الكتاب: الينابيع الفقهية
المؤلف: علي أصغر مرواريد
الجزء: ٣٦ق٢
الوفاة: معاصر
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤١٣ - ١٩٩٣ م
المطبعة:
الناشر: مؤسسة فقه الشيعة - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: أشرف على جمع أصولها الخطية وترتيبها حسب التسلسل الزمني وعلى تحقيقها وإخراجها وعمل قواميسها علي أصغر مرواريد

كتاب الصيد والذبائح
1

الخلاف
تأليف شيخ الطائفة
أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (قدس سره)
385 - 460 ه‍. ق
3

كتاب الصيد والذبائح
مسألة 1: لا يجوز الصيد إلا بالكلب، ولا يجوز بشئ من جوارح الطير
كالصقر والبازي والباشق والعقاب، ولا بشئ من سباع البهائم من الفهد والنمر
إلا الكلب خاصة، وبه قال ابن عمر ومجاهد، وقال أبو حنيفة وأصحابه ومالك
والشافعي والثوري وربيعة: يجوز الصيد بجميع ذلك إذا أمكن تعليمه متى تعلم،
وقال الحسن البصري والنخعي وأحمد وإسحاق: يجوز بكل ذلك إلا بالكلب
الأسود البهيم فإنه لا يجوز الاصطياد به لقوله صلى الله عليه وآله: لولا أن الكلب
أمة من الأمم لأمرت بقتلها فاقتلوا الأسود البهيم.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، ولأن ما اعتبرناه مجمع على جوازه، وما
قالوه ليس عليه دليل، وأيضا قوله تعالى: وما علمتم من الجوارح مكلبين
تعلمونهن مما علمكم الله، يعني علمتم من الكلاب.
مسألة 2: الكلب إنما يكون معلما بثلاث شرائط: أحدهما إذا أرسله استرسل،
وثانيها إذا زجر انزجر، وثالثها أن لا يأكل ما يمسكه، ويتكرر هذا منه دفعات
حتى يقال في العادة أنه قد تعلم، وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: إذا فعل ذلك
دفعتين كان معلما.
دليلنا: أن ما اعتبرناه مجمع على أنه يصير به معلما، وليس على ما اعتبروه
5

دليل، ولأن المرجع في ذلك إلى العرف، ولا يقال في العرف إذا فعل ذلك
دفعتين أنه تعلم.
مسألة 3: قد بينا أنه لا يجوز الصيد بغير الكلب المعلم، فإن صيد بغيره
وأدرك ذكاته حل أكله إذا ذكي، وإن قتله الجارح لا يحل أكله معلما كان أو
غير معلم، وما اصطاده الكلب المعلم وقتله قبل أن يدرك ذكاته ولم يأكل منه
شيئا حل أكله، وإن كان أكل منه فإن كان معتادا لذلك لم يحل أكله، وإن
كان ذلك نادرا جاز أكله.
وقال الشافعي: كل جارحة معلمة إذا أرسلت فأخذت وقتلت فإن لم تأكل
منه شيئا فهو مباح من الطير كان أو من السبع، وإن قتله وأكله، فإن كان طيرا
فسيجئ خلافه، وإن كان سبعا فأخذ وأكل واتصل أكله بالقتل قال في القديم:
يحل، وأو ما في الجديد إلى قولين: أحدهما هذا، وبه قال ابن عمر وسعد بن أبي
وقاص وسلمان الفارسي وهو مذهب مالك، والثاني في الجديد لا يحل، وبه قال
أبو هريرة وابن عباس والحسن البصري والشعبي والنخعي وأحمد، وما قتله قبل
هذا ولم يأكل منه شيئا فهو مباح قولا واحدا، وقال أبو حنيفة وأصحابه: لا يحل
هذا الذي أكل منه، وكلما كان اصطاده وقتله فيما سلف ولم يكن أكل منه.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا فما اعتبرناه مجمع على جواز أكله،
وما ذكره الشافعي ليس عليه دليل، وأيضا قوله تعالى: فكلوا مما أمسكن عليكم،
ومعناه قتلن ولم يأكلن لأنه إذا أكل فإنما أمسك على نفسه على من أرسله.
وروي عدي بن حاتم أن النبي صلى الله عليه وآله قال: ما علمت من كلب
ثم أرسلته وذكرت اسم الله عليه فكل مما أمسك عليك، قلت: وإن قتل؟ قال:
إذا قتله ولم يأكل منه شيئا فإنما أمسك عليك، فدل على أنه إذا أكل منه شيئا فقد
أمسك على نفسه.
6

مسألة 4: جوارح الطير كلها لا يجوز أكل ما تصطاده إلا إذا أدرك ذكاته
فما قتله الجارح لا يجوز أكله.
وقال الشافعي: حكم سباع الطير حكم سباع البهائم إن قتلت، وأكلت مما
قتلت فهل يحل أكل ما أكلت منه؟ على قولين.
وقال المزني: إذا أكلت منه لم يحرم قولا واحدا، وبه قال أبو حنيفة.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا ما ذكرناه مجمع على جواز أكله،
وما ذكروه ليس عليه دليل.
مسألة 5: إذا شرب الكلب المعلم من دم الصيد ولم يأكل من لحمه يحرم،
وبه قال جميع الفقهاء إلا النخعي، فإنه قال: شرب الدم كالأكل سواء.
دليلنا: قوله تعالى: فكلوا مما أمسكن عليكم، وقد ثبت أن المراد بذلك
ترك الأكل منه لأنه لو أكل لكان ممسك على نفسه دون مرسله وهذا لم يأكل
منه.
مسألة 6: التسمية واجبة عند إرسال السهم، وعند إرسال الكلب، وعند
الذبيحة فمتى لم يسم مع الذكر لم يحل أكله، وإن نسيه لم يكن به بأس، وبه
قال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه.
وقال الشعبي وداود وأبو ثور: التسمية شرط، فمتى تركها عامدا وناسيا لم
يحل أكله.
وقال الشافعي: التسمية مستحبة، فإن لم يفعل لم يكن به بأس.
دليلنا: إجماع الفرقة ولأنه إذا أرسل وسمى حل أكله بلا خلاف، وإذا لم
يسم فليس على إباحته دليل وأيضا قوله تعالى: ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله
عليه، وهذا نص، وإنما يخرج الناسي والساهي بدليل، وأيضا روى عدي بن
حاتم وأبو ثعلبة الخشني كل واحد منهما على الانفراد أن النبي صلى الله عليه وآله
7

قال: إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل، فأباحه بشرط
الإرسال والتسمية، وروى عدي بن حاتم قال: قلت يا رسول الله إني أرسل كلبي،
فقال: إذا أرسلت كلبك وذكرت اسم الله عليه فكل وإلا فلا تأكل، قلت: فإني
أرسل كلبي فأجد عليه كلبا، فقال: لا تأكل فإنك إنما سميت على كلبك.
مسألة 7: إذا أرسل المسلم كلبه المعلم ومجوسي كلبه فأدركه كلب
المجوسي فرده إلى كلب المسلم فقتله كلب المسلم وحده حل أكله، وبه قال
الشافعي، وقال أبو حنيفة: لا يحل أكله لأنهما تعاونا على قتله فأشبه إذا عقراه معا.
دليلنا: قوله تعالى: فكلوا مما أمسكن عليكم.
مسألة 8: إذا عض الكلب الصيد لم ينجس به، ولا يجب غسله، وقال
الشافعي: ينجس الموضع، وهل يجب غسله؟ على وجهين: أحدهما مثل ما
قلناه، والثاني يجب غسله كما لو ولغ في الإناء.
دليلنا: قوله تعالى: فكلوا مما أمسكن عليكم، ولم يأمر بغسله، والأخبار
كلها دالة على ذلك، لأنه لم يأمر فيها بغسل الموضع.
مسألة 9: إذا عقر الكلب المعلم الصيد عقرا لم يصيره في حكم المذبوح،
وغاب الكلب والصيد عن عينه ثم وجده ميتا لم يحل أكله، واختلف أصحاب
الشافعي على طريقين: أحدهما يحل أكله قولا واحدا، والآخر أن المسألة على
قولين: أحدهما يحل، والآخر لا يحل وهو أصحهما عندهم.
وقال أبو حنيفة: إن تشاغل به وتبعه فوجد ميتا حل أكله، وإن لم يتبعه لم
يحل أكله.
وقال مالك: إن وجده من يومه حل أكله، وإن وجده بعد يوم لم يحل
أكله.
8

دليلنا: إن الذكاة حكم شرعي وليس في الشرع ما يدل على أن هذا يحل
أكله، فوجب أن لا يكون مباحا.
وروى سعيد بن جبير عن عدي بن حاتم قال: قلت يا رسول الله إنا أهل
صيد وإن أحدنا يرمي الصيد فيغيب عنه الليلتين والثلاث فيجده ميتا وفيه سهمه،
فقال: إذا وجدت فيه أثر سهمك ولم تجد فيه أثر سبع وعلمت أن سهمك قتله
فكل، فأباحه بشرط أن يعلم أن سهمه قتله، وهذا لا يعلمه أبدا.
وروي أن رجلا جاء إلى عبد الله بن عباس فقال: إني أرمي وأصمي وأنمي،
فقال له: كل ما أصميت ودع ما أنميت، يعني كل ما قتلته وأنت تراه ودع ما
غاب عنك خبره.
مسألة 10: إذا أدركه وفيه حياة مستقرة لكنه في زمان لم يتسع لذبحه أو
كان ممتنعا فجعل يعدو خلفه فوقف وقد بقي من حياته زمان لا يتسع لذبحه لا
يحل أكله، وبه قال أبو حنيفة، وقال الشافعي: يحل أكله.
دليلنا: أن ما اعتبرناه مجمع على جواز أكله وهو إذا أدركه فذبحه فأما إذا
لم يذبحه فليس على إباحته دليل، وأيضا روى أصحابنا أن أقل ما يلحق معه
الذكاة أن يجده وذنبه يتحرك أو رجله تركض وهذا أكثر من ذلك.
مسألة 11: إذا أرسل كلبه المعلم وسمى عند إرساله على صيد بعينه فقتل
غيره حل أكله، وبه قال أبو حنيفة والشافعي، وقال مالك: لا يحل أكله لأنه
أمسك غير الذي أرسله عليه فهو كما لو استرسل بنفسه.
دليلنا: قوله تعالى: فكلوا مما أمسكن عليكم، ولم يفرق، وأيضا روى
عدي بن حاتم وأبو ثعلبة الخشني أن النبي صلى الله عليه وآله قال: إذا أرسلت
كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل مما أمسك عليك، ولم يفرق وإنما
اعتبر الإرسال مع التسمية والإمساك فقط ولم يعتبر إمساك ما أرسله عليه بعينه.
9

مسألة 12: إذا أرسل كلبه المعلم في جهة فعدل عن سمته إلى جهة غيرها
وقتل حل أكله، وللشافعي فيه وجهان: قال أبو إسحاق: لا يحل لأن الكلب له
اختيار فإذا عدل عن الأول قطع حكم الإرسال الأول، والوجه الثاني مثل ما
قلناه.
دليلنا: الآية والخبر وأنهما لم يفرقا.
مسألة 13: إذا رمى سهما أو حربة ولم يقصد شيئا فوقع في صيد فقتله أو
رمى شخصا فوقع في صيد فقتله أو قتل شيئا ظنه غير شاة فكان شاة، كل هذا لا
يحل أكله، وللشافعي في رمى السهم والسلاح وجهان: أحدهما مثل ما قلناه،
والثاني يجوز أكله، وفي رمى الشخص وذبح الشاة وجه واحد أنه يجوز أكله.
دليلنا: إنا قد دللنا على وجوب التسمية، والتسمية هاهنا مفقودة، ولو كانت
موجودة لاحتاجت إلى قصد قتل الصيد أو المذبوح وذلك مفقود فلا يجوز
أكله.
مسألة 14: إذا استرسل الكلب من قبل نفسه من غير إرسال صاحبه فقتل
الصيد لم يحل أكله، وبه قال جميع الفقهاء إلا الأصم فإنه قال: لا بأس بأكله.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا فالصيد طريقة الشرع، وليس في الشرع ما
يدل على جواز أكل ما ذكرناه، وأيضا قوله تعالى: فكلوا مما أمسكن عليكم،
وهذا أمسك على نفسه، وروى عدي بن حاتم وأبو ثعلبة الخشني أن النبي صلى
الله عليه وآله قال: إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله تعالى عليه فكل
مما أمسك عليك، فأباحه بشرطين: الإرسال والتسمية، فمن قال بأكله من غير
إرسال فقد ترك الخبر.
مسألة 15: إذا استرسل الكلب بنفسه نحو الصيد ثم رآه صاحبه نحو الصيد
10

فأضراه وأغراه فازداد حرصه وعدوه وحقق قصده وصار عدوه أسرع من الأول
هلم يحل أكله، وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: يحل أكله.
دليلنا: الخبر المقدم فإن النبي صلى الله عليه وآله اعتبر الإرسال والتسمية،
وهذا ما أرسل.
مسألة 16: إذا رمى سهما وسمى فوقع على الأرض ثم وثب فوقع في
الصيد فقتله حل أكله، وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه والثاني لا يحل
أكله.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم على جواز أكل ما يقتله السهم مع التسمية
ولم يفصلوا.
مسألة 17: إذا قطع الصيد بنصفين حل أكل الكل بلا خلاف، وإن كان
الذي مع الرأس أكبر حل الذي مع الرأس دون الباقي، وبه قال أبو حنيفة، وقال
الشافعي: يحل أكل الجميع.
دليلنا: طريقة الاحتياط، فإن أكل ما مع الرأس مجمع على إباحته، وما
قالوا ليس عليه دليل، وأيضا روي عن ابن عمر أن النبي صلى الله وآله قال:
ما أبين من حي فهو ميت، وهذا القليل تبين من حي فيجب كونه ميتا وهذا أيضا
رواه أصحابنا ولا يختلفون فيه فهو إجماع منهم.
مسألة 18: إذا اصطاد المسلم بكلب علمه مجوسي حل أكل ما قتله، وبه
قال جميع الفقهاء، وقال الحسن البصري والثوري: لا يحل.
دليلنا: قوله تعالى: فكلوا مما أمسكن عليكم، ولم يفصل، وعليه إجماع
الفرقة وأخبارهم.
11

مسألة 19: إذا كان المرسل كتابيا لم يحل أكل ما قتله، وقال جميع
الفقهاء: يجوز ذلك.
دليلنا: إنا ندل على أن ذبائح أهل الكتاب لا تحل، وكل من قال بذلك
قال: إن إرسالهم لا يجوز أن يعتبر في استباحة الصيد، وطريقة الاحتياط تقتضي
ذلك.
مسألة 20: إذا كان المرسل مجوسيا أو وثنيا لم يحل أكل ما اصطاده بلا
خلاف، وإذا كان أحد أبويه مجوسيا ووثنيا والآخر كتابيا لم يجز أيضا عندنا،
وقال أبو حنيفة: يجوز على كل حال، وقال الشافعي: إن كان الأب مجوسيا لم
يحل قولا واحدا، وإن كانت الأم مجوسية فعلى قولين.
دليلنا: ما قدمناه من أنه لو كان كتابيا لما جاز أكل ما أرسل عليه فهذا
الفرع يسقط عنا.
مسألة 21: كل حيوان مقدور على ذكاته إذا لم يقدر عليه مثل أن يصير
مثل الصيد أو يتردى في بئر فلا يقدر على ذكاته كان عقره ذكاته، وفي أي موضع
وقع فيه، وبه قال في الصحابة علي عليه السلام وابن مسعود وابن عمر وابن
عباس، وفي التابعين عطاء وطاووس والحسن البصري، وفي الفقهاء الثوري
وأبو حنيفة وأصحابه والشافعي.
وذهبت طائفة إلى أن ذكاته في الحلق واللبة مثل المقدور عليه فإن عقره
فقتله في غيرهما لم يحل أكله، ذهب إليه سعيد بن المسيب وربيعة ومالك والليث
بن سعد.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
وأيضا روى رافع بن خديج أن بعيرا ند فرماه رجل بسهم فحسه فقال النبي
صلى الله عليه وآله: إن لهذه البهائم أوابد كأوابد الوحش فما ند منها فاصنعوا به
12

هكذا، ومنه دليلان: أحدهما أن للرامي حسه - أي قتله - بدليل ما روي في خبر
آخر أنه رماه فحسه الله يعني مات ولو كان حراما ما أقرهم عليه، والثاني قوله فما
ند منها فاصنعوا به هكذا فهذا أمر برمي ما كان غير مقدور عليه، وروى حماد بن
سلمة عن أبي العشر الدارمي عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله أما تكون الذكاة إلا
في الحلق واللبة؟ فقال: وأبيك لو طغت في فخذها لأجزأك، وروينا عن علي
عليه السلام وابن مسعود وابن عباس وابن عمر ولا مخالف لهم.
مسألة 22: لا تحل التذكية بالسن ولا بالظفر سواء كان متصلا أو منفصلا
بلا خلاف، وإن خالف وذبح به لم يحل أكله، وبه قال الشافعي، وقال
أبو حنيفة: إن كان الظفر والسن متصلين، كما قلناه، وإن كانا منفصلين حل أكله.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم وطريقة الاحتياط، وروى رافع بن خديج
أن النبي صلى الله عليه وآله قال: ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا إلا ما كان
من سن أو ظفر، وسأحدثكم عن ذلك، أما السن فعظم من الإنسان، وأما الظفر
فمدى الحبشة، ولم يفصل بين أن يكون متصل أو منفصلا.
مسألة 23: لا تجوز ذبائح أهل الكتاب اليهود والنصارى عند المحصلين
من أصحابنا، وقال شذاذ منهم أنه يجوز أكله، وخالف جميع الفقهاء في ذلك.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وإنما يخالف فيها من لا يعتد بقوله من
الطائفة وأيضا قوله تعالى: ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه، وهؤلاء لا
يذكرون اسم الله عليها لأنهم غير عارفين بالله وإنما يكون الاسم متوجها إليه
بالقصد، فمتى لا يعرفه لا يصح أن يقصد به اسمه، وأيضا فهم إن ذكروا اسم الله
فهم لا يعتقدون وجوب ذلك، والمراعي في ذلك اعتقاد وجوبه، ألا ترى أنه لو
ذكر اسم الله الوثني أو المجوسي لم يحل أكله بلا خلاف، ولو ذبح المسلم
الأخرس لحل أكله، وإن لم يذكر اسمه إذا كان معتقدا لوجوب ذلك.
13

مسألة 24: لا يجوز الذكاة في اللبة إلا في الإبل خاصة، وأما البقر والغنم
فلا يجوز ذبحهما إلا في الحلق، فإن ذبح الإبل أو نحر البقر والغنم لم يحل أكله،
وقال الفقهاء كلهم: إن التذكية في الحلق واللبة على حد واحد، ولم يفصلوا.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وطريق الاحتياط تقتضي ذلك لأن ما
اعتبرناه مجمع على جواز الاستباحة به، ووقوع الذكاة به، وما قالوه ليس عليه
دليل.
مسألة 25: إذا رمى طيرا فجرحه فسقط على الأرض فوجد ميتا حل أكله
سواء مات قبل أن يسقط أو بعد ما سقط أو لم يعلم وقت موته، وبه قال أبو حنيفة
والشافعي.
وقال مالك: إذا مات بعد سقوطه لا يحل أكله لأن السقطة أعانت على موته
كما لو وقع في الماء.
دليلنا: ظواهر الأخبار التي وردت فيما قتله السهم أنه لا بأس بأكله ولم
يفصلوا، وروى عدي بن حاتم قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وآله عن
الصيد، فقال: إذا رميت الصيد وذكرت اسم الله تعالى فقتل فكل، وإن وقع في
الماء فلا تأكله فإنك لا تدري الماء قتله أم سهمك.
مسألة 26: إذا قتل الكلب المعلم الصيد بالعقر حل أكله بلا خلاف، وعند
الفقهاء سائر الجوارح مثل ذلك من جوارح الطير والسباع، وإن قتله من غير
عقر مثل أن صدمه فقتله أو غمه حتى مات فلا يحل أكله، وللشافعي فيه قولان:
أحدهما مثل ما قلناه وهو الأظهر، وهو الذي رواه أبو يوسف ومحمد وزفر عن أبي
حنيفة، واختاره المزني، والقول الآخر يحل أكله وهو رواية الحسن بن زياد
اللؤلؤي عن أبي حنيفة.
دليلنا: قوله تعالى: فكلوا مما أمسكن عليكم، فأباح لنا ما أمسكه الجارح،
14

والجارح هو الذي يجرح ويعقر وهذا ما جرح، وروى رافع بن خديج أن النبي
صلى الله عليه وآله قال: ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا، وهذا ما أنهر دما.
مسألة 27: إذا رمى شخصا يظنه حجرا أو شجرا فبان صيدا قد قتله أو عقر
آدميا أو صيدا لا يؤكل كالكلب والخنزير والدب وغير ذلك لم يحل أكله، وبه
قال مالك.
وقال أبو حنيفة والشافعي: يحل أكله.
وقال محمد: إن اعتقده شجرا أو آدميا فبان صيدا لم يؤكل وإن اعتقده كلبا
أو خنزيرا فبان صيدا حل أكله لأنه من جنس الصيد.
دليلنا: أنا قد بينا وجوب التسمية، وهذا ما سمى ولا قصد الذباحة، وأيضا
طريقة الاحتياط تقتضي ما قلناه لأن الذكاة طريقها للشرع، وليس في الشرع ما
يدل على جواز ذلك.
مسألة 28: إذا ملك صيدا فأفلت منه لم يزل ملكه عنه طائرا كان أو غير
طائر، لحق بالبراري والصحاري أو لم يلحق، وبه قال أبو حنيفة والشافعي.
وقال مالك: إن كان يطير في البلد وحوله فهو على ملكه، وإن لحق
بالبراري وعاد إلى أصل التوحش زال ملكه.
دليلنا: أنه قد ثبت أنه ملكه قبل الانفلات بلا خلاف، ولا دليل على زوال
ملكه فيما بعد، وعلى من ادعى ذلك الدلالة.
مسألة 29: إذا قتل المحل صيدا في الحل لا جزاء عليه سواء كان منشأه
في الحل ولم يدخل الحرم أو دخل الحرم وخرج إلى الحل أو كان منشأة في
الحرم فخرج إلى الحل، وبه قال أبو حنيفة والشافعي.
وقال مالك: متى كان منشأه في الحل وقتل في الحل فلا جزاء سواء
15

دخل الحرم أو لم يدخل، ومتى كان منشأه في الحرم ثم خرج منه ففيه الجزاء.
دليلنا: أن الأصل الإباحة، والمنع يحتاج إلى دليل والأصل براءة الذمة،
وشغلها يحتاج إلى دليل.
مسألة 30: الطحال عندنا محرم، والقضيب والخصيتان والرحم والمثانة
والغدد والعليا والخرزة تكون في الدماع، والحدق والنخاع والفرج عندنا يحرم،
وتكره الكليتان. وقال الشافعي: هو مباح، وهو قول باقي الفقهاء.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم وطريقة الاحتياط.
مسألة 31: لا يؤكل من حيوان الماء إلا السمك، ولا يؤكل من أنواع
السمك إلا ما كان له فلس فأما غيره مثل المارماهي والزمير وغيره وغير السمك
من الحيوان مثل الخنزير والكلب والفأرة والإنسان والسلحفاة والضفادع - فإنه
قيل: ما من شئ في البر إلا ومثله في الماء - فإن جميع ذلك لا يحل أكله
بحال، وقال أبو حنيفة: لا يؤكل غير السمك، ولم يفصل، وبه قال بعض
أصحاب الشافعي.
وقال الشافعي: جميع ذلك يؤكل، وقال المزني: السمك وغيره، وقال:
غير الحوت كالحوت، وقال الربيع: سئل الشافعي عن خنزير الماء فقال:
يؤكل، وقال في الشام: يؤكل فأر الماء، ولما دخل العراق سئل عن اختلاف
أبي حنيفة وابن أبي ليلى في هذه المسألة فإن أبا حنيفة قال: لا يؤكل، وقال ابن
أبي ليلى: يؤكل، فقال الشافعي: أنا على قول ابن أبي ليلى، وبه قال أبو بكر وعمر
وعثمان وابن عباس وأبو أيوب الأنصاري وأبو هريرة ومالك والأوزاعي والليث بن
سعد وابن أبي ليلى، وفي أصحاب الشافعي من قال: يعتبر بدواب البر فما يؤكل
من دواب البر فكذلك دواب البحر، وما لم يؤكل البري منه فكذلك البحري.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا قوله تعالى: حرمت عليكم الميتة
16

والدم ولحم الخنزير، وهذا ميتة ولحم خنزير ولم يفرق.
وروى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله قال: أحلت لنا ميتتان ودمان:
فالميتتان السمك والجراد، والدمان الكبد والقلب، فمن قال: يحل من الميتة غير
هذا، فقد ترك الخبر.
مسألة 32: السمك إذا مات في الماء لم يحل أكله، وكذلك إذا نضب
الماء عنه أو انحصر عنه الماء أو حصل في ماء بارد أو حار فمات فيه لم يحل
أكله.
وقال الشافعي: يحل جميع ذلك من جميع حيوان الماء.
وقال أبو حنيفة: إذا مات حتف أنفه لم يؤكل، وإن مات بسبب مثل أن
انحسر عنه الماء أو ضربه بشئ أكل إلا ما يموت بحرارة الماء أو برودته، فإن
عنه فيه روايتين.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وطريقة الاحتياط تقتضي ذلك، فإن ما
اعتبرناه مجمع على إباحته، وما قالوه ليس عليه دليل، وروي عن جابر أن النبي
صلى الله عليه وآله نهى عن أكل السمك الطافي، وروى جابر أن النبي صلى الله
عليه وآله قال: ما انحسر الماء عنه فكل، وما مات فيه فلا تأكل.
مسألة 33: السمك يحل أكله إذا مات حتف أنفه، وبه قال أبو حنيفة،
وقال مالك: لا يحل حتى يقطع رأسه.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا روى ابن عمر أن النبي صلى الله
عليه وآله قال: أحلت لنا ميتتان ودمان، فالميتتان السمك والجراد، والدمان
الكبد والقلب.
مسألة 34: ابتلاع السمك الصغار قبل أن يموت لا يحل، وقال أبو حامد
17

الإسفرايني من أصحاب الشافعي وقال ابن العاص من أصحابه: يحل ابتلاعه.
دليلنا: إن جواز ذلك يحتاج إلى دليل، وإنما أبيح لنا إذا كان ميتا.
مسألة 35: يجوز أكل الهازبي وإن لم يلق ما في جوفه من الرجيع، وقال
أبو حامد الإسفرايني: لا يجوز أكله إلا بعد تنقيته.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم على أن ذرق وروث ما يؤكل لحمه طاهر،
وهذا منه.
مسألة 36: دم السمك طاهر، وللشافعي فيه وجهان: أحدهما مثل ما
قلناه، والثاني أنه نجس.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا النجاسة حكم شرعي، ولا دلالة في
الشرع على نجاسته.
18

كتاب الضحايا
مسألة 1: الأضحية سنة مؤكدة لمن قدر عليها، وليست واجبة، وبه قال في
الصحابة أبو بكر وعمر وعثمان وأبو مسعود البدري وابن عباس وابن عمر وبلال،
وفي التابعين عطاء وعلقمة والأسود، وإليه ذهب الشافعي وأحمد بن حنبل وأبو
يوسف ومحمد.
وذهب قوم إلى أنها واجبة بأصل الشرع ذهب إليه ربيعة ومالك والأوزاعي
والليث بن سعد وأبو حنيفة، ولأبي حنيفة تفصيل، فقال: إن كان معه نصاب
تجب عليه، وإن لم يكن معه نصاب لا تجب عليه، وتجب عنده على المقيم، ولا
تجب على المسافر، وإن فات وقتها لا تجب إعادتها.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا الأصل براءة الذمة ووجوبها
يحتاج إلى دليل.
وروى سعيد بن المسيب عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وآله قال: إذا
دخل العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره شيئا حتى يضحي، فلو
كانت واجبة ما علقها على إرادته لأنها تجب، أراد أو لم يرد، وروى عكرمة عن
ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله قال: أمرت بالنحر وهو سنة لكم، وعن
عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله قال: ثلاث كتبت على ولم
تكتب عليكم، النحر والوتر وركعتا الفجر، وهو إجماع الصحابة، وروي عمن
19

تقدم ذكره ولا مخالف لهم، فروي أن أبا بكر وعمر كانا لا يضحيان مخافة أن
يرى أنها واجبة، وأبو مسعود قال: أنا لا أضحي وأنا موسر لأن لا يقدر جيراني أنها
واجبة على، وابن عباس أعطى عكرمة درهمين وأمره أن يشترى بها لحما وقال:
من سألك عن هذا فقل هذه أضحية ابن عباس، وسأل زياد بن عبد الرحمن ابن
عمر عن الأضحية فقال: تريد أنها واجبة؟ قال: لا إنها سنة معروفة، قال ابن عمر:
صدقت، ونحو هذا عن بلال ولا مخالف لهم.
فإن تعلقوا بقوله تعالى: فصل لربك وانحر، وأنه تعالى أمر بالنحر، والأمر
يقتضي الإيجاب، قلنا: هذا متروك وبالإجماع لأن الظاهر يقتضي النحر، وهو
يختص الإبل، ولا خلاف أن ذلك لا يجب وأنه يجوز ذبح البقر والغنم، وإذا
ترك ظاهرها جاز لنا أن نحملها على الاستحباب وعلى هدي المتمتع أو على ما
كان نذرا أو غير ذلك على أن ذلك خطاب للنبي صلى الله عليه وآله خاصة،
ومن قال أن الأمة داخلة فيه، احتاج إلى دليل، وقد بينا ما روي أنه كان خاصا به
من قوله صلى الله عليه وآله.
مسألة 2: لا يكره لمن يريد التضحية يوم العيد أن شراء أضحية - وإن لم
تكن حاصلة - أن يحلق شعر رأسه أو يقص أظفاره من أول العشر إلى يوم النحر،
ولا يحرم ذلك عليه، وبه قال أبو حنيفة ومالك.
وقال أحمد بن حنبل وإسحاق: يحرم عليه ذلك حتى يضحي، وقال
الشافعي: يكره له ذلك ولا يحرم.
دليلنا: أن الأصل الإباحة، وكون ذلك محرما أو مكروها يحتاج إلى
دليل، وروت عائشة قالت: كنت أفتل قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وآله
ثم يقلدها هو بيده فلم يحرم عليه شئ أحله الله له حتى نحر الهدي، وهذا نص.
مسألة 3: يجزئ الثني من كل شئ من الإبل والبقر والغنم والجذع من
20

الضأن، وبه قال عامة أهل العلم، وقال ابن عمر والزهري: لا يجزئ الثني، فخالفا
في الجذع من الضأن.
وقال عطاء والأوزاعي: يجزئ الجذع من كل شئ، وأما الجذع من
الماعز فلا يجزئ بلا خلاف.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وروى زيد بن خالد الجهني قال: قسم
رسول الله صلى الله عليه وآله في أصحابه ضحايا فأعطاني عنوقا جذعا فرجعت
بها إليه فقلت: إنه جذع، فقال: ضح به، فضحيت به، وروى عقبة بن عامر
الجهني قال: كنا نضحي مع رسول الله صلى الله عليه وآله بالجذع من الضأن.
وأما الدليل على الأوزاعي وعطاء، فما رواه جابر قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وآله: لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن تعز عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن.
مسألة 4: أفضل الأضاحي الثني من الإبل ثم من البقر ثم الجذع من الضأن
ثم الثني من المعز، وبه قال الشافعي، وقال مالك: أفضلها الجذع من الضمان.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وروى جابر أن النبي صلى الله عليه وآله
قال: لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن تعز عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن، وروى أبو
هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله قال: من راح في الساعة الأولى فكأنما أهدى
بدنة ومن راح في الساعة الثانية فكأنما أهدى بقرة ومن راح في الساعة الثالثة
فكأنما أهدى كبشا ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما أهدى دجاجة ومن راح
في الساعة الخامسة فكأنما أهدى بيضة، فوجه الدلالة أن النبي صلى الله عليه وآله
فاضل بين الساعات، فجعل لمن راح من أولها بدنة، ولمن راح في الثانية بقرة،
ولمن راح في الثالثة كبشا ثبت أن البدنة له أفضل.
مسألة 5: يكره من الأضاحي الجلحاء - وهي التي لم يخلق لها قرن -
والعصباء - وهي التي كسر ظاهر قرنها وباطنه سواء أدمى قرنها أو لم يدم -، وبه
21

قال الشافعي، وقال النخعي: لا تجوز الجلحاء، وقال مالك: العصباء إن دمي
قرنها لم تجزء، وإن لم يدم أجزأت.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا الأصل الإجزاء، والمنع يحتاج
إلى دليل.
مسألة 6: يدخل وقت ذبح الأضحية بطلوع الشمس من يوم النحر، وبه
قال عطاء، واختلفت الفقهاء على أربعة مذاهب:
فقال الشافعي: يدخل بدخول الوقت، والوقت إذا دخل الوقت صلاة
الأضحى وهو إذا ارتفعت الشمس قليلا يوم الأضحى ومضى بعد هذا زمان بقدر ما
يمكن صلاة العيد والخطبتين سواء الإمام أو لم يصل، واختلف أصحابه في
صفة الصلاة على وجهين: منهم من قال: الاعتبار بصلاة النبي صلى الله عليه وآله
وكان يقرأ في الأولى " ق "، وفي الثانية " فاتحة الكتاب " و " اقتربت الساعة "،
ويخطب بعدها خطبتين كاملتين، ومنهم من قال: الاعتبار بركعتين أقل ما
يجزئ من تمام الصلاة وخطبتين خفيفتين بعدها.
وقال أبو حنيفة: يدخل وقتها بالفعل، وهو أن يفعل الإمام الصلاة ويخطب،
فإذا فرع من ذلك دخل وقت الذبح وإن تأخرت صلاته لم يذبح حتى يصلى،
هذا في حق أهل البلاد، وأما أهل السواد فوقت الذبح في حقهم طلوع الفجر
الثاني من يوم النحر، لأنه لا عيد على أهل السواد.
وقال مالك: يدخل وقته بوجود الفعل أيضا، والفعل صلاة الإمام
والخطبتين وذبح الإمام أيضا فإن تقدم على هذا لم يجزئ، قال: وأما أهل السواد
فوقت كل موضع معتبر بأقرب البلدان إليه، فإذا أقيمت الصلاة والذبح في هذا
البلد دخل وقت الذبح، وقال عطاء: وقته طلوع الشمس من يوم النحر.
دليلنا: إجماع الفرقة على أن الأضحية يوم الأضحى ولم يعينوا، فيجب أن
يكون جميع اليوم وقتا له.
22

مسألة 7: الذكاة لا تقع مجزئة إلا بقطع أشياء أربعة: الحلقوم وهو مجرى
النفس، والمرئ وهو تحت الحلقوم وهو مجرى الطعام والشراب، والودجين
وهما عرقان محيطان بالحلقوم، وبه قال مالك.
وقال أبو حنيفة: قطع أكثر الأربعة شرط في الإجزاء، قالوا: وظاهر مذهبه
الأكثر من كل واحد منهما.
وقال أبو يوسف: أكثر الأربعة عددا، فكأنه يقطع ثلاثة من الأربع بعد أن
يكون الحلقوم والمرئ من الثلاثة.
وقال الشافعي: الإجزاء يقع بقطع الحلقوم والمرئ وحدهما، وقطع
الأربعة من المكملات.
دليلنا: أن ما اعتبرناه مجمع على وقوع الذكاة به، وما قالوه ليس عليه
دليل، فالاحتياط يقتضي ما قلناه، وروى أبو أمامة أن النبي صلى الله عليه وآله
قال: ما فري الأوداج فكلوا ما لم يكن قرض ناب أو جز ظفر، فاعتبر فري
الأوداج - يعني قطعها -.
مسألة 8: السنة في الإبل النحر، وفي البقر والغنم الذبح بلا خلاف، فإن
ذبح الكل أو نحر الكل لم يجز عندنا، وقال الشافعي: يجوز كل ذلك، وقال
مالك: النحر يجوز في الكل والذبح لا يجوز في الإبل خاصة فإن ذبح الإبل
لا يحل أكله كما قلناه.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا ما اعتبرناه مجمع على حصول
التذكية به، وما قالوه ليس عليه دليل.
مسألة 9: قد بينا أن ذبائح أهل الكتاب لا تجزئ، وكذلك الأضحية،
وخالفنا جميع الفقهاء في ذلك في الذباحة من غير كراهة، وقال الشافعي: أكره
ذلك في الأضحية ولكن يجزئه، وقال مالك: يحل أكله ولا يجزئ في
23

الأضحية.
دليلنا: ما تقدم من أن ذبائح أهل الكتاب لا تجزئ، وكل من قال بذلك
قال في الأضحية مثله، وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: لا يذبح
ضحاياكم إلا طاهر، والكفار أنجاس.
مسألة 10: إذا قلنا أن ذبائح أهل الكتاب ومن خالف الإسلام لا تجوز فقد
دخل في جملتهم ذبائح نصارى تغلب - وهم تنوخ، ويهرأ، وبنو وائل - ووافقنا
على نصارى تغلب الشافعي، وقال أبو حنيفة: تحل ذبائحهم.
دليلنا: ما قدمناه من الأدلة على ذلك فلا وجه لإعادته، وأيضا فقد قال
بتحريم ذبائحهم علي عليه السلام وعمر ولا مخالف لهما، وروي عن ابن عباس
روايتان.
مسألة 11: لا يجوز أكل ذبيحة تذبح لغير القبلة مع العمد والإمكان، وقال
جميع الفقهاء أن ذلك مستحب، وروي عن ابن عمر أنه قال: أكره ذبيحة تذبح
لغير القبلة.
دليلنا: أن ما اعتبرناه مجمع على جواز التذكية به، وليس على ما قالوه
دليل، وأيضا روى جابر قال: ضحى رسول الله صلى الله عليه وآله بكبشين
أقرنين فلما وجههما قرأ " وجهت وجهي... الآيتين ".
مسألة 12: يستحب أن يصلى على النبي صلى الله عليه وآله عند الذبيحة،
وأن يقول " اللهم تقبل مني " وبه قال الشافعي، وقال مالك: تكره الصلاة على
النبي صلى الله عليه وآله عند الذبيحة وأن يقول " اللهم تقبل مني ".
دليلنا: إجماع الفرقة وأيضا قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه
وسلموا تسليما، وذلك على عمومه إلا ما أخرجه الدليل، وقد روي في التفسير في
24

