الكتاب: شرح خيارات اللمعة
المؤلف: شيخ علي نجل الشيخ كاشف الغطاء
الجزء:
الوفاة: معاصر
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤٢٢
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
ردمك: ٦–٥٠٧–٤٧٠–٩٦٤
ملاحظات:

شرح
خيارات اللمعة
تأليف
الفقيه المحقق الشيخ علي
نجل الشيخ الكبير كاشف الغطاء (قدس سرهما)
المتوفى سنة 1253 ق
- * * * -
مؤسسة النشر الاسلامي
التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
1

آل كاشف الغطاء، علي، 1197 _ 1253 ق، شارح
[الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية. بر گزيده].
شرح خيارات اللمعة / تأليف علي نجل كاشف الغطاء. _ قم جامعه مدرسين حوزه علمي قم، دفتر انتشارات اسلامى، 1381
272 ص.: نمونه. _ (جامعه مدرسين حوزه علمي قم، دفتر انتشارات اسلامى؛ 1070)
فهرست نويسى بر أساس اطلاعات فيپا. شابك 6 - 507 - 470 - 964
ISBN 964 - 470 - 507 - 6
كتاب نامه به صورت زير نويس.
1. فقه جعفري قرن 8 ق. 2. شهيد اول، محمد بن مكي، 734 _ 786 ق، اللمعة الدمشقية نقد وتفسير. 3. شهيد ثاني، زين العابدين بن علي، 911 _ 966 ق، الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية نقد وتفسير.
الف شهيد اول، محمد بن مكي، 734 _ 786 ق، اللمعة الدمشقية شرح. ب. شهيد ثاني، زين العابدين بن علي، 911 _ 966 ق، الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية شرح ج عنوان. د. عنوان: الروضة البهية شرح. ه‍. اللمعة الدمشقية. شرح.
8022 ل 9 ش 6 / 182 BP
297 / 342
* * *
شرح
خيارات اللمعة
* تأليف: الفقيه المحقق الشيخ علي نجل الشيخ الكبير كاشف الغطاء (قدس سرهما)
* الموضوع: الفقه
* تحقيق ونشر: مؤسسة النشر الاسلامي
* عدد الصفحات: 272
* الطبعة: الأولى
* المطبوع: 500 نسخة
* التاريخ: 1422 ه‍. ق.
* السعر: 1100 تومان
مؤسسة النشر الاسلامي
التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
2

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله كلما وقب ليل وغسق وكلما لاح نجم وخفق، والصلاة والسلام على
أشرف من برأه وخلق، محمد الفاتح لما استقبل والخاتم لما سبق، وعلى أهل بيته
المطهرين من كل دنس والمعصومين من كل زلق، واللعن على كل من بغى عليهم وبثق.
وبعد، من المباحث التي لها مكانة خاصة في الفقه الإسلامي «مبحث
الخيارات» من كتاب المتاجر، ولذلك ألف جمع من الفقهاء المتأخرين في هذا
المبحث كتبا مستقلة، علاوة مما حققوا من أحكامها في المتاجر.
ومن تلكم الكتب هذا السفر الثمين، وهو شرح استدلالي مبسوط على مبحث
خيارات «اللمعة» للشهيد الأول (قدس سره) من أتقن وأشهر المتون الفقهية.
استسعدت مؤسستنا بتقديم هذا الكتاب القيم محققا إلى معاهد الدراسات
الإسلامية، شاكرة للفضلاء الذين ساهموا في إنجاح هذا المشروع، وتخص بالذكر
الفاضل النبيل سماحة الحجة «الشيخ جعفر النجفي» بما اقترح علينا بإحياء هذا
الأثر المنيف وتفضل علينا بإعطاء نسخته المطبوعة بعد ما عني به من مقابلتها
ببعض المخطوطات، وكذلك الفاضل الجليل سماحة الحجة «السيد إسماعيل
مير أشرفي الأراكي» بما تحمله من أعباء تصحيحه وتحقيقه وتخريج مصادره،
وسماحة المحقق الفاضل «الشيخ أحمد المحسني السبزواري» لمراجعته النهائية
واعتنائه بإشباع الكتاب تدقيقا، جزاهم الله عن الشريعة الغراء خير الجزاء.
ورأينا من المناسب أن نذكر نبذا من حياة المؤلف (قدس سره) مكتفين بما أورده
السيد الأمين (قدس سره) في أعيان الشيعة:
[موجز من حياة المؤلف (قدس سره)]:
كان عالما فاضلا ورعا زاهدا عابدا فقيها اصوليا مجتهدا محققا مدققا شاعرا
أديبا، جليل القدر عظيم المنزلة، وله مشاركة جيدة في العلوم العقلية والأدبية،
3

رأس بعد أخيه الشيخ موسى وتصدر للتدريس والإفتاء مع كثرة مراعاة
الاحتياط، مهيبا وقورا، كثير الصمت ذاكرا لله تعالى في أغلب أوقاته مواظبا على
عبادته في نوافله وواجباته، آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر، لا تأخذه في الله
لومة لائم. وكان أبوه يصحبه في أسفاره ويفديه بنفسه إذا عبر عنه، كما يدل على
ذلك رسالته التي كتبها في إصفهان باستدعائه، وكان مصاحبا له في سفره ذلك.
قرأ على أبيه وتخرج به وتفقه عليه. وأقبل على الأخذ منه والتخرج به خلق
في النجف وكربلاء، وكان يقيم في السنة ثلاثة أشهر أو أربعة في كربلاء في داره
التي كانت فيها باستدعاء من طلبتها للحضور عليه، فيزدحم عليه طلبة العجم
الذين يقرأون على شريف العلماء المازندراني; ومنهم السيد إبراهيم القزويني
(صاحب الضوابط) وممن تخرج عليه من مشاهير الفقهاء والاصوليين الشيخ
مشكور الحولاوي، والشيخ مرتضى الأنصاري، والآخوند زين العابدين
الگلبايگاني، والشيخ جعفر التستري، والشيخ أحمد الدجيلي، والشيخ حسين
نصار، والشيخ طالب البلاغي، والميرزا فتاح المراغي (صاحب العناوين) وأغلبها
تقرير دروسه، وصهره السيد مهدي القزويني، وابن اخته الشيخ راضي ابن الشيخ
محمد، والسيد علي الطباطبائي، والسيد حسين الترك، والحاج ملا علي
ابن الميرزا خليل الطبيب، والشيخ مهدي ابن المترجم وغيرهم.
لم يعن كثيرا بالتأليف في الفقه، قيل له في ذلك، فقال: أباني جيده وأبيت
رديئه. لم يصنف سوى شرحه على الروضتين، جملة من أبواب البيع إلى آخر
الخيارات، وطبعت الخيارات منه فقط في طهران.
وفي عصره اشتهر صاحب الجواهر حتى صار يعد نظيرا له، ولكنه لم يفقه.
ويقال: إنه لما كان أمر التقليد مرددا بينهما اجتمع جماعة لتعيين الأفضل منهما،
فرجحوه على صاحب الجواهر، فسأل صاحب الجواهر بعضهم قائلا: ما فعلت
سقيفة بني ساعدة؟ فأجابه: قدموا عليا! فاستقل الشيخ محمد حسين بالتدريس
من ذلك اليوم حتى انتهت إليه الرئاسة; وكأ نه إلى ذلك يشير الشيخ عبد الحسين آل
محيي الدين في أبياته اللامية الهائية، وذكرت في ترجمة الشيخ محمد ابن الشيخ
4

علي ابن الشيخ جعفر. وينقل عنه: أنه كان يطوف ليلا على الأرامل واليتامى
ويدفع لهم صرر الدراهم ولا يخبرهم بنفسه تأسيا بأئمته الأطهار. وكان أخوه
الشيخ موسى بنى أساس المسجد الذي بجنب مقبرتهم، ثم توفي قبل إتمامه، فأتمه
هو وكان يقيم فيه الجماعة.
ورد إلى كربلاء لبعض الفتن التي وقعت في النجف مع أخيه الشيخ موسى،
فأكب عليهما الفضلاء من أهل العلم، وكانت كربلاء يومئذ هي محط الطلبة، فيها
ألف فاضل من علماء إيران يحضرون دروس شريف العلماء، فحضر بعضهم درس
الشيخين فاستحسنوا فقههما، وكانا يدرسان الفقه لا غير. ثم عاد المترجم بعد ستة
أشهر مع أخيه الشيخ موسى إلى النجف. وفي تلك السنة توفي شريف العلماء،
فورد النجف ألف طالب من طلبة كربلاء وسكنوا النجف حبا بدرس المترجم
وأخيه الشيخ موسى. ثم توفي الشيخ موسى فاستقل الشيخ علي بالتدريس، ومنها
صارت النجف مرجعا لأهل العلم من إيران وقبلها كربلاء ولم يكن في النجف
طلبة من إيران (انتهى).
ثم ذكر من شعره قصيدة، ومدحا في أمير المؤمنين (عليه السلام) ومرثيتين لسيد الشهداء
أبي عبد الله الحسين صلوات الله عليه، راجع أعيان الشيعة: ج 8 ص 177 - 178.
* * *
ولا يفوتنا في الختام أن نشير إلى وصف النسخ التي اعتمدنا علهيما، وهي:
1 - المطبوعة بطهران عام 1219 المتوفرة في المكتبات.
2 - مخطوطة محفوظة في مكتبة «آستان قدس رضوي» وهذه ناقصة تبتدئ
من أوائل خيار الشرط وتنتهي إلى أواسط خيار الاشتراط.
3 - مخطوطة محفوظة في مكتبة «مركز إحياء التراث الإسلامي» بقم، يبدو
منها أنها بخط المؤلف (قدس سره) فقدت من أولها وخلالها وآخرها مما هو بخطه أوراق،
فاستنسخت من نسخة اخرى واكملت، فلله الحمد وله المن.
مؤسسة النشر الإسلامي
التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة
5

الصفحة الأولى من النسخة التي حصلنا عليها بخط المؤلف (قدس سره)
6

بسم الله الرحمن الرحيم
أقسام الخيار
قال المصنف (رحمه الله):
(الفصل التاسع (1) في الخيار)
لا ريب أن ثبوت الخيار على خلاف القاعدة، لأن الأصل في البيع اللزوم.
وهذا الأصل إما بمعنى الظاهر، وذلك لأن الظاهر من صيغة البيع بحسب
دلالتها عرفا وقصد المتعاقدين لها الدوام، فمعنى بعتك مثلا ملكتك على الدوام،
فهي مقتضية بذاتها لثبوت مقتضاها على الدوام فلا ينتقض إلا بدليل، وفيه تأمل.
أو بمعنى الاستصحاب، لأن الأصل دوام ما كان سواء قلنا ببقاء الأكوان
واحتياجها إلى المؤثر أو قلنا بعدمه وعدم احتياجها استنادا إلى العرف والشرع.
فكل ما صدر من عبارة أو عقد أو إيقاع أو حكم يحكم ببقاء حكمه حتى يثبت
المزيل له، والخيار مبني على رفع البقاء على بعض الوجوه. فما يقال: من أن
الخيار هو القدرة على الفسخ ولا ملازمة بينه وبين الفسخ الفعلي والمضاد
للاستصحاب إنما هو الثاني لا الأول، لا وجه له، لأن انتفاء الأول بانتفاء الثاني
حيث ينتفي شرعا، فتأمل.
أو بمعنى الغالب بمعنى أن الغالب في البيع اللزوم حيث يراد عموم الأزمان
والأفراد، ولا ينافي ذلك اقتضاء المصلحة بعروض الجواز عليه في بعض الأزمان
كزمان عدم التفرق أو في بعض المواطن كأسباب الخيار المشهورة أو فوات شرط
معين أو وصف معين، أو عروض الشركة قبل القبض أو تبعيض الصفقة ونحو ذلك،

(1) من فصول كتاب المتاجر من اللمعة الدمشقية.
7

أو عروض الفسخ بالإقالة أو الانفساخ بالتلف قبل القبض والتحالف عند التخالف
في تعيين المبيع والثمن في وجه، إلى غير ذلك.
أو بمعنى القاعدة المستفادة من الإجماع - كما نقله غير واحد - ومن الكتاب
والسنة من قوله تعالى: (أوفوا بالعقود) (1) و «المؤمنون عند شروطهم» (2) لأن
الأمر للوجوب والجمع المحلى للعموم، وكذا الموصول وخطاب المشافهة إما عام
بأصله كما ذهب إليه من يعول (3) على رأيه (4) أو باعتبار الخطاب التعليقي أو
باعتبار الدليل الخارجي، والوفاء بها عبارة عن العمل بمقتضاها.
وفيه: أن تعقيبه بقوله تعالى: (احلت) يفيد أن المراد ما عقده الله تعالى في
رقاب عباده من الأحكام.
ويجاب بأنه ربما كان كلاما منقطعا، وبأن العقود قد يراد بها الأعم وهذا قسم
من الأحكام.
وفيه أيضا: أن الوفاء بالمستحب العمل به مرة وتركه اخرى، فمن ترك لا يعد
غير واف.
ومن هنا ترى بعض الأصحاب يستدلون بالآية الشريفة في باب العقود
الجائزة باعتبار أن المراد وجوب الوفاء بمقتضاها.
ويجاب بأن الصيغ بنفسها لا يقتضي الجواز ولا دلالة لها عليه وإنما هو حكم
مستفاد من الشرع، وظاهر الآية الشريفة وجوب الوفاء بالعقد بنفسه وبما يقتضيه
بحسب ذاته لا بما استفيد من حكمه شرعا إلا بتقدير وإضمار.
مع أن المفسرين والفقهاء أعرف بمواقع الألفاظ وقد فهموا منه ذلك.
على أنه مع استفادة حكم العقد من الشرع جوازا أو لزوما لا حاجة إلى
الاستدلال بالآية.
وعلى ما قررنا فالعقود الجائزة واللازمة ذات الخيار على خلاف الأصل.

(1) المائدة: 1.
(2) عوالي اللئالي 1، 3: 218، 293، 217.
(3) في نسخة: لا يعول.
(4) الوافية: 119.
8

واورد هنا سؤال وهو أن البيع لا ينفك عن خيار المجلس فيكون الأصل في
البيع ثبوت الخيار لا اللزوم.
قال صاحب الوافية: إن قولهم: «الأصل في البيع اللزوم» ليس له وجه، لأن
خيار المجلس مما يعم أقسام البيع (1).
وفي الكفاية: الأصل في العقود اللزوم ووجوب الوفاء بها، خرج البيع بالنص
فيبقى الباقي على أصله (2) انتهى.
واجيب بأن طرو الجواز عليه في بعض الأحيان لا ينافي كون مشروعيته
على اللزوم، فالافتراق في الحقيقة رافع للمانع لا جزء من المقتضي والمقتضى،
للزوم العقد بمقتضى ذاته.
ألا ترى أنه لو اشترط سقوطه وبقى العقد بمقتضى ذاته سليما من المعارض
قضي باللزوم.
على أنه لو لم ينفك البيع عن خيار المجلس لربما أمكن القول بذلك.
ومن المعلوم انفكاكه في عدة مواضع: كما إذا اشترط سقوطه، أو اشترى من
ينعتق عليه، أو اشترى ليرث، أو أسلم عبد الذمي وبيع عليه، أو قهر الحربي قريبه
وباعه، أو اشترى العبد نفسه إن جوزناه. وكما في ذي الحقوين، أو عقد الواحد عن
اثنين عند بعض إلى غير ذلك.
قال المصنف: (وهو أربعة عشر قسما).
ذكر هذا العدد لا أرى له وجها، لأ نه إن بنى على التداخل لم يكن أربعة
عشر، وإن بنى على اختلاف الصور زادت ضعف الأصل وأكثر، إذ من جملتها:
خيار الشفعة إذا كان الشفيع وحيدا، وخيار الخيار إذا باع وكان فيه خيار لغيره،
وخيار المرابحة بناء على استقلاله، وخيار الواطئ إذا وطئ الجارية مولاها
وباعها ناسيا أو عاصيا لاحتمال صيرورتها ام ولد، وخيار مستحق قصاص النفس
أو قصاص الطرف من العبد، وخيار مستحق الحد رجما أو قتلا أو مطلقا، وخيار

(1) الوافية: 198.
(2) الكفاية: 92 س 29.
9

الجلال، وخيار الموطوء من الحيوان من المركوب، وخيار الكفر لضرر السؤر،
وخيار المكاتب قبل تحرير بعضه لو أجزنا بيعه، وخيار خوف حدوث العيب،
وخيار خوف التلف لكون العبد في الحرب أو في محل الطاعون، وخيار فساد
العقيدة من أهل الإسلام، وخيار التنجيس إلى غير ذلك.
وكما يرجع كثير مما ذكر إلى العيب أو التدليس ونحو ذلك، يرجع، ما ذكر
المصنف أيضا من خيار الشركة والتبعيض ونحوهما إليهما، فلا وجه للحصر.
إلا أن يقال: إن ما ذكره أعم وأشمل مما ذكرنا، فيريد الحصر بالنسبة إلى ذلك،
وبناء الأصحاب في هذا الباب على ذكر أقسام الخيار العام البلوى الكثيرة
الدوران المتعرض لها في الروايات التي لا يرجع بعضها إلى بعض.
فمن هنا اقتصر بعضهم على خمسة (1) وآخرون على ثمانية (2) والمصنف في
الدروس على تسعة (3). والأمر في ذلك سهل.
* * *

(1) الشرائع 2: 21.
(2) الكفاية: 91، س 15، الحدائق 19: 3.
(3) الدروس 3: 265.
10

قال المصنف (رحمه الله):
(الأول: خيار المجلس).
هذه الإضافة من باب إضافة الحال إلى المحل وليست من باب إضافة
المسبب إلى السبب كخيار الغبن والعيب. وجعلها من هذا القبيل كما في مجمع
البرهان (1) بعيد إلا أن يراد معنى آخر.
وإضافته إلى موضع الجلوس مع كونه غير معتبر في ثبوته:
إما لأغلبية هذا الفرد، وندرة وقوع ما عداه فهو بحكم العدم فلا يكون داخلا
في العبارة بل مسكوتا عنه يعلم من خارج، فاللفظ على حقيقته.
أو بدعوى الحقيقة العرفية الجديدة، وهو غير بعيد كما يشهد به التبادر وكثرة
الاستعمال.
أو بدعوى المجازية تجوزا في إطلاق بعض أفراد الحقيقة على تمام معناها.
وعلى كل حال فهذا الخيار ثابت بالإجماع محصلا ومنقولا نقلا مستفيضا،
وبالنصوص وهي في ذلك مستفيضة:
منها صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: المتبايعان بالخيار

(1) مجمع الفائدة 8: 383.
11

ثلاثة أيام في الحيوان وفيما سوى ذلك من بيع حتى يفترقا (1).
وصحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سمعته يقول: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
المتبايعان بالخيار حتى يفترقا وصاحب الحيوان ثلاثة (2).
وصحيحة الفضيل بن يسار: البيعان بالخيار ما لم يفترقا، فإذا افترقا فلا خيار
بعد الرضا منهما (3).
وصحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
البيعان بالخيار حتى يفترقا وصاحب الحيوان بالخيار إلى ثلاثة أيام (4).
وصحيحة الحلبي أو حسنته عن أبي عبد الله (عليه السلام): قال أيما رجل اشترى
من رجل بيعا فهو بالخيار حتى يفترقا، فإذا افترقا وجب البيع (5). إلى غير ذلك
من الروايات.
فما رواه غياث بن إبراهيم في الموثق عن علي (عليه السلام): «إذا صفق الرجل على
البيع فقد وجب وإن لم يفترقا» (6) شاذ لا يصلح معارضا لما سبق.
وقد حمله الشيخ على استباحة الملك قبل الافتراق وإن جاز الفسخ قبله.
وجوز حمل الافتراق المنفي على البعيد دون القليل الملزم (7).
وقد تحمل على أحد المقامات التي يسقط فيها هذا الخيار كاشتراط سقوطه،
أو بيعه ممن ينعتق عليه ونحو ذلك. أو معنى الصفقة الرضا بالبيع والالتزام به.
وعلى كل حال فهي إما مؤولة، أو مطرحة، أو محمولة على التقية، فإن

(1) الوسائل 12: 349 ب 3 من أبواب الخيار، ح 3.
(2) الوسائل 12: 349 ب 3 من أبواب الخيار، ح 6.
(3) الوسائل 12: 343 ب 1 من أبواب الخيار... ح 3.
(4) الوسائل 12: 345 ب 1 من أبواب الخيار، ح 1.
(5) الوسائل 12: 348 ب 2 من أبواب الخيار، ح 4. وفيه: فهما بالخيار.
(6) الوسائل 12: 347 ب 1 من أبواب الخيار، ح 7.
(7) التهذيب 7: 21 ذيل، ح 87، الاستبصار 3: 73 ذيل، ح 4.
12

هذا مذهب أبي حنيفة (1) وهو من جملة المطاعن التي طعن فيها في مخالفة قوله
لقول النبي (صلى الله عليه وآله).
قال المصنف: (وهو مختص بالبيع)
كما في الخلاف والغنية والشرائع والنافع والمختلف والتحرير والقواعد
والإرشاد والتنقيح والمسالك والكفاية (2)، للأصل، وللإجماع المنقول.
وقد نسبه إلى علمائنا في التذكرة وتعليق الإرشاد ومجمع البرهان (3). وفي
المسالك: أنه لا خلاف فيه بين علمائنا (4).
وفي الخلاف: الإجماع على أنه لا يدخل في الوكالة والعارية والقراض
والحوالة والوديعة (5).
ومنع في المختلف إجماع الخلاف، لأن ثبوت الخيار مطلقا يستلزم ثبوته
في المجلس (6).
وفيه: أن الممنوع خيار المجلس دون الخيار فيه، فإن أرادوا الثاني كان
النزاع لفظيا.
وخالف في ذلك الشيخ في المبسوط والقاضي والحلي، فأثبتوه في نحو
العارية والوديعة والقراض والوكالة والجعالة (7).
وهو ضعيف، لأن جوازها أصلي والخيار فيها عام لا يقبل السقوط فلا تأثير

(1) المجموع 9: 184.
(2) الخلاف 3: 13 ذيل المسألة 11، والمسألة، الغنية: 22، الشرائع 2: 23، المختصر النافع:
122، المختلف 5: 62، التحرير 1 ص 168 س 1، القواعد 2: 64، الإرشاد 1: 374، التنقيح
2: 43، المسالك 3: 211، الكفاية: 92 س 28.
(3) التذكرة 1: 16 5 س 13، تعليق الإرشاد (مخطوط): الورقة 33، مجمع الفائدة 8: 388.
(4) المسالك 3: 211.
(5) الخلاف 3: 13، المسألة 12.
(6) المختلف 5: 73.
(7) المبسوط 2: 82، المهذب 1: 356، السرائر: 2: 246.
13

للمجلس، بخلاف الجواز العارضي في اجتماع الخيارين باختلاف الحيثيتين، فإنه
يمكن أن يسقط أحدهما ويبقى الآخر.
وقد يقال: إنه يمكن أن يكون ذلك من الحكم الشرعي التعبدي والتداخل
القهري وإن لم يكن له تأثير لحكمة لا نعلمها - وقد تظهر ثمرته في مثل النذر
ونحوه فلا يلزم العبث على الحكيم فيه غير أن الدليل منع منه - وهو ضعيف.
وتأول كلامهم الشهيد في الدروس بقصد منع التصرف في المجلس (1).
وهو مع أنه غير معنى الخيار وخاص بأحد الطرفين لا دليل عليه. كيف
والإذن المسوغ للتصرف حاصل بالعقد.
بل قد يقال بعدم معقولية مثل ذلك في الوديعة، لامتناعه فيها مطلقا.
اللهم إلا أن يراد بالتصرف التصرف فيما يتعلق بالحفظ، وهو بعيد.
وعلى تقدير اختصاصه بالبيع كما هو الأصح يعم جميع أقسام البيع من السلم
والنسية والمرئى والموصوف ونحوها كما في التذكرة وتعليق الإرشاد (2) للإجماع
المنقول (3) وعموم الدليل.
والمشكوك في كونه بيعا يرجع فيه إلى الأصل.
وأخذ الأرش من الجانبين ليس بيعا، فلا يجري فيه خيار المجلس وإن ثبت
فيه الربا، لأن بناء الربا على كل ما استند إلى العقد ولو بالسبب، كما لا يجري فيما
ملك بالشرط كأن يشترط عليه ملكية شيء بآخر في عقد البيع.
ويسقط هذا الخيار بالنظر إلى الأصل، فإنه لا يجري بالنسبة إلى الشرط فيما
لو أراد الفسخ فيه، لأ نه ليس بيعا.
اللهم إلا أن يقال: إن الشروط كالشطور وهي لا تتبعض في الخيار، وكما يتبع

(1) الدروس 3: 268.
(2) التذكرة 1: 516 س 19، تعليق الإرشاد (مخطوط): الورقة 133.
(3) راجع مجمع الفائدة 8: 389.
14

في الفسخ يتبع في الالتزام ولا معنى للتفكيك، فلا يجري الخيار فيها على كل
من الوجهين.
ويجري في القبالة والتولية والتشريك بناء على أنها من البيع.
أما المعاطاة فإن لم يكن بيعا فلا كلام، وإن كانت منه - كما هو الأقوى - فلا
يجري فيها خيار المجلس، لأ نها من العقود الجائزة.
نعم قد يقال بجريانه فيها بعد التصرف الملزم لها.
وفيه: أن التصرف مسقط للخيار فكيف يثبت الخيار به، مع أنه بعد خروجها
من دليل الخيار كيف تدخل فيه بعد ذلك.
اللهم إلا أن نقول بأن التصرف المسقط للخيار هو المتعقب له لا ما ثبت الخيار
بسببه وهو بعيد سيما على القول بإسقاطه الخيار لكشفه عن الرضا بالعقد.
وعلى تقديره فهل المدار في التفرق على مجلس المعاطاة فيختص ما إذا وقع
التصرف فيه، أو مجلس التصرف وإن افترقا عن الأول؟ وجهان.
أما مثل صيغة «ملكت» عند الإطلاق إن بنينا على أن البيع أصل في نقل
الأعيان كانت من البيع وجرى فيها خيار المجلس ولا يعارض ذلك أصل لزوم
العقد، وإلا فلا.
وحيث اعتبر فيه البيع لم يجز في باقي العقود من صلح وغيره سواء قلنا بقيام
الصلح مقام البيع أو لا، إذ الظاهر أن الشيخ لا يقول بأن ما كان من الصلح في مقام
البيع قسم من البيع، بل يقول: هو صلح قائم مقام البيع (1) وفرق بين الأمرين.
واعلم أن الشارح قال: «ويثبت للمتبايعين» (2) وظاهر كلامه ثبوت هذا
الخيار لكل من المتعاقدين مطلقا كما يظهر من بعض كلماتهم، وليس كذلك بل
للمالكين والوليين والملفقين.
وأما الوكيلان والملفق من الوكيل وغيره فإن كانت الوكالة على العقد وحده،
فلا خيار لهما بل للمالكين. وإن شملت وكالتهما الخيار كأن يوكلا فيه بعد العقد في

(1) راجع المبسوط 2: 288.
(2) الروضة البهية 3: 448.
15

المجلس أو قبل العقد بناء على صحة التوكيل فيما لا يملكه الموكل حين العقد من
التوابع كما هو الأقوى سواء حصل ذلك بمجرد التوكيل في العقد لأنه من التوابع أو
مع النص عليه بالخصوص - وتظهر الثمرة بالنسبة إلى الأول فيما إذا نص على
العدم - كان الخيار للوكيلين والأصيلين فالوكيل على العقد فقط سبب مؤثر لا مختار.
وقد يقال بثبوت الخيار له حكما شرعيا وإن لم يرض به المالك، لأن الموجود
في أكثر الروايات «البيعان» (1) وفي بعضها «التاجران» (2).
والبيع إما نفس الإيجاب والقبول أو النقل والانتقال، وعلى كل منهما فهو
صادق عليه كما هو ظاهر.
بل يشكل ثبوت الخيار للمالك معه حينئذ بل ومع الوكيل المتصرف، إذ
ليس هو «بيع» بكل من المعنيين مع أن الظاهر من ضمير «ما لم يتفرقا» العود
إلى العاقد.
اللهم إلا أن نقول: إن الفرد الظاهر من «البيع» إنما هو مالك التصرف أصالة أو
ولاية أو وكالة كما تقضي به اللغة والعرف والوكيل على نفس الصيغة من الأفراد
النادرة، أو أن الظاهر منه خصوص المالك عاقدا كان أولا والوكيل والولى إنما
يعلم من خارج من دليل الوكالة والولاية، أو يختص به المالك العاقد بناء على أنه
الغالب فقط ويعلم حكم المالك غير العاقد من خارج للقطع بإلغاء الخصوصية مع
أن كونه عاقدا ليس من القيود المصرح بها كما أنه يعلم حكم العاقد غير المالك من
خارج أيضا.
ومن هنا أشكل الحكم في أن المعتبر في التفرق تفرق الوكيلين أو المالكين أو
الجميع أو كل بالنظر إلى خيار نفسه لا خيار الآخر.
والظاهر أن المدار على تفرق العاقدين أصيلين أو وليين أو وكيلين أو
مختلفين، فلو عقد الوكيل بحضرة الأصيل فلا اعتبار بالأصيل بل المدار على الوكيل.

(1) الوسائل 12: 345، 346، 349 ب 1، 3 من أبواب الخيار، ح 1 - 3، 6.
(2) الوسائل: 346 ب 1 من أبواب الخيار، ح 6.
16

ولا ينافي ذلك ما تقدم من ثبوت الخيار للأصيل والوكيل ودخول الأصيل
تحت مدلول الرواية.
ومع ذلك لا يلزم التخالف بين الضمير ومرجعه فيها، لوجود القرينة الدالة على
مرجع الضمير في قوله: «ما لم يفترقا» إلى العاقدين - وهي ذكر طرو الافتراق
المقتضي لسبق الاجتماع للعقد - وهو بعيد، أو باعتبار الاحتمال الأخير وهو أن
المراد بالبيعين المالكين العاقدين لأ نه الغالب والعاقد غير المالك والمالك غير
العاقد يعلم من خارج بالنظر إلى الخيار ومسقطه، وهو غير بعيد ويرشد إلى ذلك
التعبير في بعض الروايات بالتاجرين (1).
قال المصنف: (ويسقط باشتراط سقوطه في العقد)
للأصل والإجماع (2) وعموم الكتاب (3) والصحيح الوارد في الشروط (4).
والخبر الصريح (5) وعليه يحمل الآخر «البيعان بالخيار إلا بيع الخيار» (6) أو على
خيار الشرط فإنه باق وإن تفرقا.
ويؤيده الاعتبار فإن الأغراض تتعلق بلزوم العقد تارة وبجوازه اخرى.
وبذلك كله يتقيد إطلاق الأخبار المستفيضة وإن كان بينها وبين أدلة الشروط
عموم من وجه، وتترجح هي بقلة الأفراد، مع التأمل في شمولها لمحل الفرض
لمكان تبادر غيره عدا صحيحة الحلبي (7) فإن العموم فيها لغوي.
وثبوت الخيار مقتضى العقد المطلق لا العقد المشروط فيه إسقاطه، فلا منافاة
فيه لمقتضى العقد، وإلا لاستلزم عدم صحة شيء من الشروط في شيء من العقود.
وجواز هذا العقد من الآثار الشرعية الخارجة عن مقتضى ذات العقد، فليس

(1) الوسائل 12: 347، ب 1 من أبواب الخيار، ح 6.
(2) الغنية: 217.
(3) المائدة: 1.
(4) الوسائل 15: 30، ب 20 من أبواب المهور، ح 4.
(5) الوسائل 16: 95، ب 11 من أبواب المكاتبة، ح 1.
(6) مسند أحمد: ج 2 ص 4.
(7) الوسائل 12: 346، ب 1 من أبواب الخيار، ح 4.
17

اشتراط سقوطه كاشتراط اللزوم في العقود الجائزة - من الهبة والعارية والوديعة -
وإن كان كل منهما إسقاط للتسلط على الفسخ.
مع أنه يمكن القول به كما سيأتي، إلا أن يقوم إجماع على خلافه.
ولا يفترق الحال في صحة هذا الشرط بين القول بأن الشروط مثبتة للغايات
كالأسباب فيكون على وفق القاعدة وعدمه، لقيام الدليل عليه بالخصوص.
والظاهر أن المدار فيها على المقارن، فلو تقدم أو تأخر لم يلزم، خلافا لظاهر
الخلاف والجواهر في الأول (1) وهو شاذ، لإطباقهم على خلافه، ولإطلاق النص
المثبت للخيار، إلا أن نقول: إنه بحكم التبادر مختص بغير محل الفرض. وفيه: أن
فيه ما عمومه لغوي.
ثم إن النصوص المستفيضة الواردة في باب النكاح الدالة على عدم اعتبار
الشروط قبله (2) شاملة للمقام عموما أو فحوى. وتنزيله على ما وقع قبل تمام العقد
أو على الشرط المضمر المدلول عليه بالقرينة ممكن. والحق اعتباره كما تقدم في
باب المرابحة. ولا ينافي ذلك إطلاق الروايات بعدم اعتبار الشروط المتقدمة في
باب النكاح (3) لأن هذا من المقارن، والسابق دليل عليه.
ولعله أراد هذا بقوله في المختلف: أنهما لو شرطاه قبل العقد وتبايعا على ذلك
صح ما شرطاه (4).
ولظاهر المختلف في الثاني (5) لعدم الدخول تحت دليل الشرط. ولعله أراد
بالمتأخر في مقابلة الواقع في الأثناء أو باعتبار دلالته على الرضا يكون مسقطا
للخيار وملزما للعقد.
ثم إن شرط سقوط خيار المجلس قد يكون لتمامه، وقد يكون للبعض لمبدئه
أو لآخره أو لوسطه مع ضبط المدة، كما إذا علما أنهما يمكثان في المكان زمانا

(1) الخلاف 3: 21 المسألة 28، جواهر الفقه: 54، المسألة 195.
(2) الوسائل 14: 468، ب 19 من أبواب المتعة ح 1 و 2.
(3) المصدر السابق.
(4) المختلف 5: 63.
(5) عطف على قوله: خلافا لظاهر الخلاف.
18

معينا. فقد يكون جواز بعد لزوم في المجلس. وقد يكون لزوم بعد جواز. وقد
يكون جواز بين لزومين.
ويحتمل القول بعدم جواز مثل ذلك، بل إما أن يسقط الكل باشتراط سقوط
البعض. أو يقع اشتراط سقوط البعض لاغيا لا باعتبار أنه إسقاط للحق - كما في
نفقة الزوجة بالنسبة إلى المستقبل فإنه ضعيف باعتبار تقدم سبب ثبوته وهو العقد -
بل باعتبار أنه حق بسيط لا يقبل التبعيض، وليس كخيار الحيوان مغيا بالثلاثة
أيام. وجعل الغاية فيه التفرق وإن استلزم الزمان. إلا أنه فيه اتفاقي كالتراخي في
الخيار المتراخي، فتأمل.
وعلى هذين الوجهين يبتنى اشتراط سقوط خيار المجلس في بعض المبيع
دون بعض، فإن الظاهر انه التزام بالجميع أو يقع باطلا، كيف لا! والالتزام متفرع
على الفسخ والفسخ لا يتبعض، لأ نه إذا التزم بالبعض فلا يخلو إما أن يصح له أن
يفسخ بالبعض الآخر أو لا، فإن صح جاز التبعيض وإلا فإما التزام بالكل أو فسخ
في الكل فلا التزام بالبعض.
وما يقال: من أن الإيجاب إسقاط حق ولصاحب الحق أن يسقط حقه كيف
شاء والناس مسلطون على أموالهم، لا وجه له إذ لا بحث في أن له الإسقاط كيف
شاء لأصل الإباحة.
وإنما الكلام في ترتب السقوط الشرعي على إسقاطه، وهو ممنوع كما عرفت.
قال المصنف: (وباسقاطه بعده)
منهما أو من أحدهما، للإجماع المنقول عن الغنية والتذكرة وظاهر
الخلاف (1). وهو الحجة المقيدة للأصل ولإطلاق ما مر من المستفيضة المثبتة
للخيار في المسألة. مضافا إلى مفهوم بعض المعتبرة الواردة في خيار الحيوان،
وفيه: فإن أحدث المشتري حدثا قبل الثلاثة فذلك رضى منه ولا شرط له (2).

(1) الغنية: 217، التذكرة 1: 517 س 19، الخلاف 3: 21، المسألة 27.
(2) الوسائل 12: 35 ب 4 من أبواب الخيار، ح 1.
19

ولانحصار الحق فيهما فيسقط بإسقاطهما.
ولأن فسخ اللازم بالتقايل يقتضي لزوم الجائز بالتخاير.
ولأنه سقط بالافتراق لدلالته على الرضا، والتخاير صريح في ذلك.
ويحصل التخاير بالإيجاب منهما ومن أحدهما مع رضاء الآخر. ولو أمضاه
أحدهما دون الآخر، فإن فسخ انفسخ البيع وإلا اختص بالخيار.
وإنما لم يتعرض المصنف لاشتراط الإسقاط بل اقتصر على شرط السقوط،
لعدم حصول السقوط بمحض الاشتراط بل يتوقف على الإسقاط، ومع عدمه
يثبت خيار الاشتراط، فهو راجع إلى ما ذكر من الإسقاط.
واحتمال العطف على المضاف إليه، ينافيه إعادة حرف الجر، مع استلزامه
ترك ذكر الإسقاط الذي هو أولى بالذكر (1).
وعلى كل حال فشرط الإسقاط والسقوط قد يكون للبائع أو للمشتري أو
لهما، أو للأجنبي مفردا أو مع البائع أو المشتري أو معهما، في ذلك العقد أو في
غيره، أو فيهما متصل أو منفصل أو مختلف مع سبق الاتصال والانفصال، أو متصل
للبائع ومنفصل للمشتري وما عداه، أو متصل للمشتري ومنفصل فيما عداه، أو لهما
كذلك، أو للأجنبي، أو للأجنبي مع أحدهما، أو معهما كذلك.
والأقسام كثيرة ويجيء تحقيق الحال في خيار الشرط وشرط الخيار.
ثم إنه لا ريب في سقوط الخيار بالمسقط اللفظي الصريح، لأن الخيار حق من
الحقوق، فبإسقاطه يسقط.
والظاهر أنه من الإيقاعات لامن العقود، فلا يتوقف على القبول بل هو كالإبراء.
ويسقط بالمسقط اللفظي الظاهر، ولا يشترط فيه ما يشترط في صيغ
الإيقاعات من العربية والإعراب ونحو ذلك.
ويتأدى بالحقائق والمجازات وبكل لفظ يدل على ذلك، سواء كان بلفظ
الإسقاط أو غيره كأوجبنا البيع أو اخترناه أو التزمنا به ونحو ذلك، لأ نه ليس

(1) ولفظه «بعده» ظاهر في خلافه. (هامش الأصل).
20

كالعقود المبني فيها على النقل والانتقال.
وهذا مشكل، لمنافاته للأصل من عدم سقوط الحق إلا بالمتيقن، وظاهر
إجماع الأصحاب من اعتبار الصراحة وغيرها في الإيقاعات اللازمة - كالطلاق
ونحوه - كما تعتبر في العقود.
اللهم إلا أن يكون المخرج لذلك بخصوصه الإجماع، أو باعتبار الاتفاق على
السقوط بالفعل صريحه وظاهره في المقام والقول أولى منه، أو باعتبار التعليل
بالرضا في الروايات الصحيحة.
هذا كله في المسقط القولي صريحه وظاهره.
وأما المسقط الفعلي بقسميه فسيأتي البحث فيه (1).
وأما السقوط بمحض النية والقصد وإن كان في بعض الروايات (2) إشارة إليه
مؤيدة بأن المدار على المدلول، والدال إنما يعتبر للدلالة، وحيث لا حاجة إلى
الدلالة هنا للعلم بحال نفسه كان ذلك إسقاطا، إلا أن ظاهر الأصحاب وطريقة الشرع
عدم اعتبار ذلك في مثله، كما لا يخفى على من تتبع في نقل الحقوق وفكها.
ولهذا انكر على الشيخ في إثباته النذر بمجرد النية (3) وهو الموافق لمقتضى
الأصل من ثبوت الحق. والتعليل بالرضا في الروايات (4) إما لبيان الحكمة أو علة
مقيدة بالإجماع، فافهم.
قال المصنف: (وبمفارقة أحدهما صاحبه) (5)
ولو بالأرواح فلو ماتا أو أحدهما حصل التفرق، كما احتمله في القواعد

(1) ويمكن إدخاله في كلام المصنف فيكون التصرف مذكورا في كلامه، ولكنه خلاف الظاهر
كما فهم الشارح. (هامش الأصل).
(2) الوسائل 12: 347، ب 2 من أبواب الخيار.
(3) المسالك 11: 397.
(4) الوسائل 12: 346، ب 1 من أبواب الخيار، ح 3.
(5) القواعد 2: 65، التذكرة 1: 517 س 39.
21

والتذكرة ومال إليه في مجمع البرهان (1) واستقربه في تعليق الإرشاد (2) لأن مفارقة
الدنيا أولى من مفارقة المجلس، وباعتبار أن ظاهر الروايات البيعان بالخيار مع
الحياة، لعود ضمير التفرق إليهما فمع الممات يسقط الخيار تبعا لمتعلقه أو
بخصوص الأبدان، فلا عبرة بالافتراق بالموت أو بالإدراك - لعروض جنون أو
نوم أو إغماء - أو بالكلام أو بغير ذلك كما في جامع المقاصد والمسالك (3) وهو
الظاهر من كلام الأصحاب باعتبار أن المتبادر من التفرق التباعد في المكان، وهو
ظاهر في الجسم لا في الروح، مع أن الروح لا يعلم مفارقتها للمجلس فيستصحب
الحكم. ويستفاد من بعض الروايات بقاؤها مع الميت (4) فالأولوية ممنوعة.
وثبوت الخيار للوارث باستصحاب جواز العقد وبقوله (عليه السلام): «من ترك حقا
فهو لوارثه» (5) المؤيد بالشهرة المحصلة والمنقولة وبإجماع الغنية (6) في خصوص
المقام بلفظه وبلفظ «عندنا» في التذكرة (7) في مطلق الخيار وبلفظ «نفي الخلاف»
في الرياض (8). مضافا إلى عمومات الإرث (9) فدعوى التقييد بالحياة ممنوعة.
ثم إن الوارث إن كان حاضرا قام مقام الميت في الخيار. وهل يقوم مقامه في
اعتبار التفرق؟ باعتبار أن مفارقة الميت للمجلس كمفارقة المكره الممنوع من
الاختيار وكما انتقل هناك إلى مجلس الزوال للزوم الضرر ببقاء الخيار دائما ينتقل
هاهنا إلى مجلس الوارث - والأصل وفرعه ممنوعان، وهو قياس لا نقول به - أو
يبقى الحكم معلقا على الميت والآخر أو الميتين؟ أو يقال ببقاء الخيار دائما من
غير سقوط بالتفرق كالعاقد الواحد على أحد الوجهين؟ أو بالنسبة إلى الميت وأما
الآخر فيدور مدار ذهابه من المجلس كأحد الوجوه في المكره؟ أو بثبوته فورا؟
وجوه، أقواها الثاني عملا بالاستصحاب.

(1) مجمع الفائدة 8: 385.
(2) تعليق الإرشاد (مخطوط): الورقة 133.
(3) جامع المقاصد 4: 287، المسالك 3: 215.
(4) بحار الأنوار 6: 161.
(5) موسوعة أطراف الحديث النبوي 8: 185.
(6) الغنية: 221.
(7) التذكرة 1: 536 س 39.
(8) الرياض 8: 202.
(9) النساء: 7، 11، 176.
22

والتفرق هنا يصدق بانتقال الحي وبنقل الميت مع عدم المصاحبة، ومعها يبقى
إلى أن يتفرقا.
وإن كان غائبا قام فيه الاحتمال الأول وإن بعد ما بينهما ولم يعلم أحدهما
بمكان صاحبه، أو السقوط بناء على هذا الاحتمال لانتفاء المتعلق، وهو عدم
تفرق المتبايعين. وتجري فيه باقي الاحتمالات. ويزيد خامسا، وهو امتداده
بامتداد مجلس الخبر، لتعذر مجلس العقد، ودوام الخيار ضرر فينتقل إلى البدل
كما في مجلس الزوال في المكره، والأقوى فيه ما قويناه في سابقه، ومجلس
الخبر لا دليل عليه، فالقول به تحكم.
هذا كله مع اتحاد الوارث، فلو تعدد فكذلك، إلا أن ثبوت الخيار لكل واحد
في مجلسه إذا كان غائبا بعيد.
ولو اختلفا في الفسخ والإجازة قدم الفاسخ. وفي انفساخ الجميع أو في حصة
خاصة ثم يتخير الآخر لتبعيض الصفقة وجهان، أجودهما الأول، وسيجئ البحث
في المقامين.
وفي الدروس: فإن كانوا حضورا - أي الوراث - في مجلس العقد فلهم الخيار
إلا أن يفارقوا العاقد الآخر. ولا ينقطع الخيار بمفارقة بعضهم، لأ نه لم يحصل تمام
الافتراق، لأ نهم ينوبون عن الميت جميعهم (1) انتهى.
ثم انه بناء على ثبوت الخيار للوكيل على نفس الصيغة وانتقال الخيار بالإرث
فهل ينتقل بعد الموت إلى ورثة الوكيل أو إلى الموكل؟ وجهان.
وفيما إذا عزل الوكيل أيضا يجيء الوجهان في بقاء الخيار له أو انتقاله
إلى الموكل.
وحيث كان البناء على تفرق الأبدان يجيء الإشكال فيما لو ذهب بعض

(1) لم نعثر عليه في نسخ الدروس، والعبارة بعينها وردت في مفتاح الكرامة 4: 550، ولعل
المؤلف (قدس سره) راجعه ورأى في سطر قبله «الشهيد في الدروس» وحسب أن العبارة من
الدروس.
23

الميت دون البعض، فقد يفصل بين الجزء الذي يبقى الحياة معه وغيرها وبين ما
يتحقق صدق الاسم بدونه وما لا يتحقق.
ومثل ذلك يجري في نية الإقامة والوطن ممن قطع أو ظن بالقتل.
والظاهر أن المجلس تابع للعقد، فإذا تناديا بالبيع من مكان بعيد فالمجلس ما
بينهما، وإذا تباعدا فوق ذلك تفرق المجلس، وإذا تقاربا لم يتفرق كما في التذكرة
والدروس وكنز الفوائد (1) لعموم النص. ودعوى: عدم شموله لهذا الفرد، ممنوع.
وأسقطه بعض العامة لمقارنة المسقط (2) ولا ريب في سقوطه.
ثم إن إسقاط التفرق للخيار هل هو حكم تعبدي للدليل وإن علم منه عدم
الرضا بالسقوط، أو لدلالته على الرضا ظاهرا كما صرحت به الصحيحة (3) فهو
مسقط حتى مع الشك ما لم يعلم عدم الرضا، أو لا يسقط حتى يعلم منه الرضا فمع
الشك لا يحكم بالسقوط؟ وجوه، أقواها الأول كما هو ظاهر الأصحاب (4) حملا
لما في الرواية على بيان الحكم لا العلة، وأضعفها الأخير.
ولو كان البائع جماعة والمشتري واحد أو بالعكس أو كان الطرفان وأجزنا
اشتراك العاقدين في العقد الواحد كأن يقول أحد الوكلاء: بعتك يا زيد، ويقول
الآخر: ويا عمرو وهكذا، أو يقول أحدهم: بعتك الدرهم، والآخر الدينار، فيقول
المشتري: قبلت - ومثله تعدد الوارث بناء على أن المدار على تفرقه - فهل يحصل
التفرق بالبعض أو بالكل أو كالتفرق في باب الجماعة يناط بالصدق العرفي أو
يعطى كل حكمه؟ وجوه، أضعفها الأخير، لعدم جواز التبعض في الالتزام والفسخ
- ومدرك الأولين صدق التفرق وعدمه - ولعل الأقوى الثاني، استصحابا لبقاء
الخيار، وهو الظاهر من النص.

(1) التذكرة 1: 517 س 36، الدروس 3: 267، ولم نجده في كنز الفوائد.
(2) المجموع 9: 181.
(3) الوسائل 12: 346، ب 1 من أبواب الخيار ح 3.
(4) للإجماع على أنهما لو افترقا مختارين مع عدم رضا هما باللزوم يسقط خيارها. (هامش الأصل).
24

ولو باع الوكلاء عن شخص دفعة بقي الخيار ببقاء واحد منهم، والمدار على
مجلس التمليك أو مجلس العقد؟ احتمالان، أقواهما الأخير.
ويختلف الحكم في مسألة إجازة الفضولي إذا جعلت ناقلة وقد اختلف
مجلس التمليك عن مجلس العقد في أن بناء الصحة على مجلس العقد بالعود إليه
أو مجلس الإجازة أو البطلان مطلقا؟ وجوه، أقواها الأخير.
واعتبار المجلس هنا وفي الصرف والسلم من مقولة واحدة على الأقوى،
لاقتضاء الدليل ذلك.
والمدار في الكل على اسم عدم التفرق، فالماشيان والراكبان والجالسان
والنائمان سواء، وإذا ذهبا مجتمعين كان المجلس باقيا.
لكن يبقى الكلام في مسألة النذر واليمين والعهد هل يجري فيه؟ الظاهر لا،
إلا مع القرينة الدالة على التعميم، إذ هو من الحقيقة العرفية الخاصة أو المجاز
المشهور لا العرفية العامة ولا الشرعية.
ثم إن سقوط خيار المجلس بالافتراق مجمع عليه بين الأصحاب إجماعا
محصلا ومنقولا، سواء تفارقا فيه أو فارقاه غير مصطحبين أو فارقه أحدهما دون
الآخر عالمين أو جاهلين أو مختلفين، لعموم النص.
إنما الكلام فيما به يحصل الافتراق، فهل المدار على الحكمي - وهو عبارة
عن كون الشيئين بحيث يتخللهما ثالث - أو اللغوي وهو أوسع دائرة منه، أو
العرفي وهو أوسع دائرة منهما بناء على أنه غير التحديد بالخطوة فما زاد أو
التحديد بالخطوة فما زاد؟ وعلى الأخير فهل يراد بالخطوة المتعارفة أو يراعى في
كل خطوة؟ وجوه، ولا ريب أنه لا يراد الأولان، وإلا لم يثبت خيار غالبا ولم
يصح صرف ولا سلم خصوصا من الماشيين، وقوله (عليه السلام): «وإن نزا حائطا فانز
معه» (1) ينفيه. ودعوى صدق الاتحاد بينهما فقط أو بينهما وبين المعنى العرفي
لأصالة عدم النقل، لا يخلو من وجه.

(1) الوسائل 12: 459 ب 2 من أبواب الصرف، ح 8.
25

والظاهر إرادة المعنى العرفي، لأن الافتراق لا تحديد له في الشرع فيكتفى
فيه بالمسمى عرفا.
وذكر الخطوة في كلام الأصحاب ليس لبيان التحديد الشرعي وإنما هي مثال
والعبرة بمسمى الانتقال بحيث يزيد ما بينهما من البعد عما كان حال العقد ولو كان
بأقل منها كما صرح جماعة (1) أو للكشف عن العرف وهم أعرف بمداليل الألفاظ،
بمعنى أن العرف لا يصدق بما دونها (2). وهو غير بعيد كما صرح به أيضا جماعة
من الأصحاب (3) وربما ادعي أن الإجماع منقول عليه (4).
ولا ينافي ذلك الصحيح المتضمن لحصوله في الخطى (5) فإنه لا يأبى حصوله
بما دونها.
وتوقف في الخطوة بعض المتأخرين، لعدم ظهور الصدق بها عرفا، والمتبادر
من الافتراق الافتراق المعتد به (6).
ويرده عدم صحة السلب في مقام التحقيق وإن جاز توسعا تنزيلا للقليل منزلة
المعدوم. ألا ترى أنه يقال: لا تفارقه ولو خطوة، تنبيها على الفرد الأخفى وإن
الشك كاف في المطلوب، فإن الأصل عدم النقل.
وينبه عليه حديث الخطوة حيث إن «الخطى» جمع خطوة وأقله ثلاث، وعدم
صدق التفرق بها عرفا ظاهر، فلا يترتب عليها الحكم كما لا يترتب على الواحدة
وهم لا يقولون به. والصحيح المنطوي على التعليل بالرضا. والأصحاب قطعوا
بالخطوة فلا يتخطى ما قالوه.
والمراد بالخطوة الخطوة المتعارفة، إذ هي التي ينصرف إليها الإطلاق.

(1) التحرير 1: 165 س 29، المسالك 3: 196، جامع المقاصد 4: 284.
(2) أي ما دون الخطوة.
(3) الخلاف 3: 21 المسألة 26، المبسوط 2: 82، السرائر 2: 246.
(4) مفتاح الكرامة 4: 543 س 10.
(5) الوسائل 12: 347، ب 2 من أبواب الخيار، ح 2.
(6) الرياض 8: 180.
26

ثم اعلم أن المراد با الافتراق في الروايات وكلمات الأصحاب الافتراق
الطارئ بعد العقد، وإلا لخص الحكم خصوص المتماسين، وهو باطل.
ثم إن المراد بالتفرق تفرق تمام البدن لا أبعاضه، فلو تبايعا مضطجعين أو
مستلقيين وأقدامهما متلاصقة ثم قبض كل رجليه فحصلت فرجة عظيمة مع بقاء
رأسيهما على حالهما فالخيار باق.
ولو قرب أحدهما من صاحبه بمقدار بعد الآخر فقدر المساحة باق، فهل يعد
تفرقا؟ إشكال، والأظهر ذلك.
ولو تفرقا بعد الدخول في العقد ثم رجعا قبل إتمامه، حكم بعدم التفرق على
إشكال.
ولو كان وكيلا في إلايجاب والقبول وبعد إيقاع إلايجاب تولى المالك القبول
حصل به وبالمالك.
ولو كانت بينهما فاصلة وقت العقد فخرج كلاهما عن الحدين أو أحدهما عن
الحد على وجه البعد لا الدنو - لأن التداني تقارب بينهما لا تفارق - حصل التفرق.
ولو استطال مكان العقد لحصوله حال العدو فعاد أحدهما بعد التمام إلى بعض
المسافة دون الآخر، حصل الافتراق.
ولو تكثرت الخطى على وجه الاستدارة، فلا افتراق. والتفرق في جهة العلو
والهبوط كالتفرق من الجهات الأربع.
ولو تعذر الافتراق لوحدة العاقد عن اثنين هو أحدهما أو غيرهما وكالة أو
ولاية أو بالتفريق أو لكونهما مجتمعين على حقو واحد، ففيه وجوه، بل أقوال:
فذهب الشيخ والقاضي والفاضلان والشهيدان والمحقق الكركي والصميري (1)
إلى ثبوت الخيار، للإجماع على ثبوته في كل بيع كما في الغنية (2) ولأن المقتضى له

(1) المبسوط 2: 78، المهذب 1: 353، الشرائع 2: 22، القواعد 2: 65، الدروس 3: 265،
المسالك 3: 197، جامع المقاصد 4: 285، غاية المرام 2: 34.
(2) الغنية: 220.
27

في المتعدد وهو البيع قد وجد في الواحد فيلحق به تنقيحا لمناط الحكم. ولا أثر
للتعدد في الخيار وإن ورد النص به، لوروده مورد الغالب، مع قصد التنصيص به
على الاشتراك والتوطئة لذكر التفرق. ولو أثر فيه لأثر في غيره مما ابتني عليه،
فيسقط مع الاتحاد أكثر الأحكام. ولأن الظاهر من تعليق الخيار بالبيع في
قوله (عليه السلام): «البيعان بالخيار (1)» ثبوته لهما من حيث هما بيعان.
ويرجع بعد إسقاط الاثنينية من الحيثية - لكون التثنية في قوة التكرار
بالعطف - إلى ثبوته للبائع من حيث هو كذلك والمشتري من حيث هو كذلك.
والعاقد الواحد بائع ومشتر فثبت له الخيار بالاعتبارين.
ولا ينافي ذلك قوله: «ما لم يفترقا» إذ النفي حقيقة في السلب المطلق لا في
عدم الملكة عما من شأنه ذلك. ولا فرق فيه بين المتعدد والواحد.
وقد يتمسك بعموم النص أخذا بحقيقة النفي وحملا للتثنية على عموم المجاز
كما ينبه عليه سوق النصوص والاقتران بخيار الحيوان في أكثرها، والعموم فيه
معلوم بالخصوص (2).
وفي الصحيح: ما الشرط في الحيوان؟ فقال: ثلاثة أيام للمشتري. قلت: وما
الشرط في غير الحيوان؟ قال: البيعان بالخيار ما لم يفترقا، فإذا افترقا فلا خيار
بعد الرضا منهما (3).
وهذا الحديث يفصح عن المطلوب فإنه مع تضمنه لما ذكر عم المتحد سؤالا
فيعمه جوابا وتعليلا ينشأ من التنبيه على علة السقوط بالافتراق فيعمه حكما.
وحكى العلامة في التذكرة والتحرير قولا بلزوم البيع ومال إليه الأردبيلي
وصاحب الكفاية وصاحب الحدائق (4) تمسكا بالأصل، ولزوم الضرر ببقاء الخيار

(1) الوسائل 12: 345، 346، 349 ب 1، 3 من أبواب الخيار، ح 1 - 3، 6.
(2) ذكره السيد بحر العلوم أيضا بلفظ «قد يتمسك» مصابيح الأحكام (مخطوط): الورقة 245.
(3) الوسائل 12: 346، ب 1 من أبواب الخيار، ح 3.
(4) التذكرة 1: 516 س 1، التحرير 1: 165 س 33، مجمع الفائدة 8: 389، الكفاية: 91 س
24، الحدائق 19: 13.
28

الغير المغيا بغاية، وظهور الأخبار في التعدد. فإن تثنية البيعين ظاهرا تقضي
بالتعدد الحقيقي وكذا تثنية ضمير «يفترقا» ومادة التفرق.
ثم الذي في صحيحة ابن مسلم «حتى يفترقا» (1) (عليه السلام) وظهور «حتى» في
التعدد الحقيقي لا يخفى.
وفي صحيح الفضيل: ما لم يفترقا فإذا افترقا فلا خيار بعد الرضا منهما (2)
وفيها ظهور من عدة وجوه.
وفي صحيحة الحلبي: أيما رجل اشترى من رجل بيعا فهما بالخيار حتى
يفترقا فإذا افترقا وجب البيع (3).
وفي صحيحة ابن مسلم: المتبايعان بالخيار ثلاثة أيام، وفيما سوى ذلك من
بيع حتى يفترقا (4).
وأحاديث قيام الباقر (عليه السلام) عن مجلسه حين اشترى من غيره (5) لا يدل إلا
على التعدد. ولا أقل من أن الإطلاقات في الأخبار تحمل على الأفراد الشائعة
وهي المتبادرة عند الإطلاق.
وكيف كان فظاهر الأدلة مقصور على التعدد الحقيقي، والإجماع لم يثبت،
وإجماع الغنية (6) مع ضعفه في نفسه مساق للعموم لأفراد البيع كالسلم والنسيئة
ونحوها (7) لا إلى نحو ما ذكر، فإنه من الأفراد النادرة التي يخرج من العموم فضلا
عن الإطلاق، ككلام العلامة في التذكرة حيث قال: ويثبت في جميع أقسام البيع
كالسلم والنسيئة والمرئي والموصوف والتولية والمرابحة (8) ونحوه كلام غيره.
وتنقيح المناط ممنوع، مع أنه ربما كانت الحكمة كثرة دوران المتعدد دون

(1) الوسائل 12: 345 ب 1 من أبواب الخيار، ح 1.
(2) الوسائل 12: 346 ب 1 من أبواب الخيار، ح 3.
(3) الوسائل 12: 348 ب 2 من أبواب الخيار، ح 4.
(4) الوسائل 12: 349 ب 3 من أبواب الخيار، ح 3.
(5) الوسائل 12: 347، 348 ب 2 من أبواب الخيار، ح 1 - 4. (6) الغنية: 220.
(7) كذا في الأصل أيضا، والظاهر: نحوهما. (8) التذكرة 1: 515 السطر ما قبل الأخير.
29

غيره. فناسب الإرفاق بالخيار فيه، وتأثير الاتحاد في سقوط هذا الخيار لا
يقتضي تأثيره في سقوط باقي الأحكام، لوجود الدليل العام فيها دون هذا المقام.
وظهور الحيثية لو سلم لا يقوى على ظهور التعدد. والنفي في «ما لم يفترقا»
وإن كان حقيقة في السلب المطلق إلا أن المتبادر من هذه العبارة بالنظر إلى صدر
الخبر هو توجه النفي إلى القيد خاصة دون المقيد. وهم قد صرحوا في محاوراتهم
في هذا المبحث بأن معناها أن المتبايعين بالخيار ما لم يفارق أحدهما الآخر،
ويحصل البعد بينهما بما يزيد على وقت العقد.
فالمنفي إنما هو الافتراق دون من ترتب عليه الافتراق وهما البيعان. ومبنى
الكلام السابق إنما يتم على رجوع النفي إلى القيد والمقيد، وهو خلاف ظاهر الخبر.
ولا ريب أنه لو دار الأمر بين التجوز بصدر الخبر وهو «المتبايعان» أو عجزه
وهو «ما لم يفترقا» مع أنه ليس من المجاز بل من إرادة غير الظاهر من أفراد
الحقيقة كان الأولى الثاني ولا أقل من الشك والأصل العدم، فلا وجه لما في
المسالك: من أن المفهوم من قوله «ما لم يفترقا» إرادة السلب لا عدم الملكة أي
عدم الافتراق عما من شأنه الافتراق، أو محتمل فيثبت الخيار بمقتضى صدر
الحديث ويحصل الشك في المسقط فيستصحب إلى أن يثبت المزيل (1) إلا أن
يدعى التأييد بفهم المشهور وهم أعرف بمواقع الألفاظ.
ولهذا كله توقف في جامع المقاصد وظاهر التحرير والإيضاح والتنقيح (2)
وحواشي الشهيد.
ثم إنه بناء على ثبوت الخيار هل يسقط بانتقال العاقد عن مجلسه تنزيلا له
منزلة التفرق أو لا؟ وجهان، بل قولان:
حكى أولهما الشيخ في المبسوط عن بعضهم (3) وقال به الصيمري (4) واحتمله

(1) المسالك 3: 198.
(2) جامع المقاصد 4: 287، التحرير 1: 165 س 34، الإيضاح 1: 481، التنقيح الرائع 2: 44.
(3) المبسوط 2: 78.
(4) غاية المرام: 2: 35.
30

العلامة في المختلف (1) وولده في الإيضاح (2) نظرا إلى أن خيار المجلس يسقط
بمفارقته من غير اصطحاب، ولا مصاحبة بين الشخص ونفسه.
وضعف باستحالة افتراقهما والمسقط هو الافتراق. وقد ينتصر له: بلزوم
الضرر لو دام الخيار، وبلزوم مخالفة الفرع الذي هو العاقد الواحد للأصل الذي هو
المتعاقدين - وقد حمل عليه تنقيحا لمناط الحكم وقد كان الخيار في الأصل يزول
بشيء معلوم فينبغي أن يكون في الفرع مثله وإلا لخالفه - وبإطلاق ما دل على
جواز بيع الوكيل ماله من موكله ومال موكله من نفسه، ولو دام الخيار مع الاتحاد
وجب التفصيل في الأخبار الدالة على ذلك بأن يفرق فيها بين شراء الوكيل لنفسه
فيلزم البيع بالاختيار وبين شرائه لغيره فيقف اللزوم على الافتراق، لأن الوكيل
يتوخى مصلحة الموكل ولا مصلحة له في دوام الخيار في الأول كما انها موجودة
في الثاني. لكن هذا التفصيل لم يقل به أحد.
وذهب إلى الثاني العلامة في التذكرة والشهيد الثاني في المسالك والعليان في
التعليقات الكركية والميسية (3) وهو ظاهر الشيخ والقاضي والمحقق (4) لفقد دليل
التنزيل فيستصحب الخيار، والضرر مندفع بالاشتراط والفسخ، والمخالفة مقلوبة
لأن زوال الخيار في الأصل بالتفرق. فلو كان هاهنا بمفارقة المجلس تخالف
الأصل والفرع وتصرف الوكيل منوط بالمصلحة مطلقا فإن وجدت مع استمرار
الخيار صح وإلا بطل بهذا الاعتبار.
قوله: «فلو اكرها أو أحدهما عليه لم يسقط مع منعهما من التخاير» (5) صور
المسألة أربعة (6):

(1) المختلف 5: 64.
(2) الإيضاح 1: 481.
(3) التذكرة 1: 516 س 2، المسالك 3: 199، تعليق الإرشاد (مخطوط): الورقة 133 س 8،
ولا يوجد لدينا التعليقات الميسية.
(4) المبسوط 2: 78، المهذب 1: 353.
(5) الروضة البهية 3: 449.
(6) العبارة في المطبوعة هكذا: هذا كله مع عدم الإكراه، أما لو اكرها أو أحدهما مع منعهما من
التخاير ففي المسألة صور أربع.
31

الاولى: أن يكرها على التفرق وعلى عدم الاختيار في الفسخ وإيجاب البيع.
الثانية: أن يكرها على التفرق ولم يكرها على الاختيار مطلقا لا فسخا
ولا إيجابا.
الثالثة: أن يكرها على التفرق ويكرها على الفسخ فقط.
الرابعة: أن يكرها على التفرق ويكرها على الإيجاب فقط.
ففي الثانية يسقط الخيار، لتمكنهما من الفسخ.
وفي الثالثة لا يسقط، لعدم تمكنه من الفسخ كالاولى.
وفي الرابعة يسقط، لتمكنه من الفسخ، فتركه دليل الالتزام.
والحاصل أن المدار على التمكن من الفسخ وعدمه ويمكن ادخال الصورتين
تحت كلام الشارح [حيث قال: ولو اكرها أو أحدهما عليه لم يسقط مع منعهما
من التخاير] (1).
وعلى كل حال فدليل عدم سقوط الخيار في المقام الإجماع كما في الغنية
وتعليق الشرائع (2). ولعله يخص الصورة الاولى فقط واستصحاب الخيار. وتبادر
الاختيار. ولذا صح أن يقال: لم يفترقا ولكن فرقا.
ويعضده التعليل بالرضا، وأن الخيار شرع للإرفاق ولا رفق مع الإجبار.
فإن قلت: إن الافتراق في الروايات وفي كلام الأصحاب إن اعتبر فيه العلم
والقصد والاختيار فافتراق النائم والساهي والناسي والمدهوش والسكران
والمغمى عليه والمجنون والمجبور ليس بافتراق، فالتمكن من الاختيار وعدمه
سيان، فبقاؤه من غير اختيار مع تمكنه حتى يرتفع ويكون المجلس حينئذ مجلس
الارتفاع لا بأس به وإن دخل تحت الافتراق. والحكم وضعي لا شرعي ينبغي أن
يسقط الخيار بمجرد حصوله بأي كيفية كان.

(1) لم يرد في الأصل.
(2) كما في الغنية: 217، وحكاه السيد بحر العلوم في المصابيح عنها وعن تعليق الشرائع، انظر
مصابيح الأحكام (مخطوط): 245 س 22.
32

قلت: لنا أن نلتزم بالأول بدعوى أنه المتبادر، وان من ذكر عدا المجبور قد
ألحقه الإجماع بالمختار القاصد العالم، ويبقى المجبور على وفق القاعدة.
وعليه منع ظاهر، لعدم تحقق الإجماع في ذلك، كيف! وفي جامع المقاصد قد
تأمل في الحاق المدهوش بالمجنون (1). ولم ينص على حكم المسألة أحد من
الأصحاب مع أنه على هذا يكون غير المجبور أسوء حالا منه.
أو نلتزم بالثاني ونقول: إن المجبور فقط الممنوع من التخاير أخرجه
الإجماع، وهو بعيد.
والظاهر أن المنشأ الصدق العرفي في الفرق بين ما ذكر وبين المجبور، وأن
النائم والساهي ونحوهما ينسب إليهما فعل الافتراق عرفا كالمختار القاصد،
بخلاف المجبور، فإنه لا يقال فيه: افترق، بل فرق.
نعم يبقى الإشكال بالنسبة إلى المجبور في افتراقه الغير الممنوع من اختياره
فمقتضى ذلك عدم السقوط فيه إلا أن يكون الفارق الإجماع، وبناء على أن
المستند الإجماع يشكل، إلحاق الصورة الثالثة من الصور الأربع بالاولى، فتأمل.
فإن قلت: بناء على أن التفرق المجبور عليه بحكم البقاء في المجلس ينبغي
أن يكون البقاء في المجلس وعدم التفرق المجبور عليه بحكم التفرق، وتتصور
فيه تلك الصور الأربع.
قلت: هو قياس مع الفارق، لوجود الدليل في الأول دون الثاني، مع أن الأصل
الاستصحابي كما يثبت الأول ينفي الثاني، فتأمل.
والجبر على أحد الأمرين من البقاء في المجلس أو التفرق في وجه خاص
جبر على التفرق على إشكال.
ولو اكره أحدهما على المفارقة فإن اكره الآخر على المقام يبقى الخياران،
لكونهما مكرهين، وإلا احتمل بقاؤهما، وانقطاعهما، وبقاء خيار المكره دون
الباقي. وكذا لو حبس أحدهما ففارقه الآخر اختيارا.

