الكتاب: الينابيع الفقهية
المؤلف: علي أصغر مرواريد
الجزء: ٢٩ق٢
الوفاة: معاصر
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤١٣ - ١٩٩٣ م
المطبعة:
الناشر: مؤسسة فقه الشيعة - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: أشرف على جمع أصولها الخطية وترتيبها حسب التسلسل الزمني وعلى تحقيقها وإخراجها وعمل قواميسها علي أصغر مرواريد

الينابيع الفقهية 2
الصوم
حقوق الطبع محفوظة للمؤلف
الطبعة الأولى
1413 ه‍ - 1993 م
مؤسسة فقه الشيعة
بيروت - لبنان
حارة حريك - شارع دكاش - بناية كليوباترا
ص. ب 209 / 25 - تلفون: 836763 - فاكس 04625848 - 357
سلسلة الينابيع الفقهية 2
الصوم
أشرف على جمع أصولها الخطية وترتيبها حسب التسلسل
الزمني وعلى تحقيقها واخراجها وعمل قواميسها
علي أصغر مرواريد
الإشراف
للشيخ المفيد أبي عبد الله
محمد بن النعمان الحارثي البغدادي المعروف بابن المعلم 336 - 413 ه‍. ق
الإشراف
للشيخ المفيد أبي عبد الله
محمد بن النعمان الحارثي البغدادي المعروف بابن المعلم
336 - 413 ه‍. ق
1

أبواب الصيام
باب
ماهية الصوم وحقيقته في شريعة الإسلام:
والصيام كف الجوارح عما حظر على العبد استعماله فيه مع حال الصيام.
باب
عدد أنواع المحضور على العبد من الأفعال المختصة بإفساد الصيام:
وعددها ثلاث عشر خصلة:
تعمد الأكل في حال فرض الصيام، وكذلك الشرب، واعتماد الجماع في
الفرج، واستنزال الماء الموجب للغسل بأي سبب كان، وازدراد المغتذي به
وغيره من الأشياء، واعتماد إخراج ما في المعدة من الفم الذي هو مسلك للغذاء،
وإيصال ما يصل منه إلى آخر الحلقوم من خوارج الشم والسماع وهي المنخران
والأذنان، والاستعاط وشبهه من العلاج وغير ذلك من الأفعال الخفيفة، واعتماد
الصباح على الجنابة من الاحتلام وغيره من المحظور والمباح، وتعمد الكذب
على الله تعالى، وكذلك الكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله، وكذلك
الكذب على الأئمة عليه السلام، والارتماس في الماء.
3

باب ما يخرج عن حكم الصيام:
وعدده خمس خصال: دخول الليل وحدوث المرض وأحداث السفر
والحيض والنفاس.
4

الاقتصاد
الهادي إلى الرشاد
تأليف شيخ الطائفة
أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (قدس سره)
385 - 460 ه‍. ق
5

كتاب الصوم
الصوم في اللغة عبارة عن الإمساك والوقوف، وفي الشريعة عبارة عن
الإمساك عن أشياء مخصوصة في زمان مخصوص على وجه مخصوص ممن هو
على صفات مخصوصة.
ولا ينعقد إلا بالنية.
والصوم على ضربين: شهر رمضان، وغيره.
فصوم شهر رمضان لا بد فيه من نية القربة، وإن ضم إليها نية التعيين كان
أفضل.
ووقت النية ليلة الصوم من أولها إلى طلوع الفجر، فأي وقت نوى الصوم فقد
انعقد صومه، ومتى لم ينو متعمدا مع العلم بأنه شهر رمضان حتى يصبح فقد
فسد صومه وعليه القضاء، وإن لم يعلم أنه شهر رمضان - لعدم رؤيته أو لشبهة -
ثم علم بعد أن أصبح جاز له أن يجدد النية إلى الزوال وصح صومه ولا إعادة
عليه، وإن فاتت إلى بعد الزوال أمسك بقية النهار وكان عليه القضاء وإن صام
عند الشبهة أو الشك منه للتطوع ثم انكشف أنه كان من شهر رمضان فقد أجزأ
عنه ولا قضاء عليه. ويكفي الشهر كله نية واحدة، وإن جدد النية كل ليلة كان
أفضل.
وأما صوم غير شهر رمضان فلا بد فيه من نية التعيين ونية القربة معا، سواء
7

كان فرضا كالنذر والقضاء وغير ذلك من أنواع الواجبات أو نفلا كصوم
التطوع على اختلاف أنواعه.
ومتى فاتت النية جاز تجديدها إلى عند الزوال، فإذا زالت الشمس فقد فاتت
النية.
فصل
فيما يجب على الصائم اجتنابه
ما يجب على الصائم اجتنابه على ضربين: أحدهما فعله يفسده، والآخر
ينقضه.
فما يفسده على ضربين: أحدهما يوجب القضاء والكفارة إذا كان صوم شهر
رمضان أو نذر معين، والآخر يوجب القضاء بلا كفارة.
فالأول - وهو الذي يوجب القضاء والكفارة -: الأكل، والشرب، والجماع
في الفرج، وإنزال الماء الدافق عامدا، والكذب على الله وعلى رسوله وعلى الأئمة
متعمدا مع العلم بأنه كذب، والارتماس في الماء، وإيصال الغبار الغليظ إلى
الحلق مثل غبار النفض وما جرى مجراه، والمقام على الجنابة متعمدا مع إمكان
الغسل وعدم المشقة حتى يطلع الفجر.
فمتى صادف شيئا مما ذكرناه فسد الصوم ووجب منه القضاء والكفارة.
والكفارة عتق رقبة أو صيام شهرين أو إطعام ستين مسكينا مخير في ذلك، وفي
أصحابنا من قال: هو مرتب كصوم الظهار.
وما يوجب القضاء دون الكفارة فالإقدام على الأكل والشرب أو الجماع
قبل أن يرصد الفجر مع القدرة عليه ويكون طالعا، وترك القبول عمن قال قد
طلع الفجر، والإقدام على ما يفطر ويكون قد طلع، وتقليد الغير في أن الفجر لم
يطلع مع تمكنه من مراعاته ويكون قد طلع، وتقليده الغير في دخول الليل مع
تمكنه من مراعاته والإقدام على الإفطار ولا يكون قد دخل.
8

وكذلك الإقدام على الإفطار لعارض يعرض في السماء من ظلمة وريح ثم
تبين أن الليل ما كان دخل، ومعاودة النوم بعد انتباهة واحدة قبل الغسل من
الجنابة ولم ينتبه إلى أن يطلع الفجر، ودخول الماء إلى الحلق لمن يتبرد بالماء أو
يتمضمض لغير الصلاة، والحقنة بالمائعات، ومتى صادف شئ مما ذكرناه ما لا
يتعين صومه فسد صومه وصام يوما بدله.
فأما ما يجب اجتنابه وإن لم يفسد الصوم فكل القبائح، فإنه يجب تجنبها
على كل حال ويترك لمكان الصوم.
ويستحب اجتناب أشياء وإن لم يكن واجبا: كالسعوط والكحل الذي فيه
شئ من الصبر أو المسك، وإخراج الدم على وجه لضعفه مع الاختيار، ودخول
الحمام المضعف، وشم النرجس والرياحين، واستدخال الأشياف الجامدة،
وتقطير الدهن في أذنه، وبل الثوب على الجسد، والقبلة وملاعبة النساء
ومباشرتهن، فإن جميع ذلك مكروه وإن لم يفسد الصوم بفعله.
فصل
في ذكر أقسام الصوم
الصوم على أقسام خمسة: واجب، وندب، وقبيح، وصوم تأديب، وصوم
إذن.
فالواجب على ضربين: مطلق من غير سبب يوجبه، والآخر ما يجب عند
سبب يوجبه.
فالمطلق من غير سبب صوم شهر رمضان، ولوجوبه ستة شروط: البلوغ،
وكمال العقل، والصحة من المرض، وأن لا يكون مسافرا سفرا يوجب الإفطار، و
من كان حكمه حكم المقيمين من المسافرين وإن كانت امرأة بأن تكون طاهرا
من الحيض. فهذه شروط صحة الأداء.
وأما إذا فات الصوم فلوجوب القضاء ثلاثة شروط: الإسلام لأن من كان
9

كافرا وإن وجب عليه الصوم فإذا لم يصمه وأسلم لم يلزمه القضاء، والثاني
البلوغ، والثالث كمال العقل.
وأما من كان حكمه حكم الحاضرين من المسافرين ويجب عليهم الصوم
فهم عشرة: أولها من نقص سفره عن ثمانية فراسخ، ومن كان سفره معصية لله
تعالى، ومن كان سفره للصيد لهوا وبطرا، ومن كان سفره أكثر من حضره
- وحده ألا يقيم في بلدة عشرة أيام - والمكاري والملاح والراعي، والبدوي،
والذي يدور في أمارته، والذي يدور في تجارته من سوق إلى سوق، والبريد.
فهؤلاء كلهم يجب عليهم الصوم في السفر ولا يجوز لهم الإفطار.
والواجب عند سبب أحد عشر قسما:
أحدها: قضاء ما يفوت من شهر رمضان لعذر من مرض أو سفر أو غيره، قال
الله تعالى ومن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر.
وصوم النذر، لإجماع الأمة على ذلك، ولقوله: أوفوا بالعهود.
وصوم كفارة قتل الخطأ إذا لم يقدر على العتق، قال الله تعالى: ومن قتل
مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة إلى قوله فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين.
وصوم كفارة الظهار لمن لا يقدر على العتق والإطعام والكسوة، قال الله
تعالى: لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان
فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير
رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام.
وصوم كفارة أذى حلق الرأس إذا لم يختر النسك والصدقة، قال الله
تعالى: فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو
نسك.
وصوم جزاء الصيد بحسب جزائه، قال الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا
الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا
عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما.
10

وصوم دم المتعة إذا لم يقدر على الهدي، قال الله تعالى: فمن تمتع بالعمرة
إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا
رجعتم.
وصوم كفارة من أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا من غير عذر، لقول النبي
عليه السلام: من أفطر يوما من شهر رمضان فعليه ما على المظاهر.
وصوم كفارة من أفطر يوما يقضيه من شهر رمضان بعد الزوال إذا لم يطعم
ولم يكس، فإن أطعم كان ذلك لعشرة مساكين أو كسوتهم.
وصوم الاعتكاف، لما روي عنه عليه السلام أنه قال: لا اعتكاف إلا بصوم.
وكفارة من أفطر يوما من شهر رمضان.
وتنقسم واجبات الصوم قسمين: أحدهما يراعى فيه التتابع، والآخر لا يراعى
فيه ذلك.
فما يراعى فيه التتابع على ضربين: أحدهما متى أفطر فيه استأنف، والآخر لا
يوجب ذلك.
فما يوجب الاستئناف على كل حال: فصوم كفارة اليمين، وصوم
الاعتكاف، وصوم كفارة من أفطر يوما يقضيه من شهر رمضان بعد الزوال.
وما لا يوجب الاستئناف على كل حال على ضربين: أحدهما يوجب البناء،
والآخر يوجب الاستئناف.
فما يوجب البناء: فكل من وجب عليه صوم شهرين متتابعين إما في قتل
خطأ أو كفارة ظهار أو كفارة إفطار يوم من شهر رمضان، أو وجب عليه صوم
شهرين متتابعين بنذر، فمتى صام شهرا ومن الثاني شيئا فإنه يبني، وإن كان قد
ترك الأفضل، وإن لم يكن صام شهرا ولم يزد عليه فإنه يستأنف على كل حال،
وكذلك من وجب عليه صوم شهر متتابع إما بالنذر أو يكون مملوكا ولزمه
ذلك في قتل الخطأ أو غير ذلك، فإنه إن صام خمسة عشر يوما ثم أفطر بنى وإن
كان دون ذلك استأنف إلا أن يكون لمرض أو حيض، وصوم ثلاثة أيام في دم
11

المتعة إن صام يوما ثم أفطر بنى، وإن صام يوما واحدا استأنف. هذا إذا أفطر من
غير عذر، وأما إن أفطر لمرض أو حيض أو عذر فإنه يبني على كل حال.
وما لا يراعى فيه التتابع: فمثل قضاء رمضان، وصوم جزاء الصيد، وصوم
النذر إذا لم يشترط التتابع، وصوم السبعة أيام في دم المتعة.
وفي الصوم ما يجب بإفطاره متعمدا من غير عذر قضاء وكفارة، ومنه ما لا
يجب ذلك فيه: فالأول صوم شهر، رمضان إذا أفطر بعد الزوال، وصوم
الاعتكاف. وما عدا ذلك من الأنواع متى أفطر لا تلزمه كفارة.
وينقسم صوم الواجب ثلاثة أقسام: أحدها مرتب، والآخر مخير، والثالث
مضيق.
فالمرتب: كفارة اليمين لأنه لا يجوز إلا بعد العجز عن العتق والإطعام
والكسوة، وصوم كفارة قتل الخطأ والظهار فإنه لا يجوز إلا بعد العجز عن العتق
وصوم دم الهدي فإنه لا يجوز إلا بعد العجز عن الهدي.
والمخير: كفارة أذى حلق الرأس فإنه مخير بين النسك والصدقة والصوم،
وكفارة من أفطر يوما من شهر رمضان بلا عذر على خلاف بين الطائفة في
تخييره، وصوم كفارة من أفطر يوما يقضيه من شهر رمضان بعد الزوال، وكذلك
صوم جزاء الصيد فإنه مخير في جميع ذلك.
والمضيق: صوم شهر رمضان، وصوم قضاء شهر رمضان، وصوم النذر،
وصوم الاعتكاف.
وأما المندوب من الصوم فجميع أيام السنة إلا العيدين وأيام التشريق لمن
كان بمنى، إلا أن بعضه أفضل من بعض:
منها: صوم الثلاثة أيام في كل شهر: أول خميس في العشر الأول، وأول
أربعاء في العشر الثاني: وآخر خميس في العشر الأخير.
وصوم الأربعة أيام في السنة، مثل يوم الغدير وهو الثامن عشر من
ذي الحجة، ويوم السابع عشر من شهر ربيع الأول فيه مولد النبي عليه السلام
12

، ويوم السابع والعشرين من رجب فيه مبعث النبي عليه السلام، ويوم
الخامس والعشرين من ذي القعدة فيه دحيت الأرض من تحت الكعبة، وأول يوم
من رجب، ورجب كله، وشعبان، وأيام البيض من كل شهر وهو الثالث عشر
والرابع عشر والخامس عشر.
وصوم يوم عرفة لمن لا يضعفه عن الدعاء، وصوم يوم عاشوراء على وجه
الحزن والمصيبة لما حل بأهل بيت الرسول عليه السلام.
وأما الصوم القبيح: فهو يوم العيدين، ويوم الشك على أنه من شهر رمضان،
وأيام التشريق لمن كان بمنى ومن كان بالأمصار جاز له صومهن، وصوم الصمت
وهو أن لا يتكلم، وصوم الوصال كذلك يجعل عشاءه سحوره أو يطوي يومين،
وصوم نذر المعصية، وصوم الدهر لأنه يدخل فيه العيدان.
وأما صوم التأديب: فمثل المسافر إذا قدم على أهله في بعض النهار أمسك
بقية نهاره تأديبا، وكذلك الحائض إذا طهرت في وسط النهار، والمريض إذا برأ،
والصبي إذا بلغ، والكافر إذا أسلم. فإن هؤلاء كلهم يمسكون بقية نهارهم تأديبا
وكان عليهم القضاء لذلك اليوم.
وأما صوم الإذن: فالمرأة لا تصوم تطوعا إلا بإذن زوجها، وكذلك
المملوك لا يصوم تطوعا إلا بإذن سيده، وكذلك الضيف إلا بإذن مضيفه.
فصل
في حكم المريض والعاجز عن الصيام
كل مريض يغلب معه الظن أنه إذا صام أدى إلى تلف النفس أو زاد في
المرض زيادة بينة فلا يجوز معه الصوم، وإن صامه لم يجزئه وكان عليه القضاء.
والمريض لا يخلو من ثلاثة أحوال: أما أن يموت من مرضه، أو يبرأ، أو
يستمر به المرض إلى رمضان آخر.
فإن مات من مرضه يستحب لوليه القضاء عنه، وليس ذلك بواجب.
13

وإن برأ وجب عليه القضاء بنفسه، فإن لم يقض ومات وجب على وليه
القضاء عنه. والولي هو أكبر أولاده الذكور دون الإناث، فإن كانوا جماعة في
سن واحد كان عليهم القضاء، أو يكفل به بعضهم ويقوم به فيسقط عن الباقين.
وإن لم يمت وكان في عزمه القضاء من غير توان ولحقه رمضان آخر صام
الثاني وقضى الأول ولا كفارة عليه، وإن أخره توانيا صام الحاضر وقضى الأول
وتصدق عن كل يوم بمدين من طعام، فإن لم يقدر فبمد واحد.
وإن لم يبرأ حتى لحقه رمضان آخر صام الحاضر وتصدق عن الأول ولا
قضاء عليه.
وحكم ما زاد على رمضانين حكمهما سواء، وكل صوم وجب عليه فتوانى
عنه ومات تصدق عنه وليه أو يصوم عنه كذلك.
والعاجز عن الصيام نوعان: أحدهما يكفر مع القضاء، والآخر يكفر بلا
قضاء.
فالأول: الحامل المقرب التي تخاف على الولد، والمرضعة القليلة اللبن مثل
ذلك، ومن به عطاش يرجى زواله. فهؤلاء يكفرون ويفطرون وعليهم القضاء.
والثاني: الشيخ الكبير، والمرأة الكبيرة، ومن به عطاش لا يرجى زواله.
فهؤلاء عليهم كفارة بلا قضاء.
فصل
في حكم المسافر في الصوم والصلاة
قد بينا أن فرض المسافر بخلاف فرض الحاضر في الصلاة، وأما في الصوم
فلا يجوز له أيضا في السفر، ومتى صام لم يجزئه وكان عليه القضاء، سواء كان
الصوم شهر رمضان أو واجبا آخر بأحد الأسباب الموجبة لذلك على ما مضى، إلا
ما يكون نذر فيه أن يصوم مسافرا كان أو حاضرا فإنه يلزمه الوفاء به. وصوم
الثلاثة أيام لدم المتعة، لأنها تصام في ذي الحجة. وما عدا ذلك من أنواع الصوم
14

فلا يجوز في السفر، وإن صامه كان عليه القضاء.
هذا إذا جمع السفر شروطا ثلاثة: أحدها لا يكون قبيحا، والثاني أن يكون
يريد ثمانية فراسخ أربعة وعشرين ميلا، والثالث أن لا يكون ممن ذكرنا أنه يجب
عليه الصوم والتمام في السفر.
ومن شرط الإفطار تبييت النية للسفر من الليل، فإن لم يبيتها وحدث له رأي
في السفر صام ذلك اليوم ولا قضاء عليه. وإن بيت النية من الليل ولم يتفق له
الخروج إلى بعد الزوال تمم وقضى ذلك اليوم.
ومن خرج إلى السفر لا يفطر حتى تتوارى عنه جدران بلده أو يخفى عليه
أذان مصره.
فصل
في حكم الاعتكاف
الاعتكاف في الشرع عبارة عن اللبث في مكان مخصوص للعبادة،
والمواضع التي يصح الاعتكاف فيها أربعة: المسجد الحرام، ومسجد النبي عليه السلام،
ومسجد الكوفة، ومسجد البصرة.
ولا يصح الاعتكاف إلا بصوم، ولا يكون أقل من ثلاثة أيام.
فإذا اعتكف فلا يجوز له أن يقرب النساء بجماع أو قبلة أو مباشرة بشهوة،
ويجتنب الطيب والجدال والمماراة، ويجتنب البيع والشراء ولا يخرج من
المسجد إلا لضرورة، ولا يمشي تحت الظلال مختارا ولا يقعد في غير المسجد
الذي اعتكف فيه إلا بمكة فإنه يصلي أي موضع شاء منها.
وإذا مرض المعتكف أو حاضت المرأة خرجا من المسجد الذي اعتكفا فيه،
فإذا برئا أعادا الاعتكاف والصوم.
ومتى جامع المعتكف نهارا لزمته كفارتان مثل ما يلزم المفطر في شهر
رمضان: إحديهما لأجل الصوم، والثانية لأجل الاعتكاف. وإن وطئ ليلا كان
15

عليه كفارة واحدة لحرمة الاعتكاف.
16

الخلاف
تأليف شيخ الطائفة
أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (قدس سره)
385 - 460 ه‍. ق
17

كتاب الصوم
مسألة 1: قوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب
على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياما معدودات ".
من أصحابنا من قال: إنما عني به عشرة أيام من المحرم، وكان الفرض
التخيير بين الصوم والإطعام، ثم نسخ بقوله: شهر رمضان الذي - إلى قوله - فمن
شهد منكم الشهر فليصمه، فحتم على الصوم لا غير.
وقال الشافعي: المراد بالآية شهر رمضان، إلا أنه نسخ فرض التخيير إلى
التضييق.
وقال معاذ: المراد به غير شهر رمضان، وهو ثلاثة أيام في كل شهر كان هذا
فرض الناس حين قدم النبي صلى الله عليه وآله المدينة، ثم نسخ بشهر رمضان.
والذي قاله الشافعي أقرب إلى الصواب، لأن ظاهر الأمر فيها، وليس فيها أنه
كان غير شهر رمضان.
وأما التخيير الذي فيها فهو منسوخ بلا خلاف في شهر رمضان، فينبغي أقل
ما في هذا الباب أن يتوقف في المراد بالآية، ويعتقد أنه إذا كان الفرض غير شهر
رمضان فهو منسوخ به، وإن كان المراد به شهر رمضان فقد نسخ التخيير فيها بلا
خلاف.
19

مسألة 2: الصوم لا يجزئ من غير نية، فرضا كان أو نفلا، شهر رمضان
كان أو غيره، سواء كان في الذمة أو متعلقا بزمان بعينه. وبه قال جميع الفقهاء
إلا زفر، فإنه قال: إذا تعين عليه رمضان على وجه لا يجوز له الفطر، وهو إذا كان
صحيحا مقيما أجزأه من غير نية، فإن لم يتعين عليه بأن يكون مريضا أو مسافرا أو
كان الصوم في الذمة كالنذر والقضاء والكفارات، فلا بد فيه من النية، وروي هذا
عن مجاهد.
دليلنا: قوله تعالى: وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه
الأعلى، فنفى المجازاة على كل نعمة إلا ما يبتغي به وجهه والابتغاء بها وجهه هو
النية.
وأيضا فلا خلاف أنه إذا نوى أن صومه صحيح مجز، وليس على قول من
قال إذا لم ينو أنه يجزئ دليل.
وأيضا قوله عليه السلام الأعمال بالنيات، ونحن نعلم أنه إنما أراد به كونها
شرعية مجزئة دون وقوع جنس الأفعال، لأنه لو أراد ذلك لكان كذبا.
مسألة 3: الصوم على ضربين: مفروض ومسنون، والمفروض على
ضربين: ضرب يتعين صومه، كصوم شهر رمضان، وصوم النذر المعين بيوم
مخصوص. فما هذا حكمه يجوز فيه تجديد النية إلى قبل الزوال. وبه قال
أبو حنيفة. ويجزئ في صوم شهر رمضان نية واحدة من أول الشهر إلى آخره، وبه
قال مالك.
وما لا يتعين، بل يجب في الذمة، مثل النذر الواجب في الذمة، والكفارات،
وقضاء شهر رمضان وما أشبه ذلك، فلا بد فيه من تجديد النية لكل يوم، ويجزئ
ذلك إلى قبل الزوال.
وقال الشافعي: لا بد من أن ينوي لكل يوم من ليله، سواء وجب ذلك
شرعا أو نذرا، كصيام شهر رمضان، والنذر، والكفارات، وسواء تعلق بزمان بعينه
20

