الكتاب: الينابيع الفقهية
المؤلف: علي أصغر مرواريد
الجزء: ٣٨
الوفاة: معاصر
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤١٣ - ١٩٩٣ م
المطبعة:
الناشر: مؤسسة فقه الشيعة - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: أشرف على جمع أصولها الخطية وترتيبها حسب التسلسل الزمني وعلى تحقيقها وإخراجها وعمل قواميسها علي أصغر مرواريد

الينابيع الفقهية 2
النكاح
تعريف الكتاب 1

حقوق الطبع محفوظة للمؤلف
الطبعة الأولى
1413 ه‍ - 1993 م
مؤسسة فقه الشيعة
بيروت - لبنان
حارة حريك - شارع دكاش - بناية كليوباترا
ص. ب 209 / 25 - تلفون 836763 - فاكس 04625848 - 357
تعريف الكتاب 2

سلسلة الينابيع الفقهية 2
النكاح
أشرف على جمع أصولها الخطية وترتيبها حسب التسلسل
الزمني وعلى تحقيقها وإخراجها وعمل قواميسها
علي أصغر مرواريد
تعريف الكتاب 3

الفهرست الاجمالي للمتون
الإشراف
الخلاف نزهة الناظر
إرشاد الأذهان
الرسالة الفخرية
البيان
النفلية
الموجز الحاوي
الإقتصاد
المبسوط
تبصرة المتعلمين
تلخيص المرام
الدروس الشرعية
الألفية
المحرر
مسائل ابن طي
تعريف الكتاب 4

التعريف
سلسلة الينابيع الفقهية
موسوعة فقهية متكاملة جمعت بين دفتيها أهم المتون الفقهية
الأصلية بتحقيق رائع وتنقيح أكاديمي، ومن أحدث المناهج
العلمية لفن التحقيق.
تعني الموسوعة بالتقسيم الموضوعي للأبواب الفقه الإسلامي -
كافة أبوابه - وبذلك تهئ للباحث والمحقق والأستاذ أسهل
الطرق لاستنباط ما يحتاجه، واستخلاص ما يبتغيه، بعيدا
عن عناء الاستقصاء والبحث.
تميزت هذه الدورة الكبرى باعتمادها الأصول الخطية
الأصلية لكل المتون الفقهية بمثابة الأصول الأساسية لتحقيق
النصوص التي بقيت لفترة ليست بالقصيرة أسيرة الطبعات السقيمة.
بالإضافة إلى احتوائها النصوص التي تطبع لأول مرة، موزعة
حسب الأبواب الفقهية.
تفيد المتخصصين بدراسة الفقه المقارن واختلاف الفتاوى
على مدى عشرة قرون.
مقدمة المشرف 5

إهداء وشكر...
إلى...
كل انسان يؤمن بأن الشريعة السمحاء أساس جميع القوانين في العالم...
والى...
الذين يهتمون بشؤون المجمعات البشرية وشيعون إلى اصطلاحها عن طريق
القسم الإسلامية.
والى...
كل الذين يعشقون الفقه الإسلامي باعتبار أفضل السبل وأنجح القوانين
المستمدة من أصول القرآن للوصل إلى الكمال الإنسان من الجوانب
المادية والروحية...
أقدم هذا الجهد المتواضع...
ولا يسعني - في غمرة سعادتي وسروري وأنا أرى سلسلة الينابيع
الفقهية هذه قد عانقت النور - إلا أن أتقدم بجزيل شكري وعظيم
امتناني لكل الذين ساهموا من قريب أو بعيد بإيجاز هذا العمل الجليل
من العلماء والفضلاء الذين قدموا لنا مساعدتهم ومشورتهم الخالصة،
ومن الأخوة العاملين والمحققين معنا... داعيا الله لهم جميعا التوفيق
والسداد وأن يجزل لهم الثواب وحسن العاقبة...
إنه سميع مجيب.
علي أصغر مرواريد
مقدمة المشرف 6

بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المشرف 8

الخلاف
تأليف شيخ الطائفة
أبى جعفر محمد الحسن الطوسي (قدس سره)
النكاح الخلاف
تأليف شيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (قدس سره) 385 - 460 ه‍. ق
1

كتاب النكاح
مسألة 1: كل امرأة تزوجها النبي صلى الله عليه وآله ومات عنها لا يحل
لأحد أن يتزوجها بلا خلاف، دخل بها أو لم يدخل بها، وعندنا أن حكم من
فارقها النبي صلى الله عليه وآله في حياته حكم من مات عنها في أنها لا تحل لأحد
أن يتزوجها.
وللشافعي فيه ثلاثة أوجه: أحدها مثل ما قلناه وهو ظاهر مذهبهم، والثاني
أنها تحل لكل أحد دخل بها أو لم يدخل بها، والثالث إن لم يدخل بها حلت
لغيره وإن دخل بها لم تحل لغيره.
دليلنا: قوله تعالى: ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا، وقوله تعالى
- وذلك عام - " وأزواجه أمهاتهم " يدل عليه أيضا لأنه على عمومه، ولأن بنفس
العقد يصرن أمهات لنا فلا يحل لنا أن نعقد عليهن.
مسألة 2: النكاح مستحب غير واجب للرجال والنساء.
وبه قال أبو حنيفة وأصحابه، ومالك والشافعي والليث بن سعد والأوزاعي
وكافة العلماء.
وقال داود: النكاح واجب فمن قدر على طول حرة وجب عليه أن ينكح
حرة، ومن لم يقدر عليه وجب عليه أن ينكح أمة، وكذلك المرأة يجب عليها أن
3

تتزوج.
دليلنا: إجماع الفرقة وأيضا قوله تعالى: فانكحوا ما طاب لكم من
النساء... إلى قوله: فواحدة أو ما ملكت أيمانكم، فعلق النكاح باستطابتنا، وما
هذه صورته فهو غير واجب.
وأيضا فإنه قال " فواحدة أو ما ملكت أيمانكم " فخير بين النكاح وبين
ملك اليمين، ومعلوم أن ملك اليمين مباح، فلو كان النكاح واجبا لما خير بينه
وبين ملك اليمين لأن التخيير لا يكون بين واجب ومباح وإنما يكون بين واجبين
أو نفلين أو مباحين.
وأيضا فظاهر قوله عز وجل: " فواحدة أو ما ملكت أيمانكم " يقتضي أنه لو
اقتصر على ملك اليمين وعدل عن النكاح جملة لكان جائزا له لأنه قال: هذا أو
هذا، وعند داود أنه وإن ملك من الإماء ما ملك فواجب عليه أن يتزوج، ولا
يجوز له العدول عنه فلا يسقط بملك اليمين.
وأيضا قوله تعالى: ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات
المؤمنات... إلى قوله تعالى: وإن تصبروا خير لكم، ولو كان نكاح الأمة واجبا
عند عدم طول الحرة لم يكن الصبر خيرا منه، وعند داود يلزمه، ولا يجوز أن
يصبر عنه.
وروي عنه صلى الله عليه وآله أنه قال: خير الناس بعد المائتين الخفيف
الحاذ، فقيل: وما الخفيف الحاذ؟ فقال: الذي لا أهل له ولا ولد.
وروي أن المرأة أتت النبي صلى الله عليه وآله وسألته عن حق الزوج على
الزوجة فبين لها ذلك فقالت: والله لا تزوجت أبدا، فلو كان النكاح واجبا لأنكر
عليها ذلك حين حلفت أن لا تتزوج أبدا.
مسألة 3: يجوز النظر إلى امرأة أجنبية يريد أن يتزوجها إذا نظر إلى ما ليس
بعورة فقط.
4

وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي، على أن عندنا وعند مالك والشافعي
أن ما ليس بعورة الوجه والكفان فحسب، وعن أبي حنيفة روايتان: أحدهما مثل
ما قلناه، والثانية والقدمان أيضا.
وقال المغربي: لا يجوز أن ينظر إليها ولا إلى شئ منها أصلا، وقال داود:
ينظر إلى كل شئ من بدنها وإن تعرت.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا قوله تعالى: ولا يبدين زينتهن إلا ما
ظهر منها، وقال المفسرون: الوجه والكفان.
وروى جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وآله قال: إذا أراد أحدكم أن
يتزوج امرأة فلينظر إلى وجهها وكفيها، وهذا نص.
وروى أبو الدرداء عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: إذا طرح الله في
قلب امرئ خطبة امرأة فلا بأس أن يتأمل حسن وجهها.
مسألة 4: يكره للرجل أن ينظر إلى فرج امرأته وليس بمحظور، وللشافعي
فيه وجهان: أحدهما مثل ما قلناه، والآخر أنه يحرم.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا الأصل الإباحة، والمنع يحتاج إلى دليل،
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: النظر إلى فرج المرأة يورث الطرش،
وقيل: العمى، فدل على أنه مكروه.
مسألة 5: إذا ملكت المرأة فحلا أو خصيا أو مجبوبا لا يكون محرما لها ولا
يجوز له أن يخلو بها ولا يسافر معها.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه، قالوا: وهو الأشبه بالمذهب،
والآخر أنه يصير محرما لقوله تعالى: أو ما ملكت أيمانهن.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم وطريقة الاحتياط، وأما الآية فقد روى
أصحابنا أن المراد بها الإماء دون العبيد الذكران.
5

مسألة 6: إذا بلغت الحرة الرشيدة ملكت العقد على نفسها وزالت ولاية
الأب عنها والجد إلا إذا كانت بكرا، فإن الظاهر من روايات أصحابنا أنه لا يجوز
لها ذلك، وفي أصحابنا من قال: البكر أيضا تزول ولايتهما عنها فأما غير الأب
والجد فلا ولاية لأحد عليها سواء كانت بكرا أو ثيبا والأمر إليها تزوج كيف
شاءت بنفسها أو توكل في ذلك بلا خلاف بين أصحابنا، غير أن الأفضل لها أن
ترد أمرها إلى أخيها، أو إلى ابن أخيها أو عمها أو ابن عمها وليس ذلك شرطا في
صحة العقد.
وقال الشافعي: إذا بلغت الحرة رشيدة ملكت كل عقد إلا النكاح، فإنها
متى أرادت أن تتزوج افتقر نكاحها إلى الولي، وهو شرط لا ينعقد إلا به بكل
حال، سواء كانت كبيرة أو صغيرة، رشيدة عاقلة أو مجنونة، بكرا كانت أو ثيبا،
دنيئة كانت أو غير دنيئة موسرة أو معسرة، فإن نكاحها يفتقر إلى الولي لا يجوز
لها أن تتزوج بنفسها، فإن كان لها ولي مناسب مثل الأخ أو ابن الأخ أو العم أو
ابن العم أو الأب أو الجد فهو أولى، وإن لم يكن فمولاها المعتق، فإن لم يكن
فالحكم والولي يملك أن يزوجها بنفسه، وأن يوكل من يزوجها من الرجال، فإن
أذن لها أن تعقد على نفسها لم يجز ذلك.
وكذلك لا يجوز للمرأة أن تزوج غيرها بإذن وليها ولا إذا وكلها رجل بأن
تتزوج له وتقبل النكاح فقبلته له لم ينعقد.
وجملته أنه لا ولاية للنساء في مباشرة عقد النكاح ولا وكالة، وبه قال عمر
وابن مسعود وابن عباس وأبو هريرة وعائشة، وروي عن علي عليه السلام، وبه قال
سعيد بن المسيب والحسن البصري، وفي الفقهاء ابن أبي ليلى وابن شبرمة وأحمد
وإسحاق.
وقال أبو حنيفة: إذا بلغت المرأة رشيدة فقد زالت ولاية الولي عنها كما زالت
عن مالها، ولا يفتقر نكاحها إلى إذنه بل لها أن تتزوج وتعقد على نفسها، فإذا
تزوجت نظرت، فإن وضعت نفسها في كف ء لزم وليس للولي سبيل إليها، وإن
6

وضعت نفسها في غير كف ء كان للولي أن يفسخ.
فخالف الشافعي في فصلين: أحدهما أن الولي ليس بشرط عنده في النكاح
ولا يفتقر إلى إذنه، والثاني أن للمرأة أن تباشر عقد النكاح بنفسها عنده.
وقال أبو يوسف ومحمد: النكاح يفتقر إلى إذن الولي لكنه ليس بشرط فيه
بحيث لا ينعقد إلا به، بل إن تتزوج بنفسها صح، فإن وضعت نفسها في غير كف ء
كان له الاعتراض والفسخ، وإن وضعت نفسها في كف ء وجب عليه أن يجيزه،
فإن فعل وإلا أجازه الحاكم.
وقال مالك: إن كانت عربية ونسيبة فنكاحها يفتقر إلى الولي ولا ينعقد إلا
به، وإن كانت معتقة دنيئة لم يفتقر إليه.
وقال داود: إن كانت بكرا فنكاحها لا ينعقد إلا بولي، وإن كانت ثيبا لم
يفتقر إلى ولي.
وقال أبو ثور: لا يجوز إلا بولي لكن إذا إذن لها الولي فعقدت على نفسها
جاز، فخالف الشافعي في هذا.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا قوله تعالى: فإن طلقها فلا تحل له
من بعد حتى تنكح زوجا غيره، وقال تعالى: فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن،
فأضاف النكاح إليهن.
وروي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: الأيم أحق
بنفسها من وليها والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها، والأيم التي لا زوج لها،
وهو عام.
وروي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: ليس للولي مع
الثيب أمر، وهذا نص وإجماع الفرقة منعقد في حيز الثيب وفي البكر في من عدا
الأب والجد لا يختلفون فيه.
مسألة 7: قد بينا أن النكاح بغير ولي جائز صحيح، وليس على الزوج إذا
7

وطئها شئ، واختلف أصحاب الشافعي في من وطئها هل يجب عليه الحد أم لا؟
فقال أكثرهم: إنه لا حد عليه سواء كان عالما بذلك أو لم يكن عالما، وسواء
كان حنفيا يعتقد إباحته أو شافعيا يعتقد تحريمه لأن هذا شبهة، وقال أبو بكر
الصيرفي: إن كان عالما يعتقد تحريمه وجب عليه الحد.
دليلنا: ما قدمناه من أن هذا عقد صحيح، ولو كان فاسدا لما وجب أيضا
الحد لقوله صلى الله عليه وآله: ادرأوا الحدود بالشبهات، وهذه شبهة لأنه
عقد مختلف فيه.
مسألة 8: إذا نكح بغير ولي ثم طلقها فطلاقه واقع، وإن كانت التطليقة
ثالثة لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره.
وقال الشافعي وأكثر أصحابه - نص عليه في كتاب الرجعة - أنه لا يقع
طلاقه، وإن كان ثلاثا حل له نكاحها قبل الزوج الآخر، وقال أبو إسحاق: يقع
الطلاق احتياطا، وقال ابن أبي هريرة: من أجاز الطلاق أجاز النكاح ومن منعه
منع الطلاق، وقال أحمد: الطلاق يقع في النكاح الفاسد.
دليلنا: أنا قد بينا أن هذا عقد صحيح، فإذا ثبت ذلك صح الطلاق لأن
أحدا لا يفرق.
مسألة 9: إذا أوصى إلى غيره بأن يزوج بنته الصغيرة صحت الوصية
وكان له تزويجها، ويكون صحيحا سواء عين الزوج أو لم يعين، وإن كانت
كبيرة لم تصح الوصية.
وقال الشافعي: الولاية في النكاح لا تستفاد بالوصية فإذا أوصى بالنظر في
مال أطفاله صح، وإن أوصى بإنكاحهن لم تصح الوصية صغيرة كانت أو
كبيرة، عين الزوج أو لم يعين، وبه قال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه، وقال
مالك: إن كانت البنت كبيرة صحت الوصية عين الزوج أو لم يعين، وإن
8

كانت صغيرة صحت الوصية إذا عين الزوج ولم تصح إذا لم يعين.
دليلنا: أنه لا مانع منه والأصل جوازه وأيضا قوله تعالى: فمن بدله بعد ما
سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه، وأيضا فلا خلاف أن له أن يوصي بالنظر في
ما لها فكذلك التزويج.
مسألة 10: البكر إذا كانت كبيرة فالظاهر في الروايات أن للأب والجد أن
يجبراها على النكاح، ويستحب لهما أن يستأذناها وإذنها صماتها، فإن لم تفعل
فلا حاجة بهما إليه.
وبه قال مالك والشافعي وابن أبي ليلى وأحمد وإسحاق، وقال قوم من
أصحابنا: ليس لوليها إجبارها على النكاح كالثيب الكبيرة، وبه قال أبو حنيفة
وأصحابه والأوزاعي والثوري.
فاعتبر أبو حنيفة الصغر والكبر وفرق بينهما، واعتبر الشافعي الثيوبة
والبكارة.
دليلنا: قوله تعالى: وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم
وإمائكم، والأيم التي لا زوج لها بكرا كانت أو ثيبا فالظاهر أن له إجبار الكل
لأنه لم يفرق بين الصغيرة والكبيرة فوجب حمل الآية على عمومها إلا أن يقوم
دليل على تخصيصها.
وروى ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: الثيب أحق
بنفسها من وليها، والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها.
وروى أحمد بن محمد بن عيسى عن ابن فضال عن صفوان عن أبي المغرا
عن إبراهيم بن ميمون عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا كانت الجارية بين
أبويها فليس لها مع أبويها أمر، وإذا كانت قد تزوجت لم يزوجها إلا برضا منها.
وروى أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن الحكم عن علاء بن رزين عن
محمد بن مسلم عن أحدهما عليه السلام قال: لا تستأمر الجارية إذا كانت بين
9

أبويها ليس لها مع الأب أمر، وقال: تستأمر مع كل أحد ما عدا الأب.
وروى الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام في الجارية يزوجها أبوها بغير
رضا منها قال: ليس لها مع أبيها أمر إذا أنكحها جاز نكاحه وإن كانت كارهة.
وروى عبد الله بن الصلت قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الجارية
الصغيرة يزوجها أبوها ألها أمر إذا بلغت؟ قال: لا، وسألته عن البكر إذا بلغت
مبلغ النساء ألها مع أبيها أمر؟ فقال: ليس لها مع أبيها أمر ما لم تثيب.
مسألة 11: النكاح لا يقف على الإجازة مثل أن يزوج رجل امرأة من غير
إذن وليها لرجل ولم يأذن له في ذلك لم يقف العقد على إجازة الزوج،
وكذلك لو زوج الرجل بنت غيره وهي بالغة من رجل فقبل الزوج لم يقف
العقد على إجازة الولي ولا إجازتها، وكذلك لو زوج الرجل بنته الثيب الكبيرة
الرشيدة أو أخته الكبيرة الرشيدة لم يقف على إجازتها، وكذلك لو تزوج العبد
بغير إذن سيده بالأمة بغير إذن سيدها، كل ذلك باطل لا يقف على إجازة أحد.
وكذلك لو اشترى لغيره بغير أمره لم يقف على إجازته وكان باطلا، وبه
قال الشافعي وأحمد وإسحاق، وزاد الشافعي تزويج البالغة الرشيدة نفسها من
غير ولي، والبيع بغير إذن صاحبه، وعندنا أن تزويج البالغة الرشيدة نفسها
صحيح، والبيع يقف على إجازة مالكه.
وقال مالك: إن أجازه عن قرب صح، وإن أجازه عن بعد بطل.
وقال أبو حنيفة: يقف جميع ذلك على إجازة الزوج والزوجة والولي،
وكذلك البيع إلا أنه يقول في النكاح: يقف في الطرفين على إجازة الزوج
والزوجة، وفي البيع: يقف على إجازة البائع دون المشتري، ووافقنا في تزويج
البالغة الرشيدة نفسها.
وقال أبو يوسف ومحمد: هاهنا يقف على إجازة الولي، وإن امتنع وكانت
ووضعت نفسها في كف ء أجازه السلطان، ووافقنا في مسألة وهو أن الشراء لا يقف
10

على إجازة المشتري له، ويلزم المشتري.
دليلنا: أن العقود الشرعية تحتاج إلى أدلة شرعية، ولا دليل على أن هذه
العقود واقفة على الإجازة فوجب القضاء بفسادها.
وأيضا روت عائشة أن النبي صلى الله عليه وآله قال: أيمان امرأة نكحت بغير
إذن وليها فنكاحها باطل، وهذه نكحت بغير إذن وليها.
وروى أبو موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا
نكاح إلا بولي، فنفاه بغير ولي.
وروى جابر عن النبي صلى الله عليه وآله قال: أيما عبد تزوج بغير إذن
مواليه فهو عاهر.
وروى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: أيما عبد نكح بغير
إذن مواليه فنكاحه باطل.
وروى أبو العباس الفضل البقباق قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام:
الرجل تزوج الأمة بغير إذن أهلها؟ قال: هو زنا إن الله تعالى يقول: فانكحوهن
بإذن أهلهن.
وقد روى أصحابنا أن تزويج العبد خاصة يقف على إجازة مولاه وله
فسخه، ورووا أنهم عليهم السلام قالوا: إنما عصى مولاه ولم يعص الله، وقد
ذكرنا الروايات بذلك في الكتاب الكبير.
مسألة 12: يصح أن يكون الفاسق وليا للمرأة في التزويج سواء كان له
الإجبار مثل الأب والجد في حق الكبر أو لم يكن له الإجبار كالأب والجد في
حق الثيب الكبيرة وسائر العصبات في حق كل أحد، وبه قال أبو حنيفة.
وقال الشافعي: لا يصح في الفاسق أن يكون وليا سواء كان له الإجبار أو
لم يكن، وهو الصحيح عندهم، وقال أبو إسحاق: إن كان وليا له الإجبار زالت
ولايته بالفسق وإن لم يكن له الإجبار لم تزل ولايته لأنه بمنزلة الوكيل، وفي
11

أصحابه من قال: الفسق لا يقدح في الولاية كقول أبي حنيفة وقولنا، وليس
بشئ عندهم.
دليلنا: قوله تعالى: وأنكحوا الأيامى منكم، ولم يفصل، وأيضا فقد ثبت أن
له الولاية قبل الفسق، فمن ادعى أنها زالت بالفسق فعليه الدلالة، وما روي عن
النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: لا نكاح إلا بولي مرشد وشاهدي عدل، محمول
على الفضل والاستحباب دون رفع الإجزاء على أن قوله " مرشد " يقتضي أن
يكون مرشدا لغيره، فمن أين أنه لا بد أن يكون رشيدا في نفسه؟ على أن هذا الخبر
المشهور منه أنه موقوف على ابن عباس، ولم يسنده إلى النبي صلى الله عليه وآله،
وما كان كذلك لا يجب العمل به.
في عدم احتياج النكاح بالشهود
مسألة 13: لا يفتقر النكاح في صحته إلى شهود.
وبه قال في الصحابة الحسين بن علي عليهما السلام وابن الزبير وابن عمر،
وإليه ذهب عبد الرحمان بن مهدي ويزيد بن هارون، وبه قال أهل الظاهر.
وقال الشافعي: لا يصح إلا بشاهدين عدلين ذكرين، ورووا ذلك عن علي
عليه السلام وعمر وابن عباس، وبه قال الحسن البصري والنخعي، وفي الفقهاء
الأوزاعي والثوري وأحمد.
وقال مالك: من شرطه ترك التواصي بالكتمان فإن تواصوا بالكتمان بطل
وإن حضره الشهود، وإن لم يتواصوا بالكتمان صح وإن لم يكن شهود، هكذا
حكاه الأبهري، وكان يحكى أن من شرطه الإشارة وهي الشهادة، والصحيح
الأول.
وقال أبو حنيفة: من شرطه الشهادة وليس من شرطها العدالة ولا الذكورة
فقال: يجوز بشهادة عدلين وفاسقين وأعميين ومحدودين في قذف، وبشاهد
وامرأتين.
12

دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا قوله تعالى: فانكحوا ما طاب لكم من النساء،
ولم يذكر الشهود، وقوله تعالى: وأنكحوا الأيامى منكم، مثل ذلك.
وأيضا روى سهل بن سعد الساعدي أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وآله
فقالت: يا رسول الله وهبت نفسي منك، فقال: ما لي اليوم بالنساء من حاجة،
وذكر الحديث حتى قال: زوجتها بما معك من القرآن، ومعلوم أنه لم يكن
شهود.
وروي أن جحش بن رباب من بني أسد خطب إلى رسول الله آمنة بنت
عبد المطلب فزوجه إياها ولم يشهد، وما روي عنه أنه قال: لا نكاح إلا بولي
وشاهدي عدل، نحمله على أنه لم يثبت به عند الحاكم إلا بشاهدي عدل دون
انعقاد العقد في حال التزويج، أو نحمله على ضرب من الاستحباب والكمال
بدلالة ما قلناه.
مسألة 14: إذا زوج الذمي بنته الكافرة من مسلم انعقد العقد على قول من
يقول من أصحابنا بجواز العقد عليهن، وإن حضر شاهدان كافران، وبه قال
أبو حنيفة، وقال الشافعي: لا ينعقد العقد بكافرين.
دليلنا: ما بيناه من أنه ليس من شرط انعقاد العقد الشهادة، وإذا لم يكن
ذلك من شرطه سقط عنا هذا الفرع.
مسألة 15: الثيب إذا كانت صغيرة قد ذهبت بكارتها إما بالزوج أو بغيره
قبل البلوغ جاز لأبيها العقد عليها ولجدها مثل ذلك قبل البلوغ وحكمها حكم
الصغيرة البكر، وبه قال أبو حنيفة.
وقال الشافعي: ليس لأحد إجبارها على النكاح وينتظر بها البلوغ ثم تزوج
بإذنها.
دليلنا: إجماع الفرقة لأنهم رووا الأخبار أن الصغيرة ليس لها مع أبيها أمر
13

ولم يفصلوا، وروى عبد الله بن الصلت قال: سألت الرضا عليه السلام عن الجارية
الصغيرة يزوجها أبوها ألها أمر إذا بلغت؟ قال: لا.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: لا نكاح إلا بولي، وهذا نكاح
بولي فوجب أن يكون صحيحا.
مسألة 16: من ذهب عذرتها بالزنى لا تزوج إلا بإذنها إذا كانت بالغة،
ويحتاج في إذنها إلى نطقها، وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة إذنها صماتها.
دليلنا: أن ما اعتبرناه مجمع على جواز التزويج به، وليس على ما قاله
دليل، وما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: الثيب أحق بنفسها من وليها
والبكر تستأذن، وإذنها صماتها دل على أن الثيب بخلافها.
مسألة 17: الذي له الإجبار على النكاح الأب والجد مع وجود الأب وإن
علا، وليس للجد مع عدم الأب ولاية، وقال الشافعي: لهما الإجبار ولم يعتبر
حياة الأب، وبه قال الثوري.
وقال ابن أبي ليلى وأحمد: الأب هو الذي يجبر فقط دون الجد، وقال
مالك: الأب يجبر الصغيرة دون الكبيرة.
وقال أبو حنيفة: كل عصبة يرث فله الإجبار، الأب والجد وإن علا والإخوة
وأبناؤهم والأعمام وأبناؤهم، فإذا أجبروها على النكاح نظرت، فإن كان الأب أو
الجد فلا خيار لها بلا خلاف بينهم، وإن كان غيرهما قال أبو حنيفة ومحمد: لها
الخيار بعد البلوغ إن شاءت أقامت وإن شاءت فسخت.
وقال أبو يوسف: لا خيار لها كالأب والجد، فأما من قرب من غير تعصيب
كالإخوة من الأم والجد إلى الأم والأخوال والخالات والعمات والأمهات عنه
روايتان: إحديهما لهم الإجبار كالأعمام، والثانية لا يجبرون أصلا.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
14

مسألة 18: لا يجوز للعبد أن يتزوج بغير إذن مولاه، فإن فعل كان مولاه
بالخيار بين إجازته وبين فسخه، وبه قال أبو حنيفة، وقال الشافعي: العقد باطل،
وقال مالك: العقد صحيح وللسيد أن يفسخه.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 19: للسيد إجبار العبد على النكاح، وبه قال أبو حنيفة والشافعي في
القديم، وقال في الجديد: ليس له إجباره على ذلك، وبه قال أكثر أهل العلم.
دليلنا: قوله تعالى: وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم
وإمائكم، وأيضا عليه إجماع الفرقة.
مسألة 20: إذا طلب العبد التزويج لا يجبر المولى على تزويجه، وللشافعي
فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه قاله في القديم، والآخر أنه يجبر عليه.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة ووجوب ذلك عليه يحتاج إلى دليل.
مسألة 21: للسيد أن يجبر أم ولده على التزويج من غير رضاها، وللشافعي
فيه ثلاثة أقوال: أحدها مثل ما قلناه، والثاني أن له إنكاحها برضاها كالمعتقة،
والثالث ليس له ذلك وإن رضيت كالأجنبية.
دليلنا: أنها مملوكة عندنا، والولادة لم تزل ملكها، فإذا ثبت ذلك كان له
إجبارها كالأمة القن فإنه لا خلاف فيها.
مسألة 22: إذا قال لأمته: أعتقتك على أن أتزوج بك وعتقك صداقك،
أو استدعت هي ذلك فقالت له: أعتقني على أن أتزوج بك وصداقي عتقي،
ففعل فإنه يقع العتق ويثبت التزويج، وبه قال أحمد بن حنبل.
وقال الشافعي: يقع العتق وهي بالخيار بين أن تتزوج به أو تدعه.
15

وقال الأوزاعي: يجب عليها أن تتزوج به لأنه عتق بشرط فوجب أن يلزمها
الشرط كما لو قال: أعتقك على أن تخيطي لي هذا الثوب، لزمتها خياطته.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا فإن النبي صلى الله عليه وآله أعتق
صفية وجعل عتقها صداقها، وكانت زوجته ولم نعلمها صارت زوجته بغير الذي
نقل من عتقها على هذا الشرط.
مسألة 23: إذا اجتمع الأب والجد كان الجد أولى، وقال الشافعي: الأب
أولى، وبه قال جميع الفقهاء.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 24: إذا اجتمع أخ لأب وأم مع أخ الأب كان الأخ للأب والأم
متقدما في الاستئذان عندنا وإن لم يكن له ولاية.
وقال أبو حنيفة: الولاية له دون الآخر، وبه قال الشافعي على أحد القولين
وهو أصحهما، وقال في القديم: هما سواء، وبه قال مالك.
دليلنا: أن ولاية من قلناه مجمع عليه، وما ذكروه ليس عليه دليل، وأيضا
قوله تعالى: ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا، وأجمعوا على أن الأخ
للأب والأم أولى من الأخ للأب وأنه الولي دونه.
مسألة 25: الابن لا يزوج أمه بالبنوة، فإن وكلته جاز.
وقال الشافعي: لا يزوجها بالبنوة ويجوز أن يزوجها بالتعصيب بأن يكون
ابن ابن عمها أو مولى نعمتها.
وقال مالك وأبو حنيفة وأصحابه وأحمد وإسحاق: له تزويج أمه، ثم اختلفوا
فقال مالك وأبو يوسف وإسحاق: الابن أولى من الأب، وكذلك ابن الابن وإن
سفل فإن لم يكن هناك ابن ابن فالأب أولى، وقال محمد وأحمد: الأب الأولى ثم
16

الجد وإن علا فإن لم يبق هناك جد فالابن أولى، وقال أبو حنيفة: أبوها وابنها في
درجة سواء كإخوتها.
دليلنا: ما قدمناه من أنه لا ولاية لأحد غير الأب والجد إلا بأن توكله فهذا
الفرع ساقط عنا على أنا قد بينا أن الثيب لا ولاية لأحد عليها أصلا بل هي ولية
نفسها، وهذه ثيب، وأيضا فإثبات الولاية للابن يحتاج إلى دليل.
مسألة 26: كلالة الأم ومن يرث بالرحم لا ولاية لهم في تزويج المرأة، وبه
قال الشافعي، وعن أبي حنيفة روايتان.
دليلنا: ما قدمناه في المسألة الأولى سواء من أنه لا ولاية لأحد غير الأب
والجد، وعليه إجماع الفرقة.
مسألة 27: الكفاءة معتبرة في النكاح وهي عندنا شيئان: أحدهما الإيمان،
والآخر إمكان القيام بالنفقة.
وقال الشافعي: شرائط الكفارة ستة: النسب والحرية والدين والصناعة
والسلامة من العيوب واليسار، ولم يعتبر أبو حنيفة وأصحابه الحرية ولا السلامة
من العيوب.
ثم اختلفوا فقال أبو يوسف: الشرائط أربعة، فحذف الحرية والسلامة من
العيوب وهو إحدى الروايتين عن أبي حنيفة، والرواية الأخرى أن الشرائط ثلاثة،
فحذف الصناعة أيضا.
وقال محمد: الشرائط ثلاثة، فأثبت الصناعة وحذف الدين، وقال: إذا كان
الأمير يشرب الخمر يكون كفؤا للعفيفة؟ قال: بلى إن كان يشرب ويسكر
ويخرج إلى بر أو يعدو والصبيان خلفه، فهذا ليس بكفء لا لنقصان دينه بل
لسقوط مروءته.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا قوله تعالى: فانكحوا ما طاب لكم
17

من النساء، ولم يشرط، وما ذكرناه مجمع عليه، وأيضا قوله صلى الله عليه وآله:
المؤمنون بعضهم أكفاء بعض تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم.
مسألة 28: يجوز للعجمي أن يتزوج بعربية وبقرشية وهاشمية إذا كان من
أهل الدين وعنده اليسار، وقال الشافعي: العجم ليسوا بأكفاء للعرب والعرب
ليسوا أكفاء لقريش وقريش ليسوا أكفاء لبني هاشم.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: قريش كلها أكفاء وليس العرب أكفاء لقريش،
فالخلاف بينهم في بني هاشم.
دليلنا: ما قدمناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 29: يجوز للعبد أن يتزوج بحرة، وليس للعبد أن يتزوج بحرة
وليس بكفء لها، ومتى زوجت بعبد كان لها الفسخ، ولأوليائها الفسخ، وقال
أبو حنيفة: ليس لهم فسخه، وبه قال الشافعي.
دليلنا: ما قدمناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 30: يجوز للفاسق أن يتزوج بالعفيفة، ولا يفسد العقد وإن كان
تركه أفضل، وبه قال محمد بن الحسن، وقال الشافعي: الفاسق ليس بكفء
للعفيفة لا يختلف المذاهب فيه.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 31: لا مانع من تزوج أرباب الصنائع الدنيئة من الحياكة
والحجامة والحراسة والقيم والحمامي بأهل المروءات كالتجارة والنيابة ونحو
ذلك، وبه قال أبو حنيفة في إحدى الروايتين عنه، وقال الشافعي: الصناعة
معتبرة.
18

دليلنا: ما قدمناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 32: اليسار المراعي ما يمكنه معه القيام بمؤونة المرأة وكفايتها،
وقال أبو حنيفة: الفقير ليس بكفء للغنية، وكذا قال أصحابه، وهو أحد وجهي
الشافعي، والمراعي ما يكون معدودا به في أهل اليسار دون اليسار العظيم، ولا
يراعى أن يكون أيسر منها ويجوز أن يكون دونها، والوجه الثاني هو كفؤها لأن
الفقر ليس بعيب في الرجال، فعلى هذا إذا بان معسرا لم يكن لها الخيار كما قلنا.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 33: إذا رضي الولاة والزوجة من ليس بكفء، فوقع العقد على من
دونها في النسب والحرية والدين والصناعة والسلامة من العيوب واليسار كان
العقد صحيحا، وبه قال جميع الفقهاء.
وقال عبد الملك بن الماجشون من أصحاب مالك: الكفاءة شرط في صحة
عقد النكاح فمتى لم يكن كفؤا لها فالعقد باطل وإن كان برضاها ورضا الولاة.
دليلنا: إجماع الفرقة بل إجماع الأمة، وخلاف ابن الماجشون لا يعتد به،
ومع ذلك فقد انقراض.
وروي أن فاطمة بنت قيس أتت النبي صلى الله عليه وآله فقالت: يا رسول
الله إن معاوية وأبا جهم خطباني، فقال صلى الله عليه وآله: أما معاوية فصعلوك
لا مال له، وأما أبو جهم فلا يضع عصاه من عاتقه، إنكحي أسامة بن زيد - فهذه
فاطمة قرشية خطبها قرشيان فعدل صلى الله عليه وآله بها إلى ابن مولاه، ولو
كانت الكفاءة شرطا في صحة العقد لما أذن فيه - قالت فاطمة: فنكحته وما رأيت
إلا خيرا.
وروى أبو هريرة أن أبا هند حجم رسول الله صلى الله عليه وآله في اليافوخ،
فقال النبي صلى الله عليه وآله: يا بني بياضة أنكحوا أبا هند وأنكحوا إليه، وقال: إن
19

كان في شئ مما يداوي به خير فالحجامة.
وروي عن ابن عباس أن بريرة أعتقت تحت عبد فاختارت الفسخ، فقال لها
النبي صلى الله عليه وآله: لو راجعته فإنه أبو ولدك، فقالت: أبأمرك يا رسول
الله؟ فقال: لا إنما أنا شافع، فقالت: لا حاجة لي فيه. فموضع الدلالة أن النبي
صلى الله عليه وآله أذن حرة أن تنكح عبدا والعبد لا يكافئها عندهم.
وروي أن سلمان الفارسي خطب إلى عمر فأجابه إلى ذلك فكره عبد الله بن
عمر ذلك فقال له عمرو بن العاص: أنا أكفيك، فلقي عمرو بن العاص سلمان
الفارسي فقال: ليهنئك يا سلمان، فقال: وما هو؟ فقال: تواضع لك أمير المؤمنين،
فقال سلمان: لمثلي يقال هذا والله لا نكحتها أبدا. وسلمان كان من العجم فأجابه
عمر إلى التزويج، وابن عمر لم ينكر بل كرهه.
مسألة 34: ليس للأولياء الاعتراض على المنكوحة في قدر المهر، فمتى
رضيت بكفء لزمهم أن يزوجوها منه بما رضيت من المهر سواء كان مهر مثلها أو
أقل، فإن متعوها واعترضوا على قدر مهرها ولت أمرها من شاءت، وعند الشافعي
يكون قد عضلوها، ويكون السلطان وليها وبه قال أبو يوسف ومحمد.
وقال أبو حنيفة: للأولياء أن يعترضوا عليها في قدر المهر، فمتى نكحت بأقل
من مهر مثلها فللولي أن يقول للزوج: إما أن تبلغ بالمهر مهر المثل وإلا فسخت
عليك النكاح، فأجرى المهر مجرى الكفاءة.
دليلنا: إجماع الفرقة، ولأنا قد بينا أنه لا ولاية لأحد عليها غير الأب والجد،
وإذا لم يكن لهم ولاية فلا اعتراض لهم عليها بالمهر.
مسألة 35: إذا زوجت نفسها بأقل من مهر مثلها فالنكاح صحيح، وليس
للأولياء الاعتراض عليها، وقال أبو حنيفة: النكاح صحيح، وللأولياء الاعتراض
عليها، وقال الشافعي: النكاح باطل.
20

دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 36: إذا وكل وليها وكيلا فزوجها الوكيل بدون مهر المثل بإذنها
لم يكن للأولياء الاعتراض عليها، وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: لهم
الاعتراض عليها.
دليلنا: ما قدمناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 37: إذا كان أولى الأولياء مفقودا أو غائبا غيبة منقطعة أو على
مسافة قريبة أو بعيدة، وكلت وزوجت نفسها ولم يكن للسلطان تزويجها إلا
بوكالة منها.
وقال الشافعي: إذا كان مفقودا أو غائبا غيبة منقطعة كان للسلطان تزويجها
ولم يكن لمن هو أبعد منه تزويجها، وإذا كان على مسافة قريبة على أحد الوجهين
مثل ذلك، وبه قال زفر.
وقال أبو حنيفة: إن كانت الغيبة منقطعة كان لمن هو أبعد تزويجها، وإن لم
تكن منقطعة لم يكن له ذلك.
وقال محمد: المنقطعة من الكوفة إلى الرقة، وغير المنقطعة من بغداد إلى
الكوفة.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء من أن لا ولاية لغير الأب والجد،
ومتى كان أحدهما غائبا كان للآخر تزويجها، وإن غابا جميعا وكانت بالغة كان
لها أن تعقد على نفسها أو توكل من شاءت من باقي الأولياء.
مسألة 38: إذا عضلها وليها وهو أن لا يزوجها بكفء مع رضاها به كان
لها أن توكل من يزوجها أو تزوج نفسها إذا كانت بالغة، وقال الشافعي:
للسلطان تزويجها عند ذلك.
21

دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 39: من ليس له الإجبار من الأولياء ليس له أن يوكل في تزويجها
إلا بإذنها.
وللشافعي فيه وجهان: أحدهما مثل ما قلناه، والثاني له أن يوكل من غير
إذنها غير أنه لا يعقد الوكيل إلا بإذنها.
دليلنا: أن ما قلناه مجمع على جوازه، وما قالوه ليس عليه دليل.
مسألة 40: إذا أذنت في التوكيل فوكل وعين الزوج صح وإن لم يعين لم
يصح.
وقال الشافعي في الموضع الذي يصح توكيله: إن عين الزوج صح كما
قلناه وإن أطلق فعلى قولين.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء من أن ما قلناه مجمع على صحته
وما قالوه ليس على صحته دليل.
مسألة 41: من كان له أمة كافرة وهو مسلم كان له الولاية عليها بالتزويج.
وللشافعي فيه وجهان: الظاهر مثل ما قلناه، والثاني ليس له عليها ولاية
كالحرة.
دليلنا: قوله تعالى: فانكحوهن بإذن أهلهن، ولم يخص وقال تعالى:
وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم، ولم يخص.
مسألة 42: إذا كان للمرأة وليان في درجة وأذنت لهما في التزويج أذنا
مطلقا ولم تعين الزوج فزوجاها معا نظر، فإن كان أحدهما متقدما والآخر متأخرا
كان المتأخر باطلا، دخل بها الزوج أو لم يدخل، وهو المروي عن علي عليه السلام
22

السلام، وفي التابعين عن الحسن البصري وشريح، وفي الفقهاء الأوزاعي
وأبو حنيفة وأصحابه والشافعي وأحمد وإسحاق.
وقال قوم: ينظر فإن لم يدخل بها واحد منهما أو دخل بها كل واحد منهما
أو دخل الأول وحده، فالثاني باطل كما قلناه، وإن دخل بها الثاني دون الأول
صح الثاني وبطل الأول، ذهب إليه عمر بن الخطاب وعطاء والزهري ومالك.
دليلنا: قوله تعالى: حرمت عليكم أمهاتكم - إلى قوله - والمحصنات من
النساء، وأراد به ذوات الأزواج بلا خلاف، فأخبر تعالى أنهن محرمات إلا بملك
اليمين، وهذه زوجة الأول عن نكاح صحيح فوجب أن تكون محرمة على الثاني.
وروى قتادة عن سمرة أن النبي صلى الله عليه وآله: قال: أيما امرأة زوجها
وليان فهي للأول منهما، ولم يفرق ذكره أبو داود في السنن، وعليه إجماع الفرقة.
مسألة 43: امرأة المفقود إذا لم يعرف خبره، فإن لم يكن هناك ناظر
للمسلمين فعليها أن تصبر أبدا فهي مبتلاة، فإن كان هناك سلطان كانت بالخيار
بين أن تصبر أبدا وبين أن ترفع أمرها إليه، فإن رفعت أمرها إليه نظر، فإن كان له
ولي ينفق عليها فعليها أن تصبر أبدا، وإن لم يكن ولي أجلها أربع سنين وكتب
إليها الآفاق يبحث عن أمره، فإن كان حيا لزمها الصبر، وإن لم يعرف له خبر بعد
أربع سنين أمرها أن تعتقد عدة المتوفى عنها زوجها وتتزوج إن شاءت بعد
ذلك.
وقال قوم: عليها أن تصبر أبدا، ولم يفصلوا، وروي ذلك عن علي
عليه السلام، وبه قال أبو حنيفة، واختاره الشافعي في الجديد، وقال في القديم: يضرب
لها أربع سنين ثم يفرق الحاكم بينهما ويحكم بموته، فإذا انقضت عدة الوفاة جاز
لها النكاح، وبه قال عمر بن الخطاب.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
23

مسألة 44: إذا تزوجت المرأة في عدتها ودخل بها الثاني فرق بينهما ولم
تحل له أبدا، وبه قال عمر بن الخطاب، وهو قول الشافعي في القديم ومالك،
وقال في الجديد: لا تحرم عليه، وروي ذلك عن علي عليه السلام.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم فإنهم لا يختلفون في ذلك.
مسألة 45: إذا طلق زوجته طلاقا رجعيا وغاب عنها ثم راجعها قبل
انقضاء عدتها وأشهد على نفسه بذلك ولم تعلم المرأة بالمراجعة فقضت العدة في
الظاهر وتزوجت ودخل بها الثاني، فإن نكاح الثاني باطل دخل بها أو لم
يدخل.
وبه قال علي عليه السلام، واختاره الشافعي قولا واحدا، وقال عمر بن
الخطاب: إذا دخل بها الثاني صح النكاح.
دليلنا: أن الثاني تزوج بزوجة الغير فهي محرمة عليه لقوله تعالى:
والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم.
مسألة 46: إذا كان للمرأة ولي يحل له نكاحها مثل أن كانت بنت عمه أو
كان له أمة فأعتقها فأراد نكاحها جاز أن يزوجها من نفسه بإذنها، وبه قال ربيعة
ومالك والثوري وأبو حنيفة وأصحابه، وقال الشافعي: ليس له أن يزوجها من
نفسه لكن يزوجها السلطان.
دليلنا: أنا قد دللنا أن النكاح لا يفتقر إلى ولي إذا كانت ثيبا، وإن كانت
بكرا فلا ولاية لغير الأب والجد، وأنه لا ولاية لا بن العم، وإذا ثبت ذلك سقط هذا
الخلاف، وأيضا قوله تعالى: وترغبون أن تنكحوهن، وهذه نزلت في شأن يتيمة
في حجر بعض الأنصار، وأيضا فإن النبي صلى الله عليه وآله أعتق صفية وجعل
عتقها صداقها، ومعلوم أنه تزوجها من نفسه.
24

مسألة 47: إذا جعل الأب أمر بنته البكر إلى أجنبي وقال له: زوجها من
نفسك، فإنه يصح، وبه قال أبو حنيفة، وقال الشافعي: لا يصح.
دليلنا: ما قدمناه في المسألة الأولى سواء، فإنه إذا ثبت ذلك فأحد لا يفرق
بين المسألتين.
مسألة 48: الولي الذي ليس بأب ولا جد إذا أراد أن يزوج كبيرة بإذنها
بابنه الصغير كان جائزا، وقال الشافعي: لا يجوز لأنه يكون موجبا قابلا.
دليلنا: إجماع الفرقة وما قلناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 49: للأب أن يزوج بنته الصغيرة بعبد أو مجنون أو مجذوم أو
أبرص أو خصي، وقال الشافعي: ليس له ذلك.
دليلنا: أنا قد بينا أن الكفاءة ليس من شرطها الحرية ولا غير ذلك من
الأوصاف، فعلى هذا يسقط الخلاف، وأيضا الأصل الإباحة، والمنع يحتاج إلى
دليل.
مسألة 50: إذا زوجها من واحد ممن ذكرناه صح العقد، وللشافعي فيه
قولان: أحدهما مثل ما قلناه، والثاني باطل.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 51: إذا كانت للحرة أمة جاز لها أن تزوجها، وبه قال أبو حنيفة،
وقال الشافعي: لا يجوز.
دليلنا: إجماع الفرقة.
مسألة 52: يجوز أن يكون العبد وكيلا في التزويج في الإيجاب والقبول،
25

وقال الشافعي: لا يجوز في الإيجاب، وفي القبول على وجهين.
دليلنا: أن الأصل جوازه، والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 53: إذا تزوج العبد بإذن سيده فقال: إنه حر، فبان أنه عبد كانت
بالخيار، وبه قال أبو حنيفة، وللشافعي فيه قولان: أحدهما النكاح باطل، والآخر
النكاح صحيح.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 54: إذا تزوج العبد بحرة على أنه حر فبان أنه عبد وانتسب إلى قبيلة
وكان بخلافها سواء كان أعلى مما ذكر أو أدنى، أو ذكر أنه على صفة وكان على
خلافها من طول أو قصر أو حسن أو قبح أو سواد أو بياض كان النكاح
صحيحا، والخيار إلى الحرة.
وبه قال أبو حنيفة: وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه وهو اختيار
المزني وأبي حامد الإسفرايني، والآخر النكاح باطل.
دليلنا: أنه إذا ثبتت المسألة الأولى ثبتت هذه فإن أحدا لا يفرق بينهما،
وأيضا عليه إجماع الفرقة وأخبارهم، فإنهم رووا أيضا أن من انتسب إلى قبيلة
فكان على خلافها لها الخيار، وأيضا فالأصل جواز العقد وصحته، وبطلانه
يحتاج إلى دليل، وقال صلى الله عليه وآله: لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل،
وهذا نكاح بولي وشاهدي عدل، فوجب أن يكون صحيحا لظاهر الخبر.
مسألة 55: إذا كان الغرور من جهة الزوجة إما بالنسب أو الحرية أو الصفة
فالنكاح موقوف على اختياره، فإن أمضاه مضى وإلا كان له الفسخ، وللشافعي
فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه وهو المذهب، والثاني العقد باطل.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
26

مسألة 56: يجوز للمرأة أن تزوج نفسها أو غيرها بنتها أو أختها، ويجوز أن
تكون وكيلة في الإيجاب والقبول، وبه قال أبو حنيفة، وقال الشافعي: كل ذلك
لا يجوز.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا فالأصل جوازه والمنع يحتاج إلى دليل،
وروي عن عائشة أنها زوجت حفصة بنت أخيها عبد الرحمان بن أبي بكر بالمنذر
بن الزبير وكان أخوها غائبا بالشام فلما قدم قال: أمثلي يعتاب عليه في بناته؟
مسألة 57: لا ينعقد النكاح بلفظ البيع ولا التمليك ولا الهبة ولا العارية
ولا الإجارة، فلو قال: بعتكها أو ملكتكها أو وهبتكها، وكل ذلك لا يصح سواء
ذكر في ذلك المهر أو لم يذكر.
وقال في التابعين عطاء وسعيد بن المسيب والزهري، وبه قال ربيعة
والشافعي.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: يصح بلفظ البيع والهبة والصدقة والتمليك، وعنه
في لفظ الإجارة روايتان سواء ذكر المهر أو لم يذكر.
وقال مالك: إن ذكر المهر فقال: بعتكها على مهر كذا أو ملكتها على مهر
كذا، صح، وإن لم يذكر المهر لم يصح لأن ذكر المهر يخلص اللفظ للنكاح.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا فإن ما اعتبرناه مجمع عليه، وما ذكروه من
أن النكاح ينعقد به ليس عليه دليل، وأيضا قوله تعالى: يا أيها النبي إنا أحللنا لك
أزواجك - إلى قوله - وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن
يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين، فأخبر تعالى أنه رخص رسوله بأن
جعل له الموهوبة خالصة له من دون المؤمنين لأن الكناية إليها رجعت، فمن قال:
إنه في الموهوبة وغيره سواء، فقد ترك الآية.
فإن قيل: الكناية إنما رجعت إلى سقوط البدل في الموهوبة ابتداء وانتهاء،
فكأنه قال: والموهوبة خالصة لك من دون المؤمنين بغير بدل ابتداء وانتهاء،
27

وكذلك نقول إن هذا له خاصة دون غيره.
والجواب عنه من ثلاثة أوجه:
أحدها: أن الكناية إنما ترجع إلى ما تقدم ذكره، والذي تقدم ذكره هو
الموهوبة ولم يجر للبدل ذكر قالوا على هذا، وإن لم يجر له ذكر نطقا فقد ضمن
النطق سقوط البدل وهو كونها موهوبة، قلنا: الكناية إنما ترجع إلى مذكور
منطوق به فأما إلى ما في ضمن اللفظ فلا يجوز.
والجواب الثاني: أن تكون الكناية راجعة إلى الأمرين معا، وهو أنها خالصة
بلفظ الهبة وغير بدل.
الثالث: إذا حمل الأمر على هذا لم يكن ذلك للنبي خاصة لأن غيره
يشاركه فيه، وهو إذا زوج السيد أمته من عبده فإن النكاح يصح من غير بدل
ابتداء وانتهاء، والقوم يقولون هاهنا: يجب المهر ثم يسقط، وهذه عبارة ليس
تحتها معنى.
فإن قيل: قوله عز وجل: خالصة لك من دون المؤمنين، معناه بعد تمام
العقد، وحصول الملك تنفرد بها خالصة لك، وكذلك نقول.
قلنا عنه جوابان: أحدهما هو أن الله تعالى إنما خصه بها وجعلها خالصة له
بالعقد، فهي في نفس العقد خالصة له بالعقد، والثاني حمل هذا على ما بعد العقد
وتمام الملك يسقط فائدة التخصيص، لأن غير النبي كالنبي في أن امرأته خالصة
له دون غيره.
فإن قيل: فكيف يصح أن تكون الكناية راجعة إلى حال العقد، وحال
العقد ما ملك بعد؟
قلنا: ملك القبول حال العقد إيجابا بلفظ الهبة، وهذا خالص له دون غيره.
فإن قيل: فالنبي صلى الله عليه وآله خصه الله به أن يستنكحها ولذلك
نقول: متى أراد استئناف العقد عليها كان له، فإن الله تعالى قال: إن أراد النبي أن
يستنكحها، قلنا: النبي صلى الله عليه وآله خصه به أن يقبل النكاح بأي لفظ شاء
28

عن إيجاب بلفظ الهبة خاص له، وليس هذا لغيره بحال.
مسألة 58: إذا قال الولي: زوجتكها أو أنكحتكها، فقال الزوج: قبلت،
ولم يزد انعقد العقد وتم.
وللشافعي فيه ثلاث طرق: منهم من قال: لا يجزئ قولا واحدا، ومنهم من
قال: يجزئ قولا واحدا، ومنهم من قال: المسألة على قولين وهو الأشبه عندهم.
دليلنا: أن الجواب متضمن للإيجاب، فإذا قال: زوجتكها، فقال: قبلت،
معناه قبلت التزويج وكان صحيحا، ألا ترى أنه لو قال: وهبت منك هذا الثوب،
فقال: قبلت، صح وعلم أن معناه قبلت الثوب، وكذلك في البيع إذا قال قبلت
ولم يقل الشراء، وكذلك إذا قرره الحاكم على دعوى مدع هل يستحقها
عليك؟ قال: نعم، أجزأه وكان معناه نعم هي له.
مسألة 59: متى شرط خيار الثلاث في عقد النكاح كان العقد باطلا، وبه
قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: يبطل الشرط والنكاح بحاله.
دليلنا: أن العقد حكم شرعي يحتاج إلى دلالة شرعية ولا دلالة على ثبوت
هذا العقد.
مسألة 60: الخطبة قبل عقد النكاح مسنونة غير واجبة، وبه قالت الأمة
بأجمعها إلا داود فإنه قال: هي واجبة.
دليلنا: إجماع الفرقة بل إجماع الأمة، وخلاف داود لا يعتد به، وأيضا
فإنه قد انقرض فبقي ما اتفقت عليه الأمة وهو الاستحباب، وأيضا فإن إيجابها
يحتاج إلى دليل وليس في الشرع ما يدل على وجوبها، ولأن النبي
صلى الله عليه وآله قال: لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل، ولم يذكر الخطبة، وفي حديث
سهل بن سعد الساعدي أنه قال لرجل: زوجتكها بما معك من القرآن، ولم يقل
29

خطب، وتزوج صلى الله عليه وآله عائشة ولم يخطب.
مسألة 61: لا أعرف نصا لأصحابنا في استحباب الخطبة التي تتخلل العقد،
وقال الشافعي: يستحب للولي أن يخطب بكلمات عند الإيجاب، ويستحب
للزوج مثل ذلك عند القبول.
دليلنا: أن استحباب ذلك يحتاج إلى دليل، فإن قيل: دليله من حيث هو
تحميد وتمجيد وصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله، قلنا: لم يخصص
ذلك حال العقد دون غيرها من الأحوال.
مسألة 62: لا يجوز لأحد أن يتزوج بأكثر من أربعة، وبه قالت الأمة
بأجمعها.
وحكوا عن القاسم بن إبراهيم أنه أجاز العقد على تسع، وإليه ذهبت القاسمية
من الزيدية، هذه حكاية الفقهاء عنهم ولم أجد أحدا من الزيدية يعترف بذلك بل
أنكروها أصلا فإذا المسألة إجماع وعليها إجماع الفرقة، وقوله تعالى: مثنى
وثلاث ورباع، لا يدل على ذلك لأن المراد بالواو " أو "، ولو كان المراد الجمع
لجاز الجمع بين ثمانية عشر، لأن قوله تعالى " مثنى " معناه اثنين اثنين، وكذلك
قوله " وثلاث ورباع " يعني ثلاثا ثلاثا وأربعا، كما يقول القائل: جاء الناس مثنى
وواحدا يعني اثنين اثنين وواحدا واحدا، وهذا باطل بالاتفاق.
وأيضا فقد روي أن غيلان أسلم وعنده عشر نسوة فقال عليه السلام:
أمسك أربعا وفارق سائرهن، وأسلم نوفل بن معاوية وتحته خمس، فأمره النبي
صلى الله عليه وآله أن يفارق واحدة منهن.
مسألة 63: لا يجوز للعبد أن يتزوج بأكثر من حرتين أو أربع إماء.
وقال الشافعي: لا يزيد على ثنتين حرتين كانتا أو أمتين، وبه قال عمر في
30

الصحابة وعبد الرحمان بن عوف، وحكوا ذلك عن علي عليه السلام، وفي
التابعين عطاء والحسن البصري، وفي الفقهاء الليث بن سعد وأهل مصر، وبه قال
أهل الكوفة ابن أبي ليلى وابن شبرمة والثوري وأبو حنيفة وأصحابه وأحمد
وإسحاق.
وذهب قوم إلى أنه كالحر له نكاح أربع، ذهب إليه الزهري وربيعة
ومالك، وبه قال أبو داود وأبو ثور.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، ولأن العقد على ثنتين مجمع على جوازه،
وما زاد عليهما يحتاج إلى دليل، ودليلنا على جواز أربع إماء إجماع الفرقة،
وأيضا قوله تعالى: ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم مما ملكت أيمانكم من
شركاء فيما رزقناكم فأنتم فيه سواء، فنفى المساواة بين السيد وعبده، وذلك
على عمومه، وعليه إجماع الصحابة أنه لا يجوز أن يعقد على أكثر من حرتين.
مسألة 64: يجوز الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها إذا رضيت العمة
والخالة بذلك.
وعند جميع الفقهاء أنه لا يجوز ذلك - أعني الجميع بينهما - ولا تأثير
لرضاهما، وذهبت الخوارج إلى أن ذلك جائز على كل حال.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا الأصل جوازه والمنع يحتاج إلى دليل،
وأيضا قوله تعالى بعد ذكر المحرمات: وأحل لكم ما وراء ذلكم، ولم يفرقه،
وقوله تعالى: فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع، ولم يفصل.
مسألة 65: إذا أبان زوجته بخلع أو مباراة أو فسخ جاز له أن يتزوج
بأختها وعمتها وخالتها قبل أن تخرج من العدة، وبه قال زيد بن ثابت والزهري
ومالك والشافعي.
وذهب قوم إلى أنه لا يجوز قبل الخروج من العدة على كل حال، حكوا
31

ذلك عن علي عليه السلام وابن عباس، وبه قال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه،
وهكذا الخلاف إذا كان تحته أربع فطلق واحدة هل له نكاح أخرى قبل
انقضاء عدة هذه أم لا؟ ولو طلقهن كلهن لم يكن له أن يتزوج غيرهن لا واحدة
ولا أربعا حتى ينقض عدتهن وهكذا لو كان له زوجة واحدة فطلقها كان له العقد
على أربع سواها، وقالوا: لا يجوز.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا قوله تعالى: فانكحوا ما طاب لكم
من النساء مثنى وثلاث ورباع، وقال عز وجل: اليوم أحل لكم الطيبات - إلى
قوله - والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب، وأراد
بالمحصنات الحرائر ولم يفصل.
مسألة 66: إذا قتلت المرأة نفسها قبل الدخول لم يسقط بذلك مهرها حرة
كانت أو أمة.
وللشافعي فيه طريقان: فقال أبو العباس: فيه قولان: أحدهما يسقط حرة
كانت أو أمة كما لو ارتدت، والقول الثاني لا يسقط، بل يستقر المهر حرة كانت
أو أمة، وهو اختيار المزني.
وقال أبو إسحاق وغيره: يسقط مهر الأمة ولا يسقط مهر الحرة قولا واحدا.
دليلنا: أن المهر قد ثبت بالعقد، وإسقاطه بالقتل يحتاج إلى دليل.
مسألة 67: إذا زوج الرجل أمته كان له بيعها بلا خلاف، فإذا باعها كان
بيعها طلاقها والمشتري بالخيار بين فسخ العقد وبين إمضائه وإقراره على ما
كان، وقال جميع الفقهاء: إن العقد بحاله.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وقد ذكرناها في الكتاب الكبير.
مسألة 68: الأب إذا كان فقيرا يجب على الولد نفقته، ولا يجب عليه إعفافه
32

بتزويجه، وبه قال أبو حنيفة وأكثر أهل العلم، وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل
ما قلناه والآخر لا يجب نفقته ولا إعفافه.
دليلنا على وجوب النفقة: إجماع الفرقة، وأما وجوب الإعفاف فلا دلالة
عليه فالأصل براءة الذمة.
مسألة 69: يجوز للأب إذا كان فقيرا عادما للطول أن يتزوج بأمة ابنه،
وقال الشافعي: لا يجوز.
دليلنا: قوله تعالى: ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات
المؤمنات فمما ملكت أيمانكم، ولم يفصل.
مسألة 70: إذا كانت عنده زوجة فزنت لا ينفسخ العقد، والزوجية باقية،
وبه قال جميع الفقهاء.
وقال الحسن البصري: تبين منه، وروي ذلك عن علي عليه السلام.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا الأصل بقاء العقد، وبطلانه
وانفساخه يحتاج إلى دليل.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: الولد للفراش وللعاهر
الحجر، ووجه الدلالة أن من خالف يقول: تبين منه بالإيلاج، والولد يلحق بما
يكون بعده من الإنزال، والنبي صلى الله عليه وآله أثبتها فراشا بعد أن حبلت
فكيف يحكم بأنها بانت قبل؟
وروي عن ابن عباس أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وآله فقال: إن امرأتي
لا تكف يد لا مس؟ فقال: طلقها، فقال: إني أحبها، فقال: أمسكها، فلو بانت منه
لما أمره بإمساكها.
مسألة 71: إذا زنى بامرأة جاز له نكاحها فيما بعد، وبه قال عامة أهل
33

العلم، وقال الحسن البصري: لا يجوز، وقال قتادة ومحمد: إن تابا جاز وإلا لم
يجز، وروي ذلك في أخبارنا.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا الأصل الإباحة، وأيضا قوله تعالى: فانكحوا
ما طاب لكم من النساء، ولم يفصل، وقال تعالى: وأحل لكم ما وراء ذلكم، ولم
يفصل، وروت عائشة أن النبي صلى الله عليه وآله قال: الحرام لا يحرم الحلال،
وعليه إجماع الصحابة، وروي ذلك عن أبي بكر وعمر وابن عباس، ولا مخالف
لهم.
مسألة 72: لا عدة على الزانية، ويجوز لها أن تتزوج سواء كانت حاملا أو
حائلا، غير أنه لا ينبغي أن يطأها حتى تضع ما في بطنها أو يستبرئها بحيضة
استحبابا.
وبه قال أبو حنيفة ومحمد والشافعي، وقال ربيعة ومالك والثوري وأحمد
وإسحاق: عليها العدة حاملا كانت أو حائلا.
وقال ابن شبرمة وأبو يوسف وزفر: إن كانت حاملا فعليها العدة وإن كانت
حائلا فلا عدة عليها.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، وإيجاب العدة عليها يحتاج إلى دليل،
وأيضا قوله تعالى: وأحل لكم ما وراء ذلكم، وقال: فانكحوا ما طاب لكم من
النساء، ولم يفصل، وقوله: لا يحرم الحرام الحلال، يدل عليه أيضا.
مسألة 73: إذا حصل بين صبيين الرضاع الذي يحرم مثله فإنه ينشر
الحرمة إلى أخواتهما وإلى من هو في طبقتهما ومن فوقهما من آبائهما.
وقال جميع الفقهاء خلاف ذلك.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا قوله صلى الله عليه وآله: يحرم من الرضاع
ما يحرم من النسب، وهذا لو كان بالنسب يحرم فكذلك إذا كان من الرضاع.
34

مسألة 74: كل امرأتين لا يجوز الجمع بينهما في النكاح لم يجز الجمع
بينهما في الوطء بملك اليمين، وبه قال جميع الفقهاء، وقال داود وأصحابه: كل
هذا يحل بملك اليمين.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا قوله تعالى: وأن تجمعوا بين الأختين، ولم
يفصل، وعليه إجماع الصحابة.
وروي عن ابن عباس أنه سئل عن الجمع بين الأختين بملك اليمين فقال:
أحلتهما آية وحرمتهما آية أخرى والتحريم مقدم وعن عثمان أنه قال: أحلتهما آية
وحرمتهما آية أخرى والتحريم أولى.
وروي مثل ذلك عن علي عليه السلام وابن مسعود وابن الزبير وابن عباس
وعمار بن ياسر وعائشة، ولا مخالف لهم.
مسألة 75: إذا تزوج بامرأة حرمت عليه أمها وجميع أمهاتها وإن لم
يدخل.
وبه قال في الصحابة عبد الله بن عمر وابن عباس وابن مسعود وعمران بن
حصين وجابر بن عبد الله الأنصاري، وبه قال جميع الفقهاء إلا أن للشافعي فيه
قولان.
ورووا عن علي عليه السلام أنه قال: لا تحرم الأم بالعقد وإنما تحرم
بالدخول كالربيبة سواء طلقها أو مات عنها، وبه قال ابن الزبير وعطاء.
وقال زيد بن ثابت: إن طلقها جاز له نكاح الأم، وإن ماتت لم يحل له
نكاح الأم، وإن ماتت لم يحل له نكاح أمها، فجعل الموت كالدخول.
دليلنا: قوله تعالى: وأمهات نسائكم، فأبهم ولم يشرط الدخول، وقال ابن
عباس في هذه الآية: أبهموا ما أبهم الله سبحانه، وروي مثل ذلك عن أئمتنا
عليه السلام، وعليه إجماع الفرقة، وقد رويت رواية شاذة مثل ما رواه العامة عن علي
عليه السلام.
35

ودليل المخالف قوله تعالى: من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا
دخلتم بهن فلا جناح عليكم، قالوا: هذا ليرجع إلى جميع ما تقدم من قوله
تعالى: وأمهات نسائكم وربائبكم، وقد أجيب عن ذلك بأن الشرط والاستثناء إذا
تعقب جملا إنما يجب أن يرجع إلى جميعة عند من قال بوجوب ذلك إذا كان
مما يصح أن يرجع إليه بانفراده، وهاهنا لا يمكن لأنه قال: وربائبكم الآتي في
حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن، والربائب من النساء لا محالة يصح أن
يرجع إليهن لأنه شرط أن يكون من نسائنا، وأمهات النساء ليس من نسائنا بل
نساءنا منهن.
وأيضا قالوا: نحن نخص ذلك بما رواه عبد الله بن عمرو بن العاص أن
النبي صلى الله عليه وآله قال: من نكح امرأة ثم ماتت قبل الدخول بها لم تحل
له أمها، وهذا نص.
مسألة 76: إذا دخل بالأمام حرمت البنت على التأبيد سواء كانت في حجره
أو لم تكن، وبه قال جميع الفقهاء، وقال داود: إن كان في حجره حرمت عليه
وإن لم تكن في حجره لم تحرم عليه.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأما قوله تعالى: وربائبكم اللاتي في حجوركم،
فليس ذلك شرطا في التحريم، وإنما وصفهن بذلك لأن في الغالب أنها تكون في
حجره.
مسألة 77: إذا ملك أمة فوطئها ثم تزوج أختها صح نكاحها وحرم عليه
وطء الأولى، وبه قال أبو حنيفة والشافعي، وقال مالك: لا ينعقد النكاح لأن
الأولى فراشه كما لو سبق النكاح.
دليلنا: قوله تعالى: وأحل لكم ما وراء ذلكم، وقوله: فانكحوا ما طاب
لكم من النساء، وذلك على عمومه.
36

مسألة 78: يجوز للرجل أن يجمع بين المرأة وزوجة أبيها إذا لم تكن
أمها، وبه قال جميع الفقهاء، وقال ابن أبي ليلى: لا يجوز الجمع بينهما.
دليلنا: إجماع الفرقة وقوله تعالى: فانكحوا ما طاب لكم من النساء،
وقوله: وأحل لكم ما وراء ذلكم، ولم يفرق.
مسألة 79: اختلفت روايات أصحابنا في الرجل إذا زنى بامرأة هل يتعلق
بهذا الوطء تحريم نكاح أم لا؟
فروي أنه لا يتعلق به تحريم نكاح، ويجوز له أن يتزوج أمهاتها وبناتها،
وهو المروي عن علي عليه السلام وابن عباس وسعيد بن المسيب وربيعة ومالك
والشافعي وأبي ثور.
وقد روي أنه يتعلق به التحريم كما يتعلق بالوطئ المباح، وهو الأكثر في
الروايات، وهو الذي ذكرناه في النهاية، وبه قال الأوزاعي والثوري وأبو حنيفة
وأصحابه وأحمد وإسحاق.
وقال أبو حنيفة: إن نظر إلى فرجها بشهوة أو قبلها بشهوة أو لمسها بشهوة
فهو كما لو زنى بها في تحريم النكاح، قال: ولو قبل أم امرأته بشهوة حرمت عليه
امرأته، ولو قبل رجل زوجة أبيه بشهوة انفسخ نكاحها.
دليلنا على الأول: الأخبار التي رويناها في الكتاب الكبير، وأيضا قوله
تعالى: فانكحوا ما طاب لكم من النساء، وأيضا قوله: وأحل لكم ما وراء ذلكم،
وأيضا الأصل الإباحة، وقوله صلى الله عليه وآله: لا يحرم الحرام الحلال، يدل
عليه أيضا لأنه لم يفصل.
وأما الذي يدل على الثاني فطريقة الاحتياط وأخبارنا التي ذكرناها في
الكتاب الكبير.
مسألة 80: إذا فجر بغلام فأوقب حرم عليه بنته وأمه وأخته.
37

وقال الأوزاعي: إذا لاط بغلام حرم عليه بنت هذا الغلام لأنها بنت من قد
دخل به، وخالف جميع الفقهاء في ذلك.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وطريقة الاحتياط تقتضي تجنب ذلك.
مسألة 81: اللمس بشهوة مثل القبلة واللمس إذا كان مباحا أو بشبهة ينشر
التحريم، وتحرم الأم وإن علت، والبنت وإن نزلت، وبه قال عمر بن الخطاب،
وإليه ذهب أكثر أهل العلم أبو حنيفة ومالك، وهو المنصوص للشافعي، ولا
يعرف له قول غيره، وخرج أصحابه قولا آخر أنه لا يثبت به تحريم المصاهرة،
فالمسألة مشهورة بالقولين.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا إجماع الصحابة فإن عمر قاله ولم
ينكر عليه أحد.
مسألة 82: إذا نظر إلى فرجها تعلق به تحريم المصاهرة، وبه قال أبو حنيفة،
وقال الشافعي: لا يتعلق به ذلك.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم وطريقة الاحتياط، وروي عن النبي
صلى الله عليه وآله أنه قال: لا ينظر الله إلى رجل نظر إلى فرج امرأة وابنتها، وقال
عليه السلام: من كشف قناع امرأة حرمت عليه أمها وبنتها.
مسألة 83: إذا زنى بامرأة فاتت ببنت يمكن أن تكون منه لم تلحق به بلا
خلاف، ولا يجوز له أن يتزوجها، وبه قال أبو حنيفة، واختلف أصحابه.
فقال المتقدمون: لأنها بنت من قد زنى بها والزنى يثبت به تحريم المصاهرة،
وهذا قوي إذا قلنا أن الزنى يتعلق به تحريم المصاهرة.
وقال المتأخرون - وعليه المناظرة -: أن المنع ليس من جهة المصاهرة بل
لأنها في الظاهرة مخلوقة من مائة، وقال الشافعي: يجوز له أن يتزوجها.
38

دليلنا: ما دللنا عليه من أنه إذا زنى بامرأة حرمت عليه بنتها وانتشرت
الحرمة، وهذه بنتها، وطريقة الاحتياط تقتضي تجنب هذه، وأيضا قوله تعالى:
حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم، وهذه بنته لغة وإن لم تكن شرعا.
مسألة 84: المحصلون من أصحابنا يقولون: لا يحل نكاح من خالف
الإسلام لا اليهود ولا النصارى ولا غيرهم.
وقال قوم من أصحاب الحديث من أصحابنا: يجوز ذلك.
وأجاز جميع الفقهاء التزويج بالكتابيات، وهو المروي عن عمر وعثمان
وطلحة وحذيفة وجابر، وروي أن عمار أنكح نصرانية، ونكح طلحة نصرانية.
ونكح حذيفة يهودية، وروي عن ابن عمر كراهية ذلك، وإليه ذهب الشافعي.
دليلنا: قوله تعالى: ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن، وقوله سبحانه: ولا
تمسكوا بعصم الكوافر، وذلك عام.
فإن قيل: قوله: ولا تنكحوا المشركات، ولا يتناول الكتابيات، قيل له: إن
هذا غلط لغة وشرعا قال الله تعالى: وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى
المسيح ابن الله - إلى قوله تعالى - سبحانه عما يشركون، فسماهم مشركين.
وأما اللغة فإن لفظ المشرك مشتق من الإشراك، وقد جعلوا لله تعالى ولدا
فوجب أن يكونوا مشركين، وقول اليهود: إنا لا نقول أن عزيرا ابن الله، لا نقبله
مع ما نطق القرآن به، ثم إذا ثبت في النصارى ثبت في اليهود بالإجماع لأن
أحدا لا يفرق.
فإن عارضوا بقوله تعالى: والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم،
نحمله على من أسلم منهن أو نخصه بنكاح المتعة لأن ذلك جائز عندنا، وأما
أخبارنا فقد ذكرناها في الكتاب الكبير، وتكلمنا على ما يخالفها ولا مباينة فيما
بينها، من أرادها وقف عليها من هناك.
39

مسألة 85: لا يجوز مناكحة المجوس بلا خلاف إلا أبا ثور فإنه قال: تحل
مناكحتهم، وغلطه أصحاب الشافعي.
وقال أبو إسحاق: هذه مبنية على قولين هل هم أهل الكتاب أم لا؟ فإن قلنا:
هم أهل كتاب - وهو قول علي عليه السلام - جاز مناكحتهم، وإن قلنا: ليسوا
أهل الكتاب، لم تحل، قال أبو حامد الإسفرايني: وهذا غلط جدا.
دليلنا: أنا قد بينا أن جميع من خالف الإسلام لا يجوز مناكحته، فهذا
الفرع ساقط عنا، وما دللنا به في المسألة الأولى يدل على هذه.
مسألة 86: لا يجوز للحر المسلم تزويج الأمة إلا بثلاث شروط: أن تكون
مسلمة أولا، ولا يجد طولا، ويخاف العنت، وبه قال ابن عباس وجابر والحسن
وعطاء وطاووس وعمر بن دينار والزهري، وفي الفقهاء مالك والأوزاعي
والشافعي.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: لا يحل له إلا بشرط واحد وهو أن لا يكون عنده
حرة، وإن كانت تحته حرة لم يحل، وبه قال قوم من أصحابنا.
وقال الثوري: إذا خاف العنت حل سواء وجد الطول أو لم يجد، وقال
قوم: يجوز نكاحها مطلقا كالحرة.
دليلنا: قوله تعالى: ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات
المؤمنات فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات، وفيها دليلان: أحدهما هو أنه
قال: ومن لم يستطع منكم طولا، يعني سعة وفضلا هكذا قال ابن عباس،
والمحصنات أراد به المؤمنات الحرائر.
فإن قالوا: معنى قوله تعالى: ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح
المحصنات، أراد به الوطء منها فكأنه قال: من لم يقدر على وطء حرة وطئ أمته
بملك اليمين، وهكذا نقول.
قلنا: هذا فاسد من ثلاثة أوجه: أحدها أنه ليس من شرط جواز وطء ملك
40

اليمين عدم القدرة على وطء الحرة، والثاني لا يجوز حمله على وطء ملك اليمين
لأنه قال: فانكحوهن بإذن أهلهن، والثالث أنه قال في سياق الآية: ذلك لمن
خشي العنت منكم، وليس من شرط جواز وطء ملك يمينه خوف العنت على
نفسه، وروي عن جابر أنه قال: من وجد صداق حرة فلا ينكح أمة، وروي عن
ابن عباس مثله، ولا مخالف لهما.
مسألة 87: إذا كانت عنده حرة وأذنت له في تزويج أمة جاز عند
أصحابنا، وخالف جميع الفقهاء في ذلك وقالوا: لا يجوز وإن أذنت.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 88: يجوز للحر أن يتزوج بأمتين ولا يزيد عليهما، وقال الشافعي:
لا يجوز له أن ينكح أكثر من واحدة، فإن نكح ثانية وتحته أمة فنكاح الثانية
باطل، وإن نكح أمتين بعقد واحد بطل نكاحهما.
وقال أبو حنيفة: إذا لم يكن تحته حرة جاز له أن ينكح من الإماء ما نكح
من الحرائر، وله أن يزوج أربع إما بعقد واحد أو واحدة بعد أخرى كيف شاء.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 89: للعبد أن ينكح أربع إماء أو حرتين أو حرة وأمتين، ولا يجوز
أن ينكح أمة على حرة إلا برضا الحرة، وقال الشافعي: له نكاح أمة وأمتين
ونكاح أمة على حرة وحرة على أمة.
وقال أبو حنيفة: يجوز له ذلك إلا إذا كان تحته حرة فإنه لا يجوز له نكاح
أمة كالحر.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا قوله تعالى: وأنكحوا الأيامى منكم
والصالحين من عبادكم وإمائكم، وقال عليه السلام: أيما عبد نكح بغير إذن
41

سيده فهو عاهر، وهذا قد نكح باذنه.
مسألة 90: إذا عقد على حرة وأمة في عقد واحد بطل العقد على الأمة، ولا
يبطل في الحرة، وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه وهو أصحهما وهو
اختيار المزني والآخر يبطلان معا.
دليلنا: إجماع الفرقة وأيضا فلا خلاف أن العقد على الحرة على الانفراد
جائز، فمن زعم أنه إذا قارنه العقد على الأمة فسد فعليه الدلالة.
مسألة 91: إذا تزوج الحر بأمة بوجود الشرطين عدم الطول وخوف
العنت ثم زال الشرطان أو أحدهما لم يبطل نكاح الأمة، وبه قال جميع الفقهاء،
وقال المزني: متى أيسر ووجد الطول للحرة بطل نكاح الأمة.
دليلنا: أن هذا عقد قد ثبت بالإجماع، وليس على بطلانه دليل إذا أيسر
وزال العنت.
مسألة 92: إذا تزوج حرة على أمة من غير علم الحرة ورضاها كانت
الحرة بالخيار بين الرضا بذلك وبين فسخ عقد نفسها.
وقال جميع الفقهاء: إن عقد الحرة عليها صحيح ولا يبطل واحد منهما، إلا
أحمد بن حنبل فإنه قال: متى تزوج حرة بطل نكاح الأمة.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وروي عن علي عليه السلام وابن عباس
أنهما قالا: إذا تزوج بأمة ثم تزوج بحرة بعد ذلك فلا يبطل نكاح الأمة، ولا
مخالف لهما، فأما دليلنا على أن لها الفسخ في نكاح نفسها فليس إلا إجماع
الفرقة وأخبارهم.
مسألة 93: الصابئة لا تجري عليهم أحكام أهل الكتاب، وللشافعي فيه
42

قولان: أحدهما أنه يجري عليهم حكم النصارى، والسامرة يجري عليهم حكم
اليهود، والقول الآخر لا يجري عليهم ذلك، والأول أشهر قوليه.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا فإلحاقهم باليهود والنصارى يحتاج إلى
دليل.
مسألة 94: لا يحل للمسلم نكاح أمة كتابية حرا كان أو عبدا، وبه قال في
الصحابة عمر وابن مسعود، وفي التابعين الحسن البصري ومجاهد والزهري، وفي
الفقهاء مالك والشافعي والأوزاعي والليث بن سعد والثوري وأحمد وإسحاق،
وقال أبو حنيفة: يجوز للمسلم نكاح أمة كتابية.
دليلنا: أنا قد دللنا على أنه لا يجوز نكاح الحرة منها، فمن قال بذلك قال
بهذه المسألة ولم يفصل، وأيضا قوله تعالى: فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم
المؤمنات، أباح نكاح الأمة بثلاث شرائط: عدم الطول، وخوف العنت، وأن
تكون مسلمة، فمن لم يعتبر بذلك فقد ترك الآية، وأيضا فهو إجماع الصحابة
لأن عمر وابن مسعود قالا بذلك ولا مخالف لهما.
مسألة 95: العبد المسلم لا يحل له أن يتزوج أمة كتابية، وبه قال
الشافعي، وقال أبو حنيفة: يجوز.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 96: إذا صرح بالتزويج للمعتدة ثم تزوجها بعد خروجها من العدة
لم يبطل النكاح، وإن فعل محظورا بذلك التصريح، وبه قال الشافعي
وأبو حنيفة، وقال مالك: متى صرح ثم تزوج فسخت النكاح بينهما.
دليلنا: أن فسخ النكاح يحتاج إلى دليل، وأيضا قوله تعالى: فانكحوا ما
طاب لكم من النساء، وقوله صلى الله عليه وآله: لا نكاح إلا بولي وشاهدي
43

عدل، وهذا نكاح بولي وشاهدي عدل.
مسألة 97: إذا تزوجها في عدتها مع العلم بذلك ولم يدخل بها فرق
بينهما ولم تحل له أبدا، وبه قال مالك، وخالف جميع الفقهاء في ذلك.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 98: إذا تزوجها في عدتها مع الجهل بتحريم ذلك ودخل بها فرق
بينهما ولم تحل له أبدا، وبه قال عمر ومالك والشافعي في القديم، وقال في
الجديد: تحل له بعد انقضاء عدتها، وبه قال أبو حنيفة وباقي الفقهاء.
دليلنا: إجماع الفرقة وطريقة الاحتياط.
مسألة 99: إذا تزوجها في حال إحرامها جاهلا فدخل بها فرق بينهما ولم
تحل له أبدا، وإن كان عالما ولم يدخل بها فرق بينهما أيضا ولم تحل له أبدا،
وخالف جميع الفقهاء فيهما.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم وطريقة الاحتياط.
مسألة 100: إذا طلقها تسع تطليقات للعدة تزوجت فيما بينهما زوجين لم
تحل له أبدا، وهو إحدى الروايتين عن مالك، وخالف جميع الفقهاء في ذلك.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم وطريقة الاحتياط.
مسألة 101: كل موضع نقول: يحرم على الرجل أن يخطب على خطبة
غيره بأن تكون أجابت ورضيت أو أجاب وليها ورضي إن لم تكن من أهل الولاية
فإذا خالف وتزوج كان التزويج صحيحا.
وبه قال جميع الفقهاء، وقال داود: النكاح فاسد.
44

دليلنا: قوله تعالى: فانكحوا ما طاب لكم من النساء، وقوله
صلى الله عليه وآله: لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل، وأيضا فإن فعل المحظور سبق حال
العقد فلا يؤثر في العقد، فمن قال بتأثيره فيه فعليه الدلالة.
مسألة 102: إذا تزوج الكافر بأكثر من أربع نسوة فأسلم واختار منهن
أربعا سواء أسلمن أو لم يسلمن إذا كن كتابيات، فإن لم يكن كتابيات مثل الوثنية
والمجوسية فإن أسلمن معه اختار منهن أربعا، وإن لم يسلمن لم تحل له واحدة
منهن سواء تزوجهن بعقد واحد أو بعقد بعد عقد، فإن له الخيار في أيتهن شاء،
وبه قال الشافعي ومحمد بن الحسن.
وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: إن كان تزوجهن بعقد واحد بطل نكاح الكل
ولا يمسك واحدة منهن، وإن تزوج واحدة بعد أخرى أو اثنتين اثنتين أو
أربعا أربعا ثبت نكاح الأربع الأول وبطل نكاح البواقي، فليس للزوج عنده سبيل
إلى الاختيار.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وروى الزهري عن سالم عن أبيه أن
غيلان بن سلمة الثقفي أسلم وعنده عشرة نسوة فقال له النبي صلى الله عليه وآله:
أمسك أربعا وفارق سائرهن، وفي رواية أخرى أمره النبي صلى الله عليه وآله أن
يختار منهن أربعا ويفارق البواقي، وهذا نص.
مسألة 103: إذا كانت عنده يهودية أو نصرانية فانتقلت إلى دين لا يقر عليه
أهله لم يقبل منها إلا الإسلام أو الدين الذي خرجت منه.
وللشافعي فيه ثلاثة أقوال: أحدها مثل ما قلناه، والثاني لا يقبل منها إلا
الإسلام، والثالث يقبل منها كل دين أهله يقر عليه، وحكم نكاحها إن كان لم
يدخل بها وقع الفسخ في الحال، وإن كان بعده وقف على انقضاء العدة.
دليلنا: أن ما ذكرناه مجمع عليه، وما ادعوه ليس عليه دليل.
45

مسألة 104: إذا انتقلت إلى دين يقر عليه أهله، مثل أن انتقلت إلى يهودية أو
نصرانية، إن كانت مجوسية أو كانت وثنية فانتقلت إلى اليهودية أو النصرانية
أقررناها عليه.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه والآخر لا يقرون عليه، فإذا قال:
يقرون، فلا كلام، وإذا قال: لا يقرون، ما الذي يفعل بها؟ على قولين: أحدهما لا
يقبل غير الإسلام، والثاني يقبل الإسلام أو الدين الذي كانت عليه لا غير.
فإذا قال: تقر على ما انتقلت إليه، فإن كانت مجوسية أقرت في حقها دون
النكاح، فإن كان قبل الدخول وقع الفسخ في الحال، وإن كانت يهودية أو
نصرانية فإنها تقر على النكاح.
وإن قال: لا تقر على ما انتقلت إليه، فهي مرتدة، فإن كان قبل الدخول وقع
الفسخ في الحال، وإن كان بعده وقف على انقضاء العدة.
دليلنا: أن ما ذكرناه مجمع عليه، وما ادعاه ليس عليه دليل، وأيضا
الأصل بقاء العقد، والحكم بفسخه في الحال أو فيما بعد يحتاج إلى دليل.
مسألة 105: إذا كانا وثنيين أو مجوسيين أو أحدهما مجوسيا والآخر وثنيا
فأيهما أسلم فإن كان قبل الدخول بها وقع الفسخ في الحال، وإن كان بعده
وقف على انقضاء العدة، فإن أسلما قبل انقضائها فهما على النكاح، وإن انقضت
العدة انفسخ النكاح.
وهكذا إذا كانا كتابيين فأسلمت الزوجة سواء كان في دار الحرب أو في
دار الإسلام، وبه قال الشافعي.
وقال مالك: إذا أسلمت الزوجة مثل ما قلناه، وإن أسلم الزوج وقع الفسخ
في الحال سواء كان قبل الدخول أو بعده.
وقال أبو حنيفة: إن كانا في دار الحرب وقف على مضى ثلاث حيض إن
كانت من أهل الأقراء، أو ثلاثة أشهر إن كانت من أهل الشهور، فإن لم يسلم
46

المتأخر منهما وقع الفسخ بمضي ثلاث حيض وكان عليها استئناف العدة
حينئذ، وعندنا العدة وقعت من حين اختلف الدين بينهما وسواء كان قبل
الدخول أو بعده عندهم الباب واحد، قالوا: وإن كانا في دار الإسلام لعقد ذمة أو
معاهدة فمتى أسلم أحدهما لم يقع الفسخ في الحال سواء كان قبل الدخول أو
بعده، ولا يقف على انقضاء العدة، فلو بقيا سنين فهما على النكاح لكنهما لا يقرءان
على الدوام على هذا النكاح، بل يعرض الإسلام على المتأخر منهما فإن أسلم فهما
على النكاح وإلا فرق بينهما ثم نظر، فإن كان المتأخر هو الزوج فالفرقة طلاق
وإن كان المتأخر هو الزوجة فالفرقة فسخ.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا وقوع الفسخ في الحال يحتاج
إلى دلالة شرعية، والأصل بقاء العقد، وأيضا فلا خلاف أن النبي
صلى الله عليه وآله لما فتح مكة خرج إليه أبو سفيان فلقي العباس فحمله إلى النبي
صلى الله عليه وآله فأسلم ودخل النبي صلى الله عليه وآله مكة ومضى خالد بن الوليد
وأبو هريرة إلى هند وقرءا عليها القرآن فلم تسلم ثم أسلمت فيما بعد، فردها النبي
صلى الله عليه وآله على أبي سفيان بالعقد الأول، فلو بانت في حال ما أسلم
الزوج لم يردها النبي صلى الله عليه وآله إلا بعقد مستأنف، وهذا نص على
مالك.
مسألة 106: إذا اختلف الدار بالزوجين فعلا وحكما لم يتعلق به فسخ
النكاح، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: إذا اختلف الدار بهما فعلا وحكما وقع الفسخ في الحال،
وإن اختلفت فعلا لا حكما أو حكما لا فعلا فهما على النكاح، أما اختلافها فعلا
وحكما فإن يكونا ذميين في دار الإسلام فلحق الزوج بدار الحرب ونقض العهد
فقد اختلفت الدار بهما فعلا لأن أحدهما في دار الحرب، وحكما أيضا فإن حكم
الزوج حكم أهل الحرب يسبى ويسترق، وحكم هذه حكم أهل الذمة في دار
47

الإسلام لا تسبى ولا تسترق.
وكذلك إذا كان الزوجان في دار الحرب فدخل الزوج إلينا بعقد الذمة
لنفسه أو دخل إلينا فأسلم عندنا، فقد اختلفت الدار بهما فعلا وحكما وقع الفسخ
في الحال.
فأما العدة فإن دخل هو إلينا مسلما بانت منه زوجته التي في دار الحرب،
ولا عدة عليها في قولهم جميعا، وإن كان الذي دخل إلينا مسلما هو الزوجة فلا
عدة عليها، على قول أبي حنيفة إن كانت حائلا، وعليها العدة إن كانت حاملا،
وقال أبو يوسف ومحمد: عليها العدة على كل حال لأنها بانت في دار الإسلام.
وأما اختلافهما فعلا لا حكما فإن يدخل الذي إلى دار الحرب في تجارة
وزوجته في دار الإسلام أو يدخل الحربي إلينا في تجارة وزوجته في دار الحرب
فقد اختلفت الدار بينهما فعلا لا حكما فهما على النكاح بلا خلاف.
وأما اختلافهما حكما لا فعلا فإن يسلم أحد الزوجين في دار الحرب، فقد
اختلف، حكمهما، فإن أحدهما يسبى ويسترق دون الآخر ولم يختلف بهما الدار
فعلا فهما على النكاح، ولا يقع الفسخ في الحال، ويقف على مضى ثلاثة أشهر أو
ثلاث حيض على ما قلناه في المسألة الأولى، فإذا مضى ولم يجتمعا على الإسلام
وقع الفسخ حينئذ.
فالخلاف معهم إذا اختلف الدار فعلا وحكما هل يقع الفسخ أم لا؟
والكلام في العدة هل تجب أم لا؟
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا الأصل بقاء العقد، ووقوع الفسخ
في الحال يحتاج إلى دليل، والخبر الذي قدمناه في إسلام أبي سفيان وتأخر
إسلام هند وأن النبي صلى الله عليه وآله أقرهما على الزوجية يدل على ذلك، فإن
أبا سفيان كان قد اختلف الدار بينه وبين زوجته فعلا وحكما.
فأما فعلا فمشاهدة، وأما حكما فلان مكة كانت دار حرب وأسلم هو بين
الظهران وهي دار الإسلام لأن النبي صلى الله عليه وآله كان نزلها وملكها
48

واستولى عليها، ومع هذا فلم يقع الفسخ بينهما.
وأيضا فصفوان بن أمية وعكرمة بن أبي جهل أسلمت زوجتاهما، وخرجت
زوجة عكرمة أم حكيم بنت الحارث خلفه إلى الساحل فردته وأخذت له الأمان،
وكانت زوجة صفوان فاختة بنت الوليد بن المغيرة أخذت الأمان لزوجها، وكان
خرج إلى الطائف فرجع واستعار النبي صلى الله عليه وآله منه أدرعا، وخرج
مع النبي صلى الله عليه وآله إلى هوازن ورجع معه إلى مكة، ثم أسلم وأسلم
عكرمة فردت عليهما امرأتاهما بعد أن اختلف الدار بهما فعلا وحكما، فإن مكة
دار الإسلام والطائف يومئذ دار الحرب وكذلك الساحل، فعلم بذلك أن
الاختلاف في الدار لا اعتبار به، وروي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله
رد ابنته زينب على زوجها أبي العاص بالعقد الأول.
مسألة 107: إذا كانا جميعا في دار الحرب ودار الإسلام فأسلم أحدهما قبل
الدخول وقع الفسخ في الحال، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: يقف على مضى العدة ثلاثة أشهر أو ثلاث حيض إذا لم
تختلف بهما الدار سواء كانا في دار الحرب أو دار الإسلام.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا فكل من قال أن اختلاف الدار لا يؤثر
بالفسخ قال بما قلناه، وقد دللنا على ذلك في المسألة الأولى، وأيضا فإن الفسخ
يجري مجرى الطلاق، فكما لو طلقها لم تجب عليها العدة، فكذلك إذا انفسخ
العقد.
مسألة 108: إذا جمع في العقد بين الأم والبنت في حال الشرك بلفظ
واحد ثم أسلم كان له إمساك أيتهما شاء ويفارق الأخرى، وللشافعي فيه قولان:
أحدهما مثل ما قلناه وهو أقواهما عنده، والآخر يمسك البنت ويخلى الأم وهو
اختيار المزني.
49

دليلنا: أن المشرك إذا جمع بين من لا يجوز الجمع بينهما في نكاح فإنما
يحكم بصحة نكاح من ينضم الاختيار إلى عقدها، ألا ترى أنه إذا عقد على عشرة
دفعة واحدة وأسلم واختار منهن أربعا فإذا فعل حكمنا بأن نكاح الأربع وقع
صحيحا ونكاح البواقي وقع باطلا، بدليل أن نكاح البواقي يزول ولا يجب عليه
نصف المهر إن كان قبل الدخول، فإذا كان كذلك فمتى اختار إحديهما حكمنا
بأنه هو الصحيح والآخر باطل، ولأنه إذا جمع بين من لا يجوز الجمع بينهما
واختار في حال الإسلام كان اختياره بمنزلة ابتداء عقد، بدليل أنه لا يجوز أن
يختار إلا من يجوز أن يستأنف نكاحها حين الاختيار، فإذا كان الاختيار كابتداء
العقد كان كأنه الآن تزوج بها وحدها فوجب أن يكون له اختيار كل واحدة
منهما.
مسألة 109: إذا أسلم وعنده أربع زوجات إماء وهو واجد للطول ولا
يخاف العنت جاز له أن يختار اثنتين منهن.
وقال الشافعي: ليس له أن يختار واحدة منهن، وقال أبو ثور: له أن يختار
واحدة منهن، كما له أن يختار واحدة منهن إذا لم يكن واجدا للطول وخاف
العنت.
دليلنا: أن اختياره استدامة العقد وليس باستئناف عقد، ألا ترى أنه لو أسلم
وعنده خمس زوجات فأحرم ثم أسلمن كان له أن يختار أربعا وهو محرم، فلو
كان الاختيار كالابتداء ما جاز للمحرم الاختيار كما لا يجوز له الابتداء، ولأنه لو
كان الاختيار كالابتداء لاحتاج إلى ولي وشاهدي عدل عند من قال بذلك، وقد
أجمعنا على خلافه.
مسألة 110: إذا أعتقت الأمة تحت عبد كان لها الخيار وهو على الفور،
وللشافعي فيه قولان، أحدهما مثل ما قلناه وهو اختياره، والثاني على التراخي،
50

وكم مدة التراخ؟ فيه ثلاثة أقوال: أحدها ثلاثة أيام، والثاني حتى يتمكن من
الوطء أو تصرح بالرضا، والثالث أن يكون منها ما يدل على الرضا.
دليلنا: أن اختيارها على الفور مجمع عليه، وثبوته على التراخي يحتاج إلى
دلالة.
في حكم المرتد بقسميه
مسألة 111: المرتد على ضربين: مرتد عن فطرة الإسلام فهذا يجب قتله
وتبين امرأته في الحال، وعليها عدة المتوفى عنها زوجها، والآخر من كان أسلم
عن كفر ثم ارتد وقد دخل بزوجته فإن الفسخ يقف على انقضاء العدة، فإن
رجع في العدة إلى الإسلام فهما على النكاح، وإن لم يرجع حتى انقضت العدة
وقع الفسخ بالارتداد، وبه قال الشافعي إلا أنه لم يقسم المرتد.
وقال أبو حنيفة: يقع الفسخ في الحال ولا يقف على انقضاء العدة، ولم
يفصل أيضا.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 112: أنكحة المشركين صحيحة، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه
والشافعي والزهري والأوزاعي والثوري.
وقال مالك: أنكحتهم فاسدة، وكذلك طلاقهم غير واقع، فلو طلق
المسلم زوجته الكتابية ثم تزوجت بمشرك ودخل بها لم يبحها لزوجها المسلم.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا قوله تعالى: فإن طلقها فلا تحل له
من بعد حتى تنكح زوجا غيره، وهذه نكحت زوجا غيره فينبغي أن تحل للأول.
وأيضا قوله تعالى: وامرأته حمالة الحطب، وبعد ذكر أبي لهب فأضافها إليه
فاقتضى هذا زوجية صحيحة، وقال تعالى: وقالت امرأة فرعون قرة عين لي
ولك، فأضافها إليه.
51

وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: ولدت من نكاح لا من سفاح،
- ومعلوم أنه ولد في الجاهلية - فآخر أن لهم أنكحة صحيحة.
مسألة 113: إذا تزوج الكتابي بمجوسية أو وثنية، وترافعوا إلينا قبل أن
يسلموا أقررناهم على نكاحهم، وبه قال جميع أصحاب الشافعي، وقال أبو سعيد
الإصطخري: لا نقرهم.
دليلنا: عموم الأخبار التي وردت بإقرارهم على أنكحتهم وعقودهم.
مسألة 114: كل فرقة كانت من جهة اختلاف الدين كان فسخا لا طلاقا
سواء أسلم الزوج أولا أو الزوجة، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: إن أسلم الرجل كما قلنا وإن أسلمت الزوجة أولا عرض
الإسلام عليه فإن فعل وإلا فسخنا العقد بينهما.
دليلنا: ما قلنا مجمع عليه، ومن قال: كان طلاقا، يحتاج إلى دليل.
مسألة 115: كل من خالف الإسلام لا تحل مناكحته ولا أكل ذبيحته
سواء كان كتابيا أو غير كتابي على ما تقدم القول فيه، والمولود بينهما حكمه
حكمهما.
وقال الفقهاء بأجمعهم: إن كانا كتابيين يجوز ذلك، وإن كانت الأم كتابية
والأب غير كتابي، قال الشافعي: لا تحل ذبيحته قولا واحدا، وإن كان الأب
كتابيا والأم غير كتابية ففيهما قولان وحكم النكاح حكم الذبيحة سواء.
وقال أبو حنيفة: يجوز ذلك على كل حال.
دليلنا: ما قدمناه من أنه لا يجوز العقد على من خالف الإسلام فهذا الفرع
يسقط عنا.
52

مسألة 116: إذا تحاكم ذميان إلينا كنا مخيرين بين الحكم بما يقتضيه
شرع الإسلام وبين ردهم إلى أهل ملتهم، وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما
قلناه وهو أصحهما عندهم، والآخر يجب عليه أن يحكم بينهما وهو اختيار المزني.
دليلنا: قوله تعالى: فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم، وهذا
نص، وأيضا إجماع الفرقة عليه.
مسألة 117: يكره إتيان النساء في أدبارهن وليس ذلك بمحظور.
ونقل المزني كلاما ذكره في القديم في إتيان النساء في أدبارهن، فقال: قال
بعض أصحابنا حلال، وبعضهم قال: حرام، ثم قال: وآخر ما قال الشافعي: ولا
أرخص فيه بل أنهي.
وقال الربيع: نص على تحريمه في ستة كتب، وقال ابن عبد الحكم وقال
الشافعي: ليس في هذا الباب حديث يثبت، وقال: القياس أنه يجوز، قال الربيع:
كذب، والذي لا إله إلا هو فقد نص الشافعي على تحريمه في ستة كتب.
وحكوا تحريمه عن علي عليه السلام وابن عباس وابن مسعود وأبي الدرداء،
وفي التابعين عن الحسن البصري ومجاهد وطاووس وعكرمة وقتادة، وبه قال
الثوري وأبو حنيفة وأصحابه.
وذهب زيد بن أسلم ونافع إلى أنه مباح، وعن ابن عمر روايتان، إحديهما أنه
مباح، وحكى الطحاوي عن حجاج بن أرطاة إباحة ذلك.
وعن مالك روايتان: أهل المغرب يروون عنه إباحة ذلك، وقالوا: نص
عليه في كتاب السر، وروى ابن مصعب عن مالك وأصحابه بالعراق يأبون
ذلك ويقولون: لا يحل عنده ولا يعرف لمالك كتاب السر.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا الأصل الإباحة، والمنع يحتاج إلى
دليل، وأيضا قوله تعالى: فاعتزلوا النساء في المحيض، وإنما أراد مكان الحيض
فدل على أن ما عداه مباح، وقال تعالى: نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى
53

شئتم، ولم يفصل بين القبل والدبر، وقال تعالى: أتأتون الذكران من العالمين
وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم، فنهاهم عن إتيان الذكران وعاتبهم على
ترك مثله من أزواجكم، فثبت أنه مباح.
وروى نافع قال: قال لي ابن عمر: أمسك على هذا المصحف، فقرأ عبد الله
حتى بلغ: نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم، فقال: يا نافع أتدري في من
نزلت هذه الآية؟ قال: قلت: لا، قال: في رجل من الأنصار أصاب امرأته في دبرها
فوجد في نفسه من ذلك فسأل النبي صلى الله عليه وآله، فأنزل الله تعالى:
نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم، وذكر في التفسير ما قيل في هذه الآية التي
أوردها.
مسألة 118: نكاح الشغار باطل عندنا، وبه قال مالك والشافعي وأحمد
وإسحاق غير أن مالكا أفسده من حيث فساد المهر وأفسده الشافعي من حيث أنه
ملك البضع كل واحد من شخصين.
وذهب الزهري والثوري وأبو حنيفة وأصحابه إلى أن نكاح الشغار صحيح
وإنما فسد فيه المهر فلا يفسد بفساده.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وروى نافع عن ابن عمر أن النبي
صلى الله عليه وآله نهى عن الشغار، والشغار أن يقول: زوجتك بنتي على أن تزوجني
بنتك على أن يكون، والظاهر بضع كل واحدة منهما مهر الأخرى، فإن كان
هذا التفسير عن النبي صلى الله عليه وآله فإنه أدرجه في كلامه فهو نص، وإن
كان من الراوي له وجب المصير إليه لأنه أعرف بما نقله وأعلم بما سمعه من النبي
صلى الله عليه وآله فإنه شاهد الوحي والتنزيل وعرف البيان والتأويل، وعرف
أغراض الرسول صلى الله عليه وآله.
مسألة 119: نكاح المتعة عندنا مباح جائز وصورته أن يعقد عليها مدة
54

معلومة بمهر معلوم، فإن لم يذكر المدة كان النكاح دائما وإن ذكر الأجل ولم
يذكر المهر بطل العقد، وإن ذكر مدة مجهولة لم يصح على الصحيح من
المذهب، وبه قال علي عليه السلام على ما رواه أصحابنا، وروي ذلك عن ابن
مسعود وجابر بن عبد الله وسلمة بن الأكوع وأبي سعيد الخدري والمغيرة بن
شعبة ومعاوية بن أبي سفيان وابن عباس وابن جريح وسعيد بن جبير ومجاهد
وعطاء.
وحكى الفقهاء تحريمه عن علي عليه السلام وعمر بن الخطاب وابن مسعود
وابن الزبير وابن عمر، وقالوا، إن ابن عباس ورجع عن القول بإباحتها.
دليلنا: إجماع الفرقة المحقة، وأيضا قوله تعالى: فانكحوا ما طاب لكم من
النساء، وهذا مما قد طاب له منهن وقال تعالى: وأحل لكم ما وراء ذلكم أن
تبتغوا بأموالكم، وهذا مما قد ابتغاه بماله، وقال تعالى: فما استمتعتم به منهن
فأتوهن أجورهن فريضة.
ولفظ الاستمتاع إذا أطلق لا يفيد إلا نكاح المتعة، وفي قراءة ابن مسعود فما
استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فأتوهن أجورهن، وهذا نص.
وأيضا لا خلاف أنها كانت مباحة فمن ادعى نسخها فعليه الدلالة.
وأيضا الأصل الإباحة، والمنع يحتاج إلى دليل، وأيضا قوله: متعتان كانتا
على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله، أنا أنهي عنهما وأعاقب عليهما متعة النساء
ومتعة الحج، وقوله: كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله، إخبار منه عن
كونهما مباحة في زمانه، وما كان في زمانه صلى الله عليه وآله مفعولا فهو شرعه
ودينه.
وأما ما رووه من الأخبار في تحريمها فكلها أخبار آحاد، وفيها مع ذلك
الاضطراب، لأنه فيها أنه صلى الله عليه وآله حرمها يوم خيبر في رواية ابن الحنيفة
عن أبيه.
وروى الربيع بن سبرة عن أبيه قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وآله
55

وآله بمكة عام الفتح فأذن في متعة النساء، فخرجت أنا وابن عم لي وعلينا بردان
لنفعل ذلك، فلقتني امرأة فأعجبها حسني فتزوجت بها وكان الشرط عشرين
ليلة، فأقمت عندها ليلة فخرجت فأتيت النبي صلى الله عليه وآله وهو بين الركن
والمقام، فقال: كنت أذنت لكم في متعة النساء وقد حرمها الله تعالى إلى يوم
القيامة فمن كان عنده شئ من ذلك فليخل سبيلها ولا يأخذ مما آتاها شيئا.
وهذا اضطراب لأن بين الوقتين قريب من ثلاث سنين، فإن قالوا: حرمها يوم
خيبر وأعاد ذكرها بمكة وهذا لا يمنع، قلنا: هذا باطل لأن ابن سبرة روى أن
النبي صلى الله عليه وآله أذن فيها بمكة، فإن: قالوا حرمها بخيبر ثم أحلها بمكة ثم
حرمها، وهذا سائغ في شرعه يحل شيئا ثم يحرمه، قيل: هذا يسقط بالإجماع لأن
أحدا ما قال: إن النبي صلى الله عليه وآله أباحها دفعتين وحرمها دفعتين ودخل
بينهما نسخ دفعتين وتحليل دفعتين، فالإجماع كلهم يسقط هذا التأويل.
وابن عباس كان يفتي بها وناظره على ذلك ابن الزبير وهي مناظرة معروفة
رواها الناس ونظم الشعراء فيها القول، فقال بعضهم:
أقول للشيخ لما طال مجلسه يا صاح هل لك في فتوى ابن عباس
هل لك في فتية بيضاء تهكنه تكون مثواك حتى يصدر الناس
فإن قالوا: رجع عن لك، قيل: لا يقبل ذلك لأن قوله مجمع عليه
ورجوعه ليس عليه دليل.
مسألة 120: إذا تزوج امرأة قد طلقها زوجها ثلاثا بشرط أنه متى أحلها
للأول طلقها كان التزويج صحيحا والشرط باطلا، وللشافعي فيه قولان: أحدهما
وهو الأظهر الذي نص عليه في عامة كتبه مثل ما قلناه، وقال في القديم والإملاء:
النكاح باطل، وبه قال مالك.
دليلنا: قوله تعالى: فانكحوا ما طاب لكم من النساء، وهذا نكح من طاب
فمن أفسده بمقارنة الشرط له كان عليه الدلالة.
56

مسألة 121: إذا نكحها معتقدا أنه يطلقها إذا أباحها وأنه إذا أباحها فلا نكاح
بينهما إن اعتقد هو أو الزوجة ذلك أو هما والولي أو تراضيا طرف ذلك قبل
العقد على هذا ثم تعاقدا من غير شرط كان مكروها، ولا يبطل العقد به.
وبه قال الشافعي: وقال مالك: النكاح باطل، وحكى أبو إسحاق عن أبي
حنيفة أنه يستحب ذلك لأنه يدخل السرور على الأول.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء، وأيضا فإن إفساد هذا العقد يحتاج
إلى دليل، والأصل صحته، وروي أن في أيام عمر حدث مثل هذه فأوصت المرأة
الرجل أن لا يفارقها فأقرهما عمر على النكاح وأرجع الدلالة بالضرب فدل ذلك
على صحة العقد، وعلى كراهته بضرب الدلالة.
مسألة 122: إذا نكحها نكاحا فاسدا ودخل بها لم تحل للأول.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه قاله في الجديد لأنه لا يثبت به
الإحصان، وقال في القديم: يبيحها لأنها نكاح يثبت به النسب ويدرأ به الحد
ويجب بالوطئ المهر.
دليلنا: قوله تعالى: فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره،
ونحن نعلم أنه أراد بذلك تزويجا شرعيا سائغا لأن الله تعالى لا يبيح الفاسد،
ويدل على ما قلناه أن تحريمها للأول مجمع عليه، فمن ادعى تحليلها بهذا الوطء
فعليه الدلالة.
مسألة 123: إذا تزوج المحرم فنكاحه باطل، وكذلك إن كان حلالا
وهي محرمة أو كانا محلين والولي محرما فالنكاح باطل، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: النكاح صحيح، وقد ذكرناها في كتاب الحج.
دليلنا: ما قلناه هناك من إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا روى عثمان بن
عفان أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: لا ينكح المحرم ولا ينكح، وهذا
57

نص لأنه نهى، والنهي يدل على فساد المنهي.
فإن قيل: قوله صلى الله عليه وآله: لا ينكح، معناه لا يطأ.
قلنا: هذا باطل لأن حقيقته عبارة عن العقد بعرف الشرع ولأنا نحمله على
الأمرين فإنه لا تنافي بينهما، وأيضا فإنه قال: ولا ينكح، وذلك لم يمكن حمله
على الوطء فدل على ما قلناه.
في العيوب الموجبة للفسخ
مسألة 124: يفسخ النكاح عندنا بالعيب، المرأة تفسخه بالعيب بالجب
والعنة والجنون، والرجل يفسخه بستة أشياء: الجنون والجذام والبرص والرتق
والقرن والإنضاء، وفي أصحابنا من ألحق به العمى وكونها محدودة، ولا يحتاج
مع الفسخ إلى الطلاق.
وقال الشافعي: يفسخ النكاح من سبعة: اثنان يخص الرجال الجب
والعنة، واثنان يختص النساء الرتق والقرن، وثلاثة يشتركان فيه: الجنون
والبرص والجذام، وبه قال عمر بن الخطاب وابن عمر وابن عباس ومالك.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: النكاح لا يفسخ بالعيب أصلا لكن إن كان
الرجل مجنونا أو عنينا ثبت لها الخيار خيار الفرقة فيفرق بينهما ويكون طلاقا لا
فسخا.
ومن قال: لا يفسخ بالعيب، رووه عن علي عليه السلام وابن مسعود، قال
علي عليه السلام: إذا وجد الرجل بالمرأة الجذام أو البرص فإن شاء أمسك وإن
شاء طلق، وقد روي ذلك في أخبارنا أيضا.
وقال ابن مسعود: الحرة لا ترد بالعيب.
دليلنا على ما قلناه: إجماع الفرقة وأخبارهم.
وروى زيد بن كعب عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وآله تزوج امرأة من
غفار فلما خلا بها رأى في كشحها بياضا قال لها: ضمي عليك ثيابك والحقي
58

بأهلك، وفي بعضها: دلستم على، وفي بعضها: فردها وقال: دلستم على،
فموضع الدلالة أن الراوي نقل الحكم وهو الرد، ونقل السبب وهو وجود
البياض بكشحها، فوجب أن يتعلق الحكم بهذا السبب متى وجد.
مسألة 125: إذا كان الرجل مشلولا لكنه يقدر على الجماع غير أنه لا ينزل
أو كان خنثى حكم له بالرجل لم يرد بالعيب، وإن كانت المرأة خنثى حكم لها
بالمرأة مثل ذلك، وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه، والثاني لها الخيار،
وكذلك له الخيار.
دليلنا: أن العقد قد ثبت بالإجماع، وإثبات الخيار لهما بذلك يحتاج إلى
دليل.
مسألة 126: إذا دخل بها ثم وجد بها عيبا فلها المهر، ويرجع على من
دلسها وغره.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه ذكره في القديم، والثاني يستقر
عليه ولا يرجع على أحد، وروي ذلك في بعض الأخبار عن النبي
صلى الله عليه وآله.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وروى سعيد بن المسيب قال: قال عمر
بن الخطاب: أيما رجل تزوج امرأة وبها جذام أو جنون أو برص فمسها فلها
صداقها، وذلك لزوجها غرم على وليها ولا مخالف له.
مسألة 127: إذا حدث بالرجل جب أو جنون أو جذام أو برص لم يكن
في حال العقد فإنه لا يرد إلا في الجنون الذي لا يعقل معه أوقات الصلوات فإنه
يرد به، وقال الشافعي: يرد به قولا واحدا.
دليلنا: أن العقد قد صح، وثبوت الرد يحتاج إلى دليل.
59

مسألة 128: إذا حدث بالمرأة أحد العيوب التي ترد به ولم يكن في حال
العقد فإنه يثبت به الفسخ.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما قاله في القديم: لا خيار له، وقال في الجديد:
له الخيار، وهو أصحهما.
دليلنا: عموم الأخبار التي وردت في أن له الرد بهذه العيوب ولم يفصلوا
بين عيب كان في حال العقد وبين ما يحدث فيما بعد، وخبر الغفارية يدل على
ذلك لأن النبي صلى الله عليه وآله لم يفصل.
مسألة 129: إذا دخل بها مع العلم بالعيب فلا خيار له بعد ذلك بلا
خلاف فإن حدث بها بعد ذلك عيب آخر فلا خيار له.
وقال الشافعي: إن كان الحادث في مكان آخر فإنه يثبت به الخيار، وإن
كان الحادث زيادة في المكان الذي كان فيه فلا خيار له.
دليلنا: أنه قد ثبت العقد وبطل خياره بعد الدخول مع علمه بالعيب،
وإثبات الخيار بعيب حادث يحتاج إلى دليل.
مسألة 130: إذا تزوجها على أنها مسلمة فبانت كتابية كان العقد باطلا،
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه، والثاني أنه صحيح.
دليلنا: أنا قد بينا أن العقد على الكافرة لا يصح فكيف إذا انضاف عليه
الغرور؟
مسألة 131: إذا عقد على أنها كتابية وكانت مسلمة كان العقد باطلا، ومن
أجاز نكاح الكتابيات من أصحابنا يجب أن يقول أن العقد صحيح ولا خيار له.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما أنه باطل، والثاني أنه صحيح، فإذا قال له:
صحيح، فهل له الخيار أم لا؟ قال: ليس له الخيار قولا واحدا.
60

دليلنا على بطلانه: أنه عقد على من يعتقد أنه لا ينعقد نكاحها فكان باطلا.
مسألة 132: إذا عقد الحر على امرأة على أنها حرة فبانت أمة كان العقد
باطلا وكذلك القول في الزوج إذا كان حرا، وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل
ما قلناه، والآخر صحيح.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 133: بيع الأمة المزوجة طلاقها، وبه قال ابن عباس وابن مسعود
وأنس بن مالك وأبي بن كعب.
وذهب عمر وابن عمر وعبد الرحمان بن عوف وسعد بن أبي وقاص والفقهاء
أجمع إلى أن العقد بحاله ويقوم المشتري مقام البائع في ملك رقبتها ولا يكون
بيعها طلاقها.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا قوله تعالى: والمحصنات من
النساء إلا ما ملكت أيمانكم، والمحصنات زوجات الغير فحرمهن علينا إلا ما
ملكت اليمين فالظاهر أنه متى ملك زوجة الغير حلت له بملك اليمين، فإذا حلت
له ثبت أنها حرمت على زوجها.
مسألة 134: إذا اعترقت الأمة تحت حر فالظاهر من روايات أصحابنا أن لها
الخيار، وبه قال النخعي والشعبي وطاووس.
وقال طاووس: لها الخيار ولو أعتقت تحت قرشي.
وقال بعضهم: لو أعتقت تحت أمير من الأمراء لها الخيار، وبه قال الثوري
وأبو حنيفة وأصحابه، وروي في بعض أخبارنا أنه ليس لها الخيار، وبه قال
الشافعي ومالك وربيعة والأوزاعي وابن أبي ليلى وأحمد وإسحاق، وفي الصحابة
ابن عمر وابن عباس وعائشة وصفية.
61

دليلنا على الأول: أخبار أصحابنا ورواياتهم، وروى إبراهيم عن الأسود عن
عائشة قالت: خير رسول الله صلى الله عليه وآله بريرة وكان زوجها حرا وهذا
نص، وقد روى مثل ذلك أصحابنا، والرواية الأخرى رواها أصحابنا أن زوج
بريرة كان عبدا، والذي يقوى عندي أنه لا خيار لها لأن العقد قد ثبت، ووجود
الخيار لها يحتاج إلى دليل.
وروي عن عائشة في خبر بريرة أنه كان زوجها عبدا وإنما قالت: لو كان
حرا لم يخيرها.
مسألة 135: العنة عيب يثبت للمرأة به الخيار ويضرب لها المدة سنة، فإن
جامع فيها وإلا فرق بينهما، وبه قال جميع الفقهاء.
وقال الشافعي: لا أعلم خلافا فيه عن مقت لقيته في أنه إن جامع وإلا فرق
بينهما، وقال الحكم: لا يضرب له مدة ولا يفسخ به النكاح، وبه قال أهل
الظاهر.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا إجماع الصحابة فإنه روي ذلك
عن علي عليه السلام وعمر وابن مسعود والمغيرة بن شعبة فقالوا كلهم: يؤجل
سنة، ولا يعرف لهم مخالف، واستدل بقوله تعالى: الطلاق مرتان فإمساك
بمعروف أو تسريح بإحسان، فإذا عجز عن أحدهما وهو أن يمسكها وجب أن
يسرحها بالإحسان.
مسألة 136: فسخ العنين له بطلاق، وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة
ومالك: هو طلاق.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم فإنهم رووا أنها تبين منه بغير طلاق.
مسألة 137: إذا قال لها أنه عنين فتزوجه على ذلك فكان كما قال لم
62

يكن لها بعد ذلك خيار.
وللشافعي فيه قولان: في القديم مثل ما قلناه، وقال في الجديد: لها الخيار.
دليلنا: إجماع الفرقة وأيضا فإنها دخلت على بصيرة فكان كالجذام
والبرص لم يثبت لها الخيار، وأيضا فقد ثبت العقد، وثبوت الخيار بعده يحتاج
إلى دليل.
مسألة 138: إذا كان له أربع نسوة فعن عن واحدة منهن ولم يعن عن
الثلاث لم يكن لها الخيار ولا يضرب لها الأجل، وقال الشافعي: لها حكم نفسها
ويضرب لها المدة ويثبت لها الخيار.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم ولأن إثبات الخيار لها يحتاج إلى دليل،
والعقد صحيح مجمع عليه ولا دليل على ثبوت الخيار بعده.
مسألة 139: إذا رضيت به بعد انقضاء المدة أو في خلال المدة لم يكن لها
بعد ذلك خيار، وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه وهو الأظهر عندهم،
والمذهب أنه لا يسقط خيارها.
دليلنا: عموم الأخبار التي وردت في سقوط خيارها إذا رضيت بالعنة وأيضا
فإثبات الخيار يحتاج إلى دليل، والأصل بقاء العقد وصحته.
مسألة 140: إذا اختلفا في الإصابة فقال: أصبتها وأنكرت فإن كانت ثيبا
فالقول قوله مع يمينه عند أبي حنيفة وأصحابه والشافعي والثوري.
وقال الأوزاعي: يخلى بينهما، ويكون بالقرب منهما امرأتان من وراء
الحجاب، فإذا قضى وطره بادرتا إليها، فإن كان الماء في فرجها فقد جامعها، وإن
لم يكن في فرجها ماء فما جامعها.
وقال مالك هكذا: إلا أنه قال: يقتصر على امرأة واحدة، وقد روى أصحابنا
63

أنه تؤمر المرأة أن تحشو قبلها خلوقا فإذا وطئها وكان على ذكره أثر الخلوق علم
أنه أصابها وإن لم يكن علم أنه لم يصبها، وهذا هو المعمول عليه.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم وأيضا الأصل بقاء النكاح وما يوجب
الإزالة يحتاج إلى دليل.
مسألة 141: إذا تزوجت برجل فبان أنه خصي أو مسلول أو موجوء كان
لها الخيار، وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه، والثاني لا خيار لها لأنه
متمكن من الإيلاج وإنما لا ينزل وذلك لا يوجب الفسخ.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 142: الخنثى تعتبر بالمبال فمن أيهما خرج أولا حكم به، فإن كان
خرج منهما فمن أيهما انقطع أخبرا حكم به.
وبه قال الشافعي إلى هاهنا فوافقنا، فإن انقطعا معا عندنا يرجع إلى القرعة،
وروي عد الأضلاع والمعول على القرعة، وعنده هل يراعى قلة البول وكثرته؟
فيه قولان: فإن تساويا في ذلك رجع إليه فإلى أيهما مال طبعه حكم به، وهو
المعول عليه عندهم، وقد رووا عنه الرجوع إلى عد الأضلاع وهو ضعيف، قال
الشافعي: وليس بشئ.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وروى ابن عباس أن النبي
صلى الله عليه وآله قال في الذي له ما للرجال وما للنساء: يورث من حيث يبول.
مسألة 143: العزل عن الحرة لا يجوز إلا برضاها فمن عزل بغير رضاها أثم
وكان عليه نصف عشر دية الجنين عشرة دنانير، وللشافعي فيه قولان: أحدهما أنه
محظور لا يجوز مثل ما قلناه غير أنه لا يوجب الدية، والمذهب أن ذلك مستحب
وليس بمحظور.
64

دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم وطريقة الاحتياط.
مسألة 144: إذا تزوج الحر بأمة فرزق منها ولدا كان حرا، وقال الشافعي:
إن كان الرجل عربيا فالولد على قولين، أحدهما يكون حرا، وبه قال أبو حنيفة،
والآخر يكون رقا، وإن كان غير عربي فهو رق قولا واحدا.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم وأيضا فإن الأصل الحرية، والرق طارئ
يحتاج إلى دلالة شرعية.
مسألة 145: إذا غاب الرجل عن امرأته، فقدم رجل فذكر لها أنه طلقها
طلاقا بانت منه، وذكر لها أنه وكله في استئناف النكاح عليها وأن يصدقها ألفا
يضمنها لها عنه، ففعلت ذلك وعقد النكاح، وضمن الرسول الصداق، ثم قدم
الزوج فأنكر الطلاق وأنكر التوكيل، فالقول قوله، والنكاح الأول بحاله والثاني
لم ينعقد ولا يلزم الوكيل ضمان ما ضمنه لها.
وبه قال أبو حنيفة والشافعي على ما حكاه الساجي عنه، وقال في الإملاء:
على الوكيل نصف المسمى، وقال مالك وزفر: يلزمه ضمان ذلك.
دليلنا: أن النكاح الأول باق، وإنما يلزم الصداق بالعقد، فإذا لم يكن
بينهما عقد فلا صداق عليه، والأصل براءة الذمة، وشغلها يحتاج إلى دليل.
65

كتاب الصداق
مسألة 1: إذا عقد على مهر فاسد مثل الخمر والخنزير والميتة وما أشبهه فسد
المهر ولم يفسد النكاح، ووجب لها مهر المثل، وبه قال جميع الفقهاء إلا مالكا
فإن عنه روايتان: إحديهما مثل ما قلناه، والأخرى يفسد النكاح، وبه قال قوم من
أصحابنا.
دليلنا: أن ذكر المهر ليس من شرط صحة العقد فإذا ذكر ما هو فاسد لم
يكن أكثر من أن لم يذكره أصلا ولا يؤثر ذلك في فساد العقد، وأيضا قوله
عليه السلام: لا نكاح إلا بولي مرشد وشاهدي عدل، فنفاه لعدم الولي والشاهدين
وأثبته بهم، وهذا نكاح قد عقد بهم فوجب أن يكون ثابتا، وأيضا فإنهما عقدان
يصح أن يتفرد كل واحد منهما عن صاحبه، ألا ترى أنه لو عقد بغير مهر صح
النكاح بلا خلاف، وإذا ثبت بعد ذلك المهر صح أيضا فإذا كانا عقدين ففساد
أحدهما لا يوجب فساد الآخر إلا بدليل.
مسألة 2: الصداق ما تراضيا عليه مما يصح أن يكون ثمنا لمبيع أو أجرة
لمكتري قليلا كان أو كثيرا، وبه قال في الصحابة عمر بن الخطاب وابن عباس،
وفي التابعين سعيد بن المسيب والحسن البصري، وفي الفقهاء ربيعة والأوزاعي
والثوري والشافعي وأحمد وإسحاق.
67

وقال مالك: مقدر بأقل ما يجب فيه القطع وهو ثلاثة دراهم، وقال
أبو حنيفة وأصحابه: مقدر بعشرة دراهم فإن عقد النكاح بأقل من عشرة صحت
التسمية وكملت عشرة فيكون كأنه عقد بعشرة، وهذه التسمية تمنع من وجوب
مهر المثل وقال زفر: يسقط المسمى ويجب مهر المثل، وهو القياس على قولهم،
وقال ابن شبرمة: أقله خمسة دراهم، وقال النخعي: أقله أربعون درهما، وقال سعيد
بن جبير: أقله خمسون درهما.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا قوله تعالى: وإن طلقتموهن من قبل
أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم، فجعل لها بالطلاق قبل
الدخول نصف المسمى ولم يفصل القليل من الكثير، وعندهم إذا كان فرض لها
خمسة وجب كلها وهو خلاف القرآن.
وروى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله قال: أدوا العلائق، قيل:
يا رسول الله وما العلائق؟ فقال: ما تراضى عليه الأهلون، وقد يتراضون بدرهم
ودرهمين، وقال عليه السلام: من استحل بدرهمين فقد استحل، وعندهم إن من
استحل بدرهم فقد استحل بعشرة.
وروى أبو سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وآله قال: لا جناح على
امرئ، أن يصدق امرأة قليلا كان أو كثيرا إذا أشهد وتراضوا، وأيضا فإن النبي
صلى الله عليه وآله زوج المرأة على تعليم آية من كتاب الله بعد أن طلب خاتما
من حديد فلم يقدر عليه، وذلك يدل على ما قلناه.
مسألة 3: يجوز أن تكون منافع الحر مهرا مثل تعليم آية أو شعر مباح أو
بناء أو خياطة ثوب، وغير ذلك مما له أجرة، واستثنى أصحابنا من جملة ذلك
الإجارة وقالوا: لا يجوز لأنه كان يختص موسى عليه السلام، وبه قال الشافعي،
ولم يستثن الإجارة بل أجازها.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: لا يجوز أن تكون منافع الحر صداقا بحال سواء
68

كانت فعلهم أو غيره لأن عندهم لا يجوز المهر إلا أن يكون ما لا أو ما يوجب
تسليم المال مثل سكنى دار أو خدمة عبد سنة، فأما ما لا يكون مثل ذلك فلا
يجوز.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا روى سهل بن سعد الساعدي أن
امرأة أتت النبي صلى الله عليه وآله فقالت: يا رسول الله إني قد وهبت نفسي لك،
فقامت قياما طويلا، فقام رجل فقال: يا رسول الله زوجنيها إن لم تكن لك فيها
حاجة، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: هل عندك من شئ تصدقها إياه؟
فقال: ما عندي إلا إزاري هذا، قال النبي صلى الله عليه وآله: إن أعطيتها إياه
جلست ولا إزار لك فالتمس شيئا، فقال: ما أجد شيئا، فقال: التمس ولو خاتما
من حديد، فالتمس فلم يجد، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: هل معك
من القرآن شئ؟ قال: نعم سورة كذا وسورة كذا، سور سماها، فقال رسول الله
صلى الله عليه وآله: قد زوجتكها بما معك من القرآن، وظاهره أنه جعل الذي
معه من القرآن صداقا، وهذا لا يمكن فقد ثبت أنه إنما جعل الصداق تعليمها إياه،
وروى عطاء عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله قال لرجل: ما تحفظ من
القرآن؟ قال: سورة البقرة والتي تليها، قال: فقم وعلمها عشرين آية وهي
امرأتك.
مسألة 4: إذا أصدقها تعليم سورة فلقنها فلم يتحفظ لها شئ أو حفظتها من
غيره فالحكم واحد، وكذلك إن أصدقها عبدا فهلك قبل القبض فالكل واحد،
كان لها مثل الصداق وهو أجرة مثل تعليم السورة وقيمة العبد، وبه قال الشافعي
في القديم، وقال في الجديد: إنه يسقط المسمى ويجب مهر المثل.
دليلنا: أن إيجاب مهر المثل يحتاج إلى دليل لأن الذي وجب لها بالعقد
شئ بعينه، فإذا تعذر كان لها أجرته أو قيمته.
69