(1) جامع المقاصد 3: 289.
33

ومبنى الوجوه على أن شرط اللزوم تفرقهما المستند إلى اختيارهما، أو
اختيار أحدهما مطلقا، أو في حق المختار خاصة.
ومستند الأول - وهو الأقوى - أنه المتبادر من النص، والمفهوم من التعليل
بالرضا منهما في الصحيح، ويقتضيه الإجماع المنقول، ولأن الشك في المسقط
يقتضي البقاء تمسكا بالأصل، وهو اختيار المبسوط والغنية والتحرير وكنز الفوائد
والشارح هاهنا (1) وظاهر الإرشاد والمسالك (2). والثاني ظاهر الشرائع والدروس
والإيضاح ومحتمل القواعد (3). والثالث محتملها الثاني، وهو ظاهر الخلاف
والجواهر والتذكرة في هذا الفرع (4) لكنه ذكر في غيره ما ينافيه (5). والمتحصل من
كلامه بعد رد بعضه إلى بعض: سقوط الخيارين معا، لحصول المفارقة باختيار
أحدهما، وعدم توقف الافتراق على تراضيهما، ومقتضى القاعدة السقوط
بالتفرق عدا ما استثني بالدليل، والأصل لزوم العقد، والتعليل عليل. وضعفه (6)
معلوم مما سبق.
ولا يستفاد هذا من إطلاقات روايات مشي الباقر (عليه السلام) الخطى لإيجاب
البيع (7) كما يتخيل لأ نها منزلة على الفرد الظاهر.
وقد يوجه التفصيل بأن مفارقة المختار أمارة الالتزام بالعقد فيسقط خياره
وإن بقي الآخر، كما لو تبعض الاختيار فاختار أحدهما الإمضاء وسكت الآخر،
فإن خيار الساكت باق فقط. وضعف بمصاحبة المكره له شرعا فينتفى الافتراق
منهما كذلك، لأ نه لا يقبل التبعض بخلاف الإيجاب.
ومنه يعلم وجه عدم تأثير مفارقة المختار للمجلس ما دام الآخر مكرها، لأ نه

(1) المبسوط 2:: 84، الغنية: 218، التحرير 1: 166 س 3، كنز الفوائد 1: 447، الروضة 3: 449.
(2) الإرشاد 1: 374، المسالك 3: 196.
(3) الشرائع 2: 21، الدروس 3: 266، الإيضاح 1: 483، القواعد 2: 65.
(4) الخلاف 3: 26 المسألة 35، جواهر الفقه: 55 المسألة 197، راجع التذكرة 1: 518 س 19.
(5) المصدر السابق س 23.
(6) الظاهر مرجع الضمير: كلام العلامة (قدس سره).
(7) الوسائل 12: 347 - 348 ب 2 من أبواب الخيار ح 1 - 3.
34

معه شرعا، فلا يسقط الخياران ولا خيار المفارق فقط. خلافا للعلامة في
التحرير (1). ووجه الفرق بينه وبين الباقي في المجلس بمصاحبة المكره له في
الثاني دون الأول، فإنه إنما جبر بمفارقة المجلس وعدم الاختيار معها وقد أسقط
حكمها الشارع فيكون كما لو كان في المجلس مختار فيهما.
وفيه نظر بل هو بمنزلة المجبور على البقاء الممنوع من الاختيار.
وفي الإيضاح بنى المسألة على بقاء الأكوان وعدمه، وافتقار الباقي إلى
المؤثر وعدمه، وأن الافتراق ثبوتي أو عدمي.
فعلى عدم بقاء الأكوان واحتياج الباقي يسقط، لأ نه فعل المفارقة.
وعلى القول بالبقاء والاستغناء وثبوت الافتراق لا يسقط خياره لأ نه لم يفعل
شيئا وإن قلنا بعدمية الافتراق والعدم ليس بمعلل فكذلك.
وإن قلنا: إنه معلل سقط أيضا لأ نه علته.
وأنت خبير بأن الأحكام الشرعية لا تبنى على التدقيقات الحكمية.
وقد يتمشى بعض وجوه هذه المسألة في الحي والميت. قوله: فإذ أزال الإكراه.
فلهما الخيار في مجلس الزوال (2) إذا زال الإكراه فهل الخيار (3) على الفور أو
على التراخي مطلقا أو محدود بمجلس الزوال؟ وجوه.
فذهب العلامة في أحد قوليه في التحرير والتذكرة إلى الأول (4) اقتصارا فيما
خالف أصل اللزوم على المتيقن.
وذهب الشيخ في المبسوط إلى الثالث (5) وإليه ذهب الشارح هنا (6) ومال
إليه الميسي.
وفيه: أن المراد بالمجلس في هذا المقام مكان البيع لا مطلق المجلس

(1) التحرير 1: 166 س 3.
(2) الروضة البهية 3: 449.
(3) العبارة في المطبوعة هكذا: وهل الخيار بعد زوال الإكراه من المتبايعين ورجوعه إليهما.
(4) التذكرة 1: 518 س 6، وأما التحرير فهذا نصه: ويثبت لهما الخيار في مجلس زوال الإكراه
ما لم يفترقا. راجع ج 1 ص 166 س 2.
(5) المبسوط 2: 84.
(6) الروضة 3: 449.
35

فتحديده بهذا المجلس لا دليل عليه. فإما أن يجعل على الفور أو يجعل على
التراخي غير محدد بالمجلس المذكور، والاستصحاب مقطوع لتغير الموضوع.
وقد يجاب عنه بأنه لما لم يكن هذا الافتراق افتراقا بحكم الشرع فالمجلس
باق إلى حين زوال الإكراه وهو مجلس العقد غير أنه في صورة البعد المفرط
وعدم صدق الاجتماع هل المدار على مجلسهما بعد زوال الإكراه اختلف حالهما
فيه في القيام والقعود والمشي والعدو وغير ذلك أم لا علم أحدهما بحال صاحبه
أو لا، أو يبنى فيهما على مجلس المكره بعد زوال الإكراه، فإن فارقه وإن لم يعلم
الآخر سقط خيارهما وإن لم يفارقه بقي الخياران قام الآخر من مجلسه أو لا، أو
يبنى على مجلس العلم في غير المكره. وفي المكره على مجلس زوال الإكراه، أو
يبنى فيهما على مجلس العلم وصدق الاجتماع ويشترط مراقبة أحدهما لصاحبه؟
وجوه واحتمالات أوفقها بالقواعد الأول وأقربها إلى الاعتبار الأخير.
وذهب بعض المحققين إلى الثاني، واستدل عليه بالأصل، وبأن خيار المجلس
موضوع على التراخي وهذا منه أو بدل عنه (1). والثاني لا يدل على مطلوبه.
واقتصر في الدروس على حكاية قول الشيخ (2). وفي المسالك على
ذكرهما (3) وجهين (4). وظاهرهما التوقف.
ولو زال الإكراه عنه وهو سائر انقطع الخيار بمفارقة موضع التمكن على أحد
الوجهين كما لو فارق مجلس الزوال إلا في طريق العود إن لم يؤد إلى البعد ولا
يجب العود وإن قصرت المسافة ولا يتحرى الأقصر. خلافا لبعض العامة في
الأول (5) ولا عبرة به.
قال المصنف: (ولو فسخ أحدهما وأجاز الآخر قدم الفاسخ)
لأن الفسخ يمضي على الآخر بخلاف الالتزام فإنه إنما يجري على نفسه لأنه

(1) مفتاح الكرامة 4: 542.
(2) الدروس 3: 266.
(3) كذا في الأصل.
(4) المسالك 3: 196.
(5) نسبه العلامة (قدس سره) إلى الجويني، راجع التذكرة 1: 518، س 19.
36

عبارة عن إسقاط حقه من الخيار ولا ينافي ثبوت حق الثاني فيكون كما لو
اختص الخيار بأحدهما، ولأن سلطان الفسخ بأصل العقد مع المجلس والإسقاط
جديد للشرط سواء كان شرط إسقاط أو شرط سقوط فإنه وإن قارن السقوط
العقد في الثاني إلا أنه متأخر في الرتبة فإن الشرط متأخر عن المشروط.
وعلى كل حال فقد تقدم ما ينافيه فلا يؤثر، أو يكون التأثير للفسخ المتأخر
عنه، أو يكون حكما تعبديا مستنده الإجماع على الظاهر.
وتقرير السبب بأن الإسقاط أصل والفسخ عارض، مقلوب على قائله.
وتنظر صاحب الكفاية في تقديم الفاسخ (1) وهو في غير محله.
ولو كان الإسقاط والفسخ من واحد كصدوره من وليين عليه أو وكيلين
مطلقين له دفعة واحدة، فأقوى الوجوه التساقط ويبقى على حاله.
ولو كان من المالك والوكيل، قام فيه وجهان: الصحة ويكون ذلك عزلا
للوكيل أو بحكمه، والبطلان. ولعل الأقوى الأول.
قال المصنف: (ولو خيره فسكت فخيارهما باق)
لو قال أحدهما لصاحبه: اختر، فلا يخلو فإما أن يقول: عني أو عنك أو عنا أو
يطلق، ثم إما أن يعين المختار إما الفسخ أو إسقاطه أو يطلق، ثم إما أن يسكت الآخر
أو يجيب بأحد الأمرين من الفسخ أو الإمضاء أو يجيب بالعدم. فالصور ثمان وأربعون.
والظاهر أنه لو قال: اختر عنك، ليس من محل البحث في شيء. أما لو قال:
عنا أو عني، فالظاهر أن السكوت لا يفيد شيئا في جميع الأقسام.
أما خيار المخير فباق إجماعا وكذا خيار الآخر في صورة الإطلاق كما في
المبسوط والخلاف والشرائع والمختلف والتحرير والقواعد والإيضاح والدروس
وغاية المرام وتلخيص الخلاف وكنز الفوائد (2) وفتوى الشارح هنا وفي

(1) الكفاية: 93 س 2.
(2) المبسوط 2: 82 - 83، الخلاف 3: 21 المسألة 27، الشرائع 2: 21، المختلف 5: 62،
التحرير 1: 165 س 31، القواعد 2: 65، الإيضاح 1: 481، الدروس 3: 266، غاية المرام
2: 34، تلخيص الخلاف 2: 12، كنز الفوائد 1: 445.
37

المسالك (1) للأصل، وإطلاق النص، وعدم دلالة التخيير على الالتزام.
وحكى الفاضلان في الشرائع والمختلف (2) قولا بسقوط خيار القائل، لأ نه
ملك صاحبه ما ملكه من الخيار والخيار حق من الحقوق يقبل التمليك بصلح
وبغيره، وللخبر: المتبايعان بالخيار ما لم يفترقا أو يقول أحدهما لصاحبه: اختر (3).
والتخيير لا يدل على التمليك. والخبر عامي وظاهره سقوط الخيارين معا،
وهو خلاف الإجماع فيحمل على الامضاء.
وعزى المحقق الكركي والشهيد الثاني هذا القول إلى الشيخ (4) وهو غريب!
لتصريحه بخلافه في المبسوط والخلاف وحكاه عنه العلامة وولده (5) كذلك.
وعلى هذا القول فيما لو أجاب بالعدم فهل حكمه حكم السكوت ويكون
التمليك قهريا وإن لم يرض به أو لا؟ وجهان، لعل الأقوى المساواة.
و قد يقال: إن معنى السكوت في كلامهم يعني بالنظر إلى الفسخ أو الإمضاء
وإلا فلابد من القبول قولا أو فعلا ولا معنى للتمليك القهري، فلو سكت أو أجاب
بالعدم لم يكن من المسألة.
وفي التذكرة: يسقط خيار الآمر إن قصد تمليك الخيار (6) وإلا فهو باق وإن
اختار صاحبه الإمضاء.
والحق أن قول القائل: «اختر» يحتمل التمليك والتفويض والاستكشاف. فإن
قصد الأول سقط خياره.
وإن سكت الآخر أو الأخير لم يسقط وإن أمضى، وإن قصد التفويض سقط مع
الإمضاء دون السكوت.
والظاهر من التخيير التفويض، ولذا فرقوا بين السكوت والإمضاء.
ولا يتوجه على المشهور انكم تقولون فيما لو أذن أحد المتعاقدين للآخر في

(1) الروضة 3: 449 - 490، المسالك 3: 197.
(2) الشرائع 2: 21، المختلف 5: 62.
(3) مسند أحمد 2: 73.
(4) جامع المقاصد 4: 285، المسالك 3: 197.
(5) المختلف 5: 62، الإيضاح 1: 480.
(6) التذكرة 1: 518 س 39.
38

التصرف: سقط خيار الآذن وإن لم يتصرف الآخر لأن ظاهر الإذن الالتزام بالعقد،
ويلزمكم مثله في التفويض بأقسامه.
قلنا: فرق بين المقامين، لعدم وجود ذلك الظهور الذي في الإذن في
التفويض، فتأمل.
هذا كله مع السكوت إذا لم يصرح بالمتعلق. ولو صرح بالمتعلق فإن قال:
«اختر الإمضاء» فالحكم كما لو أطلق. ولو قال: «اختر الفسخ» فخيار الآمر باق
وإن أمضى المخير. وظاهر الدروس سقوطه (1) وهو بعيد.
أما مع الجواب، فإن كان بالإمضاء بطل الخياران سواء أطلق المخير أو قال:
«اختر الإمضاء». أما لو قال: «اختر الفسخ» فلا، كما صرح به الشيخ وابن زهرة
والعلامة والشهيد (2) وغيرهم. وفي الغنية وظاهر الخلاف الإجماع عليه (3).
وإن أجاب بالفسخ سواء أطلق المخير أو قال: «اختر الفسخ» انفسخ العقد.
أما لو قال: «اختر الإمضاء» فأجاب بالفسخ وقصد الفسخ بالحق المنتقل إليه
لا الفسخ لحق نفسه، لم ينفسخ على إشكال.
وإن أجاب بالعدم فهو أولى بعدم التأثير من السكوت.
تتميم:
ذكر جماعة من الأصحاب مسقطين آخرين لهذا الخيار غير ما ذكره المصنف:
الأول: بيع من ينعتق على المشتري فإنه لا خيار له فيه ولا للبائع، كما في
التذكرة والقواعد وغاية المرام وكنز الفوائد وتعليق الإرشاد والمسالك (4) لدخوله
في ملك المشتري بنفس العقد فينعتق بمجرد الملك، والعتق لا يقع متزلزلا، والحر
لا يعود رقا.

(1) الدروس 3: 266.
(2) لم نجد التصريح ممن ذكره، راجع الخلاف 3: 21 المسألة 27، الغنية 217، المختلف 5:
62، الدروس 3: 266.
(3) الغنية: 217، الخلاف 3: 21 المسألة 27.
(4) التذكرة 1: 516 س 5، القواعد 2: 65، غاية المرام 2: 43. تعليق الإرشاد (مخطوط)
الورقة: 133، المسالك 3: 212.
39

وفي الصحيح في من ينعتق من الرجال والنساء: إنهم إذا ملكوا عتقوا، وإنهن
إذا ملكن عتقن (1).
وأكثر النصوص وكثير من العبارات نفي الملك، وحقيقة النفي وأقرب مجازاته
ينفيان الخيار، لأن أقرب المجازات نفي الأحكام والآثار، وأعظمها الخيار.
نعم يثبت على القول بانتقال المبيع بعده إذ لا مانع منه، ومدرك المسألة ان بين
دليلي العتق والخيار عموما من وجه، لأن ظاهر الروايات أن تقدم الملك عقلي.
نعم لو قلنا بأنه زماني لم يحصل التعارض إلا بضميمة تلك القاعدة، ودليل
العتق أقوى من وجوه:
أولا: أن العتق عندهم مبني على التغليب ويترجح بأدنى مرجح.
وثانيا: أن أدلته أنص على هذا المورد من أدلة الخيار.
وثالثا: يظهر من الأردبيلي أنه فهم من العلامة في التذكرة عدم الخلاف فيه
بين الأصحاب (2) ولا أقل من أنه المشهور فيما بينهم، مع أنه على تقدير
تكافؤ الدليلين يرجع إلى الأصل وهو لزوم العقد فلا معنى للقول بالجمع بين
الدليلين بناء على إنكار قاعدة عدم وقوع العتق متزلزلا وعدم جواز عود الحر
رقا، فإن الظاهر أنها مجمع عليها فيما بينهم.
واحتمل في الدروس ثبوته للبائع على المشهور (3) لسبق تعلق حقه (4) فيقف
العتق على التفرق أو يثبت الخيار في القيمة دون العين جمعا بين الحقين وتنزيلا
لها منزلة التالف. وهو بعيد خصوصا مع علم البائع وتقدم حقه ممنوع، فإن الخيار
بعد الملك كالعتق والقيمة بدل العين فيمتنع استحقاقها دون المبدل، هكذا قيل (5).
وفيه: أن ذلك فيما لو تفرع على استحقاق العين كما في التلف فحق، أما لو
قضى به الدليل الخارجي فلا امتناع، نعم يتوجه عليه ما تقدم. ولعله يريد ذلك.

(1) الوسائل 13: 29 ب 4 من أبواب بيع الحيوان ح 1.
(2) مجمع الفائدة 8: 390.
(3) الدروس 3: 266.
(4) كذا في الأصل أيضا، والظاهر زيادة: على المشهور.
(5) ذكره في مفتاح الكرامة: ج 4 ص 548 س 32 بلفظ: بل قد يقال.
40

وعد من قبيل ما نحن فيه في سقوط هذا الخيار شراء العبد نفسه إن جوزناه
لكنا لا نجيزه، وما إذا قهر الحربي قريبه وباعه للمسلم فإنه استنقاذ وبيع الكافر
المصحف والمسلم، وما إذا اشترى المملوك ليرث، وما إذا كان المبيع جمدا في شدة
الحر فإنه يذوب شيئا فشيئا، إلا أن يقال: إن التلف لا يسقط الخيار، إلى غير ذلك.
ثانيهما: التصرف من المشتري بالبيع، فإنه مسقط لهذا الخيار، كما في الخلاف
والكافي والجواهر والسرائر والتذكرة والتحرير والقواعد والإيضاح والدروس
والتنقيح وتلخيص الخلاف وكنز الفوائد والمسالك (1)
للتعليل بالرضاء المستفاد من الصحيحين الواردين في سقوط الخيار
بالافتراق وخيار الحيوان بالتصرف (2). وفيه: أن الظاهر من الأصحاب أنه لبيان
الحكمة لا العلة، وسيأتي تمام الكلام في ذلك.
ولنقل الشيخ في الخلاف إجماع الفرقة على أن المشتري متى تصرف في
المبيع سقط خياره (3) وورود الأخبار به عنهم (عليهم السلام) مشيرا بذلك إلى ما أورده في
كتاب الحديث ولم يوجد فيه ما يدل على إبطال التصرف لمطلق الخيار إلا من
جهة التعليل (4)، ووافقه القاضي على الثاني فادعى ورود الأخبار به دون الأول (5)
وكما يسقط خيار المشتري بتصرفه في المبيع فكذا يسقط خيار البائع بتصرفه
بالثمن المعين، لاشتراك العلة وهي الدلالة على الرضا بالبيع إن قلنا بتماميتها فيه،
وإلا كان المستند الإجماع المنقول وهو خاص بالمشتري. ولو انعكس الأمر
فتصرف البائع بالمبيع أو المشتري بالثمن كان فسخا من دون معونة القرينة بناء
على ثبوت التعليل المتقدم حملا لفعل المسلم على الصحة، فيبطل به الخياران معا.

(1) الخلاف 3: 23 - 24 المسألة 31، الكافي في الفقه: 353، جواهر الفقه: 54 - 55 المسألة 196، السرائر
2: 247 - 248، التذكرة 1: 517 س 13، التحرير 1: 165 س 30، القواعد 2: 65، الإيضاح 1: 48،
الدروس 3: 266، التنقيح 2: 50، تلخيص الخلاف: 13، كنز الفوائد 1: 453، المسالك 3: 197.
(2) الوسائل 12: 346، 350 ب 1، 4 من أبواب الخيار ح 3، 1.
(3) الخلاف 3: 23 المسألة 31.
(4) راجع التهذيب 7: 24، 75 ح 102، 320.
(5) جواهر الفقه: 55.
41

وأهمل جماعة حكم التصرف في هذا الخيار واقتصروا على سقوطه بالتفرق
والتخاير. وقصره جمع منهم عليهما فقالوا: إنما سقط بالتفرق والتخاير، ومنهم
الشيخ في المبسوط وابن زهرة وابن سعيد وابن إدريس في موضع من السرائر (1).
وآخرون قصروا الأمر على الافتراق موافقة للفظ النص (2)، وظاهر المتأخرين
عدم الخلاف، وهو كذلك، وينبه عليه الإجماع المنقول وبعد الاختلاف في التخاير
مع تكثر نقل الإجماع (3) فيه وتخصيصهم خيار الغبن بالبقاء مع التصرف، وتعليلهم
السقوط به في غيره بدلالته على الرضا والعلة مشتركة فيشترك المعلول، فالقصر
على البعض والاقتصار قصور في العبارة واتكالا على الظهور لا مخالفة في
الحكم. وسيجئ تمام الكلام في التصرف إن شاء الله.
* * *

(1) المبسوط 2: 82، الغنية: 217، الجامع للشرائع: 247، السرائر 2: 246.
(2) المقنعة: 591، النهاية 2: 135، 136، المراسم: 172، المفاتيح 3: 68.
(3) راجع الغنية: 217 والخلاف 3: 21، المسألة 27 فإن ظاهره الإجماع عليه كما نسبه إليه
السيد العاملي في مفتاح الكرامة: ج 4 ص 543 س 31 والتذكرة 1: 517 س 19.
42

قال المصنف:
(الثاني: خيار الحيوان)
والمراد بالحيوان كل ذي حياة صغيرا بالذات أو بالوصف كالجراد ودود القز
وزنبور العسل والعلق ونحوها على إشكال، أو كبيرا، إنسيا أو وحشيا، بريا أو
بحريا وإن خرج من الماء واشترطنا إمكان البقاء لإمكان عوده إلى ما يعيش فيه.
فلو تركه المشتري على الجدد حتى مات فلا ضمان على البائع إنسانا أو غير
إنسان حيوانا تاما أو جزء مشاعا على إشكال. أما الجزء المعين منه كالرأس على
القول بجواز بيعه فلا خيار فيه على الأقوى مستقر الحياة أو غير مستقر. وفي غير
المستقر وجهان: بالنظر إلى صحة البيع وعدمها وثبوت الخيار وعدمه نظرا إلى أنه
لا فائدة فيه فأشبه بيع الميتة والخيار لا يمكن للموت، وباعتبار حصول الفائدة فيه
ولو بشعره ووبره وعظمه. فلو فرض أنه لا فائدة فيه أصلا لم يكن فساد البيع من
جهة عدم استقرار الحياة، بل لهذا الوجه.
ودعوى عدم إمكان الخيار للموت، ممنوعة لإمكان اختيار المشتري الفسخ
قبل الموت. ولو لم يفسخ كان تلفه من مال بائعه كما هو القاعدة في خيار الحيوان.
والأقوى الثبوت لعموم الأدلة الدالة على ثبوت هذا الخيار في كل حيوان.
فلو باع غير مستقر الحياة مع العلم بأنه لا يبقى ثلاثة أيام أو باع حيا من
السمكة والجراد ولا يبقى كذلك، احتمل القول بانتفائه لانتفاء موضوعه، و
43

بالثبوت بمقدار الحياة لأن معنى خيار الحيوان خياره ما دام حيا فيكون كما إذا
مات اتفاقا، وبالثبوت إلى الغاية، وخير الثلاثة أوسطها.
أما الميت مذبوحا أو منحورا أو ميتا مذكى كالسمك والجراد، فلا خيار لمشتريه.
والظاهر إنه لا فرق بين كون الحيوان مبيعا مستقلا أو منضما إلى غيره.
وما يقال: إن ثبوت هذا الخيار على خلاف الأصل فيقتصر فيه على المتيقن
والمركب من الداخل والخارج، لا وجه له.
وعلى تقدير ثبوت الخيار فليس الفسخ فيه فقط، ولو فسخ فيه فإما أن يقع باطلا
أو يكون فسخا في الكل كما سبق، لا باعتبار الضرر بالتبعيض، فإن ذلك في الخيار
الذي مستنده الضرر لا يخلو من إشكال لتعليلهم فيه بأن الضرر لا يجبر بمثله، بل
لأن الفسخ عائد إلى العقد، والعقد واحد فلا يتبعض، وباب التبعيض للصفقة ليس
فسخا لبعض العقد، وإنما هو انفساخ من الأصل أو شيء قضى به الدليل.
وقولهم: إن العقد بمنزلة عقود، يريد ون بالنسبة إلى ذلك.
وقول جماعة من الأصحاب بمشروعية الإقالة بالنسبة إلى البعض، إن قام
عليه إجماع فذلك، وإلا منعناه.
وما يتخيل: من أن العقد كصيغة الأمر يقع الامتثال ببعض أفراد المأمور به
دون البعض وإن العقد له تأثيرات متعددة فيرتفع بعضها ويبقى الباقي، لا وجه له،
بل هو من قبيل الأسباب وهو سبب واحد، والأسباب الشرعية كالأسباب العقلية
فلا يرتفع بعض آثارها ويبقى الباقي، إذ بارتفاعه ترفع العلة.
قال المصنف: (وهو ثابت للمشتري خاصة)
ثبوت هذا الخيار في الجملة مجمع عليه بين الأصحاب إجماعا محصلا أو
منقولا نقلا مستفيضا، والنصوص به مستفيضة (1).
والبحث في هذه المسألة يقع في مقامات:

(1) الوسائل 12: 348 ب 3 من أبواب الخيار.
44

الأول في اختصاص هذا الخيار بالبيع
فنقول: لم نر من الأصحاب من نص على جريان خيار الحيوان في غير البيع
ولا على عدمه، والاقتصار على البيع - كما في خيار المجلس - عدا بعض من
متأخري المتأخرين (1). إلا أن ظاهر كلماتهم وفحاوي الأخبار يقضي بالاقتصار،
وهو الموافق لمقتضى الأصل والقاعدة في الخيار.
وما يتخيل: من الجريان استنادا إلى عموم الحكمة في ثبوت الخيار في
الحيوان دون غيره، فضعيف، لعدم النص على الحكمة نصا معتدا به، ولا قام عليه
إجماع، مع أن الحكمة لم تصل إلى حد منصوص العلة حتى يحكم بجريانها على
أ نه ربما كانت الحكمة في خصوص البيع، لكثرة دورانه بخلاف ما عداه.
ودعوى: تنقيح المناط، مما لا يتفوه به. فحينئذ فكلما شك في شمول البيع له
لا يحكم بجريان هذا الخيار فيه، وكذا كل خيار خاص بالبيع.
وقد تقدم تفصيل ذلك في خيار المجلس.
الثاني في معنى البائع والمشتري
وفيه وجوه:
أولها: أن البائع من خلا ماله المنقول منه من الباء، والمشتري بخلافه.
ثانيها: أن البائع المطلوب منه، والمشتري الطالب.
ثالثها: أن البائع المبتدي بالعقد، والمشتري بخلافه.
رابعها: البائع الموجب، والمشتري القابل.
خامسها: البائع مصدر الفعل، والمشتري مصدر الانفعال.
سادسها: البائع ناقل الجنس، والمشتري ناقل النقد.
سابعها: البائع المستدعي للمنقول إليه أولا عادة، والمشتري بخلافه.

(1) لم نظفر به.
45

ثامنها: أن البائع هو المنادى على ما في يده، والمشتري بخلافه.
تاسعها: أن المشتري صاحب المماكسة، والبائع بخلافه.
عاشرها: أن المشتري ناقل الثمن وهو ما من شأنه دخول الباء، والبائع
بخلافه. إلى غير ذلك.
ولو حاولت الجمع منها بين صفتين مما ذكر كانت خمسا وأربعين صورة، ولو
حاولت التثليث والتربيع والتخميس وهكذا تعددت الصور، والكل لا وجه له.
وكلها أو جلها ينتقض بالسلم، وبصورة تقديم القبول على الإيجاب، وفي
العقد بصيغة الشراء من الجانبين بناء على جوازه.
وفي التمييز بالمعاطاة الفعلية لو جعلناها بيعا، وفي عقد الأخرس إشكال.
ولعل الظاهر اختلافهما بالنظر إلى هذه الوجوه باختلاف المقامات.
وبذلك يرتفع الاشتباه، وعلى تقديره، فمع الشك في صدق اسم المشتري
ينفى الخيار بالأصل، فتأمل.
ومثل هذا البحث يجري بالنظر إلى لفظ الثمن والمثمن.
وتظهر الثمرة بالنسبة إلى ما يترتب على كل واحد منهما من الأحكام.
وتعريفهم الثمن بدخول الباء، فيه: أنه لا يجدي في مثل بعتك على عوض كذا
أو الثمن كذا. وكذا جعل الثمن الفضة والذهب لا يجري فيما لو كان كل منهما من
جنس الذهب والفضة بل ربما يكون المبيع من جنسهما والثمن من غيرهما.
والأولى جعل المثمن هو الواقع في المرتبة الاولى بعد الإيجاب والقبول والثمن
بخلافه، أو ما قصد بالأصالة لا بالإبدال والثمن بخلافه، أو ما من شأنه عدم دخول
الباء والثمن بخلافه.
المقام الثالث في اختصاصه بالمشتري
وقد اختلف فيه الأصحاب، فقيل باختصاصه به وعدم ثبوته للبائع مطلقا سواء
كان الثمن والمثمن حيوانين أو أحدهما حيوانا دون الآخر، وهو المنقول عن
46

الشيخين والصدوقين وأبي علي وأبي يعلى والطوسي والآبي والشاميين الخمس
والحليين الست (1). وهو المشهور بين الأصحاب شهرة محصلة ومنقولة نقلا مستفيضا.
واستدل عليه بالأصل، والإجماع كما في الغنية (2) وظاهر الدروس (3) وعموم
الكتاب (4) وعموم روايات خيار المجلس، وخصوص الصحاح (5):
منها: الصحيح الصريح عن رجل اشترى جارية لمن الخيار للمشتري أو
للبائع أو لهما كليهما؟ فقال: الخيار لمن اشترى ثلاثة أيام نظرة. رواه الحميري في
قرب الإسناد (6).
وما رواه الراوندي في فقهه قال: وعن فضيل قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): ما
الشرط في الحيوان؟ قال: ثلاثة أيام شرط ذلك في حال العقد أو لم يشترط،
ويكون الخيار للمبتاع خاصة (7). ولا يقدح في ذلك كون المروي في الكافي
والتهذيب عن فضيل في الصحيح: «ما الشرط في الحيوان؟ فقال: ثلاثة أيام
للمشتري. قلت: وما الشرط في غيره؟ فقال: البيعان بالخيار ما لم يتفرقا (8)» لأ نه
من القدماء وأخذه من الاصول القديمة.
وفي هذه الرواية دلالة على المطلوب من وجوه:
منها: الحصر المستفاد من التعريف، فإن التقدير «الخيار في الحيوان

(1) المقنعة: 592، المبسوط 2: 78، المقنع: 365، المراسم: 173، الوسيلة: 248، كشف الرموز 1: 457،
الكافي في الفقه: 353، المهذب 1: 353، الدروس 3: 272، الروضة 3: 45، جامع المقاصد 4: 291،
السرائر 2: 243 - 244، الشرائع 2: 22، الجامع للشرائع: 247، 261، النزهة: 586، المختلف 5: 64،
الإيضاح 1: 483، التنقيح 2: 45.
(2) الغنية: 219.
(3) الدروس 3: 272.
(4) المائدة: 1.
(5) راجع الوسائل 12: 345 و 348، ب 1 و 3 من أبواب الخيار.
(6) الوسائل 12: 350، ب 3 من أبواب الخيار ح 9.
(7) فقه القرآن 2: 51.
(8) الكافي 5: 170 ح 6، التهذيب 7: 20 ح 85.
47

للمشتري» وفرق بينه وبين قولنا: «المشتري للحيوان بالخيار» فإن الثاني إنما يدل
بمفهوم الوصف والأول به وبالحصر.
ومنها: ظهور اللام في الاختصاص.
ومنها: المقابلة بثبوت الخيار في غير الحيوان للبائعين.
ومنها: ظهور هذا الوصف في التقييد لتعقبه السؤال والمعصوم في مقام تعريف
خيار الحيوان، وكل قيد في مقام التعريف يعتبر يقينا، لأ نه احترازي كما تقرر
في محله.
وكما أن المفهوم من «ثلاثة أيام» أنه ليس أقل منها ولا أكثر لأ نه في مقام
البيان، فكذا ما نحن فيه.
ولا يقدح في الاستناد إلى الرواية ظهورها في كون خيار المجلس مختصا
بغير خيار الحيوان فتكون متروكة الظاهر، لأن ذلك إنما وقع تبعا لسؤال السائل.
وتقرب من هذه الرواية في الدلالة صحيحة ابن رئاب: الشروط في
الحيوانات ثلاثة أيام للمشتري (1).
وفي صحيحة الحلبي: في الحيوان كله شرط ثلاثة أيام للمشتري وهو بالخيار
فيها اشترط أو لم يشترط (2).
وموثقة ابن فضال: صاحب الحيوان المشتري بالخيار إلى ثلاثة أيام (3).
وهذان الروايتان دالتان بمفهوم الوصف، ويتلوهما الصحيحان «البيعان
بالخيار حتى يفترقا، وصاحب الحيوان بالخيار ثلاثة أيام (4)» فإنهما ظاهران
بحسب السوق في حصر خيار الحيوان بأحدهما، فإن اريد به البائع كانتا
مخالفتين للإجماع فتعين أن المراد به صاحبه بعد العقد، وهو المشتري.

(1) الوسائل 12: 350 ب 4 من أبواب الخيار، ح 1.
(2) الوسائل 12: 349 ب 3 من أبواب الخيار، ح 1.
(3) الوسائل 12: 349 ب 3 من أبواب الخيار، ح 2.
(4) الوسائل 12: 345، ب 1 و 3 من أبواب الخيار، ح 1 و 6.
48

ويشهد له تقييده به في الموثقة مضافا إلى أنه هو المتبادر لأ نه قد انتقل إليه
عنه، وأيضا فالحيوان في ضمان البائع مدة الخيار كما دل عليه الصحيح والمرسل
وغيرهما (1) ولولا اختصاص المشتري به لكان من ضمانه.
وفي مكاتبة الصفار للعسكري - المشتملة على أنه مع إحداث المشتري حدثا
يجب الشراء (2) وظاهرها الوجوب من الطرفين - ما يقضي بذلك.
وأيضا فالمدة إنما ضربت فيه لمكان الاختيار، والبائع خبير فلا خيار.
وذهب السيدان - المرتضى وابن طاووس - إلى ثبوت الخيار لهما (3) وإطلاق
الخلاف (4) قد يؤذن بموافقتهما، وكذا الكافي لولا تصريحه بضمان البائع (5) وإليه
مال الشهيد الثاني قال: وهو في غاية القوة إن لم يثبت إجماع على خلافه (6) كذلك
صاحب المفاتيح (7).
وتوقف الشهيد الأول في غاية المراد وحواشي القواعد وأبو العباس في
المقتصر (8) للإجماع كما في الانتصار والخلاف (9) والصحيح «المتبايعان بالخيار
ثلاثة أيام في الحيوان وفيما سوى ذلك من بيع حتى يفترقا» (10) وما اشتمل من
الروايات على لفظ «صاحب الحيوان» بناء على أن المراد من انتقل عنه.
وإجماع الانتصار مردود بالشذوذ والانحصار، لأن ابن طاووس غير داخل
تحت معقده، لتأخر عصره عنه، فانحصر القائل بمضمونه بمدعيه.
وغرض الشيخ في الخلاف إثبات أصل الخيار ردا على العامة، وإنما احتج

(1) الوسائل 12: 351، ب 5 من أبواب الخيار.
(2) الوسائل 12: 351 ب 4 من أبواب الخيار، ح 1.
(3) الانتصار: 433، المسألة 245، وحكاه الفاضل الآبي في كشف الرموز ج 1 ص 459 عن
السيد بن طاووس (رحمه الله).
(4) الخلاف 3: 12، المسألة 8.
(5) الكافي في الفقه: 353.
(6) المسالك 3: 200.
(7) المفاتيح 3: 68 - 69. (8) غاية المراد: 97، حواشي القواعد: 64 س 3، المقتصر: 169.
(9) الانتصار: 433 المسألة 245، الخلاف 3: 12، المسألة 8.
(10) الوسائل 12: 349 ب 3 من أبواب الخيار، ح 3.
49

بالإجماع على ذلك دون العموم لتصريحه في النهاية والمبسوط باختصاصه
بالمشتري (1) ويتفق وقوع مثل ذلك منه كثيرا.
والصحيح مع كونه متروك الظاهر، لأن ظاهره اختصاص خيار المجلس بغير
الحيوان، لقوله (عليه السلام): «وفيما سواه... إلخ» - ولا يرد علينا مثله في خبر قرب
الإسناد، لأن الظهور هنا نشأ من كلام المعصوم وفي ذلك من كلام السائل -
وركاكته بزيادة لفظة «من بيع» غير واضح السند، لأن فيه أبا أيوب بن عيسى أو بن
عثمان أو بن زياد وإن كان الظاهر أنه الثقة، إلا أن ذلك مما يوهنه. ولا صريح
الدلالة (2) لاحتماله ثبوت الخيار للمشتري على البائع فيكون بينهما كما في
المختلف (3) أو على أن الخيار للمجموع، من حيث المجموع فلا يدل على ثبوته
في الأفراد كما في غيره أو على غير ذلك.
وروايتا «صاحب الحيوان» دالة (4) على الخلاف كما سبق.
وعلى كل حال فدليل المرتضى لا يعارض الصحاح المشتملة على النص
الصريح المعتضدة بجهات الترجيح كالمطابقة لظاهر الكتاب والشهرة الظاهرة بين
الأصحاب وأصل اللزوم والإجماع المنقول بل المعلوم وموافقة الاعتبار وظواهر
الأخبار، فلا مجال للتوقف، ولا لتقوية هذا القول، مع أن راوي حجة الخصم محمد
ابن مسلم قد روى عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
البيعان بالخيار حتى يفترقا وصاحب الحيوان بالخيار ثلاثة أيام (5). فالراوي
والمروي عنه فيهما واحد.
وروى هذا الخبر زرارة بعينه في الصحيح (6) واللفظ فيهما مسند إلى النبي (صلى الله عليه وآله)

(1) النهاية 2: 140، المبسوط 2: 78.
(2) عطف على قوله: غير واضح السند.
(3) المختلف 5: 65.
(4) كذا، والمناسب: دالتان.
(5) الوسائل 12: 345 ب 1 من أبواب الخيار، ح 1.
(6) الوسائل 12: 349 ب 3 من أبواب الخيار، ح 6.
50

فيشبه أن يكون هذان هما الأصل. والأول مروي بظن الموافقة لهما في المعنى.
وذهب الصيمري إلى ثبوته للمتبايعين إذا كان المبيع حيوانا بحيوان (1).
وجعله المحقق الثاني ثالث الأقوال ونفى عنه البعد وجعله كالعلامة
محملا (2) لصحيحة محمد بن مسلم السابقة في حجة المرتضى (3)، وبه يحصل الجمع
بين الأدلة.
وأنت خبير بأن الجمع فرع التكافؤ وقد علمت عدمه، مع أنه لا شاهد عليه.
وذهب الشهيد الثاني في المسالك والأردبيلي في مجمع البرهان إلى ثبوته
لذي الحيوان مطلقا فيكون لهما إذا كان العوضان حيوانين وللمشتري خاصة في
بيع الحيوان بغيره، وللبائع كذلك في بيع غيره به (4) وقواه الشارح هنا (5). واحتمله
العلامة في التذكرة (6) نظرا إلى الحكمة المشتركة فإن اختصاص الحيوان بالخيار
لاشتماله على امور باطنة لا يطلع عليها إلا بالتروي والاختبار مدة فلو كان هذا
الخيار غير محدود لأفضى إلى الضرر لأدائه إلى الفسخ بعد مدة طويلة ولا
محدودا بيوم لأ نه لا يظهر فيه حاله غالبا وباليومين قد يشتبه العيب فحدد بالثلاثة.
وهذه الحكمة مشتركة في الجانبين، وتمسكا بالجمع بين الأخبار، وعملا بإطلاق
ثبوته لصاحب الحيوان في الصحيحين (7).
فأما الحكمة فإن اريد بها العلة المستنبطة فلا يجوز العمل بها ما لم تكن
معلومة علما قطعيا من عقل أو إجماع فتكون منقحة، وإن كانت منصوصة كفى فيها
الظن، لأن الدلالة حينئذ لفظية، وليس في المقام شيء منهما قطعا.
وإن اريد بها الحكمة في شرع الحكم وموافقته للاعتبار، ففيه: أن هذه لا يناط

(1) غاية المرام: 2: 35 - 36.
(2) جامع المقاصد 4: 291، المختلف 5: 64 - 65.
(3) الانتصار: 433 المسألة 245.
(4) المسالك 3: 200، مجمع الفائدة 8: 395.
(5) الروضة 3: 450.
(6) التذكرة 1: 519 س 19.
(7) الوسائل 12: 345، 349 ب 1، 3 من أبواب الخيار، ح 1، 6.
51

بها حكم، لعدم انضباطها، واطراد الحكم بدونها، على أنه ربما كانت الحكمة ما ذكروه
مع كثرة الوقوع والصدور بخلاف الفرض المذكور، والجمع فرع التكافؤ، مع أنه لا
شاهد عليه، والمتبادر من «صاحب الحيوان» في الصحيحين خصوص المشتري
له لا البائع ولا المنتقل إليه ببيع شيء به ولا الناقل مطلقا بائعا له أو مشتريا غيره
به، على أن تقييده به في الموثق يفيد الاختصاص به حكما، للجمع بين العام
والخاص بناء على كون الصفة مخصصة، أو موضوعا بناء على أن الصفة كاشفة،
وأن المتبادر إنما هو خصوص المشتري، وأما البائع مطلقا فلا ينصرف إليه
الإطلاق قطعا.
وعلى تقديره، يلزم انه متى كان أحد العوضين حيوانا يثبت الخيار
للمتبايعين، وهذا لم يقل به أحد ولا احتمله محتمل.
وما يقال: من أن المراد بصاحب الحيوان في الصحيحين من انتقل إليه
الحيوان لا صاحبه الأصلي الناقل له، والتقييد بالمشتري في الموثق وإطلاق
اختصاص الخيار بالمشتري في الأخبار الاخر إنما ورد مورد الغالب، فالصفة
ليست مخصصة ولا موضحة وإنما وردت على ما هو الشائع، وحينئذ يكون
صاحب الحيوان شاملا لكل من انتقل إليه الحيوان ثمنا كان أو مثمنا ولا مخصص
له. فالخيار لهما حيث يباع الحيوان بالحيوان وعليه يحمل الصحيح الذي هو دليل
السيد، وللبايع إن باع الدار بالحيوان مثلا، وللمشتري إن باعه بالدراهم.
قلت: قد تقدم لك أن المتبادر إنما هو المشتري لأن الغالب في صاحب
الحيوان المشتري فيكون واردا على الغالب وينصرف الإطلاق إليه، ولا يتناول
من انتقل إليه مبيع غيره به، لأ نه نادر خصوصا بيع الدراهم به.
وما يقال: إن عموم «صاحب الحيوان» لغوي فيتناول النادر وغيره من جهة
الإضافة وعدم سبق معهود له مع اعتضاده بالحكمة العامة فلا مجال للحمل
على الغالب.
52

لأنا نقول: غلبة استعماله في المشتري جرت مجرى سبق المعهود الخارجي
مؤيدا بالتقييد والإطلاق المشار إليهما سابقا.
على أنا نمنع كون عمومه لغويا، إذ لا يزيد عما اكتسب منه العموم أعني
المضاف إليه، مضافا إلى فهم المشهور منه ذلك وهم أعرف بمواقع الألفاظ، مع أن
الأصل في التقييد التخصيص ولا يصار إلى غيره إلا بالقرينة، مع أنه الموافق
للروايتين الصريحتين الأولتين، ورواياتهم يكشف بعضها عن بعض.
وعلى كل حال فهو غير مكافئ لما سبق من الأدلة فلا معنى للقول به.
وتستوي في مدة هذا الخيار الأمة وغيرها على الأظهر وفاقا للحلي
والشهيدين (1) وظاهر الأكثر، لعموم النصوص كقوله في صحيحة الحلبي: الخيار
في الحيوان كله (2). وفي صحيحة ابن رئاب: الشروط في الحيوانات (3) إلى غير
ذلك وخصوص صحيحة قرب الإسناد الواردة في الجارية بخصوصها (4)،
وصحيحة عبد الله بن سنان: عهدة البيع في الرقيق ثلاثة أيام إن كان بها حبل أو
برص (5)، ونحو هذا الحديث، وللإجماع كما في السرائر (6) وظاهر الانتصار
والخلاف والتذكرة والتحرير (7).
خلافا للحلبيين فجعلا الشرط في الأمة مدة استبرائها (8) وادعى في الغنية
الإجماع عليه. ويوافقهما ظاهر الشيخين والديلمي حيث حكموا بضمان البائع
مدة الاستبراء (9) وليس إلا أنها مدة الخيار، والحمل على عدم القبض بعيد.

(1) السرائر 2: 279، الدروس 3: 272، المسالك 3: 199.
(2) الوسائل 12: 349 ب 3 من أبواب الخيار، ح 1.
(3) الوسائل 12: 350 ب 4 من أبواب الخيار، ح 1.
(4) الوسائل 12: 350، ب 3 من أبواب الخيار، ح 9.
(5) الوسائل 12: 350 ب 3 من أبواب الخيار، ح 7.
(6) السرائر 2: 279 - 280.
(7) الانتصار: 433 المسألة 245، الخلاف 3: 12 المسألة 8، التذكرة 1: 519 س 3، التحرير 1: 166 س 11.
(8) الكافي في الفقه: 353، الغنية: 219.
(9) المقنعة: 592 - 593، النهاية 2: 144 - 145، المراسم: 173.
53

والمفروض في المقنعة والنهاية وضع المشتري اياها عند غيره وهو قبض وايداع.
وفيهما وفي المراسم والوسيلة والجامع: أن النفقة تلك المدة على البائع (1)
وهو مؤذن بذلك، وإلا لوجبت على المشتري بالملك قبل انقضائها، سواء قلنا
بالملك من حين العقد أو بعد انقضاء الخيار.
ولو جعل الحيوان شرطا للمشتري فهل بحساب المبيع (2) ويجيء حكم
الشراء فيه أو بمنزلة عقد آخر؟ الأقوى الأول.
نعم لو كان في مقابلة عوض كأن يشترط المشتري حيوانا في مقابلة شيء
آخر كان احتمال دخوله تحت العقد المستقل لا يخلو من وجه، والأوجه خلافه.
قال المصنف: (ثلاثة أيام)
لا ريب في دخول الليلتين المتوسطتين، وإنما البحث في أنه على الحقيقة
باعتبار أن اليوم مقول على ما بين طلوع الفجر إلى المغرب وعليه وعلى الليل
بطريق الاشتراك اللفظي أو المعنوي، أو أن العدد من الأيام موضوع بوضع آخر، أو
أ نه مجاز في المفرد أو في العدد باعتبار الهيئة، أو الدخول بحسب الحكم لا الاسم
والقرينة أو الدليل بعد الطفرة، لأن اليوم يقابل الليلة فهو ما بين طلوع الفجر إلى
غروب الحمرة المشرقية.
ولو ادعي أنه أظهر فردي الحقيقة ويكون كالمشترك بين الكل وجزئه، لم
يكن بعيدا.
وأما الليلة الاولى فغير بعيد أن يقال بأن الأيام المتعددة إذا تعلق بها الخطاب
- كأيام الاعتكاف والإقامة والتردد ثلاثين يوما وأيام الحيض وأكثره والعدد
ونحوها - يجوز فيها إدخال الليلة الاولى وإخراجها فهي كالمشترك بين الكل
وجزئه. فإن ادخل الليلة صارت جزء، وليست بخارجة حتى تكون العشرة تسعة
والثلاثة اثنين، لأن الطفرة لا معنى لها، وبناء على التلفيق يلزم ذلك، فيجوز أن
ينوي الاعتكاف من المغرب ويدخل الليلة ولابد من الإتيان بعشرة تامة أو ينوي

(1) الوسيلة: 248، الجامع للشرائع: 262.
(2) في ط: البيع.
54

الصبح ويخرجها. وكذا في الإقامة والحيض والطهر وهكذا، فتكون الأيام عبارة
عما لا يزيد عليها بياض مثلا، فإذا زاد بياض جاء التلفيق، لبعد الطفرة، وللإجماع
على مقارنة الخيار للعقد، ولعدم لزوم ما زاد على العدد وإلا كانت أيام الإقامة
عشرة ونصف. وكذا الحيض والطهر والعدد وهكذا. فهو مجاز قرينته ما ذكرناه، أو
مشترك لفظي أو معنوي بين الكل وجزئه أو الدخول بحسب الحكم لا الاسم.
وأما الليلة المتأخرة فلا تدخل قطعا، وقول بعض الأساطين: والظاهر دخول
الليلتين أصالة فتدخل الثالثة وإلا اختلف معنى الآحاد في استعمال واحد (1)، إن
أراد به المتأخرة لا وجه له، لأن كلامه إنما يتم على الوجهين الأولين، وهما
أضعف الوجوه من أن اليوم حقيقة فيما يعم الليل أو مجاز في الأعم وإن العدد تابع
لذلك إما على الوجوه الاخر من ثبوت الوضع للهيئة التركيبية في العدد للكل أو
القدر المشترك بينه وبين الجزء أو المجازية فيها أو الدخول حكما لا اسما فلا.
والمراد ثلاثة أيام تحقيقا لا تقريبا، لأ نه الأصل في التحديد. واليوم المنكسر
لا معنى لإسقاطه ولزوم العقد فيه وإلا لزم عدم مقارنة الخيار للعقد، ولا لثبوت
الخيار فيه واعتبار ثلاثة أيام تامة بعده وإلا لزم زيادة الخيار على ثلاثة أيام، ولا
لاحتسابه أحد الثلاثة من غير فرق بين النقص القليل المتسامح به وغيره وإلا لزم
نقص الخيار عن الثلاثة أيام فليس إلا التلفيق، من غير فرق بين أن نقول بأن
الملفق يوم حقيقة وليس من الأفراد النادرة أو من الأفراد النادرة وإطلاق اليوم
ينصرف إلى غيره، أو نقول بأنه مجاز كما هو الأقوى لوجود القرينة التي ذكرنا.
والظاهر أنه لا يلحظ في التلفيق تفاوت الأيام في الطول والقصر، بل المدار على
مقدار الكسر من اليوم كيف ما كان.
قال المصنف: (من حين العقد)
الظاهر اعتبار التملك فلو أسلم حيوانا بطعام فخياره من حين القبض لا العقد
بناء على ثبوت الخيار للبائع، وكذا في عقد الفضولي على القول بأن الإجازة ناقلة

(1) مصابيح الأحكام (مخطوط): الورقة 247.
55

من زمان الإجازة، إذ لا يعقل خيار مع عدم الملك. وفي المعاطاة لا عقد فالمدار
على الملك على النحو المتقدم.
والظاهر أن إطلاق الأصحاب أنه من حين العقد جريانه على الغالب.
ثم إنه هل المدار على حين العقد أم حين التفرق؟ وجهان، بل قولان.
ذهب إلى الأول العلامة وولده والشهيدان والسيوري والكركي (1) وهو الظاهر
من المعظم، لتبادر الاتصال بالعقد من النصوص، وتعين إرادته من أكثرها وهي
التي لم يتعرض فيها لخيار المجلس.
وقيل من حين التفرق - وإليه ذهب في الغنية فإنه أطلق التحديد بالتفرق في
ابتداء مدة الخيار (2) ونص على ذلك الشيخ والحلي في خيار الشرط، ويلزمهما
القول به في غيره، لعموم ما عللا به (3). وظاهر المصنف في الدروس التوقف في
المسألة حيث اقتصر على ذكر الاحتمالين من غير ترجيح (4) وظاهره في غاية
المراد موافقة المشهور (5) كصريحه هنا - استصحابا للخيار. ويقرر بوجهين:
أحدهما: أن الخيار حادث والأصل تأخره.
والثاني: أنه يختلف باختلاف مبدئه فإذا كان مبدؤه من حين العقد يكون
انقضاء الثلاثة في زمان أقل منه في زمان يكون مبدؤه من حين التفرق
فيستصحب فيه الخيار بقدر زمان ما بين العقد والتفرق. ولا يمكن أن يحمل
كلامهم على أن الثلاثة تحديد للآخر ولا تحديد لأوله بل هو منوط بالتفرق، فلو
استمر المجلس ثلاثة أيام لم يكن هناك خيار حيوان ولا تعتبر له ثلاثة أيام بعد
تلك الثلاثة. وقد ينقص عن الثلاثة على اختلاف حال المجلس لتصريحهم بخلافه
ومنافات لظاهر الروايات.
وحملا (6) له على التأسيس والتأسيس خير من التأكيد وتفاديا من اجتماع

(1) القواعد 2: 66، الإيضاح 1: 483، الروضة 3: 450، التنقيح 2: 45، جامع المقاصد 4: 291.
(2) الغنية: 220.
(3) المبسوط 2: 85، السرائر 2: 247.
(4) الدروس 3: 272.
(5) غاية المراد 2: 98.
(6) عطف على قوله: استصحابا.
56

المثلين وتداخل الأسباب وتوارد العلل ولتوقف الخيار على البيع الموقوف على
التفرق واقتضائه اللزوم لولاه ولا يلزم إلا به.
والأصل لا يعارض النص، والتأسيس مع أنه خلاف وضع العقد لأن وضعه
على اللزوم غير ملتزم لأ نها أولوية ومخالفة الأولى غير قادحة. مع أن هذه
الأولوية في الألفاظ، أما في الأحكام فلا. والخيار واحد بالذات مختلفة بالاعتبار
فلا يجتمع المثلان، وفائدته البقاء بأحد الاعتبارين مع سقوط الآخر فلا يتداخل
السببان، فالأسباب الشرعية معرفات لا مؤثرات، فلا استحالة في اجتماعها كما
اجتمعت في المجلس والعيب وخيار الرؤية باعتراف القائل، والبيع يتم بالإيجاب
والقبول على الأصح فلا يمتنع الخيار قبل التفرق، وارتفاع الخيار المخصوص لا
يقتضي اللزوم مطلقا بل اللزوم اللازم من رفعه فيتعلق الخيار بالجائز، ولو قيل
بالسببية في مجموع الثلاثة دون الجميع اندفع الأكثر.
أما التأسيس فلأنه صادق حينئذ لأن خيار الحيوان قد أثر في المدة التي هي
من حين التفرق إلى حين انقضاء الثلاثة، والمجلس قد أثر في المدة التي هي من
حين العقد إلى حين التفرق، ومنه يعلم عدم اجتماع المثلين وتداخل الأسباب
وتوارد العلل، لكنه خلاف الظاهر نصا وفتوى.
وما يقال: إنه يلزم على المشهور سقوط الأثر بالكلية مع استمرار المجلس
طول المدة.
قلنا: هو فرض نادر الوقوع.
قال المصنف: (ويسقط باشتراط سقوطه أو إسقاطه بعد العقد)
أما الأول، فللإجماع، وعموم الكتاب (1) والسنة (2).
وأما الثاني، فلا خلاف فيه أيضا، والأولوية من التصرف تقضي به، لأ نه أدل
على الرضا منه، والعلة المنصوصة تدل عليه.

(1) المائدة: 1.
(2) الوسائل 15: 30، ب 20 من أبواب المهور، ح 4.
57

ثم إن شرط السقوط والإسقاط في بعض المدة مقارنا أو متأخرا أو مقارنا
ومتأخرا لا مانع منه، وليس هذا حق واحد فلا يقبل التجزئة على الأظهر بل هو
حقوق متعددة موزعة على الزمان، فلا يقع شرط سقوط البعض باطلا، ولا يسقط
الكل بسقوطه، لأصل العدم، واستصحاب البقاء في الإسقاط المتأخر عن العقد،
ولا قائل بالفرق.
فإن قلت: لم لا تقولون بمثل ذلك في التصرف فيكون مسقطا في ذلك الوقت
فقط سيما إذا كان ذلك قصد المتصرف باعتبار أن الفعل أضعف من القول. فإذا قلتم
به في الأقوى لزمكم القول به في الأضعف بالطريق الأولى.
قلت: ظاهر التصرف الرضا بأصل العقد والالتزام به مطلقا ولو علم منه خلاف
ذلك، كان الفارق الدليل حتى أنه لو اشترط عدم السقوط بالتصرف كان شرطا
فاسدا على الأقوى.
وكذا يسقط بانقضاء المدة بلا خلاف كما في الغنية (1). وخالف فيه بعض العامة (2).
ولا يسقط بالرضا بالعيب ولا بالتبري من العيوب وإن شرع الخيار في
الحيوان لخفاء عيبه غالبا لعموم النصوص (3) وعدم وجوب انعكاس العلة بل
الواجب اطرادها لأ نها حكمة لا علة حقيقية وقد نص على ذلك في التذكرة (4).
قال المصنف: (أو تصرفه)
للإجماع المنقول في التذكرة والخلاف (5) على إسقاطه الخيار ونفى عنه
الخلاف في الغنية والمسالك (6).
ولصحيحة ابن رئاب: فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثا قبل الثلاثة

(1) الغنية: 219.
(2) الشرح الكبير 4: 69.
(3) الوسائل 12: 348، ب 3 من أبواب الخيار.
(4) التذكرة 1: 519 س 6.
(5) التذكرة 1: 519 س 8. ولم نعثر عليه في الخلاف.
(6) الغنية: 219، المسالك 3: 201.
58

أيام فذلك رضى به، قيل له: وما الحدث؟ قال: إن لامس أو قبل أو نظر منها إلى ما
كان محرما عليه قبل الشراء (1).
ومثلها صحيحته الاخرى المروية في قرب الإسناد بأدنى تفاوت (2).
ومثلهما صحيحة الصفار: في الرجل اشترى من رجل دابة فأحدث فيها حدثا
من أخذ الحافر أو نعلها أو ركب ظهرها فراسخ، أله أن يردها في الثلاثة أيام التي
فيها الخيار؟ فوقع (عليه السلام): إذا أحدث فيها حدثا فقد وجب الشراء إن شاء الله (3).
ولأنه مطلقا دليل الرضا والالتزام بالبيع إما عرفا أو حكما من الشارع، إما
مطلقا أو ما لم يعلم عدم الرضا. ولا ريب أن ما ذكر في الصحيحتين من جزئيات
التصرف إنما هو على سبيل المثال، مع أن الجواب في ذيل الصحيحة الثالثة يقضي
بالعموم في الحدث، والظاهر أنه هو التصرف في المعنى كما قضت به الرواية
الاولى، مع أنه لا شيء من جزئيات التصرف الذي ذكرها الأصحاب أضعف من
النظر المنصوص عليه في الصحيحة الاولى.
فما استشكله في مجمع البرهان (4) وتبعه فيه صاحب الكفاية فقال: إني لا
أعلم دليلا على كون شيء من التصرفات موجبا للزوم سوى ما ورد في الحديثين
المذكورين أو ما في قوته أو أقوى منه (5) لا وجه له.
ثم إنهم جعلوا عنوان المسألة التصرف ولفظ «التصرف» ذكر في كثير من
الخيارات، ويتعلق به كثير من أحكام العبادات، والمدار فيه على ما صدق عليه
اسمه عرفا. وربما عدينا الحكم إلى اسم الاستعمال والانتفاع وإن لم يصدق
التصرف، لمكان التعليل بالرضا، ولما ورد أن العرض على البيع إسقاط وسيأتي

(1) الوسائل 12: 350 ب 4 من أبواب الخيار ح 1.
(2) الوسائل 12: 351 ب 4 من أبواب الخيار ح 3.
(3) الوسائل 12: 351 ب 4 من أبواب الخيار، ح 2.
(4) مجمع الفائدة 8: 397 - 399.
(5) كفاية الأحكام: 92 س 36.
59

بيان حقيقة الحال.
ثم إنه لكل شيء استعمال وتصرف وانتفاع فالتصرف بالنار دفؤها وضوئها،
والتصرف بالظلال بالكون تحته، ولو لم يكن الكون تصرفا لما اوجر من الدار
سوى الأرض وهو بديهي البطلان والاستضاءة بالسراج انتفاع بالفتيلة والدهن
والسراج، والانتفاع والاستعمال للمشموم شمه، وللمذوق ذوقه، وللملموس لمسه،
وللمرئي رؤيته، وللمسموع سمعه، وإن لم يصدق في بعض أقسامه اسم التصرف.
ثم التصرف قد يكون عمدا مع العلم بالحكم أو جهل به، أو علم بالموضوع
- موضوع التصرف أو الخيار - أو جهل به، مع العلم بالرضا بالسقوط أو علم بعدمه،
أو لا مع شيء منهما، مع الجبر من الناقل أو غيره، أو الاختيار مع اللزوم الشرعي
كتوقف حياة نفس محترمة عليه لجوع أو عطش أو نجاة من حرق أو غرق ونحو
ذلك، أو المنع الشرعي كوطء الغلام أو الحائض، أو لا مع شيء منهما.
وقد يكون عن نسيان أو غفلة أو سكر أو إغماء أو نوم أو دهشة أو جنون أو
طفولية ونحوها.
وقد يكون مع الإذن من أحد المتعاقدين للآخر فيه وعدمه.
وقد يتصرف بنفسه أو بوكيله أو بوليه أو بفضوله أو مأذونه. والمسألة كثيرة
الأقسام تستدعي بسطا في المقام. فنقول: لا ريب في سقوط الخيار بالمسقط
الفعلي الصريح كنقل الملك ونحوه إلا على ما سيأتي للمصنف في خيار الغبن مع
الجهل (1) وهو خلاف ظاهر الأصحاب، علم منه الرضاء بذلك أو علم عدمه لزعمه
عدم الممانعة، أو لم يعلم شيئا منهما، قصد الإسقاط به أو لم يقصد، أو قصد عدمه،
سواء كان التصرف فيما انتقل منه أو انتقل إليه.
وربما احتمل ضعيفا عدم الصحة فيما إذا كان التصرف بعقد أو إيقاع فيما
انتقل منه، لأن الشيء الواحد لا يحصل به الفسخ والعقد معا، كما ان التكبيرة الثانية

(1) يأتي في ص 140.
60

في الصلاة بنية الشروع يخرج بها من الصلاة ولا يشرع بها في الصلاة.
وفيه: أن المحصل للملك والفسخ القصد المقارن للعقد أو الإيقاع السابق
عليهما آنا ما، ويحصل بهما، والتقدم ذاتي.
فاندفع ما قيل: من أن أول الصيغة حصل من غير ملك، والبيع موقوف على
الملك الموقوف على الفسخ المتأخر عن البيع، فيدور لأ نه من دور المعية.
نعم ذلك متوقف على وجود الدليل والظاهر انعقاد الإجماع.
ويسقط بالمسقط الفعلي الظاهر كالمسقط القولي الظاهر سواء كان فيما انتقل
منه أو إليه. ويجوز فعل ذلك من غير فرق بين الوطء ونحوه وغيرهما.
واستشكل في التذكرة في حل الوطء بالنسبة إلى القسم الأول وقال: إنه نشأ
من انتقال الملك عنه فيكون الوطء قد صادف ملك الغير فيقع محرما، ومن أنه أبلغ
في التمسك بالمبيع وفسخ البيع من اللفظ (1).
وفيه: أن القصد إلى الفعل المقارن أو مقدمات الفعل أو جزئه الأول هو
المقتضي للفسخ فيعود الملك إليه قبل تمام الوطء فلا يقع الوطء بتمامه محرما.
والسقوط بهذا القسم من الفعل لا باعتبار أن للأفعال ظواهرا كما أن للأقوال
ظواهرا وكما أن ظواهر الأقوال حجة فظواهر الأفعال كذلك. فكل مقام اعتبر
الشارع فيه ظاهر القول يعتبر فيه ظاهر الفعل كما يقتضي به استقراء المقامات
المتكثرة وذلك لأن هذه القاعدة غير بينة ولا مبينة ولم يقم عليها دليل من عقل أو
نقل إجماع أو غيره، بل باعتبار أن المدار في المقام على الدلالة على الرضا كما
هو الظاهر من فحاوي روايات باب الخيار حتى ورد في بعضها أن العرض على
البيع إسقاط (2). وحينئذ فكون التصرف من حيث هو مع حصول العلم أو الظن منه
بالرضا بالسقوط لا مع الشك مسقطا على وفق القاعدة. فيجري في جميع
الخيارات، ولا يختص بما ذكره الفقهاء وقام عليه الدليل، وفي جميع الأفعال

(1) التذكرة: 534 س 33.
(2) الوسائل 12: 359 ب 12 من أبواب الخيار، ح 1.
61

الظاهرة في ذلك. ولا يختص بالتصرف.
ويظهر وجه كون تصرف ذي الخيار فيما انتقل منه فسخا مطلقا أيضا، ويكون
المدار على فهم الرضا كيفما اتفق.
هذا مع حصول المسقط من دون معارض أقوى منه دال على عدم الإسقاط.
أما مع حصول المعارض فإن كان في الفعل الصريح فلا يجدي نفعا قطعا لأن
السقوط قهري غير موقوف على الإسقاط، وإن كان فيما عداه فمقتضى الضابطة
- التي ذكرنا - عدم السقوط حتى مع الشك، لعدم الإسقاط ولا تأثير للدال مع العلم
بعدم الإرادة لظاهره أو الشك في ذلك، إلا أن ظاهر الأصحاب في التصرف أنه
مسقط مع النص على عدم الرضا وعدمه، وهو ظاهر الروايات في خيار الحيوان
بل صريحها، فينبغي الاقتصار في السقوط مع النص على عدم الرضا في خصوص
خيار الحيوان، وإن قام إجماع فيما عداه قيل به، وكذا في خيار العيب، لأن ظاهر
الروايات فيه ذلك.
وربما ظهر من بعض الأصحاب (1) أن الحكم بالسقوط في التصرف مطلقا إنما
هو لدلالته على الرضا ظاهرا، فمع الشك للمعارض يحكم بظاهره شرعا، فيكون
كالقاعدة يتمسك بها دائما إلا حيث يعلم عدم الرضا فعلا وتقديرا أو الأول فقط،
ويختلفان في صورة الجهل.
وعلى كل واحد من هذه الوجوه في التصرف يمكن حمل صحيحة ابن رئاب (2).
وربما يقال: إن الوجه الثاني أظهر الوجوه فيها وذلك إما باعتبار أن الظاهر
من قوله: «فذلك رضا منه» يعني أن التصرف محكوم شرعا بكونه رضا وإن نص
على عدمه، فتكون الرواية لبيان الحكم الشرعي، وحينئذ فيحكم بالجريان في
جميع الخيارات لمقتضى العلة ولا تتقيد بالمورد، كما هو ظاهر الأصحاب حيث
يحكمون بأن التصرف مسقط على الإطلاق. ويقتصر على خصوص التصرف من

(1) راجع مفتاح الكرامة: ج 4 ص 559 س 28.
(2) الوسائل 12: 350 ب 4 من أبواب الخيار، ح 1.
62

دون تسرية إلى ما عداه من الأقوال والأفعال.
أو باعتبار أن التعليل بالرضا فيها علة ناقصة لبيان الحكمة بمعونة فهم
الأصحاب. والحكم تعبدي عام للعلم بالرضا وعدمه.
أو باعتبار حمل الرواية على أن العلة حصول الدلالة على الرضا بنفس الفعل
من دون نظر إلى المدلول.
وعلى هذا فيحكم بالتسرية في خصوص الأفعال، لأن الأقوال لا شك أن
المدار على مدلولها ولا عبرة بالدلالة من حيث هي، ويرشد إلى ظهور هذا الوجه
من الرواية أن التفرق ورد فيه مثل هذا التعليل وقد صرح الأصحاب عدم العمل
بمقتضاه هنالك.
فمدار التسرية في مطلق التصرف والتسرية في مطلق كل فعل على ما يفهم
من الصحيحة، وإلا اقتصر فيما لا يقضي بالرضاء لوجود المعارض كالجاهل بحكم
الخيار أو بموضعه، ومنه من وجب عليه التصرف شرعا في وجه قوي على مورد
الدليل كما في الحيوان والعيب، وخيال تنقيح المناط فيحكم بالتسرية بعيد.
وقد يقال بعدم اعتبار تصرف الناسي مطلقا، ومثله الغافل والمدهوش
والسكران والمغمى عليه والمجنون والمجبور والطفل والنائم، لموافقته للقاعدة
وعدم شمول الأدلة في محلها لها حتى الصحيحة.
ومما ذكرنا ظهر لك أن تصرف المشتري بالمبيع قبل العلم بالعيب أو الغبن
وبعده قبل العلم بحكم الخيار مقتضى القاعدة عدم إسقاطه الخيار وينظر فيه إلى
خصوص الأدلة، وأن حكمهم بكون التصرف فسخا مطلقا يشكل مدركه إلا أن
يستند في جميع ذلك إلى الصحيحة وقد تقدم الكلام فيها.
وأما التصرف الممنوع منه شرعا، فدعوى عدم إسقاطه الخيار لعدم دخوله
تحت الأدلة لأ نها إنما تنصرف إلى المحلل، ممنوعة.
وأما تصرف الاختبار فقد نص بعضهم على استثنائه لعدم انصراف الدليل إليه
ونفى عنه البعد في الدروس وجامع المقاصد (1).

(1) الدروس 3: 272، جامع المقاصد 4: 291.
63

واقتصر في المسالك والشرح على احتمال الوجهين (1) كالتحرير وقيده بعدم
تجاوز الحاجة (2) وألحق المحقق الثاني بتصرف الاختبار التصرف لحفظ المبيع
كالركوب لسقي الدابة (3).
وأنت خبير بأن التقييد بعدم تجاوز الحاجة لا يصح بناء على الكشف وعدم
التعبد، إذ لا كشف عن التزامه بعد أن علم اختباره. نعم بناء على التعبد له وجه.
وأما التصرف الذي أذن أحد المتعاقدين لصاحبه فيه فيما انتقل عنه أو انتقل
إليه، إن تصرف الآخر سقط الخياران، وإلا فخيار الآذن.
أما خيار المتصرف فظاهر. وأما الآذن فإن كان البائع كان قوله: «تصرف في
المبيع» بمنزلة أن المال لك والبيع لازم ثابت فافعل ما تشاء، وإن قال له: «تصرف
في الثمن» كان بمنزلة ما إذا قال له: أنا فسخت فتصرف في مالك. وجبره على ذلك
أقوى من الإذن، ومما ذكر يعلم الحال فيما إذا كان الآذن المشتري.
وأما سقوط خيار الآذن إذا لم يتصرف المأذون فهو المشهور كما في
الميسية (4) وصرح به العلامة في القواعد (5) واستشكله المحقق الثاني (6) وجماعة
مستندين إلى عدم ظهور دلالة الإذن على سقوط الخيار وعدم استلزام الرضا
بالتصرف زوال الخيار، لأن غايته قبل وقوعه أن تكون الإزالة بيده، وهي لا
تقتضي الزوال بالفعل.
وفيه: أن مقتضى الإذن رفع الحجر من قبل الآذن ولا مانع غير الخيار فارتفع
بالإذن كما هو ظاهر في مجرى العرف، فلا معنى لإنكار ظهور الدلالة، مع أن
الإذن لو لم تكن دالة على سقوط الخيار لاشكل حكمهم بالسقوط فيما إذا تصرف
المأذون، فإن الآذن لم يوجد فيه سوى الإذن، فإن لم يسقط الخيار به لم يسقط
بالتصرف الذي هو فعل غيره.