كصوم رمضان، أو نذر زمان بعينه، أو كان في الذمة كالنذور المطلقة، والقضاء،
والكفارات، وبه قال مالك وأحمد، إلا أن مالكا قال: إذا نوى شهر رمضان في أول
ليلة للشهر كله أجزأه، كما قلناه.
وقال أبو حنيفة: إن كان متعلقا بالذمة كقول الشافعي، وإن كان متعلقا
بزمان بعينه كصوم رمضان والنذر المعين أجزأه أن ينوي لكل يوم قبل الزوال.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
وأيضا قوله: فمن شهد منكم الشهر فليصمه، ولم يذكر مقارنة النية له.
وروي أن النبي صلى الله عليه وآله بعث إلى أهل السواد في يوم عاشوراء
وقال: من لم يأكل فليصم، ومن أكل فليمسك بقية نهاره وكان صيام عاشوراء
واجبا.
وروي مثل ما قلناه عن علي عليه السلام وابن مسعود.
مسألة 4: الصوم المعين على ضربين: أحدهما شهر رمضان، فيجزئ فيه نية
القربة، ولا تجب فيه نية التعيين، فلو نوى صوما آخر نفلا أو قضاء وقع عن شهر
رمضان، وإن كان التعيين بيوم مثل النذر يحتاج إلى نية معينة.
وأما الصوم الواجب في الذمة، مثل قضاء رمضان، أو الصوم في النذر غير
المعين، أو غيره من أنواع الصوم الواجب، وكذلك صوم النفل، فلا بد في
جميع ذلك من نية التعيين ونية القربة، ويكفي أن ينوي أنه يصوم متقربا به إلى
الله تعالى، وإن أراد الفضل نوى أنه يصوم غدا يوما من شهر رمضان.
ونية التعيين هو أن ينوي الصوم الذي يريده، ويعينه بالنية.
وقال الشافعي: في جميع ذلك لا بد فيه من نية التعيين، وهو أن ينوي أنه
يصوم غدا من رمضان فريضة، ومتى أطلق النية ولم يعين أو نوى عن غيره
كالنذر والكفارات والتطوع لم يقع عن رمضان ولا عما نوى، سواء كان في
السفر أو في الحضر.
21

وقال أبو حنيفة: إن كان الصوم في الذمة، كما قلناه.
وقال الشافعي: وإن كان متعلقا بزمان بعينه كالنذر وشبهه وشهر رمضان لم
يخل حاله في رمضان من أحد أمرين: إما أن يكون حاضرا أو مسافرا.
فإن كان حاضرا لم يفتقر إلى تعيين النية، فإن نوى مطلقا أو تطوعا أو نذرا
أو كفارة، وقع عن رمضان وعن أي شئ نوى، انصرف إلى رمضان.
وإن كان في السفر نظرت، فإن نوى مطلقا وقع عن رمضان، وإن نوى نذرا
أو كفارة، وقع عما نوى له، وإن نوى نفلا ففيه روايتان:
أحدهما: يقع عما نوى له كما لو نوى نذرا.
والثاني: عن شهر رمضان كما لو أطلق.
وقال أبو يوسف ومحمد: عن أي شئ نوى في رمضان وقع عن رمضان
في سفر كان أو في حضر، وأجروه في السفر على ما أجراه أبو حنيفة في الحضر.
دليلنا: قوله تعالى: فمن شهد منكم الشهر فليصمه، فأمره بالإمساك، وهذا
فقد أمسك فوجب أن يجزيه.
وأيضا تعيين النية يحتاج في الموضع الذي يجوز أن يقع الصوم على
وجهين، فأما إذا لم يصح أن يقع إلا شهر رمضان فلا يحتاج إلى تعيين النية، كرد
الوديعة.
وأما في حال السفر فعندنا لا يجوز أن يصومه على حال، بل فرضه الإفطار،
فإن نوى نافلة، أو نذرا كان عليه، أو كفارة احتاج إلى تعيين النية، ويقع عما
ينويه، لأن هذا زمان يستحق فيه الإفطار، فجاز أن ينوي فيه صيام يوم يريده، لأنه
لا مانع منه.
هذا على قول من أجاز صوم النافلة في السفر على ما نختاره، فأما إذا منعنا
منه، فلا يصح هذا الصوم على حال.
مسألة 5: وقت النية من أول الليل إلى طلوع الفجر، أي وقت نوى أجزأه،
22

ويضيق عند طلوع الفجر، هذا مع الذكر. فأما إذا فاتت ناسيا جاز تجديدها إلى
عند الزوال.
وأجاز أصحابنا في نية القربة في شهر رمضان خاصة أن تتقدم على الشهر
بيوم وأيام فأما نية التعيين فعلى ما بيناه أولا.
وقال الشافعي: وقت الوجوب قبل طلوع الفجر الثاني لا يجوز أن يتأخر
عنه، فإذا بقي من الليل قدر نية فقط فقد تضيق عليه، كما إذا بقي من وقت الظهر
قدر أربع ركعات تعينت عليه، قال فإن وافق انتهاء النية مع انتهاء الليل أجزأه،
وإن ابتدأ بالنية قبل طلوعه فطلع الفجر قبل إكمالها لم يجزئه.
وأما وقت الجواز ففيها ثلاثة أوجه: ظاهر المذهب أن وقتها ما بين غروب
الشمس وطلوع الفجر الثاني، أي وقت أتى بها فيه أجزأه، وبه قال أبو العباس
وأبو سعيد وغيرهما.
وفيهم من قال: وقتها بعد نصف الليل، فإن نوى قبل النصف لم يجزئه.
وقال أبو إسحاق: وقت النية أي وقت شاء من الليل، ولكن بعد أن لا يفعل
بعدها ما ينافيها، مثل أن ينام بعدها ولا ينتبه حتى يطلع الفجر، فإن انتبه قبل
طلوع الفجر، أو أكل أو شرب أو جامع، فعليه تجديد النية.
وحكي أن أبا سعيد الإصطخري لما بلغته هذه المقالة قال: يستتاب من قال
هذا، فإن تاب وإلا قتل، لأنه خالف إجماع المسلمين.
دليلنا: إجماع الأمة، فإن خلاف أبي إسحاق شاذ لا يلتفت إليه، وعليه
إجماع الطائفة لا يختلفون فيه.
مسألة 6: يجوز أن ينوي صيام النافلة نهارا، ومن أصحابنا من أجازه إلى
عند الزوال، وهو الظاهر في الروايات، ومنهم من أجازه إلى آخر النهار ولست
أعرف به نصا.
وقال الشافعي: يجوز ذلك قبل الزوال قولا واحدا، وبعد الزوال فيه قولان:
23

قال في الحرملة: يجزئ، وقال في الأم: لا يجوز بعد الزوال، وبه قال أبو حنيفة
وأصحابه وأحمد بن حنبل.
وقال مالك: لا يجوز حتى ينوي له ليلا كالفرض سواء، وبه قال المزني.
وروي ذلك عن جابر بن زيد في التابعين، وفي الصحابة عن ابن مسعود،
وحذيفة بن اليمان، وأبي طلحة، وأبي الدرداء، وأبي أيوب الأنصاري.
دليلنا: إجماع الفرقة، فإنهم لا يختلفون فيما قلناه إلا الخلاف الشاذ الذي
لا يستند إلى رواية.
وروى عكرمة قال: قالت عائشة: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وآله
قال: عندك شئ؟ قلت: لا فقال: إذن أصوم. ودخل علي يوما آخر فقال:
عندك شئ؟ قلت: نعم قال: إذن أطعم وإن كنت قد فرضت الصوم.
فوجه الدلالة أنه قال: إذن أصوم يعني أبتدأ الصوم وأستأنفه فإن إذن في
كلام العرب لهذا المعنى.
وأيضا روي أن النبي صلى الله عليه وآله بعث إلى أهل العوالي يوم عاشوراء
فقال: من لم يأكل فليصم، ومن أكل فليمسك بقية النهار.
مسألة 7: إذا نوى بالنهار يكون صائما من أوله لا من وقت تجديد النية.
وبه قال أكثر أصحاب الشافعي.
وقال أبو إسحاق: يكون صائما من وقت تجديد النية، وما قبله يكون إمساكا
لا صوما يثاب عليه.
دليلنا: إجماع الفرقة، فإنهم لا يختلفون في أنه يكون صائما صوما شرعيا،
والصوم الشرعي لا يكون إلا من أوله.
مسألة 8: علامة شهر رمضان ووجوب صومه أحد شيئين: إما رؤية الهلال
أو شهادة شاهدين، فإن غم عد شعبان ثلاثين يوما ويصام بعد ذلك بنية الفرض.
24

فأما العدد والحساب فلا يلتفت إليهما، ولا يعمل بهما، وبه قالت الفقهاء أجمع.
وحكوا عن قوم شذاذ أنهم قالوا: يثبت بهذين وبالعدد، فإذا أخبر ثقات من
أهل الحساب والعلم والنجوم بدخول الشهر وجب قبول قولهم.
وذهب قوم من أصحابنا إلى القول بالعدد، وذهب شاذ منهم إلى القول
بالجدول.
دليلنا: الأخبار المتواترة عن النبي صلى الله عليه وآله وعن الأئمة صلوات
الله عليهم ذكرناها في تهذيب الأحكام، وبينا القول فيما يعارضها من شواذ
الأخبار.
وأيضا قوله تعالى: يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج، فبين
أن الأهلة يعرف بها مواقيت الشهور والحج، ومن ذهب إلى الحساب والجدول لا
يراعى الهلال أصلا، وذلك خلاف القرآن.
مسألة 9: صوم يوم الشك يستحب بنية شعبان، ويحرم صومه بنية
رمضان، وصومه من غير نية أصلا لا يجزئ عن شئ.
وذهب الشافعي إلى أنه يكره أفراده بصوم التطوع من شعبان، أو صيامه
احتياطا لرمضان، ولا يكره إذا كان متصلا بما قبله من صيام الأيام.
وكذلك لا يكره أن يصومه إذا وافق عادة له في مثل ذلك، أو يوم نذر أو
غيره. وحكي أن به قال في الصحابة علي عليه السلام وعمر، وابن مسعود، وعمار
بن ياسر، وفي التابعين الشعبي، والنخعي، وفي الفقهاء مالك، والأوزاعي.
وقالت عائشة وأختها أسماء: لا يكره بحال.
وقال الحسن وابن سيرين: إن صام إمامه صام، وإن لم يصم إمامه لم يصم.
وقال ابن عمر: إن كان صحوا كره، وإن كان غيما لم يكره، وبه قال أحمد
بن حنبل.
وقال أبو حنيفة: إن صامه تطوعا لم يكره، وإن صامه على سبيل التحرز
25

لرمضان حذرا أن يكون منه فهذا مكروه.
دليلنا: إجماع الطائفة، والأخبار التي رويناها في الكتاب المقدم ذكره.
وروي عن علي عليه السلام أنه قال: لأن أصوم يوما من شعبان أحب إلي من
أن أفطر يوما من رمضان.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: الصوم جنة من النار، ولم
يفرق.
مسألة 10: إذا رأى الهلال قبل الزوال أو بعده فهو لليلة المستقبلة دون
الماضية. وبه قال جميع الفقهاء.
وذهب قوم من أصحابنا إلى أنه إن رئي قبل الزوال فهو لليلة الماضية وإن
رئي بعده فهو لليلة المستقبلة. وبه قال أبو يوسف.
دليلنا: الأخبار التي رويناها في الكتاب المقدم ذكره، وبينا القول في
الرواية الشاذة.
وأيضا قول النبي صلى الله عليه وآله: إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه
فأفطروا، وهذا رآه بالنهار، فينبغي أن يكون صومه وفطره من الغد، لأنه إن صام
ذلك اليوم فيكون قد صام قبل رؤية الهلال.
وأيضا روي ذلك عن علي عليه السلام وعمر، وابن عمر، وأنس وقالوا
كلهم: لليلة القابلة، ولا مخالف لهم يدل على أنه إجماع الصحابة.
مسألة 11: لا يقبل في رؤية هلال رمضان إلا شهادة شاهدين، فأما الواحد
فلا يقبل منه هذا مع الغيم، وأما مع الصحو فلا يقبل إلا خمسون قسامة، أو اثنان
من خارج البلد.
وللشافعي قولان:
أحدهما: مثل ما قلناه من اعتبار الشاهدين، وبه قال مالك، والأوزاعي،
26

والليث بن سعد وسواء كان صحوا أو غيما.
والآخر: أنه يقبل شهادة واحد، وعليه أكثر أصحابه، وبه قال في الصحابة
عمر، وابن عمر، وحكوه عن علي عليه السلام، وبه قال في الفقهاء أحمد بن
حنبل.
وقال أبو حنيفة: إن كان يوم غيم قبلت شاهدا واحدا، وإن كان صحوا لم
يقبل إلا التواتر فيه والخلق العظيم.
دليلنا: إجماع الطائفة، والأخبار التي ذكرناها في الكتابين المقدم
ذكرهما.
وأيضا فلا خلاف أن الشاهدين يقبلان، ولم يقم دليل على وجوب قبول
الواحد.
وروى عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب قال: أنا صحبنا أصحاب النبي صلى الله عليه وآله،
وتعلمنا منهم، وأنهم حدثونا أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال:
صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن أغمي عليكم فعدوا ثلاثين، فإن شهد ذوا عدل
فصوموا وأفطروا وانسكوا، ذكره الدارقطني.
مسألة 12: لا يقبل في هلال شوال إلا شاهدان. وبه قال جميع الفقهاء.
وقال أبو ثور: يثبت بشاهد واحد.
دليلنا: الإجماع، فإن أبا ثور لا يعتد به، ومع ذلك فقد انقرض خلافه، وسبقه
الإجماع.
وأيضا فإن بشهادة الشاهدين يجوز الإفطار بلا خلاف، وليس على قول من
أجاز ذلك بواحد دليل.
مسألة 13: من أصبح جنبا في شهر رمضان ناسيا تمم صومه ولا شئ عليه
وإن أصبح كذلك متعمدا من غير عذر بطل صومه وعليه قضاؤه وعليه الكفارة.
27

وقال جميع الفقهاء: تمم صومه ولا شئ عليه ولا قضاء ولا كفارة.
وقال أبو هريرة لا يصح صومه، وبه قال الحسن بن صالح بن حي، وهذا
مثل ما قلناه إلا أني لا أعلم هل يوجبان الكفارة أم لا.
دليلنا: إجماع الفرقة، فإنهم لا يختلفون فيه، وأيضا فإذا قضى وكفر برئت
ذمته بلا خلاف وإذا لم يفعله لم تبرأ ذمته بيقين.
وروى أبو هريرة قال: من أصبح جنبا فلا صوم له، ما أنا قلته قال محمد و
رب الكعبة.
مسألة 14: إذا شك في طلوع الفجر وجب عليه الامتناع من الأكل، فإن
أكل ثم تبين له أنه كان طالعا كان عليه القضاء، وكذلك إن شك في دخول
الليل فأكل ثم تبين أنه ما كان غابت الشمس كان عليه القضاء. وبه قال جميع
الفقهاء.
وقال الحسن وعطاء: لا قضاء عليه.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا قوله تعالى: أتموا الصيام إلى الليل، وهذا لم
يصم إلى الليل، فوجب عليه القضاء.
مسألة 15: يجوز له الجماع إذا بقي من طلوع الفجر مقدار ما يغتسل فيه
من الجنابة، فإن لم يعلم ذلك وظن أن الوقت باق فجامع، فطلع عليه الفجر
نزع وكان عليه القضاء دون الكفارة، فإن لم ينزع وأولج كان عليه القضاء
والكفارة. فأما إذا كان عالما بقرب الفجر، فجامع فطلع الفجر عليه، كان عليه
القضاء والكفارة.
وقال الشافعي وأصحابه: إذا أولج قبل طلوع الفجر فوافاه الفجر مجامعا فيه
مسألتان: إحديهما أن يقع النزع والطلوع معا، والثاني إذا لم ينزع.
فالأولى: إذا وافاه الفجر مجامعا، فوقع النزع والطلوع معا، وهو أنه جعل
28

ينزع وجعل الفجر يطلع لم يفسد صومه، ولا قضاء ولا كفارة. وبه قال
أبو حنيفة.
وقال زفر والمزني: أفسد صومه، وعليه القضاء بلا كفارة.
وأما الثانية: إذا وافاه الفجر مجامعا فتمكث أو تحرك لغير إخراجه، فلا
فصل بين هذا وبين من وافاه الفجر فابتدأ بالإيلاج مع ابتداء الطلوع حتى وقع
الإيلاج والطلوع معا.
فإن كان جاهلا بالفجر فعليه القضاء بلا كفارة.
وليس على قولهم جماع يمنع من صوم بلا كفارة إلا هذا، ولا من أكل مع
الجهل أفسد الصوم إلا هذا.
فإن كان عالما به أفسد الصوم وعليه الكفارة.
وقال أبو حنيفة: عليه القضاء بلا كفارة.
وقال أصحاب أبي حنيفة: لأن صومه ما انعقد، فالجماع لم يفسد صوما
منعقدا فلا كفارة.
وقال أصحاب الشافعي: المذهب أن الصوم لم ينعقد، وأن الكفارة إنما
وجبت بجماع منع الانعقاد.
دليلنا: إجماع الفرقة على أن من أصبح جنبا متعمدا من غير ضرورة لزمه
القضاء والكفارة، وفي المسألتين معا قد أصبح جنبا متعمدا، فوجب أن يلزم
القضاء والكفارة.
فأما إذا لم يعلم، فليس عليه شئ، لأنه لو فعل ذلك نهارا لم يلزمه شئ بلا
خلاف بين الطائفة.
مسألة 16: إذا خرج من بين أسنانه ما يمكنه التحرز منه، ويمكنه أن يرميه
فابتلعه عامدا كان عليه القضاء. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: لا شئ عليه ولا قضاء.
29

دليلنا: أنه ابتلع ما يفطر، فوجب أن يفطره، لأنه لو تناول ابتداء ذلك
المقدار لأفطره بلا خلاف.
وأيضا فإنه ممنوع من الأكل وهذا أكل.
مسألة 17: غبار الدقيق، والنفض الغليظ حتى يصل إلى الحلق يفطر،
ويجب منه القضاء، والكفارة متى تعمد.
ولم يوافق عليه أحد من الفقهاء، بل أسقطوا كله القضاء والكفارة معا.
دليلنا: الأخبار التي بيناها في الكتاب الكبير وطريقة الاحتياط، لأن مع ما
قلناه تبرأ الذمة بيقين، وفي الإخلال به خلاف.
مسألة 18: إذا بلع الريق قبل أن ينفصل من فيه لا يفطر بلا خلاف،
وكذلك إن جمعه في فيه ثم بلعه لا يفطر. فإن انفصل من فيه، ثم عاد إليه أفطر.
ووافقنا الشافعي في الأولى والأخيرة، وأما الثانية وهي الذي يجمع في فيه ثم
يبلعه له فيها وجهان: أحدهما مثل ما قلناه، والآخر يفطر، وكذلك القول في
النخامة.
دليلنا: أن الصوم إذا كان صحيحا وجب أن لا يحكم بفساده إلا بدليل،
وليس في الشرع ما يدل على أن ما ذكره يفطر.
مسألة 19: إذا تقيا متعمدا وجب عليه القضاء بلا كفارة، فإن ذرعه القئ
فلا قضاء عليه أيضا، وهو المروي عن علي عليه السلام، وعبد الله بن عمر، وبه قال
أبو حنيفة، والشافعي، ومالك، والثوري، وأحمد، وإسحاق.
وقال ابن مسعود وابن عباس: لا يفطره على حال وإن تعمد.
وقال عطاء وأبو ثور: إن تعمد القئ أفطر وعليه القضاء والكفارة، وإن ذرعه
لم يفطر وأجرياه مجرى الأكل عامدا.
30

دليلنا: إجماع الطائفة والأخبار التي رويناها في الكتاب الكبير وطريقة
الاحتياط تقتضيه أيضا، فإنه إذا قضى برئت ذمته بيقين، فأما إيجاب الكفارة فلا
دليل عليه والأصل براءة الذمة.
وروى أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من ذرعه قئ وهو
صائم فليس عليه قضاء، وإن استقيا فليقض.
مسألة 20: إذا أصبح يوم الشك وهو يوم الثلاثين من شعبان، ويعتقد أنه
من شعبان بنية الإفطار، ثم بان أنه من شهر رمضان لقيام بينة عليه قبل الزوال،
جدد النية وصام، وقد أجزأه. وإن بان بعد الزوال أمسك بقية النهار وكان عليه
القضاء. وبه قال أبو حنيفة.
وقال الشافعي: يمسك وعليه القضاء على كل حال.
واختلفوا إذا أمسك هل يكون صائما أم لا؟
قال الأكثر أنه يجب عليه الإمساك ولا يكون صائما.
وقال أبو إسحاق: يكون صائما من الوقت الذي أمسك صوما شرعيا.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 21: إذا نوى أن يصوم غدا من شهر رمضان فرضة أو نفلة، فقال
أنه إن كان من رمضان فهو فرض، وإن لم يكن من رمضان فهو نافلة أجزأه ولا
يلزمه القضاء.
وقال الشافعي: لا يجزئه وعليه القضاء.
دليلنا: ما قدمناه من أن شهر رمضان يجزئ فيه نية القربة، ونية التعيين
ليست شرطا في صحة الصوم، وهذا قد نوى القربة وإنما لم يقطع على نية التعيين
فكان صومه صحيحا.
31

مسألة 22: إذا كان ليلة الثلاثين، فنوى إن كان غدا من رمضان فهو صائم
فرضا أو نفلا، أو نوى إن كان من رمضان فهو فرض وإن لم يكن فهو نفل أجزأه.
وقال الشافعي في الموضعين: أنه لا يجزئ.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 23: إذا عقد النية ليلة الشك على أن يصوم من رمضان من غير
أمارة من رؤية أو خبر من ظاهره العدالة، فوافق شهر رمضان أجزأه، وقد روي أنه
لا يجزئه.
وإن صامه بأمارة من قول من ظاهره العدالة من الرجال أو المراهقين دون
المنجمين فإنه يجزئه أيضا.
وقال أصحاب الشافعي في الأولى: أنه لا يجزئه، وفي المسألة الثانية قال
أبو العباس بن سريج: إن صام بقول بعض المنجمين وأهل الحساب أجزأه.
دليلنا: ما قدمناه من إجماع الفرقة وأخبارهم على أن من صام يوم الشك
أجزأه عن شهر رمضان، ولم يفرقوا.
ومن قال من أصحابنا: لا يجزئه، تعلق بقوله: أمرنا بأن نصوم يوم الشك
بنية أنه من شعبان، ونهينا أن نصومه من رمضان، وهذا صامه بنية رمضان، فوجب
أن لا يجزئه لأنه مرتكب للنهي، وذلك يدل على فساد المنهي عنه.
مسألة 24: إذا كان شاكا في الفجر فأكل وبقى على شكه لا يلزمه القضاء.
وبه قال الشافعي.
وقال مالك: يلزمه القضاء.
دليلنا: قوله تعالى: وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من
الخيط الأسود من الفجر، وهذا لم يتبين بعد.
32