مسألة 5: إذا أصدقها تعليم سورة ثم طلقها قبل الدخول بها وقبل تعليمها
جاز له أن يلقنها النصف الذي استقر عليه.
وللشافعي فيه وجهان أحدهما مثل ما قلناه، والثاني ليس له ذلك لأنه لا
يؤمن الافتتان بها.
دليلنا: أن الذي ثبت لها واستقر تعليم نصف ما سمى وإيجاب غير ذلك
يحتاج إلى دليل ولا يؤدى إلى الافتتان لأنه لا يلقنها إلا من وراء حجاب، وكلام
النساء من وراء الحجاب ليس بمحظور بلا خلاف.
مسألة 6: إذا أصدقها صداقا ملكته بالعقد وكان من ضمانه إن تلف قبل
القبض ومن ضمانها إن تلف بعد القبض، فإن دخل بها استقر، فإن طلقها قبل
الدخول بها رجع بنصف العين دون ما نما وبه قال أبو حنيفة وأصحابه
والشافعي.
وقال مالك: إنما تملك بالعقد نصفه فيكون الصداق بينهما نصفين فإذا
قبضته كان لها نصفه بالقبض والآخر أمانة في يدها لزوجها فإن هلك من غير
تفريط هلك منهما، فإن طلقها قبل الدخول كان له أخذ النصف لأنه ملكه لم يزل
عنه.
دليلنا: قوله تعالى: وآتوا النساء صدقاتهن نحلة، وفيه دلالة من وجهين:
أحدهما أنه أضاف الصدقات إليهن، فالظاهر أنه لهن ولم يفرق بين قبل
الدخول وبعده.
والثاني أنه أمر بإيتائهن ذلك كله، ثبت أن الكل لهن.
وأيضا إجماع الفرقة فإنهم رووا بلا خلاف بينهم أنه إذا أصدقها غنما ثم
طلقها قبل أن يدخل بها فقال صلى الله عليه وآله: إن كان أصدقها وهي حامل
عنده فله نصفها ونصف ما ولدت وإن أصدقها حائلا فحملت عنده لم يكن له من
أولادها شئ، وهذا يدل على أنها ملكته بالعقد دون الدخول.
70

مسألة 7: ليس للمرأة التصرف في الصداق قبل القبض، وبه قال جميع
الفقهاء، وقال بعضهم: لها ذلك.
دليلنا: أن جواز تصرفها فيه بعد القبض مجمع عليه ولا دليل على جواز
تصرفها فيه قبل القبض، وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه نهى عن بيع ما
لم يقبض، وقد روى ذلك أصحابنا ولم يفصل.
مسألة 8: إذا أصدقها شيئا بعينه كالثوب والعبد والبهيمة فتلفت قبل
القبض سقط حقها من غير الصداق، والنكاح بحاله بلا خلاف، ويجب لها مثله
إن كان له مثل فإن لم يكن لها مثل فقيمته، وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما
قلناه قاله في القديم وهو اختيار الإسفرايني، وبه قال أبو حامد، اختار المزني قوله
في الجديد أن لها مهر مثلها، وعليه أكثر أصحابه.
دليلنا: أن كل عين وجب تسليمها إلى مالكها، فإذا تلف ولم يسقط سبب
الاستحقاق لملكها وجب الرجوع إلى بدلها كالغصب والقرض والعارية عند من
ضمنها، ولأن إيجاب مهر المثل يحتاج إلى دليل ولا دليل عليه.
مسألة 9: إذا أصدقها عبدا مجهولا أو دارا مجهولة، روى أصحابنا أن لها
دارا وسطا أو عبدا وسطا، وقال الشافعي: يبطل المسمى ويجب لها مهر المثل.
دليلنا: إجماع الفرقة، فإنه ما اختلفت رواياتهم ولا فتاويهم في ذلك.
مسألة 10: إذا قال: أصدقتها هذا الخل، فبان خمرا كان لها قيمتها عند
مستحلها، وقال الشافعي: يبطل المسمى ولها مهر المثل.
دليلنا: أن العقد وقع على معين، ونقله إلى مهر المثل يحتاج إلى دليل.
مسألة 11: إذا عقدا في السر بمهر ذكراه وعقدا في العلانية بخلافه فالمهر هو
71

الأول، وللشافعي فيه قولان الأشهر الذي عليه أصحابه مثل ما قلناه، وقال المزني:
مهر العلانية أولى وذكر أنه نص الشافعي قال أصحابه: ذلك إذا كان الأول
مراوضة.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا فإن العقد الأول قد ثبت والمهر قد
لزم والثاني ليس بعقد فكيف يجب به المهر؟
مسألة 12: إذا تزوج أربع نسوة بعقد واحد ممن له الولاية عليهن بألف
فالنكاح صحيح، وكذلك عند الشافعي، وقال المزني: العقد باطل، والمهر
عندنا صحيح وعند الشافعي على قولين، وهكذا لو خالعهن دفعة واحدة بعقد
واحد بألف صح الخلع بلا خلاف، والبدل عنه على قولين.
وإن كان له أربعة إماء فكاتبهن بألف إلى نجمين صح عندنا، وعنده في
صحة الكتابة قولان، فالقول في الكتابة في أصل العقد، وفي النكاح فالخلع في
البدل دون العقد.
دليلنا: أن الأصل جوازه وصحته، والمنع منه يحتاج إلى دليل، وأيضا
قوله تعالى: وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم، ولم يفصل بين أن
يعقد عليهن في عقد واحد أو عقدين، فمن قال بفساده وفساد المهر فعليه الدلالة.
مسألة 13: إذا زوج الرجل ابنه الصغير على مهر معلوم، فإن كان الولد
موسرا تعلق المهر بذمة الولد ولزمه في ماله بلا خلاف، وإن كان معسرا تعلق
بذمته ويكون الأب ضامنا، وللشافعي في ضمان الأب قولان: قال في القديم مثل
ما قلناه، وقال في الجديد: لا يتعلق بذمة الوالد شئ بإطلاق العقد.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم وأيضا فإنه لما قبل النكاح لولده مع علمه
بإعساره وعلمه بلزوم الصداق بعقد النكاح علمنا من حيث العرف والعادة أنه
دخل على أن يضمن، فقام العرف في هذا بمنزلة نطقه.
72

مسألة 14: إذا تزوج المولى عليه لسفه أو صغر بغير إذن وليه كان النكاح
باطلا بلا خلاف، فإن دخل بها لم يلزمه المهر، وللشافعي فيه قولان أصحهما
عندهم مثل ما قلناه، وقال في القديم: يلزمه مهر المثل.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة فمن علق عليها شيئا فعليه الدلالة.
مسألة 15: المفوضة إذا طلقها زوجها قبل الفرض وقبل الدخول بها فلا
مهر لها لكن يجب لها المتعة، وبه قال الأوزاعي وحماد بن أبي سليمان وأبو حنيفة
وأصحابه والشافعي، وقال مالك: لا مهر لها ولا متعة لها، ويستحب أن يمتعها
استحبابا، وبه قال الليث بن سعد وابن أبي ليلى.
دليلنا: قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من
قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحا
جميلا، وهذا أمر يقتضي الوجوب، وقال عز وجل: لا جناح عليكم إن طلقتم
النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى
المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين، وفيها ثلاثة أدلة:
أولها: قوله تعالى: ومتعوهن، وهذا أمر يقتضي الوجوب.
وثانيها: فصل بين الموسع والمقتر، فلو لم تكن واجبة لما فصل بينهما
كصدقة التطوع لا فصل بينهما.
والثالث: قوله تعالى: حقا على المحسنين، وقوله " على " من حروف
الوجوب ثبت أنها واجبة، وعليه إجماع الصحابة، روي ذلك عن علي
عليه السلام وعمر، ولا مخالف لهما.
وقال تعالى: وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين، فأضاف المتعة
إليهن، ثبت أنه واجب لهن، وقال: " حقا على " وظاهر ذلك يقتضي الوجوب.
مسألة 16: المتعة على الموسر خادم، وعلى الأوسط ثوب أو مقنعة، وعلى
73

الفقير خاتم وما أشبهه.
وقال الشافعي: المستحب من ذلك خادم فإن لم يقدر فمقنعة فإن لم يقدر
فثلاثون درهما، والواجب فيه ما يراه الإمام، ومن أصحابه من قال: أقلها ما يقع
عليه الاسم ولو كان قيراطا، والأول أظهر.
فأما الاعتبار بالإعسار واليسار بالرجل دونها، وللشافعي فيه قولان: أحدهما
مثل ما قلناه والآخر الاعتبار بإعسارها ويسارها وجمالها لأنه بدل عن مهر مثلها
وذلك معتبر بها.
وقال أبو حنيفة: قدر المتعة ثلاثة أثواب درع وخمار وملحفة تمام ثيابها فإن
كان نصف مهر مثلها أقل من ذلك نقصنا منه ما نشاء ما لم يبلغ بالنقص أقل
من خمسة دراهم، وهو نصف أقل ما يكون صداقا فكأنه قال: لا ينقص عن
خمسة دراهم.
دليلنا: قوله تعالى: ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره، فاعتبر
حال الرجل دون المرأة.
فأما تفصيل ما ذكرناه فدليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم، وروي عن ابن
عباس أنه قال: أقل المتعة درهم وأكثرها خادم.
مسألة 17: مفوضة البضع إذا فرض لها مهر بعد العقد، فإن اتفقا على قدر
المهر مع علمهما بقدر مهر المثل أو ترافعا إلى الحاكم ففرض لها المهر كان
كالمسمى بالعقد تملك المطالبة به، فإن دخل بها أو مات استقر ذلك وإن طلقها
قبل الدخول سقط نصفه ولها نصفه ولا متعة عليه، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: إذا فرض لها فطلقها قبل الدخول سقط المفروض كأنه ما
فرض لها ووجب لها المتعة كما لو طلقها قبل الفرض.
دليلنا: قوله تعالى: وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن
فريضة فنصف ما فرضتم، ومعناه يعود إليكم نصف ما فرضتم لأن المهر كان
74

واجبا لها قبل الطلاق وبالطلاق ما وجب لها شئ فلما قال " فنصف ما فرضتم "
ثبت أنه يعود إلى الزوج نصف ما فرض، وهذا دليل على أبي حنيفة لأنه قال:
يعود إليه كله.
قالوا: قوله " فنصف ما فرضتم " معناه فنصف ما سميتم بالعقد.
فالجواب إن المسمى عندكم على ما قاله الرائي يسقط كله بالطلاق قبل
الدخول وإنما يجب نصف مثله فأما نصف ذلك المسمى فلا، وهذا يخالف نص
الآية فإن الله تعالى قال نصف الفرض لا نصف مثله، على أن الآية بالمفروض بعد
العقد أشبه منها بالمسمى حال العقد، وأيضا نحمل الآية على العموم فيما فرض
حال العقد وما فرض بعده ولا تنافي بينهما.
وروى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله قال: أدوا العلائق، قيل:
يا رسول الله وما العلائق؟ قال: ما تراضى عليه الأهلون، وذلك عام على كل
حال.
مسألة 18: إذا مات أحدهما قبل الفرض وقبل الدخول فلا مهر لها، وبه
قال في الصحابة علي عليه السلام وابن عباس وزيد والزهري، وبه قال ربيعة
ومالك والأوزاعي وأهل الشام وهو أحد قولي الشافعي.
والقول الآخر: لها مهر مثلها، وبه قال ابن مسعود وأهل الكوفة وابن شبرمة
وابن أبي ليلى والثوري وأبو حنيفة وأصحابه وأحمد وإسحاق.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة وشغلها يحتاج إلى دليل.
مسألة 19: لا يجب بالعقد مهر المثل، وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة:
يجب بالعقد مهر المثل.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
واستدل أبو حنيفة بما روي أنه أتى عبد الله بن مسعود في رجل تزوج امرأة
75

فمات عنها، ولم يفرض لها، وفي بعضها قال: واختلفوا إليه شهرا أو
قال مرات قال: فإني أقول فيها أن لها صداقا كصداق نسائها لا وكس فيه ولا شطط، وأن لها
الميراث وعليها العدة، فإن يكون صوابا فمن الله وإن يكن خطأ فمني ومن
الشيطان والله ورسوله منه بريئان، فقام إليه ناس من أشجع فيهم الجراح وابن
سنان فقالوا: يا ابن مسعود نحن نشهد أن رسول الله صلى الله عليه وآله قضى فينا
في تورع بنت ناشق كان تزوجها هلال بن مرة الأشجعي كما قضيت، قال:
ففرح عبد الله بن مسعود فرحا شديدا حين وافق قضاؤه قضاء رسول الله
صلى الله عليه وآله.
وهذا خبر واحد لا يجب عندنا العمل عليه، لأنه لم يرو من طريقنا، وإنما
روي من طريق من لا تعرف عدالة رواية، وما هذا صورته لا يجب العمل به، وقد
أجيب عنه بأجوبة:
أحدها: أنه مضطرب السند فإنه روي فيه " فقام رهط من أشجع " وروي
" فقام ناس من أشجع " وروي " فقام معقل بن يسار ومرة بن سنان، وتارة
أبو المليح، وتارة أبو الجراح " وهذا الاضطراب يدل على ضعفه.
وذكر الواقدي في كتاب خطأ الحديث فقال: وقع هذا الحديث إلى أهل
المدينة فلم يعرفه أحد من أهل العلم، فثبت أنه لا أصل له، وإنما وقع إليهم من
أهل الكوفة.
على أنه يحتمل أن يكون فرض بعضها بغير اختيارها وهي الصغيرة أو البكر
الكبيرة، فإن كانت ممن لا يعتبر رضاها فلها مهر مثلها عند الشافعي، وهذا لا
يصح على أصلنا فإنا لا نفصل بين الموضعين، على أن الخبر تضمن قضية في عين
تحتمل ما قالوه على ما رواه عن ابن مسعود، وقد خالفه أربعة من الصحابة فكان
قولهم أولى.
مسألة 20: إذا اتفقا على مقدار مال أو شئ بعينه مع الجهل بمبلغ مهر
76

المثل صح ما اتفقا عليه، وللشافعي فيه قولان: قال في القديم والإملاء مثل ما
قلناه، وقال في الأم: لا يصح.
دليلنا: أن الواجب ما يتفقان عليه، فأي شئ اتفقا عليه كان ذلك
الواجب.
مسألة 21: مفوضة المهر هو أن تذكر مهرا ولا تذكر مبلغه، فيقول:
تزوجتك على أن يكون المهر ما شئنا أو ما شاء أحدنا، فإذا تزوجها على ذلك
فإن قال: على أن يكون المهر ما شئت أنا، فإنه مهما يحكم به وجب عليها الرضا به
قليلا كان أو كثيرا، وإن قال: على أن يكون المهر ما شئت أنت، فإنه يلزمه أن
يعطيها ما تحكم به ما لم يتجاوز خمسمائة درهم.
وقال الفقهاء كلهم أبو حنيفة والشافعي: أنه يلزمه مهر المثل.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وقد ذكرناها في الكتاب الكبير.
في معنى مفوضة المهر
مسألة 22: إذا دخل بمفوضة المهر استقر ما يحكم واحد منهما به على ما
فصلناه، وإن طلقها قبل الدخول بها وجب نصف ما يحكم به واحد منهما.
وقال الشافعي وأبو حنيفة: إن دخل بها استقر مهر المثل وإن طلقها قبل
الدخول استحقت نصفه عند الشافعي، وقال أبو حنيفة: يسقط بالطلاق قبل
الدخول ويجب المتعة. دليلنا:
إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا فإذا ثبت المسألة الأولى ثبتت هذه
لأن أحدا لا يفرق بينهما.
مسألة 23: حكم الصغيرة والكبيرة التي تجبر على النكاح إذا
زوجها، وليها الذي له الإجبار مفوضة البضع حكم التي لها الإذن في أنه لا يجب
77

مهر المثل بنفس العقد، وقال الشافعي: هاهنا يجب مهر المثل بنفس العقد.
دليلنا: قوله تعالى: لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو
تفرضوا لهن فريضة، ولم يفصل، وأيضا الأصل براءة الذمة.
مسألة 24: مهر المثل في الموضع الذي يجب يعتبر بنساء أهلها من أمها
وأختها وعمتها وخالتها وغير ذلك، ولا يجاوز بذلك خمسمائة درهم، فإن زاد
على ذلك مهر المثل اقتصر على خمسمائة.
وقال الشافعي: يعتبر بنساء عصبتها دون أمها ونساء أرحامها ونساء بلدها
- ونساء عصبتها أخواتها، وبنات الإخوة وعماتها، وبنات الأعمام وعمات الأب
وبنات أعمام الأب - وعلى هذا أبدا.
وقال مالك: أعتبر بنساء بلدها، وقال أبو حنيفة: يعتبر بنساء أهلها من
العصبات وغيرهم من أرحامها، وقيل: إن هذا مذهب ابن أبي ليلى وإن مذهب أبي
حنيفة مثل مذهب الشافعي.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 25: إذا اختلف الزوجان في قدر المهر مثل أن يقول الزوج:
تزوجتك بألف، وقالت: بألفين، أو في جنس المهر فقال: تزوجتك بألف
درهم، وقالت: بألف دينار، فالقول قول الزوج سواء كان قبل الدخول أو بعده،
وبه قال النخعي وابن شبرمة وابن أبي ليلى.
وقال أبو حنيفة والشافعي والثوري: يتحالفان ويجب مهر المثل.
وذهب مالك إلى أنه إن كان الاختلاف بعد الدخول فالقول قول الزوج
كما قلناه لأنه غارم، وإن كان قبل الدخول تحالفا كما قال الشافعي إلا أنه قال:
إذا تحالفا بطل النكاح، بناه على أصله في أن المهر إذا فسد بطل النكاح.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم وأيضا قول النبي صلى الله عليه وآله
78

: البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه، وهذه هي المدعية وهو المنكر
فيجب أن تكون البينة عليها واليمين عليه.
مسألة 26: إذا تحالفا فسد المهر عندهم، ووجبت لها مهر المثل على كل حال
عند جميع أصحاب الشافعي إلا ابن خيران فإنه قال: إن كان ما ادعته المرأة
قدر مهر مثلها أو أكثر وجب لها مهر المثل وإن كان ما تدعيه أقل من مهر المثل،
مثل أن ادعت ألفا ومهر مثلها ألفان فإنه لا يجب عليه إلا ألف لأنها لا تدعي زيادة
عليه فلا تعطى ما تدعيه، واتفقوا كلهم على أنه إذا أقر بأن مهرها ألفان ومهر مثلها
ألف إنه لا يلزمه أكثر من ألف.
وقال أبو حنيفة ومحمد: إن كان مهر مثلها مثل ما قال الزوج أو أقل فلها مهر
مثلها وإن كان مهر مثلها مثل ما ادعت أو أكثر فلها ما ادعت لا يزاد عليه، وإن
كان مهر مثلها فوق ما قال الزوج ودون ما قالت فلها مهر المثل.
وهذا التفصيل قد سقط عنا لأنا قد بيناه في المسألة الأولى لأنه مبني على
التحالف.
مسألة 27: إذا اختلف الزوجان في قبض المهر فقال الزوج: قد أقبضتك
المهر، وقالت: ما قبضته، فالقول قولها سواء كان قبل الزفاف أو بعده قبل
الدخول بها أو بعده، وبه قال سعيد بن جبير والشعبي وأكثر أهل الكوفة ابن
شبرمة وابن أبي ليلى وأبو حنيفة وأصحابه والشافعي.
وذهب مالك إلى أنه إن كان بعد الدخول فالقول قوله، وإن كان قبل
الدخول فالقول قولها.
وذهب الفقهاء السبعة إلى أنه إن كان بعد الزفاف فالقول قوله وإن كان قبله
فالقول قولها، قال أبو حامد الإسفرايني: ورأيت من يحكي عن هؤلاء أنه إنما يكون
القول قوله في القدر الذي جرت العادة بتقديمه، قال هو: ولا أعرف هذا التفصيل
79

عن مالك.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا قول النبي صلى الله عليه وآله:
البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه، والزوج قد اعترف بالمهر وادعى أنه
قد أقبض فعليه البينة وإلا فعليها اليمين.
مسألة 28: إذا كان مهرها ألفا وأعطاها ألفا واختلفا، فقالت: قلت لي خذي
هذه هدية، أو قالت هبة، وقال: بل قلت خذيها مهرا، فالقول قول الزوج بكل
حال، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه والشافعي.
وقال مالك: إن كان المقبوض ما جرت العادة بهدية مثله كالمقنعة
والخاتم ونحو هذا فالقول قولها إنه هدية وإلا فالقول قوله كما قلناه.
دليلنا: أنهما قد اتفقا أن الألف ملك الزوج واختلفا في صفة انتقاله إلى
يدها، فوجب أن يكون القول قول المالك وعلى من ادعى انتقاله إليه بسبب
البينة.
مسألة 29: البكر البالغ الرشيدة يجوز لأبيها أن يقبض مهرها بغير أمرها ما
لم تنه عن ذلك، وبه قال أبو حنيفة، وهو قول بعض الخراسانية من أصحاب
الشافعي، وقال أكثر أصحابنا: ليس له ذلك إلا بإذنها.
دليلنا: إجماع الفرقة على أنه له العفو عن المهر ومن له العفو له المطالبة
والقبض، ونحن ندل على ذلك فيما بعد، وإن الذي بيده عقدة النكاح الأب
دون الزوج.
مسألة 30: إذا تزوج امرأة ودخل بها ثم خالعها فلزوجها نكاحها في
عدتها، فإن فعل وأمهرها مهرا فإن دخل بها استقر المهر، وإن طلقها قبل الدخول
ثبت نصف المهر وسقط نصفه، وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: لا يسقط شئ
80

ولها المهر كله.
دليلنا: قوله تعالى: فنصف ما فرضتم، وهذا طلاق قبل المس، وأيضا فإن
الأصل براءة الذمة، ومن أوجب جميع المهر فعليه الدلالة.
مسألة 31: إذا أصدقها على أن لأبيها ألفا فالنكاح صحيح بلا خلاف، وما
سماه لها يجب عليه الوفاء به، وهو بالخيار فيما سماه لأبيها.
وقال الشافعي: المهر فاسد ولها مهر المثل، وهذه نقلها المزني من الأم، وقال
في القديم: لو أصدقها ألفا على أن لأبيها ألفا ولأمها ألفا كان الكل للزوجة، وبه
قال مالك.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم وقد ذكرناها.
مسألة 32: إذا أصدقها ألفا وشرط أن لا يسافر بها ولا يتزوج عليها ولا
يتسرى عليها، كان النكاح والصداق صحيحين والشرط باطل، وقال الشافعي:
المهر فاسد، ويجب مهر المثل فأما النكاح فصحيح.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا روي عن النبي صلى الله عليه وآله
أنه قال: ما بال أقوام يشترطون وشروطا ليست في كتاب الله كل شرط ليس في
كتاب الله تعالى فهو باطل، ولم يقل الصداق باطل.
مسألة 33: إذا أصدقها دارا فشرط في الصداق ثلاثة أيام شرط الخيار
صح الصداق والشروط معا والنكاح صحيح.
وللشافعي في صحة النكاح قولان: أحدهما يبطل، والثاني يصح.
فإذا قال " يصح " فله في الصداق ثلاثة أوجه: أحدها يصح المهر والشرط
معا كما قلناه، والثاني يبطلان معا، والثالث يبطل الشرط دون الصداق.
دليلنا: قوله صلى الله عليه وآله: المؤمنون عند شروطهم، ولأن هذا الشرط
81

لا يخالف الكتاب والسنة فيجب أن يكون صحيحا.
مسألة 34: الذي بيده عقدة النكاح عندنا هو الولي الذي هو الأب أو
الجد، وبه قال ابن عباس والحسن البصري وربيعة ومالك وأحمد بن حنبل،
وهو قول الشافعي في القديم إلا أن عندنا له أن يعفو عن بعضه وليس له أن يعفو
عن جميعه.
وقال في الجديد: هو الزوج، وروي ذلك عن علي عليه السلام وجبير بن
مطعم وسعيد بن جبير وسعيد بن المسيب وشريح ومجاهد والشعبي والنخعي
والأوزاعي، وأهل الكوفة سفيان الثوري وابن أبي ليلى وأبو حنيفة وأصحابه.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم وأيضا قوله تعالى: وإن طلقتموهن من قبل
أن تمسوهن، إلى قوله: أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح، وفيها أدلة:
أولها: أنه افتتح الآية فخاطب الزوج بخطاب المواجهة ثم عدل عنه إلى
الكناية فقال: فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح،
والخطاب متى عدل به عن المواجهة إلى الكناية فالظاهر أنه كناية عن غير من
واجهه بالخطاب أولا، ولو كان المراد به الزوج لما عدل به عن المواجهة.
الثاني: أنه قال " إلا أن يعفون " يعني الزوجة من نصفها ثم عطف على هذا
فقال: أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح، فكان حمله على الولي أولى لأنه عطف
عفو نصف الصداق من الولي على عفو نصفه من الزوجة فكان عطف عفو على
عفو تقدم أولى من عطف عفو لا على عفو تقدم.
الثالث: قوله تعالى: أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح، فإذا حملناه على الولي
حملنا الكلام على ظاهره من غير إضمار فإن للولي أن يعقد وبيده أن يعفو بعد
الطلاق وقبل الدخول والزوج لا يملكها بعد الطلاق، وإنما كان يملكها فافتقر
إلى إضمار.
والرابع: إن الله تعالى ذكر العفو في الآية في ثلاثة مواضع فقال: إلا أن
82

يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح وأن تعفوا أقرب للتقوى، فمن قال: الذي
بيده عقدة النكاح الولي: حمل كل عفو على فائدة، وإذا قلنا هو الزوج حملنا
عفوين على فائدة واحدة على ما مضى، فكان حمل كل عفو على فائدة أولى من
حمل عفوين على فائدة.
مسألة 35: إذا أصدقها صداقا ثم وهبته له ثم طلقها قبل الدخول فله أن
يرجع عليها بنصفه.
وللشافعي فيه قولان: قال في القديم: لا يرجع، وهو اختيار المزني، وقال
الشافعي: وهذا حسن، وقال في الجديد: يرجع، وهو أصح القولين عندهم،
وسواء وهبت له بعد أن قبضته أو قبل القبض الباب واحد.
وقال أبو حنيفة: إن كان ذلك بعد القبض رجع عليها بالنصف فإن كان
قبل القبض لم يرجع عليها بشئ.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم وقد ذكرناها في الكتاب الكبير.
مسألة 36: إذا أصدقها عبدا فوهبت له نصفه ثم طلقها قبل الدخول بها فإنه
يرجع عليها بنصف العبد الذي وهبته.
وللشافعي فيه ثلاثة أقوال: أحدها لا يرجع بشئ، وبه قال أبو حنيفة،
والثاني يرجع بنصف الموجود - وهو ربع العبد - وبه قال أبو يوسف ومحمد،
والثالث يرجع بالنصف على ما قلناه.
دليلنا: أن الذي استحقته من العبد نصفه فإذا وهبته له فقد قبضته، فإذا
طلقها وجب عليها أن ترد ما أخذته.
مسألة 37: إذا زوج الأب أو الجد من له إجبارها على النكاح من البكر
الصغيرة أو الكبيرة بمهر دون مهر المثل ثبت المسمى ولا يجب مهر المثل، وبه
83

قال أبو حنيفة، وقال الشافعي: يبطل المسمى ويجب مهر المثل.
دليلنا: أن المسمى لا خلاف أنه واجب عليه، ومن أوجب مهر المثل فعليه
الدلالة، وأيضا قوله تعالى: وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن
فريضة فنصف ما فرضتم، ولم يفصل بين أن يكون دون مهر المثل أو مثله أو
فوقه، فوجب حمله على عمومه.
وأيضا روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله قال: أدوا العلائق، قيل:
وما العلائق؟ قال: ما تراضى عليه الأهلون، وهذا قد تراضى الأهلون عليه فوجب
أن لا يؤدوا غيره.
وأيضا فقد علمنا أن النبي صلى الله عليه وآله زوج بناته بخمسمائة، ومعلوم
أن مهر مثل بنت النبي صلى الله عليه وآله لا يكون هذا القدر فلو لا أن الولي إذا
عقد على أقل من مهر المثل صح ولزم المسمى لما كان رسول الله
صلى الله عليه وآله يفعله.
مسألة 38: إذا وجب لها مهر المثل فأبرأته عنه، فإن كانت عالمة بمقداره
صح الإبراء، وإن لم تكن عالمة به لم يصح، وكذلك ضمان المجهول لا يصح،
وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: ضمان المجهول والإبراء عن المجهول يصحان
معا.
دليلنا: أن صحة المجهول تحتاج إلى دليل والأصل بقاء الحق في الذمة،
وإسقاطه يحتاج إلى دليل.
مسألة 39: إذا سمى الصداق ودخل بها قبل أن يعطيها شيئا لم يكن لها
بعد ذلك الامتناع من تسليم نفسها حتى تستوفى، بل لها المطالبة بالمهر، ويجب
عليها تسليم نفسها، وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: لها أن تمتنع حتى تقبض
لأن المهر في مقابلة كل وطء في النكاح.
84

دليلنا: أن البضع حقه واستحقه والمهر حق عليه وليس إذا كان عليه حق
جاز أن يمنع حقه لأن جواز ذلك يحتاج إلى دليل.
مسألة 40: إذا أصدقها ألفا ثم خالعها على خمسمائة منها قبل الدخول بها
فإنه يسقط عنها جميع المهر.
وقال الشافعي: إذا أصدقها شيئا فخالعته على شئ منه فما بقي فعليه نصفه،
وظاهر هذا أن له من الألف مائتين وخمسين.
واختلف أصحابه على ثلاث طرق، فقال أبو إسحاق: معناه مثل ما قلناه وأنه
يصير المهر كله له، وقال ابن خيران: معناه ينعقد الخلع بمائتين وخمسين،
ويسقط عن الزوج مائتان وخمسون وبقى بعد هذا خمسمائة يسقط عنه نصفها
ويبقى عليه نصفها، وفي أصحابه من قال: الفقه على ما قاله ابن خيران، وخالفه في
التعليل.
دليلنا: أنه إذا أصدقها ألفا فقد ملكتها كلها فإذا خالعها - والخلع لا يكون
عندنا إلا بطلاق - فيكون قد طلقها قبل الدخول فيرجع عليه نصف المسمى
بالطلاق ويستقر لها النصف وقد أسقطته بالخلع فلم يبق لها شئ من المسمى
على ما قلناه.
مسألة 41: من وطئ امرأة فأفضاها - ومعنى ذلك صير مجرى البول
ومدخل الذكر واحدا - فإن كان قبل تسع سنين لزمه نفقتها ما دامت حية وعليه
مهرها وديتها كاملة، وإن كان بعد تسع سنين لم يكن عليه شئ غير المهر، هذا
إذا كان في عقد صحيح أو عقد شبهة.
فأما إذا كان مكرها لها فإنه يلزمه ديتها على كل حال ولا مهر لها، وسواء
كان البول مستمسكا أو مسترسلا.
وقال الشافعي: عليه مهرها وديتها، ولم يفصل بين قبل تسع سنين وبعده.
85

وقال أبو حنيفة: إن أفضي زوجته فلا يجب عليه بالإفضاء شئ، وإن كانت
أجنبية نظرت: فإن كان الوطء في نكاح فاسد، فإن كان البول مسترسلا فلها مهر
مثلها ولها كمال الدية، فإن كان مستمسكا فلها المهر وثلث الدية كالجائفة، وإن
استكره امرأة على هذا فلا مهر لها والدية على ما فصلناه.
وقال مالك: عليه حكومة، والكلام في المسألة في كتاب الديات وهاهنا ما
يختص الزوجية.
دليلنا: إجماع الفرقة فإنهم لا يختلفون في ذلك، وطريقة الاحتياط لبراءة
الذمة تقتضيه.
مسألة 42: إذا طلقها بعد أن خلا بها وقبل أن يمسها، واختلف الناس فيه
على ثلاثة مذاهب:
فذهبت طائفة إلى أن وجود هذه الخلوة وعدمها سواء ويرجع عليه نصف
الصداق ولا عدة عليها، وهو الظاهر من روايات أصحابنا، وبه قال في الصحابة
ابن عباس وابن مسعود، وفي التابعين الشعبي وابن سيرين وفي الفقهاء الشافعي
وأبو ثور.
وذهبت طائفة إلى أن الخلوة كالدخول يستقر بها المسمى ويجب عليها
العدة، وبه قال قوم من أصحابنا، وروي في ذلك أخبار من طريق أصحابنا،
وروي ذلك عن علي عليه السلام، وبه قال عمر بن الخطاب وابن عمر، وفي
التابعين الزهري، وفي الفقهاء الأوزاعي وأبو حنيفة وأصحابه، وهو نص قول
الشافعي في القديم.
وذهبت طائفة إلى أنها إن كانت خلوة تامة فالقول قول من يدعي الإصابة،
وبه قال مالك بن أنس، قال: والخلوة التامة أن يزفها الزوج إلى بيته ويخلو بها،
وإن لم تكن تامة مثل أن خلا بها في بيت والدها ما لم تزل حشمة وإن طالت
مدته عندهم وارتفعت الحشمة صارت خلوة تامة فنقول: القول قول من يدعي
86

الإصابة.
ومن أصحاب الشافعي من قال: تأثير الخلوة على قوله القديم أن القول قول
من يدعي الإصابة كما قال مالك إلا أنه لا يفصل الخلوة في بيته كانت أو في
بيتها، وليس هذا كما قال هذا القائل، فإن الشافعي قد نص في القديم على مثل ما
ذهبت إليه أبو حنيفة.
دليلنا: قوله تعالى: وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن
فريضة فنصف ما فرضتم، ولم يستثن الخلوة فوجب حملها على عمومها.
ووجه الدلالة من الآية أنه لا يخلو من أن يكون المسيس عبارة عن اللمس
باليد أو عن الخلوة أو عن الوطء، فبطل أن يراد به اللمس باليد لأن ذلك لم يقل
به أحد ولا اعتبره، وبطل أن يراد به الخلوة لأنه لا يعبر به عن الخلوة لا حقيقة ولا
مجازا ويعبر به عن الجماع بلا خلاف، فوجب حمله عليه.
على أنه أجمعت الصحابة على أن المراد من الآية بالمسيس " الجماع " روي
ذلك عن ابن مسعود وابن عباس، وروي عن عمر أنه قال: إذا أغلق الباب
وأرخى الستر فقد وجب المهر، وما ذنبهن إن جاء العجز من قبلكم، ومعلوم أن
العجز من الزوج لا يكون عن الخلوة ولا عن اللمس باليد ثبت أنه أراد به الإصابة.
وأيضا قال الله تعالى في آية العدة: ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما
لكم عليهن من عدة تعتقدونها، ولم يفصل، وأيضا روايات أصحابنا قد ذكرناها في
ذلك في الكتاب المذكور، وبينا الوجه فيما يخالفها، وأيضا الأصل براءة الذمة،
فمن أوجب جميع المهر على الرجل والعدة على المرأة بالخلوة فعليه الدلالة.
مسألة 43: إذا تزوج امرأة وأمهرها عبدا مطلقا، فقال: تزوجتك على عبد،
فالنكاح صحيح، ويلزمه عندنا عبد وسط من العبيد، وبه قال أبو حنيفة، وقال:
يعطيها عبدا بين عبدين وهو أوسط العبيد - عبد سندي أو عبد منصوري فإنه
أوسط العبيد - وكذلك عندنا إذا تزوجها على دار مطلقة فلها دار وسط بين
87

دارين.
وقال الشافعي: الصداق باطل ويلزمه مهر المثل.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وروي عن ابن عمر أن النبي
صلى الله عليه وآله قال: أدوا العلائق، قيل: وما العلائق؟ قال: ما
تراضى عليه الأهلون، وهذا قد تراضى به الأهلون.
مسألة 44: المدخول بها إذا طلقت لا متعة لها سواء كان سمى لها مهرا أو
لم يسم، فرض لها أو لم يفرض، وبه قال أبو حنيفة.
وللشافعي فيه قولان: قال في القديم مثل ما قلناه، وقال في الجديد: لها
المتعة، وروي ذلك عن عمر وابن عمر، وقد روى ذلك قوم من أصحابنا إلا أنهم
قالوا: إن هذه متعة مستحبة غير واجبة، وعندهم أنها واجبة.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة وشغلها يحتاج إلى دليل، وأيضا قوله تعالى:
لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن
على الموسع قدره وعلى المقتر قدره، دل ذلك على أن المدخول بها لا متعة لها،
وكذلك المفروض لها.
وقوله تعالى: وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين، ويحتمل أمرين:
أحدهما أن يكون مخصوصا بمن لم يدخل بها ولم يسم لها مهرا.
والآخر أن تكون محمولة على الاستحباب بدلالة قوله تعالى: حقا على
المحسنين، ولو كانت واجبة لكان فاعلها لا يسمى مسحنا لأن من فعل الواجب
من قضاء الدين وغير ذلك لا يسمى محسنا.
مسألة 45: الموضع الذي يجب فيه المتعة أو تستحب فإنها تثبت سواء
كان الزوج حرا أو عبدا، والزوجة حرة كانت أو أمة، وبه قال جميع الفقهاء.
وقال الأوزاعي: إذا كانا عبدين أو أحدهما فلا متعة.
88

دليلنا: قوله تعالى: وللمطلقات متاع بالمعروف، ولم يفصل، وأيضا
إجماع الفرقة وطريقة الاحتياط.
مسألة 46: كل فرقة تحصل بين الزوجين سواء كانت من قبله أو من قبلها
أو من قبل أجنبي أو من قبلهما فلا يجب بها المتعة إلا الطلاق فحسب.
وقال الشافعي: إذا كانت الفرقة من جهته بطلاق أو ارتداد أو إسلام أو من
جهتهما مثل الخلع أو اللعان أو من جهة أجنبي مثل أن ترضع المرأة أم الزوج
ومن يجري مجراها ممن يحرم عليه تزويجها فإنه يجب لها المتعة، وإنما تسقط
المتعة إذا كان بشئ من جهتها.
دليلنا: أن المتعة أوجبها الله تعالى في المطلقات فمن أوجبها في غيرهن
فعليه الدلالة، وإلحاق غير الطلاق بالطلاق قياس ونحن لا نقول به.
مسألة 47: من كان عنده أمة زوجة مفوضة البضع فاشتراها من سيدها
انفسخ النكاح ولا متعة لها.
وقال أكثر أصحاب الشافعي: فيها قولان للشافعي، أحدهما يجب، والآخر لا
يجب.
وقال أبو إسحاق: ينظر من المستدعي للبيع فيغلب حينئذ.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة ولا دليل على وجوب ذلك، وأيضا فإن الله
تعالى أوجب المتعة للمطلقات فمن أوجب لغيرهن فعليه الدلالة.
مسألة 48: إذا أصدقها إناءين فانكسر أحدهما ثم طلقها قبل الدخول بها
كان لها نصف الموجود ونصف قيمة التالف.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه، والثاني بالخيار بين ما قلناه وبين
أن تدع وتأخذ نصف قيمتهما معا.
89

دليلنا: أن العقد وقع على الإناءين فإذا كان أحدهما باقيا فنصف ملكها فيه
باق، فمن نقله إلى قيمته فعليه الدلالة.
مسألة 49: إذا أصدقها صداقا فأصابت به عيبا كان لها ردها بالعيب سواء
كان العيب يسيرا أو كثيرا، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: إن كان يسيرا لم يكن لها الرد وإن كان كثيرا فلها الرد.
دليلنا: أن الذي وقع عليه العقد ما سلم من العيب فإذا وجدت به عيبا لم
يكن ذلك ما وقع عليه العقد وكان لها رده.
90

كتاب الوليمة
مسألة 1: الوليمة مستحبة وليست بواجبة، وللشافعي فيه قولان: أحدهما
مثل ما قلناه، والثاني أنها واجبة.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا الأصل براءة الذمة، ولا دليل على وجوبها،
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: ليس في المال حق سوى الزكاة.
مسألة 2: من دعي إلى الوليمة يستحب له حضورها، وليس بواجب عليه
أي وليمة كانت.
فظاهر مذهب الشافعي أنه أوجب الإجابة في جميع الولائم، وهل هو من
فروض الأعيان أو من فروض الكفايات؟ على وجهين، وله قول آخر وهو أنه
مستحب.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة والوجوب يحتاج إلى دليل.
مسألة 3: إذا اتخذ الذمي وليمة ودعا الناس إليها فلا يجوز للمسلم أن
يحضرها.
وللشافعي فيه وجهان:
أحدهما: يجب عليه حضورها لعموم الخبر.
91

والثاني: لا يجب.
دليلنا: أن ذبائح أهل الذمة محرمة، وطعامهم الذي يباشرونه بأيديهم
نجس ولا يجوز أكله لقوله تعالى: إنما المشركون نجس، وعليه أخبار عن أئمتنا
عليهم السلام.
وسندل على ذلك فيما بعد فإذا ثبت ذلك ثبت ما قلناه لأن أحدا لم يفرق.
مسألة 4: من حضر الوليمة لا يجب عليه الأكل، وإنما يستحب له ذلك،
وللشافعي فيه وجهان: أحدهما - وهو الأظهر - مثل ما قلناه، وفي أصحابه من
قال: يجب عليه ذلك.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، والوجوب يحتاج إلى دليل، وروي عن
جابر عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: من دعي إلى طعام فليحضر فإن شاء
أكل وإن شاء ترك.
مسألة 5: نثر السكر واللوز في الولائم وأخذه مكروه، وبه قال الشافعي،
وقال أبو حنيفة: هو مباح وإن كان يؤخذ بخلسة.
دليلنا: أخبار أصحابنا وإجماعهم عليها، وطريقة الاحتياط تقتضي ذلك.
92

كتاب القسم بين الزوجات
مسألة 1: النبي صلى الله عليه وآله إذا بنى بواحدة من نسائه لم يجب
عليه القسمة للباقيات، وبه قال أبو سعيد الإصطخري، وقال باقي أصحاب
الشافعي: أنه كان يلزمه.
دليلنا: قوله تعالى: ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء، وذلك
عام في جميع الأحوال.
مسألة 2: من كانت عنده مسلمة وذمية كان له أن يقسم للحرة المسلمة
ليلتين وللذمية ليلة، وخالف جميع الفقهاء في ذلك وقالوا: عليه التسوية بينهن.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 3: إذا كانت عنده حرة وأمة زوجة، كان للحرة ليلتان وللأمة ليلة،
وبه قال عليه السلام وهو قول جميع الفقهاء إلا مالكا فإنه قال: يسوى بينهما.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وروي عن النبي صلى الله عليه وآله
أنه قال: من نكح حرة على أمة فللحرة ليلتان وللأمة ليلة، وهذا نص، وروي عن
علي عليه السلام أنه قال: من نكح حرة على أمة فللحرة ليلتان وللأمة ليلة، ولا
مخالف له في الصحابة.
93

مسألة 4: إذا كانت له زوجتان كان له أن يبيت عند واحدة ثلاث ليال،
وعند الأخرى ليلة واحدة، وخالف جميع الفقهاء في ذلك، وقالوا: يجب عليه
التسوية بينهما.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، ولأن حق الثلاث ليال له بدلالة أن له أن
يتزوج ثنتين أخراوين، فإذا جاز له أن يتزوج ثنتين جاز له أن يجعل نصيبهما
لواحدة منهما.
مسألة 5: إذا سافرت المرأة وحدها بإذن الزوج لا تسقط نفقتها ولا
قسمتها، وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه والآخر يسقط.
دليلنا: أن الأصل ثبوت حقها، وسقوطه يحتاج إلى دليل.
مسألة 6: من كانت عنده زوجتان أو ثلاث فتزوج بأخرى، فإن كانت
بكرا فإنه يخصها بسبعة أيام ويقدمها فلها حق التقديم والتخصيص، وإن كانت
ثيبا فلها حق التقديم والتخصيص بثلاثة أيام أو سبعة أيام ويقضيها في حق
الباقيات، وهي بالخيار بين أن تختار ثلاثة أيام خاصة لها أو سبعة أيام يقضيها في
حق البواقي، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد وإسحاق وفي الصحابة أنس بن
مالك، وفي التابعين الشعبي والنخعي.
وقال سعيد بن المسيب والحسن البصري: يخص البكر بليلتين والثيب بليلة
ولا يقضي.
وذهب الحكم وحماد وأبو حنيفة وأصحابه إلى أن للجديدة حق التقديم
فحسب دون حق التخصيص، فإن كانت بكرا قدمها بالبيتوتة عندها سبعا ثم
يقضي، وإن كانت ثيبا قدمها بثلاث ثم يقضي، ولا يخصصون السبع والثلاث.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وروى أنس بن مالك أن النبي
صلى الله عليه وآله قال: للبكر سبع وللثيب ثلاث، فأضاف إليها بلام التمليك،
94

وروت أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وآله قال لها لما تزوجها: ما بك
على أهلك من هوان إن شئت سبعت عندك وسبعت عندهن وإن شئت ثلث
عندك ودرت.
مسألة 7: إذا سافر ببعض نسائه من غير قرعة فعليه أن يقضي لمن بقي بقدر
غيبته مع التي خرج بها، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: لا قضاء عليه كما لو خرج معها بقرعة.
دليلنا: أن القسمة حق لهن فلا يسقط ذلك لكون صاحبتهن معه، ومن
أسقطه بذلك فعليه الدلالة، ولا يلزم إذا خرج بها بقرعة لأن النبي
صلى الله عليه وآله كذلك فعل ولم يقض، ولو خلينا والظاهر لأوجبنا القضاء.
في النشوز
مسألة 8: إذا نشرت المرأة حل ضربها بنفس النشوز دون الإصرار عليه،
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه، والثاني لا يحل حتى تصر وتقيم عليه.
دليلنا: قوله تعالى: واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في
المضاجع واضربوهن.
وقال كثير من أهل التفسير: إن معنى تخافون " تعلمون " ومن لم يقل ذلك
وحمل الخوف على ظاهره أضمر في الظاهر " وعلمتم نشوزهن فاضربوهن " وهذا
الإضمار مجمع عليه، فمن ضم إليه الإصرار والإقامة عليه فعليه الدلالة.
مسألة 9: بعث الحكمين في الشقاق على سبيل التحكيم لا على سبيل
التوكيل، وبه قال علي عليه السلام وابن عباس وعمرو بن العاص، وهو أحد
قولي الشافعي، والقول الآخر إنهما على سبيل التوكيل، وبه قال أبو حنيفة.
دليلنا: قوله تعالى: فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها، وهذا ظاهر
95

التحكيم لأنه لم يقل فابعثوا وكيلا.
وأيضا فإن الخطاب إذا ورد مطلقا فيما طريقة الأحكام كان منصرفا إلى
الأئمة والقضاة، كقوله تعالى: والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما والزانية والزاني
فاجلدوا، كذلك هاهنا.
وأيضا فإن الخطاب لا يتوجه إلى الزوجين لأنه لو توجه إليهما لقال:
" فابعثا "، وأيضا قال: إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما، فأضاف الإرادة إلى
الحكمين، فلو كان توكيلا لم يضف إليهما.
وأيضا روى أصحابنا أنهما يمضيان ما اتفق رأيهما عليه إلا الفرقة فإنهما
يستأذناهما، فدل ذلك على أنه على سبيل التحكيم لأن سبيل التوكيل لا يجوز
فيه إنفاذ شئ إلا بإذن الموكل.
وروى مثل ذلك عبيدة السلماني قال: دخل رجل إلى علي عليه السلام
ومعه امرأته مع كل واحد منهما قيام من الناس، فقال علي عليه السلام: ما شأن
هذا؟ قال: وقع بينهما شقاق، قال: فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن
يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما، فبعثوهما فقال علي عليه السلام للحكمين: هل
تدريان بما عليكما إن رأيتما أن تجمعا جمعتما وإن رأيتما أن تفرقا فرقتما، فقالت
المرأة: رضيت بما في كتاب الله فيما فيه لي وعلى، فقال الرجل: أما فرقة فلا،
فقال: والله لا تذهب حتى تقر بما أقرت.
مسألة 10: إذا ثبت أنهما على جهة التحكيم فليس لهما أن يفرقا ولا أن يخلعا
إلا بعد الاستئذان، ولهما أن يجمعا من غير استئذان، وقال الشافعي على هذا
القول: إن لهما جميع ذلك من غير استئذان.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم والخبر الذي قدمناه يدل على ما قلناه
أيضا.
96

كتاب الرضاع
مسألة 1: إذا حصل الرضاع المحرم لم يحل للفحل نكاح أخت هذا
المولود المرتضع بلبنه ولا لأحد من أولاده من غير المرتضعة ومنها لأن أخواته
وإخوته صاروا بمنزلة أولاده، وخالف جميع الفقهاء في ذلك.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وطريقة الاحتياط، وقول النبي
صلى الله عليه وآله: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، وليس في الشرع جواز أن
يتزوج الرجل بأخت ابنه على حال، فحكم الرضاع مثله.
مسألة 2: تنشر حرمة الرضاع إلى الأم المرضعة، والفحل صاحب اللبن،
فيصير الفحل أبا للمرتضع وأبوه جده، وأخته عمته، وأخوه عمه وكل ولد له فهم
إخوة لهذا المرتضع، وبه قال علي عليه السلام وابن عباس وعطاء وطاووس
ومجاهد، وفي الفقهاء مالك والأوزاعي والليث بن سعد والثوري وأبو حنيفة
وأصحابه والشافعي وأحمد وإسحاق.
وذهبت طائفة إلى أن لبن الفحل لا ينشر الحرمة ولا يكون من الرضاع أب
ولا عم ولا عمة ولا جد أبو أب ولا أخ لأب، ولهذا الفحل أن يتزوجها - أعني التي
أرضعتها زوجته - ذهب إليه الزبير وابن عمر، وفي التابعين سعيد بن المسيب
وسليمان بن يسار، وفي الفقهاء ربيعة بن أبي عبد الرحمان أستاذ مالك وحماد بن
97

أبي سليمان أستاذ أبي حنيفة والأصم وابن علية وهو أستاذ الأصم، وبه قال أهل
الظاهر داود وشيعته.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وروي أن عليا عليه السلام قال: قلت،
يا رسول الله هل لك في ابنة عمك ابنة حمزة فإنها أجمل فتاة في قريش؟ فقال
صلى الله عليه وآله: أما علمت أن حمزة أخي من الرضاعة وأن الله حرم من
الرضاع ما حرم من النسب، ومعلوم أن الأخت والعمة يحرمان من النسب ثبت
أنهما يحرمان من الرضاعة لعموم الخبر.
وروى ابن حومة عن علي بن عبد العزيز البغوي عن أبي داود عن محمد بن
كثير العبدي عن سفين عن هشام بن عروة عن عروة عن عائشة قالت: دخل على
أفلح بن تعيس فاستترت منه، فقال: أين تستترين مني وأنا عمك؟ قالت: قلت،
من أين؟ قال: أرضعتك امرأة أخي، قلت: إنما أرضعتني امرأة ولم يرضعني
الرجل، فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله فحدثته فقال: إنه عمك
فليلج عليك، وهذا نص في المسألة فإنه أثبت الاسم والحكم معا، وقد نقل هذا
بألفاظ أخر منها ما نقله أبو داود فإنه نقل " استأذن على أفلح أخو أبي القعيس "
وغير ذلك.
مسألة 3: من أصحابنا من قال: إن الذي يحرم من الرضاع عشر رضعات
متواليات لم يفصل بينهن برضاع امرأة أخرى.
ومنهم من قال: خمس عشرة رضعة، وهو الأقوى أو رضاع يوم وليلة أو ما
أنبت اللحم وشد العظيم إذا لم يتخلل بينهن رضاع امرأة أخرى وجد الرضعة ما
يروى به الصبي دون المصة.
وقال الشافعي: لا يحرم إلا في خمس رضعات متفرقات فإن كان دونها لم
يحرم، وبه قال ابن الزبير وعائشة، وفي التابعين سعيد بن جبير وطاووس، وفي
الفقهاء أحمد وإسحاق.
98

وقال قوم: قدرها ثلاث رضعات فما فوقها فأما أقل منها فلا ينشر الحرمة،
ذهب إليه زيد بن ثابت في الصحابة، وإليه ذهب أبو ثور وأهل الظاهر.
وقال قوم: إن الرضعة الواحدة أو المصة الواحدة حتى لو كان قطرة تنشر
الحرمة، ذهب إليه على ما رووه علي عليه السلام وابن عمر وابن عباس، وبه قال
في الفقهاء مالك والأوزاعي والليث بن سعد والثوري وأبو حنيفة وأصحابه.
دليلنا: أن الأصل عدم التحريم، وما ذكرناه مجمع على أنه يحرم، وما
قالوه ليس عليه دليل، وأيضا عليه إجماع الفرقة إلا من شذ منهم ممن لا يعتد
بقوله.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: الرضاعة من المجاعة، يعني ما
سد الجوع، وقال صلى الله عليه وآله: الرضاع ما أنبت اللحم وشد العظم.
وروى سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير أن
النبي صلى الله عليه وآله قال: لا تحرم المصة ولا المصتان ولا الرضعة ولا
الرضعتان.
وروي عن عائشة أنها قالت: كان مما أنزل الله في القرآن أن عشر رضعات
معلومات يحرمن ثم نسخن بخمس معلومات، وتوفي رسول الله
صلى الله عليه وآله وهي مما تقرأ في القرآن، ووجه الدلالة أنها أخبرت أن عشر رضعات كان
فيما أنزله، وقولها: ثم نسخن بخمس رضعات " قولها "، ولا خلاف أنه لا يقبل
قول الراوي " أنه نسخ كذا لكذا " إلا أن يبين ما نسخه لينظر فيه هل هو نسخ أم
لا؟
مسألة 4: الرضاع إنما ينشر الحرمة إذا كان المولود صغيرا فأما إن كان
كبيرا فلو ارتضع المدة الطويلة لم ينشر الحرمة، وبه قال عمر بن الخطاب وابن
عمر وابن عباس وابن مسعود، وهو قول جميع الفقهاء أبو حنيفة وأصحابه
والشافعي ومالك وغيرهم.
99

وقالت عائشة: رضاع الكبير يحرم كما يحرم رضاع الصغير، وبه قال أهل
الظاهر.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا قوله تعالى: والوالدات يرضعن
أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة، وفيه دليلان:
الأول: أنه جعل الحولين تمام الرضاعة، ومعلوم أنه لم يرد الاسم واللغة ولا
الجواز فإنه ينطلق على بعد الحولين، ثبت أنه أراد الرضاع الشرعي الذي يتعلق
به الحرمة والتحريم.
والثاني: حده بالحولين فلا يخلو إما أن يفيد جواز الرضاعة أو الكفاية أو
التحريم، فبطل أن يريد الجواز لأنه جائز بلا خلاف، وبطل أن يريد الكفاية لأنه
قد يكتفي بدون الحولين، فلم يبق إلا أنه حده بهذه المدة لأن الحكم بها يتعلق لا
غير.
وأيضا روى ابن عباس أنه عليه السلام قال: لا رضاع بعد الحولين، ومعلوم
أنه لم يرد سلب الاسم بعد الحولين لأن الاسم ينطلق عليه بعدها، ثبت أنه أراد
سلب حكمه.
مسألة 5: القدر المعتبر في الرضاع المحرم ينبغي أن يكون كله واقعا في
مدة الحولين، فإن وقع بعضه في مدة الحولين وبعضه خارجا لم يحرم.
مثاله أن من راعى عشر رضعات من أصحابنا أو خمس عشرة رضعة على ما
اعتبرناه فإن وقع خمس رضعات في مدة الحولين وباقيها بعد تمام الحولين فإنه
لا يحرم.
وقال الشافعي: إن وقع أربع رضعات في الحولين وخامسة بعدهما ينشر
الحرمة، وبه قال أبو يوسف ومحمد، وعن مالك روايات المشهور عنها حولان
وشهر فهو يقول: المدة خمسة وعشرون شهرا، فخالفنا في شهر.
وقال أبو حنيفة: المدة حولان ونصف، ثلاثون شهرا، وقال زفر: ثلاثة
100

أحوال، ستة وثلاثون شهرا.
دليلنا: قوله تعالى: حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة، ومنه الدليلان
على ما قدمناهما، وحديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله قال: لا رضاع
بعد الحولين، يدل على ما بيناه، وإجماع الفرقة منعقد على ذلك.
مسألة 6: لا فرق بين أن يكون المرتضع مفتقرا إلى اللبن أو مستغنيا عنه
فإنه متى حصل الرضاع بالقدر الذي يحرم ينشر الحرمة، وبه قال الشافعي، وقال
مالك: إن كان مفتقرا نشرها، وإن كان مستغنيا لم ينشرها.
دليلنا: عموم الأخبار، ومن خصها يحتاج إلى دليل.
مسألة 7: إذا اعتبرنا عدد الرضعات فالرضعة ما يشربه الصبي حتى يروى،
ولا تعتبر المصة، ويراعى أن لا يدخل بين الرضعة والرضعة رضاع امرأة أخرى
فإن فصل بينهما برضاع امرأة أخرى بطل حكم الأولى.
وقال الشافعي: المرجع في الرضعة إلى العادة فما يسمى في العرف رضعة
اعتبر، وما لم يسم لم يعتبر، ولم يعتبر المصات كما قلناه ولم يعتبر أن لا يدخل
بينهما رضاع أجنبية بل لا فرق أن يدخل بينهما ذلك أو لا يدخل.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، ولأن ما اعتبرناه مجمع على وقوع
التحريم به، وما ذكروه ليس عليه دليل.
مسألة 8: إذا وجر اللبن في حلقه وهو أن يصب في حلقه صبا وصل إلى
جوفه لم يحرم، وبه قال عطاء وداود، وقال باقي الفقهاء أنه ينشر الحرمة.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى، وأيضا قوله تعالى: وأمهاتكم اللاتي
أرضعنكم، وهذه ما أرضعت، ولأن الأصل نفي الحرمة وإيجابه يحتاج إلى دليل.
101

مسألة 9: إذا سقط باللبن حتى يصل إلى دماغه فإنه لا ينشر الحرمة، وبه
قال عطاء وداود، وقال باقي الفقهاء: إنه ينشر الحرمة.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 10: إذا حقن المولود باللبن لا ينشر الحرمة، وللشافعي فيه قولان:
أحدهما - وهو الصحيح عندهم - مثل ما قلناه، وبه قال أبو حنيفة، والآخر أنه
ينشر الحرمة، وبه قال محمد واختاره والمزني.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى وأيضا قوله تعالى: وأمهاتكم اللاتي
أرضعنكم، وهذه ما أرضعت.
مسألة 11: إذا شيب اللبن بغيره ثم سقى المولود لم ينشر الحرمة غالبا كان
اللبن أو مغلوبا، وسواء شيب بجامد كالسويق والدقيق والأرز ونحوه أو بمائع
كالماء والخل واللبن كان مستهلكا أو غير مستهلك.
وقال الشافعي: ينشر الحرمة، فإن كان مستهلكا في الماء فإنما ينشر الحرمة
إذا تحقق وصوله إلى جوفه مثل عن يحلب في قدح وصب الماء عليه واستهلك
فيه فشرب كل الماء نشر الحرمة، لأنا قد تحققنا وصوله إلى جوفه، وإن لم يتحقق
ذلك لم ينشر الحرمة مثل أن وقعت قطرة في حب من الماء فإنه إذا شرب بعض
الماء لم ينشر الحرمة لأنا لا نتحقق وصوله إلى جوفه إلا بشرب الماء كله، هكذا
حققه أبو العباس.
وقال أبو حنيفة: إن كان مشوبا بجامد كالسويق والدقيق والأرز والدواء لم
ينشر الحرمة غالبا كان اللبن أو مغلوبا، وإن كان مشوبا بمائع كالخل والخمر
والماء والدواء المائع نشر الحرمة إن كان غالبا ولم ينشرها مغلوبا، وقال
أبو يوسف ومحمد: إن كان غالبا نشرها، وإن كان مغلوبا مستهلكا لم ينشرها،
والجامد والمائع سواء.
102

قالوا: فإن شيب لبن امرأة بلبن أخرى وشربه مولود، قال أبو حنيفة
وأبو يوسف: هو ابن التي غلب لبنها دون الأخرى، وقال محمد: هو ابنهما معا.
دليلنا: قوله تعالى: وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم، وهذه ما أرضعت، ولأن
الأصل نفي التحريم، وإثباته يحتاج إلى دليل.
مسألة 12: إذا جمد اللبن أو أغلى لم ينشر الحرمة، وبه قال أبو حنيفة، وقال
الشافعي: ينشرها.
دليلنا: ما قدمناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 13: إذا ارتضع مولود من لبن بهيمة - شاة أو بقرة أو غيرهما - لم
يتعلق به تحريم بحال، وبه قال جميع الفقهاء، وذهب بعض السلف إلى أنه
يتعلق به التحريم فيصيران أخوين من الرضاعة، وربما حكي ذلك عن مالك،
والصحيح أنه غيره بعض السلف.
دليلنا: ما قلناه في المسائل المتقدمة.
مسألة 14: لبن الميتة لا ينشر الحرمة، ولو ارتضع أكثر الرضعات حال
الحياة وتمامها بعد الوفاة لم ينشر الحرمة، وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة
وأصحابه ومالك والأوزاعي: لبنها بعد وفاتها كهو في حال حياتها لا تسقط
حرمته.
دليلنا: قوله تعالى: وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم، وهذه ما أرضعت، ولأن
الأصل الإباحة، والتحريم يحتاج إلى دليل، وقال تعالى: وأحل لكم ما وراء
ذلكم، وهذه من وراء ذلك.
مسألة 15: إذا كانت له زوجة مرتضعة فأرضعتها من يحرم عليه بنتها أن
103

فسخ النكاح بلا خلاف، ولا يلزمها شئ من المهر إذا لم يكن بأمره، وقال
الشافعي: يلزمه نصف المهر قياسا على المطلقة.
دليلنا: الأصل براءة الذمة، وشغلها يحتاج إلى دليل.
مسألة 16: إذا أرضعتها من يحرم عليه بنتها مثل أمه أو جدته أو أخته أو بنته
أو امرأة أبيه بلبن أخيه فانفسخ النكاح لم يكن للزوج على المرضعة شئ
قصدت المرضعة فسخ النكاح أو لم تقصد، وبه قال مالك، وقال الشافعي:
يلزمها الزمان قصدت فسخ النكاح أو لم تقصد، وقال أبو حنيفة: إن قصدت
فسخ النكاح تعلق بها الضمان، وإن لم تقصد فلا ضمان عليها.
دليلنا: ما قدمناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 17: قد بينا أنه لا يلزمها ضمان، ومن قال يلزمها اختلفوا فقال
الشافعي: يلزمها نصف مهر مثلها لا نصف المسمى، وقال أبو حنيفة: يلزمها نصف
المسمى.
دليلنا: ما قدمناه في المسألة الأولى سواء، وهذا ساقط عنا.
مسألة 18: إذا كانت له زوجة كبيرة لها لبن من غيره وله ثلاث زوجات
صغار دون الحولين فأرضعت منهن واحدة بعد واحدة، فإذا أرضعت الأولى
الرضاع المحرم انفسخ نكاحها ونكاح الكبيرة، فإذا أرضعت الثانية فإن كان قد
دخل بالكبيرة انفسخ نكاح الثانية، وإن لم يكن دخل بها فنكاحها بحاله لأنها
بنت من لم يدخل بها، فإذا أرضعت بعد ذلك الثالثة صارت الثالثة أخت الثانية
من رضاع فانفسخ نكاحها ونكاح الثانية، وبه قال أبو حنيفة والشافعي في القديم
وإليه ذهب المزني وأجازه أبو العباس وأبو حامد، وقال في الأم: ينفسخ نكاح
الثالثة وحدها لأن نكاح الثانية كان صحيحا بحاله، وإنما تم الجمع بينهما وبين
104

الثالثة بفعل الثالثة فوجب أن ينفسخ نكاحها.
دليلنا: قوله صلى الله عليه وآله: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب،
وهذه أخت زوجته من أمها من جهة الرضاع فوجب أن تحرم.
مسألة 19: لا تقبل شهادة النساء عندنا في الرضاع بحال، وقال أبو حنيفة
وابن أبي ليلى: لا تقبل شهادتهن منفردات إلا في الولادة، وروي ذلك عن ابن
عمر.
وقال الشافعي: شهادتين على الانفراد تقبل في أربعة مواضع: الولادة،
والاستهلال، والرضاع، والعيوب تحت الثياب، وبه قال ابن عباس والزهري
ومالك والأوزاعي.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، ولأن الأصل ارتفاع الرضاع، وثبوته
بشهادتهن يحتاج إلى دليل.
مسألة 20: قد قلنا أن شهادة النساء لا تقبل في الرضاع على وجه لا
منفردات ولا مع الرجال، وإنما تقبل منفردات في الوصية والولادة والاستهلال
والعيوب، ويحتاج إلى شهادة أربع منهن، وبه قال الشافعي في الموضع الذي
تقبل شهادتهن منفردات.
وقال مالك: تقبل شهادة اثنتين، وقال الزهري والأوزاعي وأحمد: يثبت
بشهادة امرأة واحدة، وقال أبو حنيفة: كلما يثبت بشهادة النساء منفردات يثبت
بواحدة.
دليلنا: إجماع الفرقة، ولأن ما اعتبرناه من العدد مجمع على ثبوت الحكم
به عند من قال بقبول شهادتهن، وما نقص عن ذلك ليس عليه دليل.
مسألة 21: إذا قال الرجل لمن هو أكبر سنا منه أو مثله في السن: هذا ابني
105

من الرضاع، أو قالت المرأة ذلك، سقط قولهما ولم يقبل إقرارهما بذلك، وبه
قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: لا يسقط لأنه يقول: لو قال لمن هو أكبر سنا منه
" هذا ابني " وكان عبدا له عتق عليه بالنسب.
دليلنا: أن هذا معلوم كذبه فإذا علمنا كذبه أسقطنا قوله، ومن لم يسقط
احتاج إلى دليل.
مسألة 22: إذا در لبن امرأة من غير ولادة فأرضعت صبيا صغيرا لم ينشر
الحرمة، وخالف جميع الفقهاء في ذلك.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
106

كتاب النفقات
مسألة 1: يجوز للرجل أن يتزوج أربعا بلا خلاف، والاستحباب أن لا يزيد
على من يعلم أنه يقوم بها، وقال جميع الفقهاء: المستحب الاقتصار على واحدة،
وقال داود: الأفضل أن لا يقتصر على واحدة لأن النبي صلى الله عليه وآله قبض
عن تسعة.
دليلنا: أن ما ذكرناه مجمع عليه، والزيادة والنقصان منه يحتاج إلى
دليل.
مسألة 2: من وجب إخدامها من الزوجات فلا يجب عليه أكثر من خادم
واحد، وبه قال الشافعي.
وقال مالك: إن كانت من أهل الحشم والخدم ومثلها لا يقتصر على خادم
واحد فعلى الزوج أن يخدمها من العدد بقدر حالها ومالها.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، ووجوب خادم واحد مجمع عليه وما زاد
عليه ليس عليه دليل.
مسألة 3: نفقة الزوجات مقدرة وهي مد " قدره رطلان وربع ".
وقال الشافعي: نفقاتهن على ثلاثة أقسام: الاعتبار بالزوج إن كان موسرا
107

فمدان، وإن كان متوسطا فمد ونصف، وإن كان معسرا فمد واحد، والمد عنده
" رطل وثلث ".
وقال مالك: نفقة الزوجة غير مقدرة بل عليه لها الكفاية والاعتبار بقدر
كفايتها كنفقة الأقارب، والاعتبار بها لا به.
وقال أبو حنيفة: نفقتها غير مقدرة، والاعتبار بقدر كفايتها كنفقة الأقارب،
والاعتبار بها لا به، قال أبو حنيفة: إن كان موسرا فمن سبعة إلى ثمانية في الشهر،
وإن كان معسرا فمن أربعة إلى خمسة، وقال أصحابه: كان يقول هذا والنقد جيد
والسعر رخيص، فأما اليوم فإنها بقدر الكفاية.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسائل في أنه إذا كان الزوجان أو أحدهما صغيرا لم تجب النفقة على
الزوج
مسألة 4: إذا كان الزوج كبيرا والزوجة صغيرة لا يجامع مثلها لا نفقة لها،
وبه قال أبو حنيفة وأصحابه، وهو أحد قولي الشافعي الصحيح عندهم، واختاره
المزني، والقول الثاني لها النفقة.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، ومن أوجب عليه نفقتها فعليه الدلالة.
مسألة 5: إذا كانت الزوجة كبيرة والزوج صغيرا لا نفقة لها وإن بذلت
التمكن، وللشافعي فيه قولان: أصحهما أن لها النفقة، وبه قال أبو حنيفة، والآخر لا
نفقة لها مثل ما قلناه.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء من أن الأصل براءة الذمة، وشغلها
يحتاج إلى دليل.
مسألة 6: إذا كانا صغيرين لا نفقة لها، وللشافعي فيه قولان نص عليهما في
108

الإملاء.
دليلنا: ما قلناه في المسألتين الأولتين.
مسألة 7: إذا أحرمت بغير إذنه فإن كان في حجة الإسلام لم تسقط نفقتها،
وإن كانت تطوعا سقطت نفقتها، وقال الشافعي: تسقط نفقتها قولا واحدا لأن
طاعة الزوج مقدمة لأنها على الفور والحج على التراخي.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم على أنه لا طاعة للزوج في حجة الإسلام
عليها فلذلك لم تسقط نفقتها، ولأن نفقتها واجبة وإسقاطها يحتاج إلى دليل، وأما
الحج فعندنا أنه على الفور دون التراخي.
مسألة 8: إذا أحرمت باذنه وحدها لم تسقط نفقتها، وللشافعي فيه قولان:
أحدهما مثل ما قلناه، والثاني تسقط.
دليلنا: ما قلناه من ثبوت وجوب نفقتها، وإسقاطها يحتاج إلى دليل.
مسألة 9: إذا اعتكفت وحدها باذنه لم تسقط نفقتها، وللشافعي فيه قولان
مثل الإحرام.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 10: إذا صامت تطوعا فإن طالبها بالإفطار فامتنعت كانت ناشزة
وتسقط نفقتها، وللشافعي فيه وجهان: أحدهما مثل ما قلناه، والثاني لا تسقط لأنها
ما خرجت عن قبضته.
دليلنا: أن طاعة الزوج فريضة والصوم نفل فمتى تركت ما وجب عليها
من طاعته كانت ناشزة كما لو تركتها بغير صوم، وإجماع الفرقة على أنه لا يجوز
للمرأة أن تصوم تطوعا إلا بإذن زوجها.
109

مسألة 11: إذا نشزت المرأة سقطت نفقتها، وبه قال جماعة الفقهاء، وقال
الحكم: لا تسقط نفقتها بالنشوز لأنها وجبت بالملك وبالنشوز لا يزول الملك
فلا تسقط النفقة.
دليلنا: إجماع الفرقة بل إجماع الأمة، وقول الحكم لا يعتد به وقد انقرض
أيضا.
مسألة 12: إذا اختلف الزوجان بعد أن سلمت نفسها إليه في قبض المهر أو
النفقة، فالذي رواه أصحابنا أن القول قول الزوج وعليها البينة، وبه قال مالك،
وقال أبو حنيفة والشافعي: القول قول الزوجة مع يمينها.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا فإن العادة جارية بأنها لا تمكن من
الدخول إلا بعد أن تستوفى المهر ولا تقيم معه إلا وتقبض النفقة، فإذا ادعت
خلاف العرف والعادة فعليها الدلالة والبينة.
مسألة 13: إذا ارتدت الزوجة سقطت النفقة ووقف النكاح على انقضاء
العدة، فإن عادت في زمان العدة وجبت نفقتها في المستأنف، ولا يجب لها شئ
لما فات في الزمان الذي كانت مرتدة، وللشافعي فيه قولان: أحدهما - وهو
المذهب - مثل ما قلناه، والثاني أن لها نفقة ما كانت مرتدة فيه.
دليلنا: الإجماع على سقوط نفقتها زمان ردتها، وعودها يحتاج إلى دليل.
مسألة 14: إذا كانا وثنيين أو مجوسيين فسلم إليها نفقة شهر مثلا ثم أسلم
الزوج وقف النكاح على انقضاء العدة، فإن أسلمت كانت زوجته، وإن لم تسلم
حتى تخرج من العدة بانت منه وكان له مطالبتها بالنفقة التي دفعها إليها،
وكذلك إذا أسلمت في آخر العدة كان له استرجاع النفقة ما بين زمان إسلامه
وإسلامها، وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه - وهو المذهب - والآخر
110

ليس له أن يسترجع شيئا منها.
دليلنا: أن النفقة في مقابلة الاستمتاع بها، وهي إذا كانت وثنية وهو مسلم
لم يمكنه الاستمتاع بها فجرى مجرى الناشز فلا نفقة لها، فإذا لم تكن لها نفقة
كان له مطالبتها بما أعطاها.
مسألة 15: إذا أعسر فلم يقدر على النفقة على زوجته لم تملك زوجته
الفسخ، وعليها أن تصبر إلى أن يوسر، وبه قال من التابعين الزهري وعطاء بن
يسار، وإليه ذهب أهل الكوفة ابن أبي ليلى وابن شبرمة وأبو حنيفة وأبو يوسف
ومحمد.
وقال الشافعي: هي مخيرة بين أن تصبر حتى إذا أيسر استوفت ما اجتمع لها
وبين أن تختار الفسخ فيفسخ الحاكم بينهما، وكذلك إذا أعسر بالصداق قبل
دخولها فالإعسار عيب بذمته فلها الفسخ، وبه قال في الصحابة - على ما رووه -
علي عليه السلام وعمر وأبو هريرة، وفي التابعين سعيد بن المسيب وسليمان بن
يسار وعطاء بن أبي رياح، وفي الفقهاء حماد بن أبي سليمان وربيعة بن أبي
عبد الرحمان ومالك وأحمد وإسحاق.
دليلنا: قوله تعالى: وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة، ولم يفصل.
وقال تعالى: وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن
يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله، فندب الفقراء إلى النكاح، فلو كان الفقر سببا
يملك به فسخ النكاح ما ندب إلى النكاح من يملك الفسخ عقيب النكاح،
وأخبار أصحابنا واردة بذلك، وقد ذكرناها في مواضعها.
مسألة 16: المطلقة البائن أو المختلعة لا سكنى لها، وبه قال أحمد بن حنبل
وإسحاق، وقال باقي الفقهاء: لها السكنى.
دليلنا: إجماع الفرقة، ولأن الأصل براءة الذمة، وشغلها يحتاج إلى دليل.
111

مسألة 17: لا نفقة للبائن، وبه قال ابن عباس ومالك والأوزاعي وابن أبي
ليلى والشافعي، وقال قوم أن لها النفقة، ذهب إليه في الصحابة عمر بن الخطاب
وابن مسعود وبه قال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء وأيضا قوله تعالى: وأسكنوهن من
حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن وإن كن أولات حمل
فأنفقوا عليهن حتى يضمن حملهن، لما ذكر النفقة شرط الحمل، وأيضا دليله يدل
على أن من ليس بحامل لا نفقة لها.
وروى الشافعي عن مالك عن عبد الله بن يزيد عن أبي سلمة بن عبد الرحمان
عن فاطمة بنت قيس أن زوجها طلقها ثلاثا وهو غائب بالشام، فأرسل إليها كيل
شعير فسخطته فقال: والله ما لك علينا من شئ، فاتت رسول الله
صلى الله عليه وآله فذكرت له ذلك، فقال: ليست لك نفقة، وأمرها أن تعتد في بيت أم
شريك ثم قال: تلك امرأة يغشاها أصحابي اعتدي عند ابن أم مكتوم فإنه ضرير
تضعين ثيابك حيث شئت.
مسألة 18: البائن إذا كانت حاملا فلها النفقة بلا خلاف، وينبغي أن تعطى
نفقتها يوما بيوم، وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه وهو اختيار المزني،
وأصح القولين، والآخر أنها لا تعطى حتى تضع فإذا وضعت أعطيت لما مضى.
دليلنا: قوله تعالى: وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن
حملهن، والأمر يقتضي الفور، وتأخيره يحتاج إلى دليل، وطريقة الاحتياط أيضا
تقتضي ذلك.
مسائل نفقة الأقارب
مسألة 19: يجب على الوالد نفقة الولد إن كان موسرا فإن لم يكن أو كان
وهو معسر فعلى جده، فإن لم يكن أو كان وهو معسر فعلى أب الجد، وعلى هذا
112

أبدا، وبه قال أبو حنيفة والشافعي.
وقال مالك: النفقة على أبيه، فإن لم يكن أو كان وهو معسر لم تجب على
جده لأن النسب قد يعد.
دليلنا: كل ظاهر ورد في وجوب النفقة على الولد يتناول هذا الموضع،
لأن ولد الولد يسمى ولدا والجد يسمى أبا، يدل على ذلك قوله تعالى: يا بني
آدم، فأضافنا بالبنوة إلى الجد الأعلى، وقال تعالى: ملة أبيكم إبراهيم، وقال
تعالى: واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب، فسماهم آباء، وقال النبي
صلى الله عليه وآله: الحسن ولدي هذا سيد يصلح الله به بين الفئتين، فإذا ثبت
الاسم فقد قال النبي صلى الله عليه وآله: أنفقه على ولدك، ذلك عام، وأخبارنا
في ذلك كثيرة جدا.
مسألة 20: إذا لم يكن أب ولا جد أو كانا وهما معسران فنفقته على أمه،
وبه قال أبو حنيفة والشافعي.
وقال مالك: لا يجب على الأم الإنفاق لقوله تعالى: فإن أرضعن لكم
فأتوهن أجورهن، وكان الخطاب منصرفا إلى الآباء.
وقال أبو يوسف ومحمد: لها أن تنفق لكن تتحملها عن الأب فإذا أيسر بها
رجعت عليه بما أنفقت عليه.
دليلنا: عموم الأخبار التي وردت بوجوب النفقة على الولد، ويدخل في
ذلك الآباء والأمهات، وإنما قدمناه الآباء بدليل الإجماع، وأما الخطاب في الآية
فإنما توجه إلى الأب المطيق القادر عليها بدليل أنه أمره بإتيان الأجرة، ولا يأمره
بذلك إلا وهو مطيق قادر عليه.
مسألة 21: إذا اجتمع جد أبو أب وإن علا وأم، كانت النفقة على الجد
دون الأم، وبه قال أبو يوسف ومحمد والشافعي، وقال أبو حنيفة: النفقة بينهما، على
113

الأم الثلث وعلى الجد الثلثان بحسب الميراث.
دليلنا: أنا قد بينا أن الجد يتناوله اسم الأب والأب أولى بالنفقة على ولده
من الأم بالاتفاق.
مسألة 22: إذا اجتمع أم الأم وأم أب أو أبو أم وأم أب فهما سواء لأنهما
تساويا في الدرجة، وللشافعي فيه وجهان: أحدهما مثل ما قلناه، والثاني أم الأب
أولى لأنها تدلي بالعصبة.
دليلنا: إنا قد بينا بطلان القول بالعصبة وذلك عام في جميع الأحكام،
وإنما النفقة بالرحم وهما سواء.
مسألة 23: تجب النفقة على الأب والجد معا، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة،
وقال مالك: لا تجب النفقة على الجد كما لا تجب على الجد النفقة عليه.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا قد بينا أنه يجب على الجد النفقة عليه فبطل
الأصل الذي بناه عليه.
مسألة 24: يجب عليه أن ينفق على أمه وأمهاتها وإن علون، وبه قال
أبو حنيفة والشافعي، وقال مالك: لا يجب عليه أن ينفق على أمه.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم وأيضا قوله تعالى: وصاحبهما في الدنيا
معروفا، وهذا من المعروف.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أن رجلا قال: يا رسول الله من أبر؟ قال
أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال:
أباك، فجعل الأب في الرابعة، فثبت أن النفقة عليها واجبة.
مسألة 25: الوالد إذا كان كامل الأحكام مثل أن يكون عاقلا وكامل
114

الخلقة بأن لا يكون زمنا إلا أنه فقير محتاج وجب على ولده أن ينفق عليه،
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه، والثاني لا يجب عليه.
دليلنا: إجماع الفرقة وعموم الأخبار.
مسألة 26: الولد إذا كان كامل الأحكام والخلقة وكان معسرا وجب على
والده أن ينفق عليه، وللشافعي فيه طريقان: أحدهما أن المسألة على قولين
كالأب، ومنهم من قال: ليس عليه أن ينفق عليه قولا واحدا لأن حرمة الأب أقوى
لأنه يقاد بوالد ولا يقاد بولد.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 27: إذا كان أبواه معسرين وليس بفضل عن كفاية نفقته إلا نفقة
أحدهما كان بينهما بالسوية، وللشافعي فيه ثلاثة أوجه، أحدها مثل ما قلناه،
والثاني أن الأب أولى لأن له تعصيبا، والثالث الأم أولى لأن لها الحضانة والحمل
والوضع.
دليلنا: إنهما تساويا في الدرجة، وليس أحدهما أولى من صاحبه أشركنا
بينهما، ومن قدم أحدهما فعليه الدلالة.
مسألة 28: إذا كان له ابن مراهق كامل الخلقة ناقص الأحكام وأب،
كامل الأحكام ناقص الخلقة ومعه ما يفضل لنفقة أحدهما قسم بينهما بالسوية،
وللشافعي فيه وجهان: أحدهما الابن أولى لأن نفقته ثبت بالنص ونفقة الأب
بالاجتهاد، والثاني الأب أولى لأن حرمته أولى بدلالة أنه لا يقاد بولده.
دليلنا: إنهما تساويا في النسب الموجب للنفقة، وتقديم أحدهما على صاحبه
يحتاج إلى دليل.
115

مسألة 29: إذا كان له أب وأبو أب معسرين أو ابن وابن ابن معسرين ومعه
ما يكفي لنفقة أحدهما، أنفق على الأب دون الجد وعلى الابن دون ابن الابن،
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه، والثاني الفاضل بينهما.
دليلنا: أن الأب أقرب من الجد وكذلك الابن أقرب من ابن الابن، وقال
الله تعالى: وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض، وذلك عام في كل شئ.
مسألة 30: إذا كان معسرا وله أب وابن موسران كانت نفقته عليهما
بالسوية، وللشافعي فيه وجهان: أحدهما مثل ما قلناه، والثاني نفقته على أبيه لأنه
إنفاق على ولد، وذلك ثابت بالنص ونفقة الوالد ثابتة بالاجتهاد.
دليلنا: أن جهة النفقة عليهما واحدة وهي إجماع الفرقة، ولا ترجيح
لأحدهما فوجب التسوية بينهما.
مسألة 31: اختلف الناس في وجوب نفقة الغير على الغير بحق النسب
على أربعة مذاهب:
فأضعفهم قولا مالك لأنه قال: يقف على الوالد والولد ينفق كل واحد
منهما على صاحبه، ولا يتجاوز بهما.
ويليه الشافعي فإنه قال: يقف على الوالدين والمولدين ولا يتجاوز، فعلى
كل أب وإن علا، وعلى كل أم وإن علت، وكذلك كل جد من قبلها وجدة من
قبل الأب، وعلى المولدين من كانوا من ولد البنين أو البنات وإن سفلوا، فالنفقة
تقف على هذين العمودين ولا تتجاوز.
ويليه مذهب أبي حنيفة فإنه قال: يتجاوز عمود الوالدين والمولودين فتدور
على كل ذي رحم محرم بالنسب، فتجب على الأخ الأخية، وأولادهم، والأعمام
والعمات والأخوال والخالات دون أولادهم لأنه ليس بذي رحم محرم بالنسب.
والرابع هو مذهب عمر بن الخطاب وهو أعم الناس قولا، وهو أنها تجب
116

على من عرف بقرابته منه، وهذا مشهور بين الناس.
والذي يقتضيه مذهبنا ما قاله الشافعي لأن أخبارنا واردة متناولة بأن النفقة
تجب على الوالدين والولد، وذلك يتناول هذين العمودين، وإن كان قد روي في
بعضها أن كل من ثبت بينهما موارثة تجب نفقته، وذلك على الاستحباب.
والدليل على ما قلناه: عموم أخبارنا التي رويناها وذكرناها في الكتاب
الكبير، ويمكن نصرة الرواية الأخرى بقوله تعالى: وعلى الوارث مثل ذلك،
فأوجب على الوارث مثل ما أوجب على الوالد، وقال عليه السلام: لا صدقة وذو
رحم محتاج.
ويقوى المذهب الأول ما رواه أبو هريرة أن رجلا أتى النبي
صلى الله عليه وآله فقال: يا رسول الله عندي دينار، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أنفقه
على نفسك، قال: عندي آخر، فقال أنفقه على ولدك، فقال: عندي آخر،
فقال: أنفقه على أهلك، فقال: عندي آخر، فقال: أنفقه على خادمك، فقال:
عندي آخر، فقال: أنت أعلم، وفي بعضها " أنفقه في سبيل الله، وذلك أيسر "،
فذكر النبي صلى الله عليه وآله الجهات التي تستحق بها النفقة من النسب
والزوجية وملك اليمين، فلو كانت الإخوة تستحق بها نفقة لبينه.
مسألة 32: إذا وجبت النفقة على الرجل إما نفقة بيوم أو ما زاد عليه
للزوجة أو غيرها من ذوي النسب وامتنع من إعطائه ألزمه الحاكم إعطائه، فإن
لم يفعل حبسه، فإن لم يفعل ووجد له من جنس ما عليه أعطاه، وإن كان من غير
جنسه باع عليه وأنفق على من تجب له نفقته، وبه قال الشافعي.
قال أبو حنيفة: إن وجد له من جنس ما عليه أعطاه وإلا حبسه حتى يتولى هو
البيع، ولا يبيع عليه إلا الذهب والورق فإنه يبيع كل واحد منهما بالآخر ويوفي
ما عليه، وأجاز في نفقة الزوجة إذا كان زوجها غائبا وحضرت عند الحاكم
وطالبت نفقتها وحضر أجنبي فاعترف بأن للغائب ملكا وهذه زوجته فإنه يأمره
117

الحاكم ببيعه، والنفقة عليها ولم يجز في غير ذلك.
دليلنا: إجماع الفرقة على أن من عليه حق وامتنع منه فإنه يباع عليه ملكه،
وذلك عام في الديون وغيرها من الحقوق اللازمة سواء.
في أنه ليس للزوج إجبار زوجته على الرضاع لولدها منه
مسألة 33: ليس للرجل أن يجبر زوجته على الرضاع لولدها منه شريفة
كانت أو مشروفة موسرة كانت أو معسرة، دنيئة كانت أو نبيلة، وبه قال أبو حنيفة
والشافعي.
وقال مالك: له إجبارها إذا كانت معسرة دنيئة، وليس له ذلك إذا كانت
شريفة موسرة.
وقال أبو ثور: له إجبارها عليه بكل حال لقوله تعالى: والوالدات يرضعن
أولادهن حولين كاملين، وهذا خبر معناه الأمر، فإذا ثبت وجوبه عليها ثبت أنه
يملك إجبارها عليه لأنه إجبار على واجب.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، والإجبار يحتاج إلى دليل، والآية محمولة
على الاستحباب، وعليه إجماع الفرقة، وأخبارهم تشهد بذلك.
مسألة 34: البائن إذا كان لها ولد يرضع ووجد الزوج من يرضعه تطوعا
وقالت الأم: أريد أجرة المثل، كان له نقل الولد عنها، وبه قال أبو حنيفة وقوم من
أصحاب الشافعي، ومن أصحابه من قال المسألة على قولين: أحدهما مثل ما قلناه،
والثاني ليس له نقله عنها، ويلزمه أجرة المثل، وهو اختيار أبي حامد.
دليلنا: قوله تعالى: وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى، وهذه إذا طلبت
الأجرة وغيرها يتطوع فقد تعاسرا، واستدل أبو حامد بقوله تعالى: أرضعن لكم
فأتوهن أجورهن، فأوجب لها الأجرة إذا أرضعته ولم يفصل، وهذا ليس بصحيح
لأن الآية تفيد لزوم الأجرة إن أرضعت وذلك لا خلاف فيه، وإنما الكلام في أنه
118

يجب دفع المولود إليها لترضع أم لا؟ وليس ذلك في الآية.
مسألة 35: البنت إذا كانت بالغة رشيدة يكره لها أن تفارق أمها، ولا
يجب عليها ذلك حتى تتزوج، وبه قال الشافعي، وقال مالك: يجب عليها أن لا
تفارق أمها حتى تتزوج ويدخل بها.
دليلنا: أنه قد ثبت أنها بالغة رشيدة نافذ أمرها في نفسها ومالها،
ومن منعها من مفارقة الأم فعليه الدلالة.
مسألة 36: إذا بانت المرأة من الرجل ولها ولد منه فإن كان طفلا لا يميز
فهي أحق به بلا خلاف، وإن كان طفلا يميز وهو إذا بلغ سبع سنين أو ثمان
سنين فما فوقها إلى حد البلوغ، فإن كان ذكرا فالأب أحق، وإن كان أنثى فالأم
أحق بها ما لم تتزوج، فإن تزوجت فالأب أحق بها، ووافقها أبو حنيفة وأصحابه
في الجارية، وقال في الغلام: الأم أحق به حتى يبلغ حدا يأكل ويشرب ويلبس
بنفسه فيكون أبوه أحق به، وقال الشافعي: يخير بين أبويه فإذا اختار أحدهما سلم
إليه، وبه قال علي عليه السلام وعمر وأبو هريرة.
وقال مالك: إن كانت جارية فالأم أحق بها حتى تبلغ وتزوج ويدخل بها
الزوج، وإن كان غلاما فأمه أحق به حتى يبلغ.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 37: الموضع الذي قلنا أن الأب أحق بالولد والأم أحق به لا
يختلف الحال بين أن يكون مقيما أو مسافرا، فإن كان الأمر على ذلك قال
الشافعي: إن كانت المسافة يقصر فيها الصلاة فالأب أحق بكل حال، وإن لم
يكن يقصر فيها فهو كالإقامة.
وقال أبو حنيفة: إن كان المنتقل الأب فالأم أحق، وإن كانت الأم المنتقلة
فإن انتقلت من قرية إلى بلد فهي أحق، به، وإن انتقلت من بلد إلى قرية فالأب أحق
119

به لأن في السواد يسقط تعليمه وتخرجه.
دليلنا: عموم الأخبار، وتخصيصها يحتاج إلى دليل.
مسائل الحضانة
مسألة 38: إذا تزوجت الأم سقط حقها من حضانة الولد، وبه قال أبو حنيفة
ومالك والشافعي، وقال الحسن البصري: لا يسقط حقها بالتزويج.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
وروى عمرو بن سعيد عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو أن امرأة قالت:
يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاء، وثديي له سقاء وحجري له حواء،
وإن أباه طلقني فأراد أن ينزعه مني، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله: أنت
أحق به ما لم تنكحي، وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله قال: الأم أحق
بحضانة ابنها ما لم تتزوج.
مسألة 39: إذا طلقها زوجها عاد حقها من الحضانة، وبه قال أبو حنيفة
والشافعي، وقال مالك: لا يعود لأن النكاح أبطل حقها.
دليلنا: أن النبي صلى الله عليه وآله علق حقها بالتزويج فإذا زال التزويج
فالحق باق على ما كان.
مسألة 40: إذا طلقها الزوج طلقة رجعية لم يعد حقها، وإن طلقها بائنا عاد،
وبه قال أبو حنيفة والمزني، وقال الشافعي: يعود على كل حال.
دليلنا: ما قدمناه من أن الرجعية زوجة في معنى الزوجات لأن عندنا لا
يحرم وطؤها.
مسألة 41: الأخت من الأب أولى بالحضانة من الأخت للأم، وبه قال
الشافعي، وقال أبو حنيفة: الأخت من الأم أولى، وبه قال المزني وأبو العباس بن
120

سريج.
دليلنا: ما قدمناه أنها أولى بالميراث لأن لها النصف ولهذه السدس فكانت
أولى لقوله تعالى: وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض.
مسألة 42: الجدات أولى بالولد من الأخوات، وللشافعي فيه قولان:
أحدهما مثل ما قلناه، والآخر الأخوات أولى.
دليلنا: ما ثبت من أن الأم أولى، واسم الأم يقع على الجدة.
مسألة 43: أم الأب أولى من الخالة بالولد، وللشافعي فيه قولان: أحدهما
مثل ما قلناه والثاني أن الخالة أولى.
دليلنا: ما قدمناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 44: لأبي الأم وأم أبي الأم حضانة، وقال الشافعي: لا حضانة لهما
وهما بمنزلة الأجنبي.
دليلنا: أن اسم الأب يتناولهما فقد دخلا في ظاهر الأخبار، وأيضا قوله
تعالى: وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض، وذلك عام في كل شئ إلا ما خصه
الدليل.
مسألة 45: إذا لم تكن أم وهناك أم أم أو جدة أم أم وهناك أب فالأب
أولى، وقال الشافعي: أم الأم وجداتها أولى من الأب وإن علون.
دليلنا: قوله تعالى: وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض، والأب أقرب بلا
شك لأنه يدلي بنفسه.
مسألة 46: إذا كان مع الأب أخت من أم أو خالة أسقطهما، وللشافعي فيه
121

وجهان: أحدهما مثل ما قلناه، والثاني أنهما تسقطانه.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 47: العمة والخالة إذا اجتمعتا تساويا وأقرع بينهما، وقال الشافعي:
الخالة أولى قولا واحدا.
دليلنا: أنهما تساويا في الدرج ولا ترجيح لإحداهما على الأخرى.
مسألة 48: إذا اجتمع جد وخالة وأخت لأم فالجد أولى، وللشافعي فيه
وجهان: أحدهما مثل ما قلناه، والثاني يسقط الجد بهما.
دليلنا: ما قدمناه من الآية.
مسألة: 49: أم أب وجد، متساويان، وقال الشافعي: يسقط الجد.
دليلنا: أنهما متساويان في الدرج ولا ترجيح.
مسألة 50: أخت لأب وجد، متساويان، وللشافعي فيه وجهان: أحدهما
الجد أولى، والثاني الأخت أولى.
دليلنا: ما قدمناه من تساويهما في الدرج.
مسألة 51: العم وابن العم وابن عم الأب والعصبة يقومون مقام الأب في
باب الحضانة، وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه، والثاني لا حضانة لأحد
من الذكور غير الأب والجد.
دليلنا: الآية وهي عامة في جميع الأحكام.
وروى عمارة الجرمي قال: خيرني على ابن أبي طالب عليه السلام بين أمي
وعمي، وقال الآخر هو أصغر مني: وهذا لو بلغ مبلغ هذا لخيرته.
122

مسألة 52: لا حضانة لأحد من العصبة من الأم.
وللشافعي فيه وجهان: أحدهما مثل ما قلناه، والثاني أنهم يقومون مقام الأب
ويكون الولد مع أمه حتى يبلغ ثم يخير فإن كان ذكرا خيرناه بينها وبين العم
وابن العم ومن كان من العصبات وإن كانت أنثى خيرناها بينها وبين كل عصبة
محرم لها كالأخ وابن الأخ والعم، فأما ابن العم فلا.
دليلنا: قوله تعالى: وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض، والأم أقرب من
العصبة.
مسألة 53: إذا اجتمع مع العصبة ذكر من ذوي الأرحام كالأخ للأم
والخال والجد أبي الأم كان الأقرب أولى، وقال الشافعي: لا حضانة لهم بوجه
لأنه لا حضانة فيه ولا قرابة يرث بها.
دليلنا: قوله تعالى: وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض، والمراد به الأقرب
فالأقرب وذلك عام.
مسألة 54: إذا لم يكن عصبة وهناك خال وأخ لأم وأبو أم كان لهم
الحضانة.
وللشافعي فيه وجهان: أحدهما لاحظ لهم فيها ويعود النظر فيه إلى الحاكم
كالأجانب سواء، لأنه لا حضانة ولا إرث.
وقال أبو إسحاق: لهم الحضانة لأن الحضانة تسقط بوجود العصبة، فإذا لم
يكن عصبة ولهم الرحم فوجب أن يكون لهم الحضانة.
دليلنا: الآية على ما رتبناه.
مسألة 55: إذا مرض المملوك مرضا يرجى زواله فعلى مالكه نفقته بلا
خلاف، فأما إذا زمن أو أقعد أو عمي، فعند أصحابنا أنه يصير حرا ولا يلزم مولاه
123

نفقته لأنه ليس بعبده، وقال جميع الفقهاء: تلزمه نفقته ولا يزال ملكه وهو
كالصغير سواء.
دليلنا: إجماع الفرقة على أنه ينعتق بهذه الآفات، فإذا ثبت ذلك ثبت ما
قلناه لأن أحدا لم يفرق.
مسألة 56: لا يجب بالعقد إلا المهر، وأما النفقة فإنما تجب يوما بيوم في
مقابلة التمكين من الاستمتاع، وهو الظاهر من قول أبي حنيفة وهو قول الشافعي
في الجديد، وقال في القديم: يجب بالعقد النفقة مع المهر، ويجب تسليمها يوما
بيوم في مقابلة التمكين من الاستمتاع.
دليلنا: أنه إذا مكنت الزوجة من نفسها لا يجب عليه إلا تسليم نفقة ذلك
اليوم ولا يجبر بلا خلاف، فلو كان يجب أكثر من نفقة يوم لوجب عليه تسليمها
لأنه مع التمكين أجمعنا على أنه لا يجب، وأيضا الأصل براءة الذمة وقد أجمعنا
على وجوب نفقة يوم بيوم، ولا دليل على وجوبها بالعقد.
مسألة 57: إذا ثبت ما قلناه من أنها تجب نفقة يوم بيوم فإن استوفت نفقة
هذا اليوم فلا كلام، وإن لم تستوف استقرت في ذمته، وعلى هذا أبدا، هذا إذا
كانت ممكنة من الاستمتاع، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: كلما مضى يوم قبل أن تستوفى نفقتها سقطت بمضي الزمان
كنفقة الأقارب إلا أن يفرض القاضي عليه فرضا فتستقر عليه بمضي الزمان نفقة ما
مضى.
دليلنا: أنا قد أجمعنا على وجوب النفقة في ذلك اليوم، ومن ادعى إسقاطها
فعليه الدليل.
مسألة 58: إذا تزوج رجل أمة فأحبلها ثم ملكها كان الولد حرا على كل
124

حال، وكانت هي أم ولده.
وقال الشافعي: إذا ملكها فإن كانت حاملا ملكها وعتق حملها بالملك ولم
تصر أم ولد، وإن ملكها بعد الوضع لم تصر أم ولد سواء ملكها وحدها أو مع
ولدها.
وقال أبو حنيفة: إذا علقت منه ثبت لها حرمة الحرية بذلك العلوق، فمتى
ملكها صارت أم ولده تعتق لموته سواء ملكها قبل الوضع أو بعده.
وقال مالك: إن ملكها حاملا صارت أم ولده وتعتق بموته سواء ملكها قبل
الوضع أو بعده، وقال: لأن حملها يعتق وهو كبعض منها، وإن ملكها بعد
الوضع مثل قول الشافعي.
دليلنا: إجماع الفرقة على أن الولد لا حق بالحرية في أي الطرفين كان لا
يختلفون فيه، وأما كونها أم ولده فالاشتقاق يقتضي ذلك.
مسألة 59: إذا أسلف زوجته نفقة شهر ثم مات أو طلقها بائنا فلها نفقة يومها
وعليها رد ما زاد على اليوم، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: إن مات بعد الإقباض لم يكن عليها رد شئ، وإن كان بعد
أن حكم الحاكم وقبل الإقباض سقطت بوفاته، ويتصور الخلاف معه إذا بانت
بالموت فأما الطلاق فلا لأن المبتوتة لها النفقة عنده.
دليلنا: أنا قد بينا أنه لا نفقة للبائن بالطلاق، وأما بالموت فلا خلاف أنه
تسقط نفقتها فإذا كان كذلك وكان ما أعطاها لم يستقر لها لم يثبت فيما بعد
فوجب عليها رده.
125

المبسوط
في فقه الإمامية
تأليف شيخ الطائفة
أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (قدس سره)
385 - 460 ه‍. ق
127

كتاب النكاح
قال الله تعالى: " فانكحوا ما طاب لكم من النساء " فندب تعالى إلى
التزويج، وقال عز اسمه: " وأنكحوا الأيامى منكم " فندب إلى التزويج، وقال
تعالى: " الذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم "،
فمدح من حفظ فرجه إلا عن زوجته أو ما ملكت يمينه.
وروى ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وآله قال: يا معاشر الشباب من
استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لا فعليه بالصوم فإن له وجاء، فجعله
كالموجوء الذي رضت خصيتاه، فمعناه أن الصوم يقطع الشهوة.
وروي عنه عليه السلام أنه قال: من أحب فطرتي فليستن بسنتي ألا وهي
النكاح، وقال عليه السلام: تناكحوا تكثروا فإني أباهي بكم الأمم حتى بالسقط،
وأجمع المسلمون على أن التزويج مندوب إليه وإن اختلفوا في وجوبه.
وقد خص الله تعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وآله بأشياء ميزه بها من
خلقه وهي أربعة أضرب: واجب، ومحظور ومباح وكرامة.
وذلك أنه أوجب عليه أشياء لم يوجبها على خلقه ليزيده بها قوة ودرجة،
وحظر عليه أشياء لم يحظرها على غيره تنزيها له عنها، وأباح له أشياء لم يبحها
لأحد توسعا عليه، وأكرمه بأشياء خصه بها لينبه بذلك على كرامته ومنزلته.
فالواجبات ذكر فيها السواك والوتر والأضحية فإن جميع ذلك كان
129

واجبا عليه دون أمته، فروي عنه عليه السلام أنه قال: كتب علي الوتر ولم يكتب
عليكم وكتب علي السواك ولم يكتب عليكم وكتب علي الأضحية ولم يكتب
عليكم.
وأوجب عليه تخيير النساء، فمن اختارت نفسها منهن بانت بقوله: " يا أيها
النبي قل لأزواجك - إلى قوله - سراحا جميلا ".
وأوجب عليه إذا لبس لأمته - وهو الدرع والسلاح - أن لا ينزعها حتى يلقى
العدو.
وكان قيام الليل واجبا عليه دون أمته، ثم نسخت بقوله: " ومن الليل فتهجد
به نافلة لك " فجعلت نفلا.
وأما المحظورات فحظرت عليه الكتابة، وقول الشعر، وتعليم الشعر، وأخذ
الصدقات المفروضات، وصدقة التطوع على قول بعضهم، ونكاح الكتابيات
على قول بعض المخالفين، وعندنا أن ذلك محرم على كل أحد بعقد التزويج.
وخائنة الأعين، ومعناه أنه ما كان يرمز بأمر أو يشير بعين تعريضا لكن
يصرح به كقصة عثمان مع أخيه لأمه عبد الله بن سعيد بن أبي سرح، وهي
معروفة.
وأما المباحات التي خص بها فكثيرة: منها الوصال في الصوم كان مباحا
ولا يحل لغيره، وهو أن يطوي الليل بلا أكل ولا شرب مع صيام النهار، لا أن
يكون صائما لأن الصوم في الليل لا ينعقد، بل إذا دخل الليل صار الصائم مفطرا
بلا خلاف.
فروي عنه عليه السلام أنه نهى عن الوصال، قيل له: إنك تواصل، فقال:
لست كأحدكم أنا أطعم وأسقي، وروي أنه قال: أبيت ويطعمني ربي ويسقيني.
وأبيح له أن يحمي لنفسه وللمسلمين، ولا يجوز لغيره أن يحمي لنفسه أصلا
لكن للإمام أن يحمي للمسلمين.
وأبيحت له الغنائم وأحلت له وما كانت تحل لأحد قبله، بل كانت تجمع
130

فتنزل نار من السماء فتأكلها.
وأبيحت له أربعة أخماس الفئ وخمس الخمس من الغنيمة والفئ، وعندنا
أن الفئ كان له خاصة، وأبيحت له المصفى من الغنيمة، وهو كل ما كان يختاره
وليس ذلك لأحد بعده، وعندنا أنه للإمام.
وجعلت له الأرض مصلى يصلي أي موضع أراد، ويتطهر بأي تراب منها
كان، ولم يكن ذلك لأحد قبله، فقال عليه السلام: جعلت لي الأرض مسجدا
وترابها لي طهورا.
وقيل: إنه أبيح له أخذ الماء من العطشان وإن كان محتاجا إليه، ويكون
أولى به، وليس لأحد ذلك لقوله تعالى: " النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ".
وأبيح له أن يتزوج ما شاء لا إلى عدد، وأن يتزوج بلا مهر.
وخمس مسائل فيها خلاف: منها أن يتزوج بلا ولي، وإن يتزوج بلا
شهود، وأن يتزوج في حال الإحرام، ويتزوج بلفظ الهبة، وإذا قسم لواحدة من
نسائه وبات عندها هل يجب عليه أن يقسم لنسائه أم لا؟ منهم من قال: كان له
كل ذلك، ومنهم من قال: لا يجوز، وعندنا أن التزويج بلا ولي ولا شهود حكم
غيره في ذلك حكمه.
وأما الكرامات، فهو أن النبي صلى الله عليه وآله بعث إلى الكافة، وكان
كل نبي بعث إلى قوم دون قوم، ولذلك قال عليه السلام: بعثت إلى الأسود
والأحمر.
وأكرم بأنه شارك الأنبياء كلهم وساواهم في معجزاتهم، إذا كان له حنين
الجذع، وتسبيح الحصى، وكلام الضب، وانشقاق القمر، وغير ذلك، وخص
بالقرآن الذي لم يكن لهم، وكل نبي إذا مات انقرضت معجزاته إلا نبينا
صلى الله عليه وآله فإن معجزته بقيت إلى الحشر، وهي القرآن.
ونصر بالرعب فقال عليه السلام: نصرت بالرعب حتى أن العدو لينهزم على
مسيرة شهر، وجعلت أزواجه أمهات المؤمنين، وحرم على غيره أن ينكحها بعده
131

بحال.
وكان تنام عينه ولا ينام قلبه، وكان يرى من خلقه مثل ما يرى من قدامه
وبين يديه.
إذا خاطبه الله تعالى بلفظ عموم لم يعرف خصوصه إلا بدليل شرعي، لأنه
إذا خاطب تعالى بخطاب، واجب ومباح وندب يصلح اللفظ أن يكون متناولا له
فكان هو وغيره من المؤمنين فيه سواء، مثل قوله: " يا أيها الناس " و " يا أيها الذين
آمنوا " وما أشبه ذلك، إلا أن يكون هناك قرينة تدل على أنه مخصوص بذلك،
كقوله تعالى: " خالصة لك من دون المؤمنين " فحينئذ يعرف خصوصه بها.
وكل ما ذكرناه من الأحكام، إنما عرف اختصاصه بها بدليل، وما اختص
به من الصوم ذكرناه في كتاب الصوم، والغنائم ذكرناه في قسمة الفئ والغنيمة،
ونذكر هاهنا ما يتعلق بالنكاح: فمن ذلك أنه كان يجوز له أن يتزوج أي عدد
شاء من الحرائر المسلمات لا ينحصر، ولا يجوز لأحد من أمته أن يتجاوز أربعا إن
كان حرا أو اثنتين إن كان عبدا، لأن غيره إنما منع خوفا من أن لا يعدل بينهن
بقسم، وذلك مأمون منه عليه السلام، لأن الله تعالى قال: " فإن خفتم ألا تدلوا
فواحدة " أي تجوروا، وهو عليه السلام كان يثبت على أن يعدل بينهن، ألا تراه
كان يطاف به في مرضه محمولا على نسائه يقسم لهن، ثم قال: اللهم هذا قسمي
فيما أملك وأنت أعلم بما لا أملك أقسم بينهن في الظاهر بالفعل وإن كان لا
يمكنني أن أسوي بينهن في المحبة.
وقبض عليه السلام عن تسع، وكان يجوز له أكثر من ذلك إلا أنه اتفق
هذا العدد عند الموت، لكنه كان يقسم لثمان تسع ليالي لأنه كان هم بطلاق
سودة بنت زمعة، فقالت: لا تطلقني حتى أحشر في زمرة نسائك، وقد وهبت
ليلتي لعائشة، فكان عليه السلام يقسم كل دور لعائشة ليلتين، ولكل واحدة من
السبع ليلة ليلة.
وكان يجوز له أن يتزوج بلا مهر ابتداء وانتهاء، مثل أن يتزوج بلفظ
132

النكاح ولا يمهرها ثم يدخل بها، ولا يجب عليه مهرها، وليس ذلك لغيره، لأنه
وإن جاز له أن يتزوج بلا مهر، فإذا دخل بها وجب عليه المهر، لقوله تعالى:
" وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من
دون المؤمنين "، فالظاهر يقتضي أنه كان له أن يتزوج بلفظ الهبة، وفي الناس من
قال: لا يجوز له ذلك، والأول أصح، ومنهم من قال: كان يجوز له الإيجاب
بلفظ الهبة وأما القبول فلا يجوز إلا بلفظ التزويج.
وأما النكاح بلا ولي وشهود، فعندنا يجوز له ولغيره إذا كانت المرأة بالغا
غير مولى عليها لسفه، وأما النبي صلى الله عليه وآله فلا خلاف أنه تزوج أم سلمة
فزوجه إياها ابنها عمر، ولا خلاف أن الابن لا ولاية له على الأم فكأنه تزوجها بلا
ولي، ولا خلاف أنه صلى الله عليه وآله أعتق صفية وتزوجها وجعل عتقها
صداقها، والمعتق لا يكون وليا في حق نفسه.
وأما النكاح في حال الإحرام، فالظاهر أنه ما كان يجوز له لورود النهي في
ذلك على وجه العموم، ولما روي عنه صلى الله عليه وآله أنه قال: المحرم لا ينكح ولا
ينكح، ولم يفرق، وفي من وافقنا في تحريم نكاح المحرم من قال: إنه
كان يجوز له ذلك، لما روي عن ابن عباس أنه قال: تزوج ميمونة وهو محرم.
وأما حرائر الكتابيات فلم يجز له أن يتزوج بهن لأن نكاحهن محرم على
غيره عندنا لقوله تعالى: " ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن " وقوله: " ولا
تمسكوا بعصم الكوافر " ولم يفصل، وفي من خالفنا في نكاح الكتابيات من قال:
إنه محرم عليه ذلك لقوله عز وجل: " وأزواجه أمهاتهم "، والكافرة لا تكون أم
المؤمن، لأن هذه أمومة، والكافرة ليست أهلا لذلك، ولقوله تعالى: " إنما
المشركون نجس " ولأنه قال عليه السلام: كل نسب وسبب ينقطع يوم القيامة
إلا نسبي وسببي، وذلك لا يصح في الكافرة.
فأما نكاح الأمة فلم يجز له بلا خلاف، وأما وطء الأمة فكان جائزا له،
مسلمة كانت أو كتابية بلا خلاف، لقوله تعالى: " أو ما ملكت أيمانكم "، ولقوله.
133

عز وجل: " وما ملكت يمينك " ولم يفصل، وملك عليه السلام مارية القبطية
وكانت مسلمة، وملك صفية وهي مشركة، وكانت عنده إلى أن أسلمت فأعتقها
وتزوجها.
والتخيير عليه كان واجبا لأن الله فرض عليه أن يخير نساءه بقوله: " قل
لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا... الآية " وذلك أن بعض نسائه طلبت
منه حلقة من ذهب، فصاع لها من فضة، وطلاها بالزعفران، فقالت: لا أريد إلا من
ذهب، فاغتم عليه السلام لذلك فنزلت آية التخيير.
وقيل: إنما خيره لأنه لم يمكنه التوسعة عليهن فربما تكون فيهن من تكره
المقام معه فنزهه عن ذلك، والتخيير كناية عن الطلاق عند قوم إذا نويا معا، فإن
لم ينويا أو لم ينو أحدهما لم يقع به شئ، وقال قوم: إنه صريح في الطلاق،
وعندنا أنه ليس له حكم.
هل كان يخير عليه السلام على الفور أو التراخي؟ الأصول تقتضي أنه كان
على الفور، لأن الأمر يقتضي ذلك، وينبغي أن يكون جواب المرأة إذا خيرها مثل
ذلك على الفور إذا كان مطلقا، فأما إن كان مشروطا أو مقيدا فهو بحسبهما.
قوله تعالى: " لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج " أي
لا يحل لك من بعد أن تتزوج على نسائك وأن تستبدل بهن، فحرم عليه
الاستزادة والاستبدال، مثل أن يطلق واحدة ويتزوج بدلها أخرى، لكن كان
يجوز أن يطلق واحدة من غير بدل يتزوجها.
وقيل إن سبب هذا أن الله تعالى أراد أن يكافئهن على اختيارهن النبي
صلى الله عليه وآله حين صبرن على الفاقة والجوع والضر، روي عن عائشة أنها قالت:
مات رسول الله صلى الله عليه وآله وما شبعنا من خبز بر قط.
ثم نسخت وأحلت له النساء بقوله: " إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت
أجورهن وما ملكت يمينك... الآية "، وفيها ثلاث أدلة:
أحدها: قوله " أحللنا " والإحلال له النساء رفع الحظر، ومعلوم أن أزواجه
134

اللواتي كن معه ما حظرن عليه، فيحتاج إلى رفعه، فدل على أنه أراد من تزوجهن
في المستقبل.
الثاني: قوله " وبنات عمك " أي أحللنا لك بنات عمك ومعلوم أنه ما
كانت في زوجاته بنت عم وعمة وخال وخالة، فدل على أنه أراد في المستقبل.
والثالث: قوله " وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي " أي وأحللنا لك امرأة
مؤمنة إن وهبت نفسها، وذلك من حروف الشرط التي تقتضي الاستقبال، ولو
قال: إذا وهبت، لكان للماضي، وروي أن عائشة قالت للنبي صلى الله عليه وآله
لما أنزلت إحلال النساء: ما أرى ربي إلا يسارع في هواك.
كل امرأة مات النبي عنها، فإنها لا تحل لأحد أن يتزوجها، سواء دخل بها
أو لم يدخل بها، ولم يكن له زوجة إلا وقد كان دخل بها، لكن لو اتفقت له امرأة
لم يدخل بها ومات عنها، فحكمها حكم المدخول بها لعموم الآية، وهو إجماع
في الزوجات التي مات عنهن.
وأما كل امرأة فارقها في حياته بفسخ مثل المرأة التي وجد بكشحها بياضا
ففسخ نكاحها أو بطلاق مثل المرأة التي قالت له: أعوذ بالله منك، فطلقها، فهل
للغير أن يتزوجها؟ قيل: فيه ثلاثة أوجه: أحدها - وهو الصحيح - أنه لا تحل له
لعموم قوله " وأزواجه أمهاتهم " ولم يفصل، والثاني تحل لكل أحد سواء دخل
بها أو لم يدخل، والثالث إن كان دخل بها لم تحل لأحد، وإن لم يدخل بها
حلت.
أزواج النبي صلى الله عليه وآله أمهات في معنى العقد عليهن، وليس أمهات
حتى تحرم بناتهن وأمهاتهن لأنهن ليست بأمهات على الحقيقة نسبا أو رضاعا
فيكون بناتهن أخوات، وأمهاتهن جدات، ولا يتجاوز التحريم بهن، لأنه لا دليل
عليه، ولأنه عليه السلام زوج بناته:
زوج فاطمة عليها السلام عليا وهو أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه،
وأمها خديجة أم المؤمنين، وزوج بنتيه رقية وأم كلثوم عثمان، لما ماتت الثانية،
135

قال: لو كانت ثالثة لزوجناه إياها، وتزوج الزبير أسماء بنت أبي بكر، وهي أخت
عائشة، وتزوج طلحة أختها الأخرى.
وأما النبي صلى الله عليه وآله فسمي أبا لقراءة من قرأ " النبي أولى بالمؤمنين
من أنفسهم وهو أب لهم وأزواجه أمهاتهم " ولحديث سلمان عن النبي: أنا لكم
مثل الوالد.
وقال بعض شيوخ المخالفين ممن يشار إليه: الناس يقولون لمعاوية " خال
المؤمنين " لأنه أخو أم حبيبة بنت أبي سفيان وهي أم المؤمنين، وأخو الأم خال،
ولمحمد بن أبي بكر أنه " خال المؤمنين " لأنه أخو عائشة، وقال قوم: إنه لا يجوز
أن يقال ولا يكون خالا لما ذكرناه من أن الاسم لا يتعدى، ولو كان إخوتهن خالا
لما جاز لواحد منهم أن يتزوج امرأة أصلا، لأنها بنت أخته إذ أخته أم المؤمنين
والمؤمنات، ولأن هذا الاسم لو تجاوز إلى البنات وغيرهن لما جاز لأحد أن
يتزوج بنات زوجات النبي صلى الله عليه وآله، ولا شك في أن ذلك جائز،
ولأدى إلى أن لا يصح نكاح أصلا في الدنيا لأن زوجة النبي صلى الله عليه وآله
أم الرجال المؤمنين والنساء المؤمنات فكل مؤمن ومؤمنة أخوان وابنان لها، فلا
يجوز أن يتزوج أخته، وهذا باطل بالإجماع.
كل من تزوج من أمة النبي صلى الله عليه وآله فإنه لا يجب عليه ابتداء أن
يقسم لنسائه ولكن يقسم كلما بات عندهن، فإن ابتدأ وقسم لواحدة وبات عندها
وجب أن يقسم للبواقي ويسوي بينهن، إلا أن تهب إحداهن حق نفسها من القسم،
وتتركه برضاها.
وكذلك النبي صلى الله عليه وآله إذا تزوج لم يجب عليه ابتداء قسم
لنسائه لكن إذا قسم لواحدة فهل يجب عليه انتهاء أن يقسم للبواقي أم لا؟ قيل فيه
وجهان.
قال قوم: لا يجب عليه ذلك لقوله تعالى: " ترجي من تشاء منهن وتؤوي
إليك من تشاء " قال معناه أن تؤخر من شئت منهن بمعنى تركت وأرجيت، ومن
136

شئت قربت وآويت، والظاهر أنه كان يجب عليه القسم للبواقي لأنه كذلك كان
يفعل، حتى أنه كان يطاف به في مرضه بالقسمة إلى أن قبض عليه السلام، وقيل
في قوله تعالى: " ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك " أنها نزلت في المرأة التي
وهبت نفسها للنبي لأنه قال من بعد قوله " إن وهبت نفسها للنبي... الآية "
" ترجي " أي تقبل " من تشاء منهن " وتؤخر من تشاء.
النكاح مستحب في الجملة للرجل والمرأة، ليس بواجب خلافا لداود.
والناس ضربان: ضرب مشته للجماع وقادر على النكاح، وضرب لا
يشتهيه، فالمشتهي يستحب له أن يتزوج، والذي لا يشتهيه المستحب أن لا
يتزوج لقوله تعالى: " وسيدا وحصورا " فمدحته على كونه حصورا، وهو الذي لا
يشتهي النساء، وقال قوم: هو الذي يمكنه أن يأتي النساء ولكن لا يفعله.
لا يحل للأجنبي أن ينظر إلى أجنبية لغير حاجة وسبب، فنظره إلى ما هو
عورة منها محظور، وإلى ما ليس بعورة مكروه، وهو الوجه والكفان لقوله تعالى:
" قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم "، وروي أن الخثعمية أتت رسول الله
صلى الله عليه وآله في حجة الوداع تستفتيه في الحج، وكان الفضل بن عباس رديف
النبي صلى الله عليه وآله، فأخذ ينظر إليها وأخذت تنظر إليه، فصرف النبي
صلى الله عليه وآله وجه الفضل عنها وقال: رجل شاب وامرأة شابة فخشيت أن يدخل
بينهما الشيطان.
وروي أن النبي صلى الله عليه وآله قال لعلي عليه السلام: لا تتبع النظرة
النظرة فإن الأولى لك والثانية عليك، وروي أن ابن مكتوم دخل على النبي
عليه السلام وعنده عائشة وحفصة فلم يحتجبا، فلما خرج أنكر عليهما، فقالت: إنه
أعمى، فقال: أعمياوان أنتما؟
فأما النظر إليها لضرورة أو حاجة فجائز، فالضرورة مثل نظر الطبيب إليها،
وذلك يجوز بكل حال وإن نظر إلى عورتها، لأنه موضع ضرورة لأنه لا يمكن
137

العلاج إلا بعد الوقوف عليه، ومثل ما إذا ادعى عيبا على امرأته، فأنكرته فأتي بمن
يراه ويشهد عليه، والحاجة مثل أن يحتمل شهادة على امرأة، فلا بد من أن يرى
وجهها ليعرفها، ومثل ما لو كانت بينه وبينها معاملة ومبايعة ليعرف وجهها فيعلم
من التي يعطيها الثمن إن كانت بائعة، أو المثمن إن كانت مبتاعة، ومثل الحاكم
إذا حكم عليها فإنه يرى وجهها ليعرفها ويجلبها.
وروي أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وآله لتبايعه، فأخرجت يدها فقال
النبي صلى الله عليه وآله: أيد امرأة أم يد رجل؟ فقالت: يد امرأة، فقال: أين
الحناء؟ فدل هذا الخبر على أن عند الحاجة يجوز النظر إليها، لأنه إنما عرف أنه لا
حناء على يدها بالنظر إليها مكشوفة.
فأما إذا نظر إلى جملتها يريد أن يتزوجها، فعندنا يجوز أن ينظر إلى وجهها
وكفيها فحسب، وفيه خلاف، وله أن يكرر النظر إليها سواء أذنت أو لم تأذن إذا
كانت استجابت إلى النكاح، فأما نظر الرجل إلى زوجته إلى كل موضع منها
فمباح ما عدا الفرج فإنه مكروه، وفي الناس من قال: إنه محرم.
إذا ملكت المرأة فحلا أو خصيا فهل يكون محرما لها حتى يجوز له أن يخلو
بها ويسافر معها؟ قيل فيه وجهان:
أحدهما - وهو الظاهر -: أنه يكون محرما لقوله: " ولا يبدين زينتهن إلا
لبعولتهن - إلى قوله - أو ما ملكت أيمانهن " فنهاهن عن إظهار زينتهن لأحد إلا من
استثنى، واستثنى ملك اليمين، وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه دخل على
فاطمة وهي فضل فأرادت أن تستتر فقال عليه السلام: لا عليك أبوك
وخادمك، وروي أبوك وزوجك وخادمك.
والثاني - وهو الأشبه بالمذهب -: إنه لا يكون محرما، وهو الذي يقوى في
نفسي، وروى أصحابنا في تفسير الآية أن المراد به الإماء دون الذكران.
138

فصل: في ذكر أولياء المرأة والمماليك:
إذا بلغت الحرة رشيدة ملكت كل عقد من النكاح والبيع وغير ذلك،
وفي أصحابنا من قال: إذا كانت بكرا لا يجوز لها العقد على نفسها إلا بإذن أبيها،
وفي المخالفين من قال: لا يجوز نكاح إلا بولي، وفيه خلاف.
وإذا تزوج من ذكرناه بغير ولي كان العقد صحيحا، وإذا وطأ الزوج لم
يكن عليه شئ من أدب وحد، ولا خلاف في سقوط الحد إلا شاذ منهم، قال: إن
كان يعتقد تحريمه وجب عليه الحد، والمهر يلزمه بالدخول بلا خلاف، ومتى
ترافعا إلى الحاكم لم يجز له أن يفرق بينهما.
ومن قال: لا يجوز، قال: إن ترافعا إلى من يعتقد تحريمه وجب أن يفرق
بينهما وإن ترافعا إلى من يعتقد صحته فحكم بصحته وأمضي ثم ترافعا إلى من
يعتقد تحريمه لم ينقض الحكم، وقال شاذ منهم: ينقضه.
ومتى نكح بغير ولي ثم طلقها، فطلاقه واقع، وفيه خلاف بين من قال
بتحريم هذا العقد، فأما إذا اشترى أمة شراء فاسدا فلا خلاف أنه لا يقع عتقها إذا
أعتقها.
النساء ضربان: ثيبات وأبكار، فالثيب لا تخلو: أن تكون صغيرة أو كبيرة،
فإن كانت كبيرة رشيدة لم تجبر على النكاح إلا بإذنها ونطقها بلا خلاف، وإن
كانت الثيب صغيرة كان لوليها تزويجها، وفي المخالفين من قال: لا تجبر على
النكاح بوجه، ولا سبيل إلى تزويجها قبل بلوغها.
وأما الأبكار فلا تخلو أن تكون صغيرة أو كبيرة، فإن كانت صغيرة كان
لأبيها وجدها أبي أبيها وإن علا أن يزوجها لا غير، وإن كانت كبيرة فالظاهر في
الروايات أن للأب والجد أن يجبرها على النكاح، ويستحب له أن يستأذنها،
وإذنها صماتها وإن لم يفعل فلا حاجة به إليها، وفيه خلاف، وفي أصحابنا من
قال: ليس له إجبارها على النكاح، ولست أعرف به نصا.
لا يقف التزويج على الإجازة مثل أن يزوج الرجل امرأة من غير أمرها أو
139

رجلا من غير أمره أو يتزوج العبد أو الأمة من غير إذن مولاهما أو يتزوج بنت
غيره من غير أمره أو امرأة من غيره أمرها كل ذلك باطل، وكذلك إن اشترى
للغير كان الشراء باطلا.
فأما البالغة الرشيدة فتزويجها نفسها صحيح عندنا، وبيع ملك الغير قال
أصحابنا: يقف على إجازته، ورووا في تزويج العبد خاصة أنه موقوف على
إمضاء سيده، فأما نكاح الأمة فمنصوص عليه أنه زنا إذا كان بغير إذن سيدها.
يصح أن يكون الفاسق وليا في النكاح، سواء كان له الإجبار مثل الأب
والجد في حق البكر أو لم يكن له الإجبار مثل غيرهما من الأولياء في حق الثيب
البالغ.
وليس من شرط انعقاد العقد الشاهدان أصلا، بل يثبت من دونهما وإنما
ذلك مستحب.
إذا زوج الذمي بنته الكافرة من مسلم بمحضر من كافرين صح العقد عند
من أجاز العقد عليهن من أصحابنا، لأنه ليس من شرط انعقاد العقد الشهادة وفيه
خلاف.
أهل الصنائع الدنيئة كالحارس والكناس والحجام تقبل شهادتهم إذا كانوا
عدولا، وفيهم من قال: لا تقبل، فمن قال تقبل قال: يصح أن يكونوا أولياء في
النكاح، ومن قال لا تقبل شهادتهم قال: لم يجز أن يكونوا أولياء، والصحيح
الأول.
الأعمى هل ينعقد به النكاح؟ عندنا ينعقد لأن الشهادة ليست شرطا فيه،
وفي من قال: الشهادة شرط، من يقول: فيه وجهان إذا قال: يعتبر عدلان يثبت بهما
النكاح بوجه، قبل لأنه يثبت بهما نكاح بوجه، وهو إذا تحملا بصيرين ثم عميا،
وإذا قال: عدلان يثبت بهما هذا العقد، لا تقبل شهادتهما، والولاية كالشهادة على
الوجهين.
فأما الأخرس فإنه تقبل شهادته بالإيماء فعلى هذا ينعقد به، وفي الناس من
140

قال: لا ينعقد بشهادته لأنه لا تثبت شهادته بوجه.
إذا وقع العقد بشاهدين لم يخل من ثلاثة أحوال: إما أن يكونا عدلين أو
فاسقين أو متهمين، فإن كانا عدلين مثل أن يبحث عنهما فوجدا عدلين، فقد ثبت
النكاح ولزم، وإن كانا فاسقين فالنكاح باطل عند من اعتبر الشهادة، وإن كانا
متهمين ظاهرهما العدالة انعقد النكاح وإن لم يجز في الباطن، وعندنا يثبت العقد
على كل حال لأن الشهادة ليست شرطا فيه على ما بيناه، ومتى فسق الشاهدان
بعد العقد لم يؤثر في العقد بلا خلاف.
وإذا ترافع رجل والمرأة إلى الحاكم فاقرأ أنهما زوجان بولي رشيد وشاهدي
عدل، فإن الحاكم يمضيه ويحكم به سواء عرف الشهود أو لم يعرفهم، وإن ترافعا
متجاحدين فادعى أحدهما الزوجية، وأنكر الآخر، فأقام المدعي شاهدين لم يحكم
الحاكم بشهادتهما حتى يبحث عن عدالتهما، فإذا عرفهما بها حكم وإلا رده.
إذا ذهب عذرة الصغيرة بوطئ له حرمة أو بما لا حرمة له أو بغير وطء جاز
لأبيها وجدها إجبارها على النكاح ما لم تبلغ، وقال قوم: ليس لأحد إجبارها على
النكاح حتى تبلغ وتستأذن.
الذي له الإجبار على النكاح الأب والجد مع وجود الأب وإن علا، وليس
لغيرهما ذلك من سائر العصبات الذين يرثون المال.
النساء على ضربين: عاقلة ومجنونة:
فإن كانت مجنونة نظرت: فإن كان لها أب أو جد كان لهما تزويجها
صغيرة كانت أو كبيرة بكرا كانت أو ثيبا، فإن لم يكن لها أب ولا جد، ولها أخ
أو ابن أخ أو عم أو ابن عم أو مولى نعمة فليس له إجبارها بحال صغيرة كانت أو
كبيرة، بكرا كانت أو ثيبا بلا خلاف، ولا يجوز للحاكم تزويجها، وعند
المخالف للحاكم تزويجها إن كانت كبيرة بكرا كانت أو ثيبا، وعندنا يجوز
ذلك للإمام الذي يلي عليها أو من يأمره الإمام بذلك.
وإن كانت عاقلة نظرت: فإن كان لها أب أو جد أجبرها وإن كانت بكرا
141