قوله " ورفعنا لك ذكرك " أن لا أذكر إلا وتذكر معي، وقد أجمعنا على ذكر
الله فوجب أن يذكر رسول الله.
وروى عبد الرحمان بن عوف قال: سجد رسول الله صلى الله عليه وآله
فذهبت انتظر فأطال ثم رفع رأسه، فقال عبد الرحمان: لقد خشيت أن يكون الله
قد قبض روحك في سجودك، فقال: يا عبد الرحمان لقيني أخي جبرائيل
وأخبرني عن الله أنه قال " من صلى عليك أربعا صليت عليه " فسجدت شكرا
لله، وفي بعضها: قال " من صلى عليك مرة صليت عليه بها عشرا " فسجدت الله
شكرا، ثبت أن الصلاة عليه مستحبة على كل حال وفي كل وقت ولم يفصل.
وروى جابر قال: ذبح رسول الله صلى الله عليه وآله يوم النحر كبشين
أقرنين أملحين فلما وجههما قال: " وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض
حنيفا وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين
لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين، اللهم منك ولك عن محمد وأمته
بسم الله والله أكبر " ثم ذبح.
وروت عائشة أن النبي صلى الله عليه وآله أمر بكبش أقرن يطأ في سواد
وينظر في سواد ويبرك في سواد فأتى به يضحي به ثم أخذ الكبش فأضجعه
وذبحه وقال: بسم الله اللهم تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد، ثم ضحى
وهذا نص.
مسألة 13: يكره إبانة الرأس من الجسد وقطع النخاع قبل أن تبرد
الذبيحة، فإن خالف وأبان لم يحرم أكله، وبه قال جميع الفقهاء، وقال سعيد بن
المسيب: يحرم أكلها.
دليلنا: أن الأصل الإباحة وأيضا قوله تعالى: فكلوا مما ذكر اسم الله عليه،
وهذا ذكر اسم الله عليه، وعليه إجماع الصحابة، روي عن علي عليه السلام أنه
سئل عن بعير ضربت عنقه بالسيف فقال: يؤكل، وعمران بن حصين قيل له في
25

رجل ذبح بطة فبان رأسها فقال: تؤكل، وعن ابن عمر نحوه، ولا مخالف لهم.
مسألة 14: إذا قطعت رقبة الذبيحة من قفاها فلحقت قبل قطع الحلقوم
والمرئ وفيها حياة مستقرة وعلامتها أن تتحرك حركة قوية حل أكلها إذا
ذبحت، فإن لم تكن فيها حركة قوية لم يحل أكلها لأنها ميتة، وبه قال الشافعي،
وقال مالك وأحمد: لا يحل أكلها على حال، ورووا عن علي عليه السلام أنه قال:
إن قطع ذلك عمدا لم يحل أكلها وإن كان سهوا حل أكلها.
دليلنا: قوله تعالى: فكلوا مما ذكر اسم الله عليه، وقوله عليه السلام: ما أنهر
الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا، ولم يفصل، وروى أصحابنا أن أدنى ما يلحق معه
الذكاة أن يجده يركض برجله أو يتحرك ذنبه وهكذا أكثر من ذلك.
مسألة 15: إذا اشترى شاة تجزئ في الأضحية بنية أنها أضحية ملكها
بالشراء وصارت أضحية، وبه قال أبو حنيفة ومالك، وقال الشافعي: يملكها ولا
تكون أضحية.
دليلنا: قوله عليه السلام: الأعمال بالنيات، وهذا نوى كونها أضحية فيجب
أن تكون كذلك، وقال الشافعي: عقد البيع يوجب الملك، وجعلها أضحية
يزيل الملك، والشئ الواحد لا يوجب الملك ويزيله في وقت واحد وهذا
ينتقض، لأنه لو قال: إن ملكت عبدا فلله على أن أعتقه، صح ولزمه عتقه وهذا لفظ
واحد أوجب شيئين.
مسألة 16: إذا أوجب على نفسه أضحية بالقول أو بالنية على ما مضى من
الخلاف زال ملكه عنها وانقطع تصرفه فيها، وبه قال أبو يوسف وأبو ثور
والشافعي، وروي ذلك عن علي عليه السلام.
وقال أبو حنيفة ومحمد: لا يزول ملكه عنها، ولا ينقطع تصرفه فيها، وتكون
26

له على ملكه حتى يخرجها إلى المساكين، وله أن يستبدل بها بالبيع وغير ذلك،
وبه قال عطاء، فأما إن قال لعبده: لله عليه أن أعتقك، لم يزل ملكه بلا خلاف،
فأما بيعه فلا يجوز عند الشافعي، وعند أبي حنيفة يجوز وهو الأقوى لأنه يبيعه ثم
يشتريه ويعتقه.
دليلنا على الأول: إجماع الفرقة وأخبارهم، وروي عن عمر بن الخطاب
قال: قلت يا رسول الله إني أوجبت على نفسي بدنة وقد طلبت مني، فقال: انحرها
ولا تبعها ولو طلبت بمائة بعير، وهذا نص لأنه أمر بالنحر ونهاه عن البيع ثم بالغ
فقال " ولو طلبت بمائة بعير "، وروي عن علي عليه السلام أنه قال: من عين
أضحية فلا يستبدل بها، ولا مخالف له.
مسألة 17: إذا أتلف الأضحية التي أوجبها الله عليه كان عليه قيمتها، وبه
قال أبو حنيفة ومالك.
وقال الشافعي: عليه أكثر الأمرين من مثلها أو قيمتها، ويبين الخلاف إذا كان
قيمتها يوم الإتلاف عشرة ويوم الإخراج عشرين، عند الشافعي عليه مثله
بعشرين وعندنا عليه قيمتها.
دليلنا: أن كل من أتلف شيئا كان عليه قيمته، وإيجاب المثل يحتاج إلى
دليل كيف ويختلف المثل، وأيضا فما قلناه مجمع عليه، والزائد يحتاج إلى
دليل.
مسألة 18: إذا لم يكن للأضحية ولدا أو كان لها ولد وفصل من لبنها جاز
لصاحبها الانتفاع باللبن وله أيضا ركوبها غير قادح، وبه قال الشافعي، وقال أبو
حنيفة: ليس له ركوبها ولا حلب لبنها.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم وأيضا الأصل الإباحة، والمنع يحتاج إلى
دليل وأيضا قوله تعالى: ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب، لكم
27

فيها منافع إلى أجل مسمى ثم محلها إلى البيت العتيق، فقال لكم فيها منافع،
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه رأى رجلا يسوق بدنة فقال له: اركبها،
فقال: إنه بدنة، فقال: اركبها ويلك، وحديث علي عليه السلام يدل عليه أيضا
وقد قدمناه.
مسألة 19: إذا أوجب على نفسه أضحية سليمة من العيوب التي تمنع
الأضحية ثم حدث بها بعيب يمنع جواز الأضحية كالعور والعرج والجرب
والعجاف، نحرها على ما بها وأجزأه، وهكذا ما أوجبه على نفسه من الهدايا الباب
واحد، وبه قال علي عليه السلام وعبد الله بن الزبير وعطاء والزهري والشافعي
وأحمد وإسحاق.
وقال أبو حنيفة: إن كان الذي أوجبها من لا تجب عليه الأضحية - وهو
المسافر عنده، ومن لا يملك نصابا -، كقولنا، وإن كان من تجب عليه عنده
الأضحية ابتداء فعينها في شاة بعينها فعابت فهذه لا تجزئ، وبه قال أبو جعفر
الأسترآبادي من أصحاب الشافعي.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، وإيجاب مثلها عليه يحتاج إلى دليل، وروى
أبو سعيد الخدري قال قلت: يا رسول الله أوجبت أضحية وقد أصابها عوار،
فقال: ضح بها، وروي عن علي عليه السلام وابن الزبير ولا مخالف لهما.
مسألة 20: إذا ضلت الأضحية التي أوجبها على نفسه أو سرقت لم يكن عليه
البدل فإن عادت ذبحها أي وقت كان سواء كان قبل مضى وقت الذبح أو
بعده، وبه قال الشافعي إلا أنه قال: إن عادت قبل فوات وقت الذبح وهو آخر
أيام التشريق كانت أداء، وإن عادت بعد انقضائه تكون قضاء، وقال أبو حنيفة:
إن عادت قبل انقضائه ذبحها، وإن عادت بعد انقضائه لم يذبحها بل سلمها حية
إلى الفقراء، وما يجب عنده ابتداء بلا نذر يسقط بفوات وقته.
28

دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، ولأنه لا خلاف أنه كان له ذبحها قبل
فوات الوقت فمن قال يسقط ذلك فعليه الدلالة.
مسألة 21: إذا عين أضحية بالنذر ثم جاء يوم النحر ودخل وقت الذبح فذبحها
أجنبي بغير إذن صاحبها فإن نوى عن صاحبها أجزأت عنه، وإن لم ينو عن
صاحبها لم تجزء عنه وكان عليه ضمان ما نقص بالذبح، وقال الشافعي:
تجزئ عن صاحبها - ولم يفصل - وعلى الذابح ضمان ما نقص بالذبح، وقال
أبو حنيفة: تقع موقعها ولا يجب على ذابحها ضمان ما نقص بالذبح، وقال
مالك: لا تقع موقعها وعليه أن يضحي بغيرها.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 22: ذبح الأضاحي مكروه بالليل إلا أنه يجزئ، وبه قال الشافعي،
وقال مالك: لا يجزئ.
دليلنا: قوله تعالى: فكلوا مما ذكر اسم الله عليه، ولم يفرق، وروى رافع
بن خديج عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه
فكلوا، ولم يفصل.
مسألة 23: الأكل من الأضحية المسنونة والهدايا المسنونة مستحب غير
واجب، وبه قال جميع الفقهاء، وقال بعض أهل الظاهر، هو واجب.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا قوله تعالى: والبدن جعلناها لكم
من شعائر الله لكم فيها خير، فأخبر أنها لنا وما كان لنا كنا بالخيار بين الأكل منه
وبين الترك.
مسألة 24: يستحب أن يأكل من الأضحية المسنونة ثلثها، ويهدي ثلثها
29

ويتصدق بثلثها.
وقال الشافعي: فيه مستحب وفيه قدر الإجزاء، فالمستحب على قولين:
أحدهما مثل ما قلناه، والآخر، يأكل نصفه ويتصدق بنصفه، والإجزاء على قولين:
أحدهما أنه يأكل جميعها إلا قدرا يسيرا ولو أوقية، وقال أبو العباس: له أكل
الجميع.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا قوله تعالى: فكلوا منها وأطعموا
القانع والمعتر، فقسم ثلاثة أقسام: أحدها أمر بأكله، والثاني بإطعام القانع،
والثالث بالطعام المعتر، فصنفهم ثلاثة أصناف، فمن قال غير ذلك فقد ترك
الظاهر.
مسألة 25: الأضحية إذا كان نذرها وصارت واجبة كان له الأكل منها،
وللشافعي فيها وجهان: أحدهما مثل ما قلناه، والثاني، ليس له ذلك كالهدايا و
الواجبة.
دليلنا: قوله تعالى: فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر، فقسم ثلاثة أقسام
ولم يفصل، وأيضا الأخبار التي وردت في جواز الأكل من الأضحية مطلقة،
وأيضا المطلق من النذر، ويحمل على المعهود الشرعي والمعهود في الأضحية
الأكل منها وكذلك المنذور.
مسألة 26: لا يجوز بيع جلد الأضحية سواء كانت تطوعا أو نذرا إلا إذا
تصدق بثمنها على المساكين، وبه قال أبو حنيفة وزاد أنه يجوز بيعها بآلة للبيت
على أن يعيرها مثل القدر والفأس والمنخل والميزان ونحو ذلك، وقال الشافعي:
لا يجوز بيعها بحال، وقال عطاء: يجوز بيعها على كل حال، وقال الأوزاعي:
يجوز بيعها بآلة للبيت.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا فالجلد إذا كان للمساكين فلا فرق
30

بين أن يعطيهم إياه أو ثمنه، وروى عبد الرحمان بن أبي ليلى عن علي عليه السلام
قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله أن أقوم على بدنة فأقسم جلودها
وجلالها، وأمرني أن لا أعطي الجازر منها شيئا، وقال: نحن نعطيه من عندنا، فأمره
بقسمة الجلود، والأمر يقتضي الإيجاب.
مسألة 27: الهدي الواجب لا يجزئ إلا واحد عن واحد، وإن كان تطوعا
يجوز عن سبعة إذا كانوا أهل بيت واحد، وإن كانوا من أهل بيتين لا يجزئ، وبه
قال مالك.
وقال الشافعي: يجوز للسبعة أن يشتركوا في بدنة أو بقرة في الضحايا
والهدايا سواء كانوا مفترضين من نذر أو هدايا الحج، أو متطوعين كالهدايا
والضحايا المسنونة، أو متقربين، وبعضهم يريد لحما سواء كانوا أهل بيت واحد
أو بيوت شتى.
وقال أبو حنيفة: إن كانوا متقربين مفترضين أو متطوعين أو منهما جاز، وإن
كان بعضهم يريد لحما وبعضهم يكون متقربا لم يجز.
وروي عن ابن عباس وبعض التابعين أن البدنة تجزئ عن عشرة والبقرة
عن عشرة، وبه قال أبو إسحاق المروزي، وقد روى أصحابنا أنها تجزئ عن
السبعين مع التعذر.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم وطريقة الاحتياط.
مسألة 28: أيام النحر بمنى أربعة يوم النحر وثلاثة بعده، وفي الأمصار
ثلاثة أيام، يوم النحر ويومان بعده.
وقال الشافعي: أيام النحر هي الأيام المعدودات وهي أربعة أيام أولها يوم
النحر وآخرها غروب الشمس من التشريق، وروي ذلك عن علي عليه السلام،
وبه قال الحسن وعطاء.
31

وقال مالك وأبو حنيفة: المعدودات ثلاثة أولها يوم عرفة وأيام الذبح ثلاثة
أولها يوم النحر، فخالفوا الشافعي في الثالث من التشريق.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا روى جبير بن مطعم قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وآله: " عرفة كلها موقف وارتفعوا عن عرفة، ومزدلفة
كلها موقف وارتفعوا عن محسر، وأيام منى كلها أيام ذبح "، وروي عن النبي
صلى الله عليه وآله أنه قال: الضحايا إلى هلال المحرم، فالظاهر أن الوقت باق إلى
هلال المحرم إلا ما أخرجه الدليل.
مسائل العقيقة
مسألة 29: العقيقة سنة مؤكدة وليست بواجبة، وبه قال الشافعي، وقال أبو
حنيفة: غير مسنونة ولا واجبة، وقال محمد: كانت واجبة في صدر الإسلام ثم
نسخت بالأضحية، وقال الحسن وقوم من أهل الظاهر: واجبة.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وروت أم كذر قالت: أتيت رسول الله
صلى الله عليه وآله أسأله عن لحم الهدي فسمعته يقول: أقروا الطير على مكانتها،
وسمعته يقول: عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة لا يضركم ذكرانا كن أو إناثا،
وروى عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله عق عن الحسن
والحسين كبشا كبشا.
مسألة 30: إذا ثبت أنها مستحبة فالأفضل أن يعق عن الغلام بكبش وعن
الجارية بنعجة، وقال الشافعي: يعق عن الغلام بشاتين وعن الجارية بشاة واحدة،
وبه قالت عائشة، وقال مالك: عن الغلام شاة وعن الجارية شاة لا فضل بينهما،
وبه قال ابن عمر.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا روى عكرمة عن ابن عباس عن
النبي صلى الله عليه وآله عق عن الحسن والحسين كبشا كبشا.
32

مسألة 31: وقت العقيقة المستحب يوم السابع بلا خلاف ولا يلطخ رأس
الصبي بدمه، وبه قال جميع الفقهاء، وقال الحسن: يستحب أن يمس رأسه بدم،
وقال قتادة: يؤخذ منها صوفه ويستقبل بها أوداجها ثم توضع على يافوخ الصبي
حتى يسيل على رأسه مثل الخيط ثم يغسل رأسه بعد ويحلق.
دليلنا: إجماع الفرقة، ولأن الأصل براءة الذمة، وشغلها يحتاج إلى دليل،
وروى يزيد بن عبدة المزني عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وآله قال: يعق عن
الغلام ولا يمس رأسه بدمه، وروت عائشة قالت: كانت الجاهلية تعق عن الغلام
فتأخذ صوفه فتطلي رأسه بدمها، فنهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن ذلك
وأمر أن يجعل مكانه خلوق.
33

كتاب الأطعمة
مسألة 1: الكلب والخنزير نجسان في حال الحياة، وبه قال أبو حنيفة
والشافعي، وقال مالك: هما طاهران في حال الحياة وإنما ينجسان بالموت أو
القتل.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا طريقة الاحتياط تقتضيه.
مسألة 2: الحيوان على ضربين: طاهر ونجس، فالطاهر النعم بلا خلاف،
وما جرى مجراها من البهائم والصيد، والنجس الكلب والخنزير والمسوخ كلها.
وقال الشافعي: الحيوان طاهر ونجس، فالنجس الكلب والخنزير فحسب،
والباقي كله طاهر.
وقال أبو حنيفة: الحيوان على أربعة أضرب، طاهر مطلق وهو النعم وما في
معناها، ونجس العين وهو الخنزير، ونجس نجاسة يجري مجرى ما ينجس
بالمجاورة وهو الكلب والذئب والسباع كلها، ومشكوك فيه وهو الحمار.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم وقد مضى ذلك في كتاب الطهارة.
مسألة 3: السباع على ضربين: ذي ناب قوي يعدو على الناس كالأسد
والنمر والذئب والفهد، فهذا كله لا يؤكل بلا خلاف، والثاني ما كان ذا ناب
35

ضعيف لا يعدو على الناس وهو الضبع والثعلب فعندنا أنه حرام أكلهما، وقال
الشافعي: هما مباحان، وقال مالك: أكل الضبع حرام، وقال أبو حنيفة: الضبع
مكروه والثعلب محرم.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا روي عن علي عليه السلام أن النبي
صلى الله عليه وآله نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من
الطير، وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله قال: أكل كل ذي ناب من
السباع حرام، وهذا نص.
مسألة 4: اليربوع حرام أكله، وقال الشافعي: حلال.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم وطريقة الاحتياط.
مسألة 5: ابن آوى لا يجل أكله، ولأصحاب الشافعي فيه وجهان: منهم من
قال: يؤكل، وهو الأشبه بالمذهب، ومنهم من قال: لا يحل أكله، كما قلناه.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا قوله " كل ذي ناب محرم " وهذا
ذو ناب.
مسألة 6: السنور لا يحل أكله أهليا كان أو بريا، وبه قال أبو حنيفة، ووافقنا
الشافعي على الأهلي، وقال في البري وجهان.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا روى جابر أن النبي صلى الله عليه
وآله نهى عن أكل السنور وعن أكل ثمنها.
مسألة 7: لا يحل أكل الوبر والقنفذ - والوبر دويبة سوداء أكبر من ابن
عرس تأكل وتجتر -، وقال الشافعي: يجوز أكلهما معا.
دليلنا: إجماع الفرقة، وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: خبيثة
36

من الخبائث، وروى نميلة عن أبيه قال: كنت عند ابن عمر فسئل عن القنفذ فتلا
قوله تعالى: قول لا أجد فيما أوحي إلى محرما، إلى قوله: أو لحم خنزير فإنه رجس،
فقال شيخ عنده: سمعت أبا هريرة يقول ذكر عند النبي صلى الله عليه وآله فقال:
خبيثة من الخبائث، فقال ابن عمر: إن كان رسول الله صلى عليه وآله قال هذا
فهو كما قال.
مسألة 8: الأرنب محرم، وقال الشافعي: حلال.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم وطريقة الاحتياط.
مسألة 9: الضب حرام أكله، وبه قال مالك، وقال أبو حنيفة: مكروه يأثم
بأكله إلا أنه لا يسميه حراما، وقال الشافعي: حلال.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وروى ثابت بن ذريعة قال: كنا مع
رسول الله صلى الله عليه وآله في جيش فأصبنا ضبانا فشويت منها ضبا فأتيت به
رسول الله صلى الله عليه وآله فوضعته بين يديه قال: فأخذ عودا فعد به أضلاعه
ثم قال: إن أمة من بني إسرائيل مسخت دواب في الأرض وإني لا أدري أي
الدواب هي، فلم يأكله فلو كان حلالا ما امتنع منه.
مسألة 10: أكل لحم الخيل حلال، عرابا كانت أو براذين أو مقاريف، وبه
قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد وأحمد وإسحاق، وقال مالك: حرام، وقال أبو
حنيفة: مكروه.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا قوله تعالى: قل لا أجد فيما أوحي
إلى محرما... الآية، وعليه إجماع الصحابة، وروي ذلك عن أنس بن مالك
وعبد الله بن الزبير وسويد بن غفلة وفضالة بن عبيد وأسماء بنت أبي بكر، وأيضا
الأصل الإباحة، والتحريم يحتاج إلى دليل.
37

مسألة 11: يجوز أكل لحوم الحرم الأهلية والبغال وإن كان فيها بعض
الكراهية إلا أنه ليس بمحظور، وبه قال ابن عباس في الحمار، ووافقنا الحسن
البصري في البغال، وخالف جميع الفقهاء في ذلك وقالوا: حرام أكلها.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا الأصل الإباحة، والحظر يحتاج
إلى دليل.
وأيضا قوله تعالى: قل لا أجد فيما أوحي إلى محرما، إلى قوله: أو لحم خنزير
فإنه رجس أو فسقا، فالظاهر أن ما عدا هذه مباح إلا ما أخرجه الدليل.
وروى غالب بن الحر قال: لم يكن في مالي شئ أطعم إلا سمان حمر
فسألت رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: أطعم أهلك من سمين حمرك وإنما
حرمتها من أجل جوالي القرية، وهذا نص.
وروى أبو وائل شقيق بن سلمة عن ابن عباس قال: إنما نهى رسول الله صلى
الله عليه وآله عن أكل لحوم الحمر الأهلية لئلا يقل الظهر، فكل خبر يروى في
تحريم لحم الحمر الأهلية والنهي عنها يمكن حمله على هذا.
مسألة 12: القرد نجس حرام أكله، قال أبو حامد الإسفرايني قال أبو حبوبة
قال أبو العباس: القرد طاهر، وحكى بعض أهل العلم عن الشافعي أنه حلال،
قال أبو حامد: وهذا غير معروف عنه ولا مذكور.
دليلنا: إجماع الفرقة على تحريمه، وأيضا هو من المسوخ، قال تعالى: فقلنا
لهم كونوا قردة خاسئين، وطريقة الاحتياط تقتضي تركه.
مسألة 13: الحية والفأرة حرام أكلهما، وبه قال الشافعي، وقال مالك: هما
مكروهان وليسا بمحظورين وكذلك الغراب فإذا أراد أكلها ذبحها وأكلها.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا قوله تعالى: أحل لكم الطيبات،
وقال في موضع آخر: ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث، وهذا
38

يستخبث.
وروى ابن عمر وحفصة أن النبي صلى الله عليه وآله قال: خمس لا جناح
على من قتلهن في حل أو حرم، الحية والعقرب والفأرة والحدأة والكلب والعقور،
فوجه الدلالة أن الله تعالى أوجب الجزاء على المحرم وعلى المحل في الحرم بقتل
الصيد المأكول الجناح، فلما رفع الجناح عمن قتل هذه محرما كان أو في
الحرم وكلها وحوش ثبت أنها مما لا يحل أكلها.
مسألة 14: جوارح الطير كلها محرمة، مثل البازي والصقر والعقاب
والباشق والشاهين ونحوها، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة، وقال مالك: الطائر
كله حلال لقوله تعالى: قل لا أجد فيما أوحي إلى محرما... الآية.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا روى عاصم بن ضمرة عن علي
عليه السلام وسعيد بن جبير عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله نهى عن
كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير، وهذا عام في جميعه.
مسألة 15: الغراب كله حرام على الظاهر في الروايات، وقد روي في
بعضها رخص وهو الزاع - وهو غراب الزرع - والغداف - وهو أصغر منه
أغبر اللون كالرماد -، وقال الشافعي: الأسود والأبقع حرام، والزاع والغداف
على وجهين: أحدهما حرام، والثاني حلال وبه قال أبو حنيفة.
دليلنا: إجماع الفرقة وعموم الأخبار في تحريم الغراب، وطريقة الاحتياط
تقتضي ذلك أيضا.
معنى الجلال وما يزول به حكم الجلل منه
مسألة 16: الجلال عبارة عن البهيمة التي تأكل العذرة اليابسة أو الرطبة،
كالناقة والبقرة والشاة والدجاجة، فإن كان هذا أكثر علفها كره أكل لحمها
39

عندنا وعند جميع الفقهاء، إلا قوما من أصحاب الشافعي فإنهم قالوا: إنه حرام،
وروى أصحابنا تحريم ذلك إذا كان غذاؤه كله من ذلك.
ويزول حكم الجلل عندنا بأن يحبس ويطعم علفا طاهرا، الناقة أربعين يوما
والبقرة عشرين يوما، والشاة عشرة أيام أو سبعة أيام والدجاجة ثلاثة أيام ولم
أعرف للفقهاء في ذلك نصا، وحكى بعض أصحاب الشافعي ما حددناه عن
بعض أهل العلم وقال: لا معول على ذلك بل المعول على ما يزول معه حكم
الجلل باعتبار العادة فيحبس ذلك القدر.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا روى مجاهد عن ابن عمر أن النبي
صلى الله عليه وآله نهى عن أكل الجلالة وألبانها، وروى نافع عن ابن عمر أن
النبي صلى الله عليه وآله نهى عن الجلالة في الإبل أن تركب أو يشرب من ألبانها.
مسألة 17: كسب الحجام مكروه للحر مباح للعبد، حر كسبه أو عبد، وبه
قال الشافعي وأحمد بن حنبل على ما حكاه الساجي عنه، وقال قوم من أصحاب
الحديث: حرام على الأحرار حلال للعبيد.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
وأيضا روى حزام بن محيصة عن أبيه قال: سألنا رسول الله صلى الله عليه
وآله عن كسب الحجام فنهانا عنه فلم نزل نكرره عليه حتى قال: أطعمه رفيقك
وأعلفه نواضحك، وروى عكرمة عن ابن عباس قال: احتجم رسول الله صلى الله
عليه وآله فأعطى الحجام أجرة، قال ابن عباس: ولو كان خبيثا ما أعطاه، وروى
علي عليه السلام أن النبي صلى الله عليه وآله احتجم وأمرني أن أعطي الحجام
أجرة، وروى أنس أن أبا طيبة حجم النبي صلى الله عليه وآله فأمر له بصاع من
تمر وأمر مواليه أن يخففوا عنه من خراجه، وقال جابر في حديث آخر: كان
خراجه - وفي بعضها كانت ضريبته - ثلاثة أصوع من تمر، في كل يوم صاعا،
وروي ذلك عن عثمان وابن عباس ولا مخالف لهما.
40

مسألة 18: إذا نحرت البدنة أو ذبحت البقرة أو الشاة فخرج من جوفها
ولد فإن كان تاما - وحده أن يكون أشعر أو أوبر - نظر فيه: فإن خرج ميتا حل
أكله، وإن خرج حيا ثم مات لم يحل أكله، وإن خرج قبل أن يتكامل لم يحل
أكله بحال.
وقال الشافعي: إذا خرج ميتا حل أكله، ولم يفصل بين أن يكون تاما أو
غير تام، وإن خرج حيا فإن بقي زمانا يتسع لذبحه ثم مات لم يحل أكله، وإن
لم يتسع الزمان لذبحه ثم مات حل أكله وسواء كان ذلك لتعذر آلة أو غير
ذلك، وبه قال مالك والأوزاعي والثوري وأبو يوسف ومحمد وأحمد وإسحاق،
وهو إجماع الصحابة.
وانفرد أبو حنيفة بأن قال: إذا خرج ميتا فهو ميتة لا يؤكل حتى يخرج حيا
فيذبح فيحل بالذبح.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا الأصل الإباحة، والمنع يحتاج إلى
دليل.
وروى أبو داود في سننه عن مسدد عن هشيم عن مجالد عن أبي الوداك
عن أبي سعيد الخدري قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وآله فقلت: يا رسول
الله تنحر الناقة وتذبح البقرة أو الشاة وفي بطنها الجنين أنلقيه أم نأكله؟ فقال:
كلوه إذا شئتم فإن ذكاة الجنين ذكاة أمه.
وروى أبو إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي عليه السلام وعكرمة عن
ابن عباس ونافع عن ابن عمر وابن الزبير عن جابر وطاووس عن أبي هريرة أن
النبي صلى الله عليه وآله قال: ذكاة الجنين ذكاة أمة.
فوجه الدلالة أن النبي صلى الله عليه وآله أخبر أن إحدى الذكاتين نائبة
مناب الأخرى وقائمة مقامها، فوجب أن تكون ذكاة الأم نائبة عن ذكاتها وذكاة
جنينها.
وروي عن علي عليه السلام أنه قال: ذكاة الجنين ذكاة أمه، وعن ابن عمر
41

وابن عباس، إذا خرج الجنين ميتا وقد أشعر أكل، وروي عن عبد الرحمان بن
كعب بن مالك قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله يقولون: ذكاة
الجنين ذكاة أمه، فهو إجماع على ذلك بلا خلاف.
مسألة 19: إذا ماتت الفأرة في سمن أو زيت أو شيرج أو بزر نجس كله
وجاز الاستصباح به ولا يجوز أكله ولا الانتفاع به لغير الاستصباح به، وبه قال
الشافعي.
وقال قوم من أصحاب الحديث: لا ينتفع به بحال، لا بالاستصباح ولا غيره
بل يراق كالخمر.
وقال أبو حنيفة: يستصبح به ويباع أيضا بالاستصباح.
وقال داود: إن كان المائع سمنا لم ينتفع به بحال، وإن كان ما عداه من
الأدهان لم ينجس بموت الفأرة فيه ويحل أكله وشربه لأن الخبر ورد في السمن
فحسب.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وروى سالم عن أبيه صلى الله عليه وآله
سئل عن الفأرة تقع في السمن والودك فقال: إن كان جامدا فاطرحوها وما
حولها، وإن كان مائعا فانتفعوا به ولا تأكلوه. وروى أبو سعيد الخدري أن النبي
صلى الله عليه وآله سئل عن الفأرة تقع في السمن والزيت فقال: استصبحوا به ولا
تأكلوه، وهو إجماع الصحابة، وروي ذلك عن علي عليه السلام وابن عمر.
فأما علي عليه السلام فقال في السمن تقع فيه الفأرة: لا تأكلوه وانتفعوا به في
السراج والأدم.
وابن عمر قال: ينتفع به في السراج ويدهن به الأدم.
والدليل على أبي حنيفة قوله عليه السلام: إن الله تعالى إذا حرم أكل شئ
حرم ثمنه.
42

مسألة 20: إذا جاز الاستصباح به فإن دخانه يكون طاهرا ولا يكون نجسا،
وقال الشافعي فيه وجهان: أحدهما مثل ما قلناه، والثاني - وهو والصحيح وقال
الشافعي فيه وجهان: أحدهما مثل ما قلناه، والثاني - وهو الصحيح
عندهم - أنه يكون نجسا ثم ينظر، فإن كان قليلا مثل رؤوس الإبر فهو معفو عنه،
وإن كان كثيرا وجب غسله.
دليلنا: إن الأصل الطهارة وبراءة الذمة، والحكم بالنجاسة وشغل الذمة
يحتاج إلى دليل.
مسألة 21: الزيت والشيرج والبزر إذا نجس لا يمكن تطهيره بالماء،
وللشافعي فيه وجهان: أحدهما مثل ما قلناه، والثاني - وهو المذهب، واختاره أبو
العباس - أنه يطهر بأن يكاثر الماء عليه.
دليلنا: أن نجاسة هذه الأشياء معلومة، ولا دليل على أنها تطهر بالماء، فمن
ادعى صحته فعليه الدلالة.
مسألة 22: لا يجوز للمضطر إلى أكل الميتة أن يأكل أكثر مما يسد الرمق،
ولا يحل له الشبع، وبه قال أبو حنيفة وأحد قولي الشافعي اختاره لنفسه واختاره
المزني، وله قول آخر أن له أن يأكل للشبع، وبه قال مالك والثوري.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا ما قلناه حلال بلا خلاف، وبقى
الباقي على تحريمه بالآيات.
مسألة 23: إذا اضطر إلى أكل الميتة يجب عليه أكلها، ولا يجوز له
الامتناع منه، وللشافعي فيه وجهان: أحدهما مثل ما قلناه، وقال أبو إسحاق:
لا يجب عليه لأنه يجوز أن يكون له غرض في الامتناع منه وهو أن لا يباشر نجاسة.
دليلنا: ما علمناه ضرورة من وجوب دفع المضار عن النفس، فإذا كان
هذا مباحا في هذا الوقت، وبه يدفع الضرر العظيم عن نفسه، وجب عليه تناوله.
43

مسألة 24: إذا اضطر إلى طعام الغير لم يجب على الغير إعطاؤه، وقال
الشافعي: يجب عليه ذلك ثم لا يخلو حال المضطر من أحد أمرين: إما أن يكون
واجدا ثمنه في الحال أو في بلده أو لم يكن واجدا، فإن كان واجدا لم يجب عليه
إلا ببذل، وإن لم يكن واجدا أصلا وجب عليه بذله بغير بدل. وفي الناس من
قال: يجب عليه بذله بغير بدل إذا لم يكن واجدا في الحال وإن كان واجدا له في
بلده.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، وإيجاب ذلك يحتاج إلى دليل.
مسألة 25: إذا وجد المضطر ميتة وصيدا حيا وهو محرم، اختلفت أحاديث
أصحابنا فيها على وجهين: أحدهما أنه يأكل الصيد ويفدي ولا يأكل الميتة، وبه
قال الشافعي في أحد قوليه وهو اختيار المزني، والوجه الآخر يأكل الميتة ويدع
الصيد وهو قول الشافعي الآخر، وبه قال مالك وأبو حنيفة.
دليلنا على ذلك: إن الصيد إذا قتله أو أكله فداه فيكون أكل من ماله طيبا،
وأيضا أكثر أصحابنا على ذلك وأكثر رواياتهم، وإذا قلنا بالرواية الأخرى - وهو
الأصح عندي - أن الصيد إذا كان حيا فذبحه المحرم كان حكمه حكم الميتة
ويلزمه الفداء، فإن يأكل الميتة أولى من غير أن يلزمه فداء، والرواية الأولى نحملها
على من وجد لحم الصيد مذبوحا، فإن الأولى أن يأكله ويفدي ولا يأكل الميتة،
وقد بينا ذلك في كتاب تهذيب الأحكام وكتاب الاستبصار.
مسألة 26: إذا ذبح المحرم الصيد كان حكمه حكم الميتة لا يحل أكله
لأحد، وللشافعي فيه قولان: أحدهما أن ذكاته لا تبيح مثل ذكاة المجوسي،
والثاني أن ذكاته لا تحل له وتحل لغيره من المحلين.
دليلنا: إجماع الفرقة وطريقة الاحتياط.
44

مسألة 27: إذا اضطر إلى شرب الخمر للعطش أو الجوع والتداوي
فالظاهر أنه لا يستبيحها أصلا، وقد روي أنه يجوز عند الاضطرار إلى الشرب أن
يشرب، وأما للأكل والتداوي فلا، وبهذا التفصيل قال أصحاب الشافعي.
وقال الثوري وأبو حنيفة: تحل للمضطر إلى الطعام وإلى الشراب وتحل
للتداوي بها.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا طريقة الاحتياط تقتضي ذلك،
وأيضا تحريم الخمر معلوم ضرورة، وإباحتها في موضع يحتاج إلى دليل، وما
قلناه مجمع عليه، وليس على ما قالوه دليل.
مسألة 28: إذا مر الرجل بحائط غيره وبثمرته، جاز له أن يأكل منها ولا
يأخذ منها شيئا يحمله معه، وبه قال قوم من أصحاب الحديث، وقال جميع
الفقهاء: لا يحل له الأكل منه إلا في حال الضرورة.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا روى نافع عن ابن عمر أن النبي
صلى الله عليه وآله قال: إذا مر أحدكم بحائط غيره فليدخل وليأكل منه ولا يتخذ
خبنته، وفي بعضها فليناد ثلاثا فإن أجابوه وإلا فليدخل وليأكل ولا يتخذ خبنة -
أي لا يحمل معه شيئا، والخبنة ما وضع في الحجر -.
45

المبسوط
في فقه الإمامية
تأليف شيخ الطائفة
أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (قدس سره)
385 - 460 ه‍. ق
47

كتاب الصيد والذبائح قال الله تعالى: " أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة وحرم
عليكم صيد البر ما دمتم حرما " فأباح صيد البحر مطلقا لكل واحد وأباح صيد
البر إلا في حال الإحرام، وقال تعالى: " أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى
عليكم غير محلي الصيد وأنتم حرم " وقال تعالى: " وإذا حللتم فاصطادوا "
وقال: " ويسألونك ما ذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح
مكلبين " إلى قوله: " فكلوا مما أمسكن عليكم ".
وهذه أبين آية في كتاب الله تعالى في الاصطياد وأكل الصيد، لأنها أفادت
جواز تعليم الجوارح للاصطياد، وأكل ما يصيد ويقتل، إذا كان معلما، لأنه لو لم
يقتل لما جاز أكله حتى يذكى معلما كان أو غير معلم.
وروي أن النبي صلى الله عليه وآله قال: من اقتنى كلبا إلا كلب ماشية أو
صيد أو زرع انتقص من أجره كل يوم قيراط، فلما حرم اقتناء الكلب إلا ما كان
للصيد، دل على جواز الصيد وأيضا عليه إجماع الأمة.
فأما ما يجوز الاصطياد به، فلا يجوز الاصطياد بشئ من الجوارح إلا الكلب
المعلم فقط دون ما عداه، سواء كان من جوارح السباع أو جوارح الطير، وقال
المخالف: كل ما أمكن تعليمه للصيد جاز أن يصطاد به إذا تعلم، سواء كان من
جوارح الطير كالصقر والبازي والباشق والعقاب أو من سباع البهائم كالكلب
49

والفهد والنمر، وقال بعض من تقدم مثل ما قلناه.
وإذا أرسل شيئا منها على الصيد لم يخل من أحد أمرين: إما أن يكون معلما
أو غير معلم.
فإن كان معلما نظرت: فإن لم يقتل وأدركه وفيه حياة مستقرة لم يحل
حتى يذكيه، وإن قتله حل أكله عندهم على كل حال، وعندنا إذا قتله الكلب
المعلم فقط، فأما إذا كان غيره قتله فلا يحل بحال.
وإن كان غير معلم فإن أدركه وفيه حياة مستقرة لم يحل حتى يذكيه، فإن
وجده وقد قتله لم يحل أكله بلا خلاف.
وأما إذا استرسل بنفسه، فإن وجده وفيه حياة مستقرة لم يحل حتى يذكيه
معلما كان أو غير معلم، وإن قتله فلا يحل أيضا فكأنه إنما يحل في موضع واحد،
وهو إذا أرسله فقتله وهو معلم لدليل الآية، وروى أبو ثعلبة الخشني قال: قلت يا
رسول الله إني أصيد بكلبي المعلم، وبكلبي الذي ليس بمعلم، فقال صلى الله عليه
وآله: ما أخذت بكلبك المعلم فاذكر اسم الله تعالى عليه وكله، وما أخذت
بكلبك الذي ليس بمعلم فأدركت ذكاته فكله.
والكلب إنما يكون معلما بثلاث شرائط: أحدها إذا أرسله استرسل، وإذا
زجره انزجر، وإذا أمسك لم يأكل، ويتكرر هذا منه مرة بعد أخرى حتى يقال في
العادة: إنه معلم، وقال بعضهم: إذا فعل ذلك مرتين فقد صار معلما، والأول
أحوط.
إذا أرسل كلبا غير معلم فأخذ وقتل ولم يأخذ منه شيئا فهو مباح، وعند
المخالف حكم سائر الجوارح مثل ذلك، وإن أكل منه الكلب، فإن كان شاذا
نادرا جاز أكله، وإن كان معتادا للأكل لم يجز عندنا، وعندهم متى كان سبعا
من البهائم فأخذ وقتل وأكل واتصل أكله بالقتل قال بعضهم: لم يحل، وقال
آخرون: يحل، ولم يفصلوا، وما قتل قبل هذا ولم يأكل منه شيئا فهو مباح عندنا
وعند جماعة وفيه خلاف.
50

