتري.
وإذا كان العبد مرتدا فقتل بردته فإنه يرجع على البائع لأنه قتل بردة
كانت عند البائع، هذا إذا لم يعلم بجنايته ثم علم بعد
الشراء فأما إذا علم قبل الشراء ثم اشتراه مع علمه بجنايته فليس له رده
لأن ذلك رضا منه بالعيب.
وإذا اشترى عبدا وقد استحق قطع يده قصاصا أو سرقة ولم يعلم به
المشتري فقطعت يده في يد المشتري، فإنه يكون له الخيار إن شاء رده وفسخ
البيع لأن القطع وجب في ملكه، فإن رده رجع بجميع الثمن، وإن علم ذلك
قبل الشراء لم يرجع بشئ لأنه رضي بالعيب.
العبد لا يملك شيئا سواء كان قنا أو مدبرا أو بعضه حرا فإن ما بقي منه
مملوكا يملك وما تحرر منه ملك بحسابه.
وأم الولد حكمها مثل ذلك، فإن ملكه سيده شيئا ملك التصرف فيه ولا
يملك الرقبة، فإذا ثبت ذلك فمتى التقط شيئا أو احتش أو وجد كنزا فالكل
لسيده، وإن أباح له أن يطأ بملك اليمين جاز وإن لم يبح له لم يجز، وإن أوصى
له بشئ كانت الوصية باطلة.
وإذا ملك أربعين شاة فحال عليه الحول كانت الزكاة على سيده.
وإذا باعه وله مال فإن شرط أن يكون المال للمشتري صح وإن لم يشرط
كان للمولى، وروي أنه إن علم أن له مالا كان للمشتري وإن لم يعلم كان للسيد،
وقال بعض أصحابنا: إنه يملك فاضل الضريبة وأروش الجنايات التي تصاب في
بدنه، ولا خلاف بينهم أنه لا يلزمه الزكاة ولا الإطعام في الكفارات، ومتى باعه
سيده وفي يده مال وشرط أن يكون للمبتاع صح البيع.
إذا كان المال معلوما وانتفى عنه الربا فإن كان معه مائة درهم فباعه بمائة
213

درهم لم يصح، وإن باعه بمائة ودرهم صح.
وإن كان ماله دينا فباعه معه صح البيع لأن بيع الدين جائز عندنا.
وإذا باع عبدا قد ملكه ألفا بخمسمائة صح البيع على قول من يقول: إنه
يملك.
ولو باع ألفا بخمسمائة لم يصح لأنه ربا.
والفرق بينهما أنه إذا باع العبد فإنما يبيع رقبته مع بقاء ما ملكه عليه فصح
ذلك، ولم يصح بيع الألف بخمسمائة، ولو باعه مطلقا ولم يشرط المال زال ما
ملكه عن العبد وعاد إلى سيده.
فأما إذا اشترى عبدا وله مال بشرط أن يكون للمبتاع فقبضه فأصاب به عيبا
لم يخل من أحد أمرين: إما أن يعلم بالعيب بعد أن حدث به عنده نقص أو لم
يحدث به، فإن كان بعد أن حدث به نقص وعيب لم يكن له الرد ويرجع
بالأرش، والأرش أن يقوم عبد ذو مال لا عيب فيه وعبد ذو مال به العيب الأول
فيرجع بما بين القيمتين بالحصة من الثمن، وإن علم بالعيب وما حدث به عنده
عيب ولا نقص كان له رده والمال معه.
من باع شيئا فيه عيب لم يبينه فعل محضورا وكان المشتري بالخيار بين
الرضا به وإمضاء العقد، وبين رده وفسخ العقد.
بيع العصير لمن يجعله خمرا مطلقا مكروه وليس بفاسد، وبيعه لمن يعلم أنه
يجعله خمرا حرام ولا يبطل البيع لما روي عنه عليه السلام أنه لعن الخمر
وبائعها، وكذلك الحكم في من يبيع شيئا يعصي الله به من قتل مؤمن أو قطع
طريق وما أشبه ذلك.
من اشترى من إنسان ماله فإن كان ما هو حلال فالبيع حلال طلق، وإن
كان ما هو حرام فالبيع باطل لأنه يشتري ما لا يملكه، وإن كان مختلطا لا تمييز
له فالبيع صحيح وهو مكروه.
البراءة من العيوب صحيحة ويصح معها العقد سواء كان العيب معلوما أو
214

مجهولا باطنا كان أو ظاهرا، بحيوان كان أو بغيره، فأما إذا لم يبرأ من العيب ثم
ظهر على عيب يوجب الرد كان له الرد في أي شئ كان، وعلى هذا إذا اشترى
ما تحته كامن مثل الجوز واللوز والفستق وما أشبه ذلك من البيض والبطيخ
بالبراءة من العيوب صح.
وإن اشترى مطلقا وخرج معيبا كان له رده أو المطالبة بالأرش.
فإن اشترى ثوبا فعلم بالعيب بعد قطع الثوب كان له الأرش دون الرد، إلا
أن يشاء البائع أن يقبله بالعيبين معا فيكون المشتري بالخيار بين إمساكه بغير
أرش أو رده، فإن علم بالعيب بعد أن يصبغه كان له الرجوع بالأرش إلا أن يشاء
البائع أن يقبله مصبوغا، ويضمن قيمة الصبغ فيكون المشتري بالخيار بين
إمساكه بغير أرش أو رده ويأخذ قيمة الصبغ.
إذا اشترى ثوبا فقطعه وباعه ثم علم بالعيب، أو صبغه ثم باعه ثم علم
بالعيب فليس له المطالبة بالأرش إلا أن يختار البائع رد قيمة الصبغ أو أجرة
الخياطة.
إذا كان المبيع بهيمة فأصاب بها عيبا فله ردها، فإذا كان في طريق الرد
جاز له ركوبها وعلفها وسقيها وحلبها وأخذ لبنها، وإن نتجت كان له نتاجها، كل
هذا له لأنه ملكه فله فائدته وعليه مؤونته، والرد لا يسقط لأنه إنما يسقط بالرضا
بالعيب أو ترك الرد بعد العلم به أو بأن يحدث به عيب عنده، وليس هاهنا شئ
من ذلك.
إذا وكل وكيلا في بيع عبد له فباعه فأصاب المشتري به عيبا فرده على
الوكيل، فهل للوكيل رده على موكله؟ فيه أربع مسائل:
إحداها: رده بعيب لا يحدث مثله عند المشتري كالإصبع الزائدة فله رده على الموكل لأنه رده
على الوكيل بغير اختياره.
الثانية: أصاب المشتري به عيبا يحدث مثله وقد لا يحدث فأقام البينة أنه كان
به قبل القبض فله رده على الوكيل، وللوكيل رده على الموكل لأنه عاد إليه بغير
215

اختياره.
الثالثة: المسألة بحالها، لم يكن للمشتري بينة فادعى على الوكيل أنه كان به
عيب قبل القبض فصدقه الوكيل فيه فرده عليه لم يكن للوكيل رده على الموكل
لأنه عاد إليه باختياره.
الرابعة: المسألة بحالها، أنكر الوكيل أن يكون العيب به قبل القبض فالقول
قوله، فإن حلف سقط الرد، فإن نكل رددنا اليمين على المشتري فإن حلف رده
على الوكيل، فإذا رد عليه لم يكن له رده على الموكل لأنه عاد إليه باختياره.
إذا ادعى زيد عبدا في يد عمرو فأقام البينة أنه له اشتراه من عمرو فأقام عمرو
البينة أنه له وأنه هو الذي اشتراه من زيد، فالبينة بينة الخارج وهو زيد لقوله عليه
السلام: البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه، وهاهنا المدعى عليه عمرو
لأن العبد في يده.
إذا اشترى نفسان من رجل عبدا صفقة واحدة ثم غاب أحد المشتريين من
قبل القبض وقبل دفع الثمن فللحاضر أن يقبض قدر حقه ويعطي ما يخصه من
الثمن، وله أن يدفع كل الثمن نصفه عنه ونصفه عن شريكه، فإذا فعل فإنما له
قبض نصيبه دون نصيب شريكه فإذا عاد شريكه كان له قبض نصيبه من البائع،
وليس لشريكه أن يرجع عليه بما قضى عنه من الثمن لأنه قضى عنه دينه بغير أمره
فلم يكن له الرجوع عليه لأنه لا دليل عليه.
الاستبراء في الجارية واجب على البائع والمشتري معا، والاستبراء يكون
بقرء واحد وهو الطهر، ولا يجوز للمشتري وطؤها قبل الاستبراء في الفرج ولا في
غيره ولا لمسها بشهوة ولا قبلتها، ويلزم الاستبراء المشتري بعد قبضها، ولا يعتد
بما قبل ذلك وتكون زمان الاستبراء عنده سواء كانت حسناء أو قبيحة، ولا يلزم
أن يكون عند غيره فإن جعل ذلك عند من يثق به كان جائزا.
وإن اشتراها وهي حائض فطهرت جاز له أن يعتد بذلك الحيض، ويكفيها
ذلك، ومتى باعها بشرط المواضعة لم يبطل البيع، وإن باعها مطلقا ثم اتفقا على
216

المواضعة جاز أيضا، فإن هلكت أو عابت نظر: فإن كان المشتري قبضها ثم
جعلت عند عدل فالعدل وكيل المشتري ويده كيده إن هلكت فمن ضمان
المشتري، وإن عابت فلا خيار له، فإن كان البائع سلمها إلى العدل قبل القبض
فهلكت في يده بطل البيع، وإن عابت كان المشتري بالخيار.
إذا سلمها إلى المشتري فإن قال للبائع: أعطني ضمينا بالثمن لئلا تظهر
حاملا فيكون البيع باطلا وعليك رد الثمن، لم يجب على البائع ذلك لأنه
لا دليل عليه سواء كان البائع مقيما أو راحلا في الحال موسرا أو معسرا صالحا أو
فاسقا.
وينبغي إذا أراد الاستظهار أن يشرط ذلك في حال العقد قبل انعقاده.
فصل: في بيع المرابحة وأحكامها:
يكره بيع المرابحة بالنسيئة إلى أصل المال وليس بحرام، مثل أن يقول:
بعتك بربح عشرة واحدا أو بربح " ده يازده " أو " ده دوازده "، فإن باع
كذلك كان العقد صحيحا، ولا بد أن يكون رأس ماله معلوما، وقدر ما يربح
معلوما.
فإن كان أحدهما - إما رأس المال أو الربح - مجهولا كان البيع باطلا
مثل أن يقول: بعتك بربح عشرة، ولا يذكر رأس المال، أو يقول: رأس المال
كذا والربح ما يتفق عليه، فإن ذلك كله يبطل.
والمبيع لا يخلو من ثلاثة أحوال: إما أن يشتريه المشتري ولا يعمل به شيئا أو
يعمل فيه غيره أو هو.
فإن لم يعمل أحد فيه شيئا أو اشتراه بمائة صح أن يخبر بما هو عليه بإحدى
أربع عبارات فيقول: اشتريت بمائة أو رأس مالي فيه مائة أو يقوم
علي بمائة أو هو علي بمائة، أي هذا أخبر به صح لأنه صادق في جميعها،
فإذا قال واحدة منها مثلا أن يقول: بعتكه في التقدير بمائة يقوم علي وربح
درهم على كل عشرة كان الثمن كله مائة وعشرة.
217

وإن كان قد عمل غيره فيه شيئا لزمته مؤونة ذلك، مثل أن قصره أو قطعه
أو خاطه إن كان مقطوعا أو رفاه فيلزمه عليه عشرة وكان اشتراه بتسعين صح أن
يخبر بإحدى عبارتين يقول: يقوم علي بمائة أو هو علي بمائة، ولا يصح أن يخبر
بالعبارتين الأخريين فيقول: اشتريته بمائة أو رأس مالي فيه مائة، لأنه كذب، وقيل
إنه يجوز أن يقول: رأس مالي، لأنه عبارة عما لزمه عليه.
وإن كان قد عمل فيه البائع مثل أن اشتراه بتسعين وعمله عليه بنفسه ما
أجرته عشرة لم يصح أن يخبر بشئ من العبارات الأربع لأن عمله على ماله
لا يقابله ربح ولا يقوم عليه.
والوجه أن يقول: اشتريته بتسعين أو رأس مالي فيه تسعون أو يقوم علي
بتسعين أو هو علي بتسعين لكني عملت فيه عملا قيمته عشرة وبعتكه بمائة وربح
على كل عشرة درهم، فإن هذا يصح وإن كان مكروها على ما قلناه.
فإن اشترى ثوبا بمائة ثم باعه ثم اشتراه بخمسين، فإذا أراد بيعه مرابحة لم
يحل له أن يخبر إلا بما اشتراه ثانيا لأنه هو الثمن الذي ملكه به، والملك الأول
بالثمن الأول قد زال فصار مالكا بهذا الثمن فلا يجوز أن يخبر بغيره.
فإن اشترى ثوبا بخمسين فباعه من غلام دكانه الحر ثم اشتراه بمائة، جاز له
عند بيع المرابحة أن يخبر بالثمن الثاني لأن الشراء من غلامه صحيح فهو الثمن
الذي يملكه به الآن، وليس هذا مكروها، بلى البيع الأول من غلامه إذا اعتقد أن
الغلام يبيعه عند التبايع من صاحبه كان مكروها، ولو شرط هذا في العقد كان
باطلا بأن يقول: بعتك بشرط أن تبيعني، فهذا باطل.
ومتى باعه مرابحة والأمر على ما قلناه كان هذا غشا وخيانة وللمشتري
الخيار فيه إذا علم.
إذا اشترى سلعة إلى سنة بألف ثم باعها مرابحة في الحال ثم علم المشتري
أنه باعه إلى سنة كان بالخيار بين أن يأخذه بالثمن حالا وبين أن يرده بالعيب لأن
218

ذلك تدليس، والعقد ليس بفاسد بل هو صحيح بلا خلاف.
إذا قال: بعتكها بمائة ووضيعة درهم من كل عشرة، كان الثمن تسعين
درهما وإن قال: بوضيعة درهم من كل أحد عشر، كان الثمن تسعين درهما
ودرهما إلا جزء من أحد عشر جزء من درهم.
وإن قال: بعتكها بمائة مواضعة العشرة درهما، فهي مثل الأولى، وهي مسألة
الخلاف، فيكون الثمن تسعين درهما.
وإن قال: هذا رأس ماله مائة وبعتك بربح كل عشرة واحدة، فقال: اشتريته،
ثم قال: غلطت اشتريته بتسعين، كان البيع صحيحا ولزمه من الثمن
تسعة وتسعون درهما وقيل: إن المشتري بالخيار بين أن يأخذه بمائة وعشرة
وبين أن يرده لأن نقصان الثمن عما قال عيب له أن يرده به، فإن اختار الرد فلا
كلام، وإن اختار الإمساك فلا خيار للبائع ولزمه الثمن المسمى في العقد وهي
مائة وعشرة، ولا خيار للبائع، وعلى القول الأول الأولى أن يقال: لا خيار
للمشتري لأنه نقصه من ثمنه، وقيل: إن له الخيار لأن هذا خيانة فلا يؤمن أن يكون
في القول الذي رجع إليه خائنا، وقد قيل أيضا: إنه إن بان ذلك بقول البائع لزم
المشتري تسعة وتسعون درهما، وإن قامت به البينة فللمشتري الخيار على كل
حال.
ومتى اختار الرد في هذه المسألة فإنما يكون ذلك ما دامت السلعة قائمة،
فإذا هلكت أو تصرف فيها لم يكن له الرد وله الرجوع بالنقصان.
وإذا قال: اشتريته بمائة وبعتك بربح عشرة واحدة، ثم قال: أخطات
اشتريت بأكثر من ذلك، لم يقبل قوله وكان البيع الأول صحيحا.
فإن أقام البينة على أنه أخطأ وأن شراءه كان أكثر لم تقبل بينته لأنه كذبها
بالقول الأول، ولا يلزم المشتري اليمين أنه لا يعلم أنه اشتراه بأكثر من ذلك لأنه
لا دليل عليه، فإن قال: وكيلي كان اشتراه بمائة وعشرة، وأقام بذلك بينة قبل
منه، وإن قلنا: إنه لا تقبل منه لأنه كذبها بالقول الأول، كان قويا.
219

ومتى كان المبيع جارية فولدت أو ماشية فنتجت أو شجرة فأثمرت وأراد
المشتري بيعها مرابحة كان عليه أن يخبر بما اشتراها به، ولا يطرح قيمة الفائدة
لأنها تجددت في ملكه، فأما إن كان المبيع شجرة مثمرة فأكل الثمرة فأراد البيع
مرابحة فإنه يضع الثمرة حصتها من الثمن ويخبر عن حصة الشجر من الثمن لأن
الثمرة يتبعه تناولها العقد وأخذت قسطا من الثمن.
فإن اشترى عبدا بمائة فأصاب به عيبا بعد أن نقص عنده ورجع بأرش
العيب على البائع وكان الأرش عشر الثمن فاستقر الثمن عليه تسعون درهما، فإذا
أراد بيعه مرابحة فلا يجوز أن يخبر بمائة.
وإن كان قد اشتراه بذلك لأنه قد ذهب عشر الثمن ففيه خيانة، ولا يجوز له
أيضا أن يقول إنه اشتراه بتسعين لأنه اشتراه بمائة فإخباره بتسعين كذب.
والوجه أن يقول: رأس مالي فيه تسعون أو هو علي تسعين أو قام علي
بتسعين.
فإن اشترى عبدا فجنى جناية تعلق أرشها برقبته ففداه سيده وأراد بيعه
مرابحة لم يجز أن يضم الفدية إلى ثمنه لأنه إنما فداه لاستبقاء ملكه، فإن جني على
العبد فأخذ السيد أرشه ثم أراد بيعه مرابحة لا يلزمه حط الأرش من ثمنه إلا أن
تكون الجناية نقصت من ثمنه فيلزمه أن يخبر بحاله.
فإن اشترى عبدا بمائة فحط البائع عشرة من الثمن فأراد بيعه مرابحة، فإن
كان الحط قبل لزوم العقد مثل أن يكون في مدة الخيار فالحط يلحق العقد فيلزمه
أن يحط عنه، وإن كان الحط بعد لزوم العقد كان هبة مجددة للمشتري والثمن
ما عقد عليه.
فإن اشترى ثوبا بعشرة ثم باعه بخمسة عشر ثم اشتراها بعشرة فقد ربح
بخمسة، فإذا أراد بيعه مرابحة أخبر بالثمن الثاني وهو عشرة ولم يجب عليه أن
يخبر بدونه.
إذا باع رجل من رجل عبدا بمائة ثم تقابضا كان له أن يشتريه من المشتري
220

بما يتفقان عليه من الثمن كما يشتريه من أجنبي نقدا ونسيئة بزيادة ونقصان كيف
شاء بلا خلاف فيه، وإن قبض المشتري العبد ولم يقبض البائع الثمن فإن له أن
يشتريه منه أيضا بأي ثمن شاء نقدا ونسيئة، على كراهية فيه، وفيها خلاف.
إذا اشترى سلعتين صفقة واحدة لم يجز أن يبيع أحدهما مرابحة بتقويمه إلا
أن يبين ذلك.
فصل: في تفريق الصفقة واختلاف المتبايعين:
إذا باع شيئين صفقة واحدة أحدهما ينفذ فيه بيعه والآخر لا ينفذ فيه بطل
فيما لا ينفذ وصح فيما ينفذ، سواء كان أحدهما مالا والآخر غير مال، ولا حكم في
المال، مثل أن باع خلا وخمرا أو حرا وعبدا أو شاة وخنزيرا أو كان أحدهما ماله
والآخر مال الغير أو باع عبده وعبدا موقوفا أو أم ولده مع بقاء ولدها الباب
واحد.
ومعنى تفريق الصفقة أنه إذا بطل في أحدهما لم يبطل في الآخر، وقولهم:
لا يفرق، أي إذا بطل في أحدهما بطل في الآخر، وإذا قلنا على ما قلنا بتفريق
الصفقة يقسط الثمن على أجزائهما ككرين من طعام وصاعين من دهن، أو كان
الذي بطل فيه البيع مشاعا مثل أن باعه دارا نصفها له ونصفها لغيره، ولا فصل
بين أن يكون مما يدخله العوض أو لا يدخله.
وإذا وهب عبدين وكان أحدهما له أو تزوج امرأتين فبانت إحديهما أخته
ففي كل هذا يبطل فيما يبطل ولا يبطل في الآخر، والمشتري بالخيار بين أن
يمسكه أو يرده، فإن اختار الرد فلا كلام، وإن اختار الإمساك فبكم يمسك؟
بكل الثمن أو بحصته؟ فالأحوط أن نقول: يأخذه بحصته من الثمن أو يرد لأن
الثمن يتقسط عليهما، ومتى اختار أن يمسك بكل الثمن فلا خيار للبائع، وإن
اختار إمساكه بما يخصه من الثمن فالأولى أن نقول: لا خيار له أيضا، وإن قلنا: له
الخيار، كان قويا.
221

وإذا قلنا: إنه يمسك بما يتقسط عليه من الثمن، فما يتقسط على القيمة
كالعبدين والثوبين قسط عليهما، وما يتقسط على الأجزاء كالحبوب والأدهان
فإنه يمسكه بحصته.
وإذا باع ثمرة فيها الزكاة فالبيع في قدر الزكاة باطل وفيما عداه صحيح،
ويمسكه المشتري بحصته من الثمن أو يرد والثمن يتقسط على الأجزاء، هذا إذا
باع معلومين.
فأما إذا باع مجهولا ومعلوما بطل البيع فيهما لأنه لا يمكن التوصل إلى
الحصة لجهالة الآخر، فلا يمكن التوصل إلى ما سقط في مقابلته فلهذا بطل، هذا
كله إذا كان البطلان مقارنا للعقد.
فأما إذا بطل في أحدهما بعد العقد وقبل القبض، مثل أن باع عبدين فمات
أحدهما بعد العقد وقبل القبض بطل في الميت ولا يبطل في الحي، وليس هاهنا
جهالة الثمن لأن الثمن كان معلوما فيمكن تقسيطه على العبدين، وإذا ثبت أنه
يبطل في الميت دون الحي فالمشتري بالخيار بين أن يمسكه أو يرده، فإن رده فلا
كلام وإن أمسك أمسك بالحصة من الثمن فإن رد فلا كلام، وإن أمسك فليس
للبائع خيار على ما مضى القول فيه.
إذا اختلف المتبايعان في الثمن فالقول قول البائع مع يمينه مع بقاء السلعة،
ومع تلفها فالقول قول المشتري مع يمينه، وإذا اختلفا في قدر الثمن فقال: بعتني
هذين العبدين بألف، وقال: بل بعتك هذا العبد بألف، فالقول قول البائع مع
يمينه لعموم قولهم عليهم السلام: إذا اختلف المتبايعان فالقول قول البائع، وفي
الناس من قال: يتحالفان وينفسخ العقد.
وإذا اختلفا في شرط يلحق بالعقد يختلف لأجله الثمن، مثل أن يقول: بعتك
هذا العبد بألف وهذا العبد نقدا، فقال: بل إلى سنة، أو قال: إلى سنة، فقال: بل
إلى سنتين، فلا فصل بين أن يختلفا في أصل الأجل أو في قدره.
وهكذا الخيار إذا اختلفا في أصل الأجل أو في قدره، وهكذا إذا اختلفا في
222

الرهن إذا اختلفا في أصله أو في قدره، وكذلك في الضمينين إذا اختلفا في أصله،
وكذلك الشهادة، وهكذا في ضمان العهدة وهو أن يضمن عن البائع فمتى وقع
الاختلاف في شئ من هذا فالقول قول البائع مع يمينه.
وكيفية يمينه أن يحلف أنه باعه بما ادعاه أو بأنه لم يبعه بما ذكره المشتري،
وكذلك في باقي الأوصاف والشروط.
فإذا حلف البائع على ما ادعاه لزم المشتري تسليم الثمن الذي حلف عليه
إليه، فإن أبي أجبرناه عليه لقول النبي عليه وآله أفضل الصلاة السلام: من حلف
فليصدق ومن حلف له فليرض.
وإذا اختلف ورثة المتبايعين في الثمن والمثمن بعد موتهما كان القول قول
ورثة المشتري في الثمن وقول ورثة البائع في المثمن مع اليمين.
وإذا حلف المشتري مع تلف السلعة لم يلزم أكثر من تسليم الثمن إلى البائع رضي
البائع أو لم يرض، هذا إذا كان الخلاف فيما لو تصادقا فيه صح
البيع.
فأما إذا كان الاختلاف فيما لو تصادقا فيه أفضي إلى بطلان البيع مثل أن يدعي
أحدهما ما يفسده والآخر ينفيه فقال أحدهما: بعتك بخنزير أو شاة ميتة، وقال
الآخر: بل بذهب أو فضة، فالقول قول من ينفي ما يفسد البيع لأن العقد إذا وقع
فالظاهر أنه على الصحة حتى يعلم فساده.
وكذلك إن اختلفا فقال البائع: تفرقنا عن فسخ، وقال المشتري: عن
تراض، فالقول قول من يدعي الإبرام، والفسخ يحتاج إلى دليل لأن العقد متفق
على حصوله.
ومتى قال البائع: بعتك هذا العبد بألف، فأنكر المشتري وقال: بل بعتني
هذه الجارية بألف، فهاهنا دعويان في عينين: إحديهما دعوى البائع أنه باعه العبد
فعليه البينة أو على المنكر اليمين، والأخرى دعوى المشتري أن البائع باعه
الجارية فعليه البينة أو على البائع اليمين.
223

فإذا حلفا لم يخل العبد من أحد أمرين: إما أن يكون في يد المشتري أو في
يد البائع، فإن كان في يد المشتري لم يكن للبائع أخذه منه لأنه لا يدعيه، وإن
كان في يد البائع لم يجب على المشتري قبوله ولا قبضه من يد البائع لأنه أنكر
شراءه وحلف عليه، هذا إذا لم يكن بينة.
فإن كان مع كل واحد منهما بينة بما يدعيه، فالمشتري يدعي أنه اشترى
الجارية بألف وأقام البينة بذلك بقبض الجارية من البائع فلا كلام، والبائع
يدعي أنه باعه العبد بألف وأقام البينة بذلك، فإن كانت الجارية في يد المشتري
أقرت به في يده لأنه قد ثبت بالبينة أنها ملكه، وإن كانت في يد البائع لا يجبر
المشتري على ذلك لأن البائع لو لم تكن له بينة وحلف المشتري ما اشتراها لم
يجبر المشتري على قبضها، وعلى البائع أن يسلمها إلى الحاكم فمتى اعترف
المشتري بها قبضها، ويحتاط الحاكم في بابها فإن رأى بيعها وحفظ ثمنها أصلح
فعل، وإن رأى أن ينفق عليها من كسبها فعل.
إذا اتفقا في الثمن وكان مبيعا بثمن في الذمة وقال كل واحد منهما: لا أسلم
المبيع حتى أتسلم، فقال البائع: لا أسلم المبيع حتى آخذ الثمن، وقال المشتري:
لا أسلم الثمن حتى أتسلم المبيع، فالأولى أن يقال: على الحاكم أن يجبر البائع
على تسليم المبيع ثم يجبر بعد ذلك المشتري على تسليم الثمن لأن الثمن تابع
للمبيع، وإذا كان بيع عين بعين فالحكم أيضا مثل ذلك سواء، هذا إذا كان كل
واحد منهما باذلا.
فأما إن كان أحدهما غير باذل أصلا وقال: لا أسلم ما علي، أجبره الحاكم
على البذل، فإذا حصل البذل حصل الخلاف في أيهما يدفع؟ على ما بيناه، هذا
إذا كان المشتري موسرا قادرا على إحضار الثمن، فإن كان معسرا كان للبائع
الفسخ والرجوع إلى عين ماله كالمفلس فإن كان موسرا بثمن المبيع وأحضر
الثمن في الحال سلمه إلى البائع، وإن كان غائبا منع من التصرف في هذه السلعة
في غيرها من ماله إذا كان حاضرا معه حتى يسلم الثمن، وإن كان ماله غائبا عنه
224

احتيط على السلعة فحسب، فإن تأخر فللبائع فسخ البيع والرجوع في عين ماله
إذا تلف المبيع، أي سلعة كانت قبل القبض بطل العقد ووجب رد الثمن إن
كان قد قبض.
إذا باعه عبدا بيعا فاسدا وتقابضا فأكل البائع الثمن وفلس كان عليه رده
ويكون أسوة للغرماء لأنه قبضه على أنه ملكه، فإذا لم يكن ملكا له فعليه رده إلى
مالكه.
إذا قال لرجل: بع عبدك هذا من فلان بخمسمائة على أن علي خمسمائة،
كان صحيحا لقوله عليه السلام: المؤمنون عند شروطهم.
وإذا قال: بع عبدك منه بألف على أن علي خمسمائة، وسبق الشرط العقد
ثم عقد البيع مطلقا عن الشرط لزم البيع، ولا يلزم الضامن شئ لأنه ضمان ما لم
يجب، وإن قارن العقد فقال: بعتك بألف على أن فلانا ضامن بخمسمائة، صح
البيع بشرط الضمان، فإن ضمن فلان ذلك له مضى، وإن لم يضمن كان البائع
بالخيار لأنه لم يصح له الضمان.
إذا اشترى جارية بشرط أن لا خسارة عليه أو بشرط أن لا يبيعها أو لا يعتقها أو
لا يطأها ونحو ذلك كان البيع صحيحا والشرط باطلا.
الشرط في البيع على أربعة أضرب:
شرط يوافق مقتضى العقد فهو تأكيد للعقد.
وشرط تتعلق به مصلحة العقد للمتعاقدين مثل الأجل والخيار والرهن
والضمين والشهادة فهذا جائز.
وشرط لا تتعلق به مصلحة العقد لكنه بني على التغليب والسراية مثل شرط
العتق فهذا جائز والعقد جائز إجماعا.
وشرط لا تتعلق به مصلحة العقد ولم يبن على التغليب والسراية، فهذا شرط
باطل إلا أنه لا يبطل العقد لأنه لا دليل عليه، وقال قوم: إن الشرط إذا كان فاسدا
225

فسد البيع لجهالة الثمن في المبيع، لأنه لا يخلو من أن يكون الشرط يقتضي
الزيادة في الثمن أو النقصان منه، فإن كان يقتضي الزيادة في الثمن فإذا سقط
الشرط يجب أن يسقط ذلك القدر من الثمن وذلك مجهول، وإن كان يقتضي
النقصان فإذا سقط وجب أن يضاف ذلك القدر إلى الثمن وصير الثمن مجهولا
لأن نقصان جزء مجهول من معلوم يجعل الجميع مجهولا.
إذا باع عبدا بيعا فاسدا وأقبضه لم يملك بالقبض ولم ينفذ عتقه ولا شئ
من تصرفه من البيع والهبة والوقف وغير ذلك، ويجب عليه رده ورد ما كان من
نمائه المنفصل منه، لأن ملك الأول لم يزل عنه فالتصرف فيه لا يصح، ويلزمه
رده على البائع لأنه ملكه، ولا إثم عليه لأنه قبضه بإذن مالكه.
وإذا وجب رده نظر:
فإن كان بحاله لم يزد ولم ينقص رده ولا شئ عليه، إلا أن يكون له أجرة
وهو أن يكون المبيع مما ينتفع به مع بقاء عينه انتفاعا مقصودا فيجب أجرة مثله
للمدة التي أقام في يده.
وإن كان متغيرا، فإن كان زائدا رده بزيادته لأن ماله قد زاد فكانت الزيادة
له سواء كانت الزيادة منفصلة أو متصلة، وإن كان ناقصا كان عليه أرش ما
نقص، وإن تلفت في يده كان عليه أكثر ما كانت قيمته من وقت القبض إلى وقت
التلف، وفي الناس من قال: لا يضمن بقيمته يوم التلف وإنما وجب الضمان عليه
لأنه أخذ الشئ بعوض فإذا لم يسلم العوض المسمى وجب عوض المثل لما
تلف في يده سواء تلفت جملته أو تلف بعض أجزائه.
وإن كان المبيع جارية فوطئها لم يجب الحد للشبهة لأنه اعتقد أنه ملكها
فاستحل وطأها بالملك وهذا شبهة، ويجب عليه المهر فإن كانت ثيبا وجب
نصف عشر قيمتها وإن كانت بكرا فعشر قيمتها، هذا إذا لم يحبلها.
فإذا أحبلها فالولد حر لأنه وطئها على أنها جاريته فيكون الولد حرا، ولا ولاء
لأحد عليه لأنه انعقد حرا، وهو إجماع، ويجب على الواطئ قيمته يوم سقط حيا،
226

وإن ولدته ميتا فلا ضمان عليه لأنه في حال وجب قيمته لم يكن له قيمة لأن الميت
لا قيمة له.
وإن ضرب أجنبي جوف هذه المرأة فأسقطت هذا الجنين ميتا لزمته دية
الجنين، وللسيد أقل الأمرين من قيمته لو خرج حيا، أو الغرة عند المخالف و
عندنا المائة دينار لأنه دية الجنين، فإن كانت القيمة أقل كان للسيد القيمة والباقي
لورثته، وإن كانت الغرة أقل فهي له فقد نقص حقه بالعتق الذي هو منسوب
إليه، هذا حكم الولد.
وأما حكمها فلا يخلو: من أن تسلم في الولادة أو تموت، فإن سلمت وجب
عليه ردها وما نقص بالولادة من قيمتها، وإن ماتت بالولادة لزمته هاهنا قيمتها
لأنها مضمونة عليه، وإن ردها حاملا وولدت في يد البائع لزمه ما ينقص
بالولادة، وإن ماتت منها لزمته قيمتها لأنها نقصت أو تلفت بسبب من جهته، وإذا
ملك هذه الجارية فيما بعد كانت أم ولده لأن ولده منها منسوب إليه نسبا
صحيحا شرعيا، وإذا باعها كان البيع فاسدا لأنه باع ما لا يملك.
فإذا ثبت أن البيع فاسد نظر: فإن كان المبيع قائما أخذه مالكه وهو البائع
الأول سواء وجده في يد المشتري الأول أو المشتري الثاني لأنه ملكه لا حق لغيره
فيه، وإن كان تالفا كان له أن يطالب بقيمته كل واحد منهما لأن الأول لم يبرأ
بتسليمه إلى الثاني لأنه سلمه بغير إذن صاحبه والمشتري الثاني قبضه مضمون
بالإجماع. فإذا ثبت ذلك فإنه يجب عليه أكثر ما كانت قيمته، وقيل: إنه يعتبر قيمته
وقت التلف ثم ينظر في قيمة المبيع: فإن كانت قيمته في يدها واحدة فإنه يطالب
بقيمته إن شاء المشتري الأول وإن شاء المشتري الثاني لأن كل واحد منهما
ضامن لقيمته، فإن طالب الأول وغرمه رجع الأول على الثاني، وإن طالب الثاني
وغرمه لم يرجع على الأول لأنه تلف في يده، وإن كانت قيمته ألفا في يد الأول
فلما سلمه إلى الثاني زادت وصارت القيمة ألفين ثم تلفت فهو كما لو لم يختلف
227

وطلب القيمة لأن ما زاد في يد الثاني مضمون على الأول، وإن كانت قيمته في يد
الأول ألفين فنقصت وصارت ألفا ثم سلمه إلى الثاني فإنه يطالب الأول بالزيادة
لأن الأول هو الذي ضمنها، والمشتري الثاني لم يضمنها، وأما البائع فإنه إن شاء
طالب به الأول وإن شاء طالب به الثاني لأن كل واحد ضامن له.
إذا اشترى عبدا بشرط أن يعتقه كان البيع والشرط صحيحين، لقوله عليه
السلام: المؤمنون عند شروطهم، فإذا ثبت ذلك فالمشتري إن أعتق العبد فقد
وفي بالشرط وإن لم يعتقه قيل فيه شيئان:
أحدهما: يجبر عليه لأن عتقه استحق بالشرط.
والثاني: لا يجبر عليه لكن يجعل البائع بالخيار، والثاني أقوى.
وإذا مات العبد قبل أن يعتقه قيل فيه شيئان:
أحدهما: يكون البائع بالخيار إن شاء فسخ البيع وإن شاء أجازه لأنه قد
تعذر الوفاء بشرطه، وهو الأقوى.
والثاني: يرجع البائع على المشتري بما يقتضيه شرط العتق من نقصان
الثمن، لأنه إذا باعه بشرط العتق فلا بد من أن يكون قد نقص من ثمنه.
وإذا باع شيئا بثمن مؤجل وشرط أن يرهن عبدا بعينه فامتنع المشتري من
تسليم الرهن فإن البائع ثبت له الخيار إن شاء فسخ البيع وإن شاء أجازه من غير
رهن.
إذا باع دارا واستثنى سكناها لنفسه مدة معلومة جاز البيع.
وكذلك إذا باع دابة واستثنى ركوبها مدة أو مسافة معلومة صح البيع.
إذا قال: بعتك هذه الدار وآجرتك دارا أخرى بألف، كان صحيحا لأنه
لا مانع منه، وإن قال: بعتك هذه الدار بألف وآجرتك هذه الدار بألف، كان
صحيحا بالإجماع لأنهما عقدان والأول عقد واحد، وفيه خلاف، وإذا قلنا: البيع
صحيح في المسألة الأولى، فإنه يأخذ كل واحد حصته من الثمن بقيمة المبيع
وأجرة مثل تلك الدار.
228

فصل: في بيع الصبرة وأحكامها:
في الصبرة عشرة مسائل:
أولها: إذا قال: بعتك هذه الصبرة بعشرة دراهم، صح البيع لأن الصبرة
مشاهدة ومشاهدة المبيع تغني عن معرفة مقداره، وقد روي أن ما يباع كيلا
لا يباع جزافا، وهو الأقوى عندي، فإن أجزنا البيع نظر: فإن كان ظاهرها
وباطنها واحد لم يكن للمشتري الخيار، وإن كان باطنها متغيرا كان له خيار
العيب والتدليس إن شاء فسخ البيع وإن شاء أجازه، وكذلك إن كانت الصبرة
على دكة كان له الخيار.
الثانية: أن يقول: بعتك عشرة أقفزة من هذه الصبرة بكذا، فإنه يصح.
الثالثة: أن يقول: بعتك هذه الصبرة كل قفيز بدرهم، صح أيضا البيع.
الرابعة: أن يقول: بعتك من هذه الصبرة كل قفيز بدرهم، فإنه لا يصح لأن
" من " للتبعيض والبعض في المبيع منه مجهول فلم يصح.
الخامسة: أن يقول: بعتك نصف هذه الصبرة أو ثلثها أو ربعها، فإنه يصح
لأنه باع جزء مشاعا من جملة مشاهدة، هذا إذا قلنا: إنه يجوز بيع الصبرة من غير
كيل، وإذا قلنا: لا يجوز، فلا يصح ذلك لأنه باعه من غير كيل.
السادسة: أن يقول: بعتك هذه الصبرة كل قفيز بدرهم على أن أزيدك أو
أنقصك قفيزا والخيار لي في الزيادة والنقصان، فإنه لا يجوز لأن المبيع مجهول،
ولأنه لا يدري أيزيده أم ينقصه.
السابعة: أن يقول: بعتك هذه الصبرة كل قفيز بدرهم على أن أزيدك قفيزا،
فإن أراد بالزيادة الهبة صح ولا مانع منه، وإن أراد أن يزيد مع المبيع لا يجوز
لأن الصبرة إذا لم تكن معلومة المقدار لا يصح بيعها، فإذا قسم الزائد على القفيزين
كان كل قفيز وشئ بدرهم وذلك مجهول.
الثامنة: أن يقول: بعتك هذه الصبرة وهي عشرة أقفزة كل قفيز بدرهم على أن
أزيدك فيه قفيزا، فإن لم يعين القفيز المزيد لم يجز لأنه غير مشاهد فيكون
229

بيع معلوم مع مجهول، وإن عين جاز لأنه يصير كأنه باع كل قفيز وعشر قفيز
بدرهم وذلك معلوم.
التاسعة: أن يقول: بعتك هذه الصبرة كل قفيز بدرهم على أن أنقصك
قفيزا، لا يصح لأن معنى هذا أني آخذ منها قفيزا وأحسب عليك ثمنه فيكون كل
قفيز بدرهم وشئ وهو مجهول لأن الصبرة بمنزلة القفيزين.
العاشرة: أن يقول: بعتك هذه الصبرة وهي عشرة أقفزة كل قفيز بدرهم على
أن أنقصك قفيزا، فإنه يجوز، ويكون كل قفيز بدرهم وتسع درهم، وذلك
معلوم، ويجوز أن يستثني مدا من الصبرة إذا كانت الصبرة معلومة المقدار، وإنما
لا يجوز ذلك إذا كانت مجهولة المقدار لأن استثناء المعلوم من المجهول لا يجوز.
فهذه مسائل الصبرة من الطعام، وهكذا كل ما يتساوى أجزاؤه من المكيل و
الموزون.
فأما ما لا يتساوى أجزاؤه مثل الدار والثوب فإنا نذكر مسائل الدار ثم
نذكر مسائل الثوب:
أما الدار
فإنه إذا قال: بعتك هذه الدار وهذه الأرض بألف درهم، كان جائزا.
وإذا قال: بعتك نصفها أو قال: ربعها أو ثلثها، كان جائزا.
وإن قال: بعتك هذه الدار كل ذراع بدرهم، كان جائزا.
وإذا قال: هذه الدار مائة ذراع وقد بعتك عشرة أذرع منها بكذا، جاز
البيع لأنه عشر الدار.
وإذا قال: بعتك نصيبي من هذه الدار، لم يجز إلا أن يتصادقا بأنهما عرفا
نصيبه قبل عقدة البيع.
وإذا قال: بعتك نصيبا من هذه الدار، ولم يقل " نصيبي " كان البيع
باطلا.
وإذا قال: بعتك من هاهنا إلى هاهنا، جاز لأنها معلومة بالمشاهدة.
230

وإذا قال: بعتك من هاهنا عشرة أذرع إلى حيث ينتهي، ولم يبين آخره
صح لأنه باع جزء معلوما من موضع معين.
وإذا قال: بعتك ذراعا من هذا الجانب من الدار، من غير تعيين لم يجز لأنه
مجهول.
وإذا قال: بعتك هذه الأرض على أنها مائة ذراع، فكانت تسعين فالمشتري
بالخيار إن شاء فسخ البيع وإن شاء أجازه بجميع الثمن لأن العقد وقع عليه.
وإن كانت الأرض أكثر من مائة ذراع قيل فيه وجهان:
أحدهما: يكون البائع بالخيار بين الفسخ وبين الإجازة بجميع الثمن، وهو
الأظهر.
والثاني: أن البيع باطل لأنه لا يجبر على ذلك.
والثوب إذا كان منشورا فمسائله مثل مسائل الدار والأرض في جميع ما
ذكرناه.
إذا كان السمن في الظرف مفتوح الرأس فنظر إليه البائع والمشتري جاز
بيعه، ويكون النظر إليه بمنزلة النظر إلى ظاهر الصبرة.
فإذا ثبت ذلك، فإن قال: بعتك هذا السمن بمائة، جاز على ما قلناه في
الصبرة، ولم يجز على ما اخترناه من أن ما يكال أو يوزن لا يجوز بيعه جزافا.
فإن قال: بعتك هذا السمن كل رطل بدرهم، جاز، ويوزن السمن بظرفه
ثم يطرح عنه وزن الظرف ويرد على البائع.
وإن قال: بعتك هذا السمن كل رطل بدرهم على أن يوزن مع ظرفه ولا
يطرح وزن الظرف، لم يجز لأنه إنما باع السمن فلا يجوز أن يزن معه غيره،
ومسائل السمن بمنزلة مسائل الصبرة لأن أجزاءه متساوية، هذا إذا باع السمن
وحده، وأما إذا باع السمن مع الظرف بعشرة دراهم جاز لأنه يجوز بيع عينين
مختلفين بثمن واحد، ويكون الثمن مقسوما على قدر القيمتين.
وإن قال: بعتك هذا السمن مع الظرف كل رطل بدرهم، كان جائزا لأنه
231

لا مانع منه.
إذا اشترى صبرة على أنها مائة كر فأصاب خمسين كرا كان المشتري
بالخيار إن شاء أخذها بحصتها من الثمن وإن شاء فسخ البيع، وإن وجدها أكثر
من مائة كر أخذ المائة بالثمن وترك الزيادة، ويخالف الثوب والساحة والأرض
على ما تقدم لأن الثمن ينقسم هاهنا على أجزاء الطعام لتساوي قيمتها، وليس
كذلك الخشب والثوب والأرض لأن أجزاءها مختلفة القيمة فلا يمكن قسمة
الثمن على الأجزاء لأنه لا يعلم أن الناقص من الذراع لو وجد كم كانت قيمته،
فإذا كان كذلك خير البائع في الزيادة بجميع الثمن وخير المشتري في النقصان
بجميع الثمن، ولأجل هذا قلنا: لو باع ذرعا من خشب أو من دار أو ثوب غير
معين لم يجز، ولو باع قفيزا من صبرة صح.
إذا اشترى من غيره عشرة أقفزة من صبرة فكالها على المشتري وقبضها ثم
ادعى أنه كان تسعة، فالقول قول الدافع " البائع " لأن المشتري قد قبض حقه
واستوفاه في الظاهر وإنما يدعي الخطأ في الكيل فيحتاج إلى بينة.
إذا قبض البائع الثمن ثم ادعى أن فيما قبضه زيفا وأنكر المشتري ذلك،
فالقول قول المشتري مع يمينه لأن البائع يدعي عليه أنه قبضه منه زيفا فيحتاج
إلى بينة، والأصل أنه قبضه جيادا.
إذا اشترى عبدا فوجده مأذونا له في التجارة وعليه دين، فإنه لا خيار له لأن
دين التجارة يكون في ذمة العبد ولا يتعلق برقبته ولا يباع فيه، وإنما يطالب به إذا
أعتق وملك مالا، فإذا كان كذلك لم يكن على المشتري ضرر فيه فلم يثبت له
الخيار.
فصل: في بيع الغرر:
عسب الفحل هو ضراب الفحل وثمنه أجرته، وقد تسمى الأجرة عسب الفحل مجازا لتسمية الشئ باسم ما يجاوره، مثل المرادة سموها راوية وهي اسم
232

الجمل الذي يستقى عليه.
وإجارة الفحل للضراب مكروه وليس بمحظور، وعقد الإجارة عليه غير فاسد، ولا يجوز أن يبيع عينا لا يملكها ثم يشتريها ويسلمها إلى المشتري لأن النبي صلى الله عليه وآله
نهى عن بيع ما ليس يملكه.
وبيع الحمل في بطن أمه منفردا عن الأم لا يجوز لأنه لا يعلم أذكر هو أو أنثى،
ولا يعلم صفاته ولا يقدر على تسليمه، وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه نهى
عن بيع
المجر - وهو بيع ما في الأرحام - ذكره أبو عبيدة، وقال ابن الأعرابي:
المجر الذي في بطن الناقة، وقال: المجر الربا، والمجر القمار، والمجر المحاقلة
والمزابنة.
ولا يجوز بيع الدابة على أنها تحمل لأنه لا يعلم ذلك، فإن شرط ذلك
ووافق مضى البيع ولم يكن للمشتري الخيار، وإن لم تحمل كان له الخيار بين
الفسخ والإجازة، وإن اشترط أنها لبون جاز بلا خلاف، وإن شرط أنها تحلب في
كل يوم أرطالا لم يجز، وإن باع بهيمة أو جارية حاملا واستثنى حملها لنفسه لم
يجز لأن الحمل يجري مجرى عضو من أعضائها.
وإن باع جارية حبلى بولد حر لم يجز لأن الحمل يكون مستثنى وهذا يمنع
صحة البيع.
والبيض في جوف البائض بمنزلة الحمل لأنه لا يجوز بيعه منفردا، وإذا باع
البائض مع بيضه على طريق التبع، وإن شرطه لنفسه لم يجز، وإن اشترط
للمشتري لم يجز لأنه لا يعلم.
إذا ماتت دجاجة وفي جوفها بيض قد اكتسى الجلد الصلب جاز أكله وهو
طاهر، وبيض ما لا يؤكل لحمه حرام.
ومني كل حيوان نجس سواء أكل لحمه أو لا يؤكل لحمه فلا يجوز بيعه
على حال.
بذر دود القز يجوز بيعه ولا دليل على حظره، وكذلك دوده، وكذلك
233

بيع النحل إذا رآها واجتمعت في بيتها وحبسها فيه حتى لا يمكنها أن تطير جاز
بيعها.
السمك في الماء والطير في الهواء لا يجوز بيعه إجماعا، وروى أصحابنا أنه
يجوز بيع قصب الآجام مع ما فيها من السمك.
إذا باع طيرا في الهواء قبل اصطياده لم يجز لأنه بيع ما لا يملكه ولا يقدر على
تسليمه، وإن كان اصطاده وملكه ثم طار من يده لم يجز بيعه لأنه لا يقدر على تسليمه.
وأما الطيور الطيارة التي في البروج تأوي إليها ينظر: فإن كان البروج
مفتوحا لم يجز بيعها وإن كان مسدودا لا طريق لها إلى الطيران جاز بيعها سواء
كان البرج واسعا أو ضيقا، وقد قيل: إن كان واسعا لا يجوز لأنه إذا كان واسعا
يحتاج إلى كلفة في أخذه، وكذلك بيع السمك في الماء على هذا التفصيل.
يجوز تقبيل برك الحيتان إذا قبل الأرض والماء، فإن قبل السمك لم يجز،
وفي الفقهاء من منع من ذلك على كل حال.
وإن استأجر أرضا ليزرعها فدخل إليها الماء والسمك فبقي السمك كان
المستأجر أحق به لأن غيره لا يجوز له أن يتخطى في الأرض المستأجرة، فإن
تخطى أجنبي وأخذه ملكه بالأخذ.
إذا طفرت سمكة فوقعت في سمارية إنسان فأخذها الركاب كانت له دون
صاحب السمارية.
وإن اكترى شبكة للصيد جاز لأنها منفعة مباحة.
وإذا عشش في دار إنسان أو أرضه طائر وفرخ فيها أو دخل ظبي في أرضه
فانكسرت رجله أو خاض في الطين فبقي قائما كان صاحب الأرض أحق به، فإن
خالف أجنبي وتخطى فيها وأخذه كان أحق به لأنه ملكه بالأخذ، وهكذا إذا نزل
الثلج من السماء فمكث في أرض إنسان كان صاحب الأرض أحق به، فإن أخذه
غيره ملكه بالأخذ.
234

وإذا نصب شبكة فوقع طائر كان للناصب ويملكه به، فإن أخذه غيره
وجب عليه رده عليه لأنه في حكم الأخذ له.
من باع ما لا يملك كان البيع باطلا.
ولا يجوز بيع اللبن في الضرع، ولا يجوز بيع الصوف على ظهر الغنم.
المسك طاهر يجوز بيعه في فأره قبل أن يفتح ويرى المسك، والأحوط أن
يباع بعد فتحه.
ولا يجوز بيع حبل الحبلة وهو أن يبيع شيئا بثمن مؤجل إلى نتاج الناقة
وهو أن ينتج الناقة التي لفلان بن فلان ثم ينتج نتاجها لأن الأجل مجهول، وروى
أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وآله أنه نهى عن بيعتين وعن لبستين.
فالبيعتان: الملامسة والمنابذة، واللبستان: الصماء والاحتباء.
فأما بيع الملامسة فهو أن يأتي الرجل بثوبه مطويا أو منشورا في ظلمة
فيقول: بعتك هذا الثوب بكذا وكذا فإذا لمسته وجب البيع ولا خيار لك إذا
نظرت إلى طوله وعرضه.
والمنابذة أن يبيعه ثوبه منه بكذا وكذا فإذا أنبذه إليه وجب البيع ولا خيار
له إذا وقف على طوله وعرضه، وهذا كله لا يصح للجهل بالمبيع إجماعا.
وأما اللبستان فالصماء هي التي تجلل عن جميع البدن، وأما الاحتباء فهو أن
يدير ثوبا على ظهره وركبتيه وفرجه مكشوف، ونهى النبي صلى الله عليه وآله
عن بيع الحصى، وقيل في تفسيره: إنه بيع الأرض منتهى الحصى إذا رماها،
قيل: بيع ثوب من الثياب التي يقع عليها الحصاة إذا رماها، وهذا أيضا لا يجوز
لأنه مجهول.
يجوز بيع الأعمى وشراؤه ويوكل غيره في النيابة عنه عند الرؤية، هذا في
بيع الأعيان وشرائها، وفيه خلاف.
فأما السلم فموصوف في الذمة بثمن موصوف غير معين فإنه يجوز إجماعا
إلا المزني، ونهى النبي صلى الله عليه وآله عن بيعتين في بيعة، وقيل: إنه يحتمل
235

أمرين، أحدهما: أن يكون المراد به إذا قال: بعتك هذا الشئ بألف درهم نقدا أو
بألفين نسيئة بأيهما شئت خذه، فإن هذا لا يجوز لأن الثمن غير معين وذلك يفسد
البيع، كما إذا قال: بعتك هذا العبد أو هذا العبد أيهما شئت فخذه، لم يجز،
والآخر أن يقول: بعتك عبدي هذا بألف على أن تبيعني دارك هذه بألف، فهذا
أيضا لا يصح لأنه لا يلزمه بيع داره ولا يجوز أن يثبت في ذمته لأن السلف في بيع
الدار لا يصح.
النجش حرام، وهو أن يزيد رجل في ثمن سلعة زيادة لا تسوي بها وهو
لا يريد شراءها وإنما يزيد ليقتدي به المستام فهذا هو النجش، وروي عن النبي صلى الله عليه وآله
أنه نهى عن النجش، وروي عنه صلى الله عليه وآله أنه قال:
لا تناجشوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا، وهذا
نهي يقتضي التحريم.
فإذا ثبت تحريمه فالمشتري إذا اقتدى به وزاد في الثمن واشتراه كان الشراء
صحيحا لأنه لا دليل على فساده، فإذا ثبت صحته فهل للمشتري الخيار أم لا؟
ينظر: فإن كان النجش من غير أمر البائع ومواطاته فلا خيار له لأنه لا يفسخ عليه
البيع بفعل غيره، وإن كان بأمره ومواطاته اختلف فيه فمنهم من قال: لا خيار له،
ومنهم من قال: له الخيار لأنه تدليس، والأول أقوى.
إذا باع إنسان من غيره شيئا وهما في المجلس ولكل واحد منهما الخيار
في الفسخ، فجاء آخر يعرض على المشتري سلعته مثل سلعته بأقل منها أو خيرا
منها ليفسخ ما اشتراه ويشتري منه سلعة، فهذا محرم عليه غير أنه متى فسخ الذي
اشتراه انفسخ، وإذا اشترى الثاني كان صحيحا، وإنما قلنا إنه محرم لقوله صلى
الله عليه وآله: لا يبيعن أحدكم على بيع أخيه.
وكذلك الشراء قبل البيع محرم وهو أن يعرض على البائع أكثر من الثمن
الذي باعه به فإنه حرام لأن أحدا لا يفرق بين المسألتين.
وأما السوم على سوم أخيه فهو حرام أيضا لقوله صلى الله عليه وآله: لا يسوم
236

الرجل على سوم أخيه.
هذا إذا لم يكن المبيع في المزايدة، فإن كان كذلك فلا تحرم المزايدة.
ولا يجوز أن يبيع حاضر لباد ومعناه أن يكون سمسار آلة، بل يتركه أن
يتولى بنفسه ليرزق الله بعضهم من بعض، فإن خالف أثم وكان بيعه صحيحا،
وينبغي أن يتركه في المستقبل، هذا إذا كان ما معهم يحتاج أهل الحضر إليه وفي
فقده إضرار بهم، فأما إذا لم يكن بهم حاجة ماسة إليه فلا بأس بأن يبيع لهم.
ولقاء المتاع الذي يحمل من بلد إلى بلد ليبيعه السمسار ويستقصي في ثمنه
ويتربص فإن ذلك جائز لأنه لا مانع منه وليس كذلك في البادية.
ولا يجوز تلقي الجلب ليشتري منهم قبل دخولهم البلد لأن النبي صلى الله
عليه وآله قال: لا يبيع بعضكم على بيع ولا تتلقوا السلع حتى تهبط بها الأسواق
، وروي عنه صلى الله عليه وآله أنه نهى عن تلقي الجلب، فإن تلقاه متلق فاشتراه
فصاحب السلعة بالخيار إذا ورد السوق، فإن تلقاه واشتراه يكون الشراء صحيحا
لأن النبي صلى الله عليه وآله أثبت الخيار للبائع، والخيار لا يثبت إلا في عقد
صحيح، وخياره يكون على الفور مع الإمكان فإن أمكنه فلم يرده بطل خياره،
وإذا قدم السوق ولم يشغل بتعرف السعر وتبين الغبن بطل خياره، وأما إذا كان
راجعا من ضيعة فلقاه جلبا جاز له أن يشتريه لأنه لم يتلق الجلب للشراء منهم.
ونهى صلى الله عليه وآله عن بيع وسلف، وهو أن يبيع مثلا دارا على أن
يقرضه المشتري ألف درهم، وهذا عندنا مكروه وليس بمفسد للبيع.
فصل: في حكم القرض:
القرض فيه فضل كبير وثواب جزيل فإن أقرض مطلقا ولم يشرط الزيادة
في قضائه فقد فعل الخير، وإن شرط الزيادة كان حراما، ولا فرق بين أن يشرط
زيادة في الصفقة أو في القدر، فأما إذا لم يشرط ورد عليه خيرا منه أو أكثر منه
كان جائزا مباحا، ولا فرق بين أن يكون ذلك عادة أو لم يكن، وإذا شرط عليه
237

أن يرد خيرا منه أو أكثر منه كان حراما، وإن كان من الجنس الذي لا يجوز فيه
الربا مثل أن يقرضه ثوبا بثوبين فإنه حرام لعموم الأخبار، وقضاء القرض إن كان
مما له مثل من المكيل والموزون فإنه يقضيه مثله، وإن كان مما لا مثل له مثل
الثياب والحيوان والخشب يجب عليه قيمته.
كل قرض يضبط بالصفة أو كيل أو كل مال يصح فيه السلم مثل المكيل والموزون
والمذروع من الثياب والحيوان فإنه يجوز، ولا يجوز إقراض ما
لا يضبط بالصفة مثل الجواهر.
يجوز استقراض الخبز إن شاء وزنا وإن شاء عددا لأن أحدا من المسلمين لم
ينكره، ومن أنكر من الفقهاء فقد خالف الإجماع.
لا أعرف نصا لأصحابنا في جواز إقراض الجواري ولا في المنع منه والأصل
جوازه، وعموم الأخبار في جواز الإقراض يقتضي جوازه، ولا فرق بين أن يكون
المستقرض أجنبيا أو ذا رحم لها يحرم عليه وطؤها.
والمستقرض يملك مال القرض بالقبض دون التصرف لأنه يستبيح به
التصرف، ويجوز له أن يرده على المقرض، ويجوز للمقرض أن يرجع فيه كما
أن له أن يرجع في الهبة.
فإذا استقرض جارية تنعتق عليه بالملك فإنه إذا قبضها عتقت عليه، وليس
له ردها على المقرض ولا له المطالبة بها لأنا قد بينا أنه يملك بالقبض، وإذا ملك
انعتقت عليه.
وإذا استقرض من غيره نصف دينار قراضة فأعطاه دينارا فقال: نصفه قضاء
عما لك علي ونصفه وديعة عندك، فإن رضي به جاز ويكون بينهما نصفين،
ولكل واحد منهما أن يتصرف في نصفه مشاعا، وإن اتفقا على كسره جاز، وإن
اختلفا لم يجبر الممتنع منهما على كسره لأنه قسمة إضرار.
وإن امتنع المقرض من قبضه مشاعا كان له، وإن اتفقا على أن يكون
النصف قضاء ونصفه قرضا أو ثمنا لمبيع أو سلما في طعام في ذمته كان جائزا
238

ويكون له التصرف في جميع الدينار.
إذا كان لرجل على غيره مال حالا فأجله فيه لم يصر مؤجلا ويستحب أن
يفي به ويؤخر المطالبة إلى محله، وإن لم يفعل وطالب به في الحال كان له سواء
كان الدين ثمنا أو أجرة أو صداقا أو كان قرضا أو أرش جناية، وكذلك إذا اتفقا
على الزيادة في الثمن لم يصح ولم يثبت، وإن حط من الثمن شيئا أو حط جميعه
صح وكان إبراء مما له عليه ولا يلحق بالعقد وإنما هو إبراء في الوقت الذي أبرأه
منه.
فصل: في تصرف الولي في مال اليتيم:
من ولى مال اليتيم جاز له أن يتجر فيه للصبي نظرا له سواء كان أبا أو جدا
أو وصيا أو حاكما أو أمينا لحاكم، ويستحب له أن يشتري بماله العقار لأنه
يحصل فيه الفضل ويبقى الأصل، ولا يشتريه إلا من ثقة أمين يؤمن جحوده أو
حيلته في إفساد البيع بأن يكون قد أقر لغيره قبل البيع وما أشبه ذلك، ويكون
في موضع لا يخاف هلاكه بأن لا يكون بقرب الماء فيخاف غرقه أو في معترك
بين طائفتين من أهل بلد فيخاف عليه الحريق والهدم.
ويستحب له بناء العقار له لأن في ذلك مصلحة، وينبغي أن يبنيه بطين
وآجر ليكون له مرجوع إذا استهدم إذا أمكن، وإن كان له عقار لم يجز لوليه أن
يبيعه إلا عند الحاجة بالصغير إلى ثمنه لنفقته وكسوته ولا يكون له وجه غيره من
غلة وأجرة عقار فيباع بقدر الحاجة، أو يكون في بيعه غبطة وهو أن يكون له مع
رجل شركة يبذل فيه أكثر من ثمنه ليخلص الجميع لنفسه، أو يكون له رفقة في
ملك غيره فيبذل فيها أكثر من ثمنها ليستوي ملكه فيبيع حينئذ ويشتري موضعا
آخر، أو يكون في معترك بين طائفتين مختلفين يخاف عليه الهدم والحريق.
فإذا باع شيئا من عقاره وكان البائع أبا أو جدا كان للحاكم إمضاؤه
والإسجال به وإن لم يثبت عنده أنه باعه للحاجة أو للغبطة لأن الظاهر أنهما
239

ينظران له، وإن كان الولي وصيا أو أمينا فإنه لا يمضيه ولا يسجل به إلا ببينة أنه
باعه لحاجة أو غبطة لأنه يلحق بهؤلاء التهمة.
وإذا بلغ الصبي وقد باع الأب أو الجد فادعى أنه باعه من غير حاجة ولا
غبطة كان القول قول الأب أو الجد، وإن كان وصيا أو أمينا كان القول قول
الصبي، ووجب على الوصي أو الأمين البينة.
وإن ادعى أنه أنفق عليه أو على العقار قبل من الأب أو الجد بلا بينة، ولا
يقبل من الوصي ولا الأمين إلا ببينة وقيل: إنه يقبل منهما أيضا بلا بينة لأنهما
مأمونان، وهو الأولى لأنه يشق عليهما إقامة البينة على الإنفاق ولا يشق على
البيع، فلأجل ذلك قبل قولهما في هذا ولم يقبل في الأول، ولا يصح بيع
الصبي وشراؤه أذن له الولي أو لم يأذن، وروي أنه إذا بلغ عشر سنين وكان
رشيدا كان جائزا.
الولي إذا كان فقيرا جاز له أن يأكل من مال اليتيم أقل الأمرين، كفايته أو
أجرة مثله ولا يجب عليه قضاؤه لقوله تعالى: " ومن كان فقيرا فليأكل
بالمعروف " ولم يوجب القضاء.
خلط مال اليتيم وكسوته ونفقته بنفسه وأهله ينظر فيه: فإن كان الخلط فيه
أصلح لليتيم خلط، وإن كان إفراده أصلح أفرده ولم يجز له الخلط.
فصل: في العبد:
إذا استدان العبد فلا يخلو من أحد أمرين: إما أن يستدين بإذن سيده أو بغير
إذن سيده.
فإن كان بغير إذن سيده نظر: فإن كان اشترى بثمن في ذمته فالأولى أن
يقال: لا يصح شراؤه، وإن كان باقيا رد على البائع وإن كان تالفا كانت قيمته في
ذمته يطالبه بها إذا أعتق وأيسر، وقيل: إن شراءه صحيح فإن كان المبيع قائما
بعينه كان للبائع فسخ العقد ورد المبيع إلى ملكه لأنه معسر بالثمن، وإن كان
240

تالفا فقد استقر الثمن في ذمته يطالبه به إذا أعتق وأيسر.
وأما إذا أخذه المولى من يده فمن قال: إن شراءه صحيح، استقر ملك
المولى عليه ولا يكون للبائع أن ينتزعه من يده، ويكون له الثمن في ذمة العبد
يطالبه به إذا أيسر لأن كل ما في يد العبد يجوز للمولى انتزاعه من يده، ومن قال:
إن الشراء فاسد، قال: إن كان في يد المولى باقيا استرجعه منه وإن كان تالفا
كان مخيرا بين أن يرجع على السيد بقيمته في الحال وبين أن يرجع على العبد
إذا أعتق.
ومتى استقرض العبد بغير إذن مولاه فالكلام فيه مثل الكلام في شرائه
سواء.
فمن قال: يصح، قال: للمقرض أن يرجع على العبد إن كان قائما في يده،
وإن كان تالفا كان في ذمته تباع به إذا أعتق، وإن كان المولى انتزعه من يده لم
يكن له استرجاعه ويكون بدله في ذمة العبد.
ومن قال: إن قرضه فاسد، قال: إن كان قائما بعينه أخذه وإن كان تالفا
كانت قيمته في ذمته يطالبه به إذا أعتق وإن أخذه المولى لم يملكه وكان له أن
يرجع بعينه إن كان باقيا في يد المولى، وإن كان تالفا إن شاء رجع على المولى
بقيمته في الحال وإن شاء رجع على العبد إذا أعتق.
وإن أذن لعبده في التجارة فركبه دين فإن كان أذن له في الاستدانة فإن
كان في يده مال قضى منه وإن لم يكن في يده مال كان على السيد القضاء
عنه، وإن لم يكن أذن له في الاستدانة كان ذلك في ذمة العبد يطالبه به إذا أعتق، وقد
روي أنه يستسعي العبد في ذلك.
إذا أقر العبد على نفسه بجناية توجب القصاص لم يقبل إقراره عندنا،
وكذلك إن أقر بجناية خطأ لا يقبل إقراره، وعلى هذا إجماع وفي الأولى
خلاف، وأما الإقرار بما يوجب مالا فإنه لا يجوز إجماعا، ويثبت جميع ذلك في
حق العبد يطالب به إذا أعتق.
241