صغيرة كانت أو كبيرة، وإن كانت ثيبا كبيرة لم يكن لهما ذلك، وإن كانت
ثيبا صغيرة كان لهما ذلك، وفيهم من قال: ليس لهما ذلك على حال، وإن كان
لها أخ أو ابن أخ أو عم أو ابن عم أو مولى نعمة لم يكن له تزويجها صغيرة
بحال، وإن كانت كبيرة كان له تزويجها بأمرها بكرا كانت أو ثيبا، والحاكم في
هذا كالأخ والعم سواء في جميع ما قلناه إلا في المجنونة الكبيرة، فإن له تزويجها
وليس للأخ والعم ذلك.
فهذا ترتيب النساء على الأولياء، فإن أردت ترتيب الأولياء على النساء قلت:
الأولياء على ثلاثة أضرب: أب وجد أو أخ وابن أخ وعم وابن عم ومولى نعمة أو
حاكم.
فإن كان أب أو جد وكانت مجنونة أجبرها صغيرة كانت أو كبيرة، ثيبا
كانت أو بكرا، وإن كانت عاقلة أجبرها إن كانت بكرا صغيرة كانت أو كبيرة،
وإن كانت ثيبا لم يجبرها صغيرة عنده، وعندنا أن له إجبارها إذا كانت صغيرة،
وله تزويجها بإذنها إذا كانت كبيرة، فإن كان لها أخ وابن أخ وعم وابن عم
ومولى نعمة لم يجبرها أحد منهم صغيرة كانت أو كبيرة، بكرا كانت أو ثيبا،
عاقلة كانت أو مجنونة، والحاكم يجبرها إذا كانت مجنونة، صغيرة كانت أو
كبيرة، وإن كانت عاقلة فهو كالعم.
المحجور عليه لسفه على ضربين: أحدهما أن يكون بلغ سفيها فاستديم
الحجر عليه، والآخر أن يكون رشيدا ثم صار سفيها بأن يكون مفسدا لما له فأعيد
عليه الحجر، فإذا كان محجورا عليه لسفه نظرت: فإن لم يكن به حاجة إلى
النكاح لم يكن لوليه تزويجه لأن عليه ضررا فيه فإنه يوجب عليه المهر والنفقة
والمؤونة فيما لا حاجة إليه، بلى إن كان مريضا يحتاج إلى امرأة تحفظه وتخدمه
زوجه هاهنا، حتى تخدمه ولا يكون حراما عليه.
وإن كانت به حاجة إليه بأن يطالبه وعرف من حاله الحاجة فعلى وليه أن
يزوجه لأنه منصوب للنظر في مصالحه، فإذا ثبت هذا نظرت: فإن اختار أن
142

يزوجه هو من غير إذنه جاز ذلك لأنه محجور مولى عليه، فكان لوليه أن يعقد
عليه بغير أمره، فإن اختار وليه أن يرد إليه أن يتزوج لنفسه جاز ذلك، لأنه من
أهل النكاح ويصح طلاقه وخلعه.
فإذا جعل الأمر إليه نظرت: فإن عين له المنكوحة أو القبيلة التي تنكح منها
صح، وإن أطلق فيه قيل فيه وجهان: أحدهما يجوز كالعبد، والثاني لا يجوز لئلا
يتزوج بالشريفة، فيلزمه مهر المثل وربما أجحف به، وإن زوجه وليه لم يكن له
أن يزيد على مهر المثل، لأن الزيادة محاباة وهبة، وذلك لا يصح، وإن فوض
الأمر إليه مثل ذلك لم يكن له أن يزيد على مهر المثل، فإذا تزوج بمهر المثل أو
دونه فلا كلام، وإن تزوج بأكثر رد إلى مهر المثل.
ومتى احتاج إلى النكاح وطالب الولي بذلك فامتنع من تزويجه فتزوج
لنفسه فهل يصح العقد أم لا؟ فيه وجهان: أحدهما لا يصح، لأنه نكاح محجور
عليه بغير إذن وليه فأشبه إذا لم يمنعه، والثاني يصح لأن الحق قد تعين له، فإذا
تعذر عليه أن يستوفيه بغيره، جاز أن يستوفيه بنفسه، كمن له حق عند غيره
فمنعه، وتعذر عليه أن يصل إليه كان له أن يستوفيه بنفسه، وهو الأقوى.
فأما المجنون ينظر فيه: فإن كان جنونه دائما سرمدا لا يفيق نظرت: فإن لم
يكن به إلى النكاح حاجة لم يزوجه، وإن كان به إليه حاجة مثل أن يراه يتبع
النساء ويحن إليهن أو تظهر فيه أمارات الشهوة زوجه لأنه من مصلحته، وليس له
أن يرد النكاح إليه ليليه بنفسه لأن هذا ليس من أهل النكاح، فإن كان يجن يوما
ويفيق يوما لم يزوجه وليه أصلا، لأنه إن كان به إليه حاجة تزوج لنفسه يوم
إفاقته.
فأما المرض المزيل للعقل كالسرسام ونحوه ينتظر به، فإن زال عقله واستمر
به فهو كالجنون المطبق، وإن كان ذلك أياما ثم يفيق كان له أن يتزوج بنفسه
ولم يكن لوليه أن يزوجه.
لا يجوز للعبد أن ينكح بغير إذن سيده، فإن فعل كان موقوفا على إجازة
143

سيده، فإن أجازه جاز وفيه خلاف، وأما إذا تزوج باذنه فالعقد صحيح بلا
خلاف، ويصح منه أن يقبل النكاح لنفسه، فإذا تزوج بمهر المثل فلا كلام،
وكذلك إن كان بأقل، وإن كان بأكثر صح الكل ويكون الفضل في ذمته يتبع
به إذا أعتق وأيسر، وقدر مهر المثل في كسبه يستوفى منه.
وللسيد إجباره العبد على النكاح، وفيه خلاف، وسواء كان العبد صغيرا أو
كبيرا فإن له إجباره على النكاح، وإن دعا العبد إلى النكاح وطلبه من سيده فإنه
لا يجبر المولى على إنكاحه، لأنه لا دليل عليه وفيه خلاف، غير أنه يستحب له
ذلك إذا كان المولى رشيدا، وإن كان محجورا عليه لسفه أو صغر أو جنون
فليس لوليه أن يزوجه، فمن قال يجبر عليه قال: عليه أن يزوجه إذا كان رشيدا وإن
كان مولى عليه فعلى وليه أن يزوجه.
والقول في المدبر مثل ذلك سواء، وكذلك المعتق بصفة عند من أجاز
ذلك، فأما المعتق بعضه فليس لسيده إجباره بلا خلاف، وإن دعا هو إلى
تزويجه لا يجبر السيد على تزويجه، وفيهم من قال: يجبر عليه.
وأما المكاتب فليس لسيده إجباره على النكاح بلا خلاف، لأنه يقطعه
بالتزويج عن تصرفه، ولأنه يلزمه نفقتها فربما عجز عن أداء ما عليه، وأما إن طلب
هو من سيده فلا يجبر السيد عليه، ومنهم من قال: يجبر.
وإن كان العبد بين شريكين وطالبهما بالنكاح، فليس عليهما الإجابة، وإن
أرادا إجباره كان لهما ذلك، وإن أراد أحدهما إنكاحه وأباه الآخر لم يكن لهذا
إجباره لأن لشريكه نصفه، فلا يملك إجباره عبد غيره بلا خلاف، وكذلك
الحكم في مكاتب بين نفسين.
إذا تزوج العبد بإذن سيده فالنكاح صحيح، وإن سمى مهرا لزم ذلك
المسمى، فإذا مكنت من الاستمتاع وجبت النفقة، لأنها تجب في مقابلة التمكين،
ويكون إذن السيد في التزويج إذنا في اكتساب المهر والنفقة.
فإذا تقرر أنهما يجبان فأين يجب؟ لم يخل العبد من ثلاثة أحوال: إما أن
144

يكون مكتسبا، أو مأذونا له في التجارة، أو غير مكتسب ولا مأذون له.
فإذا كان مكتسبا وجب ذلك في كسبه وعليه أن يرسله ليلا ونهارا
ليكتسب بالنهار ما يجب عليه ويستمتع ليلا، لأنه لما أذن له فيه كان المقصود به
تحصيل الاستمتاع فألزمناه إرساله للكسب نهارا، وبالليل للاستمتاع، فإن اختار
السيد أن يتكفل بمؤونته ومؤونة زوجته فحينئذ له أن يستخدمه لما شاء.
فإذا ثبت أن وجوبه في كسبه فإنما يلزمه فيما يستأنف من الكسب لا فيما
مضى، وهكذا لو أذن له في النكاح بمهر إلى أجل كان كسبه قبل أن يحل
الأجل لسيده، وإنما يتعلق حق المهر فيما يكتسبه بعد حلول الحق عليه لأنه يجب
في كسبه بما يستحق عليه، وقبل حلول الأجل لم يجب عليه شئ، فلهذا لم يتعلق
بكسبه.
وإن كان مأذونا له في التجارة فإنه تجب النفقة، وأين تجب؟ قال قوم:
يعطيه مما في يده، وقال آخرون: إنه يدفع ذلك مما يكتسبه فيما بعد.
وإن كان غير مكتسب ولا مأذون له فيها فأين يجب النفقة والمهر؟ قيل فيه
وجهان:
أحدهما: في ذمته يتبع به إذا أعتق، فعلى هذا يقال لزوجته: زوجتك معسر
بالمهر والنفقة، فإن صبرت وإلا فلك خيار الفسخ.
والثاني: يجب في ذمة سيده، لأنه إذا علم أن عبده لا يقدر عليه مما يلزمه من
المهر والنفقة علم أنه الملتزم له، وله أن يعطيه من أي ماله شاء، إن شاء من هذا
العبد، وإن شاء من غيره.
وهكذا إذا زوج الرجل ابنه الصغير فإن كان للطفل مال كان المهر والنفقة
من ماله، وإن كان فقيرا قيل فيه وجهان: أحدهما في ذمته يتبع به إذا أيسر، فإن
اختارت زوجته الفسخ كان لها، والقول الثاني يجب ذلك في ذمة أبيه لأنه لما
زوجه مع علمه بوجوب ذلك لزوجته وعلمه بإعسار ولده علم أنه التزم ذلك.
فأما نكاح العبد إذا كان العقد فاسدا وهو إذا تزوج بغير إذن سيده وأراد
145

الفسخ فرق بينهما، ولا يقرءان عليه، فإذا فرق فإن كان قبل الدخول لا يتعلق به
حكم، وإن كان بعد الدخول فعليه مهر مثلها، ويجب ذلك في ذمته يتبع به إذا
أيسر، وفي الناس من قال: إنه يتعلق برقبته لأن الوطء كالإتلاف، والإتلاف
يتعلق برقبته.
وأما إذا أذن له في النكاح فنكح نكاحا فاسدا فرق بينهما، فإن كان قبل
الدخول فلا كلام، وإن كان بعد الدخول وجب المهر ولا يتعلق بالسيد، لأنه لم
يأذن له في هذا النكاح، ومنهم من قال: يتعلق به، لأنه إذا أذن في النكاح دخل
تحته الصحيح والفاسد، والأول أصح.
فمن قال: يتضمن النكاحين، فالحكم في المهر على ما مضى في النكاح
الصحيح من أنه لا يخلو من ثلاثة أحوال: إما أن يكون مكتسبا أو مأذونا أو غيره
مكتسب ولا مأذون، ومن قال لا يتناول الفاسد ففي وجوب مهرها فيه قولان:
أحدهما في ذمة العبد، وهو الصحيح، والآخر في رقبته.
فإن أذن له في نكاح حرة فنكح أمة أو في أمة فنكح حرة، أو في امرأة
بعينها فنكح غيرها، أو في بلد بعينه فنكح من غيره، أو في قبيلة بعينها فنكح في
غيرها فالنكاح في هذا كله باطل، ومن قال من أصحابنا: إن نكاحه موقوف إذا
نكح بغير إذن سيده، فينبغي أن يقول هذا كله موقوف.
وإن أطلق الإذن وقال: تزوج بمن شئت، صح هذا بلا خلاف، فإذا تزوج
من بلده لم يكن لسيده منعه منها، وإن تزوج من بلد آخر كان له منعه من السفر
إليها غيره أن النكاح صحيح، إلا أن العبد لا يسافر إلا بإذن سيده.
وإذا أطلق فنكح أمة صح ثم إن سيده أعطاه مالا فقال له: اشتر زوجتك،
فإن اشتراها فهل ينفسخ النكاح أم لا؟ نظرت: فإن قال اشتراها لي، صح
الشراء، والنكاح بحاله، إلا أن سيده ملك زوجته، وله أن يزوج أمته بعبده فلا
يضر انتقال ملكها إلى سيده، وإن ملكه المال وقال: اشترها لنفسك، فهل ينفسخ
أم لا؟ على قولين:
146

فمن قال: العبد إذا ملك لم يملك، فالنكاح بحاله، وزوجته لسيده، وإن
قيل: إذا ملك، ملك، انفسخ النكاح لأن الزوج إذا ملك زوجته انفسخ
النكاح، وهذا الأقوى.
إذا تزوج من نصفه حر ونصفه عبد بإذن سيده أمة صح، فإن اشتراها
زوجها نظرت: فإن اشتراها بماله الذي ملكه بما فيه من الحرية بطل نكاحها، وإن
اشتراها بما في يده من المال الذي بينه وبين سيده فالشراء فيما قابل حق سيده
باطل، وفيما قابل حقه صحيح.
وفيهم من قال على قولين بناء على تفريق الصفقة، فمن قال: باطل، فالنكاح
بحاله، ومن قال: صحيح، فقد ملك بعض زوجته وبطل نكاحها، لأن الزوج
متى ملك زوجته أو بعضها بطل نكاحها.
فأما الكلام في أحكام الإماء، فجملته أنه إذا كان له أمة فأراد تزويجها كان
له ذلك باختيارها وغيره اختيارها، صغيرة كانت أو كبيرة بلا خلاف، ويجب له
المهر، والولد له إن شرط ذلك، وعند المخالف بلا شرط وتسقط نفقتها، وإن
دعت الأمة السيد إلى تزويجها لم يجبر السيد عليه بلا خلاف، لأن له فيها منافع.
وعند بعض المخالفين إذا كانت الأمة ممن يحرم له وطؤها، وطالبته
بالتزويج فعلى وجهين، وعلى أصلنا لا يصح ذلك لأن هؤلاء ينعتقون عليه.
والمدبرة كالأمة القن سواء، والمعتقة بعضها ليس له إجبارها لما فيها من
الحرية ولا يجبر هو على إنكاحها، والمكاتبة ليس له إنكاحها، فإن دعت هي إلى
التزويج فلا يجبر السيد عليه، وللمخالف فيه وجهان: أحدهما يجبر لأن لها فائدة
فيه الكسب المهر وتسقط عنها نفقة نفسها وكسوتها، والثاني لا يجبر عليه لأنها قد
تعجز فترق فتحل له، فإذا زوجها ربما رقت فعادت إلى ملكه وهي زوجة الغير ولا
تحل له، فلهذا لا يجبر عليه، وهذا الأقوى لأنه لا دليل على إجباره، والأصل براءة
الذمة.
وأما أم الولد فله إجبارها عندنا على التزويج كالأمة القن، وفيهم من قال
147

مثل ما قلناه، وفيهم من قال: له تزويجها برضاها كالمعتقة، وفيهم من قال: ليس
له ذلك كالأجنبية وإن رضيت به، فعلى هذا يزوجها السلطان، وقال قوم: لا
يزوجها أحد، وإنما قلنا له إجبارها لأنها مملوكته، ويجوز له بيعها عندنا.
فأما إذا كان له أمتان أختان فوطئ إحديهما حرمت الأخت عليه، لأنه لا
يجمع بين الأختين، ولا تحل له هذه حتى يحرم على نفسه التي يطأها بعتق أو
نكاح أو بيع، فإذا حرمت عليه حلت له هذه، فإن أراد إنكاح التي يطأها كان له
لأنها أمة قن، فإن دعت هي إلى الإنكاح لم يجبر عليه، وأما التي لا يطأها فله
إجبارها على النكاح، فإن دعته إلى إنكاحها لم يجبر عليه لأنها لم تحرم عليه بكل
حال.
إذا تزوج العبد بإذن سيده حرة وأمهرها ألفا كان المهر في ذمة العبد،
يستوفى من كسبه، ولا يجب في ذمة سيده شئ، فإن ضمنها عنه سيده صح
ضمانه، وقد قلنا في كتاب الضمان: إن الضمان ينتقل به المال عن المضمون عنه
إلى ذمة الضامن، فعلى هذا ليس لها مطالبة العبد، وعند المخالف لها ذلك.
فإن كان السيد موسرا والعبد لا كسب له رجعت به على سيده، وإن كانا
موسرين العبد بكسبه والمولى بماله، كان لها مطالبة من شاءت منهما، ولا يجئ
أن يقال: إن كان العبد مكتسبا والسيد معسرا، لأن السيد إذا كان له عبد
مكتسب فلا يقال إنه معسر، فكل موضع قلنا فيما بعد " ولها المطالبة " عاد إلى
هذا المكان.
فإذا ثبت هذا فإن طلقها، فإما أن يكون بعد الدخول أو قبله، فإن كان بعده
استقر المهر ولها الرجوع على ما مضى، وإن كان قبل الدخول، فإما أن يكون
قبل قبضها مهرها أو بعده، فإن كان قبله سقط عن الزوج نصفه، وبرئت ذمة
سيده عن النصف لأن ذمة المضمون عنه برئت فبرئت ذمة الضامن لأنه فرعه،
ويبقى النصف لها الرجوع به على ما مضى.
وإن كان بعد قبضها مهرها لم يخل من أحد أمرين: إما أن يكون قبل عتق
148

زوجها أو بعد عتقه، فإن كان قبل عتقه عاد إليه نصف المهر، يكون لسيده دونه،
لأن كسب العبد لسيده، وهذا من كسبه، وإن كان ذلك بعد عتق الزوج عاد
النصف إلى الزوج دون سيده لأنه من اكتسابه بعد عتقه، وسواء كان المقبوض
منه هو السيد أو هو، لأن هذا حق تجدد له بعد براءة ذمته عنه.
وهذا مثل ما نقول في من زوج ولده وهو صغير وأصدق الصداق عن ولده
من عنده، ثم كبر الولد فطلقها قبل الدخول وبعد قبض مهرها، عاد نصف
الصداق إليه دون والده، لأنه من اكتساب الولد فلا حق لوالده عليه.
إذا باع السيد عبده من زوجته بألف، لا يخلو: أن يبيعه بألف مطلق أو
بعين الألف، فإذا باعه بألف مطلق صح البيع، لأنه عبده وهو قن وله بيعه من
غيرها فكذلك منها، فإذا ملكته انفسخ النكاح لأن الزوج متى ملك زوجته أو
ملكت الزوجة زوجها انفسخ النكاح.
فإذا بطل النكاح بقي الكلام في ثمن العبد ومهرها، فلا يخلو من أحد
أمرين: إما أن يكون بعد الدخول أو قبله، فإن كان بعد الدخول فالمهر بحاله، لأنه
انفساخ وكان بعد استقرار المهر بالدخول فإذا ملكته فقد ملكته والمهر في ذمته،
فهل يسقط عنه بأن ملكته أم لا؟ قيل فيه وجهان:
أحدهما: يسقط لأن السيد لا يملك في رقبة عبده القن حقا، بدليل أنه لو
أتلف لسيده مالا لم يتعلق برقبته ولا بذمته فعلى هذا برئت ذمة الزوج عن المهر،
فإذا برئت ذمته برئت ذمة سيده منه أيضا لأنه فرعه، لأن ذمة المضمون عنه متى
برئت برئت ذمة الضامن، فإذا برئت ذمة السيد بذلك فله على زوجة عبده ألف
وهو ثمن عبده يطالبها به متى شاء.
والوجه الثاني: يبقى لها المهر في ذمة عبدها لأن السيد إنما لا يبتدئ فيجب
له دين في ذمة عبده، فإما أن يستصحب الحق في ذمته بأن كان له في ذمته دين
ثم ملكه فلا يمتنع، فعلى هذا لها في ذمة عبدها ألف هو مهر لها، ولها في ذمة
سيده ألف وهو الضمان، وللسيد في ذمتها ألف هو الثمن فيتقاصان على ما
149

ذكرناه في مسألة القصاص وتبرأ ذمة السيد عن مال الضمان.
فإذا برئت ذمته برئت ذمة العبد أيضا لأن الضامن متى برئ عن الحق بالأداء
أو بالمعاوضة برئت ذمة المضمون عنه، وهاهنا برئت ذمة الضامن، فبرئت ذمة
المضمون عنه، وعلى ما قلناه من انتقال المهر بالضمان، للسيد عليها ثمن العبد
ألف ولها عليه ألف بالضمان فيتقاصان.
وأما إذا كان قبل الدخول فقد انفسخ النكاح قبل الدخول، فهل يسقط
كل مهرها أم لا؟ جملته أن الفسخ متى جاء من قبل الزوجة وقبل الدخول سقط
كل مهرها كما لو ارتدت، وإن جاء من قبل الزوج سقط عنه نصفه، واختلفوا فيه
هاهنا على وجهين:
أحدهما: المغلب حكمه، لأن عقد البيع بينها وبين سيده، وسيده قام مقامه
فكأنه هو العاقد، وإذا كان العقد بينهما ثم غلبنا حكم الزوج كما لو خالعها كان
المغلب حكمه.
والوجه الثاني: المغلب فيه حكمها وأنه يسقط جميع مهرها، وهو الأقوى،
فإذا غلبنا حكمها سقط كل مهرها، وبرئت ذمة زوجها عنه، وبرئت ذمة سيده عن
ضمانه، وبقى للسيد في ذمتها الثمن يطالبها به، ومن قال: المغلب حكمه، يقول:
يسقط نصف المهر فبرئت ذمة العبد عن نصفه وذمة السيد عن ذلك النصف،
وبقى النصف فيكون الحكم فيه على ما مضى فيه إذا كان بعد الدخول.
وأما إن باعها بعين الألف التي ضمنها لها وهو مهرها فلا يخلو: إما يكون
قبل الدخول أو بعده.
فإن كان بعده فالبيع صحيح والنكاح مفسوخ وتكون هي ملكت الزوج
بالألف التي كان لها في ذمة سيده فبرئت ذمته عنه وبرئت ذمة العبد عنه أيضا،
لأن سيده قضى ذلك عنه بعوض، فلم يبق لها في ذمة زوجها حق ولا في ذمة
سيده حق.
وإن كان قبل الدخول بها بطل البيع هاهنا والنكاح بحاله لأن المغلب
150

هاهنا جهتها من حيث وقع العقد بعين الألف، فلو قلنا: يصح البيع، بطل المهر
لأن الفسخ جاء من قبلها، وإذا بطل المهر بطل البيع، لأنه يصير بيعا بلا ثمن،
فإذا بطل بطل هو والنكاح معا، فلما أفضي إلى هذا أبطلنا البيع وبقينا النكاح
بحاله.
وهذا كما يقول بعض المخالفين في الإقرار: إذا خلف الرجل أخا لا وارث
له غيره فأقر بابن للميت يثبت نسبه ولم يرث، لأنك لو ورثته حجب الأخ وإذا
حجبه سقط إقراره بالنسب، لأنه غيره وارث، وإذا سقط إقراره سقط نسب الابن
وسقط إرث الأخ، فأسقطنا الإرث وأثبتنا النسب.
قد ذكرنا أن السيد إذا أذن للعبد في النكاح فنكح بمهر مثلها، وله كسب
وجب المهر في ذمته، وتعلق بكسبه، وإذا مكنت من نفسها وجبت لها النفقة في
كسبه.
فإذا ثبت هذا لم يخل السيد من أحد أمرين: إما أن يختار القيام بما وجب
على عبده، أو لا يختار ذلك.
فإن لم يختر ذلك فعليه أن يرسله ليلا ونهارا، أما النهار ليكتسب ما وجب
عليه، والليل ليستمتع من زوجته لأن المقصود من النكاح ذلك إلا أن تكون
زوجة العبد في دار سيده فيأوي إلى زوجته ليلا في دار سيده، فإن أراد سيده أن
يسافر به لم يكن له، لأنه قد تعلق الحقان بكسبه، وبالسفر به قطعه عنه، فإن قهره
على نفسه وسافر به ضمن السيد أقل الأمرين من كسبه ونفقة زوجته، لأنه حال
دونها، هذا إذا لم يتكفل السيد بذلك.
فإن تكفل السيد بما وجب على عبده كان له أن يستخدم عبده فيما شاء
ويمنعه الكسب والاضطراب فيه، لكن عليه إرساله إلى زوجته ليلا، فإن أراد هاهنا
أن يسافر به كان ذلك له.
فأما إذا زوج أمته فعليه أن يرسلها إلى زوجها ليلا، وله أن يمسكها لخدمته
نهارا، لأنه يملك من أمته منفعتين استخداما واستمتاعا، فإذا عقد على إحديهما
151

كان له أن يستوفي الأخرى، كما لو آجرها فإن عليه أن يرسلها للخدمة نهارا
ويمسكها لنفسه ليلا.
فإذا ثبت ذلك فإن بقاها مع زوجها ليلا ونهارا كان على زوجها نفقتها،
وإن اختار أن يمسكها نهارا ويرسلها إليه ليلا فهل على زوجها نفقتها أم لا؟ قيل فيه
وجهان: أحدهما لا نفقة لها، والثاني لها من النفقة بالحصة، والأول أقوى.
فإذا ثبت هذا وأراد السيد أن يسافر بها كان له لأنها مملوكته كغير
المزوجة.
إذا قال لأمته: أعتقك على أن أتزوج بك وعتقك مهرك، أو استدعت هي
ذلك فقالت له: أعتقني على أن أتزوج لك وصداقي عتقي، ففعل وقع العتق،
وثبت العقد وفيه خلاف:
فقال بعضهم: إنه ينفذ العتق ولا يثبت النكاح، ولا يجب عليها الوفاء بما
شرطت، فإذا رضيت به واختارته لم يجب عليه القبول، لأن ما كان من سبيل
المعاوضة إذا لم يلزم من أحد الطرفين لم يلزم من الطرف الآخر، وعلى هذا عليها
قيمتها لسيدها لأن أصول العقد على هذا، لأن كل من بذل عين ماله في مقابلة
عوض فإذا لم يسلم العوض وتعذر عليه الرجوع في المعوض عاد إلى بدل
المعوض.
فإذا تقرر أنه يرجع إلى قيمتها فإنه يعتبر قيمتها حين العتق، لأنه هو وقت
التلف، ولا يخلو من أحد أمرين حالهما: إما أن يتفقا على النكاح أو لا يتفقان على
النكاح، فإن لم يتفقا مثل أن أبيا ذلك أو أحدهما فله عليها قيمتها، فإن كانت
موسرة استوفاه، وإن كانت معسرة أنظرها إلى اليسار، وإن اتفقا على النكاح فلا
يخلو: أن يمهرها غير قيمتها أو قيمتها، فإن أمهرها غير قيمتها صح وكان لها عليه
المسمى من المهر وله عليها قيمتها، فإن كان الجنس واحدا من الأثمان تقاصا، وإن
أمهرها ماله في ذمتها من قيمتها نظرت: فإن كانا يعلمان مبلغ القيمة وقدرها صح
لأنه مهر معلوم، وإن كانا يجهلان مبلغ القيمة أو أحدهما يجهل ذلك، فهل يصح
152

المهر أم لا؟ قال قوم: يصح كما إذا أصدقها عبدا صح، وإن كانا يجهلان قيمة
العبد، وقال قوم - وهو الأقوى -: إنه لا يصح لأن المهر هو كثمنها وقيمتها
مجهولة فهو صداق مجهول فلم يصح، كما لو قال: أصدقتك ثوبا أو عبدا.
وهذا الفرع لا يصح على أصلنا لأنا حكمنا بصحة العقد غير أنه إذا بدأ
بالعتق وعقبه بلفظ التزويج لم يصح، وتتعلق به هذه الأحكام سواء، مثل أن
يقول: أعتقتك وجعلت عتقك مهرك، فإنه ينفذ العتق ولا ينعقد العقد، وإنما
ينعقد إذا قال: تزوجتك وجعلت عتقك مهرك، فيصح العقد وينفذ العتق.
ومن قال لا يصح على ما حكيناه قال: إذا أراد أن يحتال بما يحتاط عليها به،
فإن نكحته وإلا لم يعتق، قال: يقول " إن كان في معلوم الله إني إذا أعتقتك
نكحتك فأنت حرة " فمتى رضيت بذلك وانعقد النكاح عتقت، وصح
النكاح، وإلا كانت على الرق، وقال آخرون: هذا غلط لأنه لا يجوز للرجل أن
يتزوج أمة نفسه، ويجوز له أن يتزوج بها بعد العتق، فلو أجزناه وقع عقد
النكاح حين وقع على مشكوك فيها هل هي حرة أم لا، لأنه إنما يعتق بتمام عقد
النكاح، وهي قبل تمامه غير حرة فلهذا لم يصح، هذا إذا قال لها: أعتقتك على
أن أتزوجك وعتقك صداقك.
فأما إن قال لها: أعتقتك على أن أتزوج بك، ولم يقل " وعتقك
صداقك " فالحكم فيهما سواء عندهم وإن لم يشترط أن العتق هو المهر.
والحكم في المدبرة والمعتقة بالصفة والمكاتبة وأم الولد كهو في الأمة القن
على ما فصلناه، لأن الرق في هؤلاء كلهن ثابت فالحكم فيهن واحد.
فإن كان للمرأة الحرة مملوك فقالت له: أعتقك على أن تتزوج بي، أو قال
هو لها: أعتقيني على أن أتزوج بك، ففعلت وقع العتق ولم يجب عليه أن
يتزوج بها بلا خلاف ولا شئ لها عليه، لأن النكاح حق له، والحظ فيه له.
فأما إذا قال رجل لرجل له عبد: أعتق عبدك على أن أزوجك بنتي أو
أختي، فأعتق السيد عبده على هذا وقع العتق، ولم يجب على الباذل أن يزوجه
153

بنته ولا أخته، لأنه سلف في النكاح، ولكن هل عليه للسيد قيمة العبد أم لا؟ قيل
فيه قولان بناء على مسألة، وهو إذا قال الرجل لسيد العبد: أعتق عبدك عن
نفسك على أن علي مائة درهم، فإذا وقع العتق عن نفسه فهل يستحق على
الباذل ما شرط؟ قيل فيه قولان:
أحدهما: عليه ما شرط لأنه عتق بعوض، فأشبه ما إذا قال: أعتق عبدك
عني على أن لك علي مائة، ففعل صح، ولزمه ما بذل.
والقول الثاني: لا يلزمه ما بذل، لأن العتق يقع من السيد، والولاء له عليه
دون غيره، فالباذل بذل ماله في مقابلة ما لا نفع له فيه، فأشبه إذا اشترى بماله
الديدان والخنافس والجعلان والعقارب.
فأما إذا قال للسيد: أعتق أمتك عن نفسك على أن علي ألف، أيصح
البذل؟ قال بعضهم: فيه نظر.
فإذا تقرر القولان فمن قال: لا يلزم الباذل مائة، فكذلك ولي المرأة لا يلزمه
شئ، ومن قال: يلزمه الباذل ما بذل، كذلك ولي المرأة يلزمه قيمة العبد، لأنه إنما
أعتق عبده ليسلم له النكاح، فإذا لم يسلم له النكاح عاد عليه بقيمة عبده،
والأول أقوى، لأن الأصل براءة الذمة.
إذا اجتمع الأب والجد فالجد أولى عندنا، وعند المخالف الأب أولى، ولا
ولاية لأحد غير هذين عندنا، وعندهم أن الأب أولى من الأخ وابن الأخ والعم
وابن العم، والجد أولى من أب الجد، وعلى هذا أبدا، وعندنا أن الجد الأدنى أولى
من جميع من ذكرناه عنهم، لأنه لا ولاية لواحد منهم، غير أن المرأة إذا أرادت أن
تولى أمرها لواحد منهم كان الأقرب فالأقرب أولى على ترتيب ميراثهم، فكذلك
من يدلي بسببين أولى ممن يدلي بسبب بلا خلاف إلا شاذا منهم فإنه قال: الأخ
من الأب والأم مع الأخ للأب في درجة.
فإذا كانا متساويين مثل أخوين لأب وأم أو لأب أو عمين وما أشبه ذلك،
فهما سواء، وكانت المرأة بالخيار تولى من شاءت، وعندهم أنهما سواء، فإن كانا
154

غائبين فالسلطان وليها، وإن كان أحدهما حاضرا والآخر غائبا فالحاضر وليها،
وإن كانا حاضرين فكل واحد منهما وليها، فإن اتفقا على التزويج فذاك، وإن
بادر أحدهما فزوجها صح النكاح، وإن حضروا وتشاحا أقرع بينهما عندهم.
وإذا كان عم لأب وأم فهو أولى من الذي للأب، فإن كانا غائبين فالسلطان
وليها، وإن كان أحدهما غائبا فإن غاب الذي للأب والأم زوجها السلطان دون
الأخ للأب، وإن كان الذي للأب غائبا زوجها الحاضر، وقد بينا أن على هذا
المذهب يسقط جميع ذلك، والخيار في ذلك إلى المرأة تولى من شاءت أمرها،
وإن كان الأفضل الأقرب فالأقرب، والأقوى سببا فالأقوى.
الابن لا يزوج أمه بالبنوة بلا خلاف، ولا له أن يزوجها وإن كان عصبة،
وعند المخالف له تزويجها حيث كان عصبة، وإذا كان لها أولياء مناسبون فهم
أولى من السلطان بلا خلاف، وإن عضلوها كان السلطان وليها، وإن تنازعوا في
تزويجها أقرع بينهم، وإن لم يكن لها أولياء مناسبون فالسلطان وليها.
وكل عصبة ترث فله الولاية إلا لابن، ومن لا يرث بالتعصيب كالإخوة من
الأم وأولادهم، وقد بينا أن الولاية للأب والجد لا غير، فإن عضلاها كانت هي
وليه نفسها تولى أمرها من شاءت إذا كانت رشيدة، وإن كانت صغيرة فلا عضل
في أمرها بلا خلاف، ولا ولاية للسلطان على امرأة عندنا إلا إذا كانت غير رشيدة
أو مولى عليها أو مغلوبا على عقلها ولا يكون لها مناسب.
الأمة إذا كان لها سيدة أو سادة فأولياؤها سادتها بلا خلاف، فإن امتنعوا من
تزويجها أو عضلوها فليس للسلطان تزويجها بلا خلاف، فإن زوج واحدة من
السادة دون شريكه كان التزويج باطلا بلا خلاف.
ومن قال باعتبار الأولياء في غير الأب والجد قال: إذا تساويا في درجة مثل
الإخوة أو الأعمام أو بني الأخ أو بني العم فإن اتفق رأيهم كان لهم ذلك، وإن
بادر واحد منهم فزوج كان صحيحا إذا كان بكفء، والأولى الأسن والأورع
والأعلم، وإن تشاحوا أقرع بينهم، فمن خرج اسمه إن شاء عقد بنفسه أو وكل
155

غيره، وإن بادر من لم يخرج اسمه فعقد برضاها فعلى وجهين.
ومتى دعت الأولياء إلى كف ء كان عليهم الإجابة، فإن أبوا أجبرهم
السلطان، فإن أبوا زوجها السلطان، وإن دعتهم إلى غيره كف ء لم يجب عليهم
الإجابة ولا للسلطان إجبارهم، ولا له أن يزوجها وإن رضيت، وإن دعاها الأولياء
إلى غير كف ء لم يجب عليها الإجابة، فإن اتفق رأيهم على تزويجها بغير كف ء
فعلى قولين: أحدهما يصح، والآخر باطل.
وعندنا أن المرأة ولية نفسها، وإنما يستحب لها الرد إلى واحد من هؤلاء،
فإن ردت إلى واحد كان هو الولي، والباقون لا ولاية لهم، وإن ردت إلى جميعهم
فمن سبق بالعقد كان عقده ماضيا، وإن لم يسبق واحد وتشاحوا أقرع بينهم أو
تختار المرأة واحدا منهم، وإن دعتهم إلى غير كف ء ورضيت به كان الأمر أمرها،
وإن دعوها إلى غير كف ء فالأمر إليها، إن شاءت أجابت وإن شاءت أبت.
الكفاءة معتبرة بلا خلاف في النكاح، وعندنا هي الإيمان مع إمكان القيام
بالنفقة، وفيه خلاف، منهم من اعتبر ستة أشياء: النسب، والحرية والدين،
والصناعة والسلامة من العيوب، واليسار، فعلى هذا العجمي ليس بكفء للعربية،
والعجم كل من عدا العرب من أي جنس كان، والعربي ليس بكفء للقرشية،
والقرشي ليس بكفء للهاشمية، فأعلى الناس بنو هاشم، ثم قريش يلونهم، ثم سائر
العرب ثم العجم، وفيهم من قال: قريش كلهم أكفاء وليست العرب أكفاء
لقريش، فالخلاف بينهم في بني هاشم.
والعبد ليس بكفء للحرة، فمتى زوجت بعبد كان لها الفسخ عندهم،
وكان لأوليائها الفسخ، وعندنا إذا كانت بالغة وتزوجت بعبد فليس لوليها عليها
اعتراض إلا أن يكون بكرا فلأبيها المنع على أحد الروايتين، وإن كانت غير بالغة
فزوجها أبوها أو جدها ثم بلغت لم يكن لها الاعتراض عليهما.
ويكره التزويج عندنا بفاسق وليس بمبطل وفيه خلاف.
الصناعة الدنيئة ليست بمانعة من التزويج بأهل المروءات، مثل الحياكة
156

والنساجة والحجامة والحراسة والقيم والحمامي، وفيه خلاف.
السلامة من العيوب شرط في النكاح، والعيوب سبعة، ثلاثة يشترك فيها
الرجال والنساء " الجنون " و " الجذام " و " البرص "، واثنان يختص النساء
وهما: " الرتق " و " القرن "، واثنان يختص بالرجال وهما " الجب " و " العنة "
بلا خلاف، فكان كل واحد من النساء والرجال عيوبه خمسة.
واليسار عندنا شرط وحده ما أمكنه معه القيام بنفقتها لا أكثر من ذلك وما
زاد عليه لا معتبر به ولا يرد لأجله، ومتى رضي الأولياء والمزوجة بمن ليس بكفء
ووقع العقد على من دونها في النسب والحرية والدين والصناعة والسلامة من
العيوب واليسار كان العقد صحيحا بلا خلاف، إلا الماجشوني فإنه قال: الكفاءة
شرط في صحة العقد فمتى لم يكن كف ء كان العقد باطلا.
ليس للأولياء اعتراض على المنكوحة في قدر المهر، فمتى رضيت بكفء
لزمهم أن يزوجوها منه بما رضيت من المهر، سواء كان قدر مهر مثلها أو أقل، فإن
منعوها واعترضوا على قدر مهرها فقد عضلوها ولا يلتفت إليهم، وعند بعض
المخالفين يكون السلطان وليها وفيه خلاف، وقال قوم منهم: للأولياء أن يقولوا
للزوج أنه: إن تبلغ مهر المثل وإلا فسخنا عليك العقد.
فإن زوجها واحد منهم بدون مهر مثلها من كف ء لم يكن للباقين أن
يعترضوا، وإن زوجت نفسها بأقل من مهر مثلها فالنكاح صحيح عندنا، وعند
قوم منهم النكاح صحيح وللأولياء الاعتراض عليه، وعند بعضهم النكاح
باطل.
إذا كان الولي الذي هو الأب أو الجد غائبا مفقودا لا يعرف خبره أو يعرف
خبره فهو على ولايته، وليس لأحد تزويج بنته الصغيرة، فإذا بلغت كان لها أن
تزوج نفسها، أو توكل من يزوجها، وعندهم أن للسلطان تزويجها إذا كان لا
يعرف خبره، فأما إذا كان يأتي خبره ويعرف موضعه، فإن كانت غيبة بعيدة
وحدها ما يقصر الصلاة إليها لم ينتقل ولايته كالمفقود، وللسلطان أن يزوجها،
157

وإن كانت الغيبة قريبة فيها وجهان: أحدهما للحاكم تزويجها، والثاني ليس له
ذلك.
فإذا قال للسلطان تزويجها في كل موضع يستحب له أن يستدعي أباعد
الأولياء وأهل الرأي من أهلها كالأخ للأم وأبي الأم ومن هو أبعد من الغائب من
عصباتها، فإذا أخبروه بشئ فإن كان على ما قالوه عمل عليه، وإن لم يكن كما
قالوه أمضاه على رأيه وفيه خلاف.
وإذا عضلها وليها كان لها أن تزوج نفسها أو توكل من يزوجها إذا كانت
بالغة رشيدة، وعند المخالف للسلطان تزويجها.
الوكالة في النكاح جائزة بلا خلاف، فإذا ثبت ذلك فلا يخلو الولي من
أحد أمرين: إما أن يكون له الإجبار كالأب والجد في حق البكر، فلكل واحد
منهما التوكيل، وإن كان وليا لا إجبار له كالأب والجد في حق الثيب والأباعد
والباقين من الأولياء في حق البكر والثيب، فإن أذنت له في النكاح والتوكيل
جاز ذلك، وإن لم تأذن له فيه فهل له التوكيل؟ قيل فيه وجهان: أحدهما ليس
له ذلك لأنه يتصرف عن إذن وهو الصحيح، والثاني له التوكيل.
فإذا وكل فليس للوكيل أن يزوجها إلا بأن يستأذنها، وإذا صح توكيله فإن
عين الزوج صح، وإن لم يعين بل أطلق وقال: زوجها بمن ترى، قيل فيه قولان:
أحدهما يصح، والثاني لا يصح إلا مع التعيين، وهو الصحيح.
ولي الكافرة لا يكون إلا كافرا، فإذا كان لها وليان أحدهما مسلم والآخر
كافر كان الذي يتولى تزويجها الكافر دون المسلم لقوله تعالى: " والمؤمنون
والمؤمنات بعضهم أولياء بعض " دل على أنه لا ولي لكافرة، وقال تعالى:
" والذين كفروا بعضهم أولياء بعض " فإن كان لمسلم جارية كافرة جاز له أن
يزوجها، وفيهم من قال: لا ولاية له عليها، والأول أصح.
إذا كان الأقرب سفيها محجورا عليه لسفه أو مجنونا فلا ولاية لهما، أو كان
ضعيف العقل أو كان صغيرا أو مولى عليه لضعف عقله، فكل هؤلاء تسقط
158

ولايتهم عندهم وتنقل إلى من هو أبعد مثل الكافر والفاسق، فإذا زال ذلك
عادت ولايته.
وعلى مذهبنا الولاية للأب والجد ثابتة معا، فإن أصاب أحدهما ما يزيل
ولايته يثبت في الآخر، فإن عاد إلى ما كان عادت ولايته إلى ما كانت.
إذا كان لها وليان في درجة فأذنت لكل واحد منها في رجل بعينه، مثل
أن قالت لكل واحد: زوجني من زيد بن عبد الله، واتفقا على الأسن والأعلم
والأورع كان أولى، فإن لم يتفقا وتشاحا أقرع بينهما، وإن بادر أحدهما فزوجها
من كف ء بإذنها نظرت، فإن كان قبل القرعة صح النكاح ولزم المهر، وإن كان
بعد القرعة فإذا كان الذي زوجها هو الذي خرجت قرعته صح، وإن كان الآخر
قيل فيه وجهان.
وإن كان إذنها مطلقا فقد مضى أنه يصح من غير تعيين الزوج، فإذا زوجها
كل واحد منهما من رجل ففيها خمس مسائل:
إحديهما: إذا علم أن النكاحين وقعا معا ولم يسبق أحدهما الآخر بطلا، لأنه
لا يصح أن يكون زوجة لهما معا.
الثانية: جهل الأمر فلم يعلم كيف وقع الأمر فهما باطلان أيضا لأنه لا سبيل
إلى معرفة الصحيح منهما.
الثالثة: علم أنه أحدهما سبق الآخر، لكن لا يعلم عين السابق منهما، مثل أن
عقد أحدهما يوم الخميس، والآخر يوم الجمعة، ولا يعلم السابق فهما باطلان أيضا
لمثل ذلك، فعلى هذا يفرق بينهما، فإن كان قبل الدخول فلا كلام، وإن كان
بعد الدخول نظرت: فإن كان الواطئ أحدهما فعليه مهر مثلها، فإن أتت بولد
لحقه، وإن دخل بها كل واحد منهما فعلى كل واحد منهما مهر مثلها، والوالد
يمكن أن يكون من كل واحد منهما أقرع بينهما عندنا، وعند بعضهم يعرض على
القافة.
الرابعة: علم عين السابق منهما لكن نسي، وقف النكاح حتى يستبين الأمر
159

لأنه إشكال يرجى زواله.
الخامسة: علم عين السابق منهما ولم ينس فالأول أصح، والثاني باطل،
دخل بها الثاني أو لم يدخل بها، وفيه خلاف، فقد روى أصحابنا أنه إن كان
دخل بها الثاني كان العقد له، والأول أحوط، وإن لم يدخل بها واحد منهما
سلمت إلى الأول بلا خلاف، وإن دخل بها الأول دون الثاني فكذلك، ولا حق
للثاني، ولا عليه، وإن دخل بها الثاني دون الأول فعلى الثاني مهر مثلها، فإن أتت
بولد لحقه وتعتقد منه، فإذا خرجت منها حلت للأول.
وإن دخل بها كل واحد منهما استقر المسمى على الأول ومهر مثلها على
الثاني، فإن أتت بولد يمكن أن يكون من كل واحد منهما أقرعنا بينهما، وتعتد من
الثاني، فإذا انقضت عدتها فقد حلت للأول.
إذا ولت أمرها وليين متساويين فزوجاها معا وادعى كل واحد منهما عليها
أن نكاحه هو السابق، وأنها تعلم ذلك، صحت هذه الدعوى فإما أن تنكر أو تقر.
فإن أنكرت فالقول قولها مع يمينها أنها لا تعلم السابق منهما، لأن الأصل
عدم علمها، فإن حلفت أسقطت دعواهما وبطل النكاحان معا، وإن نكلت ردت
اليمين عليهما، فإن لم يحلفا أو حلف كل واحد منهما بطل النكاحان معا، وإن
حلف أحدهما دون صاحبه قضينا بها للحالف لأنه أقام الحجة بأنه هو السابق
دون صاحبه.
فإن اعترفت بأن كل واحد منهما هو السابق، فهذا كلا اعتراف وقضينا
ببطلان النكاحين، وإن اعترفت لأحدهما صح اعترافها، وحكمنا بها زوجة له،
وهل تحلف للآخر؟ قيل فيه وجهان: أحدهما لا تحلف لأنه لا فائدة في يمينها،
لأنها لو اعترفت للثاني لم يقبل قولها على الأول، والقول الثاني تحلف لجواز أن
تعترف للثاني لأنها وإن لم يقبل قولها على الأول في بطلان النكاح لزمها مهر
مثلها للثاني، لأنها حالت بينه وبينها، وهذا القول أقوى.
وكذلك إذا تداعاها رجلان فأقرت لأحدهما قضينا له، فإن أقرت للثاني بعد
160

ذلك فهل له عليها مهر مثلها أم لا؟ قيل فيه قولان: فمن قال: لا تحلف للثاني، فلا
تفريع، ومن قال: تحلف، لم يخل حالها من ثلاثة أحوال: إما أن تحلف أو
تعترف أو تنكل.
فإن حلفت أسقطت دعوى الثاني، وانصرف، وإن اعترفت له بذلك لم
يقبل إقرارها على الأول في فسخ نكاحه، لكن هل عليها مهر مثلها للثاني؟ قيل فيه
قولان.
وإن نكلت عن اليمين نظرت: فإن لم يحلف الثاني انصرف، فإن حلف فقد
حصلت يمين المدعي مع نكول المدعى عليه، وهل يحل ذلك محل البينة أو
محل الاعتراف؟ قيل فيه قولان، فمن قال: كالبينة، أبطل النكاح للأول وقضى
بها للثاني، ومن قال: بمنزلة الاعتراف، فقد حصل للأول إقرار وللثاني ما هو في
حكم الإقرار، وقالوا فيه وجهان: أحدهما يبطل النكاحان معا، والثاني لا يبطل
الأول، لأنه صح باعترافها به حين الأول، فاعترافها للثاني لا يقبل، ويبطل الثاني
ويصح الأول وهو الأقوى.
وهل عليها مهر مثلها أم لا؟ على قولين: أحدهما يلزمها، والثاني لا يلزمها،
وهو الأقوى لبراءة الذمة.
إذا زوج الرجل أخته ثم مات الزوج فاختلفت هي ووارث زوجها فقال
الوارث: زوجك أخوك بغير أمرك فالنكاح باطل ولا ميراث لك، وقالت:
زوجني بإذني فالنكاح صحيح، فالقول قولها، لأن الوارث يدعي خلاف الظاهر،
لأن الظاهر أنه على الصحة فكان القول قولها.
إذا سمع الرجل يقول: هذه زوجتي، فصدقته، أو سمعت هي تقول: هذا
زوجي، فصدقها، فأيهما مات ورثه الآخر، فأما إذا سمع يقول: فلانة زوجتي، ولم
يسمع منها القبول لذلك، فإن مات ورثته، وإن ماتت لم يرثها، لأن النكاح يثبت
من جهته باعترافه، ولم يثبت من جهتها لأنها ما اعترفت، وهكذا لو سمعت تقول:
فلان زوجي، ولم يسمع منه القبول كذلك، فإن ماتت ورثها وإن مات لم ترثه.
161

لا يصح نكاح الثيب إلا بإذنها، وإذنها نطقها بلا خلاف، وأما البكر فإن
كان لها ولي له الإجبار مثل الأب والجد فلا يفتقر نكاحها إلى إذنها، ولا إلى
نطقها، وإن لم يكن له الإجبار كالأخ وابن الأخ والعم فلا بد من إذنها، والأحوط
أن يراعى نطقها، وهو الأقوى عند الجميع، وقال قوم: يكفي سكوتها لعموم
الخبر، وهو قوي.
إذا كان لها ولي تحل له جاز أن يزوجها من نفسه بإذنها، وعند قوم لا يجوز
وفيه خلاف، ومتى أراد أن يزوجها من غيره وكانت كبيرة جاز بإذنها بلا
خلاف، وإن كانت صغيرة لم يكن له تزويجها من أحد بلا خلاف أيضا.
وإن كانت كبيرة وأراد أن يزوجها من ابنه فإن كان ابنه صغيرا لم يجز لأنه
يكون موجبا قابلا عند قوم، وعندنا يجوز ذلك، فإن كان ابنه كبيرا قبل لنفسه،
وله أن يزوجها منه بإذنها بلا خلاف.
إذا أراد الرجل أن يزوج ابنه فلا يخلو الابن من أحد أمرين: إما أن يكون
عاقلا أو مجنونا، فإن كان عاقلا وكان بالغا فلا ولاية لأحد عليه في النكاح،
ينكح لنفسه بلا خلاف، وإن كان صغيرا كان لوالده أن يزوجه إن شاء واحدة،
وإن شاء أربعا بلا خلاف، وإن كان مجنونا وكان صغيرا لم يكن له أن يزوجه
بلا خلاف، لأنه ربما بلغ ولم يكن به حاجة إلى الزوجة، وإن كان كبيرا ولم
يكن به إليه حاجة مثل أن يكون مجبوبا أو خصيا أو عنينا لا يأتي النساء أو كان
بريئا من هذه العيوب لكنه لا يحب النساء ولا ينتشر عليه، فإنه لا يزوجه ولا
حاجة به إليه، وإن كان به حاجة إليه بأحد أماراته التي لا تخفى جاز أن يزوجه،
لأن له فيه نفعا وربما تابع حراما.
إذا كان للمجنون امرأة مثل أن تزوجها عاقلا ثم جن أو زوجه أبوه لحاجة
إلى النكاح، فليس لأبيه أن يطلقها عنه، ولا أن يخالعها بعوض بلا خلاف.
حكم العنين مع الجنون، فيه مسألتان:
إحديهما: إذا كان الزوج مجنونا فادعت زوجته أنه عنين لم يكن لوليه أن
162

يضرب له أجلا لأن أجل العنة إنما يضرب بعد ثبوت العنة، والعنة لا تثبت أبدا إلا
بقول الزوج لأنه مما لا تقوم به بينة، فإذا كان كذلك فقد تعذر ثبوت عننه من
جهته، فلا تضرب له مدة العنن.
الثانية: إذا كان عاقلا فاعترف بالعنة وضرب له المدة، وانتهى الأجل وهو
مجنون، فطالبته زوجته بالفرقة، لم تقبل دعواها ولم تجز الفرقة لأنها لا تخلو من
أحد أمرين: إما أن تكون ثيبا أو بكرا، فإن كانت ثيبا وادعت أنه ما أصابها في
المدة فالقول قول الزوج، وإن كان مجنونا لم يتوصل إلى ما عنده فيما تدعيه
عليه، وإن كانت بكرا يمكن أن يدعي الزوج أنها تمنعه نفسها فلا يتمكن من
افتضاضها، ويمكن أن يدعي أنه افتضها ثم عادت بكارتها، فإذا أمكن هذا لم
يصح من المجنون فلا سبيل إلى إيقاع الفرقة بينهما.
إذا كانت بحالها وهي مجنونة، ففيها أربع مسائل:
إحداها: ليس لوليها 0 أن يختلعها من زوجها بشئ من مالها بلا خلاف.
الثانية: ليس لوليها أن يبرئ زوجها من شئ من صداقها لأنه لا يخلو من
أحد أمرين: إما أن يكون طلقها، أو لم يطلقها، فإن لم يكن طلقها نظرت: فإن كان
قد دخل بها فقد استقر مهرها في ذمته، وإذا ثبت الحق فليس لوليها إسقاطه مثل
قيم المتلفات، وإن لم يكن طلقها فكذلك، لأنه في حكم المتلف، وإن كان طلقها
فإن كان بعد الدخول فلا يملك إسقاط شئ من مهرها، وإن كان قبل الدخول
سقط عنه نصفه وبقى لها نصفه، وهل لوليها أن يسقط عنه أم لا؟
قيل فيه قولان بناء على الذي بيده عقدة النكاح، فإنه على قولين، فمن قال:
هو الولي - وهو الصحيح عندنا -، قال: له أن يعفو عن البقية ويسقط عن زوجها،
ومن قال: هو الزوج، قال: لا يملك الولي إسقاط شئ.
هذا إذا كانت المنكوحة صغيرة أو مجنونة، والولي الأب أو الجد، والطلاق
قبل الدخول.
الثالثة: هربت المجنونة وامتنعت على زوجها سقطت نفقتها، وهكذا لو
163

هربت العاقلة لأنها في مقابلة الاستمتاع.
الرابعة: إذا كان زوجها عاقلا وهي مجنونة صح أن يولي عنها، لأن الإيلاء
أن يمتنع من وطئها بعقد يمين أكثر من أربعة أشهر، فإذا كان عاقلا صح هذا
ويضرب له المدة، فإذا تربص أربعة أشهر لم يملك أحد المطالبة عليه بفيئة ولا
بطلاق، ولأن من النساء من تختار المقام مع زوجها على ذلك.
إذا قذف الرجل زوجته المجنونة لا حد عليه، لأن الله تعالى قال: " والذين
يرمون المحصنات " يعني العفائف، والمجنونة لا توصف بذلك بلا خلاف،
ومتى أراد اللعان فلا يخلو: أن تكون حائلا أو حاملا.
فإن كانت حائلا لم يكن له اللعان لأن المقصود به درء الحد أو نفي نسب
وليس هاهنا واحد منهما، وفيهم من قال: له اللعان هاهنا ليوقع الفرقة المؤبدة،
وهو ضعيف عندهم.
وإن كانت حاملا فوضعت كان له اللعان على نفيه، لأن نفي الولد من
المجنونة كنفيه من العاقلة، فإذا التعن تعلق به أربعة أحكام: نفي النسب، ودرء
الحد، وإيقاع الفرقة، والتحريم المؤبد، فيتعلق به ثلاثة منها غير درء الحد، لأنه لم
يجب عليه، وقال قوم: هذا خلاف الإجماع لأن أحدا لم يقل بذلك.
ويقوى في نفسي أنه ليس له اللعان لأن لعانه لا تأثير له، وإنما تتعلق أحكام
اللعان بلعانهما معا، وهاهنا لا يصح منها اللعان، ومن خالف في ذلك بناه على
أن هذه الأحكام تتعلق بلعان الرجل وحده، وعلى هذا إذا أتت زوجته المجنونة
بولد من الزنى لحق به، لأنه لا طريق له إلى نفيه عن نفسه، وكذلك إن قذف
زوجته بالزنى وكذبته لا عنها ونفي ولدها، وإن صدقته وقالت: أنا زنيت وأتيت به
من زنا، لحقه ولم يكن له أن يلاعن لأنها ولدته على فراشه.
فإذا ثبت هذا فمن قال تتعلق به ثلاثة أحكام قال: إن أكذب الزوج نفسه
فالأصل في من لاعن زوجته ثم أكذب نفسه أن يقبل منه ما عليه دون ما له، والذي
عليه لحوق النسب ووجوب الحد، والذي له زوال الفرقة وارتفاع التحريم المؤبد
164

بالفرقة، وهل عليه التعزير؟ على وجهين.
للرجل أن يزوج بنته الصغيرة بعبد، ومن راعى الحرية في الكفاءة قال: لا
يجوز، فأما الكبيرة إذا رضيت به فلا خلاف أنه يجوز، وكذلك له أن يزوجها
بمجنون أو مجذوم أو أبرص أو خصي، ومتى زوجها من واحد من هؤلاء صح
العقد.
ومن خالف قال فيه قولان: أحدهما باطل، والآخر صحيح، فإذا قال
صحيح فهل عليه فسخ النكاح؟ على وجهين: أحدهما عليه الفسخ، والثاني
ليس له الفسخ لأنه طريق الشهوة وقد تختار المرأة المقام مع واحد ممن ذكرناه،
فمن قال: يفسخ، فلا كلام، ومن قال: يؤخر حتى يبلغ، فإن اختارت المقام معه
كان ذلك لها، وإن اختارت الفسخ فسخت، وهذا هو الصحيح.
وله أن يكره أمته على تزويج العبد بلا خلاف، وليس له أن يكرهها على
تزويج وأحد من الناس، فإن خالف فزوجها فهل يصح النكاح؟ فيه قولان
كالصغيرة.
وأما إذا كانت معيبة فزوجها ممن به عيب، فإن اختلف العيبان مثل أن
كانت مجنونة فزوجها بأبرص، أو برصاء فزوجها بمجذوم، فليس ذلك له، وإن
اتفقا في العيب فيه وجهان، فمن قال: ليس له ذلك فإذا خالف فهل يصح أم لا؟
قيل فيه قولان، وإذا قال: صحيح، فهل عليه الفسخ؟ فعلى وجهين.
وأما الكلام في نكاح ولده الصغير ممن به هذه العلل كلها، كالحكم في
البنت، فإن خالف فأنكحه واحدة منهن فهل يصح أم لا؟ على قولين على ما
مضى في البنت، أقواهما عندي أنه صحيح، غير أن للابن الفسخ إذا بلغ،
وكذلك القول في البنت سواء، وأما تزويجه بأمة فعند بعضهم باطل، لأنه ليس
بكفء له، لأن نكاح الأمة لا يجوز إلا بشرطين: عدم الطول وخوف العنت،
وهذا إذا كان عادما للطول فإنه لا يخاف العنت لصغيرة، وهذا قوي.
إذا كان للحرة أمة جاز لها تزويج أمتها، وقال بعضهم: لا يجوز، وإنما يجوز
165

لولي هذه الحرة أن يزوج جاريتها من عصباتها بإذنها، فأما ابنها فليس له ذلك،
وإن كان وليها له الإجبار وهو الأب والجد لم يكن له إجبار الأمة إذا كانت
مولاتها من أهل الإذن، فإن أذنت جاز له، ولا فصل بين البكر الكبيرة والثيب
الكبيرة.
وإن لم تكن المولاة من أهل الإذن لصغر أو جنون فهل لوليها إجبار أمتها
على التزويج؟ قيل فيه وجهان، أحدهما له إنكاحها، وهو الأقوى.
وإن كان ليس له الإجبار لم يكن له تزويج أمتها إلا بإذنها إذا كانت من
أهل الإذن وإن لم تكن من أهل الإذن لم يكن له ذلك.
إذا أذن لعبده في التجارة في شئ بعينه أو أذن له أن يتجر في ذمته يأخذ
ويعطي فاتجر واشترى أمة للتجارة فركب العبد دين يحيط بجميع ما في يده فأراد
السيد وطء هذه الجارية لم يكن له، لأنها صارت كالمرهونة في يد الغرماء تتعلق
حقوقهم برقبتها، فإن اجتمع السيد والمأذون إنكاحها لم يجز.
فإن برئ العبد عن الدين بالقضاء منه أو من سيده أو بإبراء الغرماء نظرت:
فإن أحدث للعبد حجرا ظاهرا كان له وطؤها، لأنه لا غرر على أحد فيه، وإن أراد
وطأها قبل أن يحدث له حجرا قيل فيه وجهان.
إذا كان للعبد بنت أو أخت أو من لو كان حرا كان له إنكاحها بحق النسب
لم يملك إنكاحها عند المخالف لأن الإنكاح ولاية، وليس العبد من أهل
الولايات وكان للعصبات أقاربه الأحرار كالجد وإن علا، والأخ والعم.
وعندنا إن كانت بنته صغيرة حرة كان له تزويجها، وإن كانت كبيرة أو
ثيبا جاز ذلك أيضا إذا ولته ذلك وأذنت له فيه، لأنه ولا ولاية له على ما قدمناه،
فأما إن وكل العبد في التزويج صح سواء كان ذلك في الإيجاب أو القبول،
وعند المخالف لا يصح ذلك إلا في الإيجاب، وفي القبول على وجهين.
إذا تزوج العبد حرة على أنه حر، ثم بان أنه عبد، وكان مأذونا في التزويج
كانت المرأة بالخيار، وإن كان غير مأذون فالنكاح موقوف على ما رواه
166

أصحابنا على رضا السيد، وقال المخالف: إن كان بغير إذنه فهو باطل، وإن كان
بأمره فعلى قولين، هذا إذا شرط في نفس العقد أنه حر.
فإن سبق الشرط العقد ثم وقع العقد مطلقا، فالنكاح صحيح قولا واحدا
وهكذا القولان إذا انتسب لها نسبا فوجد بخلافه سواء كان أعلى مما ذكر أو
دونه، أو شرط أنه على صفة فبان بخلافها، مثل أن يشترط أنه طويل فبان
قصيرا أو قصير فبان طويلا أو مليح فبان قبيحا أو قبيح فبان مليحا، أو أبيض فبان
أسود أو أسود فبان أبيض الباب واحد، والكل على قولين: أحدهما صحيح، وهو
الصحيح عندي، والثاني باطل، وإذا قال: باطل، أبطل سواء كان ما وجد فوق
ما شرط أو دونه، فإن لم يكن دخل بها فلا شئ لها، وإن دخل بها فلها مهر
المثل.
وعلى ما قلناه إن النكاح صحيح نظرت فيما كان الغرور به: فإن شرط أنه
حر فبان عبدا فلها الخيار، وإن كان الغرور بالنسب نظرت: فإن وجد دون ما
شرط ودون نسبها فلها الخيار لأنه ليس بكفء، وإن كان دون ما شرط لكنه مثل
نسبها أو أعلى منه، مثل أن كانت عربية فشرط هاشميا فبان قرشيا أو عربيا، فهل
لها الخيار أم لا؟ فالأقوى أنه لا خيار لها، وفي الناس من قال: لها الخيار، وقد
روي ذلك في أخبارنا.
وإن كان الغرور من جهتها لم يخل من ثلاثة أحوال: إما أن يكون الغرور
بالحرية أو بالنسب أو بالصفات، والكلام على كل فصل على الانفراد.
فإذا كان الغرور بالحرية فتزوجت به على أنها حرة فبانت أمة، ففي صحة
العقد قولان: أحدهما باطل والثاني صحيح، والأول أظهر في الروايات.
ويصح القولان بثلاثة شروط:
أحدها: أن يكون الزوج ممن يحل له نكاح أمة لعدم الطول وخوف
العنت.
والثاني: أن يكون الغرور من جهتها أو جهة الوكيل ولا يكون من جهة
167

السيد، والثالث أن يكون الشرط مقارنا للعقد.
فإذا اختل شرط منها لم تكن مسألة على القولين لأنه إن كان ممن لا يحل له
أمة فالنكاح باطل، وإن كان الغرور من جهة السيد، كان قوله: زوجتك على
أنها حرة، إقرار منه بالحرية، وإن كان الغرور منها أو من جهة الوكيل لم يعتق
بذلك.
وأما الشرط الثالث: فإن لم يقارن العقد صح قولا واحدا، فمن قال: إن
النكاح باطل، قال: لم يخل الزوج من أحد أمرين: إما أن يكون قد دخل بها أو
لم يدخل، فإن لم يدخل بها فرق بينهما، ولا حق لأحدهما على صاحبه، وإن
كان قد دخل بها لم يخل من أحد أمرين: إما أن يكون أحبلها أو لم يحبلها.
فإن لم يكن أحبلها فلها المهر، ويكون لسيدها لأنه من كسبها، وهل يرجع
الزوج على من غيره أم لا؟ قيل فيه قولان: الظاهر في رواياتنا أنه يرجع عليه به،
فمن قال: لا يرجع، استقر الغرم عليه ولا يرجع به على أحد، ومن قال: يرجع به
على الغار، رجع على من غره، سواء كان الغار الوكيل أو الزوجة، فإن كان
الغار الوكيل وكان موسرا استوفي منه، وإن كان معسرا أنظره إلى ميسرة، وإن
كان الغار الزوجة كان المهر في ذمتها ولا يسار لها فيرجع عاجلا لكن يتبعها به
إذا أيسرت بعد العتق.
وإن أحبلها فالكلام في المهر على ما مضى.
وأما الولد فهو حر لأنه اعتقدها حرة ورد عليه قيمة الولد، ويعتبر قيمته يوم
ولدته حيا لأنه وإن كان الإتلاف بالعلوق فإن تقويمه إذا ذلك لا يمكن وقومناه
أول وقت إمكان التقويم، وتكون قيمته لسيدها، لأنه لو كان مملوكا لكان له،
ويرجع على الغار.
ومن قال: النكاح صحيح، فهل للزوج الخيار أم لا؟ قيل فيه قولان:
أحدهما له الخيار، وهو المذهب، فإن اختار الفسخ فالحكم فيه كما لو كان العقد
وقع فاسدا ويسقط المسمى، ويجب مهر المثل، ومن قال: لا خيار له فلزم العقد،
168

أو قال: له الخيار، فاختار الإمساك فإنه يستقر المهر.
وأما الولد فينظر: فإن كان أحبلها قبل العلم بالرق فالحكم على ما مضى في
أحكام الولد إذا فسخ وقد مضى، وإن أحبلها بعد العلم بالرق فالولد رقيق
لسيدها، وعندنا لا حق بالحرية، هذا إذا كان الغرور من جهتها بالحرية.
فأما إن كان بغير ذلك فإما أن يكون أعلى مما ذكرت أو أدون، فإن كان
أعلى مما ذكرت مثل أن انتسبت عجمية بانت عربية أو ذكرت أنها قصيرة فبانت
طويلة، أو قبيحة فبانت مليحة، أو ثيبا فبانت بكرا أو سوداء فبانت بيضاء الباب
واحد.
وأما إن كانت دون ما ذكرت بالعكس مما قلناه، فالكل على قولين:
أحدهما النكاح باطل، والثاني صحيح، وهو الأقوى عندي، فمن قال: باطل،
فإن لم يكن دخل بها فلا حق لها، وإن دخل بها وجب المهر، وكان لها، وهل
يرجع على من غره؟ على قولين:
فمن قال: لا يرجع، فقد استقر عليه، ومن قال: يرجع، فإن كان الغرور من
الولي وكان واحدا رجع به عليه، وإن كانوا جماعة فإن كان الغرور بالنسب
يرجع على جماعتهم، وإن كان الغرور بالصفة فإن كانوا عالمين أو جاهلين.
يرجع عليهم أجمعين، وإن كان بعضهم عالما وبعضهم جاهلا فعلى من يرجع؟
وجهان: أحدهما على العالم وحده لأنه هو الذي غره، وهو الأقوى، والثاني على
الكل.
وإن كان الغرور من جهتها، فهل يرجع عليها أم لا؟ على وجهين: أحدهما
لا يرجع بكله بل يبقى منه بقية تنفرد بها، وهو الظاهر في رواياتنا، والثاني يرجع
عليها بالكل، فمن قال: يرجع بالكل، فإن كان قبضت رجع وأخذه، وإن لم
يكن قبضت لم يأخذ شيئا، وإذا قيل يبقى بقية أعطاها تلك البقية، ولم يرجع
بالكل فيما زاد عليها.
ومن قال: النكاح صحيح، فهل له الخيار؟ نظرت: فإن كان أعلى فلا خيار
169

له لأنه لا نقص هاهنا، وكذلك إن كانت في طبقته فلا خيار له أيضا، لمثل ما
قلناه، وإن بانت دون ما قالت ودون طبقته فهل له الخيار؟ على القولين، وهكذا
إذا كان الغرور في الصفات دون ما ذكرت، فالكل على قولين أحدهما له الخيار.
فمن قال: لا خيار له، أو قال: له الخيار، فاختار الإمساك فقد لزم النكاح
وهو صحيح، وحكمه حكم النكاح الصحيح، ومن قال: له الخيار، فاختار
الفسخ فالحكم فيه كما لو كان في الأصل منفسخا وقد مضى، فإن لم يكن دخل
بها فلا كلام، وإن كان دخل بها وجب لها المهر، وهل يرجع على من غره؟ على
ما مضى.
وأما العدة فإن لم يدخل بها فلا عدة وإن دخل بها فعليها العدة ولا سكنى
لها، لأن السكنى لا تجب في الأنكحة المفسوخة، وأما النفقة فإن كانت حائلا فلا
نفقة لها، وإن كانت حاملا بنى على القولين في نفقة الحامل، فمن قال: للحامل
النفقة، وجبت النفقة هاهنا، لأن الولد في النكاح الصحيح والفاسد واحد، ومن
قال: لا نفقة لها لأجل الحمل، فلا نفقة هاهنا، لأنها إنما تجب لها النفقة في النكاح
الذي له حرمة، وقد زالت حرمته، وهذا القول أقوى.
ولو تزوجها على أنها مسلمة فكانت كتابية، فعلى مذهبنا لا يصح لأنها لا
تحل له، وعلى قول بعض أصحابنا: له الخيار، وبه قال بعض المخالفين.
فصل: فيما ينعقد به النكاح:
لا يصح النكاح حتى تكون المنكوحة معروفة بعينها على صفة متميزة عن
غيرها وذلك بالإشارة إليها أو بالتسمية أو الصفة.
فإذا أراد تزويج بنته لم يخل من أحد أمرين: إما أن تكون له بنت واحدة أو
أكثر.
فإن كانت له بنت واحدة لم يخل من أحد أمرين: إما أن تكون حاضرة أو
غائبة، فإن كانت حاضرة نظرت: فإن قال: زوجتك هذه أو هذه المرأة، صح
170

لأن الإشارة تغني، وإن قال: زوجتك بنتي هذه أو بنتي هذه فلانة، وهي فلانة
صح لأن الزيادة على " هذه " تأكيد، وإلا فقوله " هذه " يكفي، وإن كانت غائبة
فإن قال: زوجتك بنتي، صح، وإن قال: بنتي فلانة، صح، ولو قال: بنتي
فاطمة، واسمها خديجة صح أيضا، فإن " بنتي " صفة لازمة ولا تزول عنها،
وفاطمة صفة تزول عنها.
وإن قال: زوجتك فلانة، فإن نواها صح وإن أطلقها من غير نية فالنكاح
باطل لأن " فلانة " غير معروفة من بين من يشاركها في الاسم، وإن كان له بنتان
الكبيرة فاطمة والصغيرة خديجة، قال: زوجتك الكبيرة، أو الصغيرة، أو قال:
بنتي فاطمة أو خديجة، فكل هذا يصح فإن قال: بنتي الكبيرة فاطمة، فذكر
الكبيرة باسم الصغيرة صح نكاح الكبيرة لأن الكبيرة صفة لازمة، والاسم لا
يلزم، وإن قال: إحدى ابنتي، أو قال: بنتي فقط، فالنكاح باطل لأنه لم يتناول
العقد واحدة بعينها.
وإن قال: زوجتك بنتي، ونوى الكبيرة فقبل الزوج ونوى الكبيرة أيضا
واتفقا على ذلك، فالنكاح صحيح، فإن قال: زوجتك بنتي فاطمة، ونوى
الصغيرة، وقبل الزوج، وقال: قبلت نكاح فاطمة، ونوى الكبيرة، فالنكاح لازم
في الظاهر لأنهما اتفقا على الاسم، فكان الظاهر أن النكاح نكاح الكبيرة لكنه
باطل في الباطن، لأن الولي أوجب الصغيرة، والزوج قبل الكبيرة، فقد قبل غير
التي أوجبها فبطل إن صدقه، وإن لم يصدقه فالنكاح لازم في الظاهر، - وهكذا
إذا كان الولي غير الأب والجد - في حق من لا يجبر على النكاح على ما فصلناه.
وأما نكاح الحمل مثل أن يقول: زوجتك حمل هذه المرأة أو حمل هذه
الجارية، كان باطلا، لأن الجهالة تكثر فإنه قد تكون حاملا وقد لا تكون حاملا،
وقد تكون بذكر أو أنثى أو بهما، فإن كانت أنثى فلا يدري واحدة هي أم أكثر،
فكثرت الجهالة بطل النكاح.
المرأة البالغة الرشيدة تزوج نفسها وتزوج غيرها بنفسها، مثل بنتها أو
171

أختها، ويصح أن تكون وكيلة في إيجاب وقبول وفيه خلاف.
لا ينعقد النكاح إلا بلفظ النكاح أو التزويج، وهو أن يقع الإيجاب والقبول
بلفظة واحدة، أو الإيجاب بإحداهما والقبول بالأخرى، فيقول: أنكحتك، فيقول:
قبلت النكاح، أو يقول: زوجتك، فيقول: قبلت التزويج، أو يقول: أنكحتك،
فيقول: قبلت التزويج، أو يقول: زوجتك، فيقول: قبلت النكاح.
وما عدا ذلك فلا ينعقد به النكاح بحال، لا بلفظ البيع ولا التمليك ولا
الهبة، فلو قال: بعتكها أو ملكتكها أو وهبتكها، كل هذا لا يصح سواء ذكر فيه
المهر أو لم يذكر وفيه خلاف، وكذلك لفظ الصدقة والإجارة لا ينعقد به، ولفظ
التزويج بالفارسية يصح إذا كان لا يحسن العربية، وإذا كان يحسنها فلا ينعقد
إلا بلفظ النكاح أو التزويج، لأنه لا دلالة عليه، ويكفي في الأخرس أن يقبل
بالإشارة والإيماء.
إذا قال الولي: زوجتكها أو أنكحتكها، فقال الزوج: قبلت هذا النكاح أو
هذا التزويج، صح بلا خلاف، وإذا قال: زوجتك أو أنكحتك، فقال الزوج:
قبلت، ولم يزد عليه فعندنا يصح وفي الناس من قال: لا يصح.
وإذا قال الرجل للولي: زوجت بنتك من فلان؟ فقال: نعم، يقوى في
نفسي أنه ينعقد به مثل الأول، وقال قوم: إنه لا ينعقد به، وكذلك لو قال له:
زوجت بنتك من فلان، فقال: نعم، وقال للزوج: قبلت؟ فقال: قبلت هذا
النكاح، انعقد، وعندهم لا ينعقد لمثل ما قلناه.
فإذا ثبت أنه لا بد من أن يقول: قبلت النكاح أو التزويج، فإذا تعاقدا فإن
تقدم الإيجاب على القبول، فقال: زوجتك، فقال: قبلت التزويج، صح،
وكذلك إذا تقدم الإيجاب في البيع على القبول صح بلا خلاف.
وأما إن تأخير الإيجاب وسبق القبول، فإن كان في النكاح فقال الزوج:
زوجتنيها، فقال: زوجتكها، صح، وإن لم يعد الزوج القبول بلا خلاف، لخبر
172

سعد الساعدي، قال الرجل: زوجنيها يا رسول الله، فقال: زوجتكها بما معك من
القرآن، فتقدم القبول وتأخر الإيجاب، وإن كان هذا في البيع فقال: بعينها،
فقال: بعتكها، صح عندنا وعند قوم من المخالفين، وقال قوم منهم: لا يصح
حتى يسبق الإيجاب.
فأما إن قال: أتزوجنيها؟ فقال: زوجتكها، أو قال: أتبيعنيها؟ فقال: بعتكها،
لم ينعقد حتى يقبل الإيجاب، لأن السابق على الإيجاب استفهام، هذا إذا عقدا
بالعربية.
فإن عقدا بالفارسية فإن كان مع القدرة على العربية فلا ينعقد بلا خلاف،
وإن كان مع العجز فعلى وجهين: أحدهما يصح وهو الأقوى، والثاني لا يصح،
فمن قال لا يصح قال: يوكل من يقبلها عنه أو يتعلمها، ومن قال يصح لم يلزمه
التعلم، وإذا أجيز بالفارسية احتاج إلى لفظ يفيد مفاد العربية على وجه لا يخل
بشئ منه، فيقول الولي " اين زن را بتو دادم بزنى " ومعناه: هذه المرأة
زوجتكها، ويقول الزوج " پذيرفتم بزنى " يعني قبلت هذا النكاح، هذا إذا كانا
عاجزين عن العربية.
فأما إن كان أحدهما يحسن العربية والآخر لا يحسنها، فلا يجوز عند قوم،
وقال إن كل واحد منهما يقول ما يحسنه، وهو الأقوى.
عقد النكاح لا يدخله خيار المجلس بإطلاق العقد ولا خيار الشرط بلا
خلاف، فإن شرط خيار الثلاث بطل النكاح، وقال قوم: يبطل الشرط دون
النكاح، والأول أقوى.
إذا أوجب الولي عقد النكاح للزوج ثم زال عقله بإغماء أو مرض أو جنون
بطل إيجابه، ولم يكن للزوج القبول، وهكذا لو استدعى الزوج النكاح فقدم
القبول فقال: زوجنيها، ثم أغمي عليه أو زال عقله بجنون بطل القبول، ولم يكن
للولي الإيجاب بلا خلاف، وكذلك إن أوجب البيع وزال عقله قبل قبول
المشتري بطل إيجابه، وليس لوليه أن يقبل عنه أيضا.
173

لعقد النكاح خطبتان مسنونتان: خطبة تسبق العقد، وخطبة تتخلل العقد.
فالتي تتقدم العقد هي الخطبة المعتادة، وهي مسنونة غير واجبة، وكذلك
يستحب ذكر الله عند كل أمر يطلبه إجماعا، إلا داود، فإنه أوجبها.
والخطبة المسنونة ما رواها ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وآله: الحمد
لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا،
من يهدي الله فلا مضل له، ومن يظلل الله فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله
كان عليكم رقيبا، اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، اتقوا الله وقولوا
قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد
فاز فوزا عظيما.
واختصر ذلك فقيل " المحمود الله، والمصطفى رسول الله، وخير ما عمل
كتاب الله ".
وأما التي تتخلل العقد فيقول الولي: بسم الله والحمد لله وصلى الله على
محمد ورسول الله أوصيكم بتقوى الله زوجتك فلانة، ويقول الزوج: بسم الله
والحمد لله وصلى الله على رسوله أوصيكم بتقوى الله قبلت هذا النكاح، هذا قول
بعض المخالفين، ولا أعرف ذلك لأصحابنا.
ويستحب أن يدعى للإنسان إذا تزوج فيقال: بارك الله لك وبارك
عليك وجمع بينكما في خير.
فصل: في من يجوز العقد عليهن من النساء ومن لا يجوز:
لا يجوز لحر مسلم أن يتزوج بأكثر من أربع نساء حرائر إجماعا، ويجوز له
أن يتزوج بأمتين عندنا، والعبد يجوز له أن يتزوج بأربع إماء أو حرتين.
إذا تزوج امرأة حرمت عليه أمها وأمهات أمها على التأبيد بنفس العقد،
وحرمت عليه بنتها وأختها وخالتها وعمتها تحريم جمع فلا يحل له أن يجمع بين
174

الأختين على حال، ولا بين المرأة وعمتها وخالتها إلا برضا عمتها وخالتها، وعند
المخالف على كل حال.
فإن طلقها لم يزل تحريم أمهاتها سواء كان بعد الدخول أو قبله، ومن عدا
أمهاتها فإن كان قبل الدخول فلا عدة، وحل له نكاح من شاء من بنتها وعمتها
وخالتها، وإن كان بعد الدخول فبنتها تحرم تحريم الأبد سواء طلق الأم أو لم
يطلق.
وأما أختها وعمتها وخالتها فإنما يحرمن تحريم جمع، فإن كان الطلاق
رجعيا فالتحريم قائم لأن الرجعية في حكم الزوجات فلا يجمع بين المرأة وعمتها
وكذلك بينها وبين خالتها، وإن كان الطلاق بائنا أو خلعا أو فسخا جاز العقد
على أختها وعمتها وخالتها قبل انقضاء عدتها، وكذلك إن كانت عنده واحدة
فطلقها جاز له العقد على أربع إن كان الطلاق بائنا، وإن كان رجعيا فليس له أن
يعقد إلا على ثلاث، وإن كانت عنده أربع وطلقهن كلهن كان له العقد على أربع
أو أقل منهن إن كان بائنا، وإن كان رجعيا لم يكن له أن يعقد على واحدة حتى
يخرجن من العدة وفيه خلاف.
إذا قتلت المرأة نفسها فإن كان بعد الدخول بها لم يؤثر في مهرها، حرة
كانت أو أمة، لأن بالدخول قد استقر المهر فلا يسقط، وإن زال النكاح بسبب من
جهتها كما لو ارتدت بعد الدخول بها.
فإن قتلت نفسها قبل الدخول لم يسقط أيضا مهرها عندنا سواء كانت أمة أو
حرة، والحكم فيه كما لو ماتت، سواء قتلت نفسها أو قتلها غيرها، وفيهم من قال:
يسقط مهرها، وهو قوي، وإن كانت أمة فقتلها سيدها سقط مهرها لأنه قتلها من
المهر له، وكذلك إن قتلت نفسها.
وإن كانت حرة فقتلت نفسها سقط مهرها، وإن قتلها وليها أو أجنبي لم يسقط
المهر، لأن القاتل لا مهر له، وقال قوم: يسقط مهر الأمة ولا يسقط مهر الحرة.
وأما إن قتلها الزوج استقر المهر حرة كانت أو أمة، وإن قتلها أجنبي فإن
175

كانت حرة استقر مهرها بلا خلاف، وإن كانت أمة منهم من قال: لا يسقط المهر،
وقال شاذ منهم: يسقط المهر لأن المملوكة كالسلعة في البيع فإذا تلفت قبل
القبض رجع المشتري بالبدل، والأول أصح.
على هذا القول إذا زوج الرجل أمته كان له بيعها، فإذا باعها كان بيعها
طلاقها عندنا، وخالف الجميع في ذلك وقالوا: العقد باق بحاله، ثم لا يخلو من
أحد أمرين: إما أن يغيبها أو لا يغيبها.
فإن غيبها بأن يسافر بها أو كان بدويا فأخرجها إلى البادية فلا نفقة لها لأن
النفقة في مقابلة التمكن من الاستمتاع، فأما المهر فإن كان الزوج قد دخل بها فقد
استقر المهر، فإن كان السيد الأول قبضه فذلك له، وإلا كان للثاني مطالبة
الزوج به، وإن لم يكن دخل بها لم يجب على الزوج تسليم المهر، فإن كان
الزوج قد أقبضه استرده، وإن لم يكن أقبضه لم يكن عليه إقباضه.
وإن لم يغيبها المشتري فهو بالخيار بين أن يرسلها إلى زوجها مطلقا، وبين
أن يمسكها نهارا ويرسلها إليه ليلا، وقال قوم: إن كان في يدها صنعة تعملها مثل
التكك وغيرها فعليه أن يرسلها ليلا ونهارا، وقال قوم: هذا غلط لا يلزمه إرسالها
نهارا لأن له استخدامها في غير الصنعة، فإن بيتها معه البيتوتة التامة بأن أرسلها ليلا
ونهارا كان عليه نفقتها.
والمهر فلا يخلو من ثلاثة أحوال: إما أن يكون صحيحا أو فاسدا أو مفوضة،
فإن كان صحيحا وهو المسمى بالعقد كان للسيد الأول، لأنه وجب في ملكه،
وإن كان فاسدا لزمه مهر المثل بالعقد، وكان للسيد الأول، لأنه وجب بالعقد،
وكانت حين العقد في ملكه، وأما المفوضة هو أن يكون نكاح بلا مهر، أو يقول:
زوجتكها على أن لا مهر لها، فالمهر لا يجب بالعقد لكن للسيد أن يفرض مهرا،
فإذا فرض لها المهر فإن كان قبل البيع فهو للأول لأنه وجب والملك له، وإن
كان الفرض بعد البيع قيل فيه وجهان: أحدهما أنه الثاني، والثاني أنه للأول.
وهكذا إذا زوج أمته مفوضة ثم أعتقها ثم فرض المهر، فيه وجهان: أحدهما
176

لها وكان لسيدها على ما قلناه، وعلى ما قدمناه من أن بيعها طلاقها، فالمهر إن
كان قد قبضه الأول فهو له، فإن كان بعد الدخول فقد استقر، وإن كان قبل
الدخول فعليه أن يرد نصفه، وإن كان لم يقبضه فلا مهر لها للأول ولا للثاني.
فإن اختار المشتري إمضاء العقد ولم يكن قد قبض الأول المهر، كان للثاني
لأنه يحدث في ملكه، فإن دخل بها بعد الشراء استقر له الكل، وإن طلقها قبل
الدخول كان عليه نصف المهر للثاني، وإن كان الأول قد قبض المهر ورضي
الثاني بالعقد، لم يكن له شئ لأنه لا يكون مهران في عقد واحد.
وإن باعها قبل الدخول ورضي المشتري بالعقد ودخل بها الزوج بعد
البيع كان نصف المهر للسيد الأول، ونصفه للثاني، لأن النصف الآخر استقر
بالدخول وكان ذلك في ملك الثاني، وإن كان قد قبض الأول بعض المهر ثم
باعها لم يكن له المطالبة بباقي المهر، سواء دخل بها أو لم يدخل، لأنه حال بينه
وبين الاستمتاع بها، وإن كان الثاني رضي بالعقد كان له المطالبة بباقي المهر،
وإن لم يرض لم يكن له ذلك.
لا يجوز للوالد أن يطأ جارية لولده، سواء كان ولده قد وطئها أو لم يطأها
بلا خلاف لأنها ليست ملكا له ولا زوجة، ثم لا يخلو الابن من أحد أمرين: فإن
كان قد دخل بها حرمت على الأب على التأبيد، وإن لم يدخل بها ولا نظر منها
إلى ما لا يحل لغير مالكها النظر إليه بشهوة، فما دامت في ملكه فهي حرام على
الأب.
فإذا ثبت أنها محرمة عليه فإن بادر فوطئها فإما أن يحبلها.
أو لا يحبلها، فإن لم يحبلها فالكلام عليه في ثلاثة فصول: الحد والقيمة
والمهر.
أما الحد فلا يخلو الولد من أحد أمرين: إما أن يكون قد دخل بها أو لم
يدخل بها، فإن لم يكن دخل بها فلا حد عليه لأن له شبهة ملك لقوله
عليه السلام: أنت وما لك لأبيك، فسقط الحد لقوله عليه السلام: ادرأوا الحدود
177

بالشبهات، بلا خلاف، وإن كان قد دخل بها ففي الحد قيل وجهان: أحدهما
يحد، والآخر لا يحد وهو الأقوى.
وأما القيمة فلا قيمة عليه لولده لأنه ما نقص من قيمتها، وتصرف الابن باق
بحاله.
وأما المهر فكل موضع قلنا لا حد عليه بشبهة الملك وجب المهر بلا
إشكال، وكل موضع قلنا عليه الحد فلا يخلو من أحد أمرين: إما أن تكون مكرهة
أو مطاوعة، فإن كانت مكرهة وجب المهر، وإن طاوعته قيل فيه قولان: أحدهما
لا مهر لها لقوله عليه السلام أنه نهى عن مهر البغي، وهو الأقوى، والثاني يجب
عليه المهر، والأول أصح لأنه لا دليل عليه والأصل براءة الذمة.
وإن أحبلها فالكلام في خمسة فصول: الحد والمهر وكونها أم ولد وفي
قيمتها وقيمة الولد.
أما الحد والمهر فعلى ما مضى إذا لم يحبلها، وإذا أحبلها فالولد حر بلا
خلاف، وهل تصير أم ولد؟ على قولين: أحدهما لا تصير، وهو الذي يقوى في
نفسي، والثاني تصير.
قال قوم: لا يجوز للوالد أن يتزوج بأمة ولده وللولد أن يتزوج بأمة والده،
لأن على الولد إعفاف أبيه، وليس على الأب ذلك، وقال آخرون: للوالد أن
يتزوج بأمة ابنه، وهل تصير أم ولده؟ على قولين، فإذا قال: تصير أم ولده، فعليه
قيمتها له، لأنه أتلفها عليه والولد حر ولا قيمة عليه، لأنها وضعته في ملكه وهو حر،
فلا ضمان عليه أصلا، ومن قال لا تصير أم ولده قال: فعليه قيمتها، لأنه لو أراد
بيعها لم يمكنه لأنها علقت بحر، واستثناء الحر لا يجوز.
ويقوى في نفسي أنه يجوز للوالد أن يتزوج بأمة ابنه، وللابن أن يتزوج بأمة
أبيه، وإذا أتت بولد تصير أم ولده، ولا يجب عليه قيمتها، لأنه يجوز بيعها وإن
الولد يكون حرا، غير أنه لا يمكن بيعها ما دامت حاملا، كما لو كانت حاملا من
زوج حر فإن الولد يكون حرا عندنا ولا يجوز بيعها حتى تضع ما في بطنها.
178

إذا كان له والد موسر لم يجب على ولده نفقته ولا إعفافه، لأنه غني بما في
يده، ويراد بالغنى هاهنا كفايته دون اليسار العظيم.
وإن كان الأب فقيرا لم يخل من أحد أمرين: إما أن يكون زمنا أو صحيحا،
فإن كان زمنا فنفقته على ولده، وإن كان صحيحا قيل فيه قولان: أحدهما نفقته
على ولده، وهو الأقوى لعموم الأخبار، والثاني لا يجب عليه نفقته.
فمن قال لا يجب عليه نفقته قال: لا يجب عليه إعفافه، ومن قال: يجب عليه
نفقته، فهل يجب عليه إعفافه، أم لا؟ قيل فيه وجهان: أحدهما يجب عليه إعفافه،
والآخر لا يجب عليه إعفافه، وهو الأقوى عندي، لأنه لا دليل عليه، والأصل براءة
الذمة، فمن قال: لا يجب عليه إعفافه، فلا كلام، ومن قال يجب قال: كل من
وقع عليه اسم الأب حقيقة أو مجازا فإنه يجب عليه نفقته وإعفافه، فيدخل في
ذلك الأب والجد وإن علا.
فإن اجتمع أب وجد أو أبو أب وأبو أب أب كان الأقرب أولى، فإن اتسع
ماله فعليه نفقتها، وإلا فالأقرب أولى، فإن اجتمع أبو أبي أم أب، وأبو أم أب فهما
على درجة واحدة، لكن أحدهما عصبة، فإن اتسع فعليه نفقتهما وإلا فالعصبة أولى
من ذوي الأرحام، وإن كان له أبو أم وأبو أب فهما في درجة واحدة لكن أبا الأب
أولى لأنه عصبة، وإن كان له أبو أبي أب وأبو أم فأبو الأم أقرب لكنه ذو رحم،
وأبو أب الأب أبعد لكنه عصبة.
فالذي يجئ أنهما سواء وعندنا أنه يجب عليه نفقة كل من يقع عليه اسم
الأب من قبل أب كان أو من قبل أم إذا أمكنه، فإن لم يمكنه كان أقربهما إليه
أولى من أي جهة كان، فإن تساويا كان ما يمكنه بينهما بالسوية.
ومن قال بالإعفاف قال: إنه يقع بالتمكين من فرج مباح بنكاح أو ملك
يمين فله يزوجه بحرة مسلمة أو كتابية، فإن أراد أن يزوجه بأمة لم يكن له لأن
نكاحها إنما يجوز بعدم الطول وخوف العنت، وهذا ما عدم الطول، وإن أراد أن
يسريه كان له، والخيار إلى الولد.
179

فإن أعطاه مالا وقال له: تزوج به وعلي القيام بالكفاية، وكذلك في ملك
اليمين إن أحب أن يعطيه ما يتسرى به، وإن أحب أن يقول: تسر أنت والمال علي،
فإن كان له أمة وأراد أن يملكه إياها فإن كان وطئها أو نظر إليها بشهوة لم يجز،
وإن أراد أن يزوجه بمن لا يستمتع بها في العادة كالعجوز الفانية أو الشابة القبيحة
لم يكن له، ولا على الوالد أن يقبل.
وإذا وهبها لم يكن له بد من قبول وقبض ويجبر الأب على القبول، ومتى
قال: لست أختار جارية، قيل له: ليس لك أن تتخير عليه، لأن القصد أن يجعل
لك فرجا حلالا.
فإن قال له: أبحتك جاريتي هذه أو أحللتها لك، لم تحل بذلك له عندهم،
وعندنا أنها تحل له بلفظ التحليل، ومتى زوجه أو سرأه ثم أيسر الوالد لم يجب
عليه رد الجارية، ولا طلاق الزوجة.
وإن زال عن المرأة أو الأمة ملكه فهل عليه بدلها؟ قال بعضهم: لا يجب
عليه، ومنهم من قال: إن زال بطلاق أو عتاق فقد زال باختياره، فلا يجب عليه
بدلها، وإن كان بموت لزمه مثلها.
ومتى وطئ الابن جارية الأب لم يخل من أحد أمرين: إما أن يكون عالما
بالتحريم أو جاهلا به، فإن كان عالما فعليه الحد لأنه لا شبهة له يسقط بها الحد،
وأما المهر فإن كانت مكرهة فعليه المهر، وإن طاوعته فعلى قولين، ويقوى في
نفسي أنه لا مهر عليه بحال لأنه نهى النبي صلى الله عليه وآله عن مهر البغي.
وأما الولد فلا يلحق نسبه، لأنها أتت به من زنا فهو مملوك سيدها ولا يعتق
على سيدها، لأنه ما لحق نسبه بولده، فلم يعتق عليه، ولا تصير أم ولده، لأنها
علقت بمملوك.
وإن كان جاهلا بالتحريم مثل أن كان قريب عهد بالإسلام أو في بادية
بعيدة عن بلد الإسلام من جفاة العرب، فلا حد عليه لقوله عليه السلام: ادرأوا
الحدود بالشبهات، والمهر على ما مضى، إن كان أكرهها فعليه المهر، وإن طاوعته
180

فعلى قولين، وعندي أنه لا مهر بحال على ما بيناه لبراءة الذمة.
وأما الولد فيلحق نسبة لأن الاعتبار بالأب، فلما كان الوطء لشبهة لحق
نسبه وهو مملوك لأن أمه مملوكة، ويسقط عنها الحد للشبهة، ويعتق على سيدها
لأنه ولد ولده ولا قيمة لسيدها على الواطئ، لأن العتق جاء من قبله، ولا تصير أم
ولد متى ملكها، لأنها علقت منه بمملوك، ثم عتق بالملك لأجل النسب.
العبد لا يملك، فإن ملكه مولاه ملك التصرف، ولا يلزمه زكاة ولا تتعلق
عليه كفارة تتعلق بالمال، بل يلزمه الصوم، وإن اشترى جارية فإن أذن له في
وطئها جاز له وطؤها، ومنهم من منع جميع ذلك، والحكم في المدبر والمعتق
بصفة عند من أجازه والمكاتب سواء غير أن المكاتب لا يجوز بيعه، ومن نصفه
حر ونصفه عبد فإنه بما فيه من الحرية يملك ملكا صحيحا، فإن كان بينه وبين
سيده مهاياة كان كسب يومه له وكسب يوم سيده لسيده، وإن لم يكن مهاياة
فالكسب بينهما، ويملك نصفه ملكا تاما.
فإن ملك بما فيه من الحرية أمة فهل له وطؤها؟ قيل فيه قولان كالعبد القن
سواء لأن الوطء لا يتبعض، فإذا قيل: لا يملك العبد، فليس له وطؤها وإن أذن
المولى، وإن قيل: يملك، جاز له الوطء إذا أذن، وقيل الإذن ليس له ذلك،
وعندنا له وطؤها إذا أذن المولى في ذلك.
إذا كانت له زوجة فزنت لا تبين منه، والزوجية باقية إجماعا إلا الحسن
البصري، وإن زنا بامرأة جاز له أن يتزوجها فيما بعد إجماعا إلا الحسن البصري،
وقال قتادة وأحمد: إن تابا جاز، وإلا لم يجز، وقد روى ذلك أصحابنا.
الزنى ينشر تحريم المصاهرة، مثل الوطء بالعقد على قول أكثر أصحابنا، وقد
روي أنه لا ينشر، ويحل له وطؤها بنكاح، ونكاح أمهاتها وبناتها، وبه قال قوم
من المخالفين، والوطء بشبهة ينشر تحريم المصاهرة تحرم عليه أمها وبنتها وإن
علت الأمهات، وإن نزلت البنات.
لا عدة على الزانية وجوبا، حائلا كانت أو حاملا ولكل أحد أن يتزوج بها
181

في العدة وبعدها، وحائلا كانت أو حاملا، إلا أنه لا يطأها إن كانت حاملا حتى
تضع، فإن وطئها وأتت بولد لأقل من ستة أشهر فقد انتفى عنه بلا خلاف ولا
لعان، وإن أتت به لستة أشهر فصاعدا فهو لا يعرف حقيقة أمره، فإن شك فيه
وغلب على ظنه أنه ليس منه كان له نفيه باللعان، وإن غلب على ظنه أنه منه قبله
واستلحقه، وكان ولده.
من يحرم نكاحها، فقد نص الله في كتابه على أربع عشرة امرأة: سبعة من
قبل النسب فقال: " حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم و
خالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت "، واثنتان من الرضاع فقال: " وأمهاتكم
اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة "، وأربع بالمصاهرة فقال: " وأمهات
نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نساءكم اللاتي دخلتم بهن، فإن لم
تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم، وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم ".
فهؤلاء ثلاث وذكر الرابع في آية قبلها فقال: " ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم
من النساء إلا ما قد سلف "، وواحدة حرمها تحريم جمع، فقال: " وأن تجمعوا
بين الأختين إلا ما قد سلف ".
وهذه الجملة على ضربين: تحريم أعيان وتحريم جمع، فأما تحريم الأعيان
فعلى ضربين: بنسب وسبب.
أما النسب فسبع: أعيان الأمهات، فالرجل تحرم عليه أمه وجداته من قبل
أبيه وأمه، وارثات كن أو غير وارثات، وقربن إليه أو بعدن.
والثانية: البنات، فتحرم عليه بنته لصلبه، وبنات وبنتها وبنات بناتها،
وكذلك بنات الابن وإن نزلن، وكل من يقع عليه اسم بنت حقيقة أو مجازا
لقوله " وبناتكم ".
الثالثة: الأخوات، فالأخت تحرم عليه سواء كانت لأب وأم أو لأب أو لأم
لقوله " وأخواتكم ".
182

الرابعة: العمات، فكل من يقع عليه اسم العمة وهي أخت أبيه، سواء كانت
أخته لأبيه أو لأمه أو لهما، وكذلك كل عمة وإن بعدت يعني أخوات الأجداد
وإن علون، وهكذا العمات من قبل الأم، فكل امرأة كانت أخت جده من قبل الأم
فتلك عمته، والكل يحرم عليه لقوله " وعماتكم ".
الخامسة: الخالات، فكل من كانت خالته حقيقة وهي أخت أمه أو مجازا
وهي أخت جدته أي جدة كانت من قبل أمها، فأختها خالته، وتكون الخالة من
قبل الأب وهي كل أخت لجدته من قبل أبيه وآبائه، فتلك خالته وتحرم عليه
لقوله " وخالاتكم ".
السادسة: بنات الأخ، فكل بنت لأخيه لأبيه أو لأمه أو لهما أو بناتهن وإن
سفلن وبنات بني أخيه فالكل يحرمن لقوله " وبنات الأخ ".
السابعة: بنات الأخت، فكل بنت لأخته لأبيه أو لأمه أو لهما، وبناتهن وإن
سفلن، أو بنات بني أخته، فالكل يحرمن لقوله " وبنات الأخت ".
وأما السبب فعلى ضربين: رضاع ومصاهرة.
فاثنتان من الرضاع، قال: " وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من
الرضاعة " وجملته أن الرجل إذا تزوج امرأة فأحبلها فالولد منهما وهما أبواه،
واللبن الذي نزل منها لأبويه أيضا فهو لبنها لأنه منها ولبن زوجها وهو لبن الفحل،
لأنه بفعله ثار ونزل، فإن أرضع المولود من هذا اللبن عندنا خمس عشرة رضعة
متوالية، لم يفصل بينهما برضاع امرأة أخرى - وفيه خلاف في مدة الحولين -
ثبت حرمته بينهما وانتشرت منه إليهما، ومنهما إليه.
فأما منه إليهما، فإن التحريم تعلق به وبنسله ولده الذكور والإناث دون من
هو في طبقته من أخواته أو إخوته أو أعلى منه من آبائه وأمهاته، فيحل لأخيه ولأبيه
أن يتزوج بهذه المرضعة، وهذا الفحل له أن يتزوج بأختها،.
فأما المنتشر منهما إليه فهو ابنهما من رضاع بمنزلة ابنهما من نسب،
فالمرضعة أمه وأمها جدته وأختها خالته، والزوج أبوه وأمه جدته وأخته عمته،
183

وإن كان للزوجين ابن فهو أخوه من أب وأم، وإن كان للزوج ابن من غيرها فهم
إخوة لأب، وإن كان لها من غيره فهم إخوة لأم لقوله عليه السلام: يحرم من
الرضاع ما يحرم من النسب، وفي رواية أخرى ما يحرم من الولادة.
فإذا ثبت هذا فإنما يحرم من الرضاع ما يحرم من الأعيان السبع التي مضت
حرفا بحرف.
وأما تحريم المصاهرة فأربع:
أمهات الزوجات، فكل من يقع عليها اسم أم حقيقة كانت أو مجازا وإن
علون، فالكل يحرمن لقوله تعالى: " وأمهات نسائكم ".
الثانية: الربيبة، فهي كل من كان من نسلها، وكذلك ولد الربيب ونسله،
فإنه يحرم بالعقد تحريم جمع، فإن دخل بها حرمت عليه كلهن تحريم تأبيد لقوله
تعالى: " وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم " إلى قوله: " فلا جناح
عليكم ".
الثالثة: حلائل الأبناء، فإذا تزوج امرأة حرمت على والده بنفس العقد
وحدها دون أمهاتها ونسلها لقوله تعالى: " وحلائل أبنائكم "، وأمها وأولادها
ليسوا حلائله.
الرابعة: زوجات الآباء، يحرمن دون أمهاتهن، ودون نسلهن من غيره لقوله
تعالى: " ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم "، وهكذا الحكم فيهن إذا كن من رضاع
حرفا بحرف.
هذا الكلام في تحريم الأعيان.
فأما تحريم الجمع فقد نص الله تعالى على واحدة وهو الجمع بين الأختين،
فلا يجمع بين المرأة وأختها، سواء كانت من أبيها وأمها أو من واحد منهما لقوله
تعالى: " وأن تجمعوا بين الأختين " ولا يجمع بين المرأة وعمتها ولا خالتها إلا
برضاها، وعندهم على كل حال، وسواء كانت عمتها وخالتها حقيقة أو مجازا
أعني العمات والخالات وإن علون.
184

فتحريم الجمع أربع: بين أختين، والمرأة وعمتها، والمرأة وخالتها، والمرأة
وبنتها قبل الدخول، فمتى طلق واحدة حل له نكاح الأخرى إلا أن يدخل بها
فتحرم الربيبة على التأبيد، فكل من حرمت عينا تحرم جمعا، وكل من حرمت
جمعا لا تحرم عينا، إلا الربيبة فإنها تحرم عينا تارة وجمعا أخرى، لأنه إذا عقد على
المرأة حرم عليه نكاح بنتها قبل الدخول من حيث الجمع، فإن طلقها حل له
نكاح الربيبة، فإن دخل بها حرمت الربيبة على التأبيد، وهكذا الحكم في
الرضاع حرفا بحرف.
الجمع بين الأختين في النكاح لا يجوز بلا خلاف لقوله تعالى: " وأن
تجمعوا بين الأختين " فإذا ثبت أن الجمع محرم فله أن ينكح كل واحدة منهما
على الانفراد، فإن جمع بينهما فالجمع جمعان: جمع مقارنة وجمع متابعة.
فالمتابعة أن يتزوج امرأة ثم يتزوج عليها أختها أو عمتها أو خالتها، فنكاح
الثانية باطل ونكاح الأولى صحيح.
وأما جمع المقارنة، فإن يعقد عليهما جميعا دفعة واحدة، فإذا فعل هذا كان
العقد باطلا.
فأما الكلام في ملك اليمين فله أن يملك من الإماء ما شاء بلا خلاف، وأما
الجمع بينهما في الوطء فإذا وطئ أمته صارت له فراشا ولا يحل له وطء أختها
حتى يزول الفراش عنها، إما بعتق أو كتابة أو هبة، فإذا لم يفعل لم يحل له وطء
أختها.
وكذلك الحكم في المرأة وعمتها، والمرأة وخالتها، والمرأة وبنتها، الكل
واحد، وأصله كل امرأتين لا يجوز الجمع بينهما في النكاح لم يجز الجمع بينهما
في الوطء بملك اليمين إجماعا إلا داود.
إذا وطئ أمته حرمت عليه أمها وجداتها، من نسب كن أو رضاع وإن علون،
وحرمت ابنتها وبناتها وإن سفلن تحريم تأبيد بلا خلاف، وأما الأخت فإنها تحرم
عليه تحريم جمع بلا خلاف، وكذلك لا يجمع بينهما وبين عمتها ولا خالتها
185

حقيقة كانت أو مجازا إلا برضاهما، وعندهم على كل حال.
والتحريم قائم ما لم يحرم الأولى على نفسه بإزالة ملكه أو تزويجها أو
كتابتها، فمتى حرمها حل له وطء الأخرى، وإن لم يحرمها على نفسه فوطء
الأخرى عليه حرام، وإن وطئها قبل أن يحرم الأولى عليه فلا حد عليه، لأنه
صادف ملكا، والحكم في النسب والرضاع في هذا سواء.
ولا تحرم الأولى بوطئ الثانية، بل هي على ما كانت عليه لكن يستحب له أن
يتوقف حتى يستبرئ الأخرى لئلا يجمع ماءه في رحم أختين.
وأما إذا جمع بينهما بنكاح وملك يمين، فجملته إذا تزوج امرأة لم يحل له
وطء أختها بملك يمين إن كانت ملكه قبل نكاح أختها، وكذلك إن اشتراها
بعد نكاح أختها لم يحل له وطؤها، وكان النكاح مانعا ومقدما عليها بلا
خلاف.
وأما إن تقدم الوطء بملك اليمين وصارت فراشا له، ثم تزوج أختها صح
نكاحها وحرم عليه وطء الأولى، وقال بعضهم: لا ينعقد النكاح لأن الأولى
فراشه، والأول أصح، وأما النكاح بعد النكاح، والوطء بعد الوطء، فلا مزية
وللأولى السبق فرجع به.
فإذا ثبت أن النكاح صحيح حرم عليه وطء الأولى ما دامت هذه على
النكاح، فإن طلقها حلت له لأنه تحريم جمع وقد زال، وإن عقد عليهما في حالة
واحدة انفسخا، وإن ملكهما في حالة واحدة صح ملكهما بلا خلاف، وفي بعضه
رواياتنا أنه إذا عقد عليهما جميعا اختار أيهما شاء.
يجوز للرجل أن يجمع بين المرأة وزوجة أبيها إذا لم تكن أمها بلا خلاف إلا
ابن أبي ليلى، فإنه قال: لا يجوز، ويجوز أيضا أن يجمع بين امرأة الرجل وبين
بنت امرأة له أخرى بلا خلاف.
يجوز للرجل أن يتزوج بأخت أخيه، بيانه: رجل له ابن، تزوج بامرأة لها
بنت فولد له منها ابن، فهذا الابن هو أخو الابن الكبير لأبيه وهو أخو البنت لأمها
186

فيجوز للكبير أن يتزوج بتلك الصبية وهي أخت أخيه.
وهكذا يجوز له أن يتزوج أخت أخيه من رضاع، بيانه: امرأة لها ابن كبير
وابن صغير ثم إن أجنبية لها بنت أرضعت هذا الصغير، فإن هذا الصغير أخو هذه
الصغيرة من رضاع، ولهذا الابن الكبيرة أن يتزوج بهذه الصغيرة وهي أخت أخيه
كما قلناه في النسب.
الوطء بالنكاح وبالملك وبالشبهة يحرم وينشر الحرمة بلا خلاف، وأما
الزنى ففيه خلاف بين أصحابنا، وفيه أيضا خلاف بين الفقهاء.
الوطء على ثلاثة أضرب: مباح، ومحظور بلا شبهة، ووطء شبهة، وهو
محظور غير أنه شبهة، فإذا نكح امرأة حرم عليه بالعقد أمها وجداتها تحريم تأبيد
وحرمت وحدها على آبائه وإن علوا، وعلى أبنائه وإن سفلوا، والربيبة
تحرم عليه تحريم جمع، فإن دخل بها حرمت الربيبة وحدها، وأولادها وإن سفلوا على
التأبيد.
وإذا ملك أمة لم يحرم عليه بملكها شئ، فإذا وطئها حرمت عليه أمها
وجداتها وإن علون، وحرمت هي وحدها على آبائه وإن علوا، وعلى أولاده وإن
سفلوا، وحرمت بنتها وبناتها وإن سفلن عليه وحده تحريم تأبيد.
ولا وطء مباح إلا في زوجة أو ملك يمين لقوله تعالى: " إلا على أزواجهم
أو ما ملكت أيمانهم ".
فإذا ثبت به تحريم المصاهرة ثبت به حرمة المحرم، وهو أن كل من صارت
محرمة عليه على التأبيد صار لها محرما يجوز أن يسافر بها ويخلو وينظر إلى ما
ينظر إليه ابنها وأبوها، لأنه سبب مباح، فأفاد التحريم والمحرم، وأما الوطء
المحظور فلا يتعلق به تحريم المصاهرة إلا على ما مضى من الخلاف.
وأما الوطء بشبهة فعلى ضربين: شبهة نكاح وشبهة ملكت، فشبهة النكاح
أن يطأها في نكاح فاسد كنكاح شغار عندنا والمتعة عند المخالف، ونكاح بلا
ولي عند بعضهم أو يجد على فراشه امرأة يعتقد أنها زوجته وتكون أجنبية،
187

ونكاح شبهة الملك أن يشتري أمة شراء فاسدا أو يجد على فراشه أمة يعتقدها
أمته فإذا هي أمة الغير، فالحكم في هذا الوطء كالحكم في الوطء بملك اليمين
فيما يتعلق به من تحريم المصاهرة حرفا بحرف، ولا يثبت به حرمة المحرم.
وأما الكلام في المباشرة من غير إيلاج في فرج كالقبلة واللمس بشهوة
والوطء فيما دون الفرج، فإن كان بغير شهوة لم يتعلق به تحريم مصاهرة بحال
بلا خلاف، وإن كان بشهوة فهو ثلاثة أضرب كما قسمت الجماع: مباح،
ومحظور صريح، ومحظور بشبهة.
فإن كان محظورا مثل أن قبل امرأة الغير أو أمة الغير بشهوة وغير شهوة فإنه
لا يتعلق به تحريم مصاهرة، ولا ثبوت حرمة.
وإن كان مباحا أو محظورا بشبهة المباح في زوجته أو ملك يمين، فهل
ينشر تحريم المصاهرة؟ قيل فيه قولان: أحدهما - وهو الصحيح - يحرم عليه أمها
وأمهاتها وبنتها وبنات بنتها، وهو قول أكثر أهل العلم، وقال قوم: لا يثبت به
تحريم المصاهرة، وأما النظر إلى فرجها فإنه يتعلق به تحريم المصاهرة عندنا وعند
كثير منهم، وقال قوم: لا يتعلق به التحريم.
إذا زنا بامرأة فاتت بولد يمكن أن يكون منه لستة أشهر فصاعدا لم يلحق
نسبه بلا خلاف بالأب، وعندنا لا يلحق بأمه لحوقا شرعيا، وعندهم يلحق بأمه،
ولا يحل للزاني أن ينكح هذا الولد إن كان بنتا، وقال قوم منهم: يجوز ذلك
على كراهية فيه.
وعلى قولنا بتحريم المصاهرة متى ملكها عتقت عليه لأنها بنته، فأما إذا زنا
بأمه فاتت ببنت فإنها تحرم عليه بلا خلاف، لأنها أخته من أمه عند من أجاز في
الأول.
المشركون على ثلاثة أضرب: أهل الكتاب، ومن لا كتاب له ولا شبهة
كتاب، ومن له شبهة كتاب.
فأهل الكتابين اليهود والنصارى من أهل التوراة والإنجيل فهؤلاء عند
188

المحصلين من أصحابنا لا يحل أكل ذبائحهم، ولا تزوج حرائرهم بل يقرون على
أديانهم إذا بذلوا الجزية، وفيه خلاف بين أصحابنا، وقال جميع الفقهاء: يجوز
أكل ذبائحهم ونكاح حرائرهم.
فأما السامرة والصابئون فقد قيل إن السامرة قوم من اليهود، والصابئون، قوم
من النصارى، لأنهم يعبدون الكواكب، فعلى هذا لا يحل جميع ذلك، بلا خلاف.
فأما غير هذين الكتابين من الكتب الأخر، لأن الله تعالى أنزل كتبا زبر
الأولين وصحف إبراهيم والزبور على داود، فإن كان من أهل هذه الكتب فلا
يحل نكاح حرائرهم ولا أكل ذبائحهم.
الضرب الثاني: الذين لا كتاب لهم ولا شبهة كتاب، فهم عبدة الأوثان فلا
يحل نكاحهم ولا أكل ذبائحهم، ولا يقرون على أديانهم ببذل الجزية، ولا
يعاملون بغير السيف أو الإسلام بلا خلاف.
الضرب الثالث: من له شبهة كتاب وهم المجوس، قال قوم: هم أهل
الكتاب كان لهم كتاب ثم نسخ ورفع من بين أظهرهم، وقال آخرون: ما كان
لهم كتاب أصلا، وغلب التحريم، فقيل على القولين بحقن دمائهم ببذل الجزية
وتحريم مناكحتهم وذبائحهم بلا خلاف، إلا أبا ثور فإنه قال: يحل مناكحتهم،
وقد أجاز أصحابنا كلهم التمتع بالكتابية، ووطئها بملك اليمين، ورووا رخصة
في التمتع بالمجوسية.
فمن أجاز نكاح الذمية، فالكلام في أحكام الزوجية، فمن ذلك أن لها على
زوجها حقا ولزوجها عليها حق، تستحق عليه المهر والنفقة والسكنى والقسم
وأحكام المولى، وتطالب عند انتهاء المدة بالفئة أو الطلاق كالمسلمة، وأما حقه
عليها فإن تسكن بحيث يسكنها، وتمكنه من الاستمتاع بها.
وأما الخدمة فلا يجب عليها لزوجها، وإذا مات أحد الزوجين فلا توارث
بينهما عندهم، وعندنا أنه يرثها وهي لا ترثه، وإذا قذف زوجته فلا حد عليه وإنما
189

يعزر، وإذا طهرت من حيضها أو نفاسها فليس له وطؤها حتى تغتسل، لأنه لا
يمكنه وطء الحائض والنفساء إذا انقطع دمها حتى تغتسل، وعندنا يجوز ذلك
قبل الغسل إذا غسلت فرجها، وهي وإن لم يصح منها النية لرفع الحدث
بالغسل وهي كافرة فذلك حق الله فيصح أن تغتسل ليستوفي الزوج حقه من
جواز الوطء، وإذا تعذر حق الله استوفي حق الزوج، وكذلك لو كانت مسلمة
مجنونة، فلزوجها إجبارها على ذلك وإن كان لا يصلح منها النية كالكافرة،
ونحن لا نحتاج إلى هذا لأنا قد بينا أنه ليس من شرط استباحة الوطء الغسل.
فأما الغسل من الجنابة فهل له إجبارها عليه أم لا؟ قيل فيه قولان: أحدهما
ليس له ذلك لأن الاستماع بها جائز قبل الغسل وبعده، والثاني له إجبارها لأن
النفس تعاف الاستمتاع بمن كانت جنبا، والأول أقوى.
وهاتان المسألتان أصل: كل ما منع الاستمتاع بها فعليها إزالة المانع قولا
واحدا، وكل ما يمنع كمال الاستمتاع فعلى قولين أقواهما أنه لا يجب عليها لأن
الأصل براءة الذمة.
وإذا طال شعر بدنها وأظفارها، فإن كان على صفة يمنع الاستمتاع فله
إجبارها على إزالته، وإن لم يمنع غير أنه يعاف، فعلى قولين لأن العشرة أشياء
التي هي الحنيفية خمس في الرأس، وخمس في الجسد مسنونة بلا خلاف، وله
منعها من البيعة والكنيسة والخروج من بيتها، فأما منعها من شرب المسكر من
الخمر فقدر ما يسكرها له منعها، والقدر الذي لا يسكر قيل فيه قولان.
وإن كانت مسلمة وأرادت شرب النبيذ على مذهب أبي حنيفة، فعندنا يجب
عليه منعها، ومن وافقنا في التحريم قال: إن كانت تعتقد تحريمه كان له منعها عن
قليله وكثيره، وإن كانا ممن يعتقدان تحليله كان له المنع من القدر الذي يسكر،
وعما لا يسكر على قولين، وهكذا إن كانت تعتقد إباحته وهو يعتقد تحريمها
سواء، وقال بعضهم: له منعها عن شرب قليله وكثيره بكل حال مثل ما قلناه لأن
الذي يسكر لا طريق له لاختلاف العادات فيه.
190

وأما منعها من أكل لحم الخنزير قيل فيه قولان أقربهما أنه ليس له ذلك.
وأي زوجة كانت، مسلمة كانت أو مشركة، إذا أرادت أن تأكل مثل الثوم
والبصل فهل له منعها أم لا؟ على قولين أقربهما أنه ليس له ذلك.
وأما اللباس فلها لبس ما شاءت إذا كان طاهرا نظيفا، سواء كان من
الديباج أو غيره، فإن لبس الحرير حلال لهن، وإن أرادت أن تلبس شيئا من جلد
ميتة كان له منعها، سواء كان مدبوغا أو غير مدبوغ، وعندهم إن كان مدبوغا لا
شعر عليه جاز لها وإن لم يكن مدبوغا لم يكن لها ذلك، وعلى مذهبنا له منعها
من النجاسات.
إذا ارتد أحد الزوجين فإن كان قبل الدخول بها وقع الفسخ في الحال،
وإن كان بعد الدخول وقف الفسخ على انقضاء العدة، فإن انقضت قبل أن
يرجع إلى الإسلام فقد انفسخ النكاح، وهكذا إذا كان وثنيين فأسلم أحدهما، أو
مجوسيين فأسلم أحدهما، إن كان قبل الدخول وقع الفسخ في الحال، وإن كان
بعده وقف على انقضاء العدة.
وإن كانا كتابيين نصرانيين أو يهوديين فأسلم أحدهما نظرت: فإن كانت
الزوجة أسلمت فالحكم كما لو كانا وثنيين أو مجوسيين فأسلم أحدهما، لأنا لا نقر
مسلمة تحت كافر، وإن أسلم هو فهما على النكاح، سواء كان قبل الدخول أو
بعده وروي في بعض أخبارنا أنها إذا أسلمت لم ينفسخ النكاح بحال، غير أنه لا
يمكنه من الخلوة بها إلا بعد الإسلام.
ومن كان تحته يهودية فانتقلت إلى دين سواه لم يخل من أحد أمرين: إما أن
ينتقل إلى دين يقر عليه أهله، أو لا يقرون عليه، فإن كان دينا لا يقر عليه أهله، مثل
عبدة الأوثان، فإنها لا تقر عليه، وما الذي يفعل بها؟ قيل فيه ثلاثة أقوال: أحدها
لا يقبل منها غير الإسلام فقط، والثاني أنه يقبل منها دين الإسلام أو الدين الذي
انتقلت منه، والثالث يقبل منها الإسلام أو الدين الذي انتقلت عنه، وكل دين يقر
عليه أهله، وهذا الأقوى.
191

فإذا تقرر هذا فإن انتقلت إلى دين يقر عليه أهله فذاك، وإن أبت إلا المقام
عليه أو الانتقال إلى دين لا يقر عليه أهله، فهي كالمرتدة، وما الذي يصنع بها؟
قيل فيه قولان: أحدهما ترد إلى ما منها لتصير حربا لنا، والثاني تكون مرتدة، فإن
تابت وإلا حبست عندنا أبدا، وعندهم تقتل.
وأما نكاحها فإنها لما انتقلت إلى الوثنية نظرت: فإن كان قبل الدخول وقع
الفسخ في الحال، وإن كان بعد وقف على انقضاء العدة، فإن انقضت العدة
قبل الانتقال عنه وقع الفسخ، وإن انتقلت عنه قبل انقضائها نظرت: فإن انتقلت
إلى الدين الذي كانت عليه - وقيل لا يقر عليه - أو انتقلت إلى غيره - وقلنا لا يقر
عليه - فالباب واحد، فكأنها أقامت على الوثنية يقف الفسخ على انقضاء العدة.
وإن انتقلت إلى دين يقر عليه نظرت: فإن كان ما انتقلت إليه مجوسية فإنا
نقرها عليها في حقها، لكن يقف الفسخ على انقضاء العدة فإن غير المجوسية
يهودية أو نصرانية أو إسلامية فهما على النكاح.
فأما إن انتقلت ابتداء إلى دين يقر عليه أهله مثل أن انتقلت إلى نصرانية أو
مجوسية، أو كانت مجوسية وانتقلت إلى يهودية أو نصرانية، فهل تقر على ما
انتقلت إليه؟ قيل فيه قولان: فإذا قيل: تقر عليه، فلا كلام، وإذا قيل: لا تقر عليه،
فما الذي يقبل منها؟ قيل فيه ثلاثة أقوال: أحدها لا يقبل غير الإسلام، والثاني
يقبل منها الإسلام أو الدين الذي كانت عليه لا غير، والثالث الإسلام أو ما كانت
عليه أو ما يقر عليه أهله.
فإذا ثبت هذا رجعنا إلى حكم نكاحها.
فمن قال: تقر على ما انتقلت إليه، فإن كانت مجوسية أقرت في حقها دون
النكاح، وإن كان قبل الدخول وقع الفسخ في الحال، وإن كان بعده وقف
على انقضاء العدة، وإن كان لهم كتاب يهودية أو نصرانية فإنها تقر على الزوجية.
ومن قال: لا تقر على ما انتقلت إليه، فهذه مرتدة، إن كان قبل الدخول وقع
الفسخ في حال وإن كان بعده وقف على انقضاء العدة، فإن لم يرجع حتى
192

انقضت عدتها فقد بانت، وإن رجعت إلى غيره قبل انقضاء عدتها.
فإن رجعت إلى ما لا تقر عليه مثل أن رجعت إلى الدين الذي كانت عليه
وقلنا لا يقبل منها أو إلى غيره مما لا تقر عليه، فالحكم فيه كما لو أقامت على ما
انتقلت إليه يقف عليه انقضاء العدة.
وإن رجعت إلى دين تقر عليه نظرت: فإن كانت مجوسية أقرت في حقها،
وفي حق النكاح يقف على انقضاء العدة، وإن كانت يهودية أو نصرانية بقيت
على نكاحها، لأنه يجوز له استئناف نكاحها عندهم، وعندنا يجوز استدامة
نكاحها.
الأمة على ضربين: مشركة ومسلمة، فالمشركة لا يجوز نكاحها للمسلم على
ما مضى، وإن كانت مسلمة نظرت:
فإن كان عبدا حل له نكاحها، والكلام عليه يأتي، وإن كان حرا لم يحل له
إلا بشرطين: عدم الطول، وخوف العنت إن لم ينكحها، فالطول السعة والفضل
لنكاح حرة، والعنت الزنى، فكأنه في التقدير يفتقر إلى ثلاثة شروط هذان والثالث
أن تكون مسلمة، وفيه خلاف، ووافقنا قوم منهم على ما قلناه.
فإذا تقرر هذا فعدم الطول وخاف العنت جاز ذلك، وإن وجد طولا لحرة
مسلمة لم يجز له نكاح الأمة أصلا، وفي أصحابنا من قال: ذلك مستحب لا
شرط، وإن لم يجد طولا لحرة مسلمة لكنه وجد طولا لحرة كتابية أو ما يشتري
به أمة فهل له نكاح الأمة أم لا؟ قيل فيه وجهان: أحدهما ليس له ذلك وهو
الأقوى، والآخر يجوز له ذلك.
فأما إذا كان تحته حرة صغيرة لا يستمتع بمثلها، وعدم الطول وخافت
العنت الأقوى أن يقال: له أن يتزوج بأمة، وقال قوم: فيه نظر.
عندنا للحر أن ينكح أمتين لا زيادة عليهما ولا ينكح أمة على حرة لعموم
الأخبار في النهي عن ذلك، ومن اعتبر الشروط التي قدمناها لم يجز أكثر من
193

واحدة.
للمملوك أن يعقد على أربع إماء، أو على حرة وأمتين، وقال بعضهم: له
نكاح أمة أو أمتين، ونكاح أمة على حرة، وحرة على أمة، وفيه خلاف.
إذا جمع في عقد واحد بين حرة وأمة مثل أن كان له بنت وأمة فزوجهما في
عقد واحد من رجل، أو كانت له أمة فوكل رجلا في تزويجها فزوج بنت نفسه
مع هذه الأمة من رجل بعقد واحد، أو كان له بنت فوكل وكيلا في تزويجها
فزوج الوكيل هذه البنت وأمة نفسه معا بعقد واحد، فنكاح الأمة باطل عندنا
وعند قوم من المخالفين، ولا يبطل عندنا نكاح الحرة.
وعند المخالف على قولين بناء على تفريق الصفقة، فمتى قال: يبطل فيهما.
فلا كلام، فإن دخل بهما فكل واحد منهما مهر مثلها، وإن لم يدخل بهما فلا
شئ لواحد منهما، وإن دخل بواحدة منهما دون الأخرى، لزمه مهر مثل من
دخل بها دون الأخرى، وإذا قال: لا يبطل نكاح الحرة، فهل يبطل مهرها أم لا؟
قيل فيه قولان بناء عليه إذا تزوج أربعا أو خالع أربعا بعقد واحد وعوض واحد،
فالنكاح والخلع صحيحان، والعوض على قولين: أحدهما يبطل، والآخر لا
يبطل هو الأقوى.
فإذا قيل: باطل، كان لها مهر مثلها، وإذا قيل: صحيح، فلها بحصة مهر
مثلها من المسمى، فإن كان مهر مثلها مائتين، ومهر مثل الأمة مائة، كان لها من
المسمى الثلثان، وعلى هذا أبدا.
وأما إذا قال: زوجتك هذه وزوجتك أمتي بألف، فإنهما لا يبطلان معا، بل
لكل واحد حكم نفسه.
إذا تزوج أمة بوجود الشرطين، عدم الطول وخوف العنت، فهي على
النكاح وإن زال الشرطان معا، وإن نكح عليها حرة من غير رضاها كانت الحرة
بالخيار بين الرضا وبين فسخ عقدها نفسها دون عقد الأمة، وفيه خلاف، وقد
روي أن لها فسخ عقد الأمة، وإن تزوج أمة وعنده حرة فنكاح الأمة باطل
194

إجماعا.
ولا يجوز للحر ولا للعبد المسلم أن يتزوج أمة كتابية لقوله تعالى: " ولا
تنكحوا المشركات "، وفيه خلاف.
كل جنس يحل نكاح حرائرهم يحل وطء إمائهم بملك اليمين، من ذلك
المسلمات يحل وطؤهن بملك اليمين بلا خلاف، وعندنا يحل له وطء الأمة
الكتابية بالملك وإن خالفناهم في وطء الحرة منهم بالعقد.
من أجاز له نكاح الكتابيات أجاز سواء كانوا أهل ذمة أو أهل حرب، لأن
الاعتبار بالكتاب دون الذمة، غير أنهم يكرهون نكاح من لا ذمة لها أشد من
كراهية الذمية.
فصل: في التعريض بنكاح المعتقدات:
المعتدات على ثلاثة أضرب: رجعية، وبائن لا يحل لزوجها نكاحها ولا
لغيره قبل انقضاء العدة، وبائن يحل لزوجها نكاحها في عدتها.
فالرجعية لا يحل لأحد أن يعرض لها بالخطبة ولا أن يصرح لها بذلك،
لأنها زوجة عندنا، وعندهم في معنى الزوجات.
والتي لا تحل لزوجها ولا لغيره قبل انقضاء العدة، فالمتوفى عنها زوجها،
فهذه يحل لكل أحد أن يعرض لقوله تعالى: " ولا جناح عليكم فيما عرضتم به
من خطبة النساء "، وأما التصريح لها بالخطبة فحرام لدليل الآية، والمعتدة
بالفسخ باللعان وبالرضاع كالمعتدة عن الوفاة فحكمها واحد.
وأما المعتدة عن الطلاق الثلاث، فالتعريض لها جائز، لما روت فاطمة بنت
قيس أنه طلقها زوجها أبو حفص وهو غائب بالشام، فقال لها النبي
صلى الله عليه وآله: إذا حللت فأذنيني، وفي رواية أبي هريرة قال لها: لا تفوتينا بنفسك، فهذا
تعريض من النبي صلى الله عليه وآله لها بذلك.
وأما التصريح لها فحرام أيضا.
195