وحكم جوارح الطير حكم سباع البهائم سواء، عند بعضهم لا يجوز، وقال
آخرون: يجوز أكل ما أكل منه بكل حال، وعندنا لا يجوز أكل ما قتله بحال،
وإن لم يأكله.
فمن فصل بين سباع الطير والبهائم قال: لأن البهائم تعلم على ترك الأكل
والطير يعلم على الأكل فلهذا جاز أكل ما أكل منه، وهذا لا يحتاج إليه أصلا
على ما بيناه.
وقال بعضهم: لو اصطادت سباع البهائم ثلاثين سنة كان مباحا فإذا أكلت
بعد هذا مرة واحدة حرم أكل ما اصطاده طول عمره، وعندنا لا يحرم ذلك ما
لم يأكل منه.
فإذا تقرر أنه لا يحرم ذلك ما لم يأكل منه، فإن جرحه وشرب دمه لم يحرم
أكله بلا خلاف إلا بعض من تقدم، فإنه قال: لا تحل.
التسمية عند إرسال السهم بذكر الله وعند إرسال السلاح والجارح واجب
عندنا وعند بعضهم، وقال قوم: هو مستحب غير واجب.
إذا أرسل المسلم آلته على صيد وأرسل المجوسي آلته أيضا على ذلك الصيد
مثل أن أرسلا كلبين أو سهمين أو أحدهما كلبا والآخر سهما فأصاباه وقتلاه حرم
أكله بلا خلاف، ولا فصل بين أن يقع السهمان دفعة واحدة أو واحد بعد واحد
إذا كان القتل منهما.
فأما إن صيره الأول في حكم المذبوح، ثم رماه الآخر، مثل أن قطع الأول
الحلقوم والمرئ والودجين ثم رماه الآخر فالأول ذابح، والآخر جارح، فيكون
الحكم للأول، فإن كان الأول مجوسيا والثاني مسلما لم يحل أكله وإن كان
الأول مسلما والثاني مجوسيا حل أكله لأن الحكم للأول.
فأما إن أرسلا معا فوجدا الصيد قتيلا ولم يعلم أي الكلبين قتله حرم أكله،
فإن أرسلا معا كلبا واحدا فقتل حرم أكله.
وإن كان مع مسلم كلبان فأرسلهما وأحدهما معلم والآخر غير معلم، لم
51

يحل أكله.
وإن كان معه كلبان أرسل أحدهما ولم يرسل الآخر واسترسل الآخر بنفسه
حرم أكل ما قتلاه.
فإن أرسل مسلم كلبه ومجوسي كلبه، فأدركه كلب المجوسي فرده إلى
كلب المسلم فقتله كلب المسلم وحده حل أكله، وقال بعضهم: لا يحل، والأول
أصح عندنا.
فإن غصب رجل آلة فاصطاد بها كالسهم أو الكلب كان الصيد للصياد
دون صاحب الآلة، وعلى الغاصب أجرة المثل في تلك الآلة إن كان غير الكلب
في المدة التي بقيت عنده، فإن كانت كلبا فلا أجرة له عند بعضهم، لأن منفعة
الكلب مباحة غير مملوكة، ويقوى في نفسي أنه يلزمه ذلك لأن كلب الصيد
مملوك عندنا.
فإن اصطاد بالكلب صيدا فعضه الكلب وجرح موضعا منه، كان موضع
العضة نجسا، وقال قوم: لا يجب غسله لقوله تعالى: " فكلوا مما أمسكن عليكم "
ولم يأمر بالغسل، وقال قوم: يجب غسله لأنه نجسه، والأول أقوى والثاني
أحوط.
إذا أرسل إليه من سلاح أو جارحة أو كلب على صيد فغاب الصيد والكلب
معا ففيه أربع مسائل:
إحداها: أن يغيب الصيد والكلب معا قبل قبل أن يعقره الكلب فوجده قتيلا
وليس الكلب عليه، ولم يحل أكله، لأنه لا يدري كيف هلك.
الثانية: غاب الصيد والكلب عليه معا قبل أن يعقره فوجده ميتا والكلب عليه
فلا يحل أكله أيضا لما مضى، غير أن هذا أظهر، والحكم فيهما سواء.
الثالثة: عقره قبل أن يغيب عنه عقر صيره في حكم المذبوح مثل أن قطع
حلقومه ومريئه أو أبان حشوته أو شق قلبه، ثم تحامل على نفسه فغاب فوجده ميتا
حل أكله لأنه غاب بعد أن حصل مذكى.
52

الرابعة: عقره الكلب قبل أن يغيب عنه عقرا لم يصيره في حكم المذبوح ثم
غاب عنه فوجده ميتا قال بعضهم: يحل أكله، وقال آخرون: لا يحل، وهو
الأقوى عندنا.
إذا أرسل إليه كلبا أو سلاحا فعقره الصيد ثم أدركه وفيه حياة مستقرة ففيه
ثلاث مسائل:
إحداها: أن يكون العقر قد صيره في حكم المذبوح مثل أن أبان حشوته أو
قطع الحلقوم والمرئ أو أصابه في مقتل كالقلب وكانت الحياة غير مستقرة
والحركة حركة المذبوح حل أكله، ذبحه بعد هذا أو لم يذبحه لأن هذا العقر
ذكاته، وإن أمر السكين على حلقه فذبحه كان أحوط، وإن لم يفعل أجزأه هذا
العقر.
وهكذا لو ذبح دجاجة فجعلت تعدو فإنه إذا ترك ذبحها بعد هذا لم يضره
وحل أكلها لأنها حياة غير مستقرة، وهكذا لو شق ذئب بطن شاة فأبان حشوتها
فأدركها صاحبها لم يحل أكلها ذبحها أو لم يذبحها لأنه أدركها مقتولة، لأن
الحياة فيها غير مستقرة، فلم يؤثر فيها الذبح، وهكذا لو جرح رجلا فأبان حشوته
ثم جاء آخر فقتله وفيه حياة فالأول قاتل والثاني لا شئ عليه، لأن حركته حركة
المذبوح.
الثانية: كان العقر عقرا لم يصيره في حكم المذبوح، بل وجده وفيه حياة
مستقرة يعيش اليوم ونصف اليوم وكان الزمان متسعا لذكاته لم يحل سواء
ترك الذكاة عامدا أو لعدم الآلة التي يذبح بها.
الثالثة: أدركه وفيه حياة مستقرة لكنه في زمان لم يتسع لذبحه، فإنه يحل
أكله، وهكذا لو أدركه ممتنعا فجعل يعدو خلفه فوقف له، وقد بقي من حياته
زمان لا يتسع لذبحه حل أكله وإن لم يذبحه، وقال بعضهم: لا يحل أكله،
والأول أقوى.
وقال أصحابنا: إن أقل ما يلحق معه الذكاة أن يجده تطرف عينه أو
53

تركض رجله أو يحرك ذنبه، فإنه إذا وجده كذلك ولم يذكه لم يحل أكله،
وهذا ينبغي أن يكون محمولا على أنه إذا كان الزمان يتسع لتذكيته.
إذا أرسل كلبه على صيد بعينه فقتل غيره جاز أكله إذا سمى عند إرساله،
وقال بعضهم: لا يحل أكله، والأول أقوى عندنا.
وأما إن أرسل كلبه على صيود كبار فتفرقت عن صغار فقتل الكلب الصغار
حل أكله بلا خلاف.
فأما إن عدلت آلته عن سمتها فقتلت نظرت: فإن كانت الآلة سلاحا - حربة
أو نشابة - حل أكله، وإن كانت آلته كلبا قال بعضهم: لا يحل، وقال آخرون:
يحل أكله، وهو الأقوى عندنا، لأن قصد الكلب أن يصطاد ما هو أهون عليه
وأقرب.
إذا أرسل آلته وهو لا يرى شيئا فأصابت صيدا فقتله نظرت: فإن كانت آلته
كلبا أو فهدا أو صقرا لم يحل أكله، لأنه أرسله لا على الصيد، فإذا قتل صيدا فقد
قتل بغير إرسال على صيد، كما لو استرسل بنفسه.
وإن كانت الآلة سلاحا - حربة أو سهما - فأصاب صيدا فقتله، مثل أن كان
يرمي في الغرض فأصاب في طريقه صيدا أو أرسله إلى فوق فوقع على صيد قال
بعضهم: يحل أكله: وقال آخرون: لا يحل، وهو الأقوى عندنا لأنه ما قصد شيئا
بعينه، كما لو نصب سكينا فانذبحت بها شاة لم يحل أكلها، وعلى مذهبنا خاصة
التسمية مراعاة وذلك لا يصح مع ارتفاع القصد.
إذا استرسل الكلب بنفسه من غير إرسال صاحبه وقتله لم يحل أكله بلا
خلاف، إلا الأصم فإنه قال: يحل أكله.
إذا استرسل بنفسه فصاح به صاحبه فوقف ثم أرسل فاسترسل فأخذ وقتل
حل أكله بلا خلاف، لأنه لما وقف قطع قصده وفعله، وزال حكم الاسترسال.
وإذا استرسل بنفسه ثم رآه صاحبه قاصدا نحو الصيد فأضراه وأغراه فازداد
عدوه وحقق قصده، وصار عدوه أسرع من الأول، لم يحل أكله عندنا، وقال
54

بعضهم: يحل.
إذا أرسل سهمه في ريح عاصفة في نحو الصيد فأطارت الريح السهم فوقع
في الصيد فقتله، ولولا الريح ما وصل إليه حل أكله لأن الإرسال الأول له حكم
الإباحة فلا تغير الريح حكمه لأنه لا يمكن الاحتراز منه، فأما إن وقع السهم على
الأرض ثم وثب فأصاب الصيد فقتله قال قوم: يحل، لأن الحكم للأول، والثاني
" لا يحل " لأن وقوعه على الأرض ووثوبه عنها بقوته، والأول أصح عندنا.
إذا رمى صيدا فعقره ففيه خمس مسائل:
إحداها: عقره فقطعه بنصفين فيه ثلاث مسائل، إحداها إن قطعه باثنين
نصفين حل أكل الكل بلا خلاف، وإن كان الذي مع الرأس أكثر حل أكل
الكل عند قوم، وقال بعضهم: حل ما مع الرأس دون ما عداه، وهو مذهبنا.
الثانية: عقره ولم يبن منه شيئا فمات قبل أن يدركه حل أكله.
الثالثة: أبان بعضه وكان الباقي على الامتناع فرماه ثانيا فقتله حل أكله دون
ما بان منه بالأول.
الرابعة: أبان بعضه فأدركه وفيه حياة مستقرة فذكاه أو تركه حتى مات لم
يحل أكل ما بان منه.
الخامسة: عقره فأثبته وقد أبان بعضه، ثم رماه فقتله لم يحل أكل شئ منه
لأن الذي مع الرأس غير ممتنع فلا يكون عقره ذكاته، والبائن بذلك العقر لما
لم يحل به ما بقي مع الرأس فكذلك ما بقي.
إذا اصطاد مجوسي بكلب علمه مسلم لم يحل أكله لأنه إرسال مجوسي،
والاعتبار بالمرسل، وإن علمه مجوسي فاستعاره المسلم أو غصبه فاصطاد به حل
أكله، وقال بعضهم: لا يحل، وهو الأقوى عندي.
إذا كان المرسل كتابيا لم يحل أكله عندنا، وعندهم يحل، وإن كان
مجوسيا أو وثنيا لم يحل بلا خلاف، وإن كان أحد أبويه مجوسيا والآخر كتابيا
نظرت: فإن كان الأب مجوسيا لم يحل أكله وإن كانت الأم مجوسية فعلى
55

قولين، وقال بعضهم: يحل بكل حال، وعندنا لا يحل على كل حال، سواء كان
الأب مجوسيا أو الأم، لأنهما لو كانا كتابيين لم يحل.
الأحبولة شئ ينصب للصيد يتعلق به من حبل أو شبكة أو شرك ونحو
هذا، فإذا وقع فيه فقتله لم يحل أكله سواء كان فيها سلاح فجرحه وقتله أو لم
يكن فيها سلاح بلا خلاف.
الحيوانات في باب الذكاة ضربان: مقدور عليه، وغير مقدور عليه.
فالمقدور عليه مثل الإنسي كله الإبل والبقر والغنم، وكذلك الوحشي إذا
تأنس كبقر الوحش وحمار الوحش والظباء والغزلان، وكذلك ما كان من
الصيود ممتنعا فوجدته نائما أو رميته فأثبته فوجدته وفيه حياة مستقرة، كل هذا
مقدور عليه وذكاته في الحلق واللبة، لما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه
قال: الذكاة في اللبة والحلق.
وأما غير المقدور عليه فعلى ضربين:
وحشي وإنسي.
فإن كان وحشيا وهو كل صيد ممتنع من بهيمة أو طائر فعقره في أي
موضع عقرته ذكاته بلا خلاف لخبر يحيى بن عدي.
الضرب الثاني من غير المقدور عليه وهو الإنسي إذا توحش كالإبل والبقر
والغنم إذا لم يقدر على شئ من هذا، وصار كالصيد الممتنع فعقره ذكاته
كالصيد الممتنع سواء، وهكذا ما تردى في بئر فلم يقدر على الحلق واللبة، فإن
عقره ذكاته.
وجملته متى لم يقدر على ذكاته كان عقره ذكاته، وبهذا قال أكثر أهل
العلم، وفيه خلاف شاذ.
فصل: فيما يجوز الذكاة به وما لا يجوز:
كل محدد يتأتى الذبح به ينظر فيه: فإن كان من حديد أو صفر أو خشب
56

أو ليطة - وهو القصب - أو مروة - وهي الحجارة الحادة - حلت الذكاة بكل هذا
إلا ما كان من سن أو ظفر، فإنه لا يحل الذكاة بواحد منهما، فإن خالف وفعل به
لم يحل أكلهما سواء كان متصلا أو منفصلا، وقال بعضهم في السن والظفر
المنفصلين: إن خالف وفعل حل أكله وإن كان متصلا لم يحل، والأول مذهبنا
غير أنه لا يجوز عندنا أن يعدل عن الحديد إلى غيره مع القدرة عليه.
إذا توالى على الصيد رميه من اثنين أحدهما بعد الآخر لم يخل الأول من
ثلاثة أحوال: إما أن لا يحطه عن الامتناع، أو يحطه ويصيره في حكم المذبوح أو
يحطه عنه ولا يصيره في حكم المذبوح.
فإن لم يحط الأول عن الامتناع مثل أن جرحه وهو على الامتناع ثم رماه
الثاني فقتله ملكه وحل أكله، لأن العقر الأول ما غير له حكم ملك.
وإن رماه الأول فصيره في حكم المذبوح، مثل أن قطع الحلقوم والمرئ،
أو وقع السهم في ثغرة النحر أو أصابه في مقتل كالقلب والخاصرة فقد ملكه،
وحل أكله، فإذا رماه الثاني فقد جنى على ملك غيره، ولم يغير له حكما، فيكون
عليه ضمان ما نقص إن كان العقر الثاني أفسد لحما أو شق جلدا كرجل ذبح
شاة ثم جاء آخر فجرحها فلا ضمان عليه، إلا أن يكون أفسد بالجرح.
فإن رماه الأول فأثبته ولم يصيره في حكم المذبوح بل بقيت فيه الحياة
مستقرة، مثل أن كسر ساقه إن كان يمتنع برجله كالظبي أو جناحه إن كان
يمتنع به كالحمام، أو رجله وجناحه إن كان يمتنع به كالقبج والدراج والحياة
مستقرة فيه، فقد ملكه لما روي أن النبي صلى الله عليه وآله مر بطير حاقف - أي
مثخن بالجرح - فهم أصحابه به فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: دعوه حتى
يجئ صاحبه، فأثبت له بالإثخان صاحبا ومنع أصحابه منه، ثبت أنه كان ملكه
به.
فإذا ثبت ملك الأول فإذا رماه الثاني لم يخل من أحد أمرين: إما أن يوجئه.
أو لا يوجئه.
57

فإن وجأه نظرت: فإن كان أصابه في الحلق حل أكله، لأنه مقدور عليه
وعليه ما نقص بالذبح، كرجل ذبح شاة الغير حل أكلها وعليه ما نقصت في
الذبح، وأما إن كان وجأه في غير الحلق مثل أن رماه في قلبه أو في خاصرته حرم
أكله لأنه مقدور عليه، فإذا وجأه في غير الحلق حرم أكله، وعليه كمال قيمته وبه
الجرح الأول، لأنه قد أتلفه على ملكه.
وأما إن لم يوجئه الثاني مثل أن رماه فعقره عقرا قد تسري إلى نفسه، وصار
مجروحا جرحين، لم يخل الأول من أحد أمرين: إما أن يقدر على ذكاته أو لا
يقدر.
فإن لم يقدر على ذكاته مثل أن أدركه وقد مات أو أدركه وقد بقي من
حياته ما لا يتسع الزمان لذبحه حرم أكله، ولأنه مات من جرحين، حاضر وهو
الثاني، ومبيح وهو الأول، بدليل أن الأول لو انفرد وحده فمات قبل القدرة على
ذكاته حل أكله، فإذا مات منهما حرم أكله، كما لو رمى مجوسي ومسلم فأصابه
فمات حرم أكله، وعلى الثاني كمال قيمته لأنه أتلفه على صاحبه بجنايته عليه.
وأما إن قدر الأول على ذكاته لم يخل من أحد أمرين: إما أن يذكيه أو لا
يذكيه، فإن ذكاه في الحلق واللبة حل أكله، لأنه مقدور على ذكاته وذكاته في
الحلق، وقد فعل، وعلى الثاني أرش الجرح فقط لأنه جرح ملك الغير كرجل
جرح شاة غيره ثم ذبحها مالكها حل أكلها، وكان على الجارح أرش الجرح،
وإن تركه الأول ولم يذكه حتى مات من الجرحين معا حرم أكله، لأنه مات من
جرحين حاضرين.
فإذا ثبت أنه حرام فقال قوم: يجب على الثاني كمال قيمته، لأن الأول ملكه
بإثباته، فصار ملكه، وإذا عقره الثاني فقد جنى على مقدور عليه لغيره، وليس فيه
أكثر من أن الأول ترك ذكاته، وهذا لا يقدح في ضمان الثاني، وكما لو جرح
الرجل شاة لغيره فتركها صاحبها ولم يذبحها حتى ماتت حرم أكلها، وعلى
الجارح كمال قيمتها.
58

وقال آخرون: هذا غلط، لا يجب على الثاني كمال قيمته لأن عقر الأول كان
مبيحا والثاني حاضرا، فلما ترك الأول ذكاته مع القدرة بان أن الأول كان
حاضرا فقد مات من جرحين حاضرين، فلم يجب على أحدهما كمال القيمة، كما
لو جرح شاة نفسه ثم جاء آخر فجرحها ثم ماتت لم يكن على الثاني كمال
قيمتها، لأنها ماتت من جرحين حاضرين.
فإذا ثبت هذا فمن قال بالأول فلا كلام، فإن على الثاني كمال القيمة وبه
جرح الأول، ومن قال بالثاني - وهو الأقوى عندنا - قال: ليس على الثاني كمال
قيمته، وكم الذي يجب عليه؟ يحتاج أن يفرض مسألة فيه كان الجرحان معا
مضمونين، ليعلم ما يجب على كل واحد منهما، فإذا فرغنا منه عدنا إلى مسألتنا
فطرحنا عن الأول الضمان، وبقينا على الثاني ما يجب عليه، فعبد الغير وشاته
والصيد المملوك سواء.
فنفرضها في صيد مملوك قيمته عشرة، جنى الأول جناية أرشها درهم،
وجنى الثاني جناية أرشها درهم ثم سرى إلى نفسه ومات.
قال قوم: فيه ستة أوجه:
أحدها: أن لا يدخل أرش كل واحد في دية النفس، وعلى كل واحد منهما
أرش جنايته ونصف قيمته بعد الجنايتين، لأن الأول جنى عليه وحده جناية أرشها
درهم، فلزمه درهم، فعادت قيمته إلى تسعة ثم جنى عليه الثاني جناية أرشها درهم
فلزمه درهم كالأول وصار قيمتها ثمانية، ثم سرتا إلى نفسه وقيمته ثمانية فوجب
على كل واحد منهما نصف قيمته بعد الجنايتين أربعة، فيكون على كل واحد
منهما خمسة.
فإن كانت بحالها وكان أرش جناية الأول ثلاثة وأرش جناية الثاني درهما،
عادت قيمته بعد الجنايتين إلى ستة، فعلى كل واحد منهما كمال أرش جنايته
ونصف قيمته بعد الجنايتين، فيكون على الأول ستة، وعلى الثاني أربعة.
فإن كانت بحالها وكان أرش جناية الأول درهما وأرش جناية الثاني ثلاثة
59

كانت بالعكس فيكون على الأول أربعة، وعلى الثاني ستة، وعلى هذا أبدا.
والثاني: فيهم من قال: لا يدخل أرش جناية الأول في بدل النفس، ويدخل
في أرش جناية الثاني في بدلها، وعلى كل واحد منهما نصف قيمته بعد إحدى
الجنايتين وهو بعد جناية الأول عليه، لأن الأول جنى على صيد ما جنى عليه غيره
فأوجبنا عليه الأرش فعادت قيمته إلى تسعة، ثم جنى عليه الثاني جناية أرشها
درهم فدخلت في بدل النفس لأنه قد جنى على صيد قد جنى عليه غيره، ثم سرت
الجنايتان وقيمته تسعة، فأوجبنا على كل واحد بعد قيمته، فيكون على الأول
خمسة ونصف، وعلى الثاني أربعة ونصف.
والثالث: قال بعضهم: يدخل نصف أرش جناية كل واحد منهما في بدل
النفس وعلى كل واحد منهما نصف قيمته يوم جنايته، لأنه لو انفرد بالجناية عليه
فسرت إلى نفسه دخل كلا الأرشين في بدل النفس، فإذا شاركه في الجناية سرت
جنايته إلى نصف النفس فدخل نصف الأرش في بدل نصفها، ولم يدخل
النصف الباقي، لأن ذلك النصف ضمنه غيره، فلا يدخل أرش جنايته في بدل
نفس ضمنه غيره، بدليل أنه لو قطع يد رجل فقتله غيره لم يدخل أرش اليد في
بدلها، ثبت أن نصف الأرش ما دخل ويكون عليه نصف قيمته يوم جنى عليه
خمسة، لأن قيمته يومئذ عشرة، ثم مات من جنايته وجناية الآخر عليه، فكان عليه
خمسة ونصف، نصف القيمة ونصف الأرش، وأما الثاني فيدخل نصف أرش
جنايته في بدل النفس، ولا يدخل كله لما مضى، وعليه نصف قيمته يوم جنايته
عليه أربعة ونصف، لأنه جنى عليه وقيمته تسعة، ومات من جنايته وجناية الأول.
فعلى الأول خمسة ونصف، وعلى الثاني خمسة، ويرجع الأول على الثاني
بنصف أرش جناية الثاني، وهو النصف الذي دخل في نصف بدل النفس، لأنه
جنى على ما دخل في ضمان الأول لأن من جنى على ما ضمنه غيره ضمنه له،
كرجل غصب عبدا فجنى عليه جان في يد الغاصب، فإن الجاني يضمن أرش
الجناية للغاصب لأنه جنى على ما دخل في ضمانه فإذا ضمن الغاصب لرب المال
60

كمال القيمة، رجع الغاصب على الجاني بأرش الجناية.
فإذا ثبت هذا فلرب المال أن يرجع على كل واحد منهما، فإن رجع على
الأول بخمسة ونصف رجع على الثاني بأربعة ونصف، ويرجع الأول على الثاني
بنصف لأن ضمان النصف استقر عليه.
وإن رجع رب المال على الأول بخمسة ورجع على الثاني بخمسة برئت
ذمة الأول عن نصف درهم، ولم يرجع الأول على الثاني بشئ، فيكون بقدر ما
يستقر على كل واحد منهما خمسة.
التفريع على هذه الطريقة.
جنى الأول عليه جناية أرشها ثلاثة، وقيمتها عشرة، فعليه نصف أرش الجناية
درهم ونصف، ونصف قيمته يوم جنى عليه خمسة يكون عليه ستة ونصف،
وجنى الثاني عليه جناية أرشها درهم وقيمتها سبعة، فأوجبنا أربعة ونصف، نصف
أرش الجناية ونصف قيمته يوم جنى عليه، وعلى الأول ستة ونصف يرجع الأول
على الثاني بنصف درهم لأنه هو القدر الذي دخل في ضمان الأول يكون على
الأول ستة وعلى الثاني أربعة، يستقر على الثاني أربعة.
فإن كانت بحالها وأرش جناية الأول درهم ثم أوجبنا عليه نصف أرش
الجناية ونصف قيمته يوم جنى عليه خمسة ونصف، ثم جنى الثاني عليه جناية
أرشها ثلاثة، وقيمته تسعة فأوجبنا نصف أرش الجناية ونصف القيمة يكون ستة،
يرجع الأول على الثاني بدرهم ونصف، فيكون على الأول أربعة وعلى الثاني
ستة، وعلى هذا أبدا.
هذه الطريقة والطريقة الأولى سواء في قدر الضمان وإنما يختلفان في
التعليل.
الرابع: قال بعضهم: يدخل نصف أرش جناية كل واحد منهما في بدل
النفس وعلى كل واحد منهما نصف قيمته يوم جنايته عليه، ولا يرجع الأول على
الثاني بشئ لأنه إنما يضمن للأول لو ضمن الأول قيمته كله فأما هاهنا فقد ضمن
61

الأول قيمة نصفه، فما جنى على ما دخل في ضمان الأول، وإنما جنى على ما دخل
في ضمان نفسه.
فيكون على الأول خمسة ونصف، وعلى الثاني خمسة، ثم أضم خمسة
ونصف إلى خمسة فيصير عشرة ونصف، وأقسط العشرة على عشرة ونصف،
فيكون على الأول خمسة ونصف من عشرة ونصف من عشرة، وعلى الثاني
خمسة من عشرة ونصف من عشرة، وهذه الطريقة قريبة من الطريقة التي قبلها غير
أنه لم يجعل للأول أن يرجع على الثاني بشئ.
وإن اخترت أن تجعل لهذا أصلا يعمل عليه فالوجه أن تجعل العشرة والنصف
أصل المال، والعشرة التي هي قيمة الصيد كالفائدة، فمن كان له في العشرة
والنصف شئ ضرب في فائدة المال، فما اجتمع قسمته على جمل سهام الملك
وهو عشرة ونصف، فتأخذ من كل عشرة ونصف واحدا، وفتضرب خمسة
ونصف في عشرة، يصير خمسة وخمسين، فتأخذ من كل عشرة ونصف واحدا
يكون من اثنين وخمسين سهما ونصف، خمسة دراهم، ويبقى سهمان ونصف
وذلك من مأخذ عشر ونصف سبع وثلثا سبع، وإن اخترت فعلى خمسة من
عشرة ونصف سدس وسبع درهم، وللثاني من عشرة ونصف خمسة مضروبة في
عشرة، فيصير خمسين يكون من تسعة وأربعين أربعة دارهم وثلثا درهم وثلثا
سبع دراهم، فإذا جمعت ما اجتمع لهما معا يكون عشرة دراهم وعلى هذا أبدا.
الخامس: منهم من قال: يدخل أرش جناية كل واحد منهما في بدل النفس،
وعلى كل واحد منهما نصف قيمته يوم الجناية، فإذا كان كذلك فعلى كل
واحد منهما نصف قيمته يوم جنايته، فيكون على الأول خمسة، لأن قيمته يوم جنى
عليه عشرة، وعلى الثاني أربعة ونصف لأن قيمته يوم جنى عليه تسع، ويضيع
نصف درهم لأني لا أجد من أوجبه عليه.
السادس: قال بعضهم: يدخل أرش جناية كل واحد منها في بدل النفس،
وأجعل كل واحد منها كأنه انفرد بقتله، فأوجب عليه كمال قيمته يوم جنى
62

عليه، وأضم إحدى القيمتين إلى الأخرى، وأقسم ما اجتمع على عشرة، فالأول
قتله وقيمته عشرة، والثاني قتله وقيمته تسعة، أضم إحديهما إلى الأخرى يكون
الكل تسعة عشر أقسم العشرة عليهما، فيكون على الأول عشرة أسهم من تسعة
عشر سهما من عشرة، وعلى الثاني تسعة أسهم من تسعة عشر من عشرة.
فإن كان أرش الأول خمسة دخلت في بدل النفس وأوجب عليه قيمته يوم
جنى عليه عشرة، وكان أرش جناية الثاني درهما دخل في بدل النفس، وأوجب
عليه قيمته يوم جنى عليه خمسة، وأضم إحديهما إلى الأخرى يصير خمسة عشر،
ثم أقسم العشرة عليها فيكون على الأول عشرة من خمسة عشر من عشرة، ثلثا
العشرة ستة وأربعة دوانيق، وعلى الثاني خمسة من خمسة عشرة من عشرة، وهو
ثلث العشرة ثلاثة وثلث، وعلى هذا أبدا.
وهذه الطريقة أصحها:
لأن الطريقة الأولى تبطل من وجهين: أحدها لم يدخل أرش الجناية في
بدل النفس، والثاني يفضي قوله إلى أن يجب على الثاني أكثر مما يجب على
الأول، وقيمته يكون جنى الثاني عليه أقل من قيمته يوم جنى الأول عليه.
وتبطل الطريقة الثالثة بالوجهين، أحدهما لم يدخل نصف أرش الجناية في
بدل النفس، ويفضي قوله إلى أن يجب على الثاني وقد جنى عليه وقيمته دون قيمته
يوم جنى الأول عليه أكثر مما يجب على الأول.
وتبطل الطريقة الرابعة لأنه لم يدخل نصف أرش الجناية في بدل النفس.
وتبطل الطريقة الخامسة لأنه أوجب في صيد قيمته عشرة تسعة ونصف
فيضيع من قيمته نصف درهم.
وتصح الطريقة السادسة لأنها سلمت من جميع ذلك.
فرع:
يتوطأ به ما ذكرناه من الطرق.
63

المسألة بحالها لكنه جنى عليه ثلاثة كل واحد جناية أرشها درهمان، جنى
الأول جناية أرشها درهمان وقيمته عشرة، والثاني جناية أرشها درهمان وقيمته
ثمانية، والثالث جناية أرشها درهمان وقيمته ستة، عادت قيمته بعد الجنايات إلى
أربعة.
فعلى الطريقة الأولى على كل واحد ثلاثة وثلث، كمال أرش الجناية وثلث
قيمته بعد الجنايات.
وعلى الطريقة الثانية كمال أرش جنايته، وعلى كل واحد ثلث قيمته بعد
جناية الأول عليه، يكون على الأول أربعة وأربعة دوانيق، وعلى كل واحد من
الآخرين درهمان وأربعة دوانيق.
وعلى الطريقة الثالثة يدخل ثلث جناية كل واحد منهم في بدل النفس،
وعلى كل واحد منهم ثلث قيمته يوم جنى عليه، فيكون على الأول أربعة وأربعة
دوانيق وعلى الثاني أربعة، وعلى الثالث ثلاثة وثلث، ويرجع الأول على الثاني
بأربعة دوانيق، ويكون قدر ما ضمنه من عنده ثلاثة وثلث، ويرجع الثاني على
الثالث بأربعة دوانيق يكون قدرها، وهو جناية على ما دخل في ضمان الأول،
ويرجع على الثالث بأربعة دوانيق، ويكون قدر ما ضمن الأول ما ضمنه الثاني من
عنده ثلاثة وثلث، ويكون قدر ما ضمنه الثالث من عنده ثلاثة وثلث مثل الطريقة
الأول وإن اختلفا في التعليل.
وعلى الطريقة الرابعة على الأول أربعة وأربعة دوانيق، وعلى الثاني أربعة،
وعلى الثالث ثلاثة وثلث يصير المجموع اثنا عشر، فيكون على الأول أربعة
وأربعة دوانيق من اثني عشر من عشرة، وعلى الثاني أربعة من اثني عشر من
عشرة، وعلى الثالث ثلاثة، وثلث من اثني عشر من عشرة، وهذه قريبة من الطريقة
التي قبلها، إلا أنه خالفه في فصل وهو أن الأول لا يرجع على غيره بشئ.
وعلى الطريقة الخامسة يدخل أرش جناية كل واحد في بدل النفس، وعلى
كل واحد ثلث قيمته يوم جنايته عليه، فعلى الأول ثلاثة، وثلث، وعلى الثاني
64

درهمان وأربعة دوانيق، وعلى الثالث درهمان يصير ثمانية، وضاع درهمان.
وعلى الطريقة السادسة يدخل أرش جناية كل واحد في بدل النفس، وعلى
كل واحد كمال قيمته يوم جنايته عليه، وضم الكل بعضها إلى بعض، فعلى
الأول عشرة وعلى الثاني ثمانية، وعلى الثالث ستة يصير الجمع أربعة وعشرين،
تقسم العشرة عليها:
يكون على الأول عشرة من أربعة وعشرين من عشرة، ربعها وسدسها يكون
من العشرة أربعة دوانيق، وعلى الثاني ثمانية من أربعة وعشرين، ثلثها يكون من
العشرة ثلاثة وثلث، وعلى الثالث ستة من أربعة وعشرين يكون من العشرة ربعها
درهمان ونصف يصير الجميع عشرة، وعلى هذا أبدا وقد بينا أن هذه الطريقة
أصحها عندنا.
إذا لم تحط الرمية عن حد الامتناع، وأمكنه أن يتحامل طائرا أو عاديا
فدخل دار قوم، فأخذه صاحب الدار ملكه، لأن الأول ما ملكه برميه، لأنه ما حطه
عن الامتناع، فما ملكه، فإذا حصل في الدار لم يملكه صاحب الدار بحصوله فيها،
حتى إذا أخذه ملكه بالأخذ، وكذلك السمكة إذا وثبت من الماء إلى السفينة لا
يملكها صاحبها، ويكون لمن أخذها، وكذلك إذا توحل ظبي في ضيعة رجل لم
يملكه صاحب الضيعة بل يملكه الآخذ.
إذا رماه الأول فعقره ولم يحطه عن الامتناع، ثم رماه الثاني فأثبته ملكه،
كان ابتدأه بالرمي، فإن رماه الأول بعد ذلك فوجأه نظرت:
فإن كان في الذبح كالحلق حل أكله، لأنه ذبح مقدورا عليه وعلى الأول
للثاني ما نقص بالذبح، فيكون عليه نقصان الذبح مجروحا جرحين.
وإن كان الأول وجاه في غير محل الذكاة، مثل أن أصابه في قلبه أو كبده
فقتله، حرم أكله لأنه قتل مقدورا عليه فيكون عليه كمال قيمته للثاني لأنه قتله وهو
ملك للثاني فيكون عليه قيمته مجروحا جرحين.
إذا رميا صيدا معا وأصاباه وأثبتاه معا، كان لهما نصفين لأنهما أثبتاه معا،
65

ويحل أكله لأنهما قتلاه معا فهو كما لو ذبحا شاة معا سواء كان الجراحات سواء
أو أحدهما أكثر من الآخر، لأن القتل بهما معا.
فأما إن رماه أحدهما فأثبته ثم رماه الثاني فهو للأول دون الثاني، وإن رماه
الأول فلم يثبته ثم رماه الثاني فأثبته فهو للثاني دون الأول.
وإن كان الصيد يمتنع لأمرين: رجل وجناح كالقبج والدراج، فرماه
أحدهما فكسر رجليه، ثم رماه الثاني فكسر جناحه، فقال قوم: هو بينهما لأنهما قد
عطلاه معا عن الامتناع، وقال آخرون: بل رماه الأول وكسر رجله لم يثبته فكان
بعده على الامتناع، فلما رماه الثاني كان الإثبات به، فوجب أن يكون الملك له
وحده، والأول أقوى عندي وإن كان الثاني قويا.
إذا ترادف على الصيد رميان من اثنين، رماه أحدهما فعقره، ثم رماه الثاني
فعقره، فوجداه ميتا ولم يعلم القاتل منهما، قال قوم: حل أكله وهو ملكهما إذا علم
ذكاته قطعا، ويعلم ذلك من ثلاثة أوجه:
أحدها: أن أحدهما عقره والآخر ذبحه فيحل أكله بكل حال، لأنه إن كان
الأول ذبحه لم يضره عقر الثاني، وإن كان الثاني ذبحه لم يضره عقر الأول، وإن
كانا عقراه معا وأثبتاه معا ولم يصيراه في حكم المذبوح فأدركه أحدهما فذبحه
حل أكله، وإن علم أن الثاني ذبحه والأول عقره فأكله حلال.
وإن لم يعلم ذكاته قطعا بل وجداه ميتا من الجرحين فلا يحل أكله لأنه
يحتمل أن يكون الأول أثبته ثم جرحه الثاني فمات منهما فلا يحل أكله، ويحتمل
أن يكون الثاني ذبحه وقتله دون الأول فيحل أكله، وإذا احتمل الأمران قدم
التحريم ويكون بينهما لأن يدهما عليه.
فأما إذا كان صيدا يمتنع برجله وجناحه فكسر أحدهما رجله، والآخر
جناحه فقد مضى القول فيه، وجملة ذلك، إن قتلاه معا كان بينهما، وإن أثبت
أحدهما كان له دون الآخر، سواء أثبته الأول أو الثاني، وإن كان صيدا يمتنع
برجله وجناحه فكسر أحدهما رجله والآخر جناحه فعلى ما مضى، ومتى لم يعلم
66

أنهما أو واحد منهما قتله لم يحل أكله بحال.
فإن رميا صيدا فوجداه قتيلا واختلفا فقال أحدهما: أنا أثبته أولا وأنت رميته
ثانيا فقتلته فعليك قيمته، وقال الآخر: بل أنا أثبته وملكه وأنت رميته فقتلته
فعليك الضمان، تحالفا، ولا يحل أكله لأنهما قد اتفقا على أنه حرام.
ويتحالفان لأجل الضمان، يحلف كل واحد منهما لصاحبه ما أتلفه، ولا
ضمان على واحد منهما، فإن حلف أحدهما ما أتلفه ولم يحلف الآخر رددنا اليمين
على الحلف فيحلف أنه أثبته ويكون له.
فإن رماه كل واحد منهما فوجد ميتا فقال أحدهما: أنا أثبته وأنت قتلته
فعليك الضمان، وقال الآخر: أنت ما أثبته لكنك جرحته وما عطلته عن الامتناع
فرميته أنا فعطلته وأثبته، فالقول قول الثاني لأن الأصل الامتناع، فلا يزول بجرح
الأول، فكان القول قول الثاني مع يمينه.
إذا رمى طائرا فجرحه فسقط على الأرض فوجد ميتا حل أكله، سواء مات
قبل أن يسقط أو بعد ما يسقط أو لم يعلم وقت موته قبل سقوطه أو بعده، وقال
بعضهم: إذا مات بعد ما سقط لم يحل أكله لأن سقوطه على الأرض قبل موته فقد
أعانت السقطة على قتله فقد مات من مبيح وحاضر فغلبنا حكم الحظر كما لو
سقط في الماء، وهذا أليق بمذهبنا.
فأما إن سقط عن الإصابة في ماء أو تردى من جبل أو وقع على شجرة
فتردى منها إلى الأرض لم يحل أكله لقوله تعالى: " والمنخنقة والموقوذة
والمتردية " فما وقع في الماء فالماء يخنقه وما وقع عن الجبل ثم تردى فهي
المتردية، هذا إذا كان الجرح غير موجئ.
فأما إن كان الجرح قاتلا موجئا مثل أن وقع السلاح في حلقه فذبحه، أو
في قلبه أو كبده فقتله، حل أكله بكل حال، لأنه صار مذكى، فلا يقدح فيه ما
وراء ذلك، كما لو ذبح شاة ثم وقعت في الماء فماتت فيه فإنه يحل أكلها.
الثاني: إذا رمى صيدا فقتله أو جرحه، فمات من ذلك نظرت: فإن كان مما
67