مسألة 25: من جامع في نهار رمضان متعمدا من غير عذر وجب عليه
القضاء والكفارة. وبه قال أبو حنيفة، والشافعي، ومالك، والأوزاعي، والثوري،
وأصحاب أبي حنيفة.
قال الليث بن سعد والنخعي: لا كفارة عليه.
دليلنا: إجماع الفرقة، والأخبار الواردة التي ذكرناها.
وأيضا إذا فعل ذلك برئت ذمته بيقين، وإذا لم يفعل ففي براءتها خلاف.
وروى أبو هريرة قال: أتى رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا رسول
الله هلكت فقال: ما شأنك؟ فقال: وقعت على امرأتي في شهر رمضان، فقال:
تجد ما تعتق رقبة؟ قال: لا، قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال:
لا، قال: هل تستطيع أن تطعم ستين مسكينا؟ قال: لا، قال: اجلس فأتى النبي صلى الله عليه وآله
بعذق فيه تمر، فقال: تصدق به، فقال يا رسول الله ما بين
لابتيها أهل بيت أفقر منا، قال: فضحك النبي صلى الله عليه وآله حتى بدا ثناياه
فأطعمه إياهم.
مسألة 26: يجب بالجماع كفارتان: إحديهما على الرجل والثانية على
المرأة إن كانت مطاوعة له، فإن استكرهها كان عليه كفارتان.
وقال الشافعي في القديم والأم: كفارة واحدة، وعليه أصحابه وبه يفتون.
وهل عليه أم عليها ويتحملها الزوج، على وجهين. وقال في الإملاء: كفارتان على
كل واحد منهما كفارة كاملة من غير تحمل، وبه قال مالك وأبو حنيفة.
دليلنا: إجماع الفرقة، فإنهم لا يختلفون في ذلك.
وأيضا الأخبار المروية في هذا الباب ذكرناها في الكتاب المقدم ذكره.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: من أفطر في رمضان فعليه مثل
ما على المظاهر، وهذا نص وهذه قد أفطرت.
33

مسألة 27: إذا وطأها نائمة أو أكرهها قهرا على الجماع لم تفطر هي، وعليه
كفارتان.
وللشافعي فيه قولان حسب قوله في لزوم كفارة واحدة أو كفارتين.
وإن كان إكراه تمكين مثل أن يضربها فتمكنه فقد أفطرت غير أنه لا يلزمها
الكفارة وكان عليه ذلك وله في إفطارها وجهان ولا يختلف قوله في أنه ليس
عليها كفارة.
دليلنا: على الأول إجماع الفرقة على أنه إذا أكرهها فعليه كفارتان لا
يختلفون فيه، فأما إذا لم يكن أكرهها ملجأ فإنها تكون مفطرة ولزمها القضاء.
وأما الكفارة فلعموم قولهم: لا كفارة على المكرهة، ولم يفصلوا بين إكراه
وإكراه، والأصل براءة الذمة.
مسألة 28: إذا زنى بامرأة في رمضان، كان عليه كفارة وعليها كفارة.
ومن أصحابنا من قال: يلزمه ثلاث كفارات، وروي ذلك عن الرضا
عليه السلام.
وقال الشافعي: عليه كفارة وعليها كفارة، ولا يتحملها بالزوجية، لأنها
مفقودة هاهنا، فإيجاب كفارة واحدة عليه ليس فيها خلاف.
وإذا نصرنا الثلاث كفارات، فالمرجع فيه إلى الخبر الذي ذكرناه، وقد
أوردناه في الكتاب المقدم ذكره.
مسألة 29: الكفارة لا تسقط قضاء الصوم الذي أفسده بالجماع، سواء
كفر بالعتق أو بالصوم.
وللشافعي فيه قولان:
أحدهما: يسقط منه القضاء، والآخر: لا يسقط، وعليه أكثر أصحابه سواء
كفر بعتق أو صيام.
34

وقال الأوزاعي: إن كفر بصيام فلا قضاء، لأن الصوم يدخل في الصوم.
دليلنا: إجماع الفرقة، والأخبار التي رويناها عنهم عليه السلام، وطريقة
الاحتياط أيضا تقتضيه.
مسألة 30: إذا عجز عن الكفارة بكل حال يسقط عنه فرضها، واستغفر
الله، ولا شئ عليه.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه.
والثاني: لا يسقط عنه فرضها، ويكون في ذمته أبدا إلى أن يخرج، وهو
الذي اختاره أصحابه.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا قوله تعالى: لا يكلف الله نفسا إلا وسعها،
وقال: لا يكلف الله نفسا إلا ما آتيها، وهذا عاجز، وليس في وسعه الكفارة، ولا
أوتي ذلك.
مسألة 31: إذا أكل وشرب ناسيا لم يفطر، وكذلك الجماع. وبه قال
الشافعي وأصحابه، وهو المروي عن علي عليه السلام، وابن عمر، وأبي هريرة، وبه
قال في الفقهاء الأوزاعي، والثوري، وأبو حنيفة، وأصحابه غير أن أبا حنيفة قال:
القياس أنه يفطر، غير أني لم أفطره استحسانا. فعنده أن العمد والسهو فيما يفسد
من العبادات سواء إلا الصوم فإنه مخصوص بالخبر، فلهذا لم يفطره استحسانا.
وقال ربيعة ومالك: أفطره وعليه القضاء، ولا كفارة.
وقال مالك: هذا في صوم الفرض، فأما التطوع فلا يفطر الناسي.
وقال أحمد: إن أكل ناسيا مثل ما قلناه، وإن جامع ناسيا فعليه القضاء
والكفارة.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا الأصل براءة الذمة، وليس على إيجاب
القضاء والكفارة على الناسي دليل.
35

وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: رفع عن أمتي الخطأ والنسيان
وما استكرهوا عليه.
وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله قال: من صام ثم نسي فأكل
وشرب فليتم صومه ولا قضاء عليه، الله أطعمه وسقاه.
مسألة 32: كفارة من أفطر في شهر رمضان لأصحابنا فيه روايتان:
إحديهما: أنها على الترتيب، مثل كفارة الظهار. العتق أولا ثم الصوم ثم
الإطعام. وبه قال أبو حنيفة وأصحابه، والشافعي والأوزاعي، والليث ابن سعد.
والأخرى: أنه مخير فيها، وبه قال مالك.
وقد ذكرنا الروايتين معا في الكتابين المقدم ذكرهما، فإن رجحنا الترتيب
فبطريقة الاحتياط، وإن رجحنا التخيير فلأن الأصل براءة الذمة وبما رواه
أبو هريرة: أن رجلا أفطر في شهر رمضان، فأمره رسول الله صلى الله عليه وآله
بعتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا، وخبر الأعرابي يقوي
الترتيب.
مسألة 33: كل موضع تجب فيه الكفارة عتق رقبة فإنه يجزئ أي رقبة
كانت، إلا في قتل الخطأ، فإنه لا يجزئ إلا المؤمنة، وبه قال أبو حنيفة.
وقال الشافعي: لا يجزئ إلا المؤمنة في جميع الكفارات.
دليلنا: الظواهر التي وردت في وجوب عتق رقبة، ولم يقيدوها بمؤمنة،
فعلى من قيدها بالإيمان الدليل، لأن الأصل براءة الذمة.
مسألة 34: يستحب أن تكون الرقبة سليمة من الآفات، وليس ذلك
بواجب. وبه قال أبو حنيفة.
وقال الشافعي: لا تجزئ إلا سليمة.
36

دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 35: الصوم في الشهرين يجب أن يكون متتابعا. وبه قال جميع
الفقهاء.
وقال ابن أبي ليلى: إن شاء تابع وإن شاء فرق.
دليلنا: إجماع الفرقة، والأخبار المروية في هذا المعنى، ودليل الاحتياط.
مسألة 36: إذا أطعم فليطعم لكل مسكين نصف صاع، وروي مد سواء
كفر بالتمر، أو بالبر، أو غير ذلك.
وقال أبو حنيفة: إن كفر بالتمر والشعير فعليه لكل مسكين صاع، وإن كان
من البر نصف صاع وعنه في الزبيب روايتان.
دليلنا: إجماع الفرقة على أنه لا زيادة على مدين ولأن الأصل براءة الذمة
ووجوب المدين أو المد قد بينا الوجه فيه فيما أومأنا إليه.
مسألة 37: إذا عملنا بالرواية التي تضمنت الترتيب فتلبس بالصوم ثم وجد
الرقبة لا يجب عليه الانتقال إليها، فإن فعل كان أفضل. وبه قال الشافعي،
وكذلك في سائر الكفارات المرتبة.
وقال أبو حنيفة فيها كلها بوجوب الانتقال إلا في المتمتع إذا تلبس بصوم
السبعة أيام فإنه قال: لا يرجع إلى الهدي.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا فإنه إذا تلبس بالصوم تلبس بما هو فرضه،
فمن أوجب عليه الانتقال إلى فرض آخر فعليه الدلالة.
مسألة 38: إذا أفسد الصوم بالوطئ ثم وطأ بعد ذلك مرة أو مرات لا
يتكرر عليه الكفارة، ولا أعرف فيه خلافا بين الفقهاء، بل نصوا على ما قلنا. وربما
37

قال المرتضى من أصحابنا أنه يجب عليه بكل مرة كفارة.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، والكفارة الأولى مجمع عليها، وما زاد عليها
ليس عليه دليل.
مسألة 39: إذا أكل ناسيا، فاعتقد أنه أفطر، فجامع وجب عليه الكفارة.
وقال الشافعي في الأم: لا كفارة عليه.
دليلنا: أنه وطء في صوم صحيح في شهر رمضان يجب أن تلزمه الكفارة
لدخوله تحت عموم الأخبار الواردة في هذا المعنى.
مسألة 40: إذا باشر امرأته فيما دون الوطء، فأمنى، لزمته الكفارة، سواء
كان قبلة أو ملامسة أو أي شئ كان. وقال مالك مثل ما قلناه.
وقال أبو حنيفة والشافعي: عليه القضاء بلا كفارة.
دليلنا: إجماع الفرقة وطريقة الاحتياط.
مسألة 41: إذا أدخل في دبر امرأة أو غلام كان عليه القضاء والكفارة. وبه
قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة عليه القضاء بلا كفارة.
دليلنا: إجماع الفرقة وطريقة الاحتياط، ولأنا نبني هذه المسألة على
وجوب الحد عليه بالفعل على كل حال، وكل من قال بذلك أوجب عليه
القضاء والكفارة، والذي يدل على ذلك إجماع الفرقة.
وروي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله قال: من عمل عمل قوم
لوط فاقتلوه.
وروي عن أبي بكر أنه يرمى به من شاهق.
وعن علي عليه السلام أنه يرمى عليه حائط ولا مخالف لهما في الصحابة.
38

مسألة 42: إذا أتى بهيمة فأمنى كان عليه القضاء والكفارة. فإن أولج ولم
ينزل فليس لأصحابنا فيه نص، ولكن يقتضي المذهب أن عليه القضاء، لأنه لا
خلاف فيه. وأما الكفارة فلا تلزمه، لأن الأصل براءة الذمة، وليس في وجوبها
دلالة، فأما الحد فلا يجب عليه ويجب عليه التعزير.
وقال أبو حنيفة: لا حد ولا غسل ولا كفارة، وكذلك إذا وطأ الطفلة
الصغيرة.
وقال الشافعي وأصحابه: فيها قولان:
أحدهما: يجب عليه الحد إن كان محصنا الرجم، وإن كان غير محصن
فالحد.
والآخر: عليه القتل على كل حال مثل اللواط.
ومنهم من ألحق به ثالثا، وهو أنه لا حد عليه، وعليه التعزير مثل ما قلناه.
وإذا أوجبوا الحد ألزموه الكفارة وإذا قالوا بالتعزير ففي الكفارة وجهان.
أحدهما: لا كفارة، والثاني: عليه الكفارة.
دليلنا على أنه إذا أمنى أن عليه الكفارة: ما روي عنهم عليه السلام أن من
استمنى حكمه حكم المجامع من وجوب القضاء والكفارة.
فأما إذا لم ينزل فلا دلالة على وجوب الغسل ولا الكفارة، فيجب نفيهما لأن
الأصل براءة الذمة.
مسألة 43: إذا وطأ في يوم من شهر رمضان فوجبت الكفارة، فإن وطأ في
اليوم الثاني فعليه كفارة أخرى سواء كفر عن الأول أو لم يكفر، فإن وطأ ثلاثين
يوما لزمته ثلاثون كفارة. وبه قال مالك، والشافعي، وجميع الفقهاء إلا أبا حنيفة
فإنه قال: إن لم يكفر عن الأول فلا كفارة في الثاني، وإن كفر عن الأول ففي
الثاني روايتان: رواية الأصول أن عليه الكفارة، وروي عنه زفر أنه لا كفارة عليه.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله في من
39

جامع يوما من رمضان يتناول عمومه ذلك لأنه لم يفصل، فعلى من خصه
الدلالة.
مسألة 44: إذا أكل أو شرب أو ابتلع ما يسمى به أكلا لزمه القضاء
والكفارة، مثل ما يلزم الواطئ، سواء كان ذلك في صوم رمضان أو في صوم
النذر.
وقال الشافعي: لا تجب هذه الكفارة إلا بالوطئ في الفرج إذا كان الصوم
تاما، وهو أن يكون أداء شهر رمضان في الحضر، فإن وطأ في غير الفرج أو في
غيره من الصيام من نذر أو كفارة أو قضاء فلا كفارة، وعلى هذا جل أصحابه.
وقال أبو علي بن أبي هريرة: تجب الكفارة الصغرى، وهي مد من طعام
بالأكل والشرب وما يجري مجراهما، وبه قال سعيد بن جبير، وابن سيرين،
وحماد بن أبي سليمان.
وقال مالك: من أفطر بمعصية فعليه الكفارة بأي شئ أفطر من جماع أو
غيره، حتى أنه لو كرر النظر فأمنى فعليه الكفارة.
وقال قوم: إن أفطر بأكل فعليه الكفارة، ذهب إليه الثوري وأبو حنيفة
وأصحابه وأبو إسحاق.
وقال أبو حنيفة: يكفر بأعلى ما يقع به الفطر من جنسه، فأعلى جنس الجماع
الوطء في الفرج، وبه تجب الكفارة، وأعلى جنس المأكولات ما يقصد به صلاح
البدن من طعام أو دواء، فأما ما لا يقصد به صلاح البدن مثل أن أن يبتلع جوهرة أو
جوزة أو لوزة يابسة فلا كفارة عليه، بلى إن ابتلع لوزة رطبة فعليه الكفارة لأنه
يقصد به صلاح البدن.
دليلنا: إجماع الفرقة، وطريقة الاحتياط.
وأيضا روى أبو هريرة أن رجلا أفطر في رمضان فأمره النبي صلى الله عليه وآله
أن يعتق رقبة، أو يصوم شهرين متتابعين، أو يطعم ستين مسكينا ولم يفرق.
40

وروى سعيد بن المسيب أن رجلا قال: يا رسول الله أفطرت في شهر
رمضان، فقال له: أعتق رقبة، ولم يسأله عن التفصيل، ثبت أن الحكم لا يختلف.
مسألة 45: من أفطر يوما من شهر رمضان على وجه يلزمه الكفارة المجمع
عليها أو الكفارة على الخلاف، فإنه يقضي يوما آخر بدله لا بد منه. وبه قال
جميع الفقهاء أبو حنيفة والشافعي ومالك وغيرهم.
وقال ربيعة: يقضي اثني عشر يوما قال: لأن الله تعالى رضي من عباده شهرا
من اثني عشر شهرا، وجب أن يكون كل يوم بإزاء اثني عشر يوما.
وقال سعيد بن المسيب: يقضي عن كل يوم شهرا، وروي ذلك عن أنس
عن النبي صلى الله عليه وآله.
وقال النخعي: يقضي عن كل يوم ثلاثة آلاف يوم.
ورووا عن علي عليه السلام وابن مسعود: لا قضاء عليه لعظم الجرم.
ولا ينفع القضاء عنه بصوم الدهر، لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله
قال: من أفطر يوما من شهر رمضان لغير رخصة لم يقض عنه صوم الدهر.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا الأصل براءة الذمة، فمن علق عليها أكثر مما
قلناه فعليه الدلالة.
مسألة 46: من أكره على الإفطار لم يفطر، ولم يلزمه شئ، سواء كان
إكراه قهر، أو إكراه على أن يفعل باختياره.
وقال الشافعي: إن أكره إكراه قهر مثل أن يصب الماء في حلقه لم يفطر،
وإن أكره حتى أكل بنفسه فعلى قولين.
وكذلك إن أكره حتى يتقيأ بنفسه فعلى قولين، لأنه إن ذرعه القئ لم يلزمه
شئ، وإن تقيا متعمدا أفطر.
وكذلك إن أكرهها على الجماع بالقهر لم تفطر هي، وإن كان إكراه
41

تمكين فعلى قولين.
وكذلك اليمين إذا حلف: لا دخلت هذا الدار، فأدخل الدار محمولا لم
يحنث، وإن أكره على أن يدخل فعلى قولين.
ولو قتل باختياره لزمه القود، وإن أكره فإن كان إكراه قهر وهو أن يرمى به
عليه فلا ضمان عليه، وإن أكره حتى يقبل فعلى قولين في القود فأما الدية فإنها
بينهما إذا سقط القود.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، ولا يعلق عليها شئ إلا بدليل، ولا دليل في
شئ من هذه المسائل على ما ادعوه.
وأيضا روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: رفع عن أمتي ثلاث:
الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه.
مسألة 47: الحامل والمرضع إذا خافتا أفطرتا وتصدقتا عن كل يوم
بمدين، أو مد من طعام، وعليهما القضاء. وإليه ذهب الشافعي في القديم والجديد،
وبه قال مجاهد وأحمد.
وقال في البويطي: على المرضع القضاء والكفارة، وعلى الحامل القضاء
دون الكفارة، وبه قال مالك والأوزاعي.
وقال الزهري والثوري وأبو حنيفة وأصحابه: عليهما القضاء ولا كفارة، وإليه
ذهب المزني.
وقال ابن عباس وابن عمر: عليهما الكفارة دون القضاء كالشيخ الهرم يكفر
ولا يقضي.
دليلنا: إجماع الفرقة وطريقة الاحتياط.
وأيضا قوله تعالى: وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين، وهذه مطيقة.
مسألة 48: تكره القبلة للشاب إذا كان صائما، ولا تكره للشيخ. وبه قال
42

ابن عمر وابن عباس.
وقال الشافعي: تكره لهما إذا حركت الشهوة وإلا لم تكره.
وقال مالك: تكره على كل حال، وبه قال عمر بن الخطاب.
وقال ابن مسعود: لا تكره على حال.
دليلنا: إجماع الفرقة، وطريقة الاحتياط.
مسألة 49: إذا وطأ فيما دون الفرج، أو باشرها، أو قبلها بشهوة فأنزل،
كان عليه القضاء والكفارة. وبه قال مالك.
وقال الشافعي: لا كفارة عليه، ويلزمه القضاء.
دليلنا: إجماع الفرقة وطريقة الاحتياط تقتضيه أيضا.
مسألة 50: إذا كرر النظر فأنزل أثم ولا قضاء عليه ولا كفارة، فإن فاجأته
النظرة لم يأثم. وبه قال الشافعي.
وقال مالك: إن كرر أفطر وعليه القضاء.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا لا دليل على أنه بتكرار النظر يصير مفطرا
والأصل براءة الذمة.
مسألة 51: إذا نوى الصوم من الليل فأصبح مغمى عليه يوما أو يومين أو ما
زاد عليه كان صومه صحيحا، وكذلك إن بقي نائما يوما أو أياما، وكذلك إن
أصبح صائما ثم جن في بعضه أو مجنونا فأفاق في بعضه ونوى فلا قضاء عليه.
وقال الشافعي: إذا نوى الصيام من الليل ثم أصبح مغمى عليه واتصل
الإغماء يومين أو أكثر فلا صيام له بعد اليوم الأول لأنه ما نوى من ليلته وخرج
النهار من غير نية، وأما اليوم الأول فإن لم يفق في شئ منه فلا صيام له.
وقال أبو حنيفة والمزني: يصح صيامه.
43

وإن أفاق في شئ منه، فنقل المزني: إذا أفاق في شئ منه صح صومه.
وقال في البويطي والظهار: إن كان مفيقا عند طلوع الفجر صح صومه.
وقال في اختلاف العراقيين: إذا أصاب امرأته في شهر رمضان ثم مرض في
آخر يومه فذهب عقله أو حاضت امرأته فقد قيل: على الرجل عتق رقبة، وقيل: لا
شئ عليه.
وقال أصحابه في المسألة ثلاث أقوال:
أحدها: أنه يصح صومه إذا أفاق في شئ من يومه، وهو المختار عندهم.
والآخر: أن يكون مفيقا عند الدخول في الصوم، وإلا لم يصح.
والثالث: متى أغمي عليه في شئ منه بطل، وهو أقيسها.
ومنهم من قال المسألة على قول واحد، وهو أن الاعتبار بأن يكون مفيقا حين
الدخول، ولا يضر ما وراء ذلك.
ومنهم من قال: من شرطه أن يكون مفيقا في طرفي النهار، حكي ذلك عن
أبي العباس، وحكي عنه غير هذا.
فخرج في الإغماء خمسة مذاهب:
أحدها: من شرطه أن يكون مفيقا أول النهار.
والثاني: متى أفاق في شئ منه أجزأه.
والثالث: متى أغمي عليه في شئ منه بطل صومه.
والرابع: يفتقر إلى الإفاقة في الطرفين.
والخامس: يصح صيامه وإن لم يفق في شئ منه.
أما النوم فإنه إذا نوى ليلا، وأصبح نائما، وانتبه بعد الغروب صح صومه
قولا واحدا.
وقال أبو سعيد الإصطخري وغيره لا يصح صومه.
وأما إن جن بعض النهار، وأصبح مجنونا ثم أفاق، أو أصبح مفيقا ثم جن
قال في القديم: لا يبطل صومه ومن أصحابه من قال: يبطل صومه.
44

وقال المزني إذا نوى الصوم من الليل ثم أغمي عليه جميع النهار أجزأه
كما يجزئه إذا نام في جميع النهار.
دليلنا: إجماع الفرقة فإنهم لا يختلفون فيه، ولأن إبطال الصوم بما قالوه
يحتاج إلى دليل.
وأيضا فقد بينا أنه ليس من شرط الصوم مقارنة النية له، ويجوز تقديمها لأنه
لا يحتاج إلى نية التعيين، وإذا ثبت ذلك صح ما قلناه.
مسألة 52: إذا نوى ليلا، وأصبح مغمى عليه حتى ذهب اليوم، صح
صومه. ولا فرق بين الجنون والإغماء. وبه قال أبو حنيفة، والمزني.
وقال الشافعي، وباقي أصحابه: لا يصح صومه.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا إبطال الصوم يحتاج إلى دليل.
مسألة 53: كل سفر يجب فيه التقصير في الصلاة يجب فيه الإفطار،
وقد بينا كيفية الخلاف فيه، فإذا حصل مسافرا لا يجوز له أن يصوم، فإن صامه كان
عليه القضاء وبه قال أبو هريرة وستة من الصحابة.
وقال داود: هو بالخيار بين أن يصوم ويقضي وبين أن يفطر ويقضي، فوافقنا
في وجوب القضاء، وخالف في جواز الصوم.
وقال أبو حنيفة والشافعي ومالك وعامة الفقهاء: هو بالخيار بين أن يصوم
ولا يقضي وبين أن يفطر ويقضي، وبه قال ابن عباس.
وقال ابن عمر: يكره أن يصوم، فإن صامه فلا قضاء عليه.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا قوله تعالى: ومن كان منكم مريضا أو على
سفر فعدة من أيام أخر، فأوجب القضاء بنفس السفر، وليس في الظاهر ذكر
الإفطار.
وروي عن جابر أن النبي صلى الله عليه وآله قال: ليس من البر الصيام في
45