الضرب الثالث: التي تحل لزوجها نكاحها في عدتها فهي المختلفة والتي
انفسخ نكاحها بعيب أو عنة أو إعسار بنفقة ونحو هذا، فلزوجها التعريض
والتصريح، وغير الزوج لا يحل له التصريح، وهل يحل له التعريض؟ قيل فيه
قولان، فخرج من هذه الجملة أن التعريض يحل لكل معتدة إلا الرجعية والبائن
التي يحل لزوجها نكاحها على أحد القولين، والتصريح محرم لكل معتدة إلا
الرجعية التي يحل لزوجها نكاحها، فإن لزوجها التصريح لها لا غير.
فأما جواب المرأة عما خوطبت به من ذلك، فهو في حكم خطابه، فإن كان
ما قاله حرام عليه حرم عليها الجواب بمثله، وكل موضع حل له أن يبتدئها
بالخطاب كان الجواب في حكمه.
فإذا ثبت هذا فالكلام في التصريح والتعريض: أما التصريح فهو أن
يخاطبها بما لا يحتمل غير النكاح، وهو أن يقول: إذا انقضت عدتك تزوجتك
أو نكحتك، وأما التعريض فما احتمل النكاح وغيره مثل أن يقول: رب راغب
فيك، رب متطلع إليك رب حريص عليك، فهذا محتمل، ومنه ما ورد في
حديث فاطمة: إذا حللت فأذنينا، ولا تفوتينا بنفسك، ولا تسبقينا بنفسك،
وهكذا يقول: لا تبقين بلا زوج، ولا تبقين أرملة وإن الله سابق إليك خيرا، قال
قوم: أنت جميلة، أنت مرغوب فيك، قال غيره: وربما انساق إليك خيرا.
المواعدة بالسر عند قوم تعريض مكروه، وهو أن يقول لها: إن عندي
جماعا يرضي من جومعه، فهذا تعريض وليس تصريحا لكنه فحش من القول لأن
الله قال: " إلا أن تقولوا قولا معروفا ".
فإذا تقرر هذا فكل موضع قلنا فعل محرما فمتى تزوجها فالنكاح صحيح
ولا يؤثر فيه ما كان قبل العقد، وقال قوم: متى صرح ثم عقد فسخت العقد،
والأول أصح.
إذا خطبت امرأة وكانت من أهل الإذن فأذنت لوليها أو صرحت بالإجابة،
أو لم تكن من أهل الإذن ولكن وليها أذن في تزويجها من رجل بعينه أو صرح
196

بالإجابة حرم على كل أحد أن يخطبها، لما روي عنه عليه السلام أنه قال: لا
يخطب أحدكم على خطبة أخيه.
إذا خطبت فردت ردا ظاهرا أو لم ترد ولم تجب، ولم يكن منها ما دل على
الرضا حل لكل أحد خطبتها لأنه لا مانع منه، وإذا خطبها رجل وركنت إليه أن
كانت من أهل الإذن، وهو إن لم يصرح برد ولا منع، لكنها قالت: وأي عيب
فيه؟ ما هو إلا رضا، أو قال هذا وليها ولم يكن لها إذن، فهل يحرم على غيره أن
يخطبها؟ قيل فيه قولان: أحدهما يحرم، والآخر لا يحرم، وهو الأقوى لخبر فاطمة
بنت قيس خطبها أبو جهم ومعاوية فأمرها النبي صلى الله عليه وآله أن تنكح
غيرهما وهو أسامة.
فكل موضع قلنا " مباح " صح النكاح بلا خلاف، وكل موضع قلنا
" حرام " محظور، فإن خالف ففعل فأفسد على غيره ونكح فالنكاح صحيح،
وقال داود: فاسد.
إذا أذنت المرأة لوليها في تزويجها من رجل لا بعينه، فقالت: زوجني ممن
شئت وبمن ترى، كان لكل أحد خطبتها، وإذا خطب رجل امرأة من وليها فوعده
بتزويجها فإن رضيت المرأة بذلك - إن كانت ثيبا بالنطق وإن كانت بكرا
بالصمت - حرم على كل أحد خطبتها.
وإن لم ترض المرأة، فإن كان الولي له الإجبار على النكاح كالأب والجد
مع الكبر البالغة - على أظهر الروايات - والسيد مع الأمة، فلا يجوز لأحد أن
يخطبها، لأن الاعتبار به دون رضاها، وإن كان وليا ليس له الإجبار كالأخ والعم
كان لكل أحد أن يخطبها، لأن الاعتبار برضاها، ولم يحصل رضاها، فإن خطبها
فرضيت بذلك وأجابته لم يحل لأحد خطبتها إلا باذنه، أو حتى يترك، فإذا
تركها حل لغيره خطبتها.
197

فصل: في تزويج المشركين:
إذا تزوج المشرك بأكثر من أربع نساء، خمسا أو عشرا فأسلم وهن عنده،
لزمه أن يختار منهن أربعا ويفارق البواقي أي أربع شاء منهن، سواء كان تزوج
بهن بعقد واحد أو واحدة بعد واحدة، هذا إذا أسلم وهن كتابيات فأقمن على
الشرك أو أسلمن معه أو كن وثنيات أو مجوسيات فأسلمن معه.
فأما إذا أقمن على الشرك فلا يجوز أن يختار منهن شيئا لأن المسلم لا ينكح
وثنية ولا مجوسية، وفيه خلاف.
إذا كان الزوجان كتابيين يهوديين أو نصرانيين أو يهوديا ونصرانية أو
نصرانيا ويهودية فأسلم أحدهما نظرت: فإن كان الزوج فهما على النكاح،
وهكذا لو كان الزوج وثنيا أو مجوسيا فأسلم وهي كتابية، فمتى أسلم الزوج
وهي كتابية فالحكم مثل ذلك سواء بلا خلاف، وإن كان الذي أسلم الزوجة
فسيأتي الكلام عليه.
وإن لم يكونا كتابيين مثل أن كانا مجوسيين أو وثنيين أو أحدهما مجوسيا
والآخر وثنيا فأيهما أسلم هاهنا نظرت: فإن كان قبل الدخول وقع الفسخ في
الحال، وإن كان بعد الدخول وقف على انقضاء العدة، فإن اجتمعا على الإسلام
قبل انقضائها فهما على النكاح، وإلا انفسخ النكاح.
وهكذا إذا كانا كتابيين فأسلمت الزوجة، لأن الكتابي لا يتمسك بعصمة
مسلمة أبدا، وسواء كانا في دار الحرب أو في دار الإسلام، وفيه خلاف، وقد بينا
فيما مضى أن من أصحابنا من قال: لا ينفسخ نكاحها بإسلامها بحال، ولكن لا
تمكن من الخلو بها.
اختلاف الدار بالزوجين لا يتعلق به فسخ النكاح، سواء كان فعلا، أو حكما، أو فعلا و
حكما، وفيه خلاف، فأما إذا اختلف بهما الدار واسترق أحدهما،
فلا خلاف أنه تقع الفرقة حين الاسترقاق.
إذا تزوج أما وبنتها حال الشرك بعقد واحد أو بعقدين، ثم أسلم، لم يخل
198

من أربعة أحوال: إما أن لم يدخل بواحدة منهما، أو دخل بهما، أو بالبنت دون
الأم، أو الأم دون البنت:
فإن لم يكن دخل بواحدة منهما قيل فيه قولان: أحدهما هو بالخيار في
إمساك أيتهما شاء، وفارق الأخرى، والثاني أنه يثبت نكاح البنت ويزول نكاح
الأم، ويقوى في نفسي الأول.
فمن قال: يمسك البنت دون الأم، قال: يثبت نكاحها وبطل نكاح الأم،
ومن قال بالتخيير على ما قلناه قال: إن اختار البنت ثبت نكاحها وحرمت الأم
على التأبيد، وإن اختار الأم ثبت نكاحها وحرمت البنت عليه تحريم جمع، فإن
طلق الأم جاز له نكاح البنت.
وأما إن كان قد دخل بكل واحدة منهما، حرمت البنت على التأبيد لأنها
بنت من دخل بها، والأم حرمت عليه مؤبدا أيضا، ولأي معنى ذلك؟
فإن قيل: العقد على البنت يحرم الأم، حرمت الأم للعقد، وللدخول، ومن
قال: العقد على البنت لا يحرم الأم، حرمت الأم للدخول لا غير.
وإن كان دخل بالبنت دون الأم حرمت الأم على التأبيد لمثل ما قلناه،
والبنت نكاحها بحاله.
وإن كان قد دخل بالأم لا غير حرمت البنت على التأبيد لأنها بنت من قد
دخل بها.
وأما نكاح الأم فمبني على القولين: فمن قال: العقد على البنت يحرم الأم،
حرمت الأم على التأبيد وهو الصحيح، ومن قال: العقد على البنت لا يحرم الأم،
فنكاح الأم بحاله.
إذا كان المشرك له أمتان أم وبنتها، فأسلم وأسلمن معه، فإن لم يكن وطئ
واحدة منهما كان له وطء من شاء منهما، فإذا فعل فقد حرمت عليه الأخرى على
التأبيد، وإن كان قد دخل بهما معا حرمتا عليه على التأبيد، وإن كان قد وطئ
إحديهما حرمت الأخرى على التأبيد، لأن الدخول بالمرأة يحرم أمها وبنتها على
199

التأبيد والموطوءة حلال له.
إذا نكح امرأة وخالتها، أو امرأة وعمتها، فكأنه تزوج أختين، فإذا أسلم
اختار أيتهما شاء وخلى سبيل الأخرى، دخل بها أو لم يدخل بها، إلا أن ترضى
العمة عندنا والخالة، فيجمع بينهما.
إذا أسلم الرجل وعنده زوجات فأسلمن معه فكل من كان له نكاحها لو لم
تكن زوجته كان له أن يختارها، وكل من لم يكن له نكاحها لو لم تكن زوجته،
لم يكن له اختيارها.
بيانه: إذا أسلم وعنده أربع زوجات إماء فأسلمن معه، فإن كان ممن يجوز
له نكاح أمة من عدم الطول وخوف العنت، كان له أن يختار واحدة منهن عند
بعض المخالفين، وعندنا يختار ثنتين، لأنه لو أراد استئناف نكاحها كان له
ذلك، وإن كان على صفة لا يجوز له نكاح الأمة من وجود الطول أو لا يخاف
العنت، فليس له أن يختار واحدة منهن.
وعندنا له أن يختار ثنتين منهن لأنه مستديم العقد لا مستأنف له، ويجوز في
الاستدامة ما لا يجوز في الابتداء، كما أنه ليس له العقد على كتابية وإن كان له
استدامة عقدها.
فإذا تقرر هذا فإن كان عنده أربع زوجات، حرة وثلاث إماء، فأسلم ففيه
ثلاث مسائل: إما أن يسلمن كلهن معه، أو أسلمت الحرة أولا وتأخر إسلام الإماء،
أو أسلمت الإماء وتأخر إسلام الحرة.
فإن أسلمن كلهن معه ثبت نكاح الحرة، وانفسخ نكاح الإماء عند
المخالف، وعندنا الخيار للحرة، فإن رضيت ثبت نكاح أمتين يختارهما، ويفسخ
الثالثة.
الثانية: أسلمت الحرة وتأخر إسلام الإماء ثبت نكاح الحرة وانقطعت عصمة
الإماء عنده، وعندنا أن الأمر موقوف على رضاء الحرة.
200

فرع:
هاهنا إذا أسلمت الحرة ثم ماتت فقد بانت بعد ثبوت نكاحها، وانقطع
عصمة الإماء، فإن أقمت على الشرك حتى انقضت عدتهن وقع الفسخ باختلاف
الدين وعددهن من حيث وقع انفسخ، وإن أسلمن وقع الفسخ من حين أسلمت
الحرة.
الثالثة: أسلمت الإماء أولا وتأخرت الحرة انتظرت ما يكون من الحرة، فإن
أسلمت الحرة ثبت نكاحها وبطل نكاح الإماء، وعندنا يقف على رضاها، وإن
أقامت الحرة على الشرك حتى انقضت عدتها بانت باختلاف الدين، وكانت
كأن لم تكن زوجته، وكأنه أسلم وعنده ثلاث إماء أسلمن معه.
فإن كان ممن يجوز له نكاح الإماء كان له أن يختار واحدة منهن عندهم،
وعندنا ثنتين، وإن كان ممن لا يجوز له ذلك، انفسخ نكاحهن.
فإن كانت بحالها فتأخرت الحرة وطلقها بائنا كان أمرها مراعى.
فإن أسلمت في العدة، ثبت نكاحها وإذا ثبت نكاحها انفسخ نكاح الإماء،
وأما الحرة فقد طلقت بعد ثبوت نكاحها بائنا، فإن أقامت على الشرك حتى
انقضت عدتها لم يقع الطلاق بها، وبان أن الفسخ وقع باختلاف الدين،
وحصل عنده ثلاث إماء، فإن كان ممن يجوز له نكاح أمة اختار واحدة أو ثنتين
عندنا، وإلا انفسخ نكاحهن.
فإن أسلم وتحته أربع زوجات إماء وهو موسر، فإن أسلمن فإن كان اليسار
بحاله انفسخ نكاحهن حين أسلمن عند من جعل ذلك شرطا، وإن كان مفقودا
كان له أن يختار عندنا ثنتين وعندهم واحدة.
إذا أسلم وتحته أربع زوجات إماء، فأسلمت واحدة منهن وتأخر البواقي،
وهو ممن يجوز له نكاح أمة، كان بالخيار بين أن يختار هذه، وبين أن يؤخر
وينتظر البواقي.
ثم لا يخلو من أربعة أحوال: إما أن يختار هذه، أو ينتظر البواقي، أو يطلق
201

هذه، أو يختار فسخ نكاحها.
فإن اختارها ثبت نكاحها، كما لو ابتدأ نكاح أمة، فإذا ثبت نكاحها انقطعت
عصمة البواقي عند من لم يجز أكثر من واحدة، وعندنا أن له الخيار في الأخرى،
وإن لم يسلمن حتى انقضت عدتهن، تبينا أن الفسخ وقع باختلاف الدين.
وإن لم يختر هذه وانتظر البواقي، فإن أقمن على الكفر حتى انقضت عدتهن
انفسخ نكاحهن وثبت نكاح هذه، وإن أسلمت البواقي كان له أن يختار من
الأربع من شاء.
فرع على هذه:
إذا كان عنده ثماني حرائر، فأسلم وأسلمن معه أربع منهن وتأخرت البواقي
فالحكم في اللواتي أسلمن كتلك الواحدة التي أسلمت من الإماء، والحكم في
اللواتي تأخرن كالحكم في الإماء اللواتي تأخرن.
فإن اختار الأربع اللواتي أسلمن ثبت نكاحهن وانقطعت عصمة البواقي، فإن
أقمن على الشرك حتى تنقضي عدتهن وقع الفسخ من حين اختلاف الدين،
وعددهن من حين وقع الفسخ، فإن أسلمن في العدة انفسخ نكاحهن من حين
اختيار الأربع وعددهن من حين وقع الفسخ.
وإن أسقط فإن أقمن على الشرك حتى انقضت عددهن انفسخ نكاحهن من
حين اختلاف الدين، وعددهن من يوم وقع الفسخ، ويثبت نكاح الأربع وإن
أسلمن كان له أن يختار منهن أربعا، فمن اختار منهن ثبت نكاحها وانفسخ نكاح
البواقي وعددهن من حين وقع الفسخ.
فإن طلق واحدة وقع الطلاق بها لأن في إيقاع الطلاق اختيارا لها،
وإمساكها زوجة بعد ثبوت الزوجية، وانقطعت عصمة البواقي، فإن أقمن على
الشرك حتى ينقضي عددهن وقع الفسخ بانقضاء العدة من يوم اختلاف الدين،
وعددهن من يوم يقع الفسخ، وإن أسلمن وقع الفسخ من حين طلاق الواحدة،
وعددهن من حين وقع الطلاق وزالت المطلقة بالطلاق.
202

وإن اختار فسخ نكاح هذه لم يكن له ذلك، لأن الفسخ في الفضل عما له
إمساكه، وليس هاهنا من يمسكه غيرها، فليس له الفسخ، وإن فسخ كان فسخه
كلا فسخ لأنه فسخ في غير وقت الفسخ، فهو كما لو اختار واحدة من البواقي
قبل إسلامها فإن الاختيار باطل، فإن خالف وفسخ فإن أقام البواقي على الكفر
حتى انقضت عددهن وقع الفسخ باختلاف الدينين، وثبت نكاح هذه التي
اختار فسخ نكاحها، وإن أسلمن أجمعهن في العدة كان له أن يختار غير التي
اختار فسخ نكاحها، فإذا فعل ثبت نكاح التي اختارها، وانفسخ نكاح البواقي،
وهذه من الجملة.
وإن اختار التي اختار فسخ نكاحها بعينها، قيل فيه وجهان: أحدهما أن
ذلك له، لأن وجود ذلك الفسخ كلا فسخ، والثاني ليس له ذلك، لأن
الاختيار في الفسخ إنما لا يكون فسخا إذا أقام البواقي على الكفر، ولم يبق هناك
من يفسخ عليها، فأما إذا أسلمت البواقي حصل هاهنا من يفسخ ويختار غيرها،
فبان أن الفسخ صح في حقها فلم يكن له أن يختارها، وهذا هو الأقوى.
ولو أسلم وعنده زوجات إماء فأسلم بعضهن وهو على صفة يجوز له نكاح
الإماء، وأسلم بعضهن وهو على صفة لا يجوز له نكاح الإماء، فكل من أسلمت
وهو على صفة له نكاح الإماء كان له الاختيار، وكل من أسلم وهو على صفة
ليس له نكاح أمة بطل نكاحها.
إذا كان له أربع زوجات إماء وحرة فأسلم وأسلم الإماء معه، وأعتقن
وتأخرت الحرة، لم يكن له أن يختار شيئا من الإماء لا قبل العتق ولا بعده، أما
قبله فلانه متمسك بحرة، وهي التي على الشرك، وليس له بعد العتق، لأن وقت
الاختيار حين اجتمع إسلامه وإسلامهن وكن حينئذ إماء.
فإذا ثبت أن ليس له الاختيار، إما أن لا يختار أو يخالف فيختار، فإن لم
يختر واحدة منهن، نظرت فيما يكون من الحرة: فإن أسلمت قبل انقضاء عدتها
ثبت نكاحها، وبطل نكاح الإماء، وإن أقامت على الشرك بانت باختلاف
203

الدين، وكان حكمه مع الإماء كأن لم يكن تحته حرة، ويختار عندنا ثنتين بلا
زيادة، وعند المخالف واحدة، وإن كان الاختيار وهن حرائر لأنه إنما يراعى وقت
ثبوت الاختيار لا وقت وجود الاختيار، وكن في وقت ثبوت الاختيار إماء فلا
يختار إلا اثنتين.
وإن خالف واختار من اللواتي أسلمن معه، نظرت في الحرة المتأخرة: فإن
أسلمت قبل انقضاء عدتها انفسخ نكاح البواقي، والتي قد اختارها أيضا إلا أن
ترضى الحرة لأنه لا يجوز له نكاح أمة وتحته حرة، وإن أقامت على الشرك حتى
انقضت عدتها وقع الفسخ بانقضاء العدة من حين اختلاف الدين.
وهل يصح نكاح الأمتين ثنتين؟ قيل فيه وجهان: أحدهما أنه يثبت
نكاحهما، ومنهم من قال: لا يثبت حتى يجدد اختيار آخر.
المسألة بحالها، تحته حرة وأربع زوجات إماء، فأسلم وأسلمن ثم أعتقن
بعده، كان بمنزلة من ابتدأ نكاحهن وهن خمس حرائر، لأن الاعتبار بحال
الاختيار، فيكون بالخيار بين ثلاثة أشياء:
بين أن يختار اللواتي أسلمن معه، فإن فعل ثبت نكاحها، وانقطعت عصمة
الخامسة، وإن أسلمت انفسخ نكاحها، وإن أقامت على الشرك حتى انقضت
عدتها انفسخ نكاحها باختلاف الدين.
وبين أن يختار ترك الاختيار لينظر حال المتأخرة، فإن أقامت على الشرك
حتى انقضت عدتها ثبت نكاح اللواتي أسلمن معه، وإن أسلمت تلك، اجتمع
إسلامه وإسلام خمس حرائر، يختار منهن أربعا، وينفسخ نكاح الخامسة.
وبين أن يختار منهن ثلاثا يؤخر واحدة من الأربع لينظر ما يكون من
الخامسة، والحكم على ما مضى.
ولا فصل بين أن يتقدم إسلامه ثم أعتقن ثم أسلمن، أو تقدم إسلامهن وأعتقن
ثم أسلم، الباب واحد، إنما يراعى اجتماع إسلامه وإسلامهن.
إذا تزوج العبد في حال الشرك ستا، أمتين وكتابيين ووثنيتين، فأسلم
204

وأسلمن معه، فقد اجتمع عنده ست مسلمات، وكن ثلاثة أصناف: أمتان وحرتان
كتابيتان ووثنيتان.
فإن لم يخترن فراقه أمسك أي اثنتين شاء، وأما الأمتان فليس لهما أن يختارا
فراقه، لأنه مملوك وهما مملوكتان، فلا مزية لهما عليه، فأما الحرائر فهل لهن أن
يخترن فراقه؟ فمذهبنا أن لهن الاختيار، وقال قوم: لا خيار لهن، والأول أصح.
فإن اخترن فراقه بقي عنده أمتان، فله إمساكهما، لأنه يجوز للعبد أن يتزوج
بأربع إماء، وعند المخالف بأمتين، ومن قال: لا خيار لهن، اختار العبد أي اثنتين
شاء حرتين أو أمتين، أو حرة وأمة أي صنف شاء.
إذا تزوج العبد أربع إماء في الشرك ففيه مسألتان: إحديهما أسلمن أولا ثم
أعتقن، وتأخر العبد في الشرك، الثانية أسلم العبد أولا وتأخرن فأعتقن في
الشرك.
فالأولى: إذا أسلمن فأعتقن وتأخر العبد، كان لهن خيار الفسخ، لأن الأمة
إذا أعتقت تحت العبد، كان لها الخيار، فإذا ثبت أن لهن اختيار الفسخ فإما أن
يخترن الفسخ أو يسكتن أو يخترن المقام.
فإن اخترن الفسخ انقطعت العصمة بينهن وبين الزوج، ويكملن عدة
الحرائر.
وإن سكتن لم يسقط خيارهن، وكان على التراخي، فإن أقام الزوج على
الشرك حتى انقضت العدة وقع الفسخ باختلاف الدين، وكان ابتداء العدة من
حين الفسخ، وهل تكمل عدة حرة؟ قيل فيه قولان: أقواهما لا يجب عليهن
ذلك، لأن الأصل براءة الذمة.
وإن اخترن المقام معه ثبت نكاحهن، فيكون عبد تحته أربع حرائر، فله أن
يختار اثنتين منهن، فإذا فعل ثبت نكاحهما، وانفسخ نكاح الباقيتين من حين
اختار وعليهن عدة الحرائر من حين وقع الفسخ، هذا إذا سكتن.
فإن اخترن المقام معه كان هذا الاختيار كلا اختيار، فإن أقام الزوج على
205

الشرك حتى انقضت العدة وقع الفسخ باختلاف الدين، وكان ابتداء العدة من
حين الفسخ، وهل تكمل عدة الحرة؟ على قولين.
المسألة الثانية: إذا تقدم إسلامه وتأخرن في الشرك وأعتقن، فحكم
اختيارهن في الفسخ والمقام معه ذكرناه في المسألة الأولى يصح منهن اختيار
الفسخ دون اختيار المقام، ولا يصح منهن اختيار فسخ ولا مقام، ولهن الخيار
حين يسلمن.
قال قوم: إن هذا صحيح، فإنهن متى اخترن فراقه أو المقام معه فلا حكم له،
وقال الباقون: إن الحكم فيها كالتي قبلها، وإنهن إن اخترن صح اختيار الفسخ
لأنهن أعتقن تحت عبد، فعلى هذا يكون فيها الأقسام الثلاثة التي ذكرناها، وهذا
أقوى.
إذا أسلم العبد وتحته أربع زوجات إماء فله الخيار أن يختار اثنتين عند
المخالف، وعندنا له أن يمسكهن، فإن أعتقن كان لهن خيار الفسخ لخبر بريرة،
والخيار على الفور دون التراخي، وفيهم من قال: على التراخي.
ومعنى الفور أنه متى أمكنها أن تختار فلا تفعل سقط خيارها، ومن قال: على
التراخي، فكم مقداره؟ قيل فيه ثلاثة أقوال: أحدها مدة الخيار ثلاثة أيام، والثاني
المدة قائمة حتى تمكن من الوطء أو تصرح بالرضاع، والثالث أن يكون منها ما
يدل على الرضا، والفور أقوى.
ومتى ادعت المرأة أنها لم تعلم بالعتق فإن كان مثل ذلك يخفى قبل منها،
مثل أن تكون في بلد وسيدها في بلد آخر أو في قرية وهي في غيرها أو محلتين
متباعدتين فيكون القول قولها مع يمينها، وإن كانت مع سيدها في دار واحدة أو
درب واحد فإن ذلك لا يخفى عليها، ولا يقبل قولها في ذلك.
وإن ادعت جهالة الحكم، فقالت: علمت العتق، لكني ما علمت أن للأمة
الخيار إذا أعتقت، قيل فيه قولان: أحدهما لا يقبل منها كخيار الرد بالعيب في
التزويج، الثاني يقبل منها لأن ذلك من علم الفقهاء، ويخفى على العامة، وهذا
206

أقوى، وكل موضع قلنا الجهالة مقبولة فالقول قولها مع يمينها، فإن لم يقبل
فالقول قول الزوج مع يمينه.
وأما إن أسلم وأسلمن معه، أو كان عبد تحته أمة فأعتقا معا، فلا خيار لها بلا
خلاف، وإن أعتقت تحت عبد - وقلنا خيارها على الفور - فلم تعلم بذلك حتى
أعتق العبد أو قال: على التراخي، فلم يختر حتى أعتق العبد فهل لها الخيار؟ على
قولين.
إذا تزوج العبد أربع حرائر في الشرك، فأسلم وأسلمن معه اثنتان وأعتق،
ثم أسلمت الأخريان بعد ذلك، أو أسلمن كلهن معه ثم أعتق كان له أن يختار
منهن اثنتين، ولا يزيد لأن الاعتبار بحال ثبوت الاختيار، والاختيار ثبت له، وهو
عبد فإذا أعتق لم يتغير قدر ما ثبت له بعتقه.
كما أنه لو أسلم الحر موسرا وعنده أربع زوجات إماء فلم يختر حتى أعسر
لم يكن له أن يختار واحدة منهن اعتبارا بحال ثبوت الاختيار، ولو كان معسرا
حين أسلمن معه فأيسر بعد ذلك كان له أن يختار واحدة منهن اعتبارا بحال
ثبوت الاختيار ولا ينظر إلى تغير الحال فيما بعد.
فإذا تقرر هذا قلنا له: اختر أي اثنتين شئت ممن أسلم معك أو تأخر عنك،
لأنه اجتمع إسلامه وإسلامهن في العدة، وقيل له: إن اخترت الآن أن تتزوج
باثنتين غيرهما لتصير تحتك أربع فافعل لأنك حر كامل ولك استئناف العقد
على أربع.
فرع هذه المسألة:
إذا كان تحت عبد أربع حرائر فأسلم وأعتق ثم أسلمن أو أسلمن أولا، ثم
أعتق ثم أسلم ثبت نكاح الأربع بغير اختياره، لأنه في وقت ثبوت الاختيار حر
وهن حرائر، فثبت نكاح الأربع، وإنما ينفسخ نكاح من زاد على العدد المجوز
استدامته وليس هاهنا زيادة.
إذا أسلم الحر وتحته أربع حرائر وأسلمن معه فقد ثبت نكاحهن بغير اختيار،
207

فإن قال من بعد: فسخت نكاحهن، لم يكن لذلك تأثير سواء نوى بذلك طلاقا
أو لم ينو لأن الطلاق عندنا لا يقع إلا بصريح اللفظ، وعندهم يسأل فإن قال:
أردت الطلاق، طلقن لأن الفسخ كناية عن الطلاق، وإن قال: ما أردت الطلاق
وإنما أردت به فسخ النكاح وحله، قلنا: ليس له حله وفسخه بغير عيب، فإن
اختلفا فقال: ما أردت الطلاق، وقلن: أردت الطلاق وقد طلقنا، فعلى مذهبنا هذا
لا يصح، وعلى مذهبهم القول قوله مع يمينه، فإن حلف ثبت نكاحهن، وإن نكل
ردت اليمين عليهن، فإن حلفن ثبت الطلاق وبن منه بالطلاق.
إذا أسلم الحر وتحته خمس حرائر فأسلمن واحدة بعد واحدة فكلما أسلمت
واحدة قال لها: قد اخترتك، ثبت نكاح الأربعة، والفسخ يقع على الخامسة.
حر تزوج ثماني حرائر في الشرك، ثم أسلم وأسلم معه أربع، فهو بالخيار
بين أن يختار إمساك أربع، وبين أن يصبر لما يكون من البواقي، لأن له غرضا
في انتظارهن لكونهن أحب إليه منهن، فإن اختار الأربع ثبت وانقطع عصمة
البواقي، فإن أسلمن وقع الفسخ من حين اختيار الأربع، وإن أسلمن حين انقضت
عدتهن وقع الفسخ باختلاف الدين، وإن توقف نظرت:
فإن أسلمن كان له اختيار أي أربع شاء، فإذا فعل انفسخ نكاح البواقي،
وإن لم يسلمن حتى ماتت الأربع اللاتي أسلمن ثم أسلم البواقي كان له أن يختار
أربعا أي أربع شاء، فإن أحب اختيار الموتى صح وانفسخ نكاح البواقي لأن
الاختيار لا يجدد عقدا، وإنما يتبين به من كان صحيح النكاح منهن.
إذا أسلم الرجل وتحته زوجات حرائر، فقال حين أسلم: كلما أسلمت واحدة
فقد اخترت فسخ نكاحها، فقد علق ذلك بإسلامها، فقال بعضهم: إن لم يكن له
نية بل أراد فسخ النكاح وحله لم يصح، لأنه تعليق فسخ بصفة والفسخ لا
يتعلق بالصفات، كما لو قال: إن دخلت الدار فقد فسخت نكاحك، ولم يرد
طلاقا، وهذا الأقوى الذي يقتضيه مذهبنا.
فأما إن نوى طلاقا كان طلاقا عندهم، فكلما أسلمت واحدة كان فيما ذكره
208

اختيار لنكاحها، وإيقاع الطلاق عليها، والطلاق يصح تعليقه بالصفة بصريح
اللفظ والكناية.
فعلى هذا إذا نوى الطلاق وأسلم أربع ثبت نكاحهن بهذا، وطلقن بعد ثبوته
وانفسخ نكاح البواقي، وعندنا أن ذلك لا يقع به طلاق، لأن الطلاق بشرط لا
يقع، وإذا لم يكن طلاقا فالخيار باق في من أسلم منهن وفي من لم يسلم، ومنهم
من قال: لا يصح تعليق الفسخ بالصفات، ولا تعليق طلاقهن بالصفة، أما تعليق
الفسخ بالصفة فلا يجوز لما مضى، وأما تعليق طلاقها بصفة فلا يجوز، لأن معناه
اختيار نكاحها وإثبات له، وإيقاع طلاق بعد ثبوته، وإثبات النكاح بالصفات لا
يصح.
وأما كيفية الاختيار فجملته أنه إذا أسلم وتحته أكثر من أربع بلفظ الاختيار أن
يقول لها: أمسكتك أو أمسكت عقد نكاحك، أو ثبتك أو ثبت عقد نكاحك،
أو اخترتك أو اخترت عقد نكاحك، وأي الثلاثة قال فهو اختيار منه، فإذا قال
هذا الواحدة بعد واحدة حتى انتهى إلى أربع ثبت نكاح الأربع، وزال نكاح
البواقي، وهكذا لو قال لأربع: أمسكتكن أو أمسكت عقد نكاحكن، أو ثبتكن أو
ثبت عقد نكاحكن، أو اخترتكن أو اخترت عقد نكاحكن، ثبت نكاحهن وزوال
نكاح البواقي.
وإن قال لأربع: فارقتكن، زال نكاحهن، وثبت نكاح الأربع البواقي، لأن
قوله: فارقتكن أو اخترت فراقكن، معناه لست أختاركن واخترت الأربع البواقي،
وإن قال لأربع: طلقتكن، ثبت نكاحهن، وطلقن بعد ثبوته، لأن تحت قوله
" طلقت " اختيارا منه لنكاحهن وإيقاع الطلاق بعد ثبوته، هذا إذا كن ثمانيا.
فإذا كن اثنتي عشرة امرأة فقال لأربع منهن: أمسكتكن اخترتكن ثبتكن،
ثبت نكاحهن وانفسخ نكاح البواقي، وإن قال لأربع: اخترت فراقكن، كان
فسخا لنكاحهن بغير طلاق، وتبقى ثمانية قد مضى الكلام عليهن، فإن طلق أربعا
ثبت نكاحهن وطلقن بعد ثبوته، وانفسخ البواقي، فهذا الاختيار بالقول.
209

فأما الاختيار بالفعل فإن وطئ واحدة منهن فهل يكون اختيارا أم لا؟ قيل
فيه وجهان: أحدهما يكون اختيارا كما لو باع أمته بشرط الخيار، فوطئها قبل
القبض كان وطؤه فسخا للبيع ورد إلى ملكه، والثاني لا يكون اختيارا لأن
الاختيار بمنزلة ابتداء عقد، والنكاح لا ينعقد إلا بالقول، فكذلك الاختيار.
والذي يقتضيه مذهبنا أن الوطء يكون اختيارا كما نقول في الرجعة، فعلى
هذا إذا وطئ أربعا ثبت نكاحهن وانفسخ نكاح البواقي، وعلى القول الآخر لا
يكون اختيارا، ويقال له: اختر الآن أربعا، فإن اختار من وطئها منهن ثبت نكاحها
ولا مهر لها، وإن اختار غير من وطئ فإن اختار أربعا ثبت نكاحهن، وعليه لكل
واحدة من اللواتي وطئها مهر مثلهن، لأنه وطء صادف غير ملكه بشبهة.
إذا أسلم وعنده ثماني نسوة أسلمن معه، كان اختيار أربع واجبا عليه،
ومفارقة البواقي، فإن فعل وإلا أجبره السلطان عليه، لأن المسلم لا يجوز له أن
ينكح أكثر من أربع، ولا أن يستديم أكثر من أربع، وللسلطان حبسه تعزيرا عليه
في ترك الواجب، فإن فعل وإلا أخرجه وعزره بالضرب، فإن فعل وإلا رده إلى
الحبس والضرب، حتى يختار لأنه حق لا يختار إلا من جهته.
وهكذا من وجب عليه دين حال وعرف له مال يستره ولم يكن له مال
سواه، فإن السلطان يجبره على قضاء الدين، فإن فعل وإلا حبسه تعزيرا، فإن فعل
وإلا أخرجه وعزره، ولا يزال يحبسه ويعزره حتى يظهر المال ويقضي الدين، مثل
الاختيار سواء، فإن جن في الحبس أطلقه لأن المجنون لا اختيار له، فإذا أفاق
أجبره على الاختيار، فإن فعل وإلا حبسه وعاد إلى ما كان عليه من تكرير الحبس
والتعزير، ولا يزال أبدا كذلك حتى يفعل.
وأما النفقة فعليه نفقة الكل حتى يعين الزوجات منهن لأنهن تحته عن عقد
نكاح وهن كلهن في حكم الزوجات، بدليل أن له يختار أربعا من أيهن شاء، فإن
لم يختر حتى مات وهن عنده فعليهن العدة فتعتد كل واحدة أقصى الأجلين من
أربعة أشهر وثلاثة أقراء لأن فيهن أربع زوجات مات عنهن وأربع عنده بنكاح
210

فاسد، فعدة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرا، وعدة المفسوخ نكاحها
الأقراء، فإن لم يعرف أي عدة عليها ألزمناه أقصى الأجلين ليقضى العدة بيقين.
فإذا ثبت هذا لم يخل من ثلاثة أقسام: إما أن يكن حوامل أو حوائل، من
ذوات الشهور أو من ذوات الأقراء، فإن كن حوامل فعدة كل واحدة عندنا أبعد
الأجلين من وضع الحمل أو أربعة أشهر وعشرا، وعند المخالف وضع الحمل
فقط، وإن كن من ذوات الشهور فعلى كل واحدة أقصى الأجلين، وهي أربعة
أشهر وعشرا بلا خلاف، وإن كن من ذوات الأقراء فعليهن أيضا أقصى الأجلين
من انقضاء الأقراء وعدة الوفاة، ولا يجب عليها عدتان بل عدة واحدة أبعد
الأجلين.
وهكذا القول في من له أربع زوجات فطلق واحدة منهن لا بعينها، ثم مات
قبل الاختيار، فإن على كل واحدة منهن أقصى الأجلين.
فأما الكلام في الميراث فإنا نوقف لهن ميراث أربع زوجات، الربع مع
عدم الولد والثمن مع وجوده، لأنا نعلم أن - قطعا - فيهن أربع زوجات، لكن لا
نعلم أعيانهن فيوقف حتى يصطلحن، فإن اصطلحن عليه أعطينا كل واحدة ثمن
الموقوف، لأن كل واحدة منهن يمكن أن تكون زوجة.
فإذا تراضين بالقسمة بالسوية قسمنا بينهن، وإن أبين القسمة وجاء بعضهن
فطلبت حقها نظرت: فإن جاءت واحدة أو أربع لم يعطهن شيئا لجواز أن يكون
الزوجات غيرهن، وإن جاء منهن خمس يطلبن حقهن أعطاهن ربع الموقوف
ميراث زوجة واحدة، لأنا نعلم أن في الخمس زوجة ولا نعرف عينها، فإن رضين
بذلك أعطاهن بشرط أن لا حق لهن فيما بقي، فإذا أخذن ذلك وقف الباقي
للبواقي، فإن جاء منهن ست أعطاهن نصف الموقوف لما مضى.
فإن كان فيهن مولى عليها، لم يكن لوليها أن يأخذ لها أقل من ثمن الموقوف
لأن لها ثمن ذلك، وهو نصف ميراث زوجته ولا يقبل لها دونه، لأن الولي إنما
يقبل ما فيه الحظ لها ولاحظ لها في ترك حقها.
211

وإن كن ثماني، أربع وارثات وأربع لا يرثن، مثل أن كن تحته أربع
كتابيات وأربع وثنيات، فأسلم وأسلمن معه الوثنيات، وأقمن الكتابيات على
الشرك، فإن الكتابيات لا يرثن المسلم، وهن على الزوجية.
وقال بعضهم: لا يوقف لهن شيئا لأن الإيقاف إذا علمنا قطعا أن فيهن أربع
وارثات ولا نعرف أعيانهن فأما هاهنا فلسنا نعرف أن فيهن أربع وارثات قطعا
لجواز أن تكون الزوجات من لا يرثنه وهن الكتابيات، فلهذا لم نقف لهن شيئا
وهذا قريب.
فأما إن ماتت واحدة منهن قبل الاختيار فالأمر إليه، فإن اختارها زوجة
ورثها، وإن لم يخترها لم يرثها لجواز أن لا تكون زوجة، فإن مات أربع منهن
كان مثل ذلك، فإن متن كلهن قبل الاختيار، كان الأمر أيضا مثل ذلك.
فإن اختار أربعا منهن ورثهن دون من لم يخترهن زوجة، فإن مات ومتن
بعده كان ميراثهن على ما مضى لوارثهن، وإن متن أولا ثم مات هو قبل الاختيار،
لم يكن لوارثه اختيارهن لأنه ليس لهم الاختيار، والأولى أن يستعمل القرعة، فأي
أربع منهن خرج اسمهن ورثناه منهن، وينتقل منه إلى ورثته.
إذا تزوج المشرك وثنية أو مجوسية ثم أسلم بعد الدخول بها وقف الفسخ
على انقضاء العدة، فإن تزوج عليها أختها أو عمتها أو خالتها أو أربعا سواها في
عدتها فالنكاح باطل إذا كان بغير رضاهما عندنا، ووقع على الأربع في حالة
واحدة، وهكذا لو تزوج أربع وثنيات ثم أسلم بعد الدخول بهن فتزوج خامسة
في عدتهن فالنكاح باطل.
وقال بعضهم: النكاح موقوف، فإن أسلمت قبل انقضاء العدة بان أن
النكاح وقع باطلا، وإن لم تسلم حتى انقضت العدة بان أن النكاح على أختها
وقع صحيحا، والأول أقوى.
وأما المرتابة ففيها ثلاث مسائل:
إحداها: ارتابت بنفسها في عدتها، فإن ظهرت أمارات الحمل واتصلت
212

الريبة بها، حتى انقضت الأقراء وهي على الريبة، فإن تزوجت على هذه الصفة
فالنكاح باطل.
الثانية: انقضت العدة ولا ريبة لها، فتزوجت ثم ظهرت الريبة، فالنكاح
صحيح ما لم يتحقق الحمل.
الثالثة: انقضت العدة ولا ريبة، ثم ارتابت فنكحت وهي مرتابة، فهل يصح
النكاح أم لا؟ قيل فيه وجهان: أحدهما يصح، والآخر لا يصح، والأول أصح.
إذا أسلمت الوثنية وأقام الزوج على الشرك فتزوج أختها في عدتها
فالنكاح هاهنا موقوف، فإذا أسلم بعد انقضاء العدة ثبت نكاح الثانية، لأنه أسلم
بعد أن انفسخ الأولى، فإن أسلم في عدة الأولى كان الخيار إليه في إمساك أيتهما
شاء كما لو عقد عليهما معا في الشرك.
ويفارق الأولى إذا تقدم إسلامه على إسلامها، لأنه مسلم فلا ينعقد نكاحه على
أخت زوجته، ولا على أخت من يجري إلى البينونة، وليس كذلك هذه، لأنها
أسلمت وزوجها على الشرك، فلم يبطل العقد على أختها فبان الفصل بينهما.
إذا تزوج المشرك حرة فأسلمت الزوجة بعد الدخول بها، كان لها عليه
النفقة حال عدتها، لأنه لا دليل على سقوطه، فإن أسلم قبل انقضاء العدة كانا على
النكاح ولها النفقة لما مضى من عدتها، فإن انقضت العدة قبل إسلامه بانت وعليه
نفقة العدة لما مضى، وانقطعت النفقة في المستقبل.
وأما إن تقدم إسلامه فلا نفقة لها، لأنها منعت نفسها بمعصيتها، فإن لم تسلم
حتى انقضت عدتها بانت باختلاف الدين، ولا نفقة لها، وإن أسلمت في عدتها فلها
النفقة من حين أسلمت لأنها زوجته، وهل عليه نفقتها لما مضى؟ على قولين أقواهما
أنه لا يلزمه، لأنه لا دليل عليه، فإن اختلفا فالقول قوله معه يمينه.
إذا ادعت أنها أسلمت قبل انقضاء العدة، وطالبت بالنفقة، وادعى أنها أسلمت
بعدها، فإذا أسلم أحدهما قبل صاحبه وأسلم الآخر بعد انقضاء العدة واختلفا في
عين السابق فقال الزوج لها: أنا سبقت فلا نفقة لك، وقالت: بل أنا سبقت ولي
213

النفقة، وقيل فيه وجهان:
أحدهما: القول قولها لأن الأصل بقاء النفقة، فلا يسقط إلا بدليل.
والثاني: القول قول الزوج لأن النفقة إنما تجب يوما بيوم، كل يوم تجب
عند صلاة الغداة، فإن اختلفا كان اختلافا في ثبوت الوجوب، فالزوج يقول: ما
وجبت، وهي تقول: قد وجبت، والأصل أن لا وجوب حتى يقوم دليل، فلهذا
كان القول قوله وهذا أقوى.
المسائل التي مضت، مفروضة إذا كان بعد الدخول، فأما إذا كان قبل
الدخول ففيه ثلاث مسائل:
إحداها: أسلم الزوج أولا قبل الدخول نظرت: فإن كان تحته كتابية فهما
على النكاح، وإن كان وثنية أو مجوسية وقع الفسخ في الحال، فأما الصداق،
فإن كان لها مسمى صحيحا فلها نصفه، وإن كان فاسدا فلها نصف مهر مثلها، وإن
كانت مفوضة وهو إن لم يسم لها مهرا صحيحا ولا فاسدا فلها المتعة.
الثانية: أسلمت الزوجة أولا فالفسخ يقع في الحال، كتابية كانت أو غير
كتابية، كتابيا كان الزوج أو غير كتابي، لأن الكافر لا يتزوج مسلمة وأما المهر
فقد سقط بكل حال، لأن الفسخ جاء من قبلها قبل الدخول.
الثالثة: أسلما معا ولم يسبق أحدهما صاحبه، فالنكاح بحاله لأن الدين ما
اختلف.
إذا كان تحته مجوسية أو وثنية، ففيه ثلاث مسائل:
إحداها: اتفقا على أن أحدهما أسلم قبل صاحبه قبل الدخول، ولم يعلما عين
السابق، فالنكاح قد انفسخ لأنه اختلاف دين قبل الدخول.
فأما المهر فإن كان مقبوضا رد نصفه لأن نصفه للزوج قطعا، وإن لم يكن
مقبوضا وكان في ذمة الزوج فلا حق لها فيه، لأنها لا تدعيه، لأنها تقول: لست
أعلم أنك أسلمت أولا فلي نصف المهر، أو أسلمت أولا فلا شئ لي، ومن قال: لا
أعلم هل لي الحق أم لا، فإنه لا يدعيه فلا حق لها فيه.
214

وإذا كانت قبضته فإن كانت أسلمت قبله فلا حق لها فيه، وإن كان أسلم
قبلها فلها نصفه، والنصف له حقيقة، فوجب رده، والنصف الآخر لا شئ له فيه،
لأنه لا يدعيه، فإنه يقول: لست أدري هل أسلمت قبلي فلا شئ لها أو أسلمت قبلها
فلها نصف المهر، فنصف المهر هاهنا ككله إذا لم يكن مقبوضا، فلهذا لم يرد كله
عليه.
الثانية: اختلفا فقالت: أسلم الزوج أولا فلي النصف من المهر، وقال: بل
أسلمت أولا فلا شئ لها، فالقول قولها، ولها نصف المهر، لأن ما يقول كل واحد
منهما ممكن، والأصل بقاء المهر حتى يعلم سقوطه.
الثالثة: اختلفا فقالت: أسلم أحدنا قبل صاحبه فانفسخ النكاح، وقال: بل
أسلمنا معا فالنكاح بحاله، قيل فيه قولان: أحدهما القول قول الزوج، والثاني
القول قولها، والثاني أقوى لأن الأصل بقاء الزوجية، انفساخها يحتاج إلى دليل.
إذا نكحها في الشرك نكاح المتعة وأسلمنا قبل انقضاء المدة أقرا عليه
عندنا، وعند جميع المخالفين لا يقرءان عليه، وإن أسلما بعد انقضاء المدة فقد
مضى وقت المتعة.
وإن تعاقدا النكاح بشرط الخيار مثل أن قالا: على أن لنا الخيار أبدا، أو
لأحدهما فهو باطل بالإجماع، وإن كان بخيار الشرط نظرت: فإن أسلما في المدة
بطل لأنهما أسلما في حال لا يعتقدان لزومه، وإن أسلما بعد انقضائها أقرا عليه
لأنهما أسلما حال اعتقاد لزومه.
وإن نكحها في حال العدة ثم أسلما، فإن أسلما بعد انقضائها أقرا عليه لأنهما
يعتقدان لزومه، وإن كان إسلامهما قبل انقضائها بطل، لأنها على صفة لا يجوز أن
يبتدئ نكاحها بعد إسلامه.
فإن اغتصب حربي حربية على نفسها أو طاوعته وأقاما معا على هذا بلا عقد
لم يقرأ عليه إذا أسلما على هذه الصفة، لأنهما لا يعتقدانه نكاحا، فإن أسلم الزوج
وتحته زوجته ثم ارتد الزوج بعد إسلامه قبل انقضاء عدتها، فإن أقامت على
215

الشرك حتى انقضت عدتها من حين أسلم انفسخ النكاح، وإن أسلمت وهو مرتد
زال باختلاف الدين بإسلامه.
فإن أقام على الردة حتى انقضت عدتها بانت من حين ردته وإن رجع تبينا
أنه لم تزل زوجيته ولا نفقة لها قبل إسلامها، وإذا أسلمت وهو مرتد وجبت نفقتها
عليه لأن التفريط منه.
وإن كان عنده ثماني نسوة فأسلم وأسلمن معه فارتد، وقف الفسخ على
انقضاء العدة، فإن أراد أن يختار منهن أربعا لم يكن له، لأن الاختيار بمنزلة ابتداء
نكاح، وليس للمرتد أن يبتدئ النكاح على المسلمة، فإن أقام على الردة حتى
انقضت العدة، انفسخ نكاحهن من حين ردته، وإن رجع إلى الإسلام قيل له:
اختر الآن أربعا منهن.
إذا أسلم وعنده ثماني نسوة فطلق واحدة منهن أو ظاهر منها أو آلى منهما أو
قذفها لم يخل من أحد أمرين: إما أن قال هذا وقد أسلمن معه أو لم يسلمن معه.
فإن قال هذا وقد أسلمن معه فالتي طلقها وقع بها الطلاق، وكانت الطلقة
اختيارا منه لها وإيقاع الطلاق بعد الاختيار.
وأما الظهار والإيلاء فلا يكون فيه الاختيار، لأنه لا يختص بالزوجات بأن
يقول هذا لزوجته، ويقول لأجنبية منه، ألا ترى أنه لو حلف لا وطئ أجنبية فتزوج
بها فوطئها كان عليه الكفارة.
فإذا ثبت هذا فإن اختارها ثبت ظهارها والإيلاء منها، ويكون ابتداء المدة
من حين الاختيار، وإن اختار غيرها لم يتعلق بها حكم إيلاء ولا ظهار، ويقتضي
مذهبنا أن ذلك يكون اختيارا لأن الظهار والإيلاء لا يصحان عندنا إلا في
الزوجات.
وأما القذف فقد قذف مسلمة، فإن اختارها فهي زوجته، وقد قذفها فعليه
الحد إلا أن يسقطه عن نفسه بالبينة أو اللعان، وإن اختار غيرها فقد قذف أجنبية
فعليه الحد إلا أن يقيم البينة، هذا إذا قال هذا وقد أسلمن معه.
216

فأما إن قال هذا قبل إسلامهن لم يتعلق به حكم لكن ينظر فيه: فإن لم
يسلمن حتى انقضت عدتهن فلا طلاق ولا ظهار ولا إيلاء، وأما القذف فقد قذف
مشركة فعليه التعزير إلا أن يقيم البينة.
وأما إن أسلمن بعده قيل له: اختر أربعا، فإذا اختار، فإن كانت هذه ممن
يختار فالحكم فيه كما لو لم تسلم حتى انقضت عدتها، وإن اختارها ثبت الطلاق
وكان اختيارا، وكذلك الظهار والإيلاء لأنا تبينا أنه فعل هذا مع زوجته، وأما
القذف فعليه التعزير لأنه قذف مشركة ثم أسلمت وهي زوجته، فإما أن يقيم البينة
أو يلاعن.
إذا ارتد أحد الزوجين قبل الدخول وقع الفسخ في الحال بلا خلاف،
وينظر: فإن كان الذي ارتد الزوج فعليه نصف المسمى إن كان صحيحا،
ونصف مهر المثل إن كان فاسدا، والمتعة إن لم يسم لها مهرا صحيحا ولا فاسدا،
وإن كان الذي ارتد هو الزوجة فلا مهر لها بحال لأن الفسخ كان من قبلها قبل
الدخول، وأما إن كان الارتداد بعد الدخول وقف الفسخ على انقضاء العدة، فإن
رجع إلى الإسلام في العدة فهما على النكاح، وإن لم يرجع حتى انقضت العدة
وقع الفسخ بالارتداد.
وفيهم من قال: يقع الفسخ في الحال ولا يقف على انقضاء العدة، وهذا
مذهبنا في من ولد على فطرة الإسلام، فإنه يجب عليه القتل ولا يستتاب.
وإن ارتدا معا كان الحكم أيضا مثل ذلك في أنهما إن كانا عن فطرة
الإسلام ارتدا وجب قتلها، وإن كان عن إسلام قبل شرك فإنهما يستتابان
وحكمهما ما قدمناه، ومن أوقع الفسخ في الحال قال: القياس يقتضي إيقاع
البينونة في الحال لكن لا نوقعه استحسانا.
إذا ارتدا أو أحدهما فليس له وطؤها في الردة، فإن خالف وفعل فإن أقام
على الردة حتى انقضت العدة فعليه المهر، لأنا تبينا أنه وطئ أجنبية منه وطء شبهة،
وإن رجع إلى الإسلام في العدة فهما على النكاح ولا مهر عليه.
217

أنكحة المشركين صحيحة، فإن تزوج مشرك بمشركة ثم طلقها ثم طلقها ثلاثا لم
تحل له إلا بعد زوج، فإن تزوجت بمشرك ودخل بها أباحها للأول، وهكذا لو
تزوج مسلم كتابية ثم طلقها ثلاثا فتزوجت في الشرك ودخل بها أباحها لزوجها
المسلم وفيه خلاف.
قد بينا أن نكاح أهل الشرك صحيح، فإذا أسلموا أقروا على ما يجوز في
شرع الإسلام، وأما مهورهم فإن كانت صحيحة ثبتت، قبضت أو لم تقبض، وإن
كانت فاسدة، وتقابضوا أقروا عليه، وإن كان المقبوض بعضه سقط بقدره من مهر
المثل.
إذا تزوج كتابي بمن لا كتاب لها كالمجوسية أو الوثنية، ثم ترافعا إلينا، فإن
كان بعد إسلامهم أقروا عليه، لأن النبي صلى الله عليه وآله لم يستفصل غيلان
حين أسلم وتحته عشر فقال له: أمسك أربعا وفارق سائرهن، وإن ترافعوا إلينا
قبل الإسلام أقررناهم عليه، وقال شاذ منهم: لا يقرون عليه.
كل فرقة كان موجبها اختلاف الدين كان فسخا لا طلاقا، وفيه خلاف.
كل من خالف الإسلام لا يحل مناكحته ولا أكل ذبيحته على الصحيح من
المذهب، وفي أصحابنا من أجازهما، وهو مذهب جميع المخالفين إذا كان ممن
يقر على دينه ببذل الجزية.
وأما الوثني فلا يحل مناكحته ولا أكل ذبيحته، ولا يقر ببذل الجزية بلا
خلاف، والمجوسي كالوثني في جميع الأحكام إلا في باب الإقرار على دينه ببذل
الجزية، فإنهم يقرون عليه.
ومن تولد بين كتابي وغير كتابي نظرت: فإن كانت الأم كتابية والأب غير
كتابي لم تحل ذبيحته عندنا وعند بعضهم، وقال بعضهم: يحل، وكذلك حكم
النكاح سواء.
إذا ترافع مشركان إلى حاكم المسلمين لم يخل من ثلاثة أحوال: إما أن
يكونا ذميين، أو مستأمنين، أو ذميا ومستأمنا، فالذمي من له ذمة مؤبدة والمستأمن
218

من دخل إلينا بأمان، وتسمى الذمي أهل العهد.
فإن ترافع إليه ذميان لم يخل من أحد أمرين: إما أن يكونا من أهل ملة أو
ملتين.
فإن كانا من أهل ملة واحدة يهوديين أو نصرانيين أو مجوسيين، فهل عليه
أن يحكم بينهما؟ قيل فيه قولان: أحدهما يجب عليه، والثاني بالخيار بين أن
يحكم بينهم أو يعرض عنهم، وعندنا أنه مخير بين أن يحكم أو يردهم إلى أهل
ملتهم.
فمن قال: يجب أن يحكم بينهم إذا استعدى واحد منهم على صاحبه، فعلى
الحاكم أن يعدي عليه، وعلى الخصم أن يجيب الحاكم، ويحضر الحكم بينه
وبين خصمه، ومن قال: لا يجب عليه، قال: لا يجب عليه أن يعدي له على
خصمه، ولا يجب على الخصم أن يحضر إن بعث إليه الحاكم، بل له أن يمتنع
ولا يحضر.
وإن كانا من أهل ملتين، قيل فيه قولان: منهم من قال: يجب، وعندنا أنها
مثل الأولى سواء، ومنهم من قال: إن كان من حقوق الله يلزمه على كل حال،
ومنهم من قال: إن كان من حقوق الناس وجب، وإن كان من حقوق الله لا
يجب.
فأما إن كانا مستأمنين، فإنه لا يجب عليه أن يحكم بينهما بلا خلاف، لعموم
الآية والأخبار.
فأما الكلام فيما يحكم به بينهم وكيفيته، فجملته أنهما إذا ترافعا إليه في حكم
من جميع الحقوق حكم بينهم بما يصح في شرعنا، فإذا ترافع إليه رجل وامرأته
لم يخل من أحد أمرين: إما أن تكون في ابتداء النكاح، أو في استدامته، فإن كان
في ابتدائه وهو أن يستأنفا نكاحا فإنه يعقده لهم على ما يعقده للمسلمين، وعند
بعضهم بولي رشيد في دينه، وشاهدي عدل ورضا الزوجة، والولي المناسب لها
أولى بإنكاحها من كل أحد، ويعتبر العصبات كما يعتبره في المسلمين على
219

السواء، فأما الشهود فلا يجوز إلا من المسلمين، وعند قوم يجوز بكافرين، وعندنا
أن الشهادة ليست من شرط انعقاد النكاح، مثل ما قلناه في المسلمين سواء، وأما
المنكوحة فمن يجبر، ولا يجبر على ما مضى في المسلمين.
وأما الكلام في استدامته، فإذا ترافعا إلينا فإنما ينظر إلى الحال: فإن كانت
مما يجوز أن يبتدئ النكاح عليها حكم بصحته بينهما بعد أن يكون الواقع في
الشرك يعتقدونه صحيحا لازما.
والأصل فيه، كل نكاح لو أسلما عليه أقرا عليه، فإذا ترافعا وهما مشركان
معا حكم بصحته بينهما.
وأما المهر فينظر: فإن كان صحيحا حكم بصحته مقبوضا كان أو غير
مقبوض، وإن كان فاسدا فإن كان مقبوضا لزم واستقر، وإن لم يكن مقبوضا
سقط، وقضى بمهر المثل، وإن كان بعضه مقبوضا نظرت إلى قدره، فأسقطه من
مهر المثل، فإن كان المقبوض نصف المهر سقط نصف مهر المثل، وقضي
بنصف مهر المثل.
فإذا تقرر هذا نظرت في المهر: فإن كان في التقرير عشر أزقاق خمر، وقد
قبضت خمسا فكيف الاعتبار؟ قال قوم: أعتبره بالعدد ولا أعتبره كيلا، وسواء
كانت الأزقاق كبارا أو صغارا وكبارا، لأن الخمر لا قيمة له، ومنهم من
قال: أعتبره بالكيل.
وإن كان الصداق كلابا أو خنازير وكان عشرة، وقد قبضت البعض ففي
كيفية الاعتبار قيل فيه ثلاثة أوجه: أحدهما بالعدد، والثاني بالصغير والكبر،
فيجعل كل كبير بصغيرين وقال قوم: يعتبر بالقيمة، والذي يقتضيه مذهبنا أن
ذلك أجمع يعتبر بالقيمة عند مستحليه.
ولو كان للكافر ابن صغير كان له تزويجه مثل المسلم.
220

فصل: في ذكر ما يستباح من الوطء وكيفيته:
مباشرة الحائض على ثلاثة أضرب: محرم بلا خلاف، ومباح بلا خلاف،
ومختلف فيه.
فالمحظور بلا خلاف وطؤها في الفرج لقوله تعالى: " ولا تقربوهن حتى
يطهرن "، فإن خالف وفعل فقد عصى الله، وعليه كفارة، في أول الحيض بدينار،
وفي وسطه بنصف دينار، وفي آخره بربع دينار، وهل هو على جهة الوجوب أو
الاستحباب؟ فيه خلاف بين أصحابنا أقواها أنه مستحب.
وكل ما تكرر منه وطء، فهل يجب عليه كفارة أخرى أم لا؟ فيه خلاف
أيضا بين أصحابنا، منهم من قال: يتكرر بتكراره، ومنهم من قال: لا يتكرر، وهو
الأقوى، فأما إذا وطئ ثم كفر ثم عاد فوطئ فعليه كفارة أخرى، وفي تعلق
الكفارة بهذا الوطء خلاف بين المخالفين.
وأما المباح فما عدا ما بين السرة والركبة في أي موضع شاء من بدنها،
والمختلف فيه ما بين السرة والركبة غير الفرج، منهم من قال: هو محرم، ومنهم
من قال: مباح، وهو الظاهر من مذهبنا.
فإذا انقطع دمها فالمستحب أن لا يطأها حتى تغتسل، وإن أراد ذلك أمرها
بغسل الفرج أولا ثم يطأها إن شاء، وفيهم من قال: لا يجوز إلا بعد الغسل أو
التيمم، وفيهم من قال: يجوز، ولم يعتبر غسل الفرج، وفرق بين أقل الحيض
وبين أكثره.
والاستمناء باليد محرم إجماعا لقوله: " إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم
فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون " وهذا من وراء
ذلك، وروي عنه عليه السلام: أنه قال: ملعون سبعة، فذكر فيها الناكح كفه.
إذا كان له إماء فطاف عليهن بغسل واحد جاز، والزوجات كذلك في
الجواز وإنما فرض في الإماء لأن الزوجات لهن القسم إلا أن يحللنه فيجوز، وروي
عن النبي صلى الله عليه وآله أنه طاف على نسائه ليلة فاغتسل غسلا واحدا وكن
221

تسعا، والمستحب أن يغسل فرجه ويتوضأ وضوء الصلاة بلا خلاف.
يكره إتيان النساء في أحشاشهن يعني أدبارهن وليس بمحظور، وقال جميع
المخالفين: هو محظور، إلا ما روي عن مالك وعن الشافعي في القديم من
جوازه، والوطء في الدبر يتعلق به أحكام الوطء في الفرج، من ذلك إفساد
الصوم، ووجوب الكفارة ووجوب الغسل، وطاوعته كان حراما محضا كما
لو أتى غلاما، وإن أكرهها فعليه المهر، ويستقر به المسمى، ويجب به العدة،
ويخالف الوطء في الفرج في فصلين: في الإحصان فإنه لا يثبت، ولا يقع به
الإباحة للزوج الأول بلا خلاف في هذين لقوله عليه السلام: حتى تذوقي عسيلته
ويذوق عسيلتك، وهي لا تذوق العسيلة في دبرها، وروي في بعض أخبارنا أن
نقض الصوم ووجوب الكفارة والغسل لا يتعلق بمجرد الوطء إلا أن ينزل، فإن
لم ينزل فلا يتعلق عليه ذلك.
فصل: في نكاح الشغار:
نكاح الشغار باطل عندنا، والشغار أن يقول لرجل: زوجتك بنتي على أن
تزوجني بنتك على أن يكون بضع كل واحدة منهما مهر الأخرى، فحقيقته أنه
ملك الرجل بضع بنته بالنكاح، ثم ملكه أيضا من بنته مهرا لها، فجعل بضع
البنت ملكا للرجل بالزوجية وملكا لا بنته مهرا، وفي نكاح الشغار ثلاث مسائل:
إحداها: مسألة الخلاف، وهي التي تقدمت.
الثانية: ذكر الصداق ولم يشرك في بعضها، فقال: زوجتك بنتي على أن
تزوجني بنتك على أن صداق كل واحدة منهما مائة، فلا فصل بين أن يتفق قدر
الصداق المذكور أو يختلف، فإن النكاح صحيح والصداق باطل، فإنه جعل
صداق كل واحدة منهما تزويج الأخرى، فالبضع لم يشرك فيه اثنان.
وإنما جعل التزويج مهرا لأنه ما رضي مهرا لبنته إلا بشرط أن يحصل له
نكاح بنت زوجها وهو شرط باطل لا يلزم الوفاء به، فبطل صداق المائة، فإذا
222

بطل هذا وجب أن يرد إلى المائة ما نقص من الصداق لأجل الشرط، وذلك
القدر مجهول، فالمجهول إذا أضيف إلى معلوم صار الكل مجهولا فبطل الصداق
وإذا بطل سقط، ووجب مهر المثل، والنكاح بحاله، لأن النكاح لا يفسد بفساد
الصداق، وهكذا الحكم إذا كانت بحالها فذكر المهر لإحداهما دون الأخرى.
الثالثة: قال زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك، فالنكاح صحيح، لأنه
عقد بشرط أن يزوج كل واحد منهما بنته من الأخرى، فقد جعل الصداق لكل
واحدة منهما تزويج البنت فبطل الصداق، وثبت النكاح، ووجب مهر المثل.
وعلى هذا إذا قال: زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك، على أن يكون
بضع بنتي صداقا لبنتك، ولم يزد صح نكاح المخاطب في بنت المخاطب،
وبطل نكاح بنت المخاطب لأن المخاطب شرك بين المخاطب وبين بينته في
بضع بنت المخاطب، فبطل وانفرد ببضع المخاطب فصح.
فإن كانت بالضد فقال له: زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك، على أن
يكون بضع بنتك صداقا لبنتي، بطل نكاح بنت المخاطب في حق المخاطب،
لما مضى، وصح نكاح المخاطب لأنه انفرد بالبضع على ما شرحناه.
فصل: في نكاح المتعة وتحليل الجارية:
نكاح المتعة عندنا صحيح مباح في الشريعة، وصورته أن يعقد عليها مدة معلومة بمهر
معلوم، فإن كانت المدة مجهولة لم يصح، وإن لم يذكر المهر لم
يصح العقد، وبهذين الشرطين يتميز من نكاح الدوام، وخالف جميع فقهاء
وقتنا في إباحة ذلك، وقد استوفينا أحكام هذا النكاح وشرائطه وما يصح منه
وما لا يصح في النهاية، فمن أراده وقف عليه من هناك.
وأما تحليل الإنسان جاريته لغيره من غير عقد مدة فهو جائز عند أكثر
أصحابنا، وفيهم من منع منه، والأول أظهر في الروايات، ومن أجازه اختلفوا:
فمنهم من قال: هو عقد، والتحليل عبارة منه، ومنهم من قال: هو تمليك
223

منفعة مع بقاء الأصل، وهو الذي يقوى في نفسي، ويجري ذلك مجرى إسكان
الدار وإعمارها، ولأجل هذا يحتاج إلى أن تكون المدة معلومة، ويكون الولد
لاحقا بأمه ويكون رقا إلا أن يشترط الحرية، ولو كان عقدا للحق بالحرية على
كل حال لأن الولد عندنا يلحق بالحرية من أي جهة كان، وقد بينا في النهاية
فروع هذا الباب، وقد استوفينا ما فيه، وليس للمخالف في هذين الفصلين فروع
أصلا لأنهم لا يقولون بأصل المسألتين، والغرض بهذا الكتاب استيفاء الفروع.
فصل: في النكاح الذي يحلل المرأة للزوج الأول:
إذا تزوج امرأة ليبيحها للزوج الأول ففيه ثلاث مسائل:
إحداها: إذا تزوجها على أنه إذا أباحها للأول فلا نكاح بينهما، أو حتى
يبيحها للأول، فالنكاح باطل بالإجماع، لما روي عن النبي صلى الله عليه وآله
أنه لعن المحلل والمحلل له، وروي عنه أنه قال: ألا أعرفكم التيس المستعار؟
قالوا: بلى يا رسول الله، قال: المحلل والمحلل له.
ولا يتعلق به من أحكام النكاح شئ لا طلاق ولا ظهار ولا إيلاء ولا لعان
إلا بولد.
وإن كان لم يصبها فلا مهر لها، وإن أصابها فلها مهر مثلها لا ما سمى، وعليها
العدة، ولا نفقة لها في العدة وإن كانت حاملا، وإن نكحها بعد ذلك نكاحا
صحيحا فهي عنده على ثلاث تطليقات ويفرق بينهما، وإن كان عالما عزر.
الثانية: تزوجها على أنه إذا أباحها للأول طلقها فالنكاح صحيح والشرط
باطل، وقال قوم: النكاح باطل، والأول أصح، لأن إفساد الشرط المقارن لا
يفسد العقد ويحتاج في إفساده إلى دليل، وإذا كان العقد صحيحا تعلق به جميع
أحكام النكاح الصحيح.
ولها مهر مثلها لأنها إنما رضيت بذلك المسمى لأجل الشرط، فإذا سقط
الشرط زيد على المسمى بمقدار ما نقص لأجله، وذلك مجهول فصار الكل
224

مجهولا فسقط المسمى ووجب مهر المثل.
ومن قال: باطل، فإن كان قبل الدخول فلا شئ لها، وإن كان بعده فلها
مهر المثل ولا يعزر لأنه مختلف فيه.
الثالثة: إذا نكحها معتقدا أنه يطلقها إذا أباحها أو أنه إذا أباحها فلا نكاح
بينهما، أو اعتقد هو أو الزوجة ذلك، أو هما والولي الباب واحد، أو تراضيا قبل
العقد على هذا ثم تعاقدا من غير الشرط كان مكروها ولا يبطل العقد.
فكل موضع قلنا: إنه صحيح، تعلق به أحكام النكاح الصحيح، وأما المهر
إن كان صحيحا لزمه المسمى، وإن كان فاسدا لزم مهر المثل، وكل موضع قلنا:
إنه فاسد، فإذا وطئها لم يثبت به الإحصان، وهل يبيحها للزوج الأول؟ قيل فيه
قولان:
أحدهما: يبيحها له، لأنه نكاح يثبت به النسب، وتدرأ به الحدود ويجب به
المهر.
والثاني: لا يبيحها لأنه وطء لا يثبت به اللعان، فجرى مجرى الوطء بملك
اليمين، وهذا الوجه أقوى.
فصل: في العيوب التي توجب الرد في النكاح:
يفسخ العقد لعيوب في الرجل وهي الجب والعنة والجنون لا غيره، وفي
المرأة الجنون والجذام والبرص والرتق والقرن والإفضاء، وفي أصحابنا من ألحق
به العمى وكونها محدودة في الزنى.
فالجب والعنة يخص الرجال، والرتق والقرن يخص النساء بلا خلاف،
والإفضاء والعمى وكونها محدودة يخص النساء عندنا، والجنون والجذام
والبرص يخص أيضا عندنا النساء وعندهم مشترك، ولا يحتاج إلى طلاق بلا
خلاف.
والجذام على ضربين: ظاهر وخفي.
225

فالظاهر ما لا يخفى على أحد، فإذا وجد كان له الخيار إلى من له الرد رجلا
كان أو امرأة، فإن شاء فسخ وإن شاء رضي وصبر.
فإن رضي فلا كلام، وإن اختار الفسخ أتى الحاكم ليفسخ النكاح وليس
له أن ينفرد به لأنها مسألة خلاف، هذا عند المخالف، ولا يمتنع عندنا أن يفسخ
الرجل ذلك بنفسه أو المرأة لأن الأخبار مطلقة في هذا الباب.
وأما الخفي مثل الزعر في الحاجب فإن اتفقا على أنه جذام فسخ، وإن اختلفا
فالقول قول الزوج إن كان به، والقول قولها إن كان بها، إلا أن يقام بينة شاهدان
عدلان مسلمان من أهل الطب، يشهدان بأنه جذام، وإلا فلا فسخ.
وأما البرص فهو بياض في البدن، وهو على ضربين: ظاهر وخفي، فالظاهر
ما يعرفه كل أحد، فإذا بان أبرص فلها الخيار، وأما الخفي فإن يوجد بياض
واختلفا فقال أحدهما: برص، وأنكر صاحبه ذلك، وقال: هو مرار، فالقول قوله
مع يمينه حتى يقيم البينة عدلين مسلمين من الطلب أنه برص، فيكون له الخيار،
وقليل الجذام والبرص وكثيره سواء.
والجنون ضربان: أحدهما خنق، والثاني غلبة على العقل من غير حادث
مرض، وهذا أكثر من الذي يخنق ويفيق، وأيهما كان فلصاحبه الخيار، وإن غلب
على عقله لمرض فلا خيار، فإن برأ من مرضه فإن زال الإغماء فلا كلام وإن زال
المرض وبقى الإغماء فهو كالجنون فلصاحبه الخيار، وقد روى أصحابنا أن جنون
الرجل إذا كان يعقل معه أوقات الصلاة فلا خيار لها.
وأما الجب فعلى ضربين: أحدهما يمنع الجماع، والثاني لا يمنعه، فإن كان
يمنع الجماع مثل أن جب كله أو بقي بقية لكنه لا يجامع بمثله فلها الخيار، وإن
بقي منه ما يولج بمثله بقدر ما يغيب عنه في الفرج قدر حشفة الذكر فلا خيار لها،
لأن كل أحكام الوطء تتعلق بهذا.
وأما العنين فهو الذي لا يأتي النساء، وبيانه يأتي في بابه، فإن بان خصيا
وهو المسلول الخصيتين أو بان خنثى، وهو الذي له ما للذكر والأنثى وحكم بأنه
226

ذكر فهل له الخيار؟ قيل فيه قولان: أحدهما لها الخيار لأن عليها نقيضه، والثاني
لا خيار لها لأن الخصي يولج ويبالغ أكثر من الفحل وإنما لا ينزل.
وأما الخنثى فإنه يجامع كالرجل وإنما هناك خلقة زائدة فهو كما لو كان
له إصبع زائدة، وهذا الوجه أقوى، وإن بان عقيما وهو الذي لا يولد له، فلا خيار
لها لأنه يجامع كغيره، وفقد الولد لا يتعلق به لأنه من فعل الله.
وأما المرأة إن كانت رتقاء وهي المسدودة الفرج نظرت: فإن بقي منه ما لا
يمنع دخول الذكور فيه فلا خيار له، وإن منع دخول الذكر فيه كان له الخيار،
وإن أراد الزوج أن يفتق المكان كان لها منعه لأنها جراحة، وإن اختارت إصلاح
نفسها لم تمنع لأنه تداوي، فإن عالجت نفسها فزال سقط خياره، لأن الحكم إذا
تعلق بعلة زال بزوالها.
وأما إن كان بها قرن فالقرن عظم في الفرج يمنع الجماع، وقال أهل
الخبرة: العظم لا يكون في الفرج لكن يلحقها عند الولادة حال ينبت اللحم في
فرجها، وهو الذي يسمى العفل يكون كالرتق سواء، وإن لم يمنع الجماع فلا
خيار له، وإن منع فله الخيار، فإن بانت خنثى قيل فيه قولان، إن بانت عاقرا فلا
خيار له.
وإن كان لكل واحد منهما عيب نظرت: فإن اختلف العيبان وكان أحدهما
البرص والآخر الجذام أو الجنون فلكل واحد منهما الخيار لأن به عيبا يرد به
النكاح.
وإن اتفق العيبان قيل فيه وجهان: أحدهما لا خيار لواحد منهما، والثاني
لكل منهما الخيار، وهو الأقوى.
وأما الكلام في تفريع العيوب وبيان الفسخ وحكمه، فجملته أنه إذا أصاب
أحدهما بصاحبه عيبا فأراد الفسخ لم يخل من أحد أمرين: فإما أن يكون الرجل
أصاب بها عيبا أو المرأة أصابت به عيبا: فإن كان الفاسخ الزوجة،
فإن كان قبل الدخول سقط مهرها، لأن الفسخ
227

من قبلها قبل الدخول، وإن كان بعد الدخول سقط المسمى، ووجب لها مهر
المثل.
وإن كان الفاسخ هو الزوج، فإن كان قبل الدخول سقط كل المهر لأن
الفسخ وإن كان من قبله فإنه بسبب منها، وإن كان بعد الدخول سقط المسمى
ووجب مهر المثل لما مضى.
فإذا ثبت هذا فكل نكاح فسخ لعيب كان موجودا حال العقد، فإن حكمه
حكم النكاح الذي وقع فاسدا في الأصل، تتعلق به جميع أحكام النكاح
الفاسد.
فإن كان قبل الدخول سقط المسمى ولا يجب شئ منه، ولا يجب لها المتعة
أيضا، ولا يجب نفقة العدة ولا سكنى إذا كانت حائلا، وإن كانت حاملا فلها
النفقة لأن الحمل عن النكاح الصحيح والفاسد سواء، ومن قال: لا نفقة للحامل،
قال: لا نفقة لها هاهنا.
وإن كان بعد الدخول فقد قلنا لها مهر المثل، فهل يستقر أو يرجع به على
من غره ودلس عليه بالعيب أم لا؟ قيل فيه قولان: أحدهما يرجع على الغار وهو
المروي في أحاديثنا، والثاني يستقر عليه ولا يرجع به على أحد، لحديث عائشة
أنه قال صلى الله عليه وآله: أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فإن
مسها فلها المهر بما استحل من فرجها.
فمن قال: لا يرجع، فلا كلام، ومن قال: يرجع على الغار، لم يخل الولي
الذي زوجه من أحد أمرين: إما أن يكون ممن لا يخفى عليه العيب أو يخفى، فإن
كان ممن لا يخفى عليه كالأب والجد وغيرهما ممن يخالطها ويعرفها فالرجوع
عليه، لأنه الذي غره، وإن كان ممن يخفى عليه العيب فإن صدقته المرأة أنه لا
يعلم فالرجوع عليها لأنها هي الغارة، وإن خالفته فالقول قوله مع يمينه، ويكون
الرجوع عليها دونه.
فكل موضع قلنا يرجع على غيرها رجع بكل ما غرم عليه، وكل موضع
228

قلنا الرجوع عليها فبكم يرجع؟ قال قوم: يرجع بكله إلا القدر الذي يجوز أن
يكون مهرا لئلا يعرى الوطء عن البدل، وقال آخرون: يرجع عليها بكله، الأول
أقوى.
إذا تزوج بامرأة فطلقها قبل الدخول فعليه نصف المسمى، فإن ظهر بعد
الطلاق أنه كان بها عيب قبل الطلاق يملك به الفسخ لم يقدح فيما وجب عليه
من المهر لأنه رضي بإزالة ملكه، فعليه نصف المهر.
فهذا الكلام إذا كان العيب موجودا بأحد الزوجين حال العقد.
فإن حدث عيب بعد أن كان معدوما حال العقد لم يخل من أحد أمرين: إما
أن يحدث بالزوج أو بالزوجة، فإن حدث بالزوج فكل العيب يحدث به إلا
العنة، فإنه لا يكون فحلا ثم يصير عنينا في نكاح واحد، وعندنا لا يرد الرجل من
عيب يحدث به إلا الجنون الذي لا يعقل معه أوقات الصلوات، وقال المخالف:
إذا حدث واحد من الأربعة الجنون والجذام والبرص والجب فلها الخيار، وعندنا
أنه لا خيار في ذلك.
وإن حدث بها عيب فكل العيوب يحدث بها الجنون والجذام والبرص
والرتق والقرن، فإذا حدث فهل له الخيار أم لا؟ قيل فيه قولان: أحدهما لا خيار
له، والثاني له الخيار، وهو الأظهر لعموم الأخبار.
الفرق بين الفسخ والطلاق أنه بالطلاق يجب نصف المهر، وبالفسخ لا
يجب شئ، فمن قال: ليس له الفسخ، فلا كلام، ومن قال: له الفسخ، إن كان
العيب به فلها الفسخ، فأيهما فسخ نظرت:
فإن كان قبل الدخول سقط المهر، فإن كان بعد الدخول فإن كان العيب
حدث بعد العقد وقبل الدخول سقط المسمى ووجب مهر المثل، لأن الفسخ وإن
كان في الحال فإنه مستند إلى حال حدوث العيب، فيكون كأنه وقع مفسوخا
حين حدث العيب.
وإن كان حدوثه قبل الدخول فكأنه مفسوخ قبل الدخول، وحصل
229

الدخول في نكاح مفسوخ فوجب مهر المثل، وأما إن كان العيب حدث بعد
الدخول استقر المسمى لأن الفسخ إذا كان كالموجود حين حدوث العيب فقد
حدث بعد الإصابة، فاستقر المهر ثم فسخ بعد استقراره، فلهذا لزمه المسمى، فهذا
فصل بين ما يحدث بعد الدخول وقبله، فأما إن دخلا أو أحدهما مع العلم بالعيب
فلا خيار بلا خلاف.
فإن حدث بعد هذا عيب آخر نظرت: فإن كان غير الأول مثل أن كان بها
برص في مكان ثم ظهر بها في مكان آخر، قال قوم: هذا عيب حادث ثبت به
الخيار، فأما إن كبر الذي كان موجودا مثل أن كان بها من البرص بقدر الدرهم
ثم اتسع وكبر، قال قوم: لا خيار له، لأن هذا ذاك الذي وقع الرضا به، فلا
يفيد الخيار، والذي يقتضيه مذهبنا أن ما حدث بعد الدخول ورضاه بالعيب
الأول لا يثبت به الخيار، لأنه لا دليل عليه.
كل موضع يثبت فيه الخيار بالعيب لأحد الزوجين فهو على الفور كخيار
الرد بالعيب في المبيع، ولسنا نريد بالفور أن له الفسخ بنفسه، وإنما نريد به أن
المطالبة بالفسخ على الفور يأتي إلى الحاكم على الفور ويطالب بالفسخ، فإن
كان العيب متفقا عليه فسخ الحاكم، وإن اختلفا فالبينة على المدعي واليمين على
المدعى عليه، وأما الفسخ فإلى الحاكم لأنه فسخ مختلف فيه، ولو قلنا على
مذهبنا أن له الفسخ بنفسه كان قويا، والأول أحوط لقطع الخصومة.
وأما الأمة إذا أعتقت تحت عبد فلها الفسخ بنفسها من غير حاكم لأنه متفق
عليه.
وقال قوم: إن البراءة من العيوب شرط في الكفاءة، فإن كان بالزوج عيب
يرد به ورغبت إليه فأبى الولي أو دعا الولي فأبت هي نظرت:
فإن كان العيب جنونا فإن دعت إلى مجنون كان للولي منعها منه، لأن عليه
في ذلك غضاضة، وإن كان دعاها هو إلى مجنون كان لها الامتناع منه.
فإن كان العيب جبا فإن دعت إليه لم يكن للولي أن يمتنع لأنه لا عار عليه
230

لأن الاستمتاع حق لها، وأما العنة فلا تعلم إلا بعد العقد.
وأما الجذام والبرص فإن دعاها لم يجبر عليه، وإن رضيت هي به قيل فيه
وجهان: أحدهما أن له الامتناع، والآخر ليس له ذلك.
هذا في ابتداء النكاح.
فأما إن حدثت هذه العيوب في استدامة النكاح مثل أن جن زوجها أو
برص أو جذم فالخيار إليها وحدها لا نظر لوليها فيه إن شاءت فسخت وإن
شاءت رضيت، وهذا لا يحتاج على مذهبنا إليه لأنا قد بينا أنه لا ولاية عليها إذا
كانت ثيبا، وإن كانت بكرا فلا اعتبار برضاها، فهذه الفروع تسقط عنا.
إذا قالت: أنا مسلمة، فبانت كتابية بطل العقد عندنا وعند قوم من
المخالفين، وقال بعضهم: لا يبطل، فإذا قيل " باطل " فلا كلام، ومن قال
" صحيح " فهل له الخيار؟ قيل فيه قولان.
إذا ذكرت أنها كتابية فبانت مسلمة كان النكاح صحيحا، وقال قوم: هو
باطل، والأول أقوى، فمن قال " باطل " فلا كلام، ومن قال " صحيح " قال: لا
خيار لها لأنها بانت أعلى، ويقوى في نفسي أن النكاح باطل لأنا قد بينا أن العقد
على الكتابية باطل، فإذا عقد على من يعتقد كونها كتابية، فقد عقد على من يعتقد
بطلان العقد عليها فكان باطلا.
إذا تزوج الحر امرأة على أنها حرة فبانت أمة كان النكاح فاسدا، وقال
قوم: يصح العقد، وتصح هذه المسألة بأربعة شرائط:
أحدها: أن يكون الحر ممن يحل له نكاح أمة، وهو أن يكون عادم الطول
خائفا من العنت، فإن عدم الشرطان أو أحدهما بطل.
والثاني: أن يكون النكاح بإذن سيدها، فإن كان بغير إذنه بطل.
الثالث: أن يكون الشرط مقارنا للعقد، فإن لم يقارنه صح النكاح.
الرابع: أن يكون الغار الأمة أو وكيل السيد، وأما إن كان السيد هو الذي
يغره كان قوله على أنها حرة عتقا منه لها.
231

وفي النكاح قيل فيه قولان: أحدهما باطل، والثاني صحيح، فمن قال
" باطل " فلا كلام، ومن قال " صحيح " فهل له الخيار أم لا؟ قيل فيه قولان:
أحدهما له الخيار لأنها بانت دون ما شرطت، والثاني لا خيار له لأن الطلاق إليه.
فأما إن كان الزوج عبدا فتزوج على أنها حرة فبانت أمة، فهل يصح
النكاح؟ قيل فيه قولان: أحدهما باطل، وهو الأقوى، والثاني صحيح، وتصح
المسألة بأربعة شروط: أحدها أن يكون العبد مأذونا له في التزويج، فإن كان غير
مأذون له في التزويج كان باطلا، وعند بعض أصحابنا يكون موقوفا على إذن
السيد، والثلاثة شروط الباقية كما ذكرنا في الحر سواء.
فإذا ثبت أنها على قولين، فمن قال " باطل " فلا كلام، ومن قال " صحيح "
فهل له الخيار أم لا؟ قيل فيه قولان: أحدهما أن لا خيار له هاهنا، والثاني له
الخيار.
فمن قال: له الخيار، واختار الإمساك فعليه المسمى من المهر لسيدها، لأنه
بمنزلة كسبها، ومن قال: باطل، أو قال: صحيح، وليس له الخيار، فاختار
الفسخ فكأنه كان فاسدا من أصله.
فإن كان قبل الدخول فرق بينهما ولا مهر ولا نفقة، وإن كان بعد الدخول
وجب لها مهر المثل للسيد، وأين يجب؟ قيل فيه ثلاثة أقوال: أحدها في كسبه،
والثاني يتعلق برقبته، والثالث في ذمته يتبع به إذا أعتق، والأول أقوى على هذا
القول.
وهذه الأقوال تبنى على أصلين: أحدهما أن العبد إذا نكح نظرت: فإن كان
بإذن سيده فالمهر في كسبه، وإن كان بغير إذنه فإذا وطئ فقد وطئ في نكاح
فاسد ووجب المهر، وأين يجب؟ على قولين: أحدهما في ذمته، والثاني يتعلق
برقبته، والأصل الثاني إذا أذن له سيده بالنكاح فهل يتضمن إذنه الصحيح
والفاسد؟ على قولين.
فإذا تقرر هذا رجعنا إلى مسألتنا فوجدناه وقد نكح بإذن سيده نكاحا
232

فاسدا، فمن قال: إذن السيد يتناول الصحيح والفاسد، فكأنه نكح نكاحا
صحيحا، يكون المهر في كسبه، ومن قال: لا يتناول الفاسد، وهو الصحيح، فقد
نكح نكاحا فاسدا بغير إذنه، فأين يجب المهر؟ قيل فيه قولان: أحدهما في رقبته،
والثاني - وهو الأقوى - في ذمته يتبع به إذا أيسر بعد عتقه.
فكل موضع أوجبنا مهر المثل فهل يرجع به على من غره أم لا؟ على
قولين: أحدهما يرجع وهو الأقوى، والثاني لا يرجع، فإن كان الغار الوكيل
رجع به عليه، وإن كان الغار هي رجع عليها به، يكون في ذمتها يتبع بها إذا
أيسرت بعد العتق ويرجع هاهنا بكله، لأن مهر المثل قد قبضه سيدها فلا يعرى
وطؤها عن بدل، فإن كان هناك ولد أتت به مع الجهل بحالها فهو حر وعليه
قيمته لسيد الأمة، وأين يجب؟ قيل فيه ثلاثة أقوال: أحدها في كسبه، والثاني في
رقبته، والثالث في ذمته ويرجع بهذه القيمة على من غره.
ويعتبر قيمة الولد حين خرج حيا لأنه أول إمكان التقويم، ويرجع هو على
الذي غره، فإن كان الوكيل فعليه قيمته عاجلا، وإن كانت هي ففي ذمتها، وإن
كان منهما فالقيمة بينهما نصفين، نصفها على الوكيل عاجلا، ونصفها عليها إذا
أعتقت وأيسرت.
والحكم في المدبرة والمعتقة نصفه، وأم الولد كالأمة القن سواء.
فأما إن بانت مكاتبة ففي النكاح قيل فيه قولان: أحدهما صحيح، والثاني
فاسد، وهو الأقوى، فمن قال " صحيح " فهل له الخيار؟ على قولين، فمن قال:
صحيح له الخيار، فاختار الإمساك فعليه المسمى يكون لها، لأنه من كسبها،
وكسب المكاتبة لها، ومن قال: باطل، أو قال: صحيح، فاختار الفسخ، فإن
كان قبل الدخول فلا شئ عليه، وإن كان بعده فعليه مهر المثل يكون لها مثل
ذلك، وهل يرجع على من غره؟ قيل فيه قولان:
فمن قال: لا يرجع، فلا كلام، ومن قال: يرجع، فإن كان الوكيل يرجع
عليه بكله، وإن كانت هي فالمهر وجب لها، والرجوع عليها، وهل يرجع بالكل
233

أم لا؟ قيل فيه قولان: أحدهما يبقى قليلا بقدر ما يكون مهرا فعلى هذا يتقاصان إلا
بذلك القدر، ومن قال: يرجع بكله، يتقاصان بالكل.
وإن أتت بولد فهو حر لأنه على هذا دخل، وعليه قيمته حين خرج حيا،
ولمن تكون هذه القيمة؟ على قولين: أحدهما لها، والثاني لسيدها بناء على ولد
المكاتبة إذا قيل لمن تكون قيمته، على قولين: أحدهما لها، والثاني لسيدها،
كذلك هاهنا.
فمن قال: لها، فإن كان الغار الوكيل يرجع على بكلها، وإن كانت هي
فالقيمة لها، والرجوع عليها، يتقاصان، ومن قال: لسيدها، فإن كان الغار الوكيل
رجع عليه بكله، وإن كانت هي رجع عليها بما في يدها، لأنه كالدين عليها،
والدين عليها تقضيه مما في يديها، كذلك هاهنا، هذا إذا خرج ولدها حيا.
فأما إن ضرب ضارب بطنها فألقت جنينا ميتا فعليه الكفارة لأنه آدمي
محقون الدم، وعليه غرة عبد أو أمة لأنه حر يكون لمورثه فلا يكون لسيدها منها
شئ، لأنه إنما له ذلك إذا خرج حيا فأما إذا خرج ميتا فلا، ولا لأمة منه شيئا
أيضا، لأنها مكاتبة فلا ترثه، والأب فإن كان هو القاتل فلا ميراث له، فيكون لمن
يليه في الاستحقاق، وإن لم يكن قاتلا فالكل له.
إذا باع الرجل أمته ولها زوج صح البيع، وكان بيعها طلاقها، وبه قال
ابن عباس، وخالف جميع الفقهاء في ذلك وقالوا: النكاح بحاله، فأما إذا
آجرها منه ثم باعها فإنها لا تبطل الإجارة إجماعا، وإن كان للعبد زوجة فباعه
مولاه، فالنكاح باق بالإجماع، وإن بيعت من لها زوج، فإن نكاحها يبطل
بالإجماع.
فإذا تقرر هذا نظرت: فإن كان المشتري عالما بالزوجية فلا خيار له عندهم،
لأنه دخل على بصيرة، وإن كان جاهلا فله الخيار، لأنه نقص وسبب يمنعه من
الوطء فكان الخيار له في هذا.
وروى أصحابنا أن المشتري مخير بين إمضاء العقد الأول، وبين فسخه، فإن
234

أعتقها المشتري فهي أمة أعتقت تحت عبد، فلها الخيار بلا خلاف لخبر بريرة
- وكانت تحت عبد - فروي عن ابن عباس أنه قال: كان تزوج بريرة عبد أسود
يقال له مغيث، كأني أنظر إليه يطوف خلفها يبكي، ودموعه تجري على لحيته،
فقال النبي صلى الله عليه وآله للعباس: يا عباس ألا تعجب من حب مغيث بريرة،
ومن بغض بريرة مغيثا؟ فقال لها النبي صلى الله عليه وآله: لو راجعتيه فإنه أبو
ولدك، فقالت: يا رسول الله تأمرني؟ فقال لا إنما أنا أشفع، فقالت: لا حاجة لي
فيه.
إذا كان له مائة دينار وأمة قيمتها مائة دينار، فزوجها بمهر هو مائة دينار فبلغ
جميعه ثلاث مائة دينار لا مال له غيره، فأوصى بعتق الأمة، وهي تخرج من الثلث
فتعتق الأمة وهي تحت عبد، وهل لها الخيار أم لا؟ نظرت:
فإن كان الزوج ما دخل بها عتقت تحت عبد فلا خيار لها، لأنها لو
اختارت انفساخ النكاح بسبب من جهتها قبل الدخول، فسقط مهرها، فإذا سقط
مهرها عادت التركة إلى مائتين فلا تخرج هي من الثلث، فيرق ثلثها، ويعتق
ثلثاها، لأن ثلث التركة ثلث الجارية، فإذا رق ثلثها سقط خيارها، وإذا
سقط خيارها سقط عتقها، فأسقط خيارها وثبت عتقها، لأن كل أمر إذا ثبت جر ثبوته إلى
سقوطه، وسقوط غيره سقط في نفسه وليس هاهنا أمة تعتق تحت عبد فلا خيار لها
إلا هاهنا، هذا إذا لم يدخل بها.
فأما إن دخل بها فلها الخيار هاهنا، لأن الفسخ وإن كان من قبلها فلا يقدح
في مهرها، لأنه قد استقر بالدخول بها، فيعتق كلها لأنها تخرج من الثلث، والخيار
هاهنا لا يسقط عتقها.
الأمة إذا كانت تحت حر فأعتقت، أكثر روايات أصحابنا تدل على أن لها
الخيار، وفي بعضها أنه ليس لها الخيار، وهو الأقوى عندي، فإذا أعتقت تحت عبد
فلا خلاف أن لها الخيار.
فإذا ثبت أن لها الخيار فهل الخيار على الفور أو التراخي؟ قيل فيه قولان:
235

أقوالهما أنه على الفور كخيار الرد بالعيب، ومن قال: على التراخي، قال بذلك لما
تقدم من حديث بن عباس وقصة بريرة، وأن زوجها كان يمشي خلفها ويسأل
الناس حتى يسألوها، فلو كان على الفور لكان قد سقط خيارها وما احتاج إلى
المسألة.
وهذا ليس بصحيح لأن النبي صلى الله عليه وآله إنما سأل في مراجعته بعقد
جديد لا أن الخيار كان ثابتا، فإذا قلنا: على الفور، فإن اختارت على الفور وإلا
سقط خيارها، ومن قال: على التراخي، ففي مدة الخيار قولان: أحدهما لها الخيار
ثلاثا فإن لم يفعل حتى انتهت سقط خيارها، والقول الثاني الخيار على التأبيد ما لم
يصبها أو تصرح بالرضا لأن النبي صلى الله عليه وآله قال لبريرة: إن قربك فلا
خيار لك.
إذا أعتقت تحت عبد ومضت مدة ثم ادعت الجهالة فالجهالة ضربان: جهالة
بالعتق وجهالة بحكم العتق.
فإن ادعت الجهالة بالعتق، فإن كانت على صفة يخفى عليها العتق، فالقول
قولها، وإن كانا في بلد واحد أو محلة واحدة، فإن مثل ذلك لا يخفى فلا
تصدق.
فإذا ادعت جهالة بحكم العتق، وقالت: علمت العتق غير أني لم أعلم أن لي
خيار الفسخ، فهل تصدق أم لا؟ على قولين: أحدهما أنه يقبل لأن ذلك من
فروض العلماء، والثاني لا يقبل كالرد بالعيب في البيع، والأول أقوى.
فكل موضع قلنا له الخيار لم يخل من أحد أمرين: إما أن تختار فراقه أو
المقام معه.
فإن اختارت فراقه فإن كان قبل الدخول فلا شئ لها لأن الفسخ جاء من
جهتها، وإن كان بعد الدخول فقد فسخت بعد استقرار المهر، فهل يستقر المسمى
أم لا؟ نظرت إلى وقت العتق:
فإن كان وقته بعد الدخول أيضا استقر المسمى لأن الفسخ يستند إلى حين
236

العتق، وحين العتق بعد الدخول، فلا تؤثر في المهر.
وإن كان وقت العتق قبل الدخول مثل أن أعتقت فلم تعلم بذلك فوطئها
ثم علمت سقط المسمى، ووجب مهر المثل، لأن الفسخ مستند إلى حين العتق
فكأنه انفسخ حين العتق ثم وطئها بعد الفسخ، فوجب مهر المثل.
وإن اختارت المقام معه، فإن كان المهر مسمى صحيحا أو مسمى فاسدا
كان للسيد لأنه وجب بالعقد وكانت حين العقد ملكه، ومهرها من كسبها، وإن
كانت مفوضة فلم يفرض لها مهر بحال، فطالبت به ففرض لها فلمن يكون؟ قيل
فيه قولان بناء على وقت وجوبه.
وفي المفوضة إذا فرض لها بعد العقد قولان: أحدهما بالفرض يتبين أنه
وجب بالعقد فعلى هذا يكون لسيده، والثاني - وهو الصحيح - أنه وجب
بالفرض حين الفرض فعلى هذا المهر لها لأنه وجب لها بعد أن عتقت فكان لها
دون سيدها.
إذا تزوج العبد امرأة يملك تطليقتين إن كانت أمة وثلاثا إن كانت حرة،
وفيهم من قال: يملك تطليقتين على كل حال، فإذا طلقها طلقة بعد الدخول فهي
رجعية وبقى له عليها طلقة.
فإذا ثبت أنها رجعية فإن أعتقها سيدها وهي في العدة عتقت تحت عبد كان
لها الخيار، وفائدة الخيار - وإن كانت تجري إلى بينونة - تقصير العدة لأنها متى
لم تفسخ ربما تركها حتى يقرب انقضاء عدتها ثم يراجعها، فإذا اختارت بعد
المراجعة كان ابتداء العدة من حين اختارت فقلنا لها الفسخ من حين أعتقت
لتأمن التطويل في العدة.
فإذا ثبت أن لها الفسخ لم يخل من ثلاثة أحوال: إما أن تختار الفسخ أو
تسكت أو تختار المقام.
فإن اختارت الفسخ صح الفسخ وانقطعت الرجعة فلا يصح أن يراجعها
لأنها بانت بالفسخ، لكنها تبني على العدة من حين الطلاق، لأن العدة وجبت
237

بالطلاق، والفسخ لا يقطع العدة.
وهل تكمل عدة حرة أم لا؟ قيل فيه قولان: أحدهما عدة الأمة اعتبارا بحال
الوجوب كالحدود، والثاني عدة الحرائر اعتبارا بحال الانتهاء، والثاني مذهبنا.
وإن سكتت لم يسقط خيارها لأن سكوتها لم يدل على الرضا، فإن صبر
الزوج عن الرجعة بانت بانقضاء العدة، وإن راجع الزوج فسخت إذا رجع،
فلهذا لم يسقط خيارها.
وإن لم يراجعها حتى تنقضي عدتها هل تعتد عدة الحرة أو الأمة؟ على
قولين، وإن راجعها كان لها الخيار، وهل هو على الفور أو التراخي؟ على ما
مضى.
فإن اختارت المقام فلا كلام، وإن اختارت الفسخ وقع الفسخ حين
اختارت وتستأنف عدة حرة لأنها في عدة ابتداء وجوبها عليها وهي حرة، روي
أن عائشة اشترت بريرة بشرط العتق فأعتقتها، فجعل النبي صلى الله عليه وآله
الولاء لمن أعتق، ثم خيرها فاختارت الفراق فأوجب النبي صلى الله عليه وآله
عليها عدة حرة.
فأما لو رضيت به واختارت المقام كان رضاها كلا رضا، لأنها جارية إلى
بينونة، والرضا بكونها تحته يقطع ذلك وينافيه، فلم يصح كما لو طلقها رجعية
فارتدت ثم راجعها وهي مرتدة لم تصح، فإذا ثبت أنه لا يصح فالحكم فيه كما
لو سكتت.
إذا أعتقت تحت عبد وهي غير بالغ ثبت لها الخيار لعموم الأخبار، وليس
لوليها أن يختار عنها لأنه اختيار بشهوة، وعليه نفقتها حتى تبلغ، فإذا بلغت وليت
أمر نفسها، فإن اختارته ثبت النكاح، وإن فسخت انفسخ النكاح، وإذا بلغت
فهل خيارها على الفور أو التراخي؟ على ما مضى.
وهكذا الحكم في المجنونة وفي مشرك زوج ابنه الصغير عشرا فأسلم
الولد وأسلمن معه، فقد ثبت للصبي خيار أربع، وعليه نفقة الكل، فإذا بلغ اختار
238

بعد بلوغه.
وإن أعتق بعضها وبقى الباقي على الرق، مثل أن كانت بين شريكين، فأعتق
أحدهما نصيبه وهو معسر، عتق نصيبه واستقر الرق في نصيب شريكه، ولا خيار
لها لأن أحكامها أحكام الإماء في الصلاة والعدة والميراث.
إذا أعتقت تحت عبد كان لها الخيار، فإن لم تختر حتى أعتق الزوج فهل
يسقط خيارها؟ على قولين: أحدهما لا يسقط، لأن الخيار ثبت لها حين عتقت،
والثاني يسقط خيارها لأنه إنما ثبت لنقص بالزوج وقد زال، والأول أقوى إذا قلنا
أن الخيار لا يثبت على الحر، وإذا قلنا: يثبت عليه، فالخيار ثابت على كل حال.
إذا أعتقت تحت عبد وثبت لها الخيار ثم طلقها زوجها قبل أن تختار لم يقع
الطلاق في الحال، بل يكون مراعى لأنه ثبت لها خيار الفسخ، وفي إيقاع
الطلاق عليها إبطال ما ثبت لها من الاختيار، فلم يقع في الحال، كما لو ارتدت
فطلقها أو أسلم وتحته مشركة فطلقها كان مراعى، وقال بعضهم: يقع الطلاق في
الحال لأنه صادف ملكه.
والذي يليق بمذهبنا أنه لا يقع الطلاق أصلا، لأن إيقاعه في الحال إبطال
الاختيار، وفي المستقبل لا يقع، لأن الطلاق بشرط لا يقع عندنا.
فمن قال " مراعى " فإن اختارت المقام فقد بينا أن الطلاق وقع لأنه صادف
ملكه، وإن اختارت الفسخ وقع حين العتق، وتكون العدة من حين فسخت،
ويلزمها عدة حرة لأنها وجبت بعد أن عتقت، هذا إذا أعتقت الزوجة.
فأما إن أعتق الزوج وهي أمة فهل له الخيار أم لا؟ على وجهين: أحدهما له
الخيار كما كان لها الخيار إذا أعتقت تحت عبد، والثاني - وهو الصحيح - أنه لا
خيار له لأنه سبب لو قارن عقد النكاح لا خيار له فكذلك إذا قارن مستدامة.
العنين هو العاجز عن إتيان النساء خلقة، وقد ذكر أهل اللغة الاشتقاق.
قال قوم: سمي العنين عنينا لأن ذكره يعن أي يعترض إذا أراد إيلاجه،
239

والعنن الاعتراض، يقال: عنن الرجل عن امرأته.
وقال آخرون: سمي عننا لأنه يعن لقبل المرأة عن يمينه وشماله فلا يقصده،
ويقال: عن لي الرجل يعن، إذا اعترض لك من أحد جانبيك يمينك أو شمالك
بمكروه، ويقال: عن له عنا وعننا، والمصدر " العن " والعنن الموضع الذي يعن
فيه العان وسمي العنان من اللجام لأنه يعترضه من ناحيته فلا يدخل فمه شئ منه.
وسمع بعض أهل اللغة يقول: العنة الحظيرة، قال: عننت البعير أعننته
تعنينا فهو معن، ومعنى إذا حبسته.
إذا ثبت هذا أمكن أن يكون اشتقاقه من الحظر والحبس، أي محبوس
وممنوع من زوجته.
فإذا ثبت هذا فالعنة تثبت للمرأة الخيار به، وتضرب له المدة سنة، فإن
جامع وإلا فرق بينهما إجماعا، وعندنا أنه إن وصل إليها دفعة لم يفرق بينهما،
وقال قوم: لا يضرب له مدة ولا يفسخ، به النكاح، وبه قال أهل الظاهر والحكم.
فإذا ثبت أنه عيب يفسخ النكاح به، فالكلام في شرحه، وجملته أن امرأة
الرجل إذا حضرت عند الحاكم واستعدت على زوجها، وذكرت أنه عنين
فالحاكم يحضره ويسأله عما ذكرت، فإن أنكره فلا يمكنها إقامة البينة عليه بأنه
عنين، وإنما يثبت عننه بأحد ثلاثة أشياء: اعترافه بها، أو البينة على اعترافه، أو
يلزمه اليمين فينكل عنها فتحلف المرأة أنه عنين.
فإذا ثبت بأحد هذه الأشياء فالحاكم يضرب فيه المدة سنة، ويعرفها الحاكم
بعد ذلك أن لها الفسخ، فإن اختارت فسخت، وإن اختارت جعلت الفسخ إليه
ليفسخ هو، ولا يجوز أن يفسخ بغير حاكم، لأنه فسخ مختلف فيه، فمتى فرق
الحاكم بينهما أو أذن لها ففعلت كانت الفرقة فسخا لا طلاقا، وقال قوم: هو
طلاق.
إذا كان الرجل مجبوبا نظرت: فإن كان قد جب كل ذكره، أو بقي منه ما
لا يجامع بمثله، فلها الخيار، وإن بقي منه ما يجامع بمثله وهو أن تغيب في فرجها
240

بقدر حشفة الذكر فإن اتفقا على أنه يولج ويطأ فلا خيار لها، وإن اختلفا لم يثبت
عليه إلا باعترافه، أو بينة تشهد باعترافه، وهل القول قوله مع يمينه؟ على وجهين:
أحدهما القول قوله، وقال قوم: القول قولها لأن الظاهر معها، لأن من قطع من
ذكر بعضه فما يبقى منه يلحقه شلل وضعف لا يقوى على الوطء.
فإذا ثبت أنه لا يجامع بمثله أصلا كان لها الخيار في الحال كالمجبوب،
وإذا أصابته خصيا أو مسلولا أو موجوءا الباب واحد، وكذلك لو أصابته خنثى
وقد ثبت أنه رجل، فهل لها الخيار؟ على قولين: أحدهما لها الخيار، وهو الأقوى،
والثاني لا خيار لها.
فإذا قيل: لها الخيار، فلا كلام، ومن قال: لا خيار لها، فادعت عننه فهو
كالفحل حرفا بحرف، وقد مضى لا يثبت إلا باعترافه أو بينة على اعترافه، أو
نكوله عن اليمين مع يمينها، فإذا ثبت ذلك ضربت له المدة.
كل موضع قضينا عليه بأنه عنين فإنه يؤجل سنة وابتداء السنة من حين
حكم الحاكم، وفسخ العنة تكون بعد انقضاء المدة.
إذا أخبرها بأنه عنين فتزوجت به على ذلك، وكان كما قال، فليس لها
الخيار، وقال قوم: لها الخيار، وهكذا قولنا في من بان عنينا فطلقها قبل الإصابة،
ثم تزوجها تزويجا مستأنفا فهل لها الخيار أم لا؟ على هذين القولين أصحهما أنه
يسقط خيارها.
فإن كان له أربع نسوة فعن عن جميعهن ضرب لهن المدة، فإن لم يعن عن
واحدة منهن فلا كلام، وإن عن عن واحدة، دون الثلاث لم يحكم لها بحكم العنة
عند أصحابنا، وقال المخالف: لها حكم نفسها ويضرب لها المدة.
إذا تزوج امرأة ودخل بها ثم إنه عجز عن جماعها واعترف هو بذلك لم
يحكم بأنه عنين، ولا يضرب له المدة بلا خلاف، فأما إذا كان صحيحا ثم جب
كان لها الخيار عندنا وعندهم بلا خلاف لعموم الأخبار.
إذا ضربنا له المدة فأصابها في المدة أو بعد انقضاء المدة خرج من حكم
241

العنة، وحد الإصابة فلا يخلو: أن يكون صحيح الذكر أو قد قطع بعضه.
فإن كان صحيح الذكر فالقدر الذي يخرج به من حكم العنة أن يغيب
الحشفة في الفرج، وهو أن يلتقي ختاناهما على ما شرحناه في كتاب الطهارة.
فإذا حصل هذا القدر خرج من حكم العنة لأن أحكام الوطء كلها تتعلق
به، من وجوب الغسل والحد والإباحة للزوج الأول وإفساد العبادات الحج
والصيام بوجوب الكفارات، ووجوب المهر، وثبوت الإحصان عندهم.
وإن كان قد قطع بعض ذكره وبقى ما يولج به فوطئها به فهل يخرج به
من العنة بأن يغيب منه قدر الحشفة أم لا؟ قيل فيه قولان أقواهما أنه يخرج به،
وقال قوم: لا يخرج.
فإن وطئها في الموضع المكروه، قال قوم: لم يخرج به من حكم العنة،
ويقوى في نفسي أنه يخرج به، وإن أصابها في القبل وهي حائض أو نفساء،
خرج من حكم العنة بلا خلاف.
إذا ضربنا له المدة لم يصبها حتى انقضت المدة، فإن الحاكم يخبرها، فإن
اختارت الفسخ فإما أن يفسخ هو أو يجعل إليها فتفسخ، فإذا فعل ذلك كان
فسخا لا طلاقا على ما مضى، فإن اختارت المقام معه ورضيت به مع ثبوت عننه،
سقط خيارها بلا خلاف، هذا إذا كان رضيت بعد انقضاء المدة.
فأما إن رضيت به في أثناء المدة، قال قوم: لا يسقط خيارها، وكذلك قبل
المدة، ومنهم من قال: يسقط خيارها، وهو الأقوى عندي لعموم الأخبار.
إذا أجلناه فانقضت المدة فاختارت المقام معه وطلقها ثم استباحها لم يخل
من أحد أمرين: إما أن يكون الطلاق بائنا أو رجعيا، فإن كان رجعيا فراجعها فلا
خيار لها لعموم الأخبار في ثبوت المراجعة للمطلق الرجعي، وإذا رضيت به فلا
خيار لها بعد ذلك.
وإنما يتصور هذه المسألة على قول من يقول: إن الخلوة دخول، فعلى هذا إذا
خلا بها ثم طلقها فعليها العدة، والطلاق دون الثلاث يكون رجعيا، ويمكن أيضا
242

إذا وطئ لم يلتق الختانان حتى أنزل في فرجها كان هذا دخولا يوجب العدة،
وقال قوم: لو استدخلت ماءه كان كالدخول في وجوب العدة، فمتى طلقها طلقة
أو طلقتين كانت رجعية فيتصور على هذا أيضا وإن كان عنينا.
وأما إن أبانها بالطلاق أو اختارت الفسخ ففسخت النكاح ثم تزوج بها
بعد هذا، وقد عرفت منه ما عرفت، فهل لها الخيار؟ قيل فيه قولان على ما مضى،
أقواهما أنه لا خيار لها، وأما إن تزوج امرأة فوطئها ثم أبانها ثم نكحها فعنن عنها
فلها الخيار إذا لم تعلم ذلك، لأن كل نكاح له حكم نفسه.
إذا اختلفا في الإصابة فقال: أصبتها، وأنكرت، لم يخل من أحد أمرين: إما
أن تكون ثيبا أو بكرا.
فإن كانت ثيبا فالقول قوله مع يمينه عند أكثرهم، وفيه خلاف، وروى
أصحابنا أنها تؤمر بأن تحشو قبلها خلوقا ثم يطأها فإن خرج وعلى ذكره أثر
الخلوق صدق وكذبت، وإن لم يكن كذلك كذب وصدقت، ومن قال: القول
قوله، فإن حلف سقط دعواها وإن نكل حلفت وكان لها الخيار في المقام
والفسخ.
وإن كانت بكرا أريت أربع نساء عدول من القوابل، فإن ذكرن أنها بكر
سألناه فإن قال: كذبن وهي ثيب، سقط قوله، لأنه يكذب البينة، وإن قال: صدقن
هي بكر لكن كنت أزلت عذرتها ثم عادت، فالقول قولها لأن الظاهر معها، فإن
حلفت كان لها الخيار في المقام والفسخ، وإن نكلت حلفت وسقط دعواها وكانا
على النكاح.
إذا تزوجت بالخصي أو المسلول أو الموجوء مع العلم بذلك، فلا خيار لها
بعد ذلك بلا خلاف، وإن دخلت مع الجهل ثم بان أنه خصي فهل لها الخيار أم
لا؟ قيل فيه قولان، عندنا أن لها الخيار.
الخنثى هو الذي له ذكر الرجل وفرج المرأة، ومن كان بهذه الصفة فلا
يجوز أن يكون رجلا وامرأة، وإنما يكون أحدهما، فإنا نعتبره بمباله، فإن بال من
243

الذكر فهو رجل، وإن بال من الفرج فهو امرأة، وإن بال منهما فمن أيهما سبق،
فإن سبق منهما، فمن أيهما انقطع أخيرا حكم به، وإن خرج منهما معا وانقطع
منهما معا رجع إلى القرعة.
وقال قوم: هل يرجع إلى قلة البول أو كثرته؟ فيه قولان، فإن تعذر ذلك
نظر إلى ما يميل طبعه إليه عمل عليه، وقال قوم: تعد أضلاعه، فإن تساوى
الجانبان كانت امرأة، وإن اختلفا كان رجلا، وقد روى ذلك أيضا أصحابنا.
ومن قال: يعتبر بميل طبعه، وقال: أنا أميل إلى النساء ويقوم علي، فهو
رجل، وإن كانت تميل إلى الرجال وتحب أن تؤتى فهو امرأة.
وليس ينظر إلى ما يتلذذ به، فربما كان مخنثا يحب الرجال وتكون المرأة
مذكرة فتحب النساء، بل يرجع إلى طبعه في أصل الخلقة وعمل به، ولا يقبل
رجوعه عما يذكره بعد ذلك، فإذا حكم له بأنه رجل زوج امرأة، فإذ حكم له
بأنه امرأة زوجت من رجل.
فإذا تزوج امرأة مع العلم بحاله فلا خيار لها، وإن كان مع الجهل به قيل
فيه قولان، وهكذا لو تزوج امرأة خنثى مع العلم فلا خيار له، وإن كان مع
الجهل فعلى وجهين أقواهما أن له الخيار.
فمن قال: له الخيار، فلا كلام غير أنه يختار في الحال، ومن قال: لا خيار،
فهما على النكاح، وإن اعترف أنه عنين فالحكم على ما مضى.
العزل أن يولج الرجل ويجامع، فإذا جاء وقت الإنزال، نزل فأنزل خارج
الفرج، فإذا ثبت هذا فإن كان تحته مملوكة جاز له أن يعزل بغير أمرها بلا
خلاف، وإن كانت زوجة، فإن كانت أمة كان له العزل أيضا، وإن كانت حرة
فإن أذنت له فلا بأس، وإن لم تأذن فهل له العزل؟ على وجهين: أحدهما ليس له
ذلك، وهو الأظهر في رواياتنا، لأنهم أوجبوا في ذلك كفارة، والثاني أنه
مستحب وليس بمحظور.
إذا دخل الغريب بلدا فتزوج امرأة على الإطلاق يعتقدها حرة، فإذا هي أمة،
244

وكان الرجل ممن يحل له نكاح أمة بحصول الشرطين اللذين قدمناهما فالنكاح
صحيح، فإن وطئها قبل العلم فالولد حر لأنه على هذا دخل وعليه قيمته لسيدها
يوم وضعته، وإن أحبلها بعد أن علم أنها أمة، فالولد مملوك عندهم، لأنه يتبع
أمه، وعندنا يتبع الحرية.
إذا تزوج حر بأمة فاتت بولد مع العلم بحالها، فإن كان غير عربي فهو
مملوك، وإن كان عربيا قال قوم: هو حر لأن العربي لا يسترق، وقال قوم:
يسترق، وعندنا أن الولد حر على كل حال.
إذا تزوج امرأة فأول ما يبدأ به عند الاجتماع معها أن يأخذ بناصيتها ويدعو
لكل واحد منهما بالبركة، وإذا عقد الولي النكاح فالمستحب أن يقول: أزوجك
على إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، والأحوط أن يقول ذلك قبل العقد.
يستحب أن لا يتزوج الصغيرة حتى تبلغ - إن كانت ثيبا أو بكرا -، وقال
قوم: إن كانت ثيبا فلا تزوج بحال، وإن كانت بكرا يستحب تركها حتى تبلغ
لأن إذنها مراعى.
المستحب أن يتزوج امرأة ذات الدين والعقل، وإذا زوج أمته بعبده لم
يجب المهر في هذا النكاح، ويستحب أن يذكر المهر لأنه من سنة النكاح
وشعاره، وقال قوم: هو بالخيار.
وإذا ارتدت المرأة لا ينعقد عليها نكاح لأحد، لا لكتابي ولا وثني ولا مرتد
مثلها، ولا لمسلم لأنها لا تقر على ذلك.
إذا وكل رجلا على أن يزوجه فلانة فتزوجها الوكيل من وليها فحضر
الموكل فأنكر وحلف، بطل النكاح، وإن كان مثل هذا في الشراء ثبت الشراء
على الوكيل.
إذا طلقها طلقة بعد الدخول فهي رجعية، وليس لها العقد على أختها ولا
عمتها ولا خالتها إلا برضاهما، ولا أربع سواها، لأنها في معنى الزوجات.
245

إذا طلقها وذكر أنها أخبرت بانقضاء عدتها، فأنكرت وقد مضى زمان يصح
انقضاء العدة فيه، فالقول قوله في جواز العقد على أختها، والقول قولها في بقاء
النفقة والسكنى.
والفصل بينهما أن جواز نكاح أختها أمر يتعلق بدينه وأمانته، فيقبل قوله
فيه، والنفقة والسكنى حق عليه فلا يقبل قوله عليها.
يستحب لمن كان له زوجتان أن لا يجامع أحدهما بحضرة الأخرى إذا كن
حرائر، ويجوز ذلك في الإماء.
لا يجوز للرجل أن يتزوج بمملوكته ولا للمرأة أن تتزوج بعبدها بلا
خلاف.
إذا غاب الرجل عن امرأته ثم قدم رجل فذكر لها أن زوجها طلقها طلاقا
بانت منه قبل الدخول أو بعده بعوض، وذكر لها أنه وكله في استئناف النكاح
عليها، وأن يصدقها ألفا يضمنها لها عنه، ففعلت ذلك وعقد النكاح وضمن
الرسول الصداق ثم قدم الزوج فأنكر الطلاق وأنكر التوكيل في ذلك، فالقول
قوله، والنكاح الأول بحاله، والثاني لم ينعقد.
وأما الوكيل فهل يلزمه ضمان ما ضمنه أم لا؟ قال بعضهم: يلزمه، وقال
الأكثر: لا يلزمه، وهو الصحيح لأن العقد إذا لم يثبت لم يثبت المهر.
الإحصان عندنا أن يكون له فرج يغدو إليه ويروح، ويكون قد دخل بها
سواء كانت حرة أو أمة، زوجة كانت أو ملك يمين، وفي أصحابنا من قال: إن
ملك اليمين لا يحصن، ولا خلاف بينهم أن المتعة لا تحصن، وقال جميع
المخالفين: إن من شرط الإحصان الوطء في نكاح صحيح، فأما في نكاح فاسد
أو ملك يمين، فلا يكون به محصنا.
فإذا ثبت له الوطء في نكاح صحيح شرط فيما يصير به محصنا شروط
أربعة: أن يطأ وهو حر بالغ عاقل في نكاح صحيح، فإذا وجد هذا منه فهو
محصن، فمتى زنى يرجم، ومنهم من قال: يصير بنفس الوطء محصنا، والبلوغ
246

والعقل والحرية من شرائط الرجم.
فإذا وطئ في نكاح صحيح وهو عبد فأعتق وهو بالغ عاقل وزنى رجم،
والأول عندهم أصح وعليه التفريع.
فإذا كانا كاملين حرين بالغين عاقلين والإصابة في نكاح صحيح فقد
أحصنا، وإن كانا ناقصين أو صغيرين أو مجنونين أو ناقصين من نوعين عبد
وحرة، ومجنونة أو صبية لم يحصن واحد منهما الآخر، وإن كان أحدهما كاملا
والآخر ناقصا أحصن الكامل دون الناقص، مثل أن يكون عبدا وهي حرة أو حرا
وهي أمة، وقال بعضهم: إن كان ناقصا لم يحصن الآخر، وإن كان كاملا فاعتبر
الكمال فيهما معا.
فأما الإسلام فليس بشرط في الإحصان، ومتى وجدت الشرائط في الكافر
فهو محصن متى زنى وجب عليه الرجم، وقال قوم: الإسلام شرط، فأما الكافر فلا
رجم عليه عند هذا القائل أبدا لأنه لا يكون محصنا أبدا، وهذا غلط لما روي أن
النبي صلى الله عليه وآله رجم يهوديين فلو لا أنهما كانا محصنين ما رجمهما، وفي
أصحابنا من قال: إذا كان أحد الزوجين كافرا فلا إحصان في واحد منهما،
والأقوى ما قلناه أولا.
فصل: في ذكر زوجات النبي صلى الله عليه وآله:
قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: جملة من تزوج النبي صلى الله عليه وآله
ثماني عشرة امرأة: سبع من قريش، وواحدة من حلفائهم، وتسع من سائر
القبائل، وواحدة من بني إسرائيل ابن هارون بن عمران، واتخذ من الإماء ثلاثا،
عجميتين وعربية، وأعتق العربية واستولد إحدى العجميتين.
فأولى من تزوج بها من قريش خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى ثم
تزوج بمكة بعد موت خديجة بسنة قبل الهجرة بأربع سنين سودة بنت زمعة، ثم
تزوج بمكة قبل الهجرة بسنتين عائشة بنت أبي بكر، ولم يتزوج بكرا غيرها،
247

وبنا بها بالمدينة.
ثم تزوج بعد وقعة بدر من سنة اثنتين من التاريخ أم سلمة هندا بنت أبي
أمية، وتزوج في هذه السنة حفصة بنت عمر بن الخطاب، ثم تزوج بعد ثلاث
سنين من الهجرة من حلفاء قريش زينب بنت جحش، ثم تزوج في سنة خمس
جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار المصطلقية، ثم تزوج في سنة ست أم حبيبة
بنت أبي سفيان، ثم تزوج في سنة سبع من بني إسرائيل صفية بنت حي بن
أخطب من بني النضير.
ولما فرع النبي صلى الله عليه وآله من خيبر في هذه السنة توجه معتمرا
وهي سنة سبع قدم جعفر بن أبي طالب فخطب عليه ميمونة بنت حارث الهلالية
فأجابته فتزوج بها وهو محرم، وبنا بها بسرف، ثم تزوج من قريش فاطمة بنت
شريح، وكانت وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وآله، ثم تزوج زينب بنت
خزيمة وهي أم المساكين من بني عامر بن صعصعة، وتزوج من أهل اليمن أسماء
بنت نعمان بن الحارث بن كندة، ثم تزوج قتيلة أخت الأشعث بن قيس الكندي،
ثم تزوج أم شريك من بني النجار، ثم تزوج سنا بنت الصلت من بني سليم،
وكان له وليدتان، مارية القبطية وريحانة بنت زيد بن شمعون من بني خنافة.
248

كتاب الصداق
الأصل في الصداق كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وآله.
فالكتاب قوله تعالى: " وآتوا النساء صدقاتهن نحلة " وقال: " فما استمتعتم
به منهن فأتوهن أجورهن "، وقال تعالى: " وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن
وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم " فنزلت هذه الآيات على أصل
الصداق.
وروى أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وآله رأى عبد الرحمن بن
عوف وعليه أثر صفرة فقال له: ما هذا؟ فقال: تزوجت امرأة من الأنصار، قال:
وما الذي سقت إليها؟ فقال: زنة نواة من ذهب، فقال: أو لم ولو بشاة - والنواة
خمسة دراهم -.
وروي عنه عليه السلام أنه قال: أدوا العلائق، قيل: يا رسول الله ما
العلائق؟ قال: ما تراضى به الأهلون، وعليه إجماع الأمة والفرقة المحقة.
ويسمى المهر صداقا وأجرة وفريضة، وفيما روي عن النبي
صلى الله عليه وآله العلائق، وسماه قوم عقرا.
قالوا: كيف سماه الله نحلة وهو عوض عن النكاح؟ أجيب عنه بثلاثة
أجوبة:
أحدها: اشتقاقه من الانتحال الذي هو التدين، يقال: فلان ينتحل مذهب
249

كذا، فكان قوله نحلة معناه تدينا.
والثاني: أنه في الحقيقة نحلة منه لها، لأن حظ الاستمتاع لكل واحد منهما
لصاحبه كحظ صاحبه.
والثالث: قيل إن الصداق كان للأولياء في شرع من كان قبلنا، بدلالة قول
شعيب حين زوج موسى بنته " على أن تأجرني ثماني حجج " ولم يقل تأجر
بنتي، فكان معنى نحلة أن الله أعطاهن في شرعنا نحلة.
فإذا ثبت هذا فالمستحب أن لا يعرى نكاح عن ذكر مهر، لأنه إذا عقد مطلقا
ضارع الموهوبة، وذلك يختص النبي صلى الله عليه وآله، فلذلك يستحب
ذكره، ولئلا يرى الجاهل فيظن أنه يعرى عن المهر، ولأن فيه قطعا لمواد
المشاجرة والخصومة.
ومتى ترك ذكر المهر وعقد النكاح بغير ذلك فالنكاح صحيح إجماعا
لقوله تعالى: " لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن
فريضة "، ومعناه " ولم تفرضوا لهن فريضة " بدلالة قوله: " ومتعوهن على
الموسع قدره وعلى المقتر قدره " ولا متعة لمن طلقها قبل الدخول إلا التي لم يسم
لها مهرا.
إذا عقد النكاح بمهر فاسد مثل الخمر والخنزير والميتة كان العقد صحيحا
ووجب لها مهر المثل، وقال قوم: لا يصح النكاح، وإليه ذهب قوم من أصحابنا.
الصداق عندنا غير مقدر فكل ما صح أن يكون ثمنا لمبيع أو أجرة
لمكتري صح أن يكون صداقا عندنا قليلا كان أو كثيرا، وفيه خلاف، والكثير
أيضا لا حد له عندنا لقوله تعالى: " وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا "
وقيل: إن القنطار سبعون ألفا، وقال قوم: مائة رطل، وقال قوم: هو ملء مسك
ثور ذهبا، وهو إجماع لقصة عمر مع المرأة التي حجته فقال: كل أحد أفقه من
عمر حتى النساء أفقه من عمر.
وروي أن عمر تزوج أم كلثوم بنت علي عليه السلام فأصدقها أربعين ألف
250

درهم، وأنس بن مالك تزوج امرأة على عشرة ألف، وكان ابن عمر زوج بنات
أخيه عبيد الله كل واحدة على عشرة ألف، وتزوج الحسن بن علي عليه السلام
امرأة فأصدقها مائة جارية مع كل جارية ألف درهم، وتزوج مصعب بن الزبير
عائشة بنت طلحة فأصدقها مائة ألف دينار، فقتل عنها فتزوجها رجل من تميم،
فأصدقها مائة ألف دينار.
والمستحب فيه التخفيف بلا خلاف، لما روي عن عائشة أن النبي
صلى الله عليه وآله قال: أعظم النكاح بركة أيسره مؤونة، وروى ابن عباس أن النبي
صلى الله عليه وآله قال: خيرهن أيسرهن صداقا.
والمستحب عندنا ألا يتجاوز السنة المحمدية خمس مائة درهم، وبه قال
جماعة، وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه ما أصدق امرأة من بناته أكثر من
ثنتي عشرة أوقية ونش.
ويجوز أن تكون منافع الحر مهرا مثل أن يخدمها شهرا أو على خياطة ثوب
أو على أن يخيط لها شهرا، وكذلك البناء وغيره وكذلك تعليم القرآن والشعر
المباح، كل هذا يجوز أن يكون صداقا وفيه خلاف.
غير أن أصحابنا رووا أن الإجارة مدة لا يجوز أن تكون صداقا لأنه كان
يختص موسى عليه السلام.
فإذا ثبت أن منفعة الحر وتعليم القرآن يجوز أن يكون صداقا فالكلام في
التفريع عليه، وجملته أنه إذا أصدقها تعليم قرآن فلا يجوز حتى يكون القرآن
معلوما، إن أصدقها تعليم سورة عين عليها، وإن كان تعليم آيات عينها، لأن ذلك
يختلف، وهل يجب تعيين القراءة؟ وهي الحرف الذي يعلمها إياه على وجهين:
أحدهما لا يجب، وهو الأقوى، لأن النبي صلى الله عليه وآله لم يعين على الرجل.
والوجه الآخر لا بد من تعيين الحروف لأن بعضها أصعب من بعض.
فمن قال: إنه شرط، فإن ذكره وإلا كان فاسدا ولها مهر مثلها، ومن قال:
ليس بشرط، لقنها أي حرف شاء، وإن شاء بالجائز وهو الصحيح عندنا، لأن
251