يجرح بحدته كالحربة والسكين والمروة - وهي الحجر الحاد - أو كان الحاد
خشبة أو ليطة ونحو هذا حل أكله، فأما ما قتلته بثقله كالحجارة والبندقة فلا يحل
أكله سواء قتله بجرح أو بغير جرح وسواء كان الجرح ذبحا أو غير ذبح، فلو
وقعت البندقة في حلقه فقطعت الحلقوم والمرئ لم يحل أكله لقوله تعالى:
" والموقوذة " وهي المضروبة بالحجارة أو بالعصا حتى تموت.
وروى عدي بن حاتم قال: سألت النبي صلى الله عليه وآله عن المعراض
فقال: إن قتل بحده فكله، وإن قتله بثقله فإنه وقيذ.
وإن رمى بالبندقية فوقع نظرت: فإن أدركه ميتا أو في حكم المذبوح فقد
حرم أكله، وإن كان فيه حياة مستقرة وذكاه حل أكله، وروى أصحابنا أن ما
يقتله المعراض لا يؤكل ولم يفصلوا.
وأما الآلة إذا كانت جارحة من الطير أو سبعا من البهائم كالكلب والفهد
والنمر والبازي والعقاب، فإن قتلت نظرت: فإن كان بالعقر حل أكل ما أكله
الكلب خاصة عندنا دون ما سواء، وعندهم يحل أكل الكل، وإن قتلته من غير
عقر مثل أن صدمته فقتلته أو غمته حتى مات فلا يحل أكله عندنا وعند جماعة،
وقال قوم: يؤكل، وأما إن أكده وأتعبه ولم يزل كذلك حتى مات تعبا وضعفا
فلا يحل أكله بلا خلاف.
إذا رأى شخصا فظنه حجرا فرماه فبان صيدا قد قتله فإن كان قد سمى
وقصد حل أكله عندنا، وإن لم يسم ولم يقصد لم يحل، وعندهم يحل على كل
حال، وهكذا لو اعتقد آدميا أو صيدا لا يؤكل كالكلب والخنزير والدب ونحو
هذا فبان صيدا عندنا لا يؤكل، وقال قوم: يؤكل، وقال بعضهم: لا يحل كل
ذلك، مثل ما قلناه.
وإذا رمى سهما إلى فوق فأصاب طائرا فقتله، قال قوم: يحل أكله، وقال
آخرون: لا يحل، وهو مذهبنا، ولو كانت في يده سكين فسقطت على حلق
دجاجة لا يحل أكلها عندنا، وقال بعضهم: يحل.
68

فأما إذا رأى سوادا فاعتقده حجرا لا من حيث الظن لكن مر به نهارا ثم رآه
ليلا واعتقد أنه حجر فرماه فإذا صيد قتله عندنا لا يحل وعندهم يحل.
وإن أرسل كلبا في ظلمة الليل لا على شئ فقتل صيدا لم يحل أكله، وإن
رأى سوادا فظنه حجرا أو خنزيرا أو كلبا أو آدميا فبان صيدا يؤكل، وقد قتله
الكلب، لا يحل أكله عندنا، وقال بعضهم: يؤكل، والأول أقوى لأنه ما أرسله على
صيد.
إذا ملك صيدا وأفلت منه، لم يزل ملكه عنه دابة كانت أو طائرا سواء لحق
بالصحاري والبراري أو لم يلحق بذلك عندنا وعند جماعة، وقال بعضهم: إن
كان يطير في البلد وحوله فهو ملكه، وإن لحق بالبراري وعاد إلى أصل التوحش
زال ملكه، لأنه إن لم نقل ذلك أدى إلى أن لا يحل الاصطياد لأنه لا يؤمن أن
يكون ملكا للغير قد انفلت.
وهذا ليس بصحيح، لأنه لا يمكن الاحتراز منه كما لو اختلطت أخته بنساء
بلد لم يحرم عليه أن يتزوج من ذلك البلد، لأنه لا يمكن الاحتراز منه، وكذلك
لو كان له عصير فصبه في دجلة، لم يحرم أخذ الماء منها، لأن الاحتراز منه لا
يمكن، وفيهم من قال: يزول ملكه بالانفلات، وكذلك إذا صب الماء في دجلة
لأنه اختار إزالة ملكه وليس بشئ.
إذا قتل المحل صيدا في الحل فلا جزاء عليه، سواء دخل الحرم أو لم
يدخل وقال آخرون: إذا كان منشأه في الحرم ثم خرج منه ففيه الجزاء وإن كان
المنشأ في الحل والقتل في الحل فلا جزاء دخل الحرم أو لم يدخل، والأول
مذهبنا.
إذا كان له حمام فتحول من برجه إلى برج غيره كان للأول ولم يملكه
الثاني لأنه لا يزول ملكه بتحولة من مكان إلى مكان، وإن كان من الطيور الجبلية
المباحة التي لا مالك لها، فإن ملكها صاحب البرج بشبكة أو بيد فالحكم فيها
كالمملوك الأصلي سواء، وإن لم يملكه بل نزل البرج وطار فهو على ما كان من
69

الإباحة قبل ذلك، فمن أخذه ملكه، لأن الصيد المباح لا يصير مملوكا بدخول
ملك الغير.
إذا كان الصيد مقرضا أو موسوما أو به أثر ملك لآدمي لم يجز أن يصطاد،
لأن عليه أثر ملك، لما روي أن النبي صلى الله عليه وآله مر بطير حاقف فهم
أصحابه به، فقال: دعوه حتى يجئ صاحبه، ولهذا إذا دخل المسلمون دار حرب
فما أخذوه من متاع كان غنيمة، وما أصابوه من صيد فإن لم يكن مقرضا كان
لمن أخذه، وإن كان مقرضا كان غنيمة لأن الظاهر أنه ملكهم.
الشاة إذا عقرها سبع ففيها ثلاث مسائل:
إحداها: جرحها جرحا قد تموت منه وقد لا تموت فأدركها صاحبها وفيها
حياة مستقرة فذبحها حل أكلها لقوله تعالى: " وما أكل السبع إلا ما ذكيتم ".
الثانية: جرحها جرحا تموت منه لا محالة، لكن فيها حياة مستقرة تعيش
اليوم والأيام، مثل أن يشق جوفها وظهرت الأمعاء ولم ينفصل، فإذا أدركها
فذكاها حل أكلها أيضا بلا خلاف.
الثالثة: جرحها جرحا لا تبقى معه حياة مستقرة مثل أن شق الجوف وأبان
الحشوة، وانفصلت عن الحيوان أو كان الجرح في اللبة فإذا أدركه وفيه حياة
مستقرة فذكاه لم يحل أكله وإن خرج الدم بالذبح، لأن الحركة حركة
المذبوح، فلا يراعى ما وراء ذلك.
الحيوان على ثلاثة أضرب: ما لا يعيش إلا في البر وما يعيش في البر والبحر
معا وما لا يعيش إلا في البحر:
فأما ما يعيش إلا في البر فالإبل والبقر والغنم وغير ذلك من المأكول أو
غيره، فمتى مات حتف أنفه لم يحل أكله سواء مات في البر أو البحر بلا خلاف.
وأما ما يعيش فيهما كالبط والإوز وطير الماء والضفدع والسرطان فمتى
مات شئ من هذا حتف أنفه لم يؤكل، سواء مات في البر أو في البحر لقوله
تعالى: " حرمت عليكم الميتة ".
70

وأما الضفدع والسرطان فلا يحل أكلهما بكل حال، بلا خلاف.
وأما ما لا يعيش إلا في الماء فعلى ضربين: سمك وغير سمك، فأما
السمك فمتى مات بعد أن أخرج من الماء حيا حل أكله عندنا، وإن مات في
الماء لم يحل، وقال بعضهم: يحل أكله بكل حال ولو وجد ميتا وفي جوفه
سمكة أو حيوان غيره وعلى كل حال.
وأما ما عدا السمك مثل خنزير الماء وكلب الماء، وإنسان الماء، وفأر الماء
وحيات الماء وغير ذلك - لأنه قيل ما من صورة في البر إلا وفي البحر مثله -
فعندنا أن جميع ذلك محرم، وقال قوم: إن جميعه مباح وفيه خلاف،
والسمك عندنا لا يؤكل منه إلا ما كان له فلس فأما ما ليس له فلس مثل
المارماهي والجري وغير ذلك فلا يحل أكله، وعندهم يحل جميعه.
فإن اصطاد سمكة فانفلتت من يده وبقى في يده منها قطعة وذهب الباقي حيا
حل أكله، فإن اصطاد سمكة وفي جوفها سمكة أخرى حل أكلهما معا، وإن
وجدت في جوف حية فإن كان ما تسلخت جاز أكلها، وإن تسلخت لم يجز،
ولم أجد لهم نصا فيها وأما دم السمك فإنه طاهر عندنا، وقال بعضهم: نجس.
إذا اصطاد السمك من لا يحل ذبيحته كالمجوسي والوثني حل أكله بلا
خلاف غير أنه نعتبر أن نشاهده وقد أخرجه حيا ولا يصدق على ذلك، لأنه
يجوز أن يكون مات في الماء، وعندنا لا يجوز أكل ذلك وكذلك ما اصطاده
اليهودي والنصراني من السمك.
والفرق بين صيد السمك والذبيحة على مذهبنا أن صيد السمك لا يراعى
فيه التسمية، والذباحة يجب فيها التسمية، فلأجل ذلك لم يصح منهما.
كل سمك قلنا: يجوز أكله، فلا يجوز أكله إلا إذا أخرج من الماء حيا
ومات بعد ذلك، فأما ما مات فيه أو نضب عنه الماء أو حصل في ماء حار أو
بارد فمات فيه لم يحل أكله، وقال بعضهم: يحل أكل جميع ذلك، وقال
آخرون: إن مات حتف أنفه لم يؤكل وإن مات بسبب مثل أن ضربه بشئ أو
71

أحسر عنه الماء ونحوه يؤكل إلا ما مات بحرارة الماء أو برودته، ويفرضون
المسألة في الطافي، فعندنا لا يجوز أكله إذا كان مات في الماء، وقال بعضهم:
يجوز بكل حال طفا أو لم يطف، وإذا مات بسبب عند آخرين حل أكله طفا أو
لم يطف، وإذا مات حتف أنفه لم يؤكل طفا أو لم يطف.
وأما الجراد كالسمك فإنه يحل أكله إذا مات حتف أنفه، وقال بعضهم لا
يحل حتى يقطع رأسه، والأول أقوى.
ابتلاع السمك الصغار قبل أن يموت لا يحل عندنا وعند جماعة، وقال
بعضهم: يحل، وهكذا لا يجوز أن يطرحه وهو حي في زيت يغلي على النار لأنه
تعذيب له، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن تعذيب الحيوان فأما
" الهازبي " وهو السمك الصغار الذي يغلي ما في جوفه من الرجيع، فعندنا يجوز
أكله، لأن رجيع ما يؤكل ليس بنجس عندنا، وقال بعضهم: لا يحل أكله
برجيعه.
72

كتاب الضحايا والعقيقة
فصل: في ذكر حقيقة الضحية وجمل من أحكامها:
الضحايا جمع ضحية مثل هدية وهدايا، والأضاحي جمع أضحية مثل أمنية
وأماني، وأضحي جمع أضحاة مثل أرطاة وأرطى لضرب من الشجر.
فإذا ثبت ذلك فهي سنة مؤكدة وليس بفرض ولا واجب، وروى أنس عن
النبي صلى الله عليه وآله أنه ضحى بكبشين أقرنين أملحين، فالأقرن معروف، وأما
الأملح فقال أبو عبيد: ما فيه بياض وسواد والبياض أغلب.
وروي أن رسول الله صلى الله عليه وآله أمر بكبش أقرن يطأ في سواد وينظر
في سواد ويبرك في سواد فأتى به فضحى به فأضجعه وذبحه وقال: بسم الله اللهم
تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد، وقال أهل اللغة: معنى السواد في هذه
المواضع: أي كان أسود اليدين والعينين والركبتين، وقال أصحاب التأويل: يطأ
في سواد وينظر في سواد معناه لكثرة شحمه ولحمه يطأ في ظل نفسه وينظر فيه
ويبرك فيه.
ومن اشترى أضحية في أول العشر لا يكره له أن يحلق رأسه ولا يقلم أظفاره
حتى يضحي بل فعله جائز ولا دليل على كراهية.
يجوز ذبح الأضحية ونحرها في منزله وغير منزله، أظهرها أو سترها،
وليست كالهدايا التي من شرطها الحرم لأن النبي صلى الله عليه وآله ضحى
73

بالمدينة على ما رويناه، وعليه الإجماع عملا وقولا.
والأضحية تختص بالنعم - الإبل والبقر والغنم - ولا يجوز في غيرها
بلا خلاف.
والكلام في أربعة فصول: في أسنانها، وبيان الأفضل منها، وألوانها،
وصفاتها.
فأما السن فأقل ما يجزئ الثني من الإبل والبقر والغنم، والجذع من الضأن.
فالثني من الإبل ما استكمل خمس سنين ودخل في السادسة، والثني من البقر
والغنم ما استكمل ستين ودخل في الثالثة. والجذع من البقر والغنم ما استكمل
سنة واحدة ودخل في الثانية، ومن الضمان، فإن كان بين شاتين أجذع لستة أشهر
أو سبعة، وإن كان بين هرمين فإنه يجذع لثمانية أشهر، وأما الجذعة من المعز
لا يجزئ.
وأما الأفضل فالثني من الإبل والبقر، ثم الجذع من الضأن، ثم الثني من
المعز، هذا إذا أراد الانفراد بالبدنة، فإن أراد الاشتراك في سبع بدنة أو بقرة
فالانفراد بالجذع من الضمان أفضل.
والألوان فأفضلها أن تكون بيضا فيها سواد في المواضع التي ذكرناها في
الخبر، فإن لم يكن فالعفراء، فإن لم يكن فالسواد.
وأما الصفات فإن تكون مع هذا اللون جيدة السمن لقوله تعالى: ومن يعظم
شعائر الله فإنها من تقوى القلوب، قال ابن عباس: يعني استسمانها واستحسانها،
وروي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: لا تبع إلا مسنة ولا تتبع إلا سمينة
فإن أكلت أكلت طيبا وإن أطعمت طيبا.
وأما العيوب فضربان: أحدهما يمنع الإجزاء، والثاني: ما يكره وإن أجزأ.
فالتي تمنع الإجزاء ما رواه البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وآله في
حديثه: العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين عرجها
- وروي: البين ضلعها - والكسيرة التي لا تنقى - وفي بعضها: والعجفاء التي
74

لا تنقى - والعجفاء: الشديدة الهزال، وكذلك الكسيرة يعني تحطمت وتكسرت،
وقوله: التي لا تنقى، يعني التي لا مخ لها، والنقي المخ. والعضباء لا تجزئ، وهي
التي انكسر قرنها الظاهر والباطن. ولا يجوز الخصي ويجوز الموجوء.
وأفضل الأضاحي ذوات الأرحام إذا كان من الإبل والبقر، ومن الغنم فحلا.
ولا يجوز التضحية بالثور ولا بالجمل بمنى، ويجوز ذلك في الأمصار.
وأما ما يكره ولا يمنع الإجزاء فالجلحاء وهي التي لم يخلق لها قرن،
والقصماء وهي التي قد انكسر عمد القرن الباطن فإن هذا القرن غلاف القرن
الآخر.
ومن العيوب ما رواه علي عليه السلام قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه
وآله أن نستشرف العين والأذن ولا نضحي بعوراء ولا بمقابلة ولا مدابرة ولا
خرقاء ولا شرقاء. قوله عليه السلام: أن نستشرف العين والأذن، معناه يشرف
عليهما ويتأملهما، والمقابلة: ما قطع من مقدم أذنها وبقى معلقا بها كالزنمة،
والمدابرة: أن يصنع بمستدبر أذنها هكذا، والخرقاء: التي انثقبت أذنها من الكي،
والشرقاء ما شق أذنها وبقيت كالشاختين، فكل هذا مكروه، فإن ضحى بها جاز.
ومن العيوب ما روى عقبة بن عبد السلمي قال: نهى رسول الله صلى الله
عليه وآله عن المصفرة والمستأصلة والنجقاء والمشيعة والكسراء. فالمصفرة: التي
يستأصل أذنها حتى يبدو صماخها، فهذه لا تجزئ لأنها ناقصة عضو،
والمستأصلة: هي التي كسر قرنها وعضب من أصلها فقد بينا أنها لا تجزئ،
والنجقاء: هي التي قلعت عينها، وهذه لا تجزئ، والمشيعة: هي التي تتأخر عن
الغنم وتكون أبدا في آخر القطيع، فإن كان هذا التأخير كسلا أجزأ، وإن كان
لهزال ومرض لم يجزئه، والكسراء ذكرتها.
ووقت الذبح يدخل بدخول يوم الأضحى إذا ارتفعت الشمس ومضى مقدار
ما يمكن صلاة العيد والخطبتين بعدها، أقل ما يجزئ من تمام الصلاة وخطبتين
خفيفتين بعدها.
75

وأما كيفية الذبح فلا تختص الأضحية بل الأضحية وغيرها سواء،
وموضعها الذبائح غير أنا نذكرها ههنا، والكلام في الذكاة في فصلين: الكمال
والإجزاء.
فالكمال بقطع أربعة أشياء: الحلقوم والمرئ والودجين. والحلقوم:
مجرى النفس والنفس من الرئة، والمرئ: تحت الحلقوم، وهو مجرى الطعام
والشراب، والودجان: عرقان محيطان بالحلقوم، وعندنا أن قطع الأربعة من
شرط الإجزاء، وفيه خلاف لأن عند قطعها مجمع على ذكاتها.
والسنة في الإبل النحر، وفي البقر والغنم الذبح بلا خلاف. والنحر: أن
يأخذ حربة أو سكينا فيغرزها في ثغرة النحر وهي الوندة في أعلى الصدر وأصل
العنق، والذبح: فهو الشق والفتح، وموضعه أسفل مجامع اللحيين وهو آخر
العنق.
فإن ذبح الكل أو نحر الكل لا يجوز عندنا، ولا يجوز تقطيع لحمها قبل أن
تبرد، فإن خولف وقطع قبل أن تخرج الروح لا يحل عندنا.
والنخع مكروه بلا خلاف، وهو الفرس، وهو أن يبالغ بالذبح بعد قطع
الحلقوم وغيره حتى يصل إلى النخاع، وهو العرق الأبيض في جوف خرز
الظهر، وهو من عجب الذنب إلى الدماع وهذا قول أبو عبيدة، وقال: أبو عبيد:
النخع كما قال: هو الفرس، والفرس هو الكسر، يقال: فرست الشئ أي كسرته
ومنه فريسة الأسد، وهو مكروه بلا خلاف.
ويستحب أن يلي ذباحة أضحيته بيده لأن النبي عليه السلام كذا فعل، فإن
استناب الغير جاز، وينبغي أن يكون النائب مسلما عارفا، فإن كان بخلاف ذلك
فإنه لا يجزئ.
وذباحة المرأة جائزة بلا خلاف، سواء كانت حاملا أو حائلا أو طاهرا أو
حائضا أو نفساء، وروي أن النبي صلى الله عليه وآله أمر نساءه أن يلين ذبح
هديهن.
76

وذبيحة الصبي تؤكل - ومراهقا كان أو غير مراهق - إذا كان يحسن ذلك.
والأخرس تؤكل ذبيحته وإن لم يسم لأنه من أهل التسمية، ويكره ذباحة
السكران والمجنون لأنهم لا يعرفون موضع الذبح.
ولا خلاف أن الأفضل أن يكون الذابح مسلما بالغا فقيها، لأنه صحيح
الاعتقاد والقصد عارفا بوقت الذبح ومحل الذكاة وما يحتاج أن يذكى ويذكى
به، فإن لم يكونوا رجالا فالنساء لأنهن مكلفات، فإن لم يكن فالصبيان، فإن لم
يكن فالسكران والمجنون، وفي أصحابنا من أجاز ذبائح أهل الكتاب، والأحوط
أن لا يجوز.
استقبال القبلة بالذباحة مستحبة عند الفقهاء، وعندنا شرط في الإجزاء،
والتسمية عندنا واجبة وهي شرطا في الاستباحة، والدعاء مستحب.
والذبح من القفاء يقال له: القفية، فمتى ذبحها من غير المذبح من القفاء أو من
عند صفحة العنق فجز رأسها، فإن كان فيها حياة مستقرة بعد قطع الرقية وقبل
قطع الحلقوم والمرئ حل أكلها إذا ذبحت، وإن لم يكن فيها حياة مستقرة لم
يحل أكلها، وإنما يعرف ذلك بالحركة، فإن كانت الحركة قوية بعد قطع
العنق قبل قطع المرئ والودجين وغيرهما حل أكلها، وإن لم يكن هناك
حركة لم يحل أكلها.
إذا اشترى شاة تجزئ في الأضحية بنية أنها أضحية ملكها بالشراء وصارت
أضحية، ولا يحتاج أن يجعلها أضحية بقول ولا بنية مجددة ولا تقليد وإشعار لأن
ذلك إنما يراعى في الهدي خاصة.
فإذا ثبت ذلك وكانت في ملكه فقال: قد جعلت هذه أضحية، فقد زال
ملكه عنها وانقطع تصرفه فيها، فإن باعها فالبيع باطل لأنه باع مال غيره، فإن
كانت قائمة ردها، وإن ماتت فعليه ضمانها، وهكذا لو أتلفها قبل وقت الذبح
كان عليه ضمانها، والضمان يكون بقيمتها يوم أتلفها.
فإن وجد بالقيمة شاتين يجزئ كل واحدة منهما في الأضحية فعليه
77

إخراجهما، وإن لم يجد شاتين بل فضل ما لا يتسع لشراء شاة نظرت، فإن كان
يسيرا لا يمكن أن يشتري به سهم من حيوان يجزئ في أضحية تصدق به، وإن
أمكن أن يشترى به سهم من شاة فعليه أن يشتري بذلك سهما من حيوان، ويجزئه
أن يتصدق بالفضل وإن كان الأفضل الأول، وإن وجد بالقيمة شاة من غير أن
يفضل منها شئ اشتراها ولا كلام.
فأما إذا أتلفها أجنبي فعليه قيمتها، فإن وجد بقيمتها وقت التلف فلا كلام،
وإن فضل فحكم ذلك ما مضى سواء.
وإن اشترى شاة وجعلها أضحية زال ملكه على ما مضى، فإن أصاب بها عيبا
لم يكن له ردها لأنها خرجت من ملكه وله الرجوع بالأرش، فإذا أخذ الأرش
صرفه إلى المساكين على ما مضى، وإن وجد به أضحية أو سهما من أضحية فعل
وإلا تصدق به.
إذا اشترى شاة فجعلها أضحية، فإن كانت حاملا تبعها ولدها، وإن كانت
حائلا فحملت فمثل ذلك لما روي عن علي عليه السلام أنه رأى رجلا يسوق بدنة
معها ولدها فقال: لا يشرب من لبنها إلا ما فضل عن ولدها فإذا كان يوم النحر
فانحرها وولدها عن سبعة، فأمره بذبحها وولدها.
وأما اللبن، فإن كانت لها ولد يحتاج إلى لبنها، فإن كان وفق كفايته لم يكن
له الشرب منها لما تقدم من الخبر، وإن فضل عن ولدها شئ أو لم يكن لها ولد
أو كان لها ولد فاستغنى عنه أو مات كان له أن يحلبها، وكذلك له أن يركبها
ركوبا غير قادح، فإذا ثبت أن له أن يحلبها فالأفضل أن يفرقه في المساكين، وإن
شربه كان له ذلك للخبر الذي قدمناه عن علي عليه السلام.
وأما جز صوفها، فإن كان لا يستضر ببقائه عليها لم يكن له جزه منها لأنه
لا ضرر في بقائه، وإن كان في بقائه نفي لها بأن يدفع عنها شدة الحر والبرد لم
يكن له جزه، وإن كان في جزه مصلحة كالربيع الذي تستريح بجزه وتخف
وتسمن كان له جزها، فإذا جزه تصدق به على المساكين استحبابا، وإن انتفع به
78

هو كان جائزا.
وإذا أوجب على نفسه أضحية بعينها سليمة من العيوب ثم حدث بها عيب
يمنع من جواز الأضحية كالعور والعرج والعجاف ونحرها على ما بها من العيب
أجزأه، وكذلك حكم الهدايا.
إذا كانت الأضحية واجبة في ذمته بالنذر - بأن يكون نذر أضحية - لزمته
سليمة من العيوب، فإن عينها في شاة بعينها تعينت، فإن عابت قبل أن ينحرها عيبا
يمنع من الإجزاء في الأضحية لم يجزئه عن التي في ذمته وعليه إخراج التي في
ذمته سليمة من العيوب.
إذا عين أضحية ابتداء وبها ما يمنع من الأضحية الشرعية كالصغر والعيب
المانع منها - من المرض والعور والعن والعجاف - أخرجها على عيبها لأنه قد
زال ملكه عنها غير أنها لا يكون أضحية شرعية لخبر البراء، فإذا ثبت أنها لا تكون
أضحية فإنه ينحرها وتكون قربة يثاب عليها وتسمى أضحية مجازا كما روي عن
ابن عباس - رضي الله عنه - أنه اشترى لحما بدرهمين وسماه أضحية.
فإذا ثبت هذا، فإن ذبحها والعيب قائم فلا كلام، وإن زال عيبها قبل الذبح
- مثل أن زال المرض والعرج والهزال والعور - فإنها لا تقع موقع الشرعية أيضا
لأنه أوجب ما لا يجزئ في الأضحية وزال ملكه عنها وانقطع تصرفه منها، لأن
الاعتبار بحال الإيجاب لأن الملك به يزول، فإن كانت سليمة أجزأت ولا يراعى
حدوث عيب فيها، وإن كانت معيبة لم يجزئه وإن زال عيبها.
إذا أوجب أضحية بعينها زال ملكه على ما بيناه، فإن بقيت على ما هي عليه
حتى نحرها فلا كلام، فإن ضلت أو غصبت أو سرقت لم يلزمه البدل بلا خلاف،
فإن عادت نظرت، فإن كان وقت الذبح باقيا - وهو آخر التشريق - ذبحها وكان
أداء، وإن عين فات الوقت ذبحها وكان قضاء.
إذا عين أضحية بالنذر ثم جاء يوم النحر ودخل وقت الذبح فذبحها أجنبي
بغير إذن صاحبها وقعت موقعها، ثم ينظر، فإن نقصت بالذبح فعلى الذابح ما
79

نقصت به فيقال: كم كانت تساوي حية؟ قالوا: عشرة، وبعد الذبح تسعة، فقد
نقصت درهما فعليه أن يرد الدرهم ويتصدق به مع اللحم على المساكين، إلا أن
يوجد بالأرش أضحية أو سهم منها فإنه يفعل ذلك على ما بيناه.
يكره الذبح ليلا إذا كان غير الأضحية والهدايا لنهي النبي صلى الله عليه
وآله عن ذلك، وكذلك يكره التضحية وذبح الهدي ليلا، فإن خالف فقد
وقعت موقعها.
إذا ذبح أضحية مسنونة وهديا تطوعا يستحب أن يأكل منه لقوله تعالى:
فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر، وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه أهدى
مائة بدنة فلما نحرت أمر أن يؤخذ من كل واحدة بضعة ثم أمر فطبخت فأكل من
لحمها وتحسى من مرقها، وفي خبر آخر أنه أمر عليا عليه السلام فأخذ من كل
بدنة بضعة فطبخت فأكلا من لحمها وحسوا من مرقها.
والأكل مستحب غير واجب، والكلام في فصلين:
أحدهما: ما يجوز أكله، والآخر: ما يستحب منه. فأما الجواز فله أكل الكل
إلا اليسير يتصدق به. والمستحب أن يأكل الثلث ويتصدق بالثلث ويهدي الثلث،
ولو تصدق بالجميع كان أفضل، فإن خالف وأكل الكل غرم ما كان يجزئه
التصدق به وهو اليسير، والأفضل أن يغرم الثلث. وإن نذر أضحية فليس له أن
يأكل منها.
والهدي على ضربين: تطوع وواجب، فإن كان تطوعا فالحكم فيه
كالأضحية المسنونة سواء، وإن كان واجبا لم يحل له الأكل منه. والحكم في
جلد الأضحية كالحكم في لحمها، ولا يجوز بيع جلدها سواء كانت واجبة أو
تطوعا كما لا يجوز بيع لحمها، فإن خالف تصدق بثمنه.
العبد القن والمدبر وأم الولد كل هؤلاء غير مخاطبين بالأضحية لأنه لا
ملك لهم، فإن ملكه السيد ما لا فإنه يملك التصرف فيه، فإن كان تمليكه مطلقا
بجميع وجوه التصرف صح منه الأضحية، وإن كان ملكه تصرفا مخصوصا لم
80

يتجاوز ما ملكه إياه.
وأما المكاتب، فإن كان مشروطا عليه فإنه لا يضحي بغير إذن سيده لأنه
بحكم المملوك، وإن كان مطلقا وقد تحرر منه شئ فإنه يصح أن يملكه بما فيه
من الحرية فإذا ملك به شيئا كان ملكه صحيحا، ويجوز له أن يضحي كما يجوز
أن يتصدق بما يملكه من الحرية.
يجوز للسبعة أن يشتركوا في بدنة أو بقرة في الضحايا والهدايا، سواء كانوا
مفترضين عن نذر أو هدايا الحج أو متطوعين كالهدايا والضحايا المتطوعة، سواء
كانوا أهل خوان واحد أو بخلاف ذلك، والأحوط إذا كان فرضا أن لا يجزئ
الواحد إلا عن واحد، وإنما الاشتراك يجوز في المسنون، وقد روي جواز
الاشتراك من سبعين.
فإذا ثبت هذا، فمتى نحر سبعة بدنة أو بقرة، فإن كانوا مفترضين أو متطوعين
أو منهما سلمت بعد النحر إلى المساكين يقتسمونها كيف أحبوا وآثروا، وإن تولى
القسمة بنفسه كان أفضل، فإن كان فيهم من يريد لحما فإنما يجوز ذلك في
المتطوع بها دون المفترض، وإذا كان كذلك فلا بد من القسمة، فإن قسم
وأعطى حقه جاز، وإن سلم إلى المساكين فيقاسمهم صاحب اللحم جاز أيضا.
وقد بينا أن الأيام المعلومات عشر ذي الحجة آخرها غروب الشمس يوم
النحر، والأيام المعدودات أيام التشريق وآخرها غروب الشمس من التشريق،
ويوم النحر من أيام النحر بلا خلاف.
ولا بأس بأكل لحوم الأضاحي بعد ثلاثة أيام وادخارها، ولا يجوز أن
يخرج من منى من لحم ما يضحيه ولا بأس بإخراج السنام منه، ولا بأس أيضا
بإخراج لحم ضحاه غيره.
ومن لم يجد الأضحية جاز أن يتصدق بثمنها، فإن اختلفت أثمانها نظرت إلى
الثمن الأول والثاني والثالث وجمعها ثم تصدق بثلثها ولا شئ عليه.
81

فصل: في ذكر العقيقة وأحكامها:
العقيقة عبارة عن ذبح شاة عند الولادة كما أن الوليمة طعام النكاح،
والعقيقة في اللغة: شعر المولود إذا جمع، ومن شأنه وهو المستحب أن يحلق يوم
السابع ويذبح عنه في يوم حلقه، فسميت عقيقة لمجاورتها يوم الحلق كما قالوا
للزوجة: ظعينة. والظعينة الناقة التي تحملها وتظعن عليها.
فإذا ثبت ذلك فهي سنة مؤكدة ثابتة وليست بفرض ولا واجب. والكلام
فيها في فصلين: في المقدار والوقت:
فالمقدار أن يذبح عن الغلام بفحل وعن الأنثى بأنثى، ويكون ذلك من
الضأن لا غير.
والوقت فالمستحب أن يعق يوم السابع لما روي عن النبي صلى الله عليه
وآله أنه قال: كل غلام رهينة بعقيقته يذبح عنه يوم سابعه ويحلق ويسمى، وروي
عنه صلى الله عليه وآله أنه عق عن الحسن يوم السابع، ولا ينبغي أن يمس رأسه
بشئ من دمها.
ومتى لم يعق الوالد عن ولده وأدرك عق عن نفسه استحبابا، ولا يقوم مقام
العقيقة الصدقة بثمنها، ومن لا يقدر عليها فلا شئ عليه، فإن قدر فيما بعد قضاها.
ويستحب أن يتصدق بوزن شعر رأسه ذهبا أو فضة ويكون مع العقيقة
موضعا واحدا.
وكل ما يجزئ في الأضحية يجزئ في العقيقة وما لم يجز هناك لم يجزئ
عنها. ومتى لم يوجد الكبش ولا النعجة جاز جمل كبير.
ويستحب أن يفصل الأعضاء تفصيلا ولا يكسر لها عظم تفاؤلا بالسلامة
بترك الكسر، وينبغي أن يعطي القابلة ربعها، فإن كانت ذمية أعطيت ربع ثمنها،
فإن لم تكن له قابلة أعطيت أمه ربعها تتصدق به ولا تأكل منها، وإن كانت القابلة
أم الرجل أو من هو في عياله لم تعط من العقيقة شيئا، ولا يجوز أن يأكل الأبوان
منها شيئا على حال.
82

ويستحب أن يطبخ اللحم ويدعى عليه جماعة من المؤمنين، وكلما كثر
عددهم كان أفضل، وإن فرق اللحم على الفقراء كان أيضا جائزا.
83

كتاب الأطعمة
الترتيب في معرفة ما يحل أكله من الحيوان وما لا يحل أن يرجع إلى
الشرع، فما أباحه الشرع فهو مباح، وما حظره فهو محظور، وما لم يكن له في
الشرع ذكر كان المرجع فيه إلى عرف العادة، وعادة العرب عندهم، فما
استطابته فهو حلال، وما استخبثته فهو حرام، وإن يكون له في العرف والشرع
ذكر فعند الفقهاء أنه يرد إلى أشبه الأشياء به، فيحكم بحكمه من تحليل أو تحريم.
والذي نقوله أنه ما ليس له ذكر في الشرع أصلا فلا يخلو أن يكون حيوانا في
حال حياته أو بعد أن تفارقه الحياة: فإن كان في حال الحياة فهو محظور لأن
ذبح الحيوان محظور إلا بالشرع، وإن لم يكن حيوانا كان مباحا لأن الأشياء
على الإباحة، هذا على مذهب من قال من أصحابنا بأن الأصل الإباحة.
فأما من قال الأصل الحظر والوقف، فإن الجميع يحرم، وقد قال الله تعالى:
" يسألونك ما ذا أحل لهم قال أحل لكم الطيبات " وقال تعالى: " الذين يتبعون
الرسول النبي الأمي الذي يجدونه " إلى قوله: " ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم
الخبائث ".
ومن اعتبر العرف والعادة استدل بهذه الآيات فقال: وجه الدلالة أن القوم
سألوه عما يحل لهم، فقال: أحل لكم الطيبات، والطيب يقع على أربعة أشياء:
فالطيب الحلال قال تعالى: " كلوا من الطيبات " يعني من الحلال.
85

ويقع على الطاهر قال تعالى: " فتيمموا صعيدا طيبا " يعني طاهرا.
ويقع على ما لا أذي فيه وهو الزمان الذي لا حر فيه ولا برد، فيقال: هذا
زمان طيب ومكان طيب.
ويقع على ما يستطاب من المأكول يقال: هذا طعام طيب، لما تستطيبه
النفس ولا تنفر منه.
ولا يجوز أن يكون المراد به الحلال لأنهم سألوه عن الحلال ليبين لهم فلا
يصح أن يقول لهم " الحلال هو الحلال " وبطل أن يكون المراد ما لا أذى فيه
لأن المأكول لا يوصف به، ولا يجوز أن يكون المراد به الطاهر، لأن الطاهر إنما
يعرف شرعا، فلم يبق إلا أن المراد به ردهم إلى ما يستطيبونه ولا يستخبثونه،
فثبت أنه ردهم إلى عادتهم.
وهذا قريب، غير أنه لا يمتنع أن يقال المراد به ما لا أذي فيه من المباح
الذي ليس بمحرم، فكأنهم لما سألوه عن الحلال فقال: ما لا يستحق تناوله
العقاب، وذلك عام في جميع المباحات سواء علمت ذلك عقلا أو شرعا.
ومن اعتبر العرف والعادة اعتبر أهل الريف والغنى والمكنة الذين كانوا في
القرى والأمصار على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله حال الاختيار، دون من
كان من أهل البوادي من جفاة العرب التي تأكل ما دب ودرج لأن هؤلاء أهل
حاجة إلى ذلك، فسئل بعض العرب عما يأكلون فقال: كل ما دب ودرج إلا
أم حبين، وقال بعضهم: لتهن أم حبين العافية تأمن أن تطلب وتذبح وتؤكل.
فإذا قيل: عادة العرب وعرفهم مختلفة، قالوا: اعتبرنا عرف أهل الريف
والقرى والبلدان، وأهل الغنى والمكنة بحال الاختيار، واعتبر العام الشائع دون
النادر.
فأما ما حرم شرعا فجملته أن الحيوان ضربان: طاهر ونجس، فالنجس
الكلب والخنزير وما توالد منهما أو من أحدهما وما عداهما كله طاهر في حال
حياته، وقال بعضهم: الحيوان كله طاهر في حال حياته، ولم يستثن الكلب
86

والخنزير، قال: إنما ينجس الخنزير والكلب بالقتل والموت.
وقال بعضهم: الحيوان على أربعة أضرب: طاهر مطلق وهو النعم وما في
معناه، ونجس العين وهو الخنزير، ونجس نجاسة تجري مجرى ما ينجس
بالمجاورة وهو الكلب والذئب والسباع كلها، ومشكوك فيه وهو الحمار
والبغل.
والأول أليق بمذهبنا غير أن أخبارنا تدل على أن السباع كلها نجسة، وكل
مسخ حكمه حكمها، غير أنها ليست نجسة العين بدلالة أنهم أجازوا شرب سؤرها
والتوضؤ بها، ولم يجيزوا في الكلب والخنزير، وأجازوا استعمال جلودها بعد
التذكية والدباغ، ولم يجيزوا في الكلب والخنزير بحال، فأما الصلاة فيها فلا
يجوز بحال.
فإذا ثبت هذا فكل ما كان نجسا في حال الحياة لم يحل أكله بلا خلاف
وما كان طاهرا في حال الحياة أو نجس الحكم على ما بيناه فعلى ضربين:
مأكول وغير مأكول.
فالسباع كلها محرمة سواء كانت من البهائم أو من الطير بلا خلاف، لما
رواه علي عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله أنه نهى عن كل ذي ناب من
السبع، وكل ذي مخلب من الطير، وروى أبو ثعلبة الخشني أن النبي صلى الله
عليه وآله نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع، وروى أبو هريرة أن النبي صلى
الله عليه وآله قال: أكل كل ذي ناب من السباع حرام، وهذا لا خلاف فيه
أيضا.
وكذلك حشرات الأرض كلها حرام مثل الحية والعقرب والفأرة والديدان
والجعلان والذباب والخنافس والبق والزنابير والنحل ونحو هذا عندنا نصا
وعندهم لأنها مستخبثة.
السباع على ضربين: ذي ناب قوي يعدو على الناس كالأسد والنمر
والذئب والفهد كل هذا لا يؤكل بلا خلاف للخبر المتقدم، والضرب الثاني ما
87

