الكتاب: الينابيع الفقهية
المؤلف: علي أصغر مرواريد
الجزء: ٣٧ق١
الوفاة: معاصر
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤١٣ - ١٩٩٣ م
المطبعة:
الناشر: مؤسسة فقه الشيعة - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: أشرف على جمع أصولها الخطية وترتيبها حسب التسلسل الزمني وعلى تحقيقها وإخراجها وعمل قواميسها علي أصغر مرواريد

الينابيع الفقهية 2
تعريف الكتاب 1

حقوق الطبع محفوظة للمؤلف
الطبعة الأولى
1413 ه‍ - 1993 م
مؤسسة فقه الشيعة
بيروت - لبنان
حارة حريك - شارع دكاش - بناية كليوباترا
ص. ب 209 / 25 - تلفون: 836763 - فاكس 04625848 - 357
تعريف الكتاب 2

سلسلة الينابيع الفقهية 2
الدين - الرهن - الحج والتفليس
الضمان - الحوالة - الصلح
الشركة المضاربة - الوديعة
العارية - المزارعة والمساقاة - الإجارة
أشرف على جمع أصولها الخطية وترتيبها حسب التسلسل
الزمني وعلى تحقيقها واخراجها وعمل قواميسها
علي أصغر مرواريد
تعريف الكتاب 3

الفهرست الإجمالي للمتون
الإشراف - الإقتصاد
الخلاف - المبسوط
نزهة الناظر - تبصرة المتعلمين
إرشاد الأذهان - تلخيص المرام
الرسالة الفخرية - الدروس الشرعية
البيان - الألفية
النفلية - المحرر
الموجز الحاوي - مسائل ابن طي
تعريف الكتاب 4

التعريف
سلسلة الينابيع الفقهية
موسوعة فقهية متكاملة جمعت بين دفتيها أهم المتون الفقهية
الأصلية بتحقيق رائع وتنقيح أكاديمي، ومن أحدث المناهج
العلمية لفن التحقيق.
تعنى الموسوعة بالتقسيم الموضوعي للأبواب الفقه الإسلامي -
كافة أبوابه - وبذلك تهئ للباحث والمحقق والأستاذ أسهل
الطرق لاستنباط ما يحتاجه، واستخلاص ما يبتغيه، بعيدا
عن عناء الاستقصاء والبحث.
تميزت هذه الدورة الكبرى باعتمادها الأصول الخطية الأصلية
لكل المتون الفقهية بمثابة الأصول الأساسية لتحقيق النصوص
التي بقيت لفترة ليست بالقصيرة أسيرة الطبعات السقيمة.
بالإضافة إلى احتوائها النصوص التي تطبع لأول مرة، موزعة
حسب الأبواب الفقهية.
تفيد المتخصصين بدراسة الفقه المقارن واختلاف الفتاوى
على مدى عشرة قرون.
مقدمة المشرف 5

إهداء وشكر...
إلى...
كل انسان يؤمن بأن الشريعة السمحاء أساس جميع القوانين في العالم...
وإلى...
الذين يهتمون بشؤون المجتمعات البشرية وشيعون إلى اصلاحها عن طريق
القسم الإسلامية.
وإلى...
كل الذين يعشقون الفقه الإسلامي باعتباره أفضل السبل وأنجم القوانين
المستمدة من أصول القرآن للوصول إلى الكمال الإنسان من الجوانب
المادية والروحية...
أقدم هذا الجهد المتواضع...
ولا يسعني - في غمرة سعادتي وسروري وأنا أرى سلسلة الينابيع
الفقهية هذه قد عانقت النور - إلا أن أتقدم بجزيل شكري وعظيم
امتناني لكل الذين ساهموا من قريب أو بعيد بإنجاز هذا العمل الجليل
من العلماء والفضلاء الذين قدموا لنا مساعدتهم ومشورتهم الخالصة،
ومن الأخوة العاملين والمحققين معنا... داعيا الله لهم جميعا التوفيق
والسداد وأن يجزل لهم الثواب وحسن العاقبة...
إنه سميع مجيب.
علي أصغر مرواريد
مقدمة المشرف 6

بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المشرف 8

كتاب الدين
1

تبصرة المتعلمين
كتاب الديون
وفيه فصول:
الفصل الأول:
يكره الدين مع القدرة، ولو استدان وجب نية القضاء، وثواب القرض ضعف ثواب الصدقة.
ويحرم له اشتراط زيادة القدر أو الصفة، ويجوز قبولها من غير شرط، ولو
شرط موضع التسليم لزم، وكل ما ينضبط وصفه وقدره صح قرضه، وذو المثل
يثبت في الذمة مثله وغيره قيمته وقت التسليم.
ولا يجب إعادة العين بدون اختيار المقترض، ولا يتأجل الحال، ويصح
تعجيل المؤجل بإسقاط بعضه، ولو غاب المدين وانقطع خبره وجب على
المستدين نية القضاء والوصية به عند الوفاة، فإن جهل خبره ومضت مدة لا
يعيش مثله إليها غالبا سلم إلى ورثته، ومع فقدهم يتصدق به عنه، والأولى أنه
للإمام.
ولو اقتسم الشريكان الدين لم يصح، ويصح بيع الدين بالحاضر وإن كان
أقل منه إذا كان من غير جنسه أو لم يكن ربويا، ولا يصح بدين مثله.
وللمسلم قبض دينه من الذمي من ثمن ما باعه من المحرمات ولو أسلم الذمي
بعد البيع استحق المطالبة.
3

ليس للعبد الاستدانة بدون إذن المولى، فإن فعل تبع به إن عتق وإلا
سقط، ولو أذن له لزمه دون المملوك وإن عتق، وغريم المملوك كغرماء
المولى.
ولو أذن له في التجارة فاستدان لها لزم المولى، وإن كان لغيرها تبع به بعد
العتق.
4

إرشاد الأذهان
كتاب الديون وتوابعه
وفيه مقاصد:
الأول:
يكره الاستدانة إلا مع الحاجة، ويستحب الإقراض، فإنه أفضل من الصدقة
بمثله في الثواب، والإيجاب مثل: أقرضتك، أو ما أداه مثل: انتفع به أو تصرف
فيه، والقبول: قبلت وشبهه.
ولو شرط النفع حرم - حتى شرط الصحيح عوض المكسر - ولم يفد
الملك، ولو تبرع المقترض بالزيادة جاز.
وكل مضبوط بما يرفع الجهالة من الأوصاف يصح إقراضه، فإن كان مثليا
ثبت في الذمة مثله، وإلا القيمة وقت التسليم، ولا يجب دفع العين وإن كانت
موجودة، ويملك المقترض بالقبض، ولا يلزمه تأجيل الحال إلا أن يشرط في
لازم.
وتجب نية القضاء مع غيبة المالك والوصية به مع أمارة الموت وعزله،
ولو مات المالك سلمه إلى ورثته أو من يتفقون عليه، ولو جهله تصدق به عنه مع
اليأس.
ويجوز أخذ ثمن ما باعه الذمي من خمر وشبهه، ولا يصح قسمة ما في
الذمم، ولو باع الدين بأقل منه وجب على المديون دفع ما عليه إلى المشتري
5

على رأي، ولا يجوز بيع الدين بدين آخر وإن اختلفا، ويجوز بيعه بعد حلوله على
المديون وغيره، وبيعه بمضمون حال لا مؤجل.
ومن عليه حق وله مثله تساقطا، وإن كان مخالفا افتقر إلى التراضي، ولو
دفع المديون عروضا للقضاء من غير مساعرة احتسب بقيمتها يوم القبض، وتحل
الديون المؤجلة بموت المديون لا المالك، والدية في حكم مال المقتول تقضى
منها ديونه ووصاياه عمدا كان أو خطأ.
وإذا أذن لعبده في الاستدانة لزم المولى أداءه وإن أعتقه على رأي، ويستوي
غرماؤه وغرماء المولى في تقسيط التركة، ولو أذن له في التجارة دون الاستدانة
فاستدان وتلف المال لزم ذمة العبد، ولو لم يأذن فيهما فكذلك ولا يتعدى العبد
المأذون.
والإطلاق ينصرف إلى الابتياع بالنقد، ولو أذن في النسيئة فالثمن على
المولى، ولو أخذ ما اقترضه مملوكه تخير المالك في الرجوع على المولى
والاتباع.
6

تلخيص المرام
كتاب الديون وتوابعه
وفيه فصول:
الأول:
القرض أفضل من الصدقة بمثليه في الثواب، ويحرم اشتراط الزيادة في العين
أو الصفة، ولو بذل المقترض من غير شرط جاز، ولو شرط أن يدفع إليه بأرض
أخرى لزم. وكل ما ينضبط وصفه وقدره صح قرضه، وكل ذي مثل يثبت في
الذمة مثله، وغيره قيمته، ولو أعطاه من غير الجنس ولم يساعره ثم تغير، حسب
يوم الإعطاء، ولو اقترض دراهم فسقطت ردها أو قيمتها وقت القرض.
ويملك المقترض بالقبض، فليس للمقرض ارتجاع العين، ولو اقترض من
ينعتق عليه انعتق بالقبض، ولا يتأجل الحال وإن زاد، ولا يملك الزيادة، ويجوز
تعجيل المؤجل بإسقاط بعضه، ولو مات من عليه الدين حل ما عليه، بخلاف
المحجور ومن له على رأي، ولو أراد من عليه دين إلى سنة سفرا يتأخر فيه أكثر لم
يكن لصاحبه منعه ولا مطالبته بكفيل، وصاحب الدين إذا غاب وجب على المدين
نية القضاء والعزل والوصية عند الموت، ولو عدم المدين وورثته تصدق به عنه.
ويجوز للمسلم قبض ثمن المحرمات إذا باعها الكافر، ولو قسم الشريكان
ما في الذمم ثم قبض أحدهما من نصيبه فهو لهما، وما يذهب منهما، ولا يجوز بيع
الدين بمثله على رأي، ويصح بالحاضر ولو كان بأقل، قيل: لا يلزم المشتري
7

أكثر من الثمن.
ودين المملوك المأذون فيه لازم لمولاه، إن استبقاه أو باعه أو أعتقه على
رأي، ولو مات أخذ من تركته، ويكون غريم العبد وغرماؤه على السواء، ولو أذن
له في التجارة فاستدان فهو لازم لذمته يتبع به بعد العتق على رأي، وكذا لو لم
يأذن فيهما، ولو أخذه المولى حينئذ فللمالك الرجوع على المولى واتباع العبد
بعد العتق، ولو اقترض العبد أو اشترى بطل، فإن كانت العين باقية أخذها
صاحبها وإلا تبعه، ولا يجوز للمملوك التصرف ببيع وغيره إلا بإذن مولاه، ولو
أذن له في الشراء انصرف إلى النقد، ولو أذن له في النسيئة فالثمن في ذمة المولى،
ولو تلف الثمن رجع على المولى، ولا يتعدى الإذن إلى مملوك المأذون.
8

الدروس الشرعية
كتاب الدين
عن النبي صلى الله عليه وآله: الدين هم بالليل ومذلة بالنهار، وعن علي عليه
السلام مثله، وزاد: وقضاء في الدنيا وقضاء في الآخرة.
وتعوذ النبي صلى الله عليه وآله من الدين، ومن ثم كرهت الاستدانة، ولا
كراهة مع الضرورة، فقد مات رسول الله صلى الله عليه وآله والحسنان وعليهم
دين، ولو كان له مال بإزائه خفت الكراهة، وكذا لو كان له ولي يقضيه وإن لم
يجب عليه قضاؤه، فزالت مناقشة ابن إدريس لأن عدم وجوب القضاء لا ينافي
وقوع القضاء.
ولا تجب الاستدانة للحج إذا لم يجب أو لم يكن له ما يرجع إليه، ولكنها
جائزة خلافا لظاهر كلام ابن إدريس في منع جوازها، وقبول الصدقة للمستحق
أولى من الاستدانة على غير القادر على القضاء، وحرم الحلبي الاستدانة على غير
القادر على القضاء.
وتجب نية القضاء، فيعان عليه، وروي أنه ينقص من المعونة بقدر قصور
النية.
ويكره للمدين النزول على الغريم، فإن نزل فالإقامة ثلاثة فما دون، ويكره
الأزيد، وقال الحلبي: يحرم الزائد، وفي رواية سماعة: لا يأكل من طعامه بعد
الثلاثة.
9

ويجب على المديون الاقتصاد في النفقة ويحرم الإسراف، ولا يجب التقتير،
وهل يستحب؟ الأقرب ذلك إذا رضي عياله.
ويستحب احتساب هدية الغريم من دينه، للرواية عن علي عليه السلام،
ويتأكد فيما لم تجر عادته به.
ويجوز مطالبته مع عدم علم الإعسار، فيجب عليه الخروج من الدين، ولا
يستثنى له إلا دار السكنى وثياب البدن والخادم وقوت يوم وليلة له ولعياله
واجبي النفقة، ولو فضل من الدار فضلة وجب بيعها، ولو كانت مثمنة ففي وجوب
الاستبدال بخسيسة تكفيه خلاف، وظاهر ابن الوليد الوجوب، ولو باع أحد هذه
جاز أخذ ثمنها.
والروايات تدل على استحباب منعه من بيع داره وكراهة أخذ ثمنها.
ولو التجأ إلى الحرم حرمت المطالبة، والرواية تدل على تحريم المطالبة لو
ظفر به في الحرم من غير قصد الالتجاء، وقال علي بن بابويه: لو ظفر به في الحرم
لم تجز مطالبته إلا أن يكون قد أدانه في الحرم، وألحق الفاضل والحلبي مسجد
النبي صلى الله عليه وآله، والمشاهد به، وفي المختلف: تكره المطالبة إن أدانه
خارج الحرم، ولو أدانه فيه يكره، وهو نادر.
ومنع بعض المتأخرين من فعل العبادة الموسعة المنافية في أول أوقاتها،
وحكم ببطلانها إذا طولب أو كانت زكاة أو خمسا أو لغير العالم به، وجوز ابن
حمزة صلاة المطالب في أول الوقت.
ويجب التكسب لقضاء الدين - على الأقوى - بما يليق بالمديون، ولو كان
إجازة نفسه، وعليه تحمل الرواية عن علي عليه السلام.
ولو غاب المدين وجب نية القضاء، والعزل عند أمارة الموت، وأطلق
الشيخ وجوب العزل، وابن إدريس عدم وجوبه، والإشهاد، ولو يئس منه تصدق به
عنه، وقال ابن إدريس: يدفعه إلى الحاكم، وإن قطع على موته وانتفى الوارث
كان للإمام، والحكم الثاني لا شك فيه، وأما الأول فالحق التخيير بينه وبين إبقائه
10

في يده أو الصدقة مع الضمان.
ولا يجوز مطالبة المعسر - مع ثبوت إعساره أو علم المدين به - ولا حبسه،
وله الإنكار موريا ثم يقضي مع اليسار، ولو حلف ظالما أو موريا ثم مات ورد
المال وربحه، أخذ المالك نصف الربح والمال، قاله الشيخ، وحمله ابن إدريس
على المضاربة لتعذر حمله على غير ذلك.
ويقضي نفقة الزوجة استدانتها أو لا، أذن في الاستدانة أو لا، ولا تقضى نفقة
الأقارب مطلقا إلا مع إذنه أو إذن الحاكم في الاستدانة، وأطلق الشيخ وجوب
القضاء عن الزوجة لرواية السكوني، وقال ابن إدريس: يدفع إلى الزوجة ثم
تقضي هي وكأنه نزاع قريب.
ويجوز اقتضاء الدين من أثمان المحرمات إذا كان البائع ذميا مستترا، ولو
كان حربيا لم يصح، وكذا لو تظاهر، وإطلاق الشيخ محمول على ذلك.
ولا تصح المضاربة بالدين للمديون ولا لغيره لعدم تعيينه، فلو ضارب
وربح فالربح لصاحب المال، أما المديون - إن كان هو العامل - أو المدين - إن
كان غيره العامل إلا أن يشتري في الذمة - فيكون الربح له وعليه الإثم
والضمان.
ولو بيع الدين وجب على المديون إقباض الغريم وإن لم يأذن البائع في
الإقباض، وإن كان الثمن أقل في غير الربوي، قاله المتأخرون، وروى محمد بن
الفضيل وابن حمزة: لا يدفع المديون أكثر مما دفع المشتري، ولا معارض لها،
وحمل على الضمان.
ولو كان الدين مؤجلا لم يجز بيعه مطلقا، وقال ابن إدريس: لا خلاف في
تحريم بيعه على من هو عليه، ويلزم بطريق التنبيه تحريمه على غيره، وجوز
الفاضل بيعه على من هو عليه، فيباع بالحال لا بالمؤجل، ولو كان حالا جاز بيعه
بالعين والدين الحال لا بالمؤجل أيضا.
وتحل الديون المؤجلة بموت الغريم، ولو مات المدين لم يحل إلا على رواية
11

أبي بصير، واختارها الشيخ والقاضي والحلبي، ولو قتل فديته كماله، ولو كان
عمدا لم يجز للورثة القصاص إلا بعد أداء الدين على المشهور، وقيده الطبرسي
ببذل القاتل الدية وجوزه إن لم يبذل، وجوز الحليون القصاص مطلقا.
ومن وجد عين ماله فله أخذها من تركة الميت إن كان في المال وفاء وإلا
فلا، قاله الأصحاب لرواية أبي ولاد.
ولو اقتسم الدين لم يجز والحاصل لهم والتأوي عليهم، ولو اصطلحوا على
ما في الذمم بعضا ببعض فالأقرب جوازه، ولو باع كل نصيبه بمال معين أو دين
حال وأحال به على الغريم الآخر جاز، ولو أحال كل منهما صاحبه بما له على
الغريم من غير سبق دين فالأقرب أنه لا أثر له لأنه توكيل في المعنى.
ولا يجوز بيع السهم من الزكاة أو الخمس أو الرزق من بيت المال قبل
قبضه لعدم تعينه.
ولا يبطل الحق بتأخير المطالبة وإن طالت المدة، وروى يونس: من ترك
المطالبة بحق له عشر سنين فلا حق له، ومن عطل أرضا ثلاث سنين متوالية لغير
علة أخرجت من يده، وقال الصدوق: من ترك دارا أو عقارا أو أرضا في يد غيره
ولم يطالبه ولم يخاصم عشر سنين فلا حق له، والسند ضعيف والقول نادر.
ولا فرق في وجوب إنظار المعسر بين من أنفق في المعروف وغيره، وقال
الصدوقان: لو أنفق في المعصية طولب وإن كان معسرا، وفيه بعد، مع أن
المنفق في المعروف أوسع مخرجا بحل الزكاة له.
ولا يشترط في الحالف المعسر إعلام الغريم بالغرم على قضائه خلافا
للحلبي، وفي رواية مرسلة: الإمام يقضي الديون ما خلا مهور النساء، وربما حمل
على ما زاد على الضرورة.
12

درس [1]:
في مداينة العبد:
لا يجوز للعبد التصرف في نفسه وما في يده باكتساب إلا بإذن المولى،
سواء قلنا بملكه أم لا، فلو تصرف بغير إذنه وبغير رضا المستحق، فإن كان على
آدمي ففي رقبته، وإن كان على غيره تعلق بكسبه، وكذا ما يرضى به المستحق
كالبيع والإقراض بدون رضا السيد، فيتبع به إذا أعتق، ولو كوتب مطلقا أو
مشروطا ففي التبعية نظر أقربه العدم، نعم لو تحرر من المطلق شئ أمكن التبعية
بقدره.
ولو اجتمع إذن السيد ورضا المستحق، فإن كان نكاحا فسيأتي إن شاء الله
تعالى، وإن كان غيره فإن كان بيده مال تجارة تعلق بها لأن موجب الإذن في
الالتزام الرضا بالأداء وأقرب ذلك ما في يده، وهل يتعلق بكسبه من احتطاب
واحتشاش والتقاط؟ إشكال لعدم تناول الإذن في التجارة إياه، وأنه بالإذن
ضاهى الجزء المؤدى من كسبه.
ولو اشترى المأذون فيه عنده للتجارة طولب بالثمن وإن علم البائع كونه
مأذونا، بخلاف الوكيل لاقتضاء العرف جعل المأذون قائما مقام السيد بما في
يده، إذ هو مستخدم عنه، بخلاف الوكيل فإنه عرضة للزوال بغير عزل نفسه، ولو
طولب السيد جاز.
ولا ينفك الحجر عنه بالإذن، فلو عين له نوعا من التجارة أو زمانا اقتصر
عليه، ويشتري بالنقد إلا أن يعين له المولى النسيئة، وكذا البيع، ولو اشترى له في
الذمة باذنه وتلف الثمن قبل القبض ضمن المولى، وليس له الاستدانة إلا مع
الإذن صريحا أو فحوى كضرورات التجارة، ويقبل إقراره إن كان لقرينة، ويؤخذ
مما في يده.
وقال القاضي: إذا أذن له يوما فهو مأذون أبدا حتى يحجر عليه، ويجوز عنده
تعليق الإذن على الصفة كدخول الشهر.
13

وليس له إجارة نفسه ولا التزويج لأنه تصرف في رقبته ولم يؤذن له فيها،
وفي إجارة رقيقه ودوابه نظر، من أنها لا تسمى تجارة، ومن أن التاجر ربما فعلها،
وهو قريب، وقال القاضي: يؤجر نفسه ويستأجر غيره ويزارع ويستأجر الأرض.
ويجوز له التوكيل لا الإذن لعبده في التجارة ليصير قائما مقامه، وليس له
اتخاذ غيره، وينعزل بالإباق لشهادة الحال، ويحتمل بقاء الإذن للاستصحاب.
ولا يكفي سكوت السيد في الإذن فيما سكت عنه ولا غيره، وقال القاضي:
إذا لم ينهه فهو إذن في التجارة، وبالغ حتى قال: لو أذن له في القصارة أو الصبغ
صار مأذونا في كل تجارة، وهو متروك.
ولا يشتري من ينعتق على سيده، ولو ركبته الديون لم يزل ملك السيد عما
في يده، فيصرف في الديون، فإن فضل عليه شئ استسعى على قول الشيخ في
النهاية لصحيحة أبي بصير، وفي المبسوط: يتبع به إذا تحرر، وفي رواية عجلان:
إن باعه السيد فعليه وإن أعتقه فعلى المأذون، وقال الفاضل: ولو ظهر استحقاق ما
باعه المأذون رجع المشتري الجاهل عليه أو على مولاه، وليس له معاملة سيده.
ولا يثبت كونه مأذونا بقوله، بل لا بد من بينة أو شياع، ويجوز أن يحجر
عليه السيد وإن لم يشهد، وقال القاضي: لا بد من إشاعته في سوقه وعلم الأكثر،
ولا يكفي علم الواحد والاثنين به، بل للواحد السامع الحجر معاملته لعدم تمام
الحجر، وهو بعيد، ولو قال: حجر علي السيد، لم يعامل وإن أنكر السيد الحجر
لأنه المتعاطي للعقد.
ولو تصرف غير المأذون وقف على إجازة السيد، فإن أجاز ملك المشتري
والمقترض، وإلا رجع فيه مالكه، فإن تلف تبع به إذا تحرر وإلا كان ضائعا.
ولو استدان باذنه أو إجازته لزم المولى مطلقا، وفي النهاية: إن أعتقه تبع به
وإلا كان على المولى، وبه قال الحلبي: إن استدان لنفسه، وإن كان للسيد فعليه.
14

درس [32]:
في القرض:
وهو معروف أثبته الشارع إمتاعا للمحتاجين مع رد عوضه في غير المجلس
غالبا وإن كان من النقدين رخصة، وسماه الصادق عليه السلام: معروفا، وهو
أفضل من الصدقة العامة، حتى أن درهمها بعشرة ودرهم القرض بثمانية عشر،
لأن القرض يرد فيقرض دائما والصدقة تنقطع، وروي أن القرض مرتين بمثابة
الصدقة مرة، ويحمل على الصدقة الخاصة، كالصدقة على الأرحام والعلماء
والأموات.
وهو عقد، إيجابه " أقرضتك أو أسلفتك أو ملكتك وعليك رد عوضه، أو
خذه مثلا أو قيمة، أو تصرف فيه، أو انتفع به كذلك " وشبهه.
وقبوله " قبلت " وشبهه، والأقرب الاكتفاء بالقبض لأن مرجعه إلى الإذن في
التصرف.
وأهله أهل البيع، ويجوز للولي إقراض مال الطفل عند المصلحة بالرهن،
وإن تعذر فبغيره إذا خاف التلف، وقبضه كقبضه.
ولا يجب إقراض الموسر، ويستحب للمقترض إعلام المقرض بإيساره أو
إعساره وحسن قضائه أو مطله، ولا يكره إقراض حسن القضاء، وليس فيه خيار،
وإن شرطاه لغا.
ولا يجوز فيه اشتراط الزيادة في العين أو الصفة - سواء كان ربويا أم لا -
للنهي عن قرض جر نفعا، فلو شرط فسد ولم يفد الملك، ويكون مضمونا مع
القبض خلافا لابن حمزة، نعم لو تبرع الآخذ برد أزيد عينا أو وصفا جاز، لأن
النبي صلى الله عليه وآله اقترض بكرا فرد بازلا، ويكره لو كان ذلك في نيتهما
ولم يذكراه لفظا، وفي رواية أبي الربيع: لا بأس.
ويجوز اشتراط رهن وضمين والإعادة في أرض أخرى، ولو اشترط فيه رهنا
على دين آخر أو كفيلا فكذلك، وللفاضل قولان أجودهما المنع، وجوز أن
15

يشترط عليه إجارة أو بيعا أو اقتراضا إلا أن يشترط بيعا أو إجارة بدون عوض
المثل.
وجوز الشيخ اشتراط إعطاء الصحاح بدل الغلة، وتبعه جماعة، وزاد
الحلبي اشتراط العين من النقدين بدل المصوع منهما، واشتراط الخالص بدل
الغش، وصحيحة يعقوب بن شعيب في جواز دفع الطازجية بدل الغلة، وقول
الباقرين عليه السلام: خير القرض ما جر منفعة، محمول على التبرع.
ولو شرط المقرض أن يقرضه قرضا أو أن يأخذ الغلة عوض الصحاح لم
يفسد القرض لأنه عليه لا له، ويحتمل في الأول المنع إذا كان له نفع كزمان
النهب والغرق.
ويملك بالعقد مع القبض، فله الامتناع من رد العين، قاله الفاضلان خلافا
للمبسوط والخلاف، ويرد البدل مثلا أو قيمة، ولو رد العين في المثل وجب
القبول، وكذا في القيمي على الأصح، ونقل فيه الشيخ الإجماع، ويحتمل
وجوب قبولها إن تساوت القيمة أو زادت وقت الرد، وإن نقصت فلا.
وهو عقد جائز من طرفيه، فلكل منهما الرجوع في الجميع والبعض في
المجلس وغيره، ولو أقرضه متفرقا فله المطالبة بالجميع دفعة وبالعكس، وكذا
للغريم دفع المفرق دفعة، ولو دفع البعض وجب على المالك قبوله ويطالب
بالباقي في الحال، ولو قال: أجلتك إلى شهر كذا، لم يتأجل، وكذا باقي الديون،
نعم يستحب الوفاء بالشرط.
وإطلاق العقد يقتضي الرد في مكانه فلو شرطا غيره جاز، ولو دفع إليه في
غير مكانه، مع الإطلاق أو في غير المكان المشترط لم يجب القبول وإن كان لا
ضرر على المقرض وكان الصلاح للقابض، ولو طالبه في غيرهما لم يجب
الدفع وإن كان الصلاح للدافع، نعم لو تراضيا جاز مطلقا.
16

درس [3]: إنما يصح القرض مع تملك المقرض أو إجارة المالك، وعلم العين
بالمشاهدة فيما يكفي فيه، وبالاعتبار كيلا ووزنا أو عددا فيما شأنه ذلك.
ويجوز إقراض الخبز وزنا وعددا إلا أن يعلم التفاوت فيعتبر بالوزن، ويجوز
إقراض المثلي إجماعا، وكذا القيمي الذي يمكن السلف فيه.
وفيما لا يضبطه الوصف كالجواهر واللحم والجلد قولان، مع اتفاقهم على
جواز إقراض الخبز عملا بالعرف العام، ولا يجوز السلم فيه، والمنع للمبسوط
والجواز للسرائر.
ثم المثلي يثبت في الذمة مثله، والقيمي قيمته، ومال المحقق إلى ضمانه
بالمثل أيضا، وتظهر الفائدة فيما إذا وجد مثله من كل الوجوه التي لها مدخل في
القيمة ودفعه الغريم - فعلى قوله يجب قبوله، وعلى المشهور لا يجب - وفيما إذا
تغيرت أسعار القيمي - فعلى المشهور المعتبر قيمته يوم القبض، وعلى الآخر لزم
دفعه يوم العوض - وهو ظاهر الخلاف، لأن النبي صلى الله عليه وآله أخذ قصعة
امرأة كسرت قصعة أخرى، وحكم بضمان عائشة إناء حفصة وطعامها بمثلها، قلنا: معارض بحكمه عليه السلام بالقيمة في معتق الشقص، وحكاية الحال لا
تعم، فلعله وقع التراضي.
فروع:
الأول: لو أقرضه المقدر غير معتبر لم يفد الملك وضمنه القابض، فإن تلف
وتعذر استعلامه فالصلح.
الثاني: لو شرط رهنا وسوغ للمرتهن الانتفاع به جاز، واستثنى في النهاية
وطء الأمة، ولعله أراد من غير تحليل بل بمجرد الشرط والإذن السابق، وفي
المبسوط جوزه وتبعه ابن إدريس، ومرادهما مع التحليل.
الثالث: يملك المقترض بالقبض على الأصح، وهو قول الشيخ، ولا يعتبر
17

التصرف في الملك لأنه فرع الملك فيمتنع كونه شرطا فيه، ولأنه لا يتباعد عن
الهبة المملوكة بالقبض، وقيل: يملك بالتصرف بمعنى الكشف عن سبق
الملك، لأنه ليس عقدا تحقيقا ولهذا اغتفر فيه ما في الصرف، بل هو راجع إلى
الإذن في الإتلاف المضمون، والإتلاف يحصل بإزالة الملك أو العين فهو
كالمعاطاة، فعلى الأصح لو اقترص من ينعتق عليه عتق بالقبض.
وله وطء الأمة وردها ما لم تنقص أو تحمل، فلو ردها وتبين النقص
استردت، وإن اتفقا على الأرش جاز، ولو تبين الحمل منه رجعت إليه وعليه قيمتها
يوم القبض، وفي التراجع في المنفعة والنفقة نظر أقربه ذلك، وفي الخلاف
والمبسوط: لا نص لنا ولا فتيا في إقراض الجواري وقضية الأصل الجواز.
الرابع: لو أقرضه نصف دينار أو نصف عبد فرد إليه الدينار تاما أو العبد تاما
أو مثل الدينار لم يجب القبول وإن رضي بجعله أمانة، أما لو كان عليه نصف
آخر فإنه يجب.
الخامس: لو ظهر في العين المقرضة عيب فله ردها ولا أرش، فإن أمسكها
فعليه مثلها أو قيمتها معيبة، وهل يجب إعلام المقترض الجاهل بالعيب؟ عندي
نظر، من اختلاف الأغراض وحسم مادة النزاع، ومن قضية الأصل، نعم لو
اختلفا في العيب حلف المقرض مع عدم البينة، ولو تجدد عنده عيب آخر منع
من الرد إلا أن يرضى المقرض به مجانا أو بالأرش.
السادس: لو اشترى بالمعيب من المقرض صح الشراء وعليه رد مثله أو
قيمته، ولو جهل المقرض العيب فله الفسخ إن اشترى بالعين، وإن اشترى في
الذمة طالبه بصحيح واحتسب المقترض المدفوع قضاء.
السابع: لو سقطت المعاملة بالدراهم المقترضة فليس على المقترض إلا مثلها،
فإن تعذر فقيمتها - من غير الجنس حذرا من الربا - وقت الدفع لا وقت التعذر
ولا وقت القرض، خلافا للنهاية، وقال ابن الجنيد والصدوق: عليه ما ينفق بين
الناس، والقولان مرويان إلا أن الأول أشهر.
18

ولو سقطت المعاملة بعد الشراء فليس على المشتري إلا الأولى، ولو تبايعا
بعد السقوط وقبل العلم فالأولى، نعم يتخير المغبون في فسخ البيع وإمضائه.
الثامن: لو أوصى المقرض بمال القرض للمقترض أو لغيره صح، ولو قال:
إذا مت فأنت في حل أو برئ، كان وصية، ولو علق ب‍ " إن " قيل: يبطل،
والفرق تحقق مدلول " إذا " بخلاف " إن "، والأقرب العمل بقصده، فإن المدلول
محتمل في العبارتين.
التاسع: لو أسلم مقرض الخمر أو مقترضه سقط، والأقرب لزوم القيمة بإسلام
الغريم، ولو كان المقرض خنزيرا أو آلة لهو فالقيمة في الموضعين، وعلى القول
بضمان المثل فهو كالأول.
العاشر: لا يجب على المقرض إمهال المقترض إلى قضاء وطره وإن كان
قضية العرف ذلك، ولو شرط فيه الأجل لم يلزم، ولو شرط تأجيله في عقد لازم،
قال الفاضل: يلزم تبعا للازم، ويشكل بأن الشرط في اللازم يجعله جائزا فكيف
ينعكس؟ وفي رواية الحسين بن سعيد في من اقترض إلى أجل ومات: يحل،
وفيها إشعار بجواز التأجيل، ويمكن حملها على الندب.
19

كتاب الرهن
21

الخلاف
كتاب الرهن
مسألة 1: يجوز الرهن في السفر والحضر. وبه قال جميع الفقهاء.
وقال مجاهد: لا يجوز إلا في السفر. وحكي ذلك عن داود.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأخبارهم.
وأيضا روى أنس أن النبي صلى الله عليه وآله رهن درعا له بالمدينة عند
يهودي وأخذ منه شعيرا، وهذا نص.
مسألة 2: يجوز أخذ الرهن في كل حق ثابت في الذمة. وبه قال جميع
الفقهاء.
وحكي عن بعضهم - ولم يذكر اسمه لندوره - أنه قال: لا يجوز الرهن إلا
في السلم.
دليلنا: إجماع الفرقة، بل إجماع المسلمين، لأن هذا الخلاف قد انقرض،
ولأن النبي صلى الله عليه وآله رهن درعا عند يهودي في المدينة وأخذ شعيرا
لأهله.
وأيضا قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل - إلى قوله -
فرهان مقبوضة، وكان أول الآية عاما في جميع الأحوال، وكذلك آخرها.
23

مسألة 3: إذا قال إنسان لغيره: من رد عبدي فله دينار، لم يجز له أخذ
الرهن عليه إلا بعد رد العبد. وبه قال ابن أبي ليلى، وابن أبي هريرة من أصحاب
الشافعي في الإفصاح، واختاره أبو الطيب الطبري، وقال: وهو الصحيح عندي.
وفي أصحابه من قال: يجوز ذلك، لأنه يؤول إلى اللزوم.
دليلنا: أنه لم يستحق قبل الرد شيئا، فلا يجوز له أخذ الرهن على ما لا
يستحقه.
مسألة 4: لا يجوز شرط الرهن، ولا عقده قبل الحق. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: يجوز عقده، وقال: إذا دفع إليه ثوبا وقال: رهنتك هذا الثوب
على عشرة دراهم تقرضنيها، وسلم إليه، ثم أقرضه من الغد، جاز ولزم.
دليلنا: أن ما اعتبرناه مجمع على جوازه، وما ذكروه ليس على جوازه
دليل.
مسألة 5: يلزم الرهن بالإيجاب والقبول. وبه قال أبو ثور، ومالك.
وقال أبو حنيفة، والشافعي: عقد الرهن ليس بلازم، ولا يجبر الراهن على
تسليم الرهن، فإن سلم باختياره، لزم بالتسليم.
دليلنا: قوله تعالى: أوفوا بالعقود، وهذا عقد مأمور به، والأمر يقتضي
الوجوب.
وقوله تعالى: فرهان مقبوضة، لا يدل على أن قبل القبض لا يلزم، لأن ذلك
دليل الخطاب، وقد تركناه أيضا بالآية الأولى.
مسألة 6: إذا عقد الرهن وهو جائز التصرف، ثم جن الراهن، أو أغمي عليه،
أو مات، لم يبطل الرهن. وبه قال أكثر أصحاب الشافعي.
وقال أبو إسحاق المروزي في الشرح: يبطل الرهن.
24

دليلنا: أن الرهن قد ثبت صحته، وإبطاله يحتاج إلى شرع، وليس في
الشرع ما يدل عليه.
مسألة 7: رهن المشاع جائز. وبه قال الشافعي، ومالك، والأوزاعي،
وابن أبي ليلى، وعثمان البتي، وعبيد الله بن الحسن العنبري، وسوار، وداود.
وقال أبو حنيفة: رهن المشاع غير جائز.
دليلنا: قوله تعالى: فرهان مقبوضة، ولم يفصل، وأيضا الأخبار على
عمومها.
وأيضا على المسألة إجماع الفرقة، وأخبارهم تدل عليها.
مسألة 8: استدامة القبض ليس بشرط في الرهن. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: ذلك شرط.
دليلنا: قوله تعالى: فرهان مقبوضة، فشرط القبض ولم يشرط الاستدامة.
وأيضا فإنا قد بينا أن بنفس العقد يثبت الرهن، فهذا الفرع يسقط عنا.
وأيضا روي عنه عليه السلام أنه قال: الرهن محلوب ومركوب.
فلا يخلو من أن يكون ركوبها للراهن أو للمرتهن، وقد أجمعنا على أنه لا
يحل للمرتهن ذلك، فدل على أنه مركوب للراهن، وذلك يدل على أن استدامة
القبض ليس بشرط، وأخبار الفرقة دالة على ذلك.
مسألة 9: إذا مات الراهن لا ينفسخ الرهن. وإليه ذهب أكثر أصحاب
الشافعي.
وقال أبو إسحاق: ينفسخ مثل الوكالة.
دليلنا: أن الرهن كان صحيحا، ولا دلالة على أن الموت يبطله، فمن ادعاه
فعليه الدلالة.
25

مسألة 10: إذا غلب على عقل المرتهن، فولى الحاكم عليه رجلا، غرم
الراهن تسليم الرهن إليه، ولا ينفسخ الرهن.
وقال الشافعي: يكون الراهن بالخيار.
دليلنا: أنا قد بينا أن الرهن يجب إقباضه بالإيجاب والقبول، فمن قال
بذلك قال بما قلناه.
مسألة 11: إذا أذن الراهن للمرتهن في قبض الرهن، ثم رجع عن الإذن
ومنعه، لم يكن له ذلك.
وقال الشافعي: له ذلك.
دليلنا: ما ذكرناه في المسألة الأولى، لأن هذا فرع عليها.
مسألة 12: إذا أذن له في قبض الرهن، ثم جن، أو أغمي عليه، جاز للمرتهن
قبضه.
وقال الشافعي: ليس له ذلك.
دليلنا: أنه قد ثبت أن إذنه صحيح قبل جنونه وإغمائه، فمن أبطله فيما بعد
فعليه الدلالة.
مسألة 13: إذا رهنه وديعة عنده في يده، وأذن له في قبضه، ثم جن، فقد
صار مقبوضا.
وقال الشافعي: إذا لم يأت عليه زمان يمكن فيه قبضه، لم يصر مقبوضا بعد
جنونه.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 14: إذا رهنه شيئا، ثم تصرف فيه الراهن بالبيع، أو الهبة، أو الرهن
26

عند آخر قبضه أو لم يقبضه، أو قبضه البائع أو لم يقبضه، أو أصدقه امرأته، لم
يصح جميع ذلك، وكان باطلا.
وقال الشافعي: يكون ذلك فسخا للرهن، وإن زوجها لم ينفسخ الرهن.
دليلنا: أن القول بفسخ الرهن بذلك يحتاج إلى دليل، والأصل صحته.
مسألة 15: لا يجوز للوصي أن يشترى من مال اليتيم لنفسه، وإن اشتراه
بزيادة. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: يجوز ذلك.
دليلنا: أن جواز ذلك يحتاج إلى دليل.
وأيضا فإنه متهم في ذلك، فيجب أن لا يجوز.
مسألة 16: إذا كان له في يد رجل مال وديعة، أو إعارة، أو غصبا، فجعله
رهنا عنده بدين له عليه، كان الرهن صحيحا بلا خلاف، ويصير الرهن مقبوضا
باذنه فيه.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه.
والثاني: يصير مقبوضا وإن لم يأذن له فيه.
دليلنا: أن الشئ إذا كان في يده، فأذن له في قبضه عن الرهن، كان ذلك
قبضا، وأغنى عن النقل. وأيضا إذا أذن له صار قبضا بالإجماع، وإن لم يأذن له،
فليس على كونه قبضا دليل.
مسألة 17: إذا غصب رجل من غيره عينا من الأعيان، ثم جعلها المغصوب
منه رهنا في يد الغاصب بدين له عليه قبل أن يقبضها منه، فالرهن صحيح
بالإجماع، ولا يزول ضمان الغصب. وبه قال الشافعي، ومالك، وأبو ثور.
وقال أبو حنيفة والمزني: ليس عليه ضمان الغصب.
27

دليلنا: أنا أجمعنا على أن عليه ضمانه قبل الرهن، فمن ادعى براءته منه بعد
الرهن فعليه الدلالة.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: على اليد ما أخذت حتى تؤديه،
أو حتى تؤدي.
مسألة 18: إذا رهن جارية وقد أقر بوطئها، فولدت لستة أشهر من وقت
الوطء فصاعدا إلى تمام تسعة أشهر، فالولد لا حق به. وعند الشافعي إلى أربع
سنين.
ولا ينفسخ الرهن في الأم عندنا.
وقال الشافعي في الجارية: لها ثلاثة أحوال:
إما أن يكون أقر بالوطئ في حال العقد، أو بعد العقد وقبل القبض أو بعد
القبض.
فإن كان في حال العقد، فإن المرتهن إذا علم بإقراره، ودخل فيه، فقد رضي
بحكم الوطء، وما يؤدى إليه، فعلى هذا يخرج من الرهن، ولا خيار للمرتهن إن
كان ذلك شرطا في عقد البيع.
وإن كان أقر بذلك بعد عقد الرهن، وقبل القبض، فكذلك، لأنه لما علم
بإقرار الراهن بوطئها، وقبضها مع العلم بذلك، كان راضيا به.
وإن كان أقر بذلك بعد القبض، فهل يخرج من الرهن؟ فيه قولان:
أحدهما يقبل إقراره. والثاني: لا يصح إقراره.
دليلنا: ما ثبت عندنا من أن أم الولد مملوكة يجوز بيعها، على ما استدل عليه
فيما بعد، فإذا ثبت ذلك لم ينفسخ الرهن، سواء كان الإقرار بالوطئ قبل العقد
أو بعده، وقبل القبض أو بعده، وعلى كل حال.
مسألة 19: إذا وطئ الراهن جاريته المرهونة، وحملت، وولدت، فإنها تصير
28

أم ولده، ولا يبطل الرهن، فإن كان موسرا ألزم قيمة الرهن من غيرها لحرمة
ولدها، ويكون رهنا مكانها، وإن كان معسرا كان الدين باقيا، وجاز بيعها فيه.
وللشافعي فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: يفرق بين الموسر والمعسر، فإن كان موسرا صارت أم ولده، فإن
أعتقها عتقت، ووجب عليه قيمتها، يكون رهنا مكانها، أو قضاها من حقه.
وإن كان معسرا، لم تخرج من الرهن، وتباع في حق المرتهن، هذا نقله
المزني.
والثاني: تصير أم ولده، وتعتق، سواء كان موسرا أو معسرا، ولكنه يوجب
قيمتها على الموسر يكون رهنا مكانها.
والثالث: لا تخرج من الرهن، وتباع في دين المرتهن، سواء كان موسرا أو
معسرا.
وقال أبو حنيفة: تصير أم ولده، وتعتق، سواء كان موسرا أو معسرا، فإن
كان موسرا لزمه قيمتها، يكون رهنا مكانها، وإن كان معسرا تستسعي الجارية في
قيمتها، إن كانت دون الحق، ويرجع بها على الراهن.
دليلنا: ما ثبت من كونها مملوكة، وإذا ثبت ذلك جاز بيعها إلا أنا نمنع
من بيعها إذا كان موسرا، لمكان ولدها ما دام ولدها حيا، وإن مات جاز بيعها
على كل حال، وسندل على ذلك فيما بعد، وعليه إجماع الفرقة وأخبارهم تدل
عليه.
مسألة 20: لا يجوز للراهن أن يطأ الجارية المرهونة، سواء كانت ممن
تحبل أو لا تحبل.
واختلف أصحاب الشافعي، فقال ابن أبي هريرة مثل ما قلناه.
وقال المروزي: يجوز له وطؤها.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأخبارهم تدل على ذلك، لأنها عامة في المنع من
29

وطئها، ولم يفرقوا.
مسألة 21: إذا وطئ الراهن الجارية المرهونة بإذن المرتهن، لم ينفسخ
الرهن، سواء حملت أو لم تحمل - لأن عندنا لا يزول ملكه بالحمل - فإن أعتقها
بإذنه انفسخ.
وقال الشافعي: إذا وطئ الراهن الجارية المرهونة بإذن المرتهن، فأحبلها،
فإنها تخرج من الرهن، ولا يجب على الواطئ قيمتها، لأنه أذن في فعل ينافي
الرهن، وبطل الرهن، كما إذا أذن في البيع فباعها أو أذن في الأكل فيما يؤكل.
دليلنا: ما ثبت عندنا من أن ملكه باق لم يزل، وإذا ثبت فالرهن بحاله، فمن
ادعى زواله فعليه الدلالة.
مسألة 22: إذا وطئ المرتهن الجارية المرهونة بإذن الراهن، مع العلم
بتحريم ذلك، لم يجب عليه المهر.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه. والآخر يجب.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، وليس في الشرع ما يدل على وجوبه عليه.
مسألة 23: إذا أتت هذه الجارية الموطوءة بإذن الراهن بولد، كان حرا
لاحقا بالمرتهن بالإجماع، ولا يلزمه عندنا قيمته.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما يجب عليه قيمته. وبه قال المروزي. والآخر:
لا يجب.
دليلنا: ما قدمناه من أن الأصل براءة الذمة، ووجوب القيمة يحتاج إلى
دليل.
مسألة 24: إذا بيعت هذه الجارية، ثم اشتراها المرتهن، فإنها تكون أم ولده.
30

وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه. والثاني: لا تصير أم ولده.
دليلنا: أن الاشتقاق يقتضي ذلك، لأن الولد إذا كان لاحقا به، وهذه أمه،
فينبغي أن تسمى أم ولده.
مسألة 25: إذا أذن المرتهن للراهن في بيع الرهن بشرط أن يكون ثمن
الرهن رهنا، كان صحيحا.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه. والثاني: يبطل البيع.
دليلنا: قوله تعالى: وأحل الله البيع.
وأيضا قوله عليه السلام: المؤمنون عند شروطهم.
مسألة 26: إذا قال المرتهن للراهن: بع الرهن بشرط أن تجعل ثمنه من
ديني قبل محله، فإذا باع الراهن صح البيع، ويكون الثمن رهنا إلى وقت حلوله،
ولا يلزمه الوفاء بتقديم الحق قبل الأجل، لأنه لا دليل على ذلك.
وللشافعي فيه قولان:
أحدهما: أن البيع باطل، وهو المنصوص عليه.
وقال المزني: يصح، ويكون ثمنه رهنا مكانه.
دليلنا: قوله تعالى: وأحل الله البيع، ودلالة الأصل أيضا، والمنع يحتاج
إلى دليل.
مسألة 27: رهن أرض الخراج - وهي أرض سواد العراق وحده، من
القادسية إلى حلوان عرضا، ومن الموصل إلى عبادان طولا - باطل.
وللشافعي فيه قولان:
أحدهما: أن عمر قسم بين الغانمين، فاشتغلوا بها سنتين أو ثلاثا، ثم رأى من
المصلحة أن يشتريها منهم لبيت المال، فاستنزلهم عنها، فمنهم من نزل عنها
31

بعوض، ومنهم من ترك حقه، فلما حصلت لبيت المال لا مالك لها معين، وقفها
على المسلمين، ثم أجرها منهم بأجرة ضربها على الجربان، فجعل على كل
جريب نخل عشرة دراهم، وعلى كل جريب كرم ثمانية دراهم، وعلى جريب
شجر ستة دراهم، وعلى جريب الحنطة أربعة، وعلى الشعير درهمين. وبه قال
الإصطخري والمأخوذ من القوم أجرة باسم الخراج.
وقال أبو العباس: ما وقفها، ولكن باعها من المسلمين بثمن مضروب على
الجربان، فالمأخوذ من القوم ثمن.
فعلى قول أبي العباس: الرهن والبيع فيها صحيح.
وعلى قول الشافعي والإصطخري: باطل.
وقال أبو حنيفة: أن عمر أقر هذه الأرضين في يد أربابها المشركين، وضرب
عليهم الجزية هذا القدر، فمن باع منهم حقه على مسلم أو أسلم كان المأخوذ منه
خراجا، ولا يسقط ذلك الجزية بإسلامه، فهي طلق تباع، وتورث، وترهن.
دليلنا: إجماع الفرقة على أن أرض الخراج لا يصح بيعها، ولا رهنها،
لأنها أرض المسلمين قاطبة، لا يتعين ملاكها، ومن ادعى أحد الأحكام التي
ذكرنا، فعليه الدلالة.
وكونها أرض الخراج، وأنها لجميع المسلمين على ما نقوله، أو ملك
الغانمين على ما يقول المخالف، لا خلاف فيه، فمن ادعى انتقالها عنهم، فعليه
الدلالة.
مسألة 28: إذا جنى العبد جناية، ثم رهنه، بطل الرهن، سواء كانت
الجناية عمدا أو خطأ، أو توجب القصاص أو لا توجبه.
ولأصحاب الشافعي فيه ثلاث طرق:
فقال أبو إسحاق: المسألة على قولين عمدا كانت أو خطأ، أحدهما: يصح
والآخر: لا يصح.
32

ومنهم من قال: إن كانت عمدا صح، قولا واحدا. وإن كانت خطأ فعلى
قولين.
ومنهم من قال إن كانت خطأ بطل، قولا واحدا وإن كانت عمدا فعلى
قولين.
قالوا: وهذا القول الأخير هو المذهب.
دليلنا على بطلانه: أنه إذا كان عمدا فقد استحق المجني عليه العبد، وإن
كان خطأ تعلق الأرش برقبته، فلا يصح رهنه.
مسألة 29: إذا رهن عبده رهنا على ألف، وقبضه الراهن، ثم اقترض ألفا
آخر على ذلك الرهن بعينه، كان ذلك صحيحا، ويكون الرهن بالألفين ألف
متقدمة وألف متأخرة. وبه قال الشافعي في القديم، وهو اختيار المزني، وإليه
ذهب أبو يوسف.
وقال في الجديد: لا يجوز. وبه قال أبو حنيفة ومحمد.
دليلنا: قوله تعالى: فرهان مقبوضة، ولم يفرق.
والأخبار المروية في جواز الرهن تدل عليه من غير تفصيل.
مسألة 30: إذا أقر أن عبده جنى على غيره، ثم رهنه، وأنكر المرتهن ذلك.
أو أقر أنه كان غصبه من فلان، ثم رهنه أو باعه منه، ثم رهنه.
أو أنه أعتقه، ثم رهنه، وأنكر ذلك المرتهن، كان إقراره لمن أقر له به
صحيحا في حقه، ويلزمه، ولا يلزم ذلك في حق المرتهن.
وللشافعي فيه قولان:
أحدهما: لا ينفذ إقراره، وهو أصح القولين، وبه قال أبو حنيفة.
والثاني: ينفذ.
دليلنا: أن إقرار العاقل على نفسه جائز، فمن منع منه في موضع فعليه
33

الدلالة.
مسألة 31: إذا دبر عبده، ثم رهنه، بطل التدبير، وصح الرهن إن قصد
بذلك فسخ التدبير، وإن لم يقصد بذلك فسخ التدبير لم يصح الرهن.
وللشافعي فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: مثل ما قلناه، إذا قال أنه وصية.
والثاني: أن التدبير عتق بصفة، فينفذ التدبير ويبطل الرهن، لأنه لا يصح
الرجوع فيه إلا بالبيع والهبة، فأما بالقبول فلا يصح بأن يقول قد فسخت التدبير.
ومنهم من قال: الرهن باطل، سواء قلنا التدبير وصية، أو عتق بصفة.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأخبارهم على أن التدبير بمنزلة الوصية، والوصية له
الرجوع فيها بلا خلاف، فكذلك التدبير.
فأما إذا لم يقصد الرجوع، فلا دلالة على بطلانه، ولا دلالة على صحة
الرهن، فينبغي أن يكون باطلا.
وإن قلنا أنه يصح التدبير والرهن معا، لأنه لا دلالة على بطلان واحد منهما،
كان قويا. وبه قال قوم من أصحاب الشافعي، واختاروه، وهو المذهب عندهم،
لأن ما جاز بيعه جاز رهنه، وبيع المدبر جائز بلا خلاف عندنا، وكذلك
عندهم، وهذا قوي.
مسألة 32: إذا علق عتق عبده بصفة، ثم رهنه، كان الرهن صحيحا
والعتق باطل، سواء كان حلول الحق قبل حلول الشرط أو بعده، أو لا يدرى
أيهما سبق.
وقال الشافعي وأصحابه فيها: ثلاث مسائل.
إحداهما: يحل الحق قبل العتق، مثل أن علق عتقه بصفة إلى سنة، ثم رهنه
بحق يحل بعد شهرين، فالرهن صحيح.
34

والثانية: يوجد الصفة قبل محل الحق، مثل أن قال: أنت حر بعد شهر، ثم
رهنه بحق يحل إلى سنة، فالرهن باطل.
والثالثة: إذا لم يعلم أيهما السابق، مثل أن يقول: إذا قدم زيد فأنت حر، ثم
رهنه بحق يحل إلى سنة، ولا يعلم متى يقدم زيد.
فهذه على قولين: أحدهما يصح. والثاني: باطل.
دليلنا: إجماع الفرقة على أن العتق بصفة لا يصح، وإذا لم يصح ذلك،
كان الملك باقيا، وصح رهنه.
مسألة 33: إذا رهنه عبدا، ثم دبره، كان التدبير باطلا. وبه قال الشافعي
وأصحابه.
وحكى الربيع فيها قولا آخر: إن الرهن صحيح، والتدبير صحيح.
دليلنا: إجماع الفرقة على أن الراهن لا يجوز له التصرف في الرهن بغير
إذن المرتهن، والتدبير تصرف، فيجب أن يكون باطلا.
مسألة 34: إذا كان الرهن شاة فماتت، زال ملك الراهن عنها، وانفسخ
الرهن إجماعا، فإن أخذ الراهن جلدها، فدبغه، لم يعد ملكه.
وقال الشافعي: يعود ملكه، قولا واحدا.
وهل يعود الرهن؟ على وجهين.
قال ابن خيران: يعود الرهن.
وقال أبو إسحاق: لا يعود.
دليلنا: إجماع الفرقة على أن جلد الميتة لا يطهر بالدباغ، وإذا ثبت ذلك
لم يعد الملك إجماعا، لأن من خالف في ذلك خالف في طهارته.
ويدل عليه أيضا قوله تعالى: حرمت عليكم الميتة، وذلك على عمومه.
35

مسألة 35: إذا اشترى عبدا بألف، ورهن به عصيرا، وقبضه، واختلفا، فقال
الراهن: أقبضتك عصيرا، وقال المرتهن: أقبضتنيه خمرا، فلي الخيار، كان القول
قول المرتهن مع يمينه. وبه قال أبو حنيفة والمزني، وهو أحد قولي الشافعي.
والثاني: القول قول الراهن، وهو اختيار الإسفرايني.
دليلنا: أن هذا اختلاف في القبض، لأنه إذا ادعى المرتهن أنه قبضه خمرا،
وقبض الخمر كلا قبض، فصار كأنه اختلاف في القبض، وفي اختلاف القبض
القول قول المرتهن، لأنه يكون فائدته أن المرتهن يقول ما قبضت رهنا، والراهن
يقول قبضت رهنا، فمن يدعي القبض فعليه البينة، وعلى من ينكره اليمين.
والقول الآخر أيضا قوي، لأنهما اتفقا على القبض، وإنما يدعي المرتهن أنه
قبض فاسد، فعليه البينة، والأصل الصحة.
مسألة 36: الخمر ليست بمملوكة، ويجوز إمساكها للتخلل، وللتخليل.
وقال الشافعي: ليست مملوكة، ولا يحل إمساكها، ويجب إراقتها.
وقال أبو حنيفة: هي مملوكة كالعصير، ولا يجب عليه إراقتها، ويجوز له
إمساكها للتخلل أو التخليل.
دليلنا: إجماع الفرقة على نجاسة الخمر، وعلى تحريمها الإجماع، فمن
ادعى صحة أنه يملكها، فعليه الدلالة.
وأما التخلل والتخليل فلا خلاف بين الطائفة فيه، فلأجل ذلك لم نتشاغل
به، ولأنه لو صار خلا، تناولته الظواهر المتناولة لإباحة الخل، فمن خصص ذلك
فعليه الدلالة.
مسألة 37: إذا رهن نخلا مطلعا، ولم يشرط أن يكون الطلع رهنا، لم
يدخل الطلع في الرهن.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه، وهو قوله الجديد.
36

والثاني يدخل فيه، وهو قوله القديم.
دليلنا: أن الأصل عدم كونه رهنا، فمن ادعى دخوله في الرهن لدخول
النخل فيه، فعليه الدلالة.
مسألة 38: إذا رهن ما يسرع إليه الفساد، ولم يشرط أنه إذا خيف هلاكه
بعه، كان الرهن فاسدا.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه.
والثاني: يصح الرهن، ويجبر على بيعه.
دليلنا: أنه لا دليل على أنه يجبر على بيعه، وإذا لم يكن عليه دلالة لم ينتفع
المرتهن بهذا الرهن أصلا، فيجب أن يكون باطلا.
مسألة 39: إذا رهن عند غيره شيئا، وشرط للمرتهن إذا حل الحق أن
يبيعه، صح شرطه، ويجوز توكيل المرتهن في بيع الرهن. وبه قال أبو حنيفة.
وقال الشافعي: لا يصح شرطه، ولا توكيله إلا بحضرة الراهن، فإن حضره
الراهن صح بيعه.
ومنهم من قال: لا يجوز على كل حال.
دليلنا: أن الأصل جواز ذلك، فمن منع منه فعليه الدلالة.
وأيضا قال النبي صلى الله عليه وآله: المؤمنون عند شروطهم، وذلك عام.
مسألة 40: إذا رهن عند غيره شيئا، وشرط أن يكون موضوعا على يد عدل،
صح شرطه، فإذا قبضه العدل، لزم الرهن. وبه قال جميع الفقهاء، إلا ابن أبي
ليلى، فإنه قال: لا يصح قبضه.
دليلنا: إجماع الأمة، وخلاف ابن أبي ليلى قد انقرض.
وأيضا: قوله عليه السلام: المؤمنون عند شروطهم.
37

مسألة 41: إذا عزل الراهن العدل عن البيع، لم تنفسخ وكالته، وجاز له
بيع الرهن.
وقال الشافعي: تنفسخ وكالته، ولا يجوز له بيعه.
دليلنا: أنه قد ثبت وكالته بالإجماع، فمن ادعى انفساخها، فعليه الدلالة.
مسألة 42: إذا عزل المرتهن العدل لم ينعزل أيضا.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه.
وفي أصحابه من قال: ينعزل.
دليلنا: أن الأصل ثبوت الوكالة، وثبوت العزل بعدها يحتاج إلى دليل.
مسألة 43: إذا أراد العدل بيع الرهن، فلا بد من إذن المرتهن، ولا يلزم إذن
الراهن.
وللشافعي في إذن الراهن وجهان: أحدهما مثل ما قلناه.
والثاني: لا بد من إذنه.
دليلنا: أنه قد أذن له في بيعه في حال التوكيل، فهو يملك الإذن فيه، فلا
يحتاج إلى تجديده، ولأنه لا دلالة عليه، ولأنه يؤدى إلى أن لا يباع الرهن أصلا،
إن امتنع من الإذن أبدا.
مسألة 44: لا يجوز للعدل أن يبيع الرهن إلا بثمن مثله حالا، ويكون من نقد
البلد، إذا أطلق له الإذن، فإن شرط له جواز ذلك كان جائزا. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: يجوز له بيعه بأقل من ثمن مثله، وبنسيئة، حتى قال: لو
وكله في بيع ضيعة تساوى مائة ألف دينار، فباعها بدانق نسيئة إلى ثلاثين سنة
كان جائزا.
دليلنا: أنا قد اتفقنا أنه إذا باعه بما قلناه كان البيع ماضيا، ولا دليل على أن
38

ما قاله صحيح.
مسألة 45: إذا باعه بثمن مثله، أو بما يتغابن الناس في مثله، ثم جاءه الزيادة
للراهن في حال خيار المجالس، أو خيار الشرط، فإن قبلها كان له فسخ العقد،
وإن لم يقبلها لم ينفسخ البيع.
وللشافعي فيه قولان: فالذي نص عليه أنه ينفسخ البيع على كل حال.
والثاني: لا ينفسخ لمكان الزيادة إذا لم يفسخ.
دليلنا: أن العقد ثبت بلا خلاف، وانفساخه على كل حال يحتاج إلى
دليل.
مسألة 46: الرهن غير مضمون. وبه قال الشافعي. وقال أبو حنيفة: مضمون
بأقل الأمرين.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأخبارهم، ولأنه لا دلالة على كونه مضمونا،
والأصل براءة الذمة.
مسألة 47: إذا باع العدل الرهن، وقبض ثمنه، فهو من ضمان الراهن حتى
يقبضه المرتهن، لأنه بدل الرهن، فإذا تلف الثمن لم يسقط من دين المرتهن شئ.
وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: يسقط من دين المرتهن إذا تلف ثمن الرهن.
دليلنا: أنا قد بينا أن الرهن نفسه غير مضمون، وإذا كان كذلك، فضمان
قيمة أولى بذلك.
وأيضا الأصل براءة الذمة، ومن جعله مضمونا فعليه الدلالة.
وأيضا ثبت الدين في ذمة الراهن، ولا دليل على براءة ذمته بهلاك ثمن
الرهن، فيجب أن يكون باقيا على أصله.
39

وأيضا روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: الرهن من صاحبه الذي
رهنه له غنمه وعليه غرمه، يعني ضمانه من صاحبه الذي رهنه.
مسألة 48: إذا باع العدل الرهن بتوكيل الراهن، وقبض الثمن، وضاع
في يده، واستحق المبيع من يد المشتري، فإن المشتري يرجع على الوكيل،
والوكيل يرجع على الراهن.
وكذلك كل وكيل باع شيئا فاستحق وضاع الثمن في يد الوكيل، فإن
المشتري يرجع على الوكيل، والوكيل يرجع على الموكل. وبه قال أبو حنيفة.
وقال الشافعي في جميع هذه المسائل: يرجع على الموكل دون الوكيل.
فأما إذا كان الوكيل صبيا، أو باع الحاكم على اليتيم، أو أمين الحاكم، فإنه
يرجع على الموكل إجماعا.
دليلنا: أن الوكيل إذا كان هو العاقد للبيع، فيجب أن يكون هو الضامن
للدرك، ومن قال: أن الموكل ضامن من غير واسطة، فعليه الدلالة.
مسألة 49: إذا غاب المتراهنان، وأراد العدل رد الرهن لغير عذر به، لم يجز
له رده إلى الحاكم، ومتى رده إلى الحاكم كانا ضامنين.
وقال الشافعي: إن كان سفرهما بحيث يجب فيه التقصير - وهي ستة عشر
فرسخا عنده - جاز له أن يرده إلى الحاكم، وجاز له أن يقبضه منه. وإن نقص عن
هذا المقدار كانا بحكم الحاضرين.
دليلنا: أنه قد ثبت الرهن عنده بقبوله باختياره، ولا دليل على جواز دفعه
إلى الحاكم، فيجب أن لا يجوز ذلك له.
مسألة 50: إذا شرطا أن يكون الرهن عند عدلين، فأراد أحدهما أن يسلم
إلى الآخر حتى ينفرد بحفظه لم يكن له ذلك.
40

وللشافعي فيه قولان:
قال أبو العباس بن سريج: فيه وجهان، أحدهما: لا يكون له ذلك.
والثاني: يجوز.
دليلنا: أنه لا دليل على جواز ذلك، والأصل كون الرهن عندهما.
وأيضا فإن الراهن لم يرض بأمانة أحدهما، وإنما رضي بأمانتهما جميعا، فلا
يجوز لأحدهما أن ينفرد بحفظه.
مسألة 51: لا يجوز للعدلين أن يقتسما بالرهن إذا كان مما يصح قسمته من
غير ضرر، مثل الطعام والشيرج وغير ذلك.
وللشافعي فيه وجهان، مثل المسألة الأولى سواء.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 52: إذا استقرض ذمي من مسلم مالا، ورهن عنده بذلك خمرا
يكون على يد ذمي آخر يبيعها عند محل الحق، فباعها وأتى بثمنها، جاز له أن
يأخذه ولا يجبر عليه.
ولأصحاب الشافعي في الإجبار عليه وجهان: أحدهما مثل ما قلناه. والثاني
يجبر عليه.
دليلنا: أنه لا دليل على إجباره عليه، وله أن يطالب بما لا يكون من ثمنه
محرم، فلا وجه للإجبار.
مسألة 53: إذا أقر العبد المرهون بجناية توجب القصاص، أو جناية الخطأ،
فإقراره باطل في الحالين.
وقال الشافعي: إن أقر بما يوجب القصاص قبل إقراره، لأنه لا يتهم بها
نفسه، وإن أقر بجناية خطأ لم يقبل إقراره، لأنه إقرار على المولى.
41

دليلنا: إجماع الفرقة على أن إقرار العبد لا يقبل على نفسه بجناية، ولأن في
الحالين يتضمن إقرارا على الغير، لأنه أقر بجناية العمد، فلو وجب عليه القصاص
كان في ذلك إتلاف مال السيد، فهو إقرار عليه.
مسألة 54: إذا أكره المولى عبده المرهون على جناية توجب القصاص، فلا
قصاص على المكره، وإنما القصاص على المكره.
وقال الشافعي: المكره يلزمه القصاص.
وفي المكره قولان:
أحدهما: يجب القصاص.
والآخر: لا يجب للشبهة.
دليلنا: قوله تعالى: وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس، الآية، ونحن نعلم
أنه أراد النفس القاتلة، فمن أوجب على غير القاتلة القصاص فعليه الدلالة.
مسألة 55: إذا عفي على مال عن هذا العبد المكره، فإن المال يتعلق برقبة
العبد جميعه، لأنه الجاني.
وقال الشافعي: يتعلق نصفه برقبة السيد، ونصفه برقبة العبد، يباع منه بقدر
نصف الأرش، ويقدم على حق المرتهن.
دليلنا: أن العبد هو الجاني، فيجب أن يلزمه المال في رقبته دون المولى،
لأنه لا دليل عليه، والأصل براءة الذمة.
وأيضا فقد بينا أن القصاص يجب على المكره، وكل من قال بذلك، قال
بما قلناه.
مسألة 56: إذا باع شيئا بثمن معلوم إلى أجل معلوم، وشرط رهنا مجهولا،
فإن الرهن فاسد. وبه قال الشافعي.
42

وقال مالك: يصح، ويجبر على أن يأتي برهن قيمته بقدر الدين.
دليلنا: أنه لا دلالة على صحته، فمن ادعى صحته فعليه الدلالة.
مسألة 57: إذا اختلف المتراهنان في عبدين، فقال المرتهن: رهنتني
عبدين. وقال الراهن: رهنتك أحدهما.
وكذلك إن اختلفا في مقدار الحق، فقال الراهن: رهنتك بخمسمائة. وقال
المرتهن: بألف، كان القول قول الراهن مع يمينه، وبه قال الشافعي.
وقال مالك: القول قول من شهد له قيمة الرهن، فإن كان الحق ألفا، وقيمة
كل واحد من العبدين ألفا، كان القول قول الراهن مع يمينه، لأن الظاهر أن أحد
العبدين رهن. وإن كان قيمتهما جميعا ألفا، وقيمة أحدهما خمسمائة، كان القول
قول المرتهن، لأن الظاهر أن العبدين رهن.
وكذلك إذا كان الخلاف في قدر الحق الذي فيه الرهن، إذا كانت قيمة
الرهن تشهد لقول أحدهما، كان القول قوله.
دليلنا: أن الأصل عدم الرهن، وما أقر له الراهن فقد اتفقا عليه، وما زاد عليه
فالمرتهن مدع فعليه البينة، وإلا فعلى الراهن اليمين.
وكذلك القول في مقدار الحق، لأن الأصل براءة الذمة، وما أقر به وجب
عليه، وما زاد عليه يحتاج إلى بينة، وإلا فعليه الدلالة.
مسألة 58: منفعة الرهن للراهن دون المرتهن، وذلك مثل سكنى الدار،
وخدمة العبد، وركوب الدابة، وزراعة الأرض.
وكذلك نماء الرهن المنفصل عن الرهن لا يدخل في الرهن مثل: الثمرة،
والصوف، والولد، واللبن. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: منفعة الرهن تبطل، فلا تحصل للراهن ولا للمرتهن.
وأما النماء المنفصل، فإنه يدخل في الرهن مثل الثمرة، والولد، والصوف،
43

واللبن وما أشبه ذلك، ويكون حكمه حكم الأصل.
وقال مالك: يدخل الولد، ولا يدخل الثمرة، لأن الولد يشبه الأصل،
والثمرة لا تشبهه.
دليلنا: أنه لا دليل على بطلان هذه المنفعة، ولا على دخوله في الرهن،
فيجب أن يكون للراهن، لأن الأصل له.
وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: الرهن محلوب
ومركوب، فأثبت للرهن منفعة الحلب والركوب، ولا خلاف أنه ليس ذلك
للمرتهن، ثبت أنه للراهن.
وأيضا روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: الرهن من صاحبه الذي
رهنه له غنمه وعليه غرمه، ونماؤه غنمه، فيجب أن يكون له، فمن ادعى خلافه
فعليه الدلالة.
مسألة 59: ليس للراهن أن يكري داره المرهونة، أو يسكنها غيره إلا بإذن
المرتهن، فإن أكراها وحصلت أجرتها كانت له.
وقال الشافعي: له أن يؤجرها ويسكنها غيره.
وهل له أن يسكنها بنفسه؟ لهم فيه وجهان.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأخبارهم، ولأنه لا دليل على جواز ذلك.
مسألة 60: إذا زوج الراهن عبده المرهون، أو جاريته المرهونة، كان
تزويجه صحيحا. وبه قال أبو حنيفة.
وقال الشافعي: لا يصح تزويجه.
دليلنا: قوله تعالى: وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم
وإمائكم، ولم يفصل، فمن ادعى التخصيص فعليه الدلالة.
44

مسألة 61: إذا شرط في حال عقد الرهن شروطا فاسدة، كانت الشروط
فاسدة، ولم يبطل الرهن، ولا البيع الذي كان الرهن شرطا فيه.
وقال الشافعي: إن كان الشرط ينقص من حق المرتهن، فإنه يفسد الرهن
قولا واحدا، وإن زاد في حق المرتهن ففيه قولان: أحدهما: يفسده. والآخر: لا
يفسده. فإذا قال: يفسد الرهن، فهل يبطل البيع؟ فيه قولان:
أحدهما: يبطل، وهو الصحيح عندهم.
والثاني: لا يفسد البيع.
وإذا قال البيع صحيح، كان البائع بالخيار بين أن يجيزه بلا رهن، وبين أن
يفسخه، لأنه لم يسلم له الرهن.
دليلنا: إن فساد الشرط لا يتعدى إلى فساد الرهن، ولا إلى فساد البيع، لأن
تعديه إليهما يحتاج إلى دليل، ولا دليل على ذلك.
مسألة 62: إذا كان له على غيره ألف فقال: أقرضني ألفا آخر حتى أرهن
عندك هذه الضيعة بالألفين، صح ذلك، ولم يمنع منه مانع.
وقال الشافعي: لا يصح الرهن، ولا القرض الثاني.
دليلنا: إن فساد ذلك يحتاج إلى شرع، وليس في الشرع ما يدل عليه.
مسألة 63: إذا كانت المسألة بحالها إلا أن من عليه الألف قال للذي له
الألف: بعني عبدك هذا بألف درهم، على أن أرهنك داري هذه بهذا الألف،
وبالألف الآخر الذي على، فباعه، صح البيع.
وقال الشافعي: لا يصح.
دليلنا: أن البيع والرهن جميعا جائزان على الانفراد، فمن حكم بفسادهما
عند الاجتماع فعليه الدلالة.
45

مسألة 64: إذا رهن نخلا، أو ماشية، على أن ما أثمرت أو نتجت يكون رهنا
معه، كان الشرط صحيحا، والرهن صحيحا، والبيع الذي يكون هذا شرطا فيه
صحيحا.
وللشافعي فيه أربعة أقوال: أولها مثل ما قلناه.
والثاني: أن الثلاثة فاسدة.
والثالث: أن الشرط فاسد، والرهن والبيع صحيحان، ويكون البائع
بالخيار.
والرابع: يكون الرهن والشرط فاسدين، والبيع صحيحا.
دليلنا: أنه لا دلالة على فساد ذلك، والأصل جوازه.
وأيضا قوله: كل شرط لا يخالف الكتاب والسنة فهو جائز.
وقوله: المؤمنون عند شروطهم.
مسألة 65: إذا قال رهنتك هذا الحق بما فيه، لا يصح الرهن فيما فيه بلا
خلاف، للجهل بما فيه، ويصح عندنا في الحق.
وللشافعي في الحق قولان، بناء على تفريق الصفقة.
دليلنا: أنه لا دلالة على بطلانه في الحق، فوجب أن يصح.
مسألة 66: الرهن غير مضمون عندنا، فإن تلف من غير تفريط فلا ضمان
على المرتهن، ولا يسقط دينه عن الراهن. وبه قال علي عليه السلام.
فإنه روي عنه أنه قال: الرهن أمانة.
وروي أنه قال: إذا تلف الرهن بالجائحة فلا ضمان على المرتهن.
وهو مذهب عطاء بن أبي رياح، وإليه ذهب الشافعي، وأحمد بن حنبل،
والأوزاعي، وأبو عبيد، وأبو ثور، وهو اختيار أبو بكر ابن المنذر.
وذهب أبو حنيفة، وسفيان الثوري إلى: أن الرهن مضمون بأقل الأمرين من
46

قيمته، أو الدين، وبه قال عمر بن الخطاب.
وذهب شريح، والشعبي، والنخعي، والحسن البصري إلى: أن الرهن
مضمون بجميع الدين، فإذا تلف الرهن في يد المرتهن سقط جميع الدين، وإن
كان أضعاف قيمته. وقالوا: الرهن بما فيه.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأخبارهم ذكرناها في الكتاب المذكور، وما روينا
عن علي عليه السلام دليل عليه، لأن قوله حجة.
وروى سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وآله أنه
قال: لا يغلق الرهن والرهن من صاحبه الذي رهنه له غنمه وعليه غرمه.
وفيه دليلان:
أحدهما: أنه قال: له غنمه وعليه غرمه.
والثاني: أنه قال: الرهن من صاحبه يعني من ضمان صاحبه.
ومعنى قوله: لا يغلق الرهن أي لا يملكه المرتهن.
وأيضا قال النبي صلى الله عليه وآله: الخراج بالضمان.
وخراجه للراهن بلا خلاف، فوجب أن يكون من ضمانه.
مسألة 67: إذا ادعى المرتهن هلاك الرهن قبل قوله مع يمينه، سواء ادعى
هلاكه بأمر ظاهر مثل: الغرق، والحرق، والنهب. أو بأمر خفي مثل: التلصص،
والسرقة الخفية، والضياع. وبه قال الشافعي.
وقال مالك: إن ادعى هلاكه بأمر ظاهر قبل قوله مع يمينه، وإذا حلف لا
ضمان عليه، وإذا ادعى هلاكه بأمر خفي لم يقبل قوله إلا ببينة، فإن لم يكن له بينة
وجب عليه الضمان.
دليلنا: إجماع الفرقة، وعموم الأخبار التي أوردناها، فمن ادعى تخصيصها
فعليه الدلالة.
47

مسألة 68: إذا كاتب عبده على نجمين، وأخذ به رهنا، صح الرهن. وبه
قال أبو حنيفة.
وقال الشافعي: لا يصح.
دليلنا: قوله تعالى: فرهان مقبوضة، ولم يفرق، فهو على عمومه.
48

المبسوط
كتاب الرهن
الرهن في اللغة: هو الثبات والدوام.
يقول العرب: رهن الشئ إذا ثبت، والنعمة الراهنة هي الثابتة الدائمة و
يقال: رهنت الشئ فهو مرهون.
ولا يقال: أرهنت، وقد قيل: إن ذلك لغة أيضا، ويقول العرب: أرهن
الشئ إذا غالى في سعره، وأرهن ابنه إذا خاطر به وجعله رهينة.
وأما الرهن في الشريعة: فإنه اسم لجعل المال وثيقة في دين إذا تعذر
استيفاؤه ممن عليه استوفى من ثمن الرهن، وهو جائز بالإجماع وبقوله تعالى:
" فرهان مقبوضة " وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: لا يغلق الراهن
الرهن من صاحبه الذي رهنه له غنمه وعليه غرمه، وروي عنه أنه قال: الرهن
محلوب ومركوب، وروى جعفر بن محمد عن أبيه عليه السلام أن النبي صلى الله
عليه وآله رهن درعه عند أبي الشحم اليهودي على شعير أخذه لأهله، وقيل: إنما
عدل عن أصحابه إلى يهودي لئلا يلزمه منة بالإبراء، فإنه لم يأمن أن استقرض من
بعضهم أن يبرئه من ذلك، وذلك يدل على أن الإبراء يصح من غير قبول
المبرئ.
وعقد الرهن يفتقر إلى إيجاب وقبول وقبض برضا الراهن، وليس
بواجب وإنما هو وثيقة جعلت إلى رضاء المتعاقدين، ويجوز في السفر والحضر.
49

والدين الذي يجوز أخذ الرهن به فهو كل دين ثابت في الذمة مثل الثمن والأجرة
والمهر والقرض والعوض في الخلع وأرش الجناية وقيمة المتلف كل ذلك
يجوز أخذ الرهن به.
وأما الدية على العاقلة ينظر: فإن كان قبل الحول فلا يجوز لأن الدية إنما
تثبت عليهم بعد حول وعندنا تستأدى منهم في ثلاث سنين، وأما بعد حؤول
الحول فإنه يجوز لأنه يثبت قسط منها في ذمتهم.
وأما الجعالة فهي إذا قال: من رد عبدي الآبق فله دينار، فإن رده استحق
الدينار في ذمته، ويجوز أخذ الرهن به، وإن لم يرد لم يجز أخذ الرهن به لأنه قبل
الرد لم يستحق شيئا، ويجوز أخذ الرهن بالثمن في مدة الخيار المتفق عليه.
وأما مال الكتابة المشروط فيها فلا يجوز أخذ الرهن عليه لأن العبد له
إسقاطه عن نفسه متى شاء فهو غير ثابت في الذمة، ولأنه متى امتنع العبد من مال
الكتابة كان للمولى رده في الرق فلا يحتاج إلى الرهن، وأما غير المشروط عليه
فإذا تحرر منه جزء جاز أخذ الرهن على ما بقي لأنه لا يمكن رده في الرق.
وأما مال السبق والرمي فلا يجوز أخذ الرهن عليه لأنه بمنزلة الجعالة، ومن
الناس من قال: هو بمنزلة الإجارة، ويجوز أخذ الرهن على الأجرة.
وإذا استأجر رجلا إجارة متعلقة بعينه مثل أن يستأجره ليخدمه أو ليتولى له
عملا من الأعمال بنفسه لم يجز أخذ الرهن عليه لأن الرهن إنما يجوز على حق
ثابت في الذمة وهذا غير ثابت في ذمة الأجير، وإنما هو متعلق بعينه ولا يقوم
عمل غيره مقام فعله.
وإن استأجره على عمل في ذمته وهو أن يجعل له عملا مثل خياطة أو غير
ذلك جاز أخذ الرهن به لأن ذلك ثابت في ذمته لا يتعلق بعين، وله أن يحصله
بنفسه أو بغيره، وإذا هرب جاز بيع الرهن واستئجار غيره بذلك ليحصل ذلك
العمل.
وأما الوقت الذي يجوز أخذ الرهن به فإنه يجوز بعد لزوم الحق، ويجوز
50