السفر، والصائم في السفر كالمفطر في الحضر.
وروي عن جابر أن النبي صلى الله عليه وآله بلغه أن أناسا صاموا فقال:
أولئك العصاة.
مسألة 54: القادم من سفره وكان قد أفطر، والمريض إذا برأ، والحائض
إذا طهرت، والنفساء إذا انقطع دمها، يمسكون بقية النهار تأديبا، وكان عليهم
القضاء.
وقال أبو حنيفة: عليهم أن يمسكوا بقية النهار على كل حال.
وقال الشافعي وأصحابه: ليس عليهم الإمساك، وإن أمسكوا كان أحب
إلي.
دليلنا: إجماع الفرقة وطريقة الاحتياط، ولأن هذا اليوم واجب صومه،
وإنما أبيح الإفطار لعذر، وقد زال العذر، فبقي حكم الأصل.
مسألة 55: إذا نذر صيام يوم بعينه وجب عليه صومه، ولا يجوز له تقديمه،
وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: يجوز له أن يقدمه، وهكذا الخلاف في الصلاة.
دليلنا: إجماع الفرقة ودليل الاحتياط، ولأن جواز تقديمه يحتاج إلى
شرع، وليس شرع يدل عليه.
مسألة 56: إذا أصبح يوم الشك مفطرا، ثم ظهر أنه كان من رمضان،
وجب عليه إمساك باقيه. وبه قال أبو حنيفة.
وقال الشافعي في البويطي: لا يلزمه إمساك باقيه، وقال في القديم
والجديد: يلزمه.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا قوله تعالى: فمن شهد منكم الشهر فليصمه،
46

وهذا قد شهد.
وقوله عليه السلام: صوموا لرؤيته، وهذا قد صحت عنده الرؤية.
مسألة 57: الصبي إذا بلغ، والكافر إذا أسلم، والمريض إذا برأ وقد أفطروا
أول النهار أمسكوا بقية النهار تأديبا، ولا يجب ذلك بحال، فإن كان الصبي نوى
الصوم من أوله وجب عليه الإمساك، وإن كان المريض نوى ذل لا يصح، لأن
صوم المريض لا يصح عندنا.
وأما المسافر فإن كان نوى الصوم لعلمه بدخوله إلى بلده، وجب عليه
الإمساك بقية النهار ويعتد به.
وللشافعي وأصحابه في هذه المسائل قولان: أحدهما: لا يجب أن يمسك
وعليه أصحابه.
والآخر: عليه أن يمسك.
وقال أبو إسحاق: إن كان الصبي والمسافر تلبسا بالصوم، وجب عليهما
الإمساك بقية النهار.
وقال الباقون: لا يجب ذلك.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا الأصل براءة الذمة، ولا يوجب عليها إلا
بدليل.
مسألة 58: إذا نوى الصوم قبل الفجر، ثم سافر في النهار، لم يجز له
الإفطار. وبه قال أبو حنيفة والشافعي.
وقال أحمد والمزني: له الإفطار.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأخبار قد أوردناها في الكتاب الكبير.
وأيضا قوله تعالى: ثم أتموا الصيام إلى الليل، وحقيقة الإتمام، إكمال ما
تلبس به.
47

مسألة 59: إذا رأى هلال شهر رمضان وحده لزمه صومه، قبل الحاكم
شهادته أو لم يقبل، وكذلك إذا رأى هلال شوال أفطر، وبه قال أبو حنيفة
والشافعي.
وقال مالك وأحمد: يلزمه الصيام في أول الشهر، ولا يملك الفطر في
آخره.
وقال الحسن البصري وعطاء وشريك: إن صام الإمام صام معه، وإن أفطر
أفطر.
دليلنا: قوله تعالى: فمن شهد منكم الشهر فليصمه، وهذا فقد شهد وجب
عليه صومه.
وقال عليه السلام: وأفطروا لرؤيته، وهذا قد رأى.
مسألة 60: إذا وطأ في هذا اليوم الذي رأى الهلال وحده كان عليه
القضاء والكفارة. وبه قال الشافعي ومالك.
وقال أبو حنيفة: عليه القضاء بلا كفارة.
دليلنا: الأخبار المتضمنة لوجوب الكفارة على من وطأ في نهار رمضان،
وهذا منهم.
وطريقة الاحتياط أيضا تقتضيه، لأن مع ذلك تبرأ ذمته بيقين.
مسألة 61: لا يثبت هلال شوال ولا شئ من الشهور إلا بشهادة نفسين
عدلين. وبه قال الشافعي، إلا خلافه في أول رمضان.
وقال أبو ثور: شاهد واحد يثبت به كل ذلك.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا قبول شاهدين في ذلك مجمع عليه، وثبوته
بشاهد واحد لا دليل عليه.
48

مسألة 62: إذا قامت البينة بعد الزوال برؤية الهلال في الليلة الماضية في
شوال أفطر على كل حال أي وقت كان بلا خلاف، فأما صلاة العيد فلا يجب
قضاؤها. وبه قال أبو حنيفة، والمزني، وأحد قولي الشافعي. القول الآخر: أنها
تقضى.
وقد مضت في كتاب صلاة العيدين، وقلنا: أن القضاء فرض ثان يحتاج
إلى دليل إذا قلنا أن صلاة العيدين فرض، وكذلك قضاء النوافل على مذهبهم
يحتاج إلى دليل.
ولأنا روينا عنهم أنهم قالوا: صلاة العيد لا تقضى، وهذا قد فاتته، فلا يلزمه
القضاء بموجب الأخبار.
مسألة 63: من فاته صوم رمضان لعذر من مرض أو غيره فعليه قضاؤه.
ووقت القضاء ما بين رمضانين، الذي تركه والذي بعده، فإن أخر القضاء
إلى أن يدركه رمضان آخر صام الذي أدركه وقضى الذي فاته، فإن كان تأخيره
لعذر من سفر أو مرض استدام به فلا كفارة عليه، وإن تركه مع القدرة كفر عن
كل يوم بمد من طعام. وبه قال في التابعين الزهري، وهو قول مالك،
والشافعي، والأوزاعي، والثوري.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: يقضي ولا كفارة.
وقال الكرخي: وقت القضاء ما بين رمضانين، وقال أصحابه ليس للقضاء
وقت مخصوص.
دليلنا: إجماع الفرقة، والاحتياط يقتضيه، لأنه إذا كفر برئت ذمته بيقين،
وإذا لم يكفر وقضى لم تبرأ ذمته بيقين.
وأيضا قوله تعالى: ومن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر،
وهو القضاء، فالظاهر أن الفدية على من أطاق القضاء وإن كان الخطاب راجعا
إلى القضاء والأداء معا، فالظاهر أنه منهما إلا أن يقوم دليل على تركه، وبهذا قال
49

ستة من الصحابة، منهم: ابن عمر، وابن عباس وأبو هريرة، ولا مخالف لهم.
مسألة 64: إذا أفطر رمضان ولم يقضه، ثم مات، فإن كان تأخيره لعذر
مثل استمرار المرض أو سفر لم تجب القضاء عنه ولا الكفارة. وبه قال الشافعي.
وقال قتادة: يطعم عنه.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا فإن إيجاب ذلك يحتاج إلى دليل، وليس
في الشرع ما يدل عليه.
مسألة 65: فإن أخر قضاءه لغير عذر ولم يصم ثم مات، فإنه يصام عنه.
وقال الشافعي في القديم والجديد معا: يطعم عنه ولا يصام عنه، وبه قال
مالك والثوري وأبو حنيفة وأصحابه.
وقال أحمد وإسحاق: إن كان صومه نذرا فإنه يصوم عنه وليه، وإن لم يكن
نذرا أطعم عنه وليه.
وقال أبو ثور يصوم عنه نذرا كان أو غيره.
وقال أصحاب الشافعي هذا قول ثان للشافعي، وهو أنه يصام عنه.
دليلنا: إجماع الفرقة، والأخبار التي وردت رويناها في الكتاب المقدم
ذكره.
وروى عروة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وآله قال: من مات وعليه
صيام صام عنه وليه.
وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله
فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وآله إن أمي ماتت وعليها صوم شهر
أفأقضيه عنها؟ قال: لو كان على أمك دين أكنت قاضيه عنها؟ قال: نعم. قال:
فدين الله أحق أن يقضى، وهذا الحديث في الصحيح وهو نص.
50

مسألة 66: إذا أخر قضاءه لغير عذر حتى يلحقه رمضان آخر ثم مات،
قضى عنه وليه الصوم وأطعم عنه لكل يوم مدين.
وقال الشافعي: إن مات قبل أن يدركه آخر تصدق عنه بمد، وإن مات بعد
رمضان آخر بمدين.
وقال أبو حنيفة: يطعم مدين من بر أو صاعا من شعير أو تمر.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا ما ذكرناه مجمع عليه، وما ادعوه ليس عليه
دليل.
مسألة 67: حكم ما زاد على عام واحد في تأخير القضاء حكم العام
الواحد. وبه قال أكثر أصحاب الشافعي.
وقال بعضهم: عليه عن كل عام كفارة.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا الأصل براءة الذمة، وشغلها يحتاج إلى
دليل.
مسألة 68: يجوز أن يقضي فوات رمضان متفرقا، والتتابع أفضل، وبه قال
الشافعي، وبه قال أبو عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل، وأبو هريرة، وأنس بن
مالك، وفي الفقهاء مالك، والأوزاعي، والثوري، وأبو حنيفة وأصحابه.
وقال قوم: أن المتابعة واجبة. روي ذلك، عن علي عليه السلام، وعبد الله بن
عمر، وعائشة، والنخعي، وبه قال داود وأهل الظاهر.
دليلنا: إجماع الفرقة.
فأما فضل التتابع فقد روي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله قال:
من كان عليه صوم من رمضان فليسرده ولا يقطعه.
وأما جواز الفرقة رواه ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله قال في قضاء
رمضان: إن شاء تابع وإن شاء فرق.
51

مسألة 69: لا ينعقد صيام يوم العيدين، فإن نذره لم يصح، ولم ينعقد
نذره، ولا يلزمه قضاؤه. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: ينعقد النذر، فإن صامه أجزأه، وإن لم يصمه كان عليه
قضاؤه.
دليلنا: إجماع الفرقة.
وأيضا فقد ثبت أن صومه محرم بما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه
نهى عن صيام هذين اليومين يوم الفطر ويوم الأضحى، روى ذلك أبو هريرة،
وعمر، وعثمان، وعلي عليه السلام.
مسألة 70: من لم يجد الهدي لا يجوز له أن يصوم أيام التشريق. وبه قال
أبو حنيفة والشافعي في الجديد.
وقال في القديم يجوز، وهو الأظهر، وبه قال مالك.
دليلنا: الأخبار المروية ذكرناها في الكتاب الكبير.
وأيضا فإن صيام غير هذه الأيام لا خلاف في جوازه وبراءة الذمة به، ولم
يدل دليل على جوازه في هذه الأيام.
وأيضا روى أبو هريرة قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وآله
عن صيام ستة أيام. يوم الفطر، ويوم الأضحى، وأيام التشريق، واليوم الذي
يشك فيه.
وروى أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وآله نهى عن صيام خمسة أيام
في السنة: يوم الفطر، ويوم النحر، وثلاثة أيام التشريق.
مسألة 71: إذا أكل ما لا يؤكل باختياره، كالخزف والخرق والطين
والخشب والجوهر، أو شرب غير مشروب كماء الشجر والورد والعرق، كل هذا
يفطر، وهو قول جميع الفقهاء إلا الحسن بن صالح بن حي فإنه قال: لا يفطر إلا
52

المأكول المعتاد.
دليلنا: قوله تعالى: ثم أتموا الصيام إلى الليل، والصيام هو الإمساك، وهذا
يقتضي الإمساك عن كل شئ.
وما روي من الأخبار في أن من أكل أو شرب متعمدا أنه يفطر، وهذا يتناول
هذا الموضع، لأن من أكل شيئا مما ذكرناه أو شرب يسمى أكلا.
مسألة 72: من أكل البرد النازل من السماء أفطر. وبه قال جميع الفقهاء.
وحكي عن أبي طلحة الأنصاري أنه كان يقول: لا يفطر.
دليلنا: إجماع المسلمين، فإن هذا الخلاف قد انقرض.
مسألة 73: الحقنة بالمايعات تفطر، وأما التقطير في الذكر، فلا يفطر.
وقال الشافعي: الواصل منهما يفطر، وهو الحقنة والتقطير في الذكر، وبه
قال أبو يوسف ومحمد.
وقال الحسن بن صالح بن حي: لا يفطر بهما.
وقال مالك: لا يفطر بقليل الحقنة ويفطر بكثيرها.
وقال أبو حنيفة: يفطر بالحقنة على ما قلناه.
وأما التقطير في الذكر، فقد قال الحاكم في المختصر: يفطره لأنه قال: لو
قطر في ذكره أفطر.
وكان الجرجاني أبو عبد الله يقول: لا يفطره.
دليلنا: على الحقنة إجماع الفرقة، وأما التقطير فليس على كونه مفطرا
دليل، والأصل بقاء الصوم وصحته.
مسألة 74: إذا داوى جرحه، فوصل الدواء إلى جوفه لا يفطر، رطبا كان
أو يابسا.
53

وكذلك إذا طعن نفسه فوصلت الطعنة إلى جوفه، أو طعن باختياره.
وكذلك ما كان بغير اختياره فهو مثل أن يوجر الماء في حلقه وهو نائم
كل ذلك لا يفطر.
وقال الشافعي: ما كان من ذلك باختياره يفطر، وما كان منه بغير اختياره
لا يفطر.
وقال أبو حنيفة: الدواء إن كان رطبا أفطر وإن كان يابسا لا يفطر.
قال أصحابه: لأن اليابس لا يجري ولا يصل إلى الجوف.
والطعنة فإن وصل الرمح إلى جوفه لم يفطر.
قال أصحابه: إذا لم يستقر لم يفطر وإن استقر أفطر.
وما عدا ذلك من المسائل التي ذكرناها كلها يفطر عنده، واعتبر وصول
ذلك إلى جوفه بفعل آدمي كان أو غير آدمي، إلا الذباب وغبرة الطريق فإنه لا
يفطر.
وقال أبو يوسف ومحمد: لا يفطر بدواء ولا بطعنة، والعقد عندهم أن يصل
من المجاري التي هي خلقة في البدن، فأما من غيرها فلا يفطر.
دليلنا: أن الأصل صحة صومه وانعقاده، وكون هذه الأشياء مفطرة له
يحتاج إلى دليل، وليس في الشرع ما يدل عليه.
مسألة 75: السعوط مكروه إلا أنه لا يفطر.
وقال الشافعي: ما وصل منه إلى الدماع يفطر.
دليلنا: أن ذلك يحتاج إلى دليل، وليس هاهنا دليل.
مسألة 76: إذا تمضمض للصلاة نافلة كانت أو فرضا، فسبق الماء إلى
حلقه لم يفطر، وإن تمضمض للتبرد أفطر.
وقال الشافعي: إذا تمضمض ذاكرا لصومه، فبالغ أفطر إذا وصل إلى حلقه.
54

وإن سبق الماء إلى حلقه من المضمضة أو إلى رأسه من الاستنشاق أو من
غيرهما له فيه قولان:
قال في القديم والأم معا: يفطر، وبه قال مالك، وأبو حنيفة، والمزني.
وقال في البويطي والإملاء واختلاف العراقيين: لا يفطر، وهو أصح
القولين، وبه قال الأوزاعي، وأحمد، وإسحاق سواء كان لفرض أو نافلة.
وقال النخعي وابن أبي ليلى: إن كان لنافلة أفطر، وإن كان لفريضة لم يفطر،
وبه قال ابن عباس.
دليلنا: أن ذلك يحتاج إلى دليل، وليس في الشرع ما يدل عليه.
وأما في حال التبرد فلا خلاف أنه يفطر.
وأيضا فإن على ما فصلناه إجماع الفرقة، وأخبارهم به مفصلة بيناها في
الكتاب المقدم ذكره.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: رفع عن أمتي الخطأ والنسيان
وما استكرهوا عليه، وهذا خطأ.
مسألة 77: من كان أسيرا في بلد الشرك، أو كان محبوسا في بيت، أو
كان في طرف من البلاد ولا طريق له إلى معرفة شهر رمضان، ولا إلى ظنه بأمارة
صحيحة، فليتوخ شهرا يصومه، فإن وافق شهر رمضان أو بعده أجزأ، وإن وافق
قبله لم يجزئه وعليه القضاء.
وقال الشافعي: إن لم يكن معه دليل وغلب على ظنه شهر فإنه يصومه، غير
أنه لا يعتد به، وافق الشهر أو لم يوافق.
وإن كان معه ضرب من الدلالة والأمارات، مثل أن يعلم أنه صام في شدة
الحر، أو البرد، أو الربيع، أو ذكر هذا في بعض الشهور وعرفه بعينه فصام حينئذ
فله ثلاثة أحوال:
حالة يوافقه، فإنه يجزئه، وهو مذهب الجماعة إلا الكرخي، فإنه قال: لا
55

يجزئه وإن وافقه.
وإن وافق ما بعده، فإنه يجزئه أيضا ويكون قضاء إذا كان شهرا يجوز
صيامه كله، مثل المحرم أو صفر أو ما يجري مجراهما، سواء كان بعدد رمضان
أو أقل منه أو أكثر. وهو ظاهر مذهب الشافعي.
وإن وافق شهرا لا يصح صومه كله، مثل شوال فإن صومه كله صحيح إلا
يوم الفطر أو ذي الحجة، فإنه لا يصح صومه يوم النحر وثلاثة أيام التشريق، سقط
هاهنا الاعتبار بالهلال، ويكون المعتبر العدد.
فمن صام شوال وكان تاما قضى يوما، وإن كان ناقصا قضى يومين، لأن
فرضه ثلاثون.
وإن كان ذا الحجة وكان تاما قضى أربعة أيام، أيام النحر والتشريق، وإن
كان ناقصا قضى خمسة أيام.
هذا إن صام شهرا بين هلالين، فأما إن صام ثلاثين يوما من شهرين أجزأ إذا
كانت أياما يصح صوم جميعها، فإن كان فيها ما لا يصح صومه قضى ما لا
يصح صيامه.
ومتى وافق ما قبله، ثم بان له الخطأ قبل خروج رمضان صامه، وإن كان
قد خرج بعضه صام ما أدرك منه وقضى ما فات.
وإن كان قد خرج كله فلهم فيه طريقان، أحدهما: عليه القضاء قولا واحدا،
وذهب شيوخ أصحابه مثل الربيع والمزني وأبو العباس إلى أن المسألة على
قولين:
أحدهما: لا قضاء عليه، ذكره المزني وقال: لا أعلم أحدا قال به.
والثاني: وهو الصحيح عليه القضاء، وبه قال أبو حنيفة وغيره من الفقهاء،
وإليه ذهب المزني.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، ولأنه إذا وافقه أو وافق ما بعده فقد برئت
ذمته بيقين، وإذا صام قبله لم تبرأ ذمته بيقين، فكان عليه القضاء.
56

مسألة 78: إذا أفاق المجنون في أثناء الشهر صام ما أدركه، ولم يلزمه
قضاء ما فاته في حال جنونه، وبه قال الشافعي. وقال أبو حنيفة: متى أفاق وقد بقي من الشهر جزء لزمه صوم جميعه.
دليلنا: الأخبار التي ذكرناها في الكتاب المقدم ذكره، وعليه إجماع
الفرقة.
وأيضا الأصل براءة الذمة، وإيجاب ما مضى يحتاج إلى دليل.
وروي عن علي عليه السلام، عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: رفع
القلم عن ثلاثة: عن المجنون حتى يفيق، وعن الصبي حتى يبلغ، وعن النائم حتى
ينتبه.
ومن ألزمه القضاء فقد أجرى عليه القلم، وذلك خلاف الخبر.
مسألة 79: إذا وطأ في أول النهار ثم مرض أو جن في آخره، لزمته الكفارة
ولم تسقط عنه.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه وهو أقيسهما، والثاني: لا كفارة
عليه، وبه قال أبو حنيفة.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا قد اشتغلت ذمته بالكفارة حين الوطء بلا
خلاف، وإسقاطها يحتاج إلى دليل.
مسألة 80: إذا تلبس بالصوم في أول النهار، ثم سافر آخر النهار، لم يكن
له الإفطار. وبه قال جميع الفقهاء إلا أحمد فإنه قال: يجوز له أن يفطر.
دليلنا: أن جواز ذلك يحتاج إلى دليل، ولا دليل عليه، وأيضا عليه
إجماع الفرقة.
وأيضا قوله تعالى: ثم أتموا الصيام إلى الليل، وذلك يقتضي بعد الدخول
57

فيه.
مسألة 81: إن وطأ هذا المسافر لزمته الكفارة. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: لا تلزمه.
دليلنا: عموم الأخبار الواردة في وجوب الكفارة على من أفطر يوما من شهر
رمضان، وتخصيصها يحتاج إلى دليل.
مسألة 82: لا يكره السواك للصائم على كل حال. وبه قال أبو حنيفة.
وقال الشافعي: يكره بعد الزوال ولا يكره قبله.
دليلنا: الأخبار المروية في فضل السواك وهي على عمومها، فمن خصصها
فعليه الدلالة.
مسألة 83: إذا تلبس بصوم التطوع كان بالخيار بين إتمامه والإفطار، وبه
قال الشافعي والثوري وأحمد، غير أن عندنا إذا كان بعد الزوال يكره له الإفطار.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: متى خرج فعليه قضاؤه، وهل يلزمه بالدخول،
فيه؟ فعلى قولين: المعروف من مذهبهم أنه يلزمه وعليه المناظرة، وقد يرتكبون
أنه لا يلزمه.
مسألة 84: من أفطر يوما نذر صومه من غير عذر لزمته الكفارة.
وخالف جميع الفقهاء في ذلك.
دليلنا: إجماع الفرقة وطريقة الاحتياط.
مسألة 85: من ارتمس في الماء متعمدا أو كذب على الله أو على رسوله أو
على الأئمة عليه السلام متعمدا أفطر، وعليه القضاء والكفارة.
58