وإذا أقر بسرقة توجب القطع لم يقطع لمثل ما قلناه، وإن كانت سرقة
لا توجب القطع لم يقبل إقراره في حق السيد ويقبل في حق نفسه ويكون المال
في ذمته يطالب به إذا أعتق إجماعا.
والمال لا فرق بين أن يكون باقيا أو تالفا فإنه لا يقبل إقراره في حق مولاه
، فإن كان باقيا فلا يخلو من أحد أمرين: إما أن يكون في يد المولى أو في يد العبد،
فإن كان في يد المولى لم يقبل إقراره عليه إجماعا، وإن كان في يد العبد فلا يقبل
أيضا إقراره به لأن ما في يده الظاهر أنه لمولاه، وأما إقراره على نفسه فجميع
ذلك يصح يتبع به إذا أعتق إجماعا.
فصل: في حكم ما يصح بيعه وما لا يصح:
الأشياء على ضربين: حيوان وغير حيوان، فالحيوان على ضربين: آدمي
وبهيمة، والآدمي على ضربين: حر ومملوك.
فالحر لا يجوز بيعه ولا أكل ثمنه بلا خلاف.
والمملوك على ضربين: موقوف وغير موقوف، فالموقوف لا يجوز بيعه،
وما ليس بموقوف فعلى ضربين: ضرب لا يثبت له سبب العتق، وضرب يثبت له
سبب العتق، فما لم يثبت له سبب العتق فبيعه جائز، وما يثبت له سبب العتق
فعلى ضربين: ضرب لم يستقر وضرب قد استقر، فمن لم يستقر له فإنه يجوز بيعه
مثل المدبر فإنه يبطل بالرجوع فيه، ومن استقر عتقه فمثل أم الولد وولدها من
غير سيدها عند من منع من جواز بيعها بحال.
وعلى مذهبنا المكاتب الذي لا يجوز بيعه، وهو إذا كان مكاتبا على مال
مشروط عليه فإنه لا يمكن رده في الرق إلا بالعجز، ولا يمكن رده بشئ من جهة
سيده من الرجوع أو الموت.
وما ليس بآدمي من البهيمة فعلى ضربين: نجس وطاهر.
فالنجس على ضربين: أحدهما نجس بالمجاورة، والثاني نجس العين.
242

فإن كان نجسا بالمجاورة نظر فيه: فإن كان ما جاوره من النجاسة يمنع
من النظر إليه لم يجز بيعه، وإن كان لا يمنع النظر إليه جاز بيعه.
وإن كان نجس العين مثل الكلب والخنزير والفأرة والخمر والدم وما توالد
منهم وجميع المسوخ، وما توالد من ذلك أو من أحدهما، فلا يجوز بيعه ولا
إجارته ولا الانتفاع به ولا اقتناؤه بحال إجماعا، إلا الكلب فإن فيه خلافا.
والكلاب على ضربين: أحدهما لا يجوز بيعه بحال، والآخر يجوز ذلك فيه،
فما يجوز بيعه ما كان معلما للصيد، وروي أن كلب الماشية والحائط كذلك،
وما عدا ذلك كله فلا يجوز بيعه ولا الانتفاع به.
وما يجوز بيعه منها يجوز إجارته لأن أحدا لا يفرق بينهما.
ويجوز اقتناء الكلب للصيد وحفظ الماشية وحفظ الزرع بلا خلاف،
وكذلك يجوز اقتناؤه لحفظ البيوت، ومن ليس بصاحب صيد ولا حرث ولا
ماشية فأمسكه ليحفظ له حرثا أو ماشية إن حصل له ذلك أو احتاج إلى صيد فلا
بأس به لظاهر الأخبار.
وعلى هذا يجوز تربية الجر ولهذه الأمور.
وأما الطاهر فعلى ضربين: ضرب ينتفع به والآخر لا ينتفع به، فما ينتفع به
فعلى ضربين: أحدهما يؤكل لحمه، والآخر لا يؤكل لحمه.
فما يؤكل لحمه مثل النعم والصيود والخيل وسائر ما يؤكل لحمه من
الطيور، والبغال والحمير والدواب حكمها حكم ذلك عندنا وإن كان فيها
كراهية.
وما لا يؤكل لحمه مثل الفهد والنمر والفيل وجوارح الطير مثل البزاة و
الصقور والشواهين والعقبان والأرانب والثعالب وما أشبه ذلك، وقد ذكرناه في
النهاية، فهذا كله يجوز بيعه.
وإن كان مما لا ينتفع به فلا يجوز بيعه بلا خلاف مثل الأسد والذئب وسائر
الحشرات من الحيات والعقارب والفأر والخنافس والجعلان، والحدأة والنسر
243

والرخمة وبغاث الطير وكذلك الغربان سواء كان أبقع أو أسود.
وأما غير الحيوان فعلى ضربين: نجس وطاهر، فالنجس على ضربين: نجس
العين، ونجس بالمجاورة.
فأما نجس العين فلا يجوز بيعه كجلود الميتة قبل الدباغ وبعده والخمر و
الدم والبول والعذرة والسرقين مما لا يؤكل لحمه ولبن ما لا يؤكل لحمه من
البهائم.
وأما النجس بالمجاورة فلا يخلو من أحد أمرين: إما أن يكون جامدا أو
مائعا.
فإن كان جامدا فلا يخلو من أحد أمرين: إما أن تكون النجاسة التي جاورته
ثخينة أو رقيقة، فإن كانت ثخينة تمنع من النظر إليه فلا يجوز بيعه، فإن كانت
رقيقة فلا تمنع من النظر إليه جاز بيعه.
وإن كان مائعا فلا يخلو من أحد أمرين: إما أن يكون مما لا يطهر بالغسل أو
يكون مما يطهر، فإن كان مما لا يطهر بالغسل مثل السمن فلا يجوز بيعه، وإن
كان مما يطهر بالغسل مثل الماء فإنه وإن كان نجسا فإنه إذا كوثر بالماء المطهر
فإنه يطهر، وقيل: إن الزيت النجس يمكن غسله، والأولى أن لا يجوز تطهيره لأنه
لا دليل عليه، فما هذا حكمه يجوز بيعه إذا طهر.
وأما الطاهر الذي فيه منفعة فإنه يجوز بيعه لأن الذي منع من بيعه نجاسته
وزوال ملكه وهذا مملوك.
وأما سرجين ما لا يؤكل لحمه وعذرة الإنسان وخرؤ الكلاب والدم فإنه
لا يجوز بيعه، ويجوز الانتفاع به في الزروع والكروم وأصول الشجر بلا خلاف.
يجوز بيع الزيت النجس لمن يستصبح به تحت السماء، ولا يجوز إلا
لذلك. بيع لبن الآدميات جائز، وكذلك بيع لبن الآتن جائز لأن لحمه حلال.
كل ما ينفصل من آدمي من شعر ومخاط ولعاب وظفر وغيره لا يجوز بيعه
244

إجماعا لأنه لا ثمن له ولا منفعة فيه، ولا يجوز لكافر أن يشتري عبدا مسلما ولا
يثبت ملكه عليه وفيه خلاف لقوله تعالى: " ولن يجعل الله للكافرين على
المؤمنين سبيلا ".
ولا يجوز بيع رباع مكة وإجارتها لقوله تعالى: " سواء العاكف فيه
والباد ".
وإذا وكل مسلم كافرا في شراء عبد مسلم لا يصح شراؤه، ولا يجوز أن
يكون وكيلا للآية التي قدمناها، وإذا قال كافر لمسلم: أعتق عبدك عن كفارتي
، فأعتقه صح ويدخل في ملكه ويخرج منه بالعتق إذا كان العبد كافرا، وإن
كان مسلما لم يصح لأنا قد بينا أن الكافر لا يملك مسلما.
إذا اشترى الكافر أباه المسلم لا ينعتق عليه لأنا قد بينا أنه لا يملك، وإذا لم
يملك لا ينعتق عليه، وفي الناس من قال: ينعتق عليه وإن لم يصح الأب لأنه
لا يلحقه صغار لانعتاقه عقيب الملك.
وإذا استأجر كافر مسلما صحت إجارته سواء استأجره في عمل موصوف
في ذمته أو استأجره يوما من حين العقد أو شهرا أو سنة للبناء أو للبيع أو لغير
ذلك لأنه لا مانع منه.
إذا اشترى من غيره مملوكا فظهر به عيب في مدة الثلاثة أيام كان للمشتري
رده به، وله أن يرده بما يظهر بعد الثلاث إلى السنة إذا كان العيب جنونا أو
جذاما أو برصا، ولا يجوز له رده بعد السنة ولا بعد الثلاثة إلا فيما قدمنا ذكره إلا
بشرط مقدر.
إذا اشترى شيئا ولم يقبضه وأرهنه صح رهنه لأنه ملكه بالعقد.
245

كتاب السلم
السلم هو أن يسلف عوضا حاضرا أو في حكم الحاضر في عوض موصوف في
الذمة إلى أجل معلوم، ويسمى هذا العقد سلما وسلفا ويقال: سلف وأسلف و
أسلم، ويصح أن يقال: سلم، لكن الفقهاء لم يستعملوه، وهو عقد جائز لقوله
تعالى: " إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى " والسلم دين إلى أجل مسمى ويجوز
للمسلم أن يأخذ الرهن من المسلم إليه لقوله تعالى: " فرهان مقبوضة " ويجوز
أخذ الضمين به، ويجوز السلم في المعدوم إذا كان مأمون الانقطاع في وقت
المحل.
إذا أسلم إنسان في الرطب إلى أجل فجاء الأجل فلم يتمكن من مطالبته به
لغيبته أو غيبة المسلم إليه أو هرب منه أو توارى من السلطان وما أشبه ذلك ثم
قدر عليه وقد انقطع الرطب فقد كان المسلف بالخيار إن شاء فسخه وإن شاء
أخره إلى قابل، وفي الناس من قال: ينفسخ العقد، هذا إذا نفذ جميع الرطب
، فإن قبض بعضه ثم انقطع فلم يقدر على الباقي كان الخيار فيما يبقى ثابتا
للمشتري بين الفسخ وبين الصبر إلى قابل، وإن أراد فسخ الجميع ورد ما
قبض له كان له ذلك ويسترجع الثمن ومتى أجازه احتسب ما أخذه بحصته
من الثمن.
والسلم لا يكون إلا مؤجلا ولا يصح أن يكون حالا وإن كان الشئ
247

موجودا في الحال فإنه لا يكون ذلك سلما، ولا يصح السلم حتى يكون المسلم
فيه معلوما ورأس المال - وهو الثمن - يكون معلوما إلا بأن يوصف وصفا
ينضبط به ويعلم به لأنه ليس بمعين فيمكن مشاهدته، ورأس المال ينظر: فإن
كان غير معين في الحال التي يقع فيها العقد وجب أن يصفاه كما يوصف
المسلم فيه حتى يكون معلوما إلا أن يكون من جنس نقد البلد فإنه يكفي أن يتبين
مقداره ويحمل على نقد البلد ولا يجب وصفه.
وإذا عقد المسلم بوصفه فإنه يجب تعيينه في حال العقد وإقباضه قبل
التفرق، فإن تفرقا قبل القبض بطل السلم، وإن كان معينا في حال العقد فنظر
إليه فإنه يجب أن يذكر مقداره سواء كان من جنس المكيل أو الموزون أو
المذروع وعلى كل حال، ومتى لم يفعل ذلك لم يصح السلم ووجب على
المسلم إليه رد ما قبضه من رأس المال إن كان باقيا أو مثله إن كان تالفا فإن
اختلفا في المقدار فالقول قول المسلم إليه مع يمينه لأنه هو الغارم، ولا يمتنع أن
يكون رأس المال جوهرة أو لؤلؤة بعد أن يكون مشاهدة ولا يلزم أن يذكر
بالوصف لأن ذلك ليس من المقدرات بالوزن والكيل والذرع.
كل حيوان يجوز بيعه يجوز السلم فيه من الرقيق والإبل والبقر والغنم و
الخيل والبغال والحمير وغير ذلك، وقد ذكرنا أن من شرط صحة السلم أن
يذكرا فيه الأجل ومتى لم يذكرا الأجل كان العقد باطلا، فإن أطلقا فلم يذكرا
الأجل وذكراه قبل التفرق لم يكن ذلك صحيحا لأن العقد وقع فاسدا فلا يلحق
به ما يتجدد فيما بعد ويجب عليهما أن يستأنفا العقد.
ومن شرط صحة السلم قبض الثمن قبل التفرق، ومتى لم يقبض الثمن
بطل العقد، وإذا عقد السلم بلفظ البيع كان صحيحا ولم يبطل بذلك شرط
قبض الثمن في صحته لأن المراعي المعنى دون اللفظ.
وأما البيع المحض فليس من شرط صحته قبض الثمن ويجوز التفرق قبل
القبض ولا يبطل البيع، والسلم مخالف له.
248

وقد ذكرنا أن من شرط صحة السلم أن يكون المسلم فيه موصوفا فيما يجب
وصفه حتى يصير معلوما.
فإن كان مكيلا وقدراه بمكيال وجب أن يكون معلوما عند العامة، ولا
يجوز أن يقدراه بإناء بعينه، وإن قدراه بوزن وجب أن يكون صنجة معروفة عند
العامة فإن قد رآه بصخرة لم يجز لأن ذلك مجهول في حال العقد، وإن عينا
مكيال رجل بعينه وهو مكيال معروف أو عينا صنجة رجل بعينه وهو صنجة
معروفة جاز السلم فيه، ولا يعين ذلك المكيال ولا تلك الصنجة لكن يتعلق
بجنس مثل ذلك المكيال أو مثل تلك الصنجة لأن الغرض في قدره لا في عينه.
وإذا أسلم في ثوب على صفة خرقة أحضراها لم يجز لجواز أن تهلك الخرقة
فيصير ذلك مجهولا.
وأما الأجل فإنه يجب أن يكون معلوما والمعلوم أن يسلف إلى شهر من
شهور الأهلة فيقول: إلى رجب أو إلى شعبان أو غير ذلك من شهور الهلال، لقوله
تعالى: " قل هي مواقيت للناس والحج " وإن قال: إلى جمادى، حمل على
أولها، وإن قال: إلى شهر ربيع، حمل على أولها.
وإذا أسلم أهل مكة إلى النفر جاز لأنه معلوم وينبغي أن يقول: إنه يحمل
على النفر الأول، وإن أسلمه إلى شهر من شهور الفرس مثل مهر ماه أو آبان ماه
أو شهريور ماه أو إلى شهر من شهور الروم مثل شباط وآذار أو نيسان كان جائزا إذا
أسند ذلك إلى سنة هجرية لأن ذلك معلوم في بلاد العراق وغيرها من البلدان،
وإن قال: إلى خمسة أشهر، جاز أيضا وحمل على الأشهر الهلالية لأن الله تعالى
علق بها مواقيت الناس.
وإذا ثبت ذلك نظر: فإن لم يكن مضى من الهلال شئ عد خمسة أشهر، و
إن كان قد مضى من الهلال شئ حسب ما بقي ثم عد ما بعده بالأهلة سواء كانت
ناقصة أو تامة ثم أتم الشهر الأخير بالعدد ثلاثين يوما لأنه فات الهلال، وإن قلنا:
إنه يعد مثل ما فات من الشهر الأول الهلالي، كان قويا، وإن جعل الأجل إلى
249

النيروز أو المهرجان جاز لأنه معلوم إذا كان من سنة بعينها وإن سلف إلى نيروز
الخليفة ببغداد وبلاد العراق صح لأنه معلوم عند العامة.
إذا ذكرت السنة وإن جعل إلى عيد الفطر أو إلى عيد الأضحى كان جائزا
وكذلك إلى يوم عرفة أو إلى يوم التروية وغير ذلك من الأيام المعروفة.
وإن جعل الأجل بعدد الأيام فقال: إلى ثلاثين يوما أو إلى عشرين يوما أو
إلى عشرة أيام، جاز، وكذلك إن قال: إلى زوال الشمس أو إلى وقت صلاة
الظهر أو إلى طلوع الشمس أو إلى غروبها، كان ذلك جائزا لأنه
معلوم،
والمجهول أن يقول: إلى الحصاد أو إلى الدياس أو إلى الصرام أو
إلى الجذاذ، كل ذلك لا يجوز، ولا يجوز أيضا إلى عطاء السلطان
إذا أراد به فعل السلطان للعطاء لأنه مجهول، وإن أراد وقت العطاء
فإن كان معلوما جاز وإن لم يكن له وقت معلوم لم يجز.
ولا يجوز إلى فصح النصارى وهو عيد لهم، ولا إلى شئ من أعياد أهل
الذمة مثل السعانين وعيد الفطير وما أشبه ذلك لأن المسلمين لا يعرفون ذلك.
ولا يجوز الرجوع إلى قولهم فيصير مجهولا ولأنهم يقدمونه ويؤخرونه
على ما حكي، فإن علم المسلمون من حسابهم مثل ما يعلمونه كان جائزا، ومتى
كان اجله إلى يوم الخميس مثلا في أسبوع بعينه فإذا طلع الفجر من يوم الخميس
فقد حل الأجل.
وإذا قال: إلى شهر رمضان، فإذا غربت الشمس من آخر يوم من شعبان حل
والفرق بينهما أن اليوم اسم لبياض النهار، والشهر اسم لليل والنهار وأول كل
شهر الليل.
وإذا قال: محله من يوم كذا أو شهر كذا أو في سنة كذا، جاز ويلزمه
بدخول الشهر واليوم.
ومن شرط صحة السلم أن يكون المسلم فيه مأمون الانقطاع في محله عام
الوجود ليقدر المسلم إليه على تسليمه وإذا لم يكن مأمون الانقطاع لم يكن
250

مقدورا على تسليمه في الظاهر فلم يجز.
ولا يجوز أن يجعل الأجل في وقت لا يكون وجود المسلم فيه عاما وإنما
يكون نادرا مثل أن يسلف في رطب ويجعل محله في أول الرطب الذي يصير
فيه وجوده أو يجعل المحل في آخر الرطب الذي يكون قد انقطع فيه الرطب و
إنما يبقى في النادر لمن استبقاه لأنه لا يؤمن انقطاعه، ويجب أن يذكر موضع
التسليم، وإن كان لحمله مؤونة وجب ذكره، وإن لم يكن له مؤونة لا يجب
ذلك وكان ذكره احتياطا.
جملة شرائط السلم ثمانية:
أحدها: ذكر النوع.
الثاني: ذكر الأوصاف التي يختلف لأجلها الثمن.
الثالث: ذكر المقدار بالشئ المعلوم عند العامة.
الرابع: ذكر الأجل المعلوم.
الخامس: ذكر موضع التسليم على ما تقدم.
السادس: أن يكون مأمون الانقطاع في محله عام الوجود.
السابع: قبض رأس المال في المجلس.
الثامن: مشاهدة رأس المال أو وصفه مع مشاهدته.
يجوز السلم في الأثمان مثل الدراهم والدنانير إذا كان رأس المال من غير
جنس الأثمان مثل أن يسلف في الدراهم والدنانير ثوبا أو خشبة أو دابة أو عبدا أو
طعاما أو غير ذلك.
فأما إذا أسلف دراهم في دراهم أو في دنانير أو دنانير في دراهم أو دنانير لم
يجز.
فإن أسلف دراهم في دراهم أو في دنانير مطلقا وشرط أن يكون حالا لم
يكن صحيحا، فإن قبضه في المجلس وقبض رأس المال لم يجز لأن العقد لم
يثبت.
251

فأما ذكر الأوصاف التي يوصف بها السلم فإن كان تمرا فيقول: برني أو
معقلي أو طبرزد أو غير ذلك من أجناس التمر لأنه يختلف باختلاف الأنواع.
وإن اختلفت الأجناس في البلدان لم يجز حتى يذكر جنس بلد كذا لأن
الجنس الواحد يختلف باختلاف البلاد، وينبغي أن يذكر بلدا كبيرا يذكر فيه
نبات ذلك الشئ المسلم فيه مأمونا في الغالب إعوازه عند محله.
وإن كان النوع يختلف باللون ذكره بوصفه بالحمرة والسواد وغير
ذلك ويصفه بالصغر والكبر يقول: جيدا أو ردئيا حديثا أو عتيقا، وإن ذكر
عتيق عام أو عامين كان أحوط وإن لم يذكره أجزأه، وما يقع عليه اسم عتيق
يلزمه أخذه بعد أن لا يكون معيبا ولا مسوسا، وجملته أن يذكر ويوصف التمر
بستة أوصاف: النوع والبلد واللون والجيد أو الردئ والحديث أو العتيق
والصغار أو الكبار.
وإذا أسلم في الرطب وصفه بهذه الأوصاف إلا واحدا وهو الحديث أو
العتيق به لأن الرطب لا يكون إلا حديثا فيحصل في الرطب خمسة أوصاف.
وإذا أسلف في تمر لم يكن عليه أن يأخذ إلا جافا لأنه لا يكون تمرا حتى
يجف، وليس عليه أن يأخذه معيبا وعلامة المعيب أن يراه أهل البصيرة فيقولون
هذا عيب فيه، وليس عليه أن يأخذ فيه حشفة واحدة لأنها معيبة وما عطش فأضر
به العطش لأنه عيب.
وإن أسلف في الرطب لم يكن عليه أن يأخذ فيه بسرا ولا مذيبا ولا يأخذ إلا
ما أرطب كله، ولم يكن عليه أن يأخذ مشدخا ولا واحدة وهو ما لم يترطب
فيشدخوه ولا قويا قارب أن يتميز - يعني الناشف - لأن هذا خرج من أن يكون
رطبا.
وهكذا الكلام في أصناف العنب والزبيب وكلما أسلم فيه رطبا أو يابسا
من الفاكهة مثل التين والفرسك وهو الخوخ وجميع أنواع الفاكهة.
وإن كان حنطة قال: شامية أو ميسانية أو موصلية أو مصرية أو عجمية، أو
252

يقول: محمولة من البلد الذي ينبت جيدة أو رديئه عتيقه أو جديدة.
والأحوط أن يسمى حصاد عام أو عامين، وليس ذلك شرطا كما قلناه في
التمر، وإن كان يختلف باللون وصف بسمرته وحمرته وبياضه ويصفها
بالصغر والكبر، ويسمى الكبير بالحادر - والمصدر الحدارة والحادر الوارم - و
جملته ستة أوصاف: النسبة إلى البلد والمحمولة أو المولدة، والحديث أو العتيق،
واللون أو الحدارة أو الدقة والجودة أو الرداءة، وليس على المشتري أن يأخذها
بنفسه معيبة بوجه من وجوه العيب من تسويس ولا ماء أصابها ولا عفونة ولا
تغيير.
والعلس صنف من الحنطة يكون فيه حبتان في كمام فيترك كذلك لأنه
أبقى له حتى يراد استعماله للأكل فيلقى في رحى ضعيفة فيلقى عنه كمامه ويصير
حبا والقول فيه كالقول في الحنطة في أكمامها لا يجوز السلف فيه إلا ملقى عنه
كمامه لاختلاف الكمام، وكذلك القول في القطنية.
الحبوب كلها لا يجوز أن يسلف في شئ منها إلا بعد طرح كمامها عنها
حتى يرى، ولا يجوز حتى يسمى حمصا أو عدسا أو جلبانا أو ماشا وكل صنف
منها على حدته، وهكذا كل صنف من الحبوب أرزا أو دخنا أو سلتا أو غيره
يوصف كما توصف الحنطة يطرح كمامه دون قشوره لأنه لا يجوز أن يباع
بكمامه.
ويوصف العسل ببياض أو صفرة أو خضرة، ويوصف ببلده فيقال: جبلي أو
بلدي وما أشبه ذلك، ويوصف بزمانه فيقال: ربيعي أو خريفي أو صيفي، و
ليس له أن يأخذه بشمع لأنه ليس بعسل، وله أن يطالب بعسل صاف من
الشمع، وإن صفي بالنار لم يجبر على أخذه لأن النار تغير طعمه فينقصه لكن
يصفى بغير نار، فإن جاءه بعسل رقيق فقال أهل الخبرة: هذا من حر البلد، لزمه
أخذه وإن قالوا: الرقة في هذا الجنس من العسل عيب ينقص من ثمنه، لم يلزمه
أخذه، ومن اشترط أجود الطعام أو أردأه لم يجز لأنه لا يوقف عليه، ولا يجوز أن
253

يذكر جيدا أو رديئا لأن ذلك معروف بالعادة.
وإن كان المسلف فيه رقيقا قال: عبدا نوبيا خماسيا أو سداسيا أو محتلما، و
جملته أن يضبطه بستة أوصاف: النوع واللون والسن والقد والذكورية
أو الأنوثية والجودة أو الرداءة فالنوع مثل أن يقول: تركي أو رومي أو أرمني أو
زنجي أو حبشي أو نوبي أو هندي، وإن كان النوع الواحد يختلف مثل أن يكون
تركي جكلي أو غيره فينبغي ذكره، وإن كان النوع الواحد يختلف باللون ذكره
فيقول: أبيض أو أصفر أو أسود.
وأما السن فلا بد من ذكرها، وإن كان بالغا قبل قوله في مقدار سنه، و إن
كان صغيرا قبل قول سيده، وإن كان مجلوبا ولم يكن مولدا ولم يعرف سيده
مقدار سنه رجع إلى أهل الخبرة والبصيرة حتى يقولوا على التقريب.
وأما القد فإنه يقول خماسي أو سداسي، ومعناه خمسة أشبار أو ستة أشبار.
وأما الذكورية والأنوثية فإن الأغراض تختلف فيها والثمن يختلف
لأجلهما فلا بد من ذكر واحد منهما وكذلك الجودة والرداءة، ولا بد
أن يذكر البكارة في الجارية أو الثيوبة إذا كان الثمن يختلف لأجله ويحليهم بالجعودة
والسبوطة وإن لم يفعل فلا بأس به لأنه لا يختلف الثمن لأجله اختلافا كثيرا.
ولا يجب ذكر سائر الحلي مثل مقرون الحاجبين أدعج العينين أقنى الأنف و
ما أشبه ذلك، وإن كانت جارية لا يجوز أن يشترط معها ولدها لأن ولدها
لا يمكن ضبطه بالصفة لأنها ربما لم تلد كذلك، وكذلك لا يجوز أن يسلف في
خنثى لأنه ربما لم يتفق ذلك.
فإن سلف في جارية وولد جاز لأنه سلم في صغير وكبير إذا لم يقل ابنها.
وإن اشترط في العبد أن يكون خبازا وفي الجارية كونها ماشطة كان
صحيحا وكان له أدنى ما يقع عليه اسم المشط والخبز.
ولا يجوز السلف في جارية حبلى لأن الحمل مجهول لا يمكن ضبطه
بأوصافه.
254

وإذا أسلم في الإبل وصفها بخمس شرائط: بأنها من نتاج بني فلان، وإن
كان يختلف نتاجهم ويتنوع ويختلف الثمن به وجب ذكره مثل أن يقول:
مهرية أو أرجية أو مجيدية.
والسن لا بد من ذكرها فيقول: بنت لبون أو حقة أو جذعة أو ثنية أو رباع
أو سديس أو بازل عام أو عامين.
وأما الذكر والأنثى فلا بد من ذكره، وكذلك الجيد والردئ، وكذلك
يذكر اللون أبيض أو أحمر أو أزرق أو أسود فإن اللون فيها مقصود، فذلك خمس
شرائط: النتاج والسن واللون والذكورية والأنوثية والجودة والرداءة.
وإذا اختلف نتاج بني فلان فقد قلنا: يذكر النوع، صارت ستة شرائط.
ويستحب أن يذكر بريئا من العيوب ويسمى ذلك غير مودن وسط الخلق
مجفر الجنبين - يعني بمودن الذي يولد ضاويا - مديد القامة كامل الأعضاء و
مجفر الجنبين - يعني ممتلئ الجوف منتفخ الخواصر وذلك مدح في الإبل، و
ضمور بطنها نقص، وذلك كله تأكيد وليس بشرط.
وإن كان السلف في الفرس يصف شيته مع لونه فإن لم يفعل فله اللون
بهيما وإن كان له شية وهو بالخيار في أخذها وتركها، ويذكر الشرائط التي
ذكرناها في الإبل سواء وأن يوصف شيته مثل البلقة والتحجيل أو الغرة جاز،
وإن لم يصف كان البهيم لونا واحدا لأنه إذا قال أشهب أو أدهم أو أشقر، كان
ذلك وصفا للجميع.
وأما البغال والحمير فلا نتاج لهما فيصفها وينسبها إلى بلادها وما تعرف
به من أوصافها التي يختلف الثمن لأجلها.
وأما الغنم فإن عرف لها نتاج فهي كالإبل وإن لم يعرف لها نتاج نسبت
إلى بلادها وكذلك البقر، وإن أسلم في شاة معها ولدها أو حامل فعلى ما تقدم
بيانه.
وإن أسلم في شاة لبون صح ويكون ذلك شرطا للنوع لا للسلم في اللبن
255

ولا يلزمه تسليم اللبن في الضرع ويكون له حلبها وتسليم الشاة من غير لبن.
وإذا أسلم في الثياب فلا بد من ذكر ثمانية شرائط: الجنس، والبلد، والطول
والعرض، والصفاقة أو الرقة، والغلظة أو الدقة، والنعومة أو الخشونة، والجودة
أو الرداءة.
فالجنس أن يقول من إبريسم أو قز أو كتان أو قطن أو صوف.
والبلد أن يقول هروي رازي همداني بغدادي رومي طبري مصري سقلبي
تكريتي وما أشبه ذلك.
وقدر الطول والعرض وسائر الأوصاف التي ذكرناها لأن الثمن يختلف
باختلافها اختلافا مباينا.
ولا يذكر مع هذه الأوصاف الوزن فإن ذكر الوزن فسد السلم، لأنه يتعذر
مع هذه الأوصاف الوزن إلا نادرا.
وقال قوم: لا يجب ذكره ولا يفسد السلم يذكره وإن ذكر خاما أو
مقصورا جاز وإن لم يذكره أعطاه ما شاء وإن كان جديدا مغسولا جاز وإن
ذكر لبيسا مغسولا لم يجز لأن اللبس يختلف ولا يضبط.
وإن أسلم في الثوب المصبوغ فإن كان يصبغ غزله جاز لأن لونه يجري
مجرى لون الغزل ويوقف على صفته وإن كان يصبغ بعد النسج لم يجز لأن
ذلك يكون سلما في الثوب والصبغ المجهول ولأنه يمنع من الوقوف على
نعومة الثوب وخشونته وإدراك صفته.
وإن أسلم في ثوب منسوج من جنسين، من الغزل ومن الخز أو الإبريسم
مثل العتابي والأكسية الملونة التي سداها إبريسم ولحمتها صوف قيل: إنه
لا يجوز لأنه مختلط من جنسين فهو في معنى السلف في الغالية، والدهن يقع فيه
اختلاط ومثل الأبنية المتخذة من جنسين من نحاس ورصاص أو حديد أو قزاز
ورمل ومثل السلم في القلنسوة المحشوة والخفين وما أشبه ذلك، وذلك كله
فاسد.
256

وقيل: إن ذلك يجوز لأنه يعلم أن السدى إبريسم واللحمة خز أو صوف و
ليس من شرطه أن يكون مقداره في الوزن معلوما وهذا أقرب، ولا يجوز السلم
في الثوب المطيب لأن الطيب مختلف.
وإذا أسلم في الرصاص فليذكر وزنه ونوعه فيقول قلعي أو أسرب، ويصفه
بالنعومة والخشونة والجودة والرداءة واللون إن كان يختلف، وكذلك
النحاس يصفه بأوصافه التي يختلف الثمن لأجلها، وكذلك الحديد ويزيد في
الحديد ذكرا أو أنثى لأن الذكر منه أكثر ثمنا لأنه أحد وأمضي. وأما
الأواني المتخذة منها فإنه لا بأس بالسلم فيها مثل أن يسلم في طشت أو
تور من نحاس أحمر أو أبيض أو شبه أو رصاص أو حديد ويصفه بسعة معروفة و
مضروبا أو مفرغا يعني مصبوبا وبصيغة معروفة ويصفه بالثخانة أو الرقة، و
كذلك كل إناء من جنس واحد ضبط صفته فهو كالطشت والقمقمة، وإن كان
يضبط أن يكون مع شرط السعة وزن كذا كان أصح وإن لم يشترط وزنا صح
كما يصح أن يبتاع ثوبا بصفة وسعة وإن لم يذكر وزنا وفي الناس من قال:
لا يجوز السلم في القمقمة والأسطال المدورة والمراجل لاختلافها فإن القمقمة
بدنها واسع وعنقها ضيق فيكون في معنى السلم في السهام والأول أقوى.
ولا بأس أن يبتاع صحانا وقد حانا من شجر معروف ويصفه بصفة معروفة
وقدر معروف من الكبر والصغر والعمق والضيق ويشترط أي عمل شاء و
يصفه بالثخانة أو الرقة، وإن اشترط وزنه كان أصح وإن لم يشترط جاز.
ويجوز السلم في الزاووق - يعني الزيبق -، ويجوز السلف في الشب و
الكبريت وحجارة الكحل وغيرها.
الظاهر من المذهب أن اللحم لا يجوز الإسلاف فيه، وفي الناس من قال:
يجوز، فمن أجازه قال: إذا أسلم فيه ضبطه بسبعة أوصاف: الجنس والسن و
الذكر أو الأنثى والسمين أو المهزول والمعلوف أو الراعي والموضع من البدن
والمقدار.
257

فالجنس يقول لحم بقر أو غنم أو ماعز أو ضأن، ويذكر السن ويقول في
الصغر رضيع أو فطيم ذكر أو أنثى لأن الأنثى لحمها أرطب، ويقول في الذكر
خصي أو فحل، لأن لحم الخصي أرطب، ويقول سمين أو مهزول ومعلوف أو
راعي في جميع الأنواع من اللحم لأن الثمن يختلف باختلافه، ويقول لحم الرقبة
أو الكتف أو الذراع أو الفخذ لأن ذلك يختلف في الجودة والرداءة، وربما
اختلف ثمنه، ويذكر المقدار وزنا فذلك سبعة أوصاف ويتفرع وصفان في
الصغر فطيما أو رضيعا، وفي الذكر فحلا أو خصيا فإذا ثبت هذا فاللحم يسلم إليه
مع العظم لأنه كذلك يباع في العادة، وإن أسلم في مشوي أو مطبوخ لا يجوز
لأن عمل النار يختلف فيه، ويكره اشتراط الأعجف لأن ذلك يكون غررا.
ويجوز السلف في الشحم ويصفه وزنا ويبين شحم البطن أو شحم غيره،
وإن باع مطلقا لم يجز لاختلاف شحم البطن وغيره، ويسمى شحم صغير أو
كبير ماعز أو ضأن أو بقر، وكذلك يجوز أن يسلم في الألبان وزنا، ولحوم
الصيد إذا كانت ويذكر فيها سبعة أوصاف: النوع والذكر أو الأنثى، والسمين
أو المهزول والصغير أو الكبير، والجيد أو الردئ، والمقدار وزنا يجوز
الإسلاف فيه عند من أجازه وإن كان يختلف بآلة الصيد شرط أيضا لأن الصيد
الأجولة أنظف وهو سليم وصيد الجارح مجروح ومتألم.
ولا بد أن يشرط صيد ما يجوز أكل صيده مثل الكلب فإن صيد الفهد لا
يجوز عندنا، ولا يذكر فيه راعيا ولا معلوفا ولا فحلا ولا خصيا لأنها لا تكون إلا
راعية وفحولة ولا يكون خصيا.
ويذكر النوع فيقول لحم ظبي أو إبل أو بقر وحش أو حمار وحش أو
صنف بعينه ثم ينظر: فإن كان يعم وجوده أسلم فيه في كل وقت وجعل
محله أي وقت شاء، وإن كان ينقطع في بعض الأوقات دون بعضه فإنه إن أسلم
في الزمان الذي هو منقطع فيه جعل محله في الزمان الذي يعم وجوده.
ولحم الطير يصف فيه النوع من العصافير والقنابر وغيرهما ويسمى كل
258

نوع باسمه الخاص ويذكر صغيرا أو كبيرا سمينا أو مهزولا جيدا أو رديئا وقدرا
معلوما بالوزن، وإن كان كبيرا يبين فيه موضع اللحم ذكره، ولا يأخذ في الوزن
الرأس والساق والرجل لأنه لا لحم عليه.
وإذا أسلم في الحيتان ذكر جميع ما ذكر به وإن كان يختلف باختلاف
المياه ذكره فإنه ربما اختلف البحري والنهري والأجمي.
ويجوز السلف في السمن ويذكر النوع فيقول سمن ضأن أو ماعز أو بقر أو
جواميس أو غيرها فإن ذلك يختلف، ويذكر بلده فإنه يختلف بالبلدان، ويذكر
الحديث أو العتيق فإنه يختلف ثمنه ويذكر جيدا أو رديئا، ويذكر مقداره.
ويجوز السلم في الزبد، ويصفه بأوصاف السمن ويزيد فيه زبد يومه أو
أمسه لأنه يختلف بذلك، ولا يجوز أن يعطيه زبدا بخيحا - وهو الذي أعيد في
السقاء وطري - وإن كان فيه رقة فإن كان لحر الزمان قبل، وإن كان لعيب فيه
لم يجبر على قبوله.
وإذا أسلم في اللبن وصفه بأوصاف السمن ويزيد فيه ذكر المرعى فيقول
لبن عواد أو أوارك أو حمضية - وذلك اسم للكلأ فالحمضية هو الذي فيه
الملوحة والعوادي هي الإبل التي ترعى ما حلا من النبات وهو
الخلة يقول العرب: الخلة خبز الإبل، والحمض فاكهتها -.
فإذا كانت الإبل ترعى الخلة سميت عوادي، وإن كانت ترعى في الحمض
تسمى أوارك وتسمى حمضية، ويختلف ألبانها بذلك، ويذكر معلوفة أو
راعية، ويذكر حليب يومه ويلزمه أن يعطيه حلوا فإن كان حامضا كان المشتري
بالخيار.
ولا يجوز السلم فيه لأن الحموضة عيب ونقص ولا يضبط، ويجوز أن
يشترط كيلا أو وزنا فإن كان كيلا ترك اللبن حتى تسكن برغوته بعد الحلب
لأن ذلك يبين في المكيال، وإن كان وزنا لا يحتاج إليه لأن الوزن يأتي عليه.
ويجوز السلم في الجبن ويوصف بما ذكرنا، ويقول فيه: رطب أو يابس،
259

ويذكر بلده لأنه يختلف باختلاف البلدان.
ولا يجوز السلم في المخيض لأن فيه ماء لأن الزبد لا يخرج منه إلا بالماء
ولا يمكن معرفة مقدار اللبن، واللبأ كاللبن إلا أنه موزون لأنه يتجافى في
المكيال.
ويجوز السلف في الصوف ويصفه بسبعة أوصاف: بالبلد فيقول حلواني
أو جبلي أو غير ذلك، وباللون فيقول أسود أو أبيض أو أحمر، ويقول طوال
الطاقات أو قصارها، ويقول صوف الفحولة أو الإناث لأن صوف الفحولة أخشن
وصوف الإناث أنعم، ويذكر الزمان فيقول خريفي أو ربيعي، فإن الربيعي
أوسخ والخريفي أنظف، ويذكر جيدا أو رديئا، ويذكر المقدار وزنا ويقول نقيا
من الشوك والبعر، وإن لم يذكر ذلك وجب عليه دفعه بلا شوك ولا بعر لأن
ذلك ليس بصوف.
وكذلك الوبر والشعر يجوز السلم فيهما ويصفهما بمثل ما ذكرنا و
لا يصح أن يسلف في صوف غنم بأعيانها لأن الآفة تأتي عليها فتذهبه أو تنقصه.
ويجوز السلف في الكرسف - وهو القطن - ويصفه بستة أوصاف: بلده
فيقول جبلي أو بصري أو دينوري أو رازي أو نيشابوري، ويصف لونه فيقول
أبيض أو أسمر ويقول ناعم أو خشن وجيد أو ردئ، ويصف طول العطب و
قصرها ويصف مقدارها بالوزن، فإذا أسلم فيه وجاء المسلم إليه به أجبر على
قبضه بحبه لأن الحب فيه بمنزلة البذر في الثمرة، وإن شرط محلوجا جاز ويجب
تسليمه منزوع الحب، وإن أسلم في الغزل جاز ويزيد فيه غليظا أو دقيقا.
ويجوز السلم في الإبريسم ويصف بلده فيقول بغدادي أو طبري أو
خوارزمي، ويذكر لونه أبيض أو أصفر ويذكر جيدا أو رديئا ويذكر وزنه، و
لا يحتاج إلى ذكر النعومة والخشونة لأنه لا يختلف في ذلك.
ولا يجوز السلف في القز لأن في جوفه دودا ليس بمقصود ولا فيه مصلحة
فإنه إذا ترك فيه أفسده لأنه يقرضه ويخرج منه فإن كان يابسا مات فيه الدود
260

فلا يجوز بيعه لأنه ميتة، فإن أسلم في قز قد خرج منه الدود جاز لأنه يطبخ و
يغزل ويعمل منه ثياب القز.
ويجوز أن يسلف في المكيل من الحبوب والأدهان وزنا، وفي الموزون
من الأشياء كيلا إذا كان يمكن كيله ولا يتجافى في المكيال.
ولا يجوز بيع الجنس الواحد مما يجري فيه الربا بعضه ببعض وزنا إذا
كان أصله الكيل، ولا كيلا إذا كان أصله الوزن، والفرق بينهما أن المقصود من
السلم معرفة مقدار المسلم فيه حتى تزول عنه الجهالة وذلك يحصل بأيهما قدره
من كيل أو وزن وليس كذلك ما يجري فيه الربا فإنه أوجب علينا التساوي و
التماثل بالكيل في المكيلات وبالوزن في الموزونات.
فإذا باع المكيل بعضه ببعض وزنا فإذا رد إلى الكيل جاز أن يتفاضل لثقل
أحدهما وخفة الآخر فلذلك افترقا.
الخشب على أربعة أضرب: خشب البناء وخشب القسي وخشب الوقود و
خشب يعمل منه النصب وغير ذلك.
فأما الذي يستعمل في البناء إذا أسلم فيها وصف نوعها فيقول ساج أو
صنوبر أو غرب أو نخل، ويصف لونه إن كان يختلف اللون، ويصفه بالرطوبة و
اليبوسة، ويصف طوله وعرضه إن كان له عرض أو دورة أو سمكة وجيدة أو
رديئه، وإن ذكر مع ذلك وزنه جاز وإن لم يذكر وزنه جاز، وليس له العقد
لأن ذلك عيب فيه ويلزمه أن يسلم من الطرف إلى الطرف على ما يصفه من
الدور والعرض، وإن سلم وأحد طرفيه أغلظ أجبر على قبضه لأنه زاده خيرا وإن
كان أنقص لم يجبر على قبضه.
وأما خشب القسي فيذكر نوعها نبع أو شريان أو غيرهما ويقال فيه خوط أو
فلقة - والفلقة أقوم نباتا من الخوط، والخوط الشاب - ويذكر جبلي أو سهلي
لأن الجبلي أقوى وأثمن، وما كان للوقود فإنه يصف نوعها فيقول سمر أو سلام
أو أراك أو عرعر غلاظ أو دقاق أو أوساط، ويصف قدرها من الوزن جيدا أو
261

رديئا يابسا أو رطبا ولا يحتاج إلى ذكر اللون ولا يجوز أن يسلم فيها حزما ولا
عددا.
وأما ما يصلح للنصب وغيرها مثل الآبنوس والساسم فإنه يصف نوعه
ولونه وينسبه إلى الغلظ من ذلك الصنف أو إلى ما يكون دقيقا وسائر ما يتعرف
به ويخرج من حد الجهالة.
ولا يجوز السلم في القسي المجهولة لاختلاف أنواعها وآلاتها.
والحجارة على ثلاثة أضرب: حجارة الأرحية وحجارة الأبنية وحجارة
الآنية.
فأما حجارة الأرحية فإنه يصفها بالبلد فيقول موصلي أو تكريتي، وإن اختلف
لونه وصفه أخضر أو أبيض ويصف دوره وثخانته وجيدا أو رديئا، وإن ذكر
وزنه جاز وإن لم يذكر جاز فإذا ذكر وزنه وزن بالميزان أو القبان أو السفينة إذا
لم يمكن غير ذلك بأن يترك ذلك فيها وينظر إلى أي حد يغوص في الماء ثم
يخرج منها وطرح أحجارا صغارا أو ترابا أو رملا إلى أن يغوص إلى ذلك الحد
ثم يوزن وينظر كم هو.
وأما حجارة الأبنية فإنه يذكر نوعها ولونها أبيض أو أخضر ويصف
عظمها ويقول ما يحمل البقر منها اثنين أو ثلاثة أو أربعة أو ستة، ويصف الوزن
مع ذلك لأن الحمل يختلف ويقول جيد أو ردئ.
ويجوز السلف في النقل وهي الحجارة الصغار يصلح للحشور والدواخل،
ولا يجوز إلا وزنا لأنه يتجافى في المكيال وينسبها إلى الصلابة ولا يلزمه أن يقبل
كتانا ولا مفتتا، والرخام يذكر نوعه ولونه وصفاه وجيدة أو رديئه ويذكر
طوله أو عرضه أو دوره إن كان مدورا، ويذكر ثخانته وإن كان لها براسع
مختلفة وصفها - وهي الخطط التي تكون فيها -.
وأما حجارة الآنية فيذكر نوعها فيقول برام طوسي أو مكي، فإن المكي
أصلب وأقوى، وجيد أو ردئ ويذكر جميع ما يختلف الثمن لأجله ويذكر
262

مقداره وزنا وكذلك يصف البلور بأوصافه.
ويجوز السلم في الآنية المتخذة منها بعد أن يصف طولها وعرضها وعمقها
أو ثخانتها وصنعته إن كان تختلف فيه الصنعة وإن ذكر الوزن كان أحوط وإن
لم يذكر لم يضره.
ويجوز السلم في القضة والنورة - والقضة هي الجص - وينسبها إلى
أرضها فإنها تختلف ويصف بالبياض والسمرة والجودة والرداءة ويذكر كيلا
معلوما، ولا يجوز إجمالا ولا مكاتل لأن ذلك يختلف، وإن كانا مطيرين لا يجبر
على قبولهما وإن كانا جفا ويبسا لأنه عيب فيهما وكذلك إذا قدما فإنه
يفسدهما.
والمدر يجوز السلم فيه ويصفه بالموضع وجيد أو ردئ، وإن اختلف
لونه ذكره فيقول أحمر أو أغبر، وإن كان مطيرا وجف أجبر على قبوله لأن المطر
لا يضره إذا عاد إلى الجفاف.
ويجوز السلف في الآجر ويصف طوله وعرضه وثخانته.
ويجوز السلم في اللبن ويصفه بما تقدم ذكره، وإن أسلم في اللبن وشرط أن
يطبخه لم يجز لأنه لا يعرف قدر ما يذهب في طبخه من الحطب ولأنه قد يفسد.
وأما العطر فعلى ضربين: ضرب هو صنف مفرد وضرب هو أخلاط
مجتمعة.
فأما الصنف المنفرد فمثل العنبر والعود والكافور والمسك فإنه يجوز
السلف فيه، وقيل في العنبر: إنه نبات في البحر، وقيل غير ذلك غير أنه
لا خلاف في جواز بيعه ويذكر لونه أشهب أو أخضر أو أبيض لأنه يختلف ثمنه
بذلك، فإن كان يختلف بلده يذكر عنبر بلد كذا أو يذكر جيدا أو رديئا، وقطعة
واحدة وزنها كذا إذا كان يوجد مبلغ ذلك الوزن في القطعة الواحدة، أو قطعا و
وزن كل قطعة كذا، فإذا شرط قطعة واحدة لم يجبر أن يقبل قطعا أو قطعتين، و
إن شرط قطعتين فصاعدا لم يجبر أن يقبل أكثر منهما ولا أن يقبل مفتتا، وإن سمى
263

عنبرا وصف لونه وجودته وكان له في ذلك اللون والجودة صغارا أعطاه أو
كبارا لأن ذكر الأقطاع استحباب.
وأما العود فإنه يتفاضل تفاضلا كثيرا ففيه ما يساوي منا بمائة دينار ومن
صنف آخر يساوي خمسة دنانير وكلاهما ينسب إلى الجودة من جنسه فلا يجوز
حتى يوصف كل جنس منه بالشئ الذي يعرف به ويميز بينه وبين غيره و
كذلك الكافور يصفه بمثل ما ذكرناه، والمسك طاهر طيب فإن ضبط بالصفة
جاز السلم فيه، ولا يجوز السلم في فأره وإن جاز بيعه على ما مضى من الخلاف
فيه.
وأما الضرب المختلط فمثل الغالية والند والعود والمطر فلا يجوز السلم
فيه لأن كل نوع منه مقصود فيه ولا يعرف قدره فيكون سلما في نوع مجهول.
ويجوز السلم في الجبن وإن كان فيه ملح وإنفحة لأنهما غير مقصودين.
ويجوز السلم في خل التمر والزبيب وإن كان فيه ماء لأن الماء ليس
بمقصود.
ويجوز السلم في الخز والأكسية الطبري التي من إبريسم ومن صوف لأنه
معلوم.
ولا يجوز السلم في اللبن المشوب بالماء لأن الماء مفسد له.
ومتاع الصيادلة على ضربين: منفرد ومختلط.
فإن كان منفردا فما تباين منه بجنس ولون وغير ذلك سمي بذلك وبين و
ذكر وزنه وأنه حديث أو عتيق لأنه إذا عتق لم يكن جيدا ولم يذكر جيدا و
رديئا.
وأما المختلط فمثل المعجونات فلا يجوز السلف فيها، ويجوز السلف في
اللبان والمصطكي والغراء العربي وصمغ الشجر كله، فإن كان منه في شجرة
واحدة كاللبان وصفه بالبياض وأنه غير ذكر فإن منه شيئا يعرفه أهل الخبرة
يقولون: إنه ذكرا إذا مضغ فسد، وما كان منه في شجر شتى مثل الغراء وصف
264

شجره وما يتميز به ولا يوزن فيه شئ من الشجر ولا توزن الصمغة إلا محضة.
وأما طين الأرمني الذي بيع في الأدوية وطين الجيرة المختوم يجوز السلم
فيه إذا كان خالصا من الغش ويشهد بصحته نفسان من المسلمين ويوصف لونه
وجنسه وجيدة أو رديئه أو مقداره وزنا.
وأمتعة الصيادلة فما لم يكن معرفته عامة عند عدول المسلمين أقل ذلك
عدلان من المسلمين يشهدان على تمييزه لم يجز السلف فيه وإن كانت معرفته
عند الأطباء من غير المسلمين لم يجز السلف فيه إجماعا، وإنما يجوز فيما يشهد
به نفسان من المسلمين فصاعدا.
ولا يجوز بيع الترياق لأنه يعمل من لحوم الأفاعي وهي إذا قتلت كانت
نجسة إجماعا والسلف فيه لا يصح.
وأما السم فإن كان معمولا من الحيات فهو أيضا نجس لا يجوز بيعه ولا
السلف فيه، وإن كان من النبات نظر فيه: فإن كان قليله وكثيره قاتلا لم يجز
بيعه لأنه لا منفعة فيه إجماعا، وإن كان قليله نافعا وكثيره قاتلا مثل السقمونيا وما
أشبهها فإنه يجوز بيع يسيرة والسلم فيه، ويجوز ذلك في الكثير أيضا، ويجوز
بيع الداري فإنه ينتفع به في غير النبيذ من الأدوية.
ويجوز السلم في الدقيق لأنه يضبط بالوصف، وإن سلف في طعام على أنه
يطبخه لم يجز.
الإقالة:
فسخ سواء كان قبل القبض أو بعده في حق المتعاقدين أو في حق غيرهما
بدلالة أنه لا يجوز الزيادة في الثمن ولا النقصان منه إجماعا ولا تسقط أجرة الدلال
بالبيع الأول لأنه قد استحق الأجرة ولا دليل على إسقاطه.
وإذا ثبت أنها فسخ فلا يثبت حق الشفعة للشفيع لأن البيع قد بطل.
والإقالة نفسها ليست ببيع وإذا أقاله بأكثر من الثمن أو بأقل أو بجنس
265

غيره كانت فاسدة والمبيع على ملك المشتري كما كان لأنه لا دليل على
صحته.
وتصح الإقالة في جميع السلم وتصح في بعضه ولا فرق بينهما، فإن أقاله
في جميع السلم فقد برئ المسلم إليه من المسلم فيه ولزمه رد ما قبضه من رأس
المال إن كان قائما بعينه وإن كان تالفا لزمه مثله، فإن تراضيا بقبض بدله من
جنس آخر مثل أن يأخذ دراهم بدل الدنانير أو الدنانير بدل الدراهم أو يأخذ
عرضا آخر بدل الدراهم أو الدنانير كان جائزا، فإن أخذ الدنانير بدل
الدراهم أو الدراهم بدل الدنانير وجب أن يقبضها في المجلس قبل أن يفارقه لأن ذلك
صرف.
وإن أخذ عرضا آخر جاز أن يفارقه قبل القبض لأنه بيع عرض معين بثمن
في الذمة، وفي الناس من قال: يجب التقابض على كل حال لأنه لو فارقه قبل
القبض كان الثمن والمثمن مضمونين على البائع وذلك لا يجوز.
إذا أسلف في شئ فلا يجوز أن يشرك فيه غيره ولا أن يوليه فالشركة أن
يقول له رجل: شاركني في النصف بنصف الثمن، والتولية أن يقول له: ولني
جميعه بجميع الثمن أو ولني نصفه بنصف الثمن، لأن النبي صلى الله عليه وآله نهى
عن بيع ما لم يقبض وقال: من أسلف في شئ فلا يصرفه إلى غيره، هذا إذا كان
قبل القبض فإن قبضه صحت الشركة فيه والتولية بلا خلاف، وبيوع الأعيان
مثل ذلك.
وإن لم يكن قبض المبيع فلا يصح فيه الشركة ولا التولية، وإن كان قد
قبضه صحت الشركة والتولية بلا خلاف كما يجوز بيعه بلا خلاف كما قلنا، وقد
روى أصحابنا جواز بيعه والشركة فيه قبل القبض.
إذا أتى المسلم إليه بالمسلم فيه دون صفته وقبضه المسلم بطيبة من قلبه كان
جائزا سواء كان بشرط أو بغير شرط، فمثال ما يكون بشرط أن يقول: عجل لي
حقي حتى أقبض أردأ من حقي أو أدون من حقي، وما لم يكن بشرط ألا يذكر
266

شرطا لأن التراضي جائز بين المسلمين والمنع يحتاج إلى دليل، وإن قال
المسلم إليه: زدني شيئا وأقدم لك، لم يجز إجماعا.
فصل: فيما لا يجوز فيه السلف:
النبل المعمول لا يجوز الإسلاف فيه لأنه آلات مجموعة من الخشب والريش
والحديد وما تلف عليه من القشر أو الخشب ولا يمكن ضبط ذلك بالصفة وإن
كان منحوتا غير معمول وإنما هو الخشب فلا يجوز السلم فيه أيضا لأنه لا يقدر
على ذرع ثخانتها وهي تباين ثمنها فإن أمكن ذلك فلا بأس به لكن الأحوط ما
قدمناه، وأما عيدانه التي لم تنحت فالسلم فيه جائز وزنا وإن أمكن أن يقدر طولها
وعرضها بما يجوز التقدير في السلم عددا كان جائزا، ولا يجوز السلم في شئ
من الجواهر التي يتحلى بها من لؤلؤ وياقوت وزبرجد وعقيق وفيروزج و
غيرها لأنها لا تضبط بالصفة فإنها تختلف بالعظم والصغر والصفا وحسن
التذوير ويتباين تباينا عظيما.
ويجوز السلم في الخيار والقثاء والبطيخ والفجل والجزر والفواكه كلها
من الرمان والسفرجل والفرسك والتفاح والموز وغير ذلك، وفي البقول
كلها إذا سمي كل جنس منها هندباء أو جرجيرا أو كوثا أو خسا أو أي صنف
منها ويذكر ما يضبط به تعرف صفته، ولا يجوز جميع ذلك إلا وزنا معلوما، و
لا يجوز عددا لأن فيها صغيرا وكبيرا.
ويجوز السلم في قصب السكر إذا ضبط بما يعرف ولا يقبل أعلاه الذي لا
حلاوة فيه، ويقطع مجامع عروقه من أسلفه ويطرح ما عليه من القشور، ولا
يجوز أن يسلف فيه حزما ولا عددا ولا يجوز إلا وزنا وكذلك القصب و
القصيل.
وكلما أنبتته الأرض لا يجوز السلم فيه إلا وزنا.
والتين يجوز أن يسلف فيه كيلا أو وزنا من جنس معروف إذا اختلف
267

جنسه.
ويجوز السلف في الجوز والبيض وزنا وكذلك في اللوز والفستق والبندق
وزنا وكيلا ولا يجوز عددا.
ولا يجوز السلف في الرؤوس سواء كانت مشوية أو نية لأنها لا تضبط
بالصفة، ولا يجوز السلف في جلود الغنم إذا شاهدها، وروي أنه لا يجوز وهو
الأحوط لأنه مختلف الخلقة واللون ولا يمكن ضبطه بالصفة لاختلاف خلقته ولا
يمكن ذرعه ولا يجوز وزنه لأنه يكون ثقيلا وثمنه أقل من ثمن الخفيف، وعلى
هذا لا يجوز السلف في الرق ولا فيما يتخذ من الجلود من فلع ونعال مقدودة
محذوة وخفاف وغير ذلك لاختلاف خلقة الجلد، ولا يمكن ضبطه بالصفة.
ويجوز السلف في القرطاس إذا ضبط بالصفة كما تضبط الثياب بصفة و
طول وعرض وذرع وجودة ورقة وغلظة واستواء صنعة، وإن كانت مختلفة
في قرى ورساتيق لم يجز حتى يقول صنعة قرية كذا أو ناحية كذا أو يذكر
أبيض نقيا أو أسمر منكسفا.
وإذا أسلم مائة درهم في كر طعام وشرط أن يجعل خمسين درهما في
الحال وخمسين إلى أجل أو عجل خمسين وفارقه لم يصح السلم في الجميع،
وإن شرط خمسين نقدا وخمسين دينا له في ذمة المسلم إليه فلا يصح في الدين،
ويصح في النقد.
إذا أسلم في جنسين مختلفين مثل حنطة وشعير في صفقة واحدة أو أسلم في
جنس واحد إلى أجلين أو آجال فالسلم صحيح لأنه لا دليل على فساده، وقد
قيل: إنه فاسد لأنه مجهول المقدار والأجل.
إذا اختلفا في قدر المبيع أو قدر رأس المال وهو الثمن أو في الأجل أو في
قدره كان القول فيه قول البائع مع يمينه، إلا في الثمن فإن القول فيه قول
المشتري مع يمينه إذا لم تكن هناك بينة لأن البائع مدعى عليه في المقدار و
الأجل والمشتري مدعى عليه في الثمن.
268

إن اتفقا في الأجل وقدره واختلفا في انقضائه فقال المشتري: قد انقضى
الأجل واستحققت المسلم فيه، وقال البائع: لم ينقض، فالقول قول البائع لأن
الأصل بقاء الأجل وعلى من ادعى انقضاءه البينة.
وهذا الاختلاف يصح إذا اختلفا في وقت العقد واتفقا على أن الأجل ثلاثة
أشهر واختلفا في وقت العقد فقال المشتري: عقدنا السلم في أول يوم رجب و
استحققت في أول شوال، وقال البائع: عقدناه في أول شعبان وتستحقه أول ذي
القعدة، فإذا كان كذلك حلف البائع لما قلناه.
ولا يجوز السلم في العقار لأنهما إذا أطلقا الوصف من غير تعيين لم يجب
لأنه يختلف باختلاف الأماكن والقرب من البلد والبعد منه وإن عينت البقعة لم
يجز لأنه إن قيل من القرية الفلانية اختلف باختلاف أماكنه، وإن عين أرضا
بعينها لا يصح لأن بيع العين بصفة لا يجوز ولا يصح.
فصل: في امتناع ذي الحق من أخذه وما لا يلزم قبوله:
إذا أتى المسلم إليه بالمسلم فيه فلا يخلو من ثلاثة أحوال: إما أن يأتي به على
صفته أو يأتي به دون صفته أو فوق صفته.
فإن كان على صفته لزمه قبوله لأنه أتى بما تناوله العقد فإن امتنع قيل له:
إما أن تقبله وإما أن تبرئه منه لأن للإنسان غرضا في تبرئة ذمته من حق غيره و
ليس لك له أن تبقية في ذمته بغير اختياره، وبراءته تحصل بقبض ما عليه أو
إبرائه منه فأيهما فعل جاز.
وإن امتنع قبضه الإمام أو النائب عنه عن المسلم إليه وتركه في بيت المال
له إلى أن يختار قبضه وإبراء المسلم إليه منه بالإسقاط عن ذمته لأن الإبراء
لا يملك بالولاية وقبض الحق يملك بالولاية.
وإن أتى به دون صفته لم يلزمه قبوله ولا يجبر على قبضه لأن ذلك إسقاط
صفة استحقها ولا يجبر على أخذه.
269

وإن أتى به فوق صفته فلا يخلو من أربعة أحوال: إما أن يأتي به من نوعه
فوق صفة أو أكثر من قدره أو جنسا آخر أجود منه أو نوعا آخر أجود منه.
فإن أتى من نوعه بأجود منه فإنه يجبر على قبضه لأنه أتى بما يتناوله العقد
وزنا، وزيادة الصفة تابعة للعين وهي منفعة لا مضرة.
وإن أتى به أكثر منه لم يلزمه قبول الزيادة لأن الزيادة ليست تابعة لأن
تمييزها ممكن فيكون هبة فلا يجبر على قبولها، وإن رضي بذلك لم يتم إلا
بإيجاب وقبول وقبض كسائر الهبات.
وأما إذا أتى به من جنس آخر مثل أن أسلم في تمر فيأتي بزبيب أو يسلم في
ثوب قطن فيأتي بكتان أو إبريسم فلا يجبر على قبضه، فإن تراضيا بذلك كان
جائزا.
وأما إن أتى به من نوع آخر من جنسه وهو خير منه فإنه لا يجبر على قبوله
مثل أن يسلفه في زبيب رازقي فأتاه بزبيب خراساني أو يسلم في ماعز فأتاه بنعجة
لا يجبر على ذلك لأن الأغراض في ذلك مختلفة، فإن تراضيا بذلك كان جائزا.
وإذا أتى بأقل ما تقع عليه الصفة أجبر على قبوله لأنه أتى بما وقع عليه العقد
على صفة وزيادة الصفة لا تلزمه.
وإن كان السلم حنطة يلزمه أن يدفعها خالصة نقية من الشعير والشيلم و
الزوان والقصيل لأن ذلك كله لا يقع عليه اسم الحنطة.
وإن كان فيه تراب، فإن كان كثيرا يؤثر في الكيل لا يجبر على قبوله و
إن كان يسيرا لا يؤثر في الكيل أجبر على قبوله، وإن كان موزونا لا يلزمه قبوله أصلا
قليلا كان أو كثيرا.
وإن كان السلم تمرا فجاءه بالرطب لا يجبر على قبوله، وإن أتى به جافا أجبر
على قبوله، وإن لم يتناه جفافه إذا كان يقع عليه اسم الجاف.
ومتى كان له عليه طعام كيلا لا يجوز أن يأخذه وزنا وإن كان عليه وزنا
لا يجوز أن يأخذه كيلا لأن ذلك يؤدي إلى الربا لأن الموزون إذا كيل زاد و
270

المكيل إذا وزن نقص، وهذا يؤدي إلى فساد القبض لأن كل واحد منهما أصل
في نفسه، فإذا ثبت هذا فإن كان قبض كذلك وكان قائما كيل ثانيا وإن كان
تالفا كان القول قول القابض في مقداره مع يمينه.
وأما إذا قبض منه جنسا آخر وتراضيا به فإنه يجوز وقيل: إنه لا يجوز لأنه
بيع السلم قبل القبض.
وإذا أتى المسلم إليه بالمسلم فيه قبل محل محله نظر: فإن كان مما يفسد
إلى وقت محله مثل الفواكه الرطبة وما أشبهها لا يجبر على قبضه لأن المسلم
يجوز أن يكون له غرض في قبضه في محله وإن كان ذلك حيوانا فلا يلزمه أيضا
قبضه لمثل ذلك.
وإن كان مما لا يتلف إلى محله نظر:
فإن كان مما لا يحتاج إلى مكان يحفظ فيه مثل القطن والطعام لم يلزمه
قبوله لمثل ذلك.
وإن كان مما لا يحتاج إلى موضع كبير يحفظ فيه مثل حديد أو رصاص
فإن كان الوقت مخوفا يخاف عليه فلا يلزمه أيضا، وإن كان الوقت أمنا لا يخاف
عليه لا يلزمه أيضا لمثل ما قلناه، وقيل في هذا خاصة: إنه يلزمه لأنه لا غرض
في الامتناع من قبوله، وإذا شرط مكان التسليم فبذله في غير موضعه لا يجبر على
قبوله وإن بذل له أجرة المثل لحمه لم يلزمه أيضا، فإن كان رضي به كان
جائزا.
إذا أخذ المسلم السلم ثم وجد به عيبا كان له رده بالعيب والمطالبة بما في
ذمته وكان له إمساكه والرضا بعيبه.
فإن حدث عنده فيه عيب بطل الرد وكان له الأرش ومتى رضي به فقد
تعين بقبضه وإن رده فقد انفسخ الذي تعين به وعاد السلم إلى الذمة كما كان و
لزمه دفعه على صفته من غير عيب.
وأما إذا وجد المسلم إليه فيما قبضه من رأس المال عيبا كان الحكم فيه كما
271

ذكرناه في الصرف.
إذا وجد أحدهما بما قبضه عيبا من أنه لا يخلو من أن يكون معينا بالعقد أو
موصوفا ثم قبضه في المجالس ولا يخلو المعيب من أن يكون من جنسه أو من غير
جنسه قبل التفرق أو بعد التفرق لأن قبض رأس المال شرط في المجلس كقبض
الصرف.
وإذا اختلفا في قبض رأس المال فقال أحدهما: كان القبض قبل التفرق
فلم يبطل السلم، وقال الآخر: كان بعده فالسلم باطل، كان القول قول من
يدعي صحة العقد لأن الأصل بقاء العقد على صحته، وإن أقاما جميعا البينة
كانت البينة بينة من يدعي الصحة في العقد.
وإن كان الثمن في يد المسلم فقال المسلم إليه: قبضته قبل الافتراق ثم
رددته إليك وديعة أو غصبتنيه، وقال المسلم: بل افترقنا عن غير قبض، كان
القول قول من يدعي صحة العقد.
إذا جاء المسلم إليه بالمسلم فيه أجود مما شرط في العقد وقال: خذ هذا و
أعطني بدل الجودة درهما، لم يجز لأنه لا دليل على صحة ذلك.
إذا ضمن المسلم فيه ضامن صح الضمان فإذا غرمه رجع على المسلم إليه
إن كان الضمان باذنه، وإن لم يكن باذنه لم يرجع إليه وكان متبرعا به.
وإن دفع المسلم إليه مثله وقال: خذ هذا واقض به ما ضمنت، صح فإن
قضاه فقد برئا جميعا.
وإن تلف في يده لم يجب عليه ضمانه لأنه وكيل فيه والوكيل لا يجب عليه
ضمان ما في يده من غير تفريط.
وإن دفعه إليه وقال له: خذ لنفسك بدلا عما ضمنته بالمعاملة بينك وبين
المسلم، لا يجوز لأن الضامن لا يستحق عوض ما ضمنه حتى يغرم، فإذا كان
كذلك كان القبض فاسدا ولا يملكه، فإن دفعه إلى المسلم فقد برئا جميعا.
وإن تلف في يده كان عليه ضمانه فيكون عليه ضمان المسلم فيه للمسلم و
272