كان ذا ناب ضعيف لا يعدو على الناس مثل الضبع والثعلب، فعندنا أن جميعه
حرام، وقال بعضهم: الكل حلال، وقال بعضهم: الضبع حرام، وقال آخرون:
مكروه.
اليربوع عندنا محرم، وعند بعضهم مباح، وابن آوى حرام عندنا وفيهم من
قال: مباح، والسنور محرم عندنا بريا كان أو أهليا، وقال بعضهم: الأهلي
لا يؤكل والوحشي يؤكل، وأما الوبر والقنفذ والضب فعندنا محرم، وقال
بعضهم: يؤكل.
الأرنب حرام عندنا وعندهم مباح، وأكل لحم الخيل مباح عندنا على
كراهية فيه، وفيه خلاف.
لحوم الحرم الأهلية مكروهة عندنا غير محرمة، وهو قول ابن عباس، وقال
المخالف: محرمة، ولحم البغال أشد كراهية من لحم الحمير عندنا، وليس بمحرم
وحرموا كلهم إلا أبو الحسن البصري.
حمار الوحش مباح عندنا وفيه خلاف، والمجثمة كلها حرام - وهي التي
تجعل غرضا ولا تزال ترمى بالنشاب حتى تموت - بلا خلاف، والمصبورة - هي
التي تخرج وتحبس حتى تموت - أكلها حرام بلا خلاف، لأن النبي صلى الله
عليه وآله نهى عن تصبير البهائم وعن أكلها بلا خلاف.
قد بينا أن حشرات الأرض كلها حرام كالحية والعقرب والفأرة والخنافس
والجعلان والصراصر وبنات وردان والبراغيث والقمل والذباب والزنبور والنحل
وما جرى مجراها، وكذلك اللحكاء وقيل " اللحكة " - وهي دويبة كالسمكة
تسكن الرمل وإذا رأت الإنسان غاصت وتغيبت فيه، وهي صقيلة، ولهذا تشبه
أنامل العذارى بها - فهو حرام عندنا، وقال بعضهم: أكره الحية والفأرة والغراب
ولا أحرمها فإذا أراد أكلها ذبح وأكل.
فأما الطائر فعلى ضربين: ذي مخلب وغير ذي مخلب.
فأما ذو مخلب هو الذي يقتل بمخاليبه ويعدو على الطائر والحمام، كالبازي
88

والصقر والعقاب والباشق والشاهين ونحوها، فكله حرام عندنا وعند الأكثر،
وقال بعضهم: الطائر كله حلال للآية.
فأما ما لا مخلب له فعلى ضربين: مستخبث وغير مستخبث، فالمستخبث ما
يأكل الخبائث كالميتة ونحوها فكلها حرام وهي النسر والزحم والبغاث والغراب
ونحو ذلك عندنا وعند جماعة، فروي أن النبي صلى الله عليه وآله أتي بغراب
فسماه فاسقا فقال: ما هو والله من الطيبات.
والغراب على أربعة أضرب: الكبير الأسود الذي يسكن الجبال ويأكل
الجيف، والثاني الأبقع، فهذان حرام، والثالث الزاع وهو غراب الزرع، والرابع
الغداف وهو أصغر منه أغبر اللون كالرماد، قال قوم: هو حرام لظاهر الأخبار،
وقال آخرون: هو مباح، وهو الذي ورد في رواياتنا.
وأما المستطاب من الطائر كالحمام إنسية ووحشية والفواخت وهو مطوق
كالقماري والدباسي والورشان والدراج والدجاج والقباج والطيهوج والكراكي
والكروان والحبارى ونحو ذلك كله حلال، وروي في بعض أخبارنا
كراهة الفاختة.
الجلالة - البهيمة التي تأكل العذرة اليابسة أو الرطبة - كالناقة والبقرة
والشاة والدجاجة، فإن كان هذا أكثر علفها كره لحمها بلا خلاف بين الفقهاء،
وقال قوم من الحديث: هو حرام، والأول مذهبنا.
وإنما تزول الكراهة عندنا بأن تمنع النجاسة ويعلف الطاهر، فإن كان بدنة
أو بقرة أربعين يوما، وإن كانت شاة فسبعة أيام، وإن كانت دجاجة ثلاثة أيام
وقيل: سبعة، وفي البقرة، عشرين يوما، وبه قال قوم، والصحيح عندهم أنه لا يحد
بل يرجع إلى العادة، وما تزول به هذه العادة من يوم أو شهر أو أقل أو أكثر،
فأما إذا كان أكثر علفها الطاهر وإنما العذرة في وقت دون وقت فأكلها مباح بلا
خلاف، والحكم في لبنها كالحكم في لحمها حرفا بحرف.
أكل كسب الحجام مكروه للحر، مباح للعبد، سواء كسبه حر أو عبد عندنا
89

وعند جماعة، وفيه خلاف.
كل عمل فيه مباشرة نجاسة كالكناس والقصاب والجزار وكل ما في عمله
استخراج نجاسة كره ولم يحرم.
إذا نحرت الناقة وذبحت البقرة أو الشاة وكان في بطنها جنين نظرت: فإن
خرج ميتا فهو حلال وإن كان أشعر أو أوبر عندنا، وإن لم يكن كذلك فلا
يجوز، ولم يفصل المخالف، وإن خارج حيا نظرت: فإن عاش بقدر ما لا يتسع
الزمان لذبحه فهو حلال، وإن عاش ما يتسع الزمان لذبحه ثم مات قبل الذبح
فهو حرام، وسواء تعذر ذبحه لتعذر الآلة أو لغيرها وفيه خلاف.
الفأرة والعصفور والدجاجة والسنور متى مات شئ منها في سمن أو زيت
نظرت:
فإن كان جامدا ألقيت ما حولها وكان الباقي طاهرا مأكولا بلا خلاف،
وروي عن ميمونة قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وآله عن سمن جامد وقعت
فيه فأرة فقال: ألقوها وما حولها وكلوه.
وأما إن كان مائعا فالكلام في السمن والزيت والشيرج والبزر وهذه
الأدهان كلها واحد، فمتى وقعت الفأرة وماتت فيه نجس كله، ويجوز عندنا وعند
جماعة الاستصباح به في السراج، ولا يؤكل ولا ينتفع به في غير الاستصباح
وفيه خلاف، ورووا أصحابنا أنه يستصبح به تحت السماء دون السقف، وهذا
يدل على أن دخانه نجس، غير أن عندي أن هذا مكروه.
فأما دخانه ودخان كل نجس من العذرة وجلود الميتة كالسرجين والبعر
وعظام الميتة عندنا ليس بنجس، فأما ما يقطع بنجاسته قال قوم: دخانه نجس،
وهو الذي دل عليه الخبر الذي قدمناه من رواية أصحابنا، وقال آخرون - وهو
الأقوى عندي -: أنه ليس ينجس.
فأما رماد النجس فعندنا طاهر وعندهم نجس وإنما قلنا ذلك لما رواه
90

أصحابنا من جواز السجود على جص أوقد عليه بالنجاسات، فإذا ثبت هذا فمن
قال: الدخان ليس بنجس، فلا كلام، ومن قال: نجس، فإن علق بالثوب منه
شئ، فإن كان يسيرا كان معفوا عنه كدم البراغيث، وإن كان كثيرا وجب
غسله.
فأما إذا سجر التنور بالأعيان النجسة وتعلق بوجه التنور دخانه، فإن كان
نجسا فلا يخبز عليه حتى يزال بمسح أو غيره، فإن خبز عليه قبل المسح كان
ظهر الرغيف نجسا ووجهه طاهرا فلا يحل أكله حتى يغسل ظهره، وعلى ما قلناه
يسقط عنا جميع ذلك ولا نحتاج إلى ما قالوه.
فأما إذا نجس شئ من هذه الأدهان فهل يجوز غسله أم لا؟ فعندنا لا يجوز
غسله ولا يطهر به على حال، وعندهم إن كان مما يختلط بالماء ولا يتميز عنه ولا
يعلو عليه لم يجز غسله، وهو السمن، لأنه لا يتأتى فيه الغسل، كاللبن والخلب وما
أشبههما.
وإن أمكن غسله بأن يصب الماء فيه فيعلو عليه ويتميز عنه وهو الشيرج
والزيت قال قوم: يجوز غسله لأنه ينفصل عن الماء كالثوب، فعلى هذا إذا كان
في إناء فكاثره بالماء طهر، وكان الماء طاهرا لكنه ماء أزيل به النجاسة، وقال
آخرون: لا يجوز غسله لأنه إنما يطهر ما يعصر منه الماء وتزال النجاسة به عنه،
وهما مائعان فلا يتأتى فيه، وهو الذي اخترناه، فمن قال: لا يطهر، قال: لا يجوز
بيعه، ومن قال: يطهر، فيهم من قال: يجوز بيعه لأنه نجس بالمجاورة كالثوب
النجس سواء، وقال آخرون: لا يجوز بيعه لأنه مائع نجس.
وجملته أن الأعيان النجسة على أربعة أضرب:
نجس العين، وهو الكلب والخنزير وما توالد منهما أو من أحدهما، وما في
معناهما وهما ما استحال نجسا كالخمر والبول والعذرة وجلد الميتة فكل هذا
نجس العين لا ينتفع به ولا يجوز بيعه.
الثاني: ما ينجس بالمجاورة ولا يمكن غسله، وهو اللبن والخل والدبس
91

ونحو ذلك، فلا ينتفع به ولا يجوز بيعه بحال.
والثالث: ما ينجس بالمجاورة وينتفع بمقاصده ويمكن غسله وهو الثوب
فهذا يجوز بيعه، والبزر مثله.
والرابع: ما اختلف في جواز غسله وهو الزيت والشيرج فمن قال: لا يجوز
غسله، لم يجز، ومن قال: يجوز غسله، فالبيع على وجهين، فعندنا وإن لم يجز
غسله فيجوز الانتفاع به بالاستصباح، فينبغي أن يقول إنه يجوز بيعه بهذا الشرط.
قد بينا في كتاب الطهارة أن جلد الميتة لا يطهر بالدباغ، وإما أكله حال
الضرورة فجملته أن المضطر يحل له الميتة، والمضطر إليها هو الذي يخاف التلف
إن لم يأكل، فأما من لا يخاف التلف فهو غير محتاج ولا يحل له لقوله تعالى:
" إنما حرم عليكم الميتة والدم " إلى قوله " فمن اضطر في مخمصة غير متجانف
لا ثم " يعني فمن اضطر في مجاعة غير مرتكب لإثم، وقال تعالى: " وفصل لكم ما
حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه ".
فإذا ثبت أنها حلال للمضطر فإنها حلال له ولمن هو في معناه، وهو من
يخاف المرض إن ترك أكلها، أو كان ماشيا في سفر متى لم يأكل ضعف
وانقطع عن الرفقة، أو كان راكبا متى لم يأكل ضعف عن الركوب، فإنه يحل
أكلها، ومن حلت له الميتة حل له الدم ولحم الخنزير والكلب والإنسان وغيرها
من المحرمات، فيحل له كل ما حرم من ميتة ودم ولحم خنزير.
فإذا تقرر هذا في المضطر ثلاث مسائل: له سد الرمق بلا خلاف، ولا يزيد
على الشبع بلا خلاف، وهل له الشبع بعد سد الرمق أم لا؟ قال قوم: لا يزيد،
وهو مذهبنا، وقال قوم: له الشبع ولا يزيد، فمن قال: له الشبع، فإذا شبع لا يزيد
بحال، ومن قال: لا يزيد على سد الرمق، فمتى زاد كان حراما.
وأما وجوب الأكل خوفا على نفسه، قال قوم: يجب عليه، وهو الصحيح
عندنا لأن دفع المضار واجب عقلا، ولقوله تعالى: " ولا تقتلوا أنفسكم " وقال:
" ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ".
92

وقال بعضهم: لا يجب عليه الأكل، وله تركه وإن مات، لأن له غرضا
في الامتناع وهو أن لا يباشر النجاسة.
إذا اضطر الإنسان إلى طعام الغير - وقد ذكرنا صفة المضطر - كان على
صاحب الطعام بذله، لقوله عليه السلام: من أعان على قتل مسلم ولو بشطر كلمة
جاء يوم القيامة مكتوب بين عينية " آيس من رحمة الله "، وقالوا: هذا أولى.
فإذا ثبت هذا لم يخل المضطر من أحد أمرين: إما أن يكون واجدا للثمن أو
لا يكون واجدا له.
فإن كان واجدا لم يكون عليه بذله إلا ببدل لأنا ألزمناه البذل لإزالة الضرر
عنه، فلا ندخل الضرر على غيره.
وإن كان المضطر غير قادر على ثمنه لعدمه بكل حال أو لعدمه في ذلك
المكان، فإن كان قادرا عليه في بلده لم يجب على صاحبه بذله بغير بدله، وفيهم
من قال: يجب عليه البذل، بغير بدل، لأن المنافع كالأعيان.
فإذا تقرر أن عليه البذل لم يخل من أحد أمرين: إما أن يبذل أو يمنع، فإن
بذله له بثمن مثله كان عليه الشراء للآية التي قدمناها ولأن الواجد بالثمن كالواجد
لعينه بدليل أن من وجد الماء بثمن كان كالواجد له في المنع من التيمم،
وكذلك القدرة على ثمن الرقبة كالقدرة على الرقبة في الكفارات، هذا إذا بذل.
وأما إذا منع وقال: لا أدفع إليه، أو يبذل أكثر من ثمن مثله لم يخل المضطر
من أحد أمرين: إما أن يكون قادرا على قتاله ومكابرته عليه أو غير قادر.
فإن كان قادرا على قتاله ومكابرته كان عليه لأنه كالمستحق له في يديه،
ولو كان له مال في يد غيره فمنعه إياه كان له قتاله على منعه.
فإذا ثبت أنه يقاتله عليه فكم القدر الذي يحل له أن يقاتله عليه؟ فمن قال: لا
يزيد على سد الرمق، قاتله عليه، ومن قال: له الشبه، قاتله عليه.
فإذا قاتله نظرت: فإن قتل صاحب الطعام كان هدرا لأنه قتله بحق وإن قتل
المضطر كان قتله مضمونا لأنه مقتول ظلما.
93

فأما إن لم يكن قادرا على قتاله أو قدر عليه فتركه حذرا على إراقة الدماء
نظرت: فإن قدر أن يحتال عليه ويشتريه منه بعقد فاسد، حتى لا يلزمه إلا ثمن مثله
فعل، وإن لم يقدر إلا على العقد الصحيح فاشتراه بأكثر من ثمن مثله، قال قوم:
يلزمه الكل لأنه باختياره بذل، وقال آخرون: لا يلزمه الزيادة على ثمن المثل لأنه
مضطر إلى بذلها فكان كالمكره عليها، وهو الأقوى عندنا.
هذا كله إن وجد الطعام ولم يجد الميتة.
فأما إن وجد ميتة وطعام الغير، لم يخل صاحب الطعام من أحد أمرين: إما
أن يكون حاضرا أو غائبا.
فإن كان حاضرا نظرت: فإن بذله بثمن مثله لم يحل أكل الميتة، فإن قاتله
ومنعه لم يكن له قتاله ويعدل إلى أكل الميتة، لأنه إنما يطلب طعام الغير خوفا
على الهلاك وفي قتاله غرور بما أراق دما وكان له ترك هذا إلى أكل الميتة.
وإن كان صاحب الطعام غائبا أو حاضرا ضعيفا لا ينهضه به إلى منع
المضطر من طعامه قال قوم: ليس له أكل الميتة لأنه قادر على طعام الغير بثمن
مثله، وقال آخرون: يأكل الميتة، والأول أقوى عندنا.
إذا وجد المضطر ميتة وصيدا حيا وهو محرم، فعندنا يأكل الميتة لأنه إن
ذبح الصيد كان حكمه حكم الميتة، وإن وجده مذبوحا أكل الصيد وفداه ولا
يأكل الميتة، وقال بعضهم: يأكل الميتة بكل حال، وقال آخرون: يأكل الصيد
ويذبحه ويفديه.
وأما ذكاة المحرم فعندنا وعند جماعة لا تبيح كذكاة المجوسي، وقال
آخرون: ذكاته تبيح لغيره ولا تبيح لنفسه، فإذا قلنا: ذكاته لا تبيح، فالميتة
أولى، لأن الصيد حرام من وجهين، ومن قال: يحرم عليه وحده، فالصيد أولى
عنده، لأن الصيد على هذا طاهر والميتة نجس.
فأما إذا وجد صيدا مذبوحا وميتة نظرت: فإن كان ذبحه حلال في حل فقد
وجد ميتة وطعام الغير وقد مضى الحكم فيه، وإن كان هو الذي ذبح الصيد، فإن
94

كان ذبحه قبل إحرامه فقد وجد ميتة وطعاما طاهرا لنفسه، فهو غير مضطر إليها.
يأكل ويفدي عندنا، وإن كان هو الذي ذبحه حال إحرامه فقد مضى القول فيه.
فإن وجد المضطر آدميا ميتا حل له أكله، كما لو كانت الميتة بهيمة، للآيات
وعمومها.
وعندنا وعند جماعة لا تحل الميتة للباغي وإن كان مضطرا - وهو الخارج
على الإمام - ولا للعادي - وهو قاطع الطريق -.
وفي الناس من يقول: لا يجوز أكل لحم الآدمي بحال للمضطر لأنه يؤدي
إلى أكل لحوم الأنبياء، وهذا ليس بصحيح لأن المنع من ذلك يؤدي إلى أن
الأنبياء يقتلون أنفسهم بترك لحم الآدمي عند الضرورة، فكان من حفظ النبي في
حال حياته أولى من الذي لم يحفظ بعد وفاته، بدليل أن من قتل نبيا حيا ليس
كمن أتلف آدميا ميتا.
وأما إن وجد آدميا حيا نظرت: فإن كان محقون الدم كالمسلم والذمي لم
يحل قتله لأكله، لأنه محقون الدم على التأبيد، وإن كان مباح الدم كالكافر
الأصلي والمرتد والزاني المحصون والمقدور عليه في المحاربة قبل التوبة، كان
كالميتة ويؤكل لأنه مباح الدم، فإن إثم عليه في قتله، وهو ميتة بعد قتله، وهو
مضطر قد وجد ميتة.
فإن لم يجد المضطر شيئا بحال، قال قوم: له أن يقطع من بدنه المواضع
الجسمة كالفخذ ونحوها فيأكله خوفا على نفسه، لأنه لا يمنع إتلاف البعض
الاستبقاء الكل، كما لو كان به آكلة أو خبيثة يقطعها، والصحيح عندنا أنه لا
يفعل ذلك، لأنه إنما يأكل خوفا على نفسه، وفي القطع منه خوف على نفسه،
فلا يزال الخوف بالخوف، ويفارق الخبيثة لأن في قطعها قطع منه خوف على وليس
كذلك قطع موضع من بدنه، لأن في قطعه إحداث سراية.
فأما إن وجد المضطر بولا وخمرا، يشرب البول دون الخمر لأن البول لا
يسكر ولا حد في شربه، فإن لم يجد إلا خمرا فالمنصوص لأصحابنا أنه لا سبيل
95

لأحد إلى شربها سواء كان مضطرا إلى الأكل والشرب أو التداوي، وبه قال
جماعة، وقال بعضهم: إن كان الضرورة العطش حل له شربها ليدفع العطش
عن نفسه، وقال بعضهم: يحل للمضطر إلى الطعام والشراب ويحل تداوي العين
به دون الشراب.
إذا مر الرجل بحائط غيره حل له الأكل من غير ضرورة، ولا يجوز له
حمله، وعند المخالف لا يجوز من غير ضرورة، وقال بعض أصحاب الحديث:
ينادي ثلاثا فإن أجابوه وإلا دخل وأكل، ولم يتخذ خبنة وهذا قريب مما قلناه.
روى أبو واقد الليثي أن رجلا قال: يا رسول الله إنا نكون بالأرض فتصيبنا
بها المخمصة، فمتى تحل لنا الميتة؟ فقال: ما لم تصطبحوا أو تغتبقوا أو تحتفئوا بها
بقلا شأنكم بها.
قال: سألت أبا عمرو بن العلاء وأبا عبيدة فقالا: لا نعرف " تحتفئوا "، ثم
بلغني بعد عن أبي عبيدة أنه قال: هو من " الحفاء " مهموز مقصور وهو أصل
البردي الأبيض الرطب منه، وهو يؤكل فتأوله في " تحتفئوا " يعني ما لم تقتلعوا
هذا بعينه فتأكلوه.
96

تبصرة المتعلمين
في أحكام الدين
للشيخ جمال الدين أبي منصور الحسن بن سديد الدين
يوسف بن زين الدين علي بن محمد مطهر الحلي المشتهر بالعلامة الحلي
والعلامة على الإطلاق
97

كتاب الصيد وتوابعه
وفيه فصول:
الأول: فيما يؤكل صيده:
وهو أمران: الكلب والسهم.
أما الكلب: فإذا قتل صيدا وهو الممتنع حل أكله بشروط ستة: أن يكون
الكلب معلما يسترسل إذا أرسله وينزجر إذا زجره، وأن لا يعتاد أكل ما يصيده
ولا اعتبار بالنادر، وأن يكون المرسل مسلما أو في حكمه، قاصدا لإرسال الكلب،
وأن يسمي عند إرساله، وأن لا يغيب عن العين حيا.
فلو نسي التسمية - وكان يعتقد وجوبها - حل الأكل، ولو سمى غير
المرسل لم يحل، وكذا لا يحل لو شاركه كلب الكافر إن سمى، أو من لم يسم،
أو لم يقصد.
وأما السهم: فيدخل فيه السيف والرمح والسهم والمعراض إذا خرق،
فيؤكل ما يقتله أحدها إذا سمى المرسل وكان مسلما أو بحكمه، ولو قتل ما فيه
حديدة معترضا حل، ولو قتل السهم أو الكلب فرخا لم يحل.
ولو رماه بسهم فتردى من جبل أو وقع في الماء فمات لم يحل، ولو قده
السيف بنسفين حلال إن تحركا أو لم يتحركا، ولو تحرك أحدهما حركة ما
حياته مستقرة حل بعد التذكية خاصة، وإلا حلا معا، ولو قطعت الحبالة بعضه
99

فهو ميتة.
ولو رمى صيدا فأصاب غيره حل، ولو رماه لا للصيد فأصاب لم يحل.
وباقي آلات الصيد كالفهود والحبالة وغيرهما لا يحل ما لم يدرك ذكاته
- وهو المستقر حياته - ويذكيه.
الفصل الثاني: في الذباحة.
ويشترط في الذابح الإسلام أو حكمه، ولو ذبح الذمي أو الناصب لم يحل
الأكل، ويحل المخالف.
وإنما يكون بالحديد مع القدرة، ويجوز مع الضرورة بما يفري الأوداج،
ويجب قطع المرئ والودجين والحلقوم، ويكفي في المنحور طعنه في وهدة اللبة.
ويشترط في الذبيحة: استقبال القبلة والتسمية، ولو أخل بأحدهما عمدا لم
يحل، ولو كان ناسيا جاز.
ويشترط في الإبل النحر، وفي غيرها الذبح، وأن يتحرك بعد التذكية
حركة الأحياء، وأقله حركة الذنب أو تطرف العين، أو يخرج الدم المسفوح،
ولو فقدا لم تحل.
ويستحب في الغنم ربط قوائمها عدا إحدى رجليه وفي البقر إطلاق ذنبه،
وربط الخفاف الإبل إلى الإبط، وإرسال الطير.
وما يباع في سوق المسلمين فهو ذكي حلال إذا لم يعلم حاله، ولو تعذر
الذبح أو النحر كالمتردي والمستعصي يجوز أخذه بالسيوف وغيرها مما يجرح
إذا خشي التلف.
وذكاة السمك إخراجه من الماء حيا، ولو مات في الماء بعد أخذه لم
يحل، وكذا ذكاة الجراد أخذه حيا، ولا يشترط فيهما الإسلام، ولا التسمية.
والدبى حرام، ولو احتراق في أجمة قبل أخذه فحرام، وذكاة الجنين ذكاة
أمه مع تمام الخلقة، ولو أخرج حيا لم يحل بدون الذكاة.
100

الفصل الثالث: في الأطعمة والأشربة:
وفيه مباحث:
الأول: في حيوان البحر:
ولا يؤكل منه إلا سمك له فلس ويحرم الطافي والجلال منه حتى يطعم علفا
طاهرا يوما وليلة، والجري والسلحفاة والضفادع والسرطان، ولا بأس بالكنعت
والربيثا، والطمر والطبراني والأبلامي والإربيان، ويؤكل ما يوجد في جوف
السمكة إذا كانت مباحة، لا ما تقذفه الحية إلا أن يضطرب ولم ينسلخ.
والبيض تابع، ومع الاشتباه يؤكل الخشن.
الثاني: البهائم:
ويؤكل النعم الأهلية وبقر الوحش وكبش الجبل والحمر والغزلان
واليحامير، ويكره الخيل والبغال والحمير.
ويحرم الجلال من المباح، وهو ما يأكل عذرة الإنسان خاصة إلا مع
الاستبراء، وتطعم الناقة علفا طاهرا أربعين يوما والبقرة عشرين والشاة عشرة، ولو
شرب لبن خنزيرة كره، ولو اشتد لحمه كره هو ونسله.
ويحرم كل ذي ناب كالأسد والثعلب، ويحرم الأرنب والضب واليربوع
101

والحشرات والقمل والبق والبراغيث.
الثالث: الطيور:
ويحرم السبع كالبازي والرخم، وما كان صفيفه أكثر من دفيفه، وما ليس
له قانصة ولا حوصلة ولا صيصة، والخفاش والطاووس والجلال من الحلال حتى
يستبرأ، فالبطة وشبهها بخمسة أيام، والدجاجة بثلاثة، والزنابير والذباب وبيض
المحرم، وما اتفق طرفاه في المشتبه.
ويكره: الغراب والخطاف والهدهد والصرد والصوام والشقراق والفاختة
والقبرة.
الرابع: الجامد:
ويحرم الميتة وأجزاؤها، عدا صوف ما كان طاهرا في حياته، وشعره ووبره
وريشه، وقرنه وعظمه وظلفه وبيضه إذا اكتسى الجلد الفوقاني، والإنفحة.
ويحرم من الذبيحة: القضيب والأنثيان والطحال والفرث والدم والمثانة
والمرارة والمشيمة والفرج والعلباء والنخاع والغدد وذات الأشاجع وخرزة
الدماع والحدق.
ويكره: الكلى وإذنا القلب.
ويحرم الأعيان النجسة كالعذرة، وما أبين من الحي، والطين عدا اليسير من
تربة الحسين عليه السلام للاستشفاء، والسموم القاتلة.
الخامس: المائع:
ويحرم كل مسكر من خمر وغيره، والعصير إذا غلا، والفقاع، والدم،
والعلقة وإن كانت في البيضة، وهي نجسة، وكل ما هو نجس من المائع وغيره
وتلقي النجاسة وما يكتنفها من الجامد كالسمن والعسل ويحل الباقي.
102

والدهن النجس بملاقاة النجاسة يجوز الاستصباح به تحت السماء خاصة.
ويحرم الأبوال كلها عدا أبوال الإبل للاستشفاء، وكذا يحرم لبن الحيوان
المحرم، ولو اشتبه اللحم ألقي في النار، فإن انقبض فذكي وإلا فميتة، ولو امتزجا
واشتبه اجتنبا.
مسائل:
الأولى: يجوز للإنسان أن يأكل من بيت من تضمنته الآية خاصة مع عدم
العلم بالكراهية.
الثانية: إذا انقلبت الخمر خلا طهرت بعلاج كان أو غيره، ما لم يمازجها
نجاسة.
الثالثة: لا يحرم شئ من الربوبات وإن شم منها رائحة المسكر.
الرابعة: العصير إذا غلا من قبل نفسه أو بالنار حرم حتى يذهب ثلثاه، أو
ينقلب خلا.
الخامسة: يجوز للمضطر تناول المحرم بقدر ما يمسك رمقه، إلا الباغي وهو
الخارج على الإمام عليه السلام، والعادي وهو قاطع الطريق.
السادسة: يستحب غسل اليد قبل الطعام، والتسمية، والأكل باليمين وغسل
اليد بعده، والحمد، والاستلقاء وجعل الرجل اليمنى على اليسرى، ويحرم الأكل
على مائدة المسكر وإفراط الأكل المتضمن للضرر.
103

إرشاد الأذهان
للشيخ جمال الدين أبي منصور الحسن بن سديد الدين يوسف بن زين الدين
علي بن محمد مطهر الحلي المشتهر بالعلامة الحلي والعلامة على الإطلاق
647 - 726 ه‍. ق
105

كتاب الصيد وتوابعه
وفيه مقاصد:
الأول: في الاصطياد:
وفيه مطلبان:
الأول: في شرائط الاصطياد:
يشترط في قتل الصيد:
أن يكون فوات الروح بقتل الكلب المعلم أو السهم وشبهه، كالسيف
والرمح وكل ما فيه نصل وإن قتل معترضا، والمعراض وإن خلا من الحديد إذا
خرق اللحم، وكذا السهم الخالي من نصل.
والتسمية عند إرسال الآلة، فلو أخل بها عمدا لم يحل وإن سمى غيره أو
شاركه المسمي، ولو نسيا حل، ولو سمى على صيد فقتل الكلب غيره حل، ولو
أرسله على كبار فتفرقت عن صغار فقتلها حلت، وإن كانت ممتنعة، وإلا فلا، وكذا
الآلة، ولو أرسله مسميا ولم يشاهد صيدا فاتفق لم يحل.
وأن لا يغيب الصيد وحياته مستقرة، فلو وجد قتيلا أو ميتا بعد غيبته لم يحل
وإن كان الكلب واقفا عليه.
وأن يقتله الكلب بعقره، لا بصدمه وإتعابه.
وإسلام المرسل أو حكمه، فلو أرسل الكافر وإن كان ذميا لم يحل.
107

وانفراده، فلو أرسل المسلم والكافر آلتهما فقتلاه حرم، واتفقت الآلة أو
اختلفت، ولو صير المسلم حياته غير مستقرة ثم مات بالآخر حل، ولو انعكس أو
اشتبه لم يحل، ولو أثبته الكافر وقتلته آلة المسلم أو بالعكس لم يحل.
وأن يرسله للاصطياد، فلو استرسل من نفسه لم يحل وإن أغراه بعد، وأما لو
زجره فوقف ثم أغراه حل، ولو قتله المرسل والمسترسل حرم، ولو رمى السهم
فأعانته الريح حل، وكذا لو وقع على الأرض، ثم وثب فقتل، وأما لو رماه فتردى
من جبل أو وقع في الماء فمات حرم، إلا أن يقع بعد صيرورة حياته غير
مستقرة.
ويتحقق التعليم: بالاسترسال عند الإرسال، والانزجار عند الزجر، وأن لا
يأكل من الصيد - ولا تقدح الندرة، ولا شرب الدم - وأن يتكرر ذلك، ولا
يكفي الاتفاق مرة.
ويجوز الاصطياد بجميع آلته، لكن يشترط فيه التذكية وإن كان فيه
سلاح، سواء كان بالشرك والحبالة والسهم الخالي من نصل إذا لم يخرق،
والسباع كالفهد والنمر، والجوارح كالصقر والبازي وغير ذلك.
المطلب الثاني: في الأحكام:
الاعتبار في حل ما يقتله المعلم بالمرسل لا المعلم، فيحل لو أرسله المسلم
وإن كان المعلم كافرا، لا العكس، والصيد الذي يحل بقتل الكلب أو السهم هو:
كل ممتنع وإن كان أهليا، وكذا المتردي والصائل إذا تعذر ذبحهما في موضع
الذكاة كفى عقره بالسيوف، وغيرها في غيره، ولا يحل لو رمى الفرخ غير
الناهض.
ولو تقاطعت الكلاب الصيد حل، ولو قطعت الآلة منه شيئا حرم المقطوع
وذكي الباقي إن كانت حياته مستقرة، وإلا حلا معا، ولو قطعته بنصفين حلا، إلا
أن يتحرك أحدهما حركة مستقرة الحياة، فيذكيه ويحرم الآخر، ولو اصطاد
108

بالمغصوب لم يحرم المصيد، وعليه الإثم والأجرة، ويجب غسل موضع العضة
من الكلب، ولو أرسل كله أو سهمه فعليه أن يسارع إليه، فإن أدرك حياته
مستقرة وجب التذكية، وإن تركه حتى مات فحرام، ولا يعذر: بأن لا يكون معه
مدية، أو سقطت منه، أو ثبتت في الغمد، وغصبت منه.
وإنما يباح إذا أدركه ميتا أو في حركة المذبوح، وقيل: لو لم يكن معه ما
يذكيه ترك الكلب يقتله، ولو كانت حياته غير مستقرة فهو كالمذبوح، ولو لم
يتسع الزمان للتذكية حل يقتل الكلب وإن كانت حياته مستقرة، ولو صيره
الرامي غير ممتنع ملكه وإن لم يقبضه، وكذا إذا أثبته في آلته كالحبالة والشبكة،
وكل ما يعتاد الاصطياد به وإن انفلت.
ولا يملكه بتوحله في أرضه، ولا بتعشيشه في داره، ولا بوثوب السمك في
سفينته، وفي تملكه بإغلاق باب عليه، أو بتصييره في مضيق لا يتعذر قبضه، أو
بتوحله في أرض اتخذها لذلك إشكال، ولو أطلق الصيد من يده قاطعا لنية
التملك لم يخرج عن ملكه، ولا يملك بالإصابة إذا تعذر قبضه، إلا بسرعة عدوه،
ولو كسر جناح ما يمتنع بأمرين، ثم كسر الآخر رجله، فهو للثاني على رأي، ولو
وجد ميتا بعقرهما حل، إن كانا قد ذبحاه أو أدركت ذكاته، وإلا فلا، لاحتمال
قتل الثاني بعد الإثبات، ولو رمى صيدا ظنه غيره، أو رمى سهما فاتفق الصيد من
غير قصد، أو أرسل كلبه ليلا فقتل لم يحل.
وكل أثر يدل على التملك لا يملكه الثاني معه، كقص الطير والحلقة في
رجله، ولو انتقلت الطيور من برج إلى آخر لم يملكها الثاني، ولو جهل المثبت من
الجارحين أقرع، ولو أثبته معا فهو لهما، ولو أثبته أحدهما وجرحه الآخر دفعة
فهو للمثبت ولا شئ على الجارح، ولو أثبته الأول فصيره في حكم المذبوح، ثم
قتله الثاني: فهو للأول ولا شئ على الثاني، إن لم يفسد لحمه أو جلده، ولو لم
يثبته الأول وقتله الثاني فهو له، ولو أثبته الأول ولم يصيره في حكم المذبوح،
فقتله الثاني، فهو متلف، وعليه الأرش إن أتلفه بالذكاة، وإلا فالقيمة معيبا بالأول
109

إن لم يكن لميتته قيمة، وإلا الأرش، وإن جرحه الثاني ولم يقتله، فإن أدرك
ذكاته فهو حلال، وإلا فميتة، فإن لم يتمكن الأول من تذكيته وجب على الثاني
كمال القيمة معيبا بالأول، وإن أهمل مع القدرة حتى سرت الجنايتان سقط ما
قابل فعل الأول، وعلى الثاني نصف قيمته معيبا، ولو كان مملوكا لغيرهما وقيمته
عشرة وجناية كل واحد بدرهم، وسرتا، فبعض الاحتمالات: بسط العشرة على
تسعة عشر وإيجاب عشرة منها على الأول وتسعة على الثاني، وبعضها إيجاب
نصف العشرة على الأول ونصف التسعة على الثاني، ولا اعتبار بهذا النقصان على
المالك، وبعضها على الأول خمسة ونصف وعلى الثاني خمسة فتبسط العشرة
على عشرة ونصف، وبعضها إيجاب أربعة ونصف على الثاني لا يمكن زيادة
عليها وعلى الأول تمام العشرة.
المقصد الثاني: الذبح:
وفيه مطلبان:
الأول في أركانه:
وهي أربعة:
الأول: الذابح، وشرطه الإسلام أو حكمه، فلا تحل ذبيحة الكافر وإن كان
ذميا، ولا الناصب، ويحل ذبيحة المسلمة، والخصي، والمخالف، والحائض،
والجنب، وأطفال المؤمنين مع المعرفة، وولد الزنى، ولو اشترك المسلم والكافر
في الذبح حرم، ولو سبق أحدهما وصيره في حكم المذبوح فالاعتبار للسابق،
ولا تؤكل ذبيحة المجنون والصبي غير المميز.
الثاني: المذبوح، وهو كل ما تقع عليه الذكاة، وإنما تقع على كل حيوان
طاهر بعد الذبح، فلا تقع على نجس العين كالكلب والخنزير، ولا على الآدمي،
وفي المسوخ والحشرات والسباع قولان، ويطهر بمجرد الذكاة وإن لم يدبغ
110

على رأي، فإن كان مما يؤكل لحمه حل بالذبح، وإلا فلا.
الثالث: الآلة، فلا تحل التذكية إلا بالحديد مع القدرة، فإن خيف الفوت
جاز قطع الأعضاء بمهما كان، ومن ليطة أو خشبة أو مروة حادة أو زجاجة، وفي
الظفر والسن قولان، وإن كانا منفصلين، ولو رمى رأس عصفور ببندقية حرم.
الرابع: ويشترط فيه أمور خمسة:
الأول: قطع المرئ وهو: مجرى الطعام والشراب، والحلقوم وهو: مجرى
الهواء، والودجين وهما: عرقان محيطان بالحلقوم، ولا يجزئ قطع بعضها،
ويكفي في المنحور طعنه في ثغرة النحر وهي: وهذه اللبة ولو ترك جلدة يسيرة
من الحلقوم حرم، ولو قطع من القفاء وأسرع إلى قطع الأعضاء قبل حركة
المذبوح حل، ولو نزع آخر حشوته مع الذبح حرم إن لم ينفرد الذبح
بالتذفيف، والمشرف على الموت إن عرف أن حركته حركة المذبوح حرم،
وإن ظن أن حركته مستقرة الحياة حل، وإن اشتبه ولم يخرج الدم المعتدل
حرم، ولو قطع بعض الأعضاء ثم ذفف عليه بعد إرساله فالأقرب الإباحة، سواء
بقي فيه حياة مستقرة - وهو: الذي يمكن أن يعيش اليوم والأيام - أو لا، ولا
يشترط قطع الأعضاء في الصيد، ولا المستعصي، ولا المتردي في بئر يتعذر فيها
ذبحه، بل يجوز عقره بالسيوف والحراب وإن كان في غير المذبح، ولو شرد
البعير وجب الصبر إلى القدرة عليه، إلا أن يخاف هلاكه فيكون كالصيد.
الثاني: استقبال القبلة بها مع القدرة، فلو أخل عمدا حرم، لا نسيانا أو جاهلا
بالجهة.
الثالث: التسمية، ويكفي ذكر الله تعالى، فلو تعمد الترك حرم لا ناسيا.
الرابع: نحر الإبل وذبح غيرها في الحلق تحت اللحيين، فلو عكس عمدا
حرم، إلا أن يذكيه وحياته مستقرة.
111