أيضا مع لزومه مثل أن يكون مع الرهن أن يقول: بعتك هذا الشئ بكذا على
أن ترهن كذا بالثمن، وقال: اشتريته على هذا، صح شرط الرهن وثبت، ويرهنه
بعد عقد البيع ويسلمه إليه، وإذا ثبت جواز شرطه جاز إيجاب الرهن وقبوله
فيه، فيقول: بعتك هذا الشئ بألف درهم وأرهنت منك هذا الشئ بالثمن، و
قال المشتري: اشتريته منك بألف درهم ورهنتك هذا الشئ، فيحصل عقد
البيع وعقد الرهن.
وأما قبل الحق فلا يجوز شرط الرهن ولا عقده، ولا يجوز الرهن قبل ثبوت
الحق مثل أن يقول: رهنتك هذا الشئ على عشرة دراهم تقرضنيها غدا، فإذا
أعطاه في الغد لم ينعقد الرهن.
وإذا قال لغيره: ألق متاعك في البحر وعلي ضمان قيمته، صح ويكون
ذلك بدل ماله ويكون غرضه التخفيف عن السفينة وتخليص النفوس.
وإذا قال لغيره: طلق امرأتك وعلي ألف، ففعل لزمه الألف لأنه يجوز أن
يعلم أنه على فرج حرام مقيم ويستتر له عنه ببذل.
وكذلك إذا قال: أعتق عبدك وعلي ألف، أو قال للكافر: فك هذا
الأسير وعلي ألف.
وعقد الرهن ليس بلازم ولا يجبر الراهن على تسليم الرهن، فإن سلم
باختياره لزم بالتسليم، والأولى أن نقول: يجب بالإيجاب والقبول ويجبر على
تسليمه.
ولا يصح عقد الرهن ولا تسليمه إلا من كامل العقل الذي ليس بمحجور.
عليه، وإذا عقد الرهن وهو جائز التصرف ثم جن الراهن أو أغمي عليه لا يبطل
الرهن بذلك.
كل ما جاز بيعه جاز رهنه من مشاع وغيره، واستدامة القبض ليس بشرط
في الرهن لقوله تعالى: " فرهان مقبوضة " فشرط الرهن ولم يشرط الاستدامة، و
إذا ثبت رهن المشاع فإن اتفقوا على من يكون الرهن عنده وفي يده وتراضوا به
51

جاز.
وإن اختلفوا، قال المرتهن: لا أرضى أن يكون في يد الشريك ولا أرضى
بالمهاباة، وقال الشريك: لا أرضى أن يكون في يد المرتهن، ولا يتفقا على عدل
يكون في يده انتزعه الحاكم من يده وأكراه وجعل لكل واحد من الشريكين
قسطا من الأجرة ويكريه لمدة دون محل الحق حتى يمكن بيعه في محله
للمرتهن.
إذا مات المرتهن قبل قبض الرهن لم ينفسخ الرهن، وكان للراهن تسليم
الرهن إلى وارث المرتهن وثيقة كما كان له ذلك لو لم يمت المرتهن، وإذا مات
الراهن فلا ينفسخ الرهن أيضا، فإذا ثبت هذا نظر:
فإن كان الميت هو المرتهن نظر في الدين: فإن كان مؤجلا فإنه لا يسقط
الأجل بموت من له الدين، وعلى الراهن تسليم الرهن إلى وارث المرتهن، و
يكون حكم الوارث فيه حكم المرتهن إن كان شرط فيه الرهن، وإن كان حالا
فللوارث مطالبته في الحال بالدين، وإن صبر عليه وأخر المطالبة بالرهن فهو على
ما يتراضيان عليه.
وإن كان الميت هو الراهن وكان الدين مؤجلا حل لأن الأجل يسقط
بموت من عليه الدين وللمرتهن مطالبة وارث الراهن بالدين، وإن صبر عليه
وأخره بالرهن جاز.
فروع:
وإن لم يمت المرتهن لكن غلب على عقله فولى الحاكم ماله رجلا لم يكن
للراهن منعه كما أنه ليس له ذلك مع المرتهن الأول.
وإذا أذن الراهن للمرتهن في قبض الرهن ثم رجع عن الإذن ومنعه عن
القبض لم يكن له ذلك لأن بالإيجاب والقبول وجب قبض الرهن.
وإذا أذن له في قبض الرهن ثم جن أو أغمي عليه جاز للمرتهن قبضه لأنه
52

لزمه ذلك بالإيجاب والقبول، وإن كان قد رهنه وديعة في يده وأذن له في
قبضه وجن فقد صح له القبض، وقد قيل: إنه لا يصح إلا بعد أن يأتي عليه زمان
يمكن قبضه فيه بعد جنونه.
وإذا رهنه شيئا ثم خرس الراهن، فإن كان يحسن الإشارة أو الكتابة فكتب
بالإذن في القبض أو إشارة قام ذلك مقام النطق، وإن كان لا يحسن الكتابة و
لا يعقل الإشارة لم يجز للمرتهن قبضه لأنه يحتاج إلى رضاه ولا طريق له إلى
ذلك، وكان على وليه تسليم الرهن، لأن بالعقد قد وجب ذلك على ما بيناه.
وإذا رهنه شيئا ثم تصرف فيه الراهن نظر: فإن كان باعه أو وهبه أقبضه
أو لم يقبضه أو رهنه عند آخر أقبضه أو لم يقبضه أو أعتقه أو أصدقه لم يصح
جميع ذلك، ولا يكون ذلك فسخا للرهن لأنه ليس له ذلك، وإن كانت
جارية لم يجز له تزويجها ولا إجارتها لأنه لا دليل عليه، وإن دبره لم يصح
تدبيره.
من يلي أمر الصغير والمجنون خمسة: الأب والجد ووصي الأب أو الجد
والإمام أو من يأمره الإمام.
فأما الأب والجد فإن تصرفهما مخالف لتصرف غيرهما فيكون لكل واحد
منهما أن يشتري لنفسه من ابنه الصغير من نفسه فيكون موجبا قابلا قابضا مقبضا،
ويجوز تصرفهما مع الأجانب، ولا يجوز لغيرهما إلا مع الأجانب فأما في حق
نفسه فلا يجوز.
فإذا ثبت ذلك فكل هؤلاء الخمسة لا يصح تصرفهم إلا على وجه الاحتياط،
والحظ للصغير المولى عليه لأنهم إنما نصبوا لذلك فإذا تصرف على وجه لاحظ
له فيه كان باطلا لأنه خالف ما نصب له، والارتهان له فلا يخلو من أحد أمرين:
إما أن يكون في بيع ماله أو قرضه.
فإن كان في بيع ماله ففيه ثلاث مسائل:
إحداها: أن يبيع سلعة تساوي مائة درهم نقدا بمائة درهم إلى أجل ويأخذ به
53

رهنا فهذا باطل لأنه لاحظ للمولى عليه فيه.
والثانية: أن يبيع ما يساوي مائة نقدا بمائة وعشرين، مائة نقدا يعجلها و
عشرين مؤجلة يأخذ بها رهنا فهذا صحيح والرهن صحيح لأن فيه الحظ.
والثالثة: أن يبيع بمائة وعشرين مؤجلة ويؤخذ بالجميع رهنا، فمن الناس
من قال: يجوز، لأن الولي نصب للتجارة في مال المولى عليه وطلب الفضل و
الربح له، ولا يمكنه إلا هكذا، ومنهم من قال: لا يجوز لأن فيه تغريرا بالأصل،
والأول أصح لأن الرهن وثيقة وفيه الفائدة فليس فيه تغرير.
وأما القرض فإنه لا يجوز إلا في موضع الضرورة وهو أن يكون في البلد
نهب أو حرق أو غرق يخاف على مال الصغير أن يتلف فيجوز له أن يقرضه
بشرطين:
أحدهما: أن يقرضه ثقة يؤمن أن يجحد.
والثاني: أن يكون مليا يقدر على قضائه.
وأما أخذ الرهن به ينظر: فإن كان الحظ في أخذه أخذه، وإن كان في
تركه تركه، وأخذه أحوط لأن عندنا إذا تلف الرهن لا يسقط به الدين، وعلى هذا
يجوز بيع ماله نسيئة وأخذ الرهن به إذا كان له فيه الحظ.
وأما رهن ماله فإنه لا يجوز إلا أن يكون به حاجة إلى مال ينفقه عليه في
كسوته وطعامه أو يرم ما استهدم من عقاره ويخاف إن تركه هلاكه وعظيم
الخسران وله مال غائب يرجو قدومه أو غلة تدرك إذا بيعت بطل كثير منها فإذا
تركت حتى تدرك توفر ثمنها، فإن الولي يستقرض له هاهنا ويرهن من ماله و
يقضيه من غلته أو ما تقدم عليه وإن لم يكن له حاجة إلى شئ من ذلك وكان
بيع العقار أصلح باعه ولم يرهن.
إذا قبض الرهن بإذن الراهن صار الرهن لازما إجماعا وإنما الخلاف قبل
القبض، ولا يجوز للراهن فسخه لأنه وثيقة للمرتهن على الراهن فلم يكن له
إسقاطه.
54

وأما المرتهن فله إسقاطه وفسخ الرهن لأنه حقه لا حق للراهن فيه، فإذا
ثبت ذلك فإن أسقط أو فسخ الرهن بأن يقول: فسخت الرهن أو أبطلته أو أقلته
فيه، وما أشبه ذلك جاز ذلك، وإن أبرأه من الدين أو استوفاه سقط الدين و
بطل الرهن لأنه تابع للدين.
وأما إذا أبرأه من بعض الدين أو قضاه بعضه فإن الرهن بحاله لا ينفك منه
شئ ما بقي من الدين شئ وإن قل لأن الرهن وثيقة في جميع الدين وفي كل
جزء من أجزائه، وهو إجماع.
فإن أكرى الرهن من صاحبه أو أعاره لم ينفسخ الرهن سواء كان ذلك
قبل القبض أو بعده، لأن استدامة القبض ليس بشرط في الرهن على ما مضى و
إن كان إعارته له أو إكراؤه له غير جائز لأنه ليس للمرتهن التصرف في الرهن، و
أجرة الرهن تكون للراهن دون المرتهن.
وإن اكترى شيئا ثم ارتهن الرقبة ثم أكرأه أو أعاره إياه من الراهن أو أوصى
له بمنفعة عين من الأعيان ثم ارتهن الرقبة من صاحبها ثم أكرى منفعتها منه أو
أعاره فالكراء صحيح والإعارة صحيحة والرهن لا ينفسخ.
وإذا كان له في يد رجل مال وديعة أو عارية أو إجارة أو غصبا فجعله رهنا
عنده بدين له عليه كان الرهن صحيحا ويكون ذلك قبضا لأنه في يده و
لا يحتاج إلى نقله، هذا إذا أذن له الراهن في قبضه عن الرهن.
وإذا وهب له هبة وهي في يد الموهوب له وقبلها تمت لأنه قابض لها، و
قيل: إنه لا يصير مقبوضا حتى يأتي عليه زمان يمكن القبض فيه، فإن كان مما
يتناول باليد فيأتي زمان يمكن ذلك فيه، فإن كان مما ينقل ويحول فيأتي زمان
يمكن نقله، وإن كان مما يخلى بينه وبينه فيأتي زمان يمكن التخلية فيه، وإن كان
الشئ غائبا عن مجلس العقد مثل أن يكون في السوق فإنه لا يصير مقبوضا حتى
يصير إليه، ولا يصح القبض إلا بأن يحضر المرتهن فيقبض أو يوكل في قبضه
فيصح قبض الوكيل.
55

إذا أقر الراهن والمرتهن بقبض الرهن نظر:
فإن أمكن صدقهما فيه صح الإقرار ولزم، وذلك مثل أن يحضرا مجلس
الحكم فيقرا بالرهن والقبض أو يشهدا شاهدين على ذلك ويشهد الشاهدان عند
الحاكم فإنه يحكم بصحة القبض ويلزمهما ذلك.
وإن لم يمكن صدقهما فيه لم يصح الإقرار، مثل أن يتصادقا على أمر
لا يمكن أن يكون مثله مقبوضا في ذلك الوقت، مثل أن يقول: اشهدوا أني قد
أرهنته اليوم داري التي بمصر وأقبضته، وهما بمكة، فيعلم أن الرهن لا يمكن قبضه
من يومه ولهذا قلنا: إن من تزوج بمكة بامرأة وهي بمصر فولدت من يوم العقد
لستة أشهر لم يلحق به لأنه لا يمكن أن يكون وطئها في ذلك اليوم بمجرى
العادة، وإن كان في الإمكان أن يكون الله خرق العادة بنقلها إلى مصر كرامة
لهما أو لغيرهما لأن ذلك جائز لكن الأمور إنما تحمل على العادة المستقرة و
لا تحمل على الإمكان في الشرع.
وإذا أقر الراهن أن المرتهن قبض الرهن ثم ادعى بعده أنه لم يكن قبضه
وجحد المرتهن ذلك فإن قال: إنه أقبضه أو قبض منه، لا يحلف لأن دعواه
تكذيب لنفسه فلا تسمع منه ولا يمين على المرتهن، وإن كان إقراره بقبض
الشئ الغائب عنه على الظاهر بكتاب ورد عليه من وكيله أو بخبر من يركن إليه
ممن ورد من هناك ثم قال: تبينت أنه لم يكن قبضه وإن من أخبرني كذب أو
أخطأ، وطلب يمين المرتهن، فإنه يحلف لأنه لم يكذب الإقرار في الحقيقة لأنه
أخبر بقبضه على الظاهر ثم تبين أن الباطن بخلافه.
وفي الناس من قال: يحلف على كل حال في الإقرار بإقباضه بنفسه و
الإقرار بإقباض وكيله لأن العادة جرت بأن المشتري يقر بقبض الثمن قبل أن
يقبضه، وهو الأقوى.
فأما إذا شهد شاهدان على مشاهدة القبض من المرتهن لم تسمع دعوى
الراهن أنه لم يقبضه ولا يحلف المرتهن لأنه تكذيب الشاهدين، وكذلك إذا
56

شهدا على إقراره بالقبض فقال: ما أقررت بقبضه، لم يقبل منه ذلك لأنه تكذيب
للشاهدين.
وكل ما كان قبضا في البيوع كان قبضا في الرهن والهبات والصدقات
لا يختلف ذلك.
وجملته، أن المرهون إن كان خفيفا يمكن تناوله باليد فالقبض فيه أن يتناوله
بيده، وإن كان ثقيلا مثل العبد والدابة فالقبض فيه أن ينقله من مكان إلى مكان،
وإن كان طعاما وارتهن مكيالا من طعام بعينه فقبضه أن يكتاله، وإن ارتهن
صبرة على أن كيلها كذا فقبضه أيضا أن يكتاله، وإن ارتهنها جزافا فقبضه أن ينقله
من مكان إلى مكان، وإن كان مما لا ينقل ولا يحول، من أرض ودار وعليها
باب مغلق فقبضها أن يخلي صاحبها بينه وبينها ويفتح بابها أو يدفع إليه
مفتاحها، وإن لم يكن عليها باب فقبضه أن يخلي بينه وبينها من غير حائل.
وإن كان بينهما مشاعا، فإن كان مما لا ينقل خلي بينه وبينه سواء حضر
شريكه أو لم يحضر، وإن كان مما ينقل ويحول مثل الشقص من الجوهرة و
السيف وغير ذلك فلا يجوز له تسليمه إلى مرتهنه إلا بحضرة شريكه لأنه يريد
نقل نصيبه ونصيب شريكه إلى يده، فإذا حضر وسلمه إليه فإن رضيا أن يكون
الجميع على يد المرتهن جاز، وإن رضيا أن يكون الجميع في يد الشريك جاز،
وإن رضيا أن يكون على يدي عدل جاز، وإن تشاحا واختلفا فإن الحاكم ينزعه
من أيديهما ويضعه على يدي عدل إن لم تكن لمنفعته قيمة، وإن كانت لمنفعته
قيمة وأمكن إجارته وكان الانتفاع به لا ينقصه فإنه يكري.
إذا رهن رجل عند غيره شيئا بدين إلى شهر على أنه إن لم يقبض إلى محله
كان بيعا منه بالدين الذي عليه لم يصح الرهن ولا البيع إجماعا، لأن الرهن
موقت والبيع متعلق بزمان مستقبل، فإن هلك هذا الشئ في يده في الشهر لم
يكن مضمونا عليه لأن صحيح الرهن غير مضمون عليه فكيف فاسدة؟ وبعد
الأجل فهو مضمون عليه لأنه في يده ببيع فاسد، والبيع الصحيح والفاسد
57

مضمون عليه إجماعا.
إذا غصب من غيره عينا من الأعيان ثم جعلها المغصوب منه رهنا في يد
الغاصب بدين له عليه قبل أن يقبضها منه فإنها تكون مرهونة في يده وعليه ضمان
الغصب، وإن باعها منه زال ضمانه وإذا دفع الغاصب الرهن إلى المغصوب منه
أو إلى وكيله فقد برئ من ضمان الغصب.
وإذا أبرأه المغصوب منه من ضمان الغصب ولم يقبضه صح أيضا، وفي
الناس من قال: لا يصح لأن ذلك إبراء من ضمان القيمة إن تلف في يده وهذا
إبراء من الذي لم يجب فلم يصح.
إذا كان في يده شئ بشراء فاسد فرهنه إياه لم يزل الضمان وكان بمنزلة
المغصوب، وإذا أعاره شيئا ثم رهنه صح الرهن ويخرج عن حد العارية ولا
يجوز للمرتهن أن ينتفع به كما كان ينتفع به قبل الرهن، ولو رهن دارين أو
سلعتين فتلفت إحديهما فلا يخلو من أحد أمرين: إما أن يكون قبل القبض أو بعده.
فإن كان قبل القبض فلا يخلو من أحد أمرين: إما أن يكون مما ينقل و
يحول أو كان مما لا ينقل ولا يحول.
فإن كان مما ينقل ويحول فإن الرهن قد انفسخ في التالف ولا ينفسخ في
الباقي لأنه لا دليل عليه، ويكون رهنا فيه بجميع المال، فإن كان الرهن شرطا في
البيع كان البائع بالخيار بين أن يرضى بإحدى الوثيقتين ويجيز البيع، وبين أن
يفسخ لهلاك إحدى الوثيقتين، فإن أجاز البيع كان الباقي رهنا بجميع الثمن
لأن الرهن كله وكل جزء من أجزائه مرهون بجميع الدين وبكل جزء من
أجزائه.
وإن كان مما لا ينقل ولا يحول مثل دارين فاحترقت إحديهما فقد تلف
حسبها وذلك يأخذ قسطا من الثمن فيكون الحكم في ذلك بمنزلة ما ذكرناه
فيما ينقل ويحول، فإن انهدمت ولم يتلف منها إلا التالف فذلك لا يقابله الثمن و
58

الذي يقابله الثمن من الأعيان باقية إلا أن قيمتها نقصت بالانهدام، فإن كان
كذلك لم ينفسخ من الرهن شئ لكن للبائع الخيار إن كان الرهن شرطا في
عقدة البيع لنقصان قيمة الرهن في يد الراهن قبل تسليم الرهن، فإن شاء فسخ
البيع وإن شاء أجازه ورضي بالدار المستهدمة رهنا فيكون العرصة والنقص
كله رهنا.
وأما إذا كان التلف والانهدام بعد القبض فإن الرهن لا ينفسخ في الباقي
ولا يثبت الخيار للمرتهن البائع وليس له أن يطالب ببدله لأن العقد تناوله بعينه.
وإذا رهن جارية وقد أقر بوطئها فإن الرهن صحيح.
فإن لم يظهر بها حمل فقد استقر الرهن بلا خلاف.
وإن ظهر بها حمل وولدت نظر: فإن ولدت لأقل من ستة أشهر من وقت
الوطء فإن الولد مملوك ولا يلحق به لأنه لا يجوز أن يكون من الوطء الذي أقر
به ونسب ولد الجارية لا يثبت إلا من وطء أقر به بلا خلاف، وإن ولدت لستة
أشهر فصاعدا إلى تمام تسعة أشهر كان الولد حرا ويثبت نسبه منه ولا تخرج
الجارية عندنا من الرهن.
وإذا رهن جارية وقبضها المرتهن فلا يجوز للراهن وطؤها إجماعا لأن
الوطء ربما أحبلها فينقص قيمتها وربما ماتت في الولادة.
وأما استخدام العبد المرهون، وركوب الدابة المرهونة، وزراعة الأرض
المرهونة، وسكنى الدار المرهونة فإن ذلك كله غير جائز عندنا، ويجوز عند
المخالفين.
وإذا وطئها لا يجب عليه الحد إجماعا، وفي الناس من أجاز وطء الجارية
المرهونة للراهن إذا كانت لا يحبل مثلها، وهو المروي، وقد بينا أن ذلك غير
جائز ولا مهر يلزمه بهذا الوطء بلا خلاف.
وإذا وطئها أجنبي لم يلزمه المهر لأنه زنا، وفي الناس من قال: يلزمه و
يكون المهر للراهن.
59

ومتى كان الوطء من المالك يؤدي إلى إفضائها فإنه يلزمه قيمتها، وإن
كانت بكرا فافتضها لزمه أرش الافتضاض لتكون رهنا عوض ذلك مع الجارية،
وإن أحبلها وولدت منه فإنها تصير أم ولده، ولا يبطل الرهن لأنها مملوكة سواء
كان معسرا أو موسرا.
وإذا وطئها الراهن بإذن المرتهن لم ينفسخ الرهن سواء أحملت أو لم
تحمل، وإن باعها باذنه انفسخ الرهن ولا يجب عليه قيمة مكانه.
وإذا أذن المرتهن للراهن في ضرب الرهن فضربه فمات لم يجب عليه قيمته
لأنه أتلفه باذنه، فإن ضربه بغير إذنه فمات لزمه قيمته.
وإذا أذن المرتهن للراهن في العتق أو الوطء ثم رجع عن الإذن فلا يخلو من
أحد أمرين: إما أن يرجع بعد إيقاع المأذون فيه أو قبله، فإن كان بعده لم ينفعه
الرجوع، وإن رجع قبله فلا يخلو من أحد أمرين: إما أن يعلم به الراهن أو لا يعلم،
فإن علم برجوعه عن الإذن فقد سقط إذنه ولا يجوز له وطؤها ولا عتقها، فإن فعل
كان بمنزلة ما لو فعله الراهن بغير إذنه فقد مضى ذكره، وإن لم يعلم وفعل كان
ما فعله ماضيا، وقد قيل: إنه لا يكون ماضيا، وكذلك القول في الوكيل إذا باع
ولم يعلم بالعزل من الموكل فيه الوجهان معا.
وإذا وطئها أو أعتقها ثم اختلفا فقال الراهن: فعلته بإذن المرتهن، وقال
المرتهن: فعلته بغير إذني، كان القول قول المرتهن مع يمينه لأن الأصل عدم
الإذن، والراهن مدع لذلك فعليه البينة، فإذا حلف المرتهن كان بمنزلة ما لو فعله
الراهن بغير إذنه وقد مضى ذكره، وإن نكل عن اليمين ردت اليمين على الراهن
فإذا حلف صار كأنه فعله بإذن المرتهن، وإن نكل الراهن أيضا لا يلزم الجارية
المرهونة اليمين لأنه لا دليل على ذلك، وإذا حلف الراهن أو المرتهن حلف على
القطع والثبات، وإن كان هذا الاختلاف بين ورثتهما فإن وارث المرتهن يحلف
على العلم فيقول: والله لا أعلم أن مورثي فلان بن فلان أذن ذلك في كذا، لأنه
ينفي فعل الغير، واليمين على نفي فعل الغير يكون على العلم، وإن نكل عن
60

اليمين فردت على وارث الراهن حلف على القطع لأنه يحلف على إثبات الإذن، و
من حلف على إثبات فعل غيره حلف على القطع والثبات.
إذا أقر المرتهن بأربعة أشياء: بالإذن للراهن بوطئها وبأنه وطئها وبأنها
ولدت منه وبمدة الحمل وهو بأن يقر بأنها ولدت من حين الوطء لستة أشهر
فصاعدا، فإذا أقر بذلك ثم ادعى أن هذا الولد من غيره لم يصدق المرتهن و
كانت الجارية أم ولد الراهن والولد حر لاحق بأبيه الراهن ثابت النسب منه، ولا
يمين على الراهن هاهنا لأن المرتهن قد أقر بما يوجب إلحاق الولد بالراهن وكونها
أم ولده لأنه أقر بوطئها، وأنها ولدت لستة أشهر من ذلك الوطء، ومع هذا
لا يصدق على أن الولد من غيره.
وإذا اختلفا في شرط من هذه الشروط الأربعة كان القول قول المرتهن، مع
يمينه أنه لم يأذن فيه، وإن اتفقا على الإذن واختلفا في فعل الوطء فالقول أيضا
قول المرتهن مع يمينه أنه لم يطأها، وقيل: إن القول قول الراهن لأن الوطء
لا يعلم إلا بقوله، والأول أصح.
وإن اختلفا في ولادتها فقال المرتهن: إنها لم تلده وإنما التقطته أو استعارته،
وقال الراهن: ولدته، كان القول قول المرتهن، فكذلك إذا قال المرتهن: ولدته
من وقت الوطء لما دون ستة أشهر، كان القول قوله مع يمينه فإذا حلف في هذه
المسائل كان الولد حرا ونسبه لاحقا بالراهن لإقراره بذلك وحق المرتهن
لا يتعلق به، وأما الجارية فلا تصير أم ولد في حق المرتهن وتباع في دينه وإذا
رجعت إلى الراهن كانت أم ولده ولا يجوز له بيعها وهبتها مع وجود ولدها، و
كذلك لو قال الراهن: أعتقتها بإذنك، وقال المرتهن: لم آذن لك فيه، حلف و
بيعت في دينه ثم ملكها الراهن عتقت عليه لأنه أقر بأنها حرة بإيقاع العتق.
وأما المرتهن فلا يجوز له وطء الجارية المرهونة في يده إجماعا فإن خالف
ووطئ فلا يخلو من أحد أمرين: إما أن يطأ بغير إذن الراهن أو يطأ باذنه.
فإن وطئها بغير إذنه كان زنا، ولم يكن عقد الرهن شبهة فيه، ووجب عليه
61

الحد ولا تقبل منه دعواه الجهالة إلا حيث تقبل دعوى الجهالة بتحريم الزنى، وهو
إذا نشأ في ناحية بعيدة عن بلاد المسلمين يجوز أن يخفى ذلك عليه أو نشأ في
بلاد الكفر وكان قريب العهد بالإسلام لا يعرف ذلك.
فأما إذا كان بخلاف ذلك فإنه لا تقبل دعواه الجهالة ويحد، وأما المهر
فإنه لا يلزمه لسيدها إذا طاوعته لما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه نهى عن
مهر البغي، وإذا طاوعته الجارية وكانت عالمة بتحريم الزنى كان عليها الحد.
وإن كانت جاهلة وأمكن ذلك، وإن كانت مكرهة لم يكن عليها حد، و
إن أحبلها كان الولد رقيقا لأن نسبه لا يثبت من المرتهن لأنه زان، ويكون رقا
للراهن لأنه يتبع الأم، هذا إذا لم يدع الجهالة بتحريمه أو ادعاها وكان ممن
لا تقبل دعواه.
وإن ادعى الجهالة وكان ممن تقبل دعواه لم يجب الحد عليه، وأما المهر فإن
كان أكرهها أو كانت نائمة وجب، وإن طاوعته وهي لا تدعي الجهالة أو تدعي
وهي ممن لا يقبل ذلك منها لم يجب المهر لأنها زانية، وإن كانت تدعي الجهالة
وهي ممن يقبل ذلك منها وجب المهر، ويكون الاعتبار في وجوب المهر بها
والحد ولحوق الولد وحريته فإنه يعتبر حاله فإذا قبل دعواه الجهالة أسقط عنه
الحد وألحق به الولد وكان الولد حرا، وعليه قيمته يوم سقط حيا.
وأما إذا وطئها بإذن الراهن فلا يخلو من أحد أمرين: إما أن يدعي الجهالة
بتحريم الوطء أو لا يدعيها. فإن كان لا يدعيها فهو زنا والحكم فيه على ما تقدم، و
إن كان يدعي الجهالة فإنه يقبل منه ويسقط عنه الحد ويلحق النسب ويكون
الولد حرا إجماعا.
وأما المهر فقد قيل فيه: إنه لا يجب، وقد قيل: إنه يجب، والأول أولى لأنه
لا دليل على وجوبه، والأصل براءة الذمة، وأما الولد فإنه حر إجماعا ولا يلزمه
قيمته لأنه لا دليل عليه، وقد قيل: إنه يلزمه قيمته.
وأما الجارية فإنها لا تخرج من الرهن في الحال، وإذا بيعت في الرهن ثم
62

ملكها المرتهن فإنها أم ولده.
إذا كان الرهن في دين إلى أجل فأذن المرتهن للراهن في بيع الرهن ففيه
أربع مسائل:
إحداها: قال له قبل أن يحل الحق: بع الرهن، فإذا باعه الراهن نفذ البيع و
بطل الرهن وكان ثمنه للراهن ينفرد به لا حق للمرتهن فيه، ولا يلزم الراهن أن
يجعل مكانه رهنا لأنه لا دليل عليه، هذا إذا كان الإذن مطلقا.
فإن شرط أن يكون ثمنه رهنا كان الشرط صحيحا، وقيل: إنه يبطل البيع،
والأول أصح.
فإن قال المرتهن: أذنت في البيع مطلقا لفظا وكان في نيتي واعتقادي أن
يعجل الثمن لي قبل محل الحق، لم يلتفت إلى قوله ولا اعتبار بنيته، وإن أطلق
الإذن لا يفسد بما نواه واعتقده.
وإذا أذن في البيع ثم رجع نظرت: فإن علم الراهن بالرجوع قبل البيع لم
يكن له البيع، فإن باعه بعد رجوعه كان باطلا لأنه بيع بغير إذن المرتهن.
فإن رجع بعد أن باع فالبيع نافذ والرجوع ساقط لأنه لزم قبل رجوعه
فلا يقدح فيه رجوعه.
فإن باع بعد الرجوع وقبل العلم بالرجوع فالأولى أن نقول: إن رجوعه
صحيح والبيع باطل ولا يفتقر إلى علم بالرجوع، وقيل: إن الرجوع باطل ما
لم يعلم الراهن.
إذا باع الراهن ثم اختلفا فقال الراهن: بعت قبل أن رجعت فنفذ البيع، و
قال المرتهن: بعت بعد أن رجعت، فالبيع باطل والقول قول المرتهن لأن الراهن
يدعي بيعا والأصل أن لا بيع والمرتهن يدعي رجوعا والأصل أن لا رجوع
فتعارضا وسقطا والأصل بقاء الوثيقة حتى يعلم زوالها.
المسألة الثانية: أذن له في البيع بشرط أن يكون ثمنه رهنا فباع الراهن كان
البيع صحيحا إذا اعترف المشتري أن المرتهن إنما أذن له في البيع بهذا الشرط،
63

فأما إن أنكر المشتري هذا لم يقبل قول الراهن ولا المرتهن عليه. وإذا صح
البيع يلزمه أن يجعل ثمنه رهنا كما شرط.
الثالثة: باع بشرط أن يجعل ثمنه من دين قبل محله فباع الراهن، صح
البيع ويكون الثمن رهنا إلى وقت الاستحقاق.
ومتى اختلفا فقال المرتهن: أذنت لك بشرط تعجيل الحق من ثمنه، وقال
الراهن: بل أذنت مطلقا فالرهن باطل والبيع نافذ، فالقول قول المرتهن، لأنهما
لو اختلفا في أصل الإذن لكان القول قوله مع يمينه فكذلك إذا اختلفا في صفته.
الرابعة: أذن له بالبيع مطلقا بعد محل الحق فباع صح البيع وكان ثمنه
رهنا مكانه حتى يقضي منه أو من غيره لأن عقد الرهن يقتضي بيع الرهن عند
محله عند امتناع من عليه الدين من بذله.
أرض الخراج لا يصح رهنها، وهي كل أرض فتحت عنوة لأنها ملك
للمسلمين.
وكذلك أرض الوقف لا يصح رهنها، فإن رهنها كان باطلا فإن كان فيها
بناء نظرت: فإن كان من ترابها فهو وقف وإن كان من غير ترابها فالبناء طلق و
الأرض وقف، وكذلك إن غرست شجرا فالشجر طلق دونها، فإن رهن البناء و
الشجر صح، وإن رهنها دون الشجر والبناء بطل، وإن رهنهما معا بطل في
الأرض وصح في البناء والشجر.
وإذا رهن أرضا من أرض الخراج أو آجرها فالخراج على المكري والراهن
لأنها في يده، فإن أدى المرتهن الخراج أو المكتري لم يرجع به على الراهن
ولا على المكري، وهكذا لو اكترى دارا من رجل ثم أكراها فدفع المكتري
الثاني كراءها عن المكري الأول لم يرجع به على المكري الثاني، وهكذا كل من
قضى دين غيره بغير أمره لم يرجع به عليه.
وإذا اشترى عبدا بشرط الخيار له وحده دون البائع فرهنه في مدة الخيار
صح الرهن وانقطع الخيار، لأنه تصرف فيه والخيار له وحده فبطل عليه، وإن
64

كان الخيار لهما فرهنه أحدهما، فإن كان البائع كان تصرفه فسخا للبيع و
انقطع خيار المشتري، وإن تصرف المشتري والخيار لهما لم ينفذ تصرفه لأن
في إنفاذه إبطال حق البائع من الخيار وذلك باطل، وإذا بطل تصرفه انقطع
الخيار من جهته.
إذا رهن عبدا قد ارتد قبل رهنه أو باعه وهو مرتد كان الرهن صحيحا لأن
ملكه لم يزل بارتداده سواء علم بذلك المشتري أو المرتهن أو لم يعلم، فإذا ثبت
صحته وقبضه المشتري أو المرتهن لم يخل من أحد أمرين: إما أن يكون مع
العلم بذلك أو مع الجهل به.
فإن كان مع العلم بذلك فلا خيار له لأنه دخل مع العلم بحاله فإن أسلم
العبد ثبت البيع والرهن معا، وإن قتل بالردة كان ذلك جاريا مجرى العيب
لأنه رهن ملكه وإنما يخاف هلاكه ويرجى زواله وعلى هذا لا خيار له.
وقيل: إنه كالمستحق، فعلى هذا يرجع بكل الثمن إن كان دينا وإن كان
رهنا في بيع فله الخيار في البيع لأن ذلك يجري مجرى أن يكون له الرهن
مستحقا، هذا إذا كان عالما.
فإن كان جاهلا بردته ثم علم لم يخل من أحد أمرين: إما أن يعلم بذلك
قبل قتله أو بعد قتله.
فإن علم بذلك قبل قتله فهو بالخيار بين أن يرضى أو يرد، فإن رد فلا كلام،
وإن رضي به فالحكم فيه كما لو دخل في الأصل مع العلم بحاله وقد مضى.
وإن لم يعلم حتى قتل فإنه يجري مجرى العيب، وقد قيل: إنه يجري
مجرى المستحق، فمن قال بهذا رجع بجميع الثمن، ومن قال: هو عيب، بطل
خياره سواء كان بيعا أو رهنا.
أما الأرش فإن كان بيعا رجع به وإن كان رهنا فلا أرش له، وإذا رهنه
عبدا فأقبضه فهلك بعد القبض ثم علم بعيب كان به فلا أرش له ولا خيار، وإذا
رهنه عبدا وأقبضه إياه فقطع بسرقة كانت منه قبل القبض كان له الخيار.
65

فإن كان العبد قد جنى جناية ثم رهن، بطل الرهن سواء كانت الجناية عمدا
أو خطأ لأنها إن كانت عمدا فقد وجب عليه القصاص وإن كانت خطأ فلسيده
أن يسلمه إلى من جنى عليهم فإنها تتعلق برقبة العبد، والسيد بالخيار بين أن يفديه
أو يسلمه ليباع في الجناية فأيهما فعل فالرهن على البطلان لأنه وقع باطلا في
الأصل فلا يصح حتى يستأنف.
وقد قيل: إنه صحيح والسيد بالخيار بين أن يفديه أو يسلمه ليباع في
الجناية، فإن فداه سقط أرش عن رقبته وبقى العبد رهنا فإن بيع في الجناية فسخ
الرهن ثم ينظر: فإن كانت الجناية تستغرق الثمن بيع فيه كله وانحل الرهن، فإن
كانت الجناية لا تستغرق الثمن بيع منه بقدرها وكان ما بقي رهنا.
إذا اقترض من رجل ألفا ورهنه بها عبده رهنا وأقبضه إياه ولزمه الرهن ثم
زاده بالحق رهنا آخر وهو أن يرهن عبده عبدا آخر بالحق ليكون العبدان رهنا
بالألف صح بلا خلاف، وإن لم يرهن عبده رهنا آخر لكنه اقترض منه ألفا آخر
على أن يكون الرهن الأول رهنا به وبالألف الآخر كان ذلك أيضا صحيحا و
يتعلق بالرهن الألفان معا.
إذا رهن عبده وأقبضه ثم أقر الراهن أن العبد قد كان جنى على فلان جناية
ثم رهنته، لم يخل من أحد أمرين: إما أن يقبل هذا الإقرار أو يرده، فإن رده و
قال: ما جنى علي، سقط إقرار الراهن لأنه أقر لمن لا يدعيه بحق، وإن قبل الإقرار
وصدقه فيها رجع إلى المرتهن فإن قال: صدق الراهن، نفذ إقرار الراهن فيكون
الحكم ما تقدم، وإن كذبه المرتهن وقال: ما جنى العبد على أحد، وهكذا إن أقر
أنه كان غصبه من فلان ثم رهنه أو باعه منه ثم رهنه أو أنه أعتقه ثم رهنه فالكل
واحد يقبل إقراره فيه للمقر له إذا صدقه.
وإن كاتبه ثم أقر أنه كان أعتقه قبل الكتابة نفذ إقراره، وإن أقر أنه كان
جنى قبل الكتابة أو كان باعه أو غصبه من فلان وكانت الكتابة مشروطة قبل
إقراره وبطلت الكتابة، وإن كانت مطلقة وقد تحرر بعضها بعد إقراره بمقدار ما
66

بقي له ويبطل بمقدار ما تحرر منه لأنه إقرار على الحر فلا يقبل.
إذا جنى العبد المرهون تعلق أرش الجناية برقبته واجتمعت حقوق ثلاثة:
الأرش والوثيقة والملك، فكان الأرش مقدما على الرهن لأن المرتهن يرجع على
الراهن بحقه لأنه متعلق بذمته والجناية تتعلق برقبة العبد، فإن فداه السيد أو
صالح عنه أو فداه غير سيده أو أبرأه المجني عليه من حقه بقي الرهن صحيحا، و
إن اختار السيد الفداء فعلى ما مضى، وإن سلمه للبيع نظرت: فإن كان الأرش
مستغرقا لقيمته بيع جميعه وإن لم يستغرق الكل بيع منه بقدرها، وكان الباقي
رهنا بحاله اللهم إلا أن لا يمكن بيع بعضه فيباع كله ويعطي المجني عليه حقه و
يكون الباقي رهنا مكانه.
وإذا دبر عبده ثم رهنه بطل التدبير لأن التدبير وصية ورهنه رجوع في
الوصية، وإن قلنا: إن الرهن صحيح والتدبير بحاله، كان قويا لأنه لا دليل على
بطلانه فعلى هذه إذا حل الدين وقضاه المدين من غير الرهن كان جائزا، وإن
باعه كان له ذلك وإن امتنع من قضاء الدين نظر الحاكم، فإن كان له مال غيره
قضى دينه منه وزال الرهن من العبد وكان مدبرا بحاله، وإن لم يكن له مال غيره
باعه الحاكم في الدين وزال التدبير والرهن معا.
والعتق بشرط باطل عندنا فإذا ثبت هذا فإذا قال: أنت حر إلى سنة أو أنت
حر إذا قدم فلان ثم رهنه كان الرهن صحيحا والعتق باطلا لأنه متعلق بشرط، و
أما إذا رهن العبد ثم دبره كان التدبير باطلا لأنه ليس له التصرف فيه.
إذا رهنه عصيرا صح الرهن لأنه مملوك، وهو إجماع، فإن بقي على ما هو
عليه فلا كلام، وإن استحال غير عصير نظرت: فإن استحال إلى مالا يخرج به
عن الملك مثل أن صار مرا أو خلا أو شيئا لا يسكر كثيره فالرهن بحاله، وإن
استحال إلى مالا يحل تملكه مثل الخمر فإنه يزول ملك الراهن وينفسخ الرهن
لأن الخمر لا يصح تملكه لمسلم إجماعا، فإذا ثبت هذا نظرت: فإن بقيت على ما
هي عليه فلا كلام، وإن استحال الخمر خلا عاد ملك الراهن كما كان، وإذا عاد
67

ملكه عاد الرهن بحاله لأنه تابع للملك.
إذا كان عنده خمر فأراقها فجمعها جامع فاستحالت في يده خلا أو كانت
عنده خمر فرهنها من إنسان فاستحالت في يد المرتهن خلا كان ملكا لمن انقلبت
في يده لأن الإراقة أزالت يده عنها.
فإن كان الرهن شاة فماتت زال ملك الراهن عنها وانفسخ الرهن فإن أخذ
الراهن جلدها فدبغه لم يعد ملكه لأن ذلك لا يطهر بالدباغ عندنا.
إذا اشترى عبدا بألف ورهن به عند البائع عصيرا فاستحال خمرا قبل قبضه
بطل الرهن لأنه هلك قبل القبض وكان المرتهن بالخيار لأن الوثيقة لم تسلم له.
وإذا استحال خمرا بعد القبض بطل الرهن ولا خيار للمرتهن لأن الرهن
تلف بعد القبض، فإذا هلك بعد القبض فلا خيار له فالقول قول المرتهن مع
يمينه إذا لم يكن مع الراهن بينة.
وإذا اختلفا فقال الراهن: أقبضته عصيرا، وقال المرتهن: أقبضتنيه خمرا فلي
الخيار، فالقول قول المرتهن مع يمينه إذا لم تكن مع الراهن بينة، وقد قيل: إن
القول قول الراهن مع يمينه لأنهما اتفقا على القبض وادعى المرتهن أنه قبض
فاسدا فعليه البينة، وكذلك إذا رهنه عبدا حيا فوجده ميتا في يد المرتهن واختلفا
فقال الراهن: مات بعد القبض، وقال المرتهن: بل مات قبل القبض كان
القولان فيه مثل ما في هذه المسألة سواء.
فإن وقع اختلاف فيما تناوله العقد فقال الراهن: تناول العقد عصيرا فالعقد
صحيح، وقال المرتهن: بل تناول خمرا فالعقد باطل، قيل فيهما أيضا: قولان
على ما مضى: أحدهما قول الراهن، والثاني قول المرتهن لأنهما اتفقا على العقد و
اختلفا في صفته، وقيل: إن القول قول المرتهن هاهنا لا غير لأنهما مختلفان في
العقد هل انعقد أم لا والأصل أن لا عقد.
إذا كانت له جارية ولها ولد صغير مملوك فأراد أن يرهن الجارية دون
ولدها جاز له لأن الرهن لا يزيل الملك ولا يمنعها الرهن من الرضاع فلا يضر
68

ذلك بالولد، فإذا حل الدين فإن قضاه الراهن من غيرها انفكت من الرهن وإن
لم يقضه من غيرها نظر: فإن كان قد بلغ الولد سبع سنين فصاعدا بيعت الجارية
دون ولدها لأن التفريق بينهما يجوز في هذا السن، وإن كان دون ذلك لم يجز
التفريق بينهما ويباعان معا فما قابل قيمة الجارية فهو رهن يكون المرتهن أحق به
من سائر الغرماء وما قابل الولد فلا يدخل في الرهن ويكون الجميع منه سواء،
هذا إذا علم أن لها ولدا، فأما إذا لم يعلم المرتهن بذلك ثم علم كان له ردها و
فسخ البيع لأن ذلك نقص في الرهن فإن بيعها منفردة أكثر لثمنها وذلك لا
يجوز هاهنا لأنه لا يجوز التفرقة بينها وبين الولد في البيع.
إذا كان للولد دون سبع سنين، فإن اختار إمضاء الرهن ورضي بالنقص
كان الحكم فيه على ما بيناه، فأما إذا رهنها ولا ولد لها ثم ولدت في يد المرتهن
فإنهما يباعان ويكون للمرتهن مقدار ثمن الجارية إذا بيعت ولا ولد لها لأنه
يستحق بيعها غير ذات الولد.
وإذا رهن نخلا مثمرا نظر: فإن شرط المرتهن أن تكون الثمرة داخلة في
الرهن صح الشرط وكان الجميع رهنا، وإن لم يشرط لم تدخل الثمرة في
الرهن كما لا تدخل في البيع، وإن كانت النخل مطلعة فلا يدخل الطلع في
الرهن.
وإذا رهن أرضا وفيها نخل أو شجر أو بناء فإنها لا تدخل في الرهن
إلا بشرط وتكون الأرض وحدها رهنا.
وإذا هلك الرهن في يد المرتهن، صحيحا كان أو فاسدا فلا ضمان عليه إذا
لم يفرط فيه.
وإذا رهن من الثمرة والبقول وغير ذلك مما يسرع التلف إليه فلا يخلو
من أحد أمرين: إما أن يكون مما يمكن دفع الفساد عنه بالتجفيف والتشميس أو
لا يمكن.
فإن أمكن دفع الفساد عنه فإنه يجوز رهنه وعلى الراهن الإنفاق على
69

تشميسه وتجفيفه لأن ذلك مؤونة لحفظ الرهن فيلزم الراهن كما يلزمه الإنفاق
على الحيوان.
وإن كان مما لا يمكن دفع الفساد عنه مثل الرطب الذي لا يمكن منه تمرا
والعنب الذي لا يمكن منه الزبيب أو البقول وما أشبهها فإنه ينظر: فإن رهنه بحق
محله قريب لا يفسد إليه فإن رهنه صحيح لأنه يمكن بيعه واستيفاء الحق من ثمنه
في محله، وإن كان محل الحق يتأخر عن مدة فساده نظر: فإن شرط المرتهن
على الراهن بيعه إذا خيف فساده وترك ثمنه رهنا مكانه جاز أيضا.
ومتى شرط الراهن أن لا يبيعه إذا خيف فساده لم يجز الرهن لأنه لا ينتفع
به المرتهن، وإذا أطلقا ذلك لا يجوز الرهن لأنه لا يجبر على بيعه فلا ينتفع به
المرتهن وقيل: يصح ويجبر على بيعه، ولا دليل على ذلك.
وإذا رهن إنسان أرضا بيضاء وسلمها إلى المرتهن ثم نبت فيها نخل أو شجر
بإنبات الراهن أو حمل السيل إليها نوى فنبت فيها، فإنه لا يدخل في الرهن، لأنه
لا دليل عليه، ولا يجبر الراهن على قلعه في الحال لأن تركه في الأرض انتفاع به
والراهن لا يمتنع من الانتفاع بالرهن لأن منفعته له. فإذا حل الدين، فإن قضى
دينه من غيرها انفكت الأرض من الرهن، وإن لم يقض من غيرها وكان ثمن
الأرض إذا بيعت وحدها وفي بالدين بيعت من غير نخل وشجر وتركت النخل
والشجر على ملك الراهن، وإن كانت الأرض لا تفي بدين المرتهن إلا أن
الغراس الذي فيها لم ينقص ثمنها ولو لم يكن فيها غراس لكان ثمنها مثل ثمنها
مع الغراس فإن الأرض تباع للمرتهن، ولا يجب بيع الغراس معها لأجل
الرهن.
فإن كان ما فيها من الغراس من نخل أو شجر نقص ثمن الأرض لكثرة
النخل والشجر فإن الراهن مخير بين أن يبيعهما جميعا وبين أن يقلع الغراس و
يسلم الأرض بيضاء مسواة من الحفر ليباع للمرتهن، هذا إذا لم يكن هناك
غرماء.
70

فإن كان هناك غرماء وقد فلس لهم بدين لهم فإنه لا يجوز قلعه لأنه
ينقص قيمته ولكن يباعان جميعا ويدفع إلى المرتهن ما قابل أرضا بيضاء لم
يكن فيها نخل ولا شجر ويكون الباقي خارجا عن الرهن لأن المرتهن استحق
بيع الأرض منفردة عن الشجر والنخل فوجب جبران النقص الداخل في ثمنها.
ولو رهنه جارية وسلمها إلى المرتهن وهي حائل ثم ظهر بها حمل وولدت
ثم حل الدين فإنهما يباعان ويكون للمرتهن ثمن جارية غير ذات ولد لأنه قد
استحق ثمنها منفردة وضم الولد إليها في البيع ينقص ثمنها.
ولو رهنه أرضا وفيها نخل وشرط دخولها في الرهن ثم اختلفا في بعض
النخل الذي في الأرض فقال الراهن: هذا نبت بعد الرهن ولم يدخل في الرهن،
وقال المرتهن: كان موجودا في حال الرهن وقد دخل فيه، نظر:
فإن كانت كبارا لا يمكن حدوثها بعد الرهن كان القول قول المرتهن من
غير يمين لأنا نعلم كذب الراهن فيه، وإن كانت صغارا لا يمكن وجودها في
حال عقد الرهن كان القول قول الراهن من غير يمين لأنا نعلم كذب المرتهن فيه.
وإن أمكن ما قال كل واحد منهما كان القول قول الراهن مع يمينه لأن
الأصل أن لا رهن، والمرتهن مدع للرهن فعليه البينة.
وإذا رهن عند رجل شيئا وشرط الراهن للمرتهن إذا حل الحق أن يبيعه
صح الشرط، ويجوز توكيل المرتهن في بيع الرهن سواء كان ذلك بحضرة
الراهن أو غيبته.
وإذا رهن عند إنسان شيئا وشرط أن يكون موضوعا على يد عدل صح
شرطه، فإذا قبض العدل لزم الرهن، فإذا ثبت هذا فإن شرطا أن يبيعه الموضوع
على يده صح الشرط وكان ذلك توكيلا في البيع.
وإذا ثبت هذا فإن عزل الراهن العدل عن البيع - والأقوى عندي أنه
لا ينعزل عن الوكالة ويجوز له بيعه لأنه لا دلالة على عزله، وقيل: إنه ينعزل لأن
الوكالة من العقود الجائزة، وهذا إذا كانت الوكالة شرطا في عقد الرهن -، فأما
71

إذا شرطه بعد لزوم العقد فإنها تنفسخ بعزل الموكل الوكيل بلا خلاف، ومتى
عزل المرتهن الوكيل لم ينعزل أيضا لمثل ما قلناه، وقيل: إنه ينعزل، وإذا حل
الدين لم يجز للعدل بيعه إلا بإذن المرتهن لأن البيع في الدين حق له فإذا لم
يطالبه به لم يجب بيعه ولا يحتاج إلى إذن الراهن.
وإذا أراد العدل بيع الرهن عند محل الدين بإذن المرتهن والراهن واتفقا
على قدر الثمن وجنسه باعه بما اتفقا عليه، ولا يجوز له مخالفتهما في ذلك لأن
الحق لهما لا حق للعدل فيه.
وإن أطلقا الإذن فيه فإنه لا يجوز له بيعه إلا بثمن مثله ويكون الثمن حالا و
يكون من نقد البلد.
فإذا ثبت هذا فخالف الوكيل وباعه نسيئة أو باع بغير نقد البلد لم يصح
البيع ونظر: فإن كان المبيع باقيا في يد المشتري استرجع منه، وإن كان تالفا
كان الراهن بالخيار إن شاء رجع على المشتري بجميع القيمة، وإن شاء رجع
على العدل، وكان له الرجوع على العدل لتفريطه وعلى المشتري لأنه قبض
ماله بغير حق، فإن رجع على العدل رجع العدل على المشتري، وإن رجع على
المشتري لم يرجع على العدل لأن المبيع تلف في يد المشتري فيستقر الضمان
عليه.
وإن كان باع بأقل ما يستوي نظر:
فإن كان بنقصان كثير لا يتغابن أهل البصيرة بمثله مثل أن يكون الرهن
يساوي مائة درهم ويتغابن الناس فيه بخمسة دراهم وباعه العدل بثمانين فإن
البيع باطل، فإن كان المبيع باقيا استرجع، وإن كان تالفا كان للراهن
الرجوع على من شاء منهما، فإن رجع على المشتري رجع بجميع قيمته ولا
يرجع المشتري على العدل، وإن رجع على العدل فإنه يرجع عليه بجميع قيمته
لأنه لم يجز له إخراج الرهن بأقل من ثمنه فهو مفرط في حقه فلزمه جميع قيمته.
وقد قيل: إنه يرجع بما نقص مما يتغابن الناس بمثله وهو خمسة عشر
72

درهما لأن هذا القدر هو الذي فرط فيه فلا يرجع عليه إلا به ويرجع بالباقي على
المشتري، هذا إذا باعه بما لا يتغابن الناس فيه بمثله.
وأما إذا باعه بما يتغابن الناس بمثله، مثل أن يكون الرهن يساوي مائة و
يتغابن الناس فيه بخمسة وتسعين درهما فإن البيع صحيح نافذ لأن هذا القدر
لا يمكن الاحتراز منه وهو يقع لأهل الخبرة والبصيرة، والمرجع في ذلك إلى
أهل الخبرة.
وإذا باع بثمن مثله أو بنقصان يتغابن الناس بمثله فالبيع صحيح، فإذا جاء
من يزيد في ثمنه نظر: فإن كان بعد لزوم البيع وانقطاع الخيار بينهما فإن هذه
الزيادة لا تنفع لأنه لا يجوز له قبولها ولا يملك فسخ البيع في هذه الحال، وإن
كان ذلك في زمان الخيار مثل أن يكون قبل التفرق عن المجلس أو في زمان
خيار الشرط فإنه يجوز له قبوله الزيادة وفسخ العقد، فإن لم يقبل الزيادة لم
يفسخ العقد.
إذا باع العدل الرهن وقبض الثمن فهو من ضمان الراهن حتى يقبضه
المرتهن لأنه بدل الرهن فإن تلف لم يسقط من دين المرتهن شئ.
وإذا مات الراهن وكان الرهن موضوعا على يدي عدل انفسخت وكالة
العدل ويلزم الوارث قضاء دينه من غير الرهن أو يبيع الرهن ويقضي الدين من
ثمنه كما كان يلزم الراهن، فإن قضاه الوارث فقد قضى ما يجب عليه، وإن لم
يقضه وامتنع منه نصب الحاكم عدلا يبيع الرهن ويقضي دين المرتهن من ثمنه
لأن الوارث إذا امتنع من أداء الواجب قام الحاكم باستيفائه.
فإذا ثبت هذا فإذا باع العدل الرهن وضاع ثمنه من يده واستحق الراهن
من يد المشتري فإن الحاكم يأمر المشتري بتسليم الرهن إلى مستحقه ويرجع
المشتري بالثمن في تركة الراهن ولا ضمان على العدل بلا خلاف، وهل يقدم
المشتري على المرتهن أم يكون له أسوة للغرماء؟ قيل فيه: قولان، الأولى منهما أن
يكون أسوة للغرماء لأنهم استووا في ثبوت حقوقهم في الذمة، هذا إذا باع العدل
73

الرهن من جهة الحاكم وهو إجماع.
فأما إذا كان الرهن باقيا وباع العدل بتوكيل الراهن وقبض الثمن وضاع
في يده واستحق المبيع في يد المشتري فإنه يرجع على الراهن، وكذلك كل
وكيل باع شيئا واستحق وضاع الثمن في يد الوكيل فإن المشتري يرجع على
الموكل ولا يرجع على الوكيل، وليس على الوكيل ضمان العهدة.
وفي الناس من قال في هذه المسائل كلها: إنه يرجع على الوكيل دون
الموكل إلا إذا كان الوكيل ميتا فإنه يرجع على موكله.
وكذا إذا باع الحاكم على اليتيم أو أمين الحاكم.
وإذا باع العدل الرهن وقبض ثمنه فضاع من يده لم يجب عليه الضمان
لأنه أمين والأمين لا يضمن إلا إذا فرط، وإذا ادعى أنه قد ضاع كان القول قوله
مع يمينه ولا يلزمه إقامة البينة عليه فإن حلف العدل أنه ضاع بغير تفريط منه
برئ، وإن لم يحلف ردت اليمين على الراهن وإذا حلف أنه في يده لزمه و
حبسه حتى يعطيه.
وإذا ادعى العدل أنه دفع ثمن الرهن إلى المرتهن وأنكر المرتهن ذلك
فالقول قول المرتهن مع يمينه، وعلى الدافع البينة لأنه المدعي للدفع فإن حلف
سقطت دعوى العدل ورجع المرتهن على من شاء من العدل أو الراهن، فإن
رجع على الراهن رجع الراهن على العدل لأن العدل مفرط في ترك الإشهاد
على المرتهن، فإن صدقه الراهن على أنه دفعه إليه لم يكن له الرجوع عليه، وإن
أشهد عليه شاهدين ومات الشاهدان فلا ضمان عليه، ولا يجوز للراهن أن يرجع
عليه لأنه دفعه إلى المرتهن من جهته دفعا مبرئا فليس موت الشاهدين بتفريط من
جهته فلا يتوجه عليه الضمان.
ولو باع العدل الرهن بدين كان ضامنا له لأنه مفرط، وإذا كان العدل
وكيلا في بيع الرهن فقال الراهن له: بع بدنانير، وقال المرتهن: بع بدراهم، لم
يجز أن يقدم قول أحدهما على الآخر لأن لكل واحد منهما حقا في بيع الرهن، و
74

وجب على الحاكم أن يأمره ببيعه بنقد البلد لأن نقد البلد هو الذي يقتضيه عقد
الوكالة ثم ينظر: فإن كان الحق الذي للمرتهن من جنسه قضى منه، وإن كان من
غير جنسه صرفه في ذلك الجنس ثم قضى دينه منه، وإن كانا جميعا نقدين في
البلد باع بأكثرهما وأغلبهما استعمالا، فإن استويا باع بأوفاهما حظا. فإن استويا
وكان أحدهما من جنس الحق باع به، وإن كان الحق من غير جنسهما باع
بالذي يكون تحصيل جنس الحق به أسهل فإن استويا عمل الحاكم على تقديم
أحدهما بما يراه صلاحا.
وإذا تغيرت حال العدل بمرض أو كبر فصار لا يقدر على حفظ الرهن و
القيام به فإنه ينقل من يده لأنه يخشى عليه الهلاك، وإن فسق نقل من يده لأنه
غير مؤتمن على ما في يده، وإن حدثت عداوة بينه وبين الراهن أو المرتهن و
طالب بنقله نقل لأنه ليس من أهل الأمانة في حق عدوه.
وكل موضع وجب نقله فإن اتفق الراهن والمرتهن على من ينقل إليه نقل
إليه لأن الحق لهما، وإن اختلفا فيه ودعا كل واحد منهما إلى غير الذي يدعو إليه
صاحبه فإن الحاكم يجتهد في ذلك وينقله إلى ثقة أمين، هذا إذا ثبت تغير ذلك
العدل الأمين الذي في يده الرهن.
فأما إذا اختلفا فيه فادعى أحدهما أنه تغير حاله وأنكر الآخر ذلك نظر
الحاكم وبحث عنه: فإن ثبت عنده تغير حاله نقله إلى ثقة أمين، وإن لم يثبت
عنده أقره في يده ولم ينقله، وهكذا إذا كان الرهن في يد المرتهن وادعى الراهن
أنه قد تغير حاله وطالب بنقل الرهن من يده فإن الحاكم ينظر فيه: فإن ثبت عنده
تغير حاله نقله إلى يد ثقة أمين وإن لم يثبت عنده ذلك أقره في يده.
وإن مات المرتهن وحصل الرهن في يد وارثه أو في يد وصيه كان للراهن
أن يمتنع من ذلك ويطالب بنقله لأنه لم يرض بكونه في يد الوارث أو الوصي و
ينقله الحاكم إلى يد ثقة أمين، وكذلك إن مات العدل الذي في يده الرهن فإنهما
إن اتفقا على نقله إلى يد رجل اتفقا عليه كان لهما، وإن اختلفا نقله الحاكم إلى يد
75

ثقة أمين، وأما إذا لم يتغير حال العدول واتفقا على نقله من يده كان لهما لأن
الحق لهما فإن اختلفا فيه وطالب أحدهما بالنقل وامتنع الآخر لم ينقل لأنهما قد
رضيا بأمانته ورضيا بنيابته عنهما في حفظه فلا يجوز لأحدهما أن ينفرد بنقله و
إخراجه من يده.
إذا أراد العدل برد الرهن فلا يخلو الراهن والمرتهن من ثلاثة أحوال: إما أن
يكونا حاضرين أو غائبين أو أحدهما حاضرا والآخر غائبا.
فإن كانا حاضرين كان له رده عليهما، فإذا رده عليهما وقبضاه فقد برئ
العدل من حفظه، وإن امتنعا من قبضه أجبرهما الحاكم على قبضه أو قبضه عنهما،
وإن استترا فإن الحاكم يقبض عنهما ويبرئ العدل من حفظه، وإن سلمه إلى
الحاكم قبل أن يمتنعا من قبضه لم يكن له ذلك وكانا ضامنين، لأنه لا يجوز
للعدل أن يدفع الرهن إلى غير المتراهنين مع حضورهما أو إمكان الإيصال إليهما،
ولا يجوز للحاكم أن يقبضه قبل امتناعه من قبضه لأنه إنما يثبت له ولاية عليهما إذا
امتنعا من قبضه وتعذر الإيصال إليهما، وهكذا إذا دفعه إلى ثقة عدل ضمنا جميعا
لأنه لا يجوز أن يخرجه من يده إلى غير المتراهنين.
وأما العدل الذي قبضه فإنه قبضه بغير حق فيلزمه الضمان فإن دفعه إلى
أحد المتراهنين فإنهما يضمنان أيضا لأنه وكيل لهما في حفظه فلم يجز له تسليمه
إلى أحدهما دون صاحبه، فإذا سلمه ضمن وضمن القابض، لأنه قبض ما لا يجوز
له قبضه، هذا إذا كانا حاضرين.
فأما إذا كانا غائبين فإن العدل لا يخلو من أحد أمرين: إما أن يكون له عذر
أولا عذر له، فإن كان له عذر من سفر أو مرض مخوف فإن الحاكم يقبضه منه
عنهما، فإذا دفعه إلى عدل ثقة مع وجود الحاكم قيل فيه وجهان: أحدهما يضمن،
والآخر لا يضمن، وإن لم يجد حاكما فأودعه ثقة لم يضمن، وإن لم يكن له عذر
لم يجز له تسليمه إلى الحاكم لأنه لا دليل عليه.
وأما إذا كان أحدهما حاضرا والآخر غائبا فإنه لا يجوز للعدل أن يدفع
76

الرهن إلى الحاضر لأنه نائب عنهما في حفظه، وإن دفعه إلى أحدهما ضمنه و
لا يقوم الحاكم مقام الغائب كما قلناه إذا كانا جميعا غائبين.
وإذا شرطا أن يكون الرهن عند عدلين فأراد أحدهما أن يسلم إلى الآخر
حتى ينفرد بحفظه فإنه لا يجوز ذلك لأنه لا دليل عليه ولأن الراهن لم يرض بأمانة
أحدهما وإنما رضي بأمانتهما جميعا فلا يجوز لأحدهما أن ينفرد بحفظه، و
كذلك لا يجوز لهما أن يقتسما بالرهن إذا كان مما يمكن قسمته من غير ضرر
مثل الطعام والزيت وما أشبه ذلك لأنه لا دليل على ذلك.
وإذا كان الرهن في يد العدل فجنى عليه رجل فأتلفه وجب على الجاني
قيمته وأخذت القيمة وتكون رهنا في يد العدل فيحفظ القيمة، ولا يجوز له بيعها
في محل الحق لأنه لم يوكل في بيعه وإنما وكله في بيع نفس الرهن ولا دليل
على جواز بيعه.
إذا سافر المرتهن بالرهن ضمن، فإن رجع إلى بلده لم يزل الضمان لأن
الاستئمان قد بطل فلا تعود الأمانة إلا بأن يرجع إلى صاحبه ثم يرده إليه أو إلى
وكيله أو يبرئه من ضمانه.
وأما إذا غصب المرتهن الرهن من يد العدل ضمنه، فإن رده إليه زال الضمان
لأنه قد رده إلى يد وكيله.
إذا استقرض ذمي من مسلم مالا ورهن عنده بذلك خمرا يكون على يد
ذمي آخر يبيعها عند محل الحق فباعها وأتى بثمنها جاز له أخذه، ولا يجوز أن
يجبر عليه، وإذا كانت المسألة بحالها غير أن الخمر كانت عند مسلم وشرطا أن
يبيعها عند محل الحق فباعها وقبض ثمنها لم يصح، ولم يكن لبيع المسلم
الخمر وقبض ثمنها حكم، ولا يجوز للمسلم قبض دينه منه.
إذا وكلا عبدا في حفظ الرهن وبيعه عند محله فإنه لا يجوز إلا بإذن سيده
لأنه منفعته له سواء كان ذلك بجعل أو غير جعل.
وإن وكلا المكاتب بذلك نظر: فإن كان بجعل جاز لأن للمكاتب أن
77

يؤجر نفسه من غير إذن سيده، وإن كان بغير جعل لم يجز لأنه ليس له أن
يتبرع لتعلق حق سيده بمنافعه.
إذا أرسل بعبد له في منافعه مع رسوله إلى غيره ليأخذ منه دنانير ويرهن بها
العبد ففعل الرسول ثم اختلف الراهن والمرتهن فقال المرتهن: أرسلت رسولك
ليرهن عبدك بعشرين دينارا وقد فعل، وقال الراهن: ما أذنت إلا في عشرة
دنانير، فالقول قول الراهن مع يمينه لأن الأصل أنه لم يرهن.
وإن شهد الرسول للراهن أو للمرتهن لم تقبل شهادته لأنه شهد على فعل
نفسه فلا تقبل شهادته فيه.
وإذا وجه إليه ثوبا وعبدا واختلفا، فقال الراهن: العبد عندك رهن والثوب
وديعة وأنا مطالب برد الثوب، وقال المرتهن: الثوب رهن والعبد وديعة فليس
لك أن تطالبني بالثوب، فإن العبد قد خرج من الرهن بجحود المرتهن فأما
الثوب فإنه في يده يدعي رهنه وينكر صاحبه ذلك فالقول قول الراهن مع يمينه
لأن الأصل أنه ليس برهن وعلى المرتهن البينة.
إذا كان في يده ثوب فقال: هو رهن في يدي رهنتنيه أو رهنه رسولك
بإذنك، فقال صاحبه: لم أرهنه، ولم آذن في رهنه وإنما رهنت أو أذنت في رهن
العبد وقد قبلته وعليك قيمته، فالقول قول الراهن في الثوب، والقول قول
المرتهن في العبد لأن الأصل في الثوب أنه غير مرهون والأصل براءة ذمة المرتهن
مما يدعيه الراهن من قيمة العبد.
إذا انفك الرهن بإبراء أو قضاء كان في يد المرتهن أمانة ولا يجب رده على
صاحبه حتى يطالبه به لأنه حصل في يده أمانة ووثيقة، فإذا زالت الوثيقة بقيت
الأمانة إذا حل الحق فإن الراهن يطالب بقضاء الدين فإن قضى من غيره انفك
الرهن وإن امتنع من قضائه من غيره طولب ببيع الرهن وقضاء الدين من ثمنه،
وإن امتنع من بيعه فإن رأى الحاكم حبسه وتعزيره حتى يبيعه فعل، وإن رأى
أن يبيعه بنفسه فعل وحل له ذلك.
78

وإذا رهن عبده عند غيره فجنى العبد المرهون على سيده فلا تخلو جنايته
من أحد أمرين:
إما أن يكون على ما دون النفس، مثل قطع اليد والأذن وقلع العين أو
السن والجرح الذي فيه القصاص، كان لسيده أن يقتص منه لقوله تعالى:
" والجروح قصاص " فإن اقتص كان ما بقي رهنا، وإن لم يقتص منه وعفا على
مال فلا يصح ذلك لأنه لا يجوز أن يثبت له على عبده استحقاق مال ابتداء.
وعلى هذا لو كانت الجناية خطأ كانت هدرا لأنه لا يجوز أن يثبت له على
عبده مال ابتداء.
وإذا ثبت هذا بقي العبد في الرهن كما كان لا يؤثر فيه جناية الخطأ ولا العمد
بعد العفو فإن القصاص سقط والمال لا يثبت.
وإذا كانت الجناية على نفس السيد فإن للوارث قتل هذا العبد قصاصا وإن
اقتص منه بطل الرهن، وإن عفا على مال لا يصح لأنه لا يجوز أن يستحق على
ماله مالا وهذا العبد للورثة، هذا إذا كانت الجناية على سيده إما على طرفه أو على
نفسه.
فأما إذا جنى على من يرثه سيده مثل ولده أو والده أو أخته أو أخته أو عمه
فإن كان جنى على طرفه ثبت له القصاص وجاز له العفو على مال لأنه ليس
بمالك للعبد، وإن مات وورثه السيد كان له ما كان لمورثه من القصاص أو
العفو على مال لأن ذلك قد ثبت لغير المالك ثم ورثه المالك، والاستدامة أقوى
من الابتداء.
وعلى هذا إن كانت الجناية على من يرثه خطأ وجب المال وورثه السيد و
كان له أن يطالب المرتهن ببيع العبد، وأما إن قتل من يرثه سيده فإن الحكم فيه
كالحكم إذا كانت الجناية عليه، لأن ما جاز للمورث جاز للوارث.
وأما إذا جنى على مكاتبه على طرفه ثم عجز نفسه، أو على نفسه فقتله كان
المولى بمنزلة الوارث هاهنا لأن الحق ثبت للمكاتب وهو يأخذه بحق ملكه كما
79

يأخذ عن مورثه بالإرث.
وإذا رهن عبده عند غيره بدين عليه فقتل هذا العبد المرهون عبدا آخر
لسيده فلا يخلو من أحد أمرين: إما أن يكون العبد المقتول رهنا أوليس برهن.
فإن لم يكن رهنا كان لسيده أن يقتص منه لأن العبد كف ء للعبد، وإذا أراد
أن يعفو على مال لبيع العبد المرهون ويقبض ثمنه لم يصح لأنه ليس للسيد أن
يعفو عن جناية عبده على مال لنفسه لأنه لا يثبت له على عبده مال إلا أن يكون
قائما مقام غيره فيما يثبت له.
وإن كانت الجناية خطأ لم يثبت المال وكانت هدرا أو يكون العبد القاتل
رهنا كما كان.
وإن كان العبد المقتول رهنا فلا يخلو من أحد أمرين: إما أن يكون رهنا عند
غير مرتهن العبد القاتل أو عنده.
فإن كان عند المرتهن فسنذكره فيما بعد.
وإن كان العبد المقتول رهنا عند غير مرتهن العبد القاتل كان لسيده أن
يقتص منه وله أن يعفو على مال لحق المرتهن فإن المال يثبت لمرتهن العبد
المقتول، فإذا تعلق به حق الأجنبي صح العفو.
فإذا ثبت هذا يباع العبد بقدر قيمة العبد المقتول ويكون رهنا عند مرتهنه،
فإن كانت القيمة مستغرقة لقيمة العبد القاتل بيع جميعه، وإن لم تستغرق قيمته
بيع بقدره وترك الباقي رهنا عند مرتهنه.
وإقرار العبد المرهون بأنه قصاص غير جائز، وكذلك ما ليس فيه قصاص
من جناية الخطأ لا يقبل إقراره به لأنه في الحالين معا مقر على الغير.
وإذا جنى العبد المرهون على غيره وثبتت الجناية فإن الراهن بالخيار
إن شاء فداه من سائر ماله، وإن شاء سلمه للبيع، فإن فداه من سائر ماله فبكم
يفديه؟ قيل فيه وجهان:
أحدهما: يفديه بأقل الأمرين من أرش جنايته أو قيمته.
80

والثاني: يفديه بجميع الأرش بالغا ما بلغ أو يسلمه للبيع، وهذا هو
المنصوص عليه لأصحابنا، فإن فداه بقي العبد رهنا كما كان عند المرتهن.
وإن امتنع من الفداء قلنا لمرتهنه: تختار أن تفديه، فإن قال: لا أفديه، سلم
العبد للبيع وبيع منه بقدر الأرش على ما تقدم بيانه، وإن اختار المرتهن أن يفديه
فبكم يفديه؟ فعلى ما مضى من الوجهين.
فإذا فداه نظر: فإن كان بغير أمر الراهن لم يرجع به عليه لأنه متبرع به،
وإن كان بأمره نظر: فإن شرط الرجوع عليه كان له أن يرجع، وإن لم يشترط
الرجوع عليه قيل فيه وجهان: أحدهما: يرجع.
والثاني: لا يرجع، والأول أصح.
فإذا ثبت هذا فإن شرط المرتهن أن يفديه على أن يكون العبد رهنا بالأرش
مع الدين كان جائزا كما قلناه في زيادة المال على الرهن، ويكون رهنا بالمالين.
وإذا أمر رجل عبده المرهون بأن يجني على إنسان فجنى عليه فلا يخلو من
أحد أمرين: إما أن يكون مميزا بأن يكون بالغا عاقلا يعلم أنه لا يجوز أن يطيع
سيده بالجناية على غيره فإذا كان كذلك وأمره بالجناية على غيره فلا يخلو من
أحد أمرين: إما أن يكرهه عليه أو لا يكرهه، فإن لم يكرهه عليه وإنما أمره به ففعله
العبد فإن العبد هو الجاني، وعليه القصاص إن كانت الجناية توجب القصاص،
وإن عفي عن القصاص على مال تعلق أرش الجناية برقبة العبد يباع فيه ويقدم
على حق المرتهن، وأما السيد فلا يلزمه من هذه الجناية شئ في ذمته لكنه يأثم
بأمره إياه بها، فإن كان العبد مكرها على ذلك لا يسقط القصاص عنه بالإكراه
لأن الإكراه عندنا في القتل لا يصح.
وإذا عفي على مال وجب المال وتعلق برقبة العبد يباع في ذلك بقدر
الجناية، وإن كان العبد صبيا إلا أنه مميز فالحكم فيه كما ذكرناه في البائع، وقد
روى أصحابنا أن حد ذلك عشر سنين فإنهم قالوا: إذا بلغ ذلك اقتص منه
81

وأقيم عليه الحدود التامة.
وأما إذا كان غير مميز لصغر أو كان قريب العهد بالإسلام بأن يكون جلب
عن قرب ولا يعرف أحكام الإسلام بوجه فإن السيد هو الجاني هاهنا والعبد
كالآلة له وكان القصاص على السيد دون العبد والمال في ذمته ولا يتعلق برقبة
العبد، فإن كان له مال سوى هذا العبد أدى منه، وإن لم يكن له مال سواه فقد
قيل: إنه لا يباع العبد المرهون فيه لأن الجناية من جهة المولى دون العبد،
والأرش في ذمة المولى ولا يتعلق برقبة العبد، وقد قيل: إنه يباع فيه، والأول
أحوط.
وإذا بيع على هذا القول أخذ من السيد قيمة العبد تجعل رهنا مكانه إن كان
له مال في الحال، وإن لم يكن له مال في الحال أخذ منه قيمته إذا أيسر لأن بيعه
في الجناية سبب من جهته فصار كأنه المتلف، وفي الناس من قال: إذا لم يكن له
مال سواه بيع العبد في الجناية لأنه قد باشر الجناية، وإن كانت منسوبة إلى سيده
فإذا لم يكن له مال سواه وجب بيعه في أرشها.
وإذا رهن رجل عبد غيره بدين عليه بإذن صاحب العبد فالأولى أن يكون
العبد عارية، وقيل: إنه يكون ضمانا، فإنما قلنا بالأول لأنه ملك الغير، وإنما قبضه
باذنه لنفع نفسه، وتتفرع على الوجهين أحكام:
منها: إذا أذن له في رهنه ثم رجع عن إذنه، فإن رجع عن إذنه قبل أن يرهنه
أو بعد أن يرهنه ولم يقبضه صح رجوعه، وإن رهن بعده لم يصح رهنه، وإن
كان رهنه وأقبضه ثم رجع عن إذنه لم ينفسخ الرهن بذلك لأنه عقد لازم
لا يجوز لغير المرتهن فسخه لأنه لا دليل عليه، وللمعير أن يطالب المستعير بفكاكه
وتخليص عبده في كل وقت سواء حل الدين أو لم يحل، وإنما قلنا: ليس له
فسخ عقد الرهن بعد لزوم العقد، لأنه لا دليل على ذلك.
ومنها: صفة الإذن، فمن قال: إنه ضمان، فلا يجوز إلا أن يكون ما يرهنه به
من الدين معلوم الجنس والقدر وهل هو حال أو مؤجل، لأنه لا يجوز ضمان مال
82

مجهول، ومن قال: هو عارية، جوز مع الجهالة لأنه لا يجوز أن يستعير عبدا
للخدمة ويستخدمه فيما شاء من الأعمال ولا يجب ذكر المدة فيه.
وإذا أذن السيد له في أن يرهنه بجنس من المال وقدر معلوم وصفة معلومة
من حال أو مؤجل لم يجز له أن يعدل عنه إلى غيره على القولين معا، فإن خالفه
في شئ مما أذن له فيه لم يصح الرهن لأنه يكون قد تصرف فيه بغير إذن مالكه،
وإن خالفه في القدر فنقص جاز لأن القدر الذي رهنه به مأذون فيه لأن الإذن في
الكثير إذن في القليل، وإن زاد عليه كانت الزيادة باطلة، وفي الناس من قال:
يبطل الجميع بناء على تفريق الصفقة.
ومنها: المطالبة بفكاكه على القولين معا، لأن للضامن أن يطالب المضمون
عنه بتخليص نفسه من الضمان إذا ضمن بأمره وكان مال الضمان حالا، وكذلك
من قال: إنه عارية، كان له أن يطالبه بفكاكه، وأما إذا كان مؤجلا فمن قال: إنه
عارية، كان له أن يطالبه بفكاكه، ومن قال: ضمان، لم يكن له لأن الضامن ليس
له أن يطالب المضمون عنه بخلاصه قبل حلول الضمان.
فإذا ثبت هذا فمتى طالبه بفكاكه ولم يكن معه ما يقضي به دينه فباعه
الحاكم في دين المرتهن، فإن كان باعه بثمن مثله رجع به صاحب العبد على
الراهن، وإن باعه بأقل منه مما يتغابن الناس بمثله فمن قال: إنه عارية، رجع بقيمته
وافية، ومن قال: إنه ضمان، رجع بما بيع لأن الضامن إنما يرجع بما غرمه، وإن
باع بأكثر من قيمته فمن قال: إنه ضمان، رجع بالجميع، ومن قال: عارية،
يرجع بقدر قيمته، والأحوط أن يرجع بالجميع لأنه إذا بيع بأكثر من قيمته ملك
صاحب العبد قيمته وصارت قيمته قائمة مقام العبد فإذا قضى بها دينه ثبت للمعير
الرجوع بالجميع.
ومنها: أن يموت العبد في يد المرتهن أو يجني على رجل فيباع في أرش
الجناية فمن قال: إنه ضمان، قال: لا يرجع صاحب العبد على الراهن لأنه لم يغرم
له شيئا وإنما رجع الضامن على المضمون عنه بما غرم، ومن قال: إنه عارية، قال:
83

يرجع عليه بقيمته لأن العارية إذا كانت مضمونة ضمنت بجميع قيمتها، وإذا لم
تكن مضمونة لم يكن عليه شئ.
وإذا جني على العبد المرهون فإن الخصم فيه هو السيد دون المرتهن لأنه
المالك لرقبته، وإنما للمرتهن حق الوثيقة فإن أحب المرتهن أن يحضر خصومته
كان له، فإذا قضي للراهن بالأرش تعلق به حق الوثيقة للمرتهن.
وإذا ثبت هذا فإن ادعى سيده على رجل أنه جنى على العبد المرهون سأله
الحاكم عن البينة، فإن أقامها ثبتت الجناية، وإن نكل المدعى عليه كان القول
قوله مع يمينه لأن الأصل براءة ذمته، فإن حلف برئ وإن نكل رد اليمين على
المدعي فإن حلف قضي له بالجناية، وإن نكل قيل في رد اليمين على المرتهن
قولان بناء على رد اليمين إذا نكل الوارث على الغريم.
ومتى ثبتت الجناية على المدعى عليه بإقراره أو بالبينة أو برد اليمين نظر في
الجناية:
فإن كانت توجب القصاص كان سيده بالخيار إن شاء اقتص من الجاني
وبقى العبد المجني عليه رهنا عند المرتهن، وإن شاء عفا عن الجاني على مال
فيكون المال ملكا للسيد ورهنا مع العبد عند المرتهن لأن الأرش عوض أجزاء
دخلت في الرهن.
فإن عفا على غير مال أو عفا مطلقا فهل يثبت المال؟ فيه قولان، فمن قال:
إن جناية العمد توجب القصاص ويثبت المال بالعفو، صح العفو على غير مال
مطلقا ولا يثبت المال ولم يكن للمرتهن مطالبته بالعفو على مال لأن اختيار المال
ضرب من الاكتساب والراهن لا يجبر على ذلك لحق المرتهن، ومن قال: إن
الواجب أحد الشيئين: إما القصاص وإما الدية، فإذا عفا عن القصاص ثبتت الدية،
فلا يصح عفوه عن القصاص على غير مال، لأنه إذا عفا عن القصاص كان اختيار
المال تعلق به حق المرتهن، فإذا عفا عنه لم يصح لأنه إسقاط لحق المرتهن، وإذا
ثبت المال بالعفو أو كانت الجناية خطأ أو عمدا توجب المال كان ملكا للراهن
84