التعيين يحتاج إلى دليل.
فإذا ثبت أنه يصح كان لها المطالبة بأي موضع شاءت، فإن أصدقها تعليم
سورة بعينها وهو لا يحفظها، بأن قال: على أن أحصل ذلك لك، صح لأنه
أوجبها على نفسه في ذمته، وإن قال: على أن ألقنك أنا إياها، قيل فيه وجهان:
أحدهما يصح لأن الحق وجب في ذمته فلا يلزم أن يكون مالكا له، والثاني لا
يصح لأنه لا يصح أن يصدقها منفعة شئ بعينه، وهو لا يقدر عليها، كما لو
أصدقها منفعة عبد لا يملكه، فإنه لا يصح.
فإن أصدقها تعليم سورة بعينها فاتت بغيرها فقالت: لقني هذه مكان تلك،
لم يكن لها مطالبته بذلك، وإن أتت بآخر وقالت: لقني هذا، فهل لها مطالبته
بذلك أم لا؟ على وجهين:
أحدهما: لها ذلك، لأنها قد استحقت، فكان لها أن تستوفيها بنفسها
وبغيرها، كما لو اكترت دابة للركوب فلها أن تستوفيها بنفسها وبمن يقوم مقامها
وبغيرها.
الثاني: ليس لها ذلك لأن الذي لزمه إيقاع منفعة في عين فلا يلزمه العدول
إلى غيره كما لو أصدقها خياطة ثوب بعينه لا يلزمه خياطة مثله، ولأنها ربما كانت
أذكى منه فتتلقن أسرع فيكون أخف عليه.
فإن أصدقها تعليم سورة من القرآن ثم اختلفا فقال: قد علمتك، فأنكرت
فإن كانت لا تحفظها، فالقول قولها مع يمينها، لأن الأصل أنه ما لقنها، وإن
كانت حافظة لها وقالت: إني حفظتها من غيره، فعلى وجهين: أحدهما القول
قولها، لأن الأصل أنه ما لقنها وهو الأقوى، والثاني القول قوله، لأنها ما كانت
تحفظها، وهي الآن تحفظها فالظاهر أنها منه حفظت.
فإذا أصدقها تعليم سورة فلقنها فلم يتحفظ لها شئ، أو حفظتها من غيره،
فالحكم فيهما واحد، أو يكون أصدقها شيئا بعينه فهلك قبل القبض، كما لو
أصدقها عبدا فمات العبد، فيها قولان: أحدهما لها أجرة مثل تعليم ذلك وقيمة
252

العبد، وهو الذي يقتضيه مذهبنا، والآخر يفسد المسمى لأنه تعذر أداءه ووجب
مهر المثل.
فإن أصدقها تعليم سورة بعينها فالكلام فيما تصير به قابضة لذلك مستوفية
نظرت: فإن لقنها دون آية فنسيت فما استوفت شيئا لأن الذي كان منه مذاكرة
فلا يعتد بذلك، وإن لقنها السورة كلها كان استيفاء وقبضا لأنه النسيان من
تفريطها.
وإذا لقنها آية فهل تكون قابضة للآية؟ قيل فيه وجهان: أحدهما تكون
قابضة وهو الأقوى، والثاني لا تكون قابضة لأقل من ثلاث آيات، لأن أقل ما يقع
به الإعجاز ثلاث آيات مثل سورة قصيرة، فكأنها إن لقنها بعض آية لم يكن
قبضها، وإن لقنها كلها أو ثلاث آيات كان قبضا، وإن كان أقل من ثلاث آيات
فعلى الوجهين.
فإن تزوج مسلم كتابية على أن يلقنها سورة من القرآن، فإن كان ذلك
للتبصر والنظر والاهتداء وطمع الزوج بإسلامها صح، وإن كان إنما تريد
المباهاة بأنها تحفظ قرآن المسلمين، لم يصح، وكان المهر فاسدا، ويلزمه مهر
المثل إذا دخل بها عندنا.
فإن تزوج مشرك مشركة على أن يلقنها التوراة والإنجيل، فالمهر فاسد،
لأنه كلام مبدل مغير، فلا يصح أن يكون صداقا، وإن ترافعوا إلينا وكان قبل
التقابض أفسدنا المهر، ولها مهر مثلها، وإن كان بعد التلقين حكم بأنه قبض
واستيفاء، لأنه قبض منهم فهو كالميتة والدم ولحم الخنزير.
فأما إن تزوج مسلم كتابية على أن يلقنها شيئا من التوراة فالمهر فاسد، لأنه
مبدل منسوخ، والحاكم يفسخ ذلك، سواء كان ذلك قبل التعليم أو بعده،
لأن هذا ليس بصداق عند المسلم.
وإن كان الصداق تعليم شعر، فإن كان هجوا أو فحشا لم يصح، وكان لها
مهر مثلها، وإن كان حكما وزهدا في الدنيا صح.
253

إذا أصدقها تعليم سورة معينة ثم طلقها فلا يخلو: أن يكون بعد التلقين أو
قبله، فإن كان بعده، فإن كان بعد الدخول فقد وفاها الصداق، واستقر بالدخول،
وإن كان قبل الدخول رجع عليها بنصف أجرة مثل ما علمها، لأن العين غير
موجودة، وإن طلقها قبل التعليم، فإن كان بعد الدخول فقد استقر التعليم عليه،
وإن كان قبل الدخول استقر نصف التعليم عليه.
وهل له أن يلقها ما استقر عليه؟ قيل فيه وجهان: أحدهما له ذلك من وراء
حجاب، وهو الأقوى عندي، والثاني ليس له تلقينها لأنها أجنبية، فإذا خاطبها
ولقنها لا يؤمن الافتتان بها، وهو الأقوى عندهم.
فمن قال " يلقنها " فلا كلام، ومن قال " لا يلقنها " كان بمنزلة الصداق
المعين تلف قبل القبض وهو على قولين عندهم: أحدهما يرجع إلى بدل التالف،
والثاني يبطل ولها مهر المثل.
وأما إذا أصدقها أن يجيئها بعبدها الآبق كان ذلك باطلا عند أكثرهم، وقال
بعضهم: إنه جائز، والأول أقوى، فمن قال: باطل، كان لها مهر المثل، وله عليها
أجرة مثل المجئ بالآبق، وإن كان موضع العبد الآبق معروفا صح الصداق،
فإن طلقها قبل الدخول بها رجع عليها بنصف أجرة مثل المجئ من ذلك
المكان، ويجئ مثل تعليم القرآن حرفا بحرف إذا كان الموضع معروفا.
إذا أصدقها خياطة ثوب بعينه، فيه ثلاث مسائل: إحداها يهلك الثوب،
والثانية يعطل الخياطة والثالثة يكونان على السلامة.
فإن هلك الثوب بطل الصداق ولها مهر المثل، وفيهم من قال: إنه لا يبطل
الصداق، والذي يقتضيه مذهبنا أن نقول: لها مثل أجرة خياطة ذلك الثوب دون
مهر المثل، وكذلك في كل مهر معين إذا تلف فإنه يجب قيمتها ولا يجب مهر
المثل.
فأما المهر إذا كان فاسدا فإنا نوجب مهر المثل بلا شك ويستقر بالدخول
جميعة وبالطلاق قبل الدخول نصفه، هذا عقد مذهبنا، فمن قال في هذه المسألة:
254

لا يبطل، يقول: إنه يأتي ببدل مثله يخيط مكانه، ومن قال: يبطل، قال قولين:
أحدهما لها مهر المثل، والثاني لها بدل ذلك الشئ، فعلى هذا لها أجرة مثل هذا
الثوب، وهذا مثل ما قلناه.
وإن تعطل الخياطة أو زمن فهل يبطل الصداق؟ نظرت: فإن شرط أن
يحصل لها خياطة الثوب لم يبطل، وإن كان شرط أن يخيطه بنفسه بطل
الصداق، لأنه علقه بشئ بعينه.
وإن كانا معا سالمين فطلقها فالحكم على ما فصلناه إذا كان الصداق سورة
من القرآن حرفا بحرف.
إذا أصدقها صداقا ملكته بالعقد كله، وكان من ضمان الزوج، فإن تلف في
يده قبل القبض كان من ضمانه، فإذا قبضته كان من ضمانها، فإن دخل بها
استقر، فإن طلقها قبل الدخول عاد نصف الصداق إليه، فإن كان له نماء كان لها
من حين ملكته بالعقد حتى يدخل بها أو يطلقها، وإن هلك بعد القبض كان من
ضمانها.
وقال بعضهم: إن الصداق في يدها أمانة، والأول أقوى، لأنه روى أصحابنا
أنه إذا أصدقها غنما حاملا فولدت ثم طلقها قبل أن يدخل بها رجع بنصف الغنم
ونصف أولادها، وإن حملت الغنم عندنا لم يكن له من أولادها شئ، ويرجع في
نصف الأمهات.
إذا طلقها قبل الدخول بها بعد القبض لا يخلو من أحد أمرين: إما أن يكون
الصداق قائما أو تالفا.
فإن كان تالفا، فإن كان له مثل كالأثمار والحبوب والأدهان فله نصف
مثله، وإن لم يكن له مثل كالثوب والعبد فله نصف قيمته، وعليها أقل الأمرين من
قيمته يوم القبض ويوم العقد، فإن كانت قيمته يوم العقد أكثر منها حين القبض
لم يكن له إلا نصف قيمته يوم القبض، لأن ما نقص قبل القبض كان من ضمانه،
فلا يضمنها ما هو من ضمانه، وإن كانت القيمة يوم القبض أكثر رجع بذلك يوم
255

العقد، لأن ما زاد بعد العقد لها، فلا يضمنها ما هو ملكها ومالها.
وإن كان الصداق قائما فلا يخلو من أربعة أحوال: إما أن يكون بحاله أو
ناقصا أو زائدا أو ناقصا من وجه زائدا من وجه.
فإن كان بحاله لم يزد ولم ينقص، فله نصفه.
وإن كان ناقصا نقصان عين لا نقصان قيمة، مثل أن كان بصيرا فعمي أو
صحيحا فزمن، أو كان يحسن القرآن فنسي، فالزوج بالخيار بين أن يرجع
بنصفه أو بنصف القيمة، فإن اختار نصفه كان له، وإن اختار القيمة كان له لقوله
تعالى " فنصف ما فرضتم " وهذا غير ما فرض، فكان حقه في القيمة فإن أخذ
النصف فلا كلام، وإن طالب بنصف القيمة كان كالتالف عندها، وكان له أقل
الأمرين من نصف قيمته يوم الصداق ويوم القبض على ما مضى.
وإن كان زائدا فالزيادة ضربان: متميزة وغير متميزة، فإن كانت متميزة مثل
أن كانت بهيمة فنتجت، أو جارية فولدت، أو شجرة فأثمرت كان النماء لها دونه،
لأنه نماء في ملكها، وإن كان النماء غير متميز كالكبر والسمن وتعليم القرآن
كانت بالخيار بين أن تعطيه نصفه بزيادته، أو تمسكه ويكون له نصف القيمة.
فإن اختارت أن تعطيه النصف بحاله لزمه القبول، لأنه حقه وزيادة، وإن
اختارت الإمساك كان لها، لأن الزيادة لها غير متميزة، فلا تجبر على تسليم مالها
في حقها، وليس هاهنا نماء غير متميز لا يتبع الأصل ويمنع الرجوع إلا في هذه
المسألة، ويقوي في نفسي أن له الرجوع بنصفه مع الزيادة التي لا تتميز لقوله
تعالى " فنصف ما فرضتم " وإن كان الأول قويا أيضا.
وأما إن كان زائدا من وجه ناقصا من وجه، مثل أن كان صغيرا فكبر فالكبر
في العبد نقص والصغر زيادة، أو كان يحسن القرآن فنسبه لكنه سمن واستوى
فالأمر موقوف هاهنا على تراضيهما، فإن تراضيا برد النصف فذلك، وأيهما امتنع
لم يجبر الآخر عليه.
فإن اختار الزوج الرجوع وأبت كان لها لأنه زائدة، ولها منعه لأجل
256

الزيادة، وإن اختارت دفع نصفه بزيادة، لم يجبر عليه لأنه ناقص فلا يجبر على
أخذ نصفه ناقصا، فإن تراضيا على شئ، فذلك، وإن أبت التسليم كان كالتالف
فيكون له عليها نصف القيمة أقل ما كانت قيمته من حين العقد إلى حين القبض،
هذا إذا كان بعد القبض.
فأما إن كان قبل القبض، فإن كان بحاله فلها نصفه، وإن كان ناقصا كانت
بالخيار بين قبض نصفه ناقصا وبين أن تترك، فإن اختارت نصفه فلا كلام، وإن
لم يفعل كان كالتالف في يده قبل القبض فيكون على قولين: أحدهما نصف
مهر مثلها، والثاني لها نصف قيمة المهر كالتالف في يده سواء.
وإن كان زائدا زيادة متميزة فالزيادة لها، ولها نصف الأصل، وإن كانت
غير متميزة فهي بالخيار بين أن تأخذ الكل بزيادته، وبين أن تترك وتأخذ نصفه،
فالحكم هاهنا إذا كان قبل القبض كالحكم فيه إذا كان بعد القبض.
فأما إن كان زائدا من وجه ناقصا من وجه فهاهنا يختلف، فيكون الخيار لها
إن اختارت أخذ كله بزيادة والرضا بنقصانه كان لها، وليس له الامتناع عليها،
لأن الزيادة لها ونماء ملكها، وإن تركت نصفه عليه بزيادة ونقصانه كان لها
ذلك لأن النقصان في يده وقد رضيت بتسليم حقها والزيادة إليه، فلهذا كان إليها
بكل حال.
وكل موضع قلنا حق الزوج في القيمة، فإنما له أقل الثمنين من قيمته يوم
العقد ويوم يأخذ العبد، فإذا طلقها قبل الدخول كان له نصف الصداق، وبما ذا
يدخل في ملكه؟
قال قوم: يدخل في ملكه بالطلاق من غير اختياره، وقال آخرون: لا
يدخل بغير اختياره، وإنما يصير بطلاق قبل الدخول كالشفيع، فإنه بالبيع
ملك أن يملك كذلك الزوج ملك أن يملك إلا الميراث، وليس هذا بميراث،
والأول أقوى لقوله تعالى " فنصف ما فرضتم ".
وفائدة الوجهين إذا قال: يدخل في ملكه بغير اختياره، كان ما حدث من
257

النماء بينهما، ومن قال: يملكه باختياره، كان الحادث من النماء من حين الطلاق
إلى الاختيار لها وحدها تنفرد به، لأنه نماء ملكها.
إذا أصدقها نخلا حائلا، فطلقها قبل الدخول بها والنخل مطلعة، فيه سبع
مسائل:
إحداها: لها إمساكها بحملها، ومنعه من الرجوع في النصف، ويكون حقه
في القيمة، لأن الصداق قد زاد زيادة غير متميزة، فهو كالسمن وتعلم القرآن
ونحوه.
الثانية: بذلك رد النصف إليه بزيادته فلا يخلو من أحد أمرين: إما أن يكون
الطلع مؤبرا، أو غير مؤبر، فإن لم يكن مؤبرا أجبرناه على القبول لأنها زيادة غير
متميزة، فهو كالسمن وتعلم القرآن، فبذلت نصفها بزيادتها لزمه قبولها، وإن كان
الطلع مؤبرا فبذلت النخل بزيادته، فهل يجبر على قبوله أم لا؟ المذهب أنه يجبر
عليه، لأنها زيادة متصلة بالنخل، فهي كالطلع قبل أن يؤبر.
ومن الناس من قال: لا يجبر عليه، لأن الطلع بعد التأبير كان النماء
المتميز فهو كما لو كان الصداق شاة فولدت، فأرادت رد نصفها ونصف النماء،
لم يجبر على القبول، وقال قوم: هذا غلط، لأن الطلع وإن كان بعد التأبير
كالنماء المتميز، فإنه متصل بالنخيل غير منفصل عنه، فهو كالذي لم يؤبر.
الثالثة: قال لها: اقطعي الثمرة دون النخيل لأرجع في نصفها فارغة عن
الثمرة، لم تجبر على هذا لقوله عليه وآله السلام: ليس لعرق ظالم حق، وهذا
عرق عادل.
الرابعة: قالت هي: وأنا أفرع النخيل بقطع الثمرة وارجع أنت في نصفها
بعد هذا، قال قوم: يجبر الزوج على قبول هذا إذا كان القطع لا يضر بالنخيل في
المستقبل، وهكذا لو كانت جارية فسمنت ثم هزلت، فعليه قبض نصفها، لأنه لا
مانع هناك وقد عاد النصف بحاله.
الخامسة: قالت له: اصبر عن الرجوع حتى تدرك الثمرة وآخذها ثم تأخذ
258

نصف النخل، قال قوم: لم يجبر عليه، لأن حقه معجل على الفور، فلا يجب عليه
تأخيره.
السادسة: قال لها: قد رضيت بتأخير الرجوع اليوم وبذلت لك أن تبقي
ثمرتك على النخل حتى إذا جذذت رجعت في النصف، لم نجبرها على هذا، لأن
الصداق إذا كان زائدا زيادة غير متميزة فحقه في القيمة، وليس لها الرجوع
بالعين.
السابعة: إذا قال: أنا أرجع في النصف وأقبضه ليزول عنك الضمان، ثم
أدفعه إليك يكون حقي أمانة في يدك والثمرة كلها لك عليه إلى حين الجذاذ،
فهل تجبر على هذا؟
قال قوم: نجبرها عليه، لأنه لا ضرر عليها فيه، بل لها فيه النفع، وهو الزيادة
في ثمرتها، ومنهم من قال: لا نجبرها لأنها لا تأمن أن يرجع عليها فيما بذله في
وقت حاجة الثمر إلى البقاء، فيكون قد أضر بها فلذلك لم يجبرها، هذا في
النخل.
فإن كان شجرا غير النخل حائلا فأثمر ففيه المسائل السبع حرفا بحرف،
ويكون النور في الشجر بمنزلة التأبير في النخل.
إذا كان الصداق أرضا فحرثتها أو زرعتها أو غرستها ثم طلقها، فإذا كربت
الأرض فهذه زيادة غير متميزة، فهي كالنخل يطلع ويطلقها قبل الأبار، فإن
اختارت الإمساك وردت نصف القيمة كان لها، وإن اختارت تسليمها بزيادتها
إليه لزمه القبول، لأنها زيادة غير متميزة.
وإن كان قد زرعت ففيها المسائل السبع حرفا بحرف إلا مسألة، وهي إذا
قالت: أنا أرد عليك نصف الأرض نتصرف فيها ونزرعها، فإنا لا نجبره على هذا
لأن الزرع في الأرض يضر بها فهو نقصان فيها فلا يلزمه قبوله، وليس كذلك
الطلع في النخل لأن كون الطلع في النخل ليس بنقصان فلهذا أجبرناه على
القبول، ولأن الزرع فيها عين مالها قد أودعته فيها فلا يلزمه أن يقبل منها عين مال
259

قائم، وليس كذلك الطلع لأنه نماء من أصل النخل.
وإن كانت غرستها ثم طلقها، فالحكم فيها كالحكم في الزرع حرفا
بحرف، وفيها مسائل النخل السبع إلا مسألة على ما شرحناه حرفا بحرف.
وإن كان الصداق أرضا فزرعتها ثم طلقها وقد حصدته، فحقه في الأرض
نصفه لأن الصداق بحاله إلا أن يكون الزرع أضر بها فلا يجبره على قبولها ناقصة
أو زائدة بالزرع، فإنه قد تكون مختلفة قبل الزرع فيستوي به.
وإن طلقها قبل الحصاد والزرع مستحصد فقال: أنا أحصده وخذ نصف
الأرض، أجبرناه على هذا إن لم يكن نقصان كما نقصان كما قلنا في النخل إذا رضيت بقطع
الثمرة أجبرناه على القبول كذلك هاهنا.
إذا كان الصداق جارية حاملا فولدت أو بهيمة فولدت في يده قبل القبض
ثم طلقها قبل الدخول فإن نصف الصداق يعود إليه.
ولا تخلو الجارية وولدها من أربعة أحوال: إما أن يكونا قائمين، أو تكون
الأم قائمة والولد تالفا، أو الولد قائما والأم تالفة، أو يكونا تالفين.
فإن كانا قائمين فالولد لها، لأنه نماء ملكها ثم ينظر، فإن كان بحاله لم يزد
ولم ينقص، أو كان زائدا كان لها، وإن كان ناقصا فإن كانت طالبته بتسليمه
فمنع فعليه ما نقص الولد قولا واحدا، وإن لم يكن طالبته فهل عليه ضمان ما
نقص؟ قيل فيه وجهان يبني على ما إذا تلف الولد فإنه على قولين.
وأما الكلام في الأم فإن كانت قائمة بحالها لم تزد ولم تنقص، فهي لها
يرجع الزوج عليها بنصفها لأنه طلقها قبل الدخول، فإذا لم تزد ولم تنقص فحقه
في نصفها، فإن زادت فحقه في نصف القيمة إلا أن تختار دفع ذلك النصف إليه
زائدا فيكون ذلك له.
وإن كانت ناقصة نظرت: فإن كانت طالبته بالتسليم فأبى فعليه أرش
النقص، وإن لم تكن طالبته بذلك أو طالبته فلم يمنع، قيل فيهما قولان:
أحدهما: لا يضمن وهو بالخيار بين أن يقبض نصفها ناقصة أو يطالب
260

بنصف القيمة.
والقول الثاني أنه كالغاصب إلا في المأثم، يعني أن الذي لها نصف الجارية
ناقصة وعليه أرش النقص، كما لو غصبها جارية فنقصت كذلك هاهنا.
فمن قال: لها نصف الصداق وأرش النقصان - وهو الأقوى - فلا كلام،
ومن قال بالخيار نظرت: فإن اختارت الإمساك أمسكت ولها أرش النقص، وإن
اختارت الفسخ فسخت، فيكون كالصداق التالف قبل القبض.
وإن كان الولد تالفا والأم قائمة، فالحكم في الأم على ما مضى، إن كانت
بحالها فلها النصف، وإن نقصت عن منع بعد المطالبة ضمن النقص لها، وإن
نقصت من غير منع فعلى ما مضى من القولين.
وأما الولد فقد هلك ينظر فيه: فإن كانت طالبته به فمنع ضمن، وإن تلف
من غير منع فعلى قولين: أحدهما يضمن لأنه تولد عن عين مضمونة فهو كولد
المغصوبة، والثاني لا يضمن لأن ضمان الأم ضمان بالثمن وهو لا يقابله بدل ولا
ثمن، فلم يكن مضمونا، ويفارق ولد المغصوبة لأنه منعه بإمساكه فهو كأمه،
وهكذا في ولد العارية وجهان.
وأما إن كانت تالفة والولد قائما، فإذا تلفت الأم فهو صداق بعينه تلف قبل
القبض، فعلى قولين: أحدهما لها بدل الصداق، وهو الأقوى، والثاني لها مهر
مثلها، فمن قال: لها بدله، فلها نصف القيمة، ومن قال: مهر المثل، فعليه نصف
مهر المثل.
والولد يبني على هذين القولين، فمن قال: ما بطل الصداق ولها بدله، قال:
الولد هاهنا لها لأنه نماء ملكها، ومن قال: لها مهر المثل، فالولد لا حق لها فيه،
وفيهم من قال: الولد لها لأنه نماء ملكها الذي يتفرد به تميز في ملكها قبل انقراض
ملكها فكان لها.
وإذا كانا تالفين فالحكم في الأم مضى، وهو أنه صداق هلك قبل القبض
فعلى قولين، والكلام في الولد مبني عليه لو كان حيا وقد مضى، ومن قال: الولد
261

لها، إن كانت طالبته فعليه ضمانه، وإن لم تكن طالبته فعلى القولين.
وإن كان الصداق جارية حائلا فحملت بمملوك، ثم طلقها قبل الدخول
فهذا صداق زائد من وجه بالحمل، ناقص من وجه لأن الحمل في بنات آدم
نقص فتكون الزوجة بالخيار بين ثلاثة أشياء: بين أن تمسك الكل أو ترد الكل
أو تمسك النصف وترد النصف.
فإن أمسكت الكل كان لها لأنها زادت زيادة غير متميزة، فإن اختارت
إمساكها ولها نقصان كان له عليها نصف قيمتها، أقل ما كانت قيمتها يوم العقد
إلى حين الطلاق لما مضى، وإن اختارت رد الكل كان لها لأنها ملكتها بعقد
معاوضة، فإذا نقصت قبل القبض كان لها الرد كالمبيع إذا نقص في يد البائع.
فعلى هذا إذا ردت كانت كالتالفة قبل القبض فيكون على القولين: أحدهما
لها نصف القيمة، والثاني لها نصف مهر المثل، وتكون القيمة هاهنا أكثر الأمرين
من حين العقد إلى حين الطلاق، لأن ما نقص كان من ضمانه، فكان لها الرجوع
عليه بأكثر الأمرين.
وإن اختارت رد النصف وإمساك النصف كان لها، أما رد النصف فلأنها
من النقص، وإمساك النصف لأنها قد أحسنت بقبولها ناقصة.
وإن أصدقها جارية حاملا بمملوك ثم طلقها قبل الدخول وقد وضعت
حملها فالكلام في الولد والأم.
فأما الكلام في الأم فإن كانت لم تزد ولم تنقص فلها نصفها، ويعود إليه
نصفها، وإن كانت نقصت فإن كانت طالبته فمنع فعليه ما نقص، وإن كان
النقص من غير مطالبة فعلى قولين، فمن قال: ليس عليه ما نقصت، قال: لها
الخيار بين قبولها ناقصة ولا شئ معه وبين الرد، ومن قال: تطالب بالأرش،
أمسكت النصف وطالبت بالأرش.
فأما الكلام على الولد فإنه يبني على الحمل، هل له حكم أم لا؟ وذلك على
قولين: أحدهما لا حكم له بوجه، ويكون الولد كاليد والرجل، فإذا انفصل فكأنه
262

نماء تجدد وتميز حال الانفصال، والثاني له حكم فكأنه أصدقها عينين متميزتين.
فإذا قيل: لا حكم له، فكأنه نماء حدث وتميز حين وضعت الجارية لها
تنفرد بها، وكان هذا النماء لها دون الزوج بلا إشكال، فعلى هذا لا يمكنه
الرجوع في نصف الجارية، لأنه لا يمكن التفرقة بينها وبين ولدها، فإذا لم يكن
كانت كالتالفة في يدها، فيكون لها عليه نصف القيمة، وقال قوم: تباع هي
وولدها لهما، فيكون لها قيمة الولد من الثمن والباقي بينه وبينهما نصفان.
وإذا قيل: له حكم، فهذه عين هي صداق وقد زادت في يده، فتكون المرأة
بالخيار بين أن ترد عليه نصف الولد بزيادته، وبين أن تمسك الولد لأجل الزيادة
فلا ترده، فإن ردت النصف حصلت الجارية بينهما نصفان.
فإن اختارت إمساك الولد فهل يقوم عليها فيكون لها نصف قيمة الولد أم
لا؟ على وجهين:
أحدهما: لا يقوم عليها، لأنه لا يمكن ذلك، فإنك إن أردت تقويمه قبل
الوضع لم يصح لأنه مجهول، وإن قومته حين وضعت لم يجز، لأنه زاد في ملكها
فلا يقوم عليها ملكها ويسقط تقويمه ويكون على ما مضى إذا قيل لا حكم للحمل.
والوجه الثاني: يقوم عليها لأنه لا يجوز أن يصدقها عينين فيطلقها قبل
الدخول بها، ثم يرجع في نصف إحديهما دون الأخرى، فإذا لم يجز هذا كان
تقويمه حين وضعت حيا لأنه كان ينبغي أن يقوم حين العقد فتعذر ذلك لكونه
مجهولا يومئذ، فوجب أن يقوم وقت إمكان التقويم، وهو حين وضعته.
كمن تزوج بحرة فبانت أمة فولدها حر لاعتقاده وعليه قيمة الولد، لأنه أتلف
رقبة على سيده باعتقاده، فاقتضى تقويمه حين العلوق، فلم يمكن فقومناه حين
الوضع لأنه أول وقت إمكان التقويم، ولم يمنع من تقويمه عن زيادة حصلت
حال الحرية، فكذلك هاهنا.
وإذا قيل: لا قيمة عليها، لم يكن له الرجوع في نصف الأم لما مضى، وعلى
هذا أبدا متى لم يمكن الرجوع إلا بالتفرقة بينها وبين حملها لم يفرق بينهما.
263

إذا أصدقها شيئا بعينه كالثوب والعبد ونحو ذلك فتلف قبل القبض سقط
حقها من عين الصداق، لأن عينه قد هلكت، والنكاح باق ويجب لها مثله إن كان
له مثل، وإن لم يكن له مثل فقيمته، وفي الناس من قال: لها مهر المثل.
وإن كان الصداق دارا فاحترقت أو خالعها على صداق بعينه فتلف في يدها
كان له عليها مهر مثلها عند من قال: لها مهر المثل، وعلى ما اخترناه له قيمته مثل
الأولى سواء.
فمن قال: لها مهر المثل، فتلف، لم يخل من ثلاثة أحوال: إما أن تتلفه
الزوجة أو يتلفه أجنبي أو يتلفه الزوج، فإن أتلفته المرأة كان إتلافها كالقبض،
وإن أتلفه أجنبي كان بالخيار بين أن تطالب الأجنبي بالبدل، وبين أن تفسخ
ولها مهر المثل على زوجها، وإن كان المتلف الزوج أو تلف بأمر سماوي لها مهر
المثل على قول من اعتبر المثل.
وعلى ما قلناه من اعتبار القيمة، فإن أتلفته الزوجة فهو قبض، وإن أتلفه أجنبي
كان لها بدله عليه، مثله إن كان له مثل، أو قيمته إن لم يكن له مثل، وإن أتلفه
الزوج أو تلف بأمر سماوي الباب واحد، فلها البدل، المثل إن كان له مثل، وإن
لم يكن له مثل فالقيمة.
ومتى تعتبر القيمة؟ نظرت: فإن كانت مطالبته فمنعها فعليه أكثر ما كانت
قيمته من يوم المطالبة إلى يوم التلف، لأنه كالغاصب، وإن تلف في يده من غير
مطالبة، قيل فيه قولان: أحدهما عليه قيمته يوم التلف، وهو الأقوى، والثاني قيمته
أكثر ما كانت من حين العقد إلى يوم التلف لأنه كالغاصب إلا في المأثم.
فإن أصدقها شيئا بعينه ثم ارتدت قبل الدخول بها عاد الصداق إليه، لأن
الفسخ جاء من قبلها قبل الدخول، فإن كان باقيا بعينه بلا زيادة ولا نقصان أخذه
كله، وإن كان قد زاد زيادة متميزة فالفائدة والنماء لها دونه لأنه تميز في ملكها
ويرجع الزوج إلى أصل الصداق، وإن كانت غير متميزة كالسمن والكبر فهي
بالخيار بين أن ترده بزيادته وبين أن تمسكه، فإن اختارت رد جميعه لزمه القبول
264

لأنه عاد حقه إليه زائدا، وإن اختارت إمساكه كان له عليها بدل صداق غير زائد.
وإن أصدقها شيئا بعينه فقبضته وخرج عن ملكه ببيع أو هبة أو غير ذلك
ثم عاد إليها بحاله، ثم طلقها قبل الدخول بها، كان له أخذ نصفه بحاله، لأنه عين
ماله.
إذا أصدقها نخلا حائلا فأثمرت في يده فالثمرة لها دونه، لأنه نماء في ملكها،
فإن لم يسلمها إليها حتى أرطبت فجذها وشمسها فقبل أن يتناهى جفافها أخذها
وقد بقي فيها رطوبة قليلة، فجعلها في براني أو ظروف غيرها وصب عليها صقرا
من صقر نخلها، وهو سيلان الرطب ما لم تمسه النار، فإذا مسته النار فهو الرب،
وهذه عادة أهل الحجاز في الثمار، يحفظونها كذلك في الأواني حتى تبقى
رطوبتها.
فإذا فعل هذا، فهذا رجل غاصب لمالها وقد خلط بعضه ببعض ينظر فيه:
فإن لم تنقص الثمرة ولا الصقر وكانا بحالهما، أو زاد بذلك كان الكل لها، وإن
نقصا أو أحدهما، فإن استقر النقص وتناهي نقصانه فلا ينقص بعد هذا، كان
الكل لها، وتطالبه بأرش النقص، وإن لم يتناه نقصانه بل قيل: هذا ينقص فيما
بعد، فهو كمن غصب طعاما قبله ولم يتناه نقصانه، قال قوم: فهو كالمستهلك،
وقال قوم: يأخذه مالكه، وكلما نقص رجع عليه بما نقص، وهذا أقوى.
وأما إن صب عليها صقرا من صقر نخله دون نخلها، فهو كالغاصب فهاهنا لا
تعتبر زيادة الصقر ونقصانه وإنما تعتبر ثمرتها، فإن لم تزد ولم تنقص أخذتها،
وإن نقصت نقصا مستقرا أخذتها وطالبت بأرش النقص، وإن لم يكن مستقرا
ففيها قولان على ما مضى، هذا إذا كان النخل حائلا.
فأما إن أصدقها نخلا حاملا فيه طلع غير مؤبر فتبع النخل أو طلع مؤبر
فأصدقها النخل وثمرتها معا فالنخل والثمرة جعلا لها صداقا، فإذا جذها فيما بعد
وشمسها وجعل عليها الصقر، فعلى ما مضى، إلا أنهما متى نقصا أو أحدهما الباب
واحد.
265

فهذا صداق نقص قبل القبض، فهي بالخيار بين أن تقبضه ناقصا أو ترد،
فإن اختارت رد الجميع كان كالصداق المعين قبل القبض، وإلى ما ذا يرجع؟
يبني على القولين على ما مضى، فعلى ما اخترناه من ضمانه بالقيمة تضمن النخل
بالقيمة، والثمرة بالمثل، هذا إذا اختارت رد الجميع.
فإن اختارت رد الثمرة وهو ما حصل فيه الصقر وتمسك النخل، فهل لها
ذلك أم لا؟ قيل فيه قولان بناء على تفريق الصفقة، فإذا قيل: لا يفرق، يقال لها:
إما أن تمسكي الكل أو تدعي الكل، وإذا قيل: تفرق، فعلى هذا تمسك النخل
وتكون الثمرة كالتالفة، وإلى ما ذا يرجع؟ على قولين: أحدهما إلى حصة الثمرة
من مهر المثل، وعلى ما اخترناه إلى بدل المردود من الثمرة والصقر، هذا إذا كان
الصقر من عندها.
وإن كان من عنده فالحكم على ما مضى، وكل موضع قلنا تخلص الثمرة
عن الصقر، فإن أجرة التخليص على الزوج، لأنه تعدى بخلطه بعضها ببعض.
إذا كان الصداق أمة معينة ملكتها بالعقد، وليس للزوج وطؤها لأنها
خارجة عن ملكه فإن خالف ووطئ.
فإن كان عالما بالتحريم فعليه الحد، والنسب لا يحلق به وهو مملوك لها،
ولا تصير الأمة أم ولد، والمهر فإن كان مكرها فعليه المهر، وإن طاوعته على
قولين: أحدهما لا مهر لها، وهو الأقوى، لأن النبي صلى الله عليه وآله نهى عن مهر
البغي، والثاني لها المهر لسيدها.
وإن كان جاهلا بتحريمه مثل أن كان في بلاد بعيدة عن الإسلام، مثل جفاة
العرب، أو كان قريب العهد بالإسلام، أو كان مالكيا يعتقد أن نصف الجارية له
قبل الدخول، فلا حد عليه للشبهة، والنسب يلحق به، والولد حر لأنه بشبهة،
وعليه قيمته لها يوم وضعته حيا، وعليه المهر لأنه وطء بشبهة، ولا تصير أم ولد في
الحال لأنها غير ملكه، فإن ملكها فيما بعد فعلى قولين.
ثلاث مسائل تتكرر كثيرا: وهي إن أحبلها بحر في ملكه فهي أم ولد، قولا
266

واحدا، وإن أحبلها بمملوك في غير ملكه ثم ملكها لا تصير أم ولد مثل ذلك،
وإن أحبلها بحر في غير ملكه ثم ملكها فعلى قولين.
وإذا أحبلها الزوج نقصت في العادة فهي بالخيار بين أن تمسكها ناقصة أو
ترد، فإن أمسكتها ناقصة فهل لها أرش النقص؟ على قولين أصحهما أن عليه
الأرش، وفيهم من قال: لا أرش عليه، وإن ردتها كان لها مهر المثل أو القيمة على
ما مضى من القولين.
إذا أصدقها شقصا من أرض أو دار لم يكن للشفيع أخذه منها، وكذلك إذا
خالعها أو صالح عليه وفيه خلاف.
إذا أصدقها شقصا يجب فيه الشفعة، ثم طلقها قبل الدخول بها فيها ثلاث
مسائل:
طلقها وأخذه الشفيع بالشفعة، فلا يرجع عليها بالنصف من الشقص، لأنه
خرج عن يدها، ويكون له عليها نصف قيمة الشقص.
الثانية: طلقها وعفا الشفيع عن الشفعة، فإن الزوج يأخذ النصف من
الشقص.
الثالثة: طلقها قبل علم الشفيع بالنكاح، فالزوج قد ثبت له الرجوع،
والشفيع قد ثبت له حق الشفعة، فأيهما يقدم على صاحبه؟ قيل فيه وجهان:
أحدهما: الشفيع أولى لأن حقه أسبق، فإنه وجب بالنكاح، وحق الزوج
بالطلاق، فعلى هذا يأخذ الشفيع كل الشقص، بمهر المثل، ويرجع الزوج
عليها بنصف قيمة الشقص.
والثاني: الزوج أولى لأن حقه ثبت نصا بالقرآن، وحق الشفيع بالاجتهاد،
فعلى هذا يأخذ الزوج النصف ويبقى النصف يقال للشفيع: إن اخترت أن تأخذ
النصف الباقي بنصف مهر المثل وإلا فاترك.
وهذا المسائل لا تتفرع على ما ذهبنا إليه من أن ما يجعل مهرا لا شفعة فيه.
أربع مسائل تذكر في موضع: إذا جمع بين بيع وصرف، وبيع وإجارة،
267

وبيع وكتابة، وبيع ونكاح.
فأما بيع وصرف، فإن يبيع ذهبا بفضة مع أحدهما عوض من غيرهما، مثل
أن باعه دراهم وثوبا بذهب، أو ذهبا وثوبا بفضة، فالثوب مبيع بالثمن، والذهب
صرف بالفضة، فهما صحيحان عندنا، وفيهم من قال: يبطلان.
فأما إن كان الجنس واحدا ومع أحدهما من غيرهما، مثل أن باعه ثوبا
وذهبا بذهب أو ثوبا وفضة بدراهم، فعندنا يصح وعند بعضهم لا يصح، وإنما
يصح عندنا إذا كان العوض مع الناقص منهما، فإن تساويا ومع أحدهما عوض
لم يصح.
فأما بيع وإجارة فمثل أن يقول: بعتك عبدي هذا وآجرتك داري هذه
شهرا جميعا بألف، وهذا بيع وإجارة، فهما يصحان، وفيهم من قال: يبطلان، فأما
إن قال: بعتك داري هذه وآجرتكها شهرا بألف، فالكل باطل بلا خلاف، لأنه
لا يصح أن يبيعه رقبة الدار وقد آجرها منه، لأن من ملك الرقبة ملك المنافع.
فأما بيع وكتابة فإن يقول لعبده: بعتك عبدي هذا، وكاتبتك بألف إلى
نجمين، فإن البيع يبطل، وأما الكتابة على قولين بناء على تفريق الصفقة،
والصحيح عندنا أن البيع يبطل، لأن بيع عبده من عبده لا يصح، والكتابة
فصحيحة لجواز تفريق الصفقة.
وأما بيع وإجارة فمثل أن يقول: بعني هذا الثوب وتخطيه لي بألف، أو
قال: بعني هذه الحنطة وتطحنها بألف، أو بعني هذه القلعة وتحذوها جميعا
بدينار، فهو كالكتابة سواء، عندنا يصح، وفيهم من قال: لا يصح.
فإذا قلنا صحا معا قسطنا العوض على المبيع ومنفعة الدار، فأعطيناهما بما
يخصه، فإذا كان العوض ألفا وقيمة العبد مائة وأجرة مثل الدار مائة فالعوض
بينهما نصفان، وعلى هذا الحساب.
وإذا قال: زوجتك بنتي وبعتك عبدها هذا جميعا بألف، فهذا بيع
ونكاح، فإنهما يصحان، وقسطنا العوض عليهما بالحصة، ومنهم من قال:
268

يبطلان.
وإن قال: زوجتك بنتي هذه وهذا الألف لك بعبدك هذا، فالعبد بعضه
مبيع وبعضه مهر، فهما صحيحان، ويقسط ثمن العبد عليهما بالحصة، وفيهم من
قال: يبطلان.
إذا كان لبنته ألف فقال لرجل: زوجتك بنتي هذه وملك هذا الألف معا
بهذه الألف من عندك، بطل البيع والمهر معا، لأنه ربا وذلك أنه فضة وبضع
بفضة فبقي النكاح بلا مهر.
فإن كان جنسان فقال: زوجتك بنتي هذه ولك هذه الألف درهم بهذه
الألف دينار، كان هذا نكاحا وصرفا كان صحيحا عندنا، وعندهم على قولين.
إذا أصدقها عبدا فدبرته ثم طلقها قبل الدخول بها فهل له الرجوع في نصفه
أم لا؟ فيه ثلاث مسائل:
إحداها: دبرته ثم رجعت في التدبير بالقول، فعندنا أنه يصح رجوعها،
ويكون نصفه للزوج لأنه عين ماله، وقال قوم: لا يصح الرجوع بذلك وله أن
يأخذ نصف القيمة.
الثانية: دبرتها ثم رجعت في التدبير بالفعل كهبة وإقباض أو بيع أو وقف
أو عتق، صح الرجوع بلا خلاف، ويكون نصفه للزوج لأنه عين ماله.
الثالثة: طلقها والعبد مدبر فلم يأخذ القيمة حتى رجعت في التدبير بالقول أو
الفعل، كان بالخيار بين أن يرجع إلى نصف العين أو إلى نصف القيمة، وفيهم
من قال: ليس له الرجوع في عينه لأن حقه وجب في القيمة حين الطلاق، وليس
له نقله عن القيمة إلى غيرها إلا برضاها، والأول أقوى لأنه عين ماله.
إذا تزوجها على عبد فبان حرا قيل فيه قولان: أحدهما لها مهر المثل، والثاني
قيمته لو كان عبدا، وهو الأقوى، لأنه أصدقه شيئا بعينه.
فإن أصدقها عبدا فبان مستحقا كان مثل ذلك على القولين أصحهما عندنا
أن لها القيمة، وإن أصدقها عبدا فبان مجهولا أو قال: أصدقتك هذا الخل فبان
269

خمرا، فلها مهر المثل، لأن العبد المجهول لا يمكن الرجوع إلى قيمته، والخمر لا
مثل لها فيلزم مثلها، والخمر لا يقال لو كان خلا كم قيمته؟ فإن مثله لا يكون خلا
ويفارق الحر أن لو كان عبدا، وقد روى أصحابنا أن لها خادما وسطا، وكذلك
قالوا في الدار المجهولة، وهو الذي يفتي به.
وأما إن أصدقها خمرا معينة فالذي يقتضيه مذهبنا أن لها قيمته عند مستحليه.
وإن سمى لها الحر باسمه، فقال: أصدقتك هذا الحر، فلها مهر المثل، لأنه
سمى لها ما لا يجوز أن يكون مهرا فلم يجب قيمته، ويفارق الأول لأن في الأول
سمى لها الخل فبان خمرا، فأوجبنا القيمة عند مستحليه، وهاهنا دخل مع العلم
بأن ما سمى لا يملكه فلا قيمة له.
إذا عقد النكاح في السر بمهر ذكراه ثم عقدا في العلانية بخلافه، فالأول هو
المهر عندنا، وقال قوم: المهر مهر العلانية.
إذا اتفقا على مهر وتواعدا به من غير عقد، فقالت له: جملني حال العقد بذكر
أكثر منه، فذكر ذلك، لزمه ما عقد به العقد، ولا يلتفت إلى ما تواعدا به لأن
العقد وقع صحيحا سرا كان أو علانية.
إذا ادعت أنه نكحها يوم الخميس بعشرين، وشهد لها شاهدان، وادعت أنه
نكحها يوم الجمعة بثلاثين وشهد لها شاهدان فلا فصل بين أن يكون الشاهدان
هما الأول أو غيرهما، ولا فصل بين أن يتفق قدر المهرين أو يختلف، فالكل
واحدا.
فإذا ثبت هذا بالشهادة، ثم اختلفا فقالت: هما نكاحان فلي المهران، وقال
الزوج: نكاح واحد وإنما تكرر عقده، فلك مهر واحد، فالقول قول الزوجة،
لأنه يحتمل ما تدعيه ويحتمل ما يقول هو، لأنه يجوز أن يكون تزوجها ثم بانت
منه بردة أو خلع ثم نكحها نكاحا مستأنفا، فإذا أمكن الأمران معا، فالظاهر معها
لأن الظاهر من العقد إذا وقع أنه وقع صحيحا، وحمله على خلافه خلاف
270

الظاهر، وهكذا لو أقام شاهدين أنه باعه هذا الثوب يوم الخميس بألف، وشاهدين
أنه باعه يوم الجمعة منه بألف أو بألفين، فالقول قول البائع لأن الظاهر معه.
فإذا ثبت أنه يلزم النكاحان فالأولى أن نقول إنه يلزمه المهران معا، وقال
بعضهم: يلزمه مهر ونصف، لأنه يقول طلقتها بعد الأول قبل الدخول، فعلي
نصف المهر ثم تزوجت بها يوم الجمعة، وهذا أقوى، وعلى هذا لو قال: طلقتها
بعد النكاح الثاني قبل الدخول، لم يلزمه أكثر من نصف المهر فيه أيضا.
إذا تزوج أربع نسوة بعقد واحد بألف درهم صح العقد والمهر، وقال
بعضهم: العقد صحيح، والمهر على قولين، وهكذا لو خالعهن دفعة واحدة بألف
صح الخلع بلا خلاف.
وإن كان له أربعة أعبد فكاتبهم صفقة واحدة بألف إلى نجمين، صح عندنا
لأن البدل إذا كان معلوما صح، وإن كان ما يخص كل عين مجهولا كما لو
اشترى أربعة أعبد بألف صح عندهم.
وعند بعضهم أن الصداق باطل في النكاح والخلع، والكتابة باطلة من
أصلها لأن ما يستحق كل واحدة منهن تتقسط على مهر مثلها، وذلك مجهول،
وإذا قلنا: إن العقد صحيح والصداق صحيح، كان لكل واحدة منهن ربع
الألف، وذلك ليس بمجهول، وقال قوم: العقد باطل.
ومن قال: المهر باطل والبذل في الخلع باطل، قال: لزمه عن كل واحدة
مهر مثلها، ويلزم كل واحدة منهن صداق مثلها في الخلع، وإذا قالوا: يصح،
قسط المسمى على مهر المثل فيهن بالحصة، اتفقت مهورهن أو اختلفت.
للوالد أن يتصرف في حق ولده الصغير في النكاح وغيره، ذكرا كان أو
أنثى، فإن كان أنثى فقد مضى الكلام في تزويجها، وإن كان ذكرا فهاهنا موضعه.
فإذا زوج ولده امرأة وأصدقها صداقا، فإن كان الولد موسرا فالمهر في ذمة
الولد دون الوالد، لأن النكاح له بلا خلاف، وإن كان الولد معسرا تعلق
الصداق بذمته لمثل ذلك.
271

وهل يكون الوالد ضامنا له بإطلاق العقد أم لا؟ قيل فيه وجهان: أحدهما لا
يتعلق بذمة الوالد شئ بإطلاق العقد، والثاني يصير الوالد ضامنا بإطلاق العقد
عن ولده لزوجته، وعندنا أنه يلزمه، روي ذلك نصا.
فإذا طلقها الولد قبل الدخول بها لم يخل من أحد أمرين: إما أن يكون
الصداق مقبوضا عنه من الوالد أو غير مقبوض.
فإن كان مقبوضا عاد نصفه إلى ولده، لأن الوالد لما ضمن عنه هذا الصداق
فقضاه عنه كان بمنزلة هبته له وقبضه له من نفسه، ثم قضى ما لزم ولده من
الصداق بمال الولد، فكان الوالد أصدق وأقبض، فإذا طلقها عاد إليه نصفه دون
والده.
وهل لوالده أن يسترجعه؟ عندنا ليس له ذلك، لما مضى في الهبات، وعند
بعضهم إن رجع إليه بدله فلا حق للوالد فيه، وإن رجع إليه الصداق بعينه فعلى
وجهين.
وأما إن لم يكن الوالد أقبضها شيئا فطلقها الولد قبل الدخول برئت ذمة
الوالد عن نصف الصداق، وبقى نصفه عليه.
وأما إن كان الصداق عينا قائمة أصدقها والده عنه مثل أن قال: زوج ابني
بنتك بهذا العبد من مالي، ففعل، صح، فإذا عاد إلى الولد بطلاقها قبل الدخول
نصفه فهل لوالده أن يرجع فيه؟ على ما مضى، هذا إذا كان الولد صغيرا.
فأما إن كان كبيرا فتزوج وأصدق لنفسه لزم المهر في ذمته، فتبرع والده
فقضاه عنه، ثم طلقها قبل الدخول عاد نصف الصداق إلى الولد، وهل لوالده أن
يرجع؟ فعندنا أنه لا يرجع فيه، وكذلك عند المخالف.
إذا تزوج المولى عليه بغير إذن وليه كالمحجور عليه لسفه أو مراهق لصغر
أو مجنون فالنكاح باطل، فإن كان قبل الدخول فلا شئ عليه، وإن كان بعد
الدخول فعليه مهر مثلها، وقال قوم: لا شئ لها لأنها رضيت بتسليم نفسها، فقد
أتلفت بعضها على نفسها، وهذا أقوى.
272

فصل: في التفويض:
التفويض في اللغة جعل الشئ إلى غيره، وأن يكله إليه، يقال: فوضت
أمري إليه، أي فوضته إليه ليدبره، قال الله تعالى: " وأفوض أمري إلى الله إن الله
بصير بالعباد " أي أجعله إليه، وقال الشاعر:
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ولا سراة إذا جهالهم سادوا
فأما التفويض الشرعي فإن ينكح المرأة بغير مهر، فيقال مفوضة، ومفوضة،
فمن قال " بفتح الواو " قال " لأن وليها هو الذي يفوض ذلك، ومن قال
" بكسرها " قال: لأن الفعل لها لأنها تزوج نفسها.
والكلام في العرف الشرعي، وجملته أن المفوضة ضربان: مفوضة المهر
ومفوضة البضع.
فأما مفوضة المهر فإن يذكر المهر مفوضا غير محدود، مثل أن يقول:
زوجتكها على أن تمهرها ما شئت أو ما شئت أو ما شئنا، فإذا عقد على هذا سقط ما
سمياه ووجب مهر المثل عندهم، وسيأتي الكلام عليه.
وأما مفوضة البضع، فإن يعقد النكاح بغير مهر وهو أن يقول: زوجتك
بنتي هذه، فيقبل الزوج، ولا ذكر للمهر، أو يقول: زوجتكها على أن لا مهر لها،
فقبل الزوج على هذا ثبت النكاح صحيحا بغير مهر بلا خلاف، وإن قال: بغير
مهر في الحال ولا فيما بعد، كان النكاح أيضا صحيحا لأن إطلاقه يقتضي المهر،
فإذا شرط أن يكون بغير مهر كان الشرط باطلا، وقال قوم: النكاح باطل لأنها
تصير كالموهوبة، والأول أصح.
فإذا ثبت أن المفوضة على هذين الضربين، فإن إطلاقها يتناول مفوضة
البضع دون المهر، وقال قوم: هما سواء، فإذا ثبت أن إطلاقه ينصرف إلى مفوضة
البضع فالتفريع عليها، فلا يصح أن تكون مفوضة إلا من فوض بعضها بإذنها
واختيارها، وهي الثيب مع كل ولي والبكر في حق غير الوالد والجد، فإذا عقد
لها النكاح بإذنها مفوضة فهي المفوضة التي ذكرناها.
273

فأما من تجبر على نكاح لصغر أو بكارة فلا تكون مفوضة البضع أبدا،
ومتى عقد وليها مفوضة لم تكن مفوضة ووجب مهر المثل بالعقد عند قوم،
وعندنا بالدخول إلا في مسألة وهي الأمة يزوجها سيدها مفوضة فيصح هذا وإن
كان ذلك عن إجبار لأن السيد هو الذي اختار ذلك، والمهر له، فلهذا صح أن
تكون مفوضة.
فكل موضع حكمنا بأنها مفوضة لم يجب لها بالعقد مهر ولا المطالبة بالمهر
لأن المهر ما وجب، لكن لها المطالبة بفرض المهر، والمهر يجب لها بالفرض
منهما أو من الحاكم أو الدخول بها قبل الفرض أو بالموت عند من قال: إن
الموت كالدخول.
فإذا ثبت هذا وطلقها زوجها، فإما أن يكون بعد الفرض أو قبله، فإن كان
بعد الفرض فالكلام عليه يأتي، وإن كان قبل الفرض فلا مهر لها عند بعضهم،
لكن يجب لها المتعة، وهو الذي نختاره، وكم قدر المتعة؟ يأتي، وفيه خلاف.
فأما مقداره ففيه مستحب وفيه واجب، فالمستحب أن يمتعها بخادم، فإن لم
يجد فمقنعة فإن لم يجد فثلاثين درهما، وأما مقدار الواجب فعلى ما يفرضه
السلطان، والاعتبار بهما جميعا عندنا، وقال قوم: الاعتبار به لقوله: " ومتعوهن
على الموسع قدره وعلى المقتر قدره "، وهذا هو الأقوى، وفيهم من قال: الاعتبار
بها بحسب يسارها وإعسارها وجمالها، وقال قوم: قدر المتعة ثلاثة أثواب: درع
وخمار وملحفة.
هذا إذا طلقها قبل الفرض وقبل الدخول.
فأما إذا طلقها بعد الفرض وقبل الدخول مثل أن اتفقا على الفرض وهما
يعلمان قدر مهر المثل أو ترافعا إلى السلطان ففرض لها المهر، فمتى فرض لها
المهر بعد العقد كان كالمسمى بالعقد تملك المطالبة به.
فإن دخل بها أو مات استقر ذلك، وإن طلقها قبل الدخول سقط نصفه عنه
ولها نصفه، ولا متعة عليه، وفيه خلاف.
274

فأما إذا وقعت الفرقة بالوفاة نظرت: فإن مات أحدهما بعد الفرض استقر
بالوفاة، وإن مات أحدهما قبل الفرض وقبل الدخول ورثه الآخر، وإن مات
الزوج فعليها العدة، وأما المهر فمتى مات أحدهما فعلى قولين: أحدهما لها مهر
المثل، والثاني لا مهر لها، وهو الصحيح، عندنا وفيه خلاف.
مفوضة البضع لا تملك بالعقد مهرا أصلا، وإنما تملك بالعقد أن تملك،
وما ذلك المهر؟ قال قوم: هو مهر المثل، وقال آخرون: ما يتقدر بالفرض، وهذا
هو الصحيح عندنا.
فأما بالدخول فإنه يجب مهر المثل بلا خلاف.
وأما الفرض ففرضان: فرض الحاكم وفرض الزوجين، فأما فرض الحاكم
فلا يجوز له أن يفرض إلا مهر المثل بحال، ولا يجوز له أن يفرض مهر المثل إلا
بعد العلم بمهر مثلها، فأما فرض الزوجين فلا يخلو حالهما من أحد أمرين: إما أن
يعلما مبلغ مهر المثل، أو لا يعلما.
فإن كانا به عالمين فإن اتفقا على فرض مهر المثل صح ولزم، لأنهما فعلا ما
هو الواجب، وإن اتفقا على فرض هو دون مهر المثل صح ولزم أيضا، وعلمنا أنها
تركت بعض حقها، وإن اتفقا على فرض أكثر من مهر المثل صح ولزم أيضا،
وعلمنا أنه اختار أن يزيدها، وإن اتفقا ففرضا ثوبا أو غيره مما هو غير مهر المثل
صح ولزم أيضا وعلمنا أنهما اتفقا على أخذ العوض عما وجب لها، وهذا جائز.
وأما إن كانا جاهلين بموضع مهر المثل فاتفقا على شئ ففرضاه ورضيا به،
فهل يصح أم لا؟ قيل فيه قولان: أحدهما لا يصح، لأن الواجب مهر المثل، فإذا
لم يعلما قدر المثل كان فرضهما مع الجهل باطلا، والثاني يصح ولزم ما فرضاه،
وهو الصحيح عندنا، لأن الواجب ما يتفقان عليه.
إذا تزوجها مفوضة البضع فجاء أجنبي ففرض معها مهر مثلها وهما يعلمان
مبلغه، وسلمه إليها وتسلمته وقبضته، ثم إن الزوج طلقها قبل الدخول بها قيل فيه
ثلاثة أقوال: أحدهما يعود كله إلى الأجنبي، والثاني يعود نصفه إلى الأجنبي،
275

والثالث يعود نصفه إلى الزوج.
وإنما قيل: يعود كله إلى الأجنبي، لأن الفرض إنما يصح من الحاكم أو
الزوجين، وليس هذا واحدا منهما، فبطل فرضه، ووجب لها المتعة على زوجها،
والوجه الثاني أن فرضه صحيح، لأنه لما جاز أن يقوم مقام الزوج في قضاء ما
يجب عليه ويبرئ ذمة الزوج به فكذلك جاز أن يقوم مقامه في الفرض معها
وقضائه عنه، فعلى هذا إذا طلقها قبل الدخول عاد نصفه، وإلى من يعود؟ على
الوجهين: أحدهما إلى الأجنبي الذي فرضه، والثاني يعود إلى الزوج دونه.
ويجئ على هذين الوجهين إذا تبرع أجنبي فقضى عن الزوج ما وجب عليه
من المسمى، ثم طلقها زوجها قبل الدخول عاد نصفه بالطلاق، وعلى من يعود؟
على الزوج أو على من تبرع بقضائه؟ على الوجهين، والوجه الأول من الوجوه
أقوى.
مفوضة البضع إذا فرض لها الزوج فرضا لم ترض به ثم طلقها قبل
الدخول بها كان لها المتعة، لأن الفرض إنما يثبت إذا اتفقا، وهاهنا ما اتفقا،
ويستحب له إذا تزوجها مفوضة أن لا يدخل بها حتى يفرض لها المهر.
فأما مفوضة المهر فهو أن يعقد النكاح ويذكر المهر ولا يذكر مبلغه، فيقول:
تزوجت على أن يكون المهر ما شئنا أو ما شاء أحدنا، وهذا في التحقيق تفويض
مبلغ المهر.
فإذا كان كذلك وجب لها بالعقد مهر المثل عند بعضهم، لأنه نكاح بمهر
مجهول فسقط المسمى، ووجب مهر المثل، فإن دخل بها استقر، وإن طلقها قبل
الدخول استحقت نصفه وعاد نصفه، وقال قوم: يسقط بالطلاق قبل الدخول،
وتجب المتعة.
والذي تقتضيه أخبارنا أنه إذا علق بمشيئة الرجل فمهما حكم به وجب عليها
الرضا به، وإن علق بما تشاء هي، وجب عليه الرضا بما تشاؤه، ما لم يتجاوز
خمس مائة الذي هو السنة، وإن علقا بمشيئتهما أوقف حتى يصطلحا.
276

من يجبر على النكاح من الصغيرة والبكر الكبيرة يجبرها أبوها أو جدها
على النكاح، فمتى زوجها مفوضة البضع كان الحكم فيه مثل الحكم في من لا
يجبر سواء، وقال قوم: لها مهر المثل لا غير، لأنه تصرف في حق المولى عليه،
فلم يصح إلا بعوض المثل، كما لو باع شيئا فإنه يجب أن يكون بعوض المثل.
فإذا ثبت هذا، فإن أجبرها وليها فزوجها مفوضة، لم يجب عليه ضمان المهر
لأنه قد وجب بالعقد، وإن ضمن للزوج فقال: متى لزمك مهرها فعلي ضمانه لم
يصح لأنه ضمان ما لم يجب.
فأما السيد فله إجبار أمته على النكاح، فإن تزوجها مفوضة بغير إذنها صح
ذلك، لأن كل الحق له، ولا شئ لها منه، فإذا زوجها وصح النكاح ملك هو
بالعقد ما ملكت الحرة المفوضة أن تملك، وقد مضى، فإن فرضه السلطان أو
اتفق مع زوجها ففرضه صح وكان الفرض له دون كل أحد، هذا إذا فرض قبل
أن يزول ملكه.
فأما إن زال ملكه عنها ببيع أو عتق ثم فرض لها المهر، فعندنا لا يصح، لأن
بيعها طلاقها، وعند المخالف يصح، وكم يجب المهر؟ فيه وجهان، بناء على ما
ملكت أن تملك بالعقد، فمن قال: ملكت أن تملك مهر المثل، كان المهر للسيد
دون غيره، ومن قال: ملكت أن تملك مهرا ما، فيقدر بالفرض، فبعد أن فرض لا
يكون للسيد الأول، ولكن إن كان أعتقها فالمهر لها، وإن كان باعها فللسيد
الثاني.
وقال قوم: متى فرض لها المهر كان للسيد الأول لا غير، لأنه وإن لم يجب
المهر بالعقد فإن سبب وجوبه هو العقد، والعقد كان في ملكه فوجب أن يكون
المهر له.
والذي يقتضيه مذهبنا أنه إن أعتقها واختارت المقام معه، ثم فرض المهر أن
يكون لها، وإن باعها ورضي بها السيد الثاني استمر العقد، فمتى فرض المهر فيما
بعد كان للثاني.
277

فصل: في اعتبار مهر المثل:
عندنا أن مهر المثل يعتبر بنسائها من الأم والأخت والعمة والخالة، ومن
يجري مجراهن ما لم يتجاوز خمس مائة درهم، فإن زاد عليها لم يجب أكثر من
خمس مائة درهم، وقال قوم: يعتبر بنساء عصبتها دون أمها ونساء أرحامها
ونساء بلدها، وفيه خلاف، ويعتبر النساء اللواتي في بلدها.
ويعتبر بمن هو في سنها لأن المهر يختلف باختلاف السن، ويعتبر ذلك
بعقلها وحمقها، لأنه يختلف بذلك، ويعتبر بجمالها وقبحها لأنه يختلف بذلك،
ويعتبر بحال يسارها وإعسارها، وبأدبها، وبالبكارة والثيوبة، وبصراحة نسبها من
الطرفين لأن المهر يختلف بجميع ذلك.
وجملته أن كل أمر يختلف المهر لأجله فإنه يعتبر به.
إذا حكم لها بمهر المثل كان حالا ولم يكن عليها التأخير إلى أجل، ومتى
اعتبرنا بنسائها من الطرفين على مذهبنا وعلى مذهب المخالف بالعصبات، فإنه
يعتبر الأقرب فالأقرب منهن، لأن الأقرب بها أشبه وأليق.
ومتى فقد العصبات عند من اعتبرهن اعتبر نساء ذوي الأرحام، فإن فقدن
اعتبر نساء أقرب البلدان إلى بلدها، وكذلك نقول.
ومتى فقد العصبات عند من اعتبرهن اعتبر نساء ذوي الأرحام، فإن فقدن
اعتبر نساء أقرب البلدان إلى بلدها، وكذلك نقول.
وإذا كان الذي وجب عليه مهر مثلها من عشيرتها، فإن كان قومها إذا
زوجوها من عشيرتها خففوا، وإذا زوجوها من غير العشيرة ثقلوا، كان الواجب
على حسب ذلك، فإن كان من العشيرة خفف عنه وإن كان من غيرها ثقل
عليه، لأنه هكذا يكون الاعتبار.
قال قوم: الأولى أن يتزوج الرجل من غير عشيرته وأقاربه، فإنه حكي أن
الرجل إذا تزوج من عشيرته خرج الولد بينهما أحمق، فإن كان من غيرها وهما
عاقلان خرج عاقلا، وقد تزوج قوم إلى عشائرهم فخرج أولادهم حماقى، وقد
روي في الأخبار الحث على ذلك لأنه من صلة الرحم.
278

فصل: في اختلاف الزوجين:
إذا اختلف الزوجان في قدر المهر مثل أن يقول: تزوجتك بألف، وقالت:
بألفين، أو في جنس المهر فقال: تزوجتك بألف درهم، وقالت: بألف دينار،
فعندنا أن القول قول الزوج مع يمينه إذا لم يكن هناك بينة معها، ووافقنا جماعة
على ذلك، وقال قوم: يتحالفان، وبمن يبدأ؟ فيه ثلاثة أقوال: أحدها يبدأ بيمين
الزوج، والثاني بيمين الزوجة، الثالث يبدأ الحاكم بأيهما شاء.
وهل يحلف كل واحد بيمينين فيجمع فيهما بيمين نفي ويمين إثبات أو
يقتصر على يمين واحدة؟ فيه وجهان: أحدهما يقتصر على يمين واحدة يجمع
فيهما بين النفي والإثبات، فيبدأ بالنفي أولا فيقول: والله ما تزوجتها بألفين ولقد
تزوجتها بألف، ثم تحلف هي فتقول: والله ما تزوجتني بألف ولقد تزوجتني
بألفين، وفيهم من قال: يحلف كل واحد منهما بيمينين يحلف أولا على النفي، ثم
يحلف الآخر على النفي، ثم يحلف الأول على الإثبات، ثم يحلف الآخر على
الإثبات.
ومتى تحالف أبطل المهر ووجب لها مهر المثل، ولا فرق بين أن يكون ما
ادعته المرأة قدر مهر مثلها أو أقل أو أكثر، وقال بعضهم: ينظر فيما ادعته، فإن
كان قدر مهر مثلها أو أكثر وجب لها مهر المثل، وإن كان ما تدعيه أقل من مهر
المثل، فإنه لا يجب عليه إلا ما ادعته، لأنها لا تدعي زيادة عليه، فلا تعطى ما لا
تدعيه.
ومن قال بالأول قال: هذا باطل، لأنهما إذا تحالفا حكمنا ببطلان ما سميناه
كأن لم يكن، واتفقوا كلهم على أنه إذا اعترف الرجل بألفين ومهر مثلها ألف
وتحالفا، أنه لا يلزمه إلا مهر مثلها ألف وفيه خلاف.
إذا اختلف الزوج وأبو الصبية الصغيرة تحالفا أيضا الزوج وأبو الصبية،
وفيهم من قال: يحلف الزوج ويصبر حتى تبلغ الصبية، ثم تحلف، لأن الحق
لها، واليمين لا تدخلها النيابة.
279

ومن قال بالأول قال: يتحالفان لأن الأب يحلف على فعل نفسه، ولا يمتنع
أن يحلف الإنسان على فعل نفسه ليثبت حق غيره، كالوكيل يحلف على إثبات
حق لغيره إذا كان على فعل نفسه.
إلا أن المسألة لا تصح إلا بشرطين:
أحدهما: أن يكون الولي يدعي أكثر من مهر المثل، فأما إن كان ما يدعيه
قدر مهر المثل أو أقل فلا تحالف بينهما، لأنه متى عقد النكاح بأقل من مهر مثلها
ثبت لها مهر المثل بالعقد، فلا معنى لإحلافه.
والشرط الثاني: أن تكون الزوجة صغيرة مولى عليها، فإن لم يحلف حتى
بلغت، فإن التحالف حينئذ معها ومع زوجها دون والدها.
فأما إن اختلف ورثة الزوجين أو أحدهما فإنهما يتحالفان عندهم، وعندنا
القول قول ورثة الزوج مع يمينهم.
إذا اختلف الزوجان في قبض المهر فقال: قد أقبضتك المهر، وقالت: ما
قبضته، فالقول قولها، سواء كان قبل الزفاف أو بعده، قبل الدخول بها أو بعده،
وفيه خلاف، وروي في بعض أخبارنا أن القول قوله بعد الدخول.
إذا تزوج امرأة وأصدقها ألفا ثم أعطاها ألفا أو عبدا أو ثوبا لم يخل من أحد
أمرين: إما أن يتفقا على أن القبض على الإطلاق، أو يختلفا.
فإن اتفقا على أنها قبضته مطلقا، وهو أن يدفع إليها فقبضت، وهما شاكان،
أو قال: خذي هذه، فإن قالت: أعطيتني هدية، وقال: بل مهرا، فالقول قوله، ولا
يمين، لأنه ما لم ينطق بالهبة أو الهدية لا يكون هدية، وإن اعتقده ونواه فلا معنى
لإحلافه.
وإن اختلفا فقالت: قلت لي خذي هذه هدية، أو قالت: هبة، وقال: بل قلت
خذيها مهرا، فالقول قول الزوج بكل حال، وفيه خلاف.
إذا زوج الرجل بنته فأراد قبض مهرها لم يخل من أحد أمرين: إما أن تكون
مولى عليها أو غير مولى عليها، فإن كانت مولى عليها لصغر أو لجنون مع الكبر
280

أو لسفه جاز له قبض مهرها، ويجوز له قبض مهر البكر الصغيرة والكبيرة اللتين
يلي أبوهما بضعهما ومالها، وكذلك إن كانت ثيبا فله قبض المهر، وتبرأ ذمة
الزوج بقبضه منه.
وإن كانت رشيدة لم تخل من أحد أمرين: إما أن تكون ثيبا أو بكرا، فإن
كانت ثيبا لم يكن له قبض مهرها بغير أمرها بلا خلاف، وإن كانت بكرا
فالصحيح أنه ليس له قبض مهرها، وقال بعضهم: له قبض مهرها، والذي نقوله:
إن له قبض مهرها ما لم تنهه عن ذلك.
فصل:
إذا تزوج امرأة وخالعها بعد الدخول بها، فعليها العدة، ولزوجها نكاحها،
فإن فعل وأمهرها مهرا فإن دخل بها استقر المهر، وإن طلقها قبل الدخول ثبت
نصف المهر، وسقط نصفه وفيه خلاف.
إذا أصدقها ألفا على أن لأبيها ألفا كان الصداق صحيحا وما ذكره لأبيها لا
يجب عليه الوفاء به، وقال قوم: الصداق فاسد، ويجب مهر المثل، وقال آخرون:
الكل لها.
إذا قال: أصدقتك ألفا على أن أعطي أباك ألفا، كان مثل الأولى سواء،
وقال قوم وهم الأكثر مثل الأولى، وقال بعضهم: الصداق صحيح.
وأما إن أصدقها ألفين على أن يعطي أباها منها ألفا كان صحيحا عندنا
وعندهم، فإن كانت على سبيل الهبة منها لأبيها لم يلزمها الوفاء به، وإن كان
بمعنى التوكيل منها له أن يأخذ الألف ويتصرف لها بها، ولها أن تمتنع من
الدفع، وأيهما كان فلا يقدح في المهر بلا خلاف.
إذا عقد النكاح بشرط لم يخل من أحد أمرين: إما أن يكون سائغا أو غير
سائغ، فإن كان سائغا مثل أن يقول: على أن أتسرى عليك، أتزوج عليك،
أسافر بك، ونحو هذا لم يقدح في العقد، لأنه شرط ما له فعله، وإن شرطه شرطا
281

لا يسوع في الشرع فالشرط باطل.
فإذا ثبت أنه باطل لم يخل من أحد أمرين: إما أن يكون على صفة يفسد
المهر أو العقد.
فإن كان مما يعود فساده إلى المهر، مثل أن شرط أن لا يسافر بها ولا يقسم
لها، ولا يتسرى عليها ولا يتزوج عليها فهذا شرط باطل، ولا يفسد المهر عندنا،
وعند بعضهم يفسده ويجب مهر المثل.
وأما إن كان شرطا يعود بفساد العقد، مثل أن تشرط الزوجة عليه ألا يطأها
فالنكاح باطل، لأنه شرط يمنع المقصود بالعقد، وقد روى أصحابنا أن العقد
صحيح والشرط صحيح ولا يكون له وطؤها، فإن أذنت فيما بعد كان له ذلك،
وعندي أن هذا يختص عقد المتعة دون عقد الدوام.
حكي عن بعضهم أنه قال: لو شرط الزوج أن يطأها ليلا فالنكاح صحيح،
ولو شرطت هي أن يطأها ليلا فالنكاح باطل، وعندنا لا فرق بين الأمرين في أنه
لا يفسد العقد، وله وطؤها أي وقت شاء، وقال بعضهم: إن شرط ألا يدخل عليها
سنة فالنكاح صحيح، وإن شرطت هي على ألا يدخل هو عليها سنة فالنكاح
باطل.
والفصل بينهما أن الشرط إذا كان من جهته أن يطأ ليلا، كان معناه " ولا
يطأها نهارا "، وله أن يفعل هذا، فإذا شرطه فقد شرط ما له فعله، فلم يقدح في
النكاح، وليس كذلك إذا كان الشرط منها، لأنها شرطت شرطا يمنعه من الذي
له فعله، فلهذا بطل النكاح.
والذي نقوله إن الشرط منها يبطل، ويثبت النكاح.
إذا شرطا في النكاح خيار الثلاث، نظرت: فإن كان في أصل العقد،
فالنكاح باطل، لأنه عقد يلزم بنفسه، فلا يصح خيار الشرط فيه، وإن كان
الشرط في المهر مثل أن يقول: قد أصدقتك هذه الدار على أن لك الخيار في
المهر ثلاثا، فهل يبطل النكاح أم لا؟ قيل فيه قولان: أحدهما النكاح باطل،
282

والثاني لا يبطل النكاح، وهو الصحيح.
فإذا قيل يبطل النكاح فلا كلام، فإن كان ما دخل بها فرق بينهما ولا شئ
لها، وإن كان دخل بها فلها مهر مثلها.
وإذا قيل النكاح صحيح، ففي الصداق ثلاثة أوجه: أحدها يصح النكاح
والشرط، وهو الأقوى عندي، والثاني يبطل الشرط دون الصداق، فإذا بطل
الشرط فالمهر بحاله، الثالث يبطل الشرط والصداق معا، وكل موضع نقول:
يبطل الصداق، فإنه يجب مهر المثل.
والذي يقتضيه مذهبنا أنه إذا شرط في الصداق الخيار كان العقد صحيحا
والمهر لازما، والخيار ثابتا لقوله عليه السلام: المؤمنون عند شروطهم.
إذا تزوج امرأة فضمن لها أبوه نفقته عليها سنين، قال قوم: يجوز، وقال
آخرون: لا يجوز، والذي يقتضيه مذهبنا أنه لا يجوز، لأن النفقة لا تجب عندنا
بالعقد، وإنما تجب نفقة يوم بيوم بدلالة أنها لا تملك المطالبة بها، ولأنها لا تملك
الإبراء منها، ولو وجبت بالعقد لصح ذلك.
فإذا تقرر القولان، فمن قال: لا يجب، قال: لا يصح الضمان، لأنه ضمان ما
لم يجب، ومن قال: يجب بالعقد، صح ضمانه بثلاث شرائط: أن يضمن نفقة
المعسر دون الموسر والمتوسط، لأن ذلك يتغير يزيد وينقص، الثاني يكون لمدة
معلومة، الثالث يكون ما ضمنه معلوما.
قال الله تعالى: " فإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة
فنصف ما فرضتم "، يعني عاد إلى الزوج نصف ما فرض، لأنه جعل النصف
مستحقا بالطلاق، ولا يجوز أن يكون الذي يستحق النصف بالطلاق إلا الزوج،
لأن الزوجة قد كانت ملكته كله بالعقد، ثم قال: " إلا أن يعفون " والمراد به
النساء خاصة بلا خلاف، فكأنه قال للزوج النصف مما فرض لها إذا طلقها قبل
الدخول بها، إلا أن يعفون عن النصف الباقي، فيكون الكل له، ثم قال: " أو يعفو
الذي بيده عقدة النكاح " وعندنا هو الولي الذي هو الأب أو الجد، يعفو عن
283

نصف الزوجة، إلا أن أصحابنا رووا أن له أن يعفو عن بعضه وليس له أن يعفو عن
جميعه، وقال قوم: هو الزوج، وفيه خلاف.
أما أبو البكر الصغيرة إذا طلقها زوجها قبل الدخول، فاستقر لها نصف المهر
هل للأب أو الجد أن يعفو عما لها من الصداق؟ على ما مضى.
وأما أبو الزوج إذا كان الزوج محجورا عليه فالمحجور عليه على ضربين:
لصغر وغيره، فإذا كان صغيرا فهو محجور عليه عاقلا كان أو مجنونا، والمحجور
عليه لغيره فهو كالبالغ، وهو على ضربين: محجور عليه لسفه أو جنون، فإن كان
محجورا عليه لصغر، فإن لوليه أن يزوجها أربعا فما دون، لحاجة وغير حاجة،
والمحجور عليه لجنون أو سفه فلوليه أن يزوجه للحاجة لا غير، وأي هؤلاء كان،
متى زوجه فليس لوليه أن يطلق زوجته عليه.
أما الصغير فليس لوليه أن يطلق زوجته بعوض ولا بغيره، لكن زوجته تبين
منه بأن ترتد أو ترضعه، فمتى بانت بهذا عاد كل الصداق إلى زوجها، لأن الفسخ
جاء من قبلها قبل الدخول بها، وإن كان بالغا مجنونا فليس لوليه أن يطلق عليه
لكن تبين زوجته منه بأن ترتد، فإذا فعلت عاد كل الصداق إليه.
وأما السفيه فتبين زوجته منه بالطلاق وبردتها، فإن ارتدت بانت وسقط كل
الصداق عنه، وإن طلقها عاد نصف الصداق إليه، ومتى بانت زوجته واحد من
هؤلاء قبل الدخول، فليس لوليه أن يعفو عن شئ من الصداق بحال.
إذا طلق الرجل الرشيد زوجته قبل الدخول بقي لها نصف المهر، وعاد إليه
نصفه، ولكل واحد منهما أن يعفو عن حقه منه، ليكمل كله لصاحبه، فإذا عفا
أحدهما من حقه لصاحبه أي الزوجين عفا عما في يديه، فلا يخلو المهر من أحد
أمرين: إما أن يكون دينا أو عينا.
فإن كان دينا فإما أن يكون في ذمته أو في ذمتها:
فإن كان في ذمته مثل أن أصدقها مالا في ذمته ثم طلقها قبل الدخول ثبت
لها نصفه، وله النصف، فإن اختارت العفو عن حقها منه ليكمل الكل له صح أن
284

يسقط حقها منه بستة ألفاظ: العفو والتمليك والهبة والإسقاط والترك والإبراء،
فإذا عفت بواحدة منها فهل يفتقر إلى قبوله أم لا؟ قيل فيه وجهان: الأولى أن نقول
يفتقر إلى قبوله.
وإن اختار أن يعفو هو له ليكمل لها الصداق فهو على وجهين:
إن قلنا ما ملك النصف وإنما ملك أن يملك، صح أن يعفو عن حقه
بالألفاظ الستة، فإذا فعل شيئا منها سقط حقه، ولا يفتقر إلى قبول، لأن الذي ثبت
له الخيار، وهو أنه ملك أن يملك، فإذا كان كذلك سقط حقه، ولم يفتقر إلى
القبول كالشفيع.
وإذا قلنا: ملك نصف الصداق ملكا تاما، برئت ذمته عن النصف فلا يصح
أن يعفو لها عن شئ سقط عن ذمته، فإن اختار أن يجدد هبة من عنده يهب لها
فعل، وإلا فالعفو لا يصح، هذا الكلام فيه إذا كان في ذمته.
وأما إذا كان في ذمتها مثل أن أصدقها عبدا فأتلفته أو طعاما فأكلته فلا شئ
الآن في ذمتها، فإذا طلقها قبل الدخول صار له النصف، فإن اختارت العفو عن
حقها ليكمل الصداق لم يصح، لأن ذمتها بريئة عن نصفها من الصداق، فلا
يصح منها العفو عنه لكن إن اختارت أن تجدد هبة تهبها منه فعلت.
فأما إن اختار أن يعفو هو عن نصفه، فإن قلنا ما ملك وإنما ملك أن يملك
صح عفو بأحد الألفاظ الستة، فإذا فعل لم يفتقر إلى قبول كالشفيع، وإذا قلنا:
ملك النصف ملكا تاما، فهذا له في ذمتها، نصف الصداق، فله العفو عنه لها بأحد
الألفاظ الستة، وهذا الذي نختاره، فإذا فعل فهل يفتقر إلى قبولها؟ فعلى وجهين
على ما مضى، هذا كله إذا كان الصداق دينا.
فأما إن كان عينا لم يدخل من أحد أمرين: إما أن يكون في يده أو في يدها.
فإن كان في يده وطلقها قبل الدخول صار نصفه له، وبقى نصفه لها، فإن
عفا أحدهما لصاحبه نظرت:
فإن عفت هي عن حقها منه فهو هبة نصف عين مشاعة لها في يديه، فيصح
285

ذلك بألفاظ ثلاثة: العفو والهبة والتمليك، فإن العفو عبارة عن العطاء، فإذا صح
افتقر إلى إيجاب وقبول ومضي مدة القبض، وهل يفتقر إلى إذنها بالقبض؟ على
قولين، ولها الرجوع ما لم تمض المدة لأنها هبة لم تقبض.
وإن اختار هو العفو فهو على وجهين: إن قلنا: ما ملك نصفها وإنما ملك أن
يملك، صح عفوه بأحد الألفاظ الستة، ولا يفتقر إلى قبولها، وإذا قلنا: ملك
النصف ملكا تاما - وهو الصحيح - عندنا - فإذا عفا هاهنا فهو ابتداء هبة من عنده،
يصح بألفاظ ثلاثة: العفو والهبة والتمليك، ويفتقر إلى إيجاب وقبول، فإن رجع
الزوج قبل القبض كان له، هذا إذا كانت العين في يده.
فأما إن كانت في يدها فطلقها قبل الدخول، فإن عفت هي عن نصفها فهي
ابتداء هبة من عندها نصف عين مشاعة، يفتقر إلى إيجاب وقبول وقبض، فإن لم
يقع القبض فلها الرجوع، وإن اختار هو العفو، فإن قلنا: ما ملك النصف بل
ملك أن يملك، صح أن يعفو بأحد الألفاظ الستة، فلا يفتقر إلى قبول كالشفيع
سواء، وإذا قلنا: ملك النصف ملكا تاما - وهو الصحيح عندنا -، فهو ابتداء هبة
من عنده نصف عين له في يدها، فلا بد من إيجاب وقبول، ومضي مدة القبض.
وهل يفتقر إلى الإذن بالقبض أم لا؟ على القولين على ما مضى، فإذا قلنا:
يفتقر إلى الإذن، لزمت الهبة بأربع شرائط: إيجاب وقبول ومضي مدة القبض
والإذن به، وإذا قلنا: لا يفتقر إلى الإذن، لزمت بالإيجاب والقبول ومضي مدة
القبض، وإن لم تأذن.
إذا أصدقها صداقا ثم وهبته منه، ثم طلقها قبل الدخول، فإنه يرجع عليها
بنصفه، ثم لا يخلو من أحد أمرين: إما أن يكون عينا أو دينا.
فإن كان عينا كالعبد والثوب فوهبته له، ثم طلقها قبل القبض فهل يرجع
عليها بنصف الصداق أم لا؟ قيل فيه قولان: أحدهما لا يرجع بشئ، والثاني
يرجع عليها بالنصف، وهو الصحيح عندنا، سواء وهبت له قبل القبض أو بعد
أن أقبضه، الباب واحد وفيه خلاف.
286

وإن كان دينا نظرت: فإن كان دفعه إليها فقبضته ثم وهبته له مثل أن
كانت دراهم فأقبضها ثم وهبتها منه ثم طلقها فعلى القولين، لأنها قد قبضت
صداقها وتعين بالقبض، فلا فصل بين أن يتعين بالعقد وبين أن يتعين بالقبض،
وأما إن كان دينا فأبرأته منه ثم طلقها قبل الدخول فهل يرجع عليها بنصفه أم لا؟
يبني على القولين:
إذا كان عينا فوهبته:
فإذا قلنا: لا يرجع عليها بشئ إذا كان عينا فوهبته، فهاهنا مثله، وإذا قلنا:
يرجع عليها بالنصف إذا كان عينا فوهبته له، فهل يرجع هاهنا؟ فيه قولان:
أحدهما يرجع لأنه عاد إليه بغير الوجه الذي يعود إليه به حين الطلاق كالعين
سواء، والثاني لا يرجع بشئ هاهنا، والأول أقوى.
إذا أصدقها عينا ودينا مثل أن أصدقها عبدا وألف دينار فأبرأته عن الدين
ووهبت له العين ثم طلقها قبل الدخول، فهل يرجع عليها في نصف بدل العين؟
على ما مضى إذا كان كله عينا، وهل يرجع في الدين؟ الحكم فيه كما لو كان
كله دينا فأبرأته منه.
فإن أصدقها عينا فوهبته له ثم ارتدت قبل الدخول سقط الصداق لأن الفسخ
جاء من قبلها قبل الدخول، فهل يرجع عليها ببدل كل الصداق أم لا؟ على
قولين، فالحكم هاهنا في كل الصداق كالحكم في نصفه إذا وقعت الفرقة
بالطلاق.
فإن باع من رجل عبدا بألف دينار، فقبض الألف ثم وهبها من المشتري،
ثم أصاب المشتري بالعبد عيبا فهل للمشتري رده واسترجاع الثمن أم لا؟ على
وجهين:
أحدهما: له ذلك لأن الثمن عاد إلى المشتري بغير الوجه الذي يعود إليه
بالرد، فيرده ويسترجع منه الثمن.
والوجه الثاني: ليس له الرد، لأنه إنما يرد ليسترجع الثمن، وقد تعجل
287

استرجاعه قبل الرد فلم يكن له رد العبد، والأول أصح.
فإن كانت بحالها فوهب البائع الثمن للمشتري فأصاب المشتري به عيبا أو
حدث عنده عيب يمنع الرد، فهل يرجع على البائع بالأرش أو لا؟ على وجهين
بناء على الرد، فإن قلنا: له الرد إذا لم يحدث به عيب، كان له الأرش هاهنا، وإذا
قلنا: ليس له الرد، لم يكن له الأرش.
فإن كاتب عبده على نجمين بما يراه من مال الكتابة فبرئ منها في نجم
وعتق، فهل يجب له على سيده الإيتاء أم لا؟ على وجهين: أحدهما يرجع لأن
الإيتاء يستحقه بغير الوجه الذي برئت به ذمته، والثاني لا يرجع عليه بالإيتاء لأنه
قد تعجل الحق قبل محله، وهو الأقوى.
فإن باع منه عبدا بألف ثم إن المشتري وهب العبد للبائع ثم فلس
المشتري والثمن في ذمته فللبائع أن يضرب مع الغرماء بثمن العبد، والفصل بين
هذه وبين ما مضى هو أن حق البائع في الثمن وما عاد إليه شئ منه، فلهذا كان
له أن يضرب بالثمن مع الغرماء، وليس كذلك في هذه المسائل لأن ماله عاد
إليه بعينه، فلهذا لم يكن يملك الرجوع في بدله.
فوزان المفلس في هذه المسألة أن يصدقها عبدا فتهب له غيره ثم طلقها قبل
الدخول، فله الرجوع في نصف الصداق، فبان الفصل بينهما.
فإن أصدقها عبدين فوهبت له أحدهما فقد فرضت المسألة إذا كان أصدقها
عبدا فوهبت له نصفه مشاعا ثم طلقها قبل الدخول، فهل يرجع عليها بنصف
الصداق أم لا؟ يبني على القولين فيه إذا وهبت الكل، فإذا قلنا: يرجع في النصف
إذا وهبت الكل، فهاهنا يرجع بنصف النصف، وإذا قلنا: لو وهبت الكل لم
يرجع عليها، فهاهنا قد أخذ نصف الصداق، فهل له الرجوع عليها بشئ أم لا؟
على قولين:
أحدهما: لا يرجع به، لأنه إنما يرجع على هذا القول ما لم يتعجل المهر قبل
الطلاق، فإذا كان قد استعجل حقه فلم يكن له الرجوع بشئ.
288

والقول الثاني: يرجع بنصف الموجود فيكون قد تعجل النصف، وعاد
وأخذ نصف ما بقي، لأنه لو كان أخذ الكل منها لم يرجع بشئ، ولو لم يأخذ
منها شيئا رجع بالنصف، فإذا كان قد أخذ النصف وترك النصف لم يرجع بما
أخذ، وكان له نصف الموجود.
فيخرج منه إذا كان أصدقها عبدا فوهبت له نصفه فيه ثلاثة أقوال: أحدها لا
يرجع بشئ، والثاني بربعه وهو نصف الموجود، والثالث يرجع بالنصف،
وكيفية الرجوع يأتي في موضعه، والأول من هذه الأقوال هو الذي يقتضيه
مذهبنا.
إذا تزوج الرجل امرأة بمهر معلوم ملكت المهر عليه بالعقد، وملك هو
البضع في الوقت الذي ملكت عليه المهر، لأنه عقد معاوضة، فملك كل واحد
منهما على صاحبه في الوقت الذي ملك صاحبه عليه.
وإن خالعها بعد هذا بعوض وبذلته له، ملك العوض الذي عقد الخلع به،
وزال ملكه عن بضعها في الوقت الذي ملك العوض عليها، ولا يقال زال بعضها
إليها فملكته لأنها لا تملك بضعها، فإن البضع عبارة عن الاستمتاع، لكنا نقول
زال ملك البضع عنه وعاد إليها كالذي كان قبل النكاح.
فإذا تقرر هذا فإذا وقع الخلع منها، فإما أن يكون بعد الدخول أو قبله، فإن
كان بعد الدخول ملك الزوج العوض الذي عقد به الخلع، فزالت الزوجية
واستقر المهر بعقد النكاح لها، لأنه قد دخل بها قبل أن يؤثر فيه زوال الزوجية
بحال.
وإن كان الخلع قبل الدخول سقط نصف المهر عنه، واستقر لها نصفه، كما
لو طلقها قبل الدخول، لأن الفرقة متى جاءت من قبله قبل الدخول سقط عنه
نصف المهر، مثل أن طلقها أو ارتد، وإن جاءت من قبلها إما بردتها أو بالرضاع،
فإنه يسقط كل المهر.
فأما إذا وقعت الفرقة بالخلع فهو منها لكن المغلب فيه حكم الزوج بدليل
289

أنه يملك أن يخلعها مع غيرها من الأجنبيين، وليس لها أن تخلع مع غيره،
فكان المغلب فيه حكمه وجهته، فكأنه انفرد بالطلاق، فيسقط عنه نصف
الصداق.
فإذا ثبت ذلك وكان مهرها مثل ألفا وأراد أن يخلعها على وجه لا يلزمه من
الصداق شئ، فإنه يخلعها بخمسمائة لا من المهر، فإذا فعل سقط عنه من الألف
خمسمائة، واستقر عليه خمسمائة، وله عليه خمس مائة بالخلع ويتقاصان.
ومنهم من قال: الحيلة في ذلك أن يقول لها: خالعتك على ما يسلم لي من
الألف، فإنما يسلم لها منها خمس مائة، ويسقط عنه بالطلاق خمس مائة، فيسقط
كل المهر.
إذا زوج الأب أو الجد من له إجبارها على النكاح، وهي البكر الصغيرة أو
الكبيرة، فإن كان بمهر مثلها أو أكثر لزم ما سمي لها بلا خلاف، وإن كان بدون
مهر المثل سقط المسمى ووجب لها مهر المثل عند بعضهم، وقال غيره: إذا كان
دون مهر المثل ثبت المسمى ولم يجب مهر المثل، وهو الذي يقتضيه مذهبنا.
إذا تزوج امرأة لم يخل من أحد أمرين: إما أن يكون بذكر مهر أو بغير ذكر
مهر.
فإن كان بغير ذلك مهر فهذه مفوضة البضع، فإذا فوض الولي بضعها
باختيارها لم يجب لها بالعقد مهر، فإن أبرأته عن المهر لم يصح، لأنها أبرأت عما
لا تملك، فلم يصح.
وإن كان ذكر لها مهرا لم يخل من أحد أمرين: إما أن يكون صحيحا أو
فاسدا.
فإن كان صحيحا كالدراهم والدنانير فأبرأته عنه صح لأنه إبراء عن ملك
واجب يصح أن تبرئه عن كله، وعن بعضه إذا كان البعض معلوما، مثل أن
تقول: أبرأتك عن النصف أو الثلث أو غير ذلك، فإن كان الصداق دراهم
فأبرأته عن دنانير أو دنانير فأبرأته عن دراهم لم يصح، لأنها أبرأته عما لا تملك.
290

وإن كان فاسدا مثل أن تزوجها مفوضة بالمهر أو أصدقها مهرا مجهولا أو
خمرا أو خنزيرا سقط المسمى ووجب مهر المثل، فإن أبرأته عن العين المسماة في
العقد لم يصح، لأنها ما ملكت المسمى فلا يصح أن تبرئه عنه.
وهكذا إن قبضت هذا المهر ثم ردته إليه هبة له كان هبة باطلة لا يتعلق بها
حكم، لأنها قبضت ما لا تملك ووهبت ما لا تملك.
وإن أبرأته عن مهر المثل الواجب بالعقد نظرت: فإن كانت تعرف قدره
ومبلغه فالبراءة صحيحة لأنها براءة عن أمر واجب معلوم، وإن كانت جاهلة بقدر
مهر المثل فالبراءة باطلة، وهكذا إذا كان له على رجل مال مجهول، فضمنه عنه
ضامن كان الضمان باطلا، فضمان المجهول باطل، والبراءة عن المجهول باطلة،
فلا يصح ضمان المجهول ولا الإبراء عنه، وقال قوم: يصحان معا، وهو الذي
يقوى في نفسي.
فإذا ثبت أن الإبراء عن المجهول لا يصح فإن أبرأه عن مجهول لكنه يتحقق
بعضه مثل أن يعلم أن له عليه دينا لكنه يجهل مبلغه ويقطع أنه لا يزيد على مائة
فأبرأه عما له عليه، قيل فيه وجهان: أحدهما يصح فيبرأ عن القدر الذي يتحقق
ولا يبرأ عن غيره، والثاني لا يصح لأنه لما لم يبرأ عن الكل لم يبرأ عن البعض،
ألا ترى أنه لو ضمن هذا الحق عنه لم يصح، لأنه لما لم يصح ضمانه في الكل لم
يصح في البعض.
فإذا أراد أن يصح الإبراء عن المجهول فالحيلة فيه أن يعطيها ما يقطع أنها
تستحقه، مثل أن يجهل مهر مثلها فيقطع أنه لا يبلغ مائة فيعطيها عشرة ثم يقول
لها: أبرئيني من درهم إلى ألف، فيكون صحيحا، لأنها قبضت العشرة بحق قطعا،
وأبرأته عن الزيادة.
إذا كان له مائة درهم عند رجل فنسيها، أو كانت له عنده وهو لا يعلم بها،
فقال له: قد أبرأتك عن مائة درهم، ثم بان له أنه كان يملكها لم يصح عند من لا
يجيز الإبراء عن المجهول، وقال بعضهم: يصح أنه أبرأه عن مقدر معلوم واجب
291

له، فإذا صادف ملكه صح، وعلى ما اخترناه يصح، وهكذا لو اشترى شقصا في
شركته ولم يعلم، فقال له: قد أبرأتك عما أستحقه عليك من حق الشفعة، فهل
يسقط حقه أم لا؟ على ما مضى، قال قوم: إنه لا يسقط وهو الأقوى، وقال بعضهم:
يسقط.
وأصل هذه المسألة إذا باع رجل عبدا يعتقده لوالده فبان أنه له، وأن والده
كان قد مات حين البيع، فالبيع باطل، لأنه اعتقده باطلا، وفيهم من قال: يصح
لأنه صادف ملكه.
فإن طلق امرأة بعينها وقد نسي أن له زوجة أو أعتق عبدا بعينه وقد نسي أن
له عبدا فبان العبد له، والمرأة زوجته، هل يقع الطلاق والعتق؟ يخرج على
الوجهين، وعندنا أنه لا يقع طلاق ولا عتق.
إذا تزوج امرأة فأصدقها صداقا فقالت: لا أسلم نفسي حتى أقبض صداقي،
فالكلام في فصلين: أحدهما في التقديم، والثاني في استحقاق التسليم.
فأما الكلام في التقديم، وأيهما يقدم، فله موضع آخر نذكره.
والكلام في استحقاق التسليم هاهنا، جملته أن النكاح يصح بصداق عاجل
وآجل، وأن يكون بعضه عاجلا وبعضه آجلا، فإذا ثبت أن الكل صحيح،
نظرت: فإن عقد على الإطلاق اقتضى إطلاقه أن يكون المهر كله حالا، وإن شرط
فيه التعجيل كان معجلا بإطلاقه لا بالشرط، والشرط أفاد التأكيد.
فإذا ثبت أنه يكون معجلا في هذين الموضعين فلها أن تمنع نفسها منه حتى
يقبضها الصداق، فإن سلم المهر سلمت نفسها، فإن امتنع فاختارت تسليم نفسها
إليه قبل قبض المهر، فهل لها أن تمتنع أم لا؟ نظرت: فإن لم يكن دخل بها كان
لها الامتناع عليه، لأن التسليم هو القبض، والقبض في النكاح الوطء، فإذا لم
يطأها فما قبض، وكان لها الامتناع بلا خلاف فيه، وأما إن كان دخل بها فليس
لها أن تمتنع بعد ذلك وكان لها المطالبة بالمهر فقط، وقال قوم: لها أن تمتنع
حتى تقبض المهر، وهو الذي يقوى في نفسي.
292

فأما إن كان كله إلى أجل فإنما يصح إلى أجل معلوم، فإذا كان المهر آجلا
فليس لها الامتناع عنه، بل عليها تسليم نفسها إليه، لأنها رضيت بتأجيل المهر،
فقد دخلت على الرضا بتسليم نفسها قبل قبضه، كما قلنا في البيع إذا كان بثمن
آجل، فعلى البائع تسليم السلعة لأنه على هذا دخل.
فإذا ثبت هذا نظرت: فإن سلمت نفسها إليه فلا كلام، وإن تدافع الوقت
وتأخر تسليم نفسها إليه حتى حل الأجل ووجب عليه تسليم المهر فليس لها
الامتناع هاهنا على قبض المهر لأنه قد وجب عليها تسليم نفسها إليه واستقر ذلك
عليها، فليس لها أن تمتنع عليه كما قلناه في البيع سواء.
ويفارق إذا كان المهر عاجلا لأنه ما استحق عليه التسليم قبل قبض المهر
فلهذا كان لها الامتناع، وهاهنا قد وجب عليها تسليم نفسها، فليس لها الامتناع
بعد ذلك، هذا إذا كان كله عاجلا.
فأما إن كان بعضه عاجلا وبعضه آجلا فإنما يصح بشرطين: أن يعلم قدر
الأجل منه، ومنتهى الأجل، فأما على ما يعقد الناس بينهم على صداق عاجل
وآجل، ولا يذكر قدر الأجل ولا منتهى الأجل فهو باطل، ويجب لها مهر المثل،
ويكون حالا.
فإذا ثبت هذا فعقد بعاجل وآجل معلوم، كان بعضه عاجلا وبعضه آجلا
على ما يشرطانه، ولها هاهنا أن تمتنع عنه حتى تقبض قدر العاجل منه على ما
قلناه إذا كان كله عاجلا، فإذا قبضت العاجل فليس لها أن تمتنع عنه لما بقي لها
من الأجل كما لو كان كله آجلا على ما فصلناه.
إذا تزوج الرجل لم يخل من أحد أمرين: إما أن تكون الزوجة صغيرة أو
كبيرة، فإن كانت كبيرة وأقبضها الصداق لزمها تسليم نفسها على ما قلناه، فإن
استمهلت اليوم واليومين والثلاث، قال قوم: تمهل، وقال قوم: لا يمهلها، والأول
أقوى، لقوله عليه وآله السلام ونهيه أن يطرق الرجل أهله ليلا، ولأن العادة جارية
بذلك في العقود.
293

فإذا ثبت هذا وطلبت إمهال ثلاث فما دونه أمهلت، وإن طلبت أكثر من
ذلك لم تمهل، لأن الثلاث يتسع لها إصلاح أمرها والاستعداد لزوجها، هذا إذا
كانت كبيرة.
فأما إن كانت صغيرة لم يخل من أحد أمرين: إما أن تكون على صفة تصلح
للرجال أو لا تصلح.
فإن كانت تصلح لهم مثل أن تكون لها تسع سنين ونحوها، فالحكم فيها
كما لو كانت كبيرة وقد مضى.
وإن كانت لا تصلح للرجال بأن يكون لها الست والسبع، على حسب
حالها، فرب صغيرة السن تصلح وكبيرة السن لا تصلح، فإذا كانت لا تصلح لم
يجب على أهلها تسليمها إليه وإن ذكر أنه يحضنها ويربيها، وأن له من يقوم
بخدمتها وجميع أمورها لأنه لم يملك رقبتها، وإنما ملك الاستمتاع بها، وهذه
فما خلق فيها الاستمتاع، ولأنه لا يؤمن أن تشره نفسه إلى مواقعتها، فربما جنى
عليها فقتلها، فكان لهم منعها.
فأما إن امتنع هو من قبض هذه وطالبوه بقبضها ونقلها إليه، لم يجب عليه
لأنه ما خلق فيها ما ملك منها من الاستمتاع، ولأنه كان يلزمه نفقة الحضانة
والتربية، وذلك غير واجب.
الصداق كالدين، لأنه يجب في الذمة بعقد، وكل ما وجب في الذمة بعقد
كان دينا.
فإذا ثبت هذا فإنه يكون منه معجلا ومؤجلا مثل الدين، ولا يخلو الزوجان
من أربعة أحوال: إما أن يكون الزوج كبيرا وهي صغيرة، أو يكونان صغيرين، أو
يكون الزوج صغيرا وهي كبيرة، أو يكونان كبيرين.
فإن كان كبيرا وهي صغيرة لا يجامع مثلها، فهل عليه نفقتها أم لا؟ قيل فيه
وجهان: أحدهما لها النفقة، لأن عقد النكاح يقتضي الإنفاق، فإذا تزوج علم أنه
دخل على بصيرة من الإنفاق عليها، والقول الثاني - وهو أصحهما عندنا
294

وعندهم - أنه لا نفقة عليه لأن النفقة في مقابلة التمكين من الاستمتاع، بدليل أن
الكبيرة إذا نشرت سقطت نفقتها لتعذر الاستمتاع.
وإن كانا صغيرين فعلى قولين، كما لو كان كبيرا وهي صغيرة، الصحيح
أنه لا نفقة لها.
فأما إن كانت كبيرة وهو طفل فبذلت نفسها ومكنت من الاستمتاع، فهل
لها نفقة أم لا؟ على قولين: أحدهما لا نفقة لها لأن التمكين ليس بحاصل، ولا
إمكان الاستمتاع، وهو الذي يقوى في نفسي، والثاني - وهو الصحيح عندهم -
أن عليه النفقة لأنها تجب في مقابلة التمكين من الاستمتاع، وقد فعلت، وإنما تعذر
القبض من جهته كما لو جن أو مرض.
فأما الكلام في الصداق هل عليه تسليم الصداق في هذه المسائل الثلاث؟
منهم من قال على القولين، كالنفقة، ومنهم من قال: يجب تسليم الصداق،
والأقوى عندي أنه لا يجب كما لا تجب النفقة، لأن الاستمتاع غير ممكن.
فأما إن كانا كبيرين فمتى مكنت من نفسها لزمه تسليم الصداق والإنفاق
معا، والكلام في التقديم والتأخير يجئ فيما بعد، وهو إذا قال كل واحد منهما:
لا أسلم ما يجب علي حتى أتسلم، فأيهما يجبر على التسليم؟ قيل فيه ثلاثة أقوال
مثل المتبايعين إذا قال كل واحد: لا أسلم حتى أتسلم:
أحدها: يقطع الخصومة بينهما ولا يجبر واحد منهما على شئ، بل يقال
لهما: أيكما تطوع بتسليم ما عليه أجبر الآخر على تسليم ما عليه.
والثاني: ينصب الحاكم عدلا ويأمر كل واحد منهما بتسليم ما لصاحبه عليه
إليه، فإذا حصل الثمن والمثمن عنده دفع العدل حينئذ إلى كل واحد منهما ما
لصاحبه عليه.
والثالث: يجبر البائع على تسليم السلعة، فإذا استقر البدل أجبر المشتري
على تسليم الثمن إن كان حاضرا، وإن كان غائبا فقال: أمهلوني لإحضاره، أمهل،
بعد أن يحجر عليه في السلعة، لئلا يتصرف فيها، وأنظر لإحضار الثمن على ما
295

فصلناه في البيوع، والقول الأخير أقوى.
فأما الصداق فلا يجئ فيه إلا قولان: أحدهما يقطع الخصومة بينهما، وأيهما
بذل ما عليه أجبر الآخر على إقباض ما عليه، والثاني ينصب عدلا ويأمر الزوج
بتسليم الصداق إليه، فإذا فعل أمرها بتسليم نفسها إليه، فإذا فعلت أعطاها العدل
الصداق، وهذا الأقوى عندي.
ولا يجئ القول الثالث لأن القول الثالث يجبر الزوجة على تسليم نفسها ثم
يجبر هو على تسليم الصداق، وهذا لا يجوز لأنه ربما أتلف البضع ومنع
الصداق، فلهذا لم تجبر على تسليم نفسها، ويفارق البيع لأنه يمكن إجباره على
تسليم السلعة والحجر عليه فيها بعد أن يقبضها، والنكاح لا يمكن ذلك فيه.
إذا امتنعت الكبيرة من تسليم نفسها وقالت: لا أمكنه حتى يدفع الصداق،
فهل لها النفقة قبل دفع الصداق أم لا؟ يبني على القولين، فإذا قيل لا يجبر
أحدهما على تسليم ما عليه، وأيهما تبرع أجبر الآخر عليه، فلا نفقة لها هاهنا، لأنها
تمنع نفسها بغير حق، فإن الزوج لا يجب - على هذا القول - عليه تسليم
الصداق، فإذا قالت: لا أسلم حتى يدفع إلى ما لا يجب عليه، فهي ناشزة لا نفقة
لها.
وإذا قلنا: يجبر الزوج على تسليم الصداق إلى عدل، فإذا سلمت نفسها إلى
زوجها قبضته من العدل، فعلى هذا إذا قالت: لا أسلم نفسي حتى يسلم الصداق،
فإذا امتنع من ذلك فلها النفقة عليه لأنها بذلت نفسها ومكنته إن دفع الواجب
لها، فإذا لم يفعل كان الامتناع من التسليم والقبض منه، فعليه نفقتها.
إذا كانت المرأة نضوا - وهي النحيفة القليلة اللحم - فطالب بها زوجها لم
يخل من أحد أمرين: إما أن يكون النضو خلقة وجبلة، أو لعارض وعلة.
فإن كان ذلك خلقة، فمتى سلم إليها مهرها لزم تسليم نفسها إليه، لأن العادة
لم تجر أن لنضو الخلق منع نفسها عن زوجها، فإذا تسلمها كان له أن يستمتع بها
فيما دون الفرج، وبكل ما يستمتع الرجل بالقوية السمينة إلا الجماع في الفرج،
296

فإنه ينظر فيه: فإن كانت ممن لا ضرر عليها في جماعه فعليها تمكينه، لأنه لا ضرر
عليها في جماعه، وإن كانت على صفة يخاف عليها من الجماع الجناية عليها أو
مشقة شديدة منع منها، وقيل له: أنت بالخيار بين أن تمسكها ولك الاستمتاع
بها إلا الجماع في الفرج وبين أن تطلقها وعليك نصف المهر.
فأما إن كان نضو الخلق لعلة وعارض، وصارت على صفة لا يطاق جماعها
كان لها منع نفسها منه حتى تبرأ، لأن هذه يرجى زوالها، ولهذا أمهل حتى تزول،
فإذا ثبت أن ليس عليها تسليم نفسها، فما دامت على الامتناع فلا نفقة لها حتى تبرأ
ويندمل وتسلم نفسها، فإن سلمت نفسها إليه لزمه نفقتها.
وهكذا لو سلمت نفسها وهي صحيحة جسيمة، فمرضت ونحلت، فعليه
نفقتها لأنها قد حصلت في قبضة زوجها، وتفارق الصغيرة فإنها لم تحصل في
قبضة زوجها.
إذا وطئ زوجته فأفضاها - والإفضاء أن يجعل مدخل الذكر ومخرج البول
واحدا - فمتى فعل هذا فعليه الدية عندنا، سواء كان البول مسترسلا أو
مستمسكا.
وهكذا إن أكره امرأة أو وطئها بشبهة فأفضاها وجب المهر والدية، وعندنا
خاصة أنه يلزم النفقة عليها ما دامت حية إذا كان وطئها قبل تسع سنين، فإن
وطئها بعد تسع سنين فأفضاها لم يكن عليه شئ، وفيه خلاف.
فإذا تقرر هذا فأفضاها ثم أراد جماعها ثانيا نظرت: فإن كان الموضع قد
اندمل فصار بحيث لا يستضر بالجماع كان عليها التمكين منه، وإن لم يكن
اندمل ويخاف عليها أن يفتق ما اندمل، أو يلحقها مشقة من جماعه، منع منه حتى
يتكامل البرء.
فإن اختلفا فقال: قد اندمل فلا يخاف عليه، وقالت: بل ما اندمل، فالقول
قولها لأنه مما لا يمكنها إقامة البينة عليه.
إذا طلقها بعد أن خلا بها بل أن يمسها قيل فيه ثلاثة أقوال: قال قوم: وجود
297

هذه الخلوة وعدمها سواء، يرجع إليه نصف الصداق ولا عدة، وهو الظاهر من
روايات أصحابنا، وقال قوم: يستقر المهر والعدة بالخلوة، وبه قال قوم من
أصحابنا، إلا أن المخالف قال: إذا خلا بها بلا مانع استقر المهر، أصابها أو لم
يصبها.
وإن كان هناك مانع فإن كان محرما لم يستقر، وإن كان صائما فإن كان
فرضا لم يستقر وإن كان تطوعا استقر، وإن كان صوم التطوع يلزم بالدخول فيه
عندهم، وإن كان عنينا أو مجبوبا استقر المهر.
ولا خلاف أن الخلوة إذا كانت في نكاح فاسد لا يستقر به المهر، ولا
خلاف أيضا أنه لا يتعلق بالخلوة شئ من أحكام الدخول مثل الحد والغسل
والمهر في النكاح الفاسد، ولا يثبت به الإحصان، ولا يخرج به من حكم العنة
والإيلاء، ولا يفسد العبادة، ولا تجب به الكفارة، ولا تقع به الإباحة للزوج
الأول، وإنما الخلاف في استقرار المهر كله والعدة.
إذا تزوج امرأة وأمهرها عبدا مطلقا، فقال: تزوجتك على عبد، فالنكاح
صحيح بلا خلاف، ولها عبد وسط من العبيد عندنا وعند جماعة، وقال قوم: لها
مهر المثل لأن هذا فاسد.
وكذلك إذا قال: تزوجتك على دار، مطلقا، فعندنا يلزم دار بين دارين،
فأما إذا قال: تزوجتك على ثوب، ولم يبين فلا خلاف أنه لا يصح المهر، وقال
بعضهم: له وسط الثياب.
المتعة للمطلقات، فأما من بانت بالوفاة أو بالفسخ فلا متعة لها، بدلالة قوله
تعالى: " وللمطلقات متاع " دل على أنه لا متعة لغير مطلقة.
والمطلقات على ثلاثة أضرب عند بعضهم:
مطلقة لها المتعة، وهي التي لم يفرض لها بالعقد مهر ولا بعد العقد، وطلقت
قبل الدخول فلها المتعة، وهكذا عندنا وفيه خلاف، وإنما قلنا ذلك لقوله تعالى:
298

" ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره ".
الضرب الثاني: مطلقة لا متعة لها، وهي التي يجب لها بالطلاق قبل الدخول
نصف المهر المفروض بعد العقد، فمتى طلقت فلها نصف المهر، ولا متعة لها
للآية المتقدمة، وهكذا نقول.
الضرب الثالث: كل من طلقها زوجها بعد الدخول سواء سمى لها مهرا في
العقد أولم يسم، فرض لها أولم يفرض الباب واحد، فإنه لا متعة لها عندنا، وإنما
لها مهر المثل، وقال قوم: لها المتعة.
والمتعة على كل زوج طلق لكل زوجة طلقت إذا كان الفراق من قبله أو
يتم به، مثل أن يطلق أو يخالع أو يملك، فإذا كان الفراق من قبلها فلا متعة لها
سواء كان الزوج حرا أو عبدا، والزوجة حرة كانت أو أمة.
الفراق على أربعة أضرب: إما أن يكون من جهته أو من جهتها أو جهتهما معا
أو جهة أجنبي.
فما يكون من جهته بطلاق ولعان وردة وإسلام، فإن كانت بالطلاق فلها
المتعة لعموم الآية، وإن كان باللعان أو الارتداد أو الإسلام قال قوم: تجب المتعة
لأن الفراق من قبله، وهو الذي يقوى في نفسي، ولو قلنا: لا يلزمه متعة لأنه لا
دليل عليه، لكان قويا.
وأما من جهتها مثل ارتداد أو تسلم أو تعتق تحت عبد فتختاره نفسها، أو تجد
به عيبا فتفسخ، أو يجد هو بها عيبا، فإنه وإن كان الفاسخ هو فهي المدلسة،
فالكل من جهتها ولا متعة لها في كل ذلك.
فأما امرأة العنين فلو شاءت أقامت معه، وقال قوم: لها متعة، وقال آخرون:
لا متعة لها، وهو الصحيح.
فأما إن جاءت الفرقة من جهتهما معا وهو الخلع، فالخلع كالطلاق.
والمتعة تجب لها.
فأما إن جاءت الفرقة من جهة أجنبي مثل أن كانت زوجته صغيرة
299

فأرضعتها أمه أو قرابة له رضاعا يحرم مثله، فصارت له محرما وقعت الفرقة،
وكانت كالخلع المغلب فيها حكم الزوج، لأنه يعود إليه بها قبل الدخول نصف
المهر، فكأنه طلقها هو، فعليه المتعة.
إذا كان له زوجة هي أمة، وكانت عنده مفوضة البضع، فاشتراها من سيدها
انفسخ النكاح، ولا متعة لها عندنا، لأنه لا دليل عليه، وقال قوم: لها المتعة.
وقال بعضهم: ينظر فإن كان المستدعي للبيع هو السيد غلبنا جنبته، وإن
كان المستدعي هو الزوج غلبنا جنبته، وقال الأولون: هذا باطل بالخلع لأنه لا
يتم إلا بهما، ومع هذا فلا تغلب جنبة الطالب دون غيره.
إذا تزوج امرأة على أن يعلم غلاما لها صنعة أو قرآنا صح.
ولو أصدقها خشبة فشقته أبوابا وتوابيت فزادت قيمته ثم طلقها قبل
الدخول، لم يكن له الرجوع لأنها زيادة غير متميزة، فإن بذلت له النصف بزيادته
لم يجب عليه أن يقبل منها.
ولو أصدقها فضة أو ذهبا فصاغته أواني فزادت قيمته ثم طلقها قبل الدخول،
كان لها متعة من نصفه، فإن بذلت له النصف لزمه القبول، لأنها زيادة غير
متميزة.
والفصل بين الذهب والخشب أن الذهب والفضة وإن صيغا آنية فإنه يجئ
من الآنية كل ما يجئ منها قبل الصياغة، فلهذا لزمه القبول، وليس كذلك
الخشب لأن المشقوق لا يجئ منه ما يجئ من غير المشقوق، فلهذا لم يجبر على
القبول.
فإن أصدقها أباها باختيارها صح الصداق، وعتق أبوها عليها عقيب العقد،
لأنها ملكته بالعقد.
وإن كانت محجورا عليها وأصدقها أباها، وقبل ذلك وليها، فالصداق
باطل لأن الولي إنما يتصرف فيما للمولى عليه نفع، وهذا ضرر عليها، لأنه قبل لها
ما لا نفع لها فيه.
300

وهكذا لو كان الولي أباها فأصدقها الزوج أمها فقبل الأب ذلك، فالصداق
باطل.
فإن أصدقها إناءين فانكسر أحدهما وطلقها قبل الدخول بها، قيل فيها
قولان: أحدهما لها نصف الموجود ونصف قيمة التالف، والثاني بالخيار بين أن
يأخذ نصف الموجود ونصف قيمة التالف، وبين أن يدع ويأخذ نصف قيمتهما
معا، والأول أقوى.
ولو أصدقها أربعين شاة فحال الحول عليها وأخرجت منها شاة ثم طلقها قبل
الدخول، كان له أن يأخذ منها عشرين من الغنم.
وإذا أصدقها صداقا فأصابت به عيبا كان لها رده بالعيب، سواء كان العيب
كثيرا أو يسيرا، وقال قوم: إن كان يسيرا لم يكن لها الرد، وإن كان كثيرا فلها
رده.
فصل: في ذكر الوليمة والنثر:
والوليمة معروفة وهي وليمة العرس، فإذا أطلقت وقعت على وليمة العرس،
وتقع على غيرها من دعوة إملاك أو نفاس أو ختان أو حال سرور على التقييد،
وضرب من المجاز، والوليمة الاجتماع، كذا حكي عن أبي زيد، وهي مشتقة من
الولم وهو القيد، وإنما سمي ولما لأنه يجمع ويضم.
كذا أيضا وليمة العرس إنما سمي وليمة لأن فيها اجتماع الزوجين، قال
ثعلب: الوليمة طعام العرس.
فإذا ثبت ذلك فالوليمة مستحبة غير واجبة، وقال قوم: هي واجبة، فأما
سائر الولائم فمستحبة بلا خلاف، وأما الإجابة إلى الدعوة فمستحبة، وليست
بواجبة، فمن قال: هي واجبة، فهل هي من فروض الأعيان أو فروض الكفايات؟
قيل فيه وجهان:
أحدهما: من فروض الأعيان، لقوله عليه السلام: من دعي إلى وليمة فلم
يجب فقد عصى الله ورسوله، ومن جاءها من غير دعوة دخل سارقا وخرج
301

مغيرا، والعصيان يكون بترك الواجب.
والثاني: أنه من فروض الكفايات كرد السلام، لأن الغرض اشتهار الوليمة،
وإذا اتخذ الذمي وليمة فلا يجوز للمسلم حضورها، وقال قوم: إنه يجب عليه
حضورها، وقال آخرون: لا يجب بل يجوز.
وإن كان المدعو صائما فإن كان صومه تطوعا استحب له أن يحضر ويفطر،
وقال قوم: ينبغي أن يحضر ويترك، وليس يحتم عليه أن يأكل، فأما إن كان
صائما فرضا إما نذرا أو غير نذر فلا يفطر، ومتى كان نفلا استحب له أن يفطر بلا
خلاف، وإذا كان مفطرا فهل عليه الأكل وجوبا أم لا؟ عندنا أنه مستحب له،
وليس بواجب، وقال بعضهم: إنه يجب عليه ذلك.
إذا كان في الدعوة مناكير وملاهي مثل شرب الخمر على المائدة، وضرب
العود والرابط والمزامير وغير ذلك، وعلم، فلا يجوز له حضورها، وإن علم أنه
إن حضر قدر على إزالته، فإنه يستحب له حضورها ليجمع بين الإجابة والإزالة،
وإن لم يعلم حتى حضر فإن أمكنه إزالته أزاله، لأن النهي عن المنكر واجب، وإن
لم يمكنه إزالته فالواجب أن لا يقعد هناك بل ينصرف، وقال قوم: ذلك
مستحب ولو جلس لم يكن عليه شئ.
فإن أمكنه أن لا يحضر أصلا إذا علم فالأولى ذلك، وإن لم يمكنه أن
ينصرف، فإنه يجلس ولا إثم عليه بأصوات المناكير متى لم يستمع إليها، لأن هذا
سماع وليس باستماع، فهو بمنزلة من سمع من الجيران فإنه لا يأثم به، ولا يلزمه
أن يخرج لأجله.
وإن رأى صورة ذات أرواح فلا يدخلها إن كانت منصوبة، وإن كانت توطأ
فلا بأس به، وإن كانت صور الشجر فلا بأس، وكذلك صور كل ما لا روح
فيه، لأن النبي صلى الله عليه وآله قال: لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب أو صورة،
ورأى عليه السلام سترا عليه صورة فقال لبعض نسائه: قطعيه مخادا.
نثر السكر واللوز في الولائم وغير ذلك جائز، غير أنه لا يجوز لأحد أخذه
302

إلا بإذن صاحبه، إما قولا أو شاهد حال أنه أباحه، وينبغي أن لا ينتهب، وتركه
أولى على كل حال، وقال قوم: هو مباح إن كانت تؤخذ بخلسة، ويملك النثار
كما يملك الطعام إذا قدم إلى قوم، وقيل فيه ثلاثة أوجه ذكرناها في كتاب
الأطعمة، أقواها أنه يملكها بالأخذ والحيازة.
303

كتاب القسم
قال الله تعالى: " قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم "، يعني من الحقوق
التي لهن على الأزواج من الكسوة والنفقة والمهر وغير ذلك، وقال: " الرجال
قوامون على النساء "، ويعني أنهم قوامون بحقوق النساء التي لهن على الأزواج،
وقال تعالى: " وعاشروهن بالمعروف "، وقال: " لهن مثل الذي عليهن
بالمعروف ".
فظاهر هذا يدل على أن للزوجات على الأزواج مثل الذي للأزواج على
الزوجات من الحقوق، وليس كذلك لأن حقوقهم مختلفة لأن حقوق الزوجات
النفقة والكسوة والمهر والسكنى وحقوق الأزواج التمكين من الاستمتاع، وهذا
مخالف.
ومعنى الآية أن على كل واحد منهما ما عليه لصاحبه فجمع بينهما من حيث
الوجوب لا كيفية الحقوق.
فإذا ثبت العشرة بالآية فعلى كل واحد منهما أن يكف عما يكرهه صاحبه
من قول وفعل، وعلى كل واحد منهما أن يوفي الحقوق التي عليه من غير أن
يحوج صاحبه إلى الاستعانة بغيره، ومرافعته إلى الحاكم ووكلائه، ولا يظهر
الكراهية في تأدية حق صاحبه مما هو واجب عليه، بل يؤديه باستبشار وانطلاق
وجه.
305

وعلى كل واحد منهما إذا تمكن من تأدية ما عليه من الحقوق أن لا يمطل
صاحبه ولا يؤخر، فإن مطله مع قدرة الدفع كان آثما، وكان رسول الله
صلى الله عليه وآله توفي عن تسع، وكان يقسم لثمان لأن سودة بنت زمعة وهبت
ليلتها لعائشة حين أراد النبي صلى الله عليه وآله طلاقها لما كان بها من الكبر،
فسألته أن يتركها في جملة أزواجه ووهبت ليلتها لغيرها، فدل ذلك على أن هبة
القسم جائزة متى رضي الزوج.
فإذا ثبت أن الهبة جائزة فإنها تفتقر إلى إذن الزوج، لأن القسم حق لها وله،
وهي لا تملك إسقاط ما عليها من الحق، فإذا وهبت ليلتها فلا يخلو من ثلاثة
أحوال: إما أن تهبها للزوج أو لضرائر الزوج أو لواحدة منهن:
فإذا وهبت للضرائر فتكون الليلة منصرفة إليهن مثل أن يكون له أربع
زوجات فوهبت ليلتها لهن، كان عليه أن يبيت عند كل واحدة ليلة، ثم يرجع
إلى الأولى بعد يومين، بعد أن كان يرجع إليها بعد ثلاثة أيام.
وإن وهبت للزوج فله أن يقبل لأن النبي صلى الله عليه وآله قبل هبة سودة،
فإذا قبلها فله أن يصرفها إلى من شاء منهن لأنه حق له، وإن صرف إلى واحدة
منهن فليس لها الامتناع من قبولها، لأنه زيادة في حقها.
وإن كان له أربع زوجات فحللته ثلاثة نسوة منهن لأن يبيت عند واحدة
ورضي الزوج بذلك، فإن عليه أن يتوفر عليها لأنه بمنزلة من له زوجة واحدة،
وإن وهبت لواحدة منهن ورضي الزوج جاز لأن سودة وهبت لعائشة.
فإذا ثبت أن الهبة جائزة فإن رجعت في الهبة ففيه ثلاث مسائل: إحداها أن
رجوعها في الماضي لا يصح لأنه كالهبة المقبوضة، ولا يصح الرجوع فيها، وأما
رجوعها في المستقبل فجائز لأنها بمنزلة الهبة التي لم تقبض، وإن رجعت ولم
يعلم الزوج برجوعها حتى بات عند نسائه ليالي، فإنه لا يجب عليه قضاؤها.
فإن وهبت ليلتها في أول الليل ورجعت في نصف الليل صح رجوعها في
النصف الأخير، ومتى أرادت أن تأخذ العوض على ليلتها، بأن تبيعها من زوجها أو
306

من ضرة من ضرائرها لم يجز لها ذلك، لأن العوض في مقابلة عين أو منفعة،
وليس هذا عين ولا منفعة، بل هو مأوى وسكن.
إذا كان للرجل زوجات فلا يجب عليه القسم ابتداء، لكن الذي يجب عليه
النفقة والكسوة والمهر والسكنى، فمتى تكفل بهذه فلا يلزمه القسم، لأنه حق له،
فإذا أسقطه لا يجبر عليه، ويجوز له تركه، وأن يبيت في المساجد وعند أصدقائه،
فأما إن أراد أن يبتدئ بواحدة منهن فيجب عليه القسم، لأنه ليس واحدة منهن
أولى بالتقديم من الأخرى، فعليه أن يقسم بينهن بالقرعة، فمن خرجت له القرعة
قدمها، هذا هو الأحوط، وقال قوم: يقدم من شاء منهن.
إذا كان له زوجتان أقرع بينهما دفعة، وإن كان له ثلاث زوجات أقرع
بينهن قرعتين، وإذا كن أربع نسوة أقرع بينهن ثلاث قرع، ثم يبيت عند الرابعة
لأن النبي أقرع بين نسائه حين أراد أن يسفر بهن.
وإن لم يقسم وبدأ بالدخول بواحدة، كان عليه أن يقضي تلك الليلة في
حقهن لقوله تعالى " وعاشروهن بالمعروف "، وقوله: " ولن تستطيعوا أن تعدلوا
بين النساء - إلى قوله - فلا تميلوا كل الميل "، وروي عنه صلى الله عليه وآله أنه
قال: من كان له امرأتان فمال إلى إحديهما جاء يوم القيامة وشقه مائل.
فأما النبي صلى الله عليه وآله فإنه كان لا يجب عليه القسم ابتداء، لكن فإذا
بدأ بواحدة منهن فهل يجب عليه القسم؟ قيل فيه وجهان: أحدهما لا يجب عليه
لقوله تعالى: " ترجي من تشاء منهن " وقال آخرون: كان يجب عليه لقوله
تعالى: " وعاشروهن بالمعروف " ولقوله: " فلا تميلوا كل الميل " ولأنه
عليه السلام كان يطاف به محمولا على نسائه فيبيت عند كل امرأة ليلة حتى حللته
سودة أن يبيت عند عائشة.
وكان صلى الله عليه وآله يقول: اللهم هذا قسمي فيما أملك من جهة الفعل
وأنت أعلم بما لا أملكه من جهة الهوى، فدل على أنه كان واجبا عليه.
وإذا سوى بينهن في القسمة لا يلزمه أن يسوي بينهن في الجماع، بل إذا بات
307

عندها إن شاء جامعها وإن شاء لم يفعل، والمستحب التسوية، بينهن في الجماع،
وإن لم يفعل جاز لأنه ربما لا يستطيع ذلك، ولأنه حق له فكان له تركه.
والقسمة يجب أن تكون بالليل، فأما بالنهار فله أن يدخل إلى أي امرأة شاء
لحاجة أو سبب، لأن الإيواء للسكن إليها بدلالة قوله " لتسكنوا إليه " والليل
موقع السكن لقوله تعالى: " لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله " يعني الليل والنهار.
وإذا كان عنده حرائر مسلمات وذميات كان للمسلمة الليلتان وللذمية الليلة،
وكذلك إن كانت عنده حرة وأمة زوجة كان للحرة ليلتان وللأمة ليلة واحدة،
وعند المخالف أن الذمية كالمسلمة، وخالف بعضهم في الأمة وسوى بينهن.
ويتصور في الأمة والحرة عند من لم يجز الجمع بينهما في موضعين:
أحدهما في العبد إذا تزوج بأمة ثم بحرة ثم أعتق، والثاني في الرجل إذا كان
معسرا فتزوج أمة ثم أيسر وتزوج بحرة، ولا يتصور إلا في هذين الموضعين.
والمرأة الكبيرة الناشزة لا قسم لها، وكذلك الصغيرة التي لم تبلغ حد
الاستمتاع لا قسم لها، والأمة إذا كانت زوجة فلها أن يحلل من قسمها من شاءت
بغير إذن سيدها لأنه حق لها لا للسيد، وليس للسيد منعها من ذلك.
قد بينا أن القسم يكون ليلا فكل امرأة قسم لها ليلا فإن لها نهار تلك الليلة،
فإن أراد أن يبتدئ بالنهار جاز، وإن أراد أن يبتدئ بالليل جاز، لكن المستحب أن
يبتدئ بالليل لأنه مقدم على النهار، ولأن الشهور تؤرخ بالليل لأنها تدخل
بالليل.
ومتى أراد الدخول إلى غير صاحبه القسم، فلا يخلو: أن يكون نهارا أو ليلا.
فإن كان نهارا فيدخل عليها عيادة لها أو زيارة أو في حاجة ليحدثها أو
يعطيها النفقة، وما يجري هذا المجرى، فإن له ذلك ما لم يلبث عندها فيجامعها،
لأن النبي صلى الله عليه وآله كذا كان يفعل.
وأما الدخول إليها ليلا فلا يجوز سواء عادها أو زارها أو أراد السلام عليها أو
يعطيها النفقة لأن جميع الليل حق لغيرها، فإن اضطر إلى ذلك وهو أن تكون
308