(1) المسالك 3: 201، الروضة 3: 451.
(2) التحرير 1: 168 س 10.
(3) فوائد الشرايع (مخطوط): ص 170.
(4) نقله عنه في مفتاح الكرامة 4: 589 س 7.
(5) القواعد 2: 68.
(6) المسالك 3: 213، جامع المقاصد 4: 305 و 311 - 312.
64

وظاهر كلامهم يؤذن بالاعتراف بكونه المسقط كما هو فرض المسألة حيث
أسندوا الإسقاط إليه واستندوا إلى دلالة الإذن عليه، فيسقط به مطلقا وإن لم
يتصرف المأذون، فتأمل.
ثم الظاهر ان السقوط بالتصرف لا يعتبر فيه نية الإسقاط به بل لا يفترق
الحال بين قصد ذلك وعدم قصده، لعموم الدليل كما في الرجوع في باب الرجعة،
بل ومع قصد عدمه كما استظهرناه من الصحيحة.
فبناء على ذلك لو تصرف فيما انتقل عنه بما لا يجوز لغير المالك من وطء
الجارية ولمسها وتقبيلها ونحو ذلك لم يكن فاعلا حراما بنفس الوطء وإن تعمد
الزنا بها أو يفعل حراما بأول جزء من الفعل ويحصل الفسخ بتمامه. ولعل الأقوى
الأول كما تقدمت الإشارة إليه.
وهذا البحث بالنظر إلى حكمه بالنسبة إلى نفسه وما سبق إلى ما يحكم به عليه
غيره.
ثم إن التصرف المسقط ما كان بهذا العقد، فلو استند التصرف إلى عقد آخر لم
يسقط، كأن يكون قد صالح على لبن شاة سابقا ثم اشتراها بعد ذلك، فإن تصرفه
بعد ذلك باللبن لا يسقط خياره.
* * *
65

قال المصنف:
(الثالث: خيار الشرط)
لابد للفقيه في هذا المقام من تمهيد مقدمة، هي بيان أن خيار الشرط على
وفق القاعدة أو لا.
والتحقيق أنه إن قلنا بثبوت صحة الخيار للمتعاقدين ولأحدهما مع رضاء
الآخر وإن فك العقد لهما كما أن لهما ربطه من دون نظر إلى الشرط وغيره وإنه لا
يزيد على الإقالة، كان خيار الشرط على وفق القاعدة، لأن الشرط قد تعلق بفعل
من أفعال المكلفين وهو مباح فيكون ملزما ما كان جائزا.
وإن قلنا: ليس الأمر كذلك وإن الخيار أمر غير الإقالة ولهذا يسقط بالفعل
إجماعا دونها، فإنه محل خلاف وإنه لا يصح لهما من دون سبب يقتضيه.
فإن قلنا: إن الشرط يثبت الغايات كما يثبت الأسباب ويقوم مقام العقود
والإيقاعات إلا ما أخرجه الدليل، لشمول قولهم (عليهم السلام): «المؤمنون عند
شروطهم» (1) لذلك. وما يظهر من استدلالاتهم (عليهم السلام) به على ثبوت الغايات، وما
يظهر من الأصحاب من أن شرط تمليك العين أو المنفعة أو الإبراء أو سقوط
الخيار ونحو ذلك على وفق القاعدة وقلنا: إنه ليس في شرط مثل هذه الغاية منافاة

(1) عوالي اللآلي 1، 3: 218، 293، 217، الوسائل 15: 30 ب 20 من أبواب المهور، ح 4.
66

لمقتضى العقد الذي قام الإجماع على المنع منه كان خيار الشرط على وفق
القاعدة أيضا.
وما يقال بناء على ذلك ينبغي أن يجوز اشتراط الجواز في العقود اللازمة.
قلنا: لنا أن نلتزمه إلا أن يقوم إجماع على خلافه.
وإن لم يكن كذلك كما هو الأقوى كان خيار الشرط على خلاف القاعدة
وغير داخل تحت العمومات، لأ نه شرط على الله وليس من فعلهما، مع أنه شرط
قد خالف كتاب الله وحلل حراما لمنافاته لمقتضى العقد، والعمومات مخصصة
بغير ما خالف الكتاب والسنة.
ولا مجال لجريان أصل البراءة في أصل الخيار في العقد حتى يستدل على
جواز اشتراطه بالعمومات، لأن مقتضى العقد اللزوم فهو خلاف مقتضى العقد.
والجواب بأن اللزوم من الأحكام اللاحقة به لا من مقتضيات ذات العقد، ممنوع.
ولو سلم فالفرق في المنع بين الأمرين محل بحث كما سيأتي إن شاء الله، على
أ نه بناء على ذلك ينبغي أن يصح اشتراط أن يكون العقد اللازم جائزا في نفسه ولا
تقولون به، على أن بين عمومات الشروط وما دل على لزوم العقد عموم من وجه.
وترجيح أحد الدليلين يحتاج إلى مرجح. والترجيح بالأحاديث الخاصة
الواردة في خيار الشرط والإجماع المنقول نكوص عن القاعدة والاقتصار فيها
على المحل الخاص.
وقد يقال بأنه لا تعارض بين دليل اللزوم وعمومات الشروط، فإن اللزوم
مقتضى العقد المطلق لا العقد المشروط فيه الخيار، والشرط جزء من العقد فيجب
الوفاء به.
قلت: لا ريب أن الدليل على اللزوم غير منحصر بالآية الشريفة (1) مع أن ظاهر
الآية الأمر بالوفاء بالعقد المطلق من حيث هو، أعم من أن يكون مشروطا أو غير

(1) المائدة: 1.
67

مشروط، والمراد بالوفاء به العمل بمقتضاه من حيث هو هو، من دون ملاحظة
شيء من شرط أو غيره فيحصل التنافي.
واستدلال بعض الأصحاب بالآية الشريفة في مقام الشروط (1) في غير محله
كاستدلالهم بها في العقود الجائزة، فتأمل.
وبناء على هذا الوجه ينبغي الاقتصار في الخيار على مورد الدليل الدال على
أن نفس الاشتراط مثبتا لجواز الفسخ ولا يحكم بالتسرية.
إلا أن يقال: لما ثبت في البيع - الذي هو أصل العقود وأحكمها - ينقح مناطا
في الباقي، وهو مشكل.
وعلى الوجهين الأولين لو شرط الخيار في عقد وقع سابقا كان الشرط
صحيحا ولازما، بخلافه على الثالث.
واستثناء الخمسة المذكورة في كلام أكثر الأصحاب - وهي النكاح والوقف
والعتق والطلاق والابراء - (2) بناء على الوجه الأول ظاهر، لعدم إمكان التقايل فيها
والخيار، فلا يتعلق الشرط به، لأن قاعدة الشرط كالنذر واليمين إنما تتعلق
بالممكن فتلزمه لا بغير الممكن فتصيره ممكنا، فيكون استثناؤها ليس مخالفا
للقاعدة بل على وفقها، لعدم شمول قاعدة الجواز لها.
وعلى الثاني فلابد من الدليل على العدم.
وعلى الثالث يكفي عدم الدليل.
فإن قلت: حين الشرط لم يكن العقد لازما حتى أن شرط الخيار فيه موقوف
على جواز فكه بعد اللزوم.
قلنا: ذلك إنما يتم أيضا لو كان العقد يقع على وجهين: الجواز، واللزوم. أما إذا
كان لا يقع إلا على وجه اللزوم فاشتراط كونه جائزا شرط غير ممكن شرعا أيضا

(1) الرياض 8: 187.
(2) راجع مفتاح الكرامة: ج 4 ص 567 - 570.
68

مخالف لكتاب الله وقد حلل حراما، والأمر مشكل، فتأمل.
ثم إنه على موافقة اشتراط الخيار للضابطة كما في الأول فإنما هو خيار
المتعاقدين. أما خيار الأجنبي فإن جعلناه توكيلا أمكن دخوله تحت الضابطة
وحكم بتسريته في جميع العقود، لأ نه كما ان للمتعاقدين الفك بأنفسهما فلهما
التوكيل في ذلك. وإن جعلناه تحكيما كان مخالفا للضابطة، لأ نه ليس للأجنبي قبل
الشرط الفك إلا على سبيل التوكيل، فيقتصر فيه على مورد الدليل كما في البيع،
لقيام الإجماع فيه كما سيأتي وإن خلت روايات الباب منه. إلا أن ظاهر
الأصحاب أنه تحكيم وانه موافق للقاعدة، ولذا صرح بجريانه في الإجارة في
باب الإجارة جماعة من الأصحاب.
والظاهر أن اقتصار من اقتصر منهم فيها على ذكر اشتراط الخيار لهما أو
لأحدهما وعدم ذكر الأجنبي إتكالا على البيع لا إشارة إلى عدم جريانه في ذلك،
وهو مشكل.
نعم إذا جعلناه على وفق القاعدة كما في الوجه الثاني لم يختلف الحال في
جوازه توكيلا كان أو تحكيما.
إذا عرفت ذلك فلنعد إلى ما ذكره الأصحاب في هذا المقام فنقول: ظاهر
الأكثر ثبوت هذا الخيار في كل بيع لا يستعقب العتق. واستدلوا عليه بالأصل
وعموم الكتاب والسنة، وقد عرفت ما فيه.
ونص جماعة منهم على ثبوته في السلم (1) مطلقا ولو في السلم (2) وآخرون
على ثبوته في الصرف (3).
ولم يعهد الخلاف في الأول إلا من العلامة في التذكرة فنفاه في خيار

(1) راجع المبسوط 2: 79، السرائر 2: 244، المختلف 5: 72.
(2) كذا في المصابيح أيضا.
(3) راجع المختلف 5: 72، الدروس 3: 268.
69

المجلس (1) ورجع عنه في الشرط فأثبته فيه كما في التحرير (2).
ولا في الثاني إلا من الشيخ في المبسوط والخلاف وأبو المكارم والحلي
وادعوا عليه الإجماع وعللوه بمنافاة الخيار للقبض المعتبر فيه (3) لأ نه إن وقع بعد
القبض نافى قاعدة اتصال الشرط بالمشروط فلا يؤثر وإن وقع قبله كان قبل تمام
السبب المملك وشرط الخيار إنما يكون بعد المملك.
ولو اريد به بعده كان من الشرط المجهول.
والتعليل عليل لإمكان وقوعه بعد القبض فورا بحيث لا يخل بالاتصال عرفا
ووقوعه قبله، ونمنع كون شرط الخيار لا يكون إلا بعد تمام السبب المملك، لصحة
وقوعه مقترنا بالإيجاب قبل القبول من البائع قولا واحدا، إلا أن يقال: إن الشرط
في ذلك بعد لا يتم، لأن قبوله في ضمن القبول بخلاف ما نحن فيه.
ومع ذلك فهو منقوض بالسلم، والإجماع ممنوع، فإن ظاهر القدماء ثبوت
الخيار ولا نافي له منهم غير المدعي، وصورة الإجماع المنقول تنبئ عن أخذه من
الإجماع على اشتراط القبض المنافي لثبوت الخيار باعتقاد الحاكي فينتفى
برفع التنافي.
وقد أقدم على منع هذا الإجماع جماعة من الأصحاب حتى ادعى الشهيد في
المسالك اطباق المتأخرين على منعه (4).
وقد يمنع بأن من أعاظمهم المحقق ولم يصرح بشيء والعلامة اختلف قوله
في ذلك فأثبت الخيار في ظاهر المختلف ومنع الإجماع (5) ونفاه في التذكرة تارة

(1) التذكرة 1: 516 س 19، عبارتها هكذا: ويثبت خيار الشرط في جميع أنواعه إلا السلف
والصرف، فراجع.
(2) التذكرة 1: 522 س 16، التحرير 1: 167 س 29.
(3) المبسوط 2: 79، الخلاف 3: 12 المسألة 9، الغنية: 220، السرائر 2: 244.
(4) المسالك 3: 212.
(5) المختلف 5: 72.
70

وأثبته اخرى على إشكال (1). واستشكله في التحرير والقواعد (2). والشهيد قد
حكى في الدروس الإجماع عن الشيخ ومنعه عن العلامة مقتصرا على النقل
وظاهره التوقف (3) فلا يصح الإطباق المدعى إلا بتكلف. ثم إن جمعا من
الأصحاب نصوا على عدم اختصاص هذا الخيار بالبيع وأنه يجري في سائر العقود
عدا النكاح والوقف (4). ونفى بعضهم الخلاف في جريانه في خصوص اللازمة منها
كالإجارة والمزارعة والمساقاة والكفالة والحوالة ونحوها. وقال: وعدا الضمان،
فإن العلامة منعه في أحد قوليه، والصلح فنفاه الشيخ في المبسوط والخلاف مطلقا.
والكركي فيما يفيد الإبراء تبعا للتحرير، والصيمري في الصلح عن المجهول
والدعوى الغير الثابتة بالإقرار والكل شاذ والأصل الصحة لعموم المقتضي، انتهى (5).
ومراده بالمقتضي عمومات الشروط وقد تقدم الكلام فيها بما لا مزيد عليه،
وكان مستند العلامة والكركي والصيمري فيما استثنوه أنها في معنى الإيقاعات فلا
تقبل شرط الخيار (6) وعليه منع ظاهر. وقد نقل في المهذب الإجماع على جريانه
في الصلح بقول مطلق (7).
وهل يجري هذا الخيار في باب المعاطاة ولو بعد لزومها أو لا؟ وجهان:
يحتمل العدم لأ نها من مقولة الفعل وهو من مقولة القول وهي غير مستقل
بنفسه ولا يمكن ربطه بالفعل، ولو قارن الفعل بقول دال على المعاطاة وجعله
مرتبطا به لم ينفع لأن المدار في ذلك على الفعل واللفظ أجنبي لا مدخلية له.
ويحتمل الجريان فيها، لقوة ارتباط هذا القول بالفعل، مع أن الشروط في

(1) التذكرة 1: 516 س 19 و 522 س 17.
(2) التحرير 1: 167 س 29، القواعد 2: 67.
(3) الدروس 3: 268.
(4) راجع المسبوط 2: 81، السرائر 2: 245 و 246، الشرايع 2: 23، القواعد 2: 68، المسالك 3: 212، جامع
المقاصد 4: 303.
(5) راجع مصابيح الأحكام (مخطوط): الورقة 250.
(6) التحرير 1: 167 س 30، جامع المقاصد 4: 304، غاية المرام 2: 44.
(7) المهذب البارع 2: 538.
71

العقود ليست كسائر الشروط، بل لها نوع استقلال، لأن العقد لا يقبل التعليق.
وأما العقود الجائزة فنقل عن الأكثر جريانه فيها، وبه صرح الشيخ والقاضي
والحلي في الوكالة والجعالة والقراض والوديعة والعارية (1).
والظاهر عدم الفرق بينها وبين غيرها من العقود الجائزة، ويقتضيه إطلاق
الغنية والشرائع والقواعد والإرشاد والدروس (2).
ومنعه العلامة في المختلف والتحرير والكركي والصيمري والشهيد الثاني (3)
وعزا المنع في التذكرة إلى بعض العامة ونفى عنه البأس (4) لعدم تأثير الشرط
في الجائز.
وأورد عليه بأن التأثير غير ملتزم في الشروط فإن منها ما يؤكد مقتضى العقد
فإن اريد المؤثر هنا عاد النزاع لفظيا.
والحق عدم جريانه فيها، لعدم دخولها تحت أدلة الشروط باعتبار أن جوازها
أصلي فلا يقبل السقوط فلا تأثير للشرط كخروج ما لا ينتفع فيه من عمومات
البيع. فإن أراد المشترط لشرط الخيار الخيار بأصل العقد كان مؤكدا. وإن أراد
المستند إلى الشرط وإن كان مجامعا لخيار أصل العقد كان شرطا فاسدا، ويجيء
فيه الخلاف في فساد المشروط بفساده أو لا، فتأمل.
وقد علم بما ذكر حكم الشرط فيما اختلف في لزومه وجوازه كالسبق والرماية،
وما يقع لازما وجائزا كالهبة، أو يلزم من أحد الطرفين دون الآخر كالرهن.
واستشكل العلامة في التحرير في الأخير في جانب اللزوم فيما لو كان
الشرط من قبل الراهن (5) بأن الرهن وثيقة الدين والخيار ينافي الاستيثاق.

(1) المبسوط 2: 82، المهذب 1: 356، السرائر 2: 246.
(2) الغنية: 22، الشرائع 2: 23، القواعد 2: 68، الإرشاد 1: 375، الدروس 3: 268.
(3) المختلف 5: 73، التحرير 1: 168 س 1، جامع المقاصد 4: 304، غاية المرام 2: س 45،
وفيه: يدخل فيها خيار الشرط، المسالك 3: 211.
(4) التذكرة 1: 522 س 22.
(5) التحرير 1: 167 س 30.
72

ورد بمنع المنافاة، فإن الاستيثاق في المشروط بحسب الشرط.
وأما النكاح والوقف من العقود فلا يدخلهما الخيار، للإجماع في الأول كما
في الخلاف والمبسوط والسرائر وكنز الفوائد والمسالك (1).
وعلل بمشاكلته العبادة، وابتنائه على الاحتياط التام، وسبق التروي فيه على
العقد، وتوقف رفعه على رافع مخصوص فلا يرتفع بغيره، ولعدم مشروعية التقايل فيه.
وأما الثاني، فلاشتراط القربة فيه والعبادة مبنية على اللزوم لا التزلزل فإنه لا
معنى لتوقف الصلاة والصوم على الشرط مثلا، ولأن العبادة يكتب أجرها حين
إيقاعها فلا يمحى (2). واستحقاق العوض بلا معوض لا وجه له مع أن شمول دليل
الشرط بناء على كونه على وفق القاعدة لمثل هذه الأفراد محل شك مع كونه فك
ملك لا إلى عوض فلا يقبل الشرط كالعتق، ولعدم مشروعية التقايل فيه أيضا.
وقد نص على المنع فيه الشيخ والحليون الثلاثة والشهيدان والكركي
والصيمري (3).
وفي المسالك: أنه موضع وفاق (4) والخلاف فيه ثابت كما في الدروس (5).
وأما الإيقاعات فقد صرح الأصحاب بالمنع في ثلاثة منها وهي: الطلاق،
والعتق، والإبراء (6).
والظاهر عدم إرادة الحصر وتخصيصها بالذكر لغلبة الوقوع كما يرشد إلى ذلك
انه في السرائر احتج على منع جريانه في الطلاق بخروجه عن العقود (7) ومقتضاه
اطراد المنع في سائر الإيقاعات، لعموم التعليل.

(1) الخلاف 3: 16 المسألة 17، المبسوط 2: 81، السرائر 2: 246، المسالك 3: 212، ولم نعثر
عليه في كنز الفوائد.
(2) في نسخة: فلا يعلق.
(3) المبسوط 2: 81، السرائر 2: 245، الشرائع 2: 23، القواعد 2: 68، الدروس 3: 268،
المسالك 3: 212، جامع المقاصد 4: 303، غاية المرام 2: 45.
(4) المسالك 3: 212.
(5) الدروس 3: 268.
(6) راجع المبسوط 2: 80، 81 والشرائع 2: 23 والقواعد 2: 68 والمسالك 3: 212.
(7) السرائر 2: 246.
73

والسر في ذلك ابتناء الإيقاع على النفوذ بمجرد الصيغة والخيار ينافي ذلك،
ولأن المفهوم من الشرط ما كان بين اثنين كما سينبه عليه جملة من الأخبار
والإيقاع إنما يقوم بواحد.
وقد حكى في المبسوط الإجماع على المنع في الطلاق والعتق (1).
وفي المسالك الإجماع على المنع في العتق والإبراء (2).
وفي السرائر نفي الخلاف في عدم جريانه في العتق والطلاق (3).
قال المصنف: (وهو بحسب الشرط إذا كان الأجل مضبوطا)
ولا يتقدر بمدة الثلاثة أيام عندنا خلافا للعامة (4) بالأصل، والكتاب (5)
والسنة (6) والإجماع، والضرورة الداعية إلى الاشتراط، واختلاف التقدير.
نعم يشترط تعيين المدة المشترطة بما لا يحتمل الاختلاف، فلو انيطت بما لا
ينضبط كإدراك الغلات وإيناع الثمرات بطل الشرط بالإجماع، واستدل عليه
أيضا بالنهي عن الغرر، وتطرق الجهالة إلى العوضين بجهالة الشرط، ولأن العقود
شرعت لقطع مواد الاختلاف والإناطة بالمختلف مثار الاختلاف (7).
وفيه ما سيأتي من أن الأقوى أن الشرط كالصلح يغتفر فيه من الجهالة ما
يغتفر في الصلح.
نعم في خصوص المقام لقيام الإجماع لا نقول به، مع احتمال الفرق بين
المقامين، فتأمل.
ولو أطلق الخيار فهل يبطل الشرط؟ قيل: نعم، لنحو ما ذكر، وللأولوية
فإن الإطلاق أو غل في الإبهام لعدم أوله إلى العلم فيكون أولى بالمنع، ولأنه

(1) المبسوط 2: 81.
(2) المسالك 3: 212.
(3) السرائر 2: 246.
(4) المحلى 8: 370، المجموع 9: 225، عمدة القارئ 11: 235.
(5) المائدة: 1.
(6) الوسائل 12: 354 و 355 ب 7 و 8 من أبواب الخيار.
(7) مصابيح الأحكام (مخطوط): الورقة 248.
74

لو صح فإما أن يدوم الخيار وهو باطل بالإجماع أو يرد إلى معين وهو تخصيص
من غير مخصص، فتعين البطلان، وهو أحد قولي الشيخ في المبسوط وظاهر
الديلمي وصريح العلامة والصيمري والشهيد الثاني (1) وعزي القول به إلى
المرتضى (2) والمعلوم منه خلافه (3). وربما لاح من ظاهر الوسيلة والسرائر
والشرائع والنافع والجامع (4) وظاهر المتن، لتضمنها اعتبار التعيين في المدة، ولا
دلالة فيه، فإنه غير اشتراط المدة المعينة، إلا أن يكون ذلك بطريق الأولوية وهي
محل منع فيما نحن فيه.
وقيل: لا بل يصح الشرط وينصرف إلى ثلاثة أيام، ذهب إليه المفيد
والمرتضى والشيخ وأبو الصلاح وابن زهرة (5) ومال إليه في الدروس، للإجماع (6)
كما في الانتصار والخلاف والجواهر والغنية (7) والخبرين النبويين «الخيار ثلاثا
قل: لا خلابة، ولك الخيار ثلاثا» (8) والخلابة الخديعة.
وأخبار الفرقة المرسلة في الخلاف (9) ولا تقصر عن مراسيل كتب الحديث،
وخلوها عنها لا يقدح فيها، فإنها لم توضع على الاستقصاء التام وإلا لتكاذبت
فيما انفردت.
ويشهد لذلك الصحيح «الشرط في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري اشترط أو لم
يشترط (10)» فإنه يعطي بفحواه أن الشرط في غيره ثلاثة مع الشرط، وليس المراد

(1) المبسوط 1: 83، المراسم: 172، المختلف 5: 66، لم نجد التصريح بذلك في غاية المرام،
المسالك 3: 201.
(2) نقله عنه العلامة في المختلف 5: 66.
(3) لم نعثر عليه.
(4) الوسيلة: 238، السرائر 2: 243، الشرائع 2: 22، النافع: 121، الجامع: 247.
(5) المقنعة: 592، لم نجده في الانتصار، فراجع، الخلاف 3: 20 المسألة 25، الكافي في الفقه:
353، الغنية: 219.
(6) الدروس 3: 269.
(7) راجع الانتصار: 435، الخلاف 3: 20 المسألة 25، جواهر الفقه: 54 المسألة 194، الغنية: 219.
(8) سنن البيهقي 5: 273.
(9) الخلاف 3: 20 المسألة 25.
(10) الوسائل 12: 349 ب 3 من أبواب الخيار، ح 1.
75

به اشتراط الثلاثة لاطراد الشرط في غيرها بل مطلق الاشتراط، فيثبت الثلاثة به
كما هو المطلوب.
والغرر مندفع بتحديد الشرع، والجهالة مغتفرة لأولها إلى العلم، والأولوية
ممنوعة لارتفاع الغرر واغتفار الجهل. والتخصيص بالثلاثة إما لانصراف الإطلاق
إليها عرفا لكونها أول مدة يتروى في مثله والشرع كاشف، أو لتعيين الشرع
والشرط سبب لا مناط كالوصايا المبهمة، هذا غاية ما يؤيد به هذا القول.
وقد يقال بمنع الإجماع، لقلة المصرح به من الأصحاب، مع أنه في الكفاية (1)
ادعى أشهرية القول الأول مطلقا، وفي الرياض ادعى أشهريته بين المتأخرين (2) مع
أن هذا الحكم لو كان ثابتا لاشتهر اشتهاره في الوصايا المبهمة، وليس الأمر كذلك.
والنبويتان ضعيفتا السند والدلالة لأعامل بظاهرهما من الإطلاق، والصحيحة
شهادة فيها وخصوصية اشتراط الثلاثة فيها لخصوصية المقام، وإجماع الشيخ
ومراسيله قد ادعاهما أيضا في شرط المؤامرة على الإطلاق (3) مع أنه لم يقل بذلك
أحد سواه من الأصحاب، وهذا مما يوهن دعواهما في هذا المقام. ولعل
الإجماعات كالروايات منزلة على العرف السابق أو على قرائن الأحوال.
ثم إنه على تقدير القول بذلك هل هو عام حتى لصورة العلم بقصد عدم ذلك
أو مخصوص بما عداها؟ لعل الأقوى الثاني اقتصارا على المتيقن، ويحتمل الأول
لعموم الدليل فيكون من الأسباب القهرية، وهو بعيد.
وهل هو خاص بالبيع اقتصارا فيما خالف الأصل على المتيقن أو مطرد في
غيره؟ وجهان.
ولو اشترط مدة مطلقة احتمل البناء على الخلاف لكونه بمنزلة إطلاق الخيار،
والبطلان مطلقا للأصل ومنع التنزيل، وهو الأشبه.
ثم إنه لا فرق مع تعيين البداية والنهاية في المدة بين المتصلة والمنفصلة كما

(1) الكفاية: 91 س 37.
(2) الرياض 8: 188.
(3) الخلاف 3: 37، المسألة 51.
76

نص عليه العلامة والشهيدان والصيمري والكركي (1) واقتضاه إطلاق المدة
المتناولة للمتصلة والمنفصلة في كلام المشايخ والقاضي والديلمي والحلبيين
والحليين الثلاثة (2). إلا أن يدعى بأن الظاهر منها الأول، عملا بالأصل وعموم
الكتاب والسنة.
وهذا بناء على أن شرط الخيار على وفق الأصل أو أن الشرط يثبت الغاية
كالسبب، وإلا فاثبات ذلك بالدليل الخاص المثبت لهذا الخيار مشكل، لانصرافه
بحكم التبادر إلى غيره، إلا أن يتمسك بظاهر الإجماع في التذكرة حيث قال: ولو
شرط خيار الغد صح عندنا خلافا للشافعي (3) أو بتنقيح المناط، وهو مشكل.
ومن هنا احتمل العلامة المنع في القواعد (4) وإن حكم بالجواز في غيرها (5)
وفي موضع آخر منها (6).
ومنعه بعض العامة (7) تحاشيا من انقلاب اللازم جائزا، والانقلاب إلى الجواز
كعكسه جائز، بل واقع كما في خيار التأخير والرؤية وغيرهما.
ومتى جاز الانفصال جاز التعاقب كما صرح به العلامة والشهيد الثاني
وصاحب الكفاية (8) وغيرهم خصوصا إذا جعلنا هذا الخيار على خلاف القاعدة
أمكن منع التلازم استظهارا لاتحاد المدة - وإن عمت المتصلة والمنفصلة - من
الأدلة الخاصة وكلام الأكثر ويقتصر على المتيقن فيما خالف القاعدة. ومن هنا
احتمل الشهيد الأول الثاني وقطع بالأول (9) وهو بعيد.

(1) التذكرة: 1: 52 س 36، الدروس 3: 269، المسالك 3: 201، غاية المرام 2: 47، جامع
المقاصد 4: 321، 322.
(2) المقنعة: 592، النهاية 2: 136، الوسيلة: 238، المهذب 1: 353، المراسم: 172، الكافي
في الفقه: 353، الغنية: 218، السرائر 2: 243، الشرائع 2: 22، التحرير 1: 166، س 14.
(3) التذكرة 1: 520 س 39.
(4) القواعد 2: 71.
(5) الإرشاد 1: 374، التحرير 1: 166 س 15.
(6) القواعد 2: 66.
(7) المجموع 9: 191.
(8) التحرير 1: 166 س 21، المسالك 3: 201، الكفاية: 91 س 37.
(9) الدروس 3: 269.
77

وبناء على ذلك لو شرط الخيار شهرا يوما ويوما لا، احتمل البطلان للتدافع
لأن قوله: «لي الخيار شهرا» يقتضي تمام الشهر وقوله: «يوما ويوما لا» لا يقتضي
ذلك بل نصفه. ويتدافعان، والصحة شهرا ولكن يحصل في ضمن شهرين بناء على
أن الشهر مفعول به، والصحة خمسة عشر يوما بناء على أن الشهر مفعول فيه لأ نه
وإن كان المتبادر من الشهر كونه تماما لكن قوله: «يوما ويوما لا» يكشف عن أن
يكون المراد به نصف شهر لأ نه مفسر له، وهذا هو الأقرب.
ولو أتى بلفظ «في» فقال: ولي في الشهر كذلك، تعين ذلك.
ولو قصد «الهلالي» فالأشبه البطلان، لجهالة الشرط، إذ قد ينقص الشهر فلا
يحصل فيه أحدهما.
واحتمل في التحرير في الأول صحة اليوم الأول خاصة وبطلان العقد وصحته
بحسب الشرط. واستقرب الأخير (1).
ولو أطلق المدة، فالأظهر انصرافه إلى الاتصال كما في خيار الحيوان وفاقا
للشرائع والجامع والمختلف والتذكرة والتحرير والقواعد والإرشاد والتنقيح
وغاية المرام وتلخيص الخلاف وتعليق الإرشاد والمسالك (2) وخلافا للخلاف
والمبسوط والغنية والسرائر فمن حين التفرق (3).
وتوقف الشهيد في الدروس عن الحكم في الموضعين (4) والبيان البيان
والنقض النقص. ويتأكد المختار هنا، بلزوم بطلان الشرط لو كان من حين التفرق
للزوم الجهل به ولذا امتنع النص عليه، وبجواز اشتراط الاتصال بالعقد كما اعترف
به الشيخ والحلي (5) وادعى في التذكرة صحته عندنا (6) فيسقط حججهم المذكورة

(1) التحرير 1: 166 س 21.
(2) الشرائع 2: 24، الجامع: 247، المختلف 5: 67، التذكرة 1: 52 س 27، التحرير 1: 168
س 26، القواعد 2: 66، الإرشاد 1: 374، التنقيح 2: 45، غاية المرام 2: 45، تلخيص
الخلاف 2: 17، تعليق الإرشاد (مخطوط): الورقة 134، المسالك 3: 218.
(3) الخلاف 3: 33 المسألة 44، المبسوط 2: 85، الغنية: 220، السرائر 2: 247.
(4) الدروس 3: 269 و 272.
(5) المبسوط 2: 85، السرائر 2: 247.
(6) التذكرة 1: 520 س 33.
78

القاضية بالامتناع من تداخل الأسباب وتوارد العلل واجتماع المثلين، إذ الممتنع
لا ينقلب بالشرط إلى الجواز.
ولو كان المبيع حيوانا فاللازم من دليلهم تأخير شرط المشتري عن الثلاثة،
وهو بعيد من قصد المشترط.
وفي الصحيحة: «عن الرجل يشتري الدابة أو العبد ويشترط إلى يوم أو
يومين، فيموت العبد أو الدابة، أو يحدث فيه حدث، على من ضمان ذلك؟ فقال:
على البائع حتى ينقضي الشرط ثلاثة أيام» (1) فإنه دال على أن خيار الشرط
- أعني اليوم واليومين - داخل في خيار الحيوان أعني الثلاثة أيام، وإلا لجعل
«اليوم واليومين» اللذين هما خيار الشرط بعد خيار الحيوان.
ويشكل الحكم بالاتصال مع العلم بالخيار وتساوي المدتين أو قصر الشرط،
والظاهر تأخير الخيار حينئذ عملا بشاهد الحال.
ولو زاد الشرط احتمل التأخير مطلقا، والاتصال مطلقا، والتفصيل بمقتضى
العرف فيتأخر في مثل الأربعة والخمسة ويتصل في نحو الشهر والسنة، ولا بأس
به، أما مع الاختلاف بالعلم والجهل فلا يبعد البطلان.
ولو أطلق الخيار فالقول في الثلاثة التي ينصرف إليها الإطلاق على القول به
كالمدة المشترطة.
قال المصنف: (ويجوز اشتراطه لأحدهما ولكل منهما ولأجنبي
عنهما أو عن أحدهما)
لا ريب أن شرط الخيار قد يكون للبائع، أو للمشتري، أو لهما، أو لأجنبي،
متحدا، أو متعددا، منفردا، أو مع البائع أو المشتري، أو معهما، مع التوافق في المدة
أو التخالف، أو معهما، في ذلك العقد أو غيره، أو فيهما، مع قيد الاجتماع فيه أو
عدمه، أو الاختلاف متصل أو منفصل، أو مختلف مع سبق الاتصال أو الانفصال،
أو متصل في البائع ومنفصل في المشتري وما عداه، أو متصل في المشتري

(1) الوسائل 12: 352 ب 5 من أبواب الخيار، ح 2.
79

ومنفصل فيما عداه، أو لهما كذلك، أو للأجنبي مع أحدهما أو معهما كذلك.
والأقسام كثيرة جدا وتتضاعف الأقسام فيما إذا قلنا بجواز اشتراط الخيار
في بعض المبيع كما هو مذهب البعض (1) وإن كان الأقوى خلافه، لا بسبب ضرر
التبعيض كما في الخيار الذي مستنده الضرر أو مطلقا وأن الضرر لا يجبر بمثله
لانتفائه فيه بسبب الإقدام، بل لوحدة العقد فيكون شرطا مخالفا لمقتضاه كما تقدم
في خيار الحيوان (2).
نعم قد ادعى الإجماع على جوازه بعض المتأخرين، فإن تم فهو الحجة،
ولكنه محل منع.
وفي اشتراط الخيار للمبيع كما إذا كان عبدا وجهان - الصحة والبطلان -
مبنيان على أن العبد يملك مثل هذا الحق أو لا، والأقوى الصحة وإن قلنا بالثاني،
ويرجع الخيار إلى مولاه وتتضاعف بهذا الأقسام أيضا.
وقول المصنف: «ولأجنبي عنهما أو عن أحدهما» ويحتمل دخول ذلك (3)
تحت قوله: «ولأجنبي عنهما» ويريد بقوله: «أو عن أحدهما» شرط المشتري
الخيار للبائع أو بالعكس فإن كلا منهما أجنبي بالنسبة إلى الآخر، والأول أظهر.
وعلى كل حال فجواز جعل الخيار لهما أو لأحدهما أو لثالث أولهما أو لأحدهما
مع الثالث قد ادعى الإجماع عليه بعض المتأخرين (4) ونفى الخلاف فيه في الكفاية (5).
وفي الرياض نقل الإجماع على ذلك عن الخلاف والغنية والتذكرة (6) والموجود
في التذكرة الإجماع على خصوص جعل الخيار للأجنبي (7) وليس في الخلاف
والغنية شيء من ذلك.

(1) مصابيح الأحكام (مخطوط): الورقة 249 س 12.
(2) راجع ص 44.
(3) العبارة مضطربة، ولعلها في الأصل: ويحتمل دخول ذلك (اشتراط الخيار للعبد المبيع)
تحت قول المصنف: «ولأجنبي عنهما أو عن أحدهما» ويريد بقوله...
(4) المصابيح (مخطوط): الورقة 249 س 12.
(5) الكفاية: 91 س 35.
(6) الرياض 8: 187.
(7) التذكرة 1: 521 س 7.
80

وجواز باقي الأقسام مبني على كون الخيار على وفق القاعدة، أو كون
الشرط مثبتا للغاية، أو على شمول الدليل الخاص لذلك، وقد عرفت حقيقة الحال.
وأيا ما كان فإن اتحد ذو الخيار فالأمر إليه وإلا قدم الفاسخ ولو أجنبيا،
خلافا للطوسي فأبطل اعتبار أحدهما إذا كان الخيار فسخا أو إمضاء إلا أن يتفقا
عليه (1) وكأن وجهه فهم قيد الاجتماع من الإطلاق كما في الوصيين، وهو ضعيف.
وصرف الخيار إلى المشتري إذا كان للأجنبي ولم يرض بالبيع، وهو ضعيف
كسابقه، لأن جعل رأي الأجنبي نافذا في الرضا دون الفسخ تحكم.
وكون الأول موافقا لمقتضى العقد دون الثاني لا يصلح فارقا، وأيضا
تخصيص المشتري بانصراف الخيار إليه دون البائع ليس له وجه يعتد به، وأيضا
صرف هذا الخيار عمن هو له إلى غيره من غير وجه صحيح لا يعتد به.
وفي الدروس باستقلال الأجنبي إذا انفرد واحتمله مع الاجتماع (2) وينبغي
القطع به كالأول، لأ نه قد جعل له الخيار في الصورتين، فلا فرق بينهما إلا بناء على
التوكيل، فإنه يكون عزلا مع المخالفة واللحوق.
ولعله يؤيد ذلك إلا أن الظاهر من الأصحاب أنه تحكيم لا توكيل، ويجب عليه
اعتماد المصلحة في جميع الصور تحكيما كان أو توكيلا لأ نه أمين. فلو بان الخلاف لم
يمض الفسخ. ويحتمل المضي بموافقته المصلحة واقعا وإن لم يعتمدها، وهو غير بعيد.
ولو اختلفا فيه قدم قوله مع احتمال تحري الأصلح. ويشترط تعيين الموضوع
فلو اشترطا الخيار لأحدهما من غير تعيين، بطل الشرط كما في القواعد (3).
قال المصنف: (واشتراط المؤامرة)
يجري في الاستئمار ما يجري في الخيار: من أنه قد يكون للبائع أو
المشتري، أو لهما، أو للأجنبي عنهما، أو عن أحدهما، مفردا أو مع البائع أو
المشتري، أو معهما متصلا أو منفصلا، أو متصلا ومنفصلا، إلى غير ذلك.

(1) الوسيلة: 238.
(2) الدروس 3: 268.
(3) القواعد 2: 67.
81

ومعناه جعل سلطنة الأمر إليه والخيار لغيره لا له، وحكمه أنه يلزم العقد من
جهة الشرط ويتوقف على أمر المستأمر فإن أمره بالفسخ جاز الفسخ، ولا يتعين
عليه لانتفاء المقتضي، إلا أن يشترط ذلك أيضا.
ولو أراد الفسخ لم يكن له إلا بأمره، خلافا للعلامة في التحرير حيث قال: له
الفسخ قبل الاستئمار (1) وهو ضعيف، لأن الأصل لزوم العقد، وهو لم يجعل الخيار
لنفسه ابتداء وإنما جعله مرتبا على الأمر.
وجواز هذا الشرط مع تعيين المدة، بالأصل، والعمومات، والإجماع المنقول
في جامع المقاصد وظاهر التذكرة (2) ولا يشترط تعيين المؤامر باسمه بل يشخصه
ويدل عليه.
ولو قيل بجواز استئمار من كان خلف الجدار وإن لم يعلم ما هو أو واحد من
الناس أو من جماعة محصورين ونحو ذلك بناء على أن الشرط كالصلح في
الجهالة لكان له وجه. نعم يستثنى المبهم الذي لا وجود له.
وفي الحقيقة ترجع هذه المسألة بشقوقها إلى ما دل على الوفاء بالشرط، فلو
شرط الأخذ بنهيه أو بعكس أمره أو بإذنه أو برضاه أو بسكوته أو بغير ذلك كائنا
ما (3) كان جاز، إلا أن يقال: إن فيه مخالفة للقاعدة باعتبار رجوعه إلى تعليق شرط
الخيار فيقتصر فيه على المتيقن. وفيه: نظر كما سيجيء في مبحث الشروط، وحال
الاتصال والانفصال ووحدة المستأمر وتعدده وترامي الأوامر فيشترط أمر فلان
وفلان وهكذا ثم يرجع إلى المتعاقدين ثم وجوب امتثال أمره أو عدم وجوبه على
نحو ما شرط، وكذلك يجري في الاستئمار في سقوط الخيار على نحو التفاصيل
المتقدمة، وكذا الاستئمار في التمليكات الخارجية، والمسألة كثيرة الشقوق
تعلم بالمقايسة.

(1) التحرير 1: 166 س 28.
(2) جامع المقاصد 4: 292، التذكرة 1: 521 س 26.
(3) في المخطوطتين: من.
82

ثم إن الموجود في كلام المصنف وغيره من الأصحاب لفظ «المؤامرة»
و «الاستئمار» وهما مأخوذان من الأمر، وهو أعم من الإيجاب، فلا يختص
بالإيجاب - كما قد يتخيل - فإذا أوجب أو ندب كان أمرا، سواء قلنا بأن الأمر
مطلق الطلب أو قلنا: قول «افعل» لأن العارض غير المعروض واسم اللفظ ليس
متفقا مع المسمى في المعنى.
والتحقيق كما تقدم أن الحكم يتبع الشرط، فإن شرط الإيجاب أو الندب أو
الإذن اتبع وإن جعل له مع أمره الخيار اتبع.
والحاصل أن المدار على الشرط في الأمر والمأمور، وكيفية الأمر وفي
الإسقاط، وفي تمليك خارجي، وغير ذلك كما تقدم.
قال المصنف: (فإن قال المستأمر: فسخت أو أجزت، فذاك، وإن
سكت فالأقرب اللزوم، ولا يلزم الاختيار، وكذا من جعل له الخيار)
يمكن أن يقرأ بالبناء للمجهول ويكون قوله: «فسخت» أو «أجزت» كناية عن
الأمر بالفسخ والإجازة، وبالبناء للفاعل ويبقى قوله: «فسخت» أو «أجزت» على
ظاهره. والمراد بالسكوت إما الأعم من السكوت عن الاستئمار أو عن الفسخ
والإجازة بعده، أو الثاني فقط، وهو الأظهر.
وأيا ما كان فليس فيه مخالفة لما هو المشهور بين الأصحاب من أن المستأمر
- بفتح الميم - ليس له الفسخ ولا الالتزام وإنما إليه الأمر والرأي خاصة.
ودعوى ظهور العبارة في الوجه الأول - بقرينة قوله: «ولا يلزم الاختيار»
وقوله: «وكذا من جعل له الخيار» - ممنوعة لأن الذي ينبغي أن ينبه عليه عدم
لزوم الاختيار على المستأمر - بالكسر - بعد توجه الأمر إليه كما نبه عليه
الأصحاب. أما المستأمر - بالفتح - فلا وجه للزوم الاختيار عليه حتى ينبه عليه.
والظاهر أن المراد بالعبارة الثانية تشبيه المجعول له الخيار بالواسطة
بالمجعول له ابتداء.
وأما المستأمر - بالفتح - فلا حظ له في الخيار بوجه حتى يناسب فيه التشبيه
وقول المصنف: «الأقرب» يشعر بأنه هناك وجه آخر قريب، ولم أتحققه.
83

ثم إن المراد في كلام المصنف بالمستأمر - بالفتح أو بالكسر - على الوجهين
ما كان في مرتبة واحدة وإلا فقد يترامى الاستئمار فيكون في المرتبة الدنيا
مستأمرا فقط، وفي العليا مستأمرا - بفتحها - فقط، وفي الأواسط مستأمرا
ومستأمرا معا باختلاف الاعتبار، وكل واحد من الأواسط ليس له الفسخ
والإجازة ولا الأمر بهما، كما هو ظاهر.
ثم بناء على حمل كلام المصنف على ما يظهر من عبارته - بحسب دعوى
الشارح (1) وان خالف ظاهر الأصحاب - يكون الفرق عنده بين المستأمر
والمشروط له الخيار إذا كان أجنبيا أن الأول ليس له من الأمر شيء إلا بعد
الاستشارة بخلاف الثاني فإن له الإمضاء والفسخ بأدئ بدئه.
ويشترط في المستأمر اعتبار المصلحة، لأ نه أمين.
قال المصنف: (ويجب اشتراط مدة المؤامرة)
كما في التحرير والتذكرة والمختلف وتعليق الإرشاد والميسية والمسالك
والشرح (2)، للزوم الجهالة مع الإطلاق، وللنهي عن الغرر، وتطرق الجهالة إلى
العوضين لجهالة الشرط، ولأن العقود شرعت لقطع مواد الاختلاف والإناطة
بالمختلف مثار الاختلاف.
وربما قضى به الإجماع المنقول على لزوم تعيين مدة الخيار (3) وظاهرهم
عدم الفرق في المنع بين الإناطة بمدة مجهولة وبين الإطلاق، خلافا للشيخ في
الثاني (4) حيث جعله كاشتراط الخيار مع الإطلاق ينصرف إلى ثلاثة أيام مدعيا
فيه (5) النص والإجماع وهما ممنوعان.

(1) الروضة 3: 455 - 456.
(2) التحرير 1: 166 س 27، التذكرة 1: 521 س 26، المختلف 5: 67، تعليق الإرشاد
(مخطوط): الورقة 134 س 23، المسالك 3: 202، الروضة 3: 457.
(3) كما صرح به في مفتاح الكرامة 4: 561 س 5.
(4) الخلاف 3: 37، المسألة 51.
(5) يعني في الشرط راجع الخلاف 3: ص 20 المسألة 25.
84

ثم إن المصنف لم يتعرض لجواز اشتراط البائع رد المبيع من المشتري حيث
يرد عليه الثمن في مدة معينة، وقد ذكره جماعة من الأصحاب بعد ذكرهم شرط
المؤامرة. ونقل عليه الإجماع في الخلاف والغنية وجواهر القاضي وجامع
المقاصد والمسالك وظاهر التذكرة وشرح الإرشاد للفخر (1).
ويدل عليه الأصل وعموم الكتاب (2) والسنة (3) على القول بمشروعية شرط
أصل الخيار وإلا فدليله الخاص قاض به لأ نه قسم منه، وخصوص الأخبار
المعتبرة في الباب:
منها: الصحيح، في من اشترط عليه ذلك أرى أنه لك إن لم يفعل وإن جاء
بالمال للوقت فرد عليه (4).
ومنها: الموثق، رجل مسلم احتاج إلى بيع داره فمشى إلى أخيه فقال له
أبيعك داري هذه على أن تشترط لي إن أنا جئتك بثمنها إلى سنة أن ترد علي، قال:
لا بأس بهذا إن جاء بثمنها إلى سنة ردها عليه (5).
ومنها: رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إن بعت رجلا على شرط،
فإن أتاك بمالك، وإلا فالبيع لك (6).
وظاهر هذه الروايات كمعاقد الإجماعات السابقة وجوب رد الثمن وإن لم
يفسخ البائع، وهو خلاف ما صرح به أكثر الأصحاب.
ولعل ظاهر الروايات والإجماعات منزلة على الغالب من تعقيب رد الثمن
بالفسخ كأن يقول له: خذ دراهمك فقد فسخت ونحو ذلك، أو على شرط الانفساخ
برد الثمن بناء على أن الشرط يثبت الغايات.

(1) الخلاف 3: 19 المسألة 22، الغنية: 215، جواهر الفقه: 54 المسألة 192، جامع المقاصد 4: 293،
المسالك 3: 202، وراجع التذكرة 1: 519.
(2) المائدة: 1.
(3) الوسائل 12: 353 - 354، ب 6 من أبواب الخيار، ح 1 و 2.
(4) الوسائل 12: 354، ب 7 من أبواب الخيار، ح 1.
(5) الوسائل 12: 355 ب 8 من أبواب الخيار، ح 1.
(6) الوسائل 12: 354 ب 7 من أبواب الخيار، ح 2.
85

وفي الرياض أبقاها على ظاهرها بدعوى: أن العادة قاضية بكون مثل هذا
الرد فسخا للمعاملة فتكون دلالته بقرينة (1) ويكفي في السقوط الفعل الظاهر في
الإسقاط كما تقدم.
وفيه بعد تسليم دلالته على ذلك: أن الخيار المشترط إنما هو بعد رد الثمن
فكيف يحصل الفسخ بنفس الرد السابق عليه.
ثم إنه لا يفترق الحال في الاحتياج إلى الفسخ بين قول المشهور وقول الشيخ
وإن افترقا فيوجه الاحتياج إليه، فإنه في الأول لعود الملك وفي الثاني لاستقراره.
ثم إنه لا فرق في هذا الشرط بين أن يكون من البائع على المشتري أو من
المشتري عليه.
والظاهر أنه لافرق بين رد عينه أو مثله أو قيمته، ولا يحمل إطلاقه على العين.
ولو شرط رد العين، احتمل البطلان لمنافاته لمقتضى العقد، والصحة للعموم (2)
وهو الأقرب. ولو شرط رد بعض المبيع ببعض الثمن ففيه الوجهان السابقان في
اشتراط الخيار في بعض المبيع. ولو جاء ببعض الثمن. لم يجب القبول.
ولو كانت المدة ظرفا للأداء والاسترجاع كان له الفسخ متى (3) جاء بالثمن في
أثنائها، ويجب على المشتري قبضه. ولو جعلها غاية لم يجب قبضه إلا بعد مضيها.
ولو شرط المشتري ارتجاع الثمن إذا رد المبيع صح ويكون الفسخ مشروطا
بعينه، ولا يتعدى إلى مثله أو قيمته إلا مع الشرط بخلاف الثمن، والفارق العرف.
ولو شرطا الارتجاعين واتحد الوقت صحا قطعا، وإن تغاير الوقت احتمل
صحتهما فالسابق يرتجع، فإن ترك ارتجع الآخر هكذا في الدروس (4).
ولا يتوقف الفسخ في الخيار مطلقا على خصوص الخصم ولا على الحاكم مع
تعذره وعدمه، لأ نه إيقاع لا عقد خلافا لابن الجنيد (5).

(1) الرياض 8: 189.
(2) المؤمنون عند شروطهم.
(3) في بعض المخطوطات: «حتى لو» بدل: متى.
(4) الدروس 3: 270.
(5) حكاه عنه الشهيد في الدروس 3: 270.
86

نعم في خصوص المقام قد يظهر من الروايات ذلك، والظاهر أنه باعتبار
اشتراطه رد الثمن عليه لا باعتبار اشتراط كون الفسخ بحضوره.
فلو اشترط رد الثمن على غيره أو عليه وقد دفعه إليه وفسخ بعد ذلك من دون
حضوره كفى.
تذييل:
يسقط هذا الخيار بانقضاء الشرط والإمضاء من المشروط له بالإجماع،
وسقوط الحقوق بالإسقاط، ولأن المدار في سقوط الخيار على الرضا بالبيع كما
يستفاد من النصوص على أحد الوجهين والإيجاب صريح فيه للمعتبرة المستفيضة:
منها: الصحيح، في من ابتاع ثوبا بشرط فيعطى به ربحا: إن رغب في الربح
فليوجب على نفسه الثوب، ولا يجعل على نفسه أن يرد الثوب على صاحبه إن رد
عليه (1).
نعم في المعلق على ارتجاع الثمن ونحوه قبل حصوله، قد يقال: إنه من
الإسقاط قبل الثبوت، وهو ضعيف.
ويسقط خيار المشتري بتصرفه في المبيع بالإجماع كما في الخلاف والغنية
وكنز الفوائد وجامع المقاصد (2) والعلة المنصوصة في الحيوان على الوجه الظاهر
من الرواية والأولوية فإنه متى سقط به الخيار الأصلي فالمشترط أولى بأن يسقط
به، ولنقل الشيخ والقاضي ورود الأخبار من طريق الأصحاب بسقوط خيار
المشتري بالتصرف محتجين بها في الشرط (3) وكفى بهما ناقلين.
والحكم مقطوع به في كلامهم، والإجماع فيه محصل. وقد نص عليه الشيخان
والحلبيان والفاضلان والشهيدان والقاضي والديلمي والحلي والسيوري

(1) الوسائل 12: 359 ب 12 من أبواب الخيار ح 2.
(2) الخلاف 3: 24 المسألة 31، الغنية 219، كنز الفوائد 1: 455 - ولم يصرح بالإجماع -
جامع المقاصد 4: 304.
(3) الخلاف 3: 24 المسألة 31، جواهر الفقه: 55.
87

والصيمري والكركي (1) وغيرهم.
وتوقف فيه في مجمع البرهان واستصعبه لعدم الظفر بالدليل (2). وبما قررناه
وضح السبيل.
وكما يسقط خيار المشتري بالتصرف في المبيع فكذا خيار البائع بالتصرف
في الثمن، كما صرح به جماعة، وعلم من رأي الباقين للإجماع المنقول في
الحاشية العلية (3). ولظاهر الرواية (4) وتعليل كثير من الأصحاب بعلتها وإناطة كثير
من الأحكام بها، ولما يلوح منهم من عدم الفرق بين الثمن والمثمن وإن كان
الغرض غالبا في المثمن، وللمناط المنقح على الظاهر.
وما يظهر من صحيحة سعيد بن يسار (5) وموثقة ابن عمار (6) وروايتي ابن
الميسرة (7) وابن الجارود (8) - من أن تصرف البائع بالثمن مع شرط الخيار له عند
ارتجاع الثمن غير مسقط لخياره لحكمهم (عليهم السلام) بالخيار مع ترك الاستفصال مع أنه
من أبعد البعيد عدم التصرف في جميع تلك المدة، بل الظاهر أنه ما باع إلا ليتصرف
فيه وسيرة الناس اليوم على ذلك - فمحمول إما على الشرط الضمني بعدم سقوط
الخيار بتصرفه كما هو الشأن اليوم فإن دخول الشرط معلوم ضمنا في محاوراتهم.
ومثل هذا الشرط يلزم كغيره من الشروط، والضمنية لا تضر كما عرفت.
ولكن هذا مبني على عدم كون التصرف مسقطا تعبدا وأنه يقع السقوط به قهرا وإلا

(1) المقنعة: 592، الخلاف 3: 24 المسألة 31، الكافي في الفقه: 353، الغنية: 219، الشرائع
2: 23، التحرير 1: 168 س 2، الدروس 3: 27، المسالك 3: 213، جواهر الفقه: 54 - 55
المسألة 196، المراسم: 173، السرائر 2: 280، التنقيح الرائع 2: 5، جامع المقاصد 4: 304.
(2) مجمع الفائدة 8: 412.
(3) جامع المقاصد 4: 304.
(4) الوسائل 12: 350 ب 4 من أبواب الخيار، ح 1.
(5) الوسائل 12: 354 ب 7 من أبواب الخيار، ح 1.
(6) الوسائل 12: 355 ب 8 من أبواب الخيار، ح 1.
(7) الوسائل 12: 355 ب 8 من أبواب الخيار، ح 2.
(8) الوسائل 12: 354 ب 7 من أبواب الخيار، ح 2.
88

كان شرطا مخالفا للسنة. اللهم إلا على تقدير القول بإثبات الشروط للغايات إلا ما
دل الدليل على عدمه، ولا دليل في المقام.
أو على أنه لما كان الخيار معلقا على ارتجاع مال المشتري وارتجاع الثمن
أو مثله يعد ارتجاعا لماله عرفا، فيحكم بتحقق الخيار، فكان الثمن على هذا هو
الأعم من الثمن ومثله، ولم يقع التصرف فيه وإنما تصرف بغيره، فتأمل.
أو على الفرق بين التصرف في زمان الخيار والتصرف قبله. وما اشتملت عليه
الروايات من التصرف قبله، لأن الخيار لا يثبت إلا بعد ارتجاع الثمن والتصرف
قبله. وربما يؤيد ذلك تقييد كثير منهم في مدة الخيار.
أو يحكم بخصوص ما اشتملت عليه الروايات للنص والإجماع الظاهر على
العمل بظاهرها والسيرة المستمرة على ذلك. ويبقى الباقي من شرط ارتجاع
المبيع ونحوه على وفق القاعدة.
وقد حمل هذه الروايات بعض المتأخرين على ما إذا علم من ذلك التصرف
عدم الرضا بالإمضاء (1) كما هو المعلوم اليوم من سيرة الناس في بيع الشرط، لأن
الأصل في التصرف الدلالة على الرضا، إلا أن يعلم الخلاف، وقد علم في هذا
المقام. وهذا مبني على أحد الوجوه في التصرف، وقد تقدم الكلام في ذلك (2).
وهذا كله فيما لو كان الخيار لأحد المتعاقدين والمتصرف ذو الخيار. ولو كان
الخيار لأجنبي فتصرف من كان الخيار عنه لا يسقط خيار الأجنبي، لأ نه ليس له
الالتزام والفسخ، بل الأمر إلى الأجنبي، إلا إذا قلنا بأنه توكيل، فإنه يكون تصرفه
التزاما فيما انتقل إليه وفسخا فيما انتقل منه.
ولو تصرف الأجنبي فإن لم يكن وكيلا على التصرف فلا عبرة بتصرفه قطعا،
وإن كان وكيلا أو فضولا ولحقته الإجازة ففي كون تصرفه التزاما نظر: لدلالته على
الرضا، ولعدم شمول أدلة كون التصرف مسقطا للخيار له.

(1) مفتاح الكرامة 4: 587 س 31.
(2) عند قول المصنف في خيار الحيوان: أو تصرفه.
89

ومثل ذلك تصرف المالك بإذن الأجنبي ذي الخيار أو وكيل للمالك بإذنه،
وقد تقدم البحث في ذلك (1).
وهذا كله في تصرف المشتري بالمبيع والبائع بالثمن.
ولو تصرفا فيما انتقل عنهما فهو فسخ منهما، لتصريح الأصحاب بأن كل
تصرف يمضى به البيع من أحدهما فهو فسخ من الآخر على تقدير حصوله منه،
وذلك كما إذا تصرف المشتري بالمبيع، فإن تصرفه إمضاء. ولو تصرف الآخر
- أعني البائع في المبيع ‍ كان تصرفه فسخا، لأن الفسخ كما يحصل بالقول يحصل
بالفعل. والتصرف كما يدل على الإمضاء يدل على الفسخ، بل دلالته على الفسخ
أقوى، فيكون أولى بالاعتبار.
ولأن هذا التصرف لو لم يكن فسخا لكان ممنوعا منه شرعا في كثير من
المقامات، لمصادفة ملك الغير على المشهور من الانتقال بنفس العقد، والأصل في
تصرفات المسلم وقوعها على الوجه السائغ الصحيح، فيكون فسخا. ولو كان الخيار
لهما، فتصرف أحدهما، فإن كان فيما انتقل عنه بطل الخياران، وإلا اختص بالبطلان.
* * *

(1) في خيار الحيوان في أنحاء التصرف عند قوله: ثم التصرف قد يكون عمدا... الخ.
90

قال المصنف:
(الرابع: خيار التأخير)
وهو كخيار التقديم بالنسبة إلى بيع الملقوط أو المخروط أو المجزور مثلا
قبل البلوغ، فجاء لزوم المبادرة قبل الاستواء من قبل البائع من جهة أرضه
أو مائه ونحوهما.
وتخصيص هذا الخيار بالبيع بلا خلاف للأصل واختصاص الأدلة به وبالبائع،
فلا يثبت للمشتري كما نص عليه المفيد (1) والمرتضى حاكيا عليه الإجماع (2) وهو
قضية كلام الباقين حيث تعرضوا لخيار البائع فحكموا به ولم يتعرضوا لخيار
المشتري، فالإجماع محصل فضلا عن أن يكون منقولا على الظاهر، وهو مقتضى
الأصل، لأن الأصل عدم الخيار خرج المعلوم وبقى الباقي. وربما استفيد من
النصوص من تخصيص الحكم بالمنصوص.
ولابد من تحقيق عميق في بيان هذا الأصل فنقول: إن القيود الزمانية أو
المكانية أو الوصفية وهكذا إن استفيدت من إطلاق العقد كالتعجيل ومكان العقد
للتسليم والأجل المضروب للسلم فلا خيار، إما باعتبار أنها أحكام شرعية مترتبة
على ما يقتضيه العقد من النقل والانتقال وليست هي بمقتضى العقد.

(1) المقنعة: 591 - 592.
(2) الانتصار: 437 - 438، المسألة 249.
91

أو باعتبار أنها شرائط ضمنية والمدار على الشرط الصريح ولا عبرة بالضمني
فلا يجري فيها خيار الاشتراط.
أو باعتبار أن الشرط المثبت للخيار ما يكون مشروطه ليس من لوازم العقد
وللشرط تأثير فيه، وما هنا ليس كذلك، لأ نها أحكام لازمة بدون الشرط فلا تؤثر
وإن صرح بها.
أو أن العقد وإن اقتضاها لكن لا على جهة الشرطية في العقد وأنه مشروط
بذلك إذ ليس كل ما يقتضيه العقد يقتضيه على جهة الشرطية، وهو الوجه. والأوجه
السابقة كلها مدخولة.
وربما يندفع من هنا ما يرد أنه ما الفرق بين اقتضاء العقد الصحة حتى أوجب
خيار فواتها وبين اقتضائه الحلول وهذه الأشياء فلا يوجب فواتها الخيار، وكون
الفارق النص خلاف الظاهر من كلماتهم.
ويمكن الجواب أيضا بأن اقتضاء العقد الصحة صيرها بمنزلة جزء المبيع،
بخلاف هذه الأشياء، فإنها امور خارجة.
وفي المقام بحث، لأن الزمان له قسط من الثمن، وكذا المكان مثلا، فإذا اختلا
ذهب بعض العوض وكان الصفقة تبعضت وحديث «الضرر والضرار (1)» مقتض
لذلك، فيجري بالنسبة إلى المشتري وسائر العقود، ويكون الاشتراط في الثلاثة
في الخيار على خلاف الأصل، إذ ينبغي ثبوته بمجرد التأخير.
والأقوى عدم ثبوت هذا الخيار في غير المنصوص للقاعدة فضلا عن الدليل،
لعدم دخول الزمان والمكان في العوضين فلا يكون من باب التبعيض، والضرر
والضرار يدفعهما أيضا القدرة على المقاصة فلا يتعين الخيار، ولا ينافي ذلك أن
المقاصة إنما تشرع مع الامتناع فقط، على أن حديث الضرر لا نقول به على

(1) الوسائل 17: 319 ب 5 من أبواب الشفعة، ح 1 و 341 ب 12 من أبواب إحياء الموات، ح 3.
92

عمومه ولا يثبت خيارات لا تعد ولا تحصى، بل المدار على الضرر الخاص الذي
يكشف عنه الشارع، كما هو المعلوم من طريقة الأصحاب.
فبناء على ما ذكرنا لا يتجاوز البيع إلى ما عداه من العقود والإيقاعات ولا
البائع إلى غيره، وكل مورد شك في دخوله تحت النصوص والإجماع، ينفى بالأصل.
واستشعر في الدروس ثبوت هذا الخيار للمشتري من الأصحاب من عدم
حكمهم على إجباره على النقد (1) ووجهه احتباس المبيع كما هو المفروض والرضا
بالتأخير كما هو الظاهر.
نعم يحتمل ذلك لو انعكس فأخر البائع تسليم المبيع دفعا للضرر الحاصل،
والأشبه العدم اقتصارا فيما خالف الأصل على مورد النص والإجماع.
ثم إن ثبوت هذا الخيار للبائع بعد الثلاثة بالشروط الآتية هو المشهور بين
الأصحاب شهرة محصلة ومنقولة بل الإجماع فيه محصل فضلا عن أن يكون
منقولا عن الانتصار والخلاف والجواهر والغنية والتذكرة والمسالك والمفاتيح
وظاهر المهذب البارع والتنقيح وإيضاح النافع (2).
والأصل بمعنى استصحاب بقاء الملك قاض به.
وما يقال: من أن استصحاب الجنس لا يجوز لأ نه يذهب بذهاب الفصل،
مردود بأنه من الامور الخارجة والامور الخارجة كبياض زيد وسواده ونحوهما
من الأعراض فإنه لا يقدح في الاستصحاب زواله.
والمعتبرة دالة عليه:
منها: الصحيح في الفقيه، إن جاء فيما بينه وبين ثلاثة أيام، وإلا فلا بيع له (3).

(1) الدروس 3: 273.
(2) الانتصار: 437، الخلاف 3: 20 المسألة 24، جواهر الفقه: 54 المسألة 193، الغنية: 219، التذكرة 1: 523
س 14، المسالك 3: 208، المفاتيح 3: 74 - 75 مفتاح 923، المهذب البارع 2: 379 - 380، التنقيح 2: 48.
(3) الفقيه 3: 202 ح 3766. الوسائل 12: 365، ب 9 من أبواب الخيار، ح 1.
93

وروى مثله في الكافي في الصحيح أو الحسن (1). وفي التهذيب مثلهما بسند فيه
علي بن حديد (2). ومثلها موثقة إسحاق بن عمار: من اشترى بيعا فمضى ثلاثة أيام
ولم يجئ فلا بيع له (3). وخبر عبد الرحمن بن الحجاج في قضية المحمل (4).
والمراد نفي لزوم البيع، لكونه في معرض البطلان بخيار البائع لا انتفاء الصحة
إذ المفهوم من نفيه للمشتري ثبوته للآخر. والصحة لا تقبل التبعيض، ولفهم اللزوم
بقرينة المقابلة لأن معنى قوله: «إن جاء فيما بينه وبين ثلاثة أيام» أن البيع لازم.
وقد قابله بقوله (عليه السلام): «وإلا فلا بيع له» فيكون معناه أنه لا يلزم، مع أن الإطلاق إنما
ينصرف إليه، لشيوعه فيوصف اللزوم، مع أنه قيد زائد فيتوجه النفي إليه، كذا قيل.
وفيه: أن اللزوم ليس قيدا مصرحا حتى يتوجه إليه النفي ويبقى أصل
المسلك، وأيضا أن النفي إنما ورد مورد توهم لزوم المعاملة لأن السامع يتوهم
الحصر على البائع بعد العقد، فالمراد نفيه.
مع أنه قد ورد في التفرق: أنه «ليجب البيع» (5) ومعناه الثبوت. والحق ثبوته،
فالمراد ثبوت لزومه.
وورد في اشتراط ارتجاع المبيع قول البائع «وإلا فالبيع لك» (6) مع أن في لفظ
«لك» إشعار على ما قيل.
وفي صحيحة ابن يسار: «أرى أنه لك إن لم يفعل» (7) وظاهره أن المراد من
ذلك فيها انقضاء الخيار وعدمه.

(1) الكافي 5: 170 ح 4.
(2) التهذيب 7: 21 ح 88.
(3) الوسائل 12: 357 ب 9 من أبواب الخيار، ح 4.
(4) الوسائل 12: 356 ب 9 من أبواب الخيار، ح 2.
(5) الوسائل 12: 348 ب 2 من أبواب الخيار، ح 3.
(6) الوسائل 12: 354 ب 7 من أبواب الخيار، ح 2.
(7) الوسائل 12: 354 ب 7 من أبواب الخيار، ح 1.
94

ووقع التعبير بمثل ما نحن فيه في خيار ما يفسد ليومه (1) مع إطباقهم عليه.
وفي كثير من الأخبار: المبيع يصير للمشتري بعد انقضاء الخيار، مع أنه يصير
بمجرد العقد ملكه، فالمراد إذا على سبيل اللزوم، مع أن نفي الحقيقة - أعني
الصيغة - غير ممكن، لأن المعاملة اسم للأعم ويتحقق بنفي اللزوم ولا أقل من
الشك فيرجع فيه إلى الأصل، مع ظهور كون العلة فيه دفع الضرر والإرفاق
بالبائع، وهو إنما يندفع بالخيار. وأما البطلان فربما كان أضر على البائع من التزام
البيع فلا يحصل به الإرفاق.
وفي كثير مما ذكر بحث، إذ اللفظ إذا تعذر حمله على الحقيقة تحمل على
أقرب المجازات، وأقربها هنا الصحة. غير أن فهم الفقهاء للخيار من الروايات
عليه المدار، فإنهم أعرف بمواقع الألفاظ، ولهذا احتجوا بها على ثبوت الخيار.
وفي المهذب نسب تنزيلها على نفي اللزوم إلى الأصحاب (2) والمنسوب إليه
الخلاف في المسألة ابن الجنيد حيث قال: «لا بيع (3)» من دون قيد له. والصدوق
حيث عبر بالنص (4) والشيخ في المبسوط حيث نسب بطلان البيع إلى رواية
أصحابنا (5). وقربه صاحب الكفاية (6) ونفى عنه البعد الأردبيلي (7) وجزم به
صاحب الحدائق (8).
وأنت خبير بأن فتوى ابن الجنيد غير محكمة وحملها على الصحة ممكن
كالروايات، كما يشهد بها ورودها في مقام الخيار. والصدوق روى ذلك رواية
والفتوى غير الرواية. وأقصى ما في المبسوط نسبة ذلك إلى رواية الأصحاب

(1) راجع الوسائل 12: 358، ب 11 من أبواب الخيار، ح 1.
(2) الموجود في المهذب نسبته بطلان إلى رواية الأصحاب راجع ج 2 ص 361، نعم في
المهذب البارع بعد نقل الأخبار قال: وحملها الأصحاب على نفي اللزوم لا الصحة. المهذب
البارع 2: 380.
(3) راجع المختلف 5: 70.
(4) المقنع: 365.
(5) المبسوط 2: 87.
(6) الكفاية: 92 س 12.
(7) مجمع البرهان 8: 406.
(8) الحدائق 19: 47 - 48.
95

والرواية غير الفتوى مع موافقته المشهور في الخلاف واحتجاجه بإجماع الفرقة
وأخبارهم.
فاحتمال البطلان باطل بالأصل، والروايات المستفيضة المسندة الموجودة
في الجوامع العظام والمرسلة في الخلاف والغنية (1) وفقد المبطل، والإجماع
المتكرر المنقول على الخيار، وتطابق الفتوى عليه من جماهير الأصحاب، مع
شذوذ المخالف بل انتفاء الخلاف كما عرفت.
نعم في الصحيح: عن الرجل يبيع البيع ولا يقبضه صاحبه ولا يقبض الثمن،
قال: الأجل بينهما ثلاثة أيام، فإن قبض بيعه وإلا فلا بيع بينهما (2) ولا يأبى الحمل
على اللزوم فإن ثبوت الخيار لأحدهما ينفي اللزوم بينهما.
قال المصنف: (عن ثلاثة أيام)
لا فرق في هذه المدة بين الجارية وغيرها وفاقا للعلامة والشهيد (3) وظاهر
الأكثر ونسبه بعض إلى ظاهر الأصحاب، لعموم النصوص (4).
وخلافا للصدوق حيث قدر المدة فيها بشهر في صريح الفقيه (5). وفي المقنع
- على ما نقله العلامة عنه في المختلف ولم نجده فيه - للرواية في من اشترى
جارية وقال: أجيئك بالثمن، إن جاء فيما بينه وبين شهر، وإلا فلا بيع له (6).
ورواها الشيخ في التهذيب ولم يعقبها بشيء (7) وفي الاستبصار. واحتمل
حملها على استحباب الصبر وتخصيص العمومات بها كما خصصت بغيرها (8).

(1) الخلاف 3: 20 المسألة 24، الغنية: 219.
(2) الوسائل 12: 357 ب 9 من أبواب الخيار، ح 3.
(3) المختلف 5: 70، الدروس 3: 274.
(4) قال في الرياض: ثم إنه لا فرق في المبيع بالإضافة إلى مدة الخيار بين الجارية وغيرها في إطلاق أكثر
النصوص والفتاوي، الرياض 8: 194. وقريب منه عبارة صاحب مفتاح الكرامة، راجع ج 4 ص 578 س 4.
(5) الفقيه 3: 203 ذيل الحديث 3767.
(6) المختلف 5: 70.
(7) التهذيب 7: 80 ح 342.
(8) الاستبصار 3: 78 الحديث 261 وذيله.
96

وردها في الدروس بالندرة (1). وأجاب في المختلف بمنع صحة السند (2). والسند
لا بأس به، إذ ليس فيه من يشتبه أمره سوى «أبي إسحاق» وهو مشترك بين
جماعة والمشهور هو إبراهيم بن هاشم وتساعده الطبقة أيضا، فهو إما صحيح أو
حسن كالصحيح، والدلالة ظاهرة وأصل اللزوم مؤيد، وذلك لأ نه كان ثابتا في
الثلاثة فيستصحب.
ولكن شذوذ الرواية وغرابة اختصاص الأمة بهذا الحكم ولزوم الضرر على
البائع بطول المدة، يمنع من الأخذ بظاهرها، فالعمل على المشهور.
وحملها على بيان منتهى الصبر طريق الجمع وذلك بأن يكون للصبر غايتان
وجوب وجواز. أما الوجوب فالثلاثة. وأما الجواز فهي الثلاثون.
فيصير منتهى الصبر في كل بيع ثلاثين فيما يمكن بقاؤه ثلاثين فما فوق،
والفرق بينه وبين حمل الشيخ (رحمه الله)، ان الشيخ قد خصه بالأمة (3) وجعلناه في كل
مبيع والجارية مثال، فإن جعلنا التراخي في هذا الخيار على وفق القاعدة فلا
كلام، وإلا كان المثبت له الدليل.
ومبدأ المدة هنا لا من حين العقد. فلو جعلنا الإجازة ناقلة في الفضولي كانت
البدءة لا من حين الإجازة ولا من حين الملك كما ذهب إليه بعضهم (4) بل من حين
التفرق كما يظهر من كلام الشيخين والسيدين والقاضي والديلمي والحلي والعلامة
في المختلف والتحرير (5) لدلالة الأخبار وفتوى الأصحاب على لزوم البيع في
تمام المدة، ولو كانت من حين العقد أو الملك لاشتملت على خيار المجلس، فينتفي
اللزوم في المجموع بل الجميع في بعض الصور كما إذا استمر المجلس ثلاثة أيام.

(1) الدروس 3: 274.
(2) المختلف 5: 70.
(3) الاستبصار 3: 78 ذيل الحديث 261.
(4) لم نعثر على من صرح به، ولعل ظاهر الرياض يقتضيه، راجع ج 8 ص 192.
(5) المقنعة: 591 - 592، الخلاف 3: 20 المسألة 24، الانتصار: 437، الغنية: 220، جواهر الفقه: 54
المسألة 193، المراسم: 172، السرائر: 277، المختلف 5: 68، التحرير 1: 167 س 2.
97

وأيضا فالمتبادر من النصوص من قوله (عليه السلام): «إن جاء فيما بينه وبين ثلاثة
أيام (1)» مجيئه من وقت المفارقة، إذ لا يعقل المجيء وقت الاجتماع، إلا إذا اريد
به مجرد دفع الثمن، وهو خلاف الظاهر.
ويتفارق الوجهان إذا اشترط في العقد سقوط الخيار، فتكون المدة من العقد
على الأول لانتفاء المانع، ومن التفرق على الثاني لعموم المقتضى.
قال المصنف (رحمه الله): (في من باع ولا قبض ولا أقبض ولا شرط التأخير)
اشتمل كلام المصنف على ذكر شرطين لهذا الخيار:
الأول: عدم القبض والإقباض، ولا كلام في شرطيتهما، خلافا للشيخ (رحمه الله)
حيث جوز فسخ المبيع في كل موضع يتعذر فيه قبض الثمن سواء قبض المشتري
المبيع أو لا مستندا إلى حديث الضرر (2).
وفي الدروس: أنه لا يخلو من قوة (3) ويرده بعد الأصل صحيحة ابن يقطين:
فإن قبض بيعه وإلا فلا بيع بينهما (4) يعني بعد الثلاث، مع أن في فرض الفقهاء هذه
المسألة واشتراطهم عدم قبض شيء من الثمن والمثمن دلالة عليه، فلو ادعى
الإجماع المحصل لم يكن بعيدا.
وقد صرح بهذا التقييد في الخلاف والانتصار والغنية والتذكرة ونقلوا عليه
الإجماع (5) فقد يقال بشمول الإجماعات المنقولة له، قضاء لحق التقييد.
وقد يقال: أن في أخبار الحجر ما يدل على ذلك كما دل على أن الميت إذا لم
يخلف شيئا يفي بالغرماء كان صاحب العين المبيعة كغيره يعني لا فسخ له،
وحديث الضرر تدفعه المقاصة إن تمكن من أخذ العين، وإلا فلا يندفع بالفسخ.
ولا يصلح معارضا لما ذكرنا ما يوجد في بعض الروايات من دورانه مدار عدم

(1) الوسائل 12: 356 ب 9 من أبواب الخيار.
(2) المبسوط 2: 148. وليس فيه الاستناد بحديث الضرر.
(3) الدروس 3: 274.
(4) الوسائل 12: 357 ب 9 من أبواب الخيار، ح 3.
(5) الخلاف 3: 120 المسألة 24، الانتصار: 437، الغنية: 219 - 220، التذكرة 1: 23 س 14.
98

قبض الثمن كصحيحة زرارة حيث اشتملت في السؤال على قوله «ثم تدعه
عنده» (1) الظاهر في الإقباض للمبيع.
وأما إطلاق الأخبار الاخر فيشمل صورتي الإقباض وعدمه إن قلنا: إن القبض
في المتاع هو الأخذ باليد. وإن قلنا: إنه النقل لم يكن للإطلاق ظهور في ذلك.
ولعل استنادهم إليها مع اشتراطهم عدم إقباض المبيع مبني على كون القبض
عندهم في نحو المتاع هو النقل لا مجرد القبض باليد، لمكان خبر عقبة (2) وإجماع
الغنية كما سيأتي.
فبناء على ذلك لو وجدا أو أحدهما فلا خيار وإن أبقاه عند صاحبه، وكذا لو
قبض فبان مستحقا كلا أو بعضا إذ لا عبرة بالفاسد.
وقبض المعيب صحيح، فيسقط به خيار البائع.
وإجازة القبض كالقبض من اليد. فلو أجاز القبض لزم خلافا للشيخ (رحمه الله) (3)
لعدم الإقباض. وهو ضعيف.
وبناء على أن الإجازة كاشفة لا يجوز له الفسخ بعد المدة فيما إذا تقدم القبض
عليها وتأخرت الإجازة عنها. نعم على النقل يجوز ذلك.
ويكفي في الثمن مطلق القبض بخلاف المبيع فيشترط فيه إذن البائع - كما
صرح به جماعة ولوح إليه آخرون - لظاهر القبض، ولأن قبض الثمن من فعل
البائع كإقباض المبيع فيسقط حقه بهما، وقبض المشتري ليس فعلا له ولا يسقط
حقه بفعل غيره.
والظاهر أن المدار على صدق اسم القبض والإقباض عرفا وعدمه، وهو
يختلف بحسب المقامات كما سيجيء في بابه، إلا أنه مع بذل المشتري الثمن
والامتناع من البائع الظاهر سقوط الخيار، لأن المتيقن مع عدمه، ولظاهر النص،
وكلام الأصحاب، ويؤيده الاعتبار.

(1) الوسائل 12: 356 ب 9 من أبواب الخيار، ح 1.
(2) الوسائل 12: 358 ب 10 من أبواب الخيار، ح 1.
(3) لم نجده في المبسوط والخلاف، حكاه عنه السيد الطباطبائي... في المصابيح 3 (مخطوط): الورقة 247.
99

وأما مع تمكين البائع للمشتري فحكم العلامة في التحرير بالسقوط (1) ولم نره
لغيره، وهو مبني إما على أن القبض التخلية مطلقا أو فيما يكون قبضه كذلك وإلا
فالأشبه البقاء وإن أسقطنا الضمان به، لمنع عموم بدلية التمكين عن القبض، وسند
المنع بقاء حق ا لحبس، فللبائع المنع من إقباض المثمن حتى يقبض الثمن،
وللمشتري المنع من دفع الثمن حتى يقبضه البائع المثمن. والقبض لما في الذمة
قبض وإن لم ينو. والقبض أعم من أن يكون بنفسه أو بوكيله أو بوليه. والإتلاف من
أحدهما لما في يد صاحبه أقوى من القبض. والقبض للمعين لا يعتبر فيه النية من
القابض ولا يقدح فيه نية الخلاف، وللكلي لا تعتبر فيه النية منه أيضا على الأقوى.
وهل تقدح نية الخلاف كأن يقبض على أنه عارية أو وديعة أو رهن ونحوها؟
وجهان.
ويأتي تمام الكلام في باب القبض والتأخير منهما أو من أحدهما أعم من أن
يكون عن عمد أو سهو دون الإجبار.
الشرط الثاني: الحلول، فلو شرطا التأجيل أو أحدهما سقط الخيار إجماعا
وإن قصر الشرط عن المدة، عملا بالأصل السالم من معارضة النص والإجماع،
ولأن الواجب مع الشرط مراعاة الأجل طال أو قصر فلا يتقدر بالثلاثة، وإثباتها
بعد الحلول خروج عن ظاهر الفتوى والدليل.
فالتأخير بعد الأجل لا عبرة به، وفي وقت الأجل لا اعتبار به.
ولو شرط التأجيل في البعض فأخر الباقي فالأقرب السقوط وفاقا للتذكرة
والقواعد والإيضاح وكنز الفوائد (2) لتغير الصورة الظاهرة في حلول الجميع، ولأن
في الرواية «ولا قبض الثمن» (3) وهو يرشد إلى كون الثمن حالا لأن المتبادر أنه
عدم ملكه، ولسقوطه في الموجل بالشرط، فيسقط في الكل، لئلا يلزم التبعيض في
الخيار ويلزم منه تبعيض الصفقة.