وخالف جميع الفقهاء في ذلك في الإفطار ولزوم الكفارة معا، وبه قال
المرتضى من أصحابنا والأكثر على ما قلناه.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 86: من أفطر يوما يقضيه من شهر رمضان بعد الزوال لزمه قضاؤه
وكان عليه الكفارة.
وخالف جميع الفقهاء في ذلك.
دليلنا: إجماع الفرقة وطريقة الاحتياط.
مسألة 87: من تعمد البقاء على الجنابة إلى طلوع الفجر، أو نام بعد
انتباهتين وبقى إلى طلوع الفجر نائما، كان عليه القضاء والكفارة معا وخالف
جميع الفقهاء في ذلك.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وطريقة الاحتياط تقتضي ذلك، لأنه متى
قضى وكفر فقد برئت ذمته بيقين، وإذا لم يفعل ففيه خلاف.
قضى وكفر فقد برئت ذمته بيقين، وإذا لم يفعل ففيه خلاف.
مسألة 88: إذا أجنب في أول الليل ونام عازما على أن يقوم في الليل
ويغتسل فبقي نائما إلى طلوع الفجر لم يلزمه شئ بلا خلاف.
وإن انتبه دفعة ثم نام وبقى إلى طلوع الفجر كان عليه القضاء بلا كفارة.
وإن انتبه دفعتين كان عليه القضاء والكفارة على ما قلناه.
وخالف جميع الفقهاء في ذلك.
دليلنا: ما قدمناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 89: إذا نوى في أثناء النهار أنه قد ترك الصوم، أو عزم على أن
59

يفعل ما ينافي الصوم لم يبطل صومه، وكذلك الصلاة إذا نوى أن يخرج منها،
أو فكر هل يخرج أم لا؟ لا تبطل صلاته، وإنما يبطل الصوم والصلاة بفعل ما
ينافيهما. وبه قال أبو حنيفة.
وقال أبو حامد الإسفرايني: يبطل صومه وصلاته قال: ولا أعرفها منصوصة
للشافعي.
وحكي عن بعض الخراسانية من أصحابه أنها منصوصة للشافعي أنه يبطل
الصوم.
وأما الصلاة فمنصوص للشافعي أنها تبطل.
دليلنا: أن نواقض الصوم والصلاة قد نص لنا عليها، ولم يذكروا في
جملتها هذه النية، فمن جعلها من جملة ذلك كان عليه الدلالة.
مسألة 90: من كان عليه شهران متتابعان، فصام شهرا ويوما ثم أفطر لغير
عذر بنى عليه، ولا يجب عليه استئنافه.
وخالف جميع الفقهاء في ذلك وقالوا: يستأنف.
وكذلك إذا نذر صوم شهر متتابعا فصام خمسة عشر يوما ثم أفطر بنى.
وخالف جميع الفقهاء في ذلك. دليلنا: إجماع الفرقة، والأخبار التي أوردناها في الكتاب المقدم ذكره، ولا
وجه لإعادتها.
60

كتاب الاعتكاف
مسألة 91: لا ينعقد الاعتكاف لأحد - رجلا كان أو امرأة - إلا في
المساجد الأربعة التي هي: المسجد الحرام، ومسجد النبي صلى الله عليه وآله، ومسجد الكوفة،
ومسجد البصرة.
وقال الشافعي في الجديد: لا ينعقد اعتكاف المرأة إلا في المسجد. وقال في
القديم والجديد معا: يكره لها أن تعتكف في غير مسجد بيتها، وهو الموضع
المنفرد في المنازل للصلاة. وبه قال أبو حنيفة.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا فلا خلاف أن في المواضع التي ادعيناها
ينعقد الاعتكاف وإن خالفوا في كراهته لها، ولم يدل دليل على انعقاده في
المواضع التي قالوها، فوجب لذلك نفيها.
مسألة 92: لا يصح الاعتكاف إلا بصوم، أي صوم كان، نذرا أو رمضان
أو تطوعا، ولا يصح أن يفرد الليل به، ولا العيدين، ولا التشريق. وبه قال
أبو حنيفة وأصحابه، ومالك، والثوري، والأوزاعي. وبه قال ابن عمر، وابن
عباس، وعائشة، وفي التابعين خلق.
وقال الشافعي: يصح الاعتكاف بغير صوم، ويصح أن يفرد الليل
والعيدين وأيام التشريق بالاعتكاف، وبه قال أحمد، ورووا ذلك عن علي عليه السلام،
61

وأبي مسعود البدري، والحسن البصري، وإسحاق.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا فلا خلاف أن مع الصوم في الأوقات
المخصوصة يصح اعتكافه، وليس على انعقاده في غيرها دليل، فوجب نفيه.
وروى عروة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وآله قال: لا اعتكاف إلا
بصوم.
وروى عمرو بن دينار، عن ابن عمر، عن عمر بن الخطاب قال: قلت:
يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) إني نذرت أن أعتكف يوما في الجاهلية؟ فقال:
اعتكف وصم.
مسألة 93: إذا باشر امرأته في حال اعتكافه فيما دون الفرج، أو لمس
ظاهرها بطل اعتكافه، أنزل أو لم ينزل. وبه قال الشافعي في الإملاء.
وقال في الأم: لا يبطل اعتكافه، أنزل أو لم ينزل.
وقال أبو حنيفة: إن أنزل بطل، وإن لم ينزل، لم يبطل.
دليلنا: قوله تعالى: ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد، وهذا عام
في كل مباشرة، أنزل أو لم ينزل، والنهي يدل على فساد المنهي عنه.
مسألة 94: إذا وطأ المعتكف ناسيا، لم يبطل اعتكافه. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: يبطل اعتكافه.
دليلنا: إجماع الفرقة.
وقوله عليه السلام: رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه.
مسألة 95: إذا نذر أن يعتكف شهرا، كان بالخيار بين أن يعتكف متفرقا
أو متتابعا، والمستحب المتابعة. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: عليه المتابعة إلا أن ينوي اعتكاف نهار شهر، فإنه لا يلزمه
62

المتابعة.
دليلنا: أن المتابعة لم يذكرها في النذر، فيجب أن لا تلزمه، ولأن الأصل
براءة الذمة، والشهر لزمه لذكره له في اللفظ وبالإجماع.
مسألة 96: إذا نذر اعتكاف يومين، لا ينعقد نذره.
وقال الشافعي: يلزمه يومان وليلة.
وقال محمد: يلزمه يومان وليلتان، وحكي هذا عن أبي حنيفة.
دليلنا: إجماع الفرقة على أنه يكون الاعتكاف أقل من ثلاثة أيام، وإذا كان
هذا يومين وجب أن لا ينعقد، فإذا ثبت ذلك فلو نذر اعتكاف ثلاثة أيام لزمه
ثلاثة أيام وليلتان، لأنه لا يمكنه أن يصوم ثلاثة أيام متواليات إلا بدخول ليلتين في
جملتها، فلأجل ذلك قلنا ذلك.
مسألة 97: إذا نذر اعتكاف عشرة أيام متتابعة، لزمه الوفاء به، ولا يصح
منه اعتكافها إلا في المساجد الأربعة التي قدمنا ذكرها، فيصح منه أداء الجمعة
فيها.
وقال الشافعي: إذا اعتكف قدر عشرة أيام متتابعة، فاعتكف في غير
الجامع خرج يوم الجمعة وبطل اعتكافه.
وقال أبو حنيفة: لا يبطل، ويكون كأنه استثناه لفظا إذا كان خروجه بمقدار
ما يصلي فيه أربعا قبل الجمعة، وأربعا بعدها، وقيل: ستا قبلها وأربعا بعدها ثم
يوافي موضعه ويبني.
دليلنا: إنا قد بينا أن الاعتكاف لا يصح إلا في المساجد الأربعة بإجماع
الفرقة على ذلك، ويكون الاعتكاف صحيحا فيها بلا خلاف، وعدم الدليل على
صحته في غيرها، وإذا ثبت ذلك سقط عنا هذا التفريع.
63

مسألة 98: إذا أذن لزوجته أو أمته في الاعتكاف عشرة أيام، لم يكن له
منعهما بعد ذلك. وبه قال أبو حنيفة في الزوجة، فأما الأمة فلا يلزمها.
وقال الشافعي: له منعهما من ذلك.
دليلنا: أنه قد ثبت اعتكافهما باذنه بلا خلاف، وجواز منعهما بعد ذلك
يحتاج إلى دليل، وليس في الشرع ما يدل عليه.
مسألة 99: إذا نذر أن يعتكف شهر رمضان، لزمه ذلك، فإن فاته قضى
شهرا آخر يصوم فيه، فإن أخره إلى رمضان آخر فاعتكف فيه أجزأه.
وقال الشافعي: إذا فاته قضاه بغير صوم، وإن شاء أخره وقضاه في رمضان
آخر.
وقال أبو حنيفة: إن فاته اعتكافه فعليه قضاء اعتكاف شهر يصوم، كما قلناه.
فإن أراد أن يعتكف رمضان الثاني عما تركه لم يجزئه.
دليلنا: أن ما اعتبرناه من صوم رمضان الأول أو صوم شهر آخر لا خلاف
أنه يجزئه، ومن قال: أنه يجزئه بلا صوم فعليه الدلالة، وكذلك من قال: أن
رمضان الثاني لا يجزئه فعليه الدلالة.
مسألة 100: من أراد أن يعتكف العشر الأواخر من شهر رمضان إما بالنذر
أو أراد استيفاءه، فينبغي أن يدخل فيه ليلة إحدى وعشرين مع غروب الشمس.
وبه قال الشافعي، ومالك، والثوري، وأبو حنيفة وأصحابه.
وذهب الأوزاعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور إلى أن وقت الدخول فيه في
أول نهار الحادي والعشرين.
دليلنا: أن ما اعتبرناه لا خلاف أنه يجوز، ولا دلالة على إجزاء ما قالوه.
مسألة 101: لا يكون الاعتكاف أقل من ثلاثة أيام وليلتين، ومن وافقنا في
64

اعتبار الصوم فيه قال: أقله يوم وليلة، ومن لم يعتبر الصوم مثل الشافعي وغيره
قال: أقله ساعة ولحظة.
وقال في سنن حرملة: المستحب أن لا ينقص عن يوم وليلة.
دليلنا: إجماع الفرقة على أنه لا يكون الاعتكاف أقل من ثلاثة أيام، وقد
ذكرنا الأخبار في ذلك في الكتاب الكبير.
وهكذا الخلاف إذا نذر اعتكافا مطلقا.
مسألة 102: لا يصح الاعتكاف إلا في أربعة مساجد: المسجد الحرام،
ومسجد النبي صلى الله عليه وآله، ومسجد الكوفة، ومسجد البصرة.
وقال الزهري: لا يصح الاعتكاف إلا في جامع، أي جامع كان. وبه
قالت عائشة.
وقال الشافعي: المستحب أن يعتكف في الجامع، ويصح أن يعتكف في
سائر المساجد. وبه قال أبو حنيفة.
دليلنا: أن ما اعتبرناه من البقاع لا خلاف أنه يصح الاعتكاف فيه وينعقد،
وما قالوه ليس على انعقاد الاعتكاف فيه دليل.
وأيضا إجماع الفرقة على ذلك، وأخبارهم متواترة به ذكرنا طرفا منها في
الكتاب الكبير.
مسألة 103: إذا نذر أن يصلي في مسجد معين، لزمه الوفاء به، والترحل
إليه، سواء كان المسجد الحرام، أو المسجد الأقصى، أو مسجد الرسول، أو غيرها
من المساجد.
والاعتكاف إذا نذره في المساجد الأربعة لزمه الوفاء به، ولا ينعقد إن نذره
في غيرها.
وقال الشافعي: إن كان المسجد الحرام مثل ما قلناه، ووجب عليه أن
65

يخرج حاجا أو معتمرا، وإن كان غيره صلى واعتكف حيث شاء.
دليلنا: أن ذمته اشتغلت بالقطع واليقين، فوجب أن لا تبرأ إلا بيقين، وما
ذكرناه مقطوع على براءة الذمة، وليس على ما قالوه دليل.
مسألة 104: إذا خرج لقضاء حاجة ضرورية من المسجد، لا يجوز له أن
يأكل في منزله، ولا في موضع آخر، ويجوز أن يأكل في طريقه ماشيا.
وللشافعي فيه قولان:
قال أبو العباس: ليس له أن يأكل في منزله، بل له أن يأكل ماشيا.
وقال أبو إسحاق: يجوز له ذلك، وبه قال المزني.
دليلنا: أن ما اعتبرناه لا خلاف في جوازه، وليس على جواز ما قالوه دليل.
مسألة 105: يجوز للمعتكف أن يخرج لعيادة مريض ويزور الوالدين،
والصلاة على الأموات.
وقال الشافعي: ليس له ذلك، فإن فعل بطل اعتكافه. وبه قال باقي
الفقهاء.
دليلنا: أنه لا مانع منه، والأصل الإباحة، وأيضا عليه إجماع الفرقة، وأيضا
الأخبار الواردة في الحث على تشييع الجنازة، والصلاة على الأموات على
عمومها.
مسألة 106: يجوز للمعتكف أن يخرج فيؤذن في منارة خارجة للجامع
وإن كان بينه وبين الجامع فضاء لا يكون في الرحبة.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه.
والآخر: لا يجوز فإن خرج بطل اعتكافه.
66

دليلنا: كل ما روي في الحث على الأذان من الأخبار، إذ لم يفصلوا فيه بين
حالة الاعتكاف وغير حاله، فوجب أن تكون على عمومها.
مسألة 107: من خرج لإقامة الشهادة ولم يتعين عليه إقامتها لم يبطل
اعتكافه.
وقال الشافعي: يبطل اعتكافه.
دليلنا: أن الأصل جواز ذلك، وأيضا قوله تعالى: ولا يأب الشهداء إذا ما
دعوا، ولم يفصل.
مسألة 108: إن تعين عليه الأداء دون التحمل، مثل إن لم يبق من الشهود
غيره، فعليه أن يخرج ويقيم الشهادة، ولا يبطل اعتكافه.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه.
والآخر: يبطل اعتكافه وعليه أن يستأنف.
دليلنا: أنه مأمور بإقامة الشهادة، وواجب عليه ذلك بلا خلاف، فإذا
خرج لما وجب عليه لا يبطل اعتكافه، لأنه لا دليل على ذلك.
مسألة 109: إذا سكر المعتكف، بطل اعتكافه.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه.
والثاني: لا يبطل.
دليلنا: أن الاعتكاف هو المقام واللبث للعبادة، فإذا سكر نقض حقيقة
الاعتكاف لأنه فسق، فوجب أن يبطل اعتكافه.
مسألة 110: إذا ارتد المعتكف بطل اعتكافه.
وقال الشافعي: لا يبطل. واختلف أصحابه على وجهين، أحدهما: مثل ما
67

قلناه أنه يبطل.
والثاني: لا يبطل.
دليلنا: أنه إذا ارتد وهو مولود على الفطرة وجب قتله على كل حال، وإن
كان أسلم ثم ارتد فهو محكوم بنجاسته، فلا يجوز أن يقيم في المسجد، ولا تصح
منه الطاعة، وذلك ينافي الاعتكاف.
مسألة 111: من نذر أن يعتكف عشرة أيام متتابعة، فخرج لغير حاجة
بطل اعتكافه، وبه قال الشافعي، ومالك، وأبو حنيفة.
وقال أبو يوسف ومحمد: إن خرج أكثر النهار بطل اعتكافه، وإن خرج أقله
لم يبطل.
دليلنا: أنه إذا لم يخرج صح اعتكافه بلا خلاف، وإذا خرج ليس على
صحته دليل.
مسألة 112: إذا نذر أن يعتكف عشرة أيام متتابعة، لزمه أن يفي به، ويصوم
فيها. وإن لم يذكر الصوم، وإن ذكر الصوم كان أبلغ، فمتى أفطر يوما فيها
استأنف الصوم والاعتكاف.
وقال الشافعي: إذا نذر أن يعتكف عشرة أيام متتابعة بصوم فأفطر قال
أصحابه على وجهين، أحدهما: يستأنف الصيام دون الاعتكاف.
والآخر يستأنفها معا.
دليلنا: أنه إذا أفطر قطع التتابع فيها لأنه ليس ينفصل الاعتكاف عن
الصوم، ولأنه إذا استأنف وأعاده برئت ذمته بيقين، وإذا أفرد لم تبرأ ذمته بيقين.
مسألة 113: المعتكف إذا وطأ في الفرج نهارا، أو استمنى بأي شئ كان،
لزمته كفارتان، وإن فعل ذلك ليلا لزمته كفارة واحدة، وبطل اعتكافه.
68

وقال الشافعي، وأبو حنيفة، ومالك وسائر الفقهاء: يبطل اعتكافه، ولا
كفارة عليه.
وقال الزهري، والحسن البصري: عليه الكفارة ولم يفصلوا الليل من النهار.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا فإذا كفر برئت ذمته بيقين، وإذا لم يكفر لم
تبرأ ذمته بيقين.
مسألة 114: إذا قال: لله علي أن أعتكف يوما، لم ينعقد نذره، لأنه لا
اعتكاف أقل من ثلاثة أيام على ما بيناه.
فإن نذر اعتكاف ثلاثة أيام، وجب عليه الدخول فيه قبل طلوع الفجر من أول
يوم إلى غروب الشمس من اليوم الثالث.
وقال الشافعي: إذا قال: لله علي أن اعتكف يوما، وجب عليه ذلك.
وهل يجوز له التفريق أم لا؟ أصحابه على قولين:
أحدهما: أن له أن يبتدئ قبل طلوع الفجر إلى بعد الغروب، وإن دخل فيه
نصف النهار اعتكف إلى مثل وقته من النصف.
والقول الآخر عليه أصحابه وهو المذهب: أن عليه أن يتابع ويدخل فيه قبل
طلوع الفجر إلى بعد الغروب، قالوا: لأن اليوم عبارة عن ذلك.
دليلنا: أنا بينا أن الاعتكاف لا يصح إلا بصوم، ولا يكون أقل من ثلاثة
أيام، فإذا ثبت ذلك فالصوم لا ينعقد إلا من عند طلوع الفجر الثاني إلى بعد
الغروب، والثلاثة أيام مثل ذلك.
وأيضا فما اعتبرناه لا خلاف أنه يجزئ، وما ذكروه لا دليل على جوازه.
مسألة 115: إذا قال لله علي أن اعتكف ثلاثة أيام بلياليهن، لزمه ذلك. فإن
قال: متتابعة لزمه بينها ليلتان، وإن لم يشترط المتابعة جاز له أن يعتكف نهارا
ثلاثة أيام لا للياليهن.
69

وقال أصحاب الشافعي: إذا أطلق على وجهين:
أحدهما: يلزمه ثلاثة أيام بينهما الليلتان.
والآخر: أنه يلزمه بياض ثلاثة أيام فحسب، وعليه أصحابه.
وقال محمد بن الحسن: يلزمه ثلاثة أيام بلياليها.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، والذي وجب عليه بالنذر الاعتكاف ثلاثة
أيام، واليوم عبارة عما بين طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس، هكذا ذكره
الخليل وغيره من أهل اللغة، والليل لم يجر له ذكر، فوجب أن لا يلزمه.
مسألة 116: لا يجوز للمعتكف استعمال شئ من الطيب.
وقال الشافعي: يجوز ذلك.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا إذا لم يستعمل الطيب صح اعتكافه بلا
خلاف، وإذا استعمل ففي صحته خلاف.
مسألة 117: المعتكفة إذا مات زوجها أو طلقها، خرجت وبنت على
اعتكافها إذا فرغت.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما: تستأنف، والآخر: تبني.
دليلنا: أن إعادة الاعتكاف يحتاج إلى دليل، وليس في الشرع ما يدل عليه.
مسألة 118: من أكل طعاما في المسجد يحتاج إلى غسل يده، فالأولى أن
يغسلها في الطست ويقلب الماء خارج المسجد، فإن خرج فغسل يده لم يبطل
اعتكافه.
وقال الشافعي: يبطل.
دليلنا: أن هذا خروج محتاج إليه، وقد استثنى ذلك عليه.
70

مسألة 119: من لا تجب عليه الجمعة من عبد، أو امرأة، أو أمة، أو أم ولد،
أو مسافر لا يصح منه الاعتكاف إلا في المساجد الأربعة.
وقال الشافعي: يعتكفون حيث شاءوا.
دليلنا: عموم الأخبار الواردة في ذلك.
وأيضا لا خلاف أن اعتكافهم في هذه المواضع صحيح، ولا دليل على
صحة ما قالوه.
مسألة 120: إذا نذر اعتكاف أيام إذا فعل فعلا أو امتنع منه، لا على وجه
القربة، بل على وجه منع النفس منه، مثل أن يقول: إن دخلت الدار، أو إن لم
أدخل الدار، كان بالخيار بين الوفاء به وبين أن لا يفي به.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه، والآخر: عليه كفارة يمين.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، ولا يجوز شغلها إلا بدليل.
وأيضا فقد روي عنهم عليه السلام أنهم قالوا: لا نذر إلا ما أريد به وجه
الله.
مسألة 121: إذا نذر أن يعتكف في المسجد الحرام أو في مسجد الرسول صلى الله عليه وآله،
أو في مسجد الكوفة، أو مسجد البصرة، لزمه الوفاء به، ولا
يجوز في غيرها.
وقال الشافعي: إن نذر أن يعتكف في المسجد الحرام لزمه الوفاء به، وإن
كان مسجد الرسول صلى الله عليه وآله، أو مسجد الأقصى فعلى قولين، وإن كان
غيرها فله أن يعتكف حيث شاء.
دليلنا: إنا بينا أن الاعتكاف لا يكون إلا في هذه المواضع، فإن نذر في
غيرها لا ينعقد نذره، فأما أحد هذه المساجد فإذا نذر على وجه القربة وجب عليه
الوفاء به، لأنه لا دليل على التخيير فيه، والذي نذره شئ معين، فلا يجوز خلافه.
71

المبسوط
في فقه الإمامية
تأليف شيخ الطائفة
أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (قدس سره)
385 - 460 ه‍. ق
73

كتاب الصوم
فصل: في ذكر حقيقة الصوم وشرائط وجوبه:
الصوم في اللغة هو الإمساك والكف يقال: صام الماء إذا سكن، وصام
النهار: إذا قام في وقت الظهيرة، وهو أشد الأوقات حرارة.
وفي الشرع هو إمساك مخصوص على وجه مخصوص في زمان
مخصوص ممن هو على صفة مخصوصة، ومن شرط انعقاده النية المقارنة فعلا أو
حكما، لأنه لو لم ينو وأمسك عن جميع ذلك لم يكن صائما.
وقولنا: إمساك مخصوص، أردنا الإمساك عن المفطرات التي سنذكرها،
وأردنا: على وجه مخصوص، العمد دون النسيان، لأنه لو تناول جميع ذلك
ناسيا لم يبطل صومه.
وقولنا: في زمان مخصوص، أردنا به النهار دون الليل، فإن الإمساك عن
جميع ذلك ليلا لا يسمى صوما.
وقولنا: ممن هو على صفات مخصوصة، أردنا به من كان مسلما لأن الكافر
لو أمسك عن جميع ذلك لم يكن صائما، وأردنا به أيضا ألا تكون حائضا لأنها
لا يصح منها الصوم، وكذلك لا يكون مسافرا سفرا مخصوصا عندنا، لأن
المسافر لا ينعقد صومه الفرض ولا يكون جنبا، لأن الجنب لا ينعقد صومه مع
التمكن من الغسل.
75