الخامس: الحركة الدالة على الحياة شرط بعد الذبح، أو خروج الدم
المسفوح، ولا يكفي المتثاقل.
المطلب الثاني: في الأحكام:
يجوز شراء ما يوجد في أسواق المسلمين من اللحوم - ولا يجب السؤال -
وما يوجد في يد مسلم.
ويكره: الذباحة ليلا اختيارا، ونهار الجمعة قبل الزوال، والنخع، وقلب
السكين ليذبح إلى فوق، وأن يذبح وآخر ينظر إليه، ويكره إبانة الرأس وسلخها
قبل الموت على رأي أو قطع شئ منها، ولو انفلت الطير جاز رميه بالسهم
والرمح.
ويستحب في الغنم: ربط يديه وإحدى رجليه، والإمساك على صوفه أو
شعره حتى يبرد، وفي البقر: عقل يديه ورجليه، وإطلاق ذنبه، وفي الإبل: ربط
أخفافه إلى آباطه، وإطلاق رجليه، وإرسال الطير بعد الذبح.
وذكاة السمك أخذه من الماء حيا، فإن وثب وأخذه قبل موته حل، وإلا
فلا، ولا يشترط في مخرجه الإسلام، ولو وجد في يد كافر لم يحل إلا مع
مشاهدة إخراجه له حيا ولو أعيد في الماء فمات فيه لم يحل وإن كان في الآلة،
ولو مات البعض في الشبكة المنصوبة، فالأقرب الحرمة في الجميع مع الاشتباه
وإباحة أكله حيا، ويؤكل ما يقطع منه بعد إخراجه وإن وقع في الماء مستقر
الحياة.
وذكاة الجراد أخذه، ولا يشترط في أخذه الإسلام إن علم أخذه قبل موته،
ولو مات قبل أخذه لم يحل، ولو أحرقت الأجمة لم يحل الجراد المحترق فيها
وإن قصد إحراقه، ولا يحل الدبى قبل استقلاله بالطيران، وذكاة الجنين ذكاة أمه
إن تمت خلقته، ولو ولجته الروح وجبت تذكيته، وإن لم يتم لم يحل.
112

المقصد الثالث: في الأطعمة والأشربة:
وفيه بابان:
الأول: في حال الاختيار:
كل ما خلقه الله تعالى من المطعومات فهو مباح، إلا ما نستثنيه، وهي على
أقسام خمسة:
الأول: البهائم:
ويحل: الإبل، والبقر، والغنم، ويكره الخيل، وأشد منها كراهية الحمر،
وأشد منها البغال وما يربيه، ويحل من الوحشية: البقر، والكباش، والحمر،
والغزلان، واليحامير.
ويحرم: الكلب، والسنور، وكل سبع وهو: ما له ظفر أو ناب، كالأسد،
والنمر، والفهد، والذئب، والثعلب، والضبع، وابن آوى، والحشار أجمع
كالحية، والعقرب، والفأرة، والجرذ، والخنافس، والصراصر، وبنات وردان،
والقمل، والبراغيث، ويحرم: الأرنب، والضب، والقنفذ، واليربوع، والوبر،
والخز، والفنك، والسمور، والسنجاب، والعظاءة، واللحكة.
113

الثاني: الطيور:
ويحرم منها كل ذي مخلب، كالبازي، والصقر، والعقاب، والشاهين،
والباشق، والنسر، والرخمة، والبغاث، والغراب الأبقع، والكبير ساكن الجبل،
دون غراب الزرع على رأي، ويحرم الخفاش، والطاووس، والزنابير، والذباب،
والبق، وما كان صفيفه أكثر من دفيفه، وما فقد القانصة، والحوصلة، والصيصية.
ويحل ما صفيفه أقل أو مساو، وما وجد له أحد الثلاثة والحمام أجمع،
كالقماري، والدباسي، والورشان، والحجل، والدراج، والقبج، والقطاة
والطيهوج، والدجاج، والكركي، والكرون، والصعوة، وطير الماء إن كان فيه
أحد الثلاثة، أو كان دفيفه أكثر، أو مساويا.
ويكره: الهدهد، والخطاف، والفاختة، والقنبرة، والحبارى، خصوصا
الصرد، والصوام، والشقراق.
الثالث: حيوان البحر:
ويحرم كله، إلا السمك ذا الفلس.
الرابع: المائعات:
ويحرم منها الخمر، وكل مسكر، كالنبيذ وشبهه، والفقاع، والعصير إذا
غلى واشتد، إلا أن ينقلب خلا أو يذهب ثلثاه، وما مزج بشئ من هذه، والدم
المفسوح وغيره كدم الضفادع، والقراد، وإلا ما يستخلف في اللحم مما لا يدفعه
المذبوح، والبول كله إلا بول الإبل للاستشفاء، ولبن المحرمات كالقردة،
والهرة، ويكره لبن المكروه كالأتن، وكل ما خالطه شئ من المائعات النجسة
حرم أكله إن لم يمكن تطهيره.
114

الخامس: الجامدات:
وكلها مباحة، إلا الميتة ولبنها على رأي، ونجس العين كالعذرة، وما مزج
بالنجس مما لا يمكن تطهيره، أو باشره الكافر برطوبة، والطين إلا قدر الحمصة من
تربة الحسين عليه السلام للاستشفاء، والسموم القاتل قليلها وكثيرها، وما لا يقتل
قليله يجوز تناول ما لا ضرر فيه.
ويحرم من الذبيحة: الطحال، والقضيب، والفرج، والفرث، والدم،
والأنثيان، والمثانة، والمرارة، والمشيمة، قيل: والنخاع، والعلباء، والغدد، وذات
الأشاجع، وخرزة الدماع، والحدق.
ويكره: الكلاب: وأذنا القلب، والعروق، ولا يحرم اللحم المشوي مع
الطحال إن كان فوقه، أو لم يكن الطحال مثقوبا.
مسائل:
البيض تابع، فإن اشتبه بيض السمك أكل الخشن، وإن اشتبه بيض الطير
أكل ما اختلف طرفاه لا ما اتفق.
وإذا اغتذى الحيوان بعذرة الإنسان خاصة حرم حتى يستبرئ، بأن يطعم
علفا طاهرا، فالناقة بأربعين يوما، والبقرة بعشرين، والشاة بعشرة، والبطة وشبهها
بخمسة، والدجاجة وشبهها بثلاثة، والسمك بيوم وليلة، وما عداها بما يزيل حكم
الجلل، ولو شرب شئ من الأنعام لبن خنزيرة ولم يشتد كره، ويستبرئ
استحبابا بسبعة أيام وإن اشتد حرم لحمه ونسله، ولو شرب خمرا غسل لحمه
وأكل دون ما في جوفه، ولو شرب بولا غسل ما في بطنه وأكل.
ويحرم موطوءة الإنسان ونسله، ويقرع لو اشتبه حتى لا يبقى إلا واحدة،
ويحرم المجثمة وهي: الموضوعة عرضا، والمصبورة وهي: المجروحة تحبس حتى
تموت.
ويحل من الميتة كل ما لا تحله الحياة، كالصوف، والشعر، والوبر،
115

والريش، مع الجز أو غسل موضع الاتصال، والقرن، والظلف، والسن،
والبيض، إذا اكتسى القشر الأعلى، والإنفحة.
ويحرم المشتبه بالميتة، فإن بيع على مستحليه قصد المذكي، والمقطوع من
الحي ميتة يحرم وإن كان في الاستصباح، ولا يطهر المرق الواقع فيه يسير الدم
بالغليان، ويغسل اللحم والتوابل، ولو وقعت نجاسة غير سارية في جامد
- كالدبس والعسل والسمن - ألقيت النجاسة وما يحيط بها وحل الباقي.
ويجوز الاستصباح بالدهن النجس تحت السماء لا تحت الظلال، وهو
تعبد، فإن دخان النجس طاهر، ولو بيع ما يقبل التطهير حل مع الإعلام، ولا
يطهر العجين النجس إلا بالإحالة لا بالخبز، وبصاق شارب الخمر طاهر ما لم
يتغير لونه به، وكذا الدمع في الكحل النجس.
ويكره: أكل ما باشره الجنب والحائض مع التهمة، ومن لا يتقي
النجاسات، وسقي الدواب المسكر، والإسلاف في العصير، واستئمان من يستحل
شربه قبل ذهاب ثلثيه على طبخه، والاستشفاء بمياه الجبال الحارة.
ولا تحرم الربوبات وإن شم منها رائحة المسكر، والخمر إذا انقلبت - وإن
كان بعلاج - وإن كره، ولو عولج بالنجس أو باشره الكافر لم يطهر بالانقلاب،
ولو مزج الخمر بالخل واستهلكه الخل لم يحل، ولو لم يعلم تذكية اللحم
المطروح اجتنب، وقيل: يحكم بالتذكية مع انقباضه في النار.
ويجوز الاستقاء بجلد الميتة لغير الصلاة، وتركه أفضل، ويحرم استعمال
شعر الخنزير، ومع الضرورة يستعمل ما لا دسم فيه ويغسل ما باشره، ويحرم
الأكل من بيت غير من تضمنته الآية إلا بإذن، ومن الثمرة والزرع إلا مما يمر به
على رأي.
الباب الثاني: في الاضطرار:
ويباح للمضطر - وهو: خائف التلف لو لم يتناول، أو المرض، أو طوله، أو
116

عسر علاجه، أو الضعف عن مصاحبة الرفقة مع خوف العطب عند التخلف، أو
عن الركوب المؤدي إلى الهلاك - تناول كل المحرمات، إلا الباغي، وهو:
الخارج على الإمام، أو العادي، وهو: قاطع الطريق.
وإذا جاز الأكل وجب، ولا يتعدى سد الرمق إلا مع الحاجة إلى الشبع،
كالعاجز عن المشي بدونه مع الاضطرار إلى الرفقة، ولو توقع مباحا قبل رجوع
الضرورة حرم الشبع، ويجب التناول للحفظ، فلو قصد التنزه حرم، ويستبيح
كل ما لا يؤدي إلى قتل معصوم، فيحل الخمر لإزالة العطش وإن حرم التداوي
به، ولو وجد البول اعتاض به عن الخمر، ولا يجوز التداوي بشئ من الأنبذة،
ولا بشئ من الأدوية معها شئ من المسكر أكلا وشربا، ويجوز عند الضرورة
التداوي به للعين.
ويحل قتل الحربي، والمرتد، والزاني المحصن، والمرأة الحربية، والصبي
الحربي والتناول منه، ومن ميتة الآدمي وغيره، دون الذمي والمعاهد والعبد
والولد، ولو لم يجد سوى نفسه، قيل: يأكل من المواضع اللحمة، كالفخذ إن لم
يكن الخوف فيه، كالخوف في الجوع.
ولو وجد طعام الغير ولا ثمن طلبه من مالكه، فإن امتنع غصبه، فإن دفعه
جاز له قتال المالك، فإن أكله لم يكن للمالك مطالبته بالثمن، ولو وجد الثمن
وجب دفعه، فإن طلب أزيد من ثمن المثل قيل: لا يجب بذل الزيادة وإن اشتراه
بها دفعا لضرر القتال، ولو اضطر إلى الميتة وطعام الغير، فإن بذله ولو بثمن
مقدور عليه تعين، وإلا تخير.
فصل:
يحرم الأكل على مائدة يشرب عليها شئ من المسكرات والفقاع.
ويكره الأكل على الشبع وربما حرم، والأكل باليسار مع قدرة اليمين،
والأكل متكئا.
117

ويستحب غسل اليد قبل الأكل وبعده، والتسمية ابتداء على كل لون،
والحمد انتهاء، وابتداء المالك، وتأخره في الأكل، وابتداء من على يمينه
بالغسل، والدور عليهم، وجمع الغسالة في إناء، والاستلقاء بعده وجعل رجله
اليمنى على اليسرى.
118

تلخيص المرام
في معرفة الأحكام
للشيخ جمال الدين أبي منصور الحسن بن سديد الدين
يوسف بن زين الدين علي بن محمد مطهر الحلي المشتهر بالعلامة الحلي
والعلامة على الإطلاق
647 - 726 ه‍. ق
119

كتاب الصيد وتوابعه
وفيه فصول:
الأول:
لا يحل ما تقتله الجوارح عدا الكلب المعلم المعلوم بتكرار الاسترسال عند
الإرسال والانزجار عند الزجر، وعدم أكل ما يمسكه إلا نادرا ولا يقدح لو شرب
الدم، بشرط إسلام المرسل أو حكمه، ولو شارك لم يحل وإن اختلفت الآلة أو
الزمان، إلا أن يصيره المسلم خاصة في حكم المذبوح ويتم الآخر، ولو انعكس
أو اشتبه لم يحل ولا اعتبار بالمعلوم على رأي، والإرسال للصيد فلو استرسل من
نفسه لم يحل وإن شارك المرسل أو أغراه إلا أن يزجره فيقف ثم يرسله،
والتسمية منه لا من غيره عنده، ويحل للناسي لا للتارك عمدا.
وإن شارك المسمى اتحد الكلب أو الآلة أو تعددا، ولا للمسمي على أحد
الكلبين القاتل، واستناد القتل إلى العقر لا الصدم والإتعاب، وعدم غيبوبة الصيد
ذي الحياة المستقرة، ولو عضه الكلب وجب غسل الموضع، ولا يحل ما يقتله
غيره إلا السهم الخالي من السم وإن تممت الريح حركته أو أمالته، وكل ما فيه
نصل، ولو قتل معترضا والمعراض لا معترضا والسهم مع الحدة والخرق وإن لم
يكن نصل.
ويجوز الصيد بالآلة ولا يحل إلا ما يدرك ذكاته وإن كان فيها سلاح،
121

وقيل: يحرم رمي الصيد بما هو أكبر منه، ولو أرسل الكلب أو الآلة على صيد
وسمى فقتل غيره، أو أرسله على كبار فتفرقت عن صغار ممتنعة، فقتلها حل، ولو
لم يشاهد صيدا فاتفق إصابته أو رمى صيدا ظنه حجرا لمشاهدته أولا أو محرما
كالخنزير لم يحل وإن أرسل وسمى، والفرق عدم قصد الصيد.
وإنما يحل بالآلة والكلب الممتنع الوحشي والإنسي والصائل والساقط في
بئر والمستعصي مع تعذر الذبح والنحر وإن لم يصادف العقر موضع التذكية،
ولا يحل الفرخ المرمي إذا لم ينهض.
ولو تقاطعت الكلاب الصيد قبل إدراكه حل، ويحرم المتردي إلا إذا صير
حياته غير مستقر، ومقطوع الآلة ميتة، ويذكى الباقي مع الاستقرار، ولو قطعه
بنصفين حلا إذا لم يتحرك أحدهما حركة الأحياء ومعه يحل المتحرك خاصة،
وما يقطع من السمك بعد إخراجه ذكي، وإن وقعت في الماء مستقرة الحياة.
ولو أرسل الآلة أو الكلب فجرحه فهو بحكم المذبوح إن لم تكن حياته
مستقرة، أو كانت ولم يتسع الزمان لذبحه وإلا ذبحه، ولو فقد الآلة ترك الكلب
يقتله ثم يؤكل.
ويملكه الرامي إذا صيره غير ممتنع وإن لم يقبضه، وإن كانت الآلة
مغصوبة، وما يقبضه بيده أو يثبت في آلته كالحبالة، ولا يخرج عن الملك
بالتخلص ولا بالإطلاق من اليد وإن قطع نيته عن تملكه على رأي، ولا يملكه لو
توحل في أرضه وإن اتخذها موحلة ونشبت أو أمكن الصيد الهرب بحيث لا يقدر
عليه إلا بسرعة العدو أو صاد ما عليه أثر ملك أو انتقلت الطيور إليه من برج
الأول المالك أو عشش في داره أو وثبت السمكة إلى سفينته، وفي إغلاق الباب
أو تصيره في المضيق بحيث يسهل قبضه إشكال.
ولو صيره الأول في حكم المذبوح وقتله الثاني فلا شئ عليه إلا أن يفسد وهو
للأول، ولو لم يثبته الأول وقتله الثاني فهو له ولا ضمان على الأول، ولو أثبته الأول
فقتله الثاني فعليه الأرش وإلا القيمة إن لم يكن لميتته قيمة وإلا الأرش، وإن جرحه
122

الثاني وأدرك الأول ذكاته حل، فإن أهمل ومات فعلى الثاني نصف قيمته معيبا،
وإن لم يدرك ذكاته فهو ميتة وعلى الثاني تمام قيمته معيبا بالأول، ولو امتنع
بأمرين فمنع الأول أحدهما والثاني الآخر قيل: اشتركا، وقيل: للآخر.
ولو جرحه اثنان فوجد ميتا حل لهما إذا علمت الذكاة، بأن يعقراه أو
أحدهما ويذبحه الآخر أو يدركه أحدهما فيذكيه وإلا فلا، ولو أصابا صيدا دفعة
فأثبتاه فهو لهما وإلا فهو للمثبت ولا ضمان على الجارح، ومع الاشتباه يقرع، ولو
ادعى كل منهما الإثبات أولا وقتل الآخر، تحالفا ولا ضمان، ولو امتنع أحدهما
بعد يمين الآخر، أحلف الحالف على الإثبات وكان له، ولو قال أحدهما: أنا أثبته
وأنت قتلته، فقال: بل جرحته غير ممتنع وأنا عطلته، فالقول قول الثاني.
الثاني:
تقع الذكاة على كل مأكول، وفي السباع والحشرات والمسوخ خلاف
ولا تقع على الكلب والخنزير والإنسان إجماعا.
ويشترط في الذبيحة إسلام الذابح أو حكمه، وعدم الغلو والنصب، لا
الإيمان، ولا يصح إلا بالحديد، ولو لم يوجد وخيف الفوت ذبح بالقاطع وإن
كان سنا أو ظفرا مع الضرورة على رأي.
وقطع المرئ والحلقوم والودجين متتابعا، فيحرم على قول لو صيره
بالبعض في حكم المذبوح ثم تمم، ويكفي في المنحور طعنه في وهدة اللبة.
واستقبال القبلة بها مع الإمكان، ولا يحل لو أخل ناسيا أو جاهلا بالجهة.
والتسمية " وهي ذكر الله " ولا يحل لو أخل إلا ناسيا.
واختصاص الإبل بالنحر والباقي بالذبح تحت اللحيين في الحلق، فيحرم لو
عكس.
والحركة بعد الذبح أو خروج الدم الدافق بقوة، وفي إبانة الرأس عامدا أو
قطع شئ منها أو السلخ قبل البرد خلاف.
123

ولو انفلت الطير جاز رميه بالسهم ويحل ولو أدركه ذكاه، ولو قطعت
الرقبة دون الأعضاء أو عقرها الوحش ذبحت إن كانت الحياة مستقرة، وحده
إمكان حياتها اليوم والأيام وإلا فلا.
ويستحب في الغنم ربط يديه ورجله وإطلاق الأخرى، ويمسك على
الصوف أو الشعر حتى يبرد، وفي البقر ربط يديه ورجليه وإطلاق ذنبه، وفي
الإبل ربط أخفافه إلى آباطه وإطلاق رجليه، وفي الطير إرساله.
ووقت الأضحية ما بين طلوع الشمس إلى غروبها، وتكره الذباحة ليلا وإلا
مع الضرورة ونهار الجمعة قبل الزوال، وإن ينخع الذبيحة وأن يذبح إلى فوق
على رأي فيهما، وأن يذبح وآخر ينظر إليه.
ويجوز شراء ما في أسواق المسلمين من اللحوم والذبائح مع عدم الفحص.
وذكاة السمك إخراجه من الماء حيا وإن أخرجه الكافر مع المشاهدة،
ولا يحل لو وثب فأدركه بنظره من دون الأخذ على رأي، ولا إذا أعيد فمات في
الماء وإن كان في الآلة، ولو مات بعض ما حصل فيها واشتبه قيل: حل الجميع
حتى يعلم الميت، وقيل: لا يحل أكله حيا.
وذكاة الجراد أخذه وإن كان كافرا، ولا يحل لو مات قبل أخذه أو أحرقت
الأمة وهو فيها وإن قصد، ولا الدبى - صغير الجراد - قبل استقلاله بالطيران.
وذكاة الجنين ذكاة أمه إن خرج ميتا مشعرا أو موبرا، ولو خرج حيا افتقر
إلى التذكية قيل: ولو خرج حيا ولم يتسع الزمان للتذكية حل، وإذا تيقن بقاء
الحياة بعد الذبح فهو حلال وإن تيقن الموت فحرام، ولو اشتبه ولم تعلم الحركة
ولا الدم فالأولى الحرمة، ولو اشتغل بالذبح ففعل به آخر ما يحصل به الموت
حرم.
الثالث:
يحرم حيوان البحر إلا السمك ذا الفلس، وفي الجري والمارماهي والزهر
124

والزمان روايتان، أصحهما تحريم الأول، ويؤكل الربيثا والطمر والطبراني
والإبلامي، لا الضفادع والسلاحف والرقاق والسرطان، والطافي مطلقا، وقيل:
لا تحل السمكة لو وجدت في جوف أخرى أو حية إلا أن تقذفها وتوجد حية،
والبيض تابع ولو اشتبه أكل الخشن.
ويؤكل من البهائم الإبل والبقر والغنم، وتكره الخيل والبغال والحمير على
الترتيب في التفاوت.
ويحرم الجلال - وهو المغتذي بعذرة الإنسان - خاصة إلا بالاستبراء، فالناقة
بأربعين يوما تربط وتعلف علفا طاهرا، والبقرة بعشرين، والشاة بعشرة،
والسمك بيوم وليلة، والبطة وشبهها بخمسة، والدجاجة وشبهها بثلاثة، والخارج
عن هذه بما يزيل الحكم، ويكره المغلب.
ويحرم شارب لبن الخنزيرة ونسله ويكره لو لم يشتد ويستحب الاستبراء
بسبعة، وموطوء الإنسان ونسله ومع الاشتباه يقرع إلى أن لا يبقى إلا واحدة، ولو
شرب خمرا لم يؤكل ما في جوفه وغسل لحمه، ولو شرب بولا غسل ما في بطنه،
والكلب والسنور وحشيا، وإنسيا، والسبع وهو ذو الناب أو الظفر، والأرنب
والضب والحشرات واليربوع والقنفذ، والوبر والخز والفنك والسمور
والسنجاب والعظاءة واللحكاء، ويؤكل من الوحش البقر والكباش والحمر
والغزلان واليحامير.
ويحرم ذو المخالب من الطيور وما كان صفيفه أكثر، ولا المساوي والأقل،
وفاقد القانصة والحوصلة والصيصية والخشاف والطاووس والزنابير والذباب
والبق، والمجثمة والمصورة والميتة ولبنها على الأصح، والمشتبه بها، ويباع على
المستحل إن قصد المذكي، وما أبين من الحي ولا يجوز الاستصباح به بخلاف
الدهن.
ومن الذبيحة الطحال والقضيب والفرث والدم والأنثيان والمثانة والمرارة
والمشيمة، والطين إلا القليل من تربة الحسين (عليه السلام) للاستشفاء، وفي الأرمني
125

رواية، والسموم القاتل قليلها وكثيرها - وكثير القاتل كثيرها -، وما باشره الكفار
رطبا، والأعيان النجسة كالعذرة والبول مما لا يؤكل لحمه، والأولى في المأكول
التحريم إلا بول الإبل للاستشفاء، والخمر والنبيذ والبتع والفضيخ والنقيع
والمزر وكل مسكر والفقاع وما وقع فيه نجاسة من المائعات.
ويجوز الاستصباح به تحت السماء، وما مزج بأحد هذه، والعصير إذا غلى
واشتد قبل ذهاب ثلثيه أو انقلابه خلا.
والدم مطلقا إلا ما يستخلف في اللحم مما لا يدفعه المذبوح وهو طاهر وما
مزج به، وقيل: لو وقع قليله في القدر وهي تغلي حل مرقها، والبيض تابع ولو
اشتبه أكل ما اختلف طرفاه، واللبن تابع.
والأولى في الغراب، والفرج والنخاع والعلباء والغدد وذات الأشاجع
وخرزة الدماع والحدق التحريم، ويحل غراب الزرع والغداف والحمام
والحجل والدراج والقبج والقطاة والطيهوج والدجاج والكروان والكركي
والصعو.
ويكره ذبح ما يربيه بيده والخطاف على رواية، والفاختة والقنبرة والحبارى
والصرد والصوام والشقراق، والكلى في الذبيحة وإذنا القلب والعروق، وأكل
ما باشره الجنب والحائض غير المأمونين، وما يعالجه غير المتوفى، وسقي الدواب
المسكر، والإسلاف في العصير والاستئمان على طبخه المستحل على أكثر من
الثلث، والاستشفاء بمياه الجبال الحارة.
ويحل من الميتة ما لا تحله الحياة كالصوف والشعر والوبر والريش، وفي
اعتبار الجز إشكال، والقرن والظلف والسن والبيض إذا اكتسى القشر الأعلى،
والإنفحة، ولو كان اللحم تحت الطحال المثقوب حرم وإلا فلا، ولو وقعت
النجاسة في الجامد ألقيت وما يكتنفها وحل، ودخان النجس وما أحالته النار
طاهر.
ويجوز بيع الأدهان النجسة ويجب الإعلام، وكذا ما مات فيه ذو النفس
126

السائلة، ولو وقعت النجاسة في القدر أريق المرق وغسل الباقي، ولو عجن
بالنجس وخبز لم يطهر، ولا يجوز استعمال شعر الخنزير ومع الضرورة يستعمل
ما لا دسم فيه ويغسل يده، ويجوز الاستسقاء بجلود الميتة لغير الصلاة والشرب،
ولو اشتبهت تذكية اللحم وموته اعتبر بالانقباض والانبساط على قول، وبصاق
المتناول للنجاسة طاهر ما لم يتلون بها، وكذا الدمع.
ولا يجوز الأكل من مال غير من تناولته الآية إلا بالإذن، ومنه مع الكراهية،
ولا يحمل شيئا، وكذا ما يمر به من النخل والزرع، والشجر على إشكال.
ويحل للمسلم عقيب كفر ثمن ما باعه من المحرم كافرا، والخمر إذا انقلبت
بعلاج - ويكره - أو غيره، ولو ألقي في الخمر خل فاستهلكه لم يحل ولم يطهر،
وكذا العكس على رأي، ولو عولج بالنجس لم يطهر، ولا تحرم الربوبات وإن شم
منها رائحة الإسكار.
ورخص للمضطر الذي يخاف التلف أو المرض أو الضعف الموجب
للتخلف عن الصحبة مع أمارة العطب أو ضعف الركوب المؤدي إلى خوف
التلف غير الباغي - وهو الخارج على الإمام - والعادي - وهو قاطع الطريق -
التناول من المحرمات بقدر ما يزيل ضرورته للحفظ ويجب على الغير بذل طعامه
للمضطر وسوغ قتاله مع الامتناع، وفي المطالبة بالثمن نظر، أما مع وجوده
وطلب ثمن مثله يجب دفع الثمن، ولا يجب بذل الطعام مع الامتناع، ولو طلب
الزيادة الموجودة قال الشيخ: لا يجب دفعها، ولو اشتراه بها لحقن الدماء قال:
لا يجب دفعها، ولو بذل طعامه بغير عوض أو بمقدور لم تحل الميتة، ولو كان
غائبا أو حاضرا قويا على المنع، أكل الميتة وإلا أكل وضمن.
ويسوع لحم الآدمي الميت والحي المباح الدم لا محرم، دون لحم نفسه،
ويتناول البول مع وجود الخمر، ولو لم يجد إلا الخمر جاز على رأي، ولا يجوز
التداوي بها ولا بشئ من المسكرات ولا الممتزج أكلا وشربا، ومع الضرورة
يجوز التداوي للعين.
127

ويستحب غسل اليد قبل الأكل وبعده ومسحها بالمنديل، والتسمية أولا
وعند كل لون، ويجزئ لو قال: على أوله وآخره، والحمد أخيرا، والأكل باليمين
مختارا، وبدأة صاحب الطعام وتأخره أكلا وغسلا، ويبدأ بمن على يمينه ويدور،
وجمع الغسالة في إناء واحد، والاستلقاء بعده، وجعل الرجل اليمنى على
اليسرى، ويكره الاتكاء والتملي، وقد يحرم، والأكل على الشبع وباليسار،
ويحرم على مائدة يشرب عليها المسكر والفقاع.
128

الدروس الشرعية
للشهيد السعيد محمد بن جمال الدين مكي العاملي
" الشهيد الأول "
734 - 786 ه‍. ق
129

كتاب الصيد
يحل الاصطياد بكل آلة فتحل مع التذكية، وإن مات بالآلة حل منه
قسمان:
أحدهما: ما يقتله الكلب المعلم دون غيره من جوارح السباع والطير، ونقل
المرتضى فيه إجماع الأصحاب، وقال الحسن: يحل صيد ما أشبهه من السباع
كالفهد والنمر وغيرهما لصحيح أحمد بن محمد عن أبي الحسن ورواية أبي بصير
عن الصادق عليه السلام، لكنهما في الفهد وهي معارضة بأشهر منها وأظهر في
الفتوى مع حملها على التقية أو الضرورة قاله الشيخ.
ويتحقق تعليمه بأن يسترسل إذا أرسل وينزجر إذا زجر وإن لا يعتاد أكل
ما أمسك مرارا يصدق عليها التعليم عرفا، ولا عبرة بندور الأكل ولا بعدم انزجاره
بعد إرساله على الصيد ولا بشرب الدم، وقال الصدوقان والحسن: يؤكل صيده
وإن أكل، وربما حمل على الندرة، ثم يشترط فيه تسعة.
الأول: أن يموت الصيد بجرحه، فلو مات باتعابه أو غمه حرم.
الثاني: أن يرسله للصيد، فلو استرسل من نفسه لم يحل مقتوله إلا أن يزجره
فيقف ثم يرسله ولو زاده إغراء لم يحل.
الثالث: أن يكون الإرسال للصيد، فلو أرسله لا للصيد فصادف صيدا فقتله
لم يحل.
131

الرابع: كون المرسل من أهل التذكية، وهو المسلم أو حكمه كالصبي
المميز ذكرا كان أو أنثى، فلو أرسله الكافر لم يحل وإن كان ذميا على الأصح،
وقال الحسن: لا بأس بصيد اليهود والنصارى وذبائحهم بخلاف المجوس، وجوز
الصدوق أكل ذبيحة الثلاثة إذا سمعت تسميتهم وفقدت ذبيحة المسلم، فمقتضى
قوله جواز اصطيادهم، ولا تعويل على القولين، وفي حل اصطياد المخالف غير
الناصب، الخلاف الذي يأتي في الذبيحة إن شاء الله تعالى، أما الناصب فلا يحل
مصيده وإن سمى، ولا يحل مصيد المجنون ولا الطفل غير المميز، وأما المكفوف
فإن تصور فيه قصد عين الصيد حل وإلا فلا.
ولو اشترك في قتله كلبان أحدهما من الأهل والآخر ممن ليس بأهل لم
يحل.
الخامس: التسمية عند الإرسال من المرسل، فلو ترك التسمية عمدا حرم،
وإن كان ناسيا حل، ولو نسيها فاستدرك عند الإصابة أجزأ، ولو تعمدها ثم
سمى عندها فالأقرب الإجزاء، ولو سمى غير المرسل لم يحل.
ولو اشترك في قتله كلبان سمى مرسل أحدهما دون الآخر لم يحل ما لم
يعلم أن القاتل ما سمى عليه، والواجب هنا في الذبح والنحر ذكر الله مع التعظيم،
مثل " بسم الله والله أكبر وسبحان الله "، ولا يجزئ لو اقتصر على الجلالة على
الأقرب، ولو قال " اللهم ارحمني " أو " اللهم صل على محمد وآله " فالأقرب
الإجزاء، وفي إجزاء التسمية بغير العربية نظر من صدق الذكر ومن تصريح
القرآن باسم الله، وقطع الفاضل بالإجزاء.
السادس: أن يموت بالجرح، فلو جرحه ثم عقره سبع، أو تدهده من جبل
لم يحل إلا أن يكون الجرح قاتلا ولم تبق فيه حياة مستقرة.
السابع: أن لا يغيب عنه وفيه حياة مستقرة، فلو غاب لم يحل سواء كان
الكلب واقفا عليه أم لا.
الثامن: أن لا يدركه المرسل وفيه حياة مستقرة، فلو أدركه كذلك وجبت
132

التذكية إن اتسع الزمان لذبحه، ولو قصر الزمان عن ذلك ففي حله للشيخ
قولان: ففي المبسوط يحل، ومنعه في الخلاف وهو قول ابن الجنيد.
ونعني باستقرار الحياة إمكان حياته ولو نصف يوم، وقال ابن حمزة: أدناه
أن تطرف عينه أو تركض رجله أو يتحرك ذنبه وهو المروي، ولو فقد الآلة عند
إدراكه، ففي صحيحة جميل بن دراج عن الصادق عليه السلام: يدع الكلب حتى
يقتله فيأكل منه، وعليها القدماء وأنكرها ابن إدريس.
التاسع: كون الصيد ممتنعا سواء كان وحشيا أو إنسيا، فلو قتل الكلب غير
الممتنع لم يحل، ولو صالت البهائم الإنسية أو توحشت فقتلها الكلب حلت مع
تعذر التذكية.
ولا يشترط إسلام المعلم بل إسلام المرسل كاف وإن علمه المجوسي، ونقل
الشيخ فيه إجماعنا، وقال في المبسوط،: لا يحل ما علمه المجوسي، ويشهد للحل
صحيحة سليمان بن خالد، وللحرمة رواية عبد الرحمن بن سيابة، والأصح الحل
وتحمل الرواية على الكراهية.
ويحل أكل ما صاده الكلب الأسود البهيم، ومنعه ابن الجنيد لما روي عن
أمير المؤمنين عليه السلام أنه " لا يؤكل صيده "، وأن رسول الله صلى الله عليه
وآله وأقر بقتله، ويمكن حمله على الكراهة.
ويجب غسل موضع العضة جمعا بين نجاسة الكلب وإطلاق الأمر بالأكل،
وقال الشيخ: لا يجب، لإطلاق الآية من غير أمر بالغسل.
درس [1]:
ثانيهما: كل آلة محدودة قتل بها الممتنع فإنه يحل مع التسمية، كالسهم
والسيف والرمح والمعراض إذا خرق اللحم، وكذا السهم المحدد وإن لم يكن
فيه نصل، ولو أصابا معترضين لم يحل بخلاف ما فيه الحديد، وظاهر سلار
تحريم المصيد بهذه الآلات غير الكلب ما لم يذك، وهو نادر.
133

ولا يحل ما قتله المثقل كالحجر والبندق والخشبة غير المحددة، وفي تحريم
الرمي بقوس البندق قول للمفيد - رحمه الله -، وقطع الفاضل بجوازه وإن حرم
ما قتله، وكذا قيل يحرم رمي الصيد بما هو أكبر منه والكراهة أقوى، وشرائط
الحل به تسعة.
الأول: كون الآلة محددة تخرق أو فيها حديد.
الثاني: القصد إلى الإصابة بها، فلو وقع السهم من يده فجرح الصيد فقتله
لم يحل، ولو وقع لانقطاع الوتر بعد القصد حل، ولو نصب منجلا في شبكة أو
سكينا في بئر فقتل لم يحل لعدم تحقق القصد.
الثالث: قصد جنس الصيد، فلو قصد الرمي لا للصيد فقتل لم يحل، وكذا
لو قصد خنزيرا فأصاب ظبيا لم يحل، وكذا لو ظنه خنزيرا فبان ظبيا، ولا يشترط
قصد عين الصيد، فلو عين فأخطأ فقتل صيدا آخر حل، ولو قصد محللا ومحرما
حل المحلل، ولو قصد أحد الراميين دون الآخر فاشتركا لم يحل إلا أن يكون
القاتل سهم القاصد.
الرابع: التسمية حال الإرسال، ولو سمى بعده قبل الإصابة حل، ولو تركها
عمدا أو سهوا فكما مر، وصورتها ما سبق، ويشترط كونها من المرسل، فلو سمى
غيره لم يحل، ولو أرسلا فسمى أحدهما واشتركا لم يحل إلا أن يكون القاتل
سهم القاصد.
الخامس: كون المرسل أهلا للتذكية، كما سلف.
السادس: موته بالجرح، فلو مات بغيره أو به وبغيره لم يحل.
السابع: أن لا يغيب عنه وفيه حياة مستقرة كما مر، وكذا لو وقع من جبل
أو في ماء، وقال الصدوقان: يحل إن كان رأسه خارجا من الماء، وصوبه الفاضل
لأنه أمارة على قتله بالسهم.
الثامن: أن لا يدركه وفيه حياة مستقرة، فلو أدركه كذلك وجبت التذكية،
ويجب الإسراع حال الإصابة بالسهم أو الكلب ليدرك ذكاته، فإن أدركها فعل
134

وإلا حل.
التاسع: امتناع المقتول وإن كان إنسيا، وكذا لو تردى في بئر فتعذر ذبحه
أو نحره كفى عقره بما يقتل، ولو رمى غير الممتنع لم يحل إلا مع التذكية، ولو
رماهما حل الممتنع خاصة.
ولا يشترط اتحاد الرامي، فلو رماه جماعة بالشرائط فقتلوه حل وكان بينهم،
ولا عدم مشاركة الريح أو الأرض، فلو أمالته الريح ولولاها لم يصب أو وقع على
الأرض فوثب فأصاب بوثوبه حل.
ولا يضر قطعه بنصفين فيحلان وإن تحرك أحدهما أو تحركا، أو لم يتحركا
إذا لم يكن في المتحرك حياة مستقرة، فإن كان فيه حياة مستقرة ذكي وحرم
الباقي، ولا فرق بين التساوي في الشقين وعدمه، وفي المبسوط والخلاف: إن
تساويا حلا وإن تفاوتا حل ما فيه الرأس خاصة إذا كان هو الأكبر، وفي النهاية:
يحل ما تحرك من النصفين ويحرم الآخر، وقال ابن حمزة: يحل إذا كانا سواء
وخرج الدم، ويحل الأكبر إذا كان معه الرأس وإن تحرك أحدهما حل
المتحرك.
ولو تقاطعت الكلاب الصيد قبل إدراكه حل.
ولو توزع جماعة صيدا بضربهم جميعا حل إلا أن يعلم أن أحدهم أزهق
نفسه بعد إثباته واستقرار حياته.
درس [2]:
يكره صيد الطير والوحش ليلا، وأخذ الفراخ من أعشاشها، وصيد السمك
يوم الجمعة قبل الصلاة.
ويحرم الاصطياد بالآلة المغصوبة، ولا يحرم المصيد ويملكه الصائد وعليه
الأجرة سواء كانت الآلة كلبا أو سلاحا.
ويملك الصيد بإثباته وإن لم يقبضه ويقبضه بيده أو بالآلة كالحبالة
135

