الكتاب: الينابيع الفقهية
المؤلف: علي أصغر مرواريد
الجزء: ٢٦
الوفاة: معاصر
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤١٣ - ١٩٩٣ م
المطبعة:
الناشر: مؤسسة فقه الشيعة - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: أشرف على جمع أصولها الخطية وترتيبها حسب التسلسل الزمني وعلى تحقيقها وإخراجها وعمل قواميسها علي أصغر مرواريد

الينابيع الفقهية 2
الطهارة
هوية الكتاب 1

حقوق الطبع محفوظة للمؤلف
الطبعة الأولى
1413 ه‍ - 1993 م
مؤسسة فقه الشيعة
بيروت - لبنان
حارة حريك - شارع دكاش - بناية كليوباترا
ص. ب 209 / 25 - تلفون: 836763 - فاكس 04625848 - 357
هوية الكتاب 2

سلسلة الينابيع الفقهية 2
الحج
أشرف على جمع أصولها الخطية وترتيبها حسب التسلسل
الزمني وعلى تحقيقها واخراجها وعمل قواميسها
علي أصغر مرواريد
الفهرست الإجمالي للمتون
الإشراف - الإقتصاد
الخلافة - المبسوط
نزهة الناظر - تبصرة المتعلمين
إرشاد الأذهان - تلخيص المرام
الرسالة الفخرية - الدروس الشرعية
البيان - الألفية
النفلية - المحرر
الموجز الحاوي - مسائل ابن طي
تعريف الكتاب 3

التعريف
سلسلة الينابيع الفقهية
موسوعة فقهية متكاملة جمعت بين دفتيها أهم المتون الفقهية
الأصلية بتحقيق رائع وتنقيح أكاديمي، ومن أحدث المناهج
العلمية لفن التحقيق.
تعني الموسوعة بالتقسيم الموضوعي للأبواب الفقه الإسلامي -
كافة أبوابه - وبذلك تهئ للباحث والمحقق والأستاذ أسهل
الطرق لاستنباط ما يحتاجه، واستخلاص ما يبتغيه، بعيدا
عن عناء الاستقصاء والبحث.
تميزت هذه الدورة الكبرى باعتمادها الأصول الخطية
الأصلية لكل المتون الفقهية بمثابة الأصول الأساسية لتحقيق
النصوص التي بقيت لفترة ليست بالقصيرة أسيرة الطبعات السقيمة.
بالإضافة إلى احتوائها النصوص التي تطبع لأول مرة، موزعة
حسب الأبواب الفقهية.
تفيد المتخصصين بدراسة الفقه المقارن واختلاف الفتاوى
على مدى عشرة قرون.
تعريف الكتاب 4

إهداء وشكر...
إلى...
كل انسان يؤمن بأن الشريعة السمحاء أساس جميع القوانين في العالم...
والى...
الذين يهتمون بشؤون المجمعات البشرية وشيعون إلى اصطلاحها عن طريق
القسم الإسلامية.
والى...
كل الذين يعشقون الفقه الإسلامي باعتبار أفضل السبل وأنجح القوانين
المستمدة من أصول القرآن للوصل إلى الكمال الإنسان من الجوانب
المادية والروحية...
أقدم هذا الجهد المتواضع...
ولا يسعني - في غمرة سعادتي وسروري وأنا أرى سلسلة الينابيع
الفقهية هذه قد عانقت النور - إلا أن أتقدم بجزيل شكري وعظيم
امتناني لكل الذين ساهموا من قريب أو بعيد بإيجاز هذا العمل الجليل
من العلماء والفضلاء الذين قدموا لنا مساعدتهم ومشورتهم الخالصة،
ومن الأخوة العاملين والمحققين معنا... داعيا الله لهم جميعا التوفيق
والسداد وأن يجزل لهم الثواب وحسن العاقبة...
إنه سميع مجيب. علي أصغر مرواريد
تعريف الكتاب 5

بسم الله الرحمن الرحيم
تعريف الكتاب 7

الطهارة
الإشراف
للشيخ المفيد أبي عبد الله
محمد بن النعمان الحارثي البغدادي المعروف بابن المعلم 336 - 413 ه‍. ق
1

أبواب الطهارة
باب
فرض الوضوء: وفرضه أربعة أشياء:
غسل الوجه من قصاص شعر الرأس إلى محادر شعر الذقن مما دارت عليه
الإبهام والوسطى، وغسل اليدين من المرفقين إلى أطراف الأصابع، والمسح
بمقدم الرأس مع الشعر، ومسح ظاهر القدمين إلى الكعبين.
باب
ما ينقض الوضوء:
وينقضه عشرة أشياء:
البول والغائط والريح والمني والجماع في الفرج والنوم الغالب على
السمع والبصر وانغمار العقل بالأوقات المانعة لصاحبه من الفهم والحيض
للنساء والاستحاضة مما هو دون الموجب للغسل منها في أوقات الصلوات.
3

باب
ما يوجب إعادة الوضوء: ويجب إعادته من عشرة أشياء:
ستة مما قدمنا ذكره وهي: البول، والغائط، والريح، والاستحاضة ما هو
دون الموجب للغسل منها في أوقات الصلوات، والنوم الغالب على السمع
والبصر، وانغمار العقل بالأوقات.
والوضوء على غير الترتيب، وترك عضو يجب مسحه، أو غسله حتى يجف
ما وضئ من الماء عمدا أو نسيانا، واستعمال النجس، والشك فيه قبل تقضي
حاله.
باب
ما يوجب الغسل:
يوجبه سبعة أشياء:
إنزال الماء الدافق على كل حال، والمجامعة في الفرج، والحيض للنساء،
والاستحاضة والنفاس، وتغسيل الموتى، ومما ستهم بعد ما بردوا بالموت قبل
الغسل. باب
فرض الغسل:
وفرضه شئ واحد وصفات مختلفة.
والشئ: إيصال الماء إلى جميع جهاته.
والصفات: الأول يبدأ الغسل بالرأس ثم ميامن الجسد ثم مباشرة الماء إلا
أن يريد الارتماس في الماء، فيجزئه ارتماسة واحدة تأتي على طهارته.
4

مسألة: في رجل اجتمع عليه عشرون غسلا فرضا وسنة ومستحبا، بقراءة
عن جميعها غسل واحد: احتلم وأجنب نفسه بإنزال الماء الدافق، وجامع في
الفرج، وغسل ميتا، ومس آخر بعد برده بالموت قبل تغسيله، ودخل المدينة
لزيارة رسول الله صلى الله عليه وآله، وأراد زيارة الأئمة هناك عليهم السلام،
وأدركه فجر يوم العيد وكان يوم جمعة، وأراد قضاء غسل يوم عرفة، وعزم على
صلاة الحاجة، وأراد قضاء صلاة الكسوف، وكان عليه في اليوم نذر صلاة
ركعتين بغسل، وأراد التوبة من كبيرة على ما جاء عن النبي صلى الله عليه وآله
وسلم بغسل، وأراد صلاة الاستخارة، وحضرت صلاة الاستسقاء، ونظر إلى
مصلوب على قصد منه لرؤيته بعد ثلاثة أيام، وقتل وزغة، وقصد إلى المباهلة،
وإهراق عليه ماء غالبا ما زال النجاسة. باب
ما يوجب التيمم:
ويوجبه ثلاثة عشر شيئا:
البول، والغائط، والريح، والجماع في الفرج، وإنزال الماء الدافق، والنوم
الغالب على السمع والبصر، وانغمار العقل بما يدخل صاحبه في معنى النوم،
والحيض للنساء والاستحاضة، والنفاس، وتغسيل الموتى، ومسهم قبل الغسل
بعد ما بردوا، وعدم الماء في حال تضيق وقت الصلاة وبعد التمكن منه لمتيمم
فرط في استعماله قبل ذلك الوقت لتفريطه في الطهارة به، والتمكن من الماء بعد
التيمم إذا عدمه. باب
ما ينقض التيمم:
وينقضه سائر ما يوجبه، ووجود الماء مع القدرة عليه والتمكن منه.
5

الاقتصاد الهادي إلى الرشاد
تأليف شيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (قدس سره)
385 - 460 ه‍. ق
7

الكلام في العبادات الشرعية
عبادات الشرع خمس: الصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد.
وآكدها وأعمها فرض الصلاة، لأنها لا تسقط في حال من الأحوال مع ثبات
العقل وإن تغيرت أوصافها من قيام إلى قعود إلى غير ذلك، وباقي العبادات قد
تسقط على بعض الوجوه عن قوم دون قوم، فلذلك نبدأ به في كتب العبادات ثم
نعقبه بباقي العبادات.
ونحن نذكر واحدا واحدا منها على وجه الاختصار، فإن استيفاء ما يتعلق
بكل واحد منها قد بسطناه في النهاية والمبسوط، والغرض هاهنا ذكر ما لا بد منه
على كل حال. والله الموفق للصواب.
فصل:
في ذكر أفعال الصلاة
أفعال الصلاة على ضربين: أحدهما يتقدم الصلاة، والثاني يقارنها.
فما يتقدمها على ضربين: مفروض، ومسنون.
فالمفروض: الطهارة، والوقت، والقبلة، ومعرفة أعداد الصلاة، وستر العورة،
ومعرفة ما تجوز الصلاة فيه من اللباس والمكان، ومعرفة ما يجوز السجود عليه
وما لا يجوز، وتطهير الثياب والمكان من النجاسات.
9

والمسنون: الأذان، والإقامة.
ونحن نقسم لكل ذلك فصلا إن شاء الله. فصل:
في ذكر حقيقة الطهارة وبيان أفعالها
الطهارة في الشرع عبارة عن إيقاع أفعال مخصوصة على وجه مخصوص
في البدن يستباح به الدخول في الصلاة.
وهي على ضربين: طهارة بالماء، وطهارة بالتراب.
فالطهارة بالماء هي الأصل، وإنما يعدل إلى التراب عند عدم الماء أو تعذر
استعماله.
وهي على ضربين: أحدهما وضوء، والآخر غسل.
ونحن نبين كل واحد منهما على حدته ونذكر ما ينبغي أن يعمل فيه إن شاء
الله.
فصل:
في ذكر الوضوء وأحكامه
الوضوء عبارة عن إيقاع أفعال في أعضاء مخصوصة من البدن على وجه
مخصوص يستباح به الدخول في الصلاة. وله مقدمات مفروضة ومسنونة.
فمقدماته: إذا أراد الإنسان قضاء حاجة ينبغي أن يتخلى بحيث لا يراه أحد
فيطلع على سوءته، فإذا أراد الدخول إلى الموضع الذي يتخلى فيه فليغط رأسه
ويدخل رجله اليسرى قبل اليمنى ويقول: بسم الله وبالله وأعوذ بالله من الرجس
النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم.
فإذا قعد لحاجته فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها ببول أو غائط إلا أن يكون
الموضع مبنيا على وجه لا يتمكن فيه من الانحراف، وهذا واجب.
10

ولا يستقبل الشمس ولا الريح ولا القمر بالبول، ولا يحدث في الماء الجاري
ولا الراكد، ولا الشوارع، ولا تحت الأشجار المثمرة، ولا فئ النزال ولا أفنية
الدور، ولا المشارع، ولا المواضع التي يتأذى المسلمون بحصول نجاسة فيها،
ولا يبولن في حجرة الحيوان، ولا يطمح ببوله في الهواء ولا يبولن في الأرض
الصلبة، ولا يتكلم في حال الخلاء، ولا يستاك ولا يأكل ولا يشرب.
فإذا فرع من حاجته فليستنج، والاستنجاء فرض، ويجوز بالأحجار والماء،
والجمع بينهما أفضل، والاقتصار على الماء أفضل من الاقتصار على الحجارة،
والاقتصار على الحجارة مجز أيضا ولا يستنج بأقل من ثلاثة أحجار، فإن نقى
بواحدة استعمل الثلاثة سنة مؤكدة. ولا يستنج بالعظم ولا الروث، ويجوز أن
يستنجي بالخرق والمدر وغير ذلك، ولا يستنج باليمين إلا عند الضرورة، ولا
يستنج وفي يده خاتم عليه اسم من أسماء الله مكتوب بل يحوله.
وإذا استنجى قال: اللهم حصن فرجي واستر عورتي ووفقني لما يرضيك
عني يا ذا الجلال والإكرام.
فإذا فرع من الاستنجاء قام من موضعه ومسح على بطنه وقال: الحمد لله
الذي أماط عني الأذى وهنأني طعامي وعافاني من البلوى.
فإذا أراد الخروج أخرج رجله اليمنى وقال: الحمد لله الذي عرفني لذته و
أبقى في جسدي قوته وأخرج عني أذاه، يا لها نعمة، يا لها نعمة، يا لها نعمة.
ثم يقعد في موضع نظيف للوضوء ويجعل الإناء على يمينه ويقول إذا أراد
الوضوء: الحمد لله الذي جعل الماء طهورا ولم يجعله نجسا.
ثم يغسل يده من البول أو النوم مرة قبل إدخالها الإناء سنة، ومن الغائط
مرتين ومن الجنابة ثلاث مرات إذا كانت نظيفة وإن كانت نجسة وجب غسلها
وإلا فسد الماء، ثم يأخذ كفا من الماء فيتمضمض به ثلاثا سنة ويقول: اللهم لقني
حجتي يوم ألقاك وأطلق لساني بذكرك ويستنشق ثلاثا ويقول: اللهم لا
تحرمني طيبات الجنان واجعلني ممن يشم ريحها وروحها وريحانها.
11

ثم يأخذ كفا من الماء فيغسل به وجهه من قصاص شعر الرأس إلى محادر
شعر ذقنه طولا وما دارت عليه الإبهام والوسطى عرضا دفعة واحدة فريضة
ودفعتين وسنة وفضيلة ولا يجوز الثالثة مع الاختيار، ويقول إذا غسل وجهه: اللهم
بيض وجهي يوم تسود فيه الوجوه ولا تسود وجهي يوم تبيض فيه الوجوه.
ثم يأخذ كفا من الماء فيديره إلى يساره ويغسل به يده اليمنى من المرفق
إلى أطراف الأصابع مرة فريضة ودفعتين فضيلة ولا تجوز الثالثة، ويقول: اللهم
أعطني كتابي بيميني والخلد في الجنان بشمالي وحاسبني حسابا يسيرا.
ثم يغسل يده اليسرى مثل ذلك من المرفق إلى أطراف الأصابع مرة
فريضة ومرتين سنة، ولا يستقبل الشعر في غسل اليدين بل يبتدئ من المرفق إلى
أطراف الأصابع، ويقول إذا غسل يده اليسرى: اللهم لا تعطني كتابي بشمالي
ولا تجعلها مغلولة إلى عنقي.
ثم يمسح بما بقي في يده من النداوة رأسه من مقدم الرأس مقدار ثلاث
أصابع مضمومة ويقول: اللهم غشني رحمتك وبركاتك ولا يستقبل شعر الرأس
أيضا في المسح عليه.
ثم يمسح بما بقي في يديه من النداوة رجليه من رؤوس الأصابع إلى
الكعبين - وهما الناتئان في وسط القدم - ويقول: اللهم ثبت قدمي على الصراط
يوم تزل فيه الأقدام فإذا فرع من ذلك قال: الحمد لله رب العالمين.
والنية في الطهارة فرض إذا أراد الشروع في غسل الأعضاء، وهي بالقلب
ينوي القربة إلى الله واستباحة الصلاة.
والترتيب أيضا واجب في الوضوء، يبدأ أولا بغسل وجهه ثم بيده اليمنى ثم
اليسرى ثم يمسح برأسه ثم برجليه، فإن خالف لم يجزئه.
والموالاة أيضا واجبة فيه، لا يبعضها إلا لعذر، فإن بعضها لعذر أو لانقطاع
الماء ينظر، فإن نشف ما تقدم غسله أعاد، وإن كانت فيه نداوة بنى عليه.
12

فصل:
في ذكر نواقض الوضوء
نواقض الوضوء على ثلاثة أقسام: أحدها يوجب إعادة الوضوء، وثانيها
يوجب الغسل، وثالثها تارة يوجب الوضوء وأخرى يوجب الغسل.
فالذي يوجب الوضوء: البول والغائط والريح والنوم الغالب على السمع
والبصر، وكل ما يزيل العقل من إغماء أو جنون أو سكر.
وما يوجب الغسل: فالجنابة والحيض ومس الأموات من الناس بعد بردهم
بالموت وقبل تطهيرهم، فإن هذه الأشياء توجب الغسل على كل حال.
وما يوجب الوضوء تارة وأخرى الغسل: فالاستحاضة، فإنها إذا كانت قليلة
أوجبت الوضوء، وإن كانت كثيرة أوجبت الغسل، على ما نبينه إن شاء الله.
فصل:
في ذكر الجنابة
الجنابة تكون بشيئين: أحدهما إنزال الماء الدافق الذي هو المني على كل
حال، سواء كان بجماع أو غيره أو احتلام، وسواء كان بشهوة أو غير شهوة
وعلى كل حال، والآخر بالتقاء الختانين أنزل أو لم ينزل.
فإذا صار جنبا فلا يدخل شيئا من المساجد إلا عابر سبيل إلا عند الضرورة،
ولا يضع فيها شيئا، ولا يقرأ من القرآن سور العزائم ويجوز قراءة ما سواها، ولا
يمس كتابة المصحف، ولا بأس أن يمس أطراف الأوراق، ولا يمس أيضا شيئا
فيها اسم من أسماء الله مكتوب في لوح أو فضة أو قرطاس.
ويكره له الأكل والشرب إلا عند الضرورة، وإذا أرادهما تمضمض
ويستنشق. ويكره له النوم والخضاب.
فإذا أراد الاغتسال فليستبرئ نفسه بالبول، فإن لم يفعل ورأى بعد الغسل
بللا أعاد الغسل.
13

وأن يغسل جميع جسده ابتداءا، أولا يغسل رأسه ثم جانبه الأيمن ثم
الأيسر، يرتب هكذا، فإن خالف لم يجزئه، ويوصل الماء إلى جميع بدنه وإلى
أصول شعره، ويميز الشعر بأنامله.
وإن ارتمس في الماء ارتماسة أو وقف تحت الميزاب أو النزال أو المطر
أجزأه.
والنية لا بد منها، ينوي بالغسل استباحة الصلاة أو استباحة ما لا يجوز
للجنب من دخول المساجد وقراءة العزائم ومس كتابة المصحف وغير ذلك.
والمضمضة والاستنشاق سنتان فيه وليسا بفرضين، ويقول إذا أراد
الاغتسال: اللهم طهرني وطهر قلبي واشرح صدري وأجر الخير على لساني يا ذا
الجلال والإكرام يا أرحم الراحمين.
فصل:
في ذكر الحيض والاستحاضة والنفاس
الحيض عبارة عن الدم الخارج من فرج المرأة بحرارة على وجه يتعلق به
أحكام مخصوصة، ولقليله حد.
فإذا رأت هذا الدم حرم عليها جميع ما يحرم على الجنب ويحل لها ما يحل
له سواء. ويحرم عليه وطؤها في الفرج، ومتى وطئها وجب عليه التعزير ولزمه
الكفارة: دينارا إن كان في أوله، وإن كان في وسطه نصف دينار، وإن كان في
آخره ربع دينار.
ويسقط عنها فرض الصلاة، ولا يصح منها الصوم، ويلزمها قضاء الصوم
دون الصلاة، ولا يصح طلاقها ولا اعتكافها.
وأقل الحيض ثلاثة أيام، وأكثره عشرة أيام، وفيما بين ذلك بحسب
العادة.
فإذا انقطع عنها الدم ورأت نقاءا صحيحا وجب عليها الغسل، وكيفيته مثل
14

كيفية غسل الجنابة، إلا أن غسل الجنابة يسقط فيه الوضوء وهذه لا بد لها من
وضوء إذا أرادت الصلاة.
وينبغي أن تستبرئ نفسها قبل الغسل، فإن رأت دما يسيرا فليست تعد
طاهرا، هذا إذا كان انقطاع الدم دون العشرة، فإن استوفت العشرة فما زاد يكون
دم استحاضة على كل حال.
والمستحاضة هي التي ترى الدم الأصفر البارد ولا تحس بخروجه منها، أو
تراه بعد العشرة أيام من الحيض أو النفاس، فإنه يكون أيضا دم استحاضة على
أي وصف كان.
وحكم المستحاضة حكم الطاهر، ولا يحرم عليها شئ مما يحرم على
الحائض، ويصح منها الصوم والصلاة، ويحل لزوجها وطؤها إذا فعلت ما تفعله
المستحاضة.
ولها ثلاثة أحوال:
أحدها: ترى الدم القليل، فعليها تجديد الوضوء عند كل صلاة وتغيير
القطنة والخرقة، وحد القليل إذا لم يظهر على القطنة.
والثاني: أن يظهر على القطنة ولا يسيل، فعليها غسل لصلاة الفجر وتجديد
الوضوء لباقي الصلوات مع تغيير القطنة والخرقة.
والثالث: أن ترى الدم أكثر من ذلك، وهو أن يظهر ويسيل، فعليها ثلاثة
أغسال في اليوم والليلة: غسل لصلاة الظهر والعصر، وغسل للمغرب والعشاء
الآخرة، وغسل لصلاة الفجر.
ولا تخلو المستحاضة من أن تكون مبتدئة أو لها عادة، فإن كانت لها عادة
فلترجع إلى عادتها وتعمل عليه، فإن تغيرت عادتها واضطربت رجعت إلى صفة
الدم، فإذا رأته بصفة دم الحيض كانت حائضا، وإذا رأته بصفة دم الاستحاضة
كانت مستحاضة، فإن لم يتميز لها الدم تركت الصلاة والصوم في كل شهر
سبعة أيام، أو تترك في الشهر الأول أكثر أيام الحيض عشرة أيام وفي الثاني
15

ثلاثة أيام أقل أيام الحيض إلى أن يزول عنها ذلك.
وإن كانت مبتدئة تعود إلى صفة الدم، فإن لم يتميز لها بالصفة رجعت إلى
نساء أهلها، فإن لم يكن لها نساء رجعت إلى أقرانها، فإن لم يكن لها هناك نساء
أو كن مختلفات تركت الصلاة والصوم في كل شهر سبعة أيام مثل الأول سواء.
والنفساء هي التي ترى الدم عند الولادة، فإذا كانت كذلك فحكمها حكم
الحائض سواء في جميع الأحكام في أكثر أيام النفاس وغيره من الأحكام،
وتفارقها في أقل النفاس فإنه ليس لقليله حد، ويجوز أن يكون ساعة واحدة.
فصل:
في ذكر غسل الأموات
غسل الأموات فرض واجب، وهو فرض على الكفاية.
وينبغي إذا حضر الإنسان الوفاة أن يوجه إلى القبلة ويلقن الشهادتين والإقرار
بالنبي والأئمة عليهم السلام، ويلقن أيضا كلمات الفرج: لا إله إلا الله الحليم
الكريم، لا إله إلا الله العلي العظيم، سبحان الله رب السماوات السبع ورب
الأرضين السبع وما فيهن وما بينهن وما تحتهن ورب العرش العظيم، الحمد لله
رب العالمين.
فإذا قضى نحبه غمض عيناه، ويطبق فوه، وتمد يداه ورجلاه، ويكون عنده
من يذكر الله تعالى ويقرأ القرآن.
ويؤخذ في أمره، فيحصل أولا أكفانه، والمفروض منها ثلاثة أثواب مئزر
وقميص وإزار، والمسنون خمسة يزاد لفافة أخرى أما حبرة أو ما يقوم مقامها،
وخرقة يشد بها فخذاه، ويستحب أن يزاد أيضا عمامة، وإن كان امرأة زيدت
لفافة أخرى، وروي أيضا نمط.
ويحصل الكافور وزن ثلاثة عشر درهما وثلث مما لم تمسه النار، فإن لم
يمكن فأربعة مثاقيل، فإن لم يمكن فمثقال أو ما يتمكن منه.
16

ويحصل أيضا شيئا من السدر للغسلة الأولى وقليل كافور للغسلة الثانية.
وشئ من القطن ليحشى به دبره والمواضع التي يخاف خروج شئ منها،
وشئ من الذريرة المعروفة بالقمحة فينثر بين الأكفان.
ويكتب على الأكفان " فلان يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله
وأن عليا أمير المؤمنين والحسن والحسين وعلي بن الحسين - ويذكر الأئمة إلى
آخرهم - أئمته أئمة الهدي الأبرار " بتربة الحسين أو بالإصبع، ولا يكتب بالسواد.
ويستحب أن يكون الكفن قطنا محضا، والكتان مكروه، والإبريسم أو ما
خالطه الإبريسم لا يجوز.
وإذا أراد غسله ترك على سرير متوجها إلى القبلة، فيغسله ثلاث غسلات:
الأولى بماء السدر، والثاني بماء جلال الكافور، والثالث بالماء القراح.
وكيفية غسله مثل غسل الجنابة سواء، يغسل الغاسل يدي الميت ثلاث
مرات، ثم ينجيه بقليل أشنان وآخر يقلب عليه الماء، وإذا نجاه بدأ فغسل رأسه
ولحيته ثلاث مرات، ثم يغسل جانبه الأيمن ثلاث مرات، ثم الأيسر ثلاث مرات،
وآخر يقلب عليه الماء، ثم يقلب بقية ماء السدر ويغسل الأواني ويطرح ماءا آخر
ويطرح القليل من الكافور ويضربه ثم يغسله الغسلة الثانية مثل ذلك، ثم يقلب
بقية ماء الكافور ويغسل الأواني ويطرح فيها الماء القراح، ويغسله الغسلة الثالثة
مثل ذلك بالماء القراح.
ويمسح الغاسل يده على بطنه في الغسلتين الأوليين، ولا يمسح في الغسلة
الثالثة، وكلما قلبه استغفر الله وسأله العفو ثم ينشفه بثوب نظيف.
ويغتسل الغاسل فرضا واجبا، إما في الحال أو فيما بعد.
ثم يكفنه، فيأخذ الخرقة التي هي الخامسة ويترك عليها شيئا من القطن و
ينثر عليها شيئا من الذريرة ويشد بها فخذيه ويضمها ضما شديدا، ويحشو القطن
في دبره ويستوثق من الخرقة، ثم يؤزره ويلبسه القميص وفوق القميص الإزار.
ويترك معه جريدتين إما من النخل أو شجر آخر رطب، ويكتب عليهما ما
17

كتب على الأكفان، ويضع إحديهما عند حقوه من جانبه الأيمن يلصقها بجلده
والأخرى من الجانب الأيسر بين القميص والإزار.
ويضع الكافور على مساجد جبهته ويديه وعيني ركبتيه وطرف أصابع
الرجلين، فإن فضل منه شئ تركه على صدره، ولا يجعل في عينيه ولا في أنفه
شيئا من الكافور.
ثم يحمل إلى المصلى فيصلى عليه على ما نذكره في كتاب الصلاة.
وأفضل ما يمشي المشيع للجنازة خلفها وعن جنبيها، ولا يتقدمها مع
الاختيار.
فإذا صلى عليه حمل إلى قبره، فيترك عند رجلي القبر إن كان رجلا وقدام
القبر إن كانت امرأة، ثم ينزل إلى القبر من يأمره الولي بحسب الحاجة، فيؤخذ
الميت من عند رجلي القبر والمرأة من قدامه فيسل سلا ويوضع في لحده ويحل
عنه عقد كفنه، ويلقنه الذي يدفنه الشهادتين والإقرار بالنبي والأئمة عليهم السلام
ثلاث مرات، ثم يضع معه شيئا من تربة الحسين عليه السلام في وجهه ويضع
خده على التراب، ثم يشرج اللبن عليه، ويخرج من عند رجلي القبر، ويطم القبر
ويرفع من الأرض مقدار أربع أصابع مفرجات، ولا يعلي أكثر من ذلك، ولا
يطرح فيه من غير ترابه.
ويستحب لمن حضره أن يطرح بظهر كفه ثلاث مرات التراب ويترحم
عليه، فإذا فرع من تسوية القبر رش الماء على القبر من جوانبه ويترحم عليه من
حضر وينصرف، ويتأخر الولي أو من يأمره الولي فيعيد عليه التلقين فإنه يكفي
مسألة القبر إن شاء الله.
فصل:
في ذكر الأغسال المسنونة
المسنونات من الأغسال غسل يوم الجمعة، وليلة النصف من رجب، ويوم
18

السابع والعشرين منه، وليلة النصف من شعبان، وأول ليلة من شهر رمضان،
وليلة النصف وليلة سبع عشرة وليلة تسع عشرة وليلة إحدى وعشرين وليلة
ثلاث وعشرين وليلة الفطر، ويوم الفطر، ويوم الأضحى.
وغسل الإحرام، وعند دخول الحرم، وعند دخول مسجد النبي عليه وآله
السلام، وعند زيارة النبي، وعند زيارة الأئمة عليه السلام، ويوم الغدير، ويوم
المباهلة، وغسل التوبة، وغسل المولود، وغسل قاضي صلاة الكسوف إذا
احترق القرض كله وتركها متعمدا، وعند صلاة الحاجة، وعند صلاة الاستخارة.
فصل:
في ذكر التيمم وأحكامه
التيمم طهارة ضرورة ولا يجوز فعله إلا عند عدم الماء أو عدم ما يتوصل به
إلى الماء من آلة ذلك أو ثمنه أو المرض المانع من استعماله أو عند الخوف من
استعماله من البرد أو العدو، إما على النفس أو المال.
فإذا حصل شئ من هذه الأشياء جاز التيمم، غير أنه لا يجوز التيمم قبل
دخول الوقت ولا بعد دخول الوقت إلا في آخر الوقت، وحين الخوف من فوت
الصلاة.
ولا بد من طلب الماء يمينا وشمالا، وحيث يغلب في الظن وجود الماء فيه
مع زوال الخوف، ويصح التمكن.
ولا يصح التيمم إلا بما يسمى أرضا بالإطلاق من الحجر والمدر والتراب.
وإذا أراد التيمم فليضرب بيده جميعا على الأرض، سواء كان عليها تراب أو
لم يكن، مفرجا أصابعه، وينفضهما ويمسح بهما وجهه من قصاص شعر الرأس
إلى طرف أنفه، ويمسح بباطن كفه اليسرى ظهر يده اليمنى من الزند إلى أطراف
الأصابع.
هذا إذا كان عليه وضوء، وإذا كان عليه غسل، فليضرب بيديه دفعتين،
19

دفعة يمسح بهما وجهه على ما قلناه، وثانية يمسح بهما يديه على ما وصفناه.
والترتيب واجب فيه أيضا، وكذلك النية، غير أنه لا ينوي رفع الحدث فإن
الحدث باق وإنما ينوي استباحة الدخول في الصلاة.
ويستبيح بالتيمم كلما يستبيح بالوضوء أو الغسل من صلوات الليل
والنهار ما لم يحدث، وكلما ينقض الوضوء ينقض التيمم، وينقضه زائدا عليه
التمكن من استعمال الماء.
فصل
في ذكر المياه وأحكامها
الماء على ضربين: مطلق، ومضاف.
فالمضاف كلما استخرج من جسم أو كان مرقة، نحو ماء الباقلي وماء
الآس وماء الخلاف وغير ذلك. وما كان مرقة - نحو ماء الباقلي - فالمضاف لا
يجوز استعماله في إزالة حدث ولا إزالة خبث ويجوز استعماله فيما عدا ذلك ما لم
ينجس، فإذا نجس فلا يجوز استعماله قليلا كان أو كثيرا.
والمطلق هو ما يسمى ماءا بالإطلاق، سواء كان عذبا أو ملحا وعلى كل
حال.
وهو على ضربين: جار، وراكد.
فالجاري بنفسه طاهر مطهر لا ينجسه شئ إلا نجاسة تغير لونه أو طعمه أو
رائحته، فإذا تغير شئ من ذلك فلا يجوز استعماله.
والواقف على ضربين: ماء البئر المعينة، وماء غير البئر. فماء غير البئر على
ضربين: قليل وكثير. فالقليل ما نقص عن كر، والكثير ما بلغه أو زاد عليه.
والقليل ينجس بأي نجاسة تحصل فيه، ولا يجوز استعماله بحال، سواء
تغير أحد أوصافه أو لم يتغير. والكثير لا ينجس بنجاسة تحصل فيه إلا إذا غيرت
أحد أوصافه، فإذا تغير أحد أوصافه فلا يجوز استعماله بحال.
20

والكر ألف ومائتا رطل بالعراقي، أو ما كان قدره ثلاثة أشبار ونصف طولا
في عرض في عمق. وفي أصحابنا من اعتبر أرطال المدينة، وبالأول تشهد
الروايات. وماء البئر المعينة فإنها تنجس بما يحصل من النجاسة فيها تغير ماؤها أو لم
يتغير، غير أنه يمكن تطهيرها بنزح بعضها.
وما يقع فيها على ضربين:
أحدهما يوجب نزح جميعها، نحو: الخمر وكل شراب مسكر والفقاع
والمني ودم الحيض والاستحاضة والنفاس والبعير إذا مات فيه وكل نجاسة تغير
أحد أوصاف الماء.
وما يوجب نزح بعضه. وكل شئ له مقدار معين قد ذكرناه في النهاية
وغير ذلك من كتبنا لا نطول بذكره هاهنا.
فصل:
في ذكر النجاسات ووجوب إزالتها عن الثياب والأبدان
النجاسة على ثلاثة أضرب: أحدها يجب إزالة قليلها وكثيرها، والثاني لا يجب إزالة قليلها ولا كثيرها، والثالث يجب إزالتها على وجه دون وجه.
فما يجب إزالة القليل والكثير: فالبول، والغائط، والمني من كل حيوان،
وكل شراب مسكر خمرا كان أو نبيذا، والفقاع، ودم الحيض والنفاس
والاستحاضة.
وما لا يجب إزالة قليله ولا كثيره نحو: دم السمك ودم البق والبراغيث
ودم القروح الدامية والجراح اللازمة.
وما يجب إزالته على وجه دون وجه هو باقي الدماء من الرعاف والفصد و
سائر دماء الحيوان.
وكل ما لا يؤكل لحمه وما أكل لحمه من البهائم والطيور، لا بأس ببوله
21

وذرقه إلا ذرق الدجاجة خاصة فإنه يجب إزالته.
ويجب غسل الإناء من سائر النجاسات ثلاث مرات، ومن ولوع الكلب
مثل ذلك، غير أن أحدها - وهي الأولى - بالتراب. وتغسل أواني الخمر سبع
مرات، وروي مثل ذلك في الفأرة إذا ماتت في الإناء، وما لا نفس له سائلة لا
ينجس الماء إذا مات فيه.
والحيوان على ضربين: ابن آدم، وغير ابن آدم.
فابن آدم طاهر السؤر إلا من كان محكوما بكفره فإنه نجس السؤر، سواء كان
كافر أصل أو كافر ملة.
وغير ابن آدم على ضربين: طير، وغير طير.
فسؤر الطير كله طاهر إلا ما أكل الجيف أو كان في منقاره أثر دم.
وغير الطير على ضربين: نجس العين، ونجس الحكم. فنجس العين هو
الكلب الخنزير، فإنه نجس العين نجس السؤر نجس اللعاب.
وما عداه على ضربين: مأكول، وغير مأكول. فما ليس بمأكول كالسباع
وغيرها من المسوخات مباح السؤر وهو نجس الحكم، وهو مباح الأكل فهو
طاهر مباح السؤر مباح اللعاب طاهر الروث والبول، وما هو مكروه الأكل فهو
مكروه السؤر مكروه البول والروث. وتفصيل ذلك ذكرناه في كتبنا.
22

الخلاف تأليف شيخ الطائفة
أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (قدس سره) 385 - 460 ه‍ ق
23

كتاب الطهارة
مسألة 1: في معنى الطهور.
عندنا: إن الطهور هو المطهر المزيل للحدث والنجاسة، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة والأصم: الطهور والطاهر بمعنى واحد.
دليلنا: هو أن هذه اللفظة وضعت للمبالغة، والمبالغة لا تكون إلا فيما يتكرر
فيه الشئ الذي اشتق الاسم منه، ألا ترى أنهم يقولون: فلان ضارب إذا ضرب
ضربة واحدة، ولا يقال: ضروب إلا بعد أن يتكرر منه الضرب.
وإذا كان كونه طاهرا مما لا يتكرر، ولا يتزايد، فينبغي أن يكون كونه
طهورا لما يتزايد، والذي يتصور التزايد فيه، أن يكون مع كونه طاهرا مطهرا
مزيلا للحدث والنجاسة، وهو الذي نريده.
وأيضا وجدنا العرب تقول: ماء طهور، وتراب طهور، ولا تقول: ثوب
طهور، ولا خل طهور، لأن التطهير غير موجود في شئ من ذلك، فثبت أن
الطهور هو المطهر على ما قلناه.
مسألة 2: في ماء البحر.
يجوز الوضوء بماء البحر مع وجود غيره من المياه، ومع عدمه. وبه قال
جميع الفقهاء.
25

وروي عن عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو بن العاص أنهما قالا: التيمم
أحب إلينا منه. وقال سعيد بن المسيب: يجوز التوضؤ به مع عدم الماء، ولا
يجوز مع وجوده.
دليلنا: قوله تعالى: وأنزلنا من السماء ماء طهورا، وماء البحر يتناوله اسم
الماء. وقال تعالى أيضا: فلم تجدوا ماء فتيمموا، فشرط في وجوب التيمم عدم
الماء، ومن وجد ماء البحر فهو واجد للماء الذي يتناوله الطاهر. وعلى المسألة
إجماع الفرقة.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه سئل عن التوضؤ بماء البحر فقال:
هو الطهور ماؤه، الحل ميتته.
وروى عبد الله بن سنان وأبو بكر الحضرمي قالا: سألنا أبا عبد الله عليه السلام عن ماء البحر، أطهور هو؟ قال: نعم.
مسألة 3: في مسح الوجه بالثلج أو البرد.
من مسح وجهه ويديه بالثلج ولا يتندى وجهه لم يجزه، فإن مسح وجهه
بالثلج وتندى به وجهه مثل الدهن فقد أجزأه.
وقال الشافعي: لا يجزئه ولم يفصل، وقال الأوزاعي يجزئه ولم يفصل.
دليلنا: على أنه لا يجزئه إذا مسح ولم يتند: هو أن الله تعالى قال: فاغسلوا
وجوهكم وأيديكم إلى المرافق، فأمر بغسل الوجه واليدين ومن مسح عليهما فلم
يغسلهما. ولا يلزمنا مثل ذلك في جواز ذلك إذا تندى وجهه، لأنه إذا تندى
وجهه فقد غسل، وإن كان غسلا خفيفا، على أنا لو خلينا والظاهر لما أجزنا
ذلك، لكن خصصناه بدلالة إجماع الفرقة، فإنهم لا يختلفون في جواز ذلك.
وروى حريز، عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
الرجل يجنب في السفر، لا يجد إلا الثلج، قال: يغتسل بالثلج أو ماء البحر.
وروى معاوية بن شريح قال: سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام وأنا عنده
26

فقال: يصيبنا الدمق والثلج، ونريد أن نتوضأ، ولا نجد إلا ماءا جامدا فكيف
أتوضأ؟ أدلك به جلدي؟ قال نعم.
مسألة 4: الماء المسخن بالنار يجوز التوضؤ به، وبه قال جميع الفقهاء،
إلا مجاهدا فإنه كرهه.
وأما المسخن بالشمس إذا أريد به ذلك، فهو مكروه إجماعا.
دليلنا: على بطلان قول مجاهد: ما قلناه في مسألة ماء البحر من الظواهر
وعليه أيضا إجماع الفرقة.
وروي عنهم عليهم السلام: أنهم قالوا: الماء كله طاهر ما لم يعلم أن فيه
نجاسة ولم يفصلوا.
مسألة 5: لا يجوز الوضوء بالمائعات غير الماء، وهو مذهب جميع الفقهاء.
وقال الأصم: يجوز ذلك. وذهب قوم من أصحاب الحديث، وأصحابنا إلى
أن الوضوء بماء الورد جائز.
دليلنا: قوله تعالى: فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا، فأوجب عند فقد الماء
المطلق التيمم. ومن توضأ بالمائع لم يكن تطهر بالماء، فوجب أن لا يجزئه.
وروى حريز، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام: عن الرجل يكون
معه اللبن، أيتوضأ منه للصلاة؟ قال: لا، إنما هو الماء والصعيد.
مسألة 6: لا يجوز الوضوء بشئ من الأنبذة المسكرة، سواء كان نيئا أو
مطبوخا على حال، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: يجوز التوضؤ بنبيذ التمر إذا كان مطبوخا عند عدم الماء،
وهو قول أبي يوسف، وقال محمد: يتوضأ به ويتيمم، وقال الأوزاعي: يجوز
التوضؤ بسائر الأنبذة.
27

دليلنا: قوله تعالى: فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا، فنقلنا عند عدم الماء إلى
التيمم من غير واسطة. فيجب أن لا يجوز الوضوء بالأنبذة، لأنه خلاف الظاهر،
وعليه إجماع الفرقة.
وروى سماعة بن مهران عن الكلبي النسابة: أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام
عن النبيذ؟ فقال: حلال، فقال: إنا ننبذه فنطرح فيه العكر وما سوى ذلك،
فقال: شه شه، تلك الخمرة المنتنة، قلت: جعلت فداك فأي نبيذ تعني؟ قال: إن
أهل المدينة شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، تغير الماء، وفساد طباعهم،
فأمرهم أن ينبذوا فكان الرجل يأمر خادمه أن ينبذ له، فيعمد إلى كف من تمر،
فيقذف به في الشن فمنه شربه، ومنه طهوره.
مسألة 7: إذا خالط الماء ما غير لونه أو طعمه أو رائحته من الطهارات فإنه
يجوز التوضؤ به، ما لم يسلبه إطلاق اسم الماء، فإن سلبه لم يجز التوضؤ به، وإن
كان نجاسة فلا يجوز التوضؤ به على حال.
وقال الشافعي: إذا خالط الماء ما غير أحد أوصافه لم يجز التوضؤ به، إذا
كان مختلطا به نحو الدقيق والزعفران واللبن وغير ذلك. وإن جاوره ما غير أحد
أوصافه فلا بأس به، نحو القليل من الكافور والمسك والعنبر وغير ذلك.
وقال أبو حنيفة: يجوز التوضؤ به ما لم يخرجه عن طبعه، وجريانه، أو يطبخ
به.
دليلنا: قوله تعالى: فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا، فأوجب علينا التيمم
عند فقد الماء، ومن وجد الماء متغيرا فهو واجد للماء.
وأيضا روى محمد بن أحمد بن يحيى عن الحسن بن الحسين اللؤلؤي [عن
أبي داود المنشد] عن جعفر بن محمد عن يونس عن حماد بن عيسى قال: [قال]
أبو عبد الله عليه السلام: الماء كله طاهر حتى يعلم أنه قذر.
28

مسألة 8: لا يجوز إزالة النجاسات عند أكثر أصحابنا بالمائعات. وهو
مذهب الشافعي.
وقال المرتضى: يجوز ذلك، وقال أبو حنيفة: كل مائع مزيل للعين يجوز
إزالة النجاسة به.
دليلنا: إنا قد علمنا بحصول النجاسة في الثوب أو البدن، وحظر الصلاة
فيه، فلا يجوز أن نستبيح بعد ذلك الصلاة إلا بدليل، وليس في الشرع ما يدل
عليه.
وأيضا روي عن النبي صلى الله عليه وآله: أنه قال لأسماء في دم الحيض
يصيب الثوب: حتيه ثم اقرصيه، ثم اغسليه بالماء، فأمر بغسل الدم بالماء، فدل
على أنه لا يجوز بغيره، لأنه لو جاز لبينه.
مسألة 9: جلد الميتة نجس، لا يطهر بالدباغ، سواء كان الميت مما يقع
عليه الذكاة أو لا يقع، يؤكل لحمه أو لا يؤكل لحمه، وبه قال عمر وابن عمر،
وعائشة وأحمد بن حنبل.
وقال الشافعي: كل حيوان طاهر في حال حياته، فجلده إذا مات يطهر
بالدباغ وهو ما عدا الكلب والخنزير، وما تولد بينهما، وقال أبو حنيفة: يطهر
الجميع إلا جلد الخنزير، وقال داود: يطهر الجميع.
وقال الأوزاعي: يطهر جلد ما يؤكل لحمه دون ما لا يؤكل لحمه وهو مذهب
أبي ثور، وقال مالك: يطهر الظاهر منه دون الباطن، وقال الزهري: يجوز
الانتفاع بجلد الميتة قبل الدباع وبعده.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا قوله تعالى: حرمت عليكم الميتة والدم.
والجلد من جملة الميتة. وأيضا فإنه قبل الدباع معلوم نجاسته بالإجماع،
فمن ادعى زوالها احتاج إلى دليل.
وروى الحسين بن سعيد عن حماد بن عيسى عن حريز عن محمد بن مسلم
29

قال: سألته عن جلد الميت أيلبس في الصلاة إذا دبغ؟ فقال: لا، ولو دبغ سبعين
مرة.
مسألة 10: لا يجوز بيع جلود الميتة لا قبل الدباع ولا بعده.
وقال الشافعي: لا يجوز بيعها قبل الدباع، ويجوز بعده وكان قديما يقول:
لا يجوز بيعها بعد الدباع أيضا، وقال أبو حنيفة: يجوز بيعها قبل الدباع وبعده.
دليلنا: الآية، لأن قوله تعالى: حرمت عليكم الميتة، يقتضي حظر جميع
أنواع التصرف.
وروى الحسن بن محبوب عن عاصم بن حميد عن علي بن المغيرة قال:
قلت لأبي عبد الله عليه السلام: جعلت فداك، الميتة ينتفع بشئ منها؟ قال: لا.
مسألة 11: جلود ما لا يؤكل لحمه إذا ذكي، منها ما يجوز استعماله في غير
الصلاة، ومنها ما لا يجوز استعماله بحال.
فما يجوز استعماله مثل السمور والسنجاب والفنك وجلود السبع كلها لا
بأس أن يجلس عليها، ولا يصلي فيها، وقد وردت رخصة في لبس جلود السمور
والسنجاب والفنك في حال الصلاة.
فأما ما عدا ذلك من الكلب والأرنب والذئب والخنزير والثعلب، فلا يجوز
استعماله على حال. وما يجوز استعماله بعد الذكاة، لا يجوز إلا بعد الدباع.
وقال الشافعي: كل حيوان لا يؤكل لحمه لا تؤثر الذكاة في طهارته،
وينجس جلده وسائر أجزائه. وإنما يطهر ما يطهر منها بالدباغ، وقال أبو حنيفة: يطهر بالذكاة.
دليلنا: أن جواز التصرف في هذه الأشياء يحتاج إلى دلالة شرعية، وليس
في الشرع ما يدل على إباحة التصرف في هذه الأشياء، وإنما أجزناه بدلالة
إجماع الفرقة على ذلك.
30

وروى علي بن أبي حمزة قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن لباس الفراء
والصلاة فيها، فقال: لا تصل فيها، إلا فيما كان منه ذكيا، قال: قلت أوليس
الذكي ما ذكي بالحديد؟ فقال: بلى، إذا كان مما يؤكل لحمه. فقلت: وما لا
يؤكل لحمه من الغنم؟ قال: لا بأس بالسنجاب فإنه دابة لا تأكل اللحم، وليس
هو مما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وآله، إذ نهى عن كل ذي ناب ومخلب.
وروى الحسين بن سعيد عن الحسن عن زرعة عن سماعة قال: سألته عن
لحوم السباع وجلودها قال: أما لحوم السباع من الطير والدواب فإنا نكرهه،
وأما الجلود فاركبوا عليها ولا تلبسوا منها شيئا تصلون فيه.
وأيضا بعد دباغها لا خلاف في جواز استعمالها ولا دليل قبل الدباع.
مسألة 12: جلد الكلب لا يطهر بالدباغ، وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة:
يطهر، وبه قال داود.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا فالخبر الذي قدمناه، من أن ما لا يؤكل لحمه
لا يقع عليه الطهارة بالذكاة.
وأيضا روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه نهى عن كل ذي ناب،
وذلك عام على كل حال.
مسألة 13: لا بأس باستعمال أصواف الميت، وشعره، ووبره إذا جز،
وعظمه، وبه قال أبو حنيفة.
وقال الشافعي: شعر الميت وصوفه وعظمه نجس، وبه قال عطاء.
وقال الأوزاعي: الشعور كلها نجسة، لكنها تطهر بالغسل، وبه قال الحسن
البصري والليث بن سعد.
وقال مالك: الشعر والريش والصوف لا روح فيه، ولا ينجس بالموت
كما قلناه. والعظم والقرن والسن يتنجس.
31

وقال أحمد: صوف الميتة وشعرها طاهر.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا قوله تعالى: وجعل لكم من جلود الأنعام
بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا
ومتاعا إلى حين، فامتن علينا بما جعل لنا من المنافع بهذه الأشياء، ولم يفصل
بين ما يكون من حي، وما يكون من ميت.
وروى حماد عن حريز قال: قال أبو عبد الله عليه السلام لزرارة ومحمد بن
مسلم: اللبن واللبأ والبيضة والشعر والصوف والقرن والناب والحافر، وكل
شئ يفصل من الشاة والدابة فهو ذكي وإن أخذته منه بعد أن يموت فاغسله
وصل فيه.
مسألة 14: لا بأس بالتمشط بالعاج واستعمال المداهن منه، وبه قال
أبو حنيفة. وقال الشافعي: لا يجوز.
دليلنا: أن الأصل الإباحة في جميع الأشياء فمن ادعى التحريم فعليه
الدلالة، وعليه إجماع الفرقة.
وروى ابن أبي عمير عن الحسين بن الحسن بن عاصم عن أبيه أنه قال:
دخلت على أبي إبراهيم عليه السلام وفي يده مشط عاج يتمشط به، فقلت له:
جعلت فداك إن عندنا بالعراق من يزعم أنه لا يحل التمشط بالعاج، قال: ولم؟
فقد كان لأبي منها مشط أو مشطان. ثم قال: تمشطوا بالعاج فإن العاج يذهب
بالوباء.
وروى الحسن بن محبوب عن إبراهيم بن مهزم عن القاسم بن الوليد قال:
سألت أبا عبد الله عليه السلام عن عظام الفيل مداهنها وأمشاطها، فقال: لا بأس
بها.
مسألة 15: يكره استعمال أواني الذهب والفضة، وكذلك المفضض منها.
32

وقال الشافعي: لا يجوز استعمال أواني الذهب والفضة، وبه قال أبو حنيفة في
الشرب والأكل والتطيب على كل حال.
وقال الشافعي: يكره المفضض. وقال أبو حنيفة: لا يكره، وهو مذهب
داود.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا روى الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام، قال
: لا تأكل في آنية من فضة. ولا في آنية مفضضة.
وروى ابن محبوب، عن العلاء بن رزين عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر
عليه السلام: أنه نهى عن آنية الذهب
والفضة.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله: أنه نهى عن استعمال أواني الذهب والفضة.
مسألة 16: لا يجوز استعمال أواني المشركين من أهل الذمة، وغيرهم.
وقال الشافعي: لا بأس باستعمالها ما لم يعلم فيها نجاسة، وبه قال أبو حنيفة
ومالك، وقال أحمد بن حنبل وإسحاق: لا يجوز استعمالها.
دليلنا: قوله تعالى: إنما المشركون نجس، فحكم عليهم بالنجاسة فيجب أن
يكون كلما باشروه نجسا، وعليه إجماع الفرقة، وطريقة الاحتياط تقتضي
تنجيسها.
وروى محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن آنية أهل الذمة
والمجوس، فقال: لا تأكلوا في آنيتهم، ولا من طعامهم الذي يطبخونه، ولا في
آنيتهم التي يشربون فيها الخمر.
مسألة 17: السواك مسنون غير واجب، وبه قال جميع الفقهاء.
وقال داود: إنه واجب.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا الأصل براءة الذمة، وإيجاب ذلك يحتاج
33

إلى دليل.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم
بالسواك عند كل صلاة. فلو كان واجبا لأمرهم به، شق أو لم يشق.
وروى حماد بن عيسى عن حريز عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال:
إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يكثر السواك، وليس بواجب. فلا
يضرك تركه في فرط الأيام.
مسألة 18: عندنا أن كل طهارة عن حدث، سواء كانت صغرى، أو
كبرى، بالماء كانت أو بالتراب، فإن النية واجبة فيها، وبه قال الشافعي مالك
والليث بن سعد وابن حنبل.
وقال الأوزاعي: الطهارة لا تحتاج إلى نية.
وقال أبو حنيفة: الطهارة بالماء لا تفتقر إلى نية، والتيمم يفتقر إلى النية.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا قوله تعالى: إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا
وجوهكم الآية. فكان تقدير الآية: فاغسلوا وجوهكم وأيديكم للصلاة، ولا يكون
الإنسان غاسلا لهذه الأبعاض للصلاة إلا بالنية.
وأيضا ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: الأعمال بالنيات وإنما
لكل امرئ ما نوى فبين أن ما لا يكون بنية، لا يكون للإنسان، فوجبت النية.
وأيضا فإذا نوى فلا خلاف أن طهارته صحيحة، وإذا لم ينو فليس على
صحتها دليل.
مسألة 19: التسمية على الطهارة مستحبة غير واجبة، وبه قال جميع الفقهاء.
وقال إسحاق: واجبة، وحكي ذلك عن أهل الظاهر. وقال إسحاق: إن
تركها عمدا لم تجزه الطهارة، وإن تركها ناسيا أو متأولا أجزأته.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة وشغلها يحتاج إلى شرع، وليس في الشرع
34

ما يدل على وجوب التسمية.
وروى علي بن الحكم عن داود العجلي عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه
السلام قال: من توضأ فذكر اسم الله تعالى، طهر جميع جسده، ومن لم يسم لم
يطهر من جسده إلا ما أصابه الماء.
مسألة 20: يستحب غسل اليدين قبل إدخالهما الإناء، من النوم مرة ومن
البول مرة ومن الغائط مرتين ومن الجنابة ثلاثا.
وقال الشافعي: يستحب غسلهما ثلاثا، ولم يفرق. وبه قال جميع الفقهاء، وقال داود والحسن البصري: يجب ذلك. وقال أحمد: يجب ذلك من نوم الليل
دون نوم النهار.
دليلنا: براءة الذمة، وإجماع الفرقة، وأيضا فإن الله تعالى لما أوجب
الوضوء في الآية، ذكر الأعضاء الأربعة، ولم يذكر غسل اليدين قبل إدخالهما
الإناء، ولو كان واجبا لذكره.
وروى ابن أبي عمير عن حماد بن عثمان عن عبيد الله الحلبي قال: سألته عن
الوضوء، كم يفرع الرجل على يده اليمنى قبل أن يدخلها في الإناء؟ قال: واحدة
من حدث البول، واثنتين من الغائط، وثلاثا من الجنابة.
مسألة 21: المضمضة والاستنشاق مسنونان في الطهارة الصغرى والكبرى
معا، وبه قال الشافعي.
وقال الثوري وأبو حنيفة: هما واجبان في الغسل من الجنابة، ومسنونان في
الوضوء. وقال ابن أبي ليلى وإسحاق: هما واجبان في الطهارتين معا. وقال أحمد:
الاستنشاق واجب فيهما والمضمضة لا تجب.
دليلنا: براءة الذمة، وإيجابهما يحتاج إلى دليل، وعليه إجماع الفرقة.
وأيضا لما ذكر الله تعالى الأعضاء الواجب غسلها في الآية لم يذكرهما.
35

وروى عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: المضمضة
والاستنشاق مما سن رسول الله صلى الله عليه وآله.
مسألة 22: إيصال الماء إلى ما يستره شعر اللحية، وتخليلها غير واجب
فيجزئ في الوضوء إمرار الماء على الشعر.
وقال الشافعي: يستحب تخليل الشعر. وقال إسحاق، وأبو ثور، والمزني:
التخليل واجب.
وحكي عن أبي حنيفة قولان: الأول، أنه يلزمه إمرار الماء على اللحية،
والثاني: أنه يلزمه إمرار الماء على ربعها.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، وإيجاب التخليل يحتاج إلى دليل، وعليه
إجماع الفرقة.
وروى زرارة بن أعين: أنه قال لأبي جعفر عليه السلام: هل يجب غسل ما
أحاط به الشعر؟ فقال: كل ما أحاط به الشعر فليس على العباد أن يطلبوه ولا
يبحثوا عنه ولكن يجري عليه الماء.
مسألة 23: حد الوجه الذي يجب غسله في الوضوء، من قصاص شعر
الرأس إلى محادر شعر الذقن طولا، وما دارت عليه الإبهام والوسطى عرضا.
وقال جميع الفقهاء: إن حده من منابت الشعر من رأسه، إلى مجمع اللحية
والذقن طولا ومن الأذن إلى الأذن عرضا.
إلا مالكا فإنه قال: البياض الذي بين العذار والأذن لا يلزمه غسله.
وقال الزهري: ما أقبل من الأذنين من الوجه يغسل مع الوجه.
دليلنا: إجماع الفرقة، فإنهم لا يختلفون في ذلك، وأيضا فلا خلاف في أن
ما اعتبرناه من الوجه، وما زاد عليه يحتاج إلى دليل.
وروى حماد عن حريز عن زرارة قال: قلت لأحدهما عليه السلام: أخبرني
36

عن حد الوجه الذي ينبغي له أن يوضأ، والذي قال الله تعالى وأمر بغسله، الذي
لا ينبغي لأحد أن يزيد عليه ولا ينقص منه، إن زاد عليه لم يؤجر، وإن نقص منه
أثم؟ قال: ما دارت عليه السبابة والوسطى والإبهام من قصاص شعر الرأس إلى
الذقن وما جرت عليه الإصبعان من الوجه مستديرا فهو من الوجه، وما سوى
ذلك فليس من الوجه. قلت: الصدع ليس من الوجه؟ قال: لا.
مسألة 24: ما استرسل من شعر اللحية طولا وعرضا، لا يجب إفاضة الماء
عليه، وهو أحد قولي الشافعي، واختيار المزني، وبه قال أبو حنيفة.
والقول الآخر: أنه يجب. ولا خلاف أنه لا يجب غسل هذا الشعر.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، وشغلها يحتاج إلى دليل، وعليه إجماع
الفرقة المحقة، وأيضا فإن الله تعالى أوجب غسل الوجه، وما استرسل من الشعر
لا يسمى وجها.
مسألة 25: لا يجب إيصال الماء إلى أصل شئ من شعر الوجه، مثل شعر
الحاجبين والأهداب والعذار والشارب والعنفقة، وبه قال أبو حنيفة. وقال
الشافعي: ذلك واجب.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء، وعليه إجماع الفرقة، وخبر زرارة،
وقد قدمناه.
مسألة 26: غسل المرفقين واجب مع اليدين، وبه قال جميع الفقهاء إلا
زفر فإنه قال: لا يجب ذلك.
دليلنا: قوله تعالى: وأيديكم إلى المرافق، فإن " إلى " قد تكون بمعنى
" مع " وتكون بمعنى الغاية. وقد ثبت عن الأئمة عليهم السلام أن المراد بها في
الآية " مع " فعلمنا بذلك وجوب غسلهما، وأيضا الاحتياط يقتضي ذلك، لأن
37

من غسل المرفقين مع اليدين، لا خلاف أن وضوئه صحيح، وإذا لم يغسلهما،
ليس على صحته دليل.
وروى جابر أن النبي صلى الله عليه وآله توضأ فغسل يديه، وذلك من
مرفقيه، وعليه إجماع الفرقة.
وروى عمر بن أذينة عن بكير وزرارة ابني أعين، أنهما سألا أبا جعفر عليه
السلام عن وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله، فوصف لهما، إلى أن انتهى إلى
غسل اليدين، ثم غمس كفه اليسرى في الإناء فاغترف بها من الماء، فغسل به
اليمنى من المرفق إلى أطراف الأصابع لا يرد الشعر، وكذلك فعل باليسرى.
مسألة 27: مسح الرأس دفعة واحدة، وتكراره بدعة.
وقال أبو حنيفة: ترك التكرار أولى. وقال الشافعي: المسنون ثلاث مرات،
وبه قال الأوزاعي والثوري. وقال: ابن سيرين: يمسح دفعتين.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا قوله تعالى: " وامسحوا برؤوسكم
وأرجلكم فأوجب المسح بالظاهر. وقد ثبت أن الأمر لا يقتضي التكرار، فمن
أوجب التكرار احتاج إلى دليل، وكذلك من قال أنه مسنون احتاج إلى دليل.
وروى أبو بصير عن أبي عبد الله عليه السلام: في مسح القدمين، ومسح
الرأس قال: مسح الرأس واحدة.
مسألة 28: لا يجوز أن يستأنف لمسح الرأس والرجلين ماءا جديدا عند
أكثر أصحابنا.
وقد رويت رواية شاذة أنه: يستأنف ماءا جديدا، وهي محمولة على التقية.
فإن جميع الفقهاء يوجبون استئناف الماء، إلا مالكا فإنه أجاز المسح ببقية الماء
لإجازته استعمال الماء المستعمل. وإن كان الأفضل عنده استئناف الماء.
دليلنا: قوله تعالى: وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم، ولم يذكر استئناف
38

الماء، وهذا قد مسح، فإن قيل: ولم يذكر المسح ببقية الندي، قلنا: نحن نحمل
الآية على العموم، ونخصها بدليل إجماع الفرقة المحقة. وقد تكلمنا على الروايات
المختلفة في ذلك، في الكتابين المقدم ذكرهما.
وروى بكير وزرارة عن أبي جعفر عليه السلام وأبي عبد الله عليه السلام أنهما
حين وصفا وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله، ذكرا في آخره أنه لم يستأنف
لمسح الرأس والرجلين ماءا جديدا، وذلك نص.
وروى أبو عبيدة الحذاء قال: وضأت أبا جعفر عليه السلام بجمع وقد بال
فناولته ماءا فاستنجى، ثم صببت عليه كفا فغسل به وجهه، وكفا فغسل به ذراعه
الأيمن، وكفا فغسل به ذراعه الأيسر، ثم مسح بفضلة الندي رأسه ورجليه.
29: المسح ببعض الرأس هو الواجب، والأفضل ما يكون مقداره ثلاث
أصابع مضمومة، ويجزئ مقدار إصبع واحد.
وقال مالك: يجب مسح الرأس كله، فإن ترك بعضه ناسيا لم يؤثر، وإن
تركه غامدا، فإن كان الثلث فما دونه لم يؤثر، وإن كان أكثر من الثلث بطل
وضوئه.
وقال الشافعي: ما يقع عليه اسم المسح يجزئ وبه قال الأوزاعي والثوري.
وقال أبو حنيفة في إحدى الروايتين: أنه يجب أن يمسح قدر ثلث الرأس
بثلاثة أصابع. وفي الثانية: أنه يمسح ربع الرأس بثلاثة أصابع.
وقال زفر: يمسح ربع الرأس بإصبع واحد.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا قوله تعالى: وامسحوا برؤوسكم، وقد ثبت أن
" الباء " تقتضي التبعيض، لأنه لا بد من أن يكون لدخولها في الكلام المفيد
المستقل بنفسه فائدة، وليست فائدتها إلا التبعيض.
وأيضا روى زرارة وبكير ابنا أعين عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال في
المسح: تمسح على النعلين ولا تدخل يدك تحت الشراك، وإذا مسحت بشئ
39

من رأسك، أو بشئ من قدميك، ما بين كعبيك إلى أطراف الأصابع فقد أجزأك.
مسألة 30: مسح جميع الرأس غير مستحب.
وقال جميع الفقهاء: إن مسح جميعه مستحب.
دليلنا: أن استحبابه يحتاج إلى دليل شرعي، وليس في الشرع ما يدل
عليه، وأيضا أجمعت الفرقة على أن ذلك بدعة، فوجب نفيه.
مسألة 31: استقبال شعر الرأس واليدين في المسح والغسل لا يجوز.
وقال جميع الفقهاء: إن ذلك جائز.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا ما ذكرناه لا خلاف أن فرض الوضوء يسقط به،
وما قالوه ليس على سقوط الفرض به دليل.
وأيضا روي عن النبي صلى الله عليه وآله، أنه حين علم الأعرابي الوضوء
قال له: هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به، فلا يخلو أن يكون استقبل الشعر أو
لم يستقبله، فإن كان استقبل فيجب في من لا يستقبل أن لا يجزئه، وقد أجمعنا على
خلافه، وإن كان ما استقبل الشعر، فقد ثبت أن من خالفه لا يجزئه، ولا يقبل الله
تعالى صلاته.
مسألة 32: موضع مسح الرأس، مقدمه.
وقال جميع الفقهاء: أنه مخير، أي مكان شاء مسح مقدار الواجب.
دليلنا: طريقة الاحتياط، فإن من مسح الموضع الذي قلناه فصلاته ماضية
بلا خلاف، وإن مسح موضعا آخر ففيه خلاف، وعليه إجماع الفرقة، وخبر
الأعرابي أيضا يدل عليه على الترتيب الذي قلناه.
وقد رويت روايات من جهة الخاصة موافقة للعامة، بينا الوجه فيها في
40

الكتابين المذكورين.
مسألة 33: من كان على رأسه جمة فأدخل يده تحتها ومسح على رأسه
أجزأه.
وقال الشافعي: لا يجزئه.
دليلنا: قوله تعالى: وامسحوا برؤوسكم، وهذا مسح رأسه.
والأخبار المروية في صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله أنه مسح
رأسه، تدل على ذلك.
مسألة 34: إذا غسل رأسه لا يجزئه عن المسح. وعن الشافعي روايتان:
إحداهما مثل ما قلناه والأخرى: أنه يجزئه، وهو مذهب باقي الفقهاء.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا قوله تعالى: وامسحوا برؤوسكم، ومن غسل
فلم يمسح، لان المسح غير الغسل.
وخبر الاعرابي يدل على ذلك أيضا على ما بيناه لان النبي صلى الله عليه
وآله مسح بلا خلاف.
مسألة 35: إيصال الماء إلى داخل العين في غسل الوجه ليس بمستحب.
وقال أصحاب الشافعي: إنه مستحب وحكي عن ابن عمر مثل ذلك.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، والوجوب والندب يحتاجان إلى دليل،
وأيضا قوله تعالى: فاغسلوا وجوهكم، ولم يقل وأعينكم.
وخبر الأعرابي يدل على ذلك أيضا، لأنه لم يرو أنه غسل داخل العين، ولو
كان غسلهما لما جاز تركهما، وأيضا إجماع الفرقة يدل على ذلك.
مسألة 36: المسح على العمامة لا يجوز، وبه قال أبو حنيفة والشافعي
41

ومالك.
وقال الثوري والأوزاعي وأحمد وإسحاق: ذلك جائز.
دليلنا: قوله تعالى: وامسحوا برؤوسكم، فأوجب المسح على الرأس ومن
مسح على العمامة لم يمسح رأسه، وأيضا إجماع الفرقة يدل على ذلك.
وروى يونس عن حماد عن الحسين، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام، عن
رجل توضأ وهو معتم وثقل عليه نزع العمامة لمكان البرد، فقال: ليدخل
إصبعه.
مسألة 37: لا يجوز مسح الأذنين ولا غسلهما في الوضوء.
وقال الشافعي: يستحب أن يمسحا بماء جديد، وقال أبو حنيفة: إنهما من
الرأس يمسحان معه، وذهب الزهري: إلى أنهما من الوجه يغسلان معه، وذهب
مالك وأحمد: إلى أنهما من الرأس لكنهما يمسحان بماء جديد، وذهب الشعبي
والحسن البصري، وإسحاق: إلى أن ما أقبل منهما يغسل، وما أدبر يمسح مع
الرأس.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا قوله تعالى: فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى
المرافق، وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين، فأوجب غسل الوجه،
ومسح الرأس، ولم يذكر الأذنين. وأيضا خبر الأعرابي يدل عليه.
وروى ابن بكير عن زرارة قال: سألت أبا جعفر عليه السلام، إن أناسا
يقولون: إن بطن الأذنين من الوجه وظهرهما من الرأس، فقال: ليس عليهما غسل
ولا مسح.
مسألة 38: الفرض في غسل الأعضاء مرة واحدة، واثنتان سنة، والثالثة
بدعة.
وفي أصحابنا من قال: إن الثانية بدعة وليس بمعول عليه، ومنهم من قال:
42

الثالثة تكلف، ولم يصرح بأنها بدعة، والصحيح الأول.
وقال الشافعي: الفرض واحد، واثنتان أفضل، والسنة ثلاثة، وبه قال
أبو حنيفة، وأحمد. وقال مالك: مرة أفضل من المرتين. وحكي عن بعضهم أن
الثلاث مرات واجب.
دليلنا: قوله تعالى: فاغسلوا وجوهكم وأيديكم، ومن غسل دفعة واحدة
وجهه ويديه، فقد أدى الفرض. فمن ادعى أكثر منه فرضا أو سنة فعليه الدليل.
وأيضا روى ابن محبوب عن ابن رباط عن يونس بن عمار قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن الوضوء للصلاة؟ فقال: مرة مرة.
مسألة 39: الفرض في الطهارة الصغرى المسح على الرجلين.
وقال جميع الفقهاء: الفرض هو الغسل. وقال الحسن بن أبي الحسن
البصري ومحمد بن جرير وأبو علي الجبائي: بالتخيير.
وروي عن جماعة من الصحابة والتابعين كابن عباس وعكرمة وأنس
وأبي العالية والشعبي، القول بالمسح.
دليلنا: قوله تعالى: فاغسلوا وجوهكم وأيديكم، فأوجب بظاهر اللفظ
غسل الوجه، ثم عطف اليدين عليه، فأوجب ذلك غسلهما، ثم استأنف حكما
آخر، فقال: وامسحوا برؤوسكم، فأوجب المسح على الرأس، ثم عطف الرجلين
عليه، فيجب أن يكون حكمهما حكمه في وجوب المسح بمقتضى العطف، كما
أن الفرض في غسل اليدين بمجرد العطف. وقد استوفينا الكلام على هذا الدليل
في كتاب تهذيب الأحكام.
وأيضا روي عن أمير المؤمنين عليه السلام، وابن عباس، عن النبي صلى الله
عليه وآله: أنه توضأ ومسح على قدميه ونعليه.
وروي أيضا عن ابن عباس: أنه وصف وضوء رسول الله صلى الله عليه
وآله، فمسح على رجليه. وفي رواية أخرى قال: إن في كتاب الله المسح، ويأبى
43

الناس إلا الغسل. وروي عنه أنه قال: غسلتان ومسحتان.
وروي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: ما نزل الفرقان إلا بالمسح،
وعليه إجماع الفرقة.
وروى محمد بن الحسين عن الحكم بن مسكين عن محمد بن مروان قال:
قال أبو عبد الله عليه السلام: إنه يأتي على الرجل ستون وسبعون سنة ما قبل الله
منه صلاة، قلت: وكيف ذلك؟ قال: لأنه يغسل ما أمر الله بمسحه.
مسألة 40: مسح الرجلين من رؤوس الأصابع إلى الكعبين. والكعبان:
هما الناتئان في وسط القدم.
وقال من جوز المسح من مخالفينا، أنه يجب استيعاب الرجل بالمسح.
وقالوا كلهم: إن الكعبين هما عظما الساقين، إلا ما حكي عن محمد بن
الحسن، فإنه قال: هما الناتئان في وسط القدم، مع قوله بالغسل.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا فقد دللنا على أن المسح ببعض الرأس
والرجلان معطوفتان عليه، فوجب أن يكون حكمهما حكمه، بحكم العطف.
وروى زرارة وبكير ابنا أعين عن أبي جعفر عليه السلام، أنه قال في المسح:
تمسح على النعلين ولا تدخل يدك تحت الشراك، وإذا مسحت بشئ من
رأسك أو بشئ من قدميك ما بين كعبيك إلى أطراف الأصابع فقد أجزأك.
فأما الذي يدل على أن الكعبين ما قلناه، هو أنه إذا ثبت وجوب مسح
الرجلين من غير تخيير، فكل من قال بذلك قال أن الكعبين ما قلناه، ومن خالف
في ذلك قال: بوجوب الغسل أو التخيير، وقد دللنا على أنه لا يجوز غير المسح.
فالتفرقة بين المسألتين خروج عن الإجماع.
وروى زرارة وبكير ابنا أعين: أنهما سألا أبا جعفر عليه السلام عن وضوء
رسول الله صلى الله عليه وآله، فوصف لهما، ثم قالا له: أصلحك الله
فأين الكعبان؟ قال: هاهنا، يعني المفصل دون عظم الساق، فقالا: هذا ما هو؟ قال:
44

هذا عظم الساق.
مسألة 41: عندنا أن الموالاة واجبة، وهي أن يتابع بين أعضاء الطهارة ولا
يفرق بينها إلا لعذر بانقطاع الماء، ثم يعتبر إذا وصل إليه الماء، فإن جفت أعضاء
طهارته أعاد الوضوء، وإن بقي في يده نداوة بنى على ما قطع عليه.
وللشافعي قولان: أحدهما: أنه إذا فرق إلى أن يجف أعاد، وبه قال عمر
وربيعة والليث. والثاني: لا تبطل طهارته، وبه قال الثوري وأبو حنيفة.
وقال مالك وابن أبي ليلى والليث: إن فرق لعذر لم تبطل طهارته، وإن فرق
لغير عذر بطلت، ولم يعتبروا جفاف ما وضأه.
دليلنا: أنه لا خلاف أنه إن والى صحت طهارته، وإذا لم يوال فيه، ففيه
خلاف.
وأيضا فقد ثبت أنه مأمور باتباع الوضوء في كل عضو إذا فعل واحد منها،
والأمر يقتضي الفور، وترك المولاة ينافيه، وعليه إجماع الفرقة.
وروى معاوية بن عمار قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ربما توضأت
فنفد الماء، فدعوت الجارية فأبطأت علي بالماء، ويجف وضوئي؟ قال: أعد.
مسألة 42: الترتيب واجب في الوضوء، في الأعضاء كلها، ويجب تقديم
اليمين على اليسار. وقال الشافعي بمثل ذلك، إلا في تقديم اليمين على اليسار،
وبه قال أمير المؤمنين عليه السلام وابن عباس، وبه قال قتادة وأبو عبيد القاسم بن
سلام وأحمد، وإسحاق.
وقال أبو حنيفة: الترتيب غير واجب، وبه قال مالك، وهو المروي عن ابن
مسعود والأوزاعي.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى
الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق، وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم
45

إلى الكعبين "، فبدأ في إيجاب الطهارة بغسل الوجه، ثم عطف باقي الأعضاء على
بعضها ب‍ (الواو).
وقال كثير من النحويين، نحو الفراء وأبي عبيد: إنها توجب الترتيب.
وأيضا قوله: فاغسلوا وجوهكم، فوجب البداية بالوجه، لمكان الفاء التي
توجب الترتيب بلا خلاف. وإذا وجبت البداية بالوجه، وجب في باقي الأعضاء،
لأن أحدا لم يفصل. وطريقة الاحتياط تقتضي ذلك، لأنه لا خلاف أن من رتب،
فإن وضوءه صحيح، واختلفوا إذا لم يرتب.
وخبر الأعرابي يدل عليه أيضا، على ما بيناه. وقوله صلى الله عليه وآله:
ابدءوا بما بدأ الله به يدل عليه أيضا.
وروى زرارة قال: قال أبو جعفر عليه السلام: تابع بين الوضوء كما قال الله
عز وجل، ابدأ بالوجه، ثم باليدين، ثم امسح الرأس والرجلين، ولا تقدمن شيئا
بين يدي شئ تخالف ما أمرت به، فإن غسلت الذراع قبل الوجه، فابدأ بالوجه،
ثم أعد على الذراع، وإن مسحت بالرجل قبل الرأس، فامسح على الرأس قبل
الرجل، ثم أعد على الرجل، ابدأ بما بدأ الله عز وجل.
مسألة 43: لا يجوز المسح على الخفين، لا في الحضر ولا في السفر.
وخالف جميع الفقهاء في ذلك على اختلاف بينهم في مقدار المسح في
السفر والحضر.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا قوله تعالى: وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم،
فمن مسح على خفه لم يوقع الفرض في الرجل، ودليل الاحتياط يقتضيه.
وروى أبو بكر الحضرمي قال: سألته عن المسح على الخفين، قال: لا تمسح
على خف.
مسألة 44: لا بأس بالتمندل من نداوة الوضوء، وتركه أفضل، وبه قال
46

أكثر الفقهاء.
وقال مالك والثوري: لا بأس به في الغسل دون الوضوء. وحكي ذلك
عن ابن عباس.
وروي عن ابن عمر: إن ذلك مكروه في الوضوء والغسل معا، وبه قال ابن
أبي ليلى.
دليلنا على جوازه: أن الأصل الإباحة، والحظر يحتاج إلى دليل، وعليه
إجماع الفرقة.
وروى حريز عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام، عن
المسح بالمنديل قبل أن يجف، قال: لا بأس به.
مسألة 45: إذا تطهر بالماء قبل أن يستنجي، ثم استنجى كان ذلك جائزا،
وكذلك القول في التيمم.
وقال أصحاب الشافعي على مذهب الشافعي في التيمم: إنه لا يجوز، وأجازوا
ذلك في الوضوء. وحكى الربيع عن الشافعي مثل ما قلناه، وغلطه أصحابه.
دليلنا: أن الواجب عليه الاستنجاء، والطهارة بالماء أو التيمم، وقد فعلهما.
فمن قال لا يجزئه فعليه الدلالة. وكل ظاهر يتضمن الأمر بالوضوء والاستنجاء
يدل على ذلك، لأنه امتثل الأمر ولم يفصل.
مسألة 46: لا يجوز للجنب والحائض والمحدث أن يمسوا المكتوب من
القرآن، ولا بأس بأن يمسوا أطراف أوراق المصحف، والتنزه عنه أفضل.
وقال الشافعي: لا يجوز لهم ذلك. وقال أبو حنيفة: لا يجوز ذلك للجنب
والحائض، فأما المحدث فلا بأس عليه. وقال الحكم وحماد وداود: إن ذلك
غير جائز، ولم يفصلوا.
دليلنا: أن الأصل الإباحة، والمنع يحتاج إلى دليل. فأما ما يدل على أن
47

نفس الكتابة لا يجوز مسها قوله تعالى: لا يمسه إلا المطهرون، وإنما أراد به القرآن
دون الأوراق.
وروى سالم عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وآله قال: لا يمس القرآن إلا
طاهر. وفيه إجماع الفرقة.
وروى حماد عن حريز عمن أخبره عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان
إسماعيل بن أبي عبد الله عليه السلام عنده فقال: يا بني اقرأ المصحف، فقال: إني
لست على وضوء، فقال: لا تمس الكتابة، ومس الورق واقرأه.
مسألة 47: يجوز للجنب والحائض أن يقرءا القرآن.
وفي أصحابنا من قيد ذلك بسبع آيات من جميع القرآن، إلا سور العزائم
الأربع، التي هي: سورة سجدة لقمان، حم السجدة، والنجم، واقرأ باسم ربك،
فإنه لا يقرأ منها شئ.
وقال الشافعي: لا يجوز لهما ذلك، لا قليلا ولا كثيرا، إلا بعد الغسل، أو
التيمم وقال أبو حنيفة: يقرءان دون الآية. وقال أحمد بن حنبل، مثل قول الشافعي
وقال داود: يقرأ الجنب كيف شاء. وقال مالك: يجوز للحائض أن تقرأ على
الإطلاق، والجنب يقرأ الآية والآيتين على سبيل التعوذ.
دليلنا: قوله تعالى: فاقرؤوا ما تيسر من القرآن، وقوله: فاقرؤوا ما تيسر
منه.
وأيضا أن الأصل الإباحة، والمنع يحتاج إلى دليل، وعليه إجماع الفرقة.
وروى عبيد الله بن علي الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته أتقرأ
النفساء والحائض والجنب والرجل يتغوط القرآن؟ فقال: يقرءون ما شاءوا.
وقد بينا الكلام فيما اختلف من الأخبار في مقادير ما يقرؤونه في الكتابين.
مسألة 48: لا يجوز استقبال القبلة ولا استدبارها ببول ولا غائط، إلا عند
48

الاضطرار، لا في الصحاري، ولا في البنيان، وبه قال أبو أيوب الأنصاري، وإليه
ذهب أبو ثور وأحمد بن حنبل، وبه قال النخعي وأبو حنيفة وأصحابه، إلا
أبا يوسف، فإنه فرق بين الاستقبال والاستدبار.
وقال الشافعي: لا يجوز ذلك في الصحاري دون البنيان، وبه قال العباس
بن عبد المطلب وعبد الله بن عمر ومالك.
وقال ربيعة وداود: يجوز فيهما جميعا، وبه قال عروة بن الزبير.
دليلنا: إجماع الفرقة، وطريقة الاحتياط.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: إنما أنا لكم مثل الوالد، فإذا
أتى أحدكم الغائط، فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها، ببول ولا غائط.
وروى محمد بن عبد الله بن زرارة عن عيسى بن عبد الله الهاشمي عن أبيه عن
جده عن علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه قال: قال لي رسول الله صلى
الله غليه وآله: إذا دخلت المخرج، فلا تستقبل القبلة ولا تستدبرها، ولكن شرقوا
أو غربوا.
مسألة 49: الاستنجاء واجب من الغائط ومن البول، إما بالماء أو بالحجارة،
والجمع بينهما أفضل، ويجوز الاقتصار على واحد منهما، إلا في البول، فإنه لا
يزال إلا بالماء، فمتى صلى ولم يستنج، لم تجزه الصلاة.
وقال الشافعي: الاستنجاء منهما واجب، وجوزه بالماء والأحجار، وأوجب
إعادة الصلاة على من لم يستنج، وبه قال مالك. وقال أبو حنيفة: هو مستحب،
غير واجب.
دليلنا: إجماع الفرقة، وطريقة الاحتياط، فإن من استنجى وصلى برئت
ذمته بيقين، وإذا صلى بغير استنجاء، ففيه خلاف.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: إنما أنا لكم مثل الوالد، فإذا
ذهب أحدكم إلى الغائط فلا يستقبل القبلة بغائط ولا بول، وليستنج بثلاثة
49

أحجار.
وروى زرارة قال: توضأت يوما ولم أغسل ذكري، ثم صليت. فسألت أبا
عبد الله عليه السلام عن ذلك؟ فقال: اغسل ذكرك وأعد صلاتك.
وروى بريد بن معاوية عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: يجزئ من الغائط
الاستنجاء بالأحجار، ولا يجزئ من البول إلا الماء.
مسألة 50: حد الاستنجاء أن ينقي الموضع من النجاسة، سواء كان
بالأحجار أو بالماء، فإن نقى بدون الثلاثة، استعمل الثلاثة سنة، فإن لم ينق
بالثلاثة استعمل ما زاد عليه حتى ينقي، وبه قال الشافعي.
وقال مالك وداود: الاستنجاء يتعلق بالإنقاء، ولم يعتبر العدد.
وقال أبو حنيفة: هو مسنون، والسنة تتعلق بالإنقاء دون العدد.
دليلنا: على وجوب الإنقاء: إجماع الفرقة، وطريقة الاحتياط.
وروى علي بن إبراهيم عن أبيه عن عبد الله بن المغيرة عن أبي الحسن عليه
السلام قال: قلت له: للاستنجاء حد؟ قال: لا، ينقي مأثمة، قلت: فإنه ينقي مأثمة،
ويبقى الريح؟ قال: الريح لا ينظر إليها.
وأما اعتبار العدد، قوله صلى الله عليه وآله: وليستنج بثلاثة أحجار،
وظاهره الوجوب إلا أن يقوم دليل.
وروى زرارة عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: جرت السنة في أثر الغائط
بثلاثة أحجار أن يمسح العجان.
مسألة 51: يجوز الاستنجاء بالأحجار وغير الأحجار إذا كان منقيا غير
مطعوم، مثل الخشب والخرق والمدر وغير ذلك، وبه قال الشافعي.
وقال داود: لا يجوز بغير الأحجار.
دليلنا: إجماع الفرقة.
50

وروى ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وآله قال: إذا ذهب أحدكم
لحاجته فليتمسح بثلاثة أحجار، أو بثلاثة أعواد أو بثلاث حثيات من تراب.
وروى حريز عن زرارة قال: كان يستنجي من البول ثلاث مرات ومن
الغائط بالمدر والخرق.
مسألة 52: لا يجوز الاستنجاء بالروث والعظام، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة ومالك: يجوز ذلك.
دليلنا: طريقة الاحتياط، فإن من استنجى بغيرها وقع موقعه، وإذا استعملها
فيه خلاف.
وروى سلمان قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله أن نستنجي بثلاثة
أحجار، ليس فيها رجيع ولا عظم.
وروى المفضل بن صالح عن ليث المرادي عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: سألته عن استنجاء الرجل بالعظم أو البعر أو العود، قال: أما العظام
والروث فطعام الجن، وذلك مما اشترطوا على رسول الله صلى الله عليه وآله،
وقال: لا يصلح بشئ من ذلك.
مسألة 53: النوم الغالب على السمع والبصر، والمزيل للعقل، ينقض
الوضوء سواء كان قائما أو قاعدا، أو مستندا أو مضطجعا، وعلى كل حال، وبه
قال المزني، فإنه قال: النوم حدث في نفسه ينتقض الوضوء به على كل حال.
وقال الشافعي: إذا نام مضطجعا أو مستلقيا أو مستندا انتقض الوضوء.
وروي عن أبي موسى الأشعري وأبي مخلد وحميد الأعرج وعمرو بن دينار أنهم
قالوا: لا ينتقض الوضوء بالنوم بحال، إلا أن يتيقن خروج حدث.
وقال مالك والأوزاعي وأحمد وإسحاق: إنه إن كثر نقض الوضوء، وإن
قل لم ينقض.
51

وقال أبو حنيفة وأصحابه: لا وضوء من النوم، إلا على من نام مضطجعا أو
متوركا، فأما من نام قائما أو راكعا أو ساجدا أو قاعدا، سواء كان في الصلاة أو
غيرها، فلا وضوء عليه.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا قوله تعالى: إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا.
قال أهل التفسير: المراد به إذا قمتم من النوم، فإن الآية خرجت على سبب
معروف، فكأنه قال: إذا قمتم من النوم إلى الصلاة، وهذا عام في كل نوم.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: العين وكاء السه فمن نام
فليتوضأ.
وروي: إذا نامت العينان استطلق الوكاء.
وروى ابن أبي عمير عن إسحاق بن عبد الله الأشعري عن أبي عبد الله عليه
السلام قال: لا ينقض الوضوء إلا حدث، والنوم حدث.
مسألة 54: ملامسة النساء، ومباشرتهن لا تنقض الوضوء، سواء كانت
مباشرة ذات محرم أو غيرهن من النساء، سواء كانت المباشرة باليد أو بغيرها من
الأعضاء، بشهوة كانت أو بغير شهوة، وبه قال عبد الله بن عباس والحسن
البصري ومحمد بن الحسن، وإحدى الروايتين عن الثوري.
وقال الشافعي: مباشرة النساء من غير حائل إذا كن غير ذوات محارم،
تنقض الوضوء، بشهوة كانت أو بغير شهوة، باليد كانت أو بالرجل، أو بغيرهما
من الجسد، عامدا كان أو ناسيا، وبه قال عبد الله بن عمر، وابن مسعود، والزهري
وربيعة.
وقال الأوزاعي: إن مسها بيده انتقض وضوؤه، وإن كان بغير شهوة لم ينتقض وضوؤه، وإن مسها بالرجل لم
ينتقض.
وقال مالك: إن مسها بشهوة انتقض، وإن كان بغير شهوة لم ينتقض
وضوؤه، وبه قال الليث بن سعد وأحمد وإسحاق، وفي إحدى الروايتين عن
52

الثوري، حتى قال مالك: إن مسها بشهوة من وراء حائل، انتقض وضوؤه إذا
كان الحائل رقيقا.
وقال ربيعة والليث: ينتقض، سواء كان الحائل صفيقا أو رقيقا.
وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: إن مسها فانتشر عليه، انتقض وضوؤه، وإن لم
ينتشر لم ينتقض.
دليلنا: أن الطهارة قد ثبتت، ونقضها بما ذكرناه يحتاج إلى دليل. وقوله
تعالى: أو لامستم النساء، كناية عن الجماع لا غير، بدليل إجماع الفرقة عليه.
وروى أبو مريم قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: ما تقول في الرجل يتوضأ
ثم يدعو جاريته فتأخذ بيده حتى ينتهي إلى المسجد؟ فإن من عندنا يزعمون أنها
الملامسة، فقال: لا والله ما بذلك بأس، وربما فعلته وما يعني بهذا: أو لامستم
النساء، إلا المواقعة في الفرج.
مسألة 55: مس الفرج لا ينقض الوضوء، أي الفرجين كان، سواء كان
رجلا أو امرأة، أو أحدهما مس فرج صاحبه بظاهر الكف أو بباطنه وبه قال علي
عليه الصلاة والسلام وعبد الله بن مسعود وعمار والحسن البصري وربيعة
والثوري وأبو حنيفة وأصحابه.
وقال الشافعي: الرجل إذا مس ذكره بباطن كفه، والمرأة إذا مست فرجها
بباطن كفها، انتقض وضوؤهما، وهو المروي عن عمر وابن عمر وسعد بن
أبي وقاص وأبي هريرة وعائشة وسعيد بن المسيب وسليمان بن يسار ومالك
والأوزاعي والليث وأحمد وإسحاق.
إلا أن مالكا والأوزاعي قالا: ينتقض الوضوء به، وإن مس بظاهر الكف.
وقال الشافعي: إذا مس دبره، انتقض وضوؤه أيضا وقال مالك: لا ينتقض.
وقال الشافعي: إذا مس ذكر الصغير أو الكبير، انتقض وضوؤه. وقال
مالك وأحمد: إذا مس ذكر الصغير لا ينتقض. ولم يقل أحد في مس الأنثيين،
53

أنه ينقض الوضوء، إلا عروة فإنه قال: ينتقض وضوؤه.
وقال الشافعي: إذا مس فرج بهيمة لا ينتقض وضوؤه، وحكى عنه ابن
عبد الحكم أنه ينتقض وضوؤه، ولم يصحح أصحابه ذلك.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء، من إجماع الفرقة وثبوت حكم
الطهارة، وأن نقضهما يحتاج إلى دليل.
وروى زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: ليس في القبلة ولا المباشرة ولا
مس الفرج، وضوء.
وروى قيس بن طلق عن أبيه قال: قدمنا على نبي الله، فجاء رجل كأنه
بدوي فقال: يا رسول الله ما ترى في مس الرجل ذكره بعد ما يتوضأ؟ فقال:
وهل هو إلا مضغة منه؟ أو قال: بضعة منه. وقال أبو داود: وفي بعض الألفاظ: في
مس الرجل ذكره في الصلاة وهذا نص.
مسألة 56: مس فرج البهيمة لا ينقض الوضوء وبه قال الشافعي، إلا في
رواية ابن عبد الحكم. وقال الليث بن سعد: ينقض الوضوء.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 57: الدود الخارج من أحد السبيلين - إذا كان خاليا من نجاسة -
والحصى والدم، إلا دم الحيض والاستحاضة والنفاس، لا ينقض الوضوء، وهو
مذهب مالك وربيعة. وقال الشافعي وأبو حنيفة: إن جميع ذلك ينقض
الوضوء.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
وروى زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا يوجب الوضوء، إلا من
غائط أو بول أو ضرطة أو فسوة تجد ريحها.
وروى زكريا بن آدم قال: سألت الرضا عليه السلام عن الناسور أينقض
54

الوضوء؟ فقال: إنما ينقض الوضوء ثلاث، البول والغائط والريح.
مسألة 58: البول والغائط إذا خرجا من غير السبيلين من موضع في
البدن، ينقض الوضوء، إذا كان مما دون المعدة، وإن كان فوقها لا ينقض
الوضوء، وبه قال الشافعي، إلا أن له فيما فوق المعدة قولين.
دليلنا: قوله تعالى: أو جاء أحد منكم من الغائط، والغائط عبارة عن
الحدث المخصوص، ولم يفرق.
وروى زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: لا يوجب الوضوء، إلا من
غائط أو بول أو ضرطة أو فسوة تجد ريحها، وهذا عام.
فإن قيل: هذا يوجب أن ينقض ما يخرج من فوق المعدة، قلنا: ما يخرج
من فوق المعدة لا يكون غائطا أصلا، فلا يتناوله الاسم.
مسألة 59: إذا أدخل ذكره في دبر امرأة أو رجل أو في فرج بهيمة أو فرج
ميتة، فلأصحابنا في الدبر روايتان: إحديهما: أن عليه الغسل، وبه قال جميع
الفقهاء. والأخرى: لا غسل عليه، ولا على المفعول به، ولا يوافقهم على هذه
الرواية أحد.
فأما فرج الميتة فلا نص لهم فيه أصلا. وقال جميع أصحاب الشافعي: إن
عليه الغسل. وقال أصحاب أبي حنيفة: لا يجب عليه الغسل، ولا إذا أدخل في
فرج البهيمة.
والذي يقتضيه مذهبنا أن لا يجب الغسل في فرج البهيمة، فأما فرج الميتة،
فالظاهر يقتضي أن عليه الغسل، لما روي عنهم: من أن حرمة الميت كحرمة
الحي، ولأن الظواهر المتضمنة لوجوب الغسل على من أولج في الفرج تدل على
ذلك لعمومها، وطريقة الاحتياط تقتضيه.
ونصرة الرواية الأخرى أن الأصل براءة الذمة وعدم الوجوب، وشغلها
55

بوجوب الغسل يحتاج إلى دليل، وروي عنهم عليه السلام أنهم قالوا: اسكتوا
عما سكت الله عنه.
وأما اختلاف الأحاديث من طريق أصحابنا، فقد بينا الوجه في الكتابين
المقدم ذكرهما.
مسألة 60: المذي والودي والوذي لا ينقضان الوضوء، ولا يغسل منهما الثوب.
وخالف جميع الفقهاء في ذلك، وأوجبوا منهما الوضوء، وغسل الثوب.
دليلنا: إجماع الفرقة، وصحة الوضوء، ونواقضه تحتاج إلى دليل.
وروى زيد الشحام وزرارة ومحمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام أنه
قال: إن سأل من ذكرك شئ من مذي أو ودي، فلا تغسله تقطع له الصلاة ولا
تنقض له الوضوء، إنما ذلك بمنزلة النخامة، وكل شئ خرج منك بعد
الوضوء فإنه من الحبائل.
وروي عن أبي عبد الله عليه السلام: إن سأل من ذكرك شئ من وذي
ودي وأنت في الصلاة، فلا تغسله ولا تقطع الصلاة ولا تنقض له الوضوء، وإن
بلغ عقبيك، فإنما ذلك بمنزلة النخامة، وكل شئ خرج منك بعد الوضوء
فإنه من الحبائل، أو من البواسير وليس بشئ، فلا تغسله من ثوبك، إلا أن
تقذره.
وقد بينا ما اختلف من الأخبار في هذا المعنى في كتابنا المقدم ذكره.
مسألة 61: ما يخرج من غير السبيلين، مثل القئ والرعاف والفصد وما
أشبهها، لا ينقض الوضوء، وبه قال الشافعي، وهو المروي عن ابن عباس وابن
عمر وعبد الله بن أبي أوفى وغيرهم من الصحابة وسعيد بن المسيب والقاسم بن
محمد ومالك.
56

وقال أبو حنيفة: ينتقض الوضوء بالدم إذا خرج فظهر، وبالقئ إذا كان
ملء الفم وقال: البلغم والبصاق لا ينقضان الوضوء.
وقال أبو يوسف وزفر: إن البلغم إن كان نجسا نقض الوضوء، قليلا كان أو
كثيرا، وإن كان طاهرا لا ينقض الوضوء، إلا إذا كان ملء الفم.
دليلنا: ما قدمناه من ثبوت حكم الطهارة، وأن نقضها يحتاج إلى دليل،
وأيضا عليه إجماع الفرقة لا يختلفون في ذلك.
وروى ابن أبي عمير عن ابن أذينة عن زيد الشحام قال: سألت أبا عبد الله عليه
السلام عن القئ هل ينقض الوضوء؟ قال: لا.
وروى سماعة عن أبي بصير قال: سمعته يقول: إذا قاء الرجل وهو على طهر
فليتمضمض، وإذا رعف وهو على وضوء فليغسل أنفه، فإن ذلك يجزئه، ولا
يعيد وضوءه.
مسألة 62: القهقهة لا تنقض الوضوء، سواء كانت في الصلاة أو في
غيرها، وبه قال جابر بن عبد الله وأبو موسى الأشعري وعطاء والزهري والشافعي
ومالك وأحمد وإسحاق.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: إن كانت في الصلاة نقضت الوضوء، وبه قال
الشعبي والنخعي والثوري.
دليلنا: ما قدمناه من إجماع الفرقة، وثبوت حكم الطهارة، وأن لا دليل
على أن ذلك ينقض الوضوء.
وروى أديم بن الحر: أنه سمع أبا عبد الله عليه السلام يقول: ليس ينقض
الوضوء إلا ما خرج من طرفيك الأسفلين.
مسألة 63: أكل ما مسته النار، لا ينقض الوضوء، وهو مذهب جميع
الفقهاء والصحابة بأجمعهم، إلا أبا موسى الأشعري وزيد بن ثابت وأنس بن مالك
57

وأبا طلحة وابن عمر وأبا هريرة وعائشة فإنهم قالوا: إنه ينقض الوضوء.
دليلنا: ما قدمناه في المسألة الأولى من الاعتبار والخبر والإجماع، فلا وجه
لإعادته.
مسألة 64: أكل لحم الجزور لا ينقض الوضوء، وبه قال جميع الفقهاء.
وقال أحمد: إنه ينقض الوضوء.
دليلنا: ما قدمناه في المسألة الأولى، فلا وجه لإعادته.
مسألة 65: من تيقن الطهارة وشك في الحدث لم يجب عليه الطهارة،
وطرح الشك، وبه قال أبو حنيفة والشافعي.
وقال مالك: يبني على الشك، ويلزمه الطهارة.
وقال الحسن: إن كان في الصلاة بنى على اليقين وهو الطهارة، وإن كان
خارج الصلاة، بنى على الشك، وأعاد الوضوء احتياطا.
دليلنا: ما قدمناه من أن الطهارة معلومة، فلا يجب العدول عنها، إلا بأمر
معلوم، والشك لا يقابل العلم ولا يساويه، فوجب طرحه، وعليه إجماع الفرقة.
وروى عبد الله بن بكير عن أبيه قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: إذا
استيقنت أنك قد توضأت، فإياك أن تحدث وضوء أبدا حتى تستيقن أنك قد
أحدثت.
وعن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: لا ينقض اليقين أبدا بالشك،
ولكن ينقضه يقين آخر.
مسألة 66: إذا التقى الختانان وجب الغسل، سواء أنزل أو لم ينزل، وبه
قال جميع الفقهاء، إلا داود وقوما ممن تقدم، مثل أبي سعيد الخدري وأبي بن
كعب وزيد بن ثابت وغيرهم.
58

دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وطريقة الاحتياط تقتضيه أيضا.
وروى أبو هريرة: أن النبي صلى الله عليه وآله قال: إذا قعد بين شعبها
الأربع والتصق ختانه بختانها فقد وجب الغسل، أنزل أو لم ينزل.
وروى أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن إسماعيل قال: سألت الرضا
عليه السلام عن الرجل يجامع قريبا من الفرج فلا ينزلان، متى يجب الغسل؟
فقال: إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل، قلت: التقاء الختانين هو غيبوبة
الحشفة؟ قال: نعم.
مسألة 67: إذا أنزل بعد الغسل وجب عليه الغسل، سواء كان بعد البول
أو قبله، فإن رأى بللا دون الإنزال، وكان قد بال لم يجب عليه الغسل، وإن لم
يكن بال، كان عليه إعادة الغسل.
وقال الشافعي: إذا أنزل بعد الغسل وجب عليه الغسل، سواء كان قبل
البول أو بعده.
وقال مالك: لا غسل عليه، سواء كان قبل البول أو بعده.
وقال الأوزاعي: إن كان قبل البول، فلا غسل عليه، وإن كان بعد البول
فعليه الغسل.
وقال أبو حنيفة: إن كان قبل البول فعليه الغسل، وإن كان بعده فلا غسل
عليه.
دليلنا: إجماع الفرقة وطريقة الاحتياط. وقوله صلى الله عليه وآله الماء من
الماء، وذلك عام في كل من أنزل.
وروى عنبسة بن مصعب عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان علي عليه
الصلاة والسلام لا يرى في شئ الغسل، إلا في الماء الأكبر.
فأما التفصيل الذي بيناه في حكم البلل، فيدل عليه إجماع الفرقة.
وروى معاوية بن ميسرة قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول في رجل
59

رأى بعد الغسل شيئا، قال: إن كان بال بعد جماعه قبل الغسل فليتوضأ، وإن
لم يبل حتى اغتسل، ثم وجد البلل فليعد الغسل.
مسألة 68: من أمنى من غير أن يلتذ به، وجب عليه الغسل، وبه قال
الشافعي وأصحابه. وقال أبو حنيفة: لا يجب عليه الغسل، إلا أن يلتذ بخروجه.
دليلنا: ما قدمناه في المسألة الأولى سواء، وقوله صلى الله عليه وآله: الماء
من الماء، وقوله عليه السلام: الغسل من الماء الأكبر، يدل على ذلك.
مسألة 69: الكافر إذا أسلم لم يجب عليه الغسل، بل يستحب ذلك، وبه
قال الشافعي. وقال مالك وأحمد: عليه الغسل.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، وإيجاب الغسل على من أسلم يحتاج إلى
شرع.
وأيضا فقد علمنا أن جماعة أسلموا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله،
ولم ينقل أنه صلى الله عليه وآله أمرهم بالغسل.
وروي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: آمره بذلك، لأنه مستحب.
مسألة 70: الكافر إذا تطهر أو اغتسل من جنابة، ثم أسلم لم يعتد بهما، وبه
قال الشافعي. وقال أبو حنيفة: إنه يعتد بهما.
دليلنا: ما بيناه من أن هاتين الطهارتين تحتاجان إلى نية القربة، والكافر لا
يصح منه نية القربة في حال كفره، لأنه غير عارف بالله تعالى، فوجب أن لا
يجزئه.
مسألة 71: إمرار اليد على البدن في الغسل من الجنابة غير لازم، وبه قال
الشافعي وأبو حنيفة وغيرهما. وقال مالك: يلزمه ذلك.
60

دليلنا: قوله تعالى: حتى تغتسلوا، وقوله: وإن كنتم جنبا فاطهروا، وهذا قد
اغتسل، وتسمى بذلك.
وأيضا الأصل براءة الذمة، وشغلها يحتاج إلى دليل، وعليه إجماع الفرقة.
وروى زرارة قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن غسل الجنابة فقال: لو
أن رجلا ارتمس في الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلك وإن لم يدلك جسده.
مسألة 72: يجوز للرجل والمرأة أن يتوضأ كل واحد منهما بفضل وضوء
صاحبه، وبه قال الشافعي.
وقال أحمد بن حنبل: لا يجوز للرجل أن يتوضأ بفضل وضوء المرأة.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا قوله تعالى: فلم تجدوا ماء فتيمموا، ولم
يفرق.
وروى ابن مسكان، عن رجل، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له:
أيتوضأ الرجل بفضل وضوء المرأة؟ قال: نعم، إن كانت تعرف الوضوء
وتغسل يدها قبل أن تدخلهما الإناء.
مسألة 73: الفرض في الغسل، إيصال الماء إلى جميع البدن، وفي
الوضوء إلى أعضاء الطهارة، وليس له قدر لا يجوز أقل منه، إلا أن المستحب أن
يكون الغسل بتسعة أرطال، والوضوء بمد، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة ومحمد: لا يجزئ في الغسل أقل من تسعة أرطال، ولا في
الوضوء أقل من مد.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا قوله تعالى: فاغسلوا وجوهكم وأيديكم، وقد
يكون غاسلا وإن استعمل أقل من الصاع والمد. وأيضا تقدير ذلك يحتاج إلى
دليل، والأصل براءة الذمة.
وروى إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه: أن عليا عليه السلام كان يقول:
61

الغسل من الجنابة والوضوء، يجزئ منه ما أجزأ من الدهن الذي يبل الجسد.
فأما الاستحباب، فقد روى حريز عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال:
كان رسول الله صلى الله عليه وآله يتوضأ بمد، ويغتسل بصاع، والمد: رطل
ونصف. والصاع: ستة أرطال، يعني رطل المدينة.
مسألة 74: من وجب عليه الوضوء وغسل الجنابة، أجزأه عنهما الغسل،
وبه قال جميع الفقهاء، إلا الشافعي فإن له ثلاثة أقوال:
أحدها: مثل ما قلناه، وعليه يعتمد أصحابه.
والثاني: أنه يجب عليه أن يتطهر ثم يغتسل، أو يتطهر بعد أن يغتسل.
والثالث: أنه يجب عليه أن يتطهر أولا، فيسقط عنه فرض غسل الأعضاء
الأربعة في الغسل، ويأتي بما بقي، وقد أجزأه.
دليلنا: قوله تعالى: وإن كنتم جنبا فاطهروا، يعني اغتسلوا، ولم يفرق.
وأيضا إجماع الفرقة.
وروى محمد بن مسلم قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: إن أهل الكوفة
يروون عن علي عليه السلام: أنه كان يأتي بالوضوء قبل الغسل من الجنابة. قال:
كذبوا على علي عليه السلام، ما وجدوا ذلك في كتاب علي عليه السلام، قال الله
تعالى: وإن كنتم جنبا فاطهروا.
مسألة 75: الترتيب واجب في غسل الجنابة، يبدأ بغسل رأسه، ثم ميامن
جسده، ثم مياسره.
وخالف جميع الفقهاء في ذلك.
دليلنا: إجماع الفرقة وطريقة الاحتياط، لأنه إذا رتب طهر بالإجماع، وإذا
لم يرتب، فيه خلاف.
وروى حماد عن حريز عن زرارة قال: قلت له: كيف يغتسل الجنب؟
62

فقال: إن لم يكن أصاب كفه شئ غمسها في الماء، ثم بدأ بفرجه فأنقاه بثلاث
غرف، ثم صب على رأسه ثلاث أكف، ثم صب على منكبه الأيمن مرتين، وعلى
منكبه الأيسر مرتين، فما جرى عليه الماء فقد أجزأه.
مسألة 76: التيمم إذا كان بدلا من الوضوء يكفي فيه ضربة واحدة لوجهه
وكفيه، وبه قال الأوزاعي وسعيد بن المسيب ومالك وأحمد وإسحاق.
وإذا كان بدلا من الغسل فضربتان: ضربة للوجه، وضربة للكفين.
وقال الشافعي: التيمم ضربتان على كل حال، ضربة للوجه يستغرق
جميعه، وضربة لليدين إلى المرفقين، وقد ذهب إليه قوم من أصحابنا، وبه قال عمر
وجابر والحسن البصري والشعبي ومالك وليث بن سعد والثوري وأبو
حنيفة وأصحابه. ورووا ذلك عن علي عليه الصلاة والسلام أنه قال: يضرب
ضربتين، ضربة لوجهه، وضربة لكفيه. وحكي ذلك عن الشافعي في القديم،
وكذلك حكي عن مالك. فالفرق بين الطهارتين منفرد به.
وفي أصحابنا من قال بضربة واحدة في الموضعين جميعا، اختاره المرتضى.
وقال ابن سيرين: يضرب ثلاث ضربات: ضربة لوجهه، وضربة للكفين،
وضربة للذراعين.
وذهب الزهري إلى أنه يمسح يديه إلى المنكبين.
دليلنا: قوله تعالى: فامسحوا بوجوهكم وأيديكم، ومن مسح دفعة
واحدة، فقد مسح. فيجب أن يجزئه، والزيادة تحتاج إلى دليل، ولا يلزمنا مثل
ذلك في الغسل، لأنا إنما أثبتناه بدليل.
وروى حريز عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت كيف التيمم؟
قال: هو ضرب واحد للوضوء، وللغسل من الجنابة تضرب بيدك مرتين، ثم
تنفضهما نفضة للوجه، ومرة لليدين، ومتى أصبت الماء فعليك الغسل إن كنت
جنبا، والوضوء إن لم تكن جنبا.
63

مسألة 77: يجب أن يكون التيمم بالتراب أو ما كان من جنسه من
الأحجار ولا يلزم أن يكون ذا غبار.
ولا يجوز التيمم بالزرنيخ، وغير ذلك من المعادن وبه قال الشافعي، إلا أنه
اعتبر التراب أو الحجر إذا كان ذا غبار.
وقال أبو حنيفة: كل ما كان من جنس الأرض أو متصلا بها مثل الثلج
والصخر، يجوز التيمم به، وبه قال مالك، إلا أنه اعتبر أن يكون من جنس الأرض
وما يتصل بها.
وقال الثوري والأوزاعي: يجوز التيمم بالأرض، وبكل ما عليها، سواء كان
متصلا بها أو غير متصل، كالثلج والملح وغير ذلك.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا قوله تعالى: فتيمموا صعيدا طيبا، والصعيد:
هو التراب الذي لا يخالط غيره من السبخ والرمل، ذكر ذلك ابن دريد، وحكاه
عن أبي عبيدة وغيره من أهل اللغة، فمن تيمم بغير ما قلناه لم يكن ممتثلا للآية.
وروى حريز عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام: عن الرجل يكون
معه اللبن، أيتوضأ منه للصلاة؟ قال: لا، إنما هو الماء والصعيد.
مسألة 78: لا يجوز التيمم بتراب قد خالط نورة أو زرنيخا أو كحلا أو
مائعا غير الماء، غلب عليه أو لم يغلب عليه.
وقال الشافعي وأصحابه: إذا غلب عليه لا يجوز التيمم به، وإذا لم يغلب عليه
فيه قولان.
قال المروزي: يجوز التيمم به إذا لم يغلب عليه. وقال الباقون من أصحابه:
لا يجوز.
دليلنا: قوله تعالى: فتيمموا صعيدا طيبا، والصعيد قد بينا: أنه التراب أو
الأرض، وهذا ليس بتراب محض، ولا أرض، والخبر الذي قدمناه أيضا يؤيده.
64

مسألة 79: التراب المستعمل في التيمم، يجوز التيمم به دفعة أخرى.
وصورته: أن يجمع ما ينتشر في التيمم من التراب، ويتيمم به. وإن كان الأفضل
نفض اليدين قبل التيمم حتى لا يبقى فيهما شئ من التراب.
وقال أكثر أصحاب الشافعي: أنه لا يجوز. وحكي عن بعض أصحابه: إنه
يجوز.
دليلنا: قوله تعالى: فتيمموا صعيدا طيبا، وهذا صعيد. والخبر الذي قدمناه
أيضا يدل على ذلك.
مسألة 80: يكره التيمم بالرمل، إلا أنه يجزئ ذلك.
وللشافعي فيه قولان، وقال بعض أصحابه: فيه قول واحد، لكن على
اختلاف حالين: إذا كان الرمل فيه تراب يعلق باليد يجوز التيمم به، وإذا لم يكن
فيه تراب لم يجز.
دليلنا: قوله تعالى: فتيمموا صعيدا، والصعيد: هو الأرض على ما بيناه
والرمل يسمى أرضا، ولأجل ذلك يقال: أرض رمل، كما يقال: أرض صخر،
وأرض حصى، فينبغي أن يجوز التيمم به.
مسألة 81: إذا ترك شيئا من المقدار الذي يجب مسحه في التيمم لم
يجزه.
وقال الشافعي: إذا أبقى شيئا من موضع التيمم، قليلا كان أو كثيرا لم يجزه
كما قلناه، فإن كان تركه ناسيا وذكر قبل أن يتطاول الزمان مسح عليه، وإن
تطاول الزمان، فيه قولان: أحدهما: يستأنف. والثاني: يبني. و
قال أبو حنيفة: إن كان ما تركه دون الدرهم لم يجب عليه شئ، وإن كان
أكثر منه لم يجزه.
دليلنا: ما قدمناه من كيفية التيمم، وأنه يجب عليه أن يمسح على ظهر كفيه
65

ووجهه إلى طرف أنفه، فإذا ترك شيئا منه فقد خالف الظاهر.
مسألة 82: الترتيب واجب في التيمم: يبدأ بمسح وجهه، ثم يمسح كفيه
يقدم اليمين على الشمال، وبه قال الشافعي، إلا في تقديم اليمين على الشمال.
وقال أبو حنيفة: لا يجب فيه الترتيب.
دليلنا: ما قلناه في وجوب الترتيب في الوضوء سواء وطريقة الاحتياط
تقتضيه.
مسألة 83: الموالاة واجبة في جميع التيمم. وخالف جميع الفقهاء في ذلك.
دليلنا: أنه لا يجوز التيمم، إلا عند تضيق الوقت، فلو لم يوال لخرج الوقت
وفاتت الصلاة.
مسألة 84: من قطعت يداه من الذراعين سقط عنه فرض التيمم فيهما.
وقال الشافعي: يتيمم فيما بقي إلى المرفقين.
دليلنا: أنا قد بينا أن الفرض يتعلق بمسح ظاهر الكفين، فإذا لم يكونا
فإيجاب غيرهما يحتاج إلى دليل.
مسألة 85: من تيمم لصلاة، جاز له أن يؤدي النوافل والفرائض به، ولا
فرق بين أن ينوي بالتيمم الدخول في النافلة أو الفريضة.
وقال الشافعي: إذا تيمم للنافلة لم يجز أن يصلي فريضة به، ووافقنا أبو حنيفة
فيما قلناه.
دليلنا: قوله تعالى: إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم، وقد بينا أن
المراد بقوله: فاغسلوا، كأنه قال: للصلاة، ثم قال في آخر الآية: فلم تجدوا ماء
66

فتيمموا، فكان تقديره: فتيمموا للصلاة، وذلك عام في جميع الصلوات،
وتخصيصه يحتاج إلى دليل، وعليه إجماع الفرقة.
وروى حريز عن زرارة قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: يصلي الرجل
بتيمم واحد صلاة الليل والنهار كلها؟ فقال: نعم.
مسألة 86: من وجب عليه الغسل من الجنابة ولم يجد ماءا جاز له أن
يتيمم ويصلي، وهو مذهب جميع الصحابة والفقهاء.
وروي عن عمر وابن مسعود أنهما قالا: لا يجوز ذلك.
دليلنا: قوله تعالى: أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا، وقد بينا أن
الملامسة المراد بها الجماع. وأيضا عليه إجماع الفرقة.
وروى حريز عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
رجل أجنب فتيمم بالصعيد وصلى، ثم وجد الماء، فقال: لا يعيد، إن رب الماء
رب الصعيد، فقد فعل أحد الطهورين.
مسألة 87: إذا تيمم الرجل الجنب بنية أنه يتيمم عن الطهارة الصغرى،
وكان قد نسي الجنابة، قال الشافعي: يجوز له الدخول به في الصلاة.
وهذه المسألة لا نص لأصحابنا فيها على التعيين، والذي يقتضيه المذهب:
أنه لا يجوز له أن يدخل به في الصلاة، لأن التيمم يحتاج إلى نية، أنه بدل من
الوضوء، أو بدل من الجنابة، وإذا لم ينو ذلك لم يصح التيمم، وينبغي أن يعيد
التيمم.
وأيضا فإن كيفية التيمم تختلف على ما قدمناه من الضربة والضربتين.
وأيضا طريقة الاحتياط تقتضي إعادة التيمم، لأنه يصير داخلا في صلاته
بيقين.
وإن قلنا أنه متى نوى بتيممه استباحة الصلاة من حدث، جاز له الدخول في
67

الصلاة، كان قويا، والأحوط الأول.
مسألة 88: إذا وجد المتيمم الماء قبل الدخول في الصلاة، انتقض تيممه،
ووجبت عليه الطهارة، هو مذهب جميع الفقهاء وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن: لا
يبطل.
دليلنا: أن الله تعالى أوجب التيمم للدخول في الصلاة بشرط فقد الماء، فلا
يجوز الدخول فيها به مع وجود الماء، وأيضا عليه إجماع الفرقة.
وروى ابن أبي عمير عن ابن أذينة وابن بكير عن زرارة عن أبي عبد الله عليه
السلام في رجل تيمم، قال: يجزئه ذلك إلى أن يجد الماء.
مسألة 89: من وجد الماء بعد دخوله في الصلاة، لأصحابنا فيها روايتان:
إحداهما - وهو الأظهر -: أنه إذا كبر تكبيرة الإحرام، مضى في صلاته، وهو
مذهب الشافعي ومالك وأحمد وأبي ثور.
الثانية: أنه يخرج ويتوضأ إذا لم يركع.
وقال أبو حنيفة والثوري: تبطل صلاته، وعليه استعمال الماء أي وقت كان،
إلا إذا دخل في صلاة العيدين، أو دخل في صلاة الجنازة، أو وجد سؤر الحمار.
وقال الأوزاعي: يمضي في صلاته، وتكون نافلة، ثم يتطهر، ويعيدها.
وقال المزني: تبطل صلاته بكل حال.
دليلنا: أن من دخل في صلاة بتيمم دخل فيها دخولا صحيحا بلا خلاف،
فلا يوجب عليه قطع الصلاة إلا بدليل، وليس في الشرع ما يدل على ذلك.
أما الرواية الأخرى، فرواها عبد الله بن عاصم قال: سألت أبا عبد الله عليه
السلام عن الرجل لا يجد الماء فيتيمم ويقوم في الصلاة، فجاء الغلام فقال: هو ذا
الماء فقال: إن كان لم يركع، فلينصرف وليتوضأ، وإن كان قد ركع فليمض
في صلاته.
68