(1) التحرير: 167 س 4.
(2) التذكرة 1: 523 س 32، القواعد 2: 67، الإيضاح 1: 487، كنز الفوائد 1: 451.
(3) الوسائل 12: 357 ب 9 من أبواب الخيار، ح 3.
100

نعم قد يقال بعدم السقوط في تأجيل البعض فيما إذا تعدد البائع أو المشتري
أو الثمن واجل ما يتعلق بأحدهما دون الآخر وإن اتحد العقد، فتأمل.
قال المصنف: (وقبض البعض كلا قبض)
الغرض أنه لو انتفى القبض منهما ولو ببقاء البعض فالخيار باق في الكل
كما في المهذب والتذكرة وغاية المرام وشرح المقداد (1) وغيرها، للإجماع
المحصل فضلا عن المنقول، ولخبر المحمل (2) وإن لم يكن من قول الإمام،
ولإناطة الأسماء بتمام المسميات. واحتمال التفصيل - مع أنه لا قائل به - يرده
ضرر التبعيض وعدم شمول الدليل. وهل يعد بقاء الشرطين كبقاء الشطرين؟
وجهان، والاحتساب أقوى.
وذكر جماعة من الأصحاب شرطا ثالثا، وهو الخلو عن خيار البائع كما نص
عليه العلامة في التحرير والحلي (3) في خصوص الشرط، لأن الخيار شرع لدفع
ضرر التأخير وقد اندفع بغيره، ولدلالة النصوص وفتوى الأصحاب على سبق
اللزوم ثلاثا فينتفي فيها الخيار مطلقا - ‍ خيار شرط أو غيره - وليس المراد نفي
الخيار المخصوص، لأن الثابت بالتأخير أصل الخيار والحكم لا يتقيد بالسبب.
وقيل: إن مبدأ ثلاثة اللزوم من حين العقد فلا يخل وجود خيار آخر والتأخير
مع الخيار من التأخير ومدة الثلاثة تتداخل معه. فلو شرط الخيار بعد الثلاثة جاء
الخيار من وجهين، انتهى (4). والأول أظهر.
ولو كان الخيار للمشتري فكالبائع عند العلامة والحلي (5) لتغير الصورة في
الحكم المخالف للأصل، ولأن شرط الخيار في قوة اشتراط التأخير وتأخير
المشتري بحق الخيار ينفي خيار البائع.

(1) المهذب البارع 2: 383. التذكرة 1: 523 س 24، غاية المرام 2: 40 التنقيح 2: 48.
(2) الوسائل 12: 356 ب 9 من أبواب الخيار، ح 2.
(3) التحرير 1: 167 س 3، السرائر 2: 277.
(4) لم نقف على قائله.
(5) المصدران السابقان.
101

ويلزم العلامة نفي الخيار في بيع الحيوان، وعموم الأدلة حجة عليه وعلى
الحلي أيضا، لعدم الفرق بين الأصل والمشترط.
واحتمل في الدروس (1) اطراده مع الشرط للخيار مطلقا للبائع كان أو
للمشتري، فيفسخ البائع في خيار المشتري بعد الثلاثة، وفي خياره كذلك إذا
انقضى الشرط.
ويلزمه تأخير الثلاثة عن محلها.
والأجود طرد الخيار في الأول وهو ما إذا كان للمشتري دون الثاني وهو ما
إذا كان للبائع، واللزوم المفهوم من الأخبار وكلام الأصحاب مختص بالبائع. وأما
المشتري فلا مانع من خياره، لوجود بعض أسبابه.
ولو ثبت للبائع خيار بعد الثلاثة احتمل السقوط لاندفاع الضرر به، والثبوت
لعموم النص، وهو الأقرب.
ولو رضي البائع بالتأخير أقل من المدة كيوم أو يومين لم يبق له خيار.
ويحتمل بقاؤه تماما والثلاثة بدايتها آخر وقت الرضاء. ويحتمل أن له ذلك أيضا
بعد ما بقي من المدة. والأوفق بالقاعدة الأول.
ولا يشترط في ثبوت هذا الخيار كون الثمن معينا، لظاهر الأدلة، ومقتضى
كلام الأصحاب.
وهل يشترط أن يكون المبيع معينا؟ قال أبو العباس والصيمري نعم (2). فلو باع
في الذمة لم يطرد الخيار، لأصالة لزوم العقد مع تغير الصورة، لأن ظاهر الروايات
التعيين مع كون الغالب التعيين فيه بخلاف الثمن ولا أقل من الشك فيقتصر على
المتيقن من الأدلة وكلام الأصحاب، ولانتفاء العلة في ثبوت هذا المثال وهي دفع
الضرر إذ هو مندفع بعدم انحصار المثمن بالتعيين، وهو ظاهر المبسوط والمراسم
والوسيلة والتحرير (3) وفي الانتصار والخلاف: «مبيع معين بثمن معين.» (4)

(1) الدروس 3: 274.
(2) المهذب البارع 2: 382، غاية المرام 2: 39.
(3) المبسوط 2: 87، المراسم: 172، الوسيلة 238، التحرير 1: 167 س 1.
(4) الانتصار: 437، الخلاف 3: 20، المسألة 24.
102

وربما حمل على مجرد التمييز أو الاحتراز عن النسيئة والسلف والأكثرون
أطلقوا الحكم.
وفي التذكرة الإجماع عليه من غير تفصيل (1).
والقاضي نص على الخيار في غير المعين محتجا عليه بالإجماع (2) وهو
الأقرب لما ذكر من الإجماعين، ويتناوله أيضا إطلاق إجماع التنقيح والمسالك
والمفاتيح (3) وما يظهر من إيضاح النافع والسرائر (4) ولعموم المعتبرة المخرجة عن
حكم الأصل كما في الموثق: من اشترى بيعا (5) وفي الصحيح: البيع (6) ونحوهما.
وتغير الصورة وانتفاء العلة ممنوعان، فلا فرق بين المعينين والكليين والمختلفين.
ويشترط في ثبوت هذا الخيار كون المتعاقدين متغايرين بالذات، وذلك لأن
هذا الخيار مبدؤه من حين التفرق وليس فيه التقييد بما يمكن فيه التفرق، وخيار
المجلس إنما يسقط في العاقد الواحد بالإسقاط وقد لا يسقط في الثلاثة. ومن
شرط خيار التأخير خلو الثلاثة عن الخيار.
ويسقط هذا الخيار بالاشتراط كما نص عليه في الدروس وكنز الفوائد
وتعليق الإرشاد (7) عملا بلزوم الشرط وبالإجماع المنقول.
وقد يقال: إن ما كان سبب الخيار فيه مقارن للعقد - كالعيب والغبن والتدليس
والوصف - يسقط باشتراط السقوط. وأما مثل خيار التأخير - الذي يأتي شيئا
فشيئا - فلا، لأ نه إسقاط قبل الثبوت.
قلت: كل خيار سببه العقد واستند إليه يسقط باشتراط سقوطه فيه قارن أو
تأخر، ولولا ذلك لما سقط من خيار الحيوان في الثلاثة إلا ما قارن العقد.

(1) التذكرة 1: 523 س 15.
(2) جواهر الفقه: 54 المسألة 193.
(3) التنقيح 2: 48، المسالك 3: 208، المفاتيح 3: 74 - 75.
(4) السرائر 2: 285.
(5) الوسائل 12: 357 ب 9 من أبواب الخيار ح 4.
(6) الوسائل 12: 357 ب 9 من أبواب الخيار، ح 3. وفيه: يبيع البيع..
(7) الدروس 3: 276، كنز الفوائد 1: 451، تعليق الإرشاد (مخطوط): الورقة 136.
103

ودعوى: أن هذا الخيار لم يستند إلى العقد بل إلى التأخير فقط أو إليه وإلى
العقد، بعيدة.
وعلى تقديره فقد يقال بأن المشترط سقوطه في ذلك الوقت لا الآن،
والتعليقي كالمنجز.
وفيه: أنه يلزم جواز ذلك في النفقة والقسم وغيرها من جميع ما فيه شغل
الذمة مقدرا.
والعمدة في جواز هذا الشرط أدلة الشروط والإجماع المنقول.
ويسقط أيضا بالإسقاط بعد الثلاثة، ولو أسقطه مقيدا لسقوطه بحصة من
الزمان سقط بتمامه وإن قلنا فيه بالتراخي، لأ نه بسيط والزمان تابع، وليس هذا
كخيار الحيوان.
وهل يسقط بإسقاطه في الثلاثة؟ وجهان: العدم لعدم ثبوت الحق فإنه كنفقة
الزوجة فإن ما سيأتي منها لا يسقط بالإسقاط. والفرق بينه وبين شرط السقوط
بالدليل، والسقوط لتقدم السبب الذي هو العقد، والفرق بينه وبين نفقة الزوجة أنه
حق واحد مستمر وهي حقوق موزعة على الزمان، فتأمل.
ويسقط بالبيع على من ينعتق عليه، كما تقدم في خيار المجلس (1).
وبالتصرف بعد الثلاثة بناء على جريانه في جميع الخيارات.
وأما التصرف قبلها فيجي فيه الوجهان السابقان. ويتقوى الأول منهما في هذا
المقام، فإن المتيقن من إسقاط الخيار بالتصرف ما كان بعد ثبوته.
وهل يجوز للمشتري التصرف في المبيع قبل خروج الثلاثة ببيع ونحوه وإن
منعناه من ذلك في زمان خيار البائع لمنافاة حقه؟ إذ الحق بعد لم يثبت، فلو
تصرف ببيع أو غيره أو باعه على من ينعتق عليه فيحتمل أن له سلطان الفسخ
والرجوع إلى العين. ويقوى الرجوع إلى القيمة سيما في الأخير كما تقدم، وفي
التصرف الجائز يحتمل ذلك.

(1) تقدم في ص 39.
104

وعلى أي تقدير فالنماء في الثلاثة وبعدها قبل الفسخ للمشتري كنماء الثمن
حيث يكونان عينين.
ولا يسقط بإحضار الثمن بعدها خلافا للعلامة في التذكرة والقواعد (1) مستندا
إلى زوال المقتضي لثبوته وهو الضرر، ووفاقا لمحتمل الدروس (2) للأصل، وزوال
العلة لا ينفي البقاء، لجواز أن يستند إلى علة اخرى ولا أقل من الشك فيستصحب.
وربما قيل: إنه ظاهر الأكثر حيث إنهم ذكروا أن له الخيار ولم يتعرضوا
للإحضار وعدمه ولكن الإطلاق مسوق لأمر آخر فلا دلالة فيه (3).
ولا يسقط أيضا بالمطالبة به بعدها كما في التذكرة والقواعد وكنز الفوائد
والمسالك والشرح (4) تمسكا بالأصل مع فقد المسقط شرعا، خلافا لظاهر
المشايخ والديلمي والحلي (5) حيث خيروا البائع بين الفسخ والمطالبة بالثمن
وقابلوا بينهما، وله وجه، فإن المطالبة بالثمن قرينة الإمضاء. وعلى القول بالفورية
يتجه القول بالسقوط لاستلزامه التأخير إلا أن يدعى عدم إخلال مثل ذلك بها لأن
المراد بها العرفية، أو يفرض في مقام لا يعلم بالخيار. وقلنا: إن ذلك عذر لا يسقط
به الخيار بناء على الفورية.
والظاهر أن ذلك في كلام الجماعة كفاية عن الالتزام.
وهل هذا الخيار على الفور أو التراخي؟ وجهان.
ذهب إلى الثاني منهما الشهيد في قواعده والعلامة في ظاهر التذكرة والعلامة
الطباطبائي في مصابيحه (6) مستدلين بإطلاق ما دل على الخيار فإنه يتناول
الأزمنة فلا يتقيد إلا بدليل، ولأنه حق ثبت للبائع والأصل بقاؤه.

(1) التذكرة 1: 523 س 29، القواعد 2: 67.
(2) الدروس 3: 274.
(3) راجع مفتاح الكرامة 4: 581 س 8.
(4) التذكرة 1: 523 س 30، القواعد 2: 67، المسالك 3: 208، الروضة 3: 458، ولم نعثر عليه
في كنز الفوائد.
(5) المقنعة: 592، الانتصار: 437، الخلاف 3: 20 المسألة 24، المراسم: 172، السرائر 2: 277.
(6) القواعد والفوائد 2: 248، التذكرة 1: 529 س 26، مصابيح الأحكام (مخطوط): الورقة 248.
105

ولم نجد بالأول هنا قائلا على التعيين وإن قيل به في غيره من الخيارات،
سوى ما يظهر من بعض المتأخرين اقتصارا على المتيقن فيما خالف أصل اللزوم (1).
وتردد المحقق الكركي في فورية هذا الخيار مع حكمه بها في خيار الغبن
والرؤية (2) وكأن منشأه أن المقتضي لهذا الخيار وهو دفع الضرر عام للفور وغيره،
وليس منشؤه تعارض الأصلين - اللزوم واستصحاب الخيار - لأ نه مشترك بين
المقامين، فلا معنى للتردد في أحدهما والجزم في الآخر.
والتحقيق أن المسألة مبنية على أن لزوم العقد معناه ان أثر العقد مستمر إلى
يوم القيامة وأن عموم الوفاء بالعقود عموم زماني، للقطع بأنه ليس المراد من الآية
الوفاء بها آنا ما بل على الدوام. وقد فهم المشهور منها ذلك، وباعتبار أن الوفاء بها
العمل بمقتضاها، ولا ريب أن المفاد عرفا وبحسب قصد المتعاقدين الدوام، فإذا
دل دليل على ثبوت خيار - من ضرار أو إجماع أو إخبار عن أخيار عن ثبوت
خيار في الماضي أو مطلقا بناء على الإهمال لا الإطلاق في الاخبار - فيكون
استثناء من ذلك العام ويبقى العام على عمومه كاستثناء أيام الإقامة والثلاثين
ووقت المعصية ونحوها من حكم السفر.
أو أن اللزوم ليس كالعموم وإنما يثبت ملكا سابقا ويبقى حكمه مستصحبا إلى
المزيل، فتكون المعارضة بين استصحابين والثاني وارد على الأول فيقدم عليه،
والأول أقوى، لأن حدوث الحادث مع زوال علة السابق يقضي بعدم اعتبار
السابق أما مع بقائها فلا يلغو اعتبار السابق. ولعل سبب تردد المحقق الثاني في
المقام دون خيار الغبن والرؤية ورود الأخبار به الظاهرة في ذلك كقولهم (عليهم السلام):
وإلا فلا بيع له (3) دونها.
ويمكن إثبات الفورية بطريق آخر وهو مما استدل به على ثبوت الخيار في
كثير من مواضعه، وهو حديث الضرار، ويتمشى في غير الخيار من إجازة

(1) راجع المسالك 3: 190.
(2) جامع المقاصد 4: 298، 302، 38.
(3) انظر الوسائل 12: 356 ب 9 من أبواب الخيار.
106

الفضولي والشفعة وفسخ النكاح ونحو ذلك، فإنه يترتب على بقائه ضرر عظيم من
قبيل التحجير على زوج يمتنع فيه الجمع لأ نه متى فعل يبقى مرددا، وبالإجازة
تنفسخ العقود، وكذا فوائد الأعيان فيؤخر الخيار حتى يستوفى منافعها ونتاجها
ثم يردها، غير أن ذلك إنما يجري حيث لا يكون مرجع الضرر منه على نفسه.
وربما كانت مسألة التأخير من هذا القبيل وإن لم يكن فيها تقصير بناء على
الفورية في الخيار.
فالمراد بها الفورية العرفية فالجهل بالحكم أو بالموضوع أو السهو أو النسيان
أو الإجبار أو زعمه صدور الفسخ ونحوها من الأعذار لا يسقط بها الخيار على
الأقوى وجهل حكم الفورية ليس عذرا خلافا لصاحب الحدائق وقد ذكر ذلك في
خيار الغبن (1).
قال المصنف (قدس سره): (وتلفه من البائع مطلقا)
بعد الثلاثة وقبلها، عرضه على المشتري أو لا، كلا كان أو بعضا.
وأما بالنظر إلى أقسام المتلف من الآفة السماوية أو البائع أو من المشتري أو
الأجنبي، فهو جزئي من جزئيات التلف، وسيجئ البحث فيه.
وتفصيل المسألة أنه لا خلاف في أن المبيع إذا تلف بعد الثلاثة كان من مال
بائعه. وقد نقل عليه الإجماع في الخلاف والسرائر والجامع والمختلف والقواعد
والايضاح والتنقيح والمهذب البارع والدروس وغاية المرام (2) وغيرها لأ نه مبيع
تلف قبل قبضه فيكون من مال بائعه بالقاعدة الكلية الثابتة بالنص (3) والإجماع.
وعارض هذه القاعدة في مجمع البرهان (4) بالقاعدة الاخرى وهي: أن تلف
المبيع في الخيار المختص بالبائع يكون ممن لا خيار له - وهو المشتري -

(1) الحدائق 19: 44.
(2) الخلاف 3: 20 المسألة 24، السرائر 2: 278، الجامع: 247، المختلف 5: 68، القواعد 2: 67، الإيضاح
1: 485، التنقيح 2: 49، المهذب البارع 2: 380، الدروس 3: 273، غاية المرام 2: 39.
(3) عوالي اللآلي 3: 212.
(4) مجمع الفائدة 8: 407.
107

وباختصاص الضمان به لو اشترك الخياران، فكيف إذا اختص بغيره، وبين
القاعدتين عموم من وجه، والثانية مؤيدة بالأصل.
وضعفه ظاهر فإنه - مع اختصاصه بالتالف في زمن الخيار فقط، أما لو سقط
الخيار بمسقط فلا يتمشى فيه - مردود باختصاص ما ذكر من القاعدة بالمقبوض
كما هو المعلوم من مذهب الأصحاب، وأما غيره فمن البائع مطلقا.
وأما لو تلف في الثلاثة فالمشهور أنه كذلك لذلك وفي الدروس: أنه مذهب
الأكثر (1) وفي الرياض استقر عليه مذهب المتأخرين كافة (2) وذهب إليه الشيخ
والقاضي وابن إدريس والمحقق والعلامة وولده والآبي والشهيدان والكركي
والصيمري (3) وغيرهم. وحكى في الخلاف عليه الوفاق (4) وهو المعتمد، للإجماع
المنقول، ولما دل على عموم الضمان على البائع مع عدم الإقباض، مضافا إلى
رواية عقبة بن خالد (5) في خصوص الباب المجبورة بالشهرة المحصلة والمنقولة.
وقيل: بل هو من ضمان المبتاع وهو قول المفيد والسيد والديلمي (6)
والحلبيين (7) للإجماع كما في الانتصار والغنية (8) ولاستقرار ملك المشتري في
الثلاثة وكون التأخير لمصلحته وكون التلف منه. ويضعف بمنع الإجماع،
ومعارضته بمثله، وعدم انتهاض التعليل لتخصيص الأصل المنصوص المجمع عليه.
وعزى في التذكرة هذا القول إلى الشيخ (رحمه الله) (9) وفي المهذب البارع الأول إلى
الديلمي (10) وهو خلاف المعلوم منهما والمنقول عنهما.

(1) الدروس 3: 273.
(2) الرياض 8: 196.
(3) النهاية 2: 137، المهذب 1: 358، السرائر 2: 278، الشرايع 2: 23، المختلف 5: 68،
الإيضاح 1: 485، كشف الرموز 1: 46، الدروس 3: 273، المسالك 3: 209، جامع المقاصد
4: 299، غاية المرام 2: 39.
(4) الخلاف 3: 20 المسألة 24.
(5) الوسائل 12: 358 ب 10 من أبواب الخيار، ح 1.
(6) المقنعة: 592، الانتصار: 437، المراسم: 172.
(7) الغنية: 219 - 220، الكافي في الفقه: 353.
(8) الانتصار: 437، الغنية: 219 - 220.
(9) التذكرة 1: 523 س 33.
(10) المهذب البارع 2: 381.
108

وذهب ابن حمزة إلى ان التلف من البائع إلا أن يعرضه على المبتاع فينتقل
إلى ضمانه (1) ونفى عنه البأس في المختلف (2). واستظهره من كلام الحلبي (3) مع
تخصيصه كلام ابن حمزة بالتالف في الثلاثة. وعبارة الوسيلة مطلقة (4) والوجه فيها
تنزيل التمكين منزلة القبض في نقل الضمان، للزوم حصول الضرر لولاه. ومقتضاه
ضمان المشتري مع حصوله مطلقا سواء كان التلف في الثلاثة أولا.
والنقل للضمان بالتمكين مذهب الشيخ (رحمه الله) (5) وجماعة. وظاهر الخلاف إجماع
الأصحاب عليه (6) فيشكل إطلاق القول بضمان البائع في الثلاثة من الأكثر وفيما
بعدها من الجميع إن ثبت الإجماع ومن خصوص القائل به إن لم يثبت، ولا يندفع
إلا باشتراط عدم التمكين في أصل الخيار كما في التحرير (7) أو تخصيص محل
النزاع بما إذا انتفى التمكين كما في السرائر (8). وعند ذلك تظهر موافقة ابن حمزة
للمشهور، وأن نسبة الخلاف إليه هنا وجعل ما قاله قولا ثالثا (9) ليس على ما ينبغي.
ولكن الحق عدم نقل الضمان بالتمكين، وإجماع الشيخ (رحمه الله) في الخلاف
ممنوع، ومعارض بإجماع الغنية (10) المعتضد بالشهرة المحصلة والمحكية عن
المهذب وغاية المرام (11) بعموم ما دل على الضمان على البائع مع عدم الإقباض،
من غير فرق بين التمكين وعدمه.
وفي ترك استفصال الجواب مع التلف في رواية عقبة بن خالد عن
الصادق (عليه السلام) (12) دليل على عدم التفاوت بين التمكين وغيره، وحديث الضرر لا
يعمل به على عمومه، مع اندفاعه بقبض الحاكم أو جبره عليه.

(1) الوسيلة: 239.
(2) المختلف 5: 69.
(3) الكافي في الفقه: 353.
(4) الوسيلة: 239.
(5) راجع الخلاف 3: 66، المسألة 109.
(6) راجع الخلاف 3: 66، المسألة 109.
(7) التحرير 1: 167 س 4.
(8) السرائر 2: 278.
(9) راجع المهذب البارع: ج 2 ص 380، 381.
(10) الغنية: 219 - 220.
(11) المهذب 1: 361، غاية المرام 2: 39.
(12) الوسائل 12: 358 ب 10 من أبواب الخيار، ح 1.
109

وأما الحلبي فقد نص على التفصيل وجعل التمكين ناقلا للضمان مطلقا (1)
كالقبض فلا يصح حمله على التفصيل في الثلاثة، ولا جعله قولا آخر في
المسألة، فإنه موافق للمفيد (رحمه الله) في كلتا المسألتين (2).
ولو اختص التلف ببعض المبيع أو عدم القبض ببعض التالف في غير المقبوض
من البائع كان كالجميع على الخلاف، بخلاف المقبوض فمن المبتاع، لانتقال
ضمانه إليه بالقبض.
وبهذا ينقدح إشكال آخر في كلامهم، فإنه إن اريد به الجميع لم يتبين حكم
البعض الغير المقبوض، أو ما يعمه والبعض - لصدق تلف الكل بتلف الجزء - اطرد
في المقبوض.
ويمكن الذب باختيار كل منهما تعويلا على مناط الحكم والحمل على غير
المقبوض كلا أو بعضا، فإن البعض مبيع في الكل.
* * *

(1) الكافي في الفقه: 353.
(2) أي في جعل التمكين ناقلا للضمان وأن التلف في الثلاثة من مال المبتاع.
110

قال المصنف (رحمه الله):
(الخامس: خيار ما يفسد ليومه)
(وهو ثابت بعد دخول الليل) اختلفت عبائر الأصحاب في تأدية المراد من
هذا الخيار ففي النافع والشرائع والتذكرة والقواعد والإرشاد (1) مثل ما في المتن
من ذكر الامتداد إلى الليل من دون تعرض للمبدأ. وفي الفقيه والنهاية والسرائر
والوسيلة والغنية والجامع والنزهة والتحرير والتبصرة (2) تقدير المدة بيوم.
والتحديد بالليل مشترك بين الجميع، لكنه قد جعل في النهاية والسرائر وكتب
العلامة غاية للخيار، وفي غيرها مبدأ له، كما في النص، ويجب رد الأول إليه
بالحمل على ما يؤول إلى ذلك مسامحة لوضوح المراد - وإن بعد التأويل - حتى
يوافق النص والإجماع المحصل فضلا عن المحكي عن حواشي الشهيد على
لزومه من طرف البائع إلى الليل أو خوف الفساد (3).

(1) المختصر النافع: 121، الشرائع 2: 23، التذكرة: 1: 523 س 19، القواعد 2: 67، الإرشاد
1: 374 - 375.
(2) الفقيه 3: 203 ذيل الحديث 3767، النهاية 2: 142، السرائر 2: 282، الوسيلة: 238،
الغنية: 219، الجامع: 247، النزهة: 87، التحرير 1: 167 س 7، التبصرة: 90.
(3) راجع غاية المراد 2: 102 - 103.
111

والأصل في ذلك ما رواه في الكافي والتهذيب عن محمد بن أحمد عن
يعقوب بن يزيد عن محمد بن أبي حمزة أو غيره عمن ذكره عن أبي عبد الله (عليه السلام) أو
أبي الحسن (عليه السلام): في الرجل يشتري الشيء الذي يفسد من يومه ويتركه حتى
يأتيه بالثمن قال: إن جاء فيما بينه وبين الليل بالثمن وإلا فلا بيع له (1).
وروى في الوسائل عن الصدوق (رحمه الله) أنه روى بإسناده عن ابن فضال عن ابن
رباط عن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث قال: العهدة فيما يفسد من يومه
مثل البقول والبطيخ والفواكه يوم إلى الليل (2) والظاهر أنها زيادة من الصدوق وإلا
فالشيخ قد روى ذلك الحديث بالإسناد المذكور من دون الزيادة (3) المذكورة.
وهذه الرواية وإن كانت مرسلة إلا أن عليها عمل الأصحاب كما في
المهذب (4) وفي كشف الرموز: لا أعرف فيها مخالفا (5) فهي منجبرة بعمل
الأصحاب، وبإجماع الغنية (6) على أصل الحكم، وبموافقة الاعتبار، وذلك أن
خيار التأخير ثبت بعد الثلاثة فيما لا يفسده البقاء ثلاثا فالذي يفسد قبل الثلاثة
ينبغي أن يثبت فيه الخيار قبل فساده بطريق أولى، وبحديث الضرر والضرار.
وها هنا إشكال في عبائر الأصحاب وفي النص بأن الغرض من الخيار دفع
الضرر بفسخ البيع قبل فساد المبيع وإذا كان مما يفسد ليومه كما هو المفروض
وجب أن يكون الخيار قبل الليل ليتأتى للبائع فسخه كذلك، وأيضا فالبيع يقع في
طرفي النهار وفي الأثناء كما هو الغالب وربما اتفق ليلا مع امتداد السوق وانقطاعه
والتحديد بالنهار كلا أو بعضا لا يطرد في الجميع، والحمل على مقدار يوم خروج
عن ظاهر النص والفتوى، ولا يتأتى معه الغرض المطلوب في الأكثر. والظاهر

(1) الوسائل 12: 358، ب 11 من أبواب الخيار، ح 1.
(2) الوسائل 12: 359، ب 11 من أبواب الخيار، ح 2.
(3) الوسائل 12: 352، ب 5 من أبواب الخيار، ح 5.
(4) الظاهر أنه المهذب البارع 2: 383، وانظر مفتاح الكرامة 4: 583 س 29.
(5) كشف الرموز 1: 461.
(6) الغنية: 219 - 220.
112

تنزيل الجميع على أن المراد فساد المبيت كما حمل النص الشهيد (رحمه الله) في الدروس
على ذلك، وأثبت الخيار فيما هو كذلك عند انقضاء النهار (1) نظرا إلى أن الغالب في
نحو الخضر والفواكه واللحوم والألبان فسادها بالمبيت.
واليوم يطلق على ما يشمل الليلة، فإنه استعمال شائع. وربما ايد باستعماله في
ذلك بالنسبة إلى الثلاث في خيار التأخير الذي هو أصل لهذا الخيار. وفيه ما تقدم.
ويفهم من الرواية حينئذ بناء على ذلك خوف الفساد في الليل كله أو بعضه أو
يخص بالأول، وارتضى هذا الحمل المقداد والمحقق الثاني ومال إليه الشارح (2).
وهذا كله بالنظر إلى المنصوص.
وأما غير المنصوص فحيث عرفت سابقا أن الذي تقضي به القواعد والاصول
أن البائع كغريم امتنع عليه المديون من تسليم حقه برهة من الزمان وعنده شيء
من ماله والحكم فيه إن بلغ به التأخير إلى الضرر كان للغريم المقاصة بإذن المجتهد
أو مطلقا على اختلاف الرأيين. وتخصيص المقاصة بخصوص الامتناع، لا وجه له.
فإذا كان الأمر على ذلك فإن كان المستند النص بالنحو الذي تقدم لزم الجمود
والاقتصار على المورد المعلوم من كون العقد بيعا والتأخير في الثمن والخيار
للبائع وبدخول جزء من الليل وفساد تمام المبيع في وجه وكون المانع خوف
الفساد الذاتي.
وقد يلحق العارضي من جهة خصوص رطوبة المكان وحره، فلا يلحق
خوف النهب والغصب ونقص القيمة والدخول في نظر الظلمة.
وتخرج من ذلك جملة من أقسام التغيير التي لا يصدق عليها الفساد عرفا أو
يشك في صدقه.
وأن يكون التأخير من المشتري لا من إذن البائع.

(1) الدروس 3: 274.
(2) التنقيح 2: 49، جامع المقاصد 4: 299، الروضة 3: 459 - 460.
113

وأن يكون قبل القبض، فلو قبضه وبقى أمانة عنده لم يجر فيه الحكم،
والضمان على البائع إلا في صورة الإذن في التأخير.
ولا يدخل الفساد في بعض اليوم قبل الليل ولا بعد الليل كفساد اليومين والثلاثة.
اللهم إلا أن يتمشى الحكم في غير المنصوص بتنقيح المناط وقياس الأولوية
أو بدلالة الإيماء، وهو غير بعيد، فيسري الحكم إلى الفساد في اليوم أو الاقل أو
الأكثر، ويكون مدار ثبوت الخيار على خشية فساده مطلقا.
فلو كان مما يتسرع إليه الفساد في بعض يوم، فالخيار فيه قبل الليل.
ولو كان مما لا يفسد في يوم تربص به البائع إلى خوف فساد فيتخير حينئذ
وإن مضى عليه يومان أو أكثر.
واحتمل العلامة (رحمه الله) في هذا انتظار الليلة، لورود التحديد به شرعا (1) وهو
ضعيف، لأن الأصل اللزوم ولا ضرر عليه في التأخير، وبأن مورد النص الفاسد
ليومه، وليس هذا منه، فيستمر فيه اللزوم إلى خوف الفساد لدلالة الإيماء، ويكفي
في الفساد بناء على ذلك تغير العين بفساد البعض.
وربما يقال بدخوله تحت الدليل ابتداء ونقص الوصف وتقليل الرغبة وإن لم
يبلغ حد التلف - كما يقال: هذا اللحم بائت وهذا العنب بائت - كما في الدروس
وكنز الفوائد وتعليق الإرشاد وظاهر المسالك (2).
ويعمل لذاته وغيره، إلا أنه بناء على أن المستند ذلك لا يسري إلى جميع
أنواع الضرر وإن كانت دائرة دلالة الإيماء أوسع من التنقيح وقياس الأولوية.
وإن جعلنا المستند حديث الضرر شمل جميع أنواعه حتى نقص القيمة
وفوات السوق، للزوم الضرر بنقص السعر.
والأشبه الأول، لأن حديث الضرر غير معمول به على عمومه عند الأصحاب

(1) التذكرة 1: 523 س 22.
(2) الدروس 3: 275، ولم نعثر عليه في كنز الفوائد، تعليق الإرشاد (مخطوط): الورقة 136،
المسالك 3: 210.
114

إلا في مقامات قام عليها الدليل بالخصوص، فجعل مناط الحكم فيها الضرر - ولا
دليل في المقام - والإيماء إليه بالفساد لا يفيد ذلك.
وأما الضرر الخاص الذي يكشف عنه الشارع لخصوصية فيه فذلك لا ينافي
ما نقوله مع أن الضرر يندفع بالمقاصة كما تقدم، والأصل لزوم العقد، فيقتصر فيه
على المتيقن.
والظاهر أن هذا الشرط وجودي لا علمي، فلو زعم الفساد ثم فسخ وتصرف
ببيع أو غيره بان فساد الفسخ وما يتبعه، والتلف فيما يفسد كغيره، فيجيء فيه
الأقوال السابقة، والمختار المختار. وإن لم يصرحوا به، لاتحاد الطريق فيهما.
وربما صح الإطلاق في الفاسد من المفصل في غيره بين ما قبل المدة وما
بعدها، لإقدام البائع على التأخير فيما هو مظنة التلف.
وهذا الخيار كسابقه فيه الوجهان: الفور، والتراخي، والأشبه الأول.
وربما يقال: إن الفورية في هذا الخيار وسابقه أوسع دائرة من الفورية في
الغبن والعيب ونحوهما.
ويظهر من جماعة من الأصحاب أن هذا الخيار قسم من خيار التأخير و
أ نه مساو له في الشروط والأحكام، وهو الأظهر اقتصارا فيما خالف الأصل
على المتيقن.
* * *
115

قال المصنف (رحمه الله):
(السادس: خيار الرؤية)
(لمن لم ير) إذا باع أو اشترى
هذا العنوان، إن بقي على المعنى الإضافي مع الجمود عليه، لم يدخل خيار
الإدراكات الاخر من الشم والسمع والذوق واللمس، وكذا الوصف إذا ظهرت
بخلاف ما علمت، وكذا العقود الاخر ما عدا البيع بل ما عدا الشراء.
وإن بني فيه على المثالية، لم يتفاوت فيه البيع ولا الرؤية ولا غيرها.
والظاهر الثاني، لما يظهر من الأصحاب، ويفهم من الرواية من أن ما ذكر فيها
سرى مسرى المثالية، ويقتضيه حديث الضرر والضرار (1) ويشهد له الاعتبار من
أن فوات وصف اللزوم في باب خيار الرؤية إنما هو لقبض (2) الوصف وقد كان
داخلا في المبيع مثلا فيكون كتبعيض الصفقة، أو باعتبار أنه يشبه الشرط، وهذا لا
يختلف الحال فيه بين البيع وغيره.
وهل المراد في مقام نقض الرؤية للرؤية - بقولهم: خيار الرؤية - الرؤية الاولى
التي زال مقتضاها أو الثانية المكذبة للاولى؟ وكلا الأمرين ممكن ومحتمل في

(1) الوسائل 12: 364 ب 17 من أبواب الخيار، ح 3 - 5، و 17: 319 ب 5 من أبواب الشفعة،
ح 1، و 341 ب 12 من أبواب إحياء الموات ح 3 - 5.
(2) كذا، والظاهر: لنقض.
116

الرواية، إلا أن الظاهر منها الثاني، ومن الأصحاب خروج ذلك عن هذا الباب
لفرضهم البحث فيما اشترى بالوصف.
والوجوه متكثرة، لأن الرؤية قد تنقضها رؤية اخرى أو وصف، والوصف قد
تنقضه رؤية أو وصف، وهكذا الإدراكات الاخر.
ثم الوصف إما مشترط فيضاف إليه خيار الاشتراط، أو في فقده غبن فخيار
الغبن، أو دلس فيه فخيار التدليس، أو عيب فخيار العيب، أو حيوان فخيار
الحيوان، أو مجلس فخيار المجلس، وهكذا، ولا مانع من تعدد الأسباب للخيار.
بقي الكلام في تدليس الأجنبي إذا تعمد الكذب هل يرجع إليه؟ الظاهر لا،
وما في النكاح بحكم الدليل.
ودليل هذا الخيار الإجماع المحصل على الظاهر فضلا عن المنقول.
وفي الحدائق أنه محل وفاق (1) وفي غيرها وهو إجماعي.
ونفى عنه الخلاف في الرياض (2) وفي الكفاية ومجمع البرهان كأنه
لا خلاف فيه (3).
وتدل عليه صحيحة جميل بن دراج قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل
اشترى ضيعة وقد كان يدخلها ويخرج منها فلما أن نقد المال صار إلى الضيعة
فقلبها ثم رجع فاستقال صاحبه فلم يقله فقال أبو عبد الله (عليه السلام): إنه لو قلب منها
ونظر إلى تسعة وتسعين قطعة ثم بقي منها قطعة ولم يرها لكان له في ذلك خيار
الرؤية (4). وهي محمولة على عدم كونها على الوصف الذي رآه سابقا واشتراها
معه، وإلا فليس محض عدم رؤية البعض قاض بالخيار.
واحتمل بعض الأصحاب في الرواية كون التفتيش من البائع بأن يكون البائع

(1) الحدائق 19: 58.
(2) الرياض 8: 199.
(3) الكفاية: 92 س 25، مجمع الفائدة 8: 410.
(4) الوسائل 12: 361 ب 15 من ابواب الخيار، ح 1.
117

باعه بوصف المشتري وحينئذ فيكون الجواب عاما بالنسبة إليهما، وهو بعيد كل
البعد عن سياق الخبر، ومع تسليمه فيكون الجواب عاما محل إشكال (1).
واستدل أيضا بحديث الضرر والضرار (2) وبانحلال ذلك إلى شبه الشرط أو
الشطر فيكون من باب خيار الشرط (3).
وأما صحيحة زيد الشحام قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل اشترى سهام
القصابين من قبل أن يخرج السهم فقال: لا تشتر شيئا حتى تعلم أين يخرج السهم
فإن اشترى شيئا فهو بالخيار إذا خرج (4). فليست مما نحن فيه. وإن استدل بها في
المقام (5). والقول بالبطلان في ذلك باعتبار عدم بقاء محل المعاملة فيكون البيع
باطلا، لا وجه له.
وسر الاشتباه عدم الفرق بين الوصف المعين للكليات ووصف المعين من
الشخصيات وبين الوصف الذاتي والعرضي.
مع أنه أقصى ما هناك أنه من باب تعارض الإشارة والوصف، والإشارة
أقوى، وليس هو من باب العيب مطلقا حتى يثبت فيه الأرش خلافا لابن
إدريس (رحمه الله) (6) لأن الأرش على خلاف القاعدة كما سيجيء في مقامه، فلنقتصر فيه
على مورد الدليل إلا إذا دخل في قسم العيوب.
قال المصنف (رحمه الله): (زاد في طرف البائع أو نقص في طرف
المشتري) بالنسبة إلى كل من المثمن والثمن.
ففي طرف الزيادة المعتبرة في المبيع يتخير البائع، وفي طرف نقصانه نقصا
معتبرا يتخير المشتري، وفي طرف النقصان للثمن يتخير البائع، وفي طرف زيادته

(1) ذكره المحدث البحراني في الحدائق 19: 58 ونسبه أيضا إلى بعض الأصحاب.
(2) مفتاح الكرامة 4: 292 س 6.
(3) لم نقف عليه، نعم لعله يستفاد من الحدائق، راجع ج 19 ص 56.
(4) الوسائل 12: 362 ب 15 من أبواب الخيار ح 2.
(5) راجع الحدائق ج 19 ص 57.
(6) السرائر 2: 242.
118

يتخير المشتري.
ولو زاد ونقص الثمن أو المثمن أو هما باعتبارين تخيرا. ويحتمل ثبوت
الخيار لمن عنده الزيادة أيضا، إذ قد يتعلق الغرض بعدمها، وهو ضعيف، لأن
الخيار على خلاف الأصل، والمتيقن ما عدا ذلك، والضرر منفي، والأغراض
النادرة لا يناط بها الحكم.
ولو زال ما رأياه بعد البيع قبل القبض ثم رجع إلى حاله قبل الإقباض أيضا قوي
ارتفاع الخيار، ولو جبره بقيمة لم ترتفع للأصل، وقد يتعلق الغرض بالوصف الخاص.
ومثله ما لو حدث وصف تترقى به القيمة عوض ذلك الوصف.
ولو زاد الوصف حسنا فإن كان مشروطا بعدم الحسن - ومثله كل زيادة - لم
يجب الأخذ، وإلا وجب ولا خيار كما سبق.
وهذا الخيار على الفور إلا مع العذر كما عليه جمع من الأصحاب ونسب إلى
الأشهر (1) واسند إلى ظاهر الأصحاب (2) ودليله ما تقدم في خيار التأخير (3).
وهل يسقط هذا الخيار بشرط السقوط أو لا بل يبطل به العقد؟ وجهان: اختار
ثانيهما العلامة (رحمه الله) والشهيد الأول والمحقق الثاني جازما به فيما إذا كان الخيار
خيار وصف ومحتملا له فيما إذا كان خيار رؤية.
وعللوه بلزوم الغرر باعتبار أن الوصف قائم مقام الرؤية فإذا شرط عدم
الاعتداد به كان المبيع غير مرئي ولا موصوف (4) ويلزم من ذلك الغرر المنهي عنه
المبطل للبيع.
ويقوى الأول، للعموم (5) وأن المدار على الحال لا المآل، وهو معلوم الآن كما
قالوا في باب تبعيض الصفقة، وشرط عدم الاعتداد به بعد ذلك على تقدير

(1) كما في الرياض: ج 8 ص 199.
(2) كما في الحدائق: ج 19 ص 59.
(3) راجع ص 105.
(4) التذكرة 1: 467 س 30، الدروس 3: 276، جامع المقاصد 4: 302 - 303.
(5) إي لعموم المؤمنون عند شروطهم.
119

المخالفة لا ينافي الإقدام عليه حين العقد. وهذا المقدار من العلم كاف.
ومن ذلك يعلم حال الإسقاط بعد العقد قبل الرؤية، إلا أنه لا مجال هنا لبطلان
العقد وإنما يلغو الإسقاط فقط.
نعم قد يقال: إنه من الإسقاط قبل الثبوت فلا يفيد السقوط. ومبنى المسألة أن
هذا الخيار وخيار العيب والغبن مثلا هل تثبت بمجرد حصول العيب أو الغبن أو
الكون على خلاف الوصف واقعا، أو أنها إنما تثبت بالظهور؟
وعلى الثاني، فهل للعقد في ذلك تأثير ويكون الإسقاط لتأثيره وإن لم يتحقق
الضرر، أو أن الإسقاط إنما هو لنفس الأثر فلا يتحقق قبل تحققه تصرفا كان أو
غيره كما تقدم في نظيره.
والأقوى الأول. وأما سقوطه بالإسقاط بعد تحقق الرؤية، فلا مانع منه قولا
كان المسقط أو فعلا، خصوصا على بناء الفورية فيه.
قال في الدروس: لو شرط البائع إبداله إن لم يظهر على الوصف، فالأقرب
الفساد (1). انتهى.
ووجهه أنه شرط مناف لمقتضى العقد، لانحلاله إلى شرط عدم استدامة الملك
على أحد التقديرين. فلاوجه لما في الحدائق بعد أن ذكر كلام الشهيد (رحمه الله) قال: وفيه
أ نه لا موجب للفساد مع ظهوره على الوصف المشروط، ومجرد شرط البائع الإبدال
مع عدم الظهور على الوصف لا يصلح سببا في الفساد، لعموم الأخبار المتقدمة.
نعم لو ظهر مخالفا فإنه يكون فاسدا من جهة المخالفة ولا يجبره هذا الشرط،
لإطلاق الأخبار في الخيار. والأظهر رجوع الحكم بالفساد في العبارة إلى الشرط
المذكور حيث لا تأثير له مع الظهور وعدمه. وبالجملة، فإني لا أعرف للحكم
بفساد العقد في الصورة المذكورة على الإطلاق وجها يحمل عليه (2) انتهى.

(1) الدروس 3: 276.
(2) الحدائق 19: 59.
120

قال المصنف: (ولابد فيه من ذكر الجنس والوصف والإشارة
إلى معين)
المراد بالجنس إما معناه المنطقي ويدخل ذكر النوع تحت ذكر الوصف، أو
يراد به الحقيقة النوعية كما عبروا به في باب الربا. ويراد بالوصف ذكر الصنف
والأمر في ذلك سهل بعد وضوح المعنى المراد ولهذا أن الأصحاب منهم من اقتصر
على ذكر الجنس (1) ومنهم من اقتصر على الوصف (2) ومنهم من جمع بينهما (3).
وأيما كان فلابد من ذكر الجنس والوصف بمقدار يدفع الغرر، ويختلف الحال
فيه باشتراط تأخير التسليم وعدمه، وبه يحصل الفرق بين هذا النوع والسلم، ولا
يضر فيه استقصاء الأوصاف دون السلم.
وما ادعاه بعضهم من الإجماع على اشتراط جميع شروط السلم في
المقام (4) ممنوع.
والدليل على أصل الحكم الإجماع عاما وخاصا محصلا ومنقولا نقلا
مستفيضا، ودخوله تحت نواهي الغرر الشرعي.
والظاهر أن دائرة الغرر الشرعي أضيق من العرفي، فإن النقود مثلا إذا
تساوت وزنا وصرفا ورغبة لابد فيها من ذكر النوع والصنف وإن لم يترتب على
ذلك الغرر العرفي.
ومن هنا منعنا من رائج المعاملة وإن لم تختلف في أفراده الرغبات، فذكر
الجنس والوصف لابد منه، فلو لم يذكر الجنس كأن يقول: بعتك ما في كمي، أو لم
يصف أو وصف وصفا لا يرفع الجهالة للاقتصار فيه أو لكونه غير معلوم لأحد
المتعاقدين أو لكون السلعة لا يوضحها الوصف كاللآلي ونحوها، بطل. ولا يلزم
الاستقصاء في الأوصاف وربما أخل في بعض الأحوال.

(1) كالعلامة في التذكرة، راجع ج 1 ص 468 س 39.
(2) كالعلامة أيضا في التذكرة، راجع ج 1 ص 467 س 31.
(3) السرائر 2: 241، المبسوط 2: 76.
(4) راجع التذكرة 1: 467 س 30 - 31.
121

ولابد أيضا من الإشارة إلى المعين وإلا كان المبيع كليا لا يوجب الخيار،
وليس له مع عدم القبول سوى أخذ البدل وعلى البائع إبداله، ولا يفتقر مع ما ذكر
إلى الرؤية باتفاق أصحابنا خلافا للعامة (1).
قال المصنف (قدس سره): (ولو رأى البعض تخير في الجميع مع عدم
المطابقة)
لا ريب أن رؤية بعض المبيع كافية في صحة عقد البيع على الكل مجتمعة
أجزاؤه أو لا، وفي الحقيقة جميع المركبات مثلياتها وقيمياتها كلها أو جلها لا
تعرف ولا توصف غالبا إلا بالاطلاع على أبعاضها، كما أن البواطن يكتفى فيها
برؤية الظواهر كباطن المائعات وباطن الصرة (2) وباطن الأرض والجدار ونحوها.
ولو اعتبرنا اختبار البواطن لزم الفساد فيما يفسده الاختبار من البقول
والخضر والثمار والدراهم والدنانير والجواهر والأدوية والعقاقير ونحوها.
نعم لا يكفي رؤية ظاهر شيء لا تكشف عن باطنه، كظاهر الخضرة ورأس
سلة العنب ونحوها.
ولو أراه انموذجا وقال: بعتك من هذا النوع كذا، بطل، للزوم الجهالة - لأ نه
ليس من المعين ولا من الموصوف وصفا رافعا للاشتباه فيدخل في قسم
المجهول - مع منافاته لحكمة شرع العقود، لعدم انقطاع النزاع به، لعدم انضباط
الأوصاف بمجرد الرؤية، لحصول الغفلة كثيرا عن كثير منها.
أما لو قال: بعتك الحنطة التي في البيت وهذا الانموذج جزء منها داخل في
المبيع، صح لرؤية بعض المبيع المفيد مفاد رؤية الكل، ودعوى: شرطية اجتماع
الأجزاء، ممنوعة.
وإن لم يدخل الانموذج صح أيضا على إشكال، ينشأ من كون المبيع غير

(1) راجع المغنى لابن قدامة: ج 4 ص 82، نسبه إلى أحمد.
(2) في نسخة: الصبرة.
122

مرئي الكل ولا البعض ولا موصوف ليرجع فيه إلى الوصف، ولا اطمئنان بالمعرفة
في الآخرة (1) إذ قد يفقد أو يحجب وهذا كله في المثلي.
وأما القيمي فلا يجري فيه مثل ذلك، لعدم دلالة بعض على بعض، ومنه ما لو
نسج بعض الثوب فاشتراه على أن ينسج الباقي كالأول.
وقد صرح بالبطلان فيه جماعة من الأصحاب (2) وعللوه بأن بعضه بيع عين
حاضرة وبعضه في الذمة مجهول (3).
وعلى كل حال ففي مقام يثبت الخيار ليس له الاقتصار على فسخ ما لم يره،
للزوم الضرر بتبعيض الصفقة على الآخر ولنقل الإجماع فيه.
وقد يستدل عليه بخبر جميل (4) إن جعل اسم الإشارة مشارا به إلى تمام الضيعة.
* * *

(1) كذا، والظاهر: بالأخرة.
(2) المبسوط 2: 77، المهذب 1: 352، القواعد 2: 68، التحرير 1: 167 س 15، التذكرة 1:
524 س 17، الجامع للشرائع: 256 - 257، جامع المقاصد 4: 302.
(3) التذكرة 1: 524 س 17، جامع المقاصد 4: 302.
(4) الوسائل 12: 361 ب 15 من أبواب الخيار، ح 1.
123

قال المصنف (قدس سره):
(السابع: خيار الغبن)
الغبن في اللغة: الخدع، وعند المتشرعة: هو الشراء بغير القيمة مع الجهالة إذا
كان التفاوت لا يتسامح به عادة.
وثبوت هذا الخيار هو المشهور بين الأصحاب، كما في المهذب البارع وغاية
المرام والشرح (1) وخصوصا المتأخرين، كما في المسالك والكفاية (2) بل كاد
يكون إجماعا بين المتأخرين، كما في إيضاح النافع، وعليه المتأخرون، كما في
التنقيح (3) والشيخ وأتباعه، كما في الدروس (4).
وفي التذكرة: الغبن سبب ثبوت الخيار عند علمائنا (5). وفي مقام آخر منها:
وإنما يثبت الخيار للمغبون دون الغابن بالإجماع (6). وكما يحتمل رجوعه للقيد
يحتمل رجوعه له وللمقيد أو للثاني فقط، والظاهر منها الأوسط.
وفي الغنية: السبب الخامس للخيار ظهور غبن لم تجر العادة بمثله، بدليل
الإجماع (7).

(1) المهذب البارع 2: 374، غاية المرام: الروضة 3: 463.
(2) المسالك 3: 203، الكفاية: 92 س 2.
(3) التنقيح 2: 47.
(4) الدروس 3: 275.
(5) التذكرة 1: 522 س 40.
(6) التذكرة 1: 523 س 10.
(7) الغنية: 224.
124

وفي الخلاف حكم به، ونسب الخلاف إلى المخالفين (1).
وفي كشف الحق: ذهبت الإمامية إلى أن الغبن بما لم تجر العادة بالتغابن بمثله
يثبت الخيار للمغبون (2) ودعوى: أن هذا ليس فيه ظهور في الإجماع بل الغرض
منه بيان ما اختصت به الإمامية، ممنوع، مع أن المخالفين بين قولين في ذلك، وقد
خلت عن ذكره الهداية والمقنع والمقنعة والانتصار والمراسم.
واستظهر الشهيد الأول في الدروس عن ابن الجنيد أن البيع مبني على المغالبة
والمكايسة. وقال فيها: وربما قال المحقق في الدرس بعدمه (3).
وأنت خبير بأن خلو الكتب التي ذكرنا عنه لا يورث ريبة في تحقق الإجماع،
لخلوها غالبا عن كثير من الأحكام، وابن الجنيد لم يزل موافقا للعامة فيما، يختاره
فخلافه لا يعبأ به، مع أن الخلاف منسوب إلى ظاهره.
وأما المحقق فما كنا لنلتفت إلى ما ينقل عنه في الدرس مع ما نشاهده منه (4)
فالإجماع محصل على المسألة، فضلا عن أن يكون منقولا، ولا أقل من إجماع
المتأخرين، ولا يلتفت إلى استظهار صاحب الكفاية عدم ثبوت الإجماع (5) ولا
إلى قول الشهيدين (6) ومن تأخر عنهما: إن أكثر القدماء أو كثيرا من القدماء لم
يذكروه لانحصار غير الذاكر له بمن ذكرنا، ولا إلى استبعاد عدم نقل الشيخ عليه
الإجماع في الخلاف مع أنه عادته نقل الإجماع في الخلافيات.
ولو قلنا إن مسألة التلقي وهذه المسألة من سنخ واحد - كما صرح به
بعضهم (7) - كان جميع المتأخرين مصرحين به إلا من شذ.
واستدل على ثبوته، بما رواه ثقة الإسلام في الكافي عن إسحاق بن عمار عن

(1) الخلاف 3: 41، المسألة 60.
(2) نهج الحق: 481.
(3) الدروس 3: 275.
(4) المختصر: 121، الشرايع 2: 22.
(5) الكفاية: 92 س 4.
(6) الدروس 3: 275، المسالك 3: 203.
(7) راجع الخلاف 3: 41 المسألة 60، ونهج الحق: 481، والدروس 3: 275.
125

أبي عبد الله (عليه السلام) قال: غبن المسترسل سحت (1).
وعن ميسر عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: غبن المؤمن حرام (2).
وفي رواية اخرى: لا يغبن المسترسل، فإن غبنه لا يحل (3). وفسر في الرواية:
وهو الذي أرسل إليك أمره واعتمد عليك.
وفي مجمع البحرين: والاسترسال الاستئناس والطمأنينة إلى الإنسان والثقة
به فيما يحدثه، وأصله السكون والثبات، ومنه الحديث: أيما مسلم استرسل إلى
مسلم آخر فغبنه فهو كذا.
ومنه غبن المسترسل سحت (4) انتهى. وظاهره وجود حديث رابع زائد على
ما ذكرناه.
واستدل أيضا بحديث الضرر والضرار (5) وبقوله تعالى (إلا أن تكون تجارة
عن تراض) (6) ولو علم المغبون لم يرض، وبقوله (عليه السلام): لا يحل مال امرء إلا بطيب
نفسه (7)، والنهي عن أكل مال الغير بالباطل (8) وبما دل على حرمة الغش (9)
والنجش (10) وبأخبار التلقى الواردة في أن الركبان إذا قدموا السوق تخيروا (11)
والنهي عن الشراء ما يتلقى وأكله (12) مع التنقيح للعلة وأنها هي الغبن كما في

(1) الوسائل 12: 363، ب 17 من أبواب الخيار، ح 1.
(2) الوسائل 12: 364 ب 17 من أبواب الخيار، ح 2.
(3) الوسائل 12: 285 ب 2 من أبواب آداب التجارة، ح 7.
(4) مجمع البحرين 5: 383 مادة «رسل».
(5) الوسائل 12: 364 ب 17 من أبواب الخيار، ح 3 - 5.
(6) النساء: 29.
(7) راجع الوسائل 3: 424 ب 3 من أبواب مكان المصلي، ح 1.
(8) النساء: 29.
(9) الوسائل 12: 208 ب 86 من أبواب ما يكتسب به.
(10) الوسائل 12: 337 ب 49 من أبواب آداب التجارة.
(11) المستدرك 13: 281 ب 29 من أبواب آداب التجارة، ح 3 و 4.
(12) الوسائل 12: 326 ب 26 من أبواب آداب التجارة.
126

المختلف (1) وما ورد في باب التلقي من أنهم يتخيرون إذا غبنوا كما في المسالك
والكفاية (2).
وقد يقال: إن جميع ما استدل به مدخول، أما الروايات الأولة، فيتوجه على
الاستدلال بها أن الغبن في كلامهم الضرر من جهة القيمة، وهو في الشرع الخدع
باقيا على معناه اللغوي ولم يثبت النقل. والأصل عدمه، فهو أخص من المدعى،
وكذا تخصيصه بالمسترسل - وهو الذي يعتمد عليك - مع أن حكمهم عام على أن
التحريم متعلق بالخدع، وهو خارج عن المعاملة، وعلى تقدير دخوله فهو قاض
بالفساد لا بالخيار. وما فيه «أن غبن المسترسل سحت». ففيه ما مر، سوى أن
السحت ظاهر في حرمة المال.
وقد يقال: إن حرمة التصرف لا تمنع من الملك كالمفلس ونحوه.
وفيه: أن التحريم من كل وجه يلغي ثمرة الملك، والمفلس له نفع من بعض
الوجوه.
وأما خبر «لا ضرر ولا ضرار» ففيه: أنه إما أن يراد النفي فيهما فيكون كذبا،
وإما أن يراد النهي فيهما فيتعلق بخارج المعاملة، على أنه لو تعلق بالداخل أفاد
الفساد لا الخيار، على أن الضار إنما هو القاصد لذلك، فيكون مدلسا، وهو أخص
أو مغاير. ولو اختلفت الإرادة فكذلك، على أن هذه الرواية غير معمول بها على
عمومها في إثبات الخيار عند الأصحاب، وإلا لأثبتت خيارات لا تتناهي، فهي
مرمية بالإجمال، لأن الخارج منها أكثر من الداخل.
وأما الاستدلال بقوله تعالى: (إلا أن تكون تجارة عن تراض) (3) وبرواية لا
يحل، وقضية النهي عن أكل مال الغير بالباطل باعتبار أن المغبون لم يعلم ولو علم
ما قدم. ففيه: أن كل من اشترى شيئا وقد سبقه غلامه لشراء مثله أو ولده أو زعم

(1) المختلف 5: 44.
(2) المسالك 3: 203، الكفاية: 92 س 3.
(3) النساء: 29.
127

خلو بيته ثم علم العدم، لو علم سابقا ما شرى، ونحو ذلك.
وأما ما يدل على حرمة الغش والنجش، فيتوجه عليه ما توجه على الروايات
الاولة.
وأما أخبار التلقي، فليس فيها نص على العلة، وإنما تستنبط منها العلة استنباطا،
والعلة المستنبطة ليست من مذهبنا، مع احتمال كون العلة إنما هي التدليس.
وأما رواية «يتخيرون إذا غبنوا» فالذي في الخلاف والغنية والتذكرة (1) أن
الرواية خالية عن ذكر «إذا غبنوا».
نعم قالوا: إنما ذلك - أعني النهي - للغبن فهو تنزيل لا تصريح، مع أن الرواية
مرسلة ولا يعلم الراوي، مع أن الغبن بناء على بقائه على معناه يتوافق مع خيار
التدليس. والذي يقتضيه القاعدة لزوم العقد.
هذا كله، وأنت خبير بأن الظاهر ثبوت الحقيقة الشرعية في الغبن إن لم نقل:
إنه معنى لغوي ثانوي، أو حقيقة عرفية عامة.
وعلى تقدير عدم الثبوت، ففهم الأصحاب كما يجبر السند يؤثر المظنة في
الدلالة، لأ نهم أقرب عهدا وأدرى بمواقع الألفاظ، وتنزيلهم الغبن على المعنى
المصطلح عندهم يؤثر حصول المظنة بالدلالة من جهة فهمهم.
وخلو ما تقدم من الكتب عن قوله: «إذا غبنوا» لا يعارض المثبت لو كان نافيا
فكيف مع عدم الذكر؟
ويكون معنى قوله: «حرام» أو «لا يحل» بمعنى عدم العمل بمقتضى الخيار،
وأنه سحت لو فسخ ولم يدفع إليه.
فالروايات مجبورة سندا ودلالة بالشهرة المحصلة والمنقولة، بل
بالإجماعات المنقولة بل الإجماع محصل كما عرفت، واستنادهم إلى حديث
الضرر كشف عن أنه ضرر خاص كشف عنه الشارع وأنه ليس كل ضرر معتبر

(1) الخلاف 3: 41 - 42 المسألة 60، الغنية: 224، التذكرة 1: 522 س 41.
128

حتى مثل فوات الرغبة، ونحو ذلك.
والظاهر أن المراد به النفي كنظائره لا النهي، ولا يلزم الكذب، لأن المعنى أنه
لا ضرر في الشريعة وفي التكاليف الشرعية ابتداء ولا ضرار فيها بالنسبة إلى ما
يتعلق بتكاليف المخلوقين بعض مع بعض بمعنى أن الشارع لم يشرع جواز أن
يضر بعض المخلوقين بعضا، ويحتمل أن الأول توطئة للثاني، والضرر بالجهاد
والحج والصوم مثلا يدفعه أنه في مقابلة ما يترتب عليه من النعيم الأبدي ليس من
الضرر بل من النفع - كالضرار بالنسبة إلى تكليف العبيد بطاعة الموالي وتكليف
الأولياء بحفظ المولى عليهم ونحو ذلك ‍ فإنه مندفع بأن المتبادر من الضرار ما لم
يكن مقرونا بمصالح وحكم تعود إلى العامل.
على أنا نقول: إن حكم الضرر والضرار لا يجري على الفاعل المختار وكلها
راجعة إلى حكمه وإنما المراد بالنظر إلى المخلوقين.
فإن قلت: إن نفي الضرر يتحقق بفساد العقد وبالخيار، فبأي شيء تعين الخيار.
قلت: لا ريب أن مقتضى الجمع بين دليل صحة العقد ونفي الضرر يقضي بعدم
الفساد فيتعين الخيار، ولا يعارضه دليل لزوم العقد، فإن بينه وبين دليل نفي الضرر
عموما من وجه. ويرجح الثاني بالمرجحات الخارجية، من فتوى مشهور
الأصحاب ونحو ذلك، فتأمل.
وحيث عرفت أن المدار على الضرر الخاص الذي كشف عنه الشارع وهو
متمش في البائع والمشتري وفي العقود الاخر فلا محيص عن القول بثبوته في
الجميع، لأن جميع ما ذكر في الاستدلال يعم، ولأن المناط منقح.
نعم لو قلنا: إن المستند الإجماع لا غير، أشكل التعميم.
نعم يستثنى من ذلك ما لم يشرع على كونه مالا محضا من الجانبين كالنكاح
والخلع والهبة المعوضة ونحو ذلك، فإن الهبة المعوضة وإن كانت مالا لكنه لا يلزم
من شرعيتها العوض، فليست متمحضة للمال من الجانبين.
129

وقد صرح بالتعميم في شرح الإرشاد للفخر والتنقيح (1) وإيضاح النافع، وفي
إجارة جامع المقاصد: أنه يجري في الإجارة مستندا إلى أنه من توابع المعاوضات (2).
نعم في المهذب البارع منع من جريانه في الصلح (3) وربما ظهر ذلك من
الوسيلة والتحرير أيضا (4).
وفصل بعض المتأخرين فقال: إن وقع الصلح على معاوضة ثبت فيه خيار
الغبن، وإن وقع على إسقاط الدعوى قبل ثبوتها ثم ظهر حقية ما يدعيه وكان
مغبونا فيما صالح عنه فلا خيار، وكذا إن وقع على ما في الذمم وكان مجهولا ثم
علم بعد عقد الصلح وظهر غبن أحدهما على تأمل (5)، انتهى.
وقد يفصل بين العقد الذي بني شخصه على المسامحة وكان الإقدام على
المعاملة فيه مبنيا على عدم الالتفات إلى النقص والزيادة - من بيع أو صلح أو
غيرهما فإنه لا يصدق فيه اسم الغبن - وبين غيره، وهو غير بعيد.
وعبر بثبوت الخيار للمغبون العام للمشتري والبائع في الغنية والتذكرة
والقواعد والإرشاد والكفاية (6).
وصرح بالتعميم ابن حمزة والعلامة في التحرير والصيمري (7) والمصنف في
الدروس مدعيا فهم ذلك من الشيخ وأتباعه (8) فالاقتصار على ذكر المشتري في
المبسوط والخلاف والسرائر (9) لمكان الغلبة.
ويرشد إلى ذلك استدلالهم بأخبار التلقي كما في الغنية (10) وغيرها وقد تقدم

(1) شرح الإرشاد: 50 س 9، التنقيح 2: 47.
(2) جامع المقاصد 7: 86.
(3) المهذب البارع 2: 538.
(4) الوسيلة: 283، التحرير 1: 229 س 16.
(5) اختاره السيد العاملي في كتاب الصلح ص 455 س 13 ونسبه إلى أبي العباس والصيمري.
(6) الغنية: 224، التذكرة 1: 522 س 40، القواعد 2: 67، الارشاد 1: 373، الكفاية: 92 س 8.
(7) الوسيلة: 237، التحرير 1: 166 س 32، غاية المرام 2 س 39.
(8) الدروس 3: 275.
(9) المبسوط 2: 87، الخلاف 3: 41 المسألة 60، السرائر 2: 249.
(10) الغنية: 224.
130

لك ذكر إجماع التذكرة وغيره (1) فلا تأمل في العموم.
قال المصنف: (وهو ثابت مع الجهالة إذا كان بما لا يتغابن به غالبا)
قد اشتمل كلام المصنف على شرطين:
الأول: عدم العلم بالقيمة قبل الدخول في العقد وبعد الدخول قبل التمام وبعد
التمام قبل التملك لتوقفه على القبض في صرف أو سلم أو الإجازة على القول
بالنقل، لأ نه في الجميع يتحقق الإقدام على الناقص، وبه ينتفي الخيار. وما في
عبائر الأصحاب من التقييد بوقت العقد جريا على الغالب، لوضوح المراد.
نعم العلم السابق مع النسيان حين العقد لا يفيد، فالمدار على أحد الأمرين من
حين العقد وحين التملك.
والظاهر أن الجهل مقوم للغبن لا شرط خارجي، فالمراد بالشرط في كلامهم
شرط أصل تحقق الماهية وهو شرط لثبوت الحكم، والمراد بالجهل، المركب،
وربما جعل الظن منه.
أما الجهل البسيط فقد يقال بأن فيه إقداما ولا يسمى غبنا، وهو بعيد.
نعم في صورة الشك أو الظن بالخلاف قد يقال بذلك. والظاهر خلافه، لعموم
الدليل، ولعدم تحقق الإقدام، فإنه لو كان عالما لما أقدم.
ومبنى المسألة على أن دليل هذا الخيار - من الإجماعات المنقولة وغيرها -
شامل بإطلاقه لجميع الصور خرجت صورة العلم باعتبار عدم تحقق اسم الغبن معه
وللإجماعات المنقولة على اشتراط عدمه وبقي الباقي. فلا وجه لما يتخيل من أن
الخيار على خلاف الأصل فيقتصر فيه على القدر المتيقن، وهو الجهل المركب فقط.
وهل سقوط الخيار بالعلم لأ نه علامة الرضا أو تعبد للأدلة ولعدم تحقق اسم
الغبن معه؟ الظاهر الثاني وإلا كان خاصا، والدليل عليه الإجماع المنقول في

(1) راجع ص 125.
131

التذكرة والمسالك (1) وغيرها.
ثم إن علم المالك والولي يرفع اسم الغبن، وأما الوكيل فإن كان على الصيغة
وحدها فلا يرفع، ومع التفويض يرفع، وعلم المالك يرفع، ولو جهل الوكيل المطلق
في وجه قوي اقتصارا على المتيقن فيما خالف الأصل.
ولو أقدم على نقص لا يبلغ حد الغبن بزعمه فوافق ما فيه الغبن جرى حكم
الغبن له. أما لو أقدم على نقص من جهة خاصة فظهر من غيرها مساو له أو أنقص
منه، قوي عدم الخيار. أما لو زاد عليه كان منضما إليه، فالأقوى الثبوت.
ولو كان عالما بالقيمة سابقا ثم زال العلم بعلم شرعي أو غيره قبل العقد فله
الخيار، ولو زال بظن أو شك أو وهم قوي فإشكال، والأقوى السقوط.
ولا تعتبر القيمة بعد العقد والملك، فلو تجددت الزيادة أو النقيصة بعدهما فلا
غبن ولا خيار إجماعا.
وهل تعتبر قبل الدخول في العقد، أو بعد الدخول قبل التمام، أو بعد التمام قبل
الملك؟ وجوه، أقواها اعتبار ما قبل التملك، ولا ملازمة بين زمانها وزمان العلم.
وقد نقل الإجماع في المسالك على أنه لا غبن ولا خيار لو تجدد النقيصة أو
الزيادة بعد العقد (2) وإن كان قبل القبض. ولعل المراد زمان الملك جريا على الغالب.
واعتبار ما قبل الدخول في العقد، غير بعيد، وقوفا عند ظاهر كلمات الأصحاب.
وفي اختلاف السوق والمقومين يقدم الراجح، ومع التعادل لاخيار، ويثبت
بتقويم عدلين دون العدل الواحد.
والمدار فيها على زمان العقد ومكانه، ويأتي تحقيق ذلك في باب العيب.
ولا فرق في الجهل بها بين من يمكنه معرفتها ولو بالتوقيف أو التروي وغيره،
فلو استندت إلى عجالته لم يسقط خياره كما في التحرير (3).
ويثبت جهالته باعتراف الغابن وبالبينة إن أمكن. ولا تثبت بقوله مع يمينه مع

(1) التذكرة 1: 523 س 3، المسالك 3: 203.
(2) المسالك 3: 203.
(3) التحرير 1: 166 س 33.
132

عدم إمكانها في حقه. وفي ثبوتها بذلك مع الإمكان قولان: من استصحاب لزوم
العقد، ومن أصل عدم العلم وكونها من الامور الخفية غالبا فلا يطلع عليها إلا من
جهته، وهذه قاعدة يعلم من الأصحاب الإجماع عليها إلا فيما استثناه الدليل.
وقد استظهره في المسالك (1) وقواه في الشرح (2) ونفى عنه البعد في جامع
المقاصد (3) ومال إليه في تعليق الإرشاد (4) وهو الأقوى.
ويشكل الأول بأنه ربما تعذرت إقامة البينة ولم يتمكن الخصم من معرفة
الحال فلا يمكنه الحلف على عدمه مع أنه فعل غيره، فلا يمكن فيه اليمين على
القطع، فتسقط الدعوى بغير بينة ولا يمين.
اللهم إلا أن يقال: إنه يتوجه عليه حينئذ يمين عدم العلم بالجهالة، وهو بعيد.
نعم لو علم ممارسته لذلك النوع في ذلك الزمان والمكان بحيث لا يخفى عليه
قيمته، لم يلتفت إلى قوله.
الشرط الثاني: الزيادة والنقيصة الفاحشة، للأصل، والإجماع - على الظاهر -
ولعدم صدق الغبن بدونها كصورة العلم، أو يصدق ولكن لا ينصرف إليه إطلاق الدليل.
والمراد بالفاحشة، التي لا يتغابن بمثلها بحسب العادة، إذ لا تقدير لها شرعا.
وفي التذكرة: لا تقدير للغبن عندنا (5) وما ذلك شأنه يرجع فيه إلى العادة،
فالدرهم بل الخمسة من المائة ليس غبنا ومن العشرة غبن وهكذا...، وطريق معرفته
ظاهر، لأ نه يمكن إقامة البينة فيه على القيمة فيناط بها، بخلاف بعض صور الأول.
ولا يسقط هذا الخيار ببذل الغابن كما في الدروس وغاية المرام والمهذب
البارع وجامع المقاصد وتعليق الإرشاد والمسالك والشرح ومجمع البرهان (6)

(1) المسالك 3: 204.
(2) الروضة 3: 464.
(3) جامع المقاصد 4: 294.
(4) تعليق الإرشاد (مخطوط): الورقة 135.
(5) التذكرة 1: 523 س 8.
(6) الدروس 3: 275، غاية المرام 2: 38 المهذب البارع 2: 378، جامع المقاصد 4: 295،
تعليق الإرشاد (مخطوط): 135، المسالك 3: 208، الروضة 3: 464، مجمع البرهان 8: 404.
133

استنادا إلى الاستصحاب، بناء على أن ثبوته غير مراعى بعدم البذل، وبناء على
عدم العموم الزماني في دليل لزوم العقد، من غير فرق بين أن يكون المثبت لهذا
الخيار الإجماع أو حديث الضرر (1) أو غيرهما.
ولا ينافي ثبوته بالإجماع وقوع الخلاف فيه في محل الفرض فإنه ينسحب
إلى محل الخلاف بالاستصحاب على أنه لا خلاف وإنما هناك استشكال، كما لا
ينفي القول ببقاء الخيار - وإن كان المستند دليل الضرر لو قلنا به - دعوى أنه بناء
على ذلك يدور الحكم معه حيث ما دار فيندفع بالبذل.
أما أولا فلأن ذلك لا يخرج المعاوضة المشتملة على الغبن عن اشتمالها عليه،
لأ نه هبة مستقلة خارجية فهو من قبيل هبة الغابن الخارجية لا يسقط بها الخيار
وفيه بحث.
وأما ثانيا فلأن غرض المغبون ربما كان عينا عزيزة ذات قيمة فلا يندفع ضرره.
وأما ثالثا فلأن انتفاء الضرر لا ينحصر في بذل التفاوت بل يمكن بالرد أيضا،
فدعوى تعينه تحكم.
وفيهما نظر، فإن الغرض دفع الضرر الخاص الذي قضى بالخيار وهو نقص
القيمة لا كل ضرر، فتعلق غرضه بخصوص العين لا مدخلية له، فلا وجه للثاني.
والضرر قد اندفع بالبذل وقد وقع، فلا حاجة إلى فسخ العقد الذي لم يقع بعد، مع
منافاته للأصل، فلا وجه للثالث.
واستشكل في عدم سقوط الخيار في القواعد والتذكرة وحواشي الشهيد
والمفاتيح (2) لما ذكر، ولأصل اللزوم فيقتصر فيما خالفه على المتيقن المجمع عليه،
والمتحقق به الضرر وحيث يبذل التفاوت فلا ضرر ولا إجماع.