وقولنا: من شرطه مقارنة النية له فعلا أو حكما، معناه أن يفعل النية في
الوقت الذي يجب فعلها فيه، وحكما أن يكون ممسكا عن جميع ذلك، وإن لم
يفعل النية، كالنائم طول شهر رمضان والمغمى عليه فإنه لا نية لهما، ومع ذلك
يصح صومهما وكذلك من أمسكه غيره عن جميع ما يجب إمساكه يكون في
حكم الصائم إذا نوى وإن لم يكن في الحقيقة ممتنعا، لأنه لا يتمكن منها.
ومن شرط وجوبه كمال العقل والطاقة والبلوع، وليس الإسلام شرطا في
الوجوب، لأن الكافر عندنا يجب عليه العبادات الشرعية، وإن لم يكن مسلما إلا
أنه لا يلزمه القضاء متى أسلم، لأن القضاء فرض ثان من شرطه الإسلام.
وأما المرتد عن الإسلام إذا رجع، فإنه يلزمه قضاء الصوم، وجميع ما فاته
من العبادات في حال ارتداده، لأنه كان بحكم الإسلام لالتزامه له أولا فلأجل
ذلك وجب عليه القضاء فأما إن ارتد ثم عاد إلى الإسلام قبل أن يفعل ما يفطره
فلا يبطل صومه بالارتداد لأنه لا دليل عليه.
وأما كمال العقل، فإنه شرط في وجوبه عليه لأن من ليس كذلك لا يكون
مكلفا من المجانين والبله، ولا فرق بين أن لا يكون كامل العقل في الأصل أو
يزول عقله فيما بعد في أن التكليف يزول عنه، اللهم إلا أن يزول عقله بفعل يفعله
على وجه يقتضي زواله بمجرى العادة فإنه إذا كان كذلك لزمه قضاء جميع
ما يفوته في تلك الأحوال وذلك مثل السكران وغيره فإنه يلزمه قضاء ما فاته من
العبادات كلها، وإن كان جنى جناية زال معها عقله على وجه لا يعود، بأن يصير
مجنونا مطبقا فإنه لا يلزمه قضاء ما يفوته.
وأما إذا زال عقله بفعل الله مثل الإغماء والجنون وغير ذلك فإنه لا يلزمه
قضاء ما يفوته في تلك الأحوال، فعلى هذا إذا دخل عليه شهر رمضان وهو مغمى
عليه أو مجنون أو نائم، وبقى كذلك يوما أو أياما كثيرة أفاق في بعضها أو لم
يفق، لم يلزمه قضاء شئ مما مر به إلا ما أفطر فيه أو طرح في حلقه على وجه
المداواة له فإنه يلزمه حينئذ القضاء، لأن ذلك لمصلحته ومنفعته، وسواء أفاق
76

في بعض النهار أو لم يفق فإن الحال لا يختلف فيه.
وأما البلوغ، فهو شرط في وجوب العبادات الشرعية، وحده هو الاحتلام
في الرجال والحيض في النساء، أو الإنبات أو الإشعار أو يكمل له خمس عشرة
سنة، والمرأة تبلغ عشر سنين.
فأما قبل ذلك فإنما يستحب أخذه به على وجه التمرين له والتعليم،
ومستحب أخذه بذلك إذا أطاقه، وحد ذلك بتسع سنين فصاعدا وذلك
بحسب حاله في الطاقة.
فصل: في ذكر علامة شهر رمضان ووقت الصوم والإفطار:
علامة شهر رمضان رؤية الهلال أو قيام البينة برؤيته، فإذا رأى الإنسان هلال
شهر رمضان وتحققه وجب عليه الصوم، سواء رآه معه غيره أو لم يره، فإذا رأى
هلال شوال أفطر سواء رآه غيره أو لم يره، فإن أقام بذلك الشهادة فردت لم
يسقط فرضه، فإن أفطر فيه وجب عليه القضاء والكفارة.
ومتى لم يره ورأى في البلد رؤية شائعة وجب أيضا الصوم، فإن كان في
السماء علة من غيم أو قتام أو غبار وشهد عدلان مسلمان برؤيته وجب أيضا الصوم،
وإن لم يكن هناك علة لم تقبل إلا شهادة القسامة خمسين رجلا.
ومتى كانت في السماء علة ولم ير في البلد أصلا، وشهد من خارج البلد
نفسان عدلان قبل قولهما ووجب الصوم، وإن لم يكن علة غير أنهم لم يروه لم
يقبل من خارج البلد إلا شهادة القسامة خمسين رجلا.
ولا تقبل شهادة النساء في الهلال لا مع الرجال ولا على الانفراد، فإن أخبر
من النساء جماعة يوجب خبرهن العلم برؤية الهلال أو جماعة من الكفار كذلك
وجب العمل به لمكان العلم دون الشهادة، وهكذا الحكم في من لا تقبل شهادته
من الفساق والصبيان.
ولا يجوز العمل في الصوم على العدد لا على الجدول ولا غيره، وقد رويت
77

روايات بأنه إذا تحقق هلال العام الماضي عد خمسة أيام وصام يوم الخامس، أو
تحقق هلال رجب عد تسعة وخمسين يوما ويصام يوم الستين، وذلك محمول
على أنه يصوم ذلك بنية شعبان استظهارا، فأما بنية أنه من رمضان فلا يجوز على
حال.
ومتى غم الهلال عد من شعبان ثلاثون ويصام بعده بنية رمضان، فإن غم
هلال شعبان عد رجب أيضا ثلاثون وصام، فإن رأى بعد ذلك هلال شوال ليلة
تسعة وعشرين قضى يوما واحدا، لأن الشهر لا يكون أقل من تسعة وعشرين
يوما، ولا يلزمه قضاء أكثر من يوم واحد، لأن اليوم الواحد متيقن وما زاد عليه
ليس عليه دليل.
ومتى غمت الشهور كلها عددها ثلاثين ثلاثين، فإن مضت السنة كلها ولم
يتحقق فيها هلال شهر واحد ففي أصحابنا من قال: إنه يعد الشهور كلها ثلاثين، و
يجوز عندي أن يعمل على هذه الرواية التي وردت بأنه يعد من السنة الماضية
خمسة أيام ويصوم يوم الخامس، لأن من المعلوم أنه لا تكون الشهور كلها تامة،
وأما إذا رأى الهلال وقد تطوق أو رأى ظل الرأس فيه أو غاب بعد الشفق، فإن
جميع ذلك لا اعتبار به، ويجب العمل بالرؤية لأن ذلك يختلف بحسب
اختلاف المطالع والعروض.
ومتى لم ير الهلال في البلد ورأى خارج البلد على ما بيناه، وجب العمل به
إذا كان البلدان التي رأى فيها متقاربة بحيث لو كانت السماء مصحية والموانع
مرتفعة لرأى في ذلك البلد أيضا لاتفاق عروضها وتقاربها مثل بغداد وواسط و
الكوفة وتكريت والموصل، فأما إذا بعدت البلاد مثل بغداد وخراسان، وبغداد
ومصر فإن لكل بلد حكم نفسه.
ولا يجب على أهل بلد العمل بما رآه أهل البلد الآخر.
ومتى رأى الهلال قبل الزوال أو بعده فهو ليلة المستقبلة دون الماضية.
وصوم يوم الشك إن صام بنية شعبان ثم بان أنه من رمضان فقد أجزأ عنه،
78

وإن صامه بنية رمضان بخبر واحد أو بأمارة أجزأه أيضا لأنه يوم من رمضان، فأما
مع عدم ذلك فلا يجزئه لأنه منهي عن صومه على هذا الوجه، والنهي يدل على
فساد المنهي عنه.
ومتى عد شعبان ثلاثين وصام بعده، ثم قامت البينة بأنه رأى الهلال قبله
بيوم قضى يوما بدله وليس عليه شئ.
ومن كان أسيرا أو محبوسا بحيث لا يعلم شهر رمضان فليتوخ شهرا فليصمه
بنية القربة. فإن وافق شهر رمضان فقد أجزأه، وإن وافق بعده كان قضاء، وإن
كان قبله لم يجزه وعليه القضاء.
والوقت الذي يجب فيه الإمساك عن الطعام، والشراب هو طلوع الفجر
الثاني الذي تجب عنده الصلاة فإن طلع الفجر وفي فمه طعام أو شراب لفظه و
تم صومه.
فأما الجماع فإنه مباح إلى أن يبقى مقدار ما يمكنه الاغتسال بعده، فإن
جامع بعد ذلك فقد أفسد صومه وكان عليه القضاء والكفارة.
ووقت الإفطار سقوط القرص، وعلامته زوال الحمرة من ناحية المشرق، و
هو الذي تجب عنده صلاة المغرب، ومتى اشتبه الحال للحوائل وجب أن
يستظهر إلى أن يتيقن دخول الليل، ومتى كان بحيث يرى الآفاق وغابت
الشمس عن الأبصار ورأى ضوءها على بعض الجبال من بعيد أو بناء عال مثل
منارة إسكندرية، في أصحابنا من قال: يجوز له الإفطار، والأحوط عندي أن
لا يفطر حتى تغيب عن الأبصار في كل ما يشاهده فإنه يتيقن معه تمام الصوم.
ومتى شك في الفجر فأكل وبقى على شكه فلا قضاء عليه، فإن علم فيما
بعد أنه كان طالعا فعليه القضاء.
ومتى ظن أنه بقي وقت إلى الفجر فجامع وطلع الفجر وهو يجامع نزع
اغتسل، وقد صح صومه لأنه لم يتعمد ذلك، والأفضل أن يقدم الصلاة على
الإفطار إلا أن يكون ممن لا يصبر عليه أو يكون هناك من ينتظره من الصيام فعند
79

ذلك يقدم الإفطار، فإذا فرع بادر إلى الصلاة.
والسحور فيه فضل كبير ولو بشربة من ماء.
فصل: في ذكر ما يمسك عنه الصائم:
ما يمسك عنه الصائم على ضربين: واجب ومندوب. والواجب على
ضربين: أحدهما: فعله يفسده، والآخر لا يفسده.
والذي يفسده على ضربين: أحدهما: يصادف ما يتعين صومه مثل شهر
رمضان أو صوم نذر معين بيوم أو أيام، والآخر يصادف ما لا يتعين صومه مثل
ما عدا هذين النوعين من أنواع الصوم.
فما يصادف شهر رمضان والنذر المعين على ضربين: أحدهما: يوجب
القضاء والكفارة والآخر يوجب القضاء دون الكفارة.
فما يوجب القضاء والكفارة تسعة أشياء:
الأكل لكل ما يكون به أكلا سواء كان مطعوما معتادا مثل الخبز واللحم
وغير ذلك، أو لا يكون معتادا مثل التراب والحجر والفحم والحصى والخزف
والبرد وغير ذلك.
والشرب لجميع ما يكون به شاربا سواء كان معتادا مثل الماء أو الأشربة
المعتادة، أو لم يكن معتادا مثل ماء الشجر والفواكه وماء الورد وغير ذلك.
والجماع في الفرج أنزل أو لم ينزل سواء كان قبلا أو دبرا فرج امرأة أو
غلام أو ميتة أو بهيمة، وعلى كل حال على الظاهر من المذهب. وقد روي أن
الوطء في الدبر لا يوجب نقض الصوم إلا إذا أنزل معه، وأن المفعول به لا ينتقض
صومه بحال، والأول أحوط.
وإنزال الماء الدافق على كل حال عامدا بمباشرة وغير ذلك من أنواع ما
يوجب الإنزال.
والكذب على الله وعلى رسوله والأئمة عامدا، وفي أصحابنا من قال: إن
80

ذلك لا يفطر وإنما ينقص.
والارتماس في الماء على أظهر الروايات، وفي أصحابنا من قال: إنه لا يفطر
وإيصال الغبار الغليظ إلى الحلق متعمدا مثل غبار الدقيق أو غبار النفض،
وما جرى مجراه على ما تضمنته الروايات، وفي أصحابنا من قال: إن ذلك لا
يوجب الكفارة وإنما يوجب القضاء.
والمقام على الجنابة متعمدا حتى يطلع الفجر من غير ضرورة إلى ذلك.
ومعاودة النوم بعد انتباهتين حتى يطلع الفجر.
والكفارة عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا لكل
مسكين مدين من طعام، وقد روي مد مخيرا في ذلك، وقد روي أنها مرتبة مثل
كفارة الظهار، والأول أظهر في الروايات.
وقد روي أنه إذا أفطر بمحظور مثل الخمر والزنى أنه يلزمه ثلاث كفارات
هذا في إفطار يوم من شهر رمضان.
فأما إفطار يوم نذر صومه فالأظهر من المذهب أن كفارته مثل هذا، وقد
روي أن عليه كفارة اليمين، وروي أنه لا شئ عليه، وذلك محمول على من
لا يقدر إلا على كفارة اليمين فيلزمه ذلك أولا، أو لا يقدر أصلا فلا شئ عليه و
استغفر الله تعالى.
وأما ما يوجب القضاء دون الكفارة فثمانية أشياء:
الإقدام على الأكل والشرب أو الجماع قبل أن يرصد الفجر مع القدرة
عليه ويكون طالعا، وترك القبول عمن قال: إن الفجر طلع، وكان طالعا
فأكل وشرب، وتقليد الغير في دخول الليل مع القدرة على مراعاته ويكون قد
طلع، وتقليد الغير في دخول الليل مع القدرة على مراعاته والإقدام على الإفطار
ولم يكن دخل، وكذلك الإفطار لعارض يعرض في السماء من ظلمة. ثم تبين
أن الليل لم يدخل، وقد روي أنه إذا أفطر عند أمارة قوية لم يلزمه القضاء.
وتعمد القئ، فأما إذا ذرعه القئ فلا يفطر لكن لا يبلغ منه شيئا بحال، فإن
81

بلعه عامدا فقد أفطر.
ومعاودة النوم بعد انتباهة واحدة قبل أن يغتسل من جنابة ولم ينتبه حتى
يطلع الفجر.
ووصول الماء إلى الحلق لمن يتبرد بتناوله دون المضمضة للصلاة.
والحقنة بالمائعات.
ويجري مجرى ذلك في كونه مفطرا يوجب القضاء دون الكفارة دم
الحيض والنفاس فإنه يفطر أي وقت كان، وإن كان قبل المغيب بقليل إلا أن
المرأة إذا رأت ذلك بعد الزوال أمسكت تأديبا وقضت على كل حال، وإذا
تخلل فخرج من أسنانه ما يمكنه التحرز منه فبلعه عامدا كان عليه القضاء.
وأما ما لا يتعين صومه فمتى صادف شيئا مما ذكرناه بطل صوم ذلك
اليوم، ولا يلزمه شئ ويقضي يوما بدله، اللهم إلا أن يصادف الأكل والشرب أو
ما يفطر عامدا بعد الزوال في يوم يقضيه من رمضان، فإن عليه إطعام عشرة
مساكين أو صيام ثلاثة أيام.
وأما ما يجب الإمساك عنه وإن لم يفسده فهو جميع المحرمات من
القبائح التي هي سوى ما ذكرناه، فإنه يتأكد وجوب الامتناع منها لمكان
الصوم.
وأما المكروهات فاثنا عشر شيئا: السعوط سواء بلغ الدماع أو لم يبلغ إلا
ما ينزل الحلق فإنه يفطر ويوجب القضاء، والكحل الذي فيه شئ من الصبر و
المسك، وإخراج الدم على وجه يضعفه، ودخول الحمام المؤدى إلى ذلك،
وشم النرجس والرياحين وأشد كراهية النرجس، واستدخال الأشياف الجامدة،
وتقطير الدهن في الأذن، وبل الثوب على الجسد، والقبلة وملاعبة النساء،
ومباشرتهن بشهوة.
ومن جعل في فيه بعض الأحجار من ذهب أو فضة لضرورة إلى ذلك، ثم
بلعه ساهيا لم يكن عليه قضاء، فإن فعل ذلك عابثا ومع انتفاء الحاجة إليه و
82

بلعه كان عليه القضاء.
ومتى نظر إلى ما لا يحل النظر إليه بشهوة فأمنى فعليه القضاء، فإن كان
نظره إلى ما يحل فأمنى لم يكن عليه شئ، فإن أصغى أو سمع إلى حديث فأمنى
لم يكن عليه شئ.
فأما ما لا يفطر ويلتبس الحال فيه فعلى ضروب:
أولها: ما كان عن سهو أو نسيان أو غلبة على العقل مثل الأكل والشرب
ناسيا أو ساهيا فإنه لا يفطر، فإن اعتقد أن ذلك يفطره فأكل أو شرب أو فعل ما لو
فعله الذاكر كان مفطرا، أفطر وعليه القضاء والكفارة لأنه فعل ذلك في صوم
صحيح، وفي أصحابنا من قال: عليه القضاء دون الكفارة.
ومنها ما يحدث من غير قصد إليه، مثل دخول الذباب في حلقه أو غيره من
الهوام ووصوله إلى جوفه، أو قطر المطر في حلقه من غير قصد منه، أو أدخل
غيره في فيه وحلقه ما يفطره من غير منع من جهته، إما بأن كان نائما أو إكراهه
عليه فإن ذلك لا يفطره، فإن ألزمه التناول فتناول بنفسه أفطر فإن طعنه غير طعنة
وصلت إلى جوفه لم يفطر، وإن أمره هو بذلك ففعل به أو فعل هو بنفسه ذلك
أفطر، ومتى صب الدواء في إحليله فوصل إلى جوفه أفطر، فإن كان ناسيا لم
يفطر، ومتى ذرعه القئ أو تجشأ من غير استدعاء فوصل إلى حلقه لم يفطر، و
كذلك القول في النخامة، وكذلك إن نزل من رأسه شئ فوصل إلى جوفه من
غير فعله لم يلزمه شئ، وكذلك من احتلم في يومه.
ومنها ما لا حرج فيه وإن تعمده مثل مص الخاتم وغير ذلك من
الجمادات، والمضمضة والاستنشاق للطهارة فيصل من الماء إلى الحلق و
الجوف شئ منه من غير عمد، والسواك بالرطب واليابس سواء كان قبل
الزوال أو بعده فإنه لا يكره في وقت من النهار، وبلع الريق مستجلبا كان الريق
أو غير مستجلب، وسواء جمعه في فيه وبلعه أو لم يجمعه ما لم ينفصل، فإن
انفصل من فيه ثم بلعه أفطر.
83

ويكره استجلابه بما له طعم، ويجري مجرى العلك كالكندر، وما أشبهه
وليس ذلك بمفطر في بعض الروايات، وفي بعضها أنه يفطر وهو الاحتياط وأما
استجلابه بما لا طعم له من الخاتم والحصاة فلا بأس به، ويجوز للصائم أن يزق
الطائر، وللطباخ أن يذوق المرق، وللمرأة أن تمضغ الطعام للصبي بعد أن
لا يبلعوا شيئا من ذلك، ويجوز للرجال الاستنقاع في الماء ما لم يرتمس فيه، و
يكره ذلك للنساء،
ومن طلع عليه الفجر وفي فيه طعام أو شراب فألقاه ولم يبلعه صح
صومه، فإن طلع عليه الفجر وهو مجامع ولم يعلم أن الفجر قريب فنزع في
الحال من غير تلزم صح صومه، فإن تلزم أو تحرك حركة تعين على الجماع
لا على النزوع فقد أفطر هذا إذا لم يعلم أن الفجر قد قرب، فإن غلب في ظنه ذلك
أو علم وجب عليه القضاء والكفارة إذا جامع لأنه يحرم عليه الإقدام عليه إذا لم
يبق مقدار ما إذا فرع تمكن من الاغتسال.
ومتى تكرر منه ما يوجب الكفارة فلا يخلو أن يتكرر ذلك في يومين أو أيام
من شهر رمضان واحد أو يتكرر في رمضانين متغايرين أو يتكرر منه قبل التكفير
عن الأول أو بعده، ولا خلاف أن التكرار في رمضانين يوجب الكفارة سواء كفر
عن الأول أو لم يكفر.
وأما إذا تكرر في يومين في رمضان واحد ففيه الخلاف، ولا خلاف بين
الفرقة أن ذلك يوجب تكرار الكفارة سواء كفر عن الأول أو لم يكفر، فأما إذا
تكرر ذلك في يوم واحد فليس لأصحابنا فيه نص معين، والذي يقتضيه مذهبنا أنه
لا يتكرر عليه الكفارة لأنه لا دلالة على ذلك، والأصل براءة الذمة، وفي أصحابنا
من قال: إن كان كفر عن الأول فعليه كفارة، وإن لم يكن كفر فالواحدة تجزئه،
وإنما قاله قياسا وذلك لا يجوز عندنا، وفي أصحابنا من قال: بوجوب تكرار
الكفارة عليه على كل حال، ورجع إلى عموم الأخبار، والأول أحوط.
فأما من فعل ما يوجب عليه الكفارة في أول النهار ثم سافر أو مرض مرضا
84

يبيح له الإفطار أو حاضت المرأة فإن الكفارة لا تسقط عنه بحال.
ومن رأى الهلال وحده فشهد به فردت شهادته وجب عليه الصوم فإن أفطر
فيه كان عليه القضاء والكفارة.
ومن قامت عليه البينة بأنه أفطر في رمضان متعمدا لغير عذر سئل: هل
عليك في ذلك حرج؟ فإن قال: لا، وجب قتله، وإن قال: نعم، عزره الإمام
بغليظ العقوبة، فإن فعل ذلك مرات وعزر فيها دفعتين كان عليه القتل.
ومن جامع زوجته في نهار شهر رمضان وكانت هي صائمة أيضا مطاوعة
له كان عليها أيضا الكفارة مثل ما عليه، فإن أكرهها على الجماع كانت عليه
كفارتان واحدة عنه والأخرى عنها، وقد روي أنه يضرب إذا أكرهها خمسين
سوطا، وإذا طاوعته ضرب كل واحد منهما خمسا وعشرين سوطا، وإن أكره
أجنبية على الفجور بها ليس لأصحابنا فيه نص، فالذي يقتضيه الأصل أن عليه
كفارة واحدة لأن حملها على الزوجة قياس لا نقول به، ولو قلنا: إن عليه كفارتين
لعظم المأثم فيه كان أحوط.
فأما ما روي من أن من أفطر على محرم كان عليه الجمع بين ثلاث كفارات
فيجب على هذا ثلاث كفارات وإذا وجبت عليه الكفارة فعجز عن الثلاث التي
ذكرناها فقد روي أنه يصوم ثمانية عشر يوما وكذلك كل من وجب عليه صوم
شهرين متتابعين يصوم مثل ذلك، فإن عجز عن ذلك أيضا استغفر الله ولا يعود.
وإذا وجب على الرجل والمرأة الكفارة فأعتق أحدهما وأطعم الآخر أو
صام كان جائزا، ولا يلزم الرجل أن يتحمل عن المرأة ما يجب عليها، وإنما يلزمه
ما أكرهها عليه فقط وما عداه فعليها في مالها، ومن وجبت عليه كفارة فتبرع عنه
إنسان بها كان ذلك جائزا.
فصل: في ذكر النية وبيان أحكامها في الصوم:
الصوم على ضربين: مفروض ومسنون. فالمفروض على ضربين متعين: و
85