مسألة 90: من صلى بتيمم ثم وجد الماء، لم يجب عليه إعادة الصلاة، وهو
مذهب جميع الفقهاء. وقال طاووس: عليه الإعادة.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا فإنه قد صلى بالتيمم بحكم الشرع، والإعادة
تحتاج إلى دليل شرعي.
وروى عبد الله بن سنان قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إذا لم
يجد الرجل طهورا، وكان جنبا، فليمسح من الأرض وليصل، فإذا وجد الماء
فليغتسل، وقد أجزأته صلاته التي صلى.
مسألة 91: لا بأس أن يجمع بين صلاتين بتيمم واحد، فرضين كانا أو
نفلين، أدائين أو فائتين، وعلى كل حال، في وقت واحد أو وقتين.
وقال الشافعي: لا يجوز أن يجمع بين صلاتي فرض، ويجوز أن يجمع بين
فريضة واحدة وما شاء من النوافل، وهو المحكي عن ابن عمر وابن عباس، وبه
قال مالك وأحمد.
وقال أبو حنيفة، والثوري: يجوز ذلك على كل حال، كما قلناه، وهو
مذهب سعيد بن المسيب والحسن البصري.
وقال أبو ثور: يصلي فريضتين في وقت واحد، ولا يصلي فريضتين في وقتين.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا قوله تعالى: فلم تجدوا ماء فتيمموا، وقد بينا
أن معناه: فتيمموا للصلاة، وذلك يفيد جنس الصلاة، فوجب حمله على العموم.
وروى محمد بن سعيد عن السكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهم
السلام قال: لا بأس بأن يصلي صلاة الليل والنهار بتيمم واحد ما لم يحدث أو
يصيب الماء.
مسألة 92: التيمم لا يرفع الحدث، وإنما يستباح به الدخول في الصلاة،
وبه قال كافة الفقهاء، إلا داود، وبعض أصحاب مالك فإنهم قالوا: يرفع
69

الحدث.
دليلنا: أنه لا خلاف أن الجنب إذا تيمم وصلى، ثم وجد الماء وجب عليه
الغسل، فلو كان الحدث قد زال بالتيمم، لما وجب عليه الغسل، لأن رؤية الماء
لا توجب الغسل، ألا ترى أنه إذا كان محدثا وتيمم ثم وجد الماء، لم يجب عليه
الغسل وإنما وجب عليه الوضوء، فعلم بذلك إن الحدث باق.
وروي: أن عمرو بن العاص أجنب في بعض الغزوات فخشي أن يغتسل
لشدة البرد فتيمم وصلى، فلما قدم على النبي صلى الله عليه وآله ذكر له ذلك
فقال: صليت بأصحابك وأنت جنب؟ فذكر له العذر وقال: خشيت أن أهلك،
فضحك ولم يقل شيئا، فسماه النبي صلى الله عليه وآله جنبا، ولو كان حدثه قد
ارتفع به لما سماه جنبا.
مسألة 93: يجوز للمتيمم، أن يصلي بالمتوضئين على كراهية فيه، وبه قال
جميع الفقهاء من غير كراهية فيه. وقال محمد بن الحسن: لا يجوز.
دليلنا: قوله تعالى: فلم تجدوا ماء فتيمموا، وقد بينا أن المراد به فتيمموا
للدخول في الصلاة، ولم يفصل بين أن يكون إماما أو منفردا، فوجب حملها على
العموم.
وروى ابن أبي عمير عن محمد بن حمران وجميل عن أبي عبد الله عليه
السلام: أنهما سألاه عن إمام قوم أصابته جنابة في السفر، وليس معه من الماء ما
يكفيه للغسل، أيتوضأ بعضهم ويصلي بهم؟ فقال: لا، ولكن يتيمم الجنب ويصلي
بهم، فإن الله عز وجل جعل التراب طهورا، كما جعل الماء طهورا.
مسألة 94: لا يجوز التيمم، إلا في آخر الوقت عند الخوف من فوت الصلاة.
وقال أبو حنيفة: يجوز التيمم قبل دخول الوقت. وقال الشافعي: لا يجوز إلا
بعد دخول الوقت، ولم يعينه.
70

دليلنا: طريقة الاحتياط، لأنه لا خلاف في أنه تيمم في آخر الوقت وصلى،
فإن صلاته صحيحة ماضية، واختلفوا إذا تيمم قبل ذلك، وليس في الشرع ما
يدل على صحة ما قالوه.
وأيضا روى محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول:
إذا لم تجد ماء وأردت التيمم، فأخر التيمم إلى آخر الوقت، فإن فاتك الماء، لم
تفتك الأرض.
وروى زرارة عن أحدهما عليهما السلام قال: إذا لم يجد المسافر الماء،
فليطلب ما دام في الوقت، فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمم وليصل في آخر
الوقت، فإذا وجد الماء فلا قضاء عليه، وليتوضأ لما يستقبل.
مسألة 95: طلب الماء واجب، ومن تيمم من غير طلب لم يصح تيممه، وبه
قال الشافعي. وقال أبو حنيفة: الطلب ليس بواجب.
دليلنا: طريقة الاحتياط، لأنه لا خلاف أن من طلب الماء فلم يجد ثم تيمم
يكون تيممه صحيحا، ولا دليل على صحة تيممه مع فقد الطلب، وفيه الخلاف.
وأيضا عليه إجماع الفرقة.
والخبر الذي رواه زرارة في المسألة الأولى يتضمن الأمر بالطلب، لأنه قال:
فليطلب ما دام في الوقت، فإذا خاف الفوت تيمم، وهذا صريح في وجوب الطلب
لأنه أمر.
وروى النوفلي عن السكوني، عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي عليهم
السلام أنه قال: يطلب الماء في السفر، إن كانت الحزونة فغلوة سهم، وإن كانت
سهولة فغلوتين، لا يطلب أكثر من ذلك. وهذا صريح أيضا، وقد بينا الكلام على
ما يخالف هاتين الروايتين في الكتابين المقدم ذكرهما.
مسألة 96: كل سفر فقد فيه الماء، يجوز فيه التيمم، طويلا كان أو قصيرا،
71

وبه قال جميع الفقهاء.
وحكي عن بعضهم أنه قال: إنما يجوز في السفر الطويل الذي يقصر فيه
الصلاة.
دليلنا: قوله تعالى: وإن كنتم مرضى أو على سفر إلى قوله: فلم تجدوا ماء
فتيمموا، ولم يفصل، وكذلك الأخبار الواردة في إيجاب التيمم لمن عدم الماء،
وليس فيها تفصيل سفر دون سفر.
مسألة 97: المقيم الصحيح الذي فقد الماء، بأن يكون في قرية لها بئر أو
عين نضب ماؤها، وضاق وقت الصلاة، يجوز أن يتيمم ويصلي، ولا إعادة عليه،
وكذلك إذا حيل بينه وبين الماء، وبه قال مالك والأوزاعي، وبمثله قال
الشافعي، إلا أنه قال: إذا وجد الماء توضأ وأعاد الصلاة، وبه قال محمد بن
الحسن.
وقال زفر: لا يتيمم ولا يصلي بل يصبر حتى يجد الماء.
وعن أبي حنيفة روايتان: إحديهما: مثل قول محمد، والأخرى: مثل قول
زفر.
دليلنا: قوله تعالى: أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم
تجدوا ماء فتيمموا، فإن قيل: قال في أول الآية: وإن كنتم مرضى أو على سفر،
فشرط في جواز التيمم، السفر أو المرض أو الحدث.
قلنا: ظاهر الآية يفيد إن كل واحد من هذه الشرائط، يبيح التيمم، لأنه
عطف بعضها على بعض ب‍ " أو " فاقتضى ذلك أنه يكون السفر بمجرده يبيح
التيمم إذا لم يجد الماء، وكذلك المرض، وكذلك المجئ من الغائط. وليس
يجب أن يجعل الإتيان من الغائط شرطا مع وجود السفر، كما لا يجب أن يجعل
المرض شرطا مع وجود السفر، وعليه إجماع الفرقة.
وروى عبد الله بن سنان قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إذا لم
72

يجد الرجل طهورا وكان جنبا، فليمسح من الأرض، وليصل، فإذا وجد ماءا
فليغتسل، وقد أجزأته صلاته التي صلى، وهذا عام، فإنه لم يفصل.
وروى عبد الله بن أبي يعفور وعنبسة بن مصعب عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: إذا أتيت البئر وأنت جنب، فلم تجد دلوا، ولا شيئا تغرف به فتيمم بالصعيد،
فإن رب الماء رب الصعيد، ولا تقع في البئر، ولا تفسد على القوم ماءهم فأجاز له
التيمم مع وجود الماء، إذا لم يقدر على أخذه، فكيف إذا عدمه أصلا.
فأما وجوب الإعادة فيحتاج إلى دلالة شرعية، لأنها فرض ثان، وخبر
عبد الله بن سنان صريح بأنه لا إعادة عليه.
وروى يعقوب بن يقطين قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل تيمم
وصلى، فأصاب بعد صلاته ماءا، أيتوضأ ويعيد الصلاة؟ أم تجوز صلاته؟ قال:
إذا وجد الماء قبل أن يمضي الوقت، توضأ وأعاد، فإن مضى الوقت فلا إعادة عليه
وهذا أيضا عام، وإنما أوجب إعادة الصلاة، إذا لم يخرج الوقت لأنه يكون قد
صلى قبل تضييق الوقت بتيمم وذلك لا يجوز.
مسألة 98: من صلى بتيمم، جاز له أن يتنفل بعدها ما شاء من النوافل
والفرائض على ما بيناه، ولا يجوز أن يتنفل قبلها. وللشافعي قولان:
أحدهما: يجوز، ذكر ذلك في الأم، والآخر: لا يجوز، ذكر ذلك في
البويطي. وقال مالك: لا يجوز.
دليلنا: على أنه لا يجوز هو: أن التيمم قد بينا أنه لا يجوز إلا عند تضيق
الوقت، وفي تلك الحال لا يجوز أن يتنفل، لأنه نافلة في وقت فريضة، ولا يمنع
من جواز ذلك لشئ يرجع إلى التيمم، بل لشئ يرجع إلى تضيق الوقت،
وخوف فوت الصلاة.
مسألة 99: إذا تيمم، ثم طلع عليه ركب، لم يجب عليه أن يسألهم الماء،
73

ولا يستدلهم عليه.
وقال الشافعي: يجب عليه ذلك.
دليلنا: أن هذه الحالة، حال وجوب الصلاة، وتضيق وقتها، والخوف من
فوتها، وقد مضى وقت الطلب، فلا يجب عليه ذلك.
مسألة 100: المجدور والمجروح ومن أشبههما ممن به مرض مخوف،
يجوز له التيمم، مع وجود الماء، وهو قول جميع الفقهاء إلا طاووسا ومالكا،
فإنهما قالا: يجب عليهما استعمال الماء.
دليلنا: قوله تعالى: ما جعل عليكم في الدين من حرج، وإيجاب استعمال
الماء على ما ذكرناه من أعظم الحرج، وعليه إجماع الطائفة.
وروى ابن أبي عمير عن محمد بن مسكين وغيره عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: قيل له: إن فلانا أصابته جنابة، وهو مجدور فغسلوه، فمات. فقال: قتلوه، ألا
سألوا؟ ألا يمموه؟ إن شفاء العي السؤال.
وروى أحمد بن محمد بن أبي نصر عن داود بن سرحان عن أبي عبد الله عليه
السلام، في الرجل تصيبه الجنابة وبه جروح أو قروح، أو يخاف على نفسه من
البرد، فقال: لا يغتسل، ويتيمم.
مسألة 101: إذا خاف الزيادة في العلة وإن لم يخف التلف، جاز له أن
يتيمم، وبه قال مالك وأبو حنيفة وعامة الفقهاء، وللشافعي فيه قولان: أحدهما:
يجوز، والآخر: لا يجوز.
دليلنا: قوله تعالى: ما جعل عليكم في الدين من حرج، واستعمال الماء
والحال ما قلناه فيه حرج، والخبر الذي قدمناه عن داود بن سرحان وغيره
صريح بجواز ذلك، لأنه عام، وعلى المسألة إجماع الفرقة.
74

مسألة 102: إذا لم يخف التلف، ولا الزيادة في المرض، غير أنه يشينه
استعمال الماء، ويؤثر في خلقته، ويغير شيئا منه، ويشوه به، يجوز له التيمم،
وللشافعي فيه قولان:
فأما إذا لم يشوه خلقته، ولا يزيد في علته، ولا يخاف التلف، وإن أثر فيه أثرا
قليلا، لا خلاف أنه لا يجوز له التيمم.
دليلنا: ما قدمناه من الآية والأخبار، لأنها عامة في كل خوف.
مسألة 103: المرض الذي لا يخاف منه التلف ولا الزيادة فيه، مثل
الصداع ووجع الضرس وغير ذلك، لا يجوز معه التيمم، وبه قال جميع
الفقهاء، إلا داود وبعض أصحاب مالك، فإنهم قالوا: يجوز ذلك.
دليلنا: قوله تعالى: فلم تجدوا ماء فتيمموا، فشرط في إباحة التيمم، عدم
الماء، وهذا واجد للماء، ولا يلزمنا مثل ذلك، لأنا خصصنا ذلك بالدليل.
مسألة 104: إذا خاف من استعمال الماء لشدة البرد، وأمكنه أن يسخنه،
وجب عليه ذلك بلا خلاف، وإن لم يمكنه، تيمم وصلى، ولا إعادة عليه.
وقال الشافعي: إن أمكنه استعمال جزء من الماء وجب عليه استعماله، وإن
لم يمكنه تيمم وصلى، فإن كان مقيما وجبت عليه الإعادة بلا خلاف بينهم، وإن
كان مسافرا فعلى قولين.
دليلنا: قوله تعالى: ما جعل عليكم في الدين من حرج، وهذا فيه حرج.
وأما الإعادة، فإنها فرض ثان يحتاج إلى دليل، وخبر داود بن سرحان صريح في
ذلك، وقد قدمناه، وعليه إجماع الفرقة.
مسألة 105: من كان في بعض جسده، أو بعض أعضاء طهارته ما لا ضرر
عليه، والباقي عليه جراح أو علة يضر بها وصول الماء إليها، جاز له التيمم، ولا
75

يغسل الأعضاء الصحيحة أصلا، فإن غسلها ثم تيمم كان أحوط.
وقال أبو حنيفة: إن كان الأكثر منها صحيحا غسل الجميع ولا يتيمم، وإن
كان الأكثر سقيما تيمم ولا يغسل.
والذي عليه عامة أصحاب الشافعي، أنه يغسل ما يقدر على غسله ويتيمم،
وقال بعض أصحابه مثل ما قلناه، أنه يقتصر على التيمم.
دليلنا: على جواز التيمم على كل حال، عموم الآية، والأخبار التي قدمناها
ولا يخصص إلا بدليل، وإنما استحببنا الجمع بينهما ليؤدي الصلاة بالإجماع
عليه، وليس عليه في ذلك ضرر.
مسألة 106: إذا حصل في بعض فرجه أو مذاكيره نجاسة لا يقدر على
غسلها لألم فيه أو قرح أو جراح، يغسل ما يمكنه ويصلي، وليس عليه الإعادة.
وقال الشافعي: يغسل ما يمكنه ويصلي، ثم يعيد الصلاة. وقال ابن خيران
من أصحابه: لا يعيد، وهو قوله في القديم، واختيار المزني، وبه قال أبو حنيفة.
دليلنا: الآية التي تلوناها، والأخبار التي قدمناها، من أن من صلى بتيمم لا
إعادة عليه، وهي عامة في جميع ذلك.
مسألة 107: إذا عدم الماء لطهارته، والتراب لتيممه، ومعه ثوب أو لبد
سرج نفضه وتيمم منه. فإن لم يجد إلا الطين، وضع يديه عليه، ثم فركه، وتيمم
وصلى، ولا إعادة عليه.
وقال الشافعي مثل ذلك، إلا أنه قال: يعيد الصلاة، وبه قال أبو يوسف
وأحمد.
وقال أبو حنيفة ومحمد: يحرم عليه الصلاة في هذه الحال.
دليلنا: قوله تعالى: أقم الصلاة لدلوك الشمس، فأوجب إقامة الصلاة عند
الدلوك، ولم يفصل.
76

وأيضا روى الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب عن أبي بصير عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: إذا كنت في حال لا تقدر إلا على الطين فتيمم به، فإن
الله أولى بالعذر، إذا لم يكن معك ثوب جاف أو لبد تقدر أن تنفضه وتتيمم به.
وروى زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن أصابه الثلج فلينظر لبد
سرجه، فيتيمم من غباره أو من شئ معه، وإن كان في حال لا يجد إلا الطين، فلا
بأس أن يتيمم منه. وأما وجوب الإعادة فيحتاج إلى دليل، وليس في الشرع ما
يدل عليه.
مسألة 108: من أجنب نفسه مختارا، اغتسل على كل حال، وإن خاف
التلف أو الزيادة في المرض، وخالف جميع الفقهاء في ذلك.
دليلنا: إجماع الفرقة المحقة.
وروى أبو بصير وسليمان بن خالد جميعا عن أبي عبد الله عليه السلام: أنه
سئل عن رجل كان في أرض باردة، فتخوف إن هو اغتسل أن يصيبه عنت من
الغسل كيف يصنع؟ قال: يغتسل وإن أصابه ما أصابه، قال: وذكر أنه كان
وجعا شديد الوجع، فأصابته جنابة وهو في مكان بارد، وكانت ليلة شديدة
الريح باردة، فدعوت الغلمة فقلت لهم: احملوني فاغسلوني، فقالوا: إنا نخاف
عليك، فقلت لهم: ليس بد، فحملوني ووضعوني على خشبات، ثم صبوا علي
الماء، فغسلوني.
وروى محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل تصيبه
الجنابة في أرض باردة، ولا يجد الماء، وعسى أن يكون الماء جامدا، قال:
يغتسل على ما كان. حدثه رجل أنه فعل ذلك، فمرض شهرا من البرد، فقال:
اغتسل على ما كان فإنه لا بد من الغسل.
مسألة 109: إذا كان في المصر محبوسا، أو في موضع نجس أو مربوطا
77

على خشبة، صلى يومئ إيماءا على حسب ما يقدر عليه، فإن كان موضع سجوده
نجسا سجد على كفه عندنا، وهو مذهب الكافة، إلا ما حكاه الطحاوي عن
أبي حنيفة، أنه قال: لا يصلي.
وللشافعي إذا لم يقدر في موضع السجود إلا على نجاسة قولان: أحدهما:
يسجد عليها، والآخر: لا يسجد ويومئ إيماءا، فأما الإعادة فللشافعي فيها قولان:
أحدهما: يعيد، والآخر: لا يعيد، وهو اختيار المزني.
ثم القول في أيهما هو الفرض؟ فيه ثلاثة أقوال: أحدها الأول، (والثاني)
الثاني. (والثالث) هما جميعا. وقول رابع: وهو أن يثيب الله تعالى على أيهما شاء
ثواب الفرض، وهو قول أبي إسحاق المروزي، فأما على مذهبنا فلا إعادة عليه.
دليلنا: قوله تعالى: أقم الصلاة لدلوك الشمس، وهذا عام في جميع
الأحوال حسب ما يتمكن منها، والقضاء يحتاج إلى دليل.
مسألة 110: الجبائر والجراح والدماميل وغير ذلك، إذا أمكن نزع ما
عليها وغسل الموضع وجب ذلك، فإن لم يتمكن من ذلك بأن يخاف التلف أو
الزيادة في العلة، مسح عليها وتمم وضوءه وصلى، ولا إعادة عليه، وبه قال
أبو حنيفة وأصحابه والشافعي وأصحابه، إلا أنهم قالوا: لا إعادة عليه على قولين.
دليلنا: قوله تعالى: وما جعل عليكم في الدين من حرج، وإيجاب نزع
الجبائر فيه حرج، وأيضا عليه إجماع الفرقة.
وروى عبد الرحمن بن الحجاج قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن
الكسير تكون عليه الجبائر أو تكون به الجراحة، كيف يصنع بالوضوء، وعند
غسل الجنابة، وغسل الجمعة؟ قال: يغسل ما وصل إليه الغسل مما ظهر مما
ليس عليه الجبائر، ويدع ما سوى ذلك مما لا يستطيع غسله ولا ينزع الجبائر
ولا يعبث بجراحته.
وروى عبد الأعلى مولى آل سام قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: عشرت
78

فانقطع ظفري، فجعلت على إصبعي مرارة، فكيف أصنع بالوضوء؟ قال:
يعرف هذا وأشباهه من كتاب الله عز وجل، قال الله تعالى: وما جعل عليكم في
الدين من حرج، امسح عليه.
فأما إعادة الصلاة فتحتاج إلى دليل، والأصل براءة الذمة.
مسألة 111: يجوز المسح على الجبائر، سواء وضعها على طهر أو غير
طهر.
وقال الشافعي: لا يجوز المسح عليها، إلا إذا وضعها على طهر، وهل يلزمه
الإعادة؟ على قولين: وهل يستبيح الصلوات الكثيرة؟ فيه قولان: وهل يمسح
على جميع الجبائر؟ فيه قولان:
والذي نقوله: إنه يجوز له أن يمسح على الجبائر، ولا يجب أن يكون على
طهر، ويلزمه استيعابها، ويجوز له استباحة الصلوات الكثيرة بذلك.
دليلنا: على ذلك الآية التي قدمناها والأخبار، وهي على عمومها. وإيجاب
الإعادة يحتاج إلى دليل.
مسألة 112: يجوز أن يتيمم لصلاة الجنازة مع وجود الماء، ويجوز أن
يصلي عليها وإن لم يتطهر أصلا، وبه قال ابن جرير الطبري والشعبي.
وقال الأوزاعي والثوري وأبو حنيفة وأصحابه: يجوز ذلك بالتيمم ولا يجوز
ذلك من غير تيمم ولا وضوء.
وقال الشافعي: لا يجوز له أن يتيمم أصلا إذا كان واجدا للماء.
دليلنا: إجماع الفرقة فإنهم لا يختلفون في ذلك.
وروى يونس بن يعقوب قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الجنازة
أصلي عليها على غير وضوء؟ فقال: نعم، إنما هو تكبير وتسبيح وتحميد وتهليل،
كما تكبر وتسبح في بيتك على غير وضوء.
79

وروى زرعة عن سماعة قال: سألته عن رجل مرت به جنازة وهو على غير
طهر. قال: يضرب بيده على حائط اللبن فيتيمم به.
مسألة 113: إذا كان معه في السفر من الماء ما لا يكفيه لغسله من الجنابة،
تيمم وصلى، وليس عليه إعادة، وكذلك القول في الوضوء.
وقال الشافعي وأصحابه: إنه يستعمل ما وجده من الماء فيما يكفيه ويتيمم،
وبه قال مالك وعطاء والحسن بن صالح بن حي.
وقال في الإملاء والقديم: يستحب له استعمال الماء، ولا يجب عليه. وهو
قول الزهري والثوري وأبو حنيفة وأصحابه، واختيار المزني.
دليلنا: إجماع الفرقة، فإنهم لا يختلفون فيه.
وروى الحسين بن أبي العلاء قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل
يجنب ومعه من الماء بقدر ما يكفيه لوضوئه للصلاة، أيتوضأ بالماء أو يتيمم؟
قال: يتيمم، ألا ترى أنه جعل عليه نصف الطهور.
مسألة 114: قد بينا أنه لا يجوز التيمم، إلا في آخر الوقت، سواء كان طامعا
في الماء أو آيسا، وعلى كل حال لا يجوز له تقديمه في أول الوقت.
وقال الشافعي: إن كان آيسا من وجود الماء آخر الوقت فالأفضل تقديمه،
وإن كان طامعا فالأفضل تأخيره، وإن تساوى حاله، فيه قولان: أحدهما: إن
تقديمه أفضل، والآخر: إن تأخيره أفضل، وبه قال مالك وأبو حنيفة وعامة
الفقهاء.
دليلنا: ما قدمناه من أن التيمم لا يجوز، إلا في آخر الوقت فإذا ثبت ذلك
بطلت المسألة في التفصيل في الأوقات لأن ذلك إنما يسوع مع جواز التقديم.
مسألة 115: يستحب التيمم من ربي الأرض وعواليها، ويكره من مهابطها،
80

ولم يفرق أحد من الفقهاء بين الموضعين.
دليلنا: إجماع الفرقة.
وروى النوفلي، عن غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير
المؤمنين صلوات الله عليه: لا وضوء من موطأ. قال النوفلي: يعني ما تطأ عليه
برجلك.
وروى غياث بن إبراهيم قال: نهى أمير المؤمنين عليه السلام: أن يتيمم
الرجل بتراب من أثر الطريق.
مسألة 116: من نسي الماء في رحله فتيمم، ثم وجد الماء في رحله، فإن
كان قد فتش وطلب ولم يظفر به، بأن خفي عليه مكانه، أو ظن أنه ليس معه ماء،
مضت صلاته، وإن كان فرط وتيمم، ثم ذكر، وجب عليه إعادة الصلاة.
وقال الشافعي: تجب عليه الإعادة. وحكى أبو ثور قال: سألت أبا عبد الله عن
من نسي في رحله ماء فتيمم وصلى، قال: لا يعيدها.
واختلف أصحابه فيها، منهم من قال: يجوز أن يكون أراد به مالكا أو أحمد
ابن حنبل، فإنهما يكنيان أبا عبد الله، ولم تصح الرواية عن الشافعي.
ومنهم من قال: إن أبا ثور لم يلق مالكا، ولم يرو إلا عن الشافعي، فلا يجوز
أن يكون عني غير الشافعي. وجعل هذا قولا آخر، فاستقر على القولين:
أحدها صلاته مجزئة، وبه قال أبو حنيفة، والثاني لا تجزئ وهو الأصح، وبه
قال مالك، وأبو يوسف.
دليلنا: على أنه إذا لم يفتش لزمته الإعادة، لأنه ترك الطلب، وقد بينا أنه
واجب، فإذا كان واجبا لم يجز التيمم من دونه، وأما إذا طلب ولم يجد، فإنما قلنا
لا يجب عليه الإعادة، لأنه فعل ما أمر به، فإن فرضه في هذا الوقت التيمم والصلاة،
وقد فعلهما، ووجوب الإعادة يحتاج إلى دليل.
81

مسألة 117: إذا وجد الماء بثمن لا يضر به وكان معه الثمن، وجب عليه
شراؤه كائنا ما كان الثمن، وبه قال مالك.
وقال أبو حنيفة: إن وجده بزيادة من ثمنه قليلة، لزمه شراؤه، وإن وجده
بزيادة كثيرة، لم يلزمه شراؤه.
وقال الشافعي: إن وجده بثمن مثله في موضعه وهو غير خائف، لزمه
شراؤه، وإن لم يجد ثمنه، أو وجد الماء بثمن أكثر من مثله في موضعه، لم يلزمه،
وقال أصحابه: ثمن مثله في موضعه. ومنهم من قال: ثمن مثله بمجرى العادة.
دليلنا: قوله تعالى: فلم تجدوا ماء، وهذا واجد، لأنه لا فرق بين أن يجده
مباحا وبين أن يجده بثمن، فوجب حمل الآية على عمومها، وعليه إجماع الفرقة،
وروى صفوان بن يحيى قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل احتاج إلى
الوضوء للصلاة، وهو لا يقدر على الماء فوجد قدر ما يتوضأ به بمائة درهم، أو
بألف درهم، وهو واجد لها، أيشتري ويتوضأ أو يتيمم؟ قال: بل يشتري، قد
أصابني مثل هذا فاشتريت وتوضأت، وما يشترى بذلك مال كثير.
مسألة 118: إذا اجتمع جنب وحائض وميت، ومعهم من الماء ما يكفي
أحدهم، وليس هو ملكا لواحد بعينه، كانوا مخيرين في أن يستعمله واحد منهم،
وإن كان ملكا لأحدهم فهو أولى به.
وقال الشافعي: الميت أحق به.
دليلنا: هو أن هذه فروض اجتمعت، وليس بعضها أولى من بعض، ولا
دليل على التخصيص، فوجب أن يكون على التخيير، وأيضا الروايات اختلفت في
ذلك على وجه لا ترجيح فيها، فحملناها على التخيير.
وروى الحسن التفليسي ويقال له الأرمني قال: سألت أبا الحسن عليه السلام
عن القوم يكونون في السفر، فيموت منهم ميت، ومعهم جنب، ومعهم ماء قليل
قدر ما يكفي أحدهما، أيهما يبدأ به؟ قال: يغتسل الجنب ويترك الميت.
82

وروى محمد بن علي عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال:
قلت له: الجنب والميت يتفقان في مكان لا يكون الماء إلا بقدر ما يكتفي به
أحدهما، أيهما أولى أن يجعل الماء له؟ قال: يتيمم الجنب، ويغسل الميت بالماء.
مسألة 119: إذا اجتمع جنب ومحدث، ومعهما من الماء ما يكفي أحدهما،
كانا مخيرين أيضا. وللشافعي فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: مثل ما قلناه، والثاني: إن المحدث أولى، والثالث: إن الجنب أولى.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 120: إذا عدم الماء، ووجده بالثمن، وليس معه الثمن، فقال له
إنسان: أنا أبيعك بالنسيئة، فإن كان له ما يقضي به ثمنه، لزمه شراؤه، وإن لم
يكن له ما يقضي ذلك، لم يلزمه وعليه التيمم.
وقال الشافعي: يلزمه ولم يفصل.
دليلنا: على أنه إذا كان متمكنا يلزمه، لقول تعالى: فلم تجدوا ماء، ولا فرق
بين أن يجده مباحا أو بثمن يقدر عليه ولا يجحف به. وأما إذا لم يقدر عليه فلا
يلزمه، بدلالة قوله تعالى: فلم تجدوا ماء فتيمموا، وهذا غير واجد للماء، فينبغي أن
يكون فرضه التيمم.
مسألة 121: إذا تطهر للصلاة أو تيمم ثم ارتد ثم رجع إلى الإسلام، لم
تبطل طهارته ولا تيممه. وللشافعي فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: إنهما يبطلان، والثاني: لا يبطلان، والثالث: يبطل التيمم دون
الطهارة.
دليلنا: على أنهما لا يبطلان: إن نواقض الطهارة معروفة، وليس من جملتها
الارتداد، ولأنه لو كان من جملتها، لكان عليه دليل، فمن ادعى أنه ينقضه، فعليه
83

الدلالة ولا يجدها.
مسألة 122: العاصي بسفره إذا عدم الماء، وجب عليه التيمم عند تضييق
الوقت، ويصلي ولا إعادة عليه.
وقال الشافعي: يجب عليه أن يتيمم. وهل يسقط الفرض عنه؟ فيه وجهان:
أحدهما: يسقط، والآخر: لا يسقط.
دليلنا: قوله تعالى: فلم تجدوا ماء فتيمموا، ولم يفرق. ووجوب الإعادة
عليه يحتاج إلى دليل. وقد قدمنا من الأخبار ما يدل على أن من صلى بتيمم ليس
عليه الإعادة وذلك على عمومه.
مسألة 123: إذا جامع المسافر زوجته، وعدم الماء، فإن كان معه من
الماء ما يغسل به فرجه وفرجها، فعلا ذلك وتيمما وصليا، ولا إعادة عليهما، لأن
النجاسة قد زالت، والتيمم عند عدم الماء يسقط به الفرض، وهذا لا خلاف فيه،
فإن لم يكن معهما ماء أصلا فهل يجب عليهما الإعادة، أم لا؟ فيه قولان للشافعي:
أحدهما يجب، والآخر لا يجب.
والذي يقتضيه مذهبنا أنه لا إعادة عليهما.
دليلنا: قوله تعالى: فلم تجدوا ماء فتيمموا، فأوجب على الجنب التيمم ولم
يفرق.
وروى العيص بن القاسم، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام، عن رجل
يأتي الماء وهو جنب، وقد صلى بتيمم؟ قال: يغتسل ولا يعيد الصلاة.
وروى حريز، عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
رجل أجنب فتيمم بالصعيد وصلى، ثم وجد الماء. فقال: لا يعيد، إن رب الماء
رب الصعيد، فقد فعل أحد الطهورين.
وروى عبد الله بن سنان قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إذا لم
84

يجد الرجل طهورا وكان جنبا، فليمسح من الأرض، وليصل، فإذا وجد الماء
فليغتسل وقد أجزأته صلاته التي صلى، ولم يفرقوا في شئ من الأخبار، فوجب
حملها على العموم.
مسألة 124: الحائض إذا انقطع دمها، جاز للرجل وطئها قبل أن تغتسل
أو تتيمم. وقال الشافعي: لا يجوز. وسنتكلم عليها في باب الحيض إن شاء الله
تعالى.
مسألة 125: الجنب إذا عدم الماء، تيمم لاستباحة الصلاة، فإذا تيمم جاز له
أن يستبيح صلوات كثيرة، فرائض ونوافل.
وعند الشافعي يستبيح فرضا واحدا وما شاء من النوافل، وقد مضت هذه
المسألة.
فإن أحدث بعد هذا التيمم ما يوجب الوضوء، ووجد من الماء ما لا يكفيه
لطهارته، أعاد التيمم، ولا يستعمل ذلك الماء. وللشافعي فيه قولان:
أحدهما: مثل ما قلناه، وهو الذي يختاره ويقول به.
والآخر: إنه يستعمل ذلك الماء في أعضاء طهارته ويتيمم للباقي بناءا منه
على المسألة التي مضت، في أنه متى وجد من الماء ما لا يكفي لطهارته استعمل
ذلك الماء فيما يكفيه ويتيمم للباقي. وعندنا أن فرضه التيمم، وقد تكلمنا عليه.
دليلنا: أن حدث الجنابة باق، فينبغي أن يتيمم بدلا من الجنابة، ولا حكم
للحدث الموجب للوضوء على كل حال.
مسألة 126: الماء المستعمل في الوضوء عندنا طاهر مطهر، وكذلك ما
يستعمل في الأغسال الطاهرة بلا خلاف بين أصحابنا.
والمستعمل في غسل الجنابة أكثر أصحابنا قالوا: لا يجوز استعماله في رفع
85

الحدث.
وقال المرتضى: يجوز ذلك، وهو طاهر مطهر. وقال الحسن البصري
والزهري والنخعي، وفي إحدى الروايتين عن مالك وداود: إن الماء المستعمل
طاهر مطهر، ولم يفصلوا.
وقال أبو يوسف: الماء المستعمل نجس، وكان يحكيه عن أبي حنيفة،
وأصحابه يدفعون ذلك عنه.
وقال الشافعي وأصحابه: إن الماء المستعمل طاهر غير مطهر، وبه قال
الأوزاعي، وإحدى الروايتين عن مالك، وهو الظاهر عن أبي حنيفة، وبه قال محمد
وأصحابه.
وحكى أبو ثور عن الشافعي: أنه سأله عن ذلك فتوقف فيه، وحكى عيسى
بن أبان عن الشافعي: إن الماء المستعمل طاهر ومطهر.
دليلنا: قوله تعالى: وينزل عليكم من السماء ماءا ليطهركم به، فبين أن
الماء المطلق يطهر، وهذا ماء مطلق.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: خلق الله الماء طهورا، وقد بينا
أن الطهور هو المطهر، وعليه إجماع الفرقة.
وروى عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا بأس بأن
يتوضأ بالماء المستعمل، وقال: الماء الذي يغسل به الثوب أو يغتسل به الرجل
من الجنابة، لا يجوز أن يتوضأ منه وأشباهه، وأما الذي يتوضأ به الرجل فيغسل به
وجهه ويده في شئ نظيف، فلا بأس أن يأخذه غيره ويتوضأ به.
مسألة 127: إذا بلغ الماء المستعمل قلتين، لأصحاب الشافعي فيه قولان:
أحدهما: يجوز استعماله في الوضوء، والآخر: لا يجوز.
وهذه المسألة تسقط عنا لأنا نجوز استعماله وإن لم يبلغ ذلك. وأما على ما
فصلناه من الفرق بين غسل الجنابة والوضوء فينبغي أن نقول: متى بلغ الماء
86

المستعمل في غسل الجنابة كرا، أنه لا يجوز استعماله، لأنه ثبت فيه المنع من
استعماله قبل أن يبلغ كرا، فإذا بلغ كرا يحتاج إلى دليل في جواز استعماله.
ويمكن أن يقال: إذا بلغ كرا جاز استعماله لظاهر الآيات والأخبار المتناولة
لطهارة الماء، وما نقص عنه أخرجناه بدليل. ولقولهم عليهم السلام: إذا بلغ الماء
كرا لم يحمل خبثا.
مسألة 128: الماء المستعمل في غسل الثوب إذا كان طاهرا، أو غسل فيه
رصاص أو نحاس، يجوز استعماله.
وبه قال الشافعي، وكذلك ما يستعمل في طهارة نفل، كتجديد الوضوء
والمضمضة والاستنشاق وتكرار الطهارة والأغسال المستحبة وما أشبه ذلك.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما: لا يجوز، وبه قال أبو حنيفة، والآخر: يجوز.
دليلنا: على ذلك: الآية والأخبار، والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 129: الماء المستعمل في الطهارة، يجوز استعماله في غسل
النجاسة.
وذهب أكثر أصحاب الشافعي وأبو العباس بن سريج وأبو إسحاق: من أنه
لا يجوز. وقال ابن خيران والأنماطي من أصحابه: يجوز.
دليلنا: ما قدمناه من عموم الآية والأخبار، وإذا ثبت جواز الوضوء به بما
قدمناه ثبت جواز استعماله في إزالة النجاسة، لأن أحدا لا يفرق بينهما.
مسألة 130: إذا ولغ الكلب في الإناء، وجب إهراق ما فيه، وغسل الإناء
ثلاث مرات، إحداهن بالتراب.
وقال الشافعي: يجب غسل الإناء سبع مرات أولاهن بالتراب، وهو قول
الأوزاعي.
87

وقال أبو حنيفة: يجب غسل الإناء إلى أن يغلب على الظن طهارته، ولا
يراعى فيه العدد.
وقال مالك داود: يجب غسل الإناء تعبدا لا لأجل النجاسة، ولا يتقدر فيه
بالعدد.
دليلنا: إجماع الفرقة.
وروى حريز، عن الفضل أبي العباس قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
فضل الهرة والشاة والبقر والإبل والحمار والخيل والبغال والوحش والسباع،
فلم أترك شيئا إلا سألته عنه، فقال: لا بأس به، حتى انتهيت إلى الكلب، فقال:
رجس نجس، لا تتوضأ بفضله، وأصبب ذلك الماء، واغسله بالتراب أول مرة، ثم
بالماء مرتين.
وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله: أنه قال في الكلب يلغ في
الإناء: يغسل ثلاثا أو خمسا أو سبعا، وهذا نص في أن السبع ليست واجبة،
وإنما يجوز الاقتصار على الثلاث والخمس، وذلك يبطل مذهبه.
مسألة 131: الكلب نجس العين، نجس اللعاب، نجس السؤر.
وبه قال ابن عباس، وأبو هريرة، وعروة بن الزبير، وأبو حنيفة وأصحابه
والشافعي وأحمد وإسحاق، غير أنهم كلهم ذهبوا إلى غسل الإناء سبع مرات من
ولوغه غير أبي حنيفة فإنه لم يعتبر العدد. وقال أيضا: إنما هو نجس الحكم لا
نجس العين.
وقال مالك: هو طاهر، وسؤره ولعابه طاهر، يجوز استعماله بالشرب
وغيره، لكن يغسل منه الإناء تعبدا، وبه قال داود.
دليلنا: إجماع الفرقة، وقد صرح بذلك أبو عبد الله عليه السلام في رواية
أبي العباس عنه، حين قال: رجس لا يتوضأ بفضله، وأصبب ذلك الماء، واغسله
بالتراب أول مرة، ثم بالماء. وقد قدمناه في المسألة الأولى.
88

مسألة 132: إذا ولغ كلبان أو كلاب في إناء واحد، كان حكمهما حكم
الكلب الواحد، في أنه لا يجب أكثر من غسل الإناء ثلاث مرات، وهو مذهب
الجميع، إلا أن بعض أصحاب الشافعي حكى أنه قال: يغسل بعد كل كلب
سبع مرات.
دليلنا: قوله صلى الله عليه وآله: إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليهرقه،
وليغسل الإناء، ولم يفرق بين الواحد وما زاد عليه، وذلك يتناول الجنس الذي
يقع على القليل والكثير، وكذلك خبر زرارة، والفضل مثل ذلك.
مسألة 133: إذا ولغ الكلب في إناء، وجب غسله ثلاث مرات إحداهن
بالتراب، وهي من جملة الثلاث.
وقال الشافعي: سبع مرات، من جملتها الغسل بالتراب، وبه قال الأوزاعي.
وقال الحسن وأحمد: يجب غسل الإناء سبعا بالماء وواحدا بالتراب،
فيكون ثماني مرات.
دليلنا: ما قدمناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 134: إذا ولغ الكلب في إناء، ثم وقع ذلك الإناء في الماء الذي لا
ينجس بنجاسة غير مغيرة للأوصاف - أما الكر على مذهبنا، أو القلتين على مذهب
الشافعي - فإنه لا ينجس الماء، ولا يحصل بذلك غسلة من جملة الغسلات،
وللشافعي فيه قولان.
وإذا كان الماء أقل من قلتين، فإنه ينجس، ولا يجوز استعماله، ولا يعتد
بذلك في غسل الإناء.
دليلنا: ما قلناه من وجوب اعتبار العدد في غسل الإناء، وبوقوعه في الماء
لا يحصل العدد، فينبغي أن لا يكون مجزئا. وأيضا إذا تمم غسلاته بعد ذلك، فلا
خلاف في طهارة الإناء، وليس على طهارته دليل إذا لم يحصل العدد.
89

مسألة 135: إذا أصاب الثوب نجاسة، فغسل بالماء، فانفصل الماء عن
المحل وأصاب الثوب أو البدن، فإنه إن كانت من كانت من الغسلة الأولى، فإنه
نجس، ويجب غسل الموضع الذي أصابه. وإن كانت من الغسلة الثانية لا يجب
غسله إلا أن يكون متغيرا بالنجاسة، فيعلم بذلك أنه نجس.
وقال أبو حنيفة والأنماطي من أصحاب الشافعي: إنه ينجس، ولم يفصلا،
وللشافعي فيه ثلاثة أقسام:
أحدها: أن يكون الماء متغيرا، فيحكم بنجاسته.
والثاني: أن لا يكون متغيرا، غير أنه لا يكون قد طهر المحل، فإنه مثل
الأول.
والثالث: أن لا يكون متغيرا، وقد طهر المحل، فيحكم بطهارة الماء
والمحل.
دليلنا: على القسم الأول، أنه ماء قليل معلوم حصول النجاسة فيه، فوجب
أن يحكم بنجاسته.
وقد روى العيص بن القاسم قال: سألته عن الرجل أصابه قطرة من طست
فيه ماء وضوء، فقال: إن كان الوضوء من بول أو قذر، فليغسل ما أصابه، وإن
كان وضوءه للصلاة، فلا يضره.
والذي يدل على القسم الثاني، أن الماء على أصل الطهارة، ونجاسته تحتاج
إلى دليل.
وروى عمر بن أذينة عن الأحول قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أخرج
من الخلاء، فأستنجي بالماء، فيقع ثوبي في ذلك الماء الذي استنجيت به، فقال:
لا بأس به.
وروى الفضيل بن يسار، عن أبي عبد الله عليه السلام قال في الرجل الجنب
يغتسل بالماء فينتضح الماء في إنائه: فقال: لا بأس، ما جعل عليكم في الدين
من حرج
90

وروى عبد الكريم بن عتبة الهاشمي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
الرجل يقع ثوبه على الماء الذي استنجى به، أينجس ذلك ثوبه؟ فقال: لا.
مسألة 136: إذا ولغ الكلب في الإناء، نجس الماء الذي فيه، فإن وقع
ذلك الماء على بدن الإنسان أو ثوبه، وجب عليه غسله، ولا يراعى فيه العدد.
وقال الشافعي: كل موضع يصيبه ذلك الماء، وجب غسله سبع مرات
مثل الإناء.
دليلنا: وجوب غسله معلوم بالاتفاق لنجاسة الماء، واعتبار العدد يحتاج
إلى دليل، وحمله على الولوع قياس لا نقول به.
مسألة 137: إذا أصاب من الماء الذي يغسل به الإناء من ولوع الكلب
ثوب الإنسان أو جسده، لا يجب غسله، سواء كان من الدفعة الأولى أو الثانية أو
الثالثة.
ولأصحاب الشافعي فيه قولان: أحدهما مثل قولنا، والآخر: إنه نجس يجب
غسله.
ثم اختلفوا، منهم من قال: يغسل من كل دفعة سبع مرات، ومنهم من قال:
يجب أن يغسل قدر ما يجب غسل الإناء حال الانفصال عنه، فإن أصابه من
الدفعة الأولى غسل ستا، وإن أصابه من الثانية غسل خمسا، ومن الثالثة أربعا،
وعلى هذا الحساب، فإن أصابه من السادسة وجب غسله دفعة واحدة، فإن أصابه
من السابعة فلا خلاف بينهم أنه طاهر.
فإن جمعت الغسلات بعضها إلى بعض فيه وجهان: أحدهما: أنه طاهر،
والآخر: أنه نجس.
دليلنا: إن الحكم بنجاسة ذلك يحتاج إلى دليل، وليس في الشرع ما
يدل عليه، وأيضا فلو حكمنا بنجاسته لما طهر الإناء أبدا، لأنه كلما غسل فما يبقى
91

من النداوة يكون نجسا، فإذا طرح فيه ماء آخر نجس أيضا، وذلك يؤدي إلى أن
لا يطهر أبدا.
مسألة 138: يغسل الإناء من سائر النجاسات سوى الولوع ثلاث مرات.
وقال أبو حنيفة: الواجب ما يغلب على الظن معه حصول الطهارة، وقال
أحمد: يغسل سبعا، مثل الولوع سواء، وقال الشافعي: يجب غسله مرة وجوبا
وثلاثا استحبابا.
دليلنا: طريقة الاحتياط، فإنه إذا غسله ثلاث مرات، فقد علمنا طهارته
بإجماع الفرقة، وكذلك عند الشافعي، وما زاد عليه يحتاج إلى دليل.
وروى عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: سئل عن الكوز، أو
الإناء يكون قذرا، كيف يغسل؟ وكم مرة يغسل؟ قال: يغسل ثلاث مرات،
يصب فيه الماء، فيحرك فيه، ثم يفرع منه ذلك الماء، ثم يصب فيه ماء آخر
فيحرك فيه، ثم يفرع منه ذلك الماء، ثم يصب فيه ماء آخر فيحرك فيه، ثم
يفرع منه، وقد طهر. قال: وسألته عن الإبريق وغيره يكون فيه خمرا، أيصلح أن
يكون فيه ماء؟ قال: إذا غسل فلا بأس. وقال في قدح أو إناء يشرب فيه الخمر،
قال: تغسله ثلاث مرات. سئل أيجزئه أن يصب فيه الماء؟ قال: لا يجزئه حتى
يدلكه بيده، ويغسله ثلاث مرات. وقال: اغسل الإناء الذي تصير فيه الجرذ ميتا
سبع مرات.
مسألة 139: إذا أصاب الثوب نجاسة، أو الإناء، فصب عليهما الماء، ولا
يغسل ولا يعصر، فهل يطهر الإناء والثوب؟ لأصحابنا في ذلك روايتان:
إحديهما: أنه يطهر، والأخرى: أنه لا بد من غسله، وكذلك الإناء.
ولأصحاب الشافعي فيه قولان، أحدهما: أنه يطهر، والآخر: لا يطهر.
فالذي قدمناه في خبر عمار الساباطي يدل على وجوب الغسل والدلك.
92

وأيضا فقد روى ابن أبي يعفور قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن البول
يصيب الثوب، فقال: اغسله مرتين.
وروى أبو إسحاق النحوي قال: سألته عن البول يصيب الجسد، قال: صب
عليه الماء مرتين.
والوجه في الجمع بينهما، قد ذكرناه في الكتابين المقدم ذكرهما، وهو إن
قلنا: يحمل خبر الاقتصار على الصب، على ما إذا كان بول الصبي الرضيع، أما
إذا كان قد أكل الطعام، فلا بد من الغسل.
وروى هذا التفصيل الحلبي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن بول
الصبي، قال: تصب عليه الماء، فإن كان قد أكل، فاغسله غسلا، والغلام
والجارية، شرع سواء.
مسألة 140: إذا أصاب الثوب نجاسة، فصب عليه الماء، وترك تحته إجانة
حتى يجتمع فيها ذلك الماء، فإنه نجس.
وقال الشافعي: الثوب طاهر، والماء نجس، وقال ابن سريج: الماء طاهر،
والثوب قد طهر.
دليلنا: هو أنه ماء قليل، وقد حصل فيه أجزاء من النجاسة، فوجب أن
ينجس، لأن الماء إذا كان أقل من كر ينجس بما يحصل فيه من النجاسات
بإجماع الفرقة.
مسألة 141: إذا أصاب الثوب نجاسة، فغسل نصفه وبقى نصفه، فإن
المغسول يكون طاهرا، ولا يتعدى نجاسة النصف الآخر إليه، وهو مذهب أكثر
أصحاب الشافعي.
وقال ابن القاص: لا يطهر النصف المغسول، لأنه مجاور لأجزاء نجسة،
فتسري إليه النجاسة فينجس وهذا باطل، لأن ما يجاوره أجزاء جافة لا تتعدى
93

نجاستها إليه ولو تعدى لكان يجب أن يكون إذا نجس جسم أن ينجس العالم
كله، لأن الأجسام كلها متجاورة، وهذا تجاهل.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وعن أئمتنا عليهم السلام: أنه إذا وقع
الفأر في سمن جامد أو زيت، ألقي ما حوله، واستعمل الباقي، فلو كانت النجاسة
تسري لوجب أن ينجس الجميع، وهذا خلاف النص.
مسألة 142: ما مس الكلب والخنزير بسائر أبدانهما ينجس ويجب غسله،
ولا يراعى فيه العدد، وإنما يراعى العدد في الولوع خاصة.
وقال الشافعي: حكمه حكم الولوع، يغسل سبع مرات إحداهن بالتراب.
وقال داود مثل قولنا، وهو قياس مذهب مالك.
دليلنا: أن العدد يحتاج إلى دليل، وحمله على الولوع قياس، ولا نقول به.
وأيضا روى حريز، عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن الكلب يصيب شيئا من جسد الرجل، قال: يغسل المكان الذي أصابه.
وروى علي بن أبي حمزة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن الكلب
يصيب الثوب، قال: انضحه، وإن كان رطبا فاغسله، ولم يذكر العدد.
مسألة 143: إذا ولغ الخنزير في الإناء، كان حكمه حكم الكلب، وهو
مذهب جميع الفقهاء.
وقال ابن القاص عن الشافعي: إن العدد يختص بولوغ الكلب، وخطأه
جميع أصحابه.
دليلنا: أمران: أحدهما: أن الخنزير يسمى كلبا في اللغة، فينبغي أن تتناوله
الأخبار الواردة في ولوغ الكلب، والثاني: أنا قد بينا أن سائر النجاسات يغسل
منها الإناء ثلاث مرات والخنزير نجس بلا خلاف.
94

مسألة 144 يجوز الوضوء بفضل السباع وسائر البهائم والوحش
والحشرات وما يؤكل لحمه وما لا يؤكل لحمه إلا الكلب والخنزير، وبه قال
الشافعي.
وقال أبو حنيفة: الحيوان على أربعة أضرب:
حيوان نجس، كالكلب والخنزير والسباع، لا يجوز استعمال شئ من
أسئارها، ووجب إراقته، وغسل الإناء حتى يغلب على الظن طهارته.
وحيوان طاهر، وسؤره طاهر، وهو ما يؤكل لحمه، إلا الدجاجة المطلقة،
فإنه يكره سؤرها.
وحيوان يكره سؤره والتوضؤ به، وهو مثل حشرات الأرض وجوارح
الطير، والهر من جملة ذلك. قال: والقياس أنها نجسة، لكن يجوز التوضؤ به
استحسانا، لتعذر الاحتراز منه.
الرابع: حيوان مشكوك فيه، كالبغال والحمار، فهو مشكوك في طهارة
سؤره.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا الأصل في الماء الطهارة والحكم بنجاسته
يحتاج إلى دليل.
وروى الفضل بن عبد الملك قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن فضل
الهر، والشاة والبقر والإبل والحمار والخيل والبغال والوحش والسباع، فلم
أترك شيئا إلا سألته عنه، فقال: لا بأس به، حتى انتهيت إلى الكلب، فقال: رجس
نجس، لا تتوضأ بفضله، وأصبب ذلك الماء، واغسله بالتراب أول مرة ثم بالماء.
مسألة 145: ما لا نفس له سائلة، كالذباب والخنفساء والزنابير وغير
ذلك، لا ينجس بالموت، ولا ينجس الماء، ولا المائع الذي يموت فيه، وبه قال
أبو حنيفة ومالك.
وقال الشافعي: ينجس بالموت قولا واحدا. وهل ينجس الماء؟ فيه قولان:
95

أحدهما: لا ينجس، وهو اختيار المزني، والثاني: ينجسه.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا الأصل طهارة الماء، والحكم بنجاسة هذه
الأشياء يحتاج إلى دليل.
وروى عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سئل عن الخنفساء
والذباب والجراد والنملة وما أشبه ذلك يموت في البئر والزيت والسمن وشبهه.
قال: كل ما ليس له دم، فلا بأس به.
وروى حفص بن غياث عن جعفر بن محمد عليه السلام قال: لا يفسد الماء،
إلا ما كانت له نفس سائلة.
مسألة 146: إذا مات في الماء القليل ضفدع أو غيره مما لا يؤكل لحمه،
مما يعيش في الماء، لا ينجس الماء، وبه قال أبو حنيفة.
وقال الشافعي: إذا قلنا إنه لا يؤكل لحمه، فإنه ينجسه.
دليلنا: أن الماء على أصل الطهارة، والحكم بنجاسته يحتاج إلى دليل.
وروي عنهم عليهم السلام أنهم قالوا: إذا مات فيما فيه حياته لا ينجسه، وهو
يتناول هذا الموضوع أيضا.
مسألة 147: إذا بلغ الماء كرا فصاعدا، لا ينجس بما يقع فيه من النجاسات
إلا ما يغير لونه أو طعمه أو رائحته، ومتى نقص عن الكر، ينجس بما يحصل فيه
من النجاسة تغير أو لم يتغير.
وحكي اعتبار الكر، عن الحسن بن صالح بن حي، ولأصحابنا في مقدار
الكر ثلاثة مذاهب:
أحدها: أن مقداره ألف ومائتا رطل بالعراقي، وهو مذهب شيخنا أبي
عبد الله.
والثاني: أنه ألف ومائتا رطل بالمدني، وهو اختيار المرتضى.
96

وقال الباقون: الاعتبار بالأشبار: ثلاثة أشبار ونصف طولا في عرض وفي
عمق، وهو مذهب جميع القميين، وأصحاب الحديث.
وقد تكلمت على هذه الروايات في الكتابين المقدم ذكرهما.
وقال الشافعي: إذا بلغ الماء قلتين فصاعدا، لا ينجس بما يقع فيه من
النجاسة، إلا ما يغير أحد أوصافه، وحدهما بخمسمائة رطل. واختلف أصحابه،
فمنهم من قال: إن ذلك الحد لو نقص منه رطل أو رطلان نجس، ومنهم من قال
ذلك على التقريب، ولا يؤثر نقص رطل أو رطلين فيه.
ثم اختلفوا في هذا الماء إذا وقعت فيه نجاسة مائعة، هل يجوز استعمال
جميعه أم لا؟ فقال الأكثر منهم: يجوز استعمال جميعه، وقال قوم منهم: إنه يجوز
استعماله إلى أن يبقى منه مقدار النجاسة الواقعة فيه.
واعتبار القلتين مذهب عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وأبي هريرة وسعيد
بن جبير ومجاهد وأحمد وإسحاق وأبي عبيد القاسم بن سلام وأبي ثور.
وقال الحسن البصري وإبراهيم النخعي ومالك وداود: إنه لا ينجس الماء،
سواء كان قليلا أو كثيرا، إلا إذا تغير أحد أوصافه.
وقال أبو حنيفة: إن كان الماء يصل بعضه إلى بعض تنجس بحصول
النجاسة فيه، وإن كان لا يصل بعضه إلى بعض لم ينجس.
وفسر أبو يوسف والطحاوي مذهبه فقالا: إن كان الماء في موضع مجتمع
بحيث إذا حرك أحد جانبيه تحرك الجانب الآخر، فإنه ينجس، وإن كان لا
يتحرك الجانب الآخر، فإذا وقعت فيه النجاسة، فإن الموضع الذي لا يبلغ
التحريك إليه، لا ينجس.
وقال المتأخرون من أصحابه: إن الاعتبار بحصول النجاسة في الماء، إما
علما وإما ظنا، وإنما يعتبر تحرك الماء، ليغلب في الظن بلوع النجاسة إليه، فإن
غلب في الظن خلافه، حكم بطهارته.
دليلنا: على اعتبار الكر، إجماع الطائفة، فإنه لا خلاف بينهم في ذلك،
97

وإن اختلفوا في مقداره.
وروى حماد عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا كان
الماء قدر كر، لم ينجسه شئ.
وروى محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام: أنه سئل عن الماء تبول
فيه الدواب وتلغ فيه الكلاب ويغتسل فيه الجنب، قال: إذا كان الماء قدر كر،
لم ينجسه شئ.
مسألة 148: الماء الكثير - إما الكر على مذهبنا، أو ما يبلغ القلتين على
مذهب الشافعي - إذا تغير أحد أوصافه بما يقع فيه من النجاسة، ينجس بلا
خلاف والطريق إلى تطهيره، أن يرد عليه من الماء الطاهر كر فصاعدا، ويزول
عند ذلك تغيره، فحينئذ يطهر ولا يطهر شئ سواه.
وقال الشافعي: يزول حكم النجاسة بأربعة أشياء:
أحدها: أن يرد عليه من الماء الطاهر ما يزول به عنه التغير، ولم يعتبر
المقدار.
والثاني: أن يزول عنه تغيره من قبل نفسه فيطهر.
والثالث: أن ينبع من الأرض ما يزول معه تغيره.
والرابع: أن يستقى منه ما يزول معه تغيره.
وفي أصحابه من ذكر وجها خامسا: وهو أن يحصل فيه من التراب ما يزول
معه تغيره.
دليلنا: أن الماء معلوم نجاسته، وليس لنا أن نحكم بطهارته إلا بدليل،
وليس على الأشياء التي اعتبرها دليل على أنها تطهر الماء، ولا يلزمنا مثل ذلك
إذا ورد عليه كر من الماء، لأن ذلك معلوم أنه يطهر به، ولأنه إذا بلغ كرا، فلو
وقع فيه عين النجاسة لم ينجس إلا أن يتغير أحد أوصاف الماء، والماء النجس
ليس بأكثر من عين النجاسة، وأما نبعة من الأرض فإن ذلك يعتبر في الآبار، ولها
98

حكم يخصها نبينه فيما بعد.
مسألة 149: إذا نقص الماء عن الكر على مذهبنا، أو القلتين على مذهب
الشافعي، وحصلت فيه نجاسة، فإنه ينجس وإن لم يتغير أحد أوصافه، ولا يحكم
بطهارته إلا إذا ورد عليه كر من الماء فصاعدا.
وقال الشافعي: يطهر بشيئين: أحدهما أن يرد عليه من الماء الطاهر ما يتم به
قلتين، أو ينبع فيه ما يتم به قلتين.
دليلنا: ما قدمناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 150: إذا كان الماء مقدار كر في موضعين، وحصل فيهما نجاسة، أو
في أحدهما، لم يطهر إذا جمع بينهما.
وقال الشافعي: يطهر، واختاره المرتضى.
دليلنا: أنهما ماءان محكوم بنجاستهما على الانفراد، فمن ادعى أنه إذا جمع
بينهما زال حكم النجاسة، فعليه الدليل، وليس عليه دليل، فوجب أن يبقى على
الأصل.
مسألة 151: إذا بال ظبي في ماء، لم ينجس بذلك، قليلا كان الماء أو
كثيرا، تغير بذلك أو لم يتغير بذلك.
وقال الشافعي: ينجس إذا كان قليلا، وإن لم يتغير، وإن كان كثيرا إذا
تغير.
دليلنا: أن التنجيس حكم شرعي يحتاج إلى دليل، لأن الأصل في الماء
الطهارة، وأيضا فلا خلاف بين الطائفة أن بول ما يؤكل لحمه وروثه طاهران،
وعلى هذا يجب أن يحكم بطهارته.
وروى عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كل شئ
99

يؤكل لحمه فلا بأس ببوله.
مسألة 152: الماء الجاري إذا وقعت فيه نجاسة، لا ينجس بذلك إلا إذا
تغير أحد أوصافه، سواء كان الماء فوق النجاسة أو تحتها أو مجاورا لها، وسواء
كانت النجاسة مائعة أو جامدة.
وقال الشافعي: الماء الذي قبل النجاسة طاهر، وما بعدها إن كانت النجاسة
لم تصل إليه فهو طاهر، وأما ما يجاوره ويختلط به، فإن كان أكثر من قلتين فهو
أيضا طاهر، وإن كان أقل منهما، فإنه ينجس.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال:
الماء كله طاهر لا ينجسه شئ إلا ما غير لونه أو طعمه أو رائحته، وذلك على
عمومه، إلا ما أخرجه الدليل.
وروى عنبسة بن مصعب قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل
يبول في الماء الجاري، قال: لا بأس به إذا كان الماء جاريا.
وروى حريز عن ابن بكير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا بأس بالبول
في الماء الجاري.
مسألة 153: إذا كان معه إناءان، وقع في أحدهما نجاسة واشتبها عليه، لم
يستعملهما، وكذلك حكم ما زاد عليهما، ولا يجوز التحري بلا خلاف بين
أصحابنا.
أما الثوبان، فمن أصحابنا من قال: حكمهما حكم الإنائين، لا يصلى في واحد
منهما، وقال بعضهم: يصلي في كل منهما على الانفراد، وهو الذي اخترناه، وهو
مذهب المزني.
وقال الماجشون: يتوضأ بكل واحد من المائين، ويصلي صلاة منفردة.
وقال محمد بن مسلمة: يتوضأ بأحدهما ويصلي ثم يتوضأ بالآخر، ويغسل ما
100

أصابه من الأول من ثيابه وبدنه، ثم يصلي.
وقال أبو حنيفة: يجوز التحري في الثياب على الإطلاق، وأما الأواني، فإن
كان عدد الطاهر أكثر جاز التحري فيها، وإن كان عدد النجس أكثر من عدد
الطاهر أو تساويا لم يجز.
وقال الشافعي: يجوز التحري في أواني الماء والطعام إذا كان بعضها نجسا
وبعضها طاهرا، سواء كان عدد النجس أقل أو أكثر أو استويا.
دليلنا: إجماع الفرقة، فإنهم لا يختلفون فيه، وأيضا فقد تيقنا النجاسة في
واحد منهما، فلا بأس أن نقدم على ما هو نجس، وأيضا الصلاة في الذمة بيقين، ولا
نعلم براءتها إذا استعملنا هذا الماء.
وروى عمار الساباطي وسماعة بن مهران عن أبي عبد الله عليه السلام قالا:
سئل أبو عبد الله عليه السلام عن رجل معه إناءان فيهما ماء، وقع في أحدها قذر،
لا يدرى أيهما هو، وليس يقدر على ماء غيره، قال: يهريق المائين ويتيمم.
مسألة 154: إذا كان معه إناءان أحدهما نجس، فقد قلنا إنه لا يستعملهما في
الوضوء، فإن خاف العطش، أمسك أيهما شاء.
وقال الشافعي: يتحرى، فما أدى اجتهاده إليه أمسك للوضوء، ويريق
الآخر، فإن خاف العطش أمسك للعطش النجس وتوضأ بالطاهر عنده.
دليلنا: أنا بينا أنهما في حكم النجس في المنع من جواز استعمالهما أو
واحد منهما، وقد أبطلنا التحري، فأما الخوف من العطش فإنه يجوز له إمساك
النجس بالإجماع.
مسألة 155: إذا كان معه إناءان، أحدهما ماء طاهر والآخر بول واشتبها،
فلا خلاف أنه لا يجوز التحري.
وإنما يختلف أبو حنيفة والشافعي في تعليل ذلك.
101

مسألة 156: إذا كان معه إناءان فاشتبها، وكان معه إناء طاهر متيقن،
وجب أن يستعمل الطاهر، ولا يجوز استعمال المشتبهين، وبه قال أبو إسحاق
المروزي.
وقال أبو العباس وعامة أصحاب الشافعي: هو مخير بين أن يستعمل ذلك،
وبين أن يتحرى في الإنائين.
دليلنا: ما قدمناه من بطلان التحري، والمنع من استعمال الإنائين
المشتبهين، فإن ثبت ذلك، فلا يجب غير استعمال الماء الطاهر.
مسألة 157: إذا كان معه إناءان أحدهما طاهر والآخر ماء مستعمل في
الوضوء، يجوز استعمال أيهما شاء عندنا.
وقال الشافعي وأصحابه: فيها قولان: أحدهما: إنه يتحرى فيهما كما يتحرى
في النجس والطاهر، والقول الآخر: لا يتحرى، بل يتطهر بكل واحد منهما.
دليلنا: أنا قد بينا أن الماء المستعمل طاهر ومطهر وإذا ثبت ذلك، جرى
مجرى المائين اللذين لم يستعملا بلا خلاف.
مسألة 158: إذا كان معه إناءان، أحدهما طاهر ومطهر، والآخر ماء ورد
منقطع الرائحة، أو ماء شيح، فاشتبها عليه، توضأ بكل واحد منهما.
وقال الشافعي وأصحابه: إنه يجوز له التحري.
دليلنا: هو أنه إذا استعملهما قطع على أنه قد تطهر بالإجماع، وإذا تطهر
بأحدهما ليس على صحة طهارته دليل.
مسألة 159: إذا كان معه إناءان، أحدهما نجس فاشتبها عليه، ثم انقلب
أحدهما، فإنه لا يجوز استعمال الآخر.
ولأصحاب الشافعي فيه قولان: أحدهما: يتحرى فيه، وهو قول أبي العباس،
102

والآخر: إنه لا يجوز، وهو قول الأكثر.
دليلنا: ما قدمناه من أنه لو كان الأول بحاله لما جاز التحري فكيف إذا
انقلب أحدهما على أن التحري لا يكون إلا في شيئين، ولا يتصور ذلك في شئ
واحد.
مسألة 160: إذا كان معه إناءان، فولغ الكلب في أحدهما واشتبها عليه
وأخبره عدل بعين ما ولغ الكلب فيه، لا يقبل منه.
وقال أصحاب الشافعي: يقبل منه ولا يتحرى.
دليلنا: ما قدمناه من خبر عمار وسماعة، وأنه أمره بإراقة الإنائين والتيمم،
ولم يقل إلا أن يشهد عدل.
وأيضا قد علمنا أنه يجوز استعمالهما بإجماع الفرقة، وإيجاب القبول من
العدل يحتاج إلى دليل.
مسألة 161: إذا ورد على ماء، فأخبره رجل بأنه نجس، لا يقبل منه سواء
أخبره بما به نجس، أو لم يخبره.
وقال الشافعي: إن أخبره بالإطلاق، ولم يذكر ما به نجس، لا يقبل منه،
وإن أخبره بما به نجس وكان ذلك ينجس الماء، وجب القبول منه.
دليلنا: أنا قد علمنا أن الأصل في الماء الطهارة، والحكم بنجاسته يحتاج
إلى دليل، ولم يقم دليل على وجوب العمل بقول الواحد في ذلك.
وأيضا ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام: من أن
الماء كله طاهر إلا أن يعلم أنه نجس يؤكد ذلك، لأن بقول الواحد لا نعلم
نجاسته، ووجوب القبول منه يحتاج إلى دليل.
مسألة 162: إذا شهد شاهدان أنه قد ولغ الكلب في واحد من الإنائين،
103

وشهد آخران أنه ولغ في الآخر، سقطت شهادتهما، وبقى الماء على أصل الطهارة.
وقال الشافعي: يحكم بنجاستهما لجواز أن يكونا صادقين اللهم إلا أن يشهد
كل قوم منهم على وجه ينافي شهادة الآخر، فيكون القول فيه كالقول في تقابل
البينتين، وفيه ثلاثة أقوال تذكر في باب البينات.
دليلنا: أن الماء على أصل الطهارة، وليس على وجوب القبول من
الفريقين، ولا من واحد منهما دليل، فوجب طرحهما، وبقى الماء على أصل
الطهارة.
مسألة 163: إذا كان مع غير البصير إناءان، وقع في أحدهما نجاسة
واشتبها، وجب عليه إراقتهما ويتيمم.
ولأصحاب الشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلنا، والآخر: يتحرى، أو
يرجع إلى قول بصير يخبره بذلك.
دليلنا: ما قلناه من أن البصير لا يجوز له التحري ولا الرجوع إلى غيره،
فحكم الأعمى حكمه سواء.
مسألة 164: إذا حصلت النجاسة على الثوب، فإن تعين له الموضع، غسله
بلا خلاف، وإن لم يتعين له غسل الثوب كله، وهو الظاهر من مذهب الشافعي
وأصحابه.
وحكي عن بعضهم أنه قال: إذا حصلت النجاسة في الكم الواحد، واشتبه
بالكم الآخر حل له التحري.
دليلنا: أن الثوب قد حكم بنجاسته، والمنع من الصلاة فيه، ولا يعلم
طهارته إذا غسل أحد الكمين بالتحري، فوجب أن لا يعمل به.
وأيضا طريقة الاحتياط تقتضي ذلك، لأنه إذا فعل ما قلناه، علم أن الصلاة
صحيحة، وإذا فعل ما قالوه، لم يدل على صحتها دليل.
104

وروى سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن بول الصبي يصيب
الثوب، فقال: اغسله، قلت: فإن لم أجد مكانه؟ قال: اغسل الثوب كله.
وروى ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن المني
يصيب الثوب، قال: إن عرفت مكانه فاغسله، وإن خفي عليك مكانه فاغسله
كله.
مسألة 165: إذا توضأ وصلى الظهر، ثم أحدث، ثم أعاد الوضوء، ثم صلى
العصر، ثم ذكر أنه ترك عضوا من أعضاء الطهارة، ولا يدري من أي الطهارتين
كان، فإنه يعيد الطهارة، ويصلي الصلاتين معا بلا خلاف.
وفي وجوب إعادة الوضوء، للشافعي فيه قولان: إذا قال بالموالاة، قال: أعاد
الوضوء. وإن لم يقل به، بنى عليه.
مسألة 166: متى صلى الظهر بطهارة ولم يحدث، وجدد الوضوء ثم صلى
العصر، ثم ذكر أنه ترك عضوا من أعضاء الطهارة، فإنه يعيد صلاة الظهر عندنا
فحسب، ولا يعيد صلاة العصر.
وقال الشافعي: يعيد الظهر، وفي إعادة العصر له قولان:
أحدهما: لا يعيد، مثل قولنا، إذا قال أن تجديد الوضوء يرفع حكم
الحدث.
والآخر: إنه يعيد، إذا لم يقل بذلك.
دليلنا: أنا إنما أوجبنا عليه إعادة الظهر دون العصر، لأن ترك العضو لا
يخلو من أن يكون من الطهارة الأولى أو من الثانية، فإن كان من الأولى، فقد
صحت له الثانية، فصح بصحتها صلاة العصر.
وإن كان تركه ذلك من الثانية، فقد صحت الأولى، فصح بصحتها الأولى،
والعصر صحيحة على كل حال، وإنما الشك في الظهر، فأوجبنا عليه إعادة
105

المشكوك فيه دون المتقين أداؤه.
مسألة 167: إذا أكلت الهرة فأرة، ثم شربت من الإناء، فلا بأس بالوضوء
من سؤرها.
واختلف أصحاب الشافعي في ذلك، فمنهم من قال بمذهبنا سواء، ومنهم
من قال: إن شربت قبل أن تغيب عن العين، لا يجوز الوضوء به وإذا غابت ثم
رجعت وشربت فيه قولان: أحدهما: يجزئ.
والذي يدل على ما قلناه، إجماع الفرقة على أن سؤر الهر طاهر، ولم
يفصلوا.
وروي أيضا عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: الهر ليس بنجس، لأنها من
الطوافين عليكم أو الطوافات وذلك على عمومه.
مسألة 168: عندنا أن المسح على الخفين لا يجوز مع الاختيار، لا في السفر ولا في
الحضر، وهو مذهب الخوارج.
وإليه ذهب مالك في رواية ابن أبي ذؤيب عنه، فإنه قال: أبطل مالك
المسح على الخفين في آخر أيامه، وعن مالك روايات أربعة:
أحدها: أنه يمسح أبدا من غير توقيت، وهو قول الشافعي في القديم.
والثاني: أنه يمسح في الحضر دون السفر.
والثالث: أنه يمسح في السفر دون الحضر، وهو الأظهر عنده.
والرابع: أنه يمسح المقيم يوما وليلة، والمسافر ثلاثة أيام، وبه قال الشافعي
في الجديد، وعليه أصحابه، وبه قال أبو حنيفة، وباقي الفقهاء.
دليلنا: قوله تعالى: وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم فأوجب إيقاع الفرض على
ما يسمى رجلا، والخف لا يسمى بذلك، كما أن العمامة لا تسمى رأسا. وأيضا
طريقة الاحتياط تقتضي ذلك، لأن من مسح على خفيه وصلى لا تبرأ ذمته بيقين،
106

ولا دليل على ذلك، فإذا نزعهما ومسح على رجليه، برئت ذمته بيقين، وعليه
إجماع الفرقة، لا يختلفون فيه.
وما روي عن النبي صلى الله عليه وآله والصحابة والتابعين في ذلك أكثر
من أن يحصى.
وروى محمد بن مسلم عن أحدهما عليه السلام قال: سئل عن المسح على
الخفين وعلى العمامة، فقال: لا تمسح عليهما.
وروى زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: سمعته يقول: جمع عمر بن
الخطاب أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وفيهم علي عليه السلام، وقال: ما
تقولون في المسح على الخفين؟ فقام المغيرة بن شعبة فقال: رأيت رسول الله
يمسح على الخفين. فقال علي عليه السلام: قبل المائدة أو بعدها؟ فقال: لا
أدري، فقال علي عليه السلام: سبق الكتاب الخفين، إنما أنزلت المائدة قبل أن
يقبض بشهرين أو ثلاثة.
وروى أبو الورد قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: إن أبا ظبيان حدثني أنه
رأى عليا عليه السلام أراق الماء، ثم مسح على الخفين. فقال: كذب أبو ظبيان،
أما بلغك قول علي عليه السلام فيكم: سبق الكتاب الخفين؟ فقلت: فهل فيهما
رخصة؟ فقال: لا، إلا من عدو تتقيه، أو ثلج تخاف على رجليك.
مسألة 169: إذا ثبت بطلان المسح على الخفين مع الاختيار، فكل
ما يتفرع على جوازه يسقط عنا، وإذا قلنا بجوازه عند الخوف والتقية، فما دام
الخوف والتقية باقيين يجوز له المسح، ولا يتقدر ذلك بيوم وليلة ولا ثلاثة أيام،
وسواء لبسهما على طهارة، أو غير طهارة.
وأما من أجاز مع الاختيار، فاختلفوا في مسائل أنا أذكرها، لئلا يشذ شئ من
الخلاف في هذا الكتاب.
منها: ما قاله الشافعي في الجديد: إنه يوقت للمقيم بيوم وليلة، وللمسافر
107

بثلاثة أيام ولياليهن، ورووا ذلك عن علي عليه السلام وابن عباس وعبد الله بن
مسعود وعطاء وشريح والأوزاعي والثوري وأبي حنيفة وأصحابه وأحمد
وإسحاق.
وقال في القديم: يمسح أبدا من غير توقيت، وروي ذلك عن عمر وابن عمر
وعائشة والليث بن سعد، وهو إحدى الروايات عن مالك.
وكلهم راعوا أن يكون قد لبس الخف على طهارة إلا أبا حنيفة وأصحابه
والثوري، فإنهم أجازوا المسح عليهما وإن لبسهما على غير طهارة، وإذا طرأ
الحدث على طهارة كاملة، بأن يغسل الأعضاء الأربعة، ويخوض بخفيه الماء،
أو يصب فيهما الماء، فيغسل رجليه، فإذا طرأ بعد ذلك حدث جاز أن يتوضأ،
ويمسح على خفيه.
مسألة 170: ذهب الشافعي وأصحابه إلى أن ابتداء المدة يعتبر من وقت
الحدث، فإذا مضى الوقت فقد انقطع حكم المسح، ولا يجوز له بعد ذلك أن
يمسح، سواء كان قد مسح أو لم يمسح، وهو مذهب مالك والثوري وأبي حنيفة
وأصحابه.
وقال الأوزاعي وأحمد وأبو ثور: ابتداء المدة محسوب من وقت المسح بعد
الحدث.
وهذا التفصيل يسقط عنا على ما قررناه وإن أجزنا المسح عند الضرورة،
لأن المراعي حصول الضرورة، فمتى زالت زال، ومتى بقيت جاز المسح على ما
بيناه.
مسألة 171: إذا انقضت مدة جواز المسح عندهم، فالذي يلزمه الشافعي
قولان: أحدهما: استئناف الطهارة، والثاني: غسل الرجلين، وهو مذهب مالك
وأبي حنيفة والمزني وكافة الفقهاء.
108

وقال الحسن بن صالح بن حي: يصلي بالمسح إلى أن يحدث، وذهب
داود إلى أنه إن نزع خفيه جاز أن يصلي، وإن لم ينزعهما، لم يجز.
وهذه المسألة أيضا تسقط عنا، غير أنا إذا قلنا بالمسح عند الضرورة، فمتى
زالت الضرورة، ينبغي أن نقول: يجب عليه أن يستأنف الوضوء، ولا يجوز له أن
يبني لعدم الموالاة التي هي شرط عندنا في صحة الوضوء، ولا يجوز له أن يدخل
في الصلاة إن لم يستأنف الوضوء، لأن هذا محدث، وأوجب الله تعالى عليه أن
يتوضأ في الأعضاء الأربعة، وهذا لم يفعل ذلك إلا في الثلاثة، وقد بطل حكمها،
لأن الموالاة قد بطلت.
مسألة 172: إذا مسح في الحضر ثم سافر، قال الشافعي: يمسح مسح
مقيم، وبه قال أحمد وإسحاق.
وقال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه: يمسح مسح مسافر.
وهذا أيضا يسقط عنا على التقرير الذي قررناه في حال الضرورة والاختيار.
مسألة 173: قال الشافعي ومالك وأحمد وإسحاق: إذا غسل إحدى
رجليه وأدخلها الخف، ثم غسل الرجل الأخرى وأدخلها الخف، لم يجز له
المسح بعد ذلك، لأن من شرط جواز المسح أن يلبس الخفين معا على طهر
كامل.
وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري: إنه يجوز ذلك، لأن الاعتبار عندهم أن
يطرأ الحدث على طهارة كاملة، ولا يراعى أن يلبس الخفين على الطهارة، بل لو
لبس الخفين أولا، ثم غسل الأعضاء الثلاثة، ثم خاض الماء حتى يصل الماء إلى
رجليه، جاز له بعد ذلك المسح.
وهذا يسقط عنا على ما قررناه، لأن تجويزنا للمسح في حال الضرورة، فلا
فرق بين أن يكون قد لبسهما على طهارة أو على غير طهارة، لأن الأخبار على
109

عمومها في جواز ذلك عند الضرورة.
مسألة 174: إذا تخرق شئ من مقدم الخف بمقدار ما يمسح عليه، لم يجز
له المسح على الخف أصلا، لأن عند ذلك تزول الضرورة، سواء كان ذلك
قليلا أو كثيرا، لا يقدر بحد.
وقال الشافعي: إن تخرق من مقدم الخف شئ بان منه بعض الرجل، لم
يجز أن يمسح على خف غير ساتر لجميع القدم، هذا قوله في الجديد، وبه قال
أحمد بن حنبل.
وقال في القديم: إن تفاحش وكثر، لم يجز له المسح، وإن كان قليلا جاز،
وبه قال مالك بن أنس.
وقال الأوزاعي وإسحاق وأبو ثور: إن كان الخف بحيث لا يقع عليه الاسم،
لم يجز، وإن كان يقع عليه الاسم جاز.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: إن كان الخرق قدر ثلاث أصابع، لم يجز
المسح، وإن نقص عن ذلك جاز، واعتبر أن يكون ذلك في كل واحد من
الخفين.
دليلنا: قوله تعالى: وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم، فأوجب المسح على ما
يسمى رجلا، والخف ليس برجل، وإنما أخرجنا أوقات الضرورة والتقية بدليل،
وليس على غير ذلك دليل.
مسألة 175: المتيمم إذا لبس الخف، ثم وجد الماء، فلا يجوز له أن يتطهر
ويمسح على الخفين عند جميع الفقهاء، لأن التيمم لا يرفع الحدث، ومن شرط
صحة المسح أن يلبس الخف على طهارة.
وعندنا أنه لا يمسح في حال الاختيار، فأما حال الضرورة، فلا فرق بين أن
يلبسهما على طهارة، أو على غير طهارة في جواز المسح عليهما، لأن عموم الأخبار
110

في ذلك يحمل على ظاهرها.
مسألة 176: إذا تخرق ظاهر الخف وبقى بطانته، فإن كان صفيقا يمكن
المشي عليه، قال الشافعي: يجوز المسح عليه، وإن لم يمكن المشي عليه متتابعا،
لم يجز.
وعندنا أنه لا يجوز المسح على الخف مع الاختيار، ومع الضرورة، لا فرق
بين الظهارة والبطانة، وبين صفيقة ورقيقه.
مسألة 177: قال الشافعي: كل خف اتخذ من شئ يمكن متابعة المشي
عليه، جاز المسح عليه، سواء كان من جلد أو لبد ثخين أو خرق قد طبق بعضها
على بعض أو غير ذلك، وما لا يكون كذلك مما يتخذ من خشب أو حديد أو
خرق صفيقة وما أشبه ذلك، لا يجوز المسح عليه.
وعندنا لا يجوز ذلك مع الاختيار، وعند الضرورة، لا فرق بين جميع
ذلك لعموم الأخبار.
مسألة 178: إذا كان في الخف شرح، قال الشافعي: إن كان فوق
الكعب لا يضره، وجاز المسح عليه، وإن كان دونه، فإن كان يبين منه الرجل لا
يجوز المسح، وإن كان لا يبين إذا مشى، جاز المسح.
وعندنا أن الشرح إن كان يمكنه أن يدخل يده فيه أو إصبعا منها فيمسح
على العضو، فلا يجوز أن يمسح عليهما، لأن الضرورة قد زالت، وإن لم يكن
كذلك جاز المسح عند الضرورة، ولا يجوز عند الاختيار، لعموم الأخبار.
مسألة 179: قال الشافعي: لا يجوز المسح على الجوربين، إلا إذا كانا
منعلين، وقال أبو حنيفة: لا يجوز المسح عليهما على كل حال، وبه قال الشافعي
111

في القديم.
وقال بعض الناس: لا يجوز المسح على الجوربين إذا لم يكن لهما ساق،
وذهب أحمد وإسحاق: إلى أنه يجوز المسح على الجوارب كلها.
وعندنا أنه لا يجوز المسح على الجوارب على جميع أنواعها، فإن خاف
على نفسه جاز ذلك، وكان بمنزلة الخف.
دليلنا: على المنع، قوله تعالى: وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم، والجورب
ليس برجل، فأما حال الضرورة، فيدل عليه قوله تعالى: ما جعل عليكم في الدين
من حرج، وإيجاب المسح على العضو مع الخوف على النفس فيه حرج.
مسألة 180: الجرموق الذي يلبس فوق الخف فيه ثلاث مسائل:
إحداها: أن يكون التحتاني صحيحا والفوقاني صحيحا، وللشافعي فيه
قولان: أحدهما قاله في القديم، يجوز المسح عليه، وهو قول أهل العراق بأجمعهم
واختاره المزني، وقال في الجديد وفي الأم: لا يجوز، وبه قال أصحابه، وهو
مذهب مالك.
والمسألة الثانية: أن يكون الفوقاني صحيحا والذي تحته مخرقا، يجوز
المسح عليه عندهم بلا خلاف.
والثالثة: أن يكون التحتاني صحيحا والفوقاني مخرقا، لا يجوز المسح عليه
بلا خلاف عندهم.
وعندنا لا يجوز مع الاختيار على واحد منهما على كل حال، ومع الضرورة
والخوف يجوز على كل حال، مخرقا كان أحدهما أو غير مخرق، إذا لم يمكنه
المسح على العضو.
مسألة 181: إذا مسح على الخفين ثم نزعهما، قال الشافعي في القديم والأم
والبويطي والإملاء: أنه يستأنف الطهارة، وعليه أصحابه وصححوه، وبه قال
112

الأوزاعي وأحمد وإسحاق.
وقال في كتاب حرملة وكتاب ابن أبي ليلى: يجزئه غسل الرجلين، وبه قال
الثوري وأبو حنيفة وأصحابه، واختاره المزني.
وذهب مالك والليث بن سعد إلى أنه: إن تطاولت المدة لزمه استئناف
الطهارة، وإن لم تتطاول أجزأه غسل الرجلين.
وذهب الحسن البصري والنخعي إلى أنه: يجوز أن يصلي بالمسح إلى أن
يحدث.
واختلف أصحاب الشافعي في هذه المسألة، على أي شئ بناها الشافعي؟
فمنهم من قال: بناها على القولين في تفريق الوضوء، ومنهم من قال: بناها على
المسح على الخف هل يرفع الحدث، أم لا؟
فإذا قال: لا يرفع الحدث، أجزأه غسل الرجلين، وإذا قال: يرفع لزمه
استئنافه، لأن نزع الخف ينقض طهارة الرجلين، فإذا انتقض بعضه انتقض
جميعه، لأنها لا تتبعض.
وهذه المسألة إذا فرضناها في المسح حال الضرورة، فمتى نزعهما وجب
عليه استئناف الوضوء، ولا يجوز له البناء، لوجوب الموالاة التي هي شرط في
صحة الوضوء، ولأنه لا يمكنه أن يمسح على الرجلين إلا بماء جديد، ولا يجوز
عندنا أن يمسحهما بماء جديد، ولا يجوز أن نقول يصلي إلى أن يحدث، لأن الله
تعالى أوجب عليه إيقاع الطهارة في الأعضاء الأربعة، وهذا ما فعل ذلك، فوجب
أن لا يجزئه الدخول في الصلاة.
مسألة 182: إذا أخرج رجليه إلى ساقي الخفين، بطل حكم المسح عند
أبي حنيفة والأوزاعي، وهو الذي يصححه أصحاب الشافعي، وهو قوله في
الجديد، وقال في القديم: لا يبطل.
وهذه أيضا ساقطة عنا على ما مضى، فإن فرضنا حال الضرورة، احتجنا أن
113

نراعي بقاء الضرورة، فإن استمرت على تلك الحال الوضوء وأعاد المسح
على الخف، وإن كان قد زالت، استأنف الوضوء والمسح على الرجلين دون
الخفين، بدلالة ما قد مضى في المسألة الأولى سواء.
مسألة 183: قال الشافعي: المسنون أن يمسح أعلى الخف وأسفله، وبه
قال عبد الله بن عمر وسعد بن أبي وقاص والزهري ومالك.
وقال قوم: المسح على الظاهر دون الباطن، وروي ذلك عن أنس بن
مالك وجابر والشعبي والنخعي والأوزاعي والثوري، وبه قال أبو حنيفة
وأصحابه.
وهذه أيضا تسقط عنا لما قدمناه، فأما حال الضرورة فينبغي أن نقول: إن
ظاهر الخف يمسح عليه دون باطنه، بدلالة أن هذا الموضع مجمع عليه،
وما عداه ليس على وجوبه دليل.
وأيضا روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: لو كان الدين بالقياس،
لكان باطن الخف أولى بالمسح من ظاهره، فدل على أن المسنون مسح الظاهر.
مسألة 184: قال الشافعي: إذا مسح على الخف ما يقع عليه اسم المسح
أجزأه، قل ذلك أم كثر، وسواء مسحه بيده أو بأي شئ كان.
وقال أبو حنيفة: يجب أن يمسح قدر ثلاثة أصابع بثلاثة أصابع، فقدر
الممسوح والممسوح به، حتى قال: إن مسح قدر ثلاثة أصابع بإصبع واحدة،
لم يجزه.
وقال زفر: إذا مسح قدر ثلاثة أصابع بإصبع واحدة أجزأه.
وهذا أيضا يسقط عنا مع الاختيار، فأما حال الضرورة والتقية فإنه يمسح
مقدار ما يقع عليه اسم المسح، لأن ذلك يتناوله الاسم، ولأن ذلك مجمع عليه،
وما زاد عليه ليس عليه دليل.
114

مسألة 185: إذا أصاب أسفل الخف نجاسة، فدلكه في الأرض حتى
زالت، تجوز الصلاة فيه عندنا، وبه قال الشافعي قديما، وقال: عفي له عن ذلك
مع بقاء النجاسة، وبه قال أبو حنيفة وعامة أصحاب الحديث.
وقال الشافعي في الجديد، وهو الذي صححه أصحابه: إنه لا يجوز ذلك.
دليلنا: إنا بينا فيما تقدم أن ما لا تتم الصلاة فيه بانفراده، جازت الصلاة فيه
وإن كانت فيه نجاسة، والخف لا تتم الصلاة فيه بانفراده، وعليه إجماع الفرقة.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: إذا أصاب خف أحدكم أذى
فليدلكه بالأرض.
مسألة 186: الأرض إذا أصابتها نجاسة مثل البول وما أشبهه، وطلعت
عليها الشمس وهبت عليها الريح حتى زالت عين النجاسة، فإنها تطهر، ويجوز
السجود عليها، والتيمم بترابها وإن لم يطرح عليها الماء، وبه قال الشافعي في
القديم.
وقال أبو حنيفة: تطهر، ويجوز الصلاة عليها ولا يجوز التيمم بها.
وقال الشافعي في الجديد، واختاره أصحابه: إنها لا تطهر، ولا بد من إكثار
الماء عليها.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا قوله تعالى: فتيمموا صعيدا طيبا، والطيب ما
لم يعلم فيه نجاسة ومعلوم زوال النجاسة عن هذه الأرض، وإنما يدعي حكمها
وذلك يحتاج إلى دليل.
وروى عمار الساباطي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سئل عن الشمس
هل تطهر الأرض؟ قال: إذا كان الموضع قذرا من البول أو غير ذلك، فأصابته
الشمس، ثم يبس الموضع، فالصلاة على الموضع جائزة.
وروى أبو بكر الحضرمي عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: يا أبا بكر، ما
أشرقت عليه الشمس، فقد طهر.
115

مسألة 187: غسل الجمعة والأعياد مستحب، وبه قال جميع الفقهاء.
وذهب أهل الظاهر، داود وغيره إلى أنه: واجب، وروي ذلك عن كعب
الأحبار.
دليلنا: على ذلك إجماع الفرقة، وأما الوجوب فالأصل براءة الذمة،
وشغلها بواجب يحتاج إلى دليل.
وروى علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الغسل في
الجمعة والأضحى والفطر. قال: سنة وليس بفريضة.
وروى زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن غسل الجمعة،
قال: سنة في السفر والحضر، إلا أن يخاف المسافر على نفسه القر.
وروى علي بن أبي حمزة قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن غسل
العيدين، أواجب هو؟ قال: هو سنة، قلت: فالجمعة؟ فقال: هو سنة.
مسألة 188: يجوز غسل الجمعة من عند طلوع الفجر إلى عند الزوال،
وكلما قرب إلى الزوال كان أفضل، فإن اغتسل قبل طلوع الفجر، لم يجزه، وبه
قال الشافعي، إلا أنه قال: وقت الاستحباب وقت الرواح.
وقال الأوزاعي: إذا اغتسل قبل طلوع الفجر، وراح عقيب الغسل، أجزأه.
وقال مالك: يحتاج إلى أن يغتسل ويروح، فإن اغتسل ولم يرح، لم
يجزه.
دليلنا: على ذلك إجماع الفرقة، وأيضا روي عن النبي صلى الله عليه وآله
أنه قال: غسل يوم الجمعة واجب، فأضافه إلى اليوم، وقبل طلوع الفجر ليس من
يوم الجمعة.
مسألة 189: إذا كان جنبا، فاغتسل ونوى به الجنابة، والجمعة أجزأ
عنهما، وبه قال أبو حنيفة والشافعي.
116

وقال مالك: لا يجزئ حتى يفرد كل واحد منهما.
دليلنا: إجماع الفرقة، وقد روى زرارة عن أحدهما عليهما السلام قال: إذا
اغتسلت بعد طلوع الفجر أجزأك غسلك ذلك للجنابة والجمعة وعرفة والنحر
والذبح والزيارة، فإذا اجتمعت لله تعالى عليك حقوق أجزأها عنك غسل
واحد، قال: ثم قال: وكذلك المرأة يجزئها غسل واحد لجنابتها وإحرامها
وجمعتها وغسلها من حيضها وعيدها.
مسألة 190: إذا اغتسل غسلا واحدا لم ينو به غسل الجنابة ولا غسل
الجمعة، فإنه لا يجزئه عن واحد منهما، وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: يجزئه.
دليلنا: ما دللنا به على أن الوضوء والغسل لا بد فيهما من نية، فإذا لم ينو
فيجب أن لا يكون مجزئا، وفي ثبوت ذلك ثبوت هذا، لأن أحدا لا يفرق.
مسألة 191: إذا اغتسل ونوى به غسل الجنابة دون غسل الجمعة، أجزأه
عنهما. وللشافعي فيه قولان:
أحدهما: أنه يجزئه عن الغسل من الجنابة والغسل من الجمعة.
والآخر: إنه يجزئه عن غسل الجنابة لا غير، وهذا يقوى عندي أيضا، وقال
أبو حنيفة: يجزئ عنهما.
دليلنا: على جوازه عنهما عموم الخبر الذي قدمناه وما جاء من الأخبار من
أنه إذا اغتسل غسلا واحدا، أجزأه عن الأغسال الكثيرة، ولم يفصلوا.
مسألة 192: إذا اغتسل بنية غسل الجمعة دون غسل الجنابة، لم يجزئه
عن واحد منهما.
وقال الشافعي: لا يجزئه عن الجنابة، وفي إجزائه عن الجمعة قولان.
وعند أبي حنيفة، يجزئه عنهما بناءا منه على أن النية غير واجبة، وقد دللنا
117

على وجوبها وإذا ثبت وجوب النية ولم ينو الغسل من الجنابة، فوجب أن لا
يجزئه عنها، وإذا لم يجزئ عنها لا يصح إجزاؤه عن غسل
الجمعة، لأن غسل الجمعة إنما يراد به التنظيف وزيادة التطهير، ومن هو جنب لا يصح منه ذلك.
مسألة 193: الغسل من غسل الميت واجب عند أكثر أصحابنا، وعند
بعضهم أنه مستحب، وهو اختيار المرتضى.
وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابه والثوري ومالك، وعامة الفقهاء: إنه
مستحب وليس بواجب، وكذلك الوضوء.
وقال أحمد: الوضوء من مسه واجب، والغسل ليس بواجب.
دليلنا: طريقة الاحتياط، فإن من اغتسل من مسه لا خلاف في كونه
طاهرا، وإذا لم يغتسل، فيه خلاف.
وأيضا روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: الغسل من غسل الميت،
والوضوء من مسه، وفي خبر آخر: من غسل ميتا فليغتسل، ومن مسه فليتوضأ.
وروى سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: غسل من غسل ميتا
واجب.
وروى يونس عن بعض رجاله عن أبي عبد الله عليه السلام قال: الغسل في
سبعة عشر موطنا: منها الفرض ثلاثة: غسل الجنابة، وغسل من غسل ميتا،
والغسل للإحرام.
وقد بينا الكلام على ما اختلف من أخبارنا في ذلك في الكتابين المقدم
ذكرهما.
118

كتاب الحيض
ومسائل في الاستحاضة والنفاس
مسألة 194: وطء الحائض في الفرج محرم بلا خلاف، فإن وطأها جاهلا
بأنها حائض أو جاهلا بتحريم ذلك، فلا شئ عليه، وإن كان عالما بهما، أثم
واستحق العقاب، ويجب عليه التوبة بلا خلاف في جميع ذلك، وكان عليه
عندنا الكفارة إن كان في أول الحيض دينار، وإن كان في وسطه نصف دينار،
وإن كان في آخره ربع دينار، وبه قال الشافعي في القديم، وإليه ذهب الأوزاعي
وأحمد وإسحاق، إلا أنهم لم يقولوا: إن عليه في آخره شيئا.
وقال في الجديد: لا كفارة عليه، وإنما عليه الاستغفار بالتوبة، وبه قال
أبو حنيفة وأصحابه ومالك والثوري.
دليلنا: على وجوب الكفارة، طريقة الاحتياط، فإنه إذا كفر برئت ذمته بلا
خلاف، واختلفوا إذا لم يكفر.
وروي عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وآله قال في من يأتي أهله وهي
حائض: يتصدق بدينار، أو نصف دينار، وعليه إجماع الفرقة.
وروى داود بن فرقد عن أبي عبد الله عليه السلام في كفارة الطمث: أنه
يتصدق إذا كان في أوله بدينار، وفي وسطه نصف دينار، وفي آخره ربع دينار.
119

وقد تكلمنا على اختلاف الأخبار في هذا المعنى في الكتابين المقدم
ذكرهما.
مسألة 195: مباشرة المرأة فيما فوق السرة وتحت الركبة إلى القدم مباح،
بلا خلاف، وما بين السرة إلى الركبة غير الفرج، فيه خلاف.
فعندنا أنه لا بأس به، واجتنابه أفضل، وبه قال محمد بن الحسن ومالك
واختاره أبو إسحاق المروزي.
وقال الشافعي وأصحابه والثوري وأبو حنيفة وأبو يوسف: إن ذلك
محرم.
دليلنا: عليه إجماع الفرقة، وأيضا قوله تعالى: نساؤكم حرث لكم فأتوا
حرثكم أنى شئتم، فأباح الوطء كيف نشاء، فوجب حملها على العموم، إلا ما
أخرجه الدليل.
وأيضا قوله: ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في
المحيض، والمحيض عند أهل اللغة موضع الحيض، فوجب أن يكون ما عداه
مباحا، وأيضا الأصل الإباحة.
وروى إسحاق بن عمار عن عبد الملك بن عمرو قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام
عما لصاحب المرأة الحائض منها، قال: كل شئ منها ما عدا القبل بعينه.
وروى هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام: في الرجل يأتي المرأة
فيما دون الفرج وهي حائض، قال: لا بأس إذا اجتنب ذلك الموضع، وقد بينا
الكلام في مختلف الأخبار من طريق أصحابنا.
مسألة 196: إذا انقطع دم الحيض، جاز لزوجها وطؤها إذا غسلت فرجها،
سواء كان ذلك في أقل الحيض، أو في أكثره، وإن لم تغتسل.
وقال أبو حنيفة: إن انقطع دمها لأكثر مدة الحيض، وهو عشرة أيام، حل
120

وطؤها، ولم يراع غسل الفرج، وإن انقطع فيما دون العشرة أيام، لم يحل
ذلك، إلا بعد أن توجد ما ينافي الحيض، وهو أن تغتسل أو تتيمم وتصلي، فإن
تيممت ولم تصل، لم يجز وطؤها، فإن خرج عنها الوقت ولم تصل، جاز
وطؤها.
وقال الشافعي: لا يحل وطؤها، إلا بعد أن تستبيح فعل الصلاة، إما
بالغسل مع وجود الماء، أو بالتيمم عند عدمه، فأما قبل استباحة الصلاة فلا يجوز
وطؤها على حال، وبه قال الحسن البصري وسليمان بن يسار والزهري وربيعة
ومالك والليث بن سعد والثوري.
دليلنا: قوله تعالى: ولا تقربوهن حتى يطهرن، فعلق حظر الوطء بزمان
الحيض إلى زمان حصول الطهر، ولم يفصل، وهذه قد طهرت فيجب أن يستباح
وطؤها إلا ما أخرجه الدليل من وجوب غسل الفرج، ولا ينافي ذلك قوله: فإذا
تطهرن، فإن المراد به الاغتسال، من وجوه:
أحدها: أن يكون هذا كلاما مستأنفا، ولا يكون شرطا، ولا غاية لزمان
الحظر.
والثاني: أن يكون تطهرن، بمعنى طهرن لأن تفعل يجئ بمعنى فعل، يقال:
تطعمت الطعام وطعمته بمعنى واحد.
والثالث: أن يحمل ذلك على غسل الفرج، وأيضا عليه إجماع الفرقة.
وروى محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن المرأة
ينقطع عنها دم الحيض في آخر أيامها، فقال: إن أصاب زوجها شبق، فلتغسل
فرجها ثم يمسها زوجها إن شاء قبل أن تغتسل.
وروى علي بن يقطين عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا انقطع الدم ولم
تغتسل، فليأتها زوجها إن شاء.
مسألة 197: المستحاضة إن كان لها طريق تميز بين دم الحيض
121

والاستحاضة رجعت إليه، فإن كان لها عادة مثل ذلك ترجع إليها، وإن كانت
مبتدئة ميزت بصفة الدم، فإن لم يتميز لها رجعت إلى عادة نسائها، أو قعدت في
كل شهر ستة أيام أو سبعة أيام، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: لا اعتبار بالتمييز بل الاعتبار بالعادة، فإن كانت لها عادة
رجعت إليها، وإن لم تكن لها عادة وكانت مبتدئة فإنها تحيض أكثر الحيض
عنده وهو عشرة أيام، فإن كان لها عادة نسيتها، فإنها تحيض أقل الحيض وهو
ثلاثة أيام.
وقال مالك: الاعتبار بالتمييز فقط فإن كان لها تمييز رجعت إليه، وإن لم
يكن لها تمييز فإنها تصلي أبدا، لأنه ليس لأقل الحيض عنده حد، وتعتبر هذا في
الشهر الثاني والثالث، وأما في الشهر الأول، ففيه روايتان:
إحديهما: أنها لا تعتبر أيضا فيه، فتصلي في جميعه.
والثانية: أنها تعتبر بعادة أقرانها فتحيض ذلك العدد، فإن انقطع دمها وإلا
استظهرت بثلاثة أيام، فإن انقطع الدم اغتسلت وصلت، وإن لم ينقطع دمها في
الثالث جعلها في حكم الطاهرات، فاغتسلت وصلت جميع الصلوات.
دليلنا: إجماع الفرقة روى ابن أبي عمير عن حفص بن البختري قال:
دخلت على أبي عبد الله عليه السلام امرأة سألته عن المرأة يستمر بها الدم، فلا
تدري أحيض هو أو غيره، فقال لها: إن دم الحيض حار عبيط أسود له دفع و
حرارة، ودم الاستحاضة أصفر بارد، فإذا كان للدم حرارة ودفع وسواد فلتدع
الصلاة، قال: فخرجت وهي تقول: والله لو كان امرأة ما زاد على هذا، فهذا دليل
على أبي حنيفة في منعه من اعتبار التمييز.
وأما دليلنا على مالك في اعتبار العادة فيما رواه إسحاق بن جرير قال:
سألتني امرأة منا أن أدخلها على أبي عبد الله عليه السلام، فاستأذنت لها فأذن لها،
فدخلت ومعها مولاة لها، فقالت: يا أبا عبد الله، ما تقول في المرأة تحيض فتجوز
أيام حيضها؟ قال: إن كانت أيام حيضها دون عشرة أيام، استظهرت بيوم واحد،
122

ثم هي مستحاضة، قالت: إن الدم يستمر بها الشهر والشهرين والثلاثة كيف
تصنع بالصلاة؟ قال: تجلس أيام حيضها ثم تغتسل لكل صلاتين، قالت: إن
أيام حيضها تختلف عليها، وكان يتقدم الحيض اليوم واليومين والثلاثة ويتأخر
مثل ذلك فما عملها به؟ قال: دم الحيض ليس له خفاء، هو دم حار تجد به
حرقة، ودم الاستحاضة دم فاسد بارد، قال: فالتفتت إلى مولاتها فقالت: أتراه كان
امرأة؟ فهذا الخبر يتضمن ذكر التمييز والعادة معا.
واستدل الشافعي على صحة ذلك أيضا بخبر أم سلمة ونص النبي صلى الله عليه وآله
في الرجوع إلى العادة فإنه قال: لتنظر عدة الليالي والأيام التي كانت
تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها، فلتترك الصلاة قدر ذلك من
الشهر.
واستدل على أبي حنيفة بحديث فاطمة بنت أبي حبيش وقول النبي صلى الله عليه وآله
لها: إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم
وصلي.
وقال في خبر آخر: إن دم الحيض دم أسود يعرف، فإذا كان ذلك
فأمسكي عن الصلاة، فإذا كان الآخر فتوضئي وصلي.
مسألة 198: يستحب للمرأة الحائض أن تتوضأ وضوء الصلاة عند كل
صلاة، وتقعد في مصلاها، وتذكر الله تعالى بمقدار زمان صلاتها كل يوم، ولم
يوافقنا على هذا أحد من الفقهاء.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
روى زيد الشحام قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: ينبغي للحائض
أن تتوضأ عند وقت كل صلاة، ثم تستقبل القبلة فتذكر الله عز وجل مقدار ما
كانت تصلي.
وروى زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: إذا كانت المرأة طامثا، فلا
123

تحل لها الصلاة، وعليها أن تتوضأ وضوء الصلاة عند وقت كل صلاة، ثم تقعد
في موضع طاهر فتذكر الله عز وجل وتسبحه وتهلله وتحمده بمقدار صلاتها، ثم
تفرع لحاجتها.
مسألة 199: المستحاضة إذا كثر دمها حتى ثقب الكرسف وسأل عليه،
كان عليها ثلاثة أغسال في اليوم والليلة، تجمع بين كل صلاتين، تصلي الظهر
والعصر بغسل، والمغرب والعشاء الآخرة بغسل، والغداة بغسل، ولم يقل أحد
من الفقهاء بوجوب هذه الأغسال.
دليلنا: إجماع الفرقة، وطريقة الاحتياط، لأنها إذا فعلت ما قلنا أدت صلاتها
بيقين، وإذا لم تفعل لم تؤد بيقين.
وروى سماعة بن مهران قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: المستحاضة إذا
ثقب الدم الكرسف اغتسلت لكل صلاتين، وللفجر غسلا، فإن لم يجز الدم
الكرسف فعليها الغسل كل يوم مرة، والوضوء لكل صلاة.
وروى عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: المستحاضة
تغتسل عند صلاة الظهر فتصلي الظهر والعصر، ثم تغتسل عند المغرب فتصلي
المغرب والعشاء، ثم تغتسل عند الصبح فتصلي الفجر.
مسألة 200: المبتدئة بالحيض إذا استمر بها الدم الشهر والشهرين، ولا يتميز
لها دم الحيض من دم الاستحاضة، رجعت إلى عادة نسائها وعملت عليها، فإن لم
تكن لها نساء أو كن مختلفات، تركت الصلاة في الشهر الأول ثلاثة أيام أقل
الحيض، وفي الشهر الثاني عشرة أيام أكثر الحيض.
وقد روي: أنها تترك الصلاة في كل شهر ستة أيام أو سبعة أيام، وللشافعي
فيه قولان:
أحدهما: مثل قولنا في اعتبار سبعة أيام أو ستة.
124

والآخر: إنها تعمل على أقل الحيض في كل شهر، وهو يوم وليلة.
دليلنا: إجماع الفرقة على هاتين الروايتين، والوجه في الجمع بينهما
التخيير.
وروى سماعة قال: سألته عن جارية حاضت أول حيضها، فدام دمها ثلاثة
أشهر، وهي لا تعرف أيام أقرائها، قال: أقراؤها مثل أقراء نسائها فإن كن نساؤها
مختلفات، فأكثر جلوسها عشرة أيام، وأقله ثلاثة أيام.
وروى عبد الله بن بكير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: المرأة إذا رأت الدم
في أول حيضها، فاستمر الدم، تركت الصلاة عشرة أيام، ثم تصلي عشرين يوما،
فإن استمر بها الدم بعد ذلك تركت الصلاة ثلاثة أيام وصلت سبعة وعشرين
يوما.
مسألة 201: الصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض، وفي أيام الطهر
طهر، سواء كانت أيام العادة، أو الأيام التي يمكن أن تكون حائضا فيها، وعلى
هذا أكثر أصحاب الشافعي.
وذهب الإصطخري من أصحابه: إلى أن ذلك إنما يكون حيضا إذا وجد في
أيام العادة دون غيرها، وبه قال أبو إسحاق المروزي، ثم رجع عنها إلى القول
الأول، وقال: وجدت نص الشافعي: على أن الكدرة والصفرة في أيام الحيض
حيض، والمعتادة والمبتدئة في ذلك سواء.
وقال أبو يوسف ومحمد: الصفرة والحمرة حيض، وأما الكدرة فليس
بحيض، إلا أن يتقدمها دم أسود.
دليلنا: على صحة ما ذهبنا إليه إجماع الفرقة وقد بينا أن إجماعها حجة.
وأيضا روى محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام، عن المرأة
ترى الصفرة في أيامها، فقال: لا تصل حتى تنقضي أيامها، وإن رأت الصفرة في
غير أيامها توضأت وصلت.
125

وروى أبو بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال في المرأة ترى الصفرة،
قال: إن كان قبل الحيض بيومين فهو من الحيض، وإن كان بعد الحيض بيومين
فليس من الحيض.
ومن وافقنا في المسألة احتج بحديث عائشة، أنها قالت: كنا نعد الصفرة
والكدرة حيضا.
مسألة 202: أقل الحيض عندنا ثلاثة أيام، وبه قال أبو حنيفة والثوري.
وقال أبو يوسف: يومان وأكثر اليوم الثالث.
وقال الشافعي فيه ثلاثة أقوال: أحدها: إنه يوم وليلة، والثاني: يوم بلا ليلة،
والثالث: إنها على قولين: أحدهما: إنه يوم وليلة، والثاني: يوم بلا ليلة.
وقال أحمد وأبو ثور: يوم وليلة. وقال داود: يوم بلا ليلة. وقال مالك:
ليس لأقل الحيض حد، ويجوز أن يكون ساعة.
دليلنا: إجماع الفرقة، فإنهم لا يختلفون في ذلك.
وروى أحمد بن محمد بن أبي نصر قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن
أدنى ما يكون من الحيض، فقال: أدناه ثلاثة أيام، وأكثره عشرة.
وروى صفوان بن يحيى قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن أدنى ما
يكون من الحيض، فقال: أدناه ثلاثة أيام وأبعده عشرة.
وروى يعقوب بن يقطين عن أبي الحسن عليه السلام قال: أدنى الحيض
ثلاثة، وأقصاه عشرة.
مسألة 203: أكثر الحيض عشرة أيام، وبه قال أبو حنيفة وسفيان الثوري.
وقال الشافعي ومالك وأحمد وأبو ثور وداود: أكثره خمسة عشر يوما.
وحكي ذلك عن عطاء، ورووه عن أمير المؤمنين علي عليه السلام.
وقال سعيد بن جبير: ثلاثة عشر يوما.
126

دليلنا: إجماع الفرقة فإنهم لا يختلفون في ذلك، وقد قدمنا من الأخبار ما
يدل عليه في المسألة الأولى.
وأيضا فقد ثبت أن الذمة مرتهنة بوجوب العبادات من الصلاة والصيام
وغيرها، فلا يجوز أن نسقطها إلا بأمر معلوم، والعشرة أيام لا خلاف أنها حيض،
وما زاد عليها ليس عليه دليل فوجب نفيه.
مسألة 204: أقل الطهر عشرة أيام، وأكثره لا حد له. وروي في بعض
الروايات ذلك عن مالك.
وقال جميع الفقهاء: إن أقل الطهر خمسة عشر يوما.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا فإن قولنا: عشرة أيام، مجمع على
أنها طهر، وإذا رأت الدم فيما بعدها فليس على كونه طهرا دليل، والأصل براءة
الذمة من العبادة.
مسألة 205: الحامل عندنا تحيض قبل أن يستبين حملها، فإذا استبان، فلا
حيض.
وقال الشافعي في الجديد: إنها تحيض، ولم يفصل، وقال في القديم: لا
تحيض، ولم يفصل، وبه قال أبو حنيفة.
دليلنا: ما أوردناه من الأخبار التي ذكرناها في كتابينا المقدم ذكرهما،
وبينا الوجه فيما اختلف في ذلك من الأخبار التي ذكرناها، فلا وجه لذكرها هنا،
لأنه يطول به الكتاب.
مسألة 206: لا تثبت عادة المرأة في الحيض، إلا بمضي شهرين أو حيضتين
على حد واحد، وهو مذهب أبي حنيفة، وقوم من أصحاب الشافعي.
وقال المروزي وأبو العباس بن سريج وغيرهما من أصحاب الشافعي: إن
127

العادة تثبت بمرة واحدة.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا ما اعتبرناه مجمع على ثبوت العادة به، وما
قالوه ليس عليه دليل، والأصل شغل الذمة بالعبادات، فلا يجوز إسقاطها عنها إلا
بأمر معلوم.
وروى سماعة بن مهران قال: سألته عن الجارية البكر أول ما تحيض، تقعد
في الشهر يومين، وفي الشهر ثلاثة أيام، تختلف عليها لا يكون طمثها في الشهر
عدة أيام سواء، قال: فلها أن تجلس وتدع الصلاة ما دامت ترى الدم ما لم يجز
العشرة، فإذا اتفق شهران عدة أيام سواء، فتلك أيامها.
مسألة 207: إذا كانت عادتها خمسة أيام في كل شهر فرأت الدم قبلها
خمسة أيام ورأت فيها وانقطع، أو خمسة أيام بعدها ورأت فيها ثم انقطع، كان
الكل حيضا، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: إن رأت خمسة أيام قبلها ورأت فيها، كان حيضها الخمسة
المعتادة، والتي قبلها استحاضة وقال: إن رأت فيها ورأت بعدها خمسة وانقطع،
كان الكل حيضا.
دليلنا: ما قدمناه من أن أقصى مدة الحيض عشرة أيام، وهذه رأت عشرة
أيام فوجب أن يكون كله حيضا، لأنه زمان يمكن أن يكون حيضا، وإنما ترد إلى
عادتها إذا اختلط دم الحيض بدم الاستحاضة.
مسألة 208: إذا كانت عادتها خمسة أيام، فرأت خمسة أيام قبلها ورأت
فيها وفي خمسة أيام بعدها، كانت الخمسة المعتادة حيضا، والباقي استحاضة.
وقال الشافعي: يكون الجميع حيضا بناءا منه على أن أكثر أيام الحيض
خمسة عشر يوما، وقال أبو حنيفة: تكون العشرة الأخيرة حيضا.
دليلنا: على الشافعي ما قدمناه من أن أكثر أيام الحيض عشرة فسقط
128

بذلك خلافه، لأنه مبني عليه.
وأما قول أبي حنيفة، فإنه يبطل، لأنه ليس أن يجعل الخمسة الأخيرة من
تمام العشرة بأولى من الخمسة الأولة، فينبغي أن تسقط وترجع إلى العادة وهي
خمسة أيام.
مسألة 209: إذا رأت المبتدئة في الشهر الأول دما أحمر، ورأت في الشهر
الثاني خمسة أيام دما أسود بصفة دم الحيض، والباقي دم أحمر، ورأت في الشهر
الثالث دما مبهما فإنها في الشهر الأول والثالث تعمل ما تعمله من لا عادة لها ولا
تمييز وقد بينا القول فيه. وفي الشهر الثاني تجعل الخمسة أيام حيضا، والباقي
استحاضة.
وقال الشافعي: في الشهر الأول مثل قولنا، وكذلك في الشهر الثاني، وقال
في الشهر الثالث: إنها ترد إلى الشهر الثاني وهو خمسة أيام بناءا منه على أن العادة
تثبت بشهر واحد، وقد دللنا على خلاف ذلك، فسقط خلافه.
مسألة 210: إذا اجتمع لامرأة واحدة عادة وتمييز، كان الاعتبار بالتمييز
دون العادة، لأنه مقدم على العادة، مثال ذلك: أن تكون عادتها أن تحيض في
أول كل شهر خمسة أيام دم الحيض، فرأت في تلك الأيام دم الاستحاضة، وفيما
بعدها دم الحيض، وجاوز العشرة، اعتبرت الخمسة الثانية من الحيض، والأولة
من الاستحاضة، اعتبارا بالتمييز.
وكذلك إن كانت عادتها الخمسة الثانية فرأت أولا دم الحيض، ورأت في
أيام العادة دم الاستحاضة واتصل، اعتبرت بالتميز.
وكذلك إذا كانت عادتها ثلاثة أيام في أول كل شهر، فرأت فيها دم
الاستحاضة وبعدها ثلاثة أيام دم الحيض وأربعة أيام دما أحمر واتصل، كان
الاعتبار بالتميز وهي الثلاثة الثلاثية، وبه قال جميع أصحاب الشافعي إلا ابن
129