مريضة فثقلت في تلك الليلة، فإنه يجوز له أن يخرج إليها لأنه موضع ضرورة.
فإذا ثبت هذا وجاء إليها لا يخلو: من أن تموت أو تبرأ، فإن ماتت فلا يحتاج
إلى قضاء هذه الليلة، وإن برأت من المرض، فإنه يحتاج أن يقضي تلك الليلة في
حقهن من ليلتها، لأنها حق لها، وإن دخل وخرج من عندها في الحال، فإنه لا
يجب عليه قضاء ذلك القدر، لأنه يسير فلا يقدح في المقصود، وإن دخل إليها
وجامعها فهل يجب عليه قضاء ذلك الجماع؟ قيل فيه ثلاثة أوجه: أحدها - وهو
الصحيح عندنا - أنه لا يجب لأن الجماع ليس من متضمن القسم، والثاني يحتاج
أن يقسم ليلة كاملة عندها من ليلتها، والثالث إذا جاء ليلتها مضى إلى من فوت
عليها الجماع فيجامعها ثم يرجع إليها.
المستحب أن يقسم ليلة ليلة لأن النبي صلى الله عليه وآله كذا فعل، وإن
قسم ليلتين ليلتين أو ثلاثا ثلاثا جاز وإلى ثلاث فهو متحكم في ملكه، وما زاد على
ذلك فإن كان برضاهن جاز أيضا، وإن لم يكن برضاهن لم يجز.
ويجب أن يقسم للمريضة والرتقاء والحائض والنفساء والتي آلى عليها،
والتي ظاهر منها وللمحرمة، لعموم الآيات والأخبار بلا خلاف.
فإن كان رجل عنينا أو مجبوبا وله زوجات وبات عند واحدة يجب عليه أن
يقضي للبواقي، وإذا قسم لهن فالمستحب أن يطوف عليهن، لأن النبي
صلى الله عليه وآله كان يطوف عليهن ولا يحوجهن إلى البروز والخروج، وإن قعد في
بيت نفسه واستدعاهن جاز له ذلك لأن له أن يسكنهن حيث شاء، وأن يحولهن
إلى حيث شاء، وإن أراد أن يطوف على البعض ويستدعي بعضهن جاز أيضا،
ومتى استدعى واحدة وامتنعت سقط حقها من النفقة والسكنى والكسوة والقسم،
لأنها ناشزة.
والجنون جنونان: جنون يكون فيه تخريق ثياب ووثوب وضرب وقتل،
فإذا كانت كذلك فلا قسم لها، وإن لم تكن كذلك غير أنها تصرع صرعا أو
تعتريها علة من الغشيان فلها القسم.
309

النفقة والقسم، شئ واحد فكل امرأة لها النفقة فلها القسم، وكل من لا نفقة
لها فلا قسم لها، وتستحق النفقة بالطاعة والتمكين من الاستمتاع، ويسقط
بالعصيان والمنع من الاستمتاع.
فإذا ثبت هذا فإذا سافرت ففيه ثلاث مسائل:
إحداها: سافر بها الزوج أو أشخصها من موضع إلى موضع، ففي هذه
الأحوال لها النفقة والقسم جميعا لأنها في قبضته وهو متمكن من الاستمتاع بها.
الثانية: إذا سافرت المرأة وحدها بإذن الزوج، لا تسقط نفقتها ولا قسمتها،
لأن الأصل ثبوت حقهما وفيه خلاف.
الثالثة: إذا سافرت بغير إذنه فإنه لا نفقة لها ولا قسم، لأنها ناشزة عاصية،
وليس لها النفقة ولا القسم.
وروى أصحابنا أنه إذا كان له زوجتان جاز له أن يقسم لواحدة ثلاث ليال
ولواحدة ليلة، فإذا كانت له ثلاث نساء جاز له أن يقسم لواحدة ليلتين ولكل
واحدة منهما ليلة ليلة، ولم أحد للفقهاء نصا فيها.
إذا كان للمجنون أربع زوجات ويتصور في موضعين: أحدهما إذا كان قد
بلغ رشيدا عاقلا فتزوج بأربع، ثم جن، الثاني كان صبيا فزوجه أبوه بأربع ثم
بلغ مجنونا، فأما أن يتزوج مجنون بأربع فلا يجوز لأنه لا يجوز للولي أن يزوجه
أكثر من واحدة، لأنها قدر الحاجة.
فإذا كان له أربع زوجات فلا يخلو حاله من أحد أمرين: إما أن كان قد
قسم لواحدة في حال إفاقته أو لم يقسم، فإن كان قسم لواحدة فإن الولي يقسم
للبواقي لأنه منصوب للمصلحة، وهذا من المصلحة، لأنه حق لهن، وإن كان لم
يقسم أصلا فإن رأى الولي المصلحة في القسمة قسم لمثل ذلك.
فإذا طاف فإن شاء طاف به عليهن، وإن شاء استدعاهن إليه، ولا يجوز له
أن يجوز لأن الولي بمنزلة العاقل، وليس للعاقل الجور في قسم زوجاته، ولا
تفضيل بعضهن على بعض.
310

وإن جاز وقسم لإحداهن أكثر فإنه آثم، فإذا أفاق لزمه أن يقضي ما نقص
من حقها وحق بواقيهن، والولي في حق المجنون كالعاقل في حق نفسه إلا أن له
أن يعمل ما يعود بمصلحته لا غير دون ما لا يعود.
إذا خرج الرجل في خوف من عند صاحبة الليل أو أخرجه السلطان فإنه
يحتاج إلى أن يقضي ذلك القدر لها، لأن جميع الليل حق لها، ثم هو بالخيار في
أن يقضي لها النصف الذي فوت عليها فيه حقها بين النصف الأخير أو النصف
الأول، والمستحب أن يقضي لها من النصف الثاني، لأنه قضاء لما فوت عليها.
فإن أراد أن يقضي لها من النصف الثاني، فإنه يحتاج أن يبيت في بيته أو في
مسجد منفردا ثم يمضي إليها نصف الليل، ولا يجوز له أن يبيت النصف الأول
عند غيرها ثم يمضي إليها، لأن في ذلك تفضيل غيرها عليها، وإن أراد أن يبيت
عندها النصف الأول فإنه يمضي إليها في النصف الأول، والنصف الثاني يخرج
من عندها، ولا يجوز له أن يبيت عندها إلى الصباح، لأن هذا يكون تفضيلا لها
على غيرها، وهذا لا يجوز.
إذا كان للرجل إماء فلا يجب عليه أن يقسم لهن، فإذا طاف عليهن فليس
عليه أن يسوي بينهن بل الأمر في ذلك إليه يعمل كيف شاء، وإن كان معهن
زوجات حرائر، فإن للحرائر القسم، فإن بات ليلة عند واحدة من إمائه فليس عليه
أن يقضي تلك الليلة في حق الزوجات، لأن القضاء فرع على القسم، وليس
للإماء قسم.
إذا ظهر من الزوج إضرار بالزوجة فيصر على أذاها فإنه يسكنها الحاكم في
دار في ناحية من يثق به حتى يشرف عليها وينظر في حالها، ويمنعه من أن
يظلمها، وكذلك إذا تشكى كل واحد منهما من صاحبه، فيسكنهما دار من يثق به
حتى يطلع عليهما ويعرف من الظالم.
إذا كان للرجل أربع زوجات قسم لكل واحدة عشر ليال فوفى بحق
الثلاث منهن، فلما جاء إلى الرابعة تخلي بنفسه وانفرد في بيته، ولم يبت عندها
311

تلك العشرة، فإنه يحتاج إلى أن يقضي لها عشر ليال، فإن بات عند الثلاث
أربعين ليلة احتاج أن يقضي لها ثلاث عشرة ليلة وثلث ليلة.
إذا كان للرجل أربع زوجات فنشزت واحدة فقسم للثلاث بينهن لكل
واحدة خمس عشرة ليلة، فلما وفي حق الثنتين منهن قدمت الغائبة ورجعت إلى
الطاعة فليس لها حظ في حق من مضى، لأنها كانت عاصية لا تستحق القسمة،
لكن لها حق القسم في المستقبل وعليه أن يبيت عند الحاضرة خمس عشرة ليلة،
فيحتاج أن يقضي لها خمس عشرة ليلة وأن يبيت عند القادمة خمس ليال،
فيبتدئ القسم، فيقسم أربعا أربعا فيبيت عند الحاضرة ثلاثا ثلاثا وعند القادمة
ليلة ليلة، فإذا مضى خمس دورات فقد تم لكل واحدة منهن حقها، فإذا مضى خمس
دورات حصل للحاضرة خمس عشرة ليلة وللقادمة خمس ليال، ثم يستأنف
القسم.
ليس للرجل أن يسكن امرأتين في بيت واحد إلا برضاهما، ويجوز أن
يسكنهما في دار واحدة إذا كان سكنى مثلهما، وسواء كان البيت سكنى لمثلهما أو
لم يكن سكنى لمثلهما، فإنه لا يجوز له أن ينزلهما فيه دفعة واحدة إذا لم يتراضيا
به، لأن ذلك يورث العداوة بينهما.
إذا منع الرجل زوجته من الخروج من بيته، فله ذلك لأن منفعتها مستحقة
له طول الليل والنهار، فإذا ثبت ذلك فله أن يمنعها من جنازة أبيها وأمها وولدها،
ومن حضور موتهم ومشاهدة تكفينهم وغسلهم، فأما الخروج مع الجنازة إلى
المقبرة فهي ممنوعة منه على كل حال.
روى ثابت البناني عن أنس أن رجلا سافر فنهى زوجته عن الخروج من
الدار فمرض أبوها فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وآله فقال النبي لها: اتقي
الله وأطيعي الزوج، فمات أبوها فأوحى الله تعالى إلى النبي صلى الله عليه وآله
أنه قد غفر لأبيها بطاعتها لزوجها، ولأن طاعة الزوج فرض وحضور موت الأب
والأم مباح، أو هو من النفل، فتقدم الواجب على النفل أولى.
312

والمستحب أن لا يمنعها من حضور موت الأب والأم وغيرهما.
وإذا كان للرجل أربع زوجات فقسم لهن وهربت واحدة أو أغلقت دونه
بابها أو ادعت الطلاق وهي كاذبة، فإنه يسقط حقها من القسم والنفقة، لأنها
ناشزة، والناشزة لا حق لها في ذلك، فإن رجعت إلى الطاعة، كان لها حقها في
السكنى والنفقة والقسم.
إذا كان له أربع زوجات فقسم لهن ليلة ليلة وطاف عليهن، فلما كان ليلة
الرابعة طلقها فقد فعل فعلا محرما وأثم، لأن تلك الليلة حقها، إلا أن تحلله منه،
فإن تزوج بها ثانيا مثل أن طلقها طلاقا رجعيا، فراجعها أو بائنا فاستحلها وعقد
عليها عقدا ثانيا، فإنه يلزمه أن يقضي لها تلك الليلة.
إذا كان محبوسا في موضع وله أربع زوجات وتمكن من الدخول
والوصول إليه وقد كان قد قسم في حال انطلاقه، فإنه وجب عليه أن يقسم
للبواقي لأن ذلك حق لهن، ومع القدرة يجب إيفاؤهن حقهن، وإن كان لم يقسم
لهن واستدعى واحدة وباتت عنده، وجب عليه أن يقضي تلك الليلة في حقهن
كلهن لأن لكل واحدة ليلة، فإذا أمكن إيفاؤهن وجب ذلك، وإن استدعى واحدة
وامتنعت سقط حقها من النفقة والقسم والسكنى لأنها ناشزة.
إذا كان له زوجتان أمة وحرة وبات عند الحرة ليلتين، وقبل أن يبيت عند
الأمة ليلة أعتقت، فعليه أن يبيت عندها ليلتين، وإن أعتقت بعد أن بات عندها ليلة
لا يلزمه أن يبيت ليلة أخرى، لأنها ساوت الحرة بعد استيفاء حقها، وإذا بدأ بالأمة
وبات عندها ليلة ثم بدأ بالحرة فقبل أن يوفي حقها عليها أعتقت الأمة فعليه أن
يقضي لها ليلة لأنها ساوت الحرة قبل أن وفى حقها عليها، فينبغي أن يكون حقها
مثل حق الحرة لأنها حرة مثلها.
إذا كان للرجل امرأتان فأسكن كل واحدة منهما بلدا فأقام عند واحدة
منهما مدة كان عليه أن يقيم عند الأخرى مثل تلك المدة.
إذا كان للرجل إماء فإنه يجوز له أن يطوف عليهن كلهن ويجامعهن،
313

ويغتسل غسلا واحدا، فأما إذا كانت له زوجات، فإنه لا يمكنه أن يطوف عليهن
بغسل واحدة لأنه إذا جامع واحدة لا يمكنه أن يجامع الأخرى لأن أقل القسم
ليلة، اللهم إلا أن يحللنه فيطوف عليهن في ليلة واحدة ويجامع كلهن، فيجوز له أن
يطوف عليهن بغسل واحد.
إذا كان للرجل امرأتان أو ثلاث وتزوج بواحدة، فهذه الجديدة يخصها إن
كانت بكرا بسبعة أيام، وإن كانت ثيبا بثلاثة أيام، ويقدمها فلها حق التقديم
والتخصيص وفيه خلاف.
إذا تزوج الرجل بامرأتين فالمستحب أن لا يزفا إليه في ليلة واحدة، لأن
كل واحدة منهما لها حق العقد، فإذا قدم واحدة استوجبت الأخرى، فإن فعل
ذلك نظرت: فإن سبقت إحديهما الأخرى في الدخول، فإنه يقدمها، لأن لها حق
السبق، وإن تساويا في السبق، فإنه يقرع بينهما فمن خرجت قرعتها قدمها.
وإن كان له امرأتان فقسم بينهما ليلة ليلة فبات عند واحدة ليلة، فلما جاءت
نوبة الثانية زفت إليه امرأة فإنه يقدمها عليها، لأن لها حق العقد ثم يبيت عندها
ليلة.
قد ذكرنا أن أصل القسم الليل، وأن النهار، تابع له، وأنه لا يجوز أن يدخل
على غير صاحبة الليلة لا لحاجة ولا لغير حاجة، ويجوز أن يدخل على غيرها
بالنهار لحاجة، لأن النهار للتعيش، وكذلك في حق الجديدة لا يجوز له أن
يدخل على غيرها بالليل، ويجوز له أن يدخل عليها نهارا، ولا يستحب له أن
يتخلف عن شهود جماعة، وحضور جنازة، أو إجابة دعوة، لأن القسم مباح،
وهذه الأشياء طاعات، والمباح لا يمنع من الطاعات.
إذا أراد أن يسافر بزوجاته وكن أربعا كان له، وإن أراد أن لا يسافر بواحدة
منهن كان له، لأن الذي عليه هو توفية حقوقهن من النفقة والكسوة والسكنى دون
الإبواء إليهن، والكون معهن.
وإن اختار أن يسافر ببعضهن ويدع البعض كان له، والأولى أن يقرع
314

بينهن فمن خرج اسمه أخرجه، لأن النبي صلى الله عليه وآله إذا أراد السفر كان
يقرع بين أزواجه فمن خرج اسمه أخرجه، وفي الناس من قال: يخرج من شاء،
والأول أحوط.
فأما كيفية القرعة فعلى ما نقوله في كتاب القسم، فيمكن إخراج الأسماء
على السفر وإخراج السفر على الأسماء، فإخراج الأسماء على السفر أن يكتب
اسم كل واحدة في رقعة، ويجعل الرقعة في بندقة من طين أو غيره، وتكون
البنادق في حجر من لم يحضر إصلاح البنادق، فيقال له: أخرج على السفر
رقعة.
فإن أخرجت رقعة واحدة فقد خرج سهمها، فإن أراد إخراج زوجتين
أخرج رقعة أخرى، وإن أراد ثالثة أخرج رقعة أخرى، فإن أراد إخراج اثنتين
كان بالخيار بين أن يصلح أربع بنادق، وبين أن يصلح بندقتين في كل بندقة
اسم ثنتين، ويخرج على ما بيناه.
فأما إخراج السفر بالأسماء، فإن أراد أن يسافر بواحدة كتب في رقعة
" سفر "، وفي ثلاث رقاع في كل واحدة " حضر "، ثم قيل له: أخرج على اسم
فلانة، فإن خرج " سفر " فقد تعينت، وإن خرج " حضر " فقد تعين مقامها.
وإن أراد أن يسافر باثنتين كتب في رقعتين " سفر "، وفي رقعتين " حضر "،
وأخرج على أسمائهن على ما قلناه، وإن أراد ثلاثا كتبا في ثلاث رقاع " سفر "،
وفي رقعة " حضر "، وأخرج، وإن أراد السفر باثنتين كان له كتب رقعتين: في
رقعة " سفر " وفي أخرى " حضر "، وأخرج على ما قلناه.
فإذا أقرع بينهن فخرج سهم واحدة تعين حقها، وليس له أن يعدل بالسفر
إلى غيرها، وإن اختار ترك السفر بهذه التي خرج سهمها كان له، لأن الحق
تعين له، فكان له تركه.
فإذا ثبت أنه بالخيار نظرت: فإن لم يسافر بها فلا كلام، وإن سافر بها لم
يقض للبواقي مدة كونها معه في السفر، لأنه لم يرو أن النبي صلى الله عليه وآله
315

قضى للباقيات.
إذا كانت له زوجة فتزوج أخراوين فزفتا إليه فقد ثبت لكل واحدة منهن
سهمها من القسم بحق العقد، سبع للبكر وثلاث للثيب، فإن أراد سفرا نظرت:
فإن لم يسافر بهن فلا كلام، وإن أراد أن يسافر بواحدة منهن فلا بد من
القرعة، فإن خرج سهم إحدى الجديدتين فسافر بها دخل حق العقد بكونها معه
في السفر، لأنه وفي حق العقد، لأن القصد كونها معه وأنسه بها لتزول الحشمة،
والسفر قد حصل هذا فيه.
فإذا رجع فهل يوفي في الجديدة الأخرى ما كان لها من حق العقد أم لا؟
على وجهين:
أحدهما: لا حق لها، لأنه لو أقام عندها سبعا فضلها على التي سافر بها، لأنه
ما قضى للتي سافر بها حق العقد وإنما دخل حقها في كونها معه، فإذا لم يكن
قضاها حق العقد لم يكن له أن يوفي الأخرى حق العقد، فيقع التفضيل.
والوجه الثاني - وهو أصحهما -: إنه يوفي الجديدة حق العقد، لأنه كانت
تستحقه قبل السفر، فلا يسقط بكون صاحبتها معه في السفر، كقسم الانتهاء وهو
إذا قسم بينهن فسافر بواحدة منهن بالقرعة، دخل حقها في كونها معه بكونها معه
ولم يسقط حق الباقيات.
وأصل هذا إذا قسم لكل واحدة فأقام عند ثلاث ثم أقرع بينهن للسفر،
فخرج غير الرابعة فخرج بها، فإذا عاد وفى الرابعة حقها من القسم، ولم يسقط
بكون غيرها معه في السفر.
قد بينا أنه إذا خرج بواحدة منهن بالقرعة، فإنه لا يقضي، فإن خالف
وخرج بواحدة منهن بغير قرعة فعليه أن يقضي لمن بقي بقدر غيبته مع التي
خرج بها، وقال قوم: لا قضاء عليه، والأول أحوط.
إذا سافر بواحدة منهن سفر نقلة من بلد إلى بلد، فهل يقضي للبواقي مدة كونه
معها في السفر والتحول من بلد إلى بلد؟ قيل فيه وجهان: أحدهما يقضي للبواقي
316

مدة مقامه معها في بلد النقلة، دون كونها معه في السفر قبل وصوله إلى ذلك
البلد لأنها حصلت معه في السفر بحق السفر فلم يقض للبواقي مدة السفر كما لو
كان سفر غيبة لا سفر نقلة، فإن أقام معها في بلد النقلة أو في البواقي مدة مقامه معها
فيه.
وقال بعضهم: عليه أن يقضي لهن مدة كونها في السفر لقطع تلك المسافة
لأنهن تساوين في قطعها معا، كما لو سافر بهن معا فأقام عند واحدة منهن دون
البواقي، أو كان في الحضر فأقام عند واحدة منهن دون البواقي.
إذا أراد سفر غيبة ورجوع لا سفر نقلة، فأقرع بينهن فسافر بواحدة بقرعة فلا
قضاء عليه لمدة قطع المسافة، وأما بلد قصده ينظر فيه: فإن كان مقامه مقام
مسافر لا قضاء عليه، وإن كان مقامه إقامة مقيم، مثل أن نوى المقام ليتم فيه
الصلاة، أو أقام أكثر من عشرة أيام من غير نية، فعليه أن يقضي للبواقي مدة مقامه
في ذلك البلد، لأنه صار مقيما.
إذا أراد السفر مثلا إلى همدان، فأقرع بين نسائه فخرج سهم واحدة منهن
فخرج بها، فلما حصل في الطريق حدثت له نية أن يصل سفره إلى الري كان له
استدامة السفر بها لأن اتصال السفر كالسفر الواحد.
المسألة بحالها فبادر بها بالقرعة، فلما حصل في الطريق تزوج أخرى فزفت
إليه فعليه تقديم الجديدة ليوفيها حق العقد، فينظر فيه: فإن أراد أن لا يستديم
سفره بواحدة منهما، كان له، وإن استدام السفر بهما كان له، فيوفي الجديدة حق
العقد، ثم يقسم بينهما.
وإن أراد أن يسافر بواحدة منهما أقرع بينهما، فإن خرجت قرعة الجديدة
خرج بها، ودخل حق العقد بكونها معه، لأجل مقامها معه، وإن خرج سهم
القديمة سافر بها، فإذا رجع وفى الجديدة حقها الذي ملكته بالعقد.
إذا سافر بواحدة بالقرعة لم يقض للبواقي، طال ذلك أم قصر.
317

فصل: في أحكام النشوز:
قال الله تعالى: " واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن... الآية "، فعلق تعالى
هذه الأحكام بالنشوز، دل على تعلق الحكم به.
فإذا ثبت ذلك ففيه ثلاث مسائل: إذا ظهرت أمارات النشوز ودلائله
وعلاماته، وإذا نشزت فأصرت عليه ولم تنزع عنه، ونفس النشوز.
فأما إذا ظهرت منها علامات النشوز ودلائله، فذلك يظهر بقول وفعل، أما
القول فمثل أن كانت تلبيه إذا دعاها وتخضع له بالقول إذا كلها، فامتنعت عن
تلبيته وعن القول الجميل عند مخاطبته، والفعل مثل أن كانت تقوم إليه إذا دخل
إليها وتبادر إلى فراشه إذا دعاها ثم تركت ذلك فصارت لا تقوم ولا تبادر، بل
تصير إليه بتكره ودمدمة ونحو هذه، فهذه دلائل النشوز.
فإذا ظهر هذا منها وعظها بما يأتي ذكره لقوله تعالى " فعظوهن ".
وأما إن نشزت فامتنعت عليه وأقامت على ذلك وتكرر منها، حل ضربها
بلا خلاف.
وأما إن نشزت أول مرة حل له أن يهجرها في المضجع، وهل له ضربها
بنفس النشوز أم لا؟ قيل فيه قولان: أحدهما يحل، والآخر لا يحل، والأول أقوى
لقوله تعالى: " واهجروهن في المضاجع واضربوهن "، فاقتضى ظاهره أنه متى
خاف النشوز منها حلت له الموعظة والهجران والضرب، ولا خلاف أنها ليست
على ظاهرها، لأن هذه الأحكام لا تتعلق بالخوف من النشوز، فإذا منع من
ظاهرها الدليل حملناها على النشوز نفسه، ويكون التقدير: واللاتي تخافون
نشوزهن فعظوهن فإن فعلن النشوز فاهجروهن واضربوهن، ومن راعى التكرار
والإصرار قدر ذلك فيه أيضا.
فإذا ثبت ذلك عندنا إلى فصول النشوز.
أما الموعظة فإن يخوفها بالله تعالى ويعرفها أن عليها طاعة زوجها، ويقول:
اتقي الله وراقبيه وأطيعيني ولا تمنعيني حقي عليك.
318

والهجران في المضاجع أن يعتزل فراشها، وقال قوم: يقتضي ترك كلامها
غير أنه لا يقيم عليه أكثر من ثلاثة أيام، وروى أصحابنا أن الهجران هو أن يحول
ظهره إليها في المضجع.
وأما الضرب فإن يضربها ضرب تأديب كما يضرب الصبيان على الذنب،
ولا يضربها ضربا مبرحا ولا مدميا ولا مزمنا، ويفرق الضرب على بدنها، ويتقي
الوجه، وروى أصحابنا أنه يضربها بالسواك، وقال قوم: يكون الضرب بمنديل
ملفوف أو درة ولا يكون بسياط ولا خشب.
وروي عن بعض الصحابة أنه قال: كنا معشر قريش تغلب رجالنا نساءنا،
فقدمنا المدينة فكانت نساؤهن تغلب رجالهم، فاختلطت نساؤنا بنسائهم فذئرن
على أزواجهن، فقلت: يا رسول الله ذئر النساء على أزواجهن، فرخص في
ضربهن، فطاف بآل محمد نساء كثير يشكون أزواجهن، فقال رسول الله
صلى الله عليه وآله: لقد طاف بآل محمد سبعون امرأة كلهن يشكون أزواجهن فلا
يكونن أولئك خياركم.
معنى ذئرن أي اجترأن وأنشدوا لعبيد الأبرص:
ولقد أتانا عن تميم أنهم ذئروا لقتلى عامر وتعصبوا
فصل: في الحكمين في الشقاق بين الزوجين:
إذا ظهر الشقاق بين الزوجين لم يخل من ثلاثة أحوال: إما أن يكون النشوز
منها أو منه أو يشكل الأمر.
فإن كان منها فقد مضى مستوفى، وإن كان منه لم يخل من أحد أمرين: إما
أن يكون منه النشوز أو دلائله.
فإن كان النشوز منه، وهو أن يمنعها حقها من نفقة وكسوة ونحو هذا،
فالحاكم يلزمه أن يسكن الزوجين إلى جنب عدل يشرف عليهما وقد مضى.
وإن ظهرت أمارات النشوز منه، وهو أن كان يستدعيها إلى فراشه فامتنع
319

وكان مقبلا عليها فأعرض عنها، وظهر منه دليل الزهد فيها فلا بأس أن تطيب
المرأة نفسه بأن تدع بعض حقها من نفقة وكسوة وأن يترك القسم لقوله تعالى:
" فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير " وقيل: نزل في سودة
بنت زمعة، هم رسول الله صلى الله عليه وآله بطلاقها فقالت: يا رسول الله لا
تطلقني ودعني أحشر في زمرة نسائك وقد وهبت ليلتي لأختي عائشة، فلم يطلقها
فدل على جواز ما قلنا.
وأما إذا أشكل الأمر فادعى كل واحد منهما النشوز، ولم يعلم الناشز منهما،
أسكنهما، الحاكم إلى جنب ثقة يشرف عليهما، ويعرف الناشز منهما، لأن الحاكم
لا يمكنه أن يلي ذلك بنفسه، فإن أخبره بنشوز أحدهما حكم بالواجب فيه.
وأما إن علم من كل واحد منهما النشوز على صاحبه وبلغ الأمر بينهما إلى
المشاتمة والمضاربة وتخريق الثياب، وإلى ما لا يحل من قول أو فعل، ولم يفعل
الزوج الصلح ولا الفرقة، ولا المرأة تأدية الحق ولا الفدية، فهذا الموضع الذي
تناوله قوله تعالى: " وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من
أهلها ".
فإذا ثبت أنا نبعث الحكمين، فهل يبعث بهما الحاكم على سبيل الحكم أو
بتوكيل من الزوجين؟ قيل فيه قولان: أحدهما على سبيل التوكيل من الزوجين
وعليه يفرع، والثاني على طريق الحكم ليحكما على ما يؤذي اجتهادهما إليه.
فمن قال: على طريق الحكم، بعث الحاكم بالحكمين، ولم يلتفت إلى رضا
الزوجين بذلك، وقال لهما: إن رأيتما الإصلاح فأصلحا وإن رأيتما الفراق بطلاق
أو بخلع فافعلاه: فإن كانت المصلحة في الصلح فلا بد أن يجتمع الحكمان عليه لأن الصلح
من جهة كل واحد منهما، وإن كانت المصلحة في الخلع فكذلك أيضا لا بد أن
يجتمعا، لأنه عقد معاوضة يبذل أحدهما عنها ويقبل الآخر للزوج، وإن كانت
المصلحة في الطلاق فلا يفتقر إيقاعه إلى اجتماعهما، لأن الذي من جهتها لا صنع
320

له في الطلاق.
ومن قال: هو توكيل، افتقر إلى نص كل واحد منهما بالتوكيل من جهته،
فالزوج يوكل من جهته من يصالح ويفعل ما فيه المصلحة من طلاق بعوض
وبغير عوض، وتوكل هي على هذا فتقول لوكيلها: ما رأيته من المصلحة من
إصلاح أو طلاق أو خلع فافعل، فإن فعلا هذا برضا منهما فلا كلام، وإن امتنع
كل واحد منهما عن التوكيل في ذلك فما الذي يصنع الحاكم؟ يأتي الكلام
فيه.
والمستحب على القولين معا أن يحكم حكم الزوج من أهله، وحكم المرأة
من أهلها للظاهر، وإن بعث من غير أهلهما جاز، ويكون الحكمان حرين ذكرين
عدلين.
والذي يقتضيه مذهبنا أن ذلك حكم، لأنهم رووا أن لهما الإصلاح من غير
استئذان، وليس لهما الفرقة بالطلاق وغيره، إلا بعد أن يستأذناهما، ولو كان
توكيلا لكان ذلك تابعا للوكالة، وبحسب شرطهما.
وإذا فوضا أمر الخلع والفرقة إلى الحكمين والأخذ لكل واحد منهما من
صاحبه، كان عليهما الاجتهاد فيما يريانه.
هذا فيما كان متعلقا بالشقاق من الإصلاح أو الفراق.
وأما فيما عدا هذا النوع من الحقوق مثل إثبات دين على صاحبه أو استيفاء
حقه منه وقبض ديونه، فهذا توكيل بلا خلاف لا مدخل للحاكم فيه، لأنه لا
مدخل له في الشقاق بينهما.
إذا غاب أحد الزوجين بعد التوكيل ولم يفسخ الوكالة كان لوكيله أن
يمضي ما وكله فيه، لأن الغيبة لا تفسخ الوكالة، وإذا قيل: على سبيل الحكم، لم
يكن لهما أن يفصلا شيئا لأنا وإن أجزنا القضاء على الغائب فإنما نقضي عليه، فأما
يقضي له فلا، وهاهنا لكل واحد منهما حق له وعليه، فلم يجز.
إذا غلب على عقل الزوجين أو أحدهما لم يكن لهما إمضاء شئ لأن زوال
321

العقل يزيل التوكيل، ويزيل حكم الشقاق، ومن قال: على طريق الحكم، فلا
يعتبر رضا الزوجين إلا فيما نقوله نحن خاصة في الفرقة والخلع، ومن قال:
وكالة، قال: هو كسائر الوكالات لا يجوز إلا برضاهما.
فإن رضيا فذاك، وإن امتنعا فالحاكم لا يجبرها على التوكيل، لكنه لا
يهمل الأمر بل يراعيه ويبحث عنه حتى يخبره ويقف عليه، فمن كان عليه حق
استوفاه لصاحبه، وقطع الشقاق بينهما، وإن كان فيهما من ارتكب ما يستحق به
الأدب أدبه على قدر ما يرى من تأديبه، مثل أن منع الحق مع القدرة.
وإذا شرط الحكمان شرطا نظر فيه: فإن كان مما يصلح لزومه في الشرع
لزم، وإن كان مما لا يلزم مثل أن شرطا عليه ترك بعض النفقة أو القسم أو
شرطا عليه ألا يسافر بها، فكل هذا لا يلزم الوفاء به، وإن اختار الزوجان المقام
على ما فعليه الحكمان كان جميلا، وإن اختارا أن يطرحا فعلا.
وإذا أكرهها على الخلع فبذلت عوضا واختلعت نفسها مكرهة كان الخلع
باطلا وعليه رد ما أخذه منها بغير حق، والطلاق واقع لأنه أوقعه باختياره، وله
الرجعة لأن الرجعة إنما تسقط بأن يحصل له العوض، فإذا لم يحصل له العوض
لم تسقط الرجعة، وهكذا إن كان الإكراه أن منعها حقها فبذلك الفدية واختلعت
نفسها، كان هذا إكراها فلا يصح أخذ الفدية به ولا تسقط الرجعة، فجعل منع
الحق إكراها، هذا عند بعض المخالفين.
فأما عندنا فالذي يقتضيه المذهب أن نقول: إن هذا ليس بإكراه لأنه لا دليل
عليه.
322

كتاب الرضاع
قال الله تعالى: " حرمت عليكم أمهاتكم " إلى قوله: " وأمهاتكم اللاتي
أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة " فحرم من الرضاع كما حرم من النسب.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: يحرم من الرضاع ما يحرم من
الولادة.
وروي عن سعيد بن المسيب عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال: قلت يا
رسول الله هل لك في بنت عمك بنت حمزة فإنها أجمل فتاة في قريش، فقال: أما
علمت أن حمزة أخي من الرضاعة وأن الله حرم من الرضاعة ما حرم من النسب،
وأجمعت الأمة على ذلك أيضا، وإن اختلفوا في تفصيله.
فإذا ثبت ذلك فقد ذكر الله تعالى الأعيان المحرمات في كتابه ثلاث عشرة عينا:
سبعا بالنسب، واثنتين بالرضاع، وأربعا بالمصاهرة، فهؤلاء لا يحرمن على التأبيد،
وقال: " وأن تجمعوا بين الأختين " فذكر ما هو تحريم جمع لا تحريم عين، وقد
مضى.
فقد نص الله على الأمهات من الرضاع والأخوات، وقال النبي
صلى الله عليه وآله: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، فألحق الرضاع بالنسب، فصار مثله في
323

حكم التحريم، وحكم المحرم دون غيره من الأحكام التي تتعلق بالنسب، وعندنا
تتعلق به أيضا العتق بالملك وكذلك لا يتعلق بالمصاهرة إلا هذان الحكمان، وهما
تحريم المصاهرة وحرمة المحرم فقط.
فإذا ثبت هذا فالكلام بعده في بيان العقد الذي يتعلق به ذلك ويدور أكثر مدة
الرضاع عليه.
وجملته متى وطئ امرأة وطأ يلحق به النسب بنكاح صحيح أو فاسد أو وطء
شبهة أو ملك يمين فخلق الولد بينهما فهو ابنهما معا لأنه خلق من مائهما، قال الله
تعالى: " خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب " فالولد خلق من مائهما
معا ويكون ولدهما معا، فإذا نزل له لبن كان اللبن أيضا لهما، لأنه إنما نزل غذاء لهذا
المولود، فلبن المرأة لبن المرضعة، ولبنه لبن الفحل، هكذا سماه الفقهاء لنزول اللبن
بفعلهما، لا لأنه يجئ من الفحل لبن.
فإذا كان اللبن منهما كالولد، فإذا أرضعت بهذا اللبن خمس عشرة رضعة متوالية
لا يفصل بينهما برضاع امرأة أخرى، أو رضاع يوم وليلة، إن لم ينضبط العدد مثل ذلك
أو يعلم أنه نبت عليه اللحم والعظم، وفيه خلاف، انتشرت الحرمة من جهته إليهما،
ومن جهتهما إليه.
فأما من جهته إليهما فإنما يتعلق به وحده وبنسله، دون غيره ممن هو في درجته
من إخوته وأخواته أو أعلى منه من أمهاته وجداته وأخواله وخالاته أو آبائه وأجداده
وأعمامه وعماته، فالحكم في من عداه وعدا ما يتناسل منه بمنزلة ما لم يكن هناك
رضاع، فيحل للفحل نكاح أخت هذا المولود، ونكاح أمهاته وجداته، وإن كان لهذا
المولود المرتضع أخ حل له نكاح هذه المرضعة، ونكاح أمهاتها وأخواتها لأنه لا رضاع
هناك.
وروى أصحابنا أن جميع أولاد هذه المرضعة وجميع أولاد الفحل يحرمون على
هذا المرتضع، وعلى أبيه وجميع إخوته وأخواته، وأنهم صاروا بمنزلة الإخوة
والأخوات، وخالف جميعهم في ذلك.
324

وأما الحرمة المنتشرة من جهتهما إليه فإنها تعلقت بكل واحد منهما، ومن كان
من نسلهما وأولادهما، ومن كان في طبقتهما من إخوتهما وأخواتهما، ومن كان أعلى
منهما من آبائهما وأمهاتهما.
وجملته أنك تقدره بولدهما من النسب، فكل ما حرم على ولدهما من النسب
حرم عليه، بيان ذلك أن التي أرضعته أمه، وأختها خالته، وأخوها خاله، وأمها
جدته، وأمهاتها جداته، فكلهن حرام عليه، بلى إن كانت بنت خالته وبنت خاله من
الرضاع حلت له كما تحل من النسب.
فإن كان لأمه من الرضاع بنت من غير أبيه من الرضاع فهي أخته لأمه عند
الفقهاء لا يجوز أن يتزوجها، وقال أصحابنا: يحل له لأن الفحل غير الأب، وبهذا
فسروا أن اللبن للفحل، فأما إن كانت لها بنت من غير هذا الفحل ولادة فلا خلاف
أنها تحرم، وإن كان لها بنت من زوجها فهي أخته لأبيه وأمه.
وأما زوج المرضعة فهو الفحل وهو أبوه من الرضاع، وأخوه عمه، وأخته عمته،
وآباؤه أجداده، فإن كان لهذا الفحل ولد من غير هذه المرضعة فهو أخوه لأبيه وإن
كان له ولد من هذه المرضعة فهو أخوه لأبيه وأمه، وهذا معنى قوله
صلى الله عليه وآله: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب.
فرع:
امرأة لها ابن فأرضعت بنتا لقوم الرضاع المحرم، ولتلك المرضعة أخت فإنه
يحل لابن المرضعة التي قد شربت هذه المرضعة منها أن يتزوج بأختها وهي أخت
أخته من الرضاع لما مضى من الأصل، وهو أنه إنما يحرم هذا المرضع وحده ومن
كان من نسله دون من كان في طبقته، وهذه من طبقته لأنه لا نسب بينه وبين أخت
أخته فلا رضاع.
ومثله في النسب رجل له ابن تزوج بامرأة لها بنت فولدت منه بنتا فهذه البنت
أخت ابنه من أمه، وله أن يتزوج بأختها التي هي بنت زوجة أبيه من غير أمه وهي أخت
325

أخته من النسب لأنه لا نسب بينهما ولا رضاع، وعلى هذا يدور كتاب الرضاع،
فكلما نزلت بك حادثة فارجع إليه فاعتبر هذا به.
الرضاع إنما ينشر الحرمة إذا كان المولود صغيرا فأما إن كان كبيرا فارتضع فإنه لا
ينشر الحرمة بلا خلاف إلا ما حكي من خلاف عائشة وبعض التابعين، فإنه حكي
عنها أنها كانت تأمر بنات أخواتها وبنات أختها أن يرضعن من أحبت عائشة أن يراها
وأن يدخل عليها وإن كان كبيرا، وبه قال أهل الظاهر.
الرضاع لا حكم له إلا ما كان في الحولين، فإن وقع بعضه في الحولين وبعضه
خارج الحولين لم ينشر الحرمة، ولا فرق بين أن يكون المرتضع مفتقرا إلى شربه أو
مستغنيا عنه، وفيه خلاف.
إذا ثبت عدد الرضعات التي تحرم على ما مضى من الخلاف في الحولين،
فالكلام في بيان ما هو رضعة وما ليس برضعة، فالمرجع في ذلك إلى العرف، فما
كان في العرف رضعة فهو رضعة، وما ليس في العرف برضعة فليس برضعة، لأن ما
لا حد له في الشرع ولا في اللغة يرجع فيه إلى العرف كالنقل والتفرق والنقد، غير أن
أصحابنا خاصة قدروا الرضع بما يروى الصبي منه ويمسك منه.
فإن أرضعته العدد المحرم كل رضعة في يوم أو كل رضعة في مجلس آخر فكل
مرة رضعة، كرجل حلف ليأكلن خمس أكلات فأكل هكذا كان بارا في يمينه، غير
أنا نعتبر أن لا يدخل بين الرضعة والرضعة رضاع امرأة أخرى.
وأما إن التقم الثدي ثم أرسله وعاد إليه نظرت: فإن كان قد قطع قطعا بينا يقال
في العادة " أنه قد ترك الرضاع " فهي رضعة، وإن قطع قطعا يسيرا مثل أن قطعه لإعياء
أو تنفس أو انتقل عنه إلى الثدي الثاني في الحال فالكل رضعة واحدة.
كما لو حلف لا أكلت اليوم إلا أكلة واحدة، فقدم الطعام إليه فأكل وترك
لتنفس أو إعياء أو شرب ماء أو توقع لون آخر تنقل إليه فالكل أكلة واحدة، وإن قطع
قطعا بينا فطال الفصل بينهما فهما أكلتان، وكذلك الرضاع فإن التقم الثدي فلما
شرب نزعت الثدي عن فيه وقطعت الشرب عليه، فعلى ما قدمناه من أن المعتبر أن
326

يروى، لا تكون رضعة.
وعندهم على وجهين:
أحدهما: لا يكون رضعة، ولا يتعلق الحكم بما شرب لأن الاعتبار بالرضاع
فعل الطفل، بدليل أنه لو شرب منها وهي نائمة نشرت الحرمة كمن حلف ليأكلن
اليوم أكلة، فلما أكل شيئا منع منه ورفع الطعام من عنده فإنه لا يحنث لأنه ما أكل
أكلة.
والوجه الثاني: أن يكون رضعة لأنه يعتبر فعله وفعلها معا في الرضاع، بدليل أنه
لو شرب منها وهي نائمة نشر الحرمة ولو شرب منها وهو نائم أو وجرته نشر الحرمة،
ويفارق الأكل لأن المراعي فعله وحده.
فإن التقم الثدي فشرب ثم أرسله والتقم ثدي امرأة أخرى فعندنا بطل الأول
وعندهم فيها وجهان: أحدهما لم يحصل له من واحدة منهما رضعة، ولا يتعلق به
حكم، والوجه الثاني أنه يحصل له من كل واحدة رضعة.
الوجور أن توجر في حلقه اللبن حتى يصل إلى جوفه، بأن يصب في حلقه صبا
فإذا وصل إلى جوفه فهو كالرضاع منها بنفسه عند الفقهاء، وقال عطاء وداود: لا
ينشر الحرمة، وهو الأقوى عندي.
وأما السعود فهو أن يقطر في أنفه اللبن حتى يصل إلى دماغه فإذا وصل فهو
عندهم كالواصل إلى جوفه، عند الجميع، ومن خالف في الأول خالف هاهنا، وهو
الصحيح على ما تقدم.
إذا كانت الرضعات التي يتعلق بها التحريم بعضها إرضاعا وبعضها وجورا نشر
الحرمة عندهم، وعندنا لا ينشر على ما مضى.
إذا حقن المولود باللبن لم ينشر الحرمة عندنا، وللمخالف قولان، وفيه خلاف.
إذا شيب اللين بغيره ثم سقي المولود لم ينشر الحرمة عندنا، غالبا كان اللبن أو
مغلوبا، وعندهم يتعلق به الحرمة سواء شيب بجامد كالدقيق والسويق والأرز، أو
بمائع كالماء والخل، فالحكم واحد، والخلاف واحد.
327

وإذا كان مستهلكا في الماء فإنما ينشر الحرمة عندهم إذا تحقق وصوله إلى
جوفه، مثل أن يحلب في قدح ويصب عليه الماء حتى استهلك فيه، فإذا شرب
جميع ذلك الماء نشر الحرمة، لأنه تحقق وصوله إلى جوفه، وإن لم يتحقق ذلك لم
ينشر الحرمة، مثل أن قطرت قطرة في حب من ماء فإذا شرب بعض الماء لم ينشر
الحرمة لأنه لا يتحقق وصوله إلى جوفه، وفيه خلاف، وهذا يسقط عنا لما بيناه.
إذا جبن اللبن أو أغلي ثم أطعم منه، لم ينشر الحرمة، وقال بعضهم: ينشر.
إذا ارتضع مولودان من بهيمة شاة أو بقرة أو غيرها لم يتعلق به تحريم، وحكي
عن بعض السلف أنه قال: يصيران أخوين من الرضاعة
إذا حصلت الرضاعة التي تحرم في الحولين نشر الحرمة وإن شرب واحدة منهما
بعد الحولين لم ينشر الحرمة، فإن أرضعت الأخيرة وتمت مع الحولين نشرت الحرمة،
وإن تم الحولان والثدي في فيه ولم يرو مع تمام الحولين لم ينشر الحرمة.
إذا أرضعته أكثر الرضعات وحلبت تمام العدد في إناء ثم ماتت فشربه الطفل
بعد وفاتها أو حلبت جميع الرضعات في عددها من الإناء ثم ماتت فشرب الطفل
ذلك العدد في تلك المرات لم ينشر الحرمة عندنا، وعندهم ينشر.
لبن الميتة لا ينشر الحرمة، فلو ارتضع منها العدد الذي يحرم مثله بعد وفاتها أو
أكثرها حال الحياة وتمامها بعد الوفاة لم ينشر الحرمة، وبه قال بعضهم، وقال
آخرون: ينشر الحرمة، وفيه خلاف.
إذا حلب من امرأة لبن وأوجر به الصبي ففيه أربع مسائل:
إحداها: حلبت بعدد المرات التي يحرم كل حلبة في إناء مفرد، وشرب الصبي
كل حلبة وحدها منفردة عن غيرها، لم ينشر عندنا الحرمة وعندهم ينشر.
الثانية: حلبت لبنا كثيرا دفعة واحدة، ففرق في عدد المرات فشربها الصبي في
تلك المرات متفرقات، عندنا لا ينشر الحرمة، وفيهم من قال: الجميع رضعة واحدة
لأن اللبن انفصل عنها دفعة واحدة.
الثالثة: حلبت بعدد الرضعات مجتمعة في إناء واحد فشربه المولود دفعة واحدة
328

عندنا لا ينشر الحرمة، وفيهم من قال: ينشر الحرمة.
الرابعة: حلبت الحلبات متفرقات ثم جمعته في إنائه واحد ثم فرقت بعدد تلك
المرات وشربه، عندنا لا ينشر الحرمة، وفيهم من قال: ينشر.
إذا كانت له زوجة صغيرة لها دون الحولين فأرضعتها من انفسخ نكاحها بذلك
فالكلام في ثلاثة فصول: في من إذا أرضعتها انفسخ نكاحها، وفيما يجب لهذه
الصغيرة، وفيما يجب له على المرضعة.
فأما الكلام في من إذا أرضعتها انفسخ نكاحها، فأصل هذا كل من يحرم عليه
نكاح ابنتها فإذا أرضعتها انفسخ نكاحها بيان هذا:
إن أرضعتها أمه نظرت: فإن كان بلبن أبيه فهي أخته لأبيه وأمه، وإن كان بلبن
غير أبيه فهي أخته لأمه، وإن أرضعتها جدته فهي خالته، وإن أرضعتها بنته صارت
بنت بنته، وإن أرضعتها أخته صارت بنت أخته وهو خالها، وإن أرضعتها امرأة أخته
فإن كان بلبن أخيه فهو عمها، وإن كان بلبن غير أخيه صارت ربيبة أخيه، ونكاحها
هاهنا لا ينفسخ، لأن له أن يتزوج بربيبة أخيه.
وإن أرضعتها امرأة أبيه، فإن أرضعتها بلبن أبيه صارت أخته من أبيه، وإن كان
بغير لبن أبيه صارت ربيبة أبيه، والنكاح بحاله، لأنه يجوز له أن يتزوج بربيبة أبيه،
وإن أرضعتها امرأة ولده فإن كان بلبن ولده صارت جدتها وهي بنت ابنه وإن كان بلبن
غير ولده فهي ربيبة ولده، والنكاح بحاله، لأن له أن يتزوج بربيبة ولده.
هذا كله إذا كانت المرضعة من نسب وهكذا إذا كانت المرضعة محرما له من
الرضاع مثل أن أرضعتها أمه من رضاع أو جدته أو بنته أو أخته أو امرأة أخيه أو امرأة
ابنه أو امرأة أبيه من رضاع الباب واحد، لقوله عليه وآله السلام: يحرم من الرضاع ما
يحرم من النسب.
فأما إن كانت المرضعة من لا يحرم عليه نكاح بنتها، فالنكاح بحاله، فإن
أرضعتها عمته صارت بنت عمته، وإن أرضعتها امرأة عمه صارت بنت عمه، وإن
329

أرضعتها خالته صارت بنت خالته، وإن أرضعتها امرأة خاله صارت بنت خاله،
والنكاح بحاله، وهذا كثير وفيما ذكرناه كفاية.
فأما الكلام في الضمان فهو في فصلين: فيما يجب للزوجة على زوجها، وفيما
يجب للزوج على المرضعة:
فأما الكلام فيما يجب لها على زوجها.
فإن لم يكن للمرضعة صنع مثل أن كانت نائمة فدنت هذه الصغيرة إليها
وارتضعت منها سقط كل مهرها، ولا شئ عليها، ولا على زوجها، لأن الفسخ جاء
من قبلها قبل الدخول، كما لو كانت كبيرة فارتدت قبل الدخول.
وإن كان للمرضعة فيه صنع مثل أن أرضعتها هي أو مكنتها فشربت منها،
فللصغيرة على زوجها نصف المهر، كما لو طلقها، فإن كان المسمى لها بالعقد وفق
مهر مثلها أو أكثر فلها نصف المسمى عندنا، وعندهم، وإن كان دون مهر مثلها فلها
نصف مهر مثلها عندهم، لأن الوالد إذا زوج بنته الصغيرة بدون مهر مثلها وجب لها
مهر مثلها عندهم، وعندنا لا يجب لها إلا نصف المسمى.
فأما الكلام فيما يجب للزوج على المرضعة، فهو في ثلاثة فصول: في
الضمان، وهي قدره وكيفيته:
فأما الضمان فعلى المرضعة الضمان للزوج، سواء قصدت إلى فسخ النكاح أو
لم تقصد عند بعضهم، وعند آخرين أنها إن قصدت الفسخ لزمها، وإن لم تقصد لم
يلزمها، وهو الذي يقوى في نفسي، وفيه خلاف.
فأما إذا ألجأت إلى ذلك بأن لا يوجد مرضعة غيرها فلا ضمان عليها، وقال قوم:
يلزمها على كل حال، فأما مقدار ما يضمن، فقال قوم: نصف المهر، وقال آخرون:
كمال المهر، والأول أقوى.
وأما كيفية الضمان فإنه يرجع عليها بنصف مهر مثلها عند بعضهم، وقال
آخرون: بنصف المسمى، وهو الأقوى، لأنه غرم نصف المسمى فيرجع بما غرم،
ومن قال بنصف مهر المثل قال: إن كان المسمى وفق مهر المثل رجع بنصفه وإن
330

كان أكثر رجع أيضا بنصف مهر المثل لا بما زاد، لأن ما زاد محاباة لا يلزمه.
إذا كان له امرأتان، صغيرة لها دون الحولين وكبيرة بها لبن من غيره فأرضعت
الكبيرة الصغيرة فالكلام في ثلاثة فصول: في فسخ النكاح، والتحريم، والضمان.
أما النكاح فإنه ينفسخ نكاحهما معا، لأنه صار جامعا بين أم وبنتها وذلك لا
يصح.
وأما التحريم فإن الكبيرة تحرم على التأبيد، لأنها من أمهات النساء، وأما
الصغيرة فإن كان قد دخل بالكبيرة حرمت على التأبيد، لأنها بنت من دخل بها فهي
ربيبة من دخل بها، وإن لم يكن دخل بالكبيرة لم تحرم عليه الصغيرة مؤبدا، وله أن
يستأنف نكاحها.
فأما الضمان فإن الصغيرة لها عليه نصف المسمى لأن الفسخ جاء لا من قبلها
قبل الدخول، فإن كان وفق مهر مثلها أو أكثر فذلك لها، وإن كان المسمى دون مهر
مثلها فلها نصف مهر المثل، وعندنا يلزمه نصف المسمى على كل حال، وللزوج
الرجوع على الكبيرة، لأنها حالت بينه وبين الصغيرة، فعندنا يرجع بنصف المسمى
وهو قدر ما غرم، وقال بعضهم: بنصف مهر المثل.
فأما الكلام في مهر الكبيرة، فينظر فإن كان دخل بها لم يسقط شئ من مهرها
لأنه استقر بالدخول، وإن كان الفسخ من قبلها كما لو ارتدت بعد الدخول، فإذا لم
يسقط لم يرجع عليها بشئ.
إذا كان له أربع زوجات: ثلاث صغار لهن دون الحولين، وكبيرة لها لبن من
غيره فأرضعت الكبيرة الصغيرة ففيها ثلاث مسائل:
إحداها: أرضعت صغيرتين منهن معا الرضعة الأخيرة، وهذا يتصور من
وجهين: أحدهما أرضعت كل واحد الرضعات التي قبلها ثم سلمت إلى كل واحدة
منهما ثديا فارتضعتا معا ورويتا معا، أو حلبت حلبتين على مذهب المخالفين في
شربتين، فسلمت إلى كل واحد منهما شربة فشربتا معا وقطعتا معا.
331

فهذه المسألة مبنية على التي قبلها، والكلام فيها وفي التي بعدها في ثلاثة
فصول: فسخ النكاح، والتحريم، والمهر.
أما فسخ النكاح، فإن نكاح الكبيرة ينفسخ لأنه صار جامعا بين أم وابنتيها، و
نكاح الصغيرتين ينفسخ لأنه صار جامعا بين أختين وبين كل واحدة وأمها.
وأما التحريم فإن الأم تحرم على التأبيد، لأنها من أمهات النساء، وأما
الصغيرتان فإن كان دخل بالأم حرمتا على التأبيد، وإن لم يكن دخل بها حرمتا تحريم
جمع، وله أن يستأنف النكاح على كل واحدة منهما.
وأما المهر فلكل واحدة عليه نصف المهر على ما فصلناه، ويرجع على
الكبيرة، وبكم يرجع؟ على ما مضى من الخلاف.
وأما الأم فإن كان دخل بها لم يسقط مهرها ولا يرجع عليها بشئ، وإن كان ما
دخل بها سقط مهرها، ولم يرجع عليها بشئ.
فإذا أرضعت الثالثة فإن كان قد دخل بالكبيرة انفسخ نكاحها، وحرمت على
التأبيد، وحكم المهر على ما مضى، وإن لم يكن دخل بالكبيرة فنكاحها بحاله،
لأنه ما دخل بأمها ولا هو جامع بينها وبين من لا يجوز الجمع بينهما.
الثانية: أرضعت واحدة الرضعة الأخيرة انفسخ نكاحهما معا، والمهر على ما
مضى، ثم أرضعت الثانية والثالثة الرضعة الأخيرة معا انفسخ نكاحهما معا فإن كان
دخل بالكبيرة حرمتا على التأبيد، وإن لم يكن دخل بها حرمتا تحريم جمع، وله أن
يستأنف نكاح كل واحدة منهما، والمهر على ما مضى.
الثالثة: أرضعت منهن واحدة بعد واحدة فإذا أرضعت الأولى الرضعة الأخيرة
انفسخ نكاحها ونكاح الكبيرة والتحريم والمهر على ما مضى، ثم أرضعت الثانية
الرضعة الأخيرة، فإن كان قد دخل بالكبيرة انفسخ نكاح الثانية، وإن لم يكن دخل بها
فنكاحها بحاله، لأنها بنت من لم يدخل بها.
ثم أرضعت الثالثة الرضعة الأخيرة، فإن كان قد دخل بها صارت الثالثة أخت
الثانية من رضاع، وهل ينفسخ نكاح الثالثة وحدها أو نكاحهما معا؟ قيل فيه قولان:
332

أحدهما ينفسخ نكاحهما معا، وهو الأقوى عندي، وقال قوم: ينفسخ نكاح الثالثة
وحدها لأن نكاح الثانية كان صحيحا بحاله، وإنما تم الجمع بينهما وبين الثالثة
بفعل حصل من الثالثة، فوجب أن ينفسخ نكاح التي تعلق بها وحدها.
إذا كان له أربع زوجات إحداها صغيرة لها دون الحولين وثلاث كبائر بهن لبن،
فأرضعت إحدى الكبائر هذه الصغيرة، انفسخ نكاحهما معا، والتحريم والمهر على
ما مضى، فإذا أرضعتها الثانية، من الكبائر، انفسخ نكاحها، لأنها أم من كانت زوجته
فإن أرضعتها الثالثة انفسخ نكاحها، لأنها أم من كانت زوجته، وروى أصحابنا في
هذه أنها لا تحرم لأنها ليست زوجته في هذه الحال وإنما هي بنت، والذي قالوه
قوي.
إذا كانت له زوجتان صغيرة وكبيرة فطلق إحديهما ثم أرضعتها الكبيرة لم يخل
من أحد أمرين: إما أن تكون المطلقة الصغيرة أو الكبيرة.
فإن كانت المطلقة الصغيرة انفسخ نكاح الكبيرة، لأنها أم من كانت زوجته،
وحرمت على التأبيد، والصغيرة فإن كان دخل بالكبيرة حرمت على التأبيد وإن لم
يكن دخل بها لم تحرم، لأنها بنت من لم يدخل بها، وأما المهر فإن كان قد دخل
بالكبيرة لم يسقط مهرها، وإن كان ما دخل بها سقط المهر، لأن الفسخ من جهتها
جاء.
وإن كانت المطلقة الكبيرة انفسخ نكاح الصغيرة، إن كان دخل بالكبيرة، لأنها
بنت من قد دخل بها، وإن لم يكن دخل بها لم ينفسخ نكاحها، لأنها بنت التي لم
يدخل بها.
فإن كان له زوجة صغيرة وأمة بها لبن من غيره، فأرضعت أمته زوجته، فإن كان
قد دخل بالأمة انفسخ نكاح الصغيرة لأنها بنت من قد دخل بها، وحرمت على التأبيد
لهذا المعنى، وحرمت أمته لأنها من أمهات نسائه، وإن لم يكن دخل بالأمة لم
ينفسخ نكاحها لأنها بنت أمته التي لم يدخل بها، وحرمت أمته على التأبيد لأنها من
أمهات نسائه.
333

إذا كان له أربع زوجات ثلاث صغائر لهن دون الحولين، وكبيرة، ولهذه الكبيرة
ثلاث بنات مراضع لهن لبن فأرضعت بنات الكبيرة زوجاته الصغائر لم يخل من أحد
أمرين: إما أن يكون دخل بالكبيرة أو لم يدخل، فإن لم يكن دخل بها لم يخل من
أحد أمرين: إما أن يرضعن الصغائر دفعة واحدة، أو واحدة بعد واحدة، فالكلام في
هذه المسائل كلها في ثلاثة فصول: في فسخ النكاح، والتحريم، والمهر.
فإن أرضعتهن دفعة واحدة مثل أن أرضعت كل واحدة منهن واحدة من الصغائر
الرضعات المحرمة إلا واحدة، فلما كانت الرضعة الأخيرة أرضعت كل واحدة منهن
صغيرة منهن في وقت واحد، فإنه ينفسخ نكاحهن ونكاح الكبيرة، لأن الكبيرة صارت
جدتهن، فلا يجوز أن يجمع بين المرأة وجدتها، كما لا يجمع بينهما وبين أمها لأنها
من أمهات النساء، فالجدة وإن علت بمنزلة الأم في هذا الباب.
وأما التحريم فقد حرمت الكبيرة على التأبيد، وحرمت بناتها وهن المراضع
لأنهن أمهات النساء فأما الصغائر، فإن كان دخل بالكبيرة حرمن على التأبيد، لأنه قد
دخل بجدتهن، وإن لم يكن دخل بالجدة لم تحرم الصغائر، لأنه ما دخل بجدتهن،
وله أن يستأنف نكاحهن واحدة بعد واحدة ودفعة، كيف شاء، ويجوز الجمع بينهن
لأنهن بنات خالات وإنما لا يجوز الجمع بين الأختين أو المرأة وخالتها وعمتها
وأمها، فأما بنات الخالات وبنات العمات فكل ذلك جائز.
وأما الكلام في المهر، فلكل صغيرة عليه نصف المسمى، وللكبيرة عليه أيضا
نصف المسمى، لأن الفسخ لا من قبلها قبل الدخول فيرجع على المراضع على كل
واحدة منهن بنصف مهر التي أرضعتها، ويرجع عليهن كلهن بنصف مهر الكبيرة،
لأن كل واحدة منهن كانت سبب الفسخ في نكاح واحدة من الصغائر، وكلهن جر
السبب في فسخ نكاح الكبيرة، فرجع عليهن بنصف مهر الكبيرة، هذا إذا أرضعن
دفعة واحدة.
وأما إذا أرضعن واحدة بعد واحدة، فإنه إذا أرضعت واحدة من البنات واحدة من
الصغار انفسخ نكاح الصغيرة والكبيرة معا لأنه جامع بينهما وبين جدتها، وحرمت
334

الجدة على التأبيد، وأما الصغيرة فلا تحرم لأنه ما دخل بجدتها، وحرمت البنت
المرضع عليه أبدا لأنها من أمهات النساء، وأما المهر فلها نصف مهرها المسمى على
زوجها وكذلك الكبيرة، ويرجع بنصف مهر الصغيرة ونصف مهر الكبيرة على التي
أرضعت، فإن أرضعت البنت الثانية الصغيرة الأخرى، لم ينفسخ نكاحها، لأنه ما
دخل بجدتها، فإن أرضعت الثالثة الصغيرة فكذلك، لأنه ما دخل بجدتها فلا
ينفسخ نكاحها لأنهما بنتا خالتين، وأما التحريم فعلى ما مضى، والمهر هاهنا
بحاله، لأن النكاح بحاله هذا إذا لم يكن دخل بالكبيرة.
فأما إن كان دخل بها نظرت: فإن أرضعت البنات الصغائر دفعة واحدة انفسخ
نكاحهن ونكاح الكبيرة، لأنه جامع بين الجدة وبنات بناتها.
وأما التحريم فالكبيرة حرمت على التأبيد لأنها جدة الزوجات وحرمت البنات
أيضا لأنهن أمهات زوجته، وحرمت الصغار على التأبيد، لأنه قد دخل بجدتهن وأما
المهر فلكل واحدة عليه نصف المسمى ويرجع على المرضعة بنصف مهر التي
أرضعت وأما الكبيرة فلها كل المهر، ويرجع الزوج على بناتها بمهرها.
وأما إن أرضعت واحدة بعد واحدة، فإن نكاح الكبيرة الأولى قد انفسخ لأنه
جامع بين امرأة وجدتها، وللصغيرة عليه نصف المهر ويرجع على المرضعة بنصف
المهر وللكبيرة كل المسمى ويرجع على المرضعة بجميع مهرها، فإن أرضعت
الثانية الثانية من الصغار انفسخ نكاحها، لأنه قد دخل بجدتها، وحرمت على التأبيد ولها
نصف المسمى ويرجع على المرضعة بنصف مهر المثل.
فإذا أرضعت الثالثة الصغيرة الثالثة انفسخ نكاحها وحرمت على التأبيد ولها
نصف المسمى ويرجع على التي أرضعتها بنصف المهر، ولا شئ للكبيرة، لأن
نكاحها قد انفسخ قبل هذا.
إذا كانت له زوجة كبيرة وزوجة صغيرة لها دون الحولين، فأرضعت الصغيرة أم
زوجته الكبيرة انفسخ نكاحهما معا، لأن الصغيرة صارت أخت الكبيرة، وإن أرضعتها
جدة الكبيرة لأمها انفسخ نكاحهما معا لأن الصغيرة صارت خالة الكبيرة، لأنها
335

صارت أخت أمها، فإن أرضعتها أخت الكبيرة انفسخ نكاحهما معا أيضا لأن الكبيرة
صارت خالتها، ولا يجوز الجمع بين المرأة وخالتها.
ويقتضي مذهبنا أن نقول: إنها إن كانت رضيت بذلك لا ينفسخ لأنه يجوز
الجمع بين المرأة وخالتها عندنا برضا الخالة، وإن أرضعتها أم أبي الكبيرة صارت
الصغيرة عمة الكبيرة، لأنها صارت أخت أبيها، وانفسخ النكاح في هذا الموضع
على مذهبنا أيضا لأنه لا يمكن اعتبار رضا العمة لأنها صغيرة لا يعتبر رضا مثلها فإن
فرضنا أن امرأة أخي الكبيرة أرضعت هذه الصغيرة، فإن الكبيرة تصير عمة الصغيرة فإن
كانت رضيت لم ينفسخ النكاح، وإن لم ترض انفسخ.
وينفسخ النكاح في كل هذه لموضع الجمع ولا يحرم تحريم تأبيد، سواء دخل
بالكبيرة أو لم يدخل، لأنها في كل هذا لم تصر بنت من دخل بها، فإن أراد أن
يبتدئ بنكاح من شاء على الانفراد جاز، والكلام في المهر والرجوع به على
ما مضى.
إذا كان له خمس أمهات أولاد فيهن لبن منه، فأرضعن مولودا كل واحدة منهن
رضعة، أو كان له أربع نسوة فيهن لبن منه، فأرضعن مولودا كل واحدة رضعة وواحدة
منهن رضعتين، فحصل له من لبن السيد أو لبن الزوج خمس رضعات من خمس
جهات، ونفرض على مذهبنا في خمس عشرة رضعة أو رضاع يوم وليلة من جهات
من لبن فحل واحد، فإن واحدة منهن ما صارت أمه، ولا صار هو ولد الواحدة منهن
لأنه ما ارتضع منها الرضاع المحرم.
وأما السيد أو الزوج قال قوم: لا يصير أبا له، لأن الأصل في الرضاع الأمومة فإذا
لم يحصل به أما بطل أن يحصل به أبا، وهو الذي يقتضيه مذهبنا، لأنه فصل بين
لبن المرأة وبين لبنها دفعة أخرى برضعة أخرى.
وقال قوم: يصير أباه لأنه حصل في جوفه من لبنه العدد المحرم من الرضاع،
فهو كما لو حصل في جوفه من جهة واحدة، فمن قال بالأول فلا كلام، والصغيرة لم
تحرم على السيد ولا زوج الزوجات، وإن كانت زوجته لم ينفسخ نكاحها، ومن قال
336

بالثاني قال: حرمت عليه على التأبيد، لأنه والده ولو كانت زوجته انفسخ نكاحها.
رجل له خمس أخوات فيهن لبن، فأرضعن مولودا كل واحدة منهن رضعة
عندهم، وعندنا ثلاث رضعات، لم تصر واحدة منهن أمه، ولا صار هو ولد واحد
منهن، ولكن هل صار أبوهن جده وأمهن جدته والأخ خالا؟ يبني على المسألة
الأولى، فمن قال بمذهبنا قال: لا يصير جدا وجدة والحرمة لم تنشر والزوجية لا
تنفسخ، ومن قال بالقول الآخر قال: صار أبوهن جدا وأمهن جدة، والأخ خالا، فإن
كانت زوجة انفسخ نكاحها، وإن لم تكن زوجة لم يكن له نكاحها لأنه خالها.
الذي يدور عليه عقد الرضاع جملته أن امرأة الرجل إذا كان بها لبن منه فأرضعت
مولودا خمس عشرة رضعة صار كأنه ابنهما من النسب، فكل من حرم على ابنهما من
النسب حرم على هذا، لأن الحرمة انتشرت منه إليهما، ومنهما إليه.
فالتي انتشرت منه إليهما أنه صار كأنه ابنهما من النسب، والحرمة التي انتشرت
منهما إليه وقفت عليه وعلى نسله دون من هو في طبقته من إخوته وأخواته أو أعلى
منه من آبائه وأمهاته، فيجوز للفحل أن يتزوج بأم هذا المرتضع، وبأخته وبجدته،
ويجوز لوالد هذا المرتضع أن يتزوج بالتي أرضعته، لأنه لا نسب بينهما ولا رضاع،
ولأنه لما جاز له أن يتزوج أم ولده من النسب، فإنه يجوز أن يتزوج أم ولده من
الرضاع.
قالوا: أليس لا يجوز له أن يتزوج أم أم ولده من النسب، ويجوز أن يتزوج بأم أم
ولده من الرضاع؟ فكيف جاز هذا؟ وقد قلتم إنه يحرم من الرضاع ما يحرم من
النسب.
قلنا: أم أم ولده من النسب ما حرمت بالنسب، وإنما حرمت بالمصاهرة قبل
وجود النسب، والنبي صلى الله عليه وآله إنما قال: يحرم من الرضاع ما يحرم من
النسب، ولم يقل يحرم من الرضاع ما يحرم من المصاهرة.
إذا أرضعت الرضعات التي تحرم، وشكت في الأخيرة لم يحرم عليها، لأن
اليقين الإباحة، فلا ينتقل عنه بالشك، وقال بعضهم: الورع أن يأخذ بالأكثر.
337

إذا كان لرجل زوجة فوجدها أبوه على فراشه فوطئها يعتقدها زوجة نفسه، ثم
جاء الابن فوطئها يعتقد أنها على الزوجية وأن أباه ما وطئها، فقد انفسخ نكاحها بوطئ
الأب، وحرمت على كل واحد منهما على التأبيد، أما الأب فكانت محرمة عليه على
التأبيد بعقد نكاح ولده عليها، لأنها من حائل الأبناء، وحرمت على الابن على
التأبيد لأنه إذا وطئها أبوه بشبهة صارت من حلائل الآباء، وهو قوي على مذهبنا أيضا
لقوله تعالى: " ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم " وذلك عام في العقد والوطء.
وأما المهر فإن كان زوجها دخل بها قبل الفسخ، فلها عليه كل المسمى، وإن
لم يكن دخل بها فنصف المسمى لأن الفسخ جاء لا من قبلها قبل الدخول، ولها على
الأب مهر مثلها لأنه وطئها بشبهة ولها على الابن مهر مثلها أيضا لأنه وطئها بشبهة بعد
زوال النكاح، ولا يرجع الابن على أبيه بشئ وإن كان قد حال بينه وبين زوجته.
قالوا: أليس لو أرضعتها أمه انفسخ نكاحها ورجع على أمه بالمهر؟ هلا قلتم
يرجع على أبيه بالمهر قبل الفصل بينهما؟
قلنا: إن أباه قد لزمه مهر مثلها لها بوطئه إياها، فلم يجز أن يوجب عليه مهرا
ثانيا، وليس كذلك إذا أرضعتها أمه لأنه ما وجب عليها للزوجة مهر بإرضاعها إياها،
فلهذا أوجبنا عليها له مهر مثلها.
وقال بعضهم: هذا بعيد وعلى الأب مهر مثلها لها، وعليه لولده مهرها، لأن
المهر وجب لها عليه بوطئه إياها بشبهة وإتلاف بضعها عليها، ووجب لولده عليه
لأجل الحيلولة بينه وبين بعضها، فلا يسقط أحدهما بالآخر، وهذا هو الأقوى عندي
إذا قلنا بما قالوه.
ويقوى في نفسي أنها لا تحرم على الابن بحال، بوطئ الأب لأنه لا دليل عليه،
والأصل ثبات العقد، والأول أحوط لما قلناه من الآية.
رجل له زوجتان صغيرة لها دون الحولين، وكبيرة بها لبن من غيره، فيطلقهما معا
فتزوج بهما رجل آخر معا، ثم أرضعت الكبيرة الصغيرة انفسخ نكاحهما، لأنه صار
جامعا بين المرأة وابنتها في النكاح، فانفسخ النكاحان معا.
338

وأما التحريم فإن الكبيرة حرمت عليهما معا على التأبيد، حرمت على الأول
لأنها الآن أم من كانت زوجته، وعلى الثاني لأنها أم من هي زوجته.
وأما الصغيرة نظر فيها: فإن كان كل واحدة منهما دخل بالكبيرة حرمت الصغيرة
على التأبيد، لأنها بنت من قد دخل بأمها، وإن لم يكن دخل بها واحد منهما لم
تحرم لأنها بنت من لم يدخل بها، وإن كان قد دخل بها أحدهما، دون الآخر حرمت
على من دخل بأمها دون من لم يدخل بها.
رجل له زوجة كبيرة وآخر له زوجة صغيرة لها دون الحولين، ثم طلق كل واحد
منهما زوجته وتزوج كل واحد منهما بزوجة صاحبه، ثم أرضعت الكبيرة الصغيرة،
حرمت الكبيرة على كل واحد منهما على التأبيد، حرمت على زوج الصغيرة لأنها أم
زوجته، وحرمت على الآخر لأنها أم من كانت زوجته.
وأما الصغيرة ينظر فيها:
فإن لم يكن دخل واحد منهما بالكبيرة لم تحرم الصغيرة على واحد منهما،
لأنها بنت من لم يدخل بها، وإن كان قد دخل بها كل واحد منهما، حرمت على كل
واحد منهما على التأبيد، لأنها بنت من دخل بها.
وإن كان قد دخل بها أحدهما دون الآخر، حرمت على من كان دخل بها دون
الآخر، وينظر: فإن كان قد دخل بالكبيرة من هو الآن زوج الصغيرة، انفسخ نكاح
الصغيرة، وإن كان الذي دخل بها الآن زوج الكبيرة لم ينفسخ نكاح الصغيرة لأنها ما
حرمت عليه، لأنه ما دخل بأمها.
إذا أتت بولد من زنا فأرضعت بلبنه مولودا لقوم صارت أمه من رضاع، ولم يكن
الزاني أباه من الرضاع، لأن النسب لم يثبت فلا يثبت الرضاع، ويقتضي مذهبنا أنها
لا تصير أمه لأن نسبه عندنا لا يثبت شرعا من جهتها، ولا ترثه بحال.
إذا زنا بامرأة فاتت بولد من زنا لحق بأمه نسبا عندهم، وعندنا لا يلحق لحوقا
شرعيا يتوارثان عليه، ولا يلحق بالزاني بلا خلاف، وعند بعضهم يجوز له نكاحها إن
كانت بنتا، وإن كان مكروها، وعند آخرين لا يجوز، ولو ملكه عتق عليه.
339

وعندنا لا يجوز له أن يتزوجها غير أنه لا يعتق عليه لأنه لا دليل عليه، ومن كره
تزويجها قال بعضهم: لأنه يخرج به من الخلاف، وقال آخرون: لأنه لا يأمن أن
يكون مخلوقا من مائه، ولو أخبره الصادق أنه مخلوق من مائه فإنها تحرم عليه، وعلى
الأول لا تحرم.
وإذا طلق زوجته بعد الدخول بها فوطئت في عدتها على شبهة بنكاح فاسد، أو
بغير نكاح، فاتت بولد، ثم أرضعت بلبنه مولودا لقوم، فإن حكمه تابع لحكم ولدها
من النسب، وقد ذكرنا فيما سلف أنه لا يخلو: أن يلحق بالأول أو بالثاني أو لا يلحق
بواحد منهما، أو يمكن أن يكون منهما:
فإن ألحق بالأول دون الثاني فهو ولده دون الثاني، وكذلك المرتضع، وإن الحق
بالثاني دون الأول فهو ولده دون الأول وكذلك المرتضع، وإن انتفى منهما فإن أتت به
لأكثر من أقصى مدة الحمل من طلاق الأول وأقل من ستة أشهر من وطء الثاني انتفى
عنهما معا وكذلك المرضع.
وإن أمكن أن يكون من كل واحد منهما استخرج بالقرعة، فمن خرج اسمه
ألحق به وكذلك المرضع، وإن مات قبل أن يقرع بين الرجلين فإن خلف ولدا قام
مقام أبيه وكذلك المرضع، وإن مات ولم يخلف ولدا استخرج بالقرعة أحدهما،
وألحق به المرضع.
وفيهم من قال: يكون ولدا لهما، لأن اللبن ينزل تارة بالوطئ، وأخرى للولد،
فإذا أمكن ذلك في اللبن كذلك الولد، وقال آخرون: لا يكون إلا أحدهما لا بعينه،
وهو الصحيح، لأن اللبن الذي ينزل على الإحبال لا حرمة له، وإنما الحرمة ما ينزل
على الولادة.
فمن قال لهما قال: يحرم على كل واحد منهما، ومن قال بالثاني قال: لا يحرم
إلا على واحد لا بعينه، والمعول على ما قلناه من القرعة.
وهل له أن يتزوج بنت واحد منهما؟ فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: لا يجوز لأن أحدهما أبوه، وإن كنا نجهل عينه فغلب التحريم.
340

والثاني: أنه يجوز ذلك لأن الأصل الإباحة.
والثالث: أن له أن يتزوج بنت كل واحد منهما على الانفراد، فإذا تزوج واحدة
حرمت عليه الأخرى وتعينت، وفيهم من قال: إذا طلق الأولة حل له نكاح الثانية،
لأن الأصل الإباحة، وهذا يسقط عنا لما قدمناه من القرعة، فإن بها يتعين، فأما قبل
ذلك فينبغي أن لا يتزوج بواحدة منهما احتياطا.
وإذا أتت امرأته بولد فنفاه باللعان فأرضعت المرأة مولودا بلبن هذا الولد، كان
ولدها ولم يكن ولدا للزوج، لأن النسب لم يثبت معه، فكيف الرضاع وهو فرع عليه،
فإن استلحقه بعد ذلك لحقه وثبت نسبه، ويتبعه ولد الرضاع.
إذا كان له امرأتان أمة كبيرة وحرة صغيرة، فأرضعت الكبيرة الصغيرة انفسخ
نكاحهما معا، لأنه صار جامعا بين المرأة وابنتها، أما التحريم فإن الكبيرة تحرم على
التأبيد سواء دخل بها أو لم يدخل بها، لأنها من أمهات النساء، وأما الصغيرة فإن
كان دخل بالكبيرة حرمت على التأبيد، لأنها بنت من دخل بها، وإن لم يكن دخل
بالكبيرة لم تحرم الصغيرة، وكان له نكاحها، لأنها ربيبة من لم يدخل بأمها.
وأما المهر فإن لم يكن دخل بالكبيرة فلا مهر لها، لأن الفسخ جاء من قبلها
قبل الدخول، وإن كان قد دخل بها لم يسقط مهرها ولم يرجع عليها بشئ، لأجل
الحيلولة لما مضى.
وأما الصغيرة فلها نصف المهر لأن الفسخ جاء لا من قبلها قبل الدخول، ويرجع الزوج به على الكبيرة، لكنه يتعلق برقبتها تباع فيه، لأن الرضاع كالجناية،
وجناية الأمة في رقبتها، ولو كانت حرة تعلق بذمتها.
رجل له أم ولد وزوجة صغيرة، فأرضعتها أم ولده، انفسخ نكاح الصغيرة، لأنها
بنت من قد دخل بها وأما التحريم فإن أم ولده حرمت على التأبيد، لأنها من أمهات
نسائه، وأما الصغيرة فإنها قد حرمت على التأبيد أيضا لأنه إن كانت أرضعته بلبنه
فهي بنته وبنت من قد دخل بها وإن كان الرضاع بلبن غيره حرمت، لأنها بنت من قد
دخل بها.
341

وأما المهر فللصغيرة عليه نصف المسمى، ولا يرجع على أم ولده بشئ لأن
السيد لا يفتدي فيجب له في ذمة عبده حق، ولا في رقبته.
رجل له أم ولد وله ولد له زوجة صغيرة، فأرضعت أم ولده زوجة ولده، انفسخ
النكاح، نكاح الصغيرة، لأنها صارت بنت المولى وهي أخت زوجها، وأما التحريم
فقد حرمت على زوجها على التأبيد لأنها أخته، وأما أم الولد فلا تحرم على سيدها
لأنها أم زوجة ولده، وذلك لا يحرم كما لا يحرم على الولد أم زوجة والده.
وأما المهر فللصغيرة على زوجها نصف المسمى، ويرجع بالضمان على سيدها
كما لو جنى عبده القن، واختار أن يفديه، ويضمن أقل الأمرين من قيمتها أو أرش
جنايتها، لأنه إن كانت القيمة أقل فليس عليه إلا قيمة رقبتها، وإن كانت القيمة أكثر
فليس لها إلا قدر المهر.
فإن وطئ أمته، ثم كاتبها فأرضعت زوجة له صغيرة انفسخ نكاحها، لأنها بنت
من قد دخل بها، وأما التحريم فقد حرمت المكاتبة على التأبيد، لأنها من أمهات
النساء وحرمت الصغيرة على التأبيد، لأنها بنت من قد دخل بها، وأما المهر
فللصغيرة نصف المسمى لأن الفسخ لا من قبلها قبل الدخول، ويرجع السيد بنصف
مهرها على مكاتبته يستوفيه مما في يدها، لأن المكاتب يضمن لسيده أرش
الجناية، ويفارق أم ولده، لأنها ملكه، فلذلك لم يرجع عليها بشئ.
قد ذكرنا أن من وطئ وطء يلحق به النسب في نكاح صحيح أو فاسد أو وطء
شبهة أو بملك يمين، فأحبلها ونزل لها لبن فأرضعت به مولودا العدد الذي يحرم،
فإن المرضع ولدهما معا من الرضاعة.
فإذا ثبت هذا فأحبلها وولدت ثم طلقها، فأرضعت به مولودا قبل أن تنكح زوجا
غيره، كان ولدها وولده معا، سواء أرضعته قبل العدة أو بعد انقضائها، انقطع لبنها
ثم عاد أو ثبت ولم ينقطع، وسواء زاد أو نقص الباب واحد.
وأما إذا تزوجت فأرضعت به مولودا قبل أن يدخل الثاني بها، أو بعد أن يدخل
بها قبل أن تحمل، أو حملت فنزل لها لبن قبل الوقت الذي ينزل للحمل في العادة،
342

فإنه قيل: أقل مدة ينزل له لبن أربعون يوما، وكان اللبن قائما لم يزد ولم ينقص في
وقت ينزل لهذا الحمل لبن، فالحكم في كل هذا أن اللبن للأول، ولا فرق بين أن
انقطع ثم عاد أو لم ينقطع، الباب واحد، بعد أن لا يزيد، فهو للأول.
وأما إن زاد لبنها في وقت ينزل لهذا الحمل لبن، فكان مستداما أو انقطع
انقطاعا يسيرا ثم نزل قيل فيه قولان: أحدهما للأول والثاني معا، والقول الثاني يكون
للأول، وهو الأقوى عندي، لأن اللبن قد يزيد من غير إحبال، فأما إن انقطع انقطاعا
بينا ثم عاد في وقت يمكن أن يكون للثاني قيل فيه ثلاثة أقوال: أحدها للثاني دون
الأول، وهو أقواها عندي وأصحها، والثاني للأول دون الثاني، والثالث لهم، هذا إذا
أرضعته قبل أن تلد الثاني.
وأما إذا ولدته فقد انقطع عن الأول بكل حال وصار للثاني دون الأول.
شهادة النساء لا تقبل في الرضاع عندنا، وتقبل في الاستهلال والعيوب تحت
الثياب والولادة، وقال بعضهم: تقبل في جميع ذلك، وفيه خلاف، ومن
قال تقبل قال: لا تقبل إلا شهادة أربع منهن، وفيه خلاف آخر بينهم.
إذا ادعى الزوج بعد عقد النكاح أن امرأته هذه محرم له من رضاع، مثل أن قال:
هذه أختي أو بنتي أو عمتي أو خالتي من رضاع، لم يخل من أحد أمرين: إما أن
تكون معه بينة أو لا بينة معه.
فإن لم يكن معه بينة قبل منه ما عليه دون ما له، وتحت قوله لا نكاح بيننا لا
مهر لها، فإن كان بعد الدخول استقر المسمى لأنه حق عليه، وإن كان قبل الدخول
فلها نصف المسمى، لأن الفسخ جاء من قبله قبل الدخول، وحكمنا بفسخ النكاح
لأنه لا حق عليه.
فإن كان معه بينة قبلنا شاهدين عدلين لا غير عندنا، وعندهم شاهدان أو شاهد
وامرأتان أو أربع نسوة، فإذا شهدن حكم بأنه لا نكاح بينهما، فإن كان قبل الدخول
سقط كل المهر وإن كان بعده استقر عندنا المسمى، وعندهم وجب مهر المثل، فإن
كان في من شهد أم الزوجة وبنتها لم تقبل عندنا لما مضى، وعندهم تقبل لأن شهادة
343

الولد والوالد مقبولة عليه، وإنما لا تقبل له.
فإن كان فيهن أم الزوج وبنته لم تقبل هاهنا، لأنها شهادة له، فلا تقبل، ولا
يمكن شهادة البنت على أن أمها ارتضعت من هذه دون الحولين، لأنه محال، وإنما
تقبل فيما هو حق على أمها، ويمكن أن تشهد البنت على أن أمها أرضعت هذا الزوج
وكان صغيرا أو تشهد أن جدتها أرضعته وكان صغيرا، فلما كبر تزوجت به، وهو
ممكن، وعندنا إن كان بدل البنت ابنا فشهد بذلك قبل شهادته عليها ولها، وإنما لا
تقبل شهادة الولد على والده فحسب.
فإن كانت الزوجة هي التي ادعت أن زوجي هذا محرم لي من رضاع، فقالت:
هو أخي أو ابني أو أبي أو عمي أو خالي، فإن لم يكن معها بينة لم يقبل قولها، لأن
جميع ما تدعيه حق لها، لأنها تدعي فسخ النكاح فلا يقبل قولها فيما فيه فسخ
النكاح، وإن كان معها بينة قبلنا شاهدين وعندهم شاهد وامرأتان أو أربع نسوة، فإن
كان معهن أم الزوج وابنتها جرى عليه، لأنها شهادة عليه، بل إن كان فيهن أم الزوجة
وبنتها لم يقبل، لأنها شهادة لها.
وعندنا إن كان فيهما ابن الزوج لم يقبل، لأنه لا تقبل شهادته على أبيه، وإن
كان فيهما أبوه قبل، لأنه تقبل شهادته على ابنه وإن كان فيهما أبو الزوجة أو ابنها
يقبل، لأنها تقبل شهادتهما للأم والبنت.
فأما كيفية سماع الشهادة فجملته أن الشهادة على الرضاع لا تقبل مطلقة، فلو
قال الشاهد: هذه أخته أو عمته أو خالته أو بنته من الرضاع، لم يقبل هذا منه حتى
يفسره، لأن الناس اختلفوا في الرضاع الذي ثبت به التحريم والحرمة، منهم من قال:
رضعة واحدة، ومنهم من قال: حولان، ومنهم من قال: خمس رضعات، ومنهم من
قال: عشرة، وخمس عشرة وغير ذلك.
فإذا كان كذلك لم يجز أن يعمل على الإطلاق لئلا يقضي بما يعتقد أنه رضاع
محرم، وليس كذلك، فهو كالقتل إذا شهدا أنه قتل عمدا قيل لهما: صفا القتل، ولا
يزال يستشرحه حتى يزول الاحتمال.
344

فإذا ثبت ذلك فتفسيرهما أن يقول: أشهد أنها أرضعته خمس عشرة رضعة
متفرقات خلص اللبن منها إلى جوفه في الحولين، فلا بد أن يتحقق أن في ثديها لبنا
ثم يشهد هكذا، ويحتاج على مذهبنا أن يتبين أنها لم تفصل بين الرضعات برضاع
امرأة أخرى، وهذا وإن كان نفيا فيمكن أن يشهد أنه ما فارقها هذه المدة حتى
استوفت العدد، فإن ابتدأ الشاهد بهذا على هذا الوجه قبلنا، وإن أطلقها فاستشرحها
الحاكم عن ذلك ففسرها هكذا حكم بها، لأنه زال ما يحذره.
فإن قيل: خلوص اللبن إلى جوفه من المغيب عنه والله يعلم، فكيف يشهد
بحصول اللبن إلى جوفه؟ قلنا: الذي يحتاج إليه أن يعلم أن في ثديها لبنا، فإذا
شاهده قد التقم الثدي يمصه بأن يحرك شفتيه كان الظاهر أن اللبن قد حصل في
جوفه، فالشهادة تقع على الظاهر.
ألا ترى أن الشهادة على النسب والموت والملك المطلق لا يفتقر إلى القطع
بها، بل بالظاهر، فإذا أدخل الصبي رأسه تحت ثيابها أو أدخلته تحت ثيابها ولم
يشاهده ملتقما ثديها لم يجز أن يشهد بالرضاع حتى يشاهده يلتقم الثدي يمصه.
إذا اعترف أحدهما بأن الآخر ذو محرم له من رضاع، مثل أن قال الرجل: هذه
بنتي أو أختي أو أمي أو خالتي أو عمتي، أو قالت: هذا ابني أو خالي أو عمي أو أبي
من الرضاع، لم يخل من أحد أمرين: إما أن يكون قبل النكاح أو بعده.
فإن كان قبل النكاح وكان الرجل هو الذي قال هذا، ثبت ما قاله، وحرم عليه
نكاحها، لأنه اعترف بأنها صارت محرمة عليه، وكذلك إن كانت هي التي ذكرت
هذا، قبل قولها وحرم عليها نكاحه، لأنه إقرار فيما هو حق لها فقبل قولها على نفسها
فيه، هذا إذا كان في وقت يمكن ذلك، فأما إذا كان على وجه لا يمكن، مثل أن يقول
لمن هو أكبر منه سنا أو في سنه: هذه بنتي، أو قالت: هذا ابني، سقط قولهما،
وقال بعضهم: لا يسقط، والأول أصح لأنه علم كذبه.
فإن رجعا عن ذلك وقالا: كذبنا في هذا لا حرمة بيننا من رضاع، نظرت: فإن
كان ما قال أولا صدقا في الظاهر والباطن، فقد حرم أحدهما على صاحبه ظاهرا
345

وباطنا، وإن كان صدقا في الظاهر دون الباطن حرمت عليه في الظاهر دون الباطن،
لأنا لا نقبل قولهما في الحكم ويقبل فيما بينهما وبين الله تعالى، هذا إذا كان قبل
النكاح بها.
فأما إن كان بعد النكاح نظرت: فإن كان الزوج هو الذي قال هذا، لم يخل من
أحد أمرين: إما أن يكون قبل الدخول أو بعده.
فإن كان قبل الدخول نظرت: فإن صدقته ثبت أنه لا نكاح بينهما ولا شئ لها،
وإن كذبته قبل قوله فيما عليه من فسخ النكاح، ولم يقبل فيما له، وهو ثبوت نصف
المسمى، فإن ادعى عليها علما أحلفها، هذا إذا كان قبل الدخول.
وأما إن كان بعد الدخول نظرت: فإن صدقته فلها مهر مثلها، وإن كذبته فلها
المسمى، وعندنا أن لها المسمى في الحالين.
فأما إن كانت هي التي ذكرت ذلك لم يقبل قولها، لأنها تدعي فسخ النكاح،
فلا يقبل لأنها في حق الغير، ويستحب له أن يطلقها ليحل لغيره، فإن ادعت علمه
بذلك أحلف لها، فإن حلف فهي على النكاح، فلو نكل حلفت وفرق بينهما.
إذا أرضعت الخنثى مولودا الرضاع المحرم، فإن كان الخنثى ذكرا لم ينشر
الحرمة، لأنه رجل، ولبن الرجل لا ينشر الحرمة، وإن كان امرأة نشر الحرمة لأنه
امرأة، وإن كان مشكلا وقف المولود على ما ينكشف منه، فإن بان رجلا لم ينشر
الحرمة، وإن بان امرأة نشرها.
وأما ما به يعلم الرجل من المرأة فقد مضى في النكاح، وعندي أن هذا محال
لأن اللبن لا يكون له حرمة إلا ما كان عن ولادة، وإذا ولدت كانت امرأة قطعا فلا
احتمال هناك.
إذا نزل للبكر أو الثيب لبن ولا زوج لها، فأرضعت بلبنها مولودا العدد المحرم
قال المخالف: ينشر الحرمة بينهما، وصارت أمه، وصار ابنا من رضاع للأم، ولا أب
له، لأن اللبن للمرأة خلق غذاء للآدمي يحمل على الأغلب، ويقوى في نفسي أنه لا
حكم له، لأنه لا دليل عليه ولما قلناه أولا.
346

فأما إن نزل لبن رجل فأرضع به مولودا العدد الذي يحرم مثله، لم ينشر الحرمة
بلا خلاف، لأنه ما خلق غذاء للمولود فهو كلبن البهيمة.
فإن أرضعت امرأة جارية لقوم وصبيا لقوم آخرين كانت أمها وصارا أخوين من
رضاع، فلهذا الصبي أن يتزوج بأم أخته التي لم ترضعه، لأنه لا حرمة بينه وبين أم
أخته من نسب ولا رضاع، فهو كما قلنا له أن يتزوج أخت أخيه من رضاع كما يتزوج
أخت أخيه من نسب.
رجل له زوجتان: صغيرة وكبيرة بها لبن من غيره، فدنت الصغيرة فارتضعت من
الكبيرة، والكبيرة نائمة، انفسخ نكاحهما معا لأنه صار جامعا بين أم وبنتها، وأما
التحريم فإن الكبيرة حرمت على التأبيد لأنها من أمهات النساء، وأما الصغيرة فإن
كان دخل بأمها حرمت على التأبيد، وإن لم يدخل بها كان له نكاحها فيما بعد.
وأما المهر فإن الصغيرة لا مهر لها، لأن الفسخ جاء من قبلها قبل الدخول، وأما
الكبيرة فإن كان قبل الدخول فلها نصف المسمى لأن الفسخ جاء لا من قبلها قبل
الدخول، وله أن يرجع على الصغيرة لأنها حالت بينه وبين الكبيرة، وإن كان بعد
الدخول بالكبيرة فقد استقر لها كل المسمى.
فإذا ثبت أن له أن يرجع على الصغيرة، فإن كان دخل بالكبيرة رجع على
الصغيرة بكل المهر، وإن لم يكن دخل رجع بنصفه، فإن كان للصغيرة مال رجع
عليها بذلك في الحال، وإلا كان في ذمتها يطالبها به إذا أيسرت.
إذا ادعت المرأة أن زوجها أقر بأنه أخوها من رضاع فأنكر، وأقامت المرأة أربع
نسوة عدول شهدن بذلك، لم يقبل لا عندنا ولا عندهم، عندنا لما مضى وعندهم
لأن شهادتهن منفردة إنما تقبل فيما لا يطلع عليها الرجال، وهذا إقرار وليس الإقرار
كالمقر به، ألا ترى أنه يقبل في المال شاهد وامرأتان ولا يقبل في الشهادة على
الشهادة بالمال شاهد وامرأتان.
امرأة كبيرة تزوجت بصغير له دون الحولين، فأصابت به عيبا فاختارت فسخ
النكاح ففسخ، ثم تزوجت برجل كبير، فاستولدها، فأرضعت ذلك الصغير الذي كان
347

زوجها العدد المحرم في الحولين، انفسخ نكاحها، لأنها كانت حليلة من قد صار
ولده وحلائل الأبناء حرام على التأبيد.
وأما التحريم فحرمت على الكبير لهذا المعنى، وحرمت على الصغير على
التأبيد لأنه صار ولدها من رضاع، ولأنها حليلة أبيه، ومثله إذا زوج أمته الكبيرة بعبد
صغير له دون الحولين ثم أعتق الأمة فاختارت فسخ النكاح، ثم تزوجت بكبير فأولدها
فأرضعت ذلك العبد الصغير الذي كان زوجها، انفسخ نكاح الكبيرة لأنها من حلائل
الأبناء، وحرمت على التأبيد لهذا المعنى، وحرمت على الصغير لأنه ولدها ولأنها من
حلائل الآباء.
فرع:
رجل تزوج بامرأة كبيرة فاستولدها وطلقها وفيها لبن، فتزوجت بصغير له دون
الحولين، فأرضعته العدد المحرم، انفسخ نكاحها، لأنه صار ولدها، وكانت حليلة
والده، وأما التحريم فقد حرمت على الصغير على التأبيد، لأنها صارت أمه، ولأنها
حليلة من قد صار والده، وأما الكبير فحرمت عليه على التأبيد لأنها قد صارت حليلة
من قد صار ولده.
فرع:
رجل استبرأ أم ولده فزوجها من طفل حر له دون الحولين، فأرضعته صار ولدها،
وولد سيدها، وانفسخ نكاحها لأنها حليلته وهو ولدها، وحرمت أم ولده عليه، لأنها
من حلائل أبنائه، وحرمت على الطفل على التأبيد لأنها أمه، ولأنها من حلائل
آبائه.
وقال بعضهم: هذا غلط، لأن الطفل الحر لا يجوز أن يتزوج بأم ولد، لأنه إنما
يحل ذلك لعدم الطول، وخوف العنت، والطفل لا يخاف العنت، لكن يتصور
المسألة إذا أعتقها مولاها أو لم يعتقها لكن كان الزوج عبدا صغيرا له دون الحولين.
348

صغير له دون الحولين زوج ببنت عمه ولها دون الحولين ثم أرضعت الجدة أم
الأب أحدهما انفسخ نكاحهما لأنها إن كانت أرضعت الصغير فهو عمها لأنه أخو
أبيها، وإن كانت أرضعت الصغيرة فقد صارت عمته لأنها أخت أبيه، ولا يجوز
للرجل أن يتزوج بعمته.
وعلى هذا المنهاج مسائل، والأصل فيها متى أرضعت الجدة، أحدهما صار
المرضع ولد الجدة، فانظر ولد الجدة من هو منها؟ فاحكم بذلك، فإن زوج ببنت
عمته فأرضعت الجدة أحدهما انفسخ النكاح أيضا لأنها إن أرضعت الصغير صار
خال زوجته لأنه أخو أمها وإن أرضعت الصغيرة صارت عمته لأنها أخت أبيه، فإن
زوج بنت خاله ثم أرضعت جدتهما أحدهما انفسخ النكاح أيضا لأنها إن أرضعت
الصغير صار عمها لأنه أخو أبيها، وإن أرضعت الصغيرة صارت خالته لأنها أخت
أمه.
وإن زوج ببنت خالته فأرضعت الجدة أحدهما انفسخ النكاح أيضا لأنها إن
أرضعت الصغير صار خالها لأنه أخو أمها، وإن أرضعت الصغيرة صارت خالته لأنها
أخت أمه وعلى هذا أبدا.
فرع:
امرأتان حلبت إحديهما رضعة في قدح، وحلبت الأخرى حلبة في ذلك
القدح فاختلطت الرضعتان فشربهما زوجهما الصغير، عندنا لا حكم له لما مضى،
وعندهم حصل له من كل واحدة رضعة كاملة وإذا فعل هذا خمس مرات انفسخ
النكاح لأنه قد صار في جوفه من لبن كل واحدة خمس رضعات بكمالها، وعندنا
لا حكم له أصلا لأنها ما ارتضعت من الثدي ولأنه دخل بين الرضعات رضاع امرأة
أخرى.
349

فرع:
امرأة أرضعت صغيرة الرضعات التي تحرم إلا واحدة ثم تزوج بها وبالصغيرة
رجل، صح، لأن الرضاع المحرم ما تم، فإن أرضعت الكبيرة الصغيرة الرضعة التي
يتم بها العدد المحرم انفسخ نكاحهما، لأنه صار جامعا بين المرأة وبنتها، وللصغيرة
نصف المسمى ويرجع على الكبيرة بذلك، لأنها التي حالت بينهما برضاعها.
فرع:
رجل تزوج بثلاث نسوة صغيرة لها دون الحولين وكبيرتين، فأرضعت كل واحدة
من الكبيرتين هذه الصغيرة، أربع رضعات، ثم حلبت كل واحدة منهما حلبة فجعلا
في إناء واحد، ثم أوجرتاها معا هذا اللبن، انفسخ نكاح الثلاث، لأنه صار جامعا
بين المرأة وأمها، وعندنا النكاح بحاله وإن فرضنا تمام العدد الذي يعتبر لأنه ما
ارتضع من الثدي.
ومن قال بالأول قال: تحرم الكبيرتان على التأبيد، لأنهما من أمهات النساء،
والصغيرة إن كان دخل بالكبيرتين حرمت على التأبيد، وإن لم يكن دخل بهما حلت
له، وأما المهر فللصغيرة عليه نصف المسمى، لأن الفسخ جاء لا من قبلها قبل
الدخول، ويرجع على الكبيرتين بنصف مهر مثل الصغيرة لأنهما سببا الحيلولة بينهما
وبينه، فيكون له على كل واحدة من الكبيرتين رجع مثل مهر الصغيرة.
وأما الكبيرتان فلا يخلو: أن يكون قد دخل بهما أو لم يكن دخل بهما.
فإن كان دخل بهما استقر لكل واحدة منهما عليه المسمى ويرجع على كل
واحدة منهما بنصف مهر مثل صاحبتها، لأن الكبيرة متى جاء الفسخ من قبلها بعد
الدخول استقر لها المسمى، ولم يرجع عليها بشئ، ولو أن غيرها فسخ نكاحها رجع
على ذلك الغير بكل مهر المثل، فإذا جاء الفسخ من قبل كل واحدة منهما وقبل
صاحبتها لم يرجع على كل واحدة منهما إلا بما قابل فعلها في حقها، فيرجع على
كل واحدة منهما بنصف مهر مثل صاحبتها، هذا إذا كان بعد الدخول.
350

وأما إن كان قبل الدخول وجب لكل واحدة منهما على الزوج ربع مهرها
المسمى، ويرجع على كل واحدة، منهما بربع مهر مثل صاحبتها لأن نصف المهر
سقط بزوال النكاح قبل الدخول، وبقى النصف وقد جاء الفسخ من قبلهما معا في
حقها وحق صاحبتها، فما قابل حقها هدر، وما قابل حق صاحبتها مضمون، فيصنع
هاهنا في نصف المهر ما صنع بعد الدخول في الكل.
فأما إن أو جرتها ذاك اللبن إحديهما انفسخ نكاح الكل أيضا، وكان للصغيرة
نصف المسمى، ويرجع على التي أو جرتا بنصف مهر مثلها، وأما الكبيرتان فإن كان
قد دخل بهما استقر لكل واحدة منهما المسمى، ويرجع على الساقية بمهر مثل
الكبيرة لأنها حالت بينهما وبين زوجها، ولم يرجع عليها في حق نفسها بشئ، لأن
الفسخ جاء من قبلها بعد الدخول، وإن لم يكن دخل بالكبيرتين سقط مهر الساقية،
لأن الفسخ جاء من قبلها قبل الدخول، ولغير الساقية عليه المسمى ويرجع على
الساقية بمهر مثل صاحبتها، ولا شئ عليه للساقية، لأن الفسخ جاء من قبلها قبل
الدخول.
وإن كانت بحالها فوثبت إحديهما فأرضعتها الرضعة الخامسة، انفسخ نكاح
التي أرضعت ونكاح الصغيرة معا، دون التي لم ترضع، ويكون التحريم والرجوع كما
لو كانت له زوجتان صغيرة وكبيرة فأرضعت الكبيرة الصغيرة وقد مضى.
351

كتاب النفقات
قال الله تعالى: فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن
خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا، بمعنى: لا
يكثر من تمونون، فلو لا أن النفقة واجبة والمؤونة عليه ما حذره من كثرتها عليه،
وقيل أن معنى " ألا تعولوا " ألا تجوروا، يقال: عال يعول إذا جار، و " أعال " إذا
كثر عياله، وقد قيل: إن " عال يعول " مشترك بين جار وبين كثر عياله -
ذكره الفراء - و " عال يعيل " إذا افتقر ومنه قوله: " ووجدك عائلا فأغنى " قال
تعالى: " الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا
من أموالهم ".
ومنه دليلان:
أحدهما: قوله تعالى " قوامون " والقوام على الغير هو المتكفل بأمره من نفقة
وكسوة وغير ذلك.
والثاني: قوله " وبما أنفقوا من أموالهم " يعني عليهن من أموالهم، وقال: " قد
علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم " وهذا دليل على وجوب النفقة، وقال الله
تعالى: " وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف " والمولود له الزوج وقد
أخبر أن عليه رزقها وكسوتها.
وروى سفيان بن عيينة عن محمد بن عجلان عن سعيد بن أبي سعيد المقبري
353

عن أبي هريرة أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا رسول الله معي
دينار، قال: أنفقه على نفسك، قال: معي آخر، قال: أنفقه على ولدك، قال: معي
آخر، قال: أنفقه على أهلك، قال: معي آخر، قال: أنفقه على خادمك، قال: معي
آخر، قال: أنت أبصر.
وفي رواية أخرى أنه قال: بعد أهلك، قال: معي آخر، قال: أنفقه على
والدك، قال: معي آخر، قال: أنفقه على خادمك، قال: معي آخر، قال: أنفقه في
سبيل الله، وذاك أيسر.
وقد جمع هذا الخبر جهات النفقات كلها، فإنها تستحق بالقرابة والزوجية
والملك، وروي عنه عليه السلام أنه قال: كفى بالمرء إثما أن يضيع من يعول،
وعنه عليه السلام أنه قال: ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف.
وروي أن هندا جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقالت: يا رسول
الله إن أبا سفيان رجل شحيح وإنه لا يعطيني وولدي إلا ما آخذ منه سرا وهو
لا يعلم، فهل علي فيه شئ؟ فقال: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف.
وفي الخبر فوائد:
منها أن للمرأة أن تبرز في حوائجها عند الحاجة وتستفتي العلماء فيما يحدث
لها، وأن صوتها ليس بعورة لأن النبي صلى الله عليه وآله سمع صوته فلم ينكره.
ومنها أن للإنسان أن يذكر غيره بما فيه لموضع الحاجة، وإن كان ذما،
ويشكوه إذا منعه حقه.
ومنها أن للحاكم أن يحكم بعلمه وعلى غائب، فإن النبي صلى الله عليه وآله
ما طلب البينة فعلم أنه قضى بعلمه، وعلى غائب لأن أبا سفيان لم يكن حاضرا.
ومنها أن للمرأة أن تلي النفقة على ولدها، وأن لها النفقة ولولدها النفقة،
وأن النفقة قدر الكفاية، وأن الكفاية بالمعروف، فإنه قال " خذي " فولاها ذلك " ما
يكفيك " فأوجب لها النفقة " وولدك " فأوجبه للولد، والكفاية لأنه قال " ما
يكفيك " ثم قال " بالمعروف ".
354

ومنها أن الإنسان إذا منع حقه له أن يأخذ حقه ممن له عليه سرا لأنه قال
" خذي ".
ومنها أن له الأخذ من جنس حقه ومن غير جنسه، لأنه أطلقها في الإذن.
ومنها أن له بيع المأخوذ وصرفه إلى جنسه، فإنه عليه وآله السلام أطلق أخذ
ذلك، لها، وكانت تأخذ ما لا يؤكل، وكان لها بيعه.
يجوز للرجل أن يتزوج أربعا بلا خلاف، والمستحب أن يقتصر على
واحدة، وقال داود: المستحب أن لا يقتصر على واحدة، لأن النبي
صلى الله عليه وآله قبض عن تسع.
قد ذكرنا أن على الزوج نفقة زوجته، فأما وجوب الخادم لها والإنفاق عليه،
فإن كان مثلها مخدوما فعليه إخدامها، ونفقة خادمها لقوله تعالى " وعاشروهن
بالمعروف " وهذا معتاد معروف، هذا إذا كانت ممن يخدم مثلها.
وإن كانت مما لا يخدم مثلها لم يكن عليه إخدامها لقوله " وعاشروهن
بالمعروف " ومن المعروف أن لا يخدم مثلها.
والمرجع في من يخدم ومن لا يخدم إلى العادة والعرف، فإن كانت من أهل
بيت كبير ولها شرف ونسب ومال وثروة، ومثلها لا يعجن ويطبخ ويكنس الدار
ويغسل الثياب، فعليه إخدامها، وإن كانت من أفناء الناس كنساء الأكرة
والحمالين ونحو هؤلاء، فليس عليه إخدامها.
وهكذا نقول في من وجب عليها حكم وكانت مخدرة لا تبرز في حوائجها
بعث إليها من يحكم بينها وبين خصمه في بيتها، فإن كانت ممن تبرز وتخرج
وتدخل في حوائج نفسها وتبايع الرجال وأهل الأسواق، فعليها حضور مجلس
الحكم لأن الغامدية أتت النبي صلى الله عليه وآله فذكرت أنها زنت، فأمر برجمها
ظاهرا وقال في المرأة الأخرى: واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت
فارجمها، فأمر برجمها في بيتها، وكان الفصل بينهما أن الغامدية كانت ممن تبرز في
حوائجها، والأخرى مخدرة في بيتها لا تبرز للناس.
355

فإذا ثبت أن المرجع في هذا إلى العرف، فإنما يرجع إلى العرف في مثلها،
ولا يرجع إلى ما تزيت هي به نفسها.
فإن كانت من ذوي الأقدار فتواضعت وانبسطت في الخدمة وجب عليه
إخدامها، وإن كانت بالصد من هذا فتكبرت وتعظمت وترفعت عن الخدمة لم
تستحق بذلك الخدمة لأن المرجع فيه إلى قدرها، لا إلى الموجود منها في
الحال، هذا إذا كانت صحيحة.
فأما إن مرضت واحتاجت إلى من يخدمها كان عليه أن يخدمها وإن كان
مثلها لا يخدم في حال الصحة، لأن الاعتبار في كل هذا بالعرف ومن العرف أن
يحتاج إلى خادم، كما أن العرف في الجليلة أنها تفتقر إلى خادم فجعلت هذه في
حال المرض كالجليلة النسيبة حال الصحة.
وكل من قلنا لها الخدمة فليس على زوجها أن يزيدها على خادم واحد بحال
ولو كانت أجل الناس، ومن الناس من قال: على الزوج أن يخدمها بقدر جمالها
ومالها، والأول أصح لأن الذي عليه من الخدمة الكفاية، والكفاية تحصل بواحد،
فإن كان لها مال وجهاز تحتاج إلى خدمة ومراعاة فليس عليه، والذي عليه
إخدامها هي.
فإذا تقرر أنها لا تزاد على خادم واحد، فالكلام في صفة الخادم، فقال
بعضهم: الزوج مخير بين أربعة أشياء: بين أن يشتري خادما أو يكتري أو يكون
لها خادم ينفق عليه بإذنها، أو يخدمها بنفسه فيكفيها ما يكفيه الخادم، لأن الذي
عليه تحصيل الخدمة لها وليس لها أن تتخير الجهات التي يحصل ذلك منها،
وقال بعضهم: هو مخير بين ثلاثة أشياء: بين أن يشتري أو يكتري أو ينفق على
خادمها، والأول أقوى لما تقدم.
فإن قالت: لست أختار أن يخدمني أحد، وإني أخدم نفسي وآخذ ما كان
يأخذه خادمي، لم يكن ذلك لها لأن الخدمة لأجل الترفة والدعة، فإذا لم تختر
ذلك وطلبت الخدمة لم يكن لها عوض.
356

ومتى كان الخادم مشتري أو كان لها وأنفق عليه كانت النفقة عليه في ماله،
وكذلك الفطرة لأنها تتبع النفقة، وإن كان مكترى فلا نفقة له ولا فطرة، لأن
الذي له أجرة عمله لا نفقة له على المكتري ولا زكاة عليه.
إذا كانت الرجل عبده فله أن يشتري الرقيق لأن له تنمية المال بكل ما
يمكنه، فإذا اشترى جارية لم يكن له وطؤها لأن فيه تغريرا بمال سيده، فإن أذن له
في ذلك جاز عندنا، وقال بعضهم: ليس له وإن أذن، فإن وطئها بإذن سيده أو
بغير إذنه فلا حد عليه، لأن هناك شبهة، والنسب لا حق لأنه وطء سقط الحد فيه
عن الواطئ.
فإذا لحق نسبه فإنه مملوك لأنه من بين مملوكين، ويكون مملوكا لأبيه لأنه
ولد مملوكه، ولا يعتق عليه لأنه ناقص الملك، ولا يجوز له بيعه لأن الشرع منع
من بيع الأبناء، ولا يملك عتقه لأن فيه إتلاف مال سيده لكن عليه النفقة على
ولده.
فأما نفقة ولده من زوجته فلا يجب عليه، سواء كانت حرة أو أمة أو أم ولد
لغيره، أو مكاتبة، لأنها إن كانت حرة فلا نفقة عليه، لأنها تجب باليسار وهو غير
موسر، لأن ما في يده لمولاه، وإن كانت أمة لم يجب عليه نفقته لأنه مملوك لسيد
الأمة ولا يجب عليه نفقة مملوك غيره، ويفارق ولده من أمة لأنه مملوكه فلهذا
أنفق عليه كسائر مماليكه، وإن كانت أم ولد للغير فلا نفقة عليه لما مضى، وإن
كانت مكاتبة للغير فكذلك.
فإذا ثبت أنه لا نفقة عليه فعلى من تجب نفقة ولده من زوجته؟ نظرت: فإن
كانت زوجته حرة فالنفقة على الزوجة، لأنه إذا لم يكن الأب من أهل الإنفاق
أنفقت الأم، وإن كانت مملوكة للغير فعلى سيدها نفقة هذا الطفل لأنه مملوك
لسيدها، وإن كانت أم ولد الغير فنفقته على سيدها لأنه مملوكه، وإن كانت
مكاتبة فإن ولدها لا يكون مكاتبا، لكن قال بعضهم: يكون مملوكا قنا لسيدها،
فعلى هذا النفقة على سيدها، وقال آخرون: هو موقوف مع أمه يعتق بعتقها، فعلى
357

هذا نفقته على أمه كما تنفق على نفسها مما في يدها، وهذا أليق بمذهبنا.
وكل موضع قلنا: لا يجب عليه أن ينفق، فلا يجوز له أيضا ذلك لأن فيه
تضييعا لمال سيده، فأما إذا كانت زوجته مكاتبة لسيده فلا نفقة عليه، وتكون
نفقته على ما فصلناه.
فإن اختار هذا المكاتب أن ينفق على ولده منها هاهنا جاز، لأنه لا يغرر بمال
سيده، فإن عجز فرق فالنفقة كانت على مملوك لسيده، وإن أدى وعتق فقد أنفق
على مال سيده، والحكم في ولد العبد من زوجته كالحكم في ولد المكاتب من
زوجته لا يجب عليه الإنفاق ولا يجوز لما مضى.
نفقة الزوجات معتبرة بحال الزوج لا بحالها، فإن كان موسرا فعليه مدان
في كل يوم، وإن كان متوسطا متجملا فعليه مد ونصف، وإن كان معسرا فقدر
المد.
فالنفقات ثلاثة: نفقة الموسر والمتوسط والمعسر، وفيه خلاف، ويعتبر
بغالب قوت أهل البلد وينظر إلى غالب قوته فأوجب عليه - كالإطعام في
الكفارات - وعليه أن يعطيها الحب لأنه أكمل منفعة فإن طلبت منه غيره لم يجب
عليه لأنها تطالب بغير حقها، وإن أراد أن يعطيها غيره لم تجبر على قبوله لأنه
يدفع غير حقها، وإن اتفقا على أخذ البدل منها دراهم أو دنانير جاز عندنا، وقال
بعضهم: لا يجوز.
فأما الكلام في الخادم فقد ذكرنا أنها إن كانت ممن يخدم فعليه إخدامها،
وأنه مخير بين أربعة أشياء تقدم ذكرها، وبينا أنه يجب عليه نفقة خادمها، إما بأن
يشتري أو ينفق على خادمها فقط، ويختلف ذلك باختلاف حال الخادم على ما
فصلناه في نفقتها.
فإن كان موسرا أوجبنا له مدا وثلثا لأنه أقل من نفقة الموسر والمتوسط،
وأرفع من نفقة المعسر، وإن كان معسرا لزم نفقته مد لأنه لا يمكن أقل منه، لأن
البدن لا يقوم بأقل منه، والذي يقتضيه مذهبنا أنه يرجع إلى اعتبار العادة في
358

ذلك.
وأما الجنس والصفة وأخذ البدل على ما فصلناه في نفقة الزوجة.
وأما الأدم فعليه أن يعطيها مع الطعام ما تأتدم به لقوله عز وجل: " وعلى
المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف " وذلك من المعروف، والمرجع في
جنسه إلى غالب أدم بلدها من الزيت أو الشيرج أو السمن، ومقداره يرجع فيه
إلى العادة فما كان أدما للمد في العادة وجب، ويفرض لخادمها الأدم كما يفرض
لها ويرجع في جنسه ومقداره إلى العرف كالزوجة نفسها.
وأما الجودة فمنهم من قال: يكون مثل أدم الزوجة، ومنهم من قال: دونه،
فأما اللحم فإنه يفرض لها كل أسبوع مرة، لأنه هو العرف، ويكون يوم الجمعة،
لأنه عرف عام، ومقداره يرجع فيه إلى العرف، ومنهم من قدره برطل، ومنهم
من زاد عليه بيسير، وكذلك القول في أدم الخادم، فمن قال: إنه مثل أدمها في
الجودة، قال: هي مثلها في اللحم، ومن قال: دون ذلك، قال في اللحم: مثل
ذلك.
وأن الدهن الذي تدهن به شعرها وترجله والمشط، فالكل معروف على
زوجها لأنه من كمال النفقة، وليس عليه أجرة طبيب ولا فصاد ولا حجام ولا ثمن
دواء.
وشبه الفقهاء الزوج بالمكتري والزوجة بالمكري دارا، فما كان من تنظيف
كالرش والكنس وتنقية الآبار والخلاء، فعلى المكتري لأنه يراد للتنظيف، وما
كان من حفظ البنية كبناء الحائط وتغيير جذع انكسر فعلى المكري، لأنه
الأصل.
وكذلك الزوج ما يحتاج إليه للنظافة وترجيل الشعر فعليه، وما كان من
الأشياء التي تراد لحفظ الأصل والبنية كالفصد والحجامة فعليها، وإنما يختلفان في
شئ واحد، وهو أن ما يحفظ البنية على الدوام وهو الإطعام فعليه دونها، ففي هذا
يفترقان وفيما عداه يتفقان.
359

وليس لخادمها دهن ولا مشط، لأنه إنما يراد لإزالة الشعث والترجيل
والتحسين، ولاحظ للخادم في هذا، فإنما عمله الخدمة، فلا معنى لجميع ذلك.
فأما الكلام في الكسوة فإن كسوة الزوجة على الزوج لقوله تعالى: " وعلى
المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف " والمرجع في عددها وقدرها وجنسها
إلى عرف العادة، لما ذكرناه من الآية.
وأما العدد فللزوجة أربعة أشياء: قميص، وسراويل، ومقنعة، وشئ تلبسه
في رجلها من نعل أو غيره، لأنه أقل ما يمكن أن يقتصر عليه في العادة.
وأما خادمها فثلاثة أشياء: قميص، ومقنعة، وخف، ولا سراويل لها، وإنما
وجب لها الخف، لأنها تحتاج إلى الدخول والخروج في حوائج الزوجة فلا بد
لها من خف، ويفارق الزوجة لأنه ليس لها دخول ولا خروج، والسراويل تراد
للزينة وذلك للزوجة دونها، ولها المقنعة لأنها تقيها من البرد والحر لا للزينة،
فهذه كسوة الصيف.
فأما كسوة الشتاء فإنه يزيدها على هذا جبة محشوة بقطن، لأن بدنها لا يقوم
إلا بها، وأما الخادمة فإنه يزيدها على كسوة الصيف جبة من لباس مثلها، ومنهم
من قال: تكون صوفا ولا تكون محشوة، لأنها تحتاج أن تتصرف في الخدمة
وذلك يثقلها.
فأما الكلام في قدرها من الكبر والصغر، فإنه يكون معتبرا بها من طول أو
قصر ودقة وغلظة، فتكون الكسوة على ذلك لأنه هو المتعارف، وأما جنسها
فقال قوم: لامرأة الموسر من لين الكوفي والبصري ووسط البغدادي، ولخادمها
من غليظ الكوفي والبصري، وأما امرأة المقتر فلها من غليظ الكوفي والبصري،
ولخادمها كرباس - وهو كتان أغلظ من غليظ الكوفي والبصري - والمعتمد في
ذلك الرجوع إلى عرف الناس فيه، وقد صار العرف في أزواج الموسر الخز
والإبريسم والكتان، فتكسى على عرف العادة لمثلها في بلدها، ولا يفرض لها من
الكسوة ما لا يسترها، فيجوز لها الصلاة فيه مثل القصب وما أشبهه ويجوز مثل
360

الصقلي والدبيقي كسوة مثلها.
قد بينا أن نفقة الزوجة مقدرة ويجوز لها أن تتصرف في ذلك كيف شاءت
لأنها تملكه سواء أضر بها أو لم يضر بها، أهزلها أو لم يهزلها، ومنهم من قال: إن
ما أضر بها تمنع منه لأنه يؤدي إلى العلة والتلف، ويؤثر في قلة الاستمتاع، وهو
الأقوى.
فأما الفراش والوسادة واللحاف وما ينام فيه قال قوم: يجعل بها فراش
ووسادة من غليظ البصري ولحاف منه، وقال قوم: الفراش الذي تجلس عليه
نهارا هو الذي ينام عليه ليلا مثل لبد أو زلية فما مضربة محشوة فلا لأن العرف
هذا، والأول أقوى لأنه العرف والعادة، ويكون لها لحاف محشوة وقطيفة
أو كساء، فأما خادمها فلها وسادة وكساء تغطي به دون الفراش، هذا في امرأة
الموسر، فأما امرأة المعسر فدون هذا، ويعطيها كساء تغطي به ولخادمها عباءة أو
كساء غليظ تنام فيه أو فروة.
إذا أعطي الكسوة لمدة تلبس في مثلها ستة أشهر تقديرا، فاختلقت وبليت لم
يخل من ثلاثة أحوال: إما أن تبلي في وقته أو بعده أو قبله، فإن أخلقت في وقتها
فعليه مكانها لأنه هو العرف، وإن أخلقت قبل ذلك بشهرين أو ثلاثة لم يكن عليه
البدل، كما لو سرقت كسوتها قبل انقضاء المدة، وكذلك إذا أعطاها قوت يومها
فتلف قبل أن تأكله لم يكن عليه بدله.
ومتى جاءت المدة والثياب جيدة لم تبل ولم تخلق، قال قوم: ليس عليه
تجديد الكسوة لأن ما عليها فيه كفاية ولا يلزمه أكثر من الكفاية، وقال آخرون:
إن عليه تجديدها، كما لو أخلقت قبل وقتها لم يكن عليه تجديدها، وهو الأقوى،
وكذلك إذا أعطاها قوت يومها فلم تأكله إلى الغد، وجب عليه في الغد القوت بلا
خلاف.
والكلام في النفقة في فصلين: وقت الوجوب، ووقت وجوب التسليم.
فأما وقت الوجوب فالكلام عليه يأتي.
361

وأما وقت وجوب التسليم، فعليه تسليمها، في أول النهار من كل يوم، لئلا
يضر بها التأخير، وربما تجوع.
فإن اتفقا على أن يسلفها نفقة أكثر من ذلك بشهر أو شهرين جاز، لأنه عجل
الحق قبل محله كالدين، فإذا حصل ذلك نظرت: فإن أقامت معه حتى انقضت
المدة فلا كلام، وإن بانت منه بموت أو طلاق أو غيره في التقدير في اليوم الأول
لم يسترد ما قبضت ليومها لأنها قبضت ما وجب لها، بلى عليها رد ما قبضت لما
بعد اليوم، لأنها قبضت ما لم تستحقه على أن يقع موقعها، فإذا لم يقع موقعها
كان عليها الرد كما لو عجل الزكاة، فبان كافرا فإنه يرد.
وأما الكسوة فلا يمكن أن يعطيها يوما بيوم، فإذا أعطاها لمدة فبانت بموت
أو غيره قال قوم: عليها رد الكسوة، وقال آخرون: لا يسترد لأنها أخذته
باستحقاق، بدليل أنه لو امتنع منها طولب بها، فعلم أنه باستحقاق، والأول أقوى.
حكم البدوية في جميع ما ذكرناه من تقدير النفقة على حسب صفة الزوج،
من يسار وإعسار وتوسط، وكذلك الإدام والخادم والكسوة والفراش على ما
وصفناه في حكم الحضرية سواء.
وإنما يفترقان من وجه، وهو أن قوت البادية يخالف قوت الحاضرة، فإنهم
يقتاتون الأقط والبلوط، فعليه نفقتها من غالب قوت البادية كما قلناه في غالب
قوت البلدان سواء.
ولا يجب على الزوج أن يضحي عن زوجته، ولو نذرت أن تضحي لم يجب
عليه أيضا التضحية عنها وكذلك كفارة اليمين لا تلزمه عنها، وتجب عليه زكاة فطرتها.
فأما الكلام في وقت وجوب النفقة والسبب الذي به يجب فلا يخلو
الزوجان من أربعة أحوال: إما إن يكونا كبيرين، أو الزوج كبيرا وهي صغيرة، أو
هي كبيرة وهو صغير، أو يكونا صغيرين.
فإن كانا كبيرين كل واحد منهما يصلح للاستمتاع، فالنفقة تجب في مقابلة
362

التمكين من الاستمتاع لأنه لو وجد العقد دون التمكين فلا نفقة، ولو وجد
التمكين وجبت، وإن نشزت سقطت.
والتمكين الذي يجب في مقابلته هو التمكين المستحق بالعقد المستند إليه،
ولا نقول به وبالعقد، بل نقول بالتمكين المستند إلى العقد، بدليل أنه لو وجد
التمكين من غير عقد أو عن عقد فاسد لم يستحق شيئا، وذلك التمكين هو التخلية
التامة.
والتمكين الكامل هو أن تمكنه من نفسها على الإطلاق من غير اعتراض عليه
في موضع مثلها ونقلها إليه، بدليل أن الرجل يزوج أمته ثم يرسلها إلى زوجها
ليلا فأمسكها لخدمة نفسه نهارا لا نفقة لعدم التمكين الكامل، وإذا وجد ما يجب
به النفقة وجب تسليمها إليه في كل يوم في أوله.
فإن فعل فلا كلام، وإن توانى ولم يدفع إليها حتى مضت مدة استقرت
النفقة عليها، وقال بعضهم: تسقط بمضي الوقت ما لم يفرضها الحاكم فمتى فرضها
استقرت.
فأما إن لم تمكنه التمكين الكامل مثل أن قالت: أسلم نفسي إليك في بيت
أبي أو في بيت أمي أو في محلة دون محلة أو بلد دون بلد، فلا نفقة لها لأن التمكين
الكامل ما وجد، كما قلناه في الأمة إذا أسلمت نفسها ليلا وانصرفت نهارا، هذا
الكلام في التمكين التام والناقص.
فأما إن لم يوجد واحد منهما مثل أن عقد النكاح وتساكنا من غير مطالبة
بتمكين ولا إنفاق، فإن النفقة لا تجب ولو بقيا سنين على هذه الصورة، سواء كان
كل واحد منهما على صفة متى طولب بما يجب من جهته بادر به أو لم يكن
كذلك، لأن النفقة تجب بوجود التمكين لا بإمكان التمكين.
فإن وجد منها التمكين الكامل على ما وصفناه لم يخل الزوج من أحد
أمرين: إما أن يكون حاضرا أو غائبا.
فإن كان حاضرا وجب عليه النفقة لأنه قد وجد سبب الاستحقاق.
363

وإن كان غائبا، فحضرت عند الحاكم وذكرت أنها مسلمة نفسها لزوجها
على الإطلاق، لم يحكم لها بالنفقة بهذا القدر لكنه يكتب إلى حاكم البلد الذي
فيه الزوج يعرفه ذلك ثم ذلك الحاكم يحضره ويقول له: فلانة زوجتك قد
بذلت التمكين الكامل، فإما أن يسير للتسليم أو لا يسير، فإن سار من وقته وكل
من ينوب عنه في القبض والتسليم، فحضر وقبض كان ابتداء النفقة من حين
القبض، وإن لم يسر ولا وكل ضرب المدة التي لو سافر فيها وصل إليها ثم
تكون عليه نفقتها عند انتهاء هذه المدة، لأنه وجد منها التمكين الكامل، وقدر هو
على القبض فلم يفعل، فعليه نفقتها، هذا إذا كانا كبيرين.
وهكذا إذا كان هو كبيرا وهي مراهقة تصلح للوطء، فالحكم فيهما سواء
وإنما يفترقان في فصل واحد، وهو أنها إذا كانت كبيرة فالخطاب معها في
موضع السكنى والتمكين الكامل، وإذا كانت صغيرة قام وليها مقامها فيه لو
كانت كبيرة على ما شرحناه.
فإن لم يكن ولي أو كان لكنه غائب أو كان حاضرا فمنعها، فسلمت هي
نفسها منه وجبت النفقة وإن كانت ممن ليس من أهل الإقباض ولا يصح تصرفها،
لأن الشئ إذا كان استحق قبضه فمتى قبضه المستحق صح وإن كان المقبوض
منه ليس من أهل الإقباض.
ألا ترى من اشترى عبدا ودفع الثمن إلى بائعه، استحق المشتري قبض
العبد فلو قبضه من صبي أو مجنون أو وجده في الطريق فأخذه وقع القبض
موقعه اعتبارا بالقابض المستحق للقبض، ولا تراعى جهة المقبض لما بيناه.
وأما القسم الثاني: وهو إذا كان الزوج كبيرا والزوجة صغيرة، لا يجامع
مثلها لصغرها، فلا نفقة لها، وقال آخرون: لها النفقة، والأول أصح عندنا.
وأما القسم الثالث: وهو إذا كان الزوج صغيرا وهي كبيرة، قال قوم: لها
النفقة، وقال آخرون: لا نفقة لها، وهو الأقوى عندي، والأول أصح عند
المخالفين.
364

وأما إذا كانا صغيرين فلا نفقة لها عندنا وقال آخرون: لها نفقة.
إذا مرضت زوجته لم تسقط نفقتها بمرضها، لأنها من أهل الاستمتاع، ولأنه
قد يألفها ويسكن إليها وتفارق الصغيرة بهذين المعنيين، وإذا كان الزوج عظيم
الخلقة، كبير البدن، وغليظ الذكر، وكانت ضعيفة نحيفة نضو الخلق عليها في
جماعه شدة ضرر ولا تأمن الجناية عليها بإفضاء أو غيره منع من جماعها لقوله
تعالى: " وعاشروهن بالمعروف " ومن المعروف أن يكون الجماع على صفة
يلتذان به، وليس له الخيار في فسخ النكاح لأنه إنما يثبت بعيب يجد بها وليس
هاهنا عيب، بدليل أنه لو كان زوجها مثلها لم يلحقها شدة في جماعه.
فإذا ثبت أنه لا خيار له قلنا: لك الخيار من وجه آخر، إما أن تصبر على
الاستمتاع بها دون الفرج أو تطلق، فإن صبر فعليه المهر والنفقة، وإن طلق رجع
عليه نصف الصداق لأنه ما دخل بها.
ويتوصل إلى معرفة ذلك من وجهين: إما أن يعترف هو فتمنع منه، أو لا
يعترف فلا يثبت إلا من جهة المشاهدة بأن تشاهده النساء حين الإيلاج من غير
حائل دون فرجها لأنه موضع ضرورة كالعيوب تحت الثياب، فمنهم من قال:
يقبل قول امرأة واحدة فإنه على طريق الإخبار، ومنهم من قال: لا يقبل إلا قول
أربع نسوة كالشهادة على الولادة.
الرتق هو انسداد فرج المرأة على وجه لا يطاق جماعه، القرن: عظم في
باطن الفرج يمنع دخول الذكر فيه، وقيل: إنه لحم نابت في الفرج يمنع
الجماع.
فإذا كان بالمرأة ذلك، أو كان بها جنون أو جذام أو برص أو عيب من
العيوب التي توجب الرد يثبت له الخيار، فإذا اختار الإمساك فعليه النفقة، وله أن
يستمتع منها دون الفرج كيف شاء.
إذا أحرمت ففي إحرامها ثلاث مسائل:
إحداها: إحداها: أحرمت باذنه وأحرم معها وهي معه، فلها النفقة لأنها ما
365

خرجت من يده وقبضه.
والثانية: أحرمت بغير إذنه، فإن كان إحرامها بحجة الإسلام أو كان تطوعا
فأذن لها فيه لم تسقط نفقتها عندنا، وإن كان تطوعا بغير إذنه فلا ينعقد عندنا
إحرامها ولا تسقط نفقتها، وعند المخالف إذا أحرمت بغير إذنه فلا نفقة لها، لأنه إذا
كان تطوعا فحقه واجب، وهو مقدم على التطوع، وإن كان واجبا فحقه أسبق،
والحج على التراخي فلا نفقة.
الثالثة: أحرمت وحدها باذنه، فعندنا لها النفقة، وبه قال قوم، وقال آخرون:
لا نفقة لأنها سافرت وحدها، فكل موضع قلنا: لا نفقة لها، فلا فرق بين أن يكون
ما لها فيه عذر وما لا عذر لها، فيه، كما لو تعذر تسليم المبيع للبائع.
فأما الاعتكاف ففيه ثلاث مسائل مثل الحج: إن اعتكفت باذنه وهو معها،
فالنفقة لها، وإن اعتكفت بغير إذنه فعندنا لا يصح اعتكافها ولا تسقط نفقتها،
وعندهم يصح الاعتكاف وتسقط النفقة لأنها ناشزة، وإن اعتكفت باذنه وحدها
فلها النفقة عندنا، وقال بعضهم: لا نفقة لها.
وأما الصوم فضربان: تطوع وواجب.
فإن كان تطوعا فله منعها منه، لأن النبي صلى الله عليه وآله قال: لا تصوم
المرأة تطوعا إلا باذنه إذا كان زوجها حاضرا، فإن صامت نظرت: فإن طالبها
بالفطر فأفطرت فلا كلام، وإن امتنعت كان نشوزا وتسقط نفقتها، وقال بعضهم:
لا تسقط لأنها ما خرجت عن قبضه.
وإن كان واجبا فعلى ضربين: نذرا وشرعا.
فإن كان نذرا لم يخل من أحد أمرين: إما أن يكون في الذمة أو متعلقا
بزمان، فإن كان في الذمة فلا فصل بين أن يكون باذنه أو بغير إذنه فله منعها لأنه
على التراخي عندهم، وإن كان معينا بزمان نظرت: فإن كان بغير إذنه فله منعها
أيضا لأنه تعين عليها من جهتها بغير إذنه، وإن كان باذنه فليس له المنع لأنه تعين
عليها باذنه.
366

فأما إن كان شرعيا نظرت: فإن كان في شهر رمضان فليس له منعها، لأن
هذا يقع مستثنى بعقد النكاح، لأن عقد النكاح، يعم كل الأزمان إلا ما وقع
مستثنى وهو زمان العبادات وزمان الأكل، فأما قضاء رمضان فله منعها منه إن لم
يضق الوقت لأنه على التراخي، فإن ضاق الوقت وهو أن يبقى إلى رمضان السنة
القابلة بقدر ما عليها من الصيام، لم يكن له منعها، لأنه متى أخرته عن وقته كان
عليها القضاء والكفارة، وقد مضى الكلام فيه، هذا إذا نذرت صوما بعد عقد
النكاح.
وأما إن وجب عليها الصيام بالنذر ثم تزوج بها، فإن كان النذر صوما في
الذمة كان له منعها منه، لأن حقها على الفور وما في ذمتها على التراخي، وإن كان
النذر زمانا بعينه لم يكن له منعها لأن هذا الزمان قد استحق عليها قبل عقد
النكاح، فإذا وقع العقد وقع ذلك الزمان مستثنى بأصل العقد، فلهذا لم يكن له
منعها منه.
وأما الصلاة فليس له منعها منها لأنها عبادة تعلقت بزمان بعينه، ولها أن
تصلي في أول الوقت، وليس له منعها منها، لأنه يفوتها فضيلة أول الوقت، وإن
كانت الصلاة في الذمة كان له منعها، وإن كان قضاء أو نذرا كالصوم في الذمة
سواء، وصوم الكفارات لا يكون أبدا إلا في الذمة فهو كالنذر في الذمة.
إذا تزوج امرأة لم تخل من أحد أمرين: إما أن تكون حرة أو أمة.
فإن كانت حرة فلها أن تمنع نفسها حتى تقبض المهر، فإذا قبضت فلا نفقة
لها حتى تمكن من الاستمتاع الكامل، فإذا حصل التمكين من الاستمتاع الكامل
وجبت النفقة، وإن نشزت سقطت نفقتها بلا خلاف إلا الحكم فإنه لا يسقط
نفقتها.
وأما إذا كانت أمة فلسيدها المنع حتى يقبض المهر، فإذا قبضه وجب
التسليم، فإذا سلم فهو بالخيار بين أن يمكن منها التمكين الكامل، وبين أن لا
يمكن، وله أن يرسلها ليلا ويمسكها عنه نهارا للخدمة، لأن السيد يملك من أمته
367

منفعتين استخداما واستمتاعا، فإذا عقد على إحديهما كان له استيفاء الأخرى، كما
لو آجرها من ذي محرم لها أو امرأة ثقة، فله أن يمسكها للاستمتاع ليلا ويرسلها
للخدمة نهارا.
فإذا ثبت ذلك نظرت: فإن أطلقها إليه ومكنه من الاستمتاع الكامل وجبت
النفقة كالحرة سواء، اعتبارا بحال الزوج موسرا كان أو معسرا أو متوسطا.
فأما الخدمة، فلا يجب إخدامها عندنا، لأن العرف أن تخدم الأمة نفسها،
وتخدم مولاها، فلا يجب على مولاها إخدامها، وقال بعضهم: يجب، لأن منهم من
لها المنزلة والفضل، وليس بشئ لأن فضيلتها إنما هو للسيد، فإن أراد استخدامها
لم يكن لها الامتناع.
فأما إن مكنته ليلا وأمسكها عنه نهارا فلا نفقة لها، لأن النفقة بالتمكين
الكامل، وليس هذا بحاصل، ألا ترى أن الحرة إذا قالت: أنا أسلم نفسي ليلا
وأنصرف إلى بيتي نهارا، فلا نفقة لها؟
إذا اختلف الزوجان في قبض المهر والنفقة لم يخل من أحد أمرين: إما أن
يكون قبل الزفاف أو بعده، فإن كان قبل الزفاف وقبل تسليم نفسها إليه فإنما
يتصور الخلاف في قبض المهر، وأما النفقة فلا لأنها ما وجبت لعدم التمكين.
فإذا قال: قد قبضت المهر، وأنكرت، فالقول قولها، لأن الأصل أنها ما
قبضت، كالمتبايعين إذا اختلفا في قبض الثمن فالقول قول البائع، هذا بلا
خلاف.
وإن كان الخلاف بعد أن أسلمت نفسها وحصلت في منزله وتحت قبضه،
فإنه يتصور هاهنا اختلافهما في الأمرين جميعا، فإذا اختلفا فالقول قولها فيهما عند
بعضهم، وقال بعضهم: القول قول الزوج، لأن الظاهر يشهد له، فإن العرف أنها
ما سلمت نفسها حتى قبضت المهر، وبهذا تشهد روايات أصحابنا.
فلو غاب عنها ثم عاد وادعى أنه كان خلف لها نفقة كان عليه البينة، وإلا
عليها اليمين بلا خلاف.
368

فمن قال القول قولها قال: إن كان الاختلاف في قبض المهر نظرت: فإن
كانت الزوجة حرة فلا خلاف بينهم أن القول قولها، إلا أن يقيم الزوج البينة
بقبضها، وإن كانت الزوجة أمة فالخلاف بينه وبين سيدها دونها، ويكون القول
قوله لأن المهر له دونها فالسيد في المهر كالحرة فيه.
وإن كان الخلاف في قبض النفقة، فإن كانت حرة فالخلاف معها، لأن
النفقة لها كالصداق، وإن كانت أمة فالخلاف معها أيضا دون سيدها، لأن النفقة
لها دون سيدها وما كان حقا لها فلا مدخل لسيدها، فيه، وكذلك لو أصابت
بزوجها عيبا كالجنون والجذام والبرص كان لها الخيار في فسخ النكاح دون
سيدها عندهم، لأنه حق لها، هذا إذا اختلفا في أصل النفقة.
فأما إذا اختلفا في قدرها فقالت: كنت طول هذه المدة موسرا فأعطيتني نفقة
المعسر وقد بقي عليك مد عن كل يوم ما أقبضتنيه، فقال: ما زلت معسرا وقد
قبضت جميع نفقتك، فهذا اختلاف في حق وجب عليه لم يقبض بدله ما لا،
فالقول قوله مع يمينه، لأن الأصل أنه لا مال له والحق ما يجب عليه في مقابلة مال
قبضه، فوجب أن يكون القول قوله ولا شئ لها.
إذا كان الزوجان وثنيين أو مجوسيين وأسلم أحدهما نظرت: فإن أسلمت
الزوجة لم تخل من أحد أمرين: إما أن يكون قبل الدخول أو بعده، فإن كان قبل
الدخول انفسخ النكاح ولا مهر لها لأن الفسخ جاء من قبلها قبل الدخول، وإن
كان إسلامها بعد الدخول لم يسقط المهر، ووقف النكاح على انقضاء العدة، فإن
أسلم الزوج قبل انقضاء العدة كانا على النكاح، وإن لم يسلم حتى انقضت
العدة تبينا أن الفسخ وقع باختلاف الدين.
وأما النفقة فلها عليه ما لم تنقض عدتها لأنها زوجة مسلمة، فإذا كان لها
النفقة وهي مشتركة فبأن تكون لها وهي مسلمة أولى.
فإذا ثبت أن لها النفقة، فإن أسلم قبل انقضاء العدة فلها النفقة لما مضى، وإن
أسلم بعد انقضائها انفسخ النكاح، وكان لها النفقة مدة العدة لأنها لأنها محسوبة عليه،
369

وهكذا الحكم إذا كانا كتابيين فأسلمت هي، لأنها مسلمة تحت كافر.
فأما إذا أسلم الزوج وكانا مجوسيين أو وثنيين لم يخل أيضا من أحد أمرين:
إما أن يسلم قبل الدخول أو بعده، فإن كان قبل الدخول وقع الفسخ في الحال،
وعليه نصف المهر لأن الفسخ جاء من قبله قبل الدخول، وإن كان إسلامه بعد
الدخول فالمهر بحاله ووقف النكاح على انقضاء العدة، فإن أسلمت قبل انقضائها
فهما على النكاح، وإن لم يسلم حتى انقضت العدة تبينا أن الفسخ وقع بإسلامه.
فإذا ثبت هذا فمتى أسلم وأقامت على الشرك فلا نفقة لها عليه، لأن التحريم
وإن جاء من قبله فإن استدامته من جهتها، لأنه يمكنها تلافيه بأن تسلم فإذا لم
تفعل كان التفريط من جهتها، فلهذا لا نفقة لها.
فإذا تقرر أنه لا نفقة لها ما دامت على الشرك نظرت: فإن لم تسلم حتى
انقضت عدتها فلا شئ لها من النفقة، وإن أسلمت قبل انقضاء عدتها كان لها
النفقة في المستأنف، لأنهما اجتمعا على النكاح، وهل لها نفقة لما مضى مدة
مقامها على الكفر؟ قال قوم: لها النفقة، وقال آخرون - وهو الصحيح عندنا - أنه
لا نفقة لها، لأن مقامها على الشرك أعظم من النشوز وهي مسلمة، فإن الناشز لا
تحرم على زوجها وهذه تحرم، ومع هذا فالناشز لا نفقة لها فهذه أولى.
إذا كانا مسلمين فارتدت الزوجة، فإن كان قبل الدخول سقط مهرها لأن
الفسخ جاء من قبلها قبل الدخول بها، وإن كان بعد الدخول وقت على انقضاء
العدة ولا نفقة لها عليه ما دامت في العدة، لأن الردة آكد في بابها من النشوز لما
مضى.
فإن عادت إلى الإسلام بعد انقضاء العدة فلا شئ لها، وإن كان قبل
انقضائها اجتمعا على النكاح ولها النفقة في المستقبل، ولا نفقة لما مضى، ومن
قال في المسألة الأولى أن لها النفقة، قال هاهنا مثله.
إذا ارتدت زوجته سقطت نفقتها على ما بينا، فإن غاب زوجها، قبل أن عادت
إلى الإسلام ثم أسلمت وهو غائب عادت نفقتها، لأن علة سقوطها هي الردة وقد
370

زالت، فأما إن نشزت امرأته سقطت نفقتها، فإن غاب قبل أن أطاعته وعادت إلى
بيته وهو غائب لم تعد نفقتها، حتى تكتب إليه بذلك، ليعود هو أو وكيله بقبضها.
والفصل بينهما أن علة سقوط نفقة المرتدة الردة، فإذا زالت زالت العلة،
والعلة في الناشز خروجها عن قبضته وامتناعها عليه، فلا تعود النفقة حتى تعود إلى
قبضته أو بأن تمكنه ردها إلى قبضته فلا يفعل، فلهذا لم تعد نفقتها.
إذا تزوج مشرك وثنية أو مجوسية فدفع إليها فلا نفقة شهر، ثم أسلم الزوج بعد
الدخول بها وقف النكاح على انقضاء العدة، فإن أقامت على
الشرك حتى انقضت العدة تبينا أن الفسخ وقع يوم أسلم الزوج، وإذا أسلمت
قبل انقضائها اجتمعا على النكاح.
وأما النفقة فلا نفقة لها مدة مقامها على الشرك، لأنها أسوأ حالا من الناشز،
وأما الرجوع فيما عجله لها من النفقة ينظر فيه: فإن كان سلم إليها مطلقا من غير
شرط أنها نفقتها في المستقبل لم يكن له الرجوع، لأن الظاهر أنه تطوع، فإن
كان شرطا أنه نفقتها في المستقبل كان له الرجوع فيها.
وجرى مجرى من عجل زكاته إلى فقير فحال الحول وقد هلك ماله، فهل
له أن يرجع؟ فينظر فيه: فإن كان قد أطلق لم يرجع، وإن قال: هذه زكاتي
عجلتها، رجع، ومنهم من قال: إن له أن يرجع وإن دفعه مطلقا كما لو شرط.
والفصل بينه وبين الزكاة أنه إذا لم يكن شرطا، فإن قال: هذه زكاتي،
فالظاهر أنه دفع إليه ما قد كان وجب عليه، وإن قال صدقتي فالصدقة تنقسم إلى
فرض ونفل، فإن كان فرضا لم يرجع وإن كان تطوعا فهي صلة وهبة ليس له
الرجوع فيها، فلهذا لم يكن له الرجوع في الزكاة إذا كانت مطلقة بكل حال.
وليس كذلك النفقة لأن إن كان هذا نفقة فالظاهر أنها لما يأتي وإنما سكت
حين الدفع، فالقول قوله حين الدفع، كمن دفع إلى رجل ما لا ثم اختلفا فقال:
هو وديعة، وقال المدفوع إليه: هبة، فالقول قول الدافع، فثبت أن له الرجوع
بكل حال، والذي يقتضي مذهبنا أن له الرجوع بكل حال لأنه إن كان هبة كان
371

له الرجوع فيها.
فإذا تقرر هذا فإن أسلمت بعد انقضاء العدة رجع عليها بجميع ما سلم إليها
بلا إشكال، وإن أسلمت قبل انقضاء العدة فلها النفقة من حين أسلمت لما يأتي، فله
أن يرجع بما قابل مدة مقامها على الشرك إلى حين أسلمت، ومنهم من قال:
ليس له.
إذا تزوج العبد القن والمدبر والمكاتب فعلى كل واحد منهم نفقة زوجته
للآية، ويجب عليه ذلك إذا وجد التمكين التام منها والتخلية الكاملة، فإن كانت
حرة بأن تسلم نفسها إليه على الإطلاق، وإن كانت أمة بأن يؤويها سيدها معه ليلا
ونهارا.
فإذا وجد هذا وجبت النفقة كالحرة تحت الحر سواء، ولا يلزمه إلا نفقة
المعسر سواء كانت موسرة أو معسرة حرة كانت أو أمة مسلمة كانت أو كافرة،
لأن الاعتبار بزوجها وزوجها أسوأ حالا من المعسر، لأن المعسر قد يملك شيئا
ويصح أن يملك شيئا، والعبد لا يملك شيئا بوجه.
وأما أين تجب؟ فلا يخلو العبد ومن أحد أمرين: إما أن يكون مكتسبا أو غير
مكتسب.
فإن كان مكتسبا فالنفقة في كسبه، ويكون إذن السيد في التزويج إذنا في
تعلق نفقة الزوجة بكسبه، ثم ينظر: فإن كان كسبه وفق ما عليه فلا كلام، وإن
كان أكثر كان الفاضل لسيده، وإن كان دونه أنفق قدر كسبه، وما الذي يصنع
بالتمام؟ يأتي الكلام عليه، هذا إذا كان مكتسبا.
فأما إذا لم يكن مكتسبا فالحكم في كل النفقة هاهنا وفيما ذكرناه واحد،
وقال قوم: يتعلق برقبته لأن الوطء في النكاح بمنزلة الجناية، ومنهم من قال:
يتعلق بذمته لأنه حق ذمته باختياره من له الحق، فكان في ذمته كالقرض،
والأول أليق بمذهبنا.
فمن قال: يتعلق برقبته، على ما اخترناه قال: إن أمكن أن يباع منه كل يوم
372

بقدر ما يجب عليه من النفقة فعل، فإن لم يكن بيع كله - كما قيل في الجناية
ووقف ثمنه - ينفق عليها فيه، وقد انتقل بذلك سيده عنه إلى سيد آخر.
ومن قال: يتعلق بذمته، قال: قيل لها: زوجك فقير لا مال له فإن اخترت
أن تقيمي معه حتى يجد وإلا فاذهبي إلى الحاكم ليفسخ النكاح، فإن العسرة
يفسخ بها النكاح عندهم، وعندنا لا يفسخ، غير أن هذا يسقط عنا.
ومتى أراد السيد أن يسافر به ويستخدمه لم يكن له ذلك، لأنه يقطعه عن
كسبه، ويضر به وبزوجته، وإن قال السيد: أنا أضمن ما عليه، فإن كان كسبه
وفق ما عليه فعلى سيده القيام به لها، وإن كان أكثر من النفقة ضمن قدر النفقة،
وكان الفاضل له، وإن كان كسبه دون النفقة لزمه تمام النفقة عندنا، وقال
بعضهم: ليس يلزمه ذلك لأنه إنما عطل عليه قدر الكسب فليس عليه أكثر منه.
إذا تزوج العبد بحرة ملك ثلاث تطليقات، وإن تزوج بأمة ملك تطليقتين
عندنا، وقال قوم: يملك طلقتين، فإن طلقها تطليقة بعد الدخول فلها النفقة لأنها
رجعية وهي في معنى الزوجات، فإن طلقها أخرى كان مثل ذلك عندنا، فإن
طلقها ثالثة فقد بانت منه، وعند المخالف تبين بالثانية على كل حال.
فإذا بانت فإن كانت حائلا فلا نفقة لها، وإن كانت حاملا فمن قال: إن النفقة
لأجل الحمل لها، قال: هي لها عليه، لأن العبد ينفق على زوجته، ومن قال:
للحمل، قال: لا نفقة عليه، لأن العبد لا يجب عليه نفقة ذوي أرحامه، وقد مضى أن
على مذهبنا أن النفقة للحمل، فعلى هذا لا نفقة عليه، وإن قلنا: إن عليه النفقة،
لعموم الأخبار في أن الحامل لها النفقة، كان قويا.
فأما من كان نصفه حرا ونصفه عبدا فنصف كسبه له بما فيه من الحرية،
ونصفه لسيده بما فيه من الرق، ونصف نفقته على نفسه، ونصفها على سيده، فإذا
تزوج فعليه نفقة زوجته، فيكون ما وجب عليه منها لما فيه من الحرية في ذمته،
وما وجب عليه منها بما فيه من الرق في كسبه.
فعلى هذا فإن عليه بما فيه من الرق نصف نفقة المعسر، وبما فيه من الحرية
373

ينظر فيه: فإن كان معسرا أنفق نفقة المعسر، وإن كان موسرا بما فيه من الحرية
كأن ملك مالا باكتساب أو غيره، فإنه ينفق بما فيه من الرق نصف نفقة المعسر،
وبما فيه من الحرية نصف نفقة الموسر، وقال قوم: ينفق نفقة المعسر على كل
حال ولو ملك ألف دينار، والأول أقوى.
إذا أعسر الرجل بنفقة زوجته فلم يقدر عليها بوجه كان على المرأة الصبر إلى
أن يوسع الله تعالى عليه لقوله تعالى: " وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة "
وذلك عام ولا يفسخ عليه الحاكم وإن طالبته المرأة بذلك، هذا عندنا
منصوص.
وقال المخالف: هي بالخيار بين أن تصبر حتى إذا أيسر استوفت منه ما
اجتمع لها وبين أن يختار الفسخ فيفسخ الحاكم بينهما، وهكذا إذا اعتبرنا
بالصداق قبل الدخول، فالإعسار عيب لزوجته الفسخ، وعندنا ليس هذا كذلك
على ما قلناه وفيه خلاف.
والكلام في الكسوة مثل الكلام في النفقة، وكذلك الأدم، وعندهم يفسخ
به، وعندنا لا يفسخ، فأما نفقة الخادم بلا خلاف أنه لا ينفسخ به.
إذا كان يقدر على نفقتها يوما بيوم - وهذا الكسب قدر الواجب لها - فلا
خيار لها، لأن القدر الواجب قادر عليه، وإن قدر على نفقة يوم ويوم لا فلها الخيار،
وهذا يسقط عنا.
فأما إن كان موسرا بالنفقة، فمنعها مع القدرة، كلفه الحاكم الإنفاق عليها،
فإن لم يفعل أجبره على ذلك، فإن أبي حبسه أبدا حتى ينفق عليها، ولا خيار لها،
وإن غاب عنها وهو موسر غيبة معروفة أو منقطعة فلا خيار، وإن بقيت بلا نفقة فلا
خلاف لأجل الإعسار وهذا غير معلوم.
وتعذر النفقة يكون لأمرين: أحدهما إعسار عدم، والثاني تعذر تأخير، مثل
أن كان صانعا لعمل لا يفرع منه إلا في كل ثلاث، كصنعة التكك وغيرها،
ويكون قدر نفقته في الثلاث فإنه لا خيار لها بلا خلاف، لأنه ليس عليها كبير
374

ضرر، ولأنه غير معسر وإنما يتأخر عنها إلى وقت، فإن كان التعذر لعدم لا يقدر
على نفقتها بحال، فلها الخيار عندهم، وهل هو على الفور أو على التراخي؟ على
قولين: أحدهما يؤجل ثلاثا، والثاني لا يؤجل بل لها الفسخ في الحال.
فمن قال: لها الفسخ في الحال، فلا كلام، ومن قال يمهل ثلاثا قال: لها أن
تبرز في حوائجها مدة المهلة، لأن النفقة في مقابلة التمكين، فإذا أعوزت كان لها
أن تظهر في حوائجها، هذا إذا فعل مرة أو مرتين، فإذا تكرر منه ذلك ثلاث مرات
كلف الفسخ بكل حال.
وأما إذا أعسر عن نفقة خادمها لم يكن لها خيار الفسخ بحال.
وأما إذا أعسر بالصداق لم يخل من أحد أمرين: إما أن يعسر قبل الدخول أو
بعده، فإن كان قبل الدخول كان لها الخيار عندهم، وقد قلنا: إنه ليس لها ذلك
بحال، وإن كان بعد الدخول عندنا كذلك، ومن قال: لا خيار لها، مثل ما قلناه،
وهو الأقوى عندهم والثاني لها الخيار.
فمن قال: لا خيار، فلا كلام، ومن قال لها ذلك في موضع قال: إن
اختارت الفسخ فذلك، وإن اختارت المقام معه سقط خيارها، فإن رجعت في
الخيار لم يكن ذلك لها لأن الصداق لا يجب إلا دفعة واحدة، فإذا رضيت
بإعوازه بعد البينة سقط خيارها، وليس كذلك النفقة لأنها تجب يوما فيوما فإذا
رضيت بإعساره يوما لم يسقط فيما يجب في يوم آخر.
وإذا أعسر الرجل بنفقة زوجته كان لها الخيار عندهم على ما مضى فإن
اختارت فراقه فلا كلام، وإن اختارت المقام لم يسقط خيارها مع بقاء إعساره.
إذا تزوجت وكان معسرا لا شئ معه مع العلم بحاله، فوجدته على الوجه
الذي عرفته كان لها الخيار عندهم، وعندنا لا خيار لها.
إذا تزوج بامرأة على صداق معلوم سماه لها لم يخل من أحد أمرين: إما أن
يكون موسرا أو معسرا.
فإن كان معسرا به كان لها الخيار عندهم، فإن اختارت فراقه فلا كلام وإن
375

اختارت المقام معه سقط خيار الفسخ، لكن لها أن تمنع من تسليم نفسها إليه
حتى يسلم الصداق، لأن إسقاط الخيار ليس بالرضا بتسليم نفسها إليه.
وإن كان موسرا بالصداق وقال: لست أدفع الصداق، قلنا له: ولا تدفع
نفسها، فإن قال كل واحد منهما: لست أسلم ما علي حتى أتسلم ما استحقه، قال
قوم: يوقف، وأيهما سلم ما عليه أجبر الآخر على تسليم ما عليه، وقال آخرون:
يجبر الزوج على تسليم المهر، فإذا حصل عند عدل أجبرت هي على تسليم
نفسها، فإذا دخل بها سلم العدل إليها، وهذا هو الأقوى عندي.
ولا يمكن أن يقال: تجبر على تسليم نفسها أولا، لأنا متى فعلنا هذا ربما
هلك البدل، ويفارق البيع لأنا يمكننا أن نحجر عليه في هذا وفي كل ما له
وهاهنا قبضه هو الإتلاف، فلهذا لم يصح هذا.
إذا أعسر بكسوتها لم يكن لها الخيار عندنا مثل ما قلناه في النفقة، ومن قال
هناك: لها الخيار، قال هاهنا: الخيار، لأنه لا يقوم البدن إلا بها كالنفقة.
وإن أعسر بالأدم فعندنا مثل ذلك، وقال بعضهم: لها الخيار، وقال
آخرون: ليس لها ذلك.
وأما السكنى فلا خيار لها بلا خلاف، لأنه غير مقصود في النكاح وإنما
يقصد المهر والنفقة وأنه يقوم بدنها بلا سكنى.
المطلقة ضربان: رجعية وبائن، فالرجعية لها النفقة لأنها في معنى الزوجات،
وإن كانت بائنا فلا نفقة لها ولا سكنى عندنا، وقال بعضهم: لها سكنى بلا نفقة،
وقال بعضهم: لها النفقة.
وأما النكاح المفسوخ فعلى ضربين: نكاح وقع مفسوخا، ونكاح وقع
صحيحا ثم فسخ.
فأما ما كان مفسوخا مثل نكاح الشغار عندنا، وعندهم مثل المتعة
والنكاح بلا ولي وشاهدين، فلها بالعقد مهر المثل، لأنها معاوضة فاسدة فلم
يجب فيها المسمى كالبيع الفاسد، وأما النفقة فلا تجب لها، وإن مكنت من نفسها
376

التمكين الكامل، لأنها في مقابلة التمكين المستحق الواجب عليها، ويفرق بينهما
ولا يقرءان على فرج حرام.
فإذا فرق بينهما لم يخل من أحد أمرين: إما أن يكون قبل الدخول أو بعده،
فإن كان قبله انصرفت ولا شئ لها بوجه، وإن كان بعد الدخول فعليها العدة من
حين فرق بينهما في المكان ولها المهر، ويكون مهر المثل عند المخالف لأنه
وجب عن نكاح فاسد، وعندنا أنه إن لم يسم فمهر المثل، فإن كان مسمى لزمه
ما سمى، وأما السكنى فلا يجب لها لأنها لحرمة النكاح ولا نكاح هاهنا،
وكذلك لا نفقة لها بعد الفرقة إذا كانت حائلا، وإن كانت حاملا فلها النفقة
عندنا لعموم الأخبار، ومن قال إن النفقة للحمل قال: فهاهنا النفقة لأنه ولده، ومن
قال النفقة للحامل، قال: لا نفقة هاهنا لأن النفقة تستند إلى نكاح له
حرمة ولا حرمة هاهنا إذا وقع فاسدا.
فأما إن وقع صحيحا ثم فسخ بالعيب لم يخل من أحد أمرين: إما أن يكون
قبل الدخول أو بعده.
فإن كان قبله فلا نفقة ولا سكنى ولا مهر، ولا فرق بين أن يكون العيب
موجودا حال العقد أو حدث بعده، وأما إن كان قبله فلها مهر مثلها وسقط المسمى
عندهم، وعندنا يثبت المسمى ويكون الحكم في العدة والسكنى والنفقة على ما
فصلناه في النكاح المفسوخ من أصله.
وإن كان لعيب حدث بعد الدخول، فإن المسمى يستقر لها عندنا وعندهم
لأن الفسخ يستند إلى حال حدوث العيب وحدوثه بعد الوطء، فالوطء حصل
في نكاح صحيح، والحكم في السكنى والنفقة على ما فصلناه في النكاح
المفسوخ.
وإذا بانت عن نكاح صحيح وكانت حاملا فلها النفقة لقوله تعالى: "
وأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن " وقال عليه وآله السلام لفاطمة بنت قيس
وكانت مبتوتة: لا نفقة إلا أن تكوني حاملا، وهل يجب لها أو للحمل؟ على ما
377

مضى.
وهل تحل لها يوم بيوم أو تصبر حتى تضع؟ قيل فيه قولان: أحدهما يدفع
إليها نفقة يوم بيوم، وهو الأقوى عندي، والثاني لا يدفع إليها شئ حتى تضع،
فمن قال لا تعطي شيئا قال: يراعى فإن بانت حائلا فقد أصبت في المنع، وإن
بانت حاملا أعطيت النفقة لما مضى.
ومن قال: يدفع إليها يوما بيوم - على ما قلناه - قال: أريت القوابل فإذا
شهدن بأنها حامل أطلق النفقة من حين الطلاق إلى حين الشهادة ثم لها يوما بيوم
حتى يتبين أمرها، فإن بانت حائلا فقد استوفت حقها وإن بانت حائلا فعليها رد ما
أخذت سواء قيل: النفقة للحمل أو لها لأجل الحمل.
إذا قذف زوجته وهي حامل فعليه الحد إلا أن ينفيه باللعان، فإذا لا عنها ونفى
النسب سقط الحد وانتفى النسب وزالت الزوجية وحرمت على التأبيد، وهذه
أحكام اللعان، وعليها العدة، وتنقضي عدتها بالوضع، ولا سكنى لها، وعندهم لها
ذلك، ولا نفقة لها عندنا وعند بعضهم، سواء قيل إن الحمل له النفقة أو لها
بسببه، لأن الحمل قد انتفى.
فإن أكذب نفسه لحق النسب به ووجب الحد وعادت نفقتها في المستقبل
حتى تضع، ولها أن ترجع بقدر ما انقطعت النفقة عنها لأنها إنما انقطعت
لانقطاع النسب، فإن عاد النسب عادت النفقة، هذا إذا قذف زوجته ولا عنها.
فأما إن طلقها وأبانها ثم ظهر بها حمل فقذفه ونفاه فهل يصح اللعان على
نفي الحمل بعد البينونة؟ قيل فيه قولان: أحدهما يصح، وهو الصحيح عندنا،
والآخر لا يصح.
فمن قال: يصح، فنفاه وقع التحريم المؤبد، وسقطت نفقتها لانتفاء الحمل،
فإن أكذب نفسه هاهنا عاد النسب وعادت النفقة التي قطعها عن نفسه من حين
اللعان إلى حين التكذيب، وهكذا إن وضعته ثم أكذب نفسه فعليه نفقتها زمان
العدة وأجرة حضانتها لأنه قد بان أنه كان واجبا عليه، وجملته أن كل ما سقط
378

باللعان يعود بإكذاب نفسه.
إذا أبانها بالخلع أو الطلقة الثالثة، فقد قلنا: لا نفقة لها، فإن ظهر بها حمل فلها
النفقة سواء قيل: إن النفقة لها أو للحمل، وعليه أن ينفق يوما بيوم.
وفي الناس من قال: يصبر حتى تضع، فإن أنفق عليها ثم بان أنها حائل أو
أتت بولد لا يمكن أن يكون منه بأن أتت به لأكثر من أقصى مدة الحمل من حين
الطلاق رجع عليها بما أنفق وفيهم من قال: لا يرجع.
إذا كان الطلاق رجعيا أنفق عليها وإن كانت حائلا لأنها في معنى
الزوجات، فإن ظهرت أمارات الحمل لكنها كانت تحيض وتطهر، وقيل: إنه
حيض أو دم فساد، فإذا أنفق عليها هاهنا على الظاهر، فإن عدتها منه بوضع
الحمل ولا يخلو من أحد أمرين: إما أن تبين حائلا أو حاملا:
فإن بانت حائلا فإن كانت رجعيا فلم تقر بثلاث حيض أو كان حيضا
فيطول ويقصر، لم يجعل لها إلا الأقصر لأنه اليقين، ويطرح الشك فيقال لها إذا
بانت حائلا: إنما لك من النفقة مدة العدة، وهي ثلاثة أقراء، أخبرنا عن المدة التي
انقضت الأقراء فيها.
فإذا كلفت هذا ففيه أربع مسائل:
إحداها: قالت: أنا أعرف العادة في الطهر والحيض وأعرف المدة وهي كذا
وكذا، فالقول قولها، ولها النفقة طول هذه المدة، وترد ما بعد ذلك.
الثانية: قالت: أعرف العادة وهي التقدير أحيض سبعا فأطهر ثلاثا وعشرين
يوما ولست أعرف مدة الانقضاء، قلنا: فلا يضرنا ذلك، ويرجع إلى العادة
فيحسبها، فإذا انقضت ثلاثة أقراء فلك النفقة فيها، وعليك رد ما بعدها.
الثالثة: قالت: عادتي تختلف، يطول الحيض تارة ويقصر أخرى وكذلك
الطهر غير إني لا أعرف الأقراء بأي العادتين انقضت، فهاهنا يجعل العدة على
الأقصر لأنه اليقين ويطرح الشك.
الرابعة: قالت: عادتي تختلف ولست أعرف صورة الاختلاف ولا أعرف
379

مدة الانقضاء، يجعل عدتها هاهنا أقل ما يمكن أن تنقضي فيه ثلاثة أقراء لأنه
اليقين ويطرح الشك.
هذا الكلام إذا بانت حائلا.
فأما إذا بانت حاملا، فإن أتت به لمدة يمكن أن يكون منه، فالولد يلحق به
والنفقة ثابتة لها إلى حين الوضع، وإن أتت به لأكثر من أقصى مدة الحمل من
حين الطلاق قيل فيه قولان:
أحدهما: يلحق به هذه المدة وقدر العدة، وهو الصحيح عندنا لأن الطلاق
رجعي، فعلى هذا إنفاقه بحق لها ولا يرجع بشئ، وعليه أجرة حضانتها من حين
الوضع.
والقول الثاني: لا يلحق به، ويكون منتفيا عنه بلا لعان، ولا تنقضي عدتها به
عنه لأنه لا يمكن أن يكون منه، فعلى هذا تكون عدتها بالأقراء.
فيقال: هذا الولد ممن؟ فإن قالت: عن وطء شبهة، نظرت: فإن قالت:
وطئني غير الزوج بشبهة، قبل: متى كان الوطء؟ فإن قالت: بعد انقضاء الأقراء،
قلنا: فلك النفقة إلى حين انقضائها وعليك رد الفضل، وإن قالت: الوطء بعد
مضي قرءين، قلنا: فلك نفقة القرءين ولا شئ لك لمدة الحمل وعليك أن تأتي
بالقرء الثالث بعد الوضع ولك نفقته.
فإن قالت: الوطء عقيب الطلاق، قلنا: فعدتك منه ثلاثة أقراء بعد الوضع
فلا نفقة لك مدة الحمل فعليك ردها ولك النفقة مدة الأقراء بعد الوضع.
هذا إذا كان الواطئ غير الزوج.
فأما إن قالت: الزوج هو الواطئ وطئني في العدة، أو قالت: راجعني،
فالقول قوله مع يمينه، فإذا حلف قلنا لها: عليك أن تبيني متى وطئت؟
فإن قالت: وطئت بعد انقضاء العدة، فقد اعترفت بأن العدة ثلاثة أقراء
متصلة بالطلاق، قلنا: فقد ثبت لها النفقة هذه المدة، وعليها رد ما بعدها، وإن
قالت وطئت عقيب الطلاق، قلنا له: فالأقراء بعد الوضع فلها النفقة مدة الأقراء
380

وترد ما أنفق عليها حال الحمل.
وقال بعضهم: إن عدتها تنقضي بالوضع من هذا الحمل، لأنه ولد يمكن أن
يكون منه فانقضت به عدتها كولده الذي ينفيه باللعان، هذا في حقها، وأما في
حقه فإن عدتها تنقى في أقل ما يمكن أن يمضي فيه ثلاثة أقراء لأنه اليقين فلا
يجب عليه نفقة أكثر من ذلك، فقبلنا قولها في حقها وأنها بعد في العدة، ولم يقبل
قولها في وجوب النفقة عليه، وهذا هو الأقوى.
وقد ثبت أنه إذا طلقها طلاقا بائنا فإن كانت حائلا فلا نفقة لها، وإن كانت
حاملا فلها النفقة، ولم تجب النفقة؟ قيل فيه قولان:
أحدهما: النفقة لها لأجل الحمل، وهو أصحهما عند المخالف.
والثاني: النفقة للحمل، وهو أقواهما عندي، بدليل أنها لو كانت حائلا لا
نفقة لها، وإذا كانت حاملا وجبت النفقة، فلما وجبت بوجوده وسقطت بعدمه،
ثبت أن النفقة له كالزوجة لها النفقة ما دامت زوجة، فإذا زالت الزوجية فلا نفقة
لها، فكانت النفقة لأجل الزوجية.
ولأنه لما كانت النفقة له إذا كان منفصلا فكذلك إذا كان متصلا، ولأن
أصحابنا رووا أنه ينفق عليها من مال الحمل، فدل على أنه لا يجب لها.
ومن خالف قال: لو كانت النفقة لأجل الحمل لوجب نفقته دون نفقتها،
ولما كانت نفقتها مقدرة بحال الزوج فيجب عليه بقدره، ونفقة الأقارب غير
مقدرة، دل على أنه لها، لأن نفقة الأقارب على الكفاية.
وأيضا فلو كان لأجل الحمل لوجبت على الجد كما لو كان منفصلا، فلما
ثبت أنها لا تجب عليه ثبت ما قلناه.
وأيضا فلو كانت نفقة الولد لوجب أن يسقط بيسار الولد، وهو إذا ورث
أو أوصي له بشئ فقبله أبوه، فلما لم تسقط بيساره ثبت أنها ليست نفقة الولد.
وعندنا تسقط بيساره، ويقتضي المذهب أنها تجب على الجد فيخالف في
جميع ما قالوه وفائدة الخلاف أشياء:
381

منها إذا تزوج حر بأمة فأبانها وهي حامل، فمن قال: للحمل، لم تجب على
والده بل تجب على سيده وهو سيد الأمة، ومن قال: لها لأجله، كانت على
زوجها.
ومنها إذا تزوج عبد بأمة فأبانها وهي حامل فمن قال: النفقة للحمل، كان
على سيد الولد دون والده، لأن العبد لا يجب عليه نفقة أقاربه، ومن قال: لها
لأجله، قال: النفقة عليه في كسبه.
ومنها إذا تزوج عبد بحرة فأبانها وكانت حاملا فمن قال: النفقة للحمل،
قال: تجب على الزوجة لأنه ولد حرة وأبوه مملوك، ومن قال: لها لأجله، قال: لا
يكون في كسبه.
ومنها إذا كان النكاح فاسدا والزوج حر، فمن قال لها قال: لا نفقة، لأن
النفقة لمن كانت معتدة عن نكاح له حرمة، ولا حرمة، له، ومن قال: للحمل،
فعليه النفقة لأنها نفقة ولده، ولا فصل بين النكاح الصحيح والفاسد في لحوق
النسب وثبوته.
فصل: في النفقة على الأقارب:
الذي ثبت له النفقة بنص الكتاب الولد، لقوله تعالى: " ولا تقتلوا أولادكم
خشية إملاق " يعني خشية الفقر، فلو لا أن عليه نفقته ما قتله خشية الفقر، وقال
تعالى: " لا تضار والده بولدها ولا مولود له بولده " فمنع من الإضرار به، وقال
تعالى: " فإن أرضعن لكم فأتوهن أجورهن " وأراد به المطلقات دون الزوجات،
بدلالة أنه أوجب الأجرة بشرط الرضاع، وهذه صفة المطلقة، لأن الزوجة لا
تستحق الأجرة بشرط الرضاع، ولأنه سماه أجرة، والنفقة لا تسمى بذلك.
وروي أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال له: معي دينار فقال:
أنفقه على نفسك، قال: معي آخر، قال: أنفقه على ولدك، فأمره بالإنفاق على
الولد، وحديث هند يدل على ذلك لأنه قال لها: خذي ما يكفيك وولدك
382

بالمعروف.
فإذا ثبت ذلك فالكلام في فصلين: في صفة الولد الذي يستحق النفقة،
وصفة الوالد الذي يجب عليه الإنفاق.
فأما صفة الولد فإن يكون أولا معسرا ثم يكون ناقص الخلق أو ناقص
الأحكام أو ناقص الأحكام والخلقة.
فأما ناقص الخلقة، فالضرير أو المعضوب الزمن، وأما ناقص الأحكام
فالولد الصغير لأنه لا حكم لكلامه، والقلم لا يجري عليه، وأما ناقص الأحكام
والخلقة معا فالكبير الضرير المجنون فإنه ناقص الأمرين معا، فهذه صفة الولد
الذي يجب على والده النفقة عليه.
وأما صفة الوالد الذي يجب عليه النفقة على ولده، فهو الذي يقدر على نفقة
ولده في الفاضل عن وقت يومه، فإذا قدر على ذلك المال في يده أو قدر على
كسب فعليه الإنفاق.
وإنما قلنا: إنه في الفاضل عن كفاية يومه، لأن النبي صلى الله عليه وآله قال
للسائل: أنفقه على نفسك، فقدمه على ولده، وقال عليه السلام: ابدأ بنفسك ثم
بمن تعول.
وإنما قلنا: إنه إذا كان قادرا على الكسب يلزمه أن يكتسب وينفق عليه، هو
أن القدرة على الكسب بمنزلة المال في يده، لما روي أن رجلين أتيا النبي
صلى الله عليه وآله فسألاه من الصدقة، فقال: أعطيكما بعد أن أعلمكما أن لاحظ فيها
لغني ولا لقوي مكتسب، فأجراه مجرى الغني في المنع من أخذ الزكاة.
فإذا ثبت من يجب له وعليه، فالكلام بعد هذا في الترتيب، وجملته أن نفقته
على والده إن كان موسرا، وإن لم يكن له والد أو كان معسرا فعلى جده،
فإن لم يكن جد أو كان معسرا فعلى أبي الجد، وعلى هذا أبدا، وقال بعضهم: لا
يجب على الجد.
فإن لم يكن له أب ولا جد، أو كانا وكانا معسرين فنفقته على أمه، وقال
383

بعضهم: لا يجب عليها.
وكل جدة وإن علت، فكالأم إذا لم تكن دونها جدة، أو كانت لكنها
معسرة مثل ما قلناه في الأب، هذا إذا لم يكن من شق الأم إلا هؤلاء.
فأما إن كان في شق الأم غير هؤلاء وهو أبو الأم، وأم أبي الأم ومن جرى في
هذا المجرى فهم من أهل الإنفاق في الجملة، لأن النفقة تجب بالقرابة فقط على من
وقع اسم الأب عليه حقيقة أو مجازا أو من وقع عليه اسم الجد حقيقة أو مجازا،
كالعتق بالملك بلا خلاف، وكالشهادة والقصاص على خلاف فيه، فأما ترتيب
المستحقين فالكلام عليه يأتي.
إذا كان له أب وأم فالنفقة على الأب دون الأم، فإن كان له أم وجد أبو أب
وإن علا فالنفقة على الجد دون الأم، وقال بعضهم: النفقة بينهما على الأم الثلث
وعلى الجد الثلثان كالميراث عنده.
فإذا اجتمع أبو أم وأم أم فهما سواء، لأنهما تساويا في الدرجة، وكذلك إذا
كان له أم أم أم وأبو أم أم فهما سواء.
فإن اجتمع أم أم وأم أب، أو أبو أم وأم أب فهما سواء عندنا لتساويهما في
الدرجة، وقال بعضهم: أم الأب أولى، لأنها تدلي بعصبته.
وجملته: أنه متى اجتمع اثنان ينفق كل واحد منهما إذا تفرد، لم يخل من
ثلاثة أحوال: إما أن يكونا من قبل الأب أو من قبل الأم أو منهما.
فإن كانا من قبل الأب نظرت: فإن اشتركا في التعصيب فلا يكونان أبدا
على درجة ولا بد أن يكون أحدهما أقرب والأقرب أولى.
وإن تساويا في القرب وانفرد أحدهما بالتعصيب، مثل أم أب وأبي أب
فالعصبة أولى، فإن كان الذي له العصبة أبعدهما فهو أولى عندهم، ولو بعد بمائة
درجة، وعندنا أن الأقرب أولى.
وإن لم يكن لأحدهما تعصيب ولا يدلي بعصبته، فإن كانا على درجة واحدة
فهما سواء، وإن كان أحدهما أقرب فالأقرب أولى بلا خلاف، وإن لم يكن
384

أحدهما عصبة لكن أحدهما يدلي بعصبة، مثل أم أم أب وأم أبي أبي أب فهما سواء
عندنا، وقال بعضهم: من يدلي بعصبته أولى.
فإن كانا من قبل الأم معا نظرت: فإن كانا على درجة فهما سواء، وإن كان
أحدهما أقرب فالأقرب أولى، سواء كانا ذكرين أو أنثيين أو ذكرا وأنثى لأن الكل
من ذوي الأرحام.
وإن كانا من الشقين معا، فإن كان أحدهما عصبة فهو أولى عندهم وإن بعد،
وعندنا هما سواء والأقرب أولى.
وإن لم يكن أحدهما عصبة ولا يدلي بعصبة، فإن كانا على درجة فهما سواء،
وإن كان أحدهما أقرب فالأقرب أولى، مثل أم أم أم، وأم أم أب، فإن كان
أحدهما يدلي بعصبته فإن كانا على درجة واحدة مثل أم أم وأم أب فهما سواء
عندنا، وقال بعضهم: أم الأب أولى، وإن اختلفا في الدرجة فالأقرب أولى مثل أم
وأم أب أو أم أم وأم أبي أب فالأقرب أولى، هذا إذا لم يكن للولد مال، فأما إذا
كان له مال فنفقتهم من أموالهم، ولا تجب نفقتهم على الغير.
وأما وجوب نفقة الوالد على ولده فعلى الولد أن ينفق على والده في الجملة
لقوله تعالى: " وصاحبهما في الدنيا معروفا " ولقوله عليه السلام: أنفقه على
والدك، في الخبر الذي تقدم.
وروي محمد بن المنكدر عن جابر قال: جاء رجل إلى النبي
صلى الله عليه وآله فقال: يا رسول الله إن لي مالا وعيالا ولأبي مال وعيال ويريد أن يأخذ مالي،
فقال: أنت ومالك لأبيك.
وروي أن النبي صلى الله عليه وآله قال: إن أطيب ما يأكل الرجل من
كسبه، وإن ولده من كسبه.
وروي عنه عليه السلام: إن أولادكم هبة من الله لكم " يهب لمن يشاء إناثا
ويهب لمن يشاء الذكور " وأموالهم لكم إذا احتجتم إليها.
فإذا ثبت هذا فعليه أن ينفق على والده وعلى جده وإن علا، وقال بعضهم: لا
385

ينفق على جده، وعليه أن ينفق على أمه وأمهاتها، وإن علون، وقال بعضهم: لا
يجب عليه أن ينفق على أمه.
فإذا ثبت فالكلام في صفة من يجب له وعليه، فأما من يجب عليه، فإنها
تجب في الفاضل عن قوت يومه وليلته، وصفة من يجب له فإن يكون فقيرا ناقص
الأحكام أو الخلقة أو هما.
فناقص الأحكام والخلقة " الجنون والزمانة " وهما: أن يكون مجنونا زمنا،
فمتى حصلت هذه الصفة وجبت نفقته على ولده، وإن كان كامل الأحكام و
الخلقة معا لكنه فقير قيل فيه قولان: قال قوم: لا ينفق، والثاني يجب عليه أن
ينفق وهو الصحيح عندنا.
وأما الولد إذا كان كامل الأحكام والخلقة وكان معسرا قال قوم: يجب
عليه نفقته، وهو الأقوى عندي، وقال آخرون: لا يجب.
فأما إعفافه فلا يجب عندنا، سواء كان ناقص الأحكام أو الخلقة معسرا كان
أو موسرا، وقال بعضهم: إن كان معسرا ناقص الأحكام والخلقة، فعليه أن يعفه
بعقد نكاح أو ملك يمين، لقوله: " وصاحبهما في الدنيا معروفا " وإن كان
معسرا كامل الأحكام والخلقة، قال بعضهم: يجب عليه إعفافه، وقال آخرون: لا
يجب.
إذا كان موسرا وأبواه معسرين، فإن كان معه ما ينفق عليهما فعليه ذلك
وإن لم يفضل عن كفايته إلا نفقة أحدهما، قال بعضهم: الأم أولى لقول النبي
صلى الله عليه وآله للسائل " أمك " ثلاث مرات، وقال في الرابعة " أباك " ولأنهما
تساويا في الدرجة، ولها مزية الحضانة والحمل والوضع.
وقال آخرون: الأب أولى لأنه انفرد بالتعيب، وقال قوم: هما سواء،
وهو الصحيح عندنا، فيكون الفاضل بينهما.
إن كان موسرا وله أب وابن معسرين، فإن فضل ما يكفيهما أنفق عليهما،
وإن لم يفضل إلا ما يكفي أحدهما، فإن كان الابن ناقص الأحكام والخلقة ولا
386

حركة له لتحصيل شئ كان أحق من الأب، لأن الأب يحتال، وهذا الطفل لا
حيلة له.
فإن كان الابن مراهقا كامل الخلقة ناقص الأحكام، والأب كامل الأحكام
ناقص الخلقة، قال قوم: الولد أحق به، لأنه نفقته تثبت بالنص ونفقة الأب
بالاجتهاد، وقال آخرون: الأب أحق بها لأن حرمته أقوى، بدلالة أنه لا يقاد به
ويقوى في نفسي أنهما سواء.
وإن كان موسرا وله أب وجد أبو أب معسرين، أو ابن وابن ابن معسرين،
فإن فضل ما يكفي الكل أنفق عليهم، وإن فضل ما يكفي واحدا منهم قال قوم:
الابن أولى من ابن الابن لأنه أقرب، وهكذا الأب والجد، وهو الصحيح عندي،
وقال آخرون: هما سواء.
فأما إذا كان معسرا وله ابن وأب موسران، قال قوم: نفقته على أبيه دون ابنه
لأنه إنفاق على ولد، وقال آخرون: هما سواء لأنهما تساويا في القرابة والتعصيب
والرحم، وهو الصحيح عندي.
إذا كان موسرا وله زوجة ومن ذوي الأرحام من تجب عليه نفقته، فإن فضل
ما يكفي الكل أنفق على الكل، وإن فضل ما يكفي أحدهم فالزوجة أحق، لأن
نفقتها على سبيل المعاوضة، ونفقة ذوي الأرحام مواساة، والمعاوضة، أقوى بدلالة
أنها تستحق مع يسارها وإعسارها، والوالد إذا كان موسرا لا نفقة له، وتستحق
مع يسار الزوج وإعساره، والولد لا نفقة له على أب معسر.
وجملته أن كل سبب يجب به الإنفاق من زوجية ونسب وملك يمين، فإنا
نوجبها مع اختلاف الدين كما نوجبها مع اتفاقه، لأن وجوبها بالقرابة والرحم،
ويفارق الميراث لأنه استحق بالقرابة والموالاة، واختلاف الدين يقطع الموالاة.
نفقة الغير على الغير بحق النسب عندنا مقصورة على الأب وإن علا، والأم
وإن علت اجتمعا أو انفردا، وكذلك على الولد وولد الولد وإن نزلوا، فالنفقة
تقف على هذين العمودين، وفيه خلاف ذكرناه، وروي في بعض أخبارنا أنه
387

ينفق على من يرثه إذا لم يكن غيره وذلك على الاستحباب.
ونفقة الأقارب تجب يوما بيوم، فإن فات ذلك اليوم قبل الدفع سقطت
ونفقة الزوج تستحق أيضا يوما بيوم، فإن مضى الزمان استقرت لما مضى.
والفصل بينهما أن نفقة الزوجات تجب على وجه المعاوضة، ونفقة الأقارب
على وجه المواساة.
فإذا ثبت هذا فاستقر عليه نفقتها أو كان لها عليه دين أو وجبت نفقة يومها
ونفقة القرابة يومه يقال له: أنفق، فإن أنفق وإلا كلفه السلطان فإن أبي حبسه، فإن
أبي عزره فإن أبي فالحكم فيه في المسألة وفيه إن كان غائبا هاربا سواء.
فالسلطان ينظر فيما عليه وفيما هو ماله الآن، فإن كان من جنس الدين قضاه
منه، وإن كان من غير جنسه، فإن كان له عقار وغيره باع عليه غير العقار في
دينه، فإن لم يكن له غير العقار باع فيه العقار، وصرف ثمنه إلى ما هو عليه وفيه
خلاف.
وإذا كان عليه نفقة زوجة من الطعام والإدام والكسوة وكان له عليها دين
من جنس ما لها عليه، فأراد أن يحتسب ما وجب لها عليه بما وجب له عليها لم
يخل من أحد أمرين: إما أن تكون موسرة أو معسرة.
فإن كانت موسرة كان ذلك له، لأن من عليه الدين كان له أن يقضي دينه
من أي أمواله شاء، وهذا له مال في ذمتها، فوجب أن يملك قضاء دينه منه.
وإن كانت معسرة لم يكن ذلك له، لأنه إنما يجب قضاء الدين في الفاضل
عن قوته، وهذه لا يفضل لها عن قوتها، فليس عليها أن تجعله في الدين، فإذا لم
يكن عليها لم يكن له ذلك.
ولأنها إذا كانت معسرة فعليه أن يؤخرها إلى اليسار، وإذا وجب الإنظار
كان بمنزلة الدين المؤجل، ومن له دين إلى أجل ووجب عليه دين حال لم يكن
له جعل الحال عليه بالمؤجل به.
ليس للرجل أن يجبر زوجته على إرضاع ولدها منه، شريفة كانت أو
388

مشروفة موسرة كانت أو معسرة، دنيئة كانت أو نبيلة، وفيه خلاف.
إذا ثبت أنها لا تجبر على ذلك فإن تطوعت به كره له منعها منه، لأنها أشفق
عليه وأحنا وأرفق، وتدر عليه ما لا تدر عليه غيرها ويستمرئ لبنها ما لا يستمرئ
لبن غيرها، وقال بعضهم: له منعها منه لأن له منعها من كل ما يشغلها عنه وأثر في
الاستمتاع بها من وطء ولمس ونظر إلا في أوقات العبادات، وهو الأقوى عندي.
فأما إن امتنعت إلا بأجرة فاستأجرها لذلك كانت الإجارة باطلة وهكذا إن
استأجرها لخدمته.
وإن آجرت نفسها لرضاع أو لخدمة بغير إذنه كانت باطلة وإنما لم يصح
أن تؤاجر نفسها من غيره لأنها عقدت على منافع لا يقدر على إيفائها، فإن زوجها
قد ملك الاستمتاع بها في كل وقت وفي جميع الأزمان إلا ما وقع مستثنى
بالعقد من أوقات الصيام والصلاة، فإذا لم تقدر على إيفاء ما عقدت عليه كان
العقد باطلا.
وإنما قلنا: أنها إذا آجرت نفسها من زوجها لم يصح، هو أنه يملك منعها من
إيفاء ما وجب عليها بعقد ثان ليستوفي ما وجب له عليها بعقد النكاح، وكذلك
من استأجر إنسانا شهرا بعينه لم يجز من ذلك الإنسان أن يؤاجر نفسه ذلك
الشهر بعينه لا له ولا لغيره، وأما إن تطوعت بإرضاعه ورضي زوجها بذلك فلا
يلزمه أن يزيد في نفقتها، وقال قوم: عليه ذلك، والأول أقوى عندي لأنه لا دليل
عليه.
إذا بانت زوجته منه وله منها ولد لم يكن له إجبارها على إرضاعه ولا على
حضانته إذا كان له دون سبع سنين، لقوله تعالى: " فإن أرضعن لكم فأتوهن
أجورهن " فرد الرضاع إليها، وعلق الأجرة بشرط يوجب من جهتها، ما عليها لا
يكون لها، وقال تعالى: " وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى " فلو لا أن لها
الامتناع ما وصفها بهذه الصفة.
فإذا ثبت أنها بالخيار نظرت: فإن امتنعت عليه، فعليه أن يكتري من ترضعه
389

لقوله تعالى: " وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى " وإن أجابت إلى إرضاعه
وطلبت الأجرة ففيه ثلاث مسائل:
إما أن تطلب أجرة المثل ولا يجد غيرها، أو يجد غيرها بهذه الأجرة، وتطلب
أكثر، أو تطلب أجرة مثلها ويجد غيرها متطوعة.
فإن طلبت أجرة مثلها وليس هناك غيرها، أو هناك غيرها بهذه الأجرة
فهي أحق لقوله تعالى: " فإن أرضعن لكم فأتوهن أجورهن ".
فإن طلبت أكثر من أجرة مثلها والزوج يجد بأجرة المثل، كان له نقله
عنها، لقوله تعالى: " وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى " ولقوله تعالى: " وإن
أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف "
فأباح تعالى نقل الولد عنها إذا سلم الأجرة بالمعروف ولا موضع يجوز نقله إلى
أجرة المثل إلا إذا طلبت أكثر من أجرة مثلها.
وأما إن رضيت بأجرة مثلها، وهو يجد متطوعة أو بدون هذه الأجرة قال
قوم: له ذلك، ومنهم من قال: ليس له ذلك، والأول أقوى عندي.
فمن قال: ليس له نقله، سلم إليها ولها أجرة المثل، ومن قال: له نقله عنها إلى
من يتطوع بذلك، على ما قلناه، نظرت: فإن صدقته في أنه يجد متطوعة نقله ولا
كلام، وإن كذبته فالقول قوله لأنها تريد شغل ذمته بإيجاب الأجرة لها عليه
والأصل براءة الذمة.
فصل: في أن الأبوين أحق بالولد:
إذا بانت امرأة الرجل منه بطلاق أو فسخ أو خلع أو غير ذلك وهناك
ولد فتنازعاه فلم يخل الولد من ثلاثة أحوال: إما أن يكون طفلا لا يميز أو بالغا أو
طفلا يميز ويعقل.
فإن كان طفلا لا يميز ولا يعقل، فالأم لأحق به من أبيه تربيه وتحضنه والنفقة
على أبيه، لما روي أن امرأة قالت: يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاء،
390

وثديي له سقاء وحجري له وطاء، وإن أباه طلقني وأراد أن ينتزعه مني، فقال لها
النبي صلى الله عليه وآله: أنت أحق به ما لم تنكحي.
فإن كان الولد بالغا رشيدا فلا حق لأحد الوالدين فيه، والخيار إليه في
المقام عند من شاء منهما، والانتقال عنهما ذكرا كان أو أنثى، غير أنه يكره للبنت
أن تفارق أمها حتى تتزوج، وقال: بعضهم: ليس لها أن تفارق أمها حتى تتزوج
ويدخل بها الزوج.
وأما إن كان طفلا بلغ حدا تميز بين ضره ونفعه وهو إذا بلغ سبع سنين أو
ثماني سنين فما فوقها إلى البلوغ، فالذي رواه أصحابنا، أنه إذا كان ذكرا فالأب
أحق به، وإن كانت أنثى فالأم أحق بها إلى أن تبلغ ما لم تتزوج، وقال قوم:
يخير بين أبويه فمن اختار سلم إليه.
وقال آخرون: الأم أحق به، حتى يبلغ إن كان ذكرا، وإن كان أنثى حتى
تتزوج ويدخل بها الزوج.
وقال قوم: إن كانت جارية فأمها أحق بها ما لم تتزوج، وإن كان غلاما
فأمه أحق به حتى يبلغ حدا يأكل ويشرب ويلبس بنفسه، فتكون أحق به.
ومن قال بالتخيير قال: لا تخير إلا بأربع شرائط وهو أن يكونا حرين
مسلمين مأمونين مقيمين، فأما إن كان أحدهما حرا والآخر مملوكا نظرت: فإن
كانت أمه حرة فهي أحق به بغير تخيير، وهكذا نقول لأنه مشغول بخدمة سيده،
وإن كان أبوه حرا والأم مملوكة فإن كان الولد حرا فأبوه أحق به، لأن أمه
مشغولة بخدمة سيدها، وإن كان مملوكا فسيده أحق به، وإن كان أحدهما مسلما
فالمسلم أحق به عندنا وعند أكثرهم، وقال بعضهم: يخير.
وإن كان أحدهما عدلا والآخر فاسقا فالعدل أحق به بكل حال، لأن
الفاسق ربما فتنه عن دينه، وإن كان أحدهما مقيما والآخر منتقلا فلا تخلو المسافة
من أحد أمرين: إما أن يقصر فيها الصلاة أو لا يقصر، فإن لم يقصر فالحكم فيها
كالإقامة، وإن كان يقصر فالأب أحق به بكل حال.
391

وقال قوم: إن كان المنتقل هو الأب فالأم أحق به، وإن كانت الأم منتقلة
فإن انتقلت من قرية أي بلد فهي أحق به، وإن انتقلت من بلد إلى قرية فالأب أحق
به لأنه في السواد يسقط تعليمه وتخريجه، وهو قوي.
ومن قال بالتخيير فبلغ حد التخيير فخير لم يخل من أحد أمرين: إما أن
يختار أمه أو أباه.
فإن اختار أمه نظرت: فإن كان الولد جارية كانت عندها ليلا ونهارا ولا
يخرج نهارا لأن تأديبها وتخريجها جوف البيت، وإن كان غلاما فأمه أحق به ليلا
لأنها تحفظه وتحضنه وأبوه أحق به نهارا ليخرجه ويؤدبه ويعلمه.
وإن اختاره أباه فهو أحق به ليلا ونهارا لأنه لو كان جارية فلا حاجة بها إلى
الخروج، وإن كان غلاما فعنده يأوي ليلا ويخرج إليه نهارا.
ولا يمنع من الاجتماع مع أمه، لأن في ذلك قطع الرحم وذلك لا يجوز،
ثم ينظر: فإن كان ذكرا ذهب هو إلى أهله وزارها في كل أيام حتى لا ينقطع
الرحم بينهما، وإن كان جارية فإن أمها تأتيها زائرة لأن الجارية لم تخرج، والأم
قد اعتادت الخروج، وإذا زارتها أمها فلا تطيل عندها، بل تخفف وتنصرف ولا
تنبسط في بيت مطلقا، هذا في حال الصحة.
فأما في حال المرض فأيهما مرض قصده الصحيح فإن كان المريض هو
الولد فلا تمنع أمه أن تجيئه وتراعيه وتمرضه وتقيم عنده، لأنها أشفق عليه وأحنا
وأرأف وأعطف وأرفق من غيرها، وإن مرضت الأم فإن ولدها يزورها ويتردد
إليها ذكرا كان أو أنثى.
فأما إن مات أحدهما نظرت: فإن مات الولد فإن أمه تحضره وتجهزه
وتتولى أمر غسله وتكفينه وإخراجه، فإن ماتت الأم فالولد يحضرها ويجهزها
ويتولى أمرها من تكفين وغيره، فإذا فرغت الأم من تجهيز الابن لا يجوز أن تتبع
الجنازة إلى المقبرة، لأن النساء قد نهين عن زيارة القبور، روي عنه عليه وآله
السلام أنه قال: لعن الله زائرات القبور.
392

فإذا بلغ سن التخيير فكان مجنونا أو عاقلا فخبل فأمه أحق به، ويسقط
التخيير لأنه في معنى الطفولة، ومتى اختار أحدهما سلم إليه، فإذا أراد الآخر بعده
حول إليه، فإن أراد رده إلى الأول رد وعلى هذا أبدا، لأنه تخيير إيثار وشهوة،
وليس تخيير إلزام وحتم.
إذا تزوجت المرأة سقط حقها من الحضانة وزال التخيير، وإن كان له أم أم لا
زوج لها قامت مقامها، وإن كان لأمها زوج هو جد هذا الطفل قامت مقامها، وإن
كان أجنبيا فالأب أحق به، وقال الحسن البصري: لا يسقط حقها بالنكاح.
ومتى طلقها زوجها عاد حقها على ما كانت، وقال بعضهم: لا يعود، والأول
أصح عندي، وإذا ثبت أنه يعود فلا فرق بين أن يكون الطلاق بائنا أو رجعيا،
وقال بعضهم إن كان بائنا عاد وإن كان رجعيا لم يعد، لأنها في حكم الزوجات،
فهو كما لو لم يطلقها، وهو الصحيح عندي.
إذا اجتمع نساء القرابة فتنازعن المولود ففيها مسألتان: إحديهما إذا لم يكن
معهن رجل، والثانية إذا كان معهن، رجل فإذا كان معهن رجل فالكلام في
ترتيب الأولى والأحق.
قال قوم: الأم أولى ثم أمهاتها ثم أم الأب وأمهاتها، ثم أم الجد وأمهاتها، ثم أم
أبي الجد وأمهاتها، فإن لم تكن فالأخت للأب والأم ثم الأخت للأب، ثم الأخت
للأم ثم الخالة، ثم العمة، وفيه خلاف طويل وشرح على مذهب القوم.
والذي عندي أن الأم أولى من كل واحد، فإن لم تكن فكل امرأة كان أولى
بميراثها فهي أولى به، فإن اجتمعا في درجة واحدة ولا مزية فهو بينهما لقوله تعالى:
" وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض " وذلك عام في كل شئ، وعلى هذا
الأخت للأب والأم أولى من الأخت للأب ومن الأخت من الأم لأنها تدلي بسببين،
فإذا لم تكن فالأخت للأب أولى، وقال بعضهم: الأخت للأم أولى، والأول أقوى،
فإن لم تكن أخت من أب فالأخت للأم أولى، والخالة والعمة عندنا في درجة،
وعندهم الخالة مقدمة، وعندنا إذا اجتمع أقرع بينهما.
393

فإذا ثبت هذا فالخلاف في ثلاثة مواضع:
في من هو أولى بعد أمهات الأم، الأخوات أو الجدات؟ فعندي أنهما سواء،
ويقرع بينهما فمن خرج اسمه سلم إليه لأنه لا يمكن قسمته مثل الميراث، وعندهم
على قولين.
الثاني: هل الخالة أولى من أم الأب فعندهم على قولين، وعندي أن أم الأب
أولى.
والثالث: في الأخت للأب مع الأخت للأم عندهم على قولين، وعندي أن
الأخت من قبل الأب أولى، وإن قلنا أنهما سواء ويقرع بينهما كان قويا، والعمة
مؤخرة عن هؤلاء كلهن، وكل مواضع قلنا: إنها أحق، فإنها مع الولد كالأم هي
أحق حتى يبلغ.
فإذا بلغ نظرت: فإن كان ذكرا فالمستحب له أن يفارقها، وإن كان أنثى
فإن كانت ثيبا فكالذكر، وإن كانت بكرا كره لها مفارقتها حتى تتزوج ويدخل
بها، وكل موضع اجتمع اثنان، وأختان أو خالتان وكان المولود طفلا لا يعقل
أقرع بينهما فإذا بلغ حد التخيير خيرناه بينهما.
أم الأب لها حق الحضانة بوجه، وكذلك أم أبي الأم لأنهما ترثان عندنا،
وعندهم لاحظ لهما، وفيه خلاف، فأما إذا كان هناك رجال ونساء فالأم أولى
من الأب ومن كل أحد على ما بيناه ما لم تتزوج، أو يكون الولد ذكرا ويبلغ
سنتين فيكون الأب أولى، فأما غير الأب فهي أولى به على كل حال.
فإن لم تكن أم فالأب أولى من أمهات الأم، وإن علون، وعندهم أمهات الأم
وإن علون أولى، فإن لم يكن أحد من أمهات الأم فالأب أولى من كل من يتقرب
به من الإخوة والأخوات والجد والجدة بلا خلاف.
وإن كان معه من يدلي بالأم أخت لأم أو خالة وليس معه غيرهما فالأب
أولى عندنا، وعندهم على وجهين: أحدهما مثل ما قلناه، والآخر الأب يسقط بها
لقول النبي صلى الله عليه وآله: الخالة أم.
394

وإذا ثبت أن الأب أولى منهما، فما دام هو باقيا فهو أولى، ثم أمه وأبوه في
درجة، ثم جده وجدته في درجة، مثل الميراث عندنا سواء للآية وعلى مذهب
القوم إذا قالوا بما قلناه وفيه خلاف، هذا إذا كان الأب موجودا.
فأما إن كان مفقودا ميتا أو هالكا فعندنا أن كل من كان أولى بميراثه فهو
أولى به، فإن تساووا أقرع بينهم، فمن خرج اسمه سلم إليه وفيه خلاف.
وكل أب خرج من أهل الحضانة بفسق أو كفر أو رق فهو بمنزلة الميت
سواء ويكون الجد أولى، فإن كان الأب غائبا انتقلت حضانته إلى الجد، لأن
القصد حفظه وصيانته فكان أحق به من غيره، وكل من عدا الأب والجد ممن
يتقرب بهما من الذكور، له حظ في الحضانة عندنا ويقومون مقام الأب والجد إذا
كانوا أولى بميراثه، فإن تساووا فالقرعة وفيه خلاف بينهم.
إذا كان الأبوان مملوكين فلا حضانة لهما إذا كان الولد حرا، وإن كان
أحدهما حرا فهو أحق من المملوك، وإن كان الولد مملوكا فالأولى لسيده أن
يقره مع أمه، فإن أراد أن ينقله عنها إلى غيرها لتحضنه كان له ذلك عندنا، ومنهم
من قال: ليس له ذلك، ومن لم تكمل فيه الحرية فهو كالعبد القن سواء.
فصل: في نفقة المماليك:
قد ذكرنا أن النفقة تستحق بأحد أسباب ثلاثة: زوجية وقرابة وملك يمين،
وقد مضى الكلام في نفقة الزوجة والأقارب، والكلام هاهنا في نفقة المماليك،
وإنما قلنا: يجب نفقته لإجماع الفرقة على ذلك، ولقوله عليه السلام: للمملوك
طعامه وكسوته بالمعروف، ولا يكلف من العمل ما لا يطيق، فأخبر أن طعامه
وكسوته ونفقته على سيده لأنه لا أحد أولى به منه، وهو إجماع لا خلاف فيه.
فإذا ثبت وجوبها لم يخل العبد من أحد أمرين: إما أن يكون مكتسبا أو غير
مكتسب، فإن لم يكن مكتسبا لصغر أو كبر أو زمانة أو مرض فنفقته على سيده،
وإن كان مكتسبا فسيده بالخيار إن شاء جعلها في كسبه، وإن شاء أنفق عليه من
395

عنده، لأن كسبه له وماله له، فإن أنفق عليه من ما له كان له جميع كسبه، وإن
جعل بعضه في كسبه فإن كان وفق نفقته فلا كلام وإن زاد عليه كان لسيده
الفاضل، وإن كان دون ذلك فعلى السيد إتمامه.
فإذا ثبت الوجوب وكيفية الوجوب فالكلام بعده في فصلين: في قدر النفقة
وفي جنسها.
فأما قدر كفايته في العرف وهو قوت مثله فيجعل له، ولا ينظر إلى النادر في
كفاية الناس، فإن فيهم من يكفيهم القليل وهو نادر، وفيهم من لا يكفيه إلا الكثير
وهو نادر ولا ينظر إليهما بل ينظر إلى كفاية مثله في العادة لقوله عليه السلام:
للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف.
فأما جنسها فمن غالب قوت البلد، أي قوت كان هو الغالب عليه كان قوت
المماليك منه، ولا يعتبر قوت سيده، فإنه قد يكون منعما لا يرضى بغالب قوت
البلد، وهكذا الأسوة بكسوة من غالب كسوة البلد، لا من كسوة سيده فإن سيده
قد يزيد وينقص على ما قلناه للخبر من قوله بالمعروف.
فإذا ثبت أن الذي على السيد أن يطعمه من غالب قوت البلد، فإن كان منهم
من يلي إصلاح الطعام وتقديمه إليه فالمستحب للسيد أن يدعوه فيجلسه معه
ليأكل معه فإن أبي فلقمة لما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه: إذا
كفى أحدكم خادمه طعامه حره ودخانه فليدع فليجلسه معه فإن أبي فليروع له
اللقمة واللقمتين - والترويع أن يرويه من الدسم - والخادم الذي لا يراه
فالمستحب له أيضا أن يطعمه لقمة لأنه لا يكاد يخفى عليه ما صنع، والأول أشد
استحبابا.
فأما الكسوة فمن غالب كسوة البلد أيضا من كتان أو قطن وغير ذلك
للخبر، فإن كان المملوك غلاما فالكسوة واحدة لا يخص بعضهم بأجود من
بعض لأنهم يرادون للخدمة وهم يتساوون فيه، وإن كانت أمة فإن كانت للخدمة
دون التسري فكذلك، وإن كانت للتسري فينبغي أن يخصها بالأجود، ويفرق
396

بينها وبين الخادمة لأن هذا هو الفرق، ومنهم من قال: لا فرق بينهما.
فأما استعمال الغلام فإنه يكلفه من العمل ما يطيق ولا يكلفه ما لا يطيق
للخبر، ومعناه ما يطيق الدوام عليه فأما ما يقدر عليه يوما أو يومين ثم يعجز عنه
في الثالث فليس له ذلك، للخبر.
ومتى تعطل العبد الكسوب عن الكسب، كانت نفقته على مولاه في غير
كسبه، وأما ولدها فإذا كان منه فهو حر فعليه أن ينفق على ولده، وإن كان من
غيره من زوج حر شرط عليه أو زنا فهو ملكه ويجوز له بيعه وعليه نفقته.
فإن كان لها ولد طفل يحتاج إلى رضاع وكانت الأمة قنا فأراد أن يؤجرها
للرضاع أو يلزمها الرضاع لغير ولدها نظرت:
فإن كان لبنها وفق كفايته لم يكن ذلك له، لأنه يضر بولدها فهو كالكبير
إذا أراد أن ينقصه بعض قوته لم يكن له.
وإن كان في لبنها فضل على الكفاية كان له أن يسترضعها في الفاضل من
لبنها عن ولدها لأنه لا ضرر على ولدها، ويؤجرها ذلك القدر إن أمكن، فإن
استغنى ولدها عن اللبن بالطعام كان له أن يستوفي جميع لبنها.
وإن كان ولدها من زوج حر كان حرا عندنا، وكان للسيد أن يمنعها من
إرضاعه لأنها ملكه، وليس يجب عليه إرضاع ولد الغير، وكان على أبيه أن
يسترضع له من يرضعه، فإن أجبرها السيد لإرضاع ولدها الحر كان له ذلك.
إذا أراد السيد أن يخارج عبده فأبى العبد لم يجبر عليه وإن طلب العبد من
سيده المخارجة لم يجبر عليه.
والمخارجة: أن يضرب على عبده خراجا في كل يوم شيئا معلوما يطلبه من
كسبه فإن اتفقا عليه نظرت: فإن كان كسبه يفي بقدر النفقة وقدر الخراج مثل
أن يكون كسبه ثلاثة دراهم ونفقته درهما وخراجه درهمين، فإنه جائز بذلك، إن
أبا طيبة حجم رسول الله صلى الله عليه وآله فأعطاه أجره وسأل مواليه أن يخففوا
عنه خراجه، فثبت أن الخراج جائز، وما يفضل عن قدر الخراج له أن يتوسع به
397

في النفقة.
فأما إن خارجه ما يتم به قالوا: لا تكلفوا الصغير الكسب، فإنكم متى
كلفتموه الكسب سرق، ولا تكلفوا الأمة غير الصغيرة الكسب فإنكم متى
كلفتموها الكسب كسبت بفرجها، وروي ذلك أيضا عن بعض أصحابه.
فصل: في نفقته الدواب:
إذا ملك بهيمة فعليه نفقتها، سواء كانت مما يؤكل لحمها أو لا يؤكل
لحمها، والطير وغير الطير سواء، لأن لها حرمة.
روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: اطلعت ليلة أسرى بي على
النار فرأيت امرأة تعذب فسألت عنها فقيل: إنها ربطت هرة ولم تطعمها ولم
تسقها ولم تدعها تأكل من حشاش الأرض حتى ماتت فعذبها الله بذلك.
قال صلى الله عليه وآله: واطلعت على الجنة فرأيت امرأة مومسة - يعني
زانية - فسألت عنها فقيل: إنها مرت بكلب يلهث من العطش فأرسلت إزارها في
بئر فعصرته في حلقه حتى روي فغفر الله لها.
فإذا ثبت أنه ينفق عليها لم تخل البهيمة من أحد أمرين: إما أن تكون في البلد
أو البادية.
فإن كانت في جوف البلد فعليه أن ينفق عليها بأن يعلفها لأنه ليس في البلد
رعي.
فإن كانت مما يؤكل لحمها فهو مخير بين ثلاثة أشياء: بين أن يعلف أو
يذبح أو يبيع، وإن كان مما لا يؤكل لحمها فهو مخير بين شيئين: بين أن يعلف
أو يبيع، فإن امتنع أجبره السلطان على النفقة أو البيع فيبيع منها بقدر علفها، أو
يبيع الكل.
فأما إن كانت في الصحراء فإن كان لها من العلف والكلأ ما يقوم بدنها به
أطلقها للراعي، وإن أجدبت الأرض فلم يبق فيها معتلف، أو كان بها من المعتلف
398

ما لا يكفيها فالحكم فيه على ما فصلناه في الأمة إن كان وفق حاجة لم يتعرض
للبنها، وإن كان أكثر كان له أخذ الفاضل، وإن استغنى ولدها بالعلف كان له
أخذه كله.
إذا كان له ولد من كافرة فطلقها فالمسلم أحق به خلافا لبعض الشذاذ، فإن
أسلم الكافر منهما كان كما لو كان في الأصل مسلما على ما مضى، وهكذا إذا
كان أحد الأبوين مملوكا فلا حق له في الحضانة، فإن أعتق ثبت حقه، فتكون أمه
أحق به صغيرا، فإن بلغ سبع سنين وكان ذكرا مميزا فالأب أولى به وإن كان
أنثى فالأم أولى به إلى أن تبلغ.
إذا فسقت الأم أو تزوجت سقطت حضانتها باختيارها، أو قالت: لست
أحضنه، فالأب أولى به عندنا، وكذلك إذا فسقت، وقال قوم: الجدة أم الأم
أولى.
قد مضى اختلاف الناس في نفقة الزوجة متى تجب، فإنه قال بعضهم: لا
تجب بالعقد إلا المهر، وهو الصحيح عندنا، وأما النفقة فإنها تجب يوما بيوم في
مقابلة التمكين من الاستمتاع، وقال بعضهم: تجب بالعقد مع المهر ويجب
تسليمها يوما بيوم في مقابلة التمكين من الاستمتاع.
وفائدة الخلاف أن من قال تجب بالعقد قال: يجوز ضمانه عنه لزوجته عشر
سنين أو ما زاد عليه أو أقل منه، ومن قال: تجب يوما بيوم - على ما قلناه - لم يجز
إلا ضمان نفقة يوم واحد صلاة الغداة، لا أنها الآن وجبت، ولا يصح على هذا أن
يضمن نفقة يومين.
ومن قال: تجب بالعقد، فإن تسليمها يوما بيوم في مقابلة التمكين، فإن
امتنعت أياما سقطت منها بقدر ما منعت، ومن قال: تجب يوما بيوم، فوقعت
وجوبها غداة كل يوم يجب تسليما، ويكون وقت الدخول والتسليم واحدا.
وعلى القولين إذا مضى يوم وهي ممكنة من الاستمتاع، فإن كانت استوفت
399

نفقة هذا اليوم فلا كلام وإن لم تكن استوفت استقرت في ذمته عندنا، وقال
بعضهم: تسقط كلما مضى يوم قبل أن تستوفيه إلا أن يفرض القاضي فتستقر في
ذمته.
إذا رزقت زوجته وأقامت في يده فينفق عليها الطعام والشراب وأنواع
المأكولات سنين كان ذلك نفقتها، ولا يلزمها فيما بعد شئ سواء كان ذلك
مطلقا أو مقيدا، وقال بعضهم: إن أنفقه مطلقا استقرت نفقتها لمضي الوقت ولم
تسقط، ولم يكن ما أنفق عليها نفقتها، لأن الذي يجب لها الحب، وما وافقها على
أن هذا في مقابلته، وإن كان الإنفاق بشرط أن هذا نفقة عليها بدلا عن الواجب لها،
فعلى هذا هذه معاوضة فاسدة، ولكل واحد منهما على صاحبه ما وجب له عليه،
له عليها قيمة وما أنفقه، ولها عليه ما استقر في ذمته.
إذا تزوج رجل أمة فأحبلها ثم ملكها نظرت: فإن كانت حاملا ملكها وعتق
حملها بالملك، ولم تصر هي أم ولد، وإن ملكها بعد الوضع لم تصر أم ولد
عندهم، وعندنا تصير أم ولد، والولد حر على كل حال.
رجل فقير لا مال له، وله زوجة فقيرة، وأولاد صغار لا مال لهم، وله ابن
غني فعلى الغني نفقة والده، ونفقة زوجة والده لأنها من نفقة والده ونفقتها تجب
عليه مع إعسار والده، وأما ولده الصغار فلا تجب عليه نفقتهم لأنه لا يجب على
أبيه فيلزمه التحمل ولا عليه ابتداء لأنهم إخوته ونفقة الأخ لا تجب على أخيه.
فإن كانت بحالها، ولم يكن له ابن موسر لكن له والد موسر، فعلى والده
نفقته لأنه ولده وهو فقير، وعليه نفقة زوجته لأن عليه كفاية ولده ولأنها نفقة تلزم
ولده مع الإعسار، وعليه فطرتها لأنها بمنزلة النفقة، وعليه أن ينفق على ولد ولده
الصغار والفقراء ابتداء لأنه جد وولد ولده فقير، وعلى الجد أن ينفق على ولد
ولده مع إعسار ولده من ابتداء.
رجل طلق زوجته طلقة رجعية ووضعت ثم اختلفا فقالت: طلقتني بعد
الوضع وعدتي بالأقراء ولي النفقة إلى انقضائها، وقال: بل قبل الوضع وقد بنيت
400

بالوضع وانقضت عدتك به ولا رجعة لي ولا نفقة، فالقول قولها فيما تعتد به لأنه
إقرار على نفسها، والقول قوله في أنها بائن، لأنه إقرار على نفسه في سقوط الرجعة،
وأما النفقة فلها إلى انقضاء الأقراء لأنهما أجمعا على ثبوتها عقيب الطلاق، واختلفا
هل هي مستدامة أم لا، والأصل الدوام حتى تثبت الانقطاع.
إذا أسلف زوجته نفقة شهر ثم مات أو طلقها فلها نفقة يومها، وعليها رد ما زاد
على اليوم، وقال بعضهم: إن مات بعد الإقباض لم يكن عليها رد شئ، وإن كان
بعد أن حكم الحاكم وقبل الإقباض سقط بوفاته والأول هو الصحيح عندنا.
إذا دفع إلى زوجته الكسوة التي تلبسها إلى مدة لم يكن لها أن يستبدل بها
غيرها لأنها لو أتلفتها كان عليها قيمتها، وقال قوم - وهو الصحيح عندنا - أن هذا
غلط لأنه إذا أسلم إليها الكسوة فقد ملكتها على الإطلاق تتصرف فيها كيف
شاءت، فإن أهلكتها لم يكن عليه البدل حتى يبلغ الوقت، ومثلها سائر النفقات
فإن أهلكتها لم يكن عليها البدل فيه ولا يلزمها قيمتها لأنه أتلفت ملكها.
إذا تزوج عبد بحرة فأولدها، كان ولده حرا، ولها الحضانة، وعليها النفقة
دونه لأن النفقة مع الوجود، وهذا غير واجد، فإن أعتق العبد وأيسر وجب عليه
النفقة، وقد مضى أن الأمة إذا أصابت بزوجها عيبا يفسخ النكاح كان الخيار إليها
في الفسخ دون سيدها، فأما إن اعتبر بالنفقة فقد قلنا: إنه لا خيار لها عندنا،
وعندهم أن الخيار من الفسخ إلى السيد دونها.
والقصد أن العيب نقص يتعلق بحقها، ويؤثر في الاستمتاع، فلهذا كان إليها
دون سيدها، وليس كذلك النفقة والصداق لأنه حق يعود إليه بدليل أنه إذا لم
يخرج الزوج كان على السيد فلهذا كان له الفسخ، فإن بادر السيد فأعتقها صار
الحقان لها معا لا حق لسيدها فيه، ويكون بالخيار بين الفسخ بالإعسار وبين
الصبر معه.
401

نزهة الناظر
في الجمع بين الأشباه والنظائر
تأليف
المحقق يحيى بن سعيد الحلي
403

فصل
[النساء اللواتي يحرمن في النكاح على التأبيد]
المحرمات من النساء في النكاح على التأبيد أربعة وأربعون:
الأم وإن علت، والبنت وإن نزلت، والعمة والخالة وإن علتا، والأخت وبنت
الأخت وإن نزلت، وبنت الأخ وإن نزلت، وأم الزوجة وإن علت دخل بالزوجة
أو لم يدخل بها، وبنت الزوجة التي دخل بها وإن نزلت فإن لم يدخل بها جاز له
العقد على بنتها، وأم جاريته التي وطئها وإن علت، وبنتها وإن نزلت، وزوجة
الأب على الابن دخل بها الأب أو لم يدخل، وزوجة الابن على الأب دخل بها
الابن أو لم يدخل، وسرية الابن على الأب وسرية الأب على الابن. فهذه خمس
عشرة.
ويحرم مثلهن من جهة الرضاع، والرضاع المحرم خمس عشرة رضعة
متواليات لم يفصل بينهن برضاع امرأة أخرى ويكون اللبن لبن فحل لا لبن
دريرة ويكون الرضاع في مدة الحولين، فإن اختل شئ من ذلك لم يحصل
التحريم. وقال المفيد وسلار: المحرم عشر رضعات، والصحيح ما قدمناه لأن
الأخبار به أكثر وأعدل رجالا.
وينضاف إلى ذلك أنه إذا وطئ الرجل امرأة بشبهة حرم على أبيه وطؤها
405

بالعقد وبملك اليمين أبدا، ولي في تحريمها على أب الواطئ وفي تحريم بنت هذه
الموطوءة وأمها على الواطئ نظر.
والمعقود عليها في العدة - بائنة كانت أو غير بائنة - تحرم على العاقد أبدا
مع دخوله بها سواء كان عالما بالتحريم أو جاهلا به وسواء علم بأنها في عدة أو
لم يعلم، واعتبر سلار في ذلك أن تكون العدة رجعية، وهو خلاف الإجماع،
يدل على ما اخترناه ما رواه محمد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن
ابن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا تزوج
الرجل المرأة في عدتها ودخل بها لم تحل له أبدا عالما كان أو جاهلا، وإن لم
يدخل بها حلت للجاهل ولم تحل للعالم.
وروي في باب الزيادات من كتاب النكاح في السهو التحريم أبدا عند
الدخول: الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، عن حمران، عن أبي جعفر
عليه السلام.
والمعقود عليها في العدة مع علمه بالتحريم تحرم على العاقد أبدا دخل بها
أو لم يدخل، ومن تزوج بامرأة وهو محرم عالما بتحريم العقد حرمت عليه أبدا
دخل بها أو لم يدخل، فإن لم يكن عالما بتحريمه جاز له نكاحها بعد الإحرام
بعقد مستأنف سواء دخل بها في العقد الأول أو لم يدخل، لأن الأصل الإباحة،
ولم أقف على خبر بتحريمها، وحمله على العدة قياس.
والخبر في هذا الحكم روي مطلقا من غير تقييد بالدخول، رواه محمد بن
يعقوب عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد ومحمد بن يحيى عن أحمد بن
محمد جميعا عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن الميثمي عن زرارة بن أعين وداود
بن سرحان عن أبي عبد الله عليه السلام، وعبد الله بن بكير عن أديم بياع الهروي
عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: الملاعنة إذا لاعنها زوجها لم تحل له أبدا،
والذي يتزوج المرأة في عدتها وهو لا يعلم لا تحل له أبدا، والذي يطلق الطلاق
الذي لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره ثلاث مرات ويتزوج ثلاث مرات لا
406

تحل له أبدا، والمحرم إذا تزوج وهو يعلم أنها حرام عليه لا تحل له أبدا - هذا
آخر الخبر.
والتي زنى بها وهي ذات بعل أو في عدة رجعية تحرم على الزاني أبدا،
والمطلقة تسع طلقات للعدة قد تزوجت فيما بينها زوجين تحرم على المطلق أبدا،
والتي بانت باللعان تحرم على الملاعن أبدا، وإذا قذف زوجته وهي صماء أو
خرساء حرمت عليه أبدا، وإذا لاط الرجل بصبي لم يجز له بعد ذلك العقد على
أم الصبي ولا على بنته ولا على أخته وحرمن عليه أبدا، وإذا زنى الرجل بعمته أو
خالته حرم عليه العقد بعد ذلك على بنتيهما أبدا وإليه ذهب السيد المرتضى في
الانتصار والشيخ المفيد في المقنعة والشيخ أبو جعفر، والخبر روي في الخالة ولم
يتعرض فيه بالعمة وهو مع ذلك ضعيف رواه علي بن الحسن الطاطري وهو
واقفي شديد العناد والمعتمد في هذه المسألة الإجماع وإلا فالأصل الإباحة.
وقد ألحق جماعة من أصحابنا بذلك أنه إذا زنى الرجل بامرأة لم يجز له
بعد ذلك العقد على أمها ولا على بنتها أبدا، جاءت به في التهذيب أحاديث
صحيحة الإسناد وإليه ذهب الشيخ في النهاية والاستبصار ومسائل الخلاف
وصاحب الوسيلة، وذهب السيد المرتضى وشيخنا المفيد في المقنعة والشيخ
أبو جعفر في التبيان وسلار في الرسالة إلى أنها لا تحرم.
وألحقوا أيضا أنه إذا زنى الرجل بامرأة لم يجز لأبيه ولا لابنه العقد عليها ولا
وطؤها بملك اليمين بعد ذلك أبدا، وبه قال الشيخ في النهاية والاستبصار،
وجاءت به أحاديث ضعيفة الأسانيد وذهب سيدنا المرتضى وشيخنا المفيد إلى
أنها لا تحرم.
وألحقوا أيضا أنه إذا قبل الأب أو الابن جارية بشهوة أو نظرا منها إلى ما
يحرم على غير مالكها النظر إليه أنها تحرم بعد ذلك على الأب أو الابن وطؤها
أبدا، وإليه ذهب الشيخ في النهاية والاستبصار.
وألحقوا أيضا أنه إذا وطئ من لها دون تسع سنين فأفضاها أنها يحرم عليه
407

بعد ذلك وطؤها أبدا، وإليه ذهب الشيخ أبو جعفر في الاستبصار مع جواز
إمساكها، وذهب في النهاية في باب ما يستحب فعله لمن أراد العقد أو الزفاف إلى
أنه يفرق بينهما ولا تحل له أبدا، والذي رواه في هذا الحكم خبر مرسل ومع
ذلك في سنده سهل بن زياد وسهل ضعيف روى محمد بن يعقوب عن عدة من
أصحابنا عن سهل بن زياد عن يعقوب بن يزيد عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: إذا خطب الرجل المرأة فدخل بها قبل أن تبلغ تسع سنين فرق
بينهما ولم تحل له أبدا.
والصحيح أنها لا تحرم، ويدل على ذلك ما رواه علي بن إبراهيم، عن
الحارث بن محمد بن النعمان صاحب الطاق، عن بريد العجلي، عن أبي جعفر
عليه السلام: في رجل افتض جاريته - يعني امرأته فأفضاها - قال: عليه الدية إن
كان دخل بها فأفضاها قبل أن تبلغ تسع سنين؟ قال: فإن أمسكها ولم يطلقها
فلا شئ عليه.
فصل
[المحرمات من النساء في حال دون حال]
اللاتي يحرم نكاحهن في حال دون حال أربع وعشرون:
التي عقد عليها في العدة جاهلا بالتحريم ولم يدخل بها، والتي عقد عليها في
حال الإحرام جاهلا بالتحريم، والتي لها زوج، وأخت زوجته ما دامت الزوجة في
حباله، وأخت أمته التي وطئها ما دامت الموطوءة في تملكه، وبنت زوجته التي لم
يدخل بها.
والأمة إذا كان له زوجة حرة إلا برضا الحرة، فإن عقد عليها بغير رضاء
الحرة فالعقد باطل، فإن أمضته الحرة لم يمض، وبه قال الشيخ في التبيان، وهو
اختيار ابن إدريس، وقال الشيخ في النهاية: إن أمضت الحرة العقد مضى.
يدل على ما اخترناه ما رواه محمد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه،
408

عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: تزوج
الحرة على الأمة ولا تزوج الأمة على الحرة، ومن تزوج أمة على حرة فنكاحه
باطل.
وروى علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن صالح بن سعيد، عن بعض أصحابه،
عن منصور بن حازم، عن أبي عبد الله عليه السلام: إن زوجته إن رضيت بفعله لا
يفرق بينهما ويبقيان على النكاح الأول، وهذا خبر مرسل، فالعمل بالخبر الأول
أولى.
والحرة إذا كان له زوجة أمة إلا أن تعلم الحرة بذلك وترضى، وبنت أخ
زوجته إلا برضا زوجته، وبنت أخت زوجته إلا برضا زوجته والثالثة من الإماء
على الحر، والخامسة من الحرائر على الحر، والثالثة من الحرائر على العبد،
والخامسة من الإماء على العبد، والأمة إذا اشتراها قبل استبرائها إذا كانت من
ذوات الحيض، واليهودية والنصرانية بنكاح الدوام فأما نكاح المتعة فجائز،
والمجوسية والمشركة والناصبية دائما ومتعة، والحائض في القبل حتى تطهر،
ومن لها دون تسع سنين حتى تبلغها، وزوجته وأمته المريضتان إذا كان الوطء
يضر بهما.
فصل
[النساء اللواتي يستحب تزويجهن]
يستحب التزويج بثلاث عشرة امرأة:
البكر، وذات الدين، وذات الأصل الكريم، وكريمة المولد، والولود،
والدرماء، والحسنة الشعر، والسمراء العجزاء المربوعة، والطيبة البيت، والطيبة
ريح الفم، والطيبة الكلام، والموافقة، والعزيزة في أهلها، والذليلة مع بعلها.
409

فصل
[النساء اللواتي يكره نكاحهن]
يكره نكاح ست وعشرين امرأة:
العجوز، والحسناء في منبت السوء، والعقيم، والكردية، والسوداء إلا
النوبية، والأمة إلا مع وجود الطول، على ما ذكره الشيخ أبو جعفر في النهاية،
وذهب في مسائل الخلاف والتبيان إلى أنه لا يجوز، وبه قال المفيد في المقنعة
وابن إدريس في السرائر، إلا أن المفيد قال: فإن فعل خالف السنة ولا يفسخ
نكاحه.
ويكره أيضا نكاح سيئة الخلق، والسليطة، ومن ليست بعفيفة، والصخابة،
والولاجة، والخراجة، والمتبرجة، والحقود، والمستضعفة من أهل الخلاف، والتي
ليست بسديدة الرأي، والتي ليست بقانعة، والذليلة في أهلها العزيزة مع بعلها،
وبنت امرأة كانت زوجة أبيه إذا رزقت البنت بعد مفارقة أبيه لأمها، والتي قبلته
وربته، فإن كانت قبلته المرة والمرتين فلا بأس، على ما رواه أحمد بن محمد بن
عيسى، عن ابن أبي عمير، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن أبي الحسن عليه السلام.
وبنت التي قبلته، والتي زنى بأمها أو بنتها على ما تقدم، والتي زنى بها على ما
تقدم، والتي زنى بها أبوه أو ابنه، وجارية أبيه إذا انتقلت إليه وكان أبوه قد قبلها
بشهوة أو نظر منها إلى ما يحرم على غير الزوج النظر إليه، وكذلك الحكم في
جارية الابن، وبنت امرأة قد عقد عليها ولم يدخل بأمها غير أنه نظر منها إلى ما
يحرم على غير الزوج النظر إليه.
فصل
[المواضع التي يكره الجماع فيها]
يكره الجماع في أربعة وثلاثين موضعا:
على الامتلاء، وأول ليلة من الشهر إلا شهر رمضان، وفي ليلة النصف من
410

كل شهر، وفي آخر ليلة من كل شهر، فقد روي أن المرأة إذا حملت في هذه
الليالي الثلاث يخاف جنون الولد.
وفي محاق الشهر، فقد روي أنه " من أتى أهله في محاق الشهر فليسلم
لسقوط الولد ".
وليلة خسوف القمر، ويوم كسوف الشمس وليلته، والليلة التي يقدم فيها
سفره، والليلة التي يريد السفر في صبيحتها، وفيما بين طلوع الفجر إلى طلوع
الشمس، وفيما بين غروب الشمس إلى مغيب الشفق، وبعد الظهر. وفي كتاب
من لا يحضره الفقيه: لا تجامع امرأتك بعد الظهر، فإنه إن قضي بينكما ولد في
ذلك الوقت يكون أحول والشيطان يفرح بالحول في الإنسان.
وليلة الأضحى، وفيما بين الأذان والإقامة، وعند الزلازل، وعند الريح
السوداء والصفراء والحمراء سواء كانت الريح أو الزلازل ليلا أو نهارا، وإذا كان
القمر في برج العقرب، والجماع وهو مختضب قبل أن يأخذ الحناء مأخذه، ورد
به خبر صحيح.
والجماع قائما ومستقبل القبلة ومستدبرها، وفي وجه الشمس إلا أن يجعل
بينه وبينها حائلا، والجماع على شهوة غير زوجته أو جاريته لأنه يورث تخنيث
الولد المنعقد من تلك النطفة. وفي كتاب من لا يحضره الفقيه: فإني أخشى إن
قضي بينكما ولد أن يكون مخنثا أو مؤنثا مخبلا.
والجماع بعد الاحتلام قبل أن يغتسل أو يتوضأ وضوء الصلاة، فقد روي
عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: إن جامع قبل أن يغتسل فخرج الولد
مجنونا فلا يلومن إلا نفسه.
وأن يجامع زوجته الحامل قبل أن يتوضأ للصلاة، وأن يجامع وتراه زوجة
له أخرى، وأن يجامع زوجته أو جاريته ويراه صبي، فقد روي أنه يورث الزنى.
والجماع في الدبر، وأن يجامع على سقوف البنيان وتحت الأشجار المثمرة
وأن يجامع في السفينة.
411

ويلحق بذلك كراهية الكلام في حال الجماع لأنه يورث خرس الولد إن
حملت من ذلك الجماع، كذلك روي في كتاب من لا يحضره الفقيه، وفي
النهاية أطلقه بأنه يورث الخرس.
وكراهية النظر إلى فرجها في حال الجماع لأنه يورث عمى الولد، كذلك
روي أيضا في كتاب من لا يحضره الفقيه، وفي النهاية أطلقه بأنه يورث العمى.
وكراهية العزل إلا عن عشر: الأمة، والمتمتع بها، والمرضعة، والعقيمة،
والمسنة، والبدوية، والسليطة، والمجنونة، والمولودة من الزنى، والزانية.
فصل
[المواضع التي يجب فيها مهر المثل]
يجب مهر المثل على ثمانية:
من تزوج ولم يسم مهرا ودخل بها، ومن غصب امرأة على فرجها يجب
عليه مهر المثل والقتل أيضا، ومن افتض بكرا بإصبعه ويجب أيضا مع المهر
التعزير، والمسلم إذا تزوج على مهر لا يحل للمسلم تملكه على أصح القولين، وبه
قال الشيخ أبو جعفر في مسائل الخلاف ومصنف الوسيلة وابن إدريس، وقال
الشيخ أبو جعفر في النهاية والمفيد في المقنعة وأبو الصلاح وسلار وجماعة من
أصحابنا: يكون النكاح باطلا.
ومن شرط في حال العقد أن لا يكون لها مهر عليه صح العقد ولزمه مهر
المثل، ومن زنى بصبية لم تبلغ تسع سنين، ومن زنى بمجنونة، ومن زنى بقريبة
العهد بالإسلام جاهلة بالتحريم.
فصل
[المواضع التي لا يجب فيها المهر]
لا يجب المهر في ثمانية مواضع:
412

إذا زوج الرجل عبده بأمته لم يلزمه المهر بل يستحب للسيد أن يعطي
الجارية شيئا من ماله، وإذا زوج الرجل أمته مدلسا لها بالحرة واختار الزوج
الفسخ فسخ ولا مهر عليه، وإذا فسخت المرأة نكاح نفسها بعيب في الرجل قبل
دخوله بها فلا مهر لها عليه إلا العنين فإن لها عليه نصف الصداق، والخصي فإن
لها عليه الصداق كملا دخل الخصي بها أو لم يدخل، على ما رواه الحسين بن
سعيد عن أخيه الحسن عن زرعة بن محمد عن سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام:
إن خصيا دلس نفسه لامرأة؟ فقال: يفرق بينهما وتأخذ المرأة منه صداقها ويوجع
ظهره كما دلس نفسه، وروي في باب المهور خبر صحيح يتضمن أنه إذا دخل
بها يكون لها المهر، وقال ابن إدريس: لا دليل على صحة هذه الرواية.
روى الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، عن ابن بكير، عن أبيه، عن
أحدهما عليهما السلام: إنه يفرق بينهما، ولم يتعرض لذكر المهر، وقال ابن بابويه
في الرسالة: عليه نصف الصداق.
وإذا دلست المرأة نفسها وبها عيب يرد به النكاح واختار الزوج فسخ
نكاحها فسخ ولا مهر عليه، وإذا تزوج الرجل ولم يسم مهرا لها وطلقها قبل
الدخول فلا مهر عليه بل يجب عليه أن ينفقها على قدر حاله وحالها، فإن دخل بها
كان عليه مهر نسائها، فإن مات قبل الدخول بها فلا مهر لها أيضا، وهل لها المتعة
أم لا؟ الصحيح أنه تجب لها المتعة، على ما رواه محمد بن أحمد بن يحيى، عن
محمد بن عبد الحميد، عن أبي جميلة، عن زيد الشحام، عن أبي عبد الله
عليه السلام: في رجل تزوج امرأة ولم يسم لها مهرا فمات قبل أن يدخل بها؟ قال:
هي بمنزلة المطلقة.
وإذا تزوج الرجل امرأة على حكمه أو حكمها ومات قبل الدخول بها وقبل
أن يحكما لم يكن لها مهر وكان لها المتعة، وإذا تزوج المريض وسمى لها مهرا
ومات قبل الدخول بها فلا مهر لها ولا ميراث لها منه، وإن مات بعد الدخول
كان لها المهر والميراث، وإذا ارتدت المرأة قبل الدخول بها انفسخ النكاح بينها
413

وبين الزوج ولا مهر لها عليه، وروي في التهذيب في باب حدود الزنى: أحمد بن
محمد، عن البرقي، عن عبد الله ابن المغيرة، عن السكوني، عن جعفر،
عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام قال: في المرأة إذا زنت قبل أن يدخل بها؟ قال: يفرق
بينهما ولا صداق لها لأن الحدث كان من قبلها، وقال الشيخ في النهاية: ليست
له ردها وله أن يرجع على وليها بالمهر وليس له فراقها إلا بالطلاق.
فصل
[أشياء تزيل النكاح]
يزيل النكاح خمسة وعشرون شيئا:
الطلاق البائن، والموت، واللعان، والردة من الرجل عن فطرة قبل الدخول
بالمرأة وبعد الدخول بها، والردة منها من غير فطرة قبل الدخول بها على كل
حال، والردة منه بعد الدخول بها ولم يسلم حتى تنقضي العدة، والردة من المرأة
قبل الدخول بها سواء كانت عن فطرة أو غير فطرة، وإن كان بعد الدخول بها
وأصرت على الردة فهي زوجته يرثها ولا ترثه ولا نفقة لها عليه، وإن لم تصر
ورجعت إلى الإسلام فالنكاح ثابت بينهما.
وفسخ المرأة عقدها أو عقد بنت أختها إذا تزوج بنت أختها عليها، وبيع
العبد أو الأمة أو بيعهما معا إذا لم يرض المشتري أو البائع إقرارهما على النكاح،
وإسلام الزوجة ولم يسلم الرجل حتى ينقضي عدتها منه، وإسلام الزوج ولم
تسلم زوجته حتى تنقضي عدتها منه إذا كانت غير ذمية فإن كانت ذمية فله
إمساكها بالعقد الأول ولا ينفسخ النكاح، ومسبي أحد الزوجين، وعتق الأمة إذا
اختارت فسخ نكاح زوجها سواء كان زوجها حرا أو عبدا على أصح القولين،
وبه جاء حديث صحيح.
ويملك أحد الزوجين الآخر فإن كان المالك الزوجة انفسخ النكاح ولم
تحل له حتى تعتقه وتتزوج به، وقذف الرجل زوجته الصماء أو الخرساء سواء
414

كان دخل بها أو لم يدخل ولم تحل له بعد ذلك أبدا.
وفسخ الحرة نكاح نفسها أو نكاح الأمة إذا تزوج بالأمة عليها واختارت
الحرة الفسخ، وإذا أذنت قبل الدخول أو رضيت به بعده لم يكن لها فسخ ولا
خيار.
وفسخ الحرة نكاح نفسها خاصة دون نكاح الأمة إذا تزوج بالحرة وعنده
أمة هي زوجته وهي لا تعلم ذلك، فإن علمت قبل العقد أن له زوجة أمة أو
رضيت به بعد العقد لم يكن لها فسخ ولا خيار، وكذلك الحكم إذا كانت
زوجته يهودية أو نصرانية وتزوج حرة مسلمة - رواه في التهذيب في باب
الزيادات من النكاح: محمد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن
محبوب، عن ابن رئاب، عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام.
وفسخ الحر نكاح الأمة إذا تزوج بها ولم يعلم أنها أمة قبل العقد أو يرضى
بها بعده فإن علم ورضي فلا خيار له، وذهب الشيخ في مسائل الخلاف إلى أنه
إذا تزوج بامرأة على أنها حرة فخرجت أمة أن العقد باطل.
وفسخ الحرة نكاح العبد كذلك، وفسخ نكاح التي تزوج بها على أنها بنت مهيرة فخرجت
بنت أمة، وفسخ زوجة العنين نكاحه إذا كانت العنة قبل العقد أو بعد
العقد قبل الدخول بها إذا لم تكن عالمة بحاله قبل العقد أو ترضى به
بعد العقد، فإن حدثت العنة بعد الدخول بها لم يكن لها خيار ولا فسخ،
وكذلك إن كان يقدر على إتيان غيرها فلا خيار لها.
وفسخ زوجة الخصي نكاحه إذا لم تكن عالمة بحاله قبل العقد ولا رضيت
به بعد العقد، وفسخ زوجة المجبوب نكاحه كذلك، وفسخ زوجة المجنون
نكاحه إذا كانت الجنة به قبل العقد سواء عقل أوقات الصلاة أو لم يعقل، فإن
حدثت الجنة به بعد العقد وكان يعقل أوقات الصلاة فلا خيار لها وإن لم يعقل
أوقات الصلاة كان على وليه طلاقها منه، وأما المجنونة فإن كانت الجنة بها قبل
العقد ولم يعلم بها أو يرضى بها بعد العقد فله الفسخ، وإن علم بها قبل العقد أو
415

رضي بها بعد العقد فليس له فسخ، وإن كانت الجنة بها بعد العقد عليها فليس له
فسخ وإنما تبين منه بالطلاق.
وفسخ المرأة نكاح من انتمى إلى قبيلة ولم يكن منها، على ما قاله الشيخ
أبو جعفر في النهاية، وورد به خبر ضعيف لم يسند إلى إمام وقال الشيخ في
المبسوط: الأقوى أنه لا خيار لها، وهو اختيار ابن إدريس، وهو الأصح.
وفسخ الرجل نكاح ثمان، وهي: الرتقاء، والقرناء، والعفلاء، والمفضاة،
والمجنونة، والمجذومة، والبرصاء، والعمياء.
وقد ألحق بعض أصحابنا بذلك العرجاء والمحدودة في الزنى، وبه قال
الشيخ المفيد في المقنعة وأبو الصلاح وسلار، وذهب الشيخ في النهاية إلى أن في
العرجاء تردد دون المحدودة.
416

تبصرة المتعلمين
في أحكام الدين
للشيخ جمال الدين أبي منصور الحسن بن سديد الدين
يوسف بن زين الدين علي بن محمد مطهر الحلي المشتهر بالعلامة الحلي
والعلامة على الإطلاق
647 - 726 ه‍. ق
417

كتاب النكاح
وفيه فصول:
الأول:
النكاح ثلاثة: الدائم والمنقطع وملك اليمين.
ويفتقر الأول إلى العقد، وهو الإيجاب من أهله والقبول بلفظ الماضي من
أهله، ولو قيل: زوجت بنتك فلانة من فلان؟ فقال " نعم " كفى في الإيجاب،
ويجزئ مع العجز الترجمة والإشارة، ولو زوجت المرأة نفسها صح، ولا يشترط
الولي مع البلوغ والرشد ولا الشهود.
ولا يلتفت إلى دعوى الزوجية بغير بينة أو تصديق، ولو ادعت أخت الزوجة
زوجيته حكم لبينته إلا مع تقديم تاريخها أو دخوله بها.
والقول قول الأب في تعيين المعقود عليها بغير تسمية مع رؤية الزوج
للجميع، وإلا بطل العقد.
ويستحب أن يتخير البكر العفيفة الكريمة الأصل، وصلاة ركعتين، والإشهاد
والإعلان، والخطبة أمام العقد، وإيقاعه ليلا، وصلاة ركعتين عند الدخول،
والدعاء، وأمرها بمثله، وسؤال الله الولد.
ويكره إيقاع العقد والقمر في العقرب، وتزويج العقيم، والجماع ليلة
الخسوف ويوم الكسوف وعند الزوال وعند الغروب وقبل ذهاب الشفق وفي
419

المحاق وبعد الفجر حتى تطلع الشمس، وفي أول ليلة كل شهر - إلا رمضان -
وليلة النصف، وعند الزلزلة والريح الصفراء والسوداء، ومستقبل القبلة
ومستدبرها وفي السفينة وعاريا وعقيب الاحتلام قبل الغسل أو الوضوء، والنظر
إلى فرج المرأة، والكلام بغير الذكر، والوطء في الدبر، والعزل عن الحرة بغير
إذنها، وأن يطرق المسافر أهله ليلا.
ويحرم الدخول بالمرأة قبل تسع سنين.
ويجوز النظر إلى من يريد التزويج بها أو شراءها، وإلى أهل الذمة بغير
تلذذ.
الفصل الثاني: في الأولياء:
إنما الولاية للأب وإن علا، والوصي، والحاكم. فالأب على الصغيرين
والمجنونين، ولا خيار بعد زوال الوصفين، والبالغ الرشيد لا ولاية عليه ذكرا
كان أو أنثى، والحاكم والوصي على المجنون البالغ ذكرا وأنثى مع المصلحة،
ويقف عقد غيرهم على الإجازة، ويكفي فيها سكوت البكر.
وللمولى الولاية على مملوكه ذكرا وأنثى مطلقا، ولا ولاية للأم.
ويستحب للبالغة أن تستأذن أباها، وأن توكل أخاها مع فقده.
وليس للوكيل أن يزوجها من نفسه بغير إذنها.
ولو زوج الصغيرين الأبوان توارثا، ولو كان غيرهما وقف على الإجازة،
فإن مات أحدهما قبل البلوغ بطل، وإن بلغ أحدهما وأجاز ثم مات حلف الثاني
بعد بلوغه على انتفاء الطمع وورث، وإلا فلا.
الفصل الثالث: في المحرمات:
وهي قسمان: نسب وسبب.
فالنسب: الأم وإن علت، والبنت وإن سفلت، والأخت وبناتها وإن نزلن،
420

والعمة والخالة وإن علتا، وبنات الأخ وإن نزلن.
وأما السبب فأمور:
الأول: ما يحرم بالمصاهرة:
فمن وطأ امرأة بالعقد أو الملك حرمت عليه أمها وإن علت، وبنتها وإن
نزلت، تحريما مؤبدا، سواء سبقن على الوطء أو تأخرن عنه.
وتحرم الموطوءة بالملك أو العقد على أب الواطئ وإن علا، وعلى أولاده
وإن نزلوا، ومن عقد على امرأة ولم يدخل بها حرمت عليه أمها أبدا، وبنتها ما
دامت الأم في عقده، فإن طلقها قبل الدخول جاز له العقد على بنتها، ولو دخل
حرمت أبدا.
وتحرم أخت الزوجة جمعا لا عينا، وكذا بنت أختها وبنت أخيها إلا مع إذن
العمة والخالة، ولو عقد من دون إذنهما بطل.
ومن زنا بعمته أو خالته حرمت عليه بناتهما أبدا، ولو ملك الأختين فوطئ
إحديهما حرمت الأخرى جمعا، فلو وطأها أثم ولم تحرم الأولى.
ويحرم على الحر في الدائم ما زاد على أربع حرائر، وفي الإماء ما زاد على
أمتين، وله أن يجمع بين حرتين وأمتين أو ثلاث حرائر وأمة، وعلى العبد ما زاد
على أربع إماء، وفي الحرائر ما زاد على حرتين، وله أن ينكح حرة وأمتين.
ولا يجوز نكاح الأمة على الحرة إلا بإذنها، ولو عقد بدونه كان باطلا، ولو
أدخل الحرة على الأمة ولم تعلم فلها الخيار، ولو جمعهما في عقد صح على
الحرة.
ويحرم العقد على ذات البعل، والمعتدة ما دامت كذلك، ولو تزوجها في
عدتها جاهلا بطل العقد، فإن دخل حرمت أبدا والولد له والمهر للمرأة، وتتم عدة
الأول وتستأنف للثاني، ولو عقد عالما حرمت أبدا بالعقد.
421

مسائل:
الأولى: من لاط بغلام فأوقبه حرم عليه أم الغلام وأخته وبنته أبدا، ولو سبق
عقدهن لم يحرمن.
الثانية: لو دخل بصبية لم تبلغ تسعا فأفضاها حرمت أبدا ولم تخرج من
حباله.
الثالثة: لو زنا بامرأة لم يحرم نكاحها ولو زنا بذات بعل أو في عدة رجعية
حرمت أبدا.
الرابعة: لو عقد المحرم عالما بالتحريم حرمت أبدا، ولو كان جاهلا بطل
العقد ولم تحرم.
الخامسة: لا تنحصر المتعة وملك اليمين في عدد.
السادسة: لو طلقت الحرة ثلاثا حرمت حتى تنكح زوجا غيره وإن كانت
تحت عبد، ولو طلقت الأمة طلقتين حرمت حتى تنكح زوجا غيره وإن كانت
تحت حر.
السابعة: المطلقة تسعا للعدة ينكحها بينها رجلان تحرم على المطلق أبدا.
الثامنة: لو طلق إحدى الأربع رجعيا لم يجز أن ينكح بدلها حتى تخرج من
العدة، ويجوز في البائن، ولو عقد ذو الثلاث على اثنين دفعة بطلا، ولو ترتب بطل
الثاني، وكذا الحكم في الأختين.
الثاني: الرضاع:
ويحرم منه ما يحرم بالنسب إذا كان عن نكاح يوما وليلة، أو مات أنبت اللحم
وشد العظم، أو كان خمس عشرة رضعة كاملة من الثدي لا يفصل بينها رضاع
أخرى، وأن يكون في الحولين بالنسبة إلى المرتضع، وفي ولد المرضعة قولان،
وأن يكون اللبن لفحل واحد.
فلو أرضعت امرأتان [صبيين] بلبن فحل واحد نشر الحرمة بينهما، ولو
422

أرضعت امرأة صبيين بلبن فحلين لم ينشر الحرمة.
ومع الشرائط تصير المرضعة أما وذو اللبن أبا وإخوتهما أخوالا وأعماما
وأولادهما إخوة، ويحرم أولاد صاحب اللبن ولادة ورضاعا على المرتضع وأولاد
المرضعة ولادة لا رضاعا.
ولا ينكح أبو المرتضع في أولاد صاحب اللبن ولادة ورضاعا، ولا في أولاد
زوجة المرضعة ولادة لا رضاعا، ولأولاده الذين لم يرتضعوا من هذا اللبن النكاح
في أولاد المرضعة والفحل.
ولو أرضعت كبيرة الزوجتين صغيرتهما حرمتا إن كان دخل بالمرضعة
وإلا فالمرضعة، ولو أرضعت الأم من الرضاعة الزوجة حرمت ولا تحرم أم أم
الولد من الرضاع على أبيه وإن حرمت من النسب.
ويستحب اختيار المسلمة الوضيئة العفيفة العاقلة للرضاع.
الثالث: اللعان:
ويثبت به التحريم المؤبد، وكذا قذف الزوج امرأته الصماء الخرساء.
الرابع: الكفر:
ولا يجوز للمسلم أن ينكح غير الكتابية إجماعا، وفيها قولان، ولا للمسلمة أن
تنكح غير المسلم.
ولو ارتد أحد الزوجين قبل الدخول انفسخ في الحال، ويقف بعده على
انقضاء العدة، إلا أن يرتد الزوج عن فطرة فينفسخ في الحال، وعدة المرتد عن
فطرة عدة الوفاة، وعن غيرها عدة الطلاق.
ولو أسلم زوج الكتابية ثبت عقده، ولو أسلمت دونه قبل الدخول انفسخ
العقد، وبعده يقف على العدة، فإن أسلم فيها كان أملك بها، ولو كان الزوجان
حربيين وأسلم أحدهما وقبل الدخول انفسخ النكاح في الحال، ولو كان بعده
423

وقف على انقضاء العدة.
ولو أسلم الزوج الحربي على أكثر من أربع حربيات وأسلمن فاختار أربعا
انفسخ نكاح البواقي، ولو أسلم الذمي وعنده أربع ثبت عقده عليهن، ولو كن
أزيد تخير أربعا وبطل نكاح البواقي.
مسائل:
الأولى: لا يجوز للمؤمنة أن تتزوج بالمخالف، ويجوز العكس ويكره تزويج
الفاسق.
الثانية: نكاح الشغار باطل، وهو جعل نكاح امرأة مهرا لأخرى.
الثالثة: يجوز تزويج الحرة بالعبد والهاشمية بغيره والعربية بالعجمي
وبالعكس، ويجب إجابة المؤمن القادر على النفقة.
الفصل الرابع: في المتعة:
ويشترط فيها الإيجاب والقبول من أهله، وذكر المهر، ولا بد فيه من ذكر
الأجل المعين، ولو لم يذكر المهر بطل، ولو لم يذكر الأجل فالأقرب البطلان.
ويحرم غير الكتابية من الكفار، والأمة على الحرة من دون إذنها، وبنت الأخ
والأخت من دون إذن العمة والخالة.
ويكره الزانية والبكر من دون إذن الأب.
ولا حد للمهر ولو وهبها المدة قبل الدخول ثبت نصفه، ولو أخلت ببعض
المدة أسقط بنسبته، ولو ظهر بطلان العقد فلا مهر قبل الدخول، وبعده لها المهر
مع جهلها، ويلحق به الولد وإن عزل، ولو نفاه فلا لعان.
ولا يقع بها طلاق ولا لعان ولا ظهار، ولا ميراث لها وإن شرط وتعتد بعد
الأجل بحيضتين، أو بخمسة وأربعين يوما، وفي الموت بأربعة أشهر وعشرة أيام.
424

الفصل الخامس: في نكاح الإماء:
ولا يجوز للعبد والأمة أن يعقدا لأنفسهما بغير إذن المولى، فإن فعل أحدهما
وقف على الإجازة، ولو أذن المولى للعبد ثبت مهر عبده عليه ونفقة زوجته، وثبت
لمولى الأمة مهر أمته، ويستقر بالدخول، ولو لم يأذنا فالولد لهما، ولو أذن أحدهما
فالولد للآخر، ولو كان أحد الزوجين حرا فالولد مثله ما لم يشترط المولى الرقية.
ولو تزوج الحر من دون إذن المولى عالما فهو زان والولد رق، ولو كان
جاهلا سقط الحد دون المهر وعليه قيمة الولد يوم سقوطه حيا، ولو ادعت الحرية
فكذلك، وعلى الأب فك أولاده، ويلزم المولى دفعهم إليه، ولو عجز سعى في
القيمة، ومع عدم الدخول لا مهر.
ولو تزوجت الحرة بعبد عالمة فلا مهر والولد رق، ومع الجهل حر ولا قيمة
وعلى العبد المهر يتبع به بعد العتق مع الدخول.
ولو زنى الحر أو العبد بمملوكة فالولد لمولاها، ولو اشترى جزءا من زوجته
بطل العقد ولم تحل بالتحليل على قول، ولو أعتقت الأمة كان لها فسخ النكاح.
ويجوز جعل العتق مهرا لمملوكته إذا قدم العتق أو النكاح على خلاف،
وأم الولد رق لا يجوز بيعها مع وجوده إلا في ثمن رقبتها إذا لم يكن غيرها،
وتنعتق بموت المولى من نصيب الولد، ولو عجز سعت.
وإذا بيعت الأمة كان للمشتري على الفور فسخ النكاح ولصاحب العبد
أيضا، وكذا العبد، ومع فسخ مشتري الأمة قبل الدخول لا مهر، ولو أجاز قبله
فله المهر، وبعده للبائع.
وطلاق العبد بيده، ولو كانا لواحد كان للمولى فسخه.
ويحرم لمن زوج أمته وطئها ولمسها والنظر بشهوة ما دامت في حباله،
وليس لأحد الشريكين وطء المشتركة بالملك.
ويجب على مشتري الجارية استبراؤها، ولو أعتقها حل له وطئها بالعقد من
غير استبراء، ولا بد لغيره من عدة الحرة، ولو حلل أمته على غيره حلت له ولو
425

كان لمملوكه، ولا يحل غير المأذون، وينعقد الولد حرا.
الفصل السادس: في العيوب:
وهي أربعة في الرجل: الجنون والخصاء والعنن والجب.
وسبعة في المرأة: الجنون والجذام والبرص والقرن والإفضاء والعمى،
والإقعاد.
ولا فسخ بالمتجدد بعد العقد في غير العنة، وفي الجنون المتجدد قول
بالفسخ، والخيار على الفور وليس بطلاق، ولا بد من الحاكم في العنة خاصة،
ولا مهر في الفسخ قبل الدخول من الرجل، وبعده المسمى، ويرجع الزوج على
المدلس، ومن المرأة لا مهر لها قبل الدخول إلا في العنة فيثبت نصفه، وبعده
المسمى، والقول قول المنكر للعيب.
ويؤجل الحاكم العنين مع المرافعة سنة، فإن وطأها أو غيرها فلا فسخ،
وإلا فسخت ولها نصف المهر.
ولو تزوجها حرة فبانت أمة فسخ ولا مهر إلا مع الدخول، فيرجع على
المدلس، وكذا لو شرطت بنت مهيرة فخرجت بنت أمة.
ولو تزوجته حرا فبان عبدا فلها الفسخ، والمهر بعد الدخول لا قبله.
الفصل السابع: في المهر:
وهو عوض البضع، وتملكه المرأة بالعقد، ويسقط نصفه بالطلاق قبل
الدخول، ولو دخل قبلا أو دبرا استقر.
ويصح أن يكون عينا أو دينا أو منفعة، ولا يتقدر قلة وكثرة، ولا بد فيه من
الوصف أو المشاهدة.
ولو لم يتعين صح العقد، وكان لها مع الدخول مهر المثل ما لم يتجاوز
السنة، فإن تجاوز رد إليها، ومع الطلاق لها المتعة، وللموسر بالثوب المرتفع أو
426

عشرة دنانير، والمتوسط بخمسة، والفقير بخاتم أو درهم.
ولو تزوجها بحكم أحدهما صح، ويلزم ما يحكم به صاحب الحكم ما لم
تتجاوز المرأة مهر السنة إن كانت الحاكمة، ولو مات الحاكم قبله فلها المتعة.
ولو تزوجها على خادم مطلقا أو دار أو بيت كان لها وسط ذلك، ولو قال
" على السنة " فخمسمائة درهم.
ولو تزوج الذميان على خمر صح، فإن أسلم أحدهما قبل القبض فلها
القيمة، ولو تزوج المسلم عليه قيل يصح ويثبت على الدخول مهر المثل، وقيل
يبطل العقد، ولو أمهر المدبر بطل التدبير.
ولو شرط في العقد المحرم بطل الشرط خاصة، ولو اشترط أن لا يخرجها
من بلدها لزم.
والقول قول الزوج في قدر المهر، ولو أنكره بعد الدخول فالوجه مهر
المثل، ولو ادعت المواقعة فالقول قوله مع يمينه على إشكال.
ولو زوج الأب الصغير ضمن المهر مع فقره، وللمرأة الامتناع قبل الدخول
حتى تقبض المهر.
الفصل الثامن: في القسم والنشوز:
للزوجة دائما ليلة من أربع، وللزوجتين ليلتان، وللثلاث ثلاث، ولو كن
أربع فلكل واحدة ليلة، ولو وهبته إحداهن وضع ليلتها حيث شاء، ولو وهبت
الضرة بات عندها.
والواجب المضاجعة ليلا لا المواقعة، وللحرة ليلتان، وللأمة والكتابية ليلة،
وتختص البكر عند الدخول بسبع، والثيب بثلاث، ويستحب التسوية في
الإنفاق.
ويجب على الزوجة التمكين وإزالة المنفر، وله ضرب الناشزة بعد وعظها
وهجرها، ولو نشز طالبته، ولها ترك بعض حقها أو كله استمالة له، ويحل
427

قبوله.
ولو كره كل منهما صاحبه أنفذ الحاكم حكمين من أهلها أو أجنبيين، فإن
رأيا الصلح أصلحا، وإن رأيا الفرقة راجعاهما في الطلاق والبذل، ولا حكم مع
اختلافهما.
الفصل التاسع: في أحكام الأولاد:
يلحق الولد في الدائم مع الدخول، ومضي ستة أشهر من حين الوطء
ووضعه لمدة الحمل، وهي ستة أشهر إلى عشرة، فلو غاب أو اعتزل أكثر من
عشرة أشهر ثم ولدت لم يلحق به.
والقول قوله في عدم الدخول، ولو اعترف به وأنكر الولد لم ينتف إلا
باللعان، ولا يجوز له إلحاق ولد الزنى به.
ولو تزوجت بآخر بعد طلاق الأول وأتت بولد لأقل من ستة أشهر فهو
للأول، وإن كان لستة أشهر فصاعدا فهو للأخير، ولو كان لأقل من ستة أشهر من
وطء الثاني أو أكثر من عشرة أشهر من طلاق الأول فليس لهما، وكذا الأمة لو
بيعت بعد الوطء.
ولو اعترف بولد أمته أو المتعة ألحق به، ولا يقبل نفيه بعد ذلك.
ولو وطأها المولى وأجنبي فالولد للمولى، ومع إمارة الانتفاء لا يجوز إلحاقه
ولا نفيه، بل يستحب أن يوصي له بشئ.
ولو وطأها المشتركون فتداعوه ألحق بمن تخرجه القرعة، ويغرم للباقين
حصصهم من قيمة الأمة وقيمته يوم سقوطه حيا.
ولو وطأ بالشبهة لحق به الولد، فإن كان لها زوج وظنت خلوها ردت عليه
بعد العدة من الثاني، ويجب عند الولادة استبدار النساء أو الزوج بالمرأة.
ويستحب غسل المولود، والأذان في أذنه اليمنى، والإقامة في اليسرى،
وتحنيكه بتربة الحسين عليه السلام وبماء الفرات، وتسميته باسم أحد الأنبياء أو
428

الأئمة عليهم السلام والكنية، ولا يكنى محمدا بأبي القاسم، وحلق رأسه يوم
السابع، والعقيقة بعده، والتصدق بوزنه ذهبا أو فضة، وثقب أذنه، وختانه فيه،
ويجب بعد البلوغ، وخفض الجواري مستحب.
ويستحب له أن يعق عن الذكر بذكر وعن الأنثى بأنثى بصفات الأضحية،
ولا يأكل الأبوان منها، ولا يكسر شئ من عظامها.
وأفضل المراضع الأم، وللحرة الأجرة على الأب، ومع موته من مال
الرضيع، ولا تجبر على إرضاعه، وتجبر الأمة.
وحد الرضاع حولان، وأقله أحد وعشرون شهرا، والأم أحق بإرضاعه إذا
رضيت بما يطلب غيرها من أجرة أو تبرع وأحق بحضانة الذكر مدة الرضاع إذا
كانت حرة مسلمة، وبالأنثى إلى سبع سنين، وتسقط الحضانة لو تزوجت، ولو
مات الأب أو كان مملوكا أو كافرا فالأم أولى.
الفصل العاشر: في النفقات:
أما الزوجة فيجب لها النفقة من الإطعام والكسوة والسكنى، مع العقد
الدائم والتمكين التام مع القدرة وإن كانت ذمية أو أمة، فإن طلقت بائنا أو مات
الزوج فلا نفقة مع عدم الحمل وتقضي مع الفوات.
وأما الأقارب، فيجب للأبوين وإن علوا والأولاد وإن نزلوا خاصة بشرط
الفقر والعجز عن التكسب، وعلى الأب نفقة الولد، فإن فقد أو عجز فعلى أب الأب
وهكذا، فإن فقدوا فعلى الأم، فإن فقدت فآباؤها.
وأما المملوك فتجب نفقته على مولاه، وله أن يجعلها في كسبه مع الكفاية،
وإلا أتمه المولى، ويجب للبهائم، فإن امتنع أجبر على البيع أو الذبح إن كانت
مذكاة أو الإنفاق.
429

إرشاد الأذهان
للشيخ جمال الدين أبي منصور الحسن بن سديد الدين يوسف بن زين الدين
علي بن محمد مطهر الحلي المشتهر بالعلامة الحلي والعلامة على الإطلاق
647 - 726 ه‍. ق
431

كتاب النكاح
وفيه مقاصد:
الأول: في أقسامه:
وهي ثلاثة:
الأول: في الدائم:
وفيه مطالب:
الأول: في آدابه:
يستحب النكاح - خصوصا مع شدة الطلب، ولو خاف الوقوع في الزنى
وجب - واختيار البكر الولود العفيفة الكريمة الأصل، وصلاة ركعتين والدعاء
والإشهاد والإعلان، والخطبة، وإيقاع العقد ليلا، وصلاة ركعتين عند الدخول
والدعاء، وأمر المرأة بذلك، ووضع يده على ناصيتها والدعاء، والدخول ليلا،
والتسمية عند الجماع، وسؤال الله تعالى الولد الذكر السوي، والوليمة عند
الزفاف.
ويجوز أكل ما ينثر في الأعراس مع العلم بشاهد الحال بالإباحة، ويملك
بالأخذ.
ويكره إيقاع العقد والقمر في العقرب، والجماع ليلة الخسوف، ويوم
الكسوف، وعند الزوال، والغروب قبل ذهاب الشفق، وفي المحاق، وبعد الفجر
433

إلى طلوع الشمس، وفي أول ليلة من الشهر إلا رمضان، وليلة النصف، وفي السفر
مع عدم الماء، وعند الريح السوداء والصفراء، والجماع عاريا، وعقيب الاحتلام
قبل الغسل أو الوضوء - ولا يكره عقيب جماع - والجماع عند من ينظر إليه،
والنظر إلى فرج المرأة حالة الجماع، ومستقبل القبلة ومستدبرها، وفي السفينة،
والكلام بغير الذكر، وأن يطرق المسافر أهله ليلا.
ويجوز النظر إلى وجه من يريد تزويجها وكفيها وتكراره من غير إذن، وإلى
أمة يريد شراءها، وإلى أهل الذمة وشعورهن لغير ريبة، وإلى مثله عدا العورة أو
للتلذذ، وإلى جسد الزوجة باطنا وظاهرا وعورتها، وإلى المحارم عدا العورة،
وللمرأة النظر إلى الزوج وعورته، ومحارمها عدا العورة.
ولا يجوز النظر للأجنبية إلا للحاجة وللطبيب أن ينظر إلى عورة الأجنبية، ولا
يجوز للمرأة أن تنظر إلى الأجنبي وإن كان أعمى، ولا للخصي النظر إليها، ولا
للأعمى سماع صوت الأجنبية.
ويكره العزل عن الحرة بغير إذنها، وتجب به دية النطفة عشرة دنانير، ولو
عزل عن الأمة فلا شئ.
ويحرم الوطء قبل أن تبلغ المرأة تسعا - ولا يحرم به إلا مع الإفضاء - وأن
يترك وطء الزوجة أكثر من أربعة أشهر.
المطلب الثاني: في أركانه:
وهي: الصيغة والمتعاقدان.
الأول: الصيغة: ولا بد من الإيجاب والقبول بصيغة الماضي بالعربية مع
القدرة، فالإيجاب: زوجتك وأنكحتك ومتعتك، ولو قال: زوجنيها، فقال:
زوجتكها، قيل: يصح، وكذا قيل: لو قال: أتزوجك، فتقول زوجتك، ولو قيل
له: زوجت بنتك من فلان، فقال: نعم كفى في الإيجاب، ولو قدم القبول صح.
وتكفي الترجمة بغير العربية مع العجز، والإشارة معه، ولا ينعقد بالهبة
434

والتمليك والإباحة.
الركن الثاني: المتعاقدان: ويشترط فيهما التكليف والحرية أو إذن المولى، فلا
اعتبار بعقد الصبي والمجنون والسكران وإن أفاق وأجازه، وتكفي عبادة المرأة
الرشيدة، ولو أوجب ثم جن أو أغمي عليه قبل القبول بطل، وكذا القبول لو
تقدم.
ولا يشترط الولي في الرشيدة ولا الشاهدان، ولو أوقعاه سرا وتكاتماه صح.
ويشترط تعيين الزوجة، فلو زوجه إحدى بنتيه لم يصح، ولو زوجه الأب
بإحداهن ولم يسمها في العقد، بل قصد معينة واختلفا في المعقود عليها، فالقول
قول الأب إن كان الزوج رآهن، وإلا بطل.
ولو ادعى أحد الزوجين الزوجية وصدقه الآخر حكم به وتوارثا، وإلا افتقر
المدعي إلى البينة ويحكم عليه بتوابع الزوجية، ولو ادعى آخر زوجية المعقود
عليها لم يلتفت إلا بالبينة، ولو أقام بينة بزوجية امرأة وأقامت أختها بينة بأنها
الزوجة قدم بينة الزوج، ما لم يدخل بالأخرى أو يتقدم تاريخ عقدها.
ولو أذن المولى في ابتياع زوجته له فالعقد باق، إن قلنا إن العبد لا يملك
بالتمليك وإلا بطل، ولو تحرر بعضه فاشتراها بطل العقد.
المطلب الثالث: في الأولياء:
وفيه فصلان:
الأول: في أسباب الولاية:
وهي أربعة:
الأول: الأبوة: وفي معناها الجدودة، وتفيد ولاية الإجبار على الولدين
الصغيرين والمجنونين سواء البكر والثيب، ولا خيار لهما بعد بلوغهما ورشدهما
ويتوارثان، ولا يثبت ولايتهما على البالغة الرشيدة وإن كانت بكرا على رأي، ولا
435

تسقط ولاية الجد بموت الأب على رأي، وتزول ولاية الأبوة بالارتداد.
الثاني: الملك: وللمالك إجبار العبد والأمة على النكاح، ولا خيار لهما معه
وإن كانا كبيرين رشيدين، وليس لأحدهما العقد إلا بإذن المولى، فإن بادر بدونه
وقف على الإجازة على رأي، ولو أذن المولى صح وعليه مهر عبده ونفقة زوجته وله مهر أمته،
ولو كانا لمالكين افتقر إلى إذنهما أو إجازتهما، فإن عين المهر وإلا
انصرف إلى مهر المثل، فإن زاد تبع بالزائد بعد العتق.
وفي زوال ولاية المولى بارتداده عن غير فطرة إشكال، ولو عتق العبد لم
يكن له الفسخ ولا لزوجته وإن كانت أمة، ولو أعتقت الأمة كان لها الفسخ على
الفور وإن كانت تحت حر على رأي، ولو أعتقا معا تخيرت الأمة خاصة.
الثالث: الوصاة: ولا تثبت ولاية الوصي على الصغيرين وإن نص الموصي
على النكاح على رأي، وتثبت ولايته على من بلغ فاسد العقل مع الحاجة.
الرابع: الحكم: وحكم الحاكم حكم الوصي في انتفاء ولايته على الصغيرين
وثبوتها على المجنون مع الحاجة، ولا ولاية لغير هؤلاء كالأم والعصبات، وليس
للمحجور عليه للتبذير التزويج إلا مع الضرورة، فيستأذن الحاكم، فإن عقد بدون
مهر المثل صح، وإلا بطل الزائد.
الفصل الثاني: في الأحكام:
لو زوج الصغيرين غير الأب والجد كان موقوفا، فإن أجازاه بعد البلوغ
صح وإلا فلا، ولو أجاز أحدهما ومات الآخر قبل البلوغ بطل ولا مهر ولا إرث
ولو مات المجيز ثم بلغ الآخر أحلف مع الإجازة على عدم الطمع وورث.
وتستحب للبالغة أن تستأذن أباها، ومع عدمه توكل أخاها استحبابا، ولو
436

تعددوا وكلت الأكبر، واختيار من يختاره الأكبر، ولو وكلت أخويها فأوقعا
عقدين لشخصين قدم الأول، فإن دخلت بالمتأخر فرق بينهما وألزم المهر ولحق
به الولد، وأعيدت بعد العدة إلى السابق، ولو ادعى الزوج عدم إذنها قدم قولها
مع اليمين.
وليس لوكيل الرشيدة أن يزوجها من نفسه إلا بالإذن، وللجد أن يزوجها من
ابن ابنه الآخر، ولها الاعتراض بعد البلوغ لو زوجها بدون مهر المثل أو بالمجنون
أو بالخصي والعنين، وكذا لو زوج الطفل بذات عيب، ولو زوجها بمملوك لم
يكن لها الفسخ، وكذا لو زوجه بمملوكة على رأي.
ويكفي في إذن البكر السكوت، وتكلف الثيب النطق، ويجوز أن تزوج
البالغة نفسها من غير ولي، ولا ولاية للكافر والمجنون والمغمى عليه، فإن زال
المانع عادت الولاية، ولا على من تحرر بعضه.
ولو اختار الأب زوجا والجد آخر قدم اختيار الجد، فإن عقدا قدم السابق،
فإن اقترنا قدم عقد الجد.
ولا يجوز نكاح الأمة إلا بإذن مولاها في الدائم والمنقطع وإن كانت لامرأة
على رأي، وولد الرقيقين رق لمولاهما، فإن تعدد فالولد بينهما، ولو شرطه أحدهما
ملكه، ولو كان أحد أبويه حرا تبعه الولد. إلا أن يشترط المولى الرقية.
ولو تزوج الحر الأمة بغير إذن المالك ووطأها قبل الرضاع عالما بالتحريم
فهو زان، وعليه الحد والمهر إن أكرهها أو كانت جاهلة والولد رق، ولو كانت
عالمة مختارة فلا مهر وحدت، ولو كان جاهلا بالتحريم أو حصلت شبهة فلا حد،
وعليه المهر والولد حر وعليه قيمته لمولاها يوم سقط حيا، وكذا لو ادعت الحرية
فعقد، ولو عجز عن القيمة سعى، وإن امتنع، قيل: يفكهم الإمام من سهم الرقاب.
ولو تزوجت الحرة بعبد بغير إذن مولاه عالمة بالتحريم فلا مهر ولا نفقة والولد
رق، ولو كانت جاهلة فالولد حر ولا قيمة عليها ويتبع العبد بالمهر.
ولو تزوج عبد بأمة غير مولاه بإذن منهما أو بغير إذن منهما فالولد لهما، ولو
437

أذن أحدهما فالولد للآخر، ولو زنى فالولد لمولى الأمة.
ولو زوج عبده بأمته استحب أن يعطيها المولى شيئا من ماله، ولو اشترى
حصته من زوجته بطل العقد وحرم وطؤها وإن أباحه الشريك أو أجاز العقد على
رأي، وكذا لو كان الباقي حرا لم يحل له العقد ولا الإباحة ولا متعة في أيامها
على رأي.
وطلاق العبد بيده وليس للمولى إجباره عليه ولا منعه إلا أن يزوجه بأمته
فالطلاق بيد المولى، وله الفسخ بغيره ولا يعد في الطلاق على رأي، ولو باعها
المالك بعد طلاق الزوج أتمت العدة وكفت عن الاستبراء.
ويكره وطء الفاجرة ومن ولد من الزنى، ويجوز وطء الأمة وفي البيت غيره
والنوم بين أمتين، ويكره ذلك في الحرة.
القسم الثاني: في المتعة:
وفيه مطلبان:
الأول: في أركانه:
وهي أربعة:
الأول: العقد: فالإيجاب: زوجتك وأنكحتك ومتعتك مدة كذا بكذا، ولا
ينعقد بالتمليك والإجارة والهبة والعارية.
والقبول: قبلت ورضيت وشبههما، ويجوز تقديمه.
ويشترط الماضي على رأي، وصدوره من أهله، وللولي الإنكاح متعة.
الثاني: المحل: ويشترط إسلام الزوجة أو كتابيتها على رأي، وليس للمسلمة
أن تتزوج بغيره.
ولا يجوز الاستمتاع بالوثنية، ولا الناصبية، ولا بالأمة لمن عنده حرة بغير
إذنها، ولا بنت أخت امرأته أو بنت أخيها من غير إذن العمة والخالة.
438

وتستحب المؤمنة العفيفة وسؤالها، ويكره الزانية والبكر إذا خلت من أب،
فإن فعل كره افتضاضها، وللرشيدة أن تعقد بغير إذن الأب.
ولو أسلم الكتابي عن مثله لم ينفسخ العقد، ولو أسلمت قبله اعتبرت العدة،
فإن أسلم فيها فهو أحق مع بقاء الأجل، وإلا بطل، ولو أسلم أحد الحربيين بعد
الدخول اعتبرت العدة والأجل، فإن خرج أحدهما قبل إسلام الآخر بطل، ولو
أسلم وعنده حرة وأمة ثبت عقد الحرة دون الأمة إلا مع رضاها.
الثالث: الأجل: فلو أخل به بطل على رأي، ويشترط تعيينه بما لا يحتمل
الزيادة والنقصان، ويجوز اتصاله وتأخره، ولو أطلق اتصل، ولو لم يدخل حتى
خرج فلها المهر وخرجت من العقد، ولا يصح المرة والمرتان من دون أجل.
الرابع: المهر: ولو أخل به بطل، ويشترط أن يكون مملوكا معلوما ولو
بالمشاهدة أو الوصف، ولا تقدير فيه إلا ما تراضيا عليه، ولو وهبها الأجل قبل
الدخول استحقت النصف وبعده الجميع، إلا أن تمتنع عنه بعض المدة فيسقط
بنسبة المتخلف، ولو ظهر فساد العقد فلا مهر قبل الدخول، وبعده لها المهر مع
جهلها.
المطلب الثاني في الأحكام:
إذا شرط السائغ في العقد لزم لا قبله وبعده، ويجوز اشتراط الإتيان في وقت
معين، والمرة والمرتين فيه، والعزل بدون إذنها، ويلحق الولد به وإن عزل.
ولا يقع بها لعان على رأي، ولا طلاق ولا ظهار على رأي، ولا ميراث ولو
شرطه لها على رأي.
وعدتها بانقضاء الأجل والدخول حيضتان، ولو لم تحض وهي من أهله
فخمسة وأربعون يوما، وبالوفاة وإن لم يدخل بأربعة أشهر وعشرة أيام، والأمة
439

بشهرين وخمسة، والحامل بأبعد الأجلين فيهما.
القسم الثالث: في نكاح الإماء:
ويستباح وطؤهن: بالملك والعقد والإباحة.
فالنظر في أمور ثلاثة:
الأول: الملك:
ويستباح به الوطء إن استغرق، ولا ينحصر في عدد، ولو كانت مشتركة لم
يحل له وطؤها بالملك، ويحل بالتحليل من الشريك على رأي، فإن وطأها قبله
وحملت حد مع العلم بالتحريم، وقوم عليه حصص الشركاء في الأم والولد.
ويجوز الجمع بين الأم والبنت في الملك ويحرم في الوطء، فإن وطأ
أحدهما حرمت الأخرى مؤبدا، ولا تحرم الأم بملك البنت.
ويجوز لكل من الأب والابن تملك من وطأها الآخر ويحرم وطؤها، ولا
يحرم وطؤها بملك الآخر من دون الوطء، وليس لأحدهما وطء مملوكة الآخر إلا
بعقد أو إباحة، نعم للأب أن يقوم مملوكة ابنه الصغير ثم يطأها بالملك، ولو وطأ
أحدهما من غير شبهة فهو زان، ولا تحرم على المالك، ويحد الابن خاصة، ويعتق
ولده على الأب لو وطأ بالشبهة لا بالعكس، وعلى الأب فكه، إلا الأنثى فتعتق.
ويحرم المملوكة لو زوجها، والنظر إلى ما يحرم على غير المالك ما لم
يفارق.
وليس للمولى فسخ العقد بدون بيعها، فيتخير المشتري، ولو اشتراها
مزوجة فأجاز أو لم يفسخ مع العلم استقر عقد الزوج، فإن فسخ على الفور بطل
وكفاه الاستبراء مع الدخول.
والمالك بأحد الوجوه لا يحل له النكاح قبل الاستبراء بحيضة أو خمسة
وأربعين يوما وإن تأخرت، إلا أن يملكها حائضا، أو من امرأة، أو آيسة، أو حاملا،
أو يخبر الثقة بالاستبراء، أو يعتقها ويعقد عليها، ولو وطأها وأعتقها حرمت على
440

الغير قبل العدة.
النظر الثاني: في العقد:
وإنما يصح بإذن المالك ولا يشترط التخصيص، فإذا أطلق تخيرت في
تعيين من تشاء.
ويجوز أن يجعل عتقها صداقها، ويبدأ بالعتق على رأي، فإن استولدها
وأفلس بالثمن ومات فهما حران على رأي، فإن طلقها قبل الدخول رجع نصفها
رقا.
فإن باع الأمة بعد العقد تخير المشتري بين الفسخ والإمضاء على الفور،
وكذا العبد وإن كان تحته حرة، ولو كانا لمالك فباعهما على اثنين فلكل الخيار،
ولو بيعا على واحد تخير، ولو باع أحدهما فلكل من المشتري والبائع الخيار،
والمهر للبائع مع الدخول، سواء أجاز المشتري أو لا، وقبله لا مهر مع فسخ
المشتري، ومع الإجازة فالمهر له، ولو باع العبد تخير المشتري، فإن فسخ فعلى
المولى نصف المهر، ولو باع ثم ادعى أن حملها منه لم يبطل البيع وألحق
النسب.
النظر الثالث: في الإباحة:
والصريح التحليل والإباحة على رأي، ولا يستباح بالعارية، وهل يستباح
بهبة الوطء أو تسويغه أو تمليكه؟ الأقرب عدم ذلك.
وهو ملك منفعة لا عقد، ويجوز أن يبيح أمته وأم ولده ومدبرته لمملوكه
ولغيره.
ولا يجوز استباحة ما خرج عن اللفظ، فلو أباح التقبيل حرم غيره، ولو
أباح الوطء حل التقبيل وشبه، ولو أباح الخدمة لم يطأ وبالعكس وولد
التحليل حر، إلا أن يشترطه المولى، ولا قيمة على الأب على رأي.
441

المقصد الثاني: في الصداق:
وفيه مطالب:
الأول:
كلما يصح تملكه عينا أو منفعة وإن كان إجازة الزوج نفسه مدة معينة
صح مهرا قل أو كثر، ولو أسلم الذميان أو أحدهما بعد العقد على خمر وجبت
القيمة، ولو قبضته كافرين صح، ولو عقد المسلم عليه صح، ولها مهر المثل مع
الدخول على رأي.
ويشترط: تعيينه بما يرفع الجهالة، فإن أبهم فسد، ولها مهر المثل مع
الدخول، وأن لا يتضمن إثباته نفيه، كما لو أصدق الحرة رقبة عبده، وتكفي
المشاهدة وإن جهل وزنه.
ولو تزوجها على خادم أو بيت أو دار فلها وسط ذلك، ولو تزوجها على
كتاب الله تعالى وسنة نبيه ولم يسم فخمسمائة درهم، ولو تزوجهما بمهر واحد
قسط على مهر المثل على رأي، وكذا لو جمع بين تزويج وبيع في عوض، ولا
يلزم ما يسميه للأب غير المهر أو منه على رأي.
ولو أصدقها تعليم سورة علمها الجائز، فإن طلقها قبل الدخول رجع عليها
بنصف الأجرة إن علمها، وإلا رجعت هي - وكذا الصنعة - وحده الاستقلال
بالتلاوة، ولو نسيت الآية الأولى قبل الثانية لم يجب إعادة التعليم، ولو تعلمت من
غيره أو تعذر رجعت بالأجرة.
ولو بان الخل خمرا فالوجه أن لها مثل الخل، وكذا لو بان العبد حرا، ولو
وجدت به عيبا فلها الرد، ولو حدث بعد العقد فلها الأرش، ولو تلف قبل القبض
فلها القيمة وقت التلف، ولو عقد سرا وجهرا بمهرين فالصحيح الأول.
ويستحب تقليله، ويكره تجاوز السنة والدخول قبل تقديمه أو بعضه أو
هدية، ولها الامتناع من الدخول قبل قبضه وإن كان معسرا، لا بعد الدخول على
رأي، وليس لها الامتناع لو كان مؤجلا، أو امتنعت ثم حل، وإنما يجب بذله لو
442

كانت مهيأة للاستمتاع، فلا يلزم تسليمه إلى المحبوسة أو الممنوعة بعذر، وإذا سلم
فعليه إمهالها للتنظيف والبلوغ والصحة، ولا للجهاز والحيض، فإنه يستمتع بما
دون الفرج.
المطلب الثاني: في التفويض:
وهو إخلاء العقد عن المهر بأمر مستحقه، وهو يتحقق في الرشيدة دون
الصغيرة والسفيهة، ولو زوجها الولي بدون مهر المثل أو مفوضة فالأقرب الصحة
مع المصلحة، وإلا مهر المثل، فلو تزوجها ولو يذكر مهرا أو شرطا سقوطه صح
العقد، فإن دخل فلها مهر المثل، ويعتبر فيه حال المرأة في الشرف والجمال
وعادة أهلها ما لم يتجاوز خمسمائة درهم، وإن طلق قبل الدخول فلها المتعة حرة
كانت أو أمة، ويعتبر بحاله، فالموسر يتمتع بالدابة أو الثوب المرتفع أو عشرة
دنانير، والمتوسط بخمسة أو الثوب المتوسط، والفقير بالدينار والخاتم وشبهه.
ولو مات أحدهما قبل الدخول وقبل الفرض فلا مهر ولا متعة، ولو عيناه
بعد العقد جاز وإن زاد عن مهر المثل أو نقص، فإن طلقها حينئذ قبل الدخول
فلها نصفه، ولو باعها مولاها كان فرض المهر بين الزوج والمولى الثاني إن أجاز
النكاح وله المهر دون الأول، ولو أعتقها فالمهر لها إن أجازت، ولو تزوجها على
حكم أحدهما صح، ويلزم ما يحكم به الحاكم منهما إلا المرأة فلا تتجاوز السنة،
فإن طلقها قبل الدخول ألزم من إليه الحكم به، ويثبت لها نصفه، ولو مات
الحاكم قبله فلها المتعة على رأي، ولا شئ على رأي.
وللمرأة طلب الفرض، ولها حبس نفسها بعد الدخول للفرض لا لتسليم
المفروض، ولو أسقطت حق طلب الفرض لم يسقط.
المطلب الثالث: في الأحكام:
تملك المرأة الصداق بالعقد وتتصرف فيه قبل القبض، فإن طلق قبل
443

الدخول رجع نصفه فإن عفت فله الجميع، وللأب والجد له العفو عن البعض،
وإن عفا الزوج فلها الجميع، وليس لوليه العفو عن حقه، فإن كان دينا عليه أو
تلف في يدها فالعفو إبراء وإلا هبة.
ولو طلق بعد البيع أو الرهن أو التدبير أو العتق أو التلف - وإن لم يكن من
قبلها - رجع بنصف مثله في المثلي، وبنصف القيمة في غيره، ويلزمها أقل الأمرين
من القيمة وقت العقد والقبض، ولو تلف البعض فله نصف الباقي ونصف بذل
التالف، ولو تعيب فله نصف القيمة، ولو نقصت قيمة السوق أو زادت فله نصف
العين، ولو زادت بكبر أو سمن أو تعلم صنعة فله نصف قيمة ما دون الزيادة،
والنماء المنفصل لها.
ولو دخل قبلا أو دبرا استقر المسمى أجمع في ذمته وكان دينا عليه، ولا
يسقط بترك المطالبة طويلا، وكذا لو مات أحدهما، ولا يستقر بالخلوة على
رأي، ولو أبرأته ثم طلقها قبل الدخول أو خلعها به قبله رجع عليها بالنصف، ولو
عوضها بشئ رجع بنصف المسمى لا العوض، ولو لم يسم وقدم لها شيئا ثم
دخل فهو المهر، إلا أن تشارطه قبل الدخول.
ولو شرط غير السائغ - مثل أن لا يتسرى أو لا يتزوج - بطل الشرط
خاصة، ولو شرط عدم الافتضاض لزم، فإن أذنت بعده جاز، ولو شرط الخيار في
الصداق صح، ولو شرطاه في النكاح بطل العقد، ولو شرط عدم خروجها من
بلدها لزم على رأي، ولو شرط زيادة المهر مع الإخراج فأخرجها إلى بلد الشرك
لم يجب إجابته ولها الزائد، وإن أخرجها إلى بلد الإسلام لزم الشرط.
ولو زوج ابنه الصغير الموسر فالمهر على الولد، ولو كان فقيرا فالمهر في
عهدة الأب يخرج من صلب التركة. سواء بلغ الولد وأيسر قبل موت الأب أو
بعده، فإن دفع الأب ثم طلق بعد بلوغه رجع النصف إلى الولد، وكذا لو تبرع
بقضائه عن البالغ.
وكل من وطأ بشبهة فعليه المهر، ولا مهر للزانية، ولو أكرهها الزاني فلها مهر
444

المثل.
مسائل النزاع:
لو اختلفا في قدر المهر، أو وصفه، أو في أن المدفوع مهر أو هبة، أو في
المواقعة على رأي ولا بينة قدم قول الزوج مع يمينه.
ولو اختلفا في التسليم، أو قالت علمني غير المهر، أو أقامت بينة بالعقد مرتين
فادعى التكرار قدم قول المرأة مع اليمين، ويلزمه في الأخير مهران على رأي،
ومهر ونصف على رأي.
ولو ادعت التسمية وأنكرها فالقول قوله، ولو أنكر أصل المهر بعد الدخول
فالوجه مهر المثل على رأي.
ولو قال: أصدقتك العبد، فقالت: بل الأمة، تحالفا وثبت مهر المثل مع
الدخول، ولو كان دعواه إصداق أبيها فكذلك ويعتق عليه.
المقصد الثالث: في المحرمات:
وفيه مطلبان:
الأول: في المحرمات بالنسب والرضاع:
وهي ثمانية: الأم وإن علت، والبنت وإن نزلت، وبنات الابن وإن نزلن،
والأخت، وبناتها وإن نزلن، والعمات وإن علون، والخالات كذلك، وبنات
الأخ وإن نزلن.
ويحرم على النساء مثلهن من الرجال، سواء كان النسب عن نكاح
صحيح، أو شبهة، أو زنا وإن انتفى شرعا.
وكل من حرم بالنسب حرم مثله بالرضاع بشروط خمسة:
الأول: حصول اللبن عن نكاح صحيح، فلو در لا به لم يثمر حرمة وكذا
الزنى، أما الشبهة فكالصحيح، ولو طلق فأرضعت بلبنه نشر الحرمة وإن دخلت
445

بالثاني وحملت منه، ولو انقطع وعاد في وقت يمكن أن يكون للثاني فللثاني، ولو
اتصل حتى وضعت من الثاني فما قبل الوضع للأول وما بعده للثاني.
الثاني: القدر، وهو: يوم وليلة، أو ما أنبت اللحم وشد العظم، أو خمس عشرة
رضعة ويشترط: كمال كل رضعة بالعرف، لا بالتحول إلى الثدي الآخر، ولا
بلهو لحظة، ولا بالتفات إلى ملاعب. وتواليها، فلو فصل برضاع امرأة أخرى لم
ينشر. والارتضاع من الثدي، لا من آنية يحتلب فيها. وخلوص اللبن، فلو طرح
في فم الطفل مائع فامتزج حتى خرج عن كونه لبنا لم ينشر.
الثالث: حياة المرضعة، فلو ارتضع من ثدي الميتة، أو رضع البعض وهي
حية ثم أكملها وهي ميتة لم ينشر حرمة.
الرابع: أن يرتضع قبل إكمال الحولين، فلو رضع وله دون الحولين، ثم
كملا قبل أن يروى من الأخيرة، ويكملها لم ينشر حرمة، وينشر لو تمت مع
آخرهما، ولا يعتبر ذلك في ولد المرضعة على رأي.
الخامس: أن يكون اللبن لفحل واحد، فلو تعدد لم ينشر حرمة بين
المرتضعين، ولو تعددت المراضع والفحل واحد نشر الحرمة، ولو كان لها أولاد
من غير الفحل نسبا حرموا على المرتضع.
مسائل من هذا الباب:
إذا كملت الشرائط فالمرضعة أم، وفحلها أب، وآباؤهما أجداد، وإخوتهما
عمومة أو خؤولة، وأولادهما أخوة.
ويحرم على المرتضع كل ولد للفحل ولادة ورضاعا، وكل ولد للمرضعة
ولادة لا رضاعا من غير لبن الفحل، ويحرم على أب المرتضع أولاد الفحل نسبا
ورضاعا، وأولاد المرضعة نسبا خاصة، ولأولاده الذين لم يرتضعوا من هذا اللبن
نكاح أولاد الفحل والمرضعة نسبا ورضاعا.
ولو أرضعت جدة الزوجين أحدهما صار المرتضع عما أو عمة أو خالا أو
446

خالة، ولو فسخت عقد الصغير ثم أرضعته بلبن آخر حرمت عليهما، ولو تزوج
كل من الزوجين بزوجة الآخر بعد طلاقها ثم أرضعت إحديهما الأخرى حرمت
الكبيرة عليهما والصغيرة على من دخل بالكبيرة، ولو ارتضعت زوجته من أمه أو
بنته وشبههما حرمت فيسقط مهرها، إلا أن يكون المرضعة تولت الإرضاع فعليها
الضمان، ولو أرضعت كبيرة الزوجتين صغيرتهما حرمتا مع الدخول بالكبيرة
وإلا الكبيرة، ولو أرضعت صغيرة الزوجات الكبيرتان حرمن كلهن ترتب أو
استصحب، ولو أرضعت أمته الموطوءة زوجته حرمتا.
ويستحب: اختيار المسلمة العفيفة العاقلة الوضيئة للرضاع.
ويكره: الكافرة - فلو فعل منعها من الخمر والخنزير - ومن ولدت من الزنى.
ويحكم على المقر بالرضاع في حقه، ولا يسمع الشهادة به إلا مفصلة، ولو
شك في العدد فلا تحريم، ولو شك في وقوعه بعد الحولين غلب أصل الإباحة
على أصل البقاء، ولا تحرم المرضعة على أب المرتضع، ومن ينكح رضيعة حرم
عليه المرضعة، ولا تحرم أم أم الولد من الرضاع.
المطلب الثاني: في باقي أسباب التحريم:
وفيه أبواب:
الأول: المصاهرة:
من عقد على امرأة حرم عليه أمها وإن علت مؤبدا وإن لم يدخل، وبناتها وإن
نزلن جمعا لا عينا، فإن دخل بالأم حرمن مؤبدا.
وتحرم المعقود عليها وإن لم يدخل على أب العاقد وإن علا، وابنه وإن نزل،
ولو وطأ أحدهما زوجة الآخر لشبهة لم تحرم على الزوج على رأي، وكذا لا
تحرم الزانية على أب الزاني وابنه مطلقا على رأي، ولا تحرم أم المزني بها ولا بنتها
وإن تقدم، إلا أن يزني بعمته أو خالته، فإن بنتيهما يحرمان أبدا إن سبق الزنى، وإلا
فلا، وكذا الوطء للشبهة على رأي وإن لحق به النسب، والنظر إلى ما يحرم على
447

غير المالك النظر إليه لا ينشر الحرمة وإن كان الناظر أبا أو ابنا على رأي، وحكم
الرضاع في جميع ذلك كالنسب.
وتحرم أخت الزوجة جمعا، وبنت أختها وأخيها إلا أن تجيز العمة أو الخالة،
فإن فعل بطل العقد على رأي، ووقف على الإجازة على رأي، وله إدخال العمة
والخالة على بنت أختهما وأخيهما وإن كرهت المدخول عليها، ولو تزوج الأختين
صح السابق، فإن اقترنا بطل، ولو تزوج أخت الموطوءة بالملك حرمت
المملوكة ما دامت الثانية زوجة، ولو وطأ الأختين بالملك حرمت الثانية على
رأي، ولا يجوز للرجل أن يعقد على أمته، ولا للحرة أن تنكح عبدها.
الباب الثاني: الكفر:
وفيه بحثان:
الأول:
يحرم على المسلم غير الكتابية دائما ومتعة وملك يمين، وفيها قولان،
أقربهما جواز المنقطع وملك اليمين، والمجوسية كالكتابية، والصابئون والسامرة
إن كانوا ملحدة عند اليهود والنصارى فكالوثني، وإن كانوا مبتدعة فكالكتابي.
ولو أسلم زوج الكتابية بقي على نكاحه وإن لم يدخل، ولو أسلمت، دونه
قبل الدخول انفسخ العقد ولا مهر، وبعده تنتظر العدة، فإن أسلم فالزوجية باقية
وإلا بطلت وعليه المهر، ولو أسلم أحد الحربيين قبل الدخول انفسخ العقد وعليه
نصف المهر إن كان الإسلام منه، وإلا فلا شئ، وبعده تنتظر العدة، فإن أسلم
الآخر بقي النكاح، وإلا انفسخ وعليه المهر وإن كان الإسلام من المرأة.
ولو انتقلت زوجة الذمي إلى غير الإسلام انفسخ العقد وإن عادت - ولا يعد
الفسخ باختلاف الدين طلاقا - فإن كان قبل الدخول من المرأة فلا مهر ومن
الرجل نصفه، وإن كان بعد الدخول فالمسمى من أيهما كان، ولو كان المهر
فاسدا فمهر المثل مع الدخول وقبله المتعة.
448

ولو ارتد أحدهما قبل الدخول انفسخ العقد في الحال، فإن كان من المرأة
فلا مهر، وإلا نصفه، وإن كان بعد الدخول فالجميع، وينفسخ في الحال إن كان
الزوج عن فطرة، وإن كان عن غيرها أو كانت المرتدة هي وقت على انقضاء
العدة، فإن وطأها لشبهة في العدة، قال الشيخ: عليه مهر ثان، وفيه نظر.
ولو ارتد الوثني وأسلمت في العدة ثم رجع فيها فهو أحق، وإلا فلا، ولو
أسلم دون الوثنية فلا نفقة لها في العدة إلا أن تسلم، ولو أسلمت، دونه فعليه نفقة
العدة، فإن اختلفا في السابق قدم قول الزوج مع اليمين.
وليس له إجبار الذمية على الغسل، بل على إزالة المنفر، وعلى المنع من
الخروج إلى الكنائس، وشرب الخمر، وأكل الخنزير، واستعمال النجاسات.
وإذا أسلما لم يبحث عن شرط نكاحهما، إلا أن يتزوجها في العدة ويسلما أو
أحدهما قبل انقضائها، ولا نقرهم على ما هو فاسد عندهم، إلا أن يكون صحيحا
عندنا، ولو طلقها كافر ثلاث ثم أسلم افتقر إلى المحلل.
البحث الثاني: في حكم الزائد على العدد:
إذا أسلم الذمي على أكثر من أربع تخير أربع حرائر أو حرتين وأمتين،
والعبد يتخير حرتين أو حرة وأمتين أو أربع إماء، ويندفع نكاح البواقي من غير
طلاق، ولو لم يزدن على العدد الشرعي ثبت عقده عليهن، ولو أسلم عن مدخول
بها وبنتها حرمتا، ولو لم يدخل بهما حرمت الأم خاصة، ولو أسلم عن أختين
تخير أيتهما شاء، أو عن امرأة وعمتها أو خالتها إذا لم تجيزا، ولو أجازتا صح
الجمع، وكذا عن حرة وأمة، ولو أسلم عن أزيد من أربع وثنيات فسبق إسلام
أربع في العدة كان له التربص، وأن انقضت ولم يزدن ثبت عقده عليهن ولا
خيار، وإن لحق به في العدة غيرهن كان له اختيار من شاء من السابق واللاحق
ولو أسلم العبد عن أكثر من حرتين وثنيات، فأسلم معه اثنتان ثم أعتق ولحق به
الباقي في العدة، تخير اثنتين لا أزيد من السابق أو اللاحق ولو تقدم عتقه على
449

إسلامه تخير أربعا، ولو أسلم عن أربع مدخول بهن لم يكن له العقد على خامسة
ولا على أخت إحداهن إلا بعد العدة وبقائهن على الكفر، ولو أسلمت الوثنية
فتزوج بأختها ومضت العدة على كفره ثبت عقده، فإن أسلم فيها تخير، ولا يبطل
الاختيار بموتهن، فإن اختار أربعا ورثهن، ولو مات بعدهن قبل الاختيار أقرع،
ولو مات قبلهن فعليهن جميع العدة وترثه أربع منهن، فتوقف حصة الزوجات
حتى يصطلحن أو يقرع أو يشرك بينهن، ولو مات قبل إسلامهن لم يرثن وعليه
النفقة على المسلمات في العدة حتى يختار، وكذا لو أسلمن قبله.
خاتمة:
الاختيار إما بالقول مثل: اخترتك أو أمسكتك، وإما بالفعل كالوطء أو
التقبيل واللمس بشهوة على إشكال، ولو طلق فهو اختيار وطلقت، دون الظهار
والإيلاء، ولو اختار مرتبا ما زاد على أربع ثبت نكاح الأربع الأول وبطل
البواقي، ولو علق اختيار النكاح أو الفراق بشرط لم يصح، ولو قال: حصرت
المختارات في ست من العشرة انحصرن ولو بقي بعد الأربع المسلمات أربع
وثنيات فاختار المسلمات للنكاح صح، ولو اختارهن للفرقة لم يصح، ويحتمل
الصحة موقوفا، فعلى الأول لو أسلمت ثمانية على ترادف وهو يخاطب كل واحدة
بالفسخ عند إسلامها تعين الفسخ في المتأخرات، وعلى الثاني في المتقدمات
ويحبس الزوج على التعيين، ولو مات على أربع كتابيات وأربع مسلمات لم
يوقف شئ، وكذا لو قال للكتابية والمسلمة: إحداكما طالق، ومات قبل
التعيين.
الباب الثالث: العقد والوطء:
إذا عقد الحر غبطة على أربعة حرائر أو حرتين وأمتين حرم الزائد، ولا يحل
له ثلاث إماء وإن لم يكن معهن حرة، وعلى العبد ما زاد على حرتين أو حرة
450

وأمتين أو أربع إماء، ولو استكملا العدد في الدائم حل لهما بملك اليمين والمتعة م
ا أرادا، ولو طلق واحدة من كمال العدد بائنا جاز له نكاح غيرها وأختها على
كراهية في الحال، ولو كان رجعيا حرمت الأخرى والأخت إلا بعد العدة، ولو
تزوج خمسا في عقد أو اثنتين ومعه ثلاث أو أختين بطل، وإذا طلقت الحرة ثلاثا
حرمت إلا بالمحلل، والأمة تحرم بطلقتين سواء كانت تحت حر أو عبد، فإن
طلقت تسعا للعدة ينكحها بينها رجلان حرمت أبدا، وفي الأمة نظر، ومن عقد على
امرأة في عدتها عالما حرمت أبدا وإن لم يدخل، وكذا إن جهل العدة والتحريم
ودخل. ولو لم يدخل بطل العقد واستأنفه بعد الانقضاء، فإن دخل جاهلا لحق
به الولد إن جاء لستة أشهر منذ وطأها، وفرق بينهما وعليه المهر مع جهلها لا
علمها، وتتم عدة الأول ثم تستأنف أخرى، ولو زنى بذات بعل أو في عدة رجعية
حرمت أبدا، ولو زنى بغيرهما لم تحرم، وكذا لو أصرت امرأته عليه، وإن عقد
المحرم على امرأة عالما بالتحريم حرمت أبدا، وإن كان جاهلا فسد عقده ولم
تحرم، ومن أوقب غلاما حرم عليه أمه وأخته وبنته، ولا تحريم لو سبق العقد، ومن
لا عن امرأته حرمت عليه أبدا، وكذا إن قذفها وهي صماء أو خرساء بما يوجب
اللعان.
تتمة:
يكره: العقد على القابلة المربية وبنتها، وأن يزوج ابنه بنت زوجته المخلوقة
بعد فرقته، والتزويج بضرة الأم مع غير الأب، وبالزانية قبل التوبة، وبالأمة مع
وجود الطول للحرة.
ويحرم نكاح الأمة على الحرة إلا برضاها، فإن بادر بدون الإذن بطل،
ويجوز بالعكس، فإن جهلت الحرة كان لها فسخ عقدها، ولو جمعهما في عقد
صح على الحرة خاصة، ومن دخل بصبية لم تبلغ تسعا فأفضاها حرمت عليه أبدا
وعليه الإنفاق حتى يموت أحدهما، ولو لم يفضها لم تحرم، وذات البعل تحرم
451

على غيره ما دامت في حباله، وعدته إن كانت ذات عدة.
المقصد الرابع: في موجب الخيار:
وهو: العيب والتدليس.
الفصل الأول: في العيب:
عيوب الرجل أربعة: الجنون، والخصاء، والجب، والعنة.
وعيوب المرأة سبعة: الجنون، والجذام، والبرص، والقرن وهو: العفل،
والإفضاء وهو: جعل المسلكين واحدا، والعمى، والعرج إن بلغ الإقعاد.
وتفسخ المرأة بالجنون وإن كان أدوارا، سواء تجدد بعد الوطء أو كان
سابقا.
وبالخصاء - وفي معناه الوجاء - إن كان سابقا على العقد، وإلا فلا.
وبالعنة وإن تجدد بعد العقد قبل الوطء، ولو تجدد بعد الوطء ولو مرة أو
عن عنها خاصة أو عن القبل خاصة فلا خيار، ولو ادعى الوطء لها أو لغيرها بعد
ثبوت العنة صدق باليمين، ومع ثبوت العنة إن صبرت فلا فسخ وإلا رفعت
أمرها إلى الحاكم فيؤجله سنة من حين المرافعة، فإن وطأها أو غيرها فلا فسخ،
وإلا فسخت ولها نصف المهر، ولا شئ لها لو فسخت بغيره قبل الدخول، وفي
احتساب مدة السفر إشكال، ولو رضيت طلقها ثم جدد العقد فلا خيار لها، أما لو
وطأها في الأول ثم عن في الثاني فلها الخيار.
والجب إن استوعب فسخت به، وإلا فلا، فلو تجدد بعد العقد فلا فسخ، ولا
تفسخ لو بان خنثى مع إمكان الوطء.
والقرن إن لم يمنع الوطء فلا فسخ، وكذا الرتق إذا لم يمكن إزالته، أو
أمكن وامتنعت.
والخيار في الفسخ بالعيب والتدليس على الفور، وما يتجدد من عيوب
المرأة لا يفسخ به وإن كان قبل الوطء، ولا يشترط الحاكم إلا في العنة لضرب
452

الأجل، ولها الفسخ بعد انقضائه بدونه، والفسخ ليس بطلاق، والقول قول منكر
العيب مع عدم البينة واليمين، فإن نكل أحلف المدعي، وإذا فسخت المرأة
بالعيب أو التدليس قبل الدخول فلا شئ إلا في العنة، وبعده لها المسمى، وإن
فسخ الزوج قبله فلا مهر، وبعده المسمى، ويرجع به على المدلس، وأن كانت
هي سقط، إلا أقل ما يمكن مهرا.
الفصل الثاني: في التدليس:
لو تزويجها على أنها حرة فخرجت أمة فله الفسخ وإن دخل، فإن دلست
نفسها دفع المهر إلى المولى وتبعها به، وإن دلسها مولاها فلا مهر، وتعتق عليه إن
تلفظ بما يوجب العتق، والولد حر، وعلى المغرور قيمته، ويرجع به على الغار،
ولو كان الغار عبدا تبع بالقيمة.
ولو شرط بنت مهيرة فخرجت بنت أمة فله الفسخ، ولا خيار بدون الشرط،
ولو زوجه بنت مهيرة وأدخل عليه بنت أمة ردت وعليه مهر المثل ويرجع به على
السائق ويدفع إليه امرأته، وكذا كل من سيق إليه غير زوجته.
ولو شرط البكارة فظهرت ثيبا فلا فسخ، إلا أن يعلم سبق الثيوبة على العقد،
وله أن ينقص ما بين المهرين.
ولو شرط إسلامها فبانت كتابية، فإن قلنا بجواز الكتابية، فله الفسخ، ولا
خيار بدون الشرط.
ولو تزوجت على أنه حر فبان مملوكا فلها الفسخ، ولها المهر مع الدخول،
ولو أدخلت امرأة كلا من الزوجين على الآخر، فلها مهر المثل على الواطئ،
والمسمى على الزوج، وترد إليه بعد العدة.
وكل عقد باطل فللموطوءة مهر المثل، وكل مفسوخ بعد الصحة فلها
المسمى، ولا خيار للأولياء، ولا نفقة لها في العدة إلا مع الحمل.
453

نكت متفرقة:
الكفاءة شرط في النكاح، وهي: المساواة في الإسلام، وليس للمؤمنة
التزويج بالمخالف، ويكره العكس، ولا يشترط تمكنه من النفقة على رأي، ولو
تجدد العجز لم تفسخ المرأة، ولا يشترط التساوي في النسب والشرب والحرية،
ويجب إجابة المؤمن من الخاطب القادر على النفقة وإن كان أخفض نسبا، ولو
انتسب إلى قبيلة فبان من غيرها ففي فسخ الزوجة قولان، ويكره تزويج الفاسق
خصوصا شارب الخمر، ولو علم بعد العقد أنها زانية فلا فسخ على رأي.
ووطء الشبهة يسقط الحد ويجب به العدة، ولو علمت حدت واعتدت ولا
مهر، ويلحق به الولد، وإن كانت أمة فعليه قيمته لمولاها ومهرها.
ويحرم التعريض بالخطبة للمعتدة رجعية، ويجوز للمطلقة ثلاثا من الزوج
وغيره، ويحرم التصريح لها منه ومن غيره، والتصريح من الزوج للمطلقة تسعا
للعدة، والتعريض لها منه لا من غيره، والبائن عن فسخ أو خلع يجوز التعريض
من الزوج وغيره، والتصريح منه لا من غيره، ولا تحرم بتحريم الخطبة، ويكره
الخطبة على خطبة المجاب.
ولو شرطت انتفاء النكاح عند التحليل بطل العقد على رأي ولا يبطل
بالقصد، ولو شرط الطلاق بطل الشرط، ونكاح الشغار باطل وهو: جعل مهر
كل من المرأتين بضع الأخرى، ولو جعل مهر إحديهما خاصة بطل نكاحها دون
الأخرى.
ويحل للزوج كل استمتاع، ويكره الوطء في الدبر، وهو كالقبل في
جميع الأحكام، حتى تعلق النسب، وتقرير المسمى، والحد، ومهر المثل مع
فساد العقد، والعدة، وتحريم المصاهرة، إلا التحليل والإحصان واستنطاقها في
النكاح.
454

المقصد الخامس: في لواحق النكاح:
وفيه ثلاثة مطالب:
الأول: في القسمة:
وهي واجبة للمنكوحة بالعقد دائما، وقيل: إنما تجب لو ابتدأ بها.
وتستحق المريضة، والرتقاء، والحائض، والنفساء، والأمة وإن لم يأذن
المولى، والمحرمة، والمولى عنها، والمظاهرة منها - لأن الواجب المضاجعة والأنس
ليلا خاصة دون الوقاع - لا الصغيرة، والمجنونة المطبقة، والناشز، بمعنى أنه لا
يقضي لها.
على كل زوج، سليما من العنة والخصاء أولا، عبدا أو حرا، عاقلا أو
مجنونا، ويقسم عنه الولي.
فذو الزوجة يبيت عندها ليلة من أربع والثلاث يضعها أين شاء، وللاثنتين
ليلتان، وللثلاث ثلاث، وللأربع لكل واحدة ليلة، ولا يجوز الإخلال إلا بالإذن
أو السفر، وتجوز القسمة أزيد من ليلة، وللأمة مع الحرة ليلة، وللحرة ليلتان،
والكتابية كالأمة، ولو أسقطت حقها لم يجب القبول، ولو وهبته لإحداهن وقبل
اختص بالموهوبة، ولها الرجوع لو وهبت في المستقبل، ولو لم يعلم لم يقض،
ولا يلزم العوض لو اصطلحا عليه، ولا يزور الضرة إلا مع المرض، فإن أقام ليلته
لم يقض على رأي، ولو أعتقت الأمة بعد ليلتي الحرة فلها ليلتان، ولو كان بعد
الثلاث فلا شئ، ولو بات عند الأمة ليلة قبل الحرة فأعتقت بات عند الحرة
اثنتين، وله المبيت في بيوتهن أو بيته أو بالتفريق، وتختص البكر بسبع، والثيب
بثلاث، ولا قضاء وإن كانتا أمتين، ولا قسمة في السفر.
ويستحب: القرعة في تعيين المسافرة معه، والتسوية بينهن في الإنفاق،
وإطلاق الوجه، وتخصيص صاحبة الليلة بيومها، والإذن لها في حضور موت
أبويها.
ولو جار في القسمة قضى، ولو نشزت إحدى الأربع ثم بعد استيفاء اثنتين
455

أطاعت وفي الثالثة بقدر القسمة، والناشز بقدر الثلث بين كل ثلاث للثالثة ليلة
لها، وذو الزوجتين في البلدين يقيم عند الثانية كما أقام عند الأولى، ولو سافرت
باذنه استحقت القضاء، ويتخير في من يبتدئ، ولو طلق الرابعة بعد حضور ليلتها ثم
تزوجها، قيل: يجب القضاء، وفيه نظر.
خاتمة:
يجب عليه الزوجة التمكين من الاستمتاع، وتجنب المنفر، وعلى الزوج
المؤونة، فإن نشزت وعظها، فإن أجابت وإلا هجرها في المضجع: بأن يحول
ظهره في الفراش، فإن أفاد وإلا ضربها غير مبرح، ولو نشز ألزمه الحاكم بإيفاء
حقها، ولو أسقطت بعض حقها من نفقة وقسمة استمالة له حل له قبوله، ولو نشزا
معا وخيف الشقاق بعث الحاكم حكما من أهله وحكما من أهلها ويجوز غيرهما،
فإن اتفقا على الإصلاح فعلاه من غير إذن، وإن اتفقا على الفرقة لم يجز إلا بإذن
الزوج في الطلاق والمرأة في البذل، ويلزم ما يشترطه الحكمان من السائغ، ولو
أغارها أو منعها بعض حقها فبذلت مالا للخلع حل وليس بإكراه.
المطلب الثاني: في النفقة:
وأسبابها ثلاثة: الزوجية والقرابة والملك.
الفصل الأول: في نفقة الزوجة: وفيه بحثان:
الأول: الواجب: وهو ستة:
الأول: الطعام، فقيل: مد، والحق: قدر الكفاية من غالب قوت بالبلد، فإن لم
يكن فما يليق بالزوج، ويملكها الحب ومؤونة الطحن والخبز وإصلاح اللحم،
وله دفع الخبز، ولا يكلفها الأكل معه، ولو دخل واستمرت تأكل معه على
العادة لم يكن لها المطالبة بنفقة مدة المؤاكلة.
الثاني: الأدم، ويرجع فيه إلى عادة أمثالها من أهل البلد في الجنس والقدر،
456

ولو تبرمت بجنس أبدله، ولها أخذ الأدم وإن لم تأكل.
الثالث: الإخدام إما بنفسه، أو بمن يستأجره، أو يشتريه لها أو ينفق على
خادمها وإن كانت من أهله، ولا يلزمه أكثر من واحد وإن كانت من أهله، وتخدم
نفسها لو لم تكن من أهل الإخدام، إلا في المرض فيخدمها، ولو طلبت مستحقة
الخدمة نفقة الخادم لتخدم نفسها لم تجب الإجابة، وله إبدال خادمتها المألوفة
لغير ريبة، وإخراج سائر خدمها إلا الواحدة، إذ ليس عليه سكناهن، بل له منع
أبويها من الدخول ومنعها من الخروج.
الرابع، الكسوة وهي في الصيف قميص وسراويل وخمار ومكعب، ويزيد
في الشتاء الجبة لليقظة واللحاف للنوم، ويرجع في جنس ذلك إلى عادة أمثالها،
وتزاد على ثياب البذلة ثياب التجمل - إن كانت من أهله - جاري عادة أمثالها،
ولا بد من ملحفة وحصير ومخدة وآلة الطبخ والشرب من كوز وجرة وقدر
ومغرفة.
الخامس: آلة التنظيف، كالمشط والدهن والمزيل للصنان. ولا يجب
الطيب، ولا الكحل، وله منعها عن أكل مثل الثوم وتناول السم والأطعمة
الممرضة، ولا يجب الدواء للمرض، ولا أجرة الحجامة، ولا أجرة الحمام إلا في
شدة البرد.
السادس: السكنى في دار تليق بها، إما بعارية أو إجارة أو ملك، ولها المطالبة
بالتفرد في مسكن عن مشارك غير الزوج.
ويدفع نفقة كل يوم في صبيحته، ولو عاوضها بدراهم جاز، فإن ماتت في
أثناء النهار لم ترد، ولو نشزت استرد، ولو دفع نفقة أيام فماتت استرد الزائد غير
يوم الموت، ولا يجب في الكسوة والمسكن والأثاث التمليك بل الإمتاع، ولو
منعها النفقة مع التمكين التام استقرت في ذمته، ولو دفع نفقة لمدة فانقضت
ممكنة ملكتها، ولا اعتراض لو أنفقت من غيرها أو استفضلت، ولو أخلقت الكسوة
قبل المدة المضروبة لم يجب البدل، ولو انقضت وهي باقية فلها المطالبة بأخرى،
457

ولو طلقها استعاد الكسوة وما زاد من النفقة عن يوم الطلاق، إلا أن تنقضي المدة
التي قررت لها قبله، ولو مضت مدة قبل الدخول فلا نفقة، إلا أن تبذل التمكن
التام، ولو حضرت زوجة الغائب وبذلت التمكين التام عند الحاكم لم تجب
النفقة، إلا بعد الإعلام وقدر وصوله أو وكيله، ولو أطاعت الناشزة لم تجب النفقة،
إلا بعد الإعلام وزمان إمكان الوصول، ولو ارتدت سقطت نفقتها، فإن عادت
وجبت وإن لم يعلم، وينفق على البائن مع ادعاء الحمل، فإن ظهر الفساد
استعيدت، ولو أخر نفقتها سقط السالف إن قلنا أن النفقة للحمل.
البحث الثاني: في الموجب:
وهو العقد الدائم بشرط التمكين التام، سواء كانت حرة أو أمة كافرة، فلو
امتنعت زمانا من غير عذر أو مكانا سقطت، والمولى إن أرسل أمته ليلا ونهارا إلى
الزوج وجبت النفقة، وإلا على المولى.
وتسقط بصغر الزوجة بحيث يحرم وطؤها، وارتدادها، ونشوزها، وطلاقها
بائنا إلا الحامل.
ولا تسقط بصغر الزوج خاصة، وبمرضها، ورتقها، وقرنها، وعظم آلته مع
ضعفها. وسفرها في الواجب من دون إذنه، واعتكافها وصومها الواجبين
وحيضها، وطلاقها رجعيا وبائنا مع الحمل، ولو أنكر دعواها تأخر الطلاق عن
الوضع بانت منه وعليه النفقة، وله مقاصتها بدينه مع يسارها، ويبدأ بالنفقة عليه،
ثم بالزوجة، ثم بالأقارب.
الفصل الثاني في النسب:
ويجب النفقة على الأبوين وإن علوا والأولاد وإن نزلوا لا غير، بشرط فقرهم،
وعجزهم عن التكسب، وحريتهم، وقدرة المنفق على فاضل قوت يوم له
ولزوجته، لا الإسلام.
458

وتستحب على غير هؤلاء من الأقارب، ويتأكد الوارث.
ويجب قدر الكفاية من الإطعام، والكسوة والمسكن، ويباع عبده وعقاره في
النفقة، ويجب الكسب في نفقة القريب، ولا يجب الإعفاف، ولو فاتت لم يقض
إلا أن يأمره بالاستدانة.
وعلى الأب النفقة على ابنه، فإن عجز أو فقد فعلى الجد له وإن علا، ولو
عدموا فعلى الأم، ومع عدمها أو فقرها فعلى أبويها وإن علوا الأقرب فالأقرب،
ومع التساوي الشركة، ولو فضل عن قوته ما يكفي أحد أبويه تشاركا، وكذا
الأب والولد، أما أحد الأبوين والجد فيختص به الأقرب، ولو أيسر الأب والابن
فالنفقة عليهما بالسوية، أما الأب والجد المؤسران فالنفقة على الأقرب، ويحبسه
الحاكم لو ماطل ويبيع عليه.
الفصل الثالث: في نفقة المملوك:
تجب نفقته على المالك، ويتخير المولى بين الإنفاق من خاصته أو من
كسبه، ولا تقدير بل عادة مماليك أمثاله من البلد، فإن امتنع أجبر عليه أو على
البيع، ولو خارجه ولم يكفه الفاضل فالتمام على المولى، ولا يجوز المخارجة
على أكثر من كسبه، والقن والمدبر وأم الولد سواء، وتجب نفقة البهائم المملوكة
بالرعي، فإن قصر علفها، فإن امتنع أجبر على البيع أو الإنفاق أو الذبح إن كانت
من أهله، ويوفر على ولدها كفايته من اللبن مع حاجته إليه.
المطلب الثالث: في أحكام الأولاد:
من بلغ عشرا فما زاد وإن كان خصيا أو مجبوبا، ثم ولد له ولد بالعقد
الدائم، بعد الدخول قبلا أو دبرا، ومضى ستة أشهر من حين الوطء إلى عشرة،
لحق به ولم يجز له نفيه، ولا ينتفي عنه إلا باللعان.
ولو لم يدخل، أو جاء لأقل من ستة حيا كاملا، أو لأكثر من عشرة، أو كان
459

له دون عشر سنين، أو كان خصيا ومجبوبا لم يلحق به، ولا يجوز له إلحاقه به،
ولو جاءت به كاملا لأقل من ستة أشهر من طلاق الأول فهو للأول، وإن كان
لستة أشهر فللثاني.
ولو وطأها اثنان للشبهة، أو أحدهما للنكاح الصحيح والآخر للشبهة ثم
جاء الولد، أقرع والحق بالخارج، كافرين أو مسلمين أو عبدين أو مختلفين،
ويلحق الولد بالفراش المنفرد والدعوى المنفردة، والفراش المشترك والدعوى
المشتركة تقضى بالقرعة مع عدم البينة.
ولو ادعى مولودا على فراش غيره، بأن ادعى وطأه للشبهة وصدقه
الزوجان، فلا بد من البينة لحق الولد، ولو استلحق وأنكرت زوجته ولادته لم
يلحقها بإقرار الأب، والقول قول الزوج لو اختلفا في الدخول أو الولادة، ومع
ثبوتهما لا يجوز له نفيه لفجورها، ولا ينتفي إلا باللعان، وكذا لو اختلفا في المدة.
ولو وطأها زان فالولد للزوج، ولو طلقها فاعتدت وجاءت به لعشرة من
حين الطلاق فما دون لحق به إن لم توطأ، ولو انخلق من زناه ولد لم يجز إلحاقه
به وإن تزوجها بعد، ولو ولدت أمته لستة أشهر من حين وطئه إلى عشرة وجب
إلحاقه به، و فإن نفاه انتفى بغير لعان، فإن اعترف به بعد ألحق به.
ولو وطأ المولى وأجنبي فالولد للمولى، قيل: ولو ظن انتفاءه لم يلحق به
ولم ينتف بل يوصي له بقسط دون نصيب الولد، ولو انتقلت من واطئ إلى آخر،
فإن ولدت لستة أشهر فصاعدا من حين وطء الثاني فالولد له، وإلا فللسابق، ولو
وطأها الشركاء وتداعوا الولد ألحق بمن تخرجه القرعة ويغرم حصص الباقين
من قيمة الأم وقيمته يوم ولد، ولو ادعاه واحد ألحق به وأغرم.
ولا يجوز نفي الولد للعزل، ولو تشبهت عليه وحملت من وطئه ألحق الولد
به، فإن كانت أمة أغرم قيمة الولد يوم ولد حيا، ولو ظن الموت أو الطلاق
فأحبلها ردت إلى الأول بعد العدة والولد للثاني.
ويجب عند الولادة استبداد النساء بالمرأة أو الزوج.
460

ويستحب: غسل المولود، والأذان في أذنه اليمنى، والإقامة في اليسرى،
وتحنيكه بماء الفرات وبتربة الحسين عليه السلام، والتسمية بالأسماء الحسنة،
والكنية، ولا يجمع بين أبي القاسم ومحمد.
ويكره التسمية: بحكم، وحكيم، وحارث، ومالك، وضرار.
ويستحب: يوم السابع حلق رأسه والتصدق بوزنه ذهبا أو فضة، والختان
فيه ويجب عند البلوغ، وخفض الجواري وإن بلغن، والعقيقة عن الذكر أو الأنثى
بالمثل بشرائط الأضحية، ولا يكفي الصدقة بثمنها، ويخص القابلة بالرجال
والورك، ولا يسقط عنه استحبابها لو أهمل الأب، ولا بموته بعد الزوال، ويكره
للأبوين الأكل منها، وكسر العظام.
كلام في الحضانة والرضاع:
الأم أحق بحضانة الولد مدة رضاعه، وهي حولان في الذكر، وفي الأنثى
مدة سبع سنين، بشرط حرية الأم وإسلامها وعدم التزويج، فإن طلقت عادت،
ولو مات الأب لم تسقط به واستحقت الحضانة إلى وقت البلوغ، وكذا لو كان
الأب كافرا أو عبدا، فإن أسلم فهو أولى، ولو عدم الأبوان فللأجداد، فإن عدموا
فأقرب النسب كالإرث، ولو تعددوا أقرع، وتسقط ببلوغ الصغير رشيدا لا
بإرضاع الغير.
ولا يجب على الأم الحرة الرضاع، ولها الأجرة على الأب إن لم يكن للولد
مال، وله إجبار أمته عليه، وكماله حولان، ويجوز الزيادة شهرين ولا أجرة فيهما،
وأقله أحد وعشرون شهرا، فإن طلبت الأم مثل الغير فهي أولى، ولها أن ترضع
بنفسها وبغيرها، وله دفعه إلى المتبرعة أو الراضية بالأقل إن لم ترض الأم، وإلا
فهي أحق، والقول قوله في وجود المتبرعة، ويستحب أن يرضع لبن الأم.
461

تلخيص المرام
في معرفة الأحكام
للشيخ جمال الدين أبي منصور الحسن بن سديد الدين
يوسف زين الدين علي بن محمد مطهر الحلي المشتهر بالعلامة الحلي
والعلامة على الإطلاق
647 - 726 ه‍. ق
463

كتاب النكاح
وفيه فصول:
الأول:
ينقسم النكاح إلى الدائم والمنقطع وملك اليمين.
فالدائم مستحب مع التمكن، وقد يجب، ويستحب التخير لذات الأصل
البكر العفيفة الولد، وصلاة ركعتين والدعاء بعدهما، والإشهاد وإعلان الخطبة
أمام العقد، وإيقاعه ليلا، وصلاة ركعتين عند الدخول والدعاء، وأمر المرأة بصلاة
ركعتين، والدخول ليلا، ووضع اليد على ناصيتها، والدعاء والتسمية عند
الجماع وسؤال الله الولد الذكر الصالح السوي، والوليمة عنده والأكل مع
الحضور، ولو كان صائما ندبا.
ويكره العقد والقمر في برج العقرب، والجماع ليلة الخسوف ويوم
الكسوف وعند الزوال والغروب حتى يذهب الشفق وبعد الفجر إلى الطلوع
وفي المحاق وأول ليلة في الشهر - عدا رمضان - وليلة النصف وفي السفر - إذا
فقد الماء - وعند الرياح السود والصفر والزلزلة، والجماع عاريا وقبل الغسل
والوضوء من الاحتلام، ولا بأس بالجماع، والجماع عند من ينظر إليه والنظر إلى
الفرج، والجماع في الدبر على أصح الرأيين، والجماع مستقبل القبلة ومستدبرها
وفي السفينة والكلام لغير الذكر.
465

ويجوز تكرار النظر إلى وجه من يريد نكاحها من غير إذن، وكفيها قائمة
وماشية، وإلى من يريد شراءها وإلى شعرها ومحاسنها، وإلى أهل الذمة وشعورهن
إلا لتلذذ أو ريبة، وأن ينظر الرجل إلى مثله - عدا العورة - إلا لريبة أو تلذذ، وكذا
المرأة، وأن ينظر إلى جسد زوجته باطنا وظاهرا، أو إلى محارمه - عدا العورة -،
وكذا المرأة، ولا ينظر إلى الأجنبية إلا لضرورة، ويجوز أن ينظر إلى وجهها وكفيها
مرة، وتحرم المعاودة، وكذا المرأة، وللطبيب أن ينظر إليها مع الحاجة وإلى
عورتها، ولا يجوز للخصي النظر إلى المالكة ولا إلى الأجنبية، ولا للأعمى سماع
صوت الأجنبية، ولا للمرأة النظر إليه.
ويحرم العقد على الأم وإن علت، والبنت وإن نزلت، والأخت وبناتها وإن
نزلن، وبنات الابن والأخ وإن نزلن، والعمات والخالات وإن علون، وبناتهما إذا
زنا بهما سواء كن نسبا أو رضاعا، وأم الزوجة، أو الموطوءة بالملك وإن علت
نسبا ورضاعا وبناتها وبنات أولادها ذكورا وإناثا نسبا ورضاعا - بشرط الدخول
بالأم - تقدمت ولادتهن أو تأخرت - وإن لم تكن في حجرة -، وحلائل الابن وإن
نزل، ومنكوحة الأب وإن علا، والمعقود عليها في العدة عالما ومع الجهل
والدخول، وأزواج رسول الله صلى الله عليه وآله وإن لم يدخل بهن، وإن
طلقهن، وأم من أوقبه وأخته وبنته مع التأخر، والمعقود عليها حالة الإحرام عالما
بالتحريم، والمطلقة تسعا للعدة ولو تخللها طلاق السنة فالأولى التحريم، وفي
التحريم في الأمة وعدده نظر، والمفضاة بالوطئ لدون تسع، والملاعنة،
والمقذوفة مع الصمم أو الخرس، وذات البعل المزني بها في حباله أو في عدته
الرجعية.
ولا تحرم مملوكة كل من الأب والابن على الآخر بمجرد الملك، بل
بالوطئ، وللأب أن يقوم مملوكة الابن مع صغره، ولو وطئ من دون ذلك، أو
وطئ الابن لا مع الرضا والشبهة، فهو زنا، قال الشيخ: ولا ينعتق ولد الولد على
الأب، قال: ولو ملك بنته من الزنى عتقت عليه، وفي الجميع نظر، ويختص الحد
466

بالابن، ولو حملت مملوكة الأب من الابن بالشبهة، عتق ولا تقويم، بخلاف مملوكة
الابن من الأب فيهما، إلا في الأنثى، ولو وطئ الأب زوجة الابن بشبهة لم تحرم
عليه لسبق التحليل على رأي، وعليه المهر مع الإكراه ولا تكون أم ولد.
ويثبت النسب مع النكاح الصحيح والشبهة، دون الزنى لكن يحرم الولد
منه على الزاني والزانية، وعلى هذا يحرم على أولادهما وآبائهما، وبالجملة من يحرم
عليه، ولو كان من وطء صحيح وفيه نظر.
وتحرم أخت الزوجة جمعا، وبنت أخيها وأختها إلا مع رضاها، ومع
الكراهية يبطل، ولو عكس صح وكذا لو علت العمة والخالة نسبا ورضاعا،
ولا يحرم المتأخر المتقدم كمن لاط بابن زوجته.
ولا خلاف أن الوطء المباح ينشر تحريم المصاهرة في النسب والرضاع
فيثمر صيرورة المحرمة عليه على التأبيد محرما، يجوز أن يسافر بها وينظر أحدهما
إلى صاحبه، وفي الزنى روايتان، وادعى الشيخ الإجماع في الوطء بالشبهة.
ولو تزوج الأختين فالعقد للسابقة، ولو اقترنا بطل، ولو وطئ الأمة بالملك
ثم تزوج أختها حرمت الأولى ما دامت الثانية زوجة، ولو وطئ إحدى الأمتين
الأختين حرمت الثانية حتى تخرج الأولى من الملك.
ولو لمس الأب أو الابن أو نظر ما يحرم على غيرهما كره للآخر العقد، ولو
نظر أو لمس أو وطئ في غير الفرج لغير شهوة لم ينشر حرمة المصاهرة إجماعا،
وإن كان بشهوة وكان محرما، فكذلك، وإن كان مباحا أو بشبهة، قال الشيخ:
ينشر الحرمة إلى الإماء وأمهاتها والبنت وإن نزلت.
ويكره العقد على الإماء مع الطول، وكل امرأتين حرم الجمع بينهما في
النكاح حرم الجمع بينهما في الوطء بملك اليمين، وحكم الرضاع في جميع
ما ذكرنا حكم النسب.
ويحرم إدخال الأمة على الحرة من غير إذن ويبطل لو بادر، ولو أدخلت
الحرة تخيرت في نفسها، ولو جمعهما في عقد واحد صح على الحرة خاصة، ولو
467

لم يدخل بالمزوجة في العدة مع الجهل بالعدة والتحريم، أو عقد في حال
الإحرام جاهلا بطل، واستأنف، ولو دخل لحق به الولد إن جاء لستة أشهر ولها
المهر مع الجهل، وتتم عدة الأول وتستأنف للثاني ولا مهر مع علمها، ولا يحرم
من زنا بها غير ذات بعل أو في عدة رجعية، والمصرة عليه وذات البعل تحرم في
حباله وعدته، وتحرم بنت الزوجة إذا لم يدخل بالأم جمعا.
ويحرم على الحر في الغبطة ما زاد على أربع حرائر وما زاد على أمتين منهن،
وعلى العبد ما زاد على أربع إماء أو حرتين، ويجوز للحر العقد على أمتين وحرتين
وللعبد العقد على حرة وأمتين، ولا ينحصر الباقيان في عدد، ولو طلق إحدى
الأربع رجعية استصحب التحريم ويزول لو كان بائنا، وكذا الأخت، ولو تزوج
بعد الثلاث اثنتين بطل على رأي.
ويكره العقد على القابلة وبنتها، وتزويج ابنه بنت زوجته الصائرة بعد
المفارقة، والتزويج بضرة الأم مع غير الأب، وبأخت الأخ، وبالزانية قبل أن
تتوب. ويجوز الجمع بين المرأة وزوجة ابنها، أو وليدته إذا لم تكن أما، وأن
يتزوج كل من الوالد والولد بأمة الآخر.
الثاني:
تحرم غير الكتابية من الكفار في الثلاثة إجماعا، والكتابية من اليهود
والنصارى والمجوس في الدائم على رأي، ويجوز في الباقيين، ولو ارتد أحد
الزوجين قبل الدخول انفسخ العقد ويسقط المهر إن كان المرتد المرأة، وإلا
فالنصف وينتظر العدة بعد الدخول ولا سقوط، وإن كان ارتداد الزوج عن فطرة
فلا انتظار.
ولو أسلم زوج الكتابية بقي العقد وإن كان قبل الدخول، وله منعها من
الخروج إلى البيع والكنائس وشرب وأكل الخمر وأكل الخنزير واستعمال النجاسات،
وليس له الالتزام بالغسل بل بإزالة الوسخ المانع من الاستمتاع، ولو أسلمت
468

دونه سقط المهر وينفسخ النكاح إن كان قبل الدخول، وإلا وقف على العدة
ولا سقوط.
ولو أسلم أحد الزوجين الحربيين انفسخ في الحال إن كان قبل الدخول
وإلا انتظرت العدة، ولو اصطحبا فلا فسخ، ولو انتقلت زوجة الذمي إلى ملة كفر
قيل: وقع الفسخ في الحال، ولو عادت، ويتخير المسلم على أكثر من أربع
بالدائم سواء اصطحب عقدهن أو ترتب أربعا، بالقول أو الوطء، وإن كان عبدا
فحرتين أو حرة وأمتين أو أربع إماء، ويثبت العقد لو كن أربعا وليس له الفسخ،
ولو رتب اختياره ثبت عقد الأول.
والطلاق اختيار بخلاف الظهار والإيلاء، وعندي أنهما اختيار، وفي التقبيل
واللمس بشهوة نظر، ولو أسلم وقد وطئ الأم والبنت بالعقد أو الأم حرمتا، ومع
عدمه تحرم الأم فلا اختيار، وتحرمان لو كانتا أمتين مع وطئهما، ولو وطئ
واحدة حرمت الأخرى، ومع عدم الوطء يتخير، ويخير إحدى الأختين وإن
وطئهما، وكذا العمة والخالة مع بنت أخيها وأختها إذا لم تتخيرا، والحرة مع
الأمة، وإن اخترن صح الجمع في غير الأختين.
ولو أسلم معه بعض الزائد على الأربع فله اختيارهن والتربص، فإن لحق به
في العدة تمام الأربع ولم يزدن ثبت عقدهن، وإن زدن تخير، ولو اختار من سبق
إسلامهن وهن أربع فلا اختيار في الباقيات وإن لحق قبل العدة، وكذا لو كان
عنده أكثر من أمتين تخير اثنتين إذا رضيت الحرة، إن كانت.
ولو أسلم على أربع وثنيات حرائر فأسلم معه اثنتان ثم أعتق ولحق به الباقي
تخير اثنتين، ولو أسلمن ثم أعتق، ثم أسلم وأسلم البواقي، أو أسلمن بعد عتقه
وإسلامه في العدة ثبت على أربع، ولو أسلم عن أربع وثنيات مدخول بهن فليس
له العقد على الزائد، ولا على الأخت إلا بعد العدة مع استمرار كفرهن، ولو عقد
كان باطلا لا موقوفا.
ولو أسلمت الوثنية فتزوج أختها وانقضت العدة على الكفر، صح عقد
469

الثانية، ولو أسلما قبل الانقضاء، تخير، ولو أسلم الوثني فاعتدت فارتد فخرجت
العدة، فلا نكاح، ولو أسلمت في العدة ورجع فيها، فهو أحق.
والموت لا يبطل الاختيار، ولو مات ومتن، أقرع، ولو مات قبلهن، فعليهن
أجمع العدة، ولو أسلمن معه أنفق على الجميع حتى يختار، وينفق لو أسلمن دونه
ولا عكس، ولو اختلفا في السابق فالقول قوله، ولو مات قبل الاختيار ورثه أربع
منهن وتوقف حتى يصطلحن، وقيل: بالقرعة أو بالتشريك، وعلى الأول لو لم
يصطلحن على التساوي وكن ثماني، أو طلب دون الخمس لم يعط شيئا، فإن
طلب الخمس أعطين ربع الموقوف وإن جاءت أعطين النصف وهكذا.
ولو أسلم الوثنيات الأربع معه دون الكتابيات الأربع ثم مات، قيل:
لا توقف لجواز أن تكون الزوجات الكتابيات، ولا إيقاف إلا مع تحقق الميراث،
ولو مات قبل إسلامهن فلا ميراث، والوجه ثبوته قبل القسمة.
ولو أسلم عن حرة وأربع إماء وأسلم الإماء وأعتقن، لم يكن له أن يختار
منهن شيئا قبل العتق للتمسك بالحرة، وبعده لأن وقت الاختيار حين اجتماع
الإسلامين وهن حينئذ إماء فإن لم يختر وأسلمت الحرة في العدة، ثبت نكاحها
وبطل نكاح الإماء مع عدم الإجازة، وإن استمرت اختار ثنتين، لأن الاختيار
يراعى وقت الثبوت لا وقت الوجود، ولو اختار وأسلمت في العدة بطل اختياره إلا
أن ترضى الحرة، وإن استمرت، ففي الافتقار إلى تجدد الاختيار نظر.
ولا يصح تعليق الفسخ بالشرط، وللسلطان الإجبار على الاختيار، ولو اتفقا
على السبق قبل الدخول ولم يعلما التعيين، فإن كان المهر مقبوضا ردت نصفه
خاصة، وإلا فلا شئ لها، ولو اختلفا في التعيين، فالقول قولها في نصف المهر لا
النفقة، ولو ادعى الاصطحاب وادعت السبق فالأصل البقاء.
ولو اغتصبها الحربي أو طاوعته وأقاما على هذا، لم يقرأ عليه بعد إسلامهما،
ولو تعاقدا النكاح بشرط الخيار المؤبد لهما أو لأحدهما بطل، وإن كان يختار
الشرط وأسلما بعد انقضائه أقرا عليه، ولو أسلما في المدة بطل سواء نكحها في
470

المدة أولا. والحاصل أن كل موضع لا يعتقدان لزوم النكاح فيه يبطل، ومالا
فلا، وليس للمرتد أن يختار وقيل: إن الآبق كالمرتد ولم يثبت.
الثالث:
يشترط في الرضاع المحرم، كون اللبن عن نكاح صحيح أو شبهة لفحل
واحد، وأن يكون في مدة الحولين خمس عشرة رضعة على رأي، متوالية كاملة
عادة من غير فصل ولا امتزاج، أو مدة يوم وليلة، أو ما أنبت اللحم وشد العظم.
ولو طلقها وأرضعت من لبنه لحق به، وكذا لو تزوجت ودخل الثاني
واتصل إلى الولادة فما قبلها للأول وما بعدها للثاني، ولو رضع بعض الرضعة أو
من غير الثدي أو تخلله رضاع أخرى أو جعل في فيه شئ يمازج اللبن أو كمل
الحولان ولم يرو من الأخيرة، لم يحتسب، ويحتسب لو كملا مع كمال العدد.
ويشترط حياة المرضعة على رأي، ولا يعتبر الحولان بالنسبة إلى ولد
المرضعة على رأي، وكما أنه يحرم النكاح فكذا يبطله، ولو أرضعت بلبن فحل
واحد كثيرا حرم بعضهم على بعض، ولو نكح امرأتين فأرضعتا نفسين ثبتت
الحرمة بينهما، ولو أرضعت بلبن اثنين صبيين لم ينشر الحرمة.
وأولاد الفحل نسبا ورضاعا وأولاد المرضعة نسبا لا رضاعة يحرمون على
المرتضع، والمرضعة أم والفحل والد، وآباؤهما أجداد وجدات، وأولادهما إخوة
وأخوات، وأخواتهما أخوال وأعمام.
ويحرم على أب المرتضع أولاد الفحل ولادة ورضاعا وأولاد المرضعة
ولادة خاصة، ويجوز لأولاده الذين لم يرتضعوا من المرأة أن ينكحوا في أولادهما
على رأي، أما لو أرضعت ابنا لقوم وبنتا لآخر، جاز التناكح بين إخوة أحدهما
وإخوة الآخر، ولا تتعدى الحرمة إلى من يكون في درجة المرتضع من إخوته
وأخواته، أو أعلى منه كأمهاته وأخواله، فللفحل نكاح أخت المرتضع وأمه،
ولأخ المرتضع نكاح المرضعة، وللابن أن ينكح أم البنت التي لم ترضعه، ولو
471

أرضعت ذات الابن ذات الأخت جاز نكاح الابن للأخت، ولو تزوج رضيعة،
فأرضعتها من تفسد نكاح الصغيرة بإرضاعه، كأمه، حرمت وسقط المهر إن
انفردت الصغيرة بالارتضاع وإلا فالنصف، قيل: ويرجع على المرضعة مع
قصد الفسخ، ولو كانت الزوجة أمة تتبع بعد العتق، ولو كانت أمته لم يرجع
عليها إلا أن تكون مكاتبة، ولو أرضعتها امرأة أبيه أو ابنه بلبنهما نشر الحرمة، وإن
كان بغيره لم ينشر، وينشر لو أرضعتها أمه من الرضاعة أو أخته أو بنته أو امرأة
أبيه أو ابنه من الرضاع حكمه حكم النسب، ولا تحرم أم أم الولد من الرضاع وإن
حرمت من النسب لأنها ما حرمت بالنسب بل بالمصاهرة.
ويحرم من الرضاع ما يحرم من النسب لا ما يحرم من المصاهرة، ولو
أرضعت زوجته الكبيرة الصغيرة، حرمتا أبدا إن دخل بالكبيرة، وإلا فالكبيرة
ويجدد العقد، ولو أرضعتها إحدى الكبيرتين ثم أرضعتها الأخرى، حرمن كلهن
على رأي، ولو أرضعتها أمته الموطوءة أو المطلقة حرمن، ولو أرضعت الكبيرة
صغيرتين حرمن مع الدخول، وإلا جدد عقدهما، ولو أرضعت الكبيرة إحدى
الصغار الثلاث حرمتا على التأبيد مع الدخول، فإذا أرضعت الباقيتين معا انفسخ
نكاحهما وتحرمان مؤبدا إن دخل بها، وإلا جدد نكاح أيتهما شاء، ولو أرضعتهن
على التعاقب انفسخ نكاحها مع الأولى ويثبت نكاح الثانية مع عدم الدخول،
وهل ينفسخ نكاح الثالثة وحدها أو نكاحها مع الثانية؟ قال الشيخ: بالثاني،
والأقوى عندي الأول.
ولو كانت إحدى الأربع كبيرة لها ثلاث بنات من الرضاع، فأرضعن
الصغار دفعة من غير دخول بالكبيرة، انفسخ نكاح الجميع وحرمت الكبيرة
على التأبيد دون الصغار، ولكل من الأربع نصف مهرها ويرجع بنصف مهر
كل صغيرة على مرضعتها، وعلى المراضع أجمع بنصف مهر الكبيرة، وإن
تعاقب الرضاع انفسخ بالأولى نكاحهما وحرمت الكبيرة مؤبدا ولها نصف
المسمى يرجع به على المرضعة والباقيتان لا ينفسخ نكاحهما، وإن كان مع
472

الدخول وحصل الرضاع دفعة حرمن كلهن، ولكل صغيرة نصف المسمى
يرجع به على المرضعة وللكبيرة نصف المسمى ترجع به على المراضع، وإن
تعاقب فكذلك إلا أن مهر الكبيرة يرجع به على الأولى خاصة.
ولو طلق كل من زوج الصغيرة والكبيرة ثم تزوج الأخرى وأرضعت،
حرمت الكبيرة عليهما والصغيرة على من دخل بالكبيرة، وكذا لو تزوجتا بواحد
ثم بآخر وأرضعت، ولو فسخت زوجة الصغير ثم تزوجت بآخر وأرضعته من لبنه
حرمت عليهما.
ولو زوج ابنه الصغير بابنة أخيه الصغيرة وأرضعت إحديهما جدتهما نشر
الحرمة، ولو استولدها فأرضعت بعد طلاقه زوجها الصغير حرمت عليهما، ولو أقر
بالرضاع قبل العقد حكم عليه بالتحريم، ولو كان بعده فكذلك مع البينة،
ولا مهر قبل الدخول والمسمى بعده، ومع عدم البينة فالنصف قبله والجميع
بعده، إلا أن تعترف الزوجة ولا تسمع البينة فيه إلا مفصلة، ولو أرضعت الخنثى
نشر الحرمة.
الرابع:
الكفاءة في الإسلام شرط في النكاح وإيمان زوج المؤمنة على رأي، وأن
لا يكون ناصبا، ولا يشترط التمكن من النفقة، ولا تفسخ المرأة لو تجدد العجز أو
بان من غير القبيلة التي انتسب إليها على رأي، ولا التساوي في النسب والشرف،
ولو خطب المؤمن القادر وجبت الإجابة وإن كان أدون.
ويكره تزويج الفاسق، ولا يفسخ الرجل لو علم الزنى المتقدم ولا يرجع
بالمهر، والرجعية لا يجوز التصريح والتعريض لها بالخطبة، والبائن يجوز
التعريض من الزوج وغيره والتصريح منه خاصة، والمطلقة ثلاثا يجوز التعريض
لها من الزوج وغيره لا التصريح منهما، والمطلقة تسعا للعدة، في العدة يحرم
التصريح من الزوج وغيره والتعريض منه خاصة.
473

ولو خطب الممنوع وانقضت العدة فنكحها لم تحرم، قيل: وتحرم الخطبة
على غير المخاطب المجاب ويصح النكاح، ولو شرطت على المحلل الإنكاح
بعده بطل وقبل الشرط، ولو شرطت الطلاق قيل: بطل الشرط خاصة، ولها مهر
المثل إن دخل، ولو لم يشرط وكان في نيتها فلا فساد.
ونكاح الشغار باطل، وهو أن يكون مهر كل امرأة نكاح الأخرى، ولو
شرط في العقد مع المهر المعلوم تزويج الأخرى صح العقد وبطل المهر، ولو
قال: زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك على أن نكاح بنتي مهر بنتك، صح
نكاح بنته وبطل نكاح بنت المخاطب، وينعكس لو عكس.
ويكره أن يطرق أهله ليلا والعزل عن الحرة إذا لم يشترط في العقد ولم
تأذن، وتجب الدية عشرة دنانير للمرأة، ويحرم ترك وطء المرأة أكثر من أربعة
أشهر، والدخول قبل التسع، ولا يحرم بدون الإفضاء، وتجب عليه النفقة إلى أن
يموت أحدهما، فإن صلحت بحيث لا يتضرر بالوطئ، قيل: وجب عليها التسليم
بعد التسع.
الخامس:
يشترط في العقد الإيجاب والقبول الواقعان بلفظ الماضي، والأمر على رواية،
بالعربية إلا مع العجز فيجزئ ولو إيماء ممن له أهلية التكليف، وامتياز الزوجة عن
غيرها، ولا يشترط تقديم الإيجاب ولا اتفاقه مع القبول لفظا، ولا الزيادة على لفظة
(قبلت)، ولا الولي في البالغ الرشيد، ولا الشهود، ولا ذكر المهر.
وصيغة الإيجاب: زوجتك وأنكحتك ومتعتك، على رأي، وفي الجواب
ب‍ (نعم) عن سؤال التزويج نظر، ولا ينعقد بلفظ البيع والهبة والإجارة والتمليك،
ولا عبرة بعبارة السكران، وإن أفاق فأجاز على رأي، ولو أوجب وجن أو مات
بطل، ويدخل الخيار في الصداق دون العقد، ولو شرطه فيه بطل العقد على
رأي، ولو ادعى أحدهما الزوجية وصدقه الآخر لزم، ومع عدم التصديق يحكم
474

على المقر دون الآخر.
ولو قصد الأب عند التزويج إحدى بناته من غير ذكر ثم اختلفا بطل العقد،
إن لم يكن الزوج رآهن وإلا دفع إليه المنوية، ولو كانت واحدة اسمها زينب،
فقال: زوجتك بنتي فاطمة، صح ولا اعتبار بالاسم، ولو كانت الكبيرة زينب
والصغيرة فاطمة، فقال: زوجتك الكبيرة فاطمة، صح نكاح الكبيرة، ولو
ادعت أخت من ادعى زوجيتها، الزوجية، وتعارضت البينتان رجحت دعواها مع
السبق أو الدخول وإلا سقطت، ولو ادعى غيره زوجية من عقد عليها فلا التفات
من دون البينة.
وللأب، والجد له مطلقا ولاية النكاح على الصغيرين، وإن كانت الأنثى
ثيبا، والبالغين مع الجنون لا بدونه في النكاحين، ولو تشاحا قدم اختيار الجد
وعقده لو اتفقا، وإلا فالسابق، وللمولى على المملوكين لا على من تحرر بعضه،
وللولي على أمة المولى عليه، وللحاكم والوصي على البالغ المجنون خاصة، ولو
وكلت البالغة في التزويج، فليس للوكيل أن يتزوجها من دون إذن، ومعه يجوز
على رأي، وللجد أن يزوجها من ابن ابنه الآخر، وللأب من موكله، وللمرأة أن
تزوج نفسها وأن تتوكل.
وإنما تثبت الولاية للمسلم العاقل، وتعود ولاية من زالت عنه الجنون بزواله،
والعبد كالحر في الولاية على الحرة الصغيرة، وللمرأة الفسخ لو زوجها الولي
بدون مهر المثل أو بالمجنون أو بالخصي، وللذكر لو زوجه بمن بها أحد العيوب
أو بالمملوك على قول.
وإذن البكر السكوت، ولا بد في الثيب من النطق ويشترط في الأمة والعبد
إذن المالك، ولو عقد الأبوان على الصغيرين أو المجنونين لزم وتوارثا، ولو كان
غيرهما وقف على الإجازة، ولو دخل المجنون حينئذ قيل: لا مهر، فإن مات
أحدهما بطل، وإن مات بعد البلوغ والإجازة أخرج ميراث الآخر، فإن بلغ
وأجاز أحلف لعدم الطمع وأعطي، ولو أذن للعبد مطلقا فهو بمهر المثل والزائد
475

في رقبته والمهر والنفقة على مولاه، ولو نكح بغير إذن وفرق المولى قبل الدخول
فلا مهر، وبعده يتبع به، ولو تزوج فاسدا مع إذن المولى في المطلق، فكذلك،
وليس لمولاه مع إطلاق الإذن والصحة منعه منها، إلا أن يتزوج في غير بلده.
ويستحب استئذان الأب مع البلوغ، ومع عدمه توكيل أخيها الأكبر، ولو
وكلته والصغير فالعقد للسابق، ولو دخلت بالمتأخر اعتدت ويلحق به الولد
وعليه المهر، ولو ادعى كل منهما السبق، فإن أنكرت وحلفت سقطت الدعويان
وبطلا، وإن ردت وحلفا أو نكلا، بطلا، وإن حلف أحدهما صح نكاحه، وإن
اعترفت لهما بطلا، وإن اعترفت لأحدهما صح نكاحه، قيل: وتحلف للآخر لأنها
لو اعترفت لزمها مهر مثلها للثاني وفيه نظر، ومع عدم السبق قيل: العقد للكبير،
ومع عدم التوكيل تختار من شاءت، والأولى الأكبر.
ولا ولاية للأم ولو رضي لزمه المهر وإلا لزمها على قول، ولو ادعى الزوج أو
وارثه عدم توكيلها فالقول قولها.
السادس:
كل ما يصح ملكه عينا ومنفعة صح أن يكون مهرا، ويصح على إجارة
الزوج نفسه مدة معينة، وعلى منفعة الحر، وليس ذكره شرطا، ولو شرط أن لا
مهرا صح العقد ولزم مهر المثل مع الدخول، ولو أسلم أحد الزوجين بالمحرم
قبل القبض دفع قيمته، ولو جعله المسلم ابتداء صح العقد على رأي، ولها مهر
المثل مع الدخول ونصفه مع الطلاق، وقيل: القيمة، ولو جعل الحر فمهر المثل
على القولين، لا على رأي من يبطله، ولا يتقدر قلة وكثرة على رأي، ويستحب
ذكره وتقليله، ويكره تجاوز السنة والدخول قبل تقديمه أو بعضه، ولا يشترط في
المشاهد العلم بالمقدار.
ولو تزوجهما بمهر واحد قسط على مهور الأمثال وتقسط عليها وعلى القيمة لو
تزوج واشترى، وكذا لو كان لواحدة لكن يبطل النكاح ولا مهر، ولو تزوجها
476

واشترى دينارا بدينار صح النكاح خاصة وعليه مهر المثل مع الدخول، ولو
تزوجها على خادم أو دار مطلقا، فلها أوسطهما ولا يتعدى، ولو تزوجها على سنة
رسول الله صلى الله عليه وآله ولم يسم فخمس مائة درهم، ولو سمى لها مهرا
ولأبيها شيئا سقط مسمى الأب، ولو شرط له من مهرها شيئا قيل: يلزم، ولو أبهم
المهر فلها مهر المثل مع الدخول، ولو أصدقها تعليم سورة معينة لقنها الجائز،
وحده أن تستقل بالتلاوة ولو نسيت الآية الأولى عند تعليم الثانية لم تجب
الإعادة، ولو استفادت التعليم من غيره فعليه الأجرة، ولو أمرته بتعليم غيرها لم
يلزم، ولو أصدقها ما لا يحسنه صح ومع تعذر الوصول عليه أجرة التعليم، وكذا
لو هلك أو هلك الثوب الذي أصدقها خياطته، ولو أصدقها مشركين تعليم
التوراة أو الإنجيل فالمهر فاسد، ويجب مهر المثل إن ترافعوا إلينا قبل التعليم وإلا
فهو استيفاء، ولو كان مسلما بكتابية فسد مطلقا، ولو أصدقها المسلم تعليم القرآن
صح، إن قصد الطمع في الإسلام، وإن قصدت المباهاة بحفظ قرآن المسلمين،
قيل: فسد، ولو أصدقها خلا فبان خمرا فلها قيمته عند مستحليه على رأي، وكذا
على عبد بان حرا أو مستحقا.
والمهر مضمون على الزوج إلى التسليم بقيمته وقت التلف إلا أن تكون قد
طالبته فمنعها، فعليه الأكثر من وقت المطالبة إلى وقت التلف، ولو ظهر عيب فلها
الرد، ولو عاب قبل التسليم قيل: لها أخذه أو القيمة، والأولى الأرش، ولها منع
نفسها من دون التسليم قبل الدخول وإن كان معسرا، وبعده على رأي، ولو كان
مؤجلا فلا امتناع، ولو امتنعت وحل فلا امتناع على رأي، ولو طلقها قبل
الدخول ولم يسم فلها المتعة وإن كانت أمة، فالموسر بثوب أو عشرة دنانير
والمتوسط بخمسة والفقير بدينار أو خاتم، ولو كان بعد الدخول فلها مهر المثل
ما لم يتجاوز السنة، ولو مات أحدهما قبل الدخول وقبل الفرض فلا شئ.
ويجوز فرض المهر - لو تراضيا - بعد العقد سواء زاد عن مهر المثل أو ساواه
أو قصر عنه مع علمهما أو علم أحدهما أو جهلهما، ولو زوجها الولي بدون مهر
477

المثل أو لم يذكر مهرا صح على رأي، وقيل: يثبت مهر المثل فيهما، ولو طلقها
فلها نصفه، والأولى المتعة في المفوضة، ويجوز للمولى تزويج أمته مفوضة، ولو
باعها حينئذ كان الفرض بين الزوج والمشتري وله المهر، ولو أعتقها قبل
الدخول فرضيت فلها المهر.
ولو فرض أحد الزوجين التقدير إلى الآخر لزم ما يقدره قليلا أو كثيرا، ما لم
تزد الزوجة عن مهر السنة فترد إليه، ولو طلقها قبل التقدير ألزم الحاكم التقدير
من هو إليه، وكان لها النصف، ولو مات الحاكم قبل التقدير فالمتعة على رأي.
ولا يستحق مهر المثل إلا بالدخول ولا المتعة إلا بالطلاق أو الخلع قبله في من
لم يفرض لها مهر.
ويستقر المهر بالدخول قبلا أو دبرا، لا الخلوة، ويملك بالعقد ولها التصرف
قبل قبضه، ويكون في ذمة الزوج وإن لم يطالب به طويلا، ولو طلق قبله
فالنصف، ويستعيد لو دفع، ولو تلف فنصف القيمة مع عدم المثل، ويلزمها أقل
الأمرين من القيمة وقت العقد والقبض، ولو نقضت عينه كعور الدابة، أو صفته
كنسيان الصنعة فله نصف القيمة، ولا يجبر على العين على رأي، أما لو نقصت
القيمة السوقية أو زادت فله نصفها إجماعا، ولو زاد بسمن أو تجدد ولد فله نصف
قيمة ما دون الزيادة المتصلة، ويجبر على العين ونصف ما دون المنفصلة، ولو
أصدقها نخلا حائلا فحمل رجع بنصف القيمة سواء كان مؤبرا أو غير مؤبر،
ويجبر على أخذ العين ولا تجبر هي على قطع الثمرة ليرجع في العين، ويجبر هو
لو طلبته، ولا يجبر لو طلبت التأخير إلى وقت الجذاذ، ولو أصدقها جارية حائلا
فحملت لم تجبر على دفع العين للزيادة، ولا هو للنقصان بالحمل، ولو كانت
حاملا فوضعت ولم تنقص رجع بنصفها، فإن اختارت ردت نصف قيمته يوم
الولادة ولا اعتبار بالزيادة في الرحم، ولو أصدقها تعليم صنعة فلها نصف أجرة
التعليم ويستعيد لو علم، ولو كانت سورة قيل: يعلم من وراء الحجاب، ولو
أبرأته من الصداق رجع عليها بنصفه، وكذا لو خلعها على جميعه قبل الدخول،
478

ولو أبرأته من النصف لم يرجع عليها بعد الطلاق.
واختلاف الدين فسخ لا طلاق سواء كان إسلاما أو ارتدادا يسقط به المهر
إن كان من المرأة قبل الدخول، ولو زاد في يدها فالزيادة قبل الارتداد لها ونصفه
من الرجل، وبعده لا سقوط، ولو كان المهر فاسدا فمهر المثل مع الدخول وقبله
نصفه إن كان الفاسخ الزوج، ولو لم يسم مهرا قيل: لها المتعة.
ولو ارتد بعد الدخول حرمت المسلمة عليه وانتظرت العدة، إن كان عن
غير فطرة فلو وطئها بشبهة واستمر على الكفر إلى الانقضاء قال الشيخ: عليه
مهران، وفي الثاني نظر.
وإنما يرجع بالمهر لا بما دفعه عوضا، ويملك النصف بالطلاق بغير
اختياره، فلو نما بعده كان بينهما، وقيل: يملك، إن تملك، فالنماء لها والإصداق
إبطال للتدبير، ولو شرط في العقد ما يخالف المشروع صح المهر وبطل الشرط،
وكذا لو شرط إن خرج أجل المهر ولم يدفعه كان العقد باطلا، قيل: ولو شرط
ألا يقبضها وألا يخرجها من بلدها لزم، ولو شرط الزيادة إن أخرجها، لم تخرج
معه إلى بلاد الشرك، وإن أخرجها إلى بلاد الإسلام لزمت الزيادة، ولو تلف
جزء المهر لزمها نصف الباقي ونصف قيمة التالف.
ويجوز للأب والجد العفو عن بعض المهر لا عن جميعه، وليس لولي
الزوج أن يعفو عن حقه إن حصل الطلاق، ولو عفا أحدهما عن نصفه لم يخرج
عن ملكه إلا بالقبض، إلا أن يكون دينا على الزوج أو تلف في يدها.
ويصح الإبراء من المهر وإن كان مجهولا، ولا يصح من مهر المثل قبل
الدخول، ولو أعتقت صح وعليها نصف القيمة، وكذا لو دبرت - ولها الرجوع
هنا -، ومع عدمه لو دفعت نصف القيمة ثم رجعت صح، وملكته على رأي، ولو
صاغت الفضة فلها دفع العين والقيمة، ولو خاطت الثوب لم يجبر الزوج على
العين.
وعلى الولد الغني المهر وعلى الوالد عهدة مهر الطفل الفقير الذي زوجه، فلو
479

مات الأب أخذ من تركته سواء بلغ الولد وأيسر أو مات قبل ذلك، فلو دفع
المهر وبلغ وطلق فله النصف دون الأب، وكذا لو تبرع الوالد أو الأجنبي عن
الكبير، ولو طلق قبل الدخول بعد البلوغ ولم يقبض الأب، برئ الأب من
النصف ووجب على الولد على قول.
والقول قول الزوج في أصل المهر قبل الدخول، وبعده مهر المثل على
رأي، وكذا القول قوله في تقديره، ولو ادعى التسليم أو قالت: علمتني غير المهر،
فالقول قولها، ولو ادعت هبة المدفوع وادعى إصداقه فالقول قوله، ولو أقامت بينة
بالتزويج مرتين فادعى التكرير فالقول قولها ويلزمه مهران، وقيل: مهر ونصف،
ولو تزوجها بمهرين سرا وجهرا ألزم الأول وقيل: إذا لم يسم مهرا وقدم شيئا
ودخل كان مهرا، ولو ادعت المواقعة بعد الخلوة فالقول قوله، وللأب قبض مهر
ابنته الصغيرة ويبرأ منه الزوج، دون الكبيرة.
السابع:
لو تزوجت بصحيح فوجدته مجنونا فلها الفسخ، وكذا لو تجدد بعد
الدخول، وإن عقل أوقات الصلاة على رأي، وإن كان خصيا أو موجوءا قبل
العقد فسخت، لا بعده، ولو بان سبق عيبه أو تأخره فسخت قبل الوطء لها أو
لغيرها قبلا أو دبرا، لا بعده - ولو مرة - ولا مع التجدد، ومع ثبوته إن لم تصبر
أجله الحاكم سنة من حين الترافع، فإن وطئها أو غيرها، فلا خيار وإلا فسخت
ولها نصف المهر، وما عداه إذا فسخت قبل الدخول يسقط وبعده يثبت.
ولا تثبت العنة إلا بإقراره، أو نكوله والقول قوله مع يمينه لو أنكر، ولو ثبت
ثم ادعى الوطء لها أو لغيرها فالقول قوله، إلا أن يعلم كذبه، ولو ادعت العنن على
المجنون لم يكن لوليه أن يضرب الأجل، ولو اعترف بها عاقلا وجن مع انتهاء
الأجل المضروب فطالبت بالفرقة لم يجز، ولم تقبل دعواها في عدم الإجابة،
والجب مع عدم ما يمكن معه الجماع ولو قدر حشفة تفسخ به، وإن تجدد على
480

رأي.
والأولى في من بان أنه خنثى أو أنها محدودة في الزنى عدم الفسخ، ولو بان
مملوكا فسخت ولو بعد الدخول، ولا يرد من غير ذلك.
ولو تزوج بامرأة فبانت عرجاء، أو عمياء، أو برصاء، أو رتقاء يمتنع معه
الوطء، أو قرناء، أو مجنونة، أو مفضاة، أو جذماء، أو أمة وإن دخل، أو بنت أمة
مع شرط كونها بنت مهيرة، أو كافرة مع شرط الإسلام، فله الفسخ.
وإنما يفسخ بالعيب لو كان قبل العقد، وقيل: يفسخ لو حدث عيبها،
وخيارهما في العيب والتدليس على الفور، ولو عالجت الرتقاء نفسها فزال
فلا خيار، وليس له إجبارها عليه، ولو اشترك المعيب فلكل خيار اتفق أو
اختلف.
ولو تزوج المسلمة على أنها كيسانية، قيل: يبطل لاعتقاده البطلان، ولو
بانت مكاتبة فإن اختار الإمساك فالمهر لها، وإن اختار الفسخ قبل الدخول فلا
مهر وبعده لها المسمى، فإن كان الغار الوكيل رجع بالجميع، وإن كان هي
رجع، إلا بما يمكن أن يكون مهرا على رأي، ولو أتت بولد فهو حر وعليه قيمته -
ولمن تكون - يبني على قيمة ولد المكاتبة إذا قتل، ولو ضربها أجنبي فألقته ميتا
فعليه الكفارة، والدية للأب إن كان الضارب غيره وإلا فلمن يليه في الاستحقاق،
ولا تكون للأم لأن المكاتبة لا ترث، ولا للسيد لأنه إنما يأخذ إذا خرج حيا.
وليس الفسخ بطلاق، ولا يفتقر إلى الحاكم إلا العنين في الأجل، ولها
الفسخ بعد خروجه من دونه، والقول قول من ينكر العيب إلا مع البينة، ولو
فسخ قبل الدخول فلا مهر وبعده المسمى، وله الرجوع على المدلس، فإن كان
العاقد من لا يخفى عليه كالمعاشر، فالرجوع عليه، وإلا فإن صدقته في عدم العلم
رجع عليها بكل ما غرم إلا ما يجوز أن يكون مهرا على رأي، وإن كذبته فعليه
اليمين ويرجع عليها بما قلناه.
ولو دلس الأمة بالحرة مولاها، فلا مهر، ولو دلست هي فله المهر ويتبع به
481

أجمع بعد العتق ويستعيد ما وجد ويتبع بالباقي لو دفع، ولو زوجه بنت المهيرة
وأدخل بنت الأمة، فلها مهر المثل ويرجع به على السائق ويدخل عليه زوجته
وله أرش البكارة، وهو التفاوت بينها وبين الثيوبة إن شرطها.
ولو أدخلت امرأة زيد على عمرو وبالعكس، ردتا إلى أزواجهما واعتدتا
ولهما مهر المثل على الواطئ والمسمى على الزوج، ولو ماتتا أو مات الزوجان،
توارث كل وزوجته.
وكل عقد باطل فللمرأة مع الدخول مهر المثل، والمسمى مع الصحة
والفسخ، ولو قتلت المرأة نفسها بعد الدخول لم يسقط، ولو كان قبله فكذلك
على إشكال، ولو طلقها قبل الدخول ثم ظهر العيب لم يسقط النصف.
الثامن:
القسمة حق على الزوج مطلقا، ويقسم الولي عن المجنون، فللواحدة ليلة من
أربع، وللاثنتين ليلتان، وللثلاث ثلاث، وللأربع لكل واحدة ليلة، إلا أن تهب
واحدة لغيرها فيجب لها أو له، ولو رجعت صح، ولا يقضي لها السالف ولا ما
قبل علمه بالرجوع، ولو تزوجهن دفعة أقرع في من يبتدئ، وله القسمة بينهن أكثر
من ليلة مع رضاهن.
وإنما تجب المضاجعة لا المواقعة إلا في كل أربعة أشهر، وتختص القسمة
بالليل، وللحرة ليلتان وللأمة ليلة، ولا يشترط إذن المالك، وكذا الكتابية مع
المسلمة، وتتساوى الأمة المسلمة والحرة الذمية، ولو أسلمت أو أعتقت بعد المبيت
عند الحرة فلها ليلتان، ولو كان بعده وبعد المبيت عند المسلمة ليلة استوفت، ولو
بات عندها ليلة أولا ثم أعتقت قبل استيفاء الحرة، قيل: يقضي لها ليلة، ولا يقسم
للمملوكة ولا يقضي للحرائر لو بات عندها، وله القصد والاستدعاء والتفريق،
وتخص البكر بسبع والثيب بثلاث، ولا قضاء ولا قسمة في السفر.
وتستحب التسوية في الإنفاق وإطلاق الوجه وأن يكون صبيحة كل ليلة
482

عند صاحبتها والإذن في حضورها موت أبويها، والقرعة إذا أراد الاستصحاب
للسفر، وقيل: لا يجوز العدول عمن خرج اسمها، ولو خرج اسم من لم يدخل بها
فمع العود يوفيها حصة التخصيص، ولو لم ترد القسمة وللزوج الإجبار.
ولا قسمة للصغيرة ولا المجنون ولا الناشز، ويقسم للرتقاء والقرناء والمريضة
والحائض والنفساء والمحرمة والمولى عليها والمظاهرة، ولا يزور الضرة في ليلة
غيرها إلا مع المرض، فلو استوعبت الليلة فلا قضاء، ولو أقام عند إحدى زوجتيه
في أحد البلدين مدة، قيل: يقسم عند الأخرى في بلدها مثلها، ولو جار قضى،
ويقضي لو جار وليه بعد الإفاقة، ولو نشزت إحدى الأربع قبل القسمة - وهي
خمس عشرة - فتخلفت ثالثة ورجعت، فلها خمس وللثالثة خمس عشرة، فيقسم
لها ليلة وللثالثة ثلاثا خمسة أدوار، ولو طلق بعد استحقاق الليلة ثم تزوجها، قيل:
يرجع الاستحقاق، ويجب عليها التمكين التام وإزالة المنفر، وله منعها من
الخروج.
ويجوز له هجر الناشز وضربها إن احتاج، ما لم يبرح أو يدمي، ولو نشز فلها
المطالبة بحقوقها، ويلزمه الحاكم، ولها ترك بعضها استمالة له، ويحل له قبوله،
ولو منعها بعض حقوقها أو أعارها فبذلت له شيئا لتخلع صح، وليس بإكراه،
ولو وقع الشقاق بعث الحاكم حكمين من أهلهما، فإن رأيا الإصلاح، أصلحا من
غير إذن، وإن رأيا الفرقة استأذنا، ويجوز أن يكونا أجنبيين، وقيل: لا يجوز الحكم
لو غاب الزوجان أو أحدهما، ويلزم أن يكون ما يشترطانه سائغا.
وتجب النفقة في الدائم، بشرط التمكين، ولو مكنت وقتا دون آخر أو في
موضع دون آخر مما يمكن فيه الاستمتاع سقطت، ولا نفقة للصغيرة، وتثبت
للكبيرة مع صغر الزوج على رأي، وللرتقاء والقرناء والمريضة والضعيفة - مع
عظم آلته - ولا تسقط بالسفر المأذون والواجب، وتسقط في غيره، وكذا الصوم
والصلاة.
ولا تسقط بالرجعي مدة العدة يوما فيوما، وكذا الكسوة والمسكن، وتسقط
483

بالبائن إلا مع الحمل فتجب له على رأي، استدلالا بالدوران، فلا تجب على الحر
المستولد أمة الغير بالتزويج مملوكا، ولا على العبد المتزوج بأمة غير مولاه
بشرط الولد، أو بحرة مطلقا، ويجب على الحر مع فساد النكاح، والأولى سقوط
نفقة الحامل المتوفى عنها من النصيب، ولو فسخ بالعيب بعد الدخول فالأولى
وجوب النفقة إلى وقت الفسخ، وتثبت للذمية والأمة إذا أرسلها مولاها دائما.
وكذا السكنى والكسوة، وقدرها ما يحتاج إليه مما تجري عادة أمثالها به من
طعام وإدام وكسوة وإسكان وآلة الادهان، وإنما تجب نفقة كل يوم فيه غدوة،
ولو فات قضى، وإن كانت ذات إخدام، أخدمها بالواحد واجبا خاصة، وله أن
يخدمها بنفسه أو يبتاع خادما أو يستأجر أو ينفق على خادمها مع رضاها، ولو
طلبت نفقة الخادم وتخدم هي لم تجب الإجابة، ويلزم في غيرها مع المرض، ولو
استدانت النفقة قضاها، ولها السكنى في منفرد عن غير الزوج، وثياب التجمل إن
كانت من أهله، وزيادة الكسوة في الشتاء، ولو دفع نفقة مدة فاستفضلت ملكته
وطالبت بعد المدة بأخرى، ولو طلقها قبل المدة استعاد ما بقي، ولو دفع كسوة
مدة فبقيت بعدها طالبته بأخرى ولو أخلقت قبلها لم يجب البدل، وليس لها
المطالبة بمدة مواكلته على العادة، ولو لم يدخل بها مدة قيل: لا يجب قضاء
نفقتها، ولو كان غائبا فبذلت التمكين عند الحاكم لم تجب النفقة إلا بعد الإعلام
ووصوله أو وكيله، ولو ماطل ألزم ما زاد عن مدة العلم والإرسال.
ولو نشزت وعادت لم تثبت النفقة إلا بعد العلم وإمكان وصوله أو وكيله،
ولو ارتدت سقطت ولو أسلمت وجبت وإن لم يعلم، وعندي في الفرق نظر،
وتسقط نفقة المجنونة إذا نشزت.
وينفق على من تدعي الحمل من البوائن ومع تبين الكذب يستعاد، ولو
ادعت أن الطلاق الرجعي بعد الوضع وأنكر بانت ولها النفقة بعد يمينها.
ولا يجوز احتساب الدين على المعسرة من نفقتها وليس له الامتناع لو
رضيت، ويجوز على الموسرة، ونفقة المملوك واجبة على المولى من غالب قوت
484

البلد وكسوته، ويستحب من قوت السيد وكسوته، وله الإنفاق من كسبه مع
الكفاية، وكذا نفقة البهائم المملوكة، ونفقة زوجة المملوك على المولى، ونفقة
ولد المكاتب من أمته عليه ومن أمة الغير على سيدها إن شرط ملكه، ومن زوجته
الحرة، عليها، ومن مكاتبة الغير قيل: عليها.
وتجب النفقة على الأبوين وإن علوا، ولا يجب الإعفاف، وعلى زوجة الأب
دون أولاده، وعلى الأولاد وإن سفلوا وإن كانوا كفرة مع الحاجة والعجز
والحرية، ويملك المنفق ما يفضل عن قوت يومه وليلته، ويبدأ بالنفقة على نفسه
والفاضل لزوجته والباقي لأقاربه، ويجب قدر الكفاية كالزوجة، ولا يقضي نفقة
الأقارب إلا أن يأمر بالاستدانة، ولو كان ما يكفي أحد المتساويين اقتسماه، ولو
كان أحدهما أقرب اختص به، وكذا على الأب النفقة مع يساره دون الجد، ولو
عدم الآباء فعلى الأم ومع عدمها أو فقرها فعلى أبويها وإن علوا، الأقرب فالأقرب،
ولو كان الأب والابن موسرين أنفقا بالسوية.
وللحاكم أن يبيع وينفق على من تجب نفقته مع المماطلة، وإجبار المولى
على بيع مملوكه أو إعتاقه أو الإنفاق، وتجب الخدمة نهارا، وتستحب النفقة على
باقي الأقارب ويتأكد في الوارث.
التاسع:
يشترط في المتعة الإيجاب وهو (زوجتك وأنكحتك ومتعتك) دون
(ملكتك ووهبتك) وغيرها، والقبول، وإسلام المرأة أو كونها كتابية، والمهر
والمدة ومع اختلالهما تبطل إجماعا، وكذا مع اختلال المهر وأما المدة فعلى
رأي، ولا بد في لفظي العقد من المضي.
ولا تستمتع المسلمة بغيره ولا المسلم بالحربية والناصبة والأمة وعنده حرة
من دون إذنها وإذن مالكها، وإن كانت امرأة على رأي، وبنت الأخ والأخت من
دون رضا العمة والخالة، ويستحب أن تكون مؤمنة عفيفة، وسؤالها عن حالها،
485

ويكره الزانية والبكر بدون الأب، وافتضاضها.
وشرط المهر الملك والعلم به، ويكفي مشاهدته أو وصفه ولا يتقدر إلا
بالتراضي، ويلزم بالعقد ونصفه لو وهبها الأيام قبل الدخول، ولو أخلت ببعض
المدة بعده أسقط بالنسبة، ولو بان فساد العقد فلها المهر مع الدخول وجهلها
بالتحريم، ولا مهر بدونهما، ولا بد من تعيين الأجل، ولو ذكر المرة والمرتين صح
بشرط التقييد بالزمان، ولو عين مدة متصلة أو متأخرة صح، وإن أطلق اقتضى
الاتصال، ولو تركها فخرج الأجل فلها المهر وخرجت من عقده.
ويلزم كل ما يشترط في العقد مما يوافق السنة، ولا يجب إعادته بعده لا ما
يتقدم ويتأخر، وللبالغ الولاية وإن كانت بكرا، ويجوز العزل من دون الإذن،
ويلحق به الولد ولو عزل، ولا ينتفي إلا باللعان، ولا يقع بها طلاق ولا لعان ولا
إيلاء، ويقع الظهار، ولا يثبت به ميراث ولو شرطا على رأي، ولو شرط الإتيان ليلا
أو نهارا ومرة أو مرات في زمان معين لزم، ومع انقضاء الأجل تبين، وتعتد
بقرءين، فإن كانت لا تحيض وهي في سن من تحيض فبخمسة وأربعين يوما، ولو
مات فبأربعة أشهر وعشرة أيام، ونصف ذلك إن كانت أمة، وإن كانت حاملا
فبأبعد الأجلين.
ولو أسلم عن حرة وأمة وقف عقد الأمة على رضا الحرة، ولو كانت كتابية
ثبت العقد، ولو أسلمت أولا وقف على انقضاء العدة أو الأجل مع الدخول،
وكذا لو كانت غير كتابية وأسلم أحدهما.
العاشر:
لا يجوز للأمة ولا للعبد العقد من دون إذن المالك وإن تعدد، فإن فعلا
وقف على الإجازة، ولا يجبر على إنكاحهما وله إجبارهما دون المكاتب ومن
انعتق بعضه وعليه إرسالهما ليلا.
ورق الولد تابع لرقية أبويه، فلو كان أحدهما حرا تبعه إلا مع شرط
486

المالك، ولا مهر للأمة إذا تزوجها الحر مع علمها بالتحريم، إن كان عالما وهو
زان والأولاد رق، وإن كان جاهلا فعليه المهر، وقيمة الولد يوم سقط حيا للمولى،
ولو دفعه إليها استعاد ما وجد منه، وكذا لو عقد لدعواها الحرية، ولو لم يكن له
مال سعى ويجبر المولى على القبول، ولو امتنع من السعي قيل: لا يجب على
الإمام الافتكاك.
ولو كانت حرة وعلمت بعبودية الزوج وعدم الإذن فلا مهر ولا نفقة
والأولاد للمولى، ومع جهلهما الأولاد أحرار ولها المهر مع الدخول يتبع به
العبد، ولو كانا مملوكين وعقدا من غير إذن أو بإذن فالأولاد للموليين، ولو أذن
أحدهما اختصوا بالآخر، ولو زنا بأمة غير مولاه فالأولاد لمولاها.
ولو اشترى نصيب أحد الشريكين من زوجته بطل العقد، ولا يحل الوطء
ولو أذن له الآخر على رأي، وكذا لو ملك نصفها والباقي حر لم يحل نكاحها
بالملك والعقد والإحلال، وقيل: لو أباح الشريك حلت، وقيل: لو هايأها تمتع
في يومها، ولو أذن لعبده في شراء زوجته لنفسه، لم يبطل النكاح، وإن كان
للعبد أو ملكه بعد ابتياعها - إن قلنا بالملك - بطل، ولو تحرر بعضه واشترى
زوجته بطل.
ويستحب لمن زوج عبده أمته أن يعطيها شيئا، ولو اشترط أحد الشريكين
الأولاد أو الأكثر لزم، وإذا أعتقت فلها الفسخ على الفور حرا كان الزوج أو عبدا،
ولو كانت قيمتها مائة وله مساويها، فزوجها بمائة في مرضه ثم أعتقها ومات قبل
دخول الزوج بها فلا خيار لها، وإلا أدى ثبوته إلى نفيه، ولها الخيار بعد الدخول،
ولو ادعت عدم العلم بالعتق - ومثله يخفى عنها - قبل قولها مع اليمين، وإلا فلا،
ولو ادعت جهالة الحكم مع العتق، قيل: يقبل منها.
وللصغيرة الخيار بعد البلوغ وعلى الزوج النفقة على رأي، ولو طلقها قبل
الاختيار لم يقع، وليس للعبد خيار بعد عتقه، ولا لزوجته الحرة والأمة لرضاها به
عبدا، ولا لمن أعتق بعضها، ولو أعتق الزوجان فللمرأة الخيار اتحد المالك أو
487

تعدد، ولو جعل عتقها مهرا لزم بشرط تقديم التزويج على رأي، ولو كان ثمنها
دينا على مولاها وأفلس وأولدت، فهي والأولاد أحرار على رأي.
وأم الولد تنعتق بعد موت مولاها من نصيب الولد، ولو عجز لم يستسع
الولد، ولو مات ولدها في حياة الأب بيعت مطلقا، وفي ثمن رقبتها مع وجود
الولد وعجز الوالد، وقيل: في غير ثمن رقبتها إذا مات الولد وليس له سواها.
ولمشتري الأمة الخيار في قبول النكاح المتقدم وفسخ على الفور، وكذا
العبد، وقيل: على بائعه نصف المهر، ولو كانا لمالك فبيعا على اثنين تخيرا، ولو
باع أحدهما تخير السيدان، ومهر الأمة لمولاها، فإن باعها قبل الدخول فلا مهر إلا
أن يخبر المشتري فيكون له، وإن كان بعده فللبائع، سواء فسخ الثاني أو أجاز،
ولو ادعى إن حمل الأمة منه بعد بيعها لم يقبل قوله في إفساد البيع وتملك الولد،
وقبل في الالتحاق، والطلاق بيد العبد إن نكح بالإذن، ولو كان بأمة مولاه،
فللمولى الطلاق، والفسخ بغيره، ولو طلقها وباعها المالك فلا استبراء بعد العدة،
ولو أعتق الأمة فله العقد من غير استبراء، ولو كان وطئها افتقرت للغير إلى عدة
الحرة.
ويجوز أن يجمع بين الأم والبنت في الملك، وأن يملك موطوءة أبيه وابنه،
وشراء ما يسبيه الظالمون، وابتياع ذوات الأزواج من الحربيات.
ويحرم وطء المملوكة ذات البعل ونظر ما يحرم على غير الزوج، ونكاح
الأمة من غير استبراء بحيضة أو خمسة وأربعين يوما إلا أن يملكها حائضا أو يائسة
أو حاملا أو كانت لعدل أخبر باستبرائها، أو لامرأة، ولو لم يجز المشتري النكاح
فلا عدة وكفاه الاستبراء.
ويستباح وطء الأمة بالإحلال والإباحة على رأي، دون الهبة إجماعا،
والعارية على رأي، وإن كان مملوكا للمحلل، والأقوى جواز تحليل أحد
الشريكين لصاحبه، ولو أحل شيئا لم يتعده، والولد حر إلا أن يشرط، ويجوز
وطء الأمة وإن كان في البيت أخر، والنوم بين أمتين، ويكره في الحرائر، ووطء
488

الفاجرة وولد الزنى.
الحادي عشر:
يجب عند الولادة استبداد النساء بالمرأة إلا مع العدم وفي الزوج يجوز
مطلقا، ويستحب غسل المولود والأذان في أذنه اليمنى والإقامة في اليسرى،
وتحنيكه بماء الفرات وتربة الحسين عليه السلام، ولو فقد فبالعذب، ولو فقد خلط
بالمالح العسل أو التمر، وتسميته بأحد أسماء الأنبياء أو الأئمة عليهم السلام،
والكنية، والختان يوم السابع، وخفض الجواري وإن كبرن، وثقب الأذن،
والحلق، والصدقة بوزنه ذهبا، أو فضة، والعقيقة عن الذكر والأنثى بمثلهما مما
اجتمعت فيه شروط الأضحية واختصاص القابلة بالرجل والورك فإن كانت الأم
تصدقت، ولا يسقط استحبابها بالعجز ويتوقع المكنة، ولا يترك الولد ويعق عن
نفسه ولا بموته بعد الزوال، ويكره أكل الوالدين منها وكسر العظم بل يفصل،
ولا تجزئ الصدقة بثمنها، والكنية بأبي القاسم لمن اسمه محمد، والتسمية بحكم
وحكيم وخالد وحارث ومالك وضرار، والقنازع.
ويتضيق وجوب الختان عند البلوغ، ولو بلغ ولم يختن وجب أن يختن
نفسه، ولو أسلم غير مختون وجب الختان.
ولا يجب على الأم الإرضاع ولها الأجرة واجبة على الوالد إن لم يكن للولد
مال، ولها أن ترضعه بلبن غيرها ولها الأجرة، والأفضل لبنها، وللمولى إجبار الأمة
على الإرضاع، والنهاية حولان، ويجوز زيادة شهر وشهرين، ولا تجب على الوالد
أجرة الزيادة، ولا يجوز نقصه عن أحد وعشرين شهرا، والأم أحق بإرضاعه إن
ساوت الغير في الأجرة، ولو تبرع الغير فله الأخذ إذا لم تتبرع، وفي سقوط
حضانتها حينئذ إشكال، ولو اختلفا في وجود المتبرع فالقول قوله.
ويستحب أن يختار للرضاع المسلمة العفيفة الوضيئة ولا يسترضع الكافرة،
ومع الاضطرار يسترضع الذمية ويمنعها من تناول الخمر والخنزير، ويكره أن
489

يسلم الولد إليها وأن يسترضع من ولادتها عن زنا وأشد من ذلك المجوسية.
والأم الحرة المسلمة أحق بحضانة الذكر حولين، والأنثى سبع سنين على
رأي، ولو تزوجت الأم سقطت حضانتها إلا أن يموت الأب أو يكون مملوكا أو
كافرا، ولو زال الوصفان فهو أحق، ولو طلقت بائنا عادت، ولو فقد الأبوان فالجد
للأب، ومع فقده فالأقارب على ترتيب الإرث، ومع التساوي كالعمة والخالة
يقرع، ولا حضانة على البالغ الرشيد.
الثاني عشر:
أولاد زوج الدائم لاحقون به مع الدخول ومضي ستة أشهر وهو أقل
الحمل، وعدم تجاوز أكثره وهو عشرة على رأي، ومع اختلال أحدهما فلا
التحاق ووجب النفي، ولو فجر بها مع الشروط فالولد للزوج، ولو اختلفا في
الدخول أو في ولادته فالقول قول الزوج مع يمينه، ولا يجوز النفي مع مضي أقل
المدة لمكان التهمة بالفجور أو التيقن أو العزل، ولو نفاه لا عن وانتفى النسب وتبعه
اللبن، ولو أقر به بعده عاد نسبه وهو لا يرث الولد، ولو كان قبله توارثا، ولو طلقها
فاعتدت وجاءت بولد لحق به إذا لم تخرج أقصى المدة ولم تنكح بعقد أو شبهة
عقد، ولو تزوجت فجاءت به لأقل من ستة أشهر من التزويج فهو للأول، ويبطل
نكاح الثاني، إلا أن يزيد عن الأكثر من وقت الفراق، ولو كان منها فللثاني، وكذا
لو باع جاريته فوطئها المشتري، وولد الزنى لا يلتحق به، ولو تزوجها بعد ذلك أو
ملكها.
ولا يجوز نفي الولد مع الشروط، ولو أنكر لاعن، وكذا لو اختلفا في المدة،
فلو ولدت أمته لستة أشهر من وطئه لحق به، ولو نفاه فلا لعان، وينتفي، ولو
اعترف به بعد ذلك التحق به، ولو وطئ المولى والأجنبي فجورا، فالولد للمولى،
ولو حصلت أمارة يغلب على الظن بها أنه ليس منه قيل: لم يجز إلحاقه به ولا نفيه،
بل ينبغي أن يوصي له بشئ ولا يورثه، ولو تناقلوها فالولد لمن هي عنده إن كان
490

لستة أشهر، وإلا فللذي قبله.
ولو تداعى ولدها المشركون بعد وطئهم أقرع وأغرم من خرج اسمه
حصص الباقين من قيمة الأم وقيمته يوم سقوطه حيا، ولو اختص بالدعوى واحد
لحقه وأغرم الحصص، وولد الشبهة لا حق بالواطئ ويغرم قيمة الولد من الأمة يوم
سقوطه حيا.
ولو تزوج بمن ظن خلوها أو ظن موت زوجها أو طلاقه بحكم حاكم أو
شهادة شهود أو إخبار مخبر، وظهر الخلاف، اعتدت منه ولحقه الولد وردت إلى
الأول، ولو تزوج بحامل جاهلا فادعت أنه من زوج، ففي إبطال الثاني إشكال،
والأولى عدمه.
ولو وطئها اثنان وطئا يلحق به النسب بأن تكون زوجة لأحدهما وشبهة على
الآخر أو عليهما، أو يعقدا عليها فاسدا ثم تأتي لستة أشهر إلى أقصاها، يقرع بينهما
ويلحق بمن تصيبه القرعة، مسلمين كانا أو كافرين، عبدين أو حرين، أو مختلفين،
أو أبا وابنه مع عدم البينة.
ويلحق النسب بالفراش المنفرد والدعوى المنفردة، وبالفراش المشترك
والدعوى المشتركة بالبينة ومع عدمها بالقرعة.
491