(1) الوسائل 12: 364 ب 17 من أبواب الخيار، ح 3 - 5، و 17: 419 ب 5 من أبواب الشفعة،
ح 1، و 341 ب 12 من أبواب إحياء الموات، ح 3 - 5.
(2) القواعد 2: 67، التذكرة 1: 523 س 11، المفاتيح 3: 74.
134

وفيه مع ما تقدم: أن الدليل غير منحصر بالإجماع المحصل وحديث الضرر
كما عرفت (1) وإطلاق الإجماعات المنقولة والروايات شامل لمثل هذه الصورة مع
جبرها بالشهرة المحصلة فضلا عن المنقولة بالنسبة إلى ما نحن فيه.
ومثل المسألة ما لو بذل الزبون بدل المغبون فيه كما في الدروس وغاية المرام (2).
ومثلها ما لو ترقت قيمة المبيع قبل العلم بالغبن أو بعده قبل الفسخ بما يرفع
الغبن الحاصل وقت العقد.
والظاهر أنه ليس في فرض هذه المسألة منافاة لفورية الخيار على القول به
بل تتأتى على الوجهين، إذ المراد الفورية العرفية فلا منافاة.
وفي المسالك والكفاية: أن العلامة استشكل في ثبوت الخيار لو بذل الغابن
التفاوت مع دعواه الإجماع على عدم ثبوت الأرش به (3).
وأنت خبير بأنه لا منافاة، إذ المنفي بالإجماع أخذه ودفعه على سبيل
الاستحقاق، فإنه حينئذ لا يجب على الغابن دفعه ولا يحل للمغبون أخذه، لأ نه
لا يستحقه.
ومحل الإشكال ما إذا دفعه لا على ذلك الوجه، بل في مقابلة ترك الفسخ،
فهل يجب على المغبون القبول ولا يجوز له الفسخ والخيار أم لا بل ذلك منوط
بالتراضي فيكون معاملة اخرى؟ ولا ريب أنهما لو اتفقا على إسقاطه بالعوض،
صح كغيره من الخيارات.
قال المصنف (قدس سره): (ولا يسقط بالتصرف إلا أن يكون المغبون
المشتري وقد أخرجه عن ملكه)
الظاهر سقوط هذا الخيار، باشتراط السقوط كما هو المتداول بين الناس،

(1) راجع ص 125 - 127.
(2) الدروس 3: 275، وأما غاية المرام فلم يذكره صريحا، فلعله استفاده من عموم قوله: فلا يسقط إلا
باختيار الغبن، راجع ج 2: ص 38.
(3) المسالك 3: 207، الكفاية: 92 س 9.
135

وبالمسقط القولي الظاهر منه والصريح.
أما سقوطه بالشرط، فللعموم (1). وأما سقوطه بالإسقاط، فلأنه حق من
الحقوق فيسقط بالإسقاط كغيره من الحقوق. ولا يفترق الحال فيه بين ما بعد
ظهور الغبن وقبله.
ودعوى: أن المتيقن من دليل ثبوت هذا الخيار إنما هو بعد الظهور والأصل
اللزوم فالإسقاط قبله إسقاط قبل الثبوت، ممنوعة، لإطلاق الإجماع المنقول
عليه، وظاهر الرواية «يتخيرون إذا غبنوا (2)».
نعم في أخبار التلقي «إذا قدموا السوق تخيروا (3)» ولا منافاة فيه، وعدم
تعرض مشهور الأصحاب لسقوطه بالاشتراط اتكالا على الظهور وإحالته على ما
تقدم لهم في غيره من الخيار، ولهذا قالوا: ولا يسقط بالتصرف مقتصرين عليه.
نعم صرح الصيمري بأنه لا يسقط بذلك، بل يبطل العقد والشرط (4) وفي
الدروس: لو شرطا رفعه أو رفع خيار الرؤية فالظاهر بطلان العقد، للغرر، ثم
احتمل صحة اشتراط رفع خيار الغبن (5).
والمحقق الثاني احتمل صحة اشتراط سقوطه وعدمها، ثم استظهر الأول (6)
ومثله في المفاتيح (7).
وأنت خبير بأنه لا مدرك لعدم الصحة إلا حكاية الغرر وقد علمت فسادها في
خيار الرؤية (8) والاستناد إلى عدم السقوط بالتصرف فلا يسقط بالشرط إذ

(1) المؤمنون عند شروطهم.
(2) ذكرها صاحب المسالك 3: 203، والكفاية: 92 س 3.
(3) المستدرك 13: 281 ب 29 من أبواب آداب التجارة ح 3 - 4.
(4) غاية المرام 2: 34.
(5) الدروس 3: 276.
(6) جامع المقاصد 4: 302 - 303.
(7) في المفاتيح نص على سقوطه بالشرط راجع ج 3 ص 74.
(8) راجع ص 119.
136

لا دلالة فيه، لمنع التلازم مع أن التصرف أضعف من الاشتراط.
هذا كله في سقوطه بالمسقط القولي.
وأما سقوطه بالمسقط الفعلي فأطلق أكثر الأصحاب عدم سقوطه بالتصرف
إلا في المخرج عن الملك أو المانع من الرد كالمصنف هنا، إلا أنه قيده بالمشتري
ونقل الشهرة على ذلك في الشرح والمفاتيح (1) وظاهر إطلاقهم عدم الفرق في
عدم السقوط بالتصرف بين العلم بالخيار وعدمه.
نعم في مطاوي بعض كلماتهم كالمصنف هاهنا قد يظهر الاختصاص بصورة
الجهل.
وقد صرح به في المسالك (2) والظاهر أن مرادهم ذلك خصوصا بناء على ما
هو الأصح من فورية هذا الخيار اقتصارا على المتيقن من الخروج عن عموم دليل
السقوط بالتصرف.
نعم بناء على احتمال الاقتصار في السقوط بالتصرف على الموضع الخاص
- الذي قام فيه الدليل الخاص كخيار الحيوان - وأنه لا عموم في دليله، كان ذلك
على وفق القاعدة، ويكون التخصيص بالمشتري بالنظر إلى السقوط بالتصرف
الناقل - كما هو ظاهر البعض - في محله. ولكنه على احتمال ضعيف كما تقدم.
وأما في صورة الجهل، فإن كان السقوط بالتصرف لدلالته على الرضا كان
عدم السقوط به على وفق القاعدة.
وبناء على الوجوه الاخر في التصرف والقول بعموم دليله، فلابد لإخراج هذا
المقام من دليل يدل عليه بالخصوص. والظاهر قيام الإجماع عليه، وخروج معلوم
النسب لا يقدح فيه. فما في المبسوط والتنقيح: من أنه لا فرق بين الخيارات في
سقوطها بالتصرف (3) بناء على شموله لذلك لا ينا في دعوى الإجماع، وحيث إن

(1) الروضة 3: 465، المفاتيح 3: 74.
(2) المسالك 3: 207.
(3) المبسوط 2: 83، التنقيح 2: 50.
137

البناء على عموم دليل السقوط بالتصرف يقتصر على المتيقن من عدم السقوط به وهو
صورة الجهل، للإجماع. وشموله لصورة العلم محل شك فيبقى على وفق القاعدة.
ثم إن ظاهر المصنف عدم الفرق في عدم سقوط الخيار بالتصرف بين أن
يكون المتصرف الغابن أو المغبون، والمغبون بين أن يكون هو البايع أو المشتري
إلا في قسم خاص من تصرف المشتري وهو المخرج عن الملك والظاهر منه ما
كان بالعقد اللازم، وهو بالنظر إلى تصرف الغابن بائعا كان أو مشتريا لأي نوع من
التصرف كان لا كلام فيه، وهو المشهور بين الأصحاب. وقد صرح به في الدروس
وغاية المراد والمهذب البارع والتنقيح وغاية المرام وجامع المقاصد وتعليق
الإرشاد والشرح والمسالك (1) وغيرها، لعدم الدليل على سقوطه فيستصحب،
وضرر المغبون لا يسقط اعتباره بتصرف من لا ضرر عليه كما هو الشأن في سائر
الخيارات، غير أن تصرفه المخرج عن الملك بعقد لازم أو مطلقا. ومثله المانع من
الرد باستيلاد ونحوه للأصحاب فيه وجوه ثلاثة:
أحدها: عدم جواز مثل هذا التصرف لمنافاته حق الغير (2) ولا ينفذ إلا مع
الإذن إلا في العتق لابتنائه على التغليب في وجه، وهو مبني في المقام على ثبوت
الحق وإن لم يظهر الغبن للمغبون، أو على القول بالتراخي، أو الفورية مع عدم
المنافاة، أو إجراء للحق التقديري مجرى الحق التحقيقي.
الثاني: تتبع العقود وفسخها كالشفيع وفي المانع من الرد يرده لسبق الحق،
ويشكل فيه وفي مثل العتق والوقف، للزومه عود الحر رقا والوقف طلقا.
الثالث: الانتقال إلى المثل أو القيمة جمعا بين الحقين، والإخراج من الملك
ونحوه من التلف الشرعي وهو كالتلف العقلي. وهو أقوى الوجوه، لما في الأول
من لزوم الضرر، وفي الثاني من مخالفة الأصل. ومثله الإتلاف وإن منع منه كما في
الوجه الأول.

(1) الدروس 3: 275، غاية المراد 2: 99، المهذب البارع 2: 376، التنقيح 2: 48، غاية المرام
2: 36 - 38. جامع المقاصد 4: 296، تعليق الإرشاد (مخطوط): الورقة 135. الروضة 3:
465، المسالك 3: 207.
(2) كذا في الأصل، وفي نسخة: العين.
138

ويظهر من الأردبيلي (1) جريان الوجهين الأخيرين في تصرف المغبون - ذي
الخيار - مدعيا عدم الفرق بين المقامين. وهو خلاف ظاهر الأصحاب، وكأن
الفارق أن مباشرة ذي الخيار بنفسه للعقد المخرج عن ملكه تقضي برفع سلطانه
بعد ذلك على فسخه، فكأنه هو المسقط لحق نفسه بخلاف الأول، فتأمل.
وأما المغبون، فإن كان هو البائع فظاهر كلامه عدم السقوط بتصرفه بالثمن
مطلقا من غير إشكال، بخلاف تصرف المشتري فإنه استثنى منه التصرف المخرج
عن الملك أولا، ونظر فيه أخيرا.
ويشكل الفرق بينهما، بل هما سواء بالنسبة إلى ذلك في الإسقاط وعدمه، إلا
أن يريد بقوله: «إلا أن يكون المغبون المشتري» في مقابلة الغابن الذي هو البائع،
وهو خلاف الظاهر.
وظاهر الشارح في الشرح نسبة الفرق إلى المشهور (2) ونسبه بعض
المتأخرين إلى أكثر الأصحاب (3) والشهرة ممنوعة.
والظاهر أن التقييد في كلام البعض جريا على الغالب. ألا ترى أن جماعة
من الأصحاب قيدوا أصل ثبوت هذا الخيار بالمشتري، ومنهم: المحقق في
الشرائع (4) ورتب هذا الحكم عليه، ومن المعلوم كما سبق عدم إرادة هذا القيد
بالنسبة إلى الأصل.
وظاهر القواعد والتحرير والتذكرة والمهذب البارع وغاية المرام عدم الفرق (5).
وفي المسالك قوى احتمال عدم الفرق قال: وإطلاق جماعة من الأصحاب
الحكم ببطلان رجوع المغبون بتصرفه المانع، وتعليلهم يشمله (6) انتهى.
وفي جامع المقاصد بالنسبة إلى تصرف البائع المغبون في الثمن تصرفا
مخرجا عن الملك قال: لا أعلم في ذلك تصريحا. لكن في عبارة التذكرة ما

(1) مجمع الفائدة 8: 404.
(2) الروضة 3: 465.
(3) راجع مفتاح الكرامة 4: 527.
(4) الشرائع 2: 22.
(5) القواعد 2: 67، التحرير 1: 166 س 40، التذكرة 1: 522 س 40، المهذب البارع 2: 374،
غاية المرام 2: 36 - 38.
(6) المسالك 3: 207.
139

يقتضي عمومه سقوط الخيار هنا بالتصرف إذا كان مخرجا عن الملك فإنه قال:
ولا يسقط هذا الخيار بتصرف المغبون لأصالة الاستصحاب إلا أن يخرج عن
الملك ببيع أو عتق وشبهه، لعدم التمكن من استدراكه. هذا لفظه وهو شامل لما قلنا
مع احتمال أن يريد به تصرف المشتري خاصة إذا كان هو المغبون لكن ما استدل
به بعينه قائم فيما ذكرناه (1) انتهى.
وقد عرفت أن ذلك غير مقصور على التذكرة.
قال المصنف (قدس سره): (وفيه نظر للضرر مع الجهل بالغبن فيمكن الفسخ
وإلزامه بالقيمة أو المثل وكذا لو تلفت العين أو استولد الأمة)
لا ريب أنه في التصرف الناقل بطريق اللزوم من المغبون مع الجهل بالغبن أو
بالخيار احتمالات:
الأول: تتبع العقود وفسخها وقد احتمله الأردبيلي (2) وقد تقدم تمريضه.
الثاني: لزوم العقد بسببه وسقوط الخيار، وهو فتوى المشهور مطلقا - كما
استظهرناه - أو في خصوص المشتري.
الثالث: الفسخ والرجوع إلى المثل والقيمة دفعا للضرر المنفي بالخبر.
وأقوى الوجوه الثاني باعتبار ما تقدم، من عموم دليل السقوط بالتصرف غاية
ما يخرج عنه بالمتيقن هو التصرف الغير الناقل وما بحكمه، وحديث الضرر (3) غير
معمول به على إطلاقه، مع أنه هو الذي يسبب الضرر على نفسه فلا حكم لضرره، ولا
فرق في ذلك بين أن يعود إليه ما تصرف فيه بفسخ أو إقالة أو موت الولد أو غيرها،
مع عدم المنافاة للفورية وعدمه خلافا للشارح في الشرح (4) إذ بعد السقوط لا
يعود، للاستصحاب. واحتمال: أن سقوطه كان مراعى بعدم العود، ضعيف.

(1) جامع المقاصد 4: 296.
(2) مجمع الفائدة 8: 404.
(3) الوسائل 12: 364 ب 17 من أبواب الخيار ح 3 - 5، و 17: 319 ب 5 من أبواب الشفعة، ح
1، 341 ب 12 من أبواب إحياء الموات، ح 3 - 5.
(4) الروضة 3: 466.
140

وحيث إن هذه المسألة من المسائل الجليلة وحكمها غير مستوفى في كلامهم
فلابد فيها من بسط المقال، فنقول:
إن المغبون إما البائع أو المشتري، والعارض إما تلف أو تصرف، والتلف إما
من البايع أو المشتري أو منهما، أومن أجنبي، أو من السماء، أومن المركب بأقسامه.
والتصرف إما من الغابن أو من المغبون أو منهما، في تمليك عين أو منفعة لازم
أو جائز أو مبعض، أو وقف عام أو خاص أو تحرير، باختيار أو تنكيل أو سراية
أو إعداد للتحرير بكتابة أو ولادة أو تدبير، أو تصرف غير مغير كالركوب، أو مغير
بالزيادة العينية كالغرس للأرض، أو الحكمية كقصارة الثوب، أو المشوبة كصبغه
أو بالنقصان عينا أو عيبا أو وصفا بالامتزاج المقتضي للشركة كخلطه بالأجود أو
بالمثل أو بالأردأ، أو بما لا يقتضي الشركة، أو بغير الزيادة والنقصان كنصب الفص
في الخاتم، أو بهما معا على وجه الاضمحلال كالزيت يعمل صابونا.
ثم إما أن يزول المانع من الرد قبل الحكم ببطلان الخيار أو بعده، أو لا يزول.
وهذه جملة أقسام المسألة، وقد جعل الشارح منها ما إذا كان المغبون البائع
والمشتري معا (1) وهو غير متعقل فيسقط بصوره، لأن الغبن في طرف البائع إنما
يكون إذا باع بأقل من القيمة السوقية وفي طرف المشتري إذا اشترى بأزيد منها،
ولا يتفاوت الحال بكون الثمن والمثمن من الأثمان أو العروض أو أحدهما من
أحدهما والآخر من الآخر، فلا يتعقل كونهما مغبونين معا، وإلا لزم كون الثمن أقل
من القيمة وأكثر منها، وهو محال.
وقد تفرض في صورة تعدد المبيع والثمن واتحاد العقد، ولكن العقد باعتبار
تعدد الثمن بحكم البيعين والكلام في البيع الواحد، فتأمل.
وجملة القول في هذه الصور: أما بالنظر إلى التلف فإن كان المتلف الغابن لما
في يده فسخ المغبون ورجع عليه بالمثل أو القيمة، وإن كان لما في يد المغبون
فسخ المغبون وارجع ماله ولا شيء عليه إن كان المدفوع مثليا لوقوع التهاتر

(1) الروضة 3: 467.
141

قهريا، وإن كان قيميا أو مثليا وقد تعذر كان مطالبا بالقيمة وقت الفسخ على أحد
الوجهين، وحينئذ فإن ساوت وقت التلف فلا إشكال، وإن زادت أخذ الزائد،
وإن نقصت دفع الزائد. نعم لو قلنا بالفسخ من الأصل لا من حينه لم يكن عليه
شيء مطلقا.
وإن كان المتلف المغبون لما في يد الغابن وقد فسخ دفع مال الغابن إليه،
وبالنسبة إلى الرجوع عليه على نحو ما سبق، هذا مع الجهل بالخيار.
وأما مع العلم فإنه فسخ كما تقدم، مع احتمال أنه فسخ مطلقا.
وقد يقال: إن إتلاف المنقول عنه كإتلاف المنقول إليه مسقط لخياره، وهو
ضعيف. وإن كان لما في يده فالظاهر جريانه مجرى التصرف اللازم وفاقا للمحقق
الثاني، لأن الإتلاف أقوى من التصرف المخرج عن الملك (1) إن لم نقل بالتلازم
بينهما فيجري الاحتمالان السابقان من الثلاثة المتقدمة، والمختار المختار.
وأما التلف من السماء ومثله تلف الأجنبي، فقد تردد فيه المحقق الثاني، من
عدم استدراكه، ومن عدم التقصير من المشتري فلا يسقط حقه (2).
والأقوى عدم السقوط استصحابا لبقاء الخيار. وما يتخيل: أنه من تغاير
الموضوع، لا وجه له، لأن الموضوع، العقد وهو لم يتغير، وليس الموضوع المبيع.
ودعوى: تشخص العقد بالمعقود عليه، ممنوعة.
وأما بالنظر إلى التصرف، فإن كان المغبون هو البايع لم يسقط خياره بتصرف
المشتري مطلقا، فإن فسخ ووجد العين باقية على ملكه لم يتغير تغيرا يوجب
زيادة القيمة أخذها، وإن وجدها متغيرة بصفة محضة كالطحن والقصارة فكذلك،
ولا شيء عليه، خلافا للشارح فله اجرة عمله جازما به في الشرح (3) وقواه في
المسالك (4) للأصل، ولاستناد تضييع عمله إليه ولا مدخلية فيه للبائع، ولو زادت
قيمة العين بها شاركه في الزيادة بنسبة القيمة.

(1) جامع المقاصد 4: 297.
(2) جامع المقاصد 4: 297.
(3) الروضة 3: 468.
(4) المسالك 3: 205.
142

وإن كان صفة من وجه وعينا من اخرى كالصبغ صار شريكا بنسبته، كما مر
وأولى هنا. ولو كانت الزيادة عينا محضا كالغرس أخذ المبيع وتخير بين قلع
الغرس بالأرش وإبقائه بالاجرة، لأ نه وضع بحق، ولو رضي ببقائه لها واختار
المشتري قلعه، فالظاهر أنه لا أرش عليه وعليه تسوية الحفر حينئذ.
ولو كان زرعا وجب إبقاؤه إلى أوان بلوغه بالاجرة كما في الشرح (1)
ويشكل بما سبق: من الأصل، واستناد ضرره إليه، ولا مدخلية للبائع فيه، وأن
فسخه بحكم الشارع فلا يستعقب شيئا. وحديث الضرر (2) غير مسلم الحجية إلا
حيث يحصل له الجابر، والشأن في حصوله في هذا المقام وإن كان هو مذهب
الأشهر في باب الشفعة فيتعين القلع بغير أرش خصوصا مع علم الغابن بالغبن وإن
لم يعلم المغبون به، لإقدامه على ذلك، فتأمل.
وإن وجدها ناقصة أخذها مع أرش النقصان، لأن مقتضى الخيار تراد
العوضين على ما كان عليه مع وجودهما والمثل والقيمة مع التلف للكل أو البعض،
خلافا للشارح في الشرح فيأخذها مجانا كذلك إن شاء (3).
وترقى في المسالك إلى صورة ما إذا كان النقص بفعل المشتري قال: وإن كان
بفعله فالظاهر أنه كذلك، لأ نه تصرف في ملكه تصرفا مأذونا فيه، فلا يتعقبه
ضمان (4) انتهى.
وهو بعيد، ولعله يريد بذلك نقص الصفة لا العين، ومع ذلك بالنسبة إلى الصفة
التي تنقص - القيمة وخصوصا فيما جعل الشارع لها أرشا كما في العيب - لا يتعدد.
ولو وجدها ممتزجة بغيرها، فإن كان بمساو أو أردأ صار شريكا، ويتعين
عليه دفع الأرش بالنسبة إلى الثاني، بل بالنسبة إلى الأول أيضا لعيب الشركة على
إشكال، وله إلزامه بالمثل أو القيمة في وجه سيما في الثاني.

(1) الروضة 3: 469.
(2) الوسائل 12: 364 ب 17 من أبواب الخيار، ح 3 - 5، و 17: 319 ب 5 من أبواب الشفعة، ح 1، و 341 ب
12 من أبواب إحياء الموات، ح 3 - 5.
(3) الروضة 3: 469.
(4) المسالك 3: 205.
143

وإن كان بأجود، ففي سقوط خياره من العين والانتقال إلى المثل أو القيمة أو
كونه شريكا بنسبة القيمة أو الرجوع إلى الصلح ونحوه، أوجه، والثالث لا يخلو عن
قوة، لبقاء ماله، وأصالة بقاء خياره، كذا في المسالك (1).
وأما احتمال سقوط خياره بالمرة كما ربما يظهر من الشرح (2) فضعيف جدا.
ولو مزجها بغير الجنس بحيث لا يتميز، فكالمعدومة.
ولو وجدها منتقلة بعقد لازم، فإن كان عقد تمليك قام فيه الاحتمالات السابقة
بتمامها، وإن كان وقفا أو عتقا قام فيه منها احتمالان وسقط الثالث، كما تقدم.
إلا أن كلامهم في باب الشفعة فيما لو أخذ الشفيع بها ووجد المشتري قد وقف
الأرض مسجدا، قد ينافي ذلك.
ولعل مستندهم هناك سبق حق الشفعة على الوقف، وهو جار فيما نحن فيه إلا
حيث لا يعلم المغبون بالخيار وقلنا بتوقف ثبوته على العلم.
وقد عرفت ما هو المختار في الجميع من الانتقال إلى المثل أو القيمة. وكذا لو
كان التحرير بتنكيل أو سراية أو إعداد للتحرير وإن كانت باقية على ملكه مع عدم
إمكان الرد كالولادة.
ثم إن استمر المانع استمر السقوط، ولو زال المانع قبل الحكم بالعوض - بأن
رجعت إلى ملكه أو مات الولد - أخذ العين، مع احتمال العدم خصوصا مع المنافاة
للفور، لبطلان حقه بالخروج، فلا يعود.
ويحتمل الفرق بين انتقالها بالبيع ونحوه ومانع الاستيلاد، فيبطل في الأول
دون الثاني، لزوال الملك في الأول المبطل للرجوع في العين بخلاف الثاني، فإن
الملك باق وإنما منع من الرد مانع وقد زال.
وفي المسالك: وهذا الوجه لا يخلو عن قوة (3).

(1) المسالك 3: 206.
(2) الروضة 3: 470.
(3) المسالك 3: 206.
144

ولو كان العود بعد الحكم بالعوض سواء قبضه أو لا، ففي رجوعه إلى العين
وجهان: من بطلان حقه من العين، وكون العوض للحيلولة. ويحتمل الفرق بين أخذ
العوض وعدمه.
ولو كان الناقل مما يمكن إبطاله كالبيع بخيار احتمل إلزامه بالفسخ، فإن امتنع
فسخ الحاكم، فإن تعذر قيل يفسخ المغبون.
وفي المهذب البارع: إن له الفسخ مطلقا (1) وهو بعيد (2). ويحتمل عدمه فينتقل
إلى البدل كاللازم.
وإن وجد المانع من الرد نقل المنافع على وجه اللزوم كالإجارة والتحبيس
جاز له الفسخ وانتظار انقضاء المدة وتصير ملكا من حينه.
وتظهر الفائدة في ملك ما لا يدخل في تلك المنفعة المنقولة من حمل أو ثمرة
أو استخدام وعتق ونحوها.
ويجب عليه الصبر مجانا حتى ينقضي مدة الإجارة، باعتبار أن المنفعة
المتجددة وإن كانت معدومة سابقا إلا أن الشارع جعلها بحكم الموجودة، ولهذا
صح العقد عليها، وقد استوفاها بالإجارة، فتكون كالمنفعة المستوفاة قبل الفسخ.
ويحتمل الفرق بين المدة الطويلة جدا فتقوم مقام التلف للعين وغيرها ولا يجوز له
تأخير الفسخ حتى تنقضي المدة على القول بأنه للفور مع احتماله لأ نه تأخير لعذر.
ويجب عليه رد العوض عاجلا من حين الفسخ لانتقال العين إليه من حينه
ودخوله على تحمل الصبر، ويحتمل العدم لعدم انتفاعه التام بالفسخ فله الانتفاع
بالعوض. ومثله يجري في الشفيع إذا أخذ بها ووجد العين مشغولة بنظائر ذلك.
ولو وجد المنفعة منقولة بالنقل الجائز كالسكنى المطلقة، فله الفسخ.
هذا كله إذا لم يكن تصرف في الثمن تصرفا يمنع من رده وإلا جاءت
الاحتمالات المتقدمة في التصرف اللازم من المغبون. وقد علمت ما هو المختار منها.

(1) المهذب البارع 2: 377.
(2) بعض النسخ: غير بعيد.
145

وإن كان المغبون هو المشتري لم يسقط خياره بتصرف البائع في الثمن مطلقا،
ويجري فيه جميع الكلام السابق في صورة العكس.
وأما تصرفه فيما غبن فيه، فإن لم يكن ناقلا عن الملك على وجه لازم ولا
مانع من الرد، فله ردها سواء زادها أو نقصها أو مزجها أو آجرها وفي الناقل
والمانع ما تقدم، ومستند ذلك ظاهر الأصحاب، فإن تم إجماع فيها - والظاهر
تماميته - وإلا فمقتضى قاعدة التصرف السقوط.
ثم إن الشارح قد فرق بين تصرف الغابن والمغبون بالنسبة إلى صورة النقص،
فحكم في الأول مع وجدانها ناقصة بالأخذ مجانا، وفي الثاني بدفع الأرش، من
قبله كان النقص أو من قبل الله تعالى وكذلك حكم بالنظر إلى الغرس. ففي الأول
خير المغبون بين القلع بالأرش وإلابقاء بالاجرة. وفي الثاني حكم بالإبقاء من
غير أرش إن لم يرض البائع بالاجرة، وكذلك حكم في المقام الأول في صورة
خلطه بالأردأ بالشركة من دون أرش، بخلاف الثاني فقال فيه وفي خلطه بالأردأ
الأرش، وبالأجود فإن بذل بنسبته فقد أنصفه، وإلا فإشكال (1).
وكأن الفارق بينهما عنده أنه في المقام الثاني هو الفاسخ للعقد والفاعل للفعل
فيكون تضرره قد جاء بسببه وقد أقدم عليه، بخلاف الأول. والظاهر عدم الفرق
في الجميع بين المقامين كما تقدم.
ثم إن هذا الخيار لا يثبت به أرش إجماعا محصلا ومنقولا عن التذكرة (2)
مضافا إلى أن ثبوت الأرش على خلاف القاعدة كما سيأتي، فيفتقر إلى الدليل،
ولا دليل عليه في المقام.
وهل هذا الخيار على الفور أو التراخي؟ قولان، والأصح الأول كما تقدم في
خيار التأخير.
ولو اشترى عينين بثمنين مع وحدة العقد إيجابا وقبولا فظهر الغبن في

(1) الروضة 3: 469 و 473.
(2) التذكرة 1: 523 س 11.
146

أحدهما كان له الفسخ فيه في وجه دون الآخر، لتعدد العقد في الحقيقة وإن اتحد
بحسب الصورة، وليس للبائع الخيار بسبب التبعيض، ويجوز للمشتري الفسخ
فيهما معا في وجه آخر.
أما لو اتحد الثمن لم يكن له إلا الفسخ في الجميع سواء اتحدت العين أم
تعددت مع اتحاد البائع والمشتري، أما مع تعددهما أو تعدد أحدهما مع تعدد
العين ووحدتها، فكلام يأتي في خيار العيب.
* * *
147

قال المصنف (قدس سره):
(الثامن: خيار العيب)
لا ريب في أن الأصل في جميع الكائنات - من جمادات أو نباتات أو حيوانات -
إنما يكون على نحو ما غلبت (1) عليه حقيقتها من التمام في الذات وعدم النقص
في الصفات، أجناسا أو أنواعا أو أشخاصا، من غير فرق بين المبيع وغيره.
ثم إن وصف الصحة ليس داخلا في المبيع وإلا لزم مع ظهور الخلافات
البطلان في المعين، ومع الإطلاق يجب طلب السالم إن وجد، وإلا بطل العقد إن
حصل اليأس منه، وهو خلاف الاتفاق نصا وفتوى. ولا أن المبيع ينصرف إلى
الصحيح انصرافا كانصراف المطلق إلى الفرد الشائع بنفسه أو بواسطة العقد، وإلا
لزم المحذور السابق في بيع الكليات.
نعم في المعين بناء على ذلك قد يغلب جانب الإشارة على الوصف، خصوصا
أن الوصف غير مصرح به، بل المراد بالمبيع الأعم من الصحيح والمعيب، وهما
بالنسبة إلى صدق اللفظ متساويان، ولكن الإقدام ليس إلا على الصحيح، للأصل
المتقدم باعتبار غلبة الصحيح، وهذه الغلبة إنما تقضي بندرة الوجود لا بندرة
الإطلاق، فالعاقد قد قصد مدلول اللفظ ولكنه توهم الصحيح توهما، ولا عبرة
بالتوهم مع القصد إلى مدلول اللفظ في الجملة، فتأمل.

(1) في المطبوع: خلقت.
148

قال المصنف (قدس سره): (وهو كل ما زاد على الخلقة الأصلية، أو نقص
منها عينا كان كالإصبع، أو صفة كالحمى ولو يوما)
العيب في اللغة الوصمة والعار، والوصم العقدة في العود، ووجه المناسبة بين
هذا المعنى والمعنى الذي ذكره المصنف ظاهرة. ويظهر من جماعة من أهل اللغة:
أن هذا المعنى العرفي للعيب من المعاني اللغوية أيضا كما في القاموس والصحاح
والمصباح، حيث تركوا تفسيره إحالة على العرف. وقالوا: عاب المتاع عيبا من
باب سار فهو عائب، وعابه صاحبه فهو معيب ومعيوب.
وعند المتشرعة هو ما زاد أو نقص عن أصل الخلقة، كما في الشرائع والنافع
والتحرير والدروس (1) والمتن. أو عن المجرى الطبيعي، كما في القواعد والتذكرة
والإرشاد والتبصرة (2).
وزاد في القواعد والتذكرة والتحرير وجامع الشرائع التقييد بنقص المالية (3)
وفسروا أصل الخلقة والمجرى الطبيعي بأكثر النوع الذي يعتبر فيه ذلك ذاتا وصفة.
وعلل العدول عن التعبير بالخلقة الأصلية إلى التعبير بالمجرى الطبيعي - وهو
ما جرت به العوائد الغالبة - لاندراج الامور التي ليست مخلوقة أصلا ككون
الضيعة ثقيلة الخراج ومنزل الجنود ونحو ذلك.
وعلل التقييد بنقص المالية في كلام البعض لئلا يلزم دخول ما ليس من العيب
فيه، كزيادة الشعر الخارج عن العادة في بعض أعضاء الإنسان بحيث يزيد في
حسنه كما في الأهداب والحواجب، أو نقصانه كذلك في شعر العانة ونحو ذلك.
واورد على التقييد بذلك خروج ما اجمع على كونه من العيوب مع إيجابه
زيادة المال كالخصي، وكذا عدم شعر الركب الذي هو مورد الرواية، والمراد به

(1) الشرائع 2: 36، النافع: 125، التحرير 1: 182 س 21، الدروس 3: 281.
(2) القواعد 2: 72، التذكرة 1: 524 س 22، الإرشاد 1: 376، التبصرة: 91.
(3) القواعد 2: 72، التذكرة 1: 524 س 23، الجامع للشرائع: 265.
149

منبت شعر العانة كما في مجمع البحرين (1).
واجيب بأن المراد ما كان موجبا لنقص المال عند التجار كما قيده به في
التحرير وجامع الشرائع (2) ولا ريب في نقص قيمة المجبوب والخصي عند التجار
وأصحاب الأشغال، لعجزهما عن أكثر أفعال الفحول - من نسل وغيره -. وإنما
يرغب إليه بعض أفراد الناس كالحكام والسلاطين لرؤية نسائهم ودخولهما
عليهن، وهذا نفع ألغى الشارع منفعته، وجعل ذلك النقص وما ترتب عليه حراما،
مع أن المعتبر النقص المالي أعم من أن يكون سببا في نقص القيمة أم لا.
وما يقال عرفا: إن في هذا المال نقصانا بحسب ذاته ولا تنفيه زيادة القيمة من
جهة اخرى، فإن القيمة ليست جزء من المبيع ولذا يتخير المغبون بين الإمضاء
مجانا والرد والغاصب لا يضمن القيمة السوقية إلى غير ذلك بخلاف المال، فإن
نقصه نقص جزء من المبيع.
والتحقيق الحوالة في العيب إلى العرف، وأن تعاريف الأصحاب له من قبيل
التعاريف اللفظية للكشف عن المعرف، ومن هنا اختلفت عموما وخصوصا
وتقييدا وعدمه.
وأما ما ورد في بعض الروايات في تفسيره، فليس لبيان المعنى الشرعي لا
بطريق الحقيقة ولا المجاز كما في قضية ابن أبي ليلى مع محمد بن مسلم حيث
روى له: «كل ما كان في أصل الخلقة فزاد أو نقص فهو عيب.» (3) بل لبيان الكشف
عن المعنى العرفي أيضا، لأن الموضوعات العرفية الخفية قد يكشف عنها الشرع
كما يكشف عن الموضوعات الشرعية.
ولولا ذلك لأشكل التمسك بهذه الضابطة، لعدم اطرادها في أقسام العيوب.
ودعوى: استفادته من دلالة الإيماء أو بتنقيح المناط بغير النحو الذي نقوله، ممنوعة.

(1) مجمع البحرين 2: 75.
(2) التحرير 1: 182 س 19، الجامع للشرائع: 265.
(3) الوسائل 12: 410، ب 1 من أبواب أحكام العيوب، ح 1.
150

وعدم انعكاسها أيضا، مع أنه قد يظهر منها أن المراد خصوص الزيادة
والنقص الطارئين على أصل الخلقة ولا قائل به، فتأمل.
والحاصل أن الزيادة والنقص قد تكون عيبا في الجنس - كزيادة عضو في
الحيوان - أو قد تكون في خصوص النوع كزيادة العورة وعدمها كالممسوح وعدم
الشعر على الركب في نوع الإنسان، وقد تكون في خصوص الصنف كزيادة اللحية
في الرجل ونقصان شعر الرأس في المرأة.
فالعيب يختلف أشد الاختلاف باعتبار الأجناس والأنواع والأصناف،
فالعمى والعرج والعور والمرض مشترك بين أنواع الحيوان والحول والخوص
والثيبوبة إلا للسودان في وجه ونحوها من خصائص الإنسان وقلة الأكل
والركض من خصائص الحيوان.
و قد يكون العيب كالعضو الصغير في بدن الكبير والكبير جدا في بدن الصغير،
وقد يكون له دخل بالخلقة، وقد لا يكون إلا بتكلف ككون العبد سارقا أو زانيا أو
آبقا أو ممكنا من نفسه، ونحو ذلك.
ثم اعتبار زيادة العين عيبا على الإطلاق، لا وجه له، إذ زيادة القرن أو كثرة
شوايخه أو زيادة أليته أو غيرها ليست من المعايب. ونقصان القرن ونحوه كذلك،
وزيادة الصفة مستمرة كالوشم ونحوه، وغير مستمرة كالخضاب ونحوه كذلك،
وزيادة الصفة في الصفة قد تكون عيبا، كما إذا أخرجته عن صفة الحمرة إلى قرب
السواد مثلا أو بالعكس في مقام الضرر، وقد تكون محسنة، وكذا نقص الصفة فيها،
وكذا زيادة العين فيها كالبصم والنقش ونحوهما. ففي الحقيقة لا يمكن الرجوع إلا
إلى العرف، لعدم إمكان الضبط، والاقتصار على مورد الإجماعات المنقولة على
بعض الأفراد مخالف للإجماع. وحينئذ كلما قضى به العرف عيبا حكمنا به، وما
شككنا فيه نرجع فيه إلى القاعدة من عدم ثبوت الخيار والأرش كما سيأتي،
والظاهر ملازمة الصدق العرفي للعيب لنقصان القيمة، ولهذا أثبت الأصحاب
الأرش في كل معيب.
151

قال المصنف (قدس سره): (فللمشتري الخيار مع الجهل بين الرد والأرش)
ليس مستند ثبوت هذا الخيار دخوله تحت خيار الاشتراط باعتبار أن الصحة
اخذت شرطا ضمنيا وذلك لأن الشرط الضمني المعتبر هو المراد من اللفظ على
جهة الشرطية المدلول عليه بالقرينة الحالية أو المقالية، وليس هذا كذلك، ولا أقل
من الشك، والأصل عدم الاشتراط، مع أن الشرط الضمني محل خلاف وهذا
الخيار محل وفاق، على أنه بناء على ذلك يكون له الرد فقط لا التخيير بينه وبين
الأرش، وكون اشتراط الصحة مع التصريح لا يفيد إلا مجرد التأكيد لا يقضى
بذلك. وربما قيل: إن فائدة اشتراط الصحة جواز الفسخ وإن تصرف لو ظهر عيب
فيفيد فائدة زائدة على الإطلاق.
ولا مستنده دخوله تحت باب التبعيض فيكون الأرش على وفق القاعدة
باعتبار أن الأصل في نقص كل صفة استحقاق الأرش، وليس المراد بذلك وصف
الصحة فقد تقدم فساده بل صفة المبيع لأ نها كجزء من المبيع مثلا وقد ظهر عدمه
فيقسط الثمن تقسيط تبعيض الصفقة، وذلك فإن المقابل إنما هو العين وهذه إضافة
خارجة عن العوضين. نعم في العيب المنقص للعين قد يتأتى فيه ذلك، ولكن
الظاهر عدم اجتماع الخيارين العيب والتبعيض، لأن الأول مبني على حصول
تمام المبيع ونقص بعض الأجزاء لا يقدح فيه مما ليس بإزائه شيئا (1) من الثمن،
والثاني على عدمه.
واحتمال التفكيك وأن ثبوت أصل الخيار للشرط أو الوصف وثبوت الأرش
للدليل، لا وجه له أيضا.
ولا مستنده حديث الضرر والضرار، فإن حديث الضرر بمجرده لا يفيد شيئا
بل هو من المجملات، مع أنه هو سبب الضرر على نفسه بإقدامه وكان عليه
الفحص والتفتيش، على أن الضرر يندفع بالرد فقط.
بل هو خيار مستقل ومستنده الدليل الخاص من الإجماع المحصل - على

(1) كذا، والصواب: شيء.
152

الظاهر - والمنقول عن الخلاف والغنية والرياض، وظاهر التذكرة والكفاية ومجمع
البرهان (1) وأخبار الفرقة المرسلة في الخلاف (2) وعدم العثور عليها لا ينافي ذلك.
وما في الفقه الرضوي من قوله: إن خرج في السلعة عيب وعلم المشتري
فالخيار إليه إن شاء رد وإن شاء أخذه ورد عليه بالقيمة أرش العيب (3).
وقال بعض المتأخرين: إن أو زيادة مكان الواو (4).
والعمدة في الدليل الإجماع ويجعل دليل الضرر مؤيدا، فإن رواية الفقه عندنا
لم يثبت كونها من الروايات حتى تجبر بالجوابر، كما تقرر في محله.
وقد استدل في التذكرة على المسألة، بما رواه الجمهور من أن رجلا اشترى
غلاما في زمان رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكان عنده ما شاء الله ثم رده من عيب وجده به،
وبقول أحدهما (عليهما السلام) في مرسل جميل: في الرجل يشتري الثوب أو المتاع فيجد
به عيبا قال: إن كان قائما رده على صاحبه وأخذ الثمن، وإن كان الثوب قد قطع أو
خيط أو صبغ رجع بنقصان العيب (5).
وفي افادتهما المطلوب نظر، أما النبوي فخال عن الأرش بالكلية، مع أن الظاهر
منه جواز الرد بعد التصرف في الجملة، إذ يبعد أن يكون عند العرب ما شاء الله ولا
يستخدمونه بشيء أصلا مع أنا قد نقصره. وأما رواية جميل فقد دلت على جواز
الرد ما دام باقيا وإن تصرف فيه إلا أن يكون ثوبا وقد تصرف فيه أحد التصرفات
المذكورة فإنه يرجع بالأرش، وذلك لا يتم على ما قرروه في مسائل الباب.
والحاصل أن روايات الباب جميعها خالية عن ذكر الأرش بالنحو الذي ذكره
الأصحاب، وإنما ذكر فيها الرد فقط أو الأرش بعد التصرف المانع من الرد فقط أو

(1) لم نجد في الخلاف التصريح بالإجماع في أصل المسألة، نعم نقله في بعض فروعاته،
راجع ج 3 ص 109 المسألة 178، الغنية: 221، الرياض 8: 258، التذكرة 1: 524 س 26 -
31، الكفاية: 93 س 28، مجمع الفائدة 8: 424.
(2) راجع ج 3 ص 109 المسالة 178.
(3) فقه الرضا: 253.
(4) الحدائق 19: 64.
(5) التذكرة 1: 524 س 20.
153

هما، وليس في شيء منهما ما يدل على ثبوت الأرش قبل التصرف لا مستقلا ولا
مع الرد. فليس المستند إلا الإجماع محصله ومنقوله، كما عرفت.
فإن قلت: يلزم على ذلك الجمود على مورد الإجماع - من خصوص البيع
وخصوص المشتري - ولا تقولون به.
قلنا: أما بالنسبة إلى الثمن فالظاهر انعقاد الإجماع عليه كالمثمن مع تساويهما
في أغلب الأحكام، مع أن المناط منقح لاتحاد الطريق، وأما بالنسبة إلى العقود
الاخر فلا يبعد دعوى الإجماع في ذلك أيضا وتنقيح المناط ولكنه لا يخلو
من إشكال.
ثم إن اعتبار الأرش فيما لو كان العيب منقصا للقيمة لا إشكال فيه. أما لو كان
قيمة المعيب مساوية لقيمة السالم أو أزيد - كما في المجبوب والخصي فمحل كلام.
قال في جامع المقاصد: وفي أخذ الأرش بهما إشكال منشؤه عدم الاطلاع
على قدر نقص القيمة (1).
واستشكله أيضا في التذكرة وحواشي المصنف باعتبار عدم تحقق النقص في
المالية (2).
واحتمل في الدروس والمسالك سقوط الأرش وبقاء الرد قال: ويشكل مع
حصول مانع من الرد كحدوث عيب أو تصرف، فإن الصبر على العيب ضرر والرد
إضرار (3).
وقال في مجمع البرهان: ينبغي التأمل في الدليل الموجب للرد والأرش فإن
كان بحيث يشمل العيب الذي تزيد به القيمة لزم ذلك، وإلا فما ذكر من سقوط
الأرش جيد، ثم تنظر في دليل جواز الرد كذلك، فإن شمله وإلا فلا، فحينئذ
بالحقيقة ليس بعيب (4) انتهى.

(1) جامع المقاصد 4: 324.
(2) التذكرة 1: 528 س 23، ولم نعثر عليه في الحاشية المنسوبة إلى المصنف.
(3) الدروس 3: 288، المسالك 2: 284.
(4) مجمع الفائدة 8: 428.
154

والتحقيق أن الخصاء والجب يوجبان نقصا غالبا كما تقدم، وطريق معرفة
أرشه قطع النظر عن زيادة القيمة فيفرض عبدا مسلوب المنفعة المترتبة على تلك
النقيصة - من القابلية للنسل والقدرة على ما تقدر عليه الفحول من الأعمال
الاخر - فيقوم كذلك ويقوم صحيحا ويؤخذ بالنسبة.
فإن قلت: يلزم الظلم على البائع، لتضرره.
قلنا: إن كان عالما فهو أقدم على الضرر بنفسه فلا اعتبار لضرره، وإن كان
جاهلا فقد يقال بثبوت الخيار له فلا ضرر عليه، مع أن زيادة القيمة في المقام قد
ترتبت على منفعة ألغاها الشارع وحرمها وحرم الفعل الذي نشأت منه فلا حكم
لها، على أن ضرر البائع معارض بضرر المشتري حيث لا يمكنه الرد لحدوث
عيب وتصرف، ويشهد لما ذكرنا حكم الأصحاب في باب الغصب بأنه لو خصى
الغاصب العبد كان عليه كمال قيمته ورده.
قال المصنف: (وهو مثل نسبة التفاوت بين القيمتين من الثمن)
اعلم أن الأرش يطلق على معان:
منها: نقص القيمة لجناية الإنسان على عبد غيره في غير المقدر الشرعي.
ومنها: ثمن التالف المقدر شرعا بالجناية كقطع يد العبد.
ومنها: أكثر الأمرين من المقدر الشرعي. والأرش وهو ما تلف بجناية الغاصب.
والمراد به في هذا المقام اصطلاحا منهم جزء من الثمن نسبته إليه كنسبة نقص قيمة
المعيب إلى قيمة الصحيح، بأن يقوم المعيب صحيحا ومعيبا ويؤخذ من الثمن مثل
تلك النسبة لا تفاوت ما بين المعيب والصحيح، لأن الأرش على خلاف القاعدة
فيقتصر فيه على المتيقن، ولأن المدار في النقصان على ما أقدم عليه من القيمة لا
على ما لم يقدم عليه، ولأنه قد يحيط بالثمن أو يزيد عليه فيلزم أخذه العوض
والمعوض وقد نهى عنه النبي (صلى الله عليه وآله) بقوله: لا تجمع بين العوض والمعوض لواحد (1).

(1) نقله في مفتاح الكرامة ج 4 ص 631 س 28، ولم نظفر بمأخذه بعد التتبع في أحاديث
الخاصة والعامة.
155

وقال ابن إدريس: هذا مما يغلط به بعض الفقهاء فيوجبون الأرش بين
القيمتين (1) وكأنه عنى المفيد في المقنعة حيث قال: يقوم الشيء صحيحا ويقوم
معيبا ويرجع على البائع بقدر ما بين الثمنين (2).
ونحوه ما في النهاية وما حكي عن والد الصدوق (3) وهم قد تبعوا في ذلك
ظواهر النص، كصحيحة محمد بن مسلم وغيرها (4) والنص وكلامهم منزل على
الغالب من شراء الشيء بقيمته، كتخصيصهم الأرش بالمشتري، مع أنه قد يكون
للبائع كأن يفسخ بخياره بعد تعيبه في يد المشتري عيبا مضمونا، فإن البائع حينئذ
لا يأخذ من الثمن بل يأخذ تفاوت ما بين القيمتين وإلا فكيف يخفى مثل ذلك
على هؤلاء المشائخ العظام.
وقد يحمل كلامهم على نحو من الحذف والتقدير اتكالا على وضوح المراد.
ثم إن تقويمه في الحالين ليس المدار فيه على القيمة حال العقد، ولا على أقل
الأمرين من حال العقد وحال التملك، بل المدار على حال التملك، ويختلف الحال
في مثل السلم والصرف - مما شرط الملك فيه القبض - والإجازة في الفضولي بناء
على النقل وذلك فإن وقت استحقاق الأرش وقت الدخول في الملك، وكل من
قال بأن المدار على وقت العقد أراد ذلك جريا على الغالب كالمصنف في
الحواشي والشارح في المسالك والمحقق الثاني والمقدس الأردبيلي (5) وغيرهم.
وقيل: إن المدار على حين القبض، والمراد به غير ما هو شرط في الملك، وهو
خيرة الشيخ على ما نقله عنه في التحرير (6)، لأ نه يوم دخول المبيع في ضمانه
وحين استقرار الملك إذ المبيع (7) في معرض الانفساخ لو حصل التلف.
وفيه: أنه لا دخل لذلك في اعتبار القيمة حينئذ.

(1) السرائر 2: 296.
(2) المقنعة: 597.
(3) النهاية 2: 155، وحكاه في المختلف 5: 169.
(4) الوسائل 12: 413 ب 4 من أبواب أحكام العيوب.
(5) المسالك 3: 300، جامع المقاصد 4: 335، مجمع الفائدة 8: 426.
(6) التحرير 1: 183 س 7.
(7) كذا: والظاهر البيع.
156

واحتمل في القواعد - ويلوح من الإيضاح الميل إليه - اعتبار أقل الثمنين
منهما (1) لأن القيمة إن كانت يوم الملك أقل فالزيادة حدثت في ملك المشتري،
ولأن يوم الملك يوم الاستحقاق، وإن كان يوم القبض أقل فالنقص من ضمان
البائع، لأ نه وقت الاستقرار. وضعفه ظاهر.
واعتبار حال التقويم أو التسليم أو المطالبة أو الأعلى على اختلاف وجوهه،
لا وجه له.
ثم إن الأرش حيث يثبت إن كان الثمن في ذمة المشتري بعد برئ عن قدر
الأرش عن طلبه، وإن كان قد سلمه وهو باق في يد البائع، فالأقرب أنه لا يتعين
حق المشتري فيه، لأ نه غرامة.
والظاهر أن الأرش غير داخل في المبيع والثمن، إذ لا يعد عرفا كذلك، فمن
نذر بيع شيء مثلا لم يف بإعطاء الأرش ولو دخل لزمت الجهالة، لا سيما أرش،
الأرش وهكذا.
ومن هنا لا يجري عليه حكم الصرف من اشتراط القبض في المجلس.
نعم يثبت فيه الربا باعتبار أن الربا تعم - على الظاهر - كلما استند إلى البيع ولو
على طريق التسبيب.
قال المصنف (قدس سره): (ولو تعددت القيم اخذت قيمة واحدة متساوية
النسبة إلى الجميع فمن القيمتين نصفهما ومن الخمس خمسها)
التعدد إما أن يكون بالتوارد على شخص واحد أو على أشخاص متماثلة وهو
أحدها أو خارج عنها واكتفى بها عنه، أو كان سبب الاختلاف الاختلاف في الحقيقة
كالاختلاف في أن هذا السيف خراساني أو هندي والفرس نجيب أو برذون وهكذا.
ثم الاختلاف إما أن يكون مستندا إلى ما مر، أو إلى زمان أو مكان، أو
خصوص بائع أو مشتري، من جالب وغيره، وتاجر وغيره، وهكذا أو واسطة،
والظاهر ملاحظة الجميع.

(1) القواعد 2: 74 - 75، إيضاح الفوائد 1: 494.
157

ثم إن باب التقويم مرة يكون بالإخبار عن القيمة السوقية الموجودة في
الخارج وهو من باب الشهادة، فلابد فيه من العدالة والتعدد ولا يكتفى فيه بخبر
العدل الواحد. ومرة يكون الإخبار بطريق الحدس والاجتهاد، وهو المراد في المقام.
وهل هذا من باب الشهادة كالأول؟ فيعتبر فيه التعديل والتعدد ونحوها،
ويلزم مثله إذن في الوزان وصاحب الميزان وصاحب العيار إلى غير ذلك، فيؤخذ
بالعدل. ثم مع التعارض بالأعدل ثم الأكثر، وفي تقديم الأعدل أو الأكثر كلام،
وفي جريان ما زاد على ذلك من المرجحات في الأحكام الشرعية التعبدية
كالأعرفية والأضبطية ونحوها في ذلك بحث.
أو أنه ليس من باب الشهادة لاستنادها إلى العلم دونه بل هو من قبيل الرجوع
إلى الطبيب في المرض ونحو ذلك، وأنه مع انسداد باب العلم في الموضوعات
كالأحكام ينفتح باب الظن، فيكتفى فيه بالواحد المأمون مع كونه من أهل الخبرة.
والأجود الأول اقتصارا فيما خالف الأصل من ثبوت الأرش ومقداره على
المتيقن، مع انطباق تعريف الشهادة عليه، فيشترط في المقوم ما يشترط في
الشاهد من العدالة والمعرفة والتعدد والذكورة وارتفاع التهمة كما نص عليه
المصنف في الدروس والمحقق الثاني (1).
ومع اختلاف المقومين تلتمس المرجحات السابقة. ومع التعادل من كل وجه
يقوم فيه وجوه:
أحدها: الأخذ بالأدنى، لأ نه المتفق عليه وما عداه يبطل بعضه بعضا فيتساقط،
مع أن الأصل براءة ذمة من استحق عليه من الزائد، وربما كان عليه بناء الأصحاب
في النذر والعهد والغرامة في الغصب واختلاف المقومين في الجرح، وغير ذلك
من المقامات.
وفيه: أن الأقل اخذ فيه بشرط لا والبواقي بشرط شيء فلم يحصل الاتفاق،

(1) الدروس 3: 288، جامع المقاصد 4: 336.
158

بل جميع القيم الباقية تنفي الأقل، فلا يصلح لمعارضتها فضلا عن أن يتقدم عليها.
ثانيها: الأخذ بالأكثر، نظرا إلى أصالة بقاء شغل الذمة بالأرش حتى يحصل
اليقين، وفي إعطاء الأكثر حصول ذلك.
وفيه: أنه من التكليف المجمل لا التكليف بالمجمل، والأصل براءة الذمة مما
زاد على الأقل لأ نه المتيقن، مع أن هذا من جانب من استحق عليه، وأما من
استحقه فالأصل عدم استحقاقه الزائد والمتيقن في حقه هو الأقل.
ثالثها: الأخذ بالأوسط حيث يكون أوسط، لأ نه ليس بعيدا عن أحدهما
فكأنه عمل بكل منهما في الجملة، بخلاف كل من الطرفين، حيث إنه بعيد عن
صاحبه.
وفيه: أنها جهة استحسانية لا تصلح لإثبات الحكم الشرعي، مع أن كلا من
الطرفين ينفي ذلك.
ورابعها: التخيير لآخذ الأرش أو دافعه، كما في الدليلين المتعارضين.
وفيه - على أن التخيير حكم شرعي مفتقر إلى الدليل، وقد دل عليه الدليل
هناك دون ما نحن فيه - لزوم معارضة حق الغير بالنسبة إلى ما نحن فيه في الاول،
بخلاف الدليلين.
خامسها: القرعة، فإنها لكل أمر مشكل.
وفيه: أنها إنما تجري في المعلوم واقعا المشتبه ظاهرا، وهاهنا الاشتباه في
المقامين، لاحتمال أن تكون القيمة الواقعية غير الجميع، وأيضا قد لا تستقر
للشيء قيمة في نفس الأمر، فتكون قيم المقومين هي القيمة الواقعية، مع أن
موردها عدم الطريق، وسيأتي الطريق الرافع للإشكال.
وسادسها: الصلح مع الإجبار وهو منوط بنظر الحاكم.
وفيه: أن ذلك له مقامات خاصة وليس هذا المقام منها مع أن مورده أيضا
تعذر طريق التخلص إلا به، وسيأتي طريق التخلص.
سابعها: سقوط الأرش والتخيير بين الرد والرضا بالمعيب. وهو أضعف
159

الاحتمالات، لمنافاته لاستصحاب بقائه بل الإجماع على خلافه، وتعدد القيم
يؤكد بقاءه لا تنفيه.
ثامنها: التوزيع على النسبة وهو الذي ذكره المصنف وغيره.
وفيه: أنه خرق لإجماع المقومين، وطرح للتقويمات بأسرها وأخذ بغير الحجة.
والجواب إما بادعاء أن القيمة المنتزعة من مجموع القيم هي قيمة الشيء
بحسب العرف والعادة - فيقال عرفا: إن هذا الشيء له قيمة وأن هذه قيمته -
أو حكم تعبدي للإجماع فإن ظاهر الأصحاب الاتفاق على ذلك، أو باعتبار
الرواية الدالة على ذلك التي ذكرها الأصحاب في كتاب الحج في باب الهدي
وأفتوا بها، أو باعتبار أنه لما لم يكن لأحد القيم ترجيح - كما علمت من فساد
رجحان الأقل والأكثر والأوسط - وطرح الجميع لا وجه له فليس إلا الأخذ
بالنسبة والأخذ بالنسبة أخذ بالجميع، كاليد لشخصين على مال فإنه يحكم بينهما
بالمناصفة وهكذا.
والظاهر أن هذه القيمة المنتزعة ليست خاصة بباب العيب بل عامة لكل مقام
تختلف فيه القيم.
نعم لو قلنا: إن المستند الإجماع فقط أمكن التخصيص.
ثم إن هذه الوجوه بتمامها عدا الأخير تجري بالنسبة إلى المسألة السابقة فيما
إذا تعارضت البينات بالنظر إلى القيمة السوقية الموجودة في الخارج وأما الوجه
الأخير فتمشيته بالنسبة إلى ذلك والحكم به في غاية الإشكال، والأصحاب لا
يظهر منهم ذلك أيضا لأن كلامهم في المسألة الثانية، ولعل الأقوى بالنسبة إلى
ذلك، الأخذ بالأقل، وقوفا عند الأصل.
ثم إنه لا فرق في هذه القيمة المنتزعة بين اختلاف المقومين في القيمة
الصحيحة والمعيبة معا أو في أحداهما، ولكن لابد في الثاني إما من تضعيف
المتحدة، أو تنصيف المتعددة إن كانت اثنتين ونسبة النصف إلى المتحدة، وتثليثها
إن كانت ثلاث ونسبة الثلث، وهكذا.
160

ولا فرق في الأول بين أن تجمع القيم الصحيحة على حدة والمعيبة كذلك
وتنسب أحدهما إلى الاخرى وتأخذ بتلك النسبة أو تجمع القيم الصحيحة جملة
وتأخذ نصفها وثلثها وهكذا وتجمع المعيبة كذلك وتأخذ منها كذلك ثم تنسب
إحدى القيمتين المنتزعتين إلى الاخرى وتأخذ من الثمن بتلك النسبة، فإن مآلهما
واحد، لأن النسبة بين المجموعين هي النسبة بين أجزائهما مع اتحاد الأجزاء
بالاسم كالنصف مثلا، إذ النسبة بين العشرين والخمسة عشر كالنسبة بين العشرة
والسبعة والنصف، والنسبة بين الستة والثمانية مثلا كالنسبة بين نصفيهما.
وعبارة المصنف كما تحتمل هذا الأخير تحتمل ما نسب إليه، واختاره
صاحب إيضاح النافع: من نسبة معيب كل قيمة إلى صحيحها وتجمع قدر النسبة
وتؤخذ من المجتمع بنسبة القيم، كنصفه لو كانتا اثنتين، وثلثه لو كانتا ثلاثة وهكذا،
وفي الأكثر يتحد الطريقان، وقد يختلفان في يسير كما نبه عليه الشارح (1).
والطريق الأول هو المناسب للنص الدال على الأرش دون الثاني، مع أنه في
مقام يتحقق به الزيادة مخالف لأصل براءة الذمة المأخوذ منه الأرش، وأيضا
الأول أوفق بالقيمة المنتزعة باعتبار ظهور استواء النسبة فيه دون الثاني، مع أنه
يرد على الثاني: أن الجزء المأخوذ من عدد آخر ليس هو ذلك الجزء المأخوذ من
هذا العدد، بل شيء آخر.
ففي مثال القيمتين إذا قالت إحدى البينتين: إن قيمته اثنا عشر صحيحا
وعشرة معيبا، وقالت الاخرى: ثمانية صحيحا وخمسة معيبا وكان ثمنه اثنى عشر
موافقا للقيمة الاولى، يكون التفاوت بين المعيب والصحيح السدس، وهو اثنان في
الاولى وفي الثانية ثلاثة أثمان الثمانية، وهو (2) ثلاثة، وثلاثة أثمان الثمانية ليست
ثلاثة أثمان الثمن، وهو اثنا عشر، بل يكون ربعه، وهو منشأ الاختلاف.

(1) راجع الروضة 3: 480، 495.
(2) العبارة من هنا إلى آخر الفقرة مبهمة، والأولى في العبارة ما أفاده الشارح (قدس سره) في الروضة، وإليك نصه:
وعلى الثاني يؤخذ تفاوت ما بين القيمتين على قول الاولى وهو السدس وعلى قول الثانية ثالثة أثمان
ومجموع ذلك من الاثني عشر ستة ونصف يؤخذ نصفها ثلاثة وربع، فظهر التفاوت. راجع الروضة 3: 486.
161

وفيه: أن تشخص الجزء المأخوذ لا يؤخذ من الثمن في المقامين، والكلي لا
يختلف الحال فيه في المقامين.
قال المصنف (قدس سره): (ويسقط الرد بالتصرف أو حدوث عيب بعد
القبض ويبقى الأرش)
لا ريب أن الصور المتصورة في المقام أربعة:
ثبوت الرد والأرش، وسقوط الرد دون الأرش وبالعكس وسقوطهما.
أما الصورة الاولى: فظاهرة وقد تقدم الكلام فيها.
وأما الصورة الثانية: فهي محل البحث، فنقول:
يسقط الرد دون الأرش بامور:
الأول التصرف، فيسقط الرد به، سواء وقع قبل العلم بالعيب أو بعده، وسواء
جعلنا القاعدة السقوط بالتصرف أو لا، وسواء قلنا: إن السقوط به لكونه أمارة
الرضا فيختص بالعالم أو لا، للدليل الخاص في المقام القاضي بالعموم من الإجماع
المنقول عن الغنية والمختلف والتذكرة وشرح الإرشاد لفخر الإسلام (1) وللصحاح
المستفيضة (2) وما ورد في بعض الروايات من إطلاق الرد بالعيب مقيد بذلك.
وما في الكفاية من أن الأخبار مختصة بالجارية (3) في غير محله، فإن مرسل
جميل وخبر زرارة (4) صريحان في الإطلاق، والأخبار المزبورة كما أسقطت الرد
بالتصرف مطلقا أثبتت الأرش كذلك، ونقل عليه الإجماع في الغنية وشرح
الإرشاد (5) وأيضا (6) الشهرة محصلة فضلا عن أن تكون منقولة عن العلامة في
المختلف والمحقق الثاني (7) وغيرهما.

(1) الغنية: 222، المختلف 5: 183، التذكرة 1: 525 س 42، حاشية الإرشاد (مخطوط): الورقة 51.
(2) الوسائل 12: 362، الباب 16 من أبواب الخيار.
(3) الكفاية: 93 س 32. (4) الوسائل 12: 362 - 363، ب 16 من أبواب الخيار، ح 2 و 3.
(5) الغنية: 222، حاشية الإرشاد (مخطوط): الورقة 51.
(6) الكلمة في الأصل اختصارية ولعلها: الإيضاح.
(7) المختلف 5: 183، جامع المقاصد 4: 332.
162

وفي المبسوط: إن التصرف قبل العلم لا يسقط به الخيار (1) وفي المقنعة
والنهاية: إن الهبة والتدبير لا يمنعان من الرد، لأن له الرجوع فيهما بخلاف العتق (2)
والمراد بذلك على الظاهر صورة عدم العلم.
ولعل مستند الشيخين أن السقوط بالتصرف إنما هو لكونه أمارة الرضا، ولا
دلالة فيه مع الجهل، مضافا إلى الأصل، وخبر زرارة في الباب حيث جعل فيه
العلم قبل الحدث شرطا لمضي البيع عليه.
وترده الإجماعات المنقولة، وإطلاق الروايات، والظاهر من خبر زرارة أن
المراد: أنه لو أحدث فيه شيئا ثم علم به لم يكن له الخيار، لا أن الحدث إذا كان بعد
العلم ينفي الخيار، فيستدل بمفهومه على أن الحدث قبله لا ينفيه.
وعن ابن حمزة في الوسيلة: إن التصرف مانع من الأرش أيضا إذا كان بعد
العلم بالعيب (3) تمسكا بدلالته على الرضا بالعيب. والأصل وإطلاق الإجماعات
والروايات (4) حجة عليه.
ثم إن إطلاق النصوص والفتاوى ومعقد الإجماعات يشمل سائر التصرفات
من ناقل وغيره، مغير للعين أو غير مغير، عاد إليه بعد خروجه عن ملكه أو لا، مع
العمد وعدمه، مع الجهل بالحكم وعدمه، مع الاختيار أو الإجبار، إلى غير ذلك من
الصور التي مر ذكرها في باب التصرف من خيار الحيوان، ولا يتمشى هذا الحكم
إلى الانتفاع إذا لم يصدق عليه اسم التصرف على إشكال.
ولا يستثنى من سقوط الرد بالتصرف في المقام إلا أمران:
أحدهما: المصراة حيث تكون التصرية عيبا كما إذا كان نقص اللبن متجاوز
الحد بحيث يكون مخالفا للعادة العامة، وإلا فهو مستثنى من سقوط خيار الوصف
بالتصرف في بعض الصور، وسيجئ البحث فيها.

(1) لم نظفر به صريحا فلعله استفاده من مطاوي كلماته، راجع المبسوط 2: 138 - 139.
(2) المقنعة: 597 - 598، النهاية 2: 159.
(3) الوسيلة: 257.
(4) راجع الوسائل 12: 362، ب 16 من أبواب الخيار.
163

والثاني: ما إذا اشترى أمة ووطئها ثم ظهر أنها كانت حاملا، فإنه له الرد. ومن
المعلوم أن الوطء تصرف، والحمل عيب، لأ نه زيادة معرضة للتلف ومانعة من
بعض الانتفاعات في الجملة.
نعم بناء على ما يظهر من الشيخ في النهاية (1) وصرح به ابن الجنيد والعلامة في
المختلف (2) حيث اعتبروا كون الحمل من البائع، تكون المسألة على وفق القاعدة،
فإنها حينئذ تكون ام ولد ويكون البيع باطلا من أصله، ولكنه مخالف لإطلاق
فتوى الأكثر وإطلاق الإجماعات المنقولة والنصوص الصريحة في ذلك (3).
الثاني: حدوث العيب، وهو لا يخلو إما أن يكون بين العقد والقبض أو
بعد القبض.
والأول لا يسقط به الرد بالعيب السابق على العقد قولا واحدا إلا أن يكون
مضمونا على المشتري، بل هو سبب ثان للرد كما يقضي به إطلاق الإجماعات
المنقولة على أن للمشتري الرد بالعيب الحادث قبل القبض.
نعم خلاف في استحقاق الأرش به وعدمه. ولعل الأقوى العدم، لما عرفت سابقا
من أن الأرش على خلاف الأصل فيقتصر فيه على المتيقن، وهو العيب السابق للعقد.
ودعوى: تنقيح المناط بينهما للاشتراك في المضمونية، لا وجه له، لفقد
المنقح، والعلة ليست منصوصة فلا اعتبار بها، ودليل الانفساخ بتلف المبيع قبل
القبض لا يسري إلى الصفات، لعدم دخولها فيه، والضرر العام مندفع بالخيار،
والخاص لا اعتبار به. فلا يتوجه ما قيل: من أن إلزامه بأحد هذين - إما الفسخ أو
الالتزام بجميع الثمن - فيه ضرر، إذ الحاجة قد مست إلى المعاوضة وإلا لم توجد.
هذا، مع أن الشيخ في الخلاف قد نفى فيه الخلاف (4).
وأما الثاني، وهو الواقع بعد القبض، فظاهر الأصحاب الإجماع على سقوط

(1) النهاية 2: 157.
(2) المختلف 5: 178 - 179.
(3) راجع الوسائل 12: 415، ب 5 من أبواب أحكام العيوب.
(4) الخلاف 3: 109 المسألة 178.
164

الرد به للعيب السابق وبقاء الأرش، عدا ما يظهر من المقنعة حيث قال: فإن لم يعلم
بالعيب حتى حدث فيه عيب آخر كان له أرش العيب المتقدم دون الحادث إن
اختار ذلك، وإن اختار الرد كان له ذلك ما لم يحدث فيه حدثا، انتهى (1).
وقد نقل الإجماع على ذلك في الغنية والسرائر وشرح الإرشاد للفخر (2).
وفي المبسوط نقل الإجماع على سقوط الرد به ونفى الخلاف عن أنه له
الأرش إن امتنع البائع من قبوله معيبا (3).
وفي الخلاف الإجماع والأخبار على أنه ليس له رده إلا أن يرضى البائع بأن
يقبله ناقصا فيكون له رده، وأنه يكون له الأرش إن امتنع البائع من قبوله
معيبا (4) انتهى.
وظاهره أنه لو قبل البائع الرد لم يكن للمشتري الأرش بالعيب الأول، كما
نقله عنه في التحرير والدروس (5).
ولا ريب أن الأرش قد ثبت فيستصحب بقاؤه ورضي البائع برده مجبورا
بالأرش أو غير مجبور أقصى ما فيه أنه يسوغ له الرد، وبدونه لا يجبر البائع على
الرد وأخذ الأرش للعيب الحادث، ولا يتخير المشتري بينه وبين المطالبة بالأرش
السابق، وإلا فلا يمنع من وجود الأرش.
ثم إن العيب الواقع بعد القبض قد يكون من البائع أو المشتري أو أجنبي
أو السماء أو المركب من الاثنين أو الثلاث وعلى كل حال فالضمان إما على البائع
أو المشتري.
والضابط: أن العيب إن حدث في يد المضمون عليه فلا رد له على البريء، بل
يتعين الأرش، وإن كان الضمان على غيره تخير بين الرد والأرش، وفي أرش

(1) المقنعة: 597.
(2) الغنية: 222، السرائر 2: 298، حاشية الإرشاد (مخطوط): الورقة 51.
(3) المبسوط 2: 132.
(4) الخلاف 3: 114 مسألة 192.
(5) التحرير 1: 184 س 6، الدروس 3: 284.
165

العيب الثاني الوجهان، لأ نه بمنزلة الحادث قبل العقد أو قبل القبض، لأن القبض
الذي لا يستعقب ضمانا كلا قبض، وفيما إذا تعيب البعض يبطل رد الجميع،
لإيجابه التبعيض على البائع، وهو عيب لا يجب عليه ارتكابه.
وإذا كان العارض تبعيض صفقة فكذلك، كأن يشتري شيئين فيتلف أحدهما
ثم يظهر فيهما أو في أحدهما عيب سابق على العقد، فإنه يتعين عليه الأرش، لأن
ضرر البائع بالتبعيض لا مقابل له وضرره مجبور بالأرش.
وما يقال: أن مقتضى ما تقدم في خيار الغبن من أن الأقوى أنه يفسخ صاحب
الخيار العقد ويدفع المثل أو القيمة مع التلف للكل والبعض، ومع العيب كذلك أيضا
إما مع دفع الأرش أو لا معه على الوجهين، فلم لا تقولون به في هذا المقام.
قلنا: الفرق بين هذا المقام وغيره أن الشارع جعل طريقا آخر لرفع الضرر عن
المشتري في هذا المقام، وهو أخذ الأرش دون غيره من المقامات، فإن نقص
القيمة في الغبن لا أرش له، فلو لم يشرع له الرد لقبله مجانا وهو عين الضرر،
وضرر البائع هناك ينجبر بالمثل أو القيمة.
مع أن الدليل دال في المقام بخصوصه على منع العيب من الرد، والتلف أقوى
من العيب، فيدل عليه بالطريق الأولى.
ومن هنا نقول بالنظر إلى الخيار بفوات الوصف - إذا لم يكن عيبا - بجواز الرد
وإن تجدد العيب عند المشتري.
نعم بالنظر إلى ما إذا كان الطارئ فوات وصف لا يتحقق معه اسم العيب وكان
السابق عيبا يقوم الإشكال، باعتبار اندفاع ضرر العيب بالأرش ولزوم الضرر
على البائع بالرد، وباعتبار أن منع الرد بالعيب الحادث على خلاف القاعدة
فيقتصر فيه على المتيقن من العيب وما كان أقوى منه وهو التلف، وضرر البائع
ينجبر بالمثل أو القيمة مع احتمال الاقتصار في ذلك على خصوص العيب بالدليل،
ولعل هذا هو الأقوى.
ومثل تبعيض الصفقة تعدد المشتري فإنه ليس لهما الاختلاف فيطلب أحدهما
166

الأرش والآخر الرد بل يتفقان، كما هو المشهور بين الأصحاب شهرة محصلة
ومنقولة عن المختلف وإيضاح النافع والمسالك والمفاتيح (1) للأصل، وأن المثبت
لهذا الخيار - من الإجماع والنص - مختص بحكم التبادر ووقوع الخلاف بغير
محل الفرض، لمكان الضرر بتبعيض الصفقة.
وقال بالتفريق الشيخ أبو علي والشيخ في شركة المبسوط والخلاف والقاضي
والحلي وصاحب البشرى على ما حكي عنهم (2) مستندين إلى عموم الدليل
وجريانه مجرى عقدين، فيكون الحال كما لو تعدد العقد، ويثبت الخيار حينئذ في
الباقي للبائع مع جهله بالتعدد لتبعيض الصفقة عليه.
وقيل بالتفصيل فيما إذا كان البائع عالما بالتعدد فالثاني أو جاهلا فالأول (3)
باعتبار أن ضرر التبعيض جاء من قبله حيث باع من اثنين إن كان عالما، ومع
الجهل فالجهل عذر.
وأنت خبير بأن هذا الكلام كله بناء منهم على أن جواز فسخ بعض العقد وإبقاء
بعضه بمعنى تجزي أثره على وفق القاعدة.
وإنما منشأ الخلاف قضية الضرر بالتبعيض ونحن نقول: إن استفيد من كلامهم
في هذه المقامات وفي باب الإقالة وفي باب شرط الخيار في البعض الإجماع
على ذلك فبها، وإلا منعناه باعتبار أن العقد بسيط لا يقبل التجزئة، والأسباب
الشرعية كالأسباب العقلية إلا فيما قام عليه الدليل، وحينئذ فلا يفترق الحال في
المنع بين تعدد البائع أو المشتري أو الثمن ووحدتها.
نعم بالنظر إلى تعدد الإيجاب وإن اتحد القبول لا يبعد كونه من المتعدد،
وكذلك صورة العكس على إشكال.
وأما بناء على ما يقولون: من أن العقد بمنزلة عقود وأن سبب المنع في المقام

(1) المختلف 5: 186، المسالك 3: 286، المفاتيح 3: 71.
(2) راجع المختلف 5: 186 - 187، وحكاه عن صاحب البشرى الفاضل الآبي في كشف الرموز 1: 477.
(3) التحرير 1: 274 س 11، جامع المقاصد 4: 334.
167

لزوم الضرر بالتبعيض فينبغي بالنظر إلى تعدد البائع عدم التأمل فيه، فإنه لا تشقيص
على المردود عليه ما خرج عن ملكه، كما أنه لو كان المشتري ابتداءا واحدا
وورث المتعدد عنه خيار العيب لا إشكال في وجوب التوافق، كما في القواعد (1).
وأما بالنظر إلى تعدد الثمن فلا يبعد جواز التفريق لتعدد الصفقة سواء تعددت
العين أو اتحدت.
ثم شرط عدم السقوط بحدوث المسقط فإن كان كالإسقاط والتبري فالظاهر
بطلانه، وفي تبعية العقد كلام يأتي في محله. وأما مثل التصرف وحدوث
العيب فوجهان: جوازه، لعموم «المؤمنون عند شروطهم» وعدمه، لدخوله فيما
خالف السنة.
الثالث: (2) سقوطه بإسقاطه مع اختياره الأرش أو لا معه، لأن جواز الرد حق
من الحقوق فيسقط بالإسقاط، إذ لا ملازمة بينهما.
ويسقط أيضا باشتراط سقوطه مجردا عن الأرش وبالصلح عليه، للعموم
كذلك. نعم لو أسقط الخيار المطلق أو اشترط سقوطه سقطا معا، لعدم بقاء اللازم
بدون الملزوم، ويجيء الكلام السابق في خيار الغبن هنا فيما لو أسقطه قبل العلم
بالعيب من أنه إسقاط قبل الثبوت، لأن خيار العيب لا يثبت إلا بعد العلم به، أو أنه
يثبت مطلقا بنفس العقد وربما ظهر من بعض الروايات الاول، إلا أن ظاهر
الأصحاب الثاني والسقوط كالإبراء لا يشترط فيه العلم بتحقق الشيء الذي يراد
سقوطه، ويكفي ثبوته في متن الواقع، فإذا صادفه الإسقاط سقط.
الرابع: إذا اشترى من ينعتق عليه، فإنه يسقط الرد فيه ويبقى الأرش، لانعتاقه
بنفس الملك. ويمكن رده إلى التصرف.
وهل مع الجهل بذلك يعد مثله عيبا فيستحق عليه الأرش بالعيب الثاني أيضا
أو لا؟ وجهان، حكم بالأول في الدروس (3).