خيران فإنه قال في هذه المسائل: الاعتبار بالعادة دون التميز، وبه قال أبو حنيفة.
دليلنا: إجماع الفرقة على أن اعتبار صفة الدم مقدم على العادة، وعموم
الأخبار يقتضي ذلك، والأخبار التي وردت في اعتبار العادة متناولة لمن لا تميز
لها بحال، وإن حملناها على عمومها، وقلنا بقول أبي حنيفة كان قويا.
مسألة 211: الناسية لأيام حيضها أو لوقتها ولا تمييز لها، تترك الصوم
والصلاة في كل شهر سبعة أيام، وتغتسل وتصلي وتصوم فيما بعد، ولا قضاء
عليها في صوم ولا صلاة.
وللشافعي فيه قولان:
أحدهما: إنها تترك الصوم والصلاة يوما وليلة، وتصلي الباقي وتصوم.
والثاني: مثل قولنا، إلا أنه قال: تقضي الصوم، إلا أنهم قالوا: تصوم شهر
رمضان ثم تقضي. ومنهم من قال: تقضي خمسة عشر يوما. ومنهم من قال: سبعة
عشر يوما، وهو الذي خرجه أبو الطيب الطبري.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا فإن خبر يونس بن عبد الرحمن عن جماعة من
أصحاب أبي عبد الله عليه السلام عن أبي عبد الله عليه السلام يتضمن تفصيل
ذلك، وينبغي أن يكون محمولا عليه.
وقول الشافعي: أنها تترك الصوم والصلاة يوما وليلة، بناءا على أنه أقل
الحيض، وقد بينا خلاف ذلك.
فأما قضاء الصوم فإنه يحتاج إلى شرع، لأنه فرض ثان، وليس في الشرع
ما يدل عليه، فوجب نفيه.
مسألة 212: إذا رأت دما ثلاثة أيام، وبعد ذلك يوما وليلة نقاء، ويوما
وليلة دما إلى تمام العشرة أيام، أو انقطع دونها، كان الكل حيضا، وبه قال أبو
حنيفة، وهو الأظهر من مذهب الشافعي، وله قول آخر، وهو أنه تلفق الأيام التي
130

ترى فيها الدم فيكون حيضا، وما ترى فيه نقاء يكون طهرا.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا فقد بينا أن الصفرة في أيام الحيض حيض،
والعشرة أيام كلها أيام حيض، فينبغي أن يكون ما تراه كله حيضا.
مسألة 213: أكثر النفاس عشرة أيام، وما زاد عليه حكمه حكم
الاستحاضة، وفي أصحابنا من قال: ثمانية عشر يوما.
وقال الشافعي: أكثر النفاس ستون يوما، وبه قال مالك وأبو ثور وداود
وعطاء والشعبي وعبيد الله بن الحسن العنبري وحجاج بن أرطاة.
وقال أبو حنيفة والثوري وأحمد وإسحاق وأبو عبيد: أربعون يوما، وحكى
ابن المنذر عن الحسن البصري أنه قال: خمسون يوما، وذهب الليث بن سعد إلى
أنه: سبعون يوما.
دليلنا: على صحة ذلك: إجماع الفرقة، وأيضا طريقة الاحتياط، فإن ما
اعتبرناه مجمع على أنه من النفاس، وما زاد عليه ليس عليه دليل، والأصل
وجوب العبادات، فلا يجوز إسقاطها إلا بدليل.
مسألة 214: ليس لأقل النفاس حد، ويجوز أن يكون ساعة، وبه قال
الشافعي وأصحابه وكافة الفقهاء.
وقال أبو يوسف: أقله أحد عشر يوما، لأن أقل النفاس يجب أن يزيد على
أكثر الحيض.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا الذمة مشتغلة بالعبادات، وإيجاب مقدار لأقل
النفاس يحتاج إلى دليل، وليس عليه دليل، فيجب أن يكون غير محدود.
مسألة 215: إذا ولدت المرأة، ولم يخرج منها دم أصلا، ولم يخرج منها
أكثر من الماء، لا يجب عليها الغسل، وهو أحد قولي الشافعي.
131

وله قول آخر وهو: أنه يجب الغسل بخروج الولد.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا الأصل براءة الذمة، وإيجاب الغسل يحتاج
إلى دليل، وإيجاب الغسل بخروج الدم مجمع عليه.
وأيضا فالنفاس مأخوذ من النفس الذي هو الدم، فإذا لم يحصل دم
لم يحصل نفاس على حال.
مسألة 216: إذا زاد على أكثر أيام الحيض وهو عشرة أيام عندنا، وعند
الشافعي ستون يوما، كان ما زاد على العشرة أيام استحاضة عندنا، وللشافعي فيما
زاد على الستين قولان:
أحدهما: أن ترد إلى ما دونها، فإن كانت مميزة رجعت إلى التمييز، وإن
كانت معتادة لا تمييز لها ترد إلى العادة، وإن كانت مبتدئة ففيها قولان:
أحدهما: ترد إلى أقل النفاس وهو ساعة، وتقضي الصلاة.
والثاني: ترد إلى غالب عادة النساء وتقضي ما زاد عليها.
وقال المزني: لا ترد إلى ما دون الستين، ويكون الجميع نفاسا.
دليلنا: إجماع الفرقة، فإنهم لا يختلفون إن ما زاد على أكثر النفاس يكون
استحاضة وإن اختلفوا في مقدار الأكثر.
مسألة 217: الدم الذي يخرج قبل خروج الولد، لا خلاف أنه ليس
بنفاس، وما يخرج بعده لا خلاف في كونه نفاسا، وما يخرج معه عندنا يكون
نفاسا.
واختلف أصحاب الشافعي في ذلك، فقال أبو إسحاق المروزي وأبو
العباس بن القاص مثل ما قلناه، ومنهم من قال: إنه ليس بنفاس.
دليلنا: أن اسم النفاس يتناوله لأنه دم، وقد خرج بخروج الولد، وإذا
تناوله اللفظ حمل على عموم ما ورد في هذه الباب.
132

مسألة 218: الدم الذي يخرج قبل الولادة ليس بحيض عندنا.
ولأصحاب الشافعي فيه قولان:
أحدهما: إنه حيض، والثاني: إنه استحاضة، لأنه لا يجوز أن يكون الحيض
النفاس متعاقبين من غير طهر بينهما.
دليلنا: إجماع الفرقة على أن الحامل المستبين حملها لا تحتاض، وإنما
اختلفوا في حيضها قبل أن يستبين الحمل، وهذا بعد الاستبانة. وأيضا الذمة
مشغولة بالعبادات وإسقاطها عنها يحتاج إلى دليل.
مسألة 219: إذا ولدت ولدين، ورأت الدم عقيبهما، اعتبرت النفاس من
الأول، وآخره يكون من الثاني، وبه قال أبو إسحاق المروزي من أصحاب
الشافعي، واختاره أبو الطيب الطبري.
ومنهم من قال: يعتبر من الثاني، وهو الذي ذكره أبو علي الطبري.
وقال أبو العباس بن القاص: يكون أول النفاس من الولادة الأولى، وآخره
من الولادة الأخيرة. ثم قال: في المسألة ثلاثة أوجه أحدها: هذا، والثاني: إنه من
الأول، والثالث: إنه من الثاني.
وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: يكون النفاس من الولد الأول كما قلناه، إلا
أنهما قالا: لو كان بين الولدين أربعون يوما لم يكن الدم الموجود عقيب الولد
الثاني نفاسا.
دليلنا: أن كل واحد من الدمين يستحق الاسم بأنه نفاس، فينبغي أن
يتناوله اللفظ، وإذا تناوله الاسم عددناه من الأول، واستوفينا أيام النفاس من
الأخير لتناول الاسم لهما.
مسألة 220: إذا رأت الدم ساعة ثم انقطع تسعة أيام، ثم رأت يوما وليلة،
كان ذلك كله نفاسا.
133

وللشافعي قولان:
أحدهما: مثل ما قلناه، والثاني: إنه تلفق، إلا أنه اعتبر في ذلك خمسة عشر
يوما لأنه أقل الطهر عنده.
وإذا رأت ساعة دم نفاس، ثم انقطع عشرة أيام، ثم رأت ثلاثة أيام، فإنه
يكون من الحيض.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل قولنا، والثاني أن يكون الثاني والأول
نفاسا، وفيما بينهما قولان:
أحدهما: إنه طهر. والثاني: تلفق.
وقال أبو حنيفة: يكون الدمان وما بينهما نفاسا.
دليلنا: ما قدمناه من أن أكثر أيام النفاس عشرة أيام فإذا ثبت ذلك فقد
مضت العشرة، فينبغي أن يكون أيام النفاس قد مضت، وحكمنا بكونه حيضا لأنه
قد مضى بعد النفاس أقل الطهر وهو عشرة أيام، ورأت الدم في زمان يمكن أن
يكون حيضا فحكمنا بذلك.
وأما اعتبار الطهر بين الحيض والنفاس فلا خلاف فيه، والأخبار التي
وردت بأن أقل الطهر عشرة أيام يتناول هذا الموضع لأنها عامة في الطهر عقيب
الحيض وعقيب النفاس.
وأيضا روى عبد الله بن المغيرة عن أبي الحسن الأول عليه السلام، في امرأة
نفست فتركت الصلاة ثلاثين يوما، ثم تطهرت، ثم رأت الدم بعد ذلك، فقال:
تدع الصلاة لأن أيامها أيام الطهر قد جازت مع أيام النفاس، فأثبت كما ترى أيام
الطهر بعد أيام النفاس، وهذا نص.
مسألة 221: المستحاضة، ومن به سلس البول، يجب عليه تجديد الوضوء
عند كل صلاة فريضة، ولا يجوز لهما أن يجمعا بوضوء واحد بين صلاتي فرض،
هذا إذا كان الدم لا يثقب الكرسف، فإن ثقب الدم الكرسف ولم يسل كان
134

عليها غسل لصلاة الفجر، وتجديد الوضوء عند كل صلاة فيما بعد.
وإن سأل الدم على الكرسف، كان عليها ثلاثة أغسال في اليوم والليلة،
غسل لصلاة الظهر والعصر تجمع بينهما، وغسل للمغرب والعشاء الآخرة تجمع
بينهما، وغسل لصلاة الفجر وصلاة الليل تؤخر صلاة الليل إلى قرب طلوع
الفجر، وتصلي الفجر به.
وقال الشافعي: تجدد الوضوء عند كل صلاة ولا تجمع بين فريضتين
بطهارة واحدة، ولم يوجب الغسل، وبه قال سفيان الثوري وأحمد بن حنبل.
وقال أبو حنيفة: تتوضأ لوقت كل صلاة، ويجوز لها أن تجمع بين صلوات
كثيرة فريضة في وقت واحد.
وقال مالك وداود وربيعة: دم الاستحاضة ليس بحدث ولا يوجب
الوضوء.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا طريقة الاحتياط، فإنها إذا فعلت ما
بيناه أدت العبادة بيقين، وإذا لم تفعل لم تؤد العبادة بيقين، فوجب استعمال ما
بيناه.
مسألة 222: إذا انقطع دم الاستحاضة وهي في الصلاة، وجب عليها أن
تمضي في صلاتها، ولا يجب عليها استئنافها.
وقال أبو العباس بن سريج: فيه وجهان:
أحدهما: مثل قولنا، والآخر: يجب عليها استئناف الصلاة، وبه قال أبو
حنيفة.
دليلنا: أنها قد دخلت في الصلاة دخولا صحيحا بيقين، وإيجاب الخروج
منها يحتاج إلى دليل، وليس هاهنا دليل.
مسألة 223: إذا كان دمها متصلا، فتوضأت ثم انقطع الدم قبل أن تدخل
135

في الصلاة، وجب عليها تجديد الوضوء، فإن لم تفعل وصلت، ثم عاد الدم لم
تصح صلاتها، وكان عليها الإعادة سواء عاد الدم في الصلاة أو بعد الفراع منها.
وقال ابن سريج: إن عاد قبل الفراع من الصلاة فيه وجهان:
أحدهما: تبطل صلاتها، وهو الصحيح عندهم، والثاني: إنها لا تبطل.
دليلنا: على ذلك أن الدم إذا كان سائلا فهو حدث، وإنما رخص لها بأن
تصلي مع الحدث إذا توضأت ومتى توضأت وانقطع دمها كان الحدث باقيا،
فوجب عليها أن تجدد الوضوء.
وأيضا إذا أعادت الوضوء كانت صلاتها ماضية بالإجماع، وإذا لم تعده
ليس على صحتها دليل.
مسألة 224: إذا توضأت المستحاضة في أول الوقت، ثم صلت آخر الوقت
لم تجزها تلك الصلاة.
وقال ابن سريج: فيه وجهان:
أحدهما: تصح صلاتها على كل حال.
والثاني: إنه إن كان تشاغلها بشئ من أسباب الصلاة، مثل انتظار جماعة، أو
طلب ما يستر العورة أو غير ذلك، كانت صلاتها ماضية، وإن كان لغير ذلك،
لم تجز صلاتها.
دليلنا: ما قدمناه من أنه يجب عليها تجديد الوضوء عند كل صلاة وذلك
يقتضي أن يتعقبه فعل الصلاة، وأيضا فإنها إذا توضأت وصلت عقيبه، كانت
الصلاة ماضية بالإجماع، وإذا أخرت عنها لم يدل على صحة الصلاة دليل.
مسألة 225: إذا كان به جرح لا يندمل ولا ينقطع دمه، يجوز أن يصلي
معه وإن كان الدم سائلا ولا ينتقض وضوؤه.
وقال الشافعي وأصحابه: هو بمنزلة الاستحاضة، يجب شده لكل صلاة.
136

غير أنهم قالوا: لا ينقض الوضوء، لأنه غير خارج من السبيلين.
دليلنا: إجماع الفرقة وإجماعها حجة، وأيضا قوله تعالى: وما جعل عليكم
في الدين من حرج، يعني من ضيق، وفي إيجاب ذلك غاية الضيق، وحمله على
الاستحاضة قياس لا نقوله.
وروى محمد بن مسلم عن أحدهما عليه السلام قال: سألته عن الرجل
تخرج به القروح، فلا تزال تدمي، كيف يصلي؟ فقال: يصلي وإن كانت الدماء
تسيل.
وروى ليث المرادي قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام، الرجل تكون به
الدماميل والقروح، فجلده وثيابه مملوءة دما وقيحا، فقال: يصلي في ثيابه، ولا
يغسلها ولا شئ عليه.
137

المبسوط
في فقه الإمامية
تأليف شيخ الطائفة
أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (قدس سره)
385 - 460 ه‍. ق
139

فصل: في ذكر حقيقة الطهارة وجهة وجوبها وكيفية أقسامها
الطهارة في اللغة هي النظافة، وفي الشرعية عبارة عن إيقاع أفعال في البدن
مخصوصة على وجه مخصوص يستباح بها الصلاة. وهي على ضربين: طهارة
بالماء وطهارة بالتراب.
فالطهارة بالماء على ضربين: أحدهما يختص بالأعضاء الأربعة فتسمى
وضوء، والآخر يعم جميع البدن فتسمى غسلا، والتي بالتراب يختص عضوين
فقط على ما سنبينه.
والوضوء على وجهين: واجب وندب. فالواجب هو الذي يجب لاستباحة
الصلاة أو الطواف لا وجه لوجوبه إلا هذين، والندب فإنه مستحب في مواضع
كثيرة لا تحصى.
وأما الغسل فعلى ضربين أيضا: واجب وندب. فالواجب يجب للأمرين
اللذين ذكرناهما ولدخول المساجد، ومس كتابة المصحف، وما فيه اسم الله
تعالى وغير ذلك، وأما المندوب فسنذكره في موضعه إن شاء الله.
وأما ما يوجب الوضوء أو الغسل فسنبينه فيما بعد إن شاء الله.
والطهارة بالماء هي الأصل وإنما يعدل عنها إلى الطهارة بالتراب عند
الضرورة وعدم الماء، وتسمية التيمم بالطهارة حكم شرعي لأن النبي صلى الله عليه وآله
قال: جعلت لي الأرض مسجدا وترابها طهورا، وأخبارنا مملوءة بتسمية
141

ذلك طهارة فليس لأحد أن يخالف فيه.
وينبغي أن نبدأ أولا بما به يكون الطهارة من المياه وأحكامها، ثم نذكر بعد
ذلك كيفية فعلها وأقسامها، ثم نعود بعد ذلك بذكر ما ينقضها ويبطلها، والفرق
بين ما يوجب الوضوء والغسل، ثم نعود بعد ذلك إلى أقسام التيمم على ما بيناه،
ونحن نفعل ذلك ونذكر في كل فصل ما يليق به ولا نترك شيئا قيل ولا ما
يمكن أن يقال إلا وأذكره إلا ما لعله يشذ منه من النادر اليسير والتافه الحقير، إذ
الحوادث لا تضبط والخواطر لا تحصر غير أنه لا يخلو أن يكون في جملة المسطور
ما يمكن أن يكون جوابا عنه إن شاء الله.
باب
المياه وأحكامها:
الماء على ضربين: طاهر ونجس.
فالنجس هو كل ماء تغير أحد أوصافه في لون أو طعم أو رائحة بنجاسة
تحصل فيه قليلا كان أو كثيرا أو حصل فيه نجاسة وإن لم يتغير أحد أوصافه متى
كان قليلا أو لا يراعى فيه مقدار، وما هذا حكمه لا يجوز استعماله إلا بعد تطهيره
على ما نبينه.
والطاهر على ضربين: مطلق ومضاف.
والمضاف كل ماء استخرج من جسم أو اعتصر منه أو كان مرقة نحو: ماء
الورد والخلاف والآس والزعفران وماء الباقلي، فهذا الضرب من المياه لا يجوز
استعماله في رفع الأحداث بلا خلاف بين الطائفة، ولا في إزالة النجاسات على
الصحيح من المذهب، ويجوز استعماله فيما عدا ذلك مباح التصرف فيه بسائر
أنواع التصرف ما لم يقع فيه نجاسة، فإذا وقعت فيه نجاسة لم يجز استعماله على
حال سواء كان قليلا أو كثيرا، وسواء كانت النجاسة قليلة أو كثيرة، تغير أحد
أوصافها أو لم يتغير، ولا طريق إلى تطهيرها بحال إلا أن يختلط بما زاد على الكر
142

من المياه الطاهرة المطلقة، ثم ينظر فيه: فإن سلبه إطلاق اسم الماء وغير أحد
أوصافه، إما لونه أو طعمه أو رائحته فلا يجوز أيضا استعماله بحال، وإن لم يتغير
أحد أوصافه ولم يسلبه إطلاق اسم الماء جاز استعماله في جميع ما يجوز
استعمال المياه المطلقة فيه، وإن اختلطت المياه المضافة بالماء المطلق قبل
حصول النجاسة فيها نظر: فإن سلبها إطلاق اسم الماء لم يجز استعمالها في رفع
الأحداث وإزالة النجاسات، وإن لم يسلبها إطلاق ذلك جاز استعمالها في جميع
ذلك.
والمياه المطلقة طاهرة مطهرة يجوز استعمالها في رفع الأحداث وإزالة
النجاسات وغير ذلك ما لم تقع فيها نجاسة تمنع من استعمالها على ما سنبينه،
وهي على ضربين: جارية وراكدة.
فالجارية لا ينجسها إلا ما يغير أحد أوصافها لونها أو طعمها أو رائحتها قليلا
كان الماء أو كثيرا، فإن تغير أحد أوصافها لم يجز استعمالها إلا عند الضرورة
للشرب لا غير، والطريق إلى تطهيرها تقويتها بالمياه الجارية ودفعها حتى يزول
عنها التغيير، ومياه الحمام حكمها حكم المياه الجارية إذا كانت لها مادة من
المجرى، فإن لم يكن لها مادة كان حكمها حكم المياه الواقفة، ومياه المرازيب
الجارية من المطر حكمها حكم الماء الجاري سواء.
وأما المياه الواقفة فعلى ضربين: مياه الآبار والركايا التي لها نبع من الأرض
وإن لم يكن لها جريان، ومياه غير الآبار من المصانع والغدران والحياض
والأواني المحصورة.
فمياه غير الآبار على ضربين: قليل وكثير. فللكثير حدان:
أحدهما: أن يكون مقداره ألف رطل ومائتي رطل، وفي أصحابنا من يقول:
بالعراقي وفيهم من يقول: بالمدني، والأول أصح.
والحد الآخر: أن يكون مقداره ثلاثة أشبار ونصفا طولا في عرض في عمق،
فما بلغ هذا المقدار لا ينجسه ما تقع فيه من النجاسات إلا ما يغير أحد أوصافه من
143

اللون أو الطعم أو الرائحة.
فإن تغير أحد أوصافه بنجاسة تحصل فيه فلا يجوز استعماله إلا عند
الضرورة للشرب لا غير، والطريق إلى تطهيره أن يطرأ عليه من المياه الطاهرة
المطلقة ما يرفع ذلك التغيير عنها فحينئذ يجوز استعمالها، وإن ارتفع التغيير عنها
من قبل نفسها أو تراب تحصل فيها أو بالرياح التي تصفقها أو بجسم طاهر
يحصل فيها لم يحكم بطهارته لأنه لا دليل على ذلك ونجاستها معلومة.
فإن كان تغيير هذه المياه لا بنجاسة بل من قبل نفسها أو بما يجاورها من
الأجسام الطاهرة مثل الحمأة والملح أو ينبت فيها مثل الطحلب والقصب وغير
ذلك أو لطول المقام لم يمنع ذلك من استعمالها بحال.
وحد القليل ما نقص عن الكر الذي قدمنا ذكره، وذلك ينجس بكل
نجاسة تحصل فيها قليلا كانت النجاسة أو كثيرة تغيرت أوصافه أو لم تتغير، إلا
ما لا يمكن التحرز منه مثل رؤوس الإبر من الدم وغيره فإنه معفو عنه لأنه لا يمكن
التحرز منه، ومتى نجست هذه المياه فإنه لا يجوز استعمالها إلا عند الضرورة في
الشرب لا غير حسب ما قدمناه.
والطريق إلى تطهير هذه المياه أن يطرأ عليها كر من ماء مطلق ولا يتغير مع
ذلك أحد أوصافها فحينئذ يحكم بطهارتها، فإن تممت كرا بالمياه الطاهرة لم
يرفع عنها حكم النجاسة بل ينجس الكل، وفي أصحابنا من قال: إذا تممت
بطاهر كرا زال عنها حكم النجاسة، وهو قوي لقولهم عليه السلام: إذا بلغ الماء
كرا لم يحمل نجاسة.
فأما إذا تممت كرا بنجاسة فلا شك أنه ينجس الكل، وإن كان مقدار الكر
في موضعين [طاهرا] ونجسا ثم يجمع بينهما لم تزل عنهما حكم النجاسة لأنه
لا دليل عليه، وفي أصحابنا من قال: يزول ذلك للخبر، وهو قوي على ما قلناه. ولا
يزول عنه حكم النجاسة بما يقع فيه من الأجسام الطاهرة سواء كانت جامدة أو
مائعة، لأنها إن كانت مائعة فإنها تنجس، وإن كانت جامدة فليس لها حكم
144

التطهير، والماء الذي يطرأ عليه فيطهره لا فرق بين أن يكون نابعا من تحته أو
يجري إليه أو يقلب فيه فإنه إذا بلغ ذلك مقدار الكر طهر النجس.
والكر من الماء إذا وقعت فيه نجاسة لم تغير أحد أوصافه جاز استعمال
جميع ذلك الماء وإن علم أن فيها نجاسة لأنها صارت مستهلكة، وجاز أيضا
استعمال الماء من أي موضع شاء سواء كان بقرب النجاسة أو بعيدا منها،
وتجنب موضع النجاسة أفضل. فأما إذا استقي منه دلو وفيه نجاسة حكم بنجاسة
ذلك الدلو لأنه ماء قليل وفيه نجاسة.
وإذا حصلت النجاسة الجامدة في الماء الذي مقداره كر سواء ينبغي أن
يخرج النجاسة أولا، ثم يستعمل ذلك الماء، فإن استقي منه شئ وبقية النجاسة
فيما بقي وقد نقص عن الكر حكم بنجاسة لأنه صار أقل من كر وفيه نجاسة.
وإذا كانت النجاسة مائعة لا يمكن إخراجها منه حكم باستهلاكها وجاز
استعمال جميعه على كل حال.
ولا ينجس الماء بما يقع فيه من الأجسام الطاهرة وإن غيرت أحد أوصافه،
ولا يمنع من رفع الحدث به إذا لم يسلبه إطلاق اسم الماء مثل القليل من
الزعفران أو الكافور أو العود.
إذا أصاب يد الإنسان نجاسة فغمسها في ماء، أقل من كر فإنه ينجس الماء
ولا تطهر اليد، وإن كان كرا لا ينجس الماء، فإن زالت النجاسة عن اليد فقد
طهرت وإلا فلا.
وإذا كان معه إناءان أو أكثر من ذلك فوقع في واحد منهما نجاسة لم
يستعمل شيئا منهما بحال ولا يجوز التحري، فإن خاف العطش أمسك أيهما شاء
واستعمله حال الضرورة.
وإذا كان معه إناءان أحدهما ماء والآخر بول لم يستعمل واحدا منهما، وإن
كان أحدهما نجسا والآخر طاهرا وانقلب أحدهما لم يستعمل الآخر، وإن كان
أحدهما طاهرا مطهرا والآخر ماء مستعملا في الطهارة الصغرى استعمل أيهما
145

شاء، فإن كان المستعمل في غسل الجنابة استعمل كل واحد منهما على الانفراد
لأن المستعمل ليس بنجس.
وإن كان أحدهما ماء والآخر ماء ورد منقطع الرائحة واشتبها استعمل كل
واحد منهما منفردا لأنه يتيقن عند ذلك حصول الطهارة، وإن اختلط الماء
بماء الورد المنقطع الرائحة حكم للأكثر، فإن كان الأكثر ماء الورد لم يجز استعماله
في الوضوء، وإن كان الماء أكثر جاز، وإن تساويا ينبغي أن نقول: يجوز
استعماله لأن الأصل الإباحة، وإن قلنا: استعمل ذلك وتيمم، كان أحوط.
وإذا أخبره عدل بأن النجس أحدهما لا يجب عليه القبول منه لأنه لا دليل
عليه والمعلوم نجاسة أحدهما.
وإذا ورد على ماء فأخبره رجل أنه نجس، لم يجب عليه القبول منه سواء
أخبره بسبب النجاسة أو لم يخبره، لأن الأصل طهارة الماء ولا دليل على وجوب
القبول منه.
وإذا شهد شاهدان بأن النجاسة في أحد الإنائين، وشهد آخران أنه وقع في
الآخر على وجه يمكن الجمع بينهما أو لا يمكن لا يجب القبول منهما، والماء على
أصل الطهارة أو النجاسة فأيهما كان معلوما عمل عليه، وإن قلنا: إذا أمكن الجمع
بينهما قبل شهادتهما وحكم بنجاسة الإنائين كان قويا، لأن وجوب قبول شهادة
الشاهدين معلوم في الشرع وليسا متنافيين، وحكم الأعمى في هذا الباب حكم
البصير سواء.
وإذا كان معه ماء متيقن الطهارة فشك في نجاسة لم يلتفت إلى الشك،
وكذلك إذا كان معه إناء نجس فشك في تطهيره لم يلتفت إلى ذلك ووجب
عليه تطهيره، وكذلك إذا وجد ماء متغيرا وشك في هل تغيره بنجاسة أو من
قبل نفسه بنى على أصل الطهارة، وكذلك إذا اشتبه طعام طاهر وطعام نجس
لا يجوز له التحري ووجب عليه الامتناع من استعماله.
وإذا كان معه إناءان مشتبهان وإناء متيقن الطهارة، وجب أن يستعمل
146

الطاهر المتيقن ولا يستعمل المشتبهين، ماء كان أو مائعا آخر أو طعاما.
ويجوز الوضوء بماء البحر والثلج إذا تندى مقدار ما يجري على العضو وإن
كان يسيرا مثل الدهن، والعضو الممسوح لو ترك عليه قطعة ثلج أو برد فتندى
مقدار الواجب في المسح لم يجز لأن المسح لا يكون إلا بفضل نداوة الوضوء،
والماء المسخن يجوز التوضؤ به والمشمس يكره الوضوء به غير أنه مجز سواء
قصد ذلك أو لم يقصد.
ولا يجوز الوضوء بشئ من المائعات غير الماء المطلق مثل الخل والمري
واللبن وغير ذلك، ولا يجوز الوضوء بنبيذ التمر سواء كان مطبوخا أو نيئا مع
وجود الماء ومع عدمه، وإذا اختلط بالماء ما يغير أحد أوصافه مثل العنبر
والمسك والعود والكافور يجوز الوضوء به، وكذلك إذا تغير لقربه من موضع
النجاسة لا بأس باستعماله، وكذلك الدهن إذا وقع فيه مثل أدهن البان والبنفسج
فغير رائحته وإذا غلب على لونه طاهر مثل اللبن أو على رائحته مثل ماء الورد
وسلبه إطلاق اسم الماء لم يجز الوضوء به، وإن لم يسلبه إطلاق اسم الماء جاز
استعماله.
وإذا جرى الماء على الورق أو الطحلب أو أرض النورة والكحل والكبريت
فتغير أحد أوصافه جاز استعماله، وكذلك إذا طرح في الماء ملح كثير حتى
يتغير طعمه جاز استعماله سواء كان الملح جبليا أو معدنيا أو جمد من الماء ثم
ذاب فيه.
وإذا كان معه مثلا رطلان من ماء واحتاج في طهارته إلى ثلاثة أرطال ومعه
ماء ورد مقدار رطل، فإن طرحه فيه لا يغلب عليه ولا يسلبه إطلاق اسم الماء
فينبغي أن يجوز استعماله، وإن سلبه إطلاق اسم الماء لم يجز استعماله في رفع
الأحداث، إلا أن هذا وإن كان جائزا فإنه لا يجب عليه بل يكون فرضه التيمم لأنه
ليس معه من الماء ما يكفيه لطهارته، ولا يجوز إزالة النجاسات إلا بما يرفع
الحدث.
147

والأسئار على ضربين: سؤر ما يؤكل لحمه وما لا يؤكل.
فما يؤكل لحمه لا بأس بسؤره على كل حال إلا ما كان جلالا، ويكره سؤر
ما شرب منه الدجاج خاصة على كل حال.
وما لا يؤكل لحمه على ضربين: آدمي وغير آدمي.
فسؤر الآدمي كله طاهر إلا ما كان كافرا أصليا أو مرتدا أو كافر ملة، ولا
يجوز استعمال ما شربوا منه أو باشروه بأجسامهم من المياه وسائر المائعات،
وكذلك ما كان أصله مائعا فجمد أو جامدا فغسلوه بأيديهم وجففوه فلا يجوز
استعماله إلا بعد تطهيره فيما يمكن تطهيره من غسل الثياب، وما عداه فإنه
يجتنب على كل حال، ويكره سؤر الحائض، ولا بأس بفضل وضوء الرجل
والمرأة.
وسؤر غير الآدمي على ضربين: أحدهما، سؤر الطيور والآخر سؤر البهائم
والسباع. فسؤر الطيور كلها لا بأس بها إلا ما كان في منقاره دم أو يأكل الميتة أو كان جلالا، وأما غير الطيور فكل ما كان منه في البر فلا بأس بسؤره إلا الكلب
والخنزير وما عداهما فمرخص فيه، وما كان منه في الحضر فلا يجوز استعمال
سؤره إلا ما لا يمكن التحرز منه مثل الهر والفأرة والحية وغير ذلك، ولا بأس
باستعمال سؤر البغال والدواب والحمير لأن لحمها ليس بمحظور وإن كان
مكروها لكراهية لحمها، وإذا أكلت السنور فأرة ثم شربت من الماء لا بأس
باستعمال ما بقي منه سواء غابت عن العين أو لم تغب لعموم الخبر وكلما مات
في الماء وله نفس سائلة فإنه ينجس الماء إذا كان قليلا، وإن لم يكن له نفس سائلة
لم ينجس الماء وإن تغير أحد أوصافه، وكذلك كل المائعات وذلك مثل
الزنابير والخنافس وبنات وردان، ويكره ما مات فيه الوزع والعقرب خاصة.
والماء المستعمل على ضربين:
أحدهما: ما استعمل في الوضوء وفي الأغسال المسنونة فما هذا حكمه يجوز
استعماله في رفع الأحداث.
148

والآخر: ما استعمل في غسل الجنابة والحيض فلا يجوز استعماله في رفع
الأحداث وإن كان طاهرا، فإن بلغ ذلك كرا زال حكم المنع من رفع الحدث
به لأنه قد بلغ حدا لا يحتمل النجاسة، وإن كان أقل من كر كان طاهرا غير
مطهر يجوز شربه وإزالة النجاسة به لأنه ماء مطلق، وإنما منع من رفع الحدث به
دليل وباقي الأحكام على ما كانت، هذا إذا كانت أبدانهما خالية من نجاسة، فإن
كان عليها شئ من نجاسة فإنه ينجس الماء ولا يجوز استعماله بحال.
وأما مياه الآبار فإنها تنجس بما يقع فيها من النجاسات قليلا كان الماء أو
كثيرا، ثم هي على ضربين: إما أن يتغير أحد أوصافها أو لم يتغير، فإن تغير أحد
أوصافها فلا يجوز استعمالها إلا بعد نزح جميعها، فإن تعذر استقى منها إلى أن
يزول عنها حكم التغير، فإن لم يتغير أحد أوصافها فما وقع فيها على ضربين:
أحدهما يوجب نزح جميعها، والآخر لا يوجب ذلك.
فما يوجب نزح الجميع: الخمر وكل مسكر والفقاع والمني ودم
الحيض و النفاس والاستحاضة والبعير إذا مات فيه، فإن كان الماء غزيرا لا
يمكن نزح جميعه تراوح على نزحها أربعة رجال من الغدوة إلى العشي وقد
طهر.
وما لا يوجب نزح الجميع فعلى ضربين:
أحدهما: يوجب نزح كر وهو موت الحمار والبقرة وما أشبههما في قدر
جسمهما.
والآخر ما يوجب نزح دلاء، فأكبرها الإنسان إذا مات فيه نزح منها سبعون
دلوا سواء كان صغيرا أو كبيرا سمينا أو مهزولا، وعلى كل حال، وإن مات فيها
كلب أو شاة أو ثعلب أو سنور أو غزال أو خنزير وما أشبهها نزح منها أربعون دلوا،
وإن وقع فيها كلب وخرج حيا نزح منها سبع دلاء للخبر وإن مات فيها حمامة
أو دجاجة وما أشبههما نزح منها سبع دلاء، وإن ماتت فيها فأرة نزح منها ثلاث
دلاء إذا لم تتفسخ فإذا تفسخت نزح سبع دلاء، وفي العصفور وما أشبهه دلو
149

واحد، فإن بال فيها رضيع لم يأكل الطعام نزح دلو واحد فإن أكل الطعام
نزح سبع دلاء، فإن بال فيها رجل نزح منها أربعون دلوا، وإن وقعت فيها عذرة
وكانت رطبة نزح منها خمسون دلوا وإن كانت يابسة نزح منها عشرة دلاء،
وإن وقعت فيها حية أو وزغة أو عقرب فماتت نزح منها ثلاث دلاء، وإن ارتمس
فيها جنب نزح منها سبع دلاء ولم يطهر هو، وإن وقع فيها دم وكان كثيرا نزح
منها خمسون دلوا وإن كان قليلا نزح منها عشرة دلاء.
وروث وبول ما يؤكل لحمه إذا وقع في الماء لا ينجسه إلا ذرق الدجاج
خاصة فإذا وقع في البئر نزح خمس دلاء.
ومتى وقع في البئر ماء خالطه شئ من النجاسات مثل ماء المطر والبالوعة
وغير ذلك نزح منها أربعون دلوا للخبر.
وكل نجاسة تقع في البئر وليس فيها مقدر منصوص فالاحتياط يقتضي
نزح جميع الماء، وإن قلنا بجواز أربعين دلوا منها لقولهم عليه السلام: ينزح منها
أربعون دلوا، وإن صارت مبخرة كان سائغا غير أن الأول أحوط.
والدلو المراعي في النزح دلو العادة الذي يستقى به دون الدلاء الكبار لأنه
لم يقيد في الخبر.
ولا تجب النية في نزح الماء وإن يقصد به التطهير لأنه لا دليل عليها،
وليست من العبادات التي تراعى فيها النية بل ذلك جار مجرى إزالة أعيان
النجاسات التي لا يراعى فيها النية، وعلى هذا الوجه لو نزح البئر من تصح منه
النية ومن لا تصح منه النية من المسلم والكافر والصبي حكم بتطهير البئر، ومتى
نزل إلى البئر كافر وباشر الماء بجسمه نجس الماء ووجب نزح جميع الماء لأنه
لا دليل على مقدر، والاحتياط يقتضي ما قلناه.
والماء النجس لا يجوز استعماله في رفع الأحداث وإزالة النجاسات، ولا
في الشرب وغيره مع الاختيار، ويجوز شربه عند الخوف من تلف النفس، ومتى
استعمله مع العلم بذلك وتوضأ وصلى أو غسل الثوب وجب عليه إعادة
150

الوضوء والصلاة وغسل الثوب بماء طاهر.
وإن لم يكن علم أنه نجس نظر، فإن كان الوقت باقيا أعاد الوضوء و
الصلاة وإن كان الوقت خارجا لم يجب عليه إعادة الصلاة ويتوضأ لما يستأنف
من الصلاة، وأما غسل الثوب فلا بد من إعادته على كل حال.
وإن علم حصول النجاسة فيه ثم نسيه فاستعمله وجب عليه إعادة الوضوء
والصلاة.
وإن استعمله في عجين وخبزه لم يجز استعمال ذلك الخبز، فإما أن يباع
على مستحلي الميتة أو يدفنه أو يطرحه في الماء للسمك، وقد روي رخصة في
جواز استعماله وإن النار طهرته، والأول أحوط.
ويستحب أن يكون بين البئر والبالوعة سبعة أذرع إذا كانت الأرض سهلة
وكانت البئر تحت البالوعة، وإن كانت صلبة أو كانت فوق البالوعة فليكن بينها
وبينه خمسة أذرع.
والعيون الحمئة لا بأس بالوضوء منها، ويكره التداوي بها، وإذا حصل عند
غدير وليس معه ما يعرف به الماء أخذه بيده إذا كانت يده طاهرة، وإن كانت
نجسة فلا يدخل يده في الماء إلا إذا كان كرا فما زاد لئلا يفسد الماء.
2613 26 باب
حكم الأواني والأوعية والظروف إذا حصل فيها نجاسة
أواني الذهب والفضة لا يجوز استعمالها في الأكل والشرب وغير ذلك،
والمفضض لا يجوز أن يشرب أو يؤكل من الموضع المفضض ويستعمل غير
ذلك الموضع، وكذلك لا يجوز الانتفاع بها في البخور والتطيب وغير ذلك،
لأن النهي عن استعماله عام يجب حمله على عمومه.
ومن أكل أو شرب في آنية ذهب أو فضة فإنه يكون قد فعل محرما ولا
يكون قد أكل محرما إذا كان المأكول مباحا لأن النهي عن الأكل فيه لا يتعدى
151

إلى المأكول وإن توضأ منها أو اغتسل كان وضوءه صحيحا.
واتخاذ الأواني من الذهب والفضة لا يجوز وإن لم يستعمل لأن ذلك تضييع
والنبي عليه السلام نهى عن إضاعة المال غير أنه إذا فعل ذلك سقط عنه زكاته لأن
المصاع والنقار والسبائك لا زكاة فيها على مذهب أكثر أصحابنا، وعلى مذهب
كثير منهم لا يسقط.
فأما الحلي فلا بأس باستعمالها إذا كان حليا مباحا ويسقط عنها الزكاة.
وأما أواني غير الذهب والفضة فلا بأس باستعمالها قلت أثمانها أو كثرت،
سواء كانت كثيرة الثمن لصنعة فيها مثل المخروط والزجاج وغير ذلك أو
لجودة جوهره مثل البلور وغير ذلك.
وأواني المشركين ما يعلم منها استعمالهم لها في النجاسات لا يجوز
استعمالها إلا بعد غسلها، وإذا استعملوها في مائع طاهر وباشروها بأجسامهم
جرى ذلك مجرى الأول، لأن ما باشروه بأجسامهم من المائعات ينجس
بمباشرتهم، وما لم يستعملوها أصلا واستعملوها في شئ طاهر ولم يباشروها
بأجسامهم فلا بأس باستعماله، وحكم سائر الكفار في هذا الباب سواء كانوا عباد
أوثان أو أهل الذمة أو مرتدين أو كفار ملة من المشبهة والمجسمة والمجبرة
وغيرهم.
والكلب نجس العين نجس السؤر نجس اللعاب لا يجوز أكل وشرب شئ
ولغ فيه الكلب، أما المائع فإن كان ماء فلا يجوز استعماله إذا كان أقل من الكر
ووجب إهراق الماء وغسل الإناء ثلاث مرات أولاهن بالتراب، وإن كان
غير الماء فإنه ينجس قليلا كان أو كثيرا، ولا يجوز استعماله على حال، وإذا تكرر
ولوع الكلب في الإناء يكفي غسل ثلاث مرات، وكذلك إذا ولغ فيه كلبان أو
ما زاد عليهما.
وإذا ولغ الكلب في الإناء فغسل دفعة أو دفعتين، ثم وقعت فيه نجاسة تمم
العدد وقد طهر، لأن الدفعة الأخيرة تأتي على باقي العدد وعلى غسل الإناء من
152

النجاسة، هذا على الرواية التي تقول: إنه يكفي في سائر النجاسات غسل الإناء مرة
واحدة، ومتى قلنا: يحتاج إلى غسل ثلاث مرات، اعتد بواحدة وتمم الباقي.
وإذا ولغ الكلب في الإناء، ثم وقع الإناء في ماء ينقص عن الكر نجس
الماء ولا يطهر الإناء، وإن كان الماء كرا فصاعدا لم ينجس الماء ويحصل للإناء
غسلة واحدة، ثم يخرج ويتمم غسله، وإذا لم يوجد التراب لغسله جاز الاقتصار
على الماء، وإن وجد غيره من الأشنان وما يجري مجراه كان ذلك أيضا جائزا.
وإن وقع الإناء في ماء جار وجرى الماء عليه لم يحكم له بالثلاث غسلات
لأنه لم يغسله ولا دليل على طهارته بذلك.
الماء الذي ولغ فيه الكلب نجس يجب إزالته عن الثوب والبدن، ولا يراعى
فيه العدد، وإن أصاب من الماء الذي يغسل به الإناء من ولوع الكلب خاصة
ثوب الإنسان أو جسده لا يجب غسله سواء كان من الغسلة الأولة أو الثانية
أو الثالثة، وما ولغ فيه الخنزير حكمه حكم الكلب سواء لأنه يسمى كلبا، ولأن
أحدا لم يفرق بينهما.
ويغسل الإناء من سائر النجاسات ثلاث مرات ولا يراعى فيها التراب، وقد
روي غسله مرة واحدة والأول أحوط، ويغسل من الخمر والأشربة المسكرة سبع
مرات، وروي مثل ذلك في الفأرة إذا ماتت في الإناء.
جلد الميتة لا ينتفع به لا قبل الدباغ ولا بعده سواء كان جلد ما يؤكل لحمه
أو ما لا يؤكل، ولا يشترى ولا يباع ولا يتصرف فيه بحال، وما لا يؤكل لحمه إذا
ذكي لا ينتفع بجلده إلا بعد الدباغ إلا الكلب والخنزير فإنهما لا يطهران بالدباغ
وإن كان ذكيا، ولا يجوز الانتفاع به على حال، ولا يجوز الدباغ إلا بما يكون
طاهرا مثل الشث والقرظ وقشور الرمان وغير ذلك، وأما خرؤ الكلاب
وما يجري مجراه من النجاسات فلا يجوز الدباغ به على حال.
والشعر والصوف والوبر طاهر من الميتة إذا جز، وكذلك شعر ابن آدم
طاهر ما أخذ حال الحياة وبعد الوفاة، وأما الكلب والخنزير فلا ينتفع بشئ من
153

شعره ولا يطهر بالغسل وغير ذلك.
أواني الخمر ما كان قرعا أو خشبا منقورا روى أصحابنا أنه لا يجوز استعماله
بحال، وأنه لا يطهر، وما كان مقيرا أو مدهونا من الجرار الخضر أو خزفا فإنه يطهر
إذا غسل سبع مرات حسب ما قدمناه، وعندي أن الأول محمول على ضرب من
التغليظ والكراهة دون الحظر.
فصل: في ذكر مقدمات الوضوء
مقدمات الوضوء على ضربين: مفروض ومسنون.
فالمفروض: ألا يستقبل القبلة ولا يستدبرها ببول ولا غائط لا في الصحراء
ولا في البنيان، فإن كان الموضع مبنيا كذلك وأمكنه الانحراف عنه وجب عليه
ذلك، فإن لم يمكنه لم يكن عليه شئ بالجلوس عليه.
والاستنجاء فرض من مخرج النجو ومخرج البول، ولا يجب الاستنجاء من
غير هذين الحدثين، فإذا أراد الاستنجاء من مخرج النجو كان مخيرا بين
الاستنجاء بثلاثة أحجار وإزالته بالماء، والجمع بينهما أفضل يبدأ بالأحجار ثم
يغسل بالماء، والاقتصار على الماء أفضل منه على الأحجار لأنه مزيل للعين
والأثر، والحجر لا يزيل الأثر وإن كان مجزئا، وإن استعمل الماء استعمله إلى أن
ينقي ما هناك وليس لذلك الماء حد، فإن رجع من الماء الذي يستنجي به على
بدنه أو ثيابه وكان متغيرا بنجاسة نجس الموضع ووجب غسله، وإن لم يكن
متغيرا لم يكن عليه شئ، ومتى تعدت النجاسة مخرج النجو فلا يزيل حكمه غير
الماء.
وإن أراد استعمال الأحجار استعمل ثلاثة أحجار بكر لم تستعمل في إزالة
النجاسة، فإن نقي الموضع بها وإلا استعمل الزائد حتى تزول النجاسة، ويستحب
ألا يقطع إلا على وتر، وإن نقى الموضع بدون الثلاث استعمل الثلاثة عبادة.
ولا يجوز الاستجمار إلا بما يزيل العين مثل الحجر والمدر والخرق وغيرها
154

فأما ما لا يزيل عين النجاسة مثل الحديد الصقيل والزجاج والعظم فلا يستنجي
به، ولا يستنجي بما هو مطعوم مثل الخبز والفواكه وغير ذلك، ولا بخرق غير
طاهرة ولا بحجر غير طاهر.
وإذا استنجى بحجر ثم غسل الموضع بمائع غير الماء لم يكن لذلك حكم
فإن المائع الذي ليس بماء لا يزيل حكم النجاسة وأثر النجاسة معفو عنه، وإن
استنجى بمائع غير الماء من غير أن يستنجي بالحجر أو ما يقوم مقامه لم يجزئه.
فأما الآجر فإنه لا بأس بالاستجمار به وإن كان قد وقع في طينه شئ نجسه
لأن النار قد طهرته، ولأجل ذلك تجوز الصلاة عليه عندنا، وأما الحجر الذي
كان نجسا وتقادم عهده وزال عين النجاسة عنه فلا يجوز الاستنجاء به لأن حكم
النجاسة باق فيه، وكذلك إن غسله بمائع غير الماء لم يطهر وكان حكم
النجاسة باقيا، وإن كانت النجاسة التي أصابت الحجر أو المدر مائعة مثل البول
وغيره ثم جففته الشمس فإنه يطهر بذلك وجاز الاستنجاء به، فإن جففته الريح
أو جف في الفئ فلا يجوز الاستنجاء به لأن حكم النجاسة باق فيه.
والحجر إذا كانت له ثلاثة قرون فإنه يجزئ عن ثلاثة أحجار عند بعض
أصحابنا، والأحوط اعتبار العدد لظاهر الأخبار.
وكلما قلنا: إنه لا يجوز استعماله في الاستنجاء، إما لحرمته أو لكونه نجسا،
إن استعمل في ذلك ونقى به الموضع ينبغي أن نقول: إنه لا يجزئ لأنه منهي
عنه، والنهي يدل على فساد المنهي عنه.
وإذا استعمل الأحجار الثلاثة في الاستنجاء ينبغي أن يستعمل كل حجر منها
على جميع موضع النجاسة، ولا يفرد كل واحدة منها بإزالة جزء من النجاسة
ليكون قد استعمل ظاهر الخبر هذا هو الأحوط، ولو استعمل كل حجر في إزالة
جزء منه لم يكن به بأس لأن الغرض إزالة النجاسة، واستنجاء البكر من البول
مثل استنجاء الثيب لا يختلف الحال فيه فإنه لا يجزئهما غير الماء، ومن أجاز
بالخرق قال: حكمهما سواء غير أنه إن نزل إلى أسفل من موضع البول وبلغ
155

موضع البكارة لا يجزئها غير الماء.
وأما الاستنجاء بالجلود الطاهرة، وكل جسم طاهر مزيل النجاسة فإنه جائز
للخبر الذي قال فيه: ينقي مأثمه وهو عام في كلما ينقي إلا ما استثناه مما له حرمة،
فإذا شك في حجر هل هو طاهر أم لا بنى على الطهارة لأنها الأصل، وإذا استنجى
بخرقة من جانب لم يجز أن يستنجي بها من الجانب الآخر لأن النجاسة تنفذ فيها
فإن كانت صفيقة لا ينفذ فيها أو طواها جاز الاستنجاء بما يبقى منها طاهرا.
فأما مخرج البول فلا يطهره غير الماء مع الاختيار، فإن كان هناك
ضرورة من جرح أو قرح أو لا يوجد ماء جاز تنشيفه بالمدر والخرق، وإذا أراد
ذلك مسح من عند المقعدة إلى تحت الأنثيين ثلاث مرات، ومسح القضيب و
ينتره ثلاث مرات، ثم غسله بمثلي ما عليه من الماء فصاعدا، فإن رأى بعد ذلك
بللا لم يلتفت إليه، وإن لم يفعل ما قلناه من الاستبراء ثم رأى بللا انتقض
وضوءه، وينبغي أن يستنجي بيساره ويتولى غسل الفرجين به مع الاختيار، فأما
عند الضرورة فلا بأس بخلافه.
وما يخرج من أحد السبيلين على ضربين: معتاد وغير معتاد.
والمعتاد على ضربين:
أحدهما يوجب غسل، وهو المني والحيض والاستحاضة والنفاس فلا
يجوز فيها غير الماء.
وما لا يوجب الغسل على ضربين: أحدهما يوجب الوضوء، وهو البول
والغائط، ولا يجوز فيهما غير الماء أو الحجارة في الاستنجاء خاصة على ما قلناه،
وما لا يوجب الوضوء من المذي والوذي والدود والدم الذي ليس بمعتاد فإنه
لا يجب إزالته ولا غسله إلا الدم خاصة فإنه نجس، ولا يجوز إزالته عن الموضع إلا
بالماء إذا زاد على الدرهم، فإن كان دونه فهو معفو عنه.
وأما المسنونات: فإن يستتر عن الناس عند قضاء الحاجة، وإذا أراد
التخلي قدم رجله اليسرى إلى المكان وإذا خرج قدم رجله اليمنى، ويتعوذ بالله
156

من الشيطان، ويكون مغطى الرأس، ولا يستقبل الشمس والقمر ببول ولا غائط،
ولا الريح ببول، ويجتنب عند البول والغائط شطوط الأنهار، ومساقط الثمار،
والمياه الجارية والراكدة، وأفنية الدور والطرق المسلوكة، وفئ النزال
والمشارع والمواضع التي يتأذى المسلمون بحصول النجاسة فيها.
ولا يطمح ببوله في الهواء، ولا يبولن في جحرة الحيوان ولا الأرض الصلبة،
ويقعد على الموضع المرتفع عند البول، ولا يستنجي باليمين مع الاختيار، ولا
باليسار وفيها خاتم عليه اسم من أسماء الله أو أسماء أنبيائه والأئمة عليهم السلام،
ولا إذا كان فصه من حجر له حرمة، ولا يقرأ القرآن على حال الغائط إلا آية
الكرسي، ويجوز أن يذكر الله بما شاء فيما بينه وبين نفسه، ولا يستاك حال
الخلاء فأما في غير هذه الحال فإنه مندوب إليه غير واجب ولا بأس به للصائم،
وأفضل أوقاته عند كل صلاة، وفي الأسحار، ولا يكره آخر النهار للصائم، ولا
يتكلم حال الغائط إلا عند الضرورة، ولا يأكل ولا يشرب، ويستحب الدعاء عند
غسل الفرجين وعند الفراع من الاستنجاء وعند دخوله الخلاء والخروج منه.
فصل: في ذكر وجوب النية في الطهارة
النية واجبة عند كل طهارة وضوءا كانت أو غسلا أو تيمما وهي المفعولة
بالقلب دون القول، وكيفيتها أن ينوي رفع الحدث أو استباحة فعل من الأفعال
التي لا يصح فعله إلا بطهارة مثل الصلاة والطواف، فإذا نوى استباحة شئ من
ذلك أجزأه لأنه لا يصح شئ من هذه الأفعال إلا بعد الطهارة، ومتى نوى
استباحة فعل من الأفعال التي ليس من شرطه الطهارة لكنها مستحبة مثل قراءة
القرآن ظاهرا ودخول المسجد وغير ذلك، فإذا نوى استباحة شئ من هذا لم
يرتفع حدثه لأن فعله ليس من شرطه الطهارة.
وحكم الجنب في هذا الباب حكم المحدث سواء، إلا أن في حق الجنب في
بعض أفعاله بشرط الطهارة، مثل دخول المسجد فإنه ممنوع منه ولا يجوز منه إلا
157

بعد الغسل وليس كذلك المحدث، فإذا نوى الجنب استباحة دخول المسجد
والجلوس فيه ارتفع حدثه، وأما الاختيار فيه فحكم الجنب وحكم المحدث فيه
سواء.
وإذا اجتمعت أغسال من جملتها غسل الجنابة فإن نوى بالغسل الجنابة
أو رفع الحدث أجزأه، وإن نوى به غسل الجمعة لم يجزئه لأن غسل الجمعة
لا يقصد به رفع الحدث بل المقصود به التنظيف.
وأما وقت النية فالمستحب أن يفعل إذا ابتدأ في غسل اليدين، ويتعين وجوبها
إذا ابتدأ بغسل الوجه في الوضوء أو الرأس في غسل الجنابة، لا يجزئ ما يتقدم
على ذلك ولا يلزم استدامتها إلى آخر الغسل والوضوء بل يلزمه استمراره على
حكم النية، ومعنى ذلك ألا ينتقل من تلك النية إلى نية تخالفها، فإن انتقل إلى
نية تخالفها وقد غسل بعض أعضاء الطهارة ثم تمم لم يرتفع الحدث فيما غسل
بعد نقل النية ونقضها، فإن رجع إلى النية الأولى نظرت، فإن كانت الأعضاء
التي وضأها ندية بعد بنى عليها، وإن كانت قد نشفت استأنف الوضوء كمن
قطع الموالاة.
فأما في غسل الجنابة فإنه يبني على كل حال لأن الموالاة ليست شرطا فيها،
ومتى نوى بطهارته رفع الحدث والتبرد كان جائزا لأنه فعل الواجب و زيادة لا
تنافيها، وإذا نوى استباحة صلاة بعينها جاز له أن يستبيح سائر الصلوات نفلا
كانت أو فرضا.
والتسمية عند الوضوء مستحبة غير واجبة، والكافر لا تصح منه طهارة
تحتاج إلى نية لأنه ليس من أهل النية.
فصل: في كيفية الوضوء وجملة أحكامه
إذا أراد الوضوء فليضع الإناء على يمينه، ويذكر الله تعالى عند رؤية الماء،
ويغسل يده من النوم والبول مرة، ومن الغائط مرتين، ومن الجنابة ثلاثا قبل
158

إدخالها الإناء سنة مؤكدة.
ثم يبدأ فيتمضمض ثلاثا ويستنشق ثلاثا سنة وعبادة، ويذكر الله تعالى
عندهما، وليسا بواجبين في الطهارتين ولا واحد منهما، ولا يكونان أقل من ثلاث
ولا فرق بين أن يكونا بغرفة واحدة أو بغرفتين، ولا يجوز تقديم الاستنشاق على
المضمضة والأفضل المتابعة بينهما مثل أعضاء الطهارة، ولا يلزم أن يدير الماء في
لهواته ولا أن يجذبه بأنفه، وإدخال الماء في العين ليس من الوضوء لا سنة ولا
فرضا.
ثم يأخذ كفا من الماء فيغسل به وجهه، وحده من قصاص شعر الرأس في
أغلب العادات ولا يراعى فيه حكم الأقرع والأصلع إلى محادر شعر الذقن،
وعرضه ما بين الإبهام والوسطى والسبابة والبياض الذي بين الأذن واللحية ليس
من الوجه، ولا ما أقبل من الأذنين، ولا يلزمه تخليل شعر اللحية سواء كانت خفيفة
أو كثيفة أو بعضها خفيفة وبعضها كثيفة ويكفيه إمرار الماء عليها، وما استرسل
من اللحية لا يلزم إمرار الماء عليه، وأهداب العينين والعذار والشارب والعنفقة إذا
غسلها أجزأه، ولا يجب عليه إيصال الماء إلى ما تحتها وينبغي أن يبتدئ بغسل
الوجه من قصاص شعر الرأس إلى المحادر فإن خالف وغسل منكوسا خالف
السنة، والظاهر أنه لا يجزئه لأنه خالف المأمور به، وفي أصحابنا من قال: يجزئه
لأنه يكون غاسلا، والدعاء عند غسل الوجه مستحب.
ثم يأخذ كفا من الماء فيغسل به يده اليمنى من المرفق إلى أطراف
الأصابع، وإن كان رجلا بدأ بظاهر اليد، وإن كانت امرأة بدأت بباطن الذراع
هذا في الغسلة الأولة، وفي الثانية يبدأ الرجل بباطن ذراعيه، والمرأة بظاهرهما،
ويكون الابتداء من المرافق إلى رؤوس الأصابع، ولا يستقبل الشعر فإن خالف
وغسلها فالظاهر أنه لا يجزئه، وفي أصحابنا من قال: يجزئه لأنه غاسل، ويجب
غسل المرافق مع الذراعين.
ثم يغسل يده اليسرى مثل ما غسل يده اليمنى سواء، والدعاء عند غسل
159

اليدين سنة.
ومن كانت يده مقطوعة من المرافق أو دونها وجب عليه أن يغسل ما بقي
من العضو إلى المرفق مع المرفق، وإن كانت مقطوعة من فوق المرفق فلا يجب
عليه شئ، ويستحب أن يمسحه بالماء.
ومن خلقت له يدان على ذراع واحد أو مفصل واحد أو له أصابع زائدة أو
على ذراعه جلدة منبسطة، فإنه يجب عليه غسله إذا كان ذلك من المرفق إلى
أطراف الأصابع، وإن كان فوق المرفق لا يجب عليه ذلك لأن الله تعالى
أوجب الغسل من المرفق إلى أطراف الأصابع، ولم يستثن الزائد من الأصلي.
ثم يمسح ببقية النداوة رأسه، ولا يستأنف لمسحه ماء جديدا ولا لمسح
الرجلين، سواء كانت النداوة من فضلة الغسلة الأولة التي هي فرض أو من الثانية
التي هي سنة، فإن لم يبق معه نداوة أخذ من لحيته وأشفار عينيه وحاجبيه، فإن لم
يبق فيهما نداوة أعاد الوضوء.
والمسح يكون بمقدم الرأس دون غيره، فإن خالف ومسح على غير
المقدم لم يجزئه، والواجب من المسح ما يقع عليه اسم المسح، ولا يتحدد ذلك
بحد، والفضل في مقدار ثلاث أصابع مضمومة.
ولا يستحب مسح جميع الرأس، فإن مسح جميعه تكلف ما لا يحتاج إليه،
ولا يستقبل شعر الرأس في المسح، فإن خالف أجزأه لأنه ماسح وترك
الأفضل، وفي أصحابنا من قال: لا يجزئه.
وإذا كان على رأسه شعر جاز أن يمسح عليه، وإذا مسح عليه ثم حلق لم
يبطل وضوءه، وكذلك القول في اللحية إذا حلقت أو نتفت بعد غسلها في
الوضوء.
وإذا كان على بعض رأسه شعر وبعض لا شعر عليه، فالفرض عندنا يتعلق
بالمقدم فليمسح عليه سواء كان عليه شعر أو لم يكن.
ومن كان على رأسه جمة في موضع المسح وأدخل يده تحتها ومسح على
160

جلدة رأسه أجزأه لأنه مسح على رأسه.
ومن غسل رأسه لم يجزئه عن المسح لأنه غير الغسل، ومن كان على رأسه
شعر في موضع المسح ونزل عن رأسه أو جمعه في وسط رأسه ثم مسح عليه لا
يجزئه لأنه لم يمسح على رأسه.
ولا يجوز المسح على حائل بين العضو الذي يمسح به، وبين الرأس من
العمامة والمقنعة وغير ذلك، ورخص للنساء إدخال الإصبع تحت المقنعة في
ثلاث صلوات: الظهر والعصر والعشاء الآخرة، فأما في الغداة والمغرب فلا بد
لهن من وضع القناع، والدعاء عند مسح الرأس مندوب إليه وإذا نبتت للمرأة
لحية لم يجب عليها إيصال الماء إلى ما تحتها سواء كانت خفيفة أو كثيفة كما أن
ذلك غير واجب في الرجال.
ثم يمسح على الرجلين، يبتدئ من رؤوس الأصابع إلى الكعبين وهما
النابتان في وسط القدم، ويكون ذلك ببقية نداوة الوضوء دون أن يكون ماء
جديدا، ومتى خالف ومسح من الكعبين إلى رؤوس الأصابع كان أيضا جائزا.
والواجب من المسح مقدار ما يقع عليه اسم المسح والفضل في أن يمسح
بكفه كله، ولا يجب عليه استغراق العضو بالمسح ظاهرا وباطنا، ولا يمسحه إلى
عظم الساق، وإن كانت رجله مقطوعة أو بعضها سقط عنه فرض المقطوع وما
بقي مسح عليه، فإن لم يبق إلى موضع الكعبين شئ لم يلزمه شئ.
ولا يجوز غسل الرجلين للوضوء مع الاختيار، ويجوز عند التقية والخوف،
فإن أراد غسلهما للتنظيف غسلهما قبل الوضوء أو بعده.
ولا يجوز المسح على الخفين ولا على شئ يحول بين العضو وبين المسح
مع الاختيار، ويجوز المسح على النعل العربي ولا يجوز على غيره من النعال، و
يجوز المسح على الخفين عند التقية والضرورة، فإذا ثبت ذلك سقط عنا جميع
المسائل المفرعة على جواز ذلك، وإذا أجزناه عند الضرورة أجزناه على أي
صفة كان الحائل سواء وضعه على طهارة أو غير طهارة فإنه ما دام الضرورة باقية
161

يجوز المسح عليها، ومتى زالت الضرورة أو نزع الخف وكان قد مسح عليهما
للضرورة وجب عليه استئناف الوضوء لأنه لا يثبت له الموالاة مع البناء على ما
تقدم.
والترتيب واجب في الوضوء يبدأ بغسل الوجه، ثم باليد اليمنى، ثم
باليسرى، ثم يمسح الرأس، ثم يمسح الرجلين فإن خالف ذلك لم يجزئه، وإن
قدم شيئا من الأعضاء على شئ رجع فقدم ما أخر وأعاد على ما بعده، والأفضل
أن يستنجي أولا ثم يغسل الأعضاء فإن خالف فغسل الأعضاء ثم استنجى كان
جائزا، وكذلك القول في التيمم والاستنجاء بعده.
والموالاة واجبة في الوضوء وهي أن يتابع بين الأعضاء مع الاختيار فإن
خالف لم يجزئه، وإن انقطع عنه الماء انتظره فإذا وصل إليه وكان ما غسله
عليه نداوة بنى عليه، وإن لم يبق فيه نداوة مع اعتدال الهواء أعاد الوضوء من
أوله.
والفرض في الوضوء مرة مرة في الأعضاء المغسولة والممسوحة، والثانية
سنة في المغسولة لا غير، والثالثة بدعة، ولا يجوز تكرار المسح بحال، والدعاء
عند مسح الرأس والرجلين مستحب غير واجب، وأقل ما يجزئ من الماء في
الوضوء ما يكون به غاسلا للوجه واليدين وإن كان مثل الدهن بعد أن يكون
جاريا على العضو، والفضل في كف؟؟؟، والإسباع في مد من
الماء.
ومن كان في إصبعه خاتم أو في يده سير ومنع من إيصال الماء إلى ما تحته
نزعه، فإن لم يمنع من ذلك جاز تركه، ويكفيه تحريكه، وإن رجع من الماء
الذي يتوضأ به عليه أو على بدنه وثوبه كان جائزا، وكذلك إن وقع على الأرض
ويرجع عليه إلا أن يقع على نجاسة، ثم يرجع عليه، والتمندل بعد الفراع من
الوضوء جائز وتركه أفضل.
ويجوز أن يجمع بين صلوات كثيرة بوضوء واحد، وتجديد الوضوء عند
162

كل صلاة أفضل.
وإن كان على أعضاء الوضوء جبائر أو جرح وما أشبههما وكانت عليه
خرقة مشدودة، فإن أمكنه نزعها نزعها وإن لم يمكنه مسح على الجبائر سواء
وضعت على طهر أو غير طهر، والأحوط أن يستغرق جميعه وإذا فعل ذلك جاز
أن يستبيح به جميع الصلوات ما لم يحدث أو يزول العذر، فإذا زال استأنف
الوضوء ولم يكن عليه إعادة شئ من الصلوات، ومتى أمكنه غسل بعض
الأعضاء وتعذر في الباقي غسل ما يمكنه غسله ومسح على حائل ما لا يمكنه
غسله، وإن أمكنه وضع العضو الذي عليه الجبائر في الماء وضعه فيه، ولا يمسح
على الجبائر.
ويكره أن يستعين بغيره في صب الماء عليه، بل يتولاه بنفسه، ولا يجوز أن
يوضئه غيره مع الاختيار، ويجوز ذلك عند الضرورة فإن وضأه غيره مع
الاختيار لم يجزه.
ويكره للمحدث مس كتابة القرآن، وعلى هذا ينبغي أن يكون ذلك مكروها
للصبيان في الكتاتيب لأنه لا يصح منهم الوضوء، وينبغي أن يمنعوا من مباشرة
المكتوب من القرآن، وإن قلنا: إن الصبيان غير مخاطبين ينبغي أن نقول: بجواز
ذلك فيخص العموم لأن الأصل الإباحة.
فصل: في ذكر من ترك الطهارة متعمدا أو ناسيا
من ترك الطهارة متعمدا أو ناسيا وصلى أعاد الصلاة، ومن تيقن الحدث
وشك في الوضوء أعاد الوضوء، ومن تيقن الوضوء وشك في الحدث لم يلزمه
إعادة الوضوء، ومن تيقن الوضوء والحدث معا ولم يعلم أيهما سبق أعاد
الوضوء، ومن شك في الوضوء وهو جالس على حال الوضوء أعاد الوضوء،
وإن شك في شئ من أعضاء الطهارة في هذه الحال أعاد عليه وعلى ما بعده،
ومتى شك فيه أو في شئ منه بعد انصرافه من الوضوء لم يلتفت إليه.
163

ومن ترك الاستنجاء بالماء والأحجار معا متعمدا أو ناسيا وصلى أعاد
الاستنجاء، وأعاد الصلاة ولم يلزمه إعادة الوضوء، وكذلك إن ترك غسل
إحليله من البول بالماء عامدا أو ناسيا أعاد غسله دون الاستنجاء ودون أعضاء
الطهارة، وإن كان قد صلى أعاد الصلاة.
ومن ترك عضوا من أعضاء الطهارة متعمدا أو ناسيا وصلى ثم ذكر أعاد
الوضوء والصلاة، ومن شك في غسل الوجه وقد غسل اليدين أعاد غسل الوجه
ثم غسل اليدين، وإن شك في غسل اليدين وقد مسح برأسه غسل يده ثم مسح
برأسه وإن شك في مسح رأسه وقد مسح رجليه مسح على رأسه ثم على رجليه
بما بقي في يديه من النداوة، فإن لم يبق فيهما نداوة أخذ من أطراف لحيته أو من
حاجبيه أو أشفار عينيه ومسح برأسه ورجليه، فإن لم يبق في شئ من ذلك
نداوة أعاد الوضوء، فإن انصرف من حال الوضوء ثم شك في شئ من ذلك
لم يلتفت إليه.
ومن توضأ وصلى الظهر، ثم توضأ وصلى العصر، ثم ذكر أنه أحدث عقيب
إحدى الطهارتين قبل أن يصلى، توضأ وأعاد الصلاتين معا لأنه ما ادعى واحدا
منهما بيقين.
ومن توضأ وصلى الظهر، ثم أحدث وتوضأ وصلى العصر، ثم علم أنه ترك
عضوا من أعضاء الطهارة، ثم لا يدري من أي الطهارتين كان، فإنه يعيد الوضوء
والصلاتين لمثل ما قلناه أولا.
فإن صلى الظهر بطهارة ولم يحدث وجدد الوضوء ثم صلى العصر ثم ذكر
أنه ترك عضوا من أعضاء الطهارة ولا يدري من أي الطهارتين كان، كانت
صلاته الثانية صحيحة وأعاد الأولى بطهارة مستأنفة، لأنه إن كان قد ترك من
الطهارة الأولى فطهارته الثانية صحيحة وتصح صلاة العصر، وإن كان قد ترك
من الطهارة الثانية فطهارته الأولى صحيحة وصحت الصلاتان معا فالعصر
صحيحة على كل حال، وإنما يجب عليه إعادة الأولى.
164

ومن توضأ للصلاة ثم جدد الطهارة قبل أن يصلى وصلى عقيبها، ثم ذكر أنه
كان أحدث عقيب واحدة من الطهارتين، أعاد الوضوء والصلاة لأنه لا يعلم أداءها
بيقين من الطهارة.
فإن توضأ ولم يحدث ثم جدد الوضوء وصلى عقيبه، ثم ذكر أنه كان ترك
عضوا من الأعضاء في إحدى الطهارتين، كانت صلاته صحيحة لأنه أي الطهارتين
كانت كاملة صحت الصلاة بصحتها سواء كانت الأولى أو الثانية.
ومن توضأ وصلى الظهر، ثم توضأ وصلى العصر ثم توضأ وصلى المغرب، ثم
توضأ وصلى العشاء الآخرة، ثم توضأ وصلى الغداة، ثم ذكر أنه كان أحدث
عقيب واحدة من هذه الطهارات لا غير ولا يدري ما هي قبل أن يصلى، توضأ و
أعاد الصلوات كلها لأنه لا يقطع على أنه صلى واحدة منها بيقين، لأنه إن كان
أحدث عقيب وضوء الظهر كانت صلاة الظهر باطلة وباقي الصلوات صحيحة،
وإن كانت عقيب وضوء العصر كانت العصر باطلة وما بعده وقبله صحيحة،
وكذلك القول في المغرب والعشاء الآخرة والغداة، فلا صلاة منها إلا وهي
معرضة لأن يكون أداها مع الوضوء ومع الحدث ولا تبرأ ذمته بيقين.
فإن كان لم يحدث عقيب واحدة منها إلا أنه ذكر أنه ترك عضوا من
أعضاء الطهارة ولا يدري من أي الطهارات كانت، أعاد الوضوء والظهر لا غير
وباقي الصلوات صحيحة، لأنه إن كان قد ترك من وضوء الظهر فباقي الطهارات
صحيحة وصحت بصحتها الصلوات، وإن كان قد ترك من وضوء غير الظهر
من الصلوات فوضوء الظهر صحيح وصحت بصحتها الصلوات كلها فالمشكوك
فيها الظهر لا غير.
فإن ذكر أنه ترك عضوا من طهارتين أعاد الصلاة الأولى والثانية، فإن
ذكر أنه ترك ذلك من ثلاث طهارات أعاد ثلاث صلوات، وإن ذكر أنه ترك
ذلك من أربع طهارات أعاد أربع صلوات، وإن ذكر أنه من خمس أعاد الخمس
صلوات.
165

فإن توضأ وصلى ثم أحدث ثم توضأ لكل صلاة وضوء وصلى، ثم أحدث
عقيب كل صلاة، ثم ذكر أنه كان ترك عضوا من أعضاء واحد من الطهارات،
أعاد الوضوء وجميع الصلوات لأنه لا يسلم له أداء صلاة منها بيقين من
الطهارة، وهذا منهاج هذا الباب يحتاط أبدا للعبادة حتى نعلم بيقين أنه أداها
مع الطهارة.
فصل: في ذكر ما ينقض الوضوء
ما ينقض الوضوء على ثلاثة أضرب: أحدها: ينقضه ولا يوجب الغسل، و
ثانيها ينقضه ويوجب الغسل، وثالثها: إذا حصل على وجه نقض الوضوء لا غير،
وإذا حصل على وجه آخر أوجب الغسل.
فما أوجب الوضوء لا غير: البول والغائط والريح والنوم الغالب على السمع
والبصر، وكل ما أزال العقل من إغماء وجنون وسكر وغير ذلك.
وما يوجب الغسل: فخروج المني على كل حال، والتقاء الختانين و
الحيض والنفاس ومس الأموات من الناس بعد بردهم بالموت وقبل تطهيرهم
بالغسل على خلاف بين الطائفة.
والقسم الثالث: دم الاستحاضة فإنه إذا خرج قليلا لم يثقب الكرسف نقض
الوضوء لا غير وإن ثقب أوجب الغسل.
ولا ينقض الوضوء شئ سوى ما ذكرناه، وإنما نذكر مما لا ينقض
الوضوء ما فيه خلاف بين العلماء أو فيه اختلاف الأخبار عن الأئمة عليهم السلام
فمن ذلك الوذي والمذي والقيح والرعاف، وكل دم خارج من البدن من
غير السبيلين معتادا كان أو غير معتاد خرج بنفسه أو بآلة، وما يخرج من
السبيلين من الدماء فلا ينقض غير الدماء التي ذكرناها.
ومن ذلك القئ والنخامة قليلا كان أو كثيرا، والدود الخارج من أحد
السبيلين إلا أن يكون ملطخا بالعذرة، وحلق الشعر، ومس الزهومات ومس
166

النجاسات، وتقليم الأظفار والقبلة، واستدخال الأشياف والحقنة وخروجهما إلا أن
يكون ممزوجا بنجاسة، ومس الفرجين داخلهما وباطنهما إلا أن تعلق بمس
داخلهما نجاسة فيخرج به فينقض الوضوء، ومس المرأة لا ينقض الوضوء،
وكلما يتفرع عليه سقط عنا من مس الصغيرة والكبيرة ذات الرحم أو غير ذات
الرحم، ومس الرجل للمرأة أو المرأة المرأة، ومس الخنثى أو الخناثى بعضهم
بعضا، وغير ذلك على ما قلناه.
ومس الذكر لا ينقض الوضوء، سواء مس ذكر نفسه أو ذكر غيره من الناس
أو البهيمة، ذكر الصغير أو الكبير بباطن الكف أو بظاهره، وغير ذلك من
المسائل فإنها تسقط عنا لبطلان هذا الأصل.
والغائط والبول إذا خرجا من غير السبيلين من جرح وغيره فإن خرجا من
موضع في البدن دون المعدة نقض الوضوء لعموم قوله: " أو جاء أحد منكم من
الغائط " وما روي من الأخبار أن الغائط ينقض الوضوء يتناول ذلك ولا يلزم
ما فوق المعدة لأن ذلك لا يسمى غائطا، والمسلم إذا توضأ ثم ارتد، ثم رجع إلى
الإسلام قبل أن يحدث ما ينقض وضوءه لم ينقض وضوءه بنفس الارتداد،
وكذلك لا ينقض الوضوء شئ من الكبائر التي تستحق بها النار.
فصل: في ذكر غسل الجنابة وأحكامها
الجنابة تكون بسببين:
أحدهما إنزال الماء الدافق الذي هو المني في النوم واليقظة بشهوة وغير
شهوة وعلى كل حال.
والآخر التقاء الختانين وإن لم يكن هناك إنزال.
وحد التقاء الختانين أن يدخل ذكره في الفرج حتى تغيب الحشفة، فيكون
موضع القطع منه محاذيا لموضع القطع منها وإن لم يتضاما فإن مضامتهما
لا يمكن، لأن مدخل الذكر أسفل فرج المرأة وهو موضع خروج دم الحيض و
167

المني وأعلا منه ثقبة مثل الإحليل للذكر يكون منه البول، وفوق ذلك لحم نابت
كعرف الديك، وهو الذي يقطع وهو موضع الختان من المرأة، فإذا أولج
ذكره في فرج المرأة فلا يمكن أن يلاصق ختانه ختانها لأن بينهما فاصلا، لكن
يكون موضع الختان منه محاذيا لموضع الختان منها فيقال: التقيا بمعنى تحاذيا
وإن لم يتضاما، فإذا حصل ذلك وجب الغسل على الرجل والمرأة، وكذلك
في خروج المني يشترك الرجل والمرأة في وجوب الغسل عليهما عند ذلك.
فأما إذا أدخل ذكره في دبر المرأة أو الغلام فلأصحابنا فيه روايتان: إحديهما
يجب الغسل عليهما، والثانية لا يجب عليهما فإن أنزل واحد منهما وجب عليه
الغسل لمكان الإنزال فأما إذا أدخل ذكره في فرج بهيمة أو حيوان آخر فلا نص
فيه وينبغي أن يكون المذهب ألا يتعلق به غسل لعدم الدليل الشرعي عليه،
والأصل براءة الذمة.
وإذا أدخل ذكره في فرج ميتة وجب عليه الغسل والحد لقولهم: إن حرمة
الميت كحرمة الحي.
وإذا وجد الرجل في ثوبه منيا ولم يذكر وقت خروجه منه، فإن كان ذلك
الثوب يلبسه هو وغيره فلا يجب عليه الغسل ويستحب له أن يغتسل احتياطا،
وإن كان لا يستعمله غيره وجب عليه الغسل لأنه يتحقق خروجه منه، وينبغي أن
نقول: إن يستحب له أن يغتسل ويعيد كل صلاة صلاها من أول نومه نامها فيه
لأنه لا يقوم إلى صلاة إلا مع غلبة ظن أن ثوبه طاهر، ولو قلنا: إنه لا يجب عليه
إعادة شئ من الصلوات كان قويا، وهو الذي أعمل به لأن إيجاب الإعادة
يحتاج إلى دليل شرعي، ولأنه قد ثبت أن من صلى في ثوب نجس، ولم يسبق
علمه بحصول النجاسة فيه لا يجب عليه إعادة ما صلى فيه إلا ما كان في وقته بعد،
فأما ما مضى وقته فلا إعادة عليه، هذا فيما يرجع إلى حكم الثوب فأما ما يرجع
إلى كونه جنبا فينبغي أن نقول: يجب أن يقضي كل صلاة صلاها من عند آخر
غسل اغتسل من جنابة أو من غسل يرفع حدث الغسل.
168

والكافر إذا أسلم يستحب له أن يغتسل ولا يجب عليه ذلك، فإن كان فعل
ما يجب عليه به الغسل أو الوضوء حال كفره وجب عليه الغسل أو الوضوء
لذلك، فإن تطهر أو اغتسل في حال كفره لم يجزئه أصلا لأنها عبادة تحتاج إلى
نية، ولا تصح من الكافر النية على حال.
وتتعلق بالجنابة أحكام محظورة ومكروهة:
فالمحرمات: قراءة العزائم من القرآن، ودخول المساجد إلا عابر سبيل، و
وضع شئ فيها، ومس كتابة المصحف أو شئ عليه اسم الله أو اسم أنبيائه أو
أئمته.
والمكروهات: الأكل والشرب إلا بعد المضمضة، والاستنشاق، والنوم إلا
بعد الوضوء، والخضاب، والمسجد الحرام ومسجد النبي صلى الله عليه وآله لا
يدخلهما على حال، فإن كان في واحد منهما فأصابه احتلام خرج منهما بعد أن
تيمم من موضعه، ويكره من مس المصحف غير الكتابة، ويجوز له أن يقرأ من
القرآن ما شاء غير العزائم، والاحتياط أن لا يزيد على سبع آيات أو سبعين آية،
ويجوز أن يمس أطراف الأوراق.
فإذا أراد الاغتسال وجب عليه إن كان رجلا الاستبراء بالبول أو الاجتهاد،
فإن لم يفعل واغتسل ثم رأى بعد ذلك بللا وجب عليه إعادة الغسل، وإن
استبرأ لم يلزمه ذلك.
ثم ينوي رفع الحدث على ما قدمناه في باب النية، ويغسل جميع جسده:
يبدأ بالرأس ثم بميامن الجسد ثم مياسره، وأقل ما يجزئه من الماء ما يكون جاريا
على جميع الجسد ويبل أصل كل شعرة، وإن كان قليلا مثل الدهن والإسباع
بتسعة أرطال.
والترتيب واجب في غسل الجنابة على ما بيناه، ويقدم غسل يده ثلاث
مرات استحبابا، وإن كان على بدنه نجاسة أزالها ثم اغتسل، فإن خالف واغتسل
أولا فقد ارتفع حدث الجنابة، وعليه أن يزيل النجاسة إن كانت لم تزل بالغسل،
169

وإن زالت بالاغتسال فقد أجزأه عن غسلها.
والموالاة غير واجبة فيه، والمضمضة والاستنشاق سنتان فيه، وإيصال الماء
إلى أصل كل شعرة واجب على الرجال والنساء سواء كان شعرهما خفيفا
أو كثيفا، فإن كان في رأسهما شئ يمنع من وصول الماء إلى أصول الشعر و
بشرة الرأس وجب إزالته وإيصال الماء إلى أصل الشعر في البشرة، وإن ارتمس
في الماء ارتماسة واحدة أو قعد تحت المجرى أو وقف تحت المطر أجزأه، ويسقط
الترتيب في هذه المواضع، وفي أصحابنا من قال: يترتب حكما.
ومتى غسل رأسه من الجنابة ثم أحدث ما ينقض الوضوء أعاد الغسل من
الرأس ولم يبن عليه، وفي أصحابنا من قال: يبني عليه ويتوضأ لاستباحة الصلاة
والغسل كاف بانفراده لاستباحة الصلاة، ولا يحتاج معه إلى وضوء لا قبله ولا
بعده، ومتى كان عليه شئ يمنع من وصول الماء إلى جسمه مثل السير
والدملوج حركه ليصل الماء إلى ما تحته وإلا نزعه.
وكلما عدا غسل الجنابة من الأغسال فلا بد فيه من الوضوء ليستبيح به
الصلاة فرضا كان الغسل أو نفلا إما قبله أو بعده، وتقديمه أفضل، ومتى لم
يتوضأ لم يستبح به الدخول في الصلاة.
فصل: في ذكر التيمم وأحكامه
التيمم طهارة ضرورة ولا يجوز فعله إلا بأحد ثلاثة شروط: إما عدم الماء
أصلا مع الطلب سواء كان في سفر قصير أو طويل أو في الحضر وعلى كل حال،
أو عدم ما يتوصل به إليه من ثمن أو آلة، أو الخوف على النفس إما من عدو أو سبع
أو مرض يضر به استعمال الماء مثل القروح والكسور والجدري والحصبة وغير
ذلك من الجراح أو برد شديد يخاف معه التلف أو يلحقه مشقة عظيمة. فإن لم
يكن شئ من ذلك لم يجز له التيمم.
ومتى وجد الماء بالثمن وجب عليه شراؤه إذا كان ذلك لا يضر به، سواء
170

كان ذلك ثمن مثله في موضعه أو غير موضعه.
ومن كان معه ماء يسير يحتاج إليه للشرب أو كان معه ماء لا يكفيه
لطهارته أو كان يكفيه فأراقه ولا يقدر على غيره أو يحتاج إليه للشرب أو يخاف
التلف إن استعمله كان فرضه التيمم، وسواء كان عليه وضوء أو غسل، ومتى
تيمم وصلى لم يجب عليه إعادة الصلاة في هذه المواضع إلا من خاف البرد من
غسل جنابة تعمدها على نفسه فإنه يصلي بتيمم ثم يعيد الصلاة، فأما من لم يتعمد
الجنابة فلا يجب عليه الإعادة.
والميت إذا لم يوجد الماء لغسله أو وجد ومنع من استعماله مانع بالغاسل
يمم كما يتيمم الحي، ويتيمم من ييممه ثم يغتسل فيما بعد.
إذا وجد الماء لغسل الميت بالثمن وجب شراؤه من تركته فإن لم يخلف
شيئا لم يجب على أحد ذلك.
ومن حصل يوم جمعة في الجامع وأحدث ما ينقض الوضوء ولم يمكنه
الخروج من موضعه لكثرة الناس وأقيمت الصلاة تيمم وصلى وأعاد الصلاة
بوضوء، ومن لم يجد إلا الثلج، ولا يقدر على الماء فيتوضأ ولا على الأرض فيتيمم
تطهر بالثلج بأن يعتمد على الثلج حتى تتندى يده ويغسل أعضاءه في الوضوء
أو جميع جسده إن كان عليه غسل، فإن لم يتمكن من ذلك أخر الصلاة إلى أن
يجد ماء فيتوضأ أو ترابا فيتيمم.
ولا يجوز التيمم إلا في آخر الوقت وعند الخوف من فوت الصلاة، فإن تيمم قبل
دخول الوقت أو بعده في أول الوقت لم يجز أن يستبيح به الصلاة، فإن صلى
بذلك أعاد الصلاة بتيمم مستأنف أو وضوء إن وجد الماء.
والطلب واجب قبل تضيق الوقت في رحله وعن يمينه وعن يساره وسائر
جوانبه رمية سهم أو سهمين إذا لم يكن هناك خوف، فإن خاف لم يلزمه ذاك،
ولا يتعدى المكان الذي هو فيه، فإن تيمم قبل الطلب مع التمكن منه لم يعتد
بذلك التيمم، وإن نسي الماء في رحله وقد طلبه فلم يجده لم يلزمه إعادة الصلاة،
171

وإن كان فرط في الطلب أعاد الصلاة، ويلزمه أن يسأل رفقاءه عن الماء ويستدل
عليه من يغلب في ظنه أنه يعرفه، وإن غلب في ظنه أنه متى طلب من غيره بذله له
من غير أن يدخل عليه في ذلك ضرر وجب عليه الطلب، وإن أعطاه بالثمن إما
عاجلا أو آجلا ولا يضر به ذلك الثمن وجب عليه قبوله، وإن وهب له الثمن وجب
عليه قبوله لأنه متمكن من الماء.
ومن كان على رأس بئر وليس معه ما يستقى به ومعه عمامة يمكنه أن يدليها
ويبلها بالماء ثم يعصرها قدر ما يحتاج إليه في وضوئه وجب عليه ذلك،
وكذلك إن كان في مركب ولا يقدر على الماء تيمم، وإذا كان محبوسا بالقيد
والرباط أو مصلوبا على خشبة أو يكون في موضع نجاسة ولا يقدر على موضع
طاهر يسجد عليه ولا ما يتيمم به، فإما أن يؤخر الصلاة أو يصلى وكان عليه
الإعادة لأنه صلى بلا طهارة ولا تيمم.
ولا يجوز التيمم إلا بما يقع عليه اسم الأرض إطلاقا، سواء كان عليه تراب
أو كان حجرا أو جصا أو غير ذلك.
والأرض إذا أصابتها نجاسة فلا تخلو أن تكون جامدة أو مائعة.
فإن كانت جامدة لا تخلو أن تكون يابسة أو رطبة، فإن كانت يابسة أزيلت
وجاز التيمم منها والسجود عليها، وإن كانت رطبة ولم تختلط بإجزاء الأرض
أزيلت وصب الماء على موضعها حتى يكثرها بالماء فيطهر الأرض، وإن اختلطت
بإجزاء الأرض فإنها لا تطهر بأن تكاثر الماء عليها لأن الماء ينجس بذلك، وإنما
تطهر بشيئين: أحدهما أن يطرح عليه تراب طاهر حتى تندرس النجاسة، أو ينقل
النجاسة التي اختلطت بالأرض من موضعها إلى أن تبلغ إلى الموضع الطاهر.
وإن كانت النجاسة مائعة فإنها تطهر بأن يكاثر عليها الماء أو تطلع عليها
الشمس فتجففها فتزول عين النجاسة، فحينئذ يجوز التيمم به والسجود عليه، وإن
جففتها غير الشمس لم تطهر بذلك.
فأما تراب القبر فإنه يجوز التيمم به سواء كان منبوشا أو غير منبوش إلا أن
172

يعلم أن فيه شيئا من النجاسة لعموم الآية، وإذا اختلط التراب بالذريرة أو الكحل
أو النورة وغير ذلك، لم يجز التيمم به لأنه ليس بتراب ولا أرض مطلق إلا أن
يكون قدرا مستهلكا، وإن اختلط به مائع طاهر غلب عليه لم يجز التيمم به لأن
المائع إذا كان غير الماء لم يجز الوضوء به ولا التيمم به لأنه ليس بتراب ولا
أرض، وإن خالطه ولم يغلب عليه لم يجز أيضا التيمم به لأنه ليس بتراب ولا
أرض.
وأما التراب المستعمل في التيمم فإنه يجوز التيمم به لعموم الآية، وصورته أن
يستعمل المتيمم ويجمع ما ينتثر من تيممه فتيمم به، فأما إذا تيمم من موضع
وتنحى وجاء آخر وتيمم من ذلك الموضع فإنه يجوز بلا خلاف.
ولا يجوز التيمم بشئ من المعادن، ويجوز التيمم بالحجر وإن لم يكن عليه
غبار، ويكره التيمم بالرمل والسبخة ومع ذلك فإنه مجز.
ومتى كان في أرض وحلة ولا يقدر على التراب ولا على الماء ومعه ما
ينفضه من ثوب أو لبد دابة أو عرفها نفض ذلك ويتيمم بغباره، وإن لم يكن معه
شئ من ذلك وضع يديه على الرحل ثم فركهما وتيمم به.
ويستحب أن يكون التيمم من ربي الأرض وعواليها دون مهابطها، فإن
خالف وكان الموضع طاهرا أجزأه، وأرض الجص والنورة يجوز التيمم به، ولا
يجوز التيمم بالرماد ولا الأشنان والزرنيخ وغير ذلك من الأشياء المنسحقة.
فإذا أراد التيمم وضع يديه معا على الأرض مفرجا أصابعه وينفضهما و
يمسح إحديهما بالأخرى، ثم يمسح بهما وجهه من قصاص شعر الرأس إلى
طرف أنفه، ثم يضع كفه اليسرى على ظهر كفه اليمنى ويمسح بها من الزند إلى
أطراف الأصابع، ثم يضع كفه اليمنى على ظهر كفه اليسرى فيمسحها من الزند
إلى أطراف الأصابع مرة واحدة، هذا إذا كان تيممه بدلا من الوضوء، وإن كان
بدلا من الغسل ضرب ضربتين: إحديهما للوجه والأخرى لليدين، والكيفية على
ما بيناه.
173

وإذا كان مقطوع اليدين من الذراعين سقط عنه فرض التيمم، ويستحب أن
يمسح ما بقي لأن ما أمر الله بمسحه قد عدم فيجب أن يسقط فرضه.
وإذا تيمم تيمما صحيحا جاز أن يؤدي به ما شاء من الصلوات نوافلها و
فرائضها على الجمع والافتراق أداء كان أو قضاء، ولا ينتقض بتيممه بخروج
الوقت إلا بحدث ينقضه وهي النواقض التي قدمناها في الوضوء، أو يتمكن من
استعمال الماء فإنه ينتقض تيممه بذلك، فإن عدم الماء فيما بعد استأنف التيمم
لأن الأول قد انتقض بالتمكن من استعمال الماء، وإذا وجد الماء قبل أن يدخل
في الصلاة انتقض تيممه، وإن وجده وقد دخل في الصلاة بتكبيرة الإحرام مضى
في صلاته ولم ينتقض تيممه، ولا يجب عليه الرجوع، وقد روي أنه يرجع
فيتطهر ما لم يركع، فإن ركع مضى وذلك محمول على الاستحباب، فأما إذا
ركع فلا يجوز له الرجوع أصلا بل يتمم تلك الصلاة وإذا تممها والماء باق
تطهر لما يستأنف من الصلاة، وإن فقده استأنف التيمم لما يستأنف من الصلاة
لأن تيممه قد انتقض في حق الصلوات المستقبلة، وهو الأحوط.
ومتى تيمم لصلاة نافلة جاز أن يصلى فريضة به، ويجوز أن يدخل به في
نافلة، فإن دخل في النافلة، ثم وجد الماء أتم الركعتين وانصرف وتوضأ، فإن
فقد الماء استأنف التيمم.
ومتى تيمم لصلاة نافلة في غير وقت فريضة أو لقضاء فريضة في غير وقت
صلاة حاضرة جاز له ذلك، ويجوز له أن يصلى به فريضة إذا دخل وقتها لعموم
الأخبار التي وردت في جواز الصلوات الكثيرة بتيمم واحد، وإذا تيمم جاز أن
يفعل جميع ما يحتاج في فعله إلى الطهارة مثل دخول المسجد وسجود التلاوة
ومس المصحف والصلاة على الجنائز وغير ذلك.
إذا اجتمع جنب وحائض وميت أو جنب وحائض أو جنب ومحدث،
ومعهم من الماء ما يكفي أحدهم ولم يكن ملكا لأحدهم كانوا مخيرين في
استعمال من شاء منهم، فإن كان ملكا لأحدهم كان أولى به.
174

إذا تيمم الكافر وأسلم لم يعتد بذلك التيمم إجماعا، فإن تيمم، ثم
ارتد، ثم رجع إلى الإسلام لم ينتقض تيممه بنفس الارتداد لأنه لا دليل عليه.
العاصي بسفره إذا فقد الماء تيمم وصلى ولا إعادة عليه لعموم الآية والأخبار.
من كان جنبا وعدم الماء تيمم لاستباحة الصلاة، فإن أحدث بعد ذلك ما
ينقض الوضوء ووجد من الماء ما يكفيه لطهارته أعاد التيمم ولم يتطهر، لأن
حكم الجنابة باق ولا تأثير للحدث الموجب للوضوء، وإذا نوى بتيممه رفع
الحدث لم يجز له أن يدخل به في الصلاة لأن التيمم لا يرفع الحدث، وإذا نوى
استباحة الدخول في الصلاة جاز له أن يصلى به ما شاء من الصلوات نوافلها و
فرائضها على ما قدمناه، وإذا ثبت أن التيمم لا يرفع الحدث كان الحدث باقيا
سواء كان حدث الوضوء أو حدث الجنابة، وإذا وجد الماء فعل ما وجب عليه،
ومتى أراد التيمم وجب عليه الاستنجاء أولا وينشف مخرج البول.
والترتيب واجب في التيمم يبدأ بالوجه ثم باليد اليمنى ثم اليسرى، و
كذلك تجب فيه الموالاة، ويكره أن يؤم المتيمم المتوضئين، ولا يكره أن يأتم
بهم ولا أن يؤم بالمتيممين.
وإذا تيمم الجنب بنية أنه تيمم بدلا من الوضوء لم يجز له الدخول في الصلاة
لأن النية الواجبة ما حصلت فيه، وإن نوى به استباحة الصلاة جاز له ذلك، وقد
بينا أن كل مرض يخاف معه من استعمال الماء فإنه يسوع معه التيمم، وإن لم
يخف منه التلف وخيف الزيادة في المرض مثل ذلك، وإن لم يخف التلف ولا
الزيادة فيه وخاف أن يشينه ويشوه به كان مثل ذلك، فإن لم يخف شيئا من
ذلك وخاف أن يؤثر فيه أثرا قليلا لم يجز له التيمم بلا خلاف.
وكل مرض لا يخاف معه التلف ولا الزيادة فيه مثل الصداع ووجع
الضرس لم يجز معه التيمم، فإن خاف استعمال الماء لشدة البرد وأمكنه إسخانه
وجب عليه ذلك. وإلا تيمم وصلى ولا إعادة عليه مسافرا كان أو مقيما.
ومن كان في بعض جسده أو بعض أعضاء طهارته ما لا ضرر عليه والباقي
175

عليه جراح، أو عليه ضرر في إيصال الماء إليه جاز له التيمم ولا يجب عليه غسل
الأعضاء الصحيحة، فإن غسلها وتيمم كان أحوط سواء كان الأكثر صحيحا أو
عليلا وإذا حصل على بعض أعضاء طهارته نجاسة ولا يقدر على غسلها لألم فيه
أو قرح أو جراح تيمم وصلى ولا إعادة عليه.
ويجوز أن يتيمم لصلاة الجنازة مع وجود الماء، ويجوز أن يصلى عليها وإن
لم يتيمم أيضا، فإن كان جنبا ومعه من الماء ما يكفي للوضوء لا غير تيمم، ولا
يجب عليه استعمال ذلك الماء في بعض الأعضاء.
المسافر إذا جامع زوجته وعدم الماء، فإن كان معه من الماء ما يغسل به
فرجه وفرجها فعلا ذلك وتيمما للصلاة وصليا ولا إعادة عليهما لأن النجاسة قد
زالت، والتيمم يستباح به الصلاة عند عدم الماء، فإن لم يكن معهما ماء أصلا
تيمما وصليا، ولا إعادة عليها لقوله " أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا " ولم
يفصل، والأحوط أن نقول: يجب عليهما الإعادة، وكذلك من كان على بعض
بدنه نجاسة ولا يقدر على ماء يزيل به ذلك تيمم وصلى ثم يعيد فيما بعد إذا
غسل الموضع.
الحائض إذا انقطع دمها جاز للرجل وطئها قبل أن تستبيح الصلاة بغسل
أو تيمم وإذا ترك شيئا من الموضع الذي يجب مسحه في التيمم من الوجه
أو اليدين لم يجزئه قليلا كان أو كثيرا ويعيد التيمم من أوله.
فصل: في تطهير الثياب والأبدان من النجاسات
النجاسة على ضربين: أحدهما دم والآخر غير دم.
فالدماء على ثلاثة أقسام:
أحدها: يجب إزالة قليلة وكثيره، وهي ثلاثة: دم الحيض والاستحاضة و
النفاس.
والثاني: لا يجب إزالة قليله ولا كثيره وهي خمسة أجناس: دم البق
176

والبراغيث والسمك والجراح اللازمة والقروح الدامية.
والثالث: ما يجب إزالته إذا بلغ مقدار الدرهم فصاعدا في السعة وهو
المضروب من درهم وثلث، وما نقص عنه لا يجب إزالته وهو باقي الدماء من
سائر الحيوان، سواء كان في موضع واحد من الثوب أو في مواضع كثيرة بعد أن
يكون كل موضع أقل من مقدار الدرهم، وإن قلنا: إذا كان جميعه لو جمع كان
مقدار الدرهم وجب إزالته، كان أحوط للعبادة.
وما ليس بدم من النجاسات يجب إزالة قليله وكثيره وهي خمسة أجناس:
البول والغائط من الآدمي وغيره من الحيوان الذي لا يؤكل لحمه، وما أكل
لحمه فلا بأس ببوله وروثه وذرقه إلا ذرق الدجاج خاصة، وما يكره لحمه يكره
بوله وروثه مثل البغال والحمير والدواب وإن كان بعضه أشد كراهة من بعض،
وفي أصحابنا من قال: بول البغال والحمير والدواب وأرواثها نجس، يجب إزالة
قليله وكثيره.
والمني نجس من كل حيوان يجب غسله ولا يجزئ فيه الفرك.
والخمر نجسة بلا خلاف، وكل مسكر عندنا حكمه حكم الخمر، وألحق
أصحابنا الفقاع بذلك.
وكل نجاسة يجب إزالة قليلها وكثيرها فإنه يجب إزالتها عن الثياب
والأبدان أدركها الطرف أو لم يدركها إذا تحقق ذلك، فإن لم يتحقق ذلك
وشك لم يحكم بنجاسة الثوب إلا ما أدركه الحس، فمتى لم يدركها فالثوب على
أصل الطهارة.
وإذا تحقق حصول النجاسة في الثوب ولم يعلم موضعه بعينه وجب غسل
الثوب كله، وإن علم أنه في موضع مخصوص وجب غسل ذلك الموضع
لا غير، ولا يتعدى إلى غير ذلك الموضع سواء كانت النجاسة رطبة أو يابسة،
فإن علم أن النجاسة حصلت في أحد الكمين ولم يتميز غسلهما معا ولم يجز له
التحري، وإن قطع إحدى الكمين وجب عليه غسل الكم الآخر ولا يجب عليه
177

غسل جميع الثوب.
الماء الذي ولغ فيه الكلب أو الخنزير إذا أصاب الثوب وجب غسله لأنه
نجس، وإن أصابه من الماء الذي يغسل به الإناء لا يجب غسله سواء كانت من
الغسلة الأولة أو الثانية، وإن قلنا: إنه يغسل من الغسلة الأولة، كان أحوط. فأما
الوضوء به فلا يجوز لما روي من أن الماء الذي يزال به حكم النجاسة لا يجوز
استعماله في الوضوء.
وكل نجاسة يجب غسلها لا يكفي صب الماء عليها إلا بول الصبي خاصة
قبل أن يطعم، وإذا ترك تحت الثوب النجس إجانة وصب عليها الماء وجرى
الماء في الإجانة لا يجوز استعماله لأنه نجس، وإذا أصاب الثوب نجاسة فغسل
نصفه فإنه يطهر ذلك النصف ولا يتعدى إليه النجاسة من النصف الآخر.
ما مس الكلب والخنزير والثعلب والأرنب والفأرة والوزغة بسائر أبدانها إذا
كانت رطبة أو أدخلت أيديها أو أرجلها في الماء وجب غسل الموضع وإراقة ذلك
الماء، ولا يراعى في غسل ذلك العدد لأن العدد يختص الولوع، فإن كان يابسا
رش الموضع بالماء، فإن لم يتعين الموضع غسل الثوب كله أو رش، وكذلك
إن مس بيده شيئا من ذلك وكان واحد منهما رطبا وجب غسل يده وإن كان
يابسا مسحه بالتراب، وقد رويت رخصة في استعمال ما يشرب منه سائر الحيوان
في البراري سوى الكلب والخنزير وما شربت منه الفأرة في البيوت والوزع أو
وقعا فيه وخرجا حيين لأنه لا يمكن التحرز من ذلك.
وإذا صافح ذميا أو محكوما بكفره من أهل الملة كان حكمه حكم ما ذكرناه
من النجاسات.
وإذا أصاب ثوبه ميت من الناس بعد برده بالموت وقبل تطهيره بالغسل أو
غيره من الأموات وجب غسل الموضع الذي أصابه، فإن لم يتعين الموضع
غسل كله، وإن مس بيده ميتا من الناس بعد برده بالموت وقبل تطهيره بالغسل،
أو مس قطعة منه فيها عظم، أو مس ما قطع من حي وفيه عظم وجب عليه الغسل،
178

وإن كان بعد الغسل أو قبل برده لم يجب ذلك، وإن كان ما مسه من القطعة لا
عظم فيه لم يجب عليه الغسل بل يجب عليه غسل يده، وإن كان الميت من
غير الناس غسل ما مسه به حسب.
ولا بأس بعرق الجنب والحائض إذا كانا خاليين من نجاسة، فإن كان على
بدنهما نجاسة وعرقا نجس الثوب الذي عرقا فيه، وإن كانت الجنابة من حرام
وجب غسل ما عرق فيه على ما رواه بعض أصحابنا وعرق الإبل الجلالة يجب
إزالته.
وكل نجاسة أصابت الثوب أو البدن وكانت يابسة لا يجب غسلهما وإنما
يستحب مسح اليد بالتراب أو نضح الثوب.
وإذا أصاب الأرض أو الحصير أو البارية بول وطلعت عليه الشمس وجففته،
فإنه يطهر بذلك ويجوز السجود عليه والتيمم به، وإن جففته غير الشمس لم
يطهر، ولا يطهر غير ما قلناه من الثياب بطلوع الشمس عليه وتجفيفه غير أنه يجوز
الوقوف عليه في الصلاة إذا كان موضع السجود طاهرا ولم تكن النجاسة رطبة
فيتعدى إليه.
ولا يجوز إزالة شئ من النجاسات بغير الماء المطلق من سائر المائعات ولا
يحكم بطهارة الموضع بذلك، وفي أصحابنا من أجازه.
ومن صلى في ثوب فيه نجاسة مع العلم بذلك بطلت صلاته، وإن علم أن
فيه نجاسة ثم نسيها وصلى كان مثل الأول عليه الإعادة، وإن لم يعلم وصلى على
أصل الطهارة ثم علم أنه كان نجسا والوقت باق أعاد الصلاة وإن مضى الوقت
فلا إعادة عليه.
فإن رأى النجاسة في الصلاة على ثوبه رمى بذلك الثوب وتمم الصلاة فيما
بقي، وإن لم يكن عليه غيره طرحه، فإن كان بالقرب منه ما يستر عورته به أخذه
وستر به العورة وصلى، وإن لم يكن بالقرب منه شئ ولا عنده من يناوله قطع
الصلاة وأخذ ثوبا يستر به العورة ويستأنف الصلاة، وإن لم يملك ثوبا طاهرا
179

أصلا تمم صلاته من قعود إيماءا.
والمذي والوذي طاهران لا يجب إزالتهما فإن أزالهما كان أفضل، والقئ
ليس بنجس وفي أصحابنا من قال: هو نجس والصديد والقيح حكمهما حكم
القئ سواء.
وإذا أصاب خفه أو تكته أو جوربه أو قلنسوته أو ما لا تتم الصلاة فيه منفردا
شئ من النجاسة لم يكن بالصلاة فيه بأس وإزالته أفضل.
وما لا نفس له سائلة من الميتات لم ينجس الثوب والبدن، ولا المائع الذي
يموت فيه ماء كان أو غيره وإن تغير أحد أوصاف الماء به إلا الوزع والعقرب
فإنهما إذا ماتا في الماء يستحب إراقته، وطين الطريق لا بأس به ما لم يعلم فيه
نجاسة فإذا مضى عليه ثلاثة أيام أزيل استحبابا.
وإذا أصاب الثوب ماء المطر وقد خالطه شئ من النجاسة، فإن كان جاريا
من الميزاب فلا ينجس الثوب ولا البدن ما لم يتغير أحد أوصاف الماء لأن حكمه
حكم الماء الجاري.
والماء الذي يستنجي به أو يغتسل به من جنابة إذا رجع عليه أو على ثوبه لم
يكن به بأس فإن انفصل منه ووقع على نجاسة ثم رجع عليه وجب إزالته، وإذا
حصل معه ثوبان: أحدهما نجس والآخر طاهر ولا يتميز الطاهر صلى في كل
واحد منهما على الانفراد، وروي أنه يتركهما ويصلى عريانا والأول أحوط، وإن
كان معه ثوب نجس ولا يقدر على الماء نزعه وصلى عريانا، فإن لم يتمكن من
نزعه خوفا من البرد صلى فيه فإذا تمكن نزعه أو غسله وأعاد الصلاة.
وبول الخفاش نجس، وبول الطيور كلها وذرقها طاهر سواء أكل لحمها
أو لم يؤكل.
المرأة المربية للصبي إذا كان عليها ثوب واحد لا تملك غيره يصيبه نجاسة
في كل وقت ولا يمكنها التحرز منه غسلت الثوب كل يوم مرة واحدة وصلت
فيه، وبول الصبي قبل أن يطعم يكفي أن يصب الماء عليه، وبول الصبية لا بد من
180

غسله على كل حال.
وإذا مس الثوب أو البدن كافر محكوم بكفره سواء كان كافر أصل أو
كافر ملة أو كافر ردة وكان الثوب رطبا أو جسمه رطبا وجب غسل الثوب، وإن
كان يابسا رش الموضع بالماء، وعلى هذا كل ثوب قصره كافر أو صبغه
أو غسله أو غسل غزله أو سقاه أو بله عند العمل فإنه لا يجوز الصلاة فيه إلا بعد
غسله وتطهيره.
وما استعمله شارب مسكر أو فقاع ولا نعلم أنه أصابه شئ من ذلك
استحب غسله، وإن أصابه شئ من المسكر أو الفقاع وجب غسله ولا يجوز
الصلاة فيه على حال قبل ذلك.
فصل: في ذكر الأغسال
الأغسال على ضربين: مفروض ومسنون.
فالمفروض ستة أغسال: غسل الجنابة والحيض والاستحاضة على بعض
الوجوه، والنفاس، وغسل الأموات، وغسل من مس ميتا من الناس بعد برده
بالموت وقبل تطهيره بالغسل.
والمسنونات ثمانية وعشرون غسلا: غسل يوم الجمعة ووقته من عند طلوع
الفجر من يوم الجمعة إلى وقت الزوال، وقد رخص في تقديمه يوم الخميس لمن
خاف الفوت، ويستحب قضاؤه لمن فاته إما بعد الزوال أو يوم السبت، وكلما
قرب من الزوال كان أفضل، وإذا اجتمع غسل جنابة وغسل يوم الجمعة
وغيرهما من الأغسال المفروضات والمسنونات أجزأ عنها غسل واحد إذا نوى به
ذلك، فإن نوى به غسل الواجب دون المسنون أجزأ عن الجميع، وإن نوى
المسنون دون الواجب لم يجزئه، وإن لم ينو شيئا أصلا لم يجزئه عن شئ من
ذلك.
وغسل ليلة النصف من رجب، وغسل يوم السابع والعشرين منه، وليلة
181

النصف من شعبان وأول ليلة من شهر رمضان، وليلة النصف منه، وليلة سبع
عشرة، وتسع عشرة، وإحدى وعشرين، وثلاث وعشرين منه.
وليلة الفطر، ويوم الفطر، ويوم الأضحى، وغسل الإحرام، وغسل دخول
الحرم، وعند دخول المسجد الحرام وعند دخول الكعبة، وعند دخول المدينة،
وعند دخول مسجد النبي صلى الله عليه وآله، وعند زيارة النبي صلى الله عليه وآله
، وعند زيارة كل واحد من الأئمة عليهم السلام.
وغسل يوم الغدير، ويوم المباهلة وهو يوم الرابع والعشرين من ذي الحجة،
وغسل المولود، وغسل قاضي صلاة الكسوف إذا احترق القرص كله وتركها
متعمدا، وعند صلاة الحاجة، وعند صلاة الاستخارة، فهذه الأغسال كلها مسنونة،
وإن كان بعضها آكد من بعض، وغسل التوبة، والكافر إذا أسلم لا يجب عليه
الغسل بل يستحب له ذلك، اللهم إلا أن يكون وجب عليه الغسل للجنابة
وغيرها، فإنه إذا أسلم يجب عليه الغسل لأنه في حال كفره لا يصح منه الغسل
لأنه لا تصح منه النية.
كتاب الحيض
فصل: في ذكر الحيض والاستحاضة
الحيض والمحيض عبارتان عن معنى واحد، وهو الدم الأسود الخارج
بحرارة على وجه يتعلق به أحكام مخصوصة، ولقليله حد، وإن شئت قلت: هو
الدم الذي له تعلق بانقضاء العدة على وجه إما بظهوره أو بانقطاعه، ويتعلق به
عشرون حكما:
لا يجب عليها الصلاة، ولا يجوز منها فعل الصلاة، ولا يصح منها الصوم،
ويحرم عليها دخول المساجد إلا عابرة سبيل، ولا يصح منها الاعتكاف، ولا
يصح منها الطواف.
182

ويحرم عليها قراءة العزائم، ويحرم عليها مس كتابة القرآن، ويحرم على
زوجها وطؤها، ويجب على من وطئها متعمدا الكفارة إن كان في أوله دينار، وإن
كان في وسطه نصف دينار، وإن كان في آخره ربع دينار، ويجب عليه التعزير،
وهل الكفارة واجبة أو مندوب إليها؟ فيه روايتان: أحدهما وهي الأظهر أنها على
الوجوب، والثانية أنها على الاستحباب، وإذا تكرر منه الوطء فلا نص لأصحابنا
فيه معين، وعموم الأخبار يقتضي أن عليه بكل دفعة كفارة، وإن قلنا: إنه لا يتكرر
لأنه لا دليل عليه والأصل براءة الذمة كان قويا.
ويجب عليها الغسل عند الانقطاع، ولا يصح طلاقها، ولا يصح منها
الغسل ولا الوضوء على وجه يرفعان الحدث، ولا يجب عليها قضاء الصلاة،
ويجب عليها قضاء الصوم، ويكره لها قراءة ما عدا العزائم، ومس المصحف
وحمله، ويكره لها الخضاب، ولا يجوز أن ترى المرأة دم الحيض قبل أن تبلغ
تسع سنين فإن رأت قبله لم يكن دم حيض، وإن رأته لتسع سنين فصاعدا جاز
أن يكون دم حيض، وتأيس المرأة من الحيض إذا بلغت خمسين سنة إلا إذا
كانت امرأة من قريش فإنه روي أنها ترى دم الحيض إلى ستين سنة، ومتى رأت
بعد ذلك لم يكن دم حيض.
وينقسم الحيض ثلاثة أقسام: قليل وكثير وما بينهما.
فحد القليل ثلاثة أيام متتابعات، وفي أصحابنا من قال: ثلاثة أيام في جملة
العشرة، وهو الذي ذكرناه في النهاية والأول أحوط.
والكثير عشرة أيام.
وما بينهما بحسب عادة النساء.
فإذا ثبت هذا، فأول ما ترى المرأة الدم ينبغي أن تمتنع من الصوم والصلاة،
فإن استمر بها ثلاثة أيام متتابعة قطعت على أنه دم حيض ولم يكن عليها شئ،
وإن رأت أقل من ذلك قطعت على أنه لم يكن دم حيض وقضت الصلاة
والصوم.
183

وعلى الرواية الأخرى إذا رأت الثلاثة أيام في جملة العشرة دما لم يلزمها
قضاء الصلاة، وإذا قلنا: لا يكون أقل من ثلاثة أيام متواليات، فمتى رأت ثلاثة أيام
تركت الصوم والصلاة، فإن رأت بعد ذلك الطهر صلت وصامت، فإن رأت
بعد ذلك دما قبل أن يستوفى عشرة أيام على أي صفة كان الدم أسود كان أو
أحمر أو أصفر وعلى كل حال، كان ذلك كله حيضا ولم يكن عليها فيما صامت
وصلت شئ غير أنها تقضي فيما بعد الصوم.
وإن رأت بعد أن تمضى لها عشرة أيام دما قطعت على أنه ليس بدم حيض
وأنه من الاستحاضة، وسنذكر حكمه.
فإن رأت الصفرة أو الكدرة في مدة العشرة أيام حكم بأنها من الحيض،
وإن رأت الدم ثلاثة أيام حكم لها بأنه دم حيض ثم رأت يوم الحادي عشر أو
الثاني عشر أو الثالث عشر من وقت ما رأت الدم الأول كان ذلك كله محكوما
بأنه دم استحاضة.
فإن رأت يوم الرابع عشر دما كان ذلك كله من الحيضة المستقبلة لأنها قد
استوفت أقل الطهر وهو عشرة أيام هذا إذا رأت الطهر فيما بين الدمين فأما إذا
اتصل بها الدم فله حكم مفرد سنذكره إن شاء الله.
وإن رأت الدم ثلاثة أيام ثم رأت الطهر بعده أياما ثم رأت الدم قبل أن
تخرج من العشرة أيام كان ذلك من الحيضة الأولى.
فإن انقطع عنها ورأت الطهر عدت أيام الطهر من وقت انقطاع الدم الأخير
وتستوفى عشرة أيام وهو أقل الطهر ثم يحكم بما تراه أنه دم حيض، ثم على هذا
الحساب يعتبر بين الحيضة والحيضة عشرة أيام إلى أن تستقر لها عادة.
ويستقر عادة المرأة بأن يمر لها شهران أو ثلاثة أشهر ترى فيها الدم أياما
معلومة في وقت معلوم، فيصير ذلك عادتها تعمل عليها وترجع إليه إن
استحاضت.
ومتى استقر لها عادة ثم تقدمها الحيض بيوم أو يومين أو تأخر بيوم أو يومين
184

حكمت بأنه من الحيض، وإن تقدم بأكثر من ذلك أو تأخر بمثل ذلك إلى تمام
العشرة أيام حكم أيضا بأنه دم حيض، فإن زاد على العشرة لم يحكم بذلك.
فإن اختلط عليها أيامها فلا يستقر لها على وجه واحد تركت الصوم والصلاة
كلما رأت الدم، وكلما رأت الطهر صلت إلى أن تستقر عادتها بما ذكرناه من
اتفاق الشهرين والثلاثة على أيام معلومة وأوقات معينة.
ومتى اشتبه دم الحيض بدم العذرة أدخلت قطنة، فإن خرجت منغمسة
بالدم فذاك دم حيض، وإن خرجت متطوقة فذاك دم عذرة، وإن اشتبه بدم
القرح أدخلت إصبعها فإن كان الدم خارجا من الجانب الأيمن فذاك دم قرح،
وإن كان خارجا من الجانب الأيسر فهو دم حيض، وإن اشتبه بدم الاستحاضة
فلدم الاستحاضة صفة نذكرها.
والصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض وفي أيام الطهر طهر، سواء كانت
أيام حيضها التي جرت عادتها أن تحيض فيه أو الأيام التي كان يمكن أن تكون
حائضا.
مثال ذلك أن تكون المرأة المبتدئة إذا رأت الدم مثلا خمسة أيام ثم رأت
إلى تمام العشرة أيام صفرة أو كدرة فالجميع حيض لأنه في أيام الحيض.
وكذلك إذا جرت عادتها أن تحيض كل شهر خمسة أيام، ثم رأت في
بعض الشهور خمسة أيام دما، ثم رأت بعد ذلك إلى تمام العشرة صفرة أو كدرة
حكمنا بأنه حيض.
وكذلك إذا كانت عادتها أن ترى أياما بعينها دما، ثم رأت في بعض
الشهور في تلك الأيام الصفرة أو الكدرة حكمنا بأنه من الحيض، فإن رأت عقيبه
دما حكمنا بأنه من الحيض إلى تمام العشرة أيام، فإن زاد على ذلك حكمنا بأنه
دم استحاضة.
وكذلك إذا رأت أول ما يبلغ الصفرة أو الكدرة وقد بلغت حدا يجوز أن
تكون حائضا حكمنا بأنه من الحيض لأنه وقت الحيض.
185