غير متعين. فالمتعين على ضربين: متعين بزمان ومتعين بصفة. والمتعين بزمان
على ضربين: أحدهما: لا يمكن أن يقع فيه غير ذلك الصوم والشرع على ما هو
عليه، والآخر يمكن ذلك فيه أو كان يمكن.
فالأول: صوم شهر رمضان، فإنه لا يمكن أن يقع فيه غير شهر رمضان إذا
كان مقيما في بلده.
فأما إذا كان مسافرا سفرا مخصوصا جاز أن يقع فيه غيره على ما نبينه.
فأما إن كان حاضرا فلا يمكن ذلك فيه وما هذه حاله لا يحتاج في انعقاده
إلى نية التعيين، ويكفي فيه نية القربة، ومعنى نية القربة أن ينوي أنه صائم فقط
متقربا به إلى الله تعالى.
ونية التعيين أن ينوي أنه صائم شهر رمضان، فإن جمع بينهما كان أفضل،
وإن اقتصر على نية القربة أجزأه، ونية القربة الأفضل أن تكون مقارنة ومحلها ليلة
الشهر من أولها إلى آخرها أي وقت فعلها أجزأه سواء نام بعدها أو لم ينم، و
يجزئه أن ينوي ليلة الشهر صيام الشهر كله، وإن جددها كل ليلة كان أفضل، و
نية القربة يجوز أن تكون مقدمة فإنه إذا كان من نيته صوم الشهر إذا حضر ثم
دخل عليه الشهر لم يجددها لسهو لحقه أو نوم أو إغماء كان صومه ماضيا
صحيحا وإن كان ذاكرا فلا بد من تجديدها، ومتى نوى بصوم شهر رمضان النذر
أو القضاء وغير ذلك أو نفلا فإنه يقع عن شهر رمضان دون غيره، فإن كان
شاكا فصام بنية النفل أجزأه فإن صام بنية الفرض روى أصحابنا أنه لا يجزئه وإن
صام بنية الفرض إن كان فرضا، وبنية النفل إن كان نفلا فإنه يجزئه.
ومتى تأخرت نية الفرض عن طلوع الفجر لسهو أو عدم علم بأنه من
رمضان وتجددت قبل الزوال كان صحيحا ويكون صائما من أول النهار إلى
آخره، وهكذا إن جدد نية الصوم في أنواع الفرض أو النفل قبل الزوال كان
صوما صحيحا.
ومتى فاتته النية إلى بعد الزوال في شهر رمضان جدد النية، وكان عليه
86

القضاء، هذا إذا أصبح بنية الإفطار مع عدم علمه بأنه من الشهر، فأما إن صام بنية
النفل والتطوع فإنه يجزئه على كل حال.
ومتى نوى الإفطار مع علمه بأنه من الشهر ثم جدد النية فيما بعد لم ينعقد
صومه على حال وكان عليه القضاء.
وأما إذا كان مسافرا سفرا يوجب التقصير فإن صام بنية رمضان لم يجزئه،
وإن صام بنية التطوع كان جائزا، وإن كان عليه صوم نذر معين ووافق ذلك
شهر رمضان فصام عن النذر وهو حاضر وقع عن رمضان ولا يلزمه القضاء
لمكان النذر، وإن كان مسافرا وقع عن النذر وكان عليه القضاء لرمضان،
وكذلك الحكم إن صام وهو حاضر بنية صوم واجب عليه غير رمضان وقع عن
رمضان ولم يجزئه عما نوى، وإن كان مسافرا وقع عما نواه، وعلى الرواية التي
رويت أنه لا يصام في السفر واجب فإنه لا يصح هذا الصوم بحال.
وأما الضرب الآخر من الصوم المتعين بيوم فهو أن يكون نذر أن يصوم يوما
بعينه فهذا يحتاج إلى نية التعيين ونية القربة معا، ومتى أتى بنية القربة لم يجزئه
عن نية التعيين، وإن أتى بنية التعيين أجزأه عن نية القربى لأن نية التعيين لا تنفك
من القربة، وهذه النية لا يجوز أن تكون متقدمة بل وقتها ليلة اليوم الذي يريد
صومه من الغد من أول الليل إلى طلوع الفجر الثاني أي وقت جاء بها كان جائزا،
وإن فاتت جاز تجديدها إلى الزوال فإذا زال فقد فات وقت النية.
وأما المعين بصفة فهو ما يجب بالنذر بأن يقول: متى قدم فلان فلله على أن
أصوم يوما أو أياما، فإن هذا القسم مع باقي الأقسام من المفروض والمسنون فلا
بد فيها من نية التعيين والقربة، ولا يجزئ نية القربة عن نية التعيين، ويجزئ نية
التعيين عن نية القربة لأنها لا تنفك عن القربة على ما قلناه، ويجوز تجديد هذه
النية إلى قرب الزوال أيضا ومحلها ليلة الصوم.
ومتى فاتت إلى بعد الزوال فقد فات وقتها إلا في النوافل خاصة، فإنه روي
في بعض الروايات جواز تجديدها بعد الزوال، وتحقيقها أنه يجوز تجديدها إلى
87

أن يبقى من النهار بمقدار ما يبقى زمان بعدها يمكن أن يكون صوما، فأما إذا كان
انتهاء النية مع انتهاء النهار فلا صوم بعده على حال، وإذا جدد نية الإفطار في
خلال النهار وكان قد عقد الصوم في أوله فإنه لا يصير مفطرا حتى يتناول ما
يفطر، وكذلك إن أكره الامتناع من الأشياء المخصوصة لأنه لا دليل على
ذلك.
والنية وإن كانت إرادة لا تتعلق بأن لا يكون الشئ فإنما تتعلق في الصوم
بإحداث توطين النفس وقهرها على الامتناع بتجديد الخوف من عقاب الله وغير
ذلك أو بفعل كراهية لحدوث هذه الأشياء فتكون متعلقة على هذا الوجه ولا
تنافي الأصول، والصبي إذا نوى صح ذلك منه وكان صوما شرعيا.
فصل: في ذكر أقسام الصوم:
الصوم ينقسم خمسة أقسام: مفروض، ومسنون، وقبيح، وصوم إذن، و
صوم تأديب.
فالمفروض على ضربين: مطلق من غير سبب، وواجب عند سبب.
فالمطلق من غير سبب صوم شهر رمضان، وشرائط وجوبه ستة، خمسة
مشتركة بين الرجال والنساء وواحد يختص النساء. فالمشترك: البلوغ و
كمال العقل والصحة والإقامة، ومن حكمه حكم المسافرين، وما يختص
النساء فكونها طاهرا، فهذه شروط في وجوب الأداء. وأما صحة الأداء فهذه
شروطها أيضا مع الإسلام، وأما القضاء فلوجوبه ثلاثة شروط: الإسلام والبلوغ و
كمال العقل في النساء والرجال.
والواجب عند سبب على ضربين: أحدهما: ما كان سببه تفريطا أو معصية،
والآخر: ما لم يكن كذلك.
فالأول ستة أقسام: صوم كفارة الظهار، وصوم كفارة من أفطر يوما من
شهر رمضان متعمدا، وصوم قضاء من أفطر يوما يقضيه من رمضان بعد الزوال،
88

وصوم كفارة القتل، وصوم جزاء الصيد، وصوم كفارة اليمين.
والضرب الآخر خمسة أقسام: قضاء ما فات من شهر رمضان لعذر من
مرض أو سفر، وصوم النذر، وصوم كفارة أذى حلق الرأس، والصوم دم
المتعة، وصوم الاعتكاف.
وتنقسم هذه الواجبات ثلاثة أقسام: مضيق ومخير ومرتب.
فالمضيق أربعة أقسام: صوم شهر رمضان، وقضاء ما يفوت من رمضان، و
صوم النذر، وصوم الاعتكاف.
والمخير أربعة: صوم كفارة أذى حلق الرأس، وصوم كفارة من أفطر يوما
من شهر رمضان متعمدا على خلاف فيه بين الطائفة، وصوم كفارة من أفطر يوما
من قضاء رمضان بعد الزوال متعمدا لغير عذر وهو ثلاثة أيام، وصوم جزاء
الصيد.
والمرتب أربعة: صوم كفارة اليمين، وصوم كفارة قتل الخطأ، وصوم
كفارة الظهار، وصوم دم الهدي، وسنبين كيفية التخيير في ذلك فيما بعد في
أبوابه إن شاء الله.
وينقسم الصوم الواجب قسمين آخرين: أحدهما: يتعلق بإفطاره متعمدا من
غير ضرورة قضاء وكفارة، والآخر لا يتعلق به ذلك. فالأول أربعة أجناس:
صوم شهر رمضان، وصوم النذر المعين بيوم أو أيام، وصوم قضاء شهر رمضان
إذا أفطر بعد الزوال، وصوم الاعتكاف، وما لا يتعلق بإفطاره كفارة فهو ما عدا
هذه الأربعة أجناس من الصوم الواجب وهي ثمانية على ما قدمنا.
وتنقسم هذه الواجبات قسمين آخرين: أحدهما: يراعى فيه التتابع،
والآخر: لا يراعى فيه ذلك.
فالأول على ضربين: أحدهما: متى أفطر في حال دون حال بنى، والآخر:
يستأنف على كل حال.
فالأول: ستة مواضع: من وجب عليه صوم شهرين متتابعين إما في قتل
89

الخطأ أو الظهار أو إفطار يوم من شهر رمضان أو نذر معين بيوم أو وجب عليه
صوم شهرين متتابعين بنذر غير معين. فمتى صادف الإفطار الشهر الأول أو قبل
أن يصوم من الشهر الثاني شيئا من غير عذر من مرض أو حيض استأنف، وإن
كان إفطاره بعد أن صام من الثاني ولو يوما واحدا أو كان إفطاره من الشهر
الأول لمرض أو حيض بنى على كل حال، وكذلك من أفطر يوما من شهر نذر
صومه متتابعا أو وجب عليه ذلك في كفارة قتل الخطأ أو الظهار لكونه مملوكا
قبل أن يصوم خمسة عشر يوما من غير عذر من مرض أو حيض استأنف، وإن
كان بعد أن صام خمسة عشر يوما أو كان إفطاره قبل ذلك لمرض أو حيض
بنى على كل حال.
وصوم دم المتعة إن صام يومين. ثم أفطر بنى، وإن صام يوما ثم أفطر
أعاد.
وما يوجب الاستئناف على كل حال ثلاثة مواضع: صوم كفارة اليمين، و
صوم الاعتكاف، وصوم كفارة من أفطر يوما يقضيه من شهر رمضان بعد الزوال.
وما لا يراعى فيه التتابع أربعة مواضع: السبعة الأيام في دم المتعة، وصوم
النذر إذا لم يشرط التتابع لفظا أو معنى، وصوم جزاء الصيد، وصوم قضاء شهر
رمضان لمن أفطر لعذر، وإن كان التتابع فيه أفضل. فإن أراد الفضل فليصم ستة
أيام أو ثمانية أيام متتابعات ثم يفرق الباقي.
ومن وجب عليه شئ من هذه الأنواع فلا يصمه في سفر ولا في يوم
العيدين، ولا أيام التشريق إن كان بمنى، فإن كان في غيره من الأمصار جاز أن
يصوم أيام التشريق، ولا تصوم المرأة أيام حيضها.
فإن وافق الصوم أحد هذه الأوقات أفطر وقضى يوما مكانه إلا القاتل في
أشهر الحرم فإنه يجب عليه صوم شهرين متتابعين من أشهر الحرم، وإن دخل
فيهما صوم يوم العيد وأيام التشريق، أو من وجب عليه الصوم بنذر عينه وقيده
بأن يصومه في سفر كان أو حضر فإنه يلزمه صومه في السفر.
90

فأما يوم العيدين فإن صادف نذره المعين أفطر وعليه القضاء، وإن علق
النذر بصوم العيدين أفطر ولا قضاء عليه لأنه نذر في معصية.
وإن نذر أن يصوم يوم يقدم فلان فقدم فلان ليلا أو في بعض النهار لا يلزمه
صوم ذلك اليوم لأن بعض النهار لا يكون صوما، وإن كان قدومه ليلا فما وجد
شرط النذر، فإن وافق قدومه في بعض النهار قبل الزوال ولم يكن تناول شيئا
مفطرا جدد النية وصام ذلك اليوم، وإن كان بعد الزوال أفطر ولا قضاء عليه
فيما بعد.
وإن كان نذر أن يصوم بعد قدوم زيد فإنه يلزمه أن يصوم ثم ينظر فإن لم
يعين ما يصوم صام أقل ما يكون به صائما وهو يوم واحد، وإن كان عين فعلى
حسب ما عين، وكذلك القول في سائر الأسباب التي علق النذر بها، ولا يجب
الصوم بالدخول فيه فمتى صام بنية التطوع جاز له أن يفطر أي وقت شاء ولا
قضاء عليه إلا أن يكون بعد الزوال فإن إفطاره مكروه.
وما تفطره المرأة في أيام الحيض تقضيه إذا طهرت.
ومن وجب عليه صوم شهرين متتابعين في أول شعبان تركه إلى انقضاء
شهر رمضان ثم يصومهما، فإن صام شعبان ورمضان لم يجزئه إلا أن يكون قد
صام مع شعبان شيئا مما تقدم من الأيام فيكون قد زاد على الشهر فيجوز له البناء
عليه ويتمم شهرين.
ومن نذر أن يصوم شهرا فلا يخلو من أحد أمرين: إما أن يعينه أو يطلقه.
فإن عينه بأن يقول: شعبان أو رجب أو غيره فإنه يلزمه الوفاء به، ويصوم إذا
رأي الهلال من ذلك الشهر إلى أن يرى الهلال من الشهر الآخر سواء كان تاما أو
ناقصا.
وإن عينه بأن قال: من وقت قدوم زيد أو صلاح عمرو أو ما جرى مجراه
فوافق ذلك في بعض الشهر لزمه أن يصوم ثلاثين يوما لأن الهلال لا يمكن
اعتباره، والأخذ بالاحتياط أولى في الشرع.
91

وإن أطلق النذر ولم يعينه كان مخيرا بين أن يصوم شهرا بين هلالين أو
يصوم ثلاثين يوما.
ومتى نذر صوم يوم بعينه فقدم صومه لم يجزئه، فإن نذر أن يصوم زمانا
صام خمسة أشهر، ومن نذر أن يصوم حينا صام ستة أشهر.
ومن نذر أن يصوم بمكة أو المدينة أو أحد المواضع المعينة شهرا وجب
عليه أن يحضره، فإن حضره وصام بعضه ولم يمكنه المقام جاز له الخروج و
يقضي إذا عاد إلى أهله ما فاته.
إذا نذر أن يصوم مثلا الخميس فوافق ذلك شهر رمضان فصامه عن رمضان
لم يجب عليه القضاء للنذر لأنه لا دليل عليه، وإن صامه بنية النذر وقع عن
رمضان ولا قضاء عليه أيضا.
وإن نذر أن يصوم غدا وكان غدا الأضحى ولم يعلم لم يلزمه قضاؤه،
والأحوط قضاؤه.
وإن نذر أن يصوم لا على وجه القربة بل على جهة اليمين ومنع النفس لم
ينعقد نذره بحال.
وأما المسنون: فجميع أيام السنة إلا الأيام التي يحرم فيها الصوم غير أن فيها
ما هو أشد تأكيدا وأكثر ثوابا مثل ثلاثة أيام كل شهر أول خميس في العشر
الأول، وأول أربعاء في العشر الثاني، وآخر خميس في العشر الأخير، وصوم
يوم الغدير ويوم المبعث، وهو السابع والعشرون من رجب، ويوم مولد النبي عليه السلام،
وهو يوم السابع عشر من شهر ربيع الأول، وصوم يوم دحو الأرض
من تحت الكعبة وهو يوم الخامس والعشرين من ذي القعدة، وصوم يوم
عاشوراء على وجه الحزن والمصيبة، وصوم يوم عرفة لمن لا يضعفه عن الدعاء،
وأول يوم من ذي الحجة، وأول يوم من رجب، ورجب كله، وشعبان كله، و
صوم أيام البيض من كل شهر وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر.
وأما الصوم القبيح فعشرة أيام: يوم الفطر ويوم الأضحى، ويوم الشك
92

على أنه من شهر رمضان، وثلاثة أيام التشريق لمن كان بمنى، وصوم نذر
المعصية، وصوم الصمت، وصوم الوصال، وهو أن يجعل عشاءه سحوره، و
صوم الدهر لأنه يدخل فيه العيدان والتشريق.
وأما صوم الإذن فثلاثة أقسام: أحدها صوم المرأة تطوعا بإذن زوجها، فإن
صامت بغير إذنه لم ينعقد صومها وكان له أن يفطرها، وأما ما هو واجب عليها
من أنواع الواجبات فلا يعتبر فيه إذن الزوج، وكذلك المملوك لا يتطوع إلا
بإذن سيده ولا يعتبر إذنه في الواجبات، والضيف كذلك لا يصوم تطوعا إلا
بإذن مضيفه، ولا إذن عليه في الواجبات.
وأما صوم التأديب فخمسة أقسام: المسافر إذا قدم أهله وقد أفطر أمسك
بقية النهار تأديبا وإن لم يمسك أو جامع فيما بعد لم يكن عليه شئ، وكذلك
الحائض إذا طهرت والمريض إذا برئ، والكافر إذا أسلم، والصبي إذا بلغ.
فصل: في حكم المريض والمسافر والمغمى عليه والمجنون
وغيرهم من أصحاب الأعذار:
كل مرض يخاف معه من الهلاك أو الزيادة فيه وجب عليه الإفطار فإن
تكلف الصوم مع ذلك وجبت عليه الإعادة، وكذلك المسافر الذي يجب عليه
الإفطار متى صامه وجب عليه الإعادة إذا كان عالما بوجوب ذلك عليه، فإن لم
يعلم لم يكن عليه الإعادة وهو كل سفر يجب معه التقصير في الصلاة، وقد بينا
حده في كتاب الصلاة، وكل شرط راعيناه في السفر الذي يجب فيه التقصير في
الصلاة فهو مراعى فيما يوجب الإفطار من كونه طاعة أو مباحا، ولا يكون
معصية.
فإذا قدم إلى وطنه نهارا وقد أكل في صدره أمسك عن الأكل والشرب و
ما يجري مجراهما بقية النهار، وعليه القضاء، وكذلك حكمه إذا ورد إلى بلد
يريد المقام فيه أكثر من عشرة أيام، فإن خالف وأكل أو شرب لم يلزمه الكفارة،
93

هذا إذا كان أفطر في أول النهار، فأما إذا أمسك في أول النهار ثم دخل إلى البلد
وجب عليه الامتناع وتجديد النية إن كان قبل الزوال ولا قضاء عليه، وإن كان
بعد الزوال أمسك وعليه القضاء.
والأفضل لمن يعلم وصوله إلى البلد أن ينوي صوم ذلك اليوم.
وحكم المريض إذا برأ حكم المسافر إذا قدم أهله في أنه يمسك بقية النهار
وعليه القضاء.
ومن سافر عن بلده في شهر رمضان وكان خروجه قبل الزوال فإن كان
بيت نية السفر أفطر وعليه القضاء، وإن كان بعد الزوال لم يفطر، ومتى لم يبيت
النية للسفر وإنما تجددت له أتم ذلك اليوم ولا قضاء عليه فإن جامع أو أفطر فيه
فعليه الكفارة والقضاء.
وكل من وجب عليه شئ من الصيام الواجب فلا يصمه في سفر إلا النذر
المعين المقيد صومه بحال السفر، ويجب أن يصوم الثلاثة أيام لدم المتعة وإن
كان مسافرا.
ويجب الإتمام في الصلاة والصوم على عشرة من بين المسافرين: أحدها من
نقص سفره عن ثماني فراسخ، ومن كان سفره معصية لله، ومن كان سفره
للصيد لهوا وبطرا، ومن كان سفره أكثر من حضره وحده ألا يقيم في بلده عشرة
أيام، والمكاري والملاح، والبدوي، والذي يدور في أمارته، والذي يدور في
تجارته من سوق إلى سوق، والبريد، ولا يجوز التقصير ولا الإفطار إلا أن يخرج
ويتوارى عنه جدران بلده أو يخفى عليه أذان مصره.
ويكره إنشاء السفر في شهر رمضان إلا بعد أن يمضى ثلاث وعشرون منه،
فإن دعته الحاجة إلى الخروج من حج أو عمرة أو زيارة أو خوف من تلف مال
أو هلاك أخ جاز له الخروج أي وقت شاء.
ومتى كان السفر أربعة فراسخ، ولا يريد الرجوع من يومه لم يجز الإفطار،
وهو مخير في التقصير في الصلاة.
94

ويكره صوم التطوع في السفر، وروي جواز ذلك.
وأما الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة إذا عجزا عن الصيام أفطرا أو تصدقا عن
كل يوم بمدين من طعام، فإن لم يقدرا فبمد منه، وكذلك الحكم في من يلحقه
العطاش ولا يقدر معه على الصوم ولا يرجى زواله وليس على واحد منهما
القضاء.
والحامل المقرب والمرضعة القليلة اللبن إذا أضر بهما الصوم وخافا على
الولد أفطرتا وتصدقتا عن كل يوم ويقضيان ذلك فيما بعد، وكذلك من به
عطاش يرجى زواله، وكل من أبيح له الإفطار لا ينبغي أن يروى من الشراب ولا
أن يتملأ من الطعام، ولا يجوز أن يقرب الجماع.
والمغمى عليه إذا كان مفيقا في أول الشهر ونوى الصوم ثم أغمي عليه
واستمر به أياما لم يلزمه قضاء شئ فاته لأنه بحكم الصائم فإن لم يكن مفيقا في
أول الشهر بل كان مغمى عليه وجب عليه القضاء على قول بعض أصحابنا
وعندي أنه لا قضاء عليه أصلا لأن نيته المتقدمة كافية في هذا الباب، وإنما يجب
ذلك على مذهب من راعى تعيين النية أو مقارنة النية التي هي المقربة، ولسنا
نراعي ذلك.
ومن جن أياما متوالية ثم أفاق لا يلزمه ما فاته إن أفطر فيه لأنه ليس بمكلف،
ومن بقي نائما قبل دخول الشهر أو بعده أياما وقد سبقت منه نية القربة فلا قضاء
عليه، وكذلك إن أصبح صائما ثم جن في بقيته أو أغمي عليه فالحكم فيه سواء
في أن صومه صحيح.
فصل: في حكم قضاء ما فات من الصوم:
من فاته شئ من شهر رمضان لمرض لا يخلو حاله من ثلاثة أقسام: إما أن
يبرأ من مرضه أو يموت فيه أو يستمر به المرض إلى رمضان أخر.
فإن برأ وجب عليه القضاء، فإن لم يقض ومات فيما بعد كان على وليه
95