والشبكة، فلو أفلت بعد إثباته أو بعد قبضه باليد أو الآلة فأخذه آخر لم يملكه، ولو
أطلقه من يده ونوى قطع ملكه عنه لم يخرج عن ملكه، وقيل: يخرج كما لو
رمى الحقير مهملا له، ولمانع أن يمنع خروج الحقير عن ملكه وإن كان ذلك
إباحة لتناول غيره، وفي الصيد كذلك إذا تحقق الإعراض.
ولا يملك الصيد بتوحله، في أرضه أو تعشيشه في داره، ولا بوثوب السمكة
إلى سفينته ودخول الصيد إلى منزله، نعم يصير أولى به، فلو تخطى الغير إليه فعل
حراما، وإن أخذه قال الشيخ وجماعة: يملكه الآخذ.
والمعتبر في الآلة بالعادة، فلو اتخذ موحلة أو قصد ببناء داره احتباس الصيد
أو تعشيشه، أو بالسفينة وثوب السمك، ففي التمليك وجهان من انتفاء الاعتياد
وكونه في معناه مع القصد وهو قوي.
وكل صيد عليه أثر الملك كقص الجناح لا يملكه الصائد، ولو امتزج
المملوك بغيره حل الاصطياد مع عدم الحصر لمشقة الاجتناب، ولو ظهر للصيد
مالك وجب دفعه إليه، ولو انتقلت الطيور من برج إلى آخر لم تخرج عن
الملك، وكذا لو توحشت هي أو الظباء وشبهها، ولو اختلط الحمام المملوك
وتعذر الامتياز وتداعوه قضي فيه بما سلف في القضاء، ولو لم يتداعوه قضي
بالصلح، ولو باعوه من أجنبي واتفقوا على توزيع الثمن صح البيع وإلا فلا.
وهنا مسائل أربع:
الأولى: لو رمى اثنان صيدا فعقراه ثم وجد ميتا فإن صادفا مذبحه حل،
وكذا إن رمياه معا، وإن تعاقباه ولم يصادفا مذبحه حرام لجواز قتل الثاني له بعد
إثباته، إلا أن يعلم أن جرح الأول منهما صيره في حكم الميت وإن جرح الثاني
منهما قبل الإثبات فيحل ويكون ملكا للأول في الصورة الأولى وللثاني في الثانية،
ولا ضمان على الأول فيما أفسده.
الثانية: لو أثبتا الصيد دفعة فهو لهما، وإن أثبته أحدهما اختص به، ولو جهل
المثبت منهما أقرع وتحتمل الشركة، ولو ترتب الجرحان وحصل الإثبات بهما أو
136

كسر أحدهما جناحه والآخر رجله وكان يمتنع بطيرانه وعدوه فهو للثاني، وقيل:
بينهما.
الثالثة: إنما يتحقق الإثبات إذا صيره بحيث يسهل تناوله، فلو أصابه فأمكنه
التحامل طيرانا أو عدوا بحيث لا يقدر عليه إلا بالإسراع المفرط لم يملكه.
الرابعة: لو رمى صيدا فأثبته وصيره في حكم الميت ثم رماه الثاني فعليه
أرش ما أفسد، ولو أثبته الأول وبقيت حياته مستقرة فذكاه الثاني فهو للأول،
ويضمن الثاني أرشه إن فرض نقصا، وإن وجأه لا بالذكاة حرم وضمن كمال
قيمته حال رميه، إلا أن يكون لميته قيمة فيضمن الأرش، وإن جرحه ولم يوجه
فأدركه الأول وتمكن من ذكاته حل وعلى الجاني الأرش، وإن لم يتمكن من
ذكاته فهو كما لو وجأه الثاني، ولو تمكن الأول من ذكاته وتركه حتى مات
بالجرحين فعلى الثاني نصف قيمته معيبا بالجرح الأول.
درس [3]:
لو جنى على صيد مملوك لغيره يساوي عشرة دراهم أو على دابته فصارت
إلى تسعة، ثم جنى آخر فصارت إلى ثمانية ثم هلك بهما ففيه سبعة أوجه.
الأول: تساويهما في الضمان لتساويهما في الأرش والسراية، ويشكل بعدم
دخول الأرش في ضمان النفس ويجاب بأن ذلك في الآدمي لأنه لا ينقص بدله
بإتلاف بعضه.
الثاني: وجوب خمسة على الأول وأربعة ونصف على الثاني اعتبارا بنصف
القيمة يوم الجناية، ويدخل الأرش في ضمان النفس، ويشكل بحصر إتلافه فيهما
مع عدم كمال قيمته.
الثالث: وجوب خمسة ونصف على الأول وأربعة ونصف على الثاني بناء
على دخول أرش جناية الثاني في النفس المشاركة غيره، بخلاف الأول، فحينئذ
إما أن يقال بعدم دخول أرش الأول لانفراده بالجناية فعليه درهم مضافا إلى
137

نصف قيمته يوم جناية الثاني، أو يقال بدخول نصف أرشه تبعا لضمان نصف
القيمة ويبقى عليه نصف الأرش مضافا إلى ضمان نصف القيمة يوم جنايته، ومال
إليه المحقق، ويشكل بانفراد الثاني بإتلاف ما يساوي درهما، فلم يتشاركا إلا في
ثمانية، فإن قلنا لا يدخل أرش الأول فعليه خمسة، وإن قلنا بدخول نصفه تبعا
لضمان النصف لزم في الثاني مثله.
الرابع: وجوب خمسة ونصف على الأول لما ذكرناه وخمسة على الثاني
بناء على عدم دخول أرشه، ويشكل بزيادة القيمة.
الخامس: وجوب ما ذكرناه ويرجع الأول على الثاني بنصف، لأنه جنى
على ما دخل في ضمانه، وحينئذ بأخذ المالك من الثاني أربعة ونصفا، وإن أخذ
من الثاني خمسة فليس له على الأول إلا خمسة وهذا كالوجه الأول إلا في
التراجع.
السادس: وجوب ما ذكرناه ولا تراجع، بل تقسم العشرة ونصف على
عشرة فتضرب ما على الأول وهو خمسة ونصف في عشرة يكون خمسة
وخمسين، فيأخذ من كل عشرة ونصف واحدا فعليه خمس وسبع وثلثا سبع
وتضرب ما على الثاني وهو خمسة في عشرة تكون خمسين فعليه أربعة وخمسة
أسباع وثلث سبع وذلك قيمة الحيوان، وهذا الأوجه الثلاثة مبناها واحد، لكن
لما وجد في الوجه الأول منها زيادة ولم يمكن القول بها وجب إسقاطها إما
بالتراجع أو بالبسط، ولم أر أحدا عد الأول وجها بغير تراجع ولا بسط غير
المحقق، ولعله أراد به أحد الأمرين لظهور بطلانه بدونهما.
السابع: وجوب خمسة وخمسة أجزاء ونصف من تسعة عشر جزءا من
درهم على الأول، ووجوب أربعة دراهم وأربعة أجزاء ونصف من تسعة عشر
جزءا ومن درهم على الثاني بناء على دخول الأرش فيهما وعلى أنه يمتنع التبعيض
على المالك، وهذا إصلاح الوجه الثاني لظهور فساده، كما أن ذينك الوجهين
إصلاح ما قبلهما والفائت نصف درهم فوجب بسطه على قدر الواجب، وطريقه
138

أن يفرض كل منهما كأنه انفرد بقتله فيجب عليه كمال قيمته يوم جنايته، فتضم
إحدى القيمتين إلى الأخرى فيكون تسعة عشر، فعلى الأول عشرة من التسعة
عشر وعلى الثاني تسعة من التسعة عشر، وإيضاحه بضرب العشرة في تسعة عشر
يكون مائة وتسعين، فالمائة على الأول والتسعون على الثاني، فيأخذ من كل
تسعة عشر واحدا فيحصل ما ذكرناه.
فرع:
لو كانت إحدى الجنايتين من المالك وجب على الأجنبي ما ذكر سواء
كان الأول أو الثاني، واحتمل المحقق فيما إذا كان جناية الأول على مباح فأثبته،
ونقصه درهما من العشرة أن يلزم الثاني كمال قيمته معيبا لأن الضمان توجه عليه،
بخلاف الأول لكونه جنى على مباح، وأجاب عنه بأنه مع إهماله التذكية جرى
مجرى المشارك بجنايته، وهذا الاحتمال لو صح لم يشترط فيه كون الصيد
مباحا، فإن جناية المالك على ما له غير مضمونة أيضا، وقدرة المالك على
التذكية قد لا تتحقق فلا ينتظم هذا الوجه مستقلا، بل بفقد القدرة على التذكية،
على أنه يمكن مع القدرة والإهمال أن لا يجب على الثاني سوى أرش جنايته لأن
المالك متلف ما له بعدم التذكية، وقد حررنا هذه المسألة في شرح الإرشاد.
139

كتاب التذكية
وهي تحصل بأمور ستة.
الأول والثاني: تذكية الكلب والسلاح وقد سبقا.
الثالث: ذكاة الجنين، وهي ذكاة أمه إذا تمت خلقته سواء ولجته الروح أم
لا، ولو خرج حيا لم يحل إلا بالتذكية ولو ضاق الزمان عنها، فإن لم يكن فيه
حياة مستقرة حل وإلا ففي الحل وجهان من إطلاق الأصحاب وجوب التذكية
إذا خرج حيا ومن أنه مع قصور الزمان في حكم غير مستقر الحياة، ولو لم تتم
خلقته فهو حرام، ومن تمام الخلقة الشعر والوبر، وقال الشيخ وجماعة: يشترط
في حله مع تمام خلقته أن لا تلجه الروح فإن ولجته وجب تذكيته، والروايات
مطلقة، والفرض بعيد.
الرابع: ذكاة السمك، وهي إخراجه من الماء حيا، ولا يعتبر فيه التسمية ولا
إسلام المخرج، نعم يعتبر مشاهدة مسلم لإخراجه حيا فلو وجد في يد كافر لم
يحل بدون ذلك وإن أخبر بإخراجه حيا، وقال السيد ابن زهرة: الاحتياط تحريم
ما أخرجه الكافر مطلقا، وهو ظاهر المفيد - رحمه الله - ونقل ابن إدريس الإجماع
على عدم اشتراط الإسلام، وقضية كلام الشيخ في الاستبصار الحل إذا أخذه منه
المسلم حيا وهو يشعر بما قاله ابن زهرة.
ولو مات السمك في الماء لم يحل ولو ضربه بمحدد أو بمثقل ثم أخرجه
141

فإن كان مستقر الحياة حل وإلا فلا، ولو مات في الشبكة التي في الماء حرم، ولو
اشتبه الحي فيه بالميت حل الجميع عند الحسن والشيخ والقاضي والمحقق
لصحيح الأخبار، وحرم عند ابن حمزة وابن إدريس والفاضل، ولوجوب اجتناب
الميت الموقوف على اجتناب الجميع ولإطلاق قول الصادق عليه السلام: ما مات
في الماء فلا تأكله فإنه مات فيما فيه حياته.
وفي الأخبار الصحاح التعليل بأن الشبكة والحضيرة لما عملت للاصطياد
جرى مجرى المقبوض باليد، وقضيتها حله ولو تميز الميت، وبه أفتى الحسن،
والباقون حرموا ما تميز ميتا جميعا بين الروايات.
وإذا وجد في يد مسلم سمك ميت حل أكله وإن لم يخبر بحاله، وعدلا كان
أو فاسقا.
ولو وثب السمك إلى الجدد أو نصب عنه الماء أو نبذه إلى الساحل فأخذه
بيده أو آلته حيا حل، وإن أدركه بنظره حيا ولم يقبضه فالأقرب التحريم.
ولو عاد السمك بعد إخراجه حيا إلى الماء فمات فيه حرم، ولو قطع منه
قطعة بعد خروجه فهي حلال وإن عاد الباقي إلى الماء سواء مات فيه أم لا، ويباح
أكله حيا لصدق الذكاة وقيل: لا يباح أكله حتى يموت كباقي ما يذكى.
الخامس: ذكاة الجراد، وهي بأخذه حيا باليد أو بالآلة، ولا يشترط فيه
التسمية ولا إسلام الآخذ إذا شاهده مسلم، وقول ابن زهرة هنا كقوله في السمك،
ولو أحرقه بالنار قبل أخذه لم يحل، وكذا لو مات في الصحراء أو في الماء قبل
أخذه وإن أدركه بنظره، ويباح أكله حيا وبما فيه، وإنما يحل منه ما استقل
بالطيران دون الدبى.
درس [1]:
السادس: التذكية بالذبح، ويشترط فيها أمور عشرة.
أحدها: كون الحيوان مما يقع عليه الذكاة سواء أكل لحمه أم لا، بمعنى أنه
142

يكون بعد الذبح طاهرا فيقع على مأكول اللحم، فيفيد حل أكله وطهارته
وطهارة جلده، وعلى السباع كالأسد والنمر والفهد والثعلب فيفيد طهارة لحمها
وجلدها، وفي الاحتياج إلى دبغه في استعماله قول مشهور، وأما المسوخ فالأقوى
وقوع الذكاة عليها، كالدب والقرد والفيل، ولا يقع على الحشرات كالفأر وابن
عرس والضب على قول، ولا على الكلب والخنزير إجماعا، ولا على الآدمي وإن
كان كافرا إجماعا.
وثانيا: أهلية الذابح بالإسلام أو حكمه، فلا تحل ذبيحة الوثني سمعت
تسميته أو لا، وفي الذمي قولان أقربهما التحريم، وهو اختيار المعظم وقد تقدم
خلاف للصدوق والحسن، وظاهر ابن الجنيد الحل وجعل التجنب أحوط،
وبالحل أخبار صحاح معارضة بمثلها، ويحمل على التقية أو الضرورة.
وتحرم ذبيحة الناصبي والخارجي دون غيره على الأصح، لقول أمير
المؤمنين عليه السلام: من دان بكلمة الإسلام وصام وصلى فذبيحته لكم حلال إذا
ذكر اسم الله عليه، ويعلم منه تحريم ما لم يذكر اسم الله عليه، وهل يشترط مع
الذكر اعتقاد الوجوب؟ الأقرب لا، وشرطه الفاضل، وقصر ابن إدريس الحل
على المؤمن والمستضعف الذي لا منا ولا من مخالفينا، ومنع الحلبي من ذبيحة
جاحد النص، ومنع ابن البراج من ذبيحة غير أهل الحق لقول أبي الحسن
عليه السلام لزكريا بن آدم: إني أنهاك عن ذبيحة كل من كان على خلاف الذي أنت
عليه وأصحابك إلا في وقت الضرورة إليه، ويحمل على الكراهية.
ولا تحل ذبيحة المجنون حال المباشرة ولا السكران ولا الصبي غير المميز،
وتحل ذبيحة المميز والمرأة والخصي والخنثى والجنب والحائض والأغلف
والأخرس والأعمى إذا سدد، لما روي عنهما عليهم السلام، وولد الزنى على
الأقرب، وما يذبحه المسلم لكنائس الذمة وأعيادهم، ولو اشترك في الذبح
الأهل وغيره لم يحل.
وثالثها: فري الأعضاء بالحديد مع القدرة، فلو فرى بغيره عند الضرورة
143

حل كالليطة والمروة والزجاجة، ولو عدم ذلك جاز بالسن والظفر على الأقرب
متصلين كانا أو منفصلين، ومنع الشيخ منهما في المبسوط والخلاف وإن كانا
منفصلين مستدلا بالإجماع، والظاهر أنه أراد به مع الاختيار لأنه جوز مثل ذلك
في التهذيب عند الضرورة.
ورابعها: قطع الأعضاء الأربعة في المذبوحة، وهي المرئ - مجرى
الطعام والشراب - والحلقوم - مجرى النفس - والودجان - وهما العرقان
المحيطان بالحلقوم -، فلو قطع البعض لم يحل وإن بقي يسير، وكلام الشيخ في
الخلاف يظهر منه الاجتزاء بقطع الحلقوم، ومال إليه الفاضل بعض الميل
لصحيحة زيد الشحام عن الصادق عليه السلام: إذا قطع الحلقوم وجرى الدم فلا
بأس، ولكنها في سياق الضرورة المجوزة للذبح بغير الحديد، وهي معارضة
بحسنة عبد الرحمن بن الحجاج عن الكاظم عليه السلام: إذا فرى الأوداج
فلا بأس، ذكره أيضا عند عدم السكين.
وخامسها: نحر الإبل وذبح ما عداها، فلو ذبح الإبل أو نحر ما عداها مختارا
حرم. ومحل النحر وهدة اللبة والذبح في الحلق تحت اللحيين، قيل: ولو
استدرك الذبح بعد النحر أو العكس حل، ويشكل بعدم استقرار الحياة.
وسادسها: استقبال القبلة بالذبح والنحر مع الإمكان، فلو تركه عمدا حرم،
ولو كان ناسيا أو مضطرا أو لم يعلم الجهة حل، والمعتبر استقبال المذبوح
والمنحور لا الفاعل في ظاهر كلام الأصحاب.
وسابعها: التسمية عند النحر والذبح كما سلف، فلو تركها عمدا فهو ميتة إذا
كان معتقدا لوجوبها، وفي غير المعتقد نظر، وظاهر الأصحاب التحريم، ولكنه
يشكل بحكمهم بحل ذبيحة المخالف على الإطلاق ما لم يكن ناصبيا، ولا ريب أن
بعضهم لا يعتقد وجوبها وتحل الذبيحة وإن تركها عمدا، ولو سمى غير المعتقد
للوجوب فالظاهر الحل، ويحتمل عدمه لأنه كغير القاصد للتسمية، ومن ثم لم
تحل ذبيحة المجنون والسكران وغير المميز لعدم تحقق القصد إلى التسمية أو إلى
144

قطع الأعضاء.
ولو قال بسم الله ومحمد حرمت، وكذا لو قال ومحمد رسول الله " بكسر
الدال " ولو " رفعه " حلت.
درس [2]:
وثامنها: متابعة الذبح حتى يقطع الأعضاء، فلو قطع البعض وأرسله ثم
تممه فإن كان في الحياة استقرار أو قصر الزمان حل، وإلا فالأقرب التحريم لأن
الأول غير محلل والثاني يجري مجرى ذبح الميت، ووجه الحل استناد التوجيه
إلى التذكية.
وتاسعها: أن يستند موته إلى الذكاة، فلو شرع في الذبح فانتزع آخر
حشوته معا فميتة، وكذا كل فعل لا يستقر معه الحياة.
وعاشرها: الحركة بعد الذبح أو النحر أو خروج الدم المعتدل لا المتثاقل،
فلو انتفيا حرم الصحيحة محمد الحلبي عن الصادق عليه السلام: إذا تحرك الذنب
أو الطرف أو الأذن فهو ذكي، ورواية الحسين بن مسلم عنه عليه السلام: إذا
خرج الدم معتدلا فكلوا وإن خرج متثاقلا فلا، واعتبر جماعة من الأصحاب
الحركة وخروج الدم، واعتبر الصدوق الحركة وحدها.
فرع:
لو ذبح المشرف على الموت كالنطيحة والموقوذة والمتردية وأكيل السبع
وما ذبح من قفاه اعتبر في حله استقرار الحياة، فلو علم موته قطعا في الحال حرم
عند جماعة، ولو علم بقاء الحياة فهو حلال، ولو اشتبه اعتبر بالحركة أو خروج
الدم، وظاهر الأخبار والقدماء أن خروج الدم والحركة أو أحدهما كاف ولو لم
تكن فيه حياة مستقرة، والآية فيها إيماء إليه وهو قوله تعالى " حرمت عليكم الميتة
والدم... " إلى قوله " إلا ما ذكيتم "، ففي صحيح زرارة عن الباقر عليه السلام في
145

تفسيرها: إن أدركت شيئا منها أو عينا تطرف أو قائمة تركض أو ذنبا يمصع فقد
أدركت ذكاته فكله، وروى أبان بن تغلب عن الصادق عليه السلام: إذا شككت
في حياة شاة ورأيتها تطرف عينها أو تحرك ذنبها أو تمصع بذنبها فاذبحها فإنها
لك، وعن الشيخ يحيى: إن اعتبار استقرار الحياة ليس من المذهب، ونعم ما قال.
ويستحب في الغنم ربط يديه ورجل وإطلاق الأخرى والإمساك على
صوفه أو شعره حتى تبرد، وفي البقر عقل يديه ورجليه وإطلاق ذنبه، وفي الإبل
إطلاق رجليه وربط أخفافه إلى إباطه، وفي الطير إرساله.
ويستحب الإسراع في الذبح وتحديد الآلة، ويجوز الاشتراك فيه معا أو
على التعاقب ما لم يطل الفصل.
ويحرم إبانة الرأس عمدا وقطع النخاع " مثلث النون " قبل موتها، وهو -
الخيط الأبيض وسط الفقار " بالفتح " ممتدا من الرقبة إلى عجب الذنب " بفتح
العين وسكون الجيم وهو أصله " - وكسر الرقبة لتوخي الموت، ولا يحرم
المذبوح بذلك خلافا للنهاية وابن زهرة في قطع الرأس والنخاع ولو سبقت
السكين فأبانت الرأس أو فعل ذلك ناسيا فلا تحريم.
وكذا يحرم سلخها قبل بردها، وحرمها به الشيخ وأتباعه وأنكره ابن
إدريس، والرواية به عن الرضا عليه السلام مقطوعة وتحمل على الكراهية.
وفي حكم سلخها قطع شئ منها وكرهها المحقق، وقال الحلبي: لو قطع
شيئا منها قبل بردها فهو ميتة وفيه بعد، وفي النهاية: لا يجوز قلب السكين فيذبح
إلى فوق لرواية حمران بن أعين عن الصادق عليه السلام: لا تقلب السكين
لتدخلها تحت الحلقوم وتقطعه إلى فوق، وقال ابن إدريس: لا يحرم، وكرهه
المحقق.
وقال الشيخ: لا يجوز ذبح شئ من الحيوان صبرا - وهو أن يذبحه وحيوان
آخر ينظر إليه - لرواية غياث عنه عليه السلام: إن عليا عليه السلام كان لا
يذبح الشاة عند الشاة ولا الجزور عند الجزور وتحمل على الكراهة.
146

وتكره الذباحة ليلا إلا لضرورة ويوم الجمعة قبل الزوال، ولو أفلت الحيوان
قبل تمام التذكية وتعذر إمساكه كالطير جاز رميه بالسلاح.
ويحل أكل ما يباع في سوق الإسلام من اللحم وإن جهل حاله، ولا يجب
السؤال بل ولا يستحب وإن كان البائع غير معتقد للحق ولو علم منه استحلال
ذبائح الكتابيين على الأصح، ولو وجد ذبيحة مطروحة لم يحل تناولها إلا مع
العلم بأن مباشرها أهل أو قرينة الحال.
147

كتاب الأطعمة والأشربة
والنظر في أمور ثمانية:
أحدها: حيوان البر:
ويحل من الإنسي الأنعام الثلاثة ومن الوحشي والبقر والحمر والظباء
والكباش والجبلية واليحامير.
ويكره الخيل والبغال والحمير الأهلية وآكدها البغل ثم الحمار، وقال
القاضي: تتأكد كراهة الحمار على البغل، ومال إليه ابن إدريس، وقال الحلبي
بتحريم البغل، وفي صحيحة ابن مسكان النهي عن الثلاثة إلا لضرورة، وتحمل
على الكراهية توفيقا بينها وبين أخبار الحل، وقال ابن إدريس والفاضل بكراهة
الحمار الوحشي، والحلبي بكراهة الإبل والجواميس، والذي في مكاتبة أبي
الحسن عليه السلام في لحم حمير الوحش " تركه أفضل "، وروي في لحم
الجاموس: لا بأس به.
ويحرم الكلب والخنزير والسباع كلها - وهو كل ذي ظفر أو ناب يفرس
به وإن كان ضعيفا - كالأسد والنمر والفهد والذئب والثعلب والأرنب والضبع
والسنور وحشيا وإنسيا، وابن عرس والحشرات كالحية والفأرة والجرذ والعقرب
والخنفساء والصراصر وبنات وردان والقنفذ والضب واليربوع والوبر والفنك
والسمور والسنجاب والعظاءة واللحكة والذبان والقمل والبراغيث والنمل.
149

وقد يعرض للمحل التحريم بوطئ الإنسان، فيحرم لحمه ولحم نسله، فإن
اشتبه قسم وأقرع حتى يبقى واحدة.
وبالجلل باغتذاء عذرة الإنسان محضا فيحل بالاستبراء، بأن يربط ويطعم
علفا طاهرا، فالناقة أربعون يوما وألحق في المبسوط البقرة بها، وقال الصدوق:
للبقرة ثلاثون ويوما، والمشهور عشرون يوما، وللشاة عشرة وقال الصدوق:
عشرون، وابن الجنيد أربعة عشر وفي المبسوط سبعة، والبطة خمسة أيام وقال
الصدوق: ثلاثة، وروي ستة، والدجاجة ثلاثة وقال الحلبي: خمسة وألحق الشيخ
شبه الدجاجة بها، وما عداها لا مقدر فيه فيستبرأ بما يزول عنه الجلل.
وقال ابن الجنيد يكره الجلال، وجعل حكم ما يأكل المحرم حكمه، ولو
شرب المحلل خمرا ثم ذبح غسل لحمه وحرم ما في بطنه وقال ابن إدريس يكره
وموثقة زيد الشحام مصرحة بأنها إذا شربت خمرا حتى سكرت وذبحت على تلك
الحال لا يؤكل ما في بطنها، ولو شربت بولا نجسا غسل ما في بطنه، ولو شرب
المحلل لبن خنزيرة واشتد حرم لحمه ولحم نسله وإن لم يشتد كره، ويستحب
استبراؤه بسبعة أيام إما بعلف إن كان يأكله وإما بشرب لبن طاهر ولو شرب لبن
امرأة واشتد كره لحمه.
وثانيها: حيوان البحر:
ويحل منه السمك الذي له فلس وإن زال عنه كالكنعت.
ويحرم ما لا فلس له كالجري " بكسر الجيم " والمارماهي والزهو والزمار
على الأظهر، وفي صحيح زرارة عن الباقر عليه السلام كراهة الجري، وفي النهاية
تكره الثلاثة الأخيرة كراهية مغلظة لصحيح محمد بن مسلم عن الصادق
عليه السلام وفيها أيضا الجري، ويعارضها أخبار أكثر منها وأشهر وعمل الأصحاب،
ويمكن حمل الإباحة على التقية.
ويحرم الطافي - وهو ما يطفو على الماء ميتا - إذا علم كونه مات في الماء ولو
150

علم كونه مات خارج الماء حل، ولو اشتبه فالأقرب التحريم، وقال في المقنع:
إذا اشتبه السمك هل هو ذكي أم لا؟ طرح على الماء فإن استلقى على ظهره
فحرام وإن كان على وجهه فذكي، واختاره الفاضل، ولا فرق في الطافي بين ما
مات بسبب كحرارة الماء أو العلق أو بغير سبب.
ولو وجدت سمكة في جوف أخرى مذكاة فالمروي عن علي عليه السلام
حلها وللاستصحاب، ومنعه ابن إدريس، ولو وجدت في جوف حية فالمروي عن
الصادق عليه السلام حلها إذا طرحتها وهي تضطرب ولم تنسلخ فلوسها وإلا فلا.
وبيض السمك تابع، ولو اشتبه أكل الخشن دون الأملس والمنماع،
وأطلق كثير ذلك من غير اعتبار التبعية.
وقال ابن إدريس يحل مطلقا ما في جوف السمك للأصل، وحل الصحناء
" بكسر الصاد والمد " وهو اختيار الفاضل، وروى عمار عن الصادق
عليه السلام: في الجري مع السمك في سفود " بالتشديد مع فتح السين " يؤكل
ما فوق الجري ويرمي ما سأل عليه، وعليها ابنا بابويه، وطرد الحكم في مجامعة
ما يحل أكله لما يحرم، قال الفاضل: لم يعتبر علماؤنا ذلك، والجري طاهر
والرواية ضعيفة السند.
ويحرم جلال السمك حتى يستبرئ يوما إلى الليل، وروي عن الرضا
عليه السلام يوما وليلة، وهو أولى في ماء طاهر بغذاء طاهر، والسلحفاة والضفدع
والسرطان وجميع حيوان البحر كلبه وخنزيره وشاته.
وإنما يحل السمك ذو الفلس كالشبوط " بفتح الشين والتشديد " والربيثا
والإربيان " بكسر الهمزة " - وهو أبيض كالدود - والطمر " بكسر الطاء "
والطبراني والإبلامي " بكسر الهمزة " والرواية بحل غير ذي الفلس محمولة على
التقية.
151

درس [1]:
وثالثها: الطير:
ويحل منه الحمام كله كالقماري والدباسي والورشان والحجل والدراج
والقبج والكروان والكركي والقطاة والطيهوج والدجاج والعصافير والصعو
والزرازر، وكل ما غلب دفيفه صفيفه أو ساواه، أو كان له قانصة أو حوصلة
" بتشديد اللام وتخفيفها " أو صيصية " بغير همز " وإن أكل السمك ما لم ينص
على تحريمه.
ويكره الفاختة والقبراء والهدهد والشقراق والصوام والصرد، وفي الخطاف
روايتان أشهرهما وأصحهما الكراهية، ويعضده أنه يدف، وحرمه ابن البراج وابن
إدريس مدعيا الإجماع.
واختلف في الغربان، فأطلق في النهاية الكراهية وفي الخلاف يحرم الغراب
كله على الظاهر في الروايات، وفي الاستبصار يحل كله، وفي المبسوط يحرم
الكبير الأسود الذي يسكن الجبال ويأكل الجيف والأبقع، ويباح غراب الزرع
والغداف الذي هو أصغر منه أغبر اللون كالرماد، وحرم ابن إدريس ما عدا الزاع
وهو غراب الزرع الصغير، وفي صحيح علي بن جعفر عن أخيه عليهما السلام:
لا يحل شئ من الغربان زاع ولا غيره، وعورض بخبر زرارة عن أحدهما عليهم
السلام: إن أكل الغربان ليس بحرام إنما الحرام ما حرمه الله في كتابه، وفي خبر
غياث كراهة الغرابان لأنه فاسق، وبه جمع الشيخ بين الخبرين فحمل الأول على
أنه ليس حلالا طلقا بل حلال مكروه.
ويحرم كل ذي مخلب قوي كالصقر والعقاب والشاهين والبازي
والباشق، أو ضعيف كالنسر والبغاث - وهو ما عظم من الطير وليس له مخلب
معقف - وربما جعل النسر من البغاث وهو " مثلث الباء " وقال الفراء: بغاث
الطير شرارها وما لا يصيد منها والرخم والحدأة.
ويحرم الخفاش والطاووس، وما كان صفيفه أكثر من دفيفه، وما خلا عن
152

القانصة والحوصلة والصيصية، ويعتبر طير الماء بذلك أيضا، والبيض تابع ولو
اشتبه أكل ما اختلف طرفاه دون ما اتفق.
ويحرم البق والزنابير وكل مستخبث، والمجثمة - وهي الطير أو البهيمة
تجعل غرضا وترمى بالنشاب حتى تموت - والمصبورة - وهي التي تجرح
وتحبس حتى تموت -، ونهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن قتل الخطاف
والهدهد والصرد والضفدع والنملة والنحلة كذا رواه ابن الجنيد.
درس [2]:
ورابعها: الجامد:
ويحرم منه الأعيان النجسة بالأصالة كالنجاسات أو بالعرض كالمتنجس
بأحدها حتى يطهران قبل الطهارة.
والأصح نجاسة الكافر وإن كان ذميا فينجس ما باشره من المائع أو
برطوبة، وروى زكريا بن إبراهيم عن الصادق عليه السلام: الأكل معهم
والشرب، وروي عن إسماعيل بن جابر الكراهية تنزها، وروى عنه العيص جواز
مؤاكلتهم إذا كان من طعامك ومؤاكلة المجوسي إذا توضأ، وهي معارضة بأشهر
منها مع قبولها التأويل.
ويحرم أكل الميتة واستعمالها، وكذا ما أبين من حي والاستصباح بها،
ويجوز الاستصباح بما عرض له النجاسة تحت السماء خاصة تعبدا لا لنجاسة
دخانه لاستحالته، وقال في المبسوط: يكره الاستصباح به مطلقا وقال: روى
أصحابنا جوازه تحت السماء دون السقف: قال: وهذا يدل على نجاسة دخانه،
وأنكر ابن إدريس ذلك وادعى الإجماع على تحريمه تحت الظلال وعلى طهارة
دخانه، ورماد الأعيان النجسة والروايات أكثرها مطلقة في جواز الاستصباح به
كصحيحة معاوية بن وهب عن الصادق عليه السلام وصحيحة زرارة عن الباقر
عليه السلام: ولذلك قوى الفاضل الجواز ولو تحت الظلال ما لم يعلم أو يظن
153

بقاء شئ من أعيان الدهن فلا يجوز تحت الظلال، وجوز الشيخ في النهاية عمل
جلد الميتة دلوا يستقى به الماء لغير الوضوء والصلاة والشرب وإن كان تجنبه
أفضل، وابن البراج قال: الأحوط تركه، وابن حمزة أطلق المنع من استعمال
جلود الميتة، والصدوق قال: لا بأس بأن يجعل جلد الخنزير دلوا يستقى به الماء،
وحرم الفاضل ذلك كله.
وإذا اختلط اللحم الذكي بالميتة ولا طريق إلى تمييزه لم يحل أكله، وفي
جواز بيعه على مستحل الميتة قولان، فالجواز قول النهاية لصحيحة الحلبي عن
الصادق عليه السلام والمنع ظاهر القاضي وفتوى ابن إدريس، قال الفاضل: هذا
ليس ببيع حقيقة وإنما هو استنقاذ مال الكافر برضاه، ويشكل بأن ما له محترم إذا
كان ذميا إلا على الوجه الشرعي، ومن ثم حرم الربا معه، وقال المحقق: ربما
كان حسنا إذا قصد بيع الذكي فحسب، وتبعه الفاضل، ويشكل بجهالته وعدم
إمكان تسليمه متميزا.
ولو وجد لحما مطروحا لا يعلم حاله فالمشهور، ويكاد أن يكون إجماعا أنه
يطرح على النار فإن انقبض فهو ذكي وإن انبسط فهو ميتة، وتوقف فيه
الفاضلان، والعمل بالمشهور، ويمكن اعتبار المختلط بذلك إلا أن الأصحاب
والأخبار أهملت ذلك.
ويحرم الطين كله إلا قدر الحمصة من تربة الحسين عليه السلام بقصد
والاستشفاء، والأرمني للمنفعة.
وتحرم السموم القاتلة قليلها وكثيرها أما ما لا يقتل قليله كالأفيون وشحم
الحنظل والسقمونيا فإنه يجوز تناوله، ولو بلغ في الكثرة إلى ظن القتل أو ثقل
المزاج أو فساده حرم، كالدرهم من السقمونيا - ونهى الأطباء عن استعمال
الأسود منه الذي لا ينفرك سريعا ويجلب من بلاد الجرامقة -، وعما جاوز الدانقين
من الأفيون وقالوا: الدرهمان منه يقتل والدرهم يبطل الهضم إذا شرب وحده،
وقدروا المأخوذ من شحم الحنظل بنصف درهم، وقالوا: إذا لم يكن في شجرة
154

الحنظل غير واحدة لا تستعمل لأنها سم.
ويحرم من الذبيحة خمسة عشر: القضيب والأنثيان والطحال والدم والفرث
والفرج ظاهره وباطنه والمثانة والمرارة والمشيمة والنخاع والعلباوان " بكسر
العين " - وهما عصبتان صفراوان من الرقبة إلى الذنب - والغدد وذات الأشاجع -
وهي أصول الأصابع - والحدق وخرزة الدماع على خلاف في بعضها.
ويكره العروق والكلى وأذنا القلب وإذا شوى الطحال مع اللحم فإن لم
يكن مثقوبا أو كان اللحم فوقه فلا بأس، وإن كان مثقوبا واللحم تحته حرم ما تحته
من لحم وغيره، وقال الصدوق: إذا لم يثقب يؤكل اللحم إذا كان أسفل، ويؤكل
الجوذاب - وهو الحبر المرمد -، ويكره أكل الثوم والبصل وشبهه المريد دخول
المسجد أو في ليلة الجمعة، وفي مرسلة زرارة يعيد آكل الثوم ما صلاة، وهو على
التغليظ للكراهية.
ويحل أن يستعمل من الميتة ما لا تحله الحياة وهو أحد عشر: العظم والظفر
والظلف والسن والقرن والصوف والشعر والوبر بشرط الجز أو غسل موضع
الاتصال، والريش كذلك والبيض إذا اكتسى القشر الأعلى والإنفحة واللبن على
الأصح، ورواية التحريم ضعيفة والقائل بها نادر، وحملت على التقية.
ويحرم استعمال شعر الخنزير والكلب وجميع ما أحل من الميتة منهما، فإن
اضطر إلى شعر الخنزير جاز استعمال ما لا دسم فيه وغسل يده عند الصلاة،
ويزول عنه الدسم بأن يلقى في فخار ويجعل في النار حتى يذهب دسمه لرواية برد
الإسكاف عن الصادق عليه السلام، قال الفاضل: يجوز استعماله مطلقا - أي عند
الضرورة والاختيار - وظاهره أنه لا يشترط إزالة الدسم لإطلاق رواية سليمان
الإسكاف.
درس [3]:
وخامسها: المائع:
والحرام منه ثمانية:
155

الأول: كل مسكر كالخمر والنبيذ والتبع من العسل والنقيع من الزبيب
والمرز من الذرة والفضيخ من التمر والبسر والجعة من الشعير " بكسر الجيم "،
والمعتبر في التحريم إسكار كثيره، فيحرم قليله.
الثاني: الفقاع إجماعا، لقول الصادق عليه السلام والرضا عليه السلام: هو
خمر مجهول فلا تشربه، وفي رواية شاذة حل ما لم يغل منه ولم توضر آنيته بأن
يعمل فيها فوق ثلاث مرات، وهي تقية أو محمولة على ما لم يسم فقاعا كماء
الزبيب قبل غليانه، ففي رواية صفوان عن الصادق عليه السلام: حل الزبيب إذا
نقع غدوة وشرب بالعشي أو ينقع بالعشي ويشرب غدوة.
الثالث: العصير العنبي إذا غلى واشتد، وحده أن يصير أسفله أعلاه ما لم
يذهب ثلثاه أو ينقلب خلا.
ولا يحرم المعتصر من الزبيب ما لم يحصل فيه نشيش، فيحل طبخ الزبيب
على الأصح لذهاب ثلثيه بالشمس غالبا وخروجه عن مسمى العنب، وحرمه
بعض مشايخنا المعاصرين، وهو مذهب بعض فضلائنا المتقدمين لمفهوم رواية
علي بن جعفر عن أخيه عليهما السلام، حيث سأله عن الزبيب يؤخذ ماؤه فيطبخ
حتى يذهب ثلثاه، فقال: لا بأس، وأما عصير التمر فقد أحله بعض الأصحاب ما لم
يسكر، وفي رواية عمار، وسئل الصادق عليه السلام عن النضوح كيف يصنع به
حتى يحل؟ قال: خذ ماء التمر فأغله حتى يذهب ثلثاه، ولا يقبل قول من يستحل
شرب العصير قبل ذهاب ثلثيه في ذهابهما لروايات، وقيل: يقبل على كراهية.
وبصاق شارب الخمر وغيره من النجاسات طاهر مع عدم التغير، وكذا
دمع المكتحل بالنجاسة إذا لم تكن النجاسة واردة على المحل النجس، والربوب
كلها حلال وإن شم منها رائحة المسكر.
ويكره الاستشفاء بمياه العيون الحارة الكبريتية، وما باشره الجنب والحائض
مع التهمة، وسؤر من لا يتوقى النجاسة.
الرابع: البول مما لا يؤكل لحمه، وفي بول ما يؤكل لحمه قول بالحل اختاره
156