وكذلك إذا رأت دم الحيض أياما قد جرت عادتها فيه، ثم طهرت ومر بها
أقل أيام الطهر وهي عشرة أيام، ثم رأت الصفرة أو الكدرة حكمنا بأنها من
الحيض، لأنها قد استوفت أقل أيام الطهر وجاءت الأيام التي يمكن أن تكون
حائضا فيها، وإنما قلنا بجميع ذلك لما روي عنهم عليهم السلام من أن الصفرة
في أيام الحيض حيض وفي أيام الطهر طهر فحملناها على عمومها.
وإذا انقطع الدم عنها فيما دون العشرة ولم تعلم أهي بعد حائض أم لا؟
أدخلت قطنة فإن خرجت وعليها دم وإن كان قليلا فهي بعد حائض، وإن كانت
نقية فقد طهرت ولتغتسل.
ويجوز للزوج وطؤها قبل الغسل إذا تيقنت الطهر سواء كان الطهر في
أكثر مدة الحيض أو فيما دونه وبعد الغسل أفضل، ولا يفعل ذلك إلا بعد أن
تغسل فرجها.
فإذا طهرت اغتسلت، وكيفية غسلها مثل غسل الجنابة سواء، ويلزمها تقديم
الوضوء ليسوع لها استباحة الصلاة على الأظهر من الروايات، فإن لم تتوضأ قبله
فلا بد منه بعده، وفي أصحابنا من قال: يجزئها الغسل والأول أحوط. وإذا
اغتسلت قضت الصوم، ولا يلزمها قضاء الصلاة.
فإن رأت الدم وقد دخل وقت صلاة ومضى مقدار ما يمكنها أداء تلك
الصلاة، ولم تكن قد صلت وجب عليها قضاء تلك الصلاة، وإن رأت الدم قبل
ذلك لم يلزمها القضاء.
وإن طهرت في وقت صلاة وأخذت في تأهب الغسل فخرج الوقت لم
يجب عليها القضاء، وإن توانت عن الغسل حتى خرج الوقت وجب عليها
القضاء.
فإن طهرت بعد زوال الشمس إلى بعد دخول وقت العصر قضت الصلاتين
معا وجوبا، ويستحب لها قضاؤهما إذا طهرت قبل مغيب الشمس بمقدار ما تصلي
خمس ركعات، فإن لم تلحق إلا مقدار ما تصلي فيه أربع ركعات لزمها العصر
186

لا غير، وإن لحقته قبل المغيب مقدار ما تصلي فيه ركعة لزمها العصر.
وإذا طهرت بعد مغيب الشمس إلى نصف الليل لزمها قضاء العشائين،
ويستحب لها أيضا قضاؤهما إذا طهرت إلى قبل الفجر بمقدار ما تصلي خمس
ركعات، فإن لم تلحق أكثر من أن تصلي فيه أربع ركعات لم يلزمها أكثر من
العشاء الآخرة، ويلزمها قضاء الفجر إذا طهرت قبل طلوع الشمس بمقدار ما
تصلي فيه ركعة، فإن كان أقل من ذلك لم يكن عليها قضاء. وإذا أصبحت
صائمة ثم حاضت أفطرت أي وقت رأت الدم ولو كان قبيل المغرب بيسير
وتقضي ذلك اليوم، والأفضل إذا رأت الدم بعد العصر أن تمسك بقية النهار
تأديبا وعليها القضاء على كل حال.
وإذا أصبحت حائضا ثم طهرت أمسكت بقية النهار تأديبا وعليها القضاء.
وينبغي للحائض أن تتوضأ عند وقت كل صلاة وتجلس في مصلاها
وتذكر الله بمقدار زمان صلاتها استحبابا، وأقل الطهر بين الحيضتين عشرة أيام،
وليس لكثيره حد بل يختلف الحال فيه.
فصل: في ذكر الاستحاضة وأحكامها
الاستحاضة هي الدم الأصفر البارد الذي لا تحس المرأة بخروجه منها في
غالب الحال، أو ما زاد على أكثر الحيض أو النفاس وهي عشرة أيام وإن لم تكن
بهذه الصفة.
والمستحاضة لا تخلو من أحد أمرين: إما أن تكون مبتدئة أو من لها عادة.
فإن كانت مبتدئة فلها إذا استمر بها الدم أحوال أربعة:
أحدها: أن يتميز لها بالصفة، فإذا رأته بصفة دم الحيض تركت الصوم
والصلاة وإذا رأته بصفة دم الاستحاضة صلت وصامت إذا فعلت ما يجب على
المستحاضة، ويعتبر بين الحيضتين عشرة أيام طهرا.
وما تراه بصفة دم الحيض إنما يكون له حكم إذا جمع شرطين:
187

أحدهما: أن تراه بتلك الصفة ثلاثة أيام لأن ما نقص عنها لا يكون حيضا.
والثاني ألا يزيد على عشرة أيام لأن ما زاد على العشرة لا يكون حيضا.
فإذا رأت في الشهر الأول ثلاثة أيام ما هو بصفة دم الحيض، وفي الشهر
الثاني خمسة أيام، وفي الثالث سبعة أيام، كان ما تراه بصفة دم الحيض كله
حيضا في كل شهر والباقي يكون طهرا لأنه ما استقر لها عادة.
فإن رأت في شهرين متواليين مثلا ثلاثة أيام ثلاثة أيام ورأت في الشهر الثالث
خمسة أيام، حكم في الشهرين الأولين بأن حيضها ثلاثة أيام، لأن عادتها قد
استقرت بالشهرين غير أنها في الشهر الأول والثاني لا تصلي ولا تصوم إلا بعد أن
يمضي عليها عشرة أيام أقصى مدة الحيض على أي صفة كان.
فإذا تبينت في الشهر الثالث أن ما زاد في الشهر الأول والثاني على الأيام التي
رأت فيها دم الحيض كان استحاضة قضت الصوم والصلاة، فأما في الشهر
الثالث الذي استقرت فيه عادتها فإنها تغتسل إذا مضت عليها الأيام التي رأت فيها
دم الحيض في الشهر الأول والثاني، وتصوم وتصلي.
وإذا رأت المبتدئة ثلاثة أيام دم الحيض، وثلاثة أيام دم الاستحاضة، وأربعة
أيام صفرة ثم انقطع كان الكل من الحيض، وإنما يحكم بأنه طهر إذا جاز
العشرة أيام، فتبين بذلك أن ما قبل العشرة كان دم استحاضة.
فإذا رأت المبتدئة ثلاثة أيام دم الاستحاضة وثلاثة أيام دم الحيض، ثم دم
الاستحاضة وجاز العشرة، فإنها تحكم أنما رأته بصفة دم الحيض حيض وما هو
بصفة دم الاستحاضة طهر، تقدم ذلك أو تأخر، لأنه ليس بأن يجعل الثلاثة الأولة
مضافة إلى الحيض بأولى من التي بعد أيام الحيض فسقطا وعمل على اليقين مما
هو بصفة دم الحيض.
وكذلك إذا رأت أولا دم الاستحاضة خمسة أيام، ثم رأت ما هو بصفة دم
الحيض باقي الشهر، يحكم في أول يوم ترى ما هو بصفة دم الحيض إلى تمام
العشرة أيام بأنه حيض وما بعد ذلك استحاضة.
188

فإن استمر على هيئته جعلت بين الحيضة والحيضة الثانية عشرة أيام طهرا
وما بعد ذلك من الحيضة الثانية، ثم على هذا التقدير.
فإذا رأت أقل من ثلاثة أيام دم الحيض ورأت فيما بعد دم الاستحاضة إلى
آخر الشهر، كانت هذه لا تمييز لها فلترجع إلى عادة نسائها وهي الحالة الثانية
على ما قلناه.
وإن لم يكن لها نساء قرابات أو كن مختلفات، رجعت إلى من هو من أقرانها
من أهل بلدها وهي الحالة الثالثة.
فإن لم يكن هناك نساء أو كن مختلفات تركت الصوم والصلاة في الشهر
الأول ثلاثة أيام، وفي الثاني عشرة أيام أو في كل شهر سبعة أيام، لأن في ذلك
روايتين لا ترجيح لإحداهما على الأخرى وهما متقاربتان، وهذه الحالة الرابعة.
فإذا رأت المبتدئة ما هو بصفة دم الاستحاضة ثلاثة عشر يوما، ثم رأت ما هو
بصفة دم الحيض بعد ذلك واستمر، كان ثلاثة أيام من أول الدم حيضا والعشرة
طهرا، وما رأته بعد ذلك من الحيضة الثانية.
وأما إذا كانت المرأة لها عادة فلها أيضا أربعة أحوال:
أحدها: أن يكون لها عادة بلا تمييز.
والثاني: أن يكون لها عادة وتمييز.
والثالث: اختلفت عادتها ولها تمييز.
الرابع: اختلفت عادتها ولا تمييز لها.
فالقسم الأول: وهي التي لها عادة فيما مضى أو يكون قد مضى بها شهران
رأت فيهما ما هو بصفة دم الحيض، فإنها تحكم أيضا بأن ذلك عادتها وتبني
عليها، وقد بينا أنها تترك الصوم والصلاة في الشهرين الأولين أقصى مدة
الحيض.
فإذا استقرت عادتها قضت ما نقص عن ذلك، مثال ذلك أنها رأت في
الشهر الأول ثلاثة أيام، وفي الشهر الثاني مثل ذلك، وفي الشهر الثالث استمر بها
189

الدم بتلك الصفة إلى آخر الشهر، يحكم بأن حيضها ثلاثة أيام وتصلي وتصوم ما
بعد ذلك.
وإذا رأت المبتدئة دم الحيض خمسة أيام وعشرة أيام طهرا ثم استحيضت
فقد حصل لها عادة في الحيض والطهر، تجعل أيام حيضها خمسة أيام وأيام
طهرها عشرة أيام.
وكذلك إن رأت دم الحيض خمسة أيام وخمسة وخمسين يوما طهرا، ثم
رأت خمسة أيام حيضا وخمسة وخمسين يوما طهرا، ثم استحاضت تجعل حيضها
في كل شهرين خمسة أيام لأن ذلك صار عادتها.
إذا كانت عادتها خمسة أيام في كل شهر، فرأت الدم قبلها بخمسة أيام ولم
تر فيها شيئا، كان حيضها قد تقدم. وكذلك إن رأت خمسة بعدها ولم تر فيها
كان حيضها قد تأخر، وإن رأت في خمسة أيام قبلها وفيها كان الكل حيضا لأنه
عشرة أيام، وكذلك إن رأت فيها وفي خمسة بعدها كانت العشرة كلها حيضا،
وهي أقصى مدة الحيض، وإن رأت في خمسة قبلها وفيها وفي خمسة بعدها، ثم
انقطع ولم يتميز لها تجعل أيام عادتها حيضا والباقي استحاضة، لأن هذه اختلط
دم حيضها بدم استحاضتها فينبغي أن تعمل على عادتها، والمسألتان الأولتان ليس
فيهما اختلاط دم الحيض بدم الاستحاضة فكان الكل دم حيض.
إذا كانت عادتها الخمسة الثانية من الشهر، فرأت من أول الشهر والخمسة
أيام واستمر بها الدم، فينبغي أن تجعل ابتداء حيضها من الخمسة الثانية حسب ما
كان عادتها.
إذا رأت المبتدئة في الشهر الأول خمسة أيام دم الاستحاضة، وفي الثاني
خمسة أيام دم الحيض والباقي دم استحاضة، وفي الثالث دما مبهما، فإنها في
الشهر الأول والثالث تعمل ما تعمله من لا عادة لها ولا تمييز، وفي الشهر الثاني
تجعل أيامها خمسة أيام والباقي استحاضة، لأنه لا تثبت العادة بشهر واحد فلا
يمكن أن تبنى عليه الشهر الثالث.
190

إذا كانت عادتها أن ترى الدم في أول كل شهر خمسة أيام فلما كان في
بعض الشهور رأت في تلك الخمسة أيام على العادة وطهرت عشرة أيام، ثم رأت
دما نظر فيه، فإن انقطع دون أكثر مدة الحيض التي هي عشرة أيام كان ذلك
من الحيضة الثانية، وإن استمر على هيئته واتصل عملت على عادتها المألوفة في
الخمسة في أول كل شهر وتجعل الباقي استحاضة، لأن الدم الثاني لم يخلص
للحيض بل اختلط بدم الاستحاضة ولها عادة فوجب أن ترجع إلى عادتها.
وأما القسم الثاني: وهي التي لها عادة وتمييز، مثل أن تكون امرأة تحيض
في أول كل شهر خمسة أيام فرأت في كل شهر عشرة أيام دم الحيض، ثم رأت
بعدها دم الاستحاضة واتصل فيكون حيضها عشرة أيام اعتبارا بالتمييز.
وكذلك إذا كانت عادتها خمسة أيام فرأت ثلاثة أيام دما أسود، ثم رأت
دما أحمر إلى آخر الشهر، فإن حيضها ثلاثة أيام وما بعدها استحاضة اعتبارا
بالتمييز.
وكذلك إذا كانت عادتها خمسة أيام من أول الشهر فرأت في أول الشهر
ثلاثة أيام دما أحمر، وثلاثة أيام دما أسود، وأربعة أيام دما أحمر واتصل كان
حيضها الثلاثة أيام الثانية من الشهر وهو أيام الدم الأسود اعتبارا بالتمييز، ويكون
حيضها تقدم أو تأخر.
وكذلك إذا كانت عادتها ثلاثة أيام من أول كل شهر، فرأت ستة أيام دما
أحمر وأربعة أيام دما أسود واتصل، كان حيضها الأربعة أيام التي رأت فيها دما
أسود اعتبارا بالتمييز.
ولو قلنا في هذه المسائل: إنها تعمل على العادة دون التمييز لما روي عنهم
عليه السلام إن المستحاضة ترجع إلى عادتها ولم يفصلوا كان قويا.
والمستحاضة متى تميز لها أيام الحيض، إما بصفة الدم أو بالرجوع إلى
العادة أو كانت مبتدئة فتركت الصوم والصلاة على الترتيب الذي قدمناه وصلت
وصامت ما بعد ذلك، لا يجب عليها قضاء صلاة ولا صوم على حال لأن أيامها
191

التي صلت فيها وصامت محكوم بطهارتها، وإذا ثبت ذلك فلا يجب عليها
القضاء.
وأما القسم الثالث: وهي التي كانت لها عادة فنسيتها أو اختلط عليها ولها
تمييز، فإنها ترجع إلى صفة الدم، فإذا رأته بصفة دم الحيض عملت ما تعمله
الحائض، وإذا رأته بصفة دم الاستحاضة عملت ما تعمله المستحاضة.
فإن رأت من ذكرنا حالها مثلا خمسة أيام دما بصفة دم الحيض تركت
الصلاة، وإذا رأت بعد ذلك خمسة أيام دم الاستحاضة فإن انقطع عنها الدم في
العاشر كان كله حيضا.
وإن جاز ما هو بصفة دم الاستحاضة العشرة أيام كان ذلك دم استحاضة
من وقت ما رأته بصفة دم الاستحاضة، وتقضي الصوم والصلاة فيه، فإن رأت أولا
دما بصفة دم الاستحاضة خمسة أيام، ثم رأت خمسة أيام ما هو بصفة دم الحيض
وانقطع كان كله دم الحيض.
فإن جاز ما هو بصفة دم الحيض العشرة ودام إلى الخمسة عشر يوما كانت
الخمسة الأولة لم يكن دم حيض تقضي فيها الصوم والصلاة، وإن انقطع فيما بين
العشرة والخمسة عشر يوما قضت الصوم والصلاة في الخمسة أيام التي رأت فيها
الدم بصفة دم الاستحاضة وسقط عنها ما بعد ذلك.
فإن رأت ثلاثة أيام مثلا دم الحيض، ثم رأت ثلاثة أيام دم الاستحاضة، ثم
رأت إلى تمام العشرة دم الحيض وانقطع كان الكل دم الحيض وكذلك إذا
انقطع فيما دون العشرة.
وإن جاز العشرة أيام ما هو بصفة دم الحيض وبلغ ستة عشر يوما كانت
العشرة أيام كلها حيضا، وقضت الصوم والصلاة في الستة الأولة، وإن رأت أولا
ثلاثة أيام دم الاستحاضة، ثم رأت ما هو بصفة دم الحيض إلى تمام العشرة
وانقطع كان الكل حيضا.
وإن جاز العشرة ما هو بصفة دم الحيض ثم انقطع بعد ذلك كان ما رأته
192

أولا بصفة دم الاستحاضة لم يكن حيضا قضت فيها الصوم والصلاة، وإن رأت دم
الحيض خمسة أيام مثلا، ثم رأت دم الاستحاضة وجاز العشرة أيام إلى خمسة
عشر يوما، ثم رأت دم الحيض كان ذلك من الحيضة الثانية لأنها قد استوفت
أقل الطهر وهو عشرة أيام.
فإن رأت فيما دون الخمسة عشر يوما دم الحيض لم يكن ذلك دم حيض
لأنها ما استوفت عشرة أيام الطهر، وكذلك إن رأت دم الحيض أقل من خمسة
أيام ثم رأت دم الاستحاضة وجاز العشرة، ثم رأت دم الحيض، تستوفى من وقت
ما رأت دم الاستحاضة عشرة أيام، ثم تحكم بما تراه بعد ذلك أنه من الحيضة
المستقبلة.
فإن رأت أولا دم الحيض سبعة أيام، ثم رأت بعد ذلك دم الاستحاضة
وجاز العشرة، تستوفى أقل الطهر عشرة أيام سواء انقطع الدم قبل ذلك أو
تغير، فرجع إلى لون دم الحيض أو لم يرجع، لأن الطهر لا يكون أقل من عشرة
أيام، وكذلك ما يزيد على ذلك من المسائل فهذه أصولها التي ذكرناها.
وأما القسم الرابع: وهي التي لا يتميز لها صفة الدم وأطبق عليها الدم وقد
نسيت العادة فإن لها ثلاثة أحوال:
أحدها: أن تكون ذاكرة لأيام حيضها وعددها ناسية للوقت.
الثانية: أن تكون ذاكرة للوقت ناسية للعدد.
الثالثة: أن تكون ناسية للعدد والوقت معا.
فإن كانت ذاكرة للعدد ناسية للوقت، فإنها تترك الصوم والصلاة مثل
عدد تلك الأيام في الوقت الذي تعلم أنه حيض بيقين وتصلي وتصوم فيما بعد إذا
عملت ما تعمله المستحاضة من الشهر بعد أن تغتسل، وإنما قلنا ذلك لأن هناك
طريقا للعلم تعلم به أيام حيضها على ما نبينه.
وإن كانت ذاكرة للوقت ناسية للعدد، تركت الصوم والصلاة في تلك
الأيام ثلاثة أيام وهو أقل أيام الحيض لأنه مقطوع به، والباقي ليس عليه دليل
193

وإن كانت ناسية للعدد والوقت، فعلت ثلاثة أيام من أول الشهر ما نفعله
المستحاضة وتغتسل فيما بعد لكل صلاة، وصلت وصامت شهر رمضان، ولا
يطأها زوجها أصلا لأن ذلك يقتضيه الاحتياط، ولا يمكن أن تطلق هذه على
مذهبنا إلا على ما روي أنها تترك الصلاة والصوم في كل شهر سبعة أيام وتصلي
وتصوم فيما بعد، وتكون مخيرة على هذه الرواية في السبعة الأيام في أول الشهر
وأوسطه وآخره.
والتفريع على المسألة الأولى، وهي إذا كانت ذاكرة للعدد ناسية للوقت،
فجملته أن كل زمان تتيقن فيه حيضها فعلت ما تفعله الحائض، وكل زمان
لا تتيقن ذلك فيه فعلت ما تفعل المستحاضة، وكل زمان احتمل فيه انقطاع دم
حيضها وجب عليها الغسل فيه للصلاة.
فمن ذلك إذا قالت: كنت أحيض في الشهر إحدى العشرات، ولا أعلم أنها
هي العشرة الأولى أو الثانية أو الثالثة، فإن هذه ليس لها حيض بيقين ولا طهر
بيقين فتجعل زمانها زمان الطهر فتصلي من أول الشهر إلى آخره بعد أن تفعل ما
تفعله المستحاضة، وتغتسل في آخر كل عشرة لاحتمال انقطاع دم الحيض فيه.
وإذا قالت: كنت أحيض عشرة أيام في كل شهر ولا أعلم موضعها من
الشهر، فإن هذه أيضا ليس لها حيض ولا طهر بيقين، تفعل ما تفعله المستحاضة
لكل صلاة في العشرة الأولى، ثم تغتسل بعد ذلك لكل صلاة إلا أن تعلم أنها
كانت تطهر في وقت معلوم فتغتسل في كل يوم في ذلك الوقت.
والفرق بين هذه المسألة والأولى، أن الأولى قطعت على أن ابتداء حيضها
كان من العشرة وإنما شكت في العشرات.
والمسألة الثانية قطعت على أن حيضها كان عشرة أيام ولم تعلم أولها
وجوزت أن تكون من اليوم الأول والثاني والثالث والرابع، وما زاد على ذلك،
وإنما أوجبنا عليها الغسل عند كل صلاة فيما زاد على العشرة لجواز أن يكون
انقطع حيضها عند ذلك.
194

وإذا قالت: كان حيضي ثلاثة أيام في العشرة الأولة من الشهر ولا أعلم
موضعها من هذا العشر، فإن هذه ليس لها حيض ولا طهر بيقين في هذه العشرة
فتصلي من أول العشر في اليوم الأول والثاني والثالث إذا فعلت ما تفعله
المستحاضة، ثم تغتسل لكل صلاة إلى تمام العشرة أيام إلا أن تعلم أن انقطاع
الدم كان في وقت بعينه فتغتسل لذلك الوقت وتتوضأ في غيره.
وإذا قالت: كان حيضي أربعة أيام في العشرة الأولى ولا أعلم موضعها،
فإنها تصلي إذا فعلت ما تفعله المستحاضة أربعة أيام ثم تغتسل لكل صلاة على
ما بيناه.
وإذا قالت: كان حيضي خمسة أيام، صلت إذا فعلت ما تفعله المستحاضة
خمسة أيام، ثم اغتسلت بعدها لكل صلاة.
فأما إذا قالت: كان حيضي ستة أيام في العشرة الأولة، فإن لها حيضا بيقين،
وإنما لا يكون لها حيض بيقين إذا لم تزد على الخمسة أيام، فأما إذا زاد على
الخمسة أيام فقد حصل لها اليقين في الحيض فيكون في هذه المسألة اليوم
الخامس والسادس من الحيض، لأن الابتداء إن كان من أول العشر فالخامس و
السادس حيض، وإن كان الابتداء من اليوم الثاني أو الثالث أو الرابع أو
الخامس، فإن هذين اليومين أيضا داخلان فيه بيقين، فإذا كان كذلك فإنها تفعل
ما تفعله المستحاضة لكل صلاة إلى اليوم الخامس وتترك الصلاة في الخامس
والسادس، ثم تغتسل بعد ذلك عند كل صلاة لجواز أن يكون دم الحيض
انقطع عندها إلا أن تعلم أن دم الحيض كان ينقطع في وقت بعينه فتغتسل
لذلك الوقت في كل يوم إلى تمام العشرة أيام، فإذا جازت العشرة فهي طاهر
بيقين تفعل ما تفعله المستحاضة.
إذا قالت: كان حيضها سبعة أيام، كان يقين حيضها أربعة أيام.
وإذا قالت: كان حيضها ثمانية أيام، كان يقين حيضها ستة أيام.
وإذا قالت: كان حيضها تسعة أيام، كان يقين حيضها ثمانية أيام ثم على
195

هذا الحساب ما يتركب من المسائل.
وإذا قالت: كان حيضي عشرة أيام في كل شهر وأعلم أني كنت في العشر
الأواخر من الشهر طاهرا ولا أدري موضعها من العشرين، فإنها في العشر الأول
تفعل ما تفعله المستحاضة عند كل صلاة لأن انقطاع الدم لا يحتمل فيها، فإذا
انقضت العشرة الأولى اغتسلت لكل صلاة إلا أن تعلم أن انقطاع الدم كان في
وقت بعينه فتغتسل لذلك الوقت في كل يوم، وأما العشرة الثالثة فإنها طاهر
بيقين تصلي وتصوم إذا فعلت ما تفعله المستحاضة.
إذا قالت: كان حيضي عشرة أيام، وأعلم أني كنت أكون في العشر الأول
طاهرا بيقين، فإنها طاهر في العشر الأول بيقين تصلي وتصوم فيها إذا فعلت
ما تفعله المستحاضة عند كل صلاة، ولا يجب عليها فيه الاغتسال لأجل انقطاع
الدم لأن ذلك لا يحتمل، فإذا دخلت في العشرة الثانية فعلت مثل ذلك لأنها إن
كانت حائضا فلا يضرها، وإن كانت مستحاضة فقد صلت فيه، فإذا دخلت في
العشر الثالث اغتسلت لكل صلاة لاحتمال انقطاع دم الحيض عندها إلا أن تعلم
أن انقطاع الدم في وقت بعينه فتغتسل لذلك الوقت في كل يوم.
وإذا قالت: كان حيضي خمسة أيام من العشرة الأولى، ولا أعلم موضعها
غير أني كنت أكون في اليوم الأول من الشهر طاهرا، فإن اليوم الأول يكون طهرا
بيقين تعمل ما تعمله المستحاضة لكل صلاة، وفي اليوم الثاني والثالث والرابع
والخامس طهر مشكوك فيه تفعل ما تفعله المستحاضة لكل صلاة، وأما اليوم
السادس فحيض بيقين، لأنه إن كان ابتداء الحيض من اليوم الثاني فإن اليوم
السادس آخره، وإن كان آخره العاشر فإن السادس أوله، فإذا كان كذلك كان
اليوم السادس داخلا في الحيض بيقين فيلزمها أن تفعل ما تفعله الحائض، ثم
تغتسل في آخره لاحتمال انقطاع الدم فيه، ثم تغتسل بعد ذلك لكل صلاة إلى
آخر العاشر، ثم تفعل ما تفعل المستحاضة بعد ذلك لكل صلاة إلى آخر الشهر،
ويكون ذلك طهرا بيقين.
196

وعلى هذا الترتيب إذا قالت: أعلم أني كنت في اليوم الثاني طاهرا أو في
اليوم الثالث أو الرابع.
وإذا قالت: كان حيضي خمسة أيام من العشرة الأولة وأعلم أني كنت
أكون في اليوم الخامس طاهرا بيقين، قلنا لها: حيضك الخمسة الثانية من العشرة
الأولى بيقين.
وإن قالت: إني أعلم أني كنت أكون في اليوم السادس طاهرا قلنا:
فحيضك الخمسة الأولى.
وإذا قالت: كان حيضي في كل شهر عشرة أيام، ولا أعرف موضعها إلا أني
أعلم أني كنت أكون يوم السادس طاهرا بيقين، فإن هذه يقال لها: أنت من أول
الشهر إلى آخر السادس طاهر بيقين، ومن أول السابع إلى آخر السادس عشر
طهر مشكوك فيه، تفعل ما تفعله المستحاضة فيه لكل صلاة، ثم تغتسل بعد
ذلك عند كل صلاة إلى آخر الشهر لاحتمال انقطاع الدم.
وإذا قالت: كان حيضي في كل شهر عشرة أيام ولا أعرف موضعها وأعلم
أني كنت أكون في اليوم العاشر طاهرا بيقين، فتكون من أول الشهر إلى آخر
العاشر طاهرا بيقين، ومن أول الحادي عشر إلى آخر الشهر طهر مشكوك فيه،
تفعل ما تفعله المستحاضة إلى آخر العشرين، ثم تغتسل لكل صلاة إلى آخر
الشهر.
وإذا قالت: كان حيضي عشرة أيام، وأعلم أني كنت يوم الحادي عشر
طاهرا، فإن هذا اليوم طهر بيقين، وما قبله طهر مشكوك فيه، تفعل ما تفعله
المستحاضة إلى آخر العاشر، ثم تغتسل بعد ذلك وتصلي، ثم تفعل ما تفعله
المستحاضة لكل صلاة إلى آخر الحادي والعشرين، ثم تغتسل بعد ذلك لكل
صلاة إلى آخر الشهر، وعلى هذا في كل شهر، ويكون قرء واحد طهرا بيقين
واثنان طهرا مشكوكا فيه.
وإذا قالت: كان لي في كل شهر حيضتان بينهما طهر، ولا أعلم موضعهما
197

ولا عددهما، فإن هذه حكمها حكم التي لا تعرف أيامها أصلا، وسنذكر القول
فيها، وإنما قلنا ذلك لأنا لو فرضا الحيضتين أقل ما يكون الحيض أو أكثره أو
أحدهما أقل والآخر أكثر وجعلنا بينهما أقل الطهر، فلا يستمر ذلك في كل شهر،
وينبغي أن يكون حكمها ما قدمناه من أنها تغتسل عند كل صلاة وتصلي وتصوم
شهر رمضان، ولا يطأها زوجها لأن ذلك يقتضيه الاحتياط لعدم الفرق بين زماني
الطهر والحيض.
وإذا قالت: كان حيضي في كل شهر خمسة أيام لا أعلم موضعها، وأعلم أني
كنت أكون في الخمسة الأخيرة طاهرا بيقين، وأعلم أن لي طهرا صحيحا غيرها
في كل شهر ولا أعلم موضع ذلك وكيفيته، فإنه يحتمل أن يكون حيضها في
الخمسة الأولى والباقي طهرا، ويحتمل أن يكون في الخمسة الثانية والباقي طهرا،
ويحتمل أن يكون الخمسة الثالثة، ويكون ما قبله وما بعده طهرا كاملا، ويحتمل
أن يكون الخمسة الرابعة ويكون ما قبله وبعده طهرا، ويحتمل أن يكون الخمسة
الخامسة وما قبله طهرا، فإذا احتمل ذلك فينبغي لها أن تفعل في الخمسة الأولى
ما تفعله المستحاضة عند كل صلاة وتصلي وتصوم وتغتسل فيما بعد ذلك عند
كل صلاة إلى آخر يوم الخامس والعشرين لاحتمال أن يكون الحيض انقطع
عندها، وتفعل في الخمسة الأخيرة ما تفعله المستحاضة لأنه طهر مقطوع به.
إذا قالت: كان حيضي في كل شهر عشرة أيام، ولا أعرف موضعها إلا أني
أعلم أني كنت أكون اليوم العاشر حائضا، فإن هذه يمكن أن يكون العاشر آخر
حيضها وابتداؤه من أول الشهر، ويمكن أن يكون العاشر أول حيضها ويكون
آخره التاسع عشر، ويحتمل أن يكون ابتداء حيضها ما بين اليوم الأول من الشهر
واليوم العاشر، فإذا كان كذلك كان من أول الشهر إلى يوم العاشر طهرا
مشكوكا فيه تصلي وتصوم إذا فعلت ما تفعله المستحاضة ولا يطأها زوجها، ولا
يحتمل انقطاع الحيض، واليوم العاشر يكون حيضا بيقين تترك فيه ما تتركه
الحائض وتغتسل في آخره، ثم تغتسل لكل صلاة بعد ذلك إلى تمام التاسع
198

عشر إلا أن تعلم انقطاع الحيض في وقت بعينه فتغتسل من الوقت إلى الوقت،
وما بعد ذلك إلى تمام الشهر طهر بيقين، تعمل ما تعمله المستحاضة ليحصل لها
في كل شهر أحد عشر يوما طهر بيقين ويوما واحدا حيض بيقين، وما عدا ذلك
فهو طهر مشكوك فيه.
وإذا قالت: كان حيضي خمسة أيام في كل شهر، ولا أعرف موضعها إلا
أني أعلم أني كنت أكون اليوم الثاني عشر حائضا بيقين، فإن هذه يمكن أن يكون
أول حيضها من أول الثامن من الشهر وآخره تمام الثاني عشر، ويمكن أن يكون
ابتداء حيضها من الثاني عشر ويكون آخره تمام السادس عشر، فإذا كان كذلك
كان من أول الشهر إلى آخر السابع طهرا بيقين تفعل ما تفعله المستحاضة، ومن
أول الثامن إلى تمام الحادي عشر طهر فيه شك تفعل ما تفعله المستحاضة لكل
صلاة لأن انقطاع الدم فيها غير ممكن، واليوم الثاني عشر حيض بيقين تترك فيه
ما تتركه الحائض، ثم تغتسل في آخره وتغتسل لكل صلاة إلى تمام السادس
عشر وما بعد ذلك إلى آخر الشهر طهر بيقين تفعل فيه ما تفعله المستحاضة عند
كل صلاة.
إذا قالت: كان حيضي عشرة أيام في كل شهر ولي طهر صحيح في كل
شهر، وأعلم أني كنت اليوم الثاني عشر حائضا، فهذه لها ثمانية أيام من آخر الشهر
طهر بيقين واليوم الأول والثاني أيضا طهر بيقين، تفعل ما تفعله المستحاضة
وتصلي وتصوم لأنها لا يخلو أن يكون اليوم الثاني عشر أول الحيض أو آخره أو
ما بين ذلك، فإن كان أولها فإلى آخر اليوم الثاني والعشرين يكون حيضا وما
بعده إلى آخر الشهر طهر بيقين، وإن كان اليوم الثاني عشر آخر يوم من الحيض،
صار ما بعده إلى آخر اليوم الثاني والعشرين طهرا مشكوكا فيه لاحتمال القسم
الأول، وما بعده طهر مقطوع به، وأما اليوم الأول والثاني طهر، لأنه إن كان اليوم
الثاني عشر آخر الحيض فيكون أوله الثالث، وإن كان أوله فلا شبهة أن اليوم
الأول والثاني طهر على كل حال بيقين، فإذا ثبت هذا، فالذي يجب عليها أن
199

تفعل في اليوم الأول والثاني، ومن أول الثالث والعشرين إلى آخر الشهر، ما تفعله
المستحاضة وتصلي وتصوم ولا قضاء عليها فيه في الصلاة ولا الصوم، ومن أول
اليوم الثالث تعمل ما تعمله المستحاضة أيضا إلى آخر اليوم الثاني عشر وتصلي
وتصوم، ثم تقضي الصوم لأنه مشكوك فيه، ولا يحتمل انقطاع الدم في ذلك
اليوم، فوجب عليها الغسل، وإذا كان يوم الثالث عشر اغتسلت لكل صلاة
وصلت وصامت لاحتمال أن يكون انقطاع الدم فيه، ثم تقضي الصوم لجواز أن
يكون غير طهر.
وإذا قالت: كان حيضي خمسة أيام من العشر الأول لا أعرف موضعها إلا
أني أعلم أني كنت اليوم الثاني من الشهر طاهرا واليوم الخامس حائضا، فإن
ذلك يحتمل أن يكون ابتداء حيضها من اليوم الثالث، ويكون آخره تمام
السابع، ويحتمل أن يكون ابتداؤه من اليوم الخامس، ويكون آخره تمام التاسع،
فإذا كان كذلك فإن اليوم الأول والثاني طهر بيقين، واليوم الثالث والرابع طهر
مشكوك فيه، تعمل ما تعمله المستحاضة عند كل صلاة، واليوم الخامس
والسادس والسابع حيض بيقين ولأنها تقع في الحيض على كل حال، ثم
تغتسل في آخر السابع ويكون ما بعدها إلى تمام التاسع طهرا مشكوكا فيه،
فتغتسل فيه لكل صلاة وما بعده طهر بيقين إلى آخر الشهر، تعمل ما تعمله
المستحاضة عند كل صلاة، وينبغي أن تصوم في الأيام كلها إلا ما يتيقن أنه
حيض على ما قلناه، ومتى صامت قضت الأيام التي حكمنا أنها حيض فقط لأن
الاستحاضة طهر ويصح معها الصوم، وليس من شرط الصوم تعيين النية عندنا.
إذا قالت: كان حيضي خمسة أيام في كل شهر لا أعلم موضعها إلا أني أعلم
أني إن كنت اليوم السادس طاهرا كنت السادس والعشرين حائضا، وإن كنت
يوم السادس حائضا كنت يوم السادس والعشرين طاهرا، وتقدير هذا الكلام إني
كنت حائضا في أحد هذين اليومين وطاهرا في الآخر وهما السادس والسادس
والعشرون، ولا أدري في أيهما كنت حائضا، فإذا كان كذلك فإنها إن كانت
200

حائضا في اليوم السادس من الشهر فإن اليوم الأول طهر بيقين، وما بعده
مشكوك فيه إلى آخر الخامس، واليوم السادس حيض بيقين وما بعده إلى آخر
العاشر طهر مشكوك فيه وما بعده إلى آخر الشهر طهر بيقين وإن كان في
السادس والعشرين كان الحكم في العشر الأواخر كما بينا في العشر الأول وهو
أن يكون اليوم الحادي والعشرون طهرا بيقين، واليوم الثاني إلى السادس طهرا
مشكوكا فيه، واليوم السادس حيض بيقين، وما بعده طهر مشكوك فيه إلى آخر
الشهر، فإذا كان كذلك تصلي في اليوم الأول من الشهر إذا عملت ما تعمله
المستحاضة لأنه طهر بيقين، وتصلي إلى آخر السادس وهو طهر مشكوك فيه إذا
عملت ما تعمله المستحاضة وتغتسل بعد انقضاء السادس لجواز أن يكون
السادس آخر حيضها، وكان الابتداء من أول اليوم الثاني، ثم تغتسل لكل صلاة
إلى آخر العاشر لاحتمال انقطاع الحيض فيه، ثم تصلي بعده إلى آخر الحادي
والعشرين إذا عملت ما تعمله المستحاضة وهو طهر بيقين وتصلي بعده إذا فعلت
ما تفعله المستحاضة، إلى آخر السادس والعشرين وهو طهر مشكوك فيه، ثم
تغتسل بعد انقضاء السادس والعشرين لجواز أن يكون ذلك آخر حيضها،
وكان الابتداء من اليوم الثاني والعشرين، ثم تغتسل لكل صلاة إلى آخر الشهر
لاحتمال انقطاع الحيض فيه، ولا يحصل لها تعيين بعينه، وإن علمنا في الجملة
أنها كانت تكون حائضا في أحد اليومين من السادس من الشهر، ومن السادس
والعشرين من الشهر إلا أنها لا تعرفه بعينها فلم يجز لها أن تترك الصلاة في واحد
منهما لجواز أن يكون الحيض في الآخر. هذا فرع ذكره المروزي في كتاب
الحيض وهو موافق لمذهبنا سواء.
وأما القسم الثاني: وهو أن لا تذكر العدد ولا الوقت، فإن هذه يحتمل أن
يكون ابتداء شهرها طهرا، ويحتمل أن يكون حيضا.
فإن كان ابتداء شهرها حيضا فلا يكون أقل من ثلاثة أيام، ويحتمل أن
يكون أكثر الحيض وهو عشرة أيام، ويحتمل ما بين ذلك، ويكون ما بعد ذلك
201

عشرة أيام طهرا مقطوعا به لأنه أقل ما يكون من الطهر، وما بعده يحتمل أن
يكون من الحيضة الثانية، ويكون احتماله لأقله ولأكثره على ما قلناه أولا، ثم
يكون بعد ذلك طهرا آخر، فإذا احتمل ذلك فالثلاثة أيام الأولة تعمل فيها ما
تعمله المستحاضة وتصلي وتصوم.
فإن كانت حائضا فيها فلا يضرها ذلك، وإن كانت مستحاضة فقد فعلت
ما وجب عليها، ثم تغتسل يوم الثالث وفيما بعده لكل صلاة لجواز أن يكون
انقطاع حيضها فيه وتصوم وتصلي وتقضي الصوم، وإن صامت من أول الشهر
إلى آخره عشرين يوما لأن في الشهر عشرة أيام مقطوعا به على كل حال أنه طهر،
وهو أقل الطهر لأنه إن كان ابتداء شهرها حيضا وكان أقل الحيض وهو ثلاثة
أيام، وبعده طهر عشرة أيام، وبعده حيض ثلاثة أيام، وبعده طهر عشرة أيام،
وبعده حيض ثلاثة أيام، ويكون يوم الثلاثين طهرا فيحصل لها على هذا الحساب
أحد وعشرون يوما طهر والعشرة داخلة في ذلك.
وإن كان حيضها أكثره وهو عشرة أيام كان بعده طهرا عشرة أيام وعشرة
أيام بعدها حيضا آخر فالعشرة طهر على كل حال، وكذلك الحكم إن كان
الحيض فيما بين ذلك فيكون بحساب ذلك فلا يخرج الطهر أقل من عشرة أيام
على سائر الأحوال.
فأما الصلاة فلا قضاء عليها على حال لكنها لا تصلي فيما بعد الثلاثة أيام كل
صلاة إلا بغسل لجواز احتمال انقطاع الحيض عند ذلك، فينبغي أن تحتاط في
ذلك ولا تفرط فيه، وقد روى أصحابنا في هذه أنها تترك الصوم والصلاة في
كل شهر سبعة أيام أي وقت شاءت والباقي تفعل ما تفعله المستحاضة وتصلي
وتصوم ويصح صومها وصلاتها، والأول أحوط للعبادة.
وأما القسم الثالث: وهو أن تذكر وقت الحيض ولا تذكر عدده، فهذه لا
تخلو حالها من ثلاثة أحوال: إما أن تذكر أول الحيض أو تذكر آخره أولا تذكر
واحدا منهما، وإنما تذكر أنها كانت حائضا في وقت بعينه، ولا تعلم هل كان
202

ذلك أول الحيض أو آخره أو وسطه.
فإن الحكم فيها إن كانت ذاكرة لأول الحيض أن تجعل حيضها أقل ما
يمكن الحيض وهو ثلاثة أيام، ثم تغتسل بعد ذلك وتصلي فيما بعد إذا عملت ما
تعمله المستحاضة عند كل صلاة احتياطا.
وإن ذكرت آخر الحيض جعلت ما قبله حيضا ثلاثة أيام، ووجب عليها
الغسل في آخرها، وعملت في ما عدا ذلك ما تعمله المستحاضة وتصلي.
وإن كانت غير ذاكرة لأول الحيض ولآخره، فينبغي أن تجعل ذلك اليوم
مقطوعا على أنه حيض، ولا تجعل ما قبله حيضا لجواز أن يكون ذلك أول
الحيض ولا تجعل ما بعده حيضا لجواز أن يكون ذلك آخر الحيض، وينبغي أن
تترك الصلاة والصوم ذلك اليوم وفيما بعد ذلك تعمل ما تعمل المستحاضة
عند كل صلاة، ثم تقضي الصوم عشرة أيام لأنها تعلم أن أكثر الحيض لا يكون
أقل من عشرة أيام احتياطا.
من مسائل الخلط على ما يقتضيه مذهبنا:
إذا قالت: كان حيضي في كل شهر عشرة أيام، وكنت أخلط العشر بالعشر
الذي يليه بيوم، ولا أدري أي العشرات كان ويعني أني كنت أحيض في واحد
منهما تسعة وفي الآخر يوما واحدا، فإنه يحتمل أن يكون حاضت في العشر الأول
تسعة أيام وفي العشر الثاني يوما، ويحتمل أن يكون حاضت في العشر الأول يوما
ومن الثاني تسعة أيام، فإنه يحصل لها العلم بأن أول يوم من الشهر كان طهرا
بيقين، والباقي مشكوك فيه. ثم يوم الحادي عشر يحتمل أن يكون آخر أيام
الحيض، ويحتمل أن يكون ثانية فإن كان ثانية فيكون آخره يوم التاسع عشر
ويوم العشرين يحتمل أن يكون أول الحيض وما بعده تسعة أيام تمام العشرة،
ويحتمل أن يكون اليوم الحادي والعشرين آخر الحيض وما قبله تسعة أيام تمام
203

العشرة فيحصل من ذلك أن يكون اليوم الأول من الشهر طهرا بيقين ويوم
الثلاثين طهرا بيقين، تفعل فيهما ما تفعله المستحاضة وتصلي وتصوم، ثم تعمل ما
تعمله المستحاضة في اليوم الثاني إلى تمام الحادي عشر، فإن كانت حائضا فلا
تضرها ذلك، وإن كانت مستحاضة فقد فعلت ما وجب عليها.
ثم تغتسل آخر يوم من الحادي عشر لاحتمال انقطاع الدم فيه، ثم تعمل في
اليوم الثاني عشر إلى آخر يوم التاسع عشر ما تعمله المستحاضة وتصلي وتصوم
لأنه لا يحتمل انقطاع الدم فيه بل هو طهر مشكوك فيه.
ثم تغتسل آخر يوم التاسع عشر لاحتمال انقطاع الدم فيه، ثم تفعل بعد
ذلك ما تفعله المستحاضة إلى تمام التاسع والعشرين لأنه طهر مشكوك فيه،
ولا يحتمل انقطاع الدم فيه فيجب عليها الغسل.
ثم تغتسل أول يوم الثلاثين وتفعل ما تفعله المستحاضة عند كل صلاة لأنه
طهر بيقين وتصوم في هذه الأيام كلها، ويسقط عنها قضاء أول يوم من الشهر
والثلاثين لأنهما طهران بيقين، وتقضي ما بعد ذلك لأنها صامت مع الشك في
أنه طهر فوجب عليها القضاء.
ولو قلنا: إنه لا يجب عليها إلا قضاء عشرة أيام كان صحيحا لأنه معلوم أن
الحيض لم يكن في الشهر أكثر من عشرة أيام، والباقي استحاضة وصوم
المستحاضة صحيح، ولا يحتاج إلى تجديد النية عند كل ليلة وهذا هو المعمول
عليه دون الأول، والأول مذهب الشافعي.
وإن قالت: كان حيضي تسعة أيام وكنت أخلط إحدى العشرات بالأخرى
بيوم ولا أدري أيها هي، فإنه يحتمل أن يكون اليوم الحادي عشر آخر يوم
الحيض، ويحتمل أن يكون ثانية، فإن كان آخره فإنه يكون من أول الشهر يوما
طهرا بيقين والباقي طهرا مشكوكا فيه، وإن كان ثانية فيكون آخره يوم الثامن
عشر فيكون حيضا مشكوكا فيه. ثم يوم الحادي والعشرين يحتمل أن يكون
ثاني الحيض، ويحتمل أن يكون آخره، فإن كان ثانية كان آخره يوم الثامن
204

والعشرين ويكون اليومان الأخيران طهرا بيقين، فإذا كان كذلك فإنها ينبغي أن
تصلي اليومين الأولين والآخرين إذا عملت ما تعمله المستحاضة، وكذلك تفعل
فيما بعد إلى اليوم الحادي عشر.
ثم تغتسل في آخره، ثم تعود إلى ما تفعله المستحاضة إلى الثامن عشر، ثم
تغتسل في آخره، ثم تفعل ما تفعله المستحاضة إلى تمام الثامن والعشرين، ثم
تغتسل في آخره وتعمل ما تعمله المستحاضة إلى آخر الشهر، ثم على هذا الترتيب
كلما نقص من حيضها يوم وخلطت العشر بالعشر تزيد في الطهر من أول الشهر
يوما، ومن آخره يوما إلى أن ترجع إلى خمسة أيام، وتنظر الأيام التي يجب عليها
فيها الغسل على التنزيل الذي نزلناه، ويكون ما بين ذلك طهرا مشكوكا فيه أو
حيضا مشكوكا فيه.
فإذا قالت: كان حيضي خمسة أيام، وكنت أخلط إحدى العشرات بالآخر،
فإنه يصير طهرها من أول الشهر ستة أيام، ومن آخره مثل ذلك، ويصير اليوم
الخامس عشر والسادس عشر طهرا مقطوعا به.
وإن قالت: كان حيضي أربعة أيام، يصير الطهر من أول الشهر سبعة أيام،
ومن آخره مثل ذلك، ومن أول يوم الرابع عشر إلى السابع عشر مثله، ويصير
يوم السابع عشر مقطوعا أيضا على طهره.
وإن قالت: كان حيضي ثلاثة أيام، كان طهرها من العشر الأول ثمانية أيام
ومن آخره مثل ذلك، ويكون الثالث عشر إلى أول التاسع عشر طهرا بيقين، ولا
يكون الحيض أقل من ثلاثة أيام عندنا فيتفرع عليه أكثر من ذلك.
فإن قالت: كنت أحيض عشرة أيام وكنت أخلط العشر بالعشر بيومين،
فإنه يكون لها من أول الشهر يومان طهرا بيقين، ومن آخره مثل ذلك تفعل فيها
ما تفعله المستحاضة، وتفعل في اليوم الثالث إلى اليوم الثاني عشر ما تفعله
المستحاضة، ثم تغتسل لاحتمال انقطاع الدم فيه، ثم تفعل من أول يوم الثالث
عشر ما تفعل المستحاضة إلى آخر يوم الثاني والعشرين وتصلي وتصوم، ثم
205

تغتسل، ثم تفعل ما تفعله المستحاضة إلى آخر يوم الثامن والعشرين وتصلي
وتصوم وتغتسل، ويكون اليومان الباقيان طهرا بيقين تفعل فيهما ما تفعله
المستحاضة وتصوم وتصلي، وليس عليها قضاء في اليومين الأولين واليومين
الآخرين في الصوم لأنها طهر بيقين، وتقضي ما عدا ذلك عند الشافعي، وعندنا
تقضي عشرة أيام التي هي أيام حيض فقط.
وكذلك إذا قالت: كنت أخلط ثلاثة أيام من العشر بالعشر، فإنه يكون
طهرها من أول الشهر ثلاثة أيام ومن آخره ثلاثة أيام، ويكون من يوم الرابع إلى
آخر يوم الثالث عشر طهرا مشكوكا فيه، ثم تغتسل وتفعل من أول الرابع عشر
إلى أول الرابع والعشرين ما تفعله المستحاضة، ثم تغتسل في أول الرابع
والعشرين وتفعل ما تفعله المستحاضة إلى آخر يوم السابع والعشرين، ثم تغتسل
في آخره وتفعل ما تفعله المستحاضة إلى آخر الشهر وتصلي وتصوم، وتقضي
الصوم في الأيام المشكوك فيها على مذهب الشافعي، وعندنا تقضي أيام
الحيض لا غير.
وإذا قالت: كنت أخلط أربعة أيام من العشر بالعشر، فإنه يكون من أول
الشهر أربعة أيام طهرا بيقين، ومن آخره مثل ذلك، ويكون من أول يوم الخامس
إلى آخر يوم الرابع عشر طهرا مشكوكا فيه تفعل ما تفعله المستحاضة وتغتسل
في آخره، ثم تفعل ما تفعله المستحاضة من أول يوم الخامس عشر إلى آخر يوم
الرابع والعشرين، ثم تغتسل، ثم تفعل إلى آخر الشهر ما تفعله المستحاضة.
وإن قالت: كنت أخلط خمسة أيام من العشر بالعشر، فإنه يكون خمسة أيام
من أول الشهر طهرا بيقين، ومن آخره مثل ذلك، ومن أول يوم السادس إلى
آخر يوم الخامس عشر طهرا مشكوكا فيه تفعل فيه ما تفعله المستحاضة، ثم
تغتسل وتفعل ما تفعله المستحاضة إلى آخر يوم الخامس والعشرين، ثم تغتسل
وتفعل إلى آخر الشهر ما تفعله المستحاضة وتصوم وتصلي، وتقضي الصوم عند
الشافعي في الأيام المشكوك فيها، وعندنا أيام الحيض لا غير.
206

وإن قالت: كنت أخلط ستة أيام من العشر بالعشر فإنه يحتمل أن يكون أوله
يوم الخامس وآخره يوم الرابع عشر، ويحتمل أن يكون أوله يوم السابع وآخره
يوم السادس عشر، وفي العشر الثاني مثله يحتمل أن يكون أوله أول يوم الخامس
عشر وآخره آخر اليوم الرابع والعشرين، ويحتمل أن يكون أوله أول يوم السابع
عشر وآخره آخر يوم السادس والعشرين، فيحصل لها اليقين بأن أربعة أيام من
أول الشهر طهر بيقين ومن آخره مثل ذلك، ثم تفعل في اليوم الخامس إلى آخر
يوم الرابع عشر ما تفعله المستحاضة، ثم تغتسل لاحتمال انقطاع الدم، ثم تفعل
ما تفعله المستحاضة إلى آخر يوم الرابع والعشرين، ثم تغتسل، ثم تفعل ما تفعله
المستحاضة إلى آخر الشهر، وقضاء الصوم على ما بينا.
وإذا قالت: كنت أخلط سبعة أيام من العشر بالعشر، فإنه يحصل لها اليقين
بثلاثة أيام من أول الشهر طهرا ومن آخره مثل ذلك وفيما بين ذلك على ما بيناه،
وقضاء الصوم على ما مضى القول فيه.
فإن قالت: كنت أخلط ثمانية أيام من العشر بالعشر، فإنه يحصل لها العلم
بطهر يومين من أول الشهر ومن آخره مثل ذلك، وفيما بيناه بحساب ذلك على
ما مضى من الترتيب.
وإن قالت: كنت أخلط تسعة أيام من العشر بالعشر، فإنه يحصل لها العلم
بطهر يوم من أول الشهر ومن آخره، وفيما بين ذلك تفعل على الترتيب الذي
قدمناه تفعل ما تفعله المستحاضة في اليوم الثاني إلى يوم الحادي عشر، ثم
تغتسل في آخره. ثم تفعل ما تفعله المستحاضة إلى يوم الحادي والعشرين، ثم
تغتسل، ثم تفعل ما تفعله المستحاضة إلى آخر الشهر وتصوم وتصلي ولا يكون
عليها قضاء الصوم في اليوم الذي تعلم أنها كانت طاهرا فيه، وتقضي اليوم
المشكوك فيه كونها طاهرا أو طاهرا، وعندنا تقضي أيام الحيض لا غير لما
قدمناه، وفيما تركب من ذلك من النقصان عن عشرة أيام من الحيض وخلطه
بالعشر الآخر بالزيادة والنقصان يكون عليها الترتيب الذي رتبناه، فإن أصول
المسائل هي التي ذكرناها.
207

وإذا قالت: كان حيضي عشرة أيام، وكنت أخلط النصف الأول بالنصف
الأخير من الشهر بيوم ولا أدري أيهما كان، فإنه يحتمل أن يكون حيضها من أول
يوم السابع ويكون آخرها يوم السادس عشر، ويحتمل أن يكون أوله يوم
الخامس عشر وآخره يوم الرابع والعشرين، فيحصل لها العلم بأن ستة أيام من
أول الشهر طهر بيقين ومن آخره مثل ذلك تفعل فيها ما تفعله المستحاضة، ومن
أول يوم السابع إلى آخر يوم الرابع عشر تفعل أيضا ما تفعله المستحاضة، ثم
تغتسل لاحتمال انقطاع دم الحيض عنده، ثم تفعل من أول يوم الخامس عشر
إلى آخر يوم الرابع والعشرين ما تفعله المستحاضة، ثم تغتسل لاحتمال انقطاع
الدم فيه، ثم تفعل ما تفعله المستحاضة إلى آخر الشهر، ثم على هذا التنزيل ما
يتركب من المسائل من نقصان أيام الحيض عن عشرة أيام وزيادة الخلط في
الأيام من النصف بالنصف، فإن أصولها قد ذكرناها من ضبطها وقف على
استخراج ذلك.
وإذا قالت: كان حيضي تسعة أيام ونصف يوم، وكنت أخلط بالنصف
الآخر بيوم كامل والكسر من أوله، فإن هذه تعلم أن اليوم الكامل لا يجوز أن
يكون في النصف الأول، وإنما يكون في النصف الثاني، وإذا وجب أن يكون في
النصف الثاني كان ستة أيام ونصف من أول الشهر طهرا بيقين، وتمام اليوم
السابع إلى آخر يوم السادس عشر حيض بيقين، تعمل فيه ما تعمله الحائض من
ترك الصوم والصلاة، ثم تعمل في بقية الشهر ما تعمله المستحاضة وتصوم
وتصلي، وليس عليها قضاء في الصوم لأنه لا يحتمل أيامها الحيض على كل حال.
ومتى قالت في هذه المسألة بعينها: إن الكسر من الثاني كانت المسألة
بالعكس، فيكون من أول الشهر إلى آخر يوم الرابع عشر طهرا بيقين تعمل فيه ما
تعمله المستحاضة، ومن أول يوم الخامس عشر إلى يوم الثالث والعشرين ونصف
يوم حيضا بيقين تعمل فيه ما تعمله الحائض، وتقضي فيه الصوم وما بعده إلى
آخر الشهر تعمل ما تعمله المستحاضة، وتصلي وتصوم، وليس عليها قضاء لفقد
208

الاحتمال.
وإذا قالت: كان حيضي تسعة أيام ونصفا، وكنت أخلط بعشر آخر بيوم
كامل والكسر من أوله، فإن هذه تعلم أن الكسر لا يكون في العشر الأخير بل
يكون التسعة أيام الآخر من الشهر طهرا كاملا والعشران الأولان يحتمل أن يكون
ابتداء الحيض من النصف الأخير من اليوم الثاني وآخره آخر يوم من الحادي
عشر، ويحتمل أن يكون النصف الأخير من اليوم الثاني عشر وآخره آخر يوم
الحادي والعشرين، ولا يحتمل أن يكون أوله اليوم التاسع كما لا يحتمل كونه
يوم التاسع عشر لكون الكسر في أوله.
فإذا ثبت ذلك، فينبغي أن تعمل ما تعمله المستحاضة في أول الشهر يوما
ونصف، وتصلي وهو طهر بيقين وتصوم الأول وليس عليها فيه الإعادة، وتعمل ما
تعمله المستحاضة من النصف الأخير من اليوم الثاني إلى آخر يوم الحادي عشر،
وتصلي وتصوم، وتقضي الصوم عند الشافعي لأنه مشكوك في طهره، ثم تغتسل
آخر يوم الحادي عشر لاحتمال انقطاع الدم فيه، ثم تعمل ما تعمله المستحاضة
عند كل صلاة إلى آخر يوم الحادي والعشرين وتصلي وتصوم وتقضي الصوم لأنه
طهر مشكوك فيه عنده، وعندنا لا يلزمها قضاء الصوم إلا قدر أيام الحيض، ثم
تغتسل لاحتمال انقطاع الدم فيه، ثم تعمل ما تعمله المستحاضة إلى آخر الشهر
وتصلي وتصوم ولا تقضي الصوم لأنه طهر بيقين بلا خلاف.
وإذا كانت المسألة بحالها إلا أنها قالت: وكان الكسر من العشر الثاني،
كان تسعة أيام من أول الشهر طهرا بيقين تعمل فيها ما تعمله المستحاضة وتصلي
وتصوم، وليس عليها قضاء لأنه لا يحتمل أن يكون حيضا، ثم يحتمل أن يكون
ابتداء الحيض أول يوم العاشر من الشهر، وآخره آخر النصف الأول من التاسع
عشر، ويحتمل أن يكون أوله يوم التاسع عشر وآخره آخر النصف الأول من
التاسع والعشرين ولا يحتمل أن يكون أوله النصف الأخير من الثاني عشر ولا
النصف الأخير من اليوم الثاني لكون الكسر من اليوم الثاني.
209

فإذا ثبت ذلك، فينبغي أن تعمل ما قلناه تسعة أيام، ثم تعمل ما تعمله
المستحاضة إلى آخر النصف الأول من التاسع عشر وتغتسل لاحتمال انقطاع دم
الحيض فيه، ثم تعمل ما تعمله المستحاضة عند كل صلاة إلى آخر النصف الأول
من اليوم التاسع والعشرين وتصلي وتصوم، وكان عليها القضاء على ما قدمناه،
ثم تغتسل لاحتمال انقطاع دم الحيض، ثم تفعل بقية الشهر ما تفعله المستحاضة
عند كل صلاة إلى آخر الشهر، وليس عليها قضاء الصوم لأنه طهر بيقين، ثم على
هذا التنزيل ما يتركب من المسائل فإن أصولها ما ذكرناه، فينبغي أن تضبط
الأصول ويفرع عليها على ما أنهجنا الطريق فيه إن شاء الله.
وإذا قالت: كان حيضي تسعة أيام ونصف وكنت أخلطه بيوم كامل،
وكان الكسر من العشرين، كانت المسألة محالة لأنه إذا كان الكسر في العشرين
لا يختلط بيوم كامل.
وإذا قالت: كان حيضي عشرة أيام ولا أعلم هل كنت أخلط العشر بالعشر
أم لا، فإن هذه ليس لها زمان حيض بيقين، ولا زمان طهر بيقين، لأن حيضها
يمكن أن يكون بعضه من العشر الأول وبعضه من العشر الثاني، ويحتمل أن
يكون بعضه في العشر الثاني وبعضه في العشر الأخير، فإذا كان كذلك عملت
ما تعمله المستحاضة إلى يوم العاشر، ثم تغتسل لكل صلاة بعد ذلك إلى آخر
الشهر لجواز انقطاع الحيض فيه فتغتسل فيه.
وإذا قالت: كنت أحيض عشرة أيام، وكنت أخلط العشر بالعشر بجزء
ولا أدري كان الترتيب في الجزء كالترتيب في اليوم على ما مضى القول فيه.
فينبغي أن يعرف الباب ويبني عليه المسائل. فإنه يمكن من التفريع على هذه
المسائل ما لا يحصى كثرة.
من مسائل التلفيق على مذهبنا:
إذا رأت دم الحيض ثلاثة أيام، ثم رأت يوما نقاء ويوما دما إلى تمام العشرة
وانقطع كان الكل حيضا، لأنا قد بينا أن الصفرة في أيام الحيض حيض وفي أيام
210

الطهر طهر.
فإن جاز ذلك عشرة أيام فإن لها ثلاثة أحوال: إما أن تكون مبتدئة أو تكون
لها عادة أو يكون لها تمييز من غير عادة.
فإن كانت مبتدئة فإنها تدع الصوم والصلاة إذا رأت الدم، وإذا رأت الطهر
صلت وصامت إلى أن يستقر لها عادة بأن يمر لها شهران على ما مضى القول فيه
فترى فيها الدم على حد واحد ووقت واحد فتعمل عليه، وإنما قلنا ذلك لما روي
عنهم عليه السلام من قولهم: كلما رأت الطهر صلت وصامت، وكلما رأت الدم
تركت الصلاة إلى أن يستقر لها عادة.
وإن كانت لها عادة فإنها تجعل أيام عادتها كلها حيضا سواء رأت فيها دما
أسودا أو أحمر أو نقاء وما بعد ذلك يكون طهرا.
فإن لم يكن لها عادة بأن يكون قد نسيتها وكان لها تمييز تركت الصلاة
كلما رأت دم الحيض واغتسلت كلما رأت الطهر، وتراعى بين الحيضتين الطهر
عشرة أيام على ما مضى القول فيه.
وإذا رأت الحيض ثلاثة أيام، ثم رأت الطهر بعد ذلك، ثم عاودها قبل
العشرة أيام كان العشر كلها حيضا، وما يكون قد صامت وصلت فيما بين ذلك
يكون باطلا، ويجب عليها قضاء الصوم والصلاة، ويجوز للزوج وطئها في
الأيام التي ترى فيها الطهر، وإن جوز أن ترى في تمام العشرة أيام حيضا، فإذا
تبين بعد ذلك أن ذلك كان حيضا لم يكن عليه شئ.
ومتى رأت الدم أقل من ثلاثة أيام، ثم رأت بعد ذلك دما يوما ويوما إلى
تمام العشرة أيام، فإنه يكون كله طهرا على مذهب أكثر أصحابنا، وعلى ما رواه
يونس يضاف ما ترى في العشرة بعضها إلى بعض، فإن تم ثلاثة أيام كان الكل
حيضا، وإن لم تتم كان طهرا، وكذلك إذا رأت ساعة دما وساعة طهرا كذلك
عشرة أيام، لم يكن ذلك حيضا على مذهب من يراعي ثلاثة أيام متواليات، ومن
يقول: تضاف الثاني إلى الأول يقول: ينظر فإن كان تتم ثلاثة أيام من جملة
211

العشرة كان الكل حيضا، وإن لم تتم كان طهرا.
إذا رأت ثلاثة أيام دما، ثم انقطع سبعة أيام، ثم رأت ثلاثة أيام وانقطع،
كان الأول حيضا والثاني دم فساد.
فإن رأت أقل من ثلاثة أيام دما، ثم رأت إلى تمام العشرة طهرا، ثم رأت
ثلاثة أيام دم الحيض، كان الثاني دم حيض والأول دم فساد لأن الحيض
لا يكون أقل من ثلاثة أيام.
فإن رأت دما ثلاثة أيام وعشرة أيام طهرا، ثم رأت ثلاثة أيام كان ذلك من
الحيضة الثانية، فإن كان أقل من ثلاثة أيام كان ذلك دم فساد.
والمستحاضة لها ثلاثة أحوال:
حالة ترى الدم القليل، وحده أن لا يرشح على القطنة فعليها تجديد الوضوء
عند كل صلاة وتغيير القطنة والخرقة.
والثانية: أن ترى أكثر من ذلك، وهو أن يرشح الدم على الكرسف ولا
يسيل فعليها غسل لصلاة الغداة وتجديد الوضوء عند كل صلاة فيما بعد مع
تغيير القطن والخرق.
والثالثة: أن يرشح الدم على الكرسف ويسيل، فعليها ثلاثة أغسال في اليوم
والليلة: غسل لصلاة الظهر والعصر تجمع بينهما، وغسل للمغرب والعشاء
الآخرة تؤخر المغرب وتقدم العشاء الآخرة، وغسل لصلاة الليل وصلاة الغداة
تؤخر صلاة الليل إلى قرب الفجر وتصلي الفجر في أول الوقت، فإن لم تصل
صلاة الليل اغتسلت لصلاة الفجر.
وإذا فعلت المستحاضة ما يجب عليها من الأغسال وتجديد الوضوء لم يحرم
عليها شئ مما يحرم على الحائض ويجوز لزوجها وطؤها، ومتى صامت لم
يجب عليها القضاء إلا في أيام الحيض، وإن لم تفعل ما يجب عليها وصامت فقد
روى أصحابنا أن عليها القضاء ولا يجوز للمستحاضة أن تجمع بين فرضين
بوضوء واحد.
212

وأما من به سلس البول فيجوز له أن يصلى بوضوء واحد صلوات كثيرة لأنه
لا دليل على تجديد الوضوء عليه، وحمله على الاستحاضة قياس لا نقول به، وإنما
يجب عليه أن يشد رأس الإحليل بقطن، ويجعله في كيس أو خرقة، ويحتاط في
ذلك.
وإذا انقطع دم الاستحاضة في خلال الصلاة مضت في صلاتها ولم يلزمها
الاستئناف، ولا إعادة عليها لأنه لا دليل عليه، وإذا كان دمها متصلا فتوضأت. ثم
انقطع دمها قبل أن تدخل في الصلاة استأنفت الوضوء، وإن لم تفعل وصلت لم
تصح صلاتها سواء عاد إليها الدم قبل الفراع أو بعد الفراع، وعلى كل حال،
لأن دم الاستحاضة حدث فإذا انقطع وجب منه الوضوء.
وإذا توضأت المستحاضة قبل دخول الوقت لم يصح وضوءها، وإن
توضأت بعد دخول الوقت وصلت عقيبه كانت صلاتها ماضية، وإذا توضأت في
أول الوقت وصلت في آخر الوقت لم تصح صلاتها لأن المأخوذ عليها أن تتوضأ
عند الصلاة، وذلك يقتضي أن يتعقب الصلاة الوضوء فلا يتأخر عنه على حال،
وإذا توضأت المستحاضة للفرض جاز أن تصلي معه ما شاءت من النوافل لأنه
لا مانع فيه.
والجرح الذي لا يندمل ولا ينقطع دمه معفو عنه، ولا يجب شده عند كل
صلاة، وحمله على الاستحاضة قياس لا نقول به، وكذلك القول في سلس البول
على ما قلناه.
فصل: في ذكر النفاس وأحكامه
النفاس عبارة عن الدم الخارج من فرج المرأة عند الولادة، وهو مأخوذ من
النفس الذي هو الدم، وكل دم يخرج قبل الولادة لا يكون نفاسا لأن ذلك
لا يكون إلا مع الولادة أو بعده، وسواء كانت الولادة للتمام أو للنقصان أو
للإسقاط، وإذا لم يكن نفاسا لا يكون أيضا حيضا لأنا قد بينا أن الحامل المستبين
213

حملها لا ترى دم الحيض، ومتى ولدت يخرج منها دم لم يتعلق بها حكم
النفاس.
ويتعلق بالنفاس جميع ما يتعلق بالحيض على السواء من المحرمات و
المكروهات وكيفية الغسل لا يختلف حكمها، وأكثر النفاس عند أكثر أصحابنا
مثل أكثر الحيض عشرة أيام، وعند قوم منهم يكون ثمانية عشر يوما، وما زاد
عليه لا خلاف بينهم أن حكمه حكم دم الاستحاضة، فأما قليله فلا حد له لأنه يجوز
أن يكون لحظة ثم ينقطع فيجب على المرأة الغسل له.
وإذا ولدت ولدين، وخرج معهما جميعا الدم كان أول النفاس من الولد
الأول وتستوفى أكثر النفاس من وقت الولادة الأخيرة لأن اسم النفاس يتناولهما.
وإذا رأت دما ساعة، ثم انقطع، ثم عاد قبل خروجها من العشر كانت الأيام
كلها نفاسا، وإن لم يعاودها حتى يجوز عشرة أيام طهرا كان ذلك من دم
الحيض، ولا يكون من النفاس لأنه قد مضى بعد انقطاع دم النفاس طهر كامل
أقل ما يكون وهو عشرة أيام، ويمكن أن يكون بعده حيض.
والحيض لا يتعقب النفاس بلا طهر بينهما بل لا بد من أقل الطهر بينهما
وهو عشرة أيام، لأن ما روي من أن أقل الطهر عشرة أيام عام في النفاس
والحيض فوجب حمله على عمومه.
فإن رأت الدم بعد مضي طهر عقيب النفاس أقل من ثلاثة أيام، لم يكن
ذلك دم حيض لأن الحيض لا يكون أقل من ثلاثة أيام بل يكون دم فساد.
إذا كانت امرأة تحيض عشرة أيام، وتطهر عشرين يوما في كل شهر، ثم
ولدت ورأت عشرة أيام نفاسا وشهرا طهرا، ثم رأت الدم واتصل بها، لم تبطل
بذلك عادتها بل ترجع إلى العادة التي كانت لها قبل الولادة من اعتبار الحيض
والطهر.
214

نزهة الناظر
في الجمع بين الأشباه والنظائر
تأليف
المحقق يحيى بن سعيد الحلي
215

كتاب الطهارة
فصل
[معنى العبادة]
العبادات كل فعل مشروع لا يجزئ فيه إلا بنية التعظيم والتذلل لله
تعالى.
وحدها الشيخ محمود بن عمر الخوارزمي في كتاب الحدود بأنها: نهاية
التعظيم والتذلل لمن يستحق ذلك بأفعال ورد بها الشرع على وجوه مخصوصة
أو ما يجري مجراها على وجوه مخصوصة.
ومعنى قوله: " وما يجري مجراها " الإخلال بالقبائح، وهذا الحد الذي
ذكره شامل به.
وأما الشيوخ أصحاب أبي هاشم فإنهم حدوها بأنها: نهاية الخضوع
والتذلل للغير بأفعال موضوعة لها.
وهذا الحد الذي ذكره الشيوخ ينتقض بعبادات مخالفي الإسلام، فإنها
لا تسمى عبادة في شرعنا وإذن اختصت بما ذكروه.
217

فصل
[أقسام العبادة]
قال شيخنا السعيد أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي قدس الله روحه:
عبادات الشرع خمس: الصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد.
وقال الشيخ أبو جعفر محمد بن علي الطوسي المتأخر رضي الله عنه في
الوسيلة: عبادات الشرع عشر أصناف، أضاف إلى هذه الخمس: غسل الجنابة
والخمس والاعتكاف والعمرة والرباط.
وقال الشيخ أبو يعلى سلار: العبادات ست، أسقط الجهاد من الخمس الأول
وأضاف إليها الطهارة والاعتكاف.
وقال الشيخ أبو الصلاح: العبادات عشر، أسقط الجهاد أيضا من الخمس
الأول وأضاف إليها الوفاء بالنذور والعهود والوعود، وبر الأيمان، وتأدية الأمانة
والخروج من الحقوق، والوصايا، وأحكام الجنائز، والإخلال بالقبيح.
أقول: إن العبادات كثيرة، والذي قد حصرت منها خمس وأربعين قسما
وهي:
الطهارة وضوءا كان أو غسلا، وإزالة النجاسات عن البدن والثياب،
والصلاة، والزكاة، والصوم، والحج وما يتبعه، والجهاد، والخمس، والاعتكاف،
والعمرة، والرباطة، والوفاء بما عقد عليه من النذر والعهد واليمين، وتأدية الأمانة،
والخروج من الحقوق، والوصايا، وزيارة النبي صلى الله عليه وآله، والأئمة عليهم السلام
، وزيارة المؤمنين، وتلاوة القرآن، و الدعاء، وما جرى مجراه من التسبيح
وغيره من أحكام الجنائز قبل الموت وبعده، والسجود، والسلام على المؤمنين،
ورد السلام عليهم، وصلتهم في المجالسة، والسعي في حوائجهم، والاشتغال
بالعلوم العربية إذا قصد بها الاجتهاد في الأحكام الشرعية، وصحة التلفظ
بالدعاء، والقضاء بين الناس، والفتوى إذا كان من أهلها.
218

وانتظار الصلاة قبل دخول وقتها، فقد روي في باب الصلاة من كتاب
التهذيب عن النبي صلى الله عليه وآله " إنه كنز من كنوز الجنة ".
والصبر، وانتظار الفرج، والتوكل على الله، وكتمان المرض، وكظم
الغيظ، والعفو عن الناس، والاكتساب للعيال، والعتق، والتدبير، والمكاتبة،
والوقف، والحبس، والعمرى، والرقبى إذا قصد بها التقرب إلى الله تعالى.
فصل
[في موجبات الوضوء]
يوجب الوضوء ستة عشر شيئا:
الحيض، والاستحاضة، والنفاس، ومس الأموات من الناس بعد بردهم
بالموت وقبل تطهيرهم بالغسل، وانقطاع دم المستحاضة إذا وجب بها الوضوء
دون الغسل، والبول، والغائط إذا خرجا من الموضع المعتاد، والريح، والنوم
الغالب على السمع والبصر، وما يزيل العقل، والتميز، والشك في الوضوء قبل
القيام عن محله والاشتغال في فعل غيره، والشك في الوضوء إذا تيقن الحدث
وتيقن الوضوء والحدث معا ولم يعلم السابق منهما، والنذر لوضوء مندوب،
وكذلك العهد واليمين.
وقال الشيخ أبو جعفر الطوسي في التهذيب: وقال قوم من أصحابنا من
أصحاب الحديث: يجب الوضوء من المذي إذا كان عن شهوة، واستدل بما رواه
الصفار عن أحمد بن محمد بن عيس، عن الحسن بن علي بن يقطين، عن أخيه
الحسين، عن أبيه علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن موسى عليه السلام عن
المذي: أينقض الوضوء؟ قال: إن كان عن شهوة نقض.
والصحيح حمل هذا الخبر على الاستحباب، لأن الإمامية مجمعون على
ترك العمل بمقتضاه، وقد رجع الشيخ في سائر كتبه كما ذكره في التهذيب.
فإن قيل: ما ذكرتم من الشك وتيقن الوضوء والحدث معا يدخل فيما تقدم
219

من الأحداث، فلا حاجة إلى ذكرها قسما آخر.
قلنا: لا نسلم ذلك لأنا لا نعلم يقينا أن حدثه باق، بل بالشك وتيقن الوضوء
والحدث معا، وعدم العلم بتقدير السابق منهما يوجب الوضوء.
فصل
[في الوضوءات المستحبة]
الوضوءات المستحبة تسعة وثلاثون وضوءا:
الوضوء على الوضوء، ووضوء الحائض إذا جلست في مصلاها تذكر الله
تعالى، ووضوء النوم لمن لا غسل عليه، ووضوء النوم لمن عليه الغسل، والوضوء
إذا توجه في حاجة، والوضوء المطلق، والوضوء للصلاة قبل دخول وقتها،
والوضوء للنوافل، والوضوء مضافا إلى غسل الجنابة لخبر صحيح وهو مذهب
الشيخ أبي جعفر في التهذيب.
والوضوء إذا أراد الجماع قبل أن يغتسل لأنه لا يؤمن أنه إذا جامع قبل أن
يغتسل أو يتوضأ إذا حملت من ذلك الجماع أن يجئ الولد مجنونا.
والوضوء لمن أراد أن يجامع زوجته وهي حامل لأنه لا يؤمن إذا جامع قبل
الوضوء أن يجئ الولد أعمى القلب بخيل اليد.
والوضوء للطواف المسنون، والوضوء للسعي، والوضوء للوقوف
بالمشعر، والوضوء للوقوف بعرفات، والوضوء لرمي الجمار، وقال البصروي:
لا يجوز أن يرمي إلا على وضوء.
والوضوء للتلبية، والوضوء لدخول المساجد، والوضوء عند دخول الرجل
بزوجته مستحب للرجل والمرأة معا، والوضوء إذا قدم من سفره قبل الدخول
على أهله، فقد قال الصادق عليه السلام: من قدم من سفر فدخل على أهله وهو
على غير وضوء فرأى ما يكره فلا يلومن إلا نفسه، رواه أبو جعفر بن بابويه في
كتاب المقنع.
220

ووضوء الحاكم إذا جلس للقضاء بين الناس، والوضوء لمن غسل ميتا إذا
أراد تكفينه قبل أن يغتسل، والوضوء لمن كان جنبا إذا أراد تغسيل الميت، وبه
قال الشيخ أبو جعفر محمد بن بابويه في كتاب من لا يحضره الفقيه، ورواه - في
باب الزيادات من التهذيب - محمد بن أحمد بن يحيى عن إبراهيم بن هاشم عن
نوح بن شعيب عن هشام بن عبد ربه عن أبي عبد الله عليه السلام.
والوضوء لمن أراد أن يدخل الميت القبر جاء به خبر صحيح، والوضوء
لمن أراد أن يجامع زوجته وقد غسل ميتا، وبه قال الشيخ أبو جعفر بن بابويه في
كتاب من لا يحضره الفقيه وفي كتاب المقنع.
ووضوء الميت مضافا إلى غسله على ما قال بعض أصحابنا، ومنهم من قال
بوجوبه، وهو الصحيح جاءت به أخبار من جملتها خبر صحيح السند.
والوضوء لقراءة القرآن، والوضوء لمس المصحف، والوضوء لمس كتابة
المصحف، وقال الشيخ أبو جعفر في التهذيب بوجوبه، وهو قوي.
والوضوء من المذي بالخبر الصحيح المتقدم الذي رواه علي بن يقطين،
ولخبر آخر رواه الحسين بن سعيد عن محمد بن إسماعيل عن أبي الحسن موسى
عليه السلام قال: سألته عن المذي، فأمرني بالوضوء منه.
والوضوء قبل الأكل، والوضوء بعد الأكل، فقد روي: أنهما يذهبان الفقر،
جاءت الأخبار بالوضوء وألفاظ الشارع تحمل على الحقائق الشرعية.
وإذا وطئ الرجل جاريته ثم أراد وطء جارية أخرى قبل أن يغتسل توضأ،
على ما رواه - في التهذيب في باب زيادات النكاح - محمد بن أحمد بن يحيى
عن يعقوب عن ابن نجران عمن رواه عن أبي عبد الله عليه السلام.
والوضوء إذا أراد أن يكتب شيئا من القرآن على ما روي، والوضوء من
مصافحة المجوس على ما روي، والوضوء من القئ، والوضوء من الرعاف
السائل، والوضوء من التخليل الذي يسيل منه الدم، وهذه الثلاثة مذهب الشيخ
في الاستبصار، وجاء بها خبران صحيحان.
221

وإعادة الوضوء إذا توضأ وكان قد نسي الاستنجاء، وهو مذهب الشيخ أبي
جعفر في التهذيب، وورد بها خبران صحيحان، وخبر آخر رواه عمار الساباطي.
والوضوء لما خرج من الذكر بعد الاستبراء على ما رواه محمد بن عيسى،
وهو مذهب الشيخ في التهذيب.
والوضوء إذا أراد أن يأخذ حصى الجمار على ما ذكره محمد بن محمد
البصروي في كتابه المعروف بالمفيد، ثم قال بعد ذلك: لا يجوز أن يرمي الجمار
إلا على وضوء.
فصل
[في موجبات الغسل]
يجب الغسل في اثنين وعشرين موضعا:
الغسل عند التقاء الختانين سواء كان معه إنزال أو لم يكن، والغسل عند
الوطء في الدبر إذا كان معه إنزال بلا خلاف، وإن لم يكن معه إنزال فلا يجب
الغسل لأن الأصل براءة الذمة، وهو مذهب الشيخ أبي جعفر الطوسي، وقد روى
ذلك أحمد بن محمد عن البرقي، رفعه عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا أتى
الرجل المرأة في دبرها فلم ينزل فلا غسل عليهما وإن أنزل فعليه الغسل ولا
غسل عليها، وقال السيد المرتضى وجماعة من أصحابنا واختاره ابن إدريس:
يجب الغسل سواء أنزل أو لم ينزل.
والغسل عند إنزال الماء الدافق بشهوة أو غير شهوة في حال الصحة من
المرض.
والغسل عند إنزال الماء بشهوة وإن لم يكن معه دفق إذا كان مريضا.
والغسل عند وجود البلل عقيب غسل وجب بإنزال الماء الدافق لا بالتقاء
الختانين وإن لم يكن البلل بدفق ولا بشهوة إذا لم يبل ولم يجتهد قبل الغسل،
وإن كان قد بال واجتهد فلا غسل عليه.
222

والغسل عند وجود المني على ثوب لم يشاركه فيه غيره سواء قام من
موضعه أو لم يقم بلا خلاف.
والغسل عند وجود المني على ثوب يشاركه فيه غيره إذا وجده قبل القيام
من موضعه، فإن وجده بعد القيام من موضعه لم يجب عليه الغسل، وقال
المرتضى في الانتصار وابن إدريس في السرائر في هذا القسم: لا يجب عليه الغسل
سواء قام من موضعه أو لم يقم.
وغسل الحائض إذا طهرت، وغسل النفساء إذا طهرت، وغسل
المستحاضة قبل انقطاع الدم إذا ثقب الكرسف ولم يسل، وأغسال المستحاضة
الثلاثة قبل انقطاع دمها إذا ثقب الكرسف وسأل، وغسل المستحاضة إذا انقطع
عنها دم الاستحاضة إذا كان الدم ثقب الكرسف.
وغسل الميت إذا كان مؤمنا، وغسل مس الميت من الناس بعد برده
بالموت وقبل تطهيره بالغسل.
وغسل من وجب عليه القود، وغسل من وجب عليه الرجم، وغسل من
وجب عليه الصلب، وما وجب من الأغسال المسنونة بالنذر أو العهد أو اليمين.
فصل
[في الأغسال المسنونة]
الأغسال المسنونة خمسة وأربعون غسلا:
غسل يوم الجمعة، وليلة النصف من رجب، ويوم النصف منه، وليلة
النصف من شعبان، وأول ليلة من شهر رمضان، وكذلك كل ليلة مفردة منه على
ما ذكره الشيخ أبو جعفر في المصباح، فمن ذلك غسل ثالث ليلة منه وخامس
ليلة منه، وسابع ليلة منه، وتاسع ليلة منه، وحادية عشرة ليلة منه، وثالث عشرة
ليلة منه، وخامس عشرة ليلة منه، وسابع عشرة ليلة منه، وتاسع عشرة ليلة منه،
وليلة إحدى وعشرين منه.
223

وغسلان في ليلة ثلاث وعشرين منه: غسل في أول الليل وغسل في آخرها،
روي خبر في التهذيب أن الصادق عليه السلام فعل ذلك. وفي التهذيب في
كتاب الصلاة في باب عمل رمضان إن النبي صلى الله عليه وآله اغتسل ليلة تسع
عشرة وليلة إحدى وعشرين وليلة ثلاث وعشرين حين غابت الشمس، وصلى
المغرب وصلى أربع ركعات.
وغسل ليلة أربع وعشرين منه، وليلة خمس وعشرين منه، وليلة سبع
وعشرين منه، وليلة تسع وعشرين منه. وقد ذكر ذلك الشيخ محمد بن علي بن
قرة في كتاب عمل شهر رمضان عن الصادق عليه السلام.
وغسل ليلة الفطر ويومها، ويوم التروية، ويوم عرفة، ويوم الأضحى، ويوم
الغدير، ويوم المباهلة وهو اليوم الرابع والعشرين من ذي الحجة.
وغسل الإحرام، وغسل دخول الحرم، وغسل دخول مكة، وغسل دخول
الكعبة، وغسل دخول المدينة، وغسل دخول مسجد النبي صلى الله عليه وآله، وغسل زيارة النبي صلى الله عليه وآله
، وغسل زيارة الأئمة عليه السلام
، وغسل من قتل وزغة، وغسل من سعى إلى مصلوب بعد ثلاثة أيام ليراه،
وغسل التوبة، وغسل المولود، وغسل قاضي صلاة الكسوف إذا احترق القرص
كله وتركها متعمدا. وقال سلار بوجوبه.
وغسل صلاة الحاجة، وغسل صلاة الاستخارة.
وقد روي أنه إذا أراد أن يغسل الميت استحب له أن يغتسل قبل تغسيله،
وكذلك إذا أراد تكفينه.
وألحق المفيد قدس الله روحه في الرسالة استحباب الغسل لرمي الجمار
فقال: فليغتسل لرمي الجمار، فإن منعه مانع فليتوضأ.
224

فصل
[مواضع يجوز فيها التيمم]
يجوز التيمم في ثمانية عشر موضعا:
إذا تضيق وقت الصلاة ولم يجد المكلف الماء مع الطلب له. وقال الشيخ
أبو الحسن علي بن بابويه في الرسالة: إنه يجوز في أول الوقت.
وإذا وجده وليس معه ثمنه، وإذا وجده ومعه ثمنه لكنه يضر به خروجه في
الحال، وإذا فقد آلة الماء، وإذا كان مريضا وخاف من استعماله التلف أو زيادة
المرض، وإذا خاف من استعماله على نفسه أو ماله من سبع أو لص، وإذا كان
معه ماء متى استعمله أضر به العطش.
وإذا احتلم في مسجد النبي صلى الله عليه وآله تيمم للخروج سواء كان
واجدا للماء في المسجد أو غير واجد، وكذلك إذا احتلم في المسجد الحرام.
وإذا أحدث في زحام يوم الجمعة أو يوم عرفة ولم يتمكن من الخروج تيمم
وصلى وأعاد الصلاة، على ما رواه السكوني وذكره الشيخ في النهاية والشيخ أبو
جعفر ابن بابويه في من لا يحضره الفقيه، إلا أنه قال: ولم يعد ذلك إذا انصرف،
وقال الفقيه محمد بن إدريس: لا يجوز ذلك.
وإذا أراد الصلاة على الجنازة وهو محدث تيمم استحبابا، وإذا أراد النوم
وثقل عليه الوضوء للنوم تيمم من فراشه استحبابا، وإذا كان الميت محترقا أو
مجدورا وخيف من تغسيله تقطيع جلده بملاقاة الماء وجب أن ييمم، والميت إذا
لم يوجد الماء لتغسيله وجب أن يتيمم، وإذا منع البرد الشديد الغاسل من تغسيله
ولم يكن هناك نار يسخن بها الماء وجب أن يتيمم.
وإذا مات الرجل بين نساء لا رحم له فيهن في موضع ليس فيه رجال تيممه
النساء، فإن كان فيهن ذات رحم غسلته من وراء الثياب يصب عليه الماء صبا،
وإذا ماتت المرأة بين الرجال ولا رحم لها فيهم في موضع ليس فيه نساء ييممها
الرجال. وروي أنهم يغسلون منها محاسنها ويديها ووجهها، فإن كان لها فيهم ذو
225

رحم غسلها من وراء الثياب يصب عليها الماء صبا.
فصل
[في النجاسات]
يحصل التنجيس باثنين وعشرين شيئا:
المسكر على اختلافه، خمرا كان أو نبيذا أو بتعا أو مزرا، وقال الشيخ أبو
الحسن علي بن بابويه في الرسالة، وابنه الشيخ أبو جعفر محمد بن علي في كتاب
من لا يحضره الفقيه وفي كتاب المقنع، والحسن بن أبي عقيل في كتاب
المتمسك: ولا بأس بأن يصلي في ثوب أصابه خمر لأن الله تعالى حرم شربها
ولم يحرم الصلاة في ثوب أصابته، وهذا القول خلاف الإجماع. وقد روي عدة
أخبار ضعيفة وروي ما يعارضها.
والفقاع، ومباشرة الكافر رطبا، والكلب والخنزير كذلك، وعرق الكلب
والخنزير والكافر وما يخرج من أفواههم وأعينهم ومناخرهم وأجسادهم من
الدمع والبصاق واللعاب والمخاط والقيح وغير ذلك، والمني من كل حيوان،
ومباشرة الميتة رطبة كانت أو يابسة من غير الآدمي إذا كانت لها نفس سائلة،
وكذلك إن كانت من الآدمي قبل تطهيره بالغسل، وعذرة ما لا يؤكل لحمه
وبوله وذرقه سواء كان محرما بالأصل أو محرما بالجلل.
وعرق الإبل الجلالة وغيرها من الحيوانات، وبه قال الشيخ أبو جعفر في
النهاية ومعظم كتبه وجماعة من أصحابنا، يدل على ذلك ما رواه أبو القاسم
جعفر بن محمد عن محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن
علي بن الحكم عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا تأكلوا من
لحوم الجلالة وإن أصابك من عرقها فاغسله، وروى مثل ذلك حفص بن
البختري عن أبي عبد الله عليه السلام.
والدم على اختلافه عدا دم البق والبراغيث والسمك وكل ما لا نفس له
226

سائلة، وارتماس الجنب في البئر ينجسها، على أصح القولين لخبر صحيح يلزم
منه تنجيسها، رواه محمد بن يعقوب عن محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان
عن صفوان بن يحيى عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام.
واشتباه الماء الطاهر بالماء النجس في الإنائين، ولولا النص والإجماع لجاز
القرعة فيهما.
وقد ألحق الشيخ أبو جعفر بذلك عرق الجنابة من الحرام، وإليه ذهب
المفيد في المقنعة ورجع عنه في الرسالة إلى ولده. وألحق أيضا لبن الصبية معتمدا
على ما رواه السكوني وهو عامي، وأيضا فليس فيما رواه دليل، وألحق أيضا
الوزغة والعقرب، وقال في الأول من المبسوط والأول من الاستبصار: إن إراقة
ما وقعا فيه مستحبة واستعماله مكروه، وألحق أيضا ذرق الدجاج مطلقا من غير
تقييد بالجلل، وقيده شيخنا رحمه الله بالجلل، والصحيح أن هذه الأحكام الملحقة
محمولة على الكراهية وأن الغسل منها مستحب لأني لم أقف على شئ من الأخبار
يتضمن التنجيس، والأمر بالغسل ليس دليل فيه.
فصل
[في المطهرات]
المطهرات خمسة عشر شيئا:
الماء يطهر كلما ورد الشرع بغسله.
والنار تطهر كلما يكون في القدر من اللحم والتوابل والمرق إذا كانت تغلي
ووقع فيها مقدار أوقية دم أو أقل، للخبر الصحيح، وبه قال الشيخ أبو جعفر في
الثاني من النهاية وغيره من كتبه، وإليه ذهب جماعة من أصحابنا، وقال محمد بن
إدريس: لا تطهر.
والعصير إذا صار أسفله أعلاه ولو بحرارته نجس وحرم شربه، فإذا غلى
بالنار وذهب ثلثاه وبقى ثلثه طهر وحل شربه.
227

واللبن والجرار والكيزان وما أشبه ذلك إذا عمل من طين نجس وفخر،
وكلما تحيله النار من الأشياء النجسة إذا صار رمادا.
والأرض تطهر الخف والنعل من النجاسة.
والتراب يطهر إناء ولوع الكلب مضافا إلى الماء في المرة الأولى، جاء به
حديث صحيح يلزم منه ذلك، وهو مذهب الشيخ أبي جعفر الطوسي وأكثر
أصحابنا، وقال شيخنا المفيد: في المرة الثانية.
والحجر، والمدر، والخزف، والخشب، والخرق تطهر موضع الاستنجاء إذا
لم يتعد الغائط المخرج، فإن تعدى فلا بد من غسله بالماء، ويستحب أيضا أن
يضاف إلى الماء قبل استعماله الأحجار.
والشمس تطهر الأرض والبواري إذا أصابها الماء النجس أو البول النجس
وطلعت عليها الشمس وجففتها، وأما الحصر فلم أقف على خبر بهذا الحكم فيها
إلا من طريق العموم، وهو ما رواه أبو بكر الحضرمي عن أبي عبد الله عليه السلام
أنه قال: كلما أشرقت عليه الشمس فقد طهر.
واستحالة الخمر خلا.
ونزح الماء من البئر النجسة كله أو بعضه في الموضع الذي يجب فيه نزح
الكل أو البعض.
واجتماع المياه النجسة في موضع واحد مع بلوغها كرا، وهو قول السيد
المرتضى وعبد العزيز بن البراج رضي الله عنهما، وهو ضعيف.
والإيمان يطهر الكافر إذا أسلم، واستبراء الجلال من الجلل على قول.
228

تبصرة المتعلمين
في أحكام الدين
للشيخ جمال الدين أبي منصور الحسن بن سديد الدين
يوسف بن زين الدين علي بن محمد مطهر الحلي المشتهر بالعلامة الحلي
والعلامة على الإطلاق
647 - 726 ه‍. ق
229

كتاب الطهارة
وفيه أبواب:
الباب الأول: في المياه:
الماء ضربان: مطلق ومضاف، فالمطلق ما يستحق إطلاق اسم الماء عليه
ولا يمكن سلبه عنه، والمضاف بخلافه. فالمطلق طاهر مطهر.
وباعتبار وقوع النجاسة فيه ينقسم أقساما:
الأول: الجاري، كمياه الأنهار، ولا ينجس لما يقع فيه من النجاسة ما لم يتغير
لونه أو طعمه أو ريحه بها، فإن تغير نجس المتغير خاصة دون ما قبله وبعده.
وحكم ماء الغيث حال نزوله، وماء الحمام إذا كانت له مادة حكمه.
الثاني: الواقف، كمياه الحياض والأواني إن كان مقداره كرا - حده ألف
ومائتا رطل بالعراقي، أو كان كل واحد من طوله وعرضه وعمقه ثلاثة أشبار
ونصفا بشبر مستوي الخلقة - لم ينجس بوقوع النجاسة فيه ما لم تغير أحد
أوصافه، فإن غيرته نجس، ويطهر بإلقاء كر عليه دفعة حتى يزول تغيره.
وإن كان أقل من كر نجس بوقوع النجاسة فيه - وإن لم تغير أحد
أوصافه - ويطهر بإلقاء الكر دفعة عليه.
الثالث: ماء البئر، إن تغير بوقوع النجاسة فيه نجس، وطهر بزوال التغير
بالنزح، وإلا فهو على أصل الطهارة.
231

وجماعة من أصحابنا حكموا بنجاستها بوقوع النجاسة فيها - وإن لم يتغير
ماؤها - وأوجبوا نزح الجميع بوقوع المسكر أو الفقاع أو المني أو دم الحيض
أو الاستحاضة أو النفاس فيها أو موت بعير فيها. فإن تعذر تراوح أربعة رجال
عليها مثنى يوما، ونزح كر لموت الحمار والبقرة وشبههما، ونزح سبعين [دلوا]
لموت الإنسان، وخمسين للعذرة الذائبة والدم الكثير - غير الدماء الثلاثة -
وأربعين لموت الكلب والسنور والخنزير والثعلب والأرنب وبول الرجل، ونزح
عشرة للعذرة اليابسة وللدم القليل، وسبع لموت الطير والفأرة - إذا تفسخت أو
انتفخت - وبول الصبي واغتسال الجنب وخروج الكلب منها حيا، وخمس لذرق
الدجاج، وثلاثة للفأرة والحية، ودلو للعصفور وشبهه وبول الرضيع.
وعندي أن ذلك - أي كلها - مستحب.
الرابع: أسار الحيوان، كلها طاهرة إلا الكلب والخنزير والكافر.
وأما المضاف، فهو المعتصر من الأجسام، أو الممتزج بها مزجا يسلبه
الإطلاق كماء الورد والمرق، وهو ينجس بكل ما يقع فيه من النجاسة، سواء
كان قليلا أو كثيرا.
ولا يجوز رفع الحدث به ولا الخبث وإن كان طاهرا.
مسائل:
الأولى: الماء المستعمل في رفع الحدث طاهر مطهر.
الثانية: المستعمل في إزالة النجاسة نجس، سواء تغير بالنجاسة أو لم يتغير،
عدا ماء الاستنجاء.
الثالثة: غسالة الحمام نجسة ما لم يعلم خلوها من النجاسة.
الرابعة: الماء النجس لا يجوز استعماله في الطهارة، ولا إزالة النجاسة، ولا
الشرب إلا مع الضرورة.
232

الباب الثاني: في الوضوء:
وفيه فصول:
الفصل الأول: في موجبه:
إنما يجب بخروج البول والغائط والريح من المعتاد والنوم الغالب على السمع
والبصر وما في معناه والاستحاضة القليلة الدم، ولا يجب بغير ذلك.
الفصل الثاني: في آداب الخلوة:
ويجب ستر العورة على طالب الحدث، ويحرم عليه استقبال القبلة
واستدبارها في الصحاري والبنيان.
ويستحب له تقديم اليسرى عند الدخول إلى الخلاء واليمنى عند الخروج،
وتغطية الرأس، والتسمية، والاستبراء والدعاء عند الدخول والخروج،
والاستنجاء، والفراع، والجمع بين الأحجار والماء.
ويكره الجلوس في الشوارع، والمشارع، ومواضع اللعن، وتحت الأشجار
المثمرة، وفئ النزال، واستقبال الشمس والقمر، والبول في الأرض الصلبة،
ومواطن الهوام، وفي الماء، واستقبال الريح به، والأكل، والشرب، والسواك،
والكلام - إلا بذكر الله تعالى أو للضرورة - والاستنجاء باليمين، وباليسار وفيها
خاتم عليه اسم الله تعالى أو أنبيائه عليهم السلام أو أحد الأئمة عليه السلام.
ويجب عليه الاستنجاء، وهو غسل مخرج البول معه خاصة، وغسل مخرج
الغائط مع التعدي، وبدونه يجزئ ثلاثة أحجار طاهرة، أو ثلاث خرق.
الفصل الثالث: في كيفيته:
ويجب فيه سبعة أشياء:
النية مقارنة لغسل الوجه أو لغسل اليدين المستحب، واستدامتها حكما حتى
233

يفرع.
وغسل الوجه من قصاص شعر الرأس إلى محادر شعر الذقن طولا، وما
اشتملت عليه الإبهام والوسطى.
وغسل اليدين من المرفقين إلى أطراف الأصابع، ولو عكس لم يجز.
ومسح بشرة مقدم الرأس أو شعره بالبلل من غير استئناف ماء جديد، بأقل ما
يقع عليه اسم المسح.
ومسح بشرة الرجلين من رؤوس الأصابع إلى الكعبين، ويجوز منكوسا.
والترتيب على ما قلناه.
والموالاة وهي متابعة الأفعال بعضها لبعض من غير تأخير.
ويستحب فيه غسل اليدين قبل إدخالهما الإناء مرة من حدث النوم والبول
ومرتين من الغائط وثلاثا من الجنابة، ووضع الإناء على اليمين، والاغتراف بها،
والتسمية والمضمضة والاستنشاق ثلاثا، وتثنية الغسلات، ووضع الماء في غسل
اليدين على ظهر الذراعين والمرأة على باطنهما، وبالعكس في الثانية، والدعاء عند
كل فعل.
ويكره التمندل والاستعانة، ويحرم التولية.
مسائل:
الأولى: لا يجوز للمحدث مس كتابة القرآن.
الثانية: لو تيقن الحدث وشك في الطهارة تطهر، وبالعكس لا يجب
الطهارة.
الثالثة: لو شك في شئ من أفعال الوضوء وهو على حاله أتى به وبما بعده،
ولو انصرف لم يلتفت.
234

الباب الثالث: في الغسل:
ويجب بالجنابة والحيض والاستحاضة والنفاس ومس الأموات - بعد
بردهم وقبل تطهيرهم بالغسل - وللموت. ويستحب لما يأتي.
فهاهنا فصول:
الفصل الأول: في الجنابة:
وهي تحصل بإنزال الماء مطلقا، وبالجماع في الفرج حتى تغيب الحشفة
- سواء القبل والدبر - وإن لم ينزل، ويجب فيه الغسل.
والواجب فيه: النية عند غسل اليدين أو الرأس مستدامة الحكم، واستيعاب
الجسد بالغسل، وتخليل ما لا يصل إليه الماء إلا به، والبدأة بالرأس ثم بالجانب
الأيمن ثم الأيسر.
ويسقط الترتيب مع الارتماس.
ويستحب فيه: الاستبراء بالبول أو الاجتهاد، والمضمضة والاستنشاق،
والغسل بصاع فما زاد، وتخليل ما يصل إليه الماء.
ويحرم عليه قبل الغسل: قراءة العزائم، ومس كتابة القرآن، أو شئ عليه
اسمه تعالى، أو أسماء أنبيائه أو أحد الأئمة عليهم السلام، ودخول المساجد إلا
اجتيازا - إلا المسجد الحرام ومسجد الرسول عليه السلام - ووضع شئ فيها.
ويكره: قراءة ما زاد على سبع آيات، ومس المصحف، والأكل، والشرب
إلا بعد المضمضة والاستنشاق، والنوم إلا بعد الوضوء، والخضاب.
ولو أحدث في أثناء الغسل أعاد.
الفصل الثاني: في الحيض:
وهو في الأغلب دم أسود غليظ يخرج بحرقة وحرارة.
وما تراه بعد خمسين سنة - إن لم تكن قرشية ولا نبطية - أو بعد ستين سنة
- إن كانت أحدهما - أو قبل تسع سنين مطلقا فليس بحيض.
235

وأقله ثلاثة أيام متواليات، وأكثره عشرة أيام، وما بينهما بحسب العادة.
ولو تجاوز الدم العشرة، فإن كانت المرأة ذات عادة مستقرة رجعت إليها،
وإن كانت مبتدئة أو مضطربة ولها تميز عملت عليه، ولو فقدته رجعت المبتدئة
إلى عادة أهلها، فإن فقدن فإلى أقرانها، فإن فقدن أو كن مختلفات تحيضت في
كل شهر سبعة أيام، أو ثلاثة من الأول وعشرة من الثاني، والمضطربة تحيض
بالسبعة أو الثلاثة والعشرة في الشهرين.
ويحرم عليها: دخول المساجد - إلا اجتيازا، عدا المسجدين - وقراءة
العزائم ومس كتابة القرآن.
ويحرم على زوجها وطؤها، ولو وطأ عزر وكفر مستحبا.
ولا ينعقد لها صلاة ولا صوم ولا طهارة رافعة للحدث ولا طواف ولا
اعتكاف، ولا يصح طلاقها، ولا يجب عليها قضاء الصلاة، ويجب قضاء الصوم.
ويكره لها: قراءة ما عدا العزائم ومس المصحف وحمله والخضاب والوطء
قبل الغسل والاستمتاع منها بما بين السرة والركبة.
ويستحب لها: الوضوء لكل صلاة فريضة والجلوس في مصلاها ذاكرة
بقدر صلاتها.
الفصل الثالث: في الاستحاضة:
وهو في الأغلب دم أصفر بارد رقيق تراه بعد أيام الحيض، أو أيام النفاس أو
بعد اليأس.
فإن كان الدم قليلا - وهو أن يظهر على القطنة ولا يغمسها - وجب عليها
تغيير القطنة وتجديد الوضوء لكل صلاة، وإن كان كثيرا - وهو أن يغمس القطنة
ولا يسيل - وجب عليها مع ذلك تغيير الخرقة والغسل لصلاة الغداة، وإن كان
أكثر منه - وهو أن يسيل - وجب عليها مع ذلك غسلان: غسل للظهر والعصر
تجمع بينهما وغسل للمغرب والعشاء تجمع بينهما. وغسلها كغسل الحائض.
236

وإذا فعلت ما قلناه صارت بحكم الطاهر.
الفصل الرابع: في النفاس:
وهو الدم الذي تراه عقيب الولادة أو معها، ولا حد لأقله، وأكثره عشرة
أيام، وحكمها حكم الحائض في جميع الأحكام.
الفصل الخامس: في غسل الأموات:
ومباحثه خمسة:
الأول: الاحتضار:
يجب فيه استقبال الميت بالقبلة بأن يلقى على ظهره ويجعل وجهه وباطن
رجليه إليها.
ويستحب تلقينه الشهادتين، والإقرار بالأئمة عليهم السلام، وكلمات الفرج،
وقراءة القرآن، وتغميض عينيه، وإطباق فيه، ومد يديه، وإعلام المؤمنين،
وتعجيل أمره إلا مع الاشتباه.
ويكره أن يحضره جنب أو حائض، أو يجعل على بطنه حديد.
الثاني: الغسل:
ويجب تغسيله ثلاث مرات: الأولى بماء السدر، والثانية بماء الكافور،
والثالثة القراح، كغسل الجنابة.
ولو خيف تناثر لحمه يمم.
ويستحب وقوف الغاسل على يمينه، وغمز بطنه في الغسلتين الأولتين،
والذكر، والاستغفار، وإرسال الماء إلى حفيرة، وتغسيله تحت سقف، و استقبال
القبلة به، وغسل رأسه وجسده برغوة السدر، وفرجه بالأشنان، وأن يوضأ.
ويكره إقعاده وقص أظفاره وترجيل شعره.
237

الثالث: التكفين:
ويجب تكفينه في ثلاثة أثواب: مئزر وقميص وإزار، ومساس مساجده بالكافور.
ويستحب أن يزاد الرجل حبرة غير مطرزة بالذهب، وخرقة لفخذيه،
وعمامة يعمم بها محنكا، وتزاد المرأة لفافة أخرى لثدييها ونمطا، وتعوض عن
العمامة بقناع.
والتكفين بالقطن، وتطييبه بالذريرة، وجريدتان من النخل، وأن يكتب على
اللفافة والقميص والإزار والجريدتين اسمه وأنه يشهد الشهادتين، و [أسماء]) الأئمة
عليه السلام، وأن يكون الكافور ثلاثة عشر درهما وثلثا.
ويكره التكفين في السواد، وجعل الكافور في سمعه وبصره، وتجمير
الأكفان.
الرابع: الصلاة عليه:
وهي تجب على كل ميت مسلم أو بحكمه - ممن بلغ ست سنين من
أولادهم - ذكرا كان أو أنثى، حرا أو عبدا.
وتستحب على من نقص سنه عن ذلك.
وأولاهم بالصلاة عليه أولاهم بالميراث، والزوج أولى من غيره، والهاشمي
أحق إذا قدمه الولي - ويستحب له تقديمه مع الشرائط - والإمام أولى من غيره،
ووجوبها على الكفاية.
وكيفيتها: أن يكبر بعد النية خمسا بينها أدعية، أفضلها أن يكبر ويتشهد
الشهادتين، ثم يصلى على النبي وآله عليهم السلام بعد الثانية، ثم يدعو للمؤمنين
بعد الثالثة، ثم يدعو للميت إن كان مؤمنا وعليه إن كان منافقا وبدعاء
المستضعفين إن كان منهم في الرابعة، ولو كان طفلا سأل الله تعالى أن يجعله
لأبويه فرطا، وإن لم يعرفه سأل الله تعالى أن يحشره مع من يتولاه، ثم يكبر
238

الخامسة وينصرف - بعد رفع الجنازة - ولا قراءة فيها ولا تسليم.
ويستحب فيها الطهارة وليست شرطا.
مسائل:
الأولى: لا يصلى عليه إلا بعد تغسيله وتكفينه.
الثانية: يكره الصلاة على الجنازة مرتين.
الثالثة: لو لم يصل على الميت صلي على قبره يوما وليلة.
الرابعة: يستحب أن يقف الإمام عند وسط الرجل وصدر المرأة، ولو اتفقا
جعل الرجل مما يليه.
الخامسة: يجب أن يجعل رأس الميت عن يمين المصلي.
الخامس: الدفن:
والواجب ستره في الأرض عن الهوام والسباع، وطم رائحته عن الناس على
جانبه الأيمن موجها إلى القبلة.
ويستحب اتباع الجنازة، أو مع أحد جانبيها وتربيعها، ووضعها عند القبر
- إن كان رجلا - وقدامه مما يلي القبلة - إن كان امرأة - وأخذ الرجل من رأسه
والمرأة عرضا، وحفر القبر قدر قامة أو إلى الترقوة، واللحد أفضل من الشق بقدر
ما يجلس فيه الجالس، والذكر عند تناوله وعند وضعه في اللحد، والتحفي، وحل
الأزرار، وكشف الرأس، وحل عقد الأكفان، ووضع خده على التراب، ووضع
شئ من التربة معه، وتلقينه الشهادتين والإقرار بالأئمة، وشرج اللبن، والخروج
من قبل رجليه، وإهالة الحاضرين التراب بظهور الأكف، وطم القبر، وتربيعه،
وصب الماء عليه دورا، ووضع اليد عليه، والترحم، وتلقين الولي بعد الانصراف.
ويكره نزول ذي الرحم، وإهالته التراب، وفرش القبر بالساج من غير
حاجة، وتجصيصه وتجديده ودفن ميتين في قبر واحد، ونقله إلى غير المشاهد.
239

والميت في البحر يثقل ويرمى فيه.
ولا يدفن في مقبرة المسلمين غيرهم، إلا الذمية الحامل من المسلم فيستدبر
بها القبلة.
مسائل:
الأولى: الشهيد لا يغسل ولا يكفن بل يصلى عليه وهو في ثيابه.
الثانية: صدر الميت كالميت في أحكامه، وغيره إن كان فيه عظم غسل
وكفن ودفن، وكذا السقط لأربعة أشهر، وإلا دفن بعد لفه في خرقه، وكذا السقط
لدون أربعة.
الثالثة: يؤخذ الكفن من أصل التركة قبل الديون، وكفن المرأة على زوجها
وإن كانت موسرة.
الرابعة: الحرام كالحلال إلا في الكافور فلا يقربه.
الخامسة: من مس ميتا من الناس - بعد برده بالموت وقبل تطهيره بالغسل -
أو مس قطعة منه فيها عظم قطعت من حي أو ميت وجب عليه الغسل، ولو خلت
القطعة من عظم أو كان الميت من غير الناس غسل يده خاصة.
الفصل السادس: في الأغسال المسنونة:
وهي: غسل يوم الجمعة - ووقته من طلوع الفجر إلى الزوال - وأول ليلة من
رمضان، وليلة النصف منه، وسبع عشرة، وتسع عشرة، وإحدى وعشرين،
وثلاث وعشرين، وليلة الفطر، ويومي العيدين، وليلة نصف رجب، وليلة نصف
شعبان، ويوم المبعث، والغدير، والمباهلة، وغسل الإحرام، وزيارة النبي والأئمة
عليهم السلام، وقضاء الكسوف مع الترك عمدا واحتراق القرص كله، وغسل
التوبة، وصلاة الحاجة، والاستخارة، ودخول الحرم، والمسجد الحرام، والكعبة،
والمدينة، ومسجد النبي عليه السلام، وغسل المولود.
240

الباب الرابع: في التيمم:
ويجب عند فقد الماء أو تعذر استعماله لمرض أو برد أو خوف عطش أو
عدم آلة يتوصل بها إليه أو ثمن يضر في الحال، ولو لم يضره وجب وإن كثر.
ويجب الطلب غلوة سهم في الحزنة وسهمين في السهلة من جوانبه الأربع.
ولو كان عليه نجاسة ولا يفضل الماء عن إزالتها تيمم وأزالها به.
ولا يصح إلا بالتراب الخالص، ويجوز بأرض النورة والجص والحجر.
ويكره بالسبخة والرمل، ولو لم يجد إلا الوحل تيمم به.
وكيفية: أن يضرب بيديه على الأرض ناويا وينفضهما ويمسح بهما وجهه
- من قصاص العشر إلى طرف الأنف - ثم يمسح ظهر كفه الأيمن ببطن الأيسر،
ثم ظهر الأيسر ببطن الأيمن من الزند إلى طرف الأصابع.
ولو كان بدلا من الغسل ضرب ضربتين: ضربة للوجه وأخرى لليدين.
ويجب الترتيب.
وينقضه كل نواقض الطهارة، ويزيد [عليها] وجود الماء مع التمكن من
استعماله، ولو وجده قبل شروع الصلاة تطهر، ولو وجده في الأثناء أتم صلاته،
ولا يعيد ما صلى بتيممه.
ولا يجوز قبل دخول الوقت، ويجوز مع الضيق، وفي حال السعة قولان.
الباب الخامس: في النجاسات:
وهي عشرة: البول والغائط مما لا يؤكل لحمه من ذي النفس السائلة،
والمني من ذي النفس السائلة مطلقا، وكذا الميتة والدم منه، والكلب والخنزير،
والكافر، والمسكر، والفقاع.
ويجب إزالتها عن الثوب والبدن للصلاة - عدا ما نقص عن الدرهم البغلي
من الدم، غير الدماء الثلاثة ودم نجس العين.
وعفي عن دم القروح والجروح مع السيلان ومشقة الإزالة، وعن نجاسة ما
241

لا تتم الصلاة فيه كالتكة والجورب والقلنسوة.
ويكفي المربية للصبي إذا لم يكن لها إلا ثوب واحد غسله في اليوم مرة
واحدة.
ويجب إزالة النجاسة مع علم موضعها، ولو جهل غسل جميع الثوب، ولو
اشتبه الثوب بغيره صلى في كل واحد منهما مرة، ولو لم يتمكن من غسل الثوب
صلى عريانا إذا لم يجد غيره، ولو خاف البرد صلى فيه ولا إعادة، ولو صلى في
النجس مع العلم أعاد في الوقت وخارجه، ولو نسي حالة الصلاة أعاد في الوقت،
ولو لم يتقدم العلم حتى فرع فلا إعادة.
وتطهر الشمس ما تجففه من البول وغيره على الأرض والأبنية والحصر
والبواري. والأرض باطن الخف.
ولو نجس الإناء وجب غسله، فيغسل من ولوع الكلب ثلاثا أولاهن
بالتراب، ومن الخنزير سبعا، ومن الخمر والفأرة ثلاثا والسبع أفضل، ومن غير
ذلك مرة والثلاث أفضل.
ويحرم استعمال أواني الذهب والفضة في الأكل وغيره، ويكره المفضض،
وأواني المشركين طاهرة ما لم يعلم مباشرتهم لها برطوبة.
242

إرشاد الأذهان
للشيخ جمال الدين أبي منصور الحسن بن سديد الدين يوسف بن زين الدين
علي بن محمد مطهر الحلي المشتهر بالعلامة الحلي والعلامة على الإطلاق
647 - 726 ه‍. ق
243

كتاب الطهارة
والنظر في أقسامها وأسبابها وما تحصل به وتوابعها:
الأول: في أقسامها:
وهي: وضوء وغسل وتيمم. وكل منها: واجب، وندب.
فالوضوء: يجب: للصلاة والطواف الواجبين، ومس كتابة القرآن إن
وجب.
ويستحب: لمندوبي الأولين ودخول المساجد وقراءة القرآن وحمل
المصحف وللنوم صلاة الجنائز والسعي في حاجة وزيارة المقابر ونوم الجنب
وجماع المحتلم وذكر الحائض والتجديد والكون على طهارة.
والغسل يجب: لما وجب له الوضوء، ولدخول المساجد وقراءة العزائم إن
وجبا، ولصوم الجنب، والمستحاضة مع غمس القطنة.
ويستحب: للجمعة، وأول ليلة من شهر رمضان، وليلة نصفه، وسبع عشرة،
وتسع عشرة، وإحدى وعشرين، وثلاث وعشرين، وليلة الفطر، ويومي العيدين،
وليلة نصف رجب وشعبان، ويوم المبعث، والغدير، والمباهلة، وعرفة، وغسل
الإحرام، والطواف، وزيارة النبي والأئمة عليهم السلام وقضاء الكسوف للتارك
عمدا مع استيعاب الاحتراق، والمولود، وللسعي إلى رؤية المصلوب بعد ثلاثة،
245