(1) القواعد 2: 74.
(2) من الامور المسقطة دون الأرش.
(3) الدروس 3: 286.
168

واستشكله المحقق الثاني فيما إذا كان قد دلسه عليه (1).
وجزم بالثاني العلامة في القواعد (2) وهو الأقوى لعدم عد مثل ذلك عيبا.
الصورة الثالثة: (3) سقوط الأرش دون الرد، وقد فرضها جماعة من
الأصحاب في مثل الخصي والمجبوب، وقد تقدم لك أن الحق ثبوت الأرش
فيهما، فليست مما نحن فيه.
نعم قد تفرض فيما لو كان المبيع حليا من أحد النقدين بمساويه جنسا وقدرا
فوجد المشتري به عيبا قديما، فإنه يتعين فيه الرد، للزوم الربا بالأرش.
ولهم كلام فيما لو تجدد عنده فيه عيب آخر، فإنه ليس له الأرش، لاستلزامه
زيادة المبيع على الثمن، فيلزم الربا. والرد مجانا ومع الأرش مناف لما دل على
منع الرد بالعيب الحادث، مع حصول الإضرار بالبائع في الصورة الاولى، ولا
يجب الصبر على العيب مجانا، للنص والإجماع على أن العيب القديم في المبيع
مضمون للمشتري على البائع، فكيف يسقط هنا، فليس إلا الفسخ وإلزام المشتري
بقيمته من غير الجنس معيبا بالقديم سليما عن الجديد، ولا يمكن الجمع بين حق
كل من البائع والمشتري إلا بذلك.
وأفتى بذلك في القواعد (4) وقواه الشهيد في حواشيها والمحقق الثاني (5) ولكن
قال في الدروس: أن فيه تقدير الموجود معدوما، وهو خلاف الأصل (6).
واحتمل في القواعد رد العين مع الأرش مع رضا البائع إذا فسخ المشتري ولا
ربا (7) فإن الربا الممنوع منه في المعاوضات لا في الضمانات وما هذا إلا
كالمأخوذ بالسوم إذا تجدد العيب بيد المستام وكانت العين ربوية، وهذا الاحتمال
لا ينافي الأول، لأن الأول مبني على الاستحقاق، وهذا على التراضي، ولا كلام
فيه بأي نحو وقع.

(1) جامع المقاصد 4: 346.
(2) القواعد 2: 76.
(3) تقدم ذكر الصورة الاولى والثانية في ص 162.
(4) القواعد 2: 79.
(5) جامع المقاصد 4: 364.
(6) الدروس 3: 288.
(7) القواعد 2: 79.
169

وهناك احتمال ثالث نقله في الجامع عن بعض أصحابنا (1) وهو أنه يرجع
المشتري بأرش العيب القديم كما في غير هذه الصورة، والمماثلة في باب الربا
إنما يشترط في ابتداء العقد وقد حصلت، والأرش حق يثبت بعد ذلك، فلا يقدح
في العقد السابق.
وفيه ما تقدم في باب الربا من أنه يعم كل ما استند إلى العقد ولو بالتسبيب.
وإن الأخذ بالأرش إنما كان لفوات مقابله من المبيع، فهو راجع إلى العقد السابق.
ومن جملة مسقطات الأرش دون الرد اشتراط سقوطه أو إسقاطه بعد ذلك أو
الصلح عليه، كما تقدم بالنسبة إلى الرد، فتذكر.
قال المصنف (قدس سره): (ويسقطان بالعلم به قبل العقد)
هذه الصورة الرابعة وهي سقوطهما معا - أي الرد والأرش - ويسقطان بامور:
الأول: العلم بالعيب، وسقوطهما به هو المشهور بين الأصحاب، بل لا يعلم
فيه خلافا.
وفي الرياض نفى الخلاف عنه (2)، ويدل عليه بعد الأصل خبر زرارة (3) الذي
سمعته آنفا فإنه دال بمفهومه، والمثبت لهذا الخيار من النص والإجماع مختص
بغير محل الفرض.
والظاهر أن السقوط به لا لأ نه علامة الرضا كما قيل وإلا كان خاصا، بل للأدلة.
وفي إلحاق الظن أو الشك أو الوهم القوي أو بشرط الاستصحاب أو علم
الوكيل مطلقا أو المطلق لا المقيد بنفس الصيغة إشكال. والظاهر عدم الإلحاق
للإقدام على أصل السلامة من العيب، فلا عبرة بالظن فضلا عن الشك فضلا عن
الوهم، كما أنه لو علم بالعيب ثم ظن زواله فضلا عن أن يشك فيه فضلا عن أن
يتوهمه يحكم بسقوط خياره، للاستصحاب.

(1) الجامع للشرائع: 268. لكن نسبه إلى العامة في جامع المقاصد 4: 365.
(2) الرياض 8: 260.
(3) الوسائل 12: 362، ب 16 من أبواب الخيار، ح 2.
170

نعم بالنسبة إلى علم الوكيل المطلق الظاهر السقوط فإن علمه علم الموكل،
وعلم المالك مع الحضور وجهل الوكيل المطلق قد يقال فيه بالسقوط أيضا.
ثم مع العلم بالعيب قد يشتبه فيظهر غيره مماثل أو غيره أو هو ولكن بزيادة
فيه، وسقوط الخيار في غير المماثل لا وجه له وأما فيه إذا كان مساويا من كل
وجه لا يؤثر في زيادة القيمة ونقصانها ولا تتفاوت به الرغبة، ومثله المتحد مع
الزيادة فالأقوى ذلك أيضا وإن كان فيه ما فيه. ولو زعم زواله قبل العقد بعلم فله
الخيار دون الظن أو الشك أو الوهم القوي كما عرفت.
والظاهر أن العلم قبل العقد مع نسيانه حينه لا عبرة به، والمتبادر من كلام
الأصحاب في قولهم: «ويسقط بالعلم قبل العقد» القبلية مع المقارنة.
والكلام في العلم بالنسبة إلى حصوله في أثناء العقد أو بعد تمام العقد قبل
شرط الصحة في شرط صرف ونحوه، كالكلام في الغبن.
وقد تبنى المسألة بالنظر إلى كثير من هذه الفروع على أن السقوط بالعلم
لكونه أمارة الرضا أو تعبديا وعلى الثاني فهل في خيار العيب عموم أو إطلاق
يشمل مثل هذه الصور ولا نخرج عنه إلا بالمتيقن، أو أنه على خلاف القاعدة
وعمدة مستنده الإجماع فيقتصر فيه على المتيقن، وخير الوجوه أوسطها.
قال المصنف (قدس سره): (وبالرضا به بعده)
هذا المسقط هو الثاني من المسقطات لكل من الأمرين، وهو الرضا بالعيب
بعد العقد.
والمراد به إسقاط الخيار بعده لأ نه يتأدى بكل لفظ كما عرفت سابقا. ومن
جملة ذلك قوله: «رضيت بالعيب» غير مقيد بالأرش.
نعم قوله: «أسقطت الخيار» أدل عليه، ولهذا جعله الشارح أولى منه (1) وليس
هو شيئا غير الإسقاط، كما يظهر من الرياض (2) إلا أن يريد ذلك.

(1) الروضة 3: 498.
(2) الرياض 8: 260.
171

نعم ظاهر المصنف أن الرضا وحده كاف في السقوط وإن لم يقترن بلفظ يدل
عليه وهذا بناء على الفورية في هذا الخيار يمكن أن يكون له وجه، ولكنه في
الحقيقة حينئذ ليس المسقط الرضا، وإنما هو التأخير للفسخ أو الإمضاء مع العلم.
وأما على القول بالتراخي فلا وجه له بالمرة، لما تقدم سابقا من أن الرضا
وحده لا تأثير له وإن دلت عليه بعض الروايات (1).
ولعل المصنف يريد بالرضا ما يدل عليه، لكنه لما لم يكن له لفظ يدل عليه
بخصوصه وكان حصول العلم به من غير لفظ يدل عليه نادر الوقوع، أطلق السقوط
به اتكالا على ظهور ذلك. وعليه ينزل نفي الخلاف الذي في الغنية والرياض عن
سقوط خيار العيب بالرضا به (2).
وعلى كل حال فهذا الخيار حق من الحقوق يسقط بالإسقاط كسائر الحقوق،
وعليه ظاهر الإجماعين السابقين، ولا تأمل في ذلك بالنسبة إلى العيب المتقدم.
وأما في العيوب المتأخرة مما تحدث قبل القبض أو في زمان خيار المشتري
فإشكال، لأ نه إسقاط قبل الثبوت. ولعل الأقوى عدم السقوط.
ولا ينافي هذا، القول به في التبري من العيوب كما سيأتي، فإن ذلك من
السقوط بالشرط لا بالإسقاط، أو باعتبار حصول الإقدام فيه على ذلك كما في
الوجه الآخر فيه، وفرق بين المقامين.
قال المصنف (قدس سره): (وبالبراءة من العيوب ولو إجمالا)
هذا هو المسقط الثالث لكل من الأمرين، والمراد به اشتراط السقوط على
الأقوى، من غير فرق بين أن يتقدم العقد مع عدم تناسيه حينه بحيث يراد من اللفظ
أو يقع في أثنائه أو يتأخر عنه مع المقارنة على حد غيره من الشروط صريحها
ومضمرها. ومن غير فرق بين أن يقع على جهة التفصيل والنص على أشخاص
العيوب، أو يقع على جهة العموم، أو على جهة الإطلاق، نعم إذا اشترط التبري من
عيب واحد مجهول لم يصح وفي تبعية العقد له في البطلان كلام يجيء في محله.

(1) الوسائل 12: 351، ب 4 من أبواب الخيار، ح 1.
(2) الغنية: 222، الرياض 8: 260.
172

ومتى وقع التبري من العيوب على جهة العموم أو الإطلاق فضلا عن
التفصيل، فإنه يتبرء من كل عيب، ظاهرا كان العيب أو باطنا، معلوم للمتعاقدين أو
أحدهما أو غير معلوم، حيوانا كان المبيع أو غيره من العيوب الظاهرة والخفية
إجماعا منقولا عن الخلاف والغنية والتذكرة وظاهر المسالك (1).
والدليل عليه بعد الإجماع، عموم أدلة الشروط، وإطلاق حسن زرارة أو
صحيحه لمكان فضالة: «أيما رجل اشترى شيئا فيه عيب أو عوار ولم يتبرء إليه
منه ولم يبين له، فأحدث فيه بعد ما قبضه شيئا وعلم بذلك العيب وذلك العوار، أنه
يمضي عليه البيع (2)».
ومكاتبة جعفر بن عيسى إلى أبي الحسن (عليه السلام): جعلت فداك المتاع يباع
فيمن يزيد فينادي عليه المنادي، فإذا نادى عليه برئ من كل عيب فيه، فإذا
اشتراه المشتري ورضيه ولم يبق إلا نقده الثمن فربما زهد فإذا زهد ادعى عيوبا،
وأنه لم يعلم بها، فيقول له المنادي: قد برئت منها، فيقول المشتري: لم أسمع
البراءة منها، أيصدق فلا يجب عليه الثمن، أم لا يصدق فيجب عليه؟ فكتب (عليه السلام):
عليه الثمن (3).
والروايتان مجبورتان بالجوابر المتعددة - من شهرة العمل، وموافقة الكتاب
والسنة - وظاهر الرواية الثانية انه عالم بالنداء وبالبراءة وأنه رضيه مع ذلك، إلا أنه
لما تجدد له زهد وعدم الرغبة ادعى عدم علمه بالعيوب وعدم سماعه النداء، فهذه
الدعوى إنما نشأت مدالسة من حيث زهده لا من حيث العيوب، فلا يتوجه على
الاستدلال بها ضعفها بالمكاتبة وعدم موافقتها للقاعدة.
ثم إن الظاهر دخول العيوب المتجددة بعد العقد وقبل القبض أو في زمان
خيار المشتري في البراءة على جهة العموم، كما يقضي به إطلاق النص

(1) الخلاف 3: 127 المسألة 213، الغنية: 221، التذكرة 1: 525 س 16، المسالك 3: 282.
(2) الوسائل 12: 362، ب 16 من أبواب الخيارات، ح 2.
(3) الوسائل 12: 420، ب 8 من أبواب أحكام العيوب، ح 1.
173

والإجماعات المنقولة والفتاوى. ودعوى: أن المفهوم منه التبري من الموجودة
حالة العقد كما استقربه في التذكرة (1) ممنوعة للعموم.
نعم بالنسبة إلى صورة الإطلاق قد يدعى ذلك، مع أن الأقوى خلافه، ولا
يقدح في ذلك كون البراءة مما لم يجب بعد فهو إسقاط قبل الثبوت، لأن التبري
إنما هو من الخيار الثابت بسببها بمقتضى العقد وإن كان السبب حينئذ، مع أن
المستند أدلة الشروط وهي عامة، مع أن ظاهر التذكرة والمسالك الإجماع عليه
حيث قالا: لو شرط التبري من العيوب الكائنة والتي تحدث جاز عندنا (2).
وحكى في السرائر عن بعض أصحابنا أنه لا يكفي التبري من العيوب إجمالا
في سقوط الرد (3). وحكى ذلك في المختلف عن أبي علي وعليه ظاهر القاضي (4)
ويظهر من الدروس شهرة القول بذلك حيث قال: وفي التبري مجملا قولان،
أشهرهما ذلك (5) وحجتهم على ذلك الجهالة.
وأنت خبير بأن التبري من العيوب إن جعلناه عبارة عن شرط السقوط فلا
يخلو إن قلنا: إن الشرط مطلق بالنظر إلى الجهالة كالصلح يكفي فيه الأول إلى
العلم فلا كلام وإن لم نقل بذلك واشترطنا فيه المعلومية كما في الثمن والمثمن كان
المخرج له في خصوص المقام عن ذلك الإجماعات المنقولة وإطلاق النصوص
كما عرفت مع أنه لو تم ذلك لزم منه فساد العقد، ولا أظنهم يلتزمونه.
وإن قلنا: إن التبري من العيوب شيء واشتراط السقوط شيء آخر، وإن
التبري قائم مقام علم المشتري بالعيب، لإقدامه على ذلك في المقامين وإذا رضي
بالعيب فلا خيار له، ولأنه إنما ثبت الخيار لاقتضاء العقد السلامة، فإذا صرح
بالبراءة فقد ارتفع الإطلاق، من غير فرق بين أن يأخذه شرطا أو لا، وبناء على

(1) التذكرة 1: 525 س 39.
(2) التذكرة 1: 525 س 34، المسالك 3: 282. والعبارة من التذكرة.
(3) السرائر 2: 296.
(4) المختلف 5: 170، المهذب 1: 392.
(5) الدروس 3: 282.
174

ذلك لا إشكال، لأ نها جهالة في أمر خارجي، مع اعتبار جميع ما يجب اعتباره في
صحة البيع، بل ويرتفع الإشكال السابق أيضا من شبهة الإسقاط قبل الثبوت، لأ نه
ليس من الإسقاط في شيء، وإنما هو رافع للخيار بسبب الإقدام كما عرفت،
ولكن الظاهر من كلامهم إنما هو الأول، فتأمل.
ثم إن هذا الخيار هل هو على الفور أو التراخي؟ فيه الوجهان السابقان، وقد
تقدم أن الفورية أقوى، إلا أن يقوم في المقام إجماع، وقد قال في المسالك
والحدائق: إنه المعروف في المذهب لا نعلم فيه خلافا (1).
وفي المفاتيح: أنه المعروف بين الأصحاب (2) وفي الكفاية: والظاهر أنه لا
خلاف فيه (3).
وفي مجمع البرهان: وكأ نه لا خلاف فيه (4). وفي الرياض: أنه ظاهر أصحابنا
المتأخرين كافة عليه (5).
فإن تم بذلك إجماع فبها، وإلا فلا، والظاهر عدم تماميته.
وقد اختار الفورية في الوسيلة، وفي الغنية نفى عنها الخلاف في الثانية (6).
نعم قد يقال بأن مستند هذا الخيار لما كان من النص وهو من باب العام أو
المطلق ومجبور بفهم مشهور الأصحاب فيقيد به العموم الأزماني المستفاد من
دليل لزوم العقد على إطلاقه ولعله هو الأقوى.
قال المصنف (قدس سره): (والإباق)
قيل: هو ككتاب من أبق كضرب وسمع ومنع (7) وإثبات المأخذ الثالث مشكل
إلا على جعله من تداخل اللغات.
وفسر في اللغة بالذهاب بلا خوف ولا كد عمل هما منشآه، واعتبروا فيه أن
يكون بعد الاستخفاء، وأما جهرة فلا، والظاهر ذلك.

(1) المسالك 3: 302، الحدائق 19: 117.
(2) المفاتيح 3: 69.
(3) الكفاية: 94 س 13.
(4) مجمع الفائدة 8: 436.
(5) الوسيلة: 265، الغنية: 222.
(6) الرياض 8: 260.
(7) القاموس المحيط 3: 208.
175

وفيه: أنه إن كان تفسيرا بالأعم فلا حاجة إلى القيود، وإن كان حقيقيا فينبغي
أن يقال: الذهاب عصيانا وطغيانا، لا من خوف أو كد عمل أو جوع أو ظمأ أو
عري أو فراش أو غطاء أو مسكن أو احتياج إلى دواء مع المرض أو سوء خلق من
المولى أو أتباعه أو منعه عن واجب أو ندب أو أمره بمحرم أو مكروه - مع زعمه
أن ارتكاب المرجوح لا يتوقف على الإذن - إلى غير ذلك.
وأما الاحتياج إلى التأهل مع الشبق ونحو ذلك فلا يرفع اسم الإباق إلا إذا
أدى إلى المشقة التي لا تتحمل.
ولعل غرضهم من ذلك التعبير بالأعم والإحالة على العرف، ولا ينافي ذلك
ذكر بعض القيود.
ولا فرق في ذلك بين الآبق والآبقة كلا أو بعضا، ثمنا كان أو مثمنا أو هما معا،
بالبيع كان ذلك، أو بغيره من النواقل، والتقييد بالبائع في كلام الشارح (1) مثال
للمنقول عنه في مقابلة الآبق عند المنقول إليه إلا في مقام الضمان عليه.
والرد بالإباق عند المنقول عنه مجمع عليه فيما بينهم والنص دال عليه، ولأن
العبد معه في حكم التالف، ولأنه سرقة لنفسه فهو أبلغ من السرقة لغيره، كعدم الرد
به عند المنقول إليه في غير الضمان، فإنه مجمع عليه أيضا، والأصل يقتضيه.
والصحيح: «ليس في إباق العبد عهدة». والموثق (2) محمولان عليه جمعا بينه
وبين صحيح أبي همام: «إلا أن يقيم بينة أنه كان آبقا عنده (3)» ولا ينافي ذلك
قوله (عليه السلام) في الموثق: «إلا أن يشترط المبتاع (4)» فإنه لو شرط المشتري الخيار
بالإباق عنده مع ضبط المدة، صح ذلك.
وهل يكفي في الإباق المرة الواحدة، أو يشترط التعدد بحيث يصدق الاعتياد

(1) الروضة 3: 499.
(2) راجع الوسائل 12: 422، ب 10 من أبواب أحكام العيوب.
(3) الوسائل 12: 411، ب 2 من أبواب أحكام العيوب، ح 2.
(4) راجع الوسائل 12: 422، ب 10 من أبواب أحكام العيوب، ح 1 و 2.
176

ويكتفي فيه بالمرتين كما في المسالك (1)، أو التفصيل بالقرب والبعد والطول
والقصر وحال المولى في زيادة اللطف والشفقة ونقصهما؟ وجوه:
وظاهر الأكثر ومنهم المصنف هاهنا الأول، للصحيح السابق إلا أن يفهم من
لفظ «كان» الاعتياد، وهو بعيد جدا.
وحكى الشارح في الشرح والمسالك الثاني عن بعض الأصحاب، وقواه
فيهما (2)، ولعل دليله الأصل والشك في تسمية الإباق عيبا عادة بالمرة الواحدة.
والحق أن المستند في الرد إن كان إطلاق الخبر وإن لم يسم الإباق عيبا بناء
على التفكيك بين العيبية والإباقية فليس إلا الوجه الأول، وحيث أنه لا تفكيك
بين العيب والإباق كما هو الظاهر، فأقوى الوجوه الأخير.
وفي تحقق الإباق من المجنون وغير المميز إشكال وفي ارتفاعه بالتوبة
مطلقا أو بشرط رجوعه من نفسه أو عدم ارتفاع عيبه وإن ارتفع الإثم وجوه،
والأقوى الأول.
ومثل الإباق في كثير من هذه الأحكام الزنا والسرقة. وفي التذكرة: الزنا
والسرقة عيبان في العبد والأمة عندنا (3). وفي القواعد اعتبر فيهما الاعتياد (4).
وفي الجامع والتحرير والدروس لم يعتبره (5). وقال المحقق الثاني: ظني أن
الاعتياد غير شرط، لأن الإقدام على القبيح مرة يوجب الجرأة عليه، ويصير
للشيطان عليه سبيل، ويترتب وجوب الحد الذي لا يؤمن معه الهلاك عليهما (6).
وعلى هذا يكون شرب الخمر والنبيذ عيبا، كما في التحرير والدروس (7) وقد
مال في التذكرة إلى عدمه (8) وقد يلحق بذلك جميع ما كان من هذا القبيل، وفي
الإجمال غنى عن التفصيل.

(1) المسالك 3: 296.
(2) الروضة 3: 499، المسالك 3: 296.
(3) التذكرة: 1: 538 س 36.
(4) القواعد 2: 72.
(5) جامع الشرائع: 267، التحرير 1: 182 س 23، 24، الدروس 3: 281.
(6) جامع المقاصد 4: 326.
(7) التحرير 1: 182 س 25، الدروس 3: 281.
(8) راجع التذكرة 1: 538 س 38.
177

قال المصنف (قدس سره): (وعدم الحيض عيب)
والمراد ممن شأنها ذلك بحسب السن والمكان والمزاج والأرحام.
واعتبر جماعة في ثبوت عيب عدم الحيض مضي ستة أشهر وهي في سن من
تحيض، ومنهم العلامة في القواعد (1).
وأيما كان فكون عدم الحيض عيبا في الجملة هو المشهور بين الأصحاب،
ونسب إلى الأكثر في المسالك (2)، وإلى الأشهر في الكفاية (3)، وإلى كافة
المتأخرين في الرياض (4).
وخالف في ذلك ابن إدريس حيث قال: أورد ذلك شيخنا في نهايته من طريق
خبر الواحد إيرادا لا اعتقادا (5) وهو يعطي عدم المصير إليه.
ولعل خلافه بالنظر إلى اعتبار الستة أشهر الذي قضت به الرواية لا مطلقا
وما استظهره منه الشارح في المسالك (6) من نفي الحكم رأسا، ليس في كلامه ما
يدل عليه.
ومستند القول الأول، أن عدم الحيض على النحو السابق من جملة العيوب
عرفا، لتفويته وصفا مطلوبا يترتب عليه قبول الحمل وصحة المزاج. وصحيح ابن
فرقد: «عن رجل اشترى جارية مدركة فلم تحض عنده حتى مضى ستة أشهر
وليس بها حمل؟ قال إن كان مثلها تحيض ولم يكن ذلك عن كبر فهذا عيب ترد
منه (7)» باعتبار اطلاق الجواب وأصالة عدم تقييده بالسؤال.
ومستند القول الثاني: الصحيح المتقدم باعتبار أن معناه: إن كان أمثالها سنا مع
الاتفاق في البلاد والمزاج في الجملة يوجد منها الحيض دونها يكون ذلك عيبا
فيها، مع حبس الحيض ستة أشهر لا من كبر لأن الإشارة ب‍ «ذلك» وب‍ «هذا» إلى
حبس حيضها ستة أشهر، فكان الجواب مقيدا بذلك.

(1) القواعد 2: 72.
(2) المسالك 3: 297.
(3) الكفاية: 94 س 16.
(4) الرياض: 8: 272.
(5) السرائر 2: 304.
(6) المسالك 3: 297.
(7) الوسائل 12: 413، ب 3 من أبواب أحكام العيوب، ح 1.
178

وقيل: إن هذا هو الذي فهمه العلماء المتقدمون (1) ولا ريب أنه هو الظاهر
من الرواية.
نعم قد يقال: إن الرواية وإن دلت على هذه الصورة لكنها لا تنفي ما عداها،
فيكون المدار فيما عدا ذلك على ما يعد عيبا في العرف.
وما يقال: «إن الشارع قد كشف عن العرف في ذلك لأن المرأة قد ينقطع عنها
الحيض العشرة أياما والعشرون يوما ولا يعد عيبا في العرف، فلا تحديد لانقطاعه
الذي يصدق معه اسم العيب في العرف، نعم في الستة أشهر يتحقق الصدق يقينا
وقد كشف عنه الشرع» لا وجه له، لتحققه قبل ذلك قطعا.
ثم إن جواز الرد بعد ستة أشهر إنما هو مع عدم التصرف، وأما معه فلا،
وإطلاق الخبر مقيد بدليل التصرف، ولا وجه لاحتمال كون هذا العيب مستثنى من
دليل سقوط الرد بالتصرف باعتبار استبعاد عدم وقوع تصرف مسقط للخيار في
هذه المدة ولو مثل «إسقني الماء» كما احتمله الأردبيلي (قدس سره) (2) فإن هذا ليس
بأعظم من العيوب التي ترد بها الجارية وإن تجددت ما بين العقد والسنة وقد شرط
الأصحاب في ذلك عدم التصرف ورواياتها مطلقة أيضا.
قال المصنف (قدس سره): (وكذا الثفل في الزيت غير المعتاد)
المشهور في كلام الأصحاب انه إذا اشترى شيئا فوجد فيه ثفلا - وهو ما استقر
تحت الشيء من كدرة - وكان مما جرت العادة بمثله، لم يكن له رد ولا أرش.
والزيت في كلام المصنف مثال، وتخصيصه بالذكر باعتبار ذكره في الرواية.
وفي حسنة ميسر: إن كان المشتري يعلم أن الدردي يكون في الزيت فليس
عليه أن يرده (3) و «على» بمعنى «إلى». وبهذا المضمون عبر في النهاية والسرائر
والتحرير والجامع (4)، ويمكن إرجاع الرواية وكلامهم إلى ما ذكره المشهور، بمعنى

(1) مفتاح الكرامة 4: 615 س 21.
(2) مجمع الفائدة 8: 446.
(3) الوسائل 12: 419، ب 7 من أبواب أحكام العيوب، ح 1.
(4) النهاية 2: 161، السرائر 2: 305، التحرير 1، 182 س 33، الجامع للشرائع: 268.
179

أنه إن كان يعلم أن هذا بحسب العادة مما يمكن في الزيت ونحوه لم يكن له الرد،
وإلا فله، إلا أنه يبقى فرد آخر، وهو ما إذا لم يعلم ذلك وظن أنه خالص من الثفل.
والأقرب أن الحكم فيه ما ذكره الأصحاب، تنزيلا للعادة منزلة العلم بذلك
كما في كثير من المواضع فلا يضر وإن كان عيبا، أو إن العادة قضت بأن مثل ذلك
ليس بعيب.
وقد تحمل الرواية وكلام الجماعة على إرادة العادة من العلم على ضرب من
المجاز، فتحصل الموافقة في الفردين، إلا أنه خلاف الظاهر.
ثم إن ظاهر الأصحاب أن الثفل لو كان كثيرا وعلم به قبل البيع، صح البيع
ولا خيار.
وربما أشكل باعتبار الجهل الموجب للغرر بقدر المقصود بالذات، والمشاهدة
في مثل ذلك غير كافية. ويمكن دفعه بأن معرفة مقدار الجملة كافية كما في معرفة
مقدار السمن جملة من دون العلم بالتفصيل ونحوه التراب في الحنطة والشعير إلى
غير ذلك.
ثم الظاهر أن معتاد القدر دون الجنس كعكسه عيب، نعم لا يبعد عدم الفرق في
معتادها بين السابق والموضوع جديدا على إشكال ويجري ذلك في مقامات كثيرة.
* * *
180

قال المصنف (قدس سره):
(التاسع: خيار التدليس)
التدليس: كتمان عيب السلعة عن المشتري - كما في الصحاح والمصباح
والقاموس ومجمع البحرين - فيكون خاصا بخصوص العيب لخصوص المشتري
في خصوص السلعة.
وقد فسرت بالمتاع، والمتاع بما يتمتع به من الحوائج، فالظاهر اختصاصها
بالعروض.
وظاهر الفقهاء أن التدليس إخفاء العيب، بل يعم إخفاء الصفات وإخفاء قصر
الأجل وإخفاء رأس المال وإخفاء الزمان أو المكان أو النسب أو الجهة، وجميع ما
يقتضي نقصا في العين أو القيمة أو الرغبة أو رأس المال، إلى غير ذلك، بل يعم كل
ما أخفي على المنقول إليه مما يتعلق به غرضه وإن كان مطلوبا خلافه عند عامة
الناس، ولا يخص العروض بل يعمها وغيرها، ولا يخص البيع فضلا عن المشتري
كما قالوا في تدليس الماشطة.
ولعل كلام أهل اللغة من باب التعريف بالأخص، والإحالة في ذلك على
العرف كما في كثير من المقامات، وبناء على ما قالوه لا يختص الكتمان للعيب
بالعيب الخفي الذي يجب به الإعلام ويحرم فيه الكتمان - كشوب الماء باللبن - بل
المدار فيه على مطلق الكتمان، وحينئذ لا يفارق خيار العيب التدليس إلا حيث لا
181

يعلم به الناقل، وهو قليل الوجود، وإن عممنا الكتمان لمثل ذلك لم يفترقا مطلقا.
والمراد بالتدليس في هذا المقام ما كان الغش - وهو إدخال الأدنى في الأعلى
والمطلوب في غيره وبالعكس من المجانس وغيره - قسما منه، لا ما كان قسيما له.
وربما يظهر من كلامهم أن المراد به في المقام خصوص إخفاء الصفات،
وحينئذ فلا يفارق خيار الوصف إلا أن يراد بخيار الوصف هو الواقع في الشيء
الذي يشترى بالوصف أو برؤية سابقة على العقد ثم يخرج على خلاف ما وصف
أو رئي، وأما المرئي وقت العقد وإن خرج على خلاف الصفة، فليس منه.
وعلى كل حال فالتدليس إما قولي خبري، أو شرطي، أو فعلي يقتضي زيادة
في الوصف، أو إثبات وصف جديد، أو إغراء بخلاف الواقع بما يقتضي زيادة في
القيمة، أو في الرغبة ونحو ذلك، أما لو قضى بظهور الوصف بعد خفائه - كالصقالة
والقصارة وكنس الغبار ورفع السواد وشبهه عن الجواهر المنطبعة ونحو ذلك -
فليس من التدليس، ومنه البيع بنضده في الظلمة وتغليظ القماش والجواهر ما لم
يكن شائعا، وما كان بالواسطة كغيره كما إذا أخبر بقصد أن يخبر أو قال له: أخبر،
أو عمل عملا بنفسه أو بغيره، كأن قال له: اعمل.
وتدليس الوكيل تدليس الأصيل.
وفي ضمان المدلس الأجنبي وجه تقدمت الإشارة إليه.
ثم إن ثبوت الخيار بالتدليس نسبه في المسالك إلى الأكثر (1) وفي الكفاية إلى
الأشهر (2)، وقد صرح به المصنف والعلامة في القواعد والتذكرة والمحقق في
الشرائع (3) وحكي عن القاضي وابن إدريس (4)، وذهب إليه الفاضل الميسي
والشارح هنا وفي المسالك وصاحب الكفاية ومجمع البرهان (5).

(1) المسالك 3: 298.
(2) الكفاية: 94 س 21.
(3) القواعد 2: 76، التذكرة 1: 540 س 39، الشرائع 2: 37 و 38.
(4) المهذب 1: 395، السرائر 2: 358.
(5) الروضة 3: 500، المسالك 3: 298، الكفاية: 94 س 21، مجمع الفائدة 8: 447.
182

ونسب القول بالعدم إلى الشيخ في الخلاف والعلامة في التحرير والإرشاد (1)
وإلى المصنف في الدروس، حيث شرط ثبوت الخيار في التحمير والتبييض
والجعد مع ظهور خلافها باشتراطها (2).
ونسب المصنف فيها إلى الشيخ التردد في الثلاثة، ولعله عنى بذلك كلامه في
المبسوط، حيث أنه بعد أن أثبت فيه الخيار في الثلاثة قال: وإن قلنا ليس له الخيار
- لأ نه لا دليل في الشرع على كونه عيبا يوجب الرد - كان قويا انتهى (3)، وإلا ففي
الخلاف صرح بنفي الخيار فيها.
وتردد المحقق الثاني في ثبوته فيها (4) والذي يظهر عدم كونه خيارا مستقلا
مؤثرا لأثر مستقل، ومن هنا لم يعده أكثر الأصحاب خيارا مستقلا.
نعم حيث يرجع إلى خيار الوصف وهو ما لو وصف له المنقول أو رآه على
صفة عند البيع أو قبله فظهر خلافها نقول به، وكذلك حيث يكون من باب الشرط
أو العيب أو الغبن ونحو ذلك.
فإن قلت: إن خيار الوصف إنما هو فيما اشتري بالوصف أو برؤية سابقة لا في
ما رئي عند العقد فلا يكون مثل ذلك من خيار الوصف.
قلت: ليس محل البحث في التسمية وإنما الكلام في الحكم، ولا ريب أن ما
دل على خيار الرؤية يدل عليه بطريق تنقيح المناط، وتقدم الرؤية ومقارنتها
لا يصلح فارقا، مع أن الأولى مقارنته حكما بمقتضى الاستصحاب وباعتبار ثبوته
في التصرية بالإجماع محصله ومنقوله وليست عيبا، ولا فارق بينها وبين غيرها
بالنسبة إلى ذلك، وحينئذ فمن أثبت خيار التدليس إن أراد به ذلك قاصرا لخيار
الوصف على غير المشاهد عند العقد فلا نزاع لنا معه في الحقيقة والبحث يكون في
مجرد التسمية، وإن أراد بذلك جعله خيارا مستقلا فيكون الخيار بالنظر إلى

(1) الخلاف 3: 111 المسألة 183، التحرير 1: 186 س 6، إرشاد الأذهان 1: 377.
(2) الدروس 3: 280.
(3) المبسوط 2: 129.
(4) جامع المقاصد 4: 347.
183

الكذب في باب المرابحة بالنسبة إلى رأس المال أو الأجل ونحو ذلك على وفق
القاعدة لا لورود الدليل به في خصوص المرابحة، ويكون بالنظر إلى إخفاء
الوصف الخيار ذي جهتين، إذا أسقط أحدهما أو لم يطالب من جهتها يبقى الآخر،
فالظاهر خلافه، لأ نا إن قصرناه على التدليس المحرم. فأقصى ما فيه أن النهي إن
كان عن أمر خارج قضى بالإثم ولا شيء عليه، وإن كان من أمر داخل قضى
بالفساد. والظاهر منه الأول. وإن عممناه للمحرم وغيره فكذلك أيضا، لأن الأصل
لزوم العقد، ولا دليل على ثبوت الخيار بذلك.
وما يقال: من أن دليله حديث الضرر باعتبار الضرر الناشئ من فقد ما ظنه
حاصلا وأن الأغراض تختلف في ذلك، فربما رغب المشتري فيما أقدم عليه أولا
ولم يسلم له، لا وجه له، لما تقدم سابقا من أن حديث الضرر بمجرده لا يثبت
خيارا، وأنه من المجملات، مع أنه مع مقارنته لخيار آخر كما في صورة فوات
الوصف يندفع الضرر بالخيار الثاني، وهكذا غيره من عيب أو غبن ونحوهما.
ثم إنه بناء على القول به ينبغي الاقتصار فيه على المتيقن، فلا يعم تدليس غير
المالك، ولا تدليس المالك من غير قصد، ولا مع القصد لغير البيع من الأغراض
الاخر، ولا لما كان اغترار المشتري لتقصيره، ولا لما كان الإخفاء لصفة الكمال
ولم يتعلق للمشتري غرض بصفة النقص وإنما أرادها لغوا وعبثا، ويقتصر فيه على
خصوص البيع إلا إذا جعلنا المستند الضرر لا التعبد، فإنه يعم الجميع.
والظاهر أن محل البحث عند الأصحاب إنما هو في التدليس بإخفاء الصفة
فقط كما تقضي به أمثلتهم ومطاوي كلماتهم، وأن النزاع في أن فوات مثل هذا
الوصف من حيث هو لا باعتبار التدليس مثبت للخيار أم لا. فحمل كلام القائلين
بالعدم على المنع من ذلك من حيثية التدليس دون حيثية فوات الوصف بعيد، بل لا
يتأتى في كلام بعضهم.
وحيث كان هذا الخيار قسما من خيار الوصف فجميع ما يعتبر في خيار
الوصف يعتبر فيه، غير أنه ربما استتبع تغريما من جهة ما يحدث من المصارف
184

المبنية على التدليس بخلاف غيره. ويجتمع مع الخيارات الاخر ويفترق عنها،
ويتمشى من البيع إلى غيره من العقود.
نعم لو أخفى صفة الكمال وكان غرض المشتري صفة النقص لغوا، فالظاهر
عدم ثبوت الخيار حينئذ كما سيأتي مثله فيما هو أقوى منه وهو الشرط. وأما
صورة ما لو كان غرور المشتري لتقصيره كما لو لطخ البائع ثوب العبد مدادا فتخيل
المشتري كونه كاتبا واغتر بما ليس فيه تغرير كثير، ففيه الوجهان، ذكرهما المحقق
الثاني مترددا في ذلك (1) والظاهر أنه من فوات الوصف المثبت للخيار.
قال المصنف (قدس سره): (فلو شرط صفة كمال كالبكارة أو توهمها كتحمير
الوجه ووصل الشعر فظهر الخلاف تخير ولا أرش)
لا ريب أن كل وصف مشترط يتعلق به غرض مقصود للعقلاء وإن كان ضده
أجود في المالية فإن الخيار يثبت مع فواته، للإجماع المحصل فضلا عن المنقول
في المسالك (2) ولعموم أدلة الشروط. وظاهر كلام المصنف: أنه لو اشترط صفة
نقص لغرض تعلق له بها مقصود للعقلاء أنه لا خيار له، والظاهر خلافه، ولعله يريد
ما كان كمالا ولو للغرض في مقابلة الشرط الغير المقصود للعقلاء، وما لا يزيد به
المال فيكون لغوا ولا يثبت خيارا، كما صرح بذلك في القواعد والتحرير
والتذكرة (3) وهل يفسد العقد لفساد هذا الشرط أو لا؟ وجهان، والأقوى الصحة في
مثل ذلك وإن قلنا بفساد العقد تبعا للشرط الفاسد، وسيأتي البحث في ذلك في محله.
وأما عدم ثبوت الأرش فلاختصاصه بالعيب، والواقع ليس بعيب.
والفرق بين العيب وغيره في استحقاق الأرش بالأول دون الثاني التعبد،
وحكمته: أن العيب كالنقص في المبيع فقابل الشارع الكمال ببعض الثمن، بخلاف
غيره من الأوصاف، فإنها علة الإقدام والرغبة فقط، ويشكل ذلك في البكارة من
حيث إنها بمقتضى الطبيعة وفواتها نقص يحدث في الأمة ويؤثر في نقصان القيمة

(1) لم نعثر عليه في كتبه.
(2) المسالك 3: 298.
(3) القواعد 2: 73، التحرير 1: 186 س 4، التذكرة 1: 540 السطر الأخير.
185

تأثيرا بينا، فينبغي التخيير بين الرد والأرش مع فواتها وثبوت الثيبوبة حال البيع
بالبينة وإقرار البائع أو قرب زمان الاختبار لزمان البيع بحيث لا يمكن تجدد
الثيبوبة. ومن حيث إن الأرش جزء من الثمن وهو لا يوزع على الشروط.
ونقل عن بعض الأصحاب (1) القول بعدم التخيير بفوات شرط البكارة حتى
بين الرد وعدمه.
والأقوى الأول، لا باعتبار أن الثيبوبة عيب مطلقا كما يظهر من ابن إدريس
ونسب إلى ظاهر ابن البراج ومال إليه صاحب التنقيح والشارح هنا وفي المسالك
واحتمله المصنف في الدروس (2) نظرا إلى دخوله تحت الضابطة السابقة للعيب،
فإن ذلك مخالف لظاهر الإجماع المنقول في كشف الرموز، حيث قال: لا خلاف بين
الأصحاب في أن الثيبوبة ليست عيبا (3) وفي إيضاح النافع نسب ذلك إلى الأصحاب،
وفي المسالك إلى إطلاق الأصحاب (4)، ونسبه في الخلاف إلى رواية الأصحاب (5).
مضافا إلى أن أكثر الإماء لا يوجدن إلا ثيبات، فكانت الثيبوبة بمنزلة الخلقة
الأصلية وإن كانت عارضية، ولا أقل من الشك في صدق اسم العيب على ذلك
عرفا، فيرجع إلى أصل لزوم العقد.
والضابطة السابقة قد أرجعناها إلى الأخذ بالعرف كما عرفت، وعلى تقدير
الأخذ بها تعبدا فسندها قاصر ولا يؤخذ بها إلا في محل الجابر ولا جابر في
المقام، وقد استدل بعضهم على ذلك برواية سماعة، قال: «سألته عن رجل باع جارية
على أنها بكر فلم يجدها كذلك قال: لا يرد عليه ولا يجب عليه شيء أنه قد تكون
تذهب في حال مرض أو أمر يصيبها.» (6) قال: وهي مجبورة بعمل الأصحاب (7).

(1) حكاه العلامة ره عن الشيخ في النهاية وعن القاضي في الكامل، راجع المختلف 5: 173.
(2) السرائر 2: 304، في المسالك 3: 295: وهو ظاهر ابن البراج، التنقيح 2: 82، الروضة 3: 500، المسالك
3: 296، الدروس 3: 276.
(3) كشف الرموز 1: 480.
(4) المسالك 3: 295.
(5) الخلاف 3: 112 المسألة 184.
(6) الوسائل 12: 418، ب 6 من أبواب احكام للعيوب ح 2.
(7) نسبه في مفتاح الكرامة إلى إيضاح النافع، راجع ج 4 ص 618 س 26.
186

وأنت خبير بأن هذه الرواية ظاهرها الشرطية كرواية يونس الآتية فليست
مما نحن فيه إلا أن يستند إلى الأولوية، مع أن ظاهرها أن عدم الرد وعدم أخذ
الأرش باعتبار عدم العلم بثبوتها حال العقد، وهو الذي يقتضيه الجمع بينها وبين
رواية يونس، فهي بالدلالة على الخلاف أولى.
ولا باعتبار أنها عيب في خصوص السودان من الإماء أو في خصوص
المجلوبة منهن، فإن الظاهر عدم الفرق بينها وبين غيرها.
ولا باعتبار أنها عيب في خصوص الصغيرة التي ليست محلا للوطء، فإن
أصل الخلقة والغالب متطابقان فيها على البكارة كما قواه في الشرح والمسالك (1)
ونفى عنه البأس في التذكرة (2) فإن الظاهر عدم الفرق أيضا وأن البناء في الإماء
مطلقا ليس على ذلك. وقد اشتهر أن عادة الذين يجلبون الأطفال من الجواري
يفتضون بكارتهن بأصابعهم إذا لم يكن قابلات للوطء.
بل باعتبار ما رواه في الكافي والتهذيب عن يونس: في رجل اشترى جارية
على أنها عذراء ولم يجدها عذراء قال: «يرد عليه فضل القيمة إذا علم أنه
صادق» (3) وظاهرها الشرطية والظاهر من قوله: «لم يجدها عذراء» يعني بعد
تصرفه بها وقد نقول بإسقاط التصرف للخيار تعبدا حتى مع الجهل، مع أن
الاقتصار على ثبوت الأرش لا ينفي الرد للشرطية بمقتضى الجمع بين الدليلين.
فما في المبسوط: إن شرط أن تكون بكرا فخرجت ثيبا، روى أصحابنا
أ نه ليس له الخيار وله الأرش (4) مشيرا إلى الرواية - وقد حكي أن ذلك خيرة
المهذب والاستبصار (5) - بعيد. وقد حمل في الثاني قوله في رواية سماعة: «فلا
يجب عليه شيء»: أنه لا يحب عليه شيء معين، لأن المرجع في ذلك إلى اعتبار

(1) الروضة 3: 500، المسالك 3: 295.
(2) التذكرة 1: 539 س 38.
(3) الوسائل 12: 418، ب 6 من أبواب أحكام العيوب ح 1.
(4) المبسوط 2: 129.
(5) المهذب 1: 395، الاستبصار 3: 82 ذيل ح 287.
187

العادة وهو مختلف.
والمراد بالعلم بكونه صادقا في رواية يونس العلم بصدقه في الثيبوبة قبل
البيع، جمعا بينها وبين خبر سماعة بحمل الثاني على صورة الجهل.
وفي التذكرة حمل خبر سماعة وكلام الأصحاب على أنه اشتراها على ظاهر
الحال من شهادة الحال بالبكارة وغلبة ظنه من غير شرط (1)، وهو بعيد.
وليس في رواية يونس بعد القطع من يتوقف في أمره غير ابن مرار ولكنها
مجبورة بالشهرة المنقولة كما في الدروس والمسالك (2) بل المحصلة، فإن ثبوت
الأرش خيرة السرائر وكشف الرموز وجامع الشرائع والتذكرة والتحرير
والمختلف والتنقيح وجامع المقاصد والشرح والمسالك (3) وغيرها.
وقد ظهر أنه لو لم يثبت التقدم فلا خيار بالنسبة إلى زمان ضمان البائع كما
صرح به المحقق (4) وجماعة، للأصل وأنها تذهب بالنزوة ونحوها، وتدل عليه
رواية سماعة (5)، وإطلاق من أطلق من الأصحاب منزل على ذلك.
ثم إن الثيبوبة تطلق على معنيين:
أحدهما: الموطوءة وهو الذي يظهر من صدر عبارة النهاية والمجمع (6)
وتقابلها البكر وهي التي لم تمس وهي المرادة في مسألة سكوتها عند طلبها وفي
مسألة الأولياء.
والثاني: ذهاب العذرة ولو بحرقوص أو نزوة أو فض بإصبع ونحوه، وتقابلها
البكر من البكارة وهي العذرة، والمراد بها التحام الفرج كما في آخر عبارتي

(1) التذكرة 1: 539 السطر الأخير.
(2) الدروس 3: 276، المسالك 3: 296.
(3) السرائر 2: 304، كشف الرموز 1: 480، الجامع للشرائع: 267، التذكرة 1: 539 س 41، التحرير 1: 186
س 11، المختلف 5: 174، التنقيح 2: 82، جامع المقاصد 4: 329، الروضة 3: 500، المسالك 3: 296.
(4) جامع المقاصد 4: 329.
(5) الوسائل 12: 418، ب 6 من أبواب أحكام العيوب، ح 2.
(6) راجع النهاية 2: 160 ومجمع الفائدة 8: 432.
188

النهاية والمجمع (1) وهي المرادة في باب رد العشر ونصف العشر في الإماء
والغالب إرادته في مهر المثل، والظاهر من معناها عندهم الأول، ومبنى الأخير
على الغالب، وبناء على الوجه الأول لا يضر زوال التحام فرجها بغير الوطء وإن
علم تقدمه على العقد، فضلا عن أن يشك فيه، وبناء على الثاني يضر الأول دون
الثاني، إلا مع جهل تاريخ العقد والعلم بتاريخ زوال البكارة في وجه.
والأقوى العدم، تمسكا بأصالة لزوم العقد، كما في صورة جهل تاريخهما
وجهل تاريخ زوال البكارة والعلم بتاريخ العقد.
والظاهر أن محل بحث الأصحاب الأخير، كما يفصح عنه قول المحقق في
الشرائع: لأن ذلك قد يذهب بالخطوة (2) وقول الشيخ في النهاية: لأن ذلك قد
يذهب من العلة والنزوة (3) ومثله ما حكى عن الكامل (4) ومثلهما غيرهما وهو
الظاهر من رواية سماعة كما عرفت. فلا وجه لاحتمال كون محل البحث الأول،
ولا لما يتخيل من احتمال جعل النزاع لفظيا بالنسبة إلى تلك الخلافات المتقدمة
بحمل النفي على معنى والإثبات على آخر.
ثم إنه بالنسبة إلى عكس المسألة فيما لو شرط كونها ثيبا فخرجت بكرا لا
كلام في عدم ثبوت الأرش وله الرد، عملا بالشرط، ولأن العاجز قد يطلب ذلك،
وقد نص عليه في القواعد والتذكرة وجامع الشرائع وجامع المقاصد والمسالك (5)
وغيرها، وفي المبسوط والتحرير: أنه لا خيار له (6) وهو ضعيف.
قال المصنف (قدس سره): (وكذا التصرية للشاة والبقرة والناقة)
التصرية في اللغة: الجمع، قال في الغريبين: صريت الماء وصريته إذا جمعته
وحبسته، وقال في النهاية: المصراة: الناقة أو البقرة أو الشاة يصري اللبن في

(1) المصدر السابق.
(2) الشرائع 2: 37.
(3) النهاية 2: 160.
(4) لا يوجد عندنا.
(5) القواعد 2: 73، التذكرة 1: 540 س 3، الجامع للشرايع: 267، جامع المقاصد 4: 330،
المسالك 3: 296.
(6) المبسوط 2: 130، التحرير 1: 186 س 4.
189

ضرعها أي يجمع ويحبس.
التصرية
وقال في المصباح: صريت الناقة فهي صرية من باب تعب إذا اجتمع لبنها
في ضرعها. وفي الصحاح: صريت الشاة تصرية إذا لم تحلبها أياما حتى يجتمع
اللبن في ضرعها والشاة مصراة. وفي القاموس: ناقة صريا محفلة والصرى كربى
المصراة الشاة المحفلة. وفي المجمع: التصرية فيما بينهم تحفيل الشاة والبقرة
والناقة وجمع لبنها في ضرعها بأن تربط أخلافها ويترك حلبها اليوم واليومين
والثلاث ليتوفر لبنها فيرى المشتري كثيرا فيزيد في ثمنها وهو لا يعلم، انتهى.
والتحفيل من الحفل وهو الجمع، ومنه قيل للمجمع محفل، وحفلت الشاة
- بالتثقيل - تركت حلبها حتى اجتمع اللبن في ضرعها فهي محفلة، وكأن الأصل
حفلت لبن الشاة، لأ نه هو المجموع فهو محفل وقد اشتهرت منه التصرية والتحفيل
في جمع اللبن في الضرع من الحيوان مطلقا، واحتمال الوضع الجديد لخصوص
ذلك غير بعيد، وهو المراد في هذا المقام.
والتصرية تدليس حرام إجماعا، كما في المسالك والرياض (1) ويوجب
الخيار في الشاة بين الرد والإمساك إجماعا. كما في الخلاف والمختلف
والمهذب البارع وتعليق الإرشاد والشرح والرياض (2) وظاهر التذكرة وغاية
المرام ومجمع البرهان (3).
وعليه أخبار الفرقة، كما في الخلاف (4) ولم نجد في رواياتنا تعرضا لحكم
التصرية سوى ما رواه الحر في هدايته من قوله (عليه السلام): لا تصروا الإبل والبقر والغنم
من اشترى مصراة فهو بآخر النظرين إن شاء ردها ورد معها صاعا تمرا (5).

(1) المسالك 3: 292، الرياض 8: 265.
(2) الخلاف 3: 102 المسألة 167، المختلف 5: 175، المهذب البارع 2: 415، حاشية
الإرشاد للكركي (مخطوط): 139، الروضة 3: 501، الرياض 8: 265.
(3) التذكرة 1: 526 س 29، غاية المرام 2: 71، مجمع الفائدة 8: 439.
(4) الخلاف 3: 102 المسألة 167.
(5) هداية الامة 6: 141، ح 47.
190

وروى أيضا من اشترى محفلة فليرد معها صاعا (1).
وفي كتاب معاني الأخبار للصدوق عن محمد بن هارون الزنجاني عن علي
ابن عبد العزيز عن أبي عبيدة رفعه إلى النبي (صلى الله عليه وآله): لا تصروا الإبل والغنم
[فإنها خداع (2)] من اشترى مصراة فإنه بآخر النظرين إن شاء ردها ورد معها
صاعا من تمر (3).
وفي الغوالي عن النبي (صلى الله عليه وآله): من اشترى مصراة فهو بالخيار ثلاثة أيام، إن شاء
أمسكها وإن شاء ردها وصاعا من تمر (4).
وقال (صلى الله عليه وآله): من اشترى محفلة فهو بالخيار ثلاثة أيام، فإن ردها رد معها لبنها
حتما (5).
والظاهر أنها مأخوذة من طريق العامة، ولذلك اعترف بعدم الوقوف على نص
من ذلك من طرق الخاصة في السرائر والتحرير وغاية المراد والمسالك ومجمع
البرهان (6) وغيرها. ومن هنا يضعف الاستناد إلى ما أرسله الشيخ في الخلاف من
أخبار الفرقة (7) وأن ما يحكيه كما يرويه، والعمدة في ثبوته في الشاة الإجماع
ويؤيده حديث الضرر (8)، وما روي في الهداية ومعاني الأخبار والغوالي.
وقد يستدل على ذلك بما رواه أصحابنا بثلاث طرق: صحيح وضعيف ومرسل،
ولا يضر ذلك بعد الانجبار، وهو ما رواه الحلبي عن رجل اشترى شاة فأمسكها
ثلاثة أيام ثم ردها، قال: إن كان في تلك الأيام شرب لبنها رد معها ثلاثة أمداد،
وإن لم يكن لها لبن فليس عليه شيء (9) وليس فيها قضية تصرية البائع وتدليسه.

(1) المصدر السابق ص 142، ح 48.
(2) ليس في المصدر.
(3) معاني الأخبار: 282.
(4) غوالي اللآلي 1: 219 ج 87.
(5) نفس المصدر: ح 88 وفيها بدل قوله: حتما «أو مثل لبنها قمحا».
(6) السرائر 2: 300، التحرير 1: 184 س 32، غاية المراد 2: 112، المسالك 3: 293، مجمع البرهان 8: 438.
(7) الخلاف 3: 102 المسألة 167.
(8) الوسائل 17: 319، ب 5 من أبواب الشفعة، ح 1، 341، ب 12 من أبواب إحياء الموات، ح 3.
(9) الوسائل 12: 360، ب 13 من أبواب الخيار، ح 1.
191

ويمكن أن يقال: إن ردها بعد التصرف ورد شيء معها مطلق أو عام فيخص
بالإجماع بالتدليس، وفيه ما فيه.
والاعتراض بالاشتمال على رد ما لم يقل به المشهور، مردود بأن العمل
ببعض الرواية مع المجبورية ورد البعض أوفق بالضوابط.
وأما الروايات العامية الموجودة في كتب العامة فلا يجوز الاستناد إليها وإن
حصل لها الجابر، لأنا امرنا بتلف كتبهم لأ نها كتب ضلال، فلا يجوز الأخذ بها وإن
كانت مجبورة، ومجرد عدم عثورنا على مستند من طريق الخاصة لا يقضي
بكونها هي المستند. نعم لو ذكرت في كتب أصحابنا للأخذ بها، جاز الأخذ بها مع
الانجبار كما تشهد به الطريقة المستمرة لعلمائنا الأبرار.
والروايات المذكورة في هذا الباب التي رواها الصدوق والحر وابن جمهور
عامية، واختصاصهم بروايتها يشك في كونها سببا في الدخول تحت رواياتنا
حتى ينفع انجبارها بالشهرة، فلا تصلح إلا للتأييد وهي بين مرسلة وضعيفة جدا،
لاشتمالها على عدة من الضعفاء، وحكمها عدا الأخيرة مخالف للفتوى، لأن فيها
رد التمر أو ما يعمه وغيره، ولا وجه له كما سيأتي، إلا أن يقال: يعمل ببعض
للانجبار ويترك بعضا، فليس المستند في الحقيقة في الشاة إلا الإجماع ورواية
الحلبي بالنحو السابق.
وأما البقرة والناقة فالمشهور ثبوت التصرية فيها أيضا كما في الحدائق (1) وهو
مذهب الأكثر كما في الرياض (2) وهو خيرة المبسوط والخلاف والسرائر والجامع
والتحرير والتذكرة والدروس وحواشي المصنف وجامع المقاصد وتعليق الإرشاد
وإيضاح النافع والميسية والرياض (3)، وهو المحكي عن أبي علي والقاضي (4)،

(1) الحدائق 19: 95.
(2) الرياض 8: 268.
(3) المبسوط 2: 125، الخلاف 3: 105 المسألة 170، السرائر 2: 300، الجامع للشرائع: 267، التحرير 1:
185 س 8، التذكرة 1: 526 س 39، الدروس 3: 276، جامع المقاصد 4: 349، الرياض 8: 268.
(4) راجع المختلف 5: 177، المهذب 1: 391.
192

وقواه كاشف الرموز (1)، ومال إليه صاحب مجمع البرهان (2)، ونقل عليه الإجماع
الشيخ في الخلاف (3)، وقد تلوح دعوى الإجماع من السرائر والتذكرة (4) وغيرهما
فالمستند فيهما أيضا الإجماع المنقول المعتضد بفتوى الأكثر، المؤيد بحديث
نفي الضرر وبما تقدم نقله عن هداية الحر ومعاني الأخبار والغوالي.
وتردد في ذلك في الشرائع (5)، واستشكل في الإرشاد والكفاية (6) وتوقف في
المختلف (7).
ولم يرجح في غاية المراد وغاية المرام والتنقيح والمهذب البارع (8)،
وقرب في الإيضاح عدم الثبوت فيهما (9) وفي المسالك والشرح إن تم الإجماع
وإلا فإشكال (10).
وأما ثبوتها في غير النعم الثلاث - كحبس لبن الأتان والأمة والفرس ونحوها
حيث يكون المقصود منها اللبن، وحبس غير اللبن كحبس ماء القناة والرحى
وإرساله عند البيع وإبقاء المخروط أو المجزوز أو الملقوط أو المستنبط كالعسل
ونحوها فيراها الرائي فيظن أن ذلك طبيعي لا من الجمع فتشتد رغبته في أخذه -
فالحكم في جميع ذلك ثبوت الخيار فيها على النحو الذي ثبت في النعم الثلاث
من ثبوته مع التصرف، وكونه بعد الثلاثة أو كون الثلاثة محلا لثبوته ورد اللبن في
الثلاث إلى غير ذلك مما سيأتي من الامور المخالفة للقواعد فالحق عدم ثبوته،
لأن المستند إن كان الإجماع فهو مقصور على النعم الثلاث، وتنقيح المناط ممنوع
لفقد المنقح من نص أو إجماع، وإن كان من الروايات فليس في الباب رواية تدل
على الحكم إلا رواية الصدوق والغوالي والهداية وما رواه الحلبي بالطريق

(1) كشف الرموز 1: 479.
(2) مجمع الفائدة 8: 443.
(3) الخلاف 3: 105 المسألة 170.
(4) السرائر 2: 300، التذكرة 1: 526 س 39.
(5) الشرائع 2: 37.
(6) إرشاد الأذهان 1: 377، الكفاية: 94 س 9.
(7) المختلف 5: 177.
(8) غاية المراد: 112، غاية المرام 2: 71، التنقيح 2: 81، المهذب البارع 2: 416.
(9) إيضاح الفوائد 1: 496.
(10) المسالك 3: 294، الروضة 3: 501.
193

السابق، وقد علمت ما فيها وهي مخصوصة بالنعم الثلاث، فلا تسري إلى غيرها
إلا بالتنقيح، وقد علمت ما فيه.
فما نقل عن أبي علي - أنه طرد الحكم في سائر الحيوانات حتى الآدمي (1) -
لعل غرضه ثبوت الخيار على النحو الأول وهو خيار الوصف.
وفي الدروس والمفاتيح: إن قوله ليس بالبعيد للتدليس (2)، وكذلك ما في
الدروس والتذكرة: من إلحاق حبس ماء القناة والرحى وإرساله عند البيع
والإجارة حتى يتخيل المشتري كثرته بالتصرية في ثبوت الخيار (3).
ولا ينافي ما ذكرناه من الإجماعات المنقولة على نفي التصرية في غير النعم
الثلاث، فإن المراد نفيها على النحو الذي ثبت فيها.
قال في السرائر بعد أن ذكر التصرية في الناقة والبقرة والشاة: ولا تصرية
عندنا في غير ذلك (4) وقال في التذكرة: ولا تثبت التصرية في غير الثلاثة المذكورة
في الخبر - الإبل والبقر والغنم - عند علمائنا (5)، ونحوه ما في مجمع البرهان (6).
وفي كشف الرموز نقل الإجماع على نفي التصرية في الأتان والأمة (7).
وهذا الخيار مخالف للقاعدة من وجوه:
منها: الرد مع التصرف.
ومنها: تبعيض الصفقة وهي عيب بالنسبة إلى المردود عليه.
ومنها: رد المتجدد مع أنه من مال المشتري إن قلنا به.
ومنها: التخصيص بالثلاثة في وجه، وقد يغفل عن حلبها في الثلاثة، فيكون
خيار التدليس أخف من خيارات الأسباب الاخر.
ومنها: دخول المجهول بل المعدوم في وجه في البيع، فينبغي الاقتصار على
خصوص التدليس.

(1) راجع المختلف 5: 177.
(2) الدروس 3: 277، المفاتيح 3: 70.
(3) الدروس 3: 278، التذكرة 1: 527 س 33.
(4) السرائر 2: 300.
(5) التذكرة 1: 526 س 42.
(6) مجمع الفائدة 8: 443.
(7) كشف الرموز 1: 480.
194

ومن هنا يعلم أن هذا الحكم لا يسري إلى غير تدليس المالك، ولا إلى تدليسه
بالخبر دون العمل، ولا إلى وقوع التحفيل لا لعقد البيع بل لبعض الأغراض الاخر،
ولا إلى وقوع التحفيل لإهماله ونسيانه، ويحصل بنسيان حلبها وبقائها في المرعى
يومين أو أزيد اقتصارا فيما خالف القاعدة على المتيقن.
ومن هنا استقرب في القواعد والإيضاح وجامع المقاصد سقوط الخيار في
الصورة الأخيرة (1)، ولا ينافي ذلك ما استقربه فيها في التذكرة وحواشي المصنف
من ثبوت الخيار (2)، فإن المراد به خيار فوات الوصف لا ما تقدم.
وتشترك الفتوى والإجماع والروايات بخصوص المشتري، والظاهر أنه
مثال، فالبائع بالنظر إلى الثمن كالمشتري في حق المثمن.
والعقود الاخر كعقد البيع لتنقيح المناط في الجميع على إشكال في التسرية
إلى العقود الاخر، لاحتمال كون السبب كثرة دوران البيع فناسب التخفيف دونها.
والمسألة على خلاف القاعدة فيقتصر فيها على المتيقن.
قال المصنف (قدس سره): (بعد اختبارها ثلاثة أيام)
لا ريب أن التصرية تارة تثبت بالاختبار، واخرى بالبينة والإقرار، فإن كان
المثبت لها الأول اعتبر في ثبوت الخيار بها مضي ثلاثة أيام، كما يظهر من
المصنف، وهو ظاهر كل من اعتبر الاختبار ثلاثة أيام، كما في الشرائع والقواعد
والتذكرة والإرشاد والتنقيح والكفاية (3) وغيرها باعتبار احتمال استناد اللبن إلى
تغير المرعى والأمكنة ونحوها، فقدره الشارع بهذه المدة، لأ نها مما يستكشف بها
غالبا، وما نقص عنها لا يحصل به الاستكشاف، وما زاد عليها يحصل به الضرر
على البائع، وفيها يحصل الجمع بين الحقين، وهي المدة المضروبة في غيره من

(1) القواعد 2: 77، إيضاح الفوائد 1: 497، جامع المقاصد 4: 349.
(2) التذكرة 1: 527 س 31، حكاه عن الحواشي للشهيد في مفتاح الكرامة 4: 649 س 13.
(3) الشرائع 2: 37، القواعد 2: 77، التذكرة 1: 526 س 29، الإرشاد 1: 377، التنقيح 2: 79،
الكفاية: 94 س 9.
195

الخيارات، وحينئذ فلا أثر للنقصان في اليوم الثاني ما لم يستمر إلى اليوم الثالث،
ولا يعتبر نقصان اليوم الثالث وحده ولا مع ضمه إلى ما بعده، بل لابد من التكرار
في المدة ليوثق بكون النقصان ليس لأمر عارضي.
وقد يلوح من بعض كلام هؤلاء ثبوت الخيار بالنقصان في اليوم الثالث وحده
لتعليلهم عدم الثبوت قبل الثلاثة بكونها المدة المضروبة في الشرع فلا يثبت قبلها،
إلا أن تعليلهم... اعتبار الثلاث باحتمال استناد تغير اللبن إلى العلف والأمكنة
ينافيه، وحينئذ فالفرق بين مدة التصرية وخيار الحيوان أن الخيار في ثلاثة
الحيوان فيها وفي مدة التصرية بعدها، والحمل على التخيير في آخر جزء من
الثلاثة يوجب المجاز فيها.
وقد صرح جمع منهم بثبوته حينئذ على الفور حتى ممن قال في غيره
بالتراخي اقتصارا على المتيقن.
وقد يحمل كلام المصنف والجماعة على أن التحديد بالثلاثة لمصلحة
المشتري، إذ قد يكون اللبن كثيرا جدا بسبب التصرية، فلا ينكشف باليومين بل
لابد من الثلاثة، وليس الغرض أن الثلاثة كلها لابد أن تكون ظرفا للاختبار في
سائر المقامات، كما يظهر ذلك من الشهيد في غاية المراد والمحقق الثاني في
تعليقه على الإرشاد والأردبيلي في مجمع البرهان (1).
وفي جامع المقاصد: أن المفهوم من النصوص ومن إطلاق كلامهم، أن نقصان
اللبن في جزء من الثلاث موجب للخيار (2).
وفي الدروس: فلو تساوت الحلبات في الثلاثة أو زادت اللاحقة فلا خيار.
ولو زادت بعد النقص في الثلاثة لم يزل الخيار (3).
وحمل الزيادة بعد النقصان على كونها بعد الثلاثة، خلاف الظاهر.
وبناء على هذا الوجه إن تساوت الحلبات تساويا عرفيا فلا تصرية، وكذا إذا

(1) غاية المراد 2: 112، تعليق الإرشاد (مخطوط): 139، مجمع الفائدة 8: 441.
(2) جامع المقاصد 4: 351.
(3) الدروس 3: 277.
196

كانت الحلبة الاولى ناقصة وما عداها زائدا عليها، وأما إذا كانت الاوليان متساويتين
والأخيرة ناقصة أو تساوت الاولى والأخيرة ونقصت الوسطى لم تثبت التصرية.
ويشكل ذلك كما في مجمع البرهان باختلاف اللبن باختلاف الزمان والمكان
والمأكول والمشروب (1) فكيف تثبت التصرية بمجرد نقصانه في ضمن الثلاثة مع
احتمال استناده إلى ما ذكر.
واجيب بأنه قد يحكم بها أهل الخبرة من الرعاة وأصحاب البقر والشاة مع
فرض التساوي في الامور التي لها مدخلية في الغالب، ولا يلتفت إلى تلك
الاحتمالات. وعليه منع ظاهر.
ثم إنه على تقدير ثبوت التصرية بذلك، فهل الخيار حينئذ في ضمن الثلاثة
على الفور، أو يمتد إلى آخر الثلاثة إلا أنه مقيد بترك التصرف بعد العلم ولو
بالحلب ولو تصرف سقط خياره، أو يثبت له بعد الثلاثة فورا مع الشرط المذكور
وفي ضمن الثلاثة له الرد بخيار الحيوان فقط بناء على عدم سقوطه بمثل هذا
التصرف؟ وجوه يستعلم حكمها مما سيأتي.
وفي الدروس: لو علم بها أي التصرية بعد العقد قبل الحلب تخير، قاله الفاضل
مع توقفه في ثبوت الخيار قبل الثلاثة لو حلب (2) انتهى. وظاهره إنكاره على
العلامة الفرق بين المقامين.
هذا كله إذا ثبت التصرية بالاختبار.
وأما إذا ثبت بالبينة والإقرار، فهل يثبت الخيار له بمجرد ذلك أو لابد مع ذلك
من الاختبار؟ قولان. وظاهر أهل القول الثاني الاكتفاء بالنقصان في الجملة في
ضمن الثلاثة في ظهور التصرية المثبتة للخيار وتحققها، ولم نجد مصرحا باعتبار
الثلاثة فيما نحن فيه، كما تقدم في صورة ما إذا لم تسبق البينة والإقرار.
وبناء على اعتبار الاختبار بكل واحد من الاحتمالين فلا أثر للبينة والإقرار،

(1) مجمع الفائدة 8: 441.
(2) الدروس 3: 279.
197

لأن المثبت إنما هو الاختبار. ومبنى القول باشتراط الاختبار في ثبوت الخيار
والقول بعدمه، على أن زوال التصرية بعد ثبوتها رافع لحكم الخيار أو لا كالوجهين
في ارتفاع العيب قبل العلم به.
حجة القائلين بالأول أن التصرية من حيث هي غير موجبة للخيار، بل هي
موجبة لإظهار ما ليس في المبيع من الصفات التي يوجب فواتها، فإذا وجد ما أظهر
لم يكن له خيار، ومع الشك في الوجود لابد من الاختبار، لاحتمال ارتفاع التصرية
بسبب تغير المرعى أو غيره أو هبة من الله، فلا يثبت الخيار، لزوال الموجب.
وفيه: أن الأصل عدم الزوال، فله أن يفسخ في الحال، غير أن فسخه يبقى
مراعى إلى أن ينكشف الأمر ولعل أهل هذا القول يريدون أن استقرار الفسخ
مشروط بالاختبار، ونسب هذا القول في المسالك إلى الأشهر (1).
وبه صرح في المبسوط والشرائع والجامع والتحرير والإرشاد والقواعد
والتذكرة وإيضاح النافع (2) وقواه كاشف الرموز وصاحب الرياض (3).
وحجة القائلين بالثاني استصحاب بقاء الخيار.
وفيه: أن الخيار بعد لم يثبت حتى يستصحب وثبوته ظاهرا لا يفيد، وهو على
خلاف القاعدة، فيقتصر فيه على المتيقن، والمتيقن ما عدا هذه الصورة.
ونسب هذا القول إلى الشيخ في الخلاف (4)، وعليه ظاهر المصنف في نكت
الإرشاد (5)، وظاهر المحقق الثاني والشارح في المسالك (6) التردد.
ثم إنه على كل من القولين من اعتبار الاختبار وعدمه، هل يثبت هذا الخيار
على الفور، أو يمتد بامتداد الثلاثة مع ترك التصرف بعد العلم ولو بالحلب، أو يثبت

(1) المسالك 3: 293.
(2) المبسوط 2: 125، الشرائع 2: 37، الجامع للشرائع: 267، التحرير 1: 184 س 31، إرشاد
الأذهان 1: 377، القواعد 2: 77.
(3) كشف الرموز 1: 490، الرياض 8: 266.
(4) الخلاف 3: 106 المسألة 173.
(5) غاية المراد 2: 112.
(6) جامع المقاصد 4: 351، المسالك 3: 293.
198

بعد الثلاثة فورا، أو الثابت فيها خيار الحيوان فقط بناء على عدم سقوطه بمثل هذا
التصرف؟ وجوه، بل أقوال:
ذهب إلى الأول الشهيد في غاية المراد، حيث قال: ولو علم كونها مصراة قبل
الحلب وبعد العقد ثبت له الخيار على الفور (1). وظاهر التنقيح وإيضاح النافع
موافقته (2) اقتصارا فيما خالف القاعدة من لزوم العقد على المتيقن.
وذهب إلى الثاني الشارح في الشرح (3) والمصنف في حواشيه على القواعد،
وهو الظاهر من عبارة الدروس حيث قال: هذا الخيار على الفور إذا علم به،
والظاهر امتداده بامتداد الثلاثة إذا كانت ثابتة، وإلا فمن حين العلم (4) انتهى.
ومراده بالفورية إنما هو بالنسبة إلى علمه به بعد الثلاثة، فلا ينافيه قوله بامتداده
بامتداد الثلاثة.
وتردد العلامة في التذكرة بينه وبين الأول، قال: ولو أسقط خيار الحيوان، فإن
خيار التصرية لا يسقط، وهل يمتد إلى الثلاثة أو يكون على الفور؟ إشكال (5).
ودليلهم على ذلك النصوص العامية عن النبي (صلى الله عليه وآله): «من اشترى شاة مصراة
فهو بالخيار ثلاثة أيام إن شاء أمسكها وإن شاء ردها (6)». وقد عرفت أنها لا تصلح
للحجية، مع احتمال أن المراد بها خيار الحيوان، ولا إجماع في المقام حتى
يستنهض به.
والثمرة بين ثلاثة الحيوان وثلاثة التصرية على الوجه الأول ظاهرة، فإنه
يسقط خيار التصرية بالإخلال بالفورية ويبقى خيار الحيوان. وعلى الثاني تظهر
فيما لو أسقط أحدهما وأبقى الآخر.
وذهب إلى الثالث المحقق الثاني في جامع المقاصد [قال] والذي ينبغي

(1) غاية المراد 2: 112.
(2) التنقيح 2: 80.
(3) الروضة 3: 503.
(4) الدروس 3: 279.
(5) التذكرة 1: 526 س 34.
(6) سنن البيهقي 5: 320، باب مدة الخيار في المصراة.
199

علمه هنا هو امتداد الخيار بامتداد الثلاثة لأ نه خيار الحيوان، كما صرح به الشيخ،
وتصرف الاختبار مستثنى دون غيره، فمتى علم بالتصرية فشرط بقاء الخيار عدم
التصرف فإذا انقضت الثلاثة فالخيار على الفور (1).
وهو الظاهر من العلامة في التحرير، حيث إنه بعد أن وافق الشيخ في أن مدة
الخيار في المصراة ثلاثة أيام كغيرها من الحيوانات، قال بلا فصل: ويثبت على
الفور ولا يثبت قبل انقضاء الثلاثة على إشكال (2)، فليس المراد بالفور إلا بالنسبة
إلى ما بعد الثلاثة.
وقد يستدل لذلك بأن المفهوم من كلام الأصحاب أن خيار التصرية محله
بعد الثلاث مطلقا، وأن الثلاث كما تعتبر لثبوت التصرية تعتبر لزوالها، وهو ممنوع
كما عرفت من نقل كلام جملة منهم، وستعرف أنه في صورة الثبوت بالبينة
والإقرار اكتفوا في الاختبار بالنقصان في الجملة ولم يعتبر أحد منهم الثلاث
كما عرفت.
وأما كلام الشيخ في المبسوط والخلاف وما في الجامع والتحرير: من أن هذا
الخيار ثلاثة أيام مثلها في سائر الحيوانات (3)، فظاهرها تقييد خيار التصرية
بالثلاثة مطلقا سواء ظهرت بالاختبار أو غيره، وليس بمراد قطعا كما يقضي به ضم
كلامهم بعضه إلى بعض.
بل المراد بيان أن الثلاثة لمكان خيار الحيوان في مقابل ما روته العامة،
وذهب إليه بعض الأصحاب كما عرفت من أن الثلاثة للتصرية.
وقد استظهر ما ذكرناه في غاية المرام من التحرير (4)، ونقل التصريح به عن
الشيخ في الدروس (5).
وعلى كل حال فليس في ذلك دلالة على ثبوت الخيار بعد الثلاث وعدم ثبوته.