ابن الجنيد، وهو ظاهر ابن إدريس لطهارته، والأقوى التحريم للاستخباث إلا
ما يستشفى به كبول الإبل، وكذا باقي النجاسات المائعة كالمني.
الخامس: فضلات الإنسان كبصاقه ونخامته وفضلات باقي الحيوانات وإن
كانت طاهرة لاستخباثها، وقد ورد رخصة في بصاق المرأة والابنة.
والسادس: اللبن تابع للحم في الحرمة والحل والكراهية، فيحرم لبن الكلبة
والهرة واللبوة والذئبة، ويحل لبن مأكول اللحم، ويكره لبن الأتن مائعا وجامدا.
السابع: الدم المسفوح من كل حيوان حل أكله أو حرم، ويحرم أيضا دم
الضفادع والبراغيث وشبهها من غير المسفوح، وإلا ما يتخلف في اللحم مما لا يقذفه
المذبوح فإنه حلال.
الثامن: كل مائع لاقته نجاسة قبل تطهيره إذا قبل التطهير كالماء، وفي قبول
باقي المائعات للتطهير خلاف، فقيل: بقبولها الطهارة عند ملاقاة الكثير وتخلل
أجزائها، حتى الدهن وهو بعيد، نعم لو استحال المضاف إلى المطلق طهر.
ويجوز بيع الدهن النجس بالعرض بشرط إعلام المشتري، ولو لاقت
النجاسة السمن والعسل وشبههما في حال الجمود ألقيت النجاسة وما يكتنفها، وفي
طهارة العجين بالنجس إذا خبز رواية، والأولى المنع، نعم لو جعل في الماء
الكثير حتى تخلله لم تبعد طهارته.
ويحل الخمر إذا استحال خلا بعلاج أو غيره سواء كان ما عولج به عينا
قائمة أو لا على الأقرب، وكذا يطهر إناؤه، ويكره علاجه، أما لو عولج بنجس أو
كان قد نجس بنجاسة أخرى لم يطهر بالخلية، ويكره علاجه، أما لو عولج بنجس أو
استهلك بالخل، وإن بقي من الخمر بقية فتخللت لم يطهر الخل بذلك على
الأقرب، خلافا للنهاية تأويلا لرواية أبي بصير: لا بأس بجعل الخمر خلا إذا لم
يجعل فيها ما يقلبها، ولو حمل ذلك على النهي عن العلاج كما رواه أيضا استغنى
عن التأويل، وقال ابن الجنيد: يحل إذا مضى عليه وقت ينتقل في مثله العين من
التحريم إلى التحليل فلم يعتبر البقية ولا انقلابهما، وهما بعيدان، وسأل أبو بصير
157

الصادق عليه السلام عن الخمر يوضع فيها الشئ حتى يحمض، فقال: إذا كان
الذي وضع فيها هو الغالب على ما صنع فلا بأس، وعقل منه الشيخ إذا غلبته
الموضوع فيها عليها فنسبها إلى الشذوذ، ويمكن حمله على العكس فلا إشكال.
ولو وقع دم نجس في قدر تغلي على النار غسل الجامد وحرم المائع عند
الحليين، وقال الشيخان: يحل المائع إذا علم زوال عينه بالنار، وشرط الشيخ قلة
الدم، وبذلك روايتان لم يثبت صحة سندهما مع مخالفتهما للأصل، ولو وقع
في القدر نجاسة غير الدم، كالخمر لم يطهر بالغليان إجماعا ويحرم المرق، وهل
يحل الجامد كاللحم والتوابل مع الغسل؟ المشهور ذلك سواء كان الخمر قليلا
أو كثيرا، وقال القاضي: لا يؤكل منه شئ مع كثرة الخمر واحتاط لمساواة القليل
له، ولعله نظر إلى مسألتي الطحال والسمك وليس بذلك البعيد.
درس [4]:
لا يجوز الأكل من مال الغير بغير إذنه، ويجوز الأكل من بيوت من تضمنته
آية النور بغير إذنه ما لم يعلم الكراهة سواء خشي عليه الفساد أم لا، ونقل ابن
إدريس تخصيص ذلك بما خشي فساده وهو تحكم، نعم لا يجوز أن يحمل منه
شئ ولا إفساده، وهل يشترط دخوله باذنه؟ اشترطه ابن إدريس.
واختلف في الأكل من الثمرة الممرور بها، فجوزه الأكثر، ونقل في الخلاف
فيه الإجماع، ولا يجوز له الحمل ولا الإفساد ولا القصد، وتوقف بعض
الأصحاب في اطراد الحكم في الزرع لمرسلة متروكة بالنهي عنه، وسد بعضهم
باب الأخذ لظاهر رواية الحسن بن يقطين وهو أحوط، وقال ابن الجنيد: ليناد
صاحب البستان والماشية ثلاثا ويستأذنه فإن أجابه وإلا أكل، وحلت عند
الضرورة، وإن أمكنه رد القيمة كان أحوط.
158

فرع:
الظاهر أن الرخصة ما دامت الثمرة على الشجرة، فلو جعلت في الخزين
وشبهة فالظاهر التحريم، ولو نهى المالك حرم مطلقا على الأصح، ولو أذن مطلقا
جاز، ولو علم منه الكراهة فالأقرب أنه كالنهي.
هذا ولا يجوز أن يسقي الطفل شيئا من المسكرات، وأما البهيمة فالمشهور
الكراهة، وسوى القاضي بينهما في التحريم، ورواية أبي بصير تدل على الكراهية
في البهيمة، وفي رواية عجلان: من سقى مولودا مسكرا سقاه الله من الحميم.
وقال الشيخ في النهاية: يكره الإسلاف في العصير لإمكان طلبه وقد تغير
إلى حال الخمر، بل ينبغي بيعه يدا بيد، وناقشه ابن إدريس في التصوير، ولأن
المسلم فيه ليس عينا فيطالبه بعصير فلا كراهية، وأجيب بحمل ذلك على بيع
عين ضخية مجازا، كما ورد في السلف في مسوك الغنم مع المشاهدة، أو على
تعذر العصير حينئذ فيكون العقد معرضا للتزلزل.
وروى عقبة عن الصادق عليه السلام فيما إذا صب على عشرة أرطال من
عصير العنب عشرين رطلا ماء ثم طبخ فذهب عشرون رطلا وبقى عشرة، فقال:
ما طبخ على الثلث فهو حلال، وليست بصريحة في المطلوب من السؤال لكنها
ظاهرة فيه، وروى ابن سنان عبد الله عنه عليه السلام: إذا طبخ العصير حتى
يذهب منه ثلاثة دوانيق ونصف ثم يترك حتى يبرد فقد ذهب ثلثاه وبقى ثلثه،
وروى الشيخ في التهذيب: أن رسول الله صلى الله عليه وآله لعن الخمر
وعاصرها ومعتصرها وبائعها ومشتريها وساقيها وآكل ثمنها وشاربها وحاملها
والمحمولة إليه، وعنه صلى الله عليه وآله: لا تناول شفاعتي من شرب المسكر لا يرد
على الحوض لا والله، وتظافرت الأخبار عنه صلى الله عليه وآله بأن من شرب
المسكر لم يقبل الله صلاته أربعين يوما، وإن مات فيها مات ميتة جاهلية، وإن
تاب تاب الله عليه، وعنه صلى الله عليه وآله مدمن الخمر كعابد وثن، ومدمن الخمر
159

يلقى الله عز وجل يوم يلقاه كافرا، - والمدمن هو الذي يشربها إذا وجدها -، وعن
الصادق عليه السلام: مدمن الخمر كعابد وثن، وتورثه ارتعاشا وتذهب بنوره
وتهدم مروءته، وتحمله على أن يجسر على المحارم من سفك الدماء وركوب
الزنى، ولا يؤمن إذا سكر أن يثب على حرمه، والخمر لن تزيد شاربها إلا كل شر،
وعن النبي صلى الله عليه وآله: من شرب الخمر فليس بأهل أن يزوج إذا خطب
ولا يشفع إذا شفع، ولا يصدق إذا حدث، ولا يؤمن على أمانة فمن ائتمنه بعد علمه
فليس له على الله ضمان ولا أجر ولا خلف، وعن الباقر عليه السلام: لا يزال العبد
في فسحة من الله عز وجل حتى يشرب الخمر فإذا شربها خرق الله عنه شربا له،
وكان إبليس وليه وأخاه وسمعه وبصره ويده ورجله ويسوقه إلى كل شر ويصرفه
عن كل خير.
درس [5]:
وسادسها: النظر في الاضطرار:
جميع ما ذكرناه من المحرمات مختص بحال الاختيار، فلو خاف التلف أو
المرض أو الضعف عن متابعة الرفقة مع الضرورة إلى المرافقة أو عن الركوب
مع الضرورة إليه حل له تناول جميع ما ذكرناه على التفصيل الآتي:
ويجب عليه ذلك لوجوب حفظ نفسه، ولا يشترط الإشراف على الموت بل
يباح إذا خيف ذلك، ولا يترخص الباغي - وهو الخارج على الإمام أو الذي
يبغي الميتة -، ولا العادي - وهو قاطع الطريق أو الذي يعدو شبعه -، ونقل
الشيخ الطبرسي إنه باغي اللذة وعادي سدا لجوعه أو عادي بالمعصية أو باع في
الإفراط وعاد في التقصير.
وعلى التفسير بالمعصية لا يباح للعاصي بسفره، كطالب الصيد لهوا وبطرا
وتابع الجائر والآبق، ولو أكره على الأكل فهو كخائف التلف ولا يتجاوز قدر
الضرورة وهو ما يدفع التلف أو الإكراه، ولو احتاج إلى الشبع للمشي أو العدو
160

جاز، وكذا لو احتاج إلى التزود من الحرام وليس له بيعه على مضطر آخر، بل
يجب بذل الفاضل عنه، ولا فرق بين ميتة الآدمي وغيره.
وليس له قتل مسلم ولا ذمي ولا معاهد ولا عبده أو ولده، وله قتل المرتد
عن فطرة والزاني المحصن والحربي وولده وزوجته والحربية، نعم قتل الرجل
أولى من قتل المرأة والطفل مع القدرة عليه، وفي جواز اغتذائه بلحم نفسه
وجهان.
ويقدم طعام الغير على الميتة مع بذله إياه بثمن المثل مع القدرة عليه، ولو
طلب أزيد وكان قادرا عليه لم تجب الزيادة عند الشيخ، ولو اشتراه به كراهة
لإراقة الدماء لأنه كالمكره على الشراء، وحينئذ لو امتنع المالك من بيعه حل
قتاله ولو قتل أهدر دمه، وكذا لو تعذر عليه الثمن قهر الغير على طعامه وضمنه
ولا تحل له الميتة، ولو تعذر عليه القهر أكل الميتة.
ومذبوح الكافر والناصب أولى من الميتة، وكذا ميتة مأكول اللحم أولى من
غيره، ومذبوح المحرم لحمه أولى من الميتة إذا كان يقع عليه الذكاة.
ويباح تناول المائعات النجسة لضرورة العطش وإن كان خمرا مع تعذر
غيره، وهل تكون المسكرات سواء أو يكون الخمر مؤخرا عنها؟ الظاهر نعم
للإجماع على تحريمه بخلافها، ولو وجد خمرا وبولا وماء نجسا فهما أولى من
الخمر لعدم السكر بهما، ولا فرق بين بوله وبول غيره، وقال الجعفي: يشرب
للضرورة بول نفسه لا بول غيره، وكذا يجوز التناول للعلاج كالترياق
والاكتحال بالخمر للضرورة، رواه هارون بن حمزة عن الصادق عليه السلام،
وتحمل الروايات الواردة بالمنع من الاكتحال به والمداواة على الاختبار، ومنع
الحسن من استعمال المسكر مطلقا، بخلاف استعمال القليل من السموم المحرمة
عند الضرورة لأن تحريم الخمر تعبد، وفي الخلاف لا يجوز التداوي بالخمر
مطلقا، ولا يجوز شربها للعطش وتبعه ابن إدريس في أحد قوليه في التداوي وجوز
الشرب للضرورة ثم جوز في القول الآخر الأمرين.
161

درس [6]:
وسابعها: الآداب منقولة من الأخبار:
يكره كثرة الأكل وربما حرم إذا أدى إلى الضرر، كما روي أن الأكل على
الشبع يورث البرص، ويكره رفع الجشاء إلى السماء واستتباع المدعو إلى طعام
ولده.
ويحرم أكل طعام لم يدع إليه للرواية.
وقيل: يكره الأكل متكئا والرواية بفعل الصادق عليه السلام ذلك البيان
جوازه، ولهذا قال: ما أكل رسول الله صلى الله عليه وآله متكئا قط، وروى
الفضيل بن يسار جواز الاتكاء على اليد عن الصادق عليه السلام: وأن رسول الله
صلى الله عليه وآله لم ينه عنه، مع أنه في رواية أخرى لم يفعله، والجمع بينهما أنه
لم ينه عنه لفظا وإن كان يتركه فعلا، وكذا يكره التربع حالة الأكل وفي كل
حال، ويستحب أن يجلس على رجله اليسرى.
ويكره الأكل باليسار والشرب وأن يتناول بها شيئا إلا مع الضرورة،
والأكل ماشيا وفعل النبي صلى الله عليه وآله ذلك مرة في كسرة مغموسة بلبن
لبيان جوازه أو للضرورة، والشرب بنفس واحد بل بثلاثة أنفاس، وروي ذلك
إن كان الساقي عبدا وإن كان حرا فنفس واحد، وروي أن العب يورث الكباد.
" بضم الكاف وهو وجع الكبد " والشرب قائما.
ويستحب إجابة الداعي ولو على خمسة أميال، ولو دعاه الكافر أو المنافق
امتنع، ويكره الإجابة في خفض الجواري.
ويستحب التسمية عند الابتداء وعلى كل لون، أو يقول: بسم الله على أوله
وآخره، والحمد لله عند الفراع، ولو نسي التسمية فليقل عند الذكر: بسم الله على
أوله وآخره، ورخص في تسمية واحدة عن الباقين وروي عن الصادق عليه
السلام: يستحب تكرار الحمد في الأثناء لا الصمت، وأن يقول إذا فرع " الحمد
لله الذي أطعمنا وأسقانا وكفانا وأيدنا وآوانا وأنعم علينا وأفضل الحمد لله الذي
162

يطعم ولا يطعم ".
ويستحب غسل اليدين قبل الطعام ولا يمسحها فإنه لا تزال البركة في
الطعام ما دامت النداوة في اليد، ويغسلها بعده ويمسحها، وقال علي عليه السلام:
غسل اليدين قبل الطعام وبعده زيادة في العمر وإماطة للغمر عن الثياب ويجلو
البصر، وقال الصادق عليه السلام: من غسل يده قبل الطعام وبعده عاش في
سعة وعوفي من بلوى جسده، ويستحب جمع غسالة الأيدي في إناء ليحسن
الخلق، وبدأة صاحب الطعام أولا ورفعه أخيرا، والابتداء في الغسل بمن على
يمينه دورا، وعن الصادق عليه السلام: يبدأ صاحب المنزل بالغسل الأول ثم يبدأ
بمن على يمينه، وإذا رفع الطعام بدأ بمن على يساره ويغسل هو أخيرا، والدعاء
لصاحب الطعام ولتخير ما كان يدعو به رسول الله صلى الله عليه وآله " طعم
عندكم الصائمون وأكل طعامكم الأبرار وصلت عليكم الملائكة والأخيار ".
وإذا حضر الطعام والصلاة فالأفضل أن يبدأ بها مع سعة وقتها إلا أن ينتظره
غيره، وتجب مع ضيقه مطلقا.
ويستحب الاستلقاء بعد الطعام على قفاه ووضع رجله اليمنى على اليسرى،
وما رواه العامة بخلاف ذلك من الخلاف، ويكره قطع الخبز بالسكين.
ويحرم الأكل والشرب على مائدة يشرب عليها مسكر أو فقاع، وعداه
الفاضل - رحمه الله - إلى الاجتماع للفساد واللهو، وقال ابن إدريس لا يجوز
الأكل من طعام يعصي الله به أو عليه.
ويكره نهك العظام - أي المبالغة في أكل ما عليها - فإن للجن فيه نصيبا،
فإن فعل ذهب من البيت ما هو خير من ذلك، وروي كراهة إدمان اللحم وإن له
ضراوة كضراوة الخمر، وكراهة تركه أربعين يوما، وأنه يستحب في كل ثلاثة
أيام ولو داوم عليه أسبوعين ونحوهما لعلة أو في الصوم فلا بأس، ويكره أكله في
اليوم مرتين وأكله غريضا - يعني نيا أي غير نضيج " وهو بكسر النون والهمزة " -
وفي الصحاح الغريض " الطري ".
163

وعن الكاظم عليه السلام: اللحم ينبت اللحم والسمك يذيب الجسد
والدباء " بضم الدال والتشديد والمد وهو القرع " يزيد في الدماع، وكثرة أكل
البيض يزيد في الولد، وما استشفى مريض بمثل العسل، ومن أدخل جوفه لقمة
شحم أخرجت مثلها من الداء.
ويستحب الشرب في الأيدي ومما يلي شفة الإناء لا مما يلي عروته أو ثلمته،
وإعداد الخلال " بكسر الخاء " للضيف، والتخلل وقذف ما أخرجه الخلال
" بالكسر " وابتلاع ما أخرجه اللسان، ويكره التخلل بقصب أو عود ريحان أو
آس أو خوص أو رمان.
ويستحب البدأة بالملح والختم به، وروي الختم بالخل، وتتبع ما يقع من
الخوان في البيت وتركه في الصحراء ولو فخذ شاة.
وعن الحسن بن علي بن فاطمة عليهم السلام: في المائدة اثنتا عشرة خصلة،
يجب على كل مسلم أن يعرفها، أربع منها فرض، وأربع منها سنة وأربع منها
تأديب.
فأما الفرض فالمعرفة والرضا والتسمية والشكر.
وأما السنة فالوضوء قبل الطعام والجلوس على الجانب الأيسر والأكل
بثلاث أصابع ولعق الأصابع.
وأما التأديب فالأكل مما يليك وتصغير اللقمة والمضغ الشديد وقلة النظر
في وجوه الناس.
وعن الصادق عليه السلام: ينبغي للشيخ الكبير أن لا ينام إلا وجوفه ممتلئ
من الطعام فإنه أهدأ لنومه وأطيب لنكهته.
ويستحب كثرة الأيدي على الطعام، وعرض الطعام على من يحضره من
إخوانه فإن امتنع فشرب الماء فإن امتنع عرض عليه الوضوء، وعن رسول الله
صلى الله عليه وآله: من تكرمة الرجل لأخيه أن يقبل تحفته، وأن يتحفه بما عنده
ولا يتكلف له شيئا، وعن الصادق عليه السلام هلك لامرئ احتقر لأخيه
164

ما حضره، وهلك لامرئ، احتقر لأخيه ما قدم إليه، وروى هشام بن سالم عنه عليه
السلام: إذا أتاك أخوك فاته بما عندك، وإذا دعوته فتكلف له، وقال عليه
السلام: أشدكم حبا لنا أحسنكم أكلا عندنا، وقال عليه السلام: إذا وسع علينا
وسعنا وإذا اقترنا، وقال عليه السلام: ليس في الطعام سرف، وقال عليه
السلام الشهاب بن عبد ربه: إعمال طعاما وتنوق فيه - أي أحكامه وادع إليه
أصحابك -، وكان عليه السلام يجيد طعامه لإخوانه، وأولم أبو الحسن عليه
السلام فأطعم أهل المدينة ثلاثة أيام الفالوذج.
ونهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن طعام وليمة يحضرها الأغنياء
ويترك الفقراء.
وقال الصادق عليه السلام: ما من عرس ينحر فيه أو يذبح إلا بعث الله ملكا
معه قيراط من مسك الجنة حتى يديفه فيه " بالدال المهملة " - أي يستحقه -، وقال
عليه السلام: إن العرس تهب فيه رائحة الجنة، لاتحاده بحلال.
وقال الباقر عليه السلام: إذا دخل رجل بلدة فهو ضيف على من بها من
إخوانه حتى يرحل، وعن رسول الله صلى الله عليه وآله: الضيف يلطف به أي يبر
ليلتين وفي الثالثة هو من أهل البيت يأكل ما أدرك ونهى أن يستخدم الضيف،
وإذا نزل يعان ولا يعان على رحيله، وليزود ويطيب زاده، وفي الضيافة أجر كثير،
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يجئ برزقه فإذا أكل غفر الله لهم، وقال عليه
السلام: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ويستحب الأكل معه
ليلقي الحشمة.
وقال عليه السلام: اللهم بارك لنا في الخبز، وقال عليه السلام: أكرموا
الخبز فإنه قد عمل فيه ما بين العرش إلى الأرض وما فيها، ونهى الصادق
عليه السلام عن وضع الرغيف تحت القصعة، وقال عليه السلام في إكرام الخبز:
إذا وضع فلا ينتظر به غيره، ومن كرامته أن لا يوطأ ولا يقطع بالسكين، ونهى
رسول الله صلى الله عليه وآله عن شمه وقال: إذا أتيتم بالخبز واللحم فابدأوا
165

بالخبز، وقال عليه السلام: صغروا رغفانكم فإن مع كل رغيف بركة، ونهى
الصادق عليه السلام عن قطعه بالسكين.
وعن الرضا عليه السلام: فضل خبز الشعير على البر كفضلنا على الناس، ما
من نبي إلا وقد دعي لأكل خبز الشعير وبارك به عليه، وما دخل جوفا إلا
وأخرج كل داء فيه، وهو قوت الأنبياء وطعام الأبرار، وروي إطعام المسلول
والمبطون خبز الأرز.
وفي السويق ونفعه أخبار جمة، وفسره الكليني بسويق الحنطة، وقال
الصادق عليه السلام: سويق العدس يقطع العطش ويقوي المعدة وفيه شفاء من
سبعين داء، ومن يتحم فليتغد وليتعش ولا يأكل بينهما شيئا.
ويكره ترك العشاء لما روي أن تركه خراب البدن، وقال الصادق عليه
السلام: من ترك العشاء ليلة السبت وليلة الأحد متواليتين ذهب منه قوة لم
ترجع إليه أربعين يوما، وقال عليه السلام: العشاء بعد العشاء الآخرة عشاء
النبيين صلوات الله عليهم.
وقال عليه السلام: مسح الوجه بعد الوضوء يذهب بالكلف - وهو شئ يعلو
الوجه كالسمسم أو لون بين الحمرة والسواد - ويزيد في الرزق، وأمر بمسح
الحاجب وأن يقول: الحمد لله المحسن المجمل المنعم المفضل " فلا ترمد عيناه.
ويكره مسح اليد بالمنديل وفيها شئ من الطعام تعظيما له حتى يمصها.
ويستحب الأكل مما يليه وأن لا يتناول من قدام غيره يئا وقال الصادق
عليه السلام: ان الرجل إذا أراد ان يطعم فأهوى بيده وقال: بسم الله والحمد لله
رب العالمين " غفر الله له قبل أن تصل اللقمة إلى فيه، وقال علي عليه السلام: لا
تأكلوا من رأس الثريد وكلوا من جوانبه فإن البركة في رأسه.
وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يلطع القصعة - أي يمسحها -، ومن
لطع قصعة فكأنما تصدق بمثلها، ويستحب الأكل بجميع الأصابع وروي أن
رسول الله صلى الله عليه وآله كان بأكل بثلاثة أصابع، ويكره الأكل بإصبعين،
166

ويستحب مص الأصابع، ولا بأس بكتابة سورة التوحيد في القصعة، وكان
رسول الله صلى الله عليه وآله إذا أكل لقم لقمة من بين عينيه وإذا شرب سقى من
عن يمينه، وقال أمير المؤمنين عليه السلام: كلوا ما يسقط من الخوان فإنه شفاء من
كل داء، وروي أنه ينفي الفقر ويكثر الولد ويذهب بذات الجنب، ومن وجد
كسرة فأكلها فله حسنة، وإن غسلها من قذر وأكلها فله سبعون حسنة.
وثامنها: منافع الأطعمة مأثورة عنهم عليهم السلام:
قد مر مدح الخبز، وروي مدح لحم الضأن عن الرضا عليه السلام، وروي
أن أكل اللحم يزيد في السمع والبصر وأكله بالبيض يزيد في الباه وأنه سيد
الطعام في الدنيا والآخرة، وعن الباقر عليه السلام لحم البقر بالسلق يذهب
البياض، وعن علي عليه السلام وقد قال عمران: أطيب اللحمان لحم الدجاج:
كلا تلك خنازير الطيران، أطيب اللحم لحم الفرخ قد نهض أو كان أن ينهض،
وعن الكاظم عليه السلام: لحم القبج يقوي الساقين ويطرد الحمى، وعن أبي
الحسن عليه السلام القديد لحم سوء يهيج كل داء.
وعن الصادق عليه السلام: شيئان صالحان الرمان والماء الفاتر وشيئان
فاسدان الجبن والقديد، وعنه عليه السلام: ثلاثة لا يؤكلن ويسمن استشعار الكتان
والطيب والنورة، وثلاث يؤكلن ويهزلن " بكسر الزاي " اللحم اليابس والجبن
والطلع، وعن الصادق عليه السلام: الجبن ضار بالغداة نافع بالعشي ويزيد في
ماء الظهر، وعنه عليه السلام: الجبن والجوز إذا اجتمعا كانا دواء وإذا افترقا كانا
داء، وروي أن الجبن كان يعجبه عليه السلام، وعن أمير المؤمنين عليه السلام:
أكل الجوز في شدة الحر يهيج الحر في الجوف ويهيج القروح على الجسد
وأكله في الشتاء يسخن الكليتين ويدفع البرد.
وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يعجبه من اللحم الذراع ويكره الورك
لقربها من المبال، وعن أمير المؤمنين عليه السلام: إذا ضعف المسلم فليأكل اللحم
باللبن، وفي رواية عن الصادق عليه السلام أنه اللبن الحليب، وعن النبي صلى الله
167

عليه وآله مدح الثريد، وعن الصادق عليه السلام: أطفئوا نائرة الضغائن باللحم
والثريد، وعن أبي الحسن عليه السلام في من شكا إليه مرضا فأمره بأكل الكباب
" بفتح الكاف " وقال الجوهري: هو الطياهج، وكأنه المقلي، وربما جعل ما يلقى
على الفحم، وروي أنه يزيل الصفرة ويذهب بالحمى، ومدح الصادق عليه السلام
الرأس، وعن أمير المؤمنين عليه السلام: عليكم بالهريسة فإنها تنشط للعبادة
أربعين يوما وشكى رسول الله صلى الله عليه وآله إلى ربه وجع الظهر فأمره بأكل
الهريسة، وشكى نبي الضعف وقلة الجماع فأمره بأكلها، وروي: إنا وشيعتنا
خلقنا من الحلاوة فنحن نحب الحلاوة.
ويكره الطعام الحار، لنهي النبي صلى الله عليه وآله، والبركة في البارد،
ويستحب لمن بات وفي جوفه سمك أن يتبعه بتمر أو عسل ليدفع الفالج،
وروي أنه يذيب الجسد، وشكى رجل إلى أبي الحسن عليه السلام قلة الولد،
فقال: استغفر الله وكل البيض بلا مقل، وروي للنسل اللحم والبيض، وروي أن
الخل والزيت طعام الأنبياء.
وأنه كان أحب الصباغ إلى رسول الله صلى الله عليه وآله الخل والزيت، -
والصباغ جمع صبغ " بالكسر " وهو ما يصطبغ به من الآدام أي يغمس فيه
الخبز -، وكان أمير المؤمنين عليه السلام يكثر أكلهما، وعن النبي صلى الله عليه
وآله: نعم الإدام الخل، ما افتقر بيت فيه خل، وروي أنه يشد الذهن ويزيد في
العقل ويكسر المرة ويحيي القلب ويقتل دواب البطن ويشد الفم، ويقطع شهوة
الزنى الاصطباغ به، وعين في بعضها حل الخمر، والمري إدام يوسف عليه السلام
لما شكى إلى ربه وهو في السجن أكل الخبز وحده، فأمره أن يأخذ الخبز ويجعل
في خابية ويصب عليه الماء والملح، وهو المري، وعن النبي صلى الله عليه وآله:
كلوا الزيت وادهنوا به فإنه من شجرة مباركة.
وعن الصادق عليه السلام: الزيتون يطرد الرياح ويزيد في الماء،
وما استشفى الناس بمثل العسل، وهو شفاء من كل داء، والسكر ينفع من
168

كل شئ ولا يضر شيئا، وأكل سكرتين عند النوم يزيل الوجع، والسكر بالماء
البارد جيد للمريض، والسكر يزيل البلغم والسمن دواء خصوصا في الصيف،
وروي من بلغ الخمسين لا يبيتن وفي جوفه شئ منه، ونهي عنه للشيخ وأمر بأكل
الثريد.
ومدح النبي صلى الله عليه وآله اللبن وقال: إنه طعام المرسلين، ولبن الشاة
السوداء خير من لبن الحمراء، ولبن البقرة الحمراء خير من لبن السوداء، وروي
أن اللبن ينبت اللحم ويشد العضد، وعن أبي الحسن عليه السلام: لماء الظهر اللبن
الحليب والعسل، وعن علي عليه السلام: ألبان البقر دواء وينفع للدرب، وعن
رسول الله صلى الله عليه وآله: عليكم بألبان البقر فإنها تخلط من الشجر، وعن أبي
الحسن عليه السلام في النانخواه إنها هاضومة، وعن الصادق عليه السلام: نعم
الطعام الأرز يوسع الأمعاء ويقطع البواسير.
وروي أن الحمص بارك فيه سبعون نبيا وأنه جيد لوجع الظهر، وعن
أمير المؤمنين عليه السلام: أكل العدس يرق القلب ويسرع الدمعة. وروي أن
أكل الباقلاء يمخ الساقين - أي يجري فيهما المخ - ويسمنهما ويزيد في الدماع
ويولد الدم الطري، وأن أكله بقشره يدبغ المعدة، وأن اللوبيا تطرد الرياح
المستبطنة، وأن طبيخ الماش يذهب بالبهق.
وروي أن النبي وعليا والحسنين وزين العابدين والباقر والصادق والكاظم
عليهم السلام كانوا يحبون التمر، وأن شيعتهم تحبه، وأن البرني يشبع ويهنئ
ويمرئ ويذهب بالعياء، ومع كل تمرة حسنة وهو الدواء لا داء له، ويكره تقشير
التمرة.
وروي أن العنب الرازقي والرطب المشان والرمان الإمليسي من فواكه
الجنة، وأن أكل العنب الأسود يذهب الغم، وليؤكل العنب مثنى وروي فرادى
أمرأ ولأهنأ، وروي شيئان يؤكلان باليدين جميعا العنب والرمان، والاصطباح
بإحدى وعشرين زبيبة حمراء يدفع الأمراض ويشد العصب ويذهب بالنصب
169

ويطيب النفس.
والتين أشبه شئ بنبات الجنة ويذهب بالداء ولا يحتاج معه إلى دواء وهو
يقطع البواسير ويذهب النقرس.
والرمان سيد الفواكه وكان أحب الثمار إلى النبي صلى الله عليه وآله يمرئ
الشعبان ويجزئ الجائع، وفي كل رمانة حبة من الجنة فلا يشارك الأكل فيها
ويحافظ على حبها بأسره، وأكله بشحمه دباغ المعدة، وأكله يذهب بوسوسة
الشيطان وينير القلب ومدح رمان سورا، وأكل رمانة يوم الجمعة على الريق
وينير القلب أربعين صباحا والرمانتان ثمانون والثلاث مائة وعشرون فلا وسوسة
ولا معصية، ودخان عوده ينفي الهوام.
والتفاح ينفع من السم والسحر واللمم والبلغم، وأكله يقطع الرعاف
وخصوصا سويقه، وسويقه ينفع من السم، والسفرجل يذكي ويشجع ويصفي
اللون ويحسن الولد ويذهب الغم، وينطق آكله بالحكمة، وما بعث الله نبيا إلا
ومعه رائحة السفرجل، والكمثرى يجلو القلب ويدبغ المعدة وخصوصا على
الشبع، والإجاص يطفئ الحرارة ويسكن الصفراء، ويابسه يسكن الدم ويسل
الداء.
ويؤكل الأترج بعد الطعام، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يعجبه
النظر إلى الأترج الأخضر، والغبيراء تدبغ المعدة وأمان من البواسير وتقوي
الساقين، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يأكل الرطب بالبطنج.
درس [8]:
في البقول وغيرها:
يستحب أن يؤتى بالبقل الأخضر على المائدة تأسيا بأمير المؤمنين عليه
السلام، وسبع ورقات من الهندباء أمان من القولنج ليلته، وعلى كل ورقة قطرة
من الجنة، فليؤكل ولا ينقص وهو يزيد في الباه ويحسن الولد وفيه شفاء من ألف
170

داء، والباذروج يفتح السدد ويشهي الطعام ويذهب بالسل ويهضم الطعام،
وكان يعجب أمير المؤمنين عليه السلام، والكراث ينفع من الطحال فيؤكل ثلاثة
أيام ويطيب النكهة ويطرد الرياح ويقطع البواسير وهو أمان من الجذام وكان
أمير المؤمنين عليه السلام يأكله بالملح، وعن النبي صلى الله عليه وآله: عليكم
بالكرفس فإنه طعام اليأس واليسع ويوشع، وروي أنه يورث الحفظ ويذكي
القلب وينفي الجنون والجذام والبرص.
ولا بقلة أشرف من الفرفخ " بالخاء المعجمة وفتح الفائين " - وهي بقلة
فاطمة عليهم السلام - والخس يصفي الدم، والسذاب يزيد في العقل، والجرجير
بقل بني أمية وهو مذموم، والسلق يدفع الجذام والبرسام " بكسر الباء "، وعن
الصادق عليه السلام: رفع عن اليهود الجذام بأكل السلق وقلع العروق، وروي
نعم البقلة السلق تنبت بشاطئ الفردوس، وفيها شفاء من الأوجاع كلها وتشد
العصب وتطهر الدم وتغلظ العظم. والكماة من المن وماؤها شفاء العين، والدباء
يزيد في العقل والدماغ وكان يعجب النبي صلى الله عليه وآله، وأصل الفجل
يقطع البلغم وورقه يحدر البول، والجزر أمان من القولنج والبواسير ويعين على
الجماع، والسلجم " بالسين المهملة والشين المعجمة " وصحح بعضهم بالمهملة
لا غير " يذيب الجذام، وكان النبي صلى الله عليه وآله يأكل القثاء بالملح،
ويؤكل من أسفله فإنه أعظم لبركته، والباذنجان للشاب والشيخ وينفي الداء
ويصلح الطبيعة، والبصل يزيد في الجماع ويذهب البلغم ويشد الصلب ويذهب
الحمى ويطرد الوباء " بالقصر والمد " والسعتر على الريق يذهب بالرطوبة
ويجعل للمعدة خملا " بسكون الميم ".
والتخلل يصلح اللثة ويطيب الفم، ونهي عن التخلل بالخوص والقصب
والريحان فإنهما يهيجان عرق الجذام، وعن التخلل بالرمان والآس وغسل الفم
بالسعد " بضم العين " بعد الطعام يذهب علل الفم ويذهب بوجع الأسنان.
والماء سيد الشراب في الدنيا والآخرة وطعمه طعم الحياة، ويكره الإكثار
171

منه وعبه - أي شربه - بغير مص، ويستحب مصه، وروي من شرب الماء فنحاه
وهو يشتهيه فحمد الله تعالى يفعل ذلك ثلاثا وجبت له الجنة، وروي بسم الله في
المرات الثلاث في ابتدائه، وعن الصادق عليه السلام: إذا شرب الماء يحرك
الإناء ويقول: يا ماء إن ماء زمزم وماء الفرات يقرءانك السلام.
وماء زمزم شفاء من كل داء وهو دواء مما شرب له، وماء الميزاب يشفي
المريض، وماء السماء يدفع الأسقام، ونهي عن البرد لقوله تعالى " يصيب به من
يشاء "، وماء الفرات يصب فيه ميزابان من الجنة، وتحنيك الولد به يحبيه إلى
الولاية، وعن الصادق عليه السلام: تفجرت العيون من تحت الكعبة، وماء نيل
مصر يميت القلوب والأكل في فخارها وغسل الرأس بطينها يذهب بالغيرة
ويورث الدياثة.
وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يعجبه الشرب في القدح الشامي،
والشرب في اليدين أفضل، ومن شرب الماء فذكر الحسين عليه السلام ولعن
قاتله كتب الله له مائة ألف حسنة وحط عنه مائة ألف سيئة ورفع له مائة ألف
درجة، وكأنما أعتق ما به ألف نسمة.
درس [9]:
ملتقط من طب الأئمة عليهم السلام:
يستحب الحجامة في الرأس، فإن فيها شفاء من كل داء، وتكره الحجامة في
الأربعاء والسبت خوفا من الوضع إلا أن يتسع به الدم - أي يهيج - فيحتجم متى
شاء ويقرأ آية الكرسي ويستخير الله سبحانه ويصلي على النبي صلى الله عليه وآله،
وروي أن الدواء في الحجامة والنورة والحقنة والقئ.
وروي مداواة الحمى بصب الماء فإن شق فليدخل يده في ماء بارد، ومن
اشتد وجعه قرأ على قدح فيه ماء " الحمد " أربعين مرة ثم يضعه عليه، وليجعل
المريض عنده مكتلا فيه بر ويناول السائل منه بيده ويأمره أن يدعو له فيعافى إن
172

شاء الله تعالى.
والاكتحال بالإثمد " بكسر الهمزة والميم " عند النوم يذهب القذى ويصفي
البصر، وأكل الحبة السوداء شفاء من كل داء، والحرمل " بالحاء المهملة
المفتوحة والرداء المهملة والميم المفتوحة " شفاء من سبعين داء، وهو يشجع
الجبان ويطرد الشيطان.
والسناء بالقصر دواء، وكذا الحلبة والريح الطيبة تشد العقل وتزيد في الباه،
والبنفسج أفضل الأدهان.
وقراءة القرآن والسواك والصيام يذهبن النسيان ويحددن الكفر، والدعاء
في حال السجود يزيل العلل ومسح اليد على المسجد ثم مسحها على العلة
كذلك، وعلم رسول الله صلى الله عليه وآله عليا عليه السلام للحمى " اللهم ارحم
جلدي الرقيق وعظمي الدقيق وأعوذ بك من فورة الحريق، يا أم ملدم " بكسر
الميم وفتح الدال " إن كنت آمنت بالله فلا تأكلي اللحم ولا تشربي الدم ولا تفوري
من الفم، وانتقلي إلى من يزعم أن مع الله إلها آخر فإني أشهد أن لا إله إلا الله
وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله "، فقالها فعوفي من ساعته.
قال الصادق عليه السلام: ما فزعت إليه قط إلا وجدته، وقال عليه السلام يمر
يده على الوجع ويقول ثلاثا: الله الله ربي حقا لا أشرك به شيئا اللحم أنت لها
ولكل عظيمة، وقال: للأوجاع كلها باسم الله وبالله كم من نعمة لله في عرق
ساكن وغير ساكن على عبد شاكر وغير شاكر.
ويأخذ لحيته باليد اليمنى عقيب الصلاة المفروضة ويقول: اللهم فرج عني
كربتي وعجل عافيتي واكشف ضري ثلاث مرات.
وروي اجتناب الدواء ما احتمل البدن الداء، والتقصير في الطعام يصح
البدن، ومن كتم وجعا ثلاثة أيام من الناس وشكى إلى الله عز وجل عوفي.
ومن أخذ السكر والرازيانج والإهليلج استقبال الصيف ثلاثة أشهر في كل
شهر ثلاثة أيام لم يمرض إلا مرضة الموت وروي استعمال الإهليلج الأسود في
173

كل ثلاثة أيام، وأقله في كل جمعة، وأقله في كل شهر، وفي الإهليلج شفاء من
سبعين داء، والسعتر دواء أمير المؤمنين عليه السلام، وطين قبر الحسين عليه
السلام شفاء من كل داء، والاكتحال بالأثمد سراج العين وليكن أربعا في اليمين
وثلاثا في اليسار عند النوم، وتجوز المعالجة بالطيب الكتابي، وقدح العين عند
نزول الماء، ودهن الليل يروي البشرة ويبيض الوجه.
174