وللتوبة، وصلاة الحاجة والاستخارة، ودخول الحرم، والمسجد الحرام، ومكة،
والكعبة، والمدينة، ومسجد النبي عليه السلام، ولا تتداخل.
التيمم يجب: للصلاة والطواف الواجبين، ولخروج الجنب من المسجدين.
والندب ما عداه، وقد تجب الثلاثة بالنذر وشبهه.
النظر الثاني: في أسباب الوضوء وكيفيته:
إنما يجب الوضوء من: البول، والغائط، والريح - من المعتاد - والنوم
الغالب على الحاستين، والجنون، والإغماء، والسكر، والاستحاضة القليلة لا
غير.
ويجب على المتخلي: ستر العورة، وعدم استقبال القبلة واستدبارها في
الصحاري والبنيان، وغسل موضع البول بالماء خاصة، وكذا مخرج الغائط مع
التعدي حتى تزول العين، والأثر، ويتخير مع عدمه بين ثلاثة أحجار طاهرة
وشبهها مزيلة للعين وبين الماء، ولو لم ينق بالثلاثة وجب الزائد، ولو نقي بالأقل
وجب الإكمال، وتكفي ذو الجهات الثلاث.
ويستحب: تقديم اليسرى دخولا واليمنى خروجا، وتغطية الرأس،
والاستبراء والدعاء دخولا وخروجا وعند الاستنجاء والفراع منه، والجمع بين
الماء والأحجار.
ويكره: الجلوس في المشارع، والشوارع، وفئ النزال، وتحت المثمرة
ومواضع اللعن، واستقبال النيرين والريح بالبول، والبول في الصلبة، وثقوب
الحيوان، وفي الماء، والأكل والشرب، والسواك، والاستنجاء باليمين، وباليسار
وفيها خاتم عليه اسم الله تعالى وأنبيائه وأئمته عليهم السلام والكلام بغير الذكر
والحاجة وآية الكرسي.
ويجب في الوضوء: النية، وهي: إرادة الفعل لوجوبه أو ندبه متقربا، وفي
وجوب رفع الحدث أو الاستباحة قولان، واستدامتها حكما إلى الفراع، فلو نوى
246

التبرد خاصة أو ضم الرياء بطل، بخلاف ما لو ضم التبرد، ويقارن بها غسل
اليدين، وتتضيق عند غسل الوجه.
وغسل الوجه بما يسمى غسلا من قصاص شعر الرأس إلى محادر شعر
الذقن طولا، وما دارت عليه الإبهام والوسطى عرضا من مستوي الخلقة، وغيره
يحال عليه. ولا يجزئ منكوسا، ولا يجب تخليل اللحية وإن خفت أو كانت
للمرأة.
وغسل اليدين من المرفقين إلى أطراف الأصابع، ويدخل المرفقين في
الغسل ولو نكس بطل.
ولو كان له يد زائدة وجب غسلها، وكذا اللحم الزائد تحت المرفق
والإصبع الزائدة، ومقطوع اليد يغسل الباقي، ويسقط لو قطعت من المرفق.
ومسح بشرة مقدم الرأس أو شعره المختص به بأقل اسمه، ولا يجزئ
الغسل عنه، ويستحب المسح مقبلا، ولا يجوز على حائل كعمامة وغيرها.
ومسح بشرة الرجلين بأقل اسمه من رؤوس الأصابع إلى الكعبين، وهما:
مجمع القدم وأصل الساق، ويجوز منكوسا كالرأس، ولا يجوز على حائل
كخف وغيره اختيارا، ويجوز للتقية والضرورة، ولو غسل مختارا بطل وضوؤه.
ويجب مسح الرأس والرجلين ببقية نداوة الوضوء، فإن استأنف ماء جديدا
بطل وضوؤه، فإن جف أخذ من لحيته وأشفار عينيه ومسح به، فإن جفت بطل.
ويجب الترتيب: يبدأ بغسل الوجه، ثم اليد اليمنى، ثم اليسرى، ثم يمسح
الرأس، ثم الرجلين ولا ترتيب فيهما.
وتجب الموالاة، وهي: المتابعة اختيارا، فإن أخر فجف المتقدم استأنف.
وذو الجبيرة ينزعها أو يكرر الماء حتى يصل البشرة إن تمكن، وإلا مسح
عليها.
وصاحب السلس يتوضأ لكل صلاة، وكذا المبطون.
ويستحب: وضع الإناء على اليمين، والاغتراف بها، والتسمية، وتثنية
247

الغسلات، والدعاء عند كل فعل، وغسل اليدين قبل إدخالهما الإناء مرة من
النوم والبول ومرتين من الغائط وثلاثا من الجنابة والمضمضة والاستنشاق وبدأة
الرجل بظاهر ذراعيه في الأولى، وبباطنهما في الثانية عكس المرأة، والتوضؤ بمد.
وتكره: الاستعانة، والتمندل. وتحرم التولية اختيارا.
ويجب الوضوء وجميع الطهارات بماء مطلق طاهر، مملوك أو مباح.
ولو تيقن الحدث وشك في الطهارة، أو تيقنهما وشك في المتأخر، أو شك
في شئ منه وهو على حاله أعاد.
ولو تيقن الطهارة وشك في الحدث، أو شك في شئ منه بعد الانصراف
لم يلتفت.
ولو جدد ندبا، ثم ذكر بعد الصلاة إخلال عضو جهل تعينه، أعاد الطهارة
والصلاة، وإلا مع ندبية الطهارتين، ولو تعددت الصلاة أيضا، أعاد الطهارة
والصلاتين.
ولو تطهر وصلى وأحدث، ثم تطهر وصلى، ثم ذكر إخلال عضو مجهول،
أعاد الصلاتين بعد الطهارة إن اختلفتا عددا، وإلا فالعدد.
النظر الثالث: في أسباب الغسل:
إنما يجب: بالجنابة والحيض والاستحاضة والنفاس، ومس الأموات من
الناس بعد بردهم بالموت وقبل الغسل، وغسل الأموات. وكل الأغسال لا بد
معها من الوضوء إلا الجنابة.
فهاهنا مقاصد:
المقصد الأول: في الجنابة:
وهي تحصل للرجل والمرأة: بإنزال المني مطلقا، وبالجماع في قبل المرأة
حتى تغيب الحشفة، وفي دبر الآدمي كذلك وإن لم ينزل.
ولو اشتبه المني اعتبر: بالشهوة والدفق وفتور الجسد، وفي المريض لا يعتبر
248

الدفق.
ولو وجد على جسده أو ثوبه المختص به منيا، وجب الغسل، ولا يجب في
المشترك.
ويحرم عليه: قراءة العزائم، وأبعاضها، ومس كتابة القرآن، أو شئ عليه
مكتوب اسمه أو أسماء أنبيائه وأئمته عليهم السلام، واللبث في المساجد، ووضع
شئ فيها، والاجتياز في المسجدين.
ويكره: الأكل والشرب إلا بعد المضمضة والاستنشاق، ومس المصحف،
والنوم إلا بعد الوضوء، والخضاب، وقراءة ما زاد على سبع آيات، وتشتد
الكراهية بما زاد على سبعين.
ويجب عليه الغسل، ويجب فيه: النية عند الشروع مستدامة الحكم حتى
يفرع، وغسل بشرة جميع الجسد بأقله، وتخليل ما لا يصل إليه الماء إلا به.
والترتيب: يبدأ بالرأس، ثم الجانب الأيمن، ثم الأيسر، إلا في الارتماس.
ويستحب: الاستبراء، فإن وجد بللا مشتبها بعده لم يلتفت، وبدونه يعيد
الغسل، وإمرار اليد على الجسد، وتخليل ما يصل إليه الماء، والمضمضة،
والاستنشاق، والغسل بصاع.
وتحرم التولية، وتكره الاستعانة، ولو أحدث في أثنائه بما يوجب الوضوء
أعاده.
المقصد الثاني: في الحيض:
وهو في الأغلب: أسود، حار، يخرج بحرقة من الأيسر.
فإن اشتبه بالعذرة، فإن خرجت القطنة مطوقة فهو عذرة، وإلا فحيض.
وما قبل التسع ومن الأيمن، وبعد اليأس، وأقل من ثلاثة متوالية، والزائد
عن أكثره وأكثر النفاس، فليس بحيض.
وتيأس غير القرشية والنبطية ببلوغ خمسين، وإحديهما بستين.
249

وأقله ثلاثة أيام متواليات، وأكثره عشرة هي أقل الطهر، وما بينهما بحسب
العادة، وتستقر بشهرين متفقين عددا ووقتا.
والصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض، كما أن الأسود الحار في أيام
الطهر فساد.
ولو تجاوز الدم عشرة، رجعت ذات العادة المستقرة إليها، وذات التمييز
إليه، فإن فقدا رجعت المبتدئة إلى عادة أهلها، فإن اختلفن أو فقدن رجعت إلى
أقرانها، فإن اختلفن أو فقدن تحيضت في كل شهر بسبعة أيام أو بثلاثة من شهر
وعشرة من آخر، والمضطربة بالسبعة أو الثلاثة والعشرة.
ولو ذكرت أول الحيض أكملته ثلاثة، ولو ذكرت آخره فهو نهايتها، وتعمل
في باقي الزمان ما تعمله المستحاضة، وتغتسل لانقطاع الحيض في كل وقت
محتمل، وتقضي صوم أحد عشر.
ولو ذكرت العدد خاصة عملت في كل وقت ما تعمله المستحاضة،
وتغتسل للحيض في كل وقت يحتمل الانقطاع، وتقضي صوم عادتها.
هذا إن نقص العدد عن نصف الزمان أو ساواه، ولو زاد فالزائد وضعفه
حيض، كالخامس والسادس لو كان العدد ستة في العشرة.
وكل دم يمكن أن يكون حيضا، فهو حيض.
ولو رأت ثلاثة وانقطع، ثم رأت العاشر خاصة، فالعشرة حيض.
ويجب عليها الاستبراء عند الانقطاع لدون العشرة، فإن خرجت القطنة نقية
فطاهر، وإلا صبرت المعتادة يومين ثم تغتسل وتصوم، فإن انقطع على العاشر
قضت ما صامت، وإلا فلا، والمبتدئة تصبر حتى تنقى أو تمضي عشرة.
وقد تتقدم العادة وتتأخر، ولو رأت العادة والطرفين، أو أحدهما ولم يتجاوز
فالجميع حيض، وإلا فالعادة.
ويجب الغسل عند الانقطاع كغسل الجنابة، ويحرم عليها كل مشروط
بالطهارة كالصلاة والطواف ومس كتابة القرآن، ولا يصح منها الصوم ولا يصح
250

طلاقها مع الدخول وحضور الزوج أو حكمه.
ويحرم: اللبث في المسجد، وقراءة العزائم فتسجد لو تلت أو استمعت.
ويحرم على زوجها وطؤها فيعزر ويستحب الكفارة في أوله بدينار، وفي
أوسطه بنصفه، وفي آخره بربعه.
ويكره: بعد انقطاعه قبل الغسل، والخضاب وحمل المصحف، ولمس
هامشه، والجواز في المساجد، وقراءة غير العزائم، والاستمتاع منها بما بين السرة
والركبة.
ويستحب أن تتوضأ عند كل صلاة: وتجلس في مصلاها ذاكرة.
ويجب عليها قضاء الصوم دون الصلاة.
المقصد الثالث: في الاستحاضة والنفاس:
دم الاستحاضة في الأغلب: أصفر، بارد، رقيق، يخرج بفتور.
والناقص عن ثلاثة مما ليس بقرح ولا جرح والزائد عن العادة مع تجاوز
العشرة وعن أيام النفاس ومع اليأس، استحاضة.
فإن كان الدم لا يغمس القطنة وجب الوضوء لكل صلاة وتغيير القطنة، وإن
غمسها وجب مع ذلك تغيير الخرقة والغسل لصلاة الغداة، وإن سأل وجب مع
ذلك غسل للظهر والعصر تجمع بينهما وغسل للمغرب والعشاء وهي مع ذلك
بحكم الطاهر.
ولو أخلت بالأغسال لم يصح الصوم، ولو أخلت بالوضوء أو الغسل لم
تصح صلاتها، وغسلها كالحائض، ولا تجمع بين صلاتين بوضوء.
وأما النفاس فدم الولادة معها أو بعدها لا قبلها، ولا حد لأقله، وأكثره عشرة
أيام للمبتدئة والمضطربة.
أما ذات العادة المستقرة في الحيض، فأيامها وحكمها كالحائض في كل
الأحكام، إلا الأقل.
251

ولو تراخت ولادة أحد التوأمين فعدد أيامها من الثاني وابتداؤه من الأول،
ولو رأت يوم العاشر فهو النفاس، ولو رأته والأول فالعشرة نفاس.
المقصد الرابع: في غسل الأموات:
وهو فرض على الكفاية - وكذا باقي أحكامه - لكل ميت مسلم، عدا
الخوارج والغلاة، ويغسل المخالف غسله.
ويجب عند الاحتضار توجيهه إلى القبلة على ظهره، بحيث لو جلس كان
مستقبلا.
ويستحب: التلقين بالشهادتين، والإقرار بالأئمة عليهم السلام، وكلمات
الفرج، ونقله إلى مصلاه، والتغميض، وإطباق فيه، ومد يديه، وتغطيته بثوب،
والتعجيل إلا المشتبه.
ويكره: طرح الحديد على بطنه، وحضور الجنب والحائض عنده.
وأولى الناس بغسله أولاهم بميراثه، والزوج أولى في كل أحكام الميت،
ويغسل كل من الرجل والمرأة مثله، ويجوز لكل من الزوجين تغسيل الآخر
اختيارا، ويغسل الخنثى المشكل محارمه من وراء الثياب، ويغسل الأجنبي بنت
ثلاث سنين مجردة، وكذا المرأة، وتأمر الأجنبية مع فقد المسلم وذات الرحم
الكافر بالغسل، ثم يغسل المسلم غسله، وكذا الأجنبي.
ويجب: إزالة النجاسة أولا، ثم تغسيله بماء السدر كالجنابة، ثم بماء الكافور
كذلك، ثم بالقراح كذلك، فإن فقد السدر والكافور غسل ثلاثا بالقراح، ولو
خيف تناثر جلده يمم.
ويستحب: وضعه على ساجة، مستقبل القبلة، تحت الظلال، ووقوف
الغاسل على يمينه، وغمز بطنه في الأولتين إلا الحامل، والذكر، وصب الماء إلى
حفيرة، وتليين أصابعه برفق، وغسل فرجه بالحرض والسدر، ورأسه بالرغوة
أولا، وتكرار كل عضو ثلاثا، وأن يوضأ، وتنشيفه بثوب.
252

ويكره: إقعاده، وقص أظفاره، وترجيل شعره.
فإذا فرع من غسله وجب: أن يكفنه في ثلاثة أثواب: مئزر وقميص وإزار
بغير الحرير، وأن يمسح مساجده بالكافور بأقله، إلا المحرم، ويدفن بغير كافور
لو تعذر.
ويستحب: أن يكون ثلاثة عشر درهما وثلثا، واغتسال الغاسل قبل التكفين
أو الوضوء، وزيادة حبرة غير مطرزة بالذهب للرجل وخرقة لفخذيه، ويعمم
بعمامة محنكا، وتزاد المرأة لفافة أخرى لثدييها ونمطا وقناعا عوض العمامة،
والذريرة، والجريدتان من النخل، وإلا فمن السدر، وإلا فمن الخلاف، وإلا فمن
شجر رطب، وكتبة اسمه، وكونه يشهد الشهادتين، والإقرار بالأئمة عليهم السلام
على اللفافة والقميص والإزار والجريدتين بالتربة، وسحق الكافور باليد، وجعل
فاضله على صدره، وخياطة الكفن بخيوطه، والتكفين بالقطن.
ويكره: الكتان والأكمام المبتدأة، والكتبة بالسواد، وجعل كافور في سمعه
وبصره، وتجمير الأكفان.
وكفن المرأة الواجب على زوجها وإن كانت موسرة.
ويقدم الكفن من الأصل، ثم الدين، ثم الوصية من الثلث، والباقي ميراث.
ويستحب للمسلمين بذل الكفن لو فقد.
ولو خرج منه نجاسة بعد التكفين غسلت من جسده وكفنه، ولو أصابت
الكفن بعد وضعه في القبر قرضت.
ويجب أن يطرح معه في الكفن ما يسقط من جسمه وشعره.
والشهيد يصلى عليه من غير غسل ولا كفن، بل يدفن بثيابه.
وصدر الميت كالميت في جميع أحكامه، وذات العظم والسقط لأربعة
كذلك، إلا في الصلاة، والخالية تلف في خرقة وتدفن، وكذا السقط لأقل من
أربعة.
ويؤمر من وجب قتله بالاغتسال أولا، ثم لا يغسل.
253

ومن مس ميتا من الناس بعد برده بالموت وقبل تطهيره بالغسل، أو مس
قطعة ذات عظم أبينت منه أو من حي وجب عليه الغسل. ولو خلت من عظم، أو
كان الميت من غير الناس غسل يده خاصة.
النظر الرابع: في أسباب التيمم وكيفيته:
يجب التيمم لما تجب له الطهارتان، وإنما يجب: عند فقد الماء، أو تعذر
استعماله للمرض، أو البرد، أو الشين، أو خوف العطش، أو اللص، أو السبع، أو
ضياع المال، أو عدم الآلة، أو عدم الثمن.
ولو وجده وخاف الضرر بدفعه جاز التيمم، ولو وجده بثمن لا يضره في
الحال وجب الشراء وإن زاد عن ثمن المثل على إشكال، وكذا الآلة.
ولو فقده وجب الطلب غلوة سهم في الحزنة من كل جانب، وسهمين في
السهلة.
ولو وجد ماء لا يكفيه للطهارة تيمم، ولو وجد ما يكفيه لإزالة النجاسة
خاصة أزالها وتيمم.
ولا يصح إلا بالأرض: كالتراب، وأرض النورة، والجص، وتراب القبر،
والمستعمل.
ولا يصح: بالمعادن، والرماد، والأشنان، والدقيق، والمغصوب، والنجس.
ويجوز بالوحل مع عدم التراب، وبالحجر معه، ويكره بالسبخة والرمل
ولو فقده تيمم بغبار ثوبه ولبد سرجه وعرف دابته، والأولى تأخيره إلى آخر وقت
الصلاة إلا لعارض لا يرجى زواله.
ويجب فيه: النية للفعل لوجوبه أو ندبه متقربا - ولا يجوز رفع الحدث،
ويجوز الاستباحة مستدامة الحكم - ثم يضرب يديه على التراب ثم يمسح بهما
جبهته من القصاص إلى طرف الأنف الأعلى، ثم يمسح ظهر كفه اليمنى من الزند
إلى أطراف الأصابع ببطن اليسرى، ثم ظهر اليسرى ببطن اليمنى.
254

وإن كان التيمم بدلا من الغسل ضرب للوجه ضربة، ولليدين أخرى.
ويجب الترتيب والاستيعاب، ولا يشترط فيه ولا في الوضوء طهارة غير
محل الفرض من العينية.
ولو أخل بالطلب ثم وجد الماء مع أصحابه أو في رحله أعاد، ولو عدم
الماء والتراب سقطت أداء وقضاء.
وينقضه كل نواقض الطهارة، ويزيد وجود الماء مع تمكنه من استعماله،
فإن وجده قبل دخوله تطهر، وإن وجده وقد تلبس بالتكبير أتم.
ويستباح به كل ما يستباح بالمائية، ولا يعيد ما صلى به.
ويخص الجنب بالماء المباح أو المبذول، ويتيمم المحدث والميت.
ولو أحدث المجنب المتيمم أعاد بدلا من الغسل وإن كان أصغر.
ويجوز التيمم مع وجود الماء للجنازة، ولا يدخل به في غيرها.
النظر الخامس: فيما به تحصل الطهارة:
أما الترابية فقد بيناها، وأما المائية فبالماء المطلق لا غير، وكذا إزالة النجاسة.
والمطلق: ما يصدق عليه إطلاق الاسم من غير قيد، والمضاف بخلافه، وهما
في الأصل طاهران، فإن لاقتهما نجاسة فأقسامهما أربعة:
الأول: المضاف كالمعتصر من الأجسام كماء الورد، والممتزج بها مزجا
يسلبه الإطلاق كالمرق، وهو ينجس بكل ما يقع فيه من النجاسة، قليلا كان أو
كثيرا.
الثاني: الجاري من المطلق، ولا ينجس إلا بتغير لونه أو طعمه أو رائحته
بالنجاسة، فإن تغير نجس المتغير خاصة، ويطهر بتدافع الماء الطاهر عليه حتى
يزول التغير.
وماء الحمام إذا كانت له مادة من كر فصاعدا، وماء الغيث حال تقاطره
كالجاري.
255

الثالث: الواقف كمياه الحياض والأواني والغدران، إن كان قدرها كرا - هو
ألف ومائتا رطل بالعراقي، أو ما حواه ثلاثة أشبار ونصف طولا في عرض في
عمق بشبر مستوي الخلقة - لم ينجس إلا بتغير أحد أوصافه الثلاثة بالنجاسة، فإن
تغير نجس أجمع إن كان كرا، ويطهر بإلقاء كر عليه دفعة فكر حتى يزول
التغيير.
وإن كان أكثر فالمتغير خاصة إن كان الباقي كرا، ويطهر بإلقاء كر عليه
دفعة فكر حتى يزول التغير، أو بتموجه حتى يستهلكه الطاهر.
وإن كان أقل من كر نجس بجميع ما يلاقيه من النجاسة وإن لم يتغير
وصفه، ويطهر بإلقاء كر طاهر عليه دفعة.
الرابع: ماء البئر إن تغير بالنجاسة نجس، ويطهر بالنزح حتى يزول التغيير،
وإن لم يتغير لم ينجس.
وأكثر أصحابنا حكموا بالنجاسة، وأوجبوا نزح الجميع: في موت البعير،
ووقع المني ودم الحيض والاستحاضة، والنفاس، والمسكر، والفقاع، فإن تعذر
لكثرته تراوح عليها أربعة رجال يوما.
ونزح كر: في موت الحمار، والبقرة وشبههما.
ونزح سبعين دلوا من دلاء العادة: في موت الإنسان.
وخمسين: في العذرة الذائبة، والدم الكثير غير الثلاثة كذبح الشاة.
وأربعين: في موت السنور، والكلب، والخنزير، والثعلب، والأرنب، وبول
الرجل، ووقوع نجاسة لم يرد فيها نص، وقيل: الجميع.
وثلاثين: في وقوع ماء المطر مخالطا للبول أو العذرة، وخرء الكلاب.
وعشرة: في العذرة اليابسة، والدم القليل غير الدماء الثلاثة، كذبح الطير
والرعاف اليسير.
وسبع: في موت الطير كالنعامة والحمامة وما بينهما، والفأرة إذا تفسخت أو
انتفخت، وبول الصبي، واغتسال الجنب الخالي من نجاسة عينية، وخروج الكلب
256

حيا.
وخمس: في ذرق الدجاج.
وثلاث: في موت الفأرة والحية.
ودلو: في موت العصفور وشبهه، وبول الرضيع الذي لم يتغذى بالطعام.
وكل ذلك عندي مستحب.
تتمة:
لا يجوز استعمال الماء النجس في الطهارة مطلقا، ولا في الأكل والشرب
اختيارا، ولو اشتبه النجس من الإناءين اجتنبا وتيمم.
ويستحب تباعد البئر عن البالوعة بسبع أذرع إن كانت الأرض سهلة
وكانت البالوعة فوقها، وإلا فخمس.
وأسئار الحيوان كلها طاهرة، عدا الكلب والخنزير والكافر والناصب.
والمستعمل في رفع الحدث طاهر مطهر، وفي رفع الخبث نجس، سواء
تغير بالنجاسة أو لا، إلا ماء الاستنجاء فإنه طاهر، ما لم يتغير بالنجاسة أو يقع على
نجاسة خارجة.
وغسالة الحمام نجسة، ما لم يعلم خلوها من النجاسة.
وتكره الطهارة: بالمسخن بالشمس في الأواني، والمسخن بالنار في غسل
الأموات، وسؤر الجلال، وآكل الجيف، والحائض المتهمة، والبغال، والحمير،
والفأرة، والحية، وما مات فيه الوزع والعقرب.
النظر السادس: فيما يتبع الطهارة:
النجاسات عشرة:
البول والغائط من ذي النفس السائلة غير المأكول، بالأصالة كالأسد أو
بالعرض كالجلال.
257

والمني من كل حيوان ذي نفس سائلة وإن كان مأكولا.
والميتة من ذي النفس السائلة مطلقا وأجزاؤها، سواء أبينت من حي أو ميت،
إلا ما لا تحله الحياة، كالصوف والشعر والوبر والعظم والظفر، إلا من نجس
العين، كالكلب والخنزير والكافر.
والدم من ذي النفس السائلة.
والكلب والخنزير وأجزاؤهما.
والكافر وإن أظهر الإسلام إذا جحد ما يعلم ثبوته من الدين ضرورة،
كالخوارج والغلاة.
والمسكرات والعصير إذا غلى واشتد، والفقاع.
ويجب إزالة النجاسات: عن الثوب والبدن للصلاة والطواف ودخول
المساجد، وعن الآنية للاستعمال.
وعفي في الثوب والبدن: عن دم القروح والجروح اللازمة، وعما دون سعة
الدرهم البغلي من الدم المسفوح مجتمعا وفي المتفرق خلاف - غير الثلاثة ودم
نجس العين - وعن نجاسة ما لا تتم الصلاة فيه منفردا، كالتكة والجورب وشبههما
في محالها وإن نجست بغير الدم.
ولا بد من العصر إلا في بول الرضيع، وتكتفي المربية للصبي بغسل ثوبها
الواحد في اليوم مرة.
وإذا علم موضع النجاسة غسل، وإن اشتبه غسل جميع ما يحصل فيه
الاشتباه، ولو نجس أحد الثوبين واشتبه غسلا، ومع التعذر تصلي الواحدة فيهما
مرتين.
وكل ما لاقى النجاسة برطوبة نجس، ولا ينجس لو كانا يابسين.
ولو صلى مع نجاسة ثوبه أو بدنه عالما أعاد في الوقت وخارجه، والناسي
يعيد في الوقت خاصة، والجاهل لا يعيد مطلقا، ولو علم في الأثناء استبدل، ولو
تعذر إلا بالمبطل، أبطل.
258

ولو نجس الثوب وليس له غيره صلى عريانا، فإن تعذر للبرد وغيره صلى
فيه ولا يعيد.
وتطهر الشمس ما تجففه من البول وشبهه في الأرض والبواري والحصر
والأبنية والنبات، والنار ما أحالته، والأرض باطن النعل والقدم
خاتمة:
يحرم استعمال أواني الذهب والفضة في الأكل وغيره، ويكره المفضض،
ويجتنب موضع الفضة.
وأواني المشركين طاهرة ما لم يعلم مباشرتهم لها برطوبة، وجلد المذكي
طاهر وغيره نجس.
وتغسل الإناء من الخمر وغيره من النجاسات حتى تزول العين، ومن ولوع
الكلب ثلاثا أولهن بالتراب، ومن ولوع الخنزير سبعا.
259

تلخيص المرام
في معرفة الأحكام
للشيخ جمال الدين أبي منصور الحسن بن سديد الدين يوسف بن زين الدين
علي بن محمد مطهر الحلي المشتهر بالعلامة الحلي
والعلامة على الإطلاق
647 - 726 ه‍. ق
261

كتاب الطهارة
وهي لغة النظافة وشرعا ما له صلاحية التأثير في استباحة الصلاة من
الوضوء والغسل والتيمم.
وهاهنا فصول:
الأول: الوضوء:
ويجب للصلاة والطواف الواجبين، وبالنذر وشبهه.
وسببه خروج البول والغائط والريح من المعتاد على رأي، والنوم الغالب
وما في معناه، والاستحاضة على وجه.
ويجب فيه النية المشتملة على الصفة والقربة والاستباحة لا السبب عند غسل
الوجه، ويتقدم عند غسل اليدين مستدامة الحكم ويجوز ضم التبريد لا الرياء.
وغسل الوجه بأقل اسمه من القصاص إلى المحادر على رأي، وما اشتملت
عليه الإبهام والوسطى لا اللحية وإن كانت للمرأة، ولا يجب تخليلها مطلقا على
رأي ولا تخليل الأجفان.
وغسل اليمين مع المرفق مبتدئا به على رأي، وغسل اليسرى كذلك
والزائدة مطلقا واللحم والأصابع إن كانا تحت المرفق.
ومسح بشرة مقدم الرأس أو شعره بالبلل، ومسح بشرة القدمين إلى
263

كعبيهما على رأي به بأقل اسمه فيهما على رأي، والترتيب والموالاة، ويستحب فيه
وضع الإناء يمينا والاغتراف بها والتسمية، وغسل اليدين مرة للنوم والبول،
وللغائط مرتين وللجنابة ثلاثا.
والمضمضة والاستنشاق وتكرار الغسلات على رأي، والثالثة بدعة على
رأي، والمسح بثلاث أصابع ويجوز على العربي وعلى الخفين مع الضرورة،
والبدأة للرجل بظاهر ذراعيه عكس الثانية وفي المرأة بالعكس فيهما، والدعاء
وتحريك ما يصل إليه الماء، وتكره الاستعانة والتمندل واستقبال الشعر في
المسح، ويحرم التولية ولا يسقط ما بقي من المقطوع.
ويجب على المتخلي ستر العورة وغسل مخرج البول، بمثليه من الماء
الطاهر والغائط مع التعدي، ويجزئ في الثاني مع عدمه ثلاثة أحجار طاهرة
متواردة على المحل وإن نقي بالأقل على رأي، ويزيد العدد مع عدمه أو الخرق،
ويجزئ ذو الجهات الثلاث على رأي، ولا يجوز بما نهي عنه لحرمته وفي الإجزاء
نظر.
ويستحب تغطية الرأس، والتسمية وتقديم يسراه دخولا واليمنى خروجا،
والاستبراء، والدعاء دخولا وخروجا، وعند استعمال الماء، والنظر عليه، والفراع
والجمع بين الحجر والماء.
ويكره الأكل والشرب والسواك والاستنجاء باليمنى، وباليسرى وفيها
خاتم عليه ذكر الله أو فصه من حجر زمزم، والكلام إلا مع ضرورة أو ذكر،
والجلوس في المشارع والطرق وفئ النزال وتحت المثمرة ومواضع اللعن،
واستقبال الشمس والقمر، والبول في الماء جاريا وراكدا والأرض الصلبة ومواطن
الهوام.
ويحرم استقبال القبلة واستدبارها مطلقا على رأي، وصاحب السلس
والمبطون يجددان لكل صلاة على رأي، والجبائر تنزع ومع التعذر يمسح
عليها.
264

ومن تيقن الحدث دون الطهارة أو تيقنهما جاهلا للمتأخر أو شك في
الوضوء أو أفعاله قبل الانصراف يتطهر، فإن تيقن الطهارة وشك في الحدث أو
شك في الأفعال بعد الانصراف فلا التفات، ويعيد الصلاة لا الوضوء لو ترك
غسل أحد المخرجين، ولو جدد ندبا وصلى وذكر إخلال عضو لم يعد على رأي،
ولو تكررت الصلاة أعاد الأولى، ولو أحدث عقيب واحدة مجهولة أعادهما مع
الاختلاف، وكذا لو تخلل الحدث والصلاة وتحقق الإخلال المجهول.
الثاني: في الغسل:
ويجب بالجنابة والحيض والاستحاضة والنفاس والموت ومس الأموات
بعد بردهم وقبل تطهيرهم أو ذات عظم على رأي.
أما الجنابة: فبالإيلاج المغيب للحشفة في القبل من الآدمي وإن كان ميتا
والدبر على رأي، والإنزال ومع الاشتباه يعتبر الدفق والشهوة وبها في المريض
ووجدان المني فيما ينفرد به، ويعيد الصلاة من آخر غسل ونوم، ولا يسقط
بإسلام الكافر مع السبب ولا يبطل مع الارتداد.
ويجب فيه النية مستدامة الحكم مقارنة لغسل الرأس، ويتقدم عند غسل
اليدين واستيعاب الجسد والبدأة بالرأس ثم الأيمن ثم الأيسر إلا في الارتماس أو
تحت المطر وشبهه على رأي، ولا موالاة هنا.
ويستحب الاستبراء على رأي، ومع عدمه ووجود البلل يعيد، والمضمضة،
والاستنشاق، وتخليل ما يصل إليه الماء، والغسل بصاع.
ويحرم قراءة كل آية من العزائم، ومس كتابة القرآن وما عليه اسمه تعالى
ودخول المساجد للاستيطان وفي المسجدين مطلقا، ويتيمم لو أجنب فيهما،
ووضع شئ فيها على رأي، والتولية.
ويكره قراءة غير العزائم مطلقا على رأي، ولمس المصحف، والأكل
265

والشرب بدون المضمضة والاستنشاق، والنوم بدون الوضوء والخضاب،
والاستعانة ويكفي خاصة على رأي عن الوضوء، ولو أحدث في أثنائه أعاد على
رأي.
وأما الحيض: فهو الدم الأسود غالبا وأقله ثلاثة أيام متوالية على رأي وأكثره
عشرة وهو أقل الطهر، فدم من بلغ الخمسين غير القرشية والنبطية على رأي أو
نقص عن تسع والحبلى على رأي والمتطوقة قطنتها وما دون الثلاثة وما زاد على
العادة مع تجاوز العشرة وما كان من الأيمن على رأي غير حيض.
وتستقر العادة بشهرين، ومع تجاوز العشرة ترجع المبتدئة والمضطربة إلى
التمييز، ومع فقده ترجع المبتدئة إلى عادة أهلها أو أقرانها، ومع التعذر تحيضان
في كل شهر سبعة أيام على رأي، ولو تخلل الثلاثة والعاشر انقطاع فالعشرة
حيض، ولا حكم للتمييز مع العادة المستقرة على رأي، وقد تتقدم العادة وتتأخر
فالعدد الحيض وإن اختلف لونه، ولو رأت العادة والطرفين ولم يتجاوز الأكثر
فهو حيض وإلا فالعادة، ولو تكررت عادتها في الشهر الواحد مع تخلل عشرة
طهرا فهما حيضتان، ولو ذكرت المضطربة العدد دون الوقت عملت عمل
المستحاضة دائما واغتسلت في كل وقت يحتمل الانقطاع فيه وقضت صوم
عادتها، ولو انعكس الفرض فثلاثة، وتغتسل في كل وقت يحتمل الانقطاع
وتقضي صوم عشرة احتياطا، ويجب الغسل مع الانقطاع وتعرفه بخروج القطنة
نقية، والمبتدئة تصبر مع التلطخ إلى العشرة، وتستظهر ذات العادة بيومين على
رأي، فإن انقطع في العاشر فالكل حيض.
وقضاء الصوم دون الصلاة وترك الصلاة لذات العادة برؤية الدم ولهما
بالتيقن على رأي.
ويستحب الوضوء عند كل صلاة والجلوس بقدرها في مصلاها على رأي
ذاكرة لله تعالى، وتسجد للتلاوة على رأي، ويحرم ما يحرم على الجنب، والوطء
266

ويستحب الكفارة بدينار في أوله ونصفه في وسطه وربعه في آخره على رأي،
والوجه في المتكرر التفصيل.
ويكره الخضاب وقراءة غير العزائم والاستمتاع بغير القبل على رأي،
ويجتزئ بغسل الفرج مع غلبة الشهوة، وتقضي ما تحيض بعد وقته مع
الإمكان، وما تطهر في وقته، ولو وسع لركعة على رأي، والغسل كالأول.
وأما الاستحاضة: وهو الدم الأصفر غالبا ودم الصبية واليائسة والزائد على
الحيض والنفاس ومع الحمل على رأي، والأقل من ثلاثة غير قرح ولا جرح
استحاضة.
ويجب تغيير القطنة إن لم يغمسها والوضوء المتعدد على رأي وكذلك إن
غمس، وتغيير الخرقة والغسل للغداة على رأي، وإن سأل فكذلك مع غسلين
ومعه طاهر، ولا تجمع بين صلاتين بوضوء وعلى رأي، وتمنع تعدي الدم ولو
انقطع الدم في أثناء الصلاة أتمت واستأنفت الوضوء لما يأتي، ولو كان قبلها
استأنفت الوضوء خاصة على رأي.
وأما النفاس: فالدم عقيب الولادة ومعها على رأي، ولا حد لأقله وأكثره،
كالحيض على رأي، وحكمها كالحائض، ولو تراخت ولادة أحد التوأمين
فابتداء النفاس من الأول والعدد من الثاني، ولو رأت يوم العاشر لا غير فهو
نفاس، ولو رأته يوم الولادة لا غير فالعشرة نفاس.
وأما غسل أموات المسلمين: فيجب على الكفاية، وحال الاحتضار استقبال القبلة
بالميت على رأي، وإزالة النجاسة وستر العورة، والبدأة بماء السدر ثم الكافور
بأقلهما ثم القراح على رأي كالجنابة، ومع تعذرهما فمرة على رأي.
والتكفين بمئزر وقميص وإزار على رأي مما يصلي فيه الرجل ومع الضرورة
واحدة، ومسح المساجد بالكافور.
267

والصلاة على المسلم على رأي، البالغ ست سنين بأن يكبر ويشهد
الشهادتين، ثم يكبر ويصلي على النبي وآله، ثم يكبر ويدعو للمؤمنين، ثم يكبر
ويدعو للميت أو عليه أو بدعاء المستضعفين أو دعاء الطفل أو المجهول حاله، ثم
يكبر وينصرف، ولو فاتت صلى يوما وليلة على رأي، ولو تعقبت أخرى في أثناء
الصلاة تخير في الإتمام والتكرار والاستئناف، ولو بان أنها كانت مقلوبة أعيدت
بعد التسوية وهي جعل رأس الميت عن يمين الإمام، ولو أدرك الإمام في الأثناء
أتم ولاء.
والدفن يلقى على جانبه الأيمن موجها إلى القبلة، وبالعكس في الذمية
الحامل من المسلم، وطرح ما يسقط من الميت معه، وراكب البحر يلقى فيه بعد
التثقيل والستر.
ويستحب نقله حالة الموت إلى المصلى، وتلقين الشهادتين والأئمة وكلمات
الفرج، وتغميض عينيه، وإطباق فيه، ومد يديه، وتغطيته بثوب، وقراءة القرآن،
والإسراج، والإشعار، والتعجيل، والمشتبه إلى ثلاثة، ووضعه حالة الغسل على
مرتفع، مستقبل القبلة تحت الظلال وتستر عورته، وتليين الأصابع، وغسل
الرأس والجسد بالرغوة، والفرج بالحرض، والتكرار ثلاثا في كل غسلة، وغسل
يدي الغاسل كذلك، والوقوف عن يمينه، والوضوء على رأي، وزيادة خرقة
لفخذيه وحبرة عبرية للرجل وعمامة، والذريرة والجريدتان من النخل وإلا فمن
السدر وإلا فمن الخلاف وإلا فمن شجر رطب يلصق إحديهما من جانبه الأيمن
والأخرى مع ترقوته بين القميص والإزار، وسحق الكافور باليد وجعل الفاضل
على الصدر، وكتابة اسمه والشهادتين والأئمة بالتربة على الجريدتين والقميص
واللفافة والحبرة.
وكون الكافور ثلاثة عشر درهما وثلثا، غير ما للغسلة على رأي وأقل فضله
درهم، وتزاد المرأة لفافة ونمطا على رأي وقناعا، وخياطة الكفن بخيوطه،
واغتسال الغاسل قبل أن يكفنه، والمتابعة للجنازة وتربيعها والصلاة جماعة،
268

والأولى بالميراث أولى بالإمامة والزوج أولى مطلقا، والهاشمي فيها مع الشرائط،
وكذا إمام الأصل، وتؤم المرأة النساء ولا تبرز وكذا العراة وتتقدم غيرهم،
والحائض تنفرد.
والطهارة والحفاء ورفع اليدين في التكبيرات على رأي، والوقوف حتى
ترفع، ووقوف الإمام عند وسط الرجل وصدر المرأة، وتقديم المرأة إلى القبلة لو
اجتمعا، ولو حصل الصبي قدمه أولا ولو كان خنثى أخر عن المرأة، ونزول القبر
قامة واللحد.
وأن يطرح الرجل عند رجل القبر وينزل في ثلاث دفعات سابقا برأسه،
والمرأة بالعرض دفعة، والخروج من قبل رجليه، والتحفي وكشف الرأس
والدعاء وحل الكفن، والتربة تحت خده على رأي، والتلقين وشرج اللبن وإهالة
الحاضرين لا الرحم، والطم من ترابه والتربيع ورفعه أربع أصابع، وصب الماء
من الرأس دورا، ووضع اليد والترحم وتغطية القبر بثوب على رأي، وإعادة
الولي التلقين مستقبلا للقبلة والقبر على رأي، والتعزية ثلاثة على رأي.
ويجوز لصاحب الميت امتيازه بإرسال طرف العمامة أو بأخذ مئزر فوقها
على الأب والأخ لا غيرهما على رأي.
ويكره حضور الجنب والحائض حالة الاحتضار، وإقعاده وجعله بين
رجليه، وقص الأظفار، وترك حديد على بطنه، والترجيل، والأكمام المبتدأة
وبل الخيوط بالريق، والتكفين بالسواد والكتان، وجعل الكافور في سمعه
وبصره، وتكرار الصلاة، وفرش القبر بالساج وتجصيصه وتجديده، والاجتماع،
والنقل إلا إلى المشاهد.
ويحرم التطيب بغير الكافور والذريرة، وتقريب المحرم الكافور، والنبش
والنقل بعد الدفن.
والشهيد في المعركة يدفن بغير غسل ولا كفن بعد الصلاة، وينزع خفاه،
وحكم الصدر حكم البدن وكذلك حكم ما فيه عظم، والسقط لأربعة أشهر إلا
269

في الصلاة وتقدم الكفن، ولا يغسل الكافر والسقط لدون أربعة وما لا عظم فيه
بل يلف في خرقة ويدفن.
وتعلم المسلمات الكافر مع عدم المسلم، وذات الرحم المسلمة، تغسيل
المسلمين ليغسله بعد الاغتسال، ويعلم المسلم الكافرة مع عدم المسلمة وذي
الرحم، ويغسل ذو الرحم وذات الرحم رحمه من وراء الثياب مختارين على
رأي، والأجنبي يغسل بنت ثلاث سنين، وكذا الأجنبية على رأي مجردا.
ويؤمر من وجب عليه القتل بالاغتسال ويسقط بعده، ويغسل المخالف
غسله مع كراهية، ويغسل النجاسة من جسده بعد غسله ومن الكفن قبل تركه
في القبر وإلا قرضت على رأي، والحامل الميتة يشق بطنها من الأيسر ويخرج
ويخاط، ولو مات هو قطع في رحمها، ولا يترك المصلوب أزيد من ثلاثة أيام ثم
ينزل ويغسل ويكفن ويصلى عليه على رأي، ويلزم الزوج كفن المرأة.
ويستحب غسل الجمعة على رأي إلى الزوال، ويقضي لو فات السبت،
ويقدم لو تعذر الماء فيه الخميس، وأول ليلة من رمضان ونصفه وسبع عشرة
وتسع عشرة وإحدى وعشرين وثلاث وعشرين وليلة الفطر والعيدين وليلتي
نصف رجب وشعبان، وأيام المبعث والغدير والمباهلة، والإحرام على رأي،
وزيارة النبي عليه السلام والأئمة عليهم السلام، وقضاء الكسوف على وجه على
رأي، والتوبة وصلاة الحاجة والاستخارة، ودخول الحرم والمسجد والكعبة
والمدينة، والمولود على رأي، ومن سعى ليرى مصلوبا بعد ثلاثة أيام على رأي،
ولا بد من نية السبب فلا يتداخل على رأي، ويقدم ما للفعل وما للزمان فيه.
الثالث:
الماء المطلق مطهر وكذا المستعمل في الطهارتين على رأي، دون المضاف
مطلقا على رأي، وهو طاهر.
وينجس القليل من الأول والبئر على رأي، والثاني بملاقاة النجاسة وإن قلت
270

مطلقا على رأي.
والكثير والجاري وماء الحمام والمطر باستيلائها.
وحد الكر ألف ومائتا رطل بالعراقي على رأي، أو يكون كل بعد ثلاثة
أشبار ونصفا على رأي.
وتطهر القليل بإلقاء كر دفعة لا بالإتمام على رأي، وما عدا البئر بالتكاثر، لا
بزوال التغير بالرياح وغيرها.
وهي بنزح الجميع للخمر على رأي، وموت البعير والثور والمسكرات
والفقاع والمني والدماء الثلاثة على رأي، ومع التعذر يتراوح الرجال مثنى يوما
وبكر للحمار والفرس والبقرة وشبهها.
وبسبعين من دلاء العادة للإنسان.
وبخمسين للدم الكثير والعذرة الرطبة أو الذائبة.
وبأربعين لموت الكلب، والسنور على رأي، والثعلب، والأرنب، والشاة على
رأي، ووقوع ماء المطر مخالطا للنجاسة، وبول الرجل.
وبعشر لقليل الدم على رأي، ويابس العذرة.
وبسبع للطير، وارتماس الجنب ولا يطهر، وخروج الكلب، وتفسخ
الفأرة، وبول الصبي.
وبخمس لذرق الدجاجة، وبثلاث للفأرة على رأي، والحية وقيل: للوزغة
والعقرب.
وبدلو لبول الرضيع على رأي، وموت العصفور، وبزوال التغير له مع
المتعذر على رأي.
بالجميع لما لم يرد فيه نص على رأي.
ويتضاعف مع الاختلاف لا مع عدمه على رأي.
ويستحب تباعد البئر عن البالوعة سبع أذرع مع الرخاوة والتحتية وإلا
فخمس، ولا يجب النية في النزح.
271

ويكره الطهارة بالمسخن بالشمس وبالنار للأموات.
وما يرفع به الخبث نجس وإن لم يتغير على رأي عدا ماء الاستنجاء غير
المتغير.
والسؤر طاهر عدا الكلب والخنزير والكافر مطلقا على رأي والناصب
والغلاة خاصة على رأي.
ويكره سؤر الجلال وآكل الجيف على رأي مع الخلو عن النجاسة،
والحائض المتهمة على رأي، والبغال والحمير والفأرة والحية والمسوخ على رأي،
وما مات فيه الوزع على رأي، والعقرب، والتداوي بالعيون الحمئة.
ولو مازج المطلق طاهر جازت الطهارة به ما لم يسلبه الإطلاق، ومع اشتباه
النجس بغيره يطرح الجميع ولا يجب الإراقة على رأي، ولو تطهر بهما وصلى لم
يصح جمع أو فرق، بخلاف المشتبه بالمضاف مع فقدان المتيقن، فإن ميزه
عدل لم يقبل، ويقبل من العدلين، ومع التعارض يطرح الجميع على رأي.
ولو شك في نجاسة متيقن الطهارة أو بالعكس فالعمل على اليقين، ولو
شك في وقوع النجاسة المرئية في الكر قبل البلوغ فالأصل الطهارة.
الرابع:
التيمم: يجب عند التضيق وعدم الماء أو ثمنه أو المانع وخائف العطش
والمرض والواجد بثمن يضر في الحال، ولا اعتبار بالكثرة على رأي، ومن ليس
معه ماء يكفيه لإزالة النجاسة والطهارة أولها، ومن كان بعض أعضائه مريضا لا
يغسله ولا يمسحه يتيممون، ولو قل الماء ولم يخرج عن الاسم بالتيمم بماء الورد
لم يجب وأجزأ، والميت كالحي.
ويجب بالتراب وإن امتزج مع الاسم، ويستحب من العوالي أو بأرض
النورة والجص أو الحجر على رأي أو المستعمل، لا النورة والزرنيخ والكحل
على رأي، ومع الفقد بغبار الثوب واللبد والعرف والوحل، لا المغصوب
272

والنجس، وفي الثلج خلاف.
ومسح الوجه من القصاص إلى طرف الأنف، ثم اليد اليمنى من الزند، ثم
اليسرى على رأي، وتكرار الضرب في الغسل على رأي، والنية المشتملة على
الحكم والقربة، والاستباحة لا الرفع ومعه تبطل والاستدامة حكما.
والطلب غلوة سهم في الحزنة وإلا سهمين في كل جهة، فإن أخل به ووجده
مع أصحابه أعاد الصلاة، ولا يعيد الصلاة مطلقا على رأي، ولا يجوز قبل الوقت
إجماعا وفي أوله خلاف، ويسقط ما قطع دون الباقي.
ولو عدم ما يتطهر به وضوء وتيمما سقطت الصلاة أداء وقضاء على رأي،
ويستباح به ما يستباح بالمائية، ويجوز التيمم للجنازة وإن تمكن من الماء، ولا
يدخل به في الصلاة، وينقضه نواقض الطهارة ووجود الماء ويبطل ما لم يكبر
على رأي، والمجنب المحدث يتيمم للغسل على رأي، ويخص الجنب بالماء
المباح أو المذول مع عدم الكفاية دون المحدث والميت، وقيل: المحدث
ساهيا يتطهر ويبني.
الخامس:
البول والغائط من ذي النفس السائلة، وإن كان طيرا على رأي المحرم وإن
عرض كالجلال ومن الدجاج مطلقا على رأي، والمني والدم والميتة من ذي
النفس وإن دبغ جلدها، والكلب والخنزير وأجزاؤهما، والكافر والمسكر على
رأي، والفقاع والعصير إذا غلا أنجاس تزال عن الثوب والبدن خلا الدم فقد عفي
عن سعة البغلي على رأي، من غير الثلاثة على رأي، وعن المتفرق على رأي، وعن
القروح والجروح مع السيلان والمشقة، وعن نجاسة ما لا يتم الصلاة فيه منفردا.
وكل ما صادف أحد هذه رطبا نجس، وما لا تحله الحياة من الميتة عدا
الكلب والخنزير والكافر على رأي طاهر، والأولى في المسوخ ولعابه وعرق
الجنب من الحرام وجلال الإبل الطهارة.
273

ويكره بول البغال والحمير والدواب وأرواثها على رأي، ومن مس غير ذات
عظم أو ميتا غير آدمي غسل يده خاصة، ويغسل الثوب والبدن من البول مرتين
ولا بد من العصر على رأي إلا في بول الصبي، واشتباه أحد المواضع يوجب
غسل الجميع والعبرة بالعين، والمصلي بالنجاسة عالما يعيد وناسيا يعيد في
الوقت لا خارجه على رأي، وجاهلا لا يعيد مطلقا على رأي، ولو علم في الصلاة
وجب طرح الثوب وستر العورة مع الإمكان وإلا استأنف، وقيل: لا يصلي في
ثوب يغلب على الظن نجاسته فيعيد لو خالف، ويصلي في الثوبين دفعتين مع
الاشتباه على رأي، ولو صلى المختلفتين على التعاقب مكررا صحت الأولى لا غير
إلا أن يجمع بينهما في كل واحد منهما فيصح الجميع.
والقئ طاهر على رأي وكذا القيح والصديد وطين الطريق، ويستحب
إزالته بعد ثلاثة واجتزئ من المربية بالمرة يوما، والعاجز عن الغسل يصلي عريانا
مع المكنة ولا إعادة على رأي.
وتطهر الشمس خاصة على رأي الأرض والحصر والبارية على رأي، وما
يتعذر نقله من الأبنية والأشجار، والأرض والنعل، والنار ما أحالته، و قيل: الأرض
إذا أصابها بول طهرت بإلقاء الماء المزيل للأوصاف، وقيل: الجسم الصقيل
يطهر بالمسح، وأواني المشركين طاهرة مع الجهل بالمباشرة مع الرطوبة.
ويشترط في الجلد التذكية والطهارة حيا دون الدباغ في غير المأكول على
رأي.
ويحرم استعمال أواني الذهب والفضة، ويكره المفضض على رأي، وأواني
الخمر من القرع والخشب.
ويغسل من ولوع الكلب خاصة على رأي ثلاثا أولاهن بالتراب على رأي،
ومن الخمر والجرذ ثلاثا على رأي والسبع أفضل، ومن غير ذلك مرة والثلاث
أفضل.
274

الرسالة الفخرية
لمحمد بن الحسن بن يوسف بن علي بن المطهر الحلي الملقب بفخر المحققين
682 - 771 ه‍. ق
275

كتاب الطهارة
الطهارة لغة النظافة، وشرعا غسل بالماء أو مسح بالتراب متعلق بالبدن
على وجه له صلاحية التأثير في العبادة. وفيها فصلان:
الأول: في الطهارة المائية:
وهي قسمان:
القسم الأول: الوضوء:
وهو واجب وندب. فالواجب إما بأصل الشرع أو بإيجاب المكلف على
نفسه.
فالواجب بالأصل: الصلاة والطواف الواجبين، ومس كتابة القرآن إن
وجب، ونيته إن رفع الحدث: أتوضأ لرفع الحدث أو استباحة الصلاة لوجوبه
قربة إلى الله.
ويجوز أن ينوي بدل استباحة الصلاة استباحة أي فعل كان مما هو مشروط
بالطهارة كالطواف ومس كتابة القرآن.
وإن أباح الصلاة ولم يرفع الحدث كما في دائم الحدث كصاحب
السلس والمستحاضة نوى الاستباحة خاصة فيقول: أتوضأ لاستباحة الصلاة
277

لوجوبه قربة إلى الله، وهذا يتوضأ لكل صلاة، ولا يجوز له أن يؤخر الصلاة عن
وضوئه إلا بما يتعلق بها. ولو نوى رفع الحدث خاصة لم يصح، ولو ضمنه لم
يضر.
والواجب بإيجاب المكلف على نفسه: وهو ما يجب بالنذر واليمين والعهد،
فيقول: أتوضأ لرفع الحدث أو استباحة الصلاة لوجوبه نذرا أو يمينا أو عهدا قربة
إلى الله. ولو لم يكن عليه حدث قال: أتوضأ لوجوبه بالنذر قربة لله. ودائم
الحدث ينوي الاستباحة خاصة.
والمندوب للصلاة والطواف المندوبين، ولدخول المساجد، وقراءة
القرآن، وحمل المصحف، والنوم، وصلاة الجنائز، والسعي في الحاجة، وزيارة
المقابر، ونوم الجنب، وجماع المحتلم، وذكر الحائض، والكون على طهارة،
والتجديد.
ونيته لما يشرط فيه رفع الحدث: أتوضأ لرفع الحدث أو استباحة الصلاة
لندبه قربة إلى الله. ولما لا يشترط فيه يجزئه أن ينوي ذلك السبب، فيقول: أتوضأ
تجديدا لندبه قربة لله. ثم إن لم يمكن ارتفاع الحدث به كنوم الجنب وجماع
المحتلم نوى ذلك السبب والندبية والقربة، ولا تداخل بل إذا اجتمعت توضأ
لكل واحد وضوءا.
ونواقضه منها ما يوجب الوضوء منفردا وهو: البول، والغائط، والريح من
المعتاد، والنوم الغالب على السمع والبصر، والاستحاضة القليلة.
ومنها ما يوجب الغسل فقط فهو الجنابة.
ومنها ما يوجب الوضوء والغسل وهو: الحيض، والاستحاضة، والنفاس،
ومس الأموات من الناس بعد بردهم وقبل تطهيرهم بالغسل.
القسم الثاني: الغسل:
وهو إما واجب أو ندب. والواجب إما بأصل الشرع إما لنفسه أو لغيره.
278

فالواجب بالأصل لنفسه هو: غسل الجنابة، وينوي به الوجوب في كل
الأوقات سواء وجب عليه ما هو مشروط بالطهارة أو لا، فيقول: أغتسل لرفع
حدث الجنابة أو لرفع الحدث مطلقا أو لاستباحة الصلاة لوجوبه قربة إلى الله. و
يجزئ هذا الغسل عن واجب الوضوء، وسننه بأصل الشرع لا بالعارض. و
يجزئ أيضا عن سائر الأغسال الواجبة، ولا يجزئ غيره عنه وإن انضم إلى ذلك
الغير الوضوء.
والواجب بالأصل لغيره: غسل الحيض والاستحاضة، والنفاس، ومس
الميت النجس من الناس بعد برده بالموت وقبل تطهيره بالغسل، أو القطعة ذات
العظم منه، ولو كان الميت من غير الناس أو كانت القطعة خالية من عظم غسل
يده خاصة، وحكم السقط لأربعة كالقطعة ذات العظم ولدونها كالخالية من
العظم، وهذه الأغسال يجب ضم الوضوء إليها.
ونيته: أغتسل لرفع الحدث أو استباحة الصلاة لوجوبه قربة إلى الله.
والمستحاضة تنوي الاستباحة خاصة، ولو نوى رفع حدثه المعين صح وإن بنى
غيره لا إن نوى غيره إلا غلطا.
ونية الوضوء هنا كما تقدم، ويجب بالموت أيضا، ويكفي عن وجوب
الوضوء لا استحبابه، فيقول: أغسل هذا الميت لوجوبه قربة إلى الله، ولا يحتاج
إلى تكرار النية في كل غسل.
ونية وضوئه: أوضئ هذا الميت لندبه قربة إلى الله.
ونية تكفينه: أكفن هذا الميت لوجوبه قربة إلى الله.
ونية دفنه: أدفن هذا الميت لوجوبه قربة إلى الله.
ونية تلحيده: ألحد هذا الميت لندبه قربة إلى الله.
وكذا ينوي باقي مستحباته كالتكفين الزائد عن الواجب، ووضع اللحد و
التربة معه، وحل عقد الأكفان، وإهالة الحاضرين بظهور الأكف وغير ذلك.
ونية غسل من وجب عليه القتل بقصاص: أغتسل غسل الأموات لوجوبه
279

قربة إلى الله. ونية تحنطه: أتحنط لوجوبه قربة إلى الله.
والواجب بسبب ما وجب بالنذر والعهد واليمين، فيقول: أغتسل غسل
النذر أو غيره لوجوبه قربة إلى الله. ولو نذر الغسل الواجب كفت نيته عن نية
النذر، ولو نذر أحد الأغسال المندوبة نواه وجوبا كما لو نذر غسل الجمعة
فيقول: أغتسل غسل الجمعة لوجوبه قربة إلى الله.
والندب ثمانية وعشرون غسلا: إما للزمان أو للفعل، وما للمكان داخل في
الفعل بوجه.
فما للزمان ستة عشر:
غسل الجمعة، ووقته من طلوع الفجر الثاني لأنه ابتداء اليوم شرعا
كالصوم والعدة وأجل الدين لقوله تعالى: " وآية لهم الليل نسلخ منه النهار
فإذا هم مظلمون " إلى الزوال، وكلما قرب منه كان أفضل. ونيته: أغتسل غسل
الجمعة لندبه قربة إلى الله. وخائف الإعواز يقدمه يوم الخميس، فيقول: أقدم
غسل الجمعة لندبه قربة لله. وكلما قرب من الجمعة كان أفضل، ويقضي لو فات
بعد الزوال إن تمكن وإلا السبت، فيقول: أقضي غسل الجمعة لندبه قربة لله،
وتقديمه أفضل من قضائه.
وستة أغسال في شهر رمضان: أول ليلة منه، وليلة النصف، وسبع عشرة
وهي ليلة الفرقان، وتسع عشرة، وإحدى وعشرين، وثلاث وعشرين.
وليلة الفطر، ويومي العيدين، وليلة النصف من رجب وهي ليلة الاستفتاح،
ويوم السابع والعشرين منه وهو مبعث النبي صلى الله عليه وآله، وليلة النصف
من شعبان وفيها ولد القائم عليه السلام، ويوم الغدير وهو الثامن عشر من ذي
الحجة، ويوم المباهلة وهو الرابع والعشرين منه، ونيروز الفرس.
وما للفعل اثنا عشر: غسل الإحرام، وزيارة النبي والأئمة عليهم السلام،
280

وغسل المفرط في صلاة الكسوف مع احتراق القرص كله إذا تركها متعمدا
وأراد قضاءها، وغسل التوبة عن فسق أو كفر، وصلاة الحاجة والاستخارة،
ودخول الحرم والمسجد الحرام والكعبة والمدينة ومسجد النبي عليه السلام.
ونيته: أغتسل غسل يوم الغدير - مثلا - لندبه قربة إلى الله، وينوي غيره
من الأسباب، ولا تداخل وإن انضم إليها واجب، ومع عدم الماء تيمم فيقول:
أتيمم بدلا من غسل الإحرام - مثلا - لندبه قربة إلى الله.
وما للزمان فيه وما للفعل غير التوبة يقدم عليه وللتوبة بعدها، لأنها إن كانت
عن كفر لم يصح الغسل قبلها، وإن كانت عن فسق فهي واجب مضيق، و
الغسل مندوب فلا يقدم عليها وإنما لم يذكر ذلك الفقهاء لأنها من أفعال القلوب
والغسل من أفعال الجوارح، فلا ترتيب بينهما إلا في الكفر.
الفصل الثاني: في الطهارة الترابية:
وهي التيمم، والضابط في تسويغه عدم التمكن من استعمال الماء إما لعدمه
أو لحصول مانع، وهو يكون بدلا من الوضوء تارة ومن الغسل أخرى.
ونيته إذا كان بدلا من الوضوء أو من الغسل: أتيمم لاستباحة الصلاة
لوجوبه قربة إلى الله. ومحلها عند الضرب على الأرض أو عند أول جزء من مسح
الجبهة مخير في ذلك، وفي الأول يضرب يديه على الأرض ضربة واحدة، وفي
الثاني ضربتين أحدهما للوجه والأخرى لليدين.
ويجب لما يجب له الوضوء والغسل ولخروج الجنب من المسجدين،
وإنما يجوز بالتراب الطاهر الخالص المملوك أو المباح دون ما سواه مما لا
يصدق عليه اسم الأرض.
ويستحب لما يستحب له.
ونية التيمم للخروج من المسجدين: أتيمم لاستباحة الخروج من المسجد
لوجوبه قربة إلى الله.
281

وينقضه نواقض المائية، ويزيد وجود الماء منع التمكن من استعماله، ثم
العذر المبيح له إن أمكن زواله قبل التضيق، وجب التأخير إلى آخر الوقت بحيث
يبقى مقدار التيمم والصلاة في ظنه، وإن كان لا يرجى زواله جاز في أول الوقت.
ونية المندوب أن يقول: أتيمم لاستباحة الصلاة لندبه قربة إلى الله.
282

الدروس الشرعية
للشهيد السعيد محمد بن جمال الدين مكي العاملي
" الشهيد الأول "
734 - 786 ه‍. ق
283

كتاب الطهارة
وهي لغة النزاهة من الأدناس، وشرعا استعمال طهور مشروط بالنية لإباحة
الصلاة وهي: وضوء وغسل وتيمم. وكل منها واجب وندب.
فالواجب منها بحسب وجوب غايته التي هي الصلاة والطواف ومس خط
المصحف.
ويختص الغسل والتيمم بدخول مسجدي مكة والمدينة، واللبث في باقي
المساجد، وقراءة العزائم، وصوم الحائض والنفساء والمستحاضة، والجنب إذا
صادف الليل على تفصيل يأتي إن شاء الله تعالى.
ويختص التيمم بخروج المجنب من المسجدين وكذا الحائض على
الأقرب، ولو أمكن الغسل فيهما وساوى زمان التيمم قدم الغسل، ويجب
الخروج بأقرب الطرق للمتيمم، وتجب الثلاثة أيضا بالنذر وشبهه، ولا يجب شئ
منهما وجوبا مطلقا في الأصح.
ويستحب الوضوء لندبي الصلاة والطواف، وحمل المصحف، وأفعال
الحج الباقية، وصلاة الجنازة، وطلب الحاجة، وزيارة القبور، وتلاوة القرآن،
والتأهب للفرض قبل وقته، والكون على طهارة، وكل هذه ترفع الحدث وتبيح
الصلاة.
ونوم الجنب، وجماع المحتلم، وغاسل الميت، وذكر الحائض، والتجديد،
285

وهذه لا ترفع ولا تبيح الصلاة، وفي المجدد قول قوي بالرفع.
ويستحب الغسل للجمعة أداءا ما بين طلوع الفجر إلى الزوال وتعجيلا يوم
الخميس لخائف فقده يوم الجمعة وآخر الوقتين أفضل، وقضاءا إلى آخر السبت
وأوله أفضل، وفرادى شهر رمضان وآكده نصفه وسبع عشرة وتسع عشرة
وإحدى وعشرين وثلاث وعشرين وليلة الفطر ويومي العيدين وليلتي نصف
رجب وشعبان ويوم المبعث والمولد والغدير والتروية وعرفة والدحو والمباهلة
والنيروز لخبر المعلى.
والإحرام والطواف ورمي الجمار والسعي إلى رؤية المصلوب بعد ثلاثة
عمدا وزيارة النبي عليه السلام أو أحد الأئمة عليهم السلام والاستسقاء ودخول
الكعبة ومكة والحرم والمدينة ومسجديهما.
ولصلاة الحاجة والاستخارة والمولود حين يولد والكسوف المستوعب مع
تعمد الترك والتوبة وقتل الوزع وتقضي غسل ليالي الإفراد الثلاثة بعد الفجر
لرواية [ابن]) بكير عن الصادق عليه السلام ولا يرفع الغسل المندوب الحدث
خلافا للمرتضى رحمه الله وتقدم ما للفعل إلا التوبة والسعي إلى المصلوب وكذا
قتل الوزغة وما للزمان فيه فإن فات أمكن استحباب القضاء مطلقا.
ويستحب التيمم بدلا عن الوضوء المستحب الرافع، وللنوم ولصلاة الجنازة
إذا خاف الفوات بالوضوء، وتجديده بحسب الصلوات على رواية.
درس [1]:
يجب الوضوء بالبول والغائط والريح من المعتاد طبيعيا أو عرضيا، والنوم
الغالب على الحاستين ولو تقديرا والمزيل للعقل، وبعض الاستحاضة، والخارج
من السبيلين إذا استصحب ناقضا، وألحق بعضهم خروج الريح من الذكر، وابن
الجنيد الحقنة والمذي عن شهوة والتقبيل عنها ومس الرجل فرجها، والصدوق
مس باطن الدبر والإحليل أو فتحه وكله لم يثبت ولا ينقض لمس المرأة ولا قلم
286

الظفر وجز الشارب ونتف الإبط وأكل لحم الإبل والارتداد.
ويجب الغسل بالجنابة والدماء الثلاثة والموت ومس ميت الآدمي النجس
ويجب التيمم بموجباتهما عند تعذرهما.
وموجبات الوضوء يتداخل وكذا موجبات الغسل على الأقوى، والاجتزاء
بغسل الجنابة دون غيره تحكم، وفي تداخل أسباب الأغسال المندوبة إذا كان
معها واجب قول مروي ويجب معها الوضوء إلا في غسل الجنابة وغسل الميت،
ويستحب في غسل الميت وفي التهذيب: يستحب مع غسل الجنابة.
درس [2]:
يجب على المتخلي ستر العورة عن الناظر، ويحرم استقبال القبلة واستدبارها
ولو في الأبنية خلافا لابن الجنيد مطلقا وللمفيد في الأبنية.
ويجب غسل موضع البول بالماء المزيل للعين الوارد بعد الزوال، وغسل
مخرج الغائط مع التعدي حتى يزول العين والأثر، ولو لم يتعد أجزأ ثلاث
مسحات بجسم طاهر مزيل للعين لا الأثر، ولا اعتبار بالريح فيهما.
ويجزئ ذو الجهات الثلاث ويجزئه المسح، ولو لم ينق بالثلاث وجب
الزائد، ولو نفى بالأقل وجب الإكمال على الأقوى وكذا لو شك في النقاء، ولا
يجزئ النجس ولا الصقيل والرخو كالفحم، ويجزئ الروث والعظم والمطعوم
والمحترم وإن حرمت.
ويستحب ستر البدن والبعد وإعداد النبل والاعتماد على اليسرى، والدعاء
داخلا باليسرى وخارجا باليمنى، وعند الاستنجاء والفراع والصبر هنيئة،
والاستبراء بأن يمسح من المقعدة إلى أصل القضيب ثم إلى رأسه ثم عصر الحشفة
ثلاثا ثلاثا، والتنحنح ثلاثا، والجمع بين الحجارة والماء، واختيار الماء حيث
يجزئ الاستجمار، والاستنجاء باليسار وتقديم الدبر.
ويكره استقبال قرص الشمس والقمر في البول والغائط لا جهتهما، واستقبال
287

الريح واستدبارها، والبول في الصلبة والجحرة والأفنية والشوارع والمشارع
والنادي والملعن وتحت المثمر وفئ النزال وفي الماء والجاري أخف كراهة،
والاستنجاء باليمين وباليسار وفيها خاتم عليه اسم الله أو نبي أو إمام أو فصه حجر
زمزم، والكلام بغير ذكر الله أو آية الكرسي أو حكاية الأذان على قول، والبول
قائما ومطمحا، وطول الجلوس واستصحاب ما عليه اسم الله واستصحاب دراهم
بيض غير مصورة.
وليس الاستنجاء شرطا في صحة الوضوء والتيمم وإن روعي في التيمم
التضيق، ويصح الاستنجاء في غير المخرج إذا اعتيد ولو لم يعتد فهو إزالة
نجاسة، ولو استعمل نجسا وجب الماء وإن كانت نجاسة مماثلة للخارج، ولو
تعذر الاستنجاء صلى بحاله مع الجفاف بحسب الإمكان ثم يستنجي عند المكنة،
ولو نسيه وصلى أعاد في الوقت وخارجه، ولو جهله فلا وجاهل الحكم لا يعذر.
درس [3]:
يجب في الوضوء النية المشتملة على القربة، وهي موافقة إرادة الله تعالى،
والوجوب والرفع أو الاستباحة، والمبطون والسلس والمستحاضة ينوون
الاستباحة أو رفع ما مضى، ولا يشرط قصد الطاعة لله خلافا لابن زهرة رحمه
الله، والمقارنة لابتداء غسل الوجه ويجوز تقديمها عند غسل اليدين مستحبا وعند
المضمضة والاستنشاق، ولو وجب غسل اليدين لنجاسة أو استحب لا للوضوء أو
أبيح فلا نية عنده واستدامة حكمها إلى آخره، ولو نوى رفع حدث بعينه أو
استباحة صلاة بعينها فلا حرج، ولو نفى غيرهما بطل، ولو نوى استباحة ما
يكمل بالطهارة كالتلاوة أجزأ، ولو ضم المنافي بطل، ولو ضم التبرد أو غيره من
اللوازم فوجهان.
ولا تصح الطهارة وغيرها من العبادات من الكافر، ولو نوى قطع الطهارة
أو ارتد بطل فيما بقي فيبني مع العود والبلل، ويستأنف مع الجفاف، ولا يضر
288

عزوبها إلا مع نية المنافي أو اللازم ولو أمكن استحضارها فعلا في جميع الوضوء
أو بعضه لم يجب.
والخالي من موجب الوضوء ينوي الندب، فلو نوى الوجوب أو نوى من
وجب عليه الندب بطل في الأقوى، ولو نوى لكل عضو نية تامة بطل، وأولى منه
لو نوى رفع الحدث عنه لا غير، ولو غسل اللمعة بقصد الندب جهلا بها فوجهان
وفي التجديد أبعد وفي الغسلة الثانية أشد منه بعدا وأبعد من الجميع لو انغسلت
في الثالثة، وطهارة الصبي تمرينية فينوي الوجوب، ولو بلغ في الوقت استأنف إن
بقي قدرا لطهارة وركعة وإلا فلا.
وغسل الوجه وهو ركن وكذا غسل باقي الأعضاء، وهو من القصاص إلى
المحادر طولا وما دارت عليه الإبهام والوسطى عرضا، والأنزع والأغم وقصير
الأصابع وطويلها يغسلون ما يغسله المستوي، وليس الصدع والعارض
والعذران منه وإن غسلهما كان أحوط، والعذار ما حاذى الأذن من الصدع
والعارض، والعارضان من الوجه قطعا وهما الشعر المنحط عن القدر المحاذي
للأذن إلى الذقن وهو مجمع اللحيين.
ولا يجب غسل النزعتين وهما البياضان المكتنفان للناصية في أعلى
الجبينين، ولا غسل مسترسل اللحية، وتجب البدأة من الأعلى على الأصح
وتخليل ما يمنع وصول الماء إذا خف احتياطا والمشهور عدم الوجوب، نعم
يستحب وإن كثف، كما يستحب إفاضة الماء على ظاهر اللحية، وغسل الأذنين
ومسحهما بدعة ولا يبطل، ويجزئ في الغسل مسماه ولو كالدهن مع الجريان،
ولا يجب الدلك فلو غمس العضو أجزأ.
ثم غسل اليدين من المرفقين مبتدئا بهما إلى أطراف الأصابع، ولو نكس
بطل في الأصح، ويجب تخليل شعور اليدين وإن كثف وغسله أيضا وغسل
الظفر وإن طال، والسلعة تحت المرفق واليد الزائدة كذلك، ولو كانت فوق
المرفق غسلت مع الاشتباه وإلا الأصلية، والأقطع يغسل ما بقي ولو استوعب
289

سقط.
ويستحب غسل العضد نصا، ولو افتقر إلى معين بأجرة وجب من رأس ماله
ولو كان مريضا وإن زادت عن أجرة المثل ما لم يجحف، ولو تعذرت الأجرة
قضى مع الإمكان، ويجب تقديم اليمنى على اليسرى.
ثم مسح مقدم الرأس بمسماه، ولا يحصل بأقل من إصبع، وقيل: ثلاث
مضمومة للمختار، ولا يجوز استقبال الشعر فيه على المشهور، ولا المسح على
حائل ويجب كونه بنداوة الوضوء، وتجويز ابن الجنيد غيرها عند عدمها شاذ،
ولو جف كفاه ما على اللحية والحاجب والأشفار فإن فقد استأنف الوضوء، ولا
يجزئ الغسل عنه ولا المسح بآلة غير اليد.
ويكره مسح جميع الرأس وحرمه ابن حمزة، وفي الخلاف: بدعة إجماعا،
والزائد عن إصبع من الثلاث مستحب.
ثم مسح بشرة الرجلين من رؤوس الأصابع إلى الكعبين - وهما أعلى
القدمين - بالبلة الغالبة على رطوبتهما إن كانت، ولا يجزئ النكس على الأولى،
ولا تقديم اليسرى على اليمنى ولا مسحهما معا احتياطا، والمقطوع يمسح على ما
بقي ولو أوعب سقط، واستحب المسح على موضع القطع، ولا يجزئ المسح
على حائل من خف أو غيره إلا لتقية أو ضرورة، ولو زال السبب فالأقرب بقاء
الطهارة وقيل: ينتقض.
فرع: لو عاد السبب فإن كان قبل التمكن من الإعادة فلا إعادة وإلا فالأقرب
الإعادة وإن كان كالوضوء الأول.
ويجوز المسح على العربي وإن لم يدخل يده تحت شراكه.
والترتيب كما ذكر ركن أيضا، والموالاة والأقرب أنها مراعاة الجفاف وقد
حققناه في الذكرى، فلو والى وجف بطل إلا مع إفراط الحر وشبهه، ولو فرق
ولم يجف فلا إثم ولا إبطال إلا أن يفحش التراخي فيأثم مع الاختيار، ويصح نذر
290

الولاء فيلزم ويبطل الإخلال به الوضوء إن جف وإلا ففيه وجهان، ويكفر إن تعين
والمباشرة بنفسه مع الاختيار، وعد ابن الجنيد ذلك ندبا باطل.
درس [4]:
سنن الوضوء: وضع الإناء على اليمين والاغتراف والتسمية والدعاء
والسواك والمضمضة والاستنشاق ثلاثا ثلاثا والدعاء فيهما، وتثنية الغسل لا
المسح فيكره، وتحرم الثالثة، ويبطل لو مسح بمائها، وإنكار ابن بابويه التثنية
ضعيف كما ضعف قول ابن أبي عقيل بعدم تحريم الثالثة، وقول أبي الصلاح
بإبطالها الوضوء ولم يقيده بالمسح بمائها.
وبدأة الرجل بظاهر ذراعه في الأولى وبباطنه في الثانية عكس المرأة ويتخير
الخنثى، وأكثر الأصحاب أطلقوا بدأة الرجل بالظهر والمرأة بالبطن، والدعاء عند
الغسل والمسح وبعد الفراع وفتح العين عند الوضوء، قاله ابن بابويه، والوضوء
بمد، ويكره الاستعانة والتمندل في المشهور، وقيل لا يكره.
والوضوء في المسجد من البول والغائط، وتقديم المضمضة على الاستنشاق
مستحب وفي المبسوط لا يجوز العكس، ولو شك في عدد الغسل بنى على
الأقل، ولو شك في فعل أو في النية وهو بحاله أتى به، ولو جف البلل استأنف،
ولو انتقل عن محله ولو تقديرا لم يلتفت، ولو تيقن أتى به مطلقا ولو شك في
الطهارة أو الحدث بنى على المتيقن، ولو تيقنهما لا ترتيبهما تطهر، ولو أفاد التعاقب
استصحابا بنى عليه، ولو ذكر بعد الصلاة ترك عضو واجب أعادهما، فإن تعدد
الوضوء ولم يعلم محل المتروك أجزأ الواجبان والنفلان دون الواجب والنفل
على الأقوى، ولو تعدد بالنسبة إلى بعض الصلوات أعاد الأخرى ولو علمه في
صلاة يوم تام بخمس صلى ثلاثا وفي القصر اثنتين، ولو فسدت طهارتان صلى
المتمم أربعا والمقصر ثلاثا والمشتبه خمسا مراعيين للترتيب.
والجبائر تنزع أو تخلل فإن تعذرا مسح عليها ولو في موضع الغسل وكذا
291

حكم الطلاء واللصوق، ويجب استيعاب ذلك بالمسح ولا يجب إجراء الماء،
والمجروح يغسل ما حوله ولو أمكن المسح عليه وجب في الأقرب، ولو أمكن
بلصوق وجب، ولو زال العذر فكوضوء التقية.
والسلس والمبطون يتوضئان لكل صلاة خلافا للمبسوط، ولو فجأة في
الصلاة توضأ المبطون وبنى في المشهور بخلاف السلس إلا أن يكون له فترات
فيساوي المبطون.
درس [5]:
الجنابة تحصل للرجل والمرأة بإنزال المني مطلقا، ومع الاشتباه يعتبر
برائحة الطلع والعجين رطبا وبياض البيض جافا، ويقارنه الشهوة وفتور الجسد
والدفق غالبا إلا في المريض فيكفي الشهوة.
والتقاء الختانين بمعنى التحاذي ويحصل بمواراة الحشفة أو قدرها من
المقطوع، والدبر كالقبل مطلقا والقابل كالفاعل والحي كالميت، وفي البهيمة
قولان أحوطهما الوجوب، وواجد المني على جسده أو ثوبه المختص يغتسل
ويعيد كل صلاة لا يمكن سبقها، وفي المبسوط: يعيد ما صلاه بعد آخر غسل
رافع وهو احتياط حسن، ولو اشترك الثوب أو الفراش فلا غسل نعم يستحب،
ولو قيل: بأن الاشتراك إن كان معا سقط عنهما وإن تعاقب وجب على صاحب
النوبة كان وجها، ولو لم يعلم صاحب النوبة فكالمعية وباجتماعهما يقطع بجنب
على الأقرب.
ولو خرج المني من المرأة بعد الغسل أجنبت إن علمت اختلاطهما أو شكت
في الأقرب وإلا فلا، ولا يجب ببعض الحشفة ولا بإيلاج الخنثى فرجه في امرأة أو
خنثى ولا بإيلاج الرجل في قبله على الأقوى، ويجب لو أولج الرجل في دبره أو
أولج الرجل في قبله وأولج الخنثى في فرج امرأة، وأما الرجل والمرأة فأحدهما
جنب لا بعينه والأقرب تعلق الأحكام بإيلاج الصبي والصبية والملفوف وفي
292

المقطوع وآلة البهيمة نظر، ويجب على الكافر ولا يجبه الإسلام.
ويتعلق بالجنابة حرمة الصلاة والطواف ومس خط المصحف وما عليه اسم
الله أو أسماء الأنبياء والأئمة عليهم السلام وقراءة العزائم وأبعاضها، ولو اشتركت
الآية ونواها حرمت، ودخول المساجد إلا اجتيازا إلا المسجدين ووضع شئ
فيها، ويجوز الأخذ منها.
ويكره قراءة ما زاد على سبع، ولم يجوز الزيادة ابن البراج، وعن سلار
تحريم القراءة مطلقا، ومس المصحف وحمله ويجوز مس الكتب المنسوخة وما
نسخ تلاوته، والأكل والشرب والنوم ما لم يتوضأ، ويكفي في الأكل والشرب
المضمضة والاستنشاق، والخضاب والادهان.
وكيفية الغسل مقارنة النية كما سلف في الوضوء أو لغسل الرأس مستدامة
الحكم والبدأة بغسل الرأس والعنق ثم الجانب الأيمن ثم الأيسر، وتخليل ما
يمنع وصول الماء، والترتيب كما قلناه إلا في المرتمس، وألحق به المطر
والمجرى وليس بذاك.
ولا يجب غسل الشعر بل إيصال الماء إلى ما تحته وإن كثف والمباشرة،
وفي الاستبراء قولان أحوطهما الوجوب على المنزل بالبول ثم بالاجتهاد، فلو وجد
بللا مشتبها بعده لم يلتفت، ولو كان بعد البول خاصة توضأ، ولو كان بعد
الاجتهاد لتعذر البول فلا شئ، ولو لم يستبرئ فهو جنب من حين الرؤية لا قبله.
ويستحب غسل اليدين ثلاثا والمضمضة والاستنشاق وإمرار اليد على الجسد
وتخليل ما يصل إليه الماء والدعاء والولاء والغسل بصاع، ويكره الاستعانة،
ولو وجد لمعة غسلها وما بعدها، ولو كان مرتمسا أعاد، ولو أحدث في أثنائه أعاد
على الأقوى، وفي وجوب ثمن الماء على الزوج نظر نعم يجب عليه تمكينها منه،
ولو قام على مكان نجس غسل ما نجس ثم أفاض عليه الماء للغسل، ولا تجزئ
غسل النجاسة عن رفع الحدث على الأصح، ولا يجب غسل باطن الفم والأنف.
293

درس [6]:
غسل الحيض كغسل الجنابة إلا أنها تتوضأ قبله أو بعده.
والحيض الدم المتعلق بالعدة أسود حار عبيط غالبا لتربية الولد، ومحله
البالغة تسعا غير مكملة ستين سنة قرشية أو نبطية أو خمسين لغيرهما، ويتميز عن
العذرة بتلوث القطنة لا بتطوقها، وعن القرح بالجانب الأيمن، وقال الصدوق: من
الأيسر، والرواية مضطربة، وفي الحامل خلاف أقربه حيضها.
وأقله ثلاثة متوالية على الأصح وأكثره عشرة وهي أقل الطهر ولا حد
لأكثره، وتحديد أبي الصلاح بثلاثة أشهر تغليب.
وتثبت العادة بمرتين متساويتين وبالتميز مرتين وقد تتعدد العادة، ومهما
أمكن الحيض حكم به، فالمعتادة برؤيته في عادتها، والمبتدئة والمضطربة بمضي
ثلاثة على الأقرب إلا أن تظن المضطربة الحيض فتعمل عليه وما بين ثلاثة إلى
العشرة حيض، وإن انقطع أو اختلف لونه إذا انقطع عليها وتستبرئ نفسها عند
الانقطاع بقطنة وجوبا، فتغتسل بنقائها وإلا فالمعتادة تتخير بين الاستظهار بيوم أو
أزيد إلى العشرة ثم تغتسل وتفعل فعل المستحاضة، فإن طابق الطهر وإلا قضت
الصوم وتقضي ما تركته من الصلاة والصيام في الاستظهار إذا ظهر أنه استحاضة،
ولا استظهار مع النقاء إلا أن تظن المعاودة.
أما المبتدئة فظاهر الأصحاب أنها تمكث في الدور الأول إلى العشرة، فإذا
تجاوز اعتبرت التمييز فيما مضى، وشروطه اختلاف لون الدم وأن لا ينقص
القوي عن ثلاثة ولا يزيد عن عشرة، وأن يتجاوز الدم العشرة فإن كان قضت
صومه خاصة وقضت الصوم والصلاة فيما عداه، وإن فقد التمييز جعلت عادة
نسائها إن اتفقن أو أقرانها من بلدها حيضا وفعلت كما قلناه في التمييز، فإن فقدن
رجعت إلى الروايات وأشهرها ستة أو سبعة من كل شهر أو ثلاثة من شهر وعشرة
من آخر فإذا جاء الدور الثاني اعتبرت التميز وعادة النساء والروايات في نفس
العشرة وتعبدت في الزائد على ذلك.
294

أما المضطربة فإنها تعتبر التميز والروايات في جميع أدوارها، وهل
تستظهران إذا رجعتا إلى ذلك بما استظهرت به المعتادة؟ الظاهر نعم، وروي في
المبتدئة الاستظهار بعد عادة أهلها بيوم ولو عارض التميز العادة رجحت عليه ولو
رأت قبلها أو بعدها وتجاوز العشرة فالحيض العادة وإلا فالجميع، وكذا حكم
رؤيتها الطرفين.
درس [7]:
الصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض كما أن السواد في أيام الطهر
استحاضة وإن كان الأغلب العكس.
ويجب اعتبار دمها، فما لا يثقب الكرسف يوجب إبداله والوضوء لكل
صلاة، وجعله الحسن غير ناقض، وإن ثقبه ولم يسل وجب مع ذلك تغيير
الخرقة والغسل للغداة، وإن سأل فمع ذلك غسلان تجمع في أحدهما بين
الظهرين وفي الآخر بين العشائين، والحسن أوجب الأغسال الثلاثة في هذين ولم
يذكر الوضوء، وفي المعتبر: إن ظهر على الكرسف فثلاثة أغسال وإلا
فالوضوءات.
ويجوز لها دخول المساجد إذا أمنت التلويث لرواية زرارة عن الباقر عليه السلام
، واستثنى ابن حمزة الكعبة، وأوجب الشيخ وابن إدريس معاقبة الصلاة
الطهارة وهو حسن، ولا يضر الاشتغال بمقدمات الصلاة وانتظار الجماعة، ولها
الجمع بين الليلة والصبح بغسل قبل الصبح بما تسع الليلية، ولو لم تتنفل
اغتسلت بعد الفجر إلا أن تريد الصوم فتقدمه، ومع الأفعال هي طاهرة، وبترك
بعضها تبطل صلاتها، وبترك الغسل يبطل صومها، والأقرب كراهية الوطء وإن
لم تأت بالأفعال، وقال الثلاثة: لا يجوز بدونها، وإذا برئت وجب ما كان قبله من
وضوء أو غسل على الأقرب وتنوي فيه رفع الحدث إلا أن يصادف الوضوء أو
الغسل الانقطاع المستمر فلا شئ، ولو انقطع في أثناء الصلاة فالأقرب البطلان،
295

والاعتبار في كميته بأوقات الصلوات في ظاهر خبر الصحاف عن الصادق عليه السلام
، ولو نسيت عادتها ووقتها واستمر الدم فالروايات والاحتياط بالجمع بين
التكليفين ضعيف، ولو ذكرت العدد فقط تخيرت في تخصيصه ثم هي طاهر، ولو
كان في زمان يقصر نصفه عنه خصصت ما زاد على اليقين، ولو ذكرت أوله فقط
أكملته ثلاثة وتحصصت ولها العود إلى السبعة والستة، ولو ذكرت آخره
فكذلك، ويجب عليها الاستظهار بالتلجم والاستشفار إن احتيج إليهما وكذا
السلس والمبطون، فلو سبق الدم أو الحدث لتقصير أعيدت الطهارة وإلا فلا.
درس [8]:
النفاس دم الولادة معها أو بعدها، ودم الطلق استحاضة إلا أن يتخلل بينه
وبين الولادة عشرة فيكون حيضا بشرائطه، ويكفي المضغة لا العلقة إلا أن تشهد
أربع نساء عدول بأنها مبدأ الولد، ولو لم ترد دما فلا نفاس.
ولا حد لأقله غير مسماة وأكثره عشرة، فلو زاد فالأقرب رجوع المعتادة إلى
العادة والمبتدئة والمضطربة إلى العشرة، ولو رأته ثم انقطع ثم رأته في العشرة
فهما وما بينهما نفاس، والتوأمان نفاسان، أما الولد الواحد لو تقطع ففي تعدد
النفاس نظر، وتفارق الحائض في الأقل والدلالة على البلوغ وقضاء العدة إلا في
المطلقة حاملا من الزنى، ويشتركان في تحريم الصلاة والطواف والصوم فرضا
كانت أو نفلا، ومس كتابة القرآن وما عليه اسم الله تعالى أو نبي أو إمام، ودخول
المساجد إلا اجتيازا عدا المسجدين، ووضع شئ فيها.
وتحريم الوطء قبلا وحرم المرتضى الاستمتاع إلا بما فوق المئزر وحده من
السرة إلى الركبة ويباح عنده الحدان والأظهر الكراهة.
ويعزر الواطئ عالما عامدا ويكفر على المشهور بدينار أوله ونصف أوسطه
وآخره ربع، ولا تجزئ القيمة على الأقرب، ولو عجز تصدق على مسكين ولو
عجز استغفر الله تعالى، ولو كانت أمته تصدق بثلاثة أمداد طعام.
296

ويكره وطئها بعد الطهر قبل الغسل على الأصح.
ويحرم طلاقها حائلا مع دخوله وحضوره أو حكمه، ويبطل ولا يرتفع
حدثها بوضوء ولا غسل وقراءتها العزائم وأبعاضها.
فرع
لو نذرت العزيمة أو غيرها مما يمنع منه الحيض في وقت معين فاتفق فيه
الحيض فالأقرب وجوب القضاء، ويجب عليها الغسل عند الانقطاع وقضاء
الصوم دون الصلاة إلا المنذورة وركعتي الطواف، وإذا رأت الدم وقد مضى من
الوقت ما تسع الطهارة والصلاة قضتها، ولو طهرت وقد بقي قدر الشروط وركعة
وجب الأداء ومع الترك القضاء، ولو تكرر الوطء فالأقرب تكرر الكفارة مطلقا،
ولا كفارة على المرأة نعم تعزر، والأقرب زوال كراهة الوطء أو تحريمه بالتيمم
بعد الانقطاع لتعذر الغسل لرواية أبي عبيدة عن الصادق عليه السلام، وتسجد
وجوبا لو عرض السبب على الأصح.
ويستحب الجلوس في مصلاها بقدر زمان الصلاة ذاكرة لله تعالى، وغسل
فرجها بعد الانقطاع للوطء.
ويكره حمل المصحف ولمس هامشه وقراءة غير العزائم إلا السبع،
والخضاب والادهان والاجتياز في المساجد إذا أمنت التلويث، وكذا يجوز
للسلس والمبطون والمجروح مع الأمن وكذا الصبي المنجس، وألحق المفيد
وابن الجنيد المشاهد بالمساجد وهو حسن.
درس [9]:
يستحب للمريض الصبر وعدم الشكوى والأذن للعائدين، فلكل واحد
دعوة مستجابة، ولا عيادة في وجع العين ولا فيما نقص عن ثلاثة أيام، وليكن
غبا فإذا طال ترك وعياله، وليمرضه أرفق أهله به وليهد العائد شيئا ويسأل
297

المريض الدعاء له، ويضع العائد يده على ذراع المريض فيدعو له، ويعجل
القيام إلا مع التماسه القعود.
ويستحب الإكثار من ذكر الموت وأن لا يحدث نفسه بصباح ولا مساء،
والاستعداد برد المظلمة والتوبة والوصية وليكن فيها: اللهم فاطر السماوات
والأرض... إلى آخره، وليؤمر بحسن الظن بالله وخصوصا عند الاحتضار وتلقين
الشهادتين، والإقرار بالأئمة عليهم السلام، وكلمات الفرج، ونقله إلى مصلاه إن
عسر الموت، وقراءة الصافات ويس.
ويجب توجيهه إلى القبلة مستلقيا بحيث لو جلس استقبل، فإذا قضى نحبه
استحب: تغميض عينيه، وإطباق فيه، وشد لحييه، ومد يديه إلى جنبيه وساقيه،
وتغطيته بثوب، وقراءة القرآن عنده، والإسراج ليلا وروي دوام الإسراج في
البيت، وإيذان المؤمنين بموته ولو بالنداء والبعث إلى مجاوريه من القرى،
وتعجيل تجهيزه إلا مع الاشتباه فيستبرئ بالعلامات أو ثلاثة أيام كالغريق
والمصعوق والمبطون والمهدوم والمدخن، والاسترجاع.
وقول: اللهم اكتبه عندك من المحسنين وارفع درجته في عليين واخلف
على عقبه في الغابرين ونحتسبه عندك يا رب العالمين.
والمسارعة في قضاء دينه وإنفاذ وصاياه ويكره أن يحضره جنب أو حائض
أو يجعل على بطنه حديد.
درس [10]:
يجب تغسيله على الكفاية وكذا باقي أحكامه والأولى بالإرث أحق،
والرجال أولى من النساء، ومن لا ولي له فالإمام أو الحاكم، ويجب المساواة في
الذكورة أو الأنوثة إلا الزوجين فيجوز لكل منهما تغسيل الآخر اختيارا، وفي
كتابي الأخبار اضطرارا، والأظهر أنه من وراء الثياب، وطفلا أو طفلة لم تزد على
ثلاثة سنين اختيارا، والمحرم مع عدم المماثل من وراء الثياب وهو من يحرم
298

نكاحه بنسب أو رضاع أو مصاهرة، ولو تعذر المحرم جاز للأجانب من وراء
الثياب عند المفيد والشيخ في التهذيب، وتبعهما أبو الصلاح وابن زهرة مع
تغميض العينين، وقيل: يؤمم، وفي النهاية: يدفن بغير غسل ولا تيمم، وفي رواية
المفضل بن عمر عن الصادق عليه السلام: يغسل بطن كفيها ثم يغسل وجهها ثم
ظهر كفيها، فلو قلنا به هنا أمكن انسحابه في الرجل فيغسل النساء الأجانب منه
تلك الأعضاء.
فرع:
لو وجد صدرا أو ميتا في دار الإسلام مجهول النسب خال عن مميز الذكورة
والأنوثة فالأقرب انسحاب هذه الأقوال فيه، فيتولاه الرجال أو النساء، ويشترط
الإسلام إلا مع فقد المسلم وذي الرحم فالمشهور جوازه من الكافر والكافرة،
ومنعه في المعتبر لضعف الرواية وتعذر النية.
والخنثى المشكل يغسله محارمه من الرجال أو النساء، وأم الولد كالزوجة
ولا يقع من المميز على الأقرب، ومنع الجعفي عن مباشرة الجنب والحائض
الغسل وهو نادر، وإنما يجب تغسيل المسلم ومن بحكمه ولو سقطا تم له أربعة
أشهر، والصدر كالميت وكذا القلب.
وتغسل القطعة بعظم ولا يصلى عليها، والخالية تلف في خرقة وتدفن بغير
غسل، وفي المعتبر: لو أبين قطعة بعظم من الحي لم تغسل ودفنت والأقرب
الغسل.
ولا يغسل الشهيد إذا مات في المعركة بين يدي الإمام ولا يكفن، وكذا في
الجهاد السائغ على الأقرب، ولو كان جنبا فكغيره خلافا للمرتضى، ولا فرق بين
الصغير والكبير والذكر والأنثى والمقتول بحديد وغيره حتى من قتله سلاحه،
وينزع عنه الخفان والفرو وإن أصيبا بدم.
ولا يغسل الكافر ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن، وكذا الناصب
299

والخارجي والمغالي، وقال المفيد: لا يغسل المخالف ولا يصلى عليه إلا لضرورة،
والأشهر كراهية تغسيله فيغسل كمعتقده، ولا توضع الجريدة معه، ولو خيف
تناثر لحم المحترق والمجدور تمم ثلاثا كل بضربتين، وكذا لو فقد الماء أو فقد
الغاسل ووجد المؤمم، ولو أمكن صب الماء على المجدور وجب.
ومن وجب قتله بزنى أو قود أمر بتقديم الغسل والكفن والحنوط ثم لا يعاد
بعد قتله، والأقرب إلحاق كل واجب القتل من المسلمين بهما، ولو سبق الموت
أو قتل بغير ذلك السبب غسل.
درس [11]:
كيفية الغسل إزالة النجاسة عن بدنه أولا ثم النية وتغسيله بماء السدر ثم
بماء الكافور ثم بالقراح مرتبا كغسل الجنابة، وتوجيهه إلى القبلة كالمحتضر على
الأقرب مستور العورة، ولو تعذر الخليط غسل ثلاثا بالقراح، ولو وجد ماء غسلة
قدم السدر ويقوى القراح ويمم مرتين احتياطا، ولو فقد ماء غسلة يمم عنها.
ويستحب وضعه على ساجة أو سرير مرتفع، وتليين أصابعه ومفاصله برفق
ولو تعذر تركها، وتغسيله تحت سقف، والدعاء والذكر والاستغفار، وجعل
خرقة على يد الغاسل وإن كان ذا رحم أو محرم، وفتق قميصه وإخراج يديه منه
وجمعه على عورته وإن لم يكن له قميص سترت العورة، ولو كان الغاسل
مكفوفا أو وثق البصير من نفسه بالتحفظ استحب الستر، وتنجيته من تحت الثوب
بماء السدر والحرض ثلاثا، وغسل يدي الميت إلى نصف الذراع ثلاثا،
وتوضئته وغسل رأسه برغوة السدر، ومسح بطنه مسحا رقيقا في الغسلتين
الأوليين قبلهما إلا الحامل.
والبدأة بشق رأسه الأيمن إلى أسفل العنق ثم الأيسر، وغسل كل عضو ثلاثا
ثم تنجيته بماء الكافور والحرض ثلاثا ثم يغسل يديه أيضا ثلاثا ثم يغسله بماء
الكافور على الصفة ثم ينجى بماء القراح ثلاثا ثم يغسل يديه ثلاثا ثم يغسله ثلاثا
300

ثلاثا على الصفة ويغسل الغاسل أيضا يديه مع كل غسلة، وروي غسل رأسه
بالحرض قبل السدر وإن أقل السدر سبع ورقات وأن الملقى من الكافور في
الجرة نصف حبة، وأن يغسل رأسه بالخطمي وإكثار الماء فقيل لكل غسلة
صاع، وروي ست قرب أو سبع، ويكره مسح بطنه في الثالثة، فلو خرج منه
شئ بعد الغسل غسل الموضع ولا يعاد الغسل خلافا للحسن.
وقص أظفاره وتنظيفها بالخلال، وتسريح لحيته ورأسه، وإقعاده وركوبه
والرواية بفعلهما متروكة، ولو سقط شئ من شعره أو لحمه أو ظفره جعل في
كفنه، وحرم ابن حمزة الحلق والقص والترجيل، وكره ذلك الشيخ.
وحلق الرأس والعانة والإبط وجز الشارب.
ويكره إرسال الماء في الكنيف، ويستحب في حفيرة معدة له ولا بأس
بالبالوعة، ويجب تغسيل الغريق ويسقط الترتيب بالغمس في غير المنفعل
بالملاقاة.
درس [12]:
يجب تكفينه في مئزر وقميص وإزار من جنس ما يصلي فيه الرجل طاهرة
غير مغصوبة ومع العجز يكفي ثوبان، ولو تعذر فواحد، ولو تعذر كفن من بيت
المال أو من الزكاة فإن لم يكن سقط، ويستحب للغير بذل الكفن.
ويجب أن يحنط مساجده السبعة بالكافور وأقله مسماه وقال الشيخان: أقله
مثقال وأوسطه أربعة دراهم وروي أربعة مثاقيل وأكثره ثلاثة عشر درهما وثلث،
وفسر ابن إدريس المثقال بالدرهم وهو تحكم، فإن فضل جعل على صدره. وقال
الصدوق: تحنيط الأنف والسمع والبصر والفم والمغابن وهي الآباط وأصول
الأفخاذ وهو مروي، وروي الكراهة وهو أشهر، وروي تحنيط اللبة واللحية وباطن
القدمين وموضع الشراكين، ولا يضاف إليه المسك خلافا للصدوق، ولا يحنط
المحرم ولا يوضع في ماء غسله كافور، ولا يجمر الكفن، والرواية بتجميره
301

متروكة، ويسحق الكافور باليد ندبا ويكره بغيرها.
ويستحب الذريرة للمحل على الأكفان وروي على قطن الفرج وعلى الوجه
ومع الكافور في الغسل، ولا يجوز تطييبه بغيرهما.
ويستحب حبرة يمنية عبرية حمراء غير مطرزة بالذهب والحرير، فإن لم
توجد بعض الأوصاف اقتصر على ما وجد، ولو تعذرت اليمنية كفى غيرها.
وخرقة لشد الفخذين تسمى الخامسة طولها ثلاث أذرع ونصف في عرض
شبر ونصف تقريبا، ويشد اللف، وإن خشي حدوث أمر حشي دبره، ويكون تحت
الخامسة قطن وعمامة للرجل ينشر وسطها على رأسه ويحنك بها ويجعل طرفيها
على صدره، وروي على وجهه وظهره لا كعمة الأعرابي بغير حنك، وخمار
للمرأة، وخرقة لشد ثدييها إلى ظهرها، ونمط وهو ثوب فيه خطط وليس الحبرة
خلافا لابن إدريس.
واختلفت الرواية في كون العمامة من الكفن، والجمع أنها من الكفن الندب
لا الفرض، واستحب علي بن بابويه نمطا للرجل فوق الحبرة، فاللفائف عنده
للرجل والمرأة ثلاث، وهو قول ابن البراج وسلار والتقي وابن زهرة ورواه
الجعفي، ومنع جماعة من الزيادة على سبع في المرأة وخمس في الرجل غير
العمامة والقناع.
ويستحب القطن الأبيض والمغالاة فيه وأن يخاط بخيوطه، ويكره الكتان
والممتزج بالحرير والأسود، وبل الخيوط بالريق، وخياطة القميص المبتدأ للكفن
وجعل أكمام له، وقطع الكفن بالحديد، ومنع ابن البراج من الذهب وابن الجنيد
من الوبر.
ويستحب جريدتان من النخل فالسدر فالخلاف فالرمان فالرطب، بطول
عظم الذراع وروي شبر والحسن أربع أصابع فصاعدا، ويجوز أن تكون مشقوقة
يلصق إحديهما بجلده الأيمن من ترقوته والأخرى من ترقوة جانبه الأيسر بين
القميص والإزار، وقال ابنا بابويه: اليسرى عند وركه ما بين القميص والإزار،
302

وقال الجعفي: إحديهما تحت إبطه الأيمن والأخرى نصف مما يلي الساق ونصف
مما يلي الفخذ، ورواه يونس، وكل جائز، ولو اتقى ففي القبر، ولو نسيتا فعليه،
وتوضعان مع كل ميت حتى الأصاغر.
ويكتب عليهما وعلى القميص والإزار والحبرة واللفافة والعمامة بتربة
الحسين اسمه وأنه يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وزاد الشيخ:
وأسماء الأئمة، ومع عدم التربة بالطين والماء، ومع عدمه بالإصبع، ويكره
بالسواد وغيره من الأصابع.
وكيفية التكفين أن يغتسل الغاسل قبله أو يتوضأ رافعا للحدث بهما أو
يغسل يديه إلى المنكبين، ولو كفنه غير الغاسل فالأقرب استحباب كونه متطهرا
لفحوى أمر الغاسل بها، ثم يجفف بثوب طاهر وتفرش الحبرة ويضع الإزار
فوقها ثم القميص، وعلى كل حنوط، ثم يحنط الميت ويشد الخامسة وعليها قطن
وحنوط، وليكثر القطن في قبل المرأة إلى نصف من ثم يؤزره ثم ينقله إلى الأكفان
أو ينقلها إليه ثم يطوي جانب اللفائف الأيسر على جانبه الأيمن وجانبها الأيمن على
جانبه الأيسر ويعقد أطرافها مما يلي الرأس والرجلين، وإن شق حاشية إحديهما
وعقد بها جاز.
ويستحب الذكر واستقبال القبلة كما كان في حال غسله، وإن احتاج إلى
خياطة أو شداد جاز، ولو خرج منه نجاسة غسلت عن البدن مطلقا وعن الكفن ما
لم يوضع في القبر فيقرض، ولو كفنه في قميصه نزع أزراره لا أكمامه.
ويجوز تقبيله بعد غسله وقبله، ولا يمنع أهله من رؤيته بعد تكفينه.
والكفن الواجب مقدم على الدين من أصل التركة، ولو أوصى بالندب فمن
الثلث إلا مع الإجازة، وكفن الزوجة الدائمة على الزوج وإن كانت ملية وكذا
مؤونة التجهيز والحنوط، ولو أعسر فمن تركتها، ولو وجد الكفن بعد اليأس من
الميت فميراث، ولو كان من بيت المال أو من الزكاة أو من متبرع عاد إلى أصله،
ويستحب إعداد الكفن في الحياة.
303

درس [13]:
يجب حمل الميت إلى المصلى والقبر على الكفاية، وأفضله التربيع فيحمل
اليد اليمنى بالكتف اليمنى ثم الرجل اليمنى كذلك ثم الرجل اليسرى بالكتف
اليسرى ثم اليد اليسرى كذلك.
ويستحب تشييعه والمشي وراءه أو إلى جانبيه لا قدامه إلا لضرورة أو تقية،
وقول من رآه: الله أكبر هذا ما وعد الله ورسوله وصدق الله ورسوله اللهم زدنا
إيمانا وتسليما الحمد لله الذي تعزز بالقدرة وقهر العباد بالموت الحمد لله الذي لم
يجعلني من السواد المخترم.
ويكره الركوب إلا لضرورة أو في الرجوع، والإسراع بها، وروى ابن بابويه
أن الميت إن كان من أهل الجنة نادى: عجلوا بي، وابن الجنيد والجعفي ظاهرهما
الإسراع، والشيخ نقل في كراهيته الإجماع، والضحك، واللهو، ورفع الصوت،
والاتباع بنار إلا لضرورة الظلمة، واتباع النساء، والقيام للجنازة، والجلوس قبل
وضعها في اللحد على الأقرب، وحمل ميتين على جنازة وخصوصا الرجل
والمرأة، والرجوع قبل الدفن إلا بإذن الولي، ويستحب النعش للمرأة.
ويجب الصلاة على كل ميت مسلم ومن بحكمه، ممن بلغ ست سنين، ولو
اشتبه المسلم بالكافر صلي على الجميع بإفراد المسلم بالنية، ولا يصلى على الكافر
والغالي والناصب والباغي، ومنع المفيد والتقي من الصلاة على المخالف بجبر أو
تشبيه أو اعتزال أو إنكار إمام إلا لتقية، وأوجب ابن الجنيد الصلاة على المستهل،
ومنع الحسن من وجوب الصلاة على غير البالغ وهما متروكان.
ولا صلاة على الغائب، ومن دفن بغير صلاة صلي على قبره يوما وليلة،
وقيل: إلى ثلاثة أيام، وكذا من فاته الصلاة عليه، ولو أدركه قبل الدفن ولم يناف
التعجيل فالأولى استحباب الصلاة، ولو نزع من لم يصل عليه صلي عليه مطلقا،
وفي استحباب تكرار الصلاة عليه هنا نظر.
ويصلى على المرجوم والغال من الغنيمة وقاتل نفسه والمقتول لترك
304

الصلاة لا مستحلا وقاطع الطريق.
ويستحب الصلاة على من نقص عن ست إذا ولد حيا، والأولى بها الأحق
بالإرث، وإمام الأصل أولى مطلقا، ولا يحتاج إلى إذن الولي، وقال الشيخ: الأب
أولى ثم الولد ثم النافلة ثم الجد للأب ثم الأخ للأبوين ثم الأخ للأب ثم الأخ
للأم ثم العم ثم الخال ثم ابن العم ثم ابن الخال، وقال ابن الجنيد: الجد ثم الأب
ثم الولد، وجعل الموصى إليه أولى، ولو تساوى الأولياء قدم الأقرأ فالأفقه فالأسن،
وتقدم الأفقه على الأقرأ هنا غير مشهور، ولو لم يكن الولي أهلا لها استناب، وكذا
يجوز لو كان أهلا، ولو كان الولي صغيرا فالكبير، ولو لم يكن فالحاكم،
وليست الجماعة شرطا ولا العدد.
درس [14]:
يجب فيها: الاستقبال، وستر العورة، وجعل رأس الميت عن يمين المصلي
مستلقيا، وعدم التباعد الكثير، والنية، والقيام، وتكبيرات خمس، والتشهد عقيب
الأولى، والصلاة على النبي وآله عقيب الثانية، والدعاء للمؤمنين عقيب الثالثة،
وللميت عقيب الرابعة، والانصراف بالخامسة، وينصرف عن المنافق بالرابعة.
ويدعو للمستضعف بقوله: اللهم اغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم
عذاب الجحيم، وللطفل: اللهم اجعله لأبويه ولنا سلفا وفرطا وأجرا، وللمجهول:
اللهم أنت خلقت هذه النفوس وأنت أمتها تعلم سريرتها وعلانيتها أتيناك شافعين
فيها فشفعنا ولها ما تولت واحشرها مع من أحبت، وللمنافق الجاحد بالحق:
اللهم املأ جوفه نارا وقبره نارا وسلط عليه الحيات والعقارب.
ويستحب فيها الطهارة وخصوصا الإمام، والوقوف عند وسط الرجل
وصدر المرأة، ولو اتفقا قدم الرجل إلى الإمام وحاذى بوسطه صدرها، ولو كان
صبي لست فبينهما، ويقدم الصبي الحر على العبد وكذا الصبية مع الأمة ثم
الخنثى ثم المرأة ثم الطفل لدون ست سنين.
305

وإكثار المصلين، ونزع الحذاء لا الخف، والقرب من الجنازة، ووقوف
المأموم خلف الإمام وإن اتحد، وتحري الصف الأخير، والصلاة في المعتادة،
ويكره في المساجد إلا بمكة، وتدريج الرجال في صف واحد فيقف الإمام في
الوسط، ورفع اليدين في التكبير كله على الأقرب، والصلاة عليه نهارا ما لم يخف
عليه، والصلاة على الأنبياء عليهم السلام عند الصلاة على النبي وآله، ووقوف
الإمام حتى ترفع الجنازة.
ولا قراءة فيها ولا تسليم، والأقرب كراهيتهما اختيارا، وجوز ابن الجنيد
تسليمة واحدة للإمام عن يمينه، والأقرب مساواتها اليومية في التروك المحرمة
والمكروهة خلا الحدث والخبث، وعن الرضا عليه السلام في المصلوب ووجهه
إلى القبلة: يقوم على منكبه الأيمن ومستدبر القبلة على الأيسر ومنكبه الأيسر إلى
القبلة على الأيمن وبالعكس، ولا يستقبل ولا يستدبر.
ولا يكره في الأوقات الخمسة، ولو وافقت المكتوبة في الوقت قدم المضيق
منهما، ولو اتسعا تخير والأفضل المكتوبة، ولو ضاقا فالأقرب الحاضرة، فظاهر
المبسوط تقديم الجنازة إن خشي حدوث أمر في الميت، ولو أدرك بعض
التكبير أتم الباقي ولاء، ولو رفعت أتم ولو مشيا إلى سمت القبلة ولو على القبر،
رواه القلانسي عن الباقر عليه السلام، ولو حضرت جنازة في الأثناء ففي رواية
علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام: إن شاؤوا تركوا الأولى حتى يفرغوا من
التكبير على الأخيرة، وإن شاؤوا رفعوا الأولى وأتموا التكبير على الأخيرة، وعلى
هذه الرواية تجمع الدعوات بالنسبة إلى الجنازتين فصاعدا، والحسن والجعفي
أوردا الأذكار الأربعة عقيب كل تكبيرة في صلاة الجنازة.
ولو ظهر قلب الجنازة سويت وأعيدت الصلاة، ولو سبق المأموم بتكبير
فصاعدا استحب إعادته مع الإمام، ولو زاد تكبيرة متعمدا في الأثناء معتقدا شرعها
أثم ولم تبطل، ولو كان بعد الفراع فلا إثم.
306

درس [15]:
يجب التغسيل ثم التكفين ثم الصلاة ثم الدفن، فلو فقد الكفن جعل في القبر
وسترت عورته ثم صلي عليه.
والواجب حفرة كاتمة ريحه وبدنه، يوجه فيها إلى القبلة، مضطجعا على
جانبه الأيمن، وقول ابن حمزة باستحباب الاستقبال شاذ، ويبدل الاستقبال
بالاستدبار في الذمية الحامل من مسلم وتدفن في مقابر المسلمين، ولو تعذر البر
ثقل أو جعل في وعاء وأرسل مستقبلا.
ويحرم الدفن في المغصوبة ولو بعضها، واستحب مراعاة أقرب الترب إلا أن
يكون هناك مشهد فيحمل إليه ما لم يخف عليه أو قبور قوم صالحين، إلا الشهيد
فالمشهور دفنه حيث قتل، والمسبلة أفضل من الملك، ولو أوصى بدفنه في ملكه
فمن الثلث إلا مع الإجازة، واتحاد الميت فيكره الجمع ابتداء إلا لضرورة فيقدم
أفضلهم إلى القبلة، والصبي بعد الرجل ثم الخنثى ثم المرأة، والأب مقدم على الابن،
والأم على البنت.
وليراع في الرجال والنساء المحرمية إن أمكنت، فإن احتيج إلى جميع
الأجانب فحاجز بين كل ميتين، وتعميق القبر قامة أو إلى الترقوة واللحد إلا مع
رخاوة الأرض، وكون اللحد مما يلي القبلة وسعته للجالس، ووضع الميت أولا
عند رجل القبر ثم نقله ثلاثا وإنزاله في الثالثة سابقا برأسه، والمرأة دفعة عرضا،
وتغشية قبرها بثوب، وحل النازل أزراره، وكشف رأسه وحفاؤه، وكونه أجنبيا
إلا في المرأة، والدعاء، وتلقينه الشهادتين والأئمة عليهم السلام، وجعل التربة
تحت خده، وجعل وسادة من تراب تحت رأسه، ومدرة خلف ظهره، وحل عقد
الأكفان، ووضع خده على التراب، وتشريج اللحد باللبن، والدعاء عنده، ويكره
فرش القبر بساج أو غيره إلا لضرورة، وقال ابن الجنيد: لا بأس به وبالوطاء.
وهيل التراب بظهور الأكف مسترجعين داعين له، ورفع القبر أربع
أصابع مفرجات، وتربيعه وتسطيحه، ووضع علامة على رأسه، ووضع الحصى
307

عليه، والحمراء أفضل تأسيا بقبر النبي صلى الله عليه وآله، وأن لا يوضع فيه من
غير ترابه، ورش الماء عليه مستقبل القبلة بادئا من الرأس إلى الرجلين، ثم يدير
الماء عليه والفاضل على وسط القبر رشا متصلا، ووضع اليد عليه مقابل القبلة
وتأثيرها في ترابه، والترحم عليه، وتلقين الولي أو من يأمره بعد الانصراف
مستقبلا للميت أو القبلة.
ويكره البناء عليه واتخاذه مسجدا إلا قبور الأئمة عليهم السلام، والاتكاء
عليه والقعود والمشي عليه، وعن الكاظم عليه السلام: طاء القبور فالمؤمن
يستروح والمنافق يألم، وتحديده بالجيم والحاء والخاء، والحدث بين القبور
والضحك.
ويستحب الصبر والتعزية، وأقلها الرؤية قبل الدفن وبعده أفضل، ولا كراهية
في الجلوس لها ثلاثا، وليقل: جبر الله وهنكم وأحسن عزاءكم ورحم متوفاكم،
وعمل طعام لأهل الميت ثلاثا.
ويجوز البكاء والنوح بالحق شعرا ونثرا.
وزيارة القبور مستحبة، وإهداء شئ من القرآن إليهم، وقراءة القدر سبعا،
وكل ما يهدي إلى الميت من وجوه القرب ينفعه، دعاء أو استغفارا أو صدقة أو
قرآنا أو فعلا يدخله النيابة كالحج، والصلاة عنه واجبا وندبا.
درس [16]:
يجب الغسل على من مس ميتا آدميا غير شهيد ولا مغسل بعد برده، أو مس
قطعة فيها عظم وإن تجاوزت سنة، سواء أبينت من حي أو ميت، ولو خلت من
عظم غسل يده، ولو مسه قبل برده فلا غسل، وهل تنجس يده؟ الأقرب المنع،
ولو مس ما تم غسله فلا غسل.
ويجب بمس المسلم والكافر والمؤمم، ومن غسله كافر، ومن غسل فاسدا،
ومن سبق موته قتله، أو قتل بسبب غير ما اغتسل له، ولا فرق في مس الكافر قبل
308

غسله أو بعده، والأقرب الوجوب بمس العظم المجرد متصل بالميت أو منفصل
أما عظم الحي المتصل به فلا، أما السن فلا يجب بمسها غسل، اتصلت أو
انفصلت، ولو مس سن الميت فالأقرب المساواة لأنها في حكم الشعر والظفر.
فرع:
لو مس عظما في مقبرة المسلمين فلا غسل، ولو كانت مقبرة الكفار
فالأقرب الوجوب، ولو جهلت تبعت الدار، فلو تناوب على الدار المسلمون
والكفار فالأشبه السقوط، وصفته كغسل الجنابة إلا أن معه الوضوء، ولا يمنع
هذا الحدث من الصوم ولا من دخول المساجد في الأقرب، نعم لو لم يغسل
موضع العضو اللامس وخيف سريان النجاسة إلى المسجد حرم الدخول وإلا
فلا.
درس [17]:
الماء المطلق طاهر مطهر ما دام على أصل الخلقة، فإن خرج عنها بمخالطة
طاهر فهو على الطهارة، فإن سلبه الإطلاق فمضاف، وإلا كره الطهارة به، وإن
خالطه نجس فأقسامه أربعة:
أحدها: الواقف القليل، وهو ما نقص من الكر، وهو ينجس بالملاقاة تغير أو
لا كانت النجاسة، وما لا يدركه الطرف على الأصح أو لا، وطهره بإلقاء كر عليه
دفعة يزيل تغيره إن كان، ولو لم يزله افتقر إلى كر آخر وهكذا، وكذا يطهر
بالجاري، وقول ابن أبي عقيل بتوقف نجاسته على التغير شاذ، ولا يطهر بإتمامه
كرا، سواء كانا نجسين أو أحدهما على الأقوى.
وثانيها: الواقف الكثير، وهو ما بلغ ألفا ومائتي رطل، أو ثلاثة أشبار ونصفا
في أبعاده الثلاثة، أو ما ساواها في بلوع مضروبها، ولا ينجس إلا بتغير لونه أو
طعمه أو ريحه بالنجاسة تغيرا محققا لا مقدرا، ويطهر بما مر، ولو تغير بعضه وكان
309