عليه ضمان ما تلف في يده للمسلم إليه فإن غرم للمسلم وكان الضمان بإذن
المسلم إليه كان له الرجوع عليه فيثبت له على المسلم إليه مثل ما يثبت بالتلف
عليه للمسلم إليه فيتقاصان.
إذا صالح الضمان على عوض أخذه لم يجز لأمرين:
أحدهما: أنه يبيع المسلم فيه قبل القبض.
والثاني: أنه أخذ عوضا عما في ذمة غيره وذلك لا يجوز.
وإن صالح المسلم إليه نظر: فإن صالحه على رد الثمن بعينه كان جائزا و
يكون إقالة، وإن صالحه على غيره لم يجز لأنه بيع المسلم فيه قبل قبضه.
وإذا أسلم جارية صغيرة في جارية كبيرة كان جائزا لأنه لا يمنع منه مانع.
واستصناع الخف والنعل والأواني من خشب أو صفر أو حديد أو رصاص
لا يجوز، فإن فعل لم يصح العقد، وكان بالخيار إن شاء سلمه وإن شاء منعه، فإن
سلمه كان المستصنع بالخيار إن شاء رده وإن شاء قبله.
ويجوز أن يشتري قلعة بدرهم على أن يشركها، ولا يجوز أن يشتري طعاما
على أن يطبخه إجماعا، وقد روي في أخبارنا جوازه.
وإذا قال: اشتريت منك هذه القلعة بدرهم واستأجرتك على أن تشركها
أو تحذوها، كان أيضا جائزا.
إذا أذن لعبد غيره أن يشتري نفسه له من مولاه لم يجز لأنه لا يجوز أن يكون
وكيلا لأنه لا يملك من نفسه شيئا.
إذا اشترى ثوبا على أنه عشرة أذرع فخرج أحد عشر ذراعا فقد بينا أن
الخيار للبائع إن شاء سلم المبيع بالثمن وإن شاء فسخ البيع.
فإن قال المشتري: أنا آخذ عشرة أذرع بالثمن ويكون الذراع الزائد
للبائع، ويكون شريكا في الشقة، كان جائزا غير أن خيار البائع لا يبطل لأنه
لا دليل عليه.
إذا باع من رجل عبدا أو ثوبا فهرب المشتري قبل أن يوفيه الثمن فإن كان
273

المشتري حجر عليه لفلس ثم هرب كان البائع بالخيار في عين ماله بين فسخ
البيع، وإن لم يكن حجر عليه فإنه يثبت ذلك عند الحاكم وينظر الحاكم: فإن
وجد له مالا غيره وفاه ثمنه منه وإن لم يجد باع هذا العبد ووفاه ثمنه فإن كان
بقدر حقه قبضه وبرئ المشتري وإن كان أقل منه بقيت البقية في ذمة
المشتري، وإن كان أكثر حفظ الحاكم الفاضل حتى يدفعه إليه إذا رجع.
وإذا قال: اشتريت منك أحد هذين العبدين بكذا أو أحد هؤلاء العبيد
الثلاثة بكذا، لم يصح الشراء لأن المبيع مجهول.
فصل: في حكم التسعير:
لا يجوز للإمام ولا النائب عنه أن يسعر على أهل الأسواق متاعهم من الطعام
وغيره سواء كان في حال الغلاء أو في حال الرخص بلا خلاف، وروي عن
النبي صلى الله عليه وآله أن رجلا أتاه فقال: سعر على أصحاب الطعام،
فقال: بل أدعو الله، ثم جاء آخر فقال: يا رسول الله سعر على أصحاب الطعام،
فقال: بل الله يرفع ويخفض، وإني لأرجو أن ألقى الله وليست لأحد عندي
مظلمة.
فإذا ثبت ذلك فإذا خالف إنسان من أهل السوق بزيادة سعر أو نقصانه فلا
اعتراض لأحد عليه.
وأما الاحتكار فمكروه في الأقوات إذا أضر ذلك بالمسلمين ولا يكون
موجودا إلا عند إنسان بعينه فمتى احتكر والحال على ما وصفناه أجبره السلطان
على البيع دون سعر بعينه، وإن كان الشئ موجودا لم يكن ذلك مكروها، وأما
إذا كان عنده فاضل من طعام في القحط وبالناس ضرورة وجب عليه بذله
إجماعا، والأقوات التي يكون فيها الاحتكار " الحنطة والشعير والتمر والزبيب
والملح والسمن ".
274

نزهة الناظر
في الجمع بين الأشباه والنظائر
تأليف
المحقق يحيى بن سعيد الحلي
275

فصل
[مواضع لا يجوز فيها البيع]
لا يجوز البيع في ستة وستين موضعا:
الحرة، وأم الولد على ما نذكره فيما بعد، والمكاتب إلا المشروط عليه إذا
عجز عن أداء ما يجب عليه رجع سيده في كتابته، وكذلك يجوز بيعه إذا قتل
رجلا خطأ وسلمه سيده إلى ولي المقتول، رواه في التهذيب في باب القود بين
الرجال والنساء الحسن بن محبوب عن أبي أيوب عن محمد بن مسلم عن أبي
جعفر عليه السلام.
والعبد إذا قتل عمدا أو جرح لم يجز لسيده بيعه إلا بعد رضاء ولي المقتول
بالدية أو العفو عنه مخيرا بين أخذ الدية إذا بذلها السيد وبين العفو عنه أو قتله إذا
قبل، أو أخذه واسترقاقه وليس لسيده خيار.
والعبد إذا قتل خطأ أو جرح جراحة يحيط بثمنه لا يجوز لسيده بيعه إلا بعد
أن يتحمل أقل الأمرين من قيمته أو أرش الجراحة أو يسلم العبد إلى أولياء المقتول
أو المجروح يسترقونه مخيرا سيده في ذلك، وليس لأولياء المقتول على السيد
في ذلك خيار.
والعبد المرتد عن فطرة لأنه يجب قتله في الحال، والعبد المسلم لا يجوز
277

بيعه على الكافر، والعبد الآبق منفردا، فإن أضاف إليه شيئا آخر وباعهما معا جاز
البيع، والعبد إذا كان طفلا قبل أن يستغني عن أمه، على ما روي وفيه خلاف.
والأرض المأخوذة عنوة، والوقف إلا أن يخاف هلاكه أو يؤدي المنازعة فيه
بين أربابه إلى ضرر عظيم أو يكون لهم حاجة شديدة وبيع الوقف معها أصلح
لهم، وروي بيعه مع وجود حاجتهم وعدم ما يخرج من الوقف عن كفايتهم:
أحمد بن محمد عن الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب عن جعفر بن حنان عن
أبي عبد الله عليه السلام. وروي خبر آخر ضعيف لم يسند إلى إمام، ومنع ابن
إدريس من بيع الوقف على كل حال.
ولا يجوز بيع المصحف إلا الجلد والورق، وبيع الرطب بالتمر، وبه قال
الشيخ في النهاية، وذهب في الاستبصار إلى جوازه مع الكراهية، يدل على ما
اخترناه ما رواه الحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير عن حماد عن الحلبي عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: لا يصلح بيع التمر اليابس بالرطب من أجل أن اليابس
يابس والرطب رطب فإذا يبس نقص - تم الخبر.
والثمرة سنة واحدة قبل إدراكها من غير إضافة شئ إليها أو اشتراط القطع
في الحال على قول الشيخ في النهاية ومسائل الخلاف وصاحب الوسيلة، و
الصحيح أنه مكروه، وبه قال الشيخ أبو جعفر في التهذيب والاستبصار والمفيد
في المقنعة وابن إدريس.
وبيع المزابنة - وهو أن يبيع التمر في رؤوس النخل بالتمر - ويجوز ذلك
في العرية وهي النخلة تكون في دار إنسان لإنسان آخر.
وبيع المحاقلة، وهو أن يبيع سنبل الحنطة بالحنطة وسنبل الشعير بالشعير
قبل حصادها.
وبيع ما لا يضبط سلما، وبيع السلم مجهول الأجل، وبيع الجنس بالجنس
مما يكال أو يوزن متفاضلا، فأما ما يباع عددا فيجوز ذلك نقدا لا نسيئة، وبيع
الحنطة بالشعير متفاضلا نقدا أو نسيئة، وبه قال الشيخ المفيد في المقنعة والشيخ
278

أبو جعفر في النهاية وصاحب الوسيلة، وجاء بذلك ثلاثة أخبار صحيحة، وقال
جماعة من أصحابنا: يجوز ذلك، وهو اختيار ابن إدريس.
وبيع الحنطة بالشعير متساويين نسيئة، وبيع ما يكال أو يوزن أو يعد
جزافا، وبيع الذهب بالفضة والفضة بالذهب من غير قبض في مجلس البيع قبل
أن يفترقا.
وبيع الغنم بلحم الغنم، فإن اختلف الجنس جاز ذلك، وبيع المختلف
متفاضلا نسيئة، وما يباع عددا متفاضلا نسيئة، وبيع البخس وهو أن يزيد في
السلعة ما لا رغبة له فيها بل يواطئه صاحب السلعة على ذلك، وقال بعض
أصحابنا: إنه مكروه، وفي انعقاد هذا البيع وصحته خلاف. و
بيع النسيئة مجهول الأجل، فإن ذكر الثمن كذا عاجلا وكذا آجلا فقد
ذهب الشيخ في المبسوط إلى أن البيع حينئذ باطل واختاره ابن إدريس،
والصحيح أن له أقل الثمنين في أبعد الأجلين، وبه قال الشيخ في النهاية، وروي
به خبران: أحدهما رواه السكوني عن أمير المؤمنين علي عليه السلام، والآخر رواه
ابن أبي نجران عن عاصم بن حميد عن محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام.
وبيع الدين بالدين، وبيع حمل الحيوان، وبيع ما لا يقع الزكاة عليه،
وبيع الكلاب إلا كلب الصيد خاصة، وأجاز الشيخ الفقيه سلار أيضا بيع كلب
الزرع وكلب الحائط، والصحيح أنه لا يجوز بيع شئ من الكلاب إلا كلب
الصيد خاصة.
ولا يجوز بيع الخنزير من مسلم على مسلم ولا من ذمي على مسلم ولا من
مسلم على ذمي، فأما بيعه من ذمي إلى ذمي فجائز.
وبيع ما يؤكل من الحيوان إذا وطئه الإنسان لأنه يجب إحراقه بالنار، جاء
بهذا الحكم خبران صحيحان في الشاة والبهيمة.
وبيع ما يؤكل لحمه من الحيوان إذا شرب لبن خنزيرة حتى اشتد، وبيع ما
يكون من نسله، جاء بهذا الحكم حديثان في الحمل والجدي.
279

وبيع جوارح الطيور وما لا يؤكل لحمه منها إلا العقاب والبازي والصقر
وما يصلح فيها للصيد، وبيع سباع الوحش وما لا يؤكل لحمه من الحيوان إلا
الفهد والفيل والسنور وما لا يصلح منها للصيد.
وبيع ما مات في الماء من السمك أو وثب على الأجراف فمات قبل أخذه،
وبيع دواب البحر إلا الخز وما يحل أكله من السمك مما له فلس.
وبيع الدبى وهو الجراد قبل أن يستقل بالطيران، وبيع الدب لأنه مسخ،
وبيع ملك الغير إلا بإذن صاحبه أو إجازته البيع، وبيع اللبن في الضرع سواء
حلب معه شئ أو لا يحلب، وذهب الشيخ في النهاية إلى أنه إن حلب شيئا من
اللبن وباعه مع ما بقي في الضرع صح البيع، معتمدا على خبر رواه سماعة وهو
واقفي، ومع ذلك لم يسنده إلى أحد من الأئمة عليهم السلام.
وبيع الصوف أو الشعر أو الوبر قبل جزه، فإن اشترى أصواف الغنم
وجلدها في عقد واحد صح البيع على ما رواه ابن محبوب عن إبراهيم الكرخي
عن أبي عبد الله عليه السلام.
وبيع المسك في فأره، وبيع ما لا يختبر إلا بالشم أو الذوق قبل اختباره
، وبيع السمك في الماء قبل صيده، وبيع الطير في الهواء، وبيع الوحش قبل
صيده، وبيع الجلال قبل إعلام المشتري به أو استبرائه، وبيع المعيب قبل أن
يبين العيب أو يبرئ البائع من العيوب.
وبيع السلاح على الكفرة في حال الحرب والهدنة وبيع الدروع وأشباهها
في حال الحرب دون الهدنة على كراهية فيه.
وبيع المغنية بزيادة في ثمنها لأجل الغناء، وبيع الخشب بشرط أن يجعله
صنما أو ملاهي، وبيع العنب أو التمر بشرط أن يجعله خمرا أو نبيذا، والصحيح
أن هذين البيعين لا زمان لأن النهي في المعاملات لا يدل على الفساد فإذا باع
ذلك مطلقا من غير شرط على من يعلم أو يظن أنه يعمله كذلك فالبيع صحيح.
ولا يجوز بيع الملاهي كالعود وشبهه، وبيع آلات القمار، وبيع الأصنام
280

والتماثيل والصلبان، وبيع كتب الضلال، وبيع النجس من الثياب والآلات
وغيرها قبل أن يبين حالها، وبيع العذرات إلا عذرة ما يؤكل لحمه وذرقه، وبيع
الأبوال، وأجاز ابن إدريس بيع أبوال الإبل والبقر والغنم.
ولا يجوز بيع كل مسكر، وبيع الفقاع، وبيع الميتة، وبيع ما أهل به لغير
الله،
وبيع الدم، وبيع لحم ما لا يؤكل لحمه، وبيع بيض ما لا يؤكل لحمه،
وبيع لبن ما لا يؤكل لحمه، ولي نظر في هذين القسمين.
وبيع السم إلا المحمودة، وبيع الدود إلا دود القز، وبيع الفأر، وبيع
الحشرات، وبيع البرغوث وشبهه، وبيع المائع إذا تنجس إلا الدهن بعد إعلام
المشتري.
فصل
[أشياء لا يجوز بيعها سلفا]
لا يجوز بيع السلف في سبعة وعشرين شيئا:
الخبز، واللحم، وروايا الماء، والجلود، والحنطة والشعير وغيرهما من
الحبوب منسوبات إلى الأرض بعينها.
والثوب من غزل امرأة بعينها أو نساجة رجل بعينه، والكتان والقطن و
الإبريسم منسوبات إلى أرض بعينها، والتمر من نخل معين، والفاكهة من شجر
معين، والخضر من موضع معين، ودهن بزر الكتان بحبه وبالعكس، ودهن
السمسم بالسمسم وبالعكس، ودهن الزيتون بالزيتون وبالعكس.
وكذلك الحكم فيما يعمل منه الأدهان والمخيض من اللبن والقز مضافا إلى
دوده وجميع ما لا يختبر إلا بالشم أو الذوق، والقسي والنبل، وجميع الأواني
سواء كانت من خشبة أو طين والآجر، وجميع الأوعية سواء كانت من صوف أو
شعر أو وبر أو كتان أو إبريسم أو غير ذلك، والمختلط من الطيب كالذريرة
والغالية، والجوهر والذهب والفضة.
281

فصل
[مواضع يكره البيع فيها]
يكره البيع في ثمانية عشر موضعا:
عند تلقي الركبان أقل من أربعة فراسخ، فإن اشترى وكان فيه غبن ظاهر
والبائع غير عالم كان بالخيار بين فسخ البيع أو إمضائه بالثمن الذي انعقد عليه
البيع، فإن زاد على أربعة فراسخ فلا كراهية ولا خيار للبائع.
وبيع الحاضر لباد، ومعناه أن يكون له وكيل في الشراء والبيع، ودخول
المؤمن في سوم أخيه المؤمن، وقال الشيخ أبو جعفر في النهاية: لا يجوز.
وبيع الثمرة سنة واحدة قبل بدو صلاحها من غير أن يضيف إليها شيئا
آخر، على أصح القولين، وبه قال الشيخ أبو جعفر في التهذيب والاستبصار، وقال
في النهاية ومسائل الخلاف: لا يجوز.
وبيع الرطب بالتمر على ما ذكره الشيخ في الاستبصار، وقال في النهاية: لا
يجوز، وهو الصحيح وقد تقدم.
وبيع المرابحة بالنسبة إلى أصل المال على أصح القولين، وبه قال الشيخ
أبو جعفر في مسائل الخلاف والمبسوط، وهو اختيار ابن إدريس، وقال الشيخ في
النهاية والمفيد في المقنعة لا يجوز، ولم أقف في التهذيب على حديث يمنع
جوازه، بل ورد خبر بكراهته، وخبر آخر صحيح الإسناد بأنه لا بأس به.
وبيع المعيب بالبراءة من عيوبه من غير بيان العيب، ومباشرة الصرف
والشراء من الظالمين والبيع عليهم، وبيع الطعام محتكرا، وبيع الأكفان، وبيع
الحيوان إذا استثنى شيئا من أعضائه، وبيع الجواري والعبيد إذا كان ذلك عادة
له في التجارة فيهم، وبيع الطفل عن أمه قبل أن يستغني عنها، وبيع الدروع
وأشباهها لأهل الكفر في حال الهدنة، وبيع المضطر بزيادة عظيمة على الثمن،
وأن يشتري الرجل جارية يطأها بثمن وهبته له زوجته.
282

فصل
[مواضع جواز بيع أم الولد]
يجوز بيع أم الولد في ثمانية مواضع:
إذا مات ولدها من سيدها جاز بيعها، وإذا كان ثمنها دينا على مولاها ولا
يملك غيرها بيعت وقضي بثمنها الآخر ثمنها الأول سواء كان مولاها حيا أو ميتا،
وقال سيدنا علم الهدي: لا يجوز بيعها ما دام ولدها حيا لا في الثمن ولا في غيره.
وقال الشيخ أبو جعفر في النهاية: وإذا مات السيد ولم يخلف غيرها وكان ثمنها
دينا على مولاها قومت على ولدها وتترك إلى أن يبلغ، فإذا بلغ أجبر على ثمنها،
فإن مات قبل البلوغ بيعت وقضي بثمنها الدين، وجاء بما قاله ثلاثة أحاديث في
التهذيب:
أحدها في كتاب العتق، رواه محمد بن أحمد بن يحيى، عن محمد بن
الحسين، عن وهيب بن حفص، عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن رجل اشترى جارية فولدت منه ولدا فمات؟ فقال: إن شاء يبيعها باعها، وإن
مات مولاها وعليه دين قومت على ابنها، فإن كان ابنها صغيرا انتظر به حتى يكبر
ثم يجبر على قيمتها، فإن مات ابنها قبل أمه بيعت في ميراث الورثة إن شاء الورثة.
والحديث الآخر في باب بيع الحيوان، رواه أحمد بن
محمد بن عيسى، عن محمد بن عيسى، عن القصري، عن خداش، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه
السلام مثله.
والحديث الآخر في باب السراري، رواه علي بن الحسن، عن علي بن
أسباط، عن عمه يعقوب الأحمر، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام.
والصحيح أنها تباع ولا ينتظر بها بلوغه، لأن هذين الحديثين ضعيفان.
وإذا مات سيدها وعليه دين ولم يخلف غيرها بيعت وقضي بثمنها دينه على
ما ذكره الشيخ في النهاية في باب السراري، والصحيح أنها لا تباع في هذا
القسم لما رواه محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن
283

الحسين بن سعيد، عن إبراهيم بن أبي البلاد، عن عمر بن يزيد، عن أبي عبد الله عليه
السلام قال: أيما رجل اشترى جارية فأولدها ثم لم يؤد ثمنها ولم يدع من المال
ما يؤدي عنه أخذ ولدها منها وبيعت فأدي ثمنها. قلت: فيبعن فيما سوى ذلك
من دين؟ قال: لا.
وإذا لم يكن للميت وارث يرثه غير جارية مملوكة هي أم ولد لغيره وخلف
ذلك الميت مقدار ثمنها أو أكثر وجب شراؤها من تركته وأعتقت وأعطيت بقية
المال، ذكر ذلك الحسن بن أبي عقيل في كتاب المتمسك: إنه إن أبي صاحبها
الذي هي أم ولده أن يبيعها أجبر على بيعها وتعتق، وإن كان ما خلفه أقل
من ثمنها لم يجب شراؤها.
وإذا قتلت أو جرحت خطأ فسيدها بالخيار بين أن يفديها بأقل الأمرين من
الدية أو قيمتها أو يسلمها إلى الغرماء، فإن شاؤوا باعوها وإن شاؤوا استرقوها، وبه
قال الشيخ أبو جعفر في المبسوط في كتاب أمهات الأولاد، وفي الثالث من
مسائل الخلاف في كتاب أمهات الأولاد مستدلا عليه بإجماع الفرقة، وقد روى
الحسن بن محبوب، عن نعيم بن إبراهيم، عن مسمع بن عبد الملك، عن أبي
عبد الله عليه السلام أنه قال: أم الولد جنايتها في حقوق الناس على سيدها، وهذا
الخبر ضعيف لأن نعيم بن إبراهيم ومسمع بن عبد الملك مجهولان لأني لم
أعرفهما بجرح ولا تعديل.
وإذا أسلمت عند ذمي ولها منه ولد بيعت وسلم ثمنها إلى ذلك الذمي، على
ما قاله الشيخ أبو جعفر في المبسوط وابن إدريس في السرائر، وفي كتاب إسحاق
بن عمار رواه عن جعفر، عن أبيه أن عليا عليه السلام كان يقول في أم ولد
لنصراني: إذا أسلمت بيعت لسيدها في قيمتها، والصحيح أنها لا تباع ولا تقر عند
الذمي، بل يلزم الحاكم سيدها بنفقتها ويتركها عند من يرى تركها عنده مصلحة،
وبهذا القول قال أبو جعفر الطوسي في مسائل الخلاف، وقال: تكون عند امرأة
مسلمة تتولى القيام لها.
284

وإذا رهن الإنسان جارية وقبضها المرتهن، ثم إن مالكها الراهن وطئها بعد
ذلك وحملت منه، فإن كان له مال ألزم بفكاكها، وإن لم يكن له مال بيعت في
الرهن.
وإذا تزوج الرجل أمة غيره أو وطئها بإباحة سيدها له أو وطئها بشبهة
وولدت من ذلك الوطء ولدا ثم اشتراها من سيدها جاز له بعد ذلك بيعها، لما
رواه في باب الزيادات في كتاب النكاح من التهذيب، عن الحسن بن محبوب،
عن محمد بن مارد، عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يتزوج الأمة فتلد منه
أولادا ثم يشتريها فتمكث عنده ما شاء الله لم تلد منه شيئا بعد ما ملكها ثم يبدو له
في بيعها؟ قال: هي أمته إن شاء باعها ما لم يحدث عنه حمل بعد ذلك وإن شاء
أعتق.
وإذا قتلت سيدها خطأ بيعت وسلم ثمنها إلى ورثته، على ما رواه محمد بن
أحمد بن يحيى، عن أبي عبد الله، عن الحسن بن علي، عن حماد بن عيسى، عن
جعفر، عن أبيه عليهما السلام قال: إذا قتلت أم الولد سيدها خطأ سعت في قيمتها.
حمل الشيخ هذا الخبر في الاستبصار على من مات ولدها. وروى غياث بن
إبراهيم، عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام، ووهب ابن وهب، عن جعفر، عن أبيه
قال: إنها حرة لا سعاية عليها ولا تبعة.
فصل
[مواضع صحة بيع الإكراه]
يصح بيع الإكراه في سبعة مواضع:
بيع الحاكم مال المفلس لقضاء دينه إذا امتنع المفلس من بيعه، وكذلك
حكم المماطل بالدين وهو ملي.
وإذا كان على الميت دين ولم يخلف من جنس الدين ما يقضى عنه وامتنع
الوراث من البيع، جاز للحاكم أن يبيع من ملكه ما يقضي به الدين.
285

ومن أعتق نصيبه من عبد مضاربة وكان موسرا ألزم شراء الباقي وعتقه، وبه
جاءت أحاديث صحيحة، وإن كان معسرا كان العتق بلا خلاف باطلا. وقال
ابن إدريس: إن العتق باطل سواء كان موسرا أو معسرا.
والعبد إذا أسلم عند ذمي وجب بيعه على مسلم وتسليم ثمنه إلى الذمي ولا
يقر ملكه عليه.
وإذا لم يخلف الميت إلا وارثا مملوكا لغيره وترك من المال مقدار الثمن أو
أكثر ألزم سيده بيعه ليعتق ويرث المال، ولا يجوز لسيده الامتناع من ذلك،
وإن كان ما خلف أقل من ذلك لم يجب شراؤه، وكذلك إن كان اثنين أو
جماعة ولم يخلف إلا دون أثمانهم.
وإذا كان الرجل وطئ جارية غيره بإباحة ولم يشترط على السيد كون
ولده منها حرا وجاءت بولد كان لسيدها، ووجب على أبيه أن يشتريه ولا يجوز
للسيد الامتناع من البيع.
وإذا كان بين نفسين مال لا يصلح قسمته واحتاج أحدهما إلى ثمنه حاجة
ضرورية وتعذر عليه من يشتري حصته منفردة وامتنع شريكه من الاجتماع معه
على بيع الكل، جاز للحاكم البيع عن شريكه إذا رأى ذلك مصلحة، ولي في
هذا القسم تردد، وبيع هذه الأقسام مما ليس ببيع بل هو تقويم.
ثم إن الأمة إذا دلست نفسها على حر فتزوجها وأولدها أنه يلزم قيمة الولد
لسيد الجارية، وإن كان قد دلسها الشهود رجع عليهم بالقيمة التي غرمها.
وإذا كانت الجارية بين شركاء فوطئها أحدهم فحملت من ذلك الوطء كان
عليه قيمتها يوم وطئها، وهو الذي يقتضيه النظر، وقال الشيخ في النهاية: إن
كانت القيمة أقل من ثمنها الأول ألزم ثمنها الأول، وإن كانت أكثر ألزم ذلك،
وجاء بما قاله حديث رواه علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن إسماعيل بن مرار، عن
يونس بن عبد الله، عن ابن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام.
286

فصل
[أشياء لا يصح الرهن فيها]
لا يصح الرهن في تسعة وعشرين شيئا:
ملك الغير إلا باذنه، وإذا رهن شيئا ولم يقبضه المرتهن ولا وكيله على أصح
القولين، وبه قال الشيخ المفيد في المقنعة والشيخ أبو جعفر في النهاية ومصنف
الوسيلة، وقال الشيخ أبو جعفر في مسائل الخلاف: ليس القبض من شرط صحة
الرهن، وهو اختيار ابن إدريس.
والأرض المأخوذة عنوة، والوقف، والحر، وأم الولد التي لا يجوز بيعها
، والمكاتب الذي لا يجوز بيعه، والعبد الآبق في حال الإباقة لأجل القبض، فأما
من لم يعتبر القبض في صحة الرهن فإنه يجوز.
والعبد المرتد عن فطرة لأنه يجب قتله في الحال، والعبد المسلم عند الكافر،
والعبد إذا قتل أو جرح إلا بعد رضاء أولياء المقتول أو المجروح، والمملوك إذا
كان طفلا قبل أن يستغني عن أمه إلا على مذهب من يجيز بيعه قبل استغنائه عنها.
ومالا يؤكل لحمه من الحيوان إلا ما تقدم أنه يجوز بيعه، والملاهي وآلات
القمار، والأصنام، والتماثيل، والصلبان، والجنين منفردا عن أمه واللبن في
الضرع، والصوف، والشعر، والوبر قبل جزه إلا أن يسلم الغنم إلى المرتهن
يكون عنده أمانة.
والفقاع وكل مسكر إلا من ذمي عند ذمي، والميتة، والدم، والعذرة إلا ما
يجوز بيعه منها، والسموم إلا المحمودة.
فصل
[مواضع ثبوت الخيار]
الخيار يثبت في أحد عشر موضعا:
خيار المجلس للبائع والمشتري ما لم يفترقا بالأبدان أو يقع العقد بشرط
287

ترك الخيار، وخيار ثلاثة أيام في الحيوان للمشتري خاصة ما لم يتصرف فيه،
وقال سيدنا المرتضى: الخيار فيه للمشتري والبائع معا.
وخيار البائع بعد مضي ثلاثة أيام إذا لم يقبض الثمن ولم يقبض المشتري
المبيع، وروى الحسين بن سعيد، عن صفوان، عن عبد الرحمن بن الحجاج، عن
علي بن يقطين، أنه سأل أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يبيع البيع ولا يقبضه
صاحبه ولا يقبض الثمن؟ قال عليه السلام: الأجل بينهما ثلاثة أيام، فإن قبض
بيعه وإلا فلا بيع بينهما.
أحمد بن محمد، عن علي بن حديد، عن جميل، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام
قال: قلت: الرجل يشتري من الرجل المتاع ثم يدعه عنده يقول:
حتى آتيك بثمنه؟ قال: إن جاء بثمنه فيما بينه وبين ثلاثة أيام وإلا فلا بيع له.
إسحاق بن عمار، عن العبد الصالح مثله.
وخيار بائع الخضر بعد مضي يوم إذا لم يقبض الثمن أو لم يقبض المشتري
المبيع، رواه محمد بن يحيى، عن محمد بن أحمد، عن يعقوب بن يزيد، عن محمد
ابن أبي حمزة أو غيره عمن ذكره عن أبي عبد الله أو أبي الحسن عليه السلام: في
الرجل يشتري الشئ الذي يفسد في يومه ويتركه حتى يأتيه بالثمن؟ فقال: إن
جاء فيما بينه وبين الليل بالثمن وإلا فلا بيع له، وهذا الحديث مرسل لا يعتمد
عليه، وإنما المعتمد في هذا الحكم هو الإجماع.
وخيار الرد بالعيب في النكاح والمعاملات، وخيار المغبون غبنا ظاهرا في
إمضاء البيع وفسخه إذا لم يكن عالما بالغبن، والخيار إذا لم يسلم للمشتري كل
المبيع أو وجده بغير الصفة، ومن اشترى سلعة مرابحة نقدا فعلم بعد ذلك أن
البائع اشتراها نسيئة فهو مخير بين فسخ البيع وبين أن يأخذها بالثمن الذي
انعقد عليه البيع، على ما ذكره الشيخ في المبسوط واختاره ابن إدريس، وقال
الشيخ في النهاية: يكون له مثل ذلك الأجل، وبه قال صاحب الوسيلة، وهو
الصحيح، يدل على ذلك ما رواه محمد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن
288

أبيه، ومحمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان جميعا، عن ابن أبي عمران، عن
هشام بن الحكم، عن أبي عبد الله عليه السلام: في رجل يشتري المتاع إلى أجل؟
فقال: ليس له أن يبيعه بمرابحة إلا إلى الأجل الذي اشتراه إليه، وإن باعه مرابحة
فلم يخبره كان للذي اشتراه من الأجل مثل ذلك.
الحسن بن محبوب، عن أبي محمد الوابشي، عن أبي عبد الله عليه السلام مثل
معناه.
ومن اشترى سلعة مرابحة فعلم بعد ذلك أن البائع اشتراها بأقل من الثمن
الذي أخبره به فهو مخير بين فسخ البيع وبين أن يأخذها بالثمن الذي انعقد عليه
البيع وليس له غير ذلك، ومن اشترط في البيع أو غيره شرطا فلم يف المشروط
عليه به كان من له الشرط مخيرا بين الفسخ والإمضاء. وخيار الوصي في قبول الوصية إليه والامتناع منها ما لم يمت الموصي، فإن
مات قبل أن يبلغه الامتناع من قبولها وجب على الوصي القيام بها ولزمته الوصية،
والخيار في مطالبة الحقوق وتركها.
فصل
[ما لا يجوز إجارته]
لا يجوز إجارة ثلاثة عشر شيئا:
الكلاب إلا كلب الصيد، والماشية والحائط والزرع، والخنزير إلا من ذمي
على ذمي، والسباع إلا السنور والفهد وما يصلح للصيد منها، وجوارح الطير إلا
ما يصلح للصيد منها، وجميع ما لا يحل تملكه للمسلمين من المسوخ والأصنام
والصلبان والملاهي وآلات القمار، وملك الغير إلا بإذن صاحبه، والرهن إلا بإذن
الراهن والمرتهن، والمرأة بغير إذن زوجها، واليتيم إلا بإذن وليه، والماء والدواب
والأواني والأوعية لعمل الخمور فيها أو حمله، والإنسان لعمل ما حرمه الله تعالى،
ولتغسيل الأموات وتكفينهم ومواراتهم، والأذان والإقامة، والحكم بين الناس،
289

وظل المنازل والأشجار والحائط للنظر إليه، والدراهم والدنانير.
فصل
[المواضع التي يلزم الأجل المعلوم فيها
] يلزم الأجل المعلوم في ستة عشر شيئا:
بيع السلم، بيع النسيئة، وإجارة الأرض، والعقار، والرقيق، والنبات،
والدواب، والآلات، والأواني إلا إذا استأجرها لقطع مسافة معلومة أو لعمل شئ
معلوم، والكفالة، والضمان، والمزارعة، والمساقاة، والمتعة، فإن لم يذكر الأجل
كان النكاح دائما، وعقد الجزية، وعقد الأمان.
فصل
[العقود اللازمة]
العقود اللازمة من الطرفين ستة عشر عقدا:
البيع بعد التفرق بالأبدان وانقطاع الخيار والإجارة والمزارعة والمساقاة
والضمان والكفالة برضا الكفيل الملي، والمعسر مع العلم بإعساره، والمكفول
منه، والمكفول عنه.
والحوالة برضا المحيل والمحال عليه، وإذا كان الشئ المحال به في ذمة
المحال عليه، وكان له مثل واتفق الحقان في الجنس والنوع والصفة، وكان
المحال عليه مليا، فإن ظهر أن المحال عليه كان معسرا في حال الحوالة كان
للمحتال أن يرجع على من أحاله، فأما إذا لم يرض المحال عليه فمذهب شيخنا
أبي جعفر في النهاية أنها لا تبطل وهو الصحيح، واعتبر في مسائل الخلاف رضي
المحيل والمحتال والمحال عليه، وبه قال مصنف الوسيلة وابن إدريس.
والصلح، والهبة للولد الصغير، والنكاح، والكتابة المطلقة على كل حال،
والكتابة المشروطة قبل عجز المكاتب عن أداء ما يجب عليه، وأطلق ذلك
290

الشيخ في مسائل الخلاف فقال: الكتابة لازمة من جهة السيد جائزة من جهة
العبد.
وعقد الجزية لأهل الذمة ما لم يخرقوا الذمة، وعقد الأمان، وعقد اليمين بين
اثنين فيما هو جائز في الشريعة الإسلامية إذا لم يكن حلها مصلحة، وعقد السبق
والرماية على أصح القولين، وبه قال ابن إدريس، وقال الشيخ في مسائل
الخلاف: إنه جائز من الطرفين.
فصل
[العقود الجائزة]
العقود الجائزة من الطرفين اثنا عشر عقدا.
الوديعة، والعارية، والوكالة إذا لم يكن الوكيل مستأجرا لها، والشركة،
والمضاربة، والجعالة، والوصية لغيره بشئ من ماله، والوصية إليه قبل موت
الموصى إليه في الموضعين معا، والهبة للأجنبي قبل القبض والتصرف معا أو
القبض والعوض عنها، فإن قبض ولم يتصرف أو لم يعوض عنها كان له
الرجوع فيها، والهبة لمن عدا ولده الصغير من ذي رحمه قبل القبض خاصة فإن
قبضها لم يجز له الرجوع فيها، فأما إن كانت الهبة منه لولده الصغير فلا يجوز
الرجوع فيها لأن قبض الوالد قبض ولده الصغير.
والبيع في المجلس إذا لم يقع العقد بشرط ترك الخيار، والبيع في مدة
الخيار المشروط للبائع والمشتري معا.
فصل
[العقود اللازمة من طرف الجائزة من طرف آخر]
العقود اللازمة من طرف الجائزة من طرف آخر أحد عشر عقدا:
الرهن لازم من جهة الراهن جائز من جهة المرتهن، وبيع الحيوان في مدة
291

ثلاثة أيام إذا لم يقع البيع بشرط ترك الخيار لازم من جهة البائع جائز من جهة
المشتري ما لم يتصرف المشتري، فإن تصرف لزم البيع، وذهب المرتضى قدس
سره إلى أنه جائز من جهة البائع أيضا، والصحيح الأول لأن الأخبار به أكثر.
وضمان المتبرع لازم من جهة الضامن والمضمون له جائز من جهة
لمضمون عنه، وضمان غير الملي إذا لم يكن المضمون له عالما بحاله لازم من
جهة الراهن والمضمون عنه جائز من جهة المضمون له، والحوالة على غير الملي إذا
لم يكن المحتال عالما بحاله لازمة من جهة المحيل جائزة من جهة المحتال، فأما
المحال عليه فقد تقدم الخلاف فيه.
وإذا حدث في الرقيق في مدة السنة من حين عقد البيع جنون أو جذام أو
برص صار البيع حائزا من جهة المشتري دون البائع، وإذا كان العيب سابقا
وقت البيع من غير أن يعلم المشتري به فالبيع لازم من جهة البائع جائز من جهة
المشتري وهو مخير بين رده وبين الإمساك بأرش العيب أو بغير أرش ما لم
يتصرف فيه، فإن تصرف فيه فليس له إلا الأرش.
وإذا باع شيئا معينا بثمن معين موجود فظهر في الثمن عيب لم يعلم به
البائع فالبيع لازم من جهة المشتري جائز من جهة البائع، وهو مخير بين الرضا
به وبين الفسخ، وليس له أن يلزم المشتري بثمن غيره.
وإذا عجز المكاتب المشروط عن أداء ما يجب عليه أداؤه من مال الكتابة
صارت الكتابة لازمة من جهة المكاتب جائزة من جهة السيد، فهو مخير بين فسخ
الكتابة وبين الصبر عليه.
وإذا أوصى إنسان لغيره بثلث ماله أو أقل وقبل الموصى له ذلك ثم مات
الموصي، فالوصية لازمة من جهة الورثة وجائزة من جهة الموصى له، وهو مخير
بين الأخذ والترك.
وإذا أوصى له بأكثر من الثلث وأجازه الورثة قبل موت الموصي كانت
الوصية لازمة للورثة بعد موت الموصي وجائزة من جهة الموصى له، وذهب المفيد
292

في المقنعة وسلار في الرسالة وابن إدريس إلى أنها لا تلزمهم إلا أن يجيزوها بعد
موت الموصي فيلزمهم، والصحيح ما ذهبنا إليه، يدل عليه ما رواه علي بن
إبراهيم، عن أبيه، عن حماد، عن حريز، عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله عليه
السلام: في رجل أوصى بوصية ورثته شهود فأجازوا ذلك فلما مات الرجل
نقضوا الوصية، هل لهم أن يردوا ما أقروا به؟ قال: ليس لهم ذلك، الوصية
جائزة عليهم إذا أقروا بها في حياته.
وروى أيضا أبو علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان ابن
يحيى، عن منصور بن حازم، عن أبي عبد الله عليه السلام.
فصل
[فيما يستباح مجانا]
يستباح من غير عقد أربعة وعشرون شيئا:
أرش المعيب والصدقات والعبد إذا جرح جراحة أو قتل يحيط بثمنه،
والحربي وولد الحربي ومال الحربي وما وجد في موضع الحرب قد باد أهله، وما
لا يبلغ قيمته درهما إذا لم يعرف صاحبه، وما بلغ قيمته درهما فصاعدا بعد
تعريفه سنة، وما وجد من الطعام في مفازة بعد تقويمه على نفسه إن كان ثمنه
درهما فصاعدا، فإن كان أقل من درهم لم يحتج إلى تقويم.
والشاة إذا وجدها في برية ولم يعرف صاحبها جاز له أخذها والتصرف
فيها، يدل على ذلك ما رواه الحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير عن حماد عن
الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله
فقال: يا رسول الله إني وجدت شاة؟ فقال: هي لك أو لأخيك أو للذئب.
محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن
سالم عن أبي عبد الله عليه السلام مثله، وهذان الخبران وإن كانا مطلقين فيجب
حملهما على من وجدها في البر لأن عمل أصحابنا على ذلك.
فمن وجدها في الجدار عرفها ثلاثة أيام، فإن جاء صاحبها سلمها إليه، وإن لم
293

يجئ فهي عنده أمانة، وقد جاء حديث أنها تباع ويتصدق بثمنها، رواه محمد بن
يعقوب عن محمد بن موسى الهمداني عن منصور ابن العباس عن الحسن بن علي
بن فضال عن عبد الله بن بكير عن ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام مثله:
سأل رجل أصاب شاة؟ فأمره أن يحبسها عنده ثلاثة أيام ويسأل عن صاحبها فإن
جاء صاحبها فسلمها وإلا باعها ويتصدق بثمنها، وهذا الحديث ضعيف السند.
والبعير والفرس والحمير والبغل والإبل إذا تركه صاحبه من جهد آيسا منه
في غير كلأ ولا ماء يجوز أخذه، فإن كان غير آيس منه أو كان في كلأ وماء
أو تركه صاحبه من غير جهد فلا يجوز أخذه.
وما يأكل المجتاز على الثمار، على قول جماعة من أصحابنا، وادعى ابن
إدريس على جوازه في كتاب المكاسب الإجماع ما لم يكن قصد إليها، وقال في
كتاب الأطعمة: ما لم ينهه صاحبه عن الأكل والدخول فإنه لا يجوز له حينئذ
ذلك، وقال بعض أصحابنا: لا يجوز، وهو الصحيح وقال المرتضى في المسائل
الصيداوية: الأحوط والأولى أن لا يأكل، وقال الشيخ الطوسي في المسائل
الحربية: الرخصة في الثمار من النخل وغيره لا تقاس عليه لأن الأصل حظر
استعمال مال الغير، وقال أبو الصلاح: يجوز لعابر السبيل الانتقاع بما ينبته
الحرث من الخضر والثمار والزرع من غير حمل ولا فساد، يدل على ما اخترناه
من المنع هو أن الأصل حظر استعمال مال الغير إلا باذنه، ويدل عليه أيضا ما
رواه أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن علي بن يقطين عن أخيه الحسين بن
علي بن يقطين عن علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل
يمر بالثمرة مثل الزرع والنخل والكرم والشجر والمباطخ وغير ذلك من الثمر
أيحل له أن يتناول منه شيئا ويأكل بغير إذن صاحبه؟ قال: لا يحل أن يأخذ منه
شيئا.
وقد روي في التهذيب لجواز الأكل أربعة أخبار، ثلاثة أخبار مراسيل منها
خبران في باب بيع الثمار، وخبر في باب المكاسب، والخبر الرابع في باب الحد
294

في السرقة، رواه علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: قضى النبي صلى الله عليه وآله في من سرق الثمار في كمه فما
أكل منه فلا شئ عليه، وما حمله فيعزر ويغرم قيمته مرتين.
وإذا كان الأمر كذلك وجب ترك العمل بهذه الأخبار لضعفها والرجوع
إلى ما قدمناه من تمام القيمة.
والكنز الموجود في الدار إذا عرف مشتريها بائعها فإن لم يعرفه يحل
للمشتري بعد إخراج الخمس منه، وما علم فيه الإباحة، وما يأخذه الوصي عن
حق القيام بمال اليتيم، والديات والميراث والمال المقر به ونفقة من يجب له النفقة
وهم الوالدان وإن علوا والولد وإن نزل، والزوجة والمملوكة واللقيط، ومن ماطله
غريمه ودفعه عن حقه فوجد له مالا سواء كان من جنس الحق أو لم يكن أخذ منه
بقدر.
295

تبصرة المتعلمين
في أحكام الدين
للشيخ جمال الدين أبي منصور الحسن بن سديد الدين
يوسف بن زين الدين علي بن محمد مطهر الحلي المشتهر بالعلامة الحلي
والعلامة على الإطلاق 647 - 726 ه‍. ق
297

كتاب المتاجر
وفيه فصول:
الأول: التجارة:
قد تجب إذا لم يكن للإنسان معيشة سواها وكانت مباحة، وقد تستحب إذا
أراد التوسعة على عياله، وقد تكره كالمحتكر، وقد تباح بأن لا يحتاج إليها ولا
ضرر في فعلها، وقد تحرم إذا كانت في محرم. وهي أصناف:
الأول: يحرم التكسب ببيع الأعيان النجسة، وكالخمر وكل مسكر والفقاع
والميتة والدم والكلب إلا كلب الصيد والماشية والحائط والزرع، والدهن النجس
للاستصباح به تحت السماء.
الثاني: يحرم التكسب بالآلات المحرمة، كالعود والمزمر والأصنام والصلبان
وآلات القمار كالشطرنج والنرد والأربعة عشر.
الثالث: يحرم التكسب بما يقصد به المساعدة على الحرام كبيع السلاح
لأعداء الدين والمساكن للمحرمات، والحمولة لها، وبيع العنب ليعمل خمرا،
والخشب ليعمل صنما، ويكره بيعهما على من يعمل ذلك من غير شرط.
الرابع: ما لا ينتفع به يحرم التكسب به، كالمسوخ البرية كالقرد والدب،
والبحرية كالجري والسلاحف والطافي، ولا بأس بالسباع.
الخامس: يحرم التكسب بما يحرم عمله، كعمل الصور المجسمة، والغناء في
299

غير العرس، والنوح بالباطل ولا بأس بالحق، وهجاء المؤمنين، وحفظ كتب
الضلال ونسخها لغير النقض، وتعلم السحر والقيافة والكهانة والشعبذة، والقمار،
والغش، وتزيين الرجل بالمحرم، وزخرفة المساجد والمصاحف، ومعونة
الظالمين في ظلمهم، وأجر الزانية.
السادس: ما يجب فعله يحرم التكسب به كأجرة تغسيل الموتى وتكفينهم و
دفنهم، والأجرة على الحكم، والرشى فيه. ويجوز أخذ الرزق من بيت المال،
وكذا الأذان.
وأما المكروه: فالصرف، وبيع الأكفان، والطعام، والرقيق، والذباحة،
والصياغة، والحجامة مع الشرط، والحياكة، وأجرة الضراب، وأجرة تعليم
القرآن ونسخه، وكسب القابلة مع الشرط.
وما يأخذه السلطان باسم المقاسمة أو الزكاة حلال وإن لم يكن مستحقا له،
وجوائز الظالم حرام إن علمت بعينها وإلا حلت.
ومن أمر بصرف مال إلى قبيل وعين له لم يجز التعدي، وإلا جاز أن يتناول
منه مثل غيره إذا كان منهم، على قول.
الفصل الثاني: في آداب التجارة:
يستحب التفقه فيها ليعرف صحيح البيع وفاسدة ويسلم من الربا، وأن
يسوي بين المبتاعين، ويقيل المستقيل، ويشهد الشهادتين عند العقد ويكبر الله
تعالى، ويأخذ الناقص ويعطي الراجح.
ويكره مدح البائع وذم المشتري، وكتمان العيب والحلف على البيع،
والبيع في المظلم، والربح على المؤمن، وعلى الموعود بالإحسان، والسوم بين
طلوع الفجر وطلوع الشمس، وأن يدخل السوق قبل غيره، ومعاملة الأدنين،
وذوي العاهات والأكراد، والاستحطاط بعد الصفقة، والزيادة وقت النداء،
والتعرض للكيل والوزن مع عدم المعرفة، والدخول على سوم أخيه، وأن يتوكل
300

حاضر لباد، وتلقي الركبان وحده أربعة فراسخ فما دون.
ويثبت الخيار مع الغبن الفاحش والنجش وهو زيادة لزيادة من واطأه
البائع، والاحتكار وهو حبس الحنطة والشعير والتمر والزبيب والسمن والملح
للزيادة في الثمن مع عدم غيره، ويجبر على البيع ولا يسعر عليه.
الفصل الثالث: في عقد البيع:
وهو الإيجاب، كقوله " بعتك " والقبول وهو " اشتريت ".
وإنما يصح إذا صدر عن مكلف مالك، أو بحكمه كالأب والجد والحاكم
وأمينه والوصي والوكيل، ويقف عقد غيرهم على الإجازة، ولو جمع بين ملكه
وغيره مضى في ملكه وتخير المالك في الآخر، وللمشتري مع فسخ المالك
الخيار.
ويشترط في المكيل والموزون والمعدود معرفة المقدار بأحدها، ويجوز
ابتياع بعض الجملة مشاعا إذا علمت نسبته، ويجوز الإندار للظروف بما يقاربها
، ويشترط في كل مبيع أن يكون مشاهدا أو موصوفا بما يرفع الجهالة، فإن وجد
على الوصف وإلا كان له الخيار، ولو افتقرت معرفته إلى الاختبار جاز بيعه
بالوصف أيضا، ويتخير مع خلافه ولو أدى اختباره إلى الإفساد جاز شراؤه، فإن
خرج معيبا أخذ أرشه، وإن لم يكن له قيمة بعد الكسر أخذ الثمن.
ولا يجوز بيع السمك في الأجمة، ولا اللبن في الضرع، ولا ما في بطون
الأنعام، ويجوز لو ضم معها غيرها، ولا ما يلقح الفحل، ويجوز بيع المسك في
فأره وإن لم يفتق، وبيع الصوف على ظهور الغنم.
ولا بد أن يكون الثمن معلوما قدرا ووصفا بالمشاهدة أو الصفة، ولا يجوز أن
يبيع بدينار غير درهم نسيئة ولا نقدا مع جهل نسبته إليه، ويشترط أن يكون
مقدورا على تسليمه، فلا يصح بيع الآبق منفردا ولو ضم إليه غيره صح، ولا
الطير في الهواء.
301

وكل بيع فاسد فإنه مضمون على قابضه، ولو علمه صنعة أو صبغه فزادت
قيمته رجع بالزيادة، ولو نقص ضمن النقصان كالأصل، وإذا اختلف المتبايعان
في قدر الثمن فالقول قول البائع إن كان باقيا، وقيل: إن كان في يده، وقول
المشتري إن كان تالفا، وقيل: إن كان في يده.
الفصل الرابع: في الخيار:
وأقسامه سبعة:
الأول: خيار المجلس، فمن باع شيئا ثبت له وللمشتري الخيار ما لم يتفرقا،
أو يشترطا سقوطه قبل العقد أو بعده، ولا يثبت في غير البيع.
الثاني: خيار الحيوان، وكل من اشترى حيوانا ثبت له الخيار خاصة ثلاثة
أيام من حين العقد، إن شاء الفسخ فيها فسخ ما لم يشترطا سقوطه أو يتصرف
المشتري فيه، فإن تلف في هذه المدة قبل القبض أو بعده فمن البائع ما لم
يحدث المشتري فيه حدثا، والعيب الحادث من غير تفريطه لا يمنع الرد
بالسابق.
الثالث: خيار الشرط، وهو يثبت في كل مبيع اشترط الخيار فيه، ولا يتقدر
بمدة معينة، بل لهما أن يشترطا مهما شاءا بشرط أن تكون المدة مضبوطة، ويجوز
اشتراطه لأحدهما أو لهما أو لثالث واشتراط مدة يرد فيها البائع الثمن ويرتجع
المبيع، فإن خرجت ولم يأت بالثمن كاملا لزم البيع، والتلف من المشتري في
المدة والنماء له.
الرابع: خيار الغبن، وهو أن يبيع بدون ثمن المثل أو يشتري بأكثر منه ولا
يعرف القيمة، ومما لا يتغابن الناس فيه، فيختار المغبون الفسخ.
الخامس: من باع شيئا ولم يقبض الثمن ولا سلم السلعة ولم يشترط التأخير،
لزم البيع ثلاثة أيام، فإن جاء المشتري فهو أحق بالسلعة، وإن مضت كان للبائع
الفسخ، ولو تلفت السلعة كانت من مال البائع على كل حال، وما لا بقاء له
302

يثبت الخيار فيه يوما.
السادس: خيار الرؤية، فمن اشترى موصوفا غير مشاهد كان للمشتري خيار
الفسخ إذا وجده دون الوصف، ولو لم يشاهده البائع وباعه بالوصف فظهر
أجود كان الخيار للبائع.
السابع: خيار العيب، وسيأتي.
والخيار موروث، والمبيع إذا تلف قبل القبض كان من مال البائع، وإن
تعيب تخير المشتري بين الرد والإمساك بالأرش.
الفصل الخامس: في العيوب:
وهو كل ما زاد أو نقص عن المجرى الطبيعي، فإن أطلق المتبايعان البيع
أو اشترطا الصحة اقتضى الصحة، وإن تبرءا من العيوب فلا ضمان. وبدونه إذا
ظهر عيب تخير المشتري بين الرد والإمساك بالأرش ما لم يتصرف، فإن كان
قد تصرف أو حدث فيه عيب عنده ثبت الأرش خاصة، ولو علم بالعيب ثم
اشتراه فلا أرش أيضا.
ولو باع شيئين صفقة وظهر العيب في أحدهما كان للمشتري الأرش أو رد
الجميع لا المعيب وحده، ولو اشترى اثنان صفقة لم يكن لأحدهما رد حصته
بالعيب إلا إذا وافقه الآخر، والتصرف يبطل رد المعيب إلا في الوطء في الحامل
فيردها مع نصف عشر القيمة، والحلب في الشاة المصراة فيردها مع قيمة اللبن إن
تعذر المثل.
ولو ادعى البائع التبرؤ من العيوب ولا بينة فالقول قول المشتري مع يمينه
، ولو ادعى المشتري تقدم العيب على العقد فالقول قول البائع مع يمينه.
الفصل السادس: في النقد والنسيئة والمرابحة:
إطلاق العقد يقتضي حلول الثمن، فإن شرطا تأجيله مدة معينة صح،
303

ويبطل في المجهولة، وكذا لو باعه بثمن حالا وبأزيد مؤجلا.
وإذا باع نسيئة ثم اشتراه قبل الأجل بزيادة أو نقصان من جنس الثمن
وغيره حالا ومؤجلا صح مع عدم الشرط، ولو اشتراه بعد حلوله جاز بغير
الجنس مطلقا، وبه قيل: لا يجوز مع التفاوت، والأقرب خلافه.
ولا يجب دفع الثمن قبل الأجل ولا قبضه قبله، ولو حل ودفع وجب
القبض، فإن امتنع كان هلاكه من صاحب الحق.
ولو اشترى نسيئة وجب أن يخبر بالأجل إذا باعه مرابحة، فإن أخفى تخير
المشتري بين الرد والإمساك بالثمن حالا، وإذا باع مرابحة نسب الربح إلى
السلعة لا إلى الثمن، ولو اشترى أمتعة صفقة بثمن لم يجز بيع أفرادها مرابحة
بالتقويم إلا بعد الإعلام.
الفصل السابع: فيما يدخل في المبيع:
من باع أرضا دخل فيها النخل والشجر مع الشرط وإلا فلا، ويدخل لو
قال: بعتكها وما أغلق عليه بابها، ويدخل في الدار الأعلى والأسفل إلا أن يستقل
بالسكنى عادة.
ولو باع نخلا مؤبرا فالثمرة للبائع، ولو لم يؤبر فالثمرة للمشتري، ولا
يدخل الحمل في الابتياع من غير شرط، فلو استثنى نخلة كان له المدخل إليها
والمخرج منها ومدى جرائدها في الأرض.
الفصل الثامن: في التسليم:
وهو التخلية فيما لا ينقل ويحول، والكيل والوزن فيما يكال أو يوزن،
والقبض باليد في الأمتعة، والنقل في الحيوان.
وهو واجب على البائع في البيع وعلى المشتري في الثمن، ويجبران معا لو
امتنعا، ويجب التسليم مفرغا.
304

ويجوز بيع ما لم يقبض قبله إلا أن يكون طعاما فلا يبيعه إلا تولية، و
القول قول البائع في عدم النقصان مع حضور المشتري الكيل والوزن مع يمينه وعدم
البينة، وقول المشتري مع عدم حضوره.
ويصح في حال العقد اشتراط ما يسوع ويدخل تحت القدرة، ولا يجوز
اشتراط ما ليس بمقدور كصيرورة الزرع سنبلا، ويصح اشتراط العتق، ولو
اشترط ما لا يسوع أو عدم العتق أو عدم وطء الأمة بطل الشرط، وفي إبطال
البيع وجه قوي.
ولو شرط مقدارا فنقص تخير المشتري بين الرد والإمساك بالقسط من
الثمن، سواء كانت أجزاؤه متساوية أو مختلفة، فإن أخذ بالقسط تخير البائع، ولو
أخذه بالجميع فلا خيار، ولو زاد متساوي الأجزاء أخذ البائع الزائد فيتخير
المشتري حينئذ، ولو زاد المختلف فالوجه البطلان، ويجوز أن يجمع بين سلف
وبيع مختلفين صفقة.
الفصل التاسع: في الربا:
وهو معلوم التحريم بالضرورة من الشرع، وهو: بيع أحد المثلين بآخر مع
زيادة عينية كبيع قفيز بقفيزين، أو حكمية كبيع قفيز بقفيز نسيئة.
وشرطه أمران: الاتحاد في الجنس، والكيل أو الوزن.
ويجوز بيع المثلين متساويا نقدا، ولا يجوز نسيئة، وكل ربوي يجوز بيعه
بمخالفه نقدا متفاضلا، ونسيئة على كراهية، وكذا غير الربوي إلا أن يكون أحد
العوضين من الأثمان.
والشعير والحنطة جنس واحد هنا، وكذا كل شئ مع أصله كالسمسم
والشيرج، وكل فرعين من أصل واحد كالسمن والزبد، والجيد والردئ،
واللحوم تختلف باختلاف الحيوان، وكذا الأدهان.
ولو كان الشئ جزافا في بلدة وموزونا في أخرى فلكل بلد حكم نفسه،
305

ولا يباع الرطب بالتمر وإن تساويا، ويكره اللحم بالحيوان، ولو باع درهما ومد
تمر بدرهمين أو مدين صح.
ومن ارتكب الربا بجهالة فلا إثم عليه، ويعيد ما أخذ منه على مالكه إن وجده
أو ورثته، ولو جهل تصدق به عنه.
ولا ربا بين الوالد وولده، ولا بين السيد وعبده، ولا بين الرجل وزوجته،
ولا بين المسلم والحربي، ويثبت بينه وبين الذمي.
وأما الصرف: فشرطه التقابض في المجلس، فإن تساوى الجنس وجب
تساوي المقدار وإلا فلا، ولو قبض البعض صح فيه خاصة، ولو فارقا المجلس
مصطحبين ثم تقابضا صح.
ومعدن الذهب يباع بالفضة وبالعكس، والدراهم المغشوشة إذا كانت
معلومة الصرف جاز إنفاقها وإلا فلا، إلا أن يبين حالها، والمصاع من الجوهرين
إن أمكن تخليصه لم يبع بأحدهما قبله وإلا بيع بالناقص، ومع التساوي يباع
بهما، وتراب الصاغة يتصدق به.
ويجوز أن يقرضه ويشترط الإقباض بأرض أخرى، وأن يشتري درهما
بدرهم ويشترط صياغة خاتم على إشكال، ولا ينسحب على غيره.
الفصل العاشر: في بيع الثمار:
لا يجوز بيع الثمرة قبل ظهورها، ويجوز بعده وإن لم يبد صلاحها، بشرط
القطع أو مع الضميمة أو عامين، ولو فقد الجميع فقولان.
ولو أدرك بعض البستان جاز بيع الجميع، وكذا يجوز بيع البستانين إذا
أدرك أحدهما، وبيع الثمرة في كمامها، والزرع قائما وحصيدا وقصيلا، وعلى
المشتري قطعه، فإن تركه طالبه البائع بأجرة الأرض مدة التبقية، وللبائع قطعه.
ويجوز بيع الخضر بعد انعقادها لقطة ولقطات، وما يجز أو يخرط جزة و
جزات وخرطة وخرطات، ويجوز استثناء حصة مشاعة أو نخلا أو شجرا معينا
306

أو أرطالا معلومة، فإن خاست سقط من الثنيا بحسابه.
والمحاقلة حرام، وكذا المزابنة إلا العرية، ويجوز أن يتقبل أحد الشريكين
بحصة صاحبه بوزن معلوم.
ومن مر بثمرة نخل لا قصدا جاز أن يأكل من غير استصحاب ولا إضرار.
الفصل الحادي عشر: في بيع الحيوان:
كل حيوان مملوك يصح بيعه ويستقر ملك المشتري عليه، إلا الآبق
منفردا، وأم الولد مع وجود ولدها وإيفاء ثمنها أو القدرة عليه، إلا أن يكون العبد
أبا للمشتري وإن علا، أو ابنا وإن نزل، أو واحدة من المحرمات عليه نسبا
ورضاعا، وكذا المرأة في العمودين، فيعتق عليه لو ملكه، أو يكون المشتري
كافرا والعبد مسلما، أو يكون موقوفا، ولو ملك أحد الزوجين صاحبه استقر
الملك وبطل النكاح.
ويجوز ابتياع أبعاض الحيوان المشاعة، ولو شرط أحد الشريكين الرأس و
الجلد بما له، كان له بنسبة ماله لا ما شرط، ولو أمره بشراء حيوان أو غيره
بشركته صح ولزمه نصف الثمن، ولو شرط رأس المال لم يلزمه.
وعلى البائع استبراء الأمة قبل بيعها بحيضة إن كانت تحيض، وإلا فخمسة
وأربعين يوما، ولو لم يستبرأ وجب على المشتري، ويسقط في اليائسة والصغيرة
والمستبرأة وأمة المرأة، ولا يطأ الحامل قبلا إلا بعد مضي أربعة أشهر وعشرة أيام،
فإن فعل عزل، ولو لم يعزل كره له بيع ولدها.
ويستحب تغيير اسمه، وإطعامه شيئا من الحلاوة، والصدقة عنه بأربعة
دراهم، ولا يريه ثمنه في الميزان، ويكره التفرقة بين الأم والولد قبل سبع سنين.
ولو ظهر استحقاق الأمة بعد حملها انتزعها المالك، وعلى المشتري قيمتها
إن كانت بكرا وإلا فنصفه وقيمة الولد يوم سقوطه حيا، ويرجع بذلك كله
على البائع إن لم يكن علم بالغصب وقت البيع.
307

ويجوز شراء ما يسبيه الظالمون، وكذا بنت الظالم وأخته وغيرهما من
أقاربه.
ومن اشترى جارية سرقت من أرض الصلح ردها على البائع واسترجع
الثمن، وإن مات ولا عقب له دفعها إلى الحاكم، ولو دفع إلى مملوك غيره
المأذون مالا ليعتق نسمة ويحج عنه فاشترى أباه ثم ادعى كل من الثلاثة شراءه
من ماله، فالقول قول سيد المملوك مع عدم البينة.
ولو وطئ الشريك جارية الشركة حد بنصيب غيره، فإن حملت قومت عليه و
انعقد الولد حرا، وعليه قيمة حصص الشركاء منه عند سقوطه، ولو اشترى كل
من المأذونين صاحبه ولا سبق بطل العقدان.
الفصل الثاني عشر: في السلف:
وشروطه: ذكر الجنس والوصف الرافع للجهالة، وقبض الثمن قبل
التفرق، ولو قبض البعض بطل الباقي، وتقدير المبيع ذي الكيل والوزن
بمقداره، وتعيين أجل مضبوط، وإمكان وجوده بعد الحلول، فإن تعذر تخير
المشتري بين الفسخ والصبر.
ولو دفع دون الصفة أو أكثر أو قبل الأجل لم يجب القبول، بخلاف ما لو
دفعه في وقته بصفته أو أزيد منها.
ويجوز اشتراط ما هو سائغ، ولا يجوز أن يشترط من زرع أرض بعينها، أو
غزل امرأة بعينها أو ثمرة نخلة بعينها.
وأجرة الكيال ووزان المتاع وبائع الأمتعة على البائع، وأجرة الناقد ووزان
الثمن ومشتري الأمتعة على المشتري، ولو تبرع الواسطة فلا أجرة، ولا ضمان
على الدلال في الجودة ولا التلف في يده إذا لم يفرط، والقول قوله في التفريط مع
اليمين وعدم البينة، وفي القيمة لو ثبت التفريط.
308

إرشاد الأذهان
للشيخ جمال الدين أبي منصور الحسن بن سديد الدين يوسف بن زين الدين
علي بن محمد مطهر الحلي المشتهر بالعلامة الحلي والعلامة على الإطلاق 647 - 726 ه‍. ق
309

كتاب المتاجر
وفيه مقاصد:
الأول: في المقدمات:
وفيه مطلبان:
الأول: في أقسامها:
وتنقسم بانقسام الأحكام الخمسة:
فالواجب منها: ما اضطر الإنسان إليه في المباح.
والمستحب: ما قصد به التوسعة على العيال، والصدقة على المحاويج.
والمباح: ما استغنى عنه وانتفى الضرر فيه.
والمكروه: ما اشتمل على ما ينبغي التنزه عنه، وهو: الصرف وبيع الأكفان
والطعام والرقيق، والذباحة والصياغة والحجامة مع الشرط، والقابلة معه،
والحياكة، وأجرة الضراب، وأجرة تعليم القرآن ونسخه، وكسب الصبيان ومن
لا يتجنب المحارم، والاحتكار على رأي، وهو: حبس الحنطة والشعير والتمر
والزبيب والسمن والملح، إذا استبقاها للزيادة ولم يوجد باذل سواه، ويجبر على
البيع لا التسعير.
والمحرم: ما اشتمل على وجه قبح، وهو خمسة:
الأول: بيع الأعيان النجسة، كالخمر والنبيذ والفقاع، وما نجس من
311

المائعات مما لا يقبل التطهير - عدا الدهن النجس لفائدة الاستصباح به تحت
السماء - والميتة وكلب الهراش والخنزير، والأرواث والأبوال إلا بول الإبل.
ولا بأس ببيع ما عرض له التنجيس مع قبول الطهارة بشرط الإعلام.
الثاني: ما قصد به المحرم، كآلات اللهو والقمار، والأصنام والصلبان، وبيع
السلاح لأعداء الدين، وإجارة المساكن للمحرمات والحمولات لها، وبيع العنب ليعمل خمرا والخشب
ليعمل صنما، ويكره لمن يعملهما.
الثالث: ما لا انتفاع به، كالخنافس والديدان والذباب والقمل والمسوخ
البرية كالقرد والدب عدا الفيل، والبحرية كالضفادع والسلاحف والطافي، وفي
السباع قولان.
الرابع: ما هو حرام في نفسه، كعمل الصور المجسمة، والغناء، ومعونة
الظالمين بالحرام، والنوح بالباطل، وحفظ كتب الضلال ونسخها لغير النقض
والحجة، وهجاء المؤمنين، وتعلم السحر، والكهانة، والقيافة والشعبذة، والقمار،
والغش بما يخفى، وتدليس الماشطة، وتزيين الرجل بالمحرم، والرشى في الحكم -
سواء حكم له أو عليه، بحق أو باطل - والولاية من قبل الظالم مع غلبة ظنه
بالقصور عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجوائزه المغصوبة فيعيدها لو
أخذها على صاحبها أو وارثه، فإن تعذر وتصدق بها عنه.
الخامس: ما يجب فعله، كتغسيل الأموات وتكفينهم ودفنهم، وكذا أخذ
الأجرة على الأذان والصلاة بالناس والقضاء - ولا بأس بالرزق من بيت المال
على الأذان والقضاء مع الحاجة وعدم التعيين - والأجرة على عقد النكاح،
والرزق من بيت المال للقاسم وكاتب القاضي والمترجم وصاحب الديوان ومن
يكيل للناس ويزن، وتعلم القرآن والأدب، وبيع كلب الحائط والماشية والزرع
والصيد وإجارتها، والولاية من قبل العادل، ومن الجائر مع علمه بالقيام بالأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر أو بدونه مع الإكراه، وما يأخذه السلطان الجائر
باسم المقاسمة من الغلات والخراج عن الأرض والزكاة من الأنعام وإن علم
312

المالك.
ولو دفع إليه مالا ليفرقه في قبيل وهو منهم، فإن عين لم يجز التخطي، وإلا
جاز أن يأخذ مثل غيره لا أزيد.
المطلب الثاني: في آدابها:
يستحب: التفقه والتسوية بين المبتاعين وإقالة النادم والشهادتان والتكبير
عند الشراء وقبض الناقص وإعطاء الراجح.
ويكره: مدح البائع وذم المشتري واليمين عليه، والبيع في المظلمة،
والربح على المؤمن - إلا مع الحاجة - والموعود بالإحسان، والسوم بين طلوع
الفجر وطلوع الشمس، والدخول إلى السوق أولا، ومعاملة الأدنين وذوي
العاهات والأكراد، والاستحطاط بعد العقد والزيادة وقت النداء، والتعرض
للكيل والوزن إذا لم يحسن، والدخول على سوم المؤمن، وأن يتوكل حاضر
لباد، والتلقي - وحده أربعة فراسخ مع القصد، ولا خيار للبائع بدون الغبن -
والنجش وهو الزيادة لمن واطأه البائع.
المقصد الثاني: في أركانها:
وهي ثلاثة:
الأول: العقد:
وهو: الإيجاب كبعت، والقبول كاشتريت، ولا ينعقد بدونه وإن حصلت
أمارة الرضا في الجليل والحقير، ولو تعذر النطق كفت الإشارة، ولا ينعقد إلا
بلفظ الماضي، وفي اشتراط تقديم الإيجاب نظر، ولا ينعقد بالكناية، كالخلع
والكتابة والإجارة.
وكل ما يذكر في متن العقد من الشروط السائغة كقصارة الثوب لازم ما لم
يؤد إلى جهالة في أحد العوضين، ولو فسد الشرط فسد العقد، ولو شرط ما لا
313