القضاء عنه، والولي هو أكبر أولاده الذكور، فإن كانوا جماعة في سن واحد كان
عليهم القضاء بالحصص أو يقوم به بعضهم فيسقط عن الباقين، وإن كانوا إناثا لم
يلزمهن القضاء، وكان الواجب الفدية من ماله عن كل يوم بمدين من طعام وأقله
مد، وإن لم يمت وفي عزمه القضاء من غير توان ولحقه رمضان آخر صام الثاني
وقضى الأول، ولا كفارة عليه، وإن أخره توانيا صام الحاضر وقضى الأول و
تصدق عن كل يوم بمدين من طعام وأقله مد، فإن لم يبرأ ولحقه رمضان آخر
صام الحاضر وتصدق عن الأول ولا قضاء عليه، وحكم ما زاد على رمضانين
حكمهما سواء، وإن مات من مرضه ذلك صام وليه عنه ما فاته استحبابا، وكل
صوم كان واجبا عليه بأحد الأسباب الموجبة له متى مات وكان متمكنا منه فلم
يصمه فإنه يتصدق عنه أو يصوم عنه وليه.
والكفارة تكون من أصل المال القدر الذي ذكرناه، وحكم المرأة في هذا
الباب حكم الرجل سواء وكذلك ما يفوتها في أيام حيضها وجب عليها القضاء،
فإن لم تقض وماتت وجب على وليها القضاء عنها إذا فرطت فيه أو يتصدق عنها
على ما قدمناه.
ومن أسلم في شهر رمضان وقد مضت منه أيام فليس عليه قضاء ما فاته و
يصوم ما أدركه، فإن أسلم في بعض النهار أمسك بقية النهار تأديبا، ومتى أسلم
قبل طلوع الفجر صام ذلك اليوم وجوبا، وإن أسلم بعده ولم يتناول ما يفطره
إلى عند الزوال جدد النية وكان صوما صحيحا، وإن كان بعد الزوال أمسك
تأديبا ولا قضاء عليه.
وحكم من بلغ في حال الصوم حكم من أسلم على السواء في أنه يصوم ما
بقي ولا قضاء عليه فيما فاته.
والحائض يجب عليها قضاء ما يفوتها في حال الحيض، فإن طهرت في
بعض النهار أمسكت تأديبا وعليها القضاء سواء تناولت ما يفطر أو لم تتناول لأن
كونها حائضا في أول النهار يمنع من انعقاد صومها.
96

والمريض إذا برأ في وسط النهار أو قدر على الصوم وكان تناول ما يفسد
الصوم أمسك بقية النهار تأديبا وعليه القضاء، وإن لم يكن فعل ما يفطر أمسك
بقية النهار وقد تم صومه إذا كان قبل الزوال، فإن كان بعده وجب عليه القضاء،
والأفضل أن يقضي ما فاته متتابعا، وروي أنه يصوم ستة أيام أو ثمانية أيام
متتابعا، ويفرق الباقي، والأول أحوط، ولا بأس أن يقضي ما فاته في أي شهر شاء
إلا أن يكون مسافرا فإنه لا يقضيه في حال السفر على الصحيح من المذهب.
ومتى صامه في السفر قضاء، لم يجزئه فإذا أقام في بلد عشرة أيام ثم صام
كان ذلك مجزئا، ومن أفطر يوما يقضيه من شهر رمضان بعد الزوال قضاه و
كفر بإطعام عشرة مساكين، فإن لم يتمكن صام ثلاثة أيام وقد روي أن عليه
مثل ما على من أفطر يوما من شهر رمضان والصحيح الأول.
ومتى أفطر قبل الزوال فلا شئ عليه، وروي أيضا أنه لا شئ عليه وإن
أفطر بعد الزوال وذلك محمول على من لم يتمكن، ومتى أصبح جنبا عامدا أو
ناسيا فلا يصم ذلك اليوم لا قضاء ولا تطوعا، ومن أصبح صائما متطوعا لا يجب
عليه المضي فيه فإن أفطر لم يلزمه قضاؤه ولا كفارة.
والمستحاضة إذا فعلت من الأغسال ما يلزمها من تجديد القطن والخرق
تجديد الوضوء صامت وصح صومها إلا الأيام التي يحكم لها بالحيض فيها، و
متى لم تفعل ما تفعله المستحاضة وجب عليها قضاء الصلاة والصوم.
ومتى أجنب في أول الشهر ونسي أن يغتسل وصام كان عليه قضاء الصلاة
والصوم معا.
ومن وجب عليه صوم شهرين متتابعين فعجز عنه صام ثمانية عشر يوما، و
من وجب عليه صوم فلا يجوز له أن يتطوع بالصيام، ومتى قامت البينة على
هلال شوال بعد الزوال في الليلة الماضية وجب الإفطار، ولا يلزم قضاء صلاة
العيد لأن وقتها قد فات.
97

كتاب الاعتكاف
فصل: في حقيقة الاعتكاف وشروطه:
الاعتكاف في اللغة: هو اللبث الطويل، وفي عرف الشرع هو طول اللبث
للعبادة، وله شروط ثلاثة:
أحدها: يرجع إلى الفاعل، وثانيها: يرجع إلى الفعل، وثالثها: يرجع إلى
البقعة. فالراجع إلى الفاعل هو أن يكون مسلما بالغا عاقلا لأن من كان بخلافه لا
يصح اعتكافه، وما يرجع إلى الفعل فهو أن يكون مع طول اللبث صائما لأن
الصوم شرط في انعقاد الاعتكاف، والراجع إلى البقعة هو أن يكون الاعتكاف
في مساجد مخصوصة وهي أربعة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد النبي، عليه السلام،
ومسجد الكوفة، ومسجد البصرة، ولا ينعقد الاعتكاف في غير هذه
المساجد لأن من شرط المسجد الذي ينعقد فيه الاعتكاف أن يكون صلى فيه نبي
أو إمام عادل جمعة بشرائطها وليست إلا هذه التي ذكرناها، وحكم المرأة حكم
الرجل في هذه الباب سواء، ولا يصح اعتكافها في مسجد بيتها، والاعتكاف
أصل في نفسه في الشرع دون أن يكون له أصل يرد إليه.
فصل: في أقسام الاعتكاف:
الاعتكاف على ضربين: واجب وندب. فالواجب ما أوجبه على نفسه
99

بالنذر أو العهد، والمندوب إليه هو ما يبتدئه من غير إيجاب على نفسه بنذر أو
عهد.
ومتى شرط المعتكف على ربه أنه متى عرض له عارض رجع فيه، كان له
الرجوع فيه أي وقت شاء ما لم يمض به يومان، فإن مضى به يومان وجب عليه
تمام الثالث.
فإن لم يشرط وجب عليه بالدخول فيه تمام ثلاثة أيام لأن الاعتكاف لا
يكون أقل من ثلاثة أيام.
ولا يصح الاعتكاف ممن عليه ولاية إلا بإذن من له عليه ولاية كالمرأة مع
زوجها والعبد مع سيده والمكاتب قبل كمال حريته والمدبر والأجير و
الضيف إلا بإذن مضيفه، لأنهم ممنوعون من الصوم تطوعا إلا بإذن من له ولاية
عليهم والاعتكاف لا يصح إلا بصوم، ولا يصح الاعتكاف من الحائض.
ومتى اعتكف من عليه ولاية بإذن من له الولاية لم يكن للآذن فسخه عليه و
يلزمه أن يصبر عليه حتى يمضى مدة الإذن، فإن لم يكن قيد وأطلق لزمه أن يصبر
ثلاثة أيام، وهو أقل ما يكون اعتكافا.
ومتى كان بعضه مملوكا وبعضه حرا فإن جرى بينه وبين سيده مهاياة بأن
يكون له من نفسه ثلاثة أيام فصاعدا، ولسيده مثله صح منه الاعتكاف في أيامه
بغير إذن سيده، وإن لم يكن بينهما مهاياة أو كان أقل من ثلاثة أيام كان كالقن
سواء.
ومتى اعتكف المملوك بإذن مولاه فأعتقه مولاه لزمه إتمامه، وإن كان
بغير إذنه وأعتقه في الحال لزمه التمام.
والاعتكاف يجوز في جميع أيام السنة، وإن كان في بعضها أفضل منه في
بعض.
ولا يجوز الاعتكاف في الأيام التي لا يصح صومها كالعيدين لأن من شرطه
الصوم وفي العشر الأواخر من شهر رمضان أفضل منه في غيره لدخول ليلة القدر
100

فيها، وأقل الاعتكاف ثلاثة أيام وأكثره لا حد له، فإن زاد على الثلاثة يومين
آخرين لزمه إتمام ثلاثة أخر، وإن كان أقل من ذلك كان له الرجوع مع الشرط
على ما بيناه.
ولا يصح الاعتكاف إلا مع الصوم، فعلى هذا لا يصح اعتكاف الليالي
مفردا من الأيام ولا يكفي أيضا يوم واحد لأن أقله ثلاثة أيام.
ومتى نذر اعتكاف شهر بعينه وجب عليه الدخول فيه مع طلوع الهلال من
ذلك الشهر فإذا أهل الشهر الذي بعده فقد وفى وخرج من الاعتكاف، ويلزمه
الليالي والأيام لأن الشهر عبارة عن جميع ذلك، وإن نذر أياما بعينها لم يدخل
فيها لياليها إلا أن يقول: العشر الأواخر وما يجري مجراه فيلزمه حينئذ الليالي لأن
الاسم يقع عليه.
وإذا نذر اعتكاف شهر غير معين كان بالخيار بين أن يعتكف شهرا هلاليا
على الصفة التي قدمناها، وبين أن يعتكف ثلاثين يوما غير أنه لا يبتدئ بإنصاف
النهار، ولا يعتد من أولها لأنه لا بد من الصوم، والصوم لا يكون إلا من أول النهار.
وإن نذر اعتكاف شهر أو أيام مطلقا، ولم يشرط فيه التتابع كان مخيرا بين
التتابع والتفريق غير أنه لا يفرق أقل من ثلاثة أيام.
وإن شرط التتابع، فإما أن يقيد بوقت أو بشرط، فإن قيده بوقت مثل أن
قال: لله على أن أعتكف العشر الأواخر من شهر رمضان، فإنه يلزمه الاعتكاف
فيها، وعليه المتابعة من جهة الوقت لا من جهة الشرط، ولا يجوز له أن يخرج،
فإن خالف وخرج بطل قدر ما خرج إذا كان اعتكف ثلاثة أيام، ولا يبطل ما
مضى، وإن كان دونها استأنف الاعتكاف.
وإن شرط التتابع مثل أن يقول: لله على أن أعتكف عشرة أيام متتابعات،
لزمه ذلك فإن تلبس بها ثم خرج بطل وعليه الاستقبال.
وإذا قال: لله على أن أعتكف شهرا، لم يخل من أحد أمرين: إما أن يعينه أو
لا يعينه. فإن عينه مثل أن يقول: شعبان أو شهر رمضان، لزمه أن يعتكف الشهر
101

الذي عينه، وعليه متابعته من ناحية الوقت لا من حيث الشرط لأنه علقه بزمان
بعينه، فإن ترك يوما منه لم يلزمه الاستئناف بل يقضي ما ترك، ويعتكف ما
أدركه.
وإن قال: لله علي أن أعتكف شهر رمضان متتابعا لزمه المتابعة هاهنا من
جهة الشرط. فإن أخل بها استأنف لأن المتابعة من ناحية الشرط.
فإذا لم يعلقه بشهر بعينه لم يخل من أحد أمرين: إما أن يطلق أو يشرط
التتابع.
فإن شرط التتابع لزمه أن يأتي به متتابعا فمتى أفسد شيئا منه لزمه
الاستئناف، فإن صام شهرا بين هلالين أجزأه ناقصا كان أو تاما، وإن صام
بالعدد صام ثلاثين يوما.
وإن لم يقل: متتابعات، نظرت فإن قال: أعتكف شهرا من وقتي هذا فقد
عينه بزمان بعينه فعليه أن يأتي به متتابعا من ناحية الوقت لا من ناحية الشرط فمتى
أفطر يوما منه فعليه ما ترك واعتكف ما بقي. هذا كله لا خلاف فيه.
إذا قال: لله علي أن أعتكف شهر رمضان من هذه السنة، نظرت فإن كان
رمضان قد مضى فإن نذره باطل، وإن كان لم يمض لزمه الوفاء به فإن لم يعلم
حتى خرج لزمه قضاؤه.
وإذا نذر اعتكاف ثلاثة أيام وجب عليه أن يدخل فيه قبل طلوع الفجر من
أول يومه إلى بعد الغروب من ذلك اليوم، وكذلك اليوم الثاني والثالث، هذا
إذا أطلقه، فإن شرط التتابع لزمه الثلاثة أيام بينها ليلتان، ومتى أخل بيوم من أيام
الاعتكاف الذي نذره وجب عليه أن يقضيه، ويتمه ثلاثة أيام لأن الاعتكاف
لا يكون أقل من ثلاثة أيام.
المسافر وكل من لا تجب عليه الجمعة يصح اعتكافه من عبد أو امرأة
أو مريض أو مسافر غير أنه لا يعتكف إلا في المساجد التي قدمنا ذكرها، ولا يصح
الاعتكاف على وجه اليمين ومنع النفس والغضب مثل أن يقول: إن دخلت
102

الدار أو إن كلمت زيدا إلا إذا تقرب به إلى الله، فإذا لم يتقرب به وقصده منع
النفس فلا يلزمه ولا كفارة عليه في يمينه.
ومن نذر أن يعتكف شهر رمضان ففاته قضى شهرا آخر بالصوم، وإن أخره
إلى رمضان آخر فاعتكف فيه أجزأه، وإذا نذر أن يعتكف يوم يقدم فلان فقدم
ليلا أو في بعض النهار لا يلزمه شئ، وإن نذر أن يعتكف يوم يقدم فلان أبدا
فقدم ليلا لم يلزمه شئ، وإن قدم في بعض النهار صام ذلك اليوم فيما بعد غير
أنه يتمه ثلاثة أيام إلا أن يكون نوى أن يعتكف يوما واحدا فإنه لا ينعقد نذره،
وإن نذر أن يعتكف بعد قدوم فلان لزمه ذلك فإن كان قيده، لزمه بحسب ما
قيده، وإن لم يقيد اعتكف أقل ما يكون الاعتكاف ثلاثة أيام.
وإذا نذر أن يعتكف في أحد المساجد وجب عليه الوفاء به، فإن كان
بعيدا رحل إليه فإن كان المسجد الحرام لم يدخله إلا بحجة أو عمرة لأنه لا يجوز
دخول مكة إلا محرما.
فصل: فيما يمنع الاعتكاف منه وما لا يمنع:
الاعتكاف يمنع من الوطء وسائر ضروب المباشرة والقبلة والملامسة، و
استنزال الماء بجميع أسبابه، ويمنع من الخروج من المسجد الذي اعتكف فيه
إلا لضرورة كالبول والغائط وغسل الجنابة إن احتلم أو قربة أو عبادة أو أداء
فريضة كالجمعة والعيدين، ويجوز له أن يشهد الجنازة، ويعود المريض غير أنه
لا يجلس تحت الظلال إلى أن يعود، ولا يجلس في المكان الذي يدخله، وإن
دخل وقت الصلاة لم يصل حتى يعود إلى المسجد إلا بمكة فإنه يصلى في أي
بيوتها شاء.
وإذا تعينت عليه إقامة شهادة أو تحملها جاز له الخروج ولا يفسد اعتكافه و
يقيمها قائما ويعود إلى موضعه، ولا يجوز له البيع والشراء، ويجوز له أن ينكح
وينكح وينظر في أمر معيشته وضيعته، ويتحدث بما شاء من الحديث بعد أن
103

يكون مباحا ويأكل الطيبات ويشم الطيب، وقد روي أنه يجتنب ما يجتنبه
المحرم وذلك مخصوص بما قلناه لأن لحم الصيد لا يحرم عليه وعقد النكاح
مثله، والجمعة إن أقيمت فيه دخل فيها، وإن أقيمت في غيره خرج إليها.
وإن انهدم بعض المسجد تحول إلى موضع العمارة، فإن انهدم كله جاز
أن يتم اعتكافه في عرصته، وقد قيل: إنه يخرج فإذا أعيد بناؤه عاد، وقضى
اعتكافه، وجميع ما يمنع الاعتكاف منه فالليل فيه كالنهار إلا ما هو ممنوع
لأجل الصوم من الأكل والشرب فإنه يمنع منه النهار دون الليل، ومتى عرض
للمعتكف مرض أو جنون أو إغماء أو حيض أو طلبه سلطان ظالم يخاف على
نفسه أو ماله فإنه يخرج من موضعه، فإن كان خروجه بعد مضى أكثر مدة
اعتكافه عاد بعد زوال عذره وبنى على ما تقدم وتمم ما بقي، فإن لم يكن مضى
أكثر من النصف استأنف الاعتكاف سواء كان الاعتكاف واجبا أو مندوبا إليه،
وسواء كان مع الشرط أو عدمه فإنه يجب بالدخول فيه على ما تقدم، وكل من
خرج من الاعتكاف لعذر أو غير عذر وجب عليه قضاؤه سواء كان واجبا أو
مندوبا إليه لأنا قد بينا أنه يجب بالدخول فيه إلا ما استثنيناه من الشرط.
ومتى خرج من الاعتكاف قبل أن يمضى ثلاثة أيام استأنف الاعتكاف لأن
الثلاثة أيام متوالية لا يجوز الفصل بينها سواء كانت متتابعة أو غير متتابعة على ما
فصلناه، وإنما يقضي ما يفوته بعد أن يزيد على الثلاثة أيام، ومن مات قبل انقضاء
مدة اعتكافه في أصحابنا من قال: يقضي عنه وليه أو يخرج من ماله إلى من ينوب
عنه قدر كفايته لعموم ما روي من أن من مات وعليه صوم واجب وجب على
وليه أن يقضي عنه أو يتصدق عنه وقضاء ما فات من الاعتكاف ينبغي أن يكون
على الفور والبدار.
ومتى كان خروجه من الاعتكاف بعد الفجر كان دخوله في قضائه قبل
الفجر ويصوم يومه ولا يعيد الاعتكاف ليله، وإن كان خروجه ليلا كان قضاؤه
من مثل ذلك الوقت إلى آخر مدة الاعتكاف المضروبة، وإن كان خرج وقتا
104

من مدة الاعتكاف المضروبة بما فسخه به ثم عاد إليه وقد بقيت مدة من التي
عقدها تمم باقي المدة وزاد في آخرها مقدار ما فاته من الوقت.
فصل: فيما يفسد الاعتكاف وما يلزمه من الكفارة
الاعتكاف يفسد بالجماع، ويجب به القضاء والكفارة، وكذلك كل
مباشرة تؤدي إلى إنزال الماء عمدا يجري مجراه، وفي أصحابنا من قال: ما عدا
الجماع يوجب القضاء دون الكفارة، وكذلك الخروج من المسجد لغير عذر و
لغير طاعة يفسد الاعتكاف، والسكر يفسد الاعتكاف والارتداد لا يفسده فإن
رجع إلى الإسلام بنى عليه.
ومتى وطئ المعتكف ناسيا أو أكل نهارا ساهيا أو خرج من المسجد
كذلك لم يفسد اعتكافه.
ومتى جامع نهارا لزمه كفارتان، وإن جامع ليلا لزمه كفارة واحدة فإن
أكرهها على الجماع وهي معتكفة بأمره نهارا لزمه أربع كفارات، وإن كان ليلا
كفارتان على قول بعض أصحابنا، وإن كان اعتكافها بغير إذنه لم يلزمه إلا
كفارة نفسه.
والكفارة في وطء لمعتكف هي الكفارة في إفطار يوم من شهر رمضان سواء
على الخلاف بين الطائفة في كونها مرتبة أو مخيرا فيها، ويجوز للمعتكف صعود
المنارة والأذان فيها سواء كانت داخل المسجد أو خارجه لأنه من القربات، وإذا
خرج إلى دار الوالي، وقال: حي على الصلاة أيها الأمير أو قال: الصلاة أيها الأمير
بطل اعتكافه.
وإذا طلقت المعتكفة أو مات زوجها فخرجت واعتدت في بيتها استقبلت
الاعتكاف، وإذا أخرجه السلطان ظلما لا يبطل اعتكافه وإنما يقضي ما يفوته، وإن
أخرجه لإقامة حد عليه أو استيفاء دين منه يقدر على قضائه بطل اعتكافه لأنه
أخرج إلى ذلك فكأنه خرج مختارا.
105

إذا أحرم بحجة أو عمرة وهو معتكف لزمه الإحرام، ويقيم في اعتكافه إلى
أن يفرع منه، ثم يمضى في إحرامه إلا أن يخاف الفوت في الحج فيترك
الاعتكاف ثم يستأنف عند الفراع، غير أن هذا لا يصح عندنا إلا إذا كان في
المسجد الحرام فأما في غيره من المساجد التي ينعقد فيها الاعتكاف فلا ينعقد فيها
الإحرام لأنها قبل المواقيت.
إذا أغمي على المعتكف أياما ثم أفاق لم يلزمه قضاؤه لأنه لا دليل عليه، وإذا
أخرج رأسه إلى بعض أهله فغسلوه لم يبطل اعتكافه لمثل ذلك، وإن باع و
اشترى في حال الاعتكاف فالظاهر أنه لا ينعقد لأنه منهي عنه، والنهي يدل على
فساد المنهي عنه. وقال قوم: أخطأ، ويكون ماضيا.
والنظر في العلم ومذاكرة أهله لا يبطل الاعتكاف، وهو أفضل من الصلاة
تطوعا عند جميع الفقهاء، ولا يفسد الاعتكاف جدال ولا خصومة ولا سباب.
106

نزهة الناظر
في الجمع بين الأشباه والنظائر
تأليف
المحقق يحيى بن سعيد الحلي
107

فصل
[عدم وجوب قضاء ما فات من الصوم]
لا يجب على سبعة قضاء ما يفوتهم من الصوم الواجب:
المريض إذا استمر به المرض من رمضان إلى رمضان آخر وأكثر من ذلك،
ثم برئ لا يقضي الأول بل يكفر عن كل يوم بمد من طعام، فإن برئ فيما بينهما
ولم يقض ثم مرض ولحقه رمضان آخر وهو مريض، قضى الأول كله إن كان
قد تمكن من قضاء الكل فيما مضى أو بعضه إن كان قد تمكن من قضاء البعض،
وتصدق عن كل يوم بمد من طعام، وقضى الثاني إن كان تمكن من قضائه.
ومن فاته رمضان أو شئ منه بمرض ومات فيه، سواء استمر به المرض إلى
رمضان آخر أو لا يستمر، لا يجب القضاء عنه بل يستحب لوليه أن يقضي عنه ولا
كفارة هنا.
والمتمتع إذا عدم الهدي أو ثمنه وأحل المحرم ولم يكن صام الأيام الثلاثة
في الحج لا يجوز له الصوم، بل يجب عليه الهدي ويستقر في ذمته إلى أن يتمكن
منه.
والكافر، والشيخ الكبير، والمرأة الكبيرة العاجزان عنه، ومن به العطاش لا
يرجى زواله.
109

فصل
[ما يكره فعله في الليل]
يكره في الليل خمسة وعشرون شيئا:
الكلام بعد صلاة المغرب حتى يصلي نافلة المغرب، والكلام بعد صلاة
العشاء الآخرة، والنوم قبل أن يصلي عشاء الآخرة، روي ذلك في كتاب من لا
يحضره الفقيه في نوادر الطلاق عن رسول الله صلى الله عليه وآله.
والنوم على سطح ليس بمحجر ليلا ونهارا، والنوم في البيت وحده ليلا
ونهارا، والنوم بالليل ويده غمرة، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله: لا
يبيتن أحدكم ويده غمرة، فإن فعل ذلك فأصابه لمم الشيطان فلا يلومن إلا
نفسه.
والنوم بعد صلاة الليل حتى تطلع الشمس، والسهر إلا بمذاكرة العلم
والتخويف من الله تعالى، وذهب أبو الصلاح إلى تحريمه.
وصيد السمك، وصيد الوحش، وأخذ الفراخ من العش ليلا ونهارا،
والذباحة إلا إذا خيف فوت الذبيحة، وشرب الماء قائما لأنه يورث الاستسقاء،
وأما في النهار فلا يكره بل قد روي أنه أصح للجسد.
وإنشاد الشعر، ويتأكد ذلك في ليلة الجمعة ويومها، وخصه أبو الصلاح
بالغزل، وروي في باