الكتاب: الينابيع الفقهية
المؤلف: علي أصغر مرواريد
الجزء: ٢٥
الوفاة: معاصر
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤١٠ - ١٩٩٠ م
المطبعة:
الناشر: دار التراث - بيروت - لبنان / الدار الإسلامية - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: أشرف على جمع أصولها الخطية وترتيبها حسب التسلسل الزمني وعلى تحقيقها وإخراجها وعمل قواميسها علي أصغر مرواريد

سلسلة الينابيع الفقهية
القصص والديات
أشرف على جمع أصولها الخطية وترتيبها حسب التسلسل
الزمنى وعلى تحقيق وإخراجها وعمل قواميسها
على أصغر مرواريد
الجزء الثاني
301

بسم الله الرحمن الرحيم
302

فقه الرضا
المنسوب
للإمام علي بن موسى الرضا ع
153 - 202 ه‍ ق
303

كتاب
الحدود والديات والجنايات
قال الله تعالى: وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا
خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا فإن كان من
قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم
وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة، فذكر الله تعالى في
هذه الآية ديتين وثلاث كفارات.
ذكر الدية والكفارة بقتل المؤمن في دار الاسلام فقال: ومن قتل مؤمنا خطأ
فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله.
وذكر الكفارة دون الدية بقتل المؤمن في دار الحرب في صف المشركين إذا حضر
معهم الصف فقتله مسلم ففيه الكفارة دون الدية، فقال: وإن كان من قوم عدو
لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة، لأن قوله: وإن كان، كناية عن المؤمن الذي
تقدم ذكره وقوله " من قوم " معناه في قوم لأن حروف الصفات يقوم بعضها مقام
بعض.
على قول بعض أصحابنا وهو مذهب شيخنا أبي جعفر الطوسي في مسائل خلافه
معتمدا على قوله تعالى: وإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة، ولم
يذكر الدية، وتمسك أيضا بأن الأصل براءة الذمة.
والذي يقوى في نفسي ويقتضيه أصول مذهبنا أن عليه الدية والكفارة معا لقوله ع
305

المجمع عليه: لا يطل دم امرئ مسلم، وقوله ع: في النفس مائة
من الإبل، وهذه نفس والدية وإن لم تذكر في الآية فقد علمناها بدليل آخر وهو
قوله ع: لا يطل دم امرئ مسلم، وفي النفس مائة من الإبل. والأصل
فقد انتقلنا عنه بدليل الشرع، وأيضا فإجماع أصحابنا منعقد على ذلك لم يخالف
منهم أحد في ذلك ولا أودعه كتابا له ما خلا شيخنا أبا جعفر، وإذا تعين المخالف
في المسألة لا يعتد بخلافه وما اختاره شيخنا في مسائل خلافه مذهب بعض
المخالفين لأهل البيت ع ولم يرد خبر عنهم ع يعضد ما
اختاره ولا انعقد لهم إجماع، ولهذا ما استدل رحمه الله على ما ذهب إليه بإجماع الفرقة
ولا بأخبارهم لأنهما معدومان فثبت ما اخترناه وذهبنا إليه وقويناه.
ثم ذكر الدية والكفارة بقتل المؤمن في دار المعاهدين فقال: وإن كان من قوم
بينكم و بينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة،
وعند المخالف أن ذلك كناية عن الذمي في دار الاسلام وما قلنا أليق بسياق الآية
لأن الكنايات في " كان " كلها عن المؤمن فلا ينبغي أن يصرفها إلى غيره بلا دليل.
فصل في أقسام القتل وما يجب به من الديات:
القتل على ثلاثة أضرب:
عمد محض: وهو أن يكون عامدا إلى قتله بآلة تقتل غالبا كالسيف والسكين
واللت والحجر الثقيل عامدا في قصده وهو أن يقصد قتله بذلك فمتى كان عامدا في
قصده عامدا في فعله فهو العمد المحض.
والثاني: خطأ محض: وهو ما لم يشبه شيئا من العمد بأن يكون مخطئا في فعله
مخطئا في قصده مثل أن يرمي طائرا فيصيب إنسانا فقد أخطأ في الأمرين معا.
الثالث: عمد الخطأ أو شبيه العمد: والمعنى واحد وهو أن يكون عامدا في فعله
مخطئا في قصده، فأما عامد في فعله فهو أن يعمد إلى ضربه بآلة لا تقتل غالبا
306

كالسوط والعصا الخفيفة، والخطأ في القصد أن يكون قصده تأديبه وزجره وتعليمه
لكنه مات منه فهو عامد في فعله مخطئ في قصده.
فأما الديات فتنقسم ثلاثة أقسام أيضا بانقسام القتل:
مغلظة في السن والاستيفاء، فالعمد المحض مائة من مسان الإبل على أرباب
الإبل تستأدى في سنة واحدة من مال القاتل دون عاقلته بعد التراضي من القاتل
وأولياء المقتول لأن عندنا موجب القتل العمد المحض القود دون الدية.
الثاني: مخففة من وجهين السن والاستيفاء، فالسن عشرون بنت مخاض وعشرون ابن لبون ذكر
وعشرون بنت لبون وعشرون حقة وعشرون جذعة،
والاستيفاء أن تكون مؤجلة ثلاث سنين كل رأس حول ثلثها على العاقلة خاصة،
وهي كل دية وجبت بالخطا المحض ولا ترجع العاقلة بها على القاتل سواء كان في
حال الأداء موسرا أو معسرا،
وذهب شيخنا المفيد إلى أن العاقلة ترجع بها على القاتل وهذا خلاف إجماع الأمة.
الثالث: مغلظة من وجه مخففة من وجه، فالتغليظ بالسن على ما قلناه في العمد
والتخفيف في الأصل عندنا يستأدى في سنتين من مال القاتل خاصة، قد ذكرنا أن
القتل ثلاثة أقسام: عمد محض وخطأ محض وخطأ شبيه العمد، وهكذا الجناية على
الأطراف تنقسم هذه الأقسام.
قد ذكرنا أن الدية تغلظ في العمد المحض وعمد الخطأ وتخفف في الخطأ
المحض، فهذه مخففة أبدا إلا في موضعين: المكان والزمان، فالمكان الحرم والزمان
الأشهر الحرم. فعندنا أنها تغلظ بأن توجب دية وثلثا ولم يذكر أصحابنا التغليظ إلا
في النفس دون قطع الأطراف.
عندنا إن كانت العاقلة من غير أهل البلد أخذ منهم ما هم من أهله لأن الدية
عندنا إما مائة من الإبل أخماسا أو أرباعا تروي ذلك أجمع أو مائتان من البقر أو
ألف من الغنم أو ألف دينار أو عشرة ألف درهم أو مائة حلة، والحلة إزار ورداء،
307

ولا تسمى حلة حتى يكون ثوبين اثنين من برود اليمن أو نجران، فعلى هذا التحرير
يكون الدية على أصحاب الحلل أربع مائة ثوب فليلحظ ذلك ويتأمل، فكل واحد من
هذه الأجناس الستة أصل في نفسه وليس بعضه بدلا عن بعض هذا إذا كانت على
العاقلة، فأما إن كانت على القاتل وهو إذا قتل عمدا أو اعترف بالخطا أو كان شبيه
العمد عندنا فالحكم فيه كالحكم في العاقلة سواء.
عندنا إذا أوضحه موضحتين ففي كل واحدة منهما خمس من الإبل لقوله ع
: في الموضحة خمس من الإبل، ولقوله: وفي المواضح خمس خمس، فإن عاد
الجاني فخرق ما بينهما حتى صارا واحدة ففيهما أرش واحدة لأنه صيرهما واحدة
بفعله كما لو أوضحه ابتداء به لأن فعل الواحد يبني بعضه على بعض بدليل أنه لو
قطع يده ورجله ثم عاد فقتله فالدية واحدة لأن الجاني واحد.
قد قلنا: إن قتل العمد المحض موجبة عندنا القود دون الدية لشروط:
منها أن يكون غير مستحق بلا خلاف.
ومنها أن يكون القاتل بالغا كامل العقل فإن حكم عمد من ليست هذه حاله
حكم الخطأ لقوله ع المجمع عليه: رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى
يحتلم وعن المجنون حتى يفيق وعن النائم حتى ينتبه.
ومنها ألا يكون المقتول مجنونا بلا خلاف بين أصحابنا.
ومنها أن لا يكون صغيرا على خلاف بيننا فيه إلا أن الأظهر بين أصحابنا
والمعمول عليه عند المحصلين منهم الاستقادة به لأن ظاهر القرآن يقتضي ذلك.
ومنها أن لا يكون القاتل والد المقتول لقوله ع: لا يقتل والد بولده،
إلا في موضع واحد وهو الموضع الذي يتحتم القتل عليه لأجل المحاربة فيقتل بقتل
ولده لأجل المحاربة الحتم لا لأجل الاستقادة بدليل أن ولي من قتله المحارب لو عفا
لوجب على السلطان قتله حدا للمحاربة.
ومنها أن لا يكون القاتل حرا والمقتول عبدا سواء كان عبد نفسه أو عبد غيره.
ومنها أن لا يكون القاتل مسلما والمقتول كافرا سواء كان معاهدا أو مستأمنا
308

أو حربيا لقوله تعالى: ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا، ولقوله
ع: لا يقتل مسلم بكافر.
ويقتل الحر بالحرة بشرط أن يؤدى أولياؤها إلى ورثته الفاضل عن ديتها من ديته
وهو النصف بدليل إجماع أصحابنا وقوله تعالى: والأنثى بالأنثى، لا يدل على أن
الذكر لا يقتل بالأنثى إلا من حيث دليل الخطاب وذلك متروك لدليل غيره، ودليل
الخطاب عند المحققين من أصحابنا غير معمول به ومن عمل به يقول: إنما أخرجنا
من ذلك قتله بها مع الشرط الذي ذكرناه بدليل.
قال شيخنا أبو جعفر في نهايته: العمد المحض هو كل من قتل غيره وكان بالغا
كامل العقل بأي شئ كان بحديد أو خشب أو حجر أو سم أو خنق وما
أشبه ذلك إذا كان قاصدا بذلك القتل ويكون فعله مما قد جرت العادة بحصول
الموت عنده حرا كان أو عبدا مسلما كان أو كافرا ذكرا كان أو أنثى ويجب فيه
القود أو الدية على ما نبينه فيما بعد.
قوله رحمه الله: أو الدية، ليس الولي بالخيار بين القود وأخذ الدية وإنما مراده مع
تراضى القاتل وولي المقتول لا أنه إذا أبي واحد منهما أجبر عليه.
ثم قال رحمه الله: ومتى كان القاتل غير بالغ وحده عشر سنين فصاعدا أو يكون مع
بلوغه زائل العقل إما أن يكون مجنونا أو مؤوفا فإن قتلهما وإن كان عمدا فحكمه
حكم الخطأ المحض.
قوله رحمه الله: ومتى كان القاتل غير بالغ وحده عشر سنين، رواية شاذة لا يلتفت
إليها ولا يعرج عليها لأنها مخالفة لأصول مذهبنا ولظاهر القرآن والسنة لقوله
ع: رفع القلم عن ثلاث: عن الصبي حتى يحتلم، ومن بلغ عشر سنين من
الصبيان الذكران ما احتلم فمن استقاد منه وقتله فما رفع القلم عنه، وشيخنا أبو جعفر
فقد رجع عن ذلك في مبسوطه ومسائل خلافه.
وقاتل العمد المحض لا يجوز أن يستقاد منه إلا بالحديد وإن كان هو قد قتل
صاحبه بغير الحديد من الضرب أو الرمي وما أشبه ذلك، ولا يمكن أيضا من التمثيل
309

به ولا تعذيبه ولا تقطيع أعضائه وإن كان فعل ذلك هو بصاحبه لنهيه ع
عن المثلة بل يؤمر بضرب رقبته وليس له أكثر من ذلك إلا أن يكون فرق الضرب
عليه فقطع عضوا منه ثم بعد ذلك قتله على ما نبينه فيما بعد.
وليس في قتل العمد إلا القود إلا أن يبذل القاتل من نفسه الدية ويختار ذلك
أولياء المقتول، فإن لم يبذل القاتل من نفسه ذلك لم يكن لأولياء المقتول المطالبة
بها وليس لهم إلا نفسه على ما قدمناه، ومتى بذل الدية ولم يأخذها أولياء المقتول
وطلبوا القود كان لهم أيضا ذلك، فإن فادى القاتل نفسه بمال جزيل أضعاف
أضعاف الدية الواجبة ورضي به أولياء المقتول كان ذلك أيضا جائزا، فإن اختلف
أولياء المقتول فبعض يطلب القود وبعض يطلب الدية كان للذي يطلب القود القود
إذا رد على الذي طلب الدية ماله منها خاصة ثم يقتل القاتل، وكذلك إذ اختلفوا
فبعض عفا عن القاتل وبعض طلب القود وبعض يطلب الدية كان للذي يطلب
القود أن يقتل القاتل إذا رد على الذي يطلب الدية ماله منها من ماله خاصة وسهم
من عفا يرده على القاتل ثم يقتل القاتل، وكذلك إذا اختلفوا فبعض عفا عن القاتل
وبعض طلب القود أو الدية فإن الذي طلب القود يجب عليه أن يرد على القاتل سهم
من عفا عنه ثم يقتله وإن طلب الدية كان القاتل مخيرا بين أن يعطيه ذلك مقدار ما
يصيبه من الدية وبين أن لا يعطيه ذلك لأنا قد بينا أن موجب القتل العمد المحض
القود دون الدية ولا تجب الدية عندنا إلا برضى الجميع فكيف يجب على القاتل
إعطاؤها
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: وكذلك إن اختلفوا فبعض عفا عن القاتل وبعض
طلب القود أو الدية فإن الذي طلب القود يجب عليه أن يرد على أولياء القاتل سهم
من عفا عنه ثم يقتله وإن طلب الدية وجب على القاتل أن يعطيه مقدار ما يصيبه
من الدية، هذا آخر كلامه رحمه الله.
قال محمد بن إدريس: لا حاجة بنا أن نرد على أولياء القاتل بل على القاتل
نفسه كما قدمناه لأنه لا يمكن من قتله قبل تسليم المال لأنه رحمه الله قال: يرد على
أولياء القاتل سهم من عفا عنه ثم يقتله، فإذا كان لا يقتله إلا بعد الرد فيكون الرد
310

عليه دون أوليائه بغير خلاف، وأما قوله رحمه الله: فإن طلب الدية وجب على القاتل
أن يعطيه مقدار ما يصيبه من الدية، فقد قلنا ما عندنا فيه وأيضا فهذا ينقض علينا
أصلنا المقرر لأنا بلا خلاف بيننا لا نخير ولي المقتول بين القود وأخذ الدية بل ما
يستحق إلا شيئا واحدا وهو القود على ما قدمناه فيما مضى والمخالف لنا نخيره بين
القود وأخذ الدية وهذا لا يذهب أحد من أصحابنا إليه.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: وأولياء المقتول هم الذين يرثون ديته سوى الزوج
والزوجة، وقد ذكرناهم في كتاب المواريث ويكون للجميع المطالبة بالقود ولهم
المطالبة بالدية ولهم العفو على الاجتماع والانفراد ذكرا كان أو أنثى على الترتيب
الذي رتبناه، وإذا مات ولي الدم قام ولده مقامه في المطالبة بالدم، والزوج
والزوجة ليس لهما غير سهمهما من الدية إن قبلها أولياء المقتول أو العفو عنه بمقدار
ما يصيبهما من الميراث وليس لهما المطالبة بالقود، ومن ليس له من الدية شئ من
الإخوة والأخوات من الأم أو من يتقرب من جهتها فليس لهم المطالبة بالدم ولا
الدية.
وقال في مبسوطه: وأما الكلام في القصاص وهو إذا قتل عمدا محضا فإنه كالدية في
الميراث يرثه من يرثها فالدية يرثها من يرث المال والقود يرثه من يرث الدية والمال
معا هذا مذهب الأكثر وقال قوم: يرثه العصبات من الرجال دون النساء، وفيه
خلاف والأقوى عندي الأول وإن كان الثاني قد ذهب إليه جماعة من أصحابنا
وذكرناه نحن في النهاية ومختصر الفرائض فأما الزوج والزوجة فلا خلاف بين
أصحابنا أنه لا حظ لهما في القصاص ولهما نصيبهما من الميراث من الدية، هذا
آخر كلام شيخنا أبي جعفر في مبسوطه حرفا فحرفا.
قال محمد بن إدريس: الذي أعول عليه وأفتى به القول الذي قواه شيخنا في
مبسوطه دون ما ذكره في نهايته لأنه موافق لأصول مذهبنا يعضده ظاهر القرآن من
قوله تعالى: وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله، فلا نرجع
عن كتاب الله تعالى بأخبار آحاد لا توجب علما ولا عملا وهي أيضا معارضة
بأخبار مثلها، والإجماع فغير منعقد على ما ذكره في نهايته وإذا لم يكن على المسألة
إجماع فالتمسك فيها بكتاب الله تعالى هو الواجب.
311

وذهب شيخنا في الجزء الثالث من الاستبصار إلى: أن النساء لا عفو لهن ولا
قصاص، وما ذكره في نهايته ومبسوطه هو الصحيح، وإذا كان للمقتول أولياء
صغار وأولياء كبار واختار الكبار الدية كان لهم حظهم منها فإذا بلغ الصغار كان
لهم مطالبة القاتل بالقود بعد أن يردوا عليه ما أعطي الأولياء الكبار من الدية ولهم
أيضا العفو عنه على كل حال.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: فإذا بلغ الصغار كان لهم مطالبة القاتل بقسطهم
من الدية أو المطالبة له بالقود، وقد قلنا ما عندنا في مثل قوله رحمه الله: كان لهم
مطالبة القاتل بقسطهم من الدية.
قال محمد بن إدريس: وأي قسط لهم من الدية مع أنا أجمعنا على أن قتل العمد
المحض موجبه القود دون الدية بغير خلاف بيننا إلا أن يتراضى الجميع بالدية
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: ودية العمد ألف دينار جيادا إن كان القاتل من
أصحاب الذهب أو عشرة ألف درهم إن كان من أصحاب الورق جيادا أو مائة من
مسان الإبل إن كان من أصحاب الإبل أو مائتا بقرة مسنة إن كان من أصحاب
البقر أو ألف شاة وقد روي: ألف كبش، إن كان من أصحاب الغنم أو مائتا
حلة إن كان من أصحاب الحلل، ويلزم دية العمد في مال القاتل خاصة ولا تؤخذ
من غيره إلا أن تبرع انسان بها عنه فإن لم يكن له مال فليس لأولياء المقتول إلا
نفسه.
قال محمد بن إدريس: ليس لأولياء المقتول إلا نفس القاتل عمدا سواء كان له
مال أو لم يكن فما قاله رحمه الله يوهم أن الأولياء مخيرون بين الدية والمطالبة بها
وبين القود وهذا خلاف مذهبنا، ثم قال رحمه الله تمام الكلام في نهايته: فإما أن
يقيدوه بصاحبهم أو يعفوا عنه أو يمهلوه إلى أن يوسع الله عليه، ثم قال: ومتى هرب
القاتل عمدا ولم يقدر عليه إلى أن مات أخذت الدية من ماله فإن لم يكن له مال
أخذت من الأقرب فالأقرب من أوليائه الذين يرثون ديته ولا يجوز مؤاخذتهم بها مع
وجود القاتل.
قال محمد بن إدريس: هذا غير واضح لأنه خلاف الاجماع وظاهر الكتاب والمتواتر
من الأخبار وأصول مذهبنا وهو: أن موجب القتل العمد القود دون الدية، على ما
312

كررنا القول فيه بغير خلاف بيننا، فإذا فات محله وهو الرقبة فقد سقط لا إلى بدل
وانتقاله إلى المال الذي للميت أو إلى مال أوليائه حكم شرعي يحتاج مثبته إلى دليل
شرعي ولن يجده أبدا، وهذه أخبار آحاد شواذ أوردها شيخنا في نهايته إيرادا لا
اعتقادا لأنه رجع عن هذا القول في مسائل خلافه وأفتى بخلافه وهو الحق اليقين
فقال مسألة: إذا قتل رجل رجلا ووجب القود عليه فهلك القاتل قبل أن يستقاد
منه سقط القصاص إلى الدية وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: يسقط القصاص
لا إلى بدل، دليلنا قوله ع: لا يطل دم امرئ مسلم، فلو أسقطناه لا إلى
بدل لأطللنا دمه، ولو قلنا بقول أبي حنيفة لكان قويا لأن الدية لا تثبت عندنا إلا
بالتراضي بينهما وقد فات ذلك، هذا آخر كلامه رحمه الله.
ويجب على قاتل العمد أن يتوب إلى الله تعالى مما فعله، وحد التوبة أن يسلم
نفسه إلى أولياء المقتول فإما أن يستقيدوا منه أو يعفوا عنه أو يقبلوا الدية أو يصالحهم
على شئ يرضون به عنه ثم يعزم بعد ذلك على أن لا يعود إلى مثل ما فعل في المستقبل
ويعتق بعد ذلك رقبة ويصوم شهرين متتابعين ويطعم ستين مسكينا، فإذا فعل ذلك
كان تائبا على ما رواه أصحابنا هذا مع قدرته على كفارة الجمع المقدم ذكرها، فإذا
لم يقدر على شئ منها أو على بعضها فعله ولا شئ عليه وصحته توبته أيضا وكان
تائبا وإنما تلزم هذه الكفارة من عفي عنه أو صالح الأولياء على الدية، وأما إذا
قتل فلا كفارة عليه لأن من جملتها الصوم فإذا قتل من يصوم عنه؟
وتصح توبته سواء قتل مؤمنا متعمدا على إيمانه أو الأمور الدنياوية
على الصحيح من أقوال أصحابنا وهو اختيار شيخنا أبي جعفر في مبسوطه وهو الذي
يقتضيه أصول مذهبنا لأن التوبة موقوفة على الجسد ما دامت الحياة والعقل فيه وقوله
تعالى: إلا من تاب وآمن وعمل صالحا... الآية، وقوله: يغفر الذنوب
جميعا، وقوله: غافر الذنب وقابل التوب، فأما قوله تعالى: ومن يقتل مؤمنا
متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها، فليس في ظاهرها أنه تاب ويمكن العمل بها
إذا لم يتب. وقد ذهب بعض أصحابنا إلى: أنه لا تقبل توبته ولا يختار التوبة ولا
يوفق للتوبة، معتمدا على أخبار آحاد والإجماع فغير منعقد حتى يرجع في هذه المسألة
313

إليه ويعول عليه.
ولا كفارة إلا في قتل نفس المسلم أو من في حكمه، ولا كفارة على قاتل
اليهودي والنصراني ومن لا يقر بالشهادتين، ولا كفارة على المجنون والصبي إذا
كانا قاتلين لأنهما غير مكلفين والخطاب من الحكيم يتناول المكلفين البالغين
العاقلين.
فأما دية قتل الخطأ فإنها تلزم العاقلة وهي تلزم العصبات من الرجال سواء كان
وارثا أو غير وارث الأقرب فالأقرب ويدخل فيها الولد والوالد،
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: وأما دية قتل الخطأ فإنها تلزم العاقلة الذين يرثون
دية القاتل أن لو قتل ولا يلزم من يرث من ديته شيئا على حال، وقال في مسائل
خلافه: العاقلة كل عصبة خرجت عن الوالدين والمولودين وهم الإخوة وأبناؤهم إذا
كانوا من جهة أب وأم أو من جهة أب والأعمام و أبناؤهم وأعمام الأب وأبناؤهم
والموالي، هذا آخر كلامه في مسائل الخلاف وهذا قول الشافعي اختاره شيخنا في
مسائل خلافه ولم يذكر في استدلاله إجماع طائفتنا ولا أخبارهم بل ذكر أخبار آحاد
من طريق المخالف التي استدل بها الشافعي، وباقي أصحابنا على خلاف شيخنا
في ذلك فهو المنفرد بالقول وما ذكره في نهايته هو أخبارنا وروايتنا ومن طريقنا، وما
يذهب إليه في المبسوط ومسائل خلافه معظمه فروع المخالفين بل إجماعنا منعقد على
أن العاقلة جماعة الوراث من الرجال دون من يتقرب بالأم فليلحظ ذلك ويحقق.
وقد رجع شيخنا في جواب المسائل الحائريات فإنه سئل عما أودعه نهايته: أن الأب
إذا تبرأ من ميراث ولده ومن ضمان جريرته صحيح أم لا؟ فقال الجواب: لا يصح
له التبرؤ والشرع إذا حكم به لم ينفع التبرؤ وثبت حكمه. والرواية بتبرئ الأب
من جريرة الابن رواية شاذة فقد رجع كما تراه.
وذهب شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه إلى: أن الموسر من العاقلة عليه نصف
دينار والمتوسط ربع دينار يوزع على الأقرب فالأقرب حتى تنفد العاقلة، وهو مذهب
الشافعي اختاره شيخنا، والذي يقتضيه مذهبنا أنه لا تقدير ولا توظيف على أحد
منهم بل يؤخذ منهم على قدر أحوالهم حتى يستوفى النجم والذي هو ثلثها لأن تقدير
314

ذلك يحتاج إلى دليل ولا أحد من أصحابنا ذهب إلى تقدير ذلك فمن قدره يحتاج إلى
دليل، وشيخنا فقد رجع في مبسوطه عما ذكره في مسائل خلافه فقال في مبسوطه:
والذي يقتضيه مذهبنا أنه لا يقدر على ذلك بل يقسم الإمام على ما يراه
من حاله من الغنى والفقر وأن يفرقه على القريب والبعيد وإن قلنا: يقدم الأولى فالأولى،
كان قويا لقوله تعالى:
وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض، وذلك عام، هذا آخر كلامه
رحمه الله.
والذي يتحمل العقل عن القاتل من العاقلة من كان منهم غنيا أو متحملا وأما
الفقير فلا يتحمل شيئا منها ويعتبر الغنى والفقر حين المطالبة والاستيفاء وهو عند
حؤول الحول ولا يعتبر ذلك قبل المطالبة لأنه يحل عند انقضاء كل حول منها ثلثها.
وقال شيخنا المفيد في مقنعته: إن العاقلة ترجع بالدية على القاتل، وهذا خلاف
إجماع المسلمين قاطبة ولأنه حكم شرعي يحتاج في إثباته إلى دليل شرعي، وقال
شيخنا أبو جعفر في مبسوطه: وقال بعض أصحابنا: إن العاقلة ترجع على القاتل
بالدية، ولست أعرف به نصا ولا قولا لأحد.
اختلفوا في معنى تسمية أهل العقل بأنهم عاقلة.
منهم من قال: العقل اسم للدية وعبارة عنها وسمي أهل العقل عاقلة لتحملهم
ذلك، يقال: عقلت عنه، إذا تحملتها عنه، و: عقلت له، إذا دفعت الدية إليه.
ومنهم من قال: إنما سميت بالعاقلة لأنها مانعة والعقل المنع، وذلك أن العشيرة
كانت تمنع عن القاتل بالسيف في الجاهلية فلما جاء الاسلام منعت عنه بالمال
فلهذا سميت عاقلة.
وقال أهل اللغة: العقل الشد، ولهذا يقال: عقلت البعير، إذا ثنيت ركبته
وشددتها، وسمي ذلك الحبل عقالا فسمي أهل العقل عاقلة لأنها تعقل الإبل بفناء
ولي المقتول والمستحق للدية، يقال: عقل يعقل عقلا فهو عاقل، وجمع العاقل
عاقلة، وجمع العاقلة عواقل، والمعاقل جمع الديات، وأي هذه المعاني كان فلا يخرج
أن معناه هو الذي يضمن الدية ويبذلها لولي المقتول.
315

وأجمع المسلمون على أن العاقلة تحمل دية الخطأ المحض إلا " الأصم " فإنه قال:
على القاتل، وبه قالت الخوارج.
والعاقلة لا تعقل البهائم ولا تعقل إلا بني آدم في قتل الخطأ المحض على ما
قدمناه إذا قامت به البينة العدول ولا تعقل إقرارا ولا صلحا، وإذا حال الحول على
موسر من أهل العقل توجهت المطالبة عليه فإن مات بعد هذا لم يسقط بوفاته بل
يتعلق بتركته كالدين.
الدية الناقصة مثل دية المرأة ودية اليهودي والنصراني والمجوسي ودية الجنين
تلزم أيضا في ثلاث سنين كل سنة ثلثها، والقدر الذي تحمله العاقلة عن الجاني هو
قدر جنايته قليلا كان أو كثيرا،
وذهب شيخنا أبو جعفر في نهايته إلى: أنها لا تحمل ما دون الموضحة، إلا أنه رجع
في مسائل خلافه فقال مسألة: القدر الذي تحمله العاقلة عن الجاني هو قدر جنايته
قليلا كان أو كثيرا، ثم قال: وروي في بعض أخبارنا: أنها لا تحمل إلا نصف
العشر أرش الموضحة فما فوقها وما نقص عنه ففي مال الجاني، ثم قال: دليلنا
عموم الأخبار التي وردت في أن الدية على العاقلة ولم يفصلوا.
قال محمد بن إدريس: ما قاله وذهب إليه في مسائل خلافه هو الحق اليقين والإجماع
منعقد عليه ولا يرجع عن ذلك إلى رواية شاذة لا توجب علما ولا عملا.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: وقال بعض أصحابنا إن العاقلة ترجع بها على
القاتل إن كان له مال فإن لم يكن له مال فلا شئ للعاقلة عليه ومتى كان للقاتل
مال ولم يكن للعاقلة شئ ألزم في ماله خاصة الدية.
قال محمد بن إدريس: هذا غير مستقيم لأنه خلاف إجماع المسلمين على ما قدمناه
لأن القاتل لا يدخل في العقل ولا يعقل عن نفسه أبدا.
ثم قال شيخنا أبو جعفر أيضا في نهايته: ومتى لم يكن للقاتل خطأ عاقلة ولا من
يضمن جريرته من مولى نعمة أو مولى تضمن جريرة ولا له مال وجبت الدية على
بيت مال المسلمين، وهذا أيضا غير مستقيم لأنه خلاف إجماع أصحابنا بل تجب
الدية على مولاه الذي يرثه وهو إمام المسلمين في ماله وبيت ماله دون بيت مال
316

المسلمين لأنه ضامن جريرته وحدثه ووارث تركته، وهذا إجماع منا لا خلاف فيه
وقد أحكمنا ذلك وحررناه في باب الولاء فلا حاجة بنا إلى إعادته.
وقال شيخنا في نهايته: وأما دية الخطأ شبيه العمد فإنها تلزم القاتل نفسه في ماله
خاصة فإن لم يكن له مال استسعى فيها أو يكون في ذمته إلى أن يوسع الله عليه،
فإن مات أو هرب أخذ أولى الناس إليه بها ممن يرث ديته فإن لم يكن له أحد
أخذت من بيت المال.
قال محمد بن إدريس: هذا غير واضح لأنه خلاف الاجماع وضد ما تقتضيه أصول
مذهبنا لأن الأصل براءة الذمة فمن شغلها يحتاج إلى دليل، والإجماع حاصل على
أن الأولياء وبيت المال لا يعقل إلا قتل الخطأ المحض فأما الخطأ شبيه العمد فعندنا
بغير خلاف بيننا لا تعقله العاقلة ولا تحمله بل تجب الدية على القاتل نفسه فمن قال
بموته أو هربته تصير على غيره يحتاج إلى دليل قاهر ولا يرجع في ذلك إلى أخبار آحاد
لا توجب علما ولا عملا،
وعلى قاتل الخطأ المحض والخطأ شبيه العمد بعد إعطاء الدية الكفارة وهي عتق رقبة
مؤمنة فإن لم يجد كان عليه صيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع أطعم ستين
مسكينا لأنها مرتبة وقد ذكرناها فيما تقدم، فإن لم يقدر على ذلك أيضا تصدق بما
استطاع أو صام ما قدر عليه.
وقال شيخنا في نهايته: ومن قتل عمدا وليس له ولي كان الإمام ولي دمه إن شاء
قتل قاتله وإن شاء أخذ الدية وتركها في بيت المال وليس له أن يعفو لأن ديته لبيت
المال كما أن جنايته على بيت المال.
قال محمد بن إدريس: هذا غير صحيح ولا مستقيم بل الإمام ولي المقتول المذكور
إن شاء قتل وإن شاء عفا فإن رضي هو والقاتل واصطلحا على الدية فإنها تكون له
دون بيت مال المسلمين لأن الدية عندنا يرثها من يرث المال والتركة سوى كلالة
الأم فإن كلالة الأم لا ترث الدية ولا القصاص ولا القود بغير خلاف، وتركته لو
مات كانت لإمام المسلمين بغير خلاف بيننا ولأن جنايته على الإمام لأنه عاقلته،
وشيخنا يرجع في غير نهايته من كتبه عن هذه الرواية الشاذة إن كانت رويت فقد
317

أوردها في نهايته إيرادا لا اعتقادا فإن روي ذلك فقد ورد للتقية لأنه مذهب بعض
المخالفين.
ومن قتل خطأ أو شبيه عمد ولم يكن له أحد كان للإمام أن يأخذ ديته ليس له
أكثر من ذلك، ومن عفا عن القتل فليس له بعد ذلك المطالبة به فإن قتل بعد ذلك
القاتل كان ظالما متعديا وقتل بالقاتل، ومن قبل الدية ثم قتل القاتل كان كذلك
وكان عليه القود.
وإذا قتل الأب ولده خطأ كانت ديته على عاقلته يأخذها منهم الورثة الذين
لا يعقلون دون الأب القاتل لأنا قد بينا أن القاتل إن كان عمدا لا يرث من التركة
ولا من الدية شيئا وإن كان خطأ فإنه أيضا لا يرث من الدية شيئا على ما بيناه،
ومتى لم يكن له وارث غير الأب ممن لا يحمل العقل فلا دية له على العاقلة على
حال لأنهم يؤدون إلى أنفسهم لأنهم حينئذ ورثته فلا فائدة ولا معنى في ذلك، فإن
قتله عمدا أو شبيه عمد كانت الدية عليه في ماله خاصة، ولا يقتل به على وجه قودا
لأجل قتله إياه فحسب إلا أن يكون محاربا قتل ولده فيقتل الوالد حدا لا قودا لأجل
المحاربة لأن القتل ههنا يتحتم على القاتل كائنا من كان لقوله تعالى: إنما جزاء
الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا، وقد حررنا
ذلك فيما تقدم وتكون الدية لورثته خاصة، فإن لم يكن له وارث غير الأب القاتل
كانت الدية عليه لإمام المسلمين، وقال شيخنا أبو جعفر: لبيت المال، وأطلق وقد
اعتذرنا له فيما مضى وقلنا: إنه قال في المبسوط: إذا قلت بيت المال فمقصودي
بيت مال الإمام.
وإذا قتل الابن أباه عمدا قتل به إن كانا مما يجري بينهما القود على ما نبينه إن
شاء الله تعالى، فإن قتله خطأ كانت الدية على عاقلته ولم يكن له منها شئ على ما
بيناه، فإن لم يكن للأب من يرثه إلا العاقلة فلا شئ لها على أنفسها.
وإذا قتل الولد أمه وقتلت الأم ولدها عمدا محضا قتل كل واحد منهما
بصاحبه، وإن قتله خطأ كانت الدية على عاقلته على ما بيناه ولا يرث هو شيئا منها
318

على ما بينا القول فيه وشرحناه.
باب البينات على القتل وعلى قطع الأعضاء:
الحكم في القتل يثبت بشيئين:
أحدهما قيام البينة وهما شاهدان عدلان في قتل العمد المحض الموجب للقود على
القاتل بأنه قتل، فأما قتل الخطأ المحض أو الخطأ شبيه العمد فشهادة شاهد واحد
ويمين المدعي لأنه يوجب المال دون القود وفي المال أو المقصود منه المال تقبل شهادة
واحد ويمين المدعي.
والثاني إقراره على نفسه سواء كان القتل عمدا أو خطأ أو شبيه عمد، فإن لم
يكن لأولياء المقتول نفسان يشهدان بذلك وكان معهم لوث
" بفتح اللام وتسكين الواو وهو التهمة الظاهرة لأن اللوث القوة، يقال: ناقة ذات
لوث، أي قوة فكأنه قوة الظن "
كان عليهم القسامة خمسون رجلا منهم يقسمون بالله تعالى أن المدعى عليه قتل
صاحبهم إن كان القتل عمدا، وإن كان خطأ خمسة وعشرون رجلا يقسمون مثل
ذلك ولا يراعى فيهم العدالة،
والأظهر عندنا: أن القسامة خمسون رجلا يقسمون خمسين يمينا سواء كان القتل
عمدا محضا أو خطأ محضا أو خطأ شبيه العمد، وهذا مذهب شيخنا المفيد محمد
بن النعمان قد ذكره في مقنعته والأول مذهب شيخنا أبي جعفر فإنه فصل ذلك وما
اخترناه عليه إجماع المسلمين.
واللوث أيضا عندنا يراعى في الأعضاء والأطراف لأن القسامة لا تكون إلا إذا
كان لوثا،
وشيخنا ذهب في مبسوطه إلى: أن الدعوى إذا كانت دون النفس فلا يراعى فيها
أن يكون معه لوث، وهذا قول بعض المخالفين ذكره في هذا الكتاب لأنه معظمه
فروعهم.
319

والقسامة عند الفقهاء كثرة اليمين وسميت قسامة لتكثير اليمين فيها، وقال أهل
اللغة: القسامة عبارة عن أسماء الحالفين من أولياء المقتول فعبر بالمصدر عنهم وأقيم
المصدر مقامهم، يقال: أقسمت أو قسمت إقساما وقسامة، وذلك من القسم الذي
هو اليمين.
فأما إذا قامت البينة بشهادة غيرهم فليس فيه أكثر من شهادة نفسين عدلين إذا
كان القتل عمدا أو شهادة عدل ويمين المدعي إذا كان القتل خطأ لأن المقصود من
هذا القتل المال دون القود،
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: فأما إذا قامت البينة بشهادة غيرهم فليس فيه
أكثر من شهادة نفسين عدلين أي ضرب كان من أنواع القتل لا يختلف الحكم
فيه، وليس إطلاقه رحمه الله ذلك يدل على أن في قتل الخطأ لا يقبل إلا شهادة
عدلين ولا تقبل شهادة عدل ويمين المدعي إلا من حيث دليل الخطاب وذلك عندنا
غير معمول عليه وإن كان قد أفصح وفصل وذهب في مبسوطه ومسائل خلافه إلى ما
اخترناه وذهبنا إليه، وقد قلنا: إن القسامة إنما تكون مع اللوث الذي
هو قوة الظن وهو التهمة الظاهرة ولا تكون القسامة مع ارتفاعها فإن لم يكن لوث ولا تهمة
ظاهرة فإن المدعى عليه لا يلزمه سوى يمين واحدة بأنه ما قتل المقتول ولا يجب
اليمين ههنا على المدعي مثل سائر الدعاوي فليلحظ ذلك.
ومتى أقاموا نفسين يشهدان لهم بالقتل أو أقاموا القسامة على ما قدمناه وجب
على المدعى عليه إن كان القتل عمدا القود إلا أن يتراضيا على أخذ الدية حسب ما
قدمناه، فإن كان القتل خطأ محضا أو شبيه العمد وجب عليه أو على عصبته الدية
على ما بيناه.
ومتى لم يكن لأولياء المقتول من يشهد لهم من غيرهم ولا لهم قسامة من
أنفسهم وكان هناك لوث كان على المدعى عليه أن يجئ بخمسين يحلفون أنه برئ
مما ادعى عليه، فإن لم يكن له من يحلف عنه كررت عليه الأيمان خمسين يمينا وقد
برئت عهدته، فإن امتنع من اليمين ألزم القتل وأخذ به على ما يوجبه الحكم فيه.
والبينة في الأعضاء مثل البينة في النفس من شهادة نفسين عدلين إن كان
320

عمدا أو عدل ويمين المدعي على ما قدمناه وحررناه والقسامة فيها واجبة مثلها في
النفس، وكل شئ من أعضاء الانسان يجب فيه الدية كاملة مثل الأنف والذكر
والسمع والشم واليدين والعينين وغير ذلك كان فيه القسامة مثل ما في النفس
سواء، وفيما نقص من الأعضاء القسامة فيها على قدر ذلك ويحسبه من الأيمان من
حساب الخمسين يمينا إن كان الجناية عمدا أو خمسة وعشرين إن كانت الجناية
خطأ،
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: والبينة في الأعضاء مثل البينة في النفس من
شهادة نفسين مسلمين عدلين والقسامة فيها واجبة مثلها في النفس.
وكل شئ من أعضاء الانسان يجب فيه الدية كاملة مثل العينين والسمع وما
أشبههما كان فيه القسامة ستة رجال يحلفون بالله تعالى أن المدعى عليه قد فعل
بصاحبهم ما ادعوه، فإن لم يكن للمدعي قسامة كررت عليه ستة أيمان، فإن لم
يكن له من يحلف ولا يحلف هو طولب المدعى عليه بقسامة ستة نفر يحلفون عنه أنه
برئ من ذلك، فإن لم يكن له من يحلف حلف ستة أيمان أنه يجوز عما ادعى
عنه، وفيما نقص من الأعضاء القسامة فيها على قدر ذلك إن كان سدس العضو
فرجل واحد يحلف كذلك وإن كان ثلثه فاثنان وإن كان النصف فثلاثة ثم على
هذا الحساب، وإن لم يكن له من يحلف كان عليه بعدد ذلك إن كان سدسا
فيمين واحدة وإن كان ثلثا فمرتين وإن كان النصف فثلاث مرات ثم على هذا
الحساب، فإن لم يكن للمدعي من يحلف عنه وامتنع هو أن يحلف طولب المدعى
عليه إما أن يقسم عليه أو يكرر الأيمان عليه حسب ما يلزم المدعي على ما بيناه،
وما اخترناه مذهب شيخنا المفيد وسلار وغيرهما من المشيخة وهو الذي تقتضيه
أصول مذهبنا ولأنه مجمع عليه والاحتياط يقتضيه وما ذهب إليه شيخنا أبو جعفر
اختيار ظريف بن ناصح في كتابه الحدود والديات وتابعه على ذلك واختار ما
اختاره ولا شك أنه خبر واحد وقد بينا أن أخبار الآحاد لا يجوز العمل بها في
الشرعيات لأنها لا توجب علما ولا عملا.
وأما الإقرار فيكفي أن يقر القاتل على نفسه دفعتين من غير إكراه ولا إجبار
321

ويكون كامل العقل، فإن لم يكن كامل العقل أو كان عبدا مملوكا فإنه لا يقبل
إقراره لأن إقراره إقرار على الغير الذي هو سيده فأما إن لحقه العتاق بعد إقراره قبلناه
وحكم فيه بما يقتضيه الشرع.
وروي في بعض الأخبار: أنه متى شهد نفسان على رجل بالقتل وشهد آخران
على غير ذلك الشخص بأنه قتل ذلك المقتول بطل ههنا القود إن كان عمدا وكانت
الدية على المشهود عليهما نصفين وإن كان القتل شبيه العمد فكمثله وإن كان خطأ
كانت الدية على عاقلتهما نصفين،
أورد ذلك شيخنا أبو جعفر في نهايته إيرادا لا اعتقادا والذي تقتضيه أصول المذهب
ويحكم بصحته الاستدلال أن أولياء المقتول بالخيار في تصديق إحدى البينتين
وتكذيب للأخرى، فإذا صدقوا إحديهما قتلوا ذلك المشهود عليه ولم يكن لهم على
الآخر سبيل، ولا يبطل ههنا القود لأنه لا دليل عليه من كتاب ولا سنة متواترة بل
الكتاب قاض بالقود مع البينة في قوله تعالى: فقد جعلنا لوليه سلطانا، فمن
عمل بهذه الرواية أبطل حكم الآية رأسا
ولا وجه لأخذ الدية منهما جميعا لأنهما غير مشتركين في القتل لأن البينة عليهما
بخلاف ذلك لأنها تشهد بقتل كل واحد منهما على الانفراد دون الاجتماع
والاشتراك، وتحقق ذلك وتزيده بيانا المسألة التي تأتي بعد ذلك وهو: من شهد عليه
بالقتل ثم أقر آخر بالقتل فللأولياء أن يقتلوا من شاؤوا منهما بغير خلاف، فإذا لا
فرق بين الموضعين لأن الإقرار كالبينة والبينة كالإقرار في ثبوت الحقوق الشرعية التي
تتعلق بحقوق بني آدم فليلحظ ذلك.
وإذا قامت البينة على رجل بأنه قتل رجلا عمدا وأقر آخر بأنه قتل ذلك المقتول
بعينه عمدا كان أولياء المقتول مخيرين في أن يقتلوا أيهما شاؤوا، فإن قتلوا المشهود
عليه فليس لهم على الذي أقر سبيل ويرجع أولياء الذي شهد عليه على الذي أقر
بنصف الدية، فإن اختاروا قتل الذي أقر قتلوه وليس لهم على الآخر سبيل وليس
لأولياء المقتول المقر على نفسه على الذي قامت عليه البينة سبيل، وإن أراد أولياء
322

المقتول قتلهما جميعا قتلوهما معا ويردون على أولياء المشهود عليه نصف الدية وليس
عليهم أكثر من ذلك، فإن طلبوا الدية كانت عليهما نصفين على الذي أقر وعلى
الذي شهد عليه الشهود.
هكذا أورده شيخنا أبو جعفر في نهايته، ولي في قتلهما جميعا نظر لأن الشهود ما
شهدوا بأنهما اشتركا في قتل المقتول ولا المقر أيضا أقر باشتراكهما في قتله وإنما
كل واحد منهما ببينة من الشهود أو الإقرار يؤذن بأنه قتله على الانفراد دون الآخر
فكيف يقتلان معا وما تشاركا في القتل وإنما لو تشاركا في قتله لأقدناهما ولو
كانوا ألفا بعد أن يرد ما فضل عن ديته وههنا رد نصف دية، فلو اشتركا لكان يرد
دية كاملة ألف دينار يتقاسم بها أولياؤهما معا، والأولى عندي أن يرد الأولياء إذا
قتلوهما معا دية كاملة فيكون بين ورثتهما نصفين إذ قد ثبت أنهما قاتلان جميعا
بإقرار أحدهما على نفسه والبينة على الآخر ولا يرجع في مثل هذا إلى أخبار آحاد لا
توجب علما ولا عملا
هذا إذا أقر بالقتل مجتمعين مشتركين وتشهد البينة بذلك، فأما إذا كانا متفرقين
فالعمل على ما حررناه في شهادة الشهود على الاثنين حرفا فحرفا.
وروى أصحابنا في بعض الأخبار: أنه متى اتهم رجل بأنه قتل نفسا فأقر بأنه قتل
فجاء آخر فأقر أن الذي قتل هو دون صاحبه ورجع الأول عن إقراره درئ عنهما
القود والدية معا ودفع إلى أولياء المقتول الدية من بيت مال المسلمين، روي ذلك
عن الحسن بن علي ع وأنه قضى بهذه القضية وحكم بها في حياة أبيه
ع.
ومتى أقر نفسان فقال أحدهما: أنا قتلت رجلا عمدا، وقال الآخر: أنا قتلته
خطأ، كان أولياء المقتول مخيرين إن أخذوا بقول صاحب العمد فليس لهم على
صاحب الخطأ سبيل وإن أخذوا بقول صاحب الخطأ فليس لهم على صاحب العمد
سبيل.
وروي: أن المتهم بالقتل ينبغي أن يحبس ستة أيام فإن جاء المدعي ببينة أو فصل
الحكم معه وإلا خلي سبيله، وليس على هذه الرواية دليل يعضدها بل هي مخالفة
323

للأدلة.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: ومن قتل رجلا ثم ادعى أنه وجده مع امرأته في
داره قتل به أو يقيم البينة على ما قال.
قال محمد بن إدريس: الأولى أن يقيد ذلك بأن الموجود كان يزني بالمرأة وكان
محصنا فحينئذ لا يجب على قاتله القود ولا الدية لأنه مباح الدم، فأما إن أقام البينة
أنه وجده مع المرأة لا زانيا بها أو زانيا بها ولا يكون محصنا فإنه يجب على من قتله
القود ولا تنفعه بينته هذه فليلحظ ذلك.
وقال شيخنا في مسائل خلافه مسألة: إذا قطع طرف غيره ثم اختلفا فقال الجاني:
كان الطرف أشل، فلا قود ولا دية كاملة فيه، وقال المجني عليه: كان صحيحا،
ففيه القود والدية كاملة، فإن كان الطرف ظاهرا مثل اليدين والرجلين والعينين
والأنف وما أشبهها فالقول قول الجاني مع يمينه ويقيم المجني عليه البينة، فإن كان
الطرف باطنا فالقول قول المجني عليه.
قال محمد بن إدريس مصنف هذا الكتاب: ما اختاره شيخنا قول الشافعي والذي
تقتضيه أصول مذهبنا أن القول قول المجني عليه في الطرفين معا سواء كانا ظاهرين
أو باطنين لإجماع أصحابنا على ذلك وقول الرسول ع المتفق عليه: على
الجاحد اليمين وعلى المدعي البينة، والأصل سلامة الأعضاء والجاني يدعي الشلل
والعيب فعليه البينة ومن فصل ذلك وخصص يحتاج إلى دلالة.
باب الواحد يقتل اثنين أو أكثر منهما أو الاثنين والجماعة يقتلون واحدا:
إذا قتل اثنان واحدا أو أكثر منهما عمدا كان أولياء المقتول مخيرين بين أن
يقتلوا واحدا منهم يختارونه ويؤدى الباقون إلى ورثته مقدار ما كان يصيبهم لو طولبوا
بالدية، فإن اختار أولياء المقتول قتلهم جميعا كان لهم ذلك إذا أدوا إلى ورثة
المقتولين ما يفضل عن دية صاحبهم يتقاسمونه بينهم بالسوية، يدل على ذلك إجماع
أهل البيت ع وأيضا فما اشترطناه أشبه بالعدل وأليق به، ويدل على
324

جواز قتل الجماعة بالواحد بعد الاجماع المشار إليه قوله تعالى: ومن قتل مظلوما
فقد جعلنا لوليه سلطانا، لأنه لم يفرق بين الواحد والجماعة، وأيضا قوله تعالى:
ولكم في القصاص حياة، لأن المعنى أن القاتل إذا علم أنه يقتل إذا قتل كفه
عن القتل وكان في ذلك حياته وحياة من هم بقتله، وسقوط القود بالاشتراك في
القتل يبطل المقصود بالآية، ويحتج على المخالف بما رووه من قوله تعالى وقوله
ع: فمن قتل بعده قتيلا فأهله بين خيرتين... الخبر، لأنه لم يفرق، وقوله
تعالى: النفس بالنفس والحر بالحر، المراد به الجنس لا العدد فكأنه قال:
إن جنس النفوس يؤخذ بجنس النفوس وجنس الأحرار يؤخذ بجنس الأحرار.
وإذا قتل نفسان واحدا بضربتين مختلفتين أو متفقتين بعد أن يكون القتل يحدث
عن ضربهما كان الحكم فيه سواء لا يختلف، فإن كان قتلهما له خطأ محضا
كانت الدية على عاقلتهما بالسوية.
وإذا اشترك نفسان في قتل رجل فقتله أحدهما وأمسكه الآخر قتل القاتل وخلد
الممسك السجن حتى يموت، فإن كان معهما ردء ينظر لهما سملت عيناه معا،
ومعنى سملت عيناه أي فقئتا، يقال: سملت عينه تسمل، إذا فقئت بحديدة
محماة.
وإذا قتلت امرأتان رجلا عمدا قتلتا به جميعا فإن كن أكثر من اثنين كان
لأوليائه قتلهن ويؤدون ما يفضل عن دية صاحبهم على أوليائهن يقسمونه بينهم
بالحصص، وإن كان قتلهن له خطأ كانت الدية على عاقلتهن بالسوية، فإن قتل
رجل وامرأة رجلا كان لأولياء المقتول قتلهما جميعا ويؤدون إلى أولياء الرجل نصف
ديته خمسة ألف درهم،
وقال شيخنا المفيد في مقنعته: تكون الخمسة ألف درهم بين أولياء الرجل والمرأة
لأولياء الرجل ثلثاها ولأولياء المرأة ثلثها، والأول اختيار شيخنا أبي جعفر في
نهايته وهو الذي تقتضيه الأدلة ويشهد بصحته الأخبار والاعتبار.
فإن اختاروا قتل المرأة كان لهم قتلها ويأخذون من الرجل خمسة ألف درهم، فإن
325

اختاروا قتل الرجل كان لهم قتله وتؤدي المرأة إلى أولياء الرجل نصف ديتها ألفين
وخمسمائة درهم.
هكذا أورده شيخنا أبو جعفر في نهايته، والذي يقتضيه مذهبنا أنها ترد خمسمائة
دينار إلى أولياء الرجل لأنها جنت نصف الجناية فهما مشتركان في الجناية التي
هي القتل ولأجل ذلك إذا صالحا الأولياء على أخذ الدية كان عليها نصفها وعلى
الرجل نصفها بغير خلاف، وكذلك لو كان مكانها رجل واختار الأولياء قتل
أحدهما أدى الآخر الباقي إلى أولياء المقاد منه المقتول خمس مائة دينار بغير خلاف
لأن شريكه في الجناية وهما قاتلان وكذلك المرأة المذكورة ولا يرجع في مثل هذا إلى
أخبار آحاد لا توجب علما ولا عملا.
فإن أراد أولياء المقتول الدية كانت نصفها على الرجل ونصفها على المرأة سواء
بعد تراضى الجميع يأخذ الدية والصلح على ذلك، وإن كان قتلهما خطأ محضا
كانت الدية نصفها على عاقلة الرجل ونصفها على عاقلة المرأة سواء، وقد روي: أنه
إن قتل رجلا حر ومملوك رجلا على العمد كان أولياء المقتول مخيرين بين أن يقتلوهما
ويؤدوا إلى سيد العبد ثمنه أو يقتلوا الحر ويؤدى سيد العبد إلى ورثته خمسة ألف
درهم أو يسلم العبد إليهم فيكون رقا لهم أو يقتلوا العبد بصاحبهم خاصة فذلك لهم
وليس لسيد العبد على الحر سبيل، فإن اختاروا الدية كان على الحر النصف منهما
وعلى سيد العبد النصف الآخر أو يسلم العبد إليهم فيكون رقا لهم، وهذا الذي
ذكره شيخنا في نهايته.
وقال بعض أصحابنا في كتاب له: إذا قتل الحر والعبد حرا فاختار وليه الدية فعلى
الحر النصف وعلى سيد العبد النصف، وإن اختار قتلهما رد قيمة العبد على سيده
وورثة الحر، وإن اختار قتل الحر فعلى سيد العبد نصف ديته لورثته، وإن اختار
قتل العبد قتله ويؤدى الحر إلى سيده نصف قيمته، قال محمد بن إدريس: وهذا الذي تقتضيه أصول مذهبنا.
وذهب شيخنا أبو جعفر في استبصاره إلى: أنه إذا قتل الولي الحر يجب على سيد
العبد أن يرد على ورثة المقتول الثاني نصف الدية أو يسلم العبد إليهم لأنه لو كان
326

حرا لكان عليه ذلك على ما بيناه فحكم العبد حكمه على السواء، هذا آخر كلامه
في استبصاره وهو رجوع عما ذكره في نهايته ونعم الرجوع إلى الحق،
فإن كان قتله لهما خطأ محضا كان نصف ديته على عاقلة الرجل ونصفها على مولى
العبد أو يسلمه إلى أولياء المقتول يسترقونه وليس لهم قتله على حال.
وروي أيضا: أنه إن قتلت امرأة وعبد رجلا حرا واختار أولياء المقتول قتلهما
قتلوهما، فإن كان قيمة العبد أكثر من خمسة ألف درهم فليردوا على سيده ما يفضل
بعد الخمسة ألف درهم، وإن أحبوا أن يقتلوا المرأة ويأخذوا العبد إلا أن يكون قيمته
أكثر من خمسة ألف درهم فليردوا على مولى العبد ما يفضل عن خمسة ألف درهم
ويأخذوا العبد أو يفتديه مولاه، وإن كان قيمة العبد أقل من خمسة ألف درهم فليس
لهم إلا نفسه، وإن طلبوا الدية كان على المرأة نصفها وعلى مولى العبد النصف الآخر
أو يسلمه برمته يعني بكماله إليهم، "
والرمة قطعة حبل بالية ومنه قولهم: دفع إليه الشئ برمته، وأصله أن رجلا دفع
إلى رجل بعيرا بحبل في عنقه ثم قيل ذلك لكل من دفع شيئا بجملته لم يحتبس منه
شيئا " وينبغي أن يكون العمل والفتوى على هذه الرواية لأنهما تعضدها الأدلة
وأصول المذهب والإجماع وبها يفتي شيخنا أبو جعفر في نهايته واستبصاره ونحن لما
قدمناه من اقتران الأدلة لها.
وإذا اشترك جماعة من المماليك في قتل رجل حر كان لأولياء المقتول قتلهم
جميعا وعليهم أن يؤدوا ما يفضل عن دية صاحبهم، فإن نقص ثمنهم عن ديته لم
يكن لهم على مواليهم سبيل، وإن طلبوا الدية كانت على موالي العبيد بالحصص أو
تسليم العبيد إليهم، فإن كان قتلهم له خطأ محضا كان على مواليهم دية المقتول أو
تسليم العبيد إلى أولياء المقتول يستعبدونهم وليس لهم قتلهم على حال لأن المولى لا
يعقل عن عبده.
وإذا قتل رجل رجلين أو أكثر منهما وأراد أولياء المقتولين القود فليس لهم إلا
نفسه ولا سبيل لهم على ماله لأن الله تعالى قال: " النفس بالنفس " وما قال:
327

المال بالنفس، ولا لهم أيضا سبيل على ورثته ولا على عاقلته، فإن أرادوا الدية
وأراد هو أيضا ذلك على ما قدمناه وحررناه فيما مضى كان لهم عليه عن كل مقتول
دية كاملة على الوفاء، فإن كان قتله لهم خطأ محضا كان على عاقلته دياتهم على
الكمال، فإن قتل رجلا وامرأة أو رجالا ونساء أو امرأتين أو نساء كان الحكم أيضا
مثل ذلك سواء، والمشتركون في القتل إذا رضي عنهم أولياء المقتول بالدية لزم كل
واحد منهم الكفارة التي قدمنا ذكرها على الانفراد رجلا كان أو امرأة إلا المملوك
فإنه لا يلزمه أكثر من صيام شهرين متتابعين وليس عليه عتق ولا إطعام لأنه غير
مخاطب بالمال.
وإذا أمر انسان آخر بقتل رجل فقتله المأمور وجب القود على القاتل المباشر للقتل
دون الآمر وكان على الإمام حبس الآمر ما دام حيا، فإن أكره رجل رجلا على قتل
رجل فقتله المكره كان على المكره الذي باشر القتل القود دون المكره لقوله تعالى:
النفس بالنفس، يعني النفس القاتلة بالنفس المقتولة.
فإن أمر عبده بقتل غيره فقتله
فقد اختلفت روايات أصحابنا في ذلك، فروي: أنه يقتل العبد ويستودع السيد
السجن، وروي: أنه يقتل السيد ويستودع العبد السجن، والذي يقوى عندي في
ذلك أنه إن كان العبد عالما بأنه لا يستحق القتل أو متمكنا من العلم فعليه القود
دون السيد وإن كان صغيرا أو مجنونا فإنه يسقط القود ويجب فيه الدية على السيد
دون القود لأنه غير قاتل حقيقة وألزمناه الدية لقوله ع: لا يطل دم امرئ
مسلم، فلو لم يلزمه الدية لأطللنا دمه، ومعنى يطل يهدر.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: وإن أمر عبده بقتل غيره فقتله وجب على العبد
القود دون سيده ويحبس المولى ما دام حيا، ثم قال: وقد روي: أنه يقتل السيد
ويستودع العبد السجن، والمعتمد على ما قلناه، هذا قوله في نهايته وفي استبصاره
وذهب في مسائل خلافه إلى ما اخترناه نحن وقويناه وهو الذي تقتضيه أصول
مذهبنا على ما دللنا عليه فيما مضى.
وذهب شيخنا في مبسوطه إلى: أن العبد المأمور إذا كان عاقلا مميزا وجب عليه
328

القود دون السيد وإن كان غير عاقل ولا مميز وجب على السيد الآمر القود دون
العبد، وهو قوي إلا أن ما اخترناه أقوى وأوضح وأظهر في الاستدلال.
باب القود بين الرجال والنساء والعبيد والأحرار والمسلمين والكفار:
إذا قتل رجل امرأة عمدا وأراد أولياؤها قتله كان لهم ذلك إذا ردوا على الرجل
ما يفضل عن ديتها وهو نصف دية الرجل خمسة ألف درهم أو خمسمائة دينار أو
خمسون من الإبل أو خمسمائة من الغنم أو مائة من البقر أو مائة من الحلل على ما
قدمناه فإن لم يردوا ذلك لم يكن لهم القود على حال، فإن طلبوا الدية ورضي بها
القاتل كان لهم عليه دية المرأة على الكمال وهو أحد هذه الأشياء المقدم ذكرها.
وإذا قتلت امرأة رجلا واختار أولياؤه القود فليس لهم إلا نفسها يقتلونها
بصاحبهم وليس لهم على مالها ولا أوليائها سبيل، فإن طلب أولياء المقتول الدية
ورضيت هي بذلك كان عليها الدية كاملة دية الرجل إن كانت قتلته عمدا محضا
أو خطأ شبيه العمد في مالها خاصة على ما قدمناه، وإن كان قتله خطأ محضا فعلى
عاقلتها على ما بيناه من قبل وحررناه.
وأما الجراح فإنه يشترك فيها النساء والرجال السن بالسن والإصبع بالإصبع
والموضحة بالموضحة إلى أن تتجاوز المرأة ثلث دية الرجل، فإذا جازت الثلث سفلت
المرأة وتضاعف الرجل على ما نبينه فيما بعد إنشاء الله.
وإذا قتل الذمي مسلما عمدا دفع برمته وجميع ما يملكه إلى أولياء المقتول، فإن
أرادوا قتله كان لهم ذلك ويتولى ذلك عنهم السلطان وإن أرادوا استرقاقه كان رقا
لهم، فإن أسلم بعد القتل فليس عليه إلا القود ويكون إسلامه قبل خيرة الأولياء
لرقه ودفعه إليهم.
فأما إن اختاروا استرقاقه وأخذ جميع ماله ثم بعد ذلك أسلم فهو عبد لهم مسلم
وما أخذوه منه لهم،
وذهب بعض أصحابنا إلى: أنه يدفع بجميع ماله وولده الصغار إلى أولياء المقتول
329

المسلم، والذي تقتضيه الدلالة أن الأولاد الصغار لا يدفع إليهم لأن ماله إذا
اختاروا استرقاقه فهو مال عبدهم ومال العبد لسيده وأولاده أحرار قبل القتل
فكيف يسترق الحر بغير دليل؟ فأما استرقاقه هو فإجماعنا دليل عليه وليس كذلك
أولاده.
فإن لم يختاروا استرقاقه بل اختاروا قتله فليس لهم على ماله أيضا سبيل لأنه
لا يدخل في ملكهم إلا باختيارهم استرقاقه،
ومعنى قولهم: برمته، أي بجملته وكماله لأن أصل ذلك أن رجلا أعطى رجلا جملا
بحبله فصار كل من أعطى شيئا بكماله وجملته قيل: أعطاه برمته، لأن الرمة الحبل
على ما قدمناه.
فإن كان قتله له خطأ
فقد ذكر بعض أصحابنا: أن الدية تكون عليه في ماله خاصة إن كان له مال فإن
لم يكن له مال كانت الدية على إمام المسلمين لأنهم مماليكه ويؤدون الجزية إليه
كما يؤدى العبد الضريبة إلى سيده وليس لهم عاقلة غير الإمام، والصحيح أن الإمام
عاقلته على كل حال سواء كان له مال أو لم يكن.
وإذا قتل المسلم ذميا عمدا وجب عليه ديته ولا يجب عليه القود بحال.
وقد روي: أنه إن كان معتادا لقتل أهل الذمة فإن كان كذلك وطلب أولياء
المقتول القود كان على الإمام أن يقيده به بعد أن يأخذ من أولياء الذمي ما يفضل
من دية المسلم فيرده عليه أو على ورثته فإن لم يردوه أو لم يكن معتادا فلا يجوز قتله
به على حال، ولا ينبغي أن يلتفت إلى هذه الرواية ولا يعرج عليها لأنها مخالفة
للقرآن والإجماع وإنما أوردها شيخنا في استبصاره وتأويلها على هذا.
ودية الرجل الذمي ثمانمائة درهم جيادا أو قيمتها من الذهب ودية نسائهم على
النصف من دية ذكرانهم، ودية المجوسي دية الذمي سواء لأن حكمهم حكم اليهود
والنصارى، ودية ولد الزنى مثل دية اليهودي على ما ذهب إليه السيد المرتضى ولم
أجد لباقي أصحابنا فيه قولا فأحكيه، والذي تقتضيه الأدلة التوقف في ذلك وأن لا
دية له لأن الأصل براءة الذمة.
330

وإذا خرج أهل الذمة عن ذمتهم بتركهم شرائطهم من ارتكابهم الفجور أو
التظاهر بشرب الخمور وما يجري مجرى ذلك مما ذكرناه فيما تقدم حل دمهم وبطلت
ذمتهم غير أنهم لا يجوز لأحد أن يتولى قتلهم إلا الإمام أو من يأمره الإمام به
ويأذن له فيه، وديات أعضاء أهل الذمة وأروش جراحاتهم على قدر دياتهم سواء لا
يختلف الحكم فيه، ودية جنين أهل الذمة عشر دية آبائهم كما أن دية جنين المسلم
كذلك على ما يأتي بيانه فيما بعد إن شاء الله تعالى، وإذا قتل أهل الذمة بعضهم
بعضا أو تجارحوا قيد بينهم واقتص لبعضهم من بعض كما يقتص للمماليك بعضهم
من بعض، وديات رقيقهم ما لم يتجاوز قيمة الحر الذمي والأمة دية الحرة الذمية
فيرد إليهما.
وإذا قتل حر عبدا مسلما لم يكن عليه قود وكان عليه ديته وديته قيمة العبد
يوم قتله إلا أن تزيد على دية الحر المسلم، فإن زاد على ذلك رد إلى دية الحر وإن
نقص عنها لم يكن عليه أكثر من قيمته، فإن اختلفوا في قيمة العبد يوم قتله كان على
مولاه البينة بأن قيمته كان كذا يوم قتل، فإن لم يكن له بينة كان القول قول
القاتل مع يمينه لأنه غارم ومدعي عليه وجاحد بأن قيمته على ما ادعاه، فإن رد
اليمين على مولى العبد كان ذلك أيضا جائزا وهو بالخيار في الرد، ودية الأمة
المسلمة قيمتها ولا يتجاوز بقيمتها دية الحرائر من النساء بأن ثمنها على دية الحرة
ردت إلى ذلك وإن كان أقل من دية الحرة لم يكن على قاتلها أكثر من ذلك، وإن
قتله خطأ محضا كانت الدية على عاقلته على ما بيناه.
فإن قتل عبد حرا عمدا كان عليه القتل إن أراد أولياء المقتول ذلك، فإن لم
يطلبوا القود وطلبوا الدية فليس لهم إلا نفس المملوك وعلى السيد تسليمه إليهم
فإن شاؤوا استرقوه وإن شاؤوا قتلوه، فإن أرادوا قتله تولى ذلك عنهم السلطان أو
يأذن لهم فيه، وإن اصطلح أولياء المقتول وسيد العبد على أخذ الدية من مال
السيد كان ذلك جائزا وإن لم يفعل السيد ذلك فلا شئ عليه وعليه تسليمه إليهم
فقط، فإن استرقوه ورضوا باسترقاقه دون قتله فليس لهم بعد ذلك قتله وصار عبدا
لهم وليس لهم بعد العفو عن قتله واسترقاقه قتله بحال، فإن كان قتله للحر خطأ
محضا فليس السيد عاقلة له بل إن شاء أن يؤدي عنه الدية فعل ذلك وإن شاء يسلمه إليهم
331

يكون رقا لهم وليس لهم قتله على حال وللسلطان أن يعاقب من يقتل العبيد بما
ينزجر عن مثله في المستقبل.
وإذا قتل العبيد بعضهم بعضا أو تجارحوا قيد بينهم واقتص لبعضهم من بعض
إلا أن يتراضى مواليهم بدون ذلك من الدية أو الأرش.
وإذا قتل مدبر حرا كانت الدية على مولاه الذي دبره إن شاء واختار ورضي
أولياء المقتول واختاروا أيضا ذلك، فإن لم يصطلحوا على ذلك وجب على مولاه
تسليمه برمته إلى أولياء المقتول فإن شاؤوا قتلوه إن كان قتل صاحبهم عمدا وإن
شاؤوا استرقوه، فإن كان قتله خطأ استرقوه وليس لهم قتله.
وروي: أنه إذا مات الذي دبره استسعى في دية المقتول وصار حرا، ولا دليل على
صحة هذه الرواية لأنها مناقضة للأصول وهو أنه خرج من ملك من دبره وصار عبدا
لأولياء المقتول فمن أخرجهم من ملكهم بعد دخوله فيه يحتاج إلى دليل ولا دليل
على ذلك ولا يرجع في ذلك إلى أخبار آحاد لا توجب علما ولا عملا، ويمكن أن
تحمل الرواية على أنه كان التدبير عن نذر واجب لا يجوز الرجوع فيه فإذا كانت
كذلك وكان القتل خطأ فإنه بعد موت من دبره يصير حرا ويستسعي في الدية،
فأما إذا كان التدبير لا عن نذر فهو على ما قررناه وحررناه فليلحظ ذلك ويتأمل،
والأقوى عندي في الجميع: أنه يسترق سواء كان عن نذر أو لم يكن لأن السيد ما
رجع عن النذر وإنما صار عبدا بحق.
ومتى قتل مكاتب حرا فإن كان لم يؤد من مكاتبته شيئا أو كان مشروطا
عليه وإن أدى من مكاتبته شيئا فحكمه حكم المماليك سواء، فإن كان غير
مشروط عليه وقد أدى من مكاتبته شيئا كان على مولاه من الدية بقدر ما بقي من
كونه رقا وعلى إمام المسلمين بمقدار ما تحرر منه، وإن شاء سيده الذي بقي له منه
شئ بتسليم ما يخصه إليهم كان له ذلك ولا يجبر على ديته بمقدار ما بقي من كونه رقا.
ومتى قتل حر مكاتبا وكان قد أدى من مكاتبته شيئا كان عليه بمقدار ما قد
تحرر منه من دية الحر وبمقدار ما قد بقي منه من قيمة المماليك وليس عليه أكثر من
ذلك ولا يقاد قاتله به على حال، وذهب شيخنا في استبصاره في الجزء الثالث إلى:
332

أن المكاتب المطلق إذا أدى نصف مكاتبته فهو بمنزلة الحر في الحدود وغير ذلك من
قتل أو غيره من أن حكمه حكم الأحرار يجب على قاتله القود، معتمدا على خبر شاذ
فتأوله والصحيح ما ذهب إليه في نهايته لأنه يعضده أصول مذهبنا.
وديات الجوارح والأعضاء وأروش جراحاتهم على قدر أثمانهم كما أنها كذلك
في الأحرار، ويلزم قاتل العبد إذا كان العبد مسلما من الكفارة ما يلزم في قتل حر
مسلم سواء من كفارة الجميع وهي عتق رقبة وصيام الشهرين المتتابعين وإطعام
ستين مسكينا إذا كان قتله له عمدا فإن كان خطأ كان عليه الكفارة الواحدة
المرتبة على ما قدمناه في الحر سواء.
ومن قتل عبده متعمدا كان على الإمام أن يعاقبه عقوبة تردعه عن مواقعة مثله في
المستقبل ويغرمه قيمة العبد فيتصدق بها على الفقراء وكان عليه بعد ذلك كفارة
قتل العمد وهي كفارة الجمع المقدم ذكرها، فإن كان قتله خطأ لم يكن عليه إلا
الكفارة حسب ما قدمناه من أحد الأجناس الثلاثة على الترتيب.
ومتى جرح انسان عبدا أو قطع شيئا من أعضائه مما يجب فيه قيمته على
الكمال وجب عليه قيمته ولا يتجاوز بها دية الأحرار ويأخذ العبد يكون رقا له،
ولا يجوز للمولى أن يمسكه ويطالب بقيمته بل هو بالخيار بين أن يأخذ قيمته ويسلمه
إلى الجاني يكون رقا له وبين أن يمسكه ولا شئ له لئلا يجمع بين البدل والمبدل،
وليس كذلك إذا جنى الحر على العبد بما هو دون ثمنه وديته التي هي قيمته فإنه عند
هذه الحال لا يكون صاحبه في دفعه إلى الجاني بالخيار بل له دية ما جرحه أو قطعه
ويمسك عبده.
فأما إذا قطع رجل يد عبد وقطع رجل آخر يده الأخرى فالذي يقتضيه مذهبنا
وأصوله أن سيده لا يكون ههنا بالخيار في إمساكه ولا شئ له على القاطعين وبين
تسليمه إليهما وأخذ قيمته منهما بل يكون له على كل واحد منهما نصف قيمته ولا
يجب عليه تسليمه إليهما بل هو له، وحمل ذلك على القاطع الواحد قياس ونحن لا
نقول به بل نقف ونأخذ بعين ما ورد لنا في ذلك.
333

وقال شيخنا في مبسوطه: وإن قطع يدي عبد كان عليه كمال قيمته وتسليم العبد
عندنا وإذا قطع رجل رجل عبد والآخر يده كان عليهما كمال قيمته على كل واحد
منهما نصفه ويمسك المولى العبد ههنا بلا خلاف وفي الأول خلاف وفيهم من سوى
بين المسألتين فجعل العبد بين الحالتين وهو الأقوى، هذا آخر كلامه.
قال محمد بن إدريس: ما قواه أضعف من التمام بل الأول الصحيح،
وقد روي: أنه متى قتل عبد حرين أو أكثر منهما أو جرحهما جراحة تحيط بثمنه
واحدا بعد الآخر كان العبد لأولياء الأخير لأنه إذا قتل واحدا يصير لأوليائه وإذا
قتل الثاني انتقل إلى أولياء الثاني ثم هكذا بالغا ما بلغ، والوجه في هذه الرواية أن
يكون أولياء الأول اختاروا استرقاقه ورضوا بذلك وعفوا عن قتله فحينئذ يصير
مملوكا لهم فإذا قتل الثاني صار مملوكا لأوليائه إن اختاروا ذلك وإلا لهم قتله ولا
يدخل في ملك واحد من القتيلين بغير اختياره، فأما إذا لم يختر أولياء الأول
استرقاقه ولا عفوا عن قتله ثم قتل الثاني فمن سبق إلى قتله كان له ذلك لقوله
تعالى: فقد جعلنا لوليه سلطانا، فيلحظ ذلك، وإلى ما حررناه واخترناه.
ذهب شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله في الجزء الثالث من الاستبصار وعاد عما
أطلقه في نهايته وذهب إليه إلا أنه لما أورد الرواية التي فيها: أنه لأولياء الأخير
من المقتولين قال: هذا الخبر ينبغي أن نحمله على أنه إنما يصير لأولياء الأخير إذا
حكم بذلك الحاكم فأما قبل ذلك فإنه يكون بين أولياء الجميع.
قال محمد بن إدريس: وأي فائدة وأثر في الحاكم وحكمه إن أراد رحمه الله بقوله:
حكم الحاكم، ما ثبت عنده فما تكون الأحكام إلا بعد ثبوتها، وإن أراد حكم
الحاكم باسترقاق العبد القاتل فلا حكم للحاكم في ذلك ولا مدخل ولا قول بل
الاختيار في ذلك إلى الأولياء بين القتل والاسترقاق ولا مدخل للحاكم في ذلك،
ومتى قتلهما بضربة واحدة أو جناية واحدة كان بين أوليائهما على ما حررناه وليس
على مولاه أكثر من تسليمه إليهما.
ومتى جرح عبد حرا فإن شاء الحر أن يقتص منه كان له ذلك وإن شاء أخذه إن
كانت الجراحة تحيط برقبته وإن كانت لا تحيط برقبته افتداه مولاه، فإن أبي مولاه
334

ذلك كان للحر المجروح من العبد بقدر أرش جراحته والباقي لمولاه يباع العبد فيأخذ
المجروح حقه ويرد الباقي على المولى، وإذا قتل عبد مولاه قيد به على كل حال.
وإذا كان لإنسان مملوكان قتل أحدهما صاحبه كان بالخيار بين أن يقيده به أو
يعفو عنه، ولا قصاص بين المكاتب الذي أدى من مكاتبته شيئا وبين العبد كما لا
قصاص بين الحر والعبد ويحكم فيهما بالدية والأرش حسب ما يقتضيه حساب
المكاتب على ما بيناه.
وإذا قتل عبد حرا خطأ فأعتقه مولاه جاز عتقه ولزمه دية المقتول لأنه عاقلته على
ما بيناه،
هكذا أورده شيخنا أبو جعفر في نهايته وقد قلنا نحن: إن المولى لا يعقل عن عبده
وإنما مقصود شيخنا إذا أعتقه تبرعا فإنه مولاه وله ولاؤه وهو يعقل عنه بعد ذلك
إلا أنه في حال ما قتل الحر لم يكن السيد عاقلته ولا يجب على السيد سوى تسليمه
إلى أولياء المقتول حسب ما قدمناه فإنه عبدهم وهم مستحقون له إلا أن يتبرع المولى
ويفديه بالدية فإذا فداه وضمن عنه ما جناه جاز له حينئذ عتقه والتصرف فيه وقبل
ذلك لا يجوز له شئ من ذلك لأنه قد تعلق به حق للغير فلا يجوز إبطاله إلا أن
يضمن عنه وكذلك لا يجوز بيعه قبل الضمان عنه ولا رهنه، وشيخنا أبو جعفر قائل
بذلك موافق عليه لأنه قال في الجزء الثاني من مسائل خلافه في كتاب الرهن
مسألة:
إذا جنى العبد جناية ثم رهنه بطل الرهن سواء كانت الجناية عمدا أو خطأ أو
توجب القصاص أو لا توجبه، ثم قال: دليلنا على بطلانه إذا كان عمدا أنه إذا
كان كذلك فقد استحق المجني عليه العبد وإن كان خطأ تعلق الأرش برقبته فلا
يصح رهنه، هذا آخر كلامه رحمه الله فكيف يصح ما قاله في نهايته وإطلاق كلامه
بأنه عاقلته وأنه يجوز عتقه قبل ضمان الدية عنه فليلحظ ذلك فما يورده
في نهايته في كتاب الديات معظمه أخبار آحاد وقد بينا أنها لا توجب علما ولا عملا وقد
رجع عن أكثره في مبسوطه ومسائل خلافه.
335

باب من لا يعرف قاتله ومن لا دية له إذا قتل والقاتل في الحرم والشهر الحرام:
من مات في زحام عبور على جسور أو زيارات قبور الأئمة ع أو في
أبواب الجوامع يوم الجمعات أو أبواب المشاهد أيام الزيارات ومقامات عرفات وما
أشبه ذلك من المواضع التي يتزاحم الناس فيها ولا يعرف قاتله ولا واكزه كانت
ديته على بيت مال المسلمين إن كان له ولي يطلب ديته فإن لم يكن له ولي فلا دية
له، ودية القتيل الموجود في القرية أو المحلة المتميزة أو الدرب أو الدار أو القبيلة ولا
يعرف له قاتل بإقرار أو بينة على أهل المحل الذي وجد فيه، فإن وجد بين القريتين
أو الدارين أو المحلتين أو القبيلتين فديته على أقربهما إليه، فإن كان وسطا فالدية
نصفان.
وروى أصحابنا: أنه إذا كانت القريتان متساويتين إليه في المسافة كانت ديته
على أهل الموضع الذي وجد فيه قلبه وصدره وليس على الباقين شئ إلا أن يتهم
آخرون فيكون حينئذ الحكم فيهم، إما إقامة البينة أو القسامة على الشرح الذي
قدمناه.
قال شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله في الجزء الثالث من استبصاره في باب
المقتول في قبيلة أو قرية أورد ثلاثة أخبار: بأن على أهل القرية أو القبيلة الدية، ثم
قال محمد بن الحسن: الوجه في هذه الأخبار أنه إنما يلزم أهل القرية أو القبيلة إذا
وجد القتيل بينهم متى كانوا متهمين بالقتل وامتنعوا من القسامة حسب ما بيناه في
كتابنا الكبير فإذا لم يكونوا متهمين أو أجابوا إلى القسامة فلا دية عليهم وتؤدي ديته
من بيت المال، هذا آخر كلامه. وإلى هذا القول أذهب وبه أفتى لأن وجود
القتيل بينهم لوث فيقسم أولياؤه مع اللوث وقد استحقوا ما يقسمون عليه وهذا
الذي يقتضيه أصول مذهبنا.
وإذا دخل صبي دار قوم فوقع في بئرهم فإن كانوا متهمين بعداوة بينهم وبين
أهله كانت عليهم ديته إن كان دخل عليهم بإذنهم ويجري ذلك مجرى اللوث المقدم
ذكره وتكون الدية المقدم ذكرها بعد القسامة منهم، فإن كانوا مأمونين أو دخل
عليهم بغير اختيارهم لم يكن عليهم شئ سوى اليمين أنهم لم يقتلوه لأن هذه
336

دعوى عليهم محضة.
وقد روي: أنه إذا وقت فزعة بالليل فوجد فيهم قتيل أو جريح لم يكن فيه
قصاص ولا أرش جراح وكانت ديته على بيت مال المسلمين، هذا إذا لم يتهم قوم
فيه ويكون ثم لوث على ما بيناه.
وإذا وجد قتيل في أرض فلاة كانت أيضا ديته على بيت المال، وقد روي:
أنه إذا وجد قتيل في معسكر " بفتح الكاف " أو في سوق من الأسواق ولم يعرف له
قاتل كانت أيضا ديته على بيت مال المسلمين، إلا أن يكون هناك لوث على رجل
بعينه أو قوم بأعيانهم فيجب على الأولياء القسامة حسب ما قدمناه، والفرق بين
القبيلة والقرية وبين المعسكر والسوق على هذه الرواية أن القرية متميزة وكذلك
القبيلة لا يختلط بهم سواهم وليس كذلك السوق والمعسكر، يمكن أن يكون الوجه
في هذه الرواية ما قدمناه.
ومن طلب إنسانا على نفسه أو ماله فدفعه عن نفسه فأدى ذلك إلى قتله فلا دية
له وكان دمه هدرا وعلى هذا إذا أراد امرأة أو غلاما على فجور فدفعاه عن أنفسهما
فقتلاه كان دمه هدرا، ومن اطلع على قوم في دارهم أو دخل عليهم من غير إذنهم
فزجروه فلم ينزجر فرموه بعد الزجر فأدى الرمي إلى قتله أو فقئوا عينه لم يكن عليهم
شئ.
ومن قتله القصاص أو الحد فلا قود له ولا دية سواء كان الحد من حدود
الآدميين أو من حقوق الله تعالى وحدوده لأن الضارب للحد محسن بفعله وقد قال
الله تعالى: ما على المحسنين من سبيل،
وإلى هذا يذهب شيخنا أبو جعفر في نهايته، وذهب في استبصاره إلى: أنه إن كان
الحد من حدود الله فلا دية له من بيت المال، وإذا مات في شئ من حدود الآدميين
كانت ديته على بيت المال، بعد أن أورد خبرين عن الحلبي والآخر عن زيد
الشحام: بأن من قتله الحد فلا دية له، ثم أورد خبرا عن الحسن بن صالح الزيدي
فخص به الخبرين ولا خلاف بين المتكلمين في أصول الفقه أن أخبار الآحاد لا
يخص بها العموم المعلوم وإن كانت رواتها عدولا فكيف وراويه من رجال الزيدية
337

ثم إنه مخالف للقرآن والإجماع ثم إنه قال في خطبة استبصاره: إنه يقضى بالكثرة
على القلة والمسانيد على المراسيل وبالرواة العدول على غير العدول فقد أخرم هذه
القاعدة في هذا المكان وفي مواضع كثيرة من كتابه الذي قنن قاعدته.
ومن أخطأ عليه الحاكم بشئ من الأشياء أو بزيادة ضرب على الحد أو غير ذلك
فقتله أو جرحه فقد روى أصحابنا: أنه يكون على بيت مال المسلمين. ومن حذر
فرمى فقتل فلا قصاص عليه ولا دية لما روي عن أمير المؤمنين ع أنه قال:
قد أعذر من حذر.
ومن اعتدى على غيره فاعتدي عليه فقتل لم يكن له قود ولا دية،
وقد روي في شواذ الأخبار أورده شيخنا أبو جعفر في نهايته عن عبد الله بن طلحة
عن أبي عبد الله ع قال: سألته عن رجل سارق دخل على امرأة ليسرق
متاعها فلما جمع الثياب تابعته نفسه فكابرها فواقعها فتحرك ابنها فقام إليه فقتله
بفأس كان معه فلما فرع حمل الثياب وذهب ليخرج فحملت عليه بالفأس فقتلته
فجاء أهله يطلبون بدمه من الغد؟ فقال أبو عبد الله ع: اقض على هذا
كما وصفت لك، فقال: يضمن مواليه الذين طلبوا بدمه دم الغلام ويضمن السارق
فيما ترك أربعة ألف درهم لمكابرتها على نفسها وفرجها أنه زان وهو في ماله غرامة
وليس عليها في قتلها إياه شئ لأنه سارق.
قال محمد بن إدريس: هذه الرواية مخالفة للأدلة وأصول المذهب لأنا قد بينا أن
قتل العمد لا تضمنه العاقلة والسارق المذكور قتل الابن عمدا فكيف يضمن مواليه
دية الابن فأما قتلها له فلا قود عليها ولا دية في ذلك كما قال (ع) لأنه
قد استحق القتل من وجهين: لمكان غصبه فرجها لأن من غصب امرأة فرجها
وجب عليه القتل، والوجه الثاني لمكان قتله ولدها فإنها يجب لها القود عليه. فأما
إلزامه في ماله أربعة ألف درهم فلا دليل على ذلك والذي تقتضيه أصول مذهبنا أنه
يجب عليه مهر مثلها ليستوفى من تركته إن كان قد خلف تركة، لا يجب أكثر من
ذلك لأنه لا دليل على أكثر من مهر المثل لأنه دية الفرج المغصوب وهو العقر " بضم
العين غير المعجمة وتسكين القاف وهو دية الفرج المغصوب عند أهل اللغة
والفقهاء ".
338

وروي أيضا أنه قال: قلت رجل تزوج امرأة فلما كان ليلة البناء عمدت المرأة إلى
رجل صديق لها فأدخلته الحجلة " والحجلة بالتحريك واحدة حجال العروس وهو
بيت يزين بالثياب والأسرة والنمارق والستور هكذا ذكره الجوهري في كتاب
الصحاح فلا يظن ظان أن الحجلة للسرير، ويعضد قول الجوهري الحديث المروي
المشهور وهو: أعروهن يلزمن الحجال، ولا خلاف أن المراد بذلك البيوت دون
الأسرة " فلما دخل الرجل يباضع أهله ثار الصديق واقتتلا في البيت فقتل الزوج
الصديق فقامت المرأة فضربت الزوج ضربة فقتلته بالصديق، قال: تضمن المرأة دية
الصديق وتقتل بالزوج.
قال محمد بن إدريس: أما قتلها بالزوج فصحيح وأما إلزامها دية الصديق في مالها
فلا دليل عليه من كتاب ولا سنة مقطوع بها ولا إجماع بل لا دية له ودمه هدر لأن
قتله مستحق لأنه معتد بخصومة صاحب المنزل في منزله وعلى امرأته، وإنما هذه
روايات وأخبار آحاد توجد في المصنفات لا دليل على صحتها فلا يحل ولا يجوز
الفتيا بها لأنها لا تعضدها الأدلة بل الأدلة بالضد منها.
ومن قتل غيره في الحرم أو أحد أشهر الحرم وهي: رجب وذو القعدة وذو الحجة
والمحرم، وأخذت منه الدية صلحا على ما قدمناه كان عليه دية وثلث من أي
أجناس الديات كانت لانتهاكه حرمة الحرم وأشهر الحرم، فإن طلب منه القود قتل
بالمقتول، فإن كان إنما قتل في غير الحرم ثم التجأ إليه ضيق عليه في المطعم
والمشرب بأن لا يبايع ولا يخالط إلى أن يخرج فيقام عليه الحد.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: وكذلك الحكم في مشاهد الأئمة ع،
يريد بعطفه على الحرم في حكم واحد لا في جميع أحكام الحرم من أنه إذا جنى في غير
حرم الإمام الذي هو المشهد ثم التجأ إلى المشهد ضيق عليه في المطعم والمشرب بأن
لا يبايع ليخرج فيقام عليه الحد إلا أنه إذا قتل فيه وأخذت منه الدية وجب عليه
دية وثلث لأنه لا دليل على ذلك من كتاب أو سنة أو إجماع.
339

باب ضمان النفوس وغيرها:
روى أصحابنا: أن من دعي غيره ليلا فأخرجه من منزله فهو له ضامن إلى أن
يرده إلى منزله أو يرجع هو بنفسه إليه فإن لم يرجع إلى المنزل أو لا يعرف له خبر
كان ضامنا لديته، فإن وجد قتيلا كان على الذي أخرجه القود بعد القسامة من
أوليائه " على ما مضى شرحه " أو يقيم البينة أنه برئ من قتله، فإن لم يقم بينة
وادعى أن غيره قتله ولم يقم بذلك بينة بقتل غيره له على ما ادعاه كان عليه الدية
دون القود،
على الأظهر في الأقوال والروايات، وقد روي: أن عليه القود، والأول هو الصحيح
وهو اختيار شيخنا أبي جعفر في نهايته.
ومتى أخرجه من البيت ثم وجد ميتا فادعى أنه مات حتف أنفه،
روي: أن عليه الدية أو البينة على ما ادعاه، والذي تقتضيه الأدلة أنه إذا كان غير
متهم عليه ولا يعلم بينهما إلا خير وصلح فلا دية عليه بحال فأما إذا كان يعلم
بينهما مخاصمة وعداوة فلأوليائه القسامة بما يدعونه من أنواع القتل، فإن ادعوا قتله
عمدا كان لهم القود وإن ادعوا أنه خطأ كان لهم الدية لأن اخراجه والعداوة التي
بينهما تقوم مقام اللوث المقدم ذكره فليلحظ ذلك.
وإذا استأجر انسان ظئرا فأعطاها ولده فغابت بالولد سنين ثم جاءت بالولد
فزعمت أمه أنها لا تعرفه وزعم أهلها أنهم لا يعرفونه فليس لهم ذلك وليقبلوه فإنما
الظئر مأمونة اللهم إلا أن يحققوا العلم بذلك بالأدلة القاطعة للأعذار وأنه ليس بولد
لهم فلا يلزمهم حينئذ الإقرار به وكان على الظئر الدية أو إحضار الولد بعينه أو من
يشتبه الأمر فيه، ولا يقبل قولهم بمجرده دون البينة على الظئر لأنها مأمونة ومدعى
عليها وغارمة والقول قول الأمين والمدعى عليه بلا خلاف.
وإذا استأجرت الظئر ظئرا أخرى من غير إذن صاحب الولد فغابت به ولا
يعرف له خبر كان عليها الدية لأنها فرطت بتسليمه إلى غيرها من غير إذن وليه،
وقد روي: أنه متى تقلبت الظئر على الصبي في منامها فقتله فإن كانت إنما
340

فعلت ذلك للفقر والحاجة كانت الدية على عاقلتها وإن كانت إنما طلب المظائرة
للفخر والعز كان عليها الدية في مالها خاصة.
وروي: أن من نام وانقلب على غيره فقتله كان ذلك شبيه العمد يلزمه الدية في
ماله خاصة وليس عليه قود، والذي تقتضيه أصول مذهبنا أن الدية في جميع هذا على
العاقلة لأن النائم غير عامد في فعله ولا عامد في قصده وهذا حد قتل الخطأ المحض
ولا خلاف أن دية قتل الخطأ المحض على العاقلة وإنما هذه أخبار آحاد لا يرجع بها
عن الأدلة، والذي ينبغي تحصيله في هذا أن الدية على النائم نفسه لأن أصحابنا
جميعهم يوردون ذلك في باب ضمان النفوس وذلك لا تحمله العاقلة بلا خلاف.
ومن قتل غيره متعمدا فدفعه الوالي إلى أولياء المقتول ليقيدوه بصاحبهم فخلصه
انسان قهرا كان عليه رده فإن لم يرده كانت عليه الدية.
وروي: أنه إذا أعنف الرجل بامرأته أو المرأة بزوجها فقتل أحدهما فإن كانا
متهمين ألزما الدية وإن كانا مأمونين لم يكن عليهما شئ، والأولى وجوب الدية
على المعنف منهما كيف ما دارت القصة إلا أن الحكم إذا كانا متهمين فقد حصل
لولي المقتول تهمة وهو اللوث فله أن يقسم ويستحق القود إن ادعى أن القتل عمد،
فأما إذا كانا مأمونين فالمستحق الدية على المعنف فحسب ولا يستحق الولي القود
ههنا بحال، فهذا تحرير الفتيا في ذلك.
ومن طفر من علو فوق غيره قاصدا فقتله فهو قاتل عمدا، وإن كان لغرض غير
ذلك فوقع عليه من غير قصد إليه فالدية على عاقلته، وإن كان بدفع غيره فالدية على
الدافع، وإن كان بهبوب الرياح فالدية من بيت مال المسلمين، ولا تعقل العاقلة
صلحا ولا إقرارا ولا تعقل البهائم ولا ما وقع عن تعد كحدث الطريق والدابة وكل
مضمون من الأموال وبالجملة لا تعقل العاقلة الأسباب لمن حفر بئرا أو وضع حجرا
أو نصب سكينا أو أضرم نارا وما أشبه ذلك.
فعلى التحرير يتنوع القتل ستة أنواع: عمد يوجب القود، وخطأ محض، وخطأ
شبيه العمد وهما جميعا يوجبان الدية دون القود، ومضمون بالتعدي وهو ما عدا
الأنواع الثلاثة المعلوم إضافتها وديته لازمة للمتعدي في ماله، وقتل لا يعرف فاعله
341

ويصح إضافة هذا القتل إلى محل وجوده كالقرية والمحلة وشبههما، وقتل لا يعرف
فاعله ولا يصح إضافته كقتل الزحام ونظائره فديته على بيت مال المسلمين.
ومن غشيته دابة وخاف أن تطأه فزجرها عن نفسه فجنت على الراكب أو على
غيره لم يكن عليه شئ لأنه بفعله محسن لأنه دفع الضرر عن نفسه وقد قال تعالى:
ما على المحسنين من سبيل.
ومن ركب دابة فساقها فوطئت إنسانا أو كسرت شيئا كان ما تصيبه بيديها
ورأسها ضامنا له دون ما تصيبه برجليها، فإن ضربها فرمحت فأصابت إنسانا أو
شيئا كان عليه ضمان ما أصابته بيديها ورجليها معا وكذلك إذا وقف عليها كان
عليه ضمان ما تصيبه بيديها ورجليها، فإن كان يسوقها سوقا غير معتاد فوطئت
شيئا بيديها أو رجليها أو فمها كان ضامنا له، وإن كان يقودها فوطئت شيئا
بيديها كان ضامنا له وكذلك يضمن ما تصيبه بفمها وليس عليه ضمان ما تصيبه
برجلها إلا أن يضربها، فإن ضربها فرمحت برجلها فأصابت شيئا كان ضامنا له.
ومن آجر دابته إنسانا فركبها وساقها وكان صاحبها معها يراعيها فوطئت شيئا
بإحدى الأربع كان ضمان ما تطأه على صاحب الدابة دون الراكب، فإن لم يكن
صاحبها معها وكان الراكب هو الذي يراعيها كان على راكبها ضمان ما تصيبه
دون صاحبها بيديها ورأسها دون ما تصيبه برجليها إذا كان سوقه لها بمجرى العادة،
فإن كان خارجا عن المعتاد ضمن جميع ما يصيبه بإحدى الأربع والرأس أيضا،
فإن رمت الدابة بالراكب لم يكن على الذي آجرها شئ سواء كان معها أو لم
يكن إلا أن يكون نفر بها فإن نفر بها كان ضامنا لما يكون منها من جناية، وحكم
الدابة في جميع ما قلناه وحكم سائر ما يركب من البغال والحمير والجمال على حد
واحد لا يختلف الحكم فيه.
ومن حمل على رأسه متاعا بأجرة فكسره أو أصاب إنسانا به كان عليه ضمانه
أجمع اللهم إلا أن يكون انسان آخر دفعه فيكون حينئذ ضمان ذلك عليه.
ومن قتل مجنونا عمدا فإن كان أراده فدفعه عن نفسه فأدى ذلك إلى قتله لم
342

يكن عليه شئ لأنه محسن بفعله - على ما قلناه فيما مضى وحررناه - وكان دمه
هدرا، فإن لم يكن المجنون أراده وقتله عمدا كان عليه ديته ولم يكن عليه قود لأنه
لا يقاد الكامل بالناقص، وإن كان قتله له خطأ كانت الدية على عاقلته.
وإذا قتل مجنون غيره كان عمده وخطأه واحدا تجب فيه الدية على عاقلته فإن لم
تكن له عاقلة كانت عاقلته الإمام ع دون بيت المال لأن ميراثه له اللهم
إلا أن يكون المجنون قتل من أراده فيكون حينئذ دم المقتول هدرا، ومن قتل غيره
وهو صحيح العقل ثم اختلط وصار مجنونا قتل بمن قتله ولا تكون فيه الدية.
وقد روي: أن من قتل غيره وهو أعمى فإن عمده وخطأه سواء وأن فيه الدية على
عاقلته، والذي تقتضيه أصول المذهب أن عمد الأعمى عمد يجب فيه عليه القود
لقوله تعالى: النفس بالنفس، وقوله تعالى: ولكم في القصاص حياة، فإذا
لم يقتل الأعمى بمن قتله عمدا خرجت فائدة الآية فلا يرجع عن الأدلة القاهرة
برواية شاذة وخبر واحد لا يوجب علما ولا عملا.
ومن قتل صبيا متعمدا والصبي غير بالغ قتل به ووجب عليه القود على الأظهر من
أقوال أصحابنا ولقوله تعالى: النفس بالنفس، وليس هذا كمن قتل مجنونا
عمدا لأن الاجماع منعقد على أنه لا قود على قاتل المجنون وليس معنا إجماع منعقد على
أنه ليس على قاتل الصبي غير البالغ قود وأيضا القياس عندنا باطل، فإن قتله خطأ
كانت الدية على عاقلته.
وإذا قتل الصبي رجلا متعمدا كان عمده وخطأه واحدا سواء كان له دون عشر
سنين أو أكثر من عشر سنين على الصحيح من الأقوال وما تقتضيه الأدلة القاهرة
فإنه يجب فيه الدية على عاقلته.
وقال شيخنا في نهايته: إلى أن يبلغ عشر سنين أو خمسة أشبار فإذا بلغ ذلك اقتص
منه وأقيمت عليه الحدود التامة، وهذا القول غير مستقيم ولا واضح لأنه مخالف
للأدلة العقلية والسمعية ولا يلتفت إلى رواية شاذة وخبر واحد لا يوجب علما ولا
عملا وإن كان شيخنا أورد الرواية في نهايته فإنه أوردها إيرادا لا اعتقادا كما
343

أورد نظائرها مما لا يعمل عليه ولا يفتي به ولا يعرج عليه، ورجع أيضا عن ذلك
في مسائل خلافه ومبسوطه على ما قدمناه فيما مضى وحكيناه فإنه قال في الجزء
الثالث من مسائل خلافه مسألة: روى أصحابنا: أن عمد الصبي والمجنون
وخطأهما سواء فعلى هذا يسقط القود عنهما والدية على العاقلة مخففة، ثم استدل
فقال: دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم ولأن الأصل براءة الذمة وما ذكرناه مجمع على
وجوبه، وروي عن النبي ص أنه قال: رفع القلم عن ثلاث أحدهم
عن الصبي حتى يبلغ، هذا آخر استدلاله رحمه الله وآخر مسألته.
ومن وطئ امرأته قبل أن تبلغ تسع سنين فأفضاها
" والإفضاء هو أن يصير مدخل الذكر ومخرج البول واحدا يخرق ما بينهما من الحاجز
ويرفعه فيفضي ما بينهما "
كان عليه ديتها وألزم النفقة عليها إلا أن تموت أو يموت هو لأنها لا تصلح للرجال
على ما وردت به الأخبار وتواترت عن الأئمة الأطهار، ويجب عليه أيضا مهرها لأنه
لا يدخل في ديتها وكل واحد منهما لا يدخل في الآخر لأنه لا دليل عليه.
ومن أحدث في طريق المسلمين حدثا ليس له أو في ملك لغيره بغير إذنه ومن
حفر بئرا أو بنى حائطا أو نصب خشبة أو كنيفا وما أشبه ذلك مما ليس له إحداثه
ولا فعله فوقع فيه شئ أو زلق به أو أصابه منه شئ من هلاك أو تلف أو كسر شئ
من الأعضاء أو تلفها أو كسر شئ من الأمتعة كان ضامنا لما يصيبه في ماله دون
عاقلته على ما قدمناه قليلا كان أو كثيرا.
فإن أحدث في الطريق ما له إحداثه وفعله ونصبه مثل الميازيب والرواشن الغير
مضرة بالمارة لم يكن عليه شئ لأنه محسن بفعله وبإحداثه غير مسئ وقد قال تعالى:
ما على المحسنين من سبيل،
فمن أوجب عليه شئ خالف الآية وأوجب عليه ما لم يوجبه الله عليه وأيضا
الأصل براءة الذمة فمن شغلها بشئ يحتاج إلى دليل وشيخنا أبو جعفر في نهايته
ضمن صاحب الميزاب ولا دليل على ذلك من كتاب ولا سنة ولا إجماع.
وما اخترناه مذهب شيخنا المفيد محمد بن محمد بن النعمان قال في مقنعته: ومن
344

أحدث في طريق المسلمين شيئا لحق أحدا منهم به ضرر كان ضامنا لجناية ذلك
عليه فإن أحدث فيه ما أباحه الله تعالى إياه وجعله وغيره من الناس فيه سواء فلا
ضمان عليه لأنه لم يتعد واجبا بذلك، هذا آخر كلامه بعينه
ولا خلاف بين المسلمين في إباحة نصب الميازيب وجعلها لم ينكر أحد منهم ذلك
بحال.
ومن أحرق دار قوم فهلك فيها أنفس وأموال كان عليه القود بمن قتل وغرم ما
أهلكه بالإحراق من الأموال هذا إذا تعمد قتل الأنفس، فأما إذا لم يتعمد قتل
الأنفس لكن تعمد إحراق الأموال والدار فحسب فإنه يجب عليه ضمان الأموال فأما
الأنفس فدياتها على عاقلته لأنه غير عامد إلى القتل لا بالفعل ولا بالقصد فهو خطأ
محض لأنه غير عامد في فعله إلى القتل ولا عامد في قصده إلى تناول النفس المقتولة
وتلفها،
وذكر شيخنا في نهايته: أن عليه ضمان ما أتلف من الأنفس وبعد ذلك عليه
القتل، وهذا غير واضح لأنه إن كان قتل العمد فليس عليه إلا القود فحسب وإن
كان قتل شبيه العمد أو الخطأ المحض فلا يجب عليه القود بحال فليلحظ ذلك.
فإن لم يتعمد الإحراق لكنه أضرم نارا لحاجته فتعدت النار باتصال مال غيره
من الأحطاب إلى إحراق الدار ومن فيها كانت دية الأنفس على العاقلة وغرم ما
هلك بالنار من الأموال عليه في ماله ولا يجب عليه القود لأن هذا غير قاصد إلى القتل
بل هذا خطأ محض لأنه غير عامد في فعله بالجناية على الأنفس وغير عامد في قصده
بإتلاف الأنفس وتناولها فليلحظ ذلك فإن ما عداه أخبار آحاد أوردها ووضعوها في
كتبهم إيرادا لا اعتقادا للعمل بها.
فإن كان إضرامه النار في مكان له التصرف فيه بحق ملك أو إجارة على وجه لا
يتعدى بأن لا يتصل بالأملاك ولا بأحطاب الغير وكان ذلك على وجه معتاد فحملتها
الريح إلى ملك قوم فأصابتهم معرتها فلا ضمان عليه.
والبعير إذا اغتلم وجب على صاحبه حفظه وحبسه، فإن لم يفعل ذلك أو فرط
345

فيه فتعدى ضرره إلى أحد ضمن صاحبه جنايته، فإن لم يعلم بهيجانه أو لم يفرط
في حفاظه وأفلت بعد الحفاظ له فلا ضمان على صاحبه.
قال شيخنا في نهايته: فإن كان الذي جنى عليه البعير بعد هيجانه وعلم صاحبه به
وتفريطه في حفظه ضرب البعير فقتله أو جرحه كان عليه بمقدار ما جنى عليه مما
ينقص من ثمنه يطرح من دية ما كان جنى عليه البعير.
قال محمد بن إدريس: هذا غير واضح والذي يقتضيه أصل مذهبنا أنه لا ضمان
عليه بضرب البعير لأنه بفعله محسن وقال تعالى: ما على المحسنين من سبيل.
ومن هجمت دابته على دابة غيره في مأمنها فقتلتها أو جرحتها كان صاحبها
ضامنا لذلك هذا مع تفريطه في حفاظها وعلمه باغتلامها، فإن دخلت عليها الدابة
إلى مأمنها فأصابتها بسوء لم يضمن صاحبها ذلك، ومن أصاب خنزير ذمي فقتله
كان عليه قيمته عند مستحله فإن جرحه كان عليه قيمة ما نقص من ثمنه عند
أهله.
ومن أركب مملوكا له غير بالغ دابة فجنت الدابة جناية كان ضمانها على مولاه
لأنه فرط بركوبه له الدابة هذا إذا كان المملوك غير بالغ، فأما إذا كان بالغا عاقلا
وإن كانت الجناية على بني آدم فيؤخذ المملوك إذا كانت دية الجناية بقدر قيمته أو
يفديه السيد على ما شرحناه في قتل العبيد الأحرار وجناياتهم عليهم، وإن كانت
الجناية على الأموال فلا يباع العبد في قيمة ذلك ولا يستسعي ولا يلزم مولاه ذلك لأنه
لا دليل عليه وحمله على الجناية على بني آدم قياس فليلحظ ذلك.
ومن دخل دار قوم بغير إذنهم فعقره كلبهم لم يكن عليهم ضمانه فإن كان
دخلها بإذنهم كان عليهم ضمانه، وإذا أفلتت دابة فرمحت إنسانا فقتله أو كسرت
شيئا من أعضائه أو شيئا من الأموال لم يكن على صاحبها ضمان ذلك.
ومن وطئ امرأة في دبرها فألح عليها قاهرا لها فماتت من ذلك كان عليه
ديتها، وكذلك إذا أعنف بها من الضم والعناق على وجه غير معتاد يجب عليه ديتها
إذا ماتت من ذلك، وكذلك الحكم فيها إذا أعنفت به.
346

ومن تطبب أو تبيطر فليأخذ البراءة من ولي من يطببه أو صاحب الدابة وإلا
فهو ضامن إذا هلك بفعله شئ من ذلك هذا إذا كان الذي جنى عليه الطبيب غير
بالغ أو مجنونا، فأما إذا كان عاقلا مكلفا وأمر الطبيب بفعل شئ ففعله على ما
أمره به فلا يضمن الطبيب سواء أخذ البراءة من الولي أو لم يأخذ، والدليل على ما
قلناه أن الأصل براءة الذمة والولي لا يكون إلا لغير المكلف فأما إذا جنى على شئ
لم يؤمر بقطعه ولا بفعله فهو ضامن سواء أخذ البراءة من الولي أو لم يأخذها.
وإذا ركب اثنان دابة فجنت جناية على ما ذكرناه كان أرشها عليهما بالسوية،
وروي: أن أمير المؤمنين ع ضمن ختانا قطع حشفة غلام، يريد بذلك أنه
فرط بأن قطع غير ما أريد منه لأن الحشفة ههنا ما فوق الختان وليست القلفة التي
يجب قطعها فلأجل هذا ضمنه وسواء أخذ البراءة من وليه أو لم يأخذ، والرواية هذه
صحيحة لا خلاف فيها.
باب الاشتراك في الجنايات:
روى الأصبغ بن نباتة قال: قضى أمير المؤمنين ع في جارية ركبت جارية فنخستها
جارية أخرى فقمصت المركوبة "
يقال: قمص الفرس وغيره يقمص قمصا وقماصا وهو أن يرفع يديه ويطرحهما
معا ويعجز برجله، يقال: هذه دابة فيها قماص بكسر القاف ولا تقل قماص
بضم القاف "
فصرعت الراكبة فماتت قضى أن ديتها نصفان بين الناخسة والمنخوسة،
هذا اختيار شيخنا أبي جعفر في نهايته، وقال شيخنا المفيد في مقنعته: يستحق
ثلثي الدية فحسب من القامصة ثلث ومن الناخسة ثلث وسقط ثلث لركوبها عبثا،
والأول أظهر في الرواية وأليق بمذهبنا، والذي تقتضيه الأدلة أن الدية جميعها على
الناخسة دون المنخوسة لأنها الجانية والتي اضطرتها للمركوبة حتى قمصت فأما
إذا أمكنها ألا تقمص وقمصت لا ملجأة فالدية عليها وحدها فليلحظ ذلك.
347

وروي عن أبي جعفر ع قال: قضى أمير المؤمنين ع في أربعة
شربوا خمرا فسكروا فأخذ بعضهم على بعضهم السلاح واقتتلوا فقتل اثنان وجرح
اثنان فأمر بالمجروحين فضرب كل واحد منهما ثمانين جلدة وقضى بدية
المقتولين على المجروحين وأمر أن تقاس جراحة المجروحين فترفع من الدية، وإن
مات أحد من المجروحين فليس على أحد من أولياء المقتولين شئ،
والذي تقتضيه أصول مذهبنا أن القاتلين يقتلان بالمقتولين، فإن اصطلح الجميع
على أخذ الدية أخذت كملا من غير نقصان لأن في إبطال القود إبطال القرآن، وأما
نقصان الدية فذلك على مذهب من تخير بين القصاص وأخذ الدية وذلك مخالف
لمذهب أهل البيت ع لأن عندهم ليس يستحق غير القصاص فحسب.
وروي: أن ستة غلمان كانوا في الفرات فغرق واحد منهم فشهد ثلاثة منهم
على اثنين أنهما غرقاه وشهد اثنان على الثلاثة أنهم غرقوه فقضى بالدية ثلاثة
أخماس على الاثنين وخمسان على الثلاثة.
قال محمد بن إدريس: إن كان الغلمان غير بالغين وهذا هو الظاهر فشهادة
الصبيان لا تقبل عندنا إلا في الجراح والشجاج فحسب دون ما عداه وفيما تقبل فيه
أن يكونوا قد بلغوا عشر سنين وجميع هذه الروايات أخبار آحاد فإن عضدها كتاب
أو سنة أو إجماع عمل بها وإلا حكم بما تقتضيه أصول مذهبنا.
وروي عن أبي جعفر ع قال: قضى أمير المؤمنين ع في أربعة
نفر اطلعوا في زبية الأسد فخر أحدهم فاستمسك بالثاني
واستمسك الثاني بالثالث واستمسك الثالث بالرابع فقضى بالأول فريسة الأسد وغرم أهله ثلث الدية لأهل
الثاني وغرم الثاني لأهل الثالث ثلثي الدية وغرم الثالث لأهل الرابع الدية كاملة
لأنه قتل وما قتل وأنه جذب وما جذب، وعلى من تجب؟
قال قوم: على الثالث وحده لأنه هو الذي باشر جذبه، وقال آخرون: على الثالث
والثاني والأول لأنهم كلهم جذبوه فعلى كل واحد منهم ثلث الدية، وعلى هذا أبدا
وإن كثروا وهذا الذي يطابق ما رواه أصحابنا.
وقد روى المخالف عن سماك بن حرب عن حنش الصنعاني: أن قوما من
348

اليمن حفروا زبية للأسد فوقع فيها الأسد واجتمع الناس على رأسها فهوى فيها واحد
فجذب ثانيا وجذب الثاني ثالثا ثم جذب الثالث رابعا فقتلهم الأسد فرفع ذلك
إلى على ع فقال: للأول ربع الدية لأنه هلك فوقه ثلاثة والثاني ثلثا الدية
لأنه هلك فوقه اثنان والثالث نصف الدية لأنه هلك فوقه واحد والرابع كمال الدية
فبلغ ذلك رسول الله ص فقال: هو كما قال على، قالوا: وهذا حديث ضعيف والفقه ما
بيناه في الأربعة وروايتنا خاصة مطابقة لما بيناه أولا بعينه وفقهها على ما قلناه.
فأما إذا حصل رجل في بئر مثل أن وقع فيها أو نزل لحاجة فوقع فوقه آخر نظرت
فإن مات الأول فالثاني قاتل كما لو رماه بحجر فقتله إذ لا فرق بين أن يرميه بحجر
فيقتله وبين أن يرمي نفسه عليه فيقتله، فإذا ثبت أن الثاني قاتل نظرت في القتل
فإن كان عمدا محضا مثل أن وقع عمدا فقتله وكان مما يقتل غالبا لثقل الثاني
وعمق البئر فعلى الثاني القود، وإن كان لا يقتل غالبا فالقتل عمد الخطأ فالدية
عليه في ماله خاصة عندنا ولا يجب عليه القود، وإن كان وقع الثاني خطأ فالقتل
خطأ محض تجب الدية مخففة على العاقلة، فإن مات الثاني دون الأول كان دمه
هدرا لأنه رجل وقع في بئر فمات فيها والأول لا صنع له في وقوعه وغير مفرط في
حقه، فإن ماتا معا فعلى الثاني الضمان على ما قلناه، إذا مات الأول وحده ودم
الثاني هدر كما لو مات الثاني وحده.
فإن كانت بحالها وكانوا ثلاثة فحصل الأول في البئر ثم وقع الثاني ثم وقع
الثالث بعضهم على بعض فإن مات الأول فقد قتله الثاني والثالث معا لأنه مات
بقتلهما فالضمان عليهما نصفان، وإن مات الثاني وحده فلا شئ على الأول
والثالث هو الذي قتل الثاني فالضمان عليه وحده على ما مضى، وإن مات الثالث
كان دمه هدرا لأنه لا صنع لغيره في قتله، فإن ماتوا جميعا ففي الأول كمال الدية
على الثاني والثالث وفي الثاني كمال الدية على الثالث وحده ودم الثالث هدرا
فليلحظ ذلك.
349

وروي في حائط اشترك في هدمه ثلاثة نفر فوقع على واحد منهم فمات: فإن
الباقيين يضمنان كمال ديته لأن كل واحد منهم ضامن صاحبه،
والذي تقتضيه الأدلة ويحكم بصحته أصول المذهب أنه مات بفعله وفعل الآخرين
فتسقط ثلث الدية الذي قابل فعله ويستحق على الاثنين ثلثا الدية فحسب، وهذه
الرواية من أخبار الآحاد أوردها شيخنا في نهايته على ما وجدها إيرادا وقد أورد
شيخنا في مبسوطه ما يقتضي رجوعه عن هذه الرواية من قوله في رجال عشرة رموا
بحجر المنجنيق فعاد الحجر على أحدهم فقتله فقال: تضمن التسعة ديته إلا قدر
جنايته على نفسه.
باب ديات الأعضاء والجوارح والقصاص فيها:
في ذهاب شعر الرأس الدية كاملة إذا لم ينبت فإن نبت ورجع ما كان عليه
كان عليه أرشه وهو أن يقوم لو كان عبدا كم كانت قيمته قبل أن يذهب شعره
وكم تكون قيمته بعد ذهاب شعره، ويؤخذ ذلك بحساب دية الحر لأن العبد أصل
للحر فيما لا مقدر فيه والحر أصل للعبد فيما فيه مقدر منصوص عليه موظف فليلحظ
ذلك ويعتمد عليه في كل جناية على الحر لا مقدر فيها ولا دية موظفة منصوص
عليها، وإن كان امرأة كان عليه ديتها إذا لم ينبت شعرها فإن نبت كان عليه مهر
نسائها،
وذهب شيخنا المفيد في مقنعته إلى: أن في شعر الرأس إذا أصيب فلم ينبت مائة
دينار وكذلك في شعر اللحية إذا لم ينبت، وما اخترناه هو الأظهر الذي يقتضيه
أصل مذهبنا لأنه شئ واحد في الانسان وقد أجمعنا على أن كل ما يكون في بدن
الانسان منه واحد ففيه الدية كاملة وهو مذهب شيخنا أبي جعفر وخيرته في نهايته.
(و) الحاجبين إذا ذهب شعرهما خمسمائة دينار وفي كل واحد منهما مائتان وخمسون
دينارا وهذا إجماع من أصحابنا.
وفي شفر العين الأعلى ثلثا دية العين وفي شفر العين الأسفل ثلث دية العين،
وقال شيخنا في نهايته: وفي شفر العين الأعلى ثلث دية العين مائة وستون دينارا وثلثا
350

دينار وفي شفر العين الأسفل نصف دية العين مائتان وخمسون دينارا، وهو اختيار
شيخنا المفيد في مقنعته إلا أن شيخنا أبا جعفر رجع في مبسوطه إلى ما اخترناه
فقال: في الأربعة أجفان الدية كاملة وفي كل واحدة منهما مائتان وخمسون دينارا
وروى أصحابنا: أن في السفلى ثلث ديتها وفي العليا ثلثيها، ومتى قلعت الأجفان
والعينان معا ففي الكل ديتان، فإن جنى على أهدابهما فأعدم إنباتها ففيهما الدية
وهو الذي يقتضيه مذهبنا، فإن أعدم وأتلف الشعر والأجفان فيقضي مذهبنا أن
فيهما ديتين، هذا آخر كلامه في مبسوطه وخيرته في مسائل خلافه وهو الأظهر
الأصح لأنه تقتضيه الأدلة ويحكم بصحته أصول المذهب إلا في قوله: أهداب
العينين في ذلك الدية كاملة، والذي تقتضيه الأدلة والإجماع أن الأهداب وهو الشعر
النابت على الأجفان لا دية فيه مقدرة لأن أصحابنا جميعا لم يذكروا في الشعور
مقدرا سوى شعر الرأس واللحية وشعر الحاجبين فإلحاق غير ذلك به قياس ولم ترد
بذلك أخبار جملة ولم يذكره أحد من أصحابنا في مصنف له بل قالوا: في الأجفان
الدية، على تفصيلهم ولم يذكروا الشعر الذي عليها والأصل براءة الذمة فإذا أعدم
ذلك جان مفردا عن الأجفان كان فيه حكومة، فإذا أعدمه مع الأجفان كان في
الجميع دية الأجفان فحسب لأن الأهداب تتبع الأجفان كما لو قطع اليد وعليها
شعر فليلحظ ذلك، وشيخنا لم يذكر ذلك إلا في فروع المخالفين المبسوط ومسائل
الخلاف وباقي كتبه وتصنيفاته الأخبارية المسندة والمصنفة لم يتعرض بذلك لأنه
لم يرد شئ من الأخبار به ولا ذكر ظريف بن ناصح في كتابه كتاب الديات فإنه
عندي ولا غيره من المشيخة المتقدمة ولا أورد شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله في
كتاب تهذيب الأحكام وكتاب الاستبصار فيما اختلف من الأخبار شيئا من ذلك
جملة فقوله رحمه الله في مبسوطه والذي يقتضيه مذهبنا: إن في أهداب العينين الدية
كاملة، أي أصل لنا يقتضي ذلك لا إجماع ولا أخبار بل الذي يقتضيه مذهبنا أن لا
مقدر في ذلك لأن الأصل براءة الذمة والتقدير يحتاج إلى دليل.
وفي العينين الدية كاملة وفي كل واحد منهما نصف دية النفس وفي نقصان
ضوئها بحساب ذلك.
فإن ادعى النقصان في أحد العينين اعتبر مدى ما يبصر بها من أربع جوانب بعد
351

أن تشد الأخرى فإن تساوى صدق وإن اختلف كذب ثم يقاس ذلك إلى العين
الصحيحة فما كان بينهما من النقصان أعطي بحساب ذلك بعد أن يستظهر عليه
بالأيمان حسب ما قدمناه في باب القسامة،
وقال شيخنا أبو جعفر في مبسوطه: وروي في أخبارنا: أن عينيه يقاسان إلى عين
من هو في سنه ويستظهر عليه بالأيمان، فأما إذا نقص ضوء إحديهما أمكن اعتباره
بالمسافة وهو أن تعصب العليلة وتطلق الصحيحة وينصب له شخص على نشز أو تل
أو ربوة في مستوي من الأرض فكلما ذكر أنه يبصره فلا يزال يباعد عليه حتى
ينتهي إلى مدى بصره، فإذا قال: قد انتهى، غير ما عليه لون الشخص حتى يعلم
صدقه من كذبه لأن قصده أن يبعد المدي فإنه كلما بعد وقصر مدى بصر العليلة
كان أكثر لحقه فلهذا غيرنا الشخص، فإذا عرفنا قدر المسافة ذرعا عصبنا الصحيحة
وأطلقنا العليلة ونصبنا له شخصا ولا يزال يباعد عليه حتى يقول: لا أبصره بعد
هذا، وقصده ههنا تقليل المسافة لتكثير حقه، فإذا فعل هذا أدرنا الشخص من
ناحية وكلفناه أن ينظر إليه فإن اتفقت المسافتان علم صدقه وإن اختلفتا علم كذبه
فلا يزال معه حتى تسكن النفس إلى صدقه فتمسح المسافة ههنا وينظر ما بين
المسافتين فيؤخذ بالحصة من الدية مثل السمع سواء، هذا آخر كلامه في مبسوطه
وعندي أن هذا يمكن الاعتماد عليه والاعتبار به فإنه قوي.
فإن ادعى النقصان في العينين جميعا قيس عيناه إلى عيني من هو من أبناء سنه
وألزم ضاربه ما بينهما من التفاوت ويستظهر عليه بالأيمان، ولا يقاس عين في يوم
غيم ولا في أرض مختلفة الجهات في الضوء والظلمة بل يقاس في أرض مستقيمة.
ومن ادعى ذهاب بصره وعيناه مفتوحتان صحيحتان ولم يعلم صدق قوله
استظهر عليه بالأيمان، وروي: أنه يستقبل بعينيه عين الشمس فإن كان كما قال
بقيتا مفتوحين في عين الشمس فإن لم يكن كما قال غمضهما.
وفي العين العوراء الدية كاملة إذا كانت خلقة أو قد ذهبت بآفة من جهة الله
تعالى فإن كانت قد ذهبت وأخذ ديتها أو استحق الدية وإن لم يأخذها كان فيها
ثلث الدية،
352

وهو اختيار شيخنا أبو جعفر في مبسوطه ومسائل خلافه، وذهب في نهايته إلى: أن
فيها نصف الدية، والأول الذي اخترناه هو الأظهر الذي تقتضيه أصول مذهبنا
ولأن الأصل براءة الذمة فيما زاد على الثلث فمن ادعى زيادة عليه يحتاج إلى دليل
ولا دليل عليه من كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا يرجع في مثل ذلك إلى أخبار
الآحاد.
والأعور إذا فقأ عين صحيح قلعت عينه وإن عمي فإن الحق أعماه، فإن قلعت
عينه كان بالخيار بين أن يقتص من إحدى عينيه أو يأخذ تمام دية كاملة ألف دينار
هذا إذا كانت قد ذهبت بآفة من الله تعالى فإن كانت قلعت عينه فأخذ ديتها أو
استحقها ولم يأخذها ففي العين الأخرى نصف الدية فحسب.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: والأعور إذا فقأ عين صحيح قلعت عينه وإن عمي
فإن الحق أعماه فإن قلعت عينه كان مخيرا بين أن يأخذ الدية كاملة أو يقلع إحدى
عيني صاحبه ويأخذ نصف الدية، وما اخترناه نحن أولا هو اختياره في مسائل
خلافه فإنه رجع عما ذكره في نهايته وهو الذي تقتضيه الأدلة ويحكم بصحته ظاهر
التنزيل لأن الله تعالى قال: العين بالعين، ولم يقل العين بالعين ونصف الدية،
ولأن الأصل براءة الذمة فمن شغلها بنصف الدية يحتاج إلى دليل.
وفي العين القائمة إذا خسف بها ثلث ديتها صحيحة وكذلك في العين العوراء
التي أخذت ديتها أو استحقها صاحبها ولم يأخذها ثلث ديتها صحيحة على ما
بيناه أولا وحررناه،
وشيخنا أبو جعفر في نهايته فرق بينهما بأن قال: إذا قلع العين العوراء التي أخذت
ديتها أو استحقت الدية ولم تؤخذ نصف الدية " يعني ديتها " فإن خسف بها ولم
يقلعها ثلث ديتها، والأولى عندي أن في القلع والخسف ثلث ديتها فأما إذا كانت
عوراء والعور من الله تعالى فلا خلاف بين أصحابنا أن فيها ديتها كاملة خمسمائة
دينار، وقال المخالفون لأصحابنا: ديتها مائتان وخمسون دينارا.
وفي الأذنين الدية كاملة وفي كل واحدة منهما نصف الدية وفيما قطع منهما
بحساب ذلك، وفي شحمة الأذن ثلث دية الأذن وفي خرمها ثلث ديتها " يعني في
353

خرم الشحمة ثلث دية الشحمة وهو ثلث الثلث الذي هو دية الشحمة " وفي ذهاب
السمع الدية كاملة وفيما نقص منه بحساب ذلك ويعتبر نقصانه بأن يضرب الجرس
في أربع جهات وينظر إلى مدى ما يسمع منه فإن تساوى صدق واستظهر عليه
بالأيمان وإن اختلف كذب، ومن ادعى ذهاب سمعه كله ومعه لوث كانت عليه
القسامة حسب ما قدمناه، ولا يقاس الأذن في يوم ريح بل يقاس في يوم ساكن
الهواء.
وفي الأنف إذا استؤصلت واستوعبت جدعا " بالدال غير المعجمة وهو القطع "
الدية كاملة وكذلك إذا قطع مارنها فحسب كان فيه الدية أيضا " والمارن ما لأن
منها ونزل عن الخياشيم " وفيما نقص منه بحساب ذلك وكذلك في ذهاب
الإحساس بها كلها الدية كاملة.
وروي عن أمير المؤمنين ع أنه قال: يعتبر ذلك بأن يحرق الحراق
ويقرب منه فإن دمعت عينه ونحى أنفه كان كاذبا وإن بقي كما كان صدق،
وينبغي أن يستظهر عليه بالأيمان حسب ما قدمناه.
وفي الشفتين جميعا الدية كاملة وفي العليا منهما ثلث الدية وفي السفلى ثلثاها،
وقال شيخنا في نهايته: في العليا منهما أربع مائة دينار وفي السفلى منهما ستمائة
دينار، إلا أنه رجع في مبسوطه إلى ما اخترناه فإنه قال: وفي الشفتين الدية كاملة
وفي السفلى عندنا ثلثاها وفي العليا ثلث الدية، وهذا هو الأظهر ولا يرجع في مثل
ذلك إلى أخبار آحاد لا توجب علما ولا عملا وما اخترناه مذهب شيخنا المفيد في
مقنعته.
وذهب بعض أصحابنا إلى: أنهما متساويتان في الدية فيهما جميعا الدية كاملة وفي
إحديهما نصف الدية، وهو ابن أبي عقيل في كتابه وهو قول قوي إلا أن يكون على
خلافه إجماع ولا شك أن الاجماع منعقد على تفضيل السفلى والاتفاق حاصل على
الستمائة دينار والأصل براءة الذمة فما زاد عليه، وبهذا القول الأخير أعمل وأفتى
وهو خيرة شيخنا في استبصاره، وفيما نقص منهما بحساب ذلك يقاس بالخيط
ونحوه.
354

وفي الشفتين القود إذا قطعهما متعمدا بلا خلاف لأن لهما حدا ينتهي إليه،
وحد الشفة السفلى عرضا ما تجافى عن الأسنان واللثة " بكسر اللام وتخفيف الثاء
مما ارتفع عن جلد الذقن " وحد عرض العليا ما تجافى عن الأسنان إلى اتصاله
بالمنخرين والحاجز بينهما، والطول حد طول الفم إلى جانبيه وليست حاشيته
الشدقين منهما، فإن قطع بعض ذلك ففيه الدية بحسابه على ما قلناه يعتبر
بالمساحة.
وفي لسان صحيح الحاسة والنطق الدية كاملة بلا خلاف، فإن جنى على
اللسان المقدم ذكره فذهب نطقه فيه أيضا كمال الدية، فإن ذهب ذوقه ففيه أيضا
الدية، فإن جنى على ذلك فذهب بعض كلامه فالصحيح عندنا وعندهم أنه يعتبر
بحروف المعجم كلها وهي ثمانية وعشرون حرفا ولا تعد " لا " فيها لأنه قد ذكر
فيها الألف واللام، فإن كان النصف منها ففيه نصف الدية وما زاد أو نقص
فبحسابه، إذا جنى عليه فذهب من الحروف حرف تزول معه الكلمة بزواله مثل أن
أعدم الحاء فصار مكان محمد ممد ومكان أحمد أمد فعليه دية الحاء وحدها ولا دية
عليه في حروف باقي الكلمة وإن كان قد ذهب معناها لأنه ما أتلفها، وإن ذهب
من كل كلمة حرف وقام مقامه غيره فصار يقول مكان محمد: محمد، فجعل مكان
الحاء خاء فعليه دية الحاء وحدها لأنه ما أذهب غيرها، فإن قطع بعض اللسان
نظرت، فإن قطع ربعه فذهب ربع الكلام أو نصفه فذهب نصف الكلام ففيه من
الدية بحساب ذلك لأنه وافق القطع والكلام معا.
وإذا قطع ربع اللسان فذهب نصف الكلام أو نصف اللسان فذهب ربع الكلام
كان فيه نصف الدية بلا خلاف،
هكذا ذكره شيخنا أبو جعفر الطوسي في مبسوطه والذي تقتضيه الأدلة أن اللسان
الصحيح الاعتبار فيه بحروف المعجم لا بقطع أبعاضه، فإذا قطع نصف اللسان
فذهب ربع الكلام فعليه ربع الدية اعتبارا بالكلام دون نصف اللسان وكذلك إذا
قطع ربع اللسان فذهب نصف الكلام كان عليه نصف الدية اعتبارا بالكلام، فلو
355

كان الاعتبار بالأبعاض من اللسان لكان عليه ربع الدية لأنه ما قطع ههنا سوى
ربع اللسان فليلحظ ذلك، وقد رجع شيخنا في موضع آخر من مبسوطه فقال: فأما
اللسان فالاعتبار عندنا بالحروف لا غير، فأما في نهايته فوافق لما اخترناه، فأما ما
ذكره أولا فمذهب المخالفين وتعليلاتهم وقياساتهم.
إذا قطع لسان صبي فإن كان قد بلغ حدا ينطق بكلمة بعد كلمة مثل قوله: بابا
وماما ونحوه، فقد علم أنه لسان ناطق فإن قطعه قاطع فعليه الدية الكاملة كلها
كلسان الكبير الناطق، وإن كان طفلا لا نطق له بحال كمن له شهر وشهران
وكان يحرك لسانه لبكاء أو لغيره مما يعبر باللسان ففيه الدية لأن الظاهر أنه لسان
ناطق فإن أماراته لا تخفى، فإن بلغ حدا ينطق فلم ينطق فقطع لسانه فهو كلسان
الأخرس وعندنا في لسان الأخرس ثلث دية اللسان الصحيح " اللسان يذكر
ويؤنث " فإن قطع بعض لسان الأخرس اعتبر بالمساحة وأخذ على حسابه لأنه لا
كلام له فيعتبر به بل الاعتبار فيه بمقاديره فهذا فرق ما بين لسان الصحيح ولسان
الأخرس.
وفي الأسنان كلها الدية كاملة، والتي تقسم عليها الدية ثمانية وعشرون سنا:
ستة عشر منها في مآخير الفم واثنتا عشرة في مقاديمه، فالتي هي في مآخير الفم لكل
سن منها خمسة وعشرون دينارا فذلك أربع مائة دينار، والتي في مقاديم الفم لكل
سن منها خمسون دينارا فذلك ستمائة دينار الجميع ألف دينار وما زاد على ما ذكرناه
في العدد فليس له دية مخصوصة بل فيه حكومة بأن تقوم أن لو كان عبدا ويعطي
بحساب ذلك من دية الحر على ما بيناه وهو مذهب شيخنا المفيد.
وذهب شيخنا أبو جعفر في نهايته إلى: أن ما زاد على ما ذكرناه في العدد فليس له
دية مخصوصة إلا إذا قلعت مفردة فإن قلع السن الزائد مفردا كان فيه ثلث دية السن
الأصلي، وهذا المذهب قوي وبه أخبار كثيرة معتمدة.
وفي السن الأسود ثلث دية السن الصحيحة، وروي: ربع دية السن الصحيح.
وإذا ضربت السن فلم تسقط لكنها اسودت أو انصدعت ففيها ثلثا دية سقوطها،
356

ومن ضرب سن صبي فسقط انتظر به فإن نبتت لم يكن فيها قصاص وكان فيها
الأرش ينظر فيما ينقص من قيمته بذلك وقت سقوطها أن لو كان مملوكا ويعطي
بحساب ذلك على الاعتبار الذي قدمناه.
فإذا قلع السن بسنخها فالسن ما شاهدته زائدا على اللثة " بكسر اللام
وتشديدها وفتح الثاء المنقطة ثلاث نقط وتخفيفها والسنخ أصلها المدفون في اللثة "
فإذا قلعها من أصلها ففيها خمس من الإبل لأن أصلها كأصل الإصبع، فإن قطع
منها ظاهرها كله دون سنخها ففيها دية سن كما لو قطع إصبعا من أصلها الذي هو
الكف، فإن جنى آخر فقلع سنخها كان فيه حكومة كما لو قطع رجل إصبع رجل
ثم جنى آخر فقطع أصلها إلى الكوع كان على قاطعها دية إصبع وعلى قاطع ما تحتها
حكومة.
فأما سن المثغر - يقال في اللغة: ثغر الغلام فهو مثغور - إذا سقطت سن اللبن
منه، و: أثغر وأثغر، إذا نبتت بعد سقوطها، ويقال ثغرت الرجل، إذا كسرت سنه
فإذا ثبت هذا، فإذا قلع سن انسان لم يخل من أحد أمرين: إما أن يكون سن صغير
لم يسقط بعد أو سن كبير، فإن كان سن صغير لم يسقط بعد وهي سن اللبن فقد
قلنا ما عندنا فيه
وهو مذهب شيخنا المفيد وشيخنا أبي جعفر في نهايته، وذهب في مبسوطه إلى أن
قال: فالذي رواه أصحابنا: أن في كل سن بعيرا، ولم يفصلوا، والذي قاله في
نهايته هو مذهب أصحابنا أجمع وما قاله في مبسوطه لم يذهب أحد من أصحابنا إليه
ولا أفتى به ولا وضعه في كتابه على ما أعلمه.
وقال شيخنا في مسائل خلافه مسألة: إذا قلع سن مثغر كان له قلع سنه فإذا قلعه ثم
عاد سن الجاني كان عليه أن يقلعه ثانيا أبدا.
قال محمد بن إدريس مصنف هذا الكتاب: وهذا قول الشافعي اختاره شيخنا، ثم
استدل شيخنا بما يضحك الثكلى فقال: دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم، يا سبحان
الله من أجمع معه على ذلك وأي أخبار لهم فيه وإنما أجمعنا في الأذن لأمور: أحدها
أنها ميتة فلا يجوز الصلاة له لأنه حامل نجاسة فيجب إزالتها، والثاني إجماعنا على
357

ذلك وتواتر أخبارنا فمن عداه إلى غيرها فقد قاس والقياس عندنا باطل وأيضا فالسن
هبة مجددة من الله تعالى خلقة لا هي تلك المقلوعة نفسها فكيف تقلع أبدا وهذا منه
رحمه الله إغفال في التصنيف فإنه قد رجع عن ذلك في مبسوطه.
وفي اللحية إذا حلقت فلم تنبت اللحية الدية كاملة فإن نبتت كان فيها ثلث
الدية،
وذهب شيخنا المفيد في مقنعته إلى: أن في شعر الرأس إذا أصيب فلم ينبت مائة
دينار وفي شعر اللحية كذلك إذا ذهب فلم ينبت، والأول مذهب شيخنا أبي جعفر
وهو الأظهر الأصح.
وفي العنق إذا كسر فصار الانسان منه أصور الدية كاملة.
وفي اليدين جميعا الدية كاملة وفي كل واحدة منهما نصف الدية وفي أصابع
اليدين الدية كاملة وفي كل واحدة منهما عشر الدية،
وهذا مذهب شيخنا في نهايته وهو الصحيح الذي تقتضيه أصول المذهب وتعضده
الأدلة والاعتبار، وقد روي: أن في الإبهام ثلث دية اليد وفي الأربع أصابع ثلثي
ديتها بينها بالسوية، وإلى هذه الرواية يذهب شيخنا أبو جعفر في استبصاره متأولا
للرواية الشاذة والصحيح ما ذهب إليه واختاره في نهايته لما قدمناه من الأدلة.
وفي كل أنملة ثلث دية الإصبع إلا في الإبهام فإن في كل أنملة منها نصف ديتها
لأن لها مفصلين، وفي الإصبع الزائدة ثلث دية الإصبع الصحيحة، وفي الظفر إذا
قلع ولم يخرج عشرة دنانير فإن خرج أسود فثلثا ديته،
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: جميع ديته، وما ذكرناه أولى لأن الأصل براءة
الذمة وشغلها يحتاج إلى دليل وأيضا فليس خروجه أسود كلا خروجه بالكلية، فإن
خرج أبيض فخمسة دنانير على ما روي.
والمرأة تساوى الرجل في جميع ما قدمناه من ديات الأعضاء والجوارح حتى تبلغ
ثلث دية الرجال فإذا بلغتها رجعت إلى النصف من ديات الرجال، مثال ذلك أن في
إصبع الرجل إذا قطعت عشرا من الإبل وكذلك في إصبع المرأة وفي إصبعين من
أصابع الرجل عشرون من الإبل وفي إصبعين من أصابع المرأة كذلك وفي ثلاث
358

أصابع الرجل ثلاثون من الإبل وكذلك ثلاث أصابع المرأة سواء وفي أربع أصابع من
يد الرجل أو رجله أربعون من الإبل وفي أربع أصابع المرأة عشرون من الإبل لأنها
زادت على الثلث فرجعت بعد الزيادة إلى أصل دية المرأة وهي النصف من ديات
الرجال ثم على هذا الحساب كلما زادت أصابعها وجوارحها وأعضاؤها على الثلث
رجعت إلى النصف فيكون في قطع خمس أصابع لها خمس وعشرون من الإبل وفي
خمس أصابع الرجل خمسون من الإبل، بذلك ثبتت السنة عن نبي الهدي
ع وبه تواترت الأخبار عن الأئمة من آله ع.
وقد روى محمد بن أبي عمير عن عبد الله بن الحجاج عن أبان بن تغلب قال: قلت
للصادق ع: ما تقول في رجل قطع إصبع امرأة كم فيها؟ قال: عشر
الدية أو عشر من الإبل، قال: قلت اثنين؟ قال: خمس الدية أو عشرون من
الإبل، قال: قلت ثلاث أصابع؟ قال: ثلاثون من الإبل، قال: قلت أربع
أصابع؟ قال: عشرون، قلت: سبحان الله يقطع ثلاثا فيكون ثلاثين من الإبل
ويقطع أربعا فيكون فيها عشرون هذا كان يبلغنا ونحن بالعراق فنتبرأ ممن قاله ونقول
الذي جاء به شيطان فقال: مهلا يا أبان هذا حكم رسول الله ص أن
المرأة تعاقل الرجل إلى ثلث الدية فإذا بلغت الثلث رجعت إلى النصف يا أبان إنك
أخذت بالقياس والسنة إذا قيست أبطلت الدين، ومثل هذا رواه المخالفون عن سعيد بن
المسيب فقال له السائل: كلما عظمت مصيبتها قل عقلها، فقال له سعيد: هكذا
السنة.
ولا فرق بين أن يكون الجاني على المرأة امرأة أو رجلا في أن الجناية ديتها دية
جارحة الرجل ما لم تبلغ ثلث الدية
لأن الأخبار عامة بأن ديات أعضاء النساء وجوارحهن يتساوى في ديات أعضاء
الرجال وجوارحهم وأن دية جارحة المرأة مثل دية جارحة الرجل ما لم تبلغ ثلث دية
الرجل فمن خص ذلك فعليه الدليل.
وروى المخالف أن ربيعة قال لسعيد بن المسيب: كم في إصبع المرأة؟ قال: عشر،
قلت: ففي إصبعين؟ قال: عشرون، قلت: ففي ثلث؟ قال: ثلاثون، قلت:
359

ففي أربع؟ قال: عشرون، فقلت له: لما عظمت مصيبتها قل عقلها قال:
هكذا السنة.
قوله: هكذا السنة، دال على أنه أراد سنة النبي ص وإجماع
الصحابة والتابعين على هذا الحكم مخصوص إذا كان الجاني عليها واحدا ولم تبلغ
جنايته ثلث ديات الرجال أو بلغتها كان الاعتبار ما قدمناه، فأما إذا اختلفت
الجناة ولم تبلغ جناية كل واحدة منهم ثلث الدية وإن كانت جناياتهم بمجموعها
تبلغ ثلث ديات الرجال فإنها لا تنقص المرأة بل يجب لها على كل واحد وجان
القصاص أو دية عضو الرجل فليلحظ ذلك ويتأمل فإنه غامض وسواء كان الجناة
رجالا أو نساء على ما قدمناه وحررناه من قبل وبيناه.
والمرأة تقاصص الرجل فيما تساويه في ديته من الأعضاء والجوارح والأسنان ولا
قصاص بينها وبينه فيما زاد على ذلك لكنها تستحق به الأرش والديات،
هكذا أورده شيخنا المفيد في مقنعته والذي تقتضيه الأدلة ويحكم بصحته أصول
مذهبنا أن لها القصاص فيما تساويه وفيما لا تساويه غير أن فيما تساويه لا ترد إذا
اقتصت وفيما لا تساويه ترد فاضل الدية وتقتص حينئذ لأن اسقاط القصاص بين
الأحرار المسلمين يحتاج إلى دليل شرعي ولا دليل على ذلك بل القرآن والإجماع
منعقد على ثبوته، وإلى ما حررناه يذهب شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله في الجزء
الثالث من استبصاره في باب حكم الرجل إذا قتل امرأة وهو الصحيح الذي تقتضيه
الأدلة ولم يخالف فيه سوى من ذكرته وهو معلوم العين.
وفي الظهر إذا كسر ثم صلح ثلث الدية، فإن أصيب حتى صار بحيث لا ينزل
في حال الجماع كان فيه الدية كاملة، وكذلك إذا صار محدودبا منه الانسان كان
فيه الدية كاملة، وكذلك إن صار بحيث لا يقدر على القعود كانت فيه الدية
كاملة.
وفي النخاع إذا انقطع الدية كاملة وقد بينا ما حقيقة النخاع في كتاب الذبائح
فلا وجه لإعادته.
وإذا كسر بعصوص الانسان أو عجانه " والعجان ما بين الخصية والفقحة " فلم
360

يملك بوله أو غائطه ففيه الدية كاملة، وإن أصابه سلس البول ودام إلى الليل فما زاد
عليه كان فيه الدية كاملة، وإن كان إلى الظهر ثلثا الدية، وإن كان إلى ضحوة
ثلث الدية ثم على هذا الحساب.
وفي ذكر الرجل إذا قطعت حشفته فما زاد عليها الدية كاملة، فإن كان ذكر
عنين ففيه ثلث الدية في جميعه وما قطع منه فبحساب ذلك يمسح ويعرف ذلك
بالاعتبار والمقدار، وتقطع ذكر الفحل بذكر من قد سلت بيضتاه وفي فرج المرأة
ديتها كاملة.
والإسكتان "
مكسور الأول مسكن السين غير المعجمة مفتوح الكاف بالتاء المنقطة نقطتين من
فوقها " تثنية إسكت، وهما غير الشفرين عند أهل اللغة وهما اللحم المحيط بمشق
الفرج، والشفران " بضم الشين " حاشية الإسكتين، كما أن للعينين جفنين
ينطبقان عليهما، وشفرتها هي الحاشية التي ينبت فيها أهداب العين والإسكتان
كالأجفان والشفران كشفري العين.
قال الزجاج في خلق الانسان في باب الحر: يقال له: الحر والقبل والفرج والحياء
وفيه الإسكتان وهما جنباه، وقال أبو هلال العسكري في كتاب خلق الانسان:
الإسكت على وجهين أحدهما مما يلي الشفرين من فرج المرأة وهما إسكتان.
قال جرير:
ترى برصا بأسفل إسكتيها كعنفقة الفرزدق حين شابا
وقال شيخنا أبو جعفر في المبسوط: الإسكتان والشفران عبارة عن شئ واحد وهو
اللحم المحيط بالفرج إحاطة الشفتين بالفم وهما عند أهل اللغة عبارة عن شيئين،
هذا آخر كلام شيخنا والصحيح ما قاله أهل اللغة فالمرجع في ذلك إليهم.
فإذا ثبت هذا فمتى جنى عليهما فقطع ذلك منها فعليه ديتها كاملة.
الرتق: انسداد في الفرج، والقرن " بفتح القاف وسكون الراء " وهو عظم
داخل الفرج يمنع الجماع. فإذا قطع قاطع شفريها ففيهما ديتها لأن العيب داخل
الفرج فهما بمنزلة شفتي الأخرس ولو كان أخرس كان في شفتيه الدية كاملة، فإن
361

قطع الركب " بفتح الراء والكاف " معهما ففي الركب حكومة، والركب هو الجلد
الثاني فوق الفرج وهو منها بمنزلة موضع شعرة الرجل.
والإفضاء أن يجعل مدخل الذكر وهو مخرج المني والحيض والولد ومخرج البول
واحدا فإن مدخل الذكر ومخرج الولد واحد وهو أسفل الفرج ومخرج البول من ثقبه
كالإحليل في أعلى الفرج وبين المسلكين حاجز رقيق، فالإفضاء إزالة ذلك الحاجز
وقد يتوهم كثير من الناس أن الإفضاء أن يجعل مخرج الغائط ومدخل الذكر واحدا
وهذا غلط عظيم. ففي الإفضاء الدية كاملة على ما قدمناه، فإن كانت بكرا وجب
المهر والدية معا،
وقال قوم: لا يجب أرش البكارة فإنه يدخل في دية الإفضاء، ومنهم من قال: يجب
أرش البكارة، وهو مذهبنا لأنه لا دليل على دخوله في أرش الإفضاء.
وفي الأنثيين معا الدية كاملة وفي كل واحدة منهما نصف الدية،
وقد روي: أن في اليسرى منهما ثلثي الدية لأن الولد يكون من اليسرى، ولا دليل
يعضد هذه الرواية.
وفي أدرة الخصيتين "
بضم الألف وسكون الدال غير المعجمة وبفتح الراء غير المعجمة " وهي انتفاخ
الخصيتين لأن الأدر من الرجال الضخم الخصية من فتق أو غيره، قال الجوهري في
كتاب الصحاح: الأدرة: نفخة في الخصية، يقال: رجل آدر بين الأدرة. فإذا
ثبت ذلك وتحققت لغتها ففيها
أربع مائة دينار، فإن فحج فلم يقدر على المشي أو مشى مشيا لا ينتفع به كان فيه
ثمانمائة دينار.
ومن تزوج بصبية فوطئها قبل أن تبلغ تسع سنين فأفضاها كان عليه ديتها على ما
قدمناه ومهرها أيضا ويلزم نفقتها إلى أن يفرق الله بينهما بالموت، فإن وطئها بعد
تسع سنين فأفضاها لم يكن عليه شئ سوى مهرها.
ومن افتض جارية بإصبعه فذهب بعذرتها كان عليه مهر نسائها سواء كان
362

الفاعل رجلا أو امرأة إذا كانت المفعولة بها صغيرة لا تعقل أو كبيرة مكرهة على
ذلك وكذلك إن زنى بها فأذهب بعذرتها.
وفي ثديي المرأة ديتها لأنهما من أصل الخلقة وفي أحدهما نصف الدية، فإن
قطعهما مع شئ من جلدة الصدر ففيهما ديتها وحكومة في الجلدة، إذا قطع من
الثديين الحلمتين وهما اللتان كهيئة الزر في رأس الثدي يلتقمهما الطفل ففيهما
الدية، فأما حلمتا الرجل قال قوم: فيهما الحكومة، وقال آخرون: فيهما الدية،
وهو مذهبنا.
وفي الرجلين معا الدية كاملة وفي كل واحدة منهما نصف الدية، وفي أصابع
الرجلين معا الدية الكاملة وفي كل واحدة منها عشر الدية، وحكم المرأة حكم
الرجل على ما قدمناه في اليدين سواء،
وقد روي: أن في الإبهام منها ثلث الدية والثلثين في الأربع الأصابع كما ذكرناه
في اليدين سواء، والأول هو المعول عليه لأن هذه الرواية ما يعضدها دليل يوجب
العلم وأخبار الآحاد لا يعمل بها في الشرعيات عندنا.
وكل شئ من الأعضاء في الانسان منه واحد ففيه الدية كاملة إذا قطع من
أصله إلا ما خرج بدليل بذلك من الحشفة وهي الكمرة وهي طرفه " بفتح الكاف
والميم والراء غير المعجمة " وهي الفيشة والفيشة من ذكر الصحيح دون ذكر
العنين، وفيما كان من الأعضاء في الانسان منه اثنان ففيهما جميعا الدية إلا ما
خرج بدليل من الحاجبين إن كان ذكرا مسلما حرا فبحساب ديته على ما تقدم
ذكره ألف دينار وإن كانت امرأة مسلمة حرة فديتها خمسمائة دينار، وقد بينا القول
في دية العبد والذمي بما أغنى عن تكراره في هذا المكان فدية أعضاء هؤلاء
المذكورين بحساب دياتهم.
في اليد إذا استؤصلت من الزند نصف الدية وفي اليدين جميعا الدية كاملة
وكذلك الذراع والذراعين والعضد والعضدين، فإن قطع قاطع اليد من نصف الذراع
كان عليه في اليد القود لأن لها مفصلا ينتهي إليه وعليه دية نصف الذراع نصف
363

الدية يعتبر ذلك بالمساحة ولا قود فيه بحال لأن فيه تعزيرا بالنفس وأيضا لا مفصل
له ينتهي إليه فليلحظ ذلك.
واليد إذا ضربت فشلت ولم تنفصل من الانسان كان فيها ثلثا دية انفصالها،
ومن كسر يد انسان ثم برئت وصلحت لم يكن فيها قصاص ويجب فيها الأرش على
ما بيناه من الاعتبار، وفي اليد الشلاء إذا قطعت ثلث ديتها صحيحة، وفي كل
عضو ومفصل إذا ضربه ضارب فشل ولم ينفصل عن محله ففيه ثلثا دية فإن قطعه
قاطع بعد شلله ففيه ثلث ديته، ومن رعد قلبه فطار كان فيه الدية كاملة، وفي إعدام
الشم الدية كاملة على ما بيناه، وفي إعدام السمع الدية أيضا كاملة.
وقد روي: أن من داس بطن انسان حتى أحدث كان عليه أن يداس بطنه
حتى يحدث أو يقتديه بثلث الدية،
والذي تقتضيه أصول مذهبنا خلاف هذه الرواية لأن هذا فيه التعزير بالنفس فلا
قصاص في ذلك بحال.
وقد روي: أن من ضرب امرأة مستقيمة الحيض على بطنها فارتفع حيضها فإنه
ينتظر بها سنة فإن رجع طمثها إلى ما كان وإلا استحلفت وغرم ضاربها ثلث
ديتها.
ومن قطع أنف انسان وأذنيه وقلع عينيه ثم قتله اقتص منه أولا ثم يقاد به سواء
فرق ذلك به في ضربات أو كان قد ضربه ضربة واحدة فجنت الضربة هذه
الجنايات،
وقال بعض أصحابنا: اقتص منه أولا ثم يقاد به إذا كان قد فرق ذلك به وإن كان
قد ضربه ضربة واحدة فجنت الضربة هذه الجنايات وأدت إلى القتل لم يكن عليه
أكثر من القود أو الدية، وهذا قول شيخنا أبي جعفر في نهايته وما اخترناه في مسائل
خلافه ومبسوطه وهو الأظهر والأصح عند محصلي أصحابنا ويعضده ظاهر التنزيل
وهو قوله تعالى: فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم، وقوله
تعالى: والجروح قصاص، لأنه لا يدخل قصاص الطرف في قصاص النفس
وتدخل دية الطرف في دية النفس فهذا الفرق بين الموضعين.
364

ومن ضرب إنسانا على رأسه فذهب عقله انتظر به سنة فإن مات فيما بينه وبين
سنة من ألم الضربة قيد به وإن لم يمت ولم يرجع إليه عقله كان عليه جميع الدية،
فإن رجع عليه عقله كان عليه أرش الضربة، فإن أصابه مع ذهاب العقل إما
موضحة أو مأمومة أو غيرهما من الجراحات لم يكن فيه أكثر من الدية إذا مات من
الضرب.
ومن قطع يمين رجل قطعت يمينه بها، فإن لم يكن له يمين وكانت يسار قطعت
بها، فإن لم يكن له يدان فلا يقطع رجله باليد لأنه لا دليل عليه وكان عليه الدية لما
قطع، وقد روي: أنه إذا لم يكن له يدان قطعت رجله فإن لم يكن له يدان ولا
رجلان كان عليه الدية لا غير.
وروي: أنه إذا قطع أيدي جماعة قطعت يداه بالأول فالأول والرجل بالآخر فالآخر
ومن يبقى بعد ذلك كان له الدية لا غير، وقد قلنا ما عندنا في ذلك وهو أنه لا يقطع
الرجل باليد بحال ووجب للباقين الدية.
إذا قطع مسلم يد نصراني له ذمة ثم أسلم وسرت الجناية إلى نفسه وهو مسلم
فمات أو قطع حر عبدا ثم أعتق العبد وسرت الجناية إلى نفسه سواء في أنه لا قود في
ذلك لأن التكافؤ إذا لم يكن حاصلا في وقت القطع وكان موجودا في وقت السراية
لم يثبت القود في القطع ولا السراية، فإذا كان كذلك ولم يلزم فيما ذكرناه قود
كان فيه الدية لأن الجناية إذا وقعت مضمونة كان الاعتبار بأرشها في حال الاستقرار
يدل على ذلك أنه إذا قطع يدي مسلم ورجليه كان فيه ديتان فإن سرى ذلك إلى
نفسه كان فيه دية واحدة ويعتبر القصاص بحال الجناية والمال بحال الاستقرار.
وإذا قطع يد مرتد ثم أسلم ومات أو يد الحربي فأسلم ثم مات وكان القطع في
حال كفره والسراية في حال إسلامه لم يجب ههنا قود لما تقدم ذكره والدية أيضا لا
تجب ههنا لأن الجناية إذا لم تكن مضمونة لم تكن سرايتها مضمونة.
قد قلنا: إن في الحشفة وحدها الدية كاملة لأن الجمال والمنفعة بها كالأصابع
في اليد فإن قطع قاطع ما بقي ففيه حكومة كما لو قطع الكف بلا أصابع عليها فإن
قطع بعض الحشفة فعليه ما يخصه من الدية، وفي اعتبارها
365

قال قوم: من كل الذكر لأنها منه، وقال آخرون: من الحشفة لأن الدية يجب بها
فكان الاعتبار بها دون غيرها، وهذا هو الأظهر الأقوى وهو اختيار شيخنا أبي جعفر
رحمه الله.
إذا كان المجني عليه عبدا ففيه ما نقص من قيمته فيقال: كم قيمته وليس
هذه الجناية به؟ قالوا: مائة، قلنا: وكم قيمته وبه هذا الشين؟ قالوا: تسعون،
قلنا: قد نقص عشر قيمته فيوجب فيه ما نقص، وعلى هذا كل الحكومات في
المملوكات أرش الجنايات عليها ما نقصت على ما فصلناه.
فإن كان حرا لم يمكن تقويمه لكنه يقدر بالعبد فيقال: ولو كان عبدا وليس به
هذه الجناية كم قيمته؟ قالوا: مائة، قلنا: وبه هذه الجناية؟ قالوا: تسعون، قلنا:
فقد نقص عشر قيمته فيجب في الحر عشر ديته، فالعبد أصل للحر فيما ليس فيه
مقدر والحر أصل للعبد فيما فيه أرش مقدر فليلحظ ذلك فإنه أصل يعتمد عليه.
قد قلنا: إن في الأنف الدية فإذا ثبت ذلك فإنما الدية في المارن منه
وهو ما لأن وهو دون قصبة الأنف وذلك هو المنخران والحاجز بينهما إلى القصبة، فإن قطع كل
المارن ففيه الدية كاملة، فإن قطع بعضه ففيه بالحصة مساحة كما قلنا في غير ذلك،
فإن شق الحاجز بين المنخرين ففيه حكومة سواء اندمل أو بقي منفرجا على الاعتبار
الذي قدمناه من قيمة العبد في حساب دية الحر، فإن قطع أحد المنخرين ففيه نصف
الدية لأنه ذهب نصف المنفعة ونصف الجمال
وهذا اختيار شيخنا أبي جعفر في مبسوطه.
إذا قطع يدي رجل ورجليه ومضت مدة يندمل فيها ثم مات فقال الجاني: مات
بالسراية فعلى دية واحدة، وقال الولي: بغير سراية، وجب أن يكون القول قول
الولي لأن الظاهر وجوب ديتين حتى يعلم غيره.
إذا اصطدم الفارسان فماتا فعلى عاقلة كل واحد منهما نصف دية صاحبه
والباقي هدر هذا إذا كان خطأ محضا فأما إن كان عمدا محضا فعلى كل واحد
منهما في تركته نصف دية صاحبه حالة مغلظة، فأما إن مات الفرسان فعلى كل
366

واحد منهما نصف قيمة دابة صاحبه فإن كانت القيمتان سواء تقاصا وإن اختلفا
فإنهما يتقاصان ويترادان الفضل، ولا يكون ضمان القيمة على العاقلة لأن العاقلة
لا تعقل البهائم سواء كان القتل عمدا أو خطأ محضا.
إذا سلم ولده إلى السابح ليعلمه السباحة فغرق ضمنه لأنه تلف بالتعليم فهو
كما لو ضرب المعلم الصبي على التعليم فمات ولأنه فرط في حفاظه وإحكام شكوته
وملازمة رجله فقد فرط فعليه الضمان وهو عندنا عمد الخطأ تكون الدية في ماله عندنا
مؤجلة سنتين، فإن كان المتعلم للسباحة كبيرا رشيدا فإنه لا ضمان على المعلم
بحال لأن البالغ العاقل متى غرق في تعلم السباحة فهو الذي ترك الاحتياط في حق
نفسه فلا ضمان على غيره.
العين القائمة واليد الشلاء و الرجل الشلاء واللسان الأخرس والذكر الأشل
العنين كل هذا وما في معناه يجب فيه ثلث دية صحيحة، وكل عضو فيه مقدر إذا
جنى عليه فصار أشل وجب فيه ثلثا ديته، وكل جرح له مقدر إذا كان في الرأس
والوجه على ما نبينه فيما بعد إن شاء الله، فإذا كانت في الجسد ففيها بحساب ذلك
من الرأس منسوبا إلى العضو الذي هي فيه إلا الجائفة فإن فيها مقدرا في الجوف هو
ثلث الدية، مثال ذلك الموضحة إذا كانت في الرأس أو الوجه فيها نصف عشر الدية
فإن كانت في اليد ففيها نصف عشر دية اليد فإن كانت في الإصبع ففيها نصف
عشر دية الإصبع وهكذا باقي الجراح.
إذا اصطدمت السفينتان من غير تفريط من القائم بهما في شئ من أسباب
التفريط بل بالريح فهلكتا وما فيهما من الأموال والأنفس كان ذلك هدرا لا يلزم
واحدا منهما شئ لصاحبه لأن الأصل براءة الذمة.
إذا جنى الرجل على نفسه جناية خطأ محضا كان هدرا لا يلزم العاقلة ديته،
المولى من أسفل لا يعقل عن المولى من فوق شيئا بحال ومعنى المولى من فوق هو المنعم
بالعتق على العبد ومعنى المولى من أسفل هو المنعم عليه بالعتق.
إذا بنى حائطا مستويا في ملكه فمال إلى الطريق أو إلى دار جاره ثم وقع
367

فأتلف أنفسا وأموالا فلا ضمان عليه ولا قود ولا دية لأن الأصل براءة الذمة وليس
ههنا دليل قاطع على وجوب الضمان بحال، إذا سقط حائط إلى طريق المسلمين
فعثر انسان بترابه فمات لم يلزم ضمانه صاحب الحائط بمثل ما قلناه.
إذا أشرع جناحا إلى شارع المسلمين أو إلى درب نافذ أو أراد إصلاح ساباط على
وجه لا يضر بأحد من المارة فليس لأحد معارضته ولا منعه منه لأن الأصل الجواز
والمنع يحتاج إلى دليل ولأن أحدا لم ينكر هذا، والنبي ع فعله وأقره ولأن
هذه الأجنحة والساباطات والسقائف سقيفة بني النجار وسقيفة بني ساعدة وغير
ذلك كانت موجودة لم ينكرها أحد من المسلمين لا في زمان الرسول ع ولا
بعده، وإلى يومنا هذا لم ينقل أن أحدا اعترض فيها ولا أزيلت باعتراض معترض
عليها ثبت أن إقرارها جائز بإجماع المسلمين وكذلك الميازيب، فإذا ثبت هذا فإن
وقع على أحد لا شئ على صاحبه على ما قدمناه لأن الأصل براءة الذمة وشغلها
يحتاج إلى دليل وقوله تعالى: ما على المحسنين من سبيل، وهذا محسن بوضعه غير
آثم على ما قدمناه.
دية الجنين التام مائة دينار سواء كان ذكرا أو أنثى، إذا ضرب بطنها فألقت
جنينا فإن ألقته قبل وفاتها ثم ماتت ففيها ديتها، وفي الجنين قبل أن تلجه الروح
مائة دينار وإن كان بعد أن ولجته الروح فالدية كاملة سواء ألقته حيا ثم مات أو
ألقته ميتا، إذا علم قبل إلقائه أنه كان حيا فإن مات الولد في بطنها وكان تاما
حيا قد علم وتحقق حياته روي في بعض الأخبار: أن ديته نصف دية الذكر
ونصف دية الأنثى، والذي تقتضيه أصول مذهبنا استعمال القرعة ولا يلتفت إلى
أخبار الآحاد لأنها لا توجب علما ولا عملا والقرعة مجمع عليها أنها تستعمل في
كل أمر مشكل وهذا من ذاك بغير خلاف. وكل موضع أوجبنا دية الجنين فإنه لا
يجب فيه كفارة القتل بحال، ودية الجنين موروثة عندنا ولا يكون لأمه خاصة.
ودية جنين اليهودي والنصراني والمجوسي عشر ديته ثمانون درهما، وفي جنين
الأمة المملوك عشر قيمتها، وعندنا يعتبر قيمتها في حال الجناية دون حال الإسقاط.
368

قد قلنا عن ذكرنا أحكام القسامة: إنه إذا كان مع المدعي للقتل لوث وهو
التهمة للمدعى عليه بأمارات ظاهرة بدئ به في اليمين يحلف خمسين يمينا في قتل
العمد وخمسة وعشرين يمينا في قتل الخطأ على ما قلناه، ويثبت اللوث بأشياء:
بالشاهد الواحد في قتل العمد وبوجود القتيل في دار قوم وفي قريتهم التي لا يدخلها
غيرهم وكذلك محلتهم، ولا يثبت اللوث بقول المقتول عند موته: دمي عند فلان.
وإذا كان المقتول مشركا والمدعى عليه مسلما لم تثبت القسامة، إذا قتل عبد
وهناك لوث فلسيده القسامة وإذا لم يكن لوث وتكون دعوى محضة مجردة من
الأمارات فاليمين في جنبة المدعى عليه بلا خلاف ولا يلزمه أكثر من يمين واحدة،
إذا ادعى رجل على رجل أنه قتل وليا له وهناك لوث وحلف المدعي القسامة
واستوفى الدية فجاء آخر فقال: أنا قتلته وما قتله ذلك، كان الولي بالخيار بين أن
يصدقه ويكذب نفسه ويرد الدية ويستوفي منه حقه وبين أن يكذب المقر ويثبت على
ما هو عليه.
قال شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه مسألة: إذا كان الرجل متلففا في كساء أو
في ثوب فشهد شاهدان على رجل أنه ضربه فقده باثنين ولم تشهد الجناية غير الضرب
واختلف الولي والجاني فقال الولي: كان حيا حين الضرب وقد قتله الجاني،
وقال الجاني: ما كان حيا حين الضرب، كان القول قول الجاني مع يمينه واستدل
بما يربأ الانسان بذكره عنه، والذي يعول عليه ويعمل به ويسكن إليه قبول قول
الشاهدين وقول الولي مع يمينه ولا يلتفت إلى إنكار الجاني الحياة لأنه مدع للموت
بغير جناية والأصل الحياة وشهادة العدلين بالجناية وإنما كان الانسان يفزع إلى
دليل براءة الذمة وشغلها يحتاج إلى دليل قبل قيام الدليل بشغلها، وإنما هذا
مذهب أبي حنيفة لا مذهب جعفر بن محمد الصادق ع اختاره شيخنا
ههنا ألا تراه ما استدل بإجماع الفرقة ولا بأخبارنا فلا حاجة بنا إلى القول بمذهب
أبي حنيفة وتصحيحه.
369

باب القصاص وديات الشجاج والجراح:
من قطع شيئا من جوارح الانسان وجب أن يقتص منه إن أراد ذلك وكان
مكافئا له في الاسلام والحرية وسلامة العضو المجني عليه، وإن جرحه جراحة فمثل
ذلك إلا أن يكون جراحة يخاف في القصاص منها على هلاك النفس فإنه لا يحكم
فيها بالقصاص وإنما يحكم فيها بالأرش وذلك مثل المأمومة والجائفة وما أشبه
ذلك، وكسر الأعضاء التي يرجى انصلاحها بالعلاج فلا قصاص أيضا فيها بل
يراعى حتى ينجبر الموضع إما مستقيما أو على عثم " بالعين غير المعجمة والثاء
المنقطة من فوقها ثلاث نقط وهو الفساد والعيب " فيحكم حينئذ بالأرش، فإن كان
ذلك شيئا لا يرجى صلاحه فإنه يقتص من جانبه على كل حال، والقصاص النفس
بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح
قصاص، ولا قصاص بين الحر والعبد ولا بين المسلم والذمي ولا بين الكامل
والناقص بل يقتص للكامل من الناقص ولا يقتص لناقص العضو من السليم
الكامل العضو.
فإن جرح عبدا حر كان عليه أرشه بمقدار ذلك من ثمنه وكذلك الحكم في سائر
أعضائه، فإن كانت الجناية قيمته كان عليه القيمة ويأخذ العبد والسيد بالخيار بين
أن يمسكه ولا شئ له وبين أن يسلمه ويأخذ كمال قيمته هذا إذا كانت الجناية
تحيط بقيمته، فإن كانت لا تحيط بقيمته فليس لمولاه سوى الأرش.
وإن جرح عبد حرا كان على مولاه أن يسلمه إلى المجروح يسترقه بمقدار ما لزمه
أو يفديه بمقدار ذلك، فإن استغرق أرش الجراحة ثمنه لم يكن لمولاه فيه شئ، فإن
لم يستغرق كان له منه بمقدار ما يفضل من أرش الجراح.
فإن جرح ذمي مسلما أو قطع شيئا من جوارحه كان عليه أن يقطع جارحته
إن كان قطع أو يقتص منه إن كان جرح ويرد مع ذلك فضل ما بين الديتين، فإن
جرحه المسلم كان عليه أرشه بمقدار ديته التي ذكرناها، وروي: أنه إن كان
معتادا لذلك جاز للإمام أن يقتص منه لأولياء الذمي بعد أن يردوا عليه فضل ما
370

بين الديتين.
ويقتص الرجل من المرأة والمرأة من الرجل ويتساوى جراحتهما ما لم تتجاوز
ثلث الدية، فإن بلغ ثلث الدية نقصت المرأة وزيد الرجل، وإذا جرح الرجل المرأة
بما يزيد على الثلث وأرادت المرأة أن تقتص منه كان لها ذلك إذا ردت عليه فضل ما
بين جراحتهما، وإن جرحت المرأة الرجل وأراد أن يقتص منها لم يكن له عليها
أكثر من جراحة مثلها أو المطالبة بالأرش على التمام من ديته مع تراضيهما لذلك
وإلا فلا يستحق عليها سوى القصاص.
ومن لطم إنسانا في وجهه ونزل الماء في عينيه وعيناه صحيحان وأراد القصاص
فإنه تؤخذ مرآة " بكسر الميم وسكون الراء ومد الألف " محماة بالنار "
لا يجوز أن يقال: محمية، على ما وضعه شيخنا أبو جعفر في نهايته لأنه يقال:
أحميت الحديدة في النار فهي محماة، ولا يقال: حميتها فهي محمية "
ويؤخذ كرسف مبلول وهو القطن فيجعل على أشفار عينيه على جوانبها لئلا تحترق
أشفاره ثم يستقبل عين الشمس بعينه وتقرب منها المرآة فإنه يذوب الناظر ويصير
أعمى وتبقى العين، ويقال: الناظرة، على ما وضعه شيخنا في نهايته فإنه قال:
وتذوب الناظرة، وذلك صحيح ليس بخطأ.
ومن قطعت أصابعه فجاءه رجل فأطار كفه فأراد القصاص من قاطع الكف
فروي: أنه يقطع يده من أصله ويرد عليه دية الأصابع،
أورد هذه الرواية شيخنا أبو جعفر في نهايته وهي مخالفة لأصول المذهب لأنه لا
خلاف بيننا أنه لا يقتص من العضو الكامل للناقص والأولى الحكومة في ذلك
وترك القصاص وأخذ الأرش على الاعتبار الذي قدمناه في قيمته أن لو كان عبدا ثم
يؤخذ من دية الحر بحساب ذلك.
ومن قتل إنسانا مقطوع اليد وأراد أولياؤه القود فإن كانت يده قطعت في جناية
جناها على نفسه أو قطعت فأخذ ديتها أو استحقها قتلوا قاتله بعد أن يردوا على
أوليائه دية اليد، فإن كانت يده قطعت في غير جناية ولم يأخذ ديتها وكان ذلك من
371

قبل الله تعالى قتلوا قاتله وليس عليهم شئ.
ومن شج غيره موضحة أو غيرها من الجراح فعفا صاحبها عن قصاصها أو أرشها
ثم رجعت عليه وسرت إليه فمات منها كان على جارحه ديته إلا دية الجرح الذي
عفي عنه، فإن أرادوا القود ردوا على قاتله دية الجرح الذي عفا عنه صاحبه.
ومن قطع شحمة أذن انسان فطلب منه القصاص فاقتص له منه فعالج الجاني
أذنه حتى التصق المقطوع بما انفصل عنه كان للمقتص منه أن يقطع ما اتصل من
شحمة أذنه حتى تعود إلى الحال التي استحق لها القصاص.
وهكذا حكم المجني عليه سواء كان ظالما أو مظلوما جانيا أو مجنيا عليه لأنه
حامل نجاسة وليس إنكاره ومطالبته بالقطع مخصوصا بأحدهما بل جميع الناس،
وكذلك القول فيما سوى ذلك من الجوارح والأعضاء إذا لم يخف على الانسان منها
تلف النفس أو المشقة العظيمة ووجب على السلطان ذلك لكونه حاملا للنجاسة فلا
تصح منه الصلاة حينئذ، وكذلك إذا جبر عظمه بعظم نجس العين ولم يكن في قلعه
خوف على النفس ولا مشقة عظيمة يجب إجباره على قلعه ولا تصح معه صلاته فأما
إن خاف من قلعه على نفسه فلا يجب قلعه ولا يجوز إجباره على ذلك وتكون صلاته
صحيحة لموضع الضرورة لقوله ع: لا ضرر ولا إضرار.
ومن قتل غيره فسلمه الوالي إلى أولياء المقتول ليقتلوه فضربه الولي ضربات
وجرحه جرحات عدة وتركه ظنا منه أنه مات وكان به رمق " والرمق بقية الحياة "
فحمل ودوي فصلح ثم جاء الولي فطلب منه القود كان له ذلك وعليه أن يرد عليه
دية الجراحات التي جرحه أو يقتص منه بمثل الجراحات هذا إذا لم يكن جرح
المجني عليه المقتول الأول جراحات عدة بل قتله بضربة واحدة، فأما إن كان جرحه
جراحات عدة فللولي أن يقتص منه بعدد ذلك ويقتله، وكذلك إن قطع بعض
أطرافه ثم قتله بعد ذلك كان للولي أن يقطع ثم يقتل بعد ذلك، ولا يدخل قصاص
الطرف في قصاص النفس بحال على ما قدمناه وتدخل دية الطرف في دية النفس،
فهذا الفرق بين الموضعين وهذا اختيار شيخنا أبي جعفر في مسائل خلافه وإن كان
372

مذهبه في نهايته بخلاف ذلك وما ذهب إليه في خلافه هو الصحيح لأن ظاهر
القرآن يعضده.
قال شيخنا في مسائل الخلاف مسألة: إذا قطع يد رجل ثم قتله كان لولي الدم أن
يقطع يده ثم يقتله وبه قال أبو حنيفة والشافعي، وقال أبو يوسف ومحمد: ليس له
القصاص في الطرف كما لو سرى إلى النفس، هذا آخر كلامه رحمه الله.
ومن جرح غيره جراحة في غير مقتل أو ضربه كذلك فمرض المجروح أو
المضروب ثم مات فإنه يعتبر حاله، فإن علم أنه مات من الجراح أو الضرب أو من
شئ جنياه أو من سرايتهما كان عليه القود أو الدية على الكمال مع التراضي على ما
بيناه، فإن كان مات بغير ذلك من الأمراض الحادثة من قبل الله تعالى أو لجناية
جان آخر أو اشتبه الأمر فيه فلا يعلم أنه مات منه أو من غيره لم يكن عليه أكثر من
القصاص، فأما إذا لم يزل من يوم جرحه أو ضربه ضمنا " بفتح الضاد وكسر الميم
متألما من الجرح والضرب " فإنه يجب عليه القود.
الجراحات:
أولها الحارصة " بالحاء غير المعجمة والصاد غير المعجمة " وهي التي تحرص الجلد
يعني تشقه قليلا ومنه قيل: حرص القصار الثوب، إذا شقه. ثم الدامية وهي التي
تشق اللحم بعد الجلد، ثم المتلاحمة وهي التي أخذت في اللحم ولم تبلغ
السمحاق، ثم السمحاق " بالسين غير المعجمة وكسرها وسكون الميم والحاء غير
المعجمة وفتحها والقاف " وهي التي بينها وبين العظم قشيرة رقيقة وكل قشرة رقيقة
فهي سمحاق ومنه قيل: في السماء سماحيق من غيم وعلى ثرب الشاة سماحيق من
شحم. ثم الموضحة وهي التي تبدي وضح العظم ويقطع القشيرة الرقيقة التي سميت
سمحاقا، ثم الهاشمة وهي التي تهشم العظم، ثم المنقلة " بكسر القاف " وهي
التي تخرج منها فراش العظام وفراش الرأس " بفتح الفاء والراء غير المعجمة المفتوحة
والشين المعجمة " وهي عظام رقاق تلى القحف وتحوج إلى نقله من موضع إلى موضع،
373

ثم الآمة وهي المأمومة بعبارة الفقهاء وهي التي تبلغ أم الرأس وأم الرأس الخريطة
التي فيها الدماغ وهو المخ لأن الدماغ في خريطة من جلد رقيق، و الدامغة تزيد على
المأمومة بأن تخرق الخريطة وتصل إلى جوف الدماغ فالواجب فيهما سواء وهو ثلث
الدية بلا خلاف.
ففي الأولى بعير، وفي الثانية بعيران، وفي الثالثة ثلاثة أبعرة، وفي الرابعة أربعة
أبعرة، وفي الخامسة خمسة أبعرة، وفي السادسة عشرة أبعرة، وفي السابعة خمسة عشر
بعيرا، وفي الثامنة ثلث الدية دية النفس ثلاثة وثلاثون بعيرا فحسب بلا زيادة ولا
نقصان إن كان من أصحاب الإبل ولم يلزمه أصحابنا ثلث البعير الذي يتكمل به
ثلث المائة بعير التي هي دية النفس لأن رواياتهم هكذا مطلقة وكذلك تصنيفاتهم
وقول مشايخهم وفتاويهم وإجماعهم منعقد على هذا الإطلاق أو ثلث الدية من العين
أو الورق على السواء لأن ذلك يتجدد فيه الثلث ولا يتجدد في الإبل والبقر والغنم
وما حررناه واخترناه اختيار السيد المرتضى وتحريره في جوابات المسائل الناصريات
التي هي الطبريات.
وقال شيخنا المفيد في مقنعته: دية المأمومة ثلث دية النفس ثلاث وثلاثون بعيرا،
ولم يقل وثلث بعير، وهكذا قول شيخنا أبي جعفر في نهايته والمعنى والتحرير ما
ذكرناه، وكذلك في الدامغة على ما بيناه.
وخمس منهن يثبت فيهن القصاص وما عدا ذلك لا يثبت فيه القصاص وفيه
الدية لأن في ذلك تغريرا بالنفس، وجميعها تحملها العاقلة إن كان الفعل خطأ محضا
على الصحيح من المذهب وهو اختيار شيخنا أبي جعفر في مسائل خلافه، وقال في
نهايته: لا يحمل عليها العاقلة إلا الموضحة فصاعدا، والذي اخترناه نحن هو
الظاهر وتعضده الأدلة وجميع الظواهر تشهد بصحته، ثم قال في نهايته: والقصاص
ثابت في جميع هذه الجراح إلا في المأمومة خاصة لأن فيها تغريرا بالنفس فليس فيها
أكثر من ديتها، إلا أنه رجع في مسائل خلافه ومبسوطه إلى ما اخترناه وهو الأصح
لأن تعليله في نهايته لازم له في الهاشمة والمنقلة.
وما كان في الرأس والوجه يسمى شجاجا وما كان منه في البدن يسمى جراحا
374

وهذه الشجاج والجراح في الوجه والرأس سواء في الدية والقصاص، فأما إذا كانت
في البدن ففيها بحساب ذلك من الرأس منسوبا إلى العضو التي هي فيه إلا الجائفة
فإن فيها مقدرا في الجوف وهو ثلث الدية مثال ذلك في الموضحة إذا كانت في الرأس
أو الوجه فيها نصف عشر الدية فإن كانت الموضحة في اليد ففيها نصف عشر دية
اليد فإن كانت في الإصبع ففيها نصف عشر دية الإصبع، وهكذا باقي الجراح على
ما قدمناه فيما مضى وبيناه فعلى ما حررنا الجراحات عشرة.
وقال شيخنا في نهايته: الجراحات ثمانية: أو لها الحارصة وهي الدامية ثم الباضعة
ثم المتلاحمة ثم السمحاق، والذي اخترناه مذهب الجلة من المشيخة من أصحابنا
مثل السيد المرتضى فإنه قال في انتصاره مسألة: ومما انفردت به الإمامية القول بأن
في الشجاج التي هي دون الموضحة مثل الحارصة والدامية والباضعة والسمحاق دية
مقدرة ففي الحارصة وهي الخدش الذي يشق الجلد بعير واحد وفي الدامية وهي التي
تصل إلى اللحم ويسيل منها الدم بعيران وفي الباضعة وهي التي تقطع اللحم وتزيد
في الجناية على الدامية ثلاثة أبعرة وفي السمحاق وهي التي تقطع اللحم حتى تبلغ
إلى الجلدة الرقيقة المتغشية للعظم أربعة أبعرة، هذا آخر كلام السيد المرتضى رضي
الله عنه وإلى هذا يذهب شيخنا المفيد والفقيه سلار في رسالته وهو قول جماعة
اللغويين مثل الأصمعي وأبي عبيد القاسم بن سلام قد ذكره في غريب المصنف
وابن قتيبة ذكره في أدب الكتاب، وشيخنا أبو جعفر جعل الحارصة هي الدامية
وجعل مكان الدامية الباضعة وجعل مكان الباضعة المتلاحمة وبعدها السمحاق
وجميع أصحابنا جعلوا الرابعة من الشجاج السمحاق بلا خلاف.
وفي لطمة الوجه إذا احمر موضعها دينار واحد ونصف فإن أخضر أو أسود ففيها
ثلاثة دنانير وكذلك الحكم في الرأس، وأرشها في الجسد على النصف من أرشها في
الوجه بحساب ما ذكرناه،
وقال شيخنا في نهايته: في اللطمة في الوجه إذا أسود أثرها ستة دنانير فإن أخضر
فثلاثة دنانير فإن احمر فدينار ونصف، وهذا اختياره في مسائل خلافه وما اخترناه
مذهب السيد المرتضى وشيخنا المفيد محمد بن محمد بن النعمان في مقنعته وهو الأظهر
375

الأصح لأن الأصل براءة الذمة وشغلها بما زاد على ما ذكرناه يحتاج إلى دليل لأن ما
قلناه مجمع على لزومه.
وفي كسر عظم من عضو خمس دية ذلك العضو وفي موضحته ربع دية كسره،
وإذا كسر عظم فجبر على غير عثم ولا عيب كانت ديته أربعة أخماس دية كسره،
وفي كسر الصلب الدية كاملة فإن جبر فبرأ على غير عثم ففيه مائة دينار عشر دية
كسره.
وفي الأنف إذا كسرت ففسدت الدية كاملة وكذلك إن استوعب واستؤصل قطعها أو
قطع المارن على ما قدمناه، فإن جبرت فبرأت على غير عثم كان فيهما مائة
دينار، وفي روثة الأنف "
بالراء غير المعجمة المفتوحة والواو المسكنة والثاء المنقطة ثلاث نقط، قال صاحب
كتاب الصحاح: الروثة طرف الأرنبة، وقال شيخنا أبو جعفر: روثة الأنف
الحاجز بين المنخرين "
إذا قطع فاستؤصل خمسمائة دينار وهو قول شيخنا المفيد في مقنعته، فإن نفذت في
الأنف نافذة لا تنسد فديتها ثلث دية النفس، فإن عولجت فصلحت وانسدت فديتها
خمس دية الأنف مائتا دينار، فإن كانت النافذة في إحدى المنخرين إلى الخيشوم
فعولجت فبرأت والتأمت فديتها عشر دية الأنف مائة دينار، في أحد المنخرين نصف دية
الأنف وقال قوم: فيه ثلث دية الأنف،
وما اخترناه مذهب شيخنا أبي جعفر في مبسوطه واستدل بأن قال: لأنه ذهب
بنصف المنفعة ونصف الجمال.
وإذا انشقت الشفتان حتى بدت الأسنان منها ولم تبرأ فدية شقهما ثلث دية
النفس فإن عولجت فبرأت والتأمت فديتها خمس دية النفس مائتا دينار، وفي شق
إحديهما بحساب ذلك فإن التأمت وصلحت ففيها خمس ديتها.
والعظم إذا رض كان فيه ثلث دية العضو الذي هو فيه، فإن صلح على غير عيب
فديته أربعة أخماس دية رضه، فإن فك عظم من عضو فتعطل به العضو فديته ثلثا دية
376

العضو، فإن جبر وصلح والتأم فديته أربعة أخماس دية فكه، وفي نقل عظام الأعضاء
لفسادها مثل ما في نقل عظام الرأس بحساب دية العضو وكذلك في غيرها من
الجراحات.
وفي الشلل في اليدين والرجلين ثلثا دية اليد والرجل وكذلك كل عضو ضرب
فتعطل ولم ينفصل فيجب ثلثا ديته على الجاني، وفي اليد الشلاء والرجل الشلاء
والعضو المعطل الأشل إذا قطع ثلث ديته صحيحا، وكذلك الحكم في الأصابع وفي
جميع الجوارح والأعضاء وفي العين العوراء لا المخلوقة خلقة على ما قدمناه، وفي كل
ضلع خمسة وعشرون دينارا.
وقد وردت روايات في أحكام الديات وأحاديث كثيرة مختلفة ومتفقة آحاد وشواذ
أثبتها بعض مشيختنا في مصنفات تتضمن تفصيل أحكام الديات وقد جنح فيها
القول وبسط على استقصاء فيها لإيراد الروايات، منها كتاب ظريف بن ناصح،
ظريف " بالظاء المعجمة " وهذا الكتاب عندي طالعته فما رأيته طائلا يورد فيه ما
لا يجوز العمل به ويضاد ما الاجماع عليه، وكتاب علي بن رئاب " بهمزة الياء
المنقطة من تحتها بنقطتين " وغيرهما من المشيخة الفقهاء لا يحتمل كتابنا هذا إيراد
ذلك كله لأنه لا يوجب علما ولا عملا، والذي تقتضيه أصول مذهبنا أنه إذا لم
يكن إجماع على الرواية ولا هي متواترة أن نحكم في الجناية والدية بالاعتبار الذي
قدمناه من التقويم وأن يجعل العبد أصلا للحر فيما لا مقدر فيه ولا موظف مجمع
عليه ثم يحكم بذلك على المثال الذي كررناه وذكرناه فيما مضى وحررناه في جميع ما
يرد على الانسان من الأحكام والفتاوى، وفيما أثبتناه منه مقنع في معرفة ما أردنا
بيانه إن شاء الله.
ولا ينبغي للحاكم أن يحكم في شئ من الجراحات وكسر الأعضاء حتى تبرأ
ثم ينظر في ذلك ويرجع فيه إلى أصحاب الخبرة فيحكم حسب ما تقتضيه الجناية،
ومن أراد القصاص فلا يقتص بنفسه وإنما يقتص له الناظر في أمر المسلمين أو يأذن
له في ذلك فإن أذن له جاز له حينئذ الاقتصاص فإن بادر واقتص أخطأ ولم يجب
عليه قود ولا قصاص، والأطراف كالأنفس فكل نفسين جرى القصاص بينهما في
377

الأنفس جرى بينهما في الأطراف سواء اتفقا في الدية أو اختلفا فيهما كالحرين
والحرتين والحر والحرة والعبدين والأمتين والعبد والأمة والكافرين
والكافرتين والكافر والكافرة ويقطع أيضا الناقص بالكامل دون الكامل بالناقص، وكل شخصين لا
يجري القصاص بينهما في الأنفس كذلك في الأطراف كالحر والعبد والكافر والمسلم
طردا وعكسا إلا أنه إذا اقتص للحرة من الرجل الحر في الأطراف ردت فاضل
الدية على ما قدمناه فيما مضى وشرحناه.
إذا قتل واحد مثلا عشرة أنفس ثبت لكل واحد من أولياء المقتولين القود لا
يتعلق حقه بحق غيره، فإن قتل بالأول سقط حق الباقين لا إلى بدل وإن بدر واحد
منهم فقتله سقط حق كل واحد من الباقين، ولا تتداخل حقوقهم لقوله تعالى: فقد
جعلنا لوليه سلطانا، فمن قال: تتداخل، فعليه الدلالة، فأما إثبات البدل
فالأصل براءة الذمة وإثبات الدية يحتاج إلى دليل على أنا قد بينا أن الدية لا تثبت
إلا بالتراضي وذلك مفقود ههنا وأيضا قوله تعالى: النفس بالنفس، ولم يقل:
نفس بأنفس ولا نفس بمال.
إذا قطع رجل يد رجل فقطع المجني عليه يد الجاني ثم اندمل المجني عليه
وسرى القطع إلى نفس الجاني كان هدرا، فإن عاش الجاني الظالم ومات المجني
عليه وجب على الجاني القود.
إذا قتل اثنان رجلا وكان أحدهما لو انفرد بقتله قتل به دون الآخر لم يخل من
أحد أمرين: إما أن يكون القود لم يجب على أحدهما لمعنى فيه أو في فعله، فإن كان
لمعنى فيه مثل أن يشارك أجنبيا في قتل ولده أو نصرانيا في قتل نصراني أو عبدا في
قتل عبد فعلى شريكه القود دونه، وإن كان القود لم يجب عليه لمعنى في فعله مثل أن
يكون عمدا محضا يشارك من قتله خطأ أو عمد الخطأ فالقود على العامد منهما.
وقال شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه: لا قود على العامد المحض إذا شاركه من
قتله خطأ، وهذا مذهب الشافعي دون الإمامي لأن الله تعالى قال: فقد جعلنا
لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل، وهذا قد قتل ظلما فوجب أن يكون لوليه
378

سلطان، وإجماع أصحابنا منعقد على أن القتل إذا كان عمدا محضا يوجب القود
فمن أسقطه ههنا يحتاج إلى دليل.
إذا قطع يدي غيره ورجليه وأذنيه لم يكن له أن يأخذ دياتها كلها في الحال بل
يأخذ دية النفس في الحال وينتظر حتى يندمل فإن اندملت كان له دياتها كلها
كاملة مع التراضي على ما قلناه وإن سرت إلى النفس كان له دية واحدة مع التراضي
أيضا، والأولى أيضا عندي أنه لا يستحق دياتها ولا دية واحدة في الحال لأن الدية
عندنا لا تثبت ولا تستحق إلا مع التراضي، فأما القصاص فله أن يقتص في الحال.
إذا جرح غيره ثم إن المجروح قلع من موضع الجرح لحما فإن كان ميتا فلا
بأس والقود على الجاني بلا خلاف وإن كان لحما حيا ثم سرى إلى نفسه كان على
الجاني القود أيضا وعلى أولياء المقتول أن يردوا نصف الدية على الجاني أو أوليائه،
وكذلك لو شارك السبع في قتل غيره أو جرحه غيره وجرح هو نفسه فمات.
يقطع ذكر الفحل بذكر الفحل الخصي إذا سلت بيضتاه وبقي ذكره لقوله
تعالى: والجروح قصاص. أجرة من يقيم الحدود ويقتص للناس من بيت المال.
في العقل دية كاملة، فإن جنى جناية ذهب عقله فيها لم يدخل أرش الجناية في
دية العقل سواء كان مقدرا أو حكومة وسواء كان أرش الجناية أقل من دية العقل أو
أكثر منها أو مثله سواء ضربه ضربة واحدة أو ضربتين وقد كنا قلنا من قبل، فإن
كان أصابه مع ذهاب العقل إما موضحة أو مأمومة أو غيرهما من الجراحات لم يكن
فيه أكثر من الدية كاملة اللهم إلا أن يكون ضربه ضربتين أو ثلاثا بحيث كل
ضربة منها جناية كان عليه حينئذ ديتها،
فأوردناه على ما أورده شيخنا أبو جعفر في نهايته إلا أن هذا أظهر من ذاك وشيخنا
فقد رجع عما أورده في نهايته وقال بما اخترناه الآن في مسائل خلافه وهو الصحيح
لأن تداخل الديات إذا لم يمت المجني عليه يحتاج إلى دليل.
القصاص فيما دون النفس شيئان: جرح يشق وعضو يقطع.
فأما العضو الذي يقطع فكل عضو ينتهي إلى مفصل كاليد والرجل ففي كلها
379

القصاص لأن لها حدا ينتهي إليه وإنما يجب القصاص فيها بثلاثة شروط:
التساوي في الحرية أو يكون المجني عليه أكمل، والثاني الاشتراك في الاسم الخاص
يمين بيمين ويسار بيسار فإنه لا يقطع يمين بيسار ولا يسار بيمين، والثالث السلامة
فإنا لا نقطع اليد الصحيحة باليد الشلاء.
فأما غير الأطراف من الجراح التي فيها القصاص وهو ما كان في الرأس والوجه
لا غير فإن القصاص يجب فيها بشرط واحد وهو: التكافؤ في الحرية أو يكون المجني
عليه أكمل، وأما التساوي في الاسم الخاص فهذا لا يوجد في الرأس لأنه ليس له
رأسان ولا السلامة من الشلل فإن الشلل لا يكون في الرأس.
والقصاص في الأطراف والجراح في باب الوجوب سواء وإنما يختلفان من وجه
آخر وهو أنا لا نعتبر المماثلة في الأطراف بالقدر من حيث الكبر والصغر ونعتبره في
الجراح بالمساحة، والفصل بينهما أنا لو اعتبرنا المماثلة في الأطراف في القدر
والمساحة أفضي إلى سقوط القصاص فيها لأنه لا يكاد بدنان يتفقان في القدر وليس
كذلك الجراح لأنه يعرف عرضه وطوله وعمقه فيستوفيه بالمساحة فلهذا اعتبرناها
بالمساحة فبان الفصل بينهما، وجملته أنا نعتبر في القصاص بالمماثلة وننظر إلى طول
الشجة وعرضها فأما الأطراف فلا نعتبر فيها الكبر والصغر بل تؤخذ اليد الغليظة
بالدقيقة والسمينة بالهزيلة، ولا يعتبر المساحة لما تقدم وإنما يعتبر الاسم مع السلامة
ومع التكافؤ في الحرية قال الله تعالى: وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس
والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن، فاعتبر الاسم
فقط فلهذا راعيناه فإذا ثبت ذلك فالقصاص يجوز من الموضحة قبل الاندمال عند
قوم، وقال قوم: لا يجوز إلا بعد الاندمال، وهو الأحوط والذي وردت الأخبار به
عندنا لأنها ربما صارت نفسا.
إذا قطع يد رجل فيها ثلاث أصابع سليمة وإصبعان شلاءان ويد القاطع لا
شلل بها فلا قود على القاطع لأنا نعتبر التكافؤ في الأطراف والشلاء لا تكافئ
الصحيحة، فإذا ثبت أنه لا قود عليه فإن رضي الجاني أن يقطع يده بتلك اليد لم يجز
380

قطعها بها لأن القود إذا لم يجب في الأصل لم يجز استيفاؤه بالبذل كالحر إذا قتل
عبدا ثم قال القاتل: قد رضيت أن يقتلني السيد به، لم يجز قتله.
باب دية الجنين والميت إذا قطع رأسه أو شئ من أعضائه:
الجنين الولد ما دام في البطن، وأول ما يكون نطفة وفيها بعد وضعها في الرحم
إلى عشرين يوما عشرون دينارا، ثم بعد العشرين يوما لكل يوم دينار إلى أربعين
يوما أربعون دينارا وهي دية العلقة فهذا معنى قولهم: وفيما بينهما بحساب ذلك،
ثم يصير مضغة وفيها ستون دينارا وفيما بين ذلك بحسابه، ثم يصير عظما وفيه
ثمانون دينارا وفيما بين ذلك بحسابه ثم مكسوا عليه اللحم خلقا سويا شق له
العينان والأذنان والأنف قبل أن تلجه الروح وفيه عندنا مائة دينار سواء كان ذكرا
أو أنثى على ما قدمناه وفيما بين ذلك بحسابه.
وذهب شيخنا في مبسوطه إلى: أن دية الجنين الذكر مائة دينار ودية الجنين الأنثى
خمسون دينارا، وهذا مذهب بعض المخالفين فأما أصحابنا الإمامية ما خالف أحد
منهم في: أن دية الجنين الحر المسلم مائة دينار، ولم يفصلوا بل أطلقوا وعمموا،
وشيخنا أبو جعفر في جميع كتبه الأخبارية موافق على ذلك ومسلم مع أصحابه وإنما
يورد في هذا الكتاب " نعني المبسوط " مقالة المخالفين لأنه كتاب فروع المخالفين،
وقال في هذا الكتاب: إن كان الجنين عبدا ففيه عشر قيمته إن كان ذكرا وكذلك
عشر قيمته إن كان أنثى، والذي عليه إجماع أصحابنا: أن في جنين الأمة والمملوك
عشر دية أمه، بلا خلاف بين أصحابنا وإنما أورد شيخنا مقالة المخالفين، وقال
في هذا الكتاب أيضا: إذا ضرب بطن أمة فألقت جنينا ميتا مملوكا ففيه عشر
قيمة أمه ذكرا كان أم أنثى، وعند قوم: غرة تامة مثل جنين الحرة وهذا الذي رواه
أصحابنا هذا آخر كلامه.
قال محمد بن إدريس مصنف هذا الكتاب رحمه الله تعالى: ههنا يحسن قول: أقلب
تصب، بل رواية أصحابنا ما قدمه رحمه الله وقد قدمنا بيان ذلك وهو: أن لكل يوم
دينارا إلى أن يصل إلى الدية المقدرة ثم تلجه الروح وفيه الدية كاملة، وقد روي:
381

أنه إذا قتلت المرأة وهي حامل متم ومات الولد في بطنها ولا يعلم أذكر هو أم أنثى
حكم فيه بديتها كاملة مع التراضي وفي ولدها بنصف دية الرجل ونصف دية
المرأة، والأولى استعمال القرعة في ذلك هل هو ذكر أم أنثى لأن القرعة مجمع عليها
في كل أمر مشكل وهذا من ذاك هذا إذا تحقق حياته في بطنها وعلم.
وروى محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن محمد بن إسماعيل عن صالح بن عقبة
عن سليم بن صالح عن أبي عبد الله ع: في النطفة عشرون دينارا وفي
العلقة أربعون دينارا وفي المضغة ستون دينارا وفي العظم ثمانون دينارا فإذا كسى
اللحم مائة دينار ثم هي مائة حتى يستهل فإذا استهل فالدية كاملة، والرواية
الأولى رواها علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن عبيد عن يونس عن عبد الله
بن مسكان عمن ذكره عن أبي عبد الله ع وكلتا الروايتين أوردهما شيخنا
أبو جعفر في تهذيب الأحكام إلا أن الأولى مرسلة والأخيرة مسندة ويقتضيها أصول
مذهبنا والأصل براءة الذمة،
وفي قطع جوارح الجنين وأعضائه الدية من حساب ديته مائة دينار.
والمرأة إذا شربت دواء لتلقي ما في بطنها ثم ألقت كان عليها الدية بحساب ما
ذكرناه لورثة المولود دونها لأن دية الجنين عندنا مورثة لورثته وإنما حرمت الأم ههنا
لأنها بمنزلة القاتلة والقاتل عندنا لا يرث من الدية شيئا بحال سواء كان قاتل عمد
أو قاتل خطأ.
ومن أفزع امرأة وضربها فألقت شيئا مما ذكرناه كان عليه ديته حسب ما
قدمناه ولا كفارة على قاتل الجنين بحال، ودية جنين الذمي عشر ديته وما يكون من
أعضائه بحساب ذلك، ومن أفزع رجلا وهو على حال الجماع فعزل عن امرأته كان
عليه دية ضياع النطفة عشرة دنانير فأما إن وضع النطفة في الرحم ثم أفزع فأفزع المرأة
فألقتها فديتها عشرون دينارا على ما قدمناه.
وقد روي: أنه إذا عزل الرجل عن زوجته الحرة بغير اختيارها كان عليه عشر دية
الجنين يسلمه إليها، وهذه رواية شاذة لا يعول عليها ولا يلتفت إليها لأن الأصل
براءة الذمة ولأنا قد بينا أن العزل عن الحرة مكروه وليس بمحظور.
382

قال شيخنا أبو جعفر في الجزء الثاني من مسائل خلافه مسألة: دية الجنين إذا تم
خلقه مائة دينار وإذا لم يتم فغرة عبد أو أمة وعند الفقهاء غرة عبد أو أمة على كل
حال إلا أن هذه الدية يرثها سائر المناسبين وغير المناسبين.
قال محمد بن إدريس: لا خلاف بيننا أن دية الجنين التام مائة دينار وغير التام
بحسابه من النطفة والعلقة وغير ذلك، فأما الغرة فما أحد من أصحابنا ذهب إلى
ذلك وإنما هذا مذهب المخالفين لأهل البيت ع فليلحظ دليله رحمه الله
في المسألة فهو قاض عليه وإنما أردت تنبيه من يقف على المسألة التي في خلافه وهو
الجزء الثاني بحيث لا يعتقد أن ذلك مذهب أصحابنا.
وحكم الميت حكم الجنين وديته ديته سواء فمن فعل بميت فعلا لو فعله بالحي
لكان فيه تلف نفسه كان عليه ديته مائة دينار وفيما يفعل به من كسر يد
أو قطعها أو قلع عين أو جراحة فعلى حساب ديته كما تكون دية هذه الأعضاء في الحي كذلك
لا يختلف الحكم فيه، والفرق بين الجنين والميت أن دية الجنين تستحقها ورثته على
ما قدمناه ودية الميت لا يستحقها أحد من ورثته بل يكون له يتصدق بها عنه
على ما ذهب شيخنا أبو جعفر إليه في نهايته، وقال السيد المرتضى: تكون لبيت
المال، وهو الذي يقوى في نفسي لأن ما ذهب إليه شيخنا أبو جعفر لا دليل عليه،
وهذه جناية يأخذها الإمام على طريق العقوبة والردع فيجعلها في بيت المال.
ودية جنين الأمة المملوك عشر قيمة أمه وقت الضرب، ودية جنين البهيمة
والدواب والحيوان عشر دية أمه لإجماعنا على ذلك وتواتر أخبارنا وفي ذلك الحجة.
باب الجنايات على الحيوان وغير ذلك:
من أتلف حيوانا لغيره مما لا يقع عليه الذكاة كان عليه قيمته يوم أتلفه وذلك
مثل الكلب،
وقال شيخنا في نهايته: وذلك مثل الفهد والبازي، وعندنا أن الفهد يقع عليه
الذكاة ويحل بيع جلده بعد ذكاته بلا خلاف بيننا ويحل أيضا استعماله بعد دباغه
في جميع الأشياء ما عدا الصلاة على ما بيناه في كتاب الصلاة، وإنما مقصود
383

شيخنا بقوله ما لا يؤكل لحمه إلا أنه لا بد أن يراعى أن يكون مما يجوز للمسلمين
تملكه، فإن أتلف عليه مالا يحل للمسلمين تملكه وكان من بيده ذلك مسلما لم
يكن عليه شئ سواء كان الجاني مسلما أو ذميا، فإن أتلف شيئا من ذلك على
ذمي وجب عليه قيمته عند مستحليه.
ومتى أتلف شيئا على مسلم مما يقع عليه الذكاة على وجه يمكنه الانتفاع به فلا
يجب عليه كمال قيمته بل الواجب عليه ما بين قيمته صحيحا ومعيبا مثال ذلك أن
يذبح شاة انسان ذباحة شرعية فالواجب عليه ما بين قيمتها حية ومذبوحة،
وقال شيخنا في نهايته: يجب عليه قيمته يوم أتلفه ويسلم إليه ذلك الشئ أو يطالبه
بقيمته ما بين كونه متلفا وكونه حيا، وما ذكرناه هو الأصح وشيخنا فقد رجع عن
ذلك في مبسوطه.
فإن أتلفه على وجه لا يمكنه لصاحبه الانتفاع به على وجه كان عليه قيمته بغير
خلاف كقتله للشاة بالحجارة والخشب وخنقه أو ذبحه بيد كافر أو تغريقه وغير
ذلك.
ودية كلب الصيد سواء كان سلوقيا أو غير ذلك إذا كان معلما للصيد أربعون
درهما،
وشيخنا قال في نهايته: ودية الكلب السلوقي أربعون درهما، وأطلق ذلك والأولى
تقيده بكلب الصيد لأنه إذا كان غير معلم على الصيد ولا هو كلب ماشية ولا زرع
ولا حائط فلا دية له وإن كان سلوقيا، وإنما أطلق ذلك لأن العادة والعرف أن
الكلب السلوقي الغالب عليه أنه يصطاد " والسلوقي منسوب إلى سلوق وهي قرية
باليمن ".
ودية كلب الحائط والماشية عشرون درهما "
والمراد بالحائط البستان لأن في الحديث: أن فاطمة ع وقفت حوائطها
بالمدينة، المراد بذلك بساتينها.
وفي كلب الزرع قفيز من طعام وإطلاق الطعام في العرف يرجع إلى الحنطة،
وليس في شئ من الكلاب غير هذه الأربعة دية على حال، ويجوز إجارة هذه
384

وبيعها، والديات لهذه الكلاب مقدرة موظفة وإن كانت قيمتها أكثر من ذلك.
فإن غصب انسان أحد هذه الكلاب وكانت قيمته مثلا مائة دينار ثم مات
عنده قبل رده على المغصوب منه أو قتله قبل رده فالواجب عليه قيمته وهي المائة دينار
لا ديته الموظفة المقدرة لأنه بالغصب قد ضمن قيمته وصارت في ذمته كمن غصب
عبد غيره وقيمة العبد ألفا دينار ثم مات عند الغاصب قبل رده إلى المغصوب أو قتله
الغاصب قبل رده فالواجب عليه ضمان قيمته وهي ألفا دينار وإن كان قتله قبل
غصبه إياه لم يلزمه أكثر من ديته ولا يتجاوز بها دية الحر وهي ألف دينار فليلحظ
ذلك، وقد ذكرنا في كتاب الغصب شيئا من هذا وفيه كفاية ومقنع وتنبيه لذوي
الفهم والتأمل.
والقول في جراح البهائم وكسر أعضائها وقطع أطرافها أنه يستحق صاحبها على
الجاني من الأرش ما بين قيمتها صحيحة ومعيبة وليس له خيار في أخذ قيمته
وتسليمه إلى الجاني وإن كانت الجناية تحيط بقيمته كما ذكرنا ذلك في إتلاف
أطراف العبيد وأعضائهم.
وقول شيخنا في نهايته: إن كان الحيوان مما يتملك ففيه أرش ما بين قيمته
صحيحا ومعيبا وإن كان مما لا يتملك فحكم جراحة وكسره حكم إتلاف
نفسه، المراد بذلك أنه إن كان الحيوان بيد مسلم وهو مما لا يجوز للمسلمين تملكه
فحكم جراحة وكسره حكم إتلاف نفسه أي لا شئ على جارحه وكاسره كما لا
شئ عليه في إتلاف نفسه لأنا قد بينا فيما مضى: أن من أتلف على مسلم ما لا
يحل للمسلمين تملكه من الخنازير وغيرها فلا شئ عليه، فهذا مقصوده ومراده رضي
الله عنه لأنه لو أتلف ذلك على ذمي وجب عليه قيمته عند مستحليه، فإن جرحه أو
كسره وجب عليه من الأرش ما بين قيمته صحيحا ومعيبا فليلحظ ذلك فإن فيه
غموضا على وضع شيخنا في نهايته وإطلاق القول فإنه ما أشبع الكلام في هذه
الباب ولا استوفاه وإنما لوح تلويحا ببعض ما ذكره شيخنا المفيد في مقنعته فإن
شيخنا المفيد أشبع القول في ذلك و استوفاه وشيخنا في نهايته أخذه ليلخصه فعماه.
قال شيخنا المفيد: والإتلاف لأنفس الحيوان على ضربين: أحدهما يمنع من
385

الانتفاع به بعده والثاني لا يمنع من ذلك، فالضرب الذي يمنع من الانتفاع قتل ما
يقع عليه الذكاة على غير وجه الذكاة كقتله بالحجارة والخشب وتقطيعه بالسيوف
قبل تذكيته بالذبح والنحر أو قتله بالماء أو إمساك النفس منه أو منعه من العلف
أو الماء أو ذبحه بيد كافر لا يقع بذبحه الذكاة، وقال رحمه الله: ومن ذلك قتل ما
لا يقع عليه الذكاة ولا يحل أكله مع الاختيار كالبغال والحمير الأهلية والهجن من
الدواب والسباع من الطير وغيره، هذا آخر كلامه رحمه الله في مقنعته.
قال محمد بن إدريس: أما قوله: ومن ذلك قتل ما لا يقع عليه الذكاة ولا يحل أكله
كالبغال والحمير الأهلية والهجن من الدواب والسباع من الطير وغيره، فغير واضح
ولا صحيح أما البغال والحمير والخيل سواء كانت عرابا وهجنا فإنها على الأظهر
والأصح من أقوال أصحابنا وفتاويهم ومناظراتهم مأكولة اللحم يقع عليه الذكاة،
وقد قدمنا ذلك في كتاب الذبائح والأطعمة وهو مذهب شيخنا أبي جعفر في سائر
كتبه واختيار السيد المرتضى في انتصاره يناظر المخالف عليه ورأي الجلة المشيخة من
أصحابنا حتى أنك لو ادعيت الاجماع منهم على المسألة لما دفعك دافع ومن يخالف
منهم فمعروف الاسم والنسب،
فأما السباع من الطير وغيره فعندنا أن أسئارها طاهرة وهي طاهرة ويقع عليه الذكاة
عندنا بغير خلاف وإنما لا يقع الذكاة على الكلب والخنزير، فأما السباع فيقع عندنا
عليها الذكاة ويحل بيع جلودها بعد ذكاتها واستعمالها بعد دباغها في جميع الأشياء
ما عدا الصلاة على ما قدمناه.
فإذا أتلف انسان حيوان غيره على وجه لا يحصل معه الانتفاع به كان عليه
قيمته حيا يوم أتلفه، فإن أتلف ما يحصل مع تلف نفسه لصاحبه الانتفاع به على
وجه من الوجوه فعليه لصاحبه ما بين قيمته حيا وبين قيمته وتلك الجناية فيه،
وقال شيخنا المفيد: كان صاحبه مخيرا بين أن يأخذ قيمته حيا يوم أتلفه ويدفعه إليه
أو يأخذ منه أرش إتلافه وهو ما بين قيمته حيا ومتلفا وينتفع هو به، وما قدمناه هو
الأظهر الأصح،
والمسلم لا يملك شيئا محرما عليه كالخمر والخنزير،
386

وقال شيخنا المفيد: والقرد والدب، قال محمد بن إدريس: لا أرى بتملك الدب
بأسا لأنه سبع ويجوز بيع جلده بعد ذكاته والانتفاع به بعد دباغه لأنه سبع بغير
خلاف.
ومن أتلف على مسلم شيئا من سباع الطير وغيرها مما قد جعل للمسلمين
الانتفاع به كالبازي والصقر والفهد وما أشبه ذلك كان عليه غرم قيمته حيا،
والحكم فيما يتملكه الانسان من آلات اللهو المحظورة في الاسلام كالحكم في
الخمور والخنازير.
وإذا جنت بهيمة الانسان على بهيمة غيره أو ملك له من الأشياء فهو على
ضربين: إن كانت الجناية منها بتفريط وقع منه في حفظها ومنعها من الجناية أو بتعد
في استعمالها فهو ضامن لما أفسدته بجنايتها وإن كان بغير ذلك لم يكن عليه
ضمان، فإذا ثبت ذلك فإن الماشية إذا أفسدت زرعا لقوم فليس يخلو: إما أن يكون
يد صاحبها عليها أو لا يكون، فإن كانت يده عليها فعليه ضمان ما أتلفت لأن
جنايتها كجنايته وفعلها كفعله وإن لم يكن يد صاحبها عليها لم يخل: إما أن يكون
ذلك ليلا أو نهارا، فإن كان نهارا بغير سبب منه فلا ضمان على مالكها إجماعا
لقوله ع: جرح العجماء جبار والجبار الهدر، وإن أفسدت ليلا فإن لم
يكن من صاحب البهيمة تفريط في حفظها بأن آواها إلى مبيتها وأغلق عليها الباب
فوقع الحائط أو نقب لص نقبا فخرجت وأفسدت فلا ضمان على مالكها لأنه غير
مفرط وإن كان التفريط منه بأن أرسلها نهارا وأوصله بالليل أو أطلقها ابتداء ليلا
فأفسدت الزرع فعلى مالكها الضمان، وكذلك إذا كان لإنسان كلب عقور فلم
يحفظه فأتلف شيئا كان عليه ضمانه لأنه مفرط في حفظه، وكذلك لو كانت له
سنور معروفة بأكل الطيور وغير ذلك من أموال الناس فعليه حفظها فإن لم يفعل
وأتلفت شيئا فعليه ضمانه.
فأما إن كان في دار رجل كلب عقور فدخل رجل داره بغير أمره فعقره فلا
ضمان عليه لأن الرجل مفرط في دخول داره بغير إذنه فأما إن دخلها باذنه فعقره
387

الكلب فعليه ضمانه، والبعير إذا صال وعلم به صاحبه فقتل أو كسر أو جرح كان
صاحبه ضامنا لجنايته لأنه يجب عليه حبسه ومنعه من الفساد.
وقد روي أن أمير المؤمنين ع قضى في بعير كان بين أربعة شركاء فعقل
أحدهم يده فتخطى إلى بئر فوقع فاندق: أن على الشركاء الثلاثة غرم الربع من
قيمته لشريكهم لأنه حفظ حقه وضيعه عليه الباقون بترك عقال حقوقهم وحفظه
بذلك من الهلاك.
وقد قدمنا أن من أتلف على مسلم شيئا من الملاهي مثل العود والطنابير
والدفوف والمزامير والطبول والمعازف والرباب وما أشبه ذلك لم يكن عليه شئ،
فإن أتلف ذلك على ذمي في حرزه كان عليه ضمانه، فإن أتلفه عليه وكان قد أظهره
لم يكن عليه شئ على حال وهذا باب من عرف الحكم فيما ذكرناه منه على
التفصيل أغناه عن تعداد ما في معناه وإطالة الخطب فيه.
قال شيخنا في مبسوطه في الجزء السادس في كتاب الدفع عن النفس فإنه ذكر
الوهق فقال: من عصا أو وهق أو قوس أو سيف وغير ذلك، قال محمد
بن إدريس: الوهق " بالواو المفتوحة والهاء المفتوحة والقاف " حبل كالطول فيه
أنشوطة قال الشاعر:
لهاجر تستعير وقدته * من قلب صب وصدر ذي خنق
كأنما حره لجائره * ما ألهبت في حشاه من حرق
يزداد ضيقا على المراس * كما تزداد ضيقا أنشوطة الوهق
388

شرائع الاسلام
في مسائل الحلال والحرام
لأبي القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن بن أبي زكريا
يحيى بن الحسن بن سعيد الهذلي المشتهر بالمحقق وبالمحقق الحلي
602 - 676 ه‍ ق
389

كتاب الديات
والنظر في أمور أربعة:
النظر الأول: في أقسام القتل ومقادير الديات:
أما أقسام القتل: القتل عمد - وقد سلف مثاله - وشبيه العمد مثل أن
يضرب للتأديب فيموت، وخطأ محض مثل أن يرمي طائرا فيصيب إنسانا.
وضابط العمد أن يكون عامدا في فعله وقصده، وشبيه العمد أن يكون عامدا في
فعله مخطئا في قصده، والخطأ المحض أن يكون مخطئا فيهما، وكذا الجناية على
الأطراف تنقسم هذه الأقسام.
وأما مقادير الديات: ودية العمد مائة بعير من مسان الإبل أو مائتا بقرة أو مائتا
حلة كل حلة ثوبان من برود اليمن أو ألف دينار أو ألف شاة أو عشرة آلاف
درهم، وتستأدى في سنة واحدة من مال الجاني مع التراضي بالدية وهي مغلظة في
السن والاستيفاء، وله أن يبذل من إبل البلد أو من غيرها وأن يعطي من إبله أو إبل
أدون أو أعلى إذا لم تكن مراضا وكانت بالصفة المشروطة، وهل تقبل القيمة
السوقية مع وجود الإبل؟ فيه تردد، والأشبه لا. وهذه الستة أصول في نفسها وليس
بعضها مشروطا بعدم بعض والجاني مخير في بذل أيها شاء.
ودية شبيه العمد ثلاث وثلاثون بنت لبون وثلاث وثلاثون حقة وأربع وثلاثون
ثنية طروقة الفحل، وفي رواية: ثلاثون بنت لبون وثلاثون حقة وأربعون خلفة وهي
الحامل. ويضمن هذه الدية الجاني دون العاقلة، وقال المفيد رحمه الله: تستأدى في
سنتين، فهي إذن مخففة عن العمد في السن وفي الاستيفاء. ولو اختلف في الحوامل
رجع إلى أهل المعرفة، ولو تبين الغلط لزم الاستدراك، ولو أزلقت بعد الإحضار قبل
391

التسليم لزم الإبدال وبعد الإقباض لا يلزم.
ودية الخطأ المحض عشرون بنت مخاض وعشرون ابن لبون وثلاثون بنت لبون
وثلاثون حقة، وفي رواية: خمس وعشرون بنت مخاض وخمس وعشرون بنت لبون
وخمس وعشرون حقة وخمس وعشرون جذعة. وتستأدى في ثلاث سنين سواء كانت
الدية تامة أو ناقصة أو دية طرف فهي مخففة في السن والصفة والاستيفاء وهي على
العاقلة لا يضمن الجاني منها شيئا.
ولو قتل في أشهر الحرم ألزم دية وثلثا من أي الأجناس كان تغليظا، وهل يلزم
مثل ذلك في حرم مكة؟ قال الشيخان: نعم، ولا يعرف التغليظ في الأطراف.
فرع:
لو رمى في الحل إلى الحرم فقتل فيه لزم التغليظ، وهل يغلظ مع العكس؟ فيه
تردد. ولا يقتص من الملتجئ إلى الحرم فيه ويضيق عليه في المطعم والمشرب حتى
يخرج، ولو جنى في الحرم اقتص منه لانتهاكه الحرمة وهل يلزم مثل ذلك في مشاهد
الأئمة ع؟ قال: به في النهاية.
ودية المرأة على النصف من جميع الأجناس، ودية ولد الزنى إذا أظهر الاسلام
دية المسلم وقيل: دية الذمي، وفي مستند ذلك ضعف.
ودية الذمي ثمان مائة درهم يهوديا كان أو نصرانيا أو مجوسيا ودية نسائهم على
النصف، وفي بعض الروايات: دية اليهودي والنصراني والمجوسي دية المسلم، وفي
بعضها: دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف درهم، والشيخ رحمه الله: نزلهما على
من يعتاد قتلهم فيغلظ الإمام الدية بما يراه من ذلك حسما للجرأة.
ولا دية لغير أهل الذمة من الكفار ذوي عهد كانوا أو أهل حرب بلغتهم الدعوة
أو لم تبلغ.
ودية العبد قيمته، ولو تجاوزت دية الحر ردت إليها، وتؤخذ من مال الجاني
الحر إن كانت الجناية عمدا أو شبيها ومن عاقلته إن كانت خطأ.
392

ودية أعضائه وجراحاته مقيسة على دية الحر فما فيه ديته ففي العبد قيمته
كاللسان والذكر لكن لو جنى عليه جان بما فيه قيمته لم يكن لمولاه المطالبة إلا مع
دفعه - وكل ما فيه مقدر في الحر من ديته فهو في العبد كذلك من قيمته - ولو
جنى عليه جان بما لا يستوعب قيمته كان لمولاه المطالبة بدية الجناية مع إمساك العبد
وليس له دفع العبد والمطالبة بقيمته، وما لا تقدير فيه من الحر ففيه الأرش، ويصير
العبد أصلا للحر فيه.
ولو جنى العبد على الحر خطأ لم يضمنه المولى ودفعه إن شاء أو فداه بأرش
الجناية والخيار في ذلك إليه ولا يتخير المجني عليه وكذا لو كانت جنايته لا تستوعب
ديته تخير مولاه في دفع أرش الجناية أو تسليم العبد ليسترق منه بقدر تلك الجناية.
ويستوي في ذلك كله القن والمدبر ذكرا كان أو أنثى، وفي أم الولد تردد على ما
مضى والأقرب أنها كالقن فإذا دفعها المالك في جنايتها استرقها المجني عليه أو
ورثته، وفي رواية: جنايتها على مولاها.
النطر الثاني: في موجبات الضمان:
والبحث إما في المباشرة أو التسبيب أو تزاحم الموجبات:
أما المباشرة:
فضابطها الإتلاف لا مع القصد إليه كمن رمى غرضا فأصاب إنسانا أو
كالضرب للتأديب فيتفق الموت منه.
وتبيين هذه الجملة بمسائل:
الأولى: الطبيب يضمن ما يتلف بعلاجه إن كان قاصرا أو عالج طفلا أو
مجنونا لا بإذن الولي أو بالغا لم يأذن، ولو كان الطبيب عارفا وأذن له المريض في
العلاج فآل إلى التلف قيل: لا يضمن لأن الضمان يسقط بالإذن لأنه فعل سائغ
شرعا، وقيل: يضمن لمباشرته الإتلاف، وهو أشبه. فإن قلنا: لا يضمن، فلا
بحث، وإن قلنا: يضمن، فهو يضمن في ماله. وهل يبرأ بالإبراء قبل العلاج؟
393

قيل: نعم، لرواية السكوني عن أبي عبد الله ع قال: قال أمير المؤمنين
عليه الصلاة والسلام: من تطبب أو تبيطر فليأخذ البراءة من وليه وإلا فهو ضامن،
ولأن العلاج مما تمس الحاجة إليه. فلو لم يشرع الإبراء تعذر العلاج، وقيل: لا يبرأ
لأنه اسقاط الحق قبل ثبوته.
الثانية: النائم إذا أتلف نفسا بانقلابه أو بحركته قيل: يضمن الدية في ماله،
وقيل: في مال العاقلة، والأول أشبه.
الثالثة: إذا أعنف بزوجته جماعا في قبل أو دبر أو ضما فماتت ضمن الدية
وكذا الزوجة، وفي النهاية: إن كانا مأمونين لم يكن عليهما شئ، والرواية
ضعيفة.
الرابعة: من حمل على رأسه متاعا فكسره وأصاب به إنسانا ضمن جنايته في
ماله.
الخامسة: من صاح ببالغ فمات فلا دية أما لو كان مريضا أو مجنونا أو طفلا أو
اغتفل البالغ الكامل وفاجأه بالصيحة لزمه الضمان، ولو قيل: بالتسوية في
الضمان، كان حسنا لأنه سبب الإتلاف ظاهرا. وقال الشيخ: الدية على
العاقلة، وفيه إشكال من حيث قصد الصائح إلى الإخافة، فهو عمد الخطأ. وكذا
البحث لو شهر سيفه في وجه انسان، أما لو فر فألقى نفسه في بئر أو على سقف قال
الشيخ: لا ضمان لأنه ألجأه إلى الهرب لا إلى الوقوع فهو المباشر لإهلاك نفسه فيسقط
حكم التسبيب. وكذا لو صادفه في هربه سبع فأكله، ولو كان المطلوب أعمى
ضمن الطالب ديته لأنه سبب ملجئ، وكذا لو كان مبصرا فوقع في بئر لا يعلمها أو
انخسف به السقف أو اضطره إلى مضيق فافترسه الأسد لأنه يفترس في المضيق
غالبا.
السادسة: إذا صدمه فمات المصدوم فديته في مال الصادم، أما الصادم لو مات
فهدر إذا كان المصدوم في ملكه أو في موضع مباح أو في طريق واسع ولو كان في
طريق المسلمين ضيق قيل: يضمن المصدوم ديته لأنه فرط بوقوفه في موضع ليس له
394

الوقوف فيه كما إذا جلس في الطريق الضيق وعثر به انسان. هذا إذا كان لا عن
قصد ولو كان قاصدا وله مندوحة فدمه هدر وعليه ضمان المصدوم.
السابعة: إذا اصطدم حران فماتا فلورثة كل منهما نصف ديته ويسقط النصف
وهو قدر نصيبه لأن كل واحد منهما تلف بفعله وفعل غيره، ويستوي في ذلك
الفارسان والراجلان والفارس والراجل وعلى كل واحد منهما نصف قيمة فرس
الآخر إن تلف بالتصادم ويقع التقاص في الدية وإن قصد القتل فهو عمد. أما لو
كانا صبيين والركوب منهما فنصف دية كل واحد منهما على عاقلة الآخر، ولو
أركبهما وليهما فالضمان على عاقلة الصبيين لأن له ذلك، ولو أركبهما أجنبي
فضمان دية كل واحد بتمامها على المركب.
ولو كانا عبدين بالغين سقطت جنايتهما لأن نصيب كل واحد منهما هدر وما
على صاحبه لأنه فات بتلفه ولا يضمن المولى. ولو اصطدم حران فمات أحدهما فعلى
ما قلناه يضمن الباقي نصف دية التالف، وفي رواية عن أبي الحسن موسى
ع: يضمن الباقي دية الميت، والرواية شاذة. ولو تصادم حاملان سقط نصف
دية كل واحدة وضمنت نصف دية الأخرى، أما الجنين فيثبت في مال كل واحدة
نصف دية جنين كامل.
الثامنة: إذا مر بين الرماة فأصابه سهم فالدية على عاقلة الرامي، ولو ثبت أنه
قال: حذار، لم يضمن لما روي: أن صبيا دق رباعية صاحبه بخطره فرفع ذلك
إلى على ع فأقام بينة أنه قال: حذار، فدرأ عنه القصاص وقال: قد أعذر
من حذر. ولو كان مع المار صبي فقربه من طريق السهم لا قصدا فأصابه فالضمان
على من قربه لا على الرامي لأنه عرضه للتلف، وفيه تردد.
التاسعة: روى السكوني عن أبي عبد الله ع: أن عليا عليه الصلاة
والسلام ضمن ختانا قطع حشفة غلام، والرواية مناسبة للمذهب.
العاشرة: لو وقع من علو على غيره فقتله فإن قصد قتله وكان الوقوع مما يقتل
غالبا فهو قاتل عمدا، وإن كان لا يقتل غالبا فهو شبيه بالعمد يلزمه الدية في ماله،
395

وإن وقع مضطرا إلى الوقوع أو قصد الوقوع لغير ذلك فهو خطأ محض والدية فيه على
العاقلة. أما لو ألقاه الهواء أو زلق فلا ضمان والواقع هدر على التقديرات. ولو دفعه
دافع فدية المدفوع لو مات على الدافع أما دية الأسفل فالأصل أنها على الدافع
أيضا، وفي النهاية: ديته على الواقع ويرجع بها على الدافع، وهي رواية عبد الله
بن سنان عن أبي عبد الله ع.
الحادية عشرة: روى أبو جميلة عن سعد الإسكاف عن الأصبغ قال: قضى
أمير المؤمنين ع في جارية ركبت أخرى فنخستها ثالثة فقمصت المركوبة
فصرعت الراكبة فماتت: أن ديتها نصفان على الناخسة والمنخوسة، وأبو جميلة
ضعيف فلا استناد إلى نقله. وفي المقنعة: على الناخسة والقامصة ثلثا الدية ويسقط
الثلث لركوبها عبثا، وهذا وجه حسن. وخرج متأخر وجها ثالثا فأوجب الدية
على الناخسة إن كانت ملجئة للقامصة وإن لم تكن ملجئة فالدية على القامصة، وهو
وجه أيضا غير أن المشهور بين الأصحاب هو الأول.
ومن اللواحق مسائل:
الأولى: من دعاه غيره فأخرجه من منزله ليلا فهو له ضامن حتى يرجع إليه فإن
عدم فهو ضامن لديته، وإن وجد مقتولا وادعى قتله على غيره وأقام بينة فقد برئ
وإن عدم البينة ففي القود تردد والأصح أنه لا قود وعليه الدية في ماله، وإن وجد
ميتا ففي لزوم الدية تردد ولعل الأشبه أنه لا يضمن.
الثانية: إذا أعادت الظئر الولد فأنكره أهله صدقت ما لم يثبت كذبها فيلزمها
الدية أو إحضاره بعينه أو من يحتمل أنه هو، ولو استأجرت أخرى ودفعته بغير إذن
أهله فجهل خبره ضمنت الدية.
الثالثة: لو انقلبت الظئر فقتلته لزمها الدية في مالها إن طلبت بالمظائرة الفخر،
ولو كان للضرورة فديته على عاقلتها.
الرابعة: روى عبد الله بن طلحة عن أبي عبد الله ع في لص دخل
396

على امرأة فجمع الثياب ووطئها قهرا فثار ولدها فقتله اللص وحمل الثياب ليخرج
فحملت هي عليه فقتلته، فقال: يضمن مواليه دية الغلام وعليهم فيما ترك أربعة
آلاف درهم لمكابرتها على فرجها وليس عليها في قتله شئ، ووجه الدية فوات محل
القصاص لأنها قتلته دفعا عن المال فلم يقع قصاصا وإيجاب المال دليل على أن مهر
المثل في مثل هذا لا يتقدر بخمسين دينارا بل بمهر أمثالها ما بلغ، وتنزل هذه الرواية
على أن مهر أمثال القاتلة هذا القدر.
وروي عنه عن أبي عبد الله ع في امرأة أدخلت ليلة البناء صديقا إلى
حجلتها فلما أراد الزوج مواقعتها ثار الصديق فاقتتلا فقتلته الزوج فقتلته هي، فقال
ع: تضمن دية الصديق وتقتل بالزوج، وفي تضمين دية الصديق تردد
أقربه أن دمه هدر.
الخامسة: روى محمد بن قيس عن أبي جعفر عن علي ع في أربعة
شربوا المسكر فجرح اثنان وقتل اثنان فقضى: دية المقتولين على المجروحين بعد أن
ترفع جراحة المجروحين من الدية، وفي رواية السكوني عن أبي عبد الله
ع: أنه جعل دية المقتولين على قبائل الأربعة وأخذ دية جراحة الباقيين من دية
المقتولين، ومن المحتمل أن يكون على ع قد اطلع في هذه الواقعة على ما
يوجب هذا الحكم.
السادسة: روى السكوني عن أبي عبد الله عليه الصلاة والسلام ومحمد
بن قيس عن أبي جعفر ع عن علي عليه الصلاة والسلام في ستة غلمان
كانوا في الفرات فغرق واحد فشهد اثنان على الثلاثة أنهم غرقوه وشهد الثلاثة على
الاثنين فقضى بالدية: ثلاثة أخماس على الاثنين وخمسين على الثلاثة، وهذه
الرواية متروكة بين الأصحاب فإن صح نقلها كانت حكما في واقعة فلا تتعدى
لاحتمال ما يوجب الاختصاص.
397

البحث الثاني: في الأسباب:
وضابطها ما لولاه لما حصل التلف لكن علة التلف غيره كحفر البئر ونصب
السكين وإلقاء الحجر فإن التلف عنده بسبب العثار، ولنفرض لصورها مسائل:
الأولى: لو وضع حجرا في ملكه أو مكان مباح لم يضمن دية العاثر، ولو كان
في ملك غيره أو في طريق مسلوك ضمن في ماله وكذا لو نصب سكينا فمات العاثر
بها وكذا لو حفر بئرا أو ألقى حجرا، ولو حفر في ملك غيره فرضي المالك سقط
الضمان عن الحافر، ولو حفر في الطريق المسلوك لمصلحة المسلمين قيل: لا يضمن
لأن الحفر لذلك سائغ، وهو حسن.
الثانية: لو بنى مسجدا في الطريق قيل: إن كان بإذن الإمام ع لم
يضمن ما يتلف بسببه، والأقرب استبعاد الغرض.
الثالثة: لو سلم ولده لمعلم السباحة فغرق بالتفريط ضمن في ماله لأنه تلف
بسببه، ولو كان بالغا رشيدا لم يضمن لأن التفريط منه.
الرابعة: لو رمى عشرة بالمنجنيق فقتل الحجر أحدهم سقط نصيبه من الدية
لمشاركته وضمن الباقون تسعة أعشار الدية وتتعلق الجناية بمن يمد الحبال دون من
أمسك الخشب أو ساعد بغير المد، ولو قصدوا أجنبيا بالرمي كان عمدا موجبا
للقصاص ولو لم يقصدوه كان خطأ، وفي النهاية: إذا اشترك في هدم الحائط ثلاثة
فوقع على أحدهم ضمن الآخران ديته لأن كل واحد ضامن لصاحبه، وفي الرواية
بعد والأشبه الأول.
الخامسة: لو اصطدمت سفينتان بتفريط القيمين وهما مالكان فلكل منهما على
صاحبه نصف قيمة ما أتلف صاحبه وكذا لو اصطدم الحمالان فأتلفا أو أتلف
أحدهما، ولو كانا غير مالكين ضمن كل واحد منهما نصف السفينتين وما فيهما
لأن التلف منهما والضمان في أموالهما سواء كان التالف مالا أو نفوسا، ولو لم
يفرطا بأن غلبتهما الرياح فلا ضمان، ولا يضمن صاحب السفينة الواقفة إذا وقعت
عليها أخرى ويضمن صاحب الواقعة لو فرط.
398

السادسة: لو أصلح سفينة وهي سائرة أو أبدل لوحا فغرقت بفعله مثل أن يسمر
مسمارا فقلع لوحا أو أراد ردم موضع فانهتك فهو ضامن في ماله لما يتلف من مال أو
نفس لأنه شبيه بالعمد.
السابعة: لا يضمن صاحب الحائط ما يتلف بوقوعه إذا كان في ملكه أو مكان
مباح وكذا لو وقع إلى الطريق فمات انسان بغباره، ولو بناه مائلا إلى غير ملكه
ضمن كما لو بناه في غير ملكه، ولو بناه في ملكه مستويا فمال إلى الطريق أو إلى غير
ملكه ضمن إن تمكن من الإزالة، ولو وقع قبل التمكن لم يضمن ما يتلف به لعدم
التعدي.
الثامنة: نصب الميازيب إلى الطرق جائز وعليه عمل الناس، وهل يضمن لو
وقعت فأتلفت؟ قال المفيد رحمه الله: لا يضمن، وقال الشيخ: يضمن لأن نصبها
مشروط بالسلامة، والأول أشبه.
وكذا اخراج الرواشن في الطرق المسلوكة إذا لم تضر بالمارة، فلو قتلت خشبة
بسقوطها قال الشيخ: يضمن نصف الدية لأنه هلك عن مباح ومحظور، والأقرب أنه
لا يضمن مع القول بالجواز وضابطه أن كل ما للإنسان إحداثه في الطريق لا يضمن
ما يتلف بسببه ويضمن بما ليس له إحداثه كوضع الحجر وحفر البئر.
فلو أجج نارا في ملكه لم يضمن ولو سرت إلى غيره إلا أن يزيد عن قدر الحاجة
مع غلبة الظن بالتعدي كما في أيام الأهوية ولو عصفت بغتة لم يضمن، ولو أججها
في ملك غيره ضمن الأنفس والأموال في ماله لأنه عدوان مقصود ولو قصد إتلاف
الأنفس مع تعذر الفرار كانت عمدا، ولو بالت دابته في الطريق قال الشيخ: يضمن
لو زلق فيه انسان. وكذا لو ألقى قمامة المنزل المزلقة كقشور البطيخ أو رش الدرب
بالماء، والوجه اختصاص ذلك بمن لم ير الرش أو لم يشاهد القمامة.
التاسعة: لو وضع إناء على حائطه فتلف بسقوطه نفس أو مال لم يضمن لأنه
تصرف في ملكه من غير عدوان.
العاشرة: يجب حفظ دابته الصائلة كالبعير المغتلم والكلب العقور، فلو أهمل
399

ضمن جنايتها ولو جهل حالها أو علم ولم يفرط فلا ضمان، ولو جنى على الصائلة
جان فإن كان للدفع لم يضمن ولو كان لغيره ضمن، وفي ضمان جناية الهرة
المملوكة تردد، قال الشيخ: يضمن بالتفريط مع الضراوة، وهو بعيد إذ لم تجر العادة
بربطها نعم يجوز قتلها.
الحادية عشرة: لو هجمت دابة على أخرى فجنت الداخلة ضمن صاحبها ولو
جنت المدخول عليها كان هدرا، وينبغي تقييد الأول بتفريط المالك في الاحتفاظ.
الثانية عشرة: من دخل دار قوم فعقره كلبهم ضمنوا إن دخل بإذنهم وإلا فلا
ضمان.
الثالثة عشرة: راكب الدابة يضمن ما تجنيه بيديها وفيما تجنيه برأسها تردد
أقربه الضمان لتمكنه من مراعاته وكذا القائد، ولو وقف بها ضمن ما تجنيه بيديها
ورجليها وكذا إذا ضربها فجنت ضمن وكذا لو ضربها غيره ضمن الضارب وكذا
السائق يضمن ما تجنيه.
ولو ركبها رديفان تساويا في الضمان ولو كان صاحب الدابة معها ضمن دون
الراكب، ولو ألقت الراكب لم يضمنه المالك إلا أن يكون بتنفيره، ولو أركب
مملوكه دابة ضمن المولى جناية الراكب ومن الأصحاب من شرط صغر المملوك وهو
حسن، ولو كان بالغا كانت الجناية في رقبته إن كانت على نفس آدمي ولو كانت
على مال لم يضمن المولى، وهل يسعى فيه العبد؟ الأقرب أنه يتبع به إذا أعتق.
البحث الثالث: في تزاحم الموجبات:
إذا اتفق المباشر والسبب ضمن المباشر كالدافع مع الحافر والممسك مع الذابح
وواضع الحجر في الكفة مع جاذب المنجنيق، ولو جهل المباشر حال السبب ضمن
المسبب كمن غطى بئرا حفرها في غير ملكه فدفع غيره ثالثا ولم يعلم فالضمان على
الحافر وكالفأر من مخيفة إذا وقع في بئر لا يعلمها، ولو حفر في ملك نفسه بئرا وسترها
ودعا غيره فالأقرب الضمان لأن المباشرة يسقط أثرها مع الغرور.
400

ولو اجتمع سببان ضمن من سبقت الجناية بسببه كما لو ألقى حجرا في غير
ملكه وحفر الآخر بئرا فلو سقط العاثر بالحجر في البئر فالضمان على الواضع - هذا
مع تساويهما في العدوان - ولو كان أحدهما عاديا كان الضمان عليه، وكذا لو
نصب سكينا في بئر محفورة في غير ملكه فتردى انسان على تلك السكين فالضمان
على الحافر ترجيحا للأول وربما خطر التساوي في الضمان لأن التلف لم يتمخض
من أحدهما لكن الأول أشبه، ولو سقط في حفرة اثنان فهلك كل منهما بوقوع الآخر
فالضمان على الحافر لأنه كالملقي.
ولو قال: ألق متاعك في البحر لتسلم السفينة، فألقاه فلا ضمان، ولو قال:
وعلى ضمانه، ضمن دفعا لضرورة الخوف ولو لم يكن خوف فقال: ألقه وعلى
ضمانه، ففي الضمان تردد أقربه أنه لا يضمن وكذا لو قال: مزق ثوبك وعلى
ضمانه، أو اجرح نفسك، لأنه ضمان ما لم يجب ولا ضرورة فيه، ولو قال عند
الخوف: ألق متاعك وعلى ضمانه مع ركبان السفينة، فامتنعوا فإن قال: أردت
التساوي، قبل ولزمه بحصته، والركبان إن رضوا لزمهم الضمان وإلا فلا، ولو
قال: أذنوا لي، فأنكروا بعد الإلقاء صدقوا مع اليمين وضمن هو الجميع.
ومن لواحق هذا الباب:
مسائل الزبية:
فلو وقع واحد في زبية الأسد فتعلق بثان وتعلق الثاني بثالث والثالث برابع
فافترسهم الأسد فيه روايتان:
إحديهما: رواية محمد بن قيس عن أبي جعفر ع قال: قضى
أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه وآله: في الأول فريسة الأسد وغرم أهله ثلث
الدية للثاني وغرم الثاني لأهل الثالث ثلثي الدية وغرم الثالث لأهل الرابع الدية
كاملة.
والثانية: رواية مسمع عن أبي عبد الله ع أن عليا عليه الصلاة
401

والسلام قضى: أن للأول ربع الدية وللثاني ثلث الدية وللثالث نصف الدية وللرابع
الدية كاملة وجعل ذلك على عاقلة الذين ازدحموا، والأخيرة ضعيفة الطريق إلى
مسمع فهي إذن ساقطة والأولى مشهورة لكنها حكم في واقعة.
ويمكن أن يقال: على الأول الدية للثاني لاستقلاله بإتلافه وعلى الثاني دية
الثالث وعلى الثالث دية الرابع لهذا المعنى، وإن قلنا: بالتشريك بين مباشر الإمساك
والمشارك في الجذب، كان على الأول دية ونصف وثلث وعلى الثاني نصف وثلث
وعلى الثالث ثلث دية لا غير.
ولو جذب انسان غيره إلى بئر فوقع المجذوب فمات الجاذب بوقوعه عليه
فالجاذب هدر، ولو مات المجذوب ضمنه الجاذب لاستقلاله بإتلافه، ولو ماتا
فالأول هدر وعليه دية الثاني في ماله.
ولو جذب الثاني ثالثا فماتوا بوقوع كل واحد منهم على صاحبه فالأول مات
بفعله وفعل الثاني فيسقط نصف ديته ويضمن الثاني النصف والثاني مات بجذبه
الثالث عليه وجذب الأول فيضمن الأول نصف ديته ولا ضمان على الثالث
وللثالث الدية، فإن رجحنا المباشرة فديته على الثاني وإن شركنا بين القابض
الجاذب فالدية على الأول والثاني نصفين.
ولو جذب الثالث رابعا فمات بعض على بعض فللأول ثلثا الدية لأنه مات
بجذبه الثاني عليه وبجذب الثاني الثالث عليه وبجذب الثالث الرابع فيسقط ما
قابل فعله ويبقى الثلثان على الثاني والثالث ولا ضمان على الرابع، وللثاني ثلثا
الدية أيضا لأنه مات بجذب الأول وبجذبه الثالث وهو فعل نفسه وبجذب الثالث
الرابع عليه فيسقط ما قابل فعله ويجب الثلثان على الأول والثالث، وللثالث ثلث
الدية أيضا لأنه مات بجذبه الرابع وبجذب الثاني والأول له، أما الرابع فليس
عليه شئ وله الدية كاملة، فإن رجحنا المباشرة فديته عليه وإن شركنا كانت ديته
أثلاثا بين الأول والثاني والثالث.
402

النظر الثالث: في الجناية على الأطراف:
والمقاصد ثلاثة:
الأول: في ديات الأعضاء:
وكل ما لا تقدير فيه ففيه الأرش، والتقدير في ثمانية عشر:
الأول: الشعر: وفي شعر الرأس الدية وكذا في شعر اللحية، فإن نبتا فقد
قيل: في اللحية ثلث الدية، والرواية ضعيفة والأشبه فيه وفي شعر الرأس الأرش إن
نبت. وقال المفيد رحمه الله: في شعر الرأس إن لم ينبت مائة دينار، ولا أعلم
المستند.
أما شعر المرأة ففيه ديتها، ولو نبت ففيه مهرها.
وفي الحاجبين خمسمائة دينار وفي كل واحدة نصف ذلك وما أصيب منه فعلى
الحساب، وفي الأهداب تردد، قال في المبسوط والخلاف: الدية إن لم ينبت وفيها
مع الأجفان ديتان، والأقرب السقوط حالة الانضمام والأرش حالة الانفراد وما
عدا ذلك من الشعر لا تقدير فيه استنادا إلى البراءة الأصلية.
الثاني: العينان: وفيهما الدية وفي كل واحدة نصف الدية، ويستوي
الصحيحة والعمشاء والحولاء والجاحظة.
وفي الأجفان الدية وفي تقدير كل جفن خلاف، قال في المبسوط: في كل واحد
ربع الدية، وفي الخلاف: في الأعلى ثلثا الدية وفي الأسفل الثلث، وفي موضع آخر:
في الأعلى ثلث الدية وفي الأسفل النصف، وينقص على هذا التقدير سدس الدية
والقول بهذا كثير.
وفي الجناية على بعضها بحساب ديتها، ولو قلعت مع العينين لم يتداخل
ديتاهما.
وفي العين الصحيحة من الأعور الدية كاملة إذا كان العور خلقة أو بآفة من الله
تعالى، ولو استحق ديتها كان في الصحيحة نصف الدية خمسمائة دينار.
أما العوراء ففي خسفها روايتان: إحديهما ربع الدية وهي متروكة والأخرى
403

ثلث الدية وهي مشهورة سواء كانت خلقة أو بجناية جان، ووهم هنا واهم فتوق
زلله.
الثالث: الأنف: وفيه الدية كاملة إذا استؤصل، وكذا لو قطع مارنه وهو ما
لأن منه، وكذا لو كسر ففسد ولو جبر على غير عيب فمائة دينار، وفي شلله ثلثا
ديته.
وفي الروثة وهي الحاجز بين المنخرين نصف الدية، وقال ابن بابويه: هي مجتمع
المارن، وقال أهل اللغة: هي طرف المارن.
وفي أحد المنخرين نصف الدية لأنه إذهاب نصف المنفعة - وهو اختياره في
المبسوط - وفي رواية غياث عن أبي جعفر ع عن أبيه ع عن
علي صلوات الله وسلامه عليه وآله: ثلث الدية، وكذا في رواية عبد الرحمن العرزمي
عن أبي جعفر عن أبيه ع وفي الرواية ضعف غير أن العمل بمضمونها
أشبه. (ولو قطع فذهب شمه فديتان).
الرابع: الأذنان: وفيهما الدية وفي كل واحدة نصف الدية وفي بعضها بحساب
ديتها وفي شحمتها ثلث ديتها، على رواية فيها ضعف لكن يؤيدها الشهرة.
قال بعض الأصحاب: وفي خرمها ثلث ديتها، وفسره واحد بخرم الشحمة
وبثلث دية الشحمة.
الخامس: الشفتان: وفيهما الدية إجماعا، وفي تقدير دية كل واحدة خلاف.
قال في المبسوط: في العليا الثلث وفي السفلى الثلثان - وهو خيرة المفيد رحمه
الله - وفي الخلاف: في العليا أربعمائة وفي السفلى ستمائة، وهي رواية أبي جميلة عن
أبان عن أبي عبد الله ع - وذكره ظريف في كتابه أيضا - وفي أبي جميلة
ضعف.
وقال ابن بابويه وهو مأثور عن ظريف أيضا: في العليا نصف الدية وفي السفلى
الثلثان، وهو نادر وفيه مع ندوره زيادة لا معنى لها.
وقال ابن أبي عقيل: هما سواء في الدية، استنادا إلى قولهم ع: كل
404

ما في الجسد منه اثنان ففيه نصف الدية، وهذا حسن.
وفي قطع بعضها بنسبة مساحتها.
وحد الشفة السفلى عرضا ما تجافى عن اللثة مع طول الفم، والعليا ما تجافى عن
اللثة متصلا بالمنخرين والحاجز مع طول الفم وليس حاشية الشدقين منهما، ولو
تقلصت قال الشيخ: فيه ديتها، والأقرب الحكومة ولو استرختا فثلثا الدية.
السادس: اللسان: وفي استئصال الصحيح الدية، وفي لسان الأخرس ثلث
الدية وفيما قطع من لسان الأخرس بحسابه مساحة.
أما الصحيح فيعتبر بحروف المعجم وهي ثمانية وعشرون حرفا، وفي رواية:
تسعة وعشرون حرفا، وهي مطرحة. وتبسط الدية على الحروف بالسوية ويؤخذ
نصيب ما يعدم منها ويتساوى اللسنية وغيرها ثقيلها وخفيفها، ولو ذهبت أجمع
وجبت الدية كاملة.
ولو صار سريع المنطق أو ازداد سرعة أو كان ثقيلا فزاد ثقلا فلا تقدير فيه وفيه
الحكومة، وكذا لو نقص فصار ينقل الحرف الفاسد إلى الصحيح.
ولا اعتبار بقدر المقطوع من الصحيح بل الاعتبار بما يذهب من الحروف، فلو
قطع نصفه فذهب ربع الحروف فربع الدية وكذا لو قطع ربع لسانه فذهب نصف
كلامه فنصف الدية.
ولو جنى آخر اعتبر بما بقي وأخذ بنسبة ما ذهب بعد جناية الأول، ولو أعدم
واحد كلامه ثم قطعه آخر كان على الأول الدية وعلى الثاني الثلث.
ولو قطع لسان الطفل كان فيه الدية لأن الأصل السلامة، أما لو بلغ حدا ينطق
مثله ولم ينطق ففيه ثلث الدية لغلبة الظن بالآفة، ولو نطق بعد ذلك تبينا الصحة
واعتبر بعد ذلك بالحروف وألزم الجاني ما نقص عن الجميع فإن كان بقدر ما أخذ
وإلا تمم له.
ولو ادعى الصحيح ذهاب نطقه عند الجناية صدق مع القسامة لتعذر البينة، وفي
رواية: يضرب لسانه بإبرة فإن خرج الدم أسود صدق وإن خرج أحمر كذب.
405

ولو جنى على لسانه فذهب كلامه ثم عاد هل تستعاد الدية؟ قال في المبسوط:
نعم لأنه لو ذهب لما عاد، وقال في الخلاف: لا، وهو الأشبه.
أما لو قلع سن المثغر فأخذ ديتها ثم عادت لم تستعد ديتها لأن الثانية غير
الأولى، وكذا لو اتفق أنه قطع لسانه فأنبته الله تعالى لأن العادة لم تقض بعوده
فيكون هبة.
ولو كان للسان طرفان فأذهب أحدهما اعتبر بالحروف، فإن نطق بالجميع فلا
دية وفيه الأرش لأنه زيادة.
السابع: الأسنان: وفيها الدية كاملة، وتقسم على ثمانية وعشرين سنا:
اثنا عشر في مقدم الفم وهي ثنيتان ورباعيتان ونابان ومثلها من أسفل، وستة عشر
في مؤخره وهي ضاحك وثلاثة أضراس من كل جانب ومثلها من أسفل.
ففي المقاديم ستمائة دينار حصة كل سن خمسون دينارا وفي المآخير أربعمائة دينار
حصة كل ضرس خمسة وعشرون دينارا، وتستوي البيضاء والسوداء خلقة وكذا
الصفراء وإن جنى عليها.
وليس للزائدة دية إن قلعت منضمة إلى البواقي، وفيها ثلث دية الأصلي لو
قلعت منفردة وقيل: فيها الحكومة، والأول أظهر.
ولو اسودت بالجناية ولم تسقط فثلثا ديتها، وفيها بعد الاسوداد الثلث على
الأشهر، وفي انصداعها ولم تسقط ثلثا ديتها وفي الرواية ضعف والحكومة أشبه.
والدية في المقلوعة مع سنخها وهو الثابت منها في اللثة، ولو كسر ما برز عن
اللثة ففيه تردد والأقرب أن فيه دية السن، ولو كسر الظاهر عن اللثة ثم قلع الآخر
السنخ فعلى الأول دية وعلى الثاني حكومة.
وينتظر بسن الصغير فإن نبت لزم الأرش وإن لم ينبت فدية سن المثغر، وفي
الأصحاب من قال: فيها بعير، ولم يفصل وفي الرواية ضعف.
ولو أنبت الانسان في موضع المقلوعة عظما فنبت فقلعه قالع قال الشيخ: لا
دية، ويقوى أن فيه الأرش لأنه يستصحب ألما وشينا.
406

الثامن: العنق: وفيه إذا كسر فصار الانسان أصور الدية وكذا لو جنى عليه بما
يمنع الازدراد، ولو زال فلا دية وفيه الأرش.
التاسع: اللحيان: وهما العظمان اللذان يقال لملتقاهما: الذقن، ويتصل طرف
كل واحد منهما بالإذن، وفيهما الدية لو قلعا منفردين عن الأسنان كلحيي الطفل
أو من لا أسنان له، ولو قلعا مع الأسنان فديتان وفي نقصان المضغ مع الجناية عليهما
أو تصلبهما الأرش.
العاشر: اليدان: وفيهما الدية وفي كل واحدة نصف الدية وحدهما المعصم،
فلو قطعت مع الأصابع فدية اليد خمسمائة دينار، ولو قطعت
الأصابع منفردة فدية الأصابع خمسمائة دينار، ولو قطع معها شئ من الزند ففي اليد خمسمائة دينار وفي
الزائدة الحكومة، ولو قطعت من المرفق أو المنكب قال في المبسوط: عندنا فيه مقدر،
محيلا على التهذيب.
ولو كان له يدان على زند ففيهما الدية وحكومة لأن إحديهما زائدة، وتميز
الأصلية بانفرادها بالبطش أو كونها أشد بطشا فإن تساويا فإحداهما زائدة في
الجملة، ولو قطعهما ففي الأصلية الدية وفي الزائدة حكومة، وقال في المبسوط: ثلث
دية الأصلية، ولعله تشبيه بالسن والإصبع فالأقرب الأرش. ويظهر لي في الذراعين
الدية وكذا في العضدين، وفي كل واحد نصف الدية.
الحادي عشر: الأصابع: وفي أصابع اليدين الدية وكذا في أصابع الرجلين، وفي
كل واحدة عشر الدية، وقيل: في الإبهام ثلث الدية وفي الأربع البواقي الثلثان
بالسوية. ودية كل إصبع
مقسومة على ثلاث أنامل بالسوية عدا الإبهام فإن ديتها مقسومة بالسوية على اثنين، وفي الإصبع الزائدة ثلث الأصلية، وفي شلل كل واحدة
ثلثا ديتها، وفي قطعها بعد الشلل الثلث وكذا لو كان الشلل خلقة.
وفي الظفر إذا لم ينبت عشرة دنانير وكذا لو نبت أسود، ولو نبت أبيض كان فيه
خمسة دنانير وفي الرواية ضعف غير أنها مشهورة، وفي رواية عبد الله بن سنان: في
الظفر خمسة دنانير.
407

الثاني عشر: الظهر: وفيه إذا كسر الدية كاملة وكذا لو أصيب فاحدودب أو
صار بحيث لا يقدر على القعود، ولو صلح كان فيه ثلث الدية، وفي رواية ظريف:
إن كسر الصلب فجبر على غير عيب فمائة دينار وإن عثم فألف دينار ولو كسر فشلت
الرجلان فدية له وثلثا دية للرجلين. وفي الخلاف: لو كسر الصلب فذهب مشيه
وجماعه فديتان.
الثالث عشر: النخاع: وفي قطعه الدية كاملة.
الرابع عشر: الثديان: وفيهما من المرأة ديتها وفي كل واحد نصف ديتها، ولو
انقطع لبنهما ففيه الحكومة وكذا لو كان اللبن فيهما وتعذر نزوله، ولو قطعهما مع
شئ من جلد الصدر ففيهما ديتها وفي الزائدة حكومة، ولو أجاف مع ذلك الصدر
لزمه دية الثديين والحكومة ودية الجائفة، ولو قطع الحلمتين قال في المبسوط: فيهما
الدية، وفيه إشكال من حيث أن الدية في الثديين والحلمتان بعضهما.
أما حلمتا الرجل ففي المبسوط والخلاف: فيهما الدية. وقال ابن بابويه رحمه
الله: في حلمة ثديي الرجل ثمن الدية مائة وخمسة وعشرون دينارا. وكذا ذكر الشيخ
في التهذيب عن ظريف، وفي إيجاب الدية فيهما بعد والشيخ أضرب عن رواية
ظريف وتمسك بالحديث الذي مر في فصل الشفتين.
الخامس عشر: الذكر: وفي الحشفة فما زاد الدية وإن استؤصل سواء كان
لشاب أو شيخ أو صبي لم يبلغ أو من سلت خصيتاه، ولو قطع بعض الحشفة كانت
دية المقطوع بنسبة الدية من مساحة الكمرة حسب، ولو قطع الحشفة وقطع آخر ما
بقي كان على الأول الدية وعلى الثاني الأرش.
وفي ذكر العنين ثلث الدية وفيما قطع منه بحسابه.
وفي الخصيتين الدية وفي كل واحدة نصف الدية، وفي رواية: في اليسرى ثلثا
الدية لأن منها الولد، والرواية حسنة لكن تتضمن عدولا عن عموم الروايات
المشهورة.
وفي أدرة الخصيتين أربعمائة دينار فإن فحج فلم يقدر على المشي فثمان مائة
408

دينار، ومستنده كتاب ظريف غير أن الشهرة تؤيده.
السادس عشر: الشفران: وهما اللحم المحيط بالفرج إحاطة الشفتين بالفم،
وفيهما ديتها وفي كل واحدة نصف ديتها وتستوي في الدية السليمة والرتقاء، وفي
الركب حكومة وهو مثل موضع العانة من الرجل.
وفي إفضاء المرأة ديتها، وتسقط في طرف الزوج إن كان بالوطئ بعد بلوغها ولو
كان قبل البلوغ ضمن الزوج مع مهرها ديتها والإنفاق عليها حتى يموت أحدهما،
ولو لم يكن زوجا وكان مكرها فلها المهر والدية وإن كانت مطاوعة فلا مهر ولها
الدية، ولو كانت المكرهة بكرا هل يجب لها أرش البكارة زائدا على المهر؟ فيه تردد
والأشبه وجوبه ويلزم ذلك في ماله لأن الجناية إما عمد أو شبيه بالعمد.
السابع عشر: الأليتان: قال في المبسوط: في الأليتين الدية وفي كل واحدة
نصف الدية ومن المرأة ديتها وفي كل واحدة منها نصف ديتها، وهو حسن تعويلا
على الرواية التي مرت في فصل الشفتين.
الثامن عشر: الرجلان: وفيهما الدية وفي كل واحدة نصف الدية وحدهما
مفصل الساق، وفي الأصابع منفردة دية كاملة وفي كل إصبع عشر الدية والخلاف
هنا في الإبهام كما في اليدين، ودية كل إصبع مقسومة على ثلاث أنامل بالسوية وفي
الإبهام على اثنتين، وفي الساقين الدية وكذا في الفخذين وفي كل واحدة نصف
الدية.
مسائل:
الأولى: في الأضلاع مما خالط القلب لكل ضلع إذا كسرت خمسة وعشرون
دينارا، وفيها مما يلي العضدين لكل ضلع إذا كسرت عشرة دنانير.
الثانية: لو كسر بعصوصه فلم يملك غائطه كان فيه الدية وهي رواية سليمان
بن خالد، ومن ضرب عجانه فلم يملك غائطه ولا بوله ففيه الدية وهي رواية إسحاق
بن عمار.
409

الثالثة: في كسر عظم من عضو خمس دية ذلك العضو فإن صلح على غير عيب
فأربعة أخماس دية كسره، وفي موضحته ربع دية كسره، وفي رضه ثلث دية العضو
فإن برئ على غير عيب فأربعة أخماس دية رضه، وفي فكه من العضو بحيث يتعطل ا
لعضو ثلثا دية العضو فإن صلح على غير عيب فأربعة أخماس دية فكه.
الرابعة: قال في المبسوط والخلاف: في الترقوتين الدية وفي كل واحدة منهما
مقدر عند أصحابنا، ولعله إشارة إلى ما ذكره الجماعة عن ظريف وهو: في الترقوة
إذا كسرت وجبرت على غير عيب أربعون دينارا.
الخامسة: من داس بطن انسان حتى أحدث ديس بطنه أو يفتدي ذلك بثلث
الدية، وهي رواية السكوني وفيه ضعف.
السادسة: من افتض بكرا بإصبعه فخرق مثانتها فلا تملك بولها فعليه ثلث ديتها -
وفي رواية ديتها، وهي أولى - ومثل مهر نسائها.
المقصد الثاني: في الجناية على المنافع:
وهي سبعة:
الأول: العقل: وفيه الدية وفي بعضه الأرش في نظر الحاكم إذ لا طريق إلى
تقدير النقصان، وفي المبسوط: يقدر بالزمان فلو جن يوما وأفاق يوما كان الذاهب
نصفه أو جن يوما وأفاق يومين كان الذاهب ثلثه، وهو تخمين.
ولا قصاص في ذهابه ولا في نقصانه لعدم العلم بمحله.
ولو شجه فذهب عقله لم تتداخل دية الجنايتين، وفي رواية: إن كان بضربة
واحدة تداخلتا، والأول أشبه. وفي رواية: لو ضرب على رأسه فذهب عقله انتظر
به سنة فإن مات فيها قيد به وإن بقي ولم يرجع عقله ففيه الدية، وهي حسنة. ولو
جنى فأذهب العقل ودفع الدية ثم عاد لم ترتجع الدية لأنه هبة مجددة من الله.
الثاني: السمع: وفيه الدية إن شهد أهل المعرفة باليأس، فإن أملوا العود بعد
مدة معينة توقعنا انقضاءها، فإن لم يعد فقد استقرت الدية.
410

ولو أكذب المجني عند دعوى ذهابه أو قال: لا أعلم، اعتبرت حاله عند
الصوت العظيم والرعد القوي وصيح به بعد استغفاله فإن تحقق ما ادعاه وإلا أحلف
القسامة وحكم له.
ولو ذهب سمع إحدى الأذنين ففيه نصف الدية، ولو نقص سمع إحديهما قيس
إلى الأخرى بأن تسد الناقصة وتطلق الصحيحة ويصاح به حتى يقول: لا أسمع، ثم
يعاد عليه ذلك مرة ثانية فإن تساوت المسافتان صدق ثم تطلق الناقصة وتسد
الصحيحة ويعتبر بالصوت حتى يقول: لا أسمع، ثم يكرر عليه الاعتبار فإن
تساوت المقادير في سماعه فقد صدق وتمسح مسافة الصحيحة والناقصة ويلزم من
الدية بحساب التفاوت.
وفي رواية: يعتبر بالصوت من جوانبه الأربعة ويصدق مع التساوي ويكذب مع
الاختلاف.
وفي ذهاب السمع بقطع الأذنين ديتان، ولا يقاس السمع في الريح بل يتوخى
سكون الهواء.
الثالث: في ضوء العينين: وفيه الدية كاملة، فإن ادعى ذهابه وشهد له
شاهدان من أهل الخبرة أو رجل وامرأتان إن كان خطأ أو شبيه عمد فقد ثبت
الدعوى، فإن قالا: لا يرجى عوده، فقد استقرت الدية، وكذا لو قالا: يرجى عوده
لكن لا تقدير له، أو قالا: بعد مدة معينة، فانقضت ولم يعد. وكذا لو مات قبل
المدة، أما لو عاد ففيه الأرش.
ولو اختلفا في عوده فالقول قول المجني عليه مع يمينه، وإذا ادعى ذهاب بصره
وعينه قائمة أحلف القسامة وقضي له، وفي رواية: تقابل بالشمس فإن كان كما
قال بقيتا مفتوحتين.
ولو ادعى نقصان إحداهما قيست إلى الأخرى وفعل كما فعل في السمع، ولو
ادعى النقصان فيهما قيستا إلى عيني من هو من أبناء سنه وألزم الجاني التفاوت بعد
الاستظهار بالأيمان، ولا تقاس عين في يوم غيم ولا في أرض مختلفة الجهات.
411

ولو قلع عينا وقال: كانت قائمة، وقال المجني عليه: كانت صحيحة، فالقول
قول الجاني مع يمينه، وربما خطر أن القول قول المجني عليه مع يمينه لأن الأصل
الصحة وهو ضعيف لأن أصل الصحة معارض بأصل البراءة واستحقاق الدية
والقصاص منوط بتيقن السبب ولا يقين هنا لأن الأصل ظن لا قطع.
الرابع: الشم: وفيه الدية كاملة، وإذا ادعى ذهابه عقيب الجناية اعتبر
بالأشياء الطيبة والمنتنة ثم يستظهر عليه بالقسامة ويقضى له لأنه لا طريق إلى
البينة، وفي رواية: يحرق له حراق وبقرب منه فإن دمعت عيناه ونحى أنفه فهو
كاذب.
ولو ادعى نقص الشم قيل: يحلف إذ لا طريق له إلى البينة ويوجب له الحاكم
ما يؤدى إليه اجتهاده. ولو أخذ دية الشم ثم عاد لم يعد الدية، ولو قطع الأنف
فذهب الشم، فديتان.
الخامس: الذوق: يمكن أن يقال: فيه الدية، لقولهم ع: كل ما في
الانسان منه واحد ففيه الدية. ويرجع فيه عقيب الجناية إلى دعوى المجني عليه مع
الاستظهار بالأيمان، ومع النقصان يقضي الحاكم بما يحسم المنازعة تقريبا.
السادس: إصابة تعذر الإنزال: لو أصيب فتعذر عليه الإنزال في حال الجماع
كان فيه الدية.
السابع: سلس البول: قيل: في سلس البول الدية، وهي رواية غياث
بن إبراهيم وفيه ضعف. وقيل: إن دام إلى الليل ففيه الدية وإن كان إلى الزوال
فثلثا الدية وإلى ارتفاع النهار فثلث الدية.
وفي الصوت الدية كاملة.
المقصد الثالث: في الشجاج والجراح:
والشجاج ثمان: الحارصة والدامية والمتلاحمة والسمحاق والموضحة والهاشمة
والمنقلة والمأمومة.
412

أما الحارصة: فهي التي تقشر الجلد وفيها بعير، وهل هي الدامية؟ قال الشيخ:
نعم، والرواية ضعيفة، والأكثرون على: أن الدامية غيرها، وهي رواية منصور
بن حازم عن أبي عبد الله ع.
وأما الدامية: ففي الدامية - إذن - بعيران وهي التي تأخذ في اللحم يسيرا.
وأما المتلاحمة: فهي التي تأخذ في اللحم كثيرا ولا تبلغ السمحاق وفيها ثلاثة
أبعرة، وهل هي غير الباضعة؟ فمن قال: الدامية غير الحارصة، فالباضعة والمتلاحمة
واحدة. ومن قال: الدامية والحارصة واحدة، فالباضعة غير المتلاحمة.
وأما السمحاق: فهي التي تبلغ السمحاقة - وهي جلدة مغشية للعظم -
وفيها أربعة أبعرة.
وأما الموضحة:
فهي التي تكشف عن وضح العظم وفيها خمسة أبعرة.
فروع:
لو أوضحه اثنتين ففي كل واحدة خمس من الإبل، ولو وصل الجاني بينهما
صارتا واحدة كما لو أوضحه ابتداء وكذا لو سرتا فذهب ما بينهما لأن السراية من
فعله، ولو وصل بينهما غيره لزم الأول ديتان والواصل ثالثة لأن فعله لا يبني على
فعل غيره، ولو وصلهما المجني عليه فعلى الأول ديتان والواصلة هدر.
ولو اختلفا فقال الجاني: أنا شققت بينهما، وأنكر المجني فالقول قول المجني
عليه مع يمينه لأن الأصل ثبوت الديتين ولم يثبت المسقط. وكذا لو قطع يديه
ورجليه ثم مات بعد مدة يمكن فيها الاندمال واختلفا فالقول قول الولي مع يمينه.
ولو شجه واحدة واختلفت مقاديرها أخذ دية الأبلغ لأنها لو كانت كلها كذلك
لم تزد على ديتها، ولو شجه في عضوين كان لكل عضو دية على انفراده ولو كان
بضربة واحدة، ولو شجه في رأسه وجبهته فالأقرب أنها واحدة لأنهما عضو واحد.
وأما الهاشمة: فهي التي تهشم العظم وديتها عشر من الإبل أرباعا إن كان
413

خطأ وأثلاثا إن كان شبيه العمد ولا قصاص فيها ويتعلق الحكم بالكسر وإن لم
يكن جرح، ولو أوضحه اثنتين وهشمه فيهما واتصل الهشم باطنا قال في المبسوط:
هما هاشمتان، وفيه تردد.
وأما المنقلة: فهي التي تحوج إلى نقل العظم وديتها خمسة عشر بعيرا ولا قصاص
فيها، وللمجني عليه أن يقتص في قدر الموضحة ويأخذ دية ما زاد وهو عشر من
الإبل.
وأما المأمومة: فهي التي تبلغ أم الرأس - وهي الخريطة التي تجمع الدماغ -
وفيها ثلث الدية وهو ثلاثة وثلاثون بعيرا.
وأما الدامغة: فهي التي تفتق الخريطة والسلامة معها بعيدة ولا قصاص في
المأمومة لأن السلامة معها غير غالبة، ولو أراد المجني عليه أن يقتص في الموضحة
ويطالب بدية الزائد جاز والزيادة ثمان وعشرون بعيرا، قال في المبسوط: وثلث
بعير، وهو بناء على أن ما في المأمومة ثلاثة وثلاثون وثلث ونحن نقتصر على ثلاثة وثلاثين تبعا للنقل.
ولو جنى عليه موضحة فأتمها آخر هاشمة وثالث منقلة ورابع مأمومة، فعلى
الأول خمسة وعلى الثاني ما بين الموضحة والهاشمة خمسة أيضا وعلى الثالث ما بين
الهاشمة والمنقلة خمسة أيضا وعلى الرابع تمام دية المأمومة ثمانية عشر بعيرا.
ومن لواحق هذا الباب:
مسائل:
الأولى: دية النافذة في الأنف ثلث الدية فإن صلحت فخمس الدية مائتا دينار،
ولو كانت في أحد المنخرين إلى الحاجز فعشر الدية.
الثانية: في شق الشفتين حتى تبدو الأسنان ثلث ديتهما ولو برأتا فخمس
ديتهما، ولو كان في إحديهما فثلث ديتها ومع البرء خمس ديتها.
الثالثة: الجائفة هي التي تصل إلى الجوف من أي الجهات كان ولو من ثغرة
414

النحر وفيها ثلث الدية ولا قصاص فيها، ولو جرح في عضو ثم أجاف لزمه دية الجرح
ودية الجائفة مثل أن يشق الكتف حتى يحاذي الجنب ثم يجيفه.
فروع:
لو أجافه واحد كان عليه دية الجائفة، ولو أدخل آخر سكينه ولم يزد فعليه
التعزير حسب وإن وسعها باطنا أو ظاهرا ففيه الحكومة، ولو وسعها فيهما فهي
جائفة أخرى كما لو انفردت، ولو أبرز حشوته فالثاني قاتل، ولو خبطت ففتقها آخر
فإن كانت بحالها لم تلتئم ولم يحصل بالفتق جناية قال الشيخ رحمه الله: فلا أرش
ويعزر، والأقرب الأرش لأنه لا بد من أذى ولو في الخياطة ثانيا.
ولو التحم البعض ففيه الحكومة، ولو كان بعد الاندمال فهي جائفة مبتكرة
فعليه ثلث الدية، ولو أجافه اثنتين فثلثا الدية، ولو طعن في صدره فخرج من ظهره
قال في المبسوط: واحدة، وفي الخلاف اثنتان، وهو أشبه.
الرابعة: قيل: إذا نفذت نافذة في شئ من أطراف الرجل ففيها مائة دينار.
الخامسة: في احمرار الوجه بالجناية دينار ونصف وفي اخضراره ثلاثة دنانير وكذا
في الاسوداد عند قوم وعند الآخرين ستة دنانير، وهو أولى لرواية إسحاق بن عمار عن
أبي عبد الله ع ولما فيه من زيادة النكاية. قال جماعة: ودية هذه الثلاث
في البدن على النصف.
السادسة: كل عضو ديته مقدرة، ففي شلله ثلثا ديته كاليدين والرجلين
والأصابع وفي قطعه بعد شلله ثلث ديته.
السابعة: دية الشجاج في الرأس والوجه سواء ومثلها في البدن بنسبة العضو
الذي يتفق فيه من دية الرأس.
الثامنة: المرأة تساوى الرجل في ديات الأعضاء والجراح حتى تبلغ ثلث دية
الرجل ثم تصير على النصف سواء كان الجاني رجلا أو امرأة، ففي الإصبع مائة وفي
الاثنتين مائتان وفي الثلاث ثلاثمائة وفي الأربع مائتان، وكذا يقتص من الرجل في
415

الأعضاء والجراح من غير رد حتى تبلغ الثلث ثم يقتص مع الرد.
التاسعة: كل ما فيه دية الرجل من الأعضاء والجراح فيه من المرأة ديتها، وكذا
من الذمي ديته ومن العبد قيمته، وما فيه مقدر من الحر فهو بنسبته من دية المرأة
والذمي وقيمة العبد.
العاشرة: كل موضع قلنا: فيه الأرش والحكومة فهما واحد، والمعنى أنه يقوم
صحيحا لو كان مملوكا ويقوم مع الجناية وينسب إلى القيمة ويؤخذ من الدية
بحسابه وإن كان المجني عليه مملوكا أخذ مولاه قدر النقصان.
الحادية عشرة: من لا ولي له فالإمام ع ولي دمه يقتص إن قتل
عمدا، وهل له العفو؟ الأصح لا، وكذا لو قتل خطأ فله استيفاء الدية وليس له
العفو.
النظر الرابع في اللواحق:
وهي أربعة:
الأول: في الجنين: ودية الجنين المسلم الحر مائة دينار إذا تم ولم تلجه الروح
ذكرا كان أو أنثى ولو كان ذميا فعشر دية أبيه، وفي رواية السكوني عن أبي جعفر
عن علي عليهما الصلاة والسلام: عشر دية أمه، والعمل على الأول. أما المملوك
فعشر قيمة أمه المملوكة.
ولو كان الحمل زائدا عن واحد فلكل واحد دية ولا كفارة على الجاني، ولو
ولجت فيه الروح فدية كاملة للذكر ونصف للأنثى ولا تجب إلا مع تيقن الحياة ولا
اعتبار بالسكون بعد الحركة لاحتمال كونها عن ريح وتجب الكفارة هنا مع مباشرة
الجناية.
ولو لم تتم خلقته ففي ديته قولان: أحدهما غرة - ذكره في المبسوط وفي موضع
آخر من الخلاف وفي كتابي الأخبار - والآخر وهو الأشهر توزيع الدية على مراتب
النقل ففيه عظما ثمانون ومضغة ستون وعلقة أربعون.
416

ويتعلق بكل واحدة من هذه أمور ثلاثة: وجوب الدية وانقضاء العدة وصيرورة
الأمة أم ولد، ولو قيل: ما الفائدة وهي تخرج بموت الولد عن حكم المستولدة؟ قلنا:
الفائدة هي التسلط على إبطال التصرفات السابقة التي يمنع منها الاستيلاد.
أما النطفة فلا يتعلق بها إلا الدية وهي عشرون دينارا بعد إلقائها في الرحم،
وقال في النهاية: تصير بذلك في حكم المستولدة، وهو بعيد. وقال بعض
الأصحاب: وفيما بين كل مرتبة بحساب ذلك، وفسره واحد: بأن النطفة تمكث
عشرين يوما ثم تصير علقة.
وكذا ما بين العلقة والمضغة فيكون لكل يوم دينار، ونحن نطالبه بصحة ما ادعاه
الأول ثم نطالبه بالدلالة على أن تفسيره مراد.
على أن المروي في المكث بين النطفة والعلقة: أربعون يوما، وكذا بين العلقة
والمضغة روى ذلك سعيد بن المسيب عن علي بن الحسين ع ومحمد
بن مسلم عن أبي جعفر ع وأبو جرير القمي عن موسى ع.
وأما العشرون فلم نقف بها على رواية، ولو سلمنا المكث الذي ذكره من أين
لنا أن التفاوت في الدية مقسوم على الأيام؟ غايته الاحتمال وليس كل محتمل
واقعا مع أنه يحتمل أن تكون الإشارة بذلك إلى ما رواه يونس الشيباني عن الصادق
عليه الصلاة والسلام: أن لكل قطرة تظهر في النطفة دينارين. وكذا كل ما صار
في العلقة شبه العرق من اللحم يزاد دينارين، وهذه الأخبار وإن توقفت فيها
لاضطراب النقل أو لضعف الناقل فكذا أتوقف عن التفسير الذي مر بخيال ذلك
القائل.
ولو قتلت المرأة فمات معها جنين فدية للمرأة ونصف الديتين للجنين إن جهل
حاله، ولو علم ذكرا فديته أو أنثى فديتها، وقيل: مع الجهالة يستخرج بالقرعة لأنه
مشكل، ولا إشكال مع وجود ما يصار إليه من النقل المشهور.
ولو ألقت المرأة حملها مباشرة أو تسبيبا فعليها دية ما ألقته ولا نصيب لها من
هذه الدية، ولو أفزعها مفزع فألقته فالدية على المفزع، ويرث دية الجنين من يرث
417

المال الأقرب فالأقرب ودية أعضائه وجراحاته بنسبة ديته.
ومن أفزع مجامعا فعزل فعلى المفزع عشرة دنانير، ولو عزل المجامع اختيارا عن
الحرة ولم تأذن قيل: يلزمه عشرة دنانير، وفيه تردد أشبهه أنه لا يجب. أما العزل
عن الأمة فجائز ولا دية وإن كرهت.
وتعتبر قيمة الأمة المجهضة عند الجناية لا وقت الإلقاء.
فروع:
لو ضرب النصرانية حاملا فأسلمت وألقته لزم الجاني دية الجنين المسلم لأن
الجناية وقعت مضمونة فالاعتبار بها حال الاستقرار.
ولو ضرب الحربية فأسلمت وألقته لم يضمن لأن الجناية لم تقع مضمونة فلم
يضمن سرايتها.
ولو كانت أمة فأعتقت وألقته قال الشيخ: للمولى أقل الأمرين من عشر قيمتها
وقت الجناية أو الدية لأن عشر القيمة إن كان أقل فالزيادة بالحرية فلا يستحقها
المولى فيكون لوارث الجنين وإن كانت دية الجنين أقل كان له الدية لأن حقه نقص
بالعتق، وما ذكره بناء على القول بالغرة أو على جواز أن يكون دية جنين الأمة أكثر
من دية جنين الحرة وكلا التقديرين ممنوع فأذن له عشر قيمة أمه يوم الجناية على
التقديرين.
ولو ضرب حاملا خطأ فألقت وقال الولي: كان حيا، فاعترف الجاني ضمن
العاقلة دية الجنين غير الحي وضمن المعترف ما زاد لأن العاقلة لا تضمن إقرارا. ولو أنكر
وأقام كل واحد بينة قدمنا بينة الولي لأنها تتضمن زيادة.
ولو ضربها فألقته فمات عند سقوطه فالضارب قاتل يقتل إن كان عمدا
ويضمن الدية في ماله إن كان شبيها ويضمنها العاقلة إن كان خطأ، وكذا لو بقي
ضمنا ومات أو وقع صحيحا وكان ممن لا يعيش مثله، وتلزمه الكفارة في كل
واحدة من هذه الحالات.
418

ولو ألقته حيا فقتله آخر فإن كانت حياته مستقرة فالثاني قاتل ولا ضمان على
الأول ويعزر وإن لم تكن مستقرة فالأول قاتل والثاني آثم يعزر لخطاه، ولو جهل
حاله حين ولادته قال الشيخ: سقط القود للاحتمال وعليه الدية.
ولو وطئها ذمي ومسلم لشبهة في طهر واحد فسقط بالجناية أقرع بين الواطئين
وألزم الجاني بنسبة دية من ألحق به.
ولو ضربها فألقت عضوا كاليد فإن ماتت لزمه ديتها ودية الحمل، ولو ألقت
أربع أيد فدية جنين واحد لاحتمال أن يكون ذلك لواحد، ولو ألقت العضو ثم ألقت
الجنين ميتا دخلت دية العضو في ديته وكذا لو ألقته حيا فمات.
ولو سقط وحياته مستقرة ضمن دية اليد حسب، ولو تأخر سقوطه فإن شهد أهل
المعرفة أنها يد حي فنصف ديته وإلا فنصف المئة.
مسألتان:
الأولى: دية الجنين إن كان عمدا وشبيه العمد ففي مال الجاني، وإن كان
خطأ فعلى العاقلة وتستأدى في ثلاث سنين.
الثانية: في قطع رأس الميت المسلم الحر مائة دينار، وفي قطع جوارحه بحساب
ديته وكذا في شجاجه وجراحة، ولا يرث وارثه منها شيئا بل تصرف في وجوه
القرب عنه - عملا بالرواية - وقال علم الهدي رحمه الله: يكون لبيت المال.
الثاني: في الجناية على الحيوان: وهي باعتبار المجني عليه تنقسم أقساما
ثلاثة:
الأول: ما يؤكل: كالغنم والبقر والإبل فمن أتلف شيئا منها بالذكاة لزمه
التفاوت بين كونه حيا وذكيا، وهل لمالكه دفعه والمطالبة بالقيمة، قيل: نعم -
وهو اختيار الشيخين رحمهما الله تعالى نظرا إلى إتلاف أهم منافعه - وقيل: لا
لأنه إتلاف لبعض منافعه فيضمن التالف، وهو أشبه.
ولو أتلفه لا بالذكاة لزمه قيمته يوم إتلافه، ولو بقي فيه ما ينتفع به كالصوف
419

والشعر والوبر والريش فهو للمالك يوضع من قيمته، ولو قطع بعض أعضائه أو كسر
شيئا من عظامه فللمالك الأرش.
الثاني: ما لا يؤكل لحمه وتصح ذكاته: كالنمر والأسد والفهد، فإن أتلفه
بالذكاة ضمن الأرش لأن له قيمة بعد التذكية وكذا في قطع جوارحه وكسر عظامه
مع استقرار حياته، وإن أتلفه لا بالذكاة ضمن قيمته حيا.
الثالث: ما لا تقع عليه الذكاة: ففي كلب الصيد أربعون درهما ومن الناس
من خصه بالسلوقي وقوفا على صورة الرواية، وفي رواية السكوني عن أبي عبد الله
ع في كلب الصيد: أنه يقوم. وكذا كلب الغنم وكلب الحائط، والأول
أشهر.
وفي كلب الغنم كبش، وقيل: عشرون درهما، وهي رواية ابن فضال عن
بعض أصحابه عن أبي عبد الله ع مع شهرتها لكن الأولى أصح طريقا.
وقيل: في كلب الحائط عشرون درهما، ولا أعرف المستند.
وفي كلب الزرع قفيز من البر ولا قيمة لما عدا ذلك من الكلاب وغيرها ولا
يضمن قاتلها شيئا، أما ما يملكه الذمي كالخنزير فهو يضمن بقيمته عند مستحليه
وفي الجناية على أطرافه الأرش.
مسائل:
الأولى: لو أتلف لذمي خمرا أو آلة لهو ضمنها المتلف ولو كان مسلما ويشترط
في الضمان الاستتار، ولو أظهرها الذمي لم يضمن المتلف، ولو كان ذلك لمسلم لم
يضمن الجاني على التقديرات.
الثانية: إذا جنت الماشية على الزرع ليلا ضمن صاحبها ولو كان نهارا لم
يضمن، ومستند ذلك رواية السكوني وفيه ضعف (وهارون بن حمزة وأبي بصير)
والأقرب اشتراط التفريط في موضع الضمان ليلا كان أو نهارا.
الثالثة: روي عن أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام أنه قضى في بعير بين أربعة
عقله أحدهم فوقع في بئر فانكسر: أن على الشركاء حصة، لأنه حفظ وضيع
420

الباقون.
الرابعة: دية الكلاب الثلاثة مقدرة على القاتل، أما لو غصب أحدهما وتلف
في يد الغاصب ضمن قيمته السوقية ولو زادت عن المقدر.
الثالث: في كفارة القتل: تجب كفارة الجمع بقتل العمد والمرتبة بقتل الخطأ
مع المباشرة لا مع التسبيب، فلو طرح حجرا أو حفر بئرا أو نصب سكينا في غير
ملكه فعثر عاثر فهلك بها ضمن الدية دون الكفارة.
وتجب بقتل المسلم ذكرا كان أو أنثى حرا أو عبدا وكذا تجب بقتل الصبي
والمجنون وعلى المولى بقتل عبده، ولا تجب بقتل الكافر ذميا كان أو معاهدا استنادا
إلى البراءة الأصلية.
ولو قتل مسلما في دار الحرب مع العلم بإسلامه ولا ضرورة فعليه القود
والكفارة، ولو ظنه كافرا فلا دية وعليه الكفارة، ولو كان أسيرا قال الشيخ: ضمن
الدية والكفارة لأنه لا قدرة للأسير على التخلص، وفيه تردد.
ولو اشترك جماعة في قتل واحد فعلى كل واحد كفارة، وإذا قبل من العامد الدية
وجبت الكفارة قطعا، ولو قتل قودا هل تجب في ماله؟ قال في المبسوط: لا تجب،
وفيه إشكال ينشأ من كون الجناية سببا.
الرابع: في العاقلة: والنظر في تعيين المحل وكيفية التقسيط وبيان اللواحق.
أما المحل: فهو العصبة والمعتق وضامن الجريرة والإمام، وضابط العصبة من
يتقرب بالأب كالإخوة وأولادهم والعمومة وأولادهم ولا يشترط كونهم من أهل
الإرث في المال، وقيل: هم الذين يرثون دية القاتل لو قتل، وفي هذا الإطلاق وهم
فإن الدية يرثها الذكور والإناث والزوج والزوجة ومن يتقرب بالأم على أحد القولين
ويختص بها الأقرب فالأقرب كما تورث الأموال.
وليس كذا العقل فإنه يختص بالذكور من العصبة دون من يتقرب بالأم ودون
الزوج والزوجة، ومن الأصحاب من خص به الأقرب ممن يرث بالتسمية ومع عدمه
يشترك في العقل بين من يتقرب بالأم مع من يتقرب بالأب أثلاثا، وهو استناد إلى
421

رواية سلمة بن كهل عن أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام وفي سلمة ضعف.
وهل يدخل الآباء والأولاد في العقل؟ قال في المبسوط وفي الخلاف: لا،
والأقرب دخولهما لأنهما أدنى قومه ولا يشركهم القاتل في الضمان.
ولا تعقل المرأة ولا الصبي ولا المجنون وإن ورثوا من الدية ولا يتحمل الفقير
شيئا ويعتبر فقره عند المطالبة وهو حول الحول، ولا يدخل في العقل أهل الديون ولا
أهل البلد إذا لم يكونوا عصبة - وفي رواية سلمة ما يدل على إلزام أهل بلد القاتل
مع فقد القرابة ولو قتل في غيره، وهو مطرح - ويقدم من يتقرب بالأبوين على من
انفرد بالأب.
ويعقل المولى من أعلى ولا يعقل من أسفل، وتحمل العاقلة دية الموضحة فما زاد
قطعا وهل تحمل ما نقص، قال في الخلاف: نعم ومنع في غيره، وهو المروي غير أن
في الرواية ضعفا.
وتضمن العاقلة دية الخطأ في ثلاث سنين كل سنة عند انسلاخها ثلثا، تامة
كانت الدية أو ناقصة كدية المرأة ودية الذمي.
أما الأرش فقد قال في المبسوط: يستأدى في سنة واحدة عند انسلاخها إذا
كانت ثلث الدية فما دون لأن العاقلة لا تعقل حالا، وفيه إشكال ينشأ من احتمال
تخصيص التأجيل بالدية لا بالأرش.
قال: ولو كان دون الثلثين حل الثلث الأول عند انسلاخ الحول والباقي عند
انسلاخ الثاني ولو كان أكثر من الدية كقطع يدين وقلع عينين وكان لاثنين حل
لكل واحد عند انسلاخ الحول ثلث الدية وإن كان لواحد حل له الثلث لكل جناية
سدس الدية، وفي هذا كله الإشكال الأول.
ولا تعقل العاقلة إقرارا ولا صلحا ولا جناية عمد مع وجود القاتل ولو كانت
موجبة للدية كقتل الأب ولده أو المسلم الذمي أو الحر المملوك، ولو جنى على نفسه
خطأ قتلا أو جرحا طل ولم يضمنه العاقلة.
وجناية الذمي في ماله وإن كانت خطأ دون عاقلته، ومع عجزه عن الدية
422

فعاقلته الإمام لأنه يؤدى إليه ضريبته.
ولا يعقل مولى المملوك جنايته قنا كان أو مدبرا أو مكاتبا أو مستولدة، على
الأشبه.
وضامن الجريرة يعقل ولا يعقل عنه المضمون ولا يجتمع مع عصبة ولا معتق لأن
عقده مشروط بجهالة النسب وعدم المولى، نعم لا يضمن الإمام مع وجوده ويسره
على الأشبه.
أما كيفية التقسيط: فإن الدية تجب ابتداء على العاقلة ولا يرجع بها على
الجاني، على الأصح.
وفي كيفية التقسيط قولان: أحدهما على الغني عشرة قراريط وعلى الفقير خمسة
قراريط اقتصارا على المتفق والآخر يقسطها الإمام على ما يراه بحسب أحوال العاقلة
وهو أشبه. وهل يجمع بين القريب والبعيد؟ فيه قولان أشبههما الترتيب في
التوزيع.
وهل تؤخذ من الموالي مع وجود العصبة؟ الأشبه نعم مع زيادة الدية عن
العصبة. ولو اتسعت أخذت من عصبة المولى، ولو زادت فعلى مولى المولى ثم عصبة
مولى المولى، ولو زادت الدية عن العاقلة أجمع قال الشيخ: يؤخذ الزائد من الإمام
حتى لو كانت الدية دينارا وله أخ أخذ منه عشرة قراريط والباقي من بيت المال،
والأشبه إلزام الأخ بالجميع إن لم يكن عاقلة سواه لأن ضمان الإمام مشروط بعدم
العاقلة أو عجزهم عن الدية.
ولو زادت العاقلة عن الدية لم يختص بها البعض، وقال الشيخ: يخص الإمام
بالعقل من شاء لأن التوزيع بالحصص يشق، والأول أنسب بالعدل. ولو غاب
بعض العاقلة لم يخص بها الحاضر، وابتداء زمان التأجيل من حين الموت.
وفي الطرف من حين الجناية لا من وقت الاندمال، وفي السراية من وقت
الاندمال لأن موجبها لا يستقر بدونه ولا يقف ضرب الأجل على حكم الحاكم.
وإذا حال الحول على موسر توجهت مطالبته، ولو مات لم يسقط ما لزمه ويثبت
423

في تركته، ولو كانت العاقلة في بلد آخر كوتب حاكمه بصورة الواقعة ليوزعها كما
لو كان القاتل هناك، ولو لم يكن عاقلة أو عجزت عن الدية أخذت من الجاني،
ولو لم يكن له مال أخذت من الإمام وقيل: مع فقر العاقلة أو عدمها تؤخذ من
الإمام دون القاتل، والأول مروي.
ودية الخطأ شبيه العمد في مال الجاني، فإن مات أو هرب قيل: تؤخذ من
الأقرب إليه ممن ورث ديته فإن لم يكن فمن بيت المال، ومن الأصحاب من
قصرها على الجاني وتوقع مع فقره يسره، والأول أظهر.
وأما اللواحق: فمسائل:
الأولى: لا يعقل إلا من عرف كيفية انتسابه إلى القاتل ولا يكفي كونه من
القبيلة لأن العلم بانتسابه إلى الأب لا يستلزم العلم بكيفية الانتساب، والعقل
مبني على التعصيب خصوصا على القول بتقديم الأولى.
الثانية: لو أقر بنسب مجهول ألحقناه به، فلو ادعاه الآخر وأقام البينة قضينا له
بالنسب وأبطلنا الأول، فلو ادعاه ثالث وأقام البينة أنه ولد على فراشه قضي له
بالنسب لاختصاصه بالسبب.
الثالثة: لو قتل الأب ولده عمدا دفعت الدية منه إلى الوارث ولا نصيب للأب
ولو لم يكن وارث فهي للإمام ع، ولو قتله خطأ فالدية على العاقلة ويرثها
الوارث وفي توريث الأب هنا قولان، ولو لم يكن وارث سوى العاقلة فإن قلنا:
الأب لا يرث، فلا دية. وإن قلنا: يرث، ففي أخذه من العاقلة تردد، وكذا
البحث لو قتل الولد أباه خطأ.
الرابعة: لا تضمن العاقلة عبدا ولا بهيمة ولا إتلاف مال ويختص بضمان
الجناية على الآدمي حسب.
الخامسة: لو رمى طائرا وهو ذمي ثم أسلم فقتل السهم مسلما لم يعقل عنه
عصبته من الدية لما بيناه ولأنه أصاب وهو مسلم ولا عصبته المسلمون لأنه رمى وهو
424

ذمي ويضمن الدية في ماله، وكذا لو رمى مسلم طائرا ثم ارتد فأصاب مسلما قال
الشيخ: لم يعقل عنه المسلمون من عصبته ولا الكفار، ولو قيل: يعقل عنه عصبته
المسلمون، كان حسنا لأن ميراثه لهم على الأصح.
425