الباقي كرا طهر بتموجه وإلا نجس، ولا فرق بين مياه الحياض والآنية وغيرها على
الأصح.
فرع: لو شك في استناد التغير إلى النجاسة فالأصل الطهارة، ولو جمد الماء
ألحق بالجامدات فينجس الموضع الملاقي، ويطهر بإلقاء النجاسة وما يكتنفها،
ولو اتصل الموضع بالكثير، فإن زال العين وتخلل طهر، ولو جمد الماء النجس
فطهره باختلاط الكثير به إذا صار مائعا، ولو قدر تخلله أمكن الطهارة.
وثالثها: الجاري نابعا ولا ينجس إلا بالتغير، ولو تغير بعضه نجس دون ما
فوقه وتحته، إلا أن ينقص ما تحت النجاسة عن الكر ويستوعب التغير عمود الماء
فينجس المتغير وما تحته، وطهره بتدافعه حتى يزول التغيير، ولا يشترط فيه
الكرية على الأصح، نعم يشترط دوام النبع.
ولو كان الجاري لا عن مادة ولاقته النجاسة لم ينجس ما فوقها مطلقا، ولا
ما تحتها إن كان جميعه كرا فصاعدا إلا مع التغير، ومنه ماء الحمام، ولو انتزع
الحمام من النابع فبحكمه.
وماء الغيث نازلا كالنابع، وليس للجارية حكم بانفرادها مع التواصل، ولو
اتصل الواقف بالجاري اتحدا مع مساواة سطحهما أو كون الجاري أعلى لا
العكس، ويكفي في العلو فوران الجاري من تحت الواقف.
ورابعها: ماء البئر، والأشهر نجاسته بالملاقاة، وطهره بنزح جميعه للمسكر
والفقاع والمني وأحد الدماء الثلاثة وموت الثور والبعير، ولنجاسة لا نص فيها
على الأحوط في غير المنصوص، وقيل: أربعون، وروي: ثلاثون، ولعرق الجنب
حراما، وعرق الإبل الجلالة، والفيل عند المفيد وابن البراج، والروث وبول غير
المأكول عند أبي الصلاح، وقيل في غير المنصوص أربعون وروي: ثلاثون وإن
كانت مبخرة، وكر للدابة والبغل والحمار والبقرة، وسبعين دلوا للإنسان،
وخمسين للعذرة الرطبة وإن كانت مبخرة أو الذائبة والدم الكثير، وأربعين
310

للثعلب والأرنب والكلب والخنزير والسنور والشاة وبول الرجل، وثلاثين لماء
المطر المخالط للبول والعذرة وخرؤ الكلاب وقطرة نبيذ مسكر في رواية
كردويه، وعشرين لقطرة الخمر عند الصدوق، وللدم ولحم الخنزير في رواية
زرارة ولغاية الدم عند المرتضى، والمبدأ دلو، وعشر ليابس العذرة وقليل الدم،
وتسع أو عشرة للشاة عند الصدوق، وسبع لموت الطير واغتسال الجنب
والفأرة مع التفسخ أو الانتفاخ ولخروج الكلب حيا وبول الصبي غير الرضيع،
وخمس لذرق الدجاج وخصه جماعة بالجلال، وثلاث للفأرة مع عدم الأمرين
وروي خمس، وللحية ولا شاهد به وللوزغة والعقرب، وقيل: يستحب لهما، ودلو
لبول الرضيع وللعصفور.
ولو تغيرت البئر نزحت، فإن غلب الماء اعتبر أكثر الأمرين من زوال التغير
والمقدر، وقيل: بالتراوح مع الأغلبية كما في كل موضع يجب نزحها،
فيتراوح أربعة رجال مثنى يوما إلى الليل وإن قصر النهار، ولا يجزئ الليل ولا
الملفق منه ومن النهار، ولا النساء على الأقرب ولا الخناثى، ويجزئ ما فوق
الأربعة من الرجال.
ولو اتصلت بالجاري طهرت، وكذا بالكثير مع الامتزاج، أما لو تسنما
عليها من علو فالأولى عدم التطهير لعدم الاتحاد في المسمى.
ولا يطهر بإجرائها ولا بزوال تغيرها من نفسها ولا بتصفيق الرياح ولا
بالعلاج بأجسام طاهرة، وكذا حكم باقي المياه النجسة.
ويلزم من قال بالطهارة بإتمامها كرا طهارتها بذلك كله، ولا يعتبر في
المزيل للتغير دلو، حيث لا مقدر، وفي المعدود نظر أقربه اعتبارها، وقيل: تجزئ
آلة تسع العدد والدلو هي المعتادة، وقيل: هجرية ثلاثون رطلا، وقيل: أربعون.
ولو تضاعف المنجس تضاعف النزح، تخالف أو تماثل في الاسم أو في
المقدر، ويعفى عن المتساقط من الدلو وعن جوانبها وهماتها.
ولو غارت ثم عادت، فلا نزح وبطهرها يطهر المباشر والدلو والرشى.
311

ولو شك في تقدم الجيفة فالأصل عدمه، ولا يلحق بول المرأة ببول الرجل
خلافا لابن إدريس، والنزح بعد إخراج النجاسة أو عدمها.
ولو تمعط الشعر فيها كفى غلبة الظن بخروجه وإن كان شعرا نجسا، ولو
استمر خروجه استوعبت، فإن تعذر واستمر عطلت حتى يظن خروجه أو
استحالته.
ولا ينجس بالبالوعة القريبة إلا أن يغلب الظن بالاتصال فينجس عند من
اعتبر الظن، والأقوى العدم، ويستحب تباعدهما خمس أذرع مع فوقية البئر أو
صلابة الأرض، وإلا فسبع، وفي رواية: إن كان الكنيف فوقها فاثنا عشرة ذراعا.
درس [18]:
المستعمل في الوضوء طهور، وكذا في الأغسال المسنونة، وفي رفع
الحدث الأكبر طاهر، وفي طهوريته قولان أقربهما الكراهية، واستحب المفيد التنزه
عن مستعمل الوضوء، والمستعمل في الاستنجاء طاهر ما لم يتغير أو يلاقه نجاسة
أخرى، وقيل: هو عفو، ولا فرق بين المخرجين ولا بين المتعدي وغيره، وفي
إزالة النجاسة نجس إن تغير، وإلا فنجس في الأولى على قول، ومطلقا على قول،
وكرافع الأكبر على قول، وطاهر إذا ورد على النجاسة على قول، والأولى أن ماء
الغسلة كمغسولها قبلها، وفي الخلاف طهارة غسلتي الولوع، والأخبار غير
مصرحة بنجاسته.
والمضاف: ما لا يتناوله إطلاق الماء كماء الورد والممزوج بما يسلبه
الإطلاق طاهر، وينجس بالملاقاة وإن كثر، ويطهر بصيروريته مطلقا، وقيل:
باختلاطه بالكثير وإن بقي الاسم، ولا يرفع حدثا خلافا لابن بابويه، ولو اضطر
إليه تيمم ولم يستعمله خلافا لابن أبي عقيل، ولا يزيل الخبث خلافا للمرتضى.
ولو مزج بالمطلق موافقا له في الصفات اعتبرت المخالفة المقدرة، والشيخ
يعتبر حكم الأكثر، فإن تساويا استعمل، وابن البراج يطرح، وتطهر الخمر
312

بالخلية وإن عولج إذا كان بطاهر، والعصير المشتد بها وبذهاب ثلثيه بالغليان،
والمرق النجس بقليل الدم يطهر بالغليان في المشهور واجتنابه أحوط.
ولو اشتبه المطلق بالمضاف وفقد غيرهما تطهر بكل منهما بخلاف المشتبه
بالنجس أو المغصوب.
ويمزج المطلق بالمضاف غير السالب وجوبا عند عدم ماء مطلق ويتخير
بينهما عند وجودهما.
والسؤر يتبع الحيوان طهارة ونجاسة وكراهة، ويكره سؤر الجلال وآكل
الجيف مع الخلو من النجاسة، والحائض المتهمة والدجاج، وسؤر غير مأكول
اللحم على الأقرب، ومنه الفأرة والوزغة والحية والثعلب والأرنب والمسوخ
ونجسها الشيخ، وولد الزنى وما مات فيه العقرب.
ويحرم استعمال الماء النجس والمشتبه في الطهارة، فلو صلى به أعاد في
الوقت وخارجه على الأقوى، وفي إزالة الخبث فيعيد إن علم قبله ويقضي، وإن
جهل فلا، ويجوز شربه للضرورة.
ولا يشترط في التيمم عند اشتباه الآنية إهراقها على الأقرب.
درس [19]:
النجاسات عشر: البول والغائط من غير المأكول وإن عرض تحريمه أو كان
طيرا على الأقوى، أو بول رضيع لم يأكل اللحم خلافا لابن الجنيد، وفي بول
الدابة والبغل والحمار قولان: أقربهما الكراهية.
والمني والدم من ذي النفس وإن كان بحريا كالتمساح، أو كان علقة في
البيضة أو غيرها، أما الدم المتخلف في اللحم بعد الذبح والقذف فطاهر، وكذا
دم البراغيث، وقيل: عفو.
والميتة من ذي النفس حل أو حرم، وكذا ما قطع من الحيوان مما تحله
الحياة ولا ينجس ميتة ما لا نفس له ولا دمه ولا منيه.
313

والكلب والخنزير ولعابهما وفروعهما، وإن كان كلب الصيد لم يكف
الرش خلافا لابن بابويه، وينجس منهما ما لا تحله الحياة كالعظم والشعر خلافا
للمرتضى.
والمسكرات خلافا لابن بابويه والحسن والجعفي.
والفقاع والكافر أصليا أو مرتدا أو منتحلا للإسلام جاحدا بعض ضرورياته،
كالخارجي والناصبي والغالي والمجسمي.
والإنفحة طاهرة ولو من الميت، وكذا اللبن من الميتة في الأصح، ولو اشتبه
الدم الطاهر بغيره فالأصل الطهارة، وكذا كل مشتبه بطاهر ومنه آنية المشركين،
ولو اشتبه الدم المعفو عنه بغيره كدم الفصد بدم الحيض، فالأقرب العفو.
ولا ينجس لبن البنت أو القئ والقيح والصديد الخالي عن الدم والمسك،
وذرق الدجاج غير الجلال، وعرق الجنب حراما، والإبل جلالة، والمذي وإن
كان عقيب شهوة خلافا لابن الجنيد، والودي بالدال المهملة وهو الخارج عقيب
البول، والوذي بالمعجمة عقيب المني.
ويجب إزالة النجاسة للصلاة والطواف ودخول المسجد مع التعدي،
والأكل والشرب، وعن المصحف والمساجد والضرائح المقدسة، والواجب
زوال العين، ولا عبرة بالرائحة واللون إذا شق زواله.
ويستحب صبغ الدم بالمشق، والعصر في غير الكثير، ولو لم يمكن نزع
الماء عن المغسول لم يطهره إلا الماء، وفي المائعات إذا اختلط بالكثير وجه
بالطهارة.
ولا يجب العصر في الحشايا والجلود ويكفي التغيير، وفي طهارة الحديد
المشرب بالنجس إذا شرب بكثير احتمال.
وتطهر الحبوب المبتلة والخبز إذا علم الوصول في الكثير فيكفي المرة بعد
زوال العين، وروي في البول مرتين، فيحمل غيره عليه.
وفي إناء ولوع الكلب مرتان بعد تعفيره بتراب طاهر مزج بالماء أولا، فإن
314

فقد التراب فمناسبه، فإن فقد فالأقرب إجزاء الماء مع زوال اللعاب، ولا تراب في
باقي أعضائه خلافا للمفيد، ولا في الخنزير خلافا للخلاف، والأقرب السبع فيه
بالماء، وفي الفأرة والخمر، ويغسل الإناء من غير ذلك ثلاثا يصب فيه الماء ثم
يحرك ويفرع، وهكذا وإن كان إناء الخمر غير مغضور ولا مقير في الأقوى،
وقيل: يكفي المرة ويسقط العدد في الكثير ولا يكفي عن التعفير مع القدرة عليه
على قول.
درس [20]:
المطهرات عشرة: الماء كما مر، والشمس إذا جففت الأرض والحصر
والبواري وما لا ينقل وزالت العين لا بتجفيف الريح خلافا للمبسوط.
وتطهر الأرض والحجر النعل والقدم إذا زالت العين بمشي أو غيره، وفي
رواية: بمشي خمسة عشر ذراعا.
والنار ما أحالته رمادا أو دخانا أو آجرا أو خزفا عند الشيخ.
والاستحالة في النطفة والعلقة حيوانا وفي النجس إذا استحال ملحا أو ترابا.
وأدوات الاستنجاء، وإسلام الكافر، واستبراء الحيوان الجلال، ونقص
العصير وانقلابه، وانقلاب الخمر خلا.
وتطهر الأرض بكثير الماء وبالذنوب في قول مشهور إذا ألقي على البول،
ويشترط ورود الماء حيث يمكن.
ويطهر الدم بانتقاله إلى البعوض والبرغوث، والبواطن بزوال العين، ولا
يطهر الدم بالبصاق خلافا لابن الجنيد والرواية ضعيفة، ولا الجسم الصقيل
كالسيف بالمسح خلافا للمرتضى، ولا يتعدى النجاسة مع اليبوسة، وفي الميت
رواية يفهم منها النجاسة مطلقا وتعارضها غيرها.
والدباغ غير مطهر، وقول ابن الجنيد شاذ، وأشذ منه قول ابن بابويه
بالوضوء والشرب من جلد الميتة.
315

وعفي عما نقص عن سعة الدرهم البغلي - بإسكان الغين - من الدم غير
الثلاثة ونجس العين، وقدره الحسن بسعة الدينار، وابن الجنيد بعقد الإبهام
الأعلى، وطرد العفو عن هذا القدر في سائر النجاسات.
وعن دم القروح والجروح الذي لا ترقي، وعن نجاسة ما لا يتم فيه الصلاة
وحده وإن غلظت نجاسته، وعد ابنا بابويه منه العمامة، واشترط بعضهم كونها في
محالها، وآخرون كونها ملابس، والخبر عام في كل ما على الإنسان أو معه.
وعن نجاسة ثوب المربية للصبي ذات ثوب واحد إذا غسلته كل يوم وليلة
مرة، ويلحق به الصبية والمربى والولد المتعدد.
وعن خصي يتواتر بوله إذا غسل ثوبه أو في النهار مرة، وعن النجاسة مطلقا
مع تعذر الإزالة.
درس [21]:
إذا صلى مع نجاسة ثوبه أو بدنه عالما عامدا مختارا بطلت، ولو جهل
النجاسة فالأقوى الصحة، وقيل: يعيد في الوقت، وحملناه في الذكرى على من لم
يستبرئ بدنه وثوبه عند المظنة للرواية، ولو جهل الحكم لم يعذر، ولو نسي
فالأقوى الإعادة مطلقا، ولو علم في أثناء الصلاة أزالها وأتم وإن افتقر إلى فعل
كثير بطلت، وعلى القول بإعادة الجاهل في الوقت تبطل وإن تمكن من الإزالة،
أما لو شك في حدوثها وتقدمها أزالها ولا إعادة.
ولو اضطر إلى الصلاة فيه لبرد وشبهه وليس غيره فلا إعادة على الأصح،
ولو لم يكن ضرورة فالأقرب تخيره بين الصلاة فيه وعاريا، وقيل: يتعين الثاني
وهو أشهر.
ولو اشتبه الطاهر بالنجس وفقد غيرهما صلى فيهما، ولو تعددت زاد على
عدد النجس واحدا، ولو جهل العدد صلى في الجميع، ولو ضاق الوقت فالأقرب
الصلاة فيما يحتمه الوقت، والمشهور أنه يصلي عاريا، وعلى ما قلناه من التخيير
316

هناك فهنا أولى، ولو عدم أحد الثوبين المشتبهين صلى في الباقي، وقيل: عاريا،
وقول ابن إدريس بالصلاة مع الاشتباه عاريا مدخول.
ولو صلى حاملا لحيوان طاهر صح، وفي القارورة المصمومة النجسة
خلاف مبناه المساواة للحيوان أو كونها مما لا يتم فيه الصلاة أو عدم الأمرين.
ولو جبر بعظم نجس، وجب قلعه إجماعا ما لم يخف التلف أو المشقة
الشديدة ويجبره الإمام، ولو مات لم تقلع.
ولو شرب خمرا أو منجسا أو أكل ميتة أو احتقن تحت جلده دم نجس
احتمل وجوب الإزالة مع إمكانها، ولو عللت القارورة بأنها من باب العفو احتمل
ضعيفا اطراده هنا، لأنه التحق بالباطن.
ويحرم اتخاذ الآنية من الذهب والفضة للاستعمال والتزيين على الأقوى
للرجل والمرأة، وفي المفضض روايتان، والكراهة أشبه، نعم يجب تجنب موضع
الفضة على الأقرب، ولا بأس بقسيعة السيف ونعله من الفضة وضبة الإناء وحلقة
القصعة وتحلية المرآة بها، وروي: جواز تحلية السيف والمصحف بالذهب
والفضة، والأقرب تحريم المكحلة منهما وظرف الغالية، أما الميل فلا.
ولا يحرم المأكول والمشروب في الإناء المحرم ولا بيعه، نعم يجب سبكه
على المشتري، ولا تبطل الطهارة منه أو فيه، ولا يحرم غيرهما من الجواهر،
ويجوز الإناء من العظام مع طهارة أصلها إلا الآدمي، وكذا مما لا تحله الحياة ولو
من الميتة، ويشترط في إناء الجلد مع طهارة الأصل التذكية والدبغ إن كان غير
مأكول اللحم في قول.
درس [22]:
يستحب الاستحمام غبا ويوم الأربعاء، والجمعة أفضل، ودخوله بمئزر،
والدعاء عند نزع الثياب وعند الدخول، ووضع الماء الحار على الهامة
والرجلين، وابتلاع جرعة منه، وسؤال الجنة والاستعاذة من النار، والإطلاء
317

والخضاب والتعمم عند الخروج شتاء وصيفا، وأن يقول له: طاب ما طهر منك
وطهر ما طاب منك.
ويكره الاتكاء فيه وغسل الرأس بالطين ومسح الوجه بالإزار والسواك
فيه ودخوله على الريق وبغير مئزر، ويحرم إبراز العورة حيث الناظر.
ويستحب التنور قائما وفي كل خمسة عشر يوما، ونهي عن ترك العانة
أربعين يوما، وحلق الإبط أفضل من نتفه وطليه أفضل من حلقه.
ويستحب القلم والأخذ من الشارب يوم الجمعة، وقول: بسم الله وبالله
وعلى سنة محمد وآل محمد عليه السلام فيهما، وحلق الرأس، وغسل الرأس
بالسدر والخطمي، وتسريح اللحية سبعين مرة، وجز ما فضل عن القبضة منها،
والتمشط بالعاج، وخدمة الشعر لمن اتخذه وفرقه، ويكره نتف الشيب ولا بأس
بجزه، ويكره للمرأة ترك الحلي.
والسنن الحنفية خمس في الرأس: المضمضة والاستنشاق والسواك وفرق
الشعر وقص الشارب، وخمس في البدن: قص الأظفار وحلق العانة والإبطين
والختان والاستنجاء.
ويتأكد السواك عند الوضوء والصلاة والسحر وقراءة القرآن وتغيير
النكهة، ويكره تركه أزيد من ثلاثة أيام وفيه اثني عشر خصلة هو من السنة مطهرة
للفم ومجلاة للبصر ويرضي الرحمان وتبيض الأسنان ويذهب بالحفر ويشد اللثة
ويشهي الطعام ويذهب بالبلغم ويزيد في الحفظ ويضاعف الحسنات وتفرح به
الملائكة.
ويستحب الاكتحال بالأثمد عند النوم وترا وترا وفراهة الدابة وحسن وجه
المملوك وإظهار النعمة، وروي: أن النبي صلى الله عليه وآله لعن الواصلة
والمستوصلة أي في الشعر، والواشمة والمستوشمة أي في الفم وغيره، والواشرة
والمستوشرة أي في الأسنان بالترقيق.
318

درس [23]:
من لم يجد الماء تيمم بالصعيد، وهو التراب بأي لون اتفق أو المدر أو
الحجر دون المتصل بالأرض من النبات الطاهر، والمشوب بغيره مجزئ إذا لم
يخرج عن الاسم، والرخام والبرام وأرض النورة وأرض الجص قبل الاحتراق،
وجوز المرتضى بالنورة والجص، ومنع ابن الجنيد والمحقق من الخزف.
ولا يجوز بالمعدن والنجس والمغصوب والرماد، ويجوز بتراب القبر إلا أن
يعلم اختلاطه بالصديد ولما يستحيل ترابا، ويجزئ المستعمل وهو المنفوض أو
الممسوح به لا المضروب عليه.
ومع فقد الصعيد غبار ثوبه ولبد سرجه وعرف دابته ثم الوحل، ويستحب
من العوالي ويكره من الطريق.
ويجب شراء التراب أو استئجاره، وجوز المرتضى التيمم بنداوة الثلج،
والشيخان قدما التراب عليه، فإن فقدا دهن به، ويظهر من المبسوط اعتبار الغسل
به وإلا فالتيمم بالتراب.
ويجب الطلب في الجهات الأربع غلوة في حزن الأرض وإلا فغلوتين إلا مع
يقين العدم، وقيل: يطلب ما دام في الوقت، وروي: لا طلب.
ولو وهب الماء أو أراقه في الوقت أو ترك الطلب وصلى أعاد، والأولى
بالإعادة ما لو وجد الماء في موضع الطلب، ولو نسي الماء فالأقرب الإعادة.
ويجوز التيمم سفرا وحضرا ولا يعيد الحاضر خلافا للمرتضى.
ويجب شراء الماء ولو بلغ ألف درهم مع القدرة وعدم الضرر الحالي، ولو
وهب الماء أو أعير الآلة أو بيع بثمن مؤجل يقدر عليه عند الأجل وجب، بخلاف
ما إذا وهب الثمن أو الآلة.
وإزالة النجاسة عن الثوب والبدن والشرب أولى من الطهارة إذا كان
الشارب حيوانا له حرمة، ولو تعذر ما يتمم عليه فالطهارة أولى من إزالة النجاسة،
وكذا لو كانت النجاسة معفوا عنها.
319

ولو وجد ما يكفي بعض أعضائه تركه وتيمم، ولو تضرر بالماء في بعض
الأعضاء تيمم، وفي المبسوط: يغسل الصحيح ويتيمم، ولا تيمم عن نجاسة البدن
إجماعا.
ولو خاف من لص أو سبع على نفسه أو ماله، أو خافت المرأة على بضعها أو
خيف التلف باستعماله أو الشين تيمم، وإن أجنب عمدا على الأشبه، وأوجب
المفيد على العامد الغسل وإن خاف على نفسه، وفي النهاية: إذا خاف التلف
تيمم وصلى وأعاد، وهو ضعيف.
وكذا لا يعيد المتيمم لزحام عرفة أو الجمعة أو مع نجاسة ثوبه صلى على
الأقوى، والجنب أولى من الميت، والمحدث بالماء المبذول للأحوج، وكذا يقدم
الجنب على باقي المحدثين، ومزيل النجاسة أولى من الجميع، وفاقد الطهورين
الأشبه قضاؤه.
درس [24]:
لا يجوز تقديم التيمم على الوقت إجماعا، ووقت الفائتة ذكرها، والاستسقاء
الاجتماع في الصحراء، وفي صحته مع السعة خلاف أشهره وجوب التأخير إلى
الضيق، إلا مع الضرورة لجواز ارتحال القافلة وغيره وخصوصا مع الطمع في
الماء، ولو ظن ضيق الوقت فتيمم فظهر خلافه فالأقرب الإجزاء، ولو دخل الوقت
عليه متيمما فوجوب تأخير الصلاة أضعف، وقطع في المبسوط بصحتها في أول
الوقت.
ويجب فيه نية الاستباحة لا رفع الحدث، إلا أن يقصد رفع الماضي والقربة
والبدلية، ومقارنتها للضرب على الأرض واستدامتها حكما ومباشرة الأرض بيديه
معا، ولا يكفي التعرض لمهب الريح ولا تمعيك الأعضاء في التراب، والأقرب
أنه لا يشترط الاعتماد على اليدين بل يكفي وضعهما على الأرض، والأشهر في عدد
الضربات اثنتان للغسل وواحدة للوضوء، ويتكرر التيمم في الغسل المكمل
320

بالوضوء، ولا يشترط علوق الغبار باليدين خلافا لابن الجنيد.
ويجب مسح الجبهة من قصاص الشعر إلى طرف الأنف الأعلى بادئا
بأعلاها ملصقا بالبطن كفيه بها، ولا يجزئ الواحدة اختيارا وإن كانت يمنى خلافا
لابن الجنيد.
ثم مسح ظهر الكف اليمنى ببطن اليسرى من الزند إلى أطراف الأصابع،
ثم مسح اليسرى ببطن اليمنى، وأوجب ابن بابويه استيعاب الوجه والذراعين
والموالاة، وإن كان بدلا عن غسل يجوز تفريقه ولا يضر الفصل بما لا يعد تفريقا.
والمباشرة بنفسه إلا مع العذر وطهارة موضع المسح، ولو تعذر فالأقرب
الصحة مع عدم تعدي النجاسة إلى التراب، ولا يشترط خلو غير الأعضاء عن
النجاسة في أقوى الوجهين، وتقدم الاستنجاء وإزالة النجاسة عليه إن اعتبرنا ضيق
الوقت.
ويستحب: السواك، والتسمية، وتفريج الأصابع عند الضرب، ونفض
اليدين، ومسح الأقطع مستوعبا ما بقي، وأن لا يرفع يده عن العضو حتى يكمل
مسحه.
ولا يستحب تخليل الأصابع في المسح ولا التكرار في المسح، ويستباح
به كلما يستباح بالمائية حتى الطواف ودخول الكعبة على الأظهر والاجتناب
أحوط.
ولا يبطل بالردة ولا بنزع العمامة والخف ولا بظن الماء أو شكه، ويبطل
بالتمكن من استعمال الماء، فلو وجده قبل الصلاة تطهر، وبعدها لا إعادة، وفي
أثنائها روايات أقواها البناء ولو على التكبير، وجوز بعضهم العدول إلى النفل وهو
ضعيف، ولو فقد الماء بعدها قبل التمكن من استعماله لم تجب إعادة التيمم،
سواء كان في فرض أو نفل على الأقوى، نعم لو وجده في صلاة غير معينة عن
القضاء عند من قال به فالأقرب انقطاع الصلاة، وكذا لو وجد التراب في أثناء
صلاة لحرمة الوقت.
321

ولو أحدث المتيمم في الصلاة ووجد الماء تطهر وبنى إن كان الحدث
نسيانا عند الشيخين، والرواية الصحيحة مطلقة، وعليها الحسن.
ولا يرفع التيمم الحدث، فلو تيمم المجنب ثم وجد ماء يكفيه للوضوء فلا
وضوء، خلافا للمرتضى، ويعيد التيمم بدلا من الغسل وعنده بدلا من الوضوء.
ويجوز المسح على الجبائر مع تعذر نزعها، فلو زال العذر بعد التيمم،
فالأقوى بقاء التيمم، ولو وجد الماء بعد تيمم الميت وجب تغسيله وإعادة الصلاة
لو سبقت، نعم لا يعاد لو دفن إلا أن يقلع.
322

البيان
للشهيد السعيد محمد بن جمال الدين مكي العاملي
" الشهيد الأول "
734 - 786 ه‍. ق
323

كتاب الطهارة
وهي تطلق على النزاهة من الأدناس، وعلى رفع الخبث، وعلى كل واحد
من الوضوء والغسل والتيمم إذا أثر في استباحة الصلاة، وهو المعنى الذي استقر
عليه اصطلاح علماء الخاصة.
والنظر في أطراف خمسة:
الطرف الأول: فيما يشرع له:
لا ريب في توقف استباحة الصلاة وإن كانت ندبا، والطواف الواجب
خاصة، ومس كتابة القرآن عليها، وتوقف صوم الجنب والحائض والنفساء
والمستحاضة الكثيرة الدم، على الغسل، وكذا دخول المساجد وقراءة العزائم
والجواز في المسجدين الأعظمين، والتيمم بدلا من الوضوء والغسل، ويختص
بخروج الجنب والحائض من المسجدين، وقيل عند تعذر الغسل، وظاهر
الأصحاب الإطلاق، والأكثر على انحصار وجوب الطهارة في هذه الأمور حيث
تجب، واستثنى بعضهم غسل الجنابة من البين وهو تحكم ظاهر، وفرعوا على
ذلك الإيقاع قبل هذه الأسباب بنية الوجوب أو الندب مع اتفاقهم على أن
الوجوب موسع وأن تضيقه تابع لتضيق هذه الغايات وهو مسلك قوي على
تعلق وجوبها بها وليكن الأقرب على الأقرب.
وقد تجب بالنذر وشبهه، فإن عين أحدها تعين وإن خير مطلقا تخير بين
325

الوضوء والغسل، وإن قيد التخيير بالتيمم اشترط عدم الماء كما يشترط عند
تعيينه، وإن أطلق الطهارة فالأقرب حملها على المائية الرافعة للحدث والمبيحة
للصلاة، ولا يجزئ التيمم إلا مع التعذر، ولا يجزئ وضوء الجنب وغسل
الجمعة، نعم يجزئ مع تعيينه.
وأما ما يستحب له فالوضوء لندبي الصلاة والطواف، ولقراءة القرآن وحمل
المصحف ودخول المسجد، وصلاة الجنازة وقضاء الحاجة وزيارة القبور،
وعقيب الحدث لاستدامة الطهارة وأفعال الحج الباقية، والمذي والودي،
والتقبيل بشهوة ومس الفرج، والأغسال المستحبة، ولخروج بلل مشتبه بعد
الاستنجاء للمتوضئ قبله ولو كان قد استجمر، وكذا لو خرج بلل بعد
الاستبراء، وللتأهب لصلاة الفرض ولجماع الحامل، وكل هذه ينوي فيها الرفع
أو الاستباحة والتجديد.
وجماع المحتلم وغاسل الميت، وذكر الحائض ونوم الجنب، وهذه
لا يتصور فيها رفع الحدث، وروي للرعاف والقئ والتخليل المخرج للدم إذا
استكرهما الطبع.
والزيادة على أربعة أبيات شعر باطل، والقهقهة في الصلاة عمدا، وأوجبه هنا
ابن الجنيد رحمه الله، كما أوجبه للمذي والحقنة والدم الخارج من السبيلين إذا
شك في خلوة من الحدث.
والقبلة بشهوة في المحرم، وفي المحلل احتياطا عنده، ولكنه ضعيف.
والغسل للجمعة بعد طلوع فجرها إلى الزوال أداء وقربة منه أفضل ثم
يقضي إلى آخر السبت، ويعجل يوم الخميس لخائف فوت الأداء، وإن علم
التمكن من القضاء وأخر المعجل أفضل، كما أن أول القضاء أفضل.
وفرادى شهر رمضان ويتأكد أول ليلة والنصف وسبع عشرة وتسع عشرة
وإحدى وعشرين وثلاث وعشرين أول الليل وآخره.
وليلة الفطر والعيدين والمولد والمبعث والغدير والدحو والمباهلة وعرفة
326

والتروية والنيروز، وليلتي نصف رجب وشعبان.
والإحرام والطواف وزيارة أحد المعصومين، وصلاة الحاجة والاستخارة،
ودخول الحرم ومكة ومسجدها والكعبة والمدينة ومسجدها، والتوبة عن فسق أو
كفر، والسعي إلى رؤية المصلوب عمدا بعد ثلاثة، وترك الكسوفين عمدا مع
الاستيعاب، والمولود حين ولادته، والاستسقاء وقتل الوزغة.
وإعادة الغسل عند زوال الرخص كالمسح على الجبائر، والغسل عند
الشك في الحدث لواجد المني في الثوب المشترك، وهذان ينوي فيهما رفع
الحدث، وقيل للإفاقة من الجنون ولم يثبت، فإن قلنا به نوى الاستباحة لما قيل
إن المجنون يمني.
والتيمم بدلا من الوضوء في موضع استحبابه، وفي الغسل المنوي به رفع
الحدث، وقيل: ومن غسل الإحرام، ويمكن اطراده مع كل غسل وخصوصا
عند المرتضى حيث يقول: بأن الأغسال المندوبة ترفع الحدث.
ويجوز التيمم ندبا للنوم مع القدرة على الماء، قيل: وكذا لصلاة الجنازة
والأقرب تقييده بخوف فوت الصلاة عليها.
فروع:
الأقرب جواز نفل الطواف للمحدث، ووجوب التيمم للصوم حيث يتعذر
الغسل، ولو قدم غسل الجمعة ثم تمكن منه في وقته استحب إعادته، ولو فقد
التمكن بعد مضي زمانه فالأقرب استحباب القضاء، ويقدم أغسال الفعل إلا التوبة
والسعي إلى رؤية المصلوب وما قيل بوجوبه كهذا الغسل، وغسل تارك
الكسوف وغسل الجمعة والإحرام، والمولود آكد من غيره.
واستحباب هذه الأغسال عام في حق الرجال والنساء، وإن كان قد رخص
في ترك غسل الجمعة للنساء سفرا مع قلة الماء، والأقرب تداخلها وخصوصا
مع انضمام الواجب إليها، وفي اشتراط التيمم للصوم بعدم الناقض الأصغر قبل
327

الفجر نظر، نعم لا يشترط بعده، وفي شرعية تجديد التيمم كالوضوء نظر.
الطرف الثاني: في أسبابها:
وللوضوء البول والغائط من المخرج الطبيعي وغيره إذا اعتيد، واعتبر
الشيخ أبو جعفر الطوسي رحمه الله تحتية المعدة، وابن إدريس حكم بالنقض
مطلقا.
والريح كذلك لا من قبل المرأة على قول قوي، والنوم المزيل للإحساس
وإن كان في الصلاة أو قاعدا لم ينفرج، وما يفهم من كلام أبي جعفر بن بابويه
من عدم نقضها ضعيف، وعدم ذكر والده النوم لا دليل فيه على نفي نقضه.
وكلما أزال العقل، والاستحاضة مع القلة أو التوسط بالنسبة إلى ما عدا
الصبح، ولا ينقض الطهارة غير ذلك من الخارج من السبيلين إلا أن يخالطه
ناقض، ومن لمس النساء، وقلم الظفر، وحلق الشعر، وأكل الجزور، وممسوس
النار، ومس فرج البهيمة، وللغسل الجنابة والدماء الثلاثة ومس ميت الآدمي
نجسا، والموت، وكل هذه أسباب التيمم.
ولا خلاف في تداخل أسباب الوضوء، والأقرب تداخل أسباب الغسل
أيضا، فإن نوى الخصوصية استتبعت حكمها، نعم غسل المستحاضة المتحيرة لا
تداخل مع غسل الحيض، ولو أطلق الاستباحة أو الرفع في الوضوء أو الغسل
أجزأ من غير وضوء، وإن كان عليه ما فيه الوضوء وهو ما عدا غسل الجنابة.
أما غسل الأموات فلا يجامعه غيره على الأصح ووضوؤه ندب على
الأقرب، ولا فرق في انتفاء الوضوء مع غسل الجنابة بين من أجنب مع نقض
الوضوء وبين غيره، واستحبه الشيخ رحمه الله مطلقا.
وتجب على المتخلي ستر العورة، وغسل البول بالماء خاصة وأقله مثلاه مع
زوال العين والاختلاف هنا في مجرد العبادة، ولا يجب الدلك وغسل الغائط
مع التعدي، ولا معه يجزئ مسحات ثلاث بطاهر مزيل للعين ولا عبرة بالأثر
328

إلا في الماء أما الريح فمغتفر فيهما، ويحرم بالروث والمطعوم والمحترم والعظم
ويجزئ، ومنعه الشيخ وابن إدريس.
ويحرم استقبال القبلة واستدبارها في الصحاري والأبنية على الأصح،
وينحرف في مستقبلهما وجوبا، والأقرب جوازه لواجد ما يتمكن فيه من تمام
المخالفة وإن كان مكروها.
ويستحب ستر البدن وتغطية الرأس، وتقديم اليسرى دخولا واليمنى
خروجا، ونزع ما فيه اسم الله تعالى، والتسمية والدعاء داخلا وخارجا
ومستنجيا، والتنحنح ثلاثا والصرير حيث يمكن، وأوجبه الشيخ أبو علي سلار،
وزوال الرائحة إذا أمكن، ودلك البول وإدارة أداة المسح على وجه الالتقاط
والاستيعاب، ولو لم ينق بالثلاث وجب الزائد ولو نقى بدونهما أكملها وجوبا
على الأصح.
ويستحب الوتر والجمع بين المطهرين والاستبراء للرجل وأوجبه في
الاستبصار، يمسح ما بين المقعدة إلى أصله، ثم ينتره ثم عصر الحشفة مثلث، فلو
وجد بعده بللا مشتبها لم يضر وبدونه يعيد الوضوء دون الصلاة الواقعة قبله،
ومسح بطنه قائما عند الفراع بيمينه، وقيل: تستبرئ المرأة عرضا فيمكن
انسحاب الفائدة فيها والاعتماد على اليسرى وفتح اليمنى والاقتصار في الاستجمار
على الأرض وما ينبت منها ليخرج، من خلاف سلار.
ويكره الشارع والمشرع والملعن والفناء، وتحت المثمرة وفئ النزال وما
يتأذى به، والجحرة واستقبال النيرين والريح بالبول والقيام والتطميح والبول في
الصلبة، والكلام بغير ذلك ذكر الله تعالى وآية الكرسي أو حكاية الأذان أو حاجة يضر
فوتها، وإطالة المكث ومس الذكر باليمين ومصاحبة دراهم بيض، والسواك
والأكل والشرب.
والاستنجاء باليمين، وباليسار وفيها خاتم فصه من حجر زمزم أو عليه اسم
الله تعالى أو أحد المعصومين عليهم السلام، وفي الماء الجاري أخف كراهة،
329

ويجزئ الحجر ذو الجهات، واحتاط في المبسوط بالعدد والتجزئة.
وليس الاستنجاء شرطا في صحة الوضوء على الأقرب، وظاهر ابن بابويه
شرطيته، وكذا لا يشترط طهارة غير محل الأفعال، نعم يعيد الصلاة لو صلى
بدونه في موضع إعادتها لو صلى بنجاسته، ولو استعمل نجس وجب الماء وإن
كانت بالغائط وينتقل حكم الاستنجاء بانتقال محله ويختص الخارج من
الحدثين بالاستنجاء والصقيل الذي يزبح عن النجاسة لا يطهر ولو تعذر الاستنجاء
فالموضع على نجاسته ويصح الصلاة ثم يغسل عند الإمكان.
الطرف الثالث: في الكيفية:
وفيه فصول ثلاثة:
الأول: في الوضوء:
ويجب فيه ثمانية:
النية المشتملة على الوجوب والقربة والاستباحة أو الرفع في موضع إمكانه
على الأقوى، ومحلها القلب، ولا يستحب الجمع بينه وبين اللسان، ولا يتعين النية
في رفع الخبث وإن توقف عليها استحقاق الثواب، ويستحب تقديمها عند غسل
يديه المستحب أو عند المضمضة والاستنشاق في المشهور، وإيلاؤها غسل أول
الوجه أولى، ويجب الاستمرار على حكمها إلى آخره، فلو نوى القطع بطل حينئذ
لا قبله فيعيد النية لباقي الأعضاء مع بقاء البلل، ويستأنف مع الجفاف، ويبطل
بضميمة ما ينافيها أو يلازمها على الأقوى، والمرفوع هو القدر المشترك، في
المنع من الصلاة فلو نوى الخصوصية لغا، ولو جمع بين النفي والإثبات في
حدثين واقعين بطل، وكذا في صلاتين.
ولا يضر غروب النية في الأثناء، ولو استند إلى غفلة عمدا إلا أن ينوي ما
يبطل ضميمته ابتداء، ولو غلط في تعيين الحدث أو الصلاة التي لا يتصور وقوعها
حينئذ فالأقرب الفساد، وأولى منه لو تعمد مع احتمال الفرق بين الصورتين لأن
330

الغرض في الصلاة الاستباحة لا الوقوع، والجزم معتبر في النية فلو ردد بطل،
والجزم من الشاك في الحدث مع تيقن الطهارة لغو، والتردد من عكسه مبطل.
ولو نوى استباحة موقوف الكمال كفى على الأصح بخلاف استباحة
الممتنع كنية الحائض الاستباحة ولو ظهر انقطاعه بعد الوضوء، ولا يجزئ
إفراد الأعضاء كل بنية ولو قصد فيها الاستباحة المطلقة أو الرفع المطلق ولو نوى
مشغول الذمة بالوجوب الندب لم يجز، وكذا بالعكس وقيل: يصح العكس
لأنه يؤكد الندب.
ولو نوى في غسل الغسلة الثانية الوجوب، فالأقرب خروج مائها عن
الوضوء، ولو نوى بها الندب فصادفت لمعة لم تصبها الأولى، فالأقرب عدم
الإجزاء، ولو صادف المجدد الحدث فالأصح عدم إجزائه، ولو صادف الوقت
الناوي ندبا استأنف، ولا عبرة بتقرب الكافر فلا يصح منه طهارة، ولو كانت
الكافرة في عصمة المسلم وقد طهرت من الحيض فالأقرب إباحة وطئها ولو منعنا
منه في المسلمة، نعم قيل يصح من الكافر تغسيل المسلم للضرورة، وهي رواية
عمار وهو فطحي، وعمرو بن خالد وهو زيدي، ومن ثم أعرض عنه الشيخ نجم
الدين بن سعيد رحمه الله.
الثاني: غسل الوجه وحده من قصاص شعر الرأس إلى محادر شعر الذقن
طولا وما اشتملت عليه الإبهام والوسطى عرضا، وغير مستوي الخلقة يحال عليه،
ويجب البدأة بالأعلى على الأقوى، وتخليل ما خف من الشعر لا ما كشف وإن
كان للمرأة، ولا يجب غسل ما استرسل من اللحية ولا إفاضة الماء عليها،
والواجب في الغسل مسماه ولو دهنا مع صدق الجري.
الثالث: غسل اليدين من المرفقين إلى أطراف الأصابع، ويجب البدأة
بالمرفقين وإدخالهما في الغسل فلو نكس اختيارا بطل، واللحم النابت والأصابع
الزائدة يغسل ما كان تحت المرفق أو فيه، واليد الزائدة كذلك، ولو كانت فوق
المرفق غسلت إن لم تميز عن الأصلية وإلا فالأصلية المزالة، والجلدة المتدلية عن
331

محل الفرض إلى غيره يسقط غسلها بخلاف العكس، والمشتركة بين المرفق وما
فوقه يغسل ما حاذى المرفق منها.
ولو قطع بعض اليد غسل الباقي، وإن قطعت من المرفق استحب غسل ما
بقي من عضده، وخبر علي بن جعفر الصحيح عن أخيه أبي الحسن الكاظم عليه السلام
يفهم منه الوجوب، كما فهمه المفيد رحمه الله.
والأظفار من اليد وإن طالت، ويجب تخليل ما تجافى منها إن كان تحته ما
يمنع وإلا فلا.
ويجب تحريك ما يمنع وصول الماء إلى البشرة من خاتم وغيره، ولو كان
ذا رأسين وأزيد فالأحوط وجوب غسل جميع الأعضاء على كل منهما والاعتبار
الميراث متوجه.
ولو وضأه غيره لعذر فالمعتبر بالنية من القابل لا الفاعل، ولو نوى الفاعل
معه كان حسنا ولو لم يتبرع على المعذور متبرع به وجبت الأجرة عليه مع
المكنة من صلب ماله، ولو كان مريضا فإن تعذرت توقع المكنة ولو قضاء، ولا
يجب على الزوج فعل ذلك بالزوجة ولا مؤونة المعين.
الرابع: مسح الرأس ويختص بمقدمه من المستوي الخلقة وغيره يحال عليه
والواجب مسماه ولو إصبعا، وفي النهاية ثلاث أصابع والوجه الاستحباب ويجوز
مدبرا على الأصح، والأفضل الاستقبال، ولو استوعب الرأس حرم إن اعتقده، ولا
يبطل المسح خلافا لابن الجنيد.
ولو غسل موضع المسح لم يجز، وكذا لو مسح على حائل وإن كان
شعرا إذا لم يختص بالمقدم، ولو استرسل عن المقدم فمسح عليه لم يجز، وكذا
لو كان جعدا يجزئه بمده عن حده، ويجب ببقية بلل الوضوء فلو استأنف ماء
بطل المسح ولو جف كفاه ما على لحيته أو أشفار عينيه فلو جفت استأنف
الوضوء ولو تعذر البلل لإفراط الحر وشبهه فإن أمكن الصب على اليسرى
وتعجيل المسح وجب وإن تعذر جاز استئناف الماء.
332

الخامس: مسح الرجلين من رؤوس الأصابع إلى الكعبين وهما قبتا
القدمين، وتفرد الفاضل جمال الدين قدس الله روحه بملتقى الساق والقدم وقد
بينا ذلك في الذكرى، والعمل به أحوط، فلو نكس فالأقرب المنع، وفي تقديم
اليمنى على اليسرى قولان أحوطهما الوجوب، ويستحب مسح كل رجل باليد
الموازية لها، ويجب بالبلل كالرأس ولو غسل للتقية أجزأ، ولو عدل إلى المسح
في موضع التقية فالأقرب البطلان ولا يبطل الوضوء بزوالها على الأصح، ولا
يشرط فيها عدم المندوحة.
ولا يجوز المسح على حائل كالعمامة والخف إلا لضرورة ولا يضر زوالها
والتقية مسوغة، ولو دارت التقية بين المسح على الخف وغسلي الرجلين وجب
الغسل، ولو قطع بعض الرجل مسح على الباقي.
السادس: الترتيب فيه، فيبدأ بغسل الوجه ثم اليمنى ثم اليسرى ثم الرأس ثم
الرجلين ولا تجزئ المعية، ولو خالف أعاد على ما يحصل معه الترتيب، وقد
بينا صوره المتعددة في القواعد، ولا يعذر الناسي والجاهل في الترتيب ولا غيره
من أفعال الطهارة.
السابع: الموالاة والأصح إنها مراعاة الجفاف، والأقرب الاكتفاء بمطلق
البلل وإن كان على عضو متقدم، وإنما يبطل بجفاف جميع ما تقدم، نعم لو أفرط
في التأخير عن المعتاد فالأقرب التحريم أما البطلان فلا، إلا مع الجفاف ومع
العذر لا تحريم ولا إبطال ما دام البلل، ولو التزم الاتباع بنذر وشبهه فأخل به ففي
الصحة نظر من مراعاة الأصل والحال، وكذا ناذر المستحب في العبادة وتجردها
عنه، أما الكفارة فلازمة إذا كان متعينا وإلا فلا.
الثامن: المباشرة أما بدلك العضو أو غمسه في الماء أو إيصاله إليه بسبب
المكلف، فلو ولي وضوءه غيره اختيارا بطل، وتجويز ابن الجنيد ذلك مردود لا
يعد من المذهب، كما لا يعد تجويزه استئناف الماء للمسح.
333

ويلحق بذلك بحثان:
الأول: في مستحباته:
وهي السواك ولو كان صائما آخر النهار على قول، وليكن عرضا،
ويجزئ المسبحة والإبهام لفاقده، والتسمية والدعاء عند النظر إلى الماء،
ووضع الإناء على اليمين، وغسل يديه قبل إدخالهما الإناء مرة من النوم والبول
والغائط، والمشهور فيه مرتان، ثم يأخذ الماء باليمين لغسل الوجه بها ويغسلها
بإدارته إلى اليسرى، وقصر غسل الوجه على اليمين، ولو استعان باليسرى
فالمشهور الكراهية إلا لضرورة أو تقية، وروي جوازه.
والمضمضة ثلاثا ثم الاستنشاق ثلاثا كل بغرفة وبست أفضل مع سعة
الماء.
وتثنية غسل الأعضاء على الأصح، والثالثة بدعة على الأصح، ويبطل
المسح بمائها على الأقرب.
وبدأة الرجل بظاهر ذراعيه في الأولى وفي الثانية بباطنه، وتعكس المرأة،
ويتخير الخنثى في الوظيفتين، ولو جمعت الغسلتين على الظهر أو البطن لم تأت
بالمستحب، والوضوء بمد، ووضع المرأة القناع، ويتأكد في الصبح والمغرب،
وتقديم غسل الرجلين لو احتيج إليه للنظافة أو التبرد فإن أخره تراخي به عن
المسح شيئا والدلك على الأصح، وضرب الوجه بالماء شتاء وصيفا، وغسل
مسترسل اللحية إفاضة، وتقديم الاستنجاء على الوضوء، وتحريك ما لا يمنع
وصول الماء، والدعاء عند كل فعل، وبعد الفراع يقرأ القدر ويقول: الحمد لله
رب العالمين اللهم إني أسألك تمام الوضوء وتمام الصلاة وتمام رضوانك
والجنة.
والمكروه التكرار في المسح، وقيل: يحرم، والطهارة من إناء فيه تماثيل أو
مفضض وفي المسجد، وتخف الكراهية من الريح والنوم وعند المستنجى
واستعمال المشمس والأجن اختيارا والمستعمل في الكبرى على الأقرب،
334

واستعمال ما أساره مثل البغل والحمار، والاستعانة والتمندل وتقديم الاستنشاق
على المضمضة على الأصح.
البحث الثاني: في أحكامه:
يجب في الغسل مسمى الجريان والتمثيل بالدهن لتقليل الجريان لا لعدمه،
أما المسح فيكفي الإصابة ومن كان على أعضائه جبائر أو لصوق وجب نزعها
مع المكنة، أو إيصال الماء إلى البشرة فإن تعذرا مسح عليها، ولو كان هناك
جرح لا لصوق عليه أجزأ غسل ما عداه، ولو وضع عليه اللصوق كان أولى
فيمسح عليه، ولو زال العذر لم تبطل الطهارة في الأصح، والمشهور جواز المسح
على النعل العربية بغير إدخال اليد تحت الشراك، ويستباح بالوضوء ما سلف.
وفي مس كتابة المصحف قول بالجواز للحدث والأقرب عدمه، أما التفسير
والحديث والفقه فلا.
ولا يجب تجفيف الرأس والرجلين في المسح إذا غلب ماء الوضوء،
واكتفى ابن الجنيد وابن إدريس بمطلق المسح، وتوغل ابن الجنيد فجوز إدخال
يده في الماء والمسح على الرجلين وهو شاذ، كما شذ قوله بغسل اللمعة وحدها
إذا نسيها ونقصت عن سعة الدرهم.
ويحرم غسل الأذنين ومسحهما والتطوق إلا للتقية وليس مبطلا، والسلس
والمبطون يتوضئان لكل صلاة عند الشروع فيها كالمستحاضة، فإن فجأهما
الحدث فالمشهور في المبطون البناء ويمكن انسحابه على السلس.
والشاك في كل من الطهارة والحدث بعد يقين الآخر يأخذ باليقين ولو
تكافأ تطهر، ولو استفاد من التعاقب والاتحاد استصحابا بنى عليه، ولو شك في
أثناء الطهارة في حدث أو نية أو واجب استدرك وبعد الفراع لا يلتفت.
ولو تيقن ترك واجب استدرك مطلقا.
ولو أخل بالموالاة استأنف، ولو ذكره بعد الصلاة أعادها.
335

فلو تردد بين وضوئين واجبين أو مندوبين رافعي الحدث أو مبيحي الصلاة
أجزأ، ولو تردد بين واجب وتجديد فوجهان، وربما قطع بالاستئناف على القول
باشتراط والوجوب والاستباحة، وخرج عدم الالتفات مطلقا السيد جمال الدين
ابن طاووس رحمه الله وهو متجه وإن كان الأولى الإعادة، ولو تعددت الصلاة
فكل صلاة عن طهارتين صحيحة وغيرها باطلة، ولو اشتبهت الصلوات أتى بما
يعلم معه البراءة وسقط التعيين هنا على الأصح، ولا فرق بين المسافر والحاضر
على الأقرب ولا بين فساد طهارة وما زاد عليها إذا أتى بالمحتمل فواته.
ويشترط في الماء الملك أو حكمه، والطهارة فيعيد لو تطهر بالنجس مطلقا
على الأصح، وبالمغصوب مع العلم والنسيان على قول، ولا يعيد مع الجهل
بالغصب بخلاف جهل الحكم وتصح الصلاة به وإن بقي عليه بلل، نعم تضمنه
بالمثل والشراء الفاسد كالغصب مع العلم بالفساد.
أما لو كان الإناء مغصوبا، أو آلة الصب غصبا أو ذهبا أو فضة، أو كان
أحدهما مصبا للماء، فالوجه الصحة وإن أثم.
أما المكان المغصوب فالأصح البطلان مع العلم أو جهل الحكم، ولو
استعمل الماء المغصوب في الإزالة طهر، وفي غسل الأموات نظر، والأقرب المنع
لاعتبار النية، ولا يبطل الوضوء بالردة على الأصح، ولا بخروج المقعدة خالية
ولو خرجت ملطخة ثم عادت من غير انفصال فالأولى الإبطال.
والمراد باليد المغسولة قبل الوضوء من الزند، ولو أدخلها قبل الغسل كره،
وفي استحباب الغسل بعد ذلك بعد، فإن قلنا به حسب بمرة فيبني عليها،
والأقرب استحباب العدول إلى إناء آخر أو إلى هذا بعد ملاقاته الكثير فيبقي
استحباب الغسل بحاله.
ولا يستحب غسلها من الريح ولا في الوضوء من الكثير أو من إناء لا يغترف
منه ولو قيل بالعموم كان حسنا، ولا فرق بين كون النائم مشدود اليد أو مطلقها،
مستورة أو مكشوفة، مستور العورة أو لا، ولا بين نوم الليل والنهار ولا يشترط
336

فيها النية ولا التسمية، نعم يستحبان وتتداخل الغسلات لو اجتمعت الأسباب.
الفصل الثاني: في الغسل: ومباحثه ستة:
الأول: في الجنابة: ومقاماته ثلاثة:
الأول: لها سببان:
أحدهما: إنزال المني مطلقا وتلزمه الشهوة، والدفق وفتور الجسد غالبا،
والغلظ في مني الرجل أكثريا والرقة في مني المرأة، ورائحة الطلع، ويكفي في
المريض الشهوة، ولو علم كونه منيا وجب الغسل وإن تجرد عن الصفات، ولو
اشتبه وتخلفت الصفات فلا.
ولو خرج من غير المعتاد فكالحدث الأصغر في اعتبار العادة وعدمها.
ولو وجده على جسده أو ثوبه أو فراشه وجب الغسل، ولو شاركه غيره
سقط عنهما، والظاهر أنه باجتماعهما يقطع بجنب فلا يأتم أحدهما بصاحبه، ولا
يكمل بهما العدد في الجمعة، ويعيد الواجد كل صلاة وصوم وطواف بعلم عدم
سبقها، وقيل: يعيد ما يحتمل سبقه وهو احتياط، ويقضي بنجاسة الثوب أو البدن
في أقرب أوقات الإمكان.
ولو حبس المني في الآلة فلا غسل، وكذا لو احتلم ولما يخرج.
ولا غسل على المرأة بخروج مني الرجل إلا أن تعلم خروج منيها معه، ولو
شكت فالأولى الغسل.
الثاني: الجماع في قبل أو دبر الآدمي مع غيبوبة الحشفة ولو ملفوفة أو
قدرها من مقطوعها أنزل أو لا، فاعلا أو قابلا، وفي البهيمة قولان. والخنثى
المشكل لو أولج وأولج من واضح وجب عليه الغسل، ولا يجب بأحد الأمرين
إلا أن يوطأ دبرا، ولو توالج الخنثيان فالأقرب عدم الغسل مع عدم الإنزال،
والأقرب وجوبه بالإيلاج في الميتة، وقال الشيخ: لا نص فيه ولكن الظواهر
والاحتياط تقتضيه ولو استدخلت ذكر الميت قوى الإشكال.
337

ويلحق بالصبي والصبية أحكام الجنابة بحصول الإيلاج على الأقرب،
فيجب الغسل عند البلوغ، وقبله مستحب تمرينا والأقرب استباحة ما يستبيحه
المكلف، والكافر يجب عليه ولا يصح منه إلا بإسلامه ولا يجبه الإسلام وكذا
باقي الأحداث، والارتداد لا يسقط وجوب الغسل ولا ينقضه لو تقدم في الأصح.
الثاني في كيفية الغسل:
يستحب البدأة بغسل اليدين ثلاثا، والمضمضة والاستنشاق ثلاثا، والدعاء،
وتجب النية مقارنة لغسل الرأس أو متقدمة كما سلف والعنق مع الرأس ثم
الجانب الأيمن ثم الأيسر، فلو خالف الترتيب أعاد وإن كان ناسيا أو جاهلا إلا
لشبهة المذهب، ويجب تخليل ما يمنع وصول الماء إلى البشرة ويسقط الترتيب
بالارتماس، وقيل: يرتب حكما، وقيل: يرتب نية، أما المطر والمجرى فالأقرب
الترتيب.
ويستحب تثليث الأعضاء والدلك والدعاء وتخليل ما يصل إليه الماء
والغسل بصاع والموالاة وتقدم الاستبراء على الأصح بالبول ثم الاجتهاد، ولو
تعذر البول فالاجتهاد، فلو خرج بلل مشتبه بعده فلا شئ، ولو تركهما أعاد
الغسل، وكذا لو ترك البول مع إمكانه، ولو ترك الاجتهاد خاصة أعاد
الوضوء.
ويجب تقديم إزالة النجاسة عن العضو أولا فلا يكفي غسلها عن الحدث
والخبث على الأصح، بل يجب إمرار الماء بعد زوال الخبث، والحدث في أثنائه
يبطله وإن كان أصغر، وكذا في أثناء غيره من الأغسال ويعيد فيها الوضوء أيضا
لو كان قد قدمه.
أما الأغسال المسنونة فلا أثر إذا لا يشترط فيها الطهارة من الحدث على
الأقرب.
ولا يجب على المرأة نقض الضفائر إذا وصل الماء إلى البشرة، نعم يستحب
338

ولا يضرهن بقاء صفرة الطيب إذا علم تخلل الماء، ولو وجد لمعة بعد الغسل
غسلها وما بعدها إن كان مرتبا واستأنف إن كان مرتمسا، ولا استبراء على من لم
ينزل، ولو شك في الإنزال بعد الجماع استحب الاستبراء، وفي استبراء المرأة
قول، وتجب المباشرة إلا مع الضرورة، وتكره الاستعانة واستعمال المياه السالفة
والأقرب وجوب الماء على الزوج لغسل الزوجة، وكذا يجب إسخانه لو احتيج
إليه.
الثالث: في أحكامه:
يحرم قبل الغسل ما سلف، ولا فرق في العزيمة بين الجميع والبعض حتى
البسملة المنوية منها، ومس خط المصحف، ولو نسخ بطل الحكم بخلاف
منسوخ التلاوة وإن بقي الحكم، وكذا يحرم مس ما عليه اسم الله تعالى أو أحد
أنبيائه أو الأئمة عليهم السلام على الأقرب، ووضع شئ في المساجد على
الأصح.
ويكره قراءة ما زاد على سبع آيات على الأصح وما زاد أشد كراهة، وحمل
المصحف ولمس هامشه والأقرب كراهة مس الكتب السماوية المنسوخة، والنوم
ما لم يتوضأ، والأكل والشرب ما لم يتمضمض ويستنشق، والدهن والجماع لو
كان جنبا عن احتلام ولا بأس بتكرار الجماع من غير غسل يتخلل، ولو اضطر
الجنب إلى المقام بالمسجد وتعذر الغسل تيمم له وتجب إعادته كلما أحدث ولو
أصغر.
البحث الثاني: في الحيض:
وغسله كالجنابة مع الوضوء وكذا باقي الأغسال، وهو: الدم الأسود أو
الأحمر الخارج من الرحم بحرارة وحرقة غالبا، وله تعلق بانقضاء العدة،
والحكمة فيه إعداد الرحم للحمل ثم اغتذاؤه به جنينا ثم رضيعا باستحالته لبنا
339

ومن ثم قل حيض الحامل وقيل: بعدمه مطلقا، وقيل: مع الاستبانة، والمرضع
قد تحيض إجماعا وإذا خلت المرأة انتابها في كل شهر غالبا.
فرع:
لو خرج الدم من غير الرحم في أدوار الحيض لانسداد الرحم بشرائط
الحيض فالأقرب إنه حيض مع اعتياده، كما حكي في زماننا عن امرأة يخرج
الدم في أدوارها من فيها.
ولا حيض مع الصغر واليأس وهو ستون سنة للقرشية والنبطية وخمسون
لغيرهما، وبالتطوق تعلم العذرة وبالخروج من الأيمن يعلم القرح، وقيل: من
الأيسر، وكل دم يمكن كونه حيضا يحكم به، وأقله ثلاثة أيام متواليات على
الأصح وأكثره عشرة، وأقل الطهر عشرة فالدم المتعقب بدونها لا يكون حيضا
ولا حد لأكثر الطهر، وحده أبو الصلاح بثلاثة أشهر ولعله نظر إلى عدة المسترابة
أو إلى الأغلب.
وتثبت العادة باستواء مرتين عددا ووقتا، ولو اختلفتا ثبت ما تكرر منهما إن
وقتا وإن عددا، ثم قد تتعدد العادة على اتساق وعدمه وهي المرجع عند تجاوز
الدم العشرة، فالمتسقة تأخذ نوبة ذلك الشهر إن علمتها وإلا أخذت الأقل فالأقل
إلى آخر العادات، وقد يكون التميز طريقا إلى العادة كما إذا استوى الدم القوي
مرتين مع ضعيف بينهما أقل الطهر فصاعدا، وتقدم العادة على التميز عند
التعارض على الأقوى.
وشروطه اختلاف اللون وتجاوز الدم العشرة وعدم نقص القوي عن ثلاثة
وعدم زيادته على عشرة، وما بعد الثلاثة إلى العشرة حيض كيف اتفق إذا لم
يتجاوزها، ولو تجاوز العادة استنظرت بيوم أو بيومين ندبا ثم تغتسل وتتعبد فإن
تجاوز العشرة تبينا الصحة وإلا فلا.
ولو استظهرت إلى العشرة مع ظنها بقاء الحيض جاز أيضا، وتقضي صلاة
340

أيام الاستظهار إن صادفت الطهر في الأصح، والمبتدئة والمضطربة ترجعان مع
التجاوز إلى التميز، فإن فقدتاه رجعت المبتدئة إلى عادة نسائها فأقرانها من بلدها
فالروايات، وهي ستة أو سبعة في كل شهر لرواية يونس المرسلة عن الصادق عليه السلام
، وعشرة من شهر وثلاثة من آخر، رواه عنه عبد الله بن بكير، وفي مقطوعة
سماعة أكثر جلوسها عشرة وأقله ثلاثة، وفي المعتبر ثلاثة من كل شهر، وفي
المبسوط عشرة طهر وعشرة حيض دائما، وابن بابويه عشرة في كل شهر أكثر
جلوسها، والمرتضى تجلس من ثلاثة إلى عشرة، والمضطربة مع فقد التميز ترجع
إلى الروايات والمعول منها على الستة أو السبعة أو الثلاثة والعشرة.
ولو ظنت عددا فهو أولى بالجلوس، هذا إذا نسيت العدد والوقت،
والاحتياط هنا بالرد إلى أسوأ الاحتمالات ليس مذهبا لنا وإن جاز فعله، ولو
ذكرت العدد خاصة جلست في وقت تظنه، فإن فقد ظنها تخيرت وإن كره
الزوج، وتغتسل بعده ثم هي مستحاضة، فإن تذكرت بعده استدركت وقضت
عبادة أيام الجلوس وصوم أيام الحيض، وإن كان في زمان يقصر نصفه عنه
فالزائد عن النصف ومثله معلوم والطرف الأول متردد بين الطهر والحيض
فتجمع فيه بين تكليفي الحائض والطاهر، والطرف الثاني تتردد بين الانقطاع
وعدمه فتجمع فيه بين تكليفي الحائض والمستحاضة.
والمنقطعة إن أرادت الاحتياط وإلا فلها وضع الزائد حيث شاءت مع
اتصاله بالمتيقن، ولو ذكرت الوقت خاصة فإن تعين الأول أضافت إليه يومين
بعده ثم احتاطت بتمام العشرة، ولو اقتصرت على الثلاثة فالأقرب الجواز إذا لم
تعلم تجاوزها، وكذا إذا ذكرت آخره، وإن علمت اليوم فقط فهو الحيض وتحتاط
بتسعة قبله ليس فيها غسل الحيض وبتسعة بعدها فيها ذلك في أوقات
الاحتمال، ويجوز الرجوع إلى الستة أو السبعة أو الثلاثة والعشرة، والعادة قد
تتقدم وتتأخر، ولو رأتها والطرفين أو أحدهما وتجاوز العشرة فالحيض العادة
وإلا فالجميع.
341

فروع:
لو قالت: حيضي عشرة ويمزج النصف الأول من الشهر والثاني بيوم،
فالستة الأولى والستة الأخيرة من الشهر طهر، والخامس عشر والسادس عشر
حيض، والثمانية الأولى مشكوك فيها بين الحيض والطهر، والثمانية الأخيرة
مشكوك فيها أيضا، لكن يتعلق احتمال الانقطاع بالثامن، فعلى الاحتياط تجمع
وعلى الأصح تتخير في ضم أي الثمانيتين شاءت إلى اليومين، وهذه المسألة
راجعة إلى زمان يقصر نصفه فإن العشرة ضالة في ثمانية عشر، ولو علمت المزج
بيومين فهي ضالة في ستة عشر فأربعة حيض وهكذا.
ولو قالت: حيضي عشرة وتمتزج إحدى العشرات بالأخرى بيوم، فالطهر
اليوم الأول والأخير ولا حيض هنا متيقنا فعلى التخصيص تجعلها في باقي الشهر،
وعلى الاحتياط تغتسل للحيض على الحادي عشر والتاسع عشر والحادي
والعشرين والتاسع والعشرين، والباقي تجمع فيه بين تروك الحائض وأفعال
المستحاضة، ولو امتزجت بيومين فمثلهما طهر من أوله وطهر من آخره، وكذا
بثلاثة هي طهر من أوله ومثلها من آخره بستة، ولو كان الحيض تسعة والمزج
بحاله فالمزج بيوم يقتضي يومين طهر من أوله ويومين من آخره وهكذا.
ولو كان الحيض تسعة ونصفا ويمتزج أحد النصفين بالآخر بيوم كامل
والكسر من آخره، والباقي حيض، ولو كان عشر طهر، وكذا من نصف
الرابع والعشرين إلى آخره والباقي حيض، ولو كان الكسر من أوله فالحيض من
نصف السابع إلى آخر السادس عشر والباقي طهر، وإن اشتبه فالخامس عشر
والسادس عشر حيض بيقين والباقي مشكوك فيه، ولو كان الامتزاج بنصف
يوم، فإن علمت الكسر من أوله فحيضها من نصف الخامس عشر إلى آخر الرابع
والعشرين، وإن كان من آخره فحيضها من أول السابع إلى نصف السادس
عشر، وإن اشتبه عليها فنصف الخامس عشر ونصف السادس عشر حيض بيقين
لا غير.
342

وأما الأحكام فيحرم عليها كل عبادة شرطها الطهارة من الحدث ولا يصح
منها أيضا، والكون في المسجدين واللبث في باقي المساجد وتيمم للخروج من
المسجدين كالجنب، وسلار جعل ترك المساجد للجنب والحائض من قبيل
المستحب ولم يفرق بين المسجدين وغيرهما وجوز الاجتياز أيضا لهما وأطلق،
والأقرب كراهة الجواز في غير المسجدين والأخذ منها إلا لضرورة، أما الوضع
فيها فحرام إلا مع الضرورة.
وقراءة العزائم أو شئ منها ولو كان مشتركا بينها وبين غيرها حرم وكره
بالقصد ويكره ما عداها، ورخص بعضهم في السبع أو السبعين كالجنب، ومس
كتابة القرآن وكرهه ابن الجنيد لها وللجنب، وكذا ما عليه اسم الله تعالى أو أحد
أنبيائه أو الأئمة عليهم السلام، والاعتكاف.
ويحرم طلاقها مع الدخول بها وحضور الزوج أو حكمه ولا يقع، ووطؤها
قبلا، ويكره ما بين السرة والركبة وحرمه المرتضى، ويباح غير ذلك.
ويجب عليها قضاء صوم شهر رمضان، وفي النذر وشبهه إذا وافق الحيض
وجهان أقربهما الوجوب، والأقرب عدم وجوب الصلوات غير اليومية عليها عند
عروض أسبابها حالة الحيض فلا تقضي أيضا، أما ركعتي الطواف فلاحقة
بالطواف في القضاء، ولو عرض الحيض بعد التمكن من الصلاة قضت، ولو
انقطع وقد بقي من الوقت قدر الطهارة وركعة وجب الأداء ومع الإخلال
القضاء.
وفي المبسوط إذا طهرت بعد الزوال إلى دخول العصر قضتهما، ويستحب
لها قضاؤهما إذا طهرت قبل مغيب الشمس بقدر خمس ركعات، وعني بدخول
العصر مضي أربعة أقدام فيجب العصر، ويستحب قضاء الظهر والأول أصح،
ولو تلت السجدة فعلت حراما وسجدت على الأصح، وكذا لو استمعت ولو
سمعت فلا تحريم فيهما.
ويجب تعزير الواطئ عالما متعمدا، وعليها متمكنة التعزير أيضا، والأحوط
343

وجوب الكفارة بدينار في ثلثه الأول ونصفه في ثلثه الثاني وربعه في ثلثه الأخير
ويتكرر بالتكرر مطلقا، وفي الفقيه والمقنع يتصدق على مسكين بقدر شبعه وهو
ضعيف، نعم لو كانت أمته تصدق بثلاثة أمداد طعام، ويكره وطؤها بعد
الانقطاع قبل الغسل، ويستحب أمرها بغسل الفرج، وحرمه ابن بابويه، ولو
عرض الحيض في أثناء الوطء نزع، فإن استدام عزر وكفر واستغفر.
ويقتل مستحل وطء الحائض قبلا ولو اشتبه الحيض فالأحوط الامتناع
تغليبا للحرمة والأقرب أن القيمة غير مجزئة، ويستحب لها الجلوس في مصلاها
بعد الوضوء ذاكرة لله تعالى بقدر زمان الصلاة، وأوجب الجلوس علي بن بابويه،
والمفيد قال: تجلس ناحية من مصلاها، فيمكن حمله على موضع من مصلاها
وعلى مكان آخر، وليكن الذكر تسبيحا وتهليلا وتحميدا وشبهه لرواية زرارة عن
الباقر عليه السلام.
مسائل:
تتعلق الأحكام برؤية الدم في المعتادة، وفي المبتدئة قولان: أقربهما مذهب
المرتضى بمضي الثلاثة بالنسبة إلى الأفعال.
وأما التروك فالأحوط تعلقها برؤية الدم المحتمل، والمضطربة كالمبتدئة
عند بعضهم، وعندي إنها إذا ظنت الدم حيضا تركت، وعليها تحمل رواية
إسحاق بن عمار عن الصادق عليه السلام إذا قدر القبلية بيومين لأنه يكون أقرب
إلى الظن ولتنو في كل من الوضوء والغسل الرفع أو الاستباحة أو إياهما سواء
قدمت الغسل أو الوضوء، وابن إدريس إن قدمت الوضوء نوت الاستباحة لا
الرفع لبقاء حدثها وهو يعطي توزيع الغسل والوضوء على الأكبر والأصغر
وليس بذلك، ولو أحدثت بين الغسل والوضوء لم يقدح في الغسل، ولو كان
المقدم الوضوء أعادت لا غير وفي أثناء الغسل كالجنب مع قوة الاجتزاء
بالوضوء هنا مع إتمام الغسل.
344

البحث الثالث: في الاستحاضة:
ودمها غالبا أصفر بارد رقيق يخرج بفتور والأغلبية لندور غير هذه الصفات
فلو اتفقت في زمانها فاستحاضة، كما أن هذه الصفات قد تجامع الحيض.
والضابط أن كل دم يخرج من الرحم وليس بحيض ولا نفاس ولا قرح
ولا جرح فهو استحاضة، ومنه ما زاد على العادة وتجاوز، أو عن غاية النفاس، أو
لم يتوال، أو نقص عن الأقل.
ولا يشترط في الاستحاضة إمكان الحيض والاشتقاق للغالب، ولا يحرم
عليها شئ من محرمات الحيض إذا أتت باللازم شرعا، وهو الوضوء لكل صلاة
مع تغيير القطنة، وغسل الفرج لما لا تغمس وذلك مع تغيير الخرقة، والغسل
للصبح إذا غمس، والجميع مع غسل الظهرين والعشائين المجموع بينهما إذا
سأل ويحصل الجمع بدخول وقت الثانية، وقال ابن أبي عقيل: إن ظهر الدم على
الكرسف وجبت الأغسال الثلاثة وإلا فلا شئ، وقال ابن الجنيد: إن لم يثقب
الكرسف فغسل واحد وإن ثقب فثلاثة وهما متروكان، وصحة الصلاة موقوفة
على الكل وصحة الصوم يكفي فيها غسلا النهار فتقضي لو تركت، أما الوطء
فالأقرب إباحته مطلقا.
ويجب عليها الاستظهار في التحفظ بقدر الإمكان، ولو فجأها في أثناء الصلاة
فلا شئ، وانقطاع الدم لا حكم له إن كان لا للبرء وإلا وجب ما كان سابقا إن
غسلا وإن وضوءا، ولو شكت في البرء فكالمستمر.
ويجوز لها دخول المساجد مع أمن السريان، وكذا المجروح والسلس
والمبطون، ولو اختلفت دفعات الدم عملت على أكثرها ما لم يكن لبرء، ولتنو
الاستباحة بالوضوء أو الغسل لا الرفع، ولو برئت جازت نية الرفع، وابن حمزة
جوز الرفع مطلقا، وليس ببعيد إذا أريد به رفع حكم ما مضى ولتتبع الطهارة
بالصلاة، فإن أخرتها ولما تفجأ الحدث لم يضر وإلا استؤنفت الطهارة، ولو انقطع
الدم في أثناء الصلاة لم يضر عند الشيخ في المبسوط وهو حسن، ولو انقطع
345

قبلها حكم بالوضوء وهو قوي إن كان السابق يوجبه وإلا فالأقوى الغسل.
البحث الرابع: في النفاس:
واشتقاقه من النفس التي هي الدم، ولا بد من خروجه مع الولد ويكفي
خروج جزء منه أو بعده إلى تمام عشرة، ولو رأت قبل خروج بعض الولد فهو
استحاضة، وأقله مسماه وأكثره للمعتادة عادتها ولغيرها عشرة، ولو لم تر دما إلا
في آخر العادة أو آخر العاشر فهو النفاس، ولو رأت دمين في العشرة فهما وما
بينهما نفاس، ولو تعدد الولد فلكل نفاس منفرد، ويكفي في الولد كونه مضغة أو
علقة، أما النطفة فلا.
ولو انقطع الدم استبرأت بالقطنة فتغتسل مع النقاء وتستظهر كالحائض،
ولو كانت مبتدئة وتجاوز العشرة فالأقرب الرجوع إلى التميز ثم النساء ثم
العشرة، والمضطربة إلى العشرة مع فقد التميز، وحكمها كالحائض في
المحرمات والمكروهات إلا الأقل، وفي التعلق بانقضاء العدة إلا على تقدير
الحمل من الزنى في عدة الطلاق وقد مضى لها دمان في الحمل فإن النفاس
يحسب بثالث.
فرع:
لو وطئها فنفست أو قارن الوطء النفاس ثم انقطع عند انتهائه أو في أثنائه
أمكن ثلاث كفارات لصدق الوطء في الأحوال الثلاثة، أما لو قصر زمانه عن ما
يحتمل الوطء ثلاثا فلا، وفيه نظر.
البحث الخامس: في غسل الأموات:
ولنذكر أحكاما خمسة:
الأول: الاحتضار:
346

أعاننا الله عليه وثبتنا بالقول الثابت لديه، ويستحب الاستعداد للموت بالتوبة
والعمل الصالح، والإكثار من ذكره قلبا ولسانا، والوصية لمن عليه حق أو له،
ويكره تمني الموت لضر نزل به والشكاية للمرض كقوله: لم يبتل أحد مثلي، بل
ينبغي الصبر على المرض احتسابا للأجر.
وفي عيادة المريض ثواب عظيم وخصوصا في الصباح والمساء، ويستحب
له الإذن للعائد في الدخول، ويستحب للعائد استصحاب هدية معه والدعاء له
وترغيبه في التوبة وتذكيره بالوصية وتخفيف العيادة إلا مع التماس المريض.
ويستحب أن يلي أمره أرفق أهله به أو أصحابه، فإذا ظهرت أمارة الموت
رغبه في حسن الظن بالله وتلا عليه الآي والأخبار المتضمنة لذلك.
فإذا حصل السوق وجب استقبال القبلة بوجهه وأخمصيه على الأصح على
الكفاية، واستحب تلقينه الشهادتين والإقرار بالاثني عشر عليهم السلام وكلمات
الفرج، ولينقل إلى مصلاه إن تعسر خروج روحه.
فإذا مات غمضت عيناه وأطبق فوه ومدت يداه إلى جنبيه وساقاه وغطي
بثوب، ولينور البيت إذا مات ليلا، ولا يترك وحده، وليقرأ عنده القرآن، وقراءة
الصافات تعجل الفرج، وقراءة ياسين للبركة، وليعجل تجهيزه إلا مع الاشتباه
فيصبر عليه ثلاثة أيام ويستبرأ بالعلامات، ويكره أن يجعل على بطنه حديد أو
يحضره جنب أو حائض.
الحكم الثاني: التغسيل:
وأولى الناس به أولاهم بالإرث فليأمر أو يباشر، وتجب المساواة في
الذكورة والأنوثة إلا من لم يتجاوز سنه ثلاثا من صبي أو صبية وإلا الزوجين
والمالك ومملوكته والزوج أولى من المالك.
ويجب كون الغاسل بالغا فلا يكفي المميز في الأصح، وعاقلا ومسلما إلا أن
يفقد، فيغسل أهل الذمة بتعليم المسلم الذي لا يمكنه المباشرة فيعاد الغسل لو
347

وجد.
ويجوز لذوي الرحم التغسيل من وراء الثياب مع فقد المماثل، والخنثى
المشكل محارمه تغسله ولا يغسلهم إلا مع فقد المماثل، ولا يغسل الخنثى خنثى،
وقيل: مع فقد ذي الرحم يجوز تغسيل الأجانب من وراء الثياب مغمضي الأعين
ولا بأس به كما ذكرناه في الذكرى، وقيل: يغسل الرجال مواضع التيمم من
المرأة والسند ضعيف، والأقرب في الزوجين التغسيل من وراء الثياب وإنما
يغسل المسلم ومن بحكمه من الأطفال وإن كان سقطا له أربعة أشهر ولدونها
يلف في خرقة ويدفن، وحكم الصدر كالميت حتى الحنوط إن بقي من محالة
شئ.
ولا يغسل الكافر، ويكره تغسيل المخالف، فإن فعل فليغسله تغسيلهم،
ولو باشر المخالف تغسيل المؤمن فالأقرب الإجزاء، ولا يغسل الخوارج ولا
الغلاة وإن أظهروا الإسلام، والناصبي خارجي، وفي المجسمة بالحقيقة نظر أقربه
المنع، أما المجسمة بالتسمية المجردة فلا منع.
والشهيد إذا مات في المعركة لا يغسل ولا يكفن وإن لم يقتل بحديد أو
كان صبيا، ولو مات في غير المعركة غسل، ويغسل كل قطعة فيها عظم بغير
صلاة إلا الصدر، ولو كان الشهيد جنبا فالأقرب عدم الغسل ويدفن بثيابه بعد
الصلاة عليه وينزع عنه الخفان والفرو وإن أصابهما الدم، ومن أريد قتله أمر
بالتغسيل والتكفين قبله.
ويجب إزالة النجاسة عن بدنه أولا وستر عورته وليكن بقميصه مستحبا وإلا
فخرقة.
ويستحب شق القميص لينزع إلى العورة فإذا فرع الغسل رفع.
ويستحب وضعه على ساجة مستقبل القبلة على الأصح، وفي المبسوط
ظاهرة الوجوب، وليكن تحت ظل، وتليين أصابعه برفق، وقال ابن أبي عقيل: لا
تغمز مفاصله، ثم يوضأ من غير مضمضة ولا استنشاق ثم تغسل يداه ثلاثا ثم يجب
348

النية، وغسله ثلاث مرات بماء السدر ثم الكافور ثم القراح مرتبا كغسل الجنابة،
ويكفي في السدر والكافور مسماه، ولو خرج به عن الإطلاق فالأحوط المنع،
وأوجب أبو الصلاح الوضوء، واجتزأ سلار بالقراح، وابن حمزة جعل ترتيب
المياه مستحبا، ولو فقد الخليط غسل ثلاثا بالقراح، وكذا المحرم لو مات غسل
عن الكافور بالقراح.
ويستحب غسل رأسه أولا برغوة السدر وفرجيه بالحرض والسدر ثلاثا أمام
الغسل بالسدر ثم غسل فرجيه بالحرض بماء الكافور ثم غسلهما بالقراح ثلاثا
أمام الغسل بالقراح وبدأه بشق رأسه الأيمن ثم الأيسر، وتثليث كل عضو، وغمز
بطنه في الغسلتين الأولتين قبلهما إلا الحامل وقد مات ولدها.
وغسل يدي الغاسل مع كل غسلة، ووقوفه على يمينه لا راكبا، وصب
الماء في حفيرة أو بالوعة لا كنيف، وتنشيفه بثوب صونا للكفن.
ويكره إقعاده وقلم أظفاره وترجيل شعره، فلو فعل أدرج ذلك معه في
كفنه، ويكفي في الغسل إمرار الماء، ولو غمسه في غير المنفعل بالملاقاة أجزأ
وسقط الترتيب، نعم يشترط الخليط مع وجوده، ولا يكفي الغرق عن الغسل لفقد
النية والخليط، ولو خرج منه نجاسة في الأثناء أو بعد الفراع فالمشهور الاكتفاء
بغسلها، وأوجب ابن أبي عقيل استئناف الغسل.
ولو عدم الماء يمم ثلاثا، ولو وجد لغسلة فهي للأولى ويمم للأخيرين،
وكذا لو وجد لغسلتين يمم للأخرى، ولو خيف من تغسيله التناثر كالمحترق
والمجدور يمم.
والمقتول يغسل دمه ثم يصب الماء عليه ولا يبالغ في الدلك، ويربط
جراحاته بالقطن والعصابة، فإن أبين الرأس غسل أولا ثم الجسد ثم يوضع
القطن فوق الرقبة تحت الرأس ويجعل في الكفن.
الحكم الثالث: التكفين:
349

ويجب في ثلاثة أثواب مع القدرة: مئزر وقميص وإزار، من جنس ما
يصلى فيه طاهرة، واجتزأ سلار باللفافة الواحدة وهو متروك، نعم لو تعذر بعض
اللفائف سقط، ولا يجوز التكفين في الحرير ولا في الجلد على الظاهر، ولو تعذر
غيرهما جاز الجلد الذي تصح فيه الصلاة وفيما يمتنع فيه الصلاة من الجلود
والأوبار، والنجس الذي لا يمكن تطهيره والحرير نظر، أما المغصوب فلا يجوز
مطلقا.
ويستحب التكفين في القطن الأبيض وزيادة الرجل والمرأة خرقة لشد
الفخذين وحبرة يمنية عبرية غير مطرزة بالذهب، وليكن طول الخرقة ثلاثة أذرع
ونصف في عرض شبر تقريبا، يشد طرفاها على الحقوين ويلف بالمسترسل
الفخذان لفا شديدا بعد وضع قطن تحتها، ويزاد الرجل عمامة والمرأة قناعا
ونمطا.
ويكره التكفين في الحرير الممتزج بما يجوز التكفين فيه، وعمل أكمام
للأكفان المبتدأة، والتكفين في السواد.
ويستحب كتابة اسمه وأنه يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأن
عليا خليفته من بعده ثم الحسن والحسين إلى آخر الأئمة عليهم السلام على
القميص واللفافة والحبرة والعمامة بتربة الحسين عليه السلام، فإن فقدت فبالطين
والماء، فإن فقد فبالأصبع.
ويكره بل الخيوط بالريق وأن يقطع الكفن بالحديد، ويستحب أن يكون
خيوط الكفن منه.
ويستحب جريدتان خضراوان من النخل ثم السدر ثم الخلاف ثم الرمان ثم
شجر رطب، طول كل واحدة قدر عظم الذراع وليكتب عليهما ما سلف.
ويستحب فرش الحبرة أولا وينثر عليها ذريرة ثم الإزار وعليه ذريرة ثم
القميص، فإذا فرع من تحنيطه بعد الغسل أزره بالإزار، وليكن عريضا يبلغ من
صدره إلى رجليه مستحبا ثم أدرجه فيها.
350

والواجب في الحنوط مسماه، ويستحب أن يكون ثلاثة عشر درهما وثلثا،
وأقله في الفضل أربعة دراهم، وأدون منه درهم، وكافور الغسل غير هذا في
الأصح ويسقط مع التعذر ويسحق باليد ويوضع على مساجده السبعة، فإن
فضل منه شئ جعل على صدره.
ويستحب جعل قطن على الفرجين مصاحبا للذريرة وحشو الدبر إن خشي
حدوث حادث، وليجعل إحدى الجريدتين من جانبه الأيمن مع ترقوته لاصقة
بجلده والأخرى مع ترقوته اليسرى بين القميص والإزار، ولتكن العمامة على
التدوير لا كعمة الأعرابي، ويطرح طرفيها على صدره ثم يطوي جانب اللفافة
الأيسر على جانبه الأيمن ثم جانبها الأيمن على جانبها الأيسر، وكذا الحبرة، ثم
يعصب طرفيهما على رأسه ورجليه، وإن خيف بروز شئ منه جاز ضمهما بخيط
وشبهه.
ويكره أن يجعل في سمعه أو بصره كافور، وقال ابن بابويه: يستحب،
ويكره أن يجعل فيهما قطن إلا أن يخاف خروج شئ ولا يجوز تطييبه بغير
الكافور والذريرة ولو كان محرما منع منهما.
ويستحب اغتسال الغاسل قبل تكفينه غسل الصلاة أو وضوؤها، فإن تعذرا
غسل يديه.
مسائل:
كفن الميت من أصل التركة ويقدم على الدين المقدم على الوصية، ولو كان
الكفن أو قدره مرهونا فالأقرب تقديم الكفن لأن استيفاء الدين مما يفضل عن
الكفن ووجه تقديم الدين سبق تعلقه به.
أما العبد الجاني فالجناية مقدمة، ولو جنى بعد الموت ولم يكن كفن إلا منه
تعارض سبق تعلق الكفن بعينه ولحوق تعلق الجناية وهو أقوى، لأن الكفن جهة
بيت المال وسهم السبيل من الزكاة، ولو فقدا فتردد، والمخرج إنما هو قدر
351

الواجب ويراعى أقل المجزئ مع احتمال التوسط فللغرماء والوارث المنع من
الزائد، ولو أوصى بالزائد فمن الثلث إلا مع الإجازة، ولو استوعب دينه بطلت
الوصية، ولو أجاز الديان نفذت والأقرب إنها تنفيذ لفعل الموصي فيبقي قدر
الكفن الزائد في ذمته للديان.
ولا يجوز الزيادة على الندب في العدد وإن قلت القيمة إلا في الجودة وإن
كثرت، وتدخل العمامة في الوصية بالكفن المندوب ونفي كونها من الكفن يراد
به الواجب فيزال تفريع عدم القطع بسرقتها.
ولو لم يخلف كفنا ولا بيت مال ولا زكاة دفن عاريا ولا يجب على
المسلمين بذل كفنه، بل يستحب مؤكدا، وكذا الماء والخليطان من أصل
التركة.
وكفن المرأة الدائمة العقد على الزوج ولو كانت ذات مال، والماء
والخليطان على الظاهر، ولو كان معدما إلا بما يرث منها ففي وجوبه في حصته
من الإرث أو في مالها وجهان، ويطرح ما سقط من البدن في الكفن وجوبا.
ويكره تجمير الأكفان وكذا اتباع الجنازة بمجمرة.
ولو نجس الكفن غسل، فإن كان بعد طرحه في القبر قرض إن لم يكن
الغسل.
ويجب تغطية رأس المحرم ووجهه في الأصح خلافا للحسن، وكذا رجلاه
كالمحل.
ولا توضع الجريدة مع مخالف، وتوضع مع الصبي والمجنون، فإن تعذر
وضعها في الكفن وضعت في القبر، فإن تعذر غرزت على ظهره.
الحكم الرابع: الصلاة عليه:
وهي فرض كفاية على كل مسلم ومن بحكمه ممن بلغ ست سنين،
ويستحب على من نقص عن ذلك إذا ولد حيا، وقيل: يجب على المستهل،
352

وقيل: إنما تجب على البالغ.
ويشترط حضور الميت ولو في القبر، فلا صلاة على الغائب وصلاة النبي
عليه السلام على النجاشي دعاء.
ولو اشتبه المسلم بالكافر جمعهما ونوى على المسلم.
ويصلى على النفساء لفعل النبي صلى الله عليه وآله كونها معدودة
من الشهداء غير مانع، وكذا المبطون والغريب، والمقتول في الدفاع عن نفسه أو
حرمه أو ماله وقاطع الطريق، والمقتول حدا أو قودا أو الغال من الغنيمة وقاتل
نفسه.
ولا صلاة على الغلاة والخوارج والمجسمة، ومنع المفيد وأبو الصلاح من
الصلاة على غير المؤمن وهو متروك، ومنع ابن إدريس من الصلاة على ولد
الزنى وهو ضعيف.
ولو وجد ميت في دار الإسلام صلى عليه.
والأولى بالتقدم الأحق بالإرث، والأب أولى من الابن، والزوج أولى مطلقا،
والذكر أولى من الأنثى، والحر مقدم على العبد لعدم إرث العبد وله أن يقدم
غيره وليس لغيره التقدم بغير إذنه ولو أوصى إليه الميت خلافا لابن الجنيد.
ولا يشترط الإذن في الإمام الأعظم، ولو تعدد الولي فالأفقه فالأقرأ فالأسن
فالأصبح فالقرعة مع التشاح، وكذا لو تعدد الأئمة، ويستحب تقديم الهاشمي في
المشهور إذا جمع الشرائط.
والعراة والنساء لا يبرز إمامهم بخلاف غيرهم فإنه يبرز وإن كان واحدا،
ولتتأخر النساء وجوبا أو استحبابا، ويستحب انفراد الحيض بصف.
ولو اجتمعت جنائز روعي في تقديم أوليائهم ما يراعى في أولياء الميت
الواحد، ولا يجوز للمأذون الاستنابة إلا بإذن الولي.
وكيفيتها أن ينوي ويكبر ويتشهد الشهادتين ثم يكبر ويصلي على النبي
صلى الله عليه وآله، ثم يكبر ثالثا ويدعو للمؤمنين والمؤمنات، ثم يكبر رابعا
353

ويدعو للميت إن كان مؤمنا ويلعنه إن كان منافقا، ويدعو للمستضعف بدعائه،
وللمجهول بالحشر مع وليه، وفي الطفل لأبويه وللمصلي، ثم يكبر الخامسة
وينصرف، ويقتصر في المخالف على الأربع.
ويجب جميع ما ذكر مع الاستقبال، وجعل رأس الميت عن يمين المصلي،
وقيام المصلي مستور العورة في الأصح مع القدرة، ويجب تأخير الصلاة عن
التكفين والغسل وتقديمهما على الدفن، فلو فقد الكفن وضع في القبر وسترت
عورته ثم صلي عليه، ولو دفن بغير صلاة صلي على قبره يوما وليلة في قول،
والأقرب عدم التحديد، وكذا من فاته الصلاة عليه، ولا يشترط فيها العدد ولا
الجماعة وإن استحبا ويكفي الواحد ولو كان امرأة، ولو تبين بعد الدفن جعل
رأس الميت عن يسار المصلي لم يعد ولو كان قبله أعيدت، ولا قراءة فيها إجماعا
ولا استفتاح ولا استعاذة ولا تسليم إلا لتقية، وجوزه ابن الجنيد.
ولو أدرك المأموم بعض التكبيرات أتم ما بقي ولاء، ولو رفعت الجنازة أتم
ولو على القبر، ولو لم يكبر المأموم مع الإمام حتى كبر أجزأ، فإن تعمد أثم وإلا
فلا ويتم بعد الفراع، ولو سبق المأموم بتكبيرة فما زاد عمدا أثم ونسيانا لا إثم
ويستأنفها مع الإمام، ولو أدركه بين التكبيرات لم ينتظر تكبيرة أخرى بل يتابعه
ويكون تكبيرة الإمام من بعد ثانية المأموم.
ولو حضرت جنائز فالأفضل تفريق الصلاة على كل واحدة ثم على كل
طائفة، وإن جمعهم جاز فيجعل الرجل مما يلي الإمام والعبد بعده ثم الخنثى ثم
المرأة، ولو كان هناك صبي فإن وجبت الصلاة عليه قدم على المرأة وإلا أخر،
ولو كانوا رجالا أو كن نساء جعلهم صفا مدرجا ووقف في الوسط، ولو حضرت
جنازة في الأثناء فالمروي احتساب ما بقي من التكبيرات لهما بدعائي التكبير، فلو
حضرت الثانية في الثانية نوى التشريك فيها ثم تشهد وصلى على النبي وآله ودعا
للمؤمنين، وهكذا يتم ما بقي على الثانية، وتقديم الحاضرة ندبا لو اجتمعتا واتسعتا
وإلا قدم المضيق ولو تضيقتا قدمت الحاضرة.
354

وفي المبسوط إذا خيف على الميت ظهور حادث قدم على الحاضرة
المضيقة، ويجوز في الأوقات التي يكره فيها ابتداء النافلة.
والمستحب إعلام المؤمنين والتشييع، وأن يمشي المشيع خلفها أو إلى
جانبيها، وتربيعها بالحمل فيبدأ بمقدم السرير الأيمن ثم يدور من ورائه إلى رجله
اليمنى ثم رجله اليسرى ثم يده اليسرى، ووضع اليمينين على الكتف اليمنى
واليسارين على اليسرى، وقول المشاهد: الحمد لله الذي لم يجعلني من السواد
المخترم قيل: والإسراع والتفكر في أمر الآخرة.
ويكره التحدث بأمور الدنيا ورفع الصوت والضحك والركوب إلا
لضرورة، والمشي أمامها إلا لتقية، والجلوس حتى توضع في اللحد.
وتستحب الجماعة والطهارة من الحدث والخبث، ووقوف الإمام عند وسط
الرجل وصدر المرأة فإن اجتمعا حاذى بصدرها وسطه، وقال علي بن بابويه:
يقف على رأس الرجل، ونزع نعليه ورفع اليدين في كل تكبيرة على الأقوى،
والوقوف حتى ترفع، والصلاة في المواضع المعتادة لذلك إن كان ولو في
المساجد، وترك تعدد الصلاة إذا نافى التعجيل وإن لم يناف فلا بأس إذا تغاير
المصلي، وتقديم الأفضل إلى الإمام، ولو تساووا فالقرعة أو التراضي مع عدم
إمكان التدريج، ولا يستحب لرائي الجنازة القيام وقيل: بلى.
ويجوز التيمم مع وجود الماء لو خاف الفوت باستعمال الماء.
الحكم الخامس: الدفن:
ويجب على الكفاية في حفرة تكتم الرائحة وتحرس البدن مستقبلا بمقاديم
بدنه القبلة مضجعا عن يمينه، ويستحب تعميق القبر قامة أو إلى الترقوة واللحد إلى
ما يلي القبلة إلا مع رخاوة الأرض فالشق أفضل، ووضعه على الأرض، ونقل
الرجل ثلاثا لا المرأة وإنزاله في الثالثة سابقا برأسه والمرأة عرضا إن أمكن، وحفاء
النازل، وكشف رأسه وحل أزراره، والدعاء عند وضعه في القبر وكونه رحما في
355

المرأة لا الرجل، وتغشية قبرها بثوب لا قبره، ويجوز تعدد النازل واتحاده، وحل
عقد الكفن من عند الرأس والرجلين والشداد إن كان، وجعل تربة الحسين عليه السلام
تحت خده على الأصح، وتلقينه بما سلف والدعاء له بالثبات، وشرج
اللبن، والخروج من قبل الرجلين، وهيل التراب بظهر الكف، ولا يوضع فيه من
غير ترابه والاسترجاع، ورفع القبر أربع أصابع مفرجات مربعا مسطحا ويكره
مسنما ومخددا بالخاء المعجمة، وصب الماء عليه من قبل رأسه دورا ثم في الوسط
ووضع اليد عليه مؤثرة في التراب أو الطين، والترحم وتلقين الولي أو مأذونه بعد
الانصراف بأرفع صوته مستقبلا للقبر مستدبرا للقبلة وقيل: بالعكس، وهو التلقين
الثالث، وقيل: يلقن أيضا عند التكفين.
والتعزية بالدعاء للحي والميت قبل الدفن وبعده وأقلها الرؤية، ولا كراهة
في الجلوس لها ثلاثا على الأقرب، وتعزي الرجال والنساء إلا الشواب الأجانب،
ويكره تعزية الذمي إلا لقريبه المسلم ويعزى المسلم لقريبه الذمي والدعاء للحي.
ويجوز البكاء والنوح بغير الباطل، ويحرم اللطم والخدش وجز الشعر
وإظهار، والسخط والنياحة بالباطل، وليتميز المصاب بإرسال طرف العمامة أو
أخذ مئزر فوقها أو طرح الرداء ويكره لغيره ذلك.
ويستحب وضع لبنة وشبهها عند رأس القبر ليعرف به ووضع الحصى
عليه، وترك فرش القبر بالساج إلا لضرورة، وترك تجصيصه وتجديده بعد
اندراسه، ويجوز طينه ابتداء وترك هيل ذي الرحم وترك النقل إلا إلى المشاهد
الشريفة.
ويكره الاستناد إلى القبر والمشي عليه، ودفن ميتين في قبر ابتداء، ولا يجوز
النبش لدفن آخر إلا لضرورة، والتغوط بين القبور، وبناء مسجد على القبر
والصلاة عليه، ولو بنى المسجد حوله فلا بأس، والمقام عندها والتظليل إلا
المشاهد الشريفة.
وحمل ميتين على جنازة بدعة إلا لضرورة، وقال ابن حمزة يكره.
356

وفي مكاتبة الصفار العسكري عليه السلام: لا يحمل الرجل مع المرأة على
سرير واحد، والأقرب الكراهة وخصوصا في مدلول الرواية.
ويحرم نبش القبر إلا في الأرض المغصوبة والمستأجرة مع انقضاء المدة، أو
الشهادة على العين أو أخذ مال محترم منه أو لاستدراك غسله أو تكفينه أو
توجيهه إلى القبلة ما لم يؤد شئ من ذلك إلى المثلة فيحرم.
والنقل بعد الدفن حرام وإن كان إلى أحد المشاهد، وشق الثوب على غير
الأب، والأخ، ودفن غير المسلم في مقبرة المسلمين إلا الذمية الحامل من مسلم
حملا يلحقه الولد ويستدبر بها القبلة.
ولو تعذر الأرض كالميت في البحر ثقل أو جعل في وعاء وأرسل.
ولو ماتت الحامل دون الحمل شق جوفها من الجانب الأيسر وأخرج
وخيط الموضع، ولو مات دونها قطع وأخرج ولا دية مع تعذر خروجه إلا
بذلك.
والمصلوب ينزل بعد ثلاثة ويغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن.
ويستحب الدفن في البقاع المتبركة ولو بالنقل إليها إذا لم يخش فساده
وأفضلها الحرمان ومشاهد المعصومين وبيت المقدس ومقابر الشهداء والصلحاء،
ويستحب جمع الأقارب في مقبرة ولو احتفر لنفسه قبرا جاز، ويستحب اتخاذ
مقبرة له ولأقربائه ومع عدمها فالدفن في المسبل أولى من الدفن في الملك ودفن
النبي في بيته من خصوصياته ثم السابق إلى المسبلة أولى بما سبق إليه فإن تساووا
وتعذر الجمع أقرع.
ولو علم اندراس عظام الميت جاز التصرف في القبر.
ولو دفن في أرض مشتركة بين الورثة لم يكن له قلعه بعد، ولو كان بعضهم
غائبا أو لم يرض فله قلعه وتركه أفضل، وتقدم مختار المسبل على مختار الملك
من الوارث.
ويستحب إصلاح طعام لأهل الميت تأسيا بالنبي صلى الله عليه وآله في
357

موت جعفر عليه السلام.
ويستحب زيارة القبور فيضع الزائر يده عليه ويترحم ويقرأ شيئا من القرآن
وأفضله القدر سبعا، وكل ما يهدي إلى الميت ينفعه، وقد استوفينا هذا الباب في
الذكرى.
البحث السادس: غسل المس:
ويجب بمس الآدمي ميتا بعد برده بالموت وقبل تطهيره بالغسل، وقال
المرتضى: مستحب، وكذا لو مس قطعة فيها عظم أبينت من حي أو ميت، وقيده
ابن الجنيد بالسنة فمفهومه لو مسها بعد قطعها بأزيد الأغسل ولم نقف له على
حجة مقنعة، ولو خلت من العظم غسل موضع اللمس لا غير، والظاهر أن الرطوبة
هنا غير شرط فتتعدى مع اليبوسة، ويجب غسل العضو اللامس كسائر الأخباث
وغسل البدن كسائر الأحداث، ويجب معه الوضوء ولو مس ما تم غسله من
البدن فالأقرب عدم وجوب الغسل بناء على تغليب الخبث أو على تبعيض
الغسل وإن غلبنا جانب التعبد، ولا غسل بمس غير الآدمي ميتا، وينجس اللامس
مع الرطوبة لا مع عدمها في الأقرب ولا فرق بين المسلم والكافر، ولا بين المؤمن
وغيره، وكذا مغسول الكافر.
أما الشهيد فلا غسل بمسه، وكذا من قدم غسله في الأصح، ولو مات
بسبب غير القتل وجب الغسل بمسه لوجوب تغسيله، وكذا لو قتل بغير ما
أغتسل له، وفي انتقاض هذا الغسل بالحدثين أو أكبرهما نظر، أقربه عدم
النقض.
الفصل الثالث: في التيمم:
ومباحثه أربعة:
الأول: في مسوغه:
358

وهو عدم وجدان الماء ويحصل بأمور:
أحدها: فقده فيجب طلبه في مظانه ولو بثمن إذا كان مقدورا غير ضارة في
الحال ولو زاد عن ثمن المثل على الأصح.
ولو وهب الماء وجب القبول بخلاف الثمن.
والآلة كالثمن يجب استئجارها أو شراؤها أو قبول إعارتها ولا يجب قبول
هبتها.
ولو افتقر تحصيله إلى احتفار وجب مع سعة الوقت والقدرة، فإن ضاق
الوقت عن تحصيله فهو فاقد.
ولو بيع بثمن في الذمة يقدر عليه عند المطالبة وجب وإن عجز في الحال،
ولو امتنع البائع من قبض الثمن المقدور له وجب أيضا إلا أن يعلم العجز عن
وقت المطالبة، ولو وجد الماء مع غير باذل تيمم ولم يكابره عليه ومن مظنته
الطلب الفلوات الأربع من الجوانب الأربع في حزن الأرض وضعفها في سهلها،
ويتوزع باختلافها في الحزونة والسهولة، ويجوز النيابة فيه ويسقط مع علم العدم
ولو ظنه في الزيادة على النصاب وجب.
ويجدد الطلب للفرض الثاني إن لم يعلم العدم بالأول، وليكن الطلب بعد
دخول الوقت فإن سبق وأفاد العدم فالأقرب الاكتفاء وإلا وجب، ولو أخل به
حتى ضاق الوقت عصى وصحت الصلاة بالتيمم، فإن وجده بعدها في رحله أو
مع أصحابه الباذلين أو في الفلوات أعادها.
ويقدم إزالة النجاسة على الطهارة ولا يجزئ لو خالف، وكذا خائف
عطشه أو عطش رفيقه أو حيوان له محترم.
ولا يجوز له شرب النجس لو كان، ويكفي في توقع العطش في المال قول
عارف ولو كان فاسقا أو كافرا أو صبيا، وكذا من معه ماء لا يكفيه لطهارته
وضوءا كانت أو غسلا، نعم لو كان مكلفا بالوضوء والغسل فوجد لأحدهما
وجب وتيمم للآخر بعد استعمال الماء ويحتمل صحته قبله لأن الذي تيمم له لا
359

ماء له.
ولو كان الماء بحضرته وهو في قيد أو حبس أو كان مريضا لا حراك به
وليس هناك ناقل تيمم.
ولو وجد متبرع أو بأجرة مقدورة وجب.
ولو تناوبوا على الماء وظن فوت الوقت قبل نوبته تيمم فإن كذب ظنه
فكواجد الماء بعد التيمم.
ولو أراق الماء في الوقت عصى مع علمه باستمرار الفقد ويقضي، ولو أراقه
ظانا غيره فلا معصية ولا قضاء.
ولو وهبه بعد الوقت ولا ماء غيره بطلت الهبة، وكذا لو باعه بثمن لا يفيد
تحصيل بدله، ولو فعل ذلك قبل الوقت عالما باستمرار الفقد أمكن إلحاقه
بالوقت ويحتمل العدم إذ لا تكليف حينئذ ولا يعلم حياته للوقت.
وثانيها: الخوف من استعماله على النفس من موت أو مرض أو شين أو ألم
لا يحتمله، ولو تمكن من إسخانه وجب ولو بأجرة زائدة عن ثمن المثل ولو كان
يضر مع الإسخان سقط، ويكفي في ذلك قول عارف ولو كافرا ولو احتمل الألم
ولم يخش العاقبة تطهر.
وثالثها: الخوف من تحصيله على النفس أو البضع أو المال من لص أو سبع
أو على العقل في من يفرض فيه ذلك أما تجرد الوهم فلا، وكذا لو كان عنده
مريض أو ضعيف أو طفل أو مجنون يخاف عليه في زمان تحصيل الماء ولا
يمكن استصحابه معه.
البحث الثاني: في المستعمل:
وهو الصعيد الطاهر بأي لون اتفق اجتمعت أجزاؤه كالمدر أو تفرقت
كالتراب ولو من البطحاء والسبخة والرمل وإن كرها، ومنع ابن الجنيد السبخة،
ويجزئ الحجر على الأقرب، وتراب القبر وأرض النورة والجص، وجوزه سلار
360

بالنورة لرواية السكوني، والمختلط مع بقاء الاسم.
ويستحب من الربا والعوالي، ومع فقد الصعيد غبار الثوب ولبد السرج
وعرف الدابة، ثم الوحل فيجفف إن أمكن وإلا ضرب عليه ثم أزاله، ثم الثلج إن
تعذر الغسل به، ولو أمكن المسح به ففي شرعيته ثم تقديمه على التيمم خلاف.
ولا يجوز بالمعادن والرماد والمنسحقة كالأشنان والدقيق ويشترط فيه
الملك أو حكمه، فيبطل بالمغصوب، ولو تبين الغصب بعده فلا حرج بخلاف
ما لو تبين النجاسة فإنه يعيد، وفاقد الطهورين لا يؤدي، والأقرب القضاء مع
التمكن، فلو مات قبله سقط عن الولي.
البحث الثالث: في الاستعمال:
وفي وقته أقوال: ثالثها التأخير للرجاء به فلا يتيمم للفائتة لأن وقتها العمر
على القول بالتوسعة والأقرب الجواز في الحال، نعم يستحب التأخير مع الطمع،
وباقي الصلوات يكفي أسبابها كالخسوف والاستسقاء سببه الاجتماع له، ولو
دخل عليه الوقت متيمما جازت الصلاة في الحال، وعلى القولين الآخرين يتوقع
على الأقرب، وجوزه في المبسوط مع قوله بالمضايقة، ولا يشترط الخلو عن
نجاسة في غير محالة كالوضوء، ولو تعذرت الإزالة عن محالة فالأقرب الجواز
مع عدم التعدي إلى المستعمل.
وكيفيته أن ينوي الاستباحة والبدلية على الأقرب لا رفع الحدث فيبطل إلا
أن يقصد به رفع ما مضى، والوجوب أو الندب والقربة مستديما حكمها إلى آخره
مقاربا وضع اليدين معا، ثم مسح وجهه بهما معا من القصاص إلى طرف الأنف
الأعلى ثم يمسح ظهر كفه اليمنى ببطن اليسرى من الزند إلى آخر الأصابع ثم
اليسرى ببطن اليمنى، واجتزأ ابن الجنيد في مسح الوجه باليمنى.
ويجب استيعاب مواضعه والموالاة فيه سواء كان بدلا عن غسل أو وضوء،
والترتيب كما ذكر فلو نكس استأنف، ولو قلنا: لا يخل هذا بالموالاة بنى على ما
361

يحصل معه الترتيب، ولو قطع بعض الأعضاء مسح على الباقي.
ويجب في بدل الوضوء ضربة وفي غيره ضربتان، ولو اجتمعا تكرر كغسل
الحيض، ويجب نزع الحائل كالخاتم والسير، ويجب المباشرة إلا مع التعذر،
ووضع اليد على الصعيد المحمول بالريح أو بآلة لم يجزئ، ولو ضرب على
تراب ببعض أعضائه أجزأ ولا يجزئ إيصال التراب إلى الأعضاء بغير ضرب،
ويستحب النفض، واعتبر ابن الجنيد المسح بالغبار.
ولا يجب استيعاب الوجه والذراعين ولا تخليل الأصابع وتفريجها في
الضرب أو في المسح، ولو قيل: باستحباب الاستيعاب والتفريج أمكن، أما
تخليل الشعر على الوجه أو اليدين فلا، ولو نوى استباحة صلاة معينة استباح
غيرها، فرضا كانت أو نفلا.
البحث الرابع: في الأحكام:
يسوع التيمم سفرا وحضرا قصر السفر أو طال، طاعة أو معصية، ولا يعيد
ما صلاه به مسافرا أو غيره إلا متعمد الجنابة، والممنوع بزحام الجمعة ومن على
بدنه نجاسة لا يمكن إزالتها، فإن فيهم قولا بالإعادة ضعيفا.
وكلما يستباح بالمبدل يستباح به حتى الطواف، ويجوز أن يصلي به ما شاء
ما لم ينتقض بحدث أو وجود الماء مع التمكن من استعماله، فلو وجد قبل
الصلاة تطهر وبعدها لا التفات وفي الأثناء كذلك على الأصح، والأقرب عدم
جواز العدول إلى النافلة وعدم تجديده لو فقد بعد الصلاة قبل التمكن، سواء كان
في فرض أو نفل، ويلوح من المبسوط تجديد التيمم، ولو بلغ المتيمم فالأقرب
إعادته كالمائية، ولو أحدث أصغر ذو الأكبر أعاد عن الأكبر، ولو وجد هذا ماء
للوضوء لم يستعمله على الأقرب ولا تنقضه الردة.
ويجب تغسيل الميت لو وجد الماء بعد تيممه ما لم يدفن فيعاد الصلاة عليه
بعد الغسل، ولا يبطل التيمم بوجوب طلب الماء ما لم يجده وإن ظن وجوده.
362

والجريح إن أمكنه غسل ما عدا المجرح وجب، ثم إن أمكنه اللصوق على
الجرح فعل ومسح عليه، ولو استوعب العذر عضوا تيمم، واحتاط الشيخ بغسل
الصحيح والتيمم الكامل ويقدم ما شاء، أما التيمم في بعض الأعضاء فلا.
ولو ترك القادر على الماء استعماله حتى ضاق الوقت عنه وتيمم وصلى
فالأقرب الإعادة، وكذا لو حبس بحق وهو قادر عليه فترك حتى ضاق الوقت
بخلاف المحبوس ظلما وبما لا يقدر عليه.
ولا يحرم الجماع على فاقد الماء ولا على غير المتمكن من استعماله
على الظاهر، نعم يكره على الأقرب.
ولو قلنا بأن فاقد الطهورين يؤدى بحاله فوجد أحدهما في أثناء الصلاة
بطلت، سواء بقي من الوقت قدر يمكن أداؤها فيه أو لا على الأقرب.
ولا يسوع التيمم للنجاسة في البدن والثوب ولو حرمنا وطء الحائض
الطاهر قبل الغسل فالأقرب جواز التيمم له مع تعذر الغسل، ولا يقع من الكافر
وإن نوى الإسلام به، ولو رأى بعد التيمم مظنة الماء كالخضرة والركب وجب
الطلب مع سعة الوقت لا مع عدمه، ولا تبطل بذلك ولا بنزع العمامة والخف،
ولو نسي الأكبر فتيمم بدلا من الأصغر لم يجزئه، ولو قلنا: بالتسوية في الضرب
لعدم نية البدلية وكذا العكس.
ولو اجتمعت الأغسال أجزأ تيمم عن الغسل المجزئ، ويخص الجنب
بالماء المبذول للأحوج وإن كان معه ميت ومحدث وحائض وماس ميت على
الأقوى، ولو كفى المحدث خاصة فالأقرب اختصاصه ويمكن صرفه إلى بعض
أعضاء الجنب توقعا للباقي، أما لو قصر عنهما تعين الجنب لاشتراط الموالاة في
الوضوء دون الغسل، فلو استعمله وتعذر الإكمال تيمم، وكذا كل موضع يتعذر
إكمال الوضوء أو الغسل وإن لم يجز التبعيض لولاه، ولا يجب الحدث لينتفي
التبعيض وفي جوازه مع توقع الإكمال اختيارا نظر، وكذا في جوازه اختيارا في
الوضوء أو الغسل لأنه إبطال للعمل ويحرم في أثناء الصلاة إجماعا، ولا يحرم
363

بعد الطهارة مع سعة الوقت وإمكان الطهارة إجماعا.
ولو أحدث المتيمم في أثناء الصلاة ووجد الماء تطهر وبنى في صحاح
الأخبار.
وفي خبر زرارة عن الباقر عليه السلام: البناء لغير المحدث أيضا إذا تطهر
بالماء، وأوجب ابن أبي عقيل إعادة الصلاة لو وجد الماء بعدها في الوقت لا في
خارجه، وهو قائل بالمضايقة لصحيحة يعقوب بن يقطين عن أبي الحسن
عليه السلام.
ويكره الإقامة في بلد يحوج إلى التيمم غالبا لصحيحة محمد بن مسلم عن
أحدهما عليهما السلام، وفي تعديته إلى سفر يحوج إلى التيمم وجه ما لم يكن
واجبا أو مضطرا إليه.
الطرف الرابع: في النجاسات:
ومباحثه ثلاثة:
الأول: في حصرها:
وهي عشرة: البول والغائط من الحيوان ذي النفس السائلة غير مأكول
اللحم ولو بالعرض كالجلل والوطء وشرب لبن الخنزيرة، وفي ذرق الطيور قول
بالطهارة وإن حرم لحمها إلا الخفاش، وفي ذرق الدجاج قول بالنجاسة وإن أكل
لحمه وهما ضعيفان، ولا ينجس فضلة المأكول غيره إجماعا ولا فضلة ما لا نفس
له.
والدم والمني من ذي النفس وإن حل لحمه، ولا ينجسان من غير ذي العرق
الذي يجري منه الدم ولا القيح، وفي الصديد للشيخ قول، فإن أراد به المخالط
للدم منع، ولا ينجس ما لا يقذفه المذبوح من الدم، وتنجس العلقة وإن كانت في
البيضة والميتة من ذي النفس السائلة حل أكله أو حرم، وكل ما أبين من حي
دون ما لا تحله الحياة منها كالعظم والشعر والإنفحة ملحقة به، وكذا البيضة مع
364

اكتساء القشر الأعلى، وفي اللبن قول مشهور بالطهارة.
والكلب والخنزير وفروعهما وفروع ما تولد بينهما وبين الطاهر العين إذا
صدق عليه اسم أحدهما ولعابهما وأجزاؤهما وإن لم تحله الحياة خلافا للمرتضى
دون كلب الماء وخنزيره في وجه.
والخمر والنبيذ خلافا لابن بابويه وابن أبي عقيل وإن كان في حب العنب،
وكل مسكر مائع بالأصالة، وألحق بها عصير العنب إذا غلى واشتد بمعنى
السخانة، ولم أقف له على نص يقتضي تنجيسه إلا ما دل على نجاسة المسكر لكنه
لا يسكر بمجرد غليانه واشتداده.
والفقاع وإن لم يسكر سواء اتخذ من الزبيب أو الشعير أو غيرهما.
والكافر سواء جحد الإسلام أو انتحله وجحد بعض ضرورياته كالخوارج
والغلاة والمجسمة بالحقيقة والمشبهة كذلك.
ويكره بول البغال والحمير والدواب وأرواثها، والأصح طهارة المسوخ
والسباع والفأرة ودذ الوزغة والثعلب والأرنب، وعرق الجنب من الحرام وعرق
جلال الإبل، والمذي خلافا لابن الجنيد فيه إذا خرج عن شهوة، والقئ خلافا
لما نقله الشيخ، والعقرب خلافا لابن البراج، وفي النهاية ينجس الماء بموتها فيه.
ولا ينجس طين الطريق إلا بعلم النجاسة به كغيره، نعم يستحب إزالته بعد
ثلاثة أيام منذ انقطاع المطر وشبهه عنه.
الثاني: في المطهرات:
وهي عشرة: الماء ويطهر سائر النجاسات مع زوالها، والأرض أسفل
القدم، والنعل، ومحل الاستنجاء، وإناء الولوع، وروي: أن بعضها يطهر بعضا،
والشمس ما جففته من كل نجاسة لم يبق لها جرم مما لا ينقل أو كان حصيرا أو
بارية ولو بمشاركة الريح، والإسلام يطهر بدن الكافر أو المرتد وإن كان عن
فطرة، وفضلاته الطاهرة من المسلم، ولو كان عليه نجاسة خارجة لم يطهرها
365

الإسلام ولا يطهر ما كان باشره برطوبة من إناء أو ثوب أو غيره قبل الإسلام،
وأدوات الاستنجاء كالكرسف والخشب.
والاستحالة بالنار بحيث يصير رمادا أو فحما، وفي الخزف والآجر وجه
بالطهارة قوي، وبصيرورة الخمر والنبيذ والعصير النجس خلا وإن كان بعلاج لا
إذا كان فيه نجاسة أخرى، وبالحيوان ومنه الدود من العذرة، وبالتراب كصيرورة
العذرة والدم ترابا، وبالملح كصيرورة نجس العين ملحا، وبالانتقال إلى الحيوان
الذي لا نفس له كدم البراغيث والبق، وبصيرورته نباتا وقد نما بالماء النجس
وشبهه، وبصيرورته فضلة حيوان مأكول اللحم، ونقص ثلثي العصير بالغليان ولو
بالشمس، ونزح البئر، وزوال العين في نحو باطن العين والأنف والفم وصماخ
الأذن والإحليل وفرج المرأة والحيوان غير الإنسان وإن لم يغب، وليس الدبغ
عندنا مطهرا وقول ابن الجنيد شاذ.
البحث الثالث: في الأحكام:
وفيه مقامات:
الأول: يجب إزالة النجاسة عن الثوب والبدن للصلاة والطواف ودخول
المساجد، وعن الأواني لاستعمالها، وعن المصحف والضرائح المقدسة
والمساجد، ولا يستقر الوجوب إلا مع الاستقرار وسببه عدم غير النجس،
والواجب الانتقاء ثم إن كان بدنا أو إناء وشبهه فالصب كاف عليه بعد زوال
العين، وإن كان ثوبا يمكن عصره وجب في غير الجاري والكثير، ولا يجب
التعدد إلا في إناء الولوع من الكلب فيجب مرتين بعد تعفيره بالتراب الطاهر أو
شبهه مع تعذره أو فساد الإناء، وفي الفأرة والخنزير والخمر قول بالسبع قريب،
ويستحب التثنية التثليث في غير ذلك.
وفي الجاري والكثير يسقط التعدد، ولكن في الولوع ينبغي تقديم التراب،
واعتبر ابن الجنيد وفي الولوع سبعا، والمفيد جعل الثانية بالتراب، والأقرب
366

إجزاء التراب اليابس والممتزج بالماء.
ولا يتكرر الغسل بتكرر الولوع اتحد الكلب أو تعدد، ولو ولغ في الأثناء
استأنف، وألحق في الخلاف والمبسوط الخنزير نظرا إلى اللغة وفيه منع، ولو
نجس بالولوغين فالسبع بالماء بعد التراب بخلاف نجاسة أخرى مع ولوع
الكلب فإنها تتداخل، وكذا تداخل النجاسة الأخرى مع نجاسة الخنزير والفأرة،
ولو تعدد الخنزير أو الفأرة فالسبع، ولو اجتمعا فالأجود التداخل.
والقرع والخزف غير المغضور والخشب كغيره بعد الاستظهار.
ولا يجب تجفيف الإناء بعد الغسل، ويسقط العصر فيما لا يمكن، ويكفي
الدق والتغميز.
ولو شرب نجسا فالأقوى وجوب استفراغه إن أمكن، وكذا لو احتقن في
جلده دم أو جبر عظمه بعظم نجس أو خاط جرحه بخيط نجس، ولو خيف
الضرر سقط.
والرائحة واللون العسر الإزالة عفو كدم الحيض، ويستحب صبغه بالمشق
وشبهه.
ولا يجزئ في المني فركه، ويستحب حت النجاسة وقرصها ثم غسلها
بالماء وخصوصا الدم والمني، ولو أخل بالعصر في موضعه فالأقرب عدم
الطهارة لأنا نتخيل خروج أجزاء النجاسة به، ولو اشتبه النجس بغيره غسلا اتحد
الثوب أو تعدد ولو كان في غير محصور سقط.
وطهر الأرض بالغيث أو الجاري أو الزائد على الكثير أو الشمس أو بالزيادة
عليها أو كشط النجاسة منها وتسمية هذين مطهرين تسامح، وفي الذنوب رواية
مشهورة بتطهيرها.
وطهر المرتضى الصيقل كالسيف بالمسح ولم يثبت، ولو غسل بعض
الثوب أو البدن طهر ما غسله، ويكفي في بول الرضيع الذي لم يتغذ بالطعام
الصب عليه.
367

ولا تطهر المائعات غير الماء بالغسل، ولا ما لا يمكن فصل الماء عنه، نعم
لو ضرب في الكثير حتى تخلله الماء أمكن الطهارة.
ويشترط ورود الماء على النجاسة فلو عكس نجس الماء القليل ولم يطهره
إلا في نحو الإناء فإنه يكفي الملاقاة ثم الانفصال.
الثاني: فيما عفي عنه وهو الدم من غير الثلاثة ونجس العين والميتة وما
خالطه مائع آخر على الأقرب إذا نقص عن الدرهم البغلي سعة أو كان دم قرح
أو جرح لا يرقأ.
ويستحب غسل الثوب في اليوم مرة، وفي قدر الدرهم قول بالعفو ضعيف،
وكذا في المتفرق والأقرب المساواة للمجتمع، ولو تفشي الدم في الرقيق فواحد
وفي الصفيق اثنان، وعفي عن المربية أو المربي للطفل إذا لم يكن إلا ثوب واحد
إذا غسل في اليوم والليلة مرة ويستحب جعلها آخر النهار أمام الظهرين، ولا يعفى
لو نجس بنجاسة غير الطفل، وعن النجاسة مطلقا مع تعذر الإزالة، ولو وجدت
المربية ثوبا طاهرا وجب استعماله وطرح النجس، ولو وجده صاحب القروح لم
يجب في ظاهر النص وإن كان الإبدال أحوط.
ويستحب رش الثوب الذي أصابه الكلب أو الخنزير يابسين بالماء، ومسح
البدن بالتراب، وعفي عن نجاسة ما لا يتم فيه الصلاة وحده كالتكة والجورب
والخف والقلنسوة والنعل والخاتم والسير، وأضاف ابن بابويه العمامة، وبعضهم
لم يعتبر الملابس وظاهر الرواية ذلك، ومن هذا القارورة المضمومة المشتملة على
النجاسة، والأقرب المنع من غير الملابس ومنها في غير محالها، وإنما يختص
بالعفو إذا كانت في محالها ولم يتعد بالرطوبة إلى ما يلاصقها.
ولو صلى حاملا لحيوان طاهر غير مأكول اللحم صحت صلاته، ولو شد
وسطه بحبل مشدود في نجاسة يتحرك بحركته صحت الصلاة ما لم يصدق
الحمل.
368

ويجوز الصلاة في ثياب الصبيان ومن لا يتوقى النجاسة وثياب مدمن الخمر
والقصابين ما لم تعلم النجاسة ولكنه يكره، والأقرب إن ظن النجاسة غير مانع
وإن استند إلى شهادة عدل أما العدلان فيجب القبول.
الثالث: لو صلى مع النجاسة عامدا عالما مختارا أعاد في الوقت وخارجه،
ولو فقد الاختيار فلا إعادة مطلقا، ولو نسي فالأقرب أنه كالعامد إلا في الإثم،
والجاهل لا يعيد مطلقا، وقيل: يعيد في الوقت، وجاهل الحكم لا يعذر، ولو علم
بالنجاسة في الأثناء وعلم سبقها بنى على الجاهل بالنجاسة والأقرب إزالتها أو
الإبدال إن أمكن ولم يفتقر إلى فعل كثير وإلا استأنف مع سعة الوقت واستمر مع
ضيقه ولو لم يعلم سبقها لم يعد قطعا بل يزيلها مع الإمكان.
ولو لم يجد إلا ثوبا نجسا وهناك ضرورة صلى فيه ولا إعادة في الأصح،
ولو انتفت الضرورة ففيه قولان: أقربهما التخيير بين الصلاة فيه أو عاريا. والأول
أفضل.
ولو اشتبه النجس بمحصور وتعذر الطاهر بيقين تعددت الصلاة وزاد على
عدد النجس بواحد مع سعة الوقت ومع الضيق يصلى فيما يحتمل أو عاريا على
الخلاف، ولو كان بغير محصور صلى فيما شاء.
وإذا صلى في المشتبهين فليصل الفريضة الواحدة في كل واحد ثم يصلى
الأخرى، كذلك فلو صلاهما في ثوب ثم في آخر فالأقرب الإجزاء، ولو صلى
الأولى في ثوب ثم الثانية في آخر ثم الأولى فيه ثم الثانية في الأول صحت الأولى
لا غير لإمكان طهارة الثاني، ولو كان الصلاتان لا ترتيب فيهما صحتا معا، ولو
لبس الثوبين وصلى فيهما بطلت، ولو غسل أحدهما وصلى فيه وحده صحت
قطعا.
الرابع: في الآنية:
369

وأقسامها ثلاثة:
المتخذ من الذهب والفضة، ويحرم استعمالها في أكل و شرب وغيرهما
والأقرب تحريم اتخاذها لغير الاستعمال ولا فرق بين الرجل والمرأة، ويكره
المفضض، ويجب اجتناب موضع الفضة، ولو تطهر من إناء الذهب أو الفضة أو
صب به أو جعلها مصبا لماء الطهارة صحت وإن فعل حراما لخروجه عن حقيقة
الطهارة.
والمتخذ من الجلود، يشترط طهارة الحيوان والتذكية، وفي اشتراط الدبغ
في غير المأكول قولان أقربهما اشتراطه، ولا يشترط طهارة ما يدبغ به، نعم يجب
غسله بعده ولا قصد الدبغ، فلو وقع في المدبغة طهر مع التأثير، ولو اتخذت من
حيوان البحر مما لا نفس له فهي طاهرة سواء خرج حيا أو ميتا، وكذا من عظم
الحيوان الطاهر والمتخذ من سائر الأشياء ويشترط فيه الطهارة، ويجوز استعماله
وإن كان من الجواهر النفيسة، وأواني المشركين طاهرة كسائر ما بأيديهم حتى
تعلم النجاسة.
ولو اتخذ إناء من جلد الميتة حرم استعمال ما باشره من المائع إلا أن يكون
الملاقي له من الماء مما لا ينفعل بالنجاسة كالكثير والجاري فتصح الطهارة منه
حينئذ إذا كان الباقي مما لا ينفعل.
الطرف الخامس: في المياه:
ومباحثه ثلاثة:
الأول: في المطلق:
وهو ما يتسارع الفهم عند إطلاق اللفظ ويستغني عن قرينة ويمتنع فيه
السلب، وهو طاهر مطهر من الحدث والخبث في أصل الخلقة، ولو مازجه طاهر
لا يخرجه عن اسمه وإن تغير وصفه، نعم تكره الطهارة به لو أجن، ولو خرج عن
الاسم فمضاف، ولو لاقته نجاسة فأقسامه ثلاثة:
370

أحدها: الجاري عن مادة كالنبع ولا ينجس إلا بتغيير أحد الثلاثة أعني اللون
أو الطعم أو الريح، ولو تغير بعضه نجس دون ما فوقه مطلقا وما تحته إن لم
يستوعب التغير عمود الماء أو استوعبه وكان كرا فصاعدا، وماء المطر نازلا
كالجاري، وكذا الحمام مع المادة كرا فصاعدا، ولو كان الجاري بلا مادة
نجس بالملاقاة إذا نقص عن الكر، ولا ينجس ما فوق النجاسة.
وطهر الأول بالتدافع حتى يزول التغيير، والثاني بجار ذي مادة أو كثير
مزيلين للتغير، وماء المطر به حتى يزول التغير وبالجاري وبالعكس، وماء الحمام
بذلك أيضا، والمعتبر في التغير المحسوس لا المقدر إلا أن يكون الماء مشتملا
على صفة تمنع من ظهور التغير فيكفي التقدير، والجرية حكمها حكم النهر وإن
نقصت عن الكر ومرت عن النجاسة القائمة ما دامت متصلة.
وثانيها: الواقف وهو ما كان منه كرا قدره ألف ومائتا رطل بالعراقي أو
مساحته في جميع أبعاده اثنان وأربعون شبرا وسبعة أثمان شبر، بشبر مستوي
الخلقة فإنه لا ينجس إلا بالتغير، ولو تغير بعضه نجس المتغير، ثم إن كان الباقي
كرا طهر بمتوجه وإلا نجس أيضا.
وما نقص عن الكر ينجس بالملاقاة على الأصح وإن كان بدم لا يدركه
الطرف على الأقوى، ولا فرق بين مياه الغدران والحياض والأواني وغيرها، ولا
يغتفر نقص شئ من الوزن أو المساحة وإن قل، وطهر الجميع بإلقاء كر طاهر
فإن طاب وإلا فأخر حتى يطيب، وبالجاري، ولو تمم كرا لم يطهر على الأقوى،
سواء كان بطاهر أو نجس، ويطهر أيضا بالجاري وماء المطر الغالبين.
ولو اتصل الواقف القليل بالجاري واتحد سطحهما أو كان الجاري أعلى
اتحدا ولو كان الواقف أعلى فلا، والفوران كالنبع الجاري مع دوام الاتصال،
وتطهر المياه وغيرها بورود الماء عليها.
ولو وجد نجاسة في الكر وشك في سبقها عليه فالأصل الطهارة، ولو شك
في البلوغ فالنجاسة.
371

ولو أخذ ماء من الكثير وفيه نجاسة قائمة غير متغيرة فنقص بها فالمأخوذ
طاهر وباطن الإناء، والباقي نجس، بخلاف ما لو كانت مستهلكة فإن الجميع
طاهر ولا يجب ترك قدرها.
وثالثها: ماء البئر، وينجس بالتغير، ويطهر بمطهر غيره وبالنزح حتى يزول
التغير، والأصح نجاسته بالملاقاة أيضا.
ويطهر بما مر وبنزح جميعه للمسكر والمني وأحد الدماء الثلاثة، والفقاع
وموت البعير أو الثور وما لا نص فيه، وزاد ابن البراج عرق الجنب حراما وعرق
جلال الإبل وأبو الصلاح ألحق بول وروث غير المأكول اللحم، فإن غلب
تراوح عليه أربعة رجال يوما مثنى.
وكر للدابة والبغل والحمار والبقرة، وسبعين دلوا معتادة للإنسان وإن كان
كافرا، وخمسين لرطب العذرة وكثير الدم كذبح الشاة، وأربعين للثعلب
والأرنب والكلب والخنزير، والسنور على الأصح، وقال الصدوق: له سبع،
والشاة، وروى إسحاق بن عمار عن الصادق عليه السلام: أن عليا عليه السلام
قال: ينزح منها تسع أو عشر للشاة وبول الرجل.
وثلاثين لماء المطر وفيه البول والعذرة وخرء الكلاب أو أحدها، وعشر
لقليل الدم كالرعاف اليسير واليابس العذرة، وسبع لبول الصبي فوق الرضيع
والفأرة مع التفسخ أو الانتفاخ، ولاغتسال الجنب وفي طهارته وجهان: أقربهما
المنع، ولوقوع الكلب وخروجه حيا، وخمس لذرق الدجاج الجلال، وثلاثة
للفأرة مع عدم الأمرين والحية والعقرب والوزغة، ودلو لبول الرضيع ابن المسلم
قبل اغتذائه بالطعام وللعصفور وشبهه.
وكل ذلك بعد إخراج النجاسة أو استحالتها، وجزء الحيوان وكله سواء،
وكذا كبيره وصغيره وذكره وأنثاه، ولا تتداخل وإن تماثلت النجاسة.
ولا يكفي إخراج الدلاء بإناء كبير دفعة والنية غير معتبرة، فيصح من
الصبي في غير التراوح ومن الكافر مع عدم المباشرة.
372

ويسقط النزح بغور الماء ولو عاد فهو طاهر، ويعفى عن المتساقط وعن
جوانب البئر والحمئة وما أصاب الماتح والمائح، ولو صب دلو فيها سقط من
العدد ولا يستأنف له نزح وإن كان الأخير، ولو صبه في غيرها فالأقرب وجوب
منزوحه، وكذا لو صب الجميع، ولو وقع المنزوح له وماؤه المنزوح فيها أو في
غيرها فالظاهر التداخل.
ولو زال تغيرها من نفسها فهو كالباقي ينزح له الجميع، أو ما كان يزيل
التغير لو دام.
ولو تغيرت بالجيفة حكم بالنجاسة من حين التغير، ولو لم يتغير حكم
بالنجاسة من حين الوجدان.
ولا يطهر الماء بزوال تغيره من نفسه ولا بتصفيقه الرياح ولا بوقوع أجسام
تزيل عنه التغير، نعم يكفي الكر حينئذ وإن كان لولاه لم يكف ولو فعل ذلك
قصدا.
الثاني: في المضاف والأسئار:
فالمضاف ما قابل المطلق كمياه الأنوار وعصارة الأشجار وما مزج
بالأجسام كماء العجين والزعفران، وكله طاهر غير مطهر في الأصح، وينجس
بالملاقاة وإن كثر، وطهره بصيرورته ماء مطلقا، وقيل: بملاقاة المطلق الكثير
وإن بقي اسمه، وإذا نجس لم يجز استعماله.
والسؤر تابع للحيوان في الطهارة والنجاسة والكراهة، ويكره سؤر ما لا
يؤكل لحمه كالجلال وسؤر آكل الجيف مع الخلو عن النجاسة، ومن عدا
المؤمن والمستضعف من المسلمين إلا من حكم بنجاسته والحائض المتهمة، وكذا
كل متهم، والدجاج والبغال والحمير والفأرة والحية وولد الزنى، ومنعه ابن
بابويه والمرتضى، وما مات فيه العقرب والوزع ولا كراهة في استعمال سؤر
المرأة وإن خلت به ما لم تتهم.
373

الثالث: في الأحكام:
يحرم استعمال الماء النجس في الطهارة وإزالة النجاسة فيعيد الصلاة لو
صلى بطهارة منه، عامدا كان أو ناسيا، في الوقت أو خارجا.
أما ما زال به النجاسة فحكمه حكم الصلاة في الثوب النجس ويجوز استعماله
أكلا وشربا عند الضرورة وفقد غيره، وكذا يجوز سقي الحيوان والشجر والزرع
به.
والماء المستعمل في غسل النجاسة نجس، سواء كان في الأولى أو الثانية،
أو ثالثة الولوع، أو سبع الخنزير، ولو اجتزأنا بالأولى في موضعها حكمنا بطهارة
الثانية، وعفي عن ماء الاستنجاء ما لم يتلون بالنجاسة أو يقع على نجاسة خارجة،
ولا فرق بين المتعدي وغيره.
والمستعمل في الوضوء طاهر طهور، وفي الأغسال المسنونة كذلك، وفي
الحدث الأكبر طاهر، والأقرب الطهورية وإن كره.
ويكره الطهارة بالمشمس في الآنية وإن صفا جوهرها، أو كان في قطر بارد
قصد إلى تشميسه أو لا، وكذا يكره تغسيل الأموات بالمسخن بالنار إلا أن يخاف
الغاسل على نفسه، وماء البحر كغيره، ولا تكره الطهارة بماء زمزم.
ولا ينجس القليل بموت الحيوان غير ذي النفس فيه، ولو شك متيقن
الطهارة في نجاسة أو بالعكس يبني على اليقين، ولو شك في نجاسة الواقع بنى
على الطهارة.
ولو بلغ المستعمل في الكبرى كرا لم يزل المنع على الأظهر فيبقي على
الكراهية بخلاف ما لو ارتمس ابتداء في كر، وغسالة الحمام لا يجوز استعمالها إلا
مع العلم بخلوها من النجاسة وعليها يحمل الرواية بأنه لا بأس به.
ويستحب تباعد البئر عن البالوعة خمس أذرع مع صلابة الأرض أو تحتية
البالوعة وإلا فسبع، وابن الجنيد اعتبر اثنتي عشرة ذراعا مع رخاوة الأرض وهو
نادر، ولا ينجس بها وإن تقاربتا ما لم يعلم اتصال النجاسة إليها.
374

ولو تمم المطلق بالمضاف وبقى الإطلاق صحت الطهارة به وإزالة النجاسة
وتخير بينه وبين المطلق المحض، وهل يجب المزج لو فقد غيره؟ الأقرب نعم،
ومنعه الشيخ.
ويعتبر في حيوان الماء النفس السائلة كغيره.
ولو اشتبه موت الصيد ذي النفس في قليل الماء اجتنبا لأصالة عدم الذكاة
الملزومة لنجاسة الماء ولا يصح القلب، إذ طهارة الماء لا تستلزم حل الصيد، ولو
أصاب الماء دمه فلا بحث.
والجمد من الماء كبقية الجامدات فلا ينجس بالملاقاة سوى ما اتصل بها
ولا تدفع كريته انفعال الملاقي.
ولا يمنع أيضا نجاسة قليل الماء المتصل به، ولو نجس أحد الإنائين أو الآنية
المحصورة اجتنب الجميع مع الاشتباه ولا يتحرى إلا للشرب.
ولا تجب الإراقة قبل التيمم لأنه في حكم المعدوم، ولو استعملهما مجتمعين
أو متفرقين لم يجر الطهارة بخلاف المطلق المشتبه بالمضاف، ولو تعارضت
البينات في الآنية على وجه لا يمكن التوفيق فالأقرب أنه كالاشتباه، والتساقط قوي
فيحكم بطهارة الماء.
وروى عبد الله بن مسكان مرسلا عن الصادق عليه السلام: أنه إذا انتهى
الجنب إلى ماء قليل وليس معه ما يغترف به وإن اغتسل منه رجع غسله في الماء
ينضح بكف عن يمينه ويساره وأمامه وخلفه ثم يغتسل، فالظاهر أن المراد به
رش الأرض ليمنع عود الماء المستعمل إليه وفيه إشارة إلى المنع من المستعمل،
ومنهم من جعل الرش على بدن الجنب ليفرقه عليه ولا يعود إلى الماء.
ولو امتزج المطلق بمضاف يساويه في الصفات كماء ورد منقطع الرائحة
وغلب أحدهما فالحكم له، فإن تساويا قوى الشيخ جواز الاستعمال واحتاط
بالتيمم معه، ومنع ابن البراج من الاستعمال، وصار بعض الأفاضل إلى اعتبار
التسمية بتقدير بقاء المضاف على أوصافه، ولو عجن بالنجس لم يطهر بالخبز،
375

وفي موضع من النهاية يطهر، وفي مرسل ابن أبي عمير عن الصادق عليه السلام:
البيع على مستحل الميتة، وفي أخرى دفنه، وفي أخرى طهارته، وطريق الكل
صحيح.
376

الألفية
للشهيد السعيد محمد بن جمال الدين مكي العاملي (الشهيد الأول)
734 - 786 ه‍. ق
377

كتاب الطهارة
الفصل الأول: في المقدمات:
وهي ستة:
الأول: الطهارة:
وهي اسم لما يبيح الصلاة، من الوضوء والغسل والتيمم، وموجبات
الوضوء إحدى عشر: البول والغائط والريح من الموضع المعتاد، والنوم الغالب
على الحاستين تحقيقا أو تقديرا، والمزيل للعقل، والحيض والاستحاضة والنفاس،
ومس ميت الآدمي نجسا، وتيقن الحدث والشك في الوضوء، أو تيقنهما والشك
في اللاحق، وتنقضه الجنابة وإن لم توجبه ويجب بها الغسل، وبالدماء الثلاثة إلا
قليل الاستحاضة، وبالمس والموت.
ويجب التيمم بموجباتهما عند تعذرهما، وقد يجب الثلاثة بالنذر أو العهد أو
اليمين أو تحمل عن الغير.
والغاية في الثلاثة الصلاة والطواف، ومس خط المصحف، ويختص
الأخيران بغاية دخول المجنب وشبهه المسجدين، واللبث فيما عداهما، وقراءة
العزيمة، ويختص الغسل بالصوم للجنب وذات الدم.
والأولى التيمم مع تعذر الغسل، ويختص التيمم بخروج الجنب والحائض
من المسجدين.
379

ثم واجبات الوضوء اثنا عشر:
الأول: النية مقارنة لابتداء غسل الوجه وصفتها: أتوضأ لاستباحة الصلاة
لوجوبه قربة إلى الله تعالى، ويجب استدامتها حكما إلى الفراع، ولو نوى المختار
الرفع أو نواهما جاز، أما المستحاضة ودائم الحدث والاستباحة أو هما لا غير.
الثاني: غسل الوجه من قصاص شعر الرأس حقيقة أو حكما إلى محادر شعر
الذقن طولا، وما حواه الإبهام والوسط عرضا حقيقة أو حكما، ويجب تخليل
ما يمنع وصول الماء إليه إذا خف، أما الكثيف من الشعور فلا، ويجب البدء
بالأعلى، ولا يجب غسل فاضل لحيته عن الوجه.
الثالث: غسل اليدين مع المرفقين مبتدئا بهما إلى رؤوس الأصابع، ويجب
تخليل ما يمنع وصول الماء، كالخاتم والشعر، والبدء باليمين.
الرابع: مسح مقدم شعر الرأس حقيقة أو حكما، أو البشرة ببقية البلل ولو
بإصبع أو منكوسا.
الخامس: مسح بشرة الرجلين من رؤوس الأصابع إلى أصل الساق بأقل
اسمه بالبلل، فلو استأنف ماءا لأحد المسحين بطل، ويجوز الأخذ من شعر الوجه،
وينبغي البدء باليمين احتياطا، ولا يجوز النكس، بل يبدأ بالأصابع.
السادس: الترتيب كما ذكر.
السابع: الموالاة، وهي متابعة الأفعال بحيث لا يجف السابق من الأعضاء، إلا
مع التعذر لشدة الحر وقلة الماء.
الثامن: المباشرة بنفسه اختيارا، فلو وضأه غيره لا لعذر بطل.
التاسع: طهارة الماء وطهوريته، وطهارة المحل.
العاشر: إباحته، فلو كان مغصوبا بطل.
الحادي عشر: إجزاؤه على العضو، فلو مسه في الغسل من غير جريان لم
يجزئ، أما في المسح فيجزئ.
الثاني عشر: إباحة المكان، فلو توضأ في مكان مغصوب عالما مختارا بطل،
380

ومتى عرض له الشك في أثنائه أعاده وما بعده.
وواجب الغسل اثنا عشر:
الأول: النية مقارنة لجزء من الرأس إن كان مرتبا، ولجميع البدن إن كان
مرتمسا مستدامة الحكم إلى آخره.
وصفته: أغتسل لاستباحة الصلاة لوجوبه قربة إلى الله، ويجوز للمختار ضم
الرفع والاجتزاء به.
الثاني: غسل الرأس والرقبة وتعاهد ما ظهر من الأذنين، وتخليل الشعر
المانع.
الثالث: غسل الجانب الأيمن.
الرابع: غسل الجانب الأيسر، ويتخير في غسل العورتين مع أي جانب
شاء، والأولى غسلهما مع الجانبين.
الخامس: تخليل ما لا يصل الماء إليه بدونه.
السادس: عدم تخلل حدث في أثنائه.
السابع: المباشرة بنفسه اختيارا.
الثامن: الترتيب كما ذكر ولا يجب المتابعة.
التاسع: طهارة الماء وطهوريته وطهارة المحل.
العاشر: إباحته.
الحادي عشر: إجزاؤه كغسل الوضوء.
الثاني عشر: إباحة المكان، فلو شك في أفعاله وهو على حاله فكالوضوء.
وواجب التيمم اثنا عشر:
الأول: النية مقارنة للضرب على الأرض، لا لمسح الجبهة، مستدامة الحكم،
وصورتها التيمم بدلا من الوضوء، أو الغسل لاستباحة الصلاة لوجوبه قربة إلى الله
381

تعالى، ولا مدخل للرفع هنا.
الثاني: الضرب على الأرض بكلتا يديه ببطونهما مع الاختيار.
الثالث: مسح الجبهة من قصاص شعر الرأس حقيقة أو حكما إلى طرف
الأنف الأعلى، وإلى الأسفل أولى.
الرابع: مسح ظهر كفه اليمنى ببطن اليسرى من الزند إلى أطراف الأصابع.
الخامس: مسح ظهر كفه اليسرى كذلك.
السادس: نزع الحائل كالخاتم.
السابع: الترتيب كما ذكر.
الثامن: الموالاة وهي متابعة الأفعال هنا.
التاسع: طهارة التراب المضروب عليه، والمحل، ويجزئ الحجر، ولا
يشترط علوق شئ من التراب، بل يستحب النفض.
العاشر: إباحته.
الحادي عشر: إباحة المكان.
الثاني عشر: إمرار الكفين معا على الوجه، وببطن كل واحد على ظهر
الأخرى مستوعبا للممسوح خاصة، والشك في أثنائه كالمبدل، وينقضه التمكن
من البدل.
ثم إن كان عن الوضوء فضربة، وإن كان من الجنابة فضربتان، وإن كان
عن غيرهما من الأغسال فتيممان، وللميت ثلاثة، ولا يجب تعدده بتعدد الصلاة،
وينبغي إيقاعه مع ضيق الوقت.
المقدمة الثانية:
في إزالة النجاسات العشرة عن الثوب والبدن - وهي: البول والغائط من
غير المأكول إذا كان له نفس سائلة، والدم من ذي النفس السائلة مطلقا، والميتة
منه ما لم يطهر مسلم خاصة، والكلب وأخواه، والمسكر، وحكمه، بماء طهور، أو
382

بثلاثة مسحات فصاعدا يطهر في الاستنجاء في غير المتعدي من الغائط.
ويجب على المتخلي ستر العورة، وانحرافه عن القبلة بها.
وقد تطهر الأرض والشمس والنار والاستحالة والانتقال والانقلاب والنقص
ولا الغيبة في الحيوان، بل يكفي زوال العين في غير الآدمي مطلقا، ويجب العصر
في غير الكثير، إلا في بول الرضيع خاصة، والغسلتان في غيره، والثلاث في
غسل الميت بالسدر والكافور والقراح مرتبا كالجنابة.
ويجزئ فيه نية واحدة لها، والثلاث بالقراح لو تعذر الخليط، والثلاث
بالتعفير أولى في ولوع الكلب، والسبع في الخنزير والخمر والفأرة، والغسالة
كالمحل قبلها.
وعفي عما لا يرقأ من الدم، وعما نقص عن سعة الدرهم البغلي، وعن نجاسة
ثوب المربية للصبي حيث لا غيره، وإن وجب غسله في اليوم والليل مرة، وعن
نجاسة ما لا يتم الصلاة فيه وحده، وعن النجاسة مطلقا مع تعذر الإزالة.
383

: النفلية
للشهيد السعيد محمد بن جمال الدين مكي العاملي
" الشهيد الأول "
734 - 786 ه‍. ق
385

كتاب الطهارة
الفصل الأول:
في سنن المقدمات، وهي إحدى عشرة:
الأولى:
وظائف الخلوة، وهي أربعة وستون:
ارتياد موضع مناسب للاستنجاء، بأن يكون مرتفعا، أو ذا تراب كثير، فإنه
من الفقه، وستر البدن عن النظارة، والدخول باليسرى، والخروج باليمنى عكس
المسجد، والاعتماد على اليسرى، وفتح اليمنى، وتغطية الرأس والتقنع مروي،
ومسح بطنه قائما بيده اليمنى بعد الفراع، والاستبراء والتنحنح فيه ثلاثا، ووضع
الوسطى في الاستبراء تحت المقعدة، والمسح بها إلى أصل القضيب، ثم توضع
المسبحة تحته، والإبهام فوقه، وينتر باعتماد، ثم يعصر الحشفة ثلاثا.
وتقديم غسل اليدين قبل إدخالهما الإناء كالغسل أمام الوضوء، والغسل
في غير المتعدي، والجمع في المتعدي بين الأحجار والماء والصرير حيث يمكن،
وإيتار عدد الأحجار لو لم ينق بالثلاثة.
والاقتصار على الأرض أو نباتها، وتعدد الثلاثة بالشخص، واستيعاب
المحل بكل واحد، وجعله على طريق الإدارة والالتقاط، وبداوة الأول بصفحة
اليمنى، والثاني باليسرى، والثالث بالوسطى، واستعمال بارد الماء لذوي
387

البواسير، والاستنجاء باليسار وبنصرها.
وتقديم الدبر وإزالة الرائحة مطلقا، وإزالة الأثر لو استجمر، والمبالغة للنساء
في الغسل، والزيادة على المثلين في مخرج البول، واستنجاء الرجل طولا،
والمرأة عرضا.
والدعاء، فللدخول: بسم الله وبالله، أعوذ بالله من الرجس النجس الخبيث
المخبث الشيطان الرجيم، وبعد: الحمد لله الحافظ المؤدي.
وعند الفعل: اللهم أطعمني طيبا في عافية، وأخرجه مني خبيثا في عافية.
وعند النظر إليه: اللهم ارزقني الحلال، وجنبني الحرام.
وعند رؤية الماء: الحمد لله الذي جعل الماء طهورا ولم يجعله نجسا.
وعند الاستنجاء: اللهم حصن فرجي، واستر عورتي، وحرمهما على النار،
ووفقني لما يقربني منك، يا ذا الجلال والإكرام، وعند مسح بطنه: الحمد لله
الذي أماط عني الأذى، وهنأني طعامي، وعافاني من البلوى.
وعند الخروج: الحمد لله الذي عرفني لذته، وأبقى في جسدي قوته،
وأخرج عني أذاه، يا لها نعمة، يا لها نعمة، يا لها نعمة، لا يقدر القادرون قدرها.
ويكره استقبال النيرين، والريح بالبول، وفي الصلبة، وقائما، والتطميح،
وفي الماء، والجاري أخف، وفي الحجر، ومجرى الماء، والشارع، والمشرع،
والفناء، والملعن وهو مجمع الناس، وأبواب الدور، وتحت المثمرة، وفي
فئ النزال، ومواضع التأذي، والاستنجاء باليمين وباليسار وفيها خاتم عليه اسم الله
تعالى، أو أحد المعصومين مقصودا بالكتابة، بل إدخاله الخلاء أيضا، والجماع
به.
والكلام إلا بذكر الله، أو آية الكرسي، أو حكاية الأذان، أو الحاجة يخاف
فوتها، وإطالة المكث، ومس الذكر باليمين، واستصحاب دراهم بيض،
والاستنجاء بما يكره استعماله من المياه، والسواك والأكل والشرب.
388

الثانية:
يستحب الوضوء لأحد وثلاثين:
ندب الصلاة، والطواف، ومس كتاب الله، وحمله، وقراءته، ودخول
المسجد، وصلاة الجنازة، والسعي في حاجة، وزيارة القبور، والنوم، وخصوصا
نوم الجنب، وجماع المحتلم، وجماع الحامل، وجماع غاسل الميت، وذكر
الحائض، وتجديده بحسب الصلوات، وللمذي والوذي، والتقبيل بشهوة، ومس
الفرج، ومع الأغسال المسنونة، ولما لا تشترط فيه الطهارة من مناسك الحج،
وللخارج المشتبه بعد الاستبراء، وبعد الاستنجاء بالماء للمتوضئ قبله ولو كان
قد استجمر، ولمن زال عذره، وروي للرعاف، والقئ، والتخليل المخرج للدم
إذا كرههما الطبع، وللزيادة على ثلاثة أبيات شعرا باطلا، وللكون على طهارة،
وللتأهب لصلاة الفرض.
ثم سنن الوضوء أربع وخمسون:
التسمية، والدعاء بعدها، وصورتها: بسم الله وبالله، اللهم اجعلني من
التوابين، واجعلني من المتطهرين.
وغسل اليدين من الزندين مرة من النوم والبول والغائط، والمشهور فيه
مرتان قبل إدخالهما الإناء، والدعاء عند رؤية الماء بما تقدم، ووضع الإناء على
اليمين، وأخذ الماء بها ونقله إلى اليسار، والمضمضة ثلاثا، والاستنشاق ثلاثا،
والاستنثار كذلك، وجعل كل على حدته وبثلاث غرفات، وإدارة المسبحة
والإبهام في الفم، والبدأة بالمضمضة، وتثنية غسل الأعضاء، ومسح الرأس مقبلا
وبثلاث أصابع عرضا، وغسل الوجه باليمنى وحدها، ومسح الرأس والرجل
اليمنى بها، وتقديم اليمنى في المسح وجعله بجميع الكف، وتقديم النية عند
غسل اليدين على قول مشهور، أو عند المضمضة والاستنشاق، والأولى عند غسل
الوجه، وقصر النية على القلب، وحضور القلب عند جميع الأفعال، وذكر الله
تعالى، والصلاة على النبي في أثنائه، وبدأة الرجل في الأولى بظهر الذراع، وفي
389

الثانية بباطنه، وبدأة المرأة بالعكس، والوضوء بمد، والسواك قبله وبعده،
وترك الاستعانة، والتمندل، ووضع المرأة القناع، ويتأكد في الصبح والمغرب،
وتقديم غسل الرجلين لو احتاج إليه لتنظيف أو تبريد، ولو نسيه تراخي به عن
المسح.
والدلك باليد، وضرب الوجه بالماء شتاءا وصيفا، وغسل مسترسل
اللحية، وتقديم الاستنجاء على الوضوء، ومسح الأقطع ما بقي من المرفق،
وتحريك غير المانع، وترك استعمال المشمس، وسؤر المكروه، وماء الآجن،
والمستعمل في الأكبر، والطهارة في إناء فيه تماثيل أو فضة، والوضوء في
المسجد من غير الريح، والنوم وعند المستنجى، وترك التكرار في المسح،
وقول: الحمد لله رب العالمين عند الفراع، وفتح العينين على الرواية، والدعاء
عند الأفعال.
فعند المضمضة: اللهم لقني حجتي يوم ألقاك، وأطلق لساني بذكرك.
وعند الاستنشاق: اللهم لا تحرمني طيبات الجنان، واجعلني ممن يشم
روحها وريحها وريحانها.
وعند غسل الوجه: اللهم بيض وجهي يوم تسود فيه الوجوه، ولا تسود
وجهي يوم تبيض فيه الوجوه.
وعند غسل اليد اليمنى: اللهم أعطني كتابي بيميني والخلد في الجنان
بشمالي وحاسبني حسابا يسيرا.
وعند غسل اليسرى: اللهم لا تعطني كتابي بشمالي، ولا تجعلها مغلولة إلى
عنقي، وأعوذ بك من مقطعات النار.
وعند مسح الرأس: اللهم غشني برحمتك وبركاتك.
وعند مسح الرجلين: اللهم ثبت قدمي على الصراط المستقيم يوم تزل فيه
الأقدام، واجعل سعيي فيما يرضيك عني يا ذا الجلال والإكرام.
وعند الفراع: اللهم إني أسألك تمام الوضوء، وتمام الصلاة، وتمام
390

رضوانك، والجنة، وقراءة القدر.
الثالثة:
تستحب الغسل لخمسين:
للجمعة، ويعجل الخميس لخائف الفوت، ويقضي السبت، وفرادى شهر
رمضان، وآكده تسع عشر، وأحد وعشرين، وثلاثة وعشرين، وبعدها أوله،
ونصفه، وغسل آخر ليلة ثلاثة وعشرين، وليلة الفطر، ويومي العيدين، وليلتي
نصف رجب وشعبان والمبعث والغدير والمباهلة، رابع وعشرين ذي الحجة في
الأصح، والدحو والتروية وعرفة والنيروز، والإحرام والطواف، وزيارة أحد
المعصومين، وترك الكسوف المستوعب عمدا، والسعي إلى رؤية المصلوب
عمدا بعد ثلاثة، وللتوبة مطلقا، وقيد المفيد بالكبائر وللحاجة، والاستخارة،
والمولود، ودخول الحرمين مطلقا، وقيد دخول المدينة لأداء فرض أو نفل
والمسجدين والحرم والكعبة، والاستسقاء، وقتل الوزغة، وإعادة الغسل بعد
زوال الترخيص، والغسل عند الشك في الحدث كواجدي المني في المشترك،
وإعادة غسل الفعل إن أحدث قبله ولم يثبت للإفاقة من الجنون عندنا.
والسنن في غسل الحي أربعون:
الاستبراء بالبول على الرجال والنساء، والاجتهاد على الرجال، والتسمية،
وتقديم غسل اليدين من المرفقين ثلاثا، والمضمضة، والاستنشاق، والغسل مثلث،
وتخليل ما يصل إليه الماء من شعر أو خاتم أو نحوهما، ونقضها الضفائر، وإمرار
اليد على الجسد، والولاء، وستر البدن، وغسل الشعر، والغسل بصاع، وغسل
الرأس باليمنى، والسواك، وتقديم النية عند غسل اليدين على القول المشهور،
والأولى عند غسل الرأس، وقصر النية على القلب وحضوره عند جميع الأفعال.
والدعاء في أثنائه: اللهم طهر قلبي، واشرح لي صدري، وأجر على لساني
مدحتك والثناء عليك، اللهم اجعل لي طهورا وشفاءا ونورا إنك على كل شئ
391

قدير.
وبعد الفراع: اللهم طهر قلبي، وزك عملي، واجعل ما عندك خيرا لي،
اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين.
وجلوس الحائض في مصلاها متوضئة مستقبلة القبلة مسبحة بالأربع،
مستغفرة مصلية على النبي وآله بقدر الصلاة، وقضائها صوم النفل، وتقديم
المستحاضة الغسل على تجديد القطنة والخرقة، قاله المفيد رحمه الله، واختيار
المغتسل الترتيب، وتقديم الوضوء على غسله في غير الجنابة، والغسل بمئزر.
وأما غسل الميت: فيستحب فيه توجيه الميت إلى القبلة كالمحتضر، وغسل
فرجه بالحرض والسدر، ولف خرقة على يد الغاسل إلى الزند، وطرحها عند
غسله، وشق جيبه، ونزع ثوبه من تحته، وجعل حفرة، وتليين أصابعه برفق،
وتوضيئه، وغسل رأسه برغوة السدر، والبدأة بشقه الأيمن ثم الأيسر، وتثليث
الغسل، وغمز بطنه قبل كل من الغسلتين الأولتين، والإشباع وخصوصا تحت
الإبطين والوركين والحقوين، وبسبع قرب تأسيا بما غسل به النبي صلى الله عليه وآله
، وأن يقصد تكرمة الميت في النية والذكر والاستغفار، والوقوف على الأيمن،
ومغايرة الغاسل للصاب، وغسل اليدين إلى المرفقين مع كل غسلة وتجفيفه
صونا للكفن، واغتساله قبل تكفينه، أو الوضوء إن خاف عليه، فإن تعذر غسل
يديه إلى المرفقين.
وتغسيل الميت جنبا مرتين، ويكره للجنب وشبهه الغسل بمشمس وبسؤر
المكروه، والارتماس في كثير الراكد احتياطا، والمستعمل في فرض أو سنة،
والادهان والخضاب، ومس غير الكتابة من المصحف وحمله، وقراءة غير العزائم
إلا سبع آيات للجنب خاصة، ويختص بكراهة الأكل والشرب إلا بعد غسل
اليدين والوجه، والمضمضة والاستنشاق، والنوم إلا بعد الوضوء، ودخول
المستحاضة المسجد، وخصوصا الكعبة مع أمن التلويث، وغسل الميت تحت
السماء اختيارا، وبالمسخن بالنار إلا لضرورة، وغمز بطنه في الثالثة، وبطن الحبلى
392

مطلقا وركوبه، وقص أظفاره، وترجيل شعره، وإدخال الماء أذنيه ومنخريه،
وإرسال الماء في الكنيف.
الرابعة:
يستحب التيمم:
لما يستحب له الوضوء الحقيقي عند تعذره، وللإحرام عند تعذر الغسل،
وربما قيل باطراده في مواضع استحباب الوضوء والغسل، والجنازة والنوم، ولو
مع إمكان الطهر فيهما، وتجديده بحسب الصلاة.
السنن ثمانية عشر: تأخره في صورة جوازه مع السعة، وقصد الربا
والعوالي، والتراب الخالص، وتجنب الإقامة في بلد يحوج إلى التيمم في الأصح،
والحجر والرمل والسبخ والهابط ومظان النجاسة وتراب القبر، والطلب بحسب
الفرائض ما لم يعلم العدم، وتفريج الأصابع حال الضرب، ونفض اليدين،
ومسح الأقطع رأس العضد، وإعادة ما صلاه بالتيمم عن الجنابة عمدا، وعن
زحام الجمعة أو عرفة، ونجاسة لا يمكن إزالتها.
الخامسة:
سنن الإزالة، وهي أربعة وأربعون:
تثليث الغسل أو الإزالة في الكثير أو الجاري، ونضح بول البعير والشاة،
وعصر بول الرضيع، ورش الثوب الملاقي لليابس من النجاسات، وخصوصا
العين، ومسح البدن الملاقي لذلك بالتراب، وإزالة دون الدرهم دما، وصبغ
الثوب الملون بالدم بعد الغسل المزيل للعين بما يغير لونه، والمشق أفضل،
وإزالة بول البغال والحمير والدواب وروثها، وذرق الدجاج غير الجلال، وسؤر
آكل الجيف مع خلو الملاقي عن العين، وسؤر الحائض المتهمة، ومن لا يتوقى
النجاسة والحية والفأرة والوزغة والدجاجة والثعلب والأرنب والحشرات، وعرق
393

الجنب وخصوصا من الحرام والحائض، والإبل الجلالة، ولعاب المسوخ، والدم
المتخلف في اللحم، والقئ، والقيح والوسخ والحديد، ولبن البنت في المشهور،
وطين الطريق بعد ثلاثة، والإزالة بما تكره الطهارة، والنضح عند الشك في
النجاسة، واستعمال المغسول العددي بعد الجفاف، وغسل المذي والوذي،
وغسل ثوب ذي القروح في كل يوم وليلة مرة.
394

المحرر في الفقه
الشيخ جمال الدين أبو العباس
أحمد ابن شمس الدين محمد بن فهد الأسدي الحلي
757 - 841 ه‍. ق
396

كتاب الطهارة
وفيه فصول:
الأول: في المياه:
والماء ضربان مطلق ومضاف.
فالمطلق ما يستحق إطلاق اسم الماء من غير قيد، وهو الذي يرفع الحدث
ويزيل الخبث خاصة ما لم تقع فيه نجاسة، فإن وقعت فيه وكان أقل من كر
نجس، وإن كان كرا فصاعدا لم ينجس إلا بتغيره بالنجاسة.
ولو كان جاريا عن مادة لم تعتبر فيه الكرية مع دوام النبع، ولو كان لا
عن مادة فإن بلغ عمود الماء كرا لم ينجس إلا بالتغير، وإن قصر عنه ولاقته نجس
ما لاقاها وما تحته دون ما فوقه، وحكم ماء الغيث حال تقاطره حكمه، وكذا ماء
الحمام مع جريان مادته.
وماء البئر طاهر، فإن وقع فيه نجاسة وغيرت أحد أوصافه نجس ووجب
نزحه حتى يزول تغيره، وإن لم يغيره لم ينجس.
ويجب النزح بحسب ما نص عليه الشرع، ولو استعملهما قبل النزح أثم
وصح التطهير بمائها.
فينزح الكل لموت البعير والثور وانصباب الخمر والمسكر والفقاع، ولو
تعذر لغزارته تراوح عليها أربعة رجال كل اثنين دفعة، يتجاذبان الدلو من طلوع
397

الفجر إلى غروب الشمس.
وكر للحمار والبغل والفرس والبقرة، وسبعون للإنسان، وخمسون للعذرة
إذا تقطعت، ولو كانت جامدة فعشر.
وأربعون لكثير الدم وبول الرجل وموت الكلب وشبهه والسنور ولو كان
وحشيا.
وثلاثون لماء المطر، وفيه البول والعذرة وأبوال الدواب وأرواثها وخرء
الكلاب والنبيذ المسكر، وبول المرأة والخنثى.
وعشرون للقطرة من الخمر والنبيذ المسكر ولحم الخنزير، وعشر لقليل الدم
وموت الشاة، وسبع للطير من الحمامة إلى النعامة، وبول الصبي، وتفسخ الفأرة،
وخروج الكلب حيا، واغتسال الجنب الخالي من النجاسة ويطهر.
وست للوزغ والعقرب، وثلاث للفأرة والجرذ، ودلو للعصفور وشبهه
كالخطاف والوطواط.
ولا ينجس بقرب البالوعة، وندب تباعدها خمسة أذرع مع صلابة الأرض
أو فوقية البئر، وسبع مع العكس.
والمضاف ما افتقر إلى قيد كماء الورد، وهو طاهر لكن لا يرفع حدثا ولا
خبثا، وينجس بملاقاة النجاسة وإن كثر، وطهره بإلقاء كر عليه دفعة وإن بقيت
الإضافة.
والمطلق إذا حكم بنجاسته لنقصه عن الكر وتغيره طهر بإلقاء كر عليه دفعة
أو اتصاله بجار أو وقوع الغيث عليه إن زال تغيره، وإلا ألقي عليه كر آخر، وهكذا
حتى يزول التغير.
وسؤر الحيوان الطاهر طاهر، وسؤر النجس - وهو الكلب والخنزير والكافر
والناصب والغالي والمجسم - نجس.
والمستعمل في إزالة النجاسة نجس وإن لم يتغير بالنجاسة، عدا ماء
الاستنجاء ما لم يتغير بالنجاسة أو تلاقيه نجاسة من خارج أو من الموضع
398

كالدم، ولا فرق بين القبل والدبر والمتعدي وغيره، إلا أن يفحش التعدي، ولو
ورد الماء على المحل بعد الحكم بطهارته كانت غسالته طاهرة.
الفصل الثاني: في الوضوء:
وواجباته سبعة: النية، وصفتها: أتوضأ لاستباحة الصلاة لوجوبه قربة إلى
الله، ويقرن بها أول جزء من أعلى الوجه، وهو منابت الشعر من مقدم الرأس
ويغسل منه إلى محادر الذقن، وما دارت عليه الإبهام والوسطى واليد اليمنى من
المرفق إلى أطراف الأصابع، ثم اليسار كذلك من غير نكس فيهما وفي الوجه.
ويمسح مقدم الرأس ولو بإصبع بلا حائل، ويمسح الرجلين من رؤوس
الأصابع إلى الكعبين وهما مفصل الساق ولو بإصبع بلا حائل ولا ماء جديد
فيهما وفي الرأس، ولو جف ما على يديه أخذ من أجفانه ولحيته، وإن طالت عن
الذقن، ولو أخذ ماءا جديدا ومسح به بطل.
ولو شك في الوضوء بعد يقين الحدث أو بالعكس بنى على اليقين، أما لو
شك في شئ من أفعاله وهو على حاله، فإنه يعيد على ما شك فيه وعلى ما بعده،
ولو شك بعد انتقاله لم يلتفت.
ويحرم على المحدث مس كتابة القرآن لا الأحاديث، والدراهم المكتوب
عليها اسمه تعالى، نعم لو كتب عليها قرآن حرم مسه.
والسلس والمبطون يتوضأن لكل صلاة واجبة كانت أو مندوبة، وللطواف
وصلاته وضوءان.
وينقضه البول والغائط والريح من الموضع المعتاد والنوم المبطل للحاستين
مطلقا لا السنة، ولو تخايل له شئ وشك في كونه حديث النفس أو مناما لم
ينقض، ومزيل العقل بالسكر والصرع والجنون والإغماء، وقليل الاستحاضة،
وموجبات الغسل.
ويحرم عليه استقبال القبلة واستدبارها بفرجه حالة التخلي.
399

ويكره استقبال النيرين، والبول في الصلبة ومواطن الهوام، واستقبال الريح،
وفي الماء مطلقا.
ويجب الاستنجاء من محل الغائط بثلاثة أحجار وشبهها من خشب وخرق
وجلد طاهر مزيل للعين مع عدم التعدي، ومعه يتعين الماء وحده الإنقاء.
ويستحب الاستبراء بأن يمسح من المقعدة إلى أصل القضيب ثلاثا، ومنه
إلى رأسه ثلاثا، وينتره ثلاثا، والتنحنح.
الفصل الثالث: في الغسل:
وهو واجب ومندوب، والواجب ستة أغسال:
الأول: الجنابة:
وتحصل للرجل والمرأة بإنزال المني مطلقا، وبالإيلاج في قبل الآدمي أو
دبره مطلقا إذا غيب الحشفة أو باقيها، ومع فقدها بقدرها وإن كان ملفوفا، ولو
استيقظ ووجد على جسده منيا وجب الغسل، فيعيد الصلاة من آخر نومه وكذا لو
وجده على ثوبه أو فراشه، ولو شاركه فيهما غيره لم يجب الغسل على أحدهما،
وهل يعيد ما صلاه فيهما قبل علمه مما يحتمل سبقه؟ قولان: أصحهما العدم.
ولو احتلم أنه جامع ولم ير منيا
لم يجب الغسل كالمرأة، إلا أن يظهر منيها خارج الفرج.
ويحرم مس كتابة القرآن وما عليه اسمه تعالى أو أحد أنبيائه أو أئمته عليهم
السلام مقصودا، ودخول المساجد إلا اجتيازا عدا المسجدين، ووضع شئ فيهما
إذا استلزم الدخول أو اللبث.
ويكره الأكل والشرب بدون المضمضة والاستنشاق.
ويجب في الغسل النية: أغتسل لاستباحة الصلاة، أو لرفع الحدث، أو لرفع
حدث الجنابة - مثلا - لوجوبه قربة إلى الله. ويقارن بها أي جزء شاء من رأسه،
400

ثم يغسل جانبه الأيمن، ثم الأيسر، ويجزئه ارتماسة واحدة، ويقارن بالنية هنا أي
جزء شاء من بدنه، بشرط أن يصاحب غسل الجميع، ولو أحدث في أثنائه أعاد،
ويجزئ عن الوضوء وعن غيره من الأغسال لو جامعه دون العكس.
الثاني: الحيض:
وهو الدم الأسود الخارج بحرارة وحرقة من الجانب الأيسر، وأقله ثلاثة أيام
بلياليها متتالية، بمعنى أنها أي وقت وضعت الكرسف وصبرت هنيئة تلطخ، ولو
خرجت نقية بعد الصبر عليها زمانا يتلطخ في مثله لم تكن الثلاثة تامة، فلا يكون
حيضا.
وأكثره عشرة أيام وهي أقل الطهر، ومع تجاوز العشرة ترجع ذات العادة
المستقرة إليها، والمبتدئة والمضطربة إلى التمييز.
وشرطه اختلاف لون الدم، وكون ما هو بصفة دم الحيض لا ينقص عن
ثلاثة ولا يزيد عن عشرة، وكون ما هو بصفة الاستحاضة لا ينقص عن عشرة،
ويضاف إليها أيام النقاء إن تخلل، فتجعل ما شأنه الحيض حيضا، وما شأنه
الاستحاضة استحاضة.
ومع فقد التمييز ترجع المبتدئة إلى أهلها كالأم والعمة والخالة، فإن اختلفن
أو فقدن رجعت إلى أقرانها من أهل بلدها، فإن فقدن أو اختلفن تحيضت في كل
شهر ستة أيام أو سبعة أو ثلاثة من شهر وعشرة من آخر مخيرة في ذلك، والأولى
أن تجعله في أول الشهر على سبيل الأفضلية.
وتستقر العادة بأن ترى الدم دفعة، ثم ينقطع أقل الطهر فصاعدا، ثم تراه
ثانيا مثل ذلك العدد وإن وقع ذلك في هلالي، ولو كانت المضطربة الفاقدة
التمييز معتادة لمرتين في كل هلالي أوله وآخره تحيضت بما قلناه في كل شهر
مرتين.
ويحرم عليها قبل الغسل الصلاة والطواف والصوم، واستيطان غير
401

المسجدين والجواز فيهما، وعلى زوجها وطؤها وطلاقها ويقع باطلا.
ويجب الغسل مع النقاء كغسل الجنابة، إلا أنه يجب معه الوضوء، ولا
ينقضه الحدث في أثنائه، نعم لو قدمت الوضوء أعادته بعد الغسل.
الثالث: الاستحاضة:
ودمها في الأغلب أصفر بارد رقيق يخرج بفتور، وما كان زائدا عن العادة
عابرا عن العشرة، أو نقص عن ثلاثة، أو قبل التسعة، أو بعد ستين سنة من
القرشية والنبطية، وخمسين من غيرهما، أو كان بعد حيض أو نفاس لا تخلل نفاء
معتبر، أو طرأ عليه نفاس.
وحكمها حكم الطاهر في وجوب العبادات، وعليها اعتباره في أوقات
الصلوات، فإن كان قليلا وهو الذي لا يغمس القطنة فعليها إبدالها والوضوء لكل
صلاة، وإن غمسها ولم يسل وجب مع ذلك إبدال الخرقة والغسل للصبح،
وإن سأل لزمها مع ذلك غسل للظهر والعصر تجمع بينهما، وغسل للمغرب
والعشاء تجمع بينهما، ولا تصلي نافلة بل تؤخر ما وضفت إلى بعد الثانية، وتنوي
به الأداء إذا وقع في وقتهما.
ولا يحرم عليها شئ مما يحرم على الحائض مع هذه الأفعال، ولو أخلت
بالوضوءات بطلت صلاتها، ولو أخلت بغسل الصبح أو الظهرين بطل صومها
وعليها القضاء خاصة ولا يحرم وطؤها.
الرابع: النفاس:
وهو دم الولادة معها أو بعدها، ولا حد لأقله فجاز كونه لحظة، وأكثره
عشرة للمبتدئة والمضطربة، ولذات العادة في الحيض مع تجاوز العشرة عادتها.
402

الخامس: غسل الأموات:
ويستحب ذكر الموت في كل وقت، والاستعداد والوصية وإعداد الكفن
ويتأكد ذلك في حالة المرض، وقطع العلائق واستحلال العاملين والخلطاء،
وحسن الظن بالله.
وتجب حالة الاحتضار توجيهه إلى القبلة، وندب تلقين من حضر الشهادتين،
وإطباق فيه بعد الموت، وتغميض عينيه، ومد يديه إلى جنبيه، وتغطيته بثوب،
والإسراج بالليل، وحضوره لقراءة القرآن عنده.
ويجب تغسيله بماء السدر ويكفي ما يطلق عليه الاسم، ولو كان كثيرا
وأضافه لم يجز ثم بماء الكافور على الصفة، ثم بالقراح وهو بالماء البحت،
ويغسل الرأس أولا ثم الأيمن ثم الأيسر في كل غسلة، ويستحب ضم الوضوء
إليه.
ويجب الحنوط، وهو إمساس مساجده بكافور وإن قل، وأفضله ثلاثة عشرة
درهما وثلث فأربعة دراهم فدرهم.
وتكفينه في مئزر وقميص وإزار، وندب حبرة ولفافة لفخذيه طولها ثلاثة
أذرع ونصف في عرض شبر تقريبا وتسمى الخامسة، وعمامة، ويكتب على
الجميع غير الخامسة اسمه وشهادتاه وأئمته عليهم السلام.
وحمله على نعش، وأفضل منه للمرأة التابوت، والمشي وراء الجنازة أو مع
جنبيها ويكره قدامها.
ويصلى عليه في المواضع المعتادة بخمس تكبيرات، يفتتح بالأولى ويتشهد
الشهادتين، وبعد الثانية يصلي على النبي وآله عليهم السلام، وبعد الثالثة يدعو
للمؤمنين، وبعد الرابعة للميت إن كان مؤمنا، وعليه إن كان منافقا، ولو انصرف
عليه بالرابعة جاز.
ولو كان طفلا قال: اللهم اجعله لنا ولأبويه فرطا.
وإن كان مستضعفا قال: اللهم اغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب
403

الجحيم.
وإن كان لا يعرفه قال: اللهم هذه نفس أنت أحييتها وأنت أمتها وأنت أعلم
بها منا، فاحشرها مع من تولت.
ويقدم الولي إن كان بشرائط الإمامة، وإلا قدم غيره.
ويجب دفنه في حفيرة تحرس جثته وتمنع أذيته، ويضجع على جانبه الأيمن
مستقبلا، وندب تلقينه في اللحد بعد تحريك عضده الأيسر، ويطم بترابه بظهور
الأكف، والتعزية قبل الدفن وبعده وأقلها الرؤية.
ويقدم الكفن ثم الدين ثم الوصية من الثلث، ولو كان الكفن مرهونا قدم
المرتهن، ويكفن من بيت المال ولا يجب على المسلمين بذله، بل يستحب مؤكدا.
ويدفن الشهيد بثيابه وينزع عنه الخفان والفرو وإن تلطخا ولو جرد كفن.
وكفن المرأة على زوجها، ولو أعسر فمن تركتها، وكذا يلزم السيد لا واجب
النفقة.
ولو مات ولد الحامل قطع وأخرج، ولو ماتت دونه وهو لتمامه شق جوفها
وأخرج وخيط الموضع.
السادس: غسل من مس ميتا:
ويجب إذا كان بعد برده وقبل غسله، ومثله القطعة ذات العظم كالسقط
لأربعة أشهر، وهما كالميت في التغسيل والتكفين بثلاث قطع والدفن، لا الصلاة
إلا أن يكون فيه الصدر، ولو كانت لدونها أو خلت عن عظم اقتصر على لفها في
خرقة ودفنها، ويحتاج إلى الوضوء، ولا يمنع هذا الحدث من دخول المسجد
والصوم وقراءة العزيمة.
الفصل الرابع: في التيمم:
ويجب عند العجز عن الماء بفقده، وحصول ضرر من استعماله، أو تعذر
404

الوصول.
فإن كان بدلا عن الوضوء ضرب يديه على الأرض الطاهرة المباحة وقال:
أتيمم بدلا من الوضوء لاستباحة الصلاة لوجوبه قربة إلى الله.
وإن كان بدلا عن الغسل قال: أتيمم بدلا من الغسل لاستباحة الصلاة
لوجوبه قربة إلى الله. وضرب ضربتين إحديهما للوجه والأخرى لليدين.
ولو اجتمعا كما في غسل المس فتيممان ينوي كلا منهما على حدته،
ويجعل النية بعد وضع يديه أو مقارنا للوضع، وتيمم بالأرض والحجر، ولو
كان صلدا، كالرخام والخزف والآجر والتراب الأحمر والأبيض والأسود،
لا تراب الأرضية والرماد والمعادن والمغصوب والنجس.
ويشترط طهارة الأعضاء أو جفافها بحيث لا يتعدى التراب الملاقي لها، ولو
نجست إحدى يديه ضرب بالأخرى الأرض، ثم يمسح بها جبهته، ثم مسحها
بالأرض، ولو نجستا قارن بجبهته الأرض وسقط مسح اليدين، ولو نجست
الجبهة خاصة ضرب بيديه الأرض ثم مسح إحديهما بالأخرى، ولو تنجس
الكل سقط فرض التيمم.
واستيعاب الأعضاء الممسوحة، وهي الجبهة وحدها من القصاص إلى طرف
الأنف، ومن مفصل الكوع إلى أطراف الأصابع.
ويستباح به ما يستباح بمبدله من الصلاة والطواف ومس المصحف،
وينقضه نواقضه، ويزيد وجود الماء مع التمكن منه، ويراعى وقوعه في آخر الوقت
إن توقع الزوال فيه، ولا يعيد ما صلاه بتيمم وإن كان بسبب الزحام يوم الجمعة،
وتعمد الجنابة مع علمه بتعذر الغسل إذا كانت مباحة، ويعيد لو كانت محرمة.
وكذا لا يعيد لو وهب الماء أو بذل له قبل دخول الوقت، ويعيد لو كان
ذلك بعده، ومثله لو مر بنهر في أول الوقت، ثم فقد الماء في باقيه فتيمم فإنه يعيد.
405

الفصل الخامس: في النجاسات:
وهي عشرة: البول والغائط من غير المأكول، والدم، والمني، والميتة مطلقا
مما له نفس سائلة، والخمر وكل مسكر مائع، ويلحقه عصير العنب إذا غلا ولو من
نفسه، والفقاع، والكلب، والخنزير، والكافر وإن انتحل الإسلام، إذا ارتكب
ما يعلم بطلانه، كالخوارج والغلاة والمجسمة.
فهذه العشرة أصول في نفسها، وما عداها ليس بنجس من نفسه، وإنما
يعرض له التنجيس بملاقاة أحدها.
وفي مقابلها مطهرات عشرة هي: الماء والأرض والشمس والنار والاستحالة
والانقلاب والإسلام والاستبراء والنقص والانتقال.
فالماء لكل منجس تنفصل عنه الغسالة، فلا يطهر الدهن بل يستصبح به
تحت السماء، ولا التراب بل بتجفيفه بالشمس.
والأرض مع جمودها وطهارتها تطهر باطن القدم والنعل وشبههما،
والشمس ما جففته بإشراقها من البواري والحصر، وما لا ينقل عادة كالنباتات
والثمار على الأشجار والأبنية، والنار ما أحالته رمادا أو ترابا.
والاستحالة في النطفة والعلقة حيوانا والعذرة دودا والدم قيحا، والانقلاب
للخمر والعصير بدنه وما ألقي فيه من طاهر، والإسلام للكافر، والاستبراء للجلال،
والنقص للعصير بثلثيه، والبئر بالنزح.
والانتقال في الدم إلى البعوض والبرغوث، وسائر النجاسات إلى البواطن،
فدمع المكتحل بالنجس وبصاق الثميل طاهران ما لم يتلونا، وألحق الغيبة في
الحيوان، ويكفي في غير الآدمي زوال العين وإن لم يغب.
وتجب الإزالة عن المصحف والمسجد والضرائح المقدسة لذواتها وعن
الثوب والبدن للصلاة والطواف، وعن الآنية لاستعمالها، ولو صلى عالما بها أو
ناسيا أعاد مطلقا، ولو لم يعلم لم يعد مطلقا، ولو علم في الأثناء أزالها أو طرح
ما هي فيه، ولو افتقر في ذلك إلى ما ينافي الصلاة أبطلها، ولو لم يجد ثوبا إلا
406

النجس تخير بين الصلاة فيه وعاريا.
ولو اشتبه بطاهر ولم يجد غيرهما صلى الواحدة في كل منهما، ولو وجد
الطاهر بيقين قدمه عليهما، ولو تلف أحدهما تعينت الصلاة فيه ولا يحتاج إلى
أخرى عاريا.
وعفي في الدم عما نقص عن سعة الدرهم، وعن القروح والجروح السائلة،
وعن نجاسة ما لم تتم فيه الصلاة، كالتكة والقلنسوة والخاتم والدملج، وما أشبهها
في مواضعها.
ويغسل الثياب والبدن من البول ولو يابسا مرتين ومن غيره مرة، ويجب
العصر إلا من بول الرضيع، ولو غسل مرة بما يكفي الغسلتين جاز حيث لا عصر
كالبدن والخشب، والإناء من ولوع الكلب ثلاثا أولاهن بالتراب، ومن ولوع
الخنزير والخمر سبعا، ومن موت الفأرة والجرذ ثلاثا، ومن غير ذلك مرة،
والثلاث أفضل.
ويحرم استعمال آنية الذهب والفضة، واتخاذها ولو مكحلة، إلا الآلات
والخلال والمنماص.
407

الموجز الحاوي
الشيخ جمال الدين أبو العباس
أحمد بن شمس الدين محمد بن فهد الأسدي الحلي
757 - 841 ه‍. ق
409

كتاب الطهارة
وأبوابه ثلاثة:
الأول: ما به يحصل:
وهو التراب الطاهر، والماء المطلق وهو المطهر من الحدث والخبث
خاصة، وإن تغير بطول مكثه أو بمخالط، كما لو مازجه تراب لازمه كقراره
أو طحلب، أو منفك كمتساقط الورق وتراب وملح مطلقا وإن فحش ما لم
يسلب، وكذا لو مازجه منقطع الرائحة وكان أقل منه أو مساويا لا أكثر، ولو لم
يكفه المطلق وأمكن تكميله بما لا يسلبه وجب لا بنجس.
فما كان منه جاريا نابعا لم ينجس بدون تغيره، وإن قل في أحد أوصافه
لونا أو طعما أو ريحا لا كالحرارة والبرودة ولو تقديرا وسطا، ومعه يخص
المتغير، وطهره بتدافعه حتى يزول تغيره، ولا تعتبر الكرية مع دوام النبع، ولو
كان لا عن مادة كثيرا لم ينجس بالملاقاة مطلقا، وقليلا ينفعل السافل خاصة،
ومثله ماء الحمام مع جريانه، وإن انقطع انفعل بالملاقي، وطهره بإرسال مادته،
فإن استوى سطحاه كفى وإلا اعتبر الغلبة، ويعتبر فيها الكرية ويتعدى، وكذا ماء
الغيث نازلا ولو من ميزاب.
ولو اتصل قليل بجار اتحدا مع التساوي أو علو الجاري فيطهر لو كان
نجسا، ويتحد الغديران وصل بينهما بساقية، ويطهر نجسهما مع بلوع الطاهر
411

وإن علا، وكذا الكوز إذا غمس في الكثير إذا كان ناقصا أو مكث.
ولا ينجس البئر ما لم يتغير ماؤها، فيطهر بغوره وزواله بالنزح واتصاله بجار
ووقوع غيث، وكثير لا من نفسه أو بعلاج فيكفي مقدره لو كان وإلا قدر المزيل،
فإن استوعب استوعب، فإن غزر فتراوح أربعة مثنى يتجاذبان الدلو يوم الصوم
ويجتمعون صلاة وأكلا، والصبي والمرأة إذا ساويا الرجل مثله، فإن أشكل كفى
مطلق النزح، ويعتد مع عدمه بنزح الكل بموت ثور وبعير وانصباب خمر،
ولحقه مائع المسكر والفقاع، وكر لحمار وبغل، وسبعين لميت البشر وإن يمم
أو غسله كافر لا إن يقدم أو كان شهيدا، وخمسين للعذرة متقطعة، وأربعين لكثير
الدم وبول الرجل وموت كلب وشبهه وسنور وإن توحش، وثلاثين لماء المطر
فيه البول والعذرة وأبوال الدواب وأرواثها وخرؤ الكلاب والنبيذ المسكر والبول
فيتناول الخنثى والأنثى، وعشرين لقطرة الخمر والنبيذ والميتة ولحم الخنزير،
وعشر لقليل الدم وجامد عذرة وشاة، وسبع في الطير نعام إلى حمام وبول صبي
وتفسخ فأرة وخروج كلب واغتسال جنب ناو خال من خبث ويطهر، وست
لوزغ وعقرب، وثلاث لفأرة، ودلو لعصفور وبول رضيع لم يطعم.
ولو تغيرت ولما يعلم السبب فطاهرة، فإن ظهر تنجست حينئذ وإن ظن
تقدمه، ولو صب من المنزوح في غيرها مطلقا أو فيها وكان الأخير وجب
المنزوح، ولو كان غيره لم يحسب.
والقليل والكثير في غير الدم والخمر، والجزء والكل في غير الخنزير،
والذكر والأنثى في غير البقر، والفأرة والجرذ واحد ولا يتداخل لو اجتمع متماثلا.
والمتساقط عفو كترك غسل الدلو والحبل، ووقته بعد خروج النجاسة أو
استحالتها وإن تفرقت، ولو كانت شعرا استوعب، وإن استغرق الماء فإن استمر
عطلت إن نجسناها وإلا دلو خرج فيه إن كان من نجس العين، ولا ينجس بقرب
البالوعة، وسن التباعد بخمس مع الصلابة أو فوقية البئر وإلا فسبع.
والمضاف: ما اعتصر أو مزج بسالب لا يزيل ولا يرفع، وينجس بالملاقي
412

وإن كثر، وطهره بإلقاء كر عليه وإن بقي التغير بالإضافة لا بالنجاسة، والسؤر
تابع.
فالنجس: الكلب والخنزير والكافر وإن انتحل كناصبي وخارج وغالي
ومجسم دون غيرهم، والمستعمل في الأصغر والأكبر وإن رفع طهور، وفي
الخبث كالمحل قبل وروده عليه، ويثني من البول في البدن والثوب، ويعصر
لا من بول الرضيع، ويعفى عن ذباب طار عن نجاسة لم يلوث لا شرر البول وقليل
الدم وإن لم يستبن أو ذهب بالغليان، ومثله الماء النجس وإن جف بالطبخ في لبن
وخبز، فيطعم حيوانا أو يدفن.
والمغصوب يرفع مع الجهالة ويزيل مطلقا، والنجس لا فيهما مطلقا،
ويجتنب ما اشتبه بهما لا بالمضاف فيطهر بهما، ومع تعدده يزيده واحدا
كالثياب، ولا ينوب ظن النجاسة عنها وإن تسبب إلا إن كان شرعيا كعدلين بيناه
لا مطلقا، ويكفي من مالك وذي يد وإن كان فاسقا، ويستناب في التطهير وإن
كان امرأة.
الباب الثاني: في حقيقتها:
وأقسامها ثلاثة
الأول: الوضوء:
ويجب من البول والغائط والريح من المعتاد وصائره، إلا إن ندرت المقعدة
ملوثة ولما ينفصل، أو الريح من قبل الرجل بل المرأة، وزوال العقل، ونوم غلب
الحاستين، وقليل الاستحاضة، وتجنب القبلة وعكسها حال الحاجة بالفرج مطلقا،
وستر العورة عند ناظر، وندب جميع البدن، والتسمية داخلا بيساره عكس
المسجد، واعتمادها خارجا بيمينه داعيا فيهما، وعند فعل الحاجة ونظرها،
ومستنجيا ويتحول فيه عن موضعه، وكره مواجهة النيرين والكلام لا بذكر
413

وضرورة وحكاية، وصلاة عليه وآله عند سماع ذكره، وآية الكرسي، وطول
الجلوس، وفئ النازل والملاعن، وتحت المثمرة، والبول قائما وفي جحرة وصلب
ومهب وماء مطلقا.
ويتعين الماء للبول والمتعدي لينقى، وفي غيره وإن جف لا إن مازجه
أخرى ثلاث مسحات بجامد طاهر وإن استعمل بعد غسله أو كان استعماله بعد
النقاء وإن وجب، ولو كان نجسا بغائطه لم يحسب وبغيره يتعين الماء، قالع لا
ما يزلق وإن احترم كالمطعوم والتربة وما كتب عليه علم كالفقه والحديث أو
حرم كالعظم والروث، ولو لم يقلع زادها ولا يكفي، وندب الوتر.
ويجزئ ذو الجهات والتوزيع، وجزء الحيوان وإن اتصل منه أو من غيره أو
جملته، والجلد والخرق والتراب إذا توالى، والعود والذهب والفضة والحرير
الخشن، وعفي عن الأثر لا الرطوبة، ويطهر المحل كماء الاستنجاء قبلا ودبرا وإن
تعدى ما لم يفحش، لا إن تغير أو زاد وزنه أو ينجس من خارج.
وندب الماء ثم الجمع، وباليسرى لا متختم بحجر زمزم أي زمرد، أو عليه
جلالة أو نبي أو إمام فيحوله كعند الجماع، والاستبراء من المقعدة إلى أصله ومنه
إلى رأسه، ونتره ثلاثا ثلاثا ولا يلتفت إلى ما اشتبه بعده وبدونه بول.
وفرضه مقارنة نية رفع الحدث، أو معين وقع لا غيره إلا غلطا لمختار،
أو استباحة مشروطة به مطلقا وإن نفى غيره، أو تعددت لا إن فرقها أو ضم التبرد أو
الرياء، أو مستحيلا كرفع الحدث لدائمه لا إن أراد غيره كالطواف للآفاقي
لوجوبه أو ندبه، ولو ظن الوقت فعزم أو عدمه فتطوع فبان الخلاف أعاد، وكذا
لو جدد ثم ذكر الحدث، أو إخلالا لا إن نوى الوجوب نسيانا، وكذا لو أغفل
لمعة في الأولى وغسلها في الثانية ندبا، لا إن تحققها ونوى وجوبها لغسل أول
جزء من المنابت معتادا إلى نهاية الذقن، ومشتمل الإبهام والوسطى مستويا،
وظاهر شعر الحاجبين والعنفقة واللحية لا مسترسلها، أو موضع التحذيف
والعذار والنزعة.
414

ومن مرفق اليمين إلى نهايتها وما عليها من شعر ومنبته ولحمه وجلده وإن
تدليا من غيره لا منه إلى غيره، والمحاذي من المتدلي الملتحم طرفه ظاهرا وباطنا
إن تجافى وظاهرا إن التحم، وزائد كف ويد تحت المرفق لا فوقه إلا إن اشتبهت،
وباقي المقطوع وإن كان رأس العضد لا إن قطعت من فوقه، وندب غسل باقي
العضد كاليسرى بعدها.
ومسح بشرة مقدم الرأس أو شعره لم يخرج عنه بمده بمائه لا بجديد،
كالرجلين بعده من الأصابع إلى مفصل الساق كعكسه على غير حائل وإن لم
يمنع بمسماه لا إن غسل أو مسح بخشبة أو قطر عليه من وجهه، مواليا لا يجف ما
تقدم قبل فراغه.
وسن التسمية ويتداركها ناسيا في أثنائه كالأكل والتسوك ولو برطب
لصائم عجز نهاره، ومع فقده بالإصبع، وغسل اليد قبل إدخالها إناء واسع
الرأس أقل من كر إذا كان عن نوم كبول أو غائط أو جنابة وترا ومثنى وثلاث،
ويتداخل مجتمعة لا عن ريح وتجديد، ووضعها يمينا مغترفا بها مبتدئا بظاهر
ذراعيه مثنيا بباطنهما عكس المرأة داعيا لكل فعل.
وحرم التثليث كمسح الأذنين والتطوق والتولية مختارا، ويستأجر الأقطع
بأكثر من المثل قادرا، ويحرم قبله الصلاة، وواجب الطواف ومس كتابة القرآن
والجلالة، وعفي عن الدراهم، ويبطل بإيقاعه في مغصوب لا خارجا أو جعله مصبا
أو اغترف منه كآنية النقدين لا إن غسلها فيها، ويرفع يقين الحدث أو الطهارة مثله
لا ظن، ومتيقنهما يستصحب قبلهما، ولو جهل فمحدث، ولو جدد ندبا وذكر
إخلالا من إحديهما بعد الصلاة أعادهما، لا إن كانتا مندوبتين وقد رفع فيهما
نسيان الأولى كالواجبين أو ندبية الأولى خاصة بنسيانهما، وينزع الجبيرة أو
يغسل تحتها متمكنا وإلا مسحها طاهرة، ولو زال العذر أعاد كماسح خفه ولو
تيمما إلا إن حدث عذر قبل مضي قدرها.
415

الثاني: الغسل:
استيعاب البشرة وإن سترت بالشعر دونه، مرتبا رأسه ثم ميامنه ثم مياسره أو
بارتماس ووقوف تحت غيث وميزاب وأنبوب ولو وجد لمعة غسلها خاصة
والمرتب ما بعدها لا من جانبها، مسبوقا بزوال الخبث مقرونا بأوله استباحة
مشروطة أو رفع الحدث مطلقا أو ما أوجبه.
وإن تعدد كفى البعض لا عن الجنابة فينعكس ويسقط الوضوء معها فيستأنفه
لو حدث تخلله ويجب في غيرها وليس جزءا منه فيأتي بأحدهما ويتيمم عن الآخر
لو عجز عنه، ولا يضره تخلل الحدث من مسلم إلا في حائض لوطئه ويعيده،
وتوجبه الجنابة بخروج مني من معتاد وصائره، وثقبة في الذكر أو الأنثيين
ووجوده في مختص ثوب وفراش، وخواصه التدفق في غير المريض والتلذذ
ورائحة الكش، ويشترط ظهوره من فرج المرأة ولا يكفي تلذذها بانتقاله كما لو
حبسه الرجل، ويجتنب لو تعقب منها متكاسلا.
وغيبة الحشفة أو باقيها وبقدرها لفاقدها في فرج آدمي ولو دبرا مطلقا أو ميتا،
ولا ينقض غسله لا في قبل الخنثى بل في دبره كموطوئه لا إن وطأ الخنثى مثله أو
أنثى، بل بإنزاله من الفرجين، أو بوطئه أنثى مع وطئه رجل، ويتعلق الحكم
بالكافر وناقص الحكم ويعيدونه.
وسن للمنزل الاستبراء بالبول والاجتهاد فلا يلتفت لبلل تعقبه، وبدونهما
يعيد، ويترك الأخير الوضوء ويترك الأول الغسل إن أمكنه وإلا فلا شئ،
كخروج مني الرجل منها ما لم يستصحب منيها، والوضوء لنومه كجماع محتلم،
وغسله بصاع.
وحرم قراءة العزائم وأبعاضها ومس قرآن وجلالة ونبي وإمام مقصود،
ودخول المسجدين واستيطان غيرهما ووضع شئ يستلزمهما، وأبيح سبع آيات
وكره ما زاد وأكل وشرب ولا موالاة، ويغسل الرقبة مع الرأس والعورة والسرة و
الأنثيين بعده متى شاء.
416

فصل:
والحيض: وهو دم له تعلق بالعدة، وقد يشركه النفاس في مطلقة حملت
من زنى، وفي الأغلب أسود غليظ بحرارة ودفع، ولا بد من بلوغها تسعا لم تصل
إلى ستين قرشية ونبطية وخمسين غيرهما ولو حاملا، متتال ثلاثة بلياليها لا إن عبر
عشرة كأقل الطهر، أو سبق بحيض أو نفاس ولم يتخلله أو لحقه نفاس قبلها.
وتتميز عن العذرة بتطوقها وعن القرح بالأيسر، وما بين الأقل والأكثر
حيض إن وقف عليه لا إن كمل فيه، وتعتاد بمرتين متساويتين وإن كانتا من
تمييز، وقد يتعدد فإن استصحب أخذت بالنوبة فإن جهلت وكانت متسقة أخذت
بأقلها دائما وتغتسل آخر كل نوبة، وإن تيقنت تجاوز الأقل أخذت بأقربها ثم
الأقل وتعود إلى الأولى بعد نوبتين إن كانت النوبة ثلاثا ولا متسقة بأخذ الأقل
دائما، فإن تيقنت تجاوزه أخذت بما قاربه ثم الأقل دائما، وتغتسل آخر كل نوبة
وتقضي صوم القصوى، ويثبت حكمه للمعتادة بظهوره وقتها فإن نقص قضت
وإن عبر تحيضت بها وتميزت المبتدئة والمتحيرة.
وشروطه اختلاف لون الدم، ولا يتجاوز قويه الأكثر ولا يقصر عن الأقل،
وبلوع الضعيف أقل النقاء، ويعتبر القوة والضعف بثلاث: اللون فالأسود قوي
للأحمر وهو للأشقر وهو للأصفر وهو للأكدر، والرائحة فالمنتن قوي العادم،
والقوام فالثخين قوي الرقيق ولو اتصف أحدهما بواحدة والآخر باثنتين فهو
أقوى، وذو الثلاث أقوى منه ولو اتحدا فلا تمييز.
فالمبتدئة أهلها كالأم والعمة والخالة ومع فقدهن أو وجود مخالفة فيهن
فأقرانها، فالروايات كالمتحيرة ستة في كل شهر أوله وهو أولى أو آخره وذلك
فيما بعد الأول.
وذاكرة العدد خاصة تحيض به مخيرة وإن منع زوجها، وإذا حصرته في
وقت تيقنته إن زاد عن نصفه فالزائد وضعفه لا إن ساواه أو قصر عنه كخمسة من
العشر الأول، ولو تيقنت طهر الأول فالسادس حيض، ولو تيقنت خمسة وإن
417

الخامس أو الخامس والعشرين طمث فمن العاشر إلى العشرين طهر كيوم الثلاثين
والباقي مجهول.
ولو شركت معهما الخامس عشر فالطهر الأعشار خاصة، ولو تيقنت عشرة
مع مزج أحد العشرات بيوم فأول الشهر وآخره طهر، وبيومين يكونان من
الطرفين وهكذا كتسعة، والخلط بيوم ويومين ثلاثة من كل طرف وهكذا.
ولو قالت خمسة والمزج بيوم فالستة الأولى والأخيرة والخامس عشر
والسادس عشر طهر، ولو تيقنت عشرة ومزج النصف الأول والثاني بيوم فالستة
الأولى والأخيرة طهر والخامس عشر والسادس عشر حيض.
ولو تيقنت تسعة ونصفا ومزج أحد النصفين بالآخر بيوم والكسر من أوله
فهو من نصف السابع ومن آخره، فمن أول الشهر إلى آخر الرابع عشر، ومن
نصف الرابع والعشرين إلى آخره طهر، ولو اشتبه الكسر فيها فستة ونصف من
الأول ومن الأخير طهر، والخامس عشر والسادس عشر حيض والباقي مجهول.
وناسية العدد ذاكرة أوله تكمله ثلاثة، وآخره تجعله نهايتها، وأوسطه تحفه
بيومين ويوم مطلقا هو لا غير وتغتسل للانقطاع حيث يمكن، وناسيتهما كالمبتدئة
أو تحتاط بثمانية الغسل بعد الثالث عند كل، ومنع الوطء ولا كفارة إلا أن يعم
الشهر فالثلاث، ولو أبقى يومين فالدينار، والمساجد والعزائم.
وتأتي بالخمس وشهر رمضان ويجزئها منه تسعة وتقضي ثلاثة عن يوم أول
وثاني عشر وبينهما بعد الثاني وقبل الحادي عشر، وعن يومين ستة أول وثانية
وثالثه وحادي عشر وثاني عشر وثالث عشر، وعن ثلاثة أربعة ثم مثلها من أول
الحادي عشر، وعن أربعة خمسة، وعن خمسة ستة من كل طرف من الأول إلى
السادس ومن الحادي عشر إلى السادس عشر وهكذا.
ولو كانت عشرة ضاعفتها وزادت يومين وتستبرئ عند الانقطاع فتغتسل
مع النقاء ولا معه، فالمعتادة مخيرة بين تعبد المستحاضة والصبر يومين، ولا صبر
مع النقاء وإن علمت عوده قبل العشرة ثم تتعبد إلى العاشر فيجزئ إن عبر
418

وتقضي المستظهر لا إن وقف فتقضي المتعبد، وتصبر المبتدئة والمضطربة إلى
العبور ثم تميز ولو حصل للمعتادة ألغي وتتقدم وتتأخر فيلغيان لو جامعا العبور.
ويحرم وطؤها قبلا فيعزر، وندب تكفيره بدينار قيمته عشرة دراهم عينا
وقيمة ولو علا: واحد في أوله ونصفه أوسطه وربعه آخره، ويتكرر مع سبق
التكفير واختلافها وإن اتحد الوطء ولو متعة، لا أمته فثلاثة أمداد ويمتنع لإخبارها
لا متهمة، ولو غرته أو أكرهته أو مع نومه فلا شئ عليهما، ولو نذرت العزيمة في
وقت فاتفق فيه قضت كالصوم وصلاة الطواف وصلاة مضى من وقتها قدرها
وشروطها المفقودة، ولو زال وقد بقي منه قدر الشروط وركعة وجبت.
فصل:
والاستحاضة: ودمها في الأغلب أصفر بارد رقيق، وقبل التسع وبعد
اليأس وما عبر أو نقص عن ثلاثة أو تفرقت أو ولدت بعده قبل نقاء، وتعتبر وقت
الصلاة، فما لم يغمس القطنة تبدل وتتوضأ لكل ومعه تضيف إبدال الخرقة
وتغتسل للصبح قبله صائمة ومتنفلة وإلا بعده، ومع السيل تضيف آخرين
للظهرين والعشائين جمعا بلا نفل وتشرع عقيبه، فلو اشتغلت بما لا يتعلق بها
كمقدماتها وإن سنت جددت الأفعال، ولو أحدثت غيره أو انقطع للبرء ولو في
الصلاة توضأت وإن كان كثيرا لا إن علمت قرب عوده.
والاعتبار وقت الصلاة فلو طرأت الكثرة أو القلة فالحكم للموجود وإن أمكن
لا خلافه إن علم عوده، وهي بعملها طاهرة وبإهماله تقضي العبادتين وإن حل
الوطء والطلاق، وبترك الوضوء الصلاة وبترك أحد غسلي النهار الصوم،
ولا كفارة كالحائض، وللطواف وصلاته وضوءان، وكذا يتعدد لكل مفتتح من
النوافل وإن كانت يومية، وتتأدى به الواجبة وأجزاؤها واحتياطها واستدراكها
وإن كان للشك في الخامسة والمرغمتان.
419

فصل:
والنفاس: وهو دم الولادة ولو لحظة وإن قارن وإن لم ينفصل، فلو انقطع
مع الانفصال بطل الصوم واغتسلت، ولا عبرة لما تقدمها ولا بتجردها، و أكثره
كالحيض للمبتدئة والمضطربة مع العبور، ولو استمر شهورا فبعد الأول
كالحيض، والمستقيمة عادتها إن عبر ولو رأت الأول خاصة فهو كالعاشر ولو
رأتهما فهما وما بينهما، ولو رأت إلى الخامس ثم الثامن وعبر وكانت معتادة بستة
فالخمسة خاصة، وبثمانية فهي نهايته، وإن كانت مبتدئة فالغاية، والتوأمان
نفاسان، ولو سقط عضو كان دمه نفاسا برأسه وكذا إن سقط بعده آخر وهكذا
كتعدد الحمل وهي بين التوأمين حامل فتستحق الندر والوقف وتطلق بلا
استبراء، وحكمها كالحائض إلا في الأقل والتمييز وتخلل النقاء وإبطاله لما قبله،
وعدم الخروج به من العدة، ولا ترجع المبتدئة فيه إلى أهلها مع العبور ولا
المعتادة إلى عادتها فيه، ويتحقق مع العبور اتفاقا، وقد تتفق الكفارات الثلاث فيه
بوطئ مرة.
فصل:
والموت الآدمي برد وهو ثلاث غسلات، يغادر الأولى والثانية سدر وكافور
بمسماه لا إن كثر فأضافه، فيسقط بتعذره لا غسلته ومع عكسه فالسدر، ويتممان
بعد زوال الخبث مرتبا لا إن غمس في كثير، وندب الوضوء وغمز بطنه في
الأولتين فإن خرج حدث لم ينقض مع تيقنه وفي الغريق والمصعوق والمبطون
والمهدوم والمدخن بعلاماته أو مضي ثلاثة، ويسقط في الكافر والناصب
والخارج والغالي، ومع فقد الغاسل أو عجزه عن تغسيله لعذر فيه أو لخوف تناثر
لحمه ييمم بدلا عن ثلاث، لكل ضربتان بيد الفاعل وفي الحي بيد العاجز، ولو
أمكن الصب فيه اكتفي به عن الدلك.
وفي الجنين مع اتصاله لا إن انفصل بعد أربعة وإن سقط، وفيما خلا عن
420

العظم أو سقط لدونها ويلفان في خرقة، وفي المرجوم والمقتول قودا أو حدا
والمصلوب مع تقديمه كهيئته بعده ولا تسقط الجنابة هنا، وإنما تجزئ إذا مات
بالسبب بعده، فلو عفي عنه ثم تجدد مثله أعاد لا إن تقدما ثم عفا أحدهما بعد
اغتساله له فأراده الآخر، وكذا لو مات أو قتل ظلما لا إن أحدث وإن كان أكبر،
بل يأتي لما وجب لنفسه وإن سقط بالموت.
وفي الشهيد إذا مات في المعركة بالقتال وإن أكل لا إن حمل حيا وإن
قضي بموته، ويدفن بثيابه ويمنع الولي من إبدالها وينزع الحديد والجلد وإن
تلطخ، فلو لم يكن غيرها كفن كما لو جرد، ويتعلقا الحكم بالمرأة وناقص
الحكم ولو بسلاحه أو صدمة أو وجد فيها محترقا أو غريقا، ومثله قتيل البغاة، وفي
السائغ حال الغيبة كعدو دهم المسلمين وخشي منه على الإسلام وبيضته لا إن
قتل دون ماله، أو مطعونا أو غريقا أو مهدوما أو مبطونا أو نفساء وإن قاربوه
فضلا، والأولى به أولاهم بميراثه، والزوج أولى وإن نكح أختها كما تغسله وإن
نكحت غيره.
ويدرج في ثلاثة مباحة طاهرة يلبسها رجل وإن كانت صوفا لا فروا، ويكره
كتان وممتزج، وسن حبرة حمراء عبرية لا مطرزة بحرير أو ذهب نساجة أو
تطريزا، وخامسة وعمامة بحنك وخمار عوضها للمرأة، وزيادة خرقة لثدييها
ونمطا وهو ثوب يجعل فوق الحبرة فلفائفها ثلاث، ويحنط بكافور في مساجده
بمسماه، وندب درهم وتأكد أربعة، والكامل ثلاثة عشر درهما وثلث، وما في
الماء منه وإن كان معتكفا أو معتدة لا محرما.
وسن جريدتان من نخل، فسدر فخلاف فرطب يجعلان مع ترقوته، تلصق
اليمنى بجلده واليسرى بين قميصه وإزاره عليهما قطن، ويكتب عليهما وعلى المئزر
والقميص واللفافة والحبرة والعمامة اسمه وشهادتاه وأئمته.
ويلزم السيد وزوج الدائمة الممكنة لا واجب النفقة مؤنة التجهيز وفي تركتها
لو أعسر ولا يحسب عليه، ويخص به لو مات بعدها قبل درجها، ولو عاد بعد
421

اليأس عيد عليها إن لم تدفن وبعده ميراث لغير وارثها، ولو كان من بيت المال أو
الوقف أو الزكاة أو متبرعا عاد إلى أهله، ومن ناذر فإن عين سقط وعاد إليه
والأفضل التصدق به، وإن أطلق صرف إلى غيره، ويقدم على الدين إن لم يكن
مرهونا أو جانيا أو مبيعا تلف ثمنه المعين أو فلس أو مات قبل قبضه، أو مضت له
ثلاثة ولم يقبض ولا ثمنه، أو عينا حبسها خياط وشبهه على الأجرة ولم يفضل
بعدها قدره.
وندب النعش للمرأة وحمله إلى المصلى بأربعة والتربيع لخامس، فتحمل
اليد اليمنى بالكتف اليمنى فالرجل اليمنى كذلك فالرجل اليسرى بالكتف
اليسرى فاليد اليسرى كذلك والمشي وراءه.
ويصلى كفاية على كل مسلم ولو حكما وإن خالف لا خارجيا وناصبيا أو
غاليا ويتقدم الولي ومتقدمه لا مقدم الميت لوصية ويجب تقديم إمام الأصل ولو
لم يقدمه تقدم وهو الأولى بميراثه، والذكر أولى، وتقدم الخنثى إن كان في
المأمومين خنثى وناقص الحكم معدوم ومن لا فالحاكم فالمأمومون، وفي تعدد
الجنائز يقدم مقدم المكتوبة فالقرعة.
بخمس تكبيرات يتخللها الشهادتان ثم الصلاة عليه وآله ثم الدعاء للمؤمنين
ثم للميت مؤمنا وعليه منافقا، وينصرف بالرابعة، مستقبلا مستور العورة قائما
جاعلا رأس الميت يمينه مستلقيا، وتروكها كذات الركوع غير الحدث فيعيد
القاعد ناسيا لا إن زاد تكبيرة سهوا، ولو فات المأموم بعضها أتم وحده، فإن
رفعت وإلى التكبير.
وسنت على من نقص عن ست ولد حيا لا إن سقط وإن سقط وإن تحرك
والتحفي ورفع اليدين بكل التكبير مسرا دعاؤه، متطهرا فإن خشي المعاجلة
تيمم، ووقوف الإمام وسط الرجل وصدرها إن اجتمعا، ومع الازدحام يقدم
الرجل فالعبد فالخنثى فالمرأة فالصبي، ولو وجبت له قدم على العبد.
ويبادر إلى دفنه في حفيرة حارسة، وسن لحد واسع معمق قامة ويكره
422

الزيادة على ثلاثة أذرع، وتلقينه فيه محركا عضده الأيسر عنيفا، وشرج اللبن
ويهيل من حضر بظهر الكف مسترجعا، وتسويته مربعا وتلقينه بعد انصرافهم
مستقبلا بأرفع صوته، وكره المشي عليها والضحك بينها والتغوط وتجديدها لا
رمها.
ويحرم النبش لا في الأزج إلا أن يقع فيه ذو قيمة، أو كان في مغصوب
أرض أو كفر أو ليشهد على عينه، أو ليدفن بأحد المشاهد لا ليغسل أو ليكفن ولا
للصلاة بل يستدرك على قبره ما لم يمض يوم وليلة، وسنت التعزية ولو بعده،
وتكفي الرؤية وزيارة المقابر والسلام عليها، وما يهدي إليه من القربات يصله.
فصل:
ومس ميت الآدمي إذا برد وإن كان كافرا أو مغسله أو يمم أو غسل فاسدا
لا صحيحا وإن كان بعضا، ومثله السقط لأربعة وذات العظم وإن أبينت من حي
بعد سنة، ومس العظم المجرد لا السن منفصلة ومتصلة كمسه سخنا، ولا ينجس
ملاقيه مع اليبس في الموضعين، وينجس مع الرطوبة في الأول كخالية العظم
وسقط لدون الأربعة والبهيمة مطلقا.
ولو مس عظما في فلاة أو طريق أو مقبرة الكفار اغتسل، لا إن كان في
مقبرة المسلمين أو ما اشترك فيه الفريقان، ولو جهلت تبعت الدار، فإن تناوب
الفريقان فلا غسل.
ويجب الوضوء وليس جزأ منه فلو وجد ما يكفي أحدهما استعمله وتيمم عن
الآخر، وينوي في كل منهما الاستباحة أو الرفع مختارا، ولو أحدث بعد أحدهما
أو في أثناء الوضوء توضأ وفي أثناء الغسل يلغى، ويحرم قبله مشروط الوضوء
خاصة فيجوز الصوم والعزيمة والمسجد ومندوب الطواف.
423

فصل:
وسن للزمان كالجمعة من الفجر إلى الزوال، وتقضي لو ترك من ضرورة
إلى آخر السبت، ويعجل من أول خميس لخائف العوز فيه ولو تمكن فيه أعاده،
ويقدم التعجيل على القضاء لو تعارضا، وليالي فرادى رمضان ووقته جملة الليل،
ويومي العيدين جملة النهار وأفضله مقارب الصلاة، وليلة الفطر وليلتي نصف
رجب وشعبان، ويوم عرفة والغدير والمباهلة والمولد والمبعث والتروية والنيروز
وهو أول يوم تكون الشمس فيه بالحمل، ويجامع الحدث ولا ينقضها.
وللمكان كالحرم ومكة ومسجدها والكعبة والمدينة ومسجدها ومشاهد
الأئمة عليهم السلام قبلها، وتبطل بتخلل الحدث وتعقبه لا ما سبق وإن كان أكبر.
وللفعل كالإحرام وزيارة المعصوم وصلاة الحاجة والاستخارة والطواف
والاستسقاء وقضاء الكسوف المستوعب لمتعمده قبلها، وينافيها الحدث الطارئ
وإن كان أصغر لا السابق وإن كان أكبر، ويبدأ بما شاء، وقتل الوزغة ورؤية
المصلوب بعد ثلاثة والتوبة عن كفر وفسق بعدها، ولا ينقضها الحدث ولا
تتداخل مجتمعة ولا مع الواجب، ولو نذرها عند أسبابها وجبت لا مطلقا،
وتحتاج إلى الوضوء مطلقا للصلاة ولا تقضي مع الفوات ولا تبدل عدا الإحرام.
الثالث: التيمم:
وإنما يجوز بفقد ماء فضل عن عطش محترم، فيطلبه في الوقت غلوة سهم في
الحزنة وسهمين في السهلة يمينا وشمالا وقداما، لا خلفا سلكه إلا بتجدد ظن بنفسه
وثقته، ويجزئ عن أمره وإن كثر لا إن أخبره، ولا يتكرر بحسب الصلاة ما لم
يظن، ويسقط لو علم عدمه أو ضاق الوقت عنه، ويطلب في رحله وأصحابه
مستوعبا، ومظانه كالمركب والخضرة ومجتمع الطير وإن زاد عن القدر مع
الظن والسعة والأمن نفسا ومالا ورفيقا.
ولو فرط بتركه حتى عجز عنه عصى ولا إعادة كالمار بالماء أول الوقت،
424

وإزالة النجاسة عن بدنه أولى من الثوب وهو أولى من الوضوء، ولو خالف أثم
وأجزأ، ولو دخل الوقت على طهارة ثم فقده وعلم استمراره حرم النقض اختيارا
حتى يصلى، فيعيد لو خالف أغلب ما كان يؤديه بوضوء.
ويدخل الجنب غير المسجدين لإخراجه، ولا يصح بيعه وهبته في الوقت
لغير صاحبه وتيممه ما دامت العين، فيعيد كمريقه ومبيحه وشاربه في الوقت لا
لغرض، ويصح لمن صار إليه وعنه بعد تلفه ولا يؤثر غير المالك سوى
العطشان.
ويجب شراؤه كالآلة واستئجارها بما فضل عن دينه ونفقة محترم معه ومؤن
سفره ولو نسيئة لموسر وإن زاد عن عوض المثل، لا إن رضي بالصبر على المعسر
بثمنه أو أقرضه أو وهبه كالآلة، ويجب قبول إعارتها وقرض الماء وهبته، ويشترى
للميت من تركته كالكفن ومخوف مرض وشين وبطء مرض يظنه حسا أو بقول
عارف وإن كان امرأة أو صبيا وإن كان كافرا لا إن تألم خاصة، ويتيمم لو تضرر
بالماء في بعض الأعضاء كالعين، ومثله خوف اللص والسبع وحوادث الليل
وإن كان جنبا، والمرأة على بضعها، والممنوع بزحام الجمعة وعرفة والنوبة في
البئر كالثوب، والمجنب في السفر حلالا والمحبوس بظلم أو حق عجز عنه، ولو
كان قادرا أعاد كسفر المعصية.
ويقدم العطشان، فمزيل النجاسة ولو عن الميت، فالجنب على باقي
المحدثين فالميت بالمباح، والمبذول للأحق أو الأحوج والمسبل، ويقدم سابق
الميتين بما وجد قبل موته وبعده قبل موت الآخر، فالأفضل فالقرعة، ولو تقدم
المتأخر صح في الأول والأخير وإن أخطأ.
بتراب كيف يكون أو مدر أو حجر ولو رخاما وبراما أو مشويا، أو أرض
نورة وجص أو قبرا ومستعملا، وهو المنفوض وإن مزج بمستهلك، لا إن كان
معدنا أو نجسا أو مغصوبا أو سحاقة نبات وإن كان تراب أرضه ورماده لا رماد
الأرض، فغبار ثوب ولبد وعرف.
425

ويتحرى أكثرها غبارا فينفضه ثم يتيمم عليه، ولو تلاشى بالنفض ضرب
عليه فوحل ويفرك إن أمكن ليحصل منه غبار، فثلج ويفوك إن تمكن ليحصل
منه ماء يدهن به فيكون أولى من التيمم وإلا ضرب عليه، ويجوز بجدار الغير
وأرضه ما لم يظن المنع.
ولو وجد كوز ماء في مفازة أو خباء تطهر منه إلا أن يظن وضعه للشرب أو
قصوره عن شرب الواردين، ولو كان كثيرا جاز كالمستقي بالآلة المغصوبة وعليه
الأجرة ويجب القصد إليه لا نقله فلا يجزئ تعرضه للمهب ولا ترديد ما تسفيه
الريح على وجهه وأعضائه، وطهارة محله خاصة، فإن تعذر ولم يتعد إلى التراب
جاز ومعه إن استوعب سقط وإلا فالطاهر، فلو كان الجبهة خاصة معكها ناويا
ومع إحدى اليدين يقارن بها ثم يمسح الجبهة ثم يمسحها بالأرض، وهما خاصة
يقتصر عليهما كاقتصاره على إحديهما.
وينوي عند ضربه بباطنهما ماعكا بظاهرهما، ونزع الحائل مقرونا بضربه نية
الاستباحة لا الرفع، والبدلية مستديما مواليا مطلقا.
ومسح الجبهة من القصاص إلى أول الأنف بباطن كفيه معا، فيمناه من
مفصل المعصم إلى نهايتها ببطن اليسرى فاليسرى كذلك، مرة في الوضوء
واثنتين في الغسل لوجهه ويديه ولو اجتمعا فتيممان.
ولو كان عليه غسلان فتيمم عن أحدهما كفى عن الآخر وإن لم يكونا
متساويين مطلقا، ولا بد من تيمم آخر مطلقا في آخر الوقت لراجي المبدل فيه لا
الآيس فيؤخره بقدر ما يبقى منه قدر الشروط والصلاة، والأجود تقديمها، ويتيمم
لفائتة يذكرها وللعيد بخوف فوته وللاستسقاء بالاجتماع في الصحراء، وللجنازة
بحضورها ولموقت النافلة بتضيقه ولذات الفعل والمطلقة عند الفعل، ويدخل به
في الفرض على التفصيل، ولو ظن شغله بفائتة فعزم بها قبل الوقت ثم ظهر العدم
بطل لا إن نواها ظهرا فبانت عصرا.
ونواقضه كالمبدل والتمكن لا أن تلبس بالصلاة إلا إذا لم يسقط.
426

القضاء، ولو فقده بعدها أعاده، ويعيد الجماعة بوجود ما يكفي أحدهم لا خروج
الوقت بل يؤخره إن رجى التمكن فيه ويبيح كمبدله، ومن ألزم بوظيفة الوقت
مع فقد المطهرين لا يستبيح غيرها ويبطل بتمكنه من أحدهما، ويغسل الميت بعد
تيممه وإن صلى عليه وتعاد لا إن دفن إلا مع القلع، ولا يرفع الحدث فيعاد
الأكبر بأصغر.
الباب الثالث: في تابعها:
ومباحثه ثلاثة:
الأول:
أصناف النجاسات عشرة:
البول والغائط من غير المأكول ولو عرض، أو كان طيرا أو بول رضيع أو
منه عليه السلام، لا حب خرج بصلابته ينبت لو زرع ويحل أكله، بل يغسل إن
كان من غير مأكول وإلا فرجيع.
والمني والدم من ذي نفس ولو علقة في بيضة أو منه عليه السلام، لا ما يقذفه
المذبوح واستخلف في مواضعه لا ما انتقل واستقر في جوفه، ولو شك في كونه
نجسا أو طاهرا ومغلظا أو عفوا فالرخصة فيهما.
والميتة منه وخرؤه البائن والمشيمة والبيض قبل الأعلى واللبن لا الإنفحة بل
يغسل ظاهرها، وما لا تحله الحياة كالظلف والمسك وفأره وعفي عن منفصل
البثور والثالول.
والكلب والخنزير وأجزاؤهما ولو شعرا، والكافر ولو مرتدا أو حكما
وإلحاقا، ومائع المسكر وإن عرض جموده دون جامده كالحشيشة وإن عرض
ميعانها، والفقاع لا القيح والصديد الخالي من الدم.
وعرق الجنب حراما وجلالة الإبل وذرق الدجاج والثعلب والأرنب
427

والفأرة والوزغة وبول الدابة والحمار والبغل ولعاب المسوخ وسؤر الجلال
وآكل الجيف، والمذي ولو بشهوة، والودي - بالمهملة - وهو متعقب البول
ويتقدمه، وبالمعجمة متعقب المني، والقئ وطين الطريق ولو بعد ثلاثة.
الثاني: الإزالة:
وتجب عن ما أمر بتعظيمه كالمصحف والضرائح المقدسة والمساجد
كفاية، وعن الثوب والبدن للصلاة والطواف ودخول المسجد مع التلويث لا
مطلقا، وعن الآنية لاستعمالها، وعن مسجد الجبهة عينا بإذهاب العين لا اللون
العسر وندب صبغه بمشق وشبهه، وإنما يطهر بالعددي ما ينفصل الغسالة عنه
كالثوب وكذا السمسم والحنطة إذا انتقعا بالنجس لا المائعات، والقرطاس
والطين بل بالكثير كالعجين إذا رقق وتخلله، والحنطة واللحم وشبهه إذا طبخ
بالماء النجس كالخبز المعجون إذا تخلله الكثير، ويجوز أن يطعمه الدواب وإن
ذبحت في الحال أو خليت بغسلتين من البول ويعصر.
ويكفي الصب من بول رضيع لم يأكل وإن عبر الحولين، ويسقط فيما
يعسر كالبسط والحشايا والجلود ويكفي التقليب والدق، ولو تنجس ظاهرها
كفى دلكه باليد ومن غيره مرة مع زوال العين، وندب الثلاث، ويجب من الفأرة
ومن ولوع الكلب وهو الملاقاة بطرف لسانه أولاهن بالتراب بحتا ولو في كثير،
ومع فقده مشابهة كالأشنان والنخالة دون باقي أعضائه.
والسبع من الخنزير والخمر وإن كان خشبا وقرعا، ومن غيره مرة والثلاث
أفضل يصب فيه الماء ثم يحرك ويفرع وهكذا، ولو ملأ ماء كفى إفراغه عن
تحريكه، ولو كان متثبتا وشق قلعه ملئ ماء وأخرج بما لا يتكرر إلا بعد غسله،
ويسقط العصر والعدد في الكثير ويكفي التقدير في غير المعصور، ومأكل غسله
كمغسولها قبلها.
ويطهر المائع كالخل باختلاطه بكثير ولو مظروفا ومثله الدبس إذا علم
428

تخلله، ولو اجتمع موجب التعدد تداخل وفي الأثناء يستأنف أو الأكثر، ويطهر
الماء كما عرفت.
والشمس ما أشرقت عليه وجف من الأرض ومتصل بها ولو ثمرة، والأبنية
ومشابهها ولو حصى ووتدا، ومثله السفينة والدولاب وسهم الدالية والدياسة لا
منقولا وإن كان حجارة الاستنجاء عدا البارية والحصر من البول والخمر مع زوال
عينه، لا ما جف بحرارتها أو بالرياح.
والأرض مع جمودها وطهارتها باطن النعل والقدم والخف والحافر
والظلف والصنادل مع زوال العين ولو معكا.
والنار ما أحالته دخانا أو رمادا، والاستحالة في النطفة والعلقة حيوانا،
والكلب والخنزير ملحا وترابا، والعذرة دودا ونباتا، والدم قيحا، والإسلام للكافر
ولو مرتدا فطريا وتبعا لذي يد مستقلة لا ثيابه أو ما باشره قبل برطوبة، والاستبراء
للجلال، والانقلاب للخمر والعصير خلا بدنه، وما ألقي فيه من طاهر ولو مائعا
لعلاج لا إن باشره كافر دون النبيذ والمرز كباقي المسكرات.
والنقص للعصير بثلثيه ولو بالشمس والسمائم، وإنائه وما وصل إليه من
الزبد وآله عولج بها، وانتقال الدم إلى البعوض والبرغوث وسائر النجاسات إلى
البواطن مع زوال العين، فدمع المكتحل وبصاق الثميل طاهران.
ولو وضع في فيه درهما نجسا أخرج للصلاة وطهر، وينجس درهم لاقاه
في الفم دونه، ويحكم بطهارة حيوان نجس إذا غاب زمانا يمكن تطهيره مطلقا،
ويكفي زوال العين في الحيوان وإن لم يغب، وما علم المالك المتحرز نجاسته ثم
شوهد مستعملا له، ومثله الهرة إذا أكلت فأرة وإن لم تغب إذا لم تتلوث، دون
الدباغ للميتة والبصاق للدم والمسع للصقيل والذنوب للأرض، بل الغيث
والكثير واقتلاع ما ينجس منها وما لاقاها بنداوة تعدت، لا مع اليبس والجمود
فيلقى وما يكتنفها مع التلويث، ولو كان الإناء كثير الرشح ووضع على نجس
لم يتعد إلى داخله كملاقي النجاسة مع اليبس إلا في الميت.
429

ورخص في حامل النجاسة كمربي الصبي ومربيته وإن أكل ذات الواحد
تغسله مرة في اليوم بليلة آخر النهار أمام الظهر من نجاسة بوله خاصة، ولا يجزئ
الصب فيه وتؤدي الفرض والنفل أداءا وقضاءا كخصي يتقاطر بوله، وعمن لم
يتمكن من تطهير ثوبه وإن شاء عاريا، وفي المحمول إذا لم يتم فيه الصلاة وكان
من الملابس في محله غير متعد وإن كانت مغلظة، ومثله الخاتم والدملج والسير
وإن تعددت لا كالدراهم، والقارورة وإن صمت أو السيف والسكين إلا
لمحارب، وحامل حيوان حي غير مأكول لا إن كان مذبوحا وإن غسل مذبحه
كبيضة استحال باطنها دما، وحبل طرفه نجس أو في نجاسة وإن تحركت ما لم
تصر محمولة، ومثله ما كان في البواطن كداخل الأنف والفم ودم مات تحت
الجلد، ولو انقشر عنه أو عن بعضه أزال ما انكشف لا إن جبر عظمه بنجس أمن
من نزعه تلفا وشينا لا ألما خاصة.
ويقلعه السلطان لا إن مات، وبقاء الميتة والخمر لا النجس، وفي الخال عن
دم غير الثلاثة ونجس العين في القروح والجروح غير الراقية في الثوب والبدن.
وندب غسل الثوب كالمربية ولو تمكن من إبداله لم يجب، ويقتصر بالعفو
على دم جرحه خاصة وعلى ما يصل إليه ضرورة وإن كثر، وعما نقص عن الدرهم
في غيرها، وإن تعدد الثوب أو لاقاه مائع ولم يتعد محله أو زالت عينه بغير مطهر
لا إن تعدى أو لاقته نجاسة مغلظة أو بلغ الدرهم وإن تفرق، ويكفي إزالة ما
ينقصه، ولو ظهر من وجهي الثوب متصلا فواحدة.
الثالث الأحكام:
لو علم سبقها وإن نسي متمكنا أعاد مطلقا، إلا إن لم يجد غيره فيصلي فيه أو
عاريا، ولو فقد المغسول من المشتبهين تحتم الآخر، ولو علم فيها أزالها أو طرح
ما لم ينافيها فيستأنف إلا مع قصر الوقت عنها وركعة، ولو اشتبه أحد الكمين
غسلهما كالثوبين، ويتركهما بمتيقن الطهارة كمشتبه المكان المحصور، ولو فقده
430

كرر بما يحصل البراءة متمكنا وإلا تخير الممكن وعاريا.
ويجوز الجمع بين الطهرين في واحد ثم يعيدهما في الآخر، ولو غسل
بعض الثوب طهر لا إن ترك العصر إلا في الصب والرش وندب لشك النجاسة
في الثوب والبدن، وفي المذي، وفي إصابة الكلب والخنزير للثوب والبدن
يابسين كالفأرة لاقته رطبة، ومن بول الدواب والبغال والحمير والشاة والبعير
وعرق الجنب.
وأواني المشركين طاهرة وإن كانت مستعملة ما لم يعلم نجاستها برطوبتهم
كغيرها مما في بيوتهم وأيديهم، وإن كان مائعا مع جهل الملاقاة كذبيحة في يد
مسلم يستحلها من كتابي وبلا تسمية، وتحرم آنية النقدين استعمالا وغيره ولو
للنساء حتى ظرف الغالية والمكحلة والملعقة، لا الميل والخلال والمنماص
والمرآة وأنف الذهب ورابط الأسنان، ولو موهها بغيرهما لم يتغيرا كما لو طلي
غيره بهما، وكتمويه الخاتم بالذهب وقائم السيف وفروز الثوب، لا إن طعم
بفضه بل يعزل عنه وجوبا دون غيرهما وإن غلا، ويجوز قبيقة السيف ونصله
وحلقة الأذن والسلسلة وضبة الإناء من الفضة لا الذهب، والمتخذ من عظم نجس
العين وجلد الميتة وإن دبغ، ويجوز من الذكي وإن لم يؤكل بلا دباغ وهو نوع
الفضلات، ولو تنجس بعد غسله ولو لم يقصده.
ويستحب الاستحمام ويتأكد الأربعاء والجمعة، وحلق الشعر فيه، وخدمته
لمربيه بالخطمي والسدر مئزرا كدخول المياه، وغض البصر والتنور قائما في كل
خمسة عشر وهي ستره، والتعمم عند الخروج شتاءا وصيفا، ويجب الستر عن
ناظر ولو اغتسل معه صح، وإن أثم كالوضوء.
ويكره الاتكاء فيه ودخوله على الريق والبطنة، وإدمانه كل يوم بل غبا
وسلام العاري بل المتزر ودخول الولد مع أبيه، ومسح الوجه بالمئزر، ويجوز
التدلك بالنخالة والباقلاء والدقيق والسويق ملتوتا بالزيت.
431

المسائل لابن طي
للشيخ أبي القاسم
علي بن علي بن جمال الدين محمد بن طي العاملي
433

كتاب الطهارة
وفيه مسائل:
مسألة [1]: لو مس السن أو الظفر المتصل بالميت، لا غسل عليه.
مسألة [2]: لو انقطع دم المستحاضة في أثناء صلاتها للبرء، بطلت صلاتها.
مسألة [3]: يفرق بين الحائض والنفساء في أمور ثمانية:
آ - الأقل.
ب - الرجوع إلى التمييز في الحائض دون النفساء.
ج - الرجوع إلى عادة الأهل والأقران.
د - إنه لا يشترط بين النفاسين أقل الطهر كما بين التوأمين بخلاف الحائض.
ه‍ - قيل إنه لا يشترط بين الحيض والنفاس أيضا أقل الطهر بخلاف
الحيض.
و - إنها لا ترجع إلى عادتها في النفاس لو تجاوز العشرة بخلاف الحيض.
ز - الأكثر فيه خلاف بخلاف الحيض.
ح - إنها لا تنقضي العدة بالنفاس بخلاف الحيض.
435

مسألة [4]: الدم المتعقب للنفاس يشترط العشرة بينهما، ولا يشترط أقل
الطهر بين النفاسين إجماعا، وهل يشترط في النفاس المتعقب للحيض أقل
الطهر؟ فيه وجهان: نعم، لأنهم حكموا بأن حكم النفاس حكم الحيض وذلك
من جملة أحكام الدم. و: لا، لأن ذلك من توابع حكم الدم بالنسبة إلى الأقل،
ولما انتفى الأقل في النفاس انتفى اعتبار أقل الطهر هنا.
مسألة [5]: الاستظهار للحائض بعد عادتها على الوجوب، قال: يستحب من
اليوم واليومين، وليس للنفساء استظهار.
مسألة [6]: كل دم يمكن أن يكون حيض فهو حيض، المراد بالإمكان أن
تجتمع شرائطه وترتفع موانعه، وتلك الشرائط إما ترجع إلى المرأة كالبلوع
ونقص السن عن اليأس، أو إلى المحل كالخروج من الجانب الأيسر، أو إلى
المدة كأن لا ينقص عن ثلاثة ولا تزيد عن عشرة، أو بحسب دوام الأوقات كأن
يتوالى الثلاثة، أو بحسب الأحوال كأن لا ينعقد الحمل المستبين، أو بحسب
أوصاف الدم كالسواد والحمرة مع مقابلهما من الدم الضعيف، أو تعارض دم
أصفر سابق، فيشترط أقل الطهر بينهما، ويدخل في ذلك اعتبار الخلو من
الموانع الشرعية والحسية، فيحكم على الدم بأنه حيض عاجلا، وهناك شرط
مراعى وهو: ألا يتعقب الدم دم أقوى كالدم الأسود بعد الأحمر المتجمع
ومجاوزة العادة والعشرة، فإنه يحكم بالاستحاضة فيما كان قد حكم فيه
بالحيض، عملا بشرط المراعاة.
مسألة [7]: إذا اعتادت مقادير مختلفة متسقة كالثلاثة والأربعة والخمسة،
توالت على هذا الترتيب، بأن رأت من الثلاثة مرتين ومن الأربعة مرتين ومن
الخمسة مرتين كل دفعة، أو نقول: رأت الأعداد في ثلاثة أشهر ثم رأتها على
436

الترتيب في ثلاثة أشهر أخرى، لأن تعاقب الأعداد المختلفة قد صار عادة، ففي
السابع تأخذ ثلاثة وفي الثامن أربعة وفي التاسع خمسة والعاشر ثلاثة، فلو ذهلت
عن نوبة الشهر الحاضر، تحيضت بالثلاثة، وتبقى يومين اشتباه تترك متروكات
الحائض وتفعل في باقي الزمان عمل المستحاضة، وفي كل ثلاثة أشهر تقضي
ثلاثة أيام، إذ عادتها ثلاثة وأربعة وخمسة، فالفاضل في كل ثلاثة أدوار ثلاثة أيام،
فلو تيقنت أنه يقينا غير نوبة الثلاثة، بل أما الأربعة أو الخمسة تحيضت بالأربعة،
والضابط أنها تأخذ أقل الأعداد والعددين التي يقع فيها التردد لأنه المتيقن
وتركت الأكثر.
فإن شكت بين الجميع، أخذت الثلاثة في جميع الأشهر إلى أن يحصل
التيقن، لأنها في كل شهر يلزمها على تقدير عدم اليقين التردد بين المقادير
المذكورة.
وإن شكت بين الأربعة والثلاثة لا غير، أخذت الثلاثة في الشهر الأول ثم في
الشهر الثاني نقول: إن كان الأول شهر الثلاثة فالثاني للأربعة، وإن كان للأربعة
فالثاني شهر للخمسة، فقد ترددت بين الخمسة والثلاثة، فتأخذ الثلاثة أيضا. وفي
الشهر الثالث نقول: الشهر الأول إن كان للثلاثة فهذا للخمسة، وإن كان للأربعة
فهو للثلاثة، فنأخذ الثلاثة أيضا. وفي الرابع نقول: إن كان الأول شهر الثلاثة فهذا
شهرها، وإن كان للأربعة فهذا لها أيضا، فقد ترددت بين ثلاثة وأربعة، فتأخذ
ثلاثة وأربعة فتأخذ ثلاثة، وعلى هذا.
وينبغي أن تغتسل في أوقات الاحتمال، فتغتسل ذات الثلاثة ثلاثة أغسال
محله آخر الثالث والرابع والخامس، وذات الأربعة غسلين محلها آخر الرابع
والخامس، وأما الصوم فإنها تقضي عن كل دور اثني عشر يوما في أيام الطهر
المتيقن.
مسألة [8]: العلة في وضع الجريدة مع الميت: إن آدم عليه السلام لما هبط
437

من الجنة، سأل الله تعالى أن يؤنسه بشئ من سحر الجنة، فأنزل الله عليه النخلة
فكان يأنس بها في حياته، فلما حضرته الوفاة قال لولده: إني كنت آنس بها في
حياتي وأرجو الأنس بعد وفاتي، فإذا مت فخذوا منها جريدة وشقوها نصفين
وضعوها معي في أكفاني، ففعل ولده ذلك وفعلته الأنبياء بعدهم، ثم اندرس
ذلك في الجاهلية، فأحياها النبي عليه السلام وفعل وصارت سنة متبعة.
وروي: إن الله تعالى خلق النخلة من فضلة الطينة التي خلق منها آدم عليه السلام
، وروي عن الصادق عليه السلام: إن الجريدة تنفع المسيئ والمحسن.
وروي: إن الجريدة تنفع المؤمن والكافر، وإن الأرض تتجافى عنه ما دامت
رطبتين. والجريدة توضع مع جميع الأموات إلا المخالف.
مسألة [9]: لو مس سقطا، إن كان دون أربعة أشهر فلا يجب بمسه غسل ولا
يجب تغسيله، وبعده يجب ويغسل ويحنط، ويجب الاستقبال حالة دفنه، وفي
الأعضاء نظر.
ولو وجد الرأس جعل وجهه إلى القبلة، وكذا لو وجد الصدر والبدن
يستقبل بهما.
مسألة [10]: إذا ماتت الزوجة ولا مال لزوجها، كفنها من أصل تركتها ولا
تحتسب على زوجها من ميراثه، لأنه لا وارث إلا بعد الكفن، ولو أوصت أن تكفن
من مالها كان من ثلثه وإن كان لزوجها مال، وسقط عنه.
مسألة [11]: قوله: ويغسل الرجل محارمه من وراء الثياب، يريد من يحرم
عليه نكاحها مطلقا بالمصاهرة وغيرها.
مسألة [12]: لو اغتسلت المستحاضة وأخرت الصلاة بقدرها، وجب عليها
438

إعادة الغسل إن خرج منها حدث.
مسألة [13]: الطهارة على أربعة ألفاظ: مادته: وهي الغسل والمسح
وصورته: وهي الكيفية المشروعة الواقعة عليها. وفاعليه: وهي تطلق على المكلف
المباشر وعلى الأسباب الموجبة كالبول والجنابة. وغايته: وهي استباحة عبادة
مشروطة بها كالصلاة مثلا.
مسألة [14]: لو قال في غسل الجنابة: أغتسل لاستباحة الصلاة لوجوبه قربة
إلى الله، أجزأه، وكذا لو قال: أرتمس لوجوبه قربة إلى الله، مع قصد غسل
الجنابة فإنه يجزئ، ولو نوى رفع الحدث المطلق أجزأه أيضا.
مسألة [15]: لا تقبل شهادة النساء لنجاسة ماء الغير.
مسألة [16]: في التيمم، إذا كانت يديه نجستين، وما تتعدى النجاسة بأن
يكونا ناشفتين تيمم، ولو كان باطنهما نجسا وظاهرهما طاهر ضرب بظاهرهما
ومسح، ولو قطعت يديه ضرب بزنوده ومسح بهما، ولو كانت يديه نجستين
رطبتين ضرب بزنديه ومسح بهما، أما لو كانت جبهته نجسة رطبة ضرب بيده
على الأرض ومسح بيديه، وسقط مسح الجبهة كاقتصاره على إحدى يديه مع
الجبهة أو الجبهة وحدها أو اليدين كذلك.
مسألة [17]: يصح وضوءه ورجليه في الماء بشرط أن ينشفهما بعد شيلهما
من الماء، ويكون قد أخل بواجب لأن الموالاة واجبة.
مسألة [18]: لو لاقى بدن الميت نجاسة في القبر غسله، ويتلقى الماء بانية،
439

فإن غلبه ونزل منه شئ في القبر حفر في القبر حفيرة ويطم الماء النجس فيها، فإن
تعذرت الآنية أو ما يتلقى به الماء النجس جاز شيله من القبر ثم يغسله، وكذا لو
أدى قرض الكفن إلى هتك عورته غسله أيضا، وقيل: يغسل مطلقا.
فائدة: الخاتمة والتتمة بمعنى واحد، وهما استدراك ما ترك فيما قبلهما لعدم
انتظام الباب له.
والفائدة: حكم زائد على ما تضمنه الكلام السابق مع قصور مضمونه عنه.
والقطب: لغة مدار الشئ ومنه قطب الرحى، وفي الاصطلاح: ما يدور عليه
مسائل متحدة في النوع مختلفة في الصنف كالمقصد والباب، وكذا الفصل،
وقيل: إن الفصل هو المائز بين أفراد المسائل المتحدة صنفا المختلفة شخصا،
والمطلب كالفصل على العول الأخير، مثاله مطلب الاحتياط فإنه صنف لأصناف
استدراك الخلل الواقع في الصلاة ومسائله متعددة.
مسألة [19]: قال في التحرير: المستحاضة تقدم المتأخر وتؤخر المتقدم،
معناه: إذا اغتسلت في وقت الطهر فقد قدمت المتأخر، وإن أخرت الغسل إلى
وقت العصر فقد أخرت المتقدم. وقيل: معناه تؤخر المتقدم الراجح فعلها في
أول الوقت، وتقدم المتأخر كالعشاء مثلا الراجح محلها بعد ذهاب الشفق حتى
يحصل الجمع بينهما.
مسألة [20]: المرأة إذا نشزت يجب على زوجها لعنها.
مسألة [21]: قال: حكم القلب حكم الميت في التغسيل والتكفين والصلاة
عليه.
440

مسألة [22]: كل بئر ينبع من أسفله أو من جوانبه ولم يجر على وجه الأرض،
لو حبس ثم وقع فيه نجاسة فقد تنجس.
مسألة [23]: تستقر عادة الحائض في شهر واحد إن رأته مرتين، ويتساوى
أخذا وانقطاعا.
مسألة [24]: لو لاقت الثلج نجاسة، كشط موضعها كالجامد.
مسألة [25]: الحائض والنفساء إذا تركتا الغسل في ليلة من رمضان لزمهما
القضاء والكفارة، والمستحاضة القضاء خاصة، قال: يلزمهما القضاء مطلقا.
ومن عليه غسل مس ميت وتركه في رمضان ليس عليه شئ لا قضاء ولا
كفارة.
مسألة [26]: لو لاقى إنسان الميت بيده أو ثوبه، نجس الثوب واليد وتتعدى
نجاستهما.
مسألة [27]: غسل الجنابة والحيض والنفاس ومس الأموات كل منهما
كاف عن غيره، والاستحاضة لا تكفي عن غيره ولا غيره يكفي عنه.
مسألة [28]: غسل الجنابة واجب لغيره كسائر الأغسال.
مسألة [29]: يصح استعمال ماء الوضوء وغسل الجنابة وغسل الحيض
والنفاس والأغسال المندوبة في رفع الأحداث ثانيا وثالثا وهكذا.
441

مسألة [30]: ماء الورد إذا تنجس وهو في آنية ملئانة وغمسها في الكثير أو
الجاري، قال فخر الدين: طهرت. والمنقول أنها لا تطهر إلا إذا امتزجت بالكثير أو
الجاري.
مسألة [32]: ماء الاستنجاء من الجنابة نجس ما غسله.
مسألة [32]: إذا تنفست المرأة واستمر بها الدم، فإن كانت ذات عادة رجعت
إليها، فإذا كانت عادتها في الشهر مرة واستمر شهرا فهل يحكم على ما زاد على
عادتها بأنه طهر؟ أو يحكم على عشرة نفاس وعلى ما زاد عن عادتها بأنها طهر
ويليها حيض كعادتها لأنه مما يمكن أن يكون حيضا فهل تحمل عليه المضطربة؟
وإذا كانت تزيد وتنقص فهل إذا تنفست ترجع إلى الأقل من عادتها أو إلى
الأكثر؟ وإن رجعت إلى الأقل فما تصنع في المحتمل فيكون حيضا؟
فإن كانت مضطربة العادة فعشرة نفاس والزائد طهر إلى زمان العادة في
الحيض، وإذا كانت تزيد وتنقص بغير انتظام فهي مضطربة فحكمها ما تقدم،
وإن كانت بانتظام أمكن رجوعها إلى نوبة ذلك الشهر، فإن نسيتها رجعت إلى
الأقل فالأقل.
مسألة [33]: اللحم الدهين هل إذا تنجس يطهر في غير الكثير؟ وكذا الزيتون
المكسر هل يطهر في الكثير أم لا؟ قال: يطهران مطلقا.
مسألة [34]: هل يجوز للمتيمم بعد التلبس العدول إلى النفل لتدارك فضيلة
المائية أو كما ذكر في التحرير؟ قال: لا.
مسألة [35]: الدم المعفو عنه في الثوب والبدن إذا خالطه ماء طاهر هل يعفو
442

عنه أم لا؟ العفو قوي.
مسألة [36]: دفن ميتين في قبر مكروه كما ذكر في القواعد، أو محرم؟ قال:
ابتداء مكروه، وبعد الطم حرام النبش إلا أن يندرس.
مسألة [37]: لو علم خلو الأرض من الماء هل يجب عليه الضرب قبل التيمم
أم لا؟ قال: إذا جوز وجوده وجب.
مسألة [38]: للزوجة إذا كانت على الإناء هل يطهر في الكثير مع بقائها؟
نعم مع تعذر إزالتها أو تعسره.
مسألة [39]: قوله: يستحب الدعاء عند المضمضة وعند الاستنشاق، وكذا
قوله: ركعتين عند الزوال، فهل هذه العندية بعد الزوال أو قبله أو مخير بين
التقديم والتأخير؟ أما الدعاء فقبلهما أو فيهما، وأما ركعتي الزوال فعند الزوال أي
بعده.
مسألة [40]: لو توضأ في حر شديد أو ريح عاصف، ولم يبق نداوة يمسح
بها، فيؤخر من اليد الشمال شئ بحيث إذا غسله مسح به قبل أن يجف، صح.
مسألة [41]: جميع ما في يد الكافر أو بيته نجس، سواء كان مائعا أو قماشا
أو غيره، في حال الغنيمة وغيرها، عدا الأواني، قاله فخر الدين مع عدم علم
المباشرة، قال: جميع ما في يده طاهر، مائعا كان أو غيره ما لم يعلم مباشرتهم لها
برطوبة.
443

مسألة [42]: يجب غسل الرقبة مع الرأس ومع الجانبين احتياطا.
مسألة [43]: إذا صنع الكافر الأواني وشواها بالنار طهرت.
مسألة [44]: الدبس المتخلف في القدر إذا صب عليه العصير وذهب ثلثاه
بالغليان طهر.
مسألة [45]: يجوز الانتفاع بجلدة الإنفحة من الميتة بعد طهارة ظاهرها،
وحكم جلدها في الحل حكمها بعد طهارة الظاهر.
مسألة [46]: كر الماء مائتان وستون رطل دمشقي.
مسألة [47]: يجب مقارنة النية لا على الوجه في الوضوء.
مسألة [48]: إذا عرت ثوبي لإنسان وأخبرني أنه نجس، قبل إذا غلب على
الظن صدقه.
مسألة [49]: لو أخبرت الإنسان زوجته أو خادمته أنها طهرت ثوبه النجس أو
شيئا من متاع البيت ولم يأمرها بذلك، قبل منها وجازت فيه الصلاة وغيرها.
مسألة [50]: لو وجد المرتمس لمعة لم يصبها الماء، هل يعيد؟ نعم يجب
الإعادة.
مسألة [51]: قوله: لا يعيد ما صلى بتيممه، قال: لا إعادة عليه في الجميع.
444

مسألة [52]: قوله: لو صب الماء في الوقت تيمم وأعاد، ولو صبه قبل الوقت
لا يعيد، قال: لا يعيد في الحالين معا.
مسألة [53]: قوله: لو تيمم لفائتة ضحوة جاز أن يدخل به في الفريضة في
أول الوقت، قال: لا يجوز أن يدخل به في أول الوقت، إلا إن كان به عذر لا يرجو
زواله فيجوز.
مسألة [54]: قوله: ولو خيف تناثر جسده يمم مرة على إشكال، قال: الأولى
أن يممه ثلاث.
مسألة [55]: لو رأت المرأة غير ذات العادة ثلاثة أيام أسود وثلاثة أيام أصفر
وعشرة أيام أسود، قال الشيخ رحمه الله، تأخذ العشرة الأخيرة، قال: والأولى
أنها ترجع إلى الروايات.
مسألة [56]: الأربعة الذين ينزحون البئر يجوز أن يصلوا جماعة ولم يضر في
النزح، ويجوز نزح النساء، وهل يكفي الرجلين القائمين مقام الأربعة؟ فيها
وجهان: نعم لحصول المعنى، ولا، لفقد الصورة، ولو زاد العدد على ستة مثلا
فالأقوى الإجزاء، لأنه مفهوم من الزوائد، ولا يشترط النية فيجوز من الصبي
والمرأة والكافر مجرد النزح.
مسألة [57]: غسالة الحمام نجسة ما لم يعلم خلوها من النجاسة، المراد بالعلم
الاعتقاد الراجح حتى يدخل الظن، وإذا أطلق في الشرعيات لا يحمل إلا على
الاعتقاد الراجح.
445

مسألة [58]: لو كان معه ثوب حرير وثوب نجس ولم يكن معه غيرهما،
صلى في النجس ولم يجز أن يصلي في الحرير.
مسألة [59]: أمته إذا لم يكن فراشا لا يحل لأحدهما تغسيل صاحبه إذا مات
لانقطاع العصمة، أما لو كان بعد العدة ثم تزوجها الغير ثم بانت من ذلك الغير
وخرجت من عدتها، فيجوز لها تغسيل سيدها إذا مات وبالعكس.
مسألة [60]: لو اجتمع على المتيممة جنابة وحيض ومس ميت، اكتفت
بالتيمم للجنابة ويجزئ وبالعكس.
مسألة [61]: كافور الحنوط مغاير لكافور الغسل.
مسألة [62]: من مس عظما من قطعة فيها عظم، الأولى وجوب الاغتسال.
مسألة [63]: لو طلع مع الضرس قطعة لحم أو مع الظفر، لم يجب الغسل
بالمس، وفي الأولى الغسل أحوط.
مسألة [64]: من وجب تغسيله غير المحرم يجب تغسيله بالسدر والكافور.
مسألة [65]: بول الصبي الذي يكفي رش الثوب بالماء هو الذي لم يتغذ
بالطعام، وأما البنت فالأولى وجوب عصر الثوب، وقد يكفي الرش أيضا.
مسألة [66]: هل يجوز أن يكتب على كفن الميت الشهادة وإن لم يعلم
حاله؟ إذا كان في بلد المؤمنين ويكتفى بإخبار واحد في إيمانه في أي مكان
446

كان.
مسألة [67]: لو وجد صدر الميت وفقد الماء، هل يجب تيممه أم لا؟ وكيف
صورته؟ قال: إذا فقد مواضع التيمم سقط وإلا يجب تيمم الباقي.
مسألة [68]: لو زال ولوع الكلب كفى غطه في الماء الجاري.
مسألة [69]: الميت إذا يمم لفقد الماء ثم وجد الماء، وجب تغسيله ما لم
يطرح في القبر، وكذا بعد طرحه ما لم يطم، وكذا يجب إعادة الصلاة عليه.
مسألة [70]: لو استناب في الضرب بالأرض لطلب الماء صح.
مسألة [71]: المراد بتراب القبر ما التصق بجسم الميت لا ما عداه.
مسألة [72]: لو استنجى من ماء قليل كالإبريق ورجع ماء الاستنجاء فيه، لم
يفسد بشرط أن يأخذ ماء الاستنجاء ويورده على المحل.
مسألة [73]: المراد بالتراب المستعمل ما تناثر عن الأعضاء.
مسألة [74]: قال: غلوة سهم، أي جميع مداه في السبق من الرامي المتوسط
والقوس المتوسط في الزمان المتوسط.
مسألة [75]: نقل عميد الدين عن الشيخ جمال الدين رحمه الله، في الماء
النجس إذا ألقي عليه ماء جاري أو ما يجري مجرى الجاري، فلا بد أن يكون
447

مساو أو أكثر.
مسألة [76]: قوله: حيوان له حرمة، قال: الكلب والخنزير من المستحرم،
والذي لا حرمة له كالحشار والحربي والمرتد عن فطرة.
مسألة [77]: لو وجد للميت من الكافور أقل من ثلاثة عشر درهما وثلثا
وأزيد من أربعة، هل يجب أم لا؟ قال: الواجب مسماه لا غير.
مسألة [78]: التطهير ينقسم إلى غسل وصب ورش ومسح. والغسل نزع
الماء عن المغسول، والصب استيعاب الماء إلى جميع أجزاء المحل وإن لم ينزع
عنه كما في الثوب النجس ببول الرضيع، والرش المستحب وتحلله، والمسح
على الجبيرة وشبهها. مسألة [79]: أخمص الراحة، المنخفض منها.
مسألة [80]: يطهر اللحم إذا تنجس الطري والمطبوخ والألية كذلك.
مسألة [81]: لو رأت النفساء دما يوم الولادة فقط، ثم انقطع إلى قبل العاشر،
ثم رأت دما وتجاوز الدم العشرة، هل ترجع إلى عادة نسائها أو أقرانها
المذكورين، أو العشرة نفاس إن كانت مبتدئة وترجع إلى عادتها إن كانت ذات
عادة؟
قال: الأخير حينئذ، والمبتدئة والمضطربة تجعل العشرة نفاس.
مسألة [82]: لو اغتسلت النساء عراة عند بعضهن، صح غسلهن وإن لم يكن
448

لمن تغسل ساتر.
مسألة [83]: إذا نقص ثوب الميت لشقه هل يجوز أم لا؟ وهل يجوز طرحها
من غير تسليمها إلى الوراث أو إلى الولي أم لا؟
قال: مع النقص لا يجوز إلا مع إذن البالغ من الورثة، وقيل: إذا لم يتمكن
من فتقه شق، وكذا إذا أدى إلى أذى الميت شق ولا ضمان، وإذا لم يتمكن من
إذن الوارث ولا الولي طرحت ولا ضمان.
مسألة [84]: اللفافة للفخذين تشق أم لا؟ قال: تشق.
مسألة [85]: هل يلقن الطفل والمجنون أم لا؟
الجواب: الطفل المميز يلقن وكذا المجنون البالغ، قال: لأنه ربما يجفل بعد
الموت لزوال إفساد مزاجه.
مسألة [86]: إذا توضأ بالماء النجس جاهلا ثم علم في الوقت، هل يعيد
وضوءه؟
الجواب: نعم مطلقا.
مسألة [87]: في الخبر عن الحسن عليه السلام: من توضأ وتمندل كتب له
حسنة، ومن لم يتمندل كتب له ثلاثون حسنة.
مسألة [88]: روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: السواك بالمسبحة
والإبهام عند الوضوء سواك، ويستحب السواك بكل عود رطب.
449

مسألة [89]: المستمتع بها لا يجب تكفينها.
مسألة [90]: قال: يجب بمس الميت الكافر غسل مس الميت.
مسألة [91]: التراوح مأخوذ من الراحة، وهو أن يقف الفرس على بعض
ويريح بعض.
مسألة [92]: منهم من قدر الدلو المنزوح به بثلاثين رطل من دلاء هجر،
وقيل: أربعون رطلا.
قال: رطل وثلث تبناني وهو المنقول، وقيل: يرجع إلى
الدلو المعتادة.
مسألة [93]: المذي ما حصل عقيب الملاعبة، والودي ما حصل عقيب البول،
والوذي ما حصل عقيب الاستبراء من الجنابة.
مسألة [94]: النعماء يختص بالباطنة، والآلاء يختص بالظاهرة.
مسألة [95]: غسل أول ليلة من شهر رمضان محله غروب الشمس لرجاء
غسل منسي، فيرفعه الغسل أما ليلة النصف فيها ولد الحسن بن علي عليه السلام
والجواد عليه السلام، وقيل: ولد الحسين في نصف رجب.
مسألة [96]: لا فرق بين استحباب غسل المصلوب بين مصلوب الشرع
وغيره، لكن مصلوب الشرع بعد ثلاثة، وغيره مطلقا.
مسألة [97]: المجنب في أحد المسجدين إن قصر زمان الخروج عن زمان
450

التيمم تيمم، قال: يتيمم مطلقا، أما غير المسجدين فيخرج من غير تيمم وإن طال
ذهابه إلى الباب.
مسألة [98]: لو طال الظفر هل يجب المسح عليه أم لا؟ الظاهر نعم ويمر
يده أيضا على الإبهام.
مسألة [99]: الماء المسخن بالشمس لا يشترط كون الآنية منطبعة إنما ذلك
من فروع السنة، يكره استعماله في ثوب وغيره، سواء قصد التسخين أو لا.
مسألة [100]: جميع الحيوان يطهر بزوال عين النجاسة إلا ابن آدم، قال: ولا
يشترط الغيبة في الحيوان بل يكفي زوال العين.
مسألة [101]: جلد المأكول من غير الحيوان يجب دبغه بعد التذكية ولا
يجوز استعماله قبل دبغه.
مسألة [102]: كل نجاسة وقعت في البئر ولم يقدر لها منزوح، ينزح لها
ثلاثون دلوا. ذكره ابن طاووس فوجده في أصل الاستبصار بخط تف، وهي
رواية كردويه المشهورة، وقيل: أربعون دلوا، وقيل: جميع الماء.
مسألة [103]: التراب على البارية النجسة، قال: لا يطهر احتياطا وهو عليها
لأنه كالمنقول.
مسألة [104]: لا يجوز المسح في مقلب الرأس بل المقدم خاصة.
451

مسألة [105]: يجوز المسح بالمتخلف في المسترسل من شعر ذقنه الظاهر
منه دون باطن اللحية لأنه منفصل.
مسألة [106]: قال: لو جرى الماء على بشرة رأسه أو رجليه في المسح يجزئ
إن كان من ماء الوضوء.
مسألة [107]: الغسل لرؤية المصلوب بعد السعي لأنه كفارة لفعله، وكذا
يتأخر غسل التوبة عنها مطلقا وإن كان للفعل.
مسألة [108]: لا يكفي في رفع النجاسة عن الواقف الملاقي للجاري مطلق
الاتصال بل الممازجة.
مسألة [109]: الكر إذا كان كل يعد ثلاثة أشبار ونصف هو كر، بخلاف ما
يقل من شبر، قال الشافعي: الكر قلتان كل قلة مائتان وخمسون رطلا، وعند ابن
بابويه ثلاثة أشبار.
مسألة [110]: محل المسح الناصية بالمقدم لا المقلب جميعه.
مسألة [111]: إذا لم يوجد للميت ماء مبذول ولا مباح يؤخذ ثمنه من تركته.
مسألة [112]: إذا كان للمسلم رحم كافرة هل تغسله أم لا؟ وكذا المسلمة؟
قال: مشكل لأن الكفر يقطع الرحم.
مسألة [113]: قال: الدم من الأيمن يمكن أن يكون حيضا.
452

مسألة [114]: إذا وجب على المستحاضة غسل للصبح ثم عند الظهر رأت ما
يوجب الوضوء، هل يجب الوضوء أو الغسل؟ قال: يجب الوضوء، قاله ابن
إدريس.
مسألة [115]: روى أبو بكر الحضرمي، عن الصادق عليه السلام: كلما
أشرقت عليه الشمس فقد طهرته ولا يشترط التحقيق. قال دام ظله: ولو جفف
الهواء الأرض ويقي أجزاء رطوبة فجففت بالشمس طهرت.
مسألة [116]: لو رأت المرأة ما يوجب الغسل عند صلاة الظهر ثم اغتسلت،
لم يجب عليها إعادة الغسل لصلاة العصر إلا أن يزداد عما كان أولا، أما لو رأت
ما يوجب الوضوء عند الظهر ثم توضأت وصلت ثم رأت عند العصر ما يوجب
الغسل اغتسلت.
مسألة [117]: قيل: التعزية تمتد إلى الدفن حسب، فإذا دفنت فاتت، وقيل:
إلى ثلاثة أيام، وقيل: تمتد إلى رؤية صاحب المصيبة.
مسألة [118]: قيل: العلة في كراهية أن يهيل ذوي الرحم على رحمه، لأنه
يدفن الرحم بينهما.
فائدة:
النجاسة الحكمية والعينية تقالان بحسب الاشتراك اللفظي على معان ثلاثة:
آ - ما لا يقبل تطهير كالكلب والخنزير نجاسة عينية، وما يقبلهما نجاسة
حكمية.
ب - ما لا جرم له حكمي كالبول اليابس، وما له جرم عيني كالدم.
453

ج - ما هو حدث حكمي وما ليس بحدث عيني، والأول كالجنابة والثاني
كالنجاسات العشرة أمكن نجاستها أو لا إذا عرفت ذلك فنجاسة الميت يصدق
عليها إنها نجاسة عينية بالاعتبار الثالث أعني أنها ليس حدث، وحكمية بالاعتبار
الثاني، أما الملامس فله نجاستان: عينية بالاعتبار الثاني والثالث مختصة بالمحل
الملامس، وحكمية بالاعتبار الثالث سارية في جميع البدن، فيجب في الأول
الغسل وفي الثاني الغسل.
مسألة [119]: يجوز غسل العورة في سبع مواضع:
أ: بعد غسل الرأس. ب: بعضها بعد الرأس. ج: جميعها مع الأيمن. د:
بعضها مع الأيمن. ه‍: بعضها مع الأيسر. و: جميعها بعد الأيسر. ز: بعضها بعد
الأيسر.
مسألة [120]: لو شك في نية الوضوء أو الغسل في الأثناء لزمه الاستئناف
من رأس، ولو شك في نية الصلاة بعد التلبس فلا التفات، والفرق هو أن الوضوء
والغسل فعل واحد بخلاف الصلاة فإنها أفعال متعددة.
مسألة [121]: يجب الموالاة في التيمم وإن كان بدلا من الغسل.
مسألة [122]: لو أوصى الميت بالكفن وتبرع عنه أجنبي بالكفن لم يجز
للوصي قبوله بخلاف عدم الوصية.
مسألة [123]: لو لم يوجد للميت كفن إلا حرير، دفن عريانا ولو كان الميت
امرأة، ويكفن بالنجس عند الضرورة بعد تنشيفه.
454

مسألة [124]: لو انحبس دم فوق درهم تحت جلده، وجب نزعه عن بدنه إذا
لم يتجه بنزعه ضرر أو شين.
فائدة:
كل محدث جاز له نية رفع الحدث يسوع له الجمع ونية الاستباحة، وليس
كل من جاز له نيتها يسوع له الرفع، فنخلص من ذلك أن طهارة المختار ونعني
به غير السلس والمبطون والمستحاضة قطعا، وغير الماسح على الجبيرة والخفين
في وجه، فيجوز فيها التقادير الممكنة.
وأما طهارة المضطر وهو أحد هؤلاء تجزئ فيها نية الاستباحة قطعا، ولا
يجزئ فيها نية الرفع بمعناه الاصطلاحي قطعا، وفي إجزاء الجميع وجهان،
أقربهما الإجزاء.
مسألة [125]: إذا تطهر الإنسان في المكان المغصوب ناسيا، هل تكون
طهارة صحيحة أم لا؟ الأحوط: لا.
فرع:
لو كان الجنب سلسا أو مبطونا فهو مختار إذ لاحظ له في الرفع، ولو كانت
مستحاضة احتمل كونها مضطرة لحصول مانع رفع الحدث الأكبر لعرض الدم
الأكبر، وعدمه لقوة حدث الجنابة الذي يمنع اعتبار غيره معه، والأولى نية
الاستباحة.
تذنيب: إذا تخلل الحدث السلس في أثناء غسل الجنابة ولم يمكنه التحفظ
وتعذر الغسل، وجب عليه الوضوء للغسل إجماعا.
455

مسألة [126]: إنسان به دمل تحت مخرج الغائط والدم خارج منه، فإن
استنجى بالماء، نزل ماء الاستنجاء على الدمل وتنجس ذلك الماء ونجاسته غير
معفو عنها، فأيما الأولى له: الاستنجاء بالماء وإن لاقى الدمل أو ترك الاستنجاء
بالماء؟ قال: بل يستنجي بالماء.
مسألة [127]: في الزبيب إذا سطحه يهودي أو نصراني ويبس بالشمس ثم
غسله المسلم في الماء الجاري، هل يطهر أم لا؟ قال: يطهر مطلقا.
مسألة [128]: في الصبي إذا وطئ امرأة أو مس ميتا واغتسل واجبا، فهل
يجب عليه بعد بلوغه غسل آخر لأن الأول تمريني أم لا؟ يجب عليه الغسل.
مسألة [129]: في المرأة إذا كانت مستحاضة ودمها كثير، يجب عليها في
اليوم والليلة ثلاثة أغسال، إذا أخلت بالأغسال والصلاة وخرج الوقت وانقطع
دمها ودخل عليها شهر رمضان، فهل يجب عليها بعد انقطاع الدم وخروج
الوقت غسل أم لا؟ وإن أخلت بالغسل وصلت، هل يصح أم لا؟ قال: إذا انقطع
الدم للبرء لم يجب الغسل.
مسألة [130]: امرأة تنفست وعادتها تحيض في الشهر مرة واحدة عشرة أو
أقل، واستمر بها الدم شهر، فهل العشرة من الشهر حيض أم استحاضة؟ وإن كان
الدم بها أسود أو أحمر أو أصغر؟
الجواب: إذا كان أيام العادة حكم بأنها حيض إذا تخلل أقل الطهر.
مسألة [131]: الجلد المنجس بعد تذكيته إذا كان عليه دهن أو زيت، ووضع
في الماء الجاري ولم تزل عنه الطلوسة، هل يطهر من غير إزالة الطلوسة أم لا؟
456

قال: إن كان مما يمكن إزالته وجب وإلا لم يدخل به في المسجد.
مسألة [132]: في بلاط الفرن الداخل المقابل للباب إذا خبز عليه عجين
نجس، هل يطهره حرارة النار من غير ملاقاة النار للبلاطة أم لا يطهر إلا بصب
الماء عليه وإن كان يسيرا؟
قال: لا يطهر البلاط إلا بالغسل بالماء وإن لم يكن كرا، وإنما تطهر النار ما
أحالته.
مسألة [133]: في أرض البيت إذا كانت نجسة، ونزل المطر على سقف
البيت، ونزل من باطن السقف إلى تلك الأرض النجسة نقط ماء، هل يكون
طاهرا أم لا؟
قال: إذا كان متصلا طهر.
مسألة [134]: المغتسل من الجنابة والمتوضئ للصلاة، إذا نوى في الوضوء
أو الغسل رفع الحدث واستباحة الصلاة لوجوبه قربة إلى الله، هل يجزئهما ذلك
أم لا يجزئهما إلا الرفع؟ وإذا فعل النية عند المضمضة هل يجزئهما أم لا؟
قال: يجوز الاكتفاء باستباحة الصلاة.
مسألة [135]: لا تلفيق في النزح، ولا يجزئ أيضا ليلا لعدم النص.
مسألة [136]: قوله: يطهر بإلقاء كر عليه، ليس على إطلاقه بل إذا لم تبق
عين النجاسة متميزة.
مسألة [137]: كفارة الحيض المذكورة مستحبة، والفعل حرام.
457

مسألة [138]: غسل الحيض وشبهه، إذا وقع قبل الوقت مع خلو الذمة من
شروطه، ينوي الندب ويدخل به في العيادة أم يفتقر إلى شئ آخر؟.
قال: نعم إذا نوى الندب مع الاستباحة، والقربة تجزئ مع الوضوء.
مسألة [139]: المستحاضة مع كثرة الدم، هل تغتسل في الليل للصوم وبعد
الفجر للصلاة ثانيا؟ وإذا أخلت بغسل الفريضة الأولى حتى حضرت الثانية، هل
تقضي الغسل أم لا؟ وإذا أخلت بالغسل للصوم، هل تجتزئ بغسل واحد
لصلاة الغداة أم لا؟ وهل فرق بين انقطاعه للبرء وعدمه؟
قال: الأولى غسلها قبل طلوع الفجر، وإن فعلت بعده أجزأ عنهما، لكن
الأول أحوط ولا تقضي الغسل قطعا، وانقطاع دمها إن لم تعلم كونه للبرء لم
يتغير حكمها الماضي، وإن علمت أنه للبرء فالأحوط الغسل إن كان الدم الماضي
يوجبه وكان بعد دخول الوقت وإلا فالوضوء، والأصحاب قصروها على الوضوء
لا غير.
مسألة [140]: جرن الزيت إذا تنجس، هل يطهر بوقوع الغيث عليه وللزوجة
باقية أم لا؟
الجواب: يطهر إذا لم يبق عليه ما يسمى دهنا بل مجرد للزوجة.
مسألة [141]: الفرق بين الغسل الواجب والمندوب: إن الأغسال الواجبة
أسباب فاعلية وبأخذها يحصل المطلوب من استباحة الصلاة، والأغسال المندوبة
غايات ولا تتداخل.
قوله: ولا ينجس إلا بتغيره، أي بالنجاسة، احترازا من المنجس، فإنه لو تغير
مثلا بماء الزعفران وهو نجس لا ينجسه.
458

مسألة [142]: الصخرة الذي يطحن عليها الزيتون، إذا مر عليها الكلب أو
الخنزير، فما الحيلة إلى تطهيرها بغير الكر أو بد منه، بل إذا زالت عنها للزوجة
ولم يمكن نقلها وجفت بالشمس طهرت، والجرد الكبير والخلاقين الكبار يطهرها
ويشال منها بانية وغيرها، والماء المتخلف يشيله بشرطوط.
مسألة [143]: لو اجتمع عند الماء المباح ميت وحائض، فمن يكون أولى؟
وكذلك لو اجتمع محدث مطلقا ومن على بدنه أو ثوبه نجاسة، أو ميت ومن على
ثوبه أو بدنه نجاسة، من يكون أولى؟ لا نص هنا.
قال الشيخ في المبسوط: بول الطيور وذرقها طاهران سواء أكل لحمها أو لا
إلا الخفاش، وهذا المذهب متروك.
مسألة [144]: لا تجوز الصلاة في المكان المغصوب، فيبطل عندنا إن علم الغصب، سواء علم
التحريم أو جهله أو نسيه، وسواء علم البطلان أو لا، وسواء
كانت جمعة أو لا، وسواء كان المصلي هو الغاصب أو لا، وسواء كان الغصب
للرقبة أو المنفعة أو الهواء أو الماء والبساط تحت المصلي، وسواء نهى المالك من
الصلاة فيه أو لا، وسواء كان مما تصح الصلاة فيه بشاهد الحال أو لا خلافا
للمرتضى منا، ولو جهل الغصبية أو كان محبوسا فيه يجوز.
مسألة [145]: العين التي يكون مجراها أقل من كر، والتي يكون فيه ماؤها
أقل من كر أيضا، وهي لم تدم إلا في أوقات أو تدم، هل يتنجس بوقوع النجاسة
فيها أم لا تتنجس إلا بالتغير؟
الجواب: إذا كانت دائمة الجريان فهي طاهرة وإن نقصت عن الكر إلا أن
تتغير بالنجاسة.
459

مسألة [146]: إذا عرض للدواة نجاسة وفيها الحبر وألقاها إلى الكر، هل
تطهر أم لا؟
الجواب: لا تطهر إلا باستحالتها مطلقا، وقيل: تطهر بالتخلل.
مسألة [147]: إذا اغتسل الإنسان وعورته بادية، إما من بئر أو ارتمس في ماء
صاف، فهل يصح أم لا؟
الجواب: إذا لم يناف الغسل الستر صح.
مسألة [148]: قوله: الميت أن يضع خده على التراب، المراد به بأن يكشف
خده ويلصق بالأرض خارجا عن الكفن.
مسألة [149]: الصابونة هل تطهر بالكشط أو بدون اللبن بالغسل أو لا بد من
الكر؟
الجواب: إذا قيل بالطهارة فلا بد من الكر، نعم يطهر بالكشط.
مسألة [150]: إذا تنجست الثمار كالتين والمشمش والرمان حبا وباقي الثمار
التي فيها للزوجة، هل تطهر في غير الكثير أم لا؟
الجواب: الأولى الكثير.
وكتب محمد بن مكي:
مسألة [151]: هل حكم من به حدث ويكرر، حكم السلس في أن يتوضأ
لكل صلاة أم لا؟
الجواب: نعم إذا الموجب تكرر الحدث، فيجب هنا وبالتكرار أفتي.
460

مسألة [152]: اللبن والطعام الشديد والدبس والعسل، إذا وقع في شئ منه
نجاسة، تكشط أو يطهر ما بقي؟
الجواب: المعتبر بغلبة الظن أن النجاسة لا تسري فيكشط.
مسألة [153]: ماء الاستنجاء بعد الاستنجاء إذا قام الشخص انفصل عنه، هل
هو نجس أم لا؟ وهل يجب عليه أن نعتبره أم لا؟
الجواب: بل هو طاهر بعد زوال العين وعدم تغيره، ولا يجب اعتباره إذا ظن
سلامته من التغير.
مسألة [154]: الذباب إذا وقع على نجاسة وهي رطبة أو ميتة ثم وقعت على
الثوب أو البدن أو الطعام، هل ينجس أم لا؟
الجواب: إذا لم يعلم أنها استصحبت شيئا من النجاسة فلا التفات.
مسألة [155]: إذا قلع الإنسان شعرة من يدنه، هل يكون موضع القلع طاهر
أم لا؟ وهل إذا مس الإنسان ميت أو ميتة بيده ثم مس بها غيره برطوبة، هل
يتعدى أم لا؟ وهل فرق بينهما أم لا؟
الجواب: إذا كان المقلوع لم يستصحب شيئا سوى للزوجة، فهو طاهر،
وتتعدى نجاسة اليد اللامسة للغير مع الرطوبة.
وكتب محمد بن مكي:
مسألة [156]: إذا رأت المرأة دما وظنت أنه حيض، ثم أفطرت وتبين أنه
استحاضة، وقد تناولت في رمضان، هل يجب الكفارة أم لا؟
الجواب: إن كان في زمان العادة فلا كفارة قطعا، وإن كانت مبتدئة أو
مضطربة وتوهمت ففيه خلاف بين الأصحاب ويقوى أنه لا كفارة أيضا.
461

وكتب محمد بن مكي:
مسألة [157]: إذا كان في فم الإنسان شئ مثل درهم أو غيره حتى تنجس
الفم بالدم، هل يطهر بطهارة الفم؟
الجواب: لا يطهر ما في الفم بطهارة الفم.
مسألة [158]: لو توضأت المستحاضة ونوت رفع الحدث والاستباحة، فإن
اعتقدت عدم نهوض الاستباحة بإباحة الصلاة بطل الوضوء وإلا صح.
مسألة [159]: كل وضوء قصد به حقيقة صح الدخول به في الصلاة،
كالوضوء لصلاة الجنازة وقراءة القرآن ولدخول المساجد.
مسألة [160]: ماء الاستنجاء طاهر ما لم يعلم أنه مستصحب شيئا من النجاسة،
أو يقع عليه نجاسة من خارج، أو يتفاحش على الأليتين، أو يتلون، أو بنزوح
كثير أو رد، إن أمير المؤمنين عليه السلام إنه لما أراد التخلي التفت عن يمينه
وشماله، وقال للملكين: تخليا عني حتى أرجع إليكما، وعاهدتكما بالله ألا أحدث
شيئا حتى أرجع إليكما، وقيل: يقعد الملكان على الصماغين وهما طرفا الشفتين.
مسألة [161]: قوله: مواضع اللعن، أي مواضع مجتمع الناس، لأن اللعن
في اللغة البعد، لأن العرب الغالب من حالهم أن يبعدوا عن بيوتهم لعقد رأيهم،
فيكره الفعل في تلك الأماكن وشبهها، وقيل: هي الأعتاب.
مسألة [162]: لو احتلم في المسجد لا يصح أن يغتسل فيه، طال زمان غسله
عن خروجه أو قصر، ولو أزال النجاسة في كثير في داخل فعل حرام وصح.
462

مسألة [163]: إذا دخل المكلف إلى المسجد ومعه نجاسة لا تتعدى في ثوبه
أو نعله أو معفوا عنها، هل تصح صلاته أم لا؟ وهل إذا كان في المسجد نجاسة
قادر على إزالتها هل يجب عليه إزالتها ولا تصح صلاته من دون ذلك أو تجوز؟
الجواب: نعم تصح حيث لا تتعدى النجاسة إلى المسجد أو بعض المصلين،
وأما النجاسة فيجب إزالتها فلو صلى فعل حراما وصحت صلاته مع القدرة.
وكتب محمد بن مكي:
مسألة [164]: الدم المخلل بين التوأمين استحاضة إذا لم يتجاوز الدم العشرة
مع استنفاء الغاية في الأول.
مسألة [165]: فئ النزال: هي مواضع نزول القوافل سواء كان له فئ أم
لا، مشتق من فاء يفئ إذا رجع.
مسألة [166]: إذا استنجى بيده صح أقصى ما في الباب ينجس يده.
مسألة [167]: يجوز للغير أن يسكب على غيره من ماء الحمام نظرا إلى
العرف أذن له أولا.
مسألة [168]: إذا جف البلل يجوز أن يأخذ من ماء الوضوء مطلقا ومما
يجب غسله، فلو انتقل إلى آنية من غير أن يختلط بغيره يجوز الأخذ منه أم لا.
مسألة [169]: الرجل كالمرأة في الدفن في الخفة والكثافة.
مسألة [170]: يجب الغسل بوطئ الغلام وإن لم ينزل وكذا الدابة، وقيل:
463

لا يجب فيها إلا مع الإنزال.
مسألة [171]: إذا غلب على الظن أن الجلد المطروح طاهر كقرينة تشهد
بالطهارة كالدباغ والسباع وهو في بلاد الإسلام.
مسألة [172]: قوله: لا تكرار في المسح، أي لا تكرار مندوبا كما في غسل
الوجه واليدين.
مسألة [173]: لو كان على محل المسح خرقة مسح على الخرقة للضرورة،
ولو كانت على الأصابع مسح ببعض الأعضاء.
مسألة [174]: المضطربة المذكورة، قال: ترجع إلى الروايات وهي سبعة سبعة
من كل شهر، أو ثلاثة من شهر وعشرة من آخر أو ستة ستة من كل شهر،
هذا هو المنقول من روايات أهل البيت عليهم السلام، ولا ترد إلى أسوأ الاحتمالات
كما نقل في القواعد، لأن الأصل براءة الذمة، وهذه تسمى محيرة، أما لتحيرها في
أمر نفسها أو لتحير الفقيه فيها.
مسألة [175]: لو تراخت ولادة أحد التوأمين فهما نفاسان، والزائد عن
العشرة في الموضعين يكون استحاضة، وقيل: يكون نفاسا.
مسألة [176]: لو أحدث في غسل الجنابة أعاده، وهل يلحق به باقي
الأغسال لو حصل الحدث في أثنائها؟ فيه خلاف بين الأصحاب، والأقرب
المساواة.
464

مسألة [177]: ليس الثلج حال تقاطره كماء المطر، لو لاقى الثلج نجاسة
نجس الملاقي حسب، وحكمه حكم الجامدات في جواز كشطه وإن قل الباقي
عن كر، هذا حال جموده، وأما حال سيلانه فحكمه حكم المائع.
مسألة [178]: لو تيمم في موضع يسوع له التيمم فيه جاز أن يقضي به
صلوات متعددة.
مسألة [179]: التوالي في أيام الحيض يكفي كل يوم مرة سواء الرؤية في
الليل والنهار.
مسألة [180]: يكره للحائض قراءة القرآن مطلقا ويباح للجنب سبعة بغير
كراهية، والفرق يحتمل أن الجنب يصلي والحمد بسبع بخلاف الحائض، فلو
أعاد الجنب السبعة المباحة فالظاهر الكراهية، والمنقول الجواز.
مسألة [181]: لو أحدثت الحائض بعد الغسل قبل الوضوء كفى وضوء
واحد، ولو أحدثت قبل الغسل وكانت قد توضأت اغتسلت وأعادت الوضوء
على الأحوط.
مسألة [182]: لو بذل الكفن للميت باذل ثم أخذه السيل بعد دفنه أو أكله
السبع ثم وجد الكفن مطروحا، فهل يكون الكفن للباذل أو للوارث؟
الجواب: يرجع إليه إن قصد أن يخص به هذا الميت، وإن قصد التقرب به
مطلقا كفن به غيره، وإن منذورا يرجع إلى الورثة.
مسألة [183]: الشهيد في المعركة إذا مسه الإنسان بيده، هل يلزمه غسل أم
465

الجواب: لا غسل.
مسألة [184]: لو اتفق خسوف أو كسوف في حالة المستحاضة مع كثرة
الدم، فإن كان بعد الغسل للفريضة الذي تريد الشروع فيها اجتزأت بوضوء
حسب، وإن كان في غير الوقت اغتسلت لتلك الواجبة، وإذا قضت صلوات
توضأت لكل صلاة.
مسألة [185]: القيح المخالط للدم، هل هو طاهر أم لا؟
الجواب: لا. أما الصديد المخالط لما لا يتميز فطاهر.
مسألة [186]: هل يجوز مس كتب الفقه للمحدث أم لا؟ قال: يجوز، وما في
النهاية لا يدل على المنع.
مسألة [187]: غسل الوجه باليدين معا مكروه.
مسألة [188]: لو كان الماء في إناء يرشح من أسفله على الأرض النجسة، هل
ينجس الماء الذي في الإناء أم لا؟
الجواب: إذا لم يعلم انعكاس الماء النجس إليه فلا بأس.
مسألة [189]: نية التيمم، هل هي عند ضرب اليدين على الأرض أو عند
مسح الجبهة؟
الجواب: بل عند الضرب خاصة.
466

مسألة [190]: قال: لا يجب تخلل اللحية الخفيفة، وكذا الشارب والعنفقة
والحاجب.
مسألة [191]: يجوز المسح على الرجلين باليد الواحدة.
مسألة [192]: لو صاع الكافر الخاتم والحلي، هل إذا طهرناه يطهر أم لا؟
الجواب: يطهر ظاهره ويصلي به ولو في المسجد.
مسألة [193]: العظم المجرد عن اللحم إذا أبين من حي هل يلزم بمسه غسل
أم لا؟
الجواب: الأولى الوجوب، وقيل: لا.
مسألة [194]: لو انقطع دم المستحاضة وشكت هل هو للبرء أم لا اغتسلت.
مسألة [195]: يد الحيوان أو رجله لو قطعت وبقيت معلقة بالجلد هل تكون
طاهرة أم نجسة؟
الجواب: الطاهر الظاهرة.
مسألة [196]: إذا كان على الإنسان غسل الميت أو الاستحاضة، هل يحرم
عليه قراءة العزائم أم لا؟
الجواب: لا تحرم القراءة ولا الدخول إلى المساجد. قال: لا يجوز أن يغسل
الرجل زوجته مجردة.
مسألة [197]: إذا كان الإنسان عاجزا عن الضرب في طلب الماء، هل يجب
467

عليه الاستئجار؟ وهل يقبل قول الأجير؟
الجواب: نعم يجب ويقبل قول الأجير في ذلك وإن كان فاسقا إذا ظن
صدقه.
مسألة [198]: من توضأ في ريح تؤدي إلى جفاف الأعضاء، هل ينتقل
فرضه إلى التيمم أو يستأنف ماء جديدا؟
الجواب: يبقي من اليسرى جزءا ويغسله ويمسح به سريعا.
مسألة [199]: الماء المنفصل عن الميت في غسله بعد زوال عين النجاسة هل
هو طاهر أم نجس؟
الجواب: بل ينجس.
مسألة [200]: لو اتخذ الإنسان ساترا مغصوبا فاستتر به في الغسل، هل يبطل
غسله أم لا؟
الجواب: لا يبطل، والمنقول: إن نافى الغسل الرد بطل.
مسألة [201]: سطح المسجد هل تثبت له حرمة أم لا؟
الجواب: نعم تثبت.
مسألة [202]: إذا رأت الحامل الدم بصفة الحيض ما حكمها؟
الجواب: إن لم يستبن فهو حيض وإن استبان فلا حيض قال: هو حيض
مطلقا إذا كان في زمان العادة.
مسألة [203]: يكره الصلاة على الجنازة الواحدة مرتين، فهل يكون ذلك
468

من المصلي أو من مطلق الناس؟
الجواب: بل ممن صلى، وإذا كانت الصلاة تنافي تعجيل الميت كره من
المصلي الثاني وإلا فلا، ويتخير بين نية الوجوب أو الندب، وقيل: ينوي الندب
لجواز تركها.
مسألة [204]: لو نذر الطهارة إلى أيها ينصرف؟
الجواب: ينصرف إلى الوضوء أو الغسل لا التيمم إلا مع تعذر الماء.
مسألة [205]: هل يجوز أن يوكل في تطهير ثيابه لرجل فاسق أو امرأة
فاسقة؟
الجواب: إذا أفاده قوله غلبة الظن قبل، ويكفي أثر الغسل من غير سؤال، وإلا
اشترط السؤال.
مسألة [206]: الأرض التي تطهر باطن الخف والقدم ما حده؟
الجواب: قدره بعضهم بخمسة عشر خطوة، والصحيح زوال العين سواء
كانت رطبة أو يابسة، حجرا أولا.
مسألة [207]: الولوع في الإناء إذا غسل بالتراب مرة، فهل غسله ثانيا في
الكر أو الجاري كافيا، أو لا بد من الثلاث؟ قال: بل يكفي.
مسألة [208]: هل يجوز التكفين بالجلد أم لا؟ وكذا الصوف؟
الجواب: أما الصوف من المأكول فيجوز قطعا، وكذا يجوز في الشعر
والوبر، وأما في الجلد فالمنع أحوط لأنه لا يسمى ثوبا عرفا ولأنه ينزع عن الشهيد
فلا يجوز.
469

مسألة [209]: كفن الميت، هل يشترط أن يكون كل قطعة تحجب النظر عن
البشرة أم لا؟
الجواب: ستر العورة والبدن بالأقطاع الثلاثة، وليس ببعيد اشتراط كون
المئزر ساترا وحده.
مسألة [210]: العلقة الذي في البيضة الذي ينجس أن تكون قد استحالت دما
أو تشكلت فرخا وعادت إلى أن تصير لحما دون البيضة التي تخالط البياض.
مسألة [211]: مشاهد الأئمة عليهم السلام كالمسجد احتياطا في تحريم
إدخال النجاسة إليهم، وقيل: لا.
مسألة [212]: ولي الميت إذا كان غائبا وتعذر استئذانه، أذنوا لمن يصلي بهم
أو صلوا فرادى.
مسألة [213]: يجوز مسح الرجلين بظهر الأكف وظهر الأصابع.
مسألة [214]: إذا تمكن من إزالة بعض النجاسة وجب إزالة الممكن، وقيل:
لا يجب، وكذا الثياب النجسة.
مسألة [215]: أيما أولى بالميت ولده أو جده؟ قال: كل محتمل لكن ولاية
الجد أقوى، والصحيح أن ولد الولد أولى للإرث.
مسألة [216]: إذا رفعت الجنازة قبل الفراع من التكبيرات، ويبطلها
الاستدبار على تقدير أن الميت يشد إلى غير القبلة، أيتم إلى الميت أو إلى القبلة؟
470

الجواب:
بل إلى القبلة.
مسألة [217]: آنية المشرك المستعملة نجسة احتياطا وإن لم يعلم أنها منه
بناء على الظاهر.
مسألة [218]: إذا انحدرت عن كلب قطرات ماء حال نزول الغيث، فهي
نجسة إلا أن تتصل المنفصلة بالغيث.
مسألة [219]: الأفضل للمتيمم التأخير.
مسألة [220]: لا تداخل في النزح وإن كان شاتين.
مسألة [221]: إذا استوعبت الجبيرة العضو يغسلها أو يمسحها ولا يتيمم بل
يمسحها برطوبة.
مسألة [222]: قوله في العصير: أن يشتد، المراد بالاشتداد الغلظ والثخن.
مسألة [223]: الحائض المضطربة، إما أن تذكر أوله أو آخره أو وسطه،
وذلك إما أن تذكر يوم أو يومين أو يوم مجهول أو اثنان، فالصور ستة:
أ: ذكرت أوله، فتجعل بعده يومين حيضا وتغتسل عقيب الثالث من
الحيض، ثم تجمع بين تكليفي الحائض والمنقطعة وعمل المستحاضة المتخلفة
إلى تمام العشرة، وباقي الشهر طهر بيقين.
ب: ذكرت آخره جعلته نهاية الثلاثة، وفعلت في السبعة السابقة فعل
المستحاضة مع تروك الحائض، وعليها غسل واحد في آخره للحيض للعلم
471

وقت انقطاعه.
ج: ذكرت وسطه، وأنه يوم واحد، فهذا اليوم محفوف بيومين بعد حيضا
وثلاثة قبلها، تفعل فيها فعل المستحاضة مع تروك الحائض، وثلاثة بعدها
كذلك مع غسل الحيض، وتقضي بسبعة لا غير.
د: ذكرت وسطه، فإنه يومين فيهما حيض، ومحفوفان بيومين وثلاثة أيام
قبلها، تفعل فيها فعل المستحاضة مع تروك الحائض، وثلاثة بعدها كذلك
مع غسل الحيض.
ه‍: ذكرت أنه يوما مجهولا فهو حيض بيقين، وتغتسل عليه للحيض، وتعمل
في سبعة قبله ما تقدم وفي سبعة كذلك بعده مع غسل الحيض.
و: ذكرت في أثناء الحيض، فيوم قبله وبعده حيض، ومعه وقبلها سبعة
تفعل فيها ما ذكرناه، وبعده سبعة كذلك مع غسل الحيض.
مسألة [224]: لو ذكرت خمسة في جملة عشرة لم يكن لها حيض بيقين،
فتفعل في الخمسة الأولى فعل المستحاضة وتتجنب ما تتجنبه الحائض، وفي
الخمسة الأخيرة كذلك، وتغتسل في كل وقت يحتمل الانقطاع، وتقضي صوم
الخمسة الأيام المذكورة، وكذا لو ذكرت أربعة في جملة ثمانية، وثلاثة في جملة
ستة الحكم سواء، وكما قد بيناه في المتقدمة والمتأخرة، والمنقول أنها مخيرة في
التخصيص وإن كره الزوج.
مسألة [225]: المرتمس والمعتاد كالمتوضئ في أنهما لا يلتفتان بعد
الانصراف.
مسألة [226]: لو وقع في البئر دلو من جملة المنزوح ينزح له كما ينزح
للمجموع كدلو من أربعين، قيل: هذا إذا كان في غير البئر المنزوح منه، أما
472

لو عاد إليها اكتفى بآخر بدله وإن كان الأخير على الأصح.
مسألة [227]: لو ترك العبادة تهاونا حتى ضاق الوقت أعاد، وكذا لو عدم
ما يتطهر به يعيد لوجود سبب الوجوب وهو دخول الوقت.
مسألة [228]: إذا توضأ قبل دخول الوقت لاستباحة الصلاة أو لرفع
الحدث، هل يكفي أم لا؟ نعم يجزئ إذا نوى الندب مع خلو الذمة.
مسألة [229]: لا يجوز تجديد وضوئين مندوبين لصلاة واحدة، ويجوز لكل
صلاة وضوء واحد.
مسألة [230]: إذا غسل في وضوئه ثالثة يحتمل البطلان للنهي والصحة كما
لو فعل حراما غيره، ولا شك في البطلان إذا مسح بمائها.
مسألة [231]: تغسل اليد الزائدة مطلقا للتسمية، هذا مع الاشتباه وإلا
فالأصلية.
مسألة [232]: هل يفتقر الإنسان في الغسل المندوب إلى وضوء أم لا؟ قال:
نعم يفتقر.
مسألة [233]: في من عليه قضاء صلاة، ثم أنه توضأ قبل حضور وقت الصلاة
المتجددة، أو اغتسل من الجنابة لاستباحة الصلاة، وما في عزمه قضاء شئ من
الفائت بتلك، بل عزمه أن يكون على طهارة حتى يدخل وقت الصلاة المستقبلة
يصليها بتلك الطهارة، فهل وضوءه وغسله صحيحان أم لا؟
473

قال: الضابط في ذلك هو إرادة استباحة الصلاة، سواء أراد فعلها أم لا، فإذا
نوى ذلك صح الدخول به في الصلاة.
مسألة [234]: لا يصح حمل الدراهم النجسة ولا الوعاء الذي هي فيه في
الصلاة فيبطل اختيارا، وقيل: في الدراهم يجوز إذا خاف نسيانها، وكذا لو صلى
حاملا للسيف والسكين والزنار وغير ذلك مع نجاسته مختارا، تكون صلاته
صحيحة.
مسألة [235]: حكم الفحل في النزح كالثور، ولا فرق بين أن يقع الحيوان
المنزوح له حيا فيموت أو يقع ميتا.
مسألة [236]: الإنسان بعد تغسيله لا شئ له إذا كان مسلما وإلا فسبعين.
مسألة [237]: قال: عميد الدين كان يقول: إن باطن البارية يطهر بالشمس،
وهو متوقف في ذلك.
مسألة [238]: قال: الدبس يطهر بوضعه في الكثير واستحالته، أما الزيت فيه
نظر المشهور أنه لا يطهر.
مسألة [239]: لو غسل الحشفة ولم يمعكها هل تطهر أم لا؟ نعم تطهر.
مسألة [240]: مقدمات الطهارة خمسة: العلم بموجب الطهارة، والعلم بكيفية
الطهارة، والعلم بما يتطهر له، والعلم بما يتطهر منه، والعلم بما يتطهر به.
474

مسألة [241]: لو شك في شئ من أفعال الغسل قبل فراغه، هل يجب
الإتيان بالمشكوك وما بعده أم لا؟
مسألة [242]: لو طهرت الحائض أو بلغ الصبي، وقد بقي من الوقت قدر
التيمم دون الغسل أو الوضوء وركعة، هل يجب عليها الصلاة؟ ومع الإهمال
القضاء أم لا؟
مسألة [243]: قوله: إلا مع ندبية الطهارتين، يريد بالطهارتين أن تقعا على
وجه يكون قد رفع الحدث أو استباحة الصلاة فيهما، وذلك إنما يكون على وجه
قد نسي الطهارة الأولى، فيتوضأ ثانيا لرفع الحدث أو لاستباحة الصلاة، فحينئذ
تكون أحد الطهارتين صحيحة قطعا مع الإخلال في إحديهما، وكذا لو تيقن
الحدث وشك في الطهارة فتطهر ثم تيقن أنه يطهر.
مسألة [244]: لو ترك المنزل الاستبراء بالبول عامدا، واجتهد بالنتر مع
القدرة على البول، ثم وجد بللا أعاد الغسل، أما لو تيسر له البول فلا إعادة، ولو
تركهما معا أعاد أيضا بخلاف ما لو أتى بسببها فإنه لا يعيد، ولو ترك الاجتهاد
وكان قد بال أعاد الوضوء خاصة.
مسألة [245]: يغسل الإناء من ولوع الخنزير سبع مرات واجب على
الأحوط.
مسألة [246]: لا يجب إزالة الجلدة الميتة المتعلقة بالبدن.
مسألة [247]: هل يجوز للجنب أن يغتسل وعليه جبيرة، يمسح عليها كما
475

يمسح في الوضوء أم لا؟
الجواب: نعم يجوز.
مسألة [248]: هل يجب تكفين من يجب نفقته، قال: الأحوط الوجوب.
مسألة [249]: النية في غسل الميت، للصاب أو الذي يدلك البدن أو كله
يجوز منهما؟
الجواب: نعم يجوز منهما على البدن.
مسألة [250]: لو غسل يده والماء الذي يصبه في الغسلتين، كله صبه في
غسلة واحدة، طهرت يده ويقوم ذلك مقام الغسلتين.
مسألة [251]: إذا بل الحنطة والحمص بالماء النجس، لا يطهر إلا في الكثير،
وكذا الخبز النجس، لا يطهر إلا في الكثير أو الجاري.
مسألة [252]: إذا قارن الإنسان بإحدى جانبيه نية الغسل للجهل في رمضان
أو في الصوم الواجب عليه لسبب، هل يجب عليه كفارة أم لا؟ وهل يقضي
الصلاة والصوم أو أحدهما أم لا؟
الجواب: قال كثير من الأصحاب: يوجب الكفارة، وهو أحوط. أما الصلاة
والصوم فيجب قضاؤهما.
مسألة [253]: يجوز أن يقارن نية الغسل ببعض الرأس أو الوجه.
مسألة [254]: إذا ذكرت حيضها في يوم ولم تدر هو مستوعب اليوم أم لا؟
476

فهذه لا تترك من صلاة ذلك اليوم شيئا لاحتمال كونه أخيرا، فيكون قد انقطع
دمها بعد الفجر قبل طلوع الشمس بمقدار صلاة الصبح، ويحتمل كونه أولا
فيحتمل أن يكون قبل الغروب مبدأه بلحظة، ولا يفسد عليها سوى العشائين،
ويحتمل أن يكون وسطا، فيفسد جميع ذلك اليوم، لكن احتمال ذلك وعدمه
سواء وكذا احتمال كونه أخيرا والعبادة لازمة للذمة باحتمال الصحة بخلاف
الصوم فإنها تتركه.
مسألة [255]: لو غسل وجهه في مكان ويديه في آخر ولم يكن جف السابق
لغير ضرورة، هل يصح وضوئه أم لا؟ ومع المنع لو كان للضرورة، هل يصح
أم لا؟ ولو مشى خطوتين أو أزيد لغير ضرورة أو لضرورة ومسح، هل يجوز أم
لا؟.
مسألة [256]: لو توضأ من إبريق أو نهر أو غيره مثلا، هل يكون غسل اليدين
مستحبا، كما لو توضأ من الإناء أم لا؟ نعم ولا ينوي عنده.
مسألة [257]: الاستنجاء إذا حصل المتعدي، فهل يطهر بمرة واحدة أو
يكون كغيرها مرتين؟.
مسألة [258]: إذا برد بعض الميت بالموت ولم تخرج الروح من بدنه،
ومس البارد الخالي من الروح، قال: لا يجب بمسه غسل، لأنه لا يصدق عليه أنه
مس بعد الموت.
مسألة [259]: جلال الكافور (بضم الجيم) خالصه.
477

مسألة [260]: النمط كساء صوف أبيض فيه خطوط سود، وقيل: شكل
لحاف مضرب، يلف من صدرها إلى رجليها ومحله فوق الكل.
مسألة [261]: أهل المرأة المختلفين في الحيض تعمل على عادة الأكثر وكذا
حكم الأقران، ولا يشترط كونهن أحياء بل لو كان نسائها أموات عملت على
عادتهن إن علمتها.
مسألة [262]: يجوز للجنب أن يتيمم ويدخل إلى المسجدين، يصلى اختيارا
أخذا بقوله: كلما يستباح بالوضوء والغسل يستباح بالتيمم مع فقدهما على حد
واحد.
مسألة [263]: ناسية الوقت والعدد مع إطباق الدم إذا تميز لها في الشهر مرة
وأكثر، تجعله حيضا دائما أو تجعل حيضها في كل شهر مرة كعادتها؟.
الجواب: تعمل على التمييز وإن كان في الشهر مرارا فإن لم يتميز ترجع إلى
الروايات لا غير.
مسألة [264]: إذا اغتسل عاريا مع وجود المطلع وعنده ما يمكن الستر به
هل يجوز غسله أم لا؟
مسألة [265]:
من معه ماء يكفيه للوضوء أو إزالة النجاسة يجب إزالة النجاسة
لثبوت بدل الوضوء، ولو تعمد الوضوء لم يرتفع حدثه، ولو فعل ذلك ناسيا أو
لضيق الوقت أو لظن السعة صح الوضوء.
مسألة [266]: لو لم يكن معه خرقة يضعها فوق الجرح النجس، وجب
478

التيمم.
مسألة [267]: المستحاضة وما ماثلها إذا أوقعت الوضوء في أثناء الغسل،
قال: الأولى عدم إجزائه لأنه لا يتعبد بمثله.
مسألة [268]: المراد بالبئر التي إذا حقنت لا تجري فعلا ولا قوة، والحقن
يكون بمساواة الأرض.
مسألة [269]: الدفن في المغارة، هل يجوز أم لا؟ يبني على تسميتها قبرا
ويجوز الدفن في الآرح الدقة.
مسألة [270]: إذا كان عادة المرأة في شهر مرة وتوالى ذلك عليها، ثم
غمسها الدم بعد العادة جميع الشهر، فإن الحيض العادة لأنها متيقنة، وما زاد
لا يمكن أن يكون، وإن تميز معنى بعد أقل الطهر يكون حيضا إذا حصلت
شرائطه.
مسألة [271]: الذي تراه المرأة حال الطلق قبل الانفصال، ولو بعض الولد
في أول بينونته ليس نفاس.
مسألة [272]: إذا وقع الشهيد في البئر ولا نجاسة معه فلا شئ له لطهارته.
مسألة [273]: المضمضة بثلاث وكذا الاستنشاق، لكن هم يشركوا الفعلين
في كل كف ويجوز.
479

مسألة [274]: يكون الإنسان في الصلاة وغيرها وتقع على ثوبه أو بدنه من
هذه الشفاصير التي في عروق الأظفار ومن قشور الخزاز والقشب والدمل وغيره،
وهذا مما لا ينفك عنه الإنسان غالبا، هل ينجس شيئا أم لا؟.
الجواب: إذا عسر عفي عنه، وقال في النهاية: يعفى عنه من غير تفصيل.
مسألة [275]: إذا صلي على الميت وكفنه نجس، لا يصح مطلقا، إلا الدم فقد
عفي عما دون الدرهم بشرط أن يكون غير دم الحدث أم دم نجس العين.
مسألة [276]: يجوز التيمم على الفخار المشوي والسجود عليه أم لا؟
الجواب: يجوز التيمم والسجود على كراهية فيهما.
مسألة [277]: إذا كان يصلى احتياطا، هل يستحب له تجديد الوضوء عند
كل صلاة يصليها أم لا؟ نعم يستحب.
مسألة [278]: لو اغتسل في مكان غير مملوك، صح غسله مع علم عدم
الكراهية إما نطقا أو بشاهد الحال، وإن لم يعلم مالكه، وكذا حكم الوضوء
والتيمم.
مسألة [279]: إذا أخل بالضرب حتى ضاق الوقت وتيمم ودخل في الصلاة
ورأى الماء في الأثناء وخشي مع قطعها الفوات، فهل يقطعها ويتوضأ أم يمضي
ويعيد بعده؟.
الجواب: إذا تيمم ولم يسع الزمان غيره صح، والإعادة أحوط.
مسألة [280]: الجبانة يقال على الصحراء والقبور.
480

مسألة [281]: لو صلى في ثوب نجس ناسيا، يعيد في الوقت وخارجه.
مسألة [282]: النيروز، يقال بالاشتراك اللفظي على معان أربعة: نيروز
الفرس ماه فروردين القديم. ونيروز السلطان ونيروز المعتقد ونيروز الملك.
أما الأول فيكون في كل أربع سنين يوما فكان من نسبته تسع عشر
وستمائة، يوم التاسع عشر من جمادى الآخر ويعمل فيه أربع سنين وينتقل
القهقرى كذلك إلى آخر الشهر، وعلى هذا فقس.
والثاني يوم الثالث عشر من أوله.
الثالث يوم الحادي عشر من حزيران.
والرابع يوم السادس من فروردين ماه، صح اسم شهر.
مسألة [283]: هل للمرأة أن تنظر إلى عورة أمتها حال غسلها أم لا؟.
الجواب: لا يجوز أن تنظر إلى عورة أمتها على كل حال.
مسألة [284]: لو نوى على السدر والكافور والقراح نية واحدة، كفى.
مسألة [285]: يجوز أن يشق الرجل ثوبه على أبيه وأخيه، وحكم المرأة
كذلك، وقيل: يجوز مطلقا.
مسألة [286]: لا يجب عصر الثوب إذا ألقي في الكر.
مسألة [287]: هل الجلود التي تجئ من عند هؤلاء السنة طاهرة أم لا؟ نعم
طاهرة.
481

مسألة [288]: لو رأت المرضع دما في أيام عادتها، هل يحكم بأنه حيض أم
لا؟.
الجواب: حكمها كالحائض إذا حصلت بشرائطه.
مسألة [289]: إذا وطئ الطفل آدميا، وجب عليه الغسل عند بلوغه وتعلقت
به أحكام التحريم على الأولى.
مسألة [290]: إذا رجعت المرأة إلى أهلها في الحيض ترجع إلى الأهل من
الطرفين أم إلى الذي من جهة الأب خاصة، قال: بل من الطرفين.
مسألة [291]: ذرق القاق نجس.
مسألة [292]: إذا عالج الخمر بأجسام جمادية فانقلب طهر، ولو نقى عين
النجاسة، وتطهر هي أيضا.
مسألة [293]: حكم الحائض والنفساء ومس الأموات حكم الجنب في أنه
لا يرتفع حدثه من الجنابة، لو اغتسلوا في البيارة.
مسألة [294]: لو وقع الميت في البيارة، نزح له سبعون دلوا كما لو مات
فيها، وكذا لو وقع فيها قبل كمال غسله، ولو وقع في البيارة ماء غسل الجنابة،
نزح له سبع دلاء كما لو اغتسل فيها.
مسألة [295]: قال: يجزئ النزح ليلا إن لم تضعف القوة بالنعاس.
482

مسألة [296]: لو وافقت النجاسة الجاري في الصفات، فالوجه عندي الحكم
بنجاسته، إن كان يتغير بمثلها على تقدير المخالفة، وإلا فلا، قال: والمخالفة ترجع
إلى النجاسة نفسها، مثلا لو وقع في الماء الصافي بول لا يتغير به ولا رائحة له، لم
ينجس، ولو كان له رائحة تغير الماء، فإنه ينجس، ولا نقول لو كان البول دما
لتغير لونه.
مسألة [297]: قال: تيمم على الوحل وإن أمكنه تجفيفه وجب، وإن لم يمكنه
مسحه ومسح على وجهه، قيل: عليه كراهة التيمم بالرمل أنه من مسوخ الأرض،
وكذا المعدن والسبخ.
مسألة [298]: قول الشيخ رحمه الله: ويجب التيمم بجميع أسباب الوضوء
والغسل، فلو احتاج إلى الدخول إلى المسجد لضرورة وهو جنب وتعذر عليه
الغسل، هل يجب عليه التيمم لأجل الدخول؟ أو يباح له الدخول بلا تيمم لأجل
الضرورة؟ ومع القول بوجوب التيمم، هل يصح أن يدخل به في الصلاة أم لا؟
وإذا أراد الدخول إلى المسجد كيف صورة النية؟ وإذا كان عليه صلاة، هل
يجوز أن يستبيح دخول المسجد أم لا؟.
والجواب: يجوز له دخول المسجد للضرورة، ويجب التيمم عند دخول
المسجد مع فقد الماء أو الخوف من استعماله، وإن كان وقت صلاة تضيقت،
استباحها بها.
ونيته: أتيمم بدلا من الغسل لاستباحة دخول المسجد لوجوبه قربة إلى الله.
مسألة [299]: لو مس الإنسان ميتا، هل يجوز أن يدخل المسجد قبل الغسل
أم لا؟ ولو مسه بعد تطهيره بالماء قبل نية الغسل، هل يكون كما لو لم يغسل أم
لا؟ ولو مسه بعد السدر والكافور قبل القراح، هل يكون حكمه كمن لا يغسل
483

أم لا؟
الجواب: الأقوى دخول المسجد بعد أن يغسل الملاقي حسب، وإذا غسل
بغير نية فهو كما لو لم يغسل، وكذا لو غسل بالسدر والكافور.
مسألة [300]: لو رأت المستحاضة ما يوجب الغسل بعد الفراع من الصبح
مثلا، ثم رأت عند الظهر ما يوجب الوضوء، هل يجب عليها الوضوء أو الغسل أم
لا؟.
الجواب: يجب عليها الغسل.
مسألة [301]: لو انقطع دم المستحاضة في أثناء الصلاة، لم يضر عند الشيخ
في المبسوط، وهو حسن.
مسألة [302]: قال: لو قدمت المستحاضة الغسل على الفجر ثم كثر الدم،
لا يجب عليها الإعادة للغسل، إلا أن يحصل يوم، قال السيد: نفل، قال: لا يجب
عليها إعادة الغسل ولو أحدثت أو نامت.
مسألة [303]: في كفن الميت إذا أخذه السيل وكان صدقة، يكفن به ميت
آخر، وكذا حجر القبر إذا خرب أو أخذه السيل يؤخذ لقبر آخر، وكذا لو فضل
من حجارة القبر شيئا، جاز صرفه في قبر آخر، وإن لم يستأذن من لم يأت بها.
مسألة [304]: المتيمم يؤخر الصلاة إن كان يرجو زوال عذره، والأقرب
إلحاق المستحاضة وصاحب السلس به، وإلا ففي أوله.
فإذا خلا آخر الوقت عن العذر وبقى من الوقت مقدار ركعة فصاعدا، ألزمه
الوقت لقوله عليه السلام: من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد
484

أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك
العصر.
والمعتبر في الركعة أخف ما يقدر عليه، وهل يعتبر بحاله أو بأي حال
كان؟ إشكال، فتقيد اللسان يفتقر إلى زمان من قابله في إدراك الركعة، وإنما
يلزم الوقت بشرط امتداد السلامة من الموانع قدر الطهارة وتلك الصلاة، فإن عاد
مانع قبله، فلا شئ.
مسألة [305]: لو خاف من نزع العظم هلاكا أو شينا، لم يجبر على نزعه،
سواء فرط فيه بوضعه أم لا؟ ولو داووا جرحه بدواء نجس أو خيطه بخيط نجس،
فكما لو جبره بعظم نجس، وكذا لو شق موضعا من بدنه وجعل فيه دما، أما وشم
يده أو بعض جوارحه بالعظم وشبهه، فالأقرب الطهارة، وإن نجس بالخرء رش.
مسألة [306]: لو أولج الصبي في الصبية، تعلق به حكم الجنابة على إشكال،
فيمنعان من للمساجد، نعم وقراءة العزائم ومس كتابة القرآن ووجوب الغسل
قبل البلوغ، وفي الاكتفاء بالغسل الأول عنه، إشكال أقربه ذلك، ولو أولج في
البالغة أو بالعكس تعلق الحكم بالبالغ والصبي، على إشكال.
مسألة [307]: لا فرق بين المرأة والرجل في الإنزال في الوجوب وعدمه، فلا
يجب عليها الغسل إلا مع الإنزال كالرجل، ولا يكفي انتقاله في الترائب ما لم
يخرج إلى ظاهر الفرج.
فائدة: الضابط في المستحاضة، إن سأل دمها وقت الصبح اغتسلت، فإن
انقطع وقت الظهر والعصر توضأت، فإن سأل وقت المغرب اغتسلت، فإن
انقطع وقت الصبح توضأت، وعلى هذا إرسال دمها وقت الفريضة توضأت، وإلا
485

اغتسلت، هذا فرضها إلى البرء وطهارتها أيضا، وقد يكون للوقت وقد يكون
للفعل فغسلها للوقت.
ووضوؤها بمعنى أنها إذا وجب عليها الغسل فاغتسلت استباحت الصلاة
بذلك الغسل مع الوضوء، فعل كلما كانت ممنوعة منه من العبادات قبله إلى
حين خروج ذلك الوقت، فإذا توضأت استباحت فعل تلك الصلاة، مثلا إذا
توضأت للظهر استباحت صلاة الظهر، فإذا فرغت منها انتقض وضوئها بفعل
الصلاة في هذه الصورة، وكذا خروج الوقت كما في الغسل إذا تحقق ذلك،
فنقول: كل طهارة جامعت الحدث لا ينقضها إلا خروج الوقت أو فعل تلك
الصلاة التي وجب لها الوضوء.
مسألة [308]: لو اغتسل مرتبا وصبر ساعة بعد غسل رأسه، يحتاج إلى نية،
ولو ترك النية قضى الصلاة مع طول الزمان ولا كفارة عليه في الصوم.
مسألة [309]: لو رأى إنسان يتوضأ بماء نجس أو يغتسل كذلك، هل يجب
عليه أن يعرفه بذلك أم لا؟.
الجواب: نعم يجب عليه الإعلام، ولا يجب قبول قوله إلا مع غلبة الظن
بصدقه.
مسألة [310]: الإجماع المركب: المراد به الاتفاق على الحكم مع الاختلاف
في العلة، وقيل: المراد به حصول الحكم عن إجماعين، بحيث لو تخلف لزم
نقض أحدهما.
فعلى الأول يكون المدعي أن الغسل في صورة النزاع واجب على القائل
بوجوبه بالنسبة إلى المرأة وغيرها، أما عنده فللمساواة، وأما عند غيره فلفتواه به.
وعلى الثاني يكون مركبا من الإجماع على المساواة بين الأمرين، وعلى
486

الوجوب في طرف المرأة، فلو لم يجب بالنسبة إلى صورة النزاع لزم نقض
الإجماع الأول.
مسألة [311]: إذا لم يوجد للميت مسلم ولا ذات رحم، فتغسيل المميز أولى
من الكافر.
مسألة [312]: فأرة المسك إذا أخذت من الميت نجسة والإنفحة إذا أخذت
من الحي كانت طاهرة.
مسألة [313]: لو سمع همهمة ولم يميز الكلام وهو على وضوء، ينتقض
وضوؤه.
مسألة [314]: لو كان الماء كرا فصاعدا، فتغير من قبل نفسه وهو طاهر، ثم
ألقي عليه ماء نجس حتى صار طينا باعتبار الماء النجس، لا ينجس إذا كان
تدريجا.
مسألة [315]: لو كان كثير الشك في الوضوء والغسل وإزالة النجاسة لا
يلتفت مع الكثرة.
مسألة [316]: إذا أخضر الماء أو احمر، تجوز الطهارة به إذا سمي ماء.
مسألة [317]: يجب على الزوج استدانة كفن الزوجة إذا كان له شئ
يرجع إليه.
487

مسألة [318]: إذا مات المسلم ولم يخلف كفنا، يكون من بيت المال
المندوب مع الواجب، فإن لم يكن له مال فمن الزكاتين.
مسألة [319]: إذا توضأ أو اغتسل مع ظن تساوي الضرر وعدمه، صحت
طهارته به.
مسألة [320]: إذا مشت البزاقية على أرض نجسة، ثم مشت على شئ،
تنجس إن كانت رطبة، ولو وجد أثرها في بيته والمكان نجس فوجد عليه أثرها
ولا يدري، هل مشت عليه بعد أن مشت على الأرض أم قبل ذلك؟ لا ينجس ما
مشت عليه.
ولو كانت الأرض المحيطة بشئ طاهر وهي نجسة فوجد عليها أثرها أو
فأرة وسنور أو غيره من الحشرات، فهو باق على أصله إن لم يعلم النجاسة.
مسألة [321]: لو حصلت له سنة من النوم حتى كأنه يرى مناما وشك، هل
يغلب على الحاستين؟ لا تنقض الطهارة.
فائدة: إنما قال: في عد كما أن الجمع في المتعدي أفضل، ولم يقل أكمل
، لأن الأكملية بالنسبة إلى محل الأفضلية، فظاهر أن المحل هنا مختلفا، لأن محل
الأفضلية الأول آخر المتعدي، والثانية عنه، ويعلم من مفهومه أنه ليس الجمع في
غير المتعدي أفضل، وكلام صاحب الشرائع يؤذن بأفضليته، حيث قال:
والجمع أكمل.
مسألة [322]: هل تجب الموالاة في غسل الجنابة على السلس والمبطون أم
لا؟
488

الجواب: إن خاف فجأة الحدث ورجا عدمه بالولاء، وجب، وإلا فلا.
مسألة [323]: قوله: ولصوم المستحاضة مع غمس القطنة، التقييد بغمس
القطنة يخرج ما دونه ويدخل فيه حالتاها الباقيتان، غير أنه مع التوسط يتعين
غسل الصبح في صحة الصوم، ومع الكثرة غسل النهار دون غسل الليل
بالنسبة إلى اليوم الماضي، وبالنسبة إلى المستقبل فيه وجه من حيث إطلاقهم، ثم
المعتبر بالغمس ما كان قبل الفجر وبعد انتصاف الليل، وما عداه أقسام أربعة:
أ: أن يغمس قبل الانتصاف لا بعده ولا يبرأ، ففي الوجوب هنا للصوم
والصلاة وجهان.
ب: الصورة بحالها وبرئت، يبني على وجوب الغسل بعد البرء والاكتفاء
بالوضوء.
ج: غمس بعد الفجر وقبل الصلاة، ففي توقف الصوم عليه وجهان، نعم
لإطلاق النص ولا لسبق الانعقاد.
د: غمس بعده وبعد الصلاة مع بقاء وقتها، وفيه احتمال الوجوب.
ه‍: غمس بعد خروج الوقت ولم يسل، فلا يتوقف الانعقاد هنا على غسل
قطعا لعدم وجوبه، نعم لو برئت منه، احتمل وجوبه كما سلف، واحتمل أيضا
توقف صوم هذا اليوم، والمستقبل إلى اليوم الحاضر لسبق انعقاده.
مسألة [324]: نصوا على استحباب التيمم للإحرام مع تعذر الغسل خاصة،
وهل يستحب في كل موضع يستحب له الغسل مع تعذره؟ إشكال.
مسألة [325]: لو وطئها ساعة نفاسها بحيث لم تر دما قبل الوطء ولا بعده،
بل مقارنا له وقلنا: بتكرار الكفارة بتكرار الوطء للحائض، وجب عليه ثلاث
كفارات، لأن النفساء كالحائض، ويصدق عليه أنه قد وطئ في أوله وفي
489

أوسطه وفي آخره.
مسألة [326]: لو رأت المستحاضة دما يغمس القطنة فيما بين الصبح والهر
أو فيما بين صلاة العصر والمغرب، هل يجب الغسل لأجل الصوم؟ يحتمل
الوجوب.
مسألة [327]: لو رأت أول يوم من العادة دما وانقطع، ثم رأت الرابع في
العادة مثلا وانقطع على رأس العادة، كان الأول استحاضة.
مسألة [328]: إذا نذر الغسل وعليه حدث أكبر، فإن قصد الرافع للحدث
كفاه الغسل عن الأكبر، وإن قصد الصورة المطلقة كفاه غسل غير غسل الجنابة
، وإن أطلق فيقوى حمله على الحقيقي، أعني الرافع للحدث، ومنه يعلم أنه إذا نذر
الطهارة ينبغي حمله على الوضوء والغسل الرافعين للحدث.
مسألة [329]: لو ظن الضرر فاغتسل أو صام، ولم يحصل الضرر هل يجزئه
الغسل أو الصيام أم لا؟
مسألة [330]: هل يجزئ في الاستجمار الجهة الواحدة من الحجر الطويل
بحيث يكون بقدر ثلاث جهات؟
مسألة [331]: قوله في الوضوء: وضرب الوجه بالماء شتاء وصيفا، كيف
الضرب؟ أي يجعله على الوجه باعتماده على الماء؟ وقولكم: والارتماس في كثير
الراكد واحتياطا، ما الوجه في الكراهية والاحتياط؟ لأن بعض الأصحاب منع
لتوهم الانفعال، فلا شك في الكراهية، وقولكم: وجعل كل على حدته، هل
490

يكون الاستثفار أخيرا ثلاث مرات أم يمزجه بالاستنشاق مرة مرة؟
مسألة [332]: لو تخلل بين التوأمين أقل من عشرة رأت في أولها يوما أو
يومين مثلا دما وانقطع حتى ولدت الثاني كان النفاس أيام الدم خاصة والباقي
طهر، بخلاف ما لو كان واحدا ورأت عقيب ولادته يوما واحدا مثلا ثم يوم
العاشر فانقطع، فالجميع نفاس.
مسألة [333]: لو كانت جبهته نجسة والنجاسة رطبة أو يابسة وهي حائلة بين
البشرة ويداه طاهرتين، هل يتيمم على يديه خاصة أو تسقط الصلاة؟
الجواب: إذا تعذر تجفيف النجاسة وإزالتها فالظاهر أنه يأتي باليدين لعموم إذا
أمرتم بأمر فأتوا منه بما استطعتم.
مسألة [334]: لو مس الميت سنه أو ظفره أو شعره فهل يجب عليه غسل أم
لا؟.
الجواب: الأحوط الوجوب إلا بالشعر.
مسألة [335]: عامل الدبس إذا باشره بيده أو ثيابه حال غليانه إلى أن صار
دبسا، هل يطهر ذلك كله لصيرورته دبسا أم لا؟ لا ريب أن مقتضى الدليل
النجاسة، ولكن يعفى عنه للجرح المنفي بالآية والخبر.
مسألة [336]: إذا داس في أرض البيدر كلب أو ما أشبهه برطوبة وفيها التبن
والقمح، ثم جففته الشمس، هل يطهر أم لا؟ أما التبن، فالظاهر طهارته لعسر
تطهيره وإلحاقه بالنبات. وأما الحب، فلا بد من تطهيره بالماء.
491

مسألة [337]: قال دام ظله: إذا كانت عين الإنسان رمدة أو جرح يضره
الماء، فهل يجوز أن يجعل عليه خرقة ويمسح في حال الوضوء أو يتيمم؟ أفتنا
مأجورا.
الجواب: بل يتيمم، وقد ورد في الجرح أنه يغسل ما عداه.
مسألة [338]: ما يقول مولانا في الملبن فإنه قبل ذهاب ثلثيه يطرح فيه
الدقيق، ثم يذهب ثلثاه بالشمس والغليان، هل يحل أم لا؟ وهل يقبل قوله في
ذهاب ثلثيه أم لا؟ قال دام ظله: الظاهر الحل ويقبل قول المسلم.
مسألة [339]: قال رحمه الله: يجوز للرجل تغسيل زوجته مجردة مع وجود
النساء.
مسألة [340]: ما يقول مولانا في الخضر والبقول إذا خرط بسكين نجسة
خرطا دقيقا أو الأرز وشبهه إذا مسته نجاسة لا جرم لها فما كيفية تطهيره في غير
الكر؟
الجواب: الأولى الكثير لا غير.
مسألة [341]: لو اغتسلت الحائض ولم تتوضأ، هل يصح صومها أم لا؟
قال: الظاهر الصحة.
مسألة [342]: ماء الاستنجاء من الخنثى نجس إذا انفصل إلا أن يصيرا
معتادين.
مسألة [343]: القرح داء يعرض في الكبد يخرج منه الدم.
492

مسألة [344]: لو اشتبه ميت وشهيد يغسلان ولا يقرع بينهما.
مسألة [345]: لا يجوز شق ثوب الميت مع نقص قيمته، ويجب تسليم
الفاضل من الكفن للولي، أو يحفظ لليتيم إن لم يكن ولي.
مسألة [346]: السقط نصف حي ونصف ميت لا غسل إلا إن مات نصفه في
جوف أمه.
مسألة [347]: قوله في الجمل: مثقال، يريد به درهم.
مسألة [348]: قال: تطهر اليد إذا ألقيت في الكر وفي باقي اليد نجاسة، وكذا
الثوب يطهر بعضه ولو بقي بعضه نجسا.
مسألة [349]: لو رأت المرأة دما كثيرا عند صلاة الظهر وهي مستحاضة ثم
انقطع عند صلاة أخرى، فلا يخلو إما أن يكون انقطاعه للبرء أو لا، فإن كان لما
ذكر سقط اعتبار الغسل للصلاة الثانية، وإن كان مستمرا فالأولى لها الغسل عند
تلك الصلاة.
مسألة [350]: لو توضأ قبل دخول الوقت ندبا ثم بأن دخول الوقت جاز أن
يدخل به في الصلاة، وكذا لو توضأ واجبا لظن دخول الوقت ثم تبين عدم
الدخول جاز له أن يدخل في الصلاة أيضا.
مسألة [351]: قوله: يجب غسل اليد مطلقا، للآية والتفصيل للزيادة والأصل
قوي لأن الأصلية المعهودة فتكون اليد حقيقة، فيها واللفظ عند الإطلاق يحمل
493

على حقيقته وجميع الأيدي بحسب مجموع المكلفين بالغسل عملا بضمير
الجمع لا بحسب كل واحدة.
ولقائل أن يقول: قضية الآية غسل مجموع المكلفين مجموع الأيدي، قال:
واليد الزائدة لو لم يغسلها لم يصدق امتثال الأمر، فالأولى الاعتماد على الحقيقة
أي اليد المعهودة وهي الأصلية إذا طهر ذلك، فإن علم الأصلية غسلها وإلا غسلهما
معا، ولا يكونان واجبان بالأصالة، بل إحديهما واجبة بالأصالة والأخرى
بالاشتباه من باب ما لا يتم الواجب إلا به كالفريضة المنسية، ويجوز المسح بماء
كل منهما، ولا يجب أخذ ما يجتمع منهما لأن وجوب غسل كل منهما يدخل في
الوضوء.
وتتميز الأصلية بحسب الخلقة والمنفعة أو هما معا، ولو قطعت الأصلية
وانتقل البطش إلى الزائدة لحقها وجوب الغسل، وإن لم ينتقل وفي وجوب
غسلها تردد وللاستصحاب وأنها داخلة في عدد الأعضاء.
مسألة [352]: قوله رحمه الله: وأن يقول المشاهد للجنازة: الحمد لله، أورد
هنا سؤال وهو أنه قد ورد في الحديث النبوي: من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه
ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه، والحمد مورده النعمة المرضي بها، والرضى
بالشئ يستلزم كراهة ضده، فحينئذ يشكل الحمد هنا وجوابه من وجهين:
الأول: جاز أن يكون كل من الحياة والموت محبوبا إلا أن الحياة أحب،
ومع تسليم المقدمة يكون ذلك القدر من المحبة الزائدة يستلزم كراهية ما نقص
بسبب الموت لا كراهية أصل الموت.
ب: أن في ذلك إشارة إلى أن الحياة مناط بزيادة الثواب والخلاص من
العقاب، وأبي ذلك أشار مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام
بقوله: بقية عمر المؤمن لا ثمر لها، يدرك بها ما فات ويحيي بها ما مات، وفي
الحديث: ود أهل القبور لو رجعوا إلى الدنيا بملك الدنيا ساعة، أو مما هذا معناه،
494

والمراد بالسواد الشخص، ومنه معنى العموم لقولهم: أهل الناس الدينار الأصفر
والدرهم الأبيض، والمخترم أي الهالك، وفي الدعاء تأويل آخر يصرف السؤال
عنه وهو أن المراد بالسواد المخترم المعذبين من الأموات بسبب كفرهم فإنهم هم
الهالكون في الحقيقة فيكون ذلك حمدا على الإيمان المنجي من الهلاك بطريق
الكتابة.
مسألة [353]: قوله: فإن رأى بللا مشتبها بعد الغسل أعاد، الصور هنا
خمس:
أ: البول والاستبراء.
ب: الاستبراء مع عدم إمكان البول وفي هاتين لا إعادة لغسل ولا وضوء.
ج: استبرأ مع إمكان البول.
د: لم يبل ولم يستبرئ وفي هاتين يعيد الغسل.
ه‍: بال ولم يستبرئ فيعيد الوضوء لا غير، هذا كله مع اشتباه البلل، وفي
كلام يرى نظران:
أ: إطلاقه البلل وهو شامل للمتيقن الذي ليس محلا للتفصيل وجوابه التشبه
بالبلل يغني عن التقييد بالاشتباه لأن المتيقن له اسم خاص كالمني والبول
والوذي والمذي.
ب: أنه علق عدم الإعادة على وجود أحد الأمرين، والاستبراء إنما يتعلق به
حكم عدم الإعادة مع عدم إمكان البول ولم يعتد به، فيكون قد رتب الحكم على
ما هو أعم من نسبته وظاهرهم منعه، وجوابه المراد بالاستبراء هنا الاجتهاد في
إخراج المني، وظاهر أن الطريق إليه البول أو ما يضاهيه من المسحات
المخصوصة ولما جعله قسما للبول أشعر بعدم إمكان البول، إذا لو أمكن لما تحقق
الاجتهاد المذكور.
495

مسألة [354]: قال: يعرف كونه من الجانب الأيمن أو الأيسر بأن تقف تحت
حائط وترفع رجلها وتدخل إصبعها في أحد الجانبين فإن خرجت إصبعها ملوثة
فهو منه وإلا فمن الجانب الآخر، وقيل: بل تستلقي على قفاها وتدخل إصبعها.
مسألة [355]: قال: حكم دم الصبية في النجاسة حكم دم الاستحاضة بعد
البلوغ.
مسألة [356]: قوله في الشرائع: وجب مستدرك إذ الوجوب قد سبق
الحكم به تابعا للسببية فلا يجوز تعليقه بالإسلام، وجوابه من وجهين:
أ: أنه قد حكم بصحته منه فلو اقتصر عليها لأوهم إذا وجوب الغسل قد
وجب بالإسلام وليس كذلك.
ب: أن الوجوبين متغايرين إذا الأول وجوب مطلق والثاني وجوب مضيق،
أو نقول: لما كان الوجوب الأول مشفوعا بعدم الصحة وكانت الصحة واقعة بعد
الإسلام شفعها بالوجوب ليطابق صدر الكلام وعجزه تحسينا للعبارة.
مسألة [357]: قوله: وقد تجب الطهارة بالنذر وشبهه، المراد نذر الطهارة
نفسها إما بلفظها أو بلفظ أحد أنواعها، وما تقدم من قوله: أن لو كان بالنذر وشبهه
فهو لأسباب الطهارة، لا لها نفسها فلا تكرير بوجه، فعلى هذا لو نذر طهارة لم
تجز الواجبة ولو جوزنا نذر الواجب، لأن فائدة التأسيس أولى من فائدة التأكيد
وحينئذ على أي شئ يحمل نذره يبني على قاعدة هي أن مقولة الطهارة على
أقسامها هل هي بطريق التواطؤ أو التشكيك أو بطريق الحقيقة والمجاز، بمعنى
أنه حقيقة في الوضوء والغسل ومجازا في التيمم، فعلى الأخير ينصرف إليهما
وعلى الأول يتخير وعلى الثاني يمكن التخيير. فالحمل على
الأولى والعمل على الأقوى أعني.
496

فائدة: في الكر إذا نقص الأبعاد عن ثلاثة ونصف اعتبر مثلا العرض والعمق
خاصة وبالجملة بعدان كل منهما شبرا فصاعدا، فإن اشترط كون الطول نصاب
الكر وإن نقصا ضربت أحدهما في الآخر، ثم اضرب نصاب الكر في مخرج
ذلك الجزء صحيحا، فالمرتفع هو ما ينبغي أن يكون طول البعدين.
فروع:
لو كان كل منهما ربع شبر فمضروب الربع في الربع نصف ثمن، ثم
مخرجه صحيحا ستة عشر مضروبها في الاثنتين والأربعين، والسبعة الأثمان ستمائة
ستة وثمانون، فهو طول الماء، وبيانه أنك لو عطفت الطول بعضا فوق بعض
صار العمق نصف شبر والطول نصف ما كان والعرض على حاله، ثم إذا عطفت
ثانيا صار العمق والطول نصف المقدار الثاني، ثم إذا عطفت أخرى صار العمق
شبرين والطول خمسة وثمانين شبرا وثلاثة أرباع شبر، فتضربها في الشبرين يكن
مائة وإحدى وسبعون ونصف فإذا سامتها قام النصاب.
ولو أنك في المرتبة الثانية جعلت بعضه مسامتة صار العرض نصف شبر
أيضا والطول إلى نصفه، ثم تقطعه بالمسامتة فيصير كل من العرض والعمق شبرا
والطول النصاب.
ب: لو كان أحدهما ربع شبر والآخر نصفه، فمضروب أحدهما في الآخر
ربع ثمن والمخرج ثمانية تضربها في النصاب، يبلغ ثلاثمائة وثلاثة وأربعين،
وذلك مقدار الطول الذي ينبغي أن يكون زائدا في العطف على الأول.
ج: لو كان أحدهما شبرا والآخر نصفه، فمضروب الواحد في النصف نصف
ومخرجه اثنان تضربها في النصاب فالمرتفع هو مقدار الطول، ولو كان كل من
البعدين أزيد من شبر فطريقه أن تضرب أحد البعدين في الآخر فالمرتفع يقسم
مقدار الكر عليه، فإن كان الطول بقدر قسم من الأقسام الخارج بالقسمة فهو كر.
497

فرعان.
أ: لو كان كل من الطول والعمق شبرين، فمضروب الاثنين في الاثنين
أربعة، يقسم نصاب الكر على الأربعة، يخرج عشرة أشبار ونصف شبر وثمن
وثلاثة أرباع ثمن، هذا ما ينبغي أن يكون طول الماء.
ب: لو كان كل من العرض والعمق ثلاثة، فمضروب الثلاثة في الثلاثة
تسعة فأقسم النصاب عليهما يخرج أربعة وثلاثة أرباع شبر وتسع ثمن شبر وهو
طول الماء.
مسألة [358]: قوله في إلحاقات الوضوء: مراعيا للترتيب، تقديره بأن يردد
في المرة الأولى بين الظهر والعصر وفي الثانية بين العصر والعشاء، أما لو ردد في
الأولى بين الظهر والعشاء وفي الثالثة بين العصر والعشاء أو بين الظهر والعشاء
وجب عليه الإتيان بثالثة لاحتمال فوات العصر والعشاء فتبطل الصلاة الأولى
لكون الظهر غير واجبة عليه والعشاء مرتبة على العصر.
فائدة: إذا غسل الميت بالقراح بدلا من الخليط لفقده ثم وجد، فإن كان
لقصوره في الطلب فالغسل باطل لا يترتب عليه حكم، بل ينجس الكفن ويعاد
الغسل والصلاة ويغتسل اللامس له، وإن كان مع الاجتهاد في الطلب فالغسل
صحيح ولا يعاد وإن كان الوقت واسعا ويصلي عليه إن لم يكن صلى عليه أولا،
ولو وجد في أثناء غسله القراح فكذلك.
فلو ترك الطلب لجهله الوجوب ثم حصل العلم ووجد الخليط، فإن لم
يتسع الزمان للإعادة أو حصلت للميت ضرورة فهو مجزئ أيضا فلا ينجس الكفن
ولا يعاد الغسل ولا الصلاة ولا يغتسل اللامس، وإن اتسع الزمان وانتفى الضرر
أعيد الغسل ولا تعاد الصلاة ويغتسل اللامس بعد الوجدان لا قبله، والأولى
اغتساله وغسل اللامس قبله وإعادة الصلاة، ولا يحكم بنجاسة الكفن إلا مع
498

وجود بلل بعد الوجدان والأولى تنجيسه، ولو وجد العالم وجب الطلب مع ظن
الوجدان، ولو وجد الخليط ولم يعلم الحكم كان مجزئا، وهذه الأحكام قبل طلبه
لا بعده.
وحد الاجتهاد طلبه في معادنه مع عدم الضرر على الميت وانتفاء المشقة
الكثيرة وأجرة الطلب وأجرة آلة التجهيز وثمن الماء والخليط من أصل التركة
مقدمة على الدين، فلو خرج من الميت حدث في أثناء غسله لم يعد ما مضى وبنى
عليه، ولو حدث نجاسة على الميت أو كفنه في أثناء الصلاة عليه أزالها وأتم إلا مع
الاحتياج إلى فعل كثير فيستأنف، ولو ثبت بسبقها بطلت الصلاة إلا أن يكون
فيما يعفى عنه في الصلاة، ولو ثبت سبقها بعد الصلاة فلا إعادة مع الجهل ويعاد
مع العلم أو النسيان.
مسألة [359]: قال عميد الدين رحمه الله: لا يجوز للإنسان مع علم عدم الماء
للغسل أن يجامع ولو فعل كان عليه القضاء والكفارة.
مسألة [360]: قال عميد الدين رحمه الله: المشاهد ليس لها حكم المساجد
لكن الأولى أن تنزه عن النجاسة.
مسألة [361]: لو كان معه متاعا لغيره فتركه في غير حرز وتوضأ وصلى
بحسن الظن في صاحبه تكون صلاته صحيحة وكذا لطهارته، ولو صلى ناسيا
يصح أيضا، ولو لم يحسن الظن، تصح أم لا؟ لا ينبغي.
مسألة [362]: الأولى أن الحائض إذا تركت في أول الوقت الصلاة للضرورة
كأن لا تتمكن من الطهارة أو ثوب طاهر، أن لا يجب عليها القضاء.
499

مسألة [363]: لو انقطع دم المستحاضة وشكت في البرء وعدمه مع الكثرة،
تغسلت.
مسألة [364]: القطعة ذات عظم تغسل بنية وترتب إن كانت من الجانبين
مثلا، وإلا فلا ترتيب.
مسألة [365]: الحمص إذا أكل منه الخنزير، هل إذا جف بالشمس يطهر أم
لا؟ نعم يطهر بعد قلعه لا قبله.
مسألة [366]: لو نسي النية في غسل الميت، لا يجزئ.
مسألة [367]: قول مشائخنا رحمهم الله تعالى: يغسل الرجل بنت ثلاث
سنين، وكذا المرأة، فهل مرادهم الولد مطلقا حتى العورة، أم لا؟ يصح تجريد
العورة.
مسألة [368]: لو رأت المستحاضة الدم الموجب للغسل بعد صلاة الظهر
مثلا، هل يجب عليها الغسل لصلاة العصر أم لا؟ نعم يجب، وكتب محمد بن
مطهر قال: يجب عليها إذا كان بعد دخول الوقت والصلاة واستمر إلى بعد دخول
الوقت.
مسألة [369]: إذا تيمم المحدث في أحد المسجدين للخروج منهما هل
يدخل بذلك التيمم في الصلاة إذا فقد الماء أم لا؟ قال: لا، وكتب محمد بن
مطهر: إذا قصد به إيقاعه على الوجه الأكمل يدخل به في الصلاة مع فقد الماء.
500

مسألة [370]: لو دخل الجنب إلى أحد المسجدين، هل يجب عليه التيمم
للخروج منه كما يجب عليه لو أجنب في أحدهما أم لا؟ لعدم النص قال: الأولى
الوجوب.
وكتب محمد بن المطهر:
مسألة [371]: مستحل الميتة بالدباغ إذا أخبر بالتذكية قبل قوله.
مسألة [372]: قوله في الوضوء: وهو إرادة إيجاد الفعل... إلى آخره، هنا
مباحث، سبعة:
أ: اللام في النية هل هو لام العهد أو لام الجنس؟ فإن كان الأول، فلا معنى
لقوله الفعل سوى الوضوء، وإن كان الثاني لم تنحصر النية في كونها من فروض
الوضوء، وجوابه نختار أنها للعهد وذكر الفعل جائز لصدقه على الوضوء.
ب: في حد هذا التعريف فنقول: إرادة جنس والباقي كالفصل فيخرج
باتحاد الفعل الترك، ولأنه محتاج إلى نية كما سيأتي وعلى الوجه الآخر يخرج
به إلى الإرادة اللغوية.
ج: هذا التعريف وإن كان مقصودا بالذات في نية الوضوء، فهو تعريف
لمطلق النية، والتعريف لنية الوضوء مقصودا بالذات، والقصد الأول ولمطلق النية
بالعرض والقصد الثاني.
د: هذا التعريف صادق على العزم، فإنه إما لم يشترط فيه المقارنة، كان أعم
من النية والعزم، والعام لا دلالة له على الخاص، وجوابه: علمت المقارنة من قوله:
على الوجه المأمور به شرعا، فإنه مع عدم المقارنة لا يكون واقعا على الوجه
المذكور.
ه‍: إنه صادق على إرادة الله تعالى طاعة العباد، فلو قال: إرادة حادثة لكان
أولى، وجوابه: إن في الكلام حذف المعلوم، وهو إرادة المكلف إيجاد الفعل.
501

و: إن النية قد تتناول التكليفات العقلية وشرعا مستدرك، وجوابه: كل
التكليفات العقلية مقررة بالشرع فهي شرعية بهذا الاعتبار.
ز: هو منقوص في عكسه بنية الإحرام والصيام، وجوابه فيها توطين النفس،
والتوطين إيجاد قوله، وهي شرط إلى آخره، هنا سؤال وهو أنه حكم بأن النية من
الأفعال بادئا، ثم حكم بكونها من الشرط ثانيا، وذلك متناف، وجوابه من
وجوه:
أ: إن الشرائط هنا هو الإتيان بالنية والفعل نفسها.
ب: إن الأفعال هنا جملة ما يتوقف عليه الشئ.
ج: إن للنية اعتبارين من حيث المقارنة فتكون من الأفعال، ومن حيث التقدم
فتكون من الشروط.
قوله: في كل طهارة، ليس لتخصيص محل النية، إذ هي شرط في كل
عبادة بل لما كان البحث في الوضوء وهو نوع من أنواع الطهارة تعرض بحسب
الطهارة، وفيه تنبيه على خلاف بعض العامة المسقطين لوجوب النية في الطهارة
المائية.
قوله: عن حدث، تنبيها على أن لفظ الطهارة كما يقال على ما سلف في
صدر الكتاب، يقال على إزالة النجاسة، وإلا لم يكن لقوله: لا عن حدث، معنى،
وطهارة التيمم وذوي العذر عن حدث أيضا وإن كانت لا ترفعه، وفيه إيماء إلى
ما ليس بمراد وهو الطهارات المقصود بها صورها، فإن لفظ الطهارة واقع عليه
وليس عن حدث كالتجديد فيوهم أن النية ليست شرطا فيها وهو مندفع بأن
المراد بالطهارة هنا المبيحة للصلاة من حيث الشرط وإزالة المانع فالتقييد بها، لأن
البحث عنها لإخراج غيرها، ولقائل أن يقول: غسل الميت يعتبر فيه النية وهو
طهارة لا عن حدث، فنقول: لا يعد في كون الموت حدثا أو منزلا منزلته.
قوله: لا عن خبث، المراد به النجاسة المزالة عن المحل للصلاة وشبهها.
قوله: لأنها تعود إلى الطهارة عن الخبث وتقرير التعليل، أن يقال: إنه لما
502

ذكر في النية أنها إرادة إيجاد تخرج بها إرادة التروك والسر في أن الترك لا
يحتاج إلى نية كونه واقعا على وجه واحد، فلم يحتج إلى مائز بخلاف الفعل
الواقع على وجوه، فيحصل هنا قياس منتظم صغراه مذكورة، وهي أن طهارة
الجنب كالترك، وكلما هو كالترك لا يحتاج إلى نية، فينتج أن طهارة الجنب
لا تحتاج إلى نية.
أما الصغرى فلأن المقصود من طهارة الخبث هجران النجاسة وذلك
ترك، والنية الإشارة بقوله تعالى: والرجز فاهجر وثيابك فطهر، على ما ذكره
بعض المفسرين، والغسل ذريعة إلى هذا الترك، فكان الغسل كالترك
لاستلزامه إياه.
وأما الكبرى فيستدل عليها بأن يقال: هذا يشبه الترك، وكلما يشبه الترك
حكمه حكمه، أما الصغرى فلما تقرر وأما الكبرى فلإلحاقهم الشبيه بالشبيه أما
للنص على علته أو لاتحاد طريق المسألتين وأما أن الترك لا يحتاج إلى نية فقد
تقدم، وفي ذلك تنبيه على متعلق النية من العبادة.
والقسمة الحاضرة أنها إما فعل محض أو شبه من الأفعال، وهذان لا يجب
فيهما النية، وقد أبرزها هنا قسما خامسا وهو كالصلاة والإحرام، فإن الخطاب
واقع في الصلاة بأن يفعل وأن يترك، وكذا في الإحرام إلا أن المقصود فيهما
بالذات متعاكس، فحينئذ الترك في الصلاة واقع بالقصد الذاتي، كما أن الفعل
في الإحرام واقع بالقصد الثاني، ومن ثم أوجب أكثر المتأخرين في أفعال النية
الجديدة لبعد استتباع الترك الفعل.
قوله: فإن اقتصر على رفع الحدث فالأقوى البطلان، له صور ثلاث:
أ: أن ينوي الاستباحة فيصح لقوله: وإنما لكل امرئ ما نوى، وقد توجهت
النية إلى أمر ممكن، هذا عند كل من يشترط الضم، وأما من شرط كأبي الصلاح
فإنه يمكن ذلك على قوله، لأن الاشتراط إنما هو للممكن ويمكن المنع، ويحمل
على ما قبل الوضوء من الأحداث ليجري مذهبه على قاعدة واحدة.
503

ب: أن يجمعهما فيصح لحصول الغرض في الاستباحة، والرفع لغو، وقد
صرح به في غير هذا الكتاب، أو يحمل على رفع الماضي ويحتمل ضعيفا
البطلان، لأنه نوى الممتنع، والاستباحة كالتابع لها، فتابع الممتنع ممتنع،
وجوابه: إنه كما لو نوى الممتنع نوى الممكن، فإذا وجد في أحدهما مانع، وجد
في الآخر مقتضي، فرجح جانب الصحة لأصالة صحتها السالمة عن معارضة
المنع.
تنبيه: هذا عند من لم يعتبر الجمع، أما من اعتبره فيكون قد أتى بالواجب،
ولكن ينبغي قصد رفع الحدث الماضي لا المطلق ولا العام وإلا جاء الوجهان.
ج: أن يقتصر على رفع الحدث، وقد حكم بالبطلان، لأنه نوى الممتنع
فيستحيل حصوله مع أن التقدير عدم الاكتفاء بالقربة والوجوب، ويحتمل
الصحة لوجهين:
أ: الحمل على الماضي أو على المجموع فينصرف إلى الممكن كما تقدم.
ب: إن نية الرفع تستلزم نية الاستباحة ونية الملزوم تستلزم نية اللازم،
وأجيب عنه بأن هذا في اللازم البين، ونمنع كونه بانيا هذا لافتقاره إلى وسط، ولو
قيل بالصحة مطلقا كان قويا، وقد صرح بعض الأصحاب بأن المستحاضة ترفع
الحدث ورده في المختلف وعلى ما قلناه متوجها.
قوله: ولو نواه في الأثناء لم يبطل فيما مضى... إلى آخره، اعلم أن هنا
مقدمات:
أ: اعتبار النية في العبادة.
ب: اعتبار استدامتها حكما.
ج: تحريم نية القطع، إلا لعارض.
د: التنافي بين نية القطع والاستدامة.
ه‍: إن وجود أحد المتنافيين ينفي الآخر فمن هذه المقدمات يظهر أن نية
القطع للعبادة يبطلها، ثم إن كانت للعبادة بعض أجزائها مشروط ببعض
504

كالصلاة عم البطلان، والأخص المستقل كالطهارة إذا لم تخرج عن الموالاة في
موضع اعتبارها، فحينئذ يحتاج إلى نية جديدة للباقي، لا يقال: قد منعتم النية إلا
لعارض فكيف جوز تموه هنا، لأنا نقول: الفرق سبق النية الكاملة كمال الوضوء
وسبق انعقاده، فإذا عرض مانع أجري الباقي مجرى الوضوء الكامل فلم يبق إلا
الكمال في الموضعين.
قوله: وإن تعددت، فيه فائدتان:
أ: أنه لا فرق بين أن يصلى بالطهارتين صلاة واحدة أو صلوات فإنه يعيد عند
غير من اقتصر على القربة لتطرق المانع في الكل.
ب: التنبيه على أنه لا فرق بين أن تكون الصلاة أو الصلوات واقعة عقيب
الطهارتين أو كان بعدد الصلوات بحسب تعدد الطهارات، كأن يصلي صلاة
عقيب الواجب، ثم جدد وصلى، وهكذا فإنه على المذهب المذكور يعيد الكل
أيضا، فيتطرق الاحتمال إلى الواجب وعدم قيام غيره مقامه، وعلى المذهب إنما
يعيد ما صلاه بالطهارة الأولى خاصة لانفرادها بطهارة واحدة، أما ما بعدها
فلاحتمال طهارتين فصاعدا فيحصل الجزم ببقاء طهارة صحيحة.
505