(1) جامع المقاصد 4: 354.
(2) التحرير 1: 185 س 6.
(3) المبسوط 2: 125، الخلاف 3: 103 المسألة 168، الجامع للشرائع: 267، التحرير 1: 185 س 6.
(4) غاية المرام: 2: 73.
(5) الدروس 3: 279.
200

وربما تخيل إرجاع القول بالفورية إلى القولين الآخرين، بأن يراد بالفورية
ثبوته له في ذلك الوقت وإن استمر إلى الثلاث، ويكون ذلك لمكان خيار التصرية
فيرجع إلى القول الثاني، أو لمكان خيار الحيوان فيرجع إلى الثالث، مع احتمال أن
يراد بالفورية معناها ولكن فيما بعد الثلاث فيرجع إليه أيضا، والكل من البعد بمكان.
والتحقيق أن هذا الخيار فرد من أفراد خيار الوصف كما عرفت.
فإذا قلنا باستثناء تصرف الاختبار - وإن كثر - من السقوط بالتصرف كان
على الفور كغيره من خيار الوصف، اقتصارا على المتيقن من الخروج عن دليل
لزوم العقد، ويبقى خيار الحيوان مستمرا إلى الثلاث.
وأما إذا لم نقل بتوقف هذا الخيار على الاختبار، ولم يكن قد تصرف، فلا
إشكال.
وإن لم نقل باستثنائه كما هو الأقوى، كان مقتضى القاعدة سقوط خيار
التصرية بالنسبة إلى هذه الصورة بالكلية، وكذلك يسقط خيار الحيوان أيضا، ولا
نقول بثبوت خيار التصرية فيها فيما بعد الثلاث، لعدم الدليل عليه.
نعم في صورة ما إذا لم يمكن الاختبار إلا بمضي الثلاثة أيام، نقول به للدليل.
اللهم إلا أن ينقح مناطا بين الصورتين، فيثبت في الثلاث على الفور وإن
تصرف، ويسقط خيار الحيوان، وهو الأقرب.
وابتداء ثلاثة التصرية من حين العقد لا من حين التفرق كما نص عليه
بعض الأصحاب.
قال المصنف (قدس سره): (ويرد معها اللبن حتى المتجدد أو مثله لو تلف)
لا كلام في وجوب رد اللبن الموجود بعينه حال العقد إذا لم يتغير. وقد حكي
عليه الإجماع في شرح الإرشاد للفخر (1).
ولا ينافي ذلك ما في المهذب البارع من جعل رد اللبن مع وجوده محل خلاف
وأن الأقوال فيه ثلاثة: رده فقط، ورده وصاعا من حنطة أو تمر معه ونسبه إلى ابن

(1) حاشية الإرشاد (مخطوط): الورقة 51.
201

الجنيد، ورده وصاعا من بر لا تمر ونسبه إلى ابن البراج (1) فإن الأقوال الثلاثة كلها
مشتملة على رد اللبن الذي قضى به الإجماع وإن قضى بعضها برد غيره معه.
والمنقول في المختلف عن ابن الجنيد: إنه إذا رد ما حلبه لم يكن عليه شيء.
وعن القاضي: إنه جزم بأنه لا يجبر على أخذه بل له أخذ الصاع من التمر أو
البر (2)، وهو يخالف ما في المهذب (3).
نعم في كشف الرموز: لا خلاف في أنه مع وجود اللبن لا يلزم إلا رده معها (4)
وهو ينافي ما في المهذب.
وباعتبار ما ذكرنا حمل جماعة كلام الشيخ في المبسوط حيث قال: إذا كان
اللبن باقيا لم يجبر البائع عليه، وإن قلنا: إنه يجبر كان قويا (5)، وكلام القاضي في
الكامل على ما حكاه عنه في المختلف: من أنه: لا يجبر (6) - جازما به - على ما إذا
كان قد تغير، إذ شأن اللبن ذلك غالبا وحينئذ قد لا يجبر أو يجبر مع الأرش، كما
حمل كلام الشيخين في المقنعة والنهاية حيث قالا: إلا أنه إذا ردها رد معها قيمة ما
احتلبه من لبنها بعد إسقاط قدر ما أنفق عليها إلى أن عرف على صورة التعذر (7).
والدليل على وجوب رد اللبن حال العقد بعد الإجماع المنقول سابقا كما
عرفت: أنه جزء من المبيع فإذا فسخ البيع رده كما رد المصراة.
والروايات العامية (8) وإن كانت صريحة بخلاف ذلك إلا أنها ساقطة عن
الحجية كما عرفت.
وأما مع تعذره فمذهب مشهور الأصحاب: أنه يرد مثله، فإن تعذر فقيمته
وقت الدفع ومكانه، كغيره من الأعيان المضمونة. والمخالف في ذلك الشيخ في

(1) المهذب البارع 2: 415 وفيها... (ب) يرد معها لبنها أو عوضه من حنطة أو تمر... (ج) يرد
معها عوض اللبن صاعا من بر أو تمر.
(2) المختلف 5: 176.
(3) المهذب 1: 391.
(4) كشف الرموز 1: 479.
(5) المبسوط 2: 125.
(6) بل حكاه عن المهذب، راجع المختلف 5: 176.
(7) المقنعة: 598، النهاية 2: 159.
(8) انظر سنن البيهقي 5: 318.
202

الخلاف والمبسوط (1)، وأبو علي على ما حكاه في المختلف (2)، والقاضي في
المهذب فيما حكي عنه (3)، وابن زهرة ويحيى بن سعيد فقالوا: إنه يرد عوض اللبن
صاعا من بر أو صاعا من تمر (4)، وزاد في المبسوط: أنه مع تعذر الصاع تجب
قيمته وإن أتى على قيمة الشاة ولا اعتبار بفضل الأقوات، واستدل عليه في
الخلاف بإجماع الفرقة وأخبارهم، وفي الغنية الإجماع عليه. ونقل عن الشيخ قول
آخر: بأنه مع ردها يرد معها ثلاثة أمداد، واستدل له صاحب الكفاية بحسنة
الحلبي السابقة قال: والرواية مختصة بصورة شرب اللبن، ولا يبعد العمل
بمضمونها، لحسنها مع اعتضادها بغيرها (5) انتهى.
وظاهر الرواية (6) ثلاثة أمداد من لبن، وقيل: من الطعام (7)، ولا وجه له.
وقد حمل جماعة من المتأخرين كلام الجماعة على ما إذا كان قد تعذر وكان
ذلك هو القيمة السوقية (8) باعتبار مخالفته للقاعدة، لأن المقدر من غير المثل في
المثلي لا وجه له خصوصا إذا كان مما يزيد وينقص، ولو جعل كالقيمي وجب
قيمة المثل والمثل لا معنى له مع كونه مما يزيد وينقص، مع مخالفته للمشهور، بل
كاد أن يكون إجماعا، مع أن القاضي في الكامل (9) وافق المشهور، والشيخ في
النهاية (10) لا يأبى كلامه الحمل على المشهور. فالإجماع المدعى ممنوع، والأخبار
المرسلة في الخلاف (11) لا يصلح الاستناد إليها، لما عرفت من اعتراف كثير من
الأصحاب بعدم وجود نص خاص في الباب بعد كمال الفحص والتتبع، مع خلو
كتب الأخبار عنها.

(1) الخلاف 3: 104 المسألة 169، المبسوط 2: 125.
(2) المختلف 5: 176.
(3) المهذب 1: 391.
(4) الغنية: 223، الجامع للشرائع: 267.
(5) الكفاية: 94 س 6.
(6) الوسائل 12: 360، ب 13 من أبواب الخيار، ح 1.
(7) حكاه في مفتاح الكرامة عن الشيخ، راجع ج 4 ص 647 س 18.
(8) لم نقف عليه إلا في المختلف 5: 176.
(9) حكاه عن الكامل في المختلف 5: 175.
(10) النهاية 2: 159.
(11) الخلاف 3: 104 المسألة 169.
203

وخبرا أبي هريرة (1) وإن دلا على ذلك إلا أنهما لمكان ضعفهما واضطرابهما
وسقوطهما عن الحجية - حتى مع الجابر وعدم الجابر لهما في المحل مع مخالفتهما
للقاعدة ولخبر عبد الله بن عمر (2) - محمولان على ما حمل عليه كلام الجماعة.
وعساك تقول: إن فتوى هؤلاء الجماعة والإجماعين تجبر الأخبار المرسلة
في الخلاف والخبرين العاميين.
وقد نسب في المختلف نقل الإجماع إلى علمائنا فقال: وما نقله علماؤنا من
الصاع (3)... إلخ، فلا حاجة إلى التنزيل، وفيه ما عرفت.
وأما رواية الأمداد ففيها - مع ما سبق -: أنها غير مخصوصة بالمصراة والأخذ
بإطلاقها مخالف للإجماع. هذا كله بالنظر إلى الموجود حال البيع.
وأما بالنسبة إلى المتجدد في الثلاثة، فصريح المصنف هنا وإيضاح النافع،
وظاهر المقنعة والنهاية والسرائر والتحرير والمفاتيح: أنه يرد أيضا (4) ونسبه الفخر
إلى إطلاق الأصحاب. وفي مجمع البرهان: أنه ظاهر عبارات المتون (5).
والمبسوط والتذكرة وشرح الإرشاد للفخر والتنقيح وجامع المقاصد وتعليق
النافع والميسية والمسالك: لا يرد (6) وهو الأقوى. وفي جامع المقاصد: أن
عليه الفتوى (7). واستشكل فيه العلامة في القواعد وولده في الإيضاح والمصنف
في الدروس (8).
وجعل جماعة مستند الوجه الأول إطلاق النص (9) وفيه: أنه لا نص في

(1) سنن البيهقي 5: 318.
(2) سنن البيهقي 5: 319.
(3) المختلف 5: 176.
(4) المقنعة: 598، النهاية 2: 159، السرائر 2: 282، التحرير 1: 184 س 30، مفاتيح الشرائع 3: 70.
(5) راجع مجمع الفائدة 8: 438 - 439.
(6) المبسوط 2: 125، راجع التذكرة 1: 527 س 8، التنقيح 2: 80، جامع المقاصد 4: 348، المسالك 3: 292.
(7) جامع المقاصد 4: 348.
(8) القواعد 2: 76، إيضاح الفوائد 1: 496، الدروس 3: 277.
(9) راجع إيضاح الفوائد 1: 496 والرياض 8: 267.
204

المسألة من طرقنا، والأخبار الثلاثة في الباب، الواردة من طرق العامة - على
فرض الاستناد إليها - ليس فيها تعرض لرد اللبن.
ولعل الوجه فيه أصالة عدم وجود لبن آخر، وإطلاق كلمات الأصحاب برد اللبن.
وفيه: أنه لا ريب في حصول العلم بالتجدد بمقتضى العادة سيما بالنسبة إلى
اليوم الثالث فينقطع به الأصل، مع أن محل البحث، المتجدد. نعم حيث يحصل
الشك يتمسك بالأصل، ومع العلم بالامتزاج يصطلحان، وأيضا الحكم به قبل
الانفصال مطلقا للبائع، نعم حيث يمتزجان في الخارج يتوجه الصلح. وأما إطلاق
كلام الأصحاب فالمتيقن منه الموجود حال البيع، مع أن الناصين على العدم جم
غفير، فلا إجماع يعول عليه في المقام.
وأما مستند القول الثاني فهو: أن الخراج بالضمان، والمتجدد نماء ملك
المشتري فلا يرد.
وبنى المسألة في الدروس والتنقيح على أن الفسخ يرفع العقد من أصله أو من
حينه (1). ولا ريب أن فسخ العقد عندهم في سائر المقامات إنما يقع من حينه، مع
أن استصحاب الآثار المترتبة على العقد يقضي بذلك. نعم لو قلنا بعدم انتقال المبيع
في زمن الخيار صح ذلك.
ثم إنه على القول برد المتجدد فحيث يتعذر يجيء الخلاف السابق كما يقضي
به إطلاق كلامهم هناك، ولا تكرر له الصوع والأمداد، وإذا تغير اللبن فأقوى
الوجوه رده مع قيمة التفاوت كما في التذكرة والدروس وجامع المقاصد والشرح
والمسالك ومجمع البرهان (2) وغيرها، لأ نه مضمون على المشتري، فإنه جزء
المبيع، هذا إذا لم تتفاوت قيم الأمثال.
ولو تفاوتت قيم الأمثال فإشكال. وربما احتمل رده مجانا كما احتمل

(1) الدروس 3: 277، التنقيح 2: 80.
(2) التذكرة 1: 527 س 6، الدروس 3: 277، جامع المقاصد 4: 348: الروضة 3: 502،
المسالك 3: 293، مجمع الفائدة 8: 439.
205

الانتقال إلى بدله.
وقال في الدروس: لو اتخذه جبنا فظاهر أنه كالتالف (1). وفيه: أنه عين المال.
ثم قال: ولو قلنا برد ه فله ما زاد بالعمل. ثم اعلم أن هذا الخيار يسقط بالتصرف
بغير الحلب كسائر الخيارات، نعم التصرف بخصوص الحلب استثناه الدليل، فما
صرح به صاحب الحدائق من عدم سقوط خيار التدليس مطلقا بالتصرف مطلقا (2)
لا وجه له.
والتصرف بالحلب تسقط به جميع الخيارات ما عدا هذا الخيار.
فلو رضي بالتصرية ثم ظهر على آخر فإن كان قد حلبها فلا رد. ولو تصرف
باللبن بعقد صلح أو استحقاق بغير هذا البيع بأي ناقل كان، كان له الرد بخيار
الحيوان أو العيب أو غيرهما، وكذا جميع الخيارات التي تسقط بالتصرف إذا استند
التصرف فيها إلى عقد آخر فلا يسقط الخيار.
ويسقط بعلم المنقول إليه، والإسقاط، واشتراط السقوط، وبالبراءة من جميع
المناقص.
ولو ماتت الشاة المصراة فلا شيء له كما في القواعد والتذكرة وجامع
المقاصد (3) لأ نها من ضمانه، وظاهرهم أنه ليس له الفسخ حينئذ. وقد يقال: إنها
لو ماتت بغير تفريط من المشتري فله الفسخ ودفع المثل أو القيمة كما تقدم في
خيار الغبن.
وهذا الخيار نوع من خيار الوصف وخيار الوصف أعم منه، وقد يكون فردا
من المعيب كما إذا كان نقص اللبن متجاوز الحد بحيث يكون مخالفا للعادة العامة
ويتخير حينئذ بين الرد والأرش.
* * *

(1) الدروس 3: 277.
(2) الحدائق 19: 97.
(3) القواعد 2: 77، التذكرة 1: 528 س 2، جامع المقاصد 4: 354.
206

قال المصنف (قدس سره):
(العاشر: خيار الاشتراط)
الكلام في هذه المسألة يقع في مقامات:
المقام الأول في معنى الشرط
إن لفظ «الشرط» في هذا المقام يحتمل أحد معنيين: إما ما ينتفي
المشروط بانتفائه وكان هو مما يتوقف عليه وجود المشروط وإن لم يلزم من
وجوده وجود المشروط.
أو ما يلزم ويلتزم به، وكلاهما من المعاني والحقائق العرفية. ولكنهم لما كانوا
يستدلون في هذا المقام في موارد المسألة بقوله (عليه السلام): المؤمنون عند شروطهم (1).
فلابد من حمله على المعنى الأول، كما يظهر من كلام الأكثر وهو أشهر المعنيين
وأكثرهما استعمالا، لئلا يلزم استعمال المشترك في معنييه الحقيقي والمجازي.
ورجح بعض المتأخرين (2) حمله على المعنى الثاني. ويشكل عليه أنه بناء
على ذلك يقتضي وجوب الالتزام بكل ما التزم به المؤمن ولو بغير طريق الوعد،
ولا قائل به من الأصحاب.
نعم بالنسبة إلى الالتزام بالوعد ذهب إليه الأردبيلي (3)، وهو خلاف ما عليه
الأصحاب.

(1) الوسائل 15: 30 ب 20 من أبواب المهور، ح 4.
(2) راجع الكفاية ص 97 س 22.
(3) مجمع الفائدة 8: 147.
207

اللهم إلا أن يخصص بما عدا ذلك، أو يدعى أن المراد بالإلزام والالتزام به في
ضمن العقد سواء علق لزوم العقد واستمراره عليه أم لا باعتبار ظهور لفظ
«الشرط» في الإلزام التابع المربوط بغيره، والتبعية والارتباط حاصلة في المقام
وإن لم يكن العقد مرتبطا به، وبهذا يخرج الشرط المبتدأ، ولذلك عد من الشروط
شرط الإحلال عند الصد في الإحرام، وشرط الاعتكاف، وشرط الخدمة في
العتق، والشروط في النكاح.
وفيه: أنه تقييد للنص من غير دليل، والظهور المدعى ممنوع، وسيأتي لهذا
مزيد بيان.
ثم الظاهر أن المراد بالشرط في هذا المقام ما كان من الشرائط المستقبلة،
دون الماضوية والمقارنة كما ينبئ عنه اشتراط الإباحة والمقدورية ونحوهما،
ويكون القسمان الآخران داخلين في خيار الرؤية أو الوصف أو العيب أو
التدليس في بعض الأحيان.
وربما جعلوا محقق الوقوع المستقبل - كطلوع الشمس - قسيما للشرط وسموه
الصفة.
المقام الثاني في التعليق على الشرط
فنقول: لا ريب أن الإنشاء لا يقبل التعليق بمعنى تعليق نفس الإنشاء، إذ ليس
له مدلول وراء لفظه وإنما يحصل بلفظه كالإخبار، فلو علق كان كالإخبار بأنه
سينشئ بعد ذلك فلا إنشاء بالفعل. كما أنه لا كلام في قبوله التعليق بمعنى تعليق
المنشأ سواء كان على معلوم الوقوع أو مظنونه أو مشكوكه، لأن المنشأ كما ينشأ
مطلقا مرة ومقيدا اخرى كذلك ينشأ معلقا مرة ومنجزا اخرى، والترديد
والتشكيك في وقوع المعلق عليه لا يقدح، فإنه لا يعود إلى الإنشاء، لأن الإنشاء
قد حصل الجزم به على أحد التقديرين، وكون كل واحد من التقديرين غير مجزوم
به في الواقع لا ينافي ذلك، ولهذا صح قوله: إن كان مالي الغالب سالما فهذه زكاته
وإلا فنافلة، في باب العبادات التي شرطها الجزم بالنية.
ومن ذلك دخول المأموم في الصلاة مع الشك في إدراك الإمام راكعا
208

والاستصحاب لا يفيد جزما، ونحو ذلك.
نعم بالنسبة إلى العقود لا يجوز فيها التعليق ولو باعتبار المنشأ، لأ نها مبنية
على وقوع آثارها من حينها، إما للإجماع على ذلك، أو باعتبار أن مفاد صيغها ذلك،
لا باعتبار منافاة الإنشاء التعليق ولو باعتبار المنشأ، فإن ذلك فاسد كما عرفت.
وأما ما أجازه الأصحاب من صحة إجارة الدار بعد سنة فليس فيه منافاة لما
ذكرنا من مقارنة وقوع آثار الصيغ لها، لأن ملك بعد سنة حاصل للمستأجر الآن
وتترتب عليه ثمرات الملك.
وما ادعاه العلامة من الإجماع على صحة التوكيل لو قال: أنت وكيلي في بيع عبدي
إذا قدم الحاج (1) لا ينافي ما ذكرنا أيضا، فإن قدوم الحاج قيد للبيع لا للتوكيل،
ولهذا نقل الإجماع، هو بنفسه على عدم جواز التعليق في الوكالة على شرط ولا وصف.
ولا فرق في عدم جواز التعليق فيها بين الصريح كالمعلق على شرط وشبهه،
أو المعلق بحسب القصد كبيع الفضولي معلقا له على الإجازة بحسب قصده، أو بيع
مال مورثه معلقا له على الموت كذلك، أو بيع ما شرطه الملك فيه القبض من صرف
أو سلم معلقا للملك على القبض ولو بالقصد.
نعم إذا جزم بالإيقاع كفى وإن كان مترددا بالوقوع أو خالي الذهن، ولا يزيد
بمقارنة الصيغ لآثارها أزيد من ذلك، ولذلك أن المغصوب يصح بيعه عندهم اكتفاء
بقصد النقل العرفي ويكتفون فيه بالجزم بالنسبة إلى ذلك، فتأمل.
نعم التعليق بالنسبة إلى شرط الشرط الأقوى جوازه، كما يدل عليه التعليق
على رد الثمن في شرط الخيار واشتراط المؤامرة.
ودعوى: الاقتصار في ذلك على خصوص المقامين أو على خصوص شرط
الخيار وإن كان بغيرهما، لا وجه له، والغرر مندفع في ذلك عرفا، ويغتفر في
الثواني ما لا يغتفر في الأوائل، وليس فيه منافاة للجزم بمشروط الشرط الأول،
ومع عدم حصول المعلق عليه ينتفي المعلق ولا يثبت له خيار بانتفائه.

(1) التذكرة 2: 114 س 28.
209

ودعوى: سراية التعليق إلى المشروط الأول، ممنوعة، والتعليق على المقارن
المحقق الوقوع ليس من التعليق.
وما يقال: إن الشرط عندكم ملكية الشرط كما سيأتي وهي من المقارن
المتحقق الوقوع. فينبغي بناء على ذلك عدم البأس بالإتيان ب‍ «إن» الشرطية
والتعليق عليها بالنسبة إلى ذلك وأنتم لا تقولون به.
قلنا: لا ريب أن الملكية شيء متأخر عن التعليق بالذات ومرتب عليه، فإذا لم
يصح التعليق لم يقع ما هو المرتب عليه، فهذا من باب التعليق حقيقة، بخلاف
الأول. نعم هو من باب دور المعية كما سيأتي، فتأمل.
والظاهر أن العقود لا يجوز فيها ما ظاهره الترديد الصريح إجماعا بل الشرط
في شرطها أن لا يفيد التردد، ولهذا جاز «بعتك بشرط كذا» ولا يصح «بعتك أن
تفعل كذا» وإن كان لفظ الشرط وأداته بمعنى واحد، لأن الشرط في القسم الأول
من توابع العقد ولواحقه وبمنزلة جزئه وأحد متعلقاته حتى قيل: إن الشروط في
البيع من صفات المبيع، وفي القسم الثاني متصور بالأصالة فلا يدخل كالشرط
المنفصل متقدما أو متأخرا.
هذا إذا لم تجعل الشرط بمعنى الإلزام والالتزام.
أما إذا جعلناه بهذا المعنى فلا كلام، والفرق ظاهر حينئذ بين لفظ الشرط،
وأداة الشرط، فافهم.
والظاهر أن الإيقاعات كالعقود في عدم قبولها التعليق إلا ما كان الشرط فيه
بمنزلة المقوم وكان بناؤه عليه غالبا، كما في القسم والنذر والعهد والظهار ونحوها،
فإنها قد شرعت لمثل ذلك وفي الغالب يوجد فيها التعليق.
وربما ادعى بعض المتأخرين عدم جواز التعليق فيها كالعقود، وإنما هي
والعقود سواء، وإنما يتراءى التعليق فيها فهو تعليق للمتعلق، فالنذر لا تعليق فيه
وإنما التعليق للمنذور وهكذا. قال: وأما التدبير فظاهر الأصحاب أنه وصية لا
تعليق بالموت كما صرح به الشهيد في القواعد (1) انتهى.

(1) القواعد والفوائد، القسم الأول: 306، القاعدة 104.
210

وفيه: أنه ليس محل البحث تعليق نفس الإنشاء، وإنما الكلام في تعليق
المنشأ، وقد عرفت أن الثاني لا يجوز في العقود وإن جاز في بعض الإيقاعات،
وأما الأول فلا يجوز في الإنشاء مطلقا، ولا كلام فيه.
نعم هذا التوجيه في مقابلة من يتخيل تعليق نفس الإنشاء في هذه المقامات
وأن الشارع قد تعبد بهذه الصورة وإن كانت من قبيل الإخبار، له وجه وجيه، فتأمل.
المقام الثالث
إن الشروط في العبادات الصرفة غير شائعة، فشرط السفر والحضر في
الصوم (1) وشرط الاعتكاف (2) والإحرام (3) على خلاف القاعدة.
والظاهر أن المراد فيها معنى الإلزام والالتزام على سبيل الاستقلال لا على
سبيل الربط والانضمام، ويحتمل أن يكون صوريا محضا.
وأما الإيقاعات فلا تدخل فيها الشروط، لأن الشرط بحكم العقد يستدعي
إيجابا وقبولا، ولمنافاته لها إلا في العتق للدليل، والمراد بالشرط فيه ما سبق كما
في العبادات على الأقوى، وإلا فيما كان الشرط فيه بمنزلة المقوم كما تقدم.
وأما العقود فاللازم منها بالأصل لا كلام في جريانه فيها، وفائدته الوجوب أو
التسلط على الخيار كما سيأتي.
وأما اللازمة بالعارض كالهبة المعوضة وللرحم وللثواب فيجري فيها حكم
اللزوم الأصلي، والفائدة فيه هي الفائدة في الأول إلا في مثل الأخير، ومثله
الوقف فإن الفائدة فيه فيهما الوجوب لا غير، فلو أخل به فلا خيار. والظاهر أنه
إنما يعصي بتركه لا باستعمال الموهوب والموقوف.
وتشكل الفائدة حينئذ على القول بأن ثمرة الشرط الخيار لا غير.

(1) راجع الوسائل 10: 195، ب 10 من أبواب من يصح منه الصوم، ح 1.
(2) راجع الوسائل 10: 552، ب 9 من أبواب الاعتكاف.
(3) راجع الوسائل 12: 354، ب 23 من أبواب الإحرام.
211

وأما العقود الجائزة من الجانبين وإن كانت فعلية كالمعاطاة ففائدة الشرط
فيها الوجوب مع قيد الاستمرار على المشروط، فيكون من قبيل الوجوب
الشرطي، وربما جعل فائدته منع التصرف بدونه، وربما قيل: إن فائدته رفع
الرجحان (1) وهو غير بعيد.
وأما الجائزة من جانب واللازمة من آخر، فيعلم حالها مما سبق.
المقام الرابع
إن المراد بالشرط في هذا المقام هو المتصل بالعقد المتأخر عنه المقيد له مظهرا
أو مضمرا يشبهه، فالشرط المنفصل مطلقا والمتصل مع تقدمه على العقد أو المستقل
أو المضمر غير المدلول عليه بالقرينة الحالية أو المقالية لا يدخل تحت هذا العنوان.
أما عدم اعتبار المنفصل مطلقا، فلعدم دخوله تحت الشروط، ولا خلاف في
عدم اعتباره على الظاهر، وما يظهر من الشيخ في النهاية (2) من الاكتفاء بما ذكر
بعد العقد فلا يبعد أن يكون مراده ما ذكر بعد الإيجاب، كما ذكره صاحب المدارك
في شرح النافع وقال: فلا يتحقق الخلاف في المسألة (3).
وعلى ذلك تنزل الأخبار (4) الدالة على ذلك.
وأما عدم اعتبار ما تقدم، فلظاهر الإجماع، ومنع صدق الشرط عليه،
وللأخبار الكثيرة المصرحة بأن الشرط إنما هو بعد النكاح المؤولة بما بعد
الإيجاب كما عرفت، بل ظاهر رواية ابن بكير هو ذلك، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام):
إذا شرطت على المرأة شروطا فرضيت به وأوجبت التزويج فاردد عليها شرطك
الأول بعد النكاح، فإن أجازته فقد جاز، وإن لم تجزه فلا يجوز عليها ما كان من
الشرط قبل النكاح (5).

(1) لم نظفر بقائله.
(2) النهاية 2: 383.
(3) نهاية المرام 1: 247.
(4) راجع الوسائل 14: 468 و 486، ب 19 من أبواب المتعة، ح 2 وب 32 منها، ح 2.
(5) الوسائل 14: 468، ب 19 من أبواب المتعة، ح 1.
212

ونقل المحقق في الشرائع قولا عن بعض الأصحاب بلزوم إعادة الشرط بعد
العقد وإن ذكره في العقد (1) ولعله ناظر إلى هذه الرواية، وهو بعيد.
نعم ظاهر الرواية أن الشرط المتقدم إن كان مبنيا عليه عند العقد اعتبر ورجع
إلى المقارن، وإلا فلا اعتبار به، وأما الشرط المستقل الغير المقيد للعقد كما في
شرائط النكاح، فالظاهر عدم دخوله تحت عنوان الشرط في هذا المقام وعدم
شمول أدلة الشروط له، كما يظهر من المشهور وسيأتي لذلك مزيد بيان.
وأما الشرط المضمر الذي لم تدل عليه القرينة ولم يقصد من اللفظ، فلا
خلاف في عدم اعتباره ولا يدخل تحت دليل الشروط، بل هو من قبيل الدواعي
التي لا تؤثر شيئا بالنسبة إلى العقد.
وربما يظهر من كثير من عباراتهم في كثير من المواضع عدم اعتبار ما اضمر
في العقد إضمارا وبنى عليه العقد لقرينة حالية أو مقالية، وأن الشرط بمنزلة الصيغة
لابد من التصريح بها، ولا يبعد اعتباره، لدخول ذلك تحت إطلاق الشروط فتشمله
الأدلة، ولأن أمر الشرط لا يزيد على العوضين وهما كاف في ذلك منهما وإلا لما
اكتفى ب‍ «قبلت» وحدها.
المقام الخامس
إن الشروط ليست كأحد العوضين في جميع الأشياء وإن اشتهر ذلك على
ألسنة الفقهاء، فإن المراد بذلك شبهها بالعوض في بعض الوجوه كثبوت الخيار عند
عدمها كما في تبعيض الصفقة وأمثال ذلك، ولذلك تصح في المنافع والحقوق ولا
يقسط عليها الثمن وإن تفاوت الثمن والمثمن بسببها نقصا وزيادة من البائع
والمشتري كالأجل، ويجتزى فيها من العلم بما يجتزى به في الصلح والمعاطاة
والعقود الجائزة، كما ينبئ عن ذلك شرط ضمان الغرامة، واشتراط الحمل،
وإسقاط الخيارات، وشرط النفقة للخادم، ومؤونة الدابة، وأن كل ما يعترضه

(1) الشرائع 2: 306.
213

للمعاملة بينهما، وشرط الزكاة على المشتري من خارج الزرع، وشرط اجرة
الوزان والميزان والنقاد والكيال والكيلة ونحوها.
ودعوى: خروج ذلك كله بالدليل، لا وجه له، ومنشأ ذلك عموم أدلة الشروط
بل وعموم أدلة العقود بالنسبة إليها وإن تقيدت بالنسبة إلى أنفسها، كما في البيع
بنواهي الغرر.
فما يظهر من تضاعيف كلمات كثير منهم - من أن الشرط بمنزلة الثمن، فيكون
حكمه حكمه على اختلاف أحكامه باختلاف العقود، فيعتبر في شرط البيع ما
يعتبر في ثمنه، وفي شرط الصلح ما يعتبر في ثمنه وهكذا - لا دليل عليه، كخيال
أ نه كالثمن في البيع مطلقا ولا يختلف باختلاف العقود، فيكون في باب الصلح
أسوء من ثمنه، فإنه بعيد جدا ولا تساعده ظاهر المنزلة.
ومن هنا يعلم أنه بالنظر إلى القدرة على التسليم وغيرها يغتفر فيها ما لا يغتفر
في أحد العوضين، فتأمل.
قال المصنف (قدس سره): (ويصح اشتراط سائغ في العقد إذا لم يؤد إلى
جهالة في أحد العوضين أو يمنع منه الكتاب والسنة كما لو شرط تأخير
المبيع أو الثمن ما شاء أو عدم وطء الأمة أو وطء البائع إياها)
هذا الضابط للشرط نص عليه جماعة من الأصحاب، كالمحقق والعلامة (1)
وغيرهما، ونسبه في المهذب البارع إلى علمائنا (2) وقال في الكفاية: لا أعلم
فيه خلافا (3).
وربما قيل: إن القيد الثاني فيه مغن عن الأول، لأن معاملة الغرر منهي عنها في
السنة (4).
وفسر جماعة من المحققين المخالفة للكتاب والسنة بكون الشرط مخالفا
لمقتضى العقد، بأن يقتضي عدم ترتب الأثر الذي جعل الشارع العقد من حيث هو
هو يقتضيه ورتبه عليه.

(1) الشرائع 2: 33، القواعد 2: 90.
(2) المهذب البارع 2: 408.
(3) الكفاية: 97 س 14.
(4) المسالك 3: 268.
214

قال في المسالك: ويشكل باشتراط عدم الانتفاع زمانا معينا فإن مقتضى
العقد إطلاق التصرف في كل وقت، وباشتراط إسقاط خيار المجلس والحيوان
وما شاكل ذلك مما أجمع على صحة اشتراطه (1) انتهى.
وقال المصنف في القواعد: كل عقد شرط فيه خلاف ما يقتضيه مع كونه ركنا
من أركانه فهو باطل كالبيع، واشتراط نفي تسليم المبيع إلى المشتري والثمن إلى
البائع أو الانتفاع بأحدهما للمنتقل إليه وإن لم يكن من أركانه ولكنه من مكملاته
- كاشتراط نفي خيار المجلس والحيوان - فعندنا يصح، لأن لزوم العقد هو
المقصود الأصلي والخيار عارض. ومنعه بعضهم، لأن الغرض من إدخال الخيار
هنا التروي واستدراك الفائتات فهو من مقاصد العقد، فاشتراط الإخلال به إخلال
بمقاصد العقد. قلنا: هو المقصود بالعقد الثاني لا الأول (2) انتهى.
وربما ذكروا من جملة ما خالف الكتاب والسنة المعاصي والقبائح، مثل أن
يشترط الزنا وشرب الخمر ونحو ذلك.
ثم إن أمثلتهم التي للمشروع وغير المشروع والمنافي لمقتضى العقد وغير
المنافي غير متوافقة، وكلماتهم في تلك الأمثلة متخالفة.
وتفصيل المقام أن الشروط أقسام:
أحدها: المؤكدات وهي ما يذكر فيها مقتضيات العقد لدخولها في المعنى
- كالخروج عن ملك الناقل والدخول في ملك المنقول إليه - أو في اللوازم لمقتضى
العقد كملكية النماء والشركة في الشركة والمزارعة ونحوها والتسلط على
التصرف والقبض والإقباض والمنفعة والقسم (3) ونحوها، أو في بعض الزمان
كخيار المجلس والحيوان، أو في الاتفاقيات كخيار العيب والغبن والرؤية
والوصف والتأخير والتدليس ونحوها.

(1) المسالك 3: 269.
(2) القواعد والفوائد 2: 242، القاعدة 242.
(3) كذا والظاهر: القسمة.
215

وهذه الشروط وجودها كعدمها كما في القواعد (1) ولا تفيد شيئا كما في
التذكرة (2) ولا تفيد نفعا ولا ضرا كما في المبسوط (3) وأكثر من تأخر.
وفي الغنية: لا خلاف في صحة أن يشترط في العقد ما يقتضيه (4).
ثانيها: ما يذكر فيه مقتضيات الصحة كالقدرة والمنفعة والعلم والإباحة
والطهارة على تفصيل سبق ونحوها، وهو كسابقه.
ثالثها: المؤسسات وهي ما قضى بها الشرط من المباحات مما فيه مصلحة
المتعاقدين أو أحدهما من جهة العقد - كالرهن والضمان والخيار والأجل
والشهادة - أو من جهة متعلقه كصباغته وخياطته وتطهيره وصقله ونقله وضبطه
وحفظه وبيعه على غير البائع وعتقه وإجارته وإعارته ومكاتبته وتدبيره ووقفه
والتصدق به ونحوها، أو من خارج كاشتراط مال أو منفعة أو عمل من الخارج أو
عقد كبيع أو إجارة أو صلح أو قرض أو اقتراض أو نحوها.
وقد نقل الإجماع في القواعد (5) على الأولين، ولكن في الثاني بالنسبة إلى
الصفة المقصودة من الخياطة والكتابة كما في التنقيح (6) وقال: عندنا وعند الشافعي
في التذكرة (7).
وفي الغنية: لا خلاف في صحة الشرط الذي للمتعاقدين مصلحة فيه. وفيها:
الإجماع على صحة اشتراط ما يمكن تسليمه نحو أن يشتري ثوبا على أن يخيطه
البائع أو يصبغه أو أن يبيع شيئا آخر أو يبتاع منه أو أن يشترط على مشتري العبد عتقه (8).
وفي السرائر: لا خلاف في أنه يجوز أن يشترط الإنسان على البائع شيئا من
أفعاله إذا كانت مقدورة له (9).
وفي المبسوط وغاية المراد والمهذب البارع وإيضاح النافع والمسالك

(1) القواعد 2: 89.
(2) التذكرة 1: 489 س 36.
(3) لم نجد التصريح به، انظر المبسوط 2: 149.
(4) الغنية: 215.
(5) القواعد 2: 89. (6) التنقيح 2: 70. (7) التذكرة 1: 489 س 38.
(8) الغنية: 215 لكن صرح فيها بالخلاف في المسألة الثانية.
(9) السرائر 2: 326.
216

الإجماع على صحة اشتراط عتق العبد (1).
وفي غاية المرام: نفى الخلاف فيه (2).
وفي التذكرة بالنسبة إليه وإلى جميع أفراد القسم الأخير قال: عندنا في عدة
مواضع (3) وظاهرها وظاهر المهذب البارع الإجماع على صحة الكتابة (4).
وفي غاية المرام: لا خلاف في صحة اشتراط التدبير (5).
وظاهر التذكرة الإجماع عليه أيضا وعلى الوقف والصدقة (6).
وفي الخلاف: يجوز أن يبيع دارا على أن يقرضه المشتري ألف درهم أو
يقرضه البائع ألف درهم ونقل الإجماع (7).
وفي الانتصار: مما انفردت به الإمامية جواز أن يبتاع الإنسان من غيره
متاعا أو غيره نقدا ونسيئة على أن يسلف البائع شيئا أو يقرضه مالا إلى أجل أو
يقترض منه (8) ثم ادعى الإجماع.
وفي المختلف: المشهور بين علمائنا الماضين ومن عاصرناهم إلا من شذ أنه
يجوز بيع الشيء اليسير بأضعاف قيمته بشرط أن يقرض البائع المشتري شيئا،
لأ نهم نصوا على جواز أن يبيع الإنسان شيئا ويشترط الاقتراض والاستقراض
والإجارة والسلف وغير ذلك (9) انتهى.
وأنت خبير بأن عمومات الشروط قاضية بجميع ذلك مع ما عرفت من اتفاق
الأصحاب ولا مانع منه، فالقول به متعين.
نعم بالنسبة إلى شرط الخيار كلام تقدم سابقا، والإجماع منقول عليه في
التذكرة (10) والإحقاق (11) وغيرهما.

(1) المبسوط 2: 149، غاية المراد 2: 19، المهذب البارع 2: 401، المسالك 3: 270.
(2) غاية المرام 2: 61.
(3) راجع التذكرة 1: 489، 492، 493.
(4) انظر التذكرة 1: 493 س 18، المهذب البارع 2: 405.
(5) غاية المرام 2: 63.
(6) التذكرة 1: 493 س 21 و 22.
(7) الخلاف 3: 173، المسألة 283.
(8) الانتصار: 444.
(9) المختلف 5: 300.
(10) التذكرة: 519 س 20.
(11) كذا، ولم نقف في الكتب الفقهية على كتاب مسمى به.
217

رابعها: اشتراط ما لا نفع فيه مما لا يتقوم شرعا ولا يتعلق به غرض عرفا وإن
كان نادرا - ومن هنا كان دائرة الشرط أوسع من دائرة البيع، وأنه يغتفر في الثواني
ما لا يغتفر في الأوائل ‍ - كاشتراط الحشرات من الحيوان كالخنافس والديدان
حيث لا يتعلق بها غرض أو ما لا نفع فيه من غير الحيوان كذلك وذلك (1) وعلى
هذا ينزل كلام الشيخ في المبسوط والقطيفي في إيضاح النافع وغيرهم، حيث
قال: إن الشرط الذي لا يقتضيه العقد ولم تتعلق به مصلحة المتعاقدين ولم يبن
على التغليب يكون باطلا (2) انتهى.
وفي التذكرة بعد أن ذكر مثل عبارة الشيخ قال: إن ذلك جايز عندنا إن لم
يخالف المشروع ولم يناف العقد (3) انتهى.
ولعله يريد ما لا يتعلق به مصلحة المتعاقدين للعقد لا مطلقا كما يشعر به
كلامه، أو يريد به المتقوم شرعا فيرتفع التنافي، لأن غير المتقوم الذي لا يتعلق به
غرض ولو نادرا يمكن إدراجه فيما خالف المشروع.
وما في التذكرة: أنه لو باعه شيئا بشرط لا يقتضيه العقد ولا ينافيه ولا يتعلق
به غرض يورث النزاع والتنافس: كأن يشترط أن لا يأكل إلا الهريسة ولا يلبس
إلا الخز - فهذا الشرط لا يقتضي فساد العقد عندنا، وهل يلغو أو يفيد التخيير؟
الأقوى الثاني، قال: وكذا لو باع بشرط أن يصلي النوافل أو يصوم غير شهر رمضان
أو يصلي الفرائض في أول أوقاتها (4) انتهى، لا ينافي ذلك، لتقييده نفي الغرض
بالذي يتعلق به التنازع والتنافس لا مطلقا كما ترشد إليه أمثلته أخيرا، فتأمل.
والدليل على فساد هذا الشرط عدم دخوله تحت قولهم (عليهم السلام): «المؤمنون عند
شروطهم» (5) وتحت قوله تعالى: (أوفوا بالعقود) (6) ولا أقل من الشك فيرجع فيه
إلى الأصل من عدم لزوم الشرط.

(1) كذا، والظاهر زيادة: وذلك.
(2) المبسوط 2: 149.
(3) التذكرة 1: 489 س 39.
(4) التذكرة 1: 493 س 23.
(5) الوسائل 15: 30، ب 20 من أبواب المهور، ح 4.
(6) المائدة: 1.
218

مضافا إلى أنه شرط حرم حلالا، إذ ليس الغرض منه إلا مجرد تحريم الحلال،
وما كان كذلك كان باطلا حتى في مثل النذر وما بحكمه، إلا مع شروطه الخاصة.
وقد يقال: إن اشتراط التروك كلها من هذا القبيل، لأ نها لا تملك ولا يصالح
عليها، والشرط لابد أن يكون مملكا لأ نه كجزء من العقد، وحيث لا ملك فليس
فائدته إلا مجرد تحريم الحلال.
وفيه نظر، فإن الأغراض بالتروك كثيرة، إلا أن يدعى قيام الإجماع على كون
الشروط مملكات، أو يدعى فهم ذلك من دليلها.
قال بعض المحققين: إن المتبادر من أدلة الشروط وقولهم (عليهم السلام): «المؤمنون
عند شروطهم» ونحوه، هو ما كان له تعلق بالعقد ويكون مما يؤول نفعه
للمتعاقدين، فإذا لم يتعلق غرض لأحدهما أو كليهما بالشرط من حيث المنافع
الدنيوية - التي هي موضوع تلك العقود غالبا - فينحصر الغرض في إيجاب المباح
أو تحريمه مثلا فيخرج من مدلول أدلة الشروط، فيثبت بطلانه من هذه الجهة،
فيكون الاستثناء في قوله (عليه السلام): «إلا ما حرم حلالا أو حلل حراما» مخصوصا
بالأفراد التي لها مدخلية في غرض المتعاقدين (1) انتهى.
وكأ نه يريد أن الشرط ليس كالنذر وأخويه يلزم مطلقا فيما ينعقد به، بل إنما
يلزم بما يعود غرضه إلى المتعاقدين من الماليات وما بحكمها، لأن الفرع لا يزيد
على الأصل وأصله الذي هو العقد عقد معاوضة متعلقة بالماليات، فليس المدار
عنده على كل شيء فيه غرض يعود للمتعاقدين ولو كان نادرا، بل مختص بما
يتعلق بالمال وما بحكمه، وهذا غير ما كنا نقول.
وقد ينزل عليه كلام الشيخ في المبسوط (2) ومن تبعه، وذلك لأن دعوى عدم
شمول أدلة الشرط لذلك محل منع.
وبما ذكرنا يندفع ما يقال: إن أكثر الشروط السائغة المتفق على جوازها مما

(1) رسالة الشروط، المطبوعة مع غنائم الأيام ص 732.
(2) راجع المبسوط 2: 149.
219

حرمت حلالا فعلا أو تركا، فإن بيع الرجل ماله أو هبته لغيره مثلا مباح، ولو شرط
في ضمن عقد بيع آخر يصير واجبا، والغالب في الشرط إيجاب ما ليس بواجب
كالنذر والعهد ونحوهما من الأسباب الشرعية المغيرة للحكم، مع أنه قد صرحت
رواية إسحاق بن عمار (1) وغيرها باستثناء الشرط المحرم للحلال من حكم
الشروط، فيشكل التوفيق بين الروايات وكلام الأصحاب.
ووجه الاندفاع ظاهر كما عرفت من أن المراد من تحريم الحلال ما كان
الغرض منه مجرد ذلك، وهذا لا ينافيه كلام الأصحاب.
ودعوى: أن ذلك خلاف الظاهر من العبارة، ممنوع، ولا حاجة إلى تعسف
حمل الروايات على صورة اشتراط أن يكون الحلال شرعا حراما شرعا مما ليس
مقدورا للمكلف فإن ذلك بعيد جدا، ولا إلى تخصيص الحلال بخصوص
الواجبات كتحليل الحرام، فإنه خاص بالمحرمات بقرينة المقابلة ويكون المراد
اشتراط ترك الواجبات، فإنه خلاف الظاهر أيضا مع أنه داخل في الثاني.
وقال بعض المحققين: الظاهر من تحريم الحلال وتحليل الحرام هو تأسيس
القاعدة، وهو تعلق الحكم بالحل أو الحرمة بفعل من الأفعال على سبيل العموم من
دون نظر إلى خصوص فرد، فتحريم الخمر معناه منع المكلف عن شرب جميع ما
يصدق عليه هذا الكلي وهكذا حلية البيع، فالتزويج والتسري مثلا أمر كلي حلال
والتزام تركه مستلزم لتحريمه، بل وكذلك جميع الأحكام الشرعية من الطلبية
والوضعية وغيرها، وإنما يتعلق الحكم بالجزئيات باعتبار تحقق الكلي فيها.
فالمراد من تحليل الحرام وتحريم الحلال المنهي عنه هو أن يحدث قاعدة
كلية ويبدع حكما جديدا فقد اجيز في الشرع الشروط إلا شرطا أوجب إبداع
حكم جديد كلي مثل تحريم التزويج والتسري وإن كان بالنسبة إلى نفسه فقط.
وفيما لو شرطت عليه أن لا يتزوج عليها فلانة أو لا يتسرى بفلانة خاصة إشكال.
فلزوم البيع الخاص الذي يشترطانه في عقد بيع ليس مما يوجب إحداث حكم

(1) الوسائل 15: 50، الباب 40 من أبواب المهور، ح 4.
220

للبيع ولا تبديل حلال الشارع وحرامه، بخلاف ما كان التزامه والاستمرار عليه
من المحرمات وهو فعل المرجوحات وترك المباحات وفعل المستحبات، كأن
يشترط تقليم الأظفار بالسن أبدا أو أن لا يلبس الخز أو لا يترك النوافل، فإن
جعل المكروه أو المستحب واجبا وجعل المباح حراما حرام إلا برخصة من
الشارع حاصلة من أحد الأسباب كالنذر والعهد واليمين فيما تنعقد فيه، ومما
يشير إلى ما ذكرنا ما ذكروه في باب الصلح، فإنهم بعد ما رووا عن النبي (صلى الله عليه وآله): «أن
الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا» فسروا تحليل
الحرام بالصلح على استحقاق حر او استباحة بضع لا سبب لإباحته غيره أو
ليشربا أو أحدهما الخمر ونحو ذلك، وتحريم الحلال بأن لا يطأ أحدهما حليلته أو
لا ينتفع بماله ونحو ذلك.
وبالجملة اللزوم الحاصل من الشرط لما يشترطانه من الشروط الجائزة
ونحو ذلك على سبيل القاعدة، بل يحصل من ملاحظة جميع موارده حكم كلي هو
وجوب العمل على ما يشترطانه، وهذا الحكم أيضا من جعل الشارع فقولنا: العمل
على مقتضى الشروط الجائزة واجب، حكم كلي شرعي، وحصوله ليس من
جانب شرطنا حتى تكون من باب تحليل الحرام أو تحريم الحلال، بل إنما هو
صادر من الشارع مستقلا (1) انتهى ملخصا.
وحاصله: الفرق بين ما يحدث حكما كليا وما يحدث حكما جزئيا وأن
الأول مطلقا باطل دون الثاني، وهذا الفرق لا وجه له ولا دليل عليه، ودعوى: ظهور
الكلي من تحريم الحلال وتحليل الحرام، ممنوع إلا أن يرجع إلى ما تقدم، فتأمل.
خامسها: ما يذكر فيه المنافيات للعقد وهو ما ينافي القسم الأول من
المقتضيات إما بشرط عدمه أو ما يقتضي عدمه كعدم التصرف عامة أو خاصة
على المالك أو التصرف بالوطء ونحوه للبائع أو غيره ممن لا يملك. والقسم الثاني
وهو اللازم على الدوام. أما اشتراط نفي البواقي أو ما يقتضي نفيها فليس بمناف.

(1) رسالة الشروط، المطبوعة مع غنائم الأيام: 732.
221

ومن هنا ظهر أن ما كان منافيا لصورة العقد - كاشتراط أن يكون البيع إجارة
والدوام متعة والمضاربة شركة والسلم نقدا وبالعكس ونحو ذلك - لا يجوز،
وكذلك ما كان منافيا لمعنى العقد كاشتراط تمليك العين بالإجارة وبعض رأس
المال بالمضاربة والمنافع بالوديعة ونحوها، وكذلك ما كان منافيا للوازم العقد
كاشتراط بقاء سلطان البائع على العين بعد بيعه والمؤجر على المنفعة بعد إجارته
والراهن على الرهن بعد رهانته ونحوها، وكذلك ما كان منافيا لمقتضيات العقد
كاشتراط عدم الانتفاع بالكلية أو في بعض مقامات الخصوصية كأن لا يبيع
ولا يعتق ولا يؤجر ونحوها، ومن ذلك ما لو شرط عدم الخسارة على المشتري
كما صرح به الأكثر.
ولكن في الصحيح قال: سألت أبا الحسن موسى (عليه السلام) [عن الرجل] أبتاع منه
متاعا على أن ليس علي منه وضيعة هل يستقيم هذا، وكيف يستقيم وجه ذلك؟
قال: لا ينبغي (1) وظاهره الكراهة إلا أنه باعتبار مخالفته للقاعدة وفتوى الأكثر
مصروف إلى التحريم.
وربما ادعى بعض المتأخرين (2) عدم ظهور لفظ «لا ينبغي» في الكراهة،
لاستعمالها كثيرا في التحريم.
ومن هذا الباب ما كان منافيا لحصول الغرض بالعقد من حينه كاشتراط البيع
حال الابتياع والإجارة حال الاستئجار ونحوهما على إشكال. ويكون عدم جواز
شرط البيع في البيع في بعض الصور على وفق القاعدة لا للدليل.
وهل اشتراط نفي التصرف الخاص المقيد - كاشتراط أن لا يبيعه من زيد مثلا
أو لا يهبه من عمرو - مناف لمقتضى العقد، كاشتراط نفي التصرف الخاص المطلق
كاشتراط أن لا يبيع أو يهب؟ وجهان، والأقوى العدم. وليس منه مثل اشتراط
المرأة على زوجها أن لا يخرجها من بلدها أو اشتراط أن لا يتزوج عليها ثانية

(1) الوسائل 12: 409، ب 35 من أبواب أحكام العقود، ح 1.
(2) هو المحدث البحراني في الحدائق، راجع ج 2 ص 144 وج 4 ص 153 و 360.
222

ونحو ذلك، فإن أمثال هذه الأشياء من الأحكام الخارجة عن العقد اللاحقة به، لا
من لوازمه المتولدة منه الحاصلة بسببه، وذلك هو معنى الاقتضاء، لا مطلق
الارتباط والتعليق.
فعلى ما ذكرنا اشتراط التصرف العام والخاص لا منافاة فيه، واشتراط نفي
التصرف عاما أو خاصا ليس بجائز. واستلزام تعيين التصرف نفي غيره غير ضار،
لأن المملوك له وعليه هو التصرف، والمنافع المتعددة كالأعيان المتعددة إذا
استلزم أخذ بعضها تلف الباقي، وليس فيه حرج.
أما عدم التصرف فلا يدخل في الملك، وليس من التخصيص كالتصرف
الخاص، فيفرق بين شرط البيع والعتق والوطء والسكنى في موضع وبين نفي
شيء منها.
ألا ترى أن اشتراط جميع التصرفات لا عيب فيه، واشتراط كلية العدم مناف.
وبالجملة المقصود في اشتراط البيع والعتق ونحوهما هو إخراج الملك أو
المنفعة من يد المشتري بقصده (1) واختياره فهو مؤكد للملك والسلطان، وممنوعيته
عن التصرف الذي هو مقصود البائع بالذات هو عدم التصرف في حال عدم الملك
لا مع ثبوته، وفي الأمثلة الاخر هو ممنوعيته في حال الملك، مع أنه لو سلمنا عدم
منافاة ذلك لمقتضى العقد. نقول: إن اشتراط آحاد التصرف أو عمومه اشتراط لفعل
من أفعال المكلف يمكن نقله بالإجارة والصلح والجعالة وغيرها، بخلاف اشتراط
نفي التصرف خاصة وعامة، فإنه من الأعدام ولا تتعلق به صفة الملك الوجودية،
والشرط عندهم بحكم الجزء من العقد وداخل في قسم النواقل والمملكات، فلا
يتعلق بالمعدومات والمتعلق في الأول هو الموجود والعدم تابع وفي الثاني
بالعكس، فتأمل.
نعم قد يظهر من التذكرة في باب الإجارة الإجماع على صحة اشتراط عدم
الانتفاع زمانا معينا (2) وهو ممنوع.

(1) في نسخة: بعده.
(2) التذكرة 2: 297 س 29.
223

ومن هنا تبين فساد ما اورد على الأصحاب من المطالبة بالفرق بين ما عدوه
منافيا لمقتضى العقد - كاشتراط أن لا يبيع أو لا يعتق أو لا يهب - وبين ما أجازوه
من اشتراط العتق وجواز عدم انتفاع المشتري في البيع في زمان معين، مثل أن
يشترط البائع لنفسه سكنى الدار ونحو ذلك، واشتراط المرأة على زوجها أن لا
يخرجها من بلدها كما ورد به النص (1). ولا حاجة إلى الجواب عن الأولين
بالإجماع المنقول كما يظهر من العلامة وغيره، وفي العتق مضافا إلى الإجماع
كونه مبنيا على التغليب والسراية (2) فإن عناية الشارع بوقوعه توجب تحققه
بأدنى سبب كما يظهر من تتبع مسائل كثيرة، وعن الثالث بالاستناد إلى النص.
وأما استشكال العلامة في التذكرة في شرط عدم البيع والعتق (3) فلعله ناظر
إلى ما ورد في بعض الروايات من جواز اشتراط عدم البيع والهبة في الإماء، كما
ورد عن جميل بن دراج عن بعض أصحابنا عن أحدهما (عليهما السلام) في رجل اشترى
جارية وشرط لأهلها أن لا يبيع ولا يهب ولا يورث قال: يفي ذلك لهم إلا الميراث (4).
وروى الكليني في الحسن ما يقرب منه (5) وظاهر النافع التأمل في اشتراط
عدم بيع الأمة أو هبتها لذلك حيث قال: المروي الجواز (6).
وفي إيضاح النافع بعد نقل كلامه: إن الجواز غير بعيد، لأن بقاء الأمة عند
المالك الصالح مطلوب فاشتراط بقاء ملكه عليها جائز، وذلك لا ينافي كما في ام
الولد ومنذور التصدق به، انتهى.
ولكن في كشف الرموز: ما رأيت أحدا عمل بها (7)، وهو كذلك بالنسبة إلى من
تقدم عليه أو عاصره بل ومن تأخر عنه عدا الشاذ النادر، فهي متروكة.
وفي جامع المقاصد: والحاسم لمادة الإشكال أن الشروط على أقسام:

(1) انظر الوسائل 15: 49 ب 40 من أبواب المهور.
(2) التذكرة 1: 493 س 2.
(3) التذكرة 1: 489 س 41.
(4) الوسائل 15: 49، ب 40 من أبواب المهور، ح 3.
(5) راجع الكافي 5: 402 باب الشرط في النكاح وما يجوز منه وما لا يجوز، ح 2.
(6) المختصر النافع: 125.
(7) كشف الرموز 1: 475.
224

منها: ما انعقد الإجماع على حكمه من صحة وفساد فلا عدول عنه.
ومنها: ما وضح فيه المنافاة للمقتضي كشرط عدم الضمان عن المقبوض
بالبيع، أو وضح مقابله، ولا كلام في اتباع ما وضح.
ومنها: ما ليس واحدا من النوعين وهو بحسب نظر الفقيه (1) انتهى.
قلت: بل الحاسم لمادة الإشكال بالنسبة إلى الشرط المنافي لمقتضى العقد هو
أن يقال: إن كل شرط يخرج العقد بسببه عن حقيقته عرفا أو شرعا أو عن صحته
شرعا، فذلك مناف لمقتضى العقد الذي اجمع على بطلان الشرط معه، وما شك فيه
فالأصل عدم مدخلية عدم ذلك الشرط في صحة العقد حتى يكون وجوده منافيا
لمقتضاه. نعم لو كان الشرط بحيث يشك معه في تحقق حقيقة البيع في العرف
فالظاهر البطلان، لأن الأصل عدم تحققه في الخارج، والحكم تابع لما يصدق
عليه البيع عرفا.
وبيان ذلك أن بين أدلة الشروط وأدلة البيع عموما من وجه، فمتى لم يكن بين
مقتضاهما تناف فلا إشكال، ومتى ثبت التنافي اتجه بطلان الشرط، لأن مرادنا من
«المقتضى» بصيغة اسم المفعول هو ما يتسبب عن العقد شرعا من حيث هو بلا
مدخلية شيء آخر، فلابد أن لا يتخلف عن مقتضاه، فإذا أوجب الشرط الذي هو
جزء البيع وأحد أركانه رفع مقتضى البيع، فيرتفع نفس البيع فإن البيع الذي هو
معيار الشارع في ترتب الآثار والأحكام هو ما كان سببا لذلك المقتضى، فلا يبقى
علة للزوم الشرط جزما، لأ نه تابع غير مستقل.
ومن ذلك ظهر أن سقوط خيار المجلس والحيوان ونحوهما لا ينافي مقتضى
العقد، إذ ليس الغرض بالمنافي ما نافى إطلاق العقد بل العقد المطلق.
فاندفع بذلك ما في جامع المقاصد في شرط عدم الهبة قال: فإن قلت: منافاته
من جهة منعه من الهبة. قلت: منعه من الهبة إن اريد بالنسبة إلى العقد المعرى عن
الشرط، فهو وارد في كل شرط لأ نه مخالف لمقتضى العقد الخالي منه، وإن اريد
بالنسبة إلى العقد المتضمن له، فهو غير واضح (2) انتهى.

(1) جامع المقاصد 4: 415.
(2) جامع المقاصد 4: 415.
225

نعم قد يقع الشك في بعض الأشياء في أنها هل هي منافية لمقتضى العقد أو
إطلاقه، وذلك بحث في الموضوع، مع أن الأصل يقضي بعدم كونها من القسم
الاول بعد احراز اسم العقد المشترط فيه عرفا.
ومن جملة ما شك في منافاته لمقتضى العقد اشتراط الميراث في عقد المتعة
لقوله (عليه السلام) في رواية عبد الله بن عمر من حدودها - يعني المتعة -: أن لا ترثها
ولا ترثك (1) باعتبار أن المراد من ذلك هل هو عدم اقتضاء العقد الإرث أو
اقتضاؤه عدمه.
ومنه اشتراط الضمان في عقد الإجارة حيث لا تعدي ولا تفريط، باعتبار أن
الإجارة هل هي مقتضية لعدم التضمين حتى يفسد الشرط بمنافاته لمقتضى العقد،
أو لا تقتضي الضمان ولا عدمه، وعدم الضمان فيها جاء من عموم ما دل على أن
الأمين لا يضمن إلا بالتفريط؟ وجهان، بل قولان، والمسألة في محلها.
ثم اعلم أن هذا كله في باب المعاوضات، وأما باب النكاح الذي قام الدليل
على صحة العقد فيه وإن فسد الشرط، فهل يشمل ما كان فساده لمخالفته لمقتضى
العقد أم مقصور على غيره؟
قلت: الذي يظهر من كلام الأكثر هناك العموم وإن صرح بعض (2) بخلافه.
نعم يستثنى من ذلك الشرط الذي يعود على معنى العقد بالنقص بحيث
يخرجه عن حقيقته وعن مسماه فقط، وأما غيره فلا وإن نافى سببيته شرعا
كاشتراط عدم بعض الآثار المترتبة على العقد من حيث هو لا على إطلاقه فإن
ذلك لا ينافي مقتضى العقد (3).
سادسها: ما يقضي بتجهيل العوضين أو أحدهما، كأن يشترط تأخير تسليم
المبيع أو الثمن مدة غير معينة، أما لو شرطا أجلا يعلمان عدمهما قبله، كما شرطا
تأخير الثمن ألف سنة أو الانتفاع بالمبيع كذلك فالأقرب الصحة، لعموم أدلة

(1) الوسائل 14: 487، ب 32 من أبواب المتعة، الحديث 8.
(2) السرائر 2: 589.
(3) في نسخة: لا يفسده مطلقا.
226

الشروط، وإطلاق الأصحاب جواز الأجل المضبوط، والقطع بالموت قبله لا
يقدح، وإلا لما صح تأجيل المطعون بسهم أو رمح يقطع بموته عادة السنة والسنين.
وأقصى ما يتخيل للمنع عدم الانتفاع بالمبيع أو الثمن وفيه: أنه يتحقق بانتفاع
الوارث ولو بعد حين. ودعوى: عدم شمول أدلة العقود لمثل ذلك، ممنوع.
وفي الإيضاح وحواشي المصنف (1) قرب عدم الصحة.
وفي جامع المقاصد جعل التوقف في مثل ذلك طريق السلامة (2).
ومثل ما يقتضي تجهيل العوضين في المنع ما يقتضي تجهيل العقد كاشتراط
الرهن والضمان والخيار من غير تعيين ونحوها، أو ما يذكر فيه شرط مجهول
مطلقا، أو موكول علمه إلى اختيار المشترط فإن ذلك كله يقتضي تجهيل العقد،
ولذلك اشترطوا تعيين الرهن المشروط إما بالوصف أو المشاهدة، كما في القواعد
والتحرير والتذكرة والإيضاح والدروس وجامع المقاصد (3)، دفعا للضرر وحسما
لمادة التنازع، لمكان التفاوت الكثير في الرهون باعتبار تعلق الرغبات وسهولة
بيعها وحاجة رافعها إلى فكها وعدم ذلك.
واحتمل في الدروس صحة الإطلاق للأصل فيحمل على حافظ الحق،
وحينئذ يتخير الراهن في التعيين.
واشترطوا التعيين إما بالاسم والنسب أو بالمشاهدة أو بالوصف، كما في
القواعد (4) وغيرها.
واشترطوا ضبط مدة الخيار كما سبق، ومنعوا من الشرط المجهول مطلقا،
للزوم الجهالة وللغرر، فيكون مخالفا للسنة.