فيدخل في الرهن، فإن أبرأه منه الراهن قبل أن يقبضه لم يصح إبراؤه منه لأن حق
المرتهن متعلق به، ولهذا لا يجوز أن يهبه بعد القبض لأنه وثيقة للمرتهن، وإن أبرأه
المرتهن من الدين أو قضاه كان الأرش للراهن لأن الإبراء لم يكن صحيحا، وإن
أسقط المرتهن حقه منه كان الأرش للراهن وخرج من الرهن.
وإذا قال المرتهن: قد أبرأت من الأرش أو عفوت عنه، فإنه لا يصح لأن
الأرش للراهن دون المرتهن فلا يمكن إسقاطه، وإذا بطل إبراؤه فهل يسقط حق
المرتهن من الوثيقة؟ من الناس من قال: يسقط حقه لأن إبراءه من المال يتضمن
إسقاط حقه للوثيقة، ومنهم من قال: لا يسقط حقه لأن إبراءه وعفوه عن الأرض
باطل فوجوده وعدمه سواء فوجب أن يكون الأرش باقيا على صفته، هذا إذا جني
على العبد المرهون.
وأما إذا كانت جارية حبلى فحكمها حكم العبد، غير أنها إذا ضربها رجل
وهي مرهونة فألقت جنينا ميتا فإن الجاني يلزمه عشر قيمة أمه ولا يجب ما نقص
من قيمة الأم لأن ذلك يدخل في دية الجنين، ويدفع ذلك إلى الراهن لأن ولد
المرهونة لا يدخل في الرهن ولا يتعلق به حق المرتهن، وكذلك بدل نفسه
لا يدخل في الرهن.
وإن كان ذلك دابة حاملا فضربها إنسان فألقت جنينا ميتا وجب عليه ما
نقص من قيمة الأم ولا يجب بدل الجنين الميت من البهيمة، ويكون داخلا في
الرهن لأنه بدل ما نقص من أجزاء الرهن.
وإن أسقطت جنينا حيا ثم مات، قيل فيه قولان:
أحدهما - وهو الصحيح -: يجب قيمة الولد ولا يجب غيرها ويدخل فيها
نقصان الأم، وتكون القيمة للراهن لا حق للمرتهن فيها.
والثاني: يجب أكثر الأمرين من قيمة الولد أو ما نقص من قيمة الأم، فإن كان
ما ينقص من قيمة الأم أكثر وجب ذلك ودخل في الرهن، وإن كان قيمة الولد
أكثر وجب ذلك وكان للراهن ولا يدخل في الرهن.
85

وإذا جني على المرهون جناية لا يعرف الجاني فأقر رجل بأنه جنى عليه
الراهن فكذبه أحدهما وصدقه الآخر، فإن كان الراهن كذبه وصدقه المرتهن ثبت
إقراره في حق المرتهن وأخذ منه أرشه ويكون رهنا، فإن أبرئ المرتهن من الراهن
من دين المرتهن رجع بالأرش إلى المقر ولا يستحق الراهن لأنه أقر بأنه
لا يستحقه، فلزمه إقراره، وإن صدقه الراهن وكذبه المرتهن كان الأرش واجبا
للراهن ولا حق للمرتهن فيه.
إذا رهن إنسان عبدا عند غيره بحق ثم رهن عبدا آخر بحق آخر عنده فيكون
الرهنان في حقين كل واحد منهما في حق غير الحق الآخر سواء كانا جنسا
واحدا أو جنسين وكل واحد من العبدين رهن بدين غير الدين الآخر.
فإذا تقرر ذلك وقتل أحد العبدين الآخر لم يخل من ثلاثة أحوال: إما أن
تتفق القيمتان والحقان في المقدار أو تتفق القيمتان ويختلف الحقان أو يتفق
الحقان وتختلف القيمتان.
فأما إذا اتفقت القيمتان والحقان، لم يكن للنقل فائدة وترك القاتل مكانه
رهنا، فإن كان الدين الذي كان دين الرهن المقتول رهنا به أنه أصح من دين
الراهن القاتل فهل ينقل؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا ينقل، لأنهما سواء في الثبوت ولا غرض فيه.
والثاني: ينقل، لأنه لا يأمن أن يكون دين الرهن يلحقه فسخ بأن يكون عوض
شئ يرد عليه بالعيب ويسقط الحق أو يكون صداقا فيسقط نصفه بالطلاق أو
يقع فيه استحقاق فبقي الدين الصحيح برهن ما ملكه، وكذلك إن كان له
غرض في نقله إلى دين الرهن المقتول وجب نقله.
فإذا ثبت هذا فإن شاء باع وجعل قيمته رهنا بذلك الحق، وإن اتفقا على
نقله إليه كان جائزا.
وإذا اتفقت القيمتان واختلف الحقان، مثل أن يكون دين الرهن المقتول
ألفين ودين الرهن القاتل ألفا فإن له أن يطالب بالنقل لأن له فيه غرضا، فإنه إذا
86

كان الألفان برهن أحب إليه وأعود إليه من أن يكون الألف الواحد، وإذا كان دين
الرهن المقتول ألفا ودين الرهن القاتل ألفين لم يكن للنقل فائدة فيترك الرهن
مكانه.
وإذا اتفق الحقان واختلفت القيمتان، مثل أن يكون الرهن المقتول قيمته ألفا
وقيمة الرهن القاتل ألفين، ومقدار الدين ألف درهم فإنه ينقل بقدر قيمة الرهن
المقتول من قيمة الرهن القاتل فباع نصفه بألف درهم، فيكون رهنا مكان الرهن
المقتول ويبقى النصف الآخر رهنا بدينه كما كان، ويكون هذا أولى فيصير
الدينان جميعا بالرهن.
وإذا ترك الرهن القاتل مكانه كان ألف واحد برهن والألف الآخر لا رهن
فيه ولاحظ للمرتهن في ذلك، وإن كان له فيه غرض وحظ وجب نقله على ما
مضى، وإن كانت قيمة الرهن المقتول ألفين وقيمة الرهن القاتل ألفا ودين كل
واحد منهما ألف درهم لم يكن في النقل فائدة وترك الرهن القاتل مكانه.
إذا رهن مسلم عبدا مسلما عند كافر أو رهن عنده مصحفا قيل فيه قولان:
أحدهما يصح، والثاني لا يصح ويوضع على يدي مسلم عدل، وهذا عندي أولى
لأنه لا مانع منه، وأحاديث رسول الله والأئمة عليهم السلام بمنزلة المصحف
سواء، وإنما قلنا بجوازه لأن النبي صلى الله عليه وآله رهن عند أبي شحمة اليهودي
درعا، فإذا كان الرهن عندهم صحيحا، وما لا يصح منهم مسه أو استخدامه جعل
على يدي عدل فيجب أن يكون صحيحا.
إذا باع من غيره شيئا بثمن معلوم إلى أجل معلوم وشرط فيه أن يرهنه بالثمن
رهنا معلوما، كان جائزا ويصير الرهن معلوما بالمشاهدة أو بالصفة كما يوصف
المسلم فيه بدلالة قوله تعالى: " فرهان مقبوضة "، فأباح بشرط الرهان
المقبوضة.
فإذا ثبت أنه جائز فإن المشتري إذا رهن وسلم ما شرط من الرهن فقد وفي
بموجب العقد، وإن امتنع من تسليمه أجبر عليه، وفي الناس من قال: لا يجبر على
87

تسليمه ويكون البائع بالخيار إن شاء رضي بالبيع بلا رهن فإن رضي به لم يكن
للمشتري خيار، وإن شاء فسخ البيع لأنه لم يرض بذمته حتى تكون معها وثيقة
من الرهن فإذا امتنع منها كان له فسخ العقد.
إذا باع من غيره شيئا بثمن معلوم إلى أجل معلوم، وشرط أن يضمن الثمن
رجل جاز، ويجب أن يكون من يضمنه معلوما، ويصير معلوما بالإشارة إليه أو
بالتسمية والنسب، فأما بالوصف بأن يقول: يضمنه رجل غني ثقة، فلا يصير
معلوما وإذا ثبت هذا وشرط أن يضمنه رجل اتفقا على تعيينه بما ذكرناه فضمنه أو
امتنع من ضمانه يكون الحكم على ما ذكرناه في شرط الرهن لا فرق بينهما.
وإذا عينا شيئا يرهنه أو رجلا يضمنه فأتى بغيره لم يلزمه قبوله لأن الأغراض
تختلف في أعيان الرهن والضمناء، وإقامة غيره مقامه يحتاج إلى دليل، فأما إذا
عينا شاهدين يشهدهما على عقد البيع فأتى بشاهدين غيرهما لا يلزمه قبول ذلك
لقوله تعالى: " ممن ترضون من الشهداء " وهذا ما يرضيه، وقيل: إنه يلزمه لأنه
لا غرض في أعيان الشهود، وإنما الغرض العدالة وهي حاصلة.
وإذا باع من غيره شيئا بثمن معلوم إلى أجل معلوم وشرط رهنا مجهولا
فالرهن فاسد، وفي فساد البيع وجهان، الأولى أن نقول: إنه يفسد الرهن ولا يفسد
البيع لأنه لا دلالة على فساده، ومن قال: يفسد البيع، قال: لأنه يؤدي إلى جهالة
الثمن لأنه يأخذ قسطا من الثمن.
وإذا قال: علي أن ترهن أحد هذين العبدين، لم يصح عقده لأنه مجهول.
إذا وجد المرتهن بالرهن عيبا واتفقا على أنه حادث في يد المرتهن لم يكن له
رده لأنه حدث بعد القبض، وإن اتفقا على أنه كان في يد الراهن دلس به كان له
رده بالعيب فإذا رده كان بالخيار في فسخ البيع، إن شاء فسخ وإن شاء أجازه
بلا رهن.
وإن اختلفا في حدوثه، فإن كان لا يمكن حدوثه في يد المرتهن كان القول
قوله من غير يمين لأنه أمين، وإن كان لا يمكن حدوثه في يد الراهن كان القول
88

قوله من غير يمين، فإن أمكن حدوثه في يد كل واحد منهما كان القول قول
الراهن مع يمينه لأن الظاهر بقاء عقد الرهن وعدم الخيار.
وإذا وجد المرتهن بالرهن عيبا كان عند الراهن وقد دلس به، كان له الخيار
إن شاء رده بالعيب وإن شاء رضي به معيبا، وإن رده بالعيب كان له الخيار في
فسخ البيع وإجازته بلا رهن إذا كان الرهن باقيا في يده على الصفة التي قبضه،
فأما إذا مات أو حدث في يده عيب فليس له رده وفسخ الرهن لأن رد الميت
لا يصح، ورد المعيب مع عيب حدث في يده لا يجوز لأنه لا دلالة عليه، كما نقوله
في البيع، ولا يرجع في ذلك بأرش العيب، ويخالف البيع في ذلك.
وإذا رهن عبدين وسلم أحدهما إلى المرتهن فمات في يده وامتنع من تسليمه
الآخر لم يكن للمرتهن الخيار في فسخ البيع لأن الخيار في فسخ البيع إنما يثبت
إذا رد الرهن ولا يمكنه رد ما قبضه لفواته، وكذلك إذا قبض أحدهما وحدث به
عيب في يده وامتنع الراهن من تسليم الآخر إليه، لم يكن له الخيار في فسخ البيع
لأنه لا يجوز له رد المعيب للعيب الحادث في يده.
وإذا لم يكن الرهن شرطا في عقد البيع فتطوع المشتري فرهن بالثمن عبدا
أو ثوبا أو غير ذلك وسلمه إلى البائع، صح الرهن ولزم لأن كل وثيقة صحت
مع الحق صحت بعده، فإذا ثبت هذا لم يكن للراهن افتكاكه وقد بقي من الحق
شئ، لأنه مرهون بجميع الحق وبكل جزء من أجزائه.
وإن رهنه ولم يسلمه لم يكن له ذلك وأجبر على تسليمه، ولم يكن للبائع
الخيار في فسخ البيع لأنه قد رضي منه بدين من غير رهن، وإنما يثبت له الخيار
إذا لم يرض به منه وشرط الرهن في عقد البيع، فإن امتنع من تسليم الرهن فقد
امتنع من الوفاء بموجب العقد فكان له فسخه.
إذا باع من غيره شيئا على أن يكون المبيع رهنا في يد البائع لم يصح
البيع لأن شرطه أن يكون رهنا لا يصح، لأنه شرط أن يرهن ما لا يملك فإن المبيع
لا يملكه المشتري قبل تمام العقد، وإذا بطل الرهن بطل البيع لأن البيع يقتضي
89

إيفاء الثمن من غير ثمن المبيع، والرهن يقتضي إيفاء الثمن من ثمن المبيع وذلك
متناقض، وأيضا فإن الرهن يقتضي أن يكون أمانة في يد البائع، والبيع يقتضي أن
يكون المبيع مضمونا عليه وذلك متناقض.
وأما إذا شرط البائع أن يسلم المبيع إلى المشتري ثم يرده إلى يده رهنا
بالثمن فإن الرهن والبيع فاسدان مثل الأول.
وإذا كان لرجل على غيره ألف درهم إلى أجل معلوم فرهن من عليه الألف
رهنا ليزيده في الأجل لم يصح ذلك ويكون الرهن باطلا وألحق إلى أجله
كما كان، ولا تثبت الزيادة في أجله لأنه لا دليل على ذلك.
وإذا باع من غيره شيئا بثمن مؤجل وشرط أن يرهن بالثمن رهنا يكون على
يد عدل سمياه فأقر البائع والمشتري أن المشتري قد رهن بالثمن وسلم الرهن إلى
العدل وقبضه ثم رجع إلى يد المشتري والرهن في يده فأنكر العدل ذلك وقال:
ما قبضه، لزم الراهن لأنه حق للمتعاقدين دون العدل، فإذا أقر ألزمهما بإقرارهما
على أنفسهما.
فإذا ثبت ذلك فإن كان الرهن باقيا في يد المشتري واتفقا على إقراره في
يده جاز، وإن اتفقا على أن يكون في يد البائع جاز، وإن اتفقا على أن يرد إلى
العدل جاز، وإن اتفقا على أن يكون في يد عدل آخر جاز، وإن اختلفا في من يكون
على يده عمل الحاكم في ذلك بما يراه صلاحا ووضعه حيث يراه.
وإن كان الرهن تالفا وادعيا على أن العدل قبضه وأتلفه كان القول قوله مع
يمينه أنه ما أتلفه.
وأي المتراهنين مات قام وارثه مقامه في حق الراهن.
فإن كان الميت هو المرتهن ورث وارثه حق الوثيقة لأن ذلك مما يورث إلا
أن للراهن أن يمتنع من كونه في يده لأنه قد رضي بأمانة المرتهن ولم يرض بأمانة
وارثه فله مطالبته بنقله إلى يد عدل.
وإن كان الميت هو الراهن قام وارثه مقامه في الرهن فيكون مستحقا عليه
90

كما كان مستحقا على الراهن إلا أن الدين الذي كان مؤجلا في حق الراهن يصير
حالا في حق وارثه لأن الأجل لا يورث وسقط بموت من عليه الدين.
وجملته: أن وارث المرتهن يقوم مقام المرتهن إلا في القبض، ووارث الراهن
يقوم مقام الراهن إلا في حال الأجل في الدين.
وإذا اختلف الراهن والمرتهن فقال المرتهن: رهنتني عبدين، وقال الراهن:
رهنتك أحدهما، كان القول قول الراهن مع يمينه لأن الأصل أنه لم يرهنه العبد
الثاني.
وإن اتفقا على الرهن واختلفا في مقدار الحق الذي رهنا به كان القول قول
الراهن مع يمينه لأن الأصل أنه لم يرهن فيما زاد على ما أقر به.
إذا كان له على رجلين ألف درهم على كل واحد منهما خمسمائة وكان
لهما عبد مشترك بينهما فادعى من له الدين أنهما رهناه العبد الذي بينهما بالألف
الذي كان عليهما.
فإن أنكراه كان القول قولهما مع يمينهما لأن الأصل أنهما لم يرهناه، وعليه
البينة.
وإن صدقاه صار رهنا ويكون نصيب كل واحد منهما رهنا بما صار عليه من
الدين، وإذا قضاه انفك من الرهن وإن كان دين صاحبه باقيا.
وإن كذبه أحدهما وصدقه الآخر كان القول قول المكذب مع يمينه،
ويكون نصيب المصدق رهنا بما عليه من الدين، فإن شهد المصدق على المكذب
قبلت شهادته لأنه يشهد على شريكه بأنه رهن نصيبه، فإذا شهد عليه وقبلت شهادته
كان لصاحب الدين أن يحلف مع شاهده ويقضى له به.
وإذا كانت المسألة بحالها فأنكراه فشهد كل واحد منهما على صاحبه بأنه
رهنه حصته وأقبضه قبلت شهادتهما وحلف لكل واحد منهما يمينا، وقضي له
برهن جميعه.
وإذا كان له على غيره ألفا درهم ألف برهن وألف بغير رهن فقضاه ألفا ثم
91

اختلفا فقال القاضي: هو الألف الذي هو برهن، وطالب برد الرهن، وقال
القابض: هو الذي بغير رهن والذي بالرهن باق والرهن لازم، فالقول قول
القاضي للألف مع يمينه لأنهما لو اختلفا في أصل القضاء كان القول قوله مع
يمينه.
وإذا اتفقا على أنه قضاه ألفا ولم يلفظ بشئ ولم يدع بينة، وقال القاضي: لم
ألق شيئا، فله أن يصرف إلى أيهما شاء، وفي الناس من قال: ينقسم عليهما، وهكذا
إذا أبرأه من ألف ثم اختلفا في لفظه أو في نيته أو اتفقا على أنه أطلقه، كان بمنزلة
قضائه.
وإذا كان له على غيره دين فرهنه داره بالدين وحصلت في يد المرتهن ثم
اختلفا فقال الراهن: ما سلمتها إليك رهنا وإنما أكريتكها أو غصبتها مني أو
اكتراها مني رجل فأنزلك فيها، كان القول قول الراهن مع يمينه لأن الأصل
عدم الإذن والرضا بتسليمها رهنا.
منفعة الرهن للراهن، وذلك مثل سكنى الدار وخدمة العبد وركوب الدابة
وزراعة الأرض، وكذلك نماء الرهن المنفصل عنه للراهن، ولا يدخل في الرهن،
وذلك مثل الثمرة والولد والصوف واللبن لما روي عنه صلى الله عليه وآله أنه
قال: الرهن محلوب ومركوب، ولا خلاف أنه لا يكون ذلك للمرتهن ثبت أنه
للراهن.
وأما الانتفاع باللبس ووطء الجارية فلا خلاف أنه لا يجوز للراهن.
فإذا ثبت هذا فإن النماء المنفصل من الثمرة كالولد والصوف واللبن يدفع
إلى الراهن ويتصرف فيه كيف شاء، هذا ما كان حادثا في يد المرتهن، وكذلك
إذا كان موجودا حال الرهن ولم يسمه لم يدخل في الرهن.
وأما النماء المتصل فإنه يدخل في الرهن لأنه لا يتميز من الرهن، وذلك مثل
السمن وما جرى مجراه.
وأما المنفعة فإن الرهن إن كان دارا كان للراهن استيفاء السكنى بغيره بأن
92

يعيرها أو يكريها وليس له أن يسكنها، وقيل: إن له أن يسكنها، والأول أصح،
والأقوى أن نقول: ليس له أن يكريها غيره مدة الرهن ولا أكثر منه ولا أقل.
فإن يسكنها غيره - غير أنه إن فعل كانت الأجرة له ولا تدخل في
الرهن -، فإذا تقرر هذا فإن آجرها قدر مدة تزيد على محل الدين لم تصح الإجارة
لأن تصحيحها يؤخر حق المرتهن أو ينقص قيمة الرهن.
وإن كان الرهن أمة كان الحكم فيها كالحكم في العبد والبهيمة إلا أن الأمة
لا يجوز لسيدها استخدامها لأنه لا يؤمن أن يطأها فيحبلها ولا يجوز وضعها إلا عند
امرأة ثقة أو رجل عدل له أهل أو رجل هو محرم لها مثل أخيها أو عمها، وإن
شرطا أن يضعاها على يد غير هؤلاء كان الشرط فاسدا والرهن صحيحا، وهل
يجوز له أن يطأها؟ ينظر فيها: فإن كانت ممن تحبل لم يجز له وطؤها، وإن
كانت صغيرة لا يحبل مثلها أو يائسة فلا يجوز أيضا، وقيل: إنه يجوز، والأول
أحوط.
إذا زوج الراهن عبده المرهون كان تزويجه صحيحا، وكذلك الجارية
لقوله عز وجل " والصالحين من عبادكم وإمائكم " غير أنه لا يمكن تسليم
الجارية إلى الزوج إلا بعد أن يفكها من الرهن.
يجب على الراهن النفقة على الرهن فيما يحتاج إلى النفقة حيوانا كان أو
غيره، وإذا مات عبده المرهون وجب على الراهن مؤونة قبره لأنه في نفقته.
يكره رهن الأمة إلا أن توضع على يد امرأة ثقة، وكل زيادة لا يتميز منها فهو
رهن معها مثل أن تكون الجارية صغيرة فتكبر أو ثمرة فتدرك.
إذا رهن ماشية فإن الراهن إذا أراد الضراب للنتاج كان له، سواء كان
المرهون فحلا أو أنثى.
فإن كان المرهون فحلا فإن أراد أن ينزيه على ماشيته وأراد أن يعيره غيره
كذلك لم يكن للمرتهن منعه من ذلك لأنه مصلحة للراهن ولا ضرر على
المرتهن.
93

وإن كانت الماشية المرهونة أنثى وأراد أن ينزي عليها فحولة ليست مرهونة
نظر: فإن كان محل الدين بعيدا يتأخر عن الولادة كان للراهن ذلك، وإن كان
محل الدين يتقدم على الولادة قيل: فيه قولان.
وللراهن رعي الماشية بالنهار، وتأوي بالليل إلى المرتهن، وإذا أراد الراهن أن
ينتجع بها نظر:
فإن كانت الأرض مخصبة فيها ما يكفي الماشية لم يكن للراهن حملها إلا
برضا المرتهن.
وإن أجدبت الأرض ولم يكن فيها ما تتماسك به الماشية وتكتفي برعيه
كان للراهن أن ينتجع، ولم يكن للمرتهن منعه منه لكن يوضع على يدي عدل
تأوي إليه بالليل وتكون في حفظه ومراعاته.
وإن لم ينتجع الراهن وانتجع المرتهن كان له أن ينتجع بها ولم يكن
للراهن منعه منها لأن في ذلك صلاح الرهن، وإن أرادا جميعا النجعة إلى جهتين
مختلفتين سلم إلى الراهن لأن حقه أقوى من حق المرتهن فإنه مالك للرقبة،
وتجعل الماشية على يدي عدل على ما مضى.
وإن رهن عبدا صغيرا أو أمة صغيرة لم يمنع أن يعذرهما - يعني يختنهما -
لأن ذلك من وكيد السنة، وفي أصحابنا من قال: هو واجب.
وإذا مرض واحتاج إلى شرب دواء فإنه ينظر فيه: فإن امتنع منه الراهن لم
يجبر عليه لأنه قد يبرأ بغير دواء ولا علاج، ولا دليل على إجباره، وإن أراد
المرتهن أن يفعل ذلك لم يكن للراهن منعه إذا لم يكن من الأدوية المخوفة التي
فيها السموم ويخاف عاقبتها. وإن أراد المرتهن أن يفعل ذلك ومنعه الراهن منه
نظر: فإن أراد أن يفعله بشرط الرجوع عليه لم يكن له لأنه إذا لم يجبر عليه لم
يكن للمرتهن إجباره على ذلك، وإن أراد أن يفعله من غير شرط الرجوع فله أن
يفعل ذلك إلا أن يكون فيه ضرر.
وأما فتح العروق فإنه لا يمنع منه لا الراهن ولا المرتهن إذا حكم الثقات من
94

أهل الصنعة أنه لا يخاف عليه، منه فإنه إن لم يفصد خيف عليه التلف أو علة
مخوفة، فأما إذا قيل: إن ذلك ينفع وربما ضر وخيف منه التلف، فللمرتهن منعه.
وإن كان به سلعة أو إصبع زائدة لم يكن للراهن قطعها لأن تركها لا يضر
وقطعها يخاف منه، وإن كانت قطعة من لحمة ميتة يخاف من تركها ولا يخاف
من قطعها قطعت، وليس لأحدهما منعه.
وإن عرض للدواب ما يحتاج إلى علاج البياطرة من توديج وتبزيغ
وتعريب وأشار بذلك البياطرة، فعل ولم يكن لأحدهما منعه.
والتعريب: أن يشرط أشاعر الدابة شرطا خفيفا لا يضر بالعصب بعلاج،
والأشاعر فوق الحافر، يقال: عرب فرسه، إذا فعل ذلك به.
وإذا رهن نخلا فاطلعت فأراد الراهن تأبيرها لم يكن للمرتهن منعه، لأن في
ذلك مصلحة لماله، ولا مضرة على المرتهن، وما يحصل من النخل من الليف
والكرب والسعف اليابس والعرجون فهو للراهن لا يتعلق به حق المرتهن لأن
الرهن لم يتناوله.
وإذا رهن رجلان عبدا عند رجل بمائة درهم له عليهما صح الرهن، لأن
الرهن المشترك جائز لأنه تابع للملك، فإذا رهناه وسلماه إلى المرتهن كان
ذلك بمنزلة عقدين فإذا انفك أحدهما نصيبه انفك الرهن في نصيبه، وليس له
أن يطالب المرتهن بالقسمة بل المطالبة بالقسمة إلى الشريك المالك، فإن قاسمه
المرتهن بإذن الراهن الآخر صحت قسمته، وإن قاسمه بغير إذنه لم تصح القسمة،
هذا إذا كان مما لا يمكن القسمة فيه إلا برضا الشريك مثل الدور والعقار
والأرضين والحيوان.
فأما إذا كان مما يمكن قسمته وإن لم يحضر من المكيل والموزون فإنه يجوز
للمرتهن أن يقاسمه ويسلم إليه نصيبه وليس للشريك الراهن الاعتراض عليه فإنه
لا تفاوت في ذلك ولا اعتبار للرضا فيه، والأحوط أن نقول: لا يجوز قسمته إلا
برضاه في كل شئ.
95

وإذا كان الراهن واحدا والمرتهن اثنين صح الرهن وكان بمنزلة العقدين،
وكان نصف العبد رهنا عند أحدهما بحصة من الدين والنصف الآخر رهنا عند
الآخر بحصته من الدين، وإذا قضى أحدهما ما عليه أو أبرأه هو منه خرج نصفه من
الرهن وكان له مطالبته بالقسمة إذا كان الرهن مما ينقسم وكانت المقاسمة هاهنا
بين المالك والمرتهن.
ولا يجوز أن يأذن رجل لرجل في أن يرهن عبده إلا بشئ معلوم وإلى أجل
معلوم.
ولو رهن عند رجلين وأقر لكل واحد منهما بقبضه كله بالرهن، وادعى كل
واحد منهما أن رهنه وقبضه كان قبل صاحبه - وليس الرهن في يد واحد منهما -
فصدق الراهن أحدهما، فالقول قول الراهن ولا يمين عليه إذا لم يكن مع أحدهما
بينة، وإن كان مع أحدهما البينة حكم لها بها، فإن كان معهما بينتان متساويتان
استعمل القرعة بينهما.
وإن أقر لأحدهما بالسبق فلا يخلو من: أن يكون الرهن في يد عدل أجنبي أو
في يد المرتهن المقر له أو في يد الآخر أو في أيديهما جميعا.
فإن كان في يد العدل فإنه يسلم إلى المقر له، لأنه انفرد بمزية الإقرار فوجب
تقديم دعواه على دعوى صاحبه ولا يحلف، وقيل: إنه يحلف الآخر فإن نكل عن
اليمين كان عليه قيمة الرهن للآخر وردت اليمين على المدعي وحلف.
وإن كان الرهن في يد المقر له كان أولى به من الآخر لمزية الإقرار.
وإن كان في يد الآخر كان المقر له به أولى للإقرار، وقيل: إن صاحب اليد
أولى، والأول أصح.
وإن كان في أيديهما معا فإن نصفه في يد المقر له فقد اجتمع له فيه يد
وإقرار فهو أحق به، وفي النصف الآخر: له إقرار ولصاحبه يد، وقد ذكرنا أنه قيل
فيه قولان، والإقرار مقدم على اليد.
وإذا رهن أرضا وفيها بناء أو شجر، لا يدخل البناء والشجر في الرهن، وقيل:
96

إنه يدخل فيه، هذا إذا لم يقل فيه: إن الأرض بحقوقها، فإن قال: بحقوقها، دخل
البناء والشجر فيه.
وإذا رهن شجرا وبين الشجر أرض فإنها لا تدخل في الرهن كما لا تدخل في
البيع لأن الاسم لا يتناولها، ولا يدخل فيه قرار الأرض، وقيل في دخوله في البيع
وجهان.
وإذا رهن نخلا مؤبرة لم تدخل الثمرة في الرهن إلا إذا شرط ذلك وإن
كانت غير مؤبرة ثم أبرت فالظاهر أنها لا تدخل في الرهن لأن الاسم لا يتناولها،
وقيل: إنها تدخل كما تدخل في البيع.
وإذا رهن غنما وعليها صوف لم يدخل الصوف في الرهن وله جزه
والتصرف فيه وقيل: إنه يدخل كما يدخل في البيع، والأولى أن لا يدخل لأن
الاسم لم يتناوله.
وإذا رهن الأصل مع الثمرة صح رهنهما، سواء كانت الثمرة مؤبرة أو غير
مؤبرة بدا منها الصلاح أو لم يبد، فإن كان رهنهما بدين حال صح العقد وبيعا
جميعا واستوفي الثمن، وإن كان بدين إلى أجل يحل مع إدراكها أو قبل إدراكها
صح أيضا، فإن كان يحل بعد إدراكها ولا يبقى إليه الرطب فإن كان مما يصير
تمرا صح الرهن وأجبر الراهن على تجفيفه والتزام المؤونة عليه لأن ذلك يتعلق به
بقاء الرهن، وإن كان مما لا يصير تمرا فقد قيل فيه قولان:
أحدهما: لا يصح الرهن كما لا يصح رهن البقول وما يسرع إليه التلف.
والآخر: أنه يصح الرهن وتكون الثمرة تابعة لأصولها في صحة الرهن.
ومن قال: يبطل الرهن في الثمرة، يقول: يبطل في الأصول، إذا لم يقل
بتفريق الصفقة، ومن قال بتفريق الصفقة - وهو الصحيح - فإنه لا يبطل الرهن في
الأصل، والحكم في سائر الحبوب والثمار كما ذكرناه في الرطب سواء لا فرق
بين الجميع.
وإذا رهن ثمرة تخرج بطنا بعد بطن مثل التين والباذنجان والبطيخ والقثاء
97

وما أشبه ذلك فإن كان بحق حال جاز، وإن كان بحق مؤجل يحل قبل
حدوث البطن الثاني أو يحل بعد حدوثه أو معه وهو متميز عنه جاز الرهن.
وإن كان لا يحل حتى يحدث الحمل الثاني ويختلط بالأول اختلاطا لا يتميز
عنه فالرهن باطل إلا أن يشترطا قطعه إذا حدث البطن الثاني، لأنه لا يتميز عند
محل الحق عما ليس برهن ولا يجوز رهن المجهول، وكذلك الزروع التي
تختلف لا يجوز أن يرهن النابت إلا بشرط القطع لأنه تحصل فيه زيادة لم تدخل
في الرهن فتختلط بالرهن.
وإذا كان المحل يتقدم على حدوث البطن الثاني فالرهن صحيح، فإن حل
الدين فتوانيا في بيعها حتى حدث البطن الثاني فقد قيل: إنه يفسد الرهن لأنه صار
مجهولا، والصحيح أنه لا يفسد لأن الرهن وقع صحيحا ولا دليل على بطلانه،
والاختلاط الذي حدث بعده يمكن فصل الحكم فيه بما نبينه وهو أن يقال
للراهن: اسمح له بما اختلط به، فإن سمح به كان الجميع رهنا فإذا حل الدين
بيع الجميع في الدين، وإن لم يسمح له فلا يخلو: أن يكون الرهن في يد المرتهن
أو الراهن، وعلى الوجهين القول قول الراهن مع يمينه في مقدار ما كان رهنا،
وقيل: القول قول المرتهن، والأول أصح، فإن امتنع رد اليمين على المرتهن
وحكم له فإن أبي أصلح بينهما.
وإذا رهن ثمرة فعلى الراهن سقيها وما فيه صلاحها وجذاذها وتشميسها لقول
النبي صلى الله عليه وآله: لا تغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه له غنمه
وعليه غرمه.
وأما إذا أراد الراهن أو المرتهن أن يقطع شيئا من الثمرة قبل محل الحق فلا
يخلو من أحد أمرين: إما أن يكون بعد إدراكها وبلوغها أوان جذاذها، وإما أن
يكون قبل إدراكها، فإن كان بعد إدراكها وبلوغها وكان في قطعها مصلحة له
وتركها مضرة أجبر الممتنع على القطع لأن فيه صلاحا لهما جميعا، وإن كان
قبل إدراكها، نظر: فإن كان للتخفيف عن الأصول أو الازدحام بعضها على
98

بعض فكان في قطع بعضها مصلحة للثمرة فإنه إذا قطع منها كان أقوى لثمرتها
وأزكى لها، فإذا كان كذلك قطع منها وأجبر الممتنع.
وإن كان لا مصلحة في قطعها فإنه يمتنع من قطعها ولم يجبر الممتنع عليه،
فإن اتفقا جميعا على قطعها أو قطع بعضها كان لهما لأن الحق لهما، وإذا رضيا
بذلك لم يمنعا، وما يلزم القطع من المؤونة فعلى الراهن فإن لم يكن حاضرا أخذ
من ماله الحاكم وأنفق عليه، فإن لم يكن له مال غيره أخذ من الثمرة بقدر الأجرة،
فإن قال المرتهن: أنا أنفق عليه على أني أرجع بها في مال الراهن، أذن له الحاكم
في ذلك، وإن قال: أنفق في ذلك على أن تكون الثمرة رهنا بها مع الدين الذي
عنده، جاز أيضا، ومن الناس من منع منه، وهو الأحوط.
ومتى اكترى المرتهن من ماله بغير إذن الحاكم، فإن كان الحاكم مقدورا
عليه لم يرجع على الراهن لأنه متطوع به، وإن لم يكن مقدورا عليه فإن أشهد عليه
عدلين أنه يكريه ليرجع به عليه فيه قولان، وإن لم يشهد لم يكن له الرجوع.
ولا يجوز أن يرهن منافع الدار سنة بدين يحل إلى سنة ولا بدين حال، فأما
الدين المؤجل فلأنه لا ينتفع به في محل الدين فإن المنافع تتلف بمضي الزمان،
والدين الحال لا يجوز أيضا لأن المقصود الوثيقة، ولا تحصل الوثيقة بها لأنها
تتلف بمضي الزمان.
وإن رهن أرضا إلى مدة على أنه إن لم يقضه فيها فهي مبيعة بعد المدة بالدين
الذي له عليه، فإن البيع فاسد لأنه بيع متعلق بوقت مستقبل، وهذا لا يجوز،
والرهن فاسد لأنه رهن إلى مدة ثم جعله بيعا، والرهن إذا كان مؤقتا لم يصح
وكان فاسدا، ويكون غير مضمون عليه إلى وقت البيع لأنه رهن فاسد، والفاسد
كالصحيح في سقوط الضمان.
وأما من وقت البيع، فإنه مضمون لأنه في يده بيع فاسد، والبيع الفاسد
والصحيح يكون مضمونا عليه.
وإن كان الرهن أرضا فغرس المرتهن فيها غرسا نظر: فإن غرس في مدة
99

الرهن أمر بقلعه لأنه غير مأذون له فيه، وإن غرس في مدة البيع فإن غرسه بإذن
الراهن - لأنه ملكه بعد انقضاء الأجل فأذن له في التصرف - فهو مأذون له فيه
وإن كان البيع فاسدا.
فعلى هذا إن أراد المرتهن قلعه ونقله كان له لأنه عين ماله، وإن امتنع من
قلعه كان الراهن بالخيار بين أن يقره في أرضه فتكون الأرض للراهن والغراس
للمرتهن، وبين أن يعطيه ثمن الغراس فيكون الجميع للراهن، وبين أن يطالبه بقلعه
على أن يضمن له ما نقص من الغراس بالقلع، وكذلك البناء مثل الغراس
لا فرق بينهما.
والشرط المقترن بعقد الرهن على ضربين: شرط موافق لمقتضى العقد،
وشرط مخالف لمقتضاه.
فالأول: أن يشرط أن يسلم الرهن إليه أو يبيعه عند محل الدين أو تكون
منافعه للراهن، فإن هذا كله جائز لأنه شرط يقتضيه مطلق الرهن وذكره تأكيد.
وإن كان الشرط مخالف لمقتضاه مثل أن يشرط ألا يسلم الرهن إليه، أو
لا يبيعه في محله، أو يبيعه بعده بشهر، أو لا يبيعه إلا بما يرضاه الراهن أو بما يرضاه
رجل آخر ويكون نماؤه رهنا معه، وما أشبه ذلك، فهذه كلها شروط فاسدة لأنها
مخالفة لمقتضى عقد الرهن، وما كان كذلك فهو مخالف للشرع وكان فاسدا
فهل يفسد الرهن أم لا؟ نظر فيه:
فكل شرط ينقص من حق المرتهن فإنه يفسد الرهن، وما يزيد في حقه قيل
فيه وجهان أحدهما يفسد لأنه شرط فاسد، والآخر لا يفسد الرهن ويكون تاما،
ويقوى في نفسي أن في الأحوال كلها يفسد الشرط ويصح الرهن، وإنما قلنا ذلك
لأنه لا دليل على فساد الرهن لفساد شرطه، وإذا قلنا: لا يبطل الرهن، فإنه لا يبطل
البيع الذي اقترن به الرهن بلا شك، ومن قال: يبطل الرهن، فله في بطلان البيع
قولان.
إذا كان لرجل على غيره ألف درهم قرضا فقال من عليه الألف للذي له
100

الألف: أقرضني ألفا آخر على أن أرهنك به وبالألف الذي لك عندي بلا رهن
هذه الدار، فأقرضه، كان جائزا لأنه لا مانع منه.
إذا كانت المسألة بحالها إلا أن من عليه الألف قال للذي له الألف: بعني
عبدك هذا بألف على أن أرهنك داري هذه بهذه الألف وبالألف الذي لك
على داري هذه، فباعه، صح البيع.
إذا أقرضه ألف درهم على أن يرهنه بألف داره وتكون منفعة الدار للمرتهن
لم يصح القرض، لأنه قرضا يجر منفعة، ولا يصح الرهن لأنه تابع له، ولا خلاف
فيه أيضا.
وإذا شرط المرتهن لنفسه شرطا فلا يخلو من: أن يشترط نماء الرهن ومنفعته
لنفسه أو يشترط أن يكون نماؤه داخلا في الرهن، فإن شرط لنفسه فلا يخلو من
أحد أمرين: إما أن يكون ذلك في دين مستقر في ذمته أو في دين مستأنف.
فإن كان في دين مستقر في ذمته فرهنه به رهنا وشرط له نماءه فإن الشرط
باطل والرهن لا يبطل على ما بيناه، وقيل: إنه يبطل.
وإن كان في دين مستأنف فلا يخلو من أحد أمرين: إما أن يكون في قرض
أو في بيع.
فإن كان في قرض مثل أن يقول: أقرضتك هذه الألف على أن ترهن
دارك به وتكون منفعتها لي أو دابتك ويكون نتاجها لي، فهذا قرض جر منفعة
لا تجوز، ويكون القرض باطلا والرهن صحيحا.
وإن كان في بيع فلا يخلو: أن تكون المنافع معلومة أو مجهولة.
فإن كانت معلومة مثل أن يقول: بعتك هذا العبد بألف على أن ترهن
دارك به وتكون منفعتها لي سنة، فهذا بيع وإجارة، فيصحان لأنه لا دليل على
بطلانهما، وقيل: إنهما يبطلان، فإذا قلنا بصحتهما فتكون منافع الدار للمرتهن سنة
فيصير كأنه اشترى عبدا بألف ومنافع الدار سنة.
وإن كانت المنافع مجهولة لم يصح البيع لأن الثمن مجهول، وإذا بطل
101

البيع بطل الرهن لأنه فرعه، هذا إذا شرط منفعة الرهن للمرتهن.
فأما إذا شرط أن يدخل نماء الرهن في الرهن فإن كان ذلك في دين مستقر
في ذمته بطل الشرط ولم يدخل في الرهن، وفي الناس من أجازه لأنه تابع
لأصله، وإذا فسد الشرط فلا يبطل الرهن على ما مضى، وقيل: إنه يبطل.
إذا رهن نخلا على أن ما أثمرت يكون رهنا مع النخل أو رهن ماشيته على أن
ما نتجت يكون النتاج داخلا في الرهن فالشرط باطل، وقيل: إنه يصح ويدخل
في الرهن، وهو الأقوى، ومن قال: يبطل الشرط، له في فساد الرهن قولان، وإذا
قلنا: الشرط باطل، فالرهن لا يبطل لأنه لا دليل عليه، وإذا لم يبطل الرهن لا يبطل
البيع، فإن كان البيع صحيحا ثبت له الخيار لأنه لا يسلم له ما شرط له من الرهن.
إذا قال: رهنتك هذا الحق بما فيه، لم يصح الرهن فيما فيه للجهل به،
ويصح في الحق، كما نقول في تفريق الصفقة، وإن قال: رهنتك الحق دون ما
فيه، صح بلا خلاف، وإذا قال: رهنتك هذا الحق، صح الرهن فيه أيضا، فتكون
ثلاث مسائل، تصح اثنتان وتبطل واحدة على الخلاف.
والقول في الخريطة والجراب مثل القول في الحق سواء.
الرهن أمانة وليس بمضمون عليه، فإذا شرط أن يكون مضمونا على المرتهن
لم يصح الشرط ويكون فاسدا، ويصح الرهن ولا يفسد.
ومتى تلف الرهن كان للمرتهن أن يرجع على الراهن بدينه، سواء كان دينه
أكثر من قيمة الرهن أو أقل منه لأنه أمانة، وعليه إجماع الفرقة، وسواء كان هلاكه
بأمر ظاهر مثل الغرق والحرق والنهب أو أمر خفي مثل التلصص والسرقة
والخفية أو الضياع فإن اتهم المرتهن كان القول قوله مع يمينه إذا عدمت البينة
على بطلان قوله، ومتى فرط في حفظه أو استعمله كان ضامنا.
وإذا قضى الراهن دين المرتهن ثم طالبه برد الرهن عليه فأخره ثم تلف، فإن
كان تأخيره لغير عذر كان عليه الضمان، وإن كان تأخيره لعذر بأن لا يتمكن من
إعطائه في الحال لأجل الموانع من دار معلق أو طريق مخوف أو تضيق وقت
102

صلاة فريضة أو من جوع شديد يخاف على نفسه، فإذا أخره لهذه الأعذار وما
أشبهها ثم تلف فلا ضمان عليه.
وإذا ادعى أنه رده على الراهن لم يقبل قوله إلا ببينة، وكذلك المستأجر إذا
ادعى رد العين المستأجرة على صاحبها لم يقبل قوله إلا ببينة، ويخالف الوديعة
لأن المودع متى ادعى أنه رد الوديعة على صاحبها يقبل قوله مع يمينه لأنه أخذها
لمنفعة المودع، والوكيل إذا ادعى رده على الموكل فإن لم يكن له فيه جعل فهو
بمنزلة المودع، وإن كان له جعل أو كان العامل في القراض إذا ادعى ذلك
الرد، وكذلك الأجير المشترك لا يقبل قوله إلا ببينة.
إذا كاتب عبده على مال على نجمين وأخذ به رهنا صح الرهن لقوله تعالى:
" فرهان مقبوضة "، ولم يفصل.
إذا أسلم إلى رجل في طعام وأخذ بالطعام الذي في ذمة المسلم إليه رهنا
صح، فإن تقايلا وفسخا عقد السلم سقط الطعام، عنه، وبرئت ذمته منه، وانفك
الرهن لأنه تابع للدين، فإذا سقط بطل الرهن.
إذا كان الطعام قرضا في ذمته أو كان في ذمته ألف درهم قرضا وفي يده
رهن به فابتاع بما في ذمته جنسا غيره وعينه، صح وسقط ما في ذمته وانفك
الرهن، وإن تلف في يده قبل التسليم إليه عاد القرض إلى ذمته وعاد الرهن كما
كان، وكذلك إذا قبضه ثم تقايلا عاد القرض إلى ذمته كما كان وعاد الرهن كما
يقول في العصير المرهون إذا صار خمرا ثم صار خلا: إن ملك صاحبه يعود،
فيعود حق الوثيقة للمرتهن.
إذا باع العدل الرهن بإذن المرتهن والراهن وسلم ثمنه إلى المرتهن ثم وجد
المشتري بالرهن عيبا فأراد رده، لم يكن له رده على المرتهن ولم يكن له مطالبته
بالثمن الذي قبضه لأن المرتهن ملكه بتصرف حادث بعد البيع، كما أن من باع
ثوبا بعبد وقبض العبد وباعه ثم وجد المشتري بالثوب عيبا كان له رده على
البائع، ولم يكن له مطالبة المشتري بالعبد الذي ملكه بالشراء من البائع،
103

وكذلك إذا رهنه أو أعتقه.
فإذا ثبت ذلك نظر في العدل: فإن كان قد بين في حال البيع أن المبيع
للراهن وأنه فيه وكيل، لم يتعلق به من أحكامه شئ ولم يكن للمشتري رده عليه
ومطالبته بالثمن وكانت الخصومة بينه وبين الموكل في البيع وهو الراهن، وينظر
فيه: فإن صدقه على أن العيب كان في يده رده عليه ولزمه مثل الثمن الذي قبضه
منه وكيله.
وإن لم يبين العدل حين باعه أنه وكيله تعلق حكم العقد به في حق
المشتري، فإن أقر هو والراهن بأن العيب كان قبل قبض المشتري، رده على
العدل ورجع عليه بالثمن ورجع العدل على الراهن، وإن لم يقر بذلك وكان
للمشتري بينة فهو كذلك، وإن لم يكن له بينة كان القول قول العدل مع يمينه،
فإن نكل عن اليمين ردت على المشتري، فإن حلف رد المبيع على العدل
واسترجع منه مثل الثمن الذي دفعه، ولا يرجع العدل هاهنا على الراهن لأنه مقر
بأن العيب حادث في يد المشتري وأنه لا يستحق الرد، وأنه ظالم بما يرجع إليه
من الثمن فلم يجز أن يرجع بالظلم إلا على الظالم.
وأما إذا استحق الرهن من يد المشتري وجب على المشتري رده على
مستحقه وكان له الرجوع على المرتهن بما قبضه من الثمن لأن ذلك عين ماله لم
يملكه الراهن ولا المرتهن لأن البيع وقع فاسدا في الأصل، وإن كان الرهن قد
تلف في يد المشتري كان للمستحق أن يرجع بقيمته على من شاء من المشتري
أو الراهن أو العدل.
أما المشتري فلأنه قبض ماله بغير إذنه، وكذلك العدل.
وأما الراهن فلأنه غاصب، ويستقر الضمان على المشتري لأنه تلف في يده
ويرجع هو بما دفع من الثمن على المرتهن إن كان باقيا في يده، وإن شاء رجع
على العدل، وإن كان قد مات وخلف تركة ووارثا وعليه دين يستغرق جميع
التركة فرهن الوارث بعض التركة أو باعه، قيل فيه وجهان:
104

أحدهما: لا يصح تصرفه لتعلق الضمان بالتركة.
والثاني: يصح، لأن تعلق الدين بالتركة من غير عقد وتعلق الدين بالرهن
بعقد، فكان الرهن آكد.
105

تبصرة المتعلمين
الفصل الثاني: في الرهن:
ولا بد فيه من الإيجاب والقبول من أهله، وفي اشتراط الإقباض إشكال.
ويشترط فيه أن يكون عينا مملوكا يمكن قبضه ويصح بيعه، على حق ثابت
في الذمة عينا كان أو منفعة، ويقف رهن غير المملوك على الإجازة، ولو ضمنها
لزم في ملكه، ويلزم من جهة الراهن.
ورهن الحامل ليس رهنا للحمل وإن تجدد، وفوائد الرهن للراهن، ورهن
أحد الدينين ليس رهنا على الآخر، ولو استدان آخر وجعل الرهن على الأول رهنا
عليهما صح، وللولي الرهن مع مصلحة المولى عليه.
وكل من الراهن والمرتهن ممنوع من التصرف بغير إذن صاحبه، ولو شرط
وكالة المرتهن لم ينعزل ما دام حيا، ولو وصي إليه لزم، والرهانة موروثة.
والمرتهن أمين لا يضمن بدون التعدي، فيضمن به مثله إن كان مثليا وإلا
قيمته يوم القبض، والقول قوله مع يمينه - في قيمته - وعدم بينة التفريط لا قدر
الدين، وهو أحق به من باقي الغرماء، ولو فضل من الدين شئ شارك في
الفاضل، ولو فضل من الرهن وله دين بغير رهن تساوى الغرماء فيه.
ولو تصرف المسترهن بدون إذن ضمن وعليه الأجرة، ولو أذن الراهن في
البيع قبل الأجل فباع لم يتصرف في الثمن إلا بعده، ولو خاف جحود الوارث
107

ولا بينة جاز أن يستوفي من الرهن من تحت يده، والقول قول المالك مع ادعاء
الوداعة وادعاء الآخر الرهن.
108

إرشاد الأذهان
المقصد الثاني: في الرهن:
وفيه مطلبان:
الأول:
عقد الرهن الإيجاب: كرهنت أو هو وثيقة عندك وشبهه، والقبول: كقبلت،
وتكفي الإشارة الدالة على الرضا مع العجز عن النطق، ولا يفتقر إلى القبض على
رأي، وهو لازم من طرف الرهن خاصة.
ويشترط كونه عينا مملوكة يمكن قبضه ويصح بيعه فلا ينعقد رهن الدين،
ولا المنفعة، ولا ما لا يصح تملكه وإن وضع المسلم الخمر على يد ذمي، ولا
الطير في الهواء ولا الوقت.
ورهن المدبر إبطال لتدبيره، ويمضي رهن ملكه لو ضمه إلى ملك غيره،
ويقف الآخر على الإجازة، ويصح رهن المسلم والمصحف عند الذمي إذا وضعا
على يد مسلم، والمرتد وإن كان عن فطرة، والجاني عمدا وخطأ، وإنما يصح على
دين ثابت في الذمة، لا على ما لم يثبت وإن وجد سببه، كالدية قبل استقرار
الجناية، ويصح على مال الكتابة، فإن فسخ المشروطة للعجز بطل.
ولا ينعقد على ما لا يمكن استيفاؤه منه، كالإجارة المتعلقة بعين المؤجر
كخدمته، ويصح في العمل المطلق، وأن يجعل الرهن على دين رهنا على آخر.
109

ويشترط في المتعاقدين جواز التصرف، ولولي الطفل الرهن وقبوله مع
المصلحة دون إسلاف ماله أو إقراضه إلا مع الغبطة والحاجة فيأخذ الرهن، ولو
تعذر أقرض من الثقة.
ويجوز للمرتهن اشتراط الوكالة له ولغيره ويلزم، ووضع الرهن على يد
أجنبي، فلو مات بطلت الوكالة دون الرهن، ولو مات المرتهن لم تنتقل الوكالة
إلى وارثه إلا مع الشرط، ويسلمه العدل إليهما أو إلى من يتفقان عليه، ولو غابا
سلمه إلى الحاكم مع الحاجة لا بدونها، ولو دفعه مع الحاجة إلى غير الحاكم من
دون إذنهما أو إذن الحاكم مع القدرة عليه ضمن، ولو وضعاه على يد عدلين لم
ينفرد به أحدهما.
المطلب الثاني: في الأحكام:
يقدم استيفاء دين المرتهن منه، وإن كان المديون ميتا وقصرت أمواله، فإن
فضل شئ صرف في الديون - ودين المرتهن على غير الرهن كغيره - ولو أعوز
ضرب مع الغرماء بالباقي.
والمرتهن أمين لا يضمن إلا بالتعدي، ولا يسقط بتلفه شئ من الحق، ولو
تصرف ضمن العين إن تلفت بالمثل في المثلي، والقيمة يوم التلف في غيره
والأجرة، وله المقاصة لو أنفق، وللمرتهن الاستيفاء لو خاف الجحود من غير إذن
من الراهن ووارثه.
ولو ظهر للمشتري من المرتهن أو وكيله عيب رجع على الراهن، ولو كان
الرهن مستحقا رجع المالك على المرتهن القابض، والراهن والمرتهن ممنوعان
من التصرف في الرهن، ولو أذن أحدهما للآخر صح، وإلا وقف على الإجازة، إلا
أن يعتق المرتهن.
ولو باع الراهن فطلب المرتهن الشفعة، ففي كونه إجازة للبيع نظر.
ولو أحبلها الراهن فهي أم ولد ولا يبطل الرهن، وفي جواز بيعها قولان، فلو
110

أذن المرتهن في البيع فباع بطل الرهن ولم تجب رهنية الثمن، ولو أذن الراهن في
البيع قبل الأجل لم يجز للمرتهن التصرف في الثمن إلا بعده، وإذا حل الأجل
باع المرتهن إن كان وكيلا وإلا الحاكم.
ويبطل الرهن بالإقباض والإبراء وإسقاط حق الرهانة، ولو شرط إن لم يؤد
في المدة كان مبيعا بعدها بطل وضمن بعد المدة لا فيها، ولو رهن المغصوب
عند الغاصب صح ولم يزل الضمان.
وفوائد الرهن للراهن، ولا يدخل الحمل في الرهن وإن تجدد على رأي.
وإذا قضى دين الرهن لم يجز إمساكه على الآخر، ولو رهن غير المملوك
بإذن مالكه صح وضمن قيمته، ولو بيع بأزيد طالبه المالك بالزيادة، ولو غرس
الراهن أجبر على الإزالة، ولو رهن ما يمتزج بغيره كاللقطة من الخيار صح وكان
شريكا إن لم يتميز.
وحق الجنابة مقدم، فإن افتك المولى في الخطأ بقي رهنا، وإن سلمه كان
فاضل الأرش رهنا، ولو استوعب بطل الرهن، ولو جنى على مولاه عمدا اقتص
منه وبقى رهنا، ولو كانت خطأ لم يخرج عن الرهن، ولو كانت نفسا قتل في
العمد، ولو جنى على من يرثه المولى اقتص منه في العمد وافتك في الخطأ، وقيمة
الرهن المأخوذة من المتلف والأرش رهنان.
ولو صار العصير خمرا أخرج عن الرهن، ولو عاد خلا عاد، ولو زرع
المرتهن الحب فالزرع للراهن رهن، والرهانة موروثة دون الوكالة والاستئمان،
والقول قول المرتهن في عدم التفريط، وفي القيمة معه، وفي ادعاء تقدم رجوعه في
إذن البيع للراهن عليه، وقول الراهن في قدر الدين، وفي ادعاء الإيداع لو ادعى
الآخر الرهن، وفي تعيين القضاء لأحد الدينين، وفي عدم الرد.
ولو قال: رهنتك العبد، فقال: بل الأمة تحالفا وخرجا عن الرهن.
111

تلخيص المرام
كتاب الرهن
الثاني:
لا بد في الرهن من إيجاب وقبول - ويكفي الإشارة مع العجز - وقبض على
رأي بإذن الراهن، فلو رجع أو جن أو مات قبل القبض فلا رهن، ولا يشترط
استدامة القبض، ويكفي القبض الباقي إلى حين الرهن، ويصح وإن كان غصبا أو
بيعا فاسدا ولم يزل الضمان إلا بالإسقاط، ولا يقبل رجوع الراهن عن الإقرار
بالقبض، ولو ادعى المواطاة فله الإحلاف.
ولا يصح رهن الدين ولا المنفعة، ورهن المدبر إبطال له على رأي، ولا
مالا يملك، ويقف على الإجازة، ولو جمع مع ملكه مضى فيه ووقف الباقي على
الإجازة، ولو رهن الذمي خمرا عند مسلم على يد ذمي لم يصح على رأي، ولا مالا
يصح إقباضه ولا الوقف.
ويصح رهن المسلم والمصحف عند الكافر إذا وضع على يد مسلم، وأم
الولد، والرهن في زمن الخيار، ورهن المرتد مطلقا، والجاني مطلقا على رأي،
ورهن ما يفسد قبل الأجل مع شرط البيع وإلا بطل، وهو لازم من جهة الراهن.
ويشترط في الحق الثبوت، وفي الراهن والمرتهن العقل وجواز التصرف،
ولا يصح الرهن على ما لا يمكن استيفاؤه منه، كالرهن على الإجارة المتعلقة بعين
المؤجر كخدمته، ويجوز لولي الطفل رهن ماله وأخذ الرهن له مع الغبطة،
113

وإقراض ماله وإسلافه معها، واشتراط الوكالة له أو لغيره في العقد يلزم، ويبطل
بالموت دون الرهانة، ولا ينتقل إلى وارث المرتهن إلا بالشرط.
ويجوز اشتراط وضع الرهن على يد عدل أو عدلين ولا ينفرد أحدهما،
ورهانة الرهن على حق آخر، والرهن على مال الكتابة للثبوت على رأي، ويبطل
عند فسخ المشروطة، ورهن المشاع ويسلمه الحاكم مع تشاح الشريك
والمرتهن إلى ثقة فإن كان له أجرة آجره، ورهن لقطة مما يلقط وإن اختلط بالثانية،
ولو لم يعلم الورثة الرهن فهو تركة.
والمرتهن أحق بالرهن، ولو أعوز شارك في الحياة والموت، ولا يضمن
المرتهن قيمة الرهن يوم التلف على رأي، إلا بالتفريط، والقول قوله في ضياع
الرهن مطلقا على رأي، والقيمة وقدر الرهن التالف في التفريط على رأي، وقول
الراهن في قدر الدين وفي رد الرهن، ويضمن العين والأجرة لو تصرف، ويقاصه
لو اتفق، وللمرتهن استيفاء دينه منه إن خاف جحود الوارث مع عدم البينة، ولو
وطئ الرهن لزمه العشر أو نصف العشر إلا مع المطاوعة، ولو باع وظهر عيب
فالرجوع على الراهن، أما مع الاستحقاق فالرجوع عليه وللراهن المنع من
تسليمه إلى وارث المرتهن، ويسلمه الحاكم إلى من يرتضيه، ويرد العدل إليهما أو
إلى من يرتضيانه، ويضمن مع الخلاف، ولو غابا أو أحدهما سلمه إلى الحاكم إن
كان هناك عذر وإلا ضمن، ولو خان العدل نقله الحاكم إلى غيره مع
اختلافهما.
والراهن والمرتهن ممنوعان من التصرف، فلو تصرف أحدهما وقف على
الإجازة، إلا إذا أعتق المرتهن، وللراهن تزويج العبد والأمة، وليس له تسليم الأمة
إلى الزوج، ولا يبطل رهن الجارية بحملها بعده من الراهن، وإن كانت أم ولد
وكان الأب موسرا على رأي، وفي بيعها مع وجود الولد خلاف.
ولو أذن المرتهن في البيع بطل الرهن، ولا يلزم رهينة الثمن، ولو أذن الراهن
قبل الأجل لم يتصرف المرتهن في الثمن إلا بعد الحلول، ولو لم يوكل المرتهن
114

لم يبع إلا الحاكم، ولو شرط أن يكون مبيعا، إن لم يؤد في شهر مثلا لم يصح،
ولو تلف في مدة الشهر فلا ضمان وبعده يضمن، والفرق تعلق الضمان بفاسد
البيع دون الرهن، فإن غرس أو بنى في مدة الشهر أمر بالإزالة من غير ضمان،
ولو كان بعده فللراهن القلع لكن بعد ضمان النقيصة والفرق الإذن في الثاني
لا الأول.
ونماء الرهن لصاحبه، ولو كان بعد الارتهان وكان منفصلا لم يدخل على
رأي، وكذا ما ينبت في الأرض بعد رهنها من الشجر، وفي إجبار الراهن على
الإزالة خلاف، ولو باع الرهن فاستثناه المشتري ثم فسخ المرتهن، فالوجه عدم
الرجوع بالنماء.
ورهن الدين مختص به، وجناية المرهون متقدمة ولو كانت خطأ، ويبقى
رهنا لو افتكه مولاه، ولو جنى على مولاه اقتص منه ولا يبطل رهنه إن كانت دون
النفس، وفي الخطأ يبقى رهنا، ولو كانت الجناية على مورثه اقتص منه في العمد
وافتك في الخطأ، والفرق عدم استحقاق المولى على عبده شيئا، والفرق مع
الأجنبي استحقاق المورث دون الأجنبي وفيه نظر، ولو جنى أحد العبدين
المرهونين عند اثنين اقتص المولى أو عفا على مال، بخلاف ما إذا كان المجني
عليه طلقا.
وقيمة المتلف على المتلف وأرشه رهن وإن كان المرتهن، لكن لا يكون
وكيلا في القيمة والأرش لو كان في الأصل، ولو قال: قد أبرأت من الأرش لم
يصح، والأولى عدم تعلق الرهن حينئذ.
ورهينة البيضة والحبة باقيتان بعد الاستفراخ والزرع، ويبطل رهن العصير
لو صار خمرا، ولو صار خلا عاد ملك الراهن والرهن، ولو رهن اثنان عبدا بدين
عليهما وأدى أحدهما نصيبه صارت حصته طلقا، إلا أن يجعلها رهنا على كل
الدين.
والرهانة موروثة، وللراهن أن يستأمن غير الوارث، ولو ادعى أحدهما
115

الإيداع والآخر الارتهان فالقول قول المالك على رأي، ولو اختلفا في تعيين
المرهون تحالفا وسقطا، والقول قول قاضي الدين إذا ادعى قضاء ما عليه الرهن من
جملة الدينين.
ويباع الرهن بالنقد الغالب، ولو تعدد بيع بمشابه الحق، ولو قال بعد
البيع المأذون فيه: رجعت في إذن البيع قبله، وقال المرتهن: بعده، فالقول قوله،
وإذا أذن لغيره في رهن ماله صح، وليس له الرجوع بعد الرهن، وهل له المطالبة
بافتكاكه بعد حلول الدين؟ فيه نظر، ولو بيع في الرهن رجع بما بيع به إن
ساوى القيمة أو كان أكثر وإلا بها، ولو مات أو جنى فملك رجع صاحبه على
الراهن بالقيمة.
ولا يتعدى المأذون لو عين المالك قدر الدين وصفته من الحلول والتأجيل،
ولو باعه شيئا وشرط أن يكون في يد البائع رهنا، قيل: بطلا، وكذا لو شرط
البائع تسليمه إلى المشتري ثم يرده إلى يده رهنا بالثمن، ولو ادعى اثنان رهينة
شئ وصدق الراهن أحدهما ثبت رهنه، سواء كان في يدهما أو يد أحدهما أو يد
عدل، وللآخر إحلاف الراهن، فإن نكل ألزم بقيمة الرهن للآخر مع يمينه على
رأي، ولو كان له على غيره حق برهن فباعه عليه بغيره بطل الرهن، فإن تلف
الثمن قبل التسليم عاد الحق والرهن، وكذا لو قبضه ثم تقايلا.
116

الدروس الشرعية
كتاب الرهن
هو لغة: الثبات والدوام، ومنه نعمة راهنة، واللغة الغالبة رهن، وأرهن، لغية.
وشرعا: وثيقة للمدين يستوفى منه المال، وجوازه بالنص والإجماع.
ويجوز سفرا وحضرا، والآية خرجت مخرج الأغلب، ولا يجب الرهن.
وإيجابه: رهنت، ووثقت، وهذا رهن عندك، أو وثيقة.
والقبول: قبلت أو ارتهنت وشبهه.
ويكفي إشارة الأخرس، ويجوز بغير العربية وفاقا للفاضل، ولا يجوز بلفظ
الآتي، ولو قال: خذه على مالك أو بمالك، فهو رهن، ولو قال: أمسكه حتى
أعطيك مالك، وأراد الرهن جاز، ولو أراد الوديعة أو اشتبه فليس برهن، تنزيلا
للفظ على أقل محتملاته، وهو لازم من طرف الراهن خاصة، والفرق أنه يسقط
حق غيره والمرتهن حق نفسه.
والقبض شرط فيه على الأصح، وخالف فيه الشيخ في أحد قوليه، وابن
إدريس والفاضل متمسكين بعموم الوفاء بالعقد، ويدفعه خصوص الآية فإنها دالة
على الاشتراط، كاشتراط التراضي في التجارة والعدالة في الشهادة حيث قرنا بهما،
وفي رواية محمد بن قيس: لا رهن إلا مقبوضا، ويتفرع عليه:
117

فروع:
الأول: وقوعه من المرتهن أو القائم مقامه، ولو وكل الراهن ليقبضه من نفسه
أو وكل عبده أو مستولدته فالأقرب الجواز.
الثاني: القبض كما تقدم في المبيع من الكيل أو الوزن، أو النقل في المنقول
والتخلية في غيره، ولو رهن ما هو في يد المرتهن صح، وفي افتقاره إلى إذن جديد
للقبض عن المرتهن خلاف، فعند الشيخ يفتقر، وحكي أنه لا بد من مضي زمان
يمكن فيه.
الثالث: لا بد فيه من إذن الراهن لأنه من تمام العقد، فلو قبض من دون إذنه
لغا، ولو رهن المشاع جاز، وافتقر إلى إذن الشريك أيضا في المنقول وغيره،
وقال الشيخ: إنما يعتبر إذن الشريك في المنقول كالجوهر والسيف.
الرابع: لو كان مغصوبا في يده فارتهنه صح، وكفى القبض والضمان بحاله
على الأقرب حتى يقبضه الراهن أو من يقوم مقامه، أو يبرئه من ضمانه عند الشيخ،
لأنه حق فله إسقاطه ولوجود سبب الضمان، ويحتمل المنع لأنه إبراء ما لم يجب.
الخامس: لو مات الراهن قبله أو جن أو أغمي عليه أو رجع في إذنه بطل، وفي
المبسوط: إذا جن الراهن وأغمي عليه أو رجع قبل القبض، قبض المرتهن لأن
العقد أوجب القبض، وهذا يشعر بأن القبض ليس بشرط وإن كان للمرتهن طلبه
ليتوثق به.
ولو مات المرتهن انتقل حق القبض إلى وارثه، والفرق تعلق حق الورثة
والديان بعد موت الراهن به فلا يستأثر به أحد، بخلاف موت المرتهن، فإن الدين
باق فتبقى وثيقته، ويحتمل البطلان فيهما لأنه من العقود الجائزة قبل القبض،
والصحة فيهما وفاقا للمبسوط والفاضل، لأن مصيره إلى اللزوم كبيع الخيار أو
لكونه لازما بالعقد، ويحتمل عندهما الفرق بين الرهن المشروط وغيره.
ولو جن المرتهن أو أغمي عليه قام وليه مقامه، ولا يجبر الراهن على الإقباض
سواء كان مشروطا أم لا، نعم يتخير المرتهن في فسخ العقد لو امتنع من
118

الإقباض وفاقا لابن الجنيد والفاضل، وأوجب الشيخ الإقباض مع الشرط.
السادس: يشترط فيه شروط العقد من البلوغ والعقل وعدم الحجر، ولا
يشترط فيه الفورية، ولا يمنع من جريان الحول بالنسبة إلى المالك قبل القبض
والتصرف قبله من البيع والهبة والوقف، والإصداق ناقض للرهن محكوم
بصحته.
ولو رهنه عند آخر تخير في إقباض أيهما شاء، ولو وطئها فأحبلها بطل،
بخلاف الوطء المجرد والتزويج والإجارة والتدبير فإنه لا يبطل، ويحتمل قويا
في التدبير الإبطال لتنافي غايته وغاية الرهن وإشعاره بالرجوع.
السابع: لو انقلب خمرا قبل القبض بطل، ولو عاد خلا لم يعد الرهن،
بخلاف ما إذا انقلب بعد القبض فإنه يخرج ويعود بعود الخل، ولو قبضه خمرا
لم يعتد به، نعم لو صار خلا في يده أمكن اعتباره حينئذ إذا كان قبض الخمر
بإذن.
الثامن: لو حجر على الراهن للسفه أو الفلس فليس له الإقباض، ولو أقبض لم
يعتد به، والأقرب أن العبادة لا تبطل، فلو أقبض بعد زوال الحجر كان ماضيا.
التاسع: لو تلف الرهن أو بعضه قبل القبض فللمرتهن فسخ العقد المشروط
به، بخلاف التلف بعد القبض، وكذا لو تعيب.
العاشر: لو اختلفا في الإذن في القبض، حلف الراهن، ولو اتفقا عليه واختلفا
في وقوع القبض تعارض الأصل والظاهر، ويمكن ترجيح صاحب اليد، ولو
قال: رجعت في الإذن قبل أن تقبض، لم يسمع منه إلا ببينة أو تصديق المرتهن،
ولو ادعى عليه العلم بالرجوع فله إحلافه.
الحادي عشر: لا يشترط في القبض الاستدامة، فلو رده إلى الراهن فالرهن
بحاله، ولو كان مشتركا واتفقا على وضعه بيد أحدهما أو المرتهن أو عدل صح،
وإن تعاسروا عين الحاكم عدلا ليقبضه وإجارته إن كان ذا أجرة وقسمتها على
الشريكين، ويتعلق الرهن بحصة الراهن من الأجرة، ولتكن مدة الإجارة لا تزيد
119

عن أجل الحق، فلو زادت بطل الزائد، ويتخير المستأجر الجاهل إلا أن يجيز
المرتهن.
الثاني عشر: لو أقر الراهن بالقب حكم عليه به إلا أن يعلم عدمه، مثل أن يقول
بمكة: رهنته اليوم داري بمصر وأقبضته، لأن خرق العادة يلحق بالمحال، ولو
رجع عن الإقرار الممكن لم يقبل، ولو قال: أقررت لإقامة الرسم أو لورود كتاب
وكيلي أو ظننت أن القول كاف، حلف المرتهن على الأقوى، ولو أقام بينة على
مشاهدة القبض فلا يمين.
درس [1]:
يشترط في الرهن كونه عينا مملوكة يصح قبضها ويمكن بيعها، فلو رهن
الدين لم يجز لاعتماده القبض والدين في الذمة لا ينحصر القبض فيه، ويحتمل
الصحة كهبة ما في الذمم، ويجتزئ بقبض ما يعينه المدين.
والعجب أن الفاضل لم يشترط القبض في الرهن، وجوز هبة ما في الذمة
لغير من عليه ومنع من رهن الدين.
ولا رهن المنفعة لعدم إمكان بيعها، ولأن المنافع لا بقاء لها فلا ينتفع بها
المرتهن إلا خدمة المدبر، وفاقا لجماعة وقد سلف.
ولا رهن أحد العبدين أو العبيد لا بعينه للغرر، والظاهر أنه يعتبر علم الراهن
والمرتهن بالمرهون مشاهدة أو وصفا، وهو ظاهر الشيخ حيث منع من رهن
الحق بما فيه من الجهالة، وجوزه الفاضل واكتفى بتمييزه عن غيره، والشيخ نقل
الإجماع على بطلان رهن ما فيه، ويصح رهن الحق عنده.
ولا رهن غير المملوك إلا أن يجيز المالك، ولو ضم إلى المملوك صح فيه
ووقف في غيره على الإجازة.
وتصح الاستعارة للرهن لأن التوثق بأعيان الأموال من المنافع وليس
بضمان معلق بالمال، لأنه لو قال: ألزمت دينك في رقبة هذا العبد، بطل.
120

ولا استبعاد في إفضاء العارية إلى اللزوم كالإعارة للدفن، إلا أن يقال: المعير
أناب المستعير في الضمان عنه في ذمته ومصرفه هذا العين، وفي المبسوط: هو
عارية.
وهنا مسائل:
الأولى: لو قال: ارهن عبدك على ديني من فلان، صح، فإذا فعل فهو كما
لو صدر من المستعير، وهذه الاستعارة تلزم بقبض الرهن، نعم للمعير المطالبة
بفكه في الحال وعند الأجل في المؤجل، وفي المبسوط: له المطالبة بفكه قبل
الأجل لأنه عارية، وتبعه الفاضل في التذكرة، وفي غيرها ليس له، ولو لم يقبضه
المرتهن فللمعير الرجوع ولو جعلناه ضمانا لأن الضمان لا يتم بدون القبض هنا.
الثانية: لا يجب على المستعير ذكر قدر الدين وجنسه ووصفه وحلوله أو
تأجيله إن جعلناه عارية، وإلا وجب بناء على أن الضمان المجهول باطل، وفيه
خلاف يأتي إن شاء الله.
وعلى كل حال لو عين أمرا فتخطأه الراهن فله الفسخ، إلا أن يكون ما عدل
إليه داخلا في الإذن كالرهن على أنقص قدرا، ويحتمل في الزيادة صحته في
المأذون فيه لوجود المقتضي.
الثالثة: لو هلك في يد المستعير قبل الرهن، فالأقرب انتفاء الضمان على
التقديرين لعدم موجبه، ولو هلك عند المرتهن أو جنى فبيع في الجناية ضمنه
الراهن على القول بالعارية لا على القول بالضمان، قاله الشيخ، مع أنه لو دفع إليه
مال ليصرفه إلى دينه ضمنه، والفرق أن هذا إقراض يتعين للصرف بخلاف
المستعار فإنه قد لا يصرف في القضاء، ويحتمل عدم ضمان الراهن على القول
بالعارية كأحد قولي الفاضل، لأنها أمانة عندنا، إلا أن نقول: الاستعارة المعرضة
للتلف مضمونة، وهو ظاهر المبسوط والتذكرة، ولا ضمان على المرتهن على
القولين.
121

الرابعة: ليس للمرتهن بيعه بدون إذن إلا أن يكون وكيلا شرعيا أو وصيا على
القولين، فلو امتنع الراهن من الإذن أذن الحاكم.
ويجب على الراهن بذل المال فإن تعذر وباعه ضمن أكثر الأمرين من قيمته
وثمنه، ولو بيع بأقل من قيمته بما لا يتغابن به بطل، وإن كان يتغابن به كالخمسة
في المائة صح وضمن الراهن النقيصة على قول العارية، وعلى الضمان لا يرجع
لأن الضامن إنما يرجع بما غرمه.
الخامسة: لو تبرع متبرع برهن ماله على دين الغير جاز لأنه في معنى قضاء
الدين، ويلزم العقد من جهته بالقبض، فإن بيع فلا رجوع له على المدين، ولو
أذن له المالك في البيع والقضاء أو أذن في القضاء بعد البيع، احتمل رجوعه
لأنه ملكه إلى ذلك الوقت وعدمه لتعينه للقضاء فهو كالمقضي، نعم لو تبرع
المدين بقضاء الدين صح قطعا، ولكن بناء الأول على القولين: فعلى العارية
يرجع عليه وعلى الضمان لا يرجع كالضامن المتبرع.
درس [2]:
لا يصح رهن أرض الخراج لأنها ليست مملوكة على الخصوص، ويصح
رهن ما بها من الشجر والبناء، ولو قلنا بملكها تبعا لهما صح رهنها.
ولا رهن الخمر والخنزير عند المسلم وإن كان الراهن ذميا وضعهما عند
ذمي.
ولا رهن المصحف والعبد المسلم عند الكافر إلا أن يوضعا عند مسلم.
ولا رهن الوقف وإن اتحد الموقوف عليه، للمنع من صحة بيعه أو لعدم
ملكه أو تمام ملكه.
ورهن المدبر إبطال لتدبيره عند الفاضلين، وعلى القول بجواز بيع الخدمة
فيصح في خدمته، وفي النهاية: يبطل رهن المدبر، وفي المبسوط والخلاف:
يصح ويبطل تدبيره، ثم قوى صحتهما، فإن بيع بطل التدبير وإلا فهو بحاله،
122

وتبعه ابن إدريس وهو حسن.
ورهن ذي الخيار جائز، ويكون من البائع فسخا ومن المشتري إجازة، ولو
رهن غريم المفلس عينه التي له الرجوع فيها قبله فالأجود المنع، وأولى منه لو
رهن الزوج نصف الصداق قبل طلاق غير الممسوسة، ورهن الموهوب في
موضع يصح فيه الرجوع كرهن ذي الخيار.
ورهن المرتد عن غير فطرة جائز، ولو كان عنها وفات السلطان قيل جاز،
وهو ظاهر الشيخ، وأطلق ابن الجنيد المنع، وللفاضل قولان، إلا أن يكون أمة،
ولو جهل المرتهن حاله فله فسخ البيع المشروط به.
ويجوز رهن الجارية بولدها الصغير ولا بحث فيه، وبدونه فيباعان معا إن
حرمنا التفرقة، ويكون للمرتهن ما قابلها، ثم إما أن يقوما جميعا ثم يقوم الولد
وحده أو تقوم الأم وحدها ومع الولد أو كل منهما وحده، لأن الأم تنقص قيمتها
إذا ضمت إليه لمكان اشتغالها بالحضانة، والولد تنقص قيمته منفردا لضياعه،
ووجه تقويم الأم وحدها إن الرهن ورد عليها منفردة وهو قول الشيخ، وكذا لو
حملت بعد الارتهان وقلنا بعدم دخول النماء المتجدد، أو كان قد شرطا عدم
دخوله.
ويجوز رهن الجاني عمدا أو خطأ خلافا للخلاف فيهما، وحق الجناية يقدم،
فإن افتكه المولى أو المرتهن وإلا بيع في الجناية فالفاضل رهن، ولو أقر المرهون
بالجناية وصدقه المرتهن والراهن فكالجاني، وإن صدقه الراهن خاصة لم ينفذ في
حق المرتهن، ولا يمين عليه إلا أن يدعي عليه العلم، وإن صدقه المرتهن خاصة
بطل الرهن إلا أن يعفو المجني عليه، أو يفديه أحد، أو يفضل منه فضل عن
الجناية.
ويحتمل بقاء الرهن لعدم صحة إقرار المرتهن واعتراف الراهن بالصحة.
123

فروع:
الأول: لو بيع في الرهن لتكذيب المرتهن، ففي رجوع المجني عليه على
الراهن وجهان، من قضاء دينه به ومن عدم نفوذ إقراره في حق المرتهن.
الثاني: لو جنى بعد الرهن قدمت الجناية في العمد والخطأ، فإن أفتك بالرهن
بحاله، ولو افتكه المرتهن على أن يكون له الرجوع على الراهن، أو على أن يكون
العبد رهنا على مال الفلك والدين الأول جاز.
الثالث: لو جنى على مولاه عمدا اقتص منه، ولا يجوز أخذ المال من المرتهن
في الخطأ والعمد ولا افتكاكه لأن المال ليس عليه مال، وإلا لزم تحصيل
الحاصل.
الرابع: لو جنى على مورث مولاه ثبت للمولى ما كان للمورث من القصاص
والافتكاك، ولو جنى على عبد مولاه فله القصاص إلا أن يكون أبا المقتول،
وليس له العفو على مال إلا أن يكون مرهونا عند غير المرتهن المجني عليه، أو
عنده واختلف الدينان فيجوز نقل ما قابل الجناية بدلا من المجني عليه إلى
مرتهنه.
هذا ولا يصح رهن السمك في المياه غير المحصورة، ولا الطير في الهواء
لعدم إمكان القبض، نعم لو قضت العادة بعوده صح إذا قبض.
ولا رهن أم الولد في غير ثمنها موسرا كان المولى أو معسرا، ولا في ثمنها
مع اليسار، ويجوز مع الإعسار لجواز بيعها، ورهنها أولى، وظاهر ابن الجنيد
جواز رهنها مطلقا، ولم يستبعده الفاضل.
فرع:
لو رهنها فتجدد له اليسار انفسخ الرهن ووجب الوفاء، ويحتمل بقاؤه حتى
يوفي لجواز تجدد إعساره قبل الإيفاء، ولعله أقرب.
124

درس [3]: تدخل زوائد الرهن فيه متصلة كانت أو منفصلة على المشهور، ونقل فيه ابن
إدريس الإجماع، وخالف فيه الشيخ في الكتابين، وتبعه الفاضل، وهو منقول
عن المحقق في الدرس، ولم نجد شاهدا على القولين غير أن المعتمد المشهور،
والفاضل تمسك بروايتي إسحاق بن عمار والسكوني، ولا دلالة فيهما.
نعم لو شرط انتفاء دخولها صح، ولو شرط دخولها زال الخلاف عندنا،
وإن لم يصح رهن المعدوم لأنها تابعة هنا، ولا فرق بين المتولد منها كالولد
والثمرة وبين غيره ككسب العبد وعقر الأمة.
ونفقة الرهن على الراهن لا على المرتهن، فإن أنفق تبرعا فلا رجوع، وإن
كان بإذن الراهن أو الحاكم عند تعذره أو أشهد عند تعذر الحاكم رجع بها على
الراهن، ولو كان له منفعة كالركوب والدر فالمشهور جواز الانتفاع بهما ويكون
بإزاء النفقة، وهو في رواية أبي ولاد والسكوني وفي التهذيب: إن انتفع وإلا رجع
بالنفقة، ومنع ابن إدريس من الانتفاع، فإن انتفع تقاصا، وعليه المتأخرون،
والروايتان ليستا صريحتين في المقابلة ولا مانعتين من المقاصة، نعم يدلان على
جواز ذلك، وهو حسن لئلا تضيع المنفعة على المالك، نعم يجب استئذانه إن
أمكن وإلا فالحاكم.
ولو رهن ما يسارع إليه الفساد قبل الأجل قطعا وشرط بيعه عند الإشراف
عليه صح وإن شرط نفي البيع بطل، وإن أطلق بطل عند الشيخ في الكتابين لأن
الإطلاق يقتضي قصر الرهن عليه، وصح عند الفاضلين، ويباع ويجعل ثمنه رهنا
للأصل، ولو توهم فساده فهو أولى بالصحة، ويباع عند الإشراف على الفساد،
ولو كان على دين حال أو مؤجل يحل قبل تسارع الفساد فلا مانع من الصحة
وإن طرأ.
وإن ظن الفساد قبل القبض بطل، وإن كان بعده لم ينفسخ العقد، ولو قلنا
ببطلان رهنه مع عدم شرط البيع لأن الطارئ لا يساوي المقارن، ومن ثم يتعلق
125

الرهن بالقيمة لو أتلف الرهن متلف وهي دين، ولا يجوز رهن الدين ابتداء، فحينئذ
يباع ويتعلق بثمنه.
فروع:
الأول: لو اتفق المتراهنان على نقل الرهن عند الخوف من الفساد إلى عين
أخرى احتمل الجواز، لأن الحق لا يعدوهما، ويجري مجرى بيعه وجعل ثمنه
رهنا، ويحتمل المنع لأن النقل لا يشعر بفسخ الأول ويمتنع البدل مع بقاء
الأول، فإن قلنا بجواز النقل هنا فهل يجوز في رهن قائم لم يعرض له نقص؟
وجهان مرتبان، وأولى بالمنع، لأن المعرض للفساد يجب بيعه فهو في حكم
الفائت، ونقل الحق إلى بدل الفائت معهود، فلا فوات هنا.
الثاني: لو رهن نصيبه في بيت معين من جملة دار مشتركة، صح لأن رهن
المشاع عندنا جائز، فإن استقسم الشريك فظهرت القرعة له على ذلك البيت،
فهو كإتلاف الراهن يلزم قيمته، ولا يلحق بالتلف من قبل الله تعالى.
الثالث: لو نذر عتق العبد عند شرط ففي صحة رهنه قبله وجهان، " نعم "
لبقاء الملك وإصالة عدم الشرط، و " لا " لأن سبب العتق سابق والشرط متوقع،
وعلى الأول لو وقع الشرط أعتق لو عتق وخرج عن الرهن، ولا يجب إقامة بدله
إذا كان المرتهن عالما بحاله وإلا فالأقرب الرجوع.
هذا ولا كراهة في رهن الأمة، نعم يكره تسليمها إلى الفاسق، وخصوصا
الحسناء إلا أن تكون محرما له، وفي المبسوط: يكره رهن الأمة إلا أن توضع عند
امرأة ثقة.
ولو رهن الثمرة على الشجرة بعد بدو الصلاح أو قبله جاز، ومؤنة الإصلاح
على الراهن، ولو اختلطت بالمتلاحق قبل القبض فالأقرب الفسخ، ولو كان
بعده لم ينفسخ، وكذا لقطة من الخيار، وحينئذ يصطلحان، وفي المبسوط: لو
رهن لقطة منه إلى أجل يحصل فيه الاختلاط بطل، ولا تدخل الثمرة غير المؤبرة
126

في رهن النخلة إلا مع الشرط، لاختصاص البيع بالنص.
ولو رهن الجدار أو الشجرة ففي دخول الأس والمغرس وجه بعيد، نعم
يستحق بقائهما فيهما أبدا، ولا تدخل الأرض في رهن الشجر وإن كانت قليلة لا
ينتفع بها على حالها.
درس [4]:
يجوز اشتراط السائغ في الرهن دون غيره، كشرط عدم تسليمه وعدم بيعه
أو توقفه على رضا الراهن أو أجنبي فيفسد ويفسد، وفي المبسوط: لا يفسد الرهن،
ولو شرط الراهن على المؤجل الزيادة في الأجل صح عند الفاضل، خلافا
للمبسوط حيث أبطل الشرط والرهن.
ولو شرط في الرهن انتفاع المرتهن جاز، ولو شرط تملك الزوائد المنفصلة
فسد وأفسد على الأقرب لعدم تراضيهما بدونه، ولو شرط كونه مبيعا عند الأجل،
بطل لأن البيع لا يكون معلقا والرهن لا يكون مؤقتا إلا بالوفاء، ويضمن بعد
الأجل لا قبله إلحاقا لفاسد البيع والرهن، بالصحيح في الضمان وعدمه. ويمنع الراهن من كل تصرف يزيل الملك كالبيع والهبة، أو ينافي حق المرتهن كالرهن من آخر، أو يعرضه للنقص كالوطء والتزويج، وفي رواية
الحلبي: يجوز وطؤها سرا، وهي متروكة، ونقل في المبسوط الإجماع عليه ولا
فرق بين المأمون حبلها لصغر أو يأس وبين غيرها، ولو وطء لم يحد وعزر إلا
مع الشبهة، ولو حملت صارت مستولدة.
ولا قيمة على الراهن إن قلنا بعدم تبعية النماء في الرهن، وإن قلنا بالتبعية
فكذلك، لأن الحر لا قيمة له، ولأن استحقاق المرتهن بواسطة ثبوت قيمته في ذمة
الراهن، وهو بعيد.
وفي بيعها أو وجوب إقامة بدلها تردد من سبق حق الراهن ومن عموم النهي
عن بيعها، فيقام بدلها أو يتوقع قضاء الدين أو موت ولدها، ولو كانت مرهونة في
127

ثمن رقبتها فبيعها أوجه، وفي الخلاف: يلزم الموسر إقامة بدلها وتباع على
المعسر، وأطلق.
ولو وطء المرتهن فهو زان إلا مع الشبهة وعليه العقر، وإن طاوعته فلا شئ
وولده رق مع العلم، ومع الجهل حر يفكه بقيمته، ولو أذن له الراهن فلا مهر ولا
قيمة عليه عند الشيخ، وهو بعيد إلا أن يحمل على التحليل، لكن كلام الشيخ
ينفيه لأن الغرض من الرهن الوثيقة، ولا وثيقة مع تسلط المالك على البيع
والوطء وغيره من المنافع المعرضة للنقص أو الإتلاف.
وليس له أن يؤجره إن كان الدين حالا، لأن الإجارة تقلل الرغبة فيه، وإن
كان مؤجلا والمدة لا تنقضي قبله فكذلك، وإن كانت تنقضي فالأقرب البطلان
للتعريض بالنقص وقلة الرغبة.
وكذا يمنع من الاعتكاف موسرا كان أو معسرا لأنه يتضمن إبطال حجر
لازم بفعل مالكه، ولا يلزم من نفوذه في حصته الشريك نفوذه هاهنا لقيام عتق
حصته سببا في ذلك، ولو انفك الرهن لم ينفذ العتق لأنه لا يقع معلقا، وأولى
منه إذا بيع في الرهن ثم عاد إليه.
ولو أذن المرتهن في ذلك كله جاز، وكذا لا يتصرف فيه المرتهن إلا بإذن
الراهن أو إجازته، إلا العتق فإنه باطل إن لم يأذن.
وليس له إنزاء الفحل المرهون سواء نقصت قيمته أو لا، وأما الإنزاء على
الأنثى فإن كانت آدمية منع منه، وكذا غيرها على الأقوى لأنه يعرضها للنقص،
وقال الشيخ: ليس للمرتهن منعه من الإنزاء مطلقا.
وللراهن رعي الماشية وختن العبد وخفض الجارية إلا أن يؤدي إلى النقص،
وتأبير النخل والمداواة مع عدم خوف الضرر، وكذا تجوز المداواة من المرتهن،
وفي جواز تزويج الأمة والعبد بدون إذن المرتهن للشيخ قولان، وعلى القول به لا
يسلمها إلى الزوج بغير إذنه، وهو قريب، وكذا يجوز تدبيره لأنه لا ينافي الغرض،
خلافا للشيخ.
128

ويمنع الراهن من الغرس لأنه ينقص الأرض، ومن الزرع وإن لم ينقص به
الأرض حسما للمادة، فلو فعل قلعا عند الحاجة إلى البيع، ولو حمل السيل نوى
مباحا فنبت، فليس له إلزامه بإزالته قبل حلول الدين لعدم تعديه، فإن احتيج إلى
البيع قلعه إن التمسه المرتهن، فإن بيعا معا، ففي توزيع الثمن على ما تقدم بيانه
في بيع الأم مع ولدها، ولو شرط ضمان الرهن بطلا ويحتمل صحة العقد ولا
ضمان.
ويجوز اشتراط الوكالة للمرتهن والوصية ولوارثه ولأجنبي، ولا يملك
الراهن فسخهما، ولو مات أحدهما انتقلت الرهينة دونها إلا مع الشرط واشتراط
وضعه على يد عدل فصاعدا، أو اشتراط وكالته في بيعه، وليس للراهن عزله،
وللمرتهن عزله عن البيع لأن البيع لحقه ولهذا يفتقر إلى إذنه عند حلول الأجل،
ولا يفتقر إلى إذن الراهن.
ولو مات العدل أو فسق أو جن أو أغمي عليه زالت الأمانة والوكالة، وكذا
لو صار عدوا لأحدهما لأن العدو لا يؤتمن على عدوه، فإن اتفقا على غيره وإلا
استأمن الحاكم عليه، ولو باع فالثمن بيده أمانة، فلو تلف فمن ضمان الراهن، ولو
ظهر المبيع مستحقا فالدرك عليه لا على العدل إلا أن يعلم بالاستحقاق، ولو
اختلفا فيما يباع به بيع بنقد البلد بثمن المثل حالا سواء كان موافقا للدين أو
اختيار أحدهما أم لا، ولو كان فيه نقدان بيع بأغلبهما، فإن تساويا فبمناسب
الحق، فإن بايناه عين الحاكم إن امتنعا من التعيين، ولو كان أحد المتباينين أسهل
صرفا إلى الحق تعين، وللعدل رده عليهما لأن قبول الوكالة جائز من طرف
الوكيل أبدا، فإن امتنعا أجبرهما الحاكم، فإن استترا نصب الحاكم عدلا يحفظه،
وليس له تسليمه إلى الحاكم إلا مع تعذرهما، ولو دفعه إلى أحدهما ضمن هو
والمدفوع إليه.
وقرار الضمان على من تلف في يده، ولو اضطر العدل إلى السفر أو أدركه
مرض خاف منه الموت أو عجز عن الحفظ وتعذر أسلمه إلى الحاكم، فإن تعذر
129

فإلى عدل بشهادة عدلين.
ولا يجوز وضعه عند العبد إلا بإذن مولاه، وكذا المكاتب إذا كان مجانا،
وإن كان بجعل أو أجرة لم يعتبر إذن المولى.
ويصح اشتراط رهن المبيع على الثمن وفاقا للفاضلين، وأبطل الشيخ العقد
به لأنه شرط رهن ما لا يملك، إذ لا يملك المبيع قبل تمام العقد، ولأن قضية
الرهن الأمانة والبيع الضمان وهما متنافيان، وتبعه ابن إدريس، ويظهر من
الخلاف صحة البيع وفساد الشرط.
درس [5]:
في المرهون به، وهو الحق الثابت في الذمة، وإن لم يستقر الذي يمكن
استيفاؤه من الرهن، فلا يصح الرهن على غير الثابت، كثمن ما سيشتريه أو أجرة
ما سيستأجره ومال الجعالة قبل العمل، وإن كان قد حصل البذل به والدية قبل
استقرار الجناية وإن حصل الجرح.
ويجوز بعد الاستقرار في النفس والطرف، فإن كانت مؤجلة فبعد الحلول
على الجاني أو على العاقلة في شبه العمد والخطأ، ويجوز على الدين المؤجل،
والفرق تعيين المستحق عليه فيه، بخلاف العاقلة فإنه لا يعلم المضروب عليه عند
الحلول، ويحتمل قويا جوازه في الشبيه على الجاني لتعينه، ولو علل بأن
الاستحقاق لم يستقر إلا بالحلول في الجناية على الجاني والعاقلة إلا أنه قد ينتقض
بالرهن على الثمن في الخيار، فالظاهر جواز أخذ الرهن من الجاني كالدين
المؤجل، وفي جواز الرهن على الأعيان المضمونة كالمغصوب والمستام والعارية
المضمونة وجهان، والجواز قوي.
ويجوز الارتهان على مال الكتابة على الأقوى وإن كانت مشروطة، وعلى
مال السبق والرمي إذ الأصح لزومهما، وعلى الثمن في مدة الخيار وإن كان
معرضا للزوال، فإذا فسخ بطل الرهن، وهل يجوز مقارنة الرهن للدين؟ فيه
130

وجهان، فيقول: بعتك الدار بمائة وارتهنت العبد بها، فيقول: قبلتهما أو اشتريت
ورهنت، ولو قدم الرهن لم يجز.
ويجوز الرهن على عهدة الثمن لو خرج مستحقا، وكذا المبيع والأجرة
وعوض الصلح إن جوزنا الرهن على الأعيان، ولا ضرر بحبس الرهن دائما مستند
إلى الراهن، ولعلهما إذا أمنا الاستحقاق يتفاسخان، والتقييد بإمكان الاستيفاء
لتخرج الإجارة المتعلقة بعين المؤجر، كالأجير الخاص فإنه لو تعذر لم يستوف
المنفعة من غيره فلا يرتهن على المنفعة.
ولو استأجره مطلقا جاز الارتهان على المنفعة لأنه مع تعذر العمل منه يباع
الرهن ويستأجر غيره، ولو ارتهن المستأجر على مال الإجارة خوفا من عدم العمل
بموت وشبهه، فهو كالرهن على الأعيان المضمونة.
ولو رهن المرهون عند المرتهن جاز، فإن شرط كونه رهنا عليهما فالرهانة
الأولى باقية، ولا يشترط فسخ الرهن وجعله عليهما، ولو لم يشترط الرهن للأول،
فإن اتفقا على إرادة المجموع فكذلك، وإن أطلقا ففي بطلان الأول تردد، وكذا
لو رهنه عند أجنبي فأجاز المرتهن الأول.
وتجوز الزيادة في الرهن على الحق الواحد ويكونان رهنين، ثم إن شرط في
الرهن أن يكون على الحق وعلى كل جزء منه لم ينفسخ ما دام من الحق شئ،
فإن شرط كونه رهنا عليه لا على كل جزء منه صح وانفسخ بأداء شئ من
الحق، وفي وجوب القبول هنا لبعض الحق تردد من أدائه إلى الضرر بالانفساخ،
ومن قضية الشرط ووجوب قبض بعض الحق في غير ما يلزم منه قبض في
المالية كمال السلم وثمن المبيع، وإن أطلق ففي حمله على المعنى الثاني أو الأول
نظر من التقابل بين الأجزاء في المبيع، فكذا الرهن، ومن النظر إلى غالب
الوثائق، فإن الأغلب تعلق الأغراض باستيفاء الدين عن آخره من الرهن، وهذا
قوي، وقال في المبسوط: إنه إجماع.
ويجوز لولي الطفل رهن ماله إذا افتقر إلى الاستدانة لا صلاح مال استيفاؤه
131

أعود، أو لنفقته، ويجوز الارتهان له إذا تعلق الغرض بأداء ماله للنهب أو الغرق أو
الحرق أو خطر السفر المحتاج إليه، أو بيعه نسيئة للمصلحة بزيادة الثمن وشبهه،
ويجوز تولي الولي طرفي الإيجاب والقبول، لو وقع العقد بينه وبينه، ولا يكفي
أحد الشقين عن الآخر، وللمكاتب الارتهان والرهن مع الغبطة أو إذن السيد.
فروع:
الأول: إذا جوزنا الرهن على الأعيان المضمونة، فمعناه الاستيفاء منه إن تلفت
أو نقصت أو تعذر الرد، وإلا فلا، وحينئذ كل ما صح ضمانه صح الرهن عليه و
بالعكس.
الثاني: الضمان للثمن في مدة الخيار مبني على القول بالانتقال بالعقد وإلا لم
يجز، والفرق بينه وبين مال الجعالة قبل الرد، أن سبب الاستحقاق في الثمن البيع
وقد تكامل، وسبب الاستحقاق في الجعالة العمل ولما يتكامل، ولو قيل بالتسوية
في الجواز أمكن.
الثالث: لو قال: بعتك الدار بمائة بشرط أن ترهنني العبد بها، فقال: اشتريت
ورهنت، وقال البائع: ارتهنت صح قطعا، ولو لم يقبل ففيه وجهان مبنيان على
مسألة المقارنة، فإن منعناها لعدم كمال سبب الرهن - أعني شقي البيع من
الإيجاب والقبول - فهنا أولى، وإن جوزناه - كالمبسوط - لكون الرهن من
مصلحة البيع ويجوز اشتراطه فيه وتشريكه معه أولى، احتمل الجواز هنا تحصيلا
للمصلحة ولأنه في معنى الامتزاج، ويحتمل المنع لأن شقي الرهن هناك
موجودان، بخلاف هذه الصورة فإنه لم يوجد إلا شق الإيجاب، والاشتراط المقدم
لا يعد قبولا بل حكمه حكم الاستيجاب، بل أضعف منه.
الرابع: لو فدى المرتهن الجاني وشرط ضم الفدية إلى الرهن، فقد تقدم
جوازه لأن الحق لا يعدوهما وقد اتفقا عليه، ولو شرط في الرهن على الدين الثاني
فسخ الأول ففي اشتراطه هنا بعد، لأن المشرف على الزوال إذا استدرك
132

كالزائل العائد، فالزوال ملحوظ فيه، فيصح الرهن عليه وعلى الدين السالف،
ويحتمل المساواة لأنه لما لم يزل فهو كالدائم، والأصحاب لم يشترطوا الفسخ.
درس [6]:
في الأحكام
لا يشترط الأجل في دين الرهن ولا في الارتهان، فإن شرط لزم، وإن كان
حالا أو حل الأجل طالب بدينه، فإن امتنع الراهن من الإيفاء وكان المرتهن
وكيلا أو العدل باعه واستوفى دينه، فإن فضل منه شئ رده وإن فضل عليه شئ
طالبه، وهو أولى من غرماء المفلس وكذا من غرماء الميت على الأصح، وفي
رواية عبد الله بن الحكم: إذا قصر ماله عن ديونه فالمرتهن وغيره سواء، وهي
مهجورة، وفي رواية المروزي كذلك، وهي مكاتبة.
ويجوز أن يبيع المرتهن على نفسه وولده إذا كان وكيلا، ويظهر من ابن
الجنيد المنع، ومع عدم الوكالة يستأذن صاحبه فإن تعذر فالحاكم، وقال
الحلبي: إذا تعذر إذن الراهن فالأولى تركه إلى حين يمكن استئذانه لرواية زرارة
وابن بكير، ويحمل على الكراهية.
ولو امتنع الراهن من البيع والتوكيل فللحاكم بيعه، وله حبسه وتعزيره
حتى يبيع بنفسه.
والرهن أمانة في يد المرتهن لا يضمنه إلا بتعد أو تفريط على الأشهر، ونقل فيه
الشيخ الإجماع منا، وما روي من التقاص بين قيمته وبين الدين محمول على
التفريط، ولو هلك بعضه كان الباقي مرهونا.
وترك نشر المتاع المحتاج إلى النشر تفريط يوجب الضمان، خلافا
للصدوق، وفي رواية أبي العباس دلالة على قوله.
ولو اختلفا في تلفه حلف المرتهن مطلقا، وقال ابن الجنيد: إنما يحلف مع
الجائحة الظاهرة أو ذهاب متاع معه لرواية أبي العباس.
133

ولو اختلفا في القيمة فالأكثر على حلف الراهن لسقوط أمانة المرتهن
بتفريطه، وقال الحليون: يحلف المرتهن للأصل.
والمعتبر بالقيمة يوم التلف، وقال ابن الجنيد: الأعلى من التلف إلى الحكم
عليه بالقيمة، ويلوح من المحقق أن الاعتبار بقيمته يوم قبضها بناء على أن القيمي
يضمن بمثله، وفي كلام ابن الجنيد إيماء إليه.
ولو اختلفا في قدر الدين، فالمشهور حلف الراهن لصحيحة محمد بن مسلم،
وقال ابن الجنيد: يحلف المرتهن إذا لم يزد عن قيمة الرهن لرواية السكوني،
وحملها الشيخ على أن الأولى للراهن تصديقه.
ولو اختلفا في قدر المرهون، حلف الراهن، ولو اختلفا في تعيينه فكذلك،
ولو كانا شرطاه في عقد لازم تحالفا وبطلا، ولو اختلفا في متاع فقال المالك:
وديعة، وقال القابض: رهن، فالمشهور حلف المالك سواء صدقه على الدين أم
لا، وقال الصدوق: يحلف القابض وبالأول صحيح محمد بن مسلم وبالثاني
موثق عباد بن صهيب، وقال ابن حمزة: إن اعترف بالدين حلف القابض وإلا
حلف المالك للقرينة، والأول أقوى.
ولو اختلفا في متاع تلف هل هو وديعة أم دين؟ حلف المالك لاقتضاء
ثبوت اليد الضمان، وقال ابن إدريس: يحلف المودع للأصل، والأول أقوى
لرواية إسحاق بن عمار وهذه المسألة استطرادية ذكرها في رهن التهذيب.
ولو أذن المرتهن في العتق أو الوطء ورجع قبل فعلهما فله ذلك، فإن لم
يعلم الراهن بالرجوع فلا أثر له، وكذا في البيع، وقال الشيخ: يبطل البيع وإن لم يعلم الراهن كالوكالة، والأصل ممنوع، وسيأتي إن شاء الله.
وينفسخ الرهن بالأداء والإبراء والاعتياض والضمان وفسخ المرتهن، وتبقى
أمانة في يده لا يقبل قوله في رده إلا ببينة.
ولو كان له دينان برهنين، فأدى عن أحدهما فسخ فيه دون الآخر، ولو كان
بأحدهما رهن فأدى عنه فليس للمرتهن إمساكه بالدين الحال.
134

ولو اختلفا في المصروف إليه حلف الراهن، فإن لم ينو شيئا، قال الشيخ:
يصرف الآن إلى ما شاء، وكذا لو أبرأه من غير تعيين، واختار الفاضل التوزيع.
درس [7]:
في اللواحق:
إذا رهن دار السكنى كره بيعها، للرواية، ولو مات وعنده رهون فإن علمت
بعينها لواحد أو قامت بها بينة فذاك، وإلا فهي كماله، رواه العلاء عن أبي الحسن عليه السلام.
ولو أتلف الرهن فأخذ بدله انتقلت الرهانة إليه بغير عقد جديد، دون الوكالة
والوصية، وكذا لو أقر المرتهن بالدين لغيره، ولو أسلم إليه في متاع وارتهن به ثم
تقايلا بطل الرهن وليس له إمساكه على رأس المال لعدم الارتهان عليه.
ولو مات المرتهن فللراهن الامتناع من استئمان الوارث، فإن اتفقوا على أمين
وإلا عين الحاكم.
ولا ينفسخ الرهن بالإجارة الصحيحة ولا الفاسدة وإن كان المستأجر
المرتهن، ويصح ارتهان العين المستأجرة عند المستأجر وغيره، لكن يعتبر في
القبض إذنه، ولو أذن المرتهن للراهن في البيع قبل الأجل صح البيع، ويكون
الثمن رهنا إن شرطاه وإلا فلا، وهو قريب من اتفاقهما على نقل الوثيقة إلى عين
أخرى.
ولو اختلفا في الاشتراط حلف الراهن، ولو اختلفا في النية لم يلتفت إلى
المرتهن، ولو قال: أذنت بشرط أن تعطيني حقي الآن، وكان مؤجلا، فالأقرب
صحته، فلو اختلفا في هذا الشرط حلف المرتهن عند الشيخ.
ولو كان إذن المرتهن في البيع بعد حلول الأجل كان الثمن رهنا وإن لم
يشترط ذلك، لأنه قضية عقد الرهن، وكذا يقول الشيخ في المسألة الأولى لأن
الأجل عنده لا يسقط بهذا الشرط، ولو أذن الراهن للمرتهن في البيع قبل الأجل
135

لم يجز للمرتهن التصرف في الثمن حتى يحل، ولو رجع المرتهن في الإذن جاز
لعدم بطلان حقه، ولو ادعى الرجوع حلف الراهن إن ادعى علمه.
ولو صدقه على الرجوع وادعى كونه بعد البيع، وقال المرتهن: قبله، فإن
اتفقا على تعيين وقت أحدهما واختلفا في الآخر، حلف مدعي التأخر عن ذلك
الوقت، وإن أطلقا الدعوى أو عينا وقتا واحدا أحلف المرتهن لتكافؤ الدعويين
فيتساقطان، ويبقى استصحاب الرهن سليمان عن المعارض.
ومن عنده رهن وخاف جحود الراهن الدين أو وارثه فله المقاصة، وليس
للمرتهن تكليف الراهن بأداء الحق من غير الرهن وإن قدر عليه الراهن، ولو بذل
له الراهن الدين فليس له البيع، ولا تكليف المرتهن إحضار الرهن قبل استيفاء
الدين وإن كان في مجلس الحكم لقيام وثيقته إلى قضاء دينه، ومؤنة الإحضار بعد
القضاء على الراهن.
ولو قال الراهن للمرتهن: بعه لنفسك، لم يصح البيع لأن غير المالك لا
يبيع لنفسه، بل يقول: بعه إلى أو بعه مطلقا على الأقوى حملا على الصحيح.
ولا بد من الإذن في الاستيفاء، فإن قال: استوفه لي ثم لنفسك، صح على
الأقوى، فيحدث فعلا جديدا من كيل أو وزن أو نقل لدلالة اللفظ عليه، ويحتمل
الاكتفاء بدوام اليد كقبض الرهن أو الهبة من المودع والغاصب والمستعير،
وكذا لو قال: اقبضه لي ثم أقبضه لنفسك، أو ثم أمسكه لنفسك، والأقرب جواز
قبضه لنفسه باذنه، وإن لم يقبضه الراهن وإن كان مكيلا أو موزونا أو طعاما، ولو
كان الثمن غير مقدر بهما فالظاهر أنه لا إشكال فيه لصحة بيع ذلك قبل قبضه
عندنا بغير اختلاف.
درس [8]:
لو رهنه بستانا واختلفا في تجدد بعض الشجر، حكم بما يقتضيه الحس بغير
يمين، فإن أمكن الأمران حلف الراهن للأصل، فإذا مات المرهون فمؤونة تجهيزه
136

على الراهن لأنه في نفقته، ويجوز للراهن علاج الدابة بما يراه البيطار.
ولو انفسخ الرهن وطالب به المرتهن وجب المبادرة إلا لضرورة كإغلاق
الدرب وخوف الطريق أو الجوع الشديد أو تضيق وقت الصلاة الواجبة.
ولو اشترى المرتهن عينا من الراهن بدينه صح وبطل الرهن، فإن تلفت
العين قبل القبض عاد الدين والرهن، قاله في المبسوط، قال: وكذا لو قبضه ثم
تقايلا عاد الدين والرهن، كالعصير يصير خمرا ثم يعود خلا.
ولو رهن الوارث التركة المستغرقة بالدين بنى على الملك، فإن نفيناه لم
يصح، وإن ملكناه ففي الصحة وجهان: [نعم] لأن تعلق الرهن أقوى من حيث
أنه بعقد، و " لا " لأنها في معنى المرهونة، والوجهان حكاهما الشيخ ساكتا
عليهما، فإن جوزناه فلا شئ للمرتهن إلا بعد الخلاص من الدين لأنه أسبق
المتعلقين.
ولو أقر المتعاقدان بالقبض وأنكره العدل لم يؤثر في صحة العقد، ولو أقر
الراهن بوطئ الأمة وجاءت بولد يمكن إلحاقه به، لحق به، ولا ينفسخ الرهن إن كان
الإقرار بعد القبض، وإن كان قبله انفسخ إلا أن يكون في ثمن رقبتها، وفي
الخلاف: لا ينفسخ مطلقا لأن أم الولد يصح بيعها في الجملة، وقد يموت الولد.
ولو رهنه عصيرا فصار خمرا واختلفا في القبض، هل كان قبل الخمر أو
بعده؟ قدم قول مدعي الصحة وإن كان الراهن، وتردد الشيخ من البناء على
الظاهر ومن أن القبض فعل المرتهن فيقدم قوله فيه.
ولو اختلفا في تقديم العيب حلف الراهن إلا مع قرينة الحال بتقدمه فلا يمين
عليه، أو مع قرينة الحال بتأخره فيحكم به من غير يمين الراهن، وهذان الفرعان
مع اشتراط الرهن في البيع.
137

المسائل لابن طي
المقصد الثاني: في الرهن:
وفيه مسائل:
مسألة [1]: يشترط في الرهن القبض ولا حكم له من دونه، ويدخل النماء
المتجدد في الرهن، وقيل: لا يدخل.
مسألة [2] ح: هل يمنع الراهن من حرث البستان وزيادة أم لا؟ إذا كان صلاحا له لا يمنع.
مسألة [3]: قوله: في الفرق بين مال الجعالة قبل العمل وبين النفقة المستقبلة
إشكال، قال: كلاهما لا يصح الرهن عليهما. مسألة [4]: لو أقر المرتهن أن الدين الذي على فلان باسمي مستحقة فلان
بالدين انتقلت الرهنية دون الوكالة والوصية، كيف صورة المسألة؟
تقدير المسألة أن فلان المقر له انتقلت إليه الرهنية بحيث يصير الحق مستحقا
له برهنه، أما لو كان ذلك المرتهن وكيلا أو وصيا لم ينتقل بإقراره بحيث يصير
المقر له وكيلا أو وصيا.
139

مسألة [5]: قوله في الرهن: والأقرب إجبار الراهن على الإزالة، فلو امتنع فهل
للمرتهن الإزالة؟ قال: نعم له الإزالة.
مسألة [6]: إذا رهن عينا تكون على الدين وعلى كل جزء منه أو ينفك بقدر
ما إذا قال نعم إن شرط ذلك وإلا انفك منه بقدر ما أدى.
مسألة [7]: في الرهن، ولو قال: بعه لنفسك، لم يصح لأنه لا يتصور أن
يبيع ملك غيره لنفسه، ولو قال: بعه مطلقا، صح معناه أي بعه بحيث يكون
ثمنه لنفسك من غير استيفاء، أما لو قال: بع، وسكت صح واستوفى فيما بعد.
مسألة [8]: لو فرط في الرهن هل يلزمه قيمته يوم قبضه أو يوم هلاكه أو
أعلى القيم، قال: أعلى القيم من يوم التفريط إلى يوم هلاكه؟
مسألة [9]: لو وطئ الراهن فحملت منه صارت أم ولد وهل تباع؟ الأشبه أنها
لا تباع، قال: البيع أقوى.
مسألة [10]: إذا رهن الدابة أو متاعا غيرها فإن كان وكيلا في بيعه عند
الأجل باع وإلا استأذن الحاكم، فإن تعذر باع هو لقوله [صلى الله عليه وآله]:
لا ضرر ولا ضرار.
مسألة [11]: يدخل الآس في الرهن.
مسألة [12]: قوله: ولو اختفيا سلمه إلى الحاكم ولو غابا لم يجز له ذلك إلا
لضرورة، يريد بالأول اختفيا قصدا وبالثاني اتفاقا.
140

مسألة [13]: للرهن أقسام أربعة:
أ - شرط كل جزء من الرهن على كل جزء من الدين.
ب - شرط كل الرهن على كل الدين.
ج‍ - شرط كل الرهن وكل جزء منه على الدين وعلى كل جزء منه.
د - ألحق به كل جزء من الرهن على كل الدين.
مسألة [14]: الذي اخترناه في كتبنا أن كل عقد يتضمن شرطا باطلا فإن
العقد يبطل ببطلانه، وينبغي أن يستثني منه ما يتأكد به العقد، فإن بطلان الشرط
لا يقتضي بطلانه، كما لو شرط رهن شئ وشرط أجلا معينا وشرط أن يكون
مبيعا للمرتهن بعد الأجل، فإن الشرط المتضمن للبيع باطل ولا يبطل الرهن به،
وهذا شئ قد نبهنا عليه في تحرير الأحكام الشرعية.
مسألة [15]: قال عميد الدين رحمه الله تعالى: يجوز رهن الزرع قصيلا لكن
يشترط أن الحب الذي يتجدد داخل في الرهن.
مسألة [16]: قال: لو كان الرهن غائبا عن المتراهنين، كأن لم يكن في يد وكيله
وهو مفرع فخلى بينه وبينه صح القبض وإلا فلا.
مسألة [17]: قال: لو رهن دارا أو بستانا وهو مغلق عليه لم يصح الرهن وإن خلي
بينه وبينه، والمراد أن يرفع المالك يده ويضع المرتهن يده عليه بحيث
يمكنه التصرف فيه كما يتصرف المالك.
مسألة [18]: لا يكفي في قبول المرتهن الفعل بل لا بد من القبول النطقي.
141

مسألة [19]: لو كان الدين مؤجلا وعليه رهن موجل ومات المديون الراهن
حل الدين فهل يحل أجل الرهن أم لا؟
الجواب: يحل لأنه تابع.
مسألة [20]: لو كان الدين حالا هل يصح أن يرهن عليه رهنا مؤجلا أم لا؟
ومع جواز تأجيل الرهن على الدين الحال، هل إذا مات الراهن يحل أجل الرهن
أم لا؟
الجواب: الرهن المؤجل جائز بمعنى أن يقول: لا تبع إلا بعد شهر، فيصح.
مسألة [21]: لو شرط الوكالة للمرتهن في نفس عقد الرهانة لم يكن للراهن
فسخها فهل للمرتهن فسخها أو فسخ الوكالة أم لا؟
الجواب: نعم للمرتهن فسخها وأما الراهن، فإذا شرط استمرارها إلى انفكاك
الرهن لم يكن له الفسخ، ولو لم يشرط ذلك بل جعله وكيلا في نفس الأمر بأن
يقول: جعلته وكيلا، أو بشرط أن يوكله فأوقع صيغة الوكالة فيما بعد قال:
والذي فيه وجهان، قال: والأقوى استمرارها والعدم أقوى.
مسألة [22]: قوله في " القواعد ": ولو مات المرتهن ولم يعلم الرهن كان
كسبيل ماله.
أقول: هكذا قال الأصحاب، والتحقيق أنه إما أن يعتقد أن الرهن موجود أو
أنه تالف أو لا يعتقد إحديهما، وعلى التقديرين الأولين فلا يخلو إما أن يكون
الاعتقاد مطابقا أو لا، فالأقسام خمسة:
أ - أن يعتقد أن الرهن موجود ويكون مطابقا لكن يشتبه، وهذا لا يكون
كسبيل ماله بل يكون بمنزلة من اشتبه غير في ماله عنده.
ب - أن لا يكون مطابقا فهذا حكمه إن ظهر تلفه، فإن كان بتفريط ضمن وإلا
142

فلا، ومع الاختلاف الإحلاف.
ج‍ - أن يعتقد أنه تالف ويكون مطابقا، فإن فرط ضمن وإن لم يفرط لم
يضمن، وإن جهل فالأصح عدم التفريط، ومع الاختلاف الإحلاف.
د - أن لا يكون مطابقا، فحكمه قبل الظهور كهذا أو بعده إن علم بعينه أخذ
وإلا كان كالقسم الأول.
ه‍ - أن لا يعتقد إحداهما ويشتبه هل هو باق وقد اشتبه أو غير باق؟ وهل
تلف بتفريط أو لا فيحتمل عدم الضمان لأن الأصل عدم التفريط ولم يوجد، وعلى
هذا يكون كسبيل ماله يحل له التصرف لأنه لا يعلمه ويتجدد وجوب العوض أو
الرد عند العلم به ويحتمل الحكم بأصل البقاء، فيحتمل أن يكون الرد للقيمة،
والأولى الإحلاف عند الاختلاف.
143

كتاب الحجر والتفليس
الخلاف كتاب الحجر
مسألة 1: الإنبات دلالة على بلوغ المسلمين والمشركين.
وقال أبو حنيفة: الإنبات ليس بدلالة على بلوغ المسلمين، ولا المشركين،
ولا يحكم به بحال.
وقال الشافعي: هو دلالة على بلوغ المشركين، وفي دلالته على بلوغ
المسلمين قولان.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأخبارهم من غير تفصيل.
وأيضا ما حكم به سعد بن معاذ في بني قريظة، فإنه قال: حكمت بأن يقتل
مقاتلهم، ويسبى ذراريهم، وأمر بأن يكشف عن مؤتزرهم، فمن أنبت فهو من
المقاتلة، ومن لم ينبت فهو من الذراري، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وآله
فقال: لقد حكم سعد بحكم الله من فوق سبع سماوات، وروي سبعة أرقعة.
مسألة 2: يراعى في حد البلوغ في الذكور، بالسن خمس عشرة سنة. وبه
قال الشافعي.
وفي الإناث تسع سنين.
وقال الشافعي: خمس عشرة سنة مثل الذكور.
وقال أبو حنيفة: الأنثى تبلغ باستكمال سبع عشرة سنة.
وفي الذكور عنه روايتان.
147

إحديهما: يبلغ باستكمال تسع عشرة سنة، وهي رواية الأصل.
والأخرى: ثمان عشرة سنة، وهي رواية الحسن بن زياد اللؤلؤي.
وحكي عن مالك أنه قال: البلوغ: بأن يغلظ الصوت، وأن ينشق
الغضروف - وهو رأس الأنف -، وأما السن فلا يتعلق به البلوغ.
وقال داود: لا يحكم بالبلوغ بالسن.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأخبارهم قد أوردناها في الكتاب الكبير.
وروى أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وآله قال: إذا استكمل المولود
خمس عشرة سنة كتب ماله، وما عليه، وأخذت منه الحدود.
وروى عبد الله بن عمر أنه قال: عرضت على رسول الله صلى الله عليه وآله
عام بدر وأنا ابن ثلاث عشرة سنة فردني، ولم يرني بلغت، وعرضت عام أحد وأنا
ابن أربع عشرة سنة فردني، ولم يرني بلغت، وعرضت عام الخندق وأنا ابن
خمس عشرة سنة، فأجازني في المقاتلة.
فنقل الحكم وهو الرد والإجازة، وسببه وهو السن.
مسألة 3: لا يدفع المال إلى الصبي، ولا يفك حجره حتى يبلغ بأحد ما
قدمنا ذكره، ويكون رشيدا وحده: أن يكون مصلحا لماله، عدلا في دينه، فإذا
كان مصلحا لماله غير عدل في دينه، أو كان عدلا في دينه غير مصلح لماله، فإنه
لا يدفع إليه ماله. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: إذا كان مصلحا لماله، ومدبرا له، وجب فك الحجر عنه،
سواء كان عدلا في دينه، مصلحا له، أو لم يكن.
دليلنا: قوله تعالى: فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم، فاشترط
الرشد، ومن كان فاسقا في دينه كان موصوفا بالغي، ومن وصف بالغي لا
يوصف بالرشد، لأن الغي والرشد صفتان متنافيتان، لا يجوز اجتماعهما.
ولأنه إذا كان عدلا في دينه، مصلحا لماله، فلا خلاف في جواز دفع المال
148

إليه، وليس على جواز الدفع مع انفراد إحدى الصفتين دليل.
وروي عن ابن عباس أنه قال في قوله تعالى: فإن آنستم منهم رشدا، هو أن
يبلغ ذا وقار، وحلم، وعقل.
ويدل أيضا على ذلك قوله تعالى: ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله
لكم قياما، والفاسق سفيه.
والأخبار التي نتفرد بروايتها كثيرة في هذا المعنى ذكرناها في كتابنا الكبير.
مسألة 4: إذا بلغ من وجد فيه الرشد فك حجره، وإن لم يؤنس منه الرشد
لم يفك حجره إلى أن يصير شيخا كبيرا. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: إذا بلغ خمسا وعشرين سنة، فك حجره على كل حال،
ولو تصرف في ماله قبل بلوغ خمس وعشرين سنة صح تصرفه بالبيع والشراء و
الإقرار.
دليلنا: قوله تعالى: فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم، وهذا لم
يؤنس منه الرشد، وقوله تعالى: ولا تؤتوا السفهاء أموالكم، وهذا سفيه فيجب أن لا
يؤتى المال.
مسألة 5: إذا بلغت المرأة وهي رشيدة، دفع إليها مالها، وجاز لها أن
تتصرف فيه، سواء كان لها زوج أو لم يكن. وبه قال الشافعي.
وقال مالك: إن لم يكن لها زوج، لم يدفع إليها مالها، وإن كان لها زوج
دفع إليها، لكن لا يجوز لها أن تتصرف فيه إلا بإذن زوجها.
دليلنا: إجماع الفرقة، وقوله تعالى: حتى إذا بلغوا النكاح، وإنما المعنى
وقت النكاح، وأيضا قوله تعالى: فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم،
ولم يشترط الزوج، فمن ادعى فعليه الدلالة.
149

مسألة 6: إذا كان لها زوج فتصرفها لا يفتقر إلى إذن زوجها، وروي أن
ذلك يستحب لها. وبه قال الشافعي.
وقال مالك: لا يجوز لها التصرف إلا بإذن زوجها.
دليلنا: قوله تعالى: فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم، ولم يشرط
الزوج، ولا إذنه، فمن ادعاه فعليه الدلالة.
وروي أن أم الفضل أرسلت إلى رسول الله قدحا من لبن، وهو واقف بعرفة،
فشربه، ولم يسأل عن إذن زوجها.
وروي أن أسماء بنت أبي بكر قالت: يا رسول الله أتتني أمي راغبة أأصلها؟
فقال النبي صلى الله عليه وآله: نعم، ولم يعتبر إذن زوجها الزبير.
مسألة 7: إذا بلغ الصبي، وأونس منه الرشد، ودفع إليه ماله، ثم صار
مبذرا مضيعا لماله في المعاصي، حجر عليه. وبه قال الشافعي، ومالك، وأحمد
وإسحاق، والأوزاعي، وأبو ثور، وأبو عبيد وغيرهم، وهو مذهب أبي يوسف،
ومحمد.
وقال أبو حنيفة وزفر: لا يحجر عليه وتصرفه نافذ في ماله.
وحكي ذلك عن النخعي وابن سيرين.
دليلنا: قوله تعالى: فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا
يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل.
وقيل: السفيه المبذر، والصغير، والشيخ الكبير، والذي لا يستطيع أن يمل
المغلوب على عقله.
فدل هذا على أن المبذر يحجر عليه.
وأيضا قوله تعالى: ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما
والمبذر سفيه، فوجب أن لا يدفع إليه المال.
وروي تفسير هذه الآية عن ابن عباس: أن لا يدفع الإنسان ماله إلى امرأته،
150

وإلى من يلزمه نفقته، ولكن يحفظه بنفسه، وينفق منه بالمعروف.
وأيضا قال الله تعالى: إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين، فذم المبذر، فوجب
المنع، ولا يصح المنع إلا بالحجر.
وروي عن النبي عليه السلام أنه قال: اقبضوا على أيدي سفهائكم، ولا يصح
القبض إلا بالحجر.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: إن الله كره لكم ثلاثا - قيل:
وما هي؟ قال: - كثرة السؤال، وإضاعة المال، وما يكرهه الله تعالى لا يكون إلا
محرما، ويجب المنع منه.
وروى عروة بن الزبير أن عبد الله بن جعفر ابتاع بيعا، فأتى الزبير، فقال
له: إني قد ابتعت بيعا، وأن عليا يريد أن يأتي عثمان ويسأله الحجر على،
فقال الزبير: أنا شريكك في البيع، ثم أتى على عثمان، فقال له: إن
ابن جعفر ابتاع بيع كذا، فاحجر عليه، فقال الزبير: أنا شريكه في البيع،
فقال عثمان: كيف أحجر على رجل شريكه الزبير.
ولم يقل عثمان، ولا أحد: أن الحجر على العاقل لا يجوز.
وروى أبو بكر بن المنذر أن عثمان مر بسبخة، فسأل عنها، فقالوا لفلان،
اشتراها عبد الله بن جعفر بستين ألفا، فقال: ما يسرني أنها لي بنعلي هذه، ثم لقي
عليا، فقال له: ألا تأخذ على يد ابن أخيك، اشترى سبخة بستين ألفا، ما يسرني
أنها بنعلي.
وهذا يدل على أن الحجر جائز بإجماع الصحابة، لأن أحدا منهم لم ينكره،
وإنما دفعه الزبير بالمشاركة، وامتنع عثمان لكون الزبير شريكا فيه.
مسألة 8: إذا صار فاسقا إلا أنه غير مبذر، فالأحوط أن يحجر عليه.
وللشافعي فيه وجهان:
أحدهما مثل ما قلناه، وهو اختيار أبي العباس بن سريج.
151

والثاني: لا يحجر عليه وهو اختيار المزني.
دليلنا: قوله تعالى: ولا تؤتوا السفهاء أموالكم، وروي عنهم عليه السلام
أنهم قالوا: شارب الخمر سفيه، فوجب أن يمنع دفع المال إليه.
مسألة 9: المحجور عليه إذا كان بالغا يقع طلاقه. وبه قال جميع الفقهاء إلا ابن
أبي ليلى، فإنه قال: لا يملك طلاقه.
دليلنا: قوله تعالى: الطلاق مرتان - إلى قوله - فإن طلقها فلا تحل له من
بعد حتى تنكح زوجا غيره، ولم يخص. وآيات الطلاق كلها كذلك.
وأيضا فهي مسألة إجماع، وابن أبي ليلى لا يعتد به إذا كان الإجماع
بخلافه.
152

الخلاف
كتاب التفليس
مسألة 1: المفلس في الشرع: من ركبته الديون، وماله لا يفي بقضائها، فإذا
جاء غرماؤه إلى الحاكم، وسألوه الحجر عليه، فإنه يجب على الحاكم أن يحجر
عليه إلا مقدار نفقته إذا ثبت عنده دينهم، وأنه حال غير مؤجل، وأن صاحبهم
مفلس لا يفي ماله بقضاء دينهم، فإذا ثبت جميع ذلك عنده، فلسه وحجر عليه.
وتعلق بحجره ثلاثة أحكام:
أحدها: أنه يتعلق ديونهم بعين المال الذي في يده.
والثاني: أنه يمنع من التصرف في ماله، وإن تصرف لم يصح تصرفه.
والثالث: أن كل من وجد من غرمائه عين ماله عنده، كان أحق به من
غيره.
وقد روي: أنه يكون أسوة للغرماء، ويتعلق دينه بذمته.
والصحيح الأول.
وإن مات هذا المديون قبل أن يحجر الحاكم عليه، فهو بمنزلة ما لو حجر
عليه في حال الحياة، يتعلق بماله الأحكام الثلاثة التي ذكرناها. وبه قال علي عليه السلام،
وعثمان بن عفان، وأبو هريرة، وفي الفقهاء أحمد، وإسحاق، والشافعي.
وقال أبو حنيفة: لا يجوز للغرماء أن يسألوا الحاكم الحجر عليه، فإن سألوه
وأدى اجتهاده إلى الحجر عليه، فإن ديونه لا تتعلق بعين ماله، بل تكون في ذمته،
153

ويمنع من التصرف في ماله كما قلناه، لأن حجر الحاكم عنده صحيح، ولا
يجوز لمن وجد من الغرماء عين ماله أن يفسخ البيع، وإنما يكون أسوة للغرماء
كما رويناه في بعض الأخبار، وكذا الحكم إذا مات.
وقال مالك مثل قولنا إذا حجر عليه الحاكم، فأما بعد الموت فإنه قال:
يكون أسوة للغرماء، ولا يكون صاحب العين أحق بها من غيره.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وقد أوردناها في الكتابين، وبينا الوجه في
الرواية التي تخالفها.
وروى أبو هريرة قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وآله أيما رجل مات أو
أفلس، فصاحب المتاع أحق بمتاعه إذا وجده بعينه.
وروى غياث بن إبراهيم، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، أن عليا كان يفلس
الرجل إذا التوى على غرمائه، ثم يأمر به
فيقسم ماله بينهم بالحصص، فإن أبي، باعه فقسمه بينهم، يعني: ماله.
وروى إسحاق بن عمار، عن جعفر، عن أبيه: أن عليا عليه السلام كان يفلس
الرجل إذا التوى على غرمائه، ثم يأمر فيقسم ماله بينهم بالحصص، فإن أبي باعه
فيقسم بينهم. يعني: ماله.
فأما المسألة الثالثة يدل عليها ما رواه حماد بن عيسى، عن عمر بن يزيد، عن
أبي الحسن عليه السلام، قال: سألته عن الرجل يركبه الدين، فيوجد متاع رجل
عنده؟ قال: لا يحاصه الغرماء.
مسألة 2: إذا مات المديون عليه، فكل من وجد من غرمائه عين ماله كان
أحق بها إذا كان خلف وفاء للباقين، وإن لم يخلف إلا الشئ بعينه كانوا سواء،
ولم يكن واحد منهم أحق من غيره بعين ماله.
وقال أبو سعيد الإصطخري: كل من وجد من غرمائه عين ماله فهو أحق
بها، سواء خلف وفاء أو لم يخلف.
154

وقال الباقون من أصحاب الشافعي: إذا خلف وفاء للديون، لم يكن لأحد
أن يأخذ عين ماله، وإنما له ذلك إذا لم يخلف غيره، عكس ما قلناه.
دليلنا: إجماع الفرقة.
وأيضا روى محمد بن علي بن محبوب، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن
محبوب، عن أبي ولاد قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل باع من رجل
متاعا إلى سنة، فمات المشتري قبل أن يحل ماله، وأصاب البائع متاعه بعينه، أله
أن يأخذه إذا تحقق له؟، قال: فقال: إن كان عليه دين وترك نحوا من مقدار ما
عليه، فليأخذ إن تحقق له، فإن ذلك حلال له، وإن لم يترك نحوا من دينه، فإن
صاحب المتاع كواحد ممن له عليه شئ، يأخذ بحصته، ولا سبيل له على
المتاع.
مسألة 3: إذا باع شقصا من أرض، أو دار، ولم يعلم شريكه بالبيع حتى
فلس المشتري، فلما سمع جاء يطالبه بالشفعة، فإنه يستحق الشفعة، ويؤخذ ثمن
الشقص منه، فيكون بينه وبين الغرماء الباقين.
وللشافعي فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: وهو الصحيح عند أصحابه، مثل ما قلناه.
والثاني: أن البائع أحق بعين ماله، ولا حق للشفيع ولا لسائر الغرماء.
والثالث: أن الشفيع يأخذ الشقص بالشفعة، ويؤخذ منه الثمن، فيخص به
شريكه البائع، ولا حق للغرماء فيه.
دليلنا: أن المشتري إذا فلس، انتقل الملك عنه إلى حق الغرماء، فلم يكن
عين المبيع قائما، فلا يكون البائع أحق به، لأن حق الشفيع ثابت على المشتري
حين العقد، فيؤخذ ثمنه منه، فيكون أسوة للغرماء، ولا يكون أحق بالثمن، لأن
الحق إنما يثبت له في عين ماله، فأما في ثمنه فلا دلالة على ذلك.
155

مسألة 4: إذا اختار عين ماله في الموضوع الذي له ذلك، فقال له الغرماء:
نحن نعطيك ثمنه، ونسقط حقك من العين، لم يجب عليه قبوله، وله أخذ العين، و
يكون فائدته أن ثمن العين ربما كان أكثر، فيرتفق الغرماء بذلك. وبه قال
الشافعي.
وقال مالك: يجبر على قبض الثمن، وسقط حقه من العين.
دليلنا: عموم الأخبار في أنه أحق بعين ماله، فمن خصصها فعليه الدلالة.
مسألة 5: إذا باع رجل من رجل عبدين قيمتهما سواء بثمن، وأفلس
المشتري بالثمن، وكان قد قبض منه قبل الإفلاس نصف ثمنهما، فإن حقه يثبت
في العين. وبه قال الشافعي في الجديد.
وقال في القديم: إذا قبض بعض ثمن العين، لم يكن له فيها حق إذا
وجدها. وبه قال مالك.
دليلنا: قوله عليه السلام: فصاحب المتاع أحق بمتاعه إذا وجده بعينه.
وهذا وجد عين متاعه، فيجب أن يكون أحق.
مسألة 6: إذا باع زيتا، فخلطه المشتري بأجود منه، ثم أفلس المشتري
بالثمن، سقط حق البائع من عين الزيت، وبه قال الشافعي.
وقال المزني: لا يسقط حقه من عينه.
دليلنا: أن عين زيته نافذة، بدلالة أنها ليست موجودة مشاهدة، لأنا لا
نشاهدها، ولا من طريق الحكم، لأنه ليس له أن يطالب بقسمته. وإذا لم تكن
موجودة من الوجهين، كانت بمنزلة التالفة، فسقط حقه من عينها.
مسألة 7: إذا باع رجل ثوبا من رجل وكان خاما، فقصره أو قطعه
قميصا، وخاطه بخيوط منه، أو باعه حنطة فطحنها، أو غزلا فنسجه، ثم أفلس
156

بالثمن، ثم وجد البائع عين ماله، فالبائع أحق بعين ماله، ويشاركه المفلس فيها،
ويستحق أجرة المثل في العمل عليه. وهو اختيار الشافعي.
وقال المزني: لا يشاركه فيها، ويختص البائع بها.
دليلنا: أن هذه الصنائع إذا كان لها أجرة، والعمل غير منفصل من العين،
فيجب أن يشاركه صاحب العين فيها بصنعته، وإلا أدى إلى بطلان حقه، وذلك
لا يجوز.
مسألة 8: إذا قسم الحاكم مال المفلس بين غرمائه، ثم ظهر غريم آخر،
فإن الحاكم ينقض القسمة، ويشاركهم هذا الغريم فيما أخذوه. وبه قال الشافعي.
وقال مالك: لا ينقض الحاكم القسمة، وإنما يكون دين هذا الغريم فيما
يظهر للمفلس من المال بعد ذلك.
دليلنا: عموم الأخبار التي رويناها في أن المال يقسم بين الغرماء، وذلك
عام في من حضر ومن لم يحضر، فينبغي أن يكون مستحقا للقسمة، وإذا قسم في
غيره لم يبطل قسمته، لأنه لا دليل عليه.
مسألة 9: عندنا أن للحاكم أن يحجر على من عليه الدين. وبه
قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: لا يجوز له الحجر عليه بحال، بل يحبسه أبدا إلى
أن يقضيه.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وقد أوردناها فيما مضى.
مسألة 10: يجوز للحاكم أن يبيع مال المفلس، ويقسمه بين الغرماء. وبه
قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: ليس له بيعه، وإنما يجبره على بيعه، فإن باعه وإلا حبسه إلى
أن يبيعه، ولا يتولاه بنفسه من غير اختياره.
157

دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وقد أوردناها فيما مضى.
وأيضا روى كعب بن مالك: أن النبي صلى الله عليه وآله حجر على معاذ،
وباع عليه ماله في دينه. وهذا يقتضي أنه باعه بغير اختياره.
وأيضا روي عن عمر بن الخطاب، أنه خطب الناس وقال: ألا إن الأسيفع
أسيفع جهينة، قد رضي من دينه وأمانته بأن يقال: قد سبق الحاج، فأدان معرضا،
فأصبح وقد رين به، فمن كان له عليه دين، فليحضر غدا، فإنا بائعو ماله،
وقاسموه بين غرمائه.
ولا يعرف له مخالف.
مسألة 11: إذا أفلس الرجل، وحجر عليه الحاكم، ثم تصرف في ماله إما
بالهبة، أو البيع، أو الإجارة، أو الكتابة، أو الوقف كان تصرفه باطلا.
وللشافعي فيه قولان:
أحدهما: مثل ما قلناه، وهو اختيار المزني، وهو الصحيح عندهم.
والثاني: أن تصرفه موقوف، ويقسم ماله سوى ما تصرف فيه بين غرمائه،
فإن كان وفا لهم صح تصرفه، وإن لم يف بطل تصرفه.
دليلنا: ظاهر الخبر أنه كان يفلس الرجل، فإذا ثبت ذلك، فمن خالف أمر
الإمام أو النائب عنه كان تصرفه باطلا، ولأنه كان يؤدى إلى أنه لا فائدة للحجر
متى فرضنا أن تصرفه يكون صحيحا.
مسألة 12: إذا أقر المحجور عليه بدين لغيره، وزعم أنه كان عليه قبل
الحجر قبل إقراره، وشارك الغرماء. وهو اختيار الشافعي، وقال: وبه أقول.
وله قول آخر: وهو أن يكون في ذمته، يقضى من الفاضل من دين غرمائه.
دليلنا: أن إقراره صحيح، وإذا ثبت صحته، فالخبر على عمومه في قسمة
ماله بين غرمائه، فمن خصصه فعليه الدلالة.
158

مسألة 13: من كان عليه ديون حالة ومؤجلة، وحجر عليه الحاكم بسبب
الديون الحالة، لا تصير المؤجلة حالة. وبه قال المزني، وهو الصحيح من أحد
قولي الشافعي عند أصحابه.
وقوله الآخر: أنها تصير حالة. وبه قال مالك.
دليلنا: أن الأصل كونها مؤجلة، ولا دليل على أنها تصير غير مؤجلة، فمن
ادعى ذلك فعليه الدلالة.
مسألة 14: من مات وعليه دين مؤجل، حل عليه بموته. وبه قال أبو حنيفة،
والشافعي، ومالك، وأكثر الفقهاء. إلا الحسن البصري، فإنه قال: لا تصير
المؤجلة حالة بالموت.
فأما إذا كانت له ديون مؤجلة، فلا تحل بموته بلا خلاف، إلا رواية شاذة
رواها أصحابنا أنها تصير حالة.
دليلنا على بطلان مذهب الحسن: إجماع الفرقة، بل إجماع المسلمين، لأن
خلافه قد انقرض، ولأنه واحد لا يعتد به لشذوذه.
مسألة 15: إذا أفلس من عليه الدين، وكان ما في يده لا يفي بقضاء ديونه،
لا يؤاجر ليكتسب، ويدفع إلى الغرماء. وبه قال أبو حنيفة، والشافعي، ومالك،
وأكثر الفقهاء.
وقال أحمد، وإسحاق، وعمر بن عبد العزيز، وعبيد الله بن الحسن العنبري،
وسوار بن عبد الله القاضي: أنه يؤاجر، ويؤخذ أجرته، فتقسم بين غرمائه.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، ولا دليل على وجوب إجارته وتكسبه.
وأيضا قوله تعالى: وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة، ولم يأمر
بالكسب.
159

مسألة 16: المفلس إذا ماتت زوجته، وجب أن يجهزها من ماله.
وللشافعي فيه قولان:
أحدهما: يجب عليه تجهيزها ونفقتها.
والثاني: لا يجب ذلك عليه.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأخبارهم على أن كفن المرأة على زوجها، وذلك
عام في كل موضع.
مسألة 17: لا يجب على المفلس بيع داره التي يسكنها، ولا خادمه الذي
يخدمه.
وقال الشافعي: يجب عليه ذلك. وبه قال باقي الفقهاء.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، ولأنه لا دليل على وجوب بيع ذلك
عليه.
مسألة 18: المفلس إذا ادعى على غيره مالا، ولم تقم له بينة، فرد عليه
اليمين فلم يحلف، لا يرد على الغرماء اليمين.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما: قاله في الجديد مثل قولنا.
والثاني: قاله في القديم: أنه يرد على الغرماء، فإذا حلفوا استحقوا المال
وقسموه بينهم.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة من الأيمان، وإيجاب رد اليمين على الغرماء
يحتاج إلى الدلالة.
مسألة 19: إذا باع الوكيل على رجل ماله، أو الولي مثل: الأب، والجد، و
الحاكم، وأمينه، والوصي ثم استحق المال على المشتري، فإن ضمان العهدة
يجب على من يبيع عليه ماله، فإن كان حيا كان في ذمته، وإن كان ميتا كانت
160

العهدة في تركته. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: يجب على الوكيل.
وقال في الحاكم وأمينه: أنهما لا يضمنان.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، ولا دليل على لزوم ذلك للوكيل أو
هؤلاء، فيجب أن يلزم الموكل، وإلا لم يكن من يستحق عليه.
مسألة 20: إذا كان للمفلس دار، فبيعت في دينه، وباعها أمين القاضي،
وقبض الثمن، فهلك في يده، واستحقت الدار، فإن العهدة تكون في مال المفلس،
فيوفي المشتري جميع الثمن الذي وزنه في ثمن الدار. وبه قال الشافعي على ما
نقله المزني.
وروى حرملة عنه أنه قال: يكون المشتري كأحد الغرماء، فيضرب معهم
بما وزن من الثمن، ويأخذ ما يخصه من المال.
وقال أصحابه: هذه المسألة على قولين.
ومنهم من قال: على طريقين.
دليلنا: أن المال أخذ منه ببيع لم يسلم له، فوجب أن يرد عليه الثمن،
وليس هذا دينا له على المفلس، فيكون كأحد الغرماء، ومن ألحقه بهم فعليه
الدلالة.
مسألة 21: تقبل البينة على إعسار الإنسان. وبه قال أبو حنيفة، والشافعي.
وقال مالك: لا تقبل الشهادة على الإعسار، سواء كان الشهود من أهل
المعرفة الباطنة به، أو لم يكونوا.
دليلنا: أن هذه الشهادة ليست على مجرد النفي، وإنما يتضمن إثبات صفة
في الحال وهي الإعسار، فوجب أن تكون مقبولة مثل سائر الحقوق والصفات.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال لقبيصة بن مخارق: المسألة
161

حرمت إلا في ثلاث: رجل يحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يؤديها ثم
يمسك، ورجل أصابته فاقة وحاجة حتى يشهد أو يحكم ثلاثة من قومه من ذوي
الحجى أن به فاقة وحاجة، فحلت له المسألة حتى يصيب سدادا
من عيش أو قواما من عيش.
وهذا نص في إثبات الفقر بالبينة.
مسألة 22: إذا قامت البينة على الإعسار وجب سماعها في الحال. وبه قال
الشافعي.
وقال أبو حنيفة: يحبس المفلس شهرين. هذا رواية الأصل.
وقال الطحاوي: يحبس شهرا. وروي أربعة أشهر ثم يسمع البينة.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، مثل ما روي عن علي عليه السلام أنه كان
يحبس في الدين، فإذا تبين إفلاسه خلي سبيله.
مسألة 23: إذا أقام البينة من عليه الدين على إعساره، وسأل الغرماء يمينه،
كان لهم ذلك. وللشافعي فيه قولان:
روى الربيع أن هذه اليمين استظهار.
والظاهر من رواية حرملة أنها إيجاب.
دليلنا: أن الشاهدين يشهدان على ظاهر الحال، ويجوز أن يكون له مال لا
يقف عليه أحد، فيتوجه عليه اليمين، والاحتياط يقتضيه، ولا يؤدى إلى تكذيب
الشهود، لأن الشهود يشهدون على ظاهر الحال دون الباطن.
مسألة 24: إذا ثبت إعساره، وخلاه الحاكم، لم يجز للغرماء ملازمته إلى
أن يستفيد مالا. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: يجوز لهم ملازمته، فيمشون معه ولا يمنعونه من التكسب
162

والتصرف، فإذا رجع إلى بيته فإن أذن لهم في الدخول معه دخلوا، وإن لم يأذن
لهم منعوه من دخوله، وبيتوه برا معهم.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة من ذلك، والمنع منه، ومن أوجب ذلك
فعليه الدلالة.
وأيضا قوله تعالى: وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة، ولم يذكر
الملازمة.
وروى أبو سعيد الخدري أن رجلا أصيب في ثمار ابتاعها، فكثر دينه، فقال
النبي صلى الله عليه وآله: تصدقوا عليه فلم يبلغ وفاء دينه، فقال النبي صلى الله عليه وآله: خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك.
وهذا يدل على أنه ليس لهم ملازمته، وليس لهم إلا ما وجدوه.
مسألة 25: إذا فك حجره، فادعى الغرماء أن له مالا، سأله الحاكم، فإن
أقربه ولم يكن المال وفاء لديونهم، وحدث ديان آخر بعد فك الحجر، سرى في
قسمته بين الغرماء الذين حدثوا بعد فك الحجر عنه وبين الأولين. وبه قال
الشافعي.
وقال مالك: يختص به الغرماء الذين حدثوا بعد فك الحجر.
دليلنا: أن هذه ديون تساوت في الثبوت، والذمة خالية من الحجر، فيجب
أن تتساوى في القسمة، لأن تخصيص قوم دون قوم يحتاج إلى دليل.
مسألة 26: من كان له على غيره مال مؤجل إلى شهر، وأراد من عليه الدين
السفر إلى موضع بعيد مدة سنة، لم يكن لصاحب الدين منعه منه ولا مطالبته
بالكفيل. وبه قال الشافعي، وأبو حنيفة.
وقال مالك: له مطالبته بالكفيل.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة من المطالبة بالكفيل، فمن أوجب عليه فعليه
163

الدلالة.
مسألة 27: إذا كان سفره إلى الجهاد، فليس له أيضا منعه منه. وهو ظاهر
قول الشافعي، وبه قال المزني من أصحابه.
وفي أصحابه من قال: له المطالبة بالوثيقة، أو منعه من الجهاد.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
ويدل على المسألتين أيضا: أن هذا المدعي لا يستحق على صاحبه شيئا في
الحال، فكيف يطالبه بإقامة كفيل في الحال.
164

المبسوط
كتاب الحجر
الحجر في اللغة: هو المنع والحظر والتضييق، بدلالة قوله تعالى: " حجرا
محجورا " أي حراما محرما ومنه " هل في ذلك قسم لذي حجر " أي لذي عقل،
وسمي العقل حجرا لأنه يمنع من فعل ما لا يجوز فعله، وسمي حجر البيت لأن
الطائف ممنوع من الجواز فيه. ويقال للدار المحوطة: محجرة، لأن بناءها يمنع
من استطراق الناس فيها.
فإذا ثبت هذا فالمحجور عليه إنما سمي بذلك لأنه يمنع ماله من التصرف
فيه، والحجر على ضربين:
أحدهما: حجر على الإنسان بحق غيره.
والثاني: حجر عليه بحق نفسه.
فأما المحجور عليه بحق غيره فهو المفلس بحق الغرماء، والمريض محجور
عليه في ثلثي ماله بحق ورثته عند من قال بذلك - لأن فيه خلافا بين الطائفة -
والمكاتب محجور عليه فيما في يده بحق سيده، وبيان هؤلاء يذكر فيما بعد إن
شاء الله تعالى.
وأما المحجور عليه بحق نفسه فهو الصبي والمجنون والسفيه.
وهذا الكتاب مقصور على ذكر الحجر على هؤلاء.
والأصل في الحجر على الصبي قوله تعالى: " وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا
165

النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم "، وقوله " وابتلوا " أراد "
وامتحنوا " لأن الابتلاء الاختيار في اللغة، واليتيم من مات أبوه قبل بلوغه، فأما
من مات أبوه بعد بلوغه فلا يكون يتيما لما رواه علي عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: لا يتم بعد الحلم، وكذلك إذا ماتت أمه قبل بلوغه لا يكون
يتيما حقيقة، وقوله تعالى: " فإن آنستم منهم رشدا " أي علمتم فوضع الإيناس
موضع العلم وهو إجماع لا خلاف فيه.
إذا ثبت هذا فالصبي محجور عليه ما لم يبلغ، والبلوغ يكون بأحد خمسة
أشياء: خروج المني وخروج الحيض والحمل والإنبات والسن، فثلاثة منها
يشترك فيها الذكور والإناث، واثنان ينفرد بهما الإناث، فالثلاثة المشتركة فهي
السن وخروج المني والإنبات، والاثنان اللذان تختص بهما الإناث فالحيض
والحمل، والمني إنما يراد به خروج الماء الذي يخلق منه الولد سواء خرج في
النوم أو اليقظة أو كان مختارا لإخراجه أو غير مختار له لقوله تعالى: " وإذا بلغ
الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا " وأراد به بلوغ الاحتلام، وقال صلى الله عليه وآله: رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يفيق، وعن
المغمى عليه حتى يصحو، وروي عن أم سلمة - رضي الله عنها - أنها قالت:
سألت النبي صلى الله عليه وآله عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل، فقال النبي صلى الله عليه وآله: إذا رأت ذلك فلتغتسل.
وأما الحيض فقد ذكرناه في كتاب الحيض وبينا صفته وكيفيته ومقداره.
وأما الدليل على أنه بلوغ، فما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال:
لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار، وأراد من بلغت الحيض فلا تصلي إلا بخمار
يسترها.
فإذا ثبت هذا وكان خنثى المشكل الأمر فأمنى من فرج الذكور لم يحكم
ببلوغه لأنه يجوز أن يكون أنثى، ويكون ذلك الفرج خلقة زائدة، وإنما يحكم
بالبلوغ إذا انفصل المني من محله الذي هو الأصل لأنه لو خرج المني من صلبه
166

لم يجب عليه الغسل ولم يحكم ببلوغه، وكذلك إذا خرج من فرج الذكور من
الخنثى لم يحكم ببلوغه ولم يلزمه الغسل، وإن خرج من فرج الإناث لم يحكم
ببلوغه أيضا لأنه يجوز أن يكون ذكرا وذلك خلقة زائدة، وإن لم يخرج مني
وخرج دم من فرج الإناث لم يحكم بالبلوغ أيضا لأنه يجوز أن يكون ذكرا
وذلك خلقة زائدة، وإنما يكون الدم بلوغا إذا خرج من محله الأصلي دون غيره،
وإن أمنى من الفرجين حكم ببلوغه لأنا نتيقن أن إحدى المحلين هو المحل الأصلي
والآخر خلقة زائدة، ومتى خرج المني منهما فقد تيقنا خروجه من المحل الأصلي،
وكذلك إن حاض من فرج الإناث وأمنى من فرج الذكر حكم بالبلوغ أيضا
لأنا تيقنا خروج ما يقع به البلوغ من محله، لأنه إن كان ذكرا انفصل المني عنه
من محله، وإن كان أنثى فقد انفصل الدم عنها من محله.
وأما الحمل فإنه ليس ببلوغ حقيقة وإنما هو علم على البلوغ، وإنما كان
كذلك لأن الله تعالى أجرى العادة أن المرأة لا تحبل حتى يتقدم منها حيض،
ولأن الحمل لا يوجد إلا بعد أن ترى المرأة المني، لأن الله تعالى أخبر أن الولد
مخلوق من ماء الرجل وماء المرأة بقوله: " يخرج من بين الصلب والترائب " أراد
من الصلب الرجل والترائب المرأة، وقوله " من نطفة أمشاج نبتليه " أراد
بالأمشاج الاختلاط والإنبات فإنه دلالة على البلوغ ويحكم معه بحكم البالغين،
ومن الناس من قال: إنه بلوغ.
فإذا ثبت هذا فثلاثة أشياء بلوغ وهي " الاحتلام " و " الحيض " و " السن "،
والحمل دلالة على البلوغ، وكذلك الإنبات على خلاف فيه، وإذا كان بلوغا فهو
بلوغ في المسلمين والمشركين، وإذا كان دلالة على البلوغ فمثل ذلك في كل
موضع، والاعتبار بإنبات العانة على وجه الخشونة التي يحتاج إلى الحق دون ما
كان مثل الزغب، ولا خلاف أن إنبات اللحية لا يحكم بمجرده بالبلوغ، وكذلك
سائر الشعور، وفي الناس من قال: إنه علم على البلوغ، وهو الأولى لأنه لم تجر
العادة بخروج لحية من غير بلوغ.
167

وأما السن فحده في الذكور خمسة عشر سنة، وفي الإناث تسع سنين،
وروي عشر سنين.
قد ذكرنا أن الصبي لا يدفع إليه ماله حتى يبلغ، فإذا بلغ وأونس منه الرشد
فإنه يسلم إليه ماله، وإيناس الرشد منه أن يكون مصلحا لماله عدلا في دينه، فأما
إذا كان مصلحا لماله غير عدل في دينه أو كان عدلا في دينه غير مصلح لماله فإنه
لا يدفع إليه ماله، ومتى كان غير رشيد لا يفك حجره وإن بلغ وصار شيخا،
ووقت الاختيار يجب أن يكون قبل البلوغ حتى إذا بلغ إما أن يسلم إليه ماله أو
يحجر عليه، وقيل: إنه يكون الاختيار بعد البلوغ، والأول أحوط لقوله تعالى: "
وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا " فدل على أنه يكون
قبله ولأنه لو كان الاختيار بعد البلوغ أدى إلى الحجر على البالغ الرشيد إلى أن
يعرف حاله وذلك لا يجوز.
فإذا ثبت ذلك فنحن نبين كيفية اختباره فيما بعد.
وجملته أن الأيتام على ضربين: ذكور وإناث، فالذكور على ضربين: ضرب
يبذلون في الأسواق ويخالطون الناس بالبيع والشراء، وضرب يصانون عن
الأسواق.
فالذي يخالطون الناس ويبذلون في الأسواق فإنه يعرف اختبارهم بأن
يأمره الولي أن يذهب إلى السوق ويساوم في السلع ويقاول فيها ولا يعقد العقد،
فإن رآه يحسن ذلك ولا يغبن فيه علم أنه رشيد وإلا لم يفك عنه الحجر، وقيل
أيضا: إنه يشتري له سلعة بغير أمره ويواطئ البائع على بيعها من اليتيم وينفذه
الولي إليه ليشتريها منه، وقيل أيضا: إنه يدفع إليه شيئا من المال ليشتري به سلعة
ويصح شراؤه للضرورة في حال صغره لنختبره.
وإن كان اليتيم ممن يصان عن الأسواق مثل أولاد الرؤساء والأمراء فإن
اختبارهم أصعب، فيدفع إليهم الولي نفقة شهر يختبرهم بها فينظر: فإن دفعوا إلى
أكرتهم وغلمانهم وعمالهم ومعامليهم حقوقهم من غير تبذير وأقسطوا في النفقة
168

على أنفسهم في مطاعمهم ومشاربهم ومحاسبهم سلم إليهم المال، وإن وجدهم
بخلاف ذلك لم يسلم إليهم.
وأما الإناث فإنه يصعب اختبارهن لأنهن لا يطلع عليهن أحد ولا يظهرن
لأحد فيدفع إليهن شيئا من المال، ويجعل نساء ثقات يشرفن عليهن فإن غزلن و
استغزلن ونسجن واستنسجن ولم يبذرن سلم المال إليهن، وإن كن بخلاف
ذلك لم يسلم إليهن، وإذا بلغت المرأة وهي رشيدة دفع إليها مالها وجاز لها أن
تتصرف فيه سواء كان لها زوج أو لم يكن، فإن كان لها زوج جاز لها أن
تتصرف في مالها بغير إذن زوجها، ويستحب لها ألا تتصرف إلا باذنه وليس
بواجب.
إذا بلغ الصبي وأونس منه الرشد ودفع إليه ماله ثم صار مبذرا مضيعا لماله
في المعاصي حجر عليه وإذا صار فاسقا إلا أنه غير مبذر لماله فالظاهر أنه يحجر
عليه لقوله تعالى: " ولا تؤتوا السفهاء أموالكم " وروي عنهم عليه السلام أنهم
قالوا: شارب الخمر سفيه، وقال قوم: إنه لا يحجر عليه، وإذا حجر الإمام عليه
لسفهه وإفساد ماله أشهد على ذلك، فمن باعه بعد الحجر فهو المتلف لماله وإنما
يراد بالإشهاد على حجره لينشر أمره ويظهر ولا يبايعه أحد، وإن رأى الإمام أن
ينادى به فعل ليعرف بذلك فعله.
وليس الإشهاد شرطا في صحة الحجر لأنه متى حجر ولم يشهد كان الحجر
صحيحا فإذا حجر عليه فبايعه إنسان بعد ذلك وثبت هذا بالبينة نظر: فإن كان
عين ماله باقيا في يد المحجور عليه رد عليه، وإن كان تالفا فلا يخلو من ثلاثة
أحوال: إما أن يكون قد قبضه وأتلفه بغير اختيار صاحبه أو قبضه وأتلفه باختيار
صاحبه أو قبضه باختيار صاحبه وأتلفه بغير اختياره.
فإن قبضه وأتلفه باختياره فهو مثل البيع والقرض فإن كان صاحبه يسلمه
إليه، ولا يجب عليه ضمانه في الحال ولا إذا فك عنه الحجر لأن ذلك بتفريط
صاحبه.
169

وإن كان قد قبضه وأتلفه بغير اختياره مثل الغصب فإن عليه ضمانه في
الحال ويدفع إليه من ماله مثل المجنون والصبي.
وإن قبضه باختياره وأتلفه بغير اختياره، مثل أن يكون أودعه وديعة فقبضها
وأتلفها قيل فيه قولان:
أحدهما: يجب عليه ضمانها لأنه أتلفها كالمغصوب.
والثاني: لا يلزمه لأنه سلطه عليه مثل البيع والقرض.
ومتى أطلق عنه الحجر ثم عاد إلى حال الحجر حجر عليه، ومتى رجع بعد
الحجر إلى حال الإطلاق أطلق عنه، فإذا ثبت هذا فإن حجر السفيه لا يثبت إلا
بحكم الحاكم ولا يزول إلا بحكم الحاكم فأما حجر المفلس لا يثبت إلا بحكم
الحاكم ويزول بقسمة ماله بين الغرماء، وقيل: إنه لا يزول إلا بحكم
الحاكم، والأول أقوى.
فأما حجر الصبي فإنه يزول عنه ببلوغه رشيدا، ولا يحتاج إلى حكم
الحاكم، وفي الناس من قال: لا بد فيه من حكم الحاكم، وهو خلاف الإجماع،
لأنه كان يقتضي أن يكون الناس كلهم محجورا عليهم لأن أحدا لا يحكم الحاكم
بفك الحجر عنه إذا بلغ.
وكل موضع قلنا: إن الحاكم يحجر عليه، فالنظر في ماله للحاكم مثل
السفيه والمفلس، وكل موضع قلنا: إنه يصير محجورا عليه، فالنظر في ماله للأب
والجد مثل الصبي والمجنون.
والمحجور عليه إذا كان بالغا يقع طلاقه بلا خلاف إلا ابن أبي ليلى فإنه
خالف فيه، ويجوز أيضا خلعه إلا أنه لا يجوز للمرأة أن تدفع العوض عن الخلع
إليه، وإن دفعت بدله إليه وقبضه لم يصح فيه ولا تبرأ المرأة منه، وإن تلف كان
من ضمانها وإنما تبرأ إذا سلمت إلى وليه، هذا في الطلاق.
وأما إذا تزوج بغير إذن وليه فنكاحه باطل، وإن تزوج باذنه صح النكاح،
والبيع إن كان بغير إذن وليه لم يصح، وإن كان باذنه قيل فيه وجهان: أحدهما
170

يصح كالنكاح، والثاني لا يصح، وهو الأقوى.
وإن أحرم بالحج نظر: فإن كانت حجة الإسلام أو فرضا لزمه بالنذر دفع
إليه من ماله نفقته ليسقط الفرض عن نفسه، وإن كان تطوعا نظر: فإن كانت نفقته
في السفر مثل نفقته في الحضر دفع إليه ولم يجز تحليله من إحرامه، وإن كانت
نفقته في سفره أكثر، فإن كان يمكنه أن يكسب الزيادة في الطريق وينفق على
نفسه لم يجز أن يتحلل وخلي سبيله حتى يخرج، ودفع إليه قدر نفقته في حضره
من ماله، وإن لم يكن له كسب وكانت نفقة سفره زائدة على نفقة حضره فإن
الولي يحلله من إحرامه، ويكون بمنزلة المحصر، ويتحلل بالصوم دون الهدي.
وكذلك إن حلف انعقدت يمينه وإن حنث كفر بالصوم دون المال، وإن
وجب له القصاص كان له استيفاؤه، وإن عفا على مال صح، وإن أقر بالنسب
صح الإقرار ولحق به النسب وينفق على ولده المقر به من بيت المال دون ماله.
171

المبسوط
كتاب المفلس
المفلس في اللغة: هو الفقير المعسر وهو مشتق من الفلوس، فكان معناه
" فنى خيار ماله وجيدة وبقى معه الفلوس ".
والمفلس في الشريعة: هو الذي ركبته الديون وماله لا يفي بقضائها، فهذا
يسمى في الشريعة مفلسا، فإذا جاء غرماؤه إلى الحاكم وسألوه الحجر عليه لئلا
ينفق بقية ماله فإنه يجب على الحاكم أن يحجر عليه إذا ثبت عنده دينهم، وأنه
حال غير مؤجل، وأن صاحبهم مفلس لا يفي ماله بقضاء دينهم، فإذا ثبت جميع
ذلك عند الحاكم فلسه وحجر عليه، فإذا فعل ذلك تعلق بحجره ثلاثة أحكام.
أحدها: أن تتعلق ديونهم بعين المال الذي في يده.
والثاني: أنه يمنع من التصرف في ماله، ولو تصرف فيه لم يصح.
والثالث: أن كل من وجد من غرمائه عين ماله عنده كان أحق به من غيره.
وإن مات هذا المديون قبل أن يحجر الحاكم عليه فهو بمنزلة ما لو حجر
عليه في حال الحياة وتتعلق بماله الأحكام الثلاثة التي ذكرناها، وقد روي أنه
يكون مع الغرماء بالسوية، وقد بينا الوجه في ذلك في الكتاب الكبير، وهو أنه
إذا خلف وفاء الدين الغرماء كان صاحب العين أحق بماله، وإن لم يخلف إلا
ذلك الشئ بعينه كان أسوة للغرماء، وهكذا الحكم بعد الموت وهذا هو
الأحوط.
173

وإذا كان أحق بعين ماله فهو بالخيار، إن شاء أخذ عين ماله وإن شاء تركه
وضرب مع سائر الغرماء بدينه، وهل الخيار يكون على الفور دون التراخي؟ وقد
قيل: إنه يكون على التراخي، والأول أحوط.
وإذا باع سهما له في أرض أو دار فلم يعلم شريكه بالبيع حتى فلس
المشتري، فلما جاء البائع يطالب بالثمن جاء الشفيع يطالب بالشفعة، فإنه يؤخذ
الثمن من الشفيع ويأخذ الشقص بالشفعة، ويكون هو وباقي الغرماء أسوة في
الثمن.
وقيل فيه وجهان آخران: وهو أن البائع أحق بعين ماله من الشفيع، وقيل:
إن الشفيع يأخذ الشقص بالثمن ويؤخذ منه الثمن فيخص به البائع، ولا حق
للغرماء فيه.
وعلى ما فصلناه نحن في المفلس، إن كان له وفاء لباقي الغرماء كان أولى
بالثمن لا بالشقص لأن الشقص قد بيع ونفذ البيع وأخذه الشفيع بالشفعة، وإن
خلف غيره كان أسوة للغرماء في الثمن إلا في العين في الموضع الذي نقول: إنه
أحق بعين ماله، فإذا اختار فقال له الغرماء: نحن نوفر عليك ثمنها بكماله ويسقط
حقك من العين، لم يجب عليه قبوله، وله أخذ العين، وتكون فائدتهم أن العين
تساوي أكثر من دينه الذي هو ثمنها، فيوفروا عليه الثمن ليتوفروا بقيمتها في
ديونهم.
وإذا عسر زوج المرأة بنفقتها كان لها المطالبة بفسخ النكاح، فإن بذل لها
أجنبي النفقة لم تجبر على قبولها وكان لها الامتناع منه.
وكذلك إذا كان لرجل على غيره دين فإنه لا يجبر صاحب الدين على
قبضه من غير من عليه.
وإذا أكرى الإنسان أرضا له فأفلس المستأجر بالأجرة كان لصاحب الأرض
فسخ الإجارة، فإن بذل له الغرماء الأجرة لم يلزمه إمضاؤها، ثم ينظر في الأرض:
فإن لم يكن فيها زرع استرجعها، وإن كان فيها زرع وكان قد كمل واستحصد
174

أجبر باقي الغرماء على حصده واسترجاع الأرض، وإن كان فيها زرع لم يبلغ
ولم يستحصد، فإن وفروا عليه الكراء وجب عليه قبوله لأنه إذا قبضه استقر ملكه
عليه ظاهرا وباطنا، وقد بينا أن البائع أحق بعين ماله إذا كان هناك وفاء
للغرماء في بقية ماله.
فإذا ثبت ذلك فالمال لا يخلو من ثلاثة أحوال: إما أن يجده البائع على حاله
أو ناقصا أو زائدا.
فإن وجده بحاله كان أحق به على ما بيناه.
وإن وجده ناقصا فلا يخلو من أحد أمرين: إما أن يكون نقصانا يمكن إفراده
بالبيع أو لا يمكن.
فإن كان يمكن إفراده بالبيع، مثل أن يكون باعه ثوبا فوجد بعضه أو باعه
عينين فوجد إحديهما مثل أن يكون عبدين أو ثوبين أو دابتين، فإن البائع بالخيار
إن شاء ترك ما وجده من عين ماله وضرب بالثمن مع الغرماء، وإن شاء أخذ
قدر ما وجد بحصته من الثمن وضرب مع الغرماء بما يخص التالف من الثمن،
لأن الثمن يتقسط عليهما على قدر قيمتهما، هذا إذا وجدها ناقصة نقصا يمكن إفراده
بالبيع.
فأما إن كان نقصا لا يمكن إفراده بالبيع مثل أن باعه عبدا فتلف بعض
أطرافه فإنه لا يخلو من أحد أمرين: إما أن يكون نقصا أوجب أرشا أو لا يوجب
أرشا.
فإن كان لا يوجب أرشا مثل أن تعمى عيناه أو إحديهما من غير جناية أو تقع
الآكلة في بعض أطرافه أو يكون المشتري جنى عليه جناية فإن جنايته لا توجب
الأرش لأنه ملكه، فإذا كان هكذا فالبائع بالخيار إن شاء ضرب بدينه مع
الغرماء وإن شاء أخذ العين ناقصة من غير أن يضرب مع الغرماء بما نقص منها
لأن الأطراف لا يقابلها الثمن ولا جزء منه.
وإن كان المبيع ناقصا نقصا يوجب الأرش مثل أن يكون عبدا فجنى عليه
175

أجنبي جناية توجب أرشا فإن الأرش الذي يؤخذ منه يكون للمشتري، لأنه بدل
جزء تلف، فالبائع بالخيار بين أن يتركه ويضرب مع الغرماء بدينه، وبين أن
يأخذه ويضرب بقسط ما نقص بالجناية من الثمن مع الغرماء.
وأما إذا وجد المال زائدا فإنه لا يخلو من أحد أمرين: إما أن يجده زائدا زيادة
منفصلة أو زيادة متصلة.
فإن كانت زيادة منفصلة مثل أن يبيعه نخيلا فتثمر في يده أو حيوانا فينتج
في يده فإنه بالخيار إن شاء ضرب مع الغرماء بالثمرة وإن شاء رجع بالعين دون
النماء.
وإن كانت الزيادة متصلة مثل أن يبيعه حيوانا فيكبر أو يسمن أو يتعلم صنعة
فللبائع أن يرجع في العين ويتبعها النماء، لأن هذا النماء يتبع الأصل فإذا فسخ
العقد في العين تبعته هذه الزيادة.
إذا باع نخلا وشرط المبتاع ثمرتها ثم اجتاحت الثمرة بعد ما قبض النخل
أو أكلها ثم أفلس بالثمن فوجد البائع النخيل جرداء لا ثمرة عليها فإنه بالخيار إن
شاء ضرب بدينه مع الغرماء وترك النخيل يباع في دينه وإن شاء أخذ النخيل
وضرب مع الغرماء بقسط ما يخص الثمرة من الثمن.
وطريق معرفة ذلك أن يقال: كم تساوي هذه النخل مع ثمرتها؟ فإذا
قيل: مائة درهم، قيل: وكم تساوي جرداء بلا ثمرة؟ فإذا قيل: تسعين، تبينا أن
الثمرة يخصها عشر القيمة فيضرب البائع مع الغرماء بعشر الثمن وتعتبر هذه
القيمة يوم قبضه لا يوم أكله ولا يوم إصابته الجائحة، وقيل: إنه يعتبر بأقل ما كان
قيمته من حين العقد إلى حين القبض.
وإذا باع نخلا قد أطلعت ولم تؤبر فالطلع للمشتري، فإذا قبضها وأفلس
بالثمن واجتاح الطلع أو أكله المفلس ووجد البائع النخيل جرداء أو أراد الرجوع
في النخل فإنه يقوم الطلع ويقسم الثمن على قدر قيمتها، فما قابل الطلع يضرب
به مع الغرماء، وقيل: إنه لا يقوم الطلع لأنه تابع، والأول أصح.
176

وإذا باع نخلا قد أكملت ولم تكمل الثمرة لكنه أخضر مثل أن يكون خلالا
أو بلحا أو بسرا فالبيع جائز، فإذا سلمها إلى المشتري فاستكملت في يده وبلغت
وترطبت فيها الثمرة وجرى فيها العسل ثم أفلس المشتري بالثمن ووجد البائع
الثمر في النخل قد بلغ الجذاذ أو كان المشتري جذها قبل الإفلاس وصيرها تمرا
ثم أفلس، فإن البائع إذا اختار الرجوع بعين ماله كان له ذلك فيأخذ النخل
والثمرة جميعا لأن بلوغه وترطيبه وتتميره زيادة غير متميزة حصلت في ماله،
فكان ذلك للبائع.
وإن باعه أرضا فيها بذر مودع لم يظهر بعده فالبيع صحيح، ولا يدخل
البذر في البيع على طريق التبع للأرض لأن البذر أعيان مودعة في الأرض لا
على وجه التبقية والدوام وإنما هي مودعة للنقل فلم يتبع الأرض في البيع، فإذا
ثبت ذلك فإن اشترطها المبتاع فهل يصح أم لا؟ قيل فيه وجهان، والصحيح أنه
يصح الشرط ولا مانع منه.
وأما إذا ما اشتد وصار سنابل وانعقد الحب واستحصد فهل يصح بيعه أم
لا؟ قيل فيه قولان، والصحيح أنه يجوز لأنه لا مانع منه، فإذا ثبت هذا وأن شرط
البذر صحيح فاستكمل الزرع في يد المشتري وأفلس قبل حصاده أو حصده
وداسه وذرأه ثم أفلس وأراد البائع الرجوع إلى عين ماله فله أن يرجع في
الأرض، وهل له الرجوع في السنابل والحب؟ قيل فيه وجهان، والصحيح أنه
لا يرجع، لأنه ليس بعين ماله وإنما هي أعيان ابتدأ الله بخلقها من بذر البائع.
ومن قال بالقول الآخر قال: هذا إنما حصل في عين ماله غير متميز عنه
فكان له أن يرجع فيه، كما أن من غصب بذرا فبذره في أرضه ونبت وأخرج
السنابل فجاء صاحب البذر يطالب به فله أن يأخذ السنابل وتكون له، فلو لم
يكن عين ماله لما جاز له أخذه.
وإذا باع من رجل بيضا فأخذه المشتري وجعله تحت دجاج فحضنته
وكمل وخرج منه فراريج ثم أفلس بالثمن، قيل فيه هذان الوجهان، والصحيح
177

أنه ليس له الرجوع لأنه ليس بعين ماله.
إذا باعه نخلا جرداء لا ثمر فيها أو أرضا بيضاء لا زرع فيها ثم أفلس المشتري
ووجد البائع النخل قد أطلعت وأبر الطلع أو وجد الأرض قد زرعها المشتري
وقد صار البذر بقلا، فإن البائع يرجع في النخل والأرض، وليس له الرجوع في
الثمرة ولا في الزرع، لأنه لا حق للبائع في الثمرة ولا في الزرع، وليس له أن يجبر
المفلس ولا غرماءه على أن يقلعوا الزرع من أصله وأن يجذوا الثمرة من نخله لأن
هذه الثمرة ظهرت على ملك المشتري، فإذا زال ملكه عن الأصل بقيت الثمرة
بحقوقها ومن حقوقها تبقيتها إلى أوان الجذاذ، وكذلك الزرع من حقه تبقيته إلى
أوان الحصاد، وليس للبائع أن يطالب المفلس بكراء تبقية الثمرة على أصولها لأن
النخل لا تجوز إجارتها والأرض، فلا تؤخذ الأجرة على تبقية الزرع فيها لأن
الزرع نبت على ملك المفلس بحقوقه، ومن حقوقه تبقيته إلى أوان الحصاد.
فإذا ثبت هذا فإنه ينظر: فإن اتفقا الغرماء والمفلس على ترك الثمرة إلى
أوان الجذاذ، والزرع في الحال إلى أوان الحصاد جاز ذلك، وإن اتفقوا على جذ
الثمرة وحصد الزرع في الحال جاز ذلك، وإن اختلفوا فقال بعضهم: يبقى على
أصله إلى أوانه، وقال بعضهم: بل يقطعه في الحال، فالقول قول من يريد القطع
في الحال لأن المفلس إن كان هو الذي يريد قطعه فإن له فيه غرضا صحيحا لأنه
يبرئ ذمته ويفك الحجر عن نفسه، فكان له ذلك.
وإن كان مريد القطع هم الغرماء كان لهم ذلك، لأن غرضهم أن يستوفوا
حقوقهم الحالة، ومن كان له حق كان له غرض في استيفائه، وكذلك إذا كان
الخلف بين الغرماء وحده كان القول قول من يريد القطع لمثل ذلك.
فأما إذا لم يكن النخل مؤبرا واختار عين ماله فهل يتبعها الطلع أم لا؟ قيل
فيه قولان، أصحهما أنه لا يتبعه لأنه نماء في ملك المشتري المفلس، وهو يجري
مجرى نماء منفصل بدليل أنه يجوز إفراده بالبيع فلا يتبع الأصل في الفسخ.
إذا باع أمة فلا تخلو من أحد أمرين: إما أن تكون حاملا أو حائلا.
178

فإن كانت حائلا ثم أفلس المشتري بالثمن فاختار البائع عين ماله فإن الأمة
إن كانت حائلا أخذها ولا كلام، وإن كانت قد حملت فلا تخلو من أحد أمرين:
إما أن تكون وضعت أو لم تضع بعد، فإن كانت قد وضعت لم يكن للبائع حق
في الولد، وإنما كان كذلك لأن الولد نماء منفصل فلم يتبع الأصل في الفسخ.
وأما الأم فهل يأخذها دون ولدها؟ فمن لم يجوز التفرقة بين الأم وولدها
لدون سبع سنين لم يجوز له أن يأخذها لأنه يؤدي إلى التفرقة.
فإن قال البائع: أنا أدفع إلى المفلس ثمن الولد وآخذها مع الولد، كان له
ذلك وأجبر المفلس على قبض ثمنه، وإن امتنع البائع من دفع ثمن الولد بيعت
الأم مع ولدها، فما أصاب قيمة الولد دفع إلى المفلس، وسلم إلى البائع ما
أصاب قيمة أمة لها ولد بلا ولد، هذا إذا كان باعها حائلا فوجدها قد حملت
ووضعت.
فأما إذا وجدها حاملا لم تضع بعد فمن قال: إن الولد لا يأخذ قسطا من
الثمن، قال: يرجع بالأم حاملا والحمل تابع لها، ومن قال: له قسط من الثمن،
قال: لا يرجع في الأمة لأن حملها يجري مجرى النماء المنفصل فلم يتبع الأصل
في الفسخ، هذا إذا كانت حائلا حين باعها.
فأما إذا كانت حاملا فإنه ينظر: فإن وجدها البائع حاملا كما باعها، أخذها،
وإن وجدها وقد وضعت فمن قال: إن للحمل حكما، قال: يرجع في الأم وولدها
جميعا ويكون بيعه لها حاملا كبيعه لها مع الولد، ومن قال: لا حكم له، لم
يرجع في الولد، وهل له أن يرجع في الأم؟ على ما مضى القول فيه من التفريق
بين الأم وولدها.
وإذا باع نخلا من رجل فلما أفلس وجد البائع النخل قد أطلعت فلم يخترها
حتى أبر الطلع فإنه لا حق له في الثمرة المؤبرة لأن العين لا تنتقل إلى ملك البائع
إلا بالفلس والاختيار للعين، وهذا لم يختر العين إلا بعد أن حصل التأبير فلم
يتبعها في الفسخ، وحكم ما كان في الكمام من الثمار ما لم يظهر من كمامها
179

بمنزلة الطلع الذي لم يتشقق، وإن ظهرت من كمامها كانت بمنزلة الثمرة
الظاهرة التي قد تشقق عنها الطلع، وإن لم تكن في كمامها وكانت تظهر من
الورد فإنه ينظر: فإن كانت ظهرت من وردها وانتثر عنها فهي كالثمرة الظاهرة،
وإن لم تكن بدت من وردها فهي بمنزلة الطلع الذي يتشقق.
وكذلك الكرسف إذا تشقق عنه جوزه وظهر منه كان بمنزلة التأبير في
الطلع، وإن لم يتشقق جوزه فهو كالطلع الذي لم يتشقق.
وإن كانت الثمرة نفسها وردا مثل سائر المشمومات من الورد فإنه يعتبر فيه
تفتحه عن جنبذه، فإن كان قد تفتح جنبذه صار بمنزلة الطلع المتشقق، وإن لم
يكن تفتح جنبذه كان كالطلع.
وإذا وجد النخل مطلعة وقد أفلس المشتري بالثمن فاختار عين ماله وقد
أبرت وتشقق الطلع واختلفا فقال البائع: أبرت النخل بعد ما اخترت النخل
فالثمرة لي، وقال المفلس: لا بل أبرتها قبل أن تختار النخل فالثمرة لي، لم يخل
المفلس من أحد أمرين: إما أن يصدقه على ذلك أو يكذبه، فإن كذبه وقال: بل
الثمرة لي، فإن الغرماء لا يخلون من ثلاثة أحوال: إما يصدقوا المفلس أو يصدقوا
البائع أو يصدق بعضهم المفلس وبعضهم يصدق البائع.
فإن صدقوا المفلس لم ينفعه تصديقهم له، سواء كانوا عدولا أو غير عدول
لأن المال المتنازع فيه قد تعلق به حق الغرماء فلو قبلت شهادتهم له بذلك كان
ذلك جر منفعة إلى أنفسهم، ولا تقبل شهادة الجار إلى نفسه، والقول قول المفلس
مع يمينه لأن الأصل أن ملكه عليه ثابت، والبائع يدعي انتقاله إلى ملكه فلم يقبل
ذلك إلا بيمينه.
وإذا ثبت ذلك فلا يخلو المفلس من أحد أمرين: إما أن يحلف أو ينكل، فإن
حلف حكم له بالثمرة وكانت أسوة للغرماء، وإن نكل فهل ترد اليمين على
الغرماء الذين صدقوه؟ قيل فيه قولان:
أحدهما: لا ترد، وهو الصحيح لأنهم إذا حلفوا أثبتوا ملكا لغيرهم بيمينهم ولا
180

يحلف الغير ليثبت ملك الغير.
والثاني: ترد اليمين عليهم فيحلفوا أن هذا المال للمفلس، لأن يمينهم يتضمن
إثبات حق لهم، فإن المال إذا ثبت للمفلس استوفوا منه حقوقهم فصحت يمينهم،
فمن قال: يحلفون، قال: إن حلفوا ثبت المال للمفلس وقسم بين الغرماء على قدر
حقوقهم، وإن نكلوا عن اليمين أو قلنا لا ترد عليهم اليمين، فإنها ترد على البائع فإن
حلف حكم بالثمرة له، وإن نكل أيضا عن اليمين بطلت دعواه وبقيت الثمرة على
ملك المفلس، هذا إذا صدق المفلس الغرماء.
فأما إذا كذبوه وصدقوا البائع فإنه ينظر: فإن كان فيهم عدلان مرضيان
قبلت شهادتهما للبائع لأنهم غير متهمين في هذه الشهادة، فيحكم له بالثمرة، وإن
لم يكن فيهم عدلان وكان فيهم عدل واحد سمعت شهادته وحلف البائع معه
واستحق الثمرة لأن الشاهد واليمين بينة في الأموال، وإن لم يكن فيهم عدل
وكانوا ممن لا تصح شهادتهم صار البائع بمنزلة من لا بينة له فيكون القول قول
المفلس مع يمينه، فإن حلف بقيت الثمرة على ملكه، وإن نكل لم ترد اليمين على
الغرماء لأنهم أقروا بالثمرة للبائع فلم يصح أيمانهم بأنها للمفلس، فترد اليمين
هاهنا على البائع، فإن حلف استحق الثمرة، وإن نكل بقيت الثمرة على ملك
المفلس.
إذا ثبت هذا وقلنا: إن الثمرة للمفلس، إما أن يحلف ويحكم له بها إما أن
ينكل وردت اليمين على البائع فنكل فبقيت على ملكه فإنه ليس للغرماء أن
يطالبوه بقسم الثمرة بينهم لأنهم قد أقروا بأنه لا حق له فيها وأنها ملك البائع
فبطل حقهم منها، فينفرد المفلس بالثمرة فيتصرف فيها كيف شاء.
وإن قال المفلس: أريد أن أقسمها بين الغرماء من غير مطالبة منهم بالقسمة،
فإنهم يجبرون على قبولها واستيفاء حقوقهم منها، وفي الناس من قال: لا يجبرون
على أخذها، وهو الأحوط لأنهم قد أقروا أن هذا المال ظلم وأنه لا يملكه المفلس فلا
يجوز لهم أخذه ولا يجبرون على ذلك وتثبت ديونهم متعلقة بذمته، ومن قال:
181

يجبرون على قبول القسمة وأخذ الثمرة، قال: إذا أخذوها وجب عليهم تسليمها إلى
البائع لأنهم أقروا بأن هذه الثمرة له فلم يكن لهم إمساكها معهم، هذا إذا كانت
الثمرة من جنس ديون الغرماء.
فأما إذا لم تكن من جنس ديونهم فإنها تباع ويدفع ثمنها إلى المفلس
ولا يحل للغرماء أن يأخذوا من ثمنها شيئا لأنهم أقروا بأن الثمرة للبائع فلم يصح
بيعها ولم يملك المفلس ثمنها، ولو أخذوه لم يحل للبائع مطالبتهم به لأن حقه
إنما هو عين الثمرة، فأما ثمنها فليس بحق له فلم يجز له أخذها، هذا إذا صدقوه
الغرماء أو كذبوه.
فأما إذا صدقه بعضهم وكذبه بعضهم، فإنه ينظر في من صدقه من الغرماء:
فإن كان فيهم عدلان كان الحكم على ما بيناه، وإن كان عدل واحد حلف
البائع معه على ما مضى بيانه، وإن لم يكن في جملة المصدقين عدل جعلنا القول
قول المفلس يحلف ويحكم له بالثمرة، فإذا أراد قسمتها بين الغرماء فهل يقسمها
بين جميعهم أو يخص بها من صدقه منهم دون من كذبه؟ فالصحيح أنه يقسمها
بين من لم يصدق البائع، وفي الناس من قال: إن للمفلس أن يقسم بين الجميع.
فإذا قلنا: يخص به من صدقه، لم يجز للبائع أن يرجع على مكذبيه بما
أخذوا من الثمرة، ومن قال: يقسم بين جميعهم، قال: للبائع أن يرجع على من
صدقه منهم فيأخذ ما أصابه من الثمرة لأنه أقر بأنها له ولا يرجع على من لم
يصدقه بشئ، هذا إذا ادعى عليه الثمرة فكذبه.
فأما إذا ادعى عليه فصدقه المفلس فإن الغرماء لا يخلون من أحد أمرين: إما
أن يصدقوا المفلس أو لا يصدقوه، فإن صدقوه حكم بالثمرة للبائع، وإن لم
يصدقوا المفلس وقالوا: واطأت البائع على هذه الدعوى لتقتسموا الثمرة ويبطل
حقنا منها، فهل يصح إقراره أم لا؟ قيل فيه قولان، وجملته ثلاث مسائل فيها
قولان:
إحداها: إقرار المفلس بعين في يده لغيره.
182

والثانية: إقرار بدين في ذمته.
والثالثة: تصرفه فيما في يده.
وهل يصح وينفذ أم لا في جميع ذلك؟ قيل فيه قولان: أحدهما: يصح
ذلك، والثاني: لا يصح، فإذا قلنا: يصح - وهو الأقوى -، حكم بالثمرة للبائع
لأن المفلس قد أقر بها له ولا يلتفت إلى تكذيب الغرماء له في ذلك، ومن قال:
لا يصح إقراره، كان ذلك بمنزلة نكوله، فترد اليمين على الغرماء على قول من
يرى رد اليمين عليهم، فإن حلفوا كانت أسوة بينهم، وإن نكلوا ردت على البائع
على ما مضى بيانه.
إذا باع أرضا بيضاء لا غراس فيها ولا بناء ثم إن المشتري بنى فيها بناء
وغرس فيها غراسا ثم أفلس بثمن الأرض وأراد الرجوع في عين ماله فإن الغرماء
لا يخلون من أحد أمرين: إما أن يريدوا قلع الغراس والبناء أو لا يريدون.
فإن أرادوا قلعه وقالوا: نحن نقلعه ونسلم إليك الأرض بيضاء كما بعتها
منه، فإن للبائع أن يرجع في عين الأرض، فإذا قلعوا الغراس والبناء وجب عليهم
طم ما يحصل فيها من حفر، وإن نقصت الأرض بنبشها وقلع البناء والغراس منها
وجب عليهم للبائع أرش النقصان لأنهم أدخلوا النقص على ملك غيرهم
لاستصلاح ملكهم من غير تعد من مالكه فلزمهم أرش النقصان.
وإن لم يريدوا قلع ما على الأرض من البناء والغراس فليس له أن يجبرهم
على ذلك لقوله عليه السلام: ليس لعرق ظالم حق، فدل ذلك على أنه إذا لم
يكن ظالما كان له حق وهذا ليس بعرق ظالم، فإذا ثبت هذا فالبائع لا يخلو من
أحد أمرين: إما أن يقول لهم: أدفع إليكم قيمة البناء والغراس أو قيمة ما ينقص
بالقلع إذا قلع، أو يقول لهم: لا أدفع إليكم إلا القيمة، فإن قال: أدفع إليكم قيمة
البناء والغراس أو أرش نقصانه، فإنهم يجبرون على أخذها، وإن قال: لا أدفع
إليكم قيمة البناء والغراس ولا أرش ما ينقص بالقلع، فهل يسقط حقه عن عين
الأرض أم لا؟ الصحيح أنه لا يسقط عن عين الأرض، وقيل: إنه يسقط ويضرب
183

بيمينه مع الغرماء، وقد بينا أن الأولى أن لا يسقط حقه منه، ومن قال بالثاني قال:
لأن في ذلك ضررا لأن عين ماله قد صار مشغولا بملك غيره وتعلق به حقه فلم
يكن له أن يرجع، كما لو كانت له مسامير فلما أفلس المشتري وجدها البائع
مسمرة في خشبة فإنه لا يكون له الرجوع بها.
فمن قال: لا حق له، قال: يضرب بثمنها مع الغرماء.
ومن قال: لا يسقط، فإنه ينظر: فإن اتفقوا على بيعها مع الغراس والبناء
فلا كلام، وإن امتنعوا من البيع - ويتصور الامتناع من جهة إلى صاحب
الأرض - فهل يجبر على بيعها مع الغراس أم تباع الغراس وحدها؟ قيل فيه
قولان:
أحدهما: يجبر على البيع فيباع وما فيها ويقسم الثمن بينهما.
والثاني: يباع الغراس والبناء وتترك الأرض في يده لا تباع، وهو الأولى
لأنه لا دليل على إجباره.
فمن قال: يباع الجميع، بيع وقيل: كم قيمة الأرض فيها غراس بلا غراس؟
فإذا قيل: كذا، دفع إليه بقدر ما يقابله من ذلك من الثمن ويسلم الباقي إلى
الغرماء.
ومن قال: لا يباع، فإن الغراس يفرد بالبيع ويسلم ثمنه إلى الغرماء يكون
أسوة بينهم على ما بيناه.
وإذا باع من رجل عبدين قيمتهما سواء بثمن وأفلس المشتري بالثمن وكان
قد قبض منه قبل الإفلاس نصف ثمنها فهل يثبت حقه في العين أم لا؟ الصحيح
أن حقه يثبت في العين، وقيل: إذا قبض بعض ثمن العين لم يكن له فيها حق إذا
وجدها، فمن قال: لا يثبت حقه في العين، ضرب ببقية دينه مع الغرماء ولا كلام،
ومن قال: إن حقه يثبت في العين، فإنه ينظر:
فإن كان العبدان جميعا موجودين فما قبضه من نصف الثمن مقبوضا عن
نصفي العبدين، والذي بقي ثمن النصفين الآخرين فيرجع بنصفي العبدين
184

فيحصل له من كل عبد نصفه، وإن كان أحدهما تالفا قيل فيه قولان: أحدهما أن
ما أخذ يكون ثمن ما تلف والذي بقي ثمن الموجود فيسترجع العبد الباقي،
وقيل: إنه يأخذ نصف العبد ويضرب بربع الثمن مع الغرماء.
وإذا أكرى رجل أرضه بأجرة معلومة ثم أفلس المكتري بالأجرة، وأراد
المكري أن يرجع في الأرض فإنه لا يخلو من ثلاثة أحوال: إما أن يكون قد أفلس
قبل أن يمضي شئ من مدة الإجارة أو بعد ما مضى جميعها أو في خلال المدة.
فإن أفلس قبل ما مضى شئ من المدة، فالمكري قد وجد الأرض بحالها لم
يذهب شئ من منافعها فيكون أحق بها كالبائع، ولا شئ له غيرها.
وإن أفلس بعد ما مضت مدة الإجارة فإن المكري يسترجع الأرض ويضرب
مع الغرماء بقدر الأجرة.
وإن أفلس بعد ما مضى بعض مدة الإجارة - نصفها مثلا -، فإن المكري
يضرب مع الغرماء بنصف الأجرة لما تلف من المنافع ويسترجع الأرض بما
بقي من منافعها تمام مدة الإجارة، فإذا ثبت هذا فالأرض لا تخلو من أحد أمرين:
إما أن يجدها بيضاء غير مزروعة كما آجرها أو يجدها وقد زرعها المفلس، فإن
وجدها بيضاء فلا كلام، وإن وجدها مزروعة فالزرع لا يخلو من أحد أمرين: إما
أن يكون قد بلغ واستحصد أو لم يبلغ.
فإن وجده قد بلغ واستحصد استرجع الأرض وطالب المفلس والغرماء
بحصاده وتفريغ أرضه وأجبروا على ذلك.
وإن لم يكن الزرع قد استحصد وكان بقلا فإنه لا يخلو من أحد أمرين: إما
أن يكون مما له قيمة أو مما لا قيمة له.
فإن كان مما له قيمة إذا جز وأخذ فإن الغرماء وصاحب الأرض لا يخلون
من ثلاثة أحوال: إما أن يتفقوا على تركه في الأرض إلى أن يبلغ ويستحصد، أو
يتفقوا على قطعه في الحال، أو يختلفوا فبعضهم يقول: يترك، وبعضهم يقول:
يجز.
185

فإن اتفقوا على قطعه في الحال قطع وسلمت الأرض إلى صاحبها وبيع
الزرع واقتسموا ثمنه.
وإن اتفقوا على تركه وتبقيته فإن الغرماء لا يخلون من أحد أمرين: إما أن
يبذلوا فيه أجرة المثل في مقابلة تركه في أرضه أو لا يبذلوا، فإن بذلوا له الأجرة
أجبر على قبولها ولم يكن له الامتناع منها، وإن لم يبذلوا له الأجرة وامتنع هو من
تركه في أرضه فإنهم يجبرون على قطعه في الحال.
إذا ثبت ذلك وبذلوا الأجرة وقلنا: إنه يجبر على قبولها وتبقية الزرع في
أرضه، فإن عطش الزرع نظر: فإن سقوه الغرماء بغير أمر المفلس وأمر الحاكم لم
يكن لهم عوضه وكان تبرعا، وإن سقوه بأمر الحاكم أو المفلس وجب لهم عوض
ما غرموا على سقيه ويقدمون بذلك في القسمة على غيرهم.
وإن كان هناك مال للمفلس فقالوا: نحن ننفق من هذا المال على سقي هذا
الزرع، فهل لهم ذلك أم لا؟ قيل فيه وجهان:
أحدهما: لهم ذلك لأن الجميع مال المفلس فينفق ماله على مصلحة ماله.
والثاني: لا يجوز لأن بلوغ هذا الزرع وإدراكه مظنون غير متيقن فلم يجز
إتلاف مال حاصل في مال مظنون ربما أدرك وربما هلك، وهذا أشبه، هذا كله
إذا اتفقوا على سقيه بأجرة أو غير أجرة أو اتفقوا على قلعه.
فأما إذا اختلفوا فالقول قول من يريد قلعه في الحال لأن له فيه غرضا صحيحا
سواء كان يريد ذلك الغرماء أو المفلس على ما مضى، هذا إذا كان للزرع قيمة
في الحال.
فأما إذا لم يكن له قيمة في الحال إن قطع، فإن اتفقوا على قلعه في الحال لم
يكن للحاكم منعهم منه ولا الاعتراض عليهم لأن المال لا يخرج من بينهم فلهم أن
يعملوا به ما شاؤوا، وإن اتفقوا على تركه إلى أن يكمل ويستحصد كان لهم ذلك
بأجرة وغير أجرة على ما تقدم بيانه، فإن اختلفوا فالقول قول من يريد الترك لأن
له غرضا في تبقيته وليس لمن يريد القلع غرض غير الإتلاف.
186

إذا باع من رجل مكيالا من زيت أو شيرج أو غيره ثم أفلس المشتري
بالثمن ووجد البائع عين زيته قد خلطه المشتري بزيت له فإنه لا يخلو من ثلاثة
أحوال: إما أن يخلطه بمثله أو بأردأ منه أو بأجود منه.
فإن خلطه بمثله فإنه لا يسقط حقه من عين الزيت ولا يمنع من طلب قسمته
وتوفية حقه إذا اختار المقاسمة، وقيل: إنه يباع الزيت كله ويدفع إليه ما يخصه
من الثمن بقدر زيته، فمن قال: لا يباع، فإنه يقسم بينهما على قدر حقهما، ومن قال:
يباع، سلم إليه قدر حقه من ثمنه.
فإن كان الزيت الذي خلطه أردأ من زيته فإنه يتعلق قيمته ويجوز له أن
يطالب بقسمته لأن من له زيت جيد واختار أن يأخذ دونه كان له ذلك، وإن
اختار البيع والمقاسمة بالثمن كان له ذلك لأنه لو أجبر على المقاسمة أعطي دون
حقه، وذلك لا يجوز، فيباع الزيت ويدفع إليه من الثمن بقدر ما يساوي زيته
ويسلم الباقي إلى الغرماء.
وإن كان الزيت الذي اختلط به أجود من زيته فهل يسقط حقه من عينه أم
لا؟ قيل فيه وجهان:
أحدهما: أنه يسقط حقه، وهو الصحيح.
والثاني: لا يسقط.
ووجه الأول أن عين زيته تالفة لأنها ليست بموجودة من طريق المشاهدة
ولا من طريق الحكم لأنه ليس له أن يطالبه بقسمته، وإذا لم يكن موجودا من
الوجهين كان له ذلك بمنزلة التالف، ولا حق له في العين، ويضرب بدينه مع
الغرماء، ومن قال بالقول الثاني قال: يباع الزيتان معا، ويؤخذ ثمنه فيقسم بينهما
على قدر قيمة الزيتين، وقيل: إنه لا يباع الزيت لكن يدفع إلى البائع الذي زيته
دون زيت المفلس من جملة الزيت بقدر ما يخصه، مثل أن يكون للبائع جرة
تساوي دينارين واختلطت بجرة للمفلس تساوي أربعة دنانير فإن جملة الزيت
تساوي ستة دنانير فتكون قيمة جرة البائع ثلث قيمة جميع الزيت فيدفع إليه ثلث
187

جميع الزيت وهو ثلثا جرة، وهذا غلط لأنه لا يقال لهذا القائل: إذا أعطيته ثلثي
جرة، فلا يخلو أن يدفعه بدلا عن جرته أو يدفع بدلا عن ثلثي جرته وليسأله أن
يترك الثلث الباقي، فإن دفعت الثلثين بدلا عن الجرة فهذا محض الربا فلا يجوز،
وإن دفعته إليه بدلا من ثلثي الجرة وسألته ترك ما بقي فله ألا يجيبك لأنه لا تلزمه
الهبة والتبرع.
إذا باع ثوبا وكان خاما فقصره أو قطعه قميصا وخاطه بخيوط منه، أو باعه
حنطة فطحنها أو غزلا فنسجه ثم أفلس بالثمن، أو كان عبدا فعلمه صنعة ثم أفلس
بثمنه فإن البائع يأخذهما ولا حق لأحد فيهما لأنه غير منفصل من العين.
فإذا ثبت ذلك فالعين تسلم إلى البائع وينظر: فإن أعطى ما زاد للصنعة التي
حصلت في عينه أجبر المفلس على أخذها، وإن امتنع من بذل القيمة بيعت العين
وأخذ ثمنها فسلم إلى البائع قيمة عينه من غير صنعة والباقي يسلم إلى المفلس،
فإن كان هو الذي تولى الصنعة بنفسه كان ما أخذه أسوة بين الغرماء، وإن كان
الذي عمل تلك الصنعة أجيرا له فإن كان قدر ما دفع إلى المفلس مقدار الأجرة
دفعه إلى الأجير وكان مقدما به على سائر الغرماء لأن صنعته بمنزلة العين
الموجودة، وكذلك إن كان البائع قد اختار إمساك العين ودفع قيمة الصنعة
فإنه يخص بها الأجير ويقدم على سائر الغرماء، وإن لم يكن ما دفع إلى المفلس
قدر الأجرة فإنه يدفع ما معه إليه ويضارب الأجير بالباقي مع الغرماء، وإن كان
أكثر من أجرته دفع إليه مقدار أجرته وكان الباقي أسوة للغرماء.
إذا اشترى ثوبا وصبغه بصبغ من عنده وأراد البائع الرجوع بثوبه فإنه
ينظر:
فإن لم تزد القيمة ولم تنقص كان الثوب للبائع وكان للمفلس الذي هو
المشتري شريكا بقدر قيمة الصبغ.
وإن نقص جعل النقصان من قيمة الصبغ لأنه نقص عينه بالصبغ، ويكون
شريكا في الثوب بقدر ما بقي، ولا شئ له فيما نقص.
188

وإن كان زائدا وقيل: إن الزيادة بالعمل تجري مجرى العين، فعلى هذا
كانت الزيادة مقسومة على قدر قيمة الثوب والصبغ، ومن قال: إن الزيادة
كالعين، كانت الزيادة للمفلس، ويكون شريكا بقيمة الصبغ والزيادة جميعا.
وبيان ذلك أن يشتري ثوبا بعشرة دراهم وصبغه بصبغ من عنده قيمته
خمسة دراهم، فإن كان الثوب مصبوغا يساوي خمسة عشر درهما فهو بينهما على
الثلث والثلثين، وإن نقصت قيمته مثلا ثلاثة دراهم وهو يساوي اثني عشر درهما
كان المفلس شريكا بدرهمين من الجملة وهو سدسها، وإن زادت قيمته فصار
يساوي عشرين درهما فإذا قيل: إن الزيادة بمنزلة الأثر، كانت على الثلث
والثلثين، ومن قال: بمنزلة العين، كانت للمفلس فيكون شريكا بالنصف.
وإن كان الثوب لرجل والصبغ لآخر ثم صبغه المشتري وأفلس وكانت
قيمة الثوب عشرة دراهم والصبغ خمسة دراهم نظر:
فإن كانت قيمة الثوب مصبوغا خمسة عشر درهما كان صاحب الصبغ
شريكا لصاحب الثوب على الثلث والثلثين.
وإن كانت قيمته نقصت فصارت مثلا باثني عشر درهما فإنه يجعل النقصان
من الصبغ فيكون صاحب الصبغ شريكا لصاحب الثوب بسدس الثمن،
ويضرب بالباقي مع الغرماء المفلس.
وإن كان الثوب قد زاد بالصبغ فصار يساوي عشرين درهما، فمن قال: إن
زيادة الصبغ لا تجري مجرى العين، كان صاحب الصبغ شريكا لصاحب الثوب
بالثلث فيكون الثوب بينهما على الثلث والثلثين، ومن قال: إن زيادة الصبغ
كالعين، كان المفلس شريكا في الثوب فيكون لصاحب الثوب نصف القيمة
والنصف الآخر بين صاحب الصبغ وبين المفلس فيقسمانه على السوية.
وإن كان الثوب والصبغ اشتراهما من رجل واحد ثم صبغه وأفلس فإنه
ينظر: فإن لم تزد القيمة ولم تنقص كان الثوب مصبوغا للبائع لا يشاركه فيه
أحد، وإن نقص بالصبغ جعل النقصان من قيمة الصبغ وضرب بقدر ما نقص
189

من الصبغ مع الغرماء، وإن زادت قيمته، فمن قال: إن الزيادة بالعمل لا تجري
مجرى العين، كان الثوب مصبوغا لصاحبه لا حق للمفلس فيه، ومن قال: إن
الزيادة كالعين، كانت الزيادة للمفلس فيكون شريكا بها وتجري مجرى العين.
وإن كان الثوب للمفلس والصبغ لغيره، فإن لم تزد قيمة الثوب فإن صاحب
الصبغ يشارك المفلس في الثوب بقدر قيمة صبغه، فإن كان ناقص القيمة
بالصبغ فإنه يجعل النقصان من قيمة الصبغ ويضارب بقدر ما نقص من الصبغ
مع الغرماء، وإن كانت قيمته زائدة، فمن قال: إن الزيادة تجري مجرى العين،
كان صاحب الصبغ شريكا بمقدار قيمة صبغه ومقدار الزيادة فيكون للمفلس مع
الثوب، ومن قال: الزيادة لا تجري مجرى العين، كانت الزيادة مقسومة بين
صاحب الصبغ وبين المفلس على قدر قيمة عينها، وبيان ذلك قد مضى في
المسألة الأولى.
وإذا باع عينا بشرط خيار ثلاثة أيام ثم أفلسا أو أحدهما قيل فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: يجوز للمفلس منهما إجازة البيع لأن ذلك ليس بابتداء ملك
والملك قد سبق بالعقد المتقدم.
والثاني: أن له إجازة البيع إذا كان حظه في الإجازة، أو رده إذا كان حظه
في الرد دون الإجازة، فأما أن يجيز والحظ في الرد فلا لأنه محجور عليه ممنوع
من التصرف إلا فيما فيه مصلحة لمال أو حظ.
والثالث: أن هذا مبني على أنه متى ينتقل الملك إلى المبتاع إذا كان في العقد
شرط خيار الثلاث؟ فمن قال: ينتقل بنفس العقد، قال: له الإجازة والفسخ، ومن
قال: لا ينتقل الملك إلا بانقطاع الخيار، لم يجز إمضاء البيع، ومن قال: انتقال
الملك موقوف، فإن أجاز البيع بينا أن الملك انتقل بالعقد فإنه لا يجوز له
الإجازة ويكون بمنزلة من يقول ينتقل الملك بانقطاع الخيار لأن بفعله تبين
انتقال الملك فكان ممنوعا منه، والأول أصح الوجوه.
من أسلم إلى رجل فضة في طعام إلى أجل ثم أفلس أحدهما فإنه لا يخلو من
190

أحد أمرين: إما أن يكون الذي أفلس المسلم أو المسلم إليه.
فإن كان الذي أفلس هو المسلم فإنه ينظر: فإن قبض الطعام المسلم فيه
على صفته كان أسوة بين الغرماء ولا كلام، وإن قبضه أردأ مما أسلم فيه ورضي
به، لم يكن من ذلك وكان للغرماء منعه من قبضه لأن هذا الطعام تعلق به حق
الغرماء فلم يكن له قبضه دون حقه، فإن رضي الغرماء بأن نقص الطعام دون
صفته جاز ذلك لأن المال لا يخرج من بينهم.
فأما إذا أفلس المسلم إليه فإنه ينظر: فإن وجد المسلم عين ماله وهو رأس
المال أخذه وكان أحق به من سائر الغرماء، وإن لم يجد عين ماله فإنه يضارب
مع الغرماء بقدر ماله عليه من الحنطة وقيل أيضا: إنه إن أراد فسخ العقد
والضرب مع الغرماء برأس المال كان له ذلك، والأول أصح.
وكيفية الضرب بالطعام أن يقوم الطعام الذي يستحقه بعقد المسلم، فإذا
ذكرت قيمته ضرب بها مع الغرماء بما يخصه منها ينظر فيه: فإن كان في مال
المفلس طعام أعطي منه بقدر ما خصه من القيمة، وإن لم يكن في ماله طعام
اشترى له بالقدر الذي خصه من القيمة طعاما مثل الطعام الذي يستحقه، ويسلم
إليه، ولا يجوز له أن يأخذ بدل الطعام القيمة التي تخصه لأنه لا يجوز صرف
المسلم فيه إلى غيره قبل قبضه.
وإذا أكرى داره من غيره ثم أفلس المكري فإنه ليس للغرماء أن يفسخوا
الإجارة لأن هذا عقد تقدم الحجر وسبقه، والغرماء لا يخلون من أحد أمرين: إما أن
يطالبوا ببيع الدار في الحال أو يصبروا إلى انقضاء مدة الإجارة.
فإن صبروا إلى انقضاء مدة الإجارة نظر: فإن سلمت الدار وتمت الإجارة
استحقوا بيع الدار واقتسموا ثمنها، وإن انهدمت الدار قبل انقضاء مدة الإجارة فإن
الإجارة تنفسخ وينظر في المستأجر: فإن لم يكن دفع الأجرة بعد فإنه يسقط عنه
منها بقدر ما بقي من المدة ويجب عليه منها بقدر ما سكن في الدار يسلمه إلى
الغرماء، وإن كان قد دفع الأجرة إلى صاحب الدار قبل إفلاسه نظر: فإن وجد
191

المستأجر عين ماله في يد المفلس أخذ منه بقدر ما بقي له من السكنى، وإن لم
يكن عين ماله موجودا صار كأحد الغرماء بقدر ما بقي له من الأجرة.
ثم ينظر: فإن لم يكن الغرماء قد اقتسموا المال ضرب معهم بدينه وأخذ
قسما إذا قسموا، وإن كانوا قد قسموا المال ولم يبق لدين المستأجر محل فهل
تنفسخ قسمتهم لأجل دينه أم يكون متوقفا حتى يظهر للمفلس مال فيأخذ دينه
منه؟ قيل فيه وجهان:
أحدهما: لا تفسخ القسمة لأن دينه متجدد بعد الإفلاس، وإنما كان حقه في
السكنى فلم يجز له فسخ القسمة، وحل محل الديون التي يجب بعد الحجر من
إتلاف وغيره.
والثاني: تفسخ القسمة لأن دينه يستند إلى ما قبل القسمة فجرى مجرى
ديونهم ودين الغريم الذي يظهر بعد القسمة، هذا إذا صبروا إلى انقضاء مدة
الإجارة.
فإن لم يصبروا وقالوا: نبيع الدار في الحال ونقسم بثمنها، فهل يجوز بيعها
أم لا؟ قيل فيه وجهان:
أحدهما: لا يجوز بيع الدار المستأجرة.
والثاني: يجوز البيع لأن الإجارة لا تمنع من البيع، وهو الصحيح.
فإذا ثبت هذا فإذا قيل: لا يجوز بيعها، صبروا ويكون الحكم كما ذكرناه،
وإذا قلنا: يجوز البيع، بيعت الدار واقتسموا ثمنها بينهم، ويكون المستأجر بحاله
فيها، هذا إذا اتفقوا على بيعها في الحال.
فأما إذا اختلفوا فقال بعضهم: نؤخر البيع، وقال بعضهم: نقدمه، فالقول
قول من يريد تقديم البيع وتعجيله لأن حقه معجل على ما مضى بيانه.
فإذا أفلس المكتري بالكراء نظر: فإن أفلس قبل مضي شئ من المدة رجع
المكري في المنافع وفسخ الإجارة لأنه قد وجد عين ماله لم يتلف منه شئ،
وإن أفلس بعد مضي جميع مدة الإجارة فإن المكري يضرب مع الغرماء بقدر
192

الأجرة، فإن أفلس بعد مضي بعض مدة الإجارة فإن المكري يفسخ الإجارة
ويضرب مع الغرماء بقدر ما مضى من الأجرة، ويكون بمنزلة من باع عينا فوجد
بعضها فإنه يفسخ البيع في الموجود ويضرب مع الغرماء بالمفقود وقد مضى
شرحه.
ولو اكترى رجلا ليحمل له طعاما إلى بلد من البلدان فعمل له وأفلس
المكتري ضرب المكري مع الغرماء بأجرته، وإن حصل الإفلاس قبل أن يحمله
فسخ الإجارة وترك الحمل ولا شئ له، وإن حمله بعض الطريق ثم فلس
المكتري فإنه يضارب الغرماء بقدر ما حمله من الأجرة ويفسخ الإجارة فيما بقي
من الطريق ثم ينظر: فإن كان الموضع أمنا سلم الطعام إلى الحاكم، فإن سلمه
إلى أمين في الموضع مع قدرته على تسليمه إلى الحاكم فهل يضمنه؟ قيل فيه
وجهان، وإن لم يكن الموضع أمنا وجب عليه حمل الطعام إلى الموضع الذي
أكراه أو إلى موضع في الطريق يؤمن تلف الطعام فيه.
وإذا قسم الحاكم مال المفلس بين غرمائه ثم ظهر غريم آخر فإن الحاكم
ينقص الشركة ويقاسمهم مرة أخرى ويشاركهم هذا الغريم فيما أخذوه.
وإذا أراد الحاكم بيع مال المفلس حضره موضع البيع لأن عند حضوره
تكثر الرغبة في شرائه لأنه مالكه ويكون أسكن لنفسه، ويستحب أيضا حضور
الغرماء لأنه يباع لهم وربما رغبوا في بعض المتاع فزادوا فيكون أوفر للثمن
ويكون أبعد للتهمة.
وينبغي للحاكم أن يبدأ ببيع الرهن لأن حق المرتهن متعلق بعينه يختص به
لا يشاركه فيه أحد، وربما فضل ثمنه عن دينه فيرد الفاضل مع باقي ماله على
الغرماء، وإن عجز عن حقه ضرب المرتهن بما بقي له مع الغرماء، وكذلك العبد
الجاني حكمه حكم الرهن يقدم على سائر الغرماء إلا أنه لا يضرب المجني عليه بما
عجز عن ثمنه لأنه لا يستحق أكثر من ثمن العبد الجاني ولا حق له في ذمة السيد،
والمرتهن يستحق جميع دينه في ذمة الراهن فإذا عجز ثمن الرهن وجب أن
193

يضرب مع الغرماء.
وإذا أراد الحاكم بيع متاع المفلس يقول للمفلس والغرماء: ارتضوا بمناد
ينادي على المتاع، ويكون ثقة صادقا لأن الحاكم لا يتولى ذلك، ولا يكلف
الغرماء أن يتولوا ذلك، فإذا اتفقوا على رجل نظر الحاكم: فإن كان ثقة أمضاه،
وإن كان غير ثقة رده لأنه يتعلق بنظره.
وإن اختلفوا فاختار المفلس رجلا والغرماء آخر نظر الحاكم: فإن كان
أحدهما ثقة والآخر غير ثقة أمضى الثقة وقبله، وإن كانا ثقتين إلا أن أحدهما بغير
أجرة قبله وأمضاه، وإن كانا جميعا من غير أجرة ضم أحدهما إلى الآخر لأنه
أحوط، وإن كانا جميعا بأجرة قبل أوثقهما وأصلحهما للبيع، وكذلك يأمرهم أن
يختاروا ثقة يكون ما يجتمع من الثمن على يده إلى أن يحصل منه ما يمكن قسمته.
ويستحب أن يرزق من يلي بيع مال المفلس من بيت المال لأنه يتعلق
بالمصالح وكذلك الكيال والوزان، وإن لم يكن في بيت المال أو كان لكنه
يحتاج إلى ما هو أهم منه فإنه يطلب من يتبرع بذلك وهو ثقة، فإن وجده أمر به،
وإن لم يجد من يتطوع بذلك يشارطه على أجرته، ويكون ذلك من مال المفلس
لأن البيع واجب على المفلس.
وينبغي أن يباع كل شئ منها في سوقه، الدفاتر في الوراقين، والبز في
البزازين، والفرش في أصحاب الأنماط، والرقيق في النخاسين، وكذلك غيره من
الأمتعة لأن الطلاب في سوقه أكثر والثمن أوفر لأنهم أعرف وأبصر.
فإن باع في غير سوقه بثمن مثله كان جائزا لأن المقصود قد فعل، ولا يسلم
المبيع حتى يقبض الثمن احتياطا لمال المفلس، فإن امتنع من تسليم الثمن حتى
يقبض المبيع قيل فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها - وهو الصحيح - أنهما يجبران معا.
والثاني: لا يجبران ومتى تبرع أحدهما أجبر الآخر.
والثالث: إن البائع يجبر أولا ثم المشتري، وهو الأولى.
194

وما ضاع من الثمن فهو من مال المفلس لأن الثمن ملك له لا يملكه الغرماء
إلا بقبضه، وإنما يتعلق به حق الغرماء، وقد ذكرنا أنه يبدأ ببيع الرهن والعبد
الجاني، هذا إذا لم يكن في ماله ما يخاف هلاكه مثل الفاكهة الرطبة والبقول
والبطيخ وأشباه ذلك فإنه يبدأ أولا ببيع ما يخاف هلاكه، ثم يبيع الرهن والعبد
الجاني، ثم يباع الحيوان لأنه يحتاج إلى مؤن ويخاف عليه الموت، ثم يباع
المتاع والأثاث والأواني وكلما ينقل ويحول لأنه يخاف عليه السرقة، ثم العقار
ويأمر الدلال بعرضه وهو أولى من النداء عليه لأن النداء عليه ينقص من ثمنه
ويكون عرضه على أرباب الأموال الذين يرغبون في شراء العقار، ويتأنى في ذلك
إلى أن يظهر أمره وينشر خبره ثم يبيعه بما جاء من ثمنه إن كان ثمن مثله، وإن
كان دون ذلك فلا يبيعه.
وإذا باع الحاكم الرهن سلم ثمنه إلى المرتهن لأنه ينفرد به لا يشاركه سائر
الغرماء فيه إلا أن يفضل على دينه فيكون لهم الفاضل، وكذلك العبد الجاني
يسلم ثمنه إلى المجني عليه، ويكون له لا يشاركه سائر الغرماء فيه.
وأما ثمن غيرهما من المتاع والعقار ينظر فيه: فإن كان كثيرا يمكن قسمته
بين الغرماء كانت قسمته أولى من تأخيره لأنه يخاف عليه التلف، وإذا دفع إلى
الغرماء سقط الدين وبرئت ذمته فالتقديم أولى، وإن كان ما يحصل يسيرا
ويحتاج إلى جمعه حتى يحصل منه ما يمكن تفرقته وقسمته فإنه ينظر: فإن كان
يمكن أن يجعل قرضا في ذمة ثقة ملي كان أولى من جعله وديعة في يده لأن
الوديعة تتلف من غير ضمان والقرض مضمون على المستقرض، وإن لم يجد من
يستقرضه جعله وديعة لأنه موضع الحاجة.
وإذا دفع رجل إلى الحاكم وسأل الحجر عليه فلا يجيبهم إلى مسألتهم إلا
بعد أن تثبت عليه الديون لأن سبب الحجر هو الدين فلا يجوز إلا بعد ثبوته،
وثبوت الدين بأحد شيئين: إما بإقرار من عليه الدين أو ببينة وهي شاهدان عدلان
أو شاهد واحد وامرأتان أو شاهد ويمين.
195

فإذا ثبت الدين فلا يبتدئ الحاكم بالحجر إلا بعد مسألة الغرماء، فإن
سألوا الحجر عليه واختلفوا فإنه يحجر عليه، ويقبل ممن يطالب بالحجر لأن الحق
لهم فلا يجز الحكم به إلا بعد مسألتهم، فإذا سألوه لم يخل ماله من أحد أمرين: إما
أن لا يفي بقضاء ديونه أو يفي.
فإن لم يف فإن الحاكم يحجر عليه، ومعرفة عجز ماله أن يقابل المال الذي
في يده بالديون التي في ذمته، فإن كانت الديون أكثر تبين أن ماله لا يفي بقضائها،
وهل يحسب الأعيان التي هي معوضات الديون في يده من جملة المال أم لا؟ قيل
فيه وجهان:
أحدهما: لا يحسب الدين الذي هو معوضة في يده من جملة الديون ولا
يحسب معوضة من جملة المال ويحسب ما سوى ذلك.
والثاني: يحسب جميع الديون ويقابلها بسائر ماله سواء كانت معوض
بعضها موجودا في ماله أو لم يكن، وإذا ثبت الوجهان فكل من وجد من الغرماء
عين ماله كان أحق به، وإن أراد أن يضرب بدينه مع الغرماء ويترك العين كان
له ذلك على ما مضى، هذا إذا كان ماله لا يفي بقضاء ديونه.
فإن كان ماله يفي بديونه فلا يخلو من أحد أمرين: إما أن لا تظهر عليه أمارات
الفلس أو تظهر.
فإن لم تظهر فيكون رأس ماله مبقى ودخله مثل خرجه فلا يحجر عليه
الحاكم لكنه يأمره ببيع ماله وقسمته بين غرمائه، فإن فعل وإلا حبسه، فإن فعل
وإلا باع عليه ماله.
وإن ظهرت عليه أمارات الفلس بأن يكون خرجه أكثر من دخله وقد ابتدأ
بنفقة رأس ماله فهل يحجر عليه أم لا؟ قيل فيه وجهان: أحدهما يحجر عليه،
والآخر لا يحجر عليه، لأن في ماله وفاء لديونه، وهو الأولى، فمن قال: لا يحجر
عليه، كان الحكم على ما مضى، ومن قال: يحجر عليه، فهل يكون من وجد منهم
عين ماله أحق بها أم لا؟ قيل فيه وجهان:
196

أحدهما: يكون أحق بها لقوله عليه السلام: فصاحب المتاع أحق بمتاعه إذا
وجده بعينه، ولم يفرق.
والثاني: لا يكون أحق به لأنه يصل إلى جميع ثمن المبيع من جهة المشتري
من غير تبرع، فإذا ثبت ذلك فمن قال: إنه يأخذ العين، أخذها وكان الحكم على
ما مضى، ومن قال: لا يجوز له أخذ العين، فإنه يضارب مع الغرماء ويأخذ الثمن
على كماله.
إذا فلس الرجل وحجر عليه الحاكم ثم تصرف في ماله، إما بالهبة أو البيع
أو الإجارة أو العتق أو الكتابة أو الوقف قيل فيه قولان:
أحدهما - وهو الأقوى -: أن تصرفه باطل.
والثاني: أن تصرفه موقوف ويقسم ماله سوى ما تصرف فيه بين غرمائه فإن
وفي بدينهم نفذ تصرفه فيما بقي، وإن لم يف بطل تصرفه على ما نبينه فيما بعد.
إذا أقر المحجور عليه بدين لرجل فزعم أنه يثبت عليه قبل الحجر عليه فإن
إقراره صحيح ثابت ويشارك الغرماء، ولا يكون في ذمته حتى يقضي من
الفاضل من ماله، وقيل: يكون في ذمته ويقضي من الفاضل عن غرمائه، هذا إذا
أقر بدين.
فإن أقر بعين وقال: العين التي في يدي لفلان، فإن إقراره صحيح وتكون
العين لمن أقر له بها، وقيل: إنه لا يرد العين إلا بعد أن يقسم ماله بين الغرماء، فإن
وفي بها أخذ العين، وإن لم يف بها تممت من العين وبقى قيمتها في ذمة المفلس
يوفيه إياها إذا أيسر، هذا في الإقرار بالدين الذي يثبت قبل الحجر.
فأما الدين يثبت بعد الحجر عليه فإنه ينظر: فإن ثبت باختيار من له الدين،
مثل أن يكون أقرضه إنسان شيئا أو باعه عينا بثمن في ذمته فإنه لا يشارك به مع
الغرماء لأنه قد رضي بأن يكون دينه في ذمته مؤجلا لعلمه بأن ماله قد تعلق به
حق الغرماء، فإن كان الدين لم يثبت باختيار من له الدين مثل أن يكون المفلس
قد أتلف على غيره مالا أو جنى عليه فإنه يجب عليه الأرش ويشارك به مع
197

الغرماء.
وإذا ادعى إنسان على المحجور عليه دينار فأنكر المحجور عليه ذلك، فإن
كانت للمدعي بينة يثبت به الدين كان الحكم فيه على ما مضى، وإن لم يكن له
بينة وأراد إحلافه حلف المحجور عليه، فإن حلف برئ، وإن نكل فرد اليمين
على المدعي للدين فإذا حلف صار بمنزلة الإقرار من المدعى عليه ويكون على ما
مضى، وفي الناس من قال: هو بمنزلة إقامة البينة، فعلى هذا يشاركهم على قول
واحد، وعلى الأول على قولين.
وإذا كانت عليه ديون حالة ومؤجلة وطالب غرماؤه الحاكم أن يحجر عليه
فإنه يحجر عليه إذا وجد شرائط الحجر، فإذا حجر عليه فهل ديونه المؤجلة تصير
حالة أم لا؟ قيل فيه قولان: أحدهما: أنها تصير حالة.
والثاني - وهو الصحيح -: أنها لا تصير حالة.
فإذا ثبت ذلك قسم ماله بين الغرماء الذين ديونهم حالة سواء كان فيها
أعيان مال دين التأجيل أو لم تكن، فإذا فك حجره وحلت عليه الديون المؤجلة
فإن كان في ماله وفاء بها وإلا حجر عليه ثانيا، ومن قال: إنها تصير حالة، فإنهم
يجتمعون ويقتسمون ماله على قدر ديونهم.
وإذا جنى على المفلس فإنه لا يخلو من أحد أمرين: إما أن تكون جناية عمد أو
خطأ، فإن كانت خطأ يوجب الأرش فإنه يستحق الأرش وتعلق به حق الغرماء
فيأخذه ويقسمه بينهم، وإن كانت الجناية عمدا توجب القصاص فإنه مخير بين أن
يقتص وبين أن يعدل عن القصاص إلى الأرش إذا بذل له الجاني، وليس للغرماء
أن يجبروه على الأرش لأن العفو عن القصاص واختيار الأرش يصرف في كسب
المال، ولا يجبر المفلس على تكسب المال ولا على جمعه.
فإذا ثبت هذا فإن قال: عفوت، مطلقا، لم يثبت له الأرش، وإن عفا بشرط
المال سقط حقه من القصاص ويثبت له الأرش لأنه شرط إذا بذل له الجاني، وإن
198

قال: عفوت على غير المال، سقط حقه من القصاص ولم يثبت له الأرش مثل
المطلق سواء، ومن قال: إن الواجب أحد الأمرين: إما القصاص وإما الأرش، فإذا
قال: عفوت عن القصاص، أسقط القصاص وأثبت لنفسه المال، فإذا قال: على
غير مال، يريد إسقاط ماله ثبت له هذا، وهذا لا يجوز للمفلس فعله فيجبر على أخذ
المال وقسمته بين الغرماء، وعلى ما قلناه إذا عفا على مال لم يكن له بعد ذلك
إسقاطه المال لأنه تعلق به حق الغرماء.
وإذا مات إنسان وعليه ديون مؤجلة حلت عليه بموته، وإن كانت له ديون
مؤجلة فإنها لا تحل عليه، وقد روي أنها تحل.
إذا أفلس من عليه الدين وكان ما في يده لا يفي بقضاء ديونه فإنه لا يؤاجر
ليكسب ويدفع إلى الغرماء لأنه لا دليل عليه، وقد روي أن أمير المؤمنين عليه
أفضل الصلاة والسلام قضى في من كان حبسه وتبين إفلاسه فقال لغرمائه: إن
شئتم آجروه وإن شئتم استعملوه، فعلى هذه الرواية يجبر على التكسب، والأول
أصح.
ولا خلاف أنه لا يجب عليه قبول الهبات والوصايا والاحتشاش والاحتطاب
والاصطياد والاغتنام والتلصص في دار الحرب وقتل الأبطال وسلبهم ثيابهم
وسلاحهم، ولا تؤمر المرأة بالتزويج لتأخذ المهر وتقضي الديون، ولا يؤمر الرجل
بخلع زوجته فيأخذ عوضه لأنه لا دليل على شئ من ذلك، والأصل براءة
الذمة.
إذا كانت له أم ولد يؤمر بإجارتها ويجبر على ذلك بلا خلاف لأنها ماله،
وإن كان الدين الذي في ذمته ثمنها بيعت فيه، وإن كان من غير ثمنها وقد مات
ولدها بيعت أيضا فيه، وإن كان ولدها باقيا لم تبع، وكذلك إن كانت حبلى
بحر لم تبع.
والمفلس يجب أن ينفق عليه وعلى من يلزمه نفقته من أقاربه وزوجته
ومماليكه من المال الذي في يده ولا يسقط عنه نفقة واحد منهم لأنه غني بماله، ولا
199

دليل على سقوط ذلك عنه، ولا خلاف أيضا في ذلك، ويجب أيضا أن يكتسي
ويكسي جميع من يجب عليه كسوته من زوجته وأقاربه إجماعا، وقدرها ما جرت
به العادة له من غير سرف، وقد حد ذلك بقميص وسراويل ومنديل وحذاء
لرجله، وإن كان من عادته أن يتطلس دفع إليه طيلسان، فإن كان بردا شديدا
زيد في ثيابه محشوة لأنه لا بد منها، وأما جنسها فإنه يرجع أيضا إلى عادة مثله من
الاقتصاد، وقيل: إن كان لبسه من خشن الثياب دفع إليه من خشنها، وإن كان
من ناعمها دفع إليه من أوسطها، وإن كان لبسه من فاخر الثياب المرتفعات بيعت
واشترى له من ثمنها أقل ما يلبس أقصد من هو في مثل حاله، وهكذا الحكم فيمن
يمونه وينفق عليه إلى اليوم الذي يقسم فيه ماله بين غرمائه، وتكون نفقة ذلك
اليوم منه لأنها تجب بأول اليوم والمال في أول يوم القسمة ملك له، هذا كله إذا
لم يكن له كسب.
فإن كان له كسب، قيل: تجعل نفقته من كسبه لأنه لا فائدة في رد كسبه
إلى ماله ويأخذ من ماله نفقته.
إذا ثبت ذلك فكسبه لا يخلو من ثلاثة أحوال: إما أن يكون وفق نفقته أو
أكثر أو أقل، فإن كان وفق نفقته صرف إليها ولا كلام، وإن كان أكثر من نفقته
رد الفاضل من نفقته إلى أصل ماله، وإن كان أقل من قدر نفقته تمم مقدار كفايته
من المال الذي في يده، وإن مات كان نفقة تجهيزه من رأس ماله الذي في يده،
وكذلك يجب تجهيز من مات ممن يجب عليه نفقته من أهله وزوجته فإنه ينفق
عليهم من ماله خاصة، وقدر الكفن أقله ثلاثة أثواب المفروضة: مئزر وقميص
ولفافة، وقيل: إنه يلف في ثوب واحد يدرج فيه ويستر به، والأول هو المذهب.
ولا يجب أن يباع على المفلس ولا يلزمه دار التي يسكنها ولا خادمه الذي
يخدمه في ديون الغرماء، لإجماع الفرقة على ذلك.
إذا ادعى المفلس على غيره مالا وأقام شاهدا واحدا فإنه يحلف معه لأن بينة
المال تثبت بالشاهد واليمين، فإن حلف استحق المال، وإن نكل عن اليمين فهل
200

يرد على الغرماء فيحلفون ويستحقون المال أم لا؟ الصحيح أنه لا يرد عليهم لأنه
لا دليل على ذلك، وقيل: إنه يرد عليهم، وكذلك الحكم إذا لم يكن معه شاهد
أصلا ورد المدعي عليه اليمين فنكل فلا يرد على الغرماء، ومن خالف في الأولى
خالف في هذه.
إذا باع الوكيل على رجل ماله أو الولي مثل الأب والجد والحاكم وأمينه
والوصي ثم استحق المال على المشتري فإن ضمان العهدة يجب على من بيع
عليه ماله فإن كان حيا كان في ذمته، وإن كان ميتا كانت العهدة في تركته.
إذا كانت للمفلس دار فبيعت في دينه، وكان البائع أمين القاضي وقبض
الثمن وهلك في يده واستحقت الدار فقيل: إن العهدة تكون في مال المفلس
فيوفي المشتري جميع الثمن الذي وزنه في ثمن الدار لأنه مأخوذ منه ببيع لم
يسلم له، وهذا هو الصحيح، وقيل: إنه يكون المشتري كأحد الغرماء فيضرب
معهم بما وزن من الثمن ويأخذ بما يخصه من المال.
إذا كان للمفلس عبد فجنى، تعلق الأرش برقبته ويكون حق المجني عليه
مقدما على حقوق سائر الغرماء، لأن الأرش ليس له إلا محل واحد وهو رقبة العبد
الجاني، وديون الغرماء لها محلان: رقبة العبد وذمة المفلس، فلذلك قدم عليه.
فإذا ثبت ذلك فإن أراد المفلس أن يفديه بقيمة يسلمها إلى المجني عليه لم
يكن له ذلك لأن الفداء تصرف في ماله والمحجور عليه ممنوع من التصرف،
وإذا ثبت ذلك يباع العبد في الجناية وينظر: فإن كانت قيمته وفق الأرش
صرفت فيه ولا كلام، وإن لم تكن وفق الأرش وكانت أقل لم يكن للمجني عليه
أكثر منها لأن حقه في العين وحدها، وإن كانت القيمة أكثر من الأرش فإنه يدفع
منها قدر الأرش والباقي يكون أسوة بين الغرماء.
إذا اشترى حبا فزرعه واشترى ماء فسقى زرعه وثبت، ثم أفلس فإن صاحب
الحب والماء يضربان مع سائر الغرماء بحقهما وهو ثمن الحب وثمن الماء، ولا
حق لهما في عين الزرع لأنه لا عين لهما موجودة، وإن كان قديما ويكون بمنزلة
201

من اشترى دقيقا فأطعمه عبدا له حتى كبر وسمن ثم أفلس بثمن الدقيق فإنه لا حق
لصاحب الدقيق في عين العبد لأنه ليست له عين مال موجودة ويضرب بثمنه مع
سائر الغرماء، وعلى هذا لو اشترى بيضة وتركها تحت دجاجة حتى حضنتها
وصارت فروخا لا يرجع بعينها ويضرب بثمنها مع الغرماء.
وأما الكلام في جنسه فإن الإنسان إذا ركبته الديون لا يخلو من أحد أمرين:
إما أن يكون في يده مال ظاهر أو لا يكون له في يده مال ظاهر.
فإن كان في يده مال ظاهر وجب عليه أن يبيعه ويقضي به ديونه من ثمنه،
فإن امتنع من ذلك فالحاكم فيه بالخيار إن شاء حبسه على ذلك وعزره إلى أن
يبيعه وإن شاء باعه بنفسه عليه من غير استئذانه، لقول النبي صلى الله عليه وآله:
مطل الغني ظلم، وقوله: لي الواجد بالدين يحل عرضه وعقوبته - اللي:
المطل -، والعقوبة هاهنا التعزير والحبس، وإخلال الغرض أن يقول الغرماء له:
يا ظالم، وروي عنه صلى الله عليه وآله أنه قال: لصاحب الحق اليد واللسان،
وكل هذا يدل على وجوب بيع ماله وقضاء ديونه، وأخبارنا في ذلك أوردناها
في كتب الأخبار.
وإن لم يكن له مال ظاهر وادعى الإعسار وكذبه الغرماء فلا يخلو: إما أن
يعلم أنه كان له أصل مال أو كان الذي عليه ثبت من جهة معاوضته وادعى تلفه
وضياعه أو لا يعلم له أصل مال.
فإن كان قد علم له أصل مال فإن القول قول الغرماء مع أيمانهم لأن
الأصل بقاء المال، والمفلس يدعي ضياعه فعليه البينة فإن حلفوا أثبتوا غناه
ووجب حبسه إلى أن يظهر ماله، وإن قال: لي بينة أحضرها، فإن بينته تسمع
وتكون مقدمة على أيمان الغرماء لأن الشهادة بينة أقوى من اليمين.
فإذا ثبت هذا فإن شهدت البينة على تلف ماله وضياعه قبل ذلك، ويثبت
إعساره سواء كان الشهود من أهل المعرفة الباطنة والخبرة المتقادمة أو لم يكونوا
لأن تلف المال أمر مشاهد مرئي فلا يفتقر إلى معرفة الشهود به وبباطن أمره، وإن
202

طلبوا بيمينه لا يحلف لأنه طعن في البينة، وإن شهدت البينة بإعساره في الحال من
غير أن يقول: كان له مال فتلف، فإنه ينظر: فإن كان من أهل المعرفة الباطنة
والخبرة المتقادمة قبلت وثبت إعساره لأن الظاهر أنها تعرف ذلك، وإن لم تكن
من أهل المعرفة الباطنة لم تقبل هذه الشهادة لأن الإعسار بالمال والعدم لوجوده
لا يعرفه كل أحد، وإنما يختص بمعرفته من يكون له صحبة قديمة ومعرفة بالباطن
وكيدة.
وإذا ثبت أن البينة تسمع على الإعسار فإنها تسمع في الحال ولا يجب
تأخيرها لما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه كان يحبس في الدين فإذا تبين
له الإعسار خلي سبيله، هذا إذا عرف له أصل مال.
فإن لم يعرف له أصل مال ويكون الدين قد ثبت عليه أرشا بجناية جناها أو
مهرا لامرأة تزوجها، فإذا ادعى العسرة كان القول قوله مع يمينه لأن الأصل عدم
المال لأنه يخلق كذلك معسرا ثم يرزقه الله والغنى طارئ يحتاج إلى دلالة.
وإذا أقام المفلس البينة على إعساره فهل يجب عليه اليمين مع ذلك؟ قيل
فيه وجهان، أقواهما أن عليه اليمين لأنه يجوز أن يكون له مال باطن لا تعرفه
الشهود، وإذا ثبت هذا وحكم الحاكم بإعساره وقسم المال الذي ظهر بين غرمائه
وجب إطلاقه وتخليته، وهل ينفك الحجر بذلك أو يحتاج إلى حكم الحاكم
به؟ قيل فيه وجهان:
أحدهما - وهو الصحيح -: أنه ينفك حجره لأن الحجر تعلق بالمال فإذا
قسم المال بين الغرماء زال سبب الحجر.
والآخر: لا ينفك الحجر إلا بحكم الحاكم لأنه ثبت بحكمه فلا يزول إلا
بحكمه مثل حجر السفه.
وإذا ثبت إعساره وخلاه الحاكم لم يجز للغرماء ملازمته إلى أن يستفيد
المال لقوله تعالى: " وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة ".
إذا ادعى الغرماء أنه أفاد مالا سأله الحاكم عن ذلك فإن أنكر كان القول
203

قوله مع يمينه لأن الأصل بقاء العدم والعسرة، فإن أقر بالمال فإن الحاكم ينظر
فيه مثل ما نظر في الأول، فإن سأل الغرماء الحجر عليه وقسمته بينهم فإنه ينظر:
فإن كان وفقا لديونهم لا يحجر عليه، وإن كان عاجزا عنها حجر عليه وما تصرف
فيه قبل الحجر فهو نافذ، وإذا حجر عليه جعل صاحب العين أحق بها وسوى في
القسمة بين الغرماء الذين حدثوا بعد فك الحجر عليه وبين الأولين.
وإن أقر بالمال إلا أنه قال: هو مضاربة لفلان، فإن المقر له لا يخلو من أحد
أمرين: إما أن يكون غائبا أو حاضرا، فإن كان غائبا كان القول قول المفلس مع
يمينه أنه للغائب، فإذا حلف أقر المال في يده للغائب ولا حق للغرماء فيه، وإن
كان حاضرا نظر فيه: فإن صدقه ثبت له لأنه إقرار من جائز التصرف وصدقه
المقر له فوجب أن يكون لازما، وإن كذبه بطل إقراره، فإذا بطل إقراره وجب
قسمته بين الغرماء.
إذا كان له على غيره مال مؤجل إلى سنة، وأراد من عليه الدين السفر البعيد
الذي مدته سنتان فإنه لا يجوز لصاحب الدين منعه من سفره ولا مطالبته بالكفيل
لأنه لا دليل عليه، هذا إذا كان سفره لغير الغزو فإن كان سفره للغزو قيل فيه
قولان: أحدهما ليس له منعه منه ولا مطالبته بالكفيل، وفي الناس من قال: له
مطالبته بذلك ومنعه من الجهاد.
وإذا باع الحاكم أو أمينه من مال المفلس شيئا بثمن مثله ثم جاءته الزيادة
بعد لزوم البيع وانقطاع الخيار سأل المشتري الإقالة أو بذل الزيادة، ويستحب
للمشتري الإجابة إلى ذلك لأن فيه مصلحة لمال المفلس وفكاك ذمته من
الديون، وإن لم يجبه إلى ذلك لم يجبر عليه لأن البيع الأول قد لزم.
وإذا باع شيئا من ماله فإنما يبيعه بنقد البلد وإن كانت ديونهم من غير جنس
نقد البلد، لأن بيعه بنقد البلد أوفر للثمن وأنجز للبيع.
وإذا باع بنقد البلد فكل من كان دينه من جنس نقد البلد أخذ منه بقسطه،
ومن كان دينه من غير جنس نقد البلد نظر: فإن كان مما يجوز أخذ عوضه مثل
204

القرض وأرش الجناية والثمن فإنهما إذا تراضيا عليه جاز أن يأخذ منه وإن امتنع
المفلس من دفعه، ولو امتنع الغريم من أخذه كان له الامتناع لأن حقه من غير
جنسه فلا يجبره على أخذه، وإن كان الدين بعقد السلم مثل الطعام والثياب
وغير ذلك مما يثبت في الذمة بعقد السلم فإنه لا يجوز أخذ عوضه ووجب شراؤه
من نقد البلد الذي حصل للمفلس وصرفه إليه، وقد بيناه فيما مضى.
205

تبصرة المتعلمين
الفصل الثالث: في الحجر:
وأسبابه ستة:
الأول: الصغر، فالصغير ممنوع من التصرف إلا مع البلوغ والرشد، ويعلم
الأول بالإنبات أو الاحتلام أو بلوغ خمس عشرة سنة في الذكور وتسع في
الأنثى، والثاني بإصلاح ماله عند اختباره بحيث يسلم من المغابنات وتقع أفعاله
على الوجه الملائم.
ولا يزول الحجر مع فقد أحدهما وإن طعن في السن، ويثبت في الرجال
بشهادة أمثالهم، وفي النساء بشهادتهن أو بشهادة الرجال.
الثاني: الجنون، ولا يصح تصرف المجنون إلا في أوقات إفاقته.
الثالث: السفه، ويحجر عليه في ماله خاصة.
الرابع: الملك، فلا ينفذ تصرف المملوك بدون إذن مولاه، ولو ملكه شيئا
لم يملكه على الأصح.
الخامس: المريض، تمضي وصيته في الثلث خاصة، ومنجزاته المتبرع بها
كذلك إذا مات في مرضه.
السادس: الفلس، ويحجر عليه بشروط أربعة: ثبوت ديونه عند المحاكم،
وحلولها، وقصور أمواله عنها، ومطالبة أربابها الحجر.
207

وإذا حجر عليه الحاكم بطل تصرفه في ماله ما دام الحجر، فلو اقترض بعده
أو اشترى في الذمة لم يشارك المقرض والبائع الغرماء، ولو أتلف مال غيره
شارك صاحبه، وكذا لو أقر بدين سابق.
ولو أقر بعين - قيل - يدفع إلى المقر له وله إجازة بيع الخيار وفسخه ومن
وجد عين ماله كان له أخذها - وله خلطها بالمساوي والأدون، وإن لم يكن
سواها دون نمائها - والضرب مع الغرماء.
ولا اختصاص في [مال] الميت مع قصور التركة، ويخرج الحب والبيض
بالزرع والاستفراخ عن الاختصاص.
وللشفيع أخذ الشقص، ويضرب البائع مع الغرماء.
مسائل:
الأولى: لو أفلس بثمن أم الولد بيعت أو أخذها البائع.
الثانية: لا تحل مطالبة المعسر ولا إلزامه بالتكسب ولا بيع دار سكناه ولا
عبد خدمته.
الثالثة: لا يحل بالحجر الدين المؤجل، ولو مات من عليه حل، ولا يحل
بموت صاحبه.
الرابعة: ينفق عليه من ماله إلى يوم القسمة وعلى عياله، ولو مات قدم الكفن.
الخامسة: يقسم المال على الديون الحالة بالتقسيط، ولو ظهر دين حال
نقضت وشاركهم، ومع القسمة يطلق ويزول الحجر بالأداء.
السادسة: الولاية في مال الطفل والمجنون للأب والجد له، فإن فقد فالوصي،
فإن فقد فالحاكم، وفي مال السفيه والمفلس للحاكم خاصة.
208

إرشاد الأذهان
المقصد الثالث: في الحجر:
وفيه مطلبان:
الأول: في أسبابه:
وأسبابه ستة:
الأول: الصغر، ويحجر على الصغير في تصرفاته أجمع إلى أن يبلغ ويرشد،
ويعلم بلوغ الذكر بالمني وإنبات الشعر الخشن على العانة وبلوغ خمس عشرة
سنة، والأنثى بالأولين وبلوغ تسع والحمل والحيض دليلان، والخنثى المشكل
بخمس عشرة أو المني من الفرجين أو من فرج الذكر مع الحيض من فرج
الأنثى.
ويعلم الرشد بإصلاح ماله بحيث يتحفظ من الانخداع والتغابن في
المعاملات، وتقبل فيه شهادة عدلين، وشهادة أربع نساء في الأنثى.
وصرف المال في صنوف الخير ليس بتبذير مع بلوغه في الخير، وصرفه
في الأغذية النفيسة غير الملائمة لحاله تبذير، ولو طعن في السن غير رشيد لم يزل
الحجر.
الثاني: الجنون، ويمنع من التصرفات أجمع إلا أن يكمل عقله، ولو كان
يعتوره أدوارا صح تصرفه وقت إفاقته، ولو ادعى وقوع البيع مثلا حالة جنونه،
209

فالقول قوله مع اليمين.
الثالث: السفه، ويمنع السفيه - وهو المبذر لأمواله في غير الأغراض
الصحيحة - عن التصرف في ماله، فلو باع أو وهب أو أقر بمال أو أقرض لم
يصح مع حجر الحاكم عليه، ويصح تصرفه في غير المال كالطلاق والظهار
والخلع والإقرار بالحد والقصاص والنسب، ولا يسلم إليه عوض الخلع.
ويجوز أن يتوكل لغيره في بيع وهبة وغيرهما، ولو أجاز الولي بيعه صح.
الرابع: الملك، فالعبد والأمة محجور عليهما لا يملكان شيئا ولو ملكهما
مولاهما، ولو تصرفا لم يمض إلا بإذن المولى.
الخامس: المرض، ويمنع المريض من الوصية بأكثر من الثلث ما لم يجز الورثة،
وفي التبرعات المنجزة قولان.
السادس: الفلس، ويحجر عليه بشروط أربعة: ثبوت الديون عند الحاكم
وحلولها وقصور أمواله عنها وسؤال أربابها الحجر، فلو سأل هو، أو تبرع به
الحاكم، أو كانت أمواله مساوية، أو كانت مؤجلة فلا حجر، ويثبت حجره بحكم
الحاكم به، ويزول بالأداء ولا يشترط الحكم.
المطلب الثاني: في الأحكام:
والكلام فيه يقع في مقامين:
الأول: في أحكام السفيه:
ويثبت حجر السفيه بحكم الحاكم لا بمجرد سفهه على إشكال، ولا يزول إلا
بحكمه، وإذا بايعه إنسان بعد الحجر كان باطلا ويستعيد العين، ولو تلفت وكان
القبض بإذن المالك فلا رجوع وإن زال الحجر، وإن كان بغير إذنه رجع عليه،
ولو أتلف ما أودع فالوجه عدم الضمان، ولو فك حجره فعاد تبذيره عاد
الحجر.
والولاية في ماله إلى الحاكم، وفي مال الطفل والمجنون إلى الأب أو الجد
210

له، فإن فقدا فالوصي، فإن فقد فالحاكم، ولا يمنع من الحج الواجب - ويدفع
إليه كفايته - ولا من المندوب إن استوت نفقته في الحالين أو تمكن من التكسب،
وإلا حلله الولي.
وينعقد يمينه ويكفر بالصوم، وله العفو عن القصاص بغير شئ واستيفاؤه لا
عن الدية، ويختبر الصبي قبل بلوغه ولا يصح بيعه.
المقام الثاني: في أحكام المفلس: وهي أربعة:
الأول: منع التصرف، ويمنع من كل تصرف مبتدإ يصادف المال الموجود
عند ضرب الحجر كالعتق والرهن والبيع والكتابة والهبة ولا يمنع مما لا
يصادف المال كالنكاح والخلع واستيفاء القصاص وعفوه وإلحاق النسب ونفيه
باللعان والاحتطاب والاتهاب وقبول الوصية.
ولو أقر بمال فالوجه اتباعه بعد الفك، ولو أقر بعين فالوجه عدم السماع،
ولا يتعدى الحجر إلى المال المتجدد على إشكال، وله إجازة بيع الخيار وفسخه
من غير اعتبار الغبطة، والرد بالعيب مع اعتبارها، وليس له قبض دون حقه.
ولو اقترض أو اشترى في الذمة لم يشارك المقرض والبائع الغرماء، ولو
أتلف مالا بعده ضرب المالك به، ولو باعه بعد الحجر احتمل تعلق البائع بعين
المال إن جهل إفلاسه، والصبر بالثمن إلى الفك، والضرب به مع الغرماء.
ولا يحل المؤجل بالحجر، ويقدم على الديون أجرة الكيال والحمال وما
يتعلق بمصلحة الحجر، ولو أقام شاهدا بدين حلف ويأخذ الغرماء فإن نكل فليس
للغرماء الحلف.
الثاني: اختصاص الغريم بعين ماله، وإنما يرجع البائع في العين مع تعذر
استيفاء الثمن بالإفلاس، فلو وفي المال به فلا رجوع، ولو قدمه الغرماء فله
الرجوع، لاشتماله على المنة، وتجويز ظهور غريم آخر، ولا رجوع لو تعذر
بامتناعه، بل يحبسه الحاكم أو يبيع عليه، وإنما يرجع إذا كان الثمن حالا،
211

ويرجع وإن لم يكن سواها مع الحياة.
وله الضرب بالثمن مع الغرماء، ولا اختصاص مع الموت إلا مع الوفاء،
ولو وجد البعض أخذه وضرب بثمن الباقي، وكذا لو تعيب بعيب استحق أرشه
ضرب بجزء من الثمن على نسبة نقصان القيمة لا بأرش الجناية، ولو كان من قبله
تعالى أو بجناية المفلس أخذ العين بالثمن أو ضرب.
والنماء المنفصل للمفلس، ولو كان متصلا فالوجه سقوط حقه من العين،
ويقدم حق الشفيع، ويضرب البائع بالثمن، ويفسخ المؤجر وإن بذل الغرماء
الأجرة، ولو أخذ بعد الغرس بيعت الغروس وليس له الإزالة بالأرش، ولا يبطل
حقه بالخلط بالمتساوي والأردأ، ويضرب بالثمن لو خلط بالأجود.
ولو نسج الغزل فله العين وللغرماء الزائد بالعمل، وكذا لو صبغه أو عمل
فيه بنفسه.
ويتخير المشتري سلما في الضرب بالقيمة أو الثمن، وللبائع أخذ المستولدة
وله بيعها دون الولد، ويتعلق حق الغرماء بدية الخطأ والعمد إن قبل ديته، ولا
يثبت الفسخ إلا في المعاوضة المحضة كالبيع والإجارة، ولو كانت الدابة في
بادية نقلت إلى مأمن بأجرة المثل مقدمة على الغرماء.
ولو زرع ترك بعد الفسخ بأجرة المثل مقدمة على الغرماء، ولو أفلس
المؤجر بعد تعيين ما أجره فلا فسخ، بل يقدم المستأجر بالمنفعة لتعلق حقه بعين
الدار، ولو كانت الأجرة واردة على ما في الذمة فله الرجوع إلى الأجرة مع
بقائها.
الثالث: قسمة أمواله، ويبادر الحاكم إلى بيع المخشي تلفه أولا وبعده
بالرهن، وينبغي إحضار كل متاع في سوقه، وإحضار الغرماء، والتعويل على
مناد أمين، وتقدم أجرته.
وتجري عليه نفقته ونفقة أهله وكسوتهم على عادة أمثاله إلى يوم القسمة،
فيعطى هو وعياله نفقة ذلك اليوم، ويقدم كفنه الواجب لو مات قبل القسمة، ثم
212

يقسم الحاكم على الأموال الحالة الثابتة شرعا دون المؤجلة.
ولو ظهر غريم بعد القسمة نقضت وشارك، ولو حل المؤجل قبل القسمة
شارك، ولو جنى عبده قدم حق المجني عليه وليس له فكه، ولو اقتضت
المصلحة تأخير القسمة جعل المال في ذمة ملي، فإن تعذر أودع من الثقة.
الرابع: حبسه، ويحرم مع إعساره الثابت باعتراف الغريم أو البينة، ولو
ماطل مع القدرة فللحاكم حبسه والبيع عليه، ولو ادعى الإعسار وكان له أصل
مال، أو كان أصل الدعوى مالا افتقر إلى البينة، فإن شهدت بتلف أمواله فلا
يمين، ولو شهدت بالإعسار افتقر إلى اطلاعها على باطن أمره وأحلف، وإن لم
يكن له أصل مال ولا كانت الدعوى مالا، قبلت يمينه بغير بينة، ومع القسمة
يطلق.
ولا يجوز مؤاجرته ولا استعماله ولو كان له دار غلة أو دابة وجب أن
يؤاجرها وكذا المملوكة وإن كانت أم ولد.
ولا تباع دار سكناه، ولا عبد خدمته، ولا فرس ركوبها إذا كان من أهلها،
ولا ثياب تجمله.
213

تلخيص المرام
كتاب الحجر
السادس:
يشترط في الحجر على المفلس ثبوت الديون عند الحاكم، وحلولها
والتماس أربابها الحجر، وقصور ماله عنها.
ولو تصرف بعده كان باطلا، ولو أقر بدين سابق شارك صاحبه، ولو أقر
بعين لم تدفع إليه على رأي، وله التزام بيع الخيار وفسخه، ولو اقترض بعد
الحجر أو اشترى في الذمة أو أقر بلا حق أو أقر ولم يذكر السبب فلا مشاركة
وتثبت في الذمة، ويشارك من أتلف ماله بعد الحجر، ولو أقر بنسب صح وأنفق
عليه من بيت المال لا من ماله، ومن وجد منهم عين ماله فله أخذها، ولو لم يكن
سواها، بخلاف الميت فإنه لا يأخذها إلا مع الوفاء، وله الضرب مع الباقي وقيل:
الخيار على الفور، ولو وجد بعض المبيع سليما أخذه بحصته من الثمن وضرب
بالباقي، ولو كان معيبا استحق أرشه وضرب بأرشه، ولو كان من قبله تعالى أو
من قبل المشتري تخير بين أخذه بالثمن وتركه، ولو قبض بعض ثمن المبيع
تخير بين الضرب بالباقي وأخذ ما قابل المتخلف من العين والنماء المنفصل
للمشتري، ولو كان متصلا لم يكن له أخذ العين، ولو أفلس من اشترى شقصا
أخذ الشفيع وضرب البائع في الثمن مع الغرماء.
وللمؤجر الفسخ إذا أفلس المستأجر وإن بذل الغرماء، ولو باع الأرض
215

واستعادها بالإفلاس بعد الغرس لم يكن له قلعه ولا مع أرشه على رأي، بل
يباعان، وكذا في الثوب بعد صبغه، ومع امتناعه يباع الغرس منفردا.
ولا يبطل حق صاحب العين بالخلط بالمساوي والأردأ والتصرفات التي
لا تخرجها عن العين، ويضرب المشتري سلما بالثمن أو بقيمة المبيع، ويتعلق حق
الغرماء بالدية، ولا يتعين عليه أخذها في العمد.
ولو كان له دار غلة أو جارية أو دابة وجب أن يؤاجرها، وليس للغرماء أن
يحلفوا مع شاهد المفلس بحق له على رأي، ويجب الإنظار مع الإعسار، ولا يجب
مؤاجرته ولا استعماله ولا تباع داره التي يسكنها ولا خادمه وتقدم مؤونته ومؤونة
عياله إلى يوم القسمة، وكفنه.
ويستحب إحضار كل متاع سوقه وحضور الغرماء للزيادة، والبدأة ببيع
المخشي تلفه، والتعويل على مناد يرتضيه المفلس والغرماء، وعلى المفلس أجرة
الدلال من ماله، ولو ظهر غريم نقضت القسمة، وتقسم على الحال دون المؤجل.
والمجني عليه أولى بالجاني من الغرماء، ولو طلب مولاه الافتكاك فللغرماء
المنع، ولو ماطل مع الغنى حبسه الحاكم أو باع، ولا يحل حبسه بدونه،
ولا يثبت إعساره مع الإنكار إلا بالبينة إلا إذا لم يكن له مال ظاهر ولا كان أصل
الدعوى مالا فيثبت باليمين، ومع القسمة يجب إطلاقه.
ويزول الحجر بالأداء، والصغر سبب للحجر إلا مع البلوغ والرشد، ويعلم
الأول بالإنبات والمني وبلوغ خمس عشرة سنة في الذكر وتسع في الأنثى،
والخنثى المشكل بخروج المني منهما أو من الذكر والحيض من الآخر، أو
بالأول أو بخمس عشرة، والحيض والحمل دلالتان.
ويثبت رشد الرجال بشهادتهم المستندة إلى الاختبار الواجب قبل البلوغ
على رأي، ورشد النساء بهما والسفيه الذي يصرف ماله في غير غرض صحيح
يحجره عليه فيه، ويجوز له النيابة في البيع والشراء، ولا يثبت الحجر عليه وعلى
المفلس إلا بحكم الحاكم، والولاية في مالهما للحاكم لا غير، وللأب والجد ولاية
216

على الطفل والمجنون، فإن لم يكونا فللوصي، فإن لم يكن فللحاكم.
وللسفيه أن يحج تطوعا إن قدر على الاكتساب أو استوت نفقته، وللولي مع
عدمهما أن يحلله، وفي الواجب يحج مطلقا، ولو أذن له الولي في النكاح أو باع
فأجاز صح، ولو نكح من غير إذن صح العقد مع الحاجة، فإن زاد عن مهر
المثل بطل الزائد، ولا يزول حجره إلا بحكم الحاكم ولو اشترى فالبيع باطل
ويأخذه صاحبه، وإن تلف بعد قبض مأذون فيه كان تالفا وإن زال حجره، ولو
أتلف الوديعة لم يضمن على رأي، وينعقد يمينه ويكفر بالصوم ويجوز عفوه عن
القصاص لا الدية.
ولا يصح بيع الصبي قبل بلوغه، وقيل: للمرأة المطالبة بفسخ النكاح مع
إعساره عن النفقة، فإن بذلت عنه لم تجبر على قبوله، وكذا من عليه دين لا يجبر
صاحبه بقبضه من غيره.
217

المسائل لابن طي
المقصد الثالث: في الحجر:
وفيه مسائل:
مسألة [1]: أسباب الحجر ستة، لأن الحجر إما أن يقتضي المنع من التصرف
بحق عليه أو بحق لغيره، والأول إما أن يسلب مطلقا أو لا، والأول إما أن لا يراعى
فيه سن أو لا، والأول المجنون والثاني الصبي، وإن لم يسلبه مطلقا فهو السفيه،
وإن كان بحق لغيره فهو العبد، وإن كان بحق الغير فإما أن يستوعب الحجر ماله
أو لا، والأول المفلس والثاني المريض.
مسألة [2]: لو أقر المفلس بمال للغير أخرت تلك العين، فإن فضلت سلمت
إلى المقر له وإلا بطل إقراره.
مسألة [3]: إنما يختص ذو العين بها في حق الميت على تقدير وفاء الغرماء
بغيرها وعلى تقدير القصور، فلا اختصاص ولا فرق بين أن يموت محجورا عليه أو
لا، وقول عميد الدين: بشرط الحجر، أما المفلس فلغريمه أخذ عين ماله سواء وفي
أو لا.
219

مسألة [4]: إذا عرض السفه بعد البلوغ فالولاية للحاكم، وقبله الولاية للجد
والأب.
مسألة [5]: يثبت بنفس ظهور السفه ولا يزول إلا بحكم الحاكم.
مسألة [6]: لا اعتبار بنبات الشعر تحت الإبط في البلوغ، قال: إن كان خشن
كان علامة.
مسألة [7]: إذا باع المفلس شيئا قيمته دينارا بدينارين فللغرماء الخيار في
الإجازة وعدمها.
مسألة [8]: لو خلص بمال المفلس بما هو أجود هل يبطل حقه من العين؟
قال: صحيح، قال: لا يبطل ويباع ويأخذ قدر حقه بالنسبة.
مسألة [9]: لا يثبت الرشد بشهادة النساء في الرجال.
مسألة [10]: الذي يأخذ عين ماله من المفلس هل الخيار على الفور أو على
التراخي؟ بل على الفور.
مسألة [11]: قال: إذا زال الحجر عن الصغير والمجنون والسفيه وجب دفع
ماله إليه وإن لم يطلب لأنه وضع المال في يد الوالي عليهم على القهر لأنه
باختيارهم كالغصب، فإذا زال المقتضي لذلك وجب الدفع بخلاف الوديعة
والدين فإنه ترك في يد الغير باختياره فافترقا، وظاهر كلام التحرير يدل على
هذا.
220

مسألة [12]: لو أفلس إنسان فاختار البائع الواجد عين ماله الضرب مع
الغرماء فقبل بيع ماله مات المفلس وأمواله تفي بديونه فهل للبائع أن يأخذ عين
ماله لأجل الموت أوليس له لأنه رضي بالضرب مع الغرماء؟ تردد، والأولى أن
له ذلك لأن المفلس والموت سببان متغايران فيتسلط بكل واحد منهما على أخذ
عين ماله، ولأنه قد يرضى بأن يبقى له في ذمة المفلس ما تبقى من دينه لأن له ذمة
قابلة والميت ليس كذلك.
مسألة [13]: لو كان لمجنون في يد إنسان من طلبة العلم شئ وله مصلحة
في بيعه وماله ولي وما وجد الحاكم فهل يجوز لذلك الذي عنده ذلك الشئ
أن يقومه على نفسه بقيمة العدل ويطعمه أو يكسوه به هل يبرأ أم لا؟
قال: الأولى بيعه للغير لئلا يحكم لنفسه.
221

كتاب الضمان
223

الخلاف كتاب الضمان
مسألة 1: ليس من شرط الضمان أن يعرف المضمون له، أو المضمون عنه.
وللشافعي فيه ثلاثة أوجه، أحدها: مثل ما قلناه.
والثاني: أن من شرطه معرفتهما.
والثالث: أن من شرطه معرفة المضمون له دون المضمون عنه.
دليلنا: ما روي أن عليا عليه السلام وأبا قتادة لما ضمنا الدين عن الميت لم
يسألهما النبي صلى الله عليه وآله عن معرفتهما لصاحب الدين، ولا الميت، فدل
على أنه ليس من شرطه معرفتهما.
مسألة 2: ليس من شرط صحة الضمان رضاهما أيضا، وإن قيل: إن من
شرطه رضا المضمون له كان أولى.
وقال الشافعي: المضمون عنه لا يعتبر رضاه، والمضمون له فيه قولان:
فقال أبو علي الطبري: من شرطه رضاه مثل الثمن في المبايعات.
وقال ابن سريج: ليس ذلك من شرطه، لأن عليا عليه السلام وأبا قتادة لم
يسألا المضمون له.
دليلنا: ضمان علي عليه السلام وأبي قتادة، فإن النبي صلى الله عليه وآله لم
يسأل عن رضا المضمون له، وأما رضا المضمون عنه فكان غير ممكن، لأنه كان
225

ميتا يدل على أنه لا اعتبار برضاهما، وإذا اعتبرنا رضا المضمون له، فلأنه إثبات
حق في الذمة، فلا بد من اعتبار رضاه كسائر الحقوق، والأول أليق بالمذهب،
لأن الثاني قياس، ونحن لا نقول به.
مسألة 3: إذا صح الضمان، فإنه ينتقل الدين من ذمة المضمون عنه إلى ذمة
الضامن، ولا يكون له أن يطالب أحدا غير الضامن. وبه قال أبو ثور، وابن أبي
ليلى، وابن شبرمة، وداود.
وقال الشافعي وباقي الفقهاء: أن المضمون له مخير في أن يطالب أيهما شاء،
والضمان لا ينقل الدين من ذمة المضمون عنه إلى ذمة الضامن.
دليلنا: أن النبي صلى الله عليه وآله قال لعلي عليه السلام لما ضمن
الدرهمين عن الميت: جزاك الله عن الإسلام خيرا، وفك رهانك كما فككت
رهان أخيك، فدل على أن الميت قد انتقل الحق من ذمته.
وقال عليه السلام لأبي قتادة لما ضمن الدينارين: هما عليك والميت منهما
برئ، قال: نعم، فدل على أن المضمون عنه يبرأ من الدين بالضمان.
مسألة 4: ليس للمضمون له أن يطالب إلا الضامن.
وقال مالك: لا يجوز له أن يطالب الضامن إلا عند تعذر المطالبة من
المضمون عنه، إما بغيبته، أو بإفلاسه، أو بجحوده.
وقال الشافعي وباقي الفقهاء: هو بالخيار في مطالبته أيهما شاء.
دليلنا: ما ذكرناه في المسألة الأولى سواء، من أن الضمان ينقل المال من
ذمة المضمون عنه إلى ذمة الضامن، فإذا ثبت ذلك، فليس له أن يطالب إلا من
ثبت المال في ذمته.
مسألة 5: إذا ضمن بغير إذن المضمون عنه، وأدى بغير أمره، فإنه يكون
226

متبرعا، ولا يرجع به عليه. وبه قال الشافعي.
وقال مالك وأحمد: يرجع به عليه.
دليلنا: أن عليا عليه السلام وأبا قتادة ضمنا الدينين عن الميتين بغير إذن
أحد، فلو كان لهما أن يرجعا عليهما إذا أديا الدينين لم يكن لضمانهما فائدة،
ولكان الدين باقيا على الميت كما كان.
مسألة 6: إذا ضمن عنه باذنه، وأدى بغير إذنه، فإنه يرجع عليه واختلف
أصحاب الشافعي في ذلك.
فقال أبو علي بن أبي هريرة بمثل ما قلناه، وهو اختيار أبي الطيب الطبري.
وقال أبو إسحاق: إن أدى عنه مع إمكان الوصول إليه واستئذانه لم يرجع
عليه، وإن أدى مع تعذر ذلك رجع عليه.
دليلنا: إنا قد بينا أن بنفس الضمان انتقل المال إلى ذمته، فإذا انتقل إلى
ذمته فلا اعتبار باستئذانه في القضاء، ومن قال بالخيار ونصر ما قلناه قال: إذنه له
في الضمان إذن له في القضاء، فلا يحتاج إلى استئذانه ثانيا.
مسألة 7: يصح ضمان مال الجعالة إذا فعل ما شرط الجعالة له. وللشافعي
فيه وجهان: أحدهما مثل ما قلناه.
والثاني: لا يصح ضمانه.
دليلنا: قوله تعالى: ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم، وهذا نص.
وقول النبي صلى الله عليه وآله: الزعيم غارم، وهذا عام إلا ما أخرجه
الدليل.
مسألة 8: يصح ضمان مال المسابقة.
وقال الشافعي: إن جعلناه مثل الإجارة صح ضمان ذلك، وإن جعلناه مثل
227

الجعالة فعلى وجهين.
دليلنا: قوله عليه السلام: الزعيم غارم، وهو على عمومه.
مسألة 9: إذا جنى على حر، فاستحق بالجناية إبلا، صح ضمانها.
وللشافعي فيه قولان، بناء على القولين في بيعها وإصداقها.
دليلنا: قوله عليه السلام: الزعيم غارم، وهذا زعيم.
ولأنه لا مانع يمنع من صحة ذلك، والأصل جوازه.
مسألة 10: نفقة الزوجة إذا كانت مستقبلة لا يصح ضمانها.
وللشافعي فيه قولان:
إذا قال: يلزم النفقة بنفس العقد، صح ضمانها.
وإن قال: تجب بالتمكين من الاستمتاع قال: لا يصح.
دليلنا: أن النفقة إنما تلزم بالتمكين من الاستمتاع، بدلالة أنها متى نشزت
سقط نفقتها، فإذا ثبت ذلك فالتمكين من ذلك لم يحصل في المستقبل، فلا
يجب به النفقة.
مسألة 11: يصح ضمان الثمن مدة الخيار.
وللشافعي فيه طريقان: أحدهما مثل ما قلناه، وهو الصحيح عندهم.
والثاني: لا يصح، لأنه مثل مال الجعالة، وهو على قولين.
دليلنا: أن هذا المال يؤول إلى اللزوم، فيصح ضمانه.
وأيضا قوله عليه السلام: الزعيم غارم.
مسألة 12: يصح ضمان عهدة الثمن إذا خرج المبيع مستحقا، إذا كان قد
سلم الثمن إلى البائع. وبه قال أكثر الفقهاء، والمشهور من مذهب الشافعي.
228

وقال أبو العباس بن سريج، وأبو العباس بن القاص: لا يجوز ذلك.
دليلنا: قوله عليه السلام: الزعيم غارم، ولم يفصل، والأصل جواز ذلك،
والمنع منه يحتاج إلى دلالة.
وأيضا فإن الاستيثاق من الحقوق جائز، فلا يخلو من أن يكون بالشهادة أو
بالرهن أو الضمان، ولا فائدة في الشهادة لأنها ليست وثيقة، والرهن لا يجوز في
هذا الموضع بلا خلاف، لأنه كان يؤدى إلى أن يتعطل الرهن أبدا، فلم يبق بعد
هذا إلا الضمان، وإلا خلا المال من الوثيقة.
مسألة 13: لا يصح ضمان المجهول، سواء كان واجبا أو غير واجب، ولا
يصح ضمان ما لا يجب، سواء كان معلوما أو مجهولا. وبه قال الشافعي، وسفيان
الثوري، وابن أبي ليلى، والليث بن سعد، وأحمد بن حنبل.
وقال أبو حنيفة، ومالك: يصح ضمان ذلك.
دليلنا: ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه نهى عن الغرر، وضمان
المجهول غرر، لأنه لا يدري كم قدرا من المال عليه.
وأيضا فلا دليل على صحة ذلك، فمن ادعى صحته فعليه الدلالة.
مسألة 14: يصح الضمان عن الميت، سواء خلف وفاء أو لم يخلف. وبه
قال الشافعي، ومالك، وأبو يوسف، ومحمد.
وقال أبو حنيفة وسفيان الثوري: لا يصح الضمان عن الميت إذا لم يخلف
وفاء بمال، أو ضمان ضامن. وإن خلف وفاء بمال، أو ضمان صح الضمان عنه.
دليلنا: خبر علي عليه السلام وأبي قتادة وضمانهما عن الميت، وإجازة النبي
صلى الله عليه وآله ذلك مطلقا من غير فصل، فدل على أن الحكم لا يختلف.
وروي عن أنس بن مالك أنه قال: من استطاع منكم أن يموت وليس عليه
دين فليفعل، فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وقد أتى بجنازة يصلى
229

عليها، فقال: هل عليه دين؟ فقالوا: نعم، فقال: ما تنفعه صلاتي وهو مرتهن بدينه،
فلو قام أحدكم فضمن عنه فصليت عليه كانت تنفعه صلاتي.
وهذا صريح في جواز ابتداء الضمان بعد موت المضمون عنه.
مسألة 15: إذا ضمن العبد الذي لم يؤذن له في التجارة بغير إذن سيده، لم
يصح ضمانه. وبه قال أبو سعيد الإصطخري، وحكي ذلك عن ابن سريج.
وقال ابن أبي هريرة في تعليقته: يصح. وحكي ذلك عن أبي إسحاق
المروزي.
دليلنا: قوله تعالى: عبدا مملوكا لا يقدر على شئ، والضمان شئ، فوجب
أن لا يصح، لأنه تعالى إنما نفى حكم ذلك، لا نفس القدرة عليه.
مسألة 16: كفالة الأبدان تصح. وبه قال من الفقهاء أبو حنيفة وغيره، وهو
المشهور من مذهب الشافعي.
وله قول آخر ذكره المروزي في تعليقته: أنها لا تصح.
دليلنا: قوله تعالى: لتأتنني به إلا أن يحاط بكم، فطلب يعقوب منهم كفيلا
ببدنه، وقال أخوة يوسف ليوسف: إن له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه،
وذلك كفالة بالبدن.
وروى أبو إسحاق السبيعي، عن حارثة بن مضرب أنه قال: صليت مع
عبد الله بن مسعود الغداة فلما سلم، قام رجل، فحمد الله واثنى عليه، وقال: أما
بعد فوالله لقد بت البارحة - إلى آخر الخطبة فقال -: استتبهم وكفلهم عشائرهم،
فاستتابهم فتابوا، وكفلهم عشائرهم.
وهذا يدل على إجماعهم على أن الكفالة بالبدن صحيح.
وروى المخالفون لنا: أن عبد الله بن عمر كان له دين على علي عليه السلام،
فكفلت به أم كلثوم ابنته زوجة عمر بن الخطاب.
230

مسألة 17: إذا تكفل ببدن رجل، فغاب المكفول به غيبة يعرف موضعه،
ألزم الكفيل إحضاره، ويمهل مقدار زمان ذهابه ومجيئه لإحضاره، فإن لم يحضره
بعد انقضاء هذه المدة المذكورة حبس أبدا حتى يحضره أو يموت. وبه قال
جميع من أجاز الكفالة بالبدن.
وقال ابن شبرمة: يحبس في الحال ولا يمهل، لأن الحق قد حل عليه.
دليلنا: أن من شرط الكفالة إمكان تسليمه، والغائب لا يمكن تسليمه في
الحال، فوجب أن يمهل حتى يمضى زمان الإمكان.
مسألة 18: إذا تكفل ببدن رجل، فمات المكفول به، زالت الكفالة وبرأ
الكفيل، ولا يلزمه المال الذي كان عليه. وبه قال جميع الفقهاء الذين أجازوا
كفالة الأبدان.
وقال مالك: يلزمه ما عليه، وإليه ذهب ابن سريج.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، فمن علق عليها شيئا فعليه الدلالة.
وأيضا فإنه تكفل ببدنه دون ما في ذمته، فلا يلزمه تسليم ما لم يتكفل به،
ولم يضمنه.
مسألة 19: إذا رهن شيئا ولم يسلمه، فتكفل رجل بهذا التسليم صح.
وقال الشافعي: لا يصح.
دليلنا: أنا قد بينا أن الراهن يجب عليه تسليم الرهن، فصحت الكفالة عنه،
والشافعي بناه على أنه لا يجب عليه تسليمه، وقد بينا خلافه.
231

المبسوط
كتاب الضمان
الضمان جائز للكتاب والسنة والإجماع.
فالكتاب قول الله عز وجل في قصة يوسف عليه السلام " ولمن جاء به
حمل بعير وأنا به زعيم "، والزعيم " الكفيل " ويقال: ضمين وكفيل وجميل
وصبير وقتيل، وليس لأحد أن يقول: إن الحمل مجهول لا يصح أن يكون كفيلا
فيه، وذلك أن الحمل حمل البعير وهو ستون وسقا عند العرب، وأيضا فإنه مال
الجعالة وذلك يصح عندنا ضمانه لأنه يؤول إلى اللزوم، ومن لم يجز ضمان مال
الجعالة وضمان المال المجهول قال: أخرجت ذلك بدليل والظاهر يقتضيه.
روى أبو أمامة الباهلي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خطب يوم فتح مكة
فقال في خطبته: العارية مؤداة والمنحة مردودة والدين مقضي والزعيم غارم -
يعني الكفيل -. وروى أبو سعيد الخدري قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم في جنازة فلما وضعت قال: هل على صاحبكم من دين؟ قالوا: نعم
درهمان، فقال: صلوا على صاحبكم، فقال علي عليه السلام: هما علي يا رسول
الله وأنا لهما ضامن، فقام رسول الله فصلى عليه ثم أقبل على علي فقال: جزاك
الله عن الإسلام خيرا وفك رهانك كما فككت رهان أخيك. وروى جابر بن
عبد الله أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان لا يصلي على رجل عليه دين، فأتي
بجنازة فقال: هل على صاحبكم دين؟ فقالوا: نعم ديناران، قال: فصلوا على
233

صاحبكم، فقال أبو قتادة: هما علي يا رسول الله، قال: فصلى عليه فلما فتح الله
على رسوله قال: أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم فمن ترك مالا فلورثته ومن ترك
دينا فعلي، وروي: فإلي، وروي عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: لا تحل
الصدقة لغني إلا لثلاثة، ذكر منها رجل تحمل حمالة فحملت له الصدقة، وتحمل
الحمالة هو الضمان للدية لأولياء المقتول لتسكين النائرة وإصلاح ذات البين.
وإجماع الأمة، فإنهم لا يختلفون في جواز الضمان وإن اختلفوا في مسائل
منها.
فإذا ثبت صحة الضمان فمن شرطه وجود ثلاثة أشخاص: ضامن ومضمون
له ومضمون عنه.
فالضامن هو الكفيل بالدين والمتحمل له، والمضمون له هو صاحب الدين،
والمضمون عنه فهو من عليه الدين، وهل من شرط الضمان أن يعلم المضمون له
والمضمون عنه أم لا؟ قيل فيه: ثلاثة أوجه:
أحدها: أن من شرط معرفتهما هو شرط معرفة المضمون عنه لينظر هل
يستحق ذلك عليه أم لا؟ والمضمون له يعرف هل هو سهل المعاملة أم لا؟
والثاني: أنه ليس من شرط الضمان معرفتهما لأن عليا عليه السلام وأبا قتادة
لما ضمنا عن الميت ما عليه لم يسألهما النبي صلى الله عليه وآله عن معرفتهما
بصاحب الدين ولا بالميت الذي ضمنا عنه.
والثالث: أنه يجب معرفة المضمون له دون المضمون عنه، لأن المضمون عنه
انقطعت معاملته ويحتاج إلى معرفة المضمون له ليعرف كيفية المعاملة، والأول
هو الأظهر.
فإذا ثبت ذلك، فهل من شرط الضمان رضا المضمون له والمضمون عنه أم
لا؟ فالمضمون عنه لا يحتاج إلى رضاه لأن ضمان دينه بمنزلة القضاء عنه، ولأن
عليا عليه السلام ضمن عن الميت ولا يصح اعتبار رضاه.
وأما المضمون له فلا بد من اعتبار رضاه لأن ذلك إثبات مال في الذمة بعقد
234

فلا يصح ذلك إلا برضاه، وقيل: إنه لا يحتاج إلى رضاه لأن عليا عليه السلام لما
ضمن عن الميت لم يعتبر النبي صلى الله عليه وآله رضا المضمون له.
والضمان ينقل الدين عن ذمة المضمون عنه إلى ذمة الضامن، ولا يكون
المضمون له أن يطالب أحدا غير الضامن، وقال قوم: له أن يطالب أيهما شاء من
الضامن والمضمون عنه.
إذا كان الضمان مطلقا فله أن يطالب به أي وقت شاء، وإن كان مؤجلا لم
يكن له مطالبة الضامن إلا بعد حلول الأجل، ومن قال: له مطالبة أيهما شاء،
يقول: ليس له مطالبة الضامن إلا بعد حلولها وله أن يطالب المضمون عنه أي
وقت شاء.
وإن كان دين إلى شهر فضمنه ضامن إلى شهرين كان جائزا، ولا يكون له
مطالبته إلا بعد الشهرين.
فإن مات الضامن في الحال حل الدين في تركته وكان له أن يطالب ورثته
بقضاء في الحال، ومن قال بالتخيير قال: له مطالبة ورثة الضامن في الحال وليس
له أن يطالب المضمون عنه إلا بعد حلول الأجل لأن الدين لم يحل عليه.
فإذا أخذ من ورثة الضامن برئ الضامن والمضمون عنه، ولم يكن لورثة
الضامن أن يرجعوا على المضمون عنه حتى ينقضي الأجل لأن الدين عليه مؤجل
فلا يجوز مطالبته به قبل محله، ومن قال بالتخيير قال هكذا في المضمون عنه.
إذا مات حل الدين عليه ولا يجوز مطالبة الضامن، لأنه لم يحل عليه، فإذا
استوفي ذلك من تركته سقط عن الضامن والمضمون عنه بلا خلاف، ومتى أدى
الضامن الدين سقط عن المضمون عنه فهل يرجع عليه أم لا؟ فيه أربع مسائل:
إحداها: أن يكون قد ضمن بأمر من عليه الدين وأدى بأمره.
الثانية: أنه لا يضمن بأمره ولم يؤد بأمره.
الثالثة: أن يكون ضمن بأمره وأدى بغير أمره.
الرابعة: أن يكون ضمن بغير أمره وأدى بأمره.
235

فإذا ضمن بأمره وقضى بأمره فإنه يرجع به عليه لأنه أذن له في ذلك فيلزمه
قضاؤه.
وأما إذا ضمن بغير أمره وأدى بغير أمره فإنه يكون متبرعا فلا يرجع به
عليه. وأما إذا ضمن عنه باذنه وأدى بغير إذنه فإنه يلزمه، لأنا قد بينا أن بنفس
الضمان انتقل الدين إلى ذمته، ولا يحتاج في قضائه إلى إذنه.
وأما إذا ضمن بغير أمره وأدى بأمره فإنه لا يرجع عليه لأنه التزم بغير أمر منه
متبرعا فانتقل المال إلى ذمته فلا تأثير لإذنه له في القضاء عنه لأن قضاءه بعد
الضمان إنما هو عن نفسه لا عن غيره لأنه واجب عليه دونه.
فأما بيان الحقوق التي يصح فيها الضمان ولا يصح، فجملته أن الحقوق على
أربعة أضرب: حق لازم مستقر، وحق لازم غير مستقر، وحق ليس بلازم ولا
يؤول إلى اللزوم، وحق ليس بلازم ولكنه يؤول إلى اللزوم.
فأما الضرب الأول فهو الذي أمن سقوطه ببطلان أسبابه، وذلك مثل الثمن
في البيع بعد تسليم المبيع والمهر بعد الدخول والأجرة بعد انقضاء المدة، فهذه
حقوق لازمة مستقرة لأنها لا تسقط ببطلان العقود، فهذه يصح ضمانها بلا خلاف.
وأما الضرب الثاني الذي يسقط ببطلان أسبابها، مثل ثمن المبيع قبل
التسليم والأجرة قبل انقضاء الإجارة والمهر قبل الدخول لأنها معرضة للسقوط
بتلف المبيع وانهدام الدار المستأجرة والطلاق قبل الدخول والارتداد قبل
الدخول، فهذه الحقوق لازمة غير مستقرة، فيصح ضمانها أيضا بلا خلاف.
وأما الضرب الثالث فهو الحق الذي ليس بلازم في الحال ولا يؤول إلى
اللزوم، وذلك مثل مال الكتابة، لأنه لا يلزم العبد في الحال لأن للمكاتب إسقاطه
بفسخ الكتابة للعجز، ولا يؤول إلى اللزوم أيضا لأنه إذا أداه عتق وإذا عتق خرج
من أن يكون مكاتبا، فلا يتصور أن يلزمه في ذمته مال الكتابة بحيث لا يكون له
الامتناع من أدائه، فهذا المال لا يصح ضمانه لأن الضمان إثبات مال في الذمة
236

والتزام لأدائه، وهو فرع للمضمون عنه فلا يجوز أن يكون ذلك المال في الأصل
غير لازم ويكون في الفرع لازما فلهذا منعنا من صحة ضمانه وهذا لا خلاف فيه.
وأما الرابع فهو مال الجعالة فإنه ليس بلازم في الحال لكنه يؤول إلى اللزوم
بفعل ما شرط المال له، ويصح ضمانه ويلزمه لقوله صلى الله عليه وآله: الزعيم
غارم، ولقوله تعالى " ولمن جاء به حمل بعير وأنا به زعيم ".
وأما مال المسابقة يصح ضمانه لأنه يؤول إلى اللزوم وأرش الجناية إن كان
دراهم أو دنانير، مثل أن يتلف عليه مالا أو يجني على عبده جناية فإنه يصح
ضمانه لأنه لازم مستقر، وإن كان أبدا مثل أن يجني على حر فضمانه أيضا
صحيح.
نفقة الزوجة إذا كانت ماضية صح ضمانها لأنها ثابتة مستقرة، وإن كانت
نفقة اليوم صح أيضا لأنها تجب بأول ذلك اليوم، وإن كانت نفقة مستقبلة لم
يصح ضمانها لأن النفقة تجب بالتمكين من الاستمتاع لا بمجرد العقد، وإذا لم
تجب النفقة بعد فلا يصح الضمان، ومتى ضمن النفقة فإنها تصح مقدار نفقة
المعسر لأنها ثابتة بكل حال، وأما الزيادة عليها إلى تمام نفقة الموسر فهي غير ثابتة
لأنها تسقط بإعساره.
وأما الأعيان المضمونة مثل المغصوب في يد الغاصب والعارية في يد
المستعير إذا شرط ضمانها، فهل يصح ضمانها عمن هي في يده أم لا؟ فيه وجهان:
أحدهما: يصح ضمانها لأنها مضمونة، وهو الصحيح.
الثاني: لا يصح ضمانها لأنها غير ثابتة في الذمة، وإنما يصح ضمان الحق
الثابت في الذمة فلا يصح ضمان قيمتها لأنها بعد ما وجبت، ولأنها مجهولة
وضمان ما لم يجب وهو مجهول لا يصح.
فأما الثمن في مدة الخيار فإنه يصح ضمانه لأنه يؤول إلى اللزوم فيجبر على
تسليم المشتري.
ضمان العهدة هو ضمان الثمن إذا خرج المبيع مستحقا، فإذا ثبت ذلك
237

فإن ضمن العهدة قبل أن يقبض البائع الثمن لم يصح ذلك، لأنه ضمان ما لم
يجب ولا حاجة تدعو إلى تجويزه.
وإذا سلم الثمن إلى البائع ثم طالبه بمن يضمن العهدة إن خرج المبيع
مستحقا فهل له ذلك وهل يصح ضمان العهدة أم لا؟ فالصحيح أنه يصح لأنه
لا يمنع منه مانع.
إذا ثبت هذا وأنه يجوز فلفظه أن يقول: ضمنت عهدته أو ضمنت عنه أو
ضمنت دركه، أو يقول للمشتري: ضمنت خلاصك منه، فمتى أتى بواحد من هذه
الألفاظ صح الضمان لأنها موضوعة له، وإن قال: ضمنت خلاصه، لم يصح -
يعني خلاص المبيع - لأنه لا يملك المبيع ولا يمكنه تخليصه إلا بابتياعه فيكون
ذلك من ضمان البيع وضمان البيع لا يصح.
فإذا ثبت أن ضمان الخلاص لا يصح نظر: فإن كان في المبيع منفردا عن
ضمان العهدة أو مع ضمان العهدة كان ذلك شرطا فاسدا ويبطل البيع به،
وكذلك إن شرطه في مدة الخيار، لأن مدة الخيار بمنزلة حال العقد.
فأما إذا كان بعد انقطاع الخيار، فإن شرط خلاص المبيع منفردا لم يصح
الضمان، وإن شرط مع ضمان العهدة بطل في خلاص المبيع ولا يبطل في
ضمان العهدة، كما قلناه في تفريق الصفقة والبيع بحاله: لم يؤثر فيه بلا خلاف،
والعهدة وإن كان اسما للصك المكتوب ولا يصح ضمانه فقد صار بعرف
الشرع عبارة عن ضمان الثمن حتى إذا أطلق لا يفهم إلا ما قلناه.
إذا ثبت هذا وانعقد الضمان فلا يخلو: إما أن يسلم المبيع للمشتري أو
لا يسلم، فإن سلم فلا كلام، وإن لم يسلم لم يخل: أن يكون ذلك بسبب حادث
بعد البيع أو مقارن له، فإن كان ذلك بسبب حادث بعد البيع مثل تلف المبيع
والإقالة رجع المشتري على البائع بالثمن، وليس له أن يطالب الضامن بالثمن
لأنه إنما ضمن الثمن إذا لم يسلم المبيع بسبب الاستحقاق.
وأما إذا كان ذلك بسبب مقارن لم يخل من أحد أمرين: إما أن يكون
238

بتفريط من البائع أو بغير تفريط منه.
فإن كان بغير تفريط منه مثل أن يؤخذ المبيع بالشفعة فإن المشتري يطالب
الشفيع بمثل ما وزنه من الثمن، وليس له مطالبة البائع ولا الضامن لأنه استحق
على المشتري لا على البائع.
وأما إذا كان بتفريط منه فإن كان بعيب أصابه بالمبيع فرده رجع بالثمن
على البائع، وهل يرجع على الضامن؟ قيل فيه وجهان:
أحدهما: أنه لا يرجع عليه لأنه إنما ضمن الثمن إذا خرج المبيع مستحقا و
هذا لم يخرج مستحقا.
والثاني: أنه يرجع على الضامن بالثمن لأن المبيع لم يسلم له بسبب مقارن
للعقد بتفريط منه فهو في معنى خروجه مستحقا، هذا إذا أصاب به العيب ولم
يحدث به عنده عيب آخر.
فأما إذا حدث به عنده عيب آخر لم يكن له رده وكان له الرجوع بأرش
العيب الموجود، ويرجع به على البائع، وهل يرجع به على الضامن؟ قيل فيه
وجهان.
فأما إذا لم يسلم له المبيع بخروجه مستحقا لم يخل: إما أن يستحق جميعه
أو بعضه، فإن استحق جميعه رجع بالثمن على البائع والضامن لأن الضمان كان
لهذه الحال، وإن خرج بعضه مستحقا كان البيع في بعض المستحق باطلا
وفيما عداه صحيحا، كما قلناه في تفريق الصفقة، ويكون المشتري بالخيار لأن
الصفقة تبعضت عليه، فإن رده رجع بقدر الذي قابل القدر المستحق من الثمن
عليها، والقدر الذي قابل الباقي فإنه يرجع به على البائع وهل يرجع على
الضامن؟ الصحيح أن له أن يرجع لأن السبب فيه الاستحقاق الذي حصل في
بعضه.
إذا ضمن البائع للمشتري قيمة ما يحدثه في الأرض التي اشتراها من بناء
وغراس بالغة ما بلغت لم يصح ذلك لأنه ضمان مجهول ولأنه ضمان ما لم
239

يجب، وكلاهما يبطلان.
فإن كانت المسألة بحالها غير أنه قال: بدرهم إلى ألف درهم، بطل الضمان
لأنه ضمان ما لم يجب، وهذا يذكره أصحاب الشروط وذلك لا يصح على ما
بيناه فإن شرطا ذلك في نفس البيع أو مدة الخيار بطل البيع، وإن كانا شرطا
بعد انقطاع الخيار لم يؤثر في البيع.
إذا ضمن رجل عن رجل مالا ثم سأله خلاصه من هذا الضمان فإنه لا يخلو
من أحد أمرين: إما أن يكون قد ضمن عنه باذنه أو بغير إذنه.
فإن كان قد ضمن بغير إذنه لم يمكن له أخذه بتخليصه سواء طالبه
المضمون له أو لم يطالبه، لأنه لو غرم لما كان له الرجوع عليه به لأنه متبرع
بضمانه، فإن كان قد ضمن عنه بأمره لم يخل من أحد أمرين: إما أن يكون قد
طالبه المضمون له بالحق أو لم يطالبه، فإن كان قد طالبه به كان له أخذه
بتخليصه لأنه ضمن عنه بأمره وقد حصلت المطالبة عليه من جهة المضمون له،
وإن كان المضمون له لم يطالبه بالحق فهل له أن يأخذه بتخليصه أم لا؟ قيل فيه
وجهان: أحدهما له ذلك، والآخر ليس له ذلك، والأول أقرب.
إذا ضمن رجل عن رجل مالا عليه ثم إنه ضمن عن الضامن آخر وعن الثاني
ضمن ثالث فذلك كله صحيح لأنه إنما تصح في الأول لأن الدين تنقل إلى ذمته
وهذا موجود في حق كل واحد منهم، فإذا ثبت هذا فمتى قضى الحق بعضهم
سقط عن الباقين سواء قضى من عليه أصل الحق أو الضامن الأول أو الثاني أو
الثالث لأن الحق إذا سقط بالقضاء والقبض برئ منه كل موضع تعلق به.
وأما الإبراء فإن أبرأ الذي عليه أصل الدين برئ الجميع لأنه إذا سقط الحق
عن الأصل سقط عن الفرع، وإذا أبرأ الضامن الأول سقط عنه الحق وسقط عن
الضامن الثاني والثالث لأنهما فرعان له، وإذا أبرأ الأصل برئ الفرع ولا يبرأ
الأصل ببراءة الفرع.
وإن أبرأ الضامن الثاني برئ وبرئ الثالث لأنه فرع له ولا يبرأ الأول ولا
240

من عليه أصل الدين، وإن أبرأ الضامن الثالث برئ ولم يبرأ من عليه الدين
والضامن الأول والثاني بمثل ذلك، هذا كله على قول من قال: إن له مطالبة كل
واحد من الضامن والمضمون عنه.
فأما على ما اخترناه في أنه ليس له إلا مطالبة الضامن، فليس له هاهنا إلا
مطالبة الضامن الأخير فإن أبرأه برئ، وإن لم يبرئه فهو المطالب، وإن أبرأ
الأصل أو من بينه وبينه من الضمناء لم يسقط عنه لأنه أبرأ من ليس له عليه حق.
إذا كان له على رجلين ألف درهم على كل واحد منهما خمسمائة وكل
واحد منهما كفيل عن صاحبه، فإن للمضمون له أن يطالب أيهما شاء بالألف، فإن
قضاه أحدهما الألف برئا جميعا من الألف لأن الألف واحدة وقبضه فلم يبق له
حق فبرئا جميعا، فإن قضاه نصفها نظر: فإن قضى الذي عليه أصلا سقط عنهما
معا، وإن قضى الذي عليه فرعا سقط عنهما جميعا.
وإن اختلفا فقال الذي قضى: إني قضيت عن الذي علي أصلا وعينت بلفظي،
أو قال: بنيتي، فأنكر ذلك من له الحق وادعى خلاف ذلك كان القول قول
الذي قضى لأنه اختلاف في قوله ونيته فهو أعلم بهما، فأما إذا أطلق قيل فيه
وجهان: أحدهما: ينتصف فيرجع بنصفه إلى الذي عليه أصلا والنصف الآخر إلى
الذي عليه فرعا لأنه لو عينه عن أحدهما بلفظ أو نية تعين فإذا أطلق رجع إليها
لتساويها.
والثاني: أن له أن يرده إلى أيهما شاء، كما لو كان عليه كفارتان فأعتق رقبة
ولم يعينها كان له أن يردها إلى أيهما شاء، هذا كلام في القضاء.
وأما الإبراء فإن أبرأ صاحب الحق أحدهما عن الألف برئ هو وبرئ
الآخر عن الذي عليه فرعا، لأنه إذا برئ الأصل برئ الفرع ولم يبرأ عن الذي
عليه أصلا، وإن أبرأه عن نصفها نظر: فإن أبرأه عن الذي عليه أصلا برئ الآخر
منه، وإن أبرأه عن الذي عليه فرعا لم يبرأ الآخر، وإن اختلفا في التعيين بلفظ أو نية
241

فالقول قول المبرئ لأنه أعلم بلفظه ونيته، وإن أطلق فعلى الوجهين الذين مضيا،
والكلام في المرجوع على ما مضى، هذا على مذهب من يقول: له الرجوع على
كل واحد منهما.
فأما إذا قلنا: ليس له أن يطالب أحدا إلا مطالبة الضامن لأن المال انتقل إلى
ذمته فمتى ضمن كل واحد منهما صاحبه تحول الحق الذي على كل واحد منهما
إلى صاحبه وهو خمسمائة، إلا أنه قبل الضمان كان الدين الأصل وبعد الضمان
دين الضمان، فإن قضى أحدهما الألف عن نفسه وعن صاحبه برئا جميعا لأنه
يكون قد قضى دين غيره، وذلك صحيح، وإن أبرأه عن الألف برئ مما عليه،
ولا يبرأ الآخر لأنه لم يبرئه، ومتى قضى خمسمائة لم يقع ذلك إلا عن الخمسمائة
التي تحولت إليه بالضمان لأن الخمسمائة التي عليه انتقلت عنه إلى ذمة صاحبه.
إذا ضمن الحوالة عن رجل ثم قضاه عنه وثبت له الرجوع ينظر: فإن كان
قضاه بغير جنس الحق الذي ضمنه مثل أن يكون الحق دراهم أو دنانير فأعطاه
ثوبا بدلها، فإنه يرجع عليه بأقل الأمرين من قدر الحق وقيمة الثوب، فإن كان
الحق أقل فقد تبرع بالزيادة ولا يرجع بما تبرع به، وإن كانت القيمة أقل مما
غرم فلا يرجع عليه إلا بقدر القيمة، وقد أبرئ عن الزيادة عليهما، ولا يجوز له
الرجوع عليه بما أبرئ عنه، فإن كان قضاه بأفضل في الصفة مثل أن يكون
الحق قراضة الذهب فقضاه صحيحا، رجع بالقراضة لأنه متبرع بالزيادة.
إذا كان لرجل على رجلين ألف درهم وكل واحد منهما ضامن عن صاحبه
فضمن رجل عن أحدهما ألفا وقضاه برئ الجميع لأن المضمون له استوفى حقه
فوجب أن يبرأ الأصل والفرع، وليس لهذا الدافع أن يرجع على من لم يضمن
عنه لأنه لم يقبض عنه، فأما الذي ضمن عنه فإنه ينظر فيه: فإن كان ضمن عنه
بأمره رجع عليه، وإن ضمن بغير أمره لم يرجع عليه، وإذا رجع عليه فإنه يرجع
على شريكه بنصفه وهو الذي ضمن عنه إن كان ضمنه بأمره.
إذا ضمن رجل عن رجل ألف درهم فدفع المضمون عنه إليه ألف درهم،
242

وقال: اقض بها دين المضمون، فإن الضامن يدفعها إلى المضمون له، ويكون
وكيلا في قضاء دينه، ويجوز ذلك.
وإن قال: خذها لنفسك فإذا طالبك المضمون له بالألف وغرمتها له
يكون ذلك عوضا لذلك، كان جائزا على مذهب من قال بالتخيير، وأما على ما
نذهب إليه من انتقال المال إلى ذمة الضامن فمتى أعطاه ألفا فإنما يقضي به دينه
الذي ضمن عنه، ومتى قضى بذلك الضامن فإنما يقضي الدين الذي حصل في
ذمته لا على جهة الوكالة، ومن قال بالتخيير قال في هذه المسألة وجهان:
أحدهما: يجوز إذا قال: خذها لنفسك، ويكون ذلك تقديما لما لم يغرم
بعد، مثل أن يقدم الزكاة قبل الوقت.
والثاني: لا يجوز لأنه لا يجوز أن يأخذ عوض ما لم يغرمه فإذا أقبضه لم
يملكه وكانت الألف في يده مضمونة لأنه قبضها ببدل فاسد، وعلى الوجه الأول
الذي قالوا " يملك " كان ملكه مراعى فإن قضاه كانت الألف عوضا عنها ولم
يملك حق الرجوع، وإن أبرأه المضمون له لزمه ردها على المضمون عنه، كما إذا
عجل الزكاة ثم تلف النصاب قبل الحول.
إذا ادعى رجل على رجل أنه اشترى منه عبدا هو وشريكه فلان بن فلان
الغائب بألف درهم، وضمن كل واحد منهما عن صاحبه ما لزمه من نصف
الألف باذنه، وطالب الحاضر بالألف، فإنه ليس له عندنا إلا مطالبته بما انتقل إليه
من نصيب شريكه لأن ما يخصه منه قد انتقل عنه إلى شريكه بإقراره، ومن قال
بالتخيير قال: لا يخلو من أن يعترف بذلك أو ينكره، فإن اعترف بذلك لزمه
الألف، فإذا دفع إليه ثم قدم الغائب فإن صدقه رجع عليه بالنصف، وإن كذبه
كان القول قوله مع يمينه، فإذا حلف برئ، وإن أنكره الحاضر لم يخل المدعي
من أحد أمرين: إما أن يكون له بينة أو لا بينة له.
فإن لم يكن له بينة كان القول قول الحاضر - المدعى عليه - مع يمينه فإن
حلف برئ فإن قدم الغائب وأنكر حلف أيضا وبرئ، وإن أقر الغائب لزمه
243

نصف الألف وهو الذي كان عليه والنصف الآخر فقد برئ منه لأن الأصل قد
برئ باليمين، وإذا برئ الأصل برئ الفرع وهو الضامن عنه.
وإن كان له بينة وأقامها حكم الحاكم عليه بالألف درهم فإذا قبضه منه ثم
قدم الغائب لم يرجع عليه لأنه لما أنكر وكذب المدعي اعترف بأنه لا حق له على
الغائب، وإن ما شهدت به البينة زور وبهتان، وإن ما قبض منه ظلم فلا يجوز أن
يرجع به على الغائب.
فإذا ثبت هذا، فإن أقر الحاضر وأقام المدعي البينة عليه - وهو مقر به ويجوز
سماع البينة في هذه المسألة مع اعتراف الحاضر له - ثبت المال على الغائب
ليكون للحاضر الرجوع عليه، ويثبت الحق على الغائب.
فإذا غرم الألف رجع بنصفها على الغائب إذا قدم، وإن سكت فلا يجب
وسمع الحاكم البينة أو يقول: لا أقر ولا أنكر، وسمع الحاكم البينة وغرمه
الألف، فإذا قدم الغائب رجع عليه بنصف الألف.
إذا ضمن رجل عن رجل ألف درهم بأمره فأداها إلى المضمون له ثم إنه
أنكر قبضها فلا يخلو الدفع إليه من أحد أمرين: إما أن يكون بحضرة المضمون
عنه أو في غيبته.
فإن كان بحضرته فإن القول قول المضمون له مع يمينه لأن الأصل أنه لم
يقبضه، وعلى المدعي البينة، ولا تقبل شهادة المضمون عنه عند من قال بالتخيير،
ومن قال بتحويل الحق إلى الضامن قبل شهادته، فإذا حلف المضمون له كان له
مطالبة الضامن على مذهبنا، ومن قال بالتخيير قال: يطالب أيهما شاء، قالوا: فإن
طالب المضمون عنه بالألف فدفعها إليه لزمه أن يدفع ألفا آخر إلى الضامن لأنه
غرمها عنه بأمره من غير تفريط من جهته فيه فيحصل على المضمون عنه غرامة ألفي
درهم، وهذا يجئ على مذهبنا الذي قلنا بتحويل الحق، لأنه لما طالبه بعد
الضمان عنه لم يستحق عليه بشئ فإذا أعطاه فقد ضيع ما أعطاه، ومتى طالب
الضامن بالألف فدفعها إليه رجع على المضمون عنه بالألف الأولى على المذهبين
244

معا لأنه مقر بأن الثانية ظلم من جهة المضمون له فلا يرجع بالظلم على غير
الظالم، هذا إذا دفعها بمحضر من المضمون عنه.
فأما إذا دفعها الضامن في غيبة المضمون عنه وأنكر المضمون له فلا يخلو من
أحد أمرين: إما أن يكون قد أشهد عليه أو لم يشهد.
فإن لم يشهد عليه فإن القول قوله مع يمينه، فإذا حلف كان له أن يطالب
أيهما شاء عند من قال بالتخيير، فإن طالب المضمون عنه فقبض منه ألف درهم
فإنما أداه الضامن إلى المضمون له هل يرجع على المضمون عنه؟ ينظر: فإن
كذبه كان عليه البينة، والقول قول المضمون عنه مع يمينه، وإن صدقه قالوا
يحتمل وجهين:
أحدهما: أنه يرجع على المضمون عنه، وهو الأقوى.
والثاني: لا يرجع به لأنه أمره بالدفع الذي يبرئ ذمته فإذا دفع إليه ولم
يشهد عليه فقد دفع دفعا لا يبرئه، وهذا تضييع فلا يستحق الرجوع به.
وأما على قولنا بتحويل الحق إلى الضامن، فمتى دفعه إلى الضامن فقد أدى
إلى من يجب دفعه إليه، وليس بينه وبين المضمون عنه معاملة فإن صدقة الضامن
فقد برئت ذمته، وإن كذبه كان عليه البينة أو على الضامن اليمين، ومال المضمون
عنه في ذمة الضامن، قالوا: هذا إذا طالب المضمون عنه، وأما إذا طالب الضامن
بالألف فدفعها إليه فمن قال: يرجع بالألف الأول، رجع هاهنا، ومن قال:
لا يرجع، فهل يرجع هاهنا؟ اختلفوا فمنهم من قال: لا يرجع، لأن الضامن مقر
بأن الثاني ظلم بها، ومنهم من قال: يرجع، لأنه قد برئت ذمته بقضاء دين من ماله
بأمره ثم اختلفوا بأي الألفين يرجع:
فقال قوم: يرجع بالألف الثانية لأن المطالبة سقطت عنه بها، ومنهم من
قال: يرجع بالأولى لأن الدين سقط عنه بها في الباطن وفيما بينه وبين الله
عز وجل، هذا إذا لم يشهد عليه.
فإن أشهد عليه نظر: فإن أشهد شاهدين عدلين وكانا حيين أقامهما عليه
245

بالقضاء، فإن شهدا ثبت القضاء وكان له الرجوع عليه بالألف، وإن كانا غابا أو
ماتا كان القول قول المضمون له مع يمينه، فإذا حلف كان له أن يطالب أيهما
شاء وكان للضامن الرجوع على المضمون عنه بالألف التي حصلت بها الشهادة
لأنه غير مفرط في قضائه الحق بها.
وإن أشهد عليه عبدين أو كافرين ومن لا يصح شهادته من الفاسقين فسقا
ظاهرا كانت كلا شهادة، ويكون الحكم كأنه لم يشهد، فأما إذا كان فسق
الشاهدين باطنا قالوا فيه وجهان:
أحدهما: لا يكون مفرطا لأن البحث عن البواطن إلى الحكام دون غيرهم
والذي عليه أن يشهد شاهدين لا يعرف فسقهما في الظاهر وقد فعل، فعلى هذا
يكون الحكم كما لو أشهد عدلين ظاهرا وباطنا ثم ماتا أو غابا.
والثاني: أنه يكون مفرطا في ذلك لأنه أشهد عليه بالقضاء شاهدين لا يثبت
بهما الحق، فأما إن أشهد عليه شاهدا واحدا فإن كان حيا حاضرا شهد له بذلك
وحلف معه ثبت له الحق، وإن مات أو غاب ففيه وجهان:
أحدهما: أنه يرجع بالألف الأول لأنه ما فرط، لأن الشاهد الواحد مع اليمين
حجة مثل الشاهدين.
والثاني: يكون مفرطا في ذلك لا يرجع بالألف الأول، لأن الشاهد مع
اليمين ليس بحجة عند جميع الحكام، فإذا عدل إليهما عما هو حجة عند الجميع
كان مفرطا.
لا يصح ضمان المجهول سواء كان واجبا في حال الضمان أو غير واجب،
ولا يصح ضمان ما لم يجب سواء كان معلوما أو مجهولا، فالمجهول الذي ليس
بواجب مثل أن يقول: ضمنت لك ما تعامل فلانا أو ما تقرضه أو ما تداينه، فهذا
لا يصح لأنه مجهول، ولأنه غير واجب في الحال، والمجهول الذي هو واجب مثل
أن يقول: أنا ضامن لما يقضي لك به القاضي على فلان أو ما تشهد لك به البينة
من المال عليه أو ما يكون مثبتا في دفترك، فهذا لا يصح لأنه مجهول وإن كان
246

واجبا في الحال.
وقال قوم من أصحابنا: إنه يصح أن يضمن ما تقوم به البينة دون ما يخرج
به في دفتر الحساب، ولست أعرف به نصا.
والمعلوم الذي لا يجب مثل أن يقول: أنا ضامن لما تقرضه لفلان من درهم
إلى عشرة، فهذا لا يصح لأنه غير واجب.
يصح الضمان عن الميت سواء خلف وفاء أو لم يخلف.
العبد إذا ضمن لم يخل: إما أن يكون مأذونا له في التجارة أو غير مأذون له
فيها.
فإن كان غير مأذون له فيها لم يخل من أحد أمرين: إما أن يضمن بإذن
سيده أو بغير إذنه، فإن ضمن بغير إذنه لا يصح ضمانه، وقال قوم: يصح ضمانه
ويلزمه في ذمته يتبع به إذا عتق، وأما إذا ضمن بإذن سيده فإنه يصح ضمانه
بلا خلاف، وقيل: إنه يتعلق بكسبه، وقيل: إنه يتعلق بذمته، هذا إذا أطلق ذلك.
فأما إذا عين مال الضمان في كسبه أو في ذمته أو في مال غيرهما من أمواله
تعين فيه ووجب قضاؤه منه، وكذلك الحر إذا عين ضمانه في مال من أمواله لزمه
أن يقضيه منه لأن الوثيقة إذا عينت تعينت، هذا إذا كان العبد غير مأذون له في
التجارة.
فأما إذا كان مأذونا له في التجارة فالحكم أيضا مثل ذلك سواء غير أن
الموضع الذي جعل الضمان في كسبه جعل هاهنا في المال الذي في يده لأنه
من كسبه.
إذا ضمن مال الكتابة عن المكاتب لم يصح لأن مال الكتابة غير لازم للعبد،
والضمان التزام مال وهو فرع فلا يجوز أن يكون المال غير ثابت في الأصل
ويصير ثابتا في الفرع.
فأما إذا ضمن عن المكاتب مالا عليه من معاملة صح ذلك لأنه لازم، وإن
ضمن المكاتب مالا فحكمه حكم العبد في ضمانه سواء وقد مضى.
247

وإن ضمن مالا عن العبد مثل أن يكون قد أقر العبد على نفسه بمال لزمه في
ذمته صح الضمان عنه لأنه لازم، ومن في يده أمانة مثل المضارب والوصي
والمودع والشريك والوكيل وغيرهم فضمن عنهم ضامن لم يصح لأن المال في
أيديهم غير مضمون عليهم وهم الأصل، وإذا لم يلزم ضمان الأصل فالأولى ألا
يلزم في الفرع.
فإن تلف ذلك المال في أيديهم بتفريط منهم ثم ضمن عنهم ضامن صح لأن
ضمان القيمة إذا كانت معلومة صحيح، وإن تعدوا في هذا المال ولم يتلف المال
فضمنه عنهم ضامن فهل يصح أم لا؟ قيل فيه وجهان مثل المغصوب، أقواهما أنه
يصح.
ويصح ضمان المرأة كما يصح ضمان الرجل بلا خلاف.
ولا يجوز ضمان من لم يبلغ ولا المجنون ولا المبرسم الذي يهذي ولا
المغمى عليه، ولا الأخرس الذي لا يعقل، وإن كان يعقل، الإشارة والكتابة صح
ضمانه.
ومتى اختلفا بعد البلوغ فادعى المضمون له أنه ضمن بعد البلوغ مالا فأنكر
ذلك الصبي، وكذلك المجنون إذا أفاق وادعى المضمون له أنه ضمن بعد
الإفاقة، كان القول قولهما لأن الأصل براءة الذمة من الضمان، هذا إذا عرف له
حال الجنون لأن الأصل ألا ضمان عليه، وعلى المدعي البينة حال الإفاقة.
وإن لم يعرف حال الجنون له فقيل: إن القول قول المضمون له لأن الأصل
عدم الجنون وصحة الضمان، وعندي أنه لا فرق بينهما لأن الأصل براءة الذمة.
فأما المبرسم الذي يهذي ويخلط في كلامه فقد قلنا: إنه لا يصح ضمانه،
وكذلك المغمى عليه، وأما إذا كان مريضا وهو عاقل مميز صح ضمانه ثم ينظر:
فإن صح من مرضه ذلك كان غرامة المال من رأس المال، وإن مات من مرضه
كان ذلك من الثلث لأن ذلك تبرع منه، والأخرس إن عرفت إشارته بلا كتابة
صح بلا خلاف ضمانه، وإن كتب واقترن به الإشارة صح أيضا، وإن انفردت
248

الكتابة عن الإشارة، في الناس من قال: لا يصح ضمانه لأنها تجوز للتعلم أو
للتجربة وغير ذلك وتعليم الخط، وهو الصحيح.
إذا تكفل رجل ببدن رجل لرجل عليه مال أو يدعي عليه مالا ففي الناس
من قال: يصح ضمانه، ومنهم من قال: لا يصح، والأول أقوى لقوله تعالى
" لتأتنني به إلا أن يحاط بكم "، وقالوا ليوسف " فخذ أحدنا مكانه " وذلك
كفالة بالبدن إلا أنها لا تصح إلا بإذن من يكفل عنه، فمن قال يصح قال: إذا كفل
بالبدن نظر: فإن كان قد كفل حالا صحت الكفالة، وإن كفل مؤجلا صحت
كما يقول في كفالة المال، وإن كفل مطلقا كانت صحيحة وكانت حالة.
فإذا ثبت هذا كان للمكفول له مطالبته بتسليمه في الحال، فإن سلمه برئ،
وإن امتنع من تسليمه حبس حتى يسلم، فإن أحضره الكفيل وسأله أن يتسلمه فلا
يخلو من أحد أمرين: إما أن يكون ممنوعا من تسليمه بيد ظالمة مانعة أو غير
ممنوع من تسليمه، فإن كان ممنوعا من تسليمه لم يصح التسليم ولم تبرأ ذمته،
وإن لم يكن ممنوعا من تسليمه لزمه قبوله، فإن لم يقبل أشهد عليه رجلين أنه سلمه
إليه وبرئ، وإن كانت الكفالة مؤجلة لم يكن له مطالبة الكفيل قبل المحل.
وإذا حل الأجل نظر: فإن كان المكفول به حاضرا كان حكمه حكم ما لو
كانت الكفالة حالة، وإن كان غائبا نظر: فإن كانت الغيبة إلى موضع معلوم ترد
منه أخباره فإن الكفيل يلزمه إحضاره وتسليمه إلى المكفول له ويمهل في مقدار
ذهابه ومجيئه فإذا ذهب زمان يمكنه الذهاب والمجئ به فلم يجئ به حبس أبدا
إلى أن يأتي به وتسلمه أو يموت المكفول به فتبرأ ذمته، هذا إذا حل الأجل.
فأما إذا أتى به قبل محله وسأله تسلمه نظر فيه: فإن كان لا ضرر عليه فيه
لزمه تسلمه، وإن كان عليه ضرر بأن تكون بينته غائبة في الحال أو كان الحاكم
لا يوصل إليه إلا في يوم مجلسه، ويكون المجلس في ذلك اليوم الذي جعل محلا
فإنه لا يلزمه قبوله ولا يبرأ بتسليمه.
إذا تكفل على أن يسلمه إليه في موضع فسلمه إليه في موضع آخر، فإن كان
249

عليه مؤونة في حمله إلى موضع تسليمه لا يلزمه قبوله ولا يبرأ الكفيل، وإن لم يكن
عليه فيه مؤونة ولا ضرر لزمه قبوله كما ذكرنا في المحل سواء.
إذا أطلق الكفالة ولم يتبين موضع التسليم وجب تسليمه في موضع العقد،
وإذا سلمه في غير موضع العقد كان على ما بيناه.
إذا كان محبوسا في حبس الحاكم فقال الكفيل للمكفول له: تسلمه وهو في
الحبس، لزمه لأن حبس الحاكم ليس بحائل ولا مانع من تسليمه، ومتى أراد
حضوره مجلس الحاكم أحضره الحاكم فإن ثبت عليه شئ حبسه لهما جميعا.
إذا حضر رجل عند الحاكم وادعى على رجل في حبسه حقا، أحضره
وسمع الدعوى ونظر فيما بينهما ثم رده إلى الحبس، وأما إذا كان محبوسا في
حبس ظالم لا يتمكن من تسلمه من يده فإنه لا يكون تسليما لأنه ممنوع من تسلمه.
إذا تكفل ببدن رجل فمات المكفول به زالت الكفالة وبرئ الكفيل، ولا
يلزمه المال الذي كان في ذمته، لأنه لا دليل عليه.
إذا أبرأه المكفول له الكفيل برئ من الكفالة، وإذا اعترف بذلك فقال:
أبرأته أو برئ إلي أو رد إلي المكفول به، لزمه اعترافه به وبرئ الكفيل.
إذا قال: كفلت ببدن فلان على أن يبرأ فلان الكفيل أو على أن يبرئه من
الكفالة، لم تصح الكفالة لأنه لا يلزمه أن يبرئه، فهذا شرط فاسد.
إذا جاء المكفول به إلى المكفول له وقال: سلمت نفسي إليك من كفالة
فلان، وأشهد على ذلك شاهدين برئ من الكفالة لأنه يكون نائبا عن الكفيل في
هذا التسليم، والنيابة به صحيحة.
إذا قال لرجل: فلان يلازم فلانا فاذهب وتكفل به، فتكفل به كانت الكفالة
على من باشر عقد الكفالة دون الآمر لأن الآمر ليس بمكره والمأمور تكفل
باختياره.
إذا تكفل ببدن رجل ثم ادعى الكفيل أن المكفول له قد أبرأ المكفول به من
الدين وأنه قد برئ من الكفالة وأنكر المكفول له قوله كان القول قول المكفول
250

له مع يمينه وعلى الكفيل البينة لأنه مدع، والأصل بقاء كفالته فإن حلف ثبتت
كفالته على الكفيل، وإن نكل عن اليمين ردت على الكفيل، فإذا حلف برئ من
الكفالة ولم يبرأ المكفول ببدنه لأنه لا يجوز أن يبرأ بيمين غيره، وإنما يحلف
الكفيل على ما يدعي عليه من الكفالة.
إذا قال الكفيل: تكفلت ببدنه ولا حق لك عليه، وأنكر المكفول له كان
القول قوله مع يمينه لأن الظاهر أن الكفالة صحيحة والكفيل يدعي ما يبطلها.
إذا تكفل ببدن رجل إلى أجل مجهول لا يصح، وقال قوم: يصح، وليس
بشئ.
إذا كان لرجل على رجلين ألف درهم على كل واحد منهما خمسمائة فقال
رجل لصاحب الحق: تكفلت لك ببدن أحدهما، فقد قلنا: إنه لا تصح لأنها
مجهولة، وإن قال: تكفلت ببدن زيد على أني إن جئت به وإلا فأنا كفيل بعمرو،
لم يصح لأنه لم يلتزم إحضار زيد ولم يقطع به، والكفالة توجب التسليم
الإحضار من غير خيار فلم تصح الكفالة بزيد ولا تصح الكفالة بعمرو لأنه علقها
بشرط وهو إن لم يأت بزيد، ولا يجوز تعليق الكفالة بشرط.
إذا تكفل رجلان ببدن رجل لرجل فسلمه أحدهما لم يبرأ الآخر لأنه لا دليل
عليه.
إذا تكفل رجل رجلا لرجلين فسلمه إلى أحدهما لم يبرأ من حق الآخر لمثل
ما قلناه.
إذا تكفل رجل ببدن رجل عليه دين لرجل ثم تكفل آخر ببدن الكفيل ثم
تكفل ببدن الثالث رابع كان جائزا لأن الأول تكفل ببدن من عليه الدين وتكفل
الثاني ببدن الكفيل، وعليه حق للمكفول له من حق الكفالة فجاز التكفيل به.
وجملته إذا تكفل ببدن من يجب عليه حق مستقر لآدمي صحت الكفالة، فإن
مات من عليه الدين برئوا جميعا، وكذلك إذا أبرأ المكفول له الكفيل الأول
برئ الباقون، وإن مات الكفيل الثاني لم يبرأ الكفيل الأول، وبرئ الثالث
251

والرابع لأنهما فرعاه.
إذا تكفل ثلاثة أنفس ببدن رجل لرجل صحت الكفالة، وإذا برئ أحدهم
لا يبرأ الآخران، وكذلك إن مات أحدهم لا يبرأ الآخران، وإن تكفل به ثلاثة أنفس
وكل واحد منهم كفيل ببدن صاحبه بأمره كان جائزا لأن الكفالة ببدن الكفيل
جائزة.
الكفالة ببدن صبي في ذمته دين أو مجنون في ذمته دين جائزة إذا كان بأمر
الولي، وأما بأمر الصبي والمجنون لا تصح لأنه لا يصح إذنهما بدلالة أنه لا يجب
إحضارهما مجلس الحكم لتقع الشهادة على وليهما بلا خلاف.
إذا تكفل ببدن المكاتب لسيده لم يصح لأن الدين الذي في ذمته لا يصح
الكفالة به فلا تصح ببدنه لأجله.
إذا رهن شيئا ولم يسلمه وتكفل رجل بهذا التسليم صحت الكفالة لأن
الراهن يلزمه التسليم على ما بيناه في كتاب الرهن، ومن قال: لا يلزمه، لم تصح
الكفالة به.
إذا ضمن رجل عن رجل ألف درهم وضمن المضمون عنه عن الضامن لم
يجز، لأن المضمون عنه أصل للضامن وهو فرع للمضمون عنه فلا يجوز أن يصير
الأصل فرعا والفرع أصلا، وأيضا فلا فائدة فيه.
إذا كان لرجل على رجل ألف درهم حالة فضمنها رجل مؤجلة صح، وإن
كانت مؤجلة فضمنها حالة قيل فيه وجهان:
أحدهما: يصح.
والثاني: لا يصح، وهو الأقوى لأنه لا يجوز أن يكون الفرع أقوى من الأصل.
إذا تكفل برأس فلان قال قوم: تصح الكفالة لأن تسليم الرأس لا يمكن إلا
بتسليم جميع البدن فكان ذلك كفالة بجميع البدن.
وإن تكفل بيده أو بعضو يبقى بعد قطعه فهل يجوز؟ قيل فيه وجهان:
أحدهما: لا يجوز لأنه قد يقطع منه فيبرأ مع بقائه.
252

والثاني: يجوز لأن تسليم العضو لا يمكن إلا بتسليم الجملة.
وقال قوم آخرون - وهو الصحيح -: إن هذا لا يجوز لأن ما لا يسري إذا
خص به عضو لم يصح، لأن السراية إلى الباقي لا يمكن وإفراده بالصفة لا يمكن
فوجب إبطاله، وقول الأول يبطل بالوصية بطرفه أو ببيعه أو إجارته أو غير ذلك.
253

تبصرة المتعلمين
الفصل الرابع: في الضمان:
وإنما يصح إذا صدر عن أهله ولا بد من رضا الضامن والمضمون له، ويبرأ
المضمون عنه وإن أنكره، وينتقل المال على الضامن، فإن كان مليا أو علم
المضمون له بإعساره وقت الضمان صح وإلا كان له الفسخ.
ويصح مؤجلا وإن كان الدين حالا وبالعكس، ويرجع الضامن على
المضمون عنه بما أداه إن ضمن بسؤاله.
ولا يشترط العلم بقدر المضمون، ويلزمه ما تقوم به البينة خاصة، ولو ضمن
المملوك بغير إذن مولاه تبع به بعد العتق، ولا بد في الحق من الثبوت سواء
كان لازما أو آيلا إليه، ولو ضمن عهدة الثمن لزمه مع بطلان العقد لا تجدد
فسخه.
وأما الحوالة: فيشترط فيها رضا الثلاثة، ولا يجب قبولها، ومعه يلزم ويبرأ
المحيل، وينتقل المال إلى ذمة المحال عليه إن كان مليا أو علم بإعساره، وإلا فله
الفسخ.
ولو طالب المحال عليه بما أداه فادعى المحيل ثبوته في ذمته فالقول قول
المحال عليه مع يمينه، ولو أحال المشتري بالثمن ثم فسخ بطلت الحوالة على
إشكال ويرجع المشتري على البائع مع قبضه، ولو أحال البائع أجنبيا ثم فسخ
255

لم تبطل الحوالة، ولو بطل البيع بطلت فيهما.
وأما الكفالة: فيشترط فيها رضا الكفيل والمكفول له خاصة، وفي اشتراط
الأجل قولان، وتعيين المكفول، وعلى الكافل دفع المكفول أو ما عليه.
ومن أطلق غريما عن يد صاحبه قهرا ألزم بإعادته أو ما عليه، ولو كان قاتلا
دفعه أو الدية.
ولو مات المكفول أو دفعه الكفيل أو سلم نفسه أو أبرأه المكفول له برئ
الكفيل. ولو عينا موضعا للتسليم لزم، وإلا انصرف إلى بلد الكفالة.
256

إرشاد الأذهان
المقصد الرابع: في الضمان:
ومطالبه ثلاثة:
الأول:
يشترط في الضامن جواز التصرف والملاءة أو علم المضمون له بالإعسار،
فلا يصح ضمان الصبي ولا المجنون ولا المملوك بدون إذن المولى، ومعه يثبت
في ذمته لا كسبه إلا أن يشترط، كما لو شرط الضمان من ماله بعينه، ولا يشترط
علمه بالمضمون له، ويشترط رضاه لا رضا المضمون عنه، والضمان ناقل.
ولو أبرأ المالك المضمون عنه لم يبرأ الضامن، ولو أبرأ الضامن برئا معا،
ولو ظهر إعساره تخير في الفسخ، ولو تجدد بعد الضمان فلا فسخ، ويجوز حالا
ومؤجلا عن حال ومؤجل، ويرجع الضامن على المضمون عنه بما أدى إن ضمن
بإذنه وإلا فلا، ولو دفع عوضا رجع بأقل الأمرين، ولو أبرأ من بعض لم يرجع
به.
وإنما يصح إذا كان الحق ثابتا في الذمة وقت الضمان، مستقرا كان كالثمن
بعد الخيار أو غيره كالثمن فيه، فلا يصح قبل الثبوت وإن آل إليه.
ويصح ضمان مال الكتابة والنفقة الماضية والحاضرة لا المستقبلة وضمان
الأعيان المضمونة كالغصب، والمقبوض بالسوم والعقد الفاسد - لا الأمانة
257

كالوديعة - وترامي الضمان، ولا يفتقر إلى العلم بالكمية، فلو ضمن ما في ذمته
صح، ويلزم ما تقوم به البينة لا ما يقر به المضمون عنه، أو يحلف المضمون له برد
المضمون عنه.
ولا يصح ضمان ما يشهد به عليه، ويلزم ضامن عهدة الثمن الدرك في كل
موضع يبطل أصل البيع كالمستحق، لا ما تجدد بطلانه بفسخ لعيب وغيره،
وتلف مبيع قبل قبضه.
ولو طالب بأرش عيب سابق رجع على الضامن، ولو خرج بعضه مستحقا
رجع على الضامن به وعلى البائع بالباقي، والقول قول المضمون له في عدم
تقبيض الضامن، ولو شهد للضامن المضمون عنه قبلت مع عدم التهمة، ولو كان
فاسقا وحلف المضمون له أخذ من الضامن ما حلف عليه ورجع الضامن بما أداه
أولا، ولو لم يشهد رجع بما أداه ثانيا إن لم تزد، ويخرج ضمان المريض من
الثلث.
المطلب الثاني: في الحوالة:
ويشترط رضا الثلاثة، وملاءة المحال عليه أو علم المحتال بالإعسار، والعلم
بالمال، وثبوته في ذمة المحيل.
ولا يجب قبولها وإن كانت على الملي، وهي ناقلة، ويبرأ بها المحيل وإن لم
يبرئه المحتال، ولا يشترط سبق شغل ذمة المحال عليه، ولو أحاله على فقير
ورضي به عالما لزم، وكذا على ملي ثم افتقر، ويصح ترامي الحوالات ودورها،
ولو أدى المحال عليه ثم طالب المحيل فادعى شغل ذمته، فالقول قول المحال
عليه.
وتصح الحوالة بمال الكتابة بعد الحلول وقبله كالمؤجل، ولو أحال
المشتري البائع بالثمن ثم رد بالعيب بطلت على إشكال، فإن كان قبض استعاده
المشتري من البائع وبرئ المحال عليه، ولو أحال البائع بالثمن ثم فسخ
258