يدخل تحت القدرة كجعل الزرع سنبلا بطل، ولو شرط عتق العبد لزم معه، و
لو لم يعتق تخير البائع في الفسخ وإن مات العبد، ولو شرط قرضا أو أجلا
معينا أو ضمينا صح.
الركن الثاني: المتعاقدان:
ويشترط صدوره من بالغ عاقل مختار مالك أو مأذون له.
فلو باع الطفل أو المجنون أو المغمى عليه أو السكران - وإن أذن لهم - أو
المكره لم يصح، ولو أجازوا بعد الكمال إلا المكره.
ولو باع المملوك بغير إذن مولاه لم يصح، ولو اشترى نفسه من مولاه
لغيره صح.
وللمالك أن يبيع بنفسه وبوكيله، وللأب والجد له والحاكم وأمينه
وللوصي البيع عن الطفل والمجنون مع المصلحة.
ولو باع الفضولي وقف على الإجازة، فيبطل لو فسخ، ولا يكفي الحضور
ساكتا فيه.
وللحاكم البيع على السفيه والمفلس والغائب، ويشترط كون المشتري
للمسلم والمصحف - إلا في من ينعتق بملكه - مسلما.
ولو باع المملوك له ولغيره، فإن أجاز المالك صح، وإلا بطل فيما لا
يملك، ويقسط المسمى على القيمتين، ويتخير المشتري في الفسخ، ولو ضمه إلى
غير المملوك - كالخمر والخنزير والحر - قوم عند مستحليه، أو على تقدير
العبودية وقسط المسمى على القيمتين، ولو علم المشتري في الموضعين فلا خيار.
ولو باع غير المملوك ورجع المالك في العين رجع المشتري على البائع
بالثمن، وبما غرمه مما لم يحصل له في مقابلته نفع، كالنفقة وقيمة الولد والعمارة
مع الجهل بالغصب لا مع العلم، وهل يرجع بما حصل له في مقابلته نفع،
كالسكنى والثمرة واللبن وشبهه؟ قولان، ويجوز أن يتولى الولي طرفي العقد.
314

الركن الثالث: العوضان:
وفيه قطبان:
الأول: في الشرائط:
يجب كونهما مملوكين، فلا يصح بيع الحر والخنافس وشبههما والحشرات
والفضلات، وما لا ينتفع به لقلته كالحبة من الحنطة، والمشترك بين المسلمين
قبل الحيازة كالماء والوحوش وأرض الخراج.
وتمامية الملك، فلا يصح بيع الوقف، إلا أن يخرب ويؤدي إلى الخلف
بين أربابه على رأي، ولا بيع أم الولد ما دام ولدها حيا، إلا في ثمن رقبتها مع
إعسار مولاها به، ولا الرهن إلا بإذن المرتهن.
ويجب القدرة على التسليم، فلا يصح بيع الآبق منفردا ويصح منضما، ولو
ضمه إلى ما يصح بيعه وتعذر القبض لم يرجع على البائع وكان الثمن في مقابلة
الضميمة، ويصح بيع الطائر إذا اعتيد عوده، والسمك في المياه المحصورة،
ويجب كونهما معلومين، فلو باعه بحكم أحدهما أو بقبضة من فضة أو بقية من
طعام غير معلوم القدر بطل، ولو باع المكيل والموزون والمعدود جزافا
كالصبرة بطل وإن شوهد.
ويفتقر ما يراد منه الطعم أو الريح إلى اختباره بالذوق أو الشم، ولو بيع
بالوصف أو بغير الوصف على أن الأصل الصحة جاز، فإن خرج معيبا تخير
المشتري بين الرد والأرش، ومع التصرف الأرش خاصة، وكذا ما يؤدي
اختباره إلى إفساده كالبطيخ، ولو لم يكن لمعيبه قيمة كالبيض بطل مع ظهور
عيبه، والأعمى كالمبصر.
ويجوز ابتياع جزء مشاع من معلوم بالنسبة كالنصف اختلفت أجزاؤه أو
اتفقت، وابتياع قدر معين من المتساوي كقفيز من قبة وإن جهلت، لا من
المختلف كالذراع من الثوب والجريب من الأرض.
ويجب المشاهدة أو الوصف الرافع للجهالة، وتكفي مشاهدة الأرض
315

والثوب عن المساحة، ولو باع بالوصف ثبت للمشتري الخيار مع التغير، فإن
اختلفا فيه قدم قول المشتري مع يمينه.
ولو استثنى شاة من قطيع أو جريبا من أرض بطل البيع مع عدم تعيين
المستثنى، ولو تعذر العدد اعتبر مكيال وحسب الباقي عليه.
ولا يجوز بيع السمك في الآجام وإن ضم إليه القصب أو غيره على رأي، و
لا اللبن في الضرع وإن ضم إليه ما حلب، ولا الجلود على الظهور، ولا الحمل،
ولا ما يلقح الفحل، وكذا كل مجهول مقصود أضيف إلى مثله أو معلوم.
ويجوز بيع الصوف على ظهر الغنم على رأي، والمسك في فأره ولو لم
يفتق، والإندار للظروف ما يحتمل.
والمقبوض بالسوم أو بالبيع الفاسد مضمون على المشتري، والزيادة
المتصلة والمنفصلة للمالك، ولو كان بفعله شاركه بقدرها وإن لم تكن عينا، ولو
نقص فعليه أرشه، ولو تلف فالقيمة يوم التلف على رأي.
ولو باعه بدينار غير درهم نسيئة أو نقدا أو مع جهالة النسبة أو بما يتجدد من
النقد بطل.
القطب الثاني: في متعلق البيع:
ومطالبه ثلاثة:
الأول: في بيع الثمار:
إنما يجوز بيعها بعد ظهورها، وفي اشتراط بدو الصلاح - الذي هو الاحمرار
والاصفرار - أو بلوع غاية يؤمن عليها الفساد أو ينعقد حب الزرع والشجر أو
الضميمة أو شرط القطع قولان.
ويجوز بيع الزرع والسنبل قائما وحصيدا، والخضر بعد انعقادها لقطة
ولقطات، والرطبة وشبهها جزة وجزات، والحناء والتوت خرطة وخرطات
، واستثناء نخلة معينة وحصة مشاعة وأرطال معلومة، فإن خاست الثمرة سقط من
316

الثنيا بحسابه.
وبيع الزرع قصيلا، وعلى المشتري قطعه، فإن لم يقطعه قطعه البائع أو
طالبه بالأجرة، وكذا النخل لو شرط قطع الثمرة، وأن يبيع ما ابتاعه من الثمرة
وغيرها بزيادة ونقصان قبل القبض وبعده.
وبيع الثمرة على النخلة بالأثمان وغيرها لا بالتمر وهي المزابنة، ولا الزرع
بحب منه وهي المحاقلة، إلا العرية بخرصها تمرا من غيرها بشرط التعجيل لا
القبض، ولا يجب تماثل خرص تمرها عند الجفاف وثمنها، ولا عرية في غير
النخل.
والتقبيل بشرط السلامة، ولو مر بثمرة لم يجز التناول على رأي، ولا أخذ
شئ منها.
المطلب الثاني: في بيع الحيوان:
كل حيوان مملوك يصح بيعه وأبعاضه المشاعة لا المعينة، إلا الآبق
منفردا، وأم الولد مع وجوده والقدرة على الثمن أو إيفائه، والوقف، والعمودين
للمشتري، والمحرمات عليه نسبا ورضاعا.
قيل: ولو استثنى البائع الرأس والجلد كان شريكا بقدر القيمة، وكذا لو
اشترك اثنان وشرط أحدهما ذلك.
والوحشي من الحيوان يملك بالاصطياد، أو بأحد العقود الناقلة، أو
بالاستنتاج، وغير الوحشي بالأخيرين.
وأما الآدمي، فإنما يملك في الأصل بالقهر عليه إذا كان كافرا أصليا - إلا
اليهود والنصارى والمجوس مع القيام بشرائط الذمة، فإن أخلوا ملكوا - ثم
يسري الملك إلى أعقابهم وإن أسلموا، إلا الآباء والأمهات وإن علوا والأولاد وإن
نزلوا، سواء كان المالك ذكرا أو أنثى.
ولا يملك الرجل الأخوات والعمات والخالات وإن علون، وبنات الأخ
317

وبنات الأخت وإن نزلن، فإن ملك إحدى هؤلاء انعتق في الحال، ولو ملك
البعض انعتق ما يملكه، وحكم الرضاع حكم النسب على رأي.
ويملك لقيط دار الحرب دون دار الإسلام، ويقبل إقراره بعد بلوغه بالرق،
وكذا كل مقر به مع جهالة حريته.
ولو أسلم عبد الكافر بيع عليه من مسلم، ولو ملك أحد الزوجين صاحبه
صح وبطل العقد، ولا يقبل ادعاء الحرية من مشهور الرقية إلا بالبينة.
والآمر بشراء حيوان بالشركة يلزمه ثمن الحصة، ولو أذن في الأداء رجع
عليه، ولو تلف الحيوان فهو عليهما، ولو وجد المشتري فيه عيبا سابقا على البيع تخير بين الرد والأرش، ولو تجدد بعد العقد قبل القبض
تخير بين الرد
والإمساك، والأقرب بالأرش، ولو قبضه ثم تلف أو حدث فيه عيب في ثلاثة
الأيام فهو من البائع ما لم يحدث فيه المشتري حدثا، ولو حدث فيه عيب في
الثلاثة من غير جهة المشتري لم يمنع رد المشتري بالخيار في الثلاثة، والوجه
جواز إلزام البائع بالأرش، ولو حدث بعد الثلاثة منع الرد بالسابق.
ولو باع الحامل فالولد له إلا أن يشترطه المشتري، ولو شرطه فسقط قبل
القبض رجع المشتري بنصيبه من الثمن بأن تقوم حاملا ومجهضا، ويرجع بنسبة
التفاوت من الثمن.
والعبد لا يملك وإن ملكه مولاه، فلو اشتراه كان ما معه للبائع، ولو شرطه
المشتري صح إذا لم يكن ربويا أو زاد الثمن، ولو قال: اشترني ولك علي كذا،
لم يلزم مطلقا على رأي.
ويكره التفرقة بين الأطفال وأمهاتهم قبل بلوع سبع سنين، ووطء من ولد
من الزنى، وأن يرى العبد ثمنه في الميزان.
ويجب استبراء الأمة قبل بيعها مع الوطء بحيضة أو بخمسة وأربعين يوما،
وكذا المشتري، ويسقط لو أخبر الثقة بالاستبراء، أو كانت لامرأة أو يائسة أو
صغيرة أو حاملا أو حائضا.
318

ويحرم وطء الحامل قبلا بعد مضي أربعة أشهر وعشرة ويكره بعده، فإن
وطأ عزل، ولو لم يعزل كره بيع ولدها واستحب عزل نصيبه من ميراثه.
ويجوز شراء ما يسبيه الظالم من الكافر، وأخته وبنته وزوجته، وكل حربي
قهر حربيا صح الشراء منه، ولو قهر من ينعتق عليه ففي صحة بيعه نظر ينشأ من
دوام القهر المبطل للعتق لو فرض، ودوام القرابة الرافعة للملك بالقهر،
والتحقيق: صرف البيع إلى الاستنقاذ وثبوت ملك المشتري بالتسليط.
ولو ظهر استحقاق ما أولده رد الأم على المالك، وغرم عشر القيمة مع
البكارة وإلا نصفه وقيمة الولد يوم سقوطه حيا، ويرجع على البائع بالثمن وقيمة
الولد دون العقر على رأي.
ولو كانت الجارية سرقت من أرض الصلح ردها على البائع أو وارثه
واستعاد الثمن، ولو فقد الوارث سلمت إلى الحاكم، ولا تستسعي في ثمنها على
رأي.
ولو وطأ أحد الشريكين سقط الحد مع الشبهة، وإلا قدر نصيبه، فإن حملت
قومت عليه حصص الشركاء من الأم والولد يوم سقوطه حيا.
ولو اشترى عبدا في الذمة، فدفع إليه عبدين ليختار أحدهما، فأبق واحد
ضمن التالف بقيمته وطالب بما اشتراه.
ولو دفع إلى مأذون مالا ليشتري نسمة ويعتقها ويحج بالباقي فاشترى أباه،
ثم ادعى كل من مولاه ومولى الأب وورثة الآمر شراءه من ماله، حكم به
للمأذون، إلا أن يقيم أحد الآخرين البينة بما ادعاه، ولو اشترى كل من المأذونين
صاحبه من مولاه صح عقد السابق، ولو اقترنا بطلا، ويستحب تغيير اسمه
وإطعامه الحلاوة والصدقة عنه.
المطلب الثالث: في الصرف:
إنما يصح بيع الأثمان بمثلها مع التقابض قبل التفرق، فلو تفرقا قبله بطل،
319

ولو قبض البعض بطل في الباقي، ولو فارقا مصطحبين أو وكل في القبض
فقبض الوكيل قبل التفرق صح.
وإذا اتحد الجنس وجب التساوي قدرا وإن اختلفا في الجودة والرداءة
والصنعة، ولو اختلفا فيه جاز الاختلاف.
والمغشوش من النقدين يباع بالآخر مع جهل الغش، ومع علمه يجوز
بصافيه مع زيادة تقابل الغش، وتراب معدن أحدهما يباع بالآخر، ولو جمعا
جاز بيع بيعه بهما.
والمصوع من النقدين يباع بهما أو بغيرهما إن جهل قدر كل منهما وأمكن
تخليصه، وإن لم يمكن بيع بالأقل، ومع التساوي بهما، ولو علم كل منهما جاز
بيعه بجنسه متساويا، وبغير الجنس مع التفاوت وعدمه.
والمراكب المحلاة والسيوف تباع بغير جنس الحلية مع الجهل، أو
بالجنس مع العلم والزيادة أو الاتهاب.
ولو كان له عليه دراهم فاشترى بها دنانير أو بالعكس صح وإن لم
يتقابضا، ولو زاد الثمن عن المقدر بما تجري العادة به فهو للبائع، وإلا فللمشتري
وروي تجويز بيع درهم مع شرط صياغة خاتم، ولو اشترى بنصف دينار لزمه
شق دينار، ولو أراد النصف صحيحا عرفا أو نطقا لزم.
وتراب الصياغة يباع بالنقدين معا أو بغيرهما، ويتصدق بالثمن لجهالة
أربابه، والأثمان تتعين بالتعيين، فلو اشترى أحد النقدين بالمثل معينا فوجده من
غير الجنس بطل، وكذا لو باع ثوب كتان فخرج صوفا أو إبريسما، ولو وجد
البعض بطل فيه، ويتخير المشتري وليس له الإبدال، ولو كان منه معيبا فله الرد
أو الإمساك بغير شئ، وليس له رد المعيب وحده ولا الإبدال، ولو كان غير
معين فوجده من غير الجنس فله الإبدال قبل التفرق وبعده يبطل، ولو وجد منه
معيبا فله الرد والإمساك بغير أرش، والبدل وإن تفرقا.
ويجوز إخراج الدراهم المغشوشة مع جهالة الغش إذا كانت معلومة
320

الصرف بين الناس، ولا يجوز إذا كانت مجهولة الصرف إلا بعد الإعلام، ويجوز
أن يقرضه شيئا ويشترط أن ينقده بأرض أخرى.
المقصد الثالث: في أنواعها:
وفيها ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: في النقد والنسيئة:
من باع مطلقا أو شرط تعجيل الثمن كان الثمن حالا، وإن شرط التأجيل
لزم إن كان مضبوطا وإلا بطل، ويبطل لو باعه بثمنين إلى أجلين، أو إلى أجل
بثمن، وحالا بدونه، ولو باع نسيئة ثم اشتراه قبل الأجل من غير شرط في العقد
صح بأزيد وأنقص حالا ومؤجلا، ولو حل الأجل فاشتراه بغير الجنس صح
سواء ساواه أو لا، وإن كان بالجنس صح مع المساواة، والأقوى الجواز مع
التفاوت.
ولا يجب دفع الثمن قبل الأجل ولا قبضه ويجب بعد الأجل، فإن امتنع
دفعه إلى الحاكم، فإن تلف عند الحاكم فمن البائع، وكذا كل حق حال أو
مؤجل حل فامتنع صاحبه من قبضه.
ويجوز بيع المتاع حالا ومؤجلا بأزيد من ثمنه أو أنقص مع علمهما بالقيمة،
ولا يجوز تأخير الحال بالزيادة، ويجوز تعجيله بإسقاط بعضه.
المطلب الثاني: في السلف:
وفيه بحثان:
الأول: في شرائطه: وهي ثمانية.
الإيجاب كبعت وأسلفت وأسلمت، والقبول.
وذكر الجنس والوصف الرافع للجهالة لا من كل وجه، بل من الوجه
الذي تختلف الأغراض بتفاوته.
321

وقبض الثمن قبل التفرق، فلو تفرقا قبله بطل، ولو قبض البعض صح فيما
قابله خاصة.
وتقدير المبيع بالكيل والوزن المعلومين إن دخلا فيه، ولو أحالا على مكيال
مجهول القدر لم يصح وإن كان معينا.
وتقدير الثمن كذلك، ولا تكفي المشاهدة، ولا يصح في المذروع جزافا
ويصح فيه أذرعا، ولا يجوز في القصب أطنانا ولا الحطب حزما ولا الماء قربا،
ولا المعدود عددا مع اختلاف قدره، ولا المجزوز جززا.
ويتعين الأجل بما لا يحتمل الزيادة والنقصان، فلو شرط قدوم الحاج أو
إدراك الغلات لم يجز.
وغلبة وجوده وقت الحلول، فلا يصح اشتراط أجل لفواكه لا توجد فيه.
وعدم إسناده إلى معين، فلو شرط الغلة من زرع أرض معينة، أو الثمرة من
شجرة معينة. أو الثوب من غزل امرأة بعينها أو نسج رجل بعينه. أو الصوف من
نعجات بعينها لم يصح.
البحث الثاني: في الأحكام:
يجب على البائع دفع أقل ما يطلق عليه الوصف وعلى المشتري قبول
الأجود، ولا يصح اشتراط الأجود ويصح اشتراط الأردأ.
وكل ما ينضبط وصفه يصح السلم فيه: كالحيوانات والألبان والسمون
والشحوم والأطياب والثياب والثمار والأدوية وفي شاة لبون، ويلزمه ما من شأنها
وحامل وذات ولد. ولا يجوز في اللحم والخبز والجلود والنبل المعمول والجواهر
واللآلئ والعقار والأرض.
ولو قال: إلى ربيع، حمل على الأول، وكذا الخميس، وإلى شهرين يحل
بآخرهما، وإلى شهر كذا بأوله، وليس ذكر موضع التسليم شرطا، فإن شرطاه
لزم، وإلا انصرف إلى بلد العقد، ولا يجوز بيعه قبل حلوله، ويجوز بعده قبل
322

قبضه على البائع وغيره.
ولو رضي بأقل صفة وقدرا صح، ولو دفع أجود وجب القبول بخلاف
الأزيد، ولو دفع من غير الجنس افتقر إلى التراضي، ولو وجد به عيبا رده وعاد
الحق إلى الذمة سليما، ولو ظهر أن الثمن من غير الجنس بطل العقد، وإن
كان منه معيبا كان له الأرش والرد.
ويقدم قول مدعي القبض قبل التفرق، فلو أخر التسليم فللمشتري الفسخ
والإلزام، ويجوز اشتراط السائغ مع السلف.
المطلب الثالث: في المرابحة والمواضعة:
يجب ذكر رأس المال قدرا ونقدا فيهما، وقدر الربح والوضيعة، فيقول:
اشتريت بكذا، أو رأس ماله كذا، أو تقوم علي بكذا، أو هو علي بكذا، ولو عمل
فيه قال: رأس ماله كذا وعملت فيه بكذا، ولو عمل فيه بأجرة جاز أن يقول: تقوم
علي أو هو علي.
ويسقط الأرش من رأس المال لا أرش الجناية، ولا ما يحطه عنه البائع
وثمرة الشجرة، ولو فدى جنايته لم يجز ضمها، ولو اشترى جملة لم يبع بعضها
مرابحة وإن قوم إلا أن يخبر بالحال، وكذا الدلال لو قوم عليه التاجر، ويجوز أن
يشتري ما باعه بزيادة أو نقيصة حالا ومؤجلا، ويكره قبل القبض في المكيل
والموزون.
ولو شرط الشراء في العقد لم يصح، ويجوز مع الإطلاق وإن قصداه، فلو
باع غلامه الحر سلعة ثم اشتراها بأزيد جاز الإخبار بالزيادة، ولو بان الثمن أقل
تخير المشتري بين الرضا بالمسمى والرد، ولا تقبل دعواه في الشراء بأكثر.
وينسب الربح إلى المبيع، فيقول: هو علي بكذا وأربح فيه كذا، ويكره
نسبته إلى المال، فيقول: هو علي بكذا وأربح في كل عشرة كذا.
ولو اشترى نسيئة أخبر بالأجل، فإن أهمل تخير المشتري بين الأخذ والرد
323

حالا على رأي، ولو قال: بعتك بمائة وربح كل عشرة درهم، فالثمن مائة
وعشرة. ولو قال: وضيعة كل عشرة درهم أو مواضعة العشرة درهم، فالثمن
تسعون، ويحتمل أحد وتسعون إلا جزء من إحدى عشر جزء من درهم.
والتولية: البيع برأس المال، ولو قال: وليتك إياه، أو بعتك بمثل ما
اشتريت لزم المشتري ما وقع عليه العقد.
المقصد الرابع: في اللواحق:
وفيه مطالب:
الأول: في الخيار:
وفيه فصلان:
الأول: في أقسامه: وهي سبعة:
خيار المجلس، ويثبت في البيع خاصة ما لم يفترقا اختيارا، أو يشترطا
سقوطه أو يوجباه، ولو أوجبه أحدهما سقط خياره خاصة.
وخيار الحيوان، وهو ثابت للمشتري خاصة ثلاثة أيام من حين العقد على
رأي شرطاه أولا، ولو شرطا سقوطه أو أسقطاه بعد العقد أو تصرف المشتري
سقط.
وخيار الشرط، وهو ثابت لمن شرطاه سواء كان أحدهما أو هما معا أو
أجنبيا أو لأحدهما معه، ويجب ضبط المدة ومبدأها العقد ما لم يشترطا غيره،
ويجوز اشتراط المؤامرة واسترجاع المبيع بعد مدة إذا رد الثمن.
وخيار الغبن، وهو ثابت للمغبون بما لم تجربه العادة، ولا يسقط بالتصرف
ولا يثبت به أرش.
وخيار التأخير، فمن اشترى شيئا ولم يشترط تأخير الثمن ولا قبض السلعة
ولا قبض البائع الثمن، تخير البائع بعد ثلاثة أيام في إمضائه أو فسخه، ولو تلف
بعد الثلاثة فمن البائع، وكذا قبلها على رأي، والخيار فيما يفسد إلى الليل، فإن
324

جاء بالثمن وإلا فالبائع أحق.
وخيار الرؤية، ثابت لمن اشترى أو باع موصوفا أو غائبا بعد مشاهدته، فإن
خرج على الوصف أو العهد فلا فسخ، وإلا تخير البائع إن زاد وصفه والمشتري
إن نقص.
وخيار العيب وسيأتي.
الفصل الثاني: في الأحكام:
خيار الشرط يثبت في كل عقد سوى النكاح والوقف والإبراء والطلاق
والعتق، ويسقط بالتصرف، فلو تصرف أحدهما سقط خياره خاصة، ولو تصرفا
أو تصرف أحدهما بإذن الآخر سقط خيارهما، والخيار موروث.
ويقوم الولي مقام من تجدد جنونه، ويملك المشتري بالعقد على رأي، فلو
فسخ بعد النماء فالنماء للمشتري.
وكل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال البائع، وبعد القبض وانقضاء
الخيار من المشتري، وإن كان في الخيار فهو ممن لا خيار له، ولو كان الخيار
لهما معا فالتلف من المشتري، ولو أبهم الخيار في أحد المبيعين صفقة بطل العقد.
ويجب في بيع خيار الرؤية ذكر الجنس والوصف الرافع للجهالة، فإن
أخل بأحدهما بطل، وإن ظهر على خلاف ما وصف تخير المشتري بين الفسخ
والإمضاء بغير أرش، ولو كان البائع باعه بوصف الوكيل فظهر أجود فالخيار
له. ولو اشترى ضيعة شاهد بعضها ووصف له الباقي ولم يوافق تخير في فسخ
الجميع أو إمضائه.
المطلب الثاني: في العيب:
وهو كل ما يزيد أو ينقص عن المجرى الطبيعي، ولو شرط المشتري وصفا
325

لم يوجد فله الفسخ لم يكن فواته عيبا كالجعودة في الشعر.
وإطلاق العقد يقتضي السليم، فإن ظهر فيه عيب سابق على العقد تخير
المشتري بين الرد والأرش، وهو جزء من الثمن نسبته إليه كنسبة نقص قيمة
المعيب عن الصحيح.
ولو تبرأ البائع في العقد إجمالا أو تفصيلا، أو علم المشتري به أو أسقط
خياره سقط الأرش والرد، ولو تصرف سقط الرد دون الأرش، سواء تصرف قبل
العلم به أو بعده، إلا وطء الحامل وحلب المصراة، ولو تجدد قبل القبض فله الرد
أيضا، وفي الأرش خلاف.
ولو ظهر العيب في البعض فله الأرش أو رد الجميع دون المعيب خاصة،
وكذا لو اشترى اثنان صفقة لم يكن لهما الاختلاف، بل يتفقان على الأرش أو
الرد، وله الرد بالعيب السابق وإن أخره عالما به ما لم يصرح بالإسقاط، سواء
كان غريمه حاضرا أو غائبا.
ولو ادعى البائع البراء فالقول قول المشتري مع اليمين وعدم البينة، وقول
البائع في عدم سبق العيب مع عدم البينة وشهادة الحال.
وترد الأمة الحامل إذا وطأها مع نصف عشر قيمتها، والشاة المصراة مع
اللبن أو مثله مع التعذر أو القيمة مع عدم المثل، وتختبر التصرية بثلاثة أيام،
وتثبت في الشاة والبقرة والناقة على إشكال، لا في الأمة والأتانة، ولو صارت
التصرية عادة في الثلاثة سقط الخيار لا بعدها.
والإباق القديم، وعدم الحيض ستة أشهر ممن شأنها الحيض، والثقل في
البرز وشبهه الخارج عن العادة، وبول الكبير في الفراش عيوب، أما تحمير الوجه
ووصل الشعر والثيوبة فليست عيوبا، لكن يثبت بها الرد لو شرط أضدادها ولا
أرش.
ويرد الرقيق من الجنون والجذام والبرص الحادثة ما بين العقد وسنة لا أزيد
مع عدم التصرف، ومعه الأرش خاصة.
326

المطلب الثالث: في الربا:
وتحريمه معلوم من الشرع، وإنما يثبت في بيع أحد المتساويين جنسا
بالآخر مع زيادة عينية أو حكمية إذا كانا مقدرين بالكيل أو الوزن، والجنس هنا:
الحقيقة النوعية، كالحنطة والأرز والتمر، ولا تخرج الحقيقة باختلاف الصفات
العارضية.
فالحنطة ودقيقها جنس، والتمر ودبسه جنس، والعنب والزبيب جنس،
واللبن المخيض والحليب واحد، وجيد كل جنس ورديئه واحد، وثمرة النخل
جنس، وكذا الكرم.
واللحوم مختلفة، فلحم البقر والجاموس واحد، ولحم البقر والغنم جنسان،
والوحشي مخالف لإنسيه، والحنطة والشعير هنا جنس على رأي، والألبان مختلفة
كاللحمان، والشئ وأصله واحد، كالزبد والسمن واللبن، والسمسم ودهنه،
والخلول تابعة لأصولها.
فلا يجوز بيع أحد المتجانسين بالآخر مع زيادة، كقفيز حنطة بقفيزين منها،
ولا قفيز حنطة مقبوض بقفيز منها مؤجل، ويجوز التفاضل مع اختلاف الجنس
نقدا، وفي النسيئة قولان.
وكل ما يثبت أنه مكيل أو موزون في عهده عليه السلام بني عليه، وإلا اعتبر
البلد، فإن اختلفت البلدان فلكل بلد حكم نفسه، وما لا يدخله الكيل والوزن فلا
ربا فيه، كثوب بثوبين ودابة بدابتين ودار بدارين وبيضة ببيضتين، وقيل: يثبت
الربا في المعدود.
ولا يجوز بيع الرطب بالتمر متفاوتا ولا متساويا، لأنه إذا جف نقص، وكذا
ما شابهه، كاللحم الطري بالمشوي والعنب بالزبيب ومبلول الحنطة بيابسها.
ويجوز بيع لحم الغنم بالشاة على رأي، وبيع قفيز حنطة بقفيز حنطة وفي
أحدهما عقد التبن ويسير التراب وشبهه، وبيع درهم ودينار بدرهمين أو دينارين
ومد تمر، ودرهم بمدين أو بدرهمين، وكذا ما شابهه، وأن يبيع الناقص بمساويه
327

من الزائد ويستوهب الزيادة.
ولا ربا بين الولد ووالده، ولا بين السيد وعبده المختص، ولا بين الرجل
وزوجته، ولا بينه وبين الحربي، ويثبت بين المسلم والذمي على رأي.
المطلب الرابع: فيما يندرج في المبيع:
وألفاظه ستة:
الأول: الأرض والساحة والبقعة والعرصة، فلا يندرج تحتها الشجر والزرع
والبذر الكامن، ويتخير المشتري مع جهله به بين الرد والأخذ بالثمن، ويدخل في
ضمان المشتري بالتسليم إليه وإن تعذر انتفاعه به، وتدخل الحجارة المخلوقة فيها
دون المدفونة، وعلى البائع النقل وتسوية الحفر، ويتخير المشتري مع الجهل،
ولا خيار للمشتري بترك البائع لها مع انتفاء الضرر بها.
الثاني: البستان، ويدخل فيه الأرض والشجر لا البناء على إشكال، نعم
يدخل في القرية والدسكرة بيع الشجر دون المزارع.
الثالث: الدار، ويندرج فيه الأرض والحيطان والسقوف والأعلى والأسفل -
إلا أن يستقل الأعلى بالسكنى عادة - والثوابت، وما أثبت من المرافق: كالسلم
المثبت، والخشب المستدخل في البناء، والأبواب المعلقة، والأغلاق والرفوف
المثبتة، ولا تندرج الأشجار - وإن قال بحقوقها إلا أن يقول: وما أغلق عليه بابه
وشبهه - والمنقولات إلا المفاتيح، ولا الرحى المنصوبة.
الرابع: العبد، ولا يتناول ماله إن قلنا أنه يملك بالتمليك، وفي الثياب
الساترة للعورة إشكال.
الخامس: الشجر، ويندرج فيه الأغصان والورق والعروق، ويستحق الإبقاء
مغروسا ولا يستحق المغرس بل يستحق منفعته للإبقاء، ويدخل في بيع النخل
خاصة الثمرة غير المؤبرة، ولو انتقل النخل بغير البيع أو انتقلت شجرة غيره به أو
كانت الثمرة مؤبرة فلا انتقال، ولو أبر البعض انتقل غيره خاصة، وللبائع إبقاء
328

الثمرة إلى وقت أخذها، ولكل من البائع والمشتري السقي إذا لم يتضرر به
صاحبه، ولو تقابل الضرران قدمت مصلحة المشتري.
السادس: الثمر، ويستحق المشتري الإبقاء إلى القطاف، ويرجع فيه إلى
العرف، ويختلف باختلاف الثمار، ولو استثنى نخلة فله الدخول والخروج
ومدى جرائدها من الأرض. وكل ما قلنا بعدم دخوله فإنه يدخل مع الشرط.
المطلب الخامس: في التسليم:
يجب على المتبايعين دفع العوضين من غير أولوية تقديم مع اقتضاء العقد
التعجيل، ولو اقتضى تأخير أحدهما وجب على الآخر دفع المعجل، والقبض في
المنقول القبض باليد، وفي الحيوان الانتقال به، وفي المكيل الكيل، وفي نحو
الأرض التخلية.
وكل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال البائع، وكذا إذا نقصت قيمته
بحدث فيه، والنماء قبل القبض للمشتري، فإن تلف الأصل رجع بالنماء والثمن.
ولو باع القابض ما قبضه وتلف الآخر قبله بطل الأول دون الثاني، فيلزم
بائعه المثل أو القيمة، ولو امتزج المبيع بغيره بحيث لا يتميز تخير المشتري بين
الشركة والفسخ، ولو تلف بعض الجملة وله قسط من الثمن كعبد من عبدين،
فللمشتري الفسخ والأخذ بالحصة، ولو لم يكن له قسط كيد العبد، تخير بين الرد
والأخذ بالأرش على رأي.
ويجب تسليم المبيع مفرغا، ولو غصب من البائع، فإن استعاده بسرعة وإلا
تخير المشتري بين الصبر بغير أجرة والفسخ، ولو منعه البائع لزمه الأجرة.
ويكره بيع ما لم يقبض من المبيعات، ويحرم لو كان طعاما على رأي إلا
تولية، ولو باع ما لم يقبض من الميراث والصداق وشبهه صح، ويصح أن يتولى
الواحد طرفي القبض.
وإتلاف المشتري قبض منه، وإتلاف الأجنبي ليس بفسخ، وكذا الوجه في
329

إتلاف البائع، وثبوت الخيار للمشتري فيهما.
نكت متفرقة:
لا يجوز بيع الصبرة مجهولة ولا جزءا مشاعا منها، ولو باعها كل قفيز
بدرهم بطل، ولو باع قدرا معلوما كقفيز صح، ولو باعه جزءا من المشاهد غير
المكيل والموزون صح كنصف الدار والثوب، ولو باعه كل دراع بدرهم صح
مع العلم بقدر الأذرع.
ولو قال: بعتك عشرة أذرع من هاهنا إلى حيث ينتهي، صح. ولو لم يعين
المبدأ ولا المنتهى بطل وإن كانت الأذرع معلومة.
ولو باعه على أنها جربان معينة فنقصت، تخير المشتري بين الرد وأخذ
الناقص بالحصة من الثمن على رأي، ولو زاد متساوي الأجزاء فالزيادة للبائع،
ولو زاد المختلف تخير البائع بين الفسخ والإمضاء.
ويجوز الجمع بين مختلفين، كبيع وإجارة ونكاح وسلف بعوض واحد،
ويقسط على ثمن المثل وأجرته ومهره، وإذا ادعى المشتري النقص ولا بينة، فإن
حضر الكيل أو الوزن قدم قول البائع مع اليمين، وإلا قوله معها.
وإذا أسلف من موضع وطالبه به في غيره لم يجب دفعه، وكذا لو طالبه
بالقيمة، وكذا القرض، ولو طالبه بسعر موضع القرض لم يجبر، ولو كان غصبا
وجب دفع المثل أين طلب، فإن تعذر فالقيمة عند المطالبة في بلدها.
وإطلاق النقد والوزن ينصرف إلى البلد، ولو تعدد فالأغلب، فإن تساويا
بطل إن لم يعين، ولو اختلفا في قدر الثمن ولا بينة فالقول قول البائع مع يمينه إن
كانت السلعة قائمة، وقيل: إن كانت في يده، وقول المشتري مع التلف، وقيل:
إن كانت في يده، ولو اختلفا في تأخير الثمن أو قدر الأجل أو شرط رهن من
البائع على الدرك، أو ضمين، أو قال: ثوبا، فقال: بل ثوبين، فالقول قول البائع
مع اليمين.
330

ولو قال: بعتك العبد، فقال: بل الأمة، تحالفا وبطل، ولو قال: بعتك
بعبد، فقال: بل بحر، أو قال: فسخت قبل التفرق، فأنكر قدم قول مدعي الصحة
مع اليمين.
وأجرة الكيال ووزان المتاع على البائع، وأجرة الناقد ووزان الثمن على
المشتري، وأجرة الدلال على الآمر، ولو باع واشترى فأجرة البيع على آمره
وأجرة الشراء على آمره.
والدلال أمين، والقول قوله في عدم التفريط، والقيمة معه.
331

تلخيص المرام
في معرفة الأحكام
للشيخ جمال الدين أبي منصور الحسن بن سديد الدين
يوسف بن زين الدين علي بن محمد مطهر الحلي المشتهر بالعلامة الحلي
والعلامة على الإطلاق
647 - 726 ه‍. ق
333

كتاب المتاجر
وفيه فصول:
الأول:
يحرم التكسب بالأعيان النجسة، عدا كلب الصيد والزرع والماشية
والحائط على رأي، وما نجس بالمجاورة من المائعات إذا لم يمكن تطهيره، إلا
الدهن للاستصباح تحت السماء، والروث والبول على رأي، عدا أبوال الإبل،
وآلات اللهو والقمار، والأصنام والصلبان، وبيع السلاح لأعداء الدين، والعنب
ليعمل خمرا، والخشب ليعمل صنما، والسفن والمساكن والحمولات للمحرمات
ويكره لمن يعمل ذلك، والطافي، والمسوخ برية وبحرية، عدا الفيل على رأي،
والسباع إلا الهر، والجوارح طائرة وماشيه على رأي، وما لا يملك كالحر، ومالا
منفعة فيه كالخنافس والعقارب والسموم القاتلة قليلها وكثيرها، وتركيب الأدوية
المحرمة وتراب الصاغة، ويتصدق لو فعل، والفضلات إلا اللبن، وما يشترك فيه
الناس كالماء والكلأ قبل الحيازة، وبيوت مكة على قول، وعمل الصور ذات
الروح المجسمة وغيرها على رأي، والغناء ومعونة الظالمين بالحرام، والنوح
بالباطل، وحفظ كتب الضلال ونسخها لغير النقض والحجة، والتوراة والإنجيل،
وهجاء المؤمنين والأسمار والنميمة، والغيبة للمؤمن، وتعلم السحر والكهانة والقافة
والشعبذة، والقمار، والغش كخلط الماء باللبن، وتدليس الماشطة، وتزين الرجل
335

بالحرام، وأجرة تغسيل الموتى وتكفينهم ودفنهم وحملهم إلى الواجب لا
المستحب، والأذان والصلاة بالناس ولا بأس فيهما برزق من بيت المال، والرشى،
واقتناء المؤذيات كالحيات، وسلوك طريق يظهر فيه أمارة الخوف مع ترك
التحرز، وعمل آلات الأشربة المحرمة، وغرس المنعصرة منه كذلك، وعمارته
وسقيه وصرامه وحمله وعصره، وخصاء الحيوان على رأي.
ويكره الصرف وبيع الأكفان والطعام والرقيق، وركوب البحر للتجارة،
وأخذ الرزق من بيت المال على القضاء لا الأجرة، وعظام الفيل على رأي، والنحر
والذبح والنساجة والحجامة مع الشرط، وأجرة نسخ المصحف وتعليم القرآن
معه على رأي، وضراب الفحل، وكسب الصبيان، وغير الموثوق، وسماع الشعر
الحسن ليلة الجمعة ويومها وفي المساجد، وللصائم، والغزل مطلقا، والقول
الخالي من غرض ديني أو دنيوي.
ويجوز الأخذ مما أمر بدفعه إلى المستحق مع اتصافه، مثل ما يعطي إلا مع
التعيين، وأخذ أجرة البدرقة، وخفض الجواري، وختن الرجال، وعقد النكاح،
وثمن ماء التغسيل، وثياب التكفين، وأجرة المغنيات في الأعراس بالحق على
رأي، وبيع الثوب النجس وشبهه، ويعلم المشتري حاله.
وجوائز الجائر حرام إن علمت كذلك، وترد إلى أربابها، ومع جهلهم
يتصدق على رأي، وما يأخذه باسم المقاسمة، والخراج والزكاة وإن كان غير
مستحق، والمجهول سائغ مملوك، وتستحب الصدقة ببعضه، وكذا ما ينثر في
العرس مع إباحة صاحبه، وجوائز العادل.
ويستحب التفقه والتسوية، والإقالة للمستقيل، والشهادتان والتكبير إذا
اشترى، وقبض الناقص وإعطاء الراجح.
ويكره مدح البائع وذم المشتري، واليمين عليه، والبيع في الظلمة، والربح
على المؤمن وعلى الموعود بالإحسان، والمسابقة في دخول السوق، والسوم قبل
طلوع الشمس، ومعاملة ذوي العاهات والأكراد والأدنين، والاستحطاط والزيادة
336

وقت النداء، والدخول على سوم المؤمن، والتعرض للكيل والوزن مع عدم
المعرفة، وتوكيل الحاضر للبادي على رأي، وأن يبيعه من عبده أو يشتريه إذا أمره
بالبيع أو الابتياع من غير علم، ومعاملة الظالم في المجهول، والتلقي على رأي،
من أربعة فراسخ قصدا، فإن ثبت الغبن اختار البائع، وكذا النجش على رأي،
وهو الزيادة لزيادة من واطأه البائع ولا خيار للمشتري فيه، والاحتكار على رأي
في الحنطة والشعير والتمر والزبيب والسمن، وفي الملح على رأي، بشرط
الاستبقاء للزيادة لا للقوت، وأن لا يوجد باذل غيره، ويجبر على البيع لا على
السعر على رأي، إلا مع الإفراط.
ولو كان عنده فاضل طعام وبالناس ضرورة وجب بذله، وقيل: يحرم
البيع على بيع المؤمن، وبيعتان في بيعة، وقيل: البيع بشرط الابتياع، وقيل:
اشتراط زيادة الثمن مع التأخير.
الثاني:
البيع انتقال عين مملوكة من شخص إلى غيره بعوض مقدر على وجه
التراضي.
ولا بد من اللفظ الدال عليه أو الإشارة مع العذر ومع عدمه يكون مراضاة
لكل منهما الفسخ ما لم يتلف أحد العوضين ويقدم الإيجاب على رأي، وأن يكون
بلفظ الماضي.
ويشترط بلوغهما ورشدهما واختيارهما، ولو رضي من فقد عنه هذه
الأوصاف لم يكف إلا المكره.
والملك للبائع، أو حكمه كالأب والجد له، والحاكم وأمينه، والوكيل
والمأذون، والوصي، ويقف عقد غيره على الإذن، ولا يكفي السكوت.
ويرجع المشتري على البائع بما دفع إليه وما غرمه من نفقة وعوض عن
أجرة أو نماء، مع عدم العلم أو دعوى البائع الإذن، ولا يرجع بالثمن مع العلم
337

بالغصب على رأي، ويمضي في حصة المالك إذا جمعها مع مملوك لغيره على
رأي، أو غير مملوك بعد تقسيط الثمن، وللمشتري الفسخ ولو ضمه إلى المجهول
بطل، ولو جمع مختلفي الحكم كالبيع والإجارة قسط على ثمن المثل وأجرته.
وللولي تولي الطرفين على رأي، ويختص ولاية الأب والجد بالطفل
والمجنون، والوصي بعد الموت عليهما، وكذا الحاكم وأمينه مع فقدهم، وعلى
المحجور عليه للسفه والفلس، والغائب.
ويشترط الإسلام في شراء المسلم، وأن يكون طلقا مقدورا عليه، والعلم
بالعوضين، ولو باع ثوبا لم تتم نساجته بشرط عمل الباقي مثله لم يصح، ويجوز
للكافر شراء المسلم ممن يعتق عليه، والوقف إذا أدى إلى الخلف أو الخراب، وأم
الولد بشرط موته أو عجز أبيه عن ثمنها، الدين عليه والرهن بشرط الإذن، والآبق
بشرط الانضمام على رأي، وبيع ما يتعذر إلا بعد مدة على رأي، وللمشتري
الخيار، ولو باع بحكم أحدهما، بطل وضمن القابض، وكذا كل شراء فاسد يوم
القبض على رأي، وللمشتري ما زاد بفعله.
ولا يصح الجزاف في المكيل والموزون والمعدود، ولو أخبر البائع جاز
القبول، ويجوز شراء بعض معين من جملة متساوية الأجزاء وإن لم يعلم، وجزء
من معلوم بالنسبة ومن غيره يبطل.
ولو قال: بعتكما هذا العبد بألف، فقال أحدهما: قبلت نصفه بخمسمائة، لم
يصح على رأي لاختلاف التطابق بين الإيجاب والقبول، أما لو قال: بعتكما
هذين العبدين بألف، فقال أحدهما: قبلت أحدهما بخمسمائة، لم يصح إجماعا.
ويكفي في الأرض والثوب المشاهدة وإن لم يذرعا، ويستغني بها عن
الوصف مطلقا، ومع الغيبوبة إن تغير فالخيار للمشتري، وكذا إن لم يشاهد
ووصف بخلاف ما هو عليه، ولو باع أرضا على أنها جربان معلومة فنقصت فله
الفسخ والقبول بالحصة من الثمن، وقيل: بكله، ولو زادت تخير البائع في
الفسخ والإمضاء، وكذا الثوب، ولا بد من الاختيار في المشموم والمذوق، بهما أو
338

الوصف، ويجوز بدونهما بشرط الصحة وكذا الأعمى، وكذا ما يفسد بالاختيار
فإن كان لمكسوره قيمة فالأرش وإلا فالثمن، ولو ضم السمك إلى القصب
المجهولين لم يصح على رأي، وكذا المحلوب مع ما في الضرع، والأصواف مع
الحمل وما يلقح الفحل.
ويجوز بيع المسك وإن لم يفتق والإندار للظرف ما يحتمل، ولو تلف
المثمن المعين قبل القبض بطل البيع، وفي تلف بعضه نظر، ولو وطأ ما اشتراه
فاسدا فلا إثم، وعليه العشر أو نصفه، وقيمة الولد يوم سقط حيا ولو سقط ميتا
فلا شئ عليه.
الثالث:
إطلاق العقد واشتراط التعجيل يقتضيه، واشتراط الأجل المعين في أحدهما
يقتضيه، ويبطل في غير المعين، وكذا إلى أجلين بثمنين على رأي، ولو اشترط
تأخير الثمن إلى معين ثم اشتراه البائع قبله جاز بزيادة ونقيصة حالا ومؤجلا إذا لم
يشترطه، وكذا إن حل واشتراه بغير جنس الثمن أو بجنسه مع المساواة أو
التفاوت على رأي.
وكل ذي حق حال أو مؤجل فامتنع من قبضه وتلف من غير تفريط فهو
منه، وإن كان قبله لم يجب والتلف من الذي عليه، ولو دفع البعض وجب
القبول والمطالبة بالتمام، ولا يجوز الزيادة في الحق للتأخير، ويجوز الإسقاط منه
للتعجيل، ويجوز الزيادة في الثمن أو النقيصة مع علمهما بالقيمة، ولو عينا نقدا
وجب، وإن أطلقا انصرف إلى الغالب، ومع عدمه يبطل، وكذا الوزن.
ويجوز اشتراط ما يسوع مما يدخل تحت القدرة، بخلاف غيره كجعل
الزرع سنبلا، ويجوز اشتراط التبقية، واشتراط عتق العبد أو تدبيره أو كتابته،
ويتخير البائع لو لم يعتقه المشتري وإن مات العبد، ولو شرط أن لا يعتق أو
لا يطأها، قيل: يبطل الشراء ويصح البيع.
339

ويجوز أن يشتري من غيره ما باعه إياه بزيادة ونقيصة، حالا أو مؤجلا بعد
القبض، ويكره قبله إذا كان مما يكال أو يوزن، ولو شرط في حال البيع أن يبيعه
لم يجز، وإن كان من قصدهما ولم يشرطاه لفظا كره.
ويصح اشتراط ضامن الثمن أو بعضه، وجمع شيئين مختلفين في عقد كبيع
وإجارة، أو سلف أو نكاح ويقسط العوض، قيل: ولو شرط أن يكون البيع رهنا
على الثمن فسدا، ولو شرط تأجيل القرض أو المهر أو الدين الحال أو ثمن البيع أو
أرش الجناية أو شرط الإقراض له أو منه لزم، ولو كان عليه طعام من سلف وله
على آخر مثله كره له أن يأمر غريمه بقبضه لنفسه، ولو دفع إليه مالا وقال: اشتر به
طعاما واقبضه لي ثم اقبضه لنفسك، صح الشراء والقبض على رأي، ولو قال:
اشتر لنفسك، لم يصح الشراء ولا يتعين له بالقبض، ولو كان المالان أو المحال
به قرضا صح.
والسلف بالنسبة إلى الأعواض والأثمان على أربعة: يبطل منها الأثمان فيها،
والأعواض بمساويها، وإنما يصح بشرط ذكر الجنس والوصف المقصود.
فيشترط في التمر النوع والبلد واللون، والجيد أو الردئ، والصغار أو الكبار
والحديث أو العتيق، وكذا الرطب عدا الأخير، وفي العسل اللون والمكان
والزمان، وفي الرقيق اللون والسن والقدر، والذكورة والأنوثة، والجودة أو
الرداءة.
والحاصل وجوب ذكر الوصف المقصود، ويجزئ ما يتناوله الاسم، ويجوز
شرط الجيد والردئ، لا الأجود والأردأ.
وما لا يضبط وصفه المقصود لا يصح فيه، كاللحم والخبز والجواهر والعقار
والأرض والنبل المعمول والقسي المعمولة والأدوية المركبة والأطياب المركبة،
إلا إذا عرف مقدار البسائط.
ويجوز في الخضر والفواكه والحيوان، وعيدان النبل قبل نحتها، وفي القز
خلاف. ويجوز في جنسين صفقة، وفي شاة لبون ويجزئ ما من شأنها، وفي شاة
340

ذات ولد، وجارية حامل على رأي.
ويشترط قبض الثمن قبل التفرق، والتقدير لهما كيلا أو وزنا، وعليه وجوده
عند الحلول، ولو قبض البعض صح موازيه، ولو شرطه من دين له بطل على
رأي، ويجوز في المذروع أذرعا، ولا يجوز في المعدود عددا، ولا الحطب حزما،
ولا القصب أطنانا، ولا الماء قربا، ولا قبضة من دراهم.
ولو قال: إلى شهرين، فإلى نهايتهما، ولو قال: إلى شهر كذا أو يوم كذا حل
بأول جزء منه، ولو قال: إلى ربيع أو الخميس حمل على الأقرب، ولو قال: إلى
خمسة أشهر، حمل على الهلالية إلا أن يعين غيرها، ولو قال: إلى شهرين، وهو في
أولهما اعتبر بالأهلة، ولو كان بعد مضي أيام اعتبر الثاني بالهلال وأكمل من
الثالث تمام الثلاثين على رأي، ولو اختلفا في قبض الثمن قبل التفرق، فالقول قول
من يدعي الصحة.
ولا يجوز بيع السلف قبل الحلول، وبعده يجوز مطلقا، وليس موضع
التسليم شرطا، ويجوز جعله ويلزم معه ويزول مع التراضي، ويصح اشتراط
المعلوم مع السلف، ولا يصح لو شرط ثمرة نخل معين أو غزل امرأة أو انضمام
أصواف نعجات معينة.
ولو تأخر التسليم عند الحلول تخير المشتري، وكذا لو كان حالا فغضب
من البائع، وإن وجد المثمن غير الجنس بطل، وإن كان منه معيبا تخير البائع
بين الأرش والرد، ولو وجد بالعوض عيبا فرده طالب بالتسليم، ولو دفع دون
الصفة ورضي المشتري جاز، ولو كان فوقها وجب، ولو كان أكثر لم يجب،
ومع إطلاق العقد يجبر البائع والمشتري على التسليم من غير أولوية.
والقبض هو التخلية على رأي، فلو تلف المبيع قبل التسليم ضمن البائع،
ولو عاب فللمشتري الرد، ولو نما فللمشتري، فلو تلف الأصل فلا ثمن، ولو تلف
النماء ضمن البائع إن فرط وإلا فلا، ولو اختلط بغيره في يده قبل القبض
فللمشتري الفسخ والشركة، ولو تلف بعض المبيع وله قسط من الثمن
341

فللمشتري الرد والرضا بالحصة، وإن لم يكن كذلك فله الرد والأخذ بالكمال،
وقيل: له الأرش، ويجب التسليم مفرغا.
ويكره بيع ما لم يقبض من المبيعات وإن كان طعاما على رأي، ويصح
بيع الدين بعد حلوله على الذي عليه وعلى غيره، وقيل: يصح بيع دين بمثله،
ولو دفع إلى صاحب الدين عرضا للقضاء من غير مساعرة احتسب بالقيمة يوم
القبض، ولو ادعى النقصان، فإن حضر الكيل فالقول قول البائع مع عدم البينة
واليمين، وإلا فالقول قوله معهما.
والمستلف طعاما في موضع لا يتعداه بالمطالبة، بخلاف المغصوب منه، و
المشتري لعين بأخرى إذا قبض وباع ثم تلفت الأخرى قبله بطل الأول ورجع
صاحب التالف بقيمة الباقي.
ومن باع شيئا دخل فيه جزء المسمى عرفا، فيدخل النخل والشجر في
البستان دون الدار، وإن قال " بحقوقها " على رأي، ويدخل ورق التوت فيه،
وقيل: تدخل عروق الزرع النابت في الأرض المحروز فيها، ويدخل في القرية
البيوت دون المزارع، ويدخل في الدار البناء والسلم المثبت، والرفوف المثبتة،
والأبواب المنصوبة لا المقلوعة، ولا يدخل الرحى وإن كانت لليد مثبتة، وتدخل
الأغلاق والمفاتيح، وقد يختلف بالعادة كالغرفة إذا استقلت بالسكنى والسلوك
وإذا لم تستقل، وقيل: يدخل في الأرض الأحجار المخلوقة فيها والمعادن، ولو
استثنى نخلة فله السلوك ومدى الجرائد، ولو باع نخلا دخلت الثمرة إن لم تؤبر،
ولو فات أحد الثلاثة فلا انتقال، ويجب التبقية بمجرى العادة، ولو ضم المؤبر
وغيره، فالثاني للمشتري والأول للبائع.
وأجرة الكيال ووزان المتاع وبائع الأمتعة على البائع، ووزان الثمن وناقده
ومشتري الأمتعة على المشتري، وليس للمتبرع أجرة وإن أجيز بيعه، وأجرة من
يبيع على أمره، وكذا من يشتري ولا يتولاهما الواحد.
ولا يضمن الدلال إلا مع التفريط والقول قوله مع يمينه في عدم التفريط
342

والقيمة معه.
الرابع:
إطلاق العقد يقتضي السلامة، ويتخير المشتري مع سبق العيب بين الرد
والأرش، ولو تصرف أو حدث فيه عيب آخر في يد المشتري سقط الرد، ولا يسقط
لو حدث قبل القبض، ويسقط بالتبري من العيوب وبالعلم به قبل العقد
وبالإسقاط، ولو ظهر العيب في بعضه رده بأجمعه، أو أخذ الأرش، ولو تعدد
المشتري اجتمعا في الرد والأرش، ولا يفترقان مع اتحاد الصفقة، ويجوز الافتراق
مع افتراقها. ولا يمنع الواطء من رد عيب الحبل خاصة، ويرد نصف عشر قيمتها،
ولا الحلب مع التصرية، ويرد قيمة اللبن إن تعذر المثل أو العين على رأي، ويختبر
بثلاثة أيام، ولا يثبت في غير الشاة على رأي، ولو استقرت العادة بحلب التصرية
في الثلاثة استقر البيع.
والإباق عيب، والثيوبة ليست عيبا إلا مع شرط البكارة، فيرد لو ثبت الثيوبة
قبل البيع، ومع الجهل لا رد، وكذا العكس، وانقطاع الحيض ستة أشهر عمن
تحيض مثلها عيب، والدردي في البذر والزيت مما لم تجر به العادة عيب،
وتحمير الوجه ووصل الشعر يثبت الخيار، ويرد من الجنون والجذام والبرص،
وروي القرن الحادثة في سنة مع عدم الإحداث والعيب، ومعه الأرش، ويرد
الحيوان بعيب غير ذلك في الثلاثة وإن حدث بعد القبض، ولا يسقط الرد مع
العلم وتركه طويلا، إلا مع الإسقاط، ويرد وإن كان غريمه غائبا.
وكل ما زاد عن أصل الخلقة أو نقص فهو عيب، والردة واستحقاق القتل أو
قطع عضو والتخنيث والسرقة والبخر والزنى وبول الكبير في الفراش عيوب.
وكل ما يشترطه المشتري مما يسوع فالإخلال به يثبت الخيار وإن لم يكن
عيبا، فلو شرط الإسلام فبان كافرا ثبت الخيار، قيل: وكذا العكس.
343

ويقوم المبيع صحيحا ومعيبا ويؤخذ الثمن بنسبة النقيصة من القيمة ومع
اختلاف أهل الخبرة يعمل على الأوسط، ولو حصل للمعيب قبل البيع نماء أو
لقط لقطة بعد القبض فهو للمشتري وإن رد، وكذا لو حصل قبل القبض مع رد
المشتري بالعيب، وحدوث عيب عند المشتري يمنع من الرد بالقديم لا الأرش،
ولو اختاره البائع فلا أرش له.
ومن الخيار: خيار المجلس في البيع خاصة، ويستمر ما لم يفترقا، ولو
حصلت مع الملازمة أو فرقا كرها مع عدم التمكن من الاختيار، وفارقا
مصطحبين، ويسقط مع إسقاطه في العقد أو بعده، فلو أوجب أحدهما سقط في
حقه خاصة، ولو تولى طرفي العقد ثبت الخيار، ما لم يسقطه أو يفارق مجلسه.
ومنه: خيار الشرط، ويثبت بحسبه من حين العقد على رأي بشرط التعيين،
ولو انتفى بطل البيع، ويثبت فيما عدا النكاح والوقف والإبراء والطلاق والعتق
والصرف، ويسقط بالتصرف والإيجاب، ويختص الإسقاط بمن اختصا به، فلو
أذن أحدهما فتصرف الغير سقط خيارهما.
ويجوز اشتراطه للغير، ولأحدهما معه، وأن يشترط البائع الرد بعد مدة مع
إتيانه بالثمن واشتراط المؤامرة.
ومن باع ولم يقبض ولا قبض الثمن، أو قبض المستحق كله أو بعضه ولم
يشترط التأخير لزمه البيع ثلاثة، فإن جاء المشتري بالثمن، وإلا فللبائع الخيار،
ولو هلك كان من مال البائع في الثلاثة وبعدها على رأي، والخيار فيما لم يبق
يوما وليلة.
ومنه: خيار المغبون بما لم تجر به العادة، وهو باق مع التصرف ويزول
مع إخراج الملك أو حصول المانع من الرد كالاستيلاد فلا أرش.
ومنه: خيار الحيوان، وهو ثابت ثلاثة أيام للمشتري خاصة على رأي،
ويسقط بالإسقاط والتصرف، ومن باع غير مشاهد افتقر إلى ذكر الجنس
والوصف الذي يثبت الجهالة في المبيع عند ارتفاعه، وللمشتري الخيار وإن
344

خرج على غير الوصف، والقول قوله لو ادعى نقصان الوصف، ولو كان الرائي
هو المشتري فالخيار للبائع، ولو لم يرياه فالخيار لهما، ولو اشترى ضيعة شاهد
بعضها ووصف له الباقي ثبت له الخيار فيها أجمع إذا لم يكن على الوصف.
والخيار يورث، ولو جن صاحبه أو أغمي عليه قام وليه مقامه، ولا ينتقض
مع الصحة.
ويملك المبيع بالبيع على رأي، فلو تجدد في الخيار نماء فللمشتري، فلو
فسخ رجع بالثمن ولم يرجع البائع بالنماء، ولو تلف المبيع بعد القبض في
زمن خيار البائع فمن المشتري، وإن كان في زمن خيار المشتري فهو من؟ البائع،
ولو وطئ المشتري في مدة خيار البائع ثم فسخ، فالولد لأبيه ولا شئ عليه عنه
وعن الوطء على رأي.
الخامس:
يثبت الربا مع اتفاق الجنس في المكيل والموزون، قيل: والمعدود مع
الزيادة والبيع، ويجوز مع التساوي نقدا، وفي النسيئة خلاف عدا الصرف.
ولا يشترط التقابض في المجلس إلا فيه، ولو اختلف الجنسان صح مطلقا
مع التماثل والتفاضل نقدا ونسيئة على رأي.
وثمرة النخل جنس، وكذا الكرم والحمام، والغنم شامل للضأن والمعز،
وكذا البقر العراب والجاموس، والحنطة والشعير جنسان على رأي، والأصل
والفرع جنس كالحنطة والدقيق والسمسم والشيرج، واللحوم أجناس، وكذا
الأدهان والسموك، والوحشي مع إنسيه جنسان، والألبان والبيوض والخلول
مختلفة، ويجوز بيع حنطة خالصة بمساويها وإن خالطها تراب قليل أو شيلم أو
غيره من غير الأصل متساويا على رأي، وبيع عسل مصفى بغيره متساويا، وبيع
شاة في ضرعها لبن بشاة خالية أو بلبن، وفي بيع الحنطة المبلولة بمساويها يابسة
خلاف، ويجوز بيع السمن بالزيت نسيئة ومتفاضلا على رأي.
345

والمعتبر الوزن والكيل في عهده عليه السلام، وإلا فالعادة البلدية، ولو
اختلفت فلكل بلد حكمه، ولا يجوز بيع الرطب بالتمر وإن تساويا على رأي،
وطرده قوم، ولا اللحم بالحي منه على رأي، ويجوز من غيره.
ولا ربا بين الوالد وولده، والسيد وعبده المختص، والزوج وزوجته،
والمسلم والحربي، فيأخذ المسلم الفضل، ولا يجوز العكس، ويثبت مع الذمي
على رأي.
ويشترط في الصرف التقابض في المجلس، ولو قبض البعض منه صح
فيه، قيل: ولا يبطل مع الاصطحاب ومفارقة المجلس، ولو قبض الوكيل قبل
التفرق صح، ولو اشترى منه دراهم بدنانير اشتراها قبل قبضها بطل الثاني، ومع
الافتراق يبطلان، ولو كان له عليه دنانير جاز أن يشتري بها دراهم منه، ولا يبطل
بالتفرقة، ولا تباع الفضة المغشوشة بجنسها إلا مع العلم، وكذا الذهب،
ولا يخرجان إلا مع الإعلام أو التعامل.
ومعدن الفضة لا يباع بها، وكذا معدن الذهب، ولو جمعا بيعا بهما،
والأثمان تتعين، ومن اشترى معينا من جنس فخرج من غيره بطل، وإن خرج
بعضه تخير بين الرد وبين أخذ البعض بالحصة، ولو خرج معيبا من الجنس
فللمشتري الرد أو الأرش لا الإبدال، ولو كان غير معين ففي الأول له الإبدال وفي
الثاني كذلك، فلو كان صرفا مع عدم التعيين ففي الأول الإبدال قبل التفرق،
ومعه يبطل، وفي الثاني له الإبدال والإمساك والأرش، ولو باع مائة درهم
بدينار إلا درهما بطل.
وتراب الصاغة يتصدق بثمنه، والمحلاة إن علمت حليتها بيعت بالزائد، وإلا
فبغير جنس الحلية أو به مع الضميمة، والمصاع من الثمنين يباع بهما أو بأحدهما
مع العلم، أو يضم، ولو كان من أحدهما وبيع بمساويه حرمت الزيادة، وإن
لزمت الغاصب.
ويجوز بيع درهم صحيح بدرهم مكسر لا أزيد، ومن اشترى بدينار فزاد
346

ما لم تجر به العادة فهي للبائع، ولو اشترى بنصف دينار لزمه شق دينار
لا صحيح، إلا أن يريده عرفا، ويجوز بيع درهم بدرهم مع صياغة خاتم على
رأي.
ويشترط في المرابحة ذكر رأس المال، والزيادة والصرف والوزن إن
اختلفا، ويكره نسبة الربح إلى الأصل، والإخبار إنما هو بالثمن لا بالضمائم، سواء
اقتضت الزيادة كأجرة العمل وفدية جناية العبد أو النقيصة، كحط بعض الثمن
بعد العقد، ولو رجع بأرش عيبه أسقط قدر الأرش، ولو باع غلامه ثم اشترى
بالزيادة للإخبار بها جاز مع عدم الشرط.
وللمشتري الخيار بين الرد والأخذ بالثمن إن بان كذب المخبر، وكذا لو
اشترى بأجل فباعه مرابحة ولم يذكره، أما لو قال: رأس مالي مائة وربح كل
عشرة واحد، ثم قال بعد العقد: غلطت والثمن تسعون، قيل: كان على المشتري
تسعة وتسعون ولا خيار، وقيل: له الخيار بين مائة وعشرة وبين الرد، أما لو قال:
الثمن مائة وعشرة، لم يقبل ولا تسمع بينته، ولا يمين على المشتري إلا إذا ادعى
عليه العلم، أما لو قال: وكيلي كان اشتراه بمائة وعشرة، سمعت بينته على رأي.
ولا يجوز الإخبار عن بعض من جملة مبيعه، ولا يخبر الدلال بتقويم التاجر.
والتولية بيع المتاع برأس المال، ولو باع بمائة ووضيعة كل عشرة درهم،
فالثمن تسعون، ولو كان من كل واحد عشره فالثمن أحد وتسعون إلا جزء من
أحد عشر جزء من درهم.
السادس:
لا يجوز بيع الثمرة قبل ظهورها عاما وعامين على رأي، ولا قبل بدو
الصلاح عاما منفردة مع التبقية على رأي، ولو فات أحد القيود صح إجماعا،
وبدو الصلاح في النخل الحمرة أو الصفرة، وفي الشجر والزرع الانعقاد.
ويجوز بيع المدرك مع غيره سواء كان من بستان أو بستانين، وبيع
347

الخضر بعد ظهورها لقطة ولقطات، وكذا الورق وما يقطع كالرطبة، ويجوز
استثناء النخلة والشجرة مع التعيين، والأرطال المعلومة، والحصة المشاعة، ولو
ذهب شئ سقط منه بحسابه، ولو قال: بعتك الثمرة بأربعة آلاف إلا ما يخص ألفا،
صح في ثلاثة الأرباع، ولو قال: إلا ما يساوى ألفا بسعر اليوم، بطل.
ولا يجوز بيع الثمرة بالتمر وهي " المزابنة "، ولا بيع السنبل بالحب وهي
" المحاقلة " واستثني عن الأول العرايا، ولو تعددت في الدور أو البساتين.
ويشترط التعجيل والتماثل من جهة الخرص بعد الجفاف، إلا التقابض قبل
التفرق على رأي.
ويجوز الخرص وبيع الزرع قصيلا، وللبائع قطعه وتركه بالأجرة، ويجوز
أن يأكل مما يمر به من الثمر على رأي، ولا يستصحبه، ويجوز سقي الثمرة والأصل
ولو امتنع أحد المتبايعين رجح مصلحة المشتري بما لا يزيد عن قدر
الحاجة، ويجوز أن يتقبل أحد الشريكين بحصة صاحبه بشئ معلوم، ولو قال
البائع: بعته قبل البدو، فالقول قول المشتري، وكذا لو قال: بعت بالبراءة من
العيوب، أو بخمر أو بخنزير فالقول قول من يدعي الصحة.
ولو اختلفا في قدر الثمن فالقول قول البائع إلا أن يكون المبيع قد هلك،
وكذا القول قوله في تعجيل الثمن أو في قدر الأجل أو في الزيادة في البيع أو
عدم اشتراط الرهن منه على الدرك أو إقامة كفيل، أو قال المشتري: هذا العيب
سابق، مع الاحتمال، ولو قال: بعتك هذه الجارية، فقال: بل هذه، تحالفا
وسقطا، ولو ادعى البائع أن المبيع إحديهما لا بعينها، وادعى المشتري التعيين،
ففي تقديم قوله نظر.
ويجوز الإقالة ويرجع كل عوض إلى مالكه أو مثله أو قيمته، ولا يثبت بها
شفعة، ولا يصح بين البائع والشفيع، ولا تسقط أجرة الدلال.
وشرطها عدم الزيادة في الثمن والنقصان، ويبطل مع فقده ويجوز في
الجميع والبعض.
348

السابع:
إنما يملك الحربي ومن لم يتذمم من الثلاثة ثم يسري وإن أسلموا، ومن أقر
بالعبودية مع الشرائط قبل، ولو رجع لم يقبل، وكذا لو اشترى عبدا وادعى
الحرية، ويقبل قوله هذا مع البينة.
ويملك ملقوط دار الحرب لا الإسلام، ويجوز وطؤه في حال الغيبة وإن
سباه الكفار، ولا يملك الأبوان وإن علوا، والأولاد وإن سفلوا، ولا يملك الرجل
الأخوات والعمات والخالات وإن علون، وبنات الأخ وبنات الأخت وإن نزلن،
ومثلهم من الرضاعة، ومع الملك لأحد هؤلاء ينعتق، وتنفسخ الزوجية بملك
أحدهما الآخر، ولو اشترت زوجها المأذون له في النكاح بالمهر المضمون على
سيده قبل الدخول بطل البيع، وإلا توقف الشئ على عدمه.
ويباع المسلم على الكافر ويأخذ ثمنه، والعبد غير مالك مطلقا على رأي،
فلو اشترى وبيده مال فهو للبائع، ولو شرطه المشتري وكان ربويا شرط النقيصة
عن الثمن وإلا صح مطلقا، ولو قال له: اشتر ولك علي شئ، لم يلزم، ولو حدث
العيب في الثلاثة من غير تصرف أو قبل القبض أو هلك في الثلاثة من غير
تصرف فمن البائع، وللمشتري الرد، ولو حدث فيه عيب من غير جهة المشتري
لم يمنع الرد، إلا أن يكون بعد القبض والثلاثة، ولو ادعى التصرف على
المشتري في الثلاثة، فإن حلف وإلا فالتلف منه في الثلاثة.
ولو اشترى الحامل فالولد للبائع على رأي، إلا مع الشرط، فلو سقط حينئذ
قبل القبض قومت في الحالين وأخذ بنسبة التفاوت.
ويجوز بيع البعض والكل واستثناء الرأس والجلد، ويشارك بقيمته على
رأي، ولو أمره بشراء حيوان بشركة فيه وقع لهما، ولو أذن له في الوزن عنه
صح، ولو تلف كان منهما.
ويجوز اشتراط قسمة الربح والانفراد بالخسران، والنظر إلى وجه المملوكة
ومحاسنها، ولو أمر العبد أن يشتري له نفسه من مولاه صح على رأي، ويستحب
349

تعيين اسمه، وطعمه الحلاوة، والصدقة عنه، ويكره وطء من ولدت من الزنى،
وأن يريه الثمن في الميزان.
ويجب استبراء الأمة من وطء المالك بحيضة أو بخمسة وأربعين يوما،
وكذا المشتري إلا أن يخبر الثقة به، أو تكون لامرأة، أو لم تبلغ، أو هي حامل أو
حائض أو آيسة.
ولا يجوز وطء الحامل قبلا قبل أربعة أشهر وعشرة أيام، ومعه يكره بيع
ولدها، ويستحب أن يوصي له بشئ، ويكره التفرقة بين الطفل وأمه قبل الغنى على
رأي، وكذا بين الإخوة، ولو أحبل ما ظهر استحقاقه أدى عشر القيمة مع البكارة،
وإلا فنصفه وقيمة الولد وقت الولادة مع حريته، وتؤخذ الجارية ويرجع على
الجارية بالجميع مع تدليسها.
ولو دفع إلى المأذون ليشتري نسمة ويعتقها ويحج، فاشترى أباه وأعتقه ثم
اختلف الموليان وورثة الآمر، فالأب لمولى الابن إلا مع البينة على رأي.
ولو اشترى جارية سرقت من أرض الصلح، ردها وأخذ الثمن أو على
الوارث، ومع عدمه قيل: تستسعي.
ولو اشترى كل من العبدين صاحبه مع الإذن فالعقد للسابق، ومع التقارن
البطلان، ولو دفع عبدين إلى من اشترى عبدا في الذمة فذهب أحدهما ضمنه
وطالب بالمشتري على رأي.
ولو وطئ الجارية أحد الشريكين وحملت، قومت عليه وسقط من الحد
والثمن حصته، ولو باع عبدين صفقة فمات أحدهما في الثلاثة فمن البائع وله رد
الآخر، ولو مات المضموم إلى الدار فمن البائع ولا يردها.
350

الدروس الشرعية
للشهيد السعيد محمد بن جمال الدين مكي العاملي
" الشهيد الأول "
734 - 786 ه‍. ق
351

كتاب البيع
قال الله جل جلاله: " وأحل الله البيع وحرم الربا ".
وهو الإيجاب والقبول - من الكاملين - الدالان على نقل العين بعوض مقدر
مع التراضي، فالإيجاب " بعت وشريت وملكت "، والقبول " ابتعت واشتريت
وتملكت وقبلت " بصيغة الماضي، فلا يقع بالأمر والمستقبل.
ولا ترتيب بين الإيجاب والقبول على الأقرب وفاقا للقاضي.
ويشترط فيهما التطابق، فلو قال: بعتك العبدين بألف، فقال: قبلت أحدهما
بنصفه، لم يصح وإن تساويا قيمة، وأولى بالبطلان ما لو قال: بعتكما العبدين
بألف، فقبل أحدهما بخمس مائة، لأن الإيجاب لم يقع للقابل إلا على نصف
العبد قضية للإشاعة، ولا يقدح تخلل آن أو تنفس أو سعال.
ولا تكفي الكناية بإجارة أو خلع أو كتابة، والاستيجاب المتبوع بالإيجاب،
مثل " بعني أو تبيعني " فيقول: بعتك، خلافا للقاضي، وإشارة الأخرس إن فهمت
كاللفظ.
ولا المعاطاة وإن كانت في المحقرات، نعم يباح التصرف في وجوه
الانتفاعات، ويلزم بذهاب إحدى العينين، ويظهر من المفيد الاكتفاء بها مطلقا،
وهو متروك.
ومن المعاطاة أن يدفع إليه سلعة بثمن يوافقه عليه من غير عقد ثم تهلك عند
353

القابض فيلزمه الثمن المسمى.
ويشبهها اقتضاء المدين العوض عن النقد أو عن عرض آخر، فإن ساعره
فذاك وإلا فله سعر يوم القبض، ولا يحتاج إلى عقد، وليس لهما الرجوع بعد
التراضي.
ولا الكتابة، حاضرا كان أو غائبا، ويكفي لو تعذر النطق مع الإشارة.
ويعني بكمال المتعاقدين:
بلوغهما وعقلهما، فعقد الصبي باطل وإن أذن له الولي أو أجازه أو بلغ عشرا
في الأشهر، وكذا عقد المجنون، ولا فرق بين عقدهما على مالهما أو غيره بإذن
مالكه أو غيره، وفي معناه السكران.
واختيارهما، فعقد المكره باطل إلا أن يرضى بعد الإكراه، والأقرب أن
الرضا كاف في من قصد إلى اللفظ دون مدلوله، فلو أكره حتى ارتفع قصده لم
يؤثر الرضا كالسكران.
وقصدهما، فلا ينعقد من الغافل والنائم والساهي والهازل والغالط.
وتملكهما أو حكمه - كالأب والجد والوصي والوكيل والحاكم وأمينه و
المقاص - فبيع الفضولي غير لازم إلا مع الإجازة فينتقل من حين العقد، وأبطله
الشيخ في الخلاف والمبسوط وابن إدريس لنهي النبي صلى الله عليه وآله عن
بيع ما لا يملك، ويحمل على نفي اللزوم، ولو ضمه إلى المملوك صح فيه
ووقف في الآخر.
ولو ترتبت العقود على العين والثمن، فللمالك إجازة ما شاء، ومهما أجاز
عقدا على المبيع صح، وما بعده خاصة، وفي الثمن ينعكس، ولا يقدح في ذلك
علم المشتري بالغصب.
ولو فسخ المالك أخذ العين وزوائدها ومنافعها، فإن هلكت رجع على من
شاء، والقرار على المشتري مع العلم وعلى الغاصب مع الجهل أو دعواه
الوكالة، ويرجع بالثمن مع وجوده على كل حال، وكذا مع تلفه جاهلا إذا
354

رجع عليه المالك بالقيمة، ولو زادت القيمة فالأقرب رجوعه بالزيادة أيضا، ولا
يمنع من الرجوع انتفاعه بالخدمة واللبن والصوف، لمكان الغرور، خلافا
للمبسوط، والمعتبر بالقيمة يوم التلف على الأقرب، ولو اختلفا فيها حلف الغارم،
وفي النهاية المالك.
ولا تشترط الإجازة في الحال، ولا كون المجيز حاصلا حين العقد، فتصح
إجازة الصبي والمجنون بعد الكمال، وكذا لو باع ملك غيره ثم انتقل إليه
فأجاز.
ولو أراد لزوم البيع بالانتقال فهو بيع ما ليس عنده وقد نهي عنه.
نعم لو باعه موصوفا في الذمة يطابق ما عند الغريم ثم ملكه ودفعه صح،
وأطلق الحلبي صحة بيع ما ليس عنده، ويحمل على ذلك.
ولا يكفي في الإجازة السكوت عند عرضها ولا الفورية، فله الإجازة ما لم
يرد.
ولو قبض الفضولي الثمن دفع للمالك عند الإجازة، قاله الشيخ، واشترط
الفاضل إجازة القبض، وهو حسن إن كان الثمن في الذمة.
وحكم البيع الفاسد استرداد العوضين أو بدلهما، ولا يوجبه اتصال القبض.
ويرجع صاحب العين بمنافعها المستوفاة ولو فاتت بغير استيفاء فوجهان،
ولو زادت فللمالك إلا أن يكون بفعل المشتري جاهلا فالزيادة له عينا كانت
كالصبغ أو صفة كالصنعة، وقال ابن إدريس: إنما يرجع بالعين، وقال ابن
حمزة: ليس للبائع الرجوع بالمنافع المستوفاة لأن الخراج بالضمان ونقص
بالغاصب، وقال الحلبي: إذا كان المبيع فاسدا مما يصح التصرف فيه للتراضي
وهلكت العين في يد أحدهما فلا رجوع، ولعله أراد المعاطاة.
ويجوز للواحد تولي طرفي العقد، نعم يشترط في الوكيل الإعلام احتياطا.
355

درس [1]:
يشترط في العوضين أن يكونا معلومين، فلو باعه بحكم أحدهما أو ثالث
فسد، وإن هلك ضمنه القابض بقيمته يوم التلف، وفي المقنعة والنهاية: يوم البيع
إلا أن يحكم على نفسه بالأكثر فيجب، أو يكون البائع حاكما فيحكم بالأقل
فيتبع، واختاره الشاميان، وقال ابن إدريس: عليه الأعلى من يوم القبض إلى
التلف، وفي رواية رفاعة جواز تحكيم المشتري فتلزمه القيمة.
ولا تكفي المشاهدة في الموزون خلافا للمبسوط، وإن كان مال السلم خلافا
للمرتضى، ولا قوله " بسعر ما بعت " مع جهالة المشتري، خلافا لابن الجنيد
حيث جوزه وجعل للمشتري الخيار.
وجوز ابن الجنيد بيع الصبرة مع المشاهدة جزافا بثمن جزاف مع تغاير
الجنس، ومال في المبسوط إلى صحة بيع الجزاف، وفي صحيحة الحلبي كراهة
بيع الجزاف.
ولو قال: بعتكها كل قفيز بدرهم، بطل مع الجهالة، وظاهر الشيخ الصحة
مطلقا، أما لو قال: بعتك قفيزا منها بدرهم، فإنه يصح.
ولو استثنى من المبيع أو الثمن مجهولا بطل، ومنه أن يقول: إلا ما يساوي
واحدا بسعر اليوم، وهما جاهلان به أو أحدهما.
ولو قال: إلا ما يخص واحدا من هذا العقد، صح ونظر إلى ما تقرر عليه
العقد، فلو كان الثمن أربعة صح في أربعة أخماس ما به.
ولو استثنى جزء من الثمن المقدر صح واستخرج بالجبر، فلو قال: بعشرة
إلا نصفه، فهو ستة وثلثان، ولو عطف ب‍ " الواو " فهو عشرون، هذا إذا كانا عارفين
حال العقد بذلك كله.
ولو باعه بدينار غير درهم أو غير قفيز حنطة صح مع علم النسبة لا بدونها،
ولو باعه بدراهم من صرف عشرة بدينار صح مع علمها، ولو باعه بنصف دينار
لزمه شق دينار إلا أن يشترط صحيحا أو يتعارف.
356

ولو باع عبده وعبد موكله في عقد واحد صح وقسط الثمن عليهما بحسب
القيمة يوم العقد، وأبطله الشيخ والقاضي، ولو كانا مثليين صح، ولو ضم ما لا
يملك أو ما لا يصح بيعه فالتقسيط كذلك، وتعتبر قيمة الخمر والخنزير عند
مستحليه منضما إلى ما يصح بيعه.
والأقرب جواز بيع الصوف والشعر على الظهر إذا أريد جزه في الحال أو
شرط بقاؤه إلى أوان جزه، وشرط الشيخ والشاميان الضميمة فيه.
ولو باع الحمل منفردا لم يصح، ولو ضمه إلى الأم صح، وإلى غيرها يبطل
عند ابن إدريس، وجوزه الشيخ لرواية إبراهيم الكرخي في ضمه إلى الصوف.
ولو باع اللبن في الضرع منفردا بطل، ولو ضمه إلى المحلوب صح عند
الشيخ وأتباعه لرواية سماعة، وجوز الشيخ ضم ما سيوجد إلى مدة معلومة منه.
ولو قاطعه على اللبن مدة معلومة بعوض فكذلك عند الشيخ إلا باللبن
والسمن، وفي صحيح ابن سنان جواز ذلك بالسمن إذا كانت حوالب، وفي لزوم
هذه المعاوضة نظر، وقطع ابن إدريس بالمنع فيها، ولو قيل بجواز الصلح عليها
كان حسنا ويلزم حينئذ، وعليه تحمل الرواية.
ولو اشترى التبن كل كر بدرهم قبل كيله جاز لصحيحة زرارة، والمروي
جواز بيع سمك الأجمة مع القصب، ومنع المسألتين ابن إدريس.
ولا يكفي المكيال المجهول والوزن المجهول، والمعدود إذا عسر عده جاز
كيله بمعدود.
ولو باع الأرض والثوب المشاهدين ولما يمسحا جاز، ويظهر من الخلاف
المنع، ولو أخبره بالقدر فنقص أو زاد تخير، فيأخذ بالحصة مع النقص إن شاء،
وقيل في الأرض: يأخذها بجميع الثمن، وروي التوفية من الأرض المجاورة لها
إن كانت للبائع.
وما يقصد طعمه وريحه الأولى اعتباره أو وصفه، ولو خلا عنهما صح
ويتخير مع العيب، وكذا ما يفسد بالاختيار كالجوز والبيض والبطيخ.
357

ويثبت الأرش مع التصرف فيما له بقية، ولو لم يكن له بقية بطل البيع من
حينه ويحتمل من أصله، فمؤونة نقله على المشتري على الأول وعلى البائع على
الثاني، ويسترد الثمن على التقديرين، وظاهر الجماعة بطلان البيع من أصله.
ولا فرق بين المبصر وغيره، وقال سلار: للمكفوف الرد وإن تصرف.
ولو تبرأ البائع من العيب فيما لا قيمة لمكسوره المعيب صح عند الشيخ و
أتباعه، ويشكل بأنه أكل مال بالباطل، إذ لا عوض هنا.
ويجوز شراء المسك في فأره - وإن لم يفتق - بإدخال خيط فيه، وفتقه
أحوط، ثم يتخير المشتري إن ظهر فيه عيب.
ولو باع المشاهد بعد مدة صح، ويراعى النفي البقاء على العهد، فإن اختلفا
حلف المشتري لأصالة بقاء يده على الثمن، وقيل: البائع للاستصحاب.
ويجوز بيع العين الموصوفة، فيتخير من وصف له، ولو وصفهما لهما أجنبي
تخير مع عدم المطابقة.
ويكفي رؤية البعض مما يدل على الباقي، وينبغي إدخاله في العقد، فيبطل
بدونه على الأقرب، ولو رأى البعض ووصف الباقي تخير في الجميع لو ظهر
بخلافه، وخيار الرؤية فوري.
ويجوز الإندار للظروف بحسب العادة، ولو زاد أو نقص جاز برضاهما،
ولو باعه السمن الموزون بظرفه كل رطل بدرهم فالأقرب الجواز.
درس [2]:
يشترط في المشتري الإسلام في شراء المصحف والرقيق المسلم، إلا أن
يكون ممن ينعتق عليه أو شرط عليه العتق على الأقرب.
ولو أسلم عبد الكافر بيع عليه قهرا بثمن المثل، فلو لم يوجد راغب حيل
بينهما حتى يوجد الراغب، ونفقته عليه وكسبه له، وتجري فيه أحكام العقد
من الخيار والرد بالعيب فيه أو في ثمنه المعين، فيقهر على بيعه ثانيا
.
358

والأقرب أنه لا يجوز إجارة العبد المسلم للكافر سواء كانت في الذمة أو
معينة، وجوزها الفاضل في الذمة، والظاهر أنه أراد إجارة الحر المسلم.
ويشترط في المبيع القدرة على تسليمه، فلو باع الطير في الهواء لم يصح إلا
مع اعتياد الرجوع، وكذا السمك في الماء، فلو تمكن من تسليمه بعد مدة
بالاصطياد جاز إن كان معلوما محصورا.
ولو باع بعيرا شاردا أو ضالا بطل.
ولو باع الآبق منفردا لم يصح إلا على من هو في يده، ولو باعه منضما إلى
ما يصح بيعه منفردا صح ويكون الثمن بإزائه لو لم يجده، وجوز المرتضى بيعه
منفردا لمن يقدر على تحصيله، وهو حسن، ولا يجوز بيع الرهن إلا برضا المرتهن.
ويجوز بيع الجاني خطأ أو شبيها، ويضمن المولى أقل الأمرين من قيمته
وأرش الجناية، ولو امتنع فللمجني عليه أو وليه انتزاع العبد فيبطل البيع، وكذا
لو كان معسرا، وللمشتري الفسخ مع الجهالة لتزلزل ملكه ما لم يفده المولى.
ولو كانت الجناية عمدا فالأقرب الصحة، ويكون مراعى فإن قتل بطل
البيع، وكذا لو استرق.
ولو كانت طرفا واستوفى فباقيه مبيع، وللمشتري الخيار مع جهله، ومنع
الشيخ من بيع الجاني عمدا.
ولو وجب قتل العبد بردة عن فطرة أو محاربة فالأقرب المنع من صحة
بيعه، نعم لو تاب في المحاربة قبل القدرة عليه صح، وكذا يصح بيع المرتد لا
عن فطرة ويكون مراعى بالتوبة.
وفي بيع بيوت مكة خلاف مبني على أنها فتحت عنوة أو صلحا وعلى أن
حكمها حكم المسجد أم لا، ونقل في الخلاف الإجماع على المنع من بيعها
وإجارتها، وهو مروي عن النبي صلى الله عليه وآله.
ويشترط في المبيع الملك، فلا يقع على الحر ولا على الكلأ قبل حيازته،
ولا على ما لم تجر العادة بتملكه، كحبة حنطة وإن لم يجز غصبها من مالكها،
359

فيضمن المثل لو تلفت ويردها إن بقيت.
ويشترط مغايرة المشتري للمبيع، فلو باع نفسه فالأقرب البطلان، ولو
جعلنا الكتابة بيعا صح، نعم لو اشترى نفسه لغيره صح وإن لم يتقدم إذن
السيد، وكذا لو باع نفسه بإذن السيد.
ويشترط تعيين المبيع، فلو باع شاة من قطيع أو عبدا من عبيد أو من عبدين
بطل، وكذا لو باعه قطيعا واستثنى منه شاة مبهمة.
ولو باعه ذراعا من ثوب معلوم المساحة وقصدا معينا أو أن يختار أحدهما ما
شاء بطل، وإن قصد الإشاعة صح، ولو قال: بعتك عشرا من هنا إلى حيث يتم،
فالأقرب الصحة.
ولو باعه صاعا من متماثل الأجزاء صح، وكذا عشرة أطنان من القصب
المتماثل، ويبقى المبيع ما بقي القدر، لحسنة بريد بن معاوية.
ويجوز شراء جزء مشاع معلوم بالنسبة من معلوم القدر، تساوت أجزاؤه أو
اختلفت، ولا يجوز بيع ما هو مشدود في الأقمشة إلا أن يكون له بارنامج - أي
كتاب بتفصيله - أو يذكر البائع ذلك، فإن طابق وإلا تخير المشتري.
والطريق والشرب لو ضمهما إلى المبيع اشترط علمهما، فلو أبهما بطل، ولو
شرط عدمهما صح، وإن أطلق دخل الطريق، فإن اتحد صح وإلا بطل، ولو فقد
تخير المشتري.
وإن حفت بملك البائع وقال: بحقوقها، فله الممر من جميع الجوانب قضاء
للفظ، ولو باعه بيتا من دار بحقوقه فكذلك، فيسلك من جميع جوانب الدار،
ويحتمل البطلان في الموضعين، لتنزيل الحقوق على القدر الضروري، وهو
يحصل في السلوك بجانب واحد ولم يعين، ولو كان هناك طريق إلى الشارع
أو في ملك المشتري أمكن الاجتزاء به وشمول الجميع.
ويجوز على كراهية بيع ماء النهر والمصنع والبئر مع المحل وبدونه،
وبيع الجر والروايا، والشراء بيعا وسلما بالفلوس، وبيع المعدن المملوك، ولو
360

أحيا أرضا فظهر فيها معدن ملكه تبعا، وأما بيع أم الولد والوقف فقد سبق.
درس [3]:
في النقد والنسيئة:
لا يجب تعيين أحدهما في العقد لأن مطلقه يحمل على النقد، فإن شرطه
تأكد وأفاد التسليط على الفسخ إذا عين ضمان النقد فأخل المشتري به.
وإن شرط النسيئة افتقر إلى تعيين الأجل المضبوط، فلا يجوز التوقيت بمقدم
الحاج وإدراك الثمار فيبطل العقد، ويجوز بالنيروز والمهرجان والفصح
والفطير وشهور العجم إذا عرفها المتعاقدان.
ولو باع بدينار نقدا وبدينارين إلى شهر فالمروي عن علي عليه السلام لزوم
أقل الثمنين وأبعد الأجلين، وعليه جماعة، ويعارضه النهي عن بيعتين في بيعة
وجهالة الثمن، ومن ثم أبطله في المبسوط والحلبي وسلار وابن حمزة وابن إدريس
والفاضلان.
ولو باعه كذلك إلى أجلين فكالأول عند المفيد - رحمه الله - مع أنه حكم
بالنهي عن البيع في الموضعين، وجعله المرتضى مكروها، وقال ابن الجنيد: لا
يحل، فإن هلكت السلعة فأقل الثمنين نقدا، وإن أخره المشتري جاز، والأقرب
الصحة ولزوم الأقل، ويكون التأخير جائزا من جهة المشتري لازما من طرف
البائع لرضاه بالأقل، فالزيادة ربا، ولأجلها ورد النهي، وهو غير مانع من صحة
البيع.
فروع:
الأول: لو باعه بثمن واحد بعضه نقدا وبعضه نسيئة صح قطعا، وكذا لو أجله
نجوما معلومة، وكذا لو باعه سلعتين في عقد ثمن إحديهما نقدا والأخرى نسيئة.
الثاني: لو تمادى الأجل إلى ما لا يبقى إليه المتبايعان غالبا - كألف سنة -
361

ففي الصحة نظر، من حيث خروج الثمن عن الانتفاع به، ومن الأجل المضبوط
وحلوله بموت المشتري، وهو أقرب.
الثالث: مبدأ الأجل من حين العقد لا من حين التفرق، ولو منعه البائع من
قبض المبيع لم يقدح ذلك في مضي الأجل.
هذا ويجوز شراء ما باعه نسيئة قبل الأجل مطلقا، وبعده بغير جنس الثمن
مطلقا، وبجنسه مع التساوي، ومع الزيادة والنقصان فالأقرب الجواز، وفي
النهاية: لا يجوز شراؤه بنقصان عما باعه به.
ولو كان المبيع طعاما ثم اشتراه البائع بعد الأجل صح على كراهية،
لرواية محمد الحناط.
ولو اشترى منه طعاما غيره بدراهم جاز، زاد أو نقص، وقال في الخلاف:
لا تجوز الزيادة لأدائه إلى بيع طعام بطعام بزيادة، ويضعف بأن العوض دراهم
لا طعام.
والعينية لغة وعرفا " شراء العين نسيئة "، فإن حل الأجل فاشترى منه عينا
أخرى نسيئة ثم باعها وقضاه الثمن الأول كان جائزا، ويكون عينية على عينيته.
ولو باعه بشرط القضاء منه بطل الشرط والبيع عند الشيخ أو الشرط وحده
على اختلاف قوليه، وصححهما الفاضل.
وقيل: العينية " شراء ما باعه نسيئة " وقال ابن إدريس: اشتقاقها من العين،
وهو النقد، وفسرها بشراء عين نسيئة ممن له عليه دين ثم يبيعها عليه بدونه نقدا
ويقضي الدين الأول.
ويجوز شراء الموصوف وإن لم يكن عند البائع في الحال، ولا يشترط فيه
الأجل إذا كان عام الوجود، للنص، ومنع ابن إدريس ممنوع.
ولو قال له: اشتر لي هذا المتاع من فلان وأربحك فيه، فاشتراه صح ولا
يلزم الأمر بالشراء ولو كان قد قاطعه على ثمن معين، وليس هذا من باب النهي
عن بيع ما ليس عنده.
362

ولا يجب دفع الثمن قبل حلوله ولا قبضه، ويجب عند الحلول ولو امتنع
البائع أثم، ولو هلك بعد تعيينه فمن ماله ما لم يفرط فيه المشتري أو يتعد،
وللمشتري التصرف فيه فيبقي في ذمته، وهذا حكم عام في كل ممتنع عن قبض
حقه، نعم يجب دفعه إلى الحاكم إن أمكن، وأوجب ابن إدريس على الحاكم
القبض ومنع من إجباره المستحق على قبضه أو إبرائه، وهو بعيد.
درس [4]:
فيما يدخل في المبيع:
والضابط مراعاة مدلول اللفظ لغة أو عرفا أو شرعا، ولنذكر هنا ألفاظا تسعة:
أحدها: الأرض والساحة والبقعة والعرصة، ولا يدخل فيه البناء ولا الشجر
ولا الزرع ولو قال: بحقوقها، على الأصح، نعم لو قال: وما اشتمل عليه أو ما
أغلق عليه بابها، دخل ذلك كله، وأولى منه إذا اشترطه لفظا.
وحيث لا يدخل يبقى بحاله، فإن كان بناء أو غرسا تأبد، وإن كان زرعا
فإلى الحصاد، ولو كان يجز مرة بعد أخرى، فإن كان مجزوزا فهو للمشتري وإلا
فالجزة الأولى للبائع والباقي للمشتري، قاله الشيخ والقاضي، وأنكره الفاضل
وجعله للبائع على كل حال ويبقى حتى يستقلع.
ولو شرط المشتري دخول الزرع جاز وإن كان سنبلا أو قطنا تفتح أولا،
وفي المبسوط: لا يصح السنبل والقطع للجهالة، مع أنه جوز بيع السنبل والبذر
مع الأرض، وفي المختلف: إن كان البذر تابعا دخل بالشرط وإن كان أصلا
بطل، والوجه الصحة مطلقا.
وتدخل الأرض في ضمان المشتري بالتسليم وإن تعذر انتفاعه، نعم له
الخيار لو لم يعلم.
ويدخل المعدن على الأقرب، فلو جهله البائع تخير، وكذا البئر والعين
363

وماؤهما، ولو ظهر فيها مصنع أو صخرة معدة لعصر الزيت أو العنب فكذلك،
وللبائع الخيار مع عدم العلم.
والحجارة المدخولة تدخل، فإن أضرت بالغرس أو الزرع فللمشتري
الخيار مع عدم العلم، ولا تدخل الحجارة المدفونة، وعلى البائع نقلها ومؤونة
الحفر، فإن علم المشتري فلا خيار وإلا فله الخيار إن فات شئ من المنافع، وعلى
البائع المبادرة بالنقل، فلو تركها ولا ضرر فيه فلا خيار للمشتري، نعم له إلزامه
بالنقل، ولو أراد تمليكها للمشتري لم يجب عليه القبول، ولا أجرة للمشتري عن
زمان النقل. وثانيها: القرية والدسكرة والضيعة في عرف أهل الشام، ويتناول دورها
وطرقها وساحاتها، لا أشجارها ومزارعها إلا مع الشرط أو القرينة أو يتعارف
ذلك كما هو الغالب الآن.
وثالثها: البستان والباع، ويدخل فيه الشجر والأرض والجدار والبناء -
الذي جرت العادة بكونه فيه دون غيره - والمجاز والشرب.
ولو باعه بلفظ " الكرم " تناول العنب لا غير إلا مع قرينة غيره، وفي دخول
العريش وجهان أقربهما دخول المثبت منه دائما أو أكثريا دون المنقول دائما أو
أكثريا.
ولو باع واستثنى نخلة أو شجرة معينة فله المدخل والمخرج إليها ومدى
جرائدها من الأرض.
ورابعها: الدار، وتشمل الأرض والبناء - سفل أو علا - والحمام المعروف
بها، والمرافق كلها، والبئر والحوض وماؤهما، والطريق والأبواب المثبتة،
والرفوف المثبتة، والسلم المثبت، والدرج والمفاتيح.
ولو استقل الأعلى لم يدخل إلا بالشرط أو القرينة، وعليه تحمل مكاتبة
الصفار إلى العسكري عليه السلام بعدم دخول الأعلى.
ولا يدخل شجرها وما بها من آلة منقولة، ولو كانت مدفونة كالخابية أو
364

مثبتة كالرحى المنصوبة، وفي المبسوط: يدخل النخل والشجر - في بيع الدار -
والخوابي المدفونة - لأنها كالخزائن - والرحى المثبتة أعلاها وأسفلها، وهو قوله
في الخلاف، ووافق في الخلاف على الرحى وهو أعلم بما قال، نعم لو كانت
الخابية مثبتة في الجدران قرب دخولها.
ومنع في المبسوط من دخول ماء البئر في الدار لأن له مادة مجهولة تمنع
من صحة بيعه فتمنع من دخوله، وتبعه القاضي، وخالفهما الفاضل.
وخامسها: السوق والخان، ويدخل فيه الأرض والدكاكين وأبوابها وطرقها
ورفوفها المثبتة وخزائنها وسقوفها وغرفها، ولو كان باب الدكان مما ينقل
فالأقرب دخوله للعرف.
وسادسها: الشجر، ويدخل فيه الكبيرة والصغيرة والأغصان والعروق و
المجاز والشرب، ولا تدخل الأرض إلا مع الشرط أو القرينة، نعم تستحق البقاء
مغروسة، فلو انقلعت شجرة لم يكن له غرس أخرى ولا استخلاف فروخها إلا
بالشرط، قيل: ولا تدخل الفروخ إلا بالشرط.
ولا تدخل الثمرة إلا طلع النخل قبل التأبير إذا كان إناثا وانتقل بالبيع،
ولو أبر لم يدخل، ولو أبر البعض فلكل حكمه، فإن عسر التمييز اصطلحا، ولا
فرق بين أن يؤبر تأبرا أو باللواقح، وقال ابن حمزة: إذا باع الشجر قبل بدو
الصلاح فالثمرة للمشتري وهو نادر.
وعلى المشتري تبقيتها إلى أوان البلوغ عرفا، وللبائع تبقيتها إذا لم يضر
بالأصول ولو تضرر منعا، ولو تضرر أحدهما احتمل تقديم صاحب الثمرة وتقديم
المشتري، وهو خيرة الفاضل.
ولو انقطع الماء وتضرر الأصل ببقاء الثمرة يسيرا اغتفر، وإن كان كثيرا،
فإن خيف عليه الجفاف أو نقص الحمل في القابل أجبر على القطع ولا أرش
على المشتري لأنه قطع مستحق، ويحتمل عندي الأرش لأنه نقص دخل على
مال غيره لنفعه.
365

فرع: لو ظنها المشتري غير مؤبرة فظهرت مؤبرة فله الفسخ عند الشيخ لفوات
بعض المبيع في ظنه، وأنكره الفاضل لعدم العيب وتفريطه، والوجه الأول، لأن
فوات بعض المبيع أبلغ من العيب، ولا تفريط لأنه بنى على الأصل.
ولو ظنها البائع مؤبرة فظهرت غير مؤبرة فله الفسخ إن تصادقا على الظن،
ولو ادعى أحدهما على صاحبه علم الحال فأنكر، احتمل إحلاف المنكر ويقضى
بما ظنه. هذا، ولو ظهرت ثمرة بعد البيع فللمشتري.
ولا يدخل الورد وإن كان جنبذا في بيع الشجر، وكذا ورد الثمر.
وسابعها: العبد والأمة، ويتناول ثيابه الساترة للعورة دون غيرها على الأقوى،
ولا يتناول ماله وإن قلنا بملكه إلا مع الشرط فيراعى فيه العلم والتحرز من الربا.
وثامنها: الكتاب، ويتناول أجزاءه وجلده وخيوطة وما به من الأصول
والحواشي والأوراق المثبتة، ولا يدخل كيسه ولا ما به من أوراق مفردة لا تتعلق
به، وفي دخول ما يعلم به نظر أقربه الدخول، للعرف.
ويدخل في بيع الدابة النعل، ولا يدخل الرحل والمقود إلا بالشرط.
وتاسعها: الحمام، وتدخل بيوته وموقده وخزانة مائه وأحواضه ومسلخه
وبئره وماؤها، ولو كانت تنزع من مباح دخلت الساقية فيه، والأقرب دخول
قدره المثبتة.
ولا يدخل سطله ولا أقداحه ولا وقوده ومآزره، وعليه تسليمه إليه مفرغا من
الرماد وكثير القمامة.
درس [5]
: في القبض:
وحكم العقد تقابض العوضين إلا أن يشترط تأخير أحدهما أو تأخيرهما إذا
كانا عينين أو أحدهما، ولو شرط تأخيرهما وهما في الذمة بطل لأنه بيع الكالئ
366

بالكالي.
فإن تنازعا في التقدم تقابضا معا، سواء كان هناك تعيين أو لا، وفي
المبسوط والخلاف: يجبر البائع أولا لأن الثمن تابع للمبيع.
وبالقبض ينتقل الضمان إلى القابض إذا لم يكن له خيار، ويتسلط على
التصرف بغير تحريم ولا كراهية.
ويمنع البائع من فسخ البيع بتأخير الثمن، وبدونه الأقرب الكراهية في
بيع المكيل والموزون، وتتأكد في الطعام، وآكد منه إذا باعه بربح.
ونقل في المبسوط الإجماع على تحريم بيع الطعام قبل قبضه، وقال
الفاضل: لو قلنا بالتحريم لم يفسد البيع.
وحمل الشيخ الإجارة والكتابة على البيع قائلا: إن الكتابة والإجارة
ضربان من البيع، وأنكره الفاضل، ولأن المملوك ليس مكيلا ولا موزونا، وهما
محل الخلاف، للإجماع على جواز بيع غيرهما قبل القبض.
ولو انتقل إليه بغير بيع كصلح أو خلع أو صداق أو عوض إجارة
فلا كراهة في بيعه قبل قبضه.
ولو أحال غريمه المسلم إليه على غريمه المستلم منه فهو كالبيع قبل
القبض.
ولو دفع إليه مالا ليشتري به طعاما لنفسه بطل.
ولو قال: اشتر لي ثم اقبضه لنفسك، بني على القولين.
ولو قال: أقبضه لي ثم لنفسك، بني على تولي طرفي القبض، والأقرب
جوازه، ولو كان أحد المالين قرضا صح.
ولو قبض أحد المتبايعين فباع ثم تلف غير المقبوض لم يبطل البيع الثاني
وإن بطل الأول، وعلى البائع بدل ما باعه مثلا أو قيمة يوم تلف العين.
ولو اعتاض عن السلف قبل قبضه بني على القولين، ولو اعتاض عن
القرض أو المغصوب جاز.
367

ويعتبر قيمة العوض في المغصوب مكان الدفع وزمانه، وفي القرض مكان
القرض، وفي السلم مكان التراضي.
ولو امتزج المبيع قبل قبضه تخير المشتري في الفسخ، ومؤنة القسمة على
البائع لو لم يفسخ، ولو بذل البائع للمشتري ما امتزج به لم يزل خياره، وقال
الشيخ: يزول، وكذا لو امتزجت اللقطة المبيعة والخرطة بغيرها، وقال الشيخ:
ينفسخ البيع مع عدم التمييز إلا أن يسلم البائع الجميع، والوجه أنه كالأول.
ولو غصب المبيع قبل قبضه فله الفسخ إلا أن يمكن إعادته في زمان لا
يفوت به غرض، ولو لم يفسخ لم تكن له مطالبة البائع بالأجرة على الأقرب،
نعم لو منعه البائع فعليه الأجرة.
ولو هلك المبيع قبل القبض فمن البائع ولو أبرأه المشتري من الضمان،
مع أن النماء المتجدد بين العقد والقبض للمشتري، وهو في يد البائع أمانة.
ولو أهلكه أجنبي فللمشتري الفسخ ومطالبة الأجنبي، ولو كان المهلك
البائع فالأقرب تخير المشتري بين الفسخ فيطالب بالثمن وعدمه فيطالب بالقيمة.
ولو تعيب من قبل الله تعالى أو من قبل البائع فللمشتري الفسخ وله الأرش
على الأقوى، ولو كان من قبل أجنبي فالأرش عليه للمشتري إن التزم، وللبائع إن
فسخ.
ولا إشكال في توزيع الثمن على العينين فصاعدا لو تلف بعضها، وله
الفسخ، ولو أتلفه المشتري فهو قبض، ولو جنى عليه فالأقرب أنه قبض أيضا.
ولو قبض بعض المبيع وهلك الباقي فهو في ضمان البائع، وللمشتري
الفسخ، للتبعيض، ولو تلف بعد قبض المشتري فهو من ماله، إلا أن يختص
بالخيار فيكون من البائع، مع أن النماء للمشتري.
ولو رضي المشتري ببقائه في يد البائع فهو قبض عند الحلبي.
ولو ظهر في المبيع أو الثمن زيادة تتفاوت بها المكاييل أو الموازين فهي
مباحة، وإلا فهي أمانة.
368

ولو ادعى البائع نقص الثمن والمشتري نقص المبيع حلف الآخر إن حضر
المدعي الاعتبار، وإلا حلف، ويحتمل تقديم مدعي التمام إن اقتضى النقص بطلان
العقد - كالسلم والصرف بعد التفرق - وإلا فمدعي النقص، ولو حول الدعوى
إلى إنكار قبض الجميع قبل قول المنكر مطلقا.
والقبض في غير المنقول التخلية بعد رفع اليد، وفي الحيوان نقله، وفي
المعتبر كيله أو وزنه أو عده أو نقله، وفي الثوب وضعه في اليد، وقيل: التخلية
مطلقا، ولا بأس به في نقل الضمان لا في زوال التحريم والكراهية عند البيع قبل
القبض، نعم لو خلي بينه وبين المكيل فامتنع حتى يكتاله لم ينتقل إليه الضمان،
ولا يكفي الاعتبار الأول عن اعتبار القبض.
ويجب التسليم مفرغا، فلو كان فيه ما لا يخرج إلا بهدم وجب أرشه على البائع.
ولو قبض بغير إذن البائع انتقل إليه الضمان، ولم يكن مانعا من فسخ
البائع للتأخير عن الثلاثة.
وأجرة المعتبر على البائع في المبيع، وعلى المشتري في الثمن، وأجرة
الدلال على آمره، ولو أمراه فالسابق، فإن اقترنا وكان الغرض توليه طرفي العقد
فعليهما، وكذا لو تلاحقا وكان مرادهما مجرد العقد، ولو منعنا من تولية الطرفين
امتنع أخذ أجرتين، وعليه يحمل كلام الأصحاب من أنه لا يجمع بينهما لواحد.
ولا ضمان على الدلال إلا مع التفريط، ويقدم قوله بيمينه في عدمه وفي
التلف والقيمة، وقول المالك في عدم الرد، ولا درك على الدلال في استحقاق
المبيع أو الثمن أو تعيبهما.
ولو تبرع بالبيع أو الشراء فلا أجرة له وإن أجاز المالك.
369

درس [6]:
في الشروط:
يجوز اشتراط سائغ في عقد البيع، فيلزم الشرط من طرف المشترط عليه،
فإن أخل به فللمشترط الفسخ، وهل يملك إجباره عليه؟ فيه نظر.
ولو شرط ما هو قضية العقد فمؤكد، وربما أفاد الفسخ، ولو شرط ما ينافيه -
كعدم التصرف بالبيع والهبة والاستخدام والوطء، أو شرط البائع وطء الأمة
أو تأخير تسليم المبيع إلى مدة غير معينة، أو شرط المشتري تأخير الثمن كذلك،
أو شرط كون الأمة ولودا، أو أن يرجع بالثمن إن غصبت منه، أو أن يكون تلفه
من البائع متى تلف، أو شرط عدم الخسارة - بطل وأبطل على الأقرب.
ويصح اشتراط تبقية الزرع إلى سنبله والثمرة إلى إيناعها، ولو شرط
المشتري انعقاد الثمرة وإيناعها وصيرورة الزرع سنبلا وشبهه مما ليس بمقدور
بطل وأبطل.
ويصح اشتراط عمل محلل معلوم مع الثمن والمثمن، وعقد بيع أو هبة أو
تزويج أو سلف أو قرض أو إقراض أو عتق أو كتابة أو تدبير أو رهن أو ضمين
على الثمن أو المبيع في السلم، أو شرط اشتمال المبيع على صفة كمال مقصودة
أو اشتمال الثمن عليها، ولو كانت غير مقصودة غالبا لكن يتعلق بها غرض
المشتري - كاشتراط الثيوبة - صح.
ولو كانت غير مشروعة بطل، كما لو شرط جهله بالعبادة فيظهر عالما.
ولو اشترط الكفر فظهر مسلما، قال الشيخ: لا خيار له لأن الإسلام يعلو ولا
يعلى عليه، وقال ابن إدريس والفاضل: له الخيار، للمخالفة، ولأنه يصح بيعه على
الكافر، ولا يستغرق وقته في الخدمة، والصحيح الأول كما قاله الشيخ،
والأغراض الدنيوية لا تعارض الأخروية.
ولو باعه بأضعاف القيمة ليقرضه أو ليؤجل ما عليه صحا، وتوقف فيه
المحقق، ولا وجه له.
370

ولو شرط طحن الطعام على البائع فالمروي الجواز، ومنعه في المبسوط.
ويجوز اشتراط الجعودة والزجج في الأمة، والصيد في الفهد أو الكلب.
ولو شرط بيع المبيع على البائع بطل، لا للدور بل لعدم قطع نية الملك،
ولو شرط بيعه على غيره فالوجه الصحة.
ولو شرط رهنا أو ضمينا وجب التعيين بالمشاهدة أو الوصف، ويحتمل
صحة الإطلاق، ويحمل الرهن على حافظ الحق، والضامن على الموسر الباذل.
ولو شرط الإشهاد لم يفتقر إلى تعيين الشهود، ولو عينهم لزم، ولا يلزمهم
التحمل.
ويجوز اشتراط رهن المبيع على ثمنه، ومنعه الشيخ.
ولا يكفي عقد البيع عن عقد الرهن، ولو جمع بينهما في عقد واحد وقدم
الرهن بطل، ولو قدم البيع مثل " بعتك الدار بمائة وارتهنت العبد بها "، فقال:
اشتريت ورهنت، ففيه وجهان أقربهما المنع، لعدم ثبوت الحق حال الرهن.
ولا يجوز اشتراط العتق عن البائع ولا اشتراط الولاء له، ويجوز عن
المشتري ويحمل مطلقه عليه، وكسبه قبل العتق للمشتري، ولو انعتق قهرا لم
يكف، وللبائع الفسخ والرجوع بالقيمة، وقيل: له الرجوع بما يقتضيه شرط
العتق، ويضعف بأن الشروط لا يوزع عليها الثمن، ولو نكل به البائع عتق ولم
يجزئ، ولو أخرجه عن ملكه ببيع أو هبة أو وقف فللبائع فسخ ذلك كله.
ولو أسقط البائع الشرط جاز إلا العتق، لتعلق حق العبد وحق الله تعالى به،
ولو مات قبل العتق فالخيار بحاله.
ويجوز اشتراط حمل الجارية أو الدابة فيفسخ لو ظهرت حائلا، ولو جعل
الحمل جزءا من المبيع فالأقوى الصحة لأنه بمعنى الاشتراط، ولا تضر الجهالة،
لأنه تابع.
ولو شرط أنها تحمل، قال الشيخ والقاضي: لم يجز البيع إلا أن تحمل، ولو
لم تحمل فللمشتري فسخه وإمضاؤه، وأبطله الفاضل وإن حملت لأنه غرر، وفي
371

عبارتهما إشارة إلى صحة العقد وعدم لزومه وإن كان غير جائز، لأن الشرط غير
معلوم الوقوع، ويلزمهما إطراده في كل شرط مجهول، وانتفاء الفرق بين الشرط
الصحيح والفاسد إلا في جواز العقد وعدمه، وهو غريب.
وروى محمد بن مسلم النهي عن مقاطعة الطحان على دقيق بقدر حنطة،
وعن مقاطعة العصار
على كل صاع من السمسم بالشيرج المعلوم مقداره، ووجهه الخروج عن البيع والإجارة.
ولو شرط البائع تملك العربون لو لم يرض المشتري بالبيع بطل العقد
ووجب رده.
فروع:
الأول: لو قال: بع من فلان بألف وهي علي، وقصد الضمان صح ولا يلزمه،
فإن شرطه البائع ولما يضمن فله الفسخ.
ولو قال: وعلي عشرة، قال الشيخ: يصح، وأبطله الفاضل ذهابا إلى أن
الثمن لا يكون على غير المشتري، ويمكن أن يقال: هو جعل للبائع لا من الثمن،
كما لو قال: طلق أو أعتق وعلي ألف، فإنه وافق على صحته.
الثاني: يجوز الجمع بين مختلفين - كمبيع وسلم، وبيع وإجارة - وبين
مختلفات، ويقسط الثمن إن احتيج إليه.
الثالث: لو صالح على الشرط بعوض صح إن لم يكن عتقا ويلزم من
الطرفين، ولو شرط في عقد آخر سقوط هذا الشرط صح أيضا، ولو شرط تأجيل
الدين الحال لزم، وكذا لو شرط حلول الدين المؤجل.
الرابع: لو شرط رهنا معينا أو ضمينا معينا وهلك الرهن أو مات الضمين، فإن
كان بعد الرهن والضمان لم يؤثر، وإن كان قبله فله الفسخ.
372

درس [7]:
في المرابحة وتوابعها:
البيع بغير إخبار برأس المال مساومة، وهي أفضل من باقي الأقسام،
وبالإخبار مع الزيادة مرابحة، ومع النقيصة مواضعة، ومع المساواة تولية،
وإعطاء البعض تشريك.
ولو جهل في المرابحة قدر الربح أو الأصل أو الصرف أو الوزن بطل.
ويجب حفظ الأمانة بالصدق في الثمن والمؤن إن ضمنها، والإخبار عما طرأ
من موجبات النقص، ولا يجب الإخبار بالغبن ولا بالبائع وإن كان زوجته أو
ولده، نعم لو واطأ على الشراء ليخبر به كان غشا حراما، ولو باعه والحالة هذه
تخير المشتري مع العلم المتجدد.
وليقل: بعتك بكذا وربح درهم، ولا يقل: ربع العشرة درهم، فيكره،
وللشيخ قول بالتحريم، واختاره الشاميان.
ويجب الإخبار بالأجل، فلو أخل به فالمروي أن للمشتري مثله، وفي
المبسوط والخلاف والسرائر: يتخير المشتري بين الفسخ والأخذ بالثمن حالا.
ولو اشترى أمتعة صفقة امتنع بيع بعضها مرابحة مطلقا، وقال ابن الجنيد
والقاضي: يجوز فيما لا تفاضل فيه كالمعدود المتساوي، والعبارة " اشتريته بكذا
وشبهه "، ولو عمل فيه بنفسه قال: وعملت فيه بكذا، ولو استأجر عليه جاز أن
يقول ذلك، وأن يضمه ويقول: تقوم علي أو رأس مالي، على الأصح، ومنع في
المبسوط من " رأس مالي " هنا.
ولو أخذ أرش الجناية لم يجب وضعها بل الإخبار عما نقص بها، ولا يضم
المؤنة أو الكسوة والدواء، ويضم أجرة الدلال والكيال والحافظ والمخزن، ولو
حط البائع عنه في زمن الخيار سقط عند الشيخ ولو زاده ألحقه عنده بناء على أن
المبيع إنما يملك بانقضاء الخيار، والمبنى ضعيف.
وألحق القاضي أن هبة شئ من الثمن تسقط في الأخبار.
373

ولو قوم على الدلال متاعا بغير عقد وجعل الزائد له لم يجز بيعه مرابحة،
فإذا باعه ملك الزائد عند الشيخين لصحيحة محمد بن مسلم، وإن باعه بالقيمة فلا
شئ له، وإن نقص أتم الدلال، ولو بدأ الدلال بطلب التقويم فله الأجرة لا غير،
وسوى الحليون بين الأمرين في الأجرة، والأول أثبت لأنه جعالة مشروعة.
وجهالة العوض غير ضارة لعدم إفضائه إلى التنازع، وروى ابن راشد في من
اشترى جواري وجعل للبائع نصف ربحها بعد تقويمها: أنه يجوز، فإن أحيل
المالك إحديهما سقط حق البيع.
ومتى ظهر كذب المخبر تخير المشتري سواء كان في جنس الثمن أو قدره
أو وصفه، ولو ادعى البائع الغلط في الإخبار لم تسمع دعواه ولا بينته إلا أن
يصدقه المشتري، وله إحلافه على عدم العلم، نعم لو قال: اشتراه وكيلي وأقام
بينة سمع، وتردد فيه الشيخ.
والمواضعة كالمرابحة في الإخبار وأحكامه، ويضيف " وضيعة كذا "،
ويكره نسبته إلى المال، ولو قال: بعتك بمائة ووضيعة درهم من كل عشرة،
فالثمن تسعون، ولو قال: لكل عشرة، زاد عشرة أجزاء من إحدى عشر جزءا من
درهم، وضابطه إضافة الوضيعة إلى الأصل ونسبتها إلى المجموع ثم إسقاطها،
فالباقي الثمن.
ولو قال: وضيعة العشرة درهم، احتمل الأمرين، نظرا إلى معنى الإضافة من
" اللام " و " من "، وإن أثبتنا الإضافة الظرفية فهي كالتبعيضية، و الشيخ طرد
الحكم بالضابط في وضيعة درهم من كل عشرة، كأنه يجعل " من " لابتداء
الغاية ويجعل العشرة سالمة للبائع.
وأما التولية فهي البيع برأس المال، ويشترط فيه علمه، ولفظها كالبيع، ولو
قال: وليتك العقد، أجزأ، ولو قال: وليتك السلعة، احتمل الجواز.
والتشريك هو أن يجعل له فيه نصيبا برأس ماله، وهو بيع أيضا، ولو أتى
بلفظ التشريك فالظاهر الجواز، فيقول: شركتك في هذا المتاع نصفه بنصف
374

ثمنه.
وقد يتفق في مبيع واحد المرابحة وقسيماها، كما لو اشترى ثلاثة ثوبا
بالسوية لكن ثمن أحدهم عشرون والآخر خمسة عشر والآخر عشرة، ثم باعوه
بعد الأخبار بخمسة وأربعين، فهو مواضعة بالنسبة إلى الأول وتولية بالنسبة إلى
الثاني ومرابحة بالنسبة إلى الثالث، وكذا لو باعوه مساومة، ولا يقسم على رأس
المال، هذا مع تعدد العقود، ولو كان العقد واحدا بالخمسة والأربعين كان الثمن
مقسوما على رأس المال، ولو تشخص في العقد الواحد ثمن كل ثلث فهو
كالعقود المتعددة.
درس [8]:
في بيع الحيوان:
كل حيوان مملوك - أناسي وغيره - يصح بيعه أجمع، وبيع جزء منه
معلوم مشاع لا معين، إلا مع وجود مانع كالاستيلاد والوقف والإباق - من غير
ضميمة - وعدم القدرة على التسليم.
ولو استثنى جزء معلوما منه صح مع الإشاعة، ولو استثنى الرأس والجلد
فالمروي الصحة، فإن ذبحه فذاك وإلا كان البائع شريكا بنسبة القيمة، ولو
شرط ذبحه فالأقرب جواز الشرط إن كان مما يقصد بالذبح، فإن امتنع فالأقرب
تخير البائع بين الفسخ وبين الشركة بالقيمة.
وجوز سلار استثناء اللحم بالوزن، ومنعه ابن الجنيد لتفاوته، والمرتضى
وابن إدريس بجواز استثناء الرأس والجلد ولا يتشاركان، ولو اشتركوا في حيوان
بالأجزاء المعينة لغا الشرط وكان بينهم على نسبة الثمن.
ويصح بيع الحامل معه ومنفردة عنه، ولا يصح إفراده بالبيع عنها، وقال
الشيخ في المبسوط والقاضي: ولا إفرادها عنه فيبطل البيع لو استثناه البائع،
وكذا يبطل عندهما لو كان الحمل جزءا، وهو بعيد.
375

ويصح بيع المرتد عن ملة لا عن فطرة على الأقوى، ولا يصح استثناء
البائع وطئ الجارية، نعم لو شرط تزويجها أو تحليلها أمكن الصحة، ولو أطلق
بيع الحامل دخل عندهما خلافا للأكثر.
وحيث يدخل في البيع فهو مضمون تبعا لأمه، فلو أجهضت قبل القبض أو
في خيار المشتري فله الرجوع بتفاوت ما بين الحمل والإجهاض، ويدخل
البيض في بيع البائع مع الإطلاق، ولو شرطه البائع لم يجز عند الشيخ.
والآمر بشراء حيوان بشركته يملك نصفه بنصف الثمن، فإن نقد باذنه
صريحا أو فحوى رجع وإلا فلا رجوع، وظاهر، ابن إدريس أن قضية الأمر الإذن
في النقد وإلا لم تتحقق الشركة، وفيه منع ظاهر، وروى الحلبي في مشتري دابة
يقول لآخر: أنقد عني والربح بيننا، يشتركان إذا نقد، ولو تلف في موضع ضمان
المشتري فهو منهما.
ولو أراد الشركة بأقل من النصف أو الأكثر أتبع، فلو تنازعا في القدر، فإن
كان في الإرادة حلف الآمر، وإن كان في نية الوكيل حلف الوكيل إن نقص
عما يدعيه الموكل، وإن زعم الموكل أنه اشترى له الثلث فقال: النصف، احتمل
ذلك لأنه أعرف، وتقديم الموكل لأن الوكيل مدع زيادة والأصل عدمها،
وحكم غير الحيوان حكمه في هذا الباب.
ولو قال: الربح لنا ولا خسران عليك، ففي صحيحة رفاعة في الشركة في
جارية: يصح، ورواه أبو الربيع، ومنعه ابن إدريس لأنه مخالف لقضية الشركة،
قلنا: لا نسلم أن تبعية المال لازم لمطلق الشركة، بل للشركة المطلقة، والأقرب
تعدي الحكم إلى غير الجارية من المبيعات.
ويملك الآدمي بالسبي ثم التولد، وقد سبق من ينعتق عند الملك، وإذا أقر
مجهول الحرية بالعبودية قبل، ولا يقبل رجوعه، سواء كان المقر مسلما أو كافرا،
لمسلم أو كافر، ولو أقر مالك العبد ببيعه ثم أنك العبد البيع بعد موت البائع
لم يقبل منه، سواء كان عليه يد أم لا.
376

ويملك غير الآدمي من الحيوان بالاصطياد في الوحشي ثم التولد وباقي
أسباب الملك، وبالاستغنام والمعاوضة والتولد في غيره والإرث.
درس [9]:
يستحب بيع المملوك إذا كره صاحبه لرواية علي بن يقطين، وتغيير اسمه
عند الشراء، والأقرب اطراده في الملك الحادث، وروي كراهة التسمية بمبارك
وميمون وشبهه، ويستحب إطعامه حلوى والصدقة عنه بأربعة دراهم، ويكره أن
يريه ثمنه في كفة الميزان حذرا من أنه لا يفلح، رواه زرارة.
ويجوز النظر إلى وجه من يريد شراءها ومحاسنها، وهل له النظر إلى
جسدها من تحت الثياب بل وإلى العورة؟ نظر أقربه مراعاة التحليل من المولى،
وفي رواية أبي بصير: لا بأس أن ينظر إلى محاسنها ويمسها ما لم ينظر إلى ما لا
ينبغي له النظر إليه.
ويكره وطئ ابنة الزنى بالملك أو العقد مخافة العار، والعقد أشد كراهة من
الملك، وحرمه ابن إدريس بناء على كفر ولد الزنى وتحريم الكافرة، وفي
المقدمتين منع.
ويكره الحج والتزويج من ثمن الزانية، وعن ابن خديجة: لا يطيب ولد
امرأة أمهرت مالا حراما أو اشتريت به إلى سبعة آباء.
واختلف في التفريق بين الأطفال وأمهاتهم إلى سبع سنين، وقيل: إلى بلوع
مدة الرضاع، ففي رواية سماعة: يحرم إلا برضاهم، وأطلق المفيد والشيخ في
الخلاف والمبسوط التحريم وفساد البيع، وهو ظاهر الأخبار، وطرد الحكم في أم
الأم، وابن الجنيد طرده في من يقوم مقام الأم في الشفقة وأفسد البيع في السبايا
وكره ذلك في غيرهم، والحليون على كراهية التفرقة وتخصيص ذلك بالأم،
وهو فتوى الشيخ في العتق من النهاية.
واختلف في كون العبد يملك، فظاهر الأكثر ذلك، وفي النهاية: يملك ما
377

ملكه مولاه وفاضل الضريبة وأرش الجناية بمعنى جواز التصرف، وجوز تزويجه
منه وتسريه وعتقه لا بمعنى ملك رقبة المال.
ولا يدخل في بيع الرقيق عند الأكثر إلا بالشرط، سواء علم السيد أم لا،
وقال القاضي: مع علمه للمشتري، وقال ابن الجنيد بذلك، إذا علم به وسلمه مع
العبد.
ولو اشتراه وماله صح ولم يشترط علمه، ولا التفصي من الربا إن قلنا يملك،
وإن أحلنا اشترطنا، ورواية زرارة مصرحة بإطلاق جواز زيادة ماله على ثمنه.
وروى فضيل أنه لو قال لمولاه: بعني بسبعمائة ولك علي ثلاثمائة، لزمه إن
كان له مال حينئذ، وأطلق في صحيحة الحلبي لزوم الجعالة لبائعه، وقال الشيخ
واتباعه: لو قال لأجنبي: اشترني ولك علي كذا، لزمه إن كان له مال حينئذ،
وهذا غير المروي، وأنكر ابن إدريس ومن تبعه اللزوم وإن كان له مال بناء على
أن العبد لا يملك، والأقرب ذلك في صورة الفرض لتحقق الحجر عليه من
السيد فلا يجوز جعله لأجنبي، أما صورة الرواية فلا مانع منها على القولين، إما
على أنه يملك فظاهر، وإما على عدمه فأظهر.
ويجوز شراء سبي الظالم وإن كان كله للإمام في صورة غزو السرية بغير
إذنه وفيه الخمس كما في غيرها، ولا فرق بين كون الظالم مسلما أو كافرا.
ولو اشترى حربيا من مثله جاز، ولو كان ممن ينعتق عليه قيل: كان
استنقاذا، حذرا من الدور لو كان شراء، ولا يلحق به أحكام البيع بالنسبة إلى
المشتري، وروى ابن بكير تسميته شراء.
وإذا هلك الرق في الثلاثة ضمن مال البائع إذا لم يحدث فيه المشتري
حدثا، والقول قوله مع يمينه في عدم الحدث، وفي رواية الحسين بن زيد عن
الصادق عن النبي عليهم السلام: يحلف على عدم الرضا به ويضمن البائع، وفيها
دلالة على أنه لو رضي به كان من ماله، وربما كان ذلك لأن الرضا يسقط الخيار
وإن لم يتلفظ به، ولا يعلم ذلك إلا منه، فمن ذلك توجهت اليمين، وقد يعلم منها
378

سماع دعوى التهمة، وأنكره المحقق في النكت وضعف طريق الرواية، قلت:
لأن في رجالها مجاهيل، وقد ذكره في التهذيب، وفي صحيحة علي بن رئاب: إذا
أحدث المشتري حدثا كنظر ما كان حراما قبل الشراء أو لمسه فهو رضا منه
يبطل خياره، وذلك يدل على أن الرضا به مبطل، ولكن الحدث دليل عليه، فإذا
لم يكن عليه دليل مع تجويزه وجب الإحلاف مع التماس البائع.
وروى علي بن يقطين في من اشترى جارية - وقال: أجئك بالثمن -: إن جاء
إلى شهر وإلا فلا بيع له، وهذا الحكم نادر.
درس [10]:
يجب استبراء الأمة على كل من البائع والمشتري بحيضة، فإن استرابت
فخمسة وأربعون يوما، وقال المفيد: ثلاثة أشهر، ولو أخبر البائع الثقة باستبرائها
سقط عن المشتري.
وإنما يحرم فيه الوطء دون مقدماته، للرواية الصحيحة عن محمد بن بزيع،
وفي المبسوط: يحرم.
ويسقط الاستبراء في الصغيرة واليائسة وأمة المرأة والحائض إلا زمان
حيضها.
واستبراء الحامل بوضع الحمل، إلا أن يكون عن زنا فلا حرمة له،
والمشهور أنه يستبرئها بأربعة أشهر وعشرة أيام وجوبا عن القبل لا غير، وأن
الوطء بعدها مكروه - إلى أن تضع - فيعزل، وإن أنزل كره بيع الولد واستحب
عزل قسط له من ماله.
وكما يجب الاستبراء في كل بيع يجب في كل ملك زائل وحادث بغيره
من العقود، وبالسبي والإرث، وقصره ابن إدريس على البيع، وأوجب استبراء أمة
المرأة، ولم يكتف بإخبار البائع، وهو ضعيف.
ولو تلفت في زمان الاستبراء فمن مال صاحب اليد، إلا أن يكون الخيار
379

للمشتري فمن البائع، ولو وضعت عند عدل فهلاكها من البائع إلا أن يكون بعد
قبض المشتري ومضي الخيار، ولا يجب وضعها عند العدل وإن كانت حسناء،
ولو شرط الوضع لزم إلا أن يتفقا على غيره.
والنفقة على البائع مدة الاستبراء عند الشيخين، والفاضل تارة يقول به
بشرط الوضع عند عدل، وتارة يقول: النفقة على المشتري لأنها تابعة للملك.
ولو وطئ المشتري في مدة الاستبراء عزر مع العلم بالتحريم ويلحق به
الولد، وفي سقوط الاستبراء حينئذ نظر، من عدم الخروج عن عهدته، وانتفاء
ثمرته، إذ لو ظهر ولد يمكن تجدده لحق به.
ولو وطئها أحد الشركاء حد بنصيب غيره مع العلم، ولحق به الولد وعليه
قيمة نصيب الشريك يوم وضع حيا، وتصير أم ولد فعليه قيمتها يوم الوطء،
ويسقط منها بقدر نصيبه، وفي رواية ابن سنان: عليه أكثر الأمرين من قيمتها يوم
التقويم وثمنها، واختاره الشيخ، وفي دخول أرش البكارة في المهر نظر، وجمع
الفاضل بينهما.
ولو ظهر استحقاق الأمة المبتاعة وجب العقر - إما العشر أو نصفه على
تقديري البكارة والثيوبة - أو مهر المثل على خلاف، وقيمة الولد إن سقط حيا
وأجرة مثلها، ويرجع على البائع مع جهله أو ادعاء الإذن بجميع ذلك على
الأصح، ولو كان عالما بالاستحقاق والتحريم فهو زان وولده رق وعليه المهر إن
أكرهها.
ولو اشترى عبدا موصوفا في الذمة فدفع إليه عبدين ليختار فأبق أحدهما،
ففي رواية محمد بن مسلم: يرتجع بنصف الثمن، فإذا وجده تخير وإلا كان الباقي
بينهما، وعليها الأكثر، وهو بناء على تساويهما في القيمة ومطابقتها للوصف
وانحصار حقه فيهما.
وعدم ضمان المشتري هنا لأنه لا يزيد على المبيع المعين الهالك في مدة
الخيار، فإنه من ضمان البائع، والحليون على ضمان المشتري الآبق كالمقبوض
380

بالسوم، غير أن ابن إدريس قيد الضمان بكونه مورد العقد ولو لم يكن المعقود
عليه فلا ضمان، ويشكل إذا هلك في زمن الخيار.
واستخرج في الخلاف من الرواية جواز بيع عبد من عبدين، وليست
صريحة فيه، وجوزه الفاضل إذا كانا متساويين من كل وجه.
فروع:
الأول: على الرواية لو تعدد العبيد ففي انسحاب الحكم احتمال، فإن قلنا به
وكانوا ثلاثة مثلا فأبق واحد فات ثلث المبيع فيرتجع ثلث الثمن، ويحتمل هنا
عدم فوات شئ لبقاء محل الاختيار، أما لو كانتا أمتين أو عبدا وأمة فإن الحكم
ثابت.
الثاني: لو فعل ذلك في غير العبد كالثوب وتلف أحد الثوبين أو الثياب
ففيه الوجهان، وقطع الشيخ بأنا لو جوزنا بيع عبد من عبدين لم يلحق به الثوب
لبطلان القياس.
الثالث: لو هلك أحد العبدين احتمل انسحاب الحكم، ويتخير التنصيف إذ
لا يرجى العود هنا.
درس [11]:
روى أبو خديجة عن الصادق عليه السلام في المملوكين المأذونين يبتاع
كل منهما الآخر: فالحكم للسابق، فإن اشتبه وكانا في القوة سواء حكم لأقرب
الطريقين، فإن تساويا بطل البيعان.
وروي القرعة مع التساوي، وهو مبني على الشراء لا نفسهما إذا ملكنا العبد،
أو الشراء بالإذن وقلنا: ينعزل المأذون - لخروجه عن الملك - إلا أنه يصير
381

فضوليا، ويلحق إمكان الإجازة، ولو كانا وكيلين وقلنا بعدم الانعزال صحا معا.
وفي النهاية: لو علم الاقتران أقرع، ورده ابن إدريس لأن القرعة لاستخراج
المبهم ومع الاقتران لا إبهام بل يبطلان، وأجاب المحقق رحمه الله بجواز ترجيح
أحدهما في نظر الشرع فيقرع، ويشكل بأن التكليف منوط بأسبابه الظاهرة وإلا
لزم التكليف بالمحال، وليس كالقرعة في العبيد، لأن الوصية بالعتق بل نفس
العتق قابل للإبهام بخلاف البيع وسائر المعاوضات.
وروى مسكين في من اشترى جارية سرقت من أرض الصلح: ردها على
البائع، فإن فقد استسعت، وعليها الشيخ وأتباعه، وقال الحليون: لا تستسعي
لأنها ملك الغير وتدفع إلى الحاكم ليوصلها إلى أربابها، والأقرب المروي تنزيلا
على أن البائع يكلف بردها إلى أهلها - إما لأنه السارق أو لأنه ترتبت يده عليه -
واستسعائها جمعا بين حق المشتري وحق صاحبها.
والأصل فيه أن مال الحربي فئ في الحقيقة وبالأصل صار محترما احتراما
عرضيا، فلا يعارض ذهاب مال محترم في الحقيقة.
وروى ابن أشيم في من دفع إلى مأذون ألفا ليعتق نسمة ويحج عنه بالباقي،
فأعتق أباه وأحجه بعد موت الدافع، فادعى وارثه ذلك وادعى مولى المأذون
ومولى الأب أنه اشتراه بماله: تمضي الحجة ويرد رقا لمولاه حتى يقيم الباقون بينة،
وعليها الشيخ، وقدم الحليون مولى المأذون لقوة اليد وضعف السند، وحملها
على إنكار مولى الأب البيع ينافي منطوقها.
وفي النافع: يحكم بإمضاء ما فعله المأذون، وهو قوي إذا أقر بذلك لأنه في
معنى الوكيل، إلا أن فيه طرحا للرواية المشهورة.
وقد يقال: أن المأذون بيده مال لمولى الأب وغيره، وبتصادم الدعاوي
المتكافئة يرجع إلى إصالة بقاء الملك على مالكه، ولا يعارضه فتواهم بتقديم
دعوى الصحة على الفساد لأن دعوى الصحة هنا مشتركة بين متقابلين متكافئين
فتساقطا، وهذا واضح لا غبار عليه.
382

وروى محمد بن قيس في وليدة باعها ابن سيدها فاستولدها المشتري:
ينزعها الأب وولدها، وللمشتري أخذ البائع ليجيز أبوه البيع، وهي قضية
علي
عليه السلام في واقعة، ولعل ذلك لاستصلاح منه عليه السلام، وفيها دلالة على
أن عقد الفضولي موقوف وعلى أن الإجازة كاشفة.
وفي تقريراته عليه السلام عدم رد الشاة التي تأكل الذبان، لما قال شريح:
لبن طيب بغير علف.
درس [12]:
في بيع الثمار:
لا يجوز بيع الثمار قبل ظهورها عاما واحدا إجماعا، والمشهور عدم جوازه
أزيد من عام، ولم يخالف فيه إلا الصدوق لصحيحة يعقوب بن شبيب، وحملت
على عدم بدو الصلاح.
ولو باعها قبل ظهورها منضمة احتمل ابن إدريس جوازه ولو عاما واحدا، ثم
أفتى بالمنع، وهو الأصح، والجواز رواية سماعة.
ولو ظهرت ولما يبدو صلاحها وباعها أزيد من عام أو مع الأصل أو بشرط
القطع أو مع الضميمة صح، وكذا لو بيعت على مالك الأصل في أحد قولي
الفاضل، ووجه الصحة أنه كالجمع بينهما في عقد، ويضعف بعدم العقد هنا على
الجميع، والمنع اختيار الخلاف.
وبدون واحد من هذه الشروط مكروه على الأقوى، جمعا بين الأخبار، وقال
سلار: إن سلمت الثمرة لزم البيع وإلا رجع المشتري بالثمن، والحاصل للبائع.
فرع:
على اشتراط بدو الصلاح لو أدرك بعض البستان جاز بيع الجميع، ولو
ضم إليه بستانا آخر منعه الشيخ لظاهر رواية عمار، والوجه الجواز لرواية
383

إسماعيل بن الفضيل واعتضادها بالأصل.
هذا، ويجوز اشتراط المتجدد من الثمرة في تلك السنة وفي غيرها مع حصر
السنين، سواء كان المشترط من جنس البارز أو غيره، ولو شرط ضم ما يتجدد من
بستان آخر عاما أو عامين احتمل الجواز.
ولا يحمل مطلق البيع قبل الصلاح على القطع، بل يصح على قول أو
يراعى، ويبطل على آخر.
وبدو الصلاح في الثمرة زهوه - أي تلونه - وفي العنب انعقاد حصرمه لا
ظهور عنقوده وإن ظهر نوره، وفي باقي الثمار انعقاد حبه بعد نثر ورده. وروى
أبو بصير اشتراط الأمن من الآفة.
ويجوز بيع الثمرة الظاهرة والخفية في قشر أو قشرين، وبيع الخضراوات
بعد انعقادها - وإن لم يتناه عظمها - لقطة ولقطات معلومة، وبيع ما يجز
كالرطبة والبقل جزة وجزات، وما يخترط كالحناء والتوت والآس خرطة
وخرطات.
والمرجع في اللقطة والجزة والخرطة إلى العرف، ولو باع الجزة الثانية أو
الخرطة الثانية أو الثالثة جاز عند ابن حمزة، ويشكل بالجهالة فيبطل إلا بالتبعية
كما قاله الفاضل.
ومنع الشيخ من بيع البطيخ والقثاء والخيار والباذنجان بعد ظهوره قبل
بدو الصلاح إلا بشرط القطع، والوجه الجواز ويحمل الإطلاق على بدو
الصلاح.
ويجوز بيع الزرع قائما وحصيدا بارزا كان أو لا، وبيع سنبله خاصة،
ومنع الصدوق بيع الزرع قبل السنبل إلا مع القصل، والوجه الجواز، والحصاد
على المشتري، وكذا لو باعه قصيلا، ولو أبي قصله البائع أو تركه بأجرة.
وكذا الثمرة بشرط الصرام، ولو باعها مطلقا وجب تبقيتها إلى أوان جزها
عرفا من بسر أو رطب أو تمر أو عنب أو زبيب أو طلاء، ولو اضطرب العرف
384

فالأغلب، ومع التساوي يحتمل وجوب التعيين، والحمل على أقل المراتب لأنه
المتيقن، وعلى أعلاها صيانة لمال المشتري، واستثناء البائع الثمرة كذلك.
والسقي لكل منهما جائز ما لم يتضررا، ولو تقابلا رجحت مصلحة
المشتري، ويحتمل ترجيح مالك الثمرة مشتريا كان أو بائعا، نعم يقتصر على
الضروري، فإن تنازعا حكم بالعرف، ولو منع أحدهما الآخر من السقي فهلك
ماله أو نقص ضمن.
ولو اشترى نخلا بشرط قطعه جذوعا وجب الفور، إلا أن يشترط التأخير إلى
أجل معين فيجب، ويسقي لو افتقر إليه، ولو أخره عن وقت الوجوب فأثمر فهو
للمشتري، وعليه أجرة الأرض وأجرة مالكها إن سقاه وراعاه، ولم يشترط المعظم
إذن المشتري واشترطه ابن إدريس، ورواية الغنوي مطلقة.
ولا تدخل الثمرة قبل التأبير في بيع الأصل في غير النخل، ولا في النخل
إلا أن ينتقل بالبيع.
وطرد الشيخ الحكم في المعاوضات، ووافق على عدم دخوله في غيرها
كالهبة ورجوع البائع في عين ماله عند التفليس.
وفي دخول الورد قبل انعقاد الثمرة في بيع الأصول خلاف، فأدخله الشيخ
في ظاهر كلامه ومنعه الفاضل، وأدخل الشيخ أيضا الجنبذ في بيع شجر الورد
وتبعه القاضي وابن حمزة، ومنع الحليون ذلك، وهو قوي.
درس [13]:
تفسد بيع المزابنة - وهي بيع الثمرة بالثمر وإن لم يكن منها - خلافا
للخلاف، والأقرب تعديته إلى سائر الثمار، وكذا المحاقلة - وهي بيع السنبل من
الحنطة والشعير بالحب من جنسه وإن لم يكن منه - خلافا للشيخ.
ويجوز بيع العرية - بأن تقدر عند بلوغها تمرا وتباع بقدره - وهي نخلة
واحدة في دار الغير في رواية السكوني، وقال اللغويون والجمهور: أو بستانه،
385

فيشتري ثمرتها مالكهما أو مستأجرهما أو مستعيرهما بتمر من غيرها مقدر
موصوف حال وإن لم يقبض في المجلس، خلافا للمبسوط، وطرد الحكم
بوجوب التقابض في المجلس في الربويات.
ولا تشترط المطابقة في الخرص الواقع بل يكفي الظن، ولا تجوز المفاضلة
حين العقد، ولا يمنع من صحة بيعها بلوع النصاب، ولا يجوز بتمر منها لئلا يتحد
الثمن والمثمن، وقيل: يجوز رخصة، ولا تكفي المشاهدة في التمر المجعول ثمنا،
ولو اعترى محتاجا نخلة - أي جعل له ثمرتها عاما - ثم اشترى المعري ثمرتها منه
بتمر جاز على الأقرب.
ولو فضل مع الفقير تمر فاشترى به تمر نخلة ليأكله رطبا فالأقرب جوازه،
ولو اشترى أزيد من نخلة فالأجود المنع، ويظهر من ابن إدريس.
ولا عرية في غير النخل، وجوز ابن الجنيد بيع ما المقصود منه مستور
كالجزر والثوم والبصل، ومنعه جماعة، والأقوى الأول تحكيما للعرف، وأولى
بالجواز الصلح.
ويجوز تقبيل الشريك بحصة صاحبه من الثمرة بخرص معلوم وإن كان
منها، وهو نوع من الصلح لا بيع، وقراره مشروط بالسلامة.
وللبائع استثناء حصة مشاعة من الثمرة، وأرطال معلومة، فيحمل على
الإشاعة حتى لو تلف شئ سقط من الثنيا مقابلها إذا كان بغير تفريط في
الموضعين، أما لو استثنى ثمر شجرات بعينها فلا.
وقد يفهم من هذا التوزيع تنزيل شراء صاع من الصبرة على الإشاعة، فلو
باعه صبرة من الثمرة بأخرى من جنسها أو غيره من غير اعتبار بطل وإن تطابقا
عنده أو لم يتمانعا، وجعله الشيخ مراعى بالتطابق مع تساوي الجنس وعدم
الممانعة مع اختلافه، وهو من باب الاكتفاء بالمشاهدة.
وهلاك الثمرة بعد القبض - وهو التخلية - من مال المشتري إن لم يكن
الخيار مختصا به، وقبله من البائع إلا أن يكون بسبب المشتري، ولو أتلفها البائع
386

فللمشتري تغريم المثل وفسخ البيع، ولو أتلفها أجنبي قبل القبض فله الفسخ
أيضا وإلزام الأجنبي، فإن فسخ طالب البائع الأجنبي.
ولو تجددت ثمرة أو لقطة للبائع قبل القبض ولا تمييز فللمشتري الفسخ
وإن بذل له البائع الجميع أو ما شاء على الأقوى، ولو كان بعد القبض اصطلحا.
وما يتجدد من القصيل بعد قطعه للبائع إلا أن يقع الشراء على الأصول،
وما يثبت من الحب المشتري سنبله للمشتري لا لرب الأرض.
ولو اشترى ثمرة بشرط القطع فتركه حتى بيع فله وعليه الأجرة ولا شركة
عندنا، وقال الشيخ وابن إدريس: وإن كانت الأرض خراجية فعلى المشتري
الخراج دون الأجرة، وإن كانت عشرية فعليه الأجرة والزكاة، والمروي في
القصيل يتركه مشتريه حتى يسنبل: أن عليه طسق الأرض.
ولا يجوز بيع البذر الكامن، ولو صولح عليه جاز، ويجوز لمشتري الثمرة
بيعها قبل قبضها، بجنس الثمن وغيره، زاد أو نقص، ولو اشترى ورق التوت أو
ثمرته لم يستتبع أحدهما الآخر، ولو اشترى الأصل لم تتبع الثمرة، وفي تبعية
الورق نظر، وكذا ورق الحناء والآس، وكذا قضيب ما اعتيد قضيبه كالخلاف.
وحيث قلنا بالتبعية يتربص به إلى أوان أخذه عرفا، ولو باع الأصل وقلنا
بدخول الورق واستثناه البائع فهو كاستثناء البائع الطلع قبل التأبير، فمقتضاه
تبقيته إلى أوان بلوغه، ولا يعتبر هنا اشتراط القطع ولو اعتبرناه في شراء الطلع،
لأن ذلك ليس بملك متجدد بخلاف الشراء.
قيل: بيع الأصل سبب في زوال الملك، واستثناؤه سبب في التدارك، فهو
كالحادث.
قلنا: السبب في الزوال هو البيع المطلق لا مطلق البيع، وليس المشرف
على الزوال ولما يزل كالزائل العائد، لأنه تدير لما لا وجود له بمنزلة الموجود.
وروى يعقوب بن شعيب: إذا اشترى ثمرة وفي نيتهما فسخ المشتري إن لم
يرتضها بعد صرامها لا يصلح، فظاهره الكراهة.
387

وفي حسنة الحلبي جواز بيع الثمرة بتمر من نفس الثمرة والعنب بزبيب
كذلك، وهو نادر.
وروى أبو بصير اشتراط الأمن من الآفة في بيع الثمرة، وهو على الندب،
وروى سماعة جواز بيع الثمرة قبل خروج طلعها مع الضميمة، وهو متروك.
ويجوز بيع الكلأ المملوك، وليس لمشتريه بيعه بما اشتراه بشرط الرعي
مع المشتري، ويجوز بأكثر، ولو كان قد عمل فيه جاز، والظاهر أنه على
الكراهية، مع أن الراوي سماعة، نعم يشترط تقدير ما يرعاه بما يرفع الجهالة.
ولو أعطى الزارع نصف بزره ونصف نفقته على الشركة جاز، ويكون بيعا
إن كان قد ظهر وإلا صلحا.
درس [14]:
في النزاع والإقالة:
إطلاق الكيل والوزن يحمل على المتعارف في بلد العقد، فإن تعدد
فالأغلب، فإن تساويا وجب التعيين فيبطل بدونه، ولو عينا غير المتعارف لزم،
والبحث في النقد كذلك.
ولو تنازعا في النقد المعين تحالفا، ولو ادعى أحدهما النقد الغالب، قيل:
يرجح، ولو تنازعا في قدر الثمن حلف البائع مع بقاء المبيع والمشتري مع تلفه
على الأشهر، ونقل الإجماع عليه في الخلاف، والرواية مرسلة.
وقال ابن الجنيد: يحلف المشتري إن كانت في يده أو أحدث فيه حدثا،
ويحلف البائع إن كان في يده، ويتخير المشتري بين الأخذ به أو الترك.
وقال الحلبي: يتحالفان إن تنازعا في البيع أو الثمن قبل التقابض ويفسد
البيع، ولم يتعرض لما بعد القبض.
وقال ابن إدريس: يحلف صاحب اليد، واحتمل الفاضل التحالف قطعا و
وحلف المشتري مطلقا، وهما نادران.
388

ولو تنازعا في قدر المبيع حلف البائع، وفي تعيينه يتحالفان، وكذا في
تعيين الثمن المعين أو في جنسه أو في تعيين العوضين، كقوله: بعتك العبد
بالدار، فيقول: بعتني الجارية بالبستان، وعليها يحمل قول النبي صلى الله عليه
وآله: إذا اختلف المتبايعان تحالفا وترادا.
واختلاف الورثة كالمتبايعين، وربما قيل: يحلف ورثة البائع في المبيع
وورثة المشتري في الثمن، جريا على قاعدة تقديم المنكر، وقصرا للرواية على
موردها.
فروع:
الأول: لو تخالفا في زمن الخيار المشترك تحالفا، ويحتمل العدم لأنهما
يملكان الفسخ، والوجه الأول ما لم يفسخ أحدهما، والغرض من اليمين نكول
الكاذب ودوام العقد بإحلاف الصادق، فإن حلفا فالفسخ أمر ضروري شرع
لتعذر إمضاء العقد، وعليه يتفرع التحالف في عقد المضاربة، ويجري التحالف
في سائر العقود الجارية على هذا النمط.
الثاني: البادئ باليمين من يتفقان عليه، فإن اختلفا عين الحاكم، ثم يحلف
على النفي خاصة، فإن نكل أحدهما حلف الآخر على الإثبات، ولو جمع بين
النفي والإثبات في اليمين فالأقرب منعه، لأن موضع الإثبات بعد النكول، ولو
نكلا عن اليمين فكحلفهما.
الثالث: إذا حلفا أو نكلا احتمل أن ينفسخ العقد، إذ إمضاؤه على وفق
اليمينين متعذر وعلى وفق أحدهما تحكم، ويحتمل أن يتزلزل فيفسخه المتعاقدان
أو أحدهما، أو يرضى أحدهما بدعوى الآخر، أو يفسخه الحاكم إذا يئس من
توافقهما أو امتنعا من فسخه لئلا يطول النزاع.
وعلى الانفساخ ينفسخ من حينه لا من أصله، فالنماء لمن كان مالكا، وعلى
الفسخ من حين إنشائه، ثم إن تقاربا على الفسخ أو فسخه الحاكم انفسخ ظاهرا
389

وباطنا، ولو بدر أحدهما، فإن كان المحق فكذلك، وإلا انفسخ ظاهرا.
الرابع: في منع كل منهما من التصرف فيما وصل إليه بعد التنازع تردد،
من قيام الملك، وتوقع زواله فهو كالزائل، وأولى بعدم الجواز بعد التحالف
ليتأكد سبب الزوال، ولو قلنا بالانفساخ منع قطعا.
الخامس: لو تحالفا بعد هلاك العين ضمن مثلها أو قيمتها يوم الهلاك على
الأقرب، ولو عابت فأرشها، ولو أبق فالقيمة للحيلولة، ثم يترادان إذا عاد، وإن
رهن أو آجر أو كوتب فالعقود باقية، وينتقل إلى القيمة في المكاتبة، وفي الرهن
والإجارة وجهان مبنيان على الحمل على الكتابة أو الإباق، ولو رضي صاحب
العين بتأخير الأخذ إلى فك الرهن أو فراع الإجارة، احتمل إجابته إن تسلم العين
أو أسقط الضمان وجوزناه، وإلا لم يجب.
السادس: لو تنازعا في قدر الثمن بعد الإقالة أو الفسخ بخيار حلف البائع.
السابع: لو تنازعا في النقد والنسيئة أو قدر الأجل أو اشتراط رهن أو ضمين
على المبيع أو الثمن حلف المنكر.
الثامن: لو تنازعا في الصحة والفساد، حلف مدعي الصحة، ولو ادعى الصغر
أو السفه أو الجنون وقد كان موصوفا بها، احتمل إحلافه لأنه أعرف، وإحلاف
الآخر ترجيحا للصحة، ولو كان مدعي النقص الآخر فإحلاف مدعي الصحة هنا
أوجه، كما لو قال المشتري للبائع: بعتني في صغرك، وادعى البائع البلوغ.
وأما الإقالة فهي فسخ وليست بيعا في حق المتبايعين ولا غيرهما، سواء
كانت قبل القبض أم لا، وسواء كان المبيع عقارا أم غيره، فلا يثبت بها شفعة ولا
خيار المجلس، وتصح في الجميع والبعض وإن كان سلما، ومع قيام السلعة
وتلفها ويغرم المثل أو القيمة.
ولا تصح الإقالة بزيادة في الثمن أو نقص، ولا تسقط بها أجرة الدلال
والكيال والوزان والناقد.
وصورتها أن يقولا: تقايلنا أو تفاسخنا أو أقلتك، فيقبل الآخر، ولو التمس
390

الإقالة منه فقال: أقلتك، ففي اعتبار قبول الملتمس هنا نظر، من قيام الالتماس
مقامه، ومن عدم علمه بإجابته، نعم لو بدأه فقال: أقلتك، اعتبر قبول الآخر قطعا،
وفي الاكتفاء بالقبول الفعلي هنا احتمال.
391

كتاب المكاسب
بسم الله الرحمن الرحيم، رب زدني علما وفهما إنك على كل شئ قدير،
قال الله تعالى: " ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم " نزلت في تجارة
الحج، وقال: " وابتغوا من فضل الله "، وعن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال
لقوم لما سمعوا قول الله تعالى: " ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث
لا يحتسب " فكفوا عن الطلب وأقبلوا على العبادة: من فعل ذلك لم يستجب له،
عليكم بالطلب.
وقال النبي صلى الله عليه وآله: ألا وإن الروح الأمين نفث في روعي أنه لا
تموت نفس حتى تستكمل رزقها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ويراد به عدم
المبالغة في الطلب أو الطلب من وجه جميل.
كما روي عن الصادق عليه السلام: ليكن طلبك للمعيشة فوق كسب
المضيع ودون طلب الحريص الراضي بدنياه المطمئن إليها، وقال عليه السلام:
إن في حكمة آل داود ينبغي للمسلم العاقل أن لا يرى ظاعنا إلا في مرمة لمعاش
أو تزود لمعاد أو لذة في غير ذات محرم، وقال عليه السلام: الكاد على عياله
كالمجاهد في سبيل الله.
وقال الكاظم عليه السلام: إياك والكسل والضجر فإنهما يمنعانك حظك
من الدنيا والآخرة.
393

وقال الباقر عليه السلام: من تناول شيئا من الحرام قاصه الله به من الحلال.
وقال النبي صلى الله عليه وآله: نعم العون على تقوى الله الغنى، وقال صلى
الله عليه وآله: من المروءة إصلاح المال، وقال صلى الله عليه وآله: إن النفس إذا
أحرزت قوتها استقرت، وقال صلى الله عليه وآله: اللهم بارك لأمتي في بكورها،
وإذا أراد أحدكم الحاجة فليبكر إليها وليسرع المشي إليها.
وقال أمير المؤمنين عليه السلام: إن الله يحب المحترف الأمين.
وعن الكاظم عليه السلام وقد عمل بيده في أرض له أن رسول الله
صلى الله عليه وآله عمل بيده وأمير المؤمنين عليه السلام، وهو من عمل النبيين والمرسلين
والصالحين.
وقال الصادق عليه السلام: إني أشتهي أن يراني الله عز وجل أعمل بيدي
وأطلب الحلال.
وقال أمير المؤمنين عليه السلام: من أتاه الله برزق ولم يخط إليه برجله ولم
يمد إليه يده ولم يتكلم فيه بلسانه ولم يتعرض له كان ممن ذكره الله عز وجل:
" ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ".
وعن النبي صلى الله عليه وآله أنه من طلب العلم تكفل الله برزقه، وفسر بأن
يعطف عليه قلوب أهل الصلاح.
وقال الصادق عليه السلام: إن الله تبارك وتعالى جعل أرزاق المؤمنين من
حيث لا يحتسبون وذلك أن العبد إذا لم يعرف وجه رزقه كثر دعاؤه، وقال عليه
السلام: أبي الله عز وجل أن لا يجعل رزق العبد المؤمن من حيث لا يحتسب.
وكان أمير المؤمنين عليه السلام كثيرا ما يقول: اعلموا علما يقينا أن الله
عز وجل لم يجعل للعبد وإن اشتد جهده وعظمت حيلته وكثرت مكابدته أن
يسبق ما سمي له في الذكر الحكيم، ولم يجعل تمني العبد في ضعفه وقلة حيلته
أن يبلغ ما سمي له في الذكر الحكيم، فالعالم بهذا العامل به أعظم الناس راحة
في منفعة، والعالم بهذا التارك له أعظم الناس شغلا في مضرة.
394

وقال عليه السلام: كن لما ترجو أرجى منك لما ترجو، فإن موسى بن
عمران عليه السلام خرج ليقتبس نارا لأهله فكلمه الله عز وجل ورجع نبيا،
وخرجت ملكة سبأ فأسلمت مع سليمان عليه السلام، وخرج سحرة فرعون
يطلبون العز لفرعون فرجعوا مؤمنين.
وقال الصادق عليه السلام: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما من نفقة
أحب إلى الله عز وجل من نفقة قصد ويبغض الإسراف إلا في الحج والعمرة،
فرحم الله مؤمنا اكتسب طيبا وأنفق قصدا وقدم فضلا.
درس [1]:
قد يجب التكسب إذا توقف تحصيل قوته وقوت عياله الواجبي النفقة عليه،
وقد يستحب إذا قصد به المستحب.
وقد يحرم إذا اشتمل على وجه قبيح وهو أقسام:
أحدها: ما حرم لعينه، كالغناء - فيحرم فعله وتعلمه وتعليمه واستماعه
والتكسب به إلا غناء العرس إذا لم يدخل الرجال على المرأة ولم يتكلم بالباطل
ولم تلعب بالملاهي، وكرهه القاضي وحرمه ابن إدريس والفاضل في التذكرة،
والإباحة أصح طريقا وأخص دلالة - والنياحة بالباطل.
وعمل الصور المجسمة، قاله الشيخان، وطرد القاضي التحريم في غير
المجسمة، والحلبي حرم التماثيل وأطلق، وروى أبو بصير عن الصادق عليه
السلام: لا بأس بما يبسط منها ويفترش ويوطأ، إنما يكره منها ما نصب على
الحائط وعلى السرير، وسأله عن الوسائد فيها التماثيل.
والقمار وما يؤخذ به حرام حتى القمار بالجوز والبيض والخاتم والأربعة
عشر والنرد والطير.
وأحاديث القصص والسمار المشتملة على الكذب، والحضور في مجالس
المنكر لغير الإنكار أو الضرورة.
395

وتزيين كل من الرجل والمرأة بزينة الآخر، والغش الخفي، كشوب اللبن
بالماء وتدليس الماشطة لتزين الخد وتحميره، والنقش في اليد والرجل، قاله ابن
إدريس، ووصل شعرها بشعر غيرها.
وإعانة الظالم في الظلم لا في غيره من مهامه كالبناء والغرس والغسل
والطبخ.
والغيبة والكذب والسب لغير مستحقه، والتهمة وهجاء المؤمنين، والذم لغير
أهله والمدح في غير موضعه، والغزل مع الأجنبية - أي محادثتها ومراودتها
والتشبيب بها - معينة، وبالغلمان مطلقا، ويجوز التشبيب بنساء أهل الحرب.
ويحرم نسخ الكتب المنسوخة وتعلمها وتعليمها، وكتب أهل الضلال
والبدع إلا لحاجة من نقض أو حجة أو تقية.
وتحرم الكهانة والسحر بالكلام والكتابة، والرقية والدخنة بعقاقير الكواكب
وتصفية النفس، والتصوير، والعقد والنفث، والأقسام والعزائم بما لا يفهم معناه
ويضر بالغير فعله.
ومن السحر الاستخدام للملائكة والجن والاستنزال للشياطين في كشف
الغائب وعلاج المضار، ومنه الاستحضار بتلبس الروح ببدن منفعل - كالصبي
والمرأة - وكشف الغائب عن لسانه، ومنه النيرنجيات - وهي إظهار غرائب
خواص الامتزاجات وأسرار النيرين - ويلحق بذلك الطلسمات، وهي تمزيج
القوي العالية الفاعلة بالقوي السافلة المنفعلة ليحدث عنها فعل غريب.
فعمل هذا كله والتكسب به حرام، أما علمه ليتوقى أو لئلا يعتريه فلا، وربما
وجب على الكفاية ليدفع المتنبئ بالسحر، ويقتل مستحله، ويجوز حله بالقرآن
والذكر والأقسام لا به، وعليه تحمل رواية العلاء بحله.
والأكثر على أنه لا حقيقة له بل هو تخيل، وقيل: أكثره تخاييل وبعضه
حقيقي، لأنه تعالى وصفه بالعظمة في سحرة فرعون.
ومن التخيل السيمياء - وهي إحداث خيالات لا وجود لها في الحس للتأثير
396

في شئ آخر، وربما ظهر إلى الحس - ويلحق به الشعبذة، وهي الأفعال العجيبة
المترتبة على سرعة اليد بالحركة فيلتبس على الحس.
وقيل: الطلسمات كانت معجزات لبعض الأنبياء.
أما الكيمياء، فيحرم المسمى بالتكليس بالزئبق والكبريت والزاج والتصدية
والشعر والبيض والمرار والأدهان، كما يفعله متحشفوا الجهال.
أما سلب الجواهر خواصها وإفادتها خواص أخرى - بالدواء المسمى
بالإكسير، أو بالنار الملينة الموقدة على أصل الفلزات، أو لمراعاة نسبتها في
الحجم والوزن - فهذا مما لا يعلم صحته، وتجنب ذلك كله أولى وأحرى.
وتحرم القيافة والتكسب بها - سواء استعمل في إلحاق الأنساب، أو في قفو
الآثار - إذا ترتب عليها حرام.
ويحرم بيع خط المصحف دون الآلة، ولا يحرم بيع كتب الحديث والعلم
المباح.
ويحرم اعتقاد تأثير النجوم مستقلة أو بالشركة والإخبار عن الكائنات
بسببها، أما لو أخبر بجريان العادة أن الله تعالى يفعل كذا عند كذا لم يحرم وإن
كره، على أن العادة فيها لا تطرد إلا فيما قل.
أما علم النجوم فقد حرمه بعض الأصحاب، ولعله لما فيه من التعرض
للمحظور واعتقاد التأثير، أو لأن أحكامه تخمينية، وأما علم هيئة الأفلاك فليس
حراما، بل ربما كان مستحبا، لما فيه من الاطلاع على حكم الله تعالى وعظم
قدرته.
وأما الرمل والفأل ونحوهما فيحرم مع اعتقاد المطابقة لما دل عليه، لاستئثار
الله تعالى بعلم الغيب، ولا يحرم إذا جعل فالا، لما روي أن النبي
صلى الله عليه وآله كان يحب الفال ويكره الطيرة - بفتح الياء - وهو التشاؤم بالشئ.
397

درس [2]:
وثانيها:
ما حرم لغايته، كالعود والصليب والملاهي من الدف والمزمار والقصب
والرقص والتصفيق، وآلات القمار، وهياكل العبادة المبتدعة كالصليب والصنم.
وعمل السلاح وبيعه مساعدة لأعداء الدين سواء كانوا كفارا أو بغاة، وقيد
ابن إدريس بحال الحرب، وهو ظاهر الأخبار، ويكره لا معها.
وكذا يكره بيع ما يكن كالدرع والبيضة والخف والتجفاف - بكسر
التاء - وهو الذي يلبس الخيل.
ولو علم أن المخالف يستعين بالسلاح على قتال أهل الحرب لم يكره،
وهو مروي عن أبي جعفر عليه السلام في بيع السلاح على أهل الشام، لأن الله
يدفع بهم الروم.
والأقرب تحريم بيعه على قطاع الطريق وشبههم، وحيث حرمنا بيعه فهو
باطل.
وبيع العنب وما يتخذ منه المسكر ليعمل المسكر، أو الحجر أو الخشب
ليعمل صنما أو وثنا أو صليبا أو آلة لهو، وفي رواية ابن حريث المنع ممن يعمله
وليس فيها ذكر الغاية، واختاره ابن إدريس والفاضل، لأن النبي
صلى الله عليه وآله لعن عاصر الخمر.
وكذا يحرم بيع الثوب ليغطي به الصنم والصليب، وإجارة المساكن
والحمولات للمحرمات إلا أن يقصد إراقة الخمر وإتلاف الخنزير.
وثالثها: ما لا نفع مقصودا منه للعقلاء، كالحشار وفضلات الإنسان، ويجوز
بيع دود القز وبزره والنحل مع انحصارها ومشاهدة ما يرفع الجهالة منها.
ولا يجوز بيع المسوخ إن قلنا بعدم وقوع الذكاة عليها إلا الفيل لعظم
الانتفاع بعظمه.
398

أما السباع، فما يصلح للصيد يجوز بيعه كالفهد والهر والبازي، وقول
القاضي بالصدقة بثمن الهرة ولا يتصرف فيه بغير الصدقة متروك، والرواية
مصرحة بإباحته، وأما غيره كالأسد والنمر والنسر فالشيخان على تحريم البيع
والتكسب بها، ونقل في المبسوط الإجماع على ذلك في مثل الأسد والذئب.
وقال ابن الجنيد: لا يصرف ثمن ما لا يؤكل لحمه من السباع والمسوخ في
مطعم أو مشرب، وابن إدريس جوز ذلك تبعا للانتفاع بجلدها، بناء على وقوع
الذكاة عليها.
وأما الكلاب، فاتفقوا على جواز بيع الصائد - وقيده الشيخ بالسلوقي، بفتح
السين وضم اللام، منسوب إلى قرية باليمن - وعلى منع بيع كلب الهراش،
واختلفوا في كلب الحائط والزرع والماشية، فمنع من بيعه في الخلاف وتبعه
القاضي، والوجه الجواز، وفاقا لابن إدريس وابن حمزة، ولو قلنا بالمنع من بيعها
ففيها ديات على القاتل ستأتي إن شاء الله تعالى.
ويجوز اقتناء الجرو للتعليم، ولو قبل الهراش التعليم جاز، ولا يلحق كلب
الماء بالبري خلافا لابن إدريس.
ولا يجوز اقتناء الحيات والعقارب والسباع الضارية، والترياق المشتمل
على محرم، والسموم الخالية عن المنفعة.
ويجوز بيع لبن الأتن والمرأة لا الرجل والخنثى.
وليس الملك فاقد الطريق من قبيل ما لا ينتفع به، فيجوز بيعه، ويكون
حكمه حكم المعيب، ولا القرد الحافظ من قبيل المنتفع به لندوره وعدم الوثوق.
ورابعها: الأعيان النجسة والمتنجسة غير القابلة للطهارة، وفي الفضلات
الطاهرة خلاف، فحرم المفيد بيعها إلا بول الإبل، وجوزه الشيخ في الخلاف
والمبسوط، وهو الأقرب، لطهارتها ونفعها.
399

درس [3]:
وخامسها: ما تعلق حق غير البائع به، كمال الغير، وما يختص به من الأشياء
وإن لم يملك، والوقوفات المطلقة.
ومن وجدت عنده سرقة أو غصب فأقام بينة بالشراء اندفع عنه قرار
الضمان إن كان جاهلا، وتخير المالك في الرجوع على من شاء مع تلفها.
ويجوز للولي تقويم أمة المولى عليه وشراؤها، ولا يجوز مباشرتها قبل ذلك،
وقال الصدوق: يجوز للأب مباشرة جارية الابن ما لم يكن مسها، لخبر إسحاق
بن عمار، ويحمل على من فعل ذلك بطريقه الشرعي.
ويجوز التناول من مال الولد الصغير حيث تجب نفقة الأب، ومن مال
الكبير حيث يمتنع من الإنفاق الواجب، ولا يجوز تناول الأم من مال الولد شيئا
إلا بإذن الولي أو مقاصته، وليس لها الاقتراض من مال الصغير، وجوزه علي بن
بابويه والشيخ والقاضي، وربما حمل على الوصية، ولو صالح الولي غريم اليتيم
بدون حقه روعي الصلاح، ويبرأ المدعى عليه إذا كان مقرا معسرا، ولو كان
منكرا أو موسرا لم يبرأ.
ويجوز شراء ما يأخذه الجائر باسم الخراج والزكاة والمقاسمة وإن لم يكن
مستحقا له، وتناول الجائزة منه إذا لم يعلم غصبها، وإن علم ردت على المالك،
فإن جهله تصدق بها عنه، واحتاط ابن إدريس بحفظها والوصية بها، وروي أنها
كاللقطة وقال: ينبغي إخراج خمسها والصدقة على إخوانه منها، والظاهر أنه أراد
الاستحباب في الصدقة، وترك أخذ ذلك من الظالم مع الاختيار أفضل، ولا
يعارضه أخذ الحسنين عليهما السلام جوائز معاوية، لأن ذلك من حقوقهم
بالأصالة.
ولا يجب رد المقاسمة وشبهها على المالك ولا يعتبر رضاه ولا يمنع تظلمه
من الشراء، وكذا لو علم أن العامل يظلم إلا أن يعلم الظلم بعينه، نعم تكره معاملة
الظلمة ولا تحرم، لقول الصادق عليه السلام: كل شئ فيه حرام وحلال فهو
400

حلال حتى يعرف الحرام بعينه.
ولا فرق بين قبض الجائر إياها أو وكيله وبين عدم القبض، فلو أحاله بها
- وقبل الثلاثة - أو وكله في قبضها أو باعها وهي في يد المالك أو في ذمته جاز
التناول، ويحرم على المالك المنع.
وكما يجوز الشراء تجوز سائر المعاوضات والهبة والصدقة والوقف، ولا
يحل تناولها بغير ذلك.
والأجير الخاص ليس له العمل لغير المستأجر في زمان الإجارة، بخلاف
المطلق.
وللزوجة التصدق بالمأدوم من مال الزوج إلا مع نهيه أو إضراره، وليس
لغيرها ذلك، ولا لها تناول غير ذلك - والمأدوم ما يؤتدم به كالملح واللحم،
وفي تعديته إلى الخبز والفاكهة نظر -، والزوج يحرم عليه تناول شئ من مالها
إلا برضاها، ولو ملكته مالا كره له التسري به، ويحتمل كراهة جعله صداقا لضرة
إلا بإذنها.
ويجوز للوكيل أو الوصي في الدفع إلى قبيل إعطاء عياله إذا كانوا منهم،
والتفصيل إذا كانوا غير محصورين، وفي جواز أخذه لنفسه رواية صحيحة وعليها
الأكثر، وربما جعله الشيخ مكروها، لرواية أخرى صحيحة بالمنع.
والفضلات عند الصائغ - كتراب الصياغة - يجب دفعها إلى مالكها، فإن
جهل تصدق بها عينا أو قيمة، ولا يجوز تملكها ولو كان الصائغ مستحقا
للصدقة، وفي رواية علي الصائغ: تصدق بالتراب إما لك أو لأهلك أو قريبك،
وأنه لو خاف من استحلال صاحبه التهمة جازت الصدقة.
ولا يجوز بيع الوقف سواء كان على جهة عامة أو خاصة، وفي الحبس
والسكنى نظر إذا لم يقرن بمدة، ومع اقترانها بالمدة المعلومة يجوز البيع، وكذا
لا تباع أم الولد إلا فيما سلف.
ولا يجوز شراء المشتبه إذا كان أصله التحريم، كالذبيحة المطروحة أو التي
401

في يد الكافر، وكذا الجلد، ويجوز شراؤهما من المسلم ومن المجهول حاله إذا
كان في بلد الإسلام، وأما المشتبه الذي أصله الإباحة فيجوز شراؤه، كالماء
المتغير المشتبه استناد تغيره إلى النجاسة، والمشتبه الذي لا يعرف له أصل، كما
في يد الظالم والمعروف بالخيانة والسرقة، فيجوز شراؤه وتركه أولى.
درس [4]:
وسادسها: ما يجب على المكلف فعله، إما عينا كالصلاة اليومية، أو كفاية
كتغسيل الميت وتكفينه والصلاة عليه ودفنه، وفي فتاوى المرتضى: هذا واجب
على الولي، فإذا استأجر عليه جاز، والوجه التحريم، أما ثمن الكفن والماء والكافور
فليس بحرام، ولو استؤجر على ما زاد على الواجب من هذه جاز، كالغسلات
المندوبة والزيادة في الكفن وتعميق القبر والحمل إلى المشاهد الشريفة، فلو بذل
أجرة تزيد عليه لم تحرم إذا كان هو المقصود.
ومن الواجب الذي يحرم أخذ الأجرة عليه تعليم الواجب عينا أو كفاية من
القرآن العزيز والفقه والإرشاد إلى المعارف الإلهية بطريق التنبيه، ولا تحرم
الأجرة على العلوم الأدبية والطب والحكمة.
وأما القضاء وتوابعه فمن الارتزاق من بيت المال، ويحرم عليه الأجرة
والجعالة من المتحاكمين وغيرهما، وقال الباقر عليه السلام: الرشى في الحكم كفر
بالله وبرسوله، وكذا تحرم الأجرة على وظيفة الإمامة وإقامة الشهادة وتحملها وإن
قام غيره مقامه.
ولو أخذ الأجرة على ما زاد على الواجب من الفقه والقرآن جاز على كراهية،
ويتأكد مع الشرط ولا يحرم، لقول الصادق عليه السلام: لو أن المعلم أعطاه
رجل دية ولده كان مباحا، فلو استأجره لقراءة ما يهدي إلى ميت أو حي لم يحرم
وإن كان تركه أولى، ولو دفعه إليه بغير شرط فلا كراهة، والرواية عن النبي صلى
الله عليه وآله وعن علي عليه السلام بمنع الأجرة على تعليم القرآن تحمل على
402

الواجب أو على الكراهة، وكذا الرواية عن الباقر عليه السلام: أن رسول الله
صلى الله عليه وآله لعن من احتاج الناس إليه لتفقههم فسألهم الرشوة.
ويجوز الاستئجار على عقد النكاح وغيره من العقود، وأما على تعليم
الصيغة وإلقائها على المتعاقدين فلا، وكذا تجوز الأجرة على الخطبة والخطبة في
الأملاك.
ويجوز الاستئجار على نسخ القرآن والفقه وإن تعين تعليمه، ونقل ابن
إدريس إجماعنا على جواز أخذ الأجرة على نسخ القرآن وتعليمه، وحرمها في الاستبصار مع الشرط، والرواية ضعيفة السند، والإجماع على جعله مهرا يلزم منه
حل الأجرة، ولو سلمت الرواية حملت على الكراهة.
والولاية عن العادل جائزة بل مستحبة، وتجب مع الإلزام وعدم وجود
غيره، وتحرم عن الجائر إلا مع الإكراه فينفذ ما أكره عليه إلا الدماء المحرمة، قال
الصادق عليه السلام: من سود اسمه في ديوان ظالم حشره الله يوم القيامة خنزيرا،
ولو ظن القيام بالحق والاحتساب المشروع لم يحرم.
ويجوز له إذا كان مجتهدا إقامة الحدود معتقدا أنه عن العادل، ويستحب له
تحمل الضرر اليسير في ترك الولاية، ولا يجوز تحمل الضرر الكثير في نفس؟ ه أو
بدنه أو في من يجري مجراه من قريب ومؤمن، ويجوز تحمله في المال ولا يجب.
وهنا مسائل:
الأولى: تجوز المقاصة المشروعة من الوديعة على كراهة، وينبغي له أن يقول:
اللهم لم آخذه ظلما ولا خيانة وإنما أخذته مكان الذي أخذ مني لم أزد عليه شيئا،
لرواية أبي بكر الحضرمي، وكذا يكره لأحد الشريكين إذا خانه الشريك مقابلته
بفعله إلا باذنه، للرواية.
الثانية: لا يجوز بيع المشتركات قبل الحيازة، كالكلأ والماء والنار
والحجارة والتراب، ويجوز بعده وإن كثر وجودها، ولا يجوز بيع الأرض
403

المفتوحة عنوة ولا بيع مائها من بناء وشجر وقت الفتح، نعم لو جدد فيها شيئا
من ذلك جاز بيعه، وربما قيل: يبيعها تبعا لآثاره، وروى أبو بردة جواز بيع
أرض الخراج من صاحب اليد، والخراج على المشتري، وفي رواية إسماعيل بن
الفضل إيماء إليه.
الثالثة: يجوز أخذ الأجرة على كتابة العلوم المباحة، ويكره على كتابة القرآن
مع الشرط، لفحوى الرواية، ويكره كتابته بالذهب وتعشيره، لرواية محمد
الوراق، وقال الصادق عليه السلام: لا يعجبني أن يكتب إلا بالسواد، ويحرم
ذلك على الأقوى.
الرابعة: يحرم بيع الحر وشراؤه، ولا عبرة باذنه ولو كان حربيا، نعم لو أثبت
يده عليه وباعه جاز لحصول الرق حينئذ، ويجوز إجارته وإجارة الحر نفسه
للعمل المباح.
الخامسة: لو باع المصحف على كافر بطل على الأصح، وقيل: يصح
وتزال يده قهرا ببيعه على مسلم، ويجوز بيع كتب السنن على الأقوى.
السادسة: يحرم التطفيف في الكيل والوزن قل أم كثر، والأقرب أنه من
الكبائر لتوعد الله عليه.
السابعة: يحرم بيع بيض ما لا يحل أكله ولا ينتفع به كبيض الرخم
والحدأ، ويجوز بيع ما يؤكل أو ينتفع بفرخه كبيض جوارح الطير على القول
بجواز بيعها.
الثامنة: تحرم الأجرة على الأذان والإقامة، ولا يحرم فعلهما لو أخذ الأجرة،
خلافا للقاضي، ويجوز الارتزاق من بيت المال.
التاسعة: الأقرب أنه لا يحرم خصي الحيوان غير الآدمي إذا كان فيه نفع،
وفاقا لابن الجنيد وابن إدريس، وخلافا للشاميين.
العاشرة: حرم الحلبي الرمي عن قوس الجلاهق، ولا نعلم دليله إلا ما روى
العامة، وقيده الفاضل بطلب اللهو والبطر.
404

الحادية عشرة: لا يجوز سلوك طريق يغلب فيها تلف النفس مطلقا أو المال
المضر به، ولا أخذ الأجرة على تزويق المساجد وزخرفتها، ويجوز بيع جلد غير
المأكول إذا ذكي وكان مما يقع عليه الذكاة قبل دبغه إجماعا وإن حرمنا
استعماله قبل دبغه.
الثانية عشرة: لا يجوز للأجير على عمل التقصير عما استؤجر له، ولو زاد عن
ذلك في الجودة كان أفضل، ولو خص بالزيادة بعض المستأجرين كره، ومن
ثم ينبغي للمعلم التسوية بين الصبيان ويكره تفضيل بعضهم على بعض في التعليم
والأجرة إلا مع الشرط، وقال ابن إدريس: إذا آجر نفسه لتعليم مخصوص جاز
التفضيل بحسبه وإن استؤجر لتعليمهم مطلقا حرم التفضيل وإن كانت أجرة
بعضهم أكثر من بعض، ورواية حسان المعلم عن الصادق عليه السلام تشعر
بالكراهية.
الثالثة عشرة: يجوز بيع عظام الفيل واتخاذ الأمشاط منها، وقد كان للصادق
عليه السلام منه مشط، ولا كراهية فيه وفاقا لابن إدريس والفاضل، وقال القاضي:
يكره بيعها وعملها.
درس [5]:
في المناهي وهي أقسام ثلاثة:
أحدها: ما نهي عنه بعينه فيفسد بيعه، كبيع حبل الحبلة، أي نتاج النتاج أو
البيع بأجل إلى نتاج النتاج، والملاقيح، وهي ما في الأرحام، والمضامين، وهي
ما في الأصلاب، والملامسة، كالبيع في الظلمة من غير وصف أو تعليق البيع
على اللمس، والمنابذة على تفسيري الملامسة، وقد تفسر بالمعاطاة وهو ضعيف،
وبيع الحصاة، مثل " بعتك ما تقع عليه حصاتك أو ما بلغته حصاتك من
الأرض " أو بجعل نفس رمي الحصاة بيعا وبيعتين في بيعة.
أما البيع بشرط الابتياع وأما بثمنين نقدا ونسيئة، فالأقرب في الأول الصحة
405

ويحمل النهي على الكراهة، والقرض يجر نفعا كشرط رد الصحاح عن
المكسرة.
وبيع المكره باطل إلا أن يرضى بعد الإكراه، ولو خاف من ظالم فأقر
ببيعه كأن تلجئة، فيحرم تملكه على المقر له.
ومن المناهي الربا سواء كان في البيع أو القرض أو باقي المعاوضات على
الأصح.
وثانيها: ما نهي عنه لعارض فلا يفسد بيعه، كالنهي عن البيع على بيع آخر،
وفسر بالزيادة على المشتري بعد تقرير الثمن وإرادة العقد، وبأمر البائع بالفسخ
في زمن الخيار ليشتري منه بأزيد وأمر المشتري به ليبيعه بأنقص منه أو أخير منه،
وقال بتحريم الأمرين الشيخ وابن إدريس، وتوقف الفاضل، وقطع الفاضلان
بكراهة الدخول في السوم.
ومنه البيع بعد نداء الجمعة، وبيع المعتكف، ومنه النجش - وهو رفع
السعر ممن لا يريد الشراء للحض عليه - وكرهه قوم، والأقرب التحريم لأنه
خديعة، ولا يبطل العقد، وقال ابن الجنيد: إذا كان من فعل البائع أبطله، وقال
القاضي: يتخير المشتري لأنه تدليس، وقطع في المبسوط بأنه لا خيار إذا لم تكن
مواطاة للبائع وقوى عدم الخيار أيضا مع مواطاته، وقيد الفاضلان الخيار بالغبن
كغيره من العقود.
ومنه تلقي الركبان لأربعة فراسخ فناقصا للبيع أو الشراء عليهم مع جهلهم
بسعر البلد، ولو زاد على الأربعة أو اتفق من غير قصد أو تقدم بعض الركب إلى
البلد أو السوق فلا تحريم، وفي رواية منهال: لا تلق، ولا تشتر ما يتلقى ولا تأكل
منه، وهي حجة التحريم كقول الشاميين وابن إدريس وظاهر المبسوط، وفي
النهاية والمقنعة: يكره، حملا للنهي على الكراهة.
ثم البيع صحيح على التقديرين خلافا لابن الجنيد، ويتخير الركب وفاقا
406

لابن إدريس، لما روي عن النبي صلى الله عليه وآله: فمن تلقى، فصاحب السلعة
بالخيار، ومع الغبن يقوى ثبوته، والخيار فوري.
ومنه الاحتكار - وهو حبس الغلات الأربع والسمن والزيت والملح على
الأقرب فيهما توقعا للغلاء - والأظهر تحريمه مع حاجة الناس إليه، ومظنتها
الزيادة على ثلاثة أيام في الغلاء وأربعين في الرخص للرواية، فيجبر على البيع
حينئذ، ولا يسعر عليه إلا مع التشدد لقول النبي صلى الله عليه وآله: إنما السعر
إلى الله، ولا يسعر في الرخص قطعا فيحرم فعله.
ومنه الغش بما يخفى كما سلف، وإخفاء العيب الباطن والتدليس.
درس [6]:
وثالثها: ما نهي عنه نهي تنزيه فلا يحرم، كبيع الأكفان والرقيق، والذباحة
والنحر صنعة والقصابة، والحياكة والنساجة، والحجامة بشرط، وأمر النبي
صلى الله عليه وآله بصرف كسبها في علف الناضح، وكذا كسب القابلة مع الشرط،
وأجرة ضراب الفحل، وكسب الإماء إلا مع الأمانة، وكسب الصبيان ومن لا
ورع له، وركوب البحر للتجارة، للتغرير بالدين والنفس.
ومعاملة الظلمة - إلا لضرورة - والسفلة والأدنين والمحارفين وذوي
العاهات، ومعاملة الأكراد ومجالستهم ومناكحتهم، وعلل ابن إدريس بأنهم لا
بصيرة لهم لتركهم مخالطة الناس وذوي البصائر، ومعاملة أهل الذمة.
والربح على المؤمن إلا أن يشتري بأكثر من مائة درهم - فيربح عليه قوت
اليوم - أو يشتري للتجارة فيرفق به، أو للضرورة، وروى علي بن سالم عن أبيه
عن الصادق عليه السلام: لا بأس في غيبة القائم عليه السلام بالربح على
المؤمنين، وفي حضوره يكون ربا.
والربح على الموعود بالإحسان، ودخول السوق أولا، وطلب الغاية في
الثمن، ومدح المبيع وذمه من المتعاقدين، وكتمان العيب الظاهر، واليمين على
407

المبيع، وروي كراهية الربح المأخوذ باليمين، والسوم ما بين طلوع الفجر
وطلوع الشمس، وإظهار جيد المتاع وإخفاء رديئه إذا كان يظهر للحس.
والاستحطاط بعد العقد ويتأكد بعد الخيار، والنهي من النبي
صلى الله عليه وآله للكراهة، لأنه روي عن الصادق عليه السلام قولا وفعلا كما روي عنه تركه
قولا وفعلا.
والبيع في موضع يخفى فيه العيب، والاستقصاء في الأمور، لقول الصادق
عليه السلام: من استقصى فقد أساء.
والزيادة وقت النداء بل حال السكوت، وقال ابن إدريس: لا يكره، وقال
الفاضل: المراد السكوت مع عدم رضا البائع بالثمن.
وسمسرة الحاضر للبادي، وفي المبسوط: لا يجوز فيما يضطر إليه الحاضر،
وفي الوسيلة النهي عن بيع الحاضر للبادي في البدو لا في الحضر، وابن إدريس
إنما يكره إذا تحكم عليه الحاضر فباع بدون رأيه أو أكرهه على البيع بغلبة
الرأي، وليس بشئ، ولا خلاف في جواز السمسرة في الأمتعة المجلوبة من بلد
إلى بلد.
فرع:
الأقرب تعدي النهي إلى بيع البلدي للقروي، للمشاركة في العلة المومى
إليها، وإنما يكون ذلك مع جهل البدوي والقروي بالسعر، ولو اشترى لهما
فالأقرب الكراهة.
ومن المكروه الصرف والصياغة وتولي الكيل والوزن لغير العارف بهما،
وطلب الحاجة من حديث النعمة والمخالف والسلطان، وشراء الوكيل لنفسه
وبيعه على نفسه، وروى هشام وإسحاق المنع من الشراء.
ولا بأس بالختان والخفض، ويكره الاستئصال في الخفض فإن تركه
أشرق للوجه، وكذا يكره للماشطة غسل الوجه بالخرقة لأنه يذهب بمائه.
408

وفي مكاتبة الصفار: لا بأس بأجرة البدرقة.
وإجارة الإنسان نفسه للأعمال الدنيئة، وروى عمار الكراهة مطلقا، وروى
ابن سنان: لا بأس بها لفعل موسى عليه السلام، وجمع الشيخ بينهما في الكراهة
لمن يخاف التقصير دون غيره، وعن الرضا عليه السلام: كل شئ يتقي فيه العبد
ربه فلا بأس به، وكان السؤال عن بيع الرقيق، وقال الباقر عليه السلام: كان
أهل الكهف صيارفة.
ويكره الإنزاء على الناقة وولدها طفل إذا لم ينحر أو يتصدق به، وإنزاء
الحمار على العتيق، وانتهاب نثار العرس، وبيع الملك لغير الضرورة إلا أن
يشتري خيرا منه.
درس [7]:
في آداب التجارة:
وهي التفقه فيما يتولاه، وتقديم الاستخارة، والسهولة والحلم، وإيفاء الكيل
والوزن، والاقتراب من المتبايعين، بذلك أوصى علي عليه السلام، والتسوية بين
المماكس وغيره، والإقالة، والتسامح في البيع والشراء والاقتضاء والقضاء،
وروي في التقاضي من الغريم: أطل الجلوس وألزم السكوت، وقبض الناقص
وإعطاء الراجع.
والمباكرة في طلب الرزق، والتكبير ثلاثا، والشهادتان عند الشراء، وسؤال
البركة في الشراء، والخيرة في البيع، والانتقال مما تعسر من أنواع التجارة إلى
غيره، وملازمة ما بورك فيه، وشراء العقار وتفريقه في مواضع، ومعاملة من نشأ
في خير.
والزراعة والغرس، قال الصادق عليه السلام: ما في الأعمال شئ أحب إلى
الله تعالى من الزراعة وما بعث الله نبيا إلا زراعا إلا إدريس عليه السلام فإنه كان
خياطا.
409

وتعلم الصقل، والخروج من البلد عند الإعسار وإعلام الأخ بالعسر،
والاقتصاد في المعيشة، والإحسان إلى الإخوان للمبتلى بعمل السلطان، والرفق في
المعيشة، وإحراز قوت السنة.
وبدار الصائغ والتاجر إلى الصلاة، وإعطاء الصائغ العين حظها من النوم،
فروى مسمع: أن سهر الليل كله سحت.
والمكافاة على الهدية، ومشاركة الجلساء فيها إذا كانت طعاما، فاكهة أو
غيرها، وتجنب التجارة في بلد يوبق فيه الدين أو يصلى فيه على الثلج.
ويستحب التعرض للرزق وإن لم يكن له بضاعة كثيرة، فيفتح بابه ويبسط
بساطه، ويستحب لطالب الرزق الرجوع بغير الطريق الذي خرج به فإنه أرزق
له.
ويكره كثرة الفراع والنوم والكسل والضجر والمني، ومباشرة دنيئات
الأمور بنفسه بل كبارها، ومنها شراء العقار والرقيق والإبل، والدوران في
الأسواق لغير فائدة، وتولي الصناعات للظلمة، والدخول في المريب، وائتمان
شارب الخمر، واشتراط النائحة أجرا ولا بأس به مع عدم الشرط، وبيع
المصحف، ويستحب شراؤه.
وأجلب شئ للرزق الصدق وأداء الأمانة، وعن الصادق عليه السلام: من
طلب التجارة استغنى، إن تسعة أعشار الرزق في التجارة، وروي أن التجارة تزيد
في العقل وتركها ينقصه.
وعن الكاظم عليه السلام: إن الله أبي أن يجعل متجر المؤمن بمكة أو ربح
المؤمن بمكة، وأمر بالبيع في الطريق قبل قدومها.
ويكره للتاجر شكاية عدم الربح، واستقلال قليل الرزق فيحرم الكثير،
وحمل المال في الكم لأنه مضياع.
ويستحب كتمان المال ولو من الإخوان، وقال الصادق عليه السلام: اشتروا
وإن كان غاليا فإن الرزق ينزل مع الشراء.
410

ويستحب بدأة صاحب السلعة بالسوم والدعاء عند دخول السوق، يقول:
اللهم إني أسألك من خيرها وخير أهلها وأعوذ بك من شرها وشر أهلها، فإذا
جلس تشهد الشهادتين وصلى على النبي وآله صلى الله عليه وعليهم وقال: اللهم
إني أسألك من فضلك حلالا طيبا وأعوذ بك من أن أظلم أو أظلم وأعوذ بك
من صفقة خاسرة ويمين كاذبة، فإذا اشترى شيئا قال ثلاثا: اللهم إني اشتريته
ألتمس فيه فضلك فاجعل لي فيه فضلا، وثلاثا: اللهم إني اشتريته ألتمس فيه
رزقك فاجعل لي فيه رزقا.
وإذا طلب شراء دابة أو رأسا قال: اللهم قدر لي أطولها حياة وأكثرها منفعة
وخيرها عاقبة، وإن أراد جارية قال ثلاثا: اللهم إن كانت عظيمة البركة فاضلة
المنفعة ميمونة الناصية فيسر لي شراءها، وإن كان غير ذلك فاصرفني عنها إلى
الذي هو خير لي منها فإنك تعلم ولا أعلم وتقدر ولا أقدر وأنت علام الغيوب.
وقال الصادق عليه السلام: من غش غش في ماله فإن لم يكن له مال غش
في أهله، وأمر الكاظم عليه السلام بطرح دينار مغشوش بعد قطعه بنصفين في
البالوعة.
ويستحب شراء الحنطة للقوت، ويكره شراء الدقيق، وأشد كراهية الخبز،
ويستحب كيل الطعام والاقتصار على المعاش في بلده فإنه من السعادة والدولة.
411

كتاب الربا
وهو حرام للنص والإجماع، ومن أعظم الكبائر حتى أن الدرهم منه أشد من
سبعين زنية بذات محرم.
ومحله المتساويان جنسا، المقدران بالكيل أو الوزن إن تفاوتا في القدر أو
في الحلول والتأجيل، وفي القرض مع جر النفع.
وضابط الجنس شمول اللفظ الخاص كالتمر الشامل لجميع أصنافه،
والعنب، والطعام الشامل للحنطة والشعير على الأظهر، لتظافر الأخبار الصحاح
به الخالية عن المعارض، وفيها أن الشعير من الحنطة.
والأصل وفرعه جنس كاللبن وما يعمل منه، والعنب والتمر وما يتخذ
منهما، ولحم المعز والضأن جنس لشمول الغنم لهما، والبقر والجاموس جنس،
والعراب والبخاتي جنس، والطيور أجناس، والحمام كله جنس على الأقرب،
وإنما يتصور الربا في الطير إذا بيع لحمه وزنا.
وفي اتحاد السمك أو اختصاص كل صنف خلاف، والشيخ على الاتحاد
وهو قوي.
والدهن يتبع ما يعتصر منه، وكل ما يتروح به الخل من البنفسج والورد
والبان فجنس، والخل المتخذ من التمر يخالف خل الخمر، واللحم والشحم
مختلفان، أما الألية والشحم فالظاهر اتحادهما، والجودة والرداءة والمصوع
413

والمكسر والصحة والعيب لا أثر لها في الاختلاف.
ولو اختلف الجنسان جاز التفاضل نقدا، وفي النسيئة خلاف، فمنعه ابن
الجنيد والحسن - وهو ظاهر المفيد وسلار والقاضي لقوله عليه السلام: إنما الربا
في النسيئة، وقول الباقر عليه السلام: إذا اختلف الشيئان فلا بأس مثلين بمثل يدا
بيد - وجوزه الشيخ والمتأخرون على كراهة، لقوله صلى الله عليه وآله: إذا اتفق
الجنسان مثلا بمثل، وإن اختلف فبيعوا كيف شئتم، وصحيحة الحلبي تدل على
الكراهية.
وفي ثبوت الربا في المعدود قولان، أشهرهما الكراهية، لصحيحة محمد بن
مسلم وزرارة، والتحريم خيرة المفيد وسلار وابن الجنيد، ولم نقف لهم على
قاطع.
ولو تفاضل المعدودان نسيئة ففيه الخلاف، والأقرب الكراهية، وبالغ في
الخلاف حيث منع من بيع الثياب بالثياب والحيوان بالحيوان نسيئة متماثلا ولا
متفاضلا، والعجب أنه قال مع ذلك بكراهية بيع المتماثلين المتساويين نسيئة،
وأول كلامه بإرادة التحريم لأن المسألة إجماعية.
ولا يجوز بيع اللحم بحيوان من جنسه على الأصح، وتجويز ابن إدريس
ذلك شاذ، وروى إسماعيل بن الفضل كراهة أخذ الغنم من آخر واشتراط إبدال
ذكور ولدها بإناث أو بالعكس، ولو أبدل بعد الولادة فلا بأس، وكذا قال: يكره
أخذها على أن يدفع إليه في كل سنة من ألبانها وأولادها قدرا معينا.
وماله حالتا جفاف ورطوبة يباع مع اتفاق الحال، ولو اختلف الحال
فالمشهور منع بيع الرطب بالتمر متساويا ومتفاضلا للرواية، وقال في الاستبصار
وتبعه ابن إدريس: يجوز متساويا على كراهية لعدم التصريح في الرواية، وأما
العنب بالزبيب وغيره مما ينقص عند الجفاف، فبعض من منع هناك جوز فيه
متماثلا في القدر، ومنع منهما ابن الجنيد والحسن وابن حمزة والفاضل، وهو
أولى.
414

مسائل:
الأولى: منع في النهاية من بيع السمن بالزيت متفاضلا نسيئة، تعويلا علي
روايات قاصرة الدلالة وظاهرة في الكراهة، ومنع فيها من بيع السمسم بدهنه
والكتان بدهنه، وتبعه ابن إدريس، وجوزه الفاضل مع التساوي.
الثانية: يباع الدقيق بالحنطة وزنا، احتياطا عند الشيخ، وابن إدريس جزما،
لأن الوزن أصل المكيل، وقال الفاضل: يباع أحدهما بالآخر
كيلا متساويين لأن
الكيل أصل في الحنطة، والروايات الصحيحة مصرحة بجواز المتماثلين، وليس
فيها ذكر العيار.
الثالثة: لا يمنع الزوان والشيلم والقصل في الحنطة من التماثل إذا لم يزد عن
العادة، وكذا الشمع في العسل، والماء في الخل والخبز والطبيخ.
الرابعة: يجري الربا في الطين الأرمني، وأما الخراساني المأكول فبيعه للأكل
حرام - باعه بجنسه أو غيره، متماثلا أو متفاضلا - ولغير الأكل جائز، فإن قضت
العادة بكيله أو وزنه كان ربويا وإلا فلا، وأطلق القاضي والشيخ تحريم بيع
الطين المأكول وغيره.
الخامسة: لا يجري الربا في الماء وإن وزن أو كيل، لعدم اشتراطهما في
صحة بيعه نقدا، ولو أسلف ماء في ماء إلى أجل احتمل أن يكون ربويا لاشتراط
الوزن حينئذ في المسلم فيه، وكذا في الحجارة والتراب والحطب، ولا عبرة ببيع
الحطب وزنا في بعض البلدان، لأن الوزن غير شرط في صحته.
درس [1]:
قال الصادق عليه السلام: لا ربا إلا فيما يكال أو يوزن، والمعتبر بالكيل
والوزن بزمانه صلى الله عليه وآله، فما علم ذلك فيه اتبع وجرى فيه الربا وإن
تغير حاله بعد، ولا فرق بين أن يكون ذلك في بلده عليه السلام أو في بلد آخر
إذا أقر أهله عليه، وما لم يعلم حاله يتبع عادة البلد، فإن اختلفت فالأقرب أن لكل
415

بلد ما يغلب فيه مصيرا إلى العرف الخاص عند تعذر العام.
وغلب الشيخان وابن إدريس وسلار جانب التقدير على جانب العدد أو
الجزاف أخذا بالأحوط.
والمعتبر هنا جنس المقدر وإن لم يقدر لصغره - كحبة حنطة وما نقص عن
أرزة ذهبا - أو لعظمه كزبرة من حديد وإن كان بيع هذه وقرضها من غير اعتبار
جائزا، والمصنوع إن خرج عن الوزن كالثوب لم يكن ربويا.
ويخرج عن الربا ببيع كل من العوضين بثمن، والتقاص، وبالقرض
كذلك، وبالبيع بالمساوي وهبة الزائد من غير شرط، وبالضميمة كمد عجوة
ودرهم بمدين أو درهمين، أو بمدين ودرهمين، أو بمد ودرهمين، أو بمدين ودرهم،
والظاهر أنه لا يشترط فيهما قصد المخالفة، وكذا لو ضم غير ربوي، ولا يشترط
في الضميمة أن تكون ذات وقع، فلو ضم دينارا إلى ألف درهم ثمنا لألفي درهم
جاز، لرواية ابن الحجاج.
ويجوز بيع شاة ذات لبن بشاة مثلها وخالية، وبلبن من جنسها أو من غيرها،
وكذا دجاجة فيها بيضة بخالية ومشغولة وبيضة ولو أجرينا الربا في المعدود.
ويجوز التماثل بين الزبد واللبن والجبن، وبين الحليب والمخيض، وبين
اللبن والمصل والأقط، والزبد بالزبد، والأقط بالأقط والمصل بالمصل، والسمن
بالسمن، ويحرم التفاضل في ذلك كله، والنسبة مع اتحاد الجنس.
ولو كان في أحد العوضين ربوي غير مقصود اغتفر، كالدار المموهة
بالذهب، والصفر والرصاص المشتملين على الذهب والفضة.
ولا يجب التقابض قبل التفرق إلا في الصرف، وللشيخ قول في العرية
باشتراط قبض الثمن في المجلس - أو في موضع آخر مع الاصطحاب - وقبض
ما على العرية بالتخلية قبل التفرق، وهو متروك.
ولا ربا بين الزوجين دواما ومتعة على الأقرب، ولا بين الولد ووالده وإن
علا، ولا بين المولى وعبده إن قلنا بملك العبد إلا أن يكون مشتركا.
416

ويجوز أخذ الفضل من الحربي لا إعطاءه الفضل، وفي جواز أخذ الفضل
من الذمي خلاف أقربه المنع، ولا يجوز إعطاؤه الفضل قطعا.
وابن الجنيد جوز أخذ الوالد الفضل من ولده إلا أن يكون له وارث أو عليه
دين، فظاهره عدم جواز أخذ الولد الفضل وأنه لو كان للولد وارث امتنع الربا
من جانبين، وهما ضعيفان لأن مال الولد في حكم مال الوالد مطلقا.
والمعمول من جنسين إذا بيع بهما جاز، وبأحدهما مع زيادة تقابل الآخر.
ويجب على آخذ الربا رده، بقيت العين أو تلفت، عالما بالتحريم أو جاهلا
عند المتأخرين، وقال الصدوق والشيخ: يكفي الجاهل الانتهاء، للآية، وللرواية
عن الباقرين عليهما السلام، وهو المعتمد.
درس [2]:
إذا باع أحد النقدين بصاحبه فهو صرف يجري فيه الربا مع اتحاد الجنس،
ويجب فيه التقابض قبل التفرق فيبطل بدونه، ولو قبضا بعضه صح فيه وفيما
قابله، ولو فارقا المجلس متصاحبين حتى تقابضا جاز، ولو تقابضا جزافا ليزناه في
موضع آخر جاز الافتراق، ولو أقرضه بعد قبضه ثم أقبضه ثم أقرضه جاز وإن
كان حيلة.
ولو وكل أحدهما أو وكلا في القبض اشترط قبض الوكيل قبل التفرق،
ولو كان وكيلا في العقد سقط اعتبار الموكل.
ولو اشترى المودع الوديعة اشترط قبض ثمنها في المجلس، فلو ظهر تلفها
بطل العقد.
ولو اشترى منه أحد النقدين بالآخر ولما يقبضه ثم اشترى به نقدا آخر بطل
الشراء الثاني، فلو تفرقا بطل الأول أيضا، ومع قبض الأول يصح العقد الثاني
وإن لم يتفرقا وإن لم يتخايرا، لأن نفس العقد يبطل خيار المجلس.
وقال ابن إدريس: إن كان النقد المبتاع أولا معينا صح العقد الثاني إذا
417

تقابضا في المجلس، وإن كان في الذمة بطل الثاني لأنه بيع دين بدين.
ولو اقتضى عن النقد آخر كان صرفا بعين وذمة فيشترط القبض في المجلس
للعوض، ولا يضر كون المقتضي مؤجلا لأن تراضيهما يسقط الأجل، وفي
المبسوط اشترط لفظ المبيع، فلو قبض ثمنه بغير بيع لم يكن صرفا وضمن، ولا
يصح التقاص عنده، وجوز التباري.
ولو اصطرفا بما في الذمم كان بيع دين بدين، ولو تهاترا احتمل الجواز،
وقد مر في الكتابة، وعلى قول الشيخ يحتمل المنع، وفي رواية عبيد بن زرارة
إطلاق الجواز، ولو اصطلحا أو تبارئا جاز.
وفي صحيحة إسحاق بن عمار وعبيد بن زرارة: يجوز تحويل النقد إلى
صاحبه وإن لم يتقابضا، معللا بأن النقدين من واحد، وظاهره أنه بيع وأن ذلك
توكيل للصيرفي في القبض، وما في الذمة مقبوض، وعليه ابن الجنيد والشيخ،
واشترط ابن إدريس القبض في المجلس، وهو نادر.
ولا يشترط في بيع النقد الذي في الذمة تشخيص ثمنه، خلافا لابن إدريس
فرارا من بيع الدين بالدين، ورد بأن القبض في المجلس أخرجه من الغرر المانع
من بيع الدين بمثله، نعم يشترط علم العوضين بالوصف الرافع للجهالة.
والمغشوش من النقدين يباع بغيرهما أو بأحدهما مخالفا أو مماثلا زيادة
تقابل الغش وإن لم يعلم قدر الغش إذا علم وزن المبيع.
وتراب أحد النقدين يباع بالآخر أو بعوض، ولو اجتمعا وبيعا بهما جاز،
وكذا تراب الصياغة، وتجب الصدقة بعينه أو ثمنه مع جهل أربابه.
والإناء المصوع من الجوهرين أو الحلي منهما يباع بغيرهما أو بهما مع علم
وزن المبيع وإن لم يعلم وزن كل واحد منهما إذا لم يمكن التخليص، ولو بيع
بالجنس الواحد لم يجز إلا أن يقطع بزيادة الثمن، وقال الشيخ وجماعة: يباع
بالأقل محافظة على طلب الزيادة.
والسيف والمركب المحليان بالنقد، إن علم مقدار الحلية بيعت كيف كان
418

مع الخلاص من الربا، وإن جهلت ولم يمكن النزع إلا بضرر بيعت بغير جنسه
أو به مع زيادة يقطع بها من جنسه أو غير جنسه، وقال الشيخ: لو أراد بيعها
بالجنس ضم إليها شيئا، وظاهره أن الضميمة إلى الحلية، ولعله أراد أن بيعها
منفردة لا يجوز فيضم إليها المحلى أو شيئا آخر، أو يضم إليها وإلى المحلى تكثيرا
للثمن من الجنس، وربما حمل على الضميمة إلى الثمن وهو واضح.
وهنا مسائل:
الأولى: قال في المبسوط: لو تخايرا قبل التقابض بطل الصرف، ومنعه
الفاضل إذا لم يختر الفسخ.
الثانية: لو باع أحدهما ما قبضه على غير صاحبه قبل التفرق فالوجه الجواز
وفاقا للفاضل، ومنعه الشيخ لأنه يمنع الآخر خياره، ورد بأنا نقول ببقاء الخيار.
الثالثة: لو قبض زيادة عما له كان الزائد أمانة سواء كان غلطا أو عمدا وفاقا
للشيخ، ويجوز هبته له وشراء معين أو موصوف وشراؤه بقدر من جنسه أو غيره
مع القبض في المجلس، ولو كانت الزيادة لاختلاف الموازين أو الأوزان
المعتادة فهي حل.
الرابعة: لو اشترى منه نصف دينار حمل على الشق إلا مع شرط غيره أو
اقتضاء العرف ذلك، ولو اشترى مبيعا آخر بنصف فعليه شقان، وإن بذل له
دينار صحيحا زاده خيرا.
ولو شرط في العقد الثاني إعطاء صحيح عنهما لم يجز عند الشيخ، للزوم
العقد الأول أولا، أما إذا ألزم فلأن الزيادة تلحق الأول، وهي زيادة صفة منفردة
عن العين فتكون صفة مجهولة فيفسد العقدان، وأما إذا لم يلزم فالفساد في الثاني
لأنه ألحق بالأول زيادة غير ممكنة وهي تقتضي جهالة الثمن الثاني، ويحتمل
الجواز وفاقا للفاضل، لأن الزيادة في الحقيقة إنما هي في ثمن الثاني وهي زيادة
صفة مضافة إلى العين فلا تكون مجهولة، ومع الفاضل جهالة الزيادة لأن كون
419

النصف من الصحيح معلوم، وعلم قيمته غير شرط، لأن الصفة غير متقومة في
نفسها وعموم " المسلمون عند شروطهم "، ويجوز إلحاقها بالأول لزم أو لا.
الخامسة: الثمن هو ما قرن بالباء هنا، وفي غيره كذلك، ويحتمل أن يكون
هو النقد إذا كان أحد العوضين وإلا فالمقرون بالباء.
وتظهر الفائدة في بيع حيوان بحيوان، أو بيع نقد بحيوان، فلو ظهر النقد
ثمنا أو مثمنا من غير الجنس وكان معينا بطل العقد، لأن الأثمان تتعين بالتعيين
عندنا، ولو ظهر بعضه بطل فيه ويتخير في الباقي، وإن كان غير معين فله الإبدال
ما لم يتفرقا.
وإن كان العيب من الجنس كخشونة الجوهر ورداءة السكة، فإن تعين
فليس له الإبدال ويتخير بين رده وبين الأرش إن اختلف الجنس، وإن اتحد فله
الرد لا غير، وإن لم يتعين فله الإبدال ما داما في المجلس، وإن تفرقا لم يجز
الإبدال على الأقرب وله الرد، وقال الشيخ وابن حمزة: يتخير بين الفسخ
والإبدال والرضا مجانا، ولم يقيدا باتحاد الجنس، وفي المختلف: له الإبدال دون
الفسخ لعدم التعيين، ويشكل بأنهما تفرقا قبل قبض البدل، وقال ابن الجنيد:
يجوز الإبدال ما لم يتجاوز يومين فيدخل في بيع النسيئة، ولم يقيد بالتعيين
وعدمه، وفي رواية إسحاق عن الكاظم عليه السلام إشارة إليه.
ولو أراد الأرش بعد التفرق في المختلفين وجب كونه من غير النقدين، فلو
أخذه من أحد النقدين لم يجز، ولو ظهر بعضه معيبا من الجنس اختص بالحكم،
وليس له إفراده بالرد إلا مع رضا صاحبه.
السادسة: روى أبو الصباح جواز جعل إبدال درهم طازج بدرهم غلة عوضا
لصياغة خاتم، وحكم جماعة بجواز بيع درهم بدرهم مع شرط صياغة خاتم،
قال ابن إدريس: لأن الزيادة ليست عينا، ورد بأن الربا يحصل بالزيادة الحكمية،
وظاهرهم جواز التعدية إلى غير ذلك، فإن اعتمدوا على الرواية فلا دلالة لهم فيها،
والوجه المنع مطلقا، والرواية في الإجارة لا غير، وكان العمل بخبر تفاوت ما بين
420

الدرهمين، إذ الطازج الخالص والغلة غيره.
السابعة: يجوز التعامل بالدراهم المغشوشة إذا كانت معلومة الصرف وإن
جهل غشها، وإن لم يعلم صرفها لم يجز إلا بعد بيان غشها، وعليه تحمل
الروايات، وروى عمر بن يزيد: إذا جازت الفضة المثلين فلا بأس.
فرع:
لو قبض مغشوشة على أنها جياد فله ردها وإن كانت تروج بالجياد على
الجهال، ويحرم إخراجها على الجاهل بحالها.
الثامنة: تحريم الربا يعم الآخذ والمعطي لمعاونته على الحرام، ولقول
الصادق عليه السلام: الزائد والمستزيد في النار، ولو اضطر الدافع ولا مندوحة
فالأقرب ارتفاع التحريم في حقه.
التاسعة: روى زرارة وغيره جواز بيع الدنانير بالدراهم نسيئة، وهي متروكة
ومعارضة بأشهر منها معتضدة بالفتوى.
العاشرة: لو كان له عليه أحد النقدين فدفع إليه الآخر قضاء ولم يحاسبه
احتسب بقيمته يوم القبض لأنه حين الانتقال، وفي رواية إسحاق: لأنه حبس
منفعته عنه، ويجوز أن يقرضه دراهم ويشترط عليه نقدها بأرض أخرى للرواية.
الحادية عشرة: يجوز التعامل بالدراهم العددية وإن اشتملت على تفاوت يسير
إذا كانت معلومة الصرف، لرواية ابن الحجاج، ولو أقبض عن العددية وزنية
جاز إذا قل التفاوت، ولو شرط المقرض ذلك وعلم التفاوت لم يجز، وهو
مروي.
الثانية عشرة: لو جمع بين الربوي وغيره في عقد جاز، فإن كان مشتملا على
أحد النقدين اشترط قبض ما يوازنه في المجلس.
الثالثة عشرة: لو باعه بدراهم صرف عشرة صح مع العلم لا مع الجهل، ولو
قال: بدينار إلا درهما، وكان معلوم النسبة صح، وإن كان مجهولها أو نسبه بما
421

سيتعامل به بطل لقول علي عليه السلام: لعل الدينار يصير بدرهم.
الرابعة عشرة: يكره بيع دابة بأخرى واشتراط زيادة على إحديهما، بل يبيع
كلا منهما بثمن، ويجوز ذلك مع اختلاف الجنس.
422

كتاب السلف والسلم
وهو العقد على مضمون في الذمة موصوف بمال معلوم مقبوض في المجلس
إلى أجل معلوم، وشرعيته إجماع وآية الدين نزلت فيه عند ابن عباس، وعليه
النص.
وصيغة الإيجاب في السلم " أسلمت إليك أو أسلفتك كذا في كذا إلى
كذا "، والقبول من المسلم إليه " قبلت وشبهه "، والإيجاب من المسلم إليه بالبيع
أو التمليك أو " استسلمت منك كذا ".
وينعقد البيع بلفظ السلم على الأقرب، ويلحق السلم أحكام البيع بأسرها،
ويختص بشروط ستة:
الأول:
ذكر الجنس، وهو اللفظ الدال على الحقيقة النوعية هنا كالحنطة والشعير،
والوصف وهو الفارق بين أصناف ذلك النوع كالصرابة والحدارة.
فيبطل السلم مع الإخلال بهما أو بأحدهما، ولو تعذر الوصف بطل أيضا
كاللحم والخبز والنبل المنحوت، ولا يمنع مسيس النار من السلم إذا أمكن
الوصف.
والمعتبر الأوصاف التي يختلف الثمن بها بما لا يتغابن بمثله، ولا يجب
الاستقصاء، فلو استقصى وأدى إلى عسر الوجود بطل، وإلا صح، ولا يشترط
423

ذكر السلامة من العيب فإن الإطلاق يحمل عليه، نعم ذكره مستحب.
ويكفي في كل وصف أقل ما يطلق عليه، قيل: ويجب ذكر الجودة
والرداءة بالإجماع، وفيه نظر، ولا يجوز اشتراط الأجود، أما الأردأ ففيه وجهان،
من عدم الوقوف على غايته، ومن أن طلب الأردأ مما يحضر عيب فيكفي فيه أن
يكون في المرتبة الثانية من الردئ، وهذا القدر معلوم.
ويصح السلم في الحب والثمر واللبن والشحم والطيب والثوب والرقيق
والذهب والفضة والحديد والرصاص والنحاس - بنوعيه - والحيوان واللئالئ
الصغار دون الكبار والياقوت والفيروزج والزبرجد، لعدم ضبطها ولعظم
الاختلاف باختلاف أوصافها، والأقرب جواز السلم في العقيق وشبهه من الجواهر
التي لا يتفاوت الثمن باعتبارها تفاوتا بينا.
ويجوز السلم في الأدوية البسيطة والمركبة إذا علم المتعاقدان بسائطها،
وكذا في المختلطة المقصودة الأجزاء كالعتابي من القطن والحرير والخز الذي
فيه الحرير ولو لم يعلم قدر الخليطين إذا كان ذلك عرفا مطردا، ولو اضطرب
وجب معرفة قدرهما، ولو كان الخليط غير مقصود كالأنفحة في الجبن والماء في
الخل لم يضر جهالته وإن كان خل الزبيب والتمر، لأنه يتبين بذكر حموضة
الخل وحدته ونفوذه، وليس دهن الورد والبنفسج من المختلطة لأن ترويحه
بالمجاورة.
ولنذكر مما يعم به البلوى ثلاثة عشر:
أحدها: الرقيق، فيذكر فيه الذكورة والأنوثة، والنوع، واللون والسن، والقد
كالطويل والقصير والربعة، ولو قدر بالأشبار كالخمسة أو الستة احتمل المنع
لإفضائه إلى العزة.
ويحتمل وجوب ذكر الكحل والدعج والزجج وتكلثم الوجه في الجارية،
وكونها خميصة ريانة الملمس ثقيلة الردف، أو أضداد ذلك، لتفاوت الثمن به
وعدم عزته.
424

والأقرب وجوب تعيين البكارة أو الثيوبة في الأمة، فلو أطلق بطل، ولا
يشترط ذكر الملاحة، فلو ذكرها روعي العرف ويحمل على أقل درجة، ويحتمل
البطلان لعدم انضباطها فإن مرجعها إلى الاستحسان والشهرة المختلفين باختلاف
الطباع.
ولا يجب التعرض لآحاد الأعضاء لعدم تفاوت الثمن فيه بينا، وربما أدى
إلى عزة الوجود، وكذا لو شرط الولد مع الأم المقصود بها التسري، ولو قصد بها
الخدمة كالزنجية جاز لقلة التفاوت، وأولى بالجواز اشتراط كونها حاملا - سواء
كانت حسناء أو شوهاء - ومنع في المبسوط منه لعدم إمكان ضبط وصفه،
ومنع ابن الجنيد من اشتراط الحمل في الحيوان كله، والوجه الجواز، ولا يجب
وصف الحمل لأنه تابع.
وثانيها: الإبل، فيذكر السن كالثني، والذكورة والأنوثة، واللون كالأسود
والأحمر، والصنف كالعرابي والبخاتي، والنتاج إذا كان معروفا عام الوجود
كالعبادي.
وثالثها: الخيل، فيذكر الذكورة والأنوثة، والسن، والنوع كالعربي
والتركي، واللون، ولو ذكر الشيات كالأغر والمحجل واللطيم جاز وإن لم يجب
ذكرها.
ورابعها: البقر والحمير، ويتعرض فيه للسن، والنوع، والذكورة والأنوثة،
واللون، والبلد.
وخامسها: الطير، ويتعرض فيه للنوع، واللون، وكبر الجثة أو صغرها لأن
سنها غير معلوم، وكل ما يعلم سنه يرجع فيها إلى البينة، فإن فقدت فإلى السيد
إن كان رقيقا صغيرا، وإلى الرقيق إن كان بالغا، فإن فقد فإلى ظن أهل الخبرة.
وسادسها: زوائد الحيوان، كاللبن واللبأ والسمن والزبد والرائب والصوف
والشعر والوبر.
فيتعرض في اللبن للنوع كالماغر والمرعي، وإن قصد به الجبن أو الكشك
425

احتمل ذكر الزمان بالصفاء والغيم، فإن لهما أثرا في ذينك عند أهله، ويلزم عند
الإطلاق حليب يومه.
وفي اللبأ ذلك ويزيد في اللون والطبخ أو عدمه.
وفي السمن النوع كالبقري، واللون، والحداثة أو العتاقة.
وفي الجبن ذلك والرطوبة واليبوسة، وكذا القريش والأقط، وربما وجب
في القريش ذكر اليومى أو غيره لتفاوته بذلك.
وفي الزبد جميع ما تقدم.
ويتعرض في الصوف والشعر والوبر للنوع، والزمان، والطول والقصر،
والنعومة والخشونة، والذكورة والأنوثة إن ظهر لهما تأثير في الثمن.
وسابعها: الثياب، ويذكر فيه النوع والبلد والعرض والصفاقة والغلظ
والنعومة أو أضدادها، ولا يجب ذكر الوزن، وله الخام عند الإطلاق، وإن ذكر
المقصور جاز، فإن اختلفت البلدان ذكر بلد القصارة كالبعلبكي والقبطي
والروسي، ويجوز اشتراط المصبوغ، فيذكر لونه وإشباعه أو عدمه، ولا فرق بين
المصبوغ بعد نسجه أو قبله على الأقوى، ومنعه الشيخ إذا صبغ بعد غزله، لأن
الصبغ مجهول ولأنه يمنع من معرفة الخشونة والنعومة، وفي وجوب ذكر عدد
الخيوط نظر، أقربه ذلك لاشتهاره بين أهله وتأثيره في الثمن.
وثامنها: الحرير والكرسف والكتان، ويذكر فيها البلد واللون والنعومة أو
الخشونة، ويختص الحرير بالغلظ أو الدقة.
ويجوز السلف في جوز القز، فيذكر اللون، والطراوة أو اليبس، والبلد،
وأبطله الشيخ إذا كان فيه دود لأن الحي يفسد بالخروج والميت لا يصح بيعه،
قلنا: هو كنوى التمر في بلد لا قيمة له فيه، والكرسف يجب ذكر حلجه أو عدمه،
وقيل: يحمل الإطلاق على عدمه، وهو بعيد إلا مع القرينة.
ولو أسلف في الغزل وجب ذكر ما سلف واشتراط الغلظ والدقة، ولو أسنده
إلى غزل امرأة بعينها بطل.
426

وتاسعها: الحبوب والفواكه والثمار، فيذكر في الحنطة البلد والحداثة والعتق
واللون والكبر أو الصغر والصرابة أو أضدادها، ولا يشترط ذكر حصاد عام أو
عامين، وإن ذكره جاز.
وفي الشعير والقطنية ذلك كله.
وفي التمر البلد، والنوع، والكبر والصغر، والحداثة أو العتاقة، واللون إن
اختلف النوع.
وفي الرطب ذلك كله إلا العتاقة، ويجب الفارق، ولو شرط المنصف أو
المذنب لزم.
وفي الزبيب البلد، والنوع، والكبر والصغر، واللون إن اختلف لونه،
والمزيت أو غيره، وله الجاف من التمر والزبيب الخالي عن الحثالة، ولا يجب
تناهي الجفاف.
وفي الفواكه البلد، والنوع، والطراوة أو ضدها، واللون إن اختلف.
وفي الجوز الصنف، والكبير والصغير، والبلد، والحديث أو العتيق، وله
منزوع القشرة العليا، وكذا اللوز.
وفي الطلاء البلد، والنوع، والحديث أو العتيق، واللون والصفاء والقوام،
ويجب كونه مما ذهب ثلثاه فصاعدا خاليا من الثفل غير المعتاد، وإن ضم إليه
ظروفه اشترط كونها مما يصح فيه السلم، فلو كانت من أدم احتمل المنع لعسر
وصفه، والأقرب الجواز لعدم تعلق الغرض بجميع أوصافه.
وفي السيلان والعصير البلد والنوع والقوام، وفي الدبس ذلك، ولا يمنع
منه مسيس النار، ويجوز السلم في المصفر من الرطب والتمر ويوصف بوصفيهما.
وعاشرها: العسل، فيذكر فيه البلد والزمان واللون، ويحتمل الإطلاق على
المصفى لا الشهد، ويحمل المصفى على ما لم تمسه النار إلا أن يشترط ذلك.
وحادي عشرها: الخشب والحطب، فيذكر النوع، واليبوسة والرطوبة،
والطول والثخن، ولا يجبان في الحطب، نعم يذكر فيه الغلظ أو الدقة والوزن،
427

وفي خشب العريش ذلك ويزيد السمح أو العقد.
وثاني عشرها: الحجر واللبن والآجر، ففي الحجر النوع واللون والقدر
والوزن، وللطحن يزيد الدقة أو الثخن، والبلد، وفي اللبن الغالب المشهور والمكان
الذي يضرب فيه، وكذا في الآجر ويزيد فيه اللون.
وثالث عشرها: الآنية، فيذكر النوع، والوزن، والشكل، والقدر، والطول
والسمك والسعة، وكونه مصبوبا أو مضروبا، والوزن خلافا للشيخ، ومدار
الباب على الأمور العرفية وربما كان العوام أعرف بها من الفقهاء، وحظ الفقيه
البيان الإجمالي.
درس [2]:
الشرط الثاني:
التقدير بالكيل أو الوزن فيما يكال أو يوزن وفيما لا يضبط إلا به وإن جاز
بيعه جزافا كالحطب والحجارة.
ويجوز السلف في المعدود الذي لا يعظم تفاوته بالعدد كالجوز واللوز، بخلاف
الرمان والبيض فلا يجوز بغير الوزن، ولو جمع بين الوزن والعدد بطل،
وإن كان لبنا أو آجرا جاز عند الفاضل، ولو أسلم في المكيل وزنا أو بالعكس
فالوجه الصحة لرواية وهب عن الصادق عليه السلام.
ويشترط في المكيال والصنجة العمومية، فلو أشار إلى قصعة أو صخرة بطل،
ولو عينا مدا أو صنجة من حملة المشهور لغا التعيين، ولا يبطل العقد في الأصح،
وكذا لو شرط في البيع، وله ملء المكيال وما يحتمله بلا هز وزلزلة ودق ولا
وضع كف على جانبيه إلا أن يسمح به الدافع أو يشترط في العقد إذا لم يتضمن
الجهالة.
428

الشرط الثالث:
أن يكون المسلم فيه دينا لأنه موضوع لفظ السلم لغة وشرعا، فلو أسلم في
عين كان بيعا، ولو باع موصوفا كان سلما نظرا إلى المعنى في الموضعين.
وليس المانع من السلف في العين اشتراط الأجل الذي لا يحتمله العين، لأن
الأصح أنه لا يشترط الأجل، نعم يشترط التصريح بالحلول وعموم الوجود عند
العقد، فلو قصدا الحلول ولم يتلفظا به صح أيضا، ولو قصدا الأجل اشترط ذكره
فيبطل العقد بدونه، ولو أطلقا العقد حمل على الحلول.
ويشترط في الأجل التعيين بما لا يحتمل الجهالة، وتحمل الشهور على الأهلة
مهما أمكن، ويكمل المنكسر ثلاثين على الأقوى، ويلفق اليوم إذا وقع السلم في
أثنائه، فيستوفى من آخر بقدر ما مضى قبل العقد، سواء كان ذلك اليوم
المستوفي منه أطول أو أقصر للتسامح في مثله.
ولو قال: إلى سنة، فالأجل آخرها وتحمل على الهلالية إلا أن يعينا
الشمسية، ولو قال: إلى رجب أو الجمعة، فالأجل أولهما لصدق الاسم، ولو عين
أول رجب أو آخره حمل على أول جزء منه أو آخره لا على النصفين ليبطل
العقد، ولو قال: في رجب أو في الجمعة، تجهل، وجوزه الشيخ فيحمل على
الجزء الأول.
ويجوز التأجيل بشهور العجم إذا عرفاها، وبالنيروز والمهرجان إذا علماها،
ويحتمل البطلان لأنهما عبارتان عن يومي الاعتدالين بانتهاء الشمس إلى أول نقطة
من الحمل والميزان، وذلك لا يعلم إلا من الرصدي الذي لا يقبل قوله وحده،
واجتماع من يفيد قوله العلم بعيد.
وكذا الفصيح والحمير والفطير بشرط العلم عند العقد، ولو أقت بالحصاد
والصرام وشبههما بطل.
ولا يشترط في الأجل الوقع في الثمن، فلو أقت ببعض يوم جاز، ومنع ابن
الجنيد من النقيصة عن ثلاثة أيام، وهو قول الأوزاعي، ولا ينتهي في الكثرة إلى
429

حد، ومنع ابن الجنيد من ثلاث سنين للنهي عن بيع السنين، ولعله للكراهية، ولو
قال: إلى الخميس، حمل على الأقرب، وكذا " إلى ربيع أو جمادى " وإن كان
التعيين أولى.
الشرط الرابع:
استناد المسلم فيه إلى مالا يحيل عادة، فلو أسنده إلى بستان معين أو قرية
قليلة بطل، ولا يلحقه الإسناد إلى بلد معين بالعين، لأن القرينة حاصلة وإن كان
وجه القضاء متعينا، ولا يضر لعدم انحصاره.
درس [3]:
الشرط الخامس:
قبض الثمن قبل التفرق، فيبطل بدونه، فلو قبض البعض صح فيه ويتخير
المسلم إليه، ولو فارقا المجلس مصطحبين ثم قبضا صح، ولو بان المقبوض من
غير الجنس أو مستحقا بطل إلا أن يكون المجلس باقيا أو يكون الثمن غير معين.
ولو شرط كون الثمن مؤجلا بطل لأنه من بيع الكالئ بالكالي وإن قبض
في المجلس لقصر الأجل، ولو شرط كونه من دين له عليه فالوجه الفساد وفاقا
للشيخ، ولو شرط بعضه منه بطل فيه.
ولو أطلقا ثم تقابضا في المجلس فالظاهر الجواز، ويقع التقاص قهريا إن
كان الجنس والوصف واحدا، ويلزم منه كون مورد العقد دينا بدين ويشكل
صحته.
ولو شرط تأجيل البعض بطل في الجميع لجهالة ما يوازي المقبوض،
ويحتمل الصحة، ويقسط فيما بعد، كبيع سلعتين فيستحق إحديهما.
وظاهر ابن الجنيد جواز تأخير قبض الثمن إلى ثلاثة أيام، وهو متروك.
430

الشرط السادس:
القدرة على التسليم عند الأجل، فلا يضر العجز حال العقد ولا فيما بينهما،
ولا يكفي وجوده في بلد لا يعتاد نقله إليه إلا نادرا كهدية أو مصادرة، ولو عين
بلدا لم يكف وجوده في غيره وإن اعتيد نقله إليه.
ولو أسلم فيما يعسر وجوده عند الأجل مع إمكانه - كالكثير من الفاكهة
في البواكير - فإن كان وجوده نادرا بطل، وإن أمكن تحصيله لكن بعد مشقة
فالوجه الجواز لإلزامه به مع إمكانه، ويحتمل المنع لأنه غرر.
فرع:
لو شرط نقل الفاكهة من بلد بعيد إلى بلده قبل وجودها في بلده صح وإن
كان يبطل حينئذ مع الإطلاق ولا يجب عليه السعي فيها، والفرق بينه وبين
البواكير أنها مقصودة عند العقد، بخلاف تغاير البلدان، ولو فرض قصد ذلك
البلد صح.
هذا، ولو انقطع عند الأجل لعارض لم ينفسخ العقد - لأن تناول الدفع
هذه السنة يقتضيه الأجل، ومورد العقد إنما هو الذمة - بل يتخير، وليس فوريا،
بخلاف خيار الغبن، لأن تأخيره انتظار وتأجيل والأجل لا يلحق بعد العقد، ولو
صرح بالإمهال ففي بطلان خياره نظر، من تجدد الحق حالا فحالا فهو كخيار
المولى منها ولأنه كتأخير الدين المؤجل، ومن أن الإمهال أحد شقي التخيير وقد
آثره، وأولى في الإبطال ما إذا قال: أبطلت خياري.
وقول ابن إدريس بعدم الخيار بتعذر التسليم فيه نادر.
ويجري الخيار ولو مات المسلم إليه قبل وجود المسلم فيه، ولو قبض
البعض تخير أيضا، وله أخذ ما قبض والمطالبة بحصة غيره من الثمن، وفي تخيير
المسلم إليه حينئذ وجه قوي لتبعض الصفقة عليه، نعم لو كان الانقطاع بتفريطه
فلا خيار له.
431

ولو علم الانقطاع قبل الأجل ففي الخيار وجهان، كالحالف على أكل
الطعام غدا فيتلفه قبل الغد، ولو كان يوجد في بلد آخر لم يجب نقله مع المشقة
ولا مع عدمها إذا كان قد عين البلد وإلا وجب.
ولو اعتاض عن المسلم فيه بعد انقطاعه جاز إذا كان بغير جنس الثمن أو به
مع المساواة، ويبطل مع الزيادة عند الأكثر، وهو في الرواية أشهر، وقال
الصدوق والحليون: يجوز، وهو ظاهر مرسلة أبان ومكاتبة ابن فضال.
درس [4]:
في اللواحق:
ولا تكفي المشاهدة في الثمن الذي شأنه الاعتبار خلافا للمرتضى، وتوقف
الفاضل في الاكتفاء بها في المذروع، وقطع الشيخ باشتراط ذرعه، وليس قويا،
كما لا يشترط في البيع.
ويجوز كون الثمن نقدا وعرضا ما لم يؤد إلى الربا، ومنع الحسن من جواز
إسلاف غير النقدين ضعيف، وكذا منع ابن الجنيد من إسلاف عرض في عرض
إذا كانا مكيلين أو موزونين أو معدودين كالسمن في الزيت، ومنع من إسلاف
الجارية.
ويجوز السلم في الجلود مع المشاهدة عند الشيخ، قيل: وهو خروج عن
السلم لأنه دين، ويمكن جعله من باب نسبة الثمرة إلى بلد.
واعتبار مشاهدة جميع الغنم يكفي عن الإمعان في الوصف، لعسره
واختلاف خلقته وعدم دلالة الوزن على القيمة، والرواية تدل على الجواز إذا أسنده
إلى غنم أرض معينة، ويحتمل الجواز فيما قطع قطعا متباينا - كالنعال السبتية -
فيذكر الطول والعرض والسمك والوزن، والوجه المنع لعدم تساوي السمك
غالبا وهو أهم المراد منه.
وفي اشتراط ذكر مكان التسليم مع كون السلم مؤجلا أقوال، ثالثها
432

اشتراطه إذا كان لحمله مؤنة، ورابعها ذكره إذا كانا في مكان قصدهما مفارقته،
والأقرب اشتراطه مطلقا.
ويجب قبض الموصوف عند الأجل أو الإبراء، فإن أبي قبضه الحاكم، فإن
تلف أو تعذر الحاكم فمن الممتنع، ولو دفع أجود وجب القبول - خلافا لابن
الجنيد - لرواية سليمان بن خالد إذ شرط فيها طيب نفسيهما، ولا يجب القبض
قبل الأجل وإن انتفى الضرر عن المسلم ولم يتعلق غرض الدافع بغير البراءة.
ويجب خلو الحبوب من التراب والقشر غير المعتاد، وخلو الحنطة من
الشعير إلا أن يذكر اختلاطهما به، ويعفى عن الحبات اليسيرة، ولو أسلم في شاة
لبون فله حلبها وتسليمها إلى المسلم.
ويجوز السلم في السمك والجراد حيا وميتا ونيئا ومطبوخا، وفي الصمغ
والطين الأرمني والحسيني ساذجا ومعمولا سبحا وألواحا.
ولو أسلم حالا فسلم المبيع في المجلس ففي الاكتفاء به عن تسليم الثمن
نظر، من خروجه عن بيع الدين بمثله.
ولو أحال بالثمن فقبضه البائع قبل التفرق صح وإلا فلا على الأقرب فيهما.
ولو أحال البائع على المشتري اشترط قبض المحتال في المجلس على
الأصح، ووجه الجواز أن الإحالة كالقبض، ولو صالح البائع عن الثمن على مال
فالأقرب الصحة واشتراط قبض مال الصلح.
ويجوز اشتراط الرهن والضمين وكل سائغ وإن كان أصواف نعجات مع
التعيين على الأقرب، فلو دفع أردأ أو أزيد جاز في غير الربوي وبطل فيه على
الأقرب.
ولو تنازعا في قبض الثمن قبل التفرق أو بعده حلف مدعي الصحة، ولو
أقاما بينة بني على ترجيح الداخل والخارج، وقيل: يقدم بينة القبض لشهادتها
على الإثبات، ولو قال البائع: قبضته ثم رددته إليك قبل التفرق، فأنكر المسلم،
حلف البائع.
433

ولو أسلم أحد الغريمين أو هما فالسلم بحاله إلا أن يكون المسلم فيه خمرا أو
خنزيرا ولم يقبضها فيبطل، ولو أسلم عرضا في قرض ثم جاء بالثمن وهو على
الصفات وجب القبول، ولو كانت أمة فلا عقر عليه بوطئها.
ويجوز تعدد المسلم فيه في العقد الواحد، اختلف الأجل أو اتفق، ولو قبض
بعض الثمن وزع على الجميع، ولا يجوز بيعه قبل حلوله ولو كان تولية، ولو
صالح عليه قبل الحلول فالأقوى الإجزاء، ولو وجد المشتري بالمقبوض عيبا فلا
أرش وله الرد والمطالبة بالسليم.
434

كتاب الخيار
وأنواعه تسعة:
أحدها: خيار المجلس.
لقوله صلى الله عليه وآله: البيعان بالخيار ما لم يفترقا إلا بيع الخيار، أي
خيار الشرط فإنه باق وإن تفرقا، أو بيع شرط فيه تعجيل ثمرة الخيار وهو
التطابق على الالتزام في العقد، وما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام: إذا صفق
الرجل على البيع فقد وجب وإن لم يفترقا، مأول بما ذكر أو بأن الوجوب بمعنى
سببية الملك.
ويختص بالبيع بأنواعه، ويثبت لهما ما داما في المجلس أو فارقاه
مصطحبين، ولا عبرة بالحائل، ويكفي في المفارقة المبطلة خطوة لصدقها بها.
ويسقط باشتراط سقوطه في العقد لا قبله خلافا للخلاف، وبإيجابهما للعقد
وإيجاب أحدهما ورضا الآخر، وبقولهما: أسقطنا خيار المجلس أو الخيار.
والعاقد عن اثنين له الخيار، ويبطل بما يبطل به خيار المتعاقدين، ولو قال
له: اختر الإمضاء، فقال: اخترته، بطل خيارهما، وإن اختار الفسخ انفسخ، وإن
سكت فخياره باق وخيار القائل على الأقوى، لعموم الخبر، وقد ثبت لأحدهما
الخيار لأن المفهوم ضعيف، ولو قال له: اختر الفسخ، فالحكم ما تقدم، وبقاء
خيار القائل هنا بسكوت المخاطب أولى، ولو قال: اختبر، فالحكم كذلك.
435

ولو تصرف المشتري سقط خياره وحده، ولو تصرفا أو تعارض فسخ
أحدهما وإيجاب الآخر قدم جانب الفسخ.
ولو مات أحدهما أو ماتا فللوارث أو الولي، ولو جن أو أغمي عليه فللولي،
ولو خرس اعتمد على الإشارة أو الكتابة المفهمة، وإن تعذر الاستعلام فالأقرب
تخير الحاكم ما فيه المصلحة، وعبارة الشيخ: تخير الولي، ولو تخير الولي ثم زال
العذر فلا نقض.
ولا عبرة بالتفرق كرها مع منعهما من التخاير، فإذا زال الإكراه فلهما الخيار
في مجلس الزوال بطوله عند الشيخ، ولو لم يمنعا من التخاير بطل الخيار ولزم
العقد.
فروع:
الأول: أسقط الفاضل الخيار في شراء القريب، أما المشتري فلعتقه عليه، ولأنه
وطن نفسه على الغبن، إذ المراد به العتق، وأما البائع فلما ذكر، ولتغليب العتق،
ويحتمل ثبوت الخيار لهما بناء على أن الملك بانقضاء الخيار، وثبوته للبائع لأن
نفوذ العتق لا يزيل حقه السابق وحينئذ يمكن وقوف العتق ونفوذه، فيغرم
المشتري القيمة لو فسخ البائع، ويجري مجرى التلف الذي لا يمنع الخيار.
الثاني: لو اشترى العبد نفسه فكالأول عنده إن قلنا بجوازه كالكتابة.
الثالث: لو باع أو اشترى من ولده الصغير فالأقرب ثبوت الخيار، للعموم،
وهو في قوة اثنين، ولو التزم به من جانب الطفل أو من جانبه فالطرف الآخر
باق.
الرابع: لا خيار في الإجازة والإقالة لأنهما ليسا بيعا عندنا، وكذا الحوالة و
الصلح على الأصح، والهبة بشرط الثواب، واقتضاء العين عن الدين، والقسمة
والشفعة.
الخامس: يثبت في بيع خيار الرؤية ولا يمنعه اجتماع الخيارين، وكذا بيع
436

خيار الشرط والحيوان.
السادس: يثبت في الصرف تقابضا فيه أو لا، فإن التزما به قبل القبض وجب
التقابض، فلو هرب أحدهما عصى وانفسخ العقد، ولو هرب قبل الالتزام فلا
معصية، ويحتمل قويا عدم العصيان مطلقا، لأن للقبض مدخلا في اللزوم فله
تركه.
السابع: لو تناديا بالعقد على بعد مفرط صح العقد ولهما الخيار على الأقوى
وإن تقاربا بالتنقل، ووجه عدم الخيار أنه لا يجمعهما مجلس عرفا.
الثامن: لو تنازعا في التفرق حلف المنكر، ولو تنازعا في الفسخ وكانا قد
تفرقا قدم منكره، ولو قال أحدهما: تفرقنا قبل الفسخ، وقال الآخر: فسخنا قبل
التفرق، احتمل تقديم الأول لأصالة بقاء العقد، وتقديم الثاني لأنه يوافقه عليه
ويدعي فساده، والأصل صحته، لأن الفسخ فعله.
درس [1]:
وثانيها: خيار الشرط:
وهو جائز لهما ولأحدهما، ولا يتقدر بالثلاثة، نعم يشترط ضبطه بما لا
يحتمل التفاوت.
ويجوز اشتراطه لأجنبي منفردا فلا اعتراض عليه، ومعهما أو مع أحدهما،
ولو خولف أمكن اعتبار فعله وإلا لم يكن لذكره فائدة، وقال ابن حمزة: إن
رضي الأجنبي لزم، وإن لم يرض تخير المشتري، وإن لم يشترط كونه عن
المشتري، ولو شرط الخيار لأحدهما أو في إحدى العينين بهما بطل.
ويصح في جميع العقود إلا النكاح، ولا يصح في الإبراء، والوقف والعتق
على خلاف فيهما، ولا في الطلاق، وقطع الشيخ وابن إدريس بمنعه في الصرف
ناقلين الإجماع، ومنع الفاضل الإجماع واختلف قولاه في الضمان، ولم نعلم
وجه المنع مع صحيحة ابن سنان: المسلمون عند شروطهم.
437

وجوز في المبسوط والقاضي وابن إدريس دخوله ودخول خيار المجلس في
الوكالة والعارية والوديعة والجعالة والقراض، وفي الخلاف: يدخل فيها خيار
الشرط ولا يدخل خيار المجلس إجماعا، والفاضل لا يرى للخيارين معنى لأنها
عقود جائزة على الإطلاق، ويدفع باحتمال إرادتهم منع التصرف مع الخيار،
ومنع في الخلاف من دخول خيار الشرط في الصلح، وهو بعيد، وجوز اشتراطه
في القسمة والكتابة والسبق.
فروع:
الأول: لو شرطا الخيار ولم يعينا مدة ففي فساد العقد أو الحمل على الثلاثة
قولان، ونقل في الخلاف الإجماع على انصرافه إلى الثلاثة.
الثاني: لو شرط الاستئمار صح ولم يحتج إلى مدة عند الشيخ، ويشكل
بالغرر.
الثالث: مبدأه من العقد عند الفاضلين، لأنه قضية اللفظ، ولئلا يلزم الغرر،
ومن التفرق عند الشيخ وابن إدريس حملا على التأسيس وتفاديا من اجتماع
المثلين.
الرابع: يجوز اشتراط مدة متأخرة عن العقد ويلزم بينهما، ولو شرط اللزوم
وقتا والخيار وقتا متعاقبين في مدة معينة احتمل الجواز.
وهنا مسائل:
الأولى: يجوز اشتراط ارتجاع المبيع عند رد الثمن مع تعيين المدة، فليس
للبائع الفسخ بدون رد الثمن أو مثله، ولا يحمل الإطلاق على المعين، ولو شرطا
رد العين احتمل الجواز، والنماء للمشتري كما أن التلف منه لرواية إسحاق بن
عمار.
438

فرع:
لو شرطا ارتجاع بعضه ببعض الثمن أو الخيار في بعضه ففي الجواز نظر،
وكذا لو وزعا الثمن نجوما ليرد في كل نجم بقسطه أو لا بقسطه، ولو شرط
المشتري ارتجاع الثمن إذا رد المبيع جاز ويكون الفسخ مشروطا برد المبيع،
فلو فسخ قبله لغا، ولو شرط الارتجاعين واتحد الوقت صحا قطعا، وإن تغاير
الوقت احتمل صحتهما، فالسابق يرتجع، فإن ترك ارتجع الآخر.
الثانية: في تملك المبيع بالعقد أو بعد الخيار بمعنى الكشف أو النقل
خلاف، مأخذه أن الناقل العقد والغرض بالخيار الاستدراك وهو لا ينافيه، أو أن
غاية الملك التصرف الممتنع في مدة الخيار، وربما قطع الشيخ بملك المشتري إذا
اختص بالخيار، وظاهر ابن الجنيد توقف الملك على انقضاء الخيار، فالنماء
على النقل للبائع وعلى الآخرين للمشتري.
الثالثة: لو شرط الخيار في من ينعتق عليه فهو كما مر في خيار المجلس.
الرابعة: لصاحبه الفسخ والإمضاء في حضور الآخر وغيبته، بحكم حاكم
وعدمه، نعم ثبوته يتوقف على الإشهاد مع النزاع، وقال ابن الجنيد: يشترط في
الخيار المختص في الفسخ والإمضاء الحضور أو الحاكم أو الإشهاد، قال: وفي
المشترك لا ينفذ الفسخ والإمضاء إلا بحضورهما، وقال ابن حمزة: لا بد في
المشترك من اجتماعهما على الفسخ أو الإمضاء، وفي المبسوط: لا خلاف في
جواز الإمضاء بغير حضور الآخر.
الخامسة: التصرف في مدة الخيار إيجاب من المشتري وفسخ من البائع،
ولا يحتاج البائع إلى فسخ ولا المشترك إلى إيجاب إلا في رواية السكوني،
وفيها: إن أقامه في السوق ولم يبع فقد وجب عليه، وفي صحة عقد البائع
وجهان، ولو تعارضا قدم الفسخ.
وليس للبائع التصرف في مدة الخيار المختص بالمشتري، وفي جواز
العكس وتصرف كل منهما مع اشتراك الخيار وجهان، نعم يترتب عليه أثره.
439

وفي الخلاف: لا يأثم المشتري بالوطئ في الخيار، ويمكن حمله على
المختص به، ولو وطئ في المشترك أو المختص بالبائع لم يمنع البائع من
الفسخ، فإن فسخ قال الشيخ والقاضي: يرجع بقيمة الولد والعقر على المشتري
بناء على عدم الانتقال، وأنكره ابن إدريس والفاضل وزاد إن الأمة تصير مستولدة
فتدفع قيمتها، ومنع الشيخ من الاستيلاد إلا أن تعود إليه.
السادسة: لو تلف المبيع قبل قبض المشتري بطل البيع والخيار، وبعده لا
يبطل الخيار وإن كان التلف من البائع، كما إذا اختص المشتري بالخيار، فلو
فسخ البائع رجع بالبدل في صورة عدم ضمانه، ولو فسخ المشتري رجع
بالثمن وغرم البدل في صورة ضمانه، ولو أوجبه المشتري في صورة التلف قبل
القبض لم يؤثر في تضمين البائع القيمة أو المثل، وفي انسحابه فيما لو تلف بيده
في خياره نظر.
السابعة: يجوز نقد الثمن وقبض المبيع في مدة الخيار بغير كراهة،
والتعرض للفسخ لا ينافيهما.
الثامنة: لا فرق في التصرف بين إتلاف العين، أو نقلها عن الملك، أو فعل
آثار الملك كالاستخدام والمباشرة، حتى القبلة واللمس بشهوة، بل النظر إلى ما
يحرم لغيره لرواية علي بن رئاب، ولو قبلت المشتري باذنه فهو تصرف، وكذا لو
رضي به.
التاسعة: استثنى بعضهم من التصرف ركوب الدابة والطحن عليها وحلبها، إذ
بها يعرف حالها للمختبر، وليس ببعيد، فلا إشكال في جواز اشتراطه مع بقاء
الخيار.
العاشرة: لو أعتق المشتري في خياره نفد العتق في الحال لزوال الخيار،
وقال الشيخ: ينفد بعد مدة الخيار.
440

درس [2]:
وثالثها: خيار الحيوان:
وهو ثلاثة أيام من حين العقد أو التفرق للمشتري خاصة، وقال المرتضى:
لهما، والرواية صحيحة إلا أن الشهرة رواية وفتوى بل الإجماع يعارضها، ويحمل
ذكر البائع فيها على التزامه بما يفعله المشتري في الخيار، وربما حملت على
ما إذا كان العوضان حيوانين، ويسقط بما تقدم، ولا فرق بين الأمة وغيرها، وقال
الحلبي: الخيار في الأمة مدة الاستبراء.
ورابعها: خيار التأخير
فمن باع من غير تقابض لكمال العوضين ولا اشتراط أجل فللبائع الخيار
بعد ثلاثة في فسخ البيع.
فروع:
الأول: قيده في المبسوط بشراء معين، فعلى هذا لو اشترى في الذمة لم يطرد
الحكم، سواء كان سلما أم غيره.
الثاني: لو تلف المبيع بعد الثلاثة فمن البائع إجماعا، وفي الثلاثة قولان،
فعند المفيد وسلار أنه من المشتري، وعند الشيخ والأكثر أنه من البائع، وهو
الأقوى، لرواية عقبة بن خالد، وقال ابن حمزة - وهو ظاهر كلام الحلبي - أنه من
مال المشتري إن عرض عليه التسليم، وارتضاه الفاضل.
الثالث: لا خيار للمشتري بعد الثلاثة ولا فيها في ظاهر كلامهم، مع أنه يلوح
منه جواز تأخير الثمن، إذ لم يحكموا بإجباره على النقد.
الرابع: لو قبضه المشتري بغير إذن البائع لم يتغير الحكم، ولو أذن له فعند
الشيخ الحكم باق، وحكم بأنه لو تلف بعد الثلاثة هنا يكون من مال البائع.
الخامس: قال الصدوق في شراء الأمة: إن جاء بالثمن إلى شهر وإلا فلا بيع
441

له، لرواية علي بن يقطين، وهي نادرة.
السادس: ظاهر الأكثر أن البائع يملك الفسخ والمطالبة بالثمن بعد الثلاث،
وظاهر ابن الجنيد والشيخ في المبسوط بطلانه، والذي في الرواية: لا بيع بعد
الثلاثة، وحمل على نفي اللزوم.
السابع: لو أحضر المشتري الثمن قبل الفسخ بعد الثلاثة، حكم الفاضل
بعدم جواز الفسخ لزوال سببه، ويحتمل جوازه لوجود مقتضيه فيستصحب.
الثامن: لو شرطا الخيار أو أحدهما تغيرت الصورة عند الفاضل، ويحتمل
اطرادها، فلو اشترطه المشتري فسخ البائع بعد الثلاثة، ولو شرطاه وخرج
الخيار فكذلك.
التاسع: لو قبض الثمن ثم ظهر مستحقا أو بعضه فكلا قبض، ولو قبض
المبيع فلا خيار، وفي بعض كلام الشيخ أن للبائع الفسخ متى تعذر الثمن، وفيه
قوة.
وخامسها: خيار ما يفسده المبيت:
وهو ثابت للبائع عند انقضاء النهار، ويتفرع عليه كثير مما سلف، والأقرب
اطراد الحكم في كل ما يسارع إليه الفساد عند خوف ذلك، ولا يتقيد بالليل.
ويكفي في الفساد نقص الوصف وقلة الرغبة كما في الخضراوات والرطب
واللحم والعنب وكثير من الفواكه، وهل ينزل خوف فوات السوق منزلة
الفساد؟ فيه نظر، من لزوم الضرر بنقص السعر، ومن اقتضاء العقد اللزوم
والتفريط من البائع حيث لم يشترط النقد.
درس [3]:
وسادسها: خيار الغبن:
وهو ثابت في قول الشيخ وأتباعه لكل من المشتري والبائع إذا غبن بما لا
يتفاوت به الثمن غالبا وقت العقد مع جهله بالقيمة.
442

ولا يتقدر الغبن بغير العرف، ولو دفع الغابن التفاوت أو بذل للمغبون من
الزبون أو تصرف فيه بما لا يخرجه عن الملك أو بما يخرجه إذا كان المغبون
البائع لم يزل الخيار، وحينئذ يلزمه قيمة الغبن لو فسخ، وليس للبائع فسخ
البيع الثاني، مع احتماله كالشفيع.
وربما قال المحقق في الدرس بعدم خيار الغبن، ويظهر من كلام ابن
الجنيد، لأن البيع مبني على المكاسبة والمغالبة، ولم نقف فيه على رواية سوى
خبر الضرار وتلقي الركبان، وفي الخلاف لم يستند إلى الإجماع ولا إلى أخبار
الأصحاب، وأكثر القدماء لم يذكروه، والأصح ثبوته وفوريته متى علم به
وبحكمه، ويعذر مع الجهل بأحدهما.
وسابعها: خيار الرؤية:
وهو ثابت في بيع الأعيان الشخصية مع عدم المطابقة، فيتخير من وصف
له، ولو وصف لهما وزاد ونقص تخيرا، ويقدم قول الفاسخ منهما، وهو فوري
على الأصح، وكذا خيار الغبن، ويحتمل الفرق بينهما، لأن الغرر في الغبن سهل
الإزالة بخلاف الرؤية، فيصح اشتراط رفع خيار الغبن، ولو شرطا رفع خياري
التأخير جاز، ولو شرط البائع إبداله إن لم يظهر على الوصف فالأقرب الفساد.
وثامنها: خيار التدليس وفوات الشرط:
سواء كان من البائع أو المشتري، فيتخير عند فواته بين الفسخ والإمضاء
بغير أرش، إلا في اشتراط البكارة فيظهر سبق الثيوبة فإن الأرش مشهور وإن
كانت رواية يونس به مقطوعة ولو جعلنا الثيوبة عيبا كما يشعر به مهذب
القاضي حيث أثبت الأرش مع عدم شرط البكارة، وابن إدريس اعترف بأنه
تدليس وخير بين الأرش والرد، وتبعه في المختلف.
ولو لم يعلم سبق الثيوبة فلا خيار لأنها قد تذهب بالتعفيس والعلة والنزوة،
443

نعم لو ظهر ذلك في زمان خيار الحيوان أو خيار الشرط ترتب الحكم.
ومن التدليس التصرية في الشاة والناقة والبقرة على الأصح، ونقل فيه
الشيخ الإجماع، وطرد ابن الجنيد الحكم في الحيوان الآدمي وغيره، وليس
بذلك البعيد، للتدليس.
ويثبت باعتراف البائع أو نقص حلبها في الثلاثة عن الحلب الأول، فلو
تساوت الحلبات في الثلاثة أو زادت اللاحقة فلا خيار، ولو زادت بعد النقص في
الثلاثة لم يزل الخيار، وللشيخ وجه بثبوت الخيار بالتصرية وإن لم ينقص اللبن،
لظاهر الخبر.
وإذا ردها رد اللبن إن كان باقيا، ومثله أو قيمته إن كان تالفا، وأرشه إن
تعيب، ولو اتخذ منه جبنا أو سمنا فالظاهر أنه كالتلف، وإن قلنا برده فله ما زاد
بالعمل.
وفي استرجاع اللبن المتجدد إشكال يبني على أن الفسخ يرفع العقد من
أصله أو من حينه، وقطع الشيخ بعدم استرجاعه لأنه حدث في ملكه، وقال: يرد
عوض اللبن صاع من بر أو تمر، فإن تعذر فقيمته وإن زادت على قيمة الشاة،
وتردد في وجوب قبول اللبن على البائع، وقطع ابن البراج بعدم الوجوب بل
يتعين الصاع، وصوبه الفاضل مع تغير اللبن مع اعترافه بعدم وقوفه على حديث
من طرقنا.
وفي التهذيب: روى الحلبي في من اشترى شاة فأمسكها ثلاثا ثم ردها: يرد
معها ثلاثة أمداد من الطعام إن كان شرب لبنها، ولم يذكر المصراة، وكذا في
النهاية، وأنكره ابن إدريس إلا أن تكون مصراة.
فروع:
الأول: لو قلنا بقول ابن الجنيد في تصرية الآدمية والأتان وفقد اللبن لم يجب
البر أو التمر ولو أوجبناه في الشاة والبقرة، لعدم النقص وعدم الانتفاع به فيما
444

ينتفع بلبن المنصوص.
الثاني: الأقرب أن حبس ماء القناة والرحى وإرساله عند رؤية البائع
كالتصرية في ثبوت الخيار.
الثالث: لو رضي بالتصرية فوجد بها عيبا بعد الحلب فله ردها عند الشيخ
مع الصاع، ولو حلبها غير مصراة ثم اطلع على العيب فله ردها عنده إن كان
اللبن باقيا، وإلا فلا لتلف بعض المبيع، أما اللبن الحادث فله، ولا يمنع حلبه من
الرد، ومنع الفاضل من الرد في الصورة الأخيرة لمكان التصرف، ويحتمل المنع
في الأول أيضا لأن الحلب إنما يغتفر في الرد بالتصرية.
الرابع: لو علم المشتري بالتصرية فلا خيار، ولو علم بها بعد العقد قبل
الحلب تخير، قاله الفاضل مع توقفه في ثبوت الخيار قبل الثلاثة لو حلبها.
الخامس: لو تصرف بغير الحلب فلا رد، ولا يثبت بالتصرية أرش.
السادس: تقييد الخيار بالثلاثة لمكان خيار الحيوان، صرح به الشيخ، وروى
العامة: الثلاثة لمكان التصرية، وتظهر الفائدة لو أسقط خيار الحيوان.
السابع: هذا الخيار على الفور إذا علم به، والظاهر امتداده بامتداد الثلاثة إن
كانت ثابتة، وإلا فمن حين العلم.
ويشبه التصرية في الرد مع التصرف بالوطئ ما لد ظهر حبل الأمة، ويرد
معها نصف عشر قيمتها، وقال الحلبي: العشر، وفصل ابن إدريس بالبكارة
والثيوبة، وفي رواية جميل: يرد العشر، وفي أخرى: يرد شيئا، وفي أخرى:
يكسوهما، وتأولهما الشيخ بمطابقة نصف العشر، وربما حمل على حبلها من
السحق وشبهه.
ولو وطء بعد العلم بالحبل تعين الأرش، ويظهر من التهذيب جواز الرد
ويلزمه العشر عقوبة، وجعله محملا للرواية به، وأكثر الأخبار مقيدة بعدم العلم،
وجوز الشيخ في رواية العشر السهو من الكاتب. قلت: والصدوق ذكر رجالها
وفيها " نصف العشر ".
445

وقيد ابن الجنيد بكون الحمل من المولى، ويلوح من كلام النهاية، وحينئذ
يتوجه لزوم الرد للحكم ببطلان البيع، ويتوجه وجوب العقر على الواطئ، ولو
حمل على حمل لا يلزم منه بطلان البيع لم يلزم الرد، وأشكل وجوب العقر لأنها
ملكه حال الوطء، إلا أن نقول: الرد يفسخ العقد من أصله، أو يكون المهر جبرا
لجانب البائع، كما في لبن الشاة المصراة أو غيرها عند الشيخ، والأخبار مطلقة
في الحمل، وهو الأصح.
ولو كان العيب غير حبل ووطء تعين الأرش إجماعا إلا من الجعفي، وكذا
لو تصرف بغير الوطء، وفي مقدماته نظر، من التنبيه، ومن النص على إسقاطها
خيار الحيوان، ولأن الوطء مجبور بالمهر بخلاف المقدمات.
ومن التدليس جعل الشعر الجعد سبطا، والوجه الأصفر أحمر، والأسمر
أبيض، فإن شرط المشتري ذلك فله الخيار وإلا ففيه للشيخ تردد.
درس [4]:
وتاسعها: خيار العيب:
بين الأرش والرد: ما لم يتصرف بقطع الثوب أو خياطته أو صبغه وشبه
ذلك فيتعين الأرش.
وضابط العيب ما زاد على الخلقة أو نقص، للخبر عن النبي صلى الله عليه
وآله، كفوات عضو أو مرض كجنون وجذام وبرص وقرن - بسكون الراء -
وهذه الأربعة يرد بها الرق، ولو تجددت ما بين العقد وسنة، ما لم يتصرف
فالأرش.
ومنه الحدب في الظهر أو الصدر والسلع والإباق المتقدم على العقد، وعدم
حيض من شأنها الحيض، ويلوح من كلام ابن إدريس إنكار كونه عيبا، والرواية
مصرحة بكونه عيبا.
وعدم شعر الركب، وهي قضية ابن أبي ليلى مع محمد بن مسلم، والدردي
446

في الزيت والسمن إذا زاد على المعتاد.
والحبل في الأمة دون الدابة، والمرض المستمر أو العارض كحمى يوم،
والبخر في الرقيق، وبول الكبير في الفراش، والزنى، ولم يجعل الشيخ هذه الثلاثة
عيبا.
والسرقة، والخيانة والحمق البين، وشرب المسكر، والنجاسة في غير قابل
التطهير أو فيه إذا احتاج زوالها إلى مؤنة أو اقتضى نقصا في المبيع.
وعدم الختان في الكبير إذا لم يعلم جلبه من بلاد الشرك، ولو كان صغيرا
أو أمة فليس بعيب، وقال الشيخ: عدم الختان ليس بعيب مطلقا، وكونه لزنية،
وكونه أعسر على الأقرب، واستحقاقه الحد والتعزير المخوف أو القتل أو القطع.
أما الكفر والغناء وعدم معرفة الصنائع، وكونه محرما أو صائما أو متزوجا،
أو حجاما أو حائكا، وكون الأمة متزوجة أو معتدة فليس بعيب، ويقوى كون
الكفر عيبا وفاقا لابن الجنيد والشيخ في أحد قوليه.
فرع:
لو ظهر تحريم الأمة على المشتري بنسب أو رضاع أو مصاهرة ففي كونه
عيبا نظر، من نقص انتفاعه، وعدم صدق الحد عليه مع بقاء القيمة السوقية.
أما لو ظهرت الأمة بكرا والمشتري عاجزا عن الافتضاض فلا رد هنا قطعا
إلا مع الشرط، وقال الشيخ: لا رد وإن شرط، وهو بعيد.
ثم إطلاق العقد واشتراط الصحة يقتضي السلامة من العيب.
ويسقط خيار العيب بأمور أربعة:
أولها: علم المشتري به قبل العقد.
وثانيها: أن يرضى به بعده غير مقيد بالأرش.
وثالثها: أن يتبرأ البائع منه مفصلا، وفي التبري مجملا كقوله: برئت من
جميع العيوب، قولان أشهرهما الاكتفاء، علم البائع بالعيب أو لا.
447

فرعان:
الأول: هل يدخل العيب المتجدد بعد العقد وقبل القبض أو في زمن خيار
المشتري؟ فيه نظر، من العموم، ومن أن مفهوم التبري من الموجود حال العقد،
نعم لو صرح بالبراءة من المتجدد صح.
الثاني: لو تبرأ من عيب فتلف به في زمان خيار المشتري فالأقرب عدم
ضمان البائع، وكذا لو علم المشتري به قبل العقد أو رضي به بعده أو تبرأ في
زمن خيار المشتري، ويحتمل الضمان لبقاء علة الخيار المقتضي لضمان العين
معيبة، وأقوى إشكالا ما لو تلف به وبعيب آخر متجدد في الخيار.
ورابعها: أن يتجدد بعد قبض المشتري في غير مدة الخيار للمشتري أو
النسيئة فيما مر، ولو تجدد قبل القبض أو في الخيار فللمشتري الرد، وليس له
إجبار البائع على الأرش عند الشيخ ناقلا فيه عدم الخلاف، ولو اصطلحا عليه
جاز، وربما منع الإجماع أو لعله أراد به إجماع العامة، لأن ضمان الكل يقتضي
ضمان الجزء، إلا أن يقال: الثمن لا يتقسط على الأجزاء، فيمنع بالأرش في العيب
السابق على العقد.
أما الرد فيسقط ويبقى الأرش بأربعة:
أحدها: التصرف في المبيع علم العيب أو لا، كان التصرف ناقلا للملك أو
لا، مغيرا للعين أو لا، لازما أو لا، عاد إليه بعد خروج ملكه أو لا، وقال الشيخ:
إذا كان البيع قبل علمه بالعيب وعاد إليه فله رده، وقال: التدبير والهبة لا يمنعان
من الرد لأن له الرجوع فيهما بخلاف العتق، وسوى ابن إدريس بينهما، وجعل
ابن حمزة التصرف مانعا من الأرش إذا كان بعد العلم بالعيب.
والأرش بعد العتق للبائع ولا يجب صرفه في الرقاب، وكذا لو قتله البائع
فله أرش السابق.
وجوز الشيخ ركوب الدابة في طريق الرد وحلبها أو أخذ لبنها مع بقاء
الخيار، وتبعه الفاضل. أما العلف والسقي والإحراز فليس بتصرف قطعا، ولو
448

نقلها من السوق إلى بلده، فإن كان قريبا عادة فكالعلف، وإن كان بعيدا أو
مشتملا على خطر فهو تصرف على تردد.
وثانيها: حدوث عيب عند المشتري مضمون عليه، إلا أن يرضى البائع برده
مجبورا بالأرش أو غير مجبور، ولا يجبر البائع على الرد وأخذ الأرش، ولا يتخير
المشتري بينه وبين المطالبة بأرش السابق، ولو قبل البائع الرد لم يكن للمشتري
الأرش بالعيب الأول عند الشيخ.
ومن هذا الباب لو اشترى صفقة متعددا أو ظهر فيه عيب وتلف أحدهما، أو
اشترى اثنان صفقة فامتنع أحدهما من الرد، فإن الآخر يمنع منه وله الأرش، سواء
تعددت العين أو اتحدت، اقتسماها أم لا، وتردد في موضع من الخلاف للعموم
وجريانه مجرى عقدين، وقطع في المبسوط والشركة من الخلاف بجواز
تفرقهما، وهو خيرة ابن الجنيد وابن إدريس والقاضي، ونفاه في النهاية، وهو قول
المفيد والحلبي.
ولو اشترى من اثنين فله الرد على أحدهما دون الآخر قطعا، وكذا لو اشتريا
صفقتين من واحد.
فرع:
لو جوزنا لأحد المشتريين الرد لم نجوزه لأحد الوراث عن واحد، لأن
التعدد طارئ على العقد، سواء كان الموروث خيار عيب أو غيره، ومنه لو اشترى
شيئين فصاعدا فظهر العيب في أحدهما فليس له رده وحده بل ردهما أو
إمساكهما وأرش العيب.
ولو اشترى حاملا وشرط الحمل أو قلنا بدخوله فوضعت ثم ظهر على
العيب فليس له إفرادها بالرد، لا لتحريم التفرقة بل لاتحاد الصفقة، ولا فرق بين
الأمة والدابة، ولو حملت إحديهما عند المشتري لا بتصرفه فالحمل له وإن فسخ،
وترد لأم ما لم تنقص بالحمل أو الولادة، وأطلق القاضي أن الحمل عند المشتري
449

يمنع من الرد، لأنه إما بفعله أو بإهماله المراعاة حتى ضربها الفحل، وكلاهما
تصرف.
وثالثها: إذا اشترى من ينعتق عليه فإنه بنفس الملك، ويتعين الأرش هنا،
ويمكن رد هذا الوجه إلى التصرف.
ورابعها: إسقاط الرد في موضع يملكه ويختار الأرش، ولا فرق بين قوله:
اخترت الأرش أو أسقطت الرد.
وأما الأرش فيسقط ويبقى الرد في موضعين يأتيان إن شاء الله تعالى.
فرع:
قال في المبسوط: لو وهب المشتري العبد أو أبق من عنده فلا أرش له لأنه
لم ييأس من رده، ثم إن عاد ملكه، أو عاد الآبق رده وإلا أخذ أرشه، وظاهره أن
الأرش إنما يكون مع عدم القدرة على الرد وأن الرد جائز مع هذا التصرف،
وفيها مخالفة للمشهور.
درس [5]:
خيار العيب على التراخي، وله الفسخ بحضور البائع وغيبته قبل القبض
وبعده، ولو تنازعا في ذلك وكان الخيار باقيا فله إنشاء الفسخ، ويمكن جعل
إقراره إنشاء وإن كان قد زال، كما لو تلفت العين افتقر المدعي إلى البينة، ومع
عدمها لا يثبت الفسخ، وله إحلاف الآخر إن ادعى علمه بالفسخ.
فرع:
إذا قضي بعدم الفسخ فهل للمشتري أرش؟ الوجه ذلك لئلا يخرج عن
الحقين، ويحتمل نفيه مؤاخذة له بإقراره، ويحتمل أن يأخذ أقل الأمرين من
الأرش وما زاد على القيمة من الثمن إن اتفق، لأنه بزعمه يستحق استرداد الثمن
450

ورد القيمة، فيقع التقاص في قدر القيمة ويبقى قدر الأرش مستحقا على التقديرين.
ثم الفسخ يقتضي رفع العقد من حينه، فالنماء المتجدد بين العقد والفسخ
للمشتري، لأن الخراج بالضمان، ويشكل إذا كان المبيع مضمونا على البائع
كما لو كان بيده أو في مدة خيار المشتري بسبب الشرط أو بالأصل، كخيار
الحيوان، ولو جعلنا النماء تابعا للملك لا للضمان فلا إشكال أنه للمشتري على
كل حال، والشيخ تارة يجعله تابعا للضمان وتارة للملك.
ويجب على البائع الإعلام بالعيب الخفي على المشتري إن علمه البائع،
لتحريم الغش، ولو تبرأ من العيب سقط الوجوب، قال الشيخ: والإعلام أحوط.
وكيفية معرفة الأرش أن يقوم صحيحا ومعيبا ويؤخذ من الثمن مثل نسبة
نقص المعيب عن الصحيح، لا تفاوت ما بين المعيب والصحيح، كما قاله علي
بن بابويه والمفيد، لأنه قد يكون مساويا للثمن، فكأنهما بنيا على غالب الأحوال
من شراء الشئ بقيمته.
ولو اختلف المقومون انتزعت قيمة من المجموع ونسبتها إليه بالسوية، ففي
القيمتين يؤخذ نصفهما، وفي الثلاث ثلثها وهكذا.
ويشترط في المقوم العدالة والمعرفة والتعدد والذكورة وارتفاع التهمة.
فروع:
الأول: لو زادت قيمة المعيب عن الصحيح كما في الخصي احتمل سقوط
الأرش وبقاء الرد لا غير، ويشكل مع حصول مانع من الرد بحدوث عيب أو
تصرف، فإن الصبر على المعيب ضرار والرد ضرار.
الثاني: لو اشترى ربويا بجنسه فظهر فيه عيب من الجنس فله الرد لا الأرش،
حذرا من الربا، ومع التصرف فيه الإشكال.
ولو حدث عنده عيب آخر احتمل رده وضمان الأرش كالمقبوض بالسوم،
ويحتمل الفسخ من المشتري أو من الحاكم ويرتجع الثمن ويغرم قيمة ما حدث
451

عنده بالعيب القديم كالتالف من غير الجنس، والأول أقوى لأن تقدير الموجود
معدوما خلاف الأصل.
الثالث: لو اختلفت أحوال التقويم فالأقرب اعتبار يوم العقد، لأنه حين
الانتقال على الأصح، ومن قال بانقضاء الخيار يحتمل تقويمه حينئذ، وهو
ضعيف، لأنا لو سلمنا ذلك فالتراضي والمعاوضة إنما هو حال العقد، وأما اعتبار
انتقال الضمان فأضعف، وقوى الشيخ اعتبار أقل الأمرين من قيمته يوم العقد
والقبض.
ثم لو تنازعا في سبق العيب حلف البائع، ولو كان هناك قرينة تشهد
للمشتري وأفادت القطع فلا يمين، وقرينة البائع كذلك.
ولو تنازعا في التبري أو في علم المشتري حلف، ولو أنكر البائع كون
المعيب مبيعه حلف، ولو صدق على أن مبيعه معيب وأنكر تعيين المشتري حلف
المشتري.
ولو تنازعا في تصرف المشتري أو حدوث عيب عنده حلف، ولو كان
العيب مشاهدا غير المتفق عليه فادعى البائع حدوثه والمشتري سبقه فكالعيب
المنفرد.
ولو ادعى البائع زيادة العيب عند المشتري وأنكر، احتمل حلف المشتري
لأن الخيار متيقن والزيادة موهومة، ويحتمل حلف البائع إجراء للزيادة مجرى
العيب الجديد.
ولو حدث في المبيع عيب غير مضمون على المشتري لم يمنع من الرد،
فإن كان قبل القبض أو في مدة خيار المشتري للشرط أو الأصل فله الرد ما دام
الخيار، ولو خرج الخيار ففي الرد خلاف بين ابن نما وتلميذه المحقق، فجوزه ابن
نما لأنه من ضمان البائع، ومنعه المحقق لأن الرد لمكان الخيار وقد زال.
ولو كان حدوث العيب في مبيع صحيح في مدة الخيار فالباب واحد، وقد
ثبت الخيار بالشركة وتبعض الصفقة والإفلاس والوفاة مع الوفاء وغير ذلك
452

مما هو مذكور في مواضعه.
لواحق:
الأولى: لو أقر مشتري الأمة المزوجة عقدها فوطئها الزوج ثم ظهر بها عيب،
فإن كانت بكرا فلا رد وله الأرش، وإن كانت ثيبا، احتمل ذلك لأنه كتصرف
المشتري - وهو مختار الفاضل - واحتمل الرد لأن الوطء مستند إلى العقد
السابق من البائع وهو خيرة القاضي.
الثانية: الخلاف في أخذ الأرش في العيب الحادث في خيار المشتري
كالخلاف في الحادث قبل قبضه، فيلزم الشيخ في النهاية والقاضي والحلبي
جواز الأرش هنا، كما قالوا به ثم، وفيه قوة.
الثالثة: ظاهر المفيد - رحمه الله تعالى - أن حدوث العيب عند المشتري لا
يمنع من الرد، ويشكل إذا كان غير مضمون على البائع.
الرابعة: جعل في الخلاف قطع الثوب وشقه أو صبغه وبيعه مانعا من الأرش
ولو كان باقيا، وقيل: للبائع استرداده ودفع قيمة الصبغ فلا أرش للمشتري،
وفيهما إشكال، وقطع الفاضل بالأرش فيهما.
453

المسائل لابن طي
للشيخ أبي القاسم
علي بن علي بن جمال الدين محمد بن طي العاملي
455

كتاب البيع والدين وما يتبعهما
وفيه مقاصد:
المقصد الأول: في المبيع والدين والشفعة:
وفيه مسائل:
مسألة [1]: يجوز بيع عذرات الحيوان المحلل كالبقر وشبهه، وكذا يجوز
بيع أبواله، وأرواث الحيوان المكروه على كراهية كالأصل.
مسألة [2]: القرض إذا تقدم منهما مواطاة على القرض، ثم حال الدفع لم
يذكروا إيجاب وقبول، قال: هو قرض صحيح وتجب الزكاة على المقترض.
مسألة [3]: إذا أقرض شخص شخصا مالا في مكان وقصدهما مفارقته وطلب
فيه أو في غيره، وجب على المقترض الدفع وعلى المقرض القبول، ولو كانا في
مكان إقامتهما لم يلزم بالتسليم إلا فيه.
مسألة [4]: الإجمال السعي لتحصيل قوت السنة من غير إلحاف بل إجمالا.
مسألة [5]: إذا امتنع مالك الدين من قبضه دفعه إلى الحاكم، ومع فقده إلى
457

بعض المؤمنين أو الفقيه إن وجده، وإلا عزله وخلا بينه وبينه فحينئذ يكون هلاكه
من المدفوع إليه.
مسألة [6]: لو استقرض شخص من آخر دراهم كاملية، هل يجوز أن يعطيه
بدلها دراهم بندقية أم لا؟ لأن بينهم تفاوت، لأن الدراهم البندقية إذا كان وزنه
نصف وربع أو أكثر فإنه يخرج بدرهم كاملي، وأيضا هل يجوز قرض الدراهم
البندقية بمثلها بندقية أم لا؟ لأن أوزانها مختلفة، فيها شئ وزنه نصف وربع وفيها
شئ أكثر وأقل والكل يخرج بدرهم، وقد جرت العادة بين الناس أن كلما كان
بنصف وربع وحبة أو أكثر فإنه يخرج في المعاملة.
الجواب: الدراهم من ذوات الأمثال فإن كانت الدراهم المذكورة مماثلة
الدراهم المقترضة جاز أخذ عوضها ووجب على المقرض قبضها، أما قرضها بمثلها
جائز وهذا الذي ذكر مسامح به وقد جرت العادة به ومغتفر.
مسألة [7]: لو رد ما اقترض عددا دون العدد مع التساوي وزنا لم يجبر
المقرض على قبوله، كما لو أقرضه عشرة دراهم مثلا أو عشرة أرغفة رد خمسة
بمثل وزن العشرة.
مسألة [8]: لو اشترى أرضا فظهر فيها بئر لم يدخل في البيع، وإن كان
معلوما لهما صح البيع ودخل البئر.
مسألة [9]: لو مات أحد المتعاملين على سبيل المعاطاة لزم العقد وكان
كتلف أحد العوضين.
مسألة [10]: لو باع مال غيره على سبيل الفضول صح ووقف على الإجازة
458

والنماء الحاصل بين البيع والإجازة تكون للمشتري.
مسألة [11]: قوله: لو باع الشاة والخنزير - إلى قوله - يقوم عند مستحليه،
قال: إنما يكون التقويم من شخص مسلم يعلم قيمته عند مستحليه، ولا يعتد
بتقويم الكافر، ولو فقد المسلم المطلع على أحوالهم لم يبق إلا الصلح.
مسألة [12]: يجوز معاطاة المميز إذا غلب على الظن أنه مبعوث، ويجوز
تسليمه بعض الأمتعة إذا غلب على الظن أن والده أذن له بل وأمه.
مسألة [13]: لو اشترى من الغاصب مع علمه لم يرجع عليه المشتري إلا مع
بقاء الثمن.
مسألة [14]: لو باع إنسان سلعة وشرط لنفسه الخيار صح، فمتى تصرف في
الثمن سقط خياره هذا إذا كان في الثمن المعين.
مسألة [15]: يصح بيع أربع كلاب: كلب الزرع وكلب الماشية وكلب
الصيد وكلب الحائط ولو كان جروا إذا قبل التعليم.
مسألة [16]: الضريبة التي تملك لبن الشاة بها مدة معينة مع بقاء عينها
لمالكها أن تحلب منها شيئا موزونا، ثم تصالحه عليه وعلى ما يتجدد لها من اللبن
لسنة مثلا بعشرة مثلا، فإن قيل: ذلك ضم معلوم إلى مجهول، قلنا: ذلك
مختص بالبيع فيجوز في باب الصلح، والشيخ الطوسي استحسن جواز الصلح
من غير حلب.
459

مسألة [17]: كل شرط فاسد في عقد جائز فإنه لا مدخل له في اللزوم
ويترتب عليه الجواز، وكل شرط فاسد في عقد لازم فإن كان بمعنى التوقف عليه
بطل العقد قطعا، وإن كان مجرد الضميمة ففيه وجهان: بطلان العقد لعدم الرضا
به من دونه، وصحته للقصد إلى الفعل واستيفاء حقه منه، فالضميمة تجري
مجرى عقد فاسد مضاف إلى الصحيح، وهو اختيار الشيخ في المبسوط، ويؤيده
أن النبي صلى الله عليه وآله لم يحكم ببطلان شراء بريرة، مع أنهم شرطوا
فيها الولاء، بل الشرط خاصة، وقد قال عليه السلام: حكمي على الواحد حكمي
على الجماعة.
مسألة [18]: من باع ولم يقبض المبيع فالبيع لازم ثلاثة أيام وبعدها للبائع
الخيار، ولو قبض المشتري من دون إذن البائع لا عبرة بقبضه ولا يترتب عليه
حكم، غير أنه لو تلف كان من ضمانه ولم يبطل خيار البائع، لأن هذا القبض
منهي عنه، أما لو تصرف البائع في الثمن المعين سقط خياره.
مسألة [19]: لو أنفقا على حيوان أو غيره بثمن، ودفع الثمن إليه على جهة
المعاطاة، ثم تلف البعض من الثمن، كان لهما الفسخ في الجميع.
مسألة [20]: ضابط كلما تلف المبيع قبل قبضه فمن البائع، إلا أن يكون تلفه
مستندا إلى المشتري، وكلما تلف بعد قبضه فمن المشتري إلا أن يختص بالخيار
أو يكون التلف مستندا إلى البائع، وأيضا كل مبيع تلف فمن مال المتشبث إلا
أن يستند إلى الآخر، ويختص الخيار بالمشتري.
مسألة [21]: لا تباع أم الولد إذا كان ولد ولدها حيا وإن نزل إلا في موضع
التسويغ.
460

مسألة [22]: لو اشترى عبدين صفقة فهلك أحدهما في الثلاث له رد الباقي
والإمساك، ولو اشترى دارا وعبدا صفقة فمات العبد في الثلاث ليس له رد
الدار، ما الفرق؟
قال: الفرق أن الحيوان عينه في الثلاثة مضمونة بخلاف الدار.
مسألة [23]: لو تلف المبيع من الحيوان وغيره بعد القبض في الخيار
المشترك سواء كان في الثلاثة الحيوان أو غيره يكون التلف من مال المشتري.
مسألة [24]: إذا قضاه دون حقه، فامتنع حتى يقبض الجميع فهلك ذلك
القدر من يد المديون بغير تفريط، كان من مال الممتنع إلا في ثمن المبيع لأن له
الامتناع حتى يقبضه المشتري كل الثمن.
مسألة [25]: في القبض في المبيع التفصيل المذكور.
مسألة [26]: هل يصح بيع النحل إذا شوهد معظمه بقول، وكذا كل ثمر
شوهد معظمه يصح بيعه ويلحقه خيار الحيوان، وكذا الطير ودود القز، ولا تضر
ضميمة الشهد، فإن الدابة يردها مع رحلها.
مسألة [27]: يجوز شراء الجلد من المسلمين إذا لم يعلم أنهم يستحلون الجلد
بالدباغ.
مسألة [28]: عقد الفضول في البيع والنكاح والشراء والصلح والهبة
والإجارة صحيح ويلزم مع الإجازة.
461

مسألة [29]: إذا باع إنسان غيره سلعة وتقابضا، ثم تلف العوض والمعوض
وتقايلا، صح ورجع كل منهما بقيمة متاعه أو مثله.
مسألة [30]: يصح بيع الثمرة إذا ظهرت وإن لم يبدأ صلاحها من دون
الضميمة بسنة وأزيد.
مسألة [31]: هل يبطل العقد باللحن في الإيجاب أو القبول، وسواء عرف
العربية أم لا؟ إذا لم يغير المعنى ولم يستلزم نقصا من الكلام لم يضر.
مسألة [32]: لو ادعى المغبون على خصمه علمه بالغبن حالة البيع فأنكر
وقال: لم أعلم القيمة، فهل له أن يلزمه باليمين على البت؟ أفتنا مأجورا، قال: بل
على أنه لا يعلم القيمة.
مسألة [33]: إذا باع الإنسان سلعة وفيها غبن، وقلنا أن له الخيار في الفسخ
به وإن باع المشتري، ويأخذ من المشتري وإن تعدد فهل هو هكذا أم لا؟ نعم.
مسألة [34]: إذا بيع الكرم وجهل المشتري أنواعه إلا أنه يعلم اشتماله على
أنواع ولم يعلم كم هي أصل من كل نوع وهو راض على هذا التقدير، ولو كان
معظمها من أدنى نوع فيها فهل يصح البيع أم يكون باطلا على كل حال حتى
يعلمه مفصلا؟
قال: لا بد من معرفة الأنواع بالتفصيل إذا كان اختلافها مما يوجب نقصا
في الثمر لا يتغابن به أو زيادة كذلك.
مسألة [35]: إذا بيع الملك أو نقل بأحد العقود وفيه قبور هل يجوز
462

لمشتري حرث ظاهرها أم لا؟ قال: لا يجوز.
مسألة [36]: إذا باع الوارث بعض التركة وعلى الميت دين محيط، ما
الحكم فيه؟ وإذا لم يكن محيطا ما الحكم فيه كذلك؟
قال: إن وفي الدين صح على التقديرين وإلا فللمدين الفسخ.
مسألة [37]: هل يصح بيع الطير في الهواء إذا اقتضت العادة بعوده أم لا؟
نعم إذا كان المتبايعان يعلماه أو وصف لهما.
مسألة [38]: قال: ولو مات المتبايعان واختلف ورثتهما في مقدار الثمن،
فالقول قول ورثة المشتري بكل حال سواء كانت العين تالفة أو باقية، وربما
جهل ورثة كل منهما على مورثهم قوي.
مسألة [39]: كل موضع يثبت فيه الخيار مع التصرف هل يرد السلعة ويرد
أرش نقصها لو كانت نقصت أو أجرتها لو كان لها أجرة أم لا؟ وهل لا فرق بين
طول الزمان وقصره؟
قال: لا يكاد يتصور هذا في غير خيار الغبن أو خيار الشرط في بعض
صوره، كما لو شرط عتق العبد، وحينئذ يثبت الأرش والنماء للمشتري.
مسألة [40]: قال: خيار المجلس يبطل بالتصرف وبالتخاير، وكذا قوله:
اختر، هل هو على الإطلاق؟ الأولى أنه لا يبطل بمجرد هذا اللفظ، والتخاير أن
يقول: اخترت الفسخ، وقيل: هو أن يقول لصاحبه: اختر، والأول حسن.
مسألة [41]: إذا تقايل المتبايعان وقد نمت السلعة نماء منفصلا، هل يرد معها
463

أو يكون للمشتري؟ وهل لا فرق بين طول الزمان وقصره أم لا؟ قال: لا فرق
والمنفصل للمشتري قبل الفسخ.
مسألة [42]: لو قبض بعض الثمن بعد بيع السلعة، وقبض المشتري السلعة
باذنه، ومضت ثلاثة أيام ولم يقبض التتمة، فهل للبائع الفسخ أم لا؟ لا ولو لم
يقبض المشتري السلعة فالظاهر أن له الفسخ مع بقاء شئ من الثمن ولو درهما.
مسألة [43]: قال: يباع ملك اليتيم مع الحاجة إليه في نفقته وكسوته مع
تعذر الطريق إلى الإنفاق من غير بيعه.
مسألة [44]: قال: لو حضر المشتري الكيل أو الوزن، فالقول قوله إن كان
النقص يسيرا يمكن الغفلة عنه بخلاف الكثير.
مسألة [45]: لو بعت إنسانا سلعة وأبرأته من بعض الثمن أو كله ثم فسخ في
مدة الخيار رجع علي بما أبرأته منه.
مسألة [46]: أجود الصيغ في بيع الحامل أن يقول: بعتك هذه الدابة بهذا
الثمن وشرطت لك تملك الحمل.
مسألة [47]: لا يثبت الربا بين الزوج وزوجته وإن كانت متعة على الأقرب،
ولا بين الأب وإن علا وابنه ولكل منهما أخذ الفضل من الآخر.
مسألة [48]: لا تباع ثياب التجمل في الدين إلا أن يسرف.
464

مسألة [49]: لو اشترى أمة وظهر بها حمل فله ردها، فلو عاد وطئها بعد
علمه بحملها فهو تصرف لا يجوز له.
مسألة [50]: لو قال المشتري: اشتريت منك بشرط أن يكون لي الخيار مدة
معلومة بشرط أن أتصرف ولم يسقط خياري، جاز.
مسألة [51]: لو فارق المتبايعان المجلس مصطحبين على المسافة التي عقدا
عليها من غير تزايد المسافة بينهما لم يقدح، ولو مات أحدهما أو نام لم يحصل
فرقة.
مسألة [52]: لو باع متاعا أو اشترى كذلك وفيه غبن فاحش فللمغبون
الخيار إن لم يعلم القيمة حين الابتياع، والقول قوله في عدم المعرفة بالقيمة إلا أن
يقيم خصمه البينة بمعرفته، والخيار في الفسخ على الفور.
مسألة [53]: لو فسخ في موضع الخيار فالعين مضمونة عليه إلا أن يسلمها
إلى المالك، سواء كان تأخير التسليم لعذر أم لا، ولو ادعى الفسخ لا يقبل منه
إلا ببينة.
مسألة [54]: قوله في بيع الطعام: إلى الليل، أي البيع لازم إلى الليل من
طرف المشتري، وبعد انقضاء النهار فالخيار للبائع إلى الفجر، ولا يلزم
بانقضاء النهار بطلان البيع إن لم يبطله البائع.
مسألة [55]: لو اشترى إنسان سلعة ثم ظهر بطلان البيع بعد التصرف فيها
بالذبح أو القصابة كان للمشتري التفاوت وهو ما بين قيمتها حية وقيمتها مهيئة
465

للبيع.
مسألة [56]: قال: لو تصارف وكيلي شخصين فالاعتبار بتفرق الوكيلين لا
الموكلين، ولو قبض أو نقل ما يكال أو يوزن كان ذلك قبضا لأنه أبلغ من
الوزن.
مسألة [57]: لو دفعت إلى إنسان دراهم ثمن مبيع ثم جاء ببعضها نحاسا
وادعى أن الدراهم التي دفعها إليه ثمنا، هل يقبل قوله أم لا؟
قال: يحلف الدافع أنها ليست من دراهمه وإلا غرم بدلها.
مسألة [58]: إذا كان للبائع الخيار وشرط التراد، فإذا تصرف البائع في هذا
الثمن هل يسقط خياره أم لا؟
قال: لا إلا أن يشترط عليه المشتري إحضار عين الثمن.
مسألة [59]: إذا زاد مختلف الأجزاء أو نقص وكذا متساوي الأجزاء، بين
لنا ما الحكم في فروع المسألتين مطلقا وما حكم المشتري فيهما؟
قال يتخير كل من البائع والمشتري في الزيادة والنقصان في مختلف
الأجزاء مع جهالتهما، وأما متساوي الأجزاء فالظاهر أنه لا خيار للبائع مع
احتماله، نعم يتخير وفي المشتري يتخير.
مسألة [60]: هل يقوم التمكين من القبض مقام القبض ويكون تلفه بعده من
مال المشتري أم لا؟ نعم.
مسألة [61]: قوله: ولو حبسه ببقية الثمن فهو غاصب ولا يكون رهنا إلا أن
466

يشترط في البيع، ما مقصود المصنف هنا؟ وقوله: وللبائع حبس السلعة حتى
يقبض الثمن أجمع من غير عصيان؟
قال: هذا سؤال حسن، ولعله أراد أن المشتري يقول نتقابض معا والبائع
يطلب تقديم قبض الثمن، فيصير بهذا الحبس على هذا الوجه عاصيا.
مسألة [62]: إذا ادعى المشتري تقديم العيب فأنكر البائع، هل يحلف البائع
على عدم العلم أم على البت؟ نعم إلا أن يدعي عليه العلم فيحلف على نفي العلم.
مسألة [63]: لو باع إنسان عقارا ولم يقبض الثمن ولا قبض المبيع، وقلتم
أن التخلية في العقار كافية، فهل يلزم من طرف بائعه؟
الجواب: إذا خلي بينه وبينه فقد قبضه مع إمكان الوصول إليه، فإن لم يأت
بالثمن جاز للبائع أخذه مقاصة.
مسألة [64]: لو أن بقعة تواتر أنها للغائب عليه السلام وما يدري بأي وجه له
ويحبسها الناس واستأجمت وفيها أصول ثمر، فهل يجوز لأحد من المسلمين
التسلط عليها والانتفاع بها أم لا؟
قال: يولي بيعه لرجل علوي الحاكم أو من يأذن له الحاكم.
مسألة [65]: قوله في الربا: وتحرم الزيادة في العين والحكم، فالحكم كبيعه
نسيئة.
مسألة [66]: لو قال: خذ هذه العشرة دراهم في أربعة أكيال قمح صفتها
كذا إلى كذا، ودفعها بغير عقد صح، وكذا لو قال: خذ هذه السلعة بكذا إلى
كذا، ودفعه إليه.
467

مسألة [67]: قال عليه السلام: لا تبع الثمرة حتى تنفتح، أي حتى تزهو،
قال: إذا أطلع يجوز بيعه.
مسألة [68]: قال بعضهم: يرد مع التصرف في ثمان مواضع:
أ - الجارية الحامل الموطوءة.
ب - المصراة المحلوبة.
ج‍ - المغبون.
د - شارط التصرف مع بقاء الخيار.
ه‍ - الشارط ما ليس فقده عيبا وفيه نظر.
و - الكاذب في الإخبار كبيع المرابحة.
ز - راكب الدابة المردودة في طريق الرد على قول ضعيف.
ح - كذب الأجل.
مسألة [69]: يجوز بيع الصوف على ظهر الغنم منفردا، نعم وكذا يجوز بيع
الجلد على ظهر الحيوان مع المشاهدة لأرباب الخبرة.
مسألة [70]: قوله: ويصح بيع الصاع من الصبرة وإن كانت مجهولة
الصنيعان، وهل يترك على الإشاعة؟ فيه نظر ببقاء ما بقي صاع واحد.
مسألة [71]: لو قبض الإنسان كيل قمح مثلا من شخص، وكان سعره
وقت قبضه إياه عشرة مثلا على سبيل المعاطاة، ثم قبض ثم رخص وعاد إلى
ثلاثة مثلا وقد هلكت عينه، فهل يلزمه مثله أو قيمته يوم قبضه؟
قال: إذا أخذه منه بعوض معين وتلفت عينه فليس عليه إلا العوض.
468

مسألة [72]: لو أوجب صاحب الحنطة بأن يقول: أسلمت إليك كيل حنطة
مثلا صفته كذا إلى كذا بكذا، كان باطلا، بل يكون الإيجاب من صاحب
الدراهم: أسلمت وأسلفت وما أشبهه، ومن البائع: بعت وملكت واستلمت منك
كذا.
مسألة [73]: لو رد المشتري السلعة لعيب فأنكر البائع أنها سلعته قدم قوله
مع اليمين، ولو ردها لخيار فأنكر البائع أنها سلعته قدم قوله مع اليمين احتمل
المساواة.
قال: لا مساواة للفرق وذلك لأن في الأولى يدعي المشتري تعيب السلعة
والأصل عدمه، وفي الثانية هو مصدقه على ثبوت الخيار.
مسألة [74]: لو باعه وشرط له الخيار والتصرف مدة، فلو عاب بالتصرف
هل له أن يرده مجانا، وكذا لو تلف؟ وهلا فرق بين أن يكون العيب والتلف من
قبل المشتري أم لا؟
الجواب: الاشتراط صحيح ويقوى أن التلف من ضمان البائع وكذا العيب.
مسألة [75]: لو باعه حيوان مثلا وأذن له في القبض ولم ينقده الثمن أجمع
في هذه المدة، فهل له الفسخ أو لا وقد نقل إلى العبد أن له الفسخ؟
الجواب: إذا شرط نقد الثمن فله الخيار وإلا فلا، نعم لو تعذر الثمن سعى إلى
الحاكم ومع تعذره فله إمساك المبيع مقاصة شرعية.
مسألة [76]: النهي في المعاملات هل هو مفسد لها أم لا؟
الجواب: هذه مسألة أصولية والتحقيق فيها هناك، والظاهر أنه إن كان نهي
بغير ذلك الشئ فهو فاسد كبيع الملاقيح والمضامين والمكره، وإن كان
469

النهي لأجل وصف عارض لا يفسده كالبيع وقت النداء.
مسألة [77]: إذا بذل الغابن التفاوت هل يسقط خيار المغبون أم لا؟ لا.
مسألة [78]: عقد البيع والنكاح والخلع عقيب البذل والإجارة والصلح
والمساقاة، هل يشترط أن يكون الجواب مقارنا الإيجاب كمقارنة التكبير للصلاة
أو يجوز كلما يعد جوابا وإن تخلله زمان يسير؟
الجواب: لا اعتبار هنا بالزمان اليسير ولا يضر في ترتيب الحكم.
مسألة [79]: التين والعنب وما يكون من الثمر والخضراوات إذا كان في
ظرف غير معلوم الوزن هل يجوز شراؤه على هذه الحال؟
الجواب: لا بد من اعتباره أو الصلح عليه مع تعذر الاعتبار، ولو نقله بغير
الاعتبار لم يفد الملك ويأثم بالتصرف حينئذ، ولو أخذه معاطاة أمكن الجواز.
مسألة [80]: إذا بيع ثمرة الكرم ولم يكن قد أخرج ثمره ولم يعرف أنواعه
ولا وصفه البائع هل يصح أم لا؟ وهل يصح الصلح إذا لم يصح البيع أم لا؟
الجواب: يصح بيع ثمرته بعد الظهور لكن الأولى مع العلم بكل ما له
مدخل في الثمر وإن لم يظهر أو كان مجهولا بطل والصلح هنا الأولى تركه، وإذا
بيع أصل الكرم والمشتري جاهل أنواعه لا يصح متى ما كان لجهل أنواعه
مدخل في الثمن، وأما الصلح فإن أمكن معرفة أنواعه لا يصح أيضا.
وكتب محمد بن مكي:
مسألة [81]: لو دفعت إلى إنسان شيئا من دينه في موضع يجب عليه القبض
ولم يقبض يكون عاصيا بتضيق صلاته، نعم هذا في موضع يجب عليه القبض
470

احترازا من مال السلم وشبهه كمال الصرف وثمن المبيع فإنه لا يجب قبض
البعض هنا.
مسألة [82]: يجوز شراء ما يؤخذ باسم المقاسمة من الغلات وغيرها ما لم يزد
عن المعتاد بالنسبة إلى ذلك البلد، وما يؤخذ من الفلاحين في صورة الضمان
يجوز شراؤه وإن كان أزيد من المقاسمة المعتادة سواء ضمنوا طوعا أو لا.
مسألة [83]: النجش حرام إن فعله، أما الزيادة التي تؤخذ فليس بحرام.
مسألة [84]: الاحتكار حرام وهو حبس القوت وحده ألا يوجد باذل غيره في
القرية، وضابط الضرر التي يحصل للمشتري بالنسبة إلى المشتري.
مسألة [85]: لو حضر شخص بيع ملكه وسكت لم يكن رضا منه، ولو ادعى
عليه الرضا لم يتوجه عليه اليمين.
مسألة [86]: لو اشترى دابة بشرط الحمل فظهر الخلاف فله الفسخ وإن
تصرف، وإن كان على سبيل الاحتياط فلا فسخ ولا أرش.
مسألة [87]: بيع المعاطاة هل يملك كل منهما مع التلف والخروج عن
الملك اللازم أو الجائز؟
الجواب: المعاطاة لا يتصور فيها ملك إلا بتقدير بقاء العين بعد تلف
الأخرى، نعم يباح فيها التصرف وتملك ضمنا، قال: ويشترط فيها قبض
العينين، أما لو سلم أحد العينين خاصة تسمى هذه معاوضة.
471

مسألة [88]: لو قال: اشتريت منك هذه السلعة بكذا صح ولا يفتقر إلى
قبول آخر.
مسألة [89]: لو حبس الظالم إنسان وجناه وباع شيئا من أملاكه بنفسه أو
وكيله صح.
مسألة [90]: هل يصح بيع الحجارة المدفونة المشتملة عليها الدار؟
الجواب: إذا لم تكن جزءا من الأرش وهي مقصودة بطل.
مسألة [91]: لو ترك ذكر المجاز في بيع البستان والمسكن مع تفاوت
الرغبة هل للمشتري خيار مع الجهل أم لا؟
الجواب: لا خيار إلا مع نزول الضرر عرفا.
مسألة [92]: الأحجار المدفونة للبائع وللمشتري الخيار إن حصل بها عيب
وله الإمساك بأن يأخذ الأرش بقلعها.
مسألة [93]: إذا جرت المساومة على جملة مقدرة ثم حال العقد نقصوا عليها
أو زادوا نسيانا بطل البيع لأن ما أوقعوا العقد عليه غير مقصود وحده.
مسألة [94]: لو اشترى ثمرة بستان ثم تجدد ثمره أخرى كالعنب الإفرنجي
مثلا لم يدخل إلا مع الشرط.
مسألة [95]: هل يجوز بيع العنب على أصله وهل يشترط أن يراه كله أو
معظمه أو لا؟
472

الجواب: لا بد من مشاهدته بحيث يصير غير مجهول عند المتعاقدين
ويحصل ذلك بمشاهدة معظمه المقصود فإنه رافع للجهالة والضابط رفعها.
مسألة [96]: إذا باع إنسان إنسانا آخر ثوبا قيمته عشرة دنانير بعشرين دينارا
إلى شهرين، وأقرضه مع ذلك عشرين دينارا والزيادة في الثوب بسبب هذه
العشرين دينارا، هل يكون البيع صحيح أو لا؟ والقرض يكون حراما أو
مكروها.
الجواب: المشهور الكراهية وتركه أولى وأحوط.
وكتب محمد بن مكي:
مسألة [97]: قوله: ويلزمه قيمة الولد في الأمة الموطوءة يوم الولادة إن ولد
حيا، ولو سقط ميتا لا قيمة له بل عقرها وأرش نقص الولادة، أما الذي قال: تقوم
بنفس الوطء ولا يقوم الولد حينئذ للزومه القيمة وملك الأمة حالة الوطء.
مسألة [98]: يشترط في التبري من العيوب فهم المشتري لمعنى اللفظ ولا
يكتفي بعبارة الفقهاء للعوام، معناه إذا قال البائع للمشتري: اشتر بالبراءة من
العيب لا بد أن يعرفه ما فائدة اللفظ.
مسألة [99]: قال: سوق الدابة المسافة البعيدة تصرف دون اليسير، وكذا
الخطرة تصرف.
مسألة [100]: يجب على البائع إعلام المشتري بالعيب ويتخير المشتري
لقوله عليه السلام: من غشنا فليس منا، وقيل: لا يجب الإعلام، الشهادتان
والتكبير من المشتري، وقيل: الشهادتان من المشتري والتكبير من البائع
473

والتكبير ثلاثا، وقيل: واحدة.
مسألة [101]: ضميمة الحمل بغير لفظ البيع جائزة كيف كان إن لم يقصد
بالبيع.
مسألة [102]: يدخل الحمل في بيع أمه في ثلاث مواضع:
أ - إذا شرط تحقيقا بأن كان ظاهرا أو تقديرا بأن كان مظنونا.
ب - إذا جرت المساومة عليه وعلى أمه.
ج‍ - إذا بذل يمينا لا يصلح إلا لهما على تقدير الحمل ففي هذه الصور الثلاث
يدخل.
مسألة [103]: قوله: لو اشترى بالبيع الفاسد الأمة الحامل أو الدابة كذلك
ضمن الأصل والحمل معا، هل هو هكذا أم لا يضمن إلا بالتفريط؟
الجواب: إن شرط الحمل فالضمان متوجه وإلا فمشكل لأنه لو صح البيع
لكان أمانة فالفاسد مثله.
مسألة [104]: إذا ورث الخيار اثنان وأراد أحدهما الفسخ والآخر الإجازة
فأيهما يرجح؟ طبق لنا كلام جمال الدين في القواعد في هذه المسألة، قال: لا
يمضي لأحدهما اختيار ما لم يتفقا هذا معنى كلامه.
مسألة [105]: لو دفع إليه خمسة دراهم في كيل قمح عوضا وكان عند
البائع قمح يبيعه هكذا ولم يواجبه البيع ثم غلا السعر، هل تثبت المعاوضة أو له
دراهم فقط؟ وقيل: إن شاهد المبيع لزم وإلا له الدراهم حسب.
474

مسألة [106]: قوله في بيع المرابحة: ولو قال اشتريته بأكثر لم يقبل منه ولو
أقام بينة، هكذا قال في الشرائع والتحرير، فهل هو هكذا أم يقبل؟ قال: لا يقبل
إلا إذا تأول بالنسيان مثلا أو بشراء الوكيل أو أقام بينة كذا.
مسألة [107]: لو تداعا اثنان عقدا أحدهما ادعى الصحة والآخر الفساد، وأقام
كل منهما بينة، قال: يقدم بينة مدعي الصحة لأنها تتضمن الإثبات.
مسألة [108]: إذا تعاطى شخصان ومزج مال المعاطاة بغيره، هل ينزل
منزلة التلف في اللزوم أم لا؟ نعم.
مسألة [109]: هل الخيار في الغبن والنجش والرؤية على الفور أم لا؟ قال:
الفور أولى.
مسألة [110]: لو باعه دراهم بدنانير أو بالعكس يشترط فيه التقابض في
المجلس كما يشترط في المثلين؟ نعم.
مسألة [111]: لو انتقل الشقص بالصلح لا يثبت فيه الشفعة وتثبت لو انتقل
بالتولية والمرابحة والمواضعة.
مسألة [112]: لو اشترى دارا وأغصان شجرة للبائع بارزة إليها فليس
للمشتري عضدها.
مسألة [113]: في الشفعة لو كانت الأرض مشغولة بالزرع، فإن أخذ
الشفيع وجب الصبر، وهل له الترك عاجلا والأخذ وقت الحصاد؟ وإذا أخذ
475

الشفيع فهل يلزم وزن المال عاجلا؟
مسألة [114]: قوله: ولا تقبل شهادة البائع لأحدهما ويحتمل القبول على
الشفيع مع القبض وله بدونه، قال: عدم القبول قوي.
مسألة [115]: لو أسقط حقه من الشفعة قبل البيع أو ترك أو عفا أو أذن،
فالأقرب عدم السقوط، وكذا لو كان وكيلا لأحدهما في البيع أو بارك لأحدهما
في عقده أو أذن للمشتري في الشراء أو شهد على البيع أو ضمن العهدة للمشتري
أو شرط الخيار له فاختار، أفتنا مأجورا؟
قال: الجميع لا يسقط إلا إذا بارك أو ضمن الدرك أو ترك.
مسألة [116]: قوله: ولو كان الشريك موقوفا عليه ثبتت الشفعة في الطلق
إن كان واحدا على رأي؟ قال: صحيح.
مسألة [117]: قوله: في الشفعة ولا في ما قسم وميز إلا مع الشركة في
الطريق أو النهر، هل يشترط كون النهر فالطريق مما يمكن قسمتهما أو مطلقا؟
قال: نعم يشترط.
مسألة [118]: قيل: يحرم نقش المصحف بالذهب، نعم الأولى التحريم أما
الكتابة فتحرم.
مسألة [119]: لو كان له نصيب في بئر أو قناة صح بيعه.
مسألة [120]: يدخل الأسن في البيع.
476

مسألة [121]: تراب الصاغة تجب الصدقة به لأن أربابه لا يتميزون ويجب أن
تكون الصدقة للفقراء والمساكين.
مسألة [122]: قول الشارع: يكره كسب الصبيان، ما معنى هذا؟ هل هو
الكسب من المباحات أو مطلقا سواء كان من البيع أو الشراء؟ وإلا فما معنى
الكسب الذي هو مكروه وقد قال الشارع: إنه يشترط في صحة البيع والشراء
البلوغ، فلو أعطى البالغ الصبي معاطاة بلا عقد هل يجوز ذلك ويكون الذي
يأخذه من الصبي حلالا له أخذه والتصرف فيه وأن يحج منه أم لا؟ وعلى تقدير
جواز بيعه معاطاة فهل يكون حكم الشراء منه كالبيع أم لا؟ ولو كان البائع
والمشتري أثنيهما دون البلوغ فهل الأخذ من بعضهما بعضا يحل أكله أم لا؟
الجواب: المراد بالكسب ما يلتقطونه ويحتطبونه ويحتشونه ونحوه، ولا يجوز
بيع الصبي ولا شراءه والمعطي إن علم أنها إذن المولى جاز.
مسألة [123]: قوله في الغبن: وثبت الخيار ما لم يخرج عن الملك، تقديره
لو باع المشتري وكان هو المغبون سقط خياره لخروج المبيع عن ملك
المشتري ببيعه، أما لو كان المغبون هو البائع لا يسقط خياره.
مسألة [124]: لو باعه أرضا وفيها بئر أو عين دخل مع علمها بذلك وإن لم
يذكروهما، ولو لم يعلم بهما البائع فلا يخلو إما أن تتفاوت القيمة أو لا فإن تفاوت
يخير، قال السيد: وإلا فلا.
مسألة [125]: اثنان ادعى كل منهما على ثالث بأنه باعه سلعة أحدهما يقول:
بعته إياها بثوب، والآخر يقول: بعته إياها بكتاب، وتحقق التعارض بحيث لا
يمكن إيقاع العقدين وامتنعا من اليمين بعد القرعة فما الحكم في ذلك يتحالفان
477

ويبطل البيع.
مسألة [126]: لو باعه الدابة على شرط كونها حامل، وشرط الحمل البائع ثم
بانت حائلا كان للبائع الفسخ لأن الأغراض تتفاوت في الرغبة في النتاج.
مسألة [127]: قال في الإقالة: يشترط مساواة الثمن للمثمن، فلو تعيب وقاله
فيما بعد فله فسخ الإقالة إذا لم يعلم بعيبه.
مسألة [128]: لو باع مالا تتساوى أجزاؤه كالأرض والثوب والقيمة صح
مع المشاهدة وإن لم يعلم عدد الزرع ولا عدد الغنم، وكذا بيع أبعاضها بالجزء
المشاع.
مسألة [129]: لو باعه حيوان وأخبر أنه صبي فبان كبيرا فله الفسخ وإن
تصرف ولا أرش، وكذا الأمة إذا أخبره أنها صبية فبانت عجوزا كان له الرد وإن
تصرف بالوطئ خاصة وله الأرش لأنه ينقص القيمة.
مسألة [130]: المقبوض بالسوم مضمون مطلقا.
مسألة [131]: لو اتفقا حيلة على المعاملة أو كان بينهم ذلك على شئ
تساوي قيمته درهم ويبيعه إياه بعشرين درهما ولولا ذلك ما أخذه بأكثر من
نصف؟ تركه أولى إلا لضرورة فلا بأس.
مسألة مفيدة [132]: إذا تقايلا أو تفاسخا بخيار، فلا يخلو إما أن تكون العين
باقية أو تالفة، فإن كانت باقية ونقصت نقص باختلاف السعر رجع كل عوض
478

إلى مالكه ولا ضمان، وإن كان النقص عين أو صفة ضمنه وضمن كل ما كان
موجودا حال العقد.
مثاله: لو اشتراه مثلا بمائة درهم ثم نقصت قيمته إلى خمسين درهما وتقايلا
أو تفاسخا رجع البائع بخمسين درهم، وبالعكس لو اشتراه بمائة مثلا ثم زادت
قيمته إلى أن بلغت مائة وخمسين، وتقايلا وتفاسخا فلا يخلو إما أن تكون الزيادة
بنمو منفصل، أو متصل فإن كان منفصلا كان للمشتري وإن كان متصلا فللبائع
تبعا للأصل هذا مع بقاء العين، فإن بلغت العين بعد الزيادة المذكورة لم تكن
مضمونة على المشتري وإنما يضمن ما كان موجودا حالة العقد كأن يشتريه بمائة
مثلا وقيمته حال العقد مائة وخمسين فيضمن الجميع وهو المائة وخمسين، عن
إسماعيل نقلها عنه الشيخ ابن أبي جامع حفظه الله.
مسألة [133]: لو شرط البائع منفعة مدة معلومة صح إما بتقدير العمل
كخياطة الثوب أو نساجة الغزل، أو بتقدير المدة كالعمل شهرا، ولو تعذر العمل
إما بتلف المبيع قبله أو بموت البائع قبل تسليمه ففي الإبطال نظر، وكذا يجوز أن
يشترط البائع نفع المبيع مدة معلومة.
ولو باعه ما اشتراه بشرط المنفعة صح وتكون المنفعة مستثناة في يد
المشتري الثاني فيتخير مع عدم العلم لا معه، ولو أتلفه ضمن أجرة المثل ولو
تلف بغير تفريط فلا ضمان.
ولو أراد المشتري تعويض البائع عن المنفعة عوضا أو ما يقوم مقام المبيع
في المنفعة لم يجب القبول، وكان له التصرف في عين المبيع باستيفاء المنفعة،
ولو تراضيا جاز.
ولو أراد البائع عمارة العين أو إجارتها لمن يقوم مقامه فالأقرب جوازه إلا أن
يشترط المباشرة، ولو دفع العوض لم يجب القبول سواء البائع والمشتري.
ولو قال: بعتك هذه وآجرتكها شهرا بكذا، فالوجه الصحة، ولو شرط ألا
479

بيع بينهما إن لم ينقده في مدة معلومة صحا معا وإن زاد عن عشرين يوما.
مسألة [134]: ذكر في بعض الكتب فيما لا يجوز بيعه: النار لا يجوز بيعها،
فلم لا يجوز بيع الجمر؟
الجواب: لا يصح لأنه بمنزلة الرماد ولا منفعة مقصودة بخلاف الفحم فإنه
بمنزلة الحطب.
مسألة [135]: شخص اشترى ملكا وغرس فيه وبنى ثم زادت قيمته بذلك
ثم ظهر استحقاقه، رجع المشتري على البائع مع جهله بجميع ما اغترمه مما لم
يحصل في مقابلته نفع كالغرس مع القلع كبارا كانت أو صغارا، وكذا يرجع
بما غرم على البناء لأنه سبب تصرف البائع.
مسألة [136]: الملك أربعة: ملك العين مجردة، وملك العين والمنفعة،
وملك المنفعة مجردة، وملك الانتفاع. وأضيف إليه ملك الملك.
فملك العين مجردة ينقسم إلى: مؤبد كالعين الموصى بخدمتها دائما،
ومؤقت كالعين الموصي بخدمتها وقتا معينا. وملك العين والمنفعة ظاهر.
وملك المنفعة وحدها كالاستيجار والإيصاء بالمنفعة والإصداق وعوض
الخلع والاشتراط في عقد لازم.
وملك الانتفاع كالساكن والمعمر، والانتفاع المجرد كالمساجد.
وملك الملك كالغنيمة بعد الحيازة واستحقاق الشريك بالشفعة.
مسألة [137]: نقل عن فخر الدين: إن المبيع المشروط فيه الخيار لا يكون
للبائع الفسخ إلا إذا أتى بالثمن بعينه ولو تصرف بالثمن لم يبق له الفسخ.
والأولى أنه إن شرط رده بعينه فذاك وإلا تخير في رد المثل أو القيمة.
480

مسألة [138]: لو اشترى الإنسان بعين مال نفسه شيئا بقصد أن المشتري
لغيره؟ قال: يقع الشراء للمشتري، ولو انعكس الحال بأن اشترى بمال غيره
لنفسه وقف على إجازة المالك، فإذا أجاز وقع الشراء لصاحب المال دون
المشتري، وكذلك إذا اشترى غير الولي بمال الطفل المعين لنفسه يكون موقوفا
على إجازة الولي، فإذا أجاز وقع الشراء للطفل ولا اعتبار بقصد المشتري.
مسألة [139]: هل الاعتبار في التصرية بنقصان اللبن في اليوم الثاني أو
الثالث؟ وما سبب الخلاف في ذلك روايات أو غيرها؟ وما كيفية توجيه صورها
الأربع؟ وهل يقبل شهادة النساء فيها أو شاهد ويمين أم لا؟
الجواب: المعتبر بنقصان الثالث عن الأول، صورها: تساوي الحلب في
الثلاثة، زيادة الثاني والثالث عن الأول، زيادة الثاني وحده، زيادة الثالث وحده،
زيادة الأول وحده، زيادة الأول والثاني، زيادة الأول والثالث، وفي الكل لا خيار
إلا في زيادة الأول وحده أو هو مع الثاني.
مسألة [140]: إذا تصرف المشتري ثم ظهر استحقاق بعض المبيع، هل له
الفسخ أم لا؟
نعم، له الفسخ إذا لم يكن عالما ولم يخرج المبيع عن الملك مع احتمال
عدمه إجراء لعيب الشركة مجرى سائر العيوب، ويمكن الفرق بأن المنع هناك
لمكان الرجوع إلى الأرش، فيستدرك ضرورته بخلاف الاستحقاق والتدليس،
ولهذا أثبتوا الفسخ في خيار الغبن مع التصرف ولعل هذا أقرب.
مسألة [141]: إذا فسخ المشتري البيع بخيار، كانت العين في يده مضمونة،
ويحتمل عدم الضمان في مدة الخيار المختص مع إعلام البائع بالفسخ لأنه
قبضه على أنه لا يكون مضمونا عليه في تلك المدة، أما لو فسخ البائع بخيار
481

فالمبيع في يد المشتري مضمون على الأقوى عملا بالاستصحاب، ولأن الأصل
في القبض الضمان خصوصا في انتفاء أصناف الاستئمان، ويحتمل عدمه لانتفاء
سببه بفعل البائع المضمون له لو فرض، خصوصا مع عدم إعلام المشتري
بالفسخ لأنه لو كان مضمونا والحال هذه لزم الإضرار بالمشتري، وهو منفي
بقوله عليه السلام: لا ضرر ولا ضرار في الإسلام.
مسألة [142]: ما الفرق بين تبعض الصفقة في المبيع وبين تبعض الثمن
بالنسبة إلى البائع؟
الجواب: مع تعيين الثمن لا فرق بينهما، أما إذا كان الثمن في الذمة فدفع
المشتري بعضه لم يكن للبائع الفسخ إلا في الصور المنصوص عليها كمسألة
التأخير والإفلاس واشتراط القضاء في وقت بعينه.
مسألة [143]: ما يجمعه النادشت وشبهه هل يصح ابتياعه أم لا؟
الجواب: ما في أيدي القرادين والدبابين ونحوهم عما لم يعط غرضا في
الحرام يجوز شراؤه إذ لا إكراه فيه للمعطي وإن كان الفعل حراما.
مسألة [144]: إذا قال: ضمنتك ثمرة هذا البستان أو الكرم أو هذا الحقل
الخيار بمبلغ كذا، فقال: قبلت، وقصد بهذا عبارة عن البيع هل يصح أم لا؟
قال: الأولى الجواز.
مسألة [145]: لو أقاله على أن المبيع باقيا فبان تالفا فله الخيار بين إمضائها
وأخذ قيمتها أو مثلها، وإن شاء أبطلها وأخذ الثمن.
مسألة [146]: لو باعه عشرة دراهم صافية بمثلها مغشوشة؟ قال: يصح
482

ذلك وتصرف الزيادة من الفضة في مقابلة الغش؟ من لفظه رحمه الله.
مسألة [147]: لو باع إنسان غيره نصف دابة بمائة مثلا واستأجره على
كلفتها ثلاث سنين بالمائة، ثم إنه بعد مضي سنتين باع المالك الأول نصيبه لغير
شريكه، سقط حقه من الكلفة الباقية على الشريك لأن التفويت منه.
مسألة [148]: لو قال في عقد البيع: وأنا قبلت وشبهه، لم يضر ذلك في
المطابقة بين الإيجاب والقبول.
مسألة [149]: لو ابتاع إنسان عدة حيوان فتصرف في البعض في مدة
الثلاث أيام هل يسقط خياره الرد في الباقي أم لا؟ وهل لو تلف منه شيئا بعد
التصرف في البعض يضمنه أم لا؟
الجواب: الأولى سقوط الخيار والضمان، نقل فخر الدين عن والده ضابطا
قال: كلما كان القبض من المالك مضمونا له كان الاستقرار في غيره أي في غير
القبض من المالك على ذلك القابض وإلا فلا.
مسألة [150]: لو كان كل من المدين لواحد فباعهما أحدهما ولم يجز
الآخر، بطل البيع في مده وسقط من الثمن نصف المد ونصف درهم ويبقى
للبائع في مقابلة مده إن تساويا قيمة، ولو اختلفا فكانت قيمة مد الفاسخ نصف
قيمة مد البائع كان للبائع ثلثا مد وثلثا درهم عوض مده.
مسألة [151]: لو باعه مدا ودرهما بمدين، فتلف الدرهم قبل القبض وهو
يساوي مدا ونصفا، فالذي يخص الدرهم ثلاثة أخماس المد، فيبقي مد في مقابله
أربع أخماس مد، وتجئ الاحتمالات.
483

مسألة [152]: لو باعه درهما صحيحا ومكسورا بدرهمين صحيحين ثم تلف
الصحيح المعين، بسط قيمة الصحيحين على الصحيح والمكسور وسقط ما قابل
الصحيح منهما، وتجئ الاحتمالات.
مسألة [153]: لو باعه عين الزرع بعد حصاده مما له بزر من غير وزن
كالكتان والبصل والبقل هل يصح أم لا؟
مسألة [154]: لو اشترى شيئا ثم ظهر أن بائعه باعه وكالة أو وصاءة أو ولاية
أو أمانة، ففي ثبوت الرد لحظر فساد النيابة احتمال.
ومن العيوب: آثار الشجاج والقروح والكي، وسواد الأسنان، ونقص
بعض السن وزيادته، وذهاب شعر العين، والكلف المغير للبشرة، وكون أحد
الثديين في الجارية أكبر من الآخر، أو طول أحد الرجلين في الرجل والمرأة.
والضابط أن الرد يثبت لكل ما في المعقود عليه من منقص القيمة أو العين
نقصا ما يفوت به غرض صحيح، بشرط أن يكون الغالب في أمثال المبيع عدمه.
مسألة [155]: قولهم في بيع الدار: لو شهدت العادة بالانفراد لم يدخل،
فهل مرادهم بالعادة سكنا وملكا أو سكنا خاصة؟
الجواب: الاعتبار بذلك البلد بانفراد سكنا وملكا لا سكنا وحدها.
مسألة [156]: لو باعه كتابا ودابة بثمن معين فهل للمشتري الفسخ بالخيار
في مدته أم لا؟ ويلزم بالعوض الآخر تقسيطه من الثمن.
مسألة [157]: لو كان حيوان البحر محرم اللحم فحصل منه دهن هل يجوز
بيعه أم لا؟ وكذا حيوان البر لو حصل له دهن إذا كان مما يقع عليه الذكاة
484

وذكي؟
قال: لا يصح بيعه نظرا إلى قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لعن الله
اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها.
مسألة [158]: لو تصرف الغابن بأن بنى أو غرس ثم فسخ المغبون فهل له
إزالة آثاره؟ وعلى تقدير الإزالة له الأرش؟ نعم له الإزالة بالأرش.
وكتب محمد بن مطهر:
مسألة [159]: لو أنفق المشتري جاهلا مع جهله بفساد البيع هل يرجع
بالنفقة أم لا؟ لا يرجع.
وكتب محمد بن مطهر:
مسألة [160]: قد بينا أن جهالة الأشياء تبطل البيع، وكذا المنفصل المعلوم
إذا جهلت نسبته إلى المستثنى منه، فلو باعه بعشرة إلا ثوبا وعينه لم يصح، وكذا
لو باعه بثوب إلا درهما مع جهالة النسبة يحمل على أن قيمته غير معلومة به حالة
البيع وإلا صح.
مسألة [161]: لو باعه قطنا واستثنى منه الحب أو بالعكس لم يصح.
مسألة [162]: وكما أن الجهالة في العوضين مبطلة فكذا في صفاتها ولواحق
البيع، فلو شرط شرطا مجهولا بطل البيع.
مسألة [163]: لو هرب المشتري قبل وزن الثمن وهو معسر احتمل أن يملك
البائع الفسخ في الحال لتعذر استيفاء الثمن والصبر ثلاثة أيام للرواية، والأول
485

أقوى لورودها في الباذل، وكذا لو منع مع القدرة على الثمن بفسخ.
مسألة [164]: لو أتلف المبيع أجنبي، قال الشيخ: لا يبطل البيع بل يتخير
المشتري بين الفسخ فيرجع على البائع بالثمن لأن التلف حصل في يد البائع،
وبين الإمضاء فيرجع على الأجنبي بالقيمة، وإن أتلفه البائع فكالأجنبي يضمن
بالمثل أو القيمة وقبض القيمة قائم مقام قبض المبيع لأنها بدله، وهل للبائع
حبس القيمة حتى يأخذ الثمن؟ يحتمل ذلك كما يحبس المرتهن قيمة الرهن.
فروع:
أ - لو استعمل البائع المبيع قبل القبض ثم أتلفه فلا أجرة عليه إن جعلنا
إتلافه كالسماوية وإلا فعليه الأجرة.
ب - لو أكلت الشاة ثمنها المعين قبل القبض، فإن كانت في يد المشتري
فهو كما لو أتلفه، وإن كانت في يد البائع فهو كإتلافه، وكذا لو كانت في يد
أجنبي فكإتلافه، وإن لم تكن في يد أحد انفسخ البيع لأن المبيع هلك قبل
القبض بأمر لا ينسب إلى آدمي فصار كالسماوية.
ج‍ - إتلاف الثمن المعين كالمثمن في الأحكام المذكورة هناك، أما غير
المعين فلا يبطل البيع بإتلافه وكذا الثمن المضمون.
مسألة [165]: لو باعه متاعا وشرط عليه أن يعطيه شيئا معينا من الزكاة
الواجبة أو الخمس هل يلزم ذلك؟ ولو لم يدفع ذلك المشروط هل له الفسخ
أم لا؟
الظاهر أن هذا الشرط غير سائغ لأنه يلحق الزكاة بالمعاوضات مع أنها
عطية محضة للطهارة وإنما هي تقربا إلى الله تعالى، وكذا نقول في الخمس.
486

مسألة [166]: هل يشترط في الإقالة بقاء المتعاقدين أم لا؟ قال فخر الدين: لا
يشترط بقاؤهما، بعد أن قلنا له: إن الشيخ في الجامع اشترط، فلم يلتفت إلى
قوله.
مسألة [167]: لو دفع إنسان إلى الدلال عرضا على أن يبيعه، فدفعه الدلال
إلى إنسان ليشتريه ثم ظهر فيه عيب، فادعى المالك أنه لم يكن سابقا وادعى
القابض بالسوم أنه كان سابقا.
قال فخر الدين: القول قول المالك لأن يد القابض يد ضمان.
مسألة [168]: إذا حدث في المبيع عيب عند المشتري من غير سببه في خيار
الشرط أو المجلس أو الغبن؟
قال: الأولى أن له الرد مع رد الأرش، أما خيار الحيوان فقد نصوا على جواز
الرد، وكذا لو كان معيبا وحدث عنده عيب في هذه الخيارات له الرد فيهما
كالحيوان.
مسألة [169]: قال عميد الدين: إن الثمن والمثمن مضمونان بعد الفسخ حتى
يترادا، وقال أيضا، يجوز أن يبيعه شيئا معلوما، ويشترط عليه في البيع أن يكون له
ثمرة معدومة حالة الشرط كورق التوت وثمرة النخل وغيره.
مسألة [170]: قال: يحصل التصرف في المبيع باستيفاء منفعته أو إحداث
حدث.
مسألة [171]: قال: إذا باع شيئين مختلفين كما في الحنطة والشعير والآنية
من الذهب والفضة لم يجب معرفة كل واحد منهما بل يكفي معرفتهما على الجملة
487

بخلاف ما إذا كانا متميزين كقبة شعير وقبة حنطة.
قال: ولو كان في البلد نقود متعددة على السواء يتعامل بها وباع ولم يعين
النقد، فإن تساوت الأوزان والرغبة فيها صح البيع وإلا بطل، وكذا الوزن.
مسألة [172]: لو باع ما باعه ولم يقبض الثمن ولا قبض المبيع في الثلاثة
تردد في جواز الفسخ، بخلاف ما لو باع بعد الثلاثة فإن له الفسخ.
مسألة [173]: لو ادعى المغبون بزعمه الغبن فأنكر الآخر، فالقول قول من
ينكره لأن الأصل عدم التسلط على الفسخ، ولو أقاما بينتين بنى على القولين
والقولين من قدم قوله فالبينة بينة الآخر، ولو ادعى المغبون الجهالة بالقيمة فالقول
قوله لأن الأصل عدم العلم لأنه اختلاف في فعله.
قال في التحرير من جملة ما يسقط خيار المشتري أن يبيعه بيعا فاسدا.
قال دام ظله: إذا لم يعلم بفساد البيع وقال في الكتاب: لو أعتقه المشتري
بطل خياره، والأقرب أنه لا يبطل خيار البائع.
قال عميد الدين: يحتمل مع الفسخ أن يكون له القيمة أو العين.
مسألة [174]: لو كان لبلد وزن معلوم أو كيل معلوم فلم يعلمه الإنسان هل
يصح البيع بالنسبة إليه؟ الأقوى أنه يصح.
مسألة [175]: لو شرط البائع الخيار في الحيوان فتلف في الثلاثة فممن يكون
التلف؟ تردد.
مسألة [176]: قال: لو فات الشرط المشروط في البيع قبل قبضه قوم المبيع
بانضمام ذلك الشرط ومنفردا عنه، وينظر النسبة فيسقط عنه من الثمن وله فسخ
488

البيع من رأس.
مسألة [177]: قال: لو حدث عيب في مدة خيار المشتري كان له الرد كما
في الحيوان وإن لم يكن حيوانا إذا لم يكن بسببه من أي أنواع الخيار كان إلا
خيار العيب لأنه لو تلف كان المبيع عن البائع، فكذا إذا تعيب.
مسألة [178]: إذا دفع إنسان إلى غيره دينه الذي له عليه، فإن كان من غير
جنس الحق لم يصح حتى يعلم ويرضى، وإن كان من جنسه قالوا: يلزم ذكر
ذلك، في " التحرير " في باب التصرف في أموال اليتامى.
مسألة [179]: لو باعه التوت وما كمل إخراج الورق أو الثمرة في البستان
وما أعقد جميعه، فيقول: بعتك هذا الورق أو الثمرة وما عساه أن يتجدد بكذا،
صح.
مسألة [180]: كلما لا يضمن صحيحه لا يضمن فاسدة كالإجارة، وكلما
يضمن صحيحه يضمن فاسدة كالبيع.
مسألة [181]: لو أعطاه شيئا من الحنطة فقال له: كيفما ابتاع أخذت منك،
قال: يكون له مثله.
مسألة [182]: لو تبايعا بشرط رفع الخيار ثم ظهر في المبيع عيب هل يسقط
الأرش أم لا؟
مسألة [183]: لو باع نصفا معيبا من إناء أو سيف لا يصح، لأن التسليم لا
489

يمكن إلا بالقطع والكسر وفيه تضييع وهو ممنوع منه، والوجه اعتبار المصلحة،
فإن اقتضت فعله بأن يحتاج البائع إلى الثمن فيجوز أن ينقص مالية نفسه
لمصلحته، ولو باع نصفا من ثوب تنقص قيمته بالقطع فالأقوى الجواز.
مسألة [184]: يجب في المستثنى إمكان انفراد البائع، فلو باعه أمة استثنى
وطأها مدة لم يصح، ولو استثنى الكافر خدمة العبد الذي بيع عليه لإسلامه مدة
فالأقوى الجواز ما لم تثبت الخدمة عليه سلطنة كالمتعلقة بالعين، ولو كانت في
الذمة تصح.
مسألة [185]: قال في التذكرة: لو قال مستحق الدين للمدين: سلم حقي إلى
هذا الصبي، فسلم قدر حقه لم يبرأ من الدين وبقى المقبوض على ملكه لا يضمنه
الصبي، ووجد حاشية: إلا أن يتلفه الصبي فيضمن.
مسألة [186]: لا يجوز بيع ما لا منفعة له لأنه ليست مالا فلا يؤخذ في مقابلته
مال كالحبة من الحنطة، ولا ينظر إلى ظهور الأسفاع إذا ضم إليها أمثالها، ولا إلى
أنها توضع في الفخ أو تبدل، ولا فرق في زمان الرخص والغلاء، ومع هذا فلا
يجوز أخذ حبة من صبرة الغير وإن أخذت وجب الرد، فإن تلفت فلا ضمان لأنه
لا مالية لها.
مسألة [187]: الجارية المغنية إذا بيعت بأكثر مما يرغب فيها لولا الغناء،
فالوجه التحريم إذا كان اشتراها لكونها مغنية لم يصح وإلا صح ويفعل حرام.
مسألة [188]: لو باعه عشرة أقفزة فبان أقل بعد أن تصرف المشتري هل له
الفسخ أم لا؟
490

الجواب: له الفسخ.
مسألة [189]: العبد إذا لم يكن مأذونا لم يصح بيعه ولا شراؤه بعين المال،
لأنه تصرف في مال الغير، والأقوى أنه يقع موقوفا كالفضولي، وأما الشراء في
الذمة فالأقوى المنع لأنه لو صح، فإما أن يثبت الملك له وهو ليس أهلا له أو
لسيده، فأما بعوض على السيد وهو لم يرض به أو على العبد فكيف يحصل أخذ
العوض لغير من يلزمه
مسألة [190]: لو شرط البائع شرطا ولم يف به حتى تصرف المشتري هل
له الفسخ أم لا؟
مسألة [191]: لو باع ما يملك وما لا يملك ولم يجز المالك، كان
للمشتري الفسخ ما لم يتصرف، فإن تصرف فالظاهر أن ليس له الفسخ، وهل
له الأرش أم لا؟
مسألة [192]: موت المعيب هل يجري مجرى حدوث العيب قبل القبض أم
لا؟
مسألة [193]: لو قبض غير المستحق للدين فأجاز المالك للدين هل يتعين
ذلك أم لا؟ وكذا في الثمن؟ قال: الظاهر يتعين بذلك.
مسألة [194]: لو اشترى حيوانا فتعيب في مدة الخيار له الرد فلو لم يرد حتى
خرج الخيار فله الرد؟ نعم له الرد.
491

مسألة [195]: الفرق بين المراعي والموقوف أن الإجازة في الموقوف تكون
شرطا أو جزءا والمراعي تكون كاشفة، وقد يستعمل المراعي عن الموقوف،
وكذلك قد يستعمل الموقوف عن المراعي.
مسألة [196]: إذا اشترى أرضا فوجد فيها شيئا أو دابة فوجد في بطنها شيئا
عرف صاحبه، فلو عرفه وكان فاسقا أو عدلا وادعاه هل يعطي ذلك بغير يمين؟
الجواب: لا حاجة إلى اليمين بل يعطي بدعواه ما لم يعلم كذبه.
مسألة [197]: إذا بيع مال إنسان ورضي مالكه بالقلب ولم يتلفظ باللسان
على قول من يجيز عقد الفضول فهل للرضا القلبي مدخل في الصحة أم لا؟
الجواب: لا بد من لفظ يدل على الرضا.
مسألة [198]: إذا شرط المشتري في نفس العقد أما في خيار حيوان أو شرط
أو ما عداهما من الشروط أو البائع في الثمن أو المبيع إن تصرفا والخيار باق
سواء كان تصرفا لازما أو لا بأن يرد بعيب بعد البيع وشبهه هل يصح أم لا؟
الجواب: نعم يصح وإن شرط أحد التصرف لا رجوع له بل الأرش.
مسألة [199]: لو وجد المبيع معيبا بعيب لا تنقص به قيمته كالخصاء
والجب في العبد كان له الرد دون الأرش إذ لا نقصان، ولو تصرف لم يكن له
شئ.
مسألة [200]: لو باع الغاصب ثم انتقل إلى الغاصب وإن كان بعقد بطل
البيع الأول الذي فعله سابقا، فإن كان بالميراث فالأقوى وقوفه على الإجازة.
492

مسألة [201]: لو اشترى ثمرة بشرط القطع فلم يقطعها حتى بدا صلاحها
كان الزيادة للمشتري والزكاة عليه، وعليه الأجرة للتبقية، وإذا لم يرض البائع
انفسخ البيع والزكاة على المشتري.
مسألة [202]: لو دفع إليه مالا ليشتري به شيئا ووكله في أن يعزله من غير
عقد حصل بينهما، كان لازما لأنه معاوضة بعين وذمة، قال السيد: ويتعين له
بالعزل.
مسألة [203]: لو شرط عليه الخيار في بعض المبيع أو ارتجاع بعض
المبيع، قال: يجوز، قال السيد وقيل: لا يجوز.
مسألة [204]: لو شرط البائع استيفاء الثمن من المبيع لم يجز سواء كان
مؤجلا أو حالا.
مسألة [205]: ما يقول سيدنا في من يشتري شيئا ووزن ثمنه من دراهم حرام أو
يتزوج امرأة ويصدقها دراهم حرام هل يصح ذلك ويملك المبيع ويبرأ من
الثمن وتبقى الدراهم المغصوبة في ذمته؟ وكذا حكم الزوجة في أن يملك بضعها
ويصح عقدها أم لا؟
الجواب: إن كان الشراء بالعين وقف على إجازة المالك، فإن أجاز النقد
صح وبقى المبيع له وبقى تصرف المشتري فيه حراما، وإن كان في الذمة كان
الشراء صحيحا وكان تصرفه فيه سائغا وعليه وزر المال، وأما النكاح فإنه
صحيح على كل حال، فإن كان المسمى المال الحرام بعينه بطل ووجب مهر
المثل مع الدخول، وإن كان الصداق في الذمة، ودفع هذا المال الحرام كان
دفعه للمال باطلا، ويجب عليه للمرأة المسمى وله انتزاع ما دفعه إلى المرأة
وتسليمه إلى المالك.
493