(1) إيضاح الفوائد 1: 513، ولم نعثر عليه في الحاشية النجارية.
(2) جامع المقاصد 4: 417.
(3) القواعد 2: 91، التحرير 1: 180 السطر الأخير، التذكرة 1: 491 س 24، إيضاح الفوائد 1:
513، الدروس 3: 216، جامع المقاصد 4: 418.
(4) القواعد 2: 91.
227

أما لو كان المشترط معينا في الواقع كنفي الخيارات أو ضمان الحوادث
والعوارض والغرامة لكل ما يغرم واشتراط الخدمة والحمل واللبن وشئ معين
في البيت مثلا أو ما يحصل من كسبك ونحو ذلك فلا بأس، وما هو إلا بمنزلة
الصلح والعقود الجائزة كما تقدم.
سابعها: ما كان من مقتضيات الشرع وأحكامه وليس للمخلوق دخل فيه،
كاشتراط حق الاخوة والبنوة ومطلق الرحم والجوار والصحبة والشفعة وتحريم
الحلال وتحليل الحرام الأصليين وتبديل الحكم واشتراط اللزوم في موضع
الجواز والجواز في موضع اللزوم إلا مع إذنه، واشتراط الخيار وإسقاطه من حق
المتعاملين، وليس من هذا الباب في وجه، فاشتراط الخيار كالوكالة على التقايل
وإسقاطه رفع للحق كالصلح عليه، ويحتمل جعله من هذا الباب والمخرج له النص
والإجماع، وهو الأقوى، وقد تقدم الكلام في ذلك.
ومن هذا الباب اشتراط كون الطلاق والجماع بيد المرأة.
وفي الصحيح: قضى علي (عليه السلام) في رجل تزوج امرأة وأصدقها وشرطت أن
بيدها الجماع والطلاق قال: خالفت السنة ووليت الحق من ليس بأهله قال: فقضى
علي (عليه السلام) أن على الرجل النفقة وبيده الجماع والطلاق وذلك السنة (1).
وفي الصحيح الآخر قال: قضى علي (عليه السلام) في رجل تزوج المرأة إلى أجل
مسمى، فإن جاء بصداقها إلى أجل مسمى فهي امرأته، وإن لم يجئ بالصداق
فليس له عليها سبيل، شرطوا بينهم حيث أنكحوا، فقضى أن بيد الرجل بضع امرأته
وأحبط شرطهم (2).
وهل اشتراط الغايات من هذا القبيل أولا؟ وجهان، والمسألة في غاية الإشكال.
وتفصيل الحال: أن الشرط قد يتعلق بالأسباب من العقود والإيقاعات
والأحكام، وقد يتعلق بالغايات. أما ما يتعلق بالأسباب كشرط أن يبيع أو أن يهب

(1) الوسائل 15: ب 29 من أبواب المهور، ح 1.
(2) التهذيب 7: 370، ح 61.
228

أو أن يسقط أو أن يلتقط أو أن يحوز ونحوها، فمقتضى القاعدة فيه عدم ترتب
الغايات إلا بعد فعل الأسباب، فيجبر على فعلها وإلا تولاها الحاكم إلا أن يرجع
إلى اشتراط الغاية. ومرة (1) يتعلق بالغايات كالحرية والمملوكية والوقفية والشركة
أو الزرع أو المضاربة أو غيرها، فإن رجع في المعنى إلى الأول فكالأول، وإلا فإن
قام دليل على اعتباره من دون حاجة إلى العقد، كشرط تمليك شيء منه عين أو
منفعة أو إبراء أو خيار أو سقوطه ونحو ذلك فلا إشكال، وإن قام دليل على عدم
اعتباره - كالنكاح والطلاق والخلع والمباراة والعهد والقسم والظهار ونحوها مما
علمنا بالإجماع وظواهر الأدلة اعتبار ألفاظ خاصة فيها فكذلك، وما شك فيه
- كاشتراط الحرية والوقفية والسكنى والعمرى ونحوها - يبنى فيها على الدخول
في قولهم (عليهم السلام): المسلمون عند شروطهم (2) وعدمه.
فقيل بالدخول، لما يظهر من استدلالهم به على ثبوت الغايات. وفي روايات
ارتجاع المبيع عند رد الثمن (3) ما يقضي بظاهره بذلك، فيكون الأصل في ذلك
الصحة وترتب الأثر، وقيام الشرط مقام المؤثرات من العقود وغيرها من غير فرق
بين لازمها وجائزها.
لا يقال: إن هذا الشرط مما حلل حراما.
لأ نا نقول: المراد به الحرام الأصلي الذي لا يهدمه الشرط، لا كل ما كان
حراما بدون الشرط، وإلا لم يسلم شرط من الشروط.
والمراد بالحرام الأصلي ما جاء فيه دليل بالخصوص، لا ما دخل تحت
قاعدة تقضي بالتحريم من استصحاب وغيره، فإن دليل الشرط يحكم عليها،
وثبوت الغايات بالعقود والايقاعات مثلا لا ينفي ثبوتها بما عداها.
بل أقصى ما هناك أنه يبقى ثبوتها بما عدا ذلك داخلا تحت القواعد العامة من

(1) كذا، والصواب: وأما ما يتعلق.
(2) الوسائل 12: 353، ب 6 من أبواب الخيار، ح 1 و 2 و 6.
(3) الوسائل 12، 354، ب 7 من أبواب الخيار.
229

استصحاب بقاء الملك، وكون الأحكام الشرعية تكليفية أو وضعية توقيفية، فإذا
جاء دليل الشرط سوغها. نعم ما دل على قصره على أسباب مخصوصة الدليل
الخاص نقول به.
والظاهر عدم دخول مثل ذلك تحت أدلة الشروط، فإن أقصى ما يدل عليه
اللزوم قضاء لظاهر الجملة الخبرية، ولفظ «عند» وأن يقفوا عند شروطهم كما
سيأتي إن شاء الله.
وأما الملتزم به فليس فيها تعرض له بوجه من الوجوه، وإنما هو شيء يعلم
من خارج ومحال على الشرع، والاستثناء فيها استثناء من الحكم الذي هو
الوجوب، مع أن المعلوم من الأصحاب في سائر أبواب العقود والإيقاعات توقفها
على ألفاظ خاصة وكيفيات خاصة لا يجيزونها بغيرها، مع أن هذا لو كان مسلما
لذكر يوما في باب من الأبواب.
نعم بالنسبة إلى مثل التمليك الذي ليس له لفظ خاص ويتأدى بلفظ البيع
والهبة وصيغة التمليك وغيرها بل يتأدى بالفعل كالمعاطاة بل وبالإباحة أيضا،
ولهذا تجري عليها أحكام الملك نجيزه بالشرط ونرتب عليه الأثر لأ نه لفظ يؤدي
ذلك المعنى كسائر الألفاظ، ومثله إسقاط الحق فإنه يتأدى بكل لفظ ومنها الشرط.
ومثلهما العقود الجائزة، وهذا هو السبب في نص الأصحاب على هذه الغايات
دون غيرها، وليس المنشأ في ذلك ما يقوله الخصم، ولا المنشأ التعبد، فتأمل.
ويستثنى من هذا القسم من الشروط ما قام الدليل على خلافه، كشرط الرقية
في من أحد أبويه حر، وإرث المتعة، وشرط الصوم حضرا وسفرا لو قلنا به، وشرط
الإحلال في الإحرام والاعتكاف، وشرط عدم وطء المتعة، واشتراط الإرث في
ضمان الجريرة، ونحوها.
ثامنها: ما كان مما حرمه الشارع من أعيان كخمر ولحم ميتة أو كلب أو
خنزير أو صنم أو آلات لهو أو ظروف فضة أو ذهب أو نحوها، أو أعمال كلعب
بقمار وغناء وعمل بالملاهي أو زنا ولواط ونحوها مما يشترط فيه ما يخالف
كتاب الله وكلام أنبيائه وأوصيائهم صلوات الله عليهم.
230

والظاهر دخول جميع ما سبق تحت ما خالف الكتاب والسنة، وحصر
بعضهم (1) المخالف للكتاب والسنة في المخالف لمقتضى العقد فقط غلط لا وجه
له، ولا فرق في المنع من اشتراط ما خالف الكتاب والسنة بين أن يخالف عامهما
أو خاصهما، فالفرق بين ما كان الشرط رافعا لما كان مشروعيته بالنص عليه في
باب ذلك العقد بالخصوص - كاشتراط أن لا يتزوج فإن الزيادة على الواحدة
منصوص بها في الشرع بالخصوص، لقوله تعالى: (فانكحوا ما طاب لكم من
النساء مثنى وثلاث ورباع) (2) - وما كان مشروعيته بالعموم كعدم إخراج المرأة
من بلدها وعد الأول من الشروط المخالفة للكتاب والسنة دون الثاني، لا وجه له.
نعم ما ذكر من المثال في المقام الأول ليس من باب الشروط المخالفة
للكتاب والسنة بهذا الطريق، بل لورود الدليل الخاص بمنعه من الإجماعات (3)
والروايات (4)، أو حيث يرجع إلى بعض ما تقدم من أقسام الشروط.
وأما الثاني فليس من الشروط المخالفة للكتاب والسنة كما تقدم، مع ورود
النصوص الصحيحة (5) الصريحة بجوازه.
تاسعها: ما علم من الشرع جواز اشتراطه بالخصوص - كاشتراط الزوجة أن
لا يخرجها من بلدها ونحو ذلك - أو المنع من اشتراطه كذلك كعدم التزويج عليها
والتسري ونحو ذلك، وهذا لا بحث فيه للفقيه ثبوتا ونفيا، بل هو تابع ورود النص
به من الجواز وعدمه.
وبقى قسم آخر من الشروط سيجيء في كلام المصنف إن شاء الله.
إذا تقرر هذا فنقول: إن الأصل والآيات والأخبار تقضي بجواز كل شرط إلا
ما علم عدم جوازه بالعقل أو النقل عموما أو خصوصا، ولا يراد بما أحل حراما أو
حرم حلالا ما يعم العارضي الذي يهدمه الشرط، بل ما كان حراما في نفسه حرمة

(1) منهم العلامة في القواعد 2: 90.
(2) النساء: 3.
(3) راجع المسالك 8: 245 وكشف اللثام 7: 420.
(4) راجع الوسائل 15: 46، ب 38 من أبواب المهور.
(5) راجع الوسائل 15: 48، ب 40 من أبواب المهور، ح 1 وذيل ح 3.
231

لازمة وما كان حلالا كذلك، ولولا ذلك لكانت جميع الشروط مما أحلت حراما
أو حرمت حلالا، فلا يبقى للاشتراط محل.
فإن قلت: ظاهر صحيحة عبد الله بن سنان يقضي بأن الموافقة لكتاب الله شرط
في صحة الشروط، لا أن المخالفة مانعة، حيث قال الإمام (عليه السلام) فيها: «والمسلمون
عند شروطهم فيما وافق كتاب الله (1)» وحينئذ فالشك في الشرط شك في
المشروط وتكون القاعدة في الشروط عدم الصحة حتى تعلم الموافقة.
بل قد يقال: إن ما تتقيد من الروايات بما خالف كتاب الله قاض بذلك أيضا،
فإنه مع الشك في المخالفة يكون من الشك في مصداق المخصص لا في مفهومه،
والألفاظ موضوعة للواقع، فالمشكوك فيه مشكوك في دخوله تحت المخصص أو
المخصص، فلا يتمسك فيه بالعام، لأ نه قد تخصص بما خالف الكتاب واقعا، بل
يرجع فيه إلى الأصل، والأصل الفساد، فإن الصحة وترتب الأثر من الأحكام
الشرعية التوقيفية، وأما الفساد فيكفي فيه عدم الدليل، فانحصر الصحة فيما وافق
الكتاب والسنة في نفس الأمر، وإذا شك في كونه موافقا للكتاب فيحصل الشك
في الصحة، ومع الشك فلا حكم ويتعين الفساد.
قلت: لا ريب أن ما في الرواية مسوق لبيان استثناء الشرط المخالف، كما
كشفت عنه الروايات الاخر المتكثرة، وقضى به فهم الأصحاب، مضافا إلى أن
الموافقة للكتاب موجودة في المشكوك فيه باعتبار الأصل، وهو حجة شرعية،
ولا ريب أنه مع الشك في مصداق المخصص كمفهومه يتمسك فيه بالعام، كما هي
طريقة الأصحاب اقتصارا فيما خرج عنه على المتيقن.
ومن المعلوم ان المرجع في حقيقة المعاملات إلى العرف، والعقد والشرط
كلاهما من المعاملات، فما يسمى في العرف بيعا فيحكم به عليه شرعا إلا أن يثبت
له شرط في الخارج، وكذلك الشرط. فنقول: إن كل شرط يجب الوفاء به إلا ما
خالف الشرع، فما علم أنه مخالف للشرع فمستثنى، وما علم منه موافق فداخل،

(1) الوسائل 12: 353، ب 6 من أبواب الخيار، ح 1.
232

وما شك فيه فالأصل عدم المنع منه، وموافقة الأصل هو مقتضى الكتاب والسنة.
قال المصنف (قدس سره): (وكذا يبطل باشتراط غير المقدور كاشتراط حمل
الدابة فيما بعد أو أن الزرع يبلغ السنبل، ولو اشترط تبقيته إلى أوان
السنبل جاز)
هذا هو القسم العاشر من أقسام الشروط، وهو ما كان من الشروط الممتنعة عقلا
أو عادة إن اريد أن يكون ذلك بفعل، وإن اريد أن يكون ذلك بفعل الله تعالى فهو غير
مقدور له، وليس له فيه مجال السعي. ولا كذلك اشتراط الضمين والكفيل ونحوهما،
فإنه قادر على تحصيل أسبابها، فلا وجه لما أورد على الأصحاب من تجويزهم
اشتراط الضمين والكفيل مع منعهم من اشتراط غير المقدور وكلاهما غير مقدور.
وفي حواشي المصنف على القواعد فسر جعل الزرع سنبلا بأن يجعل الله جل
شأنه الزرع سنبلا قال: لأ نا إنما نفرض ما يجوز أن يتوهمه عاقل لامتناع ذلك من
غير الاله جلت عظمته (1) انتهى.
فإن قلت: أي فرق بين اشتراط حمل الدابة فيما بعد، واشتراط كونها حاملة،
حتى منعتم من الأول وأدخلتموه في غير المقدور، وأجزتم الثاني وأخرجتموه
منه، مع أن الشرط في كل منهما كون لا تكوين وفعل.
قلت: يمكن الفرق بأن اشتراط الماضي أولى من المقدور، بخلاف اللاحق،
فافهم.
وأما لو شرط تبقية الزرع إلى أوان السنبل فلا بحث في صحته، غير أن ظاهر
المصنف هنا وفي الدروس كظاهر السرائر والتذكرة: أنه لا يشترط تعيين المدة،
بل يكفي أن يحال على المتعارف من البلوغ، لأ نه مضبوط (2) كما هو خيرة الشرح
والمسالك والكفاية (3). وقال في المسالك: إن إطلاقهم يقضي بذلك.
والتحقيق أنه إن اشترط تبقية المبيع أو الثمن وكان ذلك بحيث يرجع إلى

(1) الحاشية النجارية (مخطوط): الورقة 68.
(2) الدروس 3: 215، السرائر 2: 327، التذكرة 1: 490 س 33.
(3) الروضة 3: 505، المسالك 3: 270، الكفاية 97 س 18.
233

تأخر التسليم، فلابد من ضبط المدة لئلا يجهل الشرط الذي تسري جهالته إلى
أحد العوضين، لأن مدة البلوغ غير مضبوطة بالزمان، لاحتمال التقدم والتأخر.
وإن لم يكن شرط التبقية للمبيع أو الثمن بذلك النحو، كأن يبيعه دارا مثلا
ويشترط عليه تبقية الزرع فيها، أو في مكان آخر من أملاكه إلى وقت البلوغ، فلا
بأس على ما تقدم من الاكتفاء في الشرط الذي لا يجهل العقد ولا أحد العوضين
بالأول إلى العلم كالصلح.
نعم صرح جماعة من الأصحاب في باب إجارة الأرض حيث يستأجرها
مدة لزرع لا يكمل فيها: من أنه لو شرط التبقية إلى وقت البلوغ يجهل العقد، وهو
محل بحث.
هذا كله إذا اشترط، وأما إذا أطلق فإنه يلزم البائع إبقاءه إلى أوان دروكه
وبلوغه من غير إشكال، لأ نه إذا لم يشترط كان التراضي على الزرع، والإبقاء
حكم شرعي لزم بلا معاوضة عليه، أو أنه شرط ضمني لقضاء العادة باشتراطه
ضمنا وإن لم يصرح به لفظا، وحكم الشرائط المفهومة ضمنا وإن لم يصرح به لفظا
مغاير لحكم المصرح بها، فلا يلزم من ترتب الغرر على القسم الثاني ما لم يكن
مؤكدا لما في الضمن ترتبه على الأول.
قال المصنف (قدس سره): (ولو شرط غير السائغ بطل وأبطل)
اختلف الأصحاب في البيع الذي يتضمن شرطا فاسدا على أنحاء:
أولها: صحة البيع وبطلان الشرط، وهو خيرة الشيخ في المبسوط وابن سعيد
في الجامع والآبي في كشف الرموز (1) وهو المحكي عن أبي علي والقاضي (2)،
وربما حكي عن الحلي ولم أجده في السرائر، ووافقهم أبو المكارم في الشرط
المخالف لمقتضى العقد أو السنة (3)، وابن المتوج (4) في الشرط الفاسد الذي لا

(1) المبسوط 2: 149، الجامع للشرائع: 272، كشف الرموز 1: 474.
(2) حكاه عنهما في المختلف 5: 298.
(3) الغنية: 216.
(4) هو الشيخ أحمد بن عبد الله بن سعيد المتوج البحراني، تلميذ فخر المحققين، كتابه «كفاية
الطالبين» لا يوجد عندنا، راجع الذريعة 18: 93.
234

يتعلق به غرض، كما لو شرط أكل طعام بعينه أو لبس ثوب بعينه ونحو ذلك.
ولا يبعد أن يكون هذا القول هو الأعرف عند القدماء.
ثانيها: بطلانهما معا، كما في القواعد والتذكرة والمختلف والإرشاد وشرحه
لولده والدروس والمتن والمهذب البارع والمقتصر وحواشي المصنف على
القواعد وجامع المقاصد وتعليق الإرشاد وتعليق النافع والميسية والمسالك
ومجمع البرهان والكفاية (1) ووافقهم أبو المكارم في الشرط الغير المقدور كأن
يشترط عليه أن يجعل الرطب تمرا فقال: إنه فاسد مفسد بلا خلاف (2)، لكنه في
التذكرة جعل هذا محل خلاف للشيخ أيضا (3)، وهذا القول هو المشهور شهرة
محصلة بين المتأخرين، بل كاد أن يكون إجماعيا عندهم، ومنقولة على لسان
بعض الفحول (4).
ثالثها: ما في الشرائع والنافع والتحرير والإيضاح والتنقيح وغاية المرام
وإيضاح النافع (5) من عدم الترجيح.
احتج أهل القول الأول بالأصل، وأنه لا دليل على بطلان العقد، وبالإجماع
المنقول في الغنية على صحة العقد في الشرط المخالف للعقد أو السنة (6).
وبمرسلة جميل بن دراج في من اشترى جارية وشرط لأهلها الميراث، فقد
حكم (عليه السلام) بصحة العقد وبطلان الشرط (7).
وبخبر بريرة من طريق العامة: أن مولاتها شرطت على عائشة حين شرائها

(1) القواعد 2: 90، التذكرة 1: 490 س 33، المختلف 5: 298، الإرشاد 1: 359، الدروس 3:
214، راجع المهذب البارع 2: 406، المقتصر: 174، جامع المقاصد 4: 415، حاشية الإرشاد
(مخطوط): 116، مسالك الأفهام 3: 273، مجمع البرهان 8: 148، الكفاية: 97 س 21.
(2) الغنية: 215.
(3) التذكرة 1: 490 س 33.
(4) لم نقف عليه.
(5) الشرائع 2: 34، المختصر: 124، التحرير 1: 180، س 6 (هكذا أيضا نسبه إليه السيد
العاملي في مفتاح الكرامة، والذى قربه فيه بطلان العقد أيضا) إيضاح الفوائد 1: 518،
التنقيح 2: 73، غاية المرام 2: 64 و 65.
(6) الغنية: 216.
(7) الوسائل 15: 49، ب 40 من أبواب المهور، ح 3.
235

أن يكون ولاؤها لها إذا أعتقها فأجاز النبي (صلى الله عليه وآله) البيع وقال: «الولاء لمن أعتق (1)»
فأفسد الشرط.
ومن طريق الخاصة ما رواه المشايخ الثلاثة في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام)
أ نه ذكر أن بريرة كانت عند زوج لها وهي مملوكة، فاشترتها عائشة فأعتقتها
فخيرها رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: إن شاءت تقر عند زوجها وإن شاءت فارقته وكان
مواليها الذين باعوها شرطوا على عائشة: أن لهم ولاءها فقال لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله):
«الولاء لمن أعتق» (2). ومثله صحيحة عيص بن القاسم (3). واحتجوا أيضا بما ذكر
في النكاح من الإجماع المنقول كما في المسالك على صحة عقده وفساد
الشرط (4)، والأخبار المتعددة الصحيحة الصريحة الدالة على ذلك، كصحيحتي
محمد بن قيس المتضمنة إحداهما اشتراط المرأة في عقد النكاح: أن بيدها الجماع
والطلاق (5) والاخرى اشتراط أن يجيء الزوج بالصداق إلى أجل مسمى وإلا
فليس له عليها سبيل (6) وقد حكم (عليه السلام) فيهما بصحة العقد وأبطل الشرط.
وصحيحته الثالثة في شرط عدم التزويج والتسري، وأنه إن تزوج عليها أو هجرها
أو تسرى فهي طالق (7) وقد حكم (عليه السلام) فيها بصحة العقد وأبطل الشرط. وخبر
الوشا (8) وغيرهما.
وبلزوم الدور، لأن لزوم الشرط وصحته فرع على صحة البيع فلو كانت
موقوفة على صحته لزم الدور.

(1) سنن البيهقي 10: 336 - 339.
(2) الكافي 5: 468، ح 1، والفقيه 3: 134، ح 3497، التهذيب 7: 341، ح 27.
(3) الوسائل 16: 40، ب 37 من كتاب العتق، ح 1.
(4) المسالك 8: 245.
(5) الوسائل 15: 41، ب 29 من أبواب المهور، ح 1.
(6) الوسائل 15: 21، ب 10 من أبواب المهور، ح 2.
(7) الوسائل 15: 46، ب 38 من أبواب المهور، ح 1.
(8) الوسائل 15: 19، ب 9 من أبواب المهور، ح 1.
236

واجيب عن الأصل - أي أصل الصحة - بأنه مقطوع بما يأتي من الأدلة
ومعارض بأصل عدم الانتقال.
وعن الإجماع بأنه ممنوع في مقابلة فتوى المشهور بخلافه، مع أنه ربما ظهر
عن عبارة ناقله أنه الإجماع على أصل القاعدة، مع أنه بنفسه نفى الخلاف في
إفساد الشرط الغير المقدور للعقد، ولا قائل بالفرق بين المقامين.
وعن ظاهر القرآن أعني (أحل الله البيع) (1) و (أوفوا بالعقود) (2) بأنه غير
شامل لما نحن فيه من وجهين:
الأول: تقييده بالقصد المنفي فيه، لأن البائع إنما رضي على هذا الشرط، فإذا
لم يسلم كانت تجارة عن غير تراض، مع أن التراضي شرط إجماعا فلم يستكمل
لعموم الشروط، ولهذا اشتهر فيما بينهم في سائر أبواب العقود: إن العقود تتبع القصود.
والمراد بذلك: أن العقد إذا أمكن حصوله على شؤون مختلفة من الإطلاق
والتقييدات المختلفة الحاصلة بالشروط وغيرها فالعقد تابع للقصد أعني أن
الماهية المطلقة يحكم بحصولها في ضمن ما قصد من أفرادها وأقسامها، لا أن كل
ما يترتب على العقود من الآثار والثمرات الخارجة والأحكام اللاحقة لابد أن
يعلمها ويعتقدها ويقصدها في العقد، ومع اعتقاد خلافها وعدم القصد إليها لا يصح
العقد، وإلا فيلزم بطلان أكثر العقود. والمعتبر من ذلك القصد هو ما اطلع عليه
المتعاقدان معا، ولا يكفي في ذلك قصد أحدهما من دون اطلاع الآخر، فما
يحتمل وجوها كثيرة ولم يذكر في طي العقد وجه منها ولم يعين فالقدر المشترك
المنعقد بينهما هو مطلق العقد، وما عداه يبنى فيه على الإطلاق، والعقد المشروط
من القسم الأول في المقامين.
الثاني: تطرق الجهالة المانعة من الصحة، لأن الشرط له قسط من الثمن، فإنه
قد يزيد باعتباره وينقص، فإذا بطل بطل ما بإزائه من الثمن وهو غير معلوم.
وعن الروايات أما عن الاولى فباشتمالها على صحة اشتراط عدم الهبة

(1) البقرة: 275.
(2) المائدة: 1.
237

والبيع، والقول به متروك بين الأصحاب كما عرفت، فهي شاذة، ولا يمكن فيها
التفكيك فيعمل فيها ببعض دون بعض.
وأما عن الثانية فقد أجاب في المختلف بضعف السند أولا، وأنها رويت على
وجه آخر وهو من طرق العامة أيضا مشتمل على أن بريرة أخبرت عائشة بأنها
قد كوتبت، وطلبت الإعانة منها، فيسقط الاستدلال بها بالكلية (1)، إذ لا بيع حينئذ،
وفيها أيضا أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال لها: اشترطي الولاء ولا يأمرها بفاسد، فالمراد
اشترطي عليهم.
وأما عن الثالثة والرابعة فأولا بالتزامه بخصوصه للدليل، كما نقول بذلك
بالنظر إلى شرائط النكاح، وقد استثناه المقداد في التنقيح من الشرائط الفاسدة
التي يسري فسادها إلى العقد وقال فيه بصحة العقد وفساد الشرط (2).
وثانيا بما يظهر من بعضهم من أنه يجوز أن يكون شرطا للعتق لا للبيع،
وفساد شرط الشرط لا يسري إلى فساد الشرط فضلا عن البيع، فتأمل.
وأما عن الإجماع الوارد في باب النكاح والأخبار المذكورة فيه، فبمنع
الإجماع على إطلاقه أولا بحيث يثبت قاعدة في ذلك في باب النكاح فضلا عن
غيره، لوقوع الخلاف فيه أيضا فيما خالف مقتضى العقد، وذكروا مواضع اخر
اختلفوا فيها أيضا، والأخبار ليس فيها ما يقضي بالعموم بحيث يجعل ذلك قاعدة
فيه. وأقصى ما في الباب: أنه قد وردت الأخبار فيه في خصوص بعض الشروط
فيقتصر في ذلك على مواردها، سلمنا ذلك ولكن باب النكاح مطلقا خرج
بالدليل، فيكون من قبيل الأسباب ومستثنى من تبعية العقود للقصود.
وقد يجاب عن ذلك: بأن الشرط ذو وجهين، مرة يراد به الربط فيلزم من
فساده فساد العقد، ومرة يراد به الاستقلال فيكون منفصلا عن العقد وبمنزلة عقد
آخر، لعدم ارتباط المشروط به، فالعقد يقع مطلقا وإن تبعه الشرط وترتب عليه

(1) المختلف 5: 299.
(2) التنقيح 2: 74.
238

فلا يسري الفساد منه إليه، وشروط النكاح من هذا القبيل، باعتبار أن النكاح ليس
بمعاوضة محضة، فيلزم دخول الشرط في أحد العوضين، بل هو أمر خارج،
فيكون بمعنى الإلزام والالتزام، ولو اريد منه معنى الربط فأقصاه منع المهر، فيقضى
بفساد المهر وهو لا يفسد العقد.
وهذه الصورة وإن أهملها الأصحاب إلا أنها أحد صور الاشتراط، ويدل على
لزوم الوفاء بها إطلاق قولهم (عليهم السلام): «المؤمنون عند شروطهم (1)» ويكون المراد به
معنى الإلزام والالتزام، وظهور لفظ الشرط في التبعية والارتباط لا ينافي ذلك،
فإن التبعية من جانبه موجودة وإن كانت من جانب العقد منتفية، ويكون من هذا
القبيل شرط الإحلال عند الصد في الإحرام، وشرط الاعتكاف، وشرط الخدمة
في العتق، ولذا لا تتوقف فيها صحة المشروط على صحة الشروط، ويكون المدار
حينئذ على قصد المتعاقدين، فإن قصدا الأول كان منه، وإن قصدا الثاني كان منه
وإن أطلقا حملا على الأول، ويمكن بهذا أن يجعل النزاع لفظيا بين أهل القول الأول
والقول الثاني بحمل أهل القول الأول على الثاني وأهل القول الثاني على الأول.
قلت: لا ريب أن معنى الشرطية وظاهر اللفظ ينافي ذلك، فإن المتبادر من
الشرط هو ما يلزم من عدمه العدم، لا مطلق الإلزام والالتزام، ولا خصوص التابع
منه للعقد، ولا أقل من الشك، والأصل عدم الاشتراط، وعدم ترتب أحكام الشرط
وآثاره. على أنه لو اريد مطلق الإلزام والالتزام للزم أنه لو اشترط عليه شيئا ابتداء
أ نه يجب عليه الوفاء به، ولا قائل به. وإن اريد خصوص التابع للعقد كان تحكما،
على أن ظاهر الأصحاب في شروط النكاح وما كان بحكمها عدم الفرق في صحة
العقد وفساد الشرط بين أن يقصد المتعاقدان الشرط بالمعنى الأول أو الثاني
أو مطلقا، بل ظاهرهم أن محل البحث حيث يقصد المعنى الأول، فليس المستند
إلا التعبد بالدليل الخاص فيها، كما أن أظهر أفراد النزاع فيما نحن فيه صورة
الإطلاق أيضا.

(1) الوسائل 15: 30، ب 20 من أبواب المهور، ح 4.
239

ودعوى: أنه مع الإطلاق في خصوص باب النكاح الظاهر من الشرط ذلك،
ممنوع.
ومن هنا ظهر أنه لو قصد المتعاقدان الشرط بالمعنى الثاني لم يكن من
الشروط الشرعية، ولا يلحقه حكم الشرط بوجه من الوجوه.
وأما عن لزوم الدور فقد أجاب عنه الفخر في الإيضاح: بأن كون هذه شروطا
مجاز لأ نها تابعة للعقد، والعقد سبب فيها، فلا يعقل كونها شرطا له وإلا دار، بل هي
من صفات المبيع تختلف الأغراض باختلافها (1).
وقال في شرح الإرشاد ناقلا له عن والده: ان هذا الدور دور معية كالصلاة
وأجزائها، فإن مجموع الصلاة متوقف على أجزائها من حيث الصحة، وأجزاؤها
من حيث الصحة متوقفة على مجموعها، انتهى.
والثاني هو الوجه في الجواب دون الأول، إذ لا ريب في كونها شروطا على
الحقيقة، وإن لم تكن لأصل العقد، وسيأتي بيان ذلك.
ثم إن أهل هذا القول بعد أن قالوا بصحة العقد وبطلان الشرط، لم يعلم منهم
أ نهم يقولون بثبوته بسبب فواته مطلقا أو لا مطلقا أو يفصلون بين العالم بالفساد
والجاهل به، فيثبتونه للثاني دون الأول، وجوه، ولعل الظاهر منهم الأول.
واحتج أهل القول الثاني: بأن المقصود هو المجموع، وإذا بطل الكل بفوات
بعضه وهو الشرط فات محل القصد، فما قصد لم يقع وما وقع لم يقصد، ولأن
للشرط قسطا من الثمن فإذا بطل يجهل العقد.
وفيه: أن ذلك متمش في كل ما تبعضت به الصفقة وقد قالوا: إنه لو شرط كون
العبد كاتبا مثلا واشترى عبدين جميعا، وتبين أن أحدهما غير كاتب أو هما أو أن
أحدهما ليس ملكا له، فإن البيع لا يبطل بذلك وإن ثبت له الفسخ، مع أن التراضي
لم يتحقق إلا على الوجه الذي ليس بواقع، مع ما هناك من الجهالة، وكم من جهالة
اغتفروها مما لا يكاد يحصى، ومقتضى ذلك أن ها هنا مع البطلان إنما يتسلط على

(1) إيضاح الفوائد 1: 518.
240

خيار تبعيض الصفقة ولا يقضى بالبطلان رأسا إلا إذا علم كل من المتعاقدين أو
أحدهما بفساد الشرط من أول الأمر، فإنه لا خيار حينئذ للعالم كما في سائر باب
خيار التبعيض، وباعتبار ما ذكرنا من أدلة الطرفين توقف في ذلك من توقف.
والتحقيق: أن الشرط معناه ما ينتفي المشروط عند انتفائه، وليس هو شرطا
لأصل الانشاء وإلا لكان كل شرط مبطلا للعقد، لعدم قابليته للتعليق، بل معنى
الشرطية في المقام ملكية المشروط له على نحو ملكية المشترط، فالملكية شرط
في الملكية، ويحصلان دفعة، والتقدم ذاتي لا زماني، وحيث إن الشرط قضى ببناء
الملكية للمشروط شرعا على ملكية الشرط فصحته شرط في صحة العقد، فإذا
بطل الشرط لحرمته أو امتناعه أو مخالفته مقتضى العقد بطل مشروطه كذلك ولم
تحصل الملكية، وإذا صح كما إذا كان قابلا للملك كان كصحة مشروطه، وعدم
تسليمه كعدم تسليمه بعض الشروط لا يقتضي فسادا، وإنما يثبت مع عدم الوفاء به
خيار التبعيض للصفقة، أو يثبت الخيار تعبدا للدليل، فإن ثبوت الخيار بفوات
الشرط مجمع عليه فيما بينهم، ولا حاجة إلى ادعاء أنه شرط للزوم في ثبوت
الخيار.
والحاصل أن الشروط كالشطور التي شرطت ملكية بعضها ببعض وإن كان
الظاهر من الشطور خلاف ذلك.
ومن هنا كان خيار التبعيض على وفق القاعدة إلا حيث يعلم فيها وقوع
التراضي بالمجموع لا بالجميع، فإنه بفوات البعض يتعين الفساد ويكون من قبيل
ما نحن فيه.
ومن هنا اندفع ما يقال: إن الشرط إما أن يكون شرط الصحة أو اللزوم،
والأول باطل، لعدم قابلية العقد للتعليق فتعين الثاني، وعليه فإنما يلزم بطلان
الشرط فوات اللزوم المثبت للخيار لا بطلان العقد.
فإن قلت: إن اريد أن الملكية شرط في الملكية شرعا، فالشأن في ثبوت ذلك
وهو محل النزاع، فلا يكون الدعوى دليلا.
241

وإن اريد أنها شرط بحسب قصد المتعاقدين، فهو ممنوع، فإنهما إنما يشترطان
فعلا من أفعالهما، ولا يخطر ببالهما ملكية ذلك الفعل للمشترط على المشترط عليه
فضلا عن أن يقصداهما من اللفظ، مع أن اللفظ ليس فيه دلالة على ذلك.
نعم حيث يجوز اشتراط الغاية أو فيما قام عليها الدليل قد يتأتى ذلك، ولكنه
أقل قليل، واللزوم وإن لم يكن مصرحا به بالعبارة إلا أنه من مقتضيات العقد
المذكور فيها وأحكامه، فرجوع الشرط إليه أقرب وأولى من تأويله بالملكية.
قلت: لا ريب أن الظاهر من كل من يشترط شيئا إرادة ملكية الشرط لا
فعليته، وأن فعليته موكولة إلى اختياره، إن شاء ألزم المشروط عليه بها وإن شاء
عفا، مع أن الظاهر من الشرط أنه شرط لأصل العقد وللانشاء نفسه ولكن خرجنا
عن ذلك باعتبار عدم صحة التعليق في العقود، فمع تعذر ذلك يحمل على أنه
للمنشأ الذي هو الملكية والانتقال، لأ نه بعد تلك المرتبة في الظهور فيكون كما إذا
تعذرت الحقيقة، فإنه يحمل على أقرب مجازاتها.
وأما عوده إلى اللزوم، فهو بعيد جدا ولا يقتضيه ظاهر اللفظ بوجه، فتأمل.
ثم اعلم أنه لا يفترق الحال فيما ذكرنا بالنسبة إلى الشروط الفاسدة جميعها.
والظاهر أنه لا فرق في فساد العقد باشتراط المحرم شرعا كالخمر ونحوه بين
العلم بالحكم والجهل به.
نعم بالنسبة إلى الجهل بالموضوع - كأن يشترط شيئا معينا بزعم أنه خل
فتبين أنه خمر - وجهان: الصحة، والبطلان، وربما ظهر من الأصحاب الأول، ولا
فرق بين ما كان من صفات المبيع كأن يشترط كون العبد مغنيا وغيره.
واحتمل في إيضاح النافع إلغاء الشرط في كل موضع لا يكون فيه غرض
عرفا ولا يقوم شرعا. وقال: إن التراضي في الحقيقة إنما هو على المعوض، فأفسد
فيه الشرط وصحح العقد، وهو غير بعيد، كما يقضي به كلامهم في باب السلف فيما
لو شرط أحدهما مكيالا أو صنجة بعينه دون ما سواه وربما يحمل على ذلك
إطلاق كلام المشهور.
242

فإن الظاهر منه الشرط المتقوم الذي يتعلق به غرض، ولا ينافي ذلك ما تقدم
من التذكرة حيث قوى ثبوت الخيار في مثل شرط أن لا يأكل الهريسة، أو لا يلبس
الخز (1) لأ نه قيد الغرض المذكور (2) بالنسبة إليهما أو إلى ما يشابههما بالذي لا يوجب
التنازع والتنافس فلا يتأتى (3) الحكم بإلغاء الشرط الذي لا يتعلق به غرض مطلقا.
وقد تقدم لك الفرق من ابن زهرة بين شرط غير المقدور وشرط المقدور مما
خالف مقتضى العقد أو السنة، فإنه أبطلهما في الأول وصحح العقد في الثاني (4) ولا
وجه له، بل قد يقال بصحة العقد وفساد الشرط حيث يعلم المشترط عدم قدرة
المشروط عليه على الشرط، فيلغو الشرط ويرجع إلى التفصيل السابق، فتأمل.
والظاهر أن هذا البحث لا يخص البيع، بل يجري في سائر العقود اللازمة
بالأصل أو بالعارض، بل وفي الجائزة أيضا. فإن فساد الشرط فيها يقضي بفساد
الإذن والإباحة على القول بفسادها تبعا لفساد الشرط دون القول الآخر.
ولا فرق في الشروط المنافية بين اعتبارها في ذلك العقد أو في عقد آخر.
والشروط المتعددة في العقد الواحد يجري فيها الحكم فيفسد العقد بفساد بعضها
وثبت الخيار بانتفائه.
وفي المتداخلة كشرط الشرط وشرط شرط الشرط وهكذا يثبت الحكمان
في الشرط السابق دون ما عداه على أقوى الوجهين، وفساد اللواحق قاض
ببطلان الخيار في وجه.
ولو تعددت العقود فسدت بفساد شرط واحد متحدا أو منضما إلى غيره.
ولو وقع الشرط بعد المقيد فالظاهر رجوعه إلى الأصل دون القيد إلا مع
القرينة، ومعها يثبت الخيار في التوابع دون الأصل.
قال المصنف (قدس سره): (ولو شرط عتق المملوك جاز)
شرط العتق إما مطلق ويرجع إلى المنقول إليه كما في الدروس (5) أو الأعم

(1) تقدم في ص 218.
(2) في نسخة: المنفي.
(3) في نسخة: فلا ينافي.
(4) الغنية: 215 - 216.
(5) الدروس 3: 216.
243

وهو أقرب إلى اللفظ. وإما مقيد بكونه عن الناقل أو المنقول إليه أو أجنبي أو
على التشريك وأقسامه أربعة، أو التخيير وأقسامه أربعة، فبلغت اثني عشر قسما
وهي بين أن تكون في الغاية - بناء على إثباتها بالشرط - أو العقد أو الإيقاع فهي
أربعة وعشرون.
ثم ما كان للغاية أو الإيقاع مرة يقيده بكونه عن كفارة، ومرة يطلق إلى غير
ذلك من الأقسام.
أما اشتراطه عن المشتري في عقد أو إيقاع، فقد تقدم نقل الإجماعات الدالة
بإطلاقها عليه، وأنه ليس بمناف لمقتضى العقد، لأ نه شرط لفعل من أفعال
المشتري وإن ترتب عليه رفع السلطان والانتفاع، بخلاف اشتراط عدم التصرف
ونحوه فتشمله أدلة الشروط.
ولو سلم فيه المنافاة، قلنا: مخصص للأدلة الخاصة.
نعم فيه ما يجري في كل مشروط بالقربة من أنه استحق بالشرط فليس حقا
لله، فلا تتحقق فيه نية القربة بشرط التصدق والنذر والوقف ونحوها.
والجواب عن ذلك كالجواب عن عبادة الاجراء في تحقق القربة فيها، لأن
السبب قاض بالإيجاب، فإذا جيء به من هذه الجهة جاءت القربة وتأكدت.
وأما بالنسبة إلى اشتراط الغاية، فحصول غاية الحرية كيفما كانت كغاية
الوقفية والمملوكية (1) منافية لما يتعلق بالأعيان من جميع المملكات، لرجوعه إلى
التأجيل في الملك، نعم لا بأس في التأجيل بالمنافع، فتحديد ملك المنقول إليه
العين بوقت مخصوص ثم ينتفي بأي نحو كان لا وجه له، من غير فرق بين أن نقول
بإثبات الشروط للغايات أو لا.
وأما ما كان بالعقد والإيقاع (2) غير المشتري فإن كان عن غير الناقل وهو
الأجنبي فلا بأس به، ويرجع اشتراط العتق إلى شرطين: صريح وهو نفس العتق،
ومن جهة التوقف وهو التملك قبل العتق زمانا بمجرد قصده أو مجرد الدخول في

(1) في نسخة: الملكية.
(2) كذا، والظاهر بعقد وإيقاع.
244

لفظه أو ذاتا بعد إتمامه، فإن اريد بلا تمليك بل بأصل العقد كان تأجيلا، وإن اريد
أ نه بملك جديد فلا بأس به.
وأما إذا أخذ العتق عن الناقل أو شرط نقل الملك إليه من المشتري، فقيل
بمنعه وهو خيرة المصنف في الدروس والشارح في الشرح والمسالك والفاضل
المقداد (1)، وقد يظهر من عبارة قواعد العلامة (2)، ومال إليه الأردبيلي استنادا إلى
لزوم الدور (3)، وفيه أنه معي والتقدم ذاتي على أن ذلك جار في جميع الشروط
المملكة، أو استنادا إلى أن أخذ الرجوع إليه تأجيل لنقله، أو أن النقل للعين يقتضي
رفع السلطان الدائم وهذا ينافيه. والكل محل منع.
وربما يقال: إن حديث «لا عتق إلا في ملك» أقصى ما يقضي بملكية العتق،
فلا دلالة فيه على اشتراط ملكية العتق عنه والمعتق وهو المشتري مالك، فتأمل.
والظاهر صحة هذا الشرط عملا بعموم ما دل مستفيضا على وجوب الوفاء
بالشروط التي لم يمنع منها كتاب ولا سنة، مضافا إلى إطلاق الإجماعات
المستفيضة بصحة شرط العتق الشاملة لما نحن فيه، مع ما يظهر من التذكرة من
الإجماع عليه بالخصوص، حيث قال: أما لو شرط العتق عن البائع فإنه يجوز
عندنا خلافا للشافعي (4) انتهى. فلا تأمل في جوازه إلا أن يقوم إجماع أو غيره
على المنع منه كما في البيع بشرط البيع، وليس فليس.
وفي كونه حقا لله تعالى أو للبائع أو المشتري أو الأجنبي المشروط له أو العبد
أو المركب احتمالات، فإنه من حيث إن فيه معنى القربة والعبادة يترجح الأول،
ومن حيث الاشتراط من البائع وتعلق غرضه به وإن الشروط من جملة العوضين
يدل على الثاني، ومن حيث إن به فراغ الذمة يكون للثالث. وأما حيث يشترط
عنه فثبوت الحق له حينئذ ظاهر قضاء لحق الاشتراط، ومثله الأجنبي المشترط

(1) الدروس 3: 216، الروضة 3: 506، المسالك 3: 270، التنقيح 2: 73.
(2) القواعد 2: 91.
(3) مجمع الفائدة 8: 149.
(4) التذكرة 1: 492 س 16.
245

له، وباعتبار استلزامه زوال الحجر عن العبد وتحريره يكون حقا له. والظاهر أنه
لا منافاة بين هذه الحقوق، فيجوز اجتماعها فيه، ويتفرع على ذلك المطالبة
بالعتق، فمن كان الحق له فله المطالبة، وعلى الأول فالمطالبة للحاكم.
وأما عتقه عن الكفارة، فإن كان عن المشتري وشرط البائع عتقه عنها صح بلا
إشكال، وظاهر غاية المرام الإجماع عليه (1)، وإن كانت عن البائع جاء فيه القولان
وأولى بالمنع هنا عند القائل بالمنع، وفائدة الشرط على الأول التخصيص لهذا
العبد بالإعتاق، وإن لم يشترط، فإن قلنا: إن الحق فيه لله لم يجز عنها، كالمنذور
عتقه، وإن قلنا: إنه للبائع فكذلك إن لم يسقط حقه فإن أسقطه جاز لسقوط وجوب
العتق حينئذ. واحتمل في المهذب (2) العدم على هذا التقدير للمحاباة فكأنه عوض.
وإن قلنا: إنه للعبد فكالقول بأنه للبائع، كما في المسالك (3)، والظاهر إجزاؤه
مطلقا لوقوع العتق في الجملة ووقوع مراد العبد، وعلى ما اخترناه لا يصح مطلقا،
لأصالة عدم التداخل واستصحاب بقاء شغل الذمة بالكفارة إلا بالمتيقن.
والظاهر أن شرط العتق إنما يتناول السبب المباح، فلو نكل به فانعتق لم يأت
بالشرط ويكون بمنزلة التالف.
وظاهر الشرط أيضا يقتضي إيقاعه اختيارا مجانا. فلو شرط عليه عوضا من
خدمة أو غيرها لم يأت به، وحيث يفوت الشرط بذلك يتخير البائع بين فسخ البيع
والإمضاء كباقي الشروط، لكن لو فسخ رجع إلى القيمة كالتالف، وإنما صح العتق
لابتنائه على التغليب، مع احتمال فساده لوقوعه على خلاف ما وجب، ويحتمل
ضعيفا سقوط الشرط هنا ونفوذ العتق.
وهل يشترط وقوعه من المشتري مباشرة أم يكفي وقوعه مطلقا إلا أن
يشترط ذلك؟ وجهان.

(1) راجع غاية المرام 2: 62.
(2) كذا، وفي بعض النسخ: «التهذيب» والصواب «المهذب البارع» راجع ج 2 ص 403.
(3) المسالك 3: 271.
246

وتظهر الفائدة فيما لو باعه بشرط العتق، فعلى الأول يحتمل بطلان البيع لأن
شرط العتق مستحق عليه فلا يجوز نقله إلى غيره، وصحته مع تخيير البائع.
ثم ان أعتق المشتري الثاني قبل فسخه نفذ وقدر كالتالف وإلا أخذه، وعلى
الثاني يصح كما لو أعتقه بوكيل، والذي يدل عليه الإطلاق والحكم في باقي الشروط
أ نه لا يقتضي مباشرتها بنفسه إلا مع التعيين، وهذا الشرط لا يزيد على غيره.
قال المصنف (قدس سره): (فإن أعتقه وإلا تخير البائع)
لا كلام في أنه مع عدم وفاء المشتري بشرط العتق يتخير البائع بين فسخ البيع
وإمضائه إذا كان العبد موجودا كسائر الشروط.
فإن مات العبد قبل عتقه بتفريط المشتري أو بدونه أو تعيب بما يوجب العتق
بغير فعل المولى - أما إذا كان بفعل المولى فقد تقدم البحث فيه - ففيه احتمالات
ثلاثة ذكرها العلامة في التحرير (1):
أحدها: استقرار الثمن عليه ولا شيء عليه وليس للبائع الفسخ، وهو ضعيف
جدا، وإلا لم تثبت للشرط فائدة.
الثاني: أن يكون للبائع الرجوع بما يقتضيه الشرط من النقصان إن اختار
الإمضاء، وإن فسخ استرجع القيمة كما يظهر من المسالك (2)، حيث رتب هذا
الاحتمال على اختيار الإمضاء، وكأ نه مبني على أن بقاء الخيار مع الموت
مجمع عليه.
وقد حكى ذلك الشيخ في المبسوط قولا (3) اختاره العلامة في القواعد (4)،
وضعفه في الدروس بأن الشروط لا يوزع عليها الثمن (5)، ورد بأن الثمن لا يوزع
على الشرط بحيث يجعل بعضه مقابلا له، وإنما الشرط محسوب مع الثمن وقد
حصل باعتباره نقصان في القيمة، وطريق تداركه ما ذكر، وطريق معرفة ما يقتضيه

(1) التحرير 1: 180 س 18.
(2) المسالك 3: 275.
(3) المبسوط 2: 151.
(4) القواعد 2: 91.
(5) الدروس 3: 216.
247

الشرط أن يقوم العبد بدون الشرط ويقوم معه وينظر التفاوت بين القيمتين وينسب
إلى القيمة التي هي مع شرط العتق ويؤخذ من المشتري - مضافا إلى الثمن - بمقدار
تلك النسبة من الثمن. فلو كانت قيمته بدون الشرط مائة ومعه ثمانين فالتفاوت
بعشرين نسبتها إلى الثمانين الربع، فيؤخذ من المشتري مقدار ربع الثمن مضافا
إليه، وذلك هو الذي يتسامح به البائع في مقابلة شرط العتق (1).
الثالث: تخير البائع بين إجازة البيع بجميع الثمن وبين فسخه، فيرجع بالقيمة
وهو مختار الشرائع والدروس (2)، وقواه في المبسوط (3).
وفي اعتبار وقت القيمة أوجه:
أولها: وهو أجودها يوم التلف، لأ نه يوم الانتقال إلى القيمة، إذ قبلها كان
متعلقا بالعين، ولأن ضمان العين لا يقتضي ضمان القيمة مع وجودها، فلا ينتقل
إلى القيمة إلا وقت القيمة.
وثانيها: يوم القبض، لأ نه أول دخوله في ضمان المشتري.
وثالثها: أعلى القيم من حين القبض إلى التلف، لأ نه في جميع ذلك مضمون عليه.
وقد ظهر من وجه الأول جواب الأخيرين، وضعف احتمال قيمة وقت
المطالبة، أو وقت التسليم، أو أعلى القيم ما بينهما، إلى غير ذلك.
والظاهر أن المدار على قيمة يوم التلف في مكان التلف، لامكان القبض، ولا
أعلى القيم من المكانين.
وفي تعيين كيفية اعتبار القيمة إشكال: من احتمال قيمة عبد مشروط العتق
لأ نه كذلك دخل في ضمان المشتري لأ نه المقبوض والمبيع، ومن احتمال قيمة
عبد سليم من الاشتراط، لأن الشرط حق للبائع وهو محسوب من جملة الثمن
ولم يأت به المشتري ومجموع العبد مضمون، فعند الفسخ يصير العبد مجردا عن
البيع والشرط.

(1) المسالك 3: 275.
(2) الشرائع 2: 34، الدروس 3:: 216.
(3) المبسوط 2: 151.
248

وبعبارة اخرى أنه شرط لم يستعقب حكمه فلم يكن به اعتبار. والوجه هو
الأول.
قال المصنف (قدس سره): (وكذا كل شرط لم يسلم لمشترطه فإنه يفيد تخييره)
ثبوت الخيار بفوات الشرط - أي شرط كان من الشروط الجائزة - مما لا
كلام فيه.
وظاهر الأصحاب الاتفاق عليه، وهو متمش في سائر العقود من غير فرق
بين أن يكون مستنده الإجماع المعلوم، أو باعتبار أنه شرط للزوم، أو باعتبار
رجوعه إلى خيار تعذر التسليم في البعض.
وقد ذكروا ذلك في كثير من العقود، ومنها باب النكاح قالوا: إنه لو شرط كونها
بنت مهيرة فظهرت بنت أمة كان له الفسخ، وكذلك لو شرطها بكرا فظهرت ثيبا.
واستدلوا على ذلك بأن ذلك مقتضى الشرط (1) وظاهر دليلهم يقتضي ثبوت
الخيار فيه في جميع صور الشرط الجائز، ولا ينافي ذلك اتفاقهم على عدم خيار
الشرط في عقد النكاح، فإن المراد به شرط الخيار لا الخيار الحاصل من جهة
عدم سلامة الشرط.
قال بعض المتأخرين: ويشكل إطلاقهم القول بأن عدم سلامة الشرط يستلزم
الخيار للمشروط له بما إذا أراد المتعاقدان بالشرط مجرد الإلزام والالتزام وإثبات
الحق، لا جعل العقد اللازم متزلزلا (2).
وفيه: أن ذلك خارج عن أدلة الشروط، ولا يحصل به الإلزام والالتزام بل
يقع لاغيا - كما سبق - إلى الأصل إلا مع القرينة، ومعها يثبت الخيار في التوابع
دون الأصل.
وهل هذا الخيار على الفور أو التراخي؟ وجهان، تقدم مثلهما ووجههما
ورجحان الأول منهما (3).

(1) راجع الروضة 5: 398 - 399 وكشف اللثام 7: 388 - 389 والرياض 10: 400 - 404.
(2) غنائم الأيام: 737 س 18.
(3) تقدم في ص 107 - 109.
249

قال المصنف (قدس سره): (ولا يجب على المشترط عليه فعله وإنما فائدته
جعل البيع عرضة للزوال والفسخ عند عدم سلامة الشرط ولزومه عند
الإتيان به)
اختلف الأصحاب في وجوب الوفاء بالشرط الجائز على أقوال:
أحدها: الوجوب على المشروط عليه وليس للمشروط له الفسخ إلا مع تعذر
تحصيل الشرط بحيث لم يتمكن من إجباره عليه ولو برفع أمره إلى الحاكم إذا كان
مذهبه ذلك، وهو المشهور بين الأصحاب.
ودليله أما على الوجوب فما دل من كتاب أو سنة أو إجماع على وجوب
الوفاء بالعقد.
ويمكن أن يستدل عليه بقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا
تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) (1) فيفيد بعمومه ذلك، وتفسيره
بخصوص الوعد بيان لخفي الفرد، ودعوى: أن إرادة العموم منه تقضي بكون
الخارج أكثر من الداخل، محل منع.
وبما دل على الوفاء بالشرط عموما وخصوصا مثل قوله: «المؤمنون عند
شروطهم إلا من عصى الله (2)» والإيراد بأنها من الخبر فلا تفيد الإيجاب، مردود
بأن الإيجاب مستفاد من مطلق الإرادة والطلب كما تقرر في محله فضلا عن أن
يؤدى بالجملة الخبرية الظاهرة في ذلك. واحتمال المدح والوصف كما في قوله
تعالى: (كانوا قليلا من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون) (3)
وقوله (صلى الله عليه وآله): «المؤمن غر كريم (4)»، يدفعه ظاهر الاستثناء، فإن المؤمن لا ينبغي أن
يشترط ما يخالف كتاب الله حتى يكون من صفته عدم الوفاء به، ومقتضى

(1) الصف: 2.
(2) كذا أورده الشهيد (قدس سره) راجع المسالك 3: 274 والروضة 3: 506، لكن لا يوجد «إلا من عصى الله» فيما
بأيدينا من المصادر الحديثية.
(3) الذاريات: 17.
(4) البحار 64: 298 باب علامات المؤمن، ح 23.
250

الاحتمال المذكور أنه يشترط المخالف للكتاب لكنه لا يفي به، وهو كما ترى، مع
أن الوارد في كثير من الروايات: «المسلمون عند شروطهم (1)» فيكون الاحتمال
المذكور فيه أضعف.
مضافا إلى أن قوله (عليه السلام): «إلا من عصى الله» على تقدير إرادة المدح مستثنى
متصل من المؤمنين، ومقتضاه لزوم العصيان بمخالفة الشرط، وهو معنى الوجوب.
وكذلك لو اريد به الحكم وجعل المستثنى منقطعا، ولو اريد به إلا من عصى
الله في الشرط، بأن شرط ما خالف كتاب الله فهو أيضا لا يناسب المدح. ويرد
عليه ما سبق.
ثم إنه في ذكر «عند» المفيدة للحد دلالة على الإيجاب كما لا يخفى على
ذوي الألباب، مع أن فهم العلماء عصرا بعد عصر في جميع أبواب الفقه أعظم
شاهد على ذلك. ولم نقف على أحد قدح في ذلك.
بل يظهر من حملهم بعض الأخبار المذكور فيها هذا اللفظ كما في موثقة ابن
منصور بن يونس (2) على الاستحباب، أن الأصل فيه الوجوب، مع أنه يظهر من
بعض الأخبار أيضا أن المراد منه الوجوب، كرواية إسحاق بن عمار (3) وغيرها.
ولم نقف على خلاف لأحد من الأصحاب في وجوب الوفاء بالشرط في باب
النكاح، وقد ادعى الإجماع عليه غير واحد من الأصحاب (4)، والمسألة من باب
واحد، وكون النكاح لا يصح فيه شرط الخيار دون البيع لا يصلح فارقا، إذ الكلام
في خيار الشرط لا شرط الخيار، مع أنه لا منافاة بين وجوب الوفاء بالشرط
وثبوت الخيار بعد تعذره.
وأما الدليل على اشتراط التعذر بحيث لا يمكنه الإجبار ولو بالواسطة في

(1) الوسائل 12: 353، ب 6 من أبواب الخيار، الحديث 1 و 2، وج 15: 50، ب 40 من أبواب المهور، ح 2 و 4.
(2) الوسائل 15: 30، ب 20 من أبواب المهور، ح 4.
(3) الوسائل 15: 50، ب 40 من أبواب المهور، ح 4.
(4) لم نعثر عليه إلا في الرياض 10: 292.
251

جواز الفسخ، فباعتبار أن هذا الخيار قسم من خيار تعذر التسليم والمراد ما يعمه
وتعذر التسلم ولا يصدق التعذر مع إمكان الجبر.
وقد عرفت بطلان القول بجعل الشرط شطرا للزوم ولا مقتضى للقول فيه بالتعبد
محضا، مع أن الخيار على خلاف القاعدة فيقتصر فيه على المتيقن فتعين ما ذكرناه.
ثانيها: أنه لا يجب على المشروط عليه الوفاء به، وإنما فائدة الشرط جعل
العقد عرضة للزوال عند فقد الشرط ولزومه عند الإتيان به، تمسكا بأصالة عدم
وجوب الوفاء.
وربما يظهر من أهل هذه المقالة القول باستحباب الوفاء بالشرط.
وأنت خبير بما فيه، لأن الأصل لا يقاوم الدليل.
ثالثها: التفصيل المنسوب إلى المصنف، وهو أن الشرط الواقع في العقد اللازم
إن كان العقد كافيا في تحققه ولا يحتاج بعده إلى صيغة فهو لازم لا يجوز الإخلال
به كشرط الوكالة في عقد الرهن ونحوه، وإن احتاج بعده إلى أمر آخر وراء ذكره
في العقد كشرط العتق فليس بلازم بل يقلب العقد اللازم جائزا أو جعل السر فيه
أن اشتراط ما كان العقد كافيا في تحققه كجزء من الإيجاب والقبول فهو تابع لهما
في الجواز واللزوم، واشتراط ما سيوجد أمر منفصل عن العقد وقد علق عليه العقد
والمعلق على الممكن ممكن، وبذلك يندفع التعجب من أن اشتراط الجائز في
اللازم يجعل اللازم جائزا.
وأنت خبير بأن القسم الأول خارج عن البحث إن اريد به حصول الوكالة في
الجملة، لأ نها تتحقق بمجرد القبول، ولا كلام لنا في الشرط بعد وقوعه.
وإن اريد بها المستمرة التي تقع عنها ما وكل فيه كما هو الظاهر، فإن قلنا: إنه
بعزله لنفسه ينعزل شرعا كان مشمولا لأدلة وجوب الوفاء بالشرط ويجب أن لا
يعزل نفسه، ومتى ما أعزل نفسه، فعل حراما وتسلط الموكل على فسخ العقد.
وإن قلنا: إنه لا ينعزل بعزله لنفسه كان المدار حينئذ على وقوع ما وكل فيه،
ووجوب الوفاء بالشرط مصروف إليه، إذ المفهوم منه أن الشرط وقوع ما وكل فيه،
252

لأ نه هو المقدور للوكيل، فمتى ما امتنع الوكيل من القيام بما وكل فيه فعل حراما
وكان للموكل الخيار في الفسخ وإن لم تبطل وكالة الوكيل.
وهل للموكل عزله بناء على ذلك لأن حق الاشتراط له فله إسقاط حقه، أو
ليس له ذلك لخروج الوكالة عن الجواز بالكلية وصيرورتها لازمة من الجانبين
مثل العقد الذي شرطت فيه - وربما يقال: إنها لا تسقط بالتقايل فتزيد على الأصل
وهو بعيد -؟ وجهان أقواهما الأول.
هذا كله في القسم الأول.
وأما القسم الثاني فهو مشمول لما سبق من دليل لزوم العقد والوفاء بالشرط
من غير إشكال.
قال بعض المحققين: نعم لما ذكره من التفصيل وجه لو اشترط التعليق حين
العقد بأن يكون مقصود المتعاقدين كون العقد متزلزلا موقوفا على إتيان المشترط
عليه بالشرط باختياره ولا كلام فيه، وهو يرجع إلى شرط الخيار، وليس من الخيار
الناشئ من الشرط في ضمن العقد في شيء، وكذا الكلام في القول الثاني (1) انتهى.
وفيه: أنه ليس مجرد قصد اشتراط شيء يقضي باشتراطه ما لم يدل عليه بلفظ
يفيده أو بقرينة حالية أو مقالية على وفق القانون العربي تدل عليه مع الحذف، أما
ما ليس له دلالة عليه بوجه أو فيه دلالة على خلافه فلا يفيد شيئا، فتأمل.
رابعها: أن للمشروط له الفسخ بمجرد امتناع المشروط عليه من الوفاء
بالشرط، ولا يتوقف على عدم التمكن من إجباره على ذلك، وهو الذي تنظر فيه
المصنف في الدروس حيث قال: يجوز اشتراط سائغ في عقد البيع فيلزم الشرط
من طرف المشترط عليه، فإن أخل به فللمشترط الفسخ. وهل يملك إجباره عليه؟
فيه نظر (2) انتهى.
وقد يظهر ذلك من الكفاية (3) واختاره بعض المتأخرين حيث قال: إنه يجب

(1) غنائم الأيام: 737 س 28.
(2) الدروس 3: 214.
(3) الكفاية: 97 س 22.
253

على المشروط عليه الوفاء بالشرط، وللمشروط له إلزامه به وإجباره عليه ولو
بالرفع إلى الحاكم، لأ نه حقه ويجوز له استيفاء حقه، وأما وجوبه عليه إذا امتنع
المشروط عليه فلا دليل عليه، فإن كان المشروط له راضيا بانفساخ المعاملة
والرجوع إلى عوضه والمفروض أنه لا مانع له من قبل المشروط عليه لأن التقصير
من جانبه فلا دليل على وجوب إجباره عليه.
فإن قلت: الدليل هو أصالة لزوم البيع مثلا أو عموم (أوفوا بالعقود) فيجب
على المشروط له أيضا إبقاء البيع على حاله والوفاء على مقتضاه، خرجنا عن
مقتضاه فيما لم يتمكن من تحصيل الشرط ولو بالإجبار وبقي الباقي.
قلت: أي دليل دل على رجوع المشروط له إلى الخيار والفسخ بعد امتناع
الإجبار وعدم الإمكان ولا نص على ذلك ولا دليل، مع أن مقتضى العقد اللزوم.
فإن قلت: دليله انتفاء الشرط حينئذ، ومقتضى انتفائه انتفاء المشروط.
قلت: لا تعليق هنا بالفرض، فإنه عقد وشرط لا عقد بشرط، بل غاية ما يوجه
به هذه المقالة أن الأصل عدم انتقال كل من العوضين عن صاحبه إلى الآخر إلى
أن يثبت الانتقال فلم يثبت الانتقال إلا في صورة تحقق الشرط، فلما لم يتحقق
الشرط فيما نحن فيه فرجع المشروط له إلى ماله.
ومقتضى هذا الأصل الاكتفاء به في الخيار والرجوع بامتناع المشروط عليه
وعدم إتيانه بالشرط، لأ نه هو مقتضى ذلك الأصل ولم يثبت اشتراط أزيد من
ذلك (1) انتهى.
وفيه: ما قد عرفت: من أن هذا الخيار خيار تعذر التسليم، وأن المراد به ما
يعمه وتعذر التسلم وهو لا يتحقق مع التمكن من الإجبار إلا إذا أدى إلى مشقة
كلية يلزم منها الضرر والإضرار.
والقول بأن الأصل عدم انتقال كل من العوضين عن صاحبه إلا مع تحقق
الشرط، لا وجه له، فإن الانتقال قد حصل والاستصحاب قاض ببقائه ولزوم العقد

(1) غنائم الأيام: 737 س 3.
254

إلا مع المتيقن، مع أنه بناء على ذلك يقتضي مع عدم تحقق الشرط انفساخ العقد لا
جواز فسخه، وهو لا يقول به. وجعل الشرط شرطا للزوم - بمعنى أن التراضي لم
يقع في العقد على سبيل اللزوم والاستمرار إلا مع تحقق الشرط، فمع انتفائه لهما
الرجوع إلى مالهما ابتداء، ولا يتوقف على التمكن من الإجبار - وعدمه لا وجه له
كما عرفت، مع أنه يلزم منه عدم فساد المشروط بفساد الشرط، وهو لا يقول به.
* * *
255

قال المصنف (قدس سره):
(الحادي عشر: خيار الشركة)
هذا الخيار هل يدور مدار مصداق الشركة وعدمها، أو مدار تحقق الضرر
وعدمه، فلو كان فيها نفع لم يثبت بها خيار؟ ظاهر الأصحاب الأول، ومقتضى
انحصار دليله بخبر الضرر (1) المنجبر بفتوى الأصحاب الثاني. ولا يبعد الأول،
لأ نها من حيث هي ضرر فيشملها الخبر وإن ترتب عليها نفع من وجه آخر.
والظاهر أن ثبوت هذا الخيار مما لا خلاف فيه بينهم، وهو متمش في سائر
العقود أثمانا ومثمنات.
وهل هو على الفور أو التراخي؟ فيه الوجهان السابقان.
ولا فرق في الشركة بين الواحد والمتعدد، وبين المشاع وغيره مما لا يمكن
قسمته ولا ينتفع فيه إلا بالجملة.
قال المصنف (قدس سره): (سواء قارنت العقد كما لو اشترى شيئا فظهر
بعضه مستحقا)
المراد بظهور كونه مستحقا أعم من أن يظهر كونه ملكا للغير، أو ملكا له
وسلطانه للغير - كالمرهون ونحوه - وهذا إذا لم يجز الغير أو أجاز مع طول الفصل
بين العقد والإجازة لحصول الضرر بالتأخير، مع احتمال الفرق في ذلك بين

(1) الوسائل 17: 319 ب 5 من أبواب الشفعة، ح 1.
256

الكشف والنقل، وأنه على الأول لا خيار له دون الثاني، إذ ليس مجرد التوقف عيبا
مع حصول الملك من حين العقد، وهو غير بعيد. أما إذا حصلت الإجازة من دون
فصل فلا يبعد عدم ثبوت الخيار.
وقد يطلق على هذا خيار التبعيض.
قال المصنف (قدس سره): (أو تأخرت بعده إلى قبل القبض كما لو امتزج
المبيع بغيره بحيث لا يتميز وقد يسمى هذا عيبا مجازا)
إذا امتزج المبيع بغيره قبل القبض تخير المشتري بين الفسخ والشركة، كما في
الشرائع والقواعد والتحرير والإرشاد والدروس وغاية المرام وجامع المقاصد
والميسية والمسالك (1) وغيرها. وظاهر إطلاقهم يقتضي أنه لا فرق بين أن يختلط
بمثله أو بأجود أو أدون باختيار البائع أو بغير اختياره.
وفي المسالك: وينبغي فيما لو مزج بالأجود بغير اختياره ثبوت الخيار له
أيضا، لتضرره بذلك مع اختيار المشتري الشركة انتهى.
وقد سبقه إلى ذلك الفخر في شرح الإرشاد. والظاهر ثبوت الخيار وإن أهمل
المشتري القبض.
نعم لو امتنع من القبض ولم يكن المزج باختيار البائع أو كان فيوجه فلا خيار له.
وهل يسقط الخيار ببذل البائع له ما امتزج به؟ وجهان بل قولان، وظاهر
المشهور عدم السقوط، ومذهب الشيخ السقوط (2).
ومدرك الوجهين ثبوته لثبوت سببه فيستصحب، والهبة منه لا يجب قبولها،
وارتفاع الضرر بالهبة والأول أقوى.
وقد نص جمع من الأصحاب (3) على أنه متى رضي المشتري بالشركة فمؤنة
القسمة على البائع، لأن هذا عيب مضمون عليه. والتخلص منه واجب عليه،
ولوجوب تسليم المبيع إلى المشتري بعينه.

(1) الشرائع 2: 30، القواعد 2: 89، التحرير 1: 176 س 10، إرشاد الأذهان 1: 381، الدروس
3: 212، غاية المرام 2: 57، جامع المقاصد 4: 410، المسالك 3: 244.
(2) المبسوط 2: 115.
(3) راجع الدروس 3: 212 وجامع المقاصد 4: 410 والمسالك 3: 244.
257

ثم إن الشركة وإن اشتهر على ألسنتهم أنها عيب فالمراد به أنها مساوية للعيب
في الحكم لا أنها داخلة دخولا حقيقيا تحت الاسم، لعدم دخولها تحت الضابط
المتقدم ذكره للعيب.
نعم بناء على ما هو المختار من أن العيب موكول إلى العرف، قد يقال بدخولها
تحت مسماه، ولكن الظاهر خلافه أيضا.
* * *
258

قال المصنف (قدس سره):
(الثاني عشر: خيار تعذر التسليم)
(فلو اشترى شيئا ظنا إمكان تسليمه ثم عجز تخير المشتري)
المراد في هذا المقام بتعذر التسليم القاضي بثبوت الخيار هو تعذر التسلم، إذ
ليس الحكم تعبديا محضا على الظاهر، وإنما منشؤه حديث الضرر المنجبر بفتوى
الأصحاب بالنسبة إلى ما نحن فيه. فقد ذكروا ذلك في مقامات عديدة. ولا ريب
أن الضرر يندفع بالقدرة على التسلم وإن لم يحصل القدرة على التسليم، مع أن
الخيار على خلاف القاعدة فيقتصر فيه على المتيقن.
والتمكن منه ببعض المقدمات - كتوسط الشفعاء حيث يحصل به المنة أو بذل
المال ولو يسيرا ونحو ذلك - ليس من التمكن، مع احتمال أن يقال: إن المدار على القدرة
على التسليم، لأ نه هو الواجب على البائع، والتسلم لا يجب على المشتري، فإذا
لم يؤد البائع ما وجب عليه تخير المشتري وقوفا عند ظاهر كلامهم. والأول أقوى.
والظاهر عدم الفرق بين عجزه بأن لا يتمكن أصلا، أو يتمكن بمضي زمان
كثير يفوت من المنافع ما يعتد بها عرفا.
ثم إن ثبوت هذا الخيار فيما إذا انكشف أن العجز عن التسليم كان ثابتا عند
العقد أو قبله مبني على أن القدرة على التسليم شرط علمي مطلقا أو علمي في
مقام الرجاء دون التعذر في وجه آخر.
259

أما إذا قلنا بأنها شرط وجودي وعلمي معا مطلقا - كما كان يختاره الوالد
طاب ثراه وأنه لو باع على أنه قادر أو عاجز فظهر الخلاف بطل البيع للزوم الغرر
والعبث - تعين مع ظهور العجز عند العقد الفساد.
وكذلك إذا قلنا: أنه وجودي فقط مطلقا، كما هو القاعدة في الشرائط.
نعم حيث لا يتحقق منه القصد إلى معنى البيع يفسد لذلك، لا لفوات شرط القدرة.
والظاهر من الأصحاب الأول، كما يرشد إليه حكمهم فيما إذا انقطع المسلم
إليه عند الحلول بالخيار من غير فرق بين التعذر والرجاء.
والاعتذار عن ذلك بأن الأجل زمان تسليم لا زمان تمليك وكان موجودا
قبل الأجل فيتعلق الملك به والتأخير للتسليم فيبقى مطالبا به، لا وجه له.
فإن قلت: إن كان مستند هذا الخيار الضرر كما ذكرت فينبغي أن يثبت في
جميع الأقسام - من تعذر التسليم بذاته أو بغصب غاصب أو مماطلة فيه أو امتناع
من أحد المتعاقدين منه ونحو ذلك - ولا يفرق فيه بين الثمن والمثمن ولا بين عقد
البيع وغيره من العقود، وهو على إطلاقه مناف لتوقف الخيار على مضي ثلاثة أيام
لمن يقبض ولم يقبض.
قلت: نلتزم ذلك في الجميع عدا صورة المماطلة والامتناع، لأن الأصل عدم ثبوت
الخيار، والضرر مدفوع فيهما بالمقاصة. نعم بالنسبة إلى الشروط نقول به كما سبق،
إذ ليس في مقابلهما شيء من الثمن حتى يقاص، ولأن المماطلة والامتناع يتمكن
الشرع من دفعهما والتسليم بخلاف التعذر، مع أنه قد تقدم لك مرارا أن خبر الضرار
لا نعمل به مطلقا إلا حيث ينجبر بفتوى الأصحاب وهم قد قصروه - كما يظهر منهم
في مقامات متعددة - على صورة التعذر. ومنها باب خيار التأخير - كما عرفت -
فيكون المدار على الضرر الخاص الذي كشف عنه الشرع. واحتمال الفرق في
الامتناع بين مالا يرجى معه التسليم فيثبت الخيار وما يرجى فلا يثبت، لا وجه له.
* * * * * * * * * * * *
والظاهرأ نه لافرق في ثبوت الخيار بتعذر التسليم أن يكون قبل العقد أو بعده قبل
القبض إلا حيث يكون عدم القبض بتفريط المشتري وامتناعه، ولذلك نص الأصحاب (1)
* * * * * * * * * * * * * * *

(1) راجع الشرائع 2: 31، التحرير 1: 176 س 8، القواعد 2: 89، الدروس 3: 212.
260

من غير خلاف يعرف: أنه لو غصب المبيع قبل القبض وأمكن استعادته بسرعة لم
يتخير المشتري، وإلا تخير. وظاهر الشارح (1) قصر كلام المصنف على هذه الصورة،
ولعله بناء منه على أن شرط القدرة شرط وجودي، أو باعتبار ظاهر قوله: «ثم
عجز». والظاهر أن المراد ثم تبين له العجز، وقد يحمل كلام الشارح على ما قلناه.
ثم إنه اختار الصبر ثم أراد الفسخ فهل له الفسخ بعد ذلك أم لا؟ وجهان،
أقواهما العدم، واختار في التذكرة أن له ذلك، لأ نه يتضرر كل ساعة كما لو انقطع
المسلم فيه فأجاز ثم أراد الفسخ (2).
وفيه: أن الخيار على خلاف القاعدة فيقتصر فيه على المتيقن.
والظاهر ثبوته على الفور لا التراخي، كما سبق في غيره من الخيارات، وقد
علم وجهه مما تقدم. وتعذر تسليم بعض المبيع موجب للخيار كتعذر تسليم كله،
وهل له الرجوع بشيء؟ يحتمله، لأن فوات القبض نقص حدث على المبيع قبل
القبض فيكون مضمونا على البائع.
ويضعف بأن الأرش ليس في مقابلة مطلق النقص، لأصالة البراءة، وعملا
بمقتضى العقد، بل في مقابلة العيب، وهو هنا منتف.
وقد استظهر أكثر الأصحاب فيما لو غصب المبيع قبل القبض عدم التزام البائع
بالاجرة عن مدة الغصب (3).
نعم لو منعه البائع من التسليم ثم سلم فعليه اجرة مدة المنع إلا حيث يكون
الحبس بحق، وقد تأمل فيه المحقق الثاني (4) لأن جواز الحبس غير سقوط حق
المنفعة ولا يلزم من ثبوت الأول الثاني.
* * *

(1) الروضة البهية 3: 509.
(2) التذكرة 1: 562 س 30.
(3) راجع الشرائع 2: 31، الدروس 3: 212، جامع المقاصد 4: 411، المسالك 3: 246.
(4) جامع المقاصد 4: 412.
261

قال المصنف:
(الثالث عشر: خيار تبعيض الصفقة).
(كما لو اشترى سلعتين فتستحق إحداهما)
الكلام في هذا الخيار كالكلام في خيار الشركة من أن المدار فيه هل هو على
مصداق التبعيض كيفما كان أو على مدار تحقق الضرر وعدمه، فلو كان في
التبعيض نفع لم يثبت به خيار؟
ظاهر الأصحاب الأول، ومقتضى انحصار دليله بخبر الضرار المنجبر في هذا
المقام بفتوى الأصحاب الثاني. ولا يبعد الأول كما تقدم في الشركة، لأن التبعيض
من حيث هو ضرر فيشمله الخبر وإن ترتب عليه نفع من وجه آخر.
ثم إن ثبوت هذا الخيار موقوف على جواز التبعيض للمعقود عليه في
الجملة، فلو لم يصح التبعيض مطلقا لم يتحقق هذا الخيار.
والظاهر أن التبعيض للمعقود عليه على وفق القاعدة، لأن الأسباب الشرعية
كالأسباب العقلية إذا وجدت قابلا وغير قابل أثرت في القابل دون غيره، ولتحقق
الوفاء بمقتضى العقد في المقدار الممكن.
والظاهر عدم اشتراط صحة [ضم] أجزاء المعقود عليه بعضها ببعض، كما
يقضي به ظاهر العقد وأصل العدم.
نعم حيث يعلم إرادة الهيئة الاجتماعية من خارج أو يصرح بالاشتراط أو
262

يفوت أحد الجزءين نقول بالفساد في الجميع.
وقد يفرق في ذلك أيضا بين صورة العلم بفوات الجزء وعدم نفوذ العقد فيه،
وصورة الجهل وأن الشرط في الثاني إنما يسلط على الخيار فقط، فيكون الخيار
فيه من جهتين: جهة التبعيض، وجهة الاشتراط، وأما في الأول فيفسد به العقد في
الجميع إلا أن يرجع إلى الصفة كالشرط الفاسد المعلوم فساده. وربما ادعي أنه
المفهوم من الأصحاب. ويحتمل القول في ذلك بالصحة في الصورتين، لانحلال
هذا الشرط إلى الصفة مطلقا، وفواتها لا يقضي بالفساد، وإنما يسلط مع الجهل
على الخيار. وربما ظهر هذا من بعض كلماتهم. ويشكل الفرق على هذا بينه وبين
الشرط الفاسد على القول بفساد العقد به.
والأقوى الأول، لفوات القصد وتبعية العقود للقصود.
ودعوى: أن الظاهر في السلعة الواحدة إرادة الهيئة الاجتماعية مطلقا إلا أن
يعلم العدم - ولهذا قصر المصنف ثبوت الخيار على السلعتين - ممنوعة.
وقصر المصنف الخيار على السلعتين على سبيل المثال والتمثيل بالفرد
الظاهر، أو باعتبار دخول الخيار في السلعة الواحدة تحت خيار الشركة.
وفيه: أن أسباب الخيار لا تتنافى فيثبت الخيار من جهتين، وتبعية العقود
للقصود لا ينافي ما ذكرنا، فإن القصد الضمني كاف والأول إلى الجهالة غير ضائر
مع حصول العلم بالأصالة.
وحيث كان التبعيض على وفق القاعدة. فلا يفترق الحال فيه وفي الخيار
المترتب عليه بين أن يكون في الثمن أو في المثمن، في البيع أو غيره من العقود،
في السلعة الواحدة أو المتعددة.
والظاهر أنه لو قلنا به للتعبد بالإجماع المنقول المؤيد بالشهرة المحصلة
والمنقولة فكذلك بالنسبة إلى أفراد البيع لعموم دليله، وبتنقيح المناط بينه وبين
الثمن على الأظهر، وبين البيع وغيره من العقود في وجه يتم المطلوب.
263

نعم لو قصرناه على المقامات الخاصة المدلول عليها بالروايات أو بالإجماع
عليها بالخصوص لا نتسرى فيه.
ثم إن هذا الخيار إنما يثبت للمشتري مع الجهل دون العلم، ولا يثبت للبائع
مطلقا، لأ نه جاء من قبله، ولا يبعد ثبوته له مع جهله أو دعواه الإذن لإثبات عذره
كما احتمله بعضهم (1) والأقوى خلافه وهو بالنسبة إلى الفور والتراخي كما سبق.
* * *

(1) مفتاح الكرامة 4: 631 س 3.
264

قال المصنف (قدس سره):
(الرابع عشر: خيار التفليس)
ثبوت هذا الخيار في محله مجمع عليه بين الأصحاب، والنصوص دالة عليه
وله شروط متعددة وأحكام متكثرة تجيء في محلها إن شاء الله تعالى.
وهل هو على الفور أو التراخي؟ فيه الوجهان السابقان.
وقد عرفت الراجح منهما، ومثله غريم الميت مع وفاء التركة بالدين. وقيل
مطلقا (1). وسيجئ في محله إن شاء الله تعالى.
* * *
في خاتمة نسخة الأصل ما يلي:

(1) القواعد 2: 147، جامع المقاصد 5: 261.
265