كتاب القصاص
وهو قسمان:
القسم الأول: في قصاص النفس:
والنظر فيه يستدعي فصولا:
الأول: في الموجب:
وهو إزهاق النفس المعصومة المكافئة عمدا عدوانا، ويتحقق العمد بقصد البالغ
العاقل إلى القتل بما يقتل غالبا ولو قصد القتل بما يقتل نادرا فاتفق القتل فالأشبه
القصاص، وهل يتحقق مع القصد إلى الفعل الذي يحصل به الموت وإن لم يكن
قاتلا في الغالب إذا لم يقصد به القتل كما لو ضربه بحصاة أو عود خفيف؟ فيه
روايتان أشهرهما: أنه ليس بعمد يوجب القود.
ثم العمد قد يحصل بالمباشرة وقد يحصل بالتسبيب.
أما المباشرة فكالذبح والخنق وسقي السم القاتل والضرب بالسيف والسكين
والمثقل والحجر الغامز والجرح في المقتل ولو بغرز الإبرة.
وأما التسبيب فله مراتب:
المرتبة الأولى: انفراد الجاني بالتسبيب المتلف وفيه صور:
الأولى: لو رماه بسهم فقتله قتل به لأنه مما يقصد به القتل غالبا، وكذا لو
رماه بحجر المنجنيق، وكذا لو خنقه بحبل ولم يرخ عنه حتى مات أو أرسله
منقطع النفس أو ضمنا حتى مات أما لو حبس نفسه يسيرا لا يقتل مثله غالبا ثم
427

أرسله فمات ففي القصاص تردد، والأشبه القصاص إن قصد القتل والدية إن لم
يقصد أو اشتبه القصد.
الثانية: إذا ضربه بعصا مكررا ما لا يحتمله مثله بالنسبة إلى بدنه وزمانه فمات
فهو عمد، ولو ضربه دون ذلك فأعقبه مرضا ومات فالبحث كالأولى، ومثله لو
حبسه ومنعه الطعام والشراب فإن كان مدة لا يحتمل مثله البقاء فيها فمات فهو
عمد.
الثالثة: لو طرحه في النار فمات قتل به ولو كان قادرا على الخروج لأنه قد
يشده ولأن النار قد تشنج الأعصاب بالملاقاة فلا يتيسر له الفرار، أما لو علم أنه ترك
الخروج تخاذلا فلا قود لأنه أعان على نفسه وينقدح أنه لا دية له أيضا لأنه مستقل
بإتلاف نفسه، ولا كذا لو خرج فترك المداواة فمات لأن السراية مع ترك المداواة
من الجرح المضمون والتلف من النار ليس بمجرد الإلقاء بل بالإحراق المتجدد الذي
لولا المكث لما حصل، وكذا البحث لو طرحه في اللجة، ولو فصده فترك شده أو
ألقاه في ماء فأمسك نفسه تحته مع القدرة على الخروج فلا قصاص ولا دية.
الرابعة: السراية عن جناية العمد توجب القصاص مع التساوي، فلو قطع يده
عمدا فسرت قتل الجارح وكذا لو قطع إصبعه عمدا بآلة تقتل غالبا فسرت.
الخامسة: لو ألقى نفسه من علو على انسان عمدا وكان الوقوع مما يقتل غالبا
فهلك الأسفل فعلى الواقع القود، ولو لم يكن يقتل غالبا كان خطأ شبيه العمد فيه
الدية مغلظة ودم الملقى نفسه هدرا.
السادسة: قال الشيخ: لا حقيقة للسحر، وفي الأخبار ما يدل على أن له
حقيقة ولعل ما ذكره الشيخ قريب غير أن البناء على الاحتمال أقرب، فلو سحره
فمات لم يوجب قصاصا ولا دية - على ما ذكره الشيخ - وكذا لو أقر أنه قتله
بسحره وعلى ما قلناه من الاحتمال يلزمه الإقرار، وفي الأخبار يقتل الساحر قال في
الخلاف: يحمل ذلك على قتله حدا لفساده لا قودا.
المرتبة الثانية: أن ينضم إليه مباشرة المجني عليه وفيه صور:
428

الأولى: لو قدم له طعاما مسموما فإن علم وكان مميزا فلا قود ولا دية وإن لم
يعلم فأكل ومات فللولي القود لأن حكم المباشرة سقط بالغرور، ولو جعل السم في
طعام صاحب المنزل فوجده صاحبه فأكله فمات قال في الخلاف والمبسوط: عليه
القود، وفيه إشكال.
الثانية: لو حفر بئرا بعيدة في طريق ودعا غيره مع جهالته فوقع فمات فعليه
القود لأنه مما يقصد به القتل غالبا.
الثالثة: لو جرحه فداوى نفسه بدواء سمي فإن كان مجهزا فالأول جارح
والقاتل هو المقتول فلا دية له ولوليه القصاص في الجرح إن كان الجرح يوجب
القصاص وإلا كان له أرش الجراحة، وإن لم يكن مجهزا وكان الغالب في
السلامة فاتفق فيه الموت سقط ما قابل فعل المجروح وهو نصف الدية وللولي قتل
الجارح بعد رد نصف الدية، وكذا لو كان غير مجهز وكان الغالب معه التلف،
وكذا البحث لو خاط جرحه في لحم حي فسرى منهما سقط ما قابل فعل المجروح (
وهو نصف الدية) وكان للولي قتل الجارح بعد رد نصف ديته.
المرتبة الثالثة: أن ينضم إليه مباشرة حيوان وفيه صور:
الأولى: إذا ألقاه في البحر فالتقمه الحوت قبل وصوله فعليه القود لأن الإلقاء
في البحر إتلاف بالعادة، وقيل: لا قود لأنه لم يقصد إتلافه بهذا النوع، وهو قوي.
أما لو ألقاه إلى الحوت فالتقمه فعليه القود لأن الحوت ضار بالطبع فهو كالآلة.
الثانية: لو أغرى به كلبا عقورا فقتله فالأشبه القود لأنه كالآلة، وكذا لو ألقاه
إلى أسد بحيث لا يمكنه الاعتصام فقتله سواء كان في مضيق أو برية.
الثالثة: لو أنهشه حية قاتلة فمات قتل به، ولو طرح عليه حية قاتلة فنهشته
فهلك فالأشبه وجوب القود لأنه مما جرت العادة بالتلف معه.
الرابعة: لو جرحه ثم عضه الأسد وسرتا لم يسقط القود، وهل يرد فاضل
الدية؟ الأشبه نعم، وكذا لو شاركه أبوه أو اشترك عبد وحر في قتل عبد.
الخامسة: لو كتفه وألقاه في أرض مسبعة فافترسه الأسد اتفاقا فلا قود وفيه
429

الدية.
المرتبة الرابعة: أن ينضم إليه مباشرة انسان آخر وفيه صور.
الأولى: لو حفر واحد بئرا فوقع آخر بدفع ثالث فالقاتل الدافع دون الحافر وكذا
لو ألقاه من شاهق فاعترضه آخر فقده نصفين قبل وصوله الأرض فالقاتل هو
المعترض، ولو أمسك واحد وقتل آخر فالقود على القاتل دون الممسك لكن الممسك
يحبس أبدا ولو نظر إليهما ثالث لم يضمن لكن تسمل عيناه، أي تفقأ.
الثانية: إذا أكرهه على القتل فالقصاص على المباشر دون الآمر، ولا يتحقق
الإكراه في القتل ويتحقق فيما عداه، وفي رواية علي بن رئاب: يحبس الآمر بقتله
حتى يموت، هذا إذا كان المقهور بالغا عاقلا ولو كان غير مميز كالطفل والمجنون
فالقصاص على المكره لأنه بالنسبة إليه كالآلة ويستوي في ذلك الحر والعبد، ولو
كان مميزا عارفا غير بالغ وهو حر فلا قود والدية على عاقلة المباشر.
وقال بعض الأصحاب: يقتص منه إن بلغ عشرا، وهو مطرح، وفي المملوك
المميز تتعلق الجناية برقبته فلا قود، وفي الخلاف: إن كان المملوك صغيرا أو مجنونا
سقط القود ووجبت الدية، والأول أظهر.
فروع:
الأول: لو قال: اقتلني وإلا قتلتك، لم يسغ القتل لأن الإذن لا يرفع
الحرمة، ولو باشر لم يجب القصاص لأنه كان مميزا أسقط حقه بالإذن فلا يتسلط
الوارث.
الثاني: لو قال: اقتل نفسك، فإن كان مميزا فلا شئ على الملزم وإلا فعلى
الملزم القود، وفي تحقق إكراه العاقل هنا إشكال.
الثالث: يصح الإكراه فيما دون النفس فلو قال: اقطع يد هذا أو هذا وإلا
قتلتك، فاختار المكره أحدهما ففي القصاص تردد منشأه أن التعيين عري عن
الإكراه والأشبه القصاص على الآمر لأن الإكراه تحقق والتخلص غير ممكن إلا
430

بأحدهما.
الصورة الثالثة: لو شهد اثنان بما يوجب قتلا كالقصاص أو شهد أربعة بما
يوجب رجما كالزنى وثبت أنهم شهدوا زورا بعد الاستيفاء لم يضمن الحاكم ولا
الحداد وكان القود على الشهود لأنه تسبيب متلف بعادة الشرع، نعم لو علم الولي
وباشر القصاص كان القصاص عليه دون الشهود لقصده إلى القتل للعدوان من غير
غرور.
الرابعة: لو جنى عليه فصيره في حكم المذبوح وهو أن لا تبقى حياته مستقرة
وذبحه آخر فعلى الأول القود وعلى الثاني دية الميت، ولو كانت حياته مستقرة
فالأول جارح والثاني قاتل سواء كانت جنايته مما يقضى معها بالموت غالبا كشق
الجوف والآمة أو لا يقضى به كقطع الأنملة.
الخامسة: لو قطع واحد يده وآخر رجله فاندملت إحديهما ثم هلك فمن اندمل
جرحه فهو جارح والآخر قاتل يقتل بعد رده دية الجرح المندمل.
فرع:
لو جرحه اثنان كل واحد منهما جرحا فمات فادعى أحدهما اندمال جرحه
وصدقه الولي لم ينفذ تصديقه على الآخر لأنه قد يحاول أخذ دية الجرح من الجارح
والدية من الآخر فهو متهم في تصديقه ولأن المنكر مدع للأصل فيكون القول قوله مع
يمينه.
السادسة: لو قطع يده من الكوع وآخر ذراعه فهلك قتلا به لأن سراية الأول لم
تنقطع بالثاني لشياع ألمه قبل الثانية، وليس كذلك لو قطع واحد يده وقتله الآخر
لأن السراية انقطعت بالتعجيل، وفي الأول إشكال،
ولو كان الجاني واحدا دخلت دية الطرف في النفس إجماعا منا، وهل يدخل
قصاص الطرف في قصاص النفس؟ اضطربت فتوى الأصحاب فيه ففي النهاية:
يقتص منه إن فرق ذلك وإن ضربه ضربة واحدة لم يكن عليه أكثر من القتل، وهي
431

رواية محمد بن قيس عن أحدهما. وفي المبسوط والخلاف: يدخل قصاص الطرف في
قصاص النفس، وهي رواية أبي عبيدة عن أبي جعفر ع، وفي موضع آخر
من الكتابين: لو قطع يد رجل ثم قتله قطع ثم قتل، فالأقرب ما تضمنته النهاية
لثبوت القصاص بالجناية الأولى. ولا كذا لو كانت الضربة واحدة وكذا لو كان
بسرايته كمن قطع يد غيره فسرت إلى نفسه فالقصاص في النفس لا في الطرف.
مسائل من الاشتراك:
الأولى: إذا اشترك جماعة في قتل واحد قتلوا به والولي بالخيار بين قتل الجميع
بعد أن يرد عليهم ما فضل عن دية المقتول فيأخذ كل واحد منهم ما فضل من ديته
عن جنايته وبين قتل البعض ويرد الباقون دية جنايتهم، فإن فضل للمقتولين فضل
قام به الولي، وتتحقق الشركة بأن يفعل كل واحد منهم ما يقتل لو انفرد أو ما
يكون له شركة في السراية مع القصد إلى الجناية، ولا يعتبر التساوي في الجناية بل لو
جرحه واحد جرحا والآخر مائة جرح ثم سرى الجميع فالجناية عليهما بالسوية ولو
طلب الدية كانت عليهما نصفين.
الثانية: يقتص من الجماعة في الأطراف كما يقتص في النفس فلو اجتمع
جماعة على قطع يده أو قلع عينه فله الاقتصاص منهم جميعا بعد رد ما يفضل لكل
واحد منهم عن جنايته وله القصاص من أحدهم ويرد الباقون دية جنايتهم،
وتتحقق الشركة في ذلك بأن يحصل الاشتراك في الفعل الواحد فلو انفرد كل واحد
بقطع جزء من يده لم يقطع يد أحدهما، وكذا لو جعل أحدهما آلته فوق يده والآخر
تحت يده واعتمدا حتى التقتا فلا قطع في اليد على أحدهما لأن كلا منهما منفرد
بجنايته لم يشاركه الآخر فيها فعليه القصاص في جنايته حسب.
الثالثة: لو اشترك في قتله امرأتان قتلتا به ولا رد إذ لا فاضل لهما عن ديته، ولو
كن أكثر كان للولي قتلهن بعد رد فاضل ديتهن بالسوية إن كن متساويات في
الدية وإلا أكمل لكل واحدة ديتها بعد وضع أرش جنايتها، ولو اشترك رجل وامرأة
432

فعلى كل واحد منهما نصف الدية وللولي قتلهما ويختص الرجل بالرد وفي المقنعة:
يقسم الرد بينهما أثلاثا، وليس بمعتمد. ولو قتل المرأة فلا رد وعلى الرجل نصف
الدية، ولو قتل الرجل ردت المرأة عليه نصف ديته وقيل: نصف ديتها، وهو
ضعيف. وكل موضع يوجب الرد فإنه يكون مقدما على الاستيفاء.
الرابعة: إذا اشترك حر وعبد في قتل حر عمدا قال في النهاية: للأولياء قتلهما
ويرد إلى سيد العبد ثمنه أو يقتلون الحر ويؤدى سيد العبد إلى ورثة المقتول خمسة
آلاف درهم أو يسلم العبد إليهم أو يقتلون العبد وليس لمولاه على الحر سبيل،
والأشبه أن مع قتلهما يردون إلى الحر نصف الدية ولا يرد على مولى العبد شئ
ما لم تكن قيمته أزيد من نصف دية الحر فيرد عليه الزائد. فإن قتلوا العبد وكانت
قيمته زائدة عن نصف دية المقتول أدوا إلى المولى الزائد، فإن استوعب الدية وإلا
كان تمام الدية لأولياء المقتول وفي هذا اختلاف للأصحاب وما اخترناه أنسب
بالمذهب.
الخامسة: لو اشترك عبد وامرأة في قتل حر فللأولياء قتلهما ولا رد
على المرأة ولا على العبد إلا أن تزيد قيمته عن نصف دية المقتول فيرد على مولاه الزائد، ولو قتلت
المرأة به كان له استرقاق العبد إلا أن تكون قيمته زائدة عن نصف دية المقتول فيرد
على مولاه ما فضل، وإن قتلوا العبد وقيمته بقدر جنايته أو أقل فلا رد وعلى المرأة دية
جنايتها وإن كانت قيمته أكثر من نصف الدية ردت عليه المرأة ما فضل عن قيمته
وإن استوعب دية الحر وإلا كان الفاضل لورثة المقتول أولا.
الفصل الثاني: في الشروط المعتبرة في القصاص:
وهي خمسة:
الأول التساوي في الحرية أو الرق: فيقتل الحر بالحر وبالحرة مع رد فاضل ديته
والحرة بالحرة وبالحر ولا يؤخذ ما فضل، على الأشهر.
ويقتص للمرأة من الرجل في الأطراف من غير رد، ويتساوى ديتهما ما لم تبلغ
433

ثلث دية الحر ثم يرجع إلى النصف فيقتص لها منه مع رد التفاوت.
ويقتل العبد بالعبد وبالأمة والأمة بالأمة وبالعبد، ولا يقتل حر بعبد ولا أمة،
وقيل: إن اعتاد قتل العبيد قتل حسما للجرأة.
ولو قتل المولى عبده كفر وعزر ولم يقتل به، وقيل: يغرم قيمته ويتصدق بها،
وفي المستند ضعف. وفي بعض الروايات: إن اعتاد ذلك قتل به.
ولو قتل عبدا لغيره عمدا غرم قيمته يوم قتله ولا يتجاوز بها دية الحر (ولا بقيمة
المملوكة دية الحرة) ولو كان ذميا لذمي لم يتجاوز بقيمة الذكر دية مولاه ولا بقيمة
الأنثى دية الذمية.
ولو قتل العبد حرا قتل به ولا يضمن المولى جنايته لكن ولي الدم بالخيار بين
قتله وبين استرقاقه وليس لمولاه فكه مع كراهية الولي.
ولو جرح حرا كان للمجروح الاقتصاص منه، فإن طلب الدية فكه مولاه بأرش
الجناية ولو امتنع كان للمجروح استرقاقه إن أحاطت به الجناية وإن قصر أرشها
كان له أن يسترق منه بنسبة الجناية من قيمته، وإن شاء طالب ببيعه ولو من ثمنه
أرش الجناية فإن زاد ثمنه فالزيادة للمولى.
ولو قتل العبد عبدا عمدا فالقود لمولاه، فإن قتل جاز وإن طلب الدية تعلقت
برقبة الجاني، فإن تساوت القيمتان كان لمولى المقتول استرقاقه ولا يضمنه مولاه
لكن لو تبرع فكه بقيمة الجناية، وإن كانت قيمة القاتل أكثر فلمولاه منه بقدر قيمة
المقتول، وإن كانت قيمته أقل فلمولى المقتول قتله أو استرقاقه ولا يضمن مولى
القاتل شيئا إذ المولى لا يعقل عبدا.
ولو كان القتل خطأ كان مولى القاتل بالخيار بين فكه بقيمته - ولا تخيير لمولى
المجني عليه - وبين دفعه وله منه ما يفضل عن قيمة المقتول وليس عليه ما يعوز،
ولو اختلف الجاني ومولى العبد في قيمته يوم قتل فالقول قول الجاني مع يمينه إذا لم
يكن للمولى بينة.
والمدبر كالقن، ولو قتل عمدا قتل وإن شاء الولي استرقاقه كان له، ولو قتل
434

خطأ فإن فكه مولاه بأرش الجناية وإلا سلمه للرق، وإذا مات الذي دبره هل
ينعتق؟ قيل: لا، لأنه كالوصية وقد خرج عن ملكه بالجناية فيبطل التدبير،
وقيل: لا يبطل بل ينعتق، وهو المروي. ومع القول بعتقه هل يسعى في فك رقبته؟
فيه خلاف الأشهر أنه يسعى وربما قال بعض الأصحاب: يسعى في دية المقتول،
ولعله وهم.
والمكاتب إن لم يؤد من مكاتبته شيئا أو كان مشروطا فهو كالقن وإن كان
مطلقا وقد أدى من مال الكتابة شيئا تحرر منه بحسابه، فإذا قتل حرا عمدا قتل به
وإن قتل مملوكا فلا قود وتعلقت الجناية بما فيه من الرقية مبعضة فيسعى في نصيب
الحرية ويسترق الباقي منه أو يباع في نصيب الرق، ولو قتل خطأ فعلى الإمام بقدر ما
فيه من الحرية وللمولى الخيار بين فكه بنصيب الرقية من الجناية وبين تسليم حصة
الرق لتقاص بالجناية، وفي رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما
السلام: إذا أدى نصف ما عليه فهو بمنزلة الحر، وقد رجحها في الاستبصار ورفضها
في غيره.
والعبد إذا قتل مولاه جاز للولي قتله، وكذا لو كان للحر عبدان فقتل أحدهما
الآخر كان مخيرا بين قتل القاتل وبين العفو.
مسائل ست:
الأولى: لو قتل حر حرين فليس لأوليائهما إلا قتله وليس لهما المطالبة
بالدية، ولو قطع يمين رجل ومثلها من الآخر قطعت يمينه بالأول ويساره بالثاني، فلو
قطع يد ثالث قيل: سقط القصاص إلى الدية، وقيل: قطعت رجله بالثالث، وكذا
لو قطع رابعا. أما لو قطع ولا يد له ولا رجل كان عليه الدية لفوات محل القصاص،
ولو قتل العبد حرين على التعاقب كان لأولياء الأخير وفي رواية أخرى: يشتركان
فيه ما لم يحكم به للأول، وهو أشبه. ويكفي في الاقتصاص أن يختار الولي
استرقاقه ولو لم يحكم له الحاكم، ومع اختيار ولي الأول لو قتل بعد ذلك كان
435

للثاني.
الثانية: قيمة العبد مقسومة على أعضائه كما أن دية الحر مقسومة على أعضائه،
فكل ما فيه منه واحد ففيه كمال قيمته كاللسان والذكر والأنف وما فيه اثنان
ففيهما كمال قيمتها وفي كل واحد نصف قيمته وكذا ما فيه عشر ففي كل واحد
عشر قيمته، وبالجملة الحر أصل للعبد فيما له دية مقدرة وما لا تقدير فيه ففيه
الحكومة، فإذا جنى الحر على العبد بما فيه ديته فمولاه بالخيار بين إمساكه ولا شئ
له وبين دفعه وأخذ قيمته، ولو قطع يده ورجله دفعة ألزمه القيمة أو أمسكه ولا شئ
له أما لو قطع يده فللسيد إلزامه بنصف قيمته وكذا كل جناية لا تستوعب قيمته،
ولو قطع يده قاطع ورجله آخر قال بعض الأصحاب: يدفعه إليهما ويلزمهما الدية أو
يمسكه كما لو كانت الجنايتان من واحد، والأولى أن له إلزام كل واحد منهما بدية
جنايته ولا يجب دفعه إليهما.
الثالثة: كل موضع نقول: يفكه المولى، فإنما يفكه بأرش الجناية زادت عن
قيمة المملوك الجاني أو نقصت، وللشيخ قول آخر: أنه يفديه بأقل الأمرين،
والأول مروي.
الرابعة: لو قتل عبد واحد عبدين كل واحد لمالك فإن اختارا القود قيل: يقدم
الأول لأن حقه أسبق ويسقط الثاني بعد قتله لفوات محل الاستحقاق، وقيل:
يشتركان فيه ما لم يختر مولى الأول استرقاقه قبل الجناية الثانية فيكون للثاني، وهو
أشبه. فإن اختار الأول المال وضمن المولى تعلق حق الثاني برقبته وكان له
القصاص فإن قتله بقي المال في ذمة مولى الجاني، ولو لم يضمن ورضي الأول
باسترقاقه تعلق به حق للثاني فإن قتله سقط حق الأول وإن استرق اشترك
الموليان، ولو قتل عبد عبدا لاثنين فطلب أحدهما القيمة ملك منه بقدر قيمة حصته
من المقتول ولم يسقط حق الثاني من القود مع رد قيمة حصة شريكه.
الخامسة: لو قتل عشرة أعبد عبدا فعلى كل واحد عشر قيمته، فإن قتل مولاه
العشرة أدى إلى مولى كل واحد ما فضل عن جنايته ولو لم تزد قيمة كل واحد عن
436

جنايته فلا رد، وإن طلب الدية فمولى كل واحد بالخيار بين فكه بأرش جنايته وبين
تسليمه ليسترق إن استوعبت جنايته قيمته وإلا كان لمولى المقتول من كل واحد
بقدر أرش جنايته أو يرد على مولاه ما فضل عن حقه ويكون له، ولو قتل المولى بعضا
جاز ويرد كل واحد عشر الجناية فإن لم ينهض ذلك بقيمة من يقتل أتم مولى المقتول
ما يعوز أو يقتصر على قتل من ينهض الرد بقيمته.
السادسة: إذا قتل العبد حرا عمدا فأعتقه مولاه صح ولم يسقط القود، ولو
قيل: لا يصح لئلا يبطل حق المولى من الاسترقاق، كان حسنا، وكذا البحث في
بيعه وهبته. ولو كان خطأ قيل: يصح العتق ويضمن المولى الدية، على رواية عمر
بن شمر عن جابر عن أبي عبد الله ع وفي عمر ضعف، وقيل: لا يصح إلا
أن يتقدم ضمان الدية أو رفعها.
فروع في السراية:
الأول: إذا جنى الحر على المملوك فسرت إلى نفسه فللمولى كمال قيمته، ولو
تحرر وسرت إلى نفسه كان للمولى أقل الأمرين من قيمة الجناية والدية عند السراية
لأن القيمة إن كانت أقل فهي المستحقة له والزيادة حصلت بعد الحرية فلا يملكها
المولى، وإن نقصت مع السراية لم يلزم الجاني تلك النقيصة لأن دية الطرف تدخل
في دية النفس مثل أن يقطع واحد يده وهو رق فعليه نصف قيمته فلو كانت قيمته
ألفا لكان على الجاني خمسمائة، فلو تحرر وقطع آخر يده وثالث رجله ثم سرى
الجميع سقطت دية الطرف وتثبت دية النفس وهي ألف فيلزم الأول الثلث بعد أن
كان يلزمه النصف فيكون للمولى الثلث وللورثة الثلثان من الدية، وقيل: له أقل
الأمرين هنا من ثلث القيمة وثلث الدية، والأول أشبه.
الثاني: لو قطع حر يده فأعتق ثم سرت فلا قود لعدم التساوي وعليه دية حر
مسلم لأنها جناية مضمونة فكان الاعتبار بها حين الاستقرار وللسيد نصف قيمته
وقت الجناية ولورثة المجني عليه ما زاد، ولو قطع حر آخر رجله بعد العتق وسرى
437

الجرحان فلا قصاص على الأول في الطرف ولا في النفس لأنه لم يجب القصاص
في الجناية فلم يجب في سرايتها وعلى الثاني القود بعد رد نصف ديته ولم يسقط القود
بمشاركة الآخر في السراية كما لا يسقط بمشاركة الأب للأجنبي ولا بمشاركة المسلم
للذمي في قتل الذمي.
الثالث: لو قطع يده وهو رق ثم قطع آخر رجله وهو حر كان على الجاني نصف
قيمته وقت الجناية لمولاه وعليه القصاص في الجناية حال الحرية، فإن اقتص المعتق
جاز وإن طالب بالدية كان له نصف الدية يختص به دون المولى ولو سرتا فلا
قصاص في الأول لعدم التساوي وله القصاص في الرجل لأنه مكافئ، وهل يثبت
القود؟ قيل: لا لأن السراية عن قطعين أحدهما لا يوجب القود، والأشبه ثبوته مع
رد ما يستحقه المولى. ولو اقتصر الولي على الاقتصاص في الرجل أخذ المولى نصف
قيمة المجني عليه وقت الجناية وكان الفاضل للوارث فيجتمع له الاقتصاص وفاضل
دية اليد إن كانت ديتها زائدة عن نصف قيمة العبد.
الشرط الثاني: التساوي في الدين: فلا يقتل مسلم بكافر ذميا كان أو
مستأمنا أو حربيا ولكن يعزر ويغرم دية القاتل، وقيل: إن اعتاد قتل أهل الذمة
جاز الاقتصاص بعد رد فاضل ديته.
ويقتل الذمي بالذمي وبالذمية بعد رد فاضل الدية، والذمية بالذمية وبالذمي
من غير رجوع عليها بالفضل.
ولو قتل الذمي مسلما عمدا دفع هو وماله إلى أولياء المقتول وهم مخيرون بين
قتله واسترقاقه وفي استرقاق ولده الصغار تردد أشبهه بقاؤهم على الحرية، ولو أسلم
قبل الاسترقاق لم يكن لهم إلا قتله كما لو قتل وهو مسلم.
ولو قتل الكافر كافرا وأسلم القاتل لم يقتل به وألزم الدية إن كان المقتول ذا
دية، ويقتل ولد الرشيدة بولد الزنية لتساويهما في الاسلام.
438

مسائل من لواحق هذا الباب:
الأولى: لو قطع مسلم يد ذمي عمدا فأسلم وسرت إلى نفسه فلا قصاص ولا
قود، وكذا لو قطع يد عبد ثم أعتق وسرت لأن التكافؤ ليس بحاصل وقت الجناية،
وكذا الصبي لو قطع يد بالغ ثم بلغ وسرت جنايته لم يقطع لأن الجناية لم تكن
موجبة للقصاص حال حصولها وتثبت دية النفس لأن الجناية وقعت مضمونة وكان
الاعتبار بأرشها حين الاستقرار.
الثانية: لو قطع يد حربي أو يد مرتد فأسلم ثم سرت فلا قود ولا دية لأن
الجناية لم تكن مضمونة فلم يضمن سرايتها، ولو رمى ذميا بسهم فأسلم ثم أصابه
فمات فلا قود وفيه الدية، وكذا لو رمى عبدا فأعتق وأصابه فمات أو رمى حربيا
أو مرتدا فأصابه بعد إسلامه فلا قود وتثبت الدية لأن الإصابة صادفت مسلما محقون
الدم.
الثالثة: إذا قطع المسلم يد مثله فسرت مرتدا سقط القصاص في النفس ولم
يسقط القصاص في اليد لأن الجناية به حصلت موجبة للقصاص فلم تسقط
باعتراض الارتداد، ويستوفي القصاص فيها وليه المسلم فإن لم يكن استوفاه
الإمام، وقال في المبسوط: الذي يقتضيه مذهبنا أنه لا قود ولا دية لأن قصاص
الطرف وديته يتداخلان في قصاص النفس وديتها والنفس ههنا ليست مضمونة وهو
يشكل بما أنه لا يلزم من دخول الطرف في قصاص النفس سقوط ما يثبت من
قصاص الطرف المانع يمنع من القصاص في النفس. أما لو عاد إلى الاسلام فإن
كان قبل أن يحصل سرايته ثبت القصاص في النفس، وإن حصلت سراية وهو مرتد
ثم عاد وتمت السراية حتى صارت نفسا ففي القصاص تردد أشبهه ثبوت
القصاص لأن الاعتبار في الجناية المضمونة بحال الاستقرار، وقيل: لا قصاص لأن
وجوبه مستند إلى الجناية وكل السراية وهذه بعضها هدر لأنه حصل في حال الردة.
ولو كانت الجناية خطأ تثبت الدية لأن الجناية صادفت محقون الدم وكانت مضمونة
في الأصل.
439

الرابعة: إذا قتل مرتد ذميا ففي قتله تردد منشأه تحرم المرتد بالإسلام ويقوى
أنه يقتل للتساوي في الكفر كما يقتل النصراني باليهودي لأن الكفر كالملة
الواحدة، أما لو رجع إلى الاسلام فلا قود وعليه دية الذمي.
الخامسة: لو جرح مسلم نصرانيا ثم ارتد الجارح وسرت الجراحة فلا قود لعدم
التساوي حال الجناية وعليه دية الذمي.
السادسة: لو قتل ذمي مرتدا قتل به لأنه محقون الدم بالنسبة إلى الذمي أما لو
قتله مسلم فلا قود قطعا وفي الدية تردد والأقرب أنه لا دية، ولو وجب على مسلم
قصاص فقتله غير الولي كان عليه القود، ولو وجب قتله بزنى أو بلواط فقتله غير
الإمام لم يكن عليه قود ولا دية لأن عليا عليه الصلاة والسلام قال لرجل قتل رجلا
وادعى أنه وجده مع امرأته: عليك القود إلا أن تأتي ببينة.
الشرط الثالث أن لا يكون القاتل أبا: فلو قتل ولده لم يقتل به وعليه الكفارة
والدية والتعزير وكذا لو قتله أب الأب وإن علا، ويقتل الولد بأبيه وكذا الأم تقتل
به ويقتل بها وكذا الأقارب كالأجداد والجدات من قبلها والإخوة من الطرفين
والأعمام والعمات والأخوال والخالات.
فروع:
الأول: لو ادعى اثنان ولدا مجهولا فإن قتله أحدهما قبل القرعة فلا قود لتحقق
الاحتمال في طرف القاتل ولو قتلاه فالاحتمال بالنسبة إلى كل واحد منهما باق
وربما حظر الاستناد إلى القرعة وهو تهجم على الدم والأقرب الأول. ولو ادعياه ثم
رجع أحدهما وقتلاه توجه القصاص على الراجع بعد رد ما يفضل عن جنايته وكان
على الأب نصف الدية وعلى كل واحد كفارة القتل بانفراده.
ولو ولد مولود على فراش مدعيين له كالأمة أو الموطوءة بالشبهة في الطهر الواحد
فقتلاه قبل القرعة لم يقتلا به لتحقق الاحتمال بالنسبة إلى كل واحد منهما، ولو
رجع أحدهما ثم قتلاه لم يقتل الراجع والفرق أن البنوة هنا تثبت بالفراش لا بمجرد
440

الدعوى، وفي الفرق تردد.
ولو قتل الرجل زوجته هل يثبت القصاص لولدها منه؟ قيل: لا لأنه لا يملك
أن يقتص من والده، ولو قيل: يملك هنا أمكن، اقتصارا بالمنع على مورد النص.
وكذا البحث لو قذفها الزوج ولا وارث إلا ولده منها أما لو كان لهما ولد من غيره
فله القصاص بعد رد نصيب ولده من الدية وله استيفاء الحد كاملا.
ولو قتل أحد الولدين أباه ثم الآخر أمه فلكل منهما على الآخر القود، فإن
تشاحا في الاقتصاص أقرع بينهما وقدم في الاستيفاء من أخرجته القرعة، ولو بدر
أحدهما فاقتص كان لورثة الآخر الاقتصاص منه.
الشرط الرابع: كمال العقل: فلا يقتل المجنون سواء قتل مجنونا أو عاقلا
وتثبت الدية على عاقلته وكذا الصبي لا يقتل بصبي ولا ببالغ، أما لو قتل العاقل
ثم جن لم يسقط عنه القود، وفي رواية: يقتص من الصبي إذا بلغ عشرا، وفي
أخرى: إذا بلغ خمسة أشبار، وتقام عليه الحدود. والوجه أن عمد الصبي خطأ محض
يلزم أرشه العاقلة حتى يبلغ خمس عشرة سنة.
فرع:
لو اختلف الولي والجاني بعد بلوغه أو بعد إفاقته فقال: قتلت وأنت بالغ، أو
أنت عاقل، فأنكر فالقول قول الجاني مع يمينه لأن الاحتمال متحقق فلا يثبت معه
القصاص وتثبت الدية على القاتل.
ولو قتل البالغ الصبي قتل به على الأصح، ولا يقتل العاقل بالمجنون وتثبت
الدية على القاتل إن كان عمدا أو شبيها بالعمد وعلى العاقلة إن كان خطأ محضا،
ولو قصد العاقل دفعه كان هدرا وفي رواية: ديته في بيت المال.
وفي ثبوت القود على السكران تردد والثبوت أشبه لأنه كالصاحي في تعلق
الأحكام، أما من بنج نفسه أو شرب مرقدا لا لعذر فقد ألحقه الشيخ رحمه الله
بالسكران وفيه تردد.
441

ولا قود على النائم لعدم القصد وكونه معذورا في سببه وعليه الدية، وفي الأعمى
تردد أظهره أنه كالمبصر في توجه القصاص بعمده وفي رواية الحلبي عن أبي عبد الله
ع: أن جنايته خطأ تلزم العاقلة.
الشرط الخامس: أن يكون المقتول محقون الدم: احترازا من المرتد بالنظر إلى
المسلم فإن المسلم لو قتله لم يثبت القود، وكذا كل من أباح الشرع قتله ومثله من
هلك بسراية القصاص أو الحد.
الفصل الثالث: في دعوى القتل وما يثبت به:
أما دعوى القتل: ويشترط في المدعي البلوغ والرشد حالة الدعوى دون وقت
الجناية، إذ قد يتحقق صحة الدعوى بالسماع المتواتر وأن يدعي على من يصح منه
مباشرة الجناية.
فلو ادعى على غائب لم يقبل وكذا لو ادعى على جماعة يتعذر اجتماعهم على
قتل الواحد كأهل البلد وتقبل دعواه لو رجع إلى الممكن، ولو حرر الدعوى بتعيين
القاتل وصفة القتل ونوعه سمعت دعواه، وهل تسمع منه مقتصرا على مطلق
القتل؟ فيه تردد أشبهه القبول. ولو قال: قتله أحد هذين، سمعت إذ لا ضرر في
اختلافهما. ولو أقام بينة سمعت لإثبات اللوث إن لو خص الوارث أحدهما.
مسائل:
الأولى: لو ادعى أنه قتل مع جماعة لا يعرف عددهم سمعت دعواه، ولا يقضى
بالقود ولا بالدية لعدم العلم بحصة المدعى عليه من الجناية ويقضى بالصلح حقنا
بالدم.
الثانية: إذا ادعى القتل ولم يبين عمدا أو خطأ الأقرب أنها تسمع ويستفصلها
القاضي وليس ذلك تلقينا بل تحقيقا للدعوى، ولو لم يبين قيل: طرحت دعواه
442

وسقطت البينة بذلك إذ لا يمكن الحكم بها، وفيه تردد.
الثالثة: لو ادعي على شخص القتل منفردا ثم ادعي على آخر لم تسمع الثانية
برئ الأول أو شركه لإكذابه نفسه بالدعوى الأولى، وفيه للشيخ قول آخر.
الرابعة: لو ادعى قتل العمد ففسره بالخطا لم يبطل أصل الدعوى، وكذا لو
ادعى الخطأ ففسره بما ليس خطأ.
وتثبت الدعوى: بالإقرار أو البينة أو القسامة.
أما الإقرار: فتكفي المرة وبعض الأصحاب يشترط الإقرار مرتين، ويعتبر في
المقر: البلوغ وكمال العقل والاختيار والحرية. أما المحجور عليه لفلس أو سفه
فيقبل إقراره بالعمد ويستوفى منه القصاص وأما بالخطا فتثبت ديته ولكن لا يشارك
الغرماء.
ولو أقر واحد بقتله عمدا وآخر بقتله خطأ تخير الولي تصديق أحدهما وليس له
على الآخر سبيل، ولو أقر بقتله عمدا فأقر آخر أنه هو الذي قتله ورجع الأول
درئ عنهما القصاص والدية وودي المقتول من بيت المال، وهي قضية الحسن
ع.
وأما البينة: فلا يثبت ما يجب به القصاص إلا بشاهدين ولا يثبت بشاهد
وامرأتين، وقيل: تثبت به الدية، وهو شاذ.
ولا بشاهد ويمين ويثبت بذلك ما يوجب الدية كقتل الخطأ والهاشمة والمنقلة
وكسر العظام والجائفة.
ولا تقبل الشهادة إلا صافية عن الاحتمال كقوله: ضربه بالسيف فمات، أو
فقتله، أو فأنهر دمه فمات في الحال، أو فلم يزل مريضا منها حتى مات، وإن
طالت المدة.
ولو أنكر المدعى عليه ما شهدت به البينة لم يلتفت إلى إنكاره وإن صدقها
وادعى الموت بغير الجناية كان القول قوله مع يمينه، وكذا الحكم في الجراح فإنه لو
قال الشاهد: ضربه فأوضحه، قبل. ولو قال: اختصما ثم افترقا وهو مجروح، أو
443

ضربه فوجدناه مشجوجا، لم يقبل لاحتمال أن يكون من غيره. وكذا لو قال:
فجرى دمه.
وأما لو قال: فأجرى دمه، قبلت. ولو قال: أسال دمه فمات، قبلت في
الدامية دون ما زاد. ولو قال: أوضحه، فوجدنا فيه موضحتين سقط القصاص
لتعذر المساواة في الاستيفاء ويرجع إلى الدية وربما حظر الاقتصاص بأقلهما، وفيه
ضعف لأنه استيفاء في محل لا يتحقق توجه القصاص فيه. وكذا لو قال: قطع
يده، ووجد مقطوع اليدين.
ولا يكفي قوله: فأوضحه، ولا شجه، حتى يقول: هذه الموضحة، أو هذه
الشجة، لاحتمال غيرها أكبر أو أصغر.
ويشترط فيهما التوارد على الوصف الواحد فلو شهد أحدهما أنه قتله غدوة
والآخر عشية أو بالسكين والآخر بالسيف أو القتل في مكان معين والآخر في غيره
لم يقبل، وهل يكون ذلك لوثا؟ قال في المبسوط: نعم، وفيه إشكال لتكاذبهما.
أما لو شهد أحدهما بالإقرار والآخر بالمشاهدة لم يثبت وكان لوثا لعدم التكاذب.
وهنا مسائل:
الأولى: لو شهد أحدهما بالإقرار بالقتل مطلقا وشهد الآخر بالإقرار عمدا ثبت
القتل وكلف المدعى عليه البيان، فإن أنكر القتل لم يقبل منه لأنه إكذاب للبينة
وإن قال: عمدا، قبل. وإن قال: خطأ، وصدقه الولي فلا بحث وإلا فالقول قول
الجاني مع يمينه.
ولو شهد أحدهما بمشاهدة القتل عمدا والآخر بالقتل المطلق وأنكر القاتل العمد
وادعاه الولي كانت شهادة الواحد لوثا، و يثبت المولى دعواه بالقسامة إن شاء.
الثانية: لو شهدا بقتل على اثنين فشهد المشهود عليهما على الشاهدين أنهما هما
القاتلان - على وجه لا يتحقق معه التبرع أو إن تحقق لا يقتضي اسقاط الشهادة -
فإن صدق الولي الأولين حكم له وطرحت شهادة الآخرين وإن صدق الجميع أو
صدق الآخرين سقط الجميع.
444

الثالثة: لو شهدا لمن يرثانه أن زيدا جرحه بعد الاندمال قبلت ولا تقبل قبله
لتحقق التهمة على تردد، ولو اندمل بعد الإقامة فأعادت الشهادة قبلت لانتفاء
التهمة، ولو شهدا لمن يرثانه وهو مريض قبلت والفرق أن الدية يستحقانها ابتداء
وفي الثانية يستحقانها من ملك الميت.
الرابعة: لو شهد شاهدان من العاقلة بفسق شاهدي القتل فإن كان القتل
عمدا أو شبيها به أو كانا ممن لا يصل إليهما العقل حكم بهما وطرحت شهادة
القتل، وإن كانا ممن يعقل عنه لا يقبل لأنهما يدفعان عنهما الغرم.
الخامسة: لو شهد اثنان أنه قتل وآخران على غيره أنه قتله سقط القصاص
ووجبت الدية عليهما نصفين، ولو كان خطأ كانت الدية على عاقلتهما ولعله
احتياط في عصمة الدم لما عرض من الشبهة بتصادم البينتين ويحتمل هذا وجها
آخر وهو تخير الولي في تصديق أيهما شاء كما لو أقر اثنان بقتله كل واحد منهما
بقتله منفردا، والأول أولى.
السادسة: لو شهدا أنه قتل زيدا عمدا فأقر آخر أنه هو القاتل وبرئ المشهود
عليه فللولي قتل المشهود عليه ويرد المقر نصف ديته وله قتل المقر ولا رد لإقراره
بالانفراد وله قتلهما بعد أن يرد على المشهود عليه نصف ديته دون المقر، ولو أرادا
الدية كانت عليهما نصفين، وهذه رواية زرارة عن أبي جعفر ع وفي
قتلهما إشكال لانتفاء الشركة وكذا في إلزامهما بالدية نصفين والقول بتخير الولي
في أحدهما وجه قوي غير أن الرواية من المشاهير.
السابعة: قال في المبسوط: لو ادعى قتل العمد وأقام شاهدا وامرأتين ثم عفا لم
يصح لأنه عفا عما لم يثبت، وفيه إشكال إذ العفو لا يتوقف على ثبوت الحق عند
الحاكم.
وأما القسامة: فيستدعي البحث فيها مقاصد:
الأول: في اللوث: ولا قسامة مع ارتفاع التهمة، وللولي إحلاف المنكر يمينا
واحدة ولا يجب التغليظ ولو نكل فعلى ما مضى من القولين.
445

واللوث أمارة يغلب معها الظن بصدق المدعي كالشاهد ولو واحدا، وكذا لو
وجد متشحطا بدمه وعنده ذو سلاح عليه الدم أو في دار قوم أو في محلة منفردة عن
البلد لا يدخلها غير أهلها أو في صف مقابل للخصم بعد المراماة.
ولو وجد في قرية مطروقة أو خلة من خلال العرب أو في محلة منفردة مطروقة وإن
انفردت فإن كان هناك عداوة فهو لوث وإلا فلا لوث لأن الاحتمال متحقق هنا،
ولو وجد بين قريتين فاللوث لأقربهما إليه ومع التساوي في القرب فهما في اللوث
سواء.
أما من وجد في زحام على قنطرة أو بئر أو جسر أو مصنع فديته على بيت المال،
وكذا لو وجد في جامع عظيم أو شارع وكذا لو وجد في فلاة.
ولا يثبت اللوث في شهادة الصبي ولا الفاسق ولا الكافر ولو كان مأمونا في
نحلته، نعم لو أخبر جماعة من الفساق أو النساء مع ارتفاع المواطاة أو مع ظن
ارتفاعها كان لوثا، ولو كان الجماعة كفارا أو صبيانا لم يثبت اللوث ما لم يبلغوا
حد التواتر.
ويشترط في اللوث خلوصه عن الشك، فلو وجد بالقرب من القتيل ذو سلاح
متلطخ بالدم مع سبع من شأنه قتل الانسان بطل اللوث لتحقق الشك.
ولو قال الشاهد: قتله أحد هذين، كان لوثا، ولو قال: قتل أحد هذين، لم
يكن لوثا وفي الفرق تردد.
ولا يشترط في اللوث وجود أثر القتل على الأشبه ولا في القسامة حضور المدعى
عليه.
مسألتان:
الأولى: لو وجد قتيلا في دار فيها عبده كان لوثا، وللورثة القسامة لفائدة
التسلط بالقتل لانفكاكه بالجناية لو كان هناك رهن.
الثانية: لو ادعى الولي أن واحدا من أهل الدار قتله جاز إثبات دعواه
بالقسامة، فلو أنكر كونه فيها وقت القتل كان القول قوله مع يمينه، ولم يثبت
446

اللوث لأن اللوث يتطرق إلى من كان موجودا في تلك الدار ولا يثبت إلا بالإقرار أو
البينة.
الثاني: في كميتها: وهي في العمد خمسون يمينا فإن كان له قوم حلف كل
واحد يمينا إن كانوا عدد القسامة وإن نقصوا عنه، كررت عليهم الأيمان حتى
يكملوا القسامة، وفي الخطأ المحض والشبيه بالعمد خمس وعشرون يمينا، ومن
الأصحاب من سوى بينهما وهو أوثق في الحكم والتفصيل أظهر في المذهب.
ولو كان المدعون جماعة قسمت عليهم الخمسون بالسوية في العمد والخمس
والعشرون في الخطأ.
ولو كان المدعى عليهم أكثر من واحد ففيه تردد أظهره أن على كل واحد خمسين
يمينا كما لو انفرد لأن كل واحد منهم يتوجه عليه دعوى بانفراده.
أما لو كان المدعى عليه واحدا فأحضر من قومه خمسين يشهدون ببراءته حلف
كل واحد منهم يمينا، ولو كانوا أقل من الخمسين كررت عليهم الأيمان حتى
يكملوا العدد.
ولو لم يكن للولي قسامة ولا حلف هو كان له إحلاف المنكر خمسين يمينا إن
لم يكن له قسامة من قومه وإن كان له قوم كان كأحدهم، ولو امتنع عن القسامة
ولم يكن له من يقسم ألزم الدعوى، وقيل: له رد اليمين على المدعي.
وتثبت القسامة في الأعضاء مع التهمة، وكم قدرها؟ قيل: خمسون يمينا
احتياطا إن كانت الجناية تبلغ الدية وإلا فبنسبتها من خمسين يمينا، وقال
آخرون: ست أيمان فيما فيه دية النفس وبحسابه من ستة فيما فيه دون الدية،
وهي رواية أصلها ظريف.
ويشترط في القسامة علم المقسم ولا يكفي الظن.
وفي قبول قسامة الكافر على المسلم تردد أظهره المنع، ولمولى العبد مع اللوث
إثبات دعواه بالقسامة، ولو كان المدعى عليه حرا تمسكا بعموم الأحاديث، ويقسم
المكاتب في عبده كالحر.
447

ولو ارتد الولي منع القسامة، ولو حالف وقعت موقعها لأنه لا يمنع الاكتساب
ويشكل هذا بما أن الارتداد يمنع الإرث فيخرج عن الولاية فلا قسامة.
ويشترط في اليمين ذكر القاتل والمقتول والرفع في نسبتهما بما يزيل الاحتمال
وذكر الانفراد أو الشركة ونوع القتل، أما الإعراب فإن كان من أهله كلف، وإلا
قنع بما يعرف معه القصد، وهل يذكر في اليمين أن النية نية المدعي؟ قيل: نعم
دفعا لتوهم الحالف، والأشبه أنه لا يجب.
المقصد الثالث: في أحكامها:
لو ادعي على اثنين وله على أحدهما لوث حلف خمسين يمينا ويثبت دعواه على
ذي اللوث وكان على الآخر يمين واحدة كالدعوى في غير الدم، ثم إن أراد قتل ذي
اللوث رد عليه نصف ديته.
ولو كان أحد الوليين غائبا وهناك لوث، حلف الحاضر خمسين يمينا ويثبت
حقه ولم يجب الارتقاب.
ولو حضر الغائب حلف بقدر نصيبه وهو خمس وعشرون يمينا، وكذا لو كان
أحدهما صغيرا.
ولو أكذب أحد الوليين صاحبه لم يقدح ذلك في اللوث وحلف لإثبات حقه
خمسين يمينا، وإذا مات الولي قام وارثه مقامه فإن مات في أثناء الأيمان قال
الشيخ: تستأنف الأيمان لأنه لو أتم لا يثبت حقه بيمين غيره.
مسائل:
الأولى: لو حلف مع اللوث واستوفى الدية ثم شهد اثنان أنه كان غائبا في
حال القتل غيبة لا يقدر معها القتل بطلت القسامة واستعيدت الدية.
الثانية: لو حلف واستوفى الدية ثم قال: هذه حرام، فإن فسره بكذبه في
اليمين استعيدت منه وإن فسر بأنه لا يرى القسامة لم يعترضه وإن فسر بأن الدية
ليست ملكا للباذل فإن عين المالك ألزم دفعها إليه ولا يرجع على القاتل بمجرد
448

قوله، ولو لم يعين أقرت في يده.
الثالثة: لو استوفى بالقسامة فقال آخر: أنا قتله منفردا، قال في الخلاف: كان
الولي بالخيار، وفي المبسوط: ليس له ذلك لأنه لا يقسم إلا مع العلم فهو مكذب
للمقر.
الرابعة: إذا اتهم والتمس الولي حبسه حتى يحضر بينة ففي إجابته تردد،
ومستند الجواز ما رواه السكوني عن أبي عبد الله ع: أن النبي
ص كان يحبس في تهمة الدم ستة أيام فإن جاء الأولياء ببينة ثبت وإلا خلي
سبيله، وفي السكوني ضعف.
الفصل الرابع: في كيفية الاستيفاء:
قتل العمد يوجب القصاص لا الدية، فلو عفا الولي على مال لم يسقط القود
ولم تثبت الدية إلا مع رضاء الجاني، ولو عفا ولم يشترط المال سقط القود ولم
تثبت الدية، ولو بذل الجاني القود لم يكن للولي غيره، ولو طلب الدية فبذلها
الجاني صح، ولو امتنع لم يجز، ولو لم يرض الولي بالدية جاز المفاداة بالزيادة.
ولا يقضى بالقصاص ما لم يتعين التلف بالجناية، ومع الاشتباه يقتصر على
القصاص في الجناية لا في النفس.
ويرث القصاص من يرث المال عدا الزوج والزوجة فإن لهما نصيبهما من الدية
في عمد أو خطأ، وقيل: لا يرث القصاص إلا العصبة دون الإخوة والأخوات من
الأم ومن يتقرب بها، وهو الأظهر. وقيل: ليس للنساء عفو ولا قود، على الأشبه.
وكذا يرث الدية من يرث المال والبحث فيه كالأول غير أن الزوج والزوجة يرثان
من الدية على التقديرات.
وإذا كان الولي واحدا جاز له المبادرة والأولى توقفه على إذن الإمام، وقيل:
يحرم المبادرة ويعزر لو بادر. وتتأكد الكراهية في قصاص الطرف.
وإن كانوا جماعة لم يجز الاستيفاء إلا بعد الاجتماع إما بالوكالة أو بالإذن
449

لواحد، وقال الشيخ رحمه الله: يجوز لكل منهم المبادرة ولا يتوقف على إذن الآخر
لكن يضمن حصص من لم يأذن.
وينبغي للإمام أن يحضر عند الاستيفاء شاهدين فطنين احتياطا ولإقامة
الشهادة إن حصلت مجاحدة ويعتبر الآلة لئلا تكون مسمومة خصوصا في قصاص
الطرف، ولو كانت مسمومة فحصلت منها جناية بسبب السم ضمنه، ويمنع من
الاستيفاء بالآلة الكالة تجنبا للتعذيب ولو فعل أساء ولا شئ عليه.
ولا يقتص إلا بالسيف، ولا يجوز التمثيل به بل يقتصر على ضرب عنقه ولو
كانت الجناية بالتغريق أو بالتحريق أو بالمثقل أو بالرضخ.
وأجرة من يقيم الحدود من بيت المال فإن لم يكن بيت مال أو كان هناك ما هو
أهم كانت الأجرة على المجني عليه، ولا يضمن المقتص سراية القصاص نعم لو
تعدى ضمن، فإن قال: تعمدت، اقتص منه في الزائد، وإن قال: أخطأت،
أخذت منه دية العدوان. ولو خالفه المقتص منه في دعوى الخطأ كان القول قول
المقتص مع يمينه.
وكل من يجري بينهم القصاص في النفس يجري في الطرف، ومن لا يقتص له
في النفس لا يقتص له في الطرف.
وهنا مسائل:
الأولى: إذا كان له أولياء لا يولي عليهم كانوا شركاء في القصاص، فإن
حضر بعض وغاب الباقون قال الشيخ: للحاضر الاستيفاء بشرط أن يضمن حصص
الباقين من الدية، وكذا لو كان بعضهم صغارا، وقال: لو كان الولي صغيرا وله
أب أو جد لم يكن لأحد أن يستوفي حتى يبلغ سواء كان القصاص في النفس أو في
الطرف، وفيه إشكال، وقال: يحبس القاتل حتى يبلغ الصبي أو يفيق المجنون،
وهو أشد إشكالا من الأول.
الثانية: إذا زادوا على الواحد فلهم القصاص ولو اختار بعضهم الدية وأجاب
القاتل جاز، فإذا أسلم سقط القود على رواية والمشهور أنه لا يسقط وللآخرين
450

القصاص بعد أن يردوا عليه نصيب من فاداه، ولو امتنع من بذل نصيب من يريد
الدية جاز لمن أراد القود أن يقتص بعد رد نصيب شريكه، ولو عفا البعض لم يسقط
القصاص وللباقين أن يقتصوا بعد رد نصيب من عفا على القاتل.
الثالثة: إذا أقر أحد الوليين بأن شريكه عفا عن القصاص على مال لم يقبل
إقراره على الشريك ولا يسقط القود في حق أحدهما وللمقر أن يقتل لكن بعد أن يرد
نصيب شريكه، فإن صدقه فالرد له وإلا كان للجاني والشريك على حاله في شركة
القصاص.
الرابعة: إذا اشترك الأب والأجنبي في قتل ولده أو المسلم والذمي في قتل
ذمي فعلى الشريك القود ويقتضي المذهب أن يرد عليه الآخر نصف ديته، وكذا لو
كان أحدهما عامدا والآخر خاطئا كان القصاص على العامد بعد الرد لكن هذا
الرد من العاقلة، وكذا لو شاركه سبع لم يسقط القصاص لكن يرد عليه الولي
نصف ديته.
الخامسة: للمحجور عليه لفلس أو سفه استيفاء القصاص لاختصاص الحجر
بالمال، ولو عفا على مال ورضي القاتل قسمه على الغرماء، ولو قتل وعليه دين فإن
أخذ الورثة الدية صرفت في ديون المقتول ووصاياه كما له، وهل للورثة استيفاء
القصاص من دون ضمان ما عليه من الديون؟ قيل: نعم تمسكا بالآية، وهو أولى،
وقيل: لا، وهو مروي.
السادسة: إذا قتل جماعة على التعاقب ثبت لولي كل واحد منهم القود ولا
يتعلق حق واحد بالآخر، فإن استوفى الأول سقط حق الباقين لا إلى بدل، على
تردد. ولو بادر أحدهم فقتله فقد أساء وسقط حق الباقين، وفيه إشكال من حيث
تساوى الكل في سبب الاستحقاق.
السابعة: لو وكل في استيفاء القصاص فعزله قبل القصاص ثم استوفى فإن علم
فعليه القصاص وإن لم يعلم فلا قصاص ولا دية، أما لو عفا الموكل ثم استوفى ولما
يعلم فلا قصاص أيضا وعليه الدية للمباشرة ويرجع بها على الموكل لأنه غار.
451

" الثامنة ": لا يقتص من الحامل حتى تضع، ولو تجدد حملها بعد الجناية فإن
ادعت الحمل وشهدت لها القوابل ثبت وإن تجردت دعواها قيل: لا يؤخذ بقولها،
لأن فيه دفعا للولي عن السلطان، ولو قيل: يؤخذ، كان أحوط. وهل يجب على
الولي الصبر حتى يستقل الولد بالاغتذاء؟ قيل: نعم دفعا لمشقة اختلاف اللبن،
والوجه تسليط الولي إن كان للولد ما يعيش به غير لبن الأم والتأخير إن لم يكن.
ولو قتلت المرأة قصاصا فبانت حاملا فالدية على القاتل، ولو كان المباشر
جاهلا به وعلم الحاكم ضمن الحاكم.
التاسعة: لو قطع يد رجل ثم قتل آخر قطعناه أولا ثم قتلناه وكذا لو بدئ
بالقتل توصلا إلى استيفاء الحقين، ولو سرى القطع في المجني عليه والحال هذه كان
للولي نصف الدية من تركة الجاني لأن قطع اليد بدل عن نصف الدية، وقيل: لا
يجب في تركة الجاني شئ لأن الدية لا تثبت في العمد إلا صلحا.
ولو قطع يديه فاقتص ثم سرت جراحة المجني عليه جاز لوليه القصاص في
النفس، ولو قطع يهودي يد مسلم فاقتص المسلم ثم سرت جراحة المسلم كان للولي
قتل الذمي ولو طالب بالدية كان له دية المسلم لا دية يد الذمي وهي أربعمائة
درهم، وكذا لو قطعت المرأة يد رجل فاقتص ثم سرت جراحته كان للولي
القصاص ولو طالب بالدية كان له ثلاثة أرباعها.
ولو قطعت يديه ورجليه فاقتص ثم سرت جراحاته كان لوليه القصاص في
النفس وليس له الدية لأنه استوفى ما يقوم مقام الدية، وفي هذا كله تردد لأن
للنفس دية على انفرادها وما استوفاه وقع قصاصا.
العاشرة: إذا هلك قاتل العمد سقط القصاص، وهل تسقط الدية؟ قال في
المبسوط: نعم، وتردد في الخلاف. وفي رواية أبي بصير: إذا هرب ولم يقدر عليه
حتى مات أخذت من ماله وإلا فمن الأقرب فالأقرب.
الحادية عشرة: لو اقتص من قاطع اليد ثم مات المجني عليه بالسراية ثم الجاني
وقع القصاص بالسراية موقعه، وكذا لو قطع يده ثم قتله فقطع الولي يد الجاني ثم
452

سرت إلى نفسه، أما لو سرى القطع إلى الجاني أولا ثم سرى قطع المجني عليه لم
يقع سراية الجاني قصاصا لأنها حاصلة قبل سراية المجني عليه فكانت هدرا.
الثانية عشرة: لو قطع يد انسان فعفا المقطوع ثم قتله القاطع فللولي القصاص في
النفس بعد رد دية اليد، وكذا لو قتل مقطوع اليد قتل بعد أن يرد عليه دية يده إن
كان المجني عليه أخذ ديتها أو قطعت في قصاص ولو كانت قطعت من غير جناية
ولا أخذ لها دية قتل القاتل من غير رد، وهي رواية سورة بن كليب عن أبي عبد الله
ع. وكذا لو قطع كفا بغير أصابع قطعت كفه بعد رد دية الأصابع.
ولو ضرب ولي الدم الجاني قصاصا وتركه ظنا أنه قتل وكان به رمق فعالج
نفسه وبرئ لم يكن للولي القصاص في النفس حتى يقتص منه بالجراحة أولا،
وهذه رواية أبان بن عثمان عمن أخبره عن أحدهما ع وفي أبان ضعف
مع إرساله السند، والأقرب أنه إن ضربه الولي بما ليس له الاقتصاص به اقتص منه
وإلا كان له قتله كما لو ظن أنه أبان عنقه ثم تبين خلاف ظنه بعد انصلاحه فهذا
له قتله ولا يقتص من الولي لأنه فعل سائغ.
القسم الثاني: في قصاص الطرف:
وموجبه الجناية بما يتلف العضو غالبا أو الإتلاف بما قد يتلف لا غالبا مع قصد
الإتلاف.
ويشترط في جواز الاقتصاص التساوي في الاسلام والحرية أو يكون المجني عليه
أكمل، فيقتص للرجل من المرأة ولا يؤخذ الفضل ويقتص لها منه بعد رد التفاوت
في النفس أو الطرف، ويقتص للذمي من الذمي ولا يقتص له من مسلم، وللحر
من العبد ولا يقتص للعبد من الحر كما لا يقتص له في النفس، وللتساوي في
السلامة فلا تقطع اليد الصحيحة بالشلاء ولو بذلها الجاني وتقطع الشلاء
بالصحيحة إلا أن يحكم أهل الخبرة أنها لا تنحسم فيعدل إلى الدية تقصيا من خطر
السراية.
453

وتقطع اليمين باليمين، فإن لم يكن يمين قطعت بها يسراه ولو لم يكن يمين ولا
يسار قطعت رجله استنادا إلى الرواية، وكذا لو قطع أيدي جماعة على التعاقب قطعت
يداه ورجلاه بالأول فالأول وكان لمن يبقى الدية.
ويعتبر التساوي بالمساحة في الشجاج طولا وعرضا ولا يعتبر نزولا بل يراعى
حصول اسم الشجة لتفاوت الرؤوس في السمن.
ولا يثبت القصاص فيما فيه تعزير كالجائفة والمأمومة، ويثبت في الحارصة
والباضعة والسمحاق والموضحة وفي كل جرح لا تعزير في أخذه وسلامة النفس معه
غالبة فلا يثبت في الهاشمة ولا المنقلة ولا في كسر شئ من العظام لتحقق التعزير،
وهل يجوز الاقتصاص قبل الاندمال؟ قال في المبسوط: لا لما لا يأمن من السراية
الموجبة لدخول الطرف فيها، وقال في الخلاف: بالجواز مع استحباب الصبر، وهو
أشبه.
ولو قطع عدة من أعضائه خطأ جاز أخذ دياتها ولو كانت أضعاف الدية،
وقيل: يقتصر على دية النفس حتى يندمل ثم يستوفى الباقي. أو يسري فيكون له ما
أخذه وهو أولى لأن دية الطرف تدخل في دية النفس وفاقا.
وكيفية القصاص في الجراح أن يقاس بخيط أو شبهه ويعلم طرفاه في موضع
الاقتصاص ثم يشق من إحدى العلامتين إلى الأخرى، فإن شق على الجاني جاز أن
يستوفى منه في أكثر من دفعة، ويؤخر القصاص في الأطراف من شدة الحر والبرد إلى
اعتدال النهار، ولا يقتص إلا بحديدة.
ولو قلع عين انسان فهل له قلع عين الجاني بيده؟ الأولى انتزاعها بحديدة معوجة
فإنه أسهل.
ولو كانت الجراحة تستوعب عضو الجاني وتزيد عنه لم يخرج في القصاص إلى
العضو الآخر واقتصر على ما يحتمله العضو وفي الزائد بنسبة المتخلف إلى أصل الجرح
(من الدية)، ولو كان المجني عليه صغير العضو فاستوعبته الجناية لم يستوعب في
المقتص منه واقتصر على قدر مساحة الجناية.
454

ولو قطعت أذن انسان فاقتص ثم ألصقها المجني عليه كان للجاني إزالتها
لتحقق المماثلة، وقيل: لأنها ميتة. وكذا الحكم لو قطع بعضها، ولو قطعها فتعلقت
بجلده ثبت القصاص لأن المماثلة ممكنة.
ويثبت القصاص في العين، ولو كان الجاني أعور خلقة فإن عمي فإن الحق
أعماه ولا رد، أما لو قلع عينه الصحيحة ذو عينين اقتص له بعين واحدة إن شاء،
وهل له مع ذلك نصف الدية؟ قيل: لا لقوله تعالى: العين بالعين، وقيل: نعم
تمسكا بالأحاديث، والأول أولى.
ولو أذهب ضوء دون الحدقة توصل في المماثلة، وقيل: يطرح على الأجفان قطن
مبلول ويقابل بمرآة محماة مواجهة للشمس حتى تذهب الباصرة وتبقى الحدقة.
ويثبت في الحاجبين وشعر الرأس واللحية فإن نبت فلا قصاص.
وفي قطع الذكر ويتساوى في ذلك ذكر الشاب والشيخ والصبي والبالغ والفحل
والذي سلت خصيتاه والأغلف والمختون، نعم لا يقاد الصحيح بذكر العنين ويثبت
بقطعه ثلث الدية.
وفي الخصيتين القصاص وكذا في إحديهما إلا أن يخشى ذهاب منفعة الأخرى
فيؤخذ ديتها.
ويثبت في الشفرين كما يثبت في الشفتين، ولو كان الجاني رجلا فلا قصاص
وعليه ديتهما، وفي رواية عبد الرحمن بن سيابة عن أبي عبد الله ع: إن لم
يؤد ديتها قطعت لها فرجه، وهي متروكة.
ولو كان المجني عليه خنثى فإن تبين أنه ذكر فجنى عليه رجل كان في ذكره
وأنثييه القصاص وفي الشفرين الحكومة.
ولو كان الجاني امرأة كان في المذاكير الدية وفي الشفرين الحكومة لأنهما ليسا
أصلا، ولو تبين أنه امرأة فلا قصاص على الرجل فيهما وعليه في الشفرين ديتهما
وفي الذكر والأنثيين الحكومة.
ولو جنت عليه امرأة كان في الشفرين القصاص وفي المذاكير الحكومة، ولو لم
455

يصبر حتى تستبان حاله فإن طالب بالقصاص لم يكن له لتحقق الاحتمال، ولو
طالب بالدية أعطي اليقين وهو دية الشفرين، ولو تبين بعد ذلك أنه رجل أكمل له
دية الذكر والأنثيين والحكومة في الشفرين أو تبين أنه أنثى أعطي الحكومة في
الباقي، ولو قال: أطالب بدية عضو مع بقاء القصاص في الباقي، لم يكن له. ولو
طالب بالحكومة مع بقاء القصاص صح ويعطي أقل الحكومتين.
ويقطع العضو الصحيح بالمجذوم إذا لم يسقط منه شئ، وكذا يقطع الأنف
الشام بالعادم له كما تقطع الأذن الصحيحة بالصماء.
ولو قطع بعض الأنف نسبنا المقطوع إلى أصله وأخذنا من الجاني بحسابه لئلا
يستوعب أنف الجاني بتقدير أن يكون صغيرا، وكذا يثبت القصاص في أحد
المنخرين، وكذا البحث في الأذن وتؤخذ الصحيحة بالمثقوبة، وهل تؤخذ
بالمخرومة، قيل: لا، ويقتص إلى حد الخرم والحكومة فيما بقي. ولو قيل: يقتص
إذا رد دية الخرم، كان حسنا.
وفي السن القصاص، فإن كانت سن مثغر وعادت ناقصة أو متغيرة كان فيها
الحكومة وإن عادت كما كانت فلا قصاص ولا دية، ولو قيل: بالأرش، كان
حسنا.
أما سن الصبي فينتظر بها سنة فإن عادت ففيها الحكومة وإلا كان فيها
القصاص، وقيل: في سن الصبي بعير مطلقا. ولو مات قبل اليأس من عودها
قضي لوارثه بالأرش، ولو اقتص البالغ بالسن فعادت سن الجاني لم يكن للمجني
عليه إزالتها لأنها ليست بجنسه.
ويشترط في الأسنان: التساوي في المحل فلا يقلع سن بضرس ولا بالعكس ولا
أصلية بزائدة، وكذا لا تقلع زائدة بزائدة مع تغاير المحلين.
وكذا حكم الأصابع الأصلية والزائدة، وتقطع الإصبع بالإصبع مع تساويهما.
وكل عضو يؤخذ قودا مع وجوده تؤخذ الدية مع فقده مثل أن يقطع إصبعين وله
واحدة أو يقطع كفا تاما وليس للقاطع أصابع.
456

مسائل:
الأولى: إذا قطع يدا كاملة ويده ناقصة إصبعا كان للمجني عليه قطع
الناقصة، وهل يأخذ دية الإصبع؟ قال في الخلاف: نعم، وفي المبسوط: ليس له
ذلك إلا أن يكون أخذ ديتها. ولو قطع إصبع رجل فسرت إلى كفه ثم اندملت ثبت
القصاص فيهما، وهل له القصاص في الإصبع وأخذ الدية في الباقي؟ الوجه لا،
لإمكان القصاص فيهما. ولو قطع يده من مفصل الكوع ثبت القصاص، ولو قطع
معها بعض الذراع اقتص في اليد وله الحكومة في الزائد، ولو قطعها من المرفق اقتص
منه ولا يقتص في اليد ويأخذ أرش الزائد والفرق بين.
الثانية: إذا كان للقاطع إصبع زائدة وللمقطوع كذلك ثبت القصاص لتحقق
التساوي، ولو كانت الزائدة للجاني فإن كانت خارجة عن الكف اقتص منه
أيضا لأنها تسلم للجاني وإن كانت في سمت الأصابع منفصلة ثبت القصاص في
الخمس دون الزائدة ودون الكف وكان في الكف الحكومة، ولو كانت متصلة
ببعض الأصابع جاز الاقتصاص فيما عدا الملتصقة وله دية إصبع والحكومة في
الكف، أما لو كانت الزائدة للمجني عليه فله القصاص ودية الزائدة وهو ثلث دية
الأصلية.
ولو كانت له أربع أصابع أصلية وخامسة غير أصلية لم تقطع يد الجاني إذا
كانت أصابعه كاملة أصلية وكان للمجني عليه القصاص في أربع وأرش الخامسة،
أما لو كانت الإصبع التي ليست أصلية للجاني ثبت القصاص لأن الناقص يؤخذ
بالكامل.
ولو اختلف محل الزائدة لم يتحقق القصاص كما لا يقطع إبهام بخنصر، ولو
كانت لأنملة طرفان فقطعهما فإن كان للجاني مساوية ثبت القصاص لتحقق
التساوي وإلا اقتص وأخذ الأرش للطرف الآخر، ولو كان الطرفان للجاني لم
يقتص منه وكان للمجني عليه دية أنملته وهو ثلث دية الإصبع.
ولو قطع من واحد الأنملة العليا ومن آخر الوسطى فإن سبق صاحب العليا
457

اقتص له وكان للآخر الوسطى وإن سبق صاحب الوسطى أخر، فإن اقتص
صاحب العليا اقتص لصاحب الوسطى بعده فإن عفا كان لصاحب الوسطى
القصاص إذا رد دية العليا، ولو بادر صاحب الوسطى فقطع فقد استوفى حقه وزيادة
فعليه دية الزيادة ولصاحب العليا على الجاني دية أنملته.
الثالثة: إذا قطع يمينا فبذل شمالا فقطعها المجني عليه من غير علم قال في
المبسوط: يقتضي مذهبنا سقوط القود، وفيه تردد لأن المتعين قطع اليمنى فلا
تجزئ اليسرى مع وجودها، وعلى هذا يكون القصاص في اليمنى باقيا ويؤخر حتى
يندمل اليسار توقيا من السراية بتوارد القطعين.
وأما الدية فإن كان الجاني سميع الآمر باخراج اليمنى فأخرج اليسار مع العلم
بأنها لا تجزئ وقصده إلى اخراجها فلا دية أيضا، ولو قطعها مع العلم قال في
المبسوط: سقط القود إلى الدية لأنه بذلها للقطع فكانت شبهة في سقوط القود، وفيه
إشكال لأنه أقدم على قطع ما لا يملكه فيكون كما لو قطع عضوا غير اليد.
وكل موضع لزمه دية اليسار يضمن السراية ولا يضمنها لو لم يضمن الجناية،
ولو اختلفا فقال: بذلتها مع العلم لا بدلا، فأنكر الباذل فالقول قول الباذل لأنه
أبصر بنيته. ولو اتفقا على بذلها بدلا لم تقع بدلا وكان على القاطع ديتها وله
القصاص في اليمنى لأنها موجودة، وفي هذا تردد.
ولو كان المقتص مجنونا فبذل له الجاني غير العضو فقطعه ذهب هدرا إذ ليس
للمجنون ولاية الاستيفاء فيكون الباذل مبطلا حق نفسه، ولو قطع يمين مجنون فوثب
المجنون فقطع يمينه قيل: وقع الاستيفاء موقعه، وقيل: لا يكون قصاصا لأن
المجنون ليس له أهلية الاستيفاء، وهو أشبه ويكون قصاص المجنون باقيا على
الجاني ودية جناية المجنون على عاقلته.
الرابعة: لو قطع يدي رجل ورجليه خطأ واختلفا فقال الولي: مات بعد
الاندمال، وقال الجاني: مات بالسراية، فإن كان الزمان قصيرا لا يحتمل
الاندمال فالقول قول الجاني مع يمينه فإن أمكن الاندمال فالقول قول الولي لأن
458

الاحتمالين متكافئان والأصل وجوب الديتين، ولو اختلفا في المدة فالقول قول
الجاني،
أما لو قطع يده فمات وادعى الجاني الاندمال فادعى الولي السراية فالقول قول
الجاني إن مضت مدة يمكن الاندمال، ولو اختلفا فالقول قول الولي وفيه تردد، ولو
ادعى الجاني أنه شرب سما فمات وادعى الولي موته من السراية فالاحتمال فيهما
سواء، ومثله الملفوف في الكساء إذا قده بنصفين وادعى الولي أنه كان حيا وادعى
الجاني أنه كان ميتا فالاحتمالان متساويان فيرجح قول الجاني بما أن الأصل عدم
الضمان وفيه احتمال آخر ضعيف.
الخامسة: لو قطع إصبع رجل ويد آخر اقتص للأول ثم للثاني ويرجع بدية
إصبع، ولو قطع اليد أولا ثم الإصبع من آخر اقتص للأول وألزم للثاني دية
الإصبع.
السادسة: إذا قطع إصبعه فعفا المجني عليه قبل الاندمال فإن اندملت فلا
قصاص ولا دية لأنه اسقاط لحق ثابت عند الإبراء، ولو قال: عفوت عن الجناية،
سقط القصاص والدية لأنها لا تثبت إلا صلحا. ولو قال: عفوت عن الجناية، ثم
سرت إلى الكف سقط القصاص في الإصبع وله دية الكف، ولو سرت إلى نفسه
كان للولي القصاص في النفس بعد رد ما عفا عنه.
ولو صرح بالعفو صح فيما كان ثابتا وقت الإبراء وهو دية الجرح، أما
القصاص في النفس أو الدية ففيه تردد لأنه إبراء مما لم يجب وفي الخلاف: يصح
العفو عنها وعما يحدث عنها، فلو سرت كان عفوه ماضيا من الثلث لأنه بمنزلة
الوصية.
السابعة: لو جنى عبد على حر جناية تتعلق برقبته فإن قال: أبرأتك، لم يصح
وإن أبرأ السيد صح لأن الجناية وإن تعلقت برقبة العبد فإنه ملك للسيد وفيه إشكال
من حيث أن الإبراء اسقاط لما في الذمة. ولو قال: عفوت عن أرش هذه الجناية،
صح.
459

ولو أبرأ قاتل الخطأ المحض لم يبرأ، ولو أبرأ العاقلة أو قال: عفوت عن أرش
هذه الجناية، صح. ولو كان القتل شبيه العمد فإن أبرأ القاتل أو قال: عفوت عن
أرش هذه الجناية، صح. ولو أبرأ العاقلة لم يبرأ القاتل.
460

المختصر النافع
لأبي القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن بن أبي زكريا
يحيى بن الحسن بن سعيد الهذلي المشتهر بالمحقق وبالمحقق الحلي
602 - 676 ه‍ ق
461

كتاب القصاص
وهو إما في النفس وإما في الطرف.
والقود موجبه إزهاق البالغ العاقل النفس المعصومة المكافئة عمدا، ويتحقق
العمد بالقصد إلى القتل بما يقتل ولو نادرا أو القتل بما يقتل غالبا وإن لم يقصد
القتل، ولو قتل بما لا يقتل غالبا ولم يقصد القتل فاتفق فالأشهر أنه خطأ كالضرب
بالحصاة والعود الخفيف.
أما الرمي بالحجر الغامز أو بالسهم المحدد فإنه يوجب القود لو قتل، وكذا لو
ألقاه في النار أو ضربه بعصا مكررا ما لا يحتمله مثله فمات، وكذا لو ألقاه إلى
الحوت فابتلعه أو إلى الأسد فافترسه لأنه كالآلة عادة.
ولو أمسك واحد وقتل الآخر ونظر الثالث فالقود على القاتل ويحبس الممسك
أبدا وتفقأ عين الناظر.
ولو أكره على القتل فالقصاص على القاتل لا المكره، وكذا لو أمره بالقتل
فالقصاص على المباشر ويحبس الآمر أبدا.
ولو كان المأمور عبده فقولان أشبههما أنه كغيره والمروي يقتل به السيد، قال
في الخلاف: إن كان العبد صغيرا أو مجنونا سقط القود ووجبت الدية على المولى.
ولو جرح جان فسرت الجناية دخل قصاص الطرف في النفس، أما لو جرحه
وقتله فقولان: أحدهما لا يدخل قصاص الطرف في النفس والآخر يدخل، وفي
النهاية: إن فرقه لم يدخل، ومستندها رواية محمد بن قيس.
463

وتدخل دية الطرف في دية النفس إجماعا.
مسائل من الاشتراك:
الأولى: لو اشترك جماعة في قتل حر مسلم فللولي قتل الجميع ويرد على كل واحد
ما فضل من ديته عن جنايته، وله قتل البعض ويرد الآخرون قدر جنايتهم فإن
فضل للمقتولين فضل قام به الولي وإن فضل منهم كان له.
الثانية: يقتص من الجماعة في الأطراف كما يقتص في النفس، فلو قطع يده
جماعة كان له التخيير في قطع الجميع ويرد فاضل الدية وله قطع البعض ويرد عليهم
الآخرون.
الثالثة: لو اشتركت في قتله امرأتان قتلتا ولا رد إذ لا فاضل لهما، ولو كان أكثر
رد الفاضل إن قتلهن وإن قتل بعضا رد البعض الآخر.
ولو اشترك رجل وامرأة فللولي قتلهما ويختص الرجل بالرد والمفيد جعل الرد
أثلاثا، ولو قتل الرجل ردت عليه نصف ديته، ولو قتل المرأة فلا رد له وله مطالبة
الرجل بنصف الدية.
الرابعة: لو اشترك حر وعبد في قتل حر عمدا قال في النهاية: له قتلهما ويرد
على سيد العبد نصف قيمته وله قتل الحر ويرد عليه سيد العبد خمسة آلاف درهم أو
يسلم العبد إليهم أو يقتلوا العبد وليس لمولاه على الحر سبيل.
والحق أن نصف الجناية على الحر ونصفها على العبد، فلو قتلهما الولي رد على
الحر نصف ديته وعلى مولى العبد ما فضل من قيمته عن نصف الدية، ولو قتل الحر
رد مولى العبد عليه نصف الدية أو دفع العبد ما لم تزد قيمته عن النصف فتكون
الزيادة للمولى، ولو قتل العبد رد على المولى ما فضل عن نصف الدية إن كان في
العبد فضل.
ولو قتلت امرأة وعبد فعلى كل واحد منهما نصف الدية، فلو قتل العبد وكانت
قيمته بقدر جنايته فلا رد فإن زادت ردت على مولاه الزيادة.
464

القول في الشرائط المعتبرة في القصاص:
وهي خمسة:
الأول: الحرية: فيقتل الحر بالحر ولا رد وبالحرة مع الرد والحرة بالحرة وبالحر،
وهل يؤخذ منهما الفضل؟ الأصح لا، وتتساوى المرأة والرجل في الجراح قصاصا
ودية حتى يبلغ ثلث دية الحر فتنصف ديتها ويقتص لها مع رد التفاوت وله منها ولا
رد.
ويقتل العبد بالعبد، والأمة بالأمة وبالعبد.
ولا يقتل الحر بالعبد بل يلزمه قيمته لمولاه يوم القتل ولا يتجاوز دية الحر ولو
اختلفا في القيمة فالقول قول الجاني مع يمينه، ويعزر القاتل وتلزمه الكفارة ولو كان
العبد ملكه عزر وكفر، وفي الصدقة بقيمته رواية فيها ضعف، وفي رواية: إن اعتاد
ذلك قتل به.
ودية المملوكة قيمتها ما لم تتجاوز به الحرة، وكذا لا يتجاوز بدية عبد الذمي
دية الحر منهم ولا بدية الأمة دية الذمية.
ولو قتل العبد حرا لم يضمن مولاه، وولي الدم بالخيار بين قتله واسترقاقه
وليس للمولى فكه مع كراهية الولي.
ولو جرح حرا فللمجروح القصاص وإن شاء استرقه إن استوعبته الجناية وإن
قصرت استرق منه بنسبة الجناية أو يباع فيأخذ من ثمنه حقه، ولو افتداه المولى فداه
بأرش الجناية ويقاد العبد لمولاه إن شاء الولي.
ولو قتل عبدا مثله عمدا فإن كانا لواحد فالمولى بالخيار بين الاقتصاص والعفو،
وإن كانا لاثنين فللمولى قتله إلا أن يتراضى الوليان بدية أو أرش، ولو كانت الجناية
خطأ كان لمولى القاتل فكه بقيمته وله دفعه وله منه ما فضل من قيمته عن قيمة
المقتول ولا يضمن ما يعوز.
والمدبر كالقن ولو استرقه ولي الدم ففي خروجه عن التدبير قولان، وبتقدير ألا
يخرج هل يسعى في فك رقبته؟ المروي أنه يسعى.
465

والمكاتب إن لم يؤد وكان مشروطا فهو كالرق المحض، وإن كان مطلقا وقد
أدى شيئا فإن قتل حرا مكافئا عمدا قتل، وإن قتل مملوكا فلا قود وتعلقت الجناية
بما فيه من الرقية مبعضة ويسعى في نصيب الحرية ويسترق الباقي منه أو يباع في
نصيب الرق، ولو قتل خطأ فعلى الإمام بقدر ما فيه من الحرية وللمولى الخيار بين فك
ما فيه الرقية بالأرش أو تسليم حصة الرق ليقاص بالجناية، وفي رواية علي
بن جعفر ع: إذا أدى نصف ما عليه فهو بمنزلة الحر.
مسائل:
الأولى: لو قتل حر حرين فليس للأولياء إلا قتله، ولو قتل العبد حرين على
التعاقب ففي رواية: هو لأولياء الأخير، وفي أخرى: يشتركان فيه ما لم يحكم به
لولي الأول.
الثانية: لو قطع يمنى رجلين قطعت يمينه للأول ويسراه للثاني، قال الشيخ في
النهاية: ولو قطع يدا وليس له يدان قطعت رجله باليد. وكذا لو قطع أيدي جماعة
قطعت يداه بالأول فالأول والرجل بالأخير فالأخير ولمن يبقى بعد ذلك الدية، ولعله
استنادا إلى رواية حبيب السجستاني عن أبي عبد الله ع.
الثالثة: إذا قتل العبد حرا عمدا فأعتقه مولاه ففي العتق تردد أشبهه أنه لا
ينعتق لأن للولي التخيير للاسترقاق، ولو كان خطأ ففي رواية عمرو بن شجر عن
جابر عن أبي عبد الله ع: يصح ويضمن المولى الدية، وفي عمرو ضعف
والأشبه اشتراط الصحة بتقدم الضمان.
الشرط الثاني: الدين: فلا يقتل المسلم بكافر ذميا كان أو غيره ولكن يعزر
ويغرم دية الذمي، ولو اعتاد ذلك جاز الاقتصاص مع رد فاضل دية المسلم.
ويقتل الذمي بالذمي وبالذمية بعد رد فاضل ديته والذمية بمثلها وبالذمي ولا
رد.
ولو قتل الذمي مسلما عمدا دفع هو وماله إلى أولياء المقتول ولهم الخيرة بين قتله
466

واسترقاقه، وهل يسترق ولده الصغار؟ الأشبه لا، ولو أسلم بعد القتل كان
كالمسلم.
ولو قتل خطأ لزمت الدية في ماله، ولو لم يكن له مال كان الإمام عاقلته دون
قومه.
الشرط الثالث: ألا يكون القاتل أبا: فلو قتل ولده لم يقتل به وعليه الدية
و الكفارة والتعزير، ويقتل الولد بأبيه وكذا الأم تقتل بالولد وكذا الأقارب، وفي قتل
الجد بولد الولد تردد.
الشرط الرابع: كمال العقل: فلا يقاد المجنون ولا الصبي وجنايتهما عمدا
وخطأ على العاقلة، وفي رواية: يقتص من الصبي إذا بلغ عشرا، وفي أخرى: إذا
بلغ خمسة أشبار وتقام عليه الحدود، و الأشهر أن عمده خطأ حتى يبلغ التكليف.
أما لو قتل العاقل ثم جن لم يسقط القود، ولو قتل البالغ الصبي قتل به على
الأشبه.
ولا يقتل العاقل بالمجنون وتثبت الدية على القاتل إن كان عمدا أو شبيها وعلى
العاقلة إن كان خطأ، ولو قصد العاقل دفعه كان هدرا، وفي رواية: ديته من بيت
المال.
ولا قود على النائم وعليه الدية.
وفي الأعمى تردد أشبهه أنه كالمبصر في توجه القصاص، وفي رواية الحلبي عن
أبي عبد الله ع: أن جنايته خطأ يلزم العاقلة فإن لم يكن له عاقلة فالدية
في ماله تؤخذ في ثلاث سنين، وهذه فيها مع الشذوذ تخصيص لعموم الآية.
الشرط الخامس: أن يكون المقتول محقون الدم:
القول في ما يثبت به وهو الإقرار أو البينة أو القسامة.
أما الإقرار: فيكفي المرة وبعض الأصحاب يشترط التكرار مرتين، ويعتبر في
المقر البلوغ والعقل والاختيار والحرية.
467

ولو أقر واحد بالقتل عمدا والآخر خطأ تخير الولي تصديق أحدهما، ولو أقر
واحد بقتله عمدا فأقر آخر أنه هو الذي قتله ورجع الأول درئ عنهما القصاص
والدية وودي من بيت المال، وهو قضاء الحسن بن علي ع.
أما البينة: فهي شاهدان عدلان، ولا تثبت بشاهد ويمين ولا بشاهد وامرأتين
ويثبت بذلك ما يوجب الدية كالخطأ ودية الهاشمة والمنقلة والجائفة وكسر العظام.
ولو شهد اثنان أن القاتل زيد وآخران أن القاتل عمرو قال الشيخ في النهاية:
يسقط القصاص ووجبت الدية نصفين ولو كان خطأ كانت الدية على عاقلتهما،
ولعله احتياط في عصمة الدم لما عرض من تصادم البينتين.
ولو شهد بأنه قتله عمدا فأقر آخر أنه هو القاتل دون المشهود عليه ففي رواية
زرارة عن أبي جعفر ع: للولي قتل المقر ثم لا سبيل على المشهود عليه وله
قتل المشهود عليه ويرد المقر على أولياء المشهود عليه نصف الدية وله قتلهما ويرد على
أولياء المشهود عليه خاصة نصف الدية، وفي قتلهما إشكال لانتفاء العلم بالشركة
وكذا في إلزامهما بالدية نصفين لكن الرواية من المشاهير.
مسائل:
الأولى: قيل: يحبس المتهم بالدم ستة أيام فإن ثبتت الدعوى وإلا خلي
سبيله، وفي المستند ضعف وفيه تعجيل لعقوبة لم يثبت سببها.
الثانية: لو قتل وادعى أنه وجد المقتول مع امرأته قتل به إلا أن يقيم البينة
بدعواه.
الثالثة: خطأ الحاكم في القتل والجرح على بيت المال. ومن قال: حذار، لم
يضمن. وإن اعتدي عليه فاعتدي بمثله لم يضمن وإن تلفت.
وأما القسامة: فلا تثبت إلا مع اللوث، وهو أمارة يغلب معها الظن بصدق لمدع
كما لو وجد في دار قوم أو محلتهم أو قريتهم أو بين قريتهم أو بين قريتين وهو إلى
إحداهما أقرب فهو لوث، ولو تساوت مسافتهما كانتا سواء في اللوث.
468

أما من جهل قاتله كقتيل الزحام والفزعات ومن وجد في فلاة أو في معسكر أو
سوق أو جمعة فديته في بيت المال.
ومع اللوث يكون للأولياء إثبات الدعوى بالقسامة وهي في العمد خمسون يمينا
وفي الخطأ خمسة وعشرون على الأظهر.
ولو لم يكن للمدعي قسامة كررت عليه الأيمان، ولو لم يحلف وكان للمنكر
من قومه قسامة حلف كل منهم حتى يكملوا وإن لم يكن له قسامة كررت عليه
الأيمان حتى يأتي بالعدد، ولو نكل ألزم الدعوى عمدا أو خطأ.
ويثبت الحكم في الأعضاء بالقسامة مع التهمة، فما كانت ديته دية النفس
كالأنف واللسان فالأشهر أن القسامة ستة رجال يقسم كل منهم يمينا ومع عدمهم
يحلف الولي ستة أيمان، ولو لم يكن قسامة أو امتنع أحلف المنكر مع قومه ستة ولو
لم يكن له قوم أحلف هو الستة.
وما كانت ديته دون دية النفس فبحسابه من ستة.
القول في كيفية الاستيفاء:
قتل العمد يوجب القصاص، ولا تثبت الدية فيه إلا صلحا ولا تخير للولي ولا
يقضى بالقصاص ما لم يتيقن التلف بالجناية.
وللولي الواحد المبادرة بالقصاص وقيل: يتوقف على إذن الحاكم.
ولو كانوا جماعة توقف على الاجتماع، قال الشيخ: ولو بادر أحدهم جاز وضمن
الدية عن حصص الباقين.
ولا قصاص إلا بالسيف أو ما جرى مجراه ويقتصر على ضرب العنق غير ممثل ولو
كانت الجناية بالتحريق أو التغريق أو الرضخ بالحجارة، ولا يضمن سراية القصاص
ما لم يتعد المقتص.
469

وهنا مسائل:
الأولى: لو اختار بعض الأولياء الدية فدفعها القاتل لم يسقط القود على الأشبه
وللآخرين القصاص بعد أن يردوا على المقتص منه نصيب من فاداه، ولو عفا البعض
لم يقتص الباقون حتى يردوا عليه نصيب من عفا.
الثانية: لو فر القاتل حتى مات فالمروي: وجوب الدية في ماله. ولو لم يكن له
مال أخذت من الأقرب فالأقرب، وقيل: لا دية.
الثالثة: لو قتل واحد رجلين أو رجالا قتل بهم ولا سبيل إلى ماله، ولو تراضوا
بالدية فلكل واحد دية.
الرابعة: إذا ضرب الولي الجاني وتركه ظنا أنه مات فبرئ ففي رواية:
يقتص من الولي ثم يقتله الولي أو يتتاركان، والراوي أبان بن عثمان وفيه ضعف
مع إرسال الرواية والوجه اعتبار الضرب فإن كان بما يسوع به الاقتصاص لم يقتص
من الولي.
ولو قتل صحيح مقطوع اليد فأراد الولي قتله رد دية اليد إن كانت قطعت في
قصاص أن أخذ ديتها وإن شاء طرح دية اليد وأخذ الباقي، وإن ذهبت من غير
جناية جناها ولا أخذ لها دية كاملة قتل قاتله ولا رد، وهي رواية سورة بن كليب
عن أبي عبد الله ع.
القسم الثاني: في قصاص الطرف:
ويشترط فيه التساوي كما في قصاص النفس، فلا يقتص في الطرف لمن لا
يقتص له في النفس، ويقتص للرجل من المرأة ولا رد وللمرأة من الرجل مع الرد
فيما زاد على الثلث.
ويعتبر التساوي في السلامة، فلا يقطع العضو الصحيح بالأشل ويقطع الأشل
بالصحيح ما لم يعرف أنه لا ينحسم.
ويقتص للمسلم من الذمي ويأخذ منه ما بين الديتين، ولا يقتص للذمي من
470

المسلم ولا للعبد من الحر.
ويعتبر التساوي في الشجاج مساحة طولا وعرضا لا نزولا بل يراعى حصول
اسم الشجة.
ويثبت القصاص فيما لا تعزير فيه كالحارصة والموضحة، ويسقط فيما فيه
التعزير كالهاشمة والمنقلة والمأمومة والجائفة وكسر الأعضاء، وفي جواز الاقتصاص
قبل الاندمال تردد أشبهه الجواز، ويجتنب القصاص في الحر الشديد والبرد الشديد
ويتوخى اعتدال النهار.
ولو قطع شحمة أذن فاقتص منه فألصقها المجني عليه كان للجاني إزالتها
ليتساويا في الشين، ويقطع الأنف الشام بعادم الشمم والأذن الصحيحة بالصماء،
ولا يقطع ذكر الصحيح بالعنين، وتقطع عين الأعور الصحيحة بعين ذي العينين
وإن عمي وكذا يقتص له منه بعين واحدة وفي رد نصف الدية قولان أشبههما الرد.
وسن الصبي ينتظر به فإن عادت ففيها الأرش وإلا كان فيها القصاص.
ولو جنى بما أذهب النظر مع سلامة الحدقة اقتص منه بأن يوضع على أجفانها
القطن المبلول وتفتح العين وتقابل بمرآة محماة مقابلة للشمس حتى يذهب النظر.
ولو قطع كفا مقطوعة الأصابع ففي رواية: يقطع كف القاطع ويرد عليه دية
الأصابع.
ولا يقتص ممن لجأ إلى الحرم ويضيق عليه في المأكل والمشرب حتى يخرج
فيقتص منه، ويقتص ممن جنى في الحرم فيه.
471

كتاب الديات
والنظر في أمور أربعة:
الأول: أقسام القتل ومقادير الديات:
وأقسامه ثلاثة: عمد محض وخطأ محض وشبيه بالعمد.
فالعمد أن يقصد إلى الفعل والقتل وقد سلف مقاله، والشبيه بالعمد أن يقصد
إلى الفعل دون القتل مثل أن يضرب للتأديب أو يعالج للإصلاح فيموت، والخطأ
المحض أن يخطأ فيهما مثل أن يرمي للصيد فيخطئه السهم إلى انسان فيقتله.
فدية العمد مائة من مسان الإبل أو مائتا بقرة أو مائتا حلة كل حلة ثوبان من
برود اليمن أو ألف دينار أو ألف شاة أو عشرة آلاف درهم، وتستأدى في سنة
واحدة من مال الجاني، ولا تثبت إلا بالتراضي.
وفي دية شبيه العمد روايتان أشهرهما ثلاث وثلاثون بنت لبون وثلاث وثلاثون
حقة وأربع وثلاثون ثنية طروقة الفحل، ويضمن هذه الجاني لا العاقلة، وقال
المفيد: تستأدى في سنتين.
وفي دية الخطأ أيضا روايتان أشهرهما عشرون بنت مخاض وعشرون ابن لبون
وثلاثون بنت لبون وثلاثون حقة، وتستأدى في ثلاث سنين ويضمنها العاقلة لا
الجاني.
ولو قتل في الشهر الحرام ألزم دية وثلثا تغليظا، وهل يلزم مثل ذلك في الحرم؟
قال الشيخان: نعم، ولا أعرف الوجه.
473

ودية المرأة على النصف من الجميع.
ولا تختلف دية الخطأ والعمد في شئ من المقادير عدا النعم.
وفي دية الذمي روايات والمشهور ثمانمائة درهم وديات نسائهم على النصف
من ذلك، ولا دية لغيرهم من أهل الكفر.
وفي ولد الزنى قولان أشبههما أن ديته كدية المسلم الحر، وفي رواية: كدية
الذمي، وهي ضعيفة.
ودية العبد قيمته ولو تجاوزت دية الحر ردت إليها، وتؤخذ من مال الجاني إن
قتله عمدا أو شبيها بالعمد ومن عاقلته إن قتله خطأ.
ودية أعضائه بنسبة قيمته فما فيه من الحر ديته فمن العبد قيمته كاللسان والذكر وما
فيه دون ذلك فبحسابه، والعبد أهل للحر فيما لا تقدير فيه.
ولو جنى جان على العبد بما فيه قيمته فليس للمولى المطالبة حتى يدفع العبد
برمته، ولو كانت الجناية بما دون ذلك أخذ أرش الجناية وليس له دفعه والمطالبة
بالقيمة، ولا يضمن المولى جناية العبد لكن تتعلق برقبته وللمولى فكه بأرش الجناية
ولا تخير لمولى المجني عليه.
ولو كانت جنايته لا تستوعب قيمته تخير المولى في دفع الأرش أو تسليمه
ليستوفي المجني عليه قدر الجفاية استرقاقا أو بيعا، ويستوي في ذلك الرق المحض
والمدبر ذكرا كان أو أنثى أو أم ولد على التردد.
النظر الثاني: في موجبات الضمان:
والبحث إما في المباشرة أو التسبيب أو تزاحم الموجبات.
أما المباشرة: فضابطها الإتلاف لا مع القصد، فالطبيب يضمن في ماله
يتلف بعلاجه ولو أبرأه المريض أو الولي فالوجه الصحة لا مساس الضرورة إلى
العلاج ويؤيده رواية السكوني عن أبي عبد الله ع، وقيل: لا يصح لأنه
إبراء مما لم يجب. وكذا البحث في البيطار.
474

والنائم إذا انقلب على انسان أو فحص برجله فقتله ضمن في ماله على تردد،
أما الظئر فإن طلبت بالمظائرة الفخر ضمن الطفل في مالها إذا انقلبت عليه فمات
وإن كان للفقر فالدية على العاقلة.
ولو أعنف بزوجته جماعا أو ضما فماتت ضمن الدية وكذا الزوجة، وفي
النهاية: إن كانا مأمونين فلا ضمان وفي الرواية ضعف.
ولو حمل على رأسه متاعا فكسره أو أصاب إنسانا ضمن ذلك في ماله.
وفي رواية السكوني: أن عليا ع ضمن ختانا قطع حشفة غلام،
وهي مناسبة للمذهب.
ولو وقع على انسان من علو فقتل فإن قصد وكان يقتل غالبا قيد به وإن لم
يقصد فهو شبيه عمد يضمن الدية، وإن دفعه الهواء أو زلق فلا ضمان، ولو دفعه
دافع فالضمان على الدافع، وفي النهاية: دية المقتول على المدفوع ويرجع بها على
الدافع.
ولو ركبت جارية أخرى فنخستها ثالثة فقمصت فصرعت الراكبة فماتت قال
في النهاية: الدية من الناخسة والقامصة نصفان، وفي المقنعة: عليهما ثلثا الدية
ويسقط الثلث لركوبها عبثا، والأول رواية أبي جميلة وفيه ضعف وما ذكره المفيد
حسن وخرج متأخر وجها ثالثا فأوجب الدية على الناخسة إن كانت ملجئة وعلى
القامصة إن لم تكن ملجئة.
وإذا اشترك في هدم الحائط ثلاثة فوقع على أحدهم فمات ضمن الآخران
ديته، وفي الرواية ضعف والأشبه أن يضمن كل واحد ثلثا ويسقط ثلث لمساعدة
التالف.
ومن اللواحق مسائل:
الأولى: من دعا غيره فأخرجه من منزله ليلا ضمنه حتى يرجع إليه، ولو
وجد مقتولا وادعى قتله على غيره وعدم البينة ففي القود تردد أشبه أنه لا قود
وعليه الدية، ولو وجد ميتا ففي لزوم الدية قولان أشبههما اللزوم.
475

الثانية: إذا عادت الظئر بالطفل فأنكره أهله صدقت ما لم يثبت كذبها
فيلزمها الدية أو إحضاره أو من يحتمل أنه هو.
الثالثة: لو دخل لص فجمع متاعا ووطئ صاحبة المنزل قهرا فثار ولدها فقتله
اللص ثم قتلته المرأة ذهب دمه هدرا ويضمن مواليه دية الغلام وكان لها أربعة آلاف
درهم لمكابرته على فرجها، وهي رواية عبد الله بن طلحة عن أبي عبد الله عليه
السلام.
وعنه: في امرأة أدخلت الحجلة صديقا لها ليلة بنائها فاقتتل هو وزوجها فقتله
الزوج فقتلت المرأة الزوج ضمنت دية الصديق وقتلت بالزوج، والوجه أن دم
الصديق هدر.
الرابعة: لو شرب أربعة فسكروا فوجد جريحان وقتيلان ففي رواية محمد
بن قيس: أن عليا ع قضى بدية المقتولين على المجروحين بعد أن أسقط
جراحة المجروحين من الدية، وفي رواية السكوني عن أبي عبد الله ع: أنه
جعل دية المقتولين على قبائل الأربعة وأخذ دية المجروحين من دية المقتولين، والوجه
أنها قضية في واقعة وهو أعلم بما أوجب ذلك الحكم.
ولو كان في الفرات ستة غلمان فغرق واحد فشهد اثنان منهم على الثلاثة أنهم
غرقوه وشهد الثلاثة على الاثنين ففي رواية السكوني ومحمد بن قيس جميعا عن أبي
عبد الله ع وعن أبي جعفر ع: أن عليا ع قضى بالدية
أخماسا بنسبة الشهادة، وهي متروكة فإن صح النقل فهي واقعة في عين فلا يتعدى
لاحتمال ما يوجب الاختصاص.
البحث الثاني: في التسبيب: وضابطه ما لولاه لما حصل التلف لكن علته غير
السبب كحفر البئر ونصب السكين وطرح المعاثر والمزالق في الطريق وإلقاء الحجر،
فإن كان ذلك في ملكه لم يضمن ولو كان في غير ملكه أو كان في طريق مسلوك
ضمن، ومنه نصب الميازيب - وهو جائز إجماعا - وفي ضمان ما يتلف به قولان:
476

أحدهما: لا يضمن، وهو الأشبه. وقال الشيخ: يضمن، وهو رواية السكوني.
ولو هجمت دابة على أخرى ضمن صاحب الداخلة جنايتها ولم يضمن صاحب
المدخول عليها، والوجه اعتبار التفريط في الأول.
ولو دخل دارا فعقره كلبها ضمن أهلها إن دخل بإذنهم وإلا فلا ضمان.
ويضمن راكب الدابة ما تجنيه بيديها وكذا القائد، ولو وقف بهم ضمن
جنايتها ولو برجليها وكذا لو ضربها فجنت، ولو ضربها غيره ضمن الضارب وكذا
السائق يضمن جنايتها، ولو ركبها اثنان تساويا في الضمان ولو كان معها صاحبها
ضمن دون الراكب، ولو ألقت الراكب لم يضمن المالك إلا أن يكون بتنفيره.
ولو أركب المملوك دابته ضمن المولى، ومن الأصحاب من شرط في ضمان المولى
صغر المملوك.
البحث الثالث: في تزاحم الموجبات: إذا اتفق المباشر والسبب ضمن المباشر
كالدافع مع الحافر والممسك مع الذابح، ولو جهل المباشر السبب ضمن
المسبب كمن غطى بئرا حفرها في غير ملكه فدفع غيره ثالثا فالضمان على الحافر على
تردد.
ومن الباب واقعة الزبية: وصورتها وقع واحد تعلق بآخر والثاني بالثالث
وجذب الثالث رابعا فأكلهم الأسد فيه روايتان:
إحديهما رواية محمد بن قيس عن أبي جعفر ع قال: قضى أمير المؤمنين
على ع في الأول فريسة الأسد وأغرم أهله ثلث الدية للثاني وغرم الثاني لأهل
الثالث ثلثي الدية وغرم الثالث لأهل الرابع الدية.
والأخرى رواية مسمع عن أبي عبد الله ع: أن عليا ع
قضى للأول ربع الدية وللثاني ثلث الدية وللثالث نصف الدية وللرابع الدية تماما
وجعل ذلك على عاقلة الذين ازدحموا، وفي سند الأخيرة إلى مسمع ضعف فهي ساقطة
والأولى مشهورة وعليها فتوى الأصحاب.
477

النظر الثالث: في الجناية على الأطراف:
ومقاصده ثلاثة:
الأول: في دية الأعضاء:
وفي شعر الرأس الدية وكذا اللحية، فإن نبتا فالأرش، قال المفيد: إن لم ينبتا
فمائة دينار، وقال الشيخ في اللحية: إن نبتت ثلث الدية، وفي الرواية ضعف.
وفي شعر رأس المرأة ديتها، فإن نبت فمهر مثلها.
وفي الحاجبين خمسمائة دينار، وفي كل واحد مائتان وخمسون، وفي بعضه
بحسابه.
وفي العينين الدية وفي كل واحدة نصف الدية، وفي الأجفان الدية، قال في
المبسوط: وفي كل واحد ربع الدية، وفي الخلاف: في الأعلى الثلثان وفي الأسفل
الثلث، وفي النهاية: في الأعلى ثلث الدية وفي الأسفل النصف، وعليه الأكثر.
وفي عين الأعور الصحيحة الدية الكاملة إذا كان العور خلقة أو ذهبت بشئ من
قبل الله، وفي خسف العوراء روايتان أشهرهما: ثلث الدية.
وفي الأنف الدية وكذا لو قطع مارنه ففسد، ولو جبر على غير عيب فمائة دينار،
وفي شلله ثلثا ديته، وفي الحاجز نصف الدية، وفي أحد المنخرين نصف الدية وفي
رواية: ثلث الدية.
وفي الأذنين الدية وفي كل واحدة نصف الدية وفي بعضها بحساب ديتها، وفي
شحمتها ثلث ديتها، وفي خرم الشحمة ثلث ديتها.
وفي الشفتين الدية، وفي تقدير دية كل واحدة خلاف:
قال في المبسوط: في العليا الثلث وفي السفلى الثلثان، واختاره المفيد. وقال في
الخلاف: في العليا أربعمائة دينار وفي السفلى ستمائة، وكذا في النهاية وبه رواية
فيها ضعف. وقال ابن بابويه: في العليا نصف الدية وفي السفلى الثلثان. وقال ابن
أبي عقيل: في كل واحدة نصف الدية، وهو قوي.
وفي قطع بعضها بحساب ديتها.
478

وفي اللسان الصحيح الدية الكاملة، وإن قطع بعضه اعتبر بحروف المعجم وهي
ثمانية وعشرون حرفا، وفي رواية: تسعة وعشرون حرفا، وهي مطروحة.
وفي لسان الأخرس ثلث ديته وفي بعضه بحساب ديته، ولو ادعى ذهاب نطقه
ففي رواية: يضرب لسانه بالإبرة فإن خرج الدم أسود صدق.
وفي الأسنان الدية، وهي ثمانية وعشرون: منها المقاديم اثنا عشر في كل
واحدة خمسون دينارا، والمآخير ستة عشر في كل واحدة خمسة وعشرون. ولا دية
للزائد لو قلعت منضمة ولها ثلث دية الأصلية لو قلعت منفردة.
وفي اسوداد السن ثلثا الدية، وكذا روي في انصداعها ولم تسقط وفي الرواية
ضعف فالحكومة أشبه، وفي قلع السوداء ثلث الدية.
ويتربص بسن الصبي الذي لم يثغر فإن نبت فله الأرش وإن لم ينبت فله دية
المثغر وفي رواية: فيها بعير، من غير تفصيل وهي رواية السكوني ومسمع والسكوني
ضعيف والطريق إلى مسمع في هذه ضعيف أيضا.
وفي اليدين الدية وفي كل واحدة نصف الدية وحدها المعصم، وفي الأصابع
الدية وفي كل واحدة عشر الدية، وقيل: في الإبهام ثلث دية اليد. ودية كل إصبع م
مقسومة على ثلاث عقد وفي الإبهام على اثنتين، وفي الإصبع الزائدة ثلث الأصلية،
وفي شلل الأصابع أو اليدين ثلثا ديتها.
وفي الظفر إذا لم ينبت أو نبت أسود عشرة دنانير، فإن نبت أبيض فخمسة دنانير
وفي الرواية ضعف.
وفي الظهر إذا كسر الدية وكذا لو احدودب أو صار بحيث لا يقدر على القعود،
ولو صلح فثلث الدية.
وفي ثديي المرأة ديتها وفي كل واحد نصف الدية، وقال ابن بابويه: في حلمة
ثدي الرجل ثمن الدية مائة وخمسة وعشرون دينارا.
وفي حشفة الذكر فما زاد وإن استؤصل الدية، وفي ذكر العنين ثلث الدية وفيما
قطع منه بحسابه، وفي الخصيتين الدية وفي كل واحدة نصف الدية وفي رواية: في
479

اليسرى ثلثا الدية لأن الولد منها. وفي أدرة الخصيتين أربعمائة دينار، فإن فحج فلم
يقدر على المشي فثمانمائة دينار.
وفي الشفرتين الدية وفي كل واحدة نصف الدية، وفي الإفضاء الدية وهو أن
يصير المسلكين واحدا وقيل: أن يخرق الحاجز بين مخرج البول ومخرج الحيض،
ويسقط ذلك عن الزوج لو وطئها بعد البلوغ أما لو كان قبله ضمن الدية مع المهر
ولزمه الانفاق ولزمه الانفاق عليها حتى يموت أحدهما.
وفي الرجلين الدية وفي كل واحدة نصف الدية وحدهما مفصل الساق، وفي
أصابعهما ما في أصابع اليدين.
مسائل:
الأولى: دية كسر الضلع خمسة وعشرون دينارا إن كانت مما يخالط القلب،
وعشرة دنانير إن كان مما يلي العضدين.
الثانية: لو كسر بعصوص الانسان أو عجانه فلم يملك غائطه ولا بوله ففيه
الدية.
الثالثة: قال الشيخان: في كسر عظم من عضو خمس ديته فإن جبر على غير
عيب فأربعة أخماس دية كسره، وفي موضحته ربع دية كسره، وفي رضه ثلث دية
العضو فإن برئ على غير عيب فأربعة أخماس دية رضه، وفي فكه بحيث يتعطل ثلثا
ديته فإن جبر على غير عيب فأربعة أخماس دية فكه.
الرابعة: قال بعض الأصحاب: في الترقوة إذا كسرت فجبرت على غير عيب
أربعون دينارا، والمستند كتاب ظريف.
الخامسة: روي: أن من داس على بطن انسان حتى أحدث ديس بطنه أو
يفتدي ذلك بثلث الدية، وهي رواية السكوني وفيه ضعف.
السادسة: من افتض بكرا بإصبعه فخرق مثانتها فلم تملك بولها ففيه ديتها ومهر
نسائها على الأشهر، وفي رواية: ثلث ديتها.
480

المقصد الثاني: في الجناية على المنافع:
في العقل الدية، ولو شجه فذهب لم تتداخل الجنايتان، وفي رواية: إن كان
بضربة واحدة تداخلتا. ولو ضربه على رأسه فذهب عقله انتظر به سنة، فإن مات
قيد به وإن بقي ولم يرجع عقله فعليه الدية.
وفي السمع دية وفي سمع كل إذن نصف الدية وفي بعض السمع بحسابه من
الدية، وتقاس الناقصة إلى الأخرى بأن تسد الناقصة وتطلق الصحيحة ويصاح به
حتى يقول: لا أسمع، وتعتبر المسافة بين جوانبه الأربع ويصدق مع التساوي
ويكذب مع التفاوت. ثم تطلق الناقصة وتسد الصحيحة ويفعل به كذلك ويؤخذ
من ديتها بنسب التفاوت، ويتوخى القياس في سكون الهواء.
وفي ضوء العينين الدية، ولو ادعى ذهاب نظره عقيب الجناية وهي قائمة أحلف
بالله القسامة، وفي رواية: تقابل بالشمس فإن بقيتا مفتوحتين صدق. ولو ادعى
نقصان إحديهما قيست إلى الأخرى وفعل في النظر بالمنظور كما فعل بالسمع. ولا
تقاس العين في يوم غيم ولا في أرض مختلفة. وفي الشم الدية، ولو ادعى ذهابه اعتبر بتقريب الحراق فإن دمعت عيناه وحول
أنفه فهو كاذب.
ولو أصيب فتعذر إنزال المني كان فيه الدية، وقيل: في سلس البول الدية، وفي
رواية: إن دام إلى الليل لزمه الدية وإلى الزوال ثلثا الدية وإلى الضحوة ثلث الدية.
المقصد الثالث: في الشجاج والجراح:
والشجاج ثمان: الحارصة والدامية والمتلاحمة والسمحاق والموضحة والهاشمة
والمنقلة والمأمومة والجائفة.
فالحارصة: هي التي تقشر الجلد وفيها بعير، وهل هي الدامية؟ قال الشيخ:
نعم، والأكثرون على خلافه.
والدامية فهي إذن التي تأخذ في اللحم يسيرا وفيها بعيران.
481

والمتلاحمة: هي التي تأخذ في اللحم كثيرا، وهل هي غير الباضعة؟ فمن قال:
الدامية غير الحارصة، فالباضعة هي المتلاحمة. ومن قال: الدامية هي الحارصة،
فالباضعة غير المتلاحمة. ففي المتلاحمة إذن ثلاثة أبعرة.
والسمحاق: هي التي تقف على السمحاقة وهي الجلدة المغشية للعظم وفيها
أربعة أبعرة.
والموضحة: هي التي تكشف عن العظم وفيها خمسة أبعرة.
والهاشمة: هي التي تهشم العظم و فيها عشرة أبعرة. والمنقلة: هي التي تحوج إلى نقل العظم وفيها خمسة عشر بعيرا.
والمأمومة: هي التي تصل إلى أم الرأس وهي الخريطة الجامعة للدماغ وفيها
ثلاثة وثلاثون بعيرا.
والجائفة: هي التي تبلغ الجوف وفيها ثلث الدية.
مسائل:
الأولى: دية النافذة في الأنف ثلث ديته فإن صلحت فخمس ديته، ولو كانت
في أحد المنخرين إلى الحاجز فعشر الدية.
الثانية: في شق الشفتين حتى تبدو الأسنان ثلث ديتهما ولو برئ فخمس
ديتهما، ولو كانت في إحديهما فثلث ديتها ومع البرء فخمس ديتها.
الثالثة: إذا نفذت نافذة في شئ من أطراف الرجل فديتها مائة دينار.
الرابعة: في احمرار الوجه بالجناية دينار ونصف وفي اخضراره ثلاثة دنانير وفي
اسوداده ستة، وقيل: فيه كما في الاخضرار، وقال جماعة منا: وهي في البدن على
النصف.
الخامسة: كل عضو له دية مقدرة ففي شلله ثلثا ديته، وفي قطعه بعد شلله ثلث
ديته.
السادسة: دية الشجاج في الرأس والوجه سواء، وفي البدن بنسبة العضو الذي
482

يتفق فيه.
السابعة: كل ما فيه من الرجل ديته ففيه من المرأة ديتها ومن الذمي ديته ومن
العبد قيمته، وكل ما فيه من الحر مقدر فهو من المرأة بنسبة ديتها ومن الذمي كذلك
ومن العبد بنسبة قيمته لكن الحرة تساوى الحر حتى تبلغ الثلث ثم ترجع إلى
النصف.
والحكومة والأرش عبارة عن معنى واحد ومعناه: أن يقوم سليما إن لو كان
عبدا ومجروحا كذلك، وينسب التفاوت إلى القيمة ويؤخذ من الدية بحسابه.
الثامنة: من لا ولي. له فالإمام ولي دمه وله المطالبة بالقود أو الدية، وهل له
العفو؟ المروي: لا.
النظر الرابع: في اللواحق:
وهي أربعة:
الأول: دية الجنين الحر المسلم إذا اكتسى اللحم ولم تلجه الروح مائة دينار
ذكرا كان أو أنثى، ولو كان ذميا فعشر دية أبيه، وفي رواية السكوني: عشر دية
أمه.
ولو كان مملوكا فعشر قيمة أمه المملوكة ولا كفارة.
ولو ولجته الروح فالدية كاملة للذكر ونصفها للأنثى، ولو لم يكتسي اللحم ففي
ديته قولان: أحدهما: غرة، والآخر: توزيع الدية على حالاته ففيه عظما ثمانون
ونطفة ستون وعلقة أربعون ونطفة بعد استقرارها في الرحم عشرون. وقال الشيخ:
وفيما بينهما بحسابه.
ولو قتلت المرأة فمات ولدها معها فللأولياء دية المرأة ونصف الديتين على الجنين
إن جهل حاله وإن علم ذكرا كان أو أنثى كانت الدية بحسابه، وقيل: مع الجهالة
يستخرج بالقرعة لأنه مشكل، وهو غلط لأنه لا إشكال مع النقل.
ولو ألقته مباشرة أو تسبيبا فعليها دية ما ألقته ولا نصيب لها من الدية، ولو كان
بإفزاع مفزع فالدية عليه، ويستحق دية الجنين وراثه، ودية جراحاته بنسبة ديته.
483

ومن أفزع مجامعا فعزل فعليه عشرة دنانير، ولو عزل عن زوجته اختيارا قيل:
يلزمه دية النطفة عشرة دنانير، والأشبه الاستحباب.
الثاني: في الجناية على الحيوان: من أتلف حيوانا مأكولا كالنعم بالذكاة لزمه
الأرش، وهل لمالكه دفعه والمطالبة بقيمته؟ قال الشيخان: نعم، والأشبه لا لأنه
إتلاف لبعض منافعه فيضمن التلف ولو أتلفه لا بالذكاة لزمه قيمته يوم إتلافه، ولو
قطع بعض جوارحه أو كسر شيئا من عظامه فللمالك الأرش.
وإن كان مما لا يؤكل ويقع عليه الذكاة كالأسد والنمر ضمن أرشه وكذا في
قطع أعضائه من استقرار حياته، ولو أتلفه لا بالذكاة ضمن قيمته حيا.
ولو كان مما لا يقع عليه الذكاة كالكلب والخنزير ففي كلب الصيد أربعون
درهما، وفي رواية السكوني: يقوم، وكذا كلب الغنم وكلب الحائط والأول أشهر.
وفي كلب الغنم كبش، وقيل: عشرون درهما، وكذا قيل في كلب الحائط
ولا أعرف الوجه. وفي كلب الزرع قفيز من بر ولا يضمن المسلم ما عدا ذلك.
أما ما يملكه الذمي كالخنزير فالمتلف يضمن قيمته عند مستحليه، وفي الجناية
على أطرافه الأرش ويشترط في ضمانه استتار الذمي به.
مسائل:
الأولى: قيل: قضى علي ع في البعير بين أربعة عقله أحدهم فوقع
في بئر فانكسر: أن على الشركاء حصته لأنه حفظه وضيع الباقون، وهو حكم في
واقعة فلا يعدي.
الثانية: في جنين البهيمة عشر قيمتها، وفي عين الدابة ربع قيمتها، وفي عين
الدابة ربع قيمتها.
الثالثة: روى السكوني عن أبي جعفر ع عن أبيه علي ع:
قال: كان لا يضمن ما أفسدت البهائم نهارا ويضمن ما أفسدته ليلا، والرواية مشهورة
غير أن في السكوني ضعفا والأولى اعتبار التفريط ليلا كان أو نهارا.
484

الثالث: في كفارة القتل: تجب كفارة الجمع بقتل العمد والمرتبة بقتل الخطأ
مع المباشرة دون التسبيب، فلو طرح حجرا في ملك غيره أو سابلة فهلك به عاثر
ضمن الدية ولا كفارة.
وتجب بقتل المسلم ذكرا كان أو اثنى صبيا أو مجنونا حرا أو عبدا ولو كان
ملك القاتل، وكذا تجب بقتل الجنين إن ولجته الروح ولا تجب قبل ذلك، ولا تجب
بقتل الكافر ذميا كان أو معاهدا.
ولو قتل المسلم مثله في دار الحرب عالما لا لضرورة فعليه القود والكفارة.
ولو ظنه حربيا فبان مسلما فلا دية وعليه الكفارة.
الرابع: في العاقلة:
والنظر في المحل وكيفية التقسيط واللواحق:
أما المحل: فالعصبية والمعتق وضامن الجريرة والإمام، والعصبة من
تقرب إلى الميت بالأبوين أو بالأب كالإخوة وأولادهم والعمومة وأولادهم والأجداد
وإن علوا، وقيل: هم الذين يرثون دية القاتل لو قتل، والأول أظهر.
ومن الأصحاب من شرك بين من يتقرب بالأم مع من يتقرب بالأب والأم أو
بالأب، وهو استناد إلى رواية مسلمة بن كهيل وفيه ضعف.
ويدخل الآباء والأولاد في العقل على الأشبه ولا يشركهم القاتل، ولا تعقل المرأة
ولا الصبي ولا المجنون وإن ورثوا من الدية، وتحمل العاقلة دية الموضحة فما فوقها
اتفاقا وفيما دون الموضحة قولان المروي: أنها لا تحمله، غير أن في الرواية ضعفا.
وإذا لم يكن عاقلة من قومه ولا ضامن جريرة ضمن الإمام جنايته، وجناية
الذمي في ماله وإن كانت خطأ فإن لم يكن له مال فعاقلته الإمام لأنه يؤدي إليه
ضريبته ولا يعقله قومه.
وأما كيفية التقسيط: فقد تردد فيه الشيخ، والوجه وقوفه على رأي الإمام
485

نصبه للحكومة بحسب ما يراه من أحوال العاقلة.
ويبدأ بالتقسيط على الأقرب فالأقرب ويؤجلها عليهم على ما سلف.
وأما اللواحق فمسائل:
الأولى: لو قتل الأب ولده عمدا دفعت الدية منه إلى الوارث ولا نصيب للأب
منها ولو لم يكن وارث فهي للإمام، ولو قتله خطأ فالدية على العاقلة ويرثها الوارث
وفي توريث الأب قولان أشبههما أنه لا يرث، ولو لم يكن وارث سوى العاقلة فإن
قلنا: الأب لا يرث، فلا دية، وإن قلنا: يرث، ففي أخذه الدية من العاقلة تردد.
الثانية: لا تعقل العاقلة عمدا ولا إقرارا ولا صلحا ولا جناية للإنسان بالجناية
على نفسه، ولا يعقل المولى عبدا كان أو مدبرا أو أم ولد على الأظهر.
الثالثة: لا تعقل العاقلة بهيمة ولا إتلاف مال، ويختص ضمانها بالجناية على
الآدمي حسب.
486

الجامع للشرائع
للشيخ أبي زكريا يحيى بن أحمد بن يحيى بن الحسن
بن سعيد الهذلي
601 - 689 أو 690 ه‍ ق
487

كتاب الجنايات
القتل ثلاثة أنواع: عمد وخطأ وموصوف بهما.
فالعمد أن يعمد في فعله وقصده بآلة تقتل غالبا كالسكين والسيف والحجر
الثقيل وعصا ولم يقلع عنه حتى مات أو سم أو خنق أو منع طعام أو شراب.
والخطأ أن لا يقصد القتل بفعله ولا بنيته مثل أن يرمي طائرا فيصيب إنسانا أو
إنسانا فيصيب غيره.
وعمد الخطأ أو خطأ العمد أن يقصد الفعل لا القتل مثل أن يقصد الطبيب.
إنسانا فيموت أو يؤدب المعلم الصبي بعصا خفيفة فيموت.
والجراح في القسمة كالقتل.
ويجب في العمد القود أو يرضى أولياء الدم بالدية أو أقل منها أو أكثر ويرضى
القاتل، فإن لم يرض فليس عليه سوى القود.
فإن هرب قاتل العمد أو مات أخذت الدية من ماله، فإن لم يكن له مال فمن
الأقرب فالأقرب ممن يرث ديته.
ويحبس مفلت من يقاد من يد ولي القود قهرا حتى يحضره، فإن مات هاربا
ألزم المحبوس بالدية.
وتستأدى دية العمد في سنة، وهي مائة من فحول الإبل المسان أو ألف كبش
أو ألف شاة أو مائتا بقرة مسنة أو ألف دينار أو عشرة آلاف درهم أو مائة حلة،
والحلة ثوبان إزار ورداء.
489

وحد توبته أن يندم ويعزم على أن لا يعود ويعتد نفسه للقود، فإن رضي منه
بالدية أو عفا عنه كفر بصوم شهرين متتابعين وعتق نسمة وإطعام ستين مسكينا
لكل منهم مد وهو تائب.
وموجبه القود إذا وقع ظلما من البالغ العاقل رجلا كان أو امرأة ومكافئا، فلا
يقتل مسلم بكافر ولا حر بعبد ولا والد بولده، وكما لا يقتل هؤلاء بهؤلاء لا يقتص
لهم منهم بالجرح ويجب التأديب والدية.
وتقاد المرأة بالرجل بلا رد، والرجل بالمرأة بعد رد لنصف الدية عليه، ولا دية
ولا قود بقتل الحربي.
وإن اعتاد قتل أهل الذمة أو العبيد أقيد لهم بعد أن يرد الذمي عليه ستمائة دينار
وسيد العبد تمام دية الحر.
والقود بضرب العنق وإن كان القاتل قد قتل بغيره.
وإذا كان في الجرح تغرير بالنفس أو كان مما يبرأ فليس فيه قصاص وإن
عمده، ويجب فيه الدية.
والخطأ لا قصاص فيه، ودية النفس والموضحة فصاعدا فيه على عاقلة الجاني
- وهم عصبته - آبائه وأبنائه ومن يفرع عنهما من الذكور والعقلاء ولا تدخل الأم
ولا خاص قرابتها في ذلك.
فإن لم تكن عاقلة فمولى النعمة، فإن لم يكن فمولى ضمان الجريرة، فإن لم
يكن للعاقلة مال وكان للقاتل أخذت من ماله، فإن لم يكن فمن بيت المال.
ولا يرجع العاقلة بها على الجاني ولا يدخل معهم، وتستأدى في ثلاث سنين
أثلاثا وهي مائة من الإبل أرباع أو أخماس عشرون بنت مخاض وعشرون ابن لبون
وثلاثون حقة وثلاثون بنت لبون. أو خمس وعشرون بنت مخاض ومثلها بنت لبون
ومثلها حقة ومثلها جذعة.
وقيل: عشرون بنت مخاض وعشرون بنت لبون ومثلها حقة ومثلها جذعة ومثلها
ابن لبون أو ألف شاة، إلى سائر ما ذكرنا في العمد.
490

وأما شبيه العمد فلا قود فيه، وفيه الدية في مال الجاني من الإبل أربعون بين
ثنية إلى بازل عامها وثلاثون حقة وثلاثون بنت لبون أو ألف شاة إلى سائر ما تقدم.
وقيل: ثلاث وثلاثون حقة ومثلها جذعة وأربع وثلاثون ثنية كلها طروقة
الفحل، وقيل: ثلاث وثلاثون بنت لبون ومثلها حقة وأربع وثلاثون خلفة، أي
حوامل.
فإن لم يكن له مال سعى فيها، فإن مات أو هرب فعلى الأقرب فالأقرب ممن
يرث ديته، فإن لم يكن فبيت المال، وقيل: يستأدى في سنتين.
هذه دية الحر المسلم ومن بحكمه، ودية المرأة نصف ذلك.
فإن قتل في شهر حرام - والأشهر الحرام: ذو القعدة ذو الحجة والمحرم،
رجب - أو في الحرم عمدا ورضوا بالدية أو خطأ فدية وثلث.
وكفارة الخطأ وعمد الخطأ سواء وقد بيناها في الصوم ولكل مسكين مد.
وإن قتل في شهر حرام خطأ صام شهرين متتابعين من أشهر الحرم وإن دخل
فيها العيد والتشريق على المنقول.
وإن جنى في الحرم اقتص منه فيه، وإن جنى في غيره فلجأ إليه لم يطعم ولم
يسق ولم يبايع ولم يكلم حتى يخرج فيقتص منه.
فإن قتل انسان خطأ ولا ولي له فالدية لبيت المال دون العفو.
ولا تعاقل بين أهل الذمة وتجب الدية إن قتلوا خطأ في أموالهم، فإن لم يكن
لهم مال فعلى الإمام لأنهم يؤدون الجزية إليه كالعبيد.
والقصاص يجري بين أم الولد والأمة، وقد بينا فيما مضى حكم جناية أم الولد
والمدبر والمكاتب والجناية عليهم.
وإذا عفا الولي أو رضي بالدية سقط القود، فإن قتله الولي بعد ذلك أقيد به أو
اقتص منه.
ولا حظ للزوجين في القود فإن رضي أولياؤه بالدية فلهما سهمهما منها، ويرث
الدية من يرث المال سوى الإخوة والأخوات للأم ومن يتقرب بهما.
491

وإذا كان ولي الدم في العمد طفلا أو معتوها لم يقتص الولي وحبس الجاني
حتى يفيق ويبلغ الصبي.
وإن كان له وليان بالغ وطفل وراضى البالغ الجاني على مال بحصته جاز،
وللصبي إذا بلغ القتل بعد رد قسط البالغ من الدية فإن عفا البالغ فكذلك.
ويقتص للأم من ولدها وله منها، فإن قتل أباه خطأ فالدية على العاقلة ويحرمها
الابن، فإن قتله أبوه خطأ فالدية على عاقلته لورثة المقتول سواه، فإن لم يكن له
وارث غيره فلا دية له على العاقلة، فإن قتله عمدا أو شبهه فالدية في مال الأب لورثة
المقتول، فإن لم يكن له ورثة غيره فالدية عليه لبيت المال.
فإن كان لأبوين ولدان قتل أحدهما أباه والآخر أمه فلقاتل الأب القصاص من
قاتل الأم وإرثها ولقاتل الأم القصاص من قاتل الأب وإرثه.
وعمد الصبي والمجنون وخطأهما سواء وروي في الأعمى كذلك، وتكون الدية
على العاقلة مخففة، فإن قتلا من أرادهما فدمه هدر.
فإن قتل العاقل مجنونا أراده فلا شئ عليه وديته من بيت المال، فإن لم يرده
وتعمده فعليه الدية ولا قود، فإن قتله خطأ فعلى عاقلته، فإن لم يكن فعلى بيت
المال.
وروي في من ضرب غيره فسالت عيناه وقام المضروب فقتل ضاربه: أن لا قود
على الضارب لعماه والدية على عاقلته فإن لم يكن له عاقلة ففي ماله في ثلاث
سنين ودية عينيه من تركة المقتول.
وينفى قاتل ولده وعبده عمدا عن مسقطي رؤوسهما ويضربان ضربا شديدا،
وإن عذب السيد عبده حتى مات ضرب مائة سوط.
وإن قتل العاقل صبيا أقيد به، فإن كان للمقتول وليان فاختار أحدهما الدية
والآخر القود رد طالب القود على شريكه حصته من الدية واقتص، وإن عفا أحدهما
رد سهم العافي على القاتل وقتله.
وروي: إذا عفا واحد من الأولياء عن الدم سقط القود وأعطي من لم يعف
492

حقه من الدية.
وتصح توبة القاتل سواء قتل المؤمن لإيمانه أو لغرض آخر، والكفارة في قتل
المسلم ومن هو بحكمه دون الكافر ولا كفارة على صبي ولا مجنون.
ويقسم الإمام الدية على العاقلة بحسب ما يرى من غنى أو دونه ويعتبر ذلك عند
حؤول الحول ولا يلزم الفقير شئ، فإن مات عند الحول موسرا فمن تركته والقريب
والبعيد فيها سواء، وقيل: يقدم الأولى فالأولى. ودية اليهودي والنصراني والمجوسي
والجنين أيضا في ثلاث سنين كالكاملة.
ولو قتل الأب ولده في المحاربة قتل حدا.
وإذا قتل العبد حرا عمدا فلورثته قتله أو استرقاقه فإن فداه المولى بالأرش ورضي
بذلك الولي جاز، فإن قتله خطأ فله استرقاقه لا قتله فإن فداه المولى بأرش الجناية
جاز.
وإن جرحه خطأ بما يحيط بقيمته أخذه أو بعضه إن لم يحط بقيمته يباع بقيمته
فيأخذ المجني عليه الأرش والباقي مولاه إن لم يفده بالأرش، وإن كان عمدا
اقتص منه.
فإن قتل العبد سيده قتل به، وإن قتله خطأ لم يكن عليه شئ غير الكفارة.
وروي في الصبي إذا بلغ عشر سنين أو خمسة أشبار: اقتص منه وأقيمت عليه
الحدود التامة.
ومن قتل وعليه دين لم يقتص الولي حتى يرضى أصحاب الدين - وأصحاب
الدين هم خصماء القاتل - وإن اقتص الولي أو عفا أو أخذ الدية ضمن الدين.
ثبوت الجناية:
ويثبت القتل والجراح بشاهدين عدلين أو إقرار من حر بالغ عاقل مختار مرتين.
فإن لم يحصلا و ليس هناك لوث حلف المدعى عليه يمينا واحدة، وإن كان
لوث - وهو قوة تهمة - حلف الولي المدعي قتل العمد خمسين يمينا وقتل الخطأ
493

نصفها، وفي السمع والبصر وشلل اليدين والرجلين وقطع الأعضاء والجروح - إن
بلغت الدية كاملة - ستة أقسام في العمد والخطأ وما نقص عنها بالحساب.
وإذا حلفوا قضي لهم بالقصاص في ما يوجبه وبالمال في ما يوجب المال، وإن
نكل حلف المدعى عليه مثل ذلك وبرئ فإن نكل لزمه الحق.
وإذا لم يكن للولي في هذه المواضع من قومه من يحلف معه العدد ضوعفت عليه
الأيمان.
وقال بعض أصحابنا: تثبت الجناية الموجبة للمال بشاهد أو امرأتين مع يمين
المدعي وبشاهد وامرأتين، وتثبت العمد بشاهد وامرأتين وتجب بهم الدية لا القود.
وروي في امرأة واحدة شهدت بجناية: قبولها في ربع الأرش.
وروى السكوني عن جعفر عن آبائه عن علي صلوات الله عليهم أجمعين: أنه
كان يحبس المتهم بالقتل ستة أيام فإن لم تثبت عليه خلي سبيله فإن مات ولي
الدم قام وارثه مقامه.
وإذا قتل انسان فأقر رجل بقتله خطأ وآخر بقتله عمدا فبقول أيهما أخذ الولي
جاز ولم يكن له على الآخر سبيل.
وإن شهد شاهدان على شخص أنه قتل شخصا عمدا وأقر آخر أنه قتله عمدا
فبرئ المشهود عليه من قتله، فإن أراد الولي قتل المقر قتله ولا سبيل له على المشهود
عليه ولا لورثة المقر على ورثة المشهود عليه، وإن أراد قتل المشهود عليه قتله ولا سبيل
له على المقر ويؤدى المقر إلى ورثة المشهود عليه نصف الدية، وإن أراد قتلهما معا
فله ويرد نصف الدية على ورثة المشهود عليه وله أخذ الدية منهما نصفين.
وإن أقر شخص بقتله عمدا وأقر آخر بقتله دونه ورجع الأول خلي عنهما وودي
المقتول من بيت المال. وإذا كان للقاتل المسلم خطأ مسلمون وكفار عقل عنه المسلمون
خاصة، فإن قتلت امرأتان رجلا قتلتا به ويقتص للكفار بعضهم من بعض.
وإذا شهد شاهدان أن زيدا قتل جعفرا عمدا أو خطأ أو شبهه وشاهدان أن عمرا
494

قتله كذلك فبعض أصحابنا أبطل القود في العمد وأوجب الدية عليهما نصفين في
الكل، وبعض أصحابنا جعل الحكم على واحد إذا طالب بمضمون شهادته الولي.
والاثنان فصاعدا إذا قتلوا واحدا عمدا قتلوا به بعد أن يرد عليهم ما فضل عن
ديته بينهم سواء، فإن لم يرد فإنما له قتل واحد منهم، فإن قتل الولي واحدا رد من
بقي عليه حصتهم من الدية وكذلك القطع والجراح و يتولى الإمام أدبهم وحبسهم،
وإن كان خطأ فالدية على عواقلهم بالسوية.
وإن قتل الواحد جماعة أو جرحهم عمدا جرح أو قتل بهم جميعا، فإن بادر
شخص منهم فقتله فلا حق للباقين.
فإن قتل ثلاث نسوة فصاعدا رجلا قتلن به بعد رد الفاضل عن ديته على
أوليائهن بالسوية فإن قتلته خطأ فدية واحدة على عاقلتهن.
فإن قتل رجل وامرأة رجلا فلوليه قتلهما ويؤدى إلى الرجل خمس مائة، فإن
قتلوها أخذوا من الرجل نصف ديته، فإن قتلوا الرجل أدت المرأة إلى وليه نصف
ديتها، فإن رضي بالدية فالدية عليهما سواء، وإن كان خطأ فالدية على عاقلتهما
نصفان.
فإن أمسك واحد وقتله آخر ونظر لهما ثالث قتل القاتل وحبس الممسك عمره
بعد ضرب جنبيه وضرب كل عام خمسين جلدة وسملت عينا الناظر.
فإن قتلت امرأة وعبد حرا فللولي قتلهما ويرد ما زاد على خمس مائة على مولى
العبد إن زادت قيمته عليها، فإن نقصت عنها أو ساوتها فلا رد، فإن قتلوها
واسترقوا العبد فلهم، فإن زادت قيمته على نصف الدية ردوا الزيادة واسترقوه.
فإن قتل المماليك حرا عمدا قتلوا به، فإن زادت قيمتهم على الدية ردت على
مواليهم.
فإن قتل جماعة أحرار عبدا فعليهم قيمته.
فإن قتل مملوك وحر وحرة ومكاتب - أدى نصف كتابته - حرا فعلى الحر ربع
الدية وعلى الحرة مثله والعبد يؤخذ برمته ولا يغرم سيده إلا أن يختار الأداء عنه وعلى
495

المكاتب الثمن من ماله وعلى من كاتبه الثمن، رواه أبو بصير عن أبي عبد الله
ع.
وعلى كل واحد من المشتركين في القتل الكفارة وعلى الواحد كفارات بعدد من
قتل، فإن تعذر بعض الكفارات فإلى أن يجد.
والعبد يكفر ويصوم شهرين، فإن قتل جماعة كفر بحسبهم وإن فعله خطأ فعلى
عاقلته ديتهم جميعا.
فإن قتل مملوك أو جرح حرين دفعة كان بينهما فإن فعل بواحد بعد الآخر
فروي: أنه للآخر، وروي: أنه بينهما إلا أن يحكم الحاكم للأول فإن فعل كان
للآخر.
فإن قتل السيد عبده عمدا غرم قيمته لبيت المال، وإن قتل مملوكه مملوكه عمدا
فإن شاء السيد عفا وإن شاء اقتص.
فإن جنى العبد وعليه دين قدمت الجناية على الدين.
فإن أمر عبده بقتل غيره فقتله أقيد سيده - لأنه كآلته - وخلد العبد السجن
وروي بالعكس وإن اعتاد ذلك فللإمام قتله، فإن أمر الحر مثله بالقتل فالقود على
القاتل وإن أكرهه على ذلك.
وإذا قتلت المرأة خطأ فعلى عاقلتها، ودية العمد وشبه الخطأ في مالها كالرجل.
ويستوي الرجل والمرأة في القصاص وديات الأعضاء والجراح إلى ثلث الدية
فيصير على النصف في الدية، ولا يقتص من الرجل حتى يرد النصف وإن فقأ عينها
لم يقتص منه حتى يرد ربع الدية، ولو قطع منها ثلاث أصابع لاقتصت منه فإن قطع
منها أربعا أدت مائتين ثم اقتصت.
وإذا قتل الذمي مسلما خطأ فالدية في ماله فإن لم يكن فعلى الإمام، فإن قتله
عمدا فأسلم فلولي الدم قتله أو العفو، فإن لم يسلم فله القتل أو العفو أو الاسترقاق
وأخذ ماله.
فإن قتله المسلم لم يقد به إلا أن يكون معتادا لذلك - كما ذكرناه - وإذا
496

قتله الحر عبدا فكذلك، وإن لم يعتدهما فدية الذمي ثمانون دينارا والمرأة نصفها
وقيمة الرقيق - فإن زادت على دية الحر ردت إليها، فإن اختلفا في قيمته يوم قتله
ولا بينة فاليمين على القاتل، فإن ردها على المولى جاز - ودية الأمة قيمتها ما لم
تتجاوز دية الحرة.
ويعاقب قاتل الذمي والعبد بما يرتدع به.
ويقتص للعبيد بعضهم من بعض إلا أن يرضى الموالي بالأرش، فإن قتل
مكاتب لم يؤد شيئا أو مشروط عليه وإن أدى بعضها فكالمملوك، فإن كان مطلقا
وأدى شيئا فعلى مولاه بقدر الرق وعلى بيت المال الباقي، فإن قتله حر فعليه من دية
الحر بحساب الحرية والباقي منه من قيمة المملوك.
وفي قطع أعضاء العبيد بحساب قيمتهم نسبة إلى دية الحر، فإن قطع يده فعليه
نصف قيمته وفي يديه جميع القيمة ويكون السيد في ما يوجب القيمة مخيرا بين تسليمه
إلى الجاني وأخذ قيمته وبين إمساكه ولا شئ له، فإن جنى عليه اثنان بما يوجب
القيمة أخذها منهما فقط ولا تتجاوز بقيمته في جميع ذلك دية الحر والحرة.
وإذا قتل عبد حرا خطأ فأعتقه مالكه جاز عتقه وضمن دية المقتول.
وإذا جرح المسلم الحربي فأسلم ومات منه فلا قود ولا دية، فإن جرح ذميا
فأسلم أو عبدا فعتق وماتا فلا قود ويجب دية الحر المسلم، فإن جرح مسلما فارتد ثم
مات فلا قود ويجب القصاص بالجرح للولي المسلم، فإن رمى عبدا أو حربيا فأسلم
هذا وأعتق ذاك ثم أصابهما فلا قود ويجب دية مسلم حر.
ومن مات في زحام كيوم جمعة أو عيد وشبهه لم يعرف قاتله فديته من بيت
المال، فإن لم يكن له ولي فلا دية له، وكذلك القتيل في الفلاة وفي فزعة ليلا وفي
سوق أو معسكر وما أخطأت القضاة في دم أو قطع كل ذلك في بيت المال.
ومن قتله القصاص أو الحد أو أراد إنسانا على نفسه أو أهله أو ماله أو أراد امرأة
أو غلاما لفجور بهما، أو اطلع في دار قوم بلا إذن فزجروه فلم ينزجر فرموه ففقأوا
عينه أو قتلوه ومن بدأ فاعتدي عليه ومن حذر المجتاز ومن دخل دار قوم بلا إذن
497

فعقره كلبهم أو وقع في بئرهم أو دخل بإذنهم ولا يتهمون عليه فكل ذلك هدر.
ومن وجد في دار قوم أو قبيلتهم أو محلتهم أو بين قريتين أو مقطعا وقلبه وصدره
في موضع ولم يتهم وليه أحدا منهم ودي من بيت المال، فإن كانوا متهمين حلف
ولي الدم قسامة كما قدمناه وحكم له فإن لم يحلف وحلف المدعى عليه فالدية على
بيت المال، ودية الموجود بين القريتين على أهل أقربهما إليه فإن تساويا فعليهما،
ودية المقطع على أهل قرية وجد فيها قلبه وصدره إلا أن يتهم آخرون فيحكم
بالقسامة عند فقد البينة.
أحكام موجبات الضمان وما لا ضمان فيه:
ومن دخل على امرأة ليسرق متاعها فزنى بها قهرا وقتل ولدها ثم ذهب ليخرج
بالمتاع فقتلته ضمن مواليه دم الغلام بالدية وأخذ من تركة السارق أربعة آلاف
درهم لغصبها على فرجها ودمه هدر لأنه سارق، ومن تزوج امرأة فأدخلت صديقا
لها البيت فدخل الزوج فثار الصديق فقتله الزوج وقتلته به ضمنت المرأة دية الصديق
وقتلت بالزوج، رواهما عبد الله بن طلحة عن أبي عبد الله ع.
وإذا أعنف أحد الزوجين على صاحبه وهما متهمان ألزما الدية.
والظئر إن ظاءرت للفقر فنامت على الصبي فمات فالدية على عاقلتها وإن
ظاءرت للعز والفخر ففي مالها، ومن نام على غيره فقتله ففي ماله.
وإذا أتت الظئر بالولد فأنكره أهله فليس لهم ذلك فإن الظئر مأمونة، فإن ثبت
أنه غيره فعليها إحضاره أو إحضار من يشتبه أمره وإلا فعليها ديته، فإن سلمته إلى
غيرها بغير إذنهم فلم تعرف له خبرا فعليها ديته.
ومن طرق إنسانا فأخرجه من منزله ليلا فهو ضامن له إلا أن يقيم البينة برجوعه
إلى منزله فإن لم يقم بينة بذلك ضمن ديته، فإن وجد قتيلا فادعى الولي أنه قتله
وأقام قسامة فله قتله، وإن ادعى مخرجه أن غيره قتله وأقام بينة ألزم ذلك الغير وإن
لم يقم بينة ولم يدع أنه قتله فعليه الدية.
498

ومن حمل عبدا له صغيرا على دابة فجنت جناية فعلى السيد.
وروى محمد بن علي بن محبوب عن أحمد بن عبدوس الخلنجي عن ابن فضال
عن المفضل بن صالح عن ليث المرادي قال: سألت أبا عبد الله ع عن
رجل حمل غلاما يتيما على فرس استأجره بأجرة وذلك معيشة ذلك الغلام قد يعرف
ذلك عصبته فأجراه في الحلبة فنطح الفرس رجلا فقتله على من ديته؟ قال: على
صاحب الفرس، قلت: أ رأيت أن الفرس طرح الغلام فقتله، قال: ليس على
صاحب الفرش شئ.
ومن طفر على غيره من علو عمدا فقتله أقيد منه وإن مات هو فهو هدر، وإن
أسقطته الريح فماتا أو مات أحدهما فلا شئ عليهما، فإن دفعه دافع فمات الأسفل
فديته على المدفوع ويرجع المدفوع بها على الدافع على الرواية، فإن أصاب المدفوع
شئ فعلى دافعه.
ومن غشيت دابته إنسانا فزجرها عن نفسه فجنت على راكبها فلا شئ عليه.
وعلى راكب الدابة في الطريق ضمان ما يصيب بيديها ورأسها من نفس وطرف
ومال ولا يضمن ما جنت برجليها إلا أن يضربها أو يقف بها في الطريق والأرش
على الراكبين بالسوية وعلى السائق ضمان ما جنته بأربعها، فإن حصل راكب
وسائق وقائد فعلى الراكب والقائد ما جنت بيديها وعلى السائق ما جنت برجليها.
وإن آجر دابة راكبا فركبها وصاحبها يراعيها فما أصابته بالأربع فعليه وإن لم
يكن معها فعلى الراكب ما ذكرنا، فإن رمت بالراكب لم يضمن صاحبها إلا أن
يكون قد نفر بها.
ومن نفر براكب فعقره أو عضت دابته غيره أو فزع رجلا على جدار فخر يضمن
ذلك، وما يضر بطريق المسلمين فصاحبه ضامن لما يصيبه.
ومن حمل متاعا على رأسه بأجرة فكسره أو أصاب شخصا به فعليه ضمان ذلك
إلا أن يدفعه غيره فيضمن الدافع، وإذا قتل صحيح العقل غيره ثم جن قتل.
ومن أحدث في الطريق أو ملك غيره بغير إذنه حدثا فتلف بسببه نفس أو طرف
499

أو مال أو أخرج وتدا أو كنيفا أو بئرا أو روشنا أو ميزابا فعليه ضمان ذلك في
ماله، ومن وضع شيئا في الطريق فاجتاز الراكب فنفرت دابته منه أو وضع حجرا أو
سكينا فيها ضمن الجناية.
ومن تعمد إحراق مال أو نفس ضمن المال وأقيد بالنفس، فإن أضرمها في ملكه
أو ما استأجره على وجه لا يتعدى فحملتها الريح فأحرقت مالا أو نفسا لم يضمن.
وإذا علم صاحب البعير باغتلامه ولم يحفظه مع تمكنه ضمن جنايته.
ومن دخلت دابته دار غيره فجنت على دابته ضمن صاحبها وإن جنت المدخول
عليها على الداخلة لم يضمن صاحبها، ومن أفلتت دابته فجنت على نفس أو مال
لم يضمن.
ومن أتى امرأة في دبرها فألح عليها فماتت فعليه ديتها.
والطبيب إذا عالج عاقلا بالغا أو طفلا بما حصل فيه تلفهما أو تلف عضو لهما
وشبهه ضمن إلا أن يكون أخذ البراءة من العاقل أو ولي الطفل، فإن جهل المرض
أو الدواء أو أمر بفعل شئ ففعل غيره ضمن.
ومن استؤجر للختان فقطع الحشفة ضمن، وإن تبيطر وأخذ البراءة من صاحب
الدابة فلا ضمان وإن لا يأخذها يضمن.
وجرح العجماء جبار، والبئر جبار، والمعدن جبار.
وروى الأصبغ بن نباتة قال: قضى أمير المؤمنين ع في جارية ركبت
جارية فنخستها جارية أخرى فقمصت المركوبة فصرعت الراكبة فماتت: ديتها
نصفان بين الناخسة والمنخوسة.
وروي: أنه قضى بثلث على الناخسة وثلث على المنخوسة وأسقط الثلث
للعب، وعندي لا تنافي بينهما لأن ديتهما ثلثان وهما نصفان عليهما.
وروى محمد بن قيس عن أبي جعفر عن أبيه صلوات الله عليهم أجمعين قال:
قضى في أربعة نفر اطلعوا في زبية الأسد فخر أحدهم فاستمسك بالثاني واستمسك
الثاني بالثالث واستمسك الثالث بالرابع: أن الأول فريسة الأسد وغرم أهله لأهل
500

الثاني ثلث الدية وغرم الثاني لأهل الثالث ثلثي الدية غرم الثالث لأهل
الرابع الدية كاملة.
وبالإسناد أنه قضى في أربعة شربوا فسكروا فأخذوا السلاح فاقتتلوا فقتل اثنان وجرح
اثنان: فضرب كل واحد من المجروحين ثمانين جلدة وقضى دية
المقتولين على المجروحين وأمر أن يقاس جراح المجروحين فيرفع من الدية وإن مات
واحد من المجروحين فليس على أحد من أولياء المقتولين شئ.
وروى السكوني عن جعفر ع قال: رفع إلى أمير المؤمنين ع
غلمان كانوا يلعبون في الفرات فغرق واحد منهم فشهد ثلاثة منهم على اثنين أنهما
غرقاه وشهد اثنان على الثلاثة أنهم غرقوه فقضى بالدية: ثلاثة أخماس على الاثنين
وخمسين على الثلاثة.
وعن أبي جعفر ع في شخصين قطعا يد شخص: إن شاء قطعهما وأدى
إليهما دية يد أو قطع يد واحد وأدى الآخر على شريكه نصف دية اليد.
وروى أبو بصير عن أبي عبد الله ع قال: قضى علي ع
في حائط أشرك في هدمه ثلاث نفر فوقع على واحد منهم فمات: فضمن الباقين ديته
لأن كل واحد منهم ضامن صاحبه، وقال بعض أصحابنا: إنما يجب عليهم ثلثا
ديته لأنه مات من فعله وفعلهما فبطل ما قابل فعله، وقال بعضهم، ليس في هذا
إلا التسليم.
وإذا وقع شخص في بئر فسقط فوقه آخر فمات الأول فالثاني قاتله وإن مات
الثاني فدمه هدر، فإن ماتا معا فعلى ذلك، فإن كانوا ثلاثة فمات الأول فهما قاتلاه
سواء وإن مات الثاني وحده فالثالث قاتله دون الأول، فإن مات الثالث وحده فهو
هدر، فإن ماتوا جميعا فعلى ذلك.
فإذا قتل نفسان نفسا ولا قود على أحدهما كأن شارك أجنبيا في قتل ولده
عمدا قتل الأجنبي ورد عليه نصف الدية.
وإن اجتمع عامد وخاطئ على قتل سقط القود ووجب نصف الدية في مال
501

العامد ونصفها على عاقلة الخاطئ، وقيل، يقتل العامد ويرد عليه نصف
الدية.
فإن قتل شخص الزاني المحصن والمرتد لم يقد بخلاف القاتل إذا قتله غير
الولي.
ومن قتل رجلا فادعى أنه وجده في منزله مع امرأته أقيد به إلا أن يأتي
بأربعة شهداء.
كتاب الجنايات
502

كتاب الديات
دية الحر المسلم والحرة المسلمة قد بيناها، ودية الحر الذمي ثمانون دينارا
والذمية نصفها، ودية العبد والأمة قيمتهما فإن زادت على دية الحر والحرة ردت
إليها.
وروي: أن دية ولد الزنى كدية الذمي.
ودية الخنثى المشكل نصف دية الرجل ونصف دية المرأة وتقاد الخنثى بالرجل
ولا يقاد الرجل بالخنثى حتى يرد الفضل، ودية عبيد أهل الذمة قيمتهم ما لم تزد
على دية مواليهم.
ديات الأعضاء والمنافع:
وكل ما في الانسان منه عضوان ففيهما الدية وفي أحدهما نصفها، ومن العبد
والأمة قيمتهما أو نصفهما، ومن الذمي والذمية ديتهما أو نصفهما.
فالحر أصل للعبد في ما نص فيه على مقدر وما لم يقدر فيه شئ قوم فيه الحر
- لو كان عبدا - ونسب النقصان بالحر المشاع إلى ديته إلا البيضتين ففي اليسرى
ثلثا الدية لأن الولد منها وفي اليمنى الثلث وقيل: بالسوية. والشفتين ففي السفلى
ستمائة وفي العليا أربعمائة على قول، وقيل: في السفلى الثلثان لإمساكها الطعام
والشراب وقبح شينها، وهو الأظهر. والحاجبين ففيهما خمسمائة وفي أحدهما
نصفها، وإلا حلمتي ثدي الرجل ففيها ربع الدية وفي إحديهما ثمنها.
503

وما في الانسان منه واحد ففيه الدية، ومن الرقيق قيمته، ومن الذمي ديته.
الأصابع: وما كان عشرا كأصابع اليدين ففي كل إصبع عشر الدية، وفي كل
مفصل من أصابع اليدين ثلث ديتها إلا الإبهام فإن لها مفصلين فلكل منهما
خمسون.
وروي: أن دية الإبهام في اليد والرجل ثلث ديتهما ودية الأصابع الأربع
ثلثاها.
شفر العين: وفي شفر العين الأعلى ثلث دية العين وفي الأسفل نصفها.
الشعر: وفي شعر رأس الرجل والمرأة واللحية إذا لم تنبت الدية كاملة، وإن
نبت اللحية ففيها ثلث الدية.
ويؤجل شعر رأس سنة، فإن نبت ففي شعر رأس الرجل حكومة وفي شعر رأس
المرأة مهر نسائها.
ديات المنافع:
وفي السمع والبصر والشم والكلام والعقل والبحح الدية كاملة.
وفي نقصان ضوء العين بحساب ذلك، فإن ادعاه في أحدهما اعتبر مدى ما يبصر
من أربعة جوانب بعد سد الأخرى، فإن تساوى صدق وإن اختلف كذب ثم تقاس
الصحيحة فما كان بينهما أخذ بحسابه بعد الأيمان، فإن ادعاه فيهما قيستا إلى
عيني مثله في السن والبلد وألزم ضاربه ما بينهما بعد الأيمان، فإن ادعاه وهما
صحيحتان مفتوحتان حلف ستة أيمان، وروي: اعتباره باستقبال عين الشمس
بعينه فإن غمضهما كذب وإن فتحهما صدق.
ويعتبر نقصان السمع من أحد الأذنين بضرب الجرس من أربعة جوانب وينظر
مدى ما يسمع، فإن تساوى صدق واستظهر عليه بالأيمان وإن اختلف كذب، وفي
دعوى ذهاب السمع كله الأيمان.
فإن ادعى ذهاب الشم اعتبر بتقريب الحراق إلى أنفه، فإن دمعت عينه ونحى
504

أنفه كذب وإن لم يكن ذلك صدق ويستظهر عليه بالأيمان.
اللسان: وتعتبر الجناية على اللسان الصحيح بحروف المعجم وهي تسعة
وعشرون حرفا منها الهمزة والألف فما لم يفصح به منها أخذ من الدية بحسابه.
فإن ادعى أنه لا يفصح أصلا ولسانه صحيح فعليه القسامة، وروي: أنه
يضرب لسانه بإبرة فإن خرج الدم أسود صدق وإن خرج أحمر كذب.
الأسنان: وفي الأسنان كلها الدية كاملة، وفي السن في مقاديم الفم في كل
سن خمسون دينارا وفي البواقي في كل سن خمسة وعشرون دينارا وفي بعض السن
بالحساب، وروي: أن عليا ع قضى ببعير في سن الصبي قبل أن يثغر.
والجملة ثمان وعشرون سنا وليس في الزائدة شئ إذا قلع الكل، فإن قلعت
وحدها ففيها ثلث دية الأصلية وكذلك الحكم في الأصابع الزائدة، وفي السن
السوداء ربع دية الصحيحة، وروي: ثلثها.
فإن ضربها فاسودت أو تصدعت ففيها ثلثا دية سقوطها، وينتظر بها سنة فإن
سقطت فعليه كمال ديتها، وسن الصبي إذا قلعت تنتظر فإن نبتت فلا قصاص
وفيها حكومة.
ولا يقاس عين ولا أذن في يوم غيم وهواء وأرض غير مستوية في الضوء
والاعتدال.
العين: وفي العين الصحيحة فقط ممن خلق كذلك أو ذهبت عينه بآفة من الله
الدية كاملة، فإن فقأها شخص فقئت عينه وأخذ منه نصف الدية، فإن كانت قد
أذهبها شخص ففيها نصف الدية، فإن فقأ عين صحيح قلعت عينه، فإن قلعها من
خلق كذلك أو ذهبت بآفة من الله لم يقتص منه حتى يرد عليه نصف الدية
وفي خسف العين القائمة الذاهبة ثلث دية الصحيحة، وروي: نصفها،
وروي: ربعها.
شحمة الأذن: وفي شحمة الأذن ثلث دية الأذن، وفي خرمها ثلث الثلث.
الأنف: وفي استئصال الأنف الدية كاملة وكذلك في مارنه وفي بعضه
505

بالحساب، وفي روثة الأنف - وهي الحاجز بين المنخرين - تستأصل خمس مائة
دينار.
وفي النافذة في الأنف ثلث ديته فإن عولجت فانسدت فخمس ديته، فإن كانت
في أحد المنخرين إلى الخيشوم - وهو الحاجز بين المنخرين - فانسدت فمائة دينار
عشر الدية.
وفي خشاش الأنف في كل واحد ثلث الدية.
الشفة: فإن انشقت الشفتان فبدت الأسنان ولم تبرأ فثلث دية النفس فإن
التأمت فخمس دية النفس، وفي إحديهما بحساب ذلك فإن صلحت فخمس
ديتها.
الظفر: وفي قطع الظفر ولم يخرج أو خرج أسود عشرة دنانير، فإن خرج أبيض
فنصف الدية.
الظهر: وفي كسر الظهر يصلح ثلث الدية، فإن لم ينزل في الجماع فكمال
الدية، وكذلك في احديدابه أو صار بحيث لا يقدر على القعود.
النخاع: وفي النخاع الدية كاملة.
البعصوص والعجان: وفي كسر البعصوص والعجان فلم يملك حدثه الدية
كاملة.
سلس البول: وفي سلس البول يدوم إلى الليل فما زاد عليه الدية كاملة، فإن
كان إلى الظهر فثلثا الدية، وإن كان إلى ضحوة ثلثها وعلى هذا.
حشفة الذكر: وفي حشفة الذكر وحدها أو في استئصاله الدية كاملة.
فرج المرأة: وفي فرج المرأة ديتها، فإن لم يؤدها إليها قطع فرجه إن طلبت
ذلك.
فإن ضربها على بطنها فارتفع حيضها وقد كان مستقيما انتظر بها سنة، فإن
رجع وإلا حلفت وغرم ثلث ديتها.
ثدي المرأة: وفي ثدييها ديتها وفي أحدهما نصفها.
506

في تعدد الجنايات:
فإن ضرب رجلا فذهب سمعه وبصره ولسانه وعقله وفرجه وانقطع جماعه وهو
حي فست ديات، وإن فقأ عينه وقطع أنفه وأذنه ثم قتله أو ضربه ضربة فقطع عضوا
منه أو جرحه وضرب عنقه اقتص منه ثم قتل، فإن جرحه أو قطع عضوه فمات
ضربت عنقه فقط.
فإن ضرب رأسه فذهب عقله فالدية، فإن عاش فرجع عقله فلا رجوع فيها، فإن
مات بعد شهرين أو ثلاثة ردوا الدية وقتلوه ما بينه وبين سنة وليس لهم قتله بعد
السنة ومضت الدية بما فيها.
فإن أمه فأذهب عقله فلا يعقل ما قال ولا ما قيل له فإن مات إلى سنة أقيد به
ضاربه، وإن بقي ولم يعد عقله فعلى ضاربه ديته في ماله لذهاب عقله، وليس في
الشجة شئ لأن الضربة واحدة وألزم أغلظ الجنايتين.
ولو ضربه ضربتين فجنى جنايتين ألزمهما إلا أن يموت فيهما فيقاد ضاربه و
كذلك ما زاد عليهما، فإن ضربه عشرا فجنين جناية واحدة ألزم تلك الجناية مهما
كانت ما لم يكن فيها الموت.
وفي رواية السكوني أن عليا ع قضى في من داس بطن انسان حتى
أحدث: أن يقتص له أو يفتدي نفسه بثلث الدية.
القلب: وفي القلب يرعد فيطير الدية.
قاعدتان:
وفي كل فتق ونافذة ثلث الدية، وفي كل قرحة في عضو لا يبرأ ثلث دية العضو،
وفي صدع الرجل إذا أصيب فلم يستطع أن يلتفت إلا ما انحرف الرجل خمس مائة
دينار ودونه بحسابه.
وفي لسان الأخرس وذكر العنين ثلث الدية وفي بعضه بحساب ذلك.
507

قاعدتان في الشلل:
وفي كل عضو ضرب فشل ثلثا ديته، فإن قطع الأشل فالثلث.
فروع:
ومن قطع يمنى شخص قطعت يمناه، فإن قطع يمنى شخص بعد قطعه قطعت يساره، فإن لم يكن له
يسار قطعت رجله وكذلك الأربع، فإن لم يكن له يدان ولا
رجلان وجبت عليه الدية.
ويؤجل من ادعى أنه لا يبصر سنة ثم يستحلف بعدها أنه لا يبصر ثم يعطي
الدية، فإن أبصر بعد السنة فمن الله.
ومن ادعى ذهاب سمعه بأسره ترك حتى يشتغل نوما ثم يصاح به، فإن سمع
قاس الحاكم برأيه.
ويقيس نقص العضد والفخذ بالصحيحتين منهما.
ويعرف نقص النفس بالساعات لأنه - طلوع الفجر - يكون في الشق الأيمن
من الأنف ثم بعد ساعة في الشق الأيسر فتنظر ما بين نفسك وبينه ثم تحسب ثم
تؤخذ بحساب ذلك منه.
وفي أدرة الخصيتين - وهو انتفاخهما - أربع مائة دينار، فإن فحج فلم يقدر
على المشي أو مشى مشيا لا ينتفع به فثمان مائة دينار.
فإن قطع أيدي جماعة قطعت يداه بالأول فالأول والرجل بالآخر ولمن بعده
بالدية.
وفي كسر عظم من عضو خمس دية العضو وفي موضحته ربع دية كسره، فإن جبر
على صحة فأربعة أخماس دية كسره.
وفي كسر الصلب الدية كاملة، فإن جبر على صحة فمائة دينار.
وفي عين الأعمى ثلث الدية، وفي ذكر الخصي وأنثييه ثلث الدية على الرواية،
وفي الرجل العرجاء ثلث ديتها.
وفي قطع رأس الميت وشق بطنه أو أن يفعل به ما فيه اجتياح نفس الحي مائة
508

دينار، وفي أعضائه بحساب ذلك، وليست لورثته فليحج بها عنه أو يتصدق عنه بها
أو تصرف في بعض سبل الخير، وروي في شق بطن الميت خطأ: كفارة عنه عتق
رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا لكل واحد مد.
وليس في الكسر والرض قصاص.
وإذا ضرب ولي الدم القاتل ضربة فظن أنه قد قتله فبقي حيا وأراد قتله اقتص
منه ثم قتله.
وإذا قطع بعض أذن غيره فاقتص منه فألصقها المقتص منه بدمها فالتحمت
وبرأت واستقاده المجني عليه قطعت ثانيا ودفنت، وقال على ع: إنما
يكون القصاص من أجل الشين.
والمسلم إذا قطع يد ذمي لم يقطع به وعليه أربعون دينارا وإن كان امرأة
فعشرون دينارا، وإن قطع الذمي يد المسلم قطعت يده وأخذ منه تمام
الدية.
فإن قطع المسلم يده وكان معتادا لذلك اقتص منه ويرد عليه الفضل.
ومن قطع أصابع غيره وجاء آخر فأطار كفه قطعت يد قاطع الكف وأعطي دية
أصابعه.
ومن قتل رجلا عمدا وكان أقطع اليد اليمنى لجناية جناها أو قطعت وأخذ
ديتها وأراد الولي قتل قاتله أدوا إليه دية يده وإن شاؤوا طرحوا دية يده وأخذوا
الباقي، وإن كانت ذهبت لا بجناية جناها ولا أخذ لها ديته قتل قاتله بلا غرم أو
أخذ دية كاملة.
وفي لطمة الوجه يسود أثرها ستة دنانير فإن اخضار فثلاثة فإن احمار فدينار
ونصف، وفي البدن على نصف ذلك في كله.
ومن افتض جارية فخرق مثانتها فلم تملك بولها فديتها مائة وستة وستون دينارا
وثلثا دينار ومهر مثل نساء قومها.
وفي خرم الأنف ثلث ديته.
509

وفي رض العظم ثلث دية العضو الذي هو فيه، فإن جبر على صحة فأربعة أخماس
الثلث.
وفي فك عظم من عضو فتعطل ثلثا ديته، فإن جبر على صحة فأربعة أخماس
الثلثين.
وكل جراحة في الرأس إذا حصل مثلها في البدن فديتها بحسب دية العضو
الذي حصلت فيه، مثاله حارصة الرأس بعشر عشر الدية وفي البدن عشر عشر دية
العضو المحروص وعلى هذا.
ويقتص بالعصا ممن ضرب بها.
ومن جرح غيره فلم يزل ضمنا حتى مات فعلى الجارح القود أو الدية، فإن برأ
منها ومات بغيرها أو أشكل الأمر فعليه الجرح فقط.
ومن لطم إنسانا فذهب بصره وعيناه صحيحتان فإنه تؤخذ مرآة محماة بالنار
وكرسف مبلول يجعل على الأشفار لئلا يحترق ثم تقابل عين الشمس بعينه ثم
يقرب منها المرآة فيذوب الناظر وتبقى العين.
والقصاص: النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن
والسن بالسن والجروح قصاص، فمن عفا عن أخيه كفر من ذنوبه بقدر عفوه.
وقد بينا: أنه لا قصاص للولد من والده ولا للكافر من المسلم ولا للعبد من الحر
ولا للعبد ممن أعتق بعضه في نفس ولا جرح ويقتص لهم منهم في ذلك، ويقتص
للرجل من المرأة وللمرأة من الرجل حتى يبلغ ثلث الدية فلا تقتص المرأة من الرجل
حتى ترد نصف دية ذلك فإن لم تؤد فلها دية عضوها ويقتص له منها بلا رد.
وإنما يجب القصاص فيما لا تعزير فيه من الأعضاء والجراح، ولا قصاص فيما
يرجى صلاحه.
ومن جرح جرحا فعفا عن الجرح فسرى إلى نفسه قتل قاتله بعد استرجاع ما
قابل جرحه المعفو عنه من الدية.
510

في الشجاج:
الحارصة وهي التي تشق الجلد - وهي الدامية - وفيها عشر عشر الدية، ثم
الباضعة التي تبعض اللحم وفيها خمس عشرها، ثم المتلاحمة وهي النافذة في اللحم
وفيها خمس عشر وعشر عشر الدية، والسمحاق وهي البالغة القشرة الرقيقة التي على
العظم بينه وبينه اللحم وفيها خمسا عشر، ثم الموضحة وهي التي أوضحت العظم
وفيها نصف العشر، ثم الهاشمة التي تهشم العظم فقط وفيها العشر، ثم الناقلة
المحوجة إلى نقل العظام من موضعها وفيها عشر ونصف عشر، ثم الآمة التي بلغت
أم الرأس وفيها ثلاثة وثلاثون بعيرا أو ثلث الدية مما ذكرناه أولا، ثم الدامغة التي
خرقت أم الرأس وفيها ما في التي قبلها، ولا قصاص إلا في الخمس الأول.
ولا تحمل العاقلة ما دون الموضحة وإن كان خطأ بل في مال الجاني، ولا جنايته
عن مال ولا بهيمة ولا ما حصل بأسباب كوضع حجر أو سكين في طريق ولا ما أقر
به الفاعل إلا أن يصدقوه ولا ما صالح عليه ولا تعقل عن العبد ويعقله.
وحكم الرأس والوجه في هذه الجراح سواء وفي البدن على ما بيناه، والجائفة
التي وصلت إلى الجوف كالآمة ولا قصاص فيها.
وينبغي أن لا يحكم الحاكم في جرح أو كسر حتى يبرأ ثم ينظر فيه، ومن وجب
له القصاص لم يجز أن يقتص بنفسه وإنما يقتص له السلطان أو يأذن له في ذلك
فإن فعل بلا إذن فله تعزيره، وإذا ركل المرأة زوجها فأعفلها فعليه نصف ديتها.
وقضى على ع في نافذة من رمح أو خنجر في شئ من أطراف الرجل:
أن ديتها عشر دية الرجل مائة دينار.
وقضى: أن لا قود على زوج أصاب زوجته فعيبت، وغرمه العيب.
وروى ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله ع في رجل
مسلم كان في أرض الشرك فقتله المسلمون ثم علم به الإمام بعد فقال: يعتق مكانه
رقبة مؤمنة وذلك قوله: فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة.
ومن حلق شعر امرأة أوجع ضربا وحبس حتى يستبرئ شعرها، فإن نبت أو
511

لم ينبت فعليه ما قدمناه.
وإذا شج رجل غيره موضحة وشجه آخر دامية في مقام واحد فمات فالدية
عليهما نصفان، رواه ذريح عن أبي عبد الله ع.
وإذا شج غيره موضحة فوهبها له فسرت إلى نفسه فعليه الدية إلا قدر الموضحة،
رواه أبو بصير عنه ع والله أعلم.
باب دية الجنين:
ديته خمسة أجزاء: في النطفة عشرون دينارا، وفي العلقة أربعون، وفي المضغة
ستون، وفي العظم ثمانون فإذا تم خلقه فمائة دينار، فإذا صار فيه روح فدية الذكر
ألف دينار والأنثى خمس مائة.
فإن قتلت حبلى والحمل حي فمات ولم يسقط فديته نصف دية الذكر ونصف
دية الأنثى، وإن شربت دواء فألقته فديته لورثته ولا ترث هي منها شيئا.
وفي جنين البهيمة عشر قيمتها.
وفي جنين الأمة - المحكوم بأنه عبد - عشر قيمة أمه، فإن كان الجنين حرا
لحرية أبيه أو حرية أمه فعشر دية الحر وهي موروثة.
وفي جنين اليهودي والنصراني والمجوسي عشر ديته، وفيما بين النطفة والعلقة
وباقي حالاته بحساب ذلك.
فتكون النطفة أربعين يوما ثم علقة أربعين ثم مضغة أربعين ثم عظما أربعين ثم
يكسي اللحم ويصور وتلجه الروح في عشرين يوما فذلك ستة أشهر.
وروي: إذا بلغ خمسة أشهر صارت فيه الحياة واستوجب الدية.
دية أعضاء الجنين:
وفي قطع جوارح الجنين بحساب ديته، ففي يده خمسون دينارا وفي يديه كمال
ديته.
512

وتقسم دية جنين الأمة والذمي والبهيمة على الأجزاء الخمسة: فالنطفة بخمسها
والعلقة بخمسها، وعلى هذا.
فروع:
ومن أفزع رجلا مجامعا يريد الإنزال فعزل فعليه عشر دية الجنين، وروي: أنه
إذا عزل عن امرأته الحرة كرها فعليه لها مثل ذلك.
وإذا أفزع امرأة أو ضربها فألقت شيئا مما ذكرنا فعليه بحسبه، وإذا أنفذ الوالي
إلى امرأة - ذكرت بسوء - فأسقطت حملها فمات فعلى عاقلته الدية، وقيل: عن
بيت المال.
باب الجناية على الحيوان:
من أتلف حيوان غيره - وكان مما يتملك في الشرع - فعليه قيمته عند أهل
الخبرة بالقيمة.
وقد نص في كلب الصيد أربعون درهما، وفي كلب الحائط والماشية عشرون
درهما، وفي كلب الزرع قفيز من طعام.
فإن أتلف غير هذه من الكلاب أو خنزيرا على مسلم أو أتلف عليه آلات
الملاهي كالعود والطنبور وشبههما فلا غرم عليه، فإن أتلف ذلك على ذمي، فعليه
قيمته عند أهله.
فإن أتلف ما يقع عليه الذكاة بالذكاة فعليه ما بين قيمته مذبوحا وصحيحا
وخير صاحبه بين أن يغرمه قيمته ويسلمه إليه أو يطالبه بما بين قيمتيه ويمسكه، فإن
أتلفه لا بالذكاة ضمن قيمته.
وفي إتلاف الفهد والبازي والصقر وغيرها مما يتملك قيمة السوق.
فإن كسر عظم بعير أو شاة وشبههما أو عظم ما لا يحل أكله مما يتملك
كالبازي فعليه ما بين قيمة ذلك صحيحا ومعيبا وليس لصاحبه خيار في ما يؤكل
513

منه بخلاف ما لو جنى عليه بالذكاة.
وفي عين البهيمة ربع قيمتها.
وقضى أمير المؤمنين ع في بعير بين أربعة عقل أحدهم يده فتخطى في بئر
فاندق: أن على الشركاء الثلاثة غرم الربع لشريكهم.
وروى السكوني عن جعفر عن أبيه: أن رجلا شرد له بعيران فقرنهما رجل
بحبل فاختنق أحدهما فلم يضمنه علي ع وقال: إنه أراد الإصلاح.
وإذا جنت البهيمة على زرع الغير نهارا لم يضمن صاحبها إلا أن يكون معها،
وإن جنت ليلا ضمن إلا أن يخرج بغير تفريط منه في حفظها كأن يقع الحائط
فتخرج أو يفتح عليها الباب غيره.
وإذا اصطدم الفارسان فماتا فكل منهما شرك في نفسه وصاحبه وفرسه وفرس
صاحبه فعلى عاقلة كل منهما لصاحبه نصف ديته وعلى كل منهما نصف قيمة فرس
الآخر، فإن كانا سواء في القيمة تساقطا وإن فضل أحدهما رجع بالفضل على التركة
ولا تقاص في الدية إلا أن تكون العاقلة ترث كل واحد منهما.
وعن أبي الحسن موسى ع قال: قضى على ع في فرسين
اصطدما فمات أحدهما: فضمن الباقي منهما دية الميت.
وعنه: إذا قام قائمنا عجل الله فرجه الشريف أمر بسير الفرسان وسط الطريق
والرجالة جنبيه، فإن أخذ الفارس الجنبين فأصاب غيره ضمنه وإن أخذ الرجل
الوسط فعيب هدر.
فصل: في نقل رواية ظريف في الديات:
ولما انتهيت إلى هنا وهو المقصود بالكتاب سأل من أوجب حقه إثبات كتاب
الديات لظريف بن ناصح رحمه الله بإسناده فأجبته إلى ذلك، وها أنا ذاكره على
وجهه إن شاء الله.
1 - أخبرني السيد الفقيه العالم الصالح محيي الدين أبو حامد محمد بن عبد الله
514

بن علي بن زهرة الحسيني الحلبي رضي الله عنه قال: أخبرني الشيخ الفقيه محمد
بن علي بن شهرآشوب عن أبي الفضل الداعي وأبي الرضا فضل الله بن علي
الحسيني وأبي الفتوح أحمد بن علي الرازي وأبي على محمد بن الفضل الطبرسي
ومحمد وعلي ابني علي بن عبد الصمد النيشابوري ومحمد بن الحسن الشوهاني وجماعة
وكلهم عن أبي على وعبد الجبار المقري عن الشيخ أبي جعفر الطوسي.
2 - وأخبرني الشيخ محمد بن أبي البركات بن إبراهيم الصنعاني - في شهر
رجب سنة ست وثلاثين وست مائة - عن الشيخ أبي عبد الله الحسين بن هبة
الله بن رطبة السوراوي عن أبي على عن والده الشيخ أبي جعفر الطوسي.
3 - وأخبرني السيد المذكور عن الفقيه عز الدين أبي الحرث محمد بن الحسن
بن علي الحسيني البغدادي عن الفقيه قطب الدين أبي الحسن الراوندي عن
أبي جعفر محمد بن علي بن الحسن الحلبي عن الشيخ أبي جعفر الطوسي.
1 - قال: أخبرني الشيخ أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان الحارثي عن
أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي.
(أ) عن محمد بن الحسن بن الوليد عن محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن
محمد بن عيسى عن الحسن بن علي بن فضال عن ظريف بن ناصح.
(ب) وعن محمد بن الحسين بن الوليد عن أحمد بن إدريس عن محمد بن حسان
الرازي عن إسماعيل بن جعفر الكندي عن ظريف بن ناصح قال: حدثني رجل
يقال له: عبد الله بن أيوب، قال: حدثني أبو عمرو المتطبب، قال: عرضت هذه
الرواية على أبي عبد الله ع.
2 - وعن الشيخ أبي جعفر الطوسي عن الشيخ أبي عبد الله عن أبي القاسم
جعفر بن محمد بن قولويه عن محمد بن يعقوب الكليني عن علي بن إبراهيم
بن هاشم.
3 - وعنه عن الشيخ أبي عبد الله والحسين بن عبد الله وأحمد بن عبدون عن
أبي محمد الحسن بن حمزة العلوي الطبري عن علي بن إبراهيم بن هاشم.
515

4 - وعنه عن الحسين بن عبد الله عن أبي غالب أحمد بن محمد الزراري
وأبي محمد هارون بن موسى التلعكبري وأبي القاسم بن قولويه وأبي عبد الله أحمد بن
أبي رافع الصيمري وأبي المفضل الشيباني وغيرهم كلهم عن محمد بن يعقوب عن
علي ابن إبراهيم.
5 - وعنه عن أحمد بن عبدون عن أحمد بن أبي رافع وأبي الحسين عبد الكريم
بن عبد الله بن نصر البزاز بتنيس وبغداد عن محمد بن يعقوب عن علي إبراهيم عن
أبيه عن ابن فضال عن ظريف بن ناصح وسهل بن زياد عن الحسن بن ظريف عن
أبيه ظريف.
وعن ابن فضال ومحمد بن عيسى عن يونس قال: عرضنا عليه هذا الكتاب
فقال: نعم هو حق وقد كان أمير المؤمنين ع يأمر عماله بذلك.
قال: أفتى ع في كل عظم له مخ فريضة مسماة إذا كسر فجبر على
غير عثم ولا عيب جعل فريضة الدية ستة أجزاء.
وجعل في الجروح والجنين والأشفار والشلل والأعضاء والإبهام لكل جزء ست
فرائض.
جعل دية الجنين مائة دينار، وجعل مني الرجل إلى أن يكون جنينا خمسة
أجزاء، فإذا كان جنينا قبل أن تلجه الروح مائة دينار.
فجعل للنطفة عشرين دينارا وهو الرجل يفزع عن عرسه فيلقي نطفته وهو لا يريد
ذلك فجعل فيها أمير المؤمنين ع عشرين دينارا الخمس، والعلقة خمسي ذلك
أربعين دينارا وذلك للمرأة أيضا تطرق أو تضرب فتلقيه، ثم للمضغة ستين دينارا
إذا طرحته أيضا في مثل ذلك، ثم للعظم ثمانين دينارا إذا طرحته المرأة، ثم الجنين
أيضا مائة دينار إذا طرقهم عدو فأسقطت النساء في مثل هذا أوجب على النساء
ذلك من جهة المعقلة مثل ذلك.
فإذا ولد المولود واستهل - وهو البكاء - فبيتوهم فقتلوا الصبيان ففيهم ألف
دينار للذكر، والأنثى على مثل هذا الحساب على خمس مائة دينار.
516

وأما المرأة إذا قتلت وهي حامل متم ولم يسقط ولدها ولم يعلم ذكر هو أو أنثى
ولم يعلم بعدها مات أو قبلها فديته نصفان: نصف دية الذكر ونصف دية الأنثى،
ودية المرأة كاملة بعد ذلك.
وأفتى في مني الرجل يفرع عن عرسه فيعزل عنها الماء ولم ترد ذلك نصف خمس
المائة من دية الجنين عشرة دنانير وإن أفرع فيها عشرون دينارا، وجعل في قصاص
جراحته ومعقلته على قدر ديته وهي مائة دينار.
وقضى في دية جراح الجنين من حساب المائة على ما يكون من جراح الرجل
والمرأة كاملة.
وأفتى ع في الجسد وجعله ست فرائض: النفس والبصر والسمع
والكلام ونقص الصوت - من الغنن والبحح - والشلل من اليدين والرجلين،
فجعل هذا بقياس ذلك الحكم ثم جعل مع كل شئ من هذه قسامة على نحو ما
بلغت الدية.
والقسامة في النفس جعل على العمد خمسين رجلا وعلى الخطأ خمسة وعشرين
وعلى ما بلغت ديته ألف دينار من الجروح بقسامة ستة نفر فما كان دون ذلك
فحسابه على ستة نفر، والقسامة في النفس والسمع والبصر والعقل والصوت - من
الغنن والبحح - ونقص اليدين والرجلين، فهذه ستة أجزاء الرجل.
فالدية في النفس ألف دينار، والأنف ألف دينار، والصوت كله من الغنن
والبحح ألف دينار، وشلل اليدين ألف دينار، وذهاب السمع كله ألف دينار،
وذهاب البصر كله ألف دينار، والرجلين جميعا ألف دينار، والشفتين إذا استوصلتا
ألف دينار، والظهر إذا أحدب ألف دينار، والذكر فيه ألف دينار، واللسان إذا
استؤصل ألف دينار، والأنثيين ألف دينار.
وجعل ع دية الجراحة في الأعضاء كلها في الرأس لوجه وسائر الجسد
من السمع، والبصر والصوت والعقل واليدين والرجلين في القطع والكسر والصدع
والبطط والموضحة والدامية ونقل العظام والناقبة تكون في شئ من ذلك، فما كان
517

من عظم كسر فجبر على غير عثم ولا عيب ولم تنقل منه العظام فإن ديته معلومة،
فإذا أوضح ولم تنقل منه العظام فدية كسره ودية موضحته.
ولكل عظم كسر معلوم فديته، ونقل عظامه نصف دية كسره، ودية موضحته
ربع دية كسره مما وارت الثياب من ذلك غير قصبتي الساعد والأصابع، وفي قرحة
لا تبرأ ثلث دية ذلك العظم الذي هي فيه.
فإذا أصيب الرجل في إحدى عينيه فإنما تقاس بيضة تربط على عينه المصابة
وينظر ما منتهى بصر عينه الصحيحة ثم تغطى عينه الصحيحة وينظر ما منتهى بصر
عينه المصابة فيعطى ديته من حساب ذلك.
والقسامة مع ذلك من الستة الأجزاء القسامة على ستة نفر على قدر ما أصيب
من عينه، فإن كان سدس بصره حلف الرجل وحده وأعطي، وإن كان ثلث
بصره حلف هو وحلف معه رجل آخر، وإن كان نصف بصره حلف هو وحلف معه
رجلان، وإن كان ثلثي بصره حلف هو ومعه ثلاثة رجال، وإن كان أربعة أخماس
بصره حلف هو وحلف معه أربعة رجال، وإن كان بصره كله حلف هو وحلف معه
خمسة رجال، ذلك في القسامة في العين.
قال: وأفتى ع في من لم يكن له من يحلف معه ولم يوثق به على ما
ذهب من بصره أنه يضاعف عليه اليمين إن كان سدس بصره حلف واحدة وإن
كان الثلث حلف مرتين وإن كان النصف حلف ثلاث مرات وإن كان الثلثين
حلف أربع مرات وإن كان خمسة أسداس حلف خمس مرات وإن كان بصره كله
حلف ست مرات ثم يعطي، وإن أبي أن يحلف لم يعط إلا ما حلف عليه ووثق
منه بصدق، والوالي يستعين في ذلك بالسؤال والنظر والتثبت في القصاص والحدود والقود.
وإن أصاب سمعه شئ فعلى نحو ذلك يضرب له بشئ لكي يعلم منتهى سمعه
ثم يقاس ذلك والقسامة على نحو ما ينقص من سمعه، فإن كان سمعه كله فعلى
نحو ذلك وإن خيف منه فجور ترك حتى يغفل ثم يصاح به فإن سمع عاوده الخصوم
إلى الحاكم، والحاكم يعمل فيه برأيه ويحط عنه بعض ما أخذه.
518

وإن كان النقص في الفخذ أو في العضد فإن يقاس بخيط، يقاس رجله الصحيحة أو يده
الصحيحة ثم يقاس به المصابة فيعلم ما نقص من يده أو رجله.
وإن أصيب الساق أو الساعد فمن الفخذ أو العضد يقاس، وينظر الحاكم قدر
فخذه.
وقضى ع في صدع الرجل إذا أصيب فلم يستطع أن يلتفت إلا ما
انحرف: نصف الدية خمس مائة دينار، وما كان دون ذلك فبحسابه.
وقضى ع في شفر العين الأعلى إن أصيب فشتر: فديته ثلث دية العين
مائة وستة وستون دينارا وثلثا دينار، وإن أصيب شفر العين الأسفل: فديته نصف
دية العين مائتا دينار وخمسون دينارا.
وإن أصيب الحاجب فذهب شعره كله فديته نصف دية العين مائتا دينار و
خمسون دينارا، فما أصيب منه فعلى حساب ذلك.
فإن قطعت روثة الأنف فديتها خمس مائة دينار نصف الدية، وإن أنفذت فيه
نافذة لا تنسد بسهم أو برمح فديته ثلاث مائة وثلاثة وثلاثون دينارا وثلث، وإن
كانت نافذة فبرئت والتأمت فديتها خمس دية روثة الأنف مائة دينار، فما أصيب
فعلى حساب ذلك.
وإن كانت النافذة في إحدى المنخرين إلى الخيشوم وهو الحاجز بين المنخرين
فديتها عشر دية روثة الأنف - لأنه النصف والحاجز بين المنخرين - خمسون
دينارا، وإن كانت الرمية نفذت في إحدى المنخرين والخيشوم إلى المنخر الآخر
فديتها ستة وستون دينارا وثلثا دينار.
وإذا قطعت الشفة العليا فاستؤصلت فديتها نصف الدية خمس مائة دينار فما
قطع منها فبحساب ذلك، (فإن) انشقت فبدا منها الأسنان ثم دويت فبرأت
والتأمت فدية جرحها والحكومة فيه خمس دية الشفة مائة دينار وما قطع منها
فبحساب ذلك، وإن شترت وشينت شينا قبيحا فديتها مائة دينار وستة وستون
دينارا وثلثا دينار.
519

ودية الشفة السفلى إذا قطعت واستؤصلت ثلثا الدية كملا ست مائة وستة
وستون دينارا وثلثا دينار فما قطع منها فبحساب ذلك، فإن انشقت حتى تبدو منها
الأسنان ثم برئت والتأمت فمائة دينار وثلاثة وثلاثون دينارا وثلث دينار، وإن
أصيبت فشينت شينا فاحشا فديتها ثلاث مائة دينار وثلاثة وثلاثون دينارا وثلث
دينار، قال: وسألت أبا جعفر ع عن ذلك، فقال: بلغنا أن أمير المؤمنين
ع فضلها لأنها تمسك الماء والطعام مع الأسنان فلذلك فضلها في حكومته.
وفي الخد إذا كانت فيه نافذة ويرى منها جوف الفم فديتها مائتا دينار، فإن
دوى فبرئ والتأم وبه أثر بين وشين فاحش فديته خمسون دينارا، فإن كانت نافذة
في الخدين كليهما فديتهما مائة دينار وذلك نصف دية التي يرى منها الفم.
فإن كانت رمية بنصل نشب في العظم حتى تعد تنفذ إلى الحنك فديتها مائة
وخمسون دينارا جعل منها خمسين دينارا لموضحتها، وإن كانت ناقبة ولم تنفذ فيها
فديتها مائة دينار.
فإن كانت موضحة في شئ من الوجه فديتها خمسون دينارا، فإن كان لها شين
فدية شينها ربع دية موضحتها وإن كان جرحا ولم يوضح ثم برئ وكان في الخدين
أثر فديته عشرة دنانير، فإن كان في الوجه صدع فديته ثمانون دينارا، فإن سقطت
منه جذوة لحم ولم توضح وكان قدر الدرهم فما فوق ذلك فديتها ثلاثون دينارا.
ودية الشجة إن كانت توضح أربعون دينارا إذا كانت في الجسد، وفي موضع
الرأس خمسون دينارا فإن نقل منها العظام فديتها مائة دينار وخمسون دينارا.
فإن كانت ناقبة في الرأس فتلك تسمى المأمومة وفيها ثلث الدية ثلاث مائة
دينار وثلاثة وثلاثون دينارا وثلث دينار.
وجعل في الأسنان في كل سن خمسين دينارا، وجعل الأسنان سواء وكان قبل
ذلك يجعل في الثنية خمسين دينارا، وفيها سوى ذلك من الأسنان في الرباعية أربعين
دينارا وفي الناب ثلاثين دينارا وفي الضرس خمسة وعشرين دينارا.
فإذا اسودت السن إلى الحول فلم تسقط فديتها دية الساقطة خمسون دينارا، وإن
520

انصدعت ولم تسقط فديتها خمسة وعشرون دينارا، فما انكسر منها فبحسابه من
الخمسين دينارا.
وإن سقطت بعد وانصدعت وهي سوداء فديتها اثنا عشر دينارا ونصف، فما
انكسر منها فبحسابه من الخمسة وعشرين دينارا.
وفي الترقوة إذا انكسرت فجبرت على غير عثم ولا عيب أربعون دينارا، فإن
انصدعت فديتها أربعة أخماس كسرها اثنان وثلاثون دينارا، فإن أوضحت فديتها
خمسة وعشرون دينارا - وذلك خمسة أجزاء من ديتها إذا انكسرت - فإن نقل منها
العظام فديتها نصف دية كسرها عشرون دينارا، وإن نقبت فديتها ربع دية كسرها
عشرة دنانير.
ودية المنكب إذا كسر خمس دية اليد مائة دينار، فإن كان في المنكب صدع
فديته أربعة أخماس دية كسره ثمانون دينارا فما أوضح فديته ربع دية كسره خمسة
وعشرون دينارا، فإن نقلت منه العظام فديته مائة دينار وخمسة وسبعون دينارا منها
مائة دينار دية كسره وخمسون دينارا لنقل العظام وخمسة وعشرون دينارا للموضحة،
وإن كانت ناقبة فديتها ربع دية كسرها خمسة وعشرون دينارا، فإن رض فعثم فديته
ثلث دية النفس ثلاث مائة دينار وثلاثة وثلاثون دينارا وثلث دينار وإن كان فك
فديته ثلاثون دينارا.
وفي العضد إذا كسرت فجبرت على غير عثم ولا عيب فديتها خمس دية اليد مائة
دينار، ودية موضحتها ربع دية كسرها خمسة وعشرون دينارا، ودية نقل عظامها
نصف دية كسرها خمسون دينارا، ودية نقبها ربع دية كسرها خمسة وعشرون دينارا.
وفي المرفق إذا كسر فجبر على غير عثم ولا عيب فديته مائة دينار وذلك خمس دية
اليد، فإن انصدع فديته أربعة أخماس دية كسرها ثمانون دينارا، فإن أوضح فديته
ربع دية كسره خمسة وعشرون دينارا، فإن نقلت منه العظام فديته مائة دينار وخمسة
وسبعون دينارا للكسر مائة دينار ولنقل العظام خمسون دينارا وللموضحة خمسة
وعشرون دينارا، فإن كانت فيه ناقبة فديتها ربع دية كسرها خمسة وعشرون دينارا،
521

فإن رض المرفق فعثم فديتها ثلث دية النفس ثلاث مائة دينار وثلاثة وثلاثون
دينارا وثلث دينار، فإن كان فك فديته ثلاثون دينارا، وفي المرفق الآخر مثل ذلك سواء.
وفي الساعد إذا كسر فجبر على غير عثم ولا فساد ثلث دية النفس ثلاث مائة
دينار وثلاثة وثلاثون دينارا وثلث دينار، فإن كان كسر إحدى القصبتين من
الساعدين فديته خمس دية اليد - مائة دينار، وفي أحدهما أيضا.
وفي الكسر لأحد الزندين خمسون دينارا وفي كليهما مائة دينار، فإن انصدع
إحدى القصبتين ففيها أربعة أخماس دية إحدى قصبتي الساعد أربعون دينارا ودية
موضحتها ربع دية كسرها خمسون وعشرون دينارا ودية نقل عظامها مائة دينار وذلك
خمس دية اليد، وإن كانت ناقبة فديتها ربع دية كسرها خمسة وعشرون دينارا ودية
نقبها نصف دية موضحتها اثنا عشر دينارا ونصف دينار ودية نافذتها خمسون دينارا،
فإن صارت فيه قرحة لا تبرأ فديتها ثلث دية الساعد ثلاثة وثلاثون دينارا وثلث
دينار وذلك ثلث دية الذي هو فيه.
ودية الرسغ إذا رض فجبر على غير عثم ولا عيب ثلث دية اليد مائة دينار
وستة وستون دينارا وثلثا دينار، قال الخليل: " الرسغ " مفصل ما بين الساعد والكف.
وفي الكف إذا كسرت فجبرت على غير عثم ولا عيب خمس دية اليد مائة
دينار، فإن فك الكف فديتها ثلث دية اليد مائة دينار وستة وستون دينارا وثلثا دينار
وفي موضحتها ربع دية كسرها خمسة وعشرون دينارا ودية نقل عظامها مائة دينار
وثمانية وسبعون دينارا ونصف دية كسرها وفي نافذتها إن لم تنسد خمس دية اليد
مائة دينار، فإن كانت نافذة فديتها ربع دية كسرها خمسة وعشرون دينارا.
ودية الأصابع والقصب الذي في الكف والإبهام إذا قطع ثلث دية اليد مائة
دينار وستة وستون دينارا وثلثا دينار، ودية قصبة الإبهام التي في الكف تجبر على
غير عثم خمس دية الإبهام ثلاثة وثلاثون دينارا وثلث دينار إذا استوى جبرها
و ثبت، ودية صدعها ستة وعشرون دينارا وثلثا دينار، ودية موضحتها ثمانية دنانير
وثلث دينار، ودية نقل عظامها ستة عشر دينارا وثلثا دينار، ودية نقبها ثمانية دنانير
522

وثلث دينار نصف دية نقل عظامها، ودية موضحتها نصف دية ناقلتها ثمانية دنانير
وثلث دينار، ودية فكها عشرة دنانير.
ودية المفصل الثاني من أعلى الإبهام إن كسر فجبر على غير عثم ولا عيب ستة
عشر دينارا وثلثا دينار، ودية الموضحة إذا كان فيها أربعة دنانير وسدس دينار، ودية
نقبه أربعة دنانير وسدس دينار، ودية صدعه ثلاثة عشر دينارا وثلث دينار، ودية
نقل عظامها خمسة دنانير، وما قطع فبحسابه على منزلته.
وفي الأصابع في كل إصبع سدس دية اليد ثلاثة وثمانون دينارا وثلث دينار،
ودية أصابع الكف الأربعة سوى إبهام دية كل قصبة عشرون دينارا وثلثا دينار،
ودية كل موضحة في كل قصبة من القصب الأربع الأصابع أربعة دنانير وسدس،
ودية نقل كل قصبة منهن ثمانية دنانير وثلث دينار، ودية كسر كل مفصل من
الأصابع الأربع التي تلى الكف ستة عشر دينارا وثلثا دينار، وفي صدع كل قصبة
منهن ثلاثة عشر دينارا وثلث دينار.
وإن كان في الكف قرحة لا تبرأ فديتها ثلاثة وثلاثون دينارا وثلث دينار، وفي
نقل عظامها ثمانية دنانير وثلث دينار، وفي موضحتها أربعة دنانير وسدس دينار، وفي
نقبها أربعة دنانير وسدس، وفي فكها خمسة دنانير.
ودية المفصل الأوسط من الأصابع الأربع إذا قطع فديته خمسة وخمسون دينارا
وثلث دينار، وفي كسره أحد عشر دينارا وثلث دينار، وفي صدعه ثمانية دنانير
ونصف دينار، وفي موضحته دينار وثلثا دينار، وفي نقل عظامه خمسة دنانير وثلث
دينار، وفي نقبه ديناران وثلثا دينار، وفي فكه ثلاثة دنانير وثلثا دينار.
وفي المفصل الأعلى من الأصابع الأربع إذا قطع سبعة وعشرون دينارا ونصف
دينار وربع عشر دينار، وفي كسره خمسة دنانير وأربعة أخماس دينار، وفي نقبه دينار
وثلث، وفي فكه دينار وأربعة أخماس دينار.
وفي ظفر كل إصبع منها خمسة دنانير.
وفي الكف إذا كسرت فجبرت على غير عثم ولا عيب فديتها أربعون دينارا،
523

ودية صدعها أربعة أخماس دية كسرها اثنان وثلاثون دينارا، ودية موضحتها خمسة
وعشرون دينارا، ودية نقل عظامها عشرون دينارا ونصف دينار، ودية نقبها ربع دية
كسرها عشرة دنانير، ودية قرحة فيها لا تبرأ ثلاثة عشر دينارا وثلث دينار.
وفي الصدر إذا رض فتثنى شقاه كلاهما فديته خمس مائة دينار ودية إحدى شقيه
إذا انثنى مائتان وخمسون دينارا، فإن انثنى الصدر والكتفان فديته مع الكتفين ألف
دينار، وإن انثنى إحدى الكتفين مع شق الصدر فديته خمس مائة دينار ودية
الموضحة في الصدر خمسة وعشرون دينارا ودية موضحة الكتفين والظهر خمسة وعشرون
دينارا، فإن اعترى الرجل من ذلك صعر لا يستطيع أن يلتفت فديته خمس مائة
دينار.
وإن كسر الصلب فجبر على غير عثم ولا عيب فديته مائة دينار، وإن أعثم فديته
ألف دينار.
وفي الأضلاع فيما خالط القلب من الأضلاع إذا كسر منها ضلع فديتها خمسة
وعشرون دينارا، ودية صدعها اثنا عشر دينارا ونصف، ودية نقل عظامها سبعة
دنانير ونصف وفي موضحتها على دية ربع كسرها، ودية نقبها مثل ذلك.
وفي الأضلاع مما يلي العضدين دية كل ضلع عشرة دنانير إذا كسرت، ودية
صدعها سبعة دنانير، ودية نقل عظامها خمسة دنانير.
وموضحة كل ضلع ربع دية كسرها ديناران ونصف دينار وإن نقب ضلع منها
فديتها ديناران ونصف دينار، وفي الجائفة ثلث دية النفس ثلاث مائة دينار وثلاثة
وثلاثون دينارا وثلث دينار، وإن نقب من الجانبين كليهما برمية أو طعنة وقعت في
الشقاق فديتها أربعمائة دينار وثلاثة وثلاثون دينارا وثلث دينار.
وفي الأذن إذا قطعت فديتها خمس مائة دينار، وما قطع منها فبحساب ذلك.
وفي الورك إذا كسر فجبر على غير عثم ولا عيب خمس دية الرجلين مائتا دينار،
فإن صدع الورك فديته مائة دينار وستون دينارا أربعة أخماس دية كسره، وإن
أوضحه فديته ربع دية كسره خمسون دينارا ودية نقل عظامه مائة وخمسة وسبعون
524

دينارا منها لكسرها مائة دينار ولنقل عظامها خمسون دينارا ولموضحتها خمسة وعشرون
دينارا ودية فكها ثلاثون دينارا، فإن رضت فعثمت فديتها ثلاث مائة وثلاث
وثلاثون دينارا وثلث دينار.
وفي الفخذ إذا كسرت فجبرت على غير عثم ولا عيب خمس دية الرجلين مائتا
دينار، فإن عثمت الفخذ فديتها ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون دينارا وثلث دينار ثلث
دية النفس ودية موضحة الفخذ أربعة أخماس دية كسرها مائة دينار وستون دينارا،
فإن كانت قرحة لا تبرأ فديتها ثلث دية كسرها ستة وستون دينارا وثلثا دينار ودية
موضحتها ربع دية كسرها خمسون دينارا ودية نقل عظامها نصف دية كسرها مائة
دينار ودية نقبها ربع دية كسرها خمسون دينارا.
وفي الركبة إذا كسرت فجبرت على غير عثم ولا عيب خمس دية الرجلين مائتا
دينار فإن تصدعت فديتها أربعة أخماس دية كسرها مائة وستون دينارا، ودية
موضحتها ربع دية كسرها خمسون دينارا، ودية نقل عظامها مائة دينار وخمسة وسبعون
دينارا منها في دية كسرها مائة دينار وفي نقل عظامها خمسون دينارا وفي موضحتها
خمسة وعشرون دينارا، ودية نقبها ربع دية كسرها خمسون دينارا.
فإذا رضت فعثمت ففيها ثلث دية النفس ثلاث مائة وثلاثة وثلاثون دينارا
وثلث دينار، فإن فكت ففيها ثلاثة أجزاء من دية الكسر ثلاثون دينارا.
وفي الساق إذا كسرت فجبرت على غير عثم ولا عيب خمس دية الرجلين مائتا
دينار ودية صدعها أربعة أخماس دية كسرها مائة وستون دينارا، وفي موضحتها ربع
دية كسرها خمسون دينارا، وفي نقل عظامها ربع دية كسرها خمسون دينارا، وفي
نقبها نصف دية موضحتها خمسة وعشرون دينارا، وفي نفوذها ربع دية كسرها خمسون
دينارا، وفي قرحة فيها لا تبرأ ثلاثة وثلاثون دينارا وثلث دينار فإن عثمت الساق
فديتها ثلث دية النفس ثلاث مائة وثلاثة وثلاثون دينارا وثلث دينار.
وفي الكعب إذا رض فجبر على غير عثم ولا عيب ثلث دية الرجلين ثلاث مائة
وثلاثة وثلاثون دينارا وثلث دينار.
525

وفي القدم إذا كسرت فجبرت على غير عثم ولا عيب خمس دية الرجلين مائة
دينار، وفي ناقبة فيها ربع دية كسرها خمسون دينارا.
ودية الأصابع والقصب التي في القدم: الإبهام ثلث دية الرجلين ثلاث مائة
وثلاث وثلاثون دينارا وثلث دينار، ودية كسر الإبهام: القصبة التي تلى المقدم
خمس دية الإبهام ستة وستون دينارا وثلثا دينار، وفي صدعها ستة وعشرون دينارا
وثلثا دينار، وفي موضحتها ثمانية دنانير وثلث دينار، وفي نقل عظامها ستة وعشرون
دينارا وثلثا دينار، وفي نقبها ثمانية دنانير وثلث دينار، وفي فكها عشرة دنانير.
ودية المفصل الأعلى من الإبهام وهو الثاني الذي فيه الظفر ستة عشر دينارا وثلثا
دينار، وفي موضحته أربعة دنانير وسدس دينار، وفي نقل عظامه ثمانية دنانير وثلث
دينار، وفي ناقبته أربعة دنانير وسدس، وفي صدعه ثلاثة عشر دينارا وثلث، وفي فكه
خمسة دنانير.
ودية كل إصبع منها سدس دية الرجل ثلاثة وثمانون دينارا وثلث دينار.
ودية قصبة الأصابع الأربع سوى الإبهام دية كسر كل قصبة منها ستة عشر
دينارا وثلثا دينار، ودية موضحة كل قصبة منها أربعة دنانير وسدس، ودية نقل كل
عظم قصبة منهن ثمانية دنانير وثلث، ودية صدعها ثلاثة عشر دينارا وثلث، ودية
نقب كل قصبة منهن أربعة دنانير وسدس، ودية قرحة لا تبرأ في القدم ثلاثة
وثلاثون دينارا وثلث.
ودية كسر المفصل الذي يلي القدم من الأصابع ستة عشر دينارا وثلث، ودية
صدعها ثلاثة عشر دينارا وثلث، ودية نقل عظم كل قصبة منهن ثمانية دنانير وثلث
دينار، ودية موضحة كل قصبة أربعة دنانير وسدس دينار، ودية نقبها أربعة دنانير
وسدس دينار، ودية فكها خمسة دنانير.
وفي المفصل الأوسط من الأصابع الأربع إذا قطع فديته خمسة وخمسون دينارا
وثلثا دينار، ودية كسره أحد عشر دينارا وثلثا دينار، ودية صدعه ثمانية دنانير وأربعة
أخماس دينار، ودية موضحته ديناران، ودية نقل عظامه خمسة دنانير وثلثا دينار، ودية
526

فكه ثلاثة دنانير وثلثا دينار، ودية نقبه ديناران وثلثا دينار.
وفي المفصل الأعلى من الأصابع الأربع التي فيها الظفر إذا قطع فديته سبعة
و عشرون دينارا وأربعة أخماس دينار، ودية كسره خمسة دنانير وأربعة أخماس دينار،
ودية صدعه أربعة دنانير وخمس دينار، ودية موضحته دينار وثلث دينار، ودية نقل
عظامه ديناران وخمس دينار، ودية نقبه دينار وثلث دينار، ودية فكه دينار وأربعة
أخماس دينار، ودية كل ظفر عشرة دنانير.
وأفتى ع في حلمة ثدي الرجل ثمن الدية مائة دينار وخمسة وعشرون
دينارا.
وفي خصية الرجل خمس مائة دينار، قال: فإن أصيب رجل فأدر خصيتاه
كلتاهما فديته أربع مائة دينار وإن فحج فلم يقدر على المشي - إلا مشيا لا ينفعه -
فديته أربعة أخماس دية النفس ثمان مائة دينار فإن أحدب منها الظهر فحينئذ تمت
ديته ألف دينار، والقسامة في كل شئ من ذلك ستة نفر على ما بلغت ديته.
وأفتى ع في الوجئة إذا كانت في العانة فخرق السفاق فصارت أدرة في
إحدى الخصيتين فديتها مائة دينار خمس الدية.
وفي النافذة إذا نفذت من رمح أو خنجر في شئ من الرجل من أطرافه فديتها
عشر دية الرجل مائة دينار.
وقضى ع: أنه لا قود لرجل أصابه والده في أمر يعتب عليه فيه فأصابه
عيب من قطع وغيره ويكون له الدية ولا يقاد، ولا قود لامرأة أصابها زوجها فعيبت
وغرم العيب على زوجها ولا قصاص عليه.
وقضى ع في امرأة ركلها زوجها فأعفلها: أن لها نصف ديتها مائتان
وخمسون دينارا.
وقضى ع في رجل افتض جارية بإصبعه فخرق مثانتها فلا تملك بولها:
فجعل لها ثلث نصف الدية مائة وستة وستين دينارا وثلثي دينار وقضى ع
لها عليه صداقها مثل نساء قومها، وفي رواية هشام بن إبراهيم عن أبي الحسن ع
527

: الدية كاملة، قال أبو جعفر بن بابويه: وأكثر رواية أصحابنا في ذلك الدية
كاملة.
528

قواعد الأحكام
في مسائل الحلال والحرام
للشيخ جمال الدين أبي منصور الحسن بن سديد الدين يوسف بن زين الدين
علي بن محمد بن مطهر الحلي المشتهر بالعلامة الحلي والعلامة على الإطلاق
647 - 726 ه‍ ق
529

كتاب الجنايات
القتل من أعظم الكبائر ويتعلق به القصاص أو الدية والكفارة، فهنا قطبان
وخاتمة:
الأول: في القصاص:
وفيه بابان:
الأول: في قصاص النفس:
وفيه مقاصد:
الأول: في القاتل:
وفيه فصول:
الأول: الموجب:
وهو إتلاف النفس المعصومة المكافئة عمدا ظلما مباشرة أو تسبيبا منفردا أو
بالشركة، فلو قتل غير معصوم الدم كالحربي والزاني المحصن والمرتد وكل من أباح
الشرع قتله فلا قصاص، وكذا لو قتل غير المكافئ كالمسلم يقتل الذمي والحر
العبد، ولو قتل معصوما مكافئا خطأ أو شبيه عمد فلا قصاص، ولو قتله عمدا غير
ظلم كالمقتول قصاصا فلا قصاص.
وأقسام القتل ثلاثة: عمد محض وخطأ محض وعمد شبيه الخطأ.
فالعمد هو مناط القصاص وهو أن يكون الجاني عامدا في قصده وفعله، ويتحقق
531

بقصد البالغ العاقل إلى القتل بما يقتل غالبا أو نادرا أو إلى الفعل الذي يحصل به
القتل غالبا، أما لو قصد إلى الفعل الذي يحصل به الموت وليس قاتلا في الغالب ولا
قصد به القتل كما لو ضربه بحصاة أو عود خفيف فاتفق القتل فالأقرب أنه ليس
بعمد وإن أوجب الدية.
وأما شبيه العمد فهو أن يكون عامدا في فعله مخطئا في قصده مثل أن يضرب
للتأديب فيموت أو يقصد ضربه بما لا يقتل غالبا بقصد العدوان.
وأما الخطأ المحض فإن يكون مخطئا في فعله وقصده، وهو أن يفعل فعلا لا يريد
به إصابة المقتول فيصيبه مثل أن يقصد صيدا أو هدفا أو عدوا أو غيره فيصيبه فيقتله
أو أن لا يقصد الفعل أصلا كمن يزلق رجله فيسقط على غيره.
الفصل الثاني: في أقسام العمد:
وهي اثنان:
الأول: المباشرة:
وهو نوعان:
الأول: أن يضربه بمحدد، وهو ما يقطع ويدخل في البدن كالسيف والسكين
والسنان وما في معناه مما يحدد فيجرح من الحديد والرصاص والنحاس والذهب
والفضة والزجاج والحجر والقصب والخشب، فهذا كله إذا جرح به جرحا كبيرا فهو
قتل عمد.
وإن جرحه جرحا صغيرا كشرطة الحجام أو غرزه بإبرة أو شوكة فإن كان في
مقتل كالعين والفؤاد والخاصرة والصدع وأصل الأذن فمات فهو عمد أيضا، وإن
كان في غير مقتل فإن كان قد بالغ في إدخالها فهو كالكبير لأنه قد يشتد ألمه ويفضى
إلى القتل، وإن كان الغرز يسيرا أو جرحه بالكبير جرحا يسيرا كشرطة الحجام فإن
بقي من ذلك ضمنا حتى مات أو حصل بسببه تشنج أو تأكل أو ورم حتى مات
فهو عمد، وإن مات في الحال بغير تجدد شئ من ذلك فالأقرب وجوب الدية في
532

ماله.
الثاني: أن يضربه بمثقل يقتل مثله غالبا كاللت والمطرقة والخشبة والحجارة
الكبيرة أو يضربه بحجر صغير أو عصا أو يلكزه بها في مقتل أو في حال ضعف
المضروب بمرض أو صغر أو في زمن مفرط الحر أو البرد بحيث يقتله بتلك الضربة أو
يكرر الضرب عليه حتى يقتله بما يقتل غالبا عدده وكل ذلك يوجب القود، أما لو
ضربه بشئ صغير جدا كالقلم والإصبع في غير مقتل أو مسه بالكبير من غير ضرب
فلا قود ولا دية، وكذا يجب القصاص بالذبح والخنق.
القسم الثاني: التسبيب:
وفيه مطالب:
الأول: انفراد الجاني بالتسبيب:
وله صور:
أ: لو خنقه بيده أو بحبل أو منديل أو بشئ يضعه على فيه أو أنفه أو يضع يديه
عليهما ولا يرسلهما حتى يموت أو لم يرخ عنه الحبل حتى انقطع نفسه أو صار ضمنا
حتى مات فهو عمد، ولو حبس نفسه يسيرا فإن كان ضعيفا كالمريض فكذلك وإن
لم يكن وكان لا يقتل غالبا ثم أرسله فمات فالأقرب الدية إن لم يقصد القتل أو
اشتبه والقصاص إن قصده، وكذا لو داس بطنه أو عصر خصيته حتى مات أو أرسله
منقطع القوة أو ضمنا حتى مات.
ب: لو رماه بسهم فقتله قتل، وكذا لو رماه بحجر المنجنيق أو غيره أو ضربه
بعصا مكررا ما لا يحتمله مثله بالنسبة إلى زمانه وبدنه أو ضربه دون ذلك فأعقبه
مرضا ومات به.
ج: لو حبسه ومنعه الطعام والشراب مدة لا يحتمل مثله البقاء فيها فمات أو
أعقبه مرضا مات به أو ضعف قوة حتى تلف بسببه فهو عمد، ويختلف ذلك
باختلاف الناس في قواهم واختلاف الأحوال والأزمان فالريان في البرد يصبر ما لا
533

يصبر العطشان في الحر وبارد المزاج يصبر على الجوع أكثر من حارة.
ولو حبس الجائع حتى مات جوعا فإن علم جوعه لزمه القصاص كما لو ضربه
مريضا ضربا يقتل المريض دون الصحيح، وإن جهله ففي القصاص إشكال، فإن
نفيناه ففي إيجاب كل الدية أو نصفها إحالة للهلاك على الجوعين إشكال.
د: أن يسقيه سما قاتلا أو يطعمه شيئا قاتلا فيموت به فهو عمد، ولو كان مما
يقتل كثيره فأطعمه الكثير فكذلك، وإن أطعمه القليل فاتفق الموت به فهو عمد إن
قصد القتل وإلا فلا ويختلف باختلاف الأمزجة.
ه‍: أن يطرحه في النار أو الماء فيموت فهو عمد إن لم يتمكن من التخلص لكثرة
الماء والنار أو لضعفه عن التخلص بمرض أو صغر أو رباط أو منعه عن الخروج أو
كان في وهدة لا يتمكن من الصعود أو ألقاه في بئر ذات نفس عالما بذلك فمات،
ولو ألقاه في ماء يسير يتمكن من الخروج عنه فلم يخرج اختيارا حتى مات فلا قود
ولا دية لأن الموت حصل بلبثه وهو مستند إليه لا إلى الجاني.
وإن تركه في نار يتمكن من التخلص منها لقلتها أو لكونه في طرفها يمكنه
الخروج بأدنى حركة فلم يخرج فلا قصاص وفي الضمان إشكال أقربه السقوط إن
علم أنه ترك الخروج تخاذلا، ولو لم يعلم ضمنه وإن قدر على الخروج لأن النار قد
ترعبه وتدهشه وتشنج أعصابه بالملاقاة فلا يظفر بوجه المخلص.
ولو لم يمكنه الخروج إلا إلى ماء مغرق فخرج منها إليه فغرق ففي الضمان على
من ألقاه في النار إشكال، ولو لم يمكنه إلا بقتل نفسه فالإشكال أقوى والأقرب
الضمان لأنه صيره في حكم غير مستقر الحياة، ولو غرقه آخر لقصد التخليص من
التلف أو من زيادة الألم فالأقرب الحوالة بالضمان على الأول فإن كان وارثا منع
من الإرث في صورة ضمان الثاني، ويحصل العلم بقدرته على الخروج بقوله: أنا
قادر على الخروج، أو بقرائن الأحوال المعلومة.
ولو جرحه فترك المداواة فمات ضمنه لأن السراية مع ترك المداواة من الجرح
المضمون بخلاف الملقى في النار مع القدرة على الخروج إذا تركه تخاذلا لأن التلف
534

من النار ليس بمجرد الإلقاء بل بالاحتراق المتجدد ولولا المكث لما حصل، وكذا لو
فصده فترك شده على إشكال.
و: لو سرت جناية العمد ثبت القصاص في النفس، فلو قطع إصبعه عمدا لا
بقصد القتل فسرت إلى نفسه قتل الجارح.
ز: لو أوقع نفسه من علو على انسان فقتله قصدا وكان يقتل مثله غالبا أو نادرا
مع قصد القتل فهو عمد، ولو لم يقصد في النادر القتل فهو عمد الخطأ ودمه هدر،
ولو ألقاه غيره قاصدا للأسفل قيد به وبالواقع إن كان الوقوع مما يقتل، ولو لم يقصد
الأسفل ضمن ديته وقتل بالواقع.
ح: أن يقتله بسحره إن قلنا: إن للسحر حقيقة، وهو عمد وقيل: يقتل حدا لا
قصاصا، بناء على أنه لا حقيقة له.
المطلب الثاني: أن يشاركه حيوان مباشر:
فلو ألقاه في أرض مسبعة مكتوفا فافترسه الأسد اتفاقا فلا قود وعليه الدية، ولو
ألقاه إلى السبع فافترسه وجب القصاص مع العمد وكذا لو جمع بينه وبين الأسد في
مضيق، ولو فعل به الأسد ما لا يقتل غالبا ضمن الدية ولا قصاص، ولو أنهشه حية
قاتلة فمات قتل به وكذا لو طرح عليه حية قاتلة فنهشته فهلك أو جمع بينه وبينها في
مضيق لأنه تقتل غالبا.
ولو كتفه وألقاه في أرض غير معهودة بالسباع فاتفق افتراسه ضمن ديته ولا
قصاص، ولو أغرى به كلبا عقورا فقتله فهو عمد، وكذا لو ألقاه إلى أسد ولا يتمكن
من الفرار عنه فقتله سواء كان في مضيق أو برية.
ولو ألقاه إلى البحر فالتقمه الحوت قبل وصوله فعليه القود، على إشكال ينشأ من
تلفه بسبب غير مقصود نعم يضمن الدية، أما لو وصل فالتقمه الحوت بعد وصوله فإنه
عمد.
ولو ألقاه في ماء قليل فأكله سبع أو التقمه حوت أو تمساح فعليه الدية لا القود.
535

ولو جرحه ثم عضه الأسد وسرتا فعليه القصاص بعد رد نصف الدية عليه، وكذا
لو شاركه في القتل من لا يقتص منه كالأب لو شارك أجنبيا في قتل ولده وكالحر لو
شارك عبدا في قتل عبد فإن القصاص يجب على الأجنبي والعبد دون الأب والحر
لكن يؤخذ منهما نصف الدية أو القيمة يدفع إلى المقتص منه.
ولو جرحه ونهشته حية فمات منهما فعليه نصف الدية أو يقتص بعد رد
النصف، ولو جرحه مع ذلك سبع فعليه الثلث ويحتمل النصف ولا ينظر إلى عدد
الحيوان.
المطلب الثالث: أن يشاركه المجني عليه:
إذا جرحه فداوى جرحه بما فيه سم فإن كان مجهزا فلا قود على الجاني بل عليه
قصاص الجرح خاصة والقاتل هو المجروح، فإن لم يكن مجهزا و الغالب معه السلامة
أو التلف فاتفق الموت سقط ما قابل فعل المجروح ووجب على الجارح ما قابل فعله
فيكون الجناية بينهما بالسواء يقتص من الجاني بعد رد نصف الدية، وكذا لو خاط
جرحه في لحم حي فمات منهما.
ولو قدم إليه طعاما مسموما فإن علم وكان مميزا فلا قود ولا دية، وإن لم يعلم
فأكل فمات فللولي القود لأن المباشرة ضعفت بالغرور سواء خلطه بطعام نفسه
وقدمه إليه أو أهداه إليه أو خلطه بطعام الآكل ولم يعلم أو بطعام أجنبي وقدمه إليه
من غير شعور أحد.
ولو قصد قتل غير الآكل ضمن دية الآكل، ولو جعل السم في طعام صاحب
المنزل فوجده صاحبه فأكله من غير شعور فمات قيل: عليه القود، ويحتمل الدية.
ولو جعل السم في طعام نفسه وجعله في منزله فدخل انسان فأكله فلا ضمان
بقصاص ولا دية سواء قصد قتل الآكل أو لا مثل أن يعلم أن ظالما يريد هجوم داره
ويترك السم في الطعام ليقتله إذا لم يقدمه إليه، ولو دخل رجل باذنه فأكل الطعام
المسموم بغير إذنه لم يضمنه، ولو كان السم مما لا يقتل غالبا فهو شبيه عمد.
536

ولو حفر بئرا بعيدة في طريق ودعا غيره مع جهله فوقع فمات فعليه القود لأنه مما
يقتل غالبا.
المطلب الرابع: أن يشاركه انسان آخر:
إذا اشترك اثنان فصاعدا في قتل واحد قتلوا به أجمع بعد أن يرد الولي ما فضل
عن دية المقتول فيأخذ كل واحد ما فضل من ديته عن جنايته، وإن شاء الولي قتل
واحدا ويرد الباقون دية جنايتهم عليه، وإن شاء قتل أكثر ويرد الباقون دية جنايتهم
على المقتولين فإن فضل لهم شئ رده الولي.
وتتحقق الشركة بأن يفعل كل واحد منهم ما يقتل لو انفرد أو يكون له الشركة
في السراية مع القصد إلى الجناية.
ولو اتفق جمع على واحد وضرب كل واحد سوطا فمات وجب القصاص على
الجميع، ولا يعتبر التساوي في الجناية بل لو جرحه واحد جرحا وآخر مائة ثم سرى
الجميع فالجناية عليهما بالسوية وتؤخذ الدية منهما سواء.
ولو جنى عليه فصيره في حكم المذبوح بأن لا يبقى معه حياة مستقرة فذبحه آخر
فعلى الأول القود وعلى الثاني دية الميت، ولو كانت حياته مستقرة فالأول جارح
والثاني قاتل سواء كانت جناية الأول مما يقضى معها بالموت غالبا كشق الجوف
والآمة أو لا يقضى كقطع الأنملة.
ولو قطع واحد يده وآخر رجله فاندملت إحديهما وهلك بالأخرى فمن اندمل
جرحه فهو جارح عليه ضمان ما فعل والآخر قاتل عليه القصاص في النفس أو الدية
لكن يقتل بعد رد دية الجرح المندمل على إشكال، ولو مات بهما فهما قاتلان، ولو
ادعى أحدهما اندمال جرحه وصدقه الولي لم ينفذ تصديقه في حق الآخر فلا يتسلط
الولي على الآخر بالقصاص مجانا ولا بكمال الدية بل بقدر قسطه بعد يمينه ويأخذ
من الآخر أرش جناية ما صدقه عليه أو يقتص فيه خاصة، ولو صدق المدعي الشريك
في الجناية لم يلتفت إليه مع تكذيب الولي.
537

الفصل الثالث: في بيان الزهق:
وفيه مطالب:
الأول: في أقسامه:
وهي ثلاثة: شرط وعلة وسبب.
فالشرط ما يقف عليه تأثير المؤثر ولا مدخل له في العلية كحفر البئر بالنسبة إلى
الوقوع إذا الوقوع مستند إلى علته وهي التخطي ولا يجب به قصاص بل الدية.
أما العلة فهو ما يستند الفعل إليه كالجراحات القاتلة فإنها تولد السراية والسراية
مولدة للموت.
وأما السبب فهو ما له أثر ما في التوليد كما للعلة لكنه يشبه الشرط من وجه
ومراتبه ثلاث:
الأولى: الإكراه فإنه يولد في المكره داعية القتل غالبا، والقصاص عندنا على
المباشر خاصة دون الآمر لأنه قتل عمدا ظلما لاستبقاء نفسه فأشبه ما لو قتله في
المخمصة ليأكله ولو وجبت الدية كانت على المباشر أيضا، فلا يتحقق الإكراه في
القتل عندنا ويتحقق فيما عداه كقطع اليد والجرح فيسقط القصاص عن المباشر،
وفي وجوبه على الآمر إشكال ينشأ من أن السبب هنا أقوى لضعف المباشرة بالإكراه
ومن عدم المباشرة وعلى كل تقدير يضمن الآمر فيما يتحقق فيه الإكراه.
أما ما لا يتحقق فيه كقتل النفس فإنه لا يجب عليه قصاص ولا دية نعم يحبس
دائما إلى أن يموت هذا إذا كان المقهور بالغا عاقلا، ولو كان غير مميز كالطفل
والمجنون والجاهل بإنسانية المرمي فالقصاص على الآمر لأن المباشر كالآلة ولا فرق
بين الحر والعبد، ولو كان مميزا عارفا غير بالغ حرا فلا قود والدية على عاقلة المباشر،
وقيل: يقتص منه إن بلغ عشرا.
والمملوك المميز يتعلق برقبته، وقيل: إن كان المملوك صغيرا أو مجنونا سقط
القود ووجبت الدية.
ولو قال: اقتلني وإلا قتلتك، لم يجز القتل فإن قتل ففي القصاص إشكال
538

ينشأ من اسقاط حقه بالإذن فلا يتسلط الوارث ومن كون الإذن غير مبيح فلا يرتفع
العدوان كما لو قال: اقتل زيدا وإلا قتلتك.
ولو قال: اقتل نفسك، فإن كان مميزا فلا قود، وهل يتحقق إكراه العاقل
هنا؟ إشكال، وإن كان غير مميز فعلى الملزم القود.
ولو قال: اقطع يد هذا وإلا قتلتك، كان القصاص على الآمر لتحقق الإكراه
هنا.
ولو قال: اقطع يد هذا أو هذا وإلا قتلتك، فاختار المكره أحدهما ففي القصاص
على المباشر إشكال ينشأ من تحقق الإكراه ولا مخلص إلا بأحدهما ومن عدم الإكراه
على التعيين.
الثانية: شهادة الزور تولد في القاضي داعية القتل غالبا من حيث الشرع فيناط به
القصاص، فلو شهد اثنان بما يوجب القتل كالقصاص أو الردة أو شهد أربعة بالزنى
أو اللواط فقتل وثبت أنهم شهدوا زورا بعد الاستيفاء لم يضمن الحاكم ولا الحداد
وكان القود على الشهود لأنه سبب متلف بعادة الشرع، ولو اعترف الولي بكونه
عالما بتزويرهم وباشر القصاص فالقصاص عليه دون الشهود، ولو لم يباشر
فالقصاص على الشهود خاصة على إشكال ينشأ من استناد القتل إلى الشهادة
والطلب فإن شركناه ففي التنصيف إشكال، وكذا لو شهدا ثم رجعا واعترفا بتعمد
الكذب بعد القتل فعليهما القصاص.
الثالثة: ما تولد المباشرة توليدا عرفيا لا حسيا ولا شرعيا كتقديم الطعام
المسموم إلى الضيف وحفر بئر في الدهليز وتغطية رأسها عند دعاء الضيف، ويجب
فيه القصاص.
ولو فعل السبب وقدر المقصود على دفعه فإن كان السبب مهلكا والدفع غير
موثوق به كإهمال علاج الجرح وجب القصاص على الجارح، وإن فقد المعنيان كما
لو فتح عرقه فلم يعصبه حتى نزف الدم أو تركه في ماء قليل فبقي مستلقيا فيه حتى
غرق فلا قصاص، وإن كان السبب مهلكا والدفع ممكن سهل كما لو ألقى من
539

يحسن السباحة في ماء كثير فلم يسبح احتمل القصاص لإمكان الدهش عن
السباحة.
المطلب الثاني: في اجتماع السبب والمباشرة:
وأقسامه ثلاثة:
الأول: أن يغلب السبب المباشرة: وهو فيما إذا لم تكن المباشرة عدوانا كقتل
القاضي والجلاد بشهادة الزور فالقصاص على الشهود.
الثاني: أن يصير السبب مغلوبا: كما إذا ألقاه من شاهق فاعترضه ذو سيف
وقده بنصفين فلا قصاص على الملقى عرف ذلك أم لا، بخلاف ما إذا التقمه
الحوت عند الإلقاء إلى الماء إذ لا اعتبار بفعل الحوت فإنه كنصل منصوب في عمق
البئر.
الثالث: أن يعتدل السبب والمباشرة: كالإكراه مع القتل وهنا القصاص على
المباشر ولا دية على المكره بل يحبس دائما ولا كفارة أيضا ويمنع من الميراث على
إشكال، ولو أكرهه على صعود شجرة فزلق رجله ومات وجب الضمان، ولو أمره
متغلب يعهد منه الضرر عند المخالفة فهو كالإكراه.
ولو أمره واجب الطاعة بقتل من يعلم فسق الشهود عليه فهو شبهة من حيث أن
مخالفة السلطان تثير فتنة وكون القتل ظلما بخلاف العبد إذا أمره سيده فالقصاص
على العبد، ولا يباح بالإكراه القتل ويباح به ما عداه حتى إظهار لفظة الشرك
والزنى وأخذ المال والجراح وشرب الخمر والإفطار، ولا أثر للشرط مع المباشرة
كالحافر مع المتردي.
ولو أمسك واحد وقتل آخر ونظر ثالث قتل القاتل وخلد الممسك السجن أبدا
وسملت عين الناظر.
المطلب الثالث: في طريان المباشرة على مثلها:
540

ويحكم بتقديم الأقوى كما لو جرح الأول وقتل الثاني فالقتل على الثاني، ولو
أنهى الأول إلى حركة المذبوح فقده الثاني فالقصاص على الأول، ولو قطع أحدهما
يده من الكوع والآخر من المرفق فهلك بالسراية فالقود عليهما لأن سراية الأول لم
تنقطع بالثاني لشياع ألمه قبل الثانية بخلاف ما لو قطع واحد يده ثم قتله الثاني
لانقطاع السراية بالتعجيل.
ولو كان الجاني واحدا دخلت دية الطرف في دية النفس إجماعا فإن ثبتت
صلحا فإشكال، وهل يدخل قصاص الطرف في قصاص النفس؟ قيل: نعم إن
اتحد الضربة وإن فرق لم يدخل.
ولو سرى القطع إلى النفس فالقصاص في النفس لا الطرف، ولو قتل
مريضا مشرفا وجب القود، ولو قتل من نزع أحشاؤه وهو يموت بعد يومين أو ثلاثة
قطعا وجب القود لأنه قتل مستقر الحياة، ولو قتل رجلا في دار الحرب على زي
أهل الشرك فبان مسلما فلا قصاص وتجب الدية والكفارة، ولو قتل من ظن أنه قاتل
أبيه فلا قصاص ويجب الدية، ولو قال: تيقنت أن أبي كان حيا، وجب القود. ولو
ضرب مريضا ظنه صحيحا ضربا يهلك المريض وجب القود إذ ظن الصحة لا يبيح
الضرب.
المقصد الثاني: في شرائط القصاص:
وهي خمسة:
أ - التساوي في الحرية أو الرق، ب - التساوي في الدين، ج - انتفاء الأبوة
عن المقتص منه، د - المساواة في العقل، ه‍ - احترام المقتول.
فهنا فصول:
الأول في الحرية:
وفيه مطالب:
541

الأول: في جناية الأحرار بعضهم على بعض:
ويقتل الحر بالحر، والحرة بالحرة، والحرة بالحر ولا يؤخذ من تركتها شئ،
والحر والحرة بعد رد فاضل ديته ولو امتنع الولي أو كان فقيرا فالأقرب أن له المطالبة بدية
الحرة إذ لا سبيل إلى طل الدم.
ويقتص للرجل من المرأة في الأطراف ولا رجوع، وللمرأة من الرجل ولا رد
ما لن تبلغ ثلث دية الحر، ويتساويان دية وقصاصا فإذا بلغت ثلث دية الحر سفلت
المرأة فصارت على النصف فيقص لها منه مع رد التفاوت.
فلو قطع ثلاث أصابع منها قطع مثلها منه قصاصا، ولو قطع أربعا لم تقطع الأربع
إلا بعد رد دية إصبعين، وهل لها القصاص في إصبعين من دون رد؟ إشكال، ويقوى
الإشكال لو طلبت القصاص في ثلاث والعفو عن الرابعة فإن أوجبنا أخذ إصبعين
فلا تطالب بزائد أرشا ولا قصاصا، وهل يتخير حينئذ؟ الأقرب ذلك، ولو طلبت
الدية لم يكن لها أكثر من مائتين هذا إذا كان القطع بضربة واحدة ولو كان
بضربات ثبت لها دية الأربع أو القصاص في الجميع من غير رد.
ولو قتل حر حرين فليس لأوليائهما سوى قتله فأيهما بدر استوفى وليس لهما
المطالبة بالدية إذا قتلاه، ولو قتله أحدهما فالأقرب أن للآخر أخذ الدية من التركة.
ولو قطع يمين رجل ومثلها من آخر قطعت يمينه بالأول ويساره بالثاني، فإن
قطع يد ثالث قيل: وجبت الدية، وقيل: يقطع رجله، وكذا لو قطع رابعا.
ولو قطع ولا يد له ولا رجل فعليه الدية لفوات محل الاستيفاء.
ولو قتل الجماعة واحدا اقتص منهم، وكذا لو قطعوا طرفا فلو اجتمع ثلاثة
على قطع يده أو قلع عينه اقتص منهم بعد رد ما يفضل لكل واحد منهم عن
جنايته وله الاستيفاء من واحد ويرد الباقيان على المقتص منه قدر جنايتهما.
وتتحقق الشركة في ذلك بالاشتراك في الفعل فلو قطع أحدهم ثلث اليد
والثاني ثلثا آخر وأكمل الثالث أو وضع أحدهما آلته فوق يده و الآخر تحتها واعتمدا حتى
542

التقت الآلتان فلا قصاص على واحد منهم باليد بل في قدر جنايته لأن كل واحد
منهم قد انفرد بجناية عن صاحبه، أما لو أخذ الثلاثة آلة واحدة واعتمدوا عليها
حتى قطعوا اليد تحققت الشركة وكذا لو قطع أحدهم اليد والثاني في موضع آخر
والثالث في موضع ثالث وسرى الجميع حتى سقطت اليد.
ولو اشترك حر وحرة في قتل حر فللولي قتلهما ويؤدي نصف الدية إلى الرجل
خاصة، وقيل: تقسم أثلاثا، وليس بجيد. وله قتل الرجل فتؤدي المرأة إلى أوليائه
ديتها، وقيل: نصف ديتها، وليس بمعتمد، وله قتل المرأة وأخذ نصف الدية من
الرجل.
ولو قتله امرأتان قتلتا به ولا رد إذ لا فاضل لهما عن ديته، ولو كن أكثر
فللولي قتلهن بعد رد فاضل ديتهن بالسوية، فلو كن ثلاثا رد دية امرأة إلى الجميع
وله قتل اثنتين فترد الثالثة ثلث دية الرجل إليهما بالسوية وله قتل واحدة فترد
الباقيتان عليها ثلث ديتها وعلى الولي نصف دية الرجل.
ولو قتل رجلان امرأة فلها القصاص بعد رد فاضل دية الرجلين عن جنايتهما
فترد إلى كل واحد ثلاثة أرباع ديته.
وكل موضع يثبت فيه الرد فإنه مقدم على الاستيفاء، ولا يقتل الرجل
بالخنثى المشكل إلا بعد رد التفاوت وهو ربع الدية، ولا يقتل الخنثى بالمرأة إلا بعد
رد ربع الدية عليها، ويقتل الخنثى بمثلها.
ولو اشترك رجل وخنثى في قتل رجل قتلا بعد رد دية الخنثى عليهما بالنسبة
فيأخذ الرجل نصف ديته والخنثى الباقي، ولو اشتركا في قتل امرأة قتلا بعد رد
ثلاثة أرباع الدية إلى الرجل ونصف الدية إلى الخنثى.
المطلب الثاني: في الجناية الواقعة بين المماليك:
يقتل العبد بالعبد وبالأمة والأمة بالأمة وبالعبد إذا كانا لمالك واحد واختار
ذلك، وإن كانا لمالكين فكذلك إن تساويا في القيمة، ولو تفاوتا فكذلك يقتل
543

الناقص قيمة بالكامل ولا يرجع مالكه بشئ، وهل يقتل الكامل بالناقص
من غير رد؟ الأقرب أنه لا بد من الرد، فإن لم يفعل كان له أن يسترق منه بقدر قيمة
عبده، ولسيد المقتول الخيار إن ساواه بين القصاص والاسترقاق إن عفا على مال ولم
يفده مولاه به، وهل له الاسترقاق مع إجابة مولاه إلى المفاداة؟ الأقرب ذلك، ولا
يضمن مولى القاتل جنايته، وإذا أفداه مولاه فالأقرب أنه يفديه بأقل الأمرين من
أرش الجناية وقيمة القاتل، وقيل: يفديه بالأرش وإن زاد عن القيمة.
أما لو قتل العبد عبدا خطأ فإن الخيار إلى مولى القاتل بين فكه بقيمته وبين
دفعه إلى مولى المقتول، فإن فضل منه شئ فهو له وليس عليه ما يعوز.
والمدبر كالقن يقتل عمدا بالعمد أو يدفع إلى مولى المقتول للاسترقاق أو
يفديه مولاه بقيمة الجناية أو بالأقل من قيمتها وقيمته على الأقوى، فإن كانت قيمته
أكثر لم يكن لمولى المقتول قتله إلا بعد رد الفاضل عن قيمة المقتول ويقوم مدبرا،
وإن دفعه وكانت قيمته أقل أو مساوية بطل التدبير، وقيل: لا يبطل بل ينعتق
بموت مولاه الذي دبره. وهل يسعى حينئذ في قيمة المقتول أو قيمة رقبته؟ خلاف،
وإن فكه مولاه فالتدبير باق إجماعا.
والمكاتب المشروط وغير المؤدي المطلق كالقن أيضا، وإن كان مطلقا قد أدى
بعض كتابته تحرر بقدر ما أدى فلا يقتل بالعبد القن ولا بمن انعتق منه أقل ويقتل
بالحر وبمن انعتق منه مثله أو أزيد، فإذا قتل قنا تعلقت الجناية بما فيه من الرقية
مبعضة فيسعى في نصيب الحرية ويسترق الباقي منه أو يباع في نصيب الرق بما فيه
من الرقية وتبطل الكتابة، ولو قتل خطأ فعلى الإمام بقدر ما فيه من الحرية وللمولى
الخيار بين فك نصيب الرقية من الجناية وبين تسليم حصة الرق ليقاص بالجناية،
وقيل: إذا أدى نصف ما عليه فهو كالحر.
ولو قتل عبد عبدين كل لمالك اشترك الموليان ما لم يختر مولى الأول استرقاقه
قبل الجناية الثانية فيكون للثاني، وقيل: يقدم الأول، لأن حقه أسبق ويسقط الثاني
لفوات محل استحقاقه. فإن اختار الأول المال وضمن المولى تعلق حق
544

الثاني برقبته وكان له القصاص، فإن قتله بقي المال في ذمة مولى الجاني ولو لم
يضمن ورضي الأول بتملكه تعلق به حق الثاني، فإن قتله سقط حق الأول وإن
استرق اشترك الموليان.
ولو قتل عبد لجماعة فطلب بعضهم القيمة كان له منه بقدر قيمة حصته من
المقتول وكان للباقين القود بعد رد حصة نصيب من طلب الدية عليه.
ولو قتل عبدان عبدا فلمولاه القصاص بعد رد فاضل قيمة الجناية عن المقتول،
فإن فضلت قيمة أحدهما عن جنايته أدى إلى مولاه الفاضل وقتله وكذا الآخر، ولو
لم يفضل قيمة أحدهما على قدر جنايته كان لمولاه قتلهما معا ولا شئ عليه، ولو
فضل أحدهما خاصة رد عليه دون الآخر ولا يجبر فاضل أحدهما نقصان الآخر إلا أن
يكونا لمالك واحد.
ولو طلب الدية كان على كل واحد من الموليين نصف قيمة المقتول أو يدفع عبده
إلى مولى المقتول ليسترقه أجمع إن لم يكن في قيمته فضل عن جنايته وإلا استرق بقدر
الجناية.
ولو قتل أحدهما فإن زادت قيمة المقتول عن جنايته رد المقتص عليه الفاضل
وأخذ من مولى الآخر قيمة نصف عبده أو يدفع مولاه عبده إن ساوت قيمته جنايته أو
يدفع ما قابل الجناية وكان الفاضل له، ولو تجاوزت قيمة المقتول قودا قيمة المقتول
أولا أدى مولى المجني عليه الفاضل أو قتل الناقص إن كان بقدر قيمة عبده ويسترد
مولاه من مولى الرفيع قدر ما أخذ منه عن عبده قصاصا إما قيمة أو جزء من الرفيع،
ولو ساوى الخسيس نصف قيمة المجني عليه كان لمولاه من الرفيع بقدر النصف
الآخر ولو كانت أقل فكذلك.
المطلب الثالث: في الجناية الواقعة بين المماليك والأحرار:
لا يقتل حر بعبد ولا أمة سواء كان قنا أو مدبرا أو أم ولد أو مكاتبا مشروطا
أو مطلقا أدى من كتابته شيئا أو لا وسواء بقي عليه القليل أو الكثير وسواء كان
545

قيمة العبد أقل من دية الحر أو أكثر وسواء كان القاتل ذكرا أو أنثى أو خنثى،
وكذا لا يقتل من انعتق بعضه بالقن ولا بمن انعتق منه أقل وإن كانت قيمته أكثر
بحيث يكون الباقي بقدر قيمة الجاني أجمع.
ولو اعتاد الحر قتل العبيد قيل: يقتل حسما للفساد، وفي رد الفاضل إشكال.
ولو قتل المولى عبده أدب وكفر، وقيل: يلزم بالقيمة صدقة.
ويغرم الحر قيمة عبد غيره يوم قتله ما لم تتجاوز دية الحر فإن تجاوزت ردت
إليها، وكذا يضمن قيمة الأمة يوم التلف ما لم تتجاوز دية الحرة فترد إليها.
ولو جنى عليه فنقصت قيمته ثم مات ضمن قيمته كملا، ولو كان ذميا لذمي
لم يتجاوز بالذكر دية الذمي ولا بالأنثى دية الذمية، ولو كان العبد لامرأة فعليه
قيمته وإن تجاوز دية مولاته ما لم يتجاوز دية الحر، وكذا الجارية لو كانت لرجل
كان عليه قيمتها ما لم يتجاوز دية الأنثى الحرة.
ولو كان للذمي عبد مسلم وجب بيعه عليه، فإن قتل قبل ذلك فالأقرب أن فيه
قيمته ما لم تتجاوز دية الحر المسلم، والعبد الذمي للمسلم كالمسلم.
ولو اختلف الجاني والمولى في قيمته يوم قتل قدم قول الجاني مع اليمين وعدم
البينة.
ولو قتل العبد حرا عمدا قتل به وإن كان مولاه، ولا يضمن المولى جنايته بل
يتخير ولي المقتول بين قتله واسترقاقه، ولا خيار لمولاه لو أراد فكه ولو بأرش الجناية
إلا برضا الولي وإن اختار استرقاقه.
ولو جرح حرا اقتص منه، فإن طلب الدية تعلقت برقبته، فإن افتكه مولاه وإلا
كان للمجني عليه منه بقدر الجناية إن لم تحط بقيمته أو الجميع إن أحاطت، وليس
له قتله وإن أحاطت الجناية برقبته، وهل يفتكه مولاه بالأرش أو بالأقل؟ الأقرب
الثاني، والأقرب أنه له الافتكاك هنا وإن كره المجروح إذا أراد الأرش، ولو طلب
القصاص لم يكن للمولى الفك قهرا، ولو لم يفتكه المولى كان للمجروح بيعه أجمع
إن أحاطت الجناية برقبته وبيع ما يساوى الجناية إن لم تحط.
546

ولو قتل العبد حرا أو عبدا خطأ تعلقت الجناية برقبته، فإن اختار المولى فكه فكه
وإن شاء دفعه إلى الولي وليس للولي هنا خيار بل للمولى، وهل يفتكه بالجناية أو
بالأقل؟ الأقرب الثاني.
والمدبر كالقن وكذا المكاتب المشروط والمطلق الذي لم يؤد، ولو أدى المطلق
عتق منه بقدر ما أدى وكان للحر القصاص في الطرف منه والنفس، ويتعلق برقبته
من دية الخطأ بقدر الرقية وعلى الإمام بقدر الحرية.
ولو قتل العبد حرين على التعاقب اشتركا فيه ما لم يحكم به للأول، وقيل:
للثاني، والأول أولى ويكفي في الاختصاص اختيار الولي الاسترقاق وإن لم يحكم
به حاكم، فإذا اختار ولي الأول الاسترقاق ملكه وكان للثاني هذا إذا كان
عمدا، ولو كان خطأ توقف تملك الأول مع اختياره على اختيار مولاه بذله، فإن
اختار دفع الأرش للأول لم يملكه لكن يحكم به للثاني إن اختار مولاه دفعه إليه
أيضا وإلا دفع الأرش.
ولو هرب العبد بعد الجناية لم يجب على مولاه شئ ما لم يفرط في حفظه وإن
فرط ضمن الأقل أو الجناية، وكذا لا يضمن مولاه لو تلف بعد الجناية ما لم يلتزم
بدفع الأرش فيضمنه لا الأقل، وكذا لو هرب بعد ضمان الأرش.
ولو أعتقه مولاه بعد قتل الحر عمدا ففي الصحة إشكال نعم لا يبطل حق الولي
من القود ولو باعه أو وهبه وقف على إجازة الولي، ولو كان خطأ صح العتق إن كان
مولى الجاني مليا وإلا فالأقرب المنع ومع الصحة يضمن الأرش أو الأقل على
الخلاف، ولو قتله أجنبي أو مولاه تسلط المجني عليه على القيمة.
ولو اشترك حر وعبد في قتل حر عمدا فللولي قتلهما فيدفع إلى الحر نصف ديته
ثم إن زادت قيمة العبد عن جنايته رد على مولاه الزائد ما لم يتجاوز دية الحر فترد
إليها، وقيل: يؤدى إلى سيد العبد ثمنه خاصة، وليس بجيد. وله قتل الحر فيؤدي
مولى العبد عليه نصف دية الحر أو يدفع العبد ليسترقه ورثته وليس لهم قتله، وله قتل
العبد فإن زادت قيمته عن نصف دية الحر فلمولاه الزيادة يدفعها الحر، فإن كانت
547

أقل من النصف كان للولي أخذ الباقي من النصف من الحر وإن كانت بقدره
أداها الحر إلى مولاه.
ولو اشترك عبد وامرأة في قتل حر فللولي قتلهما ولا رد إلا أن يزيد قيمة العبد
على نصف دية الحر فلمولاه الزيادة على الولي إلا أن يتجاوز دية الحر فيرد إليها،
وله قتل المرأة فيسترق العبد إن قصر عن النصف أو ساواه وإلا استرق بقدر النصف
ولمولاه الفاضل، وله قتل العبد فإن ساوت قيمته الجناية أو قصرت أخذ الولي من
المرأة دية جنايتها وإن زادت فعلى المرأة الزيادة ولا يتجاوز بها دية الحر فإن قصرت
عن الدية كان الباقي لولي الدم.
وقيمة العبد مقسومة على أعضائه كالحر المقسوم ديته على أعضائه ففي الواحد
كمال القيمة وفي أحد الاثنين النصف، وهكذا فالحر أصل للعبد في المقدر، وما لا
تقدير فيه في الحر فالعبد أصل له فيه فإن الحكومة إنما تتحقق بفرض الحر عبدا
خاليا من الجناية ويقوم حينئذ ثم يفرضه متصفا بها وينسب التفاوت بين القيمتين
فيؤخذ من الدية بقدره.
وإذا جنى الحر على العبد بما فيه كمال قيمته تخير مولاه بين دفعه وأخذ قيمته
وبين إمساكه بغير شئ، ولو قطع يده كان للمولى إمساكه والمطالبة بنصف قيمته
وليس له دفعه والمطالبة بقيمته سليما ولا للمجني عليه ذلك لو أراده إلا أن يتفقا
فيكون بيعا وكذا كل جناية لا تستغرق القيمة، ولو قطع واحد رجله وآخر يده كان
له إمساكه ومطالبة كل بنصف القيمة وكذا لو قلع آخر عينه وقطع آخر أذنه،
وقيل: يدفعه إليهما ويلزمهما الدية أو يمسكه مجانا كما لو كانت الجنايتان من
واحد.
ولا يقتل الذمي الحر بالعبد المسلم، فإن التحق بدار الحرب فاسترق لم يقتص
منه لأن الاعتبار بوقت الجناية في القصاص.
ولو قطع العبد يد حر وقيمته مائتان وإصبع آخر احتمل قيمته أسداسا، ولو
كانت قيمته مائة فكذلك ويحتمل التنصيف، والأول أقوى.
548

المطلب الرابع: في طريان العتق:
لو جنى الحر على المملوك فسرت إلى نفسه فللمولى قيمته أجمع، فإن تحرر ثم
سرت لم يجب القصاص وللمولى أقل الأمرين من قيمة الجناية أو الدية عند السراية
لأن القيمة إن زادت فبسبب الحرية لا شئ له فيها وإن نقصت لم يلزم الجاني تلك
النقيصة لدخول دية الطرف في دية النفس، فلو قطع يده وهو رق قيمته ألف فعليه
النصف، فلو تحرر وقطع آخر يده وثالث رجله ثم سرى الجميع سقطت دية الطرف
ووجب على الجميع دية النفس فعلى الأول ثلث الألف بعد أن كان عليه النصف
للمولى وعلى الآخرين الثلثان للورثة، وقيل: للمولى هنا أقل الأمرين من ثلث القيمة
وثلث الدية.
ولو جرح عبد نفسه وأعتق ثم مات فلا دية كما لو أتلف عبدا ثم أعتق.
ولو قتل عبد عبدا عمدا فأعتق القاتل لم يسقط القصاص، ولو جرحه ثم أعتق
الجارح ثم مات المجروح فكذلك.
ولو قطع حر يده ثم أعتق ثم سرت سقط القود لعدم التساوي حال الجناية
ويضمن دية حر مسلم لوقوعها مضمونة فاعتبر حالها حين الاستقرار ويأخذ السيد
نصف قيمته وقت الجناية والباقي لورثة المجني عليه، ولو قطع آخر رجله بعد العتق
وسرى الجميع فلا قصاص على الأول في نفس ولا طرف ويضمن نصف دية الحر
وعلى الثاني القود بعد رد نصف الدية إليه.
ولو قطع يده رقيقا ورجله حرا فلمولاه عليه نصف قيمته يوم الجناية وعليه
القصاص في الجناية حال الحرية، فإن اقتص المعتق جاز وإن طلب الدية أخذ
النصف له دون مولاه، ولو سرتا فالقصاص في الثانية خاصة بعد رد ما يستحقه
المولى، فإن اقتصر الولي على قصاص الرجل فللمولى أخذ نصف قيمة المجني عليه
وقت الجناية، فإن فضل من دية اليد شئ كان للوارث فيحصل له قصاص الرجل
وفاضل دية اليد إن زادت عن نصف القيمة.
ولو جنى عليه بكمال قيمته ثم سرت بعد عتقه فللمولى كمال القيمة إن ساوت
549

دية الحر أو قصرت، وكان التفاوت بين الدية والقيمة للوارث إن وجد التفاوت
وإلا فلا شئ له.
ولو قطع يد عبد فعتق ومات احتمل أن يصرف إلى السيد أقل الأمرين من كل
الدية أو كل القيمة بمعنى أن الواجب أقل الأمرين مما لزمه أخيرا بالجناية على
الملك أولا أو مثل نسبته من القيمة.
ويحتمل أن يصرف أقل الأمرين من كل الدية أو نصف القيمة بمعنى أن
المصروف إليه أقل الأمرين مما لزمه أخيرا بالجناية على الملك أولا أو مجرد أرش
الجناية على الملك، فلو قطع إحدى يدي عبد فعتق ثم جرحه اثنان وسرى الجميع
فعلى الجميع دية واحدة وعلى الجاني في الرق الثلث وللسيد على أحد الاحتمالين أقل
الأمرين من ثلث الدية أو مثل نسبته من القيمة وهو ثلث القيمة وعلى الاحتمال
الآخر أقل الأمرين من ثلث الدية أو نصف القيمة وهو أرش جناية الملك، فلو عاد
فجرح جرحا آخر في العتق وجب عليه ثلث الدية ولكن بجراحتين حصة جناية الرق
نصفه وهو السدس فالمصروف إلى السيد الأقل من سدس الدية أو سدس القيمة على
احتمال أو أقل من سدس الدية أو نصف القيمة وحق السيد في الدراهم والواجب
على الجاني الإبل والخيار إلى الجاني، فإن سلم الإبل فهي واجبة وإن سلم الدراهم
فليس للسيد الامتناع لأنه حقه.
الفصل الثاني: في التساوي في الدين:
وفيه مطلبان:
الأول:
لا يقتل مسلم بكافر حربيا أو ذميا ومعاهدا أو مستأمنا بل يعزر، فإن كان
المقتول ذميا ألزم بديته، وقيل: إن اعتاد قتل أهل الذمة قتل قصاصا بعد رد فاضل
دية المسلم.
ويقتل الذمي بمثله وبالذمية بعد رد فاضل ديته، وتقتل الذمية بالذمية وبالذمي
550

ولا يرجع في تركتها بشئ، ويقتل الكفار بعضهم ببعض وإن اختلفت مذاهبهم،
ويقتل الذمي بالمستأمن والمستأمن من مثله وبالذمي.
ولو قتل مرتد ذميا ففي قتله به إشكال ينشأ من تحرمه بالإسلام ومن المساواة في
الكفر لأنه كالملة الواحدة، أما لو رجع إلى الاسلام لم يقتل وعليه دية الذمي.
ولو قتل ذمي مرتدا قتل به سواء كان ارتداده عن فطرة أو لا لأنه محقون الدم
بالنسبة إلى الذمي، ولو قتله مسلم فلا دية ولا قود.
ولو وجب على مسلم قصاص فقتله غير المستحق قيد به، ولو وجب على زان أو
لائط القتل لم يجب على قاتله دية ولا قود لما روي أن عليا ع قال لرجل
قتل رجلا ادعى أنه وجده مع امرأته: عليك القود إلا أن تأتي بالبينة، وهذا حكم
ينسحب على كل قريب للرجل أو ولد أو مملوك، وهل ينسحب على الأجانب؟
إشكال.
ولو قتل عبد مسلم عبدا مسلما لكافر فالأقرب سقوط القود، ثم إن فدى الجاني
مولاه وإلا بيع وصرف إلى الكافر قيمة عبده.
ولو قتل مرتد مرتدا قتل به، ولو قتل حربي حربيا لم يقتل به وكذا لو قتله ذمي
ويقتل الحربي بالذمي.
ولو قتل الذمي مسلما عمدا دفع هو وماله إلى أولياء المقتول ويتخيرون بين قتله
واسترقاقه وفي استرقاق ولده الصغار قولان، ولو أسلم قبل الاسترقاق لم يكن لهم إلا
قتله كما لو قتله وهو مسلم.
ويقتل ولد الرشدة بولد الزنية لتساويهما في الاسلام.
المطلب الثاني: في تجدد الاسلام أو الكفر:
لو قتل كافر كافرا وأسلم القاتل لم يقتل به وألزم الدية إن كان المقتول ذا دية،
وكذا لو جرحه ثم أسلم الجارح ثم سرت إلى نفس الكافر.
ولو قتل مسلم ذميا ثم ارتد لم يقتل به وكذا لو جرحه ثم ارتد ثم سرى الجرح
فلا قود وعليه دية الذمي.
551

ولو قطع المسلم يد الذمي عمدا فأسلم وسرت فلا قصاص لا في النفس ولا في
الطرف ويضمن دية المسلم، وكذا لو قطع يد عبد فأعتق ثم سرت، وكذا لو قطع
الصبي يد بالغ ثم بلغ وسرت لعدم القصاص حال الجناية وتثبت دية النفس لأن
الجناية وقعت مضمونة فكان الاعتبار أرشها باستقرارها، أما لو قطع يد حربي أو
مرتد فأسلم ثم سرت فلا قصاص ولا دية لأن الجناية وقعت هدرا فلا يضمن
سرايتها.
ولو رمى ذميا بسهم فأسلم أو عبدا فأعتق فأصابه حال كماله فلا قود بل
الدية، ولو رمى حربيا أو مرتدا فأصابه مسلما فلا قود وتثبت الدية لمصادفة الإصابة
المسلم المعصوم.
ولو حفر بئرا فتردى فيه من كان مرتدا عند الحفر وجب الضمان.
ولو جرح المسلم مثله فارتد ثم مات اقتص في الجرح خاصة لا في النفس،
ويقتص وليه المسلم فإن لم يكن استوفاه الإمام، وقيل: لا قود ولا دية، لأن
قصاص الطرف وديته يدخلان في قصاص النفس وديتها والنفس هنا غير مضمونة
ويشكل بما أنه لا يلزم من الدخول السقوط فيما ثبت لمانع يمنع من القصاص في
النفس، ولو عاد إلى الاسلام وهو عن غير فطرة قبل أن تحصل سراية اقتص في
النفس وإن حصلت سراية وهو مرتد ثم عاد ومات فالأقرب القصاص إذ العبرة
بالمضمونة حالة الاستقرار، وقيل: لا قصاص، لاستناد الموت إلى جميع السراية التي
بعضها غير مضمون نعم تثبت الدية، ولو كانت الجناية خطأ فالدية لأنها وقعت
مضمونة في الأصل وقد صادف الموت محقون الدم.
ولو قطع يدي مسلم ورجليه فارتد ومات احتمل السقوط إذ القطع صار قتلا
فهدرا، ووجوب دية كما لو مات مسلما وديتين لأنا لو أدرجنا لأهدرنا.
الفصل الثالث: في انتفاء الأبوة:
لا يقتل الأب وإن علا بالولد وإن نزل، ويقتل الولد بالأب، وكذا الأم تقتل
552

به ويقتل بها، وكذا الأقارب كالأجداد والجدات من قبلها والإخوة والأعمام
والأخوال وغيرهم، وللجلاد والغازي أن يقتلا أباهما مع أمر الإمام.
ولو قتل زوجته والولد هو الوارث أو قتل زوجة الابن ولا وارث سواه فلا قصاص
وكذا لو قذفها الزوج ولا وارث سواه، أما لو كان لها وارث سواه فإنه يقتص إن شاء
ويدفع إلى الولد نصيبه من الدية واستيفاء الحد كملا.
ولو قتل ولد أباه وآخر أمه فلكل منهما على الآخر القود ويقدم قصاص أحدهما
بالقرعة، فإن بدر أحدهما فقتل صاحبه استوفى وكان لورثة الآخر قتله قصاصا.
ولو تداعى المجهول اثنان فقتله أحدهما قبل القرعة فلا قود وكذا لو قتلاه قبلهما
ولا يكفي القرعة لأنه تهجم على الدم، ولو قتله أحدهما بعد القرعة فالقصاص عليه
إن لم تخرجه القرعة، ولو ادعياه ثم رجع أحدهما وقتلاه توجه القصاص على الراجع
بعد رد ما يفضل عن جنايته وعلى الأب نصف الدية وعلى كل واحد منهما كفارة
القتل، ولو قتله الراجع قتل به.
ولو ولد مولود على فراش اثنين وتداعياه كالأمة أو الموطوءة للشبهة في الطهر
الواحد ثم قتلاه قبل القرعة لم يقتل أحدهما، ولو رجع أحدهما ثم قتلاه فكذلك،
ولا يقتل الراجع لأن النسب هنا مستند إلى الفراش لا إلى مجرد الدعوى.
الفصل الرابع: في باقي الشرائط:
لا يقتل عاقل بمجنون وإن قتله عمدا وتثبت الدية، ولو قصد دفعه فلا دية
أيضا، ولا قصاص على المجنون سواء كان المقتول عاقلا أو مجنونا وتثبت الدية على
عاقلته.
والصبي لا يقتل بعاقل ولا غيره ولا بمثله، وروي: أنه يقتص من الصبي إذا
بلغ عشرا، وروي: خمسة أشبار ويقام عليه الحدود، والأقرب أن عمد الصبي خطأ
محض يلزم جنايته العاقلة حتى يبلغ، ولو ادعى الولي البلوغ أو الإفاقة حال الجناية
قدم قول الجاني بعد يمينه وتثبت الدية.
553

ويقتل البالغ بالصبي، ولو قتل العاقل مثله ثم جن لم يسقط عنه القود سواء
ثبت القتل بالبينة أو الإقرار.
ولو ثبت الزنى بالإقرار لم يرجم لسقوطه بالرجوع، وهل يثبت القود على
السكران؟ أقربه عدم الثبوت وفيه إشكال لإجرائه مجرى العاقل في الأحكام.
ولو بنج نفسه أو شرب مرقدا لا لعذر فقيل: كالسكران، وفيه نظر.
والنائم لا قصاص عليه وتثبت الدية، والأعمى كالمبصر على رأي وروي: أن
عمده كالخطأ تؤخذ الدية من عاقلته.
وكل من أباح الشرع قتله لا يقتص له من المسلم وكذا من تلف بسراية
القصاص والحد أو التعزير، ولا يؤثر في استحقاق القصاص مشاركة من لا يقتص
منه سواء وجبت الدية كالحر والعبد في قتل العبد والأب والأجنبي في قتل الولد
والذمي والمسلم في قتل الذمي أو لا كالسبع مع الآدمي في الآدمي، ولا يتحتم
القتل في الجناية على القرابة بل يصح العفو.
ولو نفى مولودا باللعان قتل به، فإن عاد بعد اللعان واعترف به ثم قتله فالأقرب
القصاص.
ولو قتل لقيطا مجهول النسب ثم استلحقه لم يقتص منه.
المقصد الثالث: في طريق ثبوته وكيفية استيفائه:
وفيه فصول:
الأول: الدعوى:
ولها شروط خمسة:
أ: أن يكون بالغا رشيدا حالة الدعوى دون وقت الجناية: فلو كان جنينا حالة
القتل صحت دعواه إذ قد يعرف ذلك بالتسامع ولا يشترط ذلك في المدعى عليه بل
لو ادعى على مجنون أو طفل تولى الحكومة الولي ويصح على السفيه ويقبل إقراره بما
يوجب القصاص لا الدية، ولو أنكر صح إنكاره لإقامة البينة عليه ويقبل يمينه وإن
554

لم يقبل إقراره لانقطاع الخصومة بيمينه.
ب: تعلق الدعوى بشخص معين أو أشخاص معينين: فلو ادعي على جماعة
مجهولين لم تسمع، ولو قال: قتله أحد هؤلاء العشرة ولا أعرفه عينا وأريد يمين كل
واحد، فالأقرب أنه يجاب إليه لانتفاء الضرر بإحلافهم وحصوله بالمنع.
ولو أقام بينة سمعت لإثبات اللوث لو خص الوارث أحدهم وكذا دعوى
الغصب أو السرقة، أما القرض والبيع وغيرهما من المعاملات فإشكال ينشأ من
تقصيره بالنسيان والأقرب السماع أيضا.
ج: توجه الدعوى إلى من تصح منه مباشرة الجناية: فلو ادعي على غائب أو على
جماعة يتعذر اجتماعهم على قتل الواحد كأهل البلد لم تسمع فإن رجع إلى الممكن
سمعت، ولو ادعى أنه قتل مع جماعة لا يعرف عددهم سمعت وقضي بالصلح لا
بالقود ولا الدية لجهالة قدر المستحق عليه.
د: أن تكون مفصلة في نوع القتل واشتراكه أو انفراده: فلو أجمل استفصله
الحاكم وليس تلقينا بل تحقيقا للدعوى، ولو لم يبين قيل: طرحت دعواه وسقطت
البينة بذلك إذ لا يمكن الحكم بها، وفيه نظر.
ه‍: عدم تناقض الدعوى: فلو ادعي على شخص تفرده بالقتل ثم ادعي على
غيره الشركة لم تسمع الدعوى الثانية سواء أبرأ الأول أو شركه لأنه أكذب نفسه
في الثاني بالدعوى أولا، فلو صدقه المدعى عليه ثانيا فالأقرب جواز المؤاخذة. ولو
ادعى العمد ففسره بما ليس بعمد لم تبطل دعوى أصل القتل، وكذا لو ادعى الخطأ وفسره بغيره.
ولو قال: ظلمته بأخذ المال، ففسر بأنه كذب في الدعوى استرد، ولو فسر بأنه
حنفي لا يرى القسامة وقد أخذ بها لم يسترد فإن النظر إلى رأي الحاكم لا إلى
الخصمين.
الفصل الثاني: فيما يثبت به الدعوى:
555

إنما تثبت دعوى القتل بأمور ثلاثة: الإقرار والبينة والقسامة. فهنا مطالب:
الأول: الإقرار:
ويشترط فيه بلوع المقر وكمال عقله والاختيار والحرية والقصد. فلا عبرة بإقرار
الصغير ولا المجنون ولا المكره ولا العبد فإن صدقه مولاه فالأقرب القبول، والقن
والمدبر وأم الولد والمكاتب وإن انعتق بعضه سواء، ولا إقرار الساهي والغافل والنائم
والمغمى عليه والسكران والمرأة كالرجل.
والمحجور عليه لسفه أو فلس ينفذ إقراره في العمد ويستوفى منه القصاص في
الحال، ولو أقر بالخطا ثبت ولم يشارك المقر له الغرماء.
ويقبل إقرار أجير الغير وإن كان خاصا بالعمد والخطأ، ولو أقر المرهون وصدقه
مولاه لم ينفذ حتى يصدقه المرتهن.
ولو أقر واحد بقتله عمدا وآخر بقتله خطأ تخير الولي في تصديق من شاء منهما
وليس له على الآخر سبيل.
ولو اتهم فأقر عمدا فاعترف آخر بأنه هو القاتل دون الأول ورجع عن إقراره
درئ عنهما القتل والدية وأخذت الدية من بيت المال، وهي قضية الحسن
ع في حياة أبيه ع.
المطلب الثاني: البينة:
ويثبت القتل بشهادة عدلين أو رجل وامرأتين أو رجل ويمين، ويثبت بالآخرين
ما يوجب الدية كالخطأ والهاشمة والمنقلة وكسر العظام والجائفة، ويثبت بالأول
أنواع القتل جمع، ولا تقبل شهادة النساء منفردات في الجميع ولو رجع بالعفو إلى
المال لم يثبت بشهادة النساء وإن انضممن.
ولو شهد رجل وامرأتان على هاشمة مسبوقة بإيضاح لم يثبت الهشم كما لا
يثبت الإيضاح، ولو شهد أنه رمى زيدا فمرق السهم فأصاب عمرا خطأ ثبت
الخطأ.
556

ويشترط تجرد الشهادة عن الاحتمال كقوله: ضربه بالسيف فقتله، أو فمات،
أو فأنهر دمه فمات في الحال، أو فلم يزل مريضا منها حتى مات، وإن طال
الزمان. ولو شهدوا بأنه جرح وأنهر الدم لم يكف ما لم يشهد على القتل، ولو قال:
أوضح رأسه، لم يكف ما لم يتعرض للجراحة ووضوح العظم، ولو قال: اختصما
ثم افترقا وهو مجروح، أو ضربه فوجدناه مشجوجا، لم يقبل وكذا لو قال: فجرى
دمه. ولو قال: فأجرى دمه، قبلت في الجراح. ولو قال: أسال دمه فمات، قبل في
الدامية خاصة. ولو قال: أوضحه، ولم يعين لعجزه عن تعيين محلها وتعددها سقط
القصاص وثبت الأرش وليس له القصاص بأقلها لتغاير المحل، وكذا لو قال: قطع
يده، ووجد مقطوع اليدين فلا بد من أن يقول: قطع هذه اليد، أو جرح هذه
الشجة. ولو شهد على أنه قتله بالسحر لم يسمع لأنه غير مرئي، نعم لو شهد على
إقراره بذلك سمع.
ويشترط توارد الشاهدين على المعنى الواحد فلو شهد أحدهما أنه قتله غدوة
والآخر عشية أو شهد أحدهما بأنه قتله بالسيف والآخر بالسكين أو شهد بأنه قتله في
مكان والآخر في غيره لم يقبل، وقيل: يكون لوثا، ويشكل بالتكاذب. ولو شهد
أحدهما بالإقرار والآخر بالفعل لم يثبت القتل بل اللوث، ولو شهد أحدهما بالقتل
موصوفا بمكان أو زمان أو هيئة وشهد الآخر به مطلقا ثبت المطلق، ولو شهد أحدهما
أنه أقر بالقتل عمدا والآخر بالإقرار به مطلقا ثبت القتل دون الوصف وألزم المقر
البيان فإن أنكر القتل لم يلتفت إليه وإن فسر بمهما كان قبل والقول قوله مع اليمين
إذا لم يصدقه الولي، ولو شهد أحدهما بالقتل عمدا والآخر بالمطلق وأنكر القاتل
العمد كان الشاهد لوثا وحلف الولي معه القسامة، ولو شهد أحدهما بالقتل عمدا
والآخر بالقتل خطأ ففي ثبوت أصل القتل إشكال.
ويشترط أن لا يتضمن الشهادة جلب نفع ولا دفع ضرر فلو شهد على جرح
المورث قبل الاندمال لم يقبل ولو أعادها بعده سمعت، ولو شهد بدين أو عين لمورثه
المريض قبل، ولو شهدا بالجرح وهما محجوبان ثم مات الحاجب أو بالعكس فالنظر
557

إلى وقت الشهادة يبطل مع التهمة لا بدونها.
ولو جرحت العاقلة شهود الخطأ لم يقبل جرحهم، وكذا إن كانوا من فقراء
العاقلة على إشكال لتوقع الغنى، ولو كانوا من الأباعد احتمل القبول لبعد توقع
موت القريب وعدمه لإمكانه.
ولو شهد اثنان على رجلين بالقتل فشهد المشهود عليهما على الشاهدين به لم يقبل
قولهما، فإن صدقهما المدعي أو صدق الجميع بطلت الشهادة وإن صدق الأولين
حكم بشهادتهما.
وإن شهدا على أجنبي بالقتل على وجه لا يتحقق مع التبرع أو إن تحقق لا
يقتضي اسقاط الشهادة لم يقبل لأنهما دافعان، ولو أنكر المدعي عليه ما شهد به
العدلان لم يلتفت لي إنكاره، وإن صدقهما وادعى استناد الموت إلى سبب غير
الجناية قبل قوله مع اليمين إلا أن يتضمن تكذيب الشهادة.
وإذا شهد أجنبيان على شاهدي القتل به فإن تبرعا بطلت الشهادة الثانية وإن
لم يتبرعا سقطت شهادة الأولين.
ولو شهد اثنان على زيد بأنه قتل وآخران على عمرو بأن هو القاتل سقط
القصاص عليهما الدية نصفان، وإن كان خطأ فعلى العاقلتين للشبهة بتصادم
البينات ويحتمل تخير المولي في تصديق أيهما كالإقرار.
ولو شهدا أنه قتل فأقر آخر أنه القاتل وبرئ المشهود عليه تخير الولي في قتل
أيهما شاء ولا سبيل له على الآخر، وفي الرواية المشهورة: تخير الولي في قتل
المشهود عليه فيرد المقر نصف ديته، وله قتل المقر ولا رد لتفرده، وله قتلهما بعد أن
يرد على المشهود عليه نصف الدية دون المقر، ولو أراد الدية كانت عليهما بالسوية،
وفي التشريك في القصاص أو الدية إشكال.
المطلب الثالث: القسامة:
وفيه مباحث:
558

الأول: في موضع القسامة:
وإنما تثبت مع اللوث لا مع عدمه فيحلف المنكر يمينا واحدة ولا يجب
التغليظ، وإن نكل قضي عليه مع يمين المدعي أو بغير يمين على الخلاف.
والمراد باللوث أمارة يغلب معها الظن بصدق المدعي كالشاهد الواحد
ووجدان ذي السلاح الملطخ بالدم عند المقتول ووجوده قتيلا في دار قوم أو في محلة
منفردة عن البلد لا يدخلها غير أهلها أو في صف مخاصم بعد المراماة أو في محلة
بينهم عداوة وإن كانت مطروقة أو وجوده قتيلا قد دخل ضيفا على جماعة.
ولو وجد بين قريتين فاللوث لأقربهما، ولو تساويا في اللوث، ولو وجد مقطعا
فاللوث على ما وجد فيه قلبه وصدره.
أما من وجد قتيلا في زحام على قنطرة أو بئر أو جسر أو مصنع أو في جامع
عظيم أو شارع أو وجد في فلاة أو في محلة منفردة مطروقة ولا عداوة فلا لوث،
وقول المقتول: قتلني فلان، ليس بلوث.
ولا يثبت اللوث بشهادة الصبي ولا الفاسق ولا الكافر وإن كان مأمونا في
مذهبه، ولو أخبر جماعة من الفساق أو النساء مع ظن ارتفاع المواطاة وحصل الظن
بصدقهم ثبت اللوث، ولو كان الجماعة صبيانا أو كفارا ثبت اللوث إن بلغوا حد
التواتر وإلا فلا.
ولا يشترط في اللوث وجود أثر القتل أو التخنيق ولا في القسامة حضور
المدعى عليه، ويسقط اللوث بأمور:
أ - عدم الخلوص عن الشك، فلو وجد بقرب المقتول ذو سلاح ملطخ بدم وسبع
من شأنه القتل بطل.
ب - تعذر إظهاره عند الحاكم، فلو ظهر عنده على جماعة فللمدعي أن يعين، فلو
قال: القاتل منهم واحد، فحلفوا إلا واحدا فله القسامة عليه لأن نكوله لوث،
ولو نكلوا جميعا فقال: ظهر لي الآن لوث معين بعد دعوى الجهل، ففي تمكينه من
القسامة إشكال.
559

ج: إبهام الشاهد المقتول كقوله: أحد هذين ليس بلوث، ولو قال: قتله أحد
هذين، فهو لوث لأن تعيين القاتل يعسر ويحتمل عدم اللوث في الموضعين.
د - لو ظهر اللوث في أصل القتل دون وصفه من عمد أو خطأ ففي القسامة إشكال
ينشأ من جهالة لغريم من العاقلة والجاني.
ه‍ - ادعاء الجاني الغيبوبة فإذا حلف سقط أثر اللوث عنه، ولو ادعى
الوارث أن واحدا من أهل الدار قتله جاز إثبات الدعوى بالقسامة فإن أنكر كونه
فيها وقت القتل قدم قوله مع اليمين ولم يثبت اللوث لأنه يتطرق إلى الموجود في
الدار ولا يثبت وجوده فيها إلا بالبينة أو الإقرار، ولو أقام بينة بالغيبة بعد الحكم
بالقسامة نقض الحكم، ولو كان وقت القتل محبوسا أو مريضا ولم يمكن كونه قاتلا
إلا على بعد فالأقرب سقوط اللوث.
د - تكاذب الورثة هل يبطل اللوث؟ إشكال ينشأ من أن المدعي ظهر معه
الترجيح فلا يضر فيه تكذيب الآخر كما لو أقام شاهدا بدين حلف وإن أنكر الآخر
الدين، ومن ضعف الظن بالتكذيب، والأول أقوى.
أما لو قال أحدهما: قتله زيد، وآخر: لا أعرفه، وقال آخر: قتله عمرو،
وآخر، لا أعرفه، فلا تكاذب ثم معين زيد يطالبه بالربع وكذا معين عمرو.
ولو قال أحدهما: قتله هذا وحده، وقال الثاني: بل هذا مع آخر، فإن قلنا
بعدم الإبطال مع التكاذب حلف الأول على الذي عينه واستحق نصف دية
وحلف الثاني عليهما واستحق على كل واحد الربع، وإن قلنا بالإبطال حصل
التكاذب في النصف واحتمل حينئذ سقوط حكمه بالكلية وعدمه فيحلف الأول
على الذي عينه واستحق الربع ويحلف الآخر عليه ويأخذ الربع ولا يحلف على
الآخر لتكذيب الأخ له.
البحث الثاني: في كيفية القسامة:
إذا ثبت اللوث حلف المدعي وقومه خمسين يمينا يحلف كل واحد يمينا واحدة
560

إن كانوا عدد القسامة وإن نقصوا كررت عليهم الإيمان حتى يستوفى منهم
الخمسون، ولو لم يكن له قوم أو كانوا فامتنعوا حلف المدعي خمسين يمينا بعد
الوعظ، وهل يشترط توالي الإيمان في مجلس واحد؟ الأقرب عدمه، ولو لم يكن له
قوم أو كان وامتنعوا ولم يحلف المدعي حلف المنكر وقومه خمسين يمينا ببراءة ساحته،
ولو كانوا أقل من خمسين كررت عليهم حتى يستوفى الخمسون، فإن لم يكن له قوم
كررت عليه الإيمان حتى يكمل العدد وفي الاكتفاء بقسامة قوم المدعي عن قسامته
أو قسامة قوم المنكر إشكال، فإن امتنع ولم يكن له من يقسم ألزم الدعوى، وقيل: له رد
اليمين على المدعي.
وإذا حلف المدعي القسامة ثبت القتل ووجب القصاص إن كان عمدا
والدية إن لم يكن، وفي عدد القسامة في الخطأ وعمد الخطأ قولان أقربهما مساواتهما
للعمد، وقيل: خمس و عشرون يمينا، وهو مشهور.
وتثبت القسامة في الأعضاء كثبوتها في النفس لكن إن كان في العضو دية
النفس كالذكر والأنف فالقسامة خمسون، وقيل، ستة أيمان. وإن كان أقل
فبحساب النسبة من خمسين أو من ستة على رأي، ففي اليد خمس وعشرون يمينا أو
ثلاثة وفي الإصبع خمس أيمان أو يمين واحدة، وكذا الجراح ففي الموضحة ثلاثة
أيمان وفي الحارصة يمين واحدة.
ولو كان المدعون جماعة قسمت الخمسون بالسوية عليهم، ولو كان المدعى
عليهم أكثر من واحد فالأقرب أن على كل واحد خمسين يمينا كما لو انفرد لأن كل
واحد منهم يتوجه عليه دعوى بانفراده.
وينبغي أن يغلظ الحاكم في الإيمان بالزمان والمكان والقول في كل يمين ويجب
أن يسمي المدعى عليه في كل يمين أو يشير إليه، فإن كانوا جماعة يسمي كل واحد
في كل يمين، فإن أهمل بعضهم في بعض الأيمان لم يثبت الحكم عليه حتى يعيد
اليمين، وكذا يسمي المقتول ويرفع في نسبهما بما يزول الاحتمال ويذكر الانفراد أو
الشركة ونوع القتل والإعراب إن كان من أهله إلا اكتفى بما يعرف معه المقصود،
561

والأقرب أنه لا يجب أن يقول في اليمين: إن النية نية المدعي.
البحث الثالث: في الحالف:
وهو المدعي وقومه أو المنكر وقومه على ما بينا، ويشترط فيه علمه بما يحلف عليه
ولا يكفي الظن، وللسيد مع اللوث أن يحلف القسامة في قتل عبده الموجب للقسامة أو
الدية دون قتل دابته أو ذهاب ماله.
ولو أقام المولى شاهدا بقتل الخطأ أو قتل الحر ففي الاكتفاء باليمين الواحدة أو
وجوب الخمسين إشكال وإن كان المدعى عليه حرا.
ولو كان العبد لمكاتب حلف، فإن نكل وفسخت الكتابة بموت أو عجز لم
يكن لمولاه القسامة، أما لو عجز أو مات قبل نكوله فإن السيد يحلف ويثبت حقه.
ولو أوصى بقيمة المقتول حلف الوارث القسامة، فإن امتنع ففي إحلاف الموصى
له إشكال.
ولو ملك عبده عبدا فإن أحلنا الملك حلف المولى، وإن سوغناه احتمل ذلك لأنه
تملك غير مستقر للمولى انتزاعه كل وقت بخلاف المكاتب فإنه ليس للمولى انتزاع
تكسبه إلا بعد الفسخ.
ولو وجد العبد مجروحا فأعتقه مولاه ثم مات وجبت الدية وللسيد أقل الأمرين
من الدية أو القيمة، فإن كانت الدية أقل حلف السيد خاصة وإن كانت القيمة
أقل حلف السيد والوارث، والأقرب المنع من قسامة الكافر على المسلم.
ولو ارتد الولي منع القسامة، فإن خالف وقعت موقعها لأنه اكتساب وهو غير
ممنوع منه في مدة الإمهال وهي ثلاثة أيام وكما يصح يمين الذمي في حقه على المسلم
كذا هنا، فإذا رجع إلى الاسلام استوفى بما حلفه في الردة ويشكل بمنع الارتداد
الإرث وإنما يحلف الولي وقد خرج عن الولاية.
البحث الرابع: في أحكام القسامة:
562

ويثبت بها القصاص في العمد، والدية على القاتل في عمد الخطأ وعلى
العاقلة في الخطأ المحض.
ولو اشترك في الدعوى اثنان واختص اللوث بأحدهما أثبت دعواه على ذي
اللوث بالقسامة وعلى الآخر يمين واحدة كالدعوى في غير الدم، وكذا لو لم يكن
هناك لوث وجب على المنكر يمين واحدة، فإذا أراد قتل ذي اللوث رد عليه نصف الدية.
ولو كان أحد الوارثين غائبا وحصل لوث حلف الحاضر خمسين يمينا وثبت
حقه من غير ارتقاب، فإن حضر الغائب حلف خمسا وعشرين وكذا لو كان أحدهما
صغيرا أو مجنونا.
إذا مات الولي قام وارثه مقامه وأثبت الحق بالقسامة، فإن كان الأول قد
حلف بعض العدد استأنف وارثه الإيمان لئلا يثبت حقه بيمين غيره، ولو مات بعد
كمال العدد ثبت للوارث حقه من غير يمين، ولو نكل لم يحلف الوارث.
وإذا مات من لا وارث له فلا قسامة،
ولو استوفى الدية بالقسامة فشهد اثنان بغيبته حال القتل بطل القسامة
واستعيدت الدية، ولو حلف واستوفى وقال: هذه حرام، فإن فسره بكذبه في
اليمين استعيدت وإن فسر بأنه لا يرى القسامة لم يستعد، ولو فسر بأنها ليست
ملك الدافع ألزم بدفعها إلى من يعينه ولا يرجع على القاتل المكذب ولا يطالب
بالتعيين، فلو لم يعين أقرت في يده.
ولو استوفى بالقسامة فقال آخر: أنا قتلته منفردا، قيل: يتخير الولي،
والأقرب المنع لأنه إنما يقسم مع العلم فهو مكذب للإقرار. قيل: ويحبس المتهم في
الدم مع التماس خصمه حتى يحضر البينة. والسكران لا يحلف إلا أن يعقل.
وإذا اختلفت سهام الوارث احتمل تساويهم في تقسيط الخمسين عليهم
ويكمل المنكسر والتقسيط بالحصص فيحلف الذكر ضعف الأنثى، فإن جامعهما
خنثى احتمل مساواته للذكر وإن أخذ أقل احتياطا وأن يحلف الثلاث، فإن مات وارث
563

بسطت حصته من الأيمان على ورثته بالحصص أيضا، ولو جن في أثناء الأيمان ثم
أفاق أكمل ولا يستأنف.
الفصل الثالث: في كيفية الاستيفاء:
وفيه مطالب:
الأول: المستوفي عند اتحاد القتيل:
القتيل إن كان واحدا استحق الاستيفاء جميع الورثة، وهم كل من يرث المال
عدا الزوج والزوجة فإنهما لا يستحقان قصاصا بل إن أخذت الدية صلحا في العمد
أو أصلا في الخطأ وشبهه ورثا نصيبهما منهما وإلا فلا حظ لهما في استيفاء
القصاص ولا عفوه، وقيل: لا يرث القصاص إلا العصبة فلا يرث من يتقرب بالأم
ولا للنساء عفو ولا قود، والأول أقرب.
ويرث الدية كل من يرث المال من غير استثناء، ولا يرث كل منهم كمال
القصاص بل يكون بينهم على قدر حقهم في الميراث ويشترك المكلفون وغيرهم، وإذا
كان الولي واحدا جاز أن يستوفي من غير إذن الإمام على رأي، نعم الأقرب التوقف
على إذنه خصوصا الطرف.
ولو كانوا جماعة لم يجز الاستيفاء إلا باجتماع الجميع إما بالوكالة أو الإذن
لواحد يستوفيه، فإن وقعت المنازعة وكانوا كلهم من أهل الاستيفاء أقرع فمن
خرجت قرعته جعل إليه الاستيفاء، ولو كان منهم من لا يحسنه كالنساء فالأقرب
كتبة اسمه بحيث لو خرج فوض إلى من شاء، وقيل: يجوز لكل منهم المبادرة ولا
يتوقف على إذن الآخر لكن يضمن حصص من لم يأذن.
ولو كان فيهم غائب أو صغير أو مجنون قيل: كان للحاضر الاستيفاء، وكذا
للكبير والعاقل لكن يشرط أن يضمنوا نصيب الغائب والصبي والمجنون من الدية.
ويحتمل حبس القاتل إلى أن يقدم الغائب ويبلغ الصغير ويفيق المجنون.
ولو كان المستحق للقصاص صغيرا أو مجنونا وله أب أو جد قيل: ليس لأحد
564

الاستيفاء حتى يبلغ الصبي ويفيق المجنون سواء كان في النفس أو الطرف ويحبس القاتل
حتى يبلغ أو يفيق لأنه تفويت بمعنى أنه لا يمكن تلافيه، كل تصرف هذا شأنه لا يملكه
الولي كالعفو عن القصاص والطلاق والعتق.
ولو قيل: للولي الاستيفاء، كان وجها وليس للأولياء أن يجتمعوا على
استيفائه بالمباشرة لما فيه من التعذيب، فإن فعلوا أساؤوا ولا شئ عليهم، ولو بدر
منهم واحد فقتله من غير إذن الباقين عزر، وهل يستحق القصاص؟ فيه إشكال
ينشأ من أن له نصيبا في نفسه، ومن أنه تعمد قتل من يكافئه ظلما مع العلم
بالتحريم، والأول أقرب وحينئذ يضمن نصيب الباقين من الدية. وهل للولي
الآخر مطالبة تركة القاتل أو مطالبة المستوفي أو يتخير؟ الأقرب الأخير.
والواجب في قتل العمد القصاص لا الدية، فلو عفا الولي على ما لم يسقط
حقه من القصاص ولا تثبت الدية إلا برضا الجاني، فلو عفا ولم يشترط المال سقط
القصاص ولا يستحق شيئا من المال.
ولو بذل الجاني القود لم يكن للولي سواه فإن طلب الدية ورضي الجاني صح وإن
امتنع لم يجز، ولو بذل الجاني الدية وأضعافها ورضي الولي صح وإلا فله
القصاص.
ولو اختار بعض الأولياء الدية وأجاب القاتل كان للباقي القصاص بعد أن
يردوا عليه نصيب من فاداه من الدية، ولو امتنع القاتل من المفاداة كان لمن طلب
القصاص قتله بعد رد نصيب شريكه من الدية إليه، ولو عفا البعض لم يسقط
القصاص بل يقتص طالبه بعد أن يرد على الجاني قدر نصيب العافي من الدية وكذا
لو اشترك الأب والأجنبي في قتل الولد أو المسلم والذمي في قتل الذمي فعلى
الشريك القود بعد أن يرد الآخر نصف ديته، وكذا العامد والخاطئ إلا أن الراد
هنا العاقلة، وكذا شريك السبع.
ولو أقر أحد الوليين أن شريكه عفا على مال لم يقبل إقراره على شريكه
وحقهما في القصاص باق وللمقر أن يقتل بعد رد نصيب شريكه، فإن صدقه فالرد له وإلا
565

كان للجاني والشريك على حاله في شركة القصاص.
ولو وكل في استيفاء القصاص فعزله قبله ثم استوفى فإن علم فعليه القصاص
وإن لم يعلم فلا قصاص ولا دية، ولو عفا الموكل فاستوفى الوكيل عالما فهو قاتل
عمد وإن لم يعلم فلا قصاص وعليه الدية للمباشرة ويرجع بها على الموكل لأنه غره،
ويحتمل عدم الضمان لأن العفو حصل عند حصول سبب الهلاك فصار كما لو عفا
بعد رمى السهم و يمكن الفرق بعدم الاختيار هنا بخلاف الوكيل فإنه يقتل مختارا،
ويحتمل عدم الرجوع على الموكل لأنه فعل ما ندب الشرع إليه ولم يوجد منه تعزير.
ولو كان العفو بعد الاستيفاء لم يكن له أثر، ولو اشتبه فكذلك لأصالة بقاء
الحق وبراءة المستوفي عن القصاص والدية، ولو ادعى الولي قتله بعد العلم بالعفو قدم
قول الوكيل مع اليمين، وفي الكفارة إشكال ينشأ من أنه أقدم بحكم الحاكم ومن
مساواته للرامي إلى صف الكفار وهو لا يعلم إسلام المرمي.
ولو اقتص الوكيل بعد موت الموكل جاهلا بموته فإن كان بإذن الحاكم فالدية
من بيت المال.
وإذا كان الولي لا يستوفي بنفسه ولم يكن هناك من يتبرع بالاستيفاء استأجر
الإمام من بيت المال من يستوفيه، ولو لم يكن فيه مال دفع المقتص منه الأجرة دون
المستوفي لأن هذه مؤنة التسليم، وإن لم يكن له مال فإن كان القصاص على النفس
استدان الإمام على بيت المال وإن كان على الطرف استدان على الجاني.
ولو قال الجاني: أنا استوفى له القصاص مني ولا أبذل أجرة، احتمل عدم
القبول لأن القصاص للتشفي وإنما يحصل بالمستحق أو من ينوب عنه فصار كالمسلم
إذا قال: أنا أتولى الكيل ولا أدفع أجرة، والقبول لتعيين المحل والفعل وعدم الخيانة
هناك بخلاف الكيل الذي يتصور فيه النقص.
ولو قال المستحق: أعطوني الأجرة أنا استوفى بنفسي، أجيب كما لو قال:
أعطوني لأكتال حقي.
566

المطلب الثاني: في تعدد القتيل:
القتيل إذا تعدد استحق القصاص بسبب كل مقتول فلو عفا بعض المستحقين
كان للباقي القصاص، فإن اجتمعوا على المطالبة فقتلوه استوفوا حقوقهم، وهل
لبعضهم المطالبة بالدية وللباقين القصاص؟ إشكال، وفي وجوب قتله بواحد إما
بسابق أو بالقرعة أو مجانا وأخذ الديات للباقين أيضا إشكال، ولا فرق بين
الترتيب والجمع في القتل.
ولو بدر واحد فقتله استوفى حقه وكان للباقين المطالبة بالدية على إشكال ينشأ
من فوات الاستحقاق بفوات المحل، ولو قتله أجنبي خطأ كان للجميع الدية عليه
بالسوية وأخذ ولي كل واحد منهم من تركته كمال حقه على إشكال، ولو قتله
عمدا لم يكن لهم منع أوليائه من القصاص سواء ترك مالا بقدر دياتهم أولا.
ولو قطع يد رجل ثم قتل آخر أو بالعكس قطعنا يده أولا على التقديرين ثم قتلناه
توصلا إلى استيفاء الحقين، فإن سبق ولي المقتول فقتله أساء واستوفى حقه ولا
ضمان عليه وتؤخذ دية اليد من التركة، فإن سرى القطع قبل قتله كان قاتلا لهما
عمدا وإن سرى بعده كان لوليه الرجوع في تركة الجاني بنصف الدية لأن قطع اليد
بدل عن نصف الدية ويحتمل الجميع لأن للنفس دية كاملة وعدم الرجوع لفوات
محل القصاص، ولا تثبت الدية إلا صلحا.
ولو جاء ولي مقتول فقطع يديه ثم ولي الآخر فقطع رجليه ثم ولي ثالث فقتله
استوفى الثالث حقه، والأولان ما ساوى حقهما فلا يبقى لهما مطالبة.
وللمحجور عليه للسفه والفلس المطالبة بالقصاص واستيفاؤه والعفو على مال إذا
رضي الجاني فينقسم على الغرماء سواء كان القصاص له أو موروثا.
ولو قتل وعليه دين فإن أخذ الورثة الدية قضي منها الديون والوصايا ولهم
القصاص، وإن لم يكن له مال لم يكن عليهم ضمان الديون وغيرها.
المطلب الثالث: في كيفية الاستيفاء:
567

إنما يقتص مع علم التلف بالجناية فإن اشتبه اقتصر على القصاص في الجناية
دون النفس، وينبغي للإمام إحضار شاهدين عارفين عند الاستيفاء احتياطا لئلا
يقع مجاحدة.
ويعتبر الآلة بحيث لا تكون مسمومة ولا كالة فإن كانت مسمومة وكانت
الجناية نفسا فقد أساء واستوفى ولا شئ عليه، وإن كانت طرفا وحصلت الجناية
بالسم ضمنه المباشرة إن علم وإلا فلا إلا أن يكون هو الولي فيضمن أما غيره
فالحوالة في الضمان على الولي إن دفع إليه آلة مسمومة ولم يعلم، ولا يمكن من
القصاص بالكالة لئلا يتعذب المقتص منه سواء النفس والطرف فإن فعل أساء ولا
شئ عليه.
ولا يجوز القصاص إلا بالسيف ويحرم التمثيل به والقتل بغيره سواء فعل الجاني
ذلك أو لا، فلو غرقه أو حرقة أو رض دماغه اقتصر في القصاص على ضرب عنقه،
ويضمن لو اقتص بالآلة المسمومة إذا مات المقتص منه في الطرف نصف الدية أو
يقتل بعد رد نصف الدية عليه لأن الموت حصل بالقطع والسم.
وإذا أذن الولي في استيفاء القصاص بضرب رقبته فجاء وضرب السيف لا على
الرقبة فإن ضرب على موضع لا يخطأ الانسان بمثله بأن يضرب وسطه أو رجله أو
وسط رأسه عزره الحاكم ولا يمنعه من الاستيفاء، ولو وقع على موضع يخطأ
الانسان بمثله بأن وقع على كتفه أو جنب رأسه لم يعزره ولم يمنعه من الاستيفاء، ولو
اعترف بالعمد عزره ولم يمنعه من الاستيفاء ولا يضمن المقتص سراية القصاص إلا
مع التعدي، فإن اعترف بالعمد اقتص منه في الزائد، وإن قال: أخطأت، أخذ
منه الدية هذا إذا لم يكن المستحق نفسا والقول قوله في الخطأ لا قول المقتص منه.
وكل من يجري بينهم القصاص في النفس يجري بينهم القصاص في الأطراف
والجراحات.
المطلب الرابع: في زمان الاستيفاء:
568

إذا وجب القصاص في النفس على رجل أو امرأة - لا حبل لها - فللولي
الاستيفاء في الحال، ولا يراعى صفة الزمان في حر أو برد، ويستحب إحضار جماعة
كثيرة ليقع الزجر.
والحبلى يؤخر استيفاء القصاص منها إلى أن تضع ولو تجدد حملها بعد الجناية،
ولا يجوز قتلها بعد الوضع إلا أن يشرب الولد اللبأ لأن الولد لا يعيش بدونه ثم إن
وجد مرضع قتلت وإلا انتظرت مدة الرضاع، ولو ادعت الحبل ثبت بشهادة أربع من
القوابل، ولو لم يوجد شهود فالأولى الاحتياط بالصبر إلى أن يعلم حالها، ولو طلب
الولي المال لم يجب إجابته، ولو قتلت وظهر الحمل فالدية على القاتل، ولو لم يعلم
المباشر وعلم الحاكم وأذن ضمن الحاكم خاصة، وكذا لا يقتص منها في الطرف
حذرا من موتها أو سقوط الحمل بألمها، وكذا بعد الوضع إلى أن يوجد المرضع أو
يستغني الولد.
والملتجئ إلى الحرم لا يقتص منه فيه بل يضيق عليه في المطعم والمشرب إلى أن
يخرج ثم يستوفى منه، ولو جنى في الحرم اقتص منه فيه، والإحرام لا يقتضي
التأخير.
ولو التجأ إلى بعض المساجد غير المسجد الحرام أخرج منه وأقيم عليه القود، فإن
طلب القصاص في المسجد تعجيلا منع من التلويث بأن يفرش فيه الأنطاع.
ولو هرب إلى ملك انسان أخرجه الحاكم واستوفى منه خارجا للمنع من شغل
ملك الغير.
المطلب الخامس: في اعتبار المماثلة:
قد بينا أنه لا يجوز استيفاء القصاص إلا بالسيف وضرب العنق وإن كان
الجاني فعل بالمقتول أنواع التعذيب.
وإذا كان الجاني قد جز الرقبة وأبان الرأس فعل به ذلك وإن لم يكن أبانه
فالأقرب أنه ليس للولي إبانته لحرمة الآدمي بعد موته، ولو ضرب رقبته بالسيف
فأبانه لم يعزر لأنه لا اختيار له في قدر ما يقطعه السيف وليس له العدول إلى الذبح
569

بالسكين، ولو استوفى القتل بسيف مسموم بمثله جاز.
وإذا كان قد جز الرقبة بضربة لم يكلف الولي الوحدة لأنه ربما يتعذر عليه بل
يمكن من الضرب إلى أن يحصل غرضه، ولو بادر فقطع طرفا من أطرافه لم يلزمه
قصاص ولا دية.
ولو اقتص من قاطع اليد ثم مات المجني عليه بالسراية ثم الجاني وقع القصاص
بالسراية موقعه، وكذا لو قطع يده ثم قتله فقطع الولي يد الجاني ثم سرت إلى نفسه،
ويحتمل مطالبة الورثة بالدية لأن قطع اليد قصاص فلا يضمن وقد فات محل العمد.
ولو سرى القطع إلى الجاني أولا ثم سرى قطع المجني عليه لم تقع سراية الجاني
قصاصا لأنها وقعت هدرا.
ولو عفا المقطوع فقتله القاطع اقتص الولي في النفس بعد رد دية اليد على
إشكال، وكذا لو قتل من قطعت يده قتل بعد أن يرد عليه دية اليد إن كان المجني
عليه أخذ ديتها أو قطعت في قصاص على إشكال، وإن كانت قطعت من غير جناية
ولا أخذ لها دية قتل القاتل ولا رد.
ولو قطع كفا بغير أصابع قطعت كفه بعد رد دية الأصابع.
ولو ضرب ولي الدم الجاني قصاصا وتركه بظن القتل فعالج نفسه وبرئ لم
يكن للولي القصاص في النفس حتى يقتص منه بالجراحة - على رواية ضعيفة -
والوجه أن له قتله، ولا قصاص عليه إذا ضربه بما له الاختصاص به كما لو ظن إبانة
عنقه ثم ظهر خلافه فله قتله ولا يقتص من الولي.
ولو قطع يهودي يد مسلم فاقتص المسلم ثم سرت جراحة المسلم فللولي قتل
الذمي، ولو طالب بالدية كان له دية المسلم إلا دية يد الذمي على إشكال وكذا
الإشكال لو قطعت امرأة يده فاقتص ثم سرت جراحته فللولي القصاص، ولو طالب
بالدية فله ثلاثة أرباعها، ولو قطعت يده ورجله فاقتص ثم سرت جراحاته فلوليه
القصاص في النفس دون الدية لأنه استوفى ما يقوم مقامها وفيه إشكال من حيث أن
المستوفي وقع قصاصا وللنفس دية بانفرادها.
570

الباب الثاني في قصاص الطرف:
وفيه فصول:
الأول: في قصاص اليد والرجل:
وفيه مطلبان:
الأول: في الشرائط: وهي خمسة:
الأول: العمد، فلا قصاص بقطع العضو خطأ أو شبيه العمد، ويتحقق
العمد بإتلاف العضو إما بفعل ما يتلفه غالبا أو بإتلاف بما لا يتلف غالبا مع قصد
الإتلاف سواء كان مباشرة كقطع اليد أو بالتسبيب كما لو ألقى نارا على يده أو حية
أو قطع إصبعا فسرت إلى كفه أو جرحه فسرى إليه.
الثاني: التساوي في الاسلام والحرية أو يكون المجني عليه أكمل، فيقتص
للمسلم من المسلم والذمي، والذمي من الذمي خاصة ولا يقتص له من المسلم بل يجب
الدية ويقتص الرجل من مثله ومن المرأة ولا يرجع بالتفاوت مطلقا، وللمرأة من
مثلها ومن الرجل بعد رد التفاوت فيما تجاوز ثلث دية الرجل ولا رد فيما نقص عن
الثلث، ويقتص للحر من العبد وله استرقاقه إن ساوت قيمته الجناية أو قصرت وما
قابلها إن زادت ولا خيار للمولى، ولا يقتص للعبد من الحر ويقتص للعبد من مثله
لا من المكاتب إذا تحرر بعضه ويقتص له من المدبر وأم الولد، ولمن انعتق منه أكثر
القصاص من الأقل والمساوي.
ويشترط التساوي في القيمة أو نقص الجاني، فإن زادت قيمة الجاني لم يكن
لمولى الآخر الاقتصاص إلا بعد رد التفاوت.
الثالث: التساوي في السلامة، فلا تقطع اليد الصحيحة بالشلاء وإن بذلها
الجاني لكن لا يضمن القاطع واستوفى حقه، وتقطع الشلاء بالصحيحة إلا أن
يحكم أهل الخبرة بعدم انحسامها فتجب الدية، وكذا لا تقطع الشلاء بمثلها مع
الخوف من السراية وتقطع لا معه.
ولو كان بعض أصابع المقطوع شلاء لم يقتص من الجاني في الكف بل في أربع
571

الأصابع الصحيحة وتؤخذ منه ثلث دية إصبع صحيحة عوضا على الشلاء وحكومة
ما تحتها وما تحت الأصابع الأربع من الكف، ولو كان بالعكس قطع من الكف
فإن خيف السراية اقتص في الأصابع الصحيحة وأخذ دية إصبع صحيحة وحكومة
في الكف أجمع.
ولا يقطع العضو الصحيح بالمجذوم وإن لم يسقط منه شئ ويقطع المجذوم
بالصحيح، ولا يشترط تساوي خلقه اليد ومنافعها فتقطع يد الباطش القوي بيد
الطفل الصغير والشيخ الفاني والمريض المشرف والكسوب بغيره والصحيحة
بالبرصاء.
ولو كانت يد المقطوع كاملة والقاطع ناقصة إصبعا فللمقطوع القصاص وفي
أخذ دية الإصبع الفائتة قولان: أحدهما ذلك مطلقا والثاني إن كان قد أخذ ديتها،
ولو كانت بالعكس لم تقطع يد الجاني بل الأصابع التي قطعها ويؤخذ منه حكومة
الكف وكذا لو نقصت بعض أصابع المقطوع أنملة، وكذا لو كانت أصابع المقطوع
بغير أظفار أو بعضها وأصابع الجاني سليمة.
الرابع: التساوي في المحل، وتقطع اليمنى بمثلها وكذا اليسرى والإبهام بمثلها لا
بالسبابة وغيرها وكذا باقي الأصابع، ولو لم يكن له يمين قطعت يسراه فإن لم يكن
له يسار أيضا قطعت رجله اليمنى فإن فقدت فاليسرى، وكذا لو قطع أيدي جماعة
على التعاقب قطع يداه ورجلاه الأول فالأول فإن بقي أحد أخذ الدية، وكذا لو
فقدت يداه ورجلاه.
ولو قطع يمينا فبذل شمالا فقطعها المجني عليه جاهلا قيل: يسقط
القصاص، ويحتمل بقاؤه فيقطع اليمنى بعد الاندمال حذرا من توالي القطعين، ثم
المقتص منه إن سمع الأمر باخراج اليمنى فأخرج اليسرى مع علمه بعدم إجزائها
فلا دية له وإلا فله الدية. ولو قطعها المجني عليه عالما بأنها اليسرى قيل: سقط
القطع، لأنه ببذلها للقطع كان مبيحا فصار شبهة وكل من يضمن دية اليسار
يضمن سرايتها ومالا فلا. ولو قال المجني عليه: بذلها عدلا،
قدم قول الباذل مع يمينه لأنه أعرف
572

بنيته. ولو اتفقا على بذلها بدلا لم يصر بدلا وعلى القاطع الدية وله قصاص
اليمنى على إشكال.
الخامس: التساوي في الأصالة أو الزيادة، فلا تقطع أصلية بزائدة مطلقا ولا
زائدة بأصلية مع تغاير المحل، وتقطع بمثلها وبالأصلية مع التساوي في المحل، ولا
تقطع زائدة بمثلها مع تغاير المحل.
ولو كان لكل من الجاني والمجني عليه إصبع زائدة ثبت القصاص مع تساوى
المحل، ولو كانت للجاني خاصة اقتص إن أمكن بدون قطعها بأن تخرج عن حد
الكف وإلا قطعت الأصابع الخمس إن لم تكن متصلة بأحدها وتؤخذ حكومة في
الكف، ولو كانت متصلة بإحداهن اقتص في أربع وأخذ دية إصبع وحكومة كفه،
ولو كانت للمجني عليه اقتص في الكف وطالب بدية الزائدة، ولو كانت خمس
الجاني أصلية وبعض أصابع المجني عليه زائدة لم يقتص في الجميع بل في الأصلية
ويطالب بدية الزائدة وحكومة الكف، ولو انعكس ثبت القصاص في الكف إن
كانت في سمت الأصلية وإلا فكالأول.
ولو كان على يد الجاني إصبع زائدة في سمت أصابعه وعلى نسقها وغير متميزة لم
تقطع اليد من الكوع ولا شئ من الأربع ويقطع الإبهام ويطالب بدية باقي
الأصابع وحكومة الكف، فلو قطعه المجني عليه استوفى وأساء وعليه دية الزائدة،
ولو قطع خمس أصابع أساء واستوفى لكن أخذ حقه ناقصا لجواز أن يكون فيها زائدة
ويطالب بحكومة الكف.
وكذا لو قطع إصبعا من الست لم يكن عليه قصاص، وما الذي يجب عليه؟
يحتمل دية الزائدة لأصالة البراءة ونصف الديتين وسدس دية الكف وسدس دية
الزائد لأن الكف لو قطعت ضمنت بدية يد ودية إصبع زائدة فعند الاشتباه قسطت
الدية ودية الزائدة على الجميع.
وكذا لو قطع صاحب الست إصبع من يده صحيحة فلا قصاص وعليه دية
الإصبع الكاملة، فلو بدر المقطوع وقطع إصبعا استوفى، ولو كان لأنملة المجني عليه
573

طرفان فإن ساواه الجاني اقتص وإلا قطع الأنملة وأخذ دية الزائدة، ولو كان الطرفان
للجاني فإن تميزت الأصلية وأمكن قطعها منفردة فعل وإلا أخذ دية الأنملة.
ولو قطع أنملة عليا ووسطى من آخر فإن سبق صاحب العليا اقتص ثم يقتص
لصاحب الوسطى وإن سبق صاحب الوسطى أخر إلى أن يقتص صاحب العليا فإن
عفا على مال أو مطلقا كان لصاحب الوسطى القصاص بعد رد دية العليا على
إشكال، ولو قطع صاحب الوسطى أولا أساء واستوفى حقه وزيادة فيطالب بديتها
ولصاحب العليا مطالبة الجاني بدية أنملته.
ولو كان لإصبع أربع أنامل فإن كان طولها مثل طول الأصابع فحكمها حكم
باقي الأصابع عند قطعها أجمع حتى لو قطع تلك الأصبع من يد انسان قطعت هذه،
ولو قطعها انسان اقتص منه من غير مطالبة بحكومة، وإن وقعت الجناية على بعضها
بأن قطع الانسان الأنملة العليا وللقاطع ثلاث أنامل سقط القصاص لأنه فوت ربع
إصبع ويلزمه ربع دية الإصبع، ولو قطع أنملتين فقد فوت نصف الإصبع فله نصف
دية الإصبع أو يقطع أنملة واحدة ويطالب بأرش الباقي وهو التفاوت بين النصف
والثلث وليس له قطع اثنين، ولو قطع ثلاث أنامل فله قطع أنملتين قصاصا ويطالب
بالتفاوت بين ثلثي دية الإصبع وثلاثة أرباعها وهو نصف سدس دية إصبع.
ولو كان هو الجاني فإن قطع أنملة واحدة فللمجني عليه قطع أنملته قصاصا
ويطالب بالتفاوت وهو نصف سدس دية إصبع، ولو قطع أنملتين فللمجني عليه قطع
أنملتين ويطالب بالتفاوت بين نصف دية إصبع وثلثي ديتها وإن كان طول إصبعه
زائدا على ما هو طول الأصابع في العادة.
فإن قطع إصبع رجل لم يقتص منه للزيادة في إصبعه فإن زالت تلك الأنملة كان
للمجني عليه القطع، وإن قطع انسان إصبعه فعليه دية إصبع وحكومة، وإن قطع
أنملته العليا فعليه ثلث دية أنملة، وإن قطع أنملتين اقتص منه في واحدة وعليه ثلث
دية الأخرى.
574

فإن قطع صاحب الزائدة أنملة انسان فلا قصاص لأن الزائدة في غير محل
الأصلي لا يستوفى بالأصلي وهنا الزائدة في غير محل الأصلية لوجود الأصلية، فإن
زالت كان للمجني عليه أن يقتص منه.
ولو كان له كفان على ساعد أو ذراعان على عضد أو قدمان على ساق وأحدهما
زائد فإن علمت الزائدة إما ببطش الأخرى دونها أو بضعف بطشها عنها أو بكونها
خارجة عن السمت والأخرى عليه أو بنقص أصابعها وكمال الأخرى فالأصلية
كغيرها يثبت فيها القصاص دون الأخرى، ولو لم يتميزا بوجه فقطعهما انسان
اقتص منه وكان عليه أرش الزائدة ولا قصاص لو قطع إحديهما وعليه نصف دية
كف ونصف حكومة، وكذا لو قطع منهما إصبعا لزمه نصف دية إصبع ونصف
حكومة على ما تقدم من الاحتمالات.
فلو قطع ذو اليدين يدا احتمل القصاص لأنها إما أصلية أو زائدة وعدمه لعدم
جواز أخذ الزائدة مع وجود الأصلية، ولو قطع الباطشة قاطع اقتص منه فإن صارت
الأخرى باطشة ففي إلحاقها بالأصلية إشكال.
المطلب الثاني: في الأحكام:
لو قطع إصبعا فسرت إلى الكف واندملت ثبت القصاص في الكف، وهل له
القصاص في الإصبع وأخذ دية الباقي؟ الأقرب المنع لإمكان القصاص فيهما.
ولو قطع يده من مفصل الكوع ثبت القصاص، ولو قطع معها بعض الذراع
اقتص في اليد وله الحكومة في الزائد، ولو قطعها من المرفق اقتص منه وليس له
القصاص في اليد وأخذ أرش الزائد، وكل عضو يؤخذ قودا مع وجوده تؤخذ الدية مع
فقده كأن يقطع إصبعين وله واحدة أو يقطع كفا كاملا وليس له أصابع.
ولو قطع من نصف الكف لم يكن له القصاص من موضع القطع لعدم وقوع
القطع على مفصل محسوس يمكن اعتبار المساواة فيه وله قطع الأصابع والمطالبة
بالحكومة في الباقي وليس له قطع الأنامل ومطالبة دية باقي الأصابع والحكومة، فإن
575

رضي بقطعها مع اسقاط الباقي جاز وليس له أن يقطع الأنامل ثم يكمل القطع في
الأصابع لزيادة الألم.
ولو قطع إصبع رجل فشلت أخرى بجنبها اقتص منه في القطع وطولب بثلثي دية
الشلاء، ولو وقعت الآكلة في الموضع وسرت إلى الأخرى اقتص منهما معا.
ولو قطع إصبع رجل ويد آخر اقتص للأول ثم للثاني، فإن كانت الإصبع أولا
رجع صاحب الكف بدية الإصبع مع قطع الكف، ولو كانت اليد اقتص لصاحبها
وغرم دية الإصبع لصاحبها.
ولو قطع إصبعه فعفا قبل الاندمال فاندملت سقط حقه، وكذا لو قال: عفوته
عن الجناية. ولو أبرأه عن الجناية فسرت إلى الكف فلا قصاص في الإصبع بل في
الكف إن ساواه في النقص أو في الباقي من الأصابع ويطالب بالحكومة، ولو سرت
إلى النفس كان للولي القصاص في النفس بعد رد ما عفا عنه على إشكال، ولو
قال: عفوت عنها وعن سرايتها، صح العفو عنها وفي صحته في السراية إشكال،
وقيل: يصح عنها وعما يحدث عنها من الثلث.
ولو أبرأ العبد الجاني لم يصح على إشكال ولو أبرأ سيده صح، ولو قال: عفوت
عن أرش هذه الجناية، صح.
ولو أبرأ قاتل الخطأ أو قال: عفوت عن هذه الجناية، صح. ولو أبرأ العاقلة لم
يبرأ القاتل.
ولو كان مستحق القصاص طفلا أو مجنونا لم يكن لهما الاستيفاء، فإن بذل
لهما الجاني بالعضو فقطعاه ذهب هدرا.
ولو قطع يمين مجنون فوثب المجنون فقطع يمينه قيل: يقع قصاصا، وقيل: لا،
ويكون قصاص المجنون باقيا، ودية جناية المجنون على عاقلته.
ولو قطع العاقل عدة أعضاء خطأ جاز أخذ دياتها وإن زاد عن دية النفس،
وقيل: يقتصر على دية النفس، فإن سرت فلا شئ في الباقي لأن دية الطرف تدخل
في دية النفس إجماعا وإن اندملت أخذ دية الباقي.
576

الفصل الثاني: في الأعضاء الخالية من العظام:
والشرائط ما تقدم، ويقتص في العين مع مساواة المحل فلا تقلع يمنى بيسرى
ولا بالعكس، وهل له قلع عين الجاني بيده؟ الأقرب أخذها بحديدة معوجة فإنه
أسهل.
ولو كان الجاني أعور خلقة اقتص منه وإن عمي فإن الحق أعماه ولا رد، ولو
قلع عينه الصحيحة مثله فكذلك، ولو قلعها ذو عينين اقتص له بعين واحدة وفي الرد
قولان، ولو قلع عينا قائمة فلا قصاص لنقصها وعليه ثلث ديتها، ولو أذهب الضوء
دون الحدقة اقتص منه بأن يطرح على أجفانه قطن مبلول ثم تحمى المرآة وتقابل
بالشمس ثم تفتح عيناه ويكلف النظر إليها حتى يذهب النظر وتبقى الحدقة.
وتؤخذ الصحيحة بالحوراء والعمشاء لأن العمش خلل في الأجفان، وعين
الأخفش وهو الذي ليس بحاد البصر ولا يرى من بعد لأنه تفاوت في قدر المنفعة،
والأعشى وهو الذي لا يبصر ليلا، والأجهر وهو الذي لا يبصر نهارا لسلامة البصر
والتفاوت في النفع.
ويثبت في الأجفان، ولو خلت أجفان المجني عليه عن الأهداب ففي القصاص
إشكال، فإن أوجبناه رجع الجاني بالتفاوت.
ويثبت القصاص في الأهداب والأجفان وشعر الرأس واللحية على إشكال ينشأ
من أنه إن لم يفسد المنبت فالشعر يعود، فإن أفسده فالجناية على البشرة والشعر
تابع، فإن نبت فلا قصاص.
ويثبت في الأذن القصاص و يستوي أذن الصغير والكبير والصحيحة والمثقوبة
والصماء والسامعة، ولا تؤخذ الصحيحة بالمخرومة بل يقتص إلى حد الخرم ويؤخذ
حكومة في الباقي، ولو قطع بعضها جاز القصاص فيه.
ولو أبان الأذن فألصقها المجني عليه والتصقت بالدم الحار وجب القصاص
والأمر في إزالتها إلى الحاكم، فإن أمن هلاكه وجب إزالتها وإلا فلا، وكذا لو
ألصق الجاني أذنه بعد القصاص لم يكن للمجني عليه الاعتراض.
577

ولو قطع بعض الأذن ولم يبنه فإن أمكنت المماثلة في القصاص وجب وإلا
فلا، ولو ألصقها المجني عليه لم يؤمر بإزالته وله القصاص، فلو جاء آخر فقطعها بعد
الالتحام فالأقرب القصاص كما لو شج آخر موضع الشجة بعد الاندمال.
ولو قطع أذنه فأزال سمعه فهما جنايتان لأن منفعة السمع في الدماغ لا في
الأذن، ولو قطع أذنا مستحشفة - وهي التي لم يبق فيها حس وصارت شلاء -
ففي القصاص إشكال ينشأ من أن اليد الصحيحة لا تؤخذ بالشلاء، ومن بقاء
الجمال والمنفعة لأنها تجمع الصوت وتوصله إلى الدماغ وترد الهوام عن الدخول في
ثقب الأذن بخلاف اليد الشلاء.
ويثبت في الأنف القصاص ويستوي الشام وفاقده - لأن الخلل في الدماغ -
والأقنى والأفطس والكبير والصغير، وهل يستوي الصحيح والمستحشف؟ إشكال
كالأذن. والقصاص يجري في المارن وهو ما لأن منه، ولو قطع معه القصبة فإشكال
من حيث انفراده عن غيره فأمكن استيفاؤه قصاصا ومن أنه ليس له مفصل معلوم،
ولو قطع بعض القصبة فلا قصاص، ولو قطع المارن فقطع القصبة فاقد المارن احتمل
القصاص وعدمه ويجري القصاص في أحد المنخرين مع تساوى المحل، ولو قطع
بعض الأنف نسبنا المقطوع إلى أصله وأخذنا من الجاني بحسابه لئلا يستوعب أنف
الجاني لو كان صغيرا فالنصف بالنصف والثلث بالثلث ولا تراعى المساحة بين
الأنفين.
ويثبت القصاص في الشفتين وبعضهما مع تساوى المحل، فلا تؤخذ العليا
بالسفلى ولا بالعكس.
وكذا يثبت في اللسان وبعضه مع التساوي في النطق فلا يقطع الناطق
بالأخرس، ولو قطع لسان صغير فإن تحرك لسانه عند البكاء وجب القصاص لأنه
دليل الصحة.
ويثبت القصاص في ثدي المرأة وحلمته وحلمة الرجل، ولو قطع الرجل حلمة
ثدي المرأة فلها القصاص إن لم توجب فيها كمال الدية، وهل ترجع المرأة بالتفاوت
578

إن أوجبنا لها الكمال وله الثمن؟ نظر أقربه العدم، ولو انعكس الفرض فلا قصاص
على تقدير قصور دية حلمة الرجل.
الفصل الثالث: في الأسنان:
ويثبت في السن القصاص بشرط التساوي في المحل، فلا يقلع ضرس بسن ولا
بالعكس، ولا ثنية برباعية أو ناب أو ضاحك ولا بالعكس، ولا رباعية من أعلى أو
من الجانب الأيمن بمثلها من أسفل أو من الأيسر، ولا أصلية بزائدة ولا بالعكس مع
تغاير المحل، ولا زائدة بزائدة مع تغاير المحل.
ولو قلع سن مثغر - وهو من سقط سنه ونبت بدله مع سنخه وهو أصله الذي
يكون بين اللحم - وجب القصاص، وكذا لو كسر الظاهر لكن لا يضرب بما
يكسره لإمكان التفاوت بل يقطع بحديدة وكذا لو كسر البعض، ولو حكم أهل
الخبرة بعوده لم يقتص إلى أن تمضى مدة اليأس، ولو عادت قبل القصاص ناقصة أو
متغيرة ففيها الحكومة، وإن عادت كاملة قيل: لا قصاص ولا دية، والأقرب
الأرش.
ولو اقتص فعاد سن المجني عليه لم يغرم سن الجاني لأنها نعمة متجددة من الله
تعالى ويلزم منه وجوب القصاص وإن عادت، ولو عادت سن الجاني لم يكن
للمجني عليه إزالتها إن قلنا: إنها هبة، وإن قلنا: إنها بدل الفائت، فكذلك
لزيادة الألم إلا أنه لا يكون المجني عليه مستوفيا لحقه لأن سنه مضمونة بالدية
وسن الجاني غير مضمونة بالدية لأنها في الحكم كسن طفل فينقص الحكومة عن دية
سن ويغرم الباقي.
ولو عاد سن المجني عليه بعد القصاص فقلعه ثانيا فإن قلنا: إنها هبة، فعليه
ديتها إذ لا مثل لها فيه، وإن قلنا: أنها بدل، فالمقلوعة أولا كسن طفل فتثبت لكل
منهما دية على صاحبه ويتقاصان وعلى الجاني حكومة.
ولو كان غير مثغر انتظرت سنة فإن عادت ففيها الحكومة وإلا فالقصاص،
579

وقيل: في سن الصبي بعير مطلقا، فإن مات قبل اليأس من عودها فالأرش ولو عاد
مائلا عن محله أو متغير اللون فعليه حكومة عن الأولى وعن نقص الثانية.
ولو قلع زائدة وله مثلها في محلها اقتص منه وإلا فالحكومة.
الفصل الرابع: في القصاص والجراح:
لا قصاص في الضرب الذي لا يجرح وإنما يثبت في الجراح، ويعتبر التساوي
بالمساحة في الشجاج طولا وعرضا لا عمقا بل يراعى اسم الشجة لاختلاف
الأعضاء بالسمن والهزال، ولا قصاص فيما فيه تعزير بالنفس كالمأمومة والجائفة
والهاشمة والمنقلة وكسر العظام وإنما يثبت في الحارصة والباضعة والسمحاق
والموضحة وكل جرح لا تعزير فيه وسلامة النفس معه غالبة، ولا يثبت القصاص
قبل الاندمال لجواز السراية الموجبة للدخول والأقرب الجواز.
وإذا اقتص حلق الشعر عن المحل وربط الرجل على خشبة أو غيرها بحيث لا
يضطرب حالة الاستيفاء ثم يقاس بخيط أو شبهه ويعلم طرفاه في موضع الاقتصاص
ثم يشق من إحدى العلامتين إلى الأخرى ويجوز أن يستوفى منه في دفعات إذا شق
على الجاني، فإذا زاد المقتص لاضطراب الجاني فلا شئ لاستناد التفريط إليه
باضطرابه وإن لم يضطرب اقتص من المستوفي إن تعمد وطولب بالدية مع الخطأ
ويقبل قوله مع اليمين، وفي قدر المأخوذ منه إشكال ينشأ من أن الجميع موضحة
واحدة فيقسط على الأجزاء فيلزمه ما قابل الزيادة كما لو أوضح جميع الرأس ورأس
الجاني أصغر فإنا نستوفي الموجود ولا يلزمه بسبب الزيادة دية موضحة بل تقسط الدية
على الجميع، ومن أنها موضحة كاملة لأن الزيادة جناية ليست من جنس الأصل
بخلاف مستوعب الرأس فإنها هناك موضحة واحدة، ويؤخر من شدة البرد والحر
إلى اعتدال النهار.
ولو كان الجرح يستوعب عضو الجاني ويزيد عنه لم يتجاوزه بل اقتصرنا على ما
يحتمله العضو وأخذنا عن الزائد بنسبة المتخلف إلى أصل الجرح، ولو كان نصف
580

رأس المجني عليه يستوعب رأس الجاني استوعب، ولو كان المجني عليه صغير
العضو فاستوعبته الجناية لم يستوعب في المقتص بل اقتصر على قدر مساحة الجناية.
ولو أوضح جميع رأسه بأن سلخ الجلد واللحم عن جملة الرأس فإن تساويا في القدر
فعل به ذلك، وإن كان الجاني أكبر رأسا لم يعتبر الاسم كما اعتبرناه في قطع اليد
حيث قطعنا الكبيرة والسمينة بالصغيرة والمهزولة بل تعرف مساحة الشجة طولا
وعرضا فيشج من رأسه بذلك القدر إما من مقدم الرأس أو مؤخره والخيار إلى
المقتص، ولو كان أصغر استوفى القدر الموجود وغرم بدل المفقود باعتبار التقسيط على
جميع الموضحة ولا ينزل إلى الجبين ولا إلى القفاء ولا إلى الأذنين.
ولو شجه فأوضح في بعضها فله دية موضحة، ولو أراد القصاص استوفى القصاص
في الموضحة والباقي، ولو أوضحه اثنتين وبينهما حاجز متلاحم اقتص منه كذلك،
ولو أوضح جبينه ورأسه بضربة واحدة فهما جنايتان، ولو قطع الأذن فأوضح العظم
منها فهما جنايتان.
الفصل الخامس: في الجناية على العورة:
و يثبت القصاص في الذكر، ويتساوى ذكر الشاب والشيخ والصغير والبالغ
والفحل ومسلول الخصيتين والمختون والأغلف، ولا يقطع الصحيح بذكر العنين
ويقطع العنين بالصحيح، وكذا لا يقطع الصحيح بمن في ذكره شلل - ويعرف
بأن يكون الذكر منقبضا فلا ينبسط أو منبسطا فلا ينقبض - ويقتص في البعض،
فإن كان الحشفة فظاهر وإن زاد استوفى بالنسبة من الأصل إن نصفا فنصفا وإن
ثلثا فثلثا وهكذا.
ويثبت القصاص في الخصيتين وفي إحديهما إلا أن يخشى ذهاب منفعة
الأخرى فالدية سواء كان المجني عليه صحيح الذكر أو عنينا، ولو قطع الذكر
والخصيتين اقتص له سواء قطعهما دفعة أو على التعاقب.
وفي الشفرين وهما اللحم المحيط بالرحم إحاطة الشفتين بالفم القصاص سواء
581

البكر والثيب والصغيرة والكبيرة والصحيحة والرتقاء والمختونة وغيرها والمفضاة
والسليمة، ولو أزالت بكر بكارة أخرى بإصبعها احتمل القصاص مع إمكان
المساواة والدية، ولو جنى الرجل بقطع الشفرين أو المرأة بقطع الذكر أو الخصيتين
فالدية.
ولو قطع ذكر خنثى مشكل وأنثييه وشفريه فإن كان الجاني ذكرا فإن ظهرت
الذكورة كان في ذكره وأنثييه القصاص وفي شفريه الحكومة وإن ظهرت الأنوثة
فعليه دية الشفرين وحكومة في الذكر والأنثيين، وإن كان الجاني امرأة وظهرت
الذكورة فعليها دية المذاكير وحكومة الشفرين وإن ظهرت الأنوثة اقتص لها في
الشفرين وطولبت بحكومة في المذاكير، وإن كان الجاني خنثى لم يكن قصاص إلا
مع العلم بحالهما.
ولو طلب الخنثى القصاص قبل ظهور حاله لم يكن له ذلك، فإن طلب الدية
أعطي اليقين وهو دية الشفرين والحكومة في المذاكير، فإن ظهرت الذكورة أكمل
له، ولو قال: أطلب بدية عضو مع بقاء القصاص في الباقي، لم يكن له ذلك، ولو
قال: أطلب حكومته مع بقاء القصاص في الباقي، أجيب إليه وأعطي أقل
الحكومتين.
ولا قصاص في الأليتين لتعذر المماثلة. الفصل السادس: في الاختلاف:
إذا قطع يدي رجل ورجليه خطأ ورأينا المجني عليه ميتا فادعى الجاني موته من
السراية وادعى الولي الاندمال والموت بغيرها فإن لم يحتمل الاندمال لقصر الزمان صدق
الجاني وفي إحلافه إشكال وإن أمكن قدم قول الولي مع اليمين، فإن اختلفا في المدة
قدم قول الجاني مع اليمين، ولو ادعى الولي موته بسبب غير الجناية كلدغ الحية أو
وقوع من شاهق أو قتل آخر وادعى الجاني استناده إلى جنايته احتمل تقديم قول
الجاني لأصالة عدم حدوث سبب آخر وقول الولي لأن الجاني يدعي
582

سقوط حق ثبت المطالبة به.
أما لو قطع يدا واحدة ثم وجد ميتا فادعى الولي السراية والجاني الاندمال قدم
قول الجاني إن احتمل الزمان وإلا قول الولي، فلو كان قصيرا فقال الجاني: مات
بسبب آخر، وقال الولي: مات بالسراية، قدم قول الولي ويحتمل الجاني ولو اختلفا
في المدة قدم قول الولي على إشكال.
ولو قد ملفوفا في كساء بنصفين ثم ادعى أنه كان ميتا وادعى الولي الحياة
احتمل تقديم قول الجاني لأن الأصل البراءة وتقديم الولي لأن الأصل الحياة،
وكذا لو أوقع عليه حائطا.
ولو ادعى الجاني شلل العضو المقطوع من حين الولادة أو عمى عينه المقلوعة
وادعى المجني عليه الصحة فإن كان العضو ظاهرا قدم قول الجاني لإمكان إقامة
البينة على سلامته وإن كان مستورا احتمل تقديم قول الجاني والمجني عليه، وكذا
الإشكال لو ادعى الجاني تجدد العيب، ولو ادعى الجاني صغره وقت الجناية قدم
قوله مع الاحتمال والعلم بشاهد الحال.
ولو ادعى الجنون وعرف له حالة الجنون قدم قوله وإلا فلا، ولو اتفقا على زوال
العقل حالة الجناية لكن ادعى المجني عليه السكر والجاني الجنون قدم قول الجاني.
ولو أوضحه في موضعين وبينهما حاجز ثم زال فادعى الجاني زواله بالسراية
والمجني عليه بالإزالة قدم قول المجني عليه، ولو اتفقا على أن الجاني أزاله لكن قال
المجني عليه بعد الاندمال: فعليك ثلاث موضحات، وقال الجاني قبله: فعلى
موضحة واحدة، فالقول في الموضحتين قول المجني عليه لأن الجاني يدعي سقوط
المطالبة بأرش إحدى الموضحتين وفي الموضحة الثالثة قول الجاني لأن المجني عليه
يدعي وجود الاندمال والأصل عدمه.
ولو قتل من عهد كفره أو رقه فادعى الولي سبق الاسلام أو العتق قدم قول
الجاني مع اليمين، ولو اختلفا في أصل الكفر والرق احتمل تقديم قول الجاني
لأصالة البراءة وتقديم قول الولي لأن الظاهر في دار الاسلام الاسلام والحرية.
583

ولو داوى الإصبع فتأكل الكف فادعى الجاني تأكله بالدواء والمجني عليه
بالقطع قدم قول الجاني مع شهادة العارفين بأن هذا الدواء يأكل الحي والميت،
وإلا قدم قول المجني عليه وإن اشتبه الحال لأنه هو المداوي فهو أعرف بصفته ولأن
العادة قاضية بأن الانسان لا يتداوى بما يضره.
الفصل السابع: في العفو:
وفيه مطلبان:
الأول: من يصح عفوه:
الوارث إن كان واحدا وعفا عن القصاص أو كانوا جماعة وعفو أجمع سقط
القصاص لا إلى بدل: ولو أضاف العفو إلى وقت مثل: عفوت عنك شهرا أو سنة
صح وكان له بعد ذلك القصاص، ولو أضاف إلى بعضه فقال: عفوت عن نصفك،
أو يدك، أو رجلك، ففي القصاص إشكال ويصح العفو من بعض الورثة ولا يسقط
حق الباقين من القصاص لكن بعد رد دية من عفا على الجاني.
ولو كان القصاص في الطرف كان للمجني عليه العفو في حياته فإن مات قبل
الاستيفاء فلورثته العفو.
ولو عفا المحجور عليه لسفه أو فلس صح عفوه، وليس للصبي و المجنون العفو
فأما الولي إذا أراد أن يعفو عنه على غير المال لم يصح وإن أراد أن يعفو على مال جاز
مع المصلحة لا بدونها.
ولو قطع عضوا فقال: أوصيت للجاني لموجب هذه الجناية وما يحدث منها،
فاندملت فله المطالبة وإن مات سقط القصاص والدية من الثلث.
المطلب الثاني: في حكمه:
إذا عفا عن القصاص إلى الدية فإن بذلها الجاني صح العفو، وهل يلزمه؟
584

الأقرب ذلك، وإن لم يبذل الجاني لم يسقط القصاص، وإن عفا مطلقا لم يجب
المال.
وإذا قال: عفوت إلى الدية، ورضي الجاني وجبت دية المقتول لا دية القاتل.
وكذا لو مات الجاني أو قتل قبل الاستيفاء وجبت دية المقتول لا دية القاتل في
تركته.
ولو عفا في العمد عن الدية لم يكن له حكم، ولو تصالحا على مال أزيد من
الدية أو من غير جنسها صح، ولو قطع بعض أعضاء القاتل ثم عفا عن النفس لم
يضمن بدل الطرف سواء سرى القطع إلى النفس أو وقف، ولو رمى سهما إلى
القاتل ثم عفا لم يكن للعفو حكم ولا ضمان، ولو عفا عن القصاص في جناية لا
يجب فيها القصاص كالمأمومة فلا حكم للعفو فإن مات اقتص منه، ولو عفا عن
الدية ومات فله القصاص وإذا قلنا بصحة العفو قبل السراية عنها فهو وصية، ولو
اقتص بما ليس له الاقتصاص به كقطع اليدين والرجلين فالأقرب أنه يضمن الدية
دون القصاص لأنه ليس معصوم الدم بالنسبة إليه وله القود بعد ذلك فإن عفا على
مال فالأقرب القصاص.
القطب الثاني: في الديات:
وفيه أربعة أبواب:
الأول في الموجب:
وفيه فصول:
الأول: المباشرة:
وتجب بها الدية إذا انتفى قصد القتل كمن رمى غرضا فأصاب إنسانا أو
ضرب للتأديب فاتفق الموت أو وقع من علو على غيره فقتله، فإن قصد وكان الوقوع
يقتل غالبا فهو عمد، وإن كان لا يقتل غالبا فهو عمد الخطأ إن لم يقصد القتل
585

وإلا فعمد، ولو اضطر إلى الوقوع أو لم يقصد القتل فهو خطأ.
ولو ألقاه الهواء أو زلق فلا ضمان والواقع على التقديرات كلها هدر، ولو أوقعه
غيره فماتا فدية المدفوع على الدافع وكذا دية الأسفل، وقيل: إنها على الواقع ويرجع
بها على الدافع، وكذا لو مات الأسفل خاصة.
والطبيب يضمن ما يتلف بعلاجه إن كان قاصرا أو عالج طفلا أو مجنونا بغير
إذن الولي أو بالغا لم يأذن، وإن كان حاذقا فأذن له المريض فآل علاجه إلى
التلف فالأقرب الضمان في ماله، وفي براءته بالإبراء قبل العلاج نظر ينشأ من
إمساس الحاجة إليه وقوله ع: من تطبب أو تبيطر فليأخذ البراءة من وليه
وإلا فهو ضامن، ومن بطلان الإبراء قبل الاستحقاق. وروي: أن عليا
ع ضمن ختانا قطع حشفة غلام، وهو حسن.
ولو أتلف النائم بانقلابه أو حركته فالضمان على عاقلته، وقيل: في ماله.
ولو انقلبت الظئر فقتلت الصبي لزمها الدية في مالها إن طلبت الفخر وعلى
العاقلة إن كان للحاجة والأقرب العاقلة مطلقا، ولو أعادت الولد فأنكره أهله قدم
قولها ما لم يعلم كذبها فتضمن الدية أو إحضاره أو من يحتمل أنه هو، ولو
استأجرت الظئر أخرى وسلمته إليها بغير إذن أهله فجهل خبره ضمن ديته.
ومن أعنف بزوجته جماعها قبلا أو دبرا أو ضمها فماتت ضمن الدية وكذا
الزوجة، وقيل: إن كانا مأمونين فلا ضمان.
ويضمن حامل المتاع إذا كسره أو أصاب به غيره المتاع والمصدوم في ماله.
الفصل الثاني: السبب:
وهو كل ما يحصل التلف عنده بعلة غيره إلا أنه لولاه لما حصل من العلة تأثير
كالحفر مع التردي وهو موجب للضمان أيضا وفي منعه الإرث إشكال، وكذا
نصب السكين أو إلقاء الحجر فإن التلف بسبب العثار.
ولو صاح بصبي فارتعد وسقط من سطح ضمن الدية وفي القصاص نظر، ولو
586

مات من الصيحة أو زال عقله ضمن الدية، ولو صاح ببالغ فمات فلا دية على
إشكال، ولو كان مريضا أو مجنونا أو اغتفله وفاجأه بالصيحة وإن كان بالغا
كاملا فمات أو زال عقله ضمن الدية في ماله، وقيل: على العاقلة، وفيه نظر لأنه
قصد الإخافة فهو شبيه عمد.
وكذا البحث لو شهر سيفه في وجه انسان فإنه يضمن مع الإتلاف بالخوف،
أما لو فر فألقى نفسه في بئر أو من سقف قيل: لم يضمن، لأنه ألجأه إلى الهرب لا
الوقوع فهو المباشر لإتلاف نفسه فيسقط السبب.
وكذا لو صادفه سبع في هربه فأكله، ولو وقع في بئر لا يعلمها أو كان أعمى أو
انخسف به السقف أو اضطره إلى مضيق فأكله السبع فإنه يضمن لأنه يفترس في
المضيق غالبا، ولو خوف حاملا فأجهضت ضمن دية الجنين ولو ماتت ضمن ديتها
أيضا.
ولو اجتاز على الرماة فأصابه أحدهم بسهم فإن قصده فهو عمد وإلا فخطأ، ولو
ثبت أنه قال: حذار، لم يضمن إن سمع المرمي ولم يعدل مع إمكانه. ولو كان
معه صبي فقربه من طريق السهم اتفاقا لا قصدا ففي الحوالة بالضمان على المقرب
من حيث أنه عرضه للتلف أو على الرامي إشكال، ولو قصد المقرب فإن لم يعلم
الرامي فالضمان على المقرب قطعا.
ويضمن من أخرج غيره من منزله ليلا إلى أن يعود فإن لم يعد فالدية وفي المنع
من الإرث نظر، ولو وجد مقتولا وادعى قتله على غيره وأقام شاهدين برئ وضمن
القاتل وإن لم يقم بينة فالأقرب سقوط القود ووجوب الدية عليه، ولو وجد ميتا
ففي إلزامه بالدية إشكال.
ولا يضمن المستأجر ولا المرسل.
وروى عبد الله بن طلحة عن الصادق ع في لص جمع ثياب امرأة
ووطئها وقتل ولدها ثم حمل الثياب ليخرج فقتلته: أن على مواليه دية الغلام وفي
تركته أربعة آلاف درهم لمكابرتها على فرجها ولا شئ عليها في قتله، ونخرجها أن
587

الدية تثبت عند فوات محل القصاص لأنها قتلته دفعا عن المال فلم يقع قصاصا
وإيجاب أربعة آلاف درهم لأنه مهر مثلها فرضا ولا يتقدر مهر المثل هنا بخمسين
دينارا.
وعنه ع في امرأة أدخلت صديقا لها ليلة بناء زوجها بها الحجلة فلما
أراد الزوج مباضعتها ثار الصديق فاقتتلا فقتل الصديق فقتلت هي الزوج: أنها
تضمن دية الصديق وتقتل بالزوج، وفي السند ضعف والأقرب سقوط دم الصديق.
ويضمن معلم السباحة الصغير إذا غرق وإن كان وليه أو من أذن له الولي على
إشكال لأنه تلف بتفريطه في حفظه وغفلته عنه، ولو كان بالغا رشيدا لم يضمن.
الفصل الثالث: في اجتماع العلة والشرط:
إذا حفر بئرا فتردى فيها انسان فإن كان العلة عدوانا بأن دفعه غيره سقط أثر
الحفر وكان الضمان على الدافع، وإن لم يكن عدوانا كما لو تردى بنفسه مع
الجهل فإن كان الحفر عدوانا ضمن الحافر مثل أن يحفر في طريق مسلوك أو ملك
غيره بغير إذنه ولو أذن سقط الضمان عن الحافر، وكذا لو رضي بها بعد الحفر
العدوان.
ولو كان في طريق مسلوك لمصلحة المسلمين قيل: لا ضمان، لأنه حفر سائغ.
وكذا لا يضمن لو كان الحفر غير عدوان بأن يحفر في ملكه أو في أرض موات بقصد
التملك أو بقصد الاستيفاء والتخلية.
ولو كانت في ملكه وأدخل غيره وعرفه المكان وهو بصير فلا ضمان وكذا لو
كانت مكشوفة أو دخل بغير إذنه، ولو كانت مستورة ولم يشعره بها أو كان الموضع
مظلما أو كان الداخل أعمى ضمن.
ولو كان الحفر في ملك الغير بغير إذنه فدخل آخر بغير إذنه وكان الموضع مكشوفا
فلا ضمان، وإن كان مستورا أو كان الداخل أعمى احتمل ضمان الحافر لتفريطه
وعدم الضمان لتفريط الداخل.
588

ولو تردى المالك أو المأذون ضمن، ولو حفر في مشترك بينه وبين غيره بغير إذنه
احتمل الضمان ونصفه إن كان الشريك واحدا والثلثين إن كان اثنين وهكذا
والنصف مطلقا، ولو كان الحافر عبدا تعلق الضمان برقبته فإن أعتقه مولاه ضمن
ولو أعتقه قبل السقوط فالضمان على العبد لا السيد.
ولو وضع حجرا في ملكه أو موضع مباح لم يضمن دية العاثر وإن كان في ملك
غيره أو شارع مسلوك ضمن في ماله، وكذا لو نصب سكينا فمات العاثر بها.
ولو جاء السيل بحجر فلا ضمان على أحد وإن تمكن من إزالته، فإن نقله إلى
موضع آخر من الشارع ضمن ولو كان إلى ما هو أقل سلوكا فيه على إشكال، ولو
حفر انسان بئرا إلى جانب هذا الحجر فتعثر انسان بذلك الحجر وسقط في البئر
فالضمان على الحافر لتعديه.
ولو وضع حجرا وآخران آخر فتعثر بهما انسان فمات احتمل تقسيط الضمان
أثلاثا وأن يكون النصف على الأول.
وإذا بنى حائطا في ملكه أو مباح فوقع الحائط على انسان فمات فلا ضمان
سواء وقع إلى الطريق أو إلى ملكه وسواء مات بسقوطه عليه أو بغباره إن كان قد بناه
مستويا على أساس يثبت مثله عليه، وإن بناه مائلا إلى ملكه فوقع إلى غير ملكه أو
إلى ملكه إلا أنه طفر شئ من الآجر أو الخشب وآلات البناء إلى الشارع فأصاب
إنسانا لم يضمن لأنه متمكن من البناء في ملكه كيف شاء وما تطاير إلى الشارع لم
يكن باختياره، ولو قيل بالضمان إن عرف حصول التطاير كان وجها وكذا لو بناه
مستويا فمال إلى ملكه.
ولو بناه مائلا إلى الشارع أو إلى ملك جاره أو مال إليهما بعد الاستواء وفرط في
الإزالة أو بناه على غير أساس ضمن إن تمكن من الإزالة بعد ميله ومطلقا إن كان
مائلا من الأصل أو على غير أساس، ولو استهدم من غير ميل فكالميل.
ولو بنى مسجدا في الطريق ضمن ما يتلف بسببه، ويجوز نصب الميازيب إلى
الطرق المسلوكة لا المرفوعة إلا بإذن أربابها وكذا الرواشن و الأجنحة والساباطات
589

كل ذلك إذا لم يضر بالمارة، فلو وقع الميزاب على أحد فمات ففي الضمان قولان،
وكذا لو سقط من الروشن أو الساباط خشبة فقتلت والأقرب أن الساقط إن كان
بأجمعه في الهواء بأن انكسر الميزاب أو الخشبة فوقع ما هو في الهواء ضمن الجميع وإن
وقع الجميع ضمن النصف، وكذا لو حفر بئرا لا يضر بالمارة لمصلحته ضمن ما يتلف
بسقوطه فيها.
ولو وضع على طرف سطحه صخرة أو جرة من الماء أو على حائطه فوقع على
انسان فمات فلا ضمان إلا أن يضعه مائلا إلى الطريق، ولو بنى على باب داره دكة
أو غرس شجرة في طريق مسلوك فعثر به انسان ضمن ولو كان في مرفوع فكذلك إن
لم يأذن أربابه، ولو أذنوا فلا ضمان لأنه يصير كالباني في ملكه.
وإذا رمى قشور البطيخ وشبهها من قمامات المنزل في الطريق فزلق به انسان
ضمن، ولو تعمد المار وضع الرجل عليه وأمكنه العدول فلا ضمان، وكذا لو رش
الطريق أو بل الطين فيه أو بالت دابته فيه سواء كان راكبها أو قائدها أو سائقها.
ولو أشعل نارا في ملكه فطارت شرارة أو سرت إلى ملك جاره فإن كان الهواء
ساكنا أو كان بينه وبين الجار حائل يمنع الريح ولم يتجاوز قدر الحاجة فلا ضمان،
وإن كان الهواء عاصفا ولا حائل أو أجج أكثر من قدر الحاجة مع غلبة الظن
بالتجاوز ضمن، ولو عصف الهواء بغتة بعد الإشعال فلا ضمان، ولو أشعلها في ملك
غيره ضمن الأنفس والأموال، ولو قصد إتلاف النفس فهو عمد.
ولو وضع صبيا في مسبعة فافترسه سبع ضمن، ولو اتبع إنسانا بسيفه فولى
هاربا فألقى نفسه في بئر أو رمى نفسه من سطح فإن ألجأه إلى ذلك ضمن وإلا فلا،
وكذا يضمن لو كان أعمى أو كان ليلا مظلما أو كانت البئر مغطاة، ولو عدا على
سقف فانخسف به ضمن، ولو تعرض له سبع فافترسه لم يضمن إلا أن يلجئه إلى
مضيق فيه سبع.
ولو نام في الطريق فتعثر به انسان فمات ضمن، ولو مات النائم فلا ضمان على
المتعثر إذا لم يعلم به، ولو نام في المسجد معتكفا فلا ضمان عليه وغيره إشكال.
590

ولو خوف الإمام من ارتكب محرما فمات فلا ضمان، ولو خوف حبلى
فأسقطت ضمن.
ويجب حفظ الدابة الصائلة كالبعير المغتلم والكلب العقور والهرة الضارية فإن
أهمل ضمن، ولو جهل حالها أو علم ولم يفرط فلا ضمان، ولو جنى على الصائلة
جان لم يضمن إن كان للدفع وإلا ضمن، ويضمن جناية الهرة المملوكة مع الضراوة
ويجوز قتلها.
ولو هجمت دابة على أخرى ضمن صاحب الداخلة جنايتها إن فرط ولا يضمن
صاحب المدخول عليها لو جنت على الداخلة، ولو دخل دار قوم بإذنهم فعقره كلبهم
ضمنوا وإن دخل بغير إذن فلا ضمان، ولو اختلفا في الإذن قدم قول منكره.
وراكب الدابة يضمن ما تجنيه بيديها ورأسها مباشرة لا تسبيبا كما لو أصاب
شئ من موقع السنابك عين انسان وأتلف ضوءها أو أتلفت برشاش ماء خاضته على
إشكال، ولو بالت الدابة أو راثت فزلق انسان فلا ضمان إلا مع الوقوف على
إشكال، ولو دخلت زرعه المحفوف بزرع الغير لم يكن له اخراجها إليه مع الإتلاف
بل يصبر ويضمن المالك مع التفريط ومع عدمه على إشكال، وكذا القائد.
ولو وقف بها أو ضربها أو ساقها قدامه ضمن جميع جنايتها، ولو ضربها غيره
فالضمان على الضارب، ولو أوقعت الراكب ضمن الضارب، ولو ألقته لم يضمن
المالك وإن كان معها إلا أن يكون بتنفيره، ولو ركبها اثنان تساويا في الضمان ما
تجنيه بيديها ورأسها ولا ضمان على الراكب إذا كان صاحب الدابة معها.
ولو أركب مملوكه الصغير دابة ضمن جنايته، ولو كان بالغا فالضمان في رقبته
إن كانت الجناية على نفس آدمي ولو كانت على مال تبع به بعد العتق.
الفصل الرابع: في الترجيح بين الأسباب:
إذا اجتمع المباشر والسبب ضمن المباشر كالدافع مع الحافر والممسك مع الذابح
وواضع الحجر في الكفة مع جاذب المنجنيق، ولو جهل المباشر حال السبب ضمن
591

السبب كمن غطى بئرا حفرها في غير ملكه فدفع غيره ثالثا ولم يعلم ضمن الحافر،
وكذا لو فر من مخوف فوقع في بئر لا يعلمها، ولو حفر في ملك نفسه وسترها ودعا
غيره فالأقرب الضمان لأن المباشرة يسقط أثرها مع الغرور.
ولو اجتمع سببان مختلفان قدم الأول منهما في الضمان فلو حفر بئرا في طريق
مسلوك ونصب آخر حجرا فتعثر به انسان فوقع في البئر فمات ضمن واقع الحجر، ولو
نصب سكينا في بئر محفورة فتردى انسان فمات بالسكين فالضمان على الحافر هذا
كله إذا تساويا في العدوان ولو اختص أحدهما به اختص بالضمان، أما لو سقط
الحجر بالسيل على طرف البئر ففي ضمان الحافر إشكال.
ولو حفر بئرا قريب العمق فعمقها غيره فالضمان على الأول أو يشتركان
إشكال، ولو تعثر بحجر في الطريق فالضمان على واضعه، ولو تعثر بقاعد فالضمان
على القاعد، ولو تعثر بواقف فضمان الواقف على الماشي لأن الوقوف من مرافق
المشي والماشي هدر ويحتمل مساواة القعود.
ولو تردى في بئر فسقط عليه آخر فضمانهما على الحافر، وهل لورثة الأول
الرجوع على عاقلة الثاني بنصف الدية حتى يرجعوا به على الحافر؟ إشكال.
ولو تزلق على طرف البئر فتعلق بآخر فجذبه وتعلق الآخر بثالث ووقع بعضهم
على بعض وماتوا فالأول مات من ثلاثة أسباب بصدمة البئر وثقل الثاني والثالث
فسقط ما قابل فعله وهو ثلث الدية ويبقى على الحافر ثلث وعلى الثاني ثلث فإنه
جذب الثالث، والثاني هلك بسببين هو منتسب إلى أحدهما فهدر نصفه ونصف ديته
على الأول لأنه جذبه، وأما الثالث فكل ديته على الثاني.
ولو جذب انسان آخر إلى بئر فوقع المجذوب فمات الجاذب بوقوعه عليه فالجاذب
هدر ويضمن المجذوب لو مات لاستقلاله بإتلافه، ولو ماتا فالأول هدر وعليه دية
الثاني في ماله.
ولو جذب الثاني ثالثا فماتوا بوقوع كل منهم على صاحبه فالأول مات بفعله
وفعل الثاني فيسقط نصف ديته ويضمن الثاني النصف، و الثاني مات بجذبه
592

الثالث عليه وجذب الأول فيضمن الأول النصف ولا ضمان على الثالث، و
للثالث الدية، فإن رجحنا المباشرة فديته على الثاني وإن شركنا بين القابض
والجاذب فالدية على الأول والثاني نصفان.
ولو جذب الثالث رابعا فمات بعض على بعض فللأول ثلثا الدية لأنه مات
بجذبه الثاني عليه وبجذب الثاني الثالث عليه وبجذب الثالث الرابع فيسقط ما
قابل فعله ويبقى الثلثان على الثاني والثالث ولا ضمان على الرابع وحفر الحافر سبب
والسبب لا يعتبر مع المباشرة وكذلك جذب الأول سبب في جذب الثالث والرابع
وجذب الثاني الثالث وجذب الثالث الرابع مباشرة فلا يعتبر معها السبب فصار
التلف حاصلا بفعل الأول والثاني والثالث، وللثاني ثلثا الدية أيضا لأنه مات
بجذب الأول وبجذبه الثالث وبجذب الثالث الرابع عليه فيسقط ما قابل فعله
ويجب الثلثان على الأول والثالث، وللثالث ثلثا الدية أيضا لأنه مات بجذبه
الرابع وبجذب الثاني والأول له، أما الرابع فليس عليه شئ وله الدية كاملة، فإن
رجحنا المباشرة فديته عليه وإن شركنا في الضمان فالدية أثلاثا بين الأول والثاني
والثالث.
ولو وقع الأول في البئر ثم وقع الثاني فوقه فمات الأول فالضمان على الثاني
ويحتمل النصف لأن الوقوع في البئر سبب الهلاك فالتلف حصل من الفعلين، فإن
كان الحافر متعديا ضمن النصف وإلا سقط.
ولو وقع فوقهما ثالث فماتوا كلهم فإن كان الأول قد نزل إليها فديته على
الثاني والثالث نصفين لأنه مات بوقوعهما عليه وإن كان قد وقع فيها فعلى الأول
الضمان عليهما وعلى الثاني عليهما ثلثا الضمان والثلث الآخر على الحافر إن كان
متعديا وهدر إن لم يكن، ودية الثاني على الثالث على الاحتمال الأول والنصف
على الثاني، والثالث حكمه حكم من وقع في البئر ابتداء.
ولو وقع الأول فجذب آخر ثم الثاني ثالثا والثالث رابعا والبئر متسعة ووقع
كل واحد في زاوية فدية الأول على الحافر مع العدوان وهدر لا معه، ودية الثاني
593

على الأول، ودية الثالث على الثاني، ودية الرابع على الثالث.
ولو وقع بعضهم على بعض فماتوا احتمل ما تقدم وأن يكون دية الأول أرباعا
ربعه على الحافر مع العدوان وهدر لا معه، وربعه هدر بجذبه الثاني على نفسه،
وربعه على الثاني بجذبه الثالث، وربعه على الثالث بجذبه الرابع.
وأما الثاني فديته أثلاث فثلث هدر بجذبه الثالث على نفسه، وثلثه على
الأول، وثلثه على الثالث بجذبه الرابع. وأما الثالث فنصف ديته هدر بجذبه
الرابع على نفسه، ونصفه على الثاني لأنه جره إلى البئر. وأما الرابع فكل ديته على
الثالث لأنه جره إلى البئر.
واحتمل أن دية الأول كلها هدر لأنه جذب الثاني وهو مباشرة وهو السبب في
جذب الثالث والرابع وحفر الحافر سبب والسبب لا يتعلق به الضمان مع المباشرة
فكأنه أتلف نفسه بجذبه الثاني وما تولد منه، ودية الثاني نصفها هدر ونصفها على
الأول لأنه مات بسبب جذبه الثالث على نفسه وجذب الأول له، ودية الثالث
كذلك لأنه مات بجذبه الرابع وجذب الثاني له، ودية الرابع على الثالث لأنه هلك
بسبب فعله.
وروى محمد بن قيس عن الباقر ع قال: قضى أمير المؤمنين
ع في أربعة وقع واحد منهم في زبية الأسد فتعلق بثان وتعلق الثاني بثالث
والثالث تعلق برابع فافترسهم الأسد: أن الأول فريسة الأسد وغرم أهله ثلث الدية
للثاني وغرم الثاني لأهل الثالث ثلثي الدية وغرم الثالث لأهل الرابع الدية
كاملة، وهي مشهورة.
وروى مسمع عن الصادق ع أن عليا ع قضى: للأول ربع الدية وللثاني ثلث
الدية و للثالث نصف الدية وللرابع الدية كاملة، وجعل ذلك على
عاقلة الذين ازدحموا وكان ذلك في حياة النبي ص وأمضاه،
ووجهه أن نفرض حفر الزبية تعديا واستناد الافتراس إلى الازدحام المانع من
التخلص فحينئذ الأول مات بسبب الوقوع في البئر ووقوع الثاني فوقه إلا نتيجة فعله
594

فلم يتعلق به ضمان وهي ثلاثة أرباع السبب فيبقي الربع على الحافر، وموت الثاني
بسبب جذب الأول وهو ثلث السبب ووقوع الاثنين فوقه وهو ثلثاه ووقوعهما فوقه
من فعله فوجب ثلث الدية، وموت الثالث من جذب الثاني وهو نصف السبب
ووقوع الرابع عليه وهو فعله فوجب نصف الدية، والرابع له كمال الدية لأن سبب
هلاكه جذب الثالث له،
ويحمل قوله وجعل ذلك على جعل الثلث على عاقلة الأول والنصف على عاقلة
الثاني والجميع على عاقلة الثالث وأما الرابع فعلى الحافر، ويمكن أن يقال: على
الأول الدية للثاني لاستقلاله بإتلافه وعلى الثاني دية الثالث وعلى الثالث دية
الرابع، ولو شركنا بين مباشر الإمساك والمشارك في الجذب فعلى الأول دية ونصف
وثلث وعلى الثاني نصف وثلث وعلى الثالث ثلث دية لا غير.
الفصل الخامس: فيما يوجب التشريك:
إذا اصطدم حران فماتا فلورثة كل منهما نصف ديته ويسقط النصف لأن كل
واحد مستند إلى فعله وفعل صاحبه سواء كانا فارسين أو راجلين أو أحدهما فارسا
والآخر راجلا، وعلى كل منهما نصف قيمة فرس الآخر إن تلفت بالتصادم
ويتقاصان في الدية والقيمة فيرجع صاحب الفضل، ولو قصد القتل فهو عمد،
ولو غلبتهما الدابتان احتمل إهدار الهالك إحالة على الدواب، واحتمل الإحالة
على ركوبهما فإن كانا صبيين أركبهما أجنبي متعد فحوالة الجميع عليه وإن
أركبهما الولي فلا حوالة عليه وديتهما على عاقلتهما، ولو ركبا بأنفسهما فنصف
دية كل واحد من الصبيين على عاقلة الآخر،
ولو كانا عبدين بالغين سقطت جنايتهما لأن نصف كل واحد منهما هدر
والذي على صاحبه فات بفوات محله، ولو كان أحدهما عبدا فلا شئ لمولاه، ولو
مات أحد المتصادمين فعلى الثاني نصف ديته.
ولو تصادم حاملان فعلى كل واحدة نصف دية الأخرى ونصف دية جنينها
595

ونصف دية جنين الأخرى.
ولو صدم إنسانا فمات فديته في مال الصادم، ولو مات الصادم فهدر إن كان
المصدوم في ملكه أو مباح أو طريق واسع، ولو كان في طريق ضيق والمصدوم واقف
قيل: يضمن المصدوم لأنه فرط بوقوفه. ولو قصد الصدم فدمه هدر وعليه دية
المصدوم.
ولو اصطدمت سفينتان فهلك ما فيها من المال والنفس فإن كانا مالكين وقصدا
التصادم وعلما التلف معه غالبا فعلى كل منهما القصاص لورثة كل قتيل، وعلى
كل واحد منهما نصف قيمة سفينة صاحبه ونصف ما فيها من المال،
وإن لم يقصدا لكن فرطا أو قصدا ولم يعلما أنه يؤدى إلى التلف أو تعذر
عليهما الضبط لخلل في الآلات وقلة الرجال فالحكم ما تقدم إلا في القصاص،
ويجب عليهما الدية عوضه لكل واحد دية كاملة عليهما،
ولو لم يكونا مالكين ضمن كل منهما نصف السفينتين وما فيهما، ولو لم
يفرطا بأن غلبتهما الرياح فلا ضمان، ولو اختلف حالهما بأن كان أحدهما عامدا أو
مفرطا بخلاف الآخر لم يتغير حكم كل منهما باختلاف حال صاحبه.
ولو وقعت سفينة على أخرى واقفة أو سائرة لم يضمن صاحب الأخرى وضمن
صاحب الواقفة مع التفريط.
ولو اصطدم الحمالان فأتلفا أو أتلف أحدهما فعلى كل منهما نصف قيمة ما
تلف من صاحبه.
ولو أصلح سفينة وهي سائرة أو أبدل لوحا فغرقت بفعله مثل أن سمر مسمارا
فقلع لوحا أو أراد سد فرجة فانهتكت فهو ضامن في ماله ما يتلف من مال أو نفس
لأنه شبيه عمد.
ولو تجاذبا حبلا وتساويا في اليد - بأن كان ملكهما أو غصباه - فانقطع فوقعا
فماتا فعلى كل واحد نصف دية صاحبه، ولو كان أحدهما مالكا والآخر غاصبا
فالغاصب هدر وعليه ضمان المالك، ولو قطعه ثالث ضمنهما مطلقا.
596

ولو رمى جماعة بالمنجنيق فقتل الحجر أجنبيا فإن قصدوا فهو عمد ويجب به
القصاص وإلا فهو خطأ والضمان يتعلق بجاذب الحبال لا بصاحب المنجنيق ولا
بواضع الحجر في المقلاع ولا بممسك الخشب ولا بمن يساعد بغير المد، ولو عاد الحجر
عليهم فقتل واحد منهم فهو شريك في قتل نفسه فإن كانوا ثلاثة فعلى كل واحد ثلث
الدية ويسقط ما قابل فعله، ولو هلكوا أجمع فعلى عاقلة كل واحد نصف دية الباقين.
وقيل: لو اشترك ثلاثة في هدم حائط فوقع على أحدهم فمات ضمن الباقيان
ديته لأن كل واحد منهم ضامن لصاحبه، والأقرب أن عليهما ثلثي ديته.
ولو أشرفت سفينة على الغرق فقال الخائف على نفسه أو غيره: ألق متاعك في
البحر وعلى ضمانه، ضمن دفعا للخوف. ولو لم يقل: وعلى ضمانه، بل قال
ألق متاعك لتسلم السفينة، فألقاه فلا ضمان. ولو لم يكن خوف فقال: ألقه وعلى ضمانه،
فالأقرب عدم الضمان وكذا لا ضمان لو قال: مزق ثوبك وعلى ضمانه،
ولو قال حالة الخوف: ألق متاعك وعلى ضمانه مع ركبان السفينة، فامتنعوا فإن قال:
أردت التساوي، قبل ولزمه بحصته وأما الركبان فإن رضوا ضمنوا وإلا فلا. فإن قال: قد
أذنوا لي، فأنكروا بعد الإلقاء حلفوا وضمن هو الجميع،
ولو قال حالة الخوف: ألقه وعلى ضمانه، وكان المالك أيضا خائفا فالأقرب أن على
الضامن الجميع. ولو كان المحتاج إلى الإلقاء هو المالك فألقاه بضمان غيره فالأقرب أنه لا يحل
له الأخذ،
ولو جرح مرتدا فأسلم فعاد الجارح مع ثلاثة فجرحوه فالجناة أربعة وعلى كل واحد ربع
الدية والجاني في الحالتين لزمه الربع بجراحتين إحديهما هدر فتعود حصته إلى الثمن،
ويحتمل التوزيع على الجراحات فيقال: إنها خمس، فيسقط الخمس ويبقى على كل واحد من
الأربعة خمس الدية.
ولو قطع يد العبد الجاني فجنى بعده ثم مات فأرش اليد يختص به المجني عليه
أولا والباقي يشاركه فيه المجني عليه ثانيا لأنه مات بعد الجنايتين وقطع بعد إحدى
الجنايتين.
597

وقضى أمير المؤمنين ع في جارية ركبت أخرى فنخستها ثالثة فقمصت
المركوبة فصرعت الراكبة: أن دية الراكبة نصفان بين الناخسة والمنخوسة، ففي
الرواية ضعف السند، وقيل: يسقط الثلث لركوبها عبثا ويجب الثلثان على
الناخسة والقامصة، وقيل: إن ألجأت الناخسة القامصة فالدية على الناخسة وإلا
فعلى القامصة.
وروى محمد بن قيس عن الباقر ع أن عليا ع قضى في أربعة
شربوا المسكر فجرح اثنان وقتل اثنان: أن دية المقتولين على المجروحين بعد أن ترفع
جراحة المجروحين من الدية، وروى السكوني عن الصادق ع: أنه جعل
دية المقتولين على قبائل الأربعة وأخذ دية جراحة الباقيين من دية المقتولين.
وروى محمد بن قيس عن الباقر ع والسكوني عن الصادق ع عن علي
ع أنه قضى في ستة غلمان كانوا في الفرات فغرق واحد
فشهد اثنان على الثلاثة أنهم غرقوه وشهد الثلاثة على الاثنين فقضى بالدية: ثلاثة
أخماس على الاثنين وخمسين على الثلاثة.
الباب الثاني: في الواجب:
وفيه مقاصد:
الأول في دية النفس:
وفيه فصلان:
الأول: في دية الحر المسلم:
وتجب الدية في قتل النفس خطأ وشبيه عمد، ولا تجب في العمد إلا القصاص
نعم يثبت المال صلحا إذا تراضيا.
ودية العمد مائة من مسان الإبل أو مائتا بقرة أو مائتا حلة كل حلة ثوبان من
برود اليمن هي أربعمائة ثوب أو ألف دينار أو عشرة آلاف درهم أو ألف شاة،
وتستأدى في سنة واحدة من مال الجاني مع التراضي بالدية.
598

ولو كان له إبل تخير في بذل إبله وشراء غيرها من البلد وغيره أدون أو أعلى مع
السلامة والاتصاف بالمشترط، والأقرب أنه لا يجب قبول القيمة السوقية مع وجود
الإبل، وكل واحد من هذه الأصناف أصل في نفسه ليس بدلا عن غيره ولا
مشروطا بعدم غيره فالخيار إلى الجاني في بذل أيها شاء، وهل له التلفيق من جنسين
فما زاد؟ إشكال.
ودية شبيه العمد ما تقدم من الأصناف وكذا دية الخطأ إلا في شئ واحد وهو
أن دية العمد مغلظة وهاتان مخففتان، والتخفيف بشيئين:
أحدهما: السن في الإبل خاصة: فدية شبيه العمد مائة ثلاث وثلاثون منها
حقة وثلاث وثلاثون بنت لبون وأربع وثلاثون ثنية طروقة الفحل، وروي: ثلاثون
بنت لبون وثلاثون حقة وأربعون خلفة - وهي الحامل - وهي في مال الجاني
كالعمد. ودية الخطأ المحض عشرون بنت مخاض وعشرون ابن لبون ذكر وثلاثون
بنت لبون وثلاثون حقة، وروي: خمس وعشرون بنت مخاض وخمس وعشرون بنت
لبون وخمس وعشرون حقة وخمس وعشرون جذعة، وهي على العاقلة لا يضمن القاتل
منها شيئا.
الثاني: الزمان: فدية الشبيه تستأدى في سنتين ودية الخطأ في ثلاث سنين
سواء كانت الدية تامة أو ناقصة أو دية طرف، ولو اختلف في الحوامل فالمرجع إلى
أهل الخبرة، فإن ظهر الغلط استدرك، فإن أزلقت قبل التسلم أبدل ولو كان بعد
الإحضار، ولا يلزم بعد القبض ولا تغليظ في الأسنان غير الإبل.
ولو قتل في الشهر الحرام أو في حرم مكة ألزم دية وثلثا من أي الأجناس كان
تغليظا والزائد للمقتول، ولا تغليظ في الطرف.
ولو رمى في الحل إلى الحرم فقتل فيه غلظ وفي العكس إشكال، ولو قتل والتجأ
إلى الحرم ضيق عليه فيه إلى أن يخرج فيقاد منه ولا يقتص منه فيه، فإن جنى في
الحرم اقتص منه لانتهاكه حرمة الحرم، قيل: وكذا في مشاهد الأئمة
ع، ولا فرق بين أن يكون المقتول كبيرا أو صغيرا عاقلا أو مجنونا سليم
599

الأعضاء أو مفقودها.
وولد الزنى إذا أظهر الاسلام مسلم على رأي، وجميع فرق الاسلام متساوية ما
لم يجحدوا ما هو معلوم الثبوت من دين النبي ص.
الفصل الثاني: في دية من عداه:
أما دية المرأة المسلمة الحرة فنصف دية الحر المسلم سواء كانت صغيرة أو كبيرة
عاقلة أو مجنونة سليمة الأعضاء أو غير سليمتها من جميع أجناس الدية في الأحوال
الثلاث، وكذا الجراحات والأطراف على النصف ما لم تقصر عن ثلث الدية فإن
قصرت الجناية جراحة أو طرفا عن الثلث تساويا قصاصا ودية.
وأما الذمي الحر فديته ثمانمائة درهم سواء كان يهوديا أو نصرانيا أو مجوسيا،
ولا دية لغير هؤلاء الأصناف سواء كانوا ذوي عهد أو لا وسواء بلغتهم الدعوة أو لا،
ودية المرأة الحرة منهم أربعمائة درهم، وروي: أن دية الذمي كدية المسلم،
وروي: أربعة آلاف درهم، وحملا على المعتاد لقتلهم.
وأما العبد فديته قيمته ما لم يتجاوز دية الحر فترد إليها وهي في مال الجاني إن
كان القتل عمدا أو شبهه وعلى العاقلة إن كانت خطأ، ودية أعضائه وجراحاته
بنسبة قيمته على قياس الحر فما في الحر كمال الدية في العبد كمال القيمة إلا أنه
ليس للمولى المطالبة بذلك إلا أن يدفعه إلى الجاني وليس له الإمساك والمطالبة
بالقيمة ولا ببعضها على إشكال، وما فيه من الحر نصف الدية في العبد نصف
القيمة، وكذا باقي الأعضاء وكذا في الجراحات.
وكل ما فيه مقدر في الحر ففي العبد كذلك من قيمته وكل ما لا تقدير فيه في
الحر ففيه الأرش، فيفرض الحر عبدا سليما من الجناية وينظر قيمته حينئذ ويفرض
عبدا فيه تلك الجناية وينظر قيمته وينسب إحدى الحالتين إلى الأخرى فيؤخذ من
الدية بتلك النسبة، فهنا العبد أصل للحر كما كان الحر أصلا له في المقدر، ولو
جنى على العبد بدون القيمة لم يكن لمولاه دفعه والمطالبة بالقيمة بل يمسكه ويطالب
600

بدية الفائت أو أرشه إن لم يكن مقدرا في الحر.
ودية الأمة قيمتها ما لم تتجاوز دية الحرة فترد إليها.
ولو كان العبد ذميا أو الأمة كذلك للمسلم فهما كالمسلمين في أن ديتهما
قيمتهما ما لم تتجاوز دية الحر المسلم أو الحرة المسلمة.
ولو كان العبد لامرأة أو الأمة لذكر فالاعتبار في العبد بالذكر وفي الأنثى
بالمرأة، وفي المسلم عبد الذمي أو المسلمة جارية الذمي إشكال.
وإذا جنى العبد على الحر خطأ لم يضمنه مولاه بل يدفعه أو يفديه وله الخيار في
أيهما شاء لا إلى المجني عليه ولا إلى وليه وفي قدر الفدية قولان، ولو كانت الجناية
غير مستوعبة لقيمته تخير المولى بين الفداء وبين تسليم ما قابل الجناية ليسترق أو يباع
ويبقى شريكا.
والقن والمدبر سواء وكذا الذكر والأنثى وكذا أم الولد على الأقوى.
المقصد الثاني: في دية الأطراف:
كل ما في الانسان منه واحد ففيه الدية، وكل ما فيه اثنان ففيهما الدية وفي
كل واحد النصف، وما فيه أربعة ففيه الدية كالأجفان، وما فيه عشرة كالأصابع
ففيه الدية وفي كل واحد العشر، وكل ما لا تقدير فيه يجب فيه الأرش والتقدير في
ثمانية عشر: فهنا مطالب:
الأول: في الشعر:
وفي شعر الرأس الدية إن لم ينبت، فإن نبت فالأرش إن كان المجني عليه
ذكرا وإن كان أنثى فمهر نسائها.
وفي شعر اللحية الدية إن لم ينبت، فإن نبت فالأرش، وقيل: ثلث الدية، وفي
الأبعاض بالنسبة إلى الجميع بالمساحة، وقيل: في شعر رأس الرجل إذا لم ينبت
مائة دينار.
601

وفي الحاجبين خمسمائة دينار، وفي كل واحد نصف ذلك ربع الدية، وفي
البعض بالحساب.
وفي الأهداب الدية على رأي، فإن قطعت الأجفان بالأهداب فديتان، ولو قيل
بالأرش حالة الانفراد وبالسقوط حالة الاجتماع أمكن.
ولا تقدير في غير ذلك من أصناف الشعر كالنابت على الساعدين أو الساقين أو
غير ذلك بل يثبت فيه الأرش إن قلع منفردا ولا شئ مع الانضمام إلى العضو أو
الجلد.
ولو كانت اللحية للمرأة فالواجب الأرش إن نقصت بها القيمة لو كانت أمة،
ولو كانت للأمة فزادت قيمتها فالأقرب التعزير خاصة وكذا، لو حلق شعر العانة
منها أو من الحرة أو قلعهما بحيث لا ينبت فزادت القيمة فلا شئ ولا في الحرة.
المطلب الثاني: في دية العين:
وفي كل عين بصيرة نصف الدية ويستوي الصحيحة والعمشاء والحولاء
والجاحظة، وفي العينين كمال الدية والأخفش والأعشى والرمد والأجهر والأعمش
كالصحيح، أما من على عينيه بياض فإن كان البصر باقيا فالدية وإلا أسقط
الحاكم بحسب ما يراه.
وفي عين الأعور الصحيحة الدية كاملة إن كان العور خلقة أو تجدد بآفة من الله
تعالى، ولو كانت بجناية جان استحق أرشه وإن لم يأخذه أو ذهب في قصاص
فالنصف، وفي خسف العوراء ثلث دية الصحيحة، وروي: الربع، سواء كانت
بخلقة أو جناية.
وفي الأجفان الدية وفي كل جفن الربع، وقيل: في الأعلى ثلثا الدية وفي الأسفل
الثلث، وقيل: في الأعلى الثلث وفي الأسفل النصف، ولو لم يكن عليها أهداب
فكذلك.
وفي أجفان الأعمى الدية وكذا أجفان الأعمش، أما الأجفان المستحشفة
602

فالحكومة لأنها لا تكن العين ولا تغطيها، ولو قلع العين مع الأجفان فديتان، ولو
قطع بعض الجفن فعليه بحساب ديته.
المطلب الثالث: الأنف:
وفي الأنف الدية كاملة وكذا في مارنه - وهو ما لأن منه - وفي بعضه بحسابه
من المارن، ولو قطع المارن وبعض القصبة فالدية، ولو قطع المارن ثم القصبة
فالأقرب ثبوت الدية في المارن والحكومة في القصبة.
والروثة - هي الحاجز بين المنخرين - وفيها نصف الدية على رأي، وقيل:
الثلث، وقيل: الروثة هي مجمع المارن.
وفي أحد المنخرين نصف الدية، وقيل: الثلث، وهو الأقرب فتقسط الدية على
الحاجز والمنخرين أثلاثا.
ولو قطع مع المارن لحما تحته متصلا بالشفتين فعليه مع الدية زيادة الحكومة، ولو
كسر الأنف ففسد فالدية ولو جبر على غير عيب فمائة دينار، ولو نفذت فيه نافذة لا
تنسد فثلث الدية فانجبرت وصلحت فخمس الدية، ولو كانت في أحد المنخرين إلى
الحاجز فعشر الدية.
وفي شلله ثلثا ديته فإن قطع بعد الشلل فعليه الثلث، ولو قطع أحد المنخرين
والحاجز فثلثا الدية وفي أحدهما مع نصف الحاجز أو بالعكس نصف الدية بناء على
انقسام الدية أثلاثا، وفي قطع بعض المنخر جزء من الثلث بنسبة المقطوع إلى الجميع
وكذا في بعض الحاجز.
ولو ضربه فعوجه أو تغير لونه فالحكومة فإن قطعه آخر فالدية، ولو قطعه إلا جلدة
وبقي معلقا بها فإن احتيج إلى الإبانة فعليه الدية لأنه قطع الأنف بعضه بالمباشرة
وبعضه بالتسبيب، ولو أبانه فرده فالتحم احتمل الحكومة والدية، ولو لم يبنه ورده
فالتحم فالحكومة.
603

المطلب الرابع: الأذن:
وفي كل واحدة نصف الدية وفيهما أجمع الدية كاملة وفي بعضها بحساب ديتها
يعتبر بالمساحة، فإن كان المقطوع نصفها وجب النصف وإن كان الثلث فالثلث
وهكذا.
وفي شحمة الأذن ثلث دية الأذن وفي خرمها ثلث ديتها، وأذن الأصم
كالصحيح.
ولو ضربها فاستحشفت - وهو كشلل العضو - فثلثا ديتها فإن قطعها قاطع
بعد الشلل فثلث الدية، ولو قطع الأذن فأوضح العظم وجب عليه مع دية الأذن دية
الموضحة.
المطلب الخامس: الشفتان:
يجب في الشفتين الدية إجماعا، واختلف في التقسيط فقيل: في العليا الثلث
وفي السفلى الثلثان، لأن فيها مع الجمال زيادة المنفعة بإمساك الطعام والشراب.
وقيل: في العليا خمسا الدية وفي السفلى ثلاثة أخماسها. وقيل: في العليا النصف وفي
السفلى الثلثان، وفيه زيادة لم يثبت. وقيل: بالسوية، وهو حسن.
وحد الشفة السفلى عرضا ما تجافى عن اللثة مع طول الفم، والعليا ما تجافى عن
اللثة متصلا بالمنخرين والحاجز مع طول الفم وليس حاشية الشدقين منهما
وفي قطع بعض الشفة بنسبتها مساحة ففي النصف نصف ديتها وفي ثلثها ثلث
ديتها وهكذا طولا وعرضا، فلو قطع نصفها طولا وربعها عرضا فعليه ثلاثة أثمان
ديتها، ولو تقلصت قيل: الدية، ويحتمل الحكومة. ولو استرختا فثلثا الدية، ولو
قطعت بعد الشلل فثلث الدية.
ولو شق الشفتين حتى بدت الأسنان فعليه ثلث الدية فإن برئت فخمس الدية،
وفي إحديهما ثلث ديتها إن لم تبرأ وإن برئت فخمس ديتها.
604

المطلب السادس: اللسان:
ويجب في لسان الصحيح مع الاستئصال الدية، وفي استئصال لسان الأخرس
ثلث الدية.
ولو قطع بعض لسان الصحيح اعتبر بحروف المعجم وهي ثمانية وعشرون حرفا
وتبسط الدية عليها أجمع بالسوية ويستوي اللسنية وغيرها ثقيلها وخفيفها، فإن
ذهبت أجمع فالدية كاملة وإن ذهب بعضها وجب نصيب الذاهب.
فلو قطع نصف لسانه فذهب ربع الحروف فربع الدية، ولو كان بالعكس
فنصف الدية والأقرب اعتبار الأكثر مع الاختلاف، فلو قطع النصف فذهب ربع
الحروف فنصف الدية، ولو قطع الربع فذهب نصف الحروف فالنصف أيضا، ولو
صار سريع النطق أو ازداد سرعة أو ثقلا أو صار ينقل الفاسد إلى الصحيح
فالحكومة.
ولو أذهب بعض كلامه فجنى آخر اعتبر بما بقي وأخذ بنسبة ما ذهب بعد جناية
الأول، فلو أذهب الأول نصف الحروف ثم الثاني نصف الباقي وجب عليه الربع
وهكذا، ولو أعدم الأول كلامه ثم قطعه آخر كان على الأول الدية وعلى الثاني
الثلث.
ولو قطع لسان طفل كان فيه الدية إذ الأصل السلامة، فإن بلغ حدا ينطق مثله
ولم ينطق فالثلث لظن الآفة، فإن نطق بعد ذلك ظهرت صحته فيعتبر حينئذ
بالحروف فيؤخذ من الجاني ما نقص فإن كان بقدر المأخوذ أولا وإلا أتم له، ولو
نقص استعيد منه، ولو لم يذهب شئ من الحروف فالحكومة، ولو ادعى الصحيح
ذهاب نطقه عند الجناية صدق مع القسامة لتعذر البينة وحصول الظن المستند إلى
السبب بصدقه، وروي: ضرب لسانه بإبرة فإن خرج الدم أسود صدق وإن خرج
أحمر كذب.
ولو ذهب الكلام بقطع البعض ثم عاد قيل: يستعاد لأنه لو ذهب لما عاد،
وقيل: لا، والأقرب الاستعادة إن علم أن الذهاب أولا ليس بدائم وإلا فلا. أما
605

سن المتغر إذا عادت فإن الدية لا تستعاد لأن المتجددة غير الساقطة، ولو اتفق أنه
بعد قطع لسانه أنبته الله تعالى لم تستعد الدية لأنه هبة من الله تعالى.
ولو كان للسانه طرفان فأذهب أحدهما فإن بقي النطق بكماله فالذاهب زائد
وفيه الحكومة وإلا كان أصليا واعتبر بالحروف.
ولو تعذر بعض الحروف بقطع بعض اللسان ولم يبق له كلام مفهوم لم يلزمه إلا
قدر ما يخص الحروف الفائتة لأن باقي الحروف وإن تعطلت منفعتها لم تفت.
ولو صار يبدل حرفا بحرف لزمه ما يخص الحرف الفائت من الدية لأن الحرف
الذي صار عوضه كان موجودا، فلو أذهب آخر الحرف الذي صار بدلا لم يلزمه إلا
ما يخص الحرف الواحد لاعتبار كونه أصليا ولا يثبت له بسبب قيامه مقام غيره
زيادة.
ولو كان في لسانه خلل وما كان يمكنه النطق بجميع الحروف إلا أنه كان له
مع ذلك كلام مفهوم فضرب لسانه فذهب نطقه فعليه دية إلا حكومة.
ولو ضرب شفته فأزال الحروف الشفوية أو ضرب رقبته فأزال الحروف الحلقية
فالحكومة.
ولو قطع نصف اللسان فأزال ربع الكلام فعليه نصف الدية على ما اخترناه وعلى
قول أصحابنا: الربع، فلو قطع آخر الباقي وجب على قول أصحابنا: ثلاثة أرباع
الدية، وعلى ما اخترناه كذلك اعتبارا بالمنفعة على القولين. ولو كان بالعكس فعلى
الأول نصف الدية وعلى الثاني ثلاثة أرباع الدية، ولو قطع بعض لسان الأخرس
اعتبر بالمساحة وأخذ بالنسبة من الثلث.
المطلب السابع: الأسنان:
وفي الأسنان أجمع الدية وهي مقسومة على ثمانية وعشرين سنا: اثنا عشر في
مقاديم الفم ثنيتان ورباعيتان ونابان ومثلها من أسفل، وستة عشر في مآخيره وهي
في كل جانب ضاحك وثلاثة أضراس ومثلها من أسفل.
606

ففي كل واحدة من المقاديم خمسون دينارا الجميع ستمائة دينار وفي كل واحدة
من المآخير خمسة و عشرون دينارا الجميع أربعمائة دينار، فإن زاد عددها على ما
ذكرناه كان في الزائد ثلث دية الأصلي إن قلع منفردا وإن قلع منضما فلا شئ
فيه، وقيل: فيها حكومة لو قلعت منفردة. ولو نقص عددها نقص من الدية بإزائه.
ولا فرق بين البياض والسواد خلقة أو الصفراء بأن كانت قبل أن يتغر سوداء ثم
نبتت كذلك، أما لو كانت بيضاء قبل أن يتغر ثم نبتت سوداء رجع إلى العارفين
فإن أسندوا السواد إلى علة فالحكومة وإلا فالدية، ولو اسودت بالجناية ولم تسقط
ففيها ثلثا ديتها وكذا لو انصدعت ولم تسقط، ولو قلعها آخر سوداء ففيها الثلث.
والدية تثبت في الظاهر مع السنخ وهو النابت منها في اللثة، ولو كسر الظاهر
أجمع وبقي السنخ فالدية أيضا، ولو قلع آخر السنخ فعليه حكومة.
ولو قلع سن الصغير غير المتغر انتظر به سنة، فإن نبت فالأرش وإن لم ينبت
فدية المتغر كاملة، وقيل: فيها بعير مطلقا. فلو أثبت عوضها عظما فنبت فقلعه آخر
فالأرش، ولو أثبت المقلوعة فنبت كما كانت فقلعها آخر فدية كاملة.
ولو كانت السن طويلة لم يزد بدلها بسبب الطول، ولو كان بعضها أقصر وينتفع
بها كالطويلة فدية وإلا الحكومة، ولو اضطربت لكبر أو مرض ففي الكمال
إشكال، ولو ذهب بعضها لعلة أو لتطاول المدة ففيها بعض الدية، ولو كسر طرفا
من سنه لزمه بقدره من الدية ويقسط على الظاهر حتى إن كان المكسور نصف
الظاهر وجب نصف دية السن.
ولو انكشفت اللثة عن السنخ فظهر فقال الجاني: المكسور ربع الظاهر، وقال
المجني عليه: نصفه، قدم قول الجاني.
ولو كسر بعض السن وقلع آخر الباقي مع السنخ فإن كان الأول قد كسر
عرضا وبقي أصلها صحيحا مع السنخ فالسنخ تبع، ولو كسر بعضها طولا فعلى
الثاني دية الباقي من السن ويتبعه ما تحته من السنخ وعليه حكومة السنخ الذي
كسره الأول، فإن قال المجني عليه: الفائت بجناية الأول الربع، وقال الثاني:
607

بل النصف، قدم قول المجني عليه لأصالة السلامة.
وفي اللحيين الدية وفي كل واحدة النصف، وهما العظمان اللذان يقال
لملتقاهما: الذقن، ويتصل طرف كل واحد منهما بالأذن من جانبي الوجه وعليهما
نبات الأسنان السفلى لو قلعا مفردين عن الأسنان كلحيي الطفل والشيخ الذي
تساقطت أسنانه، ولو قلعا مع الأسنان فديتان، وفي نقص المضغ بالجناية عليهما أو
تصلبهما الحكومة.
المطلب الثامن: اليدان:
وفيهما الدية كاملة وفي كل واحدة نصف الدية، وكذا في الرجلين الدية كاملة
وفي كل واحدة النصف ويتساوى اليمنى واليسرى فيهما، وحد اليد المعصم
والرجل مفصل الساق، فإن قطعت مع الأصابع فدية كاملة.
ولو قطعت الأصابع منفردة فدية يد كاملة أو رجل للأصابع، ولو قطع الأصابع
وقطع آخر الكف فعلى الأول نصف الدية خمسمائة دينار عن الأصابع وعلى الثاني
حكومة في الكف، ولو قطع اليد ومعها شئ من الزند ففي اليد نصف الدية وفي
الزائد حكومة وإن قطعت من المرفق أو المنكب فالنصف.
ولو كان له كفان على زند فقطعتا فدية وحكومة، ولو قطع أحدهما فإن كان
أصليا فدية وإن كان زائدا فحكومة، وتتميز الأصلية بانفرادها بالبطش أو كونها
أشد بطشا فإن تساويا فإحديهما أصلية قطعا فيثبت مع الاشتباه الحكومة، وقيل:
في الزائدة ثلث دية اليد الأصلية.
وفي الذراعين الدية وكذا في العضدين وفي كل واحد النصف ويحتمل الحكومة.
وفي قطع كف لا إصبع عليه الحكومة ويجوز أن يزاد بها على دية إصبع وأكثر ولا
يجوز أن يبلغ بها دية الأصابع أجمع، ولو كان عليها إصبع واحدة فمنبت تلك الإصبع
تابع لها في الضمان وفي الباقي أربعة أخماس حكومة الكف.
ولو قطع رجل الأعرج فإن كانت سليمة والخلل في الساق أو الفخذ وجب
608

كمال دية الرجل، وإن كان في القدم فإن كانت الأصابع سليمة وجب أيضا الدية
وإن كان في الأصابع خلل فالحكومة، وكذا يد الأعسم.
وفي أصابع اليدين الدية وكذا في أصابع الرجلين، وفي كل واحدة عشر الدية،
وقيل: في الإبهام ثلث دية اليد وفي الأربع الباقية الثلثان، وتقسم دية كل إصبع
على ثلاث أنامل بالسوية إلا الإبهام فإن ديتها تقسم على أنملتين بالسوية، والكرسوع
من جملة الكف لا من جملة الإبهام.
ولو قطعت الأصابع مع الكف من الكوع فدية واحدة ويدخل الكف تبعا، وفي
الإصبع الزائدة ثلث دية الأصلية، وفي شلل كل واحد ثلثا ديتها، وفي قطعها بعد
الشلل الثلث، وكذا لو كان الشلل خلقة، وكذا كل عضو أشل فيه ثلث الدية،
وكل عضو شله الجاني وكان صحيحا ففيه ثلثا ديته.
وفي الظفر إذا لم ينبت أو نبت أسود عشرة دنانير، فإن نبت أبيض فخمسة،
وروي: في الظفر خمسة دنانير.
المطلب التاسع: الظهر:
وفي الظهر إذا كسر الدية كاملة وكذا لو أصيب فاحدودب أو ارتفعت قدرته على
القعود، فإن صلح فثلث الدية، وروي: أنه إذا كسر فجبر على غير عيب فمائة دينار
وإن عثم فألف. ولو شلت الرجلان بكسره فدية للصلب وثلثا دية للرجلين، ولو
ذهب مشيه وجماعه بكسره فديتان.
وفي العنق إذا كسر فاضور الانسان الدية وكذا لو امتنع من الازدراد، فإن صلح
فالأرش.
وفي النخاع إذا قطع الدية كاملة.
وفي الثديين من المرأة ديتها وفي كل واحد نصف الدية، ولو انقطع لبنهما مع
بقائهما فالحكومة وكذا لو تعذر نزوله، ولو قطع معهما شيئا من جلد الصدر فالدية
وحكومة، فإن أجاف الصدر فدية للثديين وحكومة عن الجلد ودية الجائفة.
609

وفي حلمتي ثدي المرأة الدية على إشكال، وكذا قيل في حلمتي الرجل، وقيل:
فيهما ربع الدية وفي كل واحدة الثمن مائة وخمسة وعشرون دينارا.
وإذا كسر بعصوصه فلم يملك غائطه كان عليه الدية، وكذا إذا كسر عجانه فلم
يملك بوله ولا غائطه.
وفي كل ترقوة من الترقوتين أربعون دينارا إذا كسرت فجبرت على غير عثم.
ولو داس بطنه حتى أحدث فعل به ذلك أو يفتدي نفسه بثلث الدية، ولو قيل
بالحكومة كان وجها.
فائدة: في كسر عظم من عضو خمس دية ذلك العضو، وفي موضحته ربع دية
كسره، وفي رضه ثلث دية ذلك العضو فإن برأ على غير عيب فأربعة أخماس دية
رضه، وفي فكه من العضو بحيث يتعطل العضو ثلثا دية العضو فإن صلح على غير
عيب فأربعة أخماس دية فكه.
أما الضلع فإذا كسر كل ضلع يخالط القلب كان فيه خمسة وعشرون دينارا، وما
يلي العضدين لكل ضلع إذا كسرت عشرة دنانير.
المطلب العاشر: الذكر:
وفيه الدية، وتثبت في الحشفة فما زاد وإن استؤصل سواء الشاب والشيخ
والصبي والرضيع والخصي وغيره، فإن قطع بعض الحشفة نسب المقطوع إلى الحشفة
خاصة فإن كان المقطوع نصفها فنصف الدية وإن كان ثلثا فالثلث وعلى هذا إذا لم
يتخرم مجرى البول، فإن اختل المجرى احتمل الجزء المقسط والحكومة معا واحتمل
أكثرهما كما قلنا في اللسان والكلام، فإن قطع الحشفة ثم قطع الباقي هو أو غيره
ففي الحشفة الدية كملا وفي الباقي حكومة.
ولو قطع نصف الذكر طولا ولم يحصل في النصف الباقي خلل فنصف الدية،
وفي ذكر العنين ثلث الدية وفيما قطع منه بحسابه، وكذا الذكر الأشل وهو الذي
يكون منبسطا أبدا فلا ينقبض في الماء البارد أو يكون منقبضا فلا ينبسط في الماء
610

الحار، ولو ضرب ذكره فشل فثلثا الدية.
وفي الخصيتين الدية وفي كل واحدة النصف، وروي: في اليسرى الثلثان وفي
اليمنى الثلث لأن الولد يخلق من اليسرى، ولا فرق بين أن يكون الذكر سليما أو
مقطوعا.
وفي أدرة الخصيتين أربعمائة دينار، فإن فحج فلم يقدر على المشي فثمانمائة
دينار.
وفي شفري المرأة الدية - وهما عبارة عن اللحم المحيط بالفرج إحاطة الشفتين
بالفم - وفي كل واحد نصف ديتها سواء كانت صغيرة أو كبيرة بكرا أو ثيبا قرناء
أو رتقاء أو سليمة منهما، وفي لحم العانة حكومة - وهو الركب - وكذا لو قطع
موضع عانة الرجل سواء قطعها منفردة أو منضمة إلى الفرج.
وفي إفضاء المرأة ديتها، ويسقط في طرف الزوج إن وطئ بعد البلوغ ولو كان
قبله ضمن الدية والمهر ووجب عليه نفقتها إلى أن يموت أحدهما وحرمت عليه أبدا،
وهل ينفسخ نكاحها أم يتوقف تزويجها بغيره على طلاقه؟ الأقرب الثاني، ومع
تزويجها بغيره فهل تسقط نفقتها عن الأول؟ إشكال، وهل تلحق النحيفة التي
يغلب على الظن الإفضاء بوطئها بالصغيرة؟ الأقرب المنع إلا الدية فإن الأقرب
ثبوتها.
ولو كان الواطئ أجنبيا فإن أكرهها فعليه مهر المثل والدية وإن طاوعته فالدية
خاصة، ولو كانت المكرهة بكرا ففي وجوب أرش البكارة مع المهر نظر أقربه ذلك،
ويجب ذلك كله في ماله لأنه عمد محض أو عمد خطأ.
واختلف في تفسير الإفضاء فقيل: أن يزيل الحاجز بين القبل والدبر، وقيل:
بين مخرج البول والحيض، وهو أقرب لأن الحاجز بين القبل والدبر عصب قوي يتعذر
إزالته بالاستمتاع والحاجز بين مدخل الذكر ومخرج البول رقيق فإذا تحامل عليها
ربما انقطعت تلك الجلدة ومع هذا فالأقرب عندي وجوب الدية بكل منهما.
وهل يتعلق أحكام الإفضاء لو فعله بغير الوطء؟ الأقرب لا إلا الدية فإنها يجب
611

لو فعله بسكين وشبهها، ولو أزال الحاجزين بالوطئ تعلقت الأحكام ووجبت ديتان
وإن كان بغير الوطء فديتان، ولو اندمل وصلح ففي زوال التحريم نظر، وهل تسقط
الدية إلى الحكومة؟ إشكال، ولو أفضاها فلم تملك بولها فديتان.
وفي الأليتين الدية وفي كل واحدة النصف - وهي اللحم الناتئ بين الظهر
والفخذين - فإذا قطع ما أشرف منهما على الناتئ فالدية وإن تقرع العظم.
ولو افتض بكرا بإصبعه فخرق مثانتها فلم تملك بولها فعليه ثلث ديتها، وفي
رواية: الكل، وهو أولى وعليه مهر المثل أيضا.
المقصد الثالث: في دية المنافع:
وفيه مطالب:
الأول:
في العقل الدية كاملة إن ذهب بالضرب أو بغيره مما ليس بجرح كما لو ضربه
على رأسه حتى ذهب أو فزعه تفزيعا شديدا فزال عقله، ولو زال بجراح أو قطع عضو
فدية للعقل وفي الجرح والعضو ديتهما.
ولا يضمن العقل بالقصاص وإن تعمد الجاني لعدم العلم بمحله هذا إذا حكم
أهل الخبرة بعدم زوال العارض وإن حكموا بزواله انتظر ظهور حاله، فإن استمر
فالدية وإن عاد قبل استيفاء الدية فلا يطالب بالدية بل يطالب بالأرش وإن عاد
بعده أمر بالرد ويحتمل عدم الارتجاع لأنه هبة من الله تعالى متجددة.
ولو مات قبل اليأس من عوده ففي عدم وجوب الدية إشكال.
ولو أنكر الجاني فوات العقل وادعاه المجني عليه اختبر بأن يضع الحاكم عليه
قوما يراعونه في خلوته وأحوال غفلته، فإن ظهر اختلال حاله والاختلاف في أقواله
وأفعاله ثبت جنونه بغير يمين وإن لم يظهر الاختلاف في أقواله وأفعاله فالقول قول
الجاني مع اليمين.
612

ولو لم يكن الجنون مطبقا بل كان يجن في وقت ويفيق في وقت وجب من الدية
بقدره، فإن كان يجن يوما ويفيق يوما فنصف الدية، وإن كان يجن يومين ويفيق
يوما فثلثا الدية، ولو لم يزل العقل ولكن اختل فصار مدهوشا يستوحش مع
الانفراد ويفزع من غير شئ يفزع بالعادة وجب حكومة بحسب ما يراه الحاكم،
وروي: أن من ضرب على رأسه فذهب عقله انتظر به سنة فإن مات فيها قيد به فإن
بقي ولم يرجع عقله ففيه الدية.
المطلب الثاني: السمع:
وفيه الدية، ولو قطع أذنيه فذهب سمعه فديتان، ولو حكم أهل الخبرة بعوده
بعد مدة توقعت فإن لم يعد فيه استقرت الدية وكذا لو أيس من عوده حالة الجناية، ولو
رجع في أثناء مدة الانتظار فالأرش، ولو مات فالأقرب الدية.
ولو كذبه الجاني في الذهاب أو قال: لا أعلم، اعتبر حاله عند الصياح الكبير
والرعد القوي ويصاح به عند الغفلة، فإن تحققنا صدقه حكم له وإلا أحلفناه
القسامة وحكم له.
ولو ذهب سمع إحدى الأذنين فنصف الدية.
ولو نقص سمع إحديهما قيس إلى الأخرى بأن تسد الناقصة وتطلق الصحيحة
ويصاح به حتى يقول: لا أسمع، ثم يعاد عليه مرة ثانية فإن تساوت المسافتان
صدق ثم تسد الصحيحة وتطلق الناقصة ويعتبر بالصوت إلى أن يقول: لا أسمع،
ثم يعتبر ثانية فإن تساوت المسافتان صدق، ثم تمسح المسافة التي سمع فيها بالأذن
الصحيحة والمسافة الأخرى ويطالبه بتفاوت ما بين المسافتين فإن كانت المسافة في
الناقصة نصف المسافة في الصحيحة وجب نصف الدية وعلى هذا الحساب.
ولو كان النقصان من الأذنين معا اعتبرناه بالتجربة بأن نوقف بالقرب منه
إنسانا يصيح على غفلة منه، فإن ظهر فيه تغير أو قال: قد سمعت، تباعد عنه وصاح
على غفلة إلى أن ينتهي إلى حد لا يظهر عليه تغير، فإن قال: لم أسمع،
613

حلف وعلم على الموضع علامة ثم نزيد البعد حتى ينتهي إلى آخر موضع منه يسمع
مثل ذلك الصوت من هو سميع لا آفة به فينظر كم بين المسافتين، وتقسط الدية على
المسافة فيوجب بقدر النقصان، وينبغي اعتباره بالصوت من جوانبه الأربعة فإن
تساوت صدق وإن اختلفت كذب.
ولا يقاس السمع في يوم ريح ولا في المواضع المختلفة في الارتفاع والانخفاض بل
يتوخى سكون الهواء والمواضع المعتدلة.
ولو ذهب السمع كله بقطع إحدى الأذنين فدية ونصف، ولو حكم أهل المعرفة
ببقاء السمع إلا أنه قد وقع في الطريق ارتتاق احتمل الدية لمساواة تعطيل المنفعة
زوالها.
وإذا ذهب سمع الصبي فتعطل نطقه فديتان.
المطلب الثالث: الأبصار:
وفي فقده الدية، وإن كان من الأعشى والذي على عينه بياض يتمكن معه من
النظر على إشكال، فإن ادعى ذهابه رجع فيه إلى أهل الخبرة، فإن شهد منهم
عدلان بذلك أو رجل وامرأتان إن كان خطأ أو شبه الخطأ ثبت، وتجب الدية إن
حكم أهل الخبرة باليأس من عوده وإن حكموا بعوده بعد مدة ترقبنا انقضاءها، فإن
انقضت ولم يعد فالدية وإن عاد فالأرش وإن اختلفا في عوده فالقول قول المجني
عليه مع يمينه.
ولو مات قبل الانقضاء أو قلع آخر عينه فالأقرب الدية أيضا.
ولو ادعى ذهاب بصره عقيب الضرب الذي يحصل معه ذلك غالبا وعيناه
قائمتان أحلف القسامة وقضي له، وروي: أنه يقابل الشمس فإن بقيتا مفتوحتين
صدق وإلا كذب.
ولو زال الضوء وحكم العارفون بعوده فقلع آخر عينه قبل مضى المدة فإن اتفقوا
على أن الضوء لم يكن قد عاد فالأقرب أن على الأول الدية و على الثاني دية العين
614

الفاقدة للضوء وهي ثلث دية الصحيحة، وإن اتفقوا على عوده فعلى الثاني الدية وعلى
الأول حكومة، وإن اختلفوا فادعى الأول عود البصر وأنكر الثاني فإن صدق
المجني عليه الأول حكم عليه في حق الأول فلا يطالبه بأكثر من الحكومة ولا يقبل
قوله على الثاني لأن الأصل عدم الضوء، وإن كذبه فالقول قوله مع اليمين ويطالبه
بالدية ويأخذ من الثاني الحكومة سواء صدق الثاني الأول أو كذبه لأنه مع
التصديق لا يدعي عليه إلا الحكومة.
ولو زال ضوء إحديهما ففيه نصف الدية، وفي نقصان الضوء من العين جزء من
الدية ويعلم بنسبة التفاوت بين المسافة التي يشاهد منها مساوية إذا كان صحيحا
والمسافة التي يشاهد هو منها، فإن ادعاه اختبرناه بأن نوقف شخصا قريبا منه
ونسأله عنه، فإن عرفه وعرف لباسه أمرناه بالتباعد إلى أن ينتهي إلى موضع يدعي
أنه ليس يراه فيعلم على الموضع علامة ثم نأمره بأن يحول وجهه إلى جانب آخر
ونوقف بالقرب منه إنسانا يعرفه ثم يتباعد عنه إلى موضع يذكر بأنه يراه فيه وأنه إذا
زاد البعد عنه لا يراه فتعلم علامة على الموضع وتذرع المسافة من الجهتين، فإن
تفاوتت كذب لكن يحلف الجاني على عدم الانتقاص وإن اتفقت صدق فيحلف
المدعي، ثم نقيس بعيني من لا آفة به ممن هو مثله في السن وألزم الجاني التفاوت
بعد الاستظهار بالأيمان.
ولو ادعى النقص في ضوء إحديهما قيست إلى الأخرى بأن يشد على الصحيحة
وتطلق الناقصة وينظر من بعد يدعي أنه لا ينظر من أزيد منه ثم يدار إلى جهة أخرى
فإن تساوت المسافتان صدق وإلا كذب، ثم تطلق الصحيحة وتسد الناقصة وينظر
ويؤخذ التفاوت بالنسبة إلى تفاوت المسافتين، ولا يقاس عين في يوم غيم ولا في
أرض مختلفة الجهات.
ولو ضرب عينه فصار أعشى لا يبصر بالليل أو أجهر لا يبصر نهارا فالحكومة.
ولو ادعى قالع العين أنها كانت قائمة وادعى المجني عليه الصحة قدم قول
الجاني مع اليمين لأصالة البراءة ولإمكان إقامة البينة على الصحيحة.
615

المطلب الرابع: في باقي المنافع:
وهي ستة:
أ: في الشم الدية كاملة، فإن ادعى ذهابه وكذبه الجاني عقيب الجناية امتحن
بتخير الأشياء الطيبة والكريهة والروائح الحادة ويستظهر عليه بعد ذلك بالقسامة
ويقضى له، وروي: أنه يقرب منه الحراق فإن دمعت عيناه ورد أنفه فهو كاذب
فيحلف الجاني وإن بقي فهو صادق.
ولو ادعى النقص استظهر بالأيمان إذ لا طريق إلى البينة والامتحان ويقضي له
الحاكم بالحكومة، ولو حكم أهل المعرفة بعوده فعاد فالحكومة وإلا الدية وإن مات
قبل عوده فالدية، ولو حكموا باليأس من عوده فأخذت الدية منه ثم عاد لم تستعد
لأنه هبة من الله تعالى ولو قطع الأنف فذهب الشم فديتان.
ب: في الذوق الدية ويرجع فيه عقيب الجناية المحتملة إلى يمين المدعي ويستظهر
بالأيمان، فإن ادعى نقصه قضي بالحكومة.
ج: النطق: وفيه الدية وإن بقي في اللسان فائدة الذوق والحروف الشفوية
والحلقية، وفي بعض الكلام بعض الدية ويوزع على ثمانية وعشرين حرفا وتدخل
الشفوية والحلقية في التوزيع، وإن كان لا يحسن بعض الحروف فهل ينتقص الدية
أو يكون كضعيف القوي؟ إشكال.
وفي الصوت الدية كاملة، وهل يجب ديتان لو أبطل حركة اللسان مع بطلان
الصوت؟ إشكال ينشأ من أنهما منفعتان ومن أن منفعة الصوت النطق.
د: المضغ: فإذا صلب مغرس لحييه فعليه الدية على إشكال.
ه‍: قوة الإمناء والإحبال فيهما الدية فإذا أصيب فتعذر عليه الإنزال حالة
الجماع وجب عليه الدية، وفي قوة الإرضاع حكومة، ولو أبطل الالتذاذ بالجماع أو
بالطعام إن أمكن فالدية.
ولو جنى على عنقه فتعذر إنزال الطعام لارتتاق منفذه وبقي معه حياة مستقرة
فقطع آخر رقبته فعلى الأول كمال الدية.
616

و: في سلس البول الدية، وقيل: إن دام إلى الليل فالدية وإن كان إلى الظهر
فالنصف وإن كان إلى ضحوة فالثلث، والظاهر أن المراد في كل يوم.
المقصد الرابع: في الجراحات:
الشجة هي الجرح المختص بالرأس أو الوجه، وأقسامها ثمانية:
الأول: الحارصة: وهي التي تقشر الجلد وفيها بعير، وهل هي الدامية؟ قيل:
نعم، والأقرب المغايرة.
الثاني: الدامية: وهي التي يخرج معها الدم وينفذ في اللحم شيئا يسيرا،
وتسمى الدامعة أيضا لأنه يخرج معها نقطة من الدم كما يخرج الدمع وفيها بعيران.
الثالث: المتلاحمة: وهي التي تأخذ في اللحم وتنفذ فيه كثيرا إلا أنها تقصر عن
السمحاق وفيها ثلاثة أبعرة وهي الباضعة أيضا، ومن جعل الدامية هي الحارصة
حكم بتغاير الباضعة والمتلاحمة.
الرابع: السمحاق: وهي التي تقطع جميع اللحم وتصل إلى جلدة رقيقة بين
اللحم والعظم مغشية للعظم يسمى السمحاق وفيها أربعة أبعرة.
الخامس: الموضحة: وهي التي تكشف عن أضح العظم وتقشر الجلد وفيها خمسة
أبعرة.
السادس: الهاشمة: وهي التي تهشم العظم وفيها عشرة أبعرة أرباعا إن كان
خطأ وأثلاثا إن كان شبيه الخطأ، ويتعلق الحكم بالكسر وإن لم تجرح.
السابع: المنقلة: وهي التي تحوج إلى نقل العظم وفيها خمسة عشر بعيرا، ولا
قصاص فيها ولا في الهاشمة نعم للمجني عليه القصاص في الموضحة وأخذ دية
الزائدة وهو عشرة من الإبل أو خمسة.
الثامن: المأمومة: وهي التي تبلغ أم الرأس وهي الخريطة الجامعة للدماغ وفيها
ثلث الدية ثلاثة وثلاثون بعيرا وثلث بعير.
أما الدامغة فهي التي تفتق الخريطة والسلامة معها بعيدة، فإن فرضت فزيادة
617

حكومة على دية المأمومة، وللمجني عليه القصاص في الموضحة والمطالبة بدية الزائد
من المأمومة وهو ثمانية وعشرون بعيرا وثلث بعير.
وأما الجائفة فهي التي تصل إلى الجوف من أي الجهات كان سواء كان من
بطنه أو صدره أو ظهره أو جنبه ولو من ثغرة النحر، ولا قصاص فيها للتغرير وفيها
ثلث الدية.
ولو جرح في عضو ثم أجاف لزمه ديتهما كما لو شق كتفه إلى أن حاذى الجنب
ثم أجاف فعليه دية الجرح ودية الجائفة، ولو نفذت نافذة في شئ من أطراف الرجل
ففيه مائة دينار على قول.
ولو اشتملت الجناية على غير جرح ولا كسر كالرفس واللطم والوكز والضرب
بسوط أو عصا فأحدث انتفاخا فالحكومة، وإن أحدث تغير لون فإن كان احمرارا في
الوجه فدينار ونصف وإن كان اخضراره فثلاثة دنانير وإن كان اسوداده فستة،
وقيل: كالاخضرار، ولو كانت هذه التغيرات في البدن فعلى النصف. وهل ينسب
العضو الذي ديته أقل كاليد والرجل بل الإصبع كنسبة البدن أو كنسبة دياتها؟
الأقرب الأول.
وإن أحدث شللا في أي عضو كان ففيه ثلثا دية ذلك العضو وفي قطعه بعد
الشلل ثلث ديته ولو لم يكن مقدرا فالحكومة.
ويتساوى الرأس والوجه في دية الشجاج فيهما، فإن كانت الجراحة في عضو له
دية مقدرة ففيها بنسبة دية العضو التي يتفق فيه من دية الرأس، وفي حارصة إحدى
أنملتي الإبهام نصف عشر بعير أو نصف دينار.
ولو لم يكن العضو مشتملا على عظم كالذكر فالحكومة، والحكومة والأرش
واحد ومعناه أن يقوم لو كان عبدا به تلك الجناية وصحيحا فيؤخذ من الدية بنسبة
التفاوت هذا في الحر، وأما العبد فيقوم صحيحا ومعيبا ويأخذ مولاه قدر النقصان،
ولو لم ينقص بالجناية كقطع السلع والذكر فالأقرب أخذ أرش نقصه حين الجناية ما
لم يستغرق القيمة.
618

ويتساوى المرأة والرجل دية وقصاصا في الأعضاء والجراح حتى تبلغ الثلث ثم
تصير المرأة على النصف سواء كان الجاني رجلا أو امرأة على إشكال في المرأة، ففي
ثلاث أصابع منها ثلاثمائة وفي أربع مائتان إن كان بضربة واحدة، وليس لها
القصاص فيما بلغ الثلث إلا مع الرد ويقتص من الرجل فيما نقص عنه من غير رد.
وكل عضو فيه مقدر من الرجل إما ديته أو نصفها أو ربعها، فهو بنسبته من دية
المرأة والذمي وقيمة العبد والأمة إلا أن المرأة تساويه فيما نقص عن الثلث.
ومن لا وارث له فالإمام ولي دمه يقتص في العمد أو يأخذ الدية وكذا يأخذ
الدية في الخطأ، وهل له العفو فيهما؟ فالأقرب المنع.
فروع:
أ: لا يختلف أرش الجرح بصغره وكبره في الطول والعرض بل في النزول إذا
خرج به عن الاسم.
ب: إذا أوضحه موضحتين ففي كل واحدة خمس من الإبل، ولو وصل الجاني
بينهما على إشكال أو سرتا فذهب الحاجز بينهما صارتا موضحة واحدة، ولو كان
الواصل غيره فعلى الأول ديتان وعلى الثاني دية، ولو وصلهما المجني عليه فعلى
الأول ديتان والثالثة هدر فإن ادعى الجاني أنه الواصل فالقول قول المجني عليه مع
يمينه لأن الأصل ثبوت الديتين ولم يثبت المزيل، وكذا لو قطع يديه ورجليه ثم مات
بعد مدة يمكن فيها الاندمال فادعى موته بالسراية قدم قول الولي.
ج: لو أوضحه فزادت موضحاته على عشرين وبينهما حواجز وجب عليه عن كل
موضحة خمس من الإبل.
د: لو أوضح رأسه في موضعين فانخرق ما بينهما في الباطن خاصة إما بفعله أو
سرايته وبقي ظاهر البشرة سليما فالأقرب لزوم ديتين، وكذا لو وصل بينهما في
الظاهر دون الباطن بأن قطع بعض اللحم الظاهر ولم يصل إلى العظم.
ه‍: لو أوضحه في مواضع فجاء آخر فأوصل بين الجميع فإن كان موضحة واحدة
619

مثل أن شج رأسه شجة طويلة وخرق إليها الموضحات كلها فعليه دية موضحة واحدة
وإلا تعددت.
و: لو أوضحه موضحة واسعة واندمل جوانبه وبقي العظم ظاهرا سلمت له دية
الموضحة، ولو اندمل والتحم وستر العظم لكن بقي الشين والأثر فكذلك.
ز: لو أوضحه ثم اندملت فجاء آخر فأوضحه في ذلك الموضع أو جاء الجاني ففعل
ذلك فعليه دية أخرى.
ح: إذا شجه شجة واحدة واختلفت أبعادها أخذنا دية الأبعد، ولو شجه في
عضوين فلكل عضو دية على انفراده وإن كان بضربة واحدة، ولو شجه في رأسه
ووجهه ففي تعدد الدية إشكال ينشأ من كونهما عضوا واحدا.
ط: لو أوضحه اثنين وهشمه فيهما واتصل الهشم باطنا فهما هاشمتان على
إشكال لأن الهاشمة تابعة للموضحة والموضحة هنا متعددة.
ي: لو أوضحه فهشمه فيها آخر ثم نقل ثالث ثم أم رابع فعلى الأول خمسة أبعرة
وعلى الثاني خمسة أيضا وكذا على الثالث، وعلى الرابع ثمانية عشر بعيرا وثلث بعير
كمال دية المأمومة.
يا: إذا أجافه لزمه دية الجائفة فإن جاء آخر وأدخل السكين ولم يقطع شيئا عزر
ولا ضمان عليه، وإذا قطع جزءا من الأعلى أو الأسفل فالحكومة وإن وسعها فيهما
فهي جائفة أخرى، وإن قطع جزءا من الظاهر في جانب وجزءا من الباطن في
الباطن في جانب فالحكومة، وكذا لو زاد في غوره، وكذا لو ظهر عضو من الأعضاء
الباطنة كالكبد والقلب والطحال فغرز السكين فيه فالحكومة.
ولو أجافه ثم عاد الجاني فوسع الجائفة أو زاد في غوره فدية الجائفة على إشكال،
ولو أبرز الثاني حشوته فهو قاتل، ولو خيطت ففتقها آخر فإن كانت بحالها لم تلتئم
ولم يحصل بالفتق جناية قيل: لا أرش ويعزر، والأقرب الأرش. ولو التحم البعض
فالحكومة، ولو كان بعد الاندمال فهي جائفة أخرى.
يب: لو أجافه في موضعين وجب عليه ديتان عن كل جائفة ثلث الدية، ولو
620

طعنه في صدره فخرج من ظهره فهما جائفتان على رأي، وكذا لو أصابه من جنبه
وخرج من الجانب الآخر.
يج: لو جرح رقبته وأنفذها إلى حلقة فعليه دية الجائفة وكذا لو طعنه في عانته
فوصل إلى المثانة، ولو جرح وجهه فأنفذه إلى باطن الفم فليس بجائفة لأن الفم
ملحق بالظاهر.
المقصد الخامس: في دية الجنين والميت والجناية على البهائم:
وفيه مطالب:
الأول: في دية الجنين:
الجنين إن كان لحر مسلم فديته مائة دينار إن تمت خلقته ولم تلجه الروح ذكرا
كان أو أنثى أو خنثى، فإن ولجته فدية كاملة ألف دينار إن كان ذكرا وخمسمائة إن
كان أنثى مع يقين الحياة، ولو احتمل كون الحركة عن ريح وشبهه لم يحكم بالحياة
كحركة الاختلاج فإن اللحم إذا عصر شديدا ثم ترك اختلج والمذبوح بعد مفارقة
الروح فقد يختلج.
وإن كان لذمي فعشر دية أبيه ثمانون درهما، وروي: عشر دية أمه، والأقرب
حملها على ما لو كانت مسلمة.
وإن كان مملوكا فعشر قيمة أمه الأمة، ولو كانت أمه حرة فالأقرب عشر قيمة
أبيه ويحتمل عشر قيمة الأم على تقدير الرقية هذا كله إذا لم تلجه الروح، فإن ولجته
فدية جنين الذمي ثمانمائة درهم إن كان ذكرا وأربعمائة درهم إن كان أنثى وقيمة
المملوك الجنين.
ولو كان الحمل أزيد من واحد تعددت الدية ولا كفارة على الجاني إلا أن تلجه
الروح، ولو لم تتم خلقته قيل: فيه غرة عبد أو أمة ولا يكون معيبا ولا شيخا كبيرا
ولا له أقل من سبع سنين، وقيل: بتوزيع الدية على أحواله فإن كان نطفة قد
621

استقرت في الرحم فعشرون دينارا وإن كان علقة فأربعون وإن كان مضغة فستون
وإن كان عظما فثمانون ومع تكميل الخلقة تجب المائة.
قيل: وفيما بين كل مرتبة بحسابه، فقيل: معناه بأن في كل يوم زيادة دينار في
جميع المراتب، فإن النطفة تمكث عشرين يوما ثم تصير علقة وكذا بين العلقة والمضغة
وكذا بين المضغة والعظم وكذا بين العظم والكمال، فإذا مكثت النطفة عشرة أيام
كان فيها ثلاثون وعلى هذا.
وروي: أن لكل نقطة تظهر في النطفة دينارين وكلما صار في العلقة شبه العرق
من اللحم يزاد دينارين.
ولو قتلت المرأة فمات معها الجنين وقد ولجته الروح فللمرأة ديتها وعليه نصف
دية ذكر ونصف دية أنثى للجنين إن لم تعلم الذكورة ولا الأنوثة، وإن علم أحدهما
لزمته ديته وقيل: القرعة مع الجهل.
ولو ألقته المرأة مباشرة أو تسبيبا فعليها الدية لورثته غيرها، فإن ألقته بتخويف
مفزع فالدية على المفزع.
ومن أفزع مجامعا فعزل فعلى المفزع دية ضياع النطفة عشرة دنانير، فإن عزل
المجامع اختيارا فالدية لها عليه إن كانت حرة ولم تأذن ولو أذنت أو كانت أمة فلا
شئ.
ويرث دية الجنين وارث المال الأقرب فالأقرب، ودية أعضائه وجراحاته بالنسبة
إلى ديته ففي يده بعد الكمال قبل أن تلجه الروح خمسون دينارا.
فروع:
أ: يتعلق بكل إلقاء مما سبق من النطفة على رأي أو العلقة أو المضغة أو العظم
أو الجنين أمور ثلاثة: وجوب الدية وانقضاء العدة وصيرورة الأمة أم ولد، فيتسلط
المالك على إبطال ما تقدم من التصرفات الممنوعة بالاستيلاد وفي كون الأمة بوضع
النطفة أم ولد نظر.
622

ب: تعتبر قيمة المجهضة عند الجناية لا وقت الإلقاء.
ج: لو خفي على القوابل وأهل المعرفة كون الساقط مبدأ نشوء انسان الأقرب
حكومة باعتبار الألم بالضرب، ولا يجب بالإلقاء شئ وإنما يجب مع حكم أهل
الخبرة بكونه مبدأ نشوء انسان.
د: لا يجب بضرب المرأة شئ غير دية الجنين إلا أن تموت أو يجرح شيئا من
جسدها أو يؤثر أثرا يوجب أرشا، إذ لا شئ في الإيلام المجرد سوى التعزير.
ه‍: لو ضرب الذمية فألقته بعد إسلامها فعليه دية جنين مسلم لأن الجناية
مضمونة واعتبارها بعد استقرارها، ولو كانت حربية فأسلمت ثم ألقته فلا ضمان،
ولو كانت أمة فأعتقت ثم ألقته فللمولى عشر قيمة أمه يوم الجناية والزائد بالحرية
لورثة الجنين، وقيل: للمولى أقل الأمرين من عشر قيمة الأمة يوم الجناية أو الدية
لأن العشر إن كان أقل فالزيادة بالحرية لوارث الجنين لا للمولى وإن كانت الدية
أقل فهي له لأن حقه نقص بالعتق، وهو بناء على القول بالغرة أو على تجويز زيادة
جنين الأمة على جنين الحرة. ولو كان أحد الأبوين ذميا والآخر وثنيا فإن كان
الذمي هو الأب فهو مضمون وإلا فإشكال.
و: لو ضرب بطن مرتدة فألقت جنينا فإن كان الأب مسلما وجب الضمان
وكذا لو كان أحدهما مسلما حال خلقه، وإن تجدد الحمل بعد ارتدادهما معا فلا
ضمان إن كان الجاني مسلما وإن كان ذميا ضمن.
ز: لو كان الجنين رقيقا أو انفصل ميتا وجب عشر قيمة الأم سواء كان مسلما
أو كافرا لأن المضمون هو المالية، وكذا لو قتل عبدا حربيا لمسلم فالأقرب القيمة،
ولا فرق في جنين الأمة بين الذكر والأنثى كجنين الحرة، ولو تعدد جنين الأمة فعن
كل واحد عشر قيمة أمه، ولو ألقت جنينا حال رقها وآخر بعد عتقها بالجناية
السابقة وجب في الأول عشر قيمة الأم للمولى وكذا في الآخر والزائد وهو التفاوت
بين عشر قيمة الأم وعشر الدية لورثة الجنين الحر.
ح: لو ضرب السيد بطن جاريته ثم أعتقها ثم ألقت جنينا فعليه الضمان، على
623

إشكال ينشأ من أن الجناية لم تقع مضمونة كما لو جرح عبده ثم أعتقه.
ط: لو ضرب حر الأصل الذي أمه معتقة وأبوه مملوك بطن امرأة فقبل اسقاط
الجنين أعتق الأب وانجر الولاء إلى مواليه ثم أسقطت فدية الجنين على موالي الأم إن
أسندنا الضمان إلى الضرب لأن الولاء لهم حينئذ، وإن أسندناه إلى الإسقاط فعلى
مولى الأب.
ي: لو أخرج الجنين رأسه واستهل ثم مات فالدية كملا انفصل عنها أو لا لأنا
تيقنا وجود الحياة فيه، وكذا لو انفصل بعد الضرب وفيه حياة ثم مات فعليه كمال
الدية سواء انفصل لمدة يعيش الولد فيها عادة أو لا يعيش كأن يكون لأقل من ستة
أشهر.
يا: لو ألقت يدا أو رجلا وماتت ولم ينفصل الجنين بكماله فعليه دية الجنين
ودية أمه، ولو ألقت أربع أيد فدية واحدة لأن الاحتمال وإن بعد إلا أن الأصل
براءة الذمة، ولو ألقت عضوا ثم ألقت جنينا كامل الأطراف وجب ديتان لأنه ظهر
بكمالية أطراف الساقط أن في البطن آخر.
يب: لو ألقت يدا ثم ألقت جنينا ناقص اليد قبل زوال الألم فإن ألقته ميتا
فعليه دية الجنين - ويدخل دية الطرف - وإن ألقته حيا ثم مات فكمال الدية،
وإن عاش فنصف الدية إذا علمنا أن اليد انفصلت منه بعد نفخ الروح فيه، أما بأن
ألقته عقيب الضرب أو شهدت القوابل أنها يد من نفخ فيه الروح وإن أشكل
فنصف دية الجنين عملا بأصالة براءة الذمة.
وإن زال الألم عنها ثم ألقته ميتا وجب نصف دية الجنين كما لو قطع يده ثم
مات بسبب آخر بعد الاندمال، وإن انفصل حيا فإن شهد القوابل أنها يد من نفخ
فيه الروح فنصف الدية وإلا فمع الاشتباه نصف دية الجنين، وكذا لو تأخر
سقوطه.
يج: لو ضربها فألقته فمات عند سقوطه قتل الضارب إن تعمد أخذت منه الدية
أو من عاقلته مع الخطأ وشبيه العمد وكذا لو بقي ضمنا ومات أو كان مثله لا
624

يعيش وتجب الكفارة في هذه الصورة، ولو ألقته وحياته مستقرة فقتله آخر قتل الثاني
به وعزر الأول خاصة وإن لم تكن مستقرة فالأول قاتل ويعزر الثاني، ولو جهل
حاله فلا قود وعليه الدية.
يد: لو وطئها ذمي ومسلم لشبهة في طهر ألحق الولد بمن تخرجه القرعة وألزم
الجاني بنسبة دية من ألحق به.
المطلب الثاني: في الاختلاف ودية الميت:
لو ادعى وارث الجنين على انسان أنه ضرب بطن الأم وأنها ألقت الجنين ميتا
بضربه فأنكر أصل الضرب فالقول قول المنكر مع اليمين، ولا يقبل إلا بشهادة
الرجال لإمكان اطلاعهم عليه.
ولو اعترف بالضرب وأنكر الإسقاط وقال: لم يكن هنا سقط، أو كان وادعى
أنها التقطته أو استعارته قدم قوله أيضا وتسمع فيه شهادة النساء.
ولو اعترف بالضرب والإسقاط وأنكر استناد الإسقاط إلى الضرب فإن كان
الزمان قصيرا لا يحصل فيه البرء قدم قولها، وإن طال الزمان قدم قوله إلا أن يعترف
لها بعدم الاندمال فيحكم بقولها مع اليمين وإن أسند الإسقاط إلى شرب أو ضرب
غيره.
ولو ادعى الوارث استهلال الجنين وأنكر الضارب قدم قوله مع اليمين ويقبل هنا
شهادة النساء، ولو أقام كل منهما بينة على مدعاه قدمت بينة الوارث لأنها تشهد
بزيادة قد تخفى عن بينة الضارب.
ولو اعترف الجاني بأنه انفصل حيا وادعى موته بسبب آخر فإن كان الزمان
قصيرا قدم قول الوارث وإلا فعليه البينة.
ولو ضرب حاملا خطأ فألقت جنينا فادعى الولي حياته فصدقه الجاني ضمن
العاقلة دية جنين غير حي وضمن المعترف ما زاد.
ولو ألقت جنينين فادعى الولي حياتهما معا وادعى الضارب موتهما فأقام
625

الولي شاهدين شهدا بأنهما سمعا صياح أحدهما من غير تعيين فإن تساويا فدية
كاملة ودية جنين وإن اختلفا فدية امرأة ودية جنين، ولو صدقه الضارب على
استهلال الذكر وكذبه العاقلة قدم قول العواقل مع اليمين فيتحملون دية امرأة ودية
جنين والباقي في مال الضارب.
ولو ادعت الذمية أنها حملت من مسلم من زنى فلا حكم لدعواها ولا يثبت لها
شئ، وإن ادعت نكاحا أو شبهة قدم قول الجاني والعاقلة، ويستوفى دية جنين
الذمية من الجاني فلا شئ لها فيه لاعترافها بإسلامه فلا ترثه.
ولو ادعى وارث المرأة انفصاله ميتا حال حياتها فلها نصيبها من ديته وادعى
وارث الجنين موتها قبل انفصاله ميتا فلا نصيب لها منه حكم بالبينة، فإن فقدت
حكم للحالف، فإن حلفا أو نكلا لم ترث المرأة من دية الجنين وكانت تركة المرأة
لوارثها دون وارث الجنين وميراث الجنين لوارثه دون أمه، ودية الجنين إن كان عمدا
أو عمد الخطأ في مال الجاني وإن كان خطأ فعلى العاقلة وتستأدى في ثلاث سنين.
وفي قطع رأس الميت المسلم الحر مائة دينار وفي جوارحه بحساب ديته، ففي قطع
يده خمسون دينارا وكذا ينسب شجاجه وجراحة إلى ديته، ولو لم يكن في الجناية
مقدر أخذ الأرش لو كان حيا ونسب إلى الدية فيؤخذ من ديته بتلك النسبة، وهذه
دية يتصدق بها عنه ليس لوارثه فيها شئ وإن كان سيدا، وهل يقضى منها ديته
واجبا؟ إشكال، وقيل: إنها لبيت المال. ولو كان الميت ذميا أو عبدا فعشر دية
الذمي الحي وعشر قيمة العبد الحي ويتساوى المرأة والرجل والصغير والكبير في
ذلك، ولو لم يبن الرأس بل قطع ما لو كان حيا لم يعش مثله فمائة دينار.
المطلب الثالث: في الجناية على الحيوان:
الحيوان إن كان مأكولا كالإبل والبقر والغنم فأتلفه بالذكاة وجب الأرش وهو
تفاوت ما بين كونه حيا وميتا، وقيل: القيمة، ويدفعه إلى الجاني إن شاء. وإن
أتلفه لا بالذكاة فعليه القيمة ويوضع منها صوفه وشعره ووبره وريشه ويدفع ذلك إن
626

وجد إلى المالك، وإن أتلف عضوا منه أو كسر عظمه أو جرحه فالأرش.
وإن لم يكن مأكولا وكان مما يقع عليه الذكاة كالسباع فإن أتلفه بالذكاة
فالأرش وكذا لو كسر عظمه أو قطع جزءا منه أو جرحه ولم يمت، ولو أتلفه بغير
الذكاة فالقيمة.
وإن لم يقع عليه الذكاة فإن كان كلب صيد ففيه أربعون درهما، وقيل:
يختص السلوقي وهو منسوب إلى قرية، وروي: أن كلب الصيد فيه قيمته. وفي
كلب الغنم كبش وقيل: عشرون درهما. وفي كلب الحائط عشرون درهما على
قول، وفي كلب الزرع قفيز حنطة وهذه التقديرات في حق الجاني، أما الغاصب
فيضمن أكثر الأمرين من المقدر الشرعي والقيمة السوقية، وأما غير هذه الكلاب فلا
شئ فيها ولا قيمة لها ولا لغير الكلاب مما لا يقع عليه الذكاة، وهل يشترط في
كلب الصيد كونه صائدا أو معلما؟ الأقرب ذلك.
ولو أتلف خنزيرا على ذمي فإن كان مستترا به ضمن قيمته عند مستحليه
- وفي الجناية على أطراف الأرش عندهم - وإن لم يكن مستترا فلا شئ، وكذا
لو أتلف عليه خمرا أو آلة لهو سواء كان المتلف مسلما أو لا بشرط الاستتار فإن أظهر
شيئا من ذلك فلا ضمان على المتلف، ولو كانت هذه الأشياء لمسلم لم يضمن
متلفها شيئا وإن كان ذميا.
وقضى أمير المؤمنين ع في بعير لأربعة عقل أحدهم يده فوقع في بئر
فانكسر: أن على الثلاثة الباقية حصته لأنه حفظ وضيعوا.
وروي: أن الماشية إذا جنت على الزرع ليلا يضمن صاحبها ولا يضمن نهارا
لأن على صاحب الماشية حفظها ليلا وعلى صاحب الزرع حفظه نهارا، والوجه أن
صاحب الغنم يضمن مع التفريط في الحفظ ليلا كان أو نهارا ولا يضمن مع عدمه
مطلقا.
627

خاتمة:
لو رمى واحد صيدا فأثبته ملكه، فإن رماه آخر فأتلفه فإن كان بالذكاة فعليه
ضمان ما نقص بالذبح وحل أكله وإن كان قد أصاب غير الحلق فأتلفه حرم أكله
وعليه قيمته معيبا بالجرح الأول، وإن لم يؤجه الثاني وسرى الجرحان ومات فإن
كان الأول لم يتمكن من ذبحه مثل أن أدركه وقد مات أو أدركه وقد
بقي من حياته ما لا يتسع الزمان لذبحه فهو حرام وعلى الثاني كمال القيمة معيبا
بالأول، وإن قدر الأول على تذكيته فإن ذكاه حل وعلى الثاني أرش الجرح إن
كان قد أفسد جلده أو لحمه، وإن لم يذكه حتى مات من الجرحين معا حرم أكله،
وهل تجب على الثاني كمال القيمة معيبا بالأول؟ يحتمل ذلك لأن ترك تذكية
الأول لا يسقط عنه الضمان كما لو جرح شاة غيره ولم يذكها المالك حتى ماتت
والأقرب أن القيمة عليهما فيسقط ما قابل فعل المالك، وما الذي يجب على الثاني
يظهر بفرض تضمين الأول في صورة كون الصيد لغيرهما أو في عبد الغير أو دابته
فنقول: إذا جنى شخص على عبد غيره أو صيده وقيمته عشرة دراهم فصار يساوى
تسعة ثم جنى الثاني فصارت قيمته ثمانية ثم سرى الجرحان فأرش جناية كل واحد
درهم فيحتمل ستة أوجه:
الأول: أن يكون على كل واحد منهما أرش جنايته ونصف قيمته بعد الجنايتين
ولا يدخل أرش كل واحد منهما في دية النفس فيكون على كل منهما خمسة، ولو
كان أرش الأول ثلاثة والثاني درهما فعلى كل منهما كمال أرش جنايته ونصف
قيمته بعد الجنايتين فيكون على الأول ستة وعلى الثاني أربعة، ولو انعكس
انعكس.
الثاني: أن لا يدخل أرش جناية الأول في بدل النفس ويدخل أرش جناية
الثاني، وعلى كل واحد منهما نصف قيمته بعد جناية الأول لأنه جنى على صيد ما
جنى عليه غيره فأوجبنا عليه الأرش، فعلى الأول خمسة ونصف وعلى الثاني أربعة
ونصف.
628

الثالث: يدخل نصف أرش جناية كل منهما في بدل النفس وعلى كل منهما
نصف قيمته يوم جنايته لأنه لو انفرد بالجناية دخل جميع الأرش في بدل النفس،
فإذا شاركه غيره سرت جنايته إلى نصف النفس فدخل نصف الأرش في بدل
نصفها ولم يدخل نصف الباقي في بدل النصف الباقي لأنه ضمنه غيره فلا يدخل
أرش جنايته في بدل نفس ضمنه غيره كما لو قطع يد رجل ثم قتله آخر لم يدخل
دية اليد في دية النفس ويكون عليه نصف قيمته يوم جنايته، فعلى الأول خمسة
ونصف وأما الثاني فيدخل نصف أرش جنايته في بدل النفس ولا يدخل كله وعليه
نصف قيمته يوم جنايته فعليه خمسة، ويرجع الأول على الثاني بنصف أرش جناية
الثاني وهو النصف الذي دخل في نصف بدل النفس لأنه جنى على ما دخل في
ضمان الأول فإن من جنى على ما ضمنه غيره ضمنه له كالجاني على المغصوب
يضمنه للغاصب إذا دفع الغاصب إلى المالك.
فإن رجع المالك على الأول بخمسة ونصف رجع على الثاني بأربعة ونصف
ويرجع الأول على الثاني بنصف، وإن رجع على الأول بخمسة رجع على الثاني
بخمسة، فلو كانت جناية الأول ثلاثة والثاني درهما فعلى الأول نصف أرش
الجناية درهم ونصف ونصف قيمته يوم الجناية خمسة وعلى الثاني أربعة نصف أرش
الجناية ونصف قيمته يوم جنايته، ويرجع الأول على الثاني بنصف درهم فيستقر
على الأول ستة وعلى الثاني أربعة.
الرابع: يدخل نصف أرش جناية كل منهما في بدل النفس وعلى كل منهما
نصف قيمته يوم جنايته عليه، ولا يرجع الأول بشئ لأنه لم يضمن الجميع فلم
يجن على ما دخل في ضمان الأول، فعلى الأول خمسة ونصف وعلى الثاني خمسة
يصير عشرة ونصفا نبسط العشرة عليها، فعلى الأول خمسة ونصف من عشرة ونصف
من عشرة وعلى الثاني خمسة من عشرة ونصف من عشرة.
وطريقه أن تضرب ما على كل واحد منهما في القيمة فما اجتمع قسمته على
عشرة ونصف فتأخذ من كل عشرة ونصف درهما، فتضرب خمسة ونصفا التي على
629

الأول في عشرة يصير خمسة وخمسين تأخذ من كل عشرة ونصف واحدا فيكون ما
يخصها خمسة دراهم وسبع درهم وثلثا سبع درهم، ثم تضرب ما على الآخر وهو خمسة
في عشرة تكون خمسين تقسمها على عشرة ونصف يكون أربعة وخمسة أسباع وثلث
سبع.
الخامس: يدخل أرش جناية كل منهما في بدل النفس وعلى كل منهما نصف
قيمته يوم جنايته، فعلى الأول نصف قيمته يوم الجناية خمسة وعلى الثاني أربعة
ونصف ويضيع نصف درهم.
السادس: يدخل أرش جناية كل واحد منهما في بدل النفس ونفرض كل واحد
منهما كأنه انفرد بقتله ونوجب عليه كمال قيمته يوم جنى عليه، ونضم إحدى
القيمتين إلى الأخرى ويقسم ما اجتمع على عشرة فنبسط تسعة عشر على عشرة،
فيكون على الأول عشرة من تسعة عشر من عشرة وعلى الثاني تسعة من تسعة عشر من
عشرة.
ولو جنى الأول خمسة والثاني درهما فالأول جنى وقيمته عشرة والثاني جنى
وقيمته خمسة نبسط العشرة على خمسة عشر، فعلى الأول عشرة ثلثا العشرة وعلى الثاني
خمسة ثلث العشرة.
وكل واحدة من هذه الوجوه لا يخلو من دخل فإن الأول يقتضي عدم دخول
أرش الجناية في بدل النفس وتساويهما في الضمان مع اختلاف القيمتين وقت
جنايتهما وهو ظلم للثاني وكذا الوجه الثالث ظلم أيضا، ويضعف الثاني بأن فيه
اسقاط حكم جناية الثاني لأنها صارت نفسا وأوجب أرش جناية الأول وقد
صارت نفسا أيضا، والرابع ضعيف أيضا لأنه أوجب نصف أرش الجناية وهو في
الحكم كأنه بجنايته متلف لنصف الصيد وكان يجب أن يدخل أرش جميعها في
نصف النفس، ويبطل الخامس لأنه لم يوجب لصاحب الصيد كمال ماله وقد
أتلف، والسادس ضعيف لما فيه من التزام الثاني بزيادة لا وجه لها.
والأقرب عندي الأخير لأن الأول أتلف نصف النفس وقيمتها عشرة فيكون
630

عليه خمسة والثاني أتلف النصف وقيمتها تسعة فيكون عليه أربعة ونصف، فيقسم
عشرة على تسعة ونصف فعلى الأول ما يخص خمسة وعلى الثاني ما يخص أربعة
ونصفا، ولو كانت إحدى الجنايتين من المالك سقط ما قابل جنايته وكان له
مطالبته الآخر بنصيب جنايته.
الباب الثالث: في محل الواجب:
القتل إن كان عمدا وتراضى الجاني والأولياء على الدية فهي على الجاني في
ماله، فإن مات أخذت من تركته، فإن هرب قيل: أخذت من عاقلته، وإن كان
شبيه عمد ففي ماله أيضا، وإن كان خطأ فالدية على العاقلة.
وهنا فصلان:
الأول: في جهة العقل:
و هي اثنان:
الأول: القرابة: وإنما يعقل منها العصبة خاصة وهو كل من تقرب بالأبوين أو
بالأب كالإخوة والأعمام وأولادهما ولا يشترط كونهم ورثة في الحال، وقيل:
العصبة من يرث الدية، وليس بجيد لأن الزوجين والمتقرب بالأم على الأصح يرثون
الدية وليسوا عصبة وكذا المتقرب بالأب إذا كان أنثى.
والعقل يختص الذكور من العصبة دون الإناث ودون الزوجين والمتقرب بالأم،
وقيل: الأقرب ممن يرث بالتسمية ومع عدمه يشترك في العقل من يتقرب بالأم مع
من يتقرب بالأب أثلاثا، وقيل لا يدخل في العقل الآباء والأولاد، والأقرب
دخولهما.
ولا تعقل امرأة ولا صبي ولا مجنون وإن ورثوا من الدية ولا مخالف في دين
كالمسلم لا يعقل الكافر وبالعكس، ولو رمى الذمي سهما فأصاب مسلما خطأ
فقتل السهم بعد إسلام الرامي لم يعقل عنه عصبته من الذمة ولا من المسلمين لأنه
631

أصاب وهو مسلم ورمى وهو كافر ويضمن الدية في ماله، وكذا لو ارتد المسلم بعد
رميه ثم أصاب مسلما بعد ردته لم يعقل عنه المسلمون ولا الكفار ويحتمل أن يعقل
عنه عصبته من المسلمين لأن ميراثه لهم عندنا، ولا فقير وإن كان مكتسبا ويعتبر
فقره عند المطالبة وهو حؤول الحول، ويعقل أهل الذمة الإمام مع عجز القاتل منهم
عن الدية لأنهم مماليك يؤدون الجزية إليه كما يؤدى العبد الضريبة إلى مولاه.
ولا يعقل أهل الديوان ولا أهل البلد إذا لم يكونوا عصبة، ولا يشترك القاتل
العاقلة في العقل، ويقدم المتقرب بالأبوين على المتقرب بالأب، وإنما يعقل من
عرف كيفية انتسابه إلى القاتل ولا يكفي العلم بكونه من القبيلة إذ العلم بانتسابه
إلى الأب غير كاف في العلم بكيفية الانتساب والعقل إنما مناطه التعصيب
خصوصا على قول من يقدم الأقرب، وعلى المنع من دخول الأولاد وإن نزلوا والآباء
وإن علوا في العقل لو كان الابن ابن ابن عم احتمل أن يعقل من حيث أنه ابن ابن
عم لا من حيث البعضية.
الثاني: الولاء: وإذا لم يوجد عصبة عقل المولى من أعلى لا من أسفل، فيعقل
معتق الجاني فإن لم يكن فعصبات المعتق ثم معتق المعتق ثم عصباته ثم معتق أب
المعتق ثم عصباته وهكذا كترتيب الميراث ويدخل ابن المعتق وإن نزل وأبوه وإن
علا، ولو كان المعتق امرأة لم يضرب عليها بل على عصباتها.
والشركاء في عتق عبد واحد كشخص واحد لأن الولاء لجميعهم لا لكل واحد
لا يلزمهم أكثر من نصف دينار أو ربعه، ولو اجتمعا فبالنسبة بخلاف ما لو مات
المعتق الواحد عن عصبات فإنه يضرب على كل واحد منهم نصيبه تاما من النصف
أو الربع لأنه يرث بالولاء لا الولاء، فإن مات واحد فكل واحد من عصباته لا يحمل
أكثر من حصة المعتق لو كان حيا، وقيل: ما دام المعتق حيا فلا يترقى إلى عصباته
وإن فضل عنه شئ إذ لا ولاء لهم فإن مات فعصباته كعصبات الجاني.
ومعتق الأب أولى بالتحمل من معتق الأم، فإن كان أبوه رفيقا عقل عنه معتق
الأم، فإن جنى الولد حينئذ عقل عنه معتق أمه، فإن أعتق الأب بعد ذلك انجر
632

الولاء إلى معتقه، فإن حصلت سراية بعد ذلك لم يضمنها معتق الأب لأنها حصلت
بجناية قبل الجر فلا يضمنها مولى الأب، ولا يضمنها أيضا مولى الأم وإن ضمن
أصل أرش الجناية لأن الزيادة حصلت بعد الجر وخروج الولاء عن مولى الأم فتكون
في مال الجاني، ولا تضمن في بيت المال لأنه لم يخل عن الموالي.
ولو قطع يدين قبل الجر أو يدين ورجلين فسرى بعده فعلى مولى الأم دية كاملة،
ولا يعقل مولى المملوك جنايته قنا كان أو مدبرا أو مكاتبا أو أم ولد.
وإذا لم يوجد عصبة ولا أحد من الموالي وعصباتهم عقل ضامن الجريرة وإن كان
هناك ضامن، ولا يعقل عنه المضمون ولا يجتمع مع عصبته ولا معتق لأن عقده
مشروط بجهالة النسب وعدم المولى ولا يضمن الإمام مع وجوده ويسره، فإن لم يكن
هناك ضامن أو كان فقيرا ضمن الإمام من بيت المال.
الفصل الثاني: في كيفية التوزيع:
وفيه مطلبان:
الأول: بيان ما يوزع على العاقلة:
قد بينا أن دية العمد وشبهه في مال الجاني وإنما تتحمل العاقلة دية الخطأ
المحض، ولا تتحمل العاقلة الغرامات الواجبة بإتلاف الأموال سواء كان الجاني
فقيرا أو غنيا وسواء أخطأ في الإتلاف أو تعمد وسواء كان بالغا أو صغيرا عاقلا أو
مجنونا وكذا جراحات العمد وشبهه سواء أوجبت المال كالهاشمة أو القصاص
كالموضحة، ولا يضمن العاقلة عبدا ولا بهيمة، وتحمل العاقلة دية الموضحة فما زاد
إجماعا، وهل تحمل ما نقص؟ قيل: نعم، وقيل: لا، لرواية فيها ضعف ومعه في
اشتراط اتحاد الجرح إشكال.
وإنما تعقل ما يثبت بالبينة أو تصديق العاقلة، فلو أقر الجاني بالقتل خطأ ألزم
في ماله ولم يثبت على العاقلة شئ بإقراره إلا أن تصدقه، وكذا لا تضمن العاقلة لو
633

ثبت أصل القتل بالبينة فادعى الخطأ وأنكرت العاقلة الخطأ فالقول قولهم مع اليمين
فيحلفون أنه تعمدا ولم يعلموا الخطأ، وكذا لا تعقل العاقلة صلحا ولا عمدا مع
وجود القاتل وإن أوجبت الدية كقتل الأب ولده والمسلم الذمي والحر العبد، ولو
جنى على نفسه خطأ، بقتل أو جرح لم تضمنه العاقلة وكان هدرا.
ودية جناية الذمي في ماله وإن كان خطأ فإن لم يكن له مال فعلى الإمام،
وجناية الصبي والمجنون على العاقلة إن كانت على نفس آدمي سواء قصد أو لا،
والحر إذا قتل عبدا عمدا أغرم قيمته في ماله وإن كان خطأ فعلى عاقلته.
المطلب الثاني: في قدر التوزيع:
يقسط الإمام دية الخطأ على العاقلة في ثلاث سنين يأخذ عند انسلاخ كل سنة
ثلث دية سواء كانت تامة أو ناقصة كدية المرأة والذمي.
والأرش إن كان أقل من الثلث أخذ في سنة واحدة، وإن كان أكثر حل
الثلث عند انسلاخ الحول والزائد عند انسلاخ الثاني إن كان ثلثا آخر فما دون،
وإن كان أكثر حل الثلث الثاني عند انسلاخ الثاني والزائد عند انسلاخ الثالث.
ولو كان أكثر من الدية كقطع يدين ورجلين فإن تعدد المجني عليه حل لكل
واحد ثلث الدية بانسلاخ الحول الأول وإن كان واحدا حل له ثلث لكل جناية
سدس دية، ولا ترجع العاقلة على الجاني، ويقسط على الغني عشرة قراريط وعلى
الفقير خمسة، وقيل: بحسب ما يراه الإمام، ويأخذ من القريب فإن اتسعت تخطى
إلى البعيد، فإن اتسعت فإلى الأبعد حتى أنه يأخذ من الموالي مع وجود العصبة إذا
عمهم التقسيط، فإن اتسعت الدية أخذ من عصبة المولى ولو زادت فعلى مولى المولى،
فإن زادت الدية عن العاقلة أجمع فالزائد على الإمام فلو كانت الدية دينارا وله أخ لا
غير أخذ منه نصف دينار والباقي من بيت المال، وقيل: على الأخ لأن ضمان الإمام
مشروط بعدم العاقلة أو عجزهم.
ولو زادت العاقلة على الدية قيل: يخص الإمام من شاء، والأقرب التوزيع على
634

الجميع فإن غاب بعض العاقلة لم يخص بها الحاضر بل أخذ من الحاضر قسطه وانتظر
الغائب.
ولو مات بعض العاقلة في أثناء الحول سقط ما قسط عليه وأخذ من غيره، ولو
مات بعد الانقضاء أخذ من تركته، وأول مدة التأجيل في النفس من حين الوفاة،
وفي الطرف من حين الجناية لا الاندمال وفي السراية وقت الاندمال، ولا يفتقر
ضرب الأجل إلى حكم الحاكم.
ولو كانت العاقلة في بلد آخر كتب حاكمه ليوزعها عليهم كما لو كان القاتل
هناك، ولو فقدت العاقلة أو كانوا فقراء أو عجزوا عن الدية أخذت من مال الجاني
فإن لم يكن له مال فعلى الإمام، وقيل: إن ضمان الإمام مقدم على الجاني.
ودية العمد الخطأ والعمد المحض في مال الجاني خاصة، فإن مات أو هرب أو
قتل قيل: أخذت من الأقرب إليه ممن يرث ديته فإن لم يكن فمن بيت المال،
وقيل: على الجاني وينتظر قدومه أو غناه.
ولو أقر بنسب مجهول ألحق به، فإن أقام آخر بينة به قضي له وأبطل الأول،
فإن ادعاه ثالث وأقام بينة بولادته على فراشه فهو أولى لأن بينته كما شهدت
بالنسب شهدت بالسبب، فإذا قتله الثالث عمدا غرم الدية لغيره من الوراث فإن
كان خطأ ألزمت العاقلة ولا يرث الأب منها شيئا.
ولو لم يكن وارث سوى العاقلة فلا دية وإن قلنا: إن القتل خطأ يرث، ففي
إرثه هنا نظر وكذا كل أب قتل ولده عمدا أو خطأ أو الابن إذا قتل أباه خطأ.
خاتمة:
يجب كفارة الجمع في القتل عمدا ظلما للمسلم ومن هو بحكمه من الأطفال
والمجانين سواء كان القتيل ذكرا أو أنثى حرا أو عبدا وإن كان عبد القاتل.
وإن كان القاتل خطأ أو عمد الخطأ فكفارته مرتبة إن كان القتل مباشرة، ولا
يجب لو كان تسبيبا كمن حفر بئرا فوقع فيها انسان فمات أو نصب سكينا في
635

طريق أو وضع حجرا فتعثر به انسان فمات فإن الدية يجب على فاعل ذلك دون
الكفارة، ولا كفارة في قتل الكافر وإن كان قتله حراما كالذمي والمعاهد سواء كان
عمدا أو خطأ.
ولو قتل مسلما في دار الحرب عالما بإسلامه فإن كان لا لضرورة فالقود إن كان عمدا
والدية إن كان خطأ وعليه الكفارة، وإن ظنه كافرا فلا قود وعليه الكفارة دون الدية، لو
بان أسيرا ضمن الدية والكفارة لعجز الأسير عن التخلص.
وقاتل العمد إذا أخذت الدية منه صلحا وجبت الكفارة إجماعا، وإن قتل
قودا قيل: لا تجب الكفارة في ماله.
ولو تعدد القاتل فعلى كل واحد كفارة كاملة، ولا تسقط الكفارة بأمر المقتول
بقتل نفسه.
ولو قتل صبي أو مجنون مسلما ففي إيجاب الكفارة نظر أقربه العدم،
والأقرب وجوبها على الذمي لكن تسقط بإسلامه وعلى قاتل نفسه.
ولو قتل من أباح الشرع قتله كالزاني بعد الإحصان وقاطع الطريق فلا
كفارة.
ولو تصادمت الحاملان ضمنت كل واحدة أربع كفارات إن ولجه الروح وإلا فلا
كفارة فيه.
636

اللمعة الدمشقية
للشيخ أبي عبد الله شمس الدين محمد بن الشيخ جمال الدين مكي بن الشيخ شمس الدين
محمد بن حامد بن أحمد المطلبي العاملي الثباطي الجزيني المشتهر بالشهيد الأول
734 - 786 ه‍ ق
637

كتاب القصاص
وفيه فصول:
الأول: في قصاص النفس:
وموجبه إزهاق النفس المعصومة المكافئة عمدا عدوانا فلا قود بقتل المرتد ولا بقتل
غير المكافئ، والعمد يحصل بقصد البالغ إلى القتل بما يقتل غالبا قيل: أو نادرا. وإذا لم
يقصد القتل بالنادر فلا قود وإن اتفق الموت كالضرب بالعود الخفيف أو العصا، أما لو
كرر ضربه بما لا يحتمل مثله بالنسبة إلى بدنه وزمانه فهو عمد، وكذا لو ضربه دون ذلك
فأعقبه مرضا ومات أو رماه بسهم أو بحجر غامز أو خنقه بحبل ولم يرخ عنه حتى مات
أو بقي ضمنا ومات أو طرحه في النار إلا أن يعلم قدرته على الخروج أو في اللجة أو
جرحه عمدا فسرى ومات أو ألقى نفسه من علو على انسان أو ألقاه من مكان شاهق أو
قدم إليه طعاما مسموما ولم يعلمه أو جعله في منزله ولم يعلمه أو حفر بئرا بعيدة في
طريق ودعا غيره مع جهالته فوقع فمات أو ألقاه في البحر فالتقمه الحوت إذا قصد التقام
الحوت وإن لم يقصد على قول أو أغرى به كلبا عقورا فقتله ولا يمكنه التخلص أو ألقاه
إلى أسد بحيث لا يمكنه الفرار أو أنهشه حية قاتلة أو طرحها عليه فنهشته أو دفعه في بئر
حفرها الغير عالما بالبئر ولو جهل فلا قصاص عليه أو شهد عليه زورا بموجب القصاص
فاقتص منه إلا أن يعلم الولي التزوير ويباشر فالقصاص عليه.
639

وهنا مسائل:
لو أكرهه على القتل فالقصاص على المباشر دون الآمر ويحبس الآمر حتى يموت، ولو
أكره الصبي غير المميز أو المجنون فالقصاص على مكرههما، ويمكن الإكراه فيما دون
النفس ويكون القصاص على المكره.
الثانية: لو اشترك في قتله جماعة قتلوا به بعد أن يرد عليهم ما فضل عن ديته وله قتل
البعض فيرد الباقون بحسب جنايتهم، فإن فضل للمقتولين فضل قام به الولي.
الثالثة: لو اشترك في قتله امرأتان قتلتا به ولا رد، ولو اشترك خنثيان قتلا ورد عليهما
نصف دية الرجل بينهما نصفان، ولو اشترك نساء قتلن ورد عليهن ما فضل عن ديته،
ولو اشترك رجل وامرأة فلا رد للمرأة ويرد على الرجل نصف ديته من الولي أو من المرأة لو
لم تقتل، ولو قتلت المرأة رد الرجل على الولي نصف الدية.
الرابعة: لو اشترك في قتله عبيد رد عليهم ما فضل عن قيمتهم عن ديته إن كان، ثم
كل عبد نقصت قيمته عن جنايته أو ساوت فلا رد وإنما الرد لمن زادت قيمته عن
جنايته.
الخامسة: لو اشترك حر وعبد في قتله فله قتلهما ويرد على الحر نصف ديته وعلى مولى
العبد ما فضل من قيمته عن نصف الدية إن كان، وإن قتل أحدهما فالرد على الحر من
مولى العبد أقل الأمرين من جنايته وقيمة عبده والرد على مولى العبد من الحر إن كان له
فاضل وإلا رد على الولي، ومنه يعرف حكم اشتراك العبد والمرأة وغير ذلك.
القول في شرائط القصاص:
فمنها التساوي في الحرية أو الرق، فيقتل الحر بالحر وبالحرة مع رد نصف ديته
والحرة بالحرة والحر ولا يرد شيئا على الأقوى، ويقتص للمرأة من الرجل في الطرف من
غير رد حتى تبلغ ثلث دية الحر فتصير على النصف، ويقتل العبد بالحر والحرة وبالعبد
وبالأمة والأمة بالحر والحرة وبالعبد والأمة، وفي اعتبار القيمة هنا قول، ولا يقتل الحر
بالعبد وقيل: إن اعتاد قتلهم قتل حسما. ولو قتل المولى عبده كفر وعزر وقيل: إن اعتاد
640

ذلك قتل. وإذا غرم الحر قيمة العبد لم يتجاوز بها دية الحر ولا بقيمة المملوك دية الحر ولا
يضمن المولى جناية عبده وله الخيار إن كانت الجناية خطأ بين فكه بأقل الأمرين من
أرش الجناية وقيمته وبين تسليمه، وفي العمد التخير للمجني عليه أو وليه، والمدبر كالقن
وكذا المكاتب المشروط والمطلق الذي لم يؤد شيئا، ولو قتل حر حرين فصاعدا فليس
لهم إلا قتله، ولو قطع يمين اثنين قطعت يمينه بالأول ويساره بالثاني، ولو قتل العبد
حرين فهو لأولياء الثاني إن كان القتل بعد الحكم به للأول وإلا فهو بينهما، وكذا لو
قتل عبدين أو حرا أو عبدا.
ومنها التساوي في الدين، فلا يقتل مسلم بكافر ولكن يعزر بقتل الذمي والمعاهد
ويغرم دية الذمي وقيل: إن اعتاد قتل أهل الذمة اقتص منه بعد رد فاضل ديته، ويقتل
الذمي بالذمي وبالذمية مع الرد وبالعكس وليس عليها غرم، ويقتل الذمي بالمسلم
ويدفع ماله وولده الصغار على قول وللولي استرقاقه إلا أن يسلم فالقتل لا غير، ولو قتل
الكافر مثله ثم أسلم القاتل فالدية لا غير إن كان المقتول ذميا، وولد الزنى إذا أظهر
الاسلام مسلم يقتل به ولد الرشيدة، ويقتل الذمي بالمرتد ولا يقتل به المسلم والأقرب أن
لا دية له أيضا.
ومنها انتفاء الأبوة، فلا يقتل الوالد وإن علا بابنه ويعزر ويكفر وتجب الدية، ويقتل
باقي الأقارب بعضهم ببعض كالولد بوالده والأم بابنها.
ومنها كمال العقل، فلا يقتل المجنون بعاقل ولا مجنون والدية على عاقلته، ولا يقتل
الصبي ببالغ ولا صبي ويقتل البالغ بالصبي، ولو قتل العاقل ثم جن اقتص منه.
ومنها أن يكون المقتول محقون الدم، فمن أباح الشرع قتله لم يقتل به، ولو قتل من
وجب عليه قصاص غير الولي قتل به.
القول فيما يثبت به القتل:
وهو ثلاثة: الإقرار والبينة والقسامة.
فالإقرار يكفي فيه المرة ويشترط أهلية المقر واختياره وحريته، ويقبل إقرار السفيه
641

والمفلس بالعمد، ولو أقر واحد بقتله عمدا وآخر خطأ تخير الولي، ولو أقر بقتله عمدا فأقر
آخر ببراءة المقر وأنه هو القاتل ورجع الأول ودي المقتول من بيت المال ودرئ عنهما
القصاص كما قضى به الحسن ع في حياة أبيه.
وأما البينة فعدلان ذكران ولتكن الشهادة صافية عن الاحتمال، فلو قال: جرحه،
لم يكف حتى يقول: فمات من جرحه، ولو قال: أسال دمه، ثبتت الدامية ولا بد من
توافقهما على الوصف الواحد، فلو اختلفا زمانا أو مكانا أو آلة بطلت الشهادة.
وأما القسامة فتثبت مع اللوث ومع عدمه يحلف المنكر يمينا واحدة، فإن نكل حلف
المدعي يمينا واحدة ويثبت الحق، واللوث أمارة يظن بها صدق المدعي كوجود ذي سلاح
ملطخ بالدم عند قتيل في دمه أو في دار قوم أو قريتهم أو بين قريتين وقريتهما سواء،
وكشهادة العدل لا الصبي ولا الفاسق أما جماعة النساء والفساق فتفيد اللوث مع الظن،
ومن وجد قتيلا في جامع عظيم أو شارع أو فلاة أو في زحام على قنطرة أو جسر أو بئر أو
مصنع فديته في بيت المال وقدرها خمسون يمينا في العمد والخطأ، فإن كان للمدعي قوم
حلف كل واحد يمينا، ولو نقصوا عن الخمسين كررت عليهم، وتثبت القسامة في
الأعضاء بالنسبة، ولو لم يكن له قسامة أو امتنع من اليمين أحلف المنكر وقومه خمسين
يمينا، فإن امتنع ألزم الدعوى وقيل: له رد اليمين على المدعي، فتكفي الواحدة،
ويستحب للحاكم العظة قبل الأيمان.
وروى السكوني عن أبي عبد الله ع: أن النبي ص كان
يحبس في تهمة الدم ستة أيام فإن جاء وإلا خلي سبيله.
الفصل الثاني: في قصاص الطرف:
وموجبه إتلاف العضو بالمتلف غالبا أو بغيره مع القصد إلى الإتلاف، و
شروطه شروط قصاص النفس، والتساوي في السلامة فلا تقطع الصحيحة بالشلاء ولو بذلها
الجاني، وتقطع الشلاء بالصحيحة إلا إذا خيف السراية، وتقطع اليمين باليمين فإن لم
تكن يمين فاليسرى، فإن لم تكن فالرجل على الرواية، وتثبت في الخارصة والباضعة
642

والسمحاق والموضحة، ويراعى الشجة طولا وعرضا، ولا يعتبر قدر النزول مع صدق
الاسم ولا تثبت في الهاشمة والمنقلة ولا في كسر العظام لتحقق التعزير، ويجوز قبل
الاندمال وإن كان الصبر أولى.
ولا قصاص إلا بالحديد فيقاس الجرح ويعلم طرفاه ثم يشق من إحدى العلامتين
إلى الأخرى، ويؤخر قصاص الطرف إلى اعتدال النهار ويثبت القصاص في العين، ولو
كان الجاني بعين واحدة قلعت ولو قلع عينه صحيح العينين اقتص له بعين واحدة قيل:
وله مع القصاص نصف الدية. ولو ذهب ضوء العين مع سلامة الحدقة قيل: طرح على
الأجفان قطن مبلول وتقابل بمرآة محماة مواجهة للشمس حتى يذهب الضوء وتبقى الحدقة
ويثبت في الشعر إن أمكن. ويقطع ذكر الشاب بذكر الشيخ والمختون بالأغلف، وفي
الخصيتين وفي إحديهما القصاص إن لم يخف ذهاب منفعة الأخرى، وتقطع الأذن
الصحيحة بالصماء، والأنف الشام بالأخشم وأحد المنخرين بصاحبه.
ويقلع السن بالسن ولو عادت السن فلا قصاص فإن عادت متغيرة فالحكومة،
وينتظر بسن الصبي فإن لم تعد ففيها القصاص وإلا فالحكومة، ولو مات قبل اليأس من
عودها فالأرش، ولا تقلع سن بضرس ولا بالعكس ولا أصلية بزائدة ولا زائدة بزيادة مع
تغاير المحل، وكل عضو وجب القصاص فيه لو فقد انتقل إلى الدية، ولو قطع إصبع رجل
ويد آخر اقتص لصاحب الإصبع إن سبق ثم لصاحب اليد ولو بدأ بقطع اليد قطعت يده
وألزمه الثاني دية إصبع لفوات محل القصاص.
الفصل الثالث: في اللواحق:
الواجب في قتل العمد القصاص لا أحد الأمرين من الدية والقصاص، نعم لو
اصطلحا على الدية جاز وتجوز الزيادة عنها والنقيصة مع التراضي، وفي وجوبها على الجاني
بطلب الولي وجه لوجوب حفظ نفسه الموقوف على بذل الدية، ولو جنى على الطرف
ومات واشتبه استناد الموت إلى الجناية فلا قصاص في النفس، ويستحب إحضار
شاهدين عند الاستيفاء احتياطا وللمنع من حصول الاختلاف في الاستيفاء ويعتبر الآلة
643

حذرا من السم وخصوصا في الطرف، فلو حصل منها جناية بالسم ضمن المقتص ولا
يقتص إلا بالسيف فيضرب العنق لا غير ولا يجوز التمثيل به، ولو كانت جنايته تمثيلا أو
بالتغريق والتحريق والمثقل نعم قد قيل: يقتص في الطرف ثم يقتص في النفس إن كان
الجاني فعل ذلك بضربات. ولا يقتص بالآلة الكالة فيأثم لو فعل، ولا يضمن المقتص
سراية القصاص ما لم يتعد، وأجرة المقتص من بيت المال، فإن فقد أو كان هناك أهم
منه فعلى الجاني، ويرثه وارث المال إلا الزوجين، وقيل: العصبة لا غير.
ويجوز للولي الواحد المبادرة من غير إذن الإمام وإن كان استئذانه أولى وخصوصا في
قصاص الطرف، وإن كانوا جماعة توقف على إذنهم أجمع، وقيل: للحاضر الاستيفاء
ويضمن حصص الباقين من الدية. ولو كان الولي صغيرا وله أب أو جد لم يكن له
الاستيفاء إلى بلوغه، وقيل: يراعى المصلحة. ولو صالحه بعض على الدية لم يسقط القود
عنه للباقين على الأشهر ويردون نصيب المصالح، ولو اشترك الأب والأجنبي في قتل الولد
اقتص من الأجنبي ورد الأب نصف الدية عليه، وكذا الكلام في العامد والخاطئ
والراد هنا العاقلة.
ويجوز للمحجور عليه استيفاء القصاص إذا كان بالغا عاقلا، وفي جواز استيفاء
القصاص من دون ضمان الدين على الميت قولان، ويجوز التوكيل في استيفائه، فلو عزله
واقتص ولما يعلم فلا شئ، ولا يقتص من الحامل حتى تضع ويقبل قولها في الحمل وإن
لم يشهد القوابل، ولو هلك قاتل العمد فالمروي: أخذ الدية من ماله وإلا فمن الأقرب
فالأقرب.
644

كتاب الديات
وفيه فصول:
الفصل الأول: في مورد الدية:
إنما تثبت الدية بالأصالة في الخطأ وشبهه، فالأول مثل أن يرمي حيوانا فيصيب
إنسانا أو إنسانا معينا فيصيب غيره، والثاني مثل أن يضرب للتأديب فيموت.
والضابط أن العمد أن يتعمد الفعل والقصد، والخطأ المحض أن لا يتعمد فعلا ولا قصدا،
والشبيه أن يتعمد الفعل ويخطأ في القصد.
فالطبيب يضمن في ماله ما يتلف بعلاجه وإن احتاط واجتهد وأذن المريض ولو أبرأه
فالأقرب الصحة، والنائم يضمن في مال العاقلة وقيل: في ماله. وحامل المتاع يضمن لو
أصاب به إنسانا جنايته في ماله، وكذا المعنف بزوجته جماعا أو ضما فيجني، والصائح
بالطفل أو المجنون أو المريض أو الصحيح على حين غفلة، وقيل: على عاقلته.
و الصادم يضمن في ماله دية المصدوم ولو مات الصادم فهدر، ولو وقف المصدوم في
موضع ليس له الوقوف ضمن الصادم إذا لم يكن له مندوحة ولو تصادم حران فماتا
فلورثة كل نصف ديته ويسقط النصف، ولو كانا فارسين كان على كل منهما نصف
قيمة فرس الآخر ويقع التقاص، ولو كانا عبدين بالغين فهدر، ولو قال الرامي: حذار،
فلا ضمان. ولو وقع من علو على غيره ولم يقصد القتل فقتل فهو شبيه عمد إذا كان
الوقوع لا يقتل غالبا وإن وقع مضطرا أو قصد الوقوع على غيره فعلى العاقلة، أما لو ألقته
الريح أو زلق فهدر جنايته ونفسه ولو دفع ضمنه الدافع وما يجنيه.
645

وهنا مسائل:
من دعا غيره ليلا فأخرجه من منزله فهو ضامن له إن وجد مقتولا بالدية على الأقرب
ولو وجد ميتا ففي الضمان نظر، ولو كان اخراجه بالتماسه الدعاء فلا ضمان.
الثانية: لو انقلبت الظئر فقتلت الولد ضمنته في مالها إن كان للفخر ولو كان للحاجة
فعلى عاقلتها، ولو أعادت الولد فأنكره أهله صدقت إلا مع كذبها فيلزمها الدية حتى
تحضره أو من يحتمله.
الثالثة: لو ركبت جارية أخرى فنخستها ثالثة فقمصت المركوبة فصرعت الراكبة
فماتت فالمروي وجوب ديتها على الناخسة والقامصة نصفين وقيل: عليهما الثلثان.
الرابعة: روى عبد الله بن طلحة عن أبي عبد الله ع في لص جمع ثيابا
ووطأ امرأة وقتل ولدها فقتلته: أنه هدر وفي ماله أربعة آلاف درهم مهرا لها ويضمن
مواليه دية الغلام. وعنه ع في صديق عروس قتله الزوج فقتلت الزوج: تقتل به
ويضمن الصديق، والأقرب أنه هدر إن علم. وروى محمد بن قيس في أربعة سكارى
فجرح اثنان وقتل اثنان: يضمنهما الجارحان بعد وضع جراحاتهما. وعن أبي جعفر
الباقر ع عن علي ع في ستة غلمان بالفرات فغرق واحد فشهد اثنان
على ثلاثة، وبالعكس: أن الدية أخماس بنسبة الشهادة وهي قضية في واقعة.
الخامسة: يضمن معلم السباحة الصغير في ماله بخلاف البالغ الرشيد، ولو بنى
مسجدا في الطريق ضمن إلا أن يكون واسعا ويأذن الإمام، ويضمن واضع الحجر في
ملك غيره أو طريق مباح.
السادسة: لو وقع حائطه بعد علمه بميله وتمكنه من إصلاحه أو بناه مائلا إلى الطريق
ضمن وإلا فلا، ولو وضع عليه إناء فسقط فأتلف فلا ضمان إذا كان مستقرا على
العادة، ولو وقع الميزاب ولا تفريط فالأقرب عدم الضمان وكذا الجناح والروشن.
السابعة: لو أجج نارا في ملكه في ريح معتدلة أو ساكنة ولم يزد على قدر الحاجة فلا
ضمان وإن عصفت بغتة وإلا ضمن ولو أجج في موضع ليس له ذلك فيه ضمن الأنفس
والأموال.
646

الثامنة: لو فرط في دابته فدخلت على أخرى فجنت ضمن ولو جنى عليها فهدر،
ويجب حفظ البعير المغتلم والكلب العقور فيضمن بدونه إذا علم، ولو دافعها عنه انسان
فأدى الدفع إلى تلفها أو تعيبها فلا ضمان، وإذا أذن له قوم في دخول دار فعقره كلبها
ضمنوه.
التاسعة: يضمن راكب الدابة ما تجنيه بيديها ورأسها والقائد كذلك، والسائق
يضمنها مطلقا وكذا لو وقف بها الراكب أو القائد، ولو ركبها اثنان تساويا، ولو كان
صاحبها معها فلا ضمان على الراكب ويضمنه مالكها لو نفرها فألقته.
العاشرة: يضمن المباشر لو جامعه السبب، ولو جهل المباشر ضمن السبب كالحافر
والدافع ويضمن أسبق السببين كواضع الحجر وحافر البئر فيعثر بالحجر فيقع في البئر
فيضمن واضع الحجر، ولو كان أحدهما في ملكه فالضمان على الآخر.
الحادية عشرة: لو وقع واحد في الزبية فتعلق بثان والثاني بثالث والثالث برابع
فافترسهم الأسد ففي رواية محمد بن قيس عن الباقر ع عن علي ع:
الأول فريسة الأسد ويغرم أهله ثلث الدية للثاني ويغرم الثاني للثالث ثلثي الدية ويغرم
الثالث للرابع الدية كاملة. وفي رواية أخرى للأول ربع الدية وللثاني ثلث الدية وللثالث
نصف وللرابع الدية و كله على عاقلة المزدحمين.
الفصل الثاني: في التقديرات:
وفيه مسائل:
الأولى: في دية العمد أحد أمور ستة: مائة من مسان الإبل أو مائتا بقرة أو مائتا حلة
كل حلة ثوبان من برود اليمن، أو ألف شاة أو ألف دينار أو عشرة آلاف درهم في سنة
واحدة من مال الجاني.
ودية الشبيه أربع وثلاثون ثنية طروقة الفحل وثلاث وثلاثون بنت لبون وثلاث
وثلاثون حقة أو أحد الأمور الخمسة، وتستأدى في سنتين من مال الجاني وفيها رواية
أخرى.
647

ودية الخطأ عشرون بنت مخاض وعشرون ابن لبون وثلاثون بنت لبون وثلاثون حقة
وفيه رواية أخرى ويستأدى في ثلاث سنين من مال العاقلة أو أحد الأمور الخمسة.
ولو قتل في الشهر الحرام أو في الحرم زيد عليه ثلث الدية تغليظا، والخيار إلى الجاني
في الستة في العمد والشبيه والعاقلة في الخطأ، ودية المرأة النصف من ذلك كله، والخنثى
ثلاثة أرباعه والذمي ثمان مائة درهم والذمية نصفها، والعبد قيمته ما لم يتجاوز دية
الحر فيرد إليها ودية أعضائه وجراحاته بنسبة دية الحر، والحر أصل له في المقدر وينعكس
في غيره ولو جنى عليه بما فيه قيمته تخير مولاه في أخذ قيمته ودفعه إلى الجاني وبين الرضا
به.
الثانية: في شعر الرأس الدية وكذا في شعر اللحيين ولو نبتا فالأرش ولو نبت شعر
المرأة ففيه مهر نسائها، وفي شعر الحاجبين خمسمائة دينار وفي بعضه بالحساب، وفي
الأهداب الأرش على قول والدية على الآخر.
الثالثة: في العينين الدية وفي كل واحدة النصف صحيحة أو حولاء أو عمشاء أو
جاحظة، وفي الأجفان الدية وفي كل واحدة الربع ولا تتداخل مع العينين، وفي عين ذي
الواحدة كمال الدية إذا كان خلقة أو بآفة من الله سبحانه، ولو استحق ديتها فالنصف
في الصحيحة وفي خسف العوراء ثلث ديتها صحيحة.
الرابعة: في الأذنين الدية وفي كل واحدة النصف وفي البعض بحسابه وفي شحمتها
ثلث ديتها وفي خرمها ثلث ديتها.
الخامسة: في الأنف الدية مستأصلا أو مارنه وكذا لو كسر ففسد، ولو جبر على صحة
فمائة دينار، وفي شلله ثلثا ديته وفي روثته الثلث وفي كل منخر ثلث.
السادسة: في كل من الشفتين نصف الدية وقيل: في السفلى الثلثان، وفي بعضها
بالنسبة ولو استرختا فثلثا الدية ولو تقلصتا فالحكومة.
السابعة: في استئصال اللسان الدية وكذا فيما يذهب به الحروف وفي البعض
بحساب الحروف، وفي لسان الأخرس ثلث الدية وفي بعضه بحسابه، ولو ادعى الصحيح
ذهاب نطقه بالجناية صدق بالقسامة وقيل: يضرب لسانه بإبرة فإن خرج الدم أسود
648

صدق وإن خرج أحمر كذب.
الثامنة: في الأسنان الدية وهي ثمانية وعشرون، وفي المقاديم الاثني عشر ستمائة
دينار، وفي المآخير أربعمائة ويستوي البيضاء والسوداء والصفراء خلقة، وفي الزائدة ثلث
الأصلية إن قلعت منفردة ولا شئ فيها منضمة، ولو اسودت السن بالجناية ولما تسقط
فثلثا ديتها وكذا في انصداعها وقيل: الحكومة. وسن الصبي ينتظر بها فإن نبتت فالأرش
وإلا فدية المتغر وقيل: فيها بعير.
التاسعة: في اللحيين الدية ومع الأسنان فديتان.
العاشرة: في العنق إذا كسر فصار أصور الدية وكذا لو منع الازدراد ولو زال
فالأرش.
الحادية عشرة: في كل من اليدين نصف الدية وحدها المعصم، وفي الأصابع وحدها
ديتها، ولو قطع معها شئ من الزند فحكومة زائدة، وفي العضدين الدية وكذا في
الذراعين، وفي اليد الزائدة الحكومة، وفي الإصبع عشر الدية، وفي الإصبع الزائدة ثلث
دية الأصلية، وفي شللها ثلثا ديتها، وفي الشلاء الثلث، وفي الظفر إذا لم ينبت أو نبت
أسود عشرة دنانير ولو نبت أبيض فخمسة.
الثانية عشرة: في الظهر إذا كسر الدية وكذا لو احدودب، ولو صح فثلث الدية، ولو
كسر فشلت الرجلان فدية لها وثلثا دية للرجلين، ولو كسر الصلب فذهب مشيه وجماعه
فديتان.
الثالثة عشرة: في النخاع الدية.
الرابعة عشرة: الثديان في كل واحد نصف دية المرأة وفي انقطاع اللبن الحكومة،
وكذا لو تعذر نزوله في الحلمتين الدية عند الشيخ، وكذا حلمتا
الرجل وقيل: في حلمتي الرجل الربع وفي كل واحدة الثمن.
الخامسة عشرة: في الذكر مستأصلا أو الحشفة الدية ولو كان مشلول الخصيتين، وفي
بعض الحشفة بحسابه، وفي العنين ثلث الدية.
السادسة عشرة: في الخصيتين الدية وفي كل نصف وقيل: في اليسرى الثلثان وفي
649

أدرتهما أربعمائة دينار، فإن فحج فلم يقدر على المشي فثمانمائة دينار.
السابعة عشرة: في الشفرين الدية من السليمة والرتقة وفي الركب الحكومة.
الثامنة عشرة: في الإفضاء الدية وهو تصيير مسلك البول والحيض واحدا وتسقط عن
الزوج إذا كان بعد البلوغ ولو كان قبله ضمن مع المهر ديتها وأنفق عليها حتى يموت
أحدهما.
التاسعة عشرة: في الأليتين الدية وفي كل نصف.
العشرون: الرجلان وفي كل واحدة النصف وحدهما مفصل الساق، وفي الأصابع
منفردة الدية وفي كل واحدة عشر، ودية كل إصبع مقسومة على ثلاث أنامل والإبهام على
اثنتين، وفي الساقين الدية وكذا في الفخذين.
الحادية والعشرون: في الترقوة إذا كسرت فجبرت على غير عيب أربعون دينارا، وفي
كسر عظم من عضو خمس دية العضو، فإن صلح على صحة فأربعة أخماس دية
كسره، وفي موضحته ربع دية كسره وفي رضه ثلثا دية العضو، فإن صلح على صحة فأربعة
أخماس دية رضه، وفي فكه بحيث يبطل العضو ثلثا ديته فإن صلح على صحة فأربعة
أخماس دية فكه.
الثانية والعشرون: في كل ضلع مما يلي القلب إذا كسرت خمسة وعشرون دينارا وإذا
كسرت مما يلي العضد عشرة دنانير، ولو كسر عصعصه فلم يملك غائطه ففيه الدية، ولو
ضربت عجانه فلم يملك غائطه ولا بوله ففيه الدية في رواية، ومن افتض بكرا بإصبعه
فخرق مثانتها فلم تملك بولها فديتها ومثل مهر نسائها، وقيل: ثلث ديتها. ومن داس بطن
انسان حتى أحدث ديس بطنه أو يفتدي بثلث الدية على رواية.
القول في دية المنافع: وهي ثمانية:
الأول: في العقل الدية وفي بعضه بحسابه بحسب نظر الحاكم، ولو شجه فذهب عقله
لم يتداخل ولو عاد العقل بعد ذهابه لم تستعد الدية إن حكم أهل الخبرة بذهابه بالكلية.
الثاني: السمع وفيه الدية مع اليأس ولو رجى انتظر فإن لم يعد فالدية وإن عاد
650

فالأرش، ولو تنازعا في ذهابه اعتبر حاله عند الصوت العظيم والرعد القوي والصيحة
عند غفلته، فإن تحقق وإلا حلف القسامة، وفي سمع إحدى الأذنين النصف ولو نقص
سمعها قيس إلى الأخرى ولو نقصتا قيس إلى أبناء سنه.
الثالث: في الأبصار الدية إذا شهد به شاهدان أو صدقه الجاني ويكفي شاهد
وامرأتان إن كان عن عمد، ولو عدم الشهود حلف القسامة إذا كانت العين قائمة، ولو
ادعى نقصان إحديهما قيست إلى الأخرى ونقصانهما قيستا إلى أبناء سنه فإن استوت
المسافات الأربع صدق وإلا كذب.
الرابع: في الشم الدية ولو ادعى ذهابه اعتبر بالروائح الطيبة والخبيثة ثم القسامة،
وروي تقريب الحراق منه فإن دمعت عيناه ونحى أنفه فكاذب وإلا فصادق، ولو ادعى
نقصه قيل: يحلف ويوجب له الحاكم شيئا بحسب اجتهاده. ولو قطع الأنف فذهب
الشم فديتان.
الخامس: الذوق قيل: فيه الدية، ويرجع فيه عقيب الجناية إلى دعواه مع الأيمان.
السادس: في تعذر الإنزال الدية.
السابع: في سلس البول الدية وقيل: إن دام إلى الليل ففيه الدية وإلى الزوال الثلثان
وإلى ارتفاع النهار الثلث.
الثامن: في الصوت الدية.
الفصل الثالث: في الشجاج وتوابعها:
وهي ثمان: الحارصة وهي القاشرة للجلدة وفيها بعير، والدامية وهي التي تأخذ في
اللحم يسيرا وفيها بعيران، والباضعة وهي الآخذة كثيرا في اللحم وفيها ثلاثة وهي
المتلاحمة، والسمحاق وهي التي تبلغ الجلدة المغشية للعظم وفيها أربعة أبعرة، والموضحة
وهي التي تكشف عن العظم وفيها خمسة، والهاشمة وهي التي تهشم العظم وفيها عشرة
أبعرة أرباعا إن كان خطأ وأثلاثا إن كان شبيها، والمنقلة وهي التي تحوج إلى نقل
العظم وفيها خمس عشر بعيرا والمأمومة وهي التي تبلغ أم الرأس أعني الخريطة التي تجمع
651

الدماغ وفيها ثلاثة وثلاثون بعيرا.
وأما الدامغة وهي التي تفتق الخريطة ويبعد معها السلامة، فإن فرض قيل: زيدت
حكومة على المأمومة. والجائفة وهي الواصلة إلى الجوف ولو من ثغرة النحر وفيها ثلث
الدية، وفي النافذة في الأنف ثلث الدية فإن صلحت فخمس الدية وفي أحد المنخرين عشر
الدية، وفي شق الشفتين حتى تبدو الأسنان ثلث ديتهما ولو برأت فخمس ديتهما، وفي
احمرار الوجه بالجناية دينار ونصف وفي اخضراره ثلاث دنانير وفي اسوداده ستة، وفي البدن
على النصف.
ودية الشجاج في الوجه والرأس سواء، وفي البدن بنسبة دية العضو إلى الرأس، وفي
النافذة في شئ من أطراف الرجل مائة دينار وكلما ذكر من الدينار فهو منسوب إلى
صاحب الدية التامة، والمرأة الكاملة وفي العبد والذمي بنسبتها إلى النفس.
ومعنى الحكومة والأرش أن يقوم مملوكا تقديرا صحيحا وبالجناية وتؤخذ من الدية
بنسبته، ومن لا ولي له فالحاكم وليه يقتص من المتعمد وقيل: ليس له العفو عن
القصاص ولا الدية.
الفصل الرابع: في التوابع:
وهي أربعة:
الأول: في دية الجنين: في النطفة إذا استقرت في الرحم عشرون دينارا ويكفي مجرد
الإلقاء في الرحم، ولو أفزغه فعزل فعشرة دنانير، وفي العلقة أربعون دينارا، وفي المضغة
ستون وفي العظم ثمانون، وفي التام الخلقة قبل ولوج الروح مائة دينار ذكرا كان أو أنثى،
ولو كان ذميا فثمانون درهما، ولو كان مملوكا فعشر قيمة الأم المملوكة ولا كفارة هنا،
ولو ولجته الروح فدية كاملة للذكر ونصف للأنثى ومع الاشتباه نصف الديتين بأن تموت
المرأة ويموت معها مع علم سبق الحياة، وتجب الكفارة مع المباشرة، وفي أعضائه وجراحاته
بالنسبة ويرثه وارث المال الأقرب فالأقرب، ويعتبر قيمة الأم عند الجناية لا الإجهاض
وهي في مال الجاني إن كان عمدا أو شبيها وإلا ففي مال العاقلة، وفي قطع رأس الميت
652

المسلم الحر مائة دينار وفي شجاجه وجراحة بنسبته ويصرف في وجوه القرب.
الثاني: في العاقلة: وهم من تقرب بالأب وإن لم يكونوا وارثين في الحال، ولا تعقل
المرأة والصبي والمجنون والفقير عند المطالبة، ويدخل العمودان ومع عدم القرابة فالمعتق
ثم ضامن الجريرة ثم الإمام، ولا تعقل العاقلة عمدا ولا بهيمة ولا جناية العبد وتعقل
الجناية عليه، وعاقلة الذمي نفسه ومع عجزه فالإمام، ويقسط بحسب ما يراه الإمام،
وقيل: على الغني نصف دينار والفقير ربعه، والأقرب الترتيب في التوزيع. ولو قتل الأب
ولده عمدا فالدية لوارث الابن فإن لم يكن سوى الأب فالإمام ولو قتله خطأ فالدية على
العاقلة ولا يرث الأب منها شيئا.
الثالث: في الكفارة: وقد تقدمت ولا تجب مع التسبيب كمن طرح حجرا أو نصب
سكينا في غير ملكه فهلك بها آدمي، وتجب بقتل الصبي والمجنون لا بقتل الكافر، وعلى
المشتركين كل واحد كفارة، ولو قتل قبل التكفير في العمد أخرجت الكفارات من ثلث
ماله إن كان.
الرابع: في الجناية على الحيوان: من أتلف ما يقع عليه الذكاة بها فعليه أرشه وليس
للمالك مطالبته بالقيمة ودفعه إليه على الأقرب، ولو أتلفه لا بها فعليه قيمته يوم التلف
إن لم يكن غاصبا، ويوضع منها ما له قيمة من الميتة كالشعر ولو تعيب بفعله فلمالكه
الأرش.
وأما ما لا يقع الذكاة عليه ففي كلب الصيد أربعون درهما، وقيل: قيمته. وفي
كلب الغنم كبش، وقيل: عشرون درهما. وفي كلب الحائط عشرون درهما، وفي كلب
الزرع قفيز، ولا تقدير فيما عداه ولا ضمان على قاتلها.
وأما الخنزير فيضمن مع الاستتار بقيمته عند مستحليه، وكذا لو أتلف المسلم عليه
خمرا أو آلة لهو مع استتاره، ويضمن الغاصب قيمة الكلب السوقية بخلاف الجاني ما لم
ينقص عن المقدر الشرعي، ويضمن صاحب الماشية جنايتها ليلا لا نهارا ومنهم من اعتبر
التفريط مطلقا، وروي في بعير بين أربعة عقله أحدهم فوقع في بئر فانكسر: أن على
الشركاء حصته، لأنه حفظ وضيعوا عن أمير المؤمنين ع.
653