المشتري لم يبطل، ولو بطل أصل العقد بطلت فيهما.
المطلب الثالث: في الكفالة:
وهي التعهد بالنفس ممن له حق، ويشترط رضا الكفيل والمكفول له، وتيين
المكفول، فلو كفل أحدهما أو واحدا معينا منهما فإن لم يحضره فالآخر بطلت،
والتعيين في الكفالة بما يدل على الجملة: كالرأس والبدن والوجه دون اليد
والرجل.
وتصح حالة ومؤجلة وترامي الكفالات، والإطلاق يقتضي التعجيل،
ويشترط ضبط الأجل، فإن سلمه الكفيل بعده تاما برئ، وإلا حبسه حتى يحضره
أو يؤدي ما عليه.
ولو قال: إن لم أحضره فعلي كذا، لزمه الإحضار خاصة، ولو قال: علي
كذا إلى كذا إن لم أحضره، وجب المال.
ولو أطلق غريما من يد صاحبه قهرا لزمه إحضاره أو أداء ما عليه، ولو كان
قاتلا لزمه الإحضار أو الدية، ولا يجب تسليم الخصم قبل الأجل، ولا الممنوع من
تسلمه بيد القهر، ويجب بعد الأجل، والمحبوس شرعا.
ويبرأ الكفيل بموت المكفول وتسليم نفسه وبإحضار الكفيل الآخر له، ولو
كفله من اثنين لم يبرأ بالتسليم إلى أحدهما، وينظر الكفيل بعد الحلول بقدر
الذهاب إلى بلد المكفول وإحضاره، وينصرف الإطلاق إلى التسليم في بلد
الكفالة، ولو عين غيره لزم.
والقول قول المكفول له لو ادعى الكفيل انتفاء الحق، ولو ادعى الإبراء
حلف المكفول له، فإن رد برئ من الكفالة دون المكفول من الحق.
259

تلخيص المرام
كتاب الضمان
الثالث:
يصح ضمان كل ثابت في الذمة، وإن كان على ميت مستقرا كان كثمن
المبيع بعد القبض وانقضاء الخيار، ونفقة الزوجة الحاضرة والمريضة، وغيره
كالثمن قبل الانقضاء، ومال الكتابة على رأي، أو يؤول إلى الثبوت كمال الجعالة
قبل الفعل.
ويصح ضمان الأعيان المضمونة كالغصب لا الأمانة مع عدم التعدي، ولا
ما ليس بلازم ولا يؤول إليه، ولا النفقة المستقبلة، وأن يترامى الضمان وإن دار على
رأي، وأن يضمن ما يقر به العبد، وأن يضمن المجهول كجميع ما عليه على رأي.
وتعدد الضمناء فينقسم الحق عليهم، ويلزمه ما تقوم به البينة خاصة، ولو
ضمن ما يشهد به لم يصح، وضامن عهدة الثمن يلزمه ما يبطل به البيع من أصله
كالاستحقاق، لا ما يلحقه البطلان كالرد بالعيب وتلف المبيع قبل القبض
والتقايل، ولو خرج البعض مستحقا فرد الجميع رجع على الضامن بالمستحق
وعلى البائع بالباقي على رأي، ولو طالب بالأرش رجع على الضامن.
والضمان ناقل، ولا يبرأ الضامن بإبراء المضمون عنه، ولا يصح ضمان
ما يغرسه المشتري للبائع وغيره، ويرجع الضامن بما أدى مع إذن المضمون عنه
في الضمان، ولا اعتبار باذنه في الأداء، ولو دفع عرضا عن الدين رجع بأقلهما،
261

ولو أذن في الضمان ثم شهد بالقبض قبلت مع الشروط وردت لا معها، فإذا حلف
المضمون له حينئذ رجع الضامن بالأول، ولو لم يشهد رجع بالآخر.
وشرطه جواز تصرف الضامن، ولو ادعى الضمان حال الإفاقة فالقول قول
المجنون إن عرف منه، وإلا فلا على رأي، وملاءته أو رضا المضمون له بالإعسار،
ويفسخ لو لم يعلم به، ورضا المضمون له، ولا يشترط العلم بالمضمون له ولا رضا
المضمون عنه، ويصح المؤجل وإن كان الدين حالا، ويلزم الآجل والحال وإن
كان الدين مؤجلا على رأي.
ويصح ضمان المملوك بإذن مولاه لا بدونه، ويثبت في ذمته لا كسبه إلا أن
يشترط في الضمان بإذن مولاه، وكذا لو شرط أن يكون الضمان من مال معين،
والأولى أنه ليس للضامن مطالبة المضمون عنه بتخليصه قبل مطالبة المضمون له
ويخرج ما يضمنه المريض من الثلث على رأي، ويصح ضمان الأخرس بالإشارة،
وهل تكفي الكتابة المجردة عنها؟ فيه نظر.
ويشترط في الحوالة رضا الثلاثة والملاءة أو العلم بالإعسار والعلم بالمال،
وأن يكون ثابتا وهي ناقلة، قيل: وله المطالبة للمحيل إذا لم يبرئه وقت الحوالة،
ويفسخ مع تجدد العلم بالإعسار لا مع تجدده، ويصح على من ليس عليه مال أو
عليه مخالف على رأي، وتأخير الحال وتعجيل المؤجل وترامي الحوالات، ولو
قضى المحيل بمسألة المحال عليه رجع وبدونها لا رجوع، والقول قول المحال
عليه في إنكار ثبوت المال في ذمته ويرجع على المحيل، والقول قول المحيل لو
ادعى قصد الوكالة بلفظ الحوالة بعد القبض وقبله، ولو قال: قصدت الحوالة،
فأنكر، فالقول قول المحتال، ولو رد المبيع بالعيب بطلت الحوالة بالثمن على
رأي، وكذا لو ارتدت الزوجة المحالة بالمهر قبل الدخول، ولو أحال الأجنبي
بالثمن على المشتري لم يبطل، ولو بطل أصل العقد بطلت فيهما، ولو أحال
البائع بثمن العبد وادعى هو والمشتري حريته لم يقبل في الحوالة ولا تسمع
بينتهما، نعم تسمع بينة العبد أو تصديق المحتال، فتبطل الحوالة إلا أن يدعي أنها
262

لغير الثمن فالقول قوله، ولو ادعى حوالة زيد عليه فحلف سقطت الحوالة وسقط
دينه عن زيد، فإن صدقه زيد سقط دينه وإن كذبه فالدين على المدعى عليه ثابت،
وإن رد لزمه دفع المحال به، فإن صدقه زيد سقط دينه وإن كذبه غرم ثانيا.
ويعتبر في الكفالة تعلق حق آدمي بالمكفول فلو كفل الراهن على التسليم
صح للزومه ورضا الكفيل والمكفول له وتعيين المكفول، فيبطل لو قال: كفلت
أحدهما أو هذا فإن لم آت به فهذا، ولو قال: إن لم أحضره كان علي كذا، لزمه
الإحضار دون المال، ولو قال: علي كذا إلى كذا إن لم أحضره، وجب المال.
ولا يصح تعليق الكفالة بشرط، ويصح أن تكون معجلة ومؤجلة بمعلوم
لا مجهول، ومع الإطلاق التعجيل، وإنما يبرأ الكفيل بالتسليم التام أو بأداء ما عليه
أو بموت المكفول أو تسليمه نفسه، فلو سلمه في حبس ظالم لم يبرأ بخلاف حبس
الحاكم، ولو سلمه قبل الأجل لم يجب القبول، ومن أطلق غريما قهرا ضمن
الإحضار أو الأداء، وفي القاتل الأول أو الدية، ويؤخر الكفيل بعد الحلول بمقدار
الذهاب إلى المكفول والعود، ويقتضي الإطلاق التسليم في بلد الكفالة وتتعين
بحسب الشرط، ولو أنكر الكفيل بعدها الحق على المكفول فالقول قول الآخر،
ولو ادعى الكفيل إبراء المكفول، فإن حلف المكفول له سقطت الدعوى، وإن رد
برئ من الكفالة دون المكفول من المال.
ويصح كفالة نذر المكاتب لسيده على رأي، دون نذر الصبي والمجنون
بإذنهما، ويصح بإذن وليهما، وترامي الكفالات فلو أبرأ المكفول أو الكفيل الأول
أو ماتا سقطت الكفالات، وكذا حكم الأصل مع فرعه، ولو كفل اثنان واحدا
وكفل كل واحد منهما صاحبه صح، فلو مات المكفول أو أبرئ سقطت، ولو
مات أحدهما أو أبرئ لم يسقط عن الآخر.
وتصح الكفالة بما يعبر به عن الجملة، كالبدن والوجه والرأس، ولو تكفل
من رجلين لم يبرأ بتسليمه إلى أحدهما، ولو تكفل رجلان لواحد اكتفى بتسليم
أحدهما على رأي.
263

وتصح الكفالة بالمال والنفس عليه مجتمعا ومتفرقا وبالنفس على الحد لأنه
قبل، ولو جعل للكفيل جعالة من الطالب أو المطلوب أو منهما في عقد الكفالة
بطل لأنه ربا، وفيه نظر.
264

المسائل لابن طي
المقصد الرابع: في الضمان وما يلحقه:
وفيه مسائل:
مسألة [1]: يصح ضمان المؤجل حالا أو أزيد من الأجل أو أنقص أم لا؟
الجواب: نعم يجوز، وإذا كان الدين مؤجلا وضمنه مطلقا قال دام ظله:
يكون على ما هو عليه.
مسألة [2]: الحوالة تبطل بالفسخ والإقالة إن تعلقت بالمتعاقدين، ولا تبطل
لو أحال البائع على المشتري ثالث.
مسألة [3]: لو كفل شخص غيره بغير إذنه هل يلزمه ويغرم المكفول إذا
غرمه ويجب عليه الحضور إذا ألزمه أم لا؟
قال: الإلزام ووجوب الحضور مع طلب المكفول له والرجوع قوي،
والضابط أن كل موضع يغرم فيه الكفيل يرجع على المكفول سواءا كان متبرعا
أو لا، والفرق بينه وبين الضمان أن الكفالة تتعلق بالنفس لا بالمال، فإذا أدى عنه
يرجع به قصاصا دون الضمان، وأيضا فرق آخر أن الضامن ألزم هو نفسه وفي
الكفالة ألزمه الحاكم.
265

مسألة [4]: لو أوفى دين غيره بغير إذنه برئت ذمته وإن كان جاهلا فإنه لا
رجوع له يرجع مع بقاء العين.
قال السيد:
مسألة [5]: إذا قبل الإنسان الحوالة على شخص وتعذر الاستيفاء من المحال
عليه إما بمطل أو موت أو غيبة هل للمحتال رجوع على المحيل أم لا؟ وكذا هل
للمضمون له الرجوع إذا تعذر الاستيفاء عن الضامن أم لا؟ أفتنا مأجورا.
قال: إن ضمن باذنه وتعذر الرجوع بموت الضامن فالظاهر الرجوع على
الأصيل، وأما في الحوالة فبعيد فلا يرجع.
مسألة [6]: هل يصح كفالة بدن الميت؟
نعم إذا وجب إحضاره بأن كانت الشهادة على عينه، هذا إذا لم يطم إن
حرمنا النبش أو كان بعده، ولم نقل بالتحريم إذا لم تتغير صورته.
مسألة [7]: هل تبطل الكفالة بموت المكفول له أو ينتقل الحق إلى وارثه أم
لا؟
الجواب: لا تبطل وينتقل الحق إلى الورثة.
مسألة [8]: قال الشيخ: لا تصح الحوالة بمال السلم لأنه لا يجوز المعاوضة
عليه قبل قبضه، وعندي فيه نظر. قال: يجوز مع الحلول.
مسألة [9]: لو دفع الضامن إلى المضمون له فأنكر الدفع وصدقه الأصيل
هل يرجع مع تقصيره بترك الإشهاد أم لا؟
266

مسألة [10]: لو أحاله على معسر ثم تجدد إيساره، فهل الفسخ مع تجدده
مع أن العذر قد زال أم لا؟ قال: له الفسخ.
مسألة [11]: يصح ضمان مال الجعالة دون النفقة المستقبلة أما الماضية
والحاضرة فيصح ضمانها للزوجة والحاضرة للقريب دون الماضية.
مسألة [12]: الأمانات كالوديعة والعين المؤجرة ومال المضاربة والشركة
والمستعارة مع عدم التضمين والعين المدفوعة إلى الصانع؟ قال: لا يصح
ضمانها.
أما الأعيان المضمونة كالغصب والمقبوض بالسوم والفاسد فهل يصح
ضمانها أم لا؟ قال: فيه خلاف، والأقوى الجواز ضمانا وكفالة، ففي الضمان لا
تبطل بتلف العين وفي الكفالة تبطل فيقول في الضمان: ضمنت لك ما يلزم هذا
القابض. وفي الكفالة: ضمنت لك هذه العين لا ديتها.
مسألة [13]: هل يدخل الشرط أو الخيار في الضمان والكفالة والحوالة أم
لا؟
نعم إذا كان سائغا والخيار لا يصح اشتراطه وهو الأقوى.
مسألة [14]: هل للضامن أن يطالب المضمون إن طولب ولو مات الضامن
معسرا ألزموا ورثته الأخذ من المضمون عنه ووفاء المضمون له لئلا يضيع حقه أم
لا؟
قال: لا يبطل حق المضمون له بموته معسرا إذا كان قد ضمن بسؤال.
مسألة [15]: لو عبر في الضمان بلفظ الكفالة كان ضامنا.
267

مسألة [16]: لو كفل شخصا آخر فمات أو غاب عنه غيبة منقطعة وهي التي
لا يسمع لها خبر، برئ الكفيل من النفس إن كان أو المال إن كان، ونزلت
الغيبة منزلة الموت.
مسألة [17]: يصح ضمان ما في الذمة وإن كان حيوانا كأرش الموضحة
وغيرها.
مسألة [18]: قيل: الضمان مشتق من الضم وهو ضم مال إلى ذمته، وقيل:
من الضمن أي صار المال الذي في ضمن المضمون عنه إلى ضمن الضامن، فحينئذ
لا حجة للعامة في أن الضمان غير ناقل على الاشتقاقين.
مسألة [19]: قوله: ولو أنكر الضمان، أي كره.
مسألة [20]: قوله: ولزمه ما تقوم به البينة، أي مراده أن البينة تشهد بشغل
ذمته بالمال المشهود به وقت الضمان ولا يكفي الإطلاق.
مسألة [21]: لو ضمن شخص عهدة الثمن على المبيع فظهر المبيع رهنا
صح ضمانه ويضمنه للمشتري، قاله رحمه الله.
مسألة [22]: الفرق بين الضمان والحوالة: أن الضمان لم يحتج إلى العلم بما
في ذمته ولا رضا المضمون عنه، والحوالة لا بد من العلم بما في ذمته ورضا
المحيل والمحتال والمحال عليه.
والفرق بين الحوالة والكفالة والضمان: أن الضمان والحوالة إنما يكونان
بمال، والكفالة تكون في النفس، فلو مات المكفول بطلت الكفالة، والضمان
268

والحوالة لو ماتا كان المال في تركتهم، نعم.
مسألة [23]: وضمان عهدة الثمن للمشتري بعد قبض البائع له فإن المضمون
له إن وجد عين ماله أخذها وإلا يخير في الرجوع على الضامن والمضمون عنه.
مسألة [24]: إذا كفله إلى أجل وحل الأجل ولم يمكنه الحضور له لأجل
هرب المكفول، هل يلزم الكفيل المال أم لا؟
الجواب: لا يلزم سواء هرب أو مات وإنما يلزم المال بالتمكن من الإحضار
والامتناع منه.
269

كتاب الحوالة
271

الخلاف
كتاب الحوالة
مسألة 1: المحتال هو الذي يقبل الحوالة، فلا بد من اعتبار رضاه. وبه قال
جميع الفقهاء إلا داود، فإنه قال: لا يعتبر رضاه، ومتى ما أحاله من عليه الحق
على غيره لزمه ذلك.
دليلنا: أنا أجمعنا على أنه إذا رضي صحت الحوالة، وليس على صحتها مع
عدم رضاه دليل.
وقول النبي صلى الله عليه وآله: إذا أحيل أحدكم على ملي فليحتل، المراد
به الاستحباب، لأنه إذا أراد أن يحيله على غيره، استحب له أن يجيبه إليه، لما فيه
من قضاء حاجة أخيه، وإجابته إلى ما يبتغيه.
مسألة 2: المحال عليه يعتبر رضاه. وبه قال المزني في اختياره، وإليه ذهب
أبو سعيد الإصطخري.
وذكر ابن سريج في التخليص أن الشافعي ذكر ذلك في الإملاء.
والمشهور من مذهب الشافعي أنه لا يعتبر رضاه.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء، من إجماع الأمة على أنه إذا رضي
صحت الحوالة، ولم يدل على صحتها من غير رضاه دليل.
273

مسألة 3: إذا أحاله على من ليس له عليه دين، وقبل الحوالة، صحت
الحوالة.
وقال الشافعي: إذا أحال على من ليس له عليه دين، فالمذهب أن ذلك لا
يصح، لأنه إذا لم تجز الحوالة عليه بجنس آخر غير الذي عليه، فالأولى أن لا
تجوز إذا لم يكن عليه الحق.
دليلنا: أن الأصل جواز ذلك، والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 4: إذا أحال رجلا على رجل بالحق، وقبل الحوالة، صح تحول
الحق من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه، وبه قال جميع الفقهاء، إلا زفر بن
الهذيل، فإنه قال: لا يتحول الحق عن ذمته، كما لا يتحول عن ذمة المضمون عنه.
دليلنا: أن الحوالة مشتقة من التحويل، فينبغي أن يعطي اللفظ حقه من
الاشتقاق والمعنى إذا حكم الشرع بصحته، فإذا أعطيناه حقه، وجب أن ينتقل
الحق من المحيل إلى المحال عليه.
مسألة 5: إذا انتقل الحق من ذمة المحيل إلى المحال عليه بحوالة صحيحة،
فإنه لا يعود عليه، سواء بقي المحال عليه على غناه حتى أداه، أو جحده حقه
وحلف عند الحاكم أو مات مفلسا، أو أفلس وحجر عليه الحاكم. وبه قال
الشافعي، وهو المروي عن علي عليه السلام.
وقال أبو حنيفة: له الرجوع عليه بالحق إذا جحده المحال عليه، أو مات
مفلسا.
وقال أبو يوسف ومحمد يرجع عليه في هذين الموضعين، وإذا أفلس وحجر
عليه الحاكم. وبه قال عثمان.
دليلنا: أنه قد ثبت انتقال الحق عن ذمته، ولا دليل على انتقاله ثانيا إليه،
فمن ادعى ذلك فعليه الدلالة، فينبغي أن يلزمه الاحتيال، ولا يكون له الرجوع،
274

ولأنه شرط الملاءة في الحوالة، فلو كان له الرجوع عند الإعسار لم يكن لشرط
الملاءة فائدة.
مسألة 6: إذا شرط المحتال في الحوالة ملاءة المحال عليه، فوجده معسرا،
لم تصح الحوالة.
وقال الشافعي: إذا شرط المحتال ملاءة المحال عليه، فوجده معسرا، أو لم
يشرط فوجده معسرا، صحت الحوالة.
وقال أبو العباس بن سريج: الذي يقتضيه أصول الشافعي أن يكون له
الرجوع إذا شرط الملاءة فوجده بخلافه، والأول قول المزني، وهو الذي صححه
باقي أصحابه.
دليلنا: إجماع الفرقة، فإنهم يعتبرون الملاءة.
وأيضا قول النبي صلى الله عليه وآله: إذا أحيل أحدكم على ملي فليحتل،
فأمر بالاحتيال إذا كان مليا، دون أن يكون معسرا.
مسألة 7: إذا اشترى رجل من غيره عبدا بألف درهم، ثم أحال البائع
المشتري بألف على رجل للمشتري عليه ألف درهم، وقبل البائع الحوالة،
صحت الحوالة، ثم إن المشتري وجد بالعبد عيبا فرده به، وفسخ البيع، فهل
تبطل أم لا؟ الصحيح أنها تبطل. وبه قال المزني، وأبو إسحاق.
وقال أبو علي الطبري: ذكر المزني في الجامع الكبير: أن الحوالة صحيحة،
واختاره هو.
قال أبو حامد المروزي: طلبت في عدة نسخ من الجامع الكبير فلم أجده.
دليلنا: أن الحوالة إنما صحت عن ثمن العبد، فإذا انفسخ العقد سقط ثمن
العبد، فيجب أن تبطل الحوالة.
275

مسألة 8: إذا أحال رجل على رجل بحق له عليه، واختلفا، فقال المحيل:
أنت وكيلي في ذلك، وقال المحتال: إنما أحلتني لأخذ ذلك لنفسي على وجه
الحوالة بما لي عليك، واتفقا على أن القدر الذي جرى بينهما من اللفظ أنه قال:
أحلتك عليه بما لي عليه من الحق، وقبل المحتال ذلك، كان القول قول المحيل.
وبه قال المزني، وأكثر أصحاب الشافعي.
وقال ابن سريج: القول قول المحتال.
دليلنا: أنهما قد اتفقا على أن الحق كان للمحيل على المحال عليه، وانتقاله
إلى المحتال يحتاج إلى دليل، لأنه ليس في إحالة المحيل بذلك دليل على أنه أقر
له به، وأحاله بحق له عليه.
وإن شئت قلت: الأصل بقاء حق المحيل على المحال عليه، وبقاء حق
المحتال على المحيل، والمحتال يدعي زوال ذلك، والمحيل ينكره، فكان القول
قوله مع يمينه.
مسألة 9: الحوالة عند الشافعي بيع، وليس لأصحابنا في ذلك نص،
والذي يقتضيه المذهب أن نقول: أنه عقد قائم بنفسه، لأنه لا دليل على أنه بيع،
وليس من ألفاظ البيع، وإلحاقه به قياس لا يجوز عندنا، لبطلان القول بالقياس.
مسألة 10: يجوز الحوالة بما لا مثل له من الثياب والحيوان إذا ثبت في
الذمة بالقرض، ويجوز إذا كان في ذمته حيوان وجب عليه بالجناية، مثل أرش
الموضحة وغيرها، يصح الحوالة فيها، وكذلك يصح أن يجعلها صداقا لامرأة.
واختلف أصحاب الشافعي فيه:
فقال بعضهم: لا يجوز، وإنما يجوز فيما له مثل.
وقال ابن سريج: يجوز فيما يثبت في الذمة، وهو معلوم، وإذا كان في ذمته
حيوان فهل يصح الحوالة بها فيه وجهان.
276

دليلنا: أن الأصل جواز ذلك، ومن منع منه فعليه الدلالة.
ومن قال: لا يجوز قال: لأنه مجهول، وليس الأمر على ذلك، لأنه لا بد أن
يكون معلوما بوصفه وسنه وجنسه، فإن لم يكن كذلك لم تصح الحوالة به.
مسألة 11: إذا أحال زيد على عمرو بألف درهم، فقبله عمرو، صحت
الحوالة في ذلك.
وللشافعي فيه وجهان: أحدهما مثل ما قلناه.
والثاني: لا يجوز، لأن الحوالة بيع، والمعدوم لا يجوز بيعه.
دليلنا: أنه إذا قبله فقد أقر بلزوم ذلك المال في ذمته، فيجب عليه الوفاء به،
ومن قال: لا يصح، فعليه الدلالة، على أنا قد بينا أن الحوالة ليست ببيع، فالأصل
الذي بنى عليه غير مسلم.
277

المبسوط
كتاب الحوالة
الحوالة عقد من العقود يجب الوفاء به لقوله تعالى: " أوفوا بالعقود "
ووجوب الوفاء به يدل على جوازه، وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال:
مطل الغني ظلم وإذا أتبع أحدكم على ملي فليتبع، وروي عنه صلى الله عليه وآله
وسلم: إذا أحيل أحدكم على ملي فليحتل، وأجمعت الأمة على جواز الحوالة وإن
اختلفوا في مسائل منها.
والحوالة مشتقة من تحويل الحق من ذمة إلى ذمة، ويقال: أحاله بالحق عليه
يحيله إحالة، واحتال الرجل إذا قبل الحوالة.
فالمحيل الذي عليه الحق، والمحتال الذي يقبل الحوالة، والمحال عليه هو
الذي عليه الحق للمحيل، والمحال به هو الدين نفسه.
فإذا ثبت ذلك، فالحوالة متعلقة بثلاثة أشخاص: محيل ومحتال ومحال
عليه، مثل الضمان يتعلق بضامن ومضمون له ومضمون عنه، والكلام بعده في
بيان من يعتبر رضاه في صحة الحوالة ومن لا يعتبر رضاه.
فأما المحيل فلا بد من اعتبار رضاه بالحوالة لأن من عليه الحق مخير في
جهات القضاء في أمواله وحقوقه فمن أيها أراد القضاء ومن أي مال كان ذلك له،
ولم يجبر على غيره، ولو لم يعتبر رضاه بالحوالة لأدى ذلك إلى أن يجبره على
القضاء من جهة دون أخرى.
279

وأما المحتال فلا بد من اعتبار رضاه بها.
وأما المحال عليه فلا بد من اعتبار رضاه، لأنه إذا حصل رضاء هؤلاء أجمع
صحت الحوالة بلا خلاف، وإذا لم يحصل فيه خلاف.
فإذا ثبت ذلك فالحوالة إنما تصح في الأموال التي هي ذوات أمثال، فمن
أتلف شيئا منها لزمه مثله وذلك مثل الطعام والدراهم والدنانير وما جرى
مجراها، وأما المال الذي يثبت في الذمة مثله في القرض والعقد ولا يثبت بإتلاف
فهل تصح فيه الحوالة؟ قيل فيه وجهان: أحدهما لا يجوز، والثاني يجوز، فإذا ثبت
أن الحوالة لا تصح إلا فيما ذكرناه فإنها لا تصح إلا بشرطين:
أحدهما: اتفاق الحقين في الجنس والنوع والصفة.
والثاني: أن يكون الحق مما يصح فيه أخذ البدل قبل قبضه لأنه لا يجوز
الحوالة بالمسلم فيه لأنه لا يجوز المعاوضة عليه قبل قبضه، وإنما شرطنا اتفاق
الحقين لأنا لو لم نراعه أدى إلى أن يلزم المحال عليه أداء الحق من غير الجنس
الذي عليه ومن غير نوعه وعلى صفته، وذلك لا يجوز، وإنما شرطنا أن يكون
الحق مما يقبل أخذ البدل فيه قبل قبضه لأن الحوالة ضرب من المعاوضة فلم
تصح إلا حيث تصح المعاوضة، هذا كله إذا أحاله بدينه على من له عليه دين.
فأما إذا أحاله على من ليس له عليه دين فإن ذلك لا يصح عند المخالف،
ويقوى عندي أنه يصح إذا قبل الحوالة.
وإذا أحال رجل على رجل بالحق وقبل الحوالة وصحت تحول الحق من
ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه إجماعا إلا زفر، واشتقاق الحوالة يقتضي ذلك
لأنها مشتقة من التحويل، والمعنى إذا حكم الشرع بصحته وجب أن يعطيه حقه
ويحكم بانتقال الحق من المحيل إلى المحال عليه، فإذا ثبت ذلك فإن المحتال
إذا أبرأ المحيل بعد الحوالة من الحق لم يسقط حقه عن المحال عليه لأن المال قد
انتقل عنه إلى غيره، فإذا ثبت أن الحق قد انتقل من ذمته فإنه لا يعود إليه سواء بقي
المحال عليه على غناه حتى أداه أو جحد حقه وحلف عند الحاكم أو مات مفلسا
280

أو فلس وحجر عليه الحاكم.
إذا اشترى رجل من غيره عبدا بألف درهم ثم أحال المشتري البائع
بالألف الحوالة على رجل للمشتري عليه ألف درهم وقبل البائع صحت الحوالة،
ثم إن المشتري وجد بالعبد عيبا فرده وفسخ البيع بطلت الحوالة لأنها تابعة
لصحة البيع فإذا بطل بطلت، وفي الناس من قال: لا تبطل وللبائع أن يطالب
المحال عليه بالحق وللمشتري أن يطالب البائع بالثمن، وعلى ما قلناه ليس
للبائع مطالبة المحال عليه بالحق ولا للمشتري مطالبة البائع بشئ لأنه ما أعطاه
الثمن ولم تسلم جهة الحوالة، هذا إذا كان المحتال لم يقبض المال، فإن كان
قبضه فهو مال في يد البائع للمشتري فله أن يسترجعه منه، وقد برئ المحال
عليه بالدفع إلى المحتال لأنه قبض باذنه.
إذا أحال الزوج زوجته بالمهر على رجل له عليه حق بمقدار المهر وصفته
فقبلت الحوالة، ثم إنها ارتدت قبل الدخول بها فهل تبطل الحوالة أم لا؟ مبني على
ما ذكرناه.
إذا كانت المسألة بحالها غير أن البائع أحال رجلا له عليه حق على
المشتري بمقدار الثمن وصفته وقبل ذلك الرجل الحوالة، ثم إن المشتري رد
العبد المبيع بالعيب، لم تبطل الحوالة بلا خلاف لأنه تعلق بالمال حق لغير
المتعاقدين وهو المحتال الأجنبي وفي الأولى لم يتعلق إلا بحق المتعاقدين فكان
هذا فرقا بينهما.
إذا كانت المسألة بحالها وأحال البائع على المشتري رجلا له حق وقبل
الحوالة ثم تصادق البائع والمشتري على أن العبد كان حرا لا يقبل وكذبها
المحتال وإن الحوالة بحالها لم تبطل لأنهما يقصدان بذلك إبطال حق لغيرهما،
فإن أقام البائع بينة على ذلك أو المشتري لم تسمع تلك البينة لأنهما قد كذبا
بينتهما بشروعهما في البيع والشراء، وإن ادعى العبد حريته وأقام على ذلك بينة
سمعت منه لأنه لم يتقدمه تكذيب لها، فإذا سمعت بينته أو صدق المحتال
281

المتبايعين ثبتت الحرية في العبد وبطلت الحوالة، إلا أن يدعي بها بغير الثمن
فيكون القول قول المحتال في ذلك، لأن الأصل صحة الحوالة وهما يدعيان
بطلانها، وعليهما البينة أن الحوالة كانت بالثمن وتسمع هذه البينة لأنه ما تقدم
منهما تكذيب لها.
إذا أحال رجل على رجل بحق له عليه واختلفا، فقال المحيل: أنت وكيلي
في ذلك، وقال المحتال: إنما أحلتني عليه لآخذ ذلك لنفسي على وجه الحوالة
بما لي عليك، واتفقا على أن القدر الذي جرى بينهما من اللفظ أنه قال: أحلتك
عليه بما لي عليه، وقبل المحتال ذلك، فإذا كان كذلك كان القول قول
المحيل، وقال قوم: إن القول قول المحتال وليس بشئ، فإذا ثبت ما قلناه فإذا
حلف ثبت أن المحتال وكيله فإن كان لم يقبض من المحال عليه شيئا انعزل عن
وكالته لأن المحيل وإن كان أثبت وكالته بيمينه فإنه عزل نفسه عن الوكالة
بإنكاره.
وإن كان قد قبض المال من المحال عليه نظر: فإن كان باقيا في يده كان
للمحيل أخذه منه لأنه مال له في يد وكيله، وإذا أخذه منه فهل يرجع عليه بحقه
أم لا؟ قيل: فيه وجهان:
أحدهما: لا يرجع لأنه أقر ببراءة ذمة المحيل من حقه بدعواه الحوالة في
حقه.
والثاني: له أن يرجع عليه بحقه لأن عين المال الذي حصل في يده من
الحوالة قد استرجعه المحيل وهو مدع للحق إما تلك العين التي أخذها بالحوالة
أو ما يقوم مقامها ولم يصل بعد إلى شئ من ذلك فكان له الرجوع عليه، وهذا
أولى، هذا إذا كان باقيا في يده، فإن كان تالفا في يده لم يكن للمحيل الرجوع
عليه بشئ لأنه مقر بأنه استوفى حقه وتلف في يده، هذا إذا اتفقا على اللفظ حسب
ما صورنا.
فأما إذا اختلفا فيه فقال المحيل: وكلتك في ذلك الحق بلفظ الوكالة،
282

وقال: بل أحلتني عليه بديني بلفظ الحوالة، فالقول قول المحيل بلا خلاف لأنهما
اختلفا في لفظه فكان هو أعرف به من غيره، ومن قال بالقول الآخر قال: إذا
أحلف المحتال تثبت حوالته بدينه وسقط حقه من المحيل وثبت له مطالبة المحال
عليه بالحق.
فأما إذا كان بالعكس من هذا فقال من عليه الدين: أحلتك لتقبضه
لنفسك، وقال من له الدين: بل وكلتني، فالقول قول من له الدين وهو المحتال،
وقال قوم: القول قول من عليه الدين وهو المحيل، فمن قال بهذا قال: إن المحيل
يحلف بالله لقد أحلته وما وكلته، فإذا حلف برئ من دين المحتال وكان
للمحتال مطالبة المحال عليه ظاهرا وباطنا لأنه قد ثبت أنه محتال بيمين المحيل
فله مطالبته بالحوالة وهو مقر بأنه وكيل وأن له المطالبة بالوكالة، وإذا قلنا بما
اخترناه - وهو الصحيح - وحلف المحتال ثبت أنه وكيل، فإن لم يكن قبض
المال كان له مطالبة المحيل بما له في ذمته، وهل يرجع المحيل على المحال
عليه فيطالبه بالدين الذي له في ذمته؟ فيه وجهان:
أحدهما: ليس له مطالبته لأنه برئه من حقه بدعواه الحوالة وإن ما في ذمته
صار للمحتال.
والثاني: له مطالبته به لأنه إن كان وكيلا فدينه ثابت في ذمة المحال عليه،
وإن كان محتالا فقد قبض المال منه ظلما وهو مقر بأن ما في ذمة المحال عليه
للمحتال فكان له قبضه عما له عليه وهو ما أخذه ظلما على قوله، فكان مطالبا بما
يجوز له المطالبة به بهذا إذا لم يكن المحتال قبض المال، فأما إذا كان قد قبضه
فلا يخلو من: أن يكون باقيا في يده أو تالفا، فإن كان باقيا في يده صرف إليه،
وإن كان تالفا نظر: فإن تلفت بتفريط منه وجب عليه ضمانه ويثبت عليه للمحيل
مثل ما ثبت له في ذمته فتقاصا وسقطا، وإن تلف بغير تفريط منه لم يجب عليه
الضمان لأنه وكيل، ويرجع هو على المحيل بدينه، ويبرأ المحال عليه لأنه قد
دفع إلى المحتال باذنه وهو معترف بذلك لأنه إن كان حوالة كما يقول فقد
283

برئ، فبراءة المحال عليه متيقنة ويكون التالف من مال المحيل.
إذا أحال المحال عليه المحتال على آخر وقبل المحتال الحوالة برئ المحال
عليه وانتقل حقه إلى الثاني، فإن أحال الثاني على الثالث وقبل الحوالة برئ
الثاني وكان حقه على الثالث، وإن أحال الثالث على الرابع وقبل الحوالة برئ
الثالث وانتقل حقه إلى الرابع، وعلى هذا كلما أحال من له دين في ذمة وقبل
الحوالة برئ المحيل وتحول حقه إلى المحال عليه.
وجملته أن كل دين ثابت في الذمة معلوم تصح الحوالة به، والدين على
كل واحد من المحال عليه ثابت في ذمته، فجاز أن يحيل به، ولا تجوز الحوالة
بالثمن في مدة الخيار لأنه ليس بثابت مستقر، فإن قطع الخيار لم يثبت الحوالة
حتى يستأنفها بعد قطعه، وقيل: إنه يجوز لأن الثمن يؤول إلى اللزوم والاستقرار،
وهو قوي.
وإذا أحال المشتري البائع على آخر ثم رد المبيع بالخيار بطلت الحوالة،
وهذا يدل على أنها كانت صحيحة وبطلت، وقال قوم: الحوالة بيع إلا أنه غير
مبني على المكايسة والمغابنة وطلب الفضل والربح، وإنما هو مبني على الإرفاق
والقرض فلا يجوز إلا في دينين متفقين في الجنس والصفة ولا يجوز إذا كانا
جنسين مختلفين، ولا يجوز إذا كانا جنسا واحدا مع اختلاف الصفة فيجب أن
يكونا حالين أو مؤجلين أجلا واحدا، ولا يجوز أن يكون أحدهما حالا والآخر
مؤجلا ولا أن يكون أحدهما مؤجلا إلى سنة والآخر إلى سنتين، ولا يكون أحدهما
مطبعيا والآخر قاسانيا ولا أن يكون أحدهما صحاحا والآخر مكسورا ولا أن
يكون أحدهما أكثر من الآخر.
كل ذلك لا يجوز لأن المقصود منه الرفق دون المكايسة والمغابنة، وعلى
هذا لا يجوز أن يحيل بالطعام الذي يحل عليه من السلم لأن بيعه لا يجوز قبل
قبضه، ويقوى في نفسي أنها ليست ببيع بل هي عقد مفرد ويجوز خلاف جميع
ذلك إلا زيادة أحد النقدين على صاحبه لأنه ربا ولا يمتنع أن يقول: إن الحوالة
284

تجوز فيما له مثل وفيما يثبت في الذمة بعد أن يكون معلوما، فإذا كان في ذمة
حيوان وجب عليه بالجناية مثل أرش الموضحة وما أشبهها صح فيها الحوالة،
وكذلك لا يمتنع أن يجعلها صداقا إذا أحال بدين عليه مؤجل إلى سنة بدين له
على آخر صحت الحوالة، فإن مات المحيل لم يحل الدين لأن المحيل قد برئ
من الدين فلا يتغير بموته، وإن مات المحتال فلا يحل أيضا لأن الأجل حق لمن
عليه الدين دون من له الدين، وإن مات المحال عليه حل الدين لأن الدين المؤجل
يحل بموت من عليه الدين.
إذا كان لرجل على رجلين ألف درهم على كل واحد خمسمائة وكل واحد
منهما كفيل ضامن عن صاحبه، فطالب أحدهما بألف فأحاله بها على رجل له
عليه ألف درهم، فقد برئ المحيل من الألف وبرئ صاحبه أيضا منه لأن
الحوالة بمنزلة المبيع المقبوض وإذا قضى دينه برئ ضامنه، وإذا قضى ما ضمنه
برئ من عليه الدين وهو المضمون عنه، فيجب أن يبرئ صاحبه من الخمسمائة
التي عليه لأنه قضاها ومن خمسمائة الضمان لأنه قضاها عن المضمون عنه، وهل
يرجع عليه بخمسمائة الضمان؟ ينظر فيها: فإن كان ضمنها باذنه رجع عليه وإن
ضمنها بغير إذنه لم يرجع.
وإن كان له على رجلين ألف درهم على كل واحد منهما خمسمائة، ولرجل
عليه ألف درهم وأحاله بها على الرجلين وقبل الحوالة كان جائزا لأن الألف
الذي له عليه يجوز له قضاؤه من جهة واحدة ومن جهتين، وإن كان كل واحد
منهما ضامنا عن صاحبه فأحاله عليهما لم تصح الحوالة لأنه يستفيد بها مطالبة
الاثنين كل واحد منهما بالألف، وهذا زيادة في حق المطالبة بالحوالة وذلك
لا يجوز، وليس له أن يطالب كل واحد منهما بألف وإنما يقبض الألف من
أحدهما دون الآخر، وقيل فيه: إنه يجوز له أن يطالب كل واحد منهما بألف
أحدهما فإذا أخذه برئ الآخر، وهذا قريب.
إذا قبل المحتال الحوالة فإن قضى المحيل الدين كان ذلك عن المحال عليه
285

فإن كان بأمره رجع عليه، وإن لم يكن بأمره لم يرجع عليه وكان متبرعا.
إذا كان لزيد على عمرو ألف درهم ولرجل على زيد ألف درهم فجاء غريم
زيد إلى عمرو وقال له: أحالني زيد عليك بما له عليك وهو ألف درهم، فكذبه
وقال له: ما أحالك به علي، فإن القول قول عمرو مع يمينه لأنه مدعى عليه، فإذا
حلف سقط دعوى المدعي وسقط دينه عن زيد لأنه معترف بأنه قد برئ بالحوالة
وأن عمرا ظالم له بجحوده ويمينه، وأما زيد فينظر فيه: فإن كان صدقه سقط دينه
بإقراره بالحوالة، وإن كذبه لم يسقط دينه عن عمرو ولأن زيدا وعمروا متفقان
على بقاء دينهما، وإن نكل عمرو عن اليمين وحلف المدعي للحوالة ثبتت الحوالة،
ولزمه أن يدفع إليه ألف درهم، وإن صدقه زيد لم يكن له مطالبة عمرو بدينه،
وإن كذبه كان له مطالبة عمرو فيلزمه دفع ألف آخر إليه لأنه مقر بأن المدعي
ظلمه، وأن دين زيد ثابت في ذمته.
إذا كان لزيد على عمرو ألف درهم فأحاله بها على رجل لا دين له عليه، فإن
لم يقبله لم يجبر عليه، وإن قبله صحت الحوالة، وفي الناس من قال: لا تصح
الحوالة لأنها بيع وبيع المعدوم لا يصح، وقد بينا أنها ليست ببيع فإذا قلنا: إنها
تصح، كان للمحال عليه أن يطالب المحيل بتخليصه منه كما يكون ذلك
للضامن، فإذا قضاه المحال عليه قبل أن يخلصه نظر: فإن كان بأمره رجع على
المحيل، وإن لم يكن بأمره لم يرجع، وإن قضى عنه ثم رجع عليه فطالبه بما
غرم فقال: كان لي عليك ألف درهم، وأنكر المحال عليه ذلك وقال: لم يكن
لك علي شئ، كان القول قول المحال عليه لأن الأصل براءة ذمته فإذا حلف
رجع على المحيل.
إذا ضمن رجل عن رجل ألف درهم فطالبه المضمون له فأحاله الضامن على
رجل له عليه ألف درهم فقبل الحوالة برئ الضامن ورجع على المضمون عنه
إن كان ضمن بأمره لأن الحوالة بمنزلة البيع المقبوض فيصير كأنه قضاه،
والضامن إذا برئ بالقضاء برئ المضمون عنه، ورجع عليه بما غرمه إذا كان
286

الضمان باذنه.
وإن كان أحاله على رجل ليس له عليه دين فإن قبل المحتال والمحال عليه
صحت الحوالة على ما بيناه، وقيل: إنها لا تصح، فمن قال: لا تصح، قال: المال
على الضامن كما كان، وعلى ما قلناه من صحة الحوالة برئت ذمة الضامن ولا
يرجع على المضمون عنه بشئ في الحال لأنه لم يغرم شيئا، ونظر: فإن قبض
المحتال من المحال عليه ورجع على الضامن رجع الضامن على المضمون عنه،
وإن لم يرجع عليه أو أبرأه منه لم يرجع الضامن على المضمون عنه لأنه لم يغرم،
فإن قبضه منه ثم وهبه فهل يرجع على الضامن؟ فيه وجهان.
وأما إذا كانت الحوالة على من له الدين فقد قلنا: إنه يرجع في الحال على
المضمون عنه لأنه الغرم حصل من الضامن بنفس الحوالة، فإنه باع ماله في ذمة
المحال عليه بمال المحتال في ذمته من مال الضمان.
إذا كان له على رجلين ألف درهم على كل واحد منهما خمسمائة فادعى
عليهما أنهما أحالاه على رجل لهما عليه ألف درهم فأنكراه فالقول قولهما مع
أيمانهما، فإن حلفا سقطت دعواه الحوالة، فإن نكلا عن اليمين حلف وتثبت
الحوالة على من عليه الدين لهما وطالبه بمال الحوالة، وإن أراد إقامة البينة فإن شهد
ابناه لم تقبل شهادتهما عند المخالف، وعندنا تقبل لأن شهادة الولد تقبل للوالد،
وإن شهد له ابنا المدعى عليه لم تقبل شهادتهما لأن شهادة الولد لا تقبل على
والده ولا تثبت الحوالة، وعند المخالف تقبل عليه ولا تقبل له.
وإن كان بالضد من هذا فادعيا عليه الحوالة فأنكر كان القول قوله مع يمينه
فإذا حلف سقطت دعواهما، وإن لم يحلف ردت اليمين عليهما، فإذا حلفا تثبت
الحوالة، وإن أقام البينة فشهد ابنا من له الدين أنهما أحالاه لا تقبل شهادتهما لأنهما
شهدا على الوالد، وإن شهد ابناهما قبلت شهادتهما لكل واحد منهما لوالده
وللآخر، ومن قال: لا تقبل شهادة الولد لوالده، قال: لا تقبل شهادتهما كل واحد
منهما لوالده، وهل تقبل للآخر؟ قيل فيه قولان بناء على أن بعض الشهادة إذا
287

رده للتهمة هل يرد الباقي؟ فيه قولان فكذلك هاهنا.
إذا كان لرجل على رجل ألف درهم فطالبه بها فقال: قد أحلت بها علي
فلانا الغائب وصارت له دونك، فأنكر المحيل ما يدعيه والدين للغائب فإن
القول قوله أنه ما أحاله عليه مع يمينه فإذا حلف استوفى الدين منه، وإن أقام الذي
عليه الدين البينة على أنه أحال عليه فلانا الغائب حكم بها في سقوط حق المطالبة
بالدين، ولا يقضى بها للغائب على من له الدين لأن القضاء للغائب لا يجوز، فإذا
ثبت هذا فإذا حضر الغائب فادعى احتاج إلى إعادة البينة حتى يقضى له بها.
وإن كان على رجل ألف درهم لغائب فجاء رجل، وقال له: أحالني فلان
الغائب بما له عليك، وأنكر المدعى عليه كان القول قوله مع يمينه فإن حلف
سقطت دعواه، وإن كان مع المدعي بينة أقامها وقضى الحاكم له بها على الغائب
لأن القضاء على الغائب جائز.
إذا كان على المكاتب دين لغير مولاه أو له عليه دين لزمه بالمعاملة صحت
الحوالة به لأنه دين صحيح ثابت يجبر المكاتب عليه، وإن كان الدين لمولاه عليه
من مال المكاتبة فأحال به عليه رجلا له عليه دين لم تصح الحوالة لأن مال
الكتابة ليس بدين ثابت لأن للمكاتب إسقاطه بالتعجيز ولا يجبر عليه، فأما إن
كان المكاتب أحال سيده بما حل عليه من النجم من مال الكتابة على رجل له
عليه دين صحت الحوالة لأن المكاتب يصير مقبضا له باختياره، وإنما لا يصح أن
يجبر السيد عليه فيجبره على تحويل ما في ذمته وتمليكه وهو لا يجبر على ذلك
لأنه ليس بدين لازم من جهته.
إذا كان له في ذمة رجل ألف درهم فوهبها لرجل هل يصح؟ قيل: فيه
وجهان، كما قيل إذا اشترى بها من رجل سلعة هل يصح؟ فيه وجهان:
أحدهما: يصح، وهو الأقوى لأنه لا مانع منه كما يصح بيعه وهبته ممن عليه.
والثاني: لا يصح، قالوا: لأنه غير مقدور على تسليمه.
إذا أحال السيد على مكاتبه غريما له لم تصح الحوالة لأن مال الكتابة ليس
288

بثابت فإن المكاتب له إسقاطه متى شاء، وقيل: لأنه ليس له ذمة، وهذا ليس
بصحيح لأنه لو اشترى شيئا بثمن في ذمته من أجنبي صحت الحوالة عليه فليس
العلة المانعة في مال الكتابة أنه لا ذمة للمكاتب.
وإذا عامله السيد فباع منه سلعة وثبت له عليه ثمن المبيع فهل تصح
الحوالة؟ فيه وجهان:
أحدهما: تصح لأنه ليس له إسقاطه.
الثاني: لا تصح لأنه إن عجز نفسه سقط من المولى لأنه لا يستحق على عبده
شيئا، وفارق الأجنبي لأنه لا يسقط فإنه يعطي مما في يده وإن لم يكن له شئ ثبت
في ذمته.
وإن كان للمكاتب على أجنبي دين فأحال المولى بمال الكتابة صحت
الحوالة لأن الأجنبي يجبر على دفعه، ويخالف مال الكتابة لأن المكاتب لا يجبر
على دفعه وذلك أن الحر الذي ليس له في ذمته شئ تصح الحوالة عليه إذا قبله،
وفيه وجهان:
أحدهما: تصح، لأنه التزام مال في الذمة كالضمان.
والثاني: لا تصح، وهو الأقوى لأن من شرط الحوالة أن يكون له عليه دين،
وأيضا فإنه أحال بغير دينه.
289

كتاب الصلح
291

الخلاف
كتاب الصلح
مسألة 1: الصلح على الإنكار جائز. وبه قال أبو حنيفة، ومالك، وقالا: لا
يكون الصلح إلا مع الإنكار.
وقال الشافعي: لا يجوز الصلح على الإنكار، قال: وصورة المسألة أن يدعي
رجل على غيره عينا في يده، أو دينا في ذمته، فأنكر المدعى عليه، ثم صالحه منه
على مال يتفقان عليه، لم يصح الصلح، ولم يملك المدعي المال الذي قبضه من
المدعى عليه، وله أن يرجع فيطالبه به، ووجب على المدعي رده عليه، وكان على
دعواه كما كان قبل الصلح، وإن كان قد صرح بإبرائه مما ادعاه عليه، وإسقاط
حقه عنه، لأنه أبرأه ليسلم له ما قبضه، فإذا لم يسلم ماله، لم يلزمه ما عليه.
وعندنا، وعند أبي حنيفة، ومالك يملك المدعي المال، وليس للمدعى عليه
مطالبته به.
دليلنا: قوله تعالى: والصلح خير، ولم يفرق بين الإقرار والإنكار.
وقوله عليه السلام: الصلح جائز بين المسلمين، ولم يفرق.
وروي عنه عليه السلام أنه قال: كل مال وقى الرجل به عرضه فهو صدقه،
فيجب أن يكون ما بذله المدعى عليه جائزا، ويكون صدقة، لأنه قصد به وقاية
عرضه.
293

مسألة 2: إذا أخرج من داره روشنا إلى طريق المسلمين، وكان عاليا لا
يضر بالمارة، ترك ما لم يعارضه فيه واحد من المسلمين، فإن عارض فيه واحد
منهم وجب قلعه. وبه قال أبو حنيفة.
وقال الشافعي: لا يجب قلعه إذا لم يضر بالمارة، وترك. وبه قال مالك،
والأوزاعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو يوسف، ومحمد.
دليلنا: أن طريق المسلمين حق لجميعهم، فإذا أنكر واحد منهم ذلك لم
يجز أن يغصب على حقه، ومتى طالبه بقلعه كان له ذلك كسائر الحقوق.
وأيضا لا خلاف أنه لا يجوز أن يملك شيئا من القرار والهواء تابع للقرار.
وأيضا فلو سقط ذلك، فوقع على إنسان فقتله، أو على مال فأتلفه، لزمه
الضمان بلا خلاف، فلو كان ذلك جائزا لم يلزمه ضمان.
مسألة 3: معاقد القمط - وهي: مشاد الخيوط من الخص - إذا كان إلى
أحد الجانبين، وكان الخلف في الخص، قدم دعوى من العقد تليه. وبه قال
أبو يوسف، وزاد: بخوارج الحائط، وأنصاف اللبن، ويقدم بهما.
وقال أبو حنيفة، والشافعي: لا يقدم بشئ من ذلك.
دليلنا: إجماع الفرقة، لأن الخبر الذي رووه مجمع عليه، لا يدفعه أحد
منهم.
وروى نمران بن جارية اليمامي، عن أبيه: أن قوما اختصموا إلى رسول الله
صلى الله عليه وآله في خص كان بينهم، فبعث حذيفة بن اليمان ليحكم بينهم،
فحكم به لمن تليه القمط، ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فأخبره
بذلك، فقال: أصبت، أو أحسنت.
مسألة 4: إذا تنازعا في جدار بين ملكيهما، وهو غير متصل ببناء أحدهما،
وإنما هو مطلق ولأحدهما عليه جذوع، فإنه لا يحكم بالحائط لمن الجذوع له.
294

وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: يحكم بالحائط لصاحب الجذوع إذا كان أكثر من جذع واحد،
فإن كان واحدا فلا يقدم به، بلا خلاف.
دليلنا: قوله عليه السلام: البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه ولم
يفرق.
وأيضا فإن هذا الحائط قبل طرح الجذوع عليه كان بينهما نصفين بلا
خلاف، فمن قال بطرح الجذوع يتغير الحكم، فعليه الدلالة، بل يقال لصاحب
الجذوع: أقم البينة على أنك وضعت هذه الجذوع فيه بحق، فإن أقامها وإلا
كان على حاله قبل وضعها فيه.
وأيضا فإن وضع الجذع يجوز أن يكون عارية، لأن في الناس من يوجب
إعارة ذلك وهو مالك، فإنه قال: يجبر على ذلك لقوله عليه السلام: لا يمنعن
أحدكم جاره أن يضع خشبة على جداره.
مسألة 5: إذا تنازع اثنان دابة، أحدهما راكبها، والآخر آخذ بلجامها، ولم
يكن مع أحدهما بينة، جعلت بينهما نصفين. وبه قال أبو إسحاق المروزي.
وقال أبو حنيفة وباقي الفقهاء: يحكم بذلك للراكب.
دليلنا: أنه لا دلالة على وجوب تقديمه على الآخر، فمن ادعى تقديمه فعليه
الدلالة.
مسألة 6: إذا كان حائط مشترك بين نفسين، لم يجز لأحدهما أن يدخل
فيه خشبة خفيفة لا تضر بالحائط ضررا كثيرا إلا بإذن صاحبه. وبه قال الشافعي
في الجديد.
وقال في القديم: يجوز ذلك. وبه قال مالك.
دليلنا: أنه قد ثبت أن الحائط مشترك بينهما، فلا يجوز له مع ذلك
295

التصرف فيه إلا بإذن صاحبه وشريكه، فمن ادعى جواز ذلك فعليه الدلالة.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: لا يحل مال امرئ مسلم إلا
بطيب نفس منه، وهذا الحائط فيه ملك لشريكه، فلم يحل لأحدهما إلا بطيب
نفس من الآخر على ظاهر الخبر.
مسألة 7: إذا كان حائط مشترك بين نفسين، فأذن أحدهما لصاحبه أن
يضع عليه خشبا يبني عليه، فبنى عليه، ثم انهدم السقف أو قلع، فليس له أن
يعيدها إلا بإذن مجدد. وهو أحد قولي الشافعي، ومالك.
والقول الآخر: أنه يجوز ذلك له.
دليلنا: أن إعادته يحتاج إلى دليل، والأصل أن لا يجوز له أن يضع إلا
باذنه، وليس الإذن في الأول إذنا في الثاني.
مسألة 8: إذا كان لرجل بيت وعليه غرفة لآخر، وتنازعا في سقف البيت
الذي عليه الغرفة، ولم يكن لأحدهما بينة، أقرع بينهما، فمن خرج اسمه حلف
لصاحبه، وحكم له به.
وإن قلنا: أنه يقسم بينهما نصفين، كان جائزا.
وقال الشافعي: يحلف كل واحد منهما، فإذا حلفا جعل بينهما نصفين.
وقال أبو حنيفة: القول قول صاحب السفل، وعلى صاحب العلو البينة.
وقال مالك: القول قول صاحب العلو، وعلى صاحب السفل البينة.
دليلنا: إجماع الفرقة على أن كل مجهول يستعمل فيه القرعة، وهذا من
الأمر المشتبه.
مسألة 9: إذا كان بين رجلين حائط مشترك وانهدم، وأراد أحدهما أن
يبنيه، وطالب الآخر بالإنفاق معه، فإنه لا يجبر على ذلك.
296

وكذلك إن كان بينهما نهر أو بئر، فطالب أحدهما بالنفقة، لا يجبر عليها.
وكذلك إن كان بينهما دولاب يحتاج إلى العمارة، وطالب شريكه بالنفقة،
لا يجبر عليه.
وكذلك إن كان السفل لواحد والعلو لآخر فانهدم، فلا يجبر صاحب
السفل على إعادة الحيطان التي تكون عليها الغرفة.
وللشافعي في هذه المسائل قولان:
أحدهما: مثل ما قلناه، وهو قوله في الجديد. وبه قال أبو حنيفة.
والآخر: قوله في القديم، يجبر عليه. وبه قال مالك.
وقال في مسألة الغرفة أنه يجبر صاحب السفل على النفقة منفردا، ولا يلزم
صاحب العلو شيئا.
والثاني: لا يجبر عليه.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، فمن أوجب إجباره على النفقة فعليه الدلالة.
وأيضا قول النبي صلى الله عليه وآله: لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب
نفس منه، فيجب أن لا يجبر شريكه على الإنفاق إلا بطيب نفس منه.
مسألة 10: إذا أتلف رجل على غيره ثوبا يساوى دينارا، فأقر له به وصالحه
على دينارين، لم يصح ذلك. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: يجوز ذلك.
دليلنا: أنه إذا أتلف عليه الثوب، وجب في ذمته قيمته، بدلالة أن له مطالبته
بقيمته، ويجبر صاحب الثوب على أخذها، فإذا ثبت أن القيمة هي الواجبة في ذمته،
فالقيمة هاهنا دينار واحد، فلو أجزنا أن يصالحه على أكثر من دينار كان بيعا
للدينار بأكثر منه، وذلك ربا لا يجوز.
مسألة 11: إذا ادعي عليه مالا مجهولا، فأقر له به وصالحه منه على مال
297

معلوم صح الصلح. وبه قال أبو حنيفة.
وقال الشافعي: لا يصح.
دليلنا: قول النبي صلى الله عليه وآله: الصلح جائز بين المسلمين إلا ما
أحل حراما أو حرم حلالا، ولم يفرق. وقوله تعالى: والصلح خير، ولم يفرق.
مسألة 12: إذا كان لرجل داران في زقاقين غير نافذين، وظهر كل واحدة
منهما إلى الأخرى، فأراد أن يفتح بين الدارين بابا حتى ينفذ كل واحدة منهما إلى
الأخرى، كان له ذلك. وبه قال أبو الطيب الطبري من أصحاب الشافعي.
وقال باقي أصحابه: ليس له ذلك.
قال أبو الطيب: ولا أعرف خلافا فيه.
دليلنا: أنه لا يمنع من التصرف في ملكه إلا بدليل، ولا دليل على ذلك.
وأيضا فلا خلاف أنه يجوز أن يجعل الدارين دارا واحدة، فيرفع الحاجز
بينهما، ويكون البابان في الزقاقين على حالهما. وهذا يدل على صحة ما قلناه.
298

المبسوط
كتاب الصلح
الصلح جائز بين الناس إلا ما حرم حلالا أو حلل حراما لقوله تعالى " فلا
جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير " وقوله تعالى " إن يريدا
إصلاحا يوفق الله بينهما " وقوله تعالى " وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا
فأصلحوا بينهما " وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: الصلح جائز بين
المسلمين إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا، وقوله صلى الله عليه وآله لبلال بن
الحارث المزني: اعلم أن الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما أو حرم
حلالا، وعليه إجماع المسلمين.
فإذا ثبت هذا فالصلح ليس بأصل في نفسه وإنما هو فرع لغيره وهو على
خمسة أضرب:
أحدها: فرع البيع.
وثانيها: فرع الإبراء.
وثالثها: فرع الإجارة.
ورابعها: فرع العارية.
وخامسها: فرع الهبة.
وسنذكر هذه الأقسام.
إذا ورث رجلان من مورثهما مالا فصالح أحدهما صاحبه على نصيبه من
299

الميراث بشئ يدفعه إليه فإن هذا الصلح فرع البيع تعتبر فيه شرائط البيع فما
جاز في البيع جاز فيه، وما لم يجز فيه لم يجز فيه إلا أنه يصح بلفظ الصلح، ومن
شرط صحة البيع أن يكون المبيع معلوما فيجب أن يعلما قدر نصيب البائع من
التركة وقدر جميع التركة ويشاهداها جميعا، فإذا صار معلوما لهما وعرفا
العوض الذي يبذله في مقابلة حقه من التركة فإذا صار ذلك أيضا معلوما صح
الصلح وملك كل واحد منهما حق صاحبه بالنقد أو بالعقد وانقطاع خيار
المجلس على ما بيناه في كتاب البيوع.
ويقوى في نفسي أن يكون هذا الصلح أصلا قائما بنفسه، ولا يكون فرع
البيع فلا يحتاج إلى شروط البيع واعتبار خيار المجلس على ما بيناه فيما مضى.
ويجوز الصلح على الإنكار، وصورته أن يدعي على رجل عينا في يده أو
دينا في ذمته فأنكر المدعى عليه ثم صالحه منه على مال اتفقا عليه، ويصح الصلح
ويملك المدعي المال الذي يقبضه من المدعى عليه، وليس له أن يرجع فيطالبه
به، ولا يجب على المدعي رده عليه، وتسقط دعوى المدعي فيما ادعاه، وإن كان
قد صرح بإبرائه مما ادعاه وإسقاط حقه عنه كان صحيحا.
وإذا كان لرجل على غيره ألف درهم وأبرأه من خمس مائة درهم وقبض
الباقي فاستحقه رجل فإنه يرد على المستحق، وليس له أن يرجع فيما أبرأه لأنه لم
يكن مشروطا بسلامة الباقي له وملكه إياه، فاستحقاقه عليه لا يقدح فيما أبرأه منه.
إذا ادعى رجل على رجل دينا في ذمته أو عينا في يده فأنكر فجاء رجل إلى
المدعي وصدقه وصالحه منه على شئ يبذله له فلا يخلو من أحد أمرين:
إما أن يكون ذلك في دعوى دين أو في دعوى عين، فإن كان في دعوى
دين فلا يخلو من أحد أمرين: إما أن يصالحه للمدعى عليه أو لنفسه.
فإن صالحه للمدعى عليه صح الصلح سواء كان ما أعطاه من جنس دينه أو
من غير جنسه، ولا فرق بين أن يكون باذنه أو بغير إذنه، لأنه إذا كان باذنه فقد
وكله في الصلح والتوكيل يصح فيه، وإن كان بغير إذنه فيكون قد قضى دين
300

غيره، ولا خلاف أنه يجوز أن يقضي دين غيره بغير إذنه كما قضى علي عليه
السلام عن الميت وقضى أبو قتادة عن الميت، وإذا كان كذلك برئ المدعى
عليه وسقط دعوى المدعي، وهل يرجع الباذل للمال على المدعى عليه؟ نظر:
فإن كان أعطاه باذنه رجع عليه، وإن كان أعطاه بغير إذنه لم يرجع عليه، وكان
متبرعا به.
وإن كان أذن له في الصلح ولم يأذن له في وزن المال ودفعه فوزن المال
للمدعي لم يرجع عليه، لأن الإذن في الصلح ليس بإذن في دفع المال.
وإن كان قد صالح لنفسه فقال له: أنت صادق فيما تدعيه فصالحني على
كذا ليكون الذي لك في ذمته لي، فصالحه، فهل يصح أم لا؟ قيل فيه وجهان،
ويكون ذلك بمنزلة شراء عين بدين في ذمة غير البائع، والصحيح أنه يجوز كما
إذا اشتراه بعين في يد غيره على سبيل الوديعة.
وإذا قلنا: يجوز، فإن الخصومة تكون بين الباذل للمال، وبين مدعى عليه،
ومن قال: لا يجوز، قال: المدعي على دعواه ولا يملك ما قبضه.
وإذا كان المدعى عينا في يده فلا يخلو المصالح من أحد أمرين: إما أن
يصالحه لنفسه أو للمدعى عليه.
فإن صالحه للمدعى عليه جاز الصلح إذا أقر للمدعي بالعين وقال: إنه وكلني
في مصالحتك، فإذا وجد ذلك صح الصلح بينهما، وإن كان الوكيل صادقا في
الوكالة وأذن له المدعى عليه في بذل المال عنه - ويثبت ذلك ببينة أو تصديق
من المدعى عليه - رجع بما أعطى على المدعى عليه، وإن لم يثبت ذلك لم
يرجع وكان متبرعا، وهل يملكه المدعى عليه في الباطن؟ نظر: فإن كان قد أذن
له في الصلح ملكه، وإن لم يكن أذن له وكان الوكيل كاذبا فيما ذكره من
التوكيل لم يملكه.
وإن صالحه لنفسه وقال للمدعي: أنت صادق في دعواك فصالحني منه
على كذا، أو أنا قادر على انتزاعه من يد الغاصب، ينظر فيه: فإن قدر على انتزاعه
301

من يد الغاصب فقد استقر الصلح، وإن لم يقدر على ذلك كان بالخيار بين أن
يقيم على العقد وبين أن يفسخه، لأنه لم يسلم له ما عاوضه عليه.
فإذا ثبت هذا جاز له التوكيل فيه لكنه لا يجوز له إنكاره إذا علم صدق
المدعي في الباطن لأن الإنكار كذب.
وأما التوكيل لمن يقر له به ويصدقه فيه ويصالحه عنه توصل إلى شرائه
وذلك جائز، وقال قوم: لا يجوز، والأول أظهر.
وإذا قال المدعى عليه: صالحني منه على كذا، لم يكن ذلك إقرارا بالمدعى،
وإن قال: ملكني، كان إقرارا لأن " ملكني " صريح في أنه ملك للمدعي،
و " صالحني " ليس بصريح فيه، لأنا قد بينا أن الصحيح في الصلح أنه ليس
ببيع، وإن قال: بعني، يجب أن يكون إقرارا من المدعى عليه لأنه لا فرق بين قوله
" ملكني " وبين قوله " بعني ".
إذا أخرج من داره روشنا إلى طريق المسلمين فإن كان عاليا لا يضر بالمارة
ترك ولم يقلع، فإن عارض فيه واحد من المسلمين وجب قلعه لأنه حق
لجميعهم، فإذا أنكر واحد منهم لم يغصب عليه ووجب قلعه، فأما إذا كان فيه
ضررا بأن يكون لاطئا يضر بالمارة وجب قلعه.
ويعتبر الضرر في كل مكان بما يمر فيه: فإن كان شارعا فهو بما يمر فيه
الأحمال الجافية والكنايس والعمارات والمحامل ولا يمنع من اجتياز ذلك،
وإن كان دربا لا يجتاز فيه ذلك وإنما يمشي فيه الناس يعتبر أن لا يكون مانعا من
المشي وإن أدى إلى أن يظلم الطريق لم يكن ذلك إضرارا ولا يمنع من المشي،
وحكي عن قوم أنهم اعتبروا ما لم يمنع رمح الراكب وهو منصوب وكانوا
يقولون: ربما زوحم الفرسان فيه فاحتاجوا إلى إقامة الرماح، وقال قوم: هذا غير
صحيح لأنه يمكنهم أن يحملوها على أكتافهم، وهو أقرب.
والدرب الذي لا ينفذ، من الناس من قال: هو بمنزلة النافذ لأن لكل أحد
سلوكه والدخول فيه، ومنهم من قال: إن ملاكه معينون فلا يجوز لأحد منهم
302

إخراج الروشن إلا بإذن الباقين، ولا يجوز أن يخرج روشنا إلى زقاق خلف داره
- بلا خلاف - إذا لم يكن بابه إليه إلا بإذن أهل الزقاق لأنه لا طريق له فيه، فلا
خلاف أنه إذا أخرج روشنا لاطئا يضر بأهل الزقاق فرضوا به أنه يترك وهذا
يدل على أن الحق لهم، ولا يجري مجرى الطريق النافذ.
فإذا ثبت هذا فأخرج روشنا إلى درب نافذ من غير ضرر كان لجاره المقابل
أن يخرج روشنا بإزائه على وجه لا يضر به وهو الآن يمنعه من الانتفاع به وإن
كان الأول قد أخذ أكثر الطريق لم يكن لجاره أن يطالبه بأن يقصر خشبة، وأن
يرده إلى نصف الطريق لأن ما سبق إلى الانتفاع به فهو أحق به، فإن سقط روشنه
ولم يعده حتى أخرج جاره المقابل في موضعه روشنا كان له ولم يكن للأول
مطالبته بقلعه، كما إذا قعد رجل في الطريق كان أحق به فإن قام وقعد غيره ثم
رجع لم يكن له مطالبته بالقيام منه.
ومتى صالح السلطان أو رجل من المسلمين صاحب الجناح على أن يأخذ
منه شيئا من المال ويترك جناحه لاطئا بالأرض مضرا بالناس لم يجز لأن في
ذلك إضرارا بالمسلمين، ولا يجوز أخذ العوض على ما فيه ضرر على المسلمين
وإذا أشرع جناحا إلى زقاق غير نافذ قد بينا أنه لا يجوز له ذلك لأن ملاكه
معينون، فإن صالحوه على تركه بعوض يأخذونه منه لم يجز لأن في ذلك إفرادا
للهواء بالبيع، وذلك لا يصح.
وأما إذا أراد أن يعمل ساباطا ويطرح أطراف الجذوع على حائط دار
المحاذي له فلا يجوز له ذلك لغير أمر صاحب الحائط، ولا فرق بين أن يكون
الدرب نافذا أو غير نافذ، فإن أذن له صاحب الحائط في وضع الخشب على
حائطه كان ذلك عارية منه، وله أن يرجع في هذا الإذن متى شاء ما لم يضع
الجذوع على الحائط فإن وضعها على الحائط لم يكن له الرجوع بعد ذلك
ما دامت تلك الجذوع باقية لأن المقصود بوضعها التأبيد والبقاء دون القلع، فإن
بليت وتكسرت بطل إذن المعير ولم يكن لصاحب الساباط أن يضع بدلها على
303

حائطه إلا بإذن مستأنف، فإن صالحه على وضعها بشئ أخذه منه أو باعه
محامل الخشب فإنه يجوز وينظر إلى الجذوع إن كانت حاضرة، وإن لم تكن
حاضرة ذكر عددها ووزنها ويذكر سمك البناء وطوله إن أراد أن يبني عليها،
فإذا فعل ذلك صار ذلك حقا له على حائطه لازما أبدا.
إذا كتب صاحب الحائط على نفسه وثيقة أقر فيها أن لصاحب الساباط على
حائطي حق الحمل، فإنه ينظر: فإن كان ذلك بعد عقد صلح جرى بينهما فإن
ذلك يثبت لصاحب الساباط على حائطه ظاهرا وباطنا، وإن لم يكن تقدم هذا
الإقرار عقد صلح لزمه ذلك ظاهرا ولا يلزمه باطنا، ويكون بمنزلة ما لو أعاره
حائطه ليطرح عليه جذوعه.
وإذا ادعى رجلان دارا في يد رجل وقالا: إنها بيننا نصفان، فأقر من الدار في
يده بنصفها لأحدهما وصدقه في دعواه وكذب الآخر فإن المكذب يرجع على
المقر له بنصف ما أقر له به من نصف الدار.
وإذا ادعيا ملك الدار أو أضافا ملكها إلى سبب واحد يتضمن اشتراكهما في
كل جزء منها، مثل أن يضيفاها إلى ميراث أو شراء صفقة واحدة، فإذا أقر
لأحدهما بشئ كان بمنزلة الإقرار به لهما فاشتركا فيه، فإن صالح المقر المقر له
من النصف الذي أقر له به على مال يدفعه إليه، فإنه ينظر: فإن كان قد صالحه
بإذن صاحبه كان الصلح صحيحا وكان المال الذي حصل معه بينهما نصفين،
وإن كان قد صالحه بغير إذن صاحبه فإن الصلح باطل في حق صاحبه وهو
نصف النصف، ويكون بمنزلة من باع حقا له وحقا لغيره فإنه يبطل البيع في
حق ملك الغير ويصح في حق نفسه فيكون الصلح جائزا فيما يخصه.
إذا كانت المسألة بحالها وادعيا الدار ملكا مطلقا فأقر لأحدهما بالنصف لم
يشتركا فيه ولم يكن إقراره لأحدهما إقرارا للآخر لأنهما لم يضيفاه إلى سبب
يوجب الاشتراك، وإذا كانت الصورة بحالها وادعيا الدار لكل واحد منهما
نصفها فأقر من في يده الدار بجميعها لأحدهما ولم يقر للآخر بشئ، ففيه أربع
304

مسائل:
إحداها: أن يكون الأخ المقر له بجميع الدار قد سمع منه إقراره بنصفها
لأخيه قبل ذلك الوقت، فإذا ملك الجميع قيل له: سلم نصفها إليه لأنك
أقررت بأن له نصفها.
والثانية: أن يقر له بنصفها في الحال فيقول: نصفها لي ونصفها لأخي، فإنه
يجب عليه قبضها ممن هي في يده وتسليم النصف منها إلى أخيه لأن إقراره
بالنصف له في الحال والدار في ملكه آكد من إقراره المتقدم والدار ليست في
ملكه.
والثالثة: أن يقول: جميعها لي، فإذا قال ذلك وجب تسليم جميعها إليه،
وتكون الخصومة بينه وبين أخيه في النصف، فإن قيل: كيف يقبلون منه الدعوى
في الكل ويدعي النصف؟ قيل له: من له الكل فله النصف حقيقة.
وإذا ادعى النصف له لم يقل: إن النصف الآخر ليس لي، وإنما كانت
دعواه مقصورة على طلب النصف فقط.
والرابعة: أن يقول: ليس جميع الدار لي وإنما نصفها لي ولا أعلم النصف
الآخر لمن هو، فإنه يسلم نصف الدار إليه ويبقى النصف الآخر لمن هو الدار في
يده ولا يصح منه إقراره لأن المقر له لم يقبله، وقيل أيضا: إن هذا النصف الذي
لم يقبل المقر له لا يبقى على ملك المقر وإنما ينتزعه الحاكم من يده ويكون بمنزلة
المال الضال الذي لا يعرف صاحبه، لأن المقر قد اعترف بأنه لا حق له فيه ولا
يملكه والمقر له أقر أنه لا يملكه.
وإذا أخرج منهما كان بمنزلة الضالة فيأخذه الحاكم ويؤجر الدار إلى أن
يجد صاحبه، وقيل أيضا: إن هذا النصف يسلم إلى الأخ الآخر لأن كل واحد
منهما قد اعترف أنه لا حق له فيه، وهاهنا مدع له فيسلم إليه لأنا نعلم أنه
لا مستحق له غيره، وهذا ليس بصحيح لأنه يؤدي إلى تسليم المال إلى مدع من
غير بينة ولا إقرار من الذي في يده ولا شاهد ويمين ولا شاهد وامرأتين وذلك
305

لا يجوز.
إذا ادعي على رجل دارا في يده فأقر له بها وصالحه منها على عبده دفعه إليه
فإن ذلك بمنزلة البيع، فإن استحق العبد رجع صاحب الدار على عين ماله وهي
داره فطالبه بها، كما إذا باع داره بعبد ثم استحق العبد رجع إلى الدار فطالب
بها.
وإذا ادعى دارا في يده فأقر بها له، وقال له: صالحني منها على أن أسكنها
سنة ثم أدفعها إليك، جاز ذلك وكان ذلك بمنزلة العارية لأنه أعاره داره
ليسكنها بغير عوض فمتى شاء رجع في إعارته لأن العارية لا تلزم، وإن لم يكن
أقر له بها بل جحدها ثم صالحه على سكناها سنة كان جائزا على ما قلناه في جواز
الصلح على الإنكار، ووجب له سكناها سنة لأنه عوض عن جحوده فلا يجوز
لمصالحه الرجوع فيه.
ولو ادعى دارا في يد رجل فأقر له بها وصالحه منها على خدمة عبد بعينه
سنة فإن ذلك إجارة عبد بدار، إذا ثبت هذا ففيه ثلاث مسائل:
إحداها: أن يبيع المولى هذا العبد بعد عقد الصلح على منافعه.
والثانية: أن يموت العبد.
والثالثة: أن يعتقه.
فأما إذا باعه، فقد ذكرنا أن بيع العين المستأجرة صحيح والمشتري
بالخيار إن شاء رضي بالعين مستحقة المنافع وإن شاء رد المبيع.
وأما إذا مات العبد فإنه ينظر: فإن مات قبل مضي شئ من مدة الاستخدام
فإن الإجارة تنفسخ ويرجع إلى عين داره فيطالب بها، وإن مات بعد مضي
جميع المدة فقد استقرت الإجارة ولا تنفسخ بموته، وإن مات في خلال المدة
فإن الصلح ينفسخ فيما بقي من المدة ولا ينفسخ فيما مضى.
وأما إذا أعتقه سيده نفذ عتقه ولا يجب عليه أن يتم الخدمة لمستحقها، ولا
يفسخ العتق عقد الصلح على منافعه، وإنما يرجع بأجرة منافعه التي استحقت
306

عليه بعد الحرية، وقيل: إنه لا يرجع بشئ عليه لأن هذا العبد صار حرا وهو
لا يملك قدر ما يستحق من منافعه في حال رقه فلم يكن له فيها حق، والأول
أصح.
إذا تنازع رجلان حائطا بين ملكيهما فإن الجدار لا يخلو من أحد أمرين: إما
أن يكون جدارا مطلقا غير متصل ببناء أحدهما دون بناء الآخر، أو يكون متصلا
ببناء أحدهما اتصال البنيان.
فإن كان مطلقا - وهو الجدار الذي يكون حاجزا بين الدارين وبين
البستانين لا يقصد منه سوى السترة - فإنه ينظر: فإن كان لأحدهما بينة أنه له
حكم له بها إذا أقامها، وإن لم يكن لواحد منهما بينة فأيهما حلف ونكل صاحبه
حكم له بالجدار، فإن حلفا معا أو نكلا معا حكم بالجدار بينهما نصفين لأنهما
يستويان في الانتفاع، والظاهر أنه بينهما.
وإن كان الجدار متصلا ببناء أحدهما اتصالا لا يمكن إحداثه بعد البناء مثل
أن يكون الحائط بينهما أو لأحدهما عليه عقد أزج أو بناء قبة أو لم يكن له عليه
شئ من ذلك لكنه متصل ببناء ملكه في سمكه وحده وعلوه وبنائه مخالف
لبناء جاره فإنه تقدم بذلك دعواه، فيكون القول قوله مع يمينه أنه له وعلى
خصمه البينة لأن الظاهر أنه له، لأنه إذا كان متصلا ببنائه اتصالا لا يمكن إحداثه
بعد بناء الحائط فالظاهر أنه ملكه، وإنما كلفناه اليمين لأنه يحتمل أن يكونا قد
اشتركا في بنائه وأذن لصاحبه في أن يبني عليه الأزج والقبة أو صالحه من بناء
الأزج والقبة عليه على شئ أخذه منه فيكون في الباطن بخلاف الظاهر فلذلك
حلفناه، وإن استعملنا القرعة - على ما نرى في الأمور المشكلة من هذه المسائل -
كان قويا ولا نظر إلى من إليه الخوارج - يعني خارج الحائط - ولا الدواخل -
يعني داخل الحائط - ولا إلى أنصاف اللبن - يعني أن الحائط إذا كان أحد جانبيه
مبنيا بإنصاف اللبن أو الآجر والجانب الآخر مبطنا بالمنكل -، والمدر فإنه
لا يحكم به لمن أنصاف اللبن إليه ومعاقد القمط، روى أصحابنا أنه يحكم به -
307

وهي مشاد خيوط الخص - وتسمى الخيوط قمطا لأنه يقمط بها القصب، فإذا
كانت العقد إلى أحد الجانبين وكان الخلف في الخص قدم دعوى من العقد
إليه.
إذا تنازعا في جدار بين ملكيهما وهو غير متصل ببناء أحدهما وإنما هو مطلق
ولأحدهما عليه جذوع أو جذع فإنه لا يحكم بالحائط لصاحب الجذوع لأنه
لا دلالة في ذلك، وقيل: إنه يحكم لصاحب الجذوع دون صاحب الجذع
الواحد، والأول أحوط.
وإذا تنازع رجلان دابة وأحدهما راكبها، والآخر آخذ بلجامها فإنه يحكم بها
لأقواهما يدا وآكدهما تصرفا وهو الراكب، وقيل: إنها تجعل بينهما نصفين، وهو
الأحوط.
وإذا اختلفا في أساس الحائط وملك الحائط لأحدهما فإنه يحكم بالأساس
لمن الحائط له لأنه يحمل ملكه.
فأما التجصيص والتزريق والتطيين والجذع الواحد فلا خلاف أنه لا يحكم
به.
وإذا تنازع رجلان عمامة وفي يد أحدهما تسعة أعشارها، وفي يد الآخر
عشرها فإنها تجعل بينهما نصفين بلا خلاف.
وإذا تداعيا عبدا ولأحدهما عليه قميص فإنه لا يحكم له بلا خلاف،
ولا خلاف أنه لا يحكم بطرح الجذوع على حائط الساباط الذي بحذاء داره.
وإذا كانت غرفة في دار إنسان لها باب مفتوح إلى غرفة جاره وتداعياها
فإنه يحكم بها لمن هي في داره لأنها بعض الدار، ولا اعتبار بالباب المفتوح إلى
الجار بلا خلاف.
وإذا تداعى رجلان جملا ولأحدهما عليه حمل فإنه يحكم به لصاحب الحمل
بلا خلاف. وإذا كان حائط مشترك بين جارين، فقد بينا أنه إذا كان مطلقا كان بينهما
308

نصفين فإذا ثبت هذا فإنه لا يجوز لأحدهما أن يفتح فيه كوة للضوء إلا بإذن
صاحبه لأن الحائط ملك لهما ومشترك بينهما فلم يجز لأحدهما أن ينفرد
بالتصرف إلا بإذن صاحبه، ولا يجوز أيضا أن يبني على هذا الحائط بناء إلا بإذن
شريكه، ولا يجوز له أن يدخل فيه خشبا وأجذاعا إلا باذنه سواء كان خشبا يسيرا
أو كثيرا، فإن أذن له في وضع الخشب عليه جاز له وضعه ويكون ذلك إعارة
منه للحائط، فلو أراد أن يرجع في عاريته كان له ذلك ما لم يضع الخشب على
الحائط.
فأما إذا وضع الخشب على الحائط وبنى عليه لم يجز له الرجوع في العارية
لأن في رجوعه إضرارا بمال شريكه وإتلافا لمنفعته فلم يكن له ذلك، فإن وضع
الخشب على الحائط ثم انهدم السقف أو تعمد قلعه لم يكن له إعادته إلا بإذن
مجدد من شريكه لأن ذلك عارية، وللمعير أن يرجع في عاريته إذا لم يكن فيه
إضرار بالمستعير، هذا كله إذا أذن له في وضع الخشب.
فأما إذا ملكا الدارين ورأيا الخشب على الحائط ولا يعلمان على أي
وجه وضع ثم انهدم السقف فإنه ليس لصاحب الحائط أن يمنعه من رده، لأنه يجوز أن
يكون قد وضع بعوض فلا يجوز الرجوع فيه بحال بلا خلاف، فإن أراد صاحب
الحائط الذي عليه الخشب نقض الحائط فإنه ينظر: فإن كان الحائط صحيحا منع
من نقضه لأنه يريد إسقاط حق المستعير به فيمنع منه، وإن كان الحائط مستهدما
فله نقضه، وينظر: فإن أعاده بتلك الآلة لم يكن له منعه من رد الخشب والسقف
عليه، وإن أعاده بغير تلك الآلة كان له منعه، وقيل: ليس له منعه، والأول أقوى.
إذا قال: والله لا أستند إلى هذا الحائط، ثم انهدم وبني، ينظر:
فإن بني بتلك الآلة حنث، ويقوى في نفسي أنه لا يحنث لأن الحائط الثاني
ليس هو الأول، لأن الحائط عبارة عن آلة وتأليف مخصوص ولا خلاف أن تأليفه
قد بطل.
فأما إذا حلف ألا يستند إلى خزانة ساج بعينها وكانت مما تنخلع فخلعت
309

ثم أعيد تركيبها فإنه يحنث بالاستناد إليها بلا خلاف لأنها هي التي حلف عليها.
فأما إذا أعيد بناء ذلك الحائط بغير تلك الآلة التي ينقضها لم يحنث بلا
خلاف، لأن اليمين تناولت عين ذلك الحائط وقد زالت عينه وهذه عين أخرى
فلم يحنث بها.
إذا حلف ألا يكتب بهذا القلم وكان مبريا فكسر برأته واستأنف برأة أخرى
وكتب بها لم يحنث وإن كانت إلا بنوبة واحدة، لأن القلم اسم للمبري دون
القصبة وإنما تسمى القصبة قبل البري قلما مجازا لا حقيقة ومعناه أنها تصير قلما،
وكذلك إذا قال: لا أبري بهذه السكين، ثم إنه أبطل حدها وجعل موضع الحد
من رائها وبرى بها لم يحنث.
إذا انهدم الحائط المشترك وأراد أحدهما أن يقاسم صاحبه عرصة الحائط،
فإن اتفقا على ذلك جاز لهما أن يقتسماها كيف شاءا، وإن أراد أحدهما وامتنع
الآخر ذلك نظر:
فإن أراد قسمة الطول أجبر الممتنع منهما على ذلك، وقسمة الطول هو أن
يقدر العرصة ويخط في عرضها خطا يفصل بين الحقين فإذا فعل ذلك أقرع
بينهما فأيهما خرجت عليه القرعة أخذه وبنى عليه بناء يختص به ليس لشريكه فيه
حق.
وأما إذا اختار أحدهما قسمة عرضه، قيل فيه وجهان:
أحدهما: لا يجبر عليه لأن القرعة لا يدخلها.
والثاني - وهو الصحيح -: أنه يجبر عليه لأنها قسمة ليس فيها إضرار بواحد
منهما إلا أنه إذا قسم قسمة العرض أجبر كل واحد منهما على أخذ ما يليه.
فأما القسمة التي فيها الرد فلا تدخلها القرعة بلا خلاف لأنها بيع والبيع
لا يجبر عليه، ومثال قسمة العرض أن يخط خطا في طول العرصة فإذا كان مقدار
العرض مثلا ذراعا جعل مما يلي ملك كل واحد منهما نصف ذراع مثال ذلك،
هذا إذا أراد أحدهما قسمة العرصة.
310

فأما إذا أراد أحدهما قسمة الحائط نفسه فإن تراضيا على ذلك جاز طولا
وعرضا، وإن أراد أحدهما وامتنع الآخر فمن الناس من قال: لا يجوز الإجبار على
قسمة الحائط طولا وعرضا لأن قسمته عرضا لا يمكن، وأما الطول فإن قسم وخط
على حد القسمة لم يفد شيئا لأن أحدهما إذا وضع على نصيبه من الحائط خشبا
أضر بنصيب شريكه لأن البناء يجر بعضه بعضا فإن قسما طوله ثم قطعاه بالمنشار
لم يجز لأن فيه إتلاف الحائط وإزالة السترة منه فلم يجبر الشريك عليه، مثل
الجوهر والثوب المثمن الذي ينقص بقسمته، وفي الناس من قال: يقسم طول
الحائط كما يقسم طول العرصة، ولا يقسم عرضه على حال لأن قسمته لا تتصور.
إذا انهدم الحائط المشترك فإنهما لا يجبران على المباناة، فإن اصطلحا على
أن يبنيا جميعا ويكون لأحدهما ثلثه وللآخر ثلثاه ويكون لكل واحد منهما أن
يحمل عليه ما شاء فإن ذلك صلح باطل لأمور:
أحدها: أن اشتراط حمل مجهول لا يجوز، فإن الحائط لا يحمل كل شئ.
وثانيها: أن أحدهما اشترط على صاحبه الانتفاع بحائط لم يوجد بعد وشرط
الانتفاع بمال يوجد لا يجوز، ومنها أن سبيل هذا الحائط إذا بنياه أن يكون بينهما
نصفين، فإذا شرط أحدهما أن يكون له ثلثاه فقد استوهب سدس حصة شريكه،
وهبة ما لم يوجد لا يجوز فبطل هذا الصلح لذلك، فإن عينا مقدار الخشب الذي
يريد أن يحمله على الحائط بطل الصلح أيضا لأنه هبة ما لم يوجد، وشرط الانتفاع
بما لم يوجد لا يجوز.
إذا كان لرجل بيت وعليه غرفة لرجل آخر وتنازعا في حيطان البيت فالقول
فيها قول صاحب البيت، فإن كان التنازع في حيطان الغرفة كان القول قول
صاحب الغرفة وعلى صاحب البيت البينة، وإن تنازعا في سقف البيت الذي عليه
الغرفة فإن لم يكن لواحد منهما بينة حلف كل واحد منهما على دعوى صاحبه،
فإن حلفا كان بينهما نصفين، والأحوط أن يقرع بينهما فمن خرج اسمه حلف
وحكم له، ولا خلاف أنه لا يجوز لصاحب السفلاني أن يسمر مسمارا في سقف
311

هذا البيت إلا بإذن صاحب العلو ولا لصاحب العلو أن يتد فيه وتدا إلا بإذن
صاحب السفل.
إذا كان بين الرجلين حائط مشترك فانهدم وأراد أحدهما أن يبنيه وطالب
الآخر بالاتفاق معه فلا يجبر عليه.
وكذلك إذا كان بينهما نهرا أو بئرا فطالب أحدهما بالنفقة على تنقيته لا يجبر
عليه، وكذلك إذا كان بينهما دولاب يحتاج إلى العمارة فطالب أحدهما شريكه
لا يجبر عليه.
وكذلك إذا كان السفل لواحد والعلو لآخر فانهدم لا يجبر صاحب السفل
على إعادة الحيطان التي تكون عليها الغرفة، وفي الناس من قال: يجبر عليه، فمن
قال بذلك قال في الحائط المشترك إذا انهدم: أجبر الحاكم المتمنع منهما على
البناء، فإن امتنع وكان له مال ظاهر أنفق عليه منه وإن لم يكن له مال ظاهر
وأذن الحاكم للشريك في بنائه والإنفاق عليه جاز وكان نصف النفقة في ذمته.
إذا ظهر له مال أخذ منه وكان الحائط بينهما، ولكل واحد منهما إعادة رسمه
من الخشب عليه، وإن تبرع الشريك وبناه من ماله من غير إذن الحاكم فإن كان
قد بناه بآلة الحائط ولم يضرها فإن الحائط لهما كما كان وليس للباني فيه عين
ماله وإنما له أثر فلا يجوز له نقضه ولا منع صاحبه من الانتفاع به ولا مطالبته
بنصف ما أنفق عليه لأنه متطوع به بغير إذن الحاكم، وإن بناه بغير تلك الآلة
وإنما استحدث آلة جديدة وبناه بها، فإن الحائط للباني ولا حق للشريك فيه، وإن
أراد شريكه أن ينتفع به لم يكن له، وإن أراد الباني نقضه كان له ذلك إلا أن
يقول شريكه: أنا أعطيك نصف القيمة، فلا يكون له نقضه وأجبره الحاكم عليه
كما يجبره على ابتداء البناء عنده.
ومن قال بقولنا قال: إن الحاكم لا يجبره على الإنفاق فإن أراد الشريك أن
يبنيه من ماله لم يمنع منه، فإن بناه من ماله من آلة الحائط المنهدم فإنه بينهما
كما كان وهو متبرع بما أنفقه وليس له منع شريكه من الانتفاع به وليس له نقضه
312

لأنه مشترك بينهما، وإن بناه بآلة جديدة فالحائط للباني وله منع شريكه من
الانتفاع به وإعادة رسومه من الخشب المحمول عليه، وإن أراد نقضه كان له لأنه
حائطه لا حق لشريكه فيه، وإن قال شريكه: أنا أعطيك نصف قيمة الحائط، لم
يمنع من نقضه لأنه في الابتداء لم يجبر على بنائه، فإذا بناه لا يجبر على تبقيته،
وإن قال للشريك الباني: أنا لا أنقضه وأمنعك من الانتفاع به وأن تعيد رسمك
من الخشب عليه، قال شريكه: أنا أعطيك نصف قيمته وأعيد رسمي من الخشب،
كان له ذلك، ويقال للباني: أنت بالخيار بين أن تأخذ منه نصف قيمة الحائط
وبين أن ينقضه حتى تعيدا جميعا حائطا بينكما لأن قراره مشترك بينكما وله
حق الحمل عليه فلا يجوز الانفراد به.
وأما إذا كان ذلك في البئر فمن قال: يجبر على الإنفاق، قال: الحاكم
يجبره فإن امتنع وكان له مال ظاهر أنفق منه، وإن لم يكن له مال ظاهر أذن
للشريك في الإنفاق، فإذا أنفق رجع على شريكه إذا ظهر له مال، وإن تبرع
بالإنفاق من غير إذن الحاكم لم يكن له الرجوع.
وعلى ما اخترناه من أنه لا يجبر، فمتى أنفق الشريك كان متبرعا وليس له
منع شريكه من الاستيفاء لأن الماء الذي فيها ينبع من ملكهما جميعا فهو بينهما
نصفين وليس للمنفق فيه عين مال، وإنما له أثر إلا أن يكون الحبل والدلو والبكرة
له فيكون له منعه من الاستيفاء بهذه الآلات، فإن استأنف الشريك لنفسه آلة لم
يكن له منعه من الاستيفاء.
فأما إذا كان ذلك بين صاحب السفل والعلو فإذا انهدم صاحب السفل
فمن قال: يجبر على الإنفاق، قال: أجبره الحاكم على إعادة الحيطان كما كانت
من مال نفسه، وإن امتنع أنفق الحاكم على إعادة الحيطان كما كانت من ماله،
وإن لم يظهر له مال أذن لصاحب العلو في بناء حيطان السفل، وتكون النفقة في
ذمة صاحب السفل وتكون الحيطان له دون صاحب العلو لأنه بناها بإذن
الحاكم ثم يعيد هو عليه حقه من الغرفة، وتكون نفقة الغرفة وحيطانها من ماله
313

دون مال صاحب السفل ويكون السقف بينهما ويرجع بنصف نفقة السقف على
صاحب السفل وينتفع صاحب السفل بالحيطان لأنها له، وإن كان بناها
صاحب العلو لأنه بناها له.
وإن بناها صاحب العلو متبرعا من غير إذن الحاكم لم يرجع على صاحب
السفل بشئ سواء قيل بأنه يجبر صاحب السفل على البناء أو لا يجبر، ونظر:
فإن كان بناها بآلة الحيطان المنهدمة كانت الحيطان لصاحب السفل لأن
الآلة كلها له، ولم يكن لصاحب العلو منعه من الانتفاع بها وليس له نقضها لأنها
لصاحب السفل وكان له إعادة حقه من الغرفة.
فإن كان صاحب العلو بناها بآلة جديدة فالحيطان لصاحب العلو، وليس
لصاحب السفل أن ينتفع بها إلا بإذن صاحب العلو ولكن له أن يسكن في
السفل، وليس لصاحب العلو منعه من سكناها وإنما له أن ينتفع بالحيطان بأن
يغرز فيها وتدا أو يفتح فيها كوة.
وأما سكناه في السفل فليس بانتفاع بالحيطان، وإن كان انتفاعا فليس مما
فيه ضرر، وإنما هو بمنزلة استناد أحد الشريكين في الحائط إلى الحائط، وكالمشي
في ضوئه.
ولو أراد صاحب العلو أن ينقض هذه الحيطان التي بناها بآلة جديدة كان
له لأنها ملك، ولو منعه صاحب السفل من نقضها لم يكن له وإن بذل القيمة، لأن
صاحب العلو لا يلزمه أن يبني حيطان السفل، وليس لصاحب السفل مطالبة
صاحب العلو بالبناء بلا خلاف.
ومتى أفاد صاحب السفل مالا أخذ منه قيمة ما أنفق في السفل إذا كان أنفقه
بإذن الحاكم، وإن كان أنفق من غير إذنه فالصحيح أنه ليس له أخذه منه لأنه
متطوع به إلا أن يراضيه عليه.
وقد ذكرنا إذا انهدم الحائط المشترك بينهما، فأما إذا هدمه أحدهما بغير
إذن شريكه متعديا لزمه أن يعيده، وهكذا إذا هدمه بإذن شريكه على أن يبنيه
314

بنفقته وجب عليه ذلك فيلزمه البناء بأحد هذين الشرطين: إما التعدي أو الشرط.
وإذا كانت في داره شجرة فانتشرت أغصانها ودخل بعضها إلى دار جاره
فإن له أن يطالبه بإزالة ما شرع في داره من أغصان الشجرة لأن هواء داره ملك
له على طريق التبع، ولهذا يجوز له أن يعلي ما شاء في هواء ملكه، وليس لأحد
منازعته فيه.
فإذا ثبت ذلك نظر في الغصن: فإن كان لينا يمكن أن يعطف ويشد إلى
الشجرة وجب عليه أن يعطفه، وإن كان خاشنا لا يمكن أن يعطفه لزمه قطعه
وينظر فيه: فإن كان الحائط لصاحب الشجرة قطع من حيث جاوز الحائط، وإن
كان الحائط لصاحب الدار أو كان مشتركا بينهما وجب قطعه من حيث بلغ
الحائط حتى يفرع هذا الحائط، وإن لم يفعل ذلك صاحب الشجرة كان
لصاحب الدار قطعه ولا يحتاج إلى الحاكم، كما إذا دخل إلى داره رجل أو
بهيمة لغيره كان له إخراجه بنفسه، ولا يحتاج في ذلك إلى الحاكم، فإن قال
صاحب الشجرة لصاحب الدار: صالحني على مال، يبذله له ليترك الأغصان
بحالها فصالحه، نظر: فإن كان الغصن رطبا يزيد فالصلح باطل لأنه مجهول فإنه
يزيد في كل حال ولا يعرف قدره ولأنه بيع الهواء من غير قرار وذلك لا يجوز،
وإن كان الغصن يابسا لا يزيد نظر: فإن لم يكن معتمدا على حائط صاحب الدار
لم يجز أيضا لأنه بيع الهواء منفردا، وإن كان معتمدا على حائطه أو حائط
مشترك بينهما جاز الصلح ويكون ذلك بيع ما عليه الغصن من الحائط وهذا
جائز لأنه معلوم وصلح على قرار دون الهواء.
إذا ادعى على غيره دراهم في ذمته أو دنانير في ذمته فأقر له بها ثم صالحه
من دراهم على دنانير ومن دنانير على دراهم صح الصلح وهو فرع الصرف فما
صح في الصرف صح في الصلح، وما بطل في الصرف بطل فيه، وقد مضى
حكم الصرف في البيوع.
وقد قلنا: يجوز أن يكون العوضان معينين، ويجوز أن يكونا موصوفين
315

ويتعينان قبل التفرق ولا يجوز حتى يتقابضا قبل التفرق فإذا تفارقا قبل التقابض
كان ربا، وإن كان المقر به دراهم في ذمة لمقر فصالحه على دنانير معينة أو
موصوفة فعينها وقبضها قبل أن يفارقه جاز، والدراهم التي في ذمته تسقط عنه
وصارت مقبوضة، وأما إذا قبض البعض وفارقه فقد بطل الصرف فيما لم يقبض
ولم يبطل فيما قبض كما قلناه في تفريق الصفقة.
وأما إذا ادعى عليه دراهم فأقر له بها ثم صالحه منها على بعضها فإنه لا يجوز
لأن ذلك ربا، لأنه لا يجوز بيع دراهم أو دنانير بأقل منها، ولكن إن قبض
بعضها وأبرأه من الباقي صح ويكون هذا الصلح فرعا للإبراء.
وإذا كانت دار في أيدي ورثة فيدعيها رجل عليهم فيقر بها أحدهم له
ويصدقه في دعواه ويصالحه منها على شئ بعينه يدفعه إليه فهذا جائز، ثم ينظر:
فإن كان إقراره بإذن الورثة الباقين رجع عليهم، وإن كان بغير إذنهم لم يرجع
وكان متطوعا به.
وإذا ادعى رجل على جماعة ورثة أن له في ذمة مورثهم دينا وأن الدار التي
في أيديهم رهن في يده به، فيقر بها بعضهم له ويصدقه فيه ثم يصالحه من الدار
على مال يدفعه إليه أيضا كان هذا الصلح جائزا ويكون مثل الأولى سواء
ويكونان جميعا بمنزلة الصلح مع الأجنبي.
وإذا ادعى رجل بيتا في يد رجل فأقر له به وصالحه منه على أن يبني عليه
غرفة ويسكنها فإن هذا الصلح جائز ويكون فرعا على العارية، لأنه قال: هذا
البيت لك ولكن تعيرني أعلاه لأبني عليه سكنا، فيجوز لصاحب البيت أن يرجع
فيه ما لم يضع المستعير الخشب عليه، ولا يصح ذلك إلا بعد أن يكون قدر ما
يبنيه معلوما لأن حيطان البيت لا تحمل جميع ما يحمل من البناء ويكون ذلك
مخالفا للأرض، إذا أعارها ليبني عليها لأنه ليس من شرطه أن يبني مقدارا من البناء
لأن الأرض حمالة لجميع ما يبني عليها.
وإذا ادعى رجل بيتا في يد رجل فيقر له به ويكون على البيت غرفة لهذا
316

المقر فصالحه من هذا البيت الذي أقر له به على الغرفة التي فوقه على أن يبني على
حيطان البيت بناء معلوما كان ذلك جائزا، ويكون هذا الصلح فرعا للبيع،
فكأنه ناقل بيتا بغرفة ويجب عليه بيان ما يريد بناءه على حيطان البيت، فإذا فعل
ذلك بنى عليه قدر ما اشترط.
إذا اشترى رجل من غيره غرفة له على بيت في يده، ويشترط عليه أن يبني
على حيطان البيت بناء، ويكون ساكنا على أرض الغرفة فإن ذلك يجوز بعد أن
يشترط عليه منتهى البنيان لأن الحائط لا يحتمل كل ما يبني عليه، فإذا فعل ذلك
جاز.
فإذا ثبت هذا صار سفل البيت لرجل والعلو لآخر.
إذا كان خان له علو وسفل وفي أعلاه بيوت وفي أسفله بيوت كل واحد
منها في يد رجل غير صاحبه فتداعيا سفله نظر: فإن كانت الدرجة التي يرتقي منها
إلى علو الخان في صدر الصحن كان السفل بينهما نصفين لأن كل واحد منهما
فيه حقا وحق صاحب العلو في الاستطراق في واسطه إلى الدرجة، وإن كانت
الدرجة في دهليز الخان فهل يكون سفل الخان بينهما؟ قيل فيه وجهان:
أحدهما: أن القول قول صاحب السفل لأن جميعه في انتفاعه وحقه ولا حق
لصاحب العلو فيه.
والثاني: أن السفل في أيديهما لأنه بعض من الخان والخان بينهما فكانت
أرضه بينهما، والأول أصح، وهكذا إذا لم تكن الدرجة في الدهليز وكان في
بعض صحن الخان فإن ما بين الباب والدرجة يكون بينهما لأنهما ينتفعان به، وما
بعد الدرجة إلى صدر الخان يكون على الوجهين، هذا إذا تنازعا في أرض الخان.
فأما إذا تنازعا في الدرجة التي يرتقي منها فالقول قول صاحب العلو لأن
الظاهر أن ذلك في يده وانتفاعه وأنها لم تعمل إلا للصعود إلى العلو، وإن
كانت
الدرجة معقودة كالأزج وتحتها موضع ينتفع به كالخزانة فقيل فيه وجهان:
أحدها: أنها بينهما، لأنها في انتفاعهما جميعا فإن صاحب العلو ينتفع بها
317

للصعود عليها وصاحب السفل ينتفع بها ليخبأ تحتها قماشه.
والثاني: أنها تكون لصاحب العلو لأن الدرجة لا يقصد بنيانها إلا الصعود
عليها ولا يقصد أحد عمل خزانة بعقد درجة، ويخالف السقف فإنه قد يقصد
بنيانه ستر البيت دون عمل الغرفة وقد يقصد به عمل الغرفة دون ستر البيت
فلذلك كان بينهما، وهذا أقوى، وكذلك إن كان الحائط متصلا ببناء أحدهما
اتصال البنيان كان في يده لأن الظاهر أنه بني لبنائه، وإن كان لجاره منه ستره.
وإذا كان زقاق غير نافذ فيه بابان لرجلين وأحد البابين قريب من باب
الزقاق، والآخر أبعد منه ويخلو باقي الزقاق إلى صدره من باب واحد واختلفا،
فقال من بابه أقرب إلى باب الزقاق: جميع هذا الزقاق بيننا نصفين، وقال من بابه
أدخل إلى الزقاق: نحن سواء في قدر من الزقاق وهو من باب الزقاق إلى حد
باب دارك وما زاد على ذلك إلى آخر الزقاق فهو لي دونك، فإن من باب
الزقاق إلى أقربهما بابا يكون بينهما نصفين لأن لهما فيه حق الاستطراق، وما بعد
ذلك إلى الباب الثاني في استطراق الثاني فهو في يده، وما وراء الباب الثاني إلى
آخر الزقاق يحتمل الوجهين الذين ذكرناهما في صحن الخان.
إذا ادعى رجل على رجل زرعا في يده فأقر له به ثم صالحه منه على دراهم
أو دنانير فإنه ينظر: فإن صالحه بشرط القطع فإن الأرض لا تخلو من أحد أمرين:
إما أن تكون للمشتري أو لغيره، فإن كانت لغير المشتري أجبر على القطع، وإن
كانت للمشتري - وهو المقر - فإنه لا يجبر على القطع لأنه ملكه.
وإذا باعه مطلقا فإنه ينظر: فإن لم تكن الأرض للمشتري الذي ملك الزرع
لم يصح الصلح، وإن كانت الأرض له فهل يصح البيع؟ قيل فيه وجهان:
أحدهما: أن الصلح باطل.
والثاني: أنه جائز، وهو الأولى لأنه حصل في أرض هي ملكه فكان بمنزلة ما
لو ملك الأرض والزرع، ومن قال بالأول قال: هذا ليس بصحيح لأنه إذا ملك
الأرض والزرع كان الزرع تابعا للأرض فلذلك صح فيه، وهاهنا الزرع مفرد
318

عن الأرض فلم يصح فيه الصلح مطلقا.
وإذا ادعى رجل على رجلين زرعا فأقر أحدهما بنصيبه له ثم صالحه على
ذلك وهو نصف الزرع فإنه ينظر:
فإن كانت مطلقا من غير شرط القطع فإن كانت الأرض لغير المشتري لم
يصح الصلح وإن كانت الأرض له فعلى الوجهين على ما مضى.
وإذا صالحه بشرط القطع لم يصح لأن قطع نصفه لا يمكن، فإن لكل
واحد منهما حقا في كل طاقة منه، ولا يصح قسمته وقطع نصفه لأن قسمة الزرع
لا تصح، ولا يصح أن يقاسمه ثم يقطعه لأن قسمة الزرع قبل الحصاد لا تصح ولا
تضبط.
إذا ادعى رجل دارا في يد رجلين فأقر له أحدهما بحصته منها وأنكر الآخر
فقد جعلنا القول قوله مع يمينه فحلف واستحق النصف، ثم إن المقر له صالح
المدعي من النصف الذي أقر له به على مال يدفعه إليه كان ذلك جائزا ويكون
قد اشترى من المدعي نصف هذه الدار.
فإذا ثبت هذا فهل يرجع المنكر على المقر بالشفعة في النصف الذي ملكه
بعقد الصلح أم لا؟ ينظر: فإن كان قد تقدم منه إقرار بأن هذا المدعي لا حق له
فيما يدعيه من الدار بوجه لم يكن له أن يأخذ النصف بالشفعة لأنه قد أقر بأن
شريكه يستحقه لا بالصلح وأن النصف باق على ملكه كما كان، وإن كان لم
يتقدم منه إقرار بذلك كان له أن يأخذ منه بالشفعة.
إذا أتلف رجل على رجل ثوبا يساوي دينارا فأقر له به وصالحه منه على
دينارين لم يجز ذلك وكان ربا، وفي الناس من أجازه وهو أبو حنيفة وهو قوي
لأنا قد بينا أن الصلح ليس ببيع وأنه عقد قائم بنفسه.
إذا ادعى عليه مالا مجهولا فأقر له به وصالحه منه على شئ معلوم صح
الصلح من المجهول على المعلوم لأن الصلح إسقاط حق وإسقاط الحق يصح في
المجهول والمعلوم.
319

إذا ادعى على رجل عينا في يده فأقر له بها ثم صالحه منها على مال بعينه
جاز ذلك إذا كانت العين معلومة لهما في أنفسهما، وليس من شرط الصلح
وجوازه أن تصفا العين في نفس العقد كما ليس ذلك من شرط البيع إذا كانت
العين معلومة لهما بالمشاهدة.
إذا ادعى رجل على رجل زرعا في أرضه وفي يده فأقر له بنصفه ثم صالحه
من هذا النصف الذي أقر به من الزرع على نصف الأرض التي له لم يجز ذلك،
لأنه إن أطلق ذلك ولم يشترط فيه القطع لم يجز، وإن شرط قطعه لم يجز لأنه
لا يمكنه قطع القدر الذي شرط قطعه فإن كل طاقة مملوكة بينهما، ولا يجوز
شرط قطع الجميع لأنه يؤدي إلى قطع ما تناوله العقد وما لم يتناوله وذلك لا
يجوز، فأما إذا صالحه من هذا النصف الذي أقر به على جميع الأرض على أن
يفرع له المبيع ويقطع النصف الذي اشتراه، كان جائزا لأن نصف الزرع
وجب قطعه بالبيع والنصف بالشراء فصار قلع جميعه مستحقا بنفس العقد
نصفه بشرط التفريغ ونصفه بشرط القطع.
ومن باع أرضا مزروعة وشرط تفريغها من الزرع في الحال جاز ذلك، هذا
إذا أقر بنصف الزرع.
فأما إذا أقر بجميع الزرع ثم صالحه من نصفه على نصف الأرض حتى
تصير الأرض والزرع بينهما نصفين نظر:
فإن كان الزرع حصل في أرضه بإذن صاحبها فإن قطعه غير مستحق عليه،
فإذا شرط قطع نصفه لم يجز لأن المشتري لا سبيل له إلى قطع نصفه لأنه غير
متميز، ولا يجوز شرط قطع جميعه لأنه يؤدي إلى أن يشرط في العقد قطع ما
ليس بمعقود عليه.
وإن كان الزرع حصل في تلك الأرض بغير حق، فإذا اشتراه بمال في
ذمته أو صالح عليه بشرط القطع جاز لأنه لا يلزمه قطع النصف الذي لم يعقد
عليه ويلزمه قطع النصف الآخر بالشرط الذي حصل في العقد.
320

إذا كان لرجلين داران في زقاق غير نافذ، ولكل واحد منهما دار وليس في
ذلك الزقاق دار أخرى وباب أحدهما قريب من باب الزقاق وباب الآخر في
وسط الزقاق، فإن أراد صاحب الباب الأول أن يقدم بابه إلى باب الزقاق كان له
ذلك لأنه يترك بعض حقوق الاستطراق، وإن أراد أن يؤخره إلى صدر الزقاق
لم يكن له ذلك لأنه يزيد في حقه، فأما صاحب الباب الذي في وسط الزقاق فإن
له أن يقدمه إلى باب الزقاق لما تقدم ذكره، وإن أراد أن يؤخره إلى داخل الزقاق
فلا يجوز ذلك لأنه بينهما على ما مضى القول فيه.
إذا كان ظهر داره إلى زقاق نافذ وأراد أن يفتح إليه بابا كان له ذلك لأن
له أن يستطرق في هذا الزقاق النافذ وفتح الباب إليه انتفاع بما لم يتعين فيه
ملك أحد من غير ضرر فجاز له ذلك، وله أن يفتح إليه كوة للضوء أيضا.
فأما إذا كان الزقاق غير نافذ فلا يجوز له أن يفتح إليه بابا إلى داره لأنه ليس
له حق الاستطراق في ذلك، وكذلك ليس له أن يشرع إليه جناحا، وقال قوم:
له إشراع الجناح، والأول أقوى، فإن قال: أفتح الباب ولا أستطرق لكني أغلقه،
قيل فيه وجهان:
أحدهما: أن له ذلك كما أن له رفع جميع الحائط.
والثاني: ليس له ذلك لأن فتحه في الجملة دلالة على الاستطراق وثبوت
الحق في ذلك الزقاق، وهذا أقوى.
فأما إذا أراد أن يفتح إليه شباكا أو كوة جاز ذلك لأنه ليس باستطراق ولا
دال عليه.
إذا كان له داران في زقاقين غير نافذين وظهر كل واحد منهما إلى الأخرى
فإن أراد أن يفتح ما بين الدارين بابا حتى ينفذ كل واحدة منهما إلى الأخرى جاز
له ذلك، وقال قوم: ليس له ذلك لأنه يجعل الزقاق الذي لا ينفذ نافذا ولأنه
يثبت لنفسه الاستطراق من كل واحد من الزقاقين إلى الدار التي ليست فيه، ولأنه
يثبت ذلك الشفعة لأهل كل واحد من الزقاقين في دور الزقاق الآخر على قول
321

من حكم بالشفعة بالطريق، والأول أقوى لأنه لا خلاف أن له أن يرفع الحائط بين
الدارين فيجعلها دارا واحدة ويثبت مع ذلك جميع ما قالوه.
إذا ادعى رجل على رجل مالا فأقر له به وصالحه عنه على مسيل ماء في
أرضه إلى أرضه وبينا مقدار المسافة عرضا وطولا جاز ذلك، ويكون ذلك فرعا
للبيع، ويكون باع بلفظ الصلح موضع الساقية في أرضه، وليس من شرطه أن
يبينا عمق الساقية لأنه يملك المسيل من أرضه إلى تخوم الأرض وله أن يعمق
كيف شاء.
وإن صالحه على أن يجري الماء إلى أرضه في ساقية في أرض المقر، فإن
كانت محفورة جاز ذلك ويكون فرعا للإجارة، ويجب أن يقدرا مدة الإجارة،
وإن لم تكن محفورة لم يجز لأنه لم يؤجر الساقية واستئجار المعدوم لا يصح، هذا
كله إذا كانت الأرض ملكا للمقر، فأما إذا كانت في يده بإجارة، فإن كانت
الساقية محفورة جاز أن يصالح على إجراء الماء فيها مدة معلومة، ويكون ذلك
إجارة المستأجر، وإن لم تكن محفورة لم يجز لما ذكرناه ولأنه لا يملك بالإجارة
حفر الأرض المستأجرة.
وهكذا إذا كانت الأرض وقفا إذا كانت الساقية محفورة وغير محفورة لأن
الأرض الموقوفة في يد الموقوف عليه بمنزلة الأرض المستأجرة في يد المستأجر،
فلا يجوز أن يحدث فيها حفرا لم يكن.
إذا أقر له بحق ادعاه عليه ثم صالحه منه على أن يسقي أرضه من نهر للمقر أو
عين أو قناة في وقت معين لم يجز ذلك، لأن المعقود عليه الماء وهو غير معلوم
المقدار.
وهكذا إذا صالحه على أن يسقي ماشيته من هذه المواضع، فأما إذا صالحه
على بعض العين إما ثلثها أو ربعها أو ما كان، فإنه يجوز ويكون ذلك فرعا للبيع
لأنه يشتري بعض العين أو البئر بذلك المال الذي ثبت له بإقراره.
إذا ادعى عليه حقا فأقر به ثم صالحه على أن يجري الماء من سطحه على
322

سطح المقر، جاز ذلك إذا كان السطح الذي يجري الماء منه - وهو سطح
المقر له - معلوما لأن الماء يختلف باختلافه.
إذا كان له على حائط جاره خشب فرفعها كان له أن يعيدها لأن الظاهر أن
ذلك وضع بحق، وليس لصاحب الحائط أن يمنعه من إعادتها إلا أن يثبت أن
ذلك الموضع كان بعارية فيكون له الرجوع فيها، فإن صالحه بمال على أن
يسقط حق الوضع من حائط صح ذلك لأنه لما جاز له أن يصالحه على مغارز
الخشب فيحدث على حائطه بناء جاز له أن يصالحه بعوض حتى يسقط حقه من
الوضع، لأن كل ما جاز بيعه جاز ابتياعه.
323

تبصرة المتعلمين الفصل الخامس: في الصلح:
وهو جائز مع الإقرار والإنكار، إلا ما حلل حراما أو بالعكس، مع علم
المصطلحين بالمقدار أو جهلهما، دينا وعينا، ولا يبطل إلا برضاهما أو استحقاق
أحد العوضين.
ولو اصطلح الشريكان على أن لأحدهما الربح والخسران وللآخر رأس
المال صح، ولو ادعى أحدهما درهمين في يدهما والآخر أحدهما أعطي الآخر
نصف درهم، وكذا لو أودع أحدهما درهمين والآخر ثالثا وتلف أحدهما بغير
تفريط.
ولو اشتبه الثوبان بيعا وقسم الثمن على نسبة رأس مالهما، وليس طلب
الصلح إقرارا، بخلاف: بعني أو ملكني أو هبني أو أجلني أو قضيت.
325

إرشاد الأذهان
المقصد الخامس: في الصلح:
ويصح على الإقرار والإنكار ما لم يغير المشروع، ومع علم المصطلحين
وجهلهما بقدر المال المتنازع عليه دينا كان أو عينا، لا ما وقع عليه الصلح.
وتكفي المشاهدة في الموزون، ويصح على عين بعين ومنفعة، وعلى منفعة
بعين ومنفعة، ولو صالحه على دراهم بدنانير أو بالعكس صح وإن لم يتقابضا،
وهو لازم من الطرفين لا يبطل إلا بالتراضي، ولو اصطلح الشريكان على
اختصاص أحدهما بالربح والخسران والآخر رأس المال صح.
ويعطي مدعي الدرهمين بيدهما أحدهما ونصف الآخر، ومدعي أحدهما
نصف الآخر، وكذا لو أودعه أحدهما اثنين والآخر ثالثا وذهب أحدهما من غير
تفريط، ويقسم ثمن الثوبين المشتبهين على نسبة رأس المال.
ولو صدق أحد المدعيين المدعى عليه بعين بسبب يقتضي الشركة
كالميراث وصالحه على نصفه صح إن كان بإذن شريكه، والعوض لهما، وإلا
ففي الربع، وإن لم يقتض الشركة لم يشتركا في المقر به.
وليس طلب الصلح إقرارا، بخلاف بعني أو ملكني أو أجلني أو قضيت أو
أبرأت.
ولو بان استحقاق أحد العوضين بطل الصلح، ولو صالحه على درهمين عما
327

أتلفه وقيمته درهم صح، ولو صالح المنكر مدعي الدار على سكنى سنة صح ولا
رجوع، وكذا لو أقر.
ويقضي للراكب دون قابض اللجام على رأي، ولصاحب الجمل لو تداعيا
الجمل الحامل، ولصاحب البيت لو تداعيا الغرفة المفتوحة إلى الآخر، ولصاحب
البيت بجدرانه لو نازعه الأعلى، ولصاحب الغرفة بجدرانها لو نازعه الأسفل وكذا
في سقفها على رأي، ولمن اتصل بناء الجدار به لو تداعياه، ولصاحب السقف
عليه، ولمن إليه معاقد القمط في الخص، ولصاحب العلو بالدرجة، وبالخارج عن
المسلك إلى العلو لصاحب السفل.
ويتساويان في المسلك، والخزانة تحت الدرجة، والثوب الذي في يد
أحدهما أكثره، والعبد الذي لأحدهما عليه ثياب، والجدار غير المتصل،
والحامل، ولا ترجيح بالخوارج والروازن، فيحكم في هذه الصور مع عدم البينة
لمن حلف، ولو حلفا أو نكلا فهو لهما، ولا يجب على الجار وضع خشب جاره
على حائطه بل يستحب، فإن رجع في الإذن قبل الوضع صح ولو رجع بعده
لم يصح إلا بالأرش، ولو انهدم لم يعد الطرح إلا بإذن مستأنف.
ويصح الصلح على الموضع بعد تعيين الخشب ووزنه وطوله، وليس
للشريك التصرف في المشترك إلا بإذن شريكه، لو انهدم لم يجبر الشريك
على العمارة إلا أن يهدمه بغير إذن شريكه، أو باذنه بشرط الإعادة.
وللجار عطف أغصان شجرة جاره الداخلة إليه، فإن تعذر قطعت.
ويجوز إخراج الرواشن والأجنحة والميازيب إلى النافذة مع انتفاء الضرر
وإن عارض مسلم، وفتح الأبواب فيها، ويمنع مقابله من معارضته وإن استوعب
الدرب، ولو سقط فسبق مقابله لم يكن للأول منعه، ولا يجوز جميع ذلك في
المرفوعة إلا بإذن أربابها وإن لم يكن مضرا، ولو أحدث جاز لكل أحد إزالته.
ويمنع من فتح باب لغير الاستطراق أيضا دفعا للشبهة، ولا يمنع من
الروازن والشبابيك وفتح باب بين داريه المتلاصقين، إذا كان باب كل واحدة
328

في زقاق منقطع، وذو الباب الأدخل يشارك الأقدم إلى بابه، والفاضل في
الصدر إن وجد، وينفرد بما بين البابين، ولكل من الداخل والخارج تقديم بابه لا
إدخالها.
329

تلخيص المرام
كتاب الصلح
الرابع:
الصلح عقد لازم من الطرفين على الإقرار والإنكار ما لم يغير السنة مع
علمهما وجهالتهما دينا وعينا.
ويعطي مدعي الدرهمين أحدهما ونصف الآخر ومدعي نصفهما المتخلف،
وكذا لو أودعه درهمين وآخر واحدا وضاع واحد مجهول، ويعطي صاحب
الثوب الذي قيمته ثلاثون ثلاثة أخماس الثمن، والذي قيمته عشرون الباقي إذا
اشتبها.
ويبطل الصلح لو بان استحقاق أحد العوضين، ويصح الصلح على عين بها
وبمنفعة، وعلى منفعة بها وبعين، وأن يصالح على الدنانير بالدراهم، ولا تعتبر
شروط الصرف واختصاص أحد الشريكين برأس ماله وللآخر الربح والخسران،
وأن يصالح عن ثوب قيمته درهم بدرهمين، وأن يصالح على سقي زرعه أو شجره
بمائة على رأي، أو بإجراء الماء إليه بعد العلم بالمكان الذي يجري به الماء، وعلى
ترك الشفعة، وأن يصالح المنكر دعوى الدار التي في يده على سكنى سنة،
وكذا لو صدقه، ولو صدق أحد المدعيين في دار في يده فصالح عن النصف
بعوض، فإن كان سبب الدعوى يوجب الشركة افتقر إلى إذن الآخر ويكون
العوض بينهما وإلا اختص في الربع، ولو كان لا يوجبها لم يشتركا في المصدق
331

به.
واستدعاء الصلح ليس بإقرار، ولو ادعى دارا في يده فصدقه وصالحه على
خدمة عبد سنة صح، سواء استبقاه أو باعه أو أعتقه في المدة، ويجب عليه تتميم
الخدمة بعد العتق، والأولى أن للعبد الرجوع بأجرة ما بعد الحرية، وإن مات أول
المدة انفسخ الصلح وفي أثنائها ينفسخ ما بقي.
ولو تنازع الراكب وقابض اللجام قضي للراكب على رأي. ولو تنازعا ثوبا
في يد أحدهما أكثره، أو عبدا ولأحدهما عليه ثياب فهما سواء فيه، ولو تداعيا دابة
ولأحدهما عليها حمل فهي له.
332

الدروس الشرعية
كتاب الصلح
قال النبي صلى الله عليه وآله: الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل
حراما أو حرم حلالا، والأقرب أنه أصل لا فرع البيع والهبة والإجارة والعارية
والإبراء كما في المبسوط.
فعلى هذا يكون بيعا إن وقع ابتداء أو بعد تنازع على جميع العين، وإن
وقع على بعضها بعد الإقرار فهو هبة، وإن وقع على دين بإسقاط بعضه فهو إبراء،
وعلى منفعة فهو إجارة، ولو أقر له بالمنفعة ثم صالحه المقر له على الانتفاع فهو
عارية، فيثبت أحكام هذه العقود.
والأصح أنه يشترط العلم في العوضين إذا أمكن، ويصح على الإقرار
والإنكار مع سبق نزاع ولا معه، فيستبيح المدعي ما يدفع إليه المنكر صلحا إن
كان المدعي محقا، وإلا فهو حرام باطنا.
ولو صالح الأجنبي المدعي عن المنكر صح، عينا كان أو دينا، أذن أو لا،
لأنه في معنى قضاء الدين، ويرجع عليه إن دفع المال باذنه - سواء صالح باذنه
أم لا - وإلا فلا رجوع لأنه متبرع، قاله في المبسوط، وتوقف الفاضل في
الرجوع إذا صالح بغير إذنه وأدى باذنه، وهو قوي لأن الصلح يلزم المال
الأجنبي، فلا عبرة بالإذن، إلا أن نقول: الصلح موقوف على رضا المدعى عليه،
والأقرب أنه إن صالح ليؤديه هو فلا عبرة بالإذن، وكذا لو صالح مطلقا على
333

احتمال، وإن صالح ليؤدي المدعى عليه توقف على إجازته، وإن صالح لنفسه
صح وانتقلت الخصومة إليه، فإن تعذر عليه انتزاع المصالح عليه فله الفسخ
لعدم سلامة العوض، ولا فرق بين اعتراف المدعى عليه بالحق قبل الصلح أو لا
على الأقوى.
ولو ادعى الأجنبي أنه وكيل المدعى عليه في الصلح فصالحه المدعي صح،
فإن أنكر المدعى عليه وكالته حلف وله إجازة العقد بعد حلفه وقبله.
ولو صالح على غير الربوي بنقيصة صح، ولو كان ربويا وصالح بجنسه
روعي أحكام الربا لأنها عامة في المعاوضات على الأقوى، إلا أن نقول: الصلح
هنا ليس معاوضة بل هو معنى الإبراء، وهو الأصح، لأن النبي صلى الله عليه وآله
قال لكعب بن مالك: اترك الشطر وأتبعه بيقينه، وروي ذلك عن الصادق عليه
السلام.
وينبغي أن تكون صورته " صالحتك على ألف بخمسمائة "، فلو قال: بهذه
الخمسمائة، ظهرت المعاوضة، والأقوى جوازه أيضا لاشتراكهما في الغاية.
فرع:
الأقرب الافتقار إلى قبول الغريم هنا وإن لم نشترط في الإبراء القبول مراعاة
للفظ، ولا ريب أنه لو أقر له بعين وصالح على بعضها اشترط القبول لأنه في معنى
هبة الباقي، ويحتمل البطلان لأنه يجعل بعض ملكه عوضا عن كل ملكه وهو
غير معقول، فإن جوزناه فليس له رجوع في القدر الباقي، وإن كان في معنى الهبة
إلا أن نقول بالفرعية.
هذا ولو أتلف عليه ثوبا قيمته عشرة فصالح بأزيد أو أنقص فالمشهور
الجواز لأن مورد الصلح الثوب، ويشكل على القول الأصح بضمان القيمي بقيمته
فيؤدى إلى الربا، ومن ثم منعه في الخلاف والمبسوط.
ولو صالح عن ألف بمائة معينة وأبرأه من الباقي صح بلفظ الإبراء، فلو
334

استحقت المائة لم يكن له الرجوع في الإبراء، ولو ضمن الإبراء الصلح وقلنا
بجوازه فسد الصلح والإبراء، ولو كانت المائة غير معينة لم يبطل، وطالب بمائة.
والصلح لازم من طرفيه لا ينفسخ إلا بالتقايل أو ظهور الاستحقاق في أحد
العوضين، ولا يكون طلبه إقرارا لصحته مع الإنكار، ولو طلب البيع أو التمليك
أو الهبة فهو إقرار في الجملة، وفي كونه إقرارا للمخاطب نظر، من احتمال وكالته
حتى لو ادعى وكالته خرج عن كونه مقرا له.
ويصح الصلح بعين أو منفعة أو بهما على متماثل أو مخالف، ولو تعذر
العلم بما صولح عليه جاز، كما في وارث يتعذر علمه بحقه، وكما لو امتزج
مالا هما بحيث لا يتميز، ولا تضر الجهالة، ورواية منصور بن حازم تدل عليه، ولو
كان تعذر العلم لعدم المكيال والميزان في الحال ومساس الحاجة إلى الانتقال
فالأقرب الجواز، ولو علم أحدهما وجب إعلام الآخر أو إيصال حقه إليه، فلو
صالحه بدون حقه لم يفد إسقاط الباقي إلا مع علمه ورضاه، ورواية ابن أبي حمزة
نص فيه.
ولا يشترط في مورد الصلح أن يكون مالا، فيصح عن القصاص أما عن
الحد والتعزير والقسمة بين الزوجات فلا، ولو صالح عن القصاص بحر أو
بمستحق فهو فاسد، علما أو لا، ولا يترتب عليه بطلان الحق ولا وجوب الدية على
الأصح، لأن الفاسد يفسد ما يضمنه.
وكل ما لا يصح الاعتياض عنه لا يصح الصلح عليه لأنه من باب تحريم
الحلال أو تحليل الحرام، كصلح الشاهد ليشهد أو يكف، أو امرأة لتقر بزوجية،
أو رجل ليقر بزوجية امرأة، وكذا لا يصح الصلح على الخمر والخنزير وما نهي
عنه لعينه، ولا على ترك القسم بين الزوجات أو ترك الاستمتاع بهن، أو ترك
التكسب بالبيع والشراء والإجارة.
ولو جعل تزويج الأمة مصالحا عليه بطل، وإن جعله عوضا للصلح
فالأقرب الجواز، فإن زوجه لزم وإلا فله الفسخ، فيقول: زوجتك فلانة بدفع
335

دعواك، فإن فسخ النكاح بمسقط المهر - كعيبها وردتها وإسلامها قبل
الدخول - فالدعوى بحالها، ولو كان بمسقط نصفه - كعنته وردته وطلاقه قبل
الدخول - سقطت الدعوى في نصف المدعى به.
ولو ادعى دارا فأقر له بها فصالحه على سكنى المقر سنة صح ولا رجوع إن
جعلناه أصلا وجوزناه بغير عوض، ولو أنكر فصالحه المدعى عليه على سكنى
المدعي سنة فهو أولى بعدم الرجوع، لأنه عوض عن دعواه، وكذا لو كان
الساكن المنكر لأنه عوض عن جحوده.
ولو ظهر عيب في أحد العوضين جاز الفسخ، ولا أرش هنا مع احتماله،
ولو ظهر غبن فاحش مع جهالة المغبون فالأقرب الخيار كالبيع وإن لم يحكم
بالفرعية.
ولو ادعيا عينا نصفين فصدق أحدهما وصالحه على مال، فإن كان سببها
موجبا للشركة كالإرث والابتياع صفقة صح في الربع بنصف العوض، ووقف
في الربع على إجازة الشريك، فإن كان غير موجب للشركة صح في النصف
بكل العوض، ولو أقر لأحدهما بالجميع فله أن يدعيه الآن ما لم يكن قد سبق
إقراره لصاحبه، ويخاصمه الآخر.
ولو صالح على المؤجل بإسقاط بعضه حالا صح إن كان بغير جنسه،
وأطلق الأصحاب الجواز، إما لأن الصلح ليس معاوضة، أو لأن الربا يختص
البيع، أو لأن النقيصة في مقابلة الحلول، فلو ظهر استحقاق العوض أو تعيبه فرده
فالأقرب أن الأجل بحاله، وقال ابن الجنيد: يسقط.
ولو ادعى على الميت ولا بينة فصالح الوصي تبع المصلحة، وأطلق ابن
الجنيد المنع.
درس [1]:
فيه مسائل:
الأولى: لو صالح على النقد بنقد آخر لم يعتبر القبض في المجلس لأن
336

الصلح أصل لا فرع البيع، وقال في المبسوط: يعتبر، وهو خيرة ابن الجنيد.
الثانية: لو اصطلح المتبايعان على الإقالة بزيادة من البائع في الثمن أو
بنقيصة من المشتري صح عند ابن الجنيد والفاضل في المختلف، والأصحاب
على خلافه لأنها فسخ لا بيع.
الثالثة: روى إسحاق بن عمار في ثوبين أحدهما بعشرين والآخر بثلاثين
واشتبها: فإن خير ذو العشرين الآخر فقد أنصفه وإلا بيعا وقسم الثمن أخماسا،
وعليها المعظم، وخرج ابن إدريس القرعة، والفاضل إن بيعا مجتمعين فكذلك
- للشركة الإجبارية، كما لو امتزج الطعامان - وإن بيعا منفردين متساويين فلكل
واحد ثمن ثوب، وإن تفاوتا فالأكثر لصاحبه بناء على الغالب، ويلزم على هذا
ترجيح أحد الأمرين من بيعهما معا أو منفردين إذ الحكم مختلف، ويظهر أنه متى
أمكن بيعهما منفردين امتنع الاجتماع، والرواية مطلقة في البيع ويؤيدها أن
الاشتباه مظنة تساوي القيمتين فاحتمال تملك كل منهما لكل منهما قائم فيهما
بمثابة الشريكين.
فرع:
إن عملنا بالرواية ففي تعديها إلى الثياب والأمتعة والأثمان المختلفة نظر، من
تساوي الظن في الجميع، وعدم النص، والأقرب القرعة هنا.
الرابعة: لو اصطلح الشريكان عند إرادة الفسخ على أن يأخذ أحدهما رأس
ماله والآخر الباقي بربح أو توى جاز للرواية الصحيحة، ولو جعلا ذلك في ابتداء
الشركة فالأقرب المنع لمنافاته موضوعها، والرواية لم تدل عليه.
الخامسة: لو كان معهما درهمان فادعاهما أحدهما وادعى الآخر اشتراكهما،
ففي الرواية المشهورة: للثاني نصف درهم وللأول الباقي، ويشكل إذا ادعى الثاني
النصف مشاعا فإنه يقوي القسمة نصفين ويحلف الثاني للأول، وكذا كل مشاع.
337

ولو أودعه واحد دينارين والآخر دينارا فضاع دينار أو اشتبه، ففي رواية
السكوني: لصاحب الدينار نصف دينار وللآخر الباقي، والعمل بها مشهور، وهنا
الإشاعة ممتنعة، ولو كان ذلك في أجزاء ممتزجة كان الباقي أثلاثا.
ولم يذكر الأصحاب في هاتين المسألتين يمينا، وذكروها في باب الصلح،
فجائز أن يكون ذلك الصلح قهريا، وجائز أن يكون اختياريا، فإن امتنعا فاليمين،
والفاضل في أحد أقواله يحكم في مسألة الوديعة بأن الدينارين الباقيين بينهما
أثلاثا كمختلط الأجزاء، وفيه بعد، ولو قيل بالقرعة أمكن.
السادسة: لا يمنع الصلح على المنفعة من بيع العين على المصالح وغيره،
نعم يتخير المشتري لو جهل، وكذا لا يمنع من عتق العبد والمنفعة للمصالح،
ولا يرجع المعتق بها على المولى.
السابعة: يصح الصلح على الثمرة والزرع قبل بدو الصلاح - وإن منعنا
بيعهما - لأصالة الصلح، ويجوز جعلهما عوضا عن الصلح على الأقوى، ولو
جعل العوض سقي الزرع والشجر بمائه مدة معلومة فالأقوى الصحة، وكذا لو
كان معوضا ومنع الشيخ من ذلك لجهالة الماء، مع أنه قائل بجواز بيع ماء
العين والبئر، وبيع جزء مشاع منه، وجواز جعله عوضا للصلح.
الثامنة: لو صالح عن ألف مؤجل بألف حال احتمل البطلان لأنه في معنى
إسقاط الأجل وهو لا يسقط بإسقاطه، نعم لو دفعه إليه وتراضيا جاز، وكذا لو
صالح عن الحال بالمؤجل بطل - زاد عن العوض أو لا - إذ لا يجوز تأجيل
الحال، والفاضل حكم بسقوط الأجل في الأولى وثبوته في الثانية عملا بالصلح
اللازم، ولو صالح عن ألف حال بخمسمائة مؤجلة فهو إبراء من خمسمائة، ولا
يلزم الأجل بل يستحب الوفاء به.
التاسعة: لو ادعى عليه عينا فأنكر ثم صالح على بعضها جاز عندنا، ولا
تتحقق هنا فرعية الهبة، لأنه بالنسبة إلى المدعى عليه ملك وإن كان بالنسبة إلى
المدعي هبة.
338

العاشرة: لو ادعى عليه دينا فأنكر فصالحه على بعضه صح - عين مال الصلح
أو جعله في الذمة - لصحة الصلح على الإنكار، ولا يكون فرع الإبراء لعدم
اعتراف المدعى عليه بالحق، فحينئذ لو رجع المدعى عليه إلى التصديق طولب
بالباقي.
339

الدروس الشرعية
كتاب تزاحم الحقوق
يجوز فتح باب في الطريق النافذ وإحداث روشن وساباط ما لم يضر
بالمارة، ولا عبرة بمعارضة مسلم.
وقال في الخلاف والمبسوط: لكل مسلم منعه، لأنه حق لجميع المسلمين،
ولأنه لو سقط شئ منه ضمن بلا خلاف وهو يدل على عدم جوازه إلا بشرط
الضمان، ولأنه لا يملك القرار فلا يملك الهواء.
قلنا: الفرض عدم التضرر به فالمانع معاند، ولاتفاق الناس عليه في جميع
الأعصار والأمصار من غير نكر، ولا حاجة فيه إلى إذن الحاكم أيضا، نعم لو أظلم
بها الدرب منع على الأقوى.
اعتبر علو ذلك بحيث لا يصدم الكنيسة على البعير، ولا يشترط أن لا يصدم
رمحا منصوبا بيد فارس، لعدم مساس الحاجة إليه ولسهولة إمالته.
والأقرب عدم جواز إحداث دكة فيه على باب داره وغيرها - لأهل الدرب
وغيرهم، اتسع الطريق أو ضاق - لأن إحياء الطريق غير جائز، إذا هو مشترك
بين مارة المسلمين، فليس له الاختصاص المانع من الاشتراك.
وكذا لا يجوز الغرس فيه وإن كان هناك مندوحة، لأن الزقاق قد يصطدم
فيه ليلا وتزدحم فيه البهائم، ولأنه مع تطاول الأزمنة ينقطع أثر الاستطراق في
ذلك، ويحتمل جوازه ما لم يتضرر به المارة من ذلك كالرواشن والساباط،
341

ويضعف بأنهما في الهواء بخلاف الدكة والشجرة.
فرع: - الفاضل أفتى به وأمر بتأمله، لعدم وقوفه على نص فيه -: لو تشرف
من في الروشن بالإشراف على جاره منع منه وإن كان لا يمنع من تعلية ملكه
بحيث يشرف على جاره عندنا، والفرق أنه مسلط على ملكه مطلقا، والروشن
يشترط فيه عدم التضرر لأن الهواء ليس ملكه، وأما السكة المرفوعة - أي المنسدة
الأسفل - فلا يجوز إحداث روشن ولا جناح فيها إلا بإذن جميع أهلها - سواء كان
في أسفلها أو أعلاها - ولا فتح باب أدخل من بابه سد بابه أو لا، ويجوز له إخراج
بابه وإن لم يسد الأول على قوله.
ولو أذن أهل السفل في إدخال الباب فهل لأهل الأعلى المنع؟ فيه إشكال،
من عدم استطراقهم، ومن الاحتياج إليه عند ازدحام الدواب والناس، وهو أقوى.
وكذا لا يجوز فتح باب لغير الاستطراق - كالاستضاءة - دفعا للشبهة على
ممر الأوقات، ولا نصب ميزاب.
ولو أذنوا في ذلك كله جاز، ولهم الرجوع في الإذن لأنه إعارة، أما لو
صولحوا على ذلك بعوض فإنه لازم مع تعيين المدة، وإن كان بغير عوض بني
على إصالة الصلح أو فرعيته للعارية.
ويجوز إفراد الهواء بالصلح وإن كان لا يفرد بالبيع بناء على الأصالة،
ويجوز فتح روزنة أو شباك وإن لم يأذنوا أو نهوا.
ولو كان في أسفل الدرب فضلة فهم مستوون فيها لارتفاقهم بها، وقال
متأخرو الأصحاب: إن ذا الباب الخارج إنما يشارك إلى موضع بابه ثم
لا مشاركة حتى أن الداخل ينفرد بما بقي، ويحتمل التشارك في الجميع
كالفضلة لاحتياجهم إلى ذلك عند ازدحام الأحمال ووضع الأثقال فعلى الأول
ليس للخارج حق في المنع من الروشن وشبهه فيما هو أدخل منه، ويكفي إذن
من له فيه حق، وعلى الثاني لا بد من إذن الباقين، وهو عندي قوي.
342

ويجوز للأجنبي دخول السكة المرفوعة بغير إذن أهلها عملا بشاهد الحال،
والجلوس غير المضر بهم، ولو نهاه أحدهم حرم ذلك.
ولا يجوز منع الذمي من الطرق النافذة لأنها وضعت وضعا عاما.
ولو كان له داران متلاصقتان إلى سكتين مرفوعتين، فالأقوى أن له فتح
باب بينهما واستطراقهما.
وكل دار على ما كانت عليه في استحقاق الشفعة بالشركة في الطريق،
وظاهر الشيخ اشتراك أهل الزقاقين في الدور من الجانبين، وأولى بالجواز إذا
كان باباهما إلى طريقين نافذين أو فتح باب ذي السكة إلى الطريق، وكذا يجوز
العكس على الأقوى.
وليس لمن حاذى دار غيره في الطريق النافذ منع المحاذي من الروشن
والجناح ما لم تعتمد أطراف خشبة على ملك الآخر، فإن سقط فللمقابل المبادرة،
لإباحته في الأصل.
فروع:
الأول: لو جعل المقابل روشنا تحت روشن مقابله أو فوقه فهل للسابق منعه؟
لم أقف فيه على كلام، وقضية الأصل عدم المنع، إلا أن يقال: لما ملك الروشن
ملك قراره وهواه، وهو بعيد لأنه مأذون في الانتفاع وليس ملزوما للملك.
الثاني: لو كان في الدرب المرفوع مسجد أو مدرسة أو رباط أو سقاية اشترط
مع إذن أهلها في الممر عدم تضرر المسلمين أيضا، لتعلق حقهم به.
الثالث: يجوز عمل سرداب في الطريق النافذ إذا أحكم أزجه ولم يحفر
الطريق من وجهها، ولو كان في المرفوع لم يجز وإن أحكم إلا بإذنهم، ومثله
الساقية في الماء إذا لم يكن لها رسم قديم، ومنع الفاضل من عمل الساقية وإن
أحكم الأزج عليها في النافذ، أما لو عملها بعير أزج فإنه يمنع منها - إجماعا -
ويجوز لكل أحد إزالتها.
343

درس [1]:
في الجدار:
أما الخاص فلمالكه التصرف فيه بما شاء، - من فتح كوة للاستضاءة
ووضع الجذوع وغير ذلك - حتى رفعه من البيت، ويتخرج من هذا جواز
إدخال الباب بغير إذن الجار في المرفوعة.
ولو التمس جاره وضع جذوعه على حائطه استحب له الإجابة، وقوله صلى
الله عليه وآله: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يمنعن جاره من أن يضع
خشبة على جداره، محمول على التأكيد في استحباب الإسعاف.
ولو أسعفه فوضع قيل: جاز له الرجوع فينقضه لأنه إعارة، ويحتمل المنع
من النقض للضرر الحاصل به فإنه يؤدي إلى خراب ملك المستعير، نعم تكون
له الأجرة فيها بعد الرجوع، وفي المبسوط: لا رجوع حتى يخرب، لأن البناء
للتأبيد، وللضرار.
ولو قلنا بالرجوع ففي غرمه الأرش وجهان، من استناد التفريط إلى
المستعير، ومن لحوق ضرره بفعل غيره، ولو قلنا بالأرش، فهل هو عوض ما
نقصت الآلات بالهدم أو تفاوت ما بين العامر والخراب؟ كله محتمل.
ولو انهدم الجدار أو أزال المستعير نقضه فللمالك الرجوع قطعا، ولو
سكت لم يجز إعادته إلا بإذن جديد، سواء بناه بنقضه الأول أو بغيره.
ولو صالحه على الوضع بعوض معلوم إلى أجل معلوم جاز، ويشترط
مشاهدة الخشب أو وصف ما يرفع الجهالة، وكذا لو صالحه على البناء
على حائطه ذكر سمك البناء وطوله، ولو صالحه بغير عوض فهو كالصلح على
بعض العين أو الدين مع الإقرار، وعندي فيه توقف إلا أن يجعله هبة أو إبراء،
وقد مر.
344

فرع:
لو كان الجدار لمسجد وشبهه من الوقوف العامة لم يجز لأحد البناء عليه
ولا الوضع بغير إذن الحاكم قطعا، وليس له أن يأذن بغير عوض على الظاهر،
ولو أذن بعوض ولا ضرر على الوقف، احتمل الجواز نظرا إلى المصلحة، وعدمه
لأنه تصرف في الوقف بغير موضوعه، ولأنه يثمر شبهة، وهذا أقوى.
وأما الجدار المشترك فلا يجوز الانتفاع به في وضع أو أزج أو فتح كوة
- بضم الكاف وفتحها - إلا بإذن الجميع - وكذا ضرب الوتد - سواء أضر بهم
أولا.
ويجوز الانتفاع بالاستناد إليه والاستظلال بظله لهم ولغيرهم، وكذا بالجدار
المختص عملا بشاهد الحال، نعم ليس له حك شئ من آلاته - حجرا كانت أو
آجرا أو لبنا - ولا الكتابة عليه لأنه تصرف في ملك الغير بما هو مظنة الضرر.
وهل لمالك الجدار منع المستند أو المستظل إذا كان المجلس مباحا؟
الأقرب المنع مع عدم الضرر، وحكم الفاضل بأن له المنع من الاستناد لأنه
تصرف.
ويجوز قسمة الجدار طولا وعرضا، وطوله امتداده من زاوية البيت إلى
الزاوية الأخرى - أو من حد من أرض البيت إلى حد آخر من أرضه، وليس المراد
به ارتفاعه عن الأرض، فإن ذلك عمقه - والعرض هو السطح الذي توضع عليه
الجذوع.
فلو كان طوله عشرة وعرضه ذراعين واقتسماه في كل الطول ونصف
العرض ليصير لكل واحد ذراع في طول عشرة جاز، وكذا لو اقتسماه في كل
العرض ونصف الطول بأن يصير لكل واحد منهما طول خمسة في عرض
ذراعين.
ثم القسمة بعلامة توضع جائزة في الأمرين، وبالنشر جائز في الثاني دون
الأول إلا مع تراضيهما، كما لو نقضاه واقتسما آلاته، والقرعة ممتنعة في الأول
345

- بل كل وجه لصاحبه - وتجوز في الثاني، ومتى تطرق ضرر عليهما أو على
أحدهما فطلبه الآخر فهي قسمة تراض وإلا فهي قسمة إجبار، ولو طلبها المتضرر
أجبر الآخر، وكذا قسمة عرصة قبل البناء.
درس [2]:
لو انهدم الجدار أو استرم لم يجب على الشريك الإجابة إلى عمارته، ولو
هدمه فعليه إعادته إن أمكنت المماثلة، - كما في جدران بعض البساتين
والمزارع - وإلا فالأرش، والشيخ أطلق الإعادة، والفاضل أطلق الأرش.
ولو بناه أحدهما بالآلة المشتركة كان بينهما، وفي توقفه على إذن الآخر مع
اشتراك الأساس احتمال قوي، ولو أعاده بآلة من عنده فالحائط ملكه والتوقف
هنا على إذنه أقوى، ومنع الشيخ من التوقف على إذن الآخر، وله منع الآخر من
الوضع عليه في الثانية دون الأولى، نعم للشريك مطالبته بهدمه، قال الشيخ: أو
يعطيه نصف قيمة الحائط ويضع عليه، والخيار بين الهدم وأخذ القيمة للثاني.
وكذا لا يجب إجابة الشريك إلى عمارة الرحى المشتركة والنهر والدولاب
والعلو والسفل في الدار، ولو استحق إجراء مائه أو وضع بنائه أو جذوعه على
ملك الغير فليس عليه مساعدة المالك في عمارة المجرى، ويجب على المالك
ذلك، ولو احتاجت الساقية إلى إصلاح فعلى صاحبها.
ولا يجبر صاحب السفل ولا العلو على بناء الجدار الحامل للعلو ولا على
جدران البيت إلا أن يكون ذلك لازما بعقد.
ولو ملكا دارين متلاصقتين فليس لأحدهما مطالبة الآخر برفع جذوعه عنه
ولا منعه من التجديد لو انهدم السقف إذا لم يعلما على أي وجه وضع، لجواز
كونه بعوض، ونقل فيه الشيخ عدم الخلاف، نعم لو ادعى أحدهما الاستحقاق
ونفاه الآخر جزما احتمل حلف المنكر، وعليه الفاضل، وظاهر الشيخ أن
على مدعي العارية البينة واليمين على الآخر.
346

ولو انهدم الحائط المشترك بينهما فاصطلحا على أن يبنياه ويكون لأحدهما
أكثر مما كان له بطل الصلح، لأن فيه اتهاب ما لم يوجد، قاله الشيخ، ويمكن
القول بالجواز مع مشاهدة الآلات والوصف ومشاهدة الأرض بناء على أن
الصلح أصل وإن كان بغير عوض، إلا أن يجعل المانع منه عدم وجود التالف
- الذي هو جزء صوري من الحائط - وعدم إمكان ضبطه، ولكنه ضعيف وإلا
لما جاز الاستئجار على البناء المقدر بالعمل، أو نقول: الشارط على نفسه متبرع
بما يخص شريكه من عمله، والشارط لنفسه غير متبرع، فيشترط له في مقابله قدرا
من الملك.
ويحتمل جواز اشتراط تملك الأكثر من الآلات لا من الجدار بعد البناء، لأنه
تعليق ملك في عين، وهو ممتنع لامتناع الأجل في الملك.
ولو انفرد أحدهما بالعمل وشرط لنفسه الأكثر من الآلة صح قطعا، وفي
التذكرة أطلق جواز اشتراط الأكثر لعموم " المسلمون عند شروطهم "، ويجري
مجرى الاستئجار على الطحن بجزء من الدقيق وعلى الارتضاع بجزء من الرقيق،
فإنه يملك في الحال، ويقع العمل فيما هو مشترك بينه وبين غيره، وعلى هذا
يملك الأكثر في الحائط مبنيا، وهو قوي.
ولو كان لأحدهما السفل وللآخر العلو لم يكن للأسفل منع الأعلى من
وضع ما لا يتأثر به السقف من الأمتعة لو كان السقف له، ولو كان للأعلى لم
يكن له منع الأسفل من الاستكنان، وله منعه من ضرب وتد فيه، ولا يمنعه من
تعليق ما لا يتأثر به.
ولو جعل عوض الصلح عن الدعوى مجرى الماء في أرضه قدر المجرى
طولا وعرضا لا عمقا - لأن من ملك شيئا ملك قراره إلى تخوم الأرض -، ولو
جعله إجراء الماء في ساقية محفورة مشاهدة جاز إذا قدرت المدة، قال الشيخ:
ويكون فرعا للإجارة، وفي المجرى فرع البيع.
قال الشيخ: ولو كانت الساقية غير محفورة لم يجز الصلح على الإجراء
347

لأن فيه استئجار المعدوم، ويشكل بإمكان تعيين مكان الإجراء طولا وعرضا،
واشتراط حفره على مالك الأرض أو على المجري ماءه، نعم لو كانت الأرض
موقوفة أو مستأجرة لم يجز.
ولو صالحه على المدعى به على إجراء الماء من سطحه على سطح المدعى
عليه اشترط علم سطح المدعي، ولا فرق بين الإقرار بالمدعى به ثم الصلح وبين
الإنكار، والشيخ فرض المسألة مع الإقرار، كما هو مذهب بعض العامة.
ويجوز الصلح على إزالة البنيان والجذوع عن ملكه، كما يجوز الصلح على
إثباتها، ويجوز الصلح على قضاء الحاجة وطرح القمامة في ملك الغير، وتعيين
المدة كالإجارة.
ويجوز الصلح على الاستطراق كما يجوز على إجراء الماء، ويشترط ضبط
موضع الاستطراق، ولو باع الإجراء والاستطراق لم يجز، لأن موضوع البيع
الأعيان.
وكذا يصح الصلح على حق الهواء لا البيع ولا الإجارة.
ومن استحق إجراء الماء في ملك غيره فليس له طروقة لغير حاجة، ولو
استرم الملك لم يجب على المستحق مشاركته في العمارة وإن كان بسبب الماء.
ولو سرت عروق الشجرة أو فروعها إلى ملك الغير فله عطفها إن أمكن،
وإلا فله قطعها من حد ملكه، ولا فرق بين أن يكون الفرع في ملكه أو هوائه،
ولا يحتاج إلى إذن الحاكم كما له إخراج بهيمة تدخل إلى داره بدون إذنه، نعم
يأمر صاحبها بقطعها، فإن امتنع قطعها هو، ولو صالحه على إبقائها على الأرض
أو في الهواء جاز مؤقتا لا مؤبدا بعد انتهاء الأغصان والعروق بحسب ظن أهل
الخبرة أو تقدير الزيادة، وليس له إيقاد النار تحت الأغصان لتحترق، بل القطع.
348

درس [3]:
في التنازع وفيه مسائل:
الأولى: لو ادعي دارا على اثنين فصدقه أحدهما فله نصيبه، فإن باعه عليه
فللآخر الشفعة إن تغايرت جهة ملكيهما، وإن اتحدت كالإرث فلا لاعترافه
ببطلان البيع، ولو صالحه فلا شفعة قطعا إن جعلناه أصلا.
الثانية: لو تنازعا في جدار حائل بين داريهما.
فإن كان متصلا بأحدهما اتصال ترصيف - أي تداخل الأحجار واللبن - أو
كان له عليه قبة، أو غرفة، أو سترة، أو جذع - على الأقوى - فهو لصاحب اليد،
فعليه اليمين مع فقد البينة، ونفى الشيخ في الكتابين الترجيح بالجذوع، لأن
كون الجدار سورا للدارين دلالة ظاهرة على أنه في أيديهما، ووضع الجذوع
اختصاص بمزيد انتفاع كاختصاص أحد الساكنين بزيادة الأمتعة.
ولو كان اتصال مجاورة ولا اختصاص لأحدهما تحالفا واقتسماه نصفين،
قال الشيخ: والقرعة قوية، وكذا لو كان متصلا بهما أو جذوعهما عليه.
ولا عبرة بالكتابة والتزويق، والوجه الصحيح من اللبن - لو بناه بإنصاف
اللبن - والروازن والطين، وفي الترجيح في الخص بمعاقد القمط قول مشهور
مستند إلى النقل، والأزج والمقوس على الترصيف مرجح وبالمجاورة لا يرجح
به، والمسناة والمرز بين الملكين كالجدار.
فرع:
لو بنى الجدار على جذع داخل طرفه في بناء أحدهما ففي الترجيح به نظر،
من أنه كالأس أو كالجزء، ولو اتفقا على ملكية الجذع لصاحب الجدار المولج
فيه فاحتمال اختصاصه أقوى.
الثالثة: لو تنازعا في الأس والجدار فأقام بينة بالجدار فهو ذو يد في الأس،
وكذا الشجرة مع المغرس، والفرق بينهما وبين الجذع أن كون الجدار حائلا
349

بين الملكين أمارة على اشتراك اليد، ولا دلالة على اشتراك اليد في الأس
والمغرس، فإذا ثبت الجدار لأحدهما اختص به.
الرابعة: لو تنازع ذو الغرفة وذو البيت في جدرانه حلف ذو البيت، وقال ابن
الجنيد: هو بينهما لأن حاجتهما إليه واحدة، وارتضاه في المختلق، وفي جدرانها
يحلف ذو الغرفة لليد المختصة، وفي سقفها كذلك، وفي السقف المتوسط يقوى
الاشتراك مع حلفهما أو نكولهما وإلا اختص بالحالف، وفي المبسوط: يقسم
بعد التحالف والقرعة أحوط، وتردد في الخلاف بين القرعة والتحالف، وقال ابن
الجنيد وابن إدريس: يحلف صاحب الغرفة، لأنها لا تتصور بدونه بخلاف البيت،
واختاره في المختلف، ولو لم يمكن إحداث السقف بأن كان أزجا ترصيفا حلف
صاحب البيت لاتصاله به.
الخامسة: لو كان على بيته غرفة يفتح بابها إلى آخر وتنازعا، حلف صاحب
البيت لاتصالها به، ولو كان للآخر عليها يد بتصرف أو سكنى حلف لأن يده
أقوى.
السادسة: لو تنازع صاحب الأعلى وصاحب الأسفل في عرصة الخان الذي
مرقاه في صدره فالأقرب القضاء بقدر الممر بينهما واختصاص الأسفل بالباقي،
وربما أمكن الاشتراك بينهما في العرصة لأن صاحب الأعلى لا يكلف المرور على
خط مستو، ولا يمنع من وضع شئ فيها ولا من الجلوس قليلا.
ولو كان مرقاه في دهليزه فالأقرب أن لا مشاركة للأسفل في العرصة، إلا أن
نقول في السكة المرفوعة باشتراك الفضلة بين الجميع، ويؤيده أن العرصة يحيط
بها الأعلى كما يحيط بها الأسفل، ولو كان المرقى في ظهره فاختصاص صاحب
الأسفل بالعرصة أظهر.
السابعة: لو تنازعا في المرقى ومحله فهو للأعلى، وفي الخزانة تحته بينهما، ولو
اتفقا على أن الخزانة لصاحب الأسفل فالدرجة كالسقف المتوسط بين الأعلى
والأسفل، فيقضي بها بينهما، ولا عبرة بوضع الأسفل آلاته وكيزانه تحتها، ثم إذا
350

ثبتت الدرجة للأعلى فهو ذو يد في الأس.
الثامنة: لو تنازع راكب الدابة والمتشبث بلجامها فيها فهما سواء عند الشيخ
في الخلاف وأحد احتماليه في المبسوط وعند ابن إدريس، والاحتمال الآخر
اختصاص الراكب بيمينه، واختاره الفاضلان.
وكذا لابس الثوب وممسكه، وذو الجمل على الجمل وغيره، لأن الاستيلاء
حاصل منهم بالتصرف والتشبث لا يقاومه، ولا عبرة هنا بكون الراكب غير معتاد
قنية الدواب وكون المتشبث معتادا لذلك.
ولو كان بيدهما ثوب وأكثره مع أحدهما فلا ترجيح به البتة، لأن مسمى
اليد حاصل لهما ولا ترجيح، أما الراكب واللابس فلهما مع اليد التصرف.
351

المسائل لابن طي
المقصد الخامس: في الصلح:
وفيه مسائل:
مسألة [1]: إذا وقعت المساومة على مقدار معلوم بألف درهم مثلا في وعاء
ثم أخرجا من الوعاء شيئا يعدل عشرين درهما مثلا وصالحه عليه بالألف
والمقصود الجميع وإنما فعلا هذا الصلح توصلا إلى الصحة لجهلهما بما في الوعاء
من المتاع فهل يبطل هذا أم لا بل صحيح إذا علما القيمة لكن مكروه.
مسألة [2]: لو شرط تعجيل الدين بإسقاط بعضه هل يبرأ المديون من
المتخلف بنفس الشرط أم لا؟ قال: ينبغي الصلح على ذلك.
مسألة [3]: إذا اصطلح الشريكان على أن لأحدهما رأس ماله وللآخر الربح
والخسران، قال: صح بشرط أن يكون بعد الامتزاج لا في ابتداء الشركة.
مسألة [4]: لو تداعيا السقف قال في القواعد: هو بينهما، قال صحيح، قال:
إذا كان يمكن إحداثه فهو للعلوي وإن لم يمكن فهو للسفلي.
353

مسألة [5]: هل يصح أن يصالحه على إحداث روشن في الهواء وكذا على
أغصان شجرة؟ نعم يجوز فيهما بعد الضبط.
مسألة [6]: هل تلزم القسمة بنفس القرعة مطلقا أو لا بد من الرضا بعدها؟
قال: بل تكفي القرعة إن كان القاسم الإمام أو نائبه أو كان المقسوم
متساوي الأجزاء لا تتفاوت الأغراض فيه فإنه يلزم مطلقا.
مسألة [7]: قوله في القسمة: لو ظهر العيب في نصيب أحدهما احتمل بطلان
القسمة لانتفاء التعديل الذي هو شرط وصحتها فيتخير الشريك بين أخذ الأرش
والفسخ، قال: البطلان قوي.
مسألة [8]: هل يحصل الضرر في القسمة بنقصان القيمة؟ نعم.
مسألة [9]: في القسمة لو خير أحد الشريكين صاحبه واختار أحد الشقصين
هل له بعدها فسخ؟
قال: لا فسخ، هذا إذا عدلت السهام وحصلت القرعة وكان القاسم الإمام أو
نائبه أو كان متساوي الأجزاء.
مسألة [10]: قوله: وكلما فيه ضرر كالجوهر والسيف وما شابهه لا يجوز
قسمته وإن اتفق الشركاء على القسمة، قال: صحيح لأن فيه ضرر.
مسألة [11]: الربا يدخل في الصلح، وقيل: يختص بالبيع.
مسألة [12]: قوله في الشرائع: وكذا لو أقر له بها وصالحه على سكناها سنة
354

أعني المقر له صالح من كانت الدار في يده على سكناها سنة ولم يكن له
الرجوع وقيل له الرجوع.
قوله: إلا ما حلل حراما أو حرم حلالا كالصلح على استرقاق حر أو ألا يطأ
زوجته.
مسألة [13]: الصلح لا يثبت فيه خيار المجلس ولا خيار الحيوان ويثبت فيه
خيار الشرط وخيار الغبن وخيار العيب وخيار الرؤية.
مسألة [14]: يصح الصلح على النذر الكامن.
مسألة [15]: لو صالحه على شئ وعلى ثمرة معدومة فإن هلكت الثمرة كان
له فسخ الصلح.
مسألة [16]: لو ادعى اثنان درهمين فقال أحدهما: هما لي، وقال الآخر: لي،
أحدهم ثبت له نصف درهم بخلاف ما لو ادعى أن له درهما مشاعا فإنه يثبت له
درهم وهو النصف، من لفظه دام ظله.
مسألة [17]: لو ادعى إنسان على إنسان بستانا أنه له مثلا فصالحه المدعي
عليه بثمرته السنة الآتية هل يصح أم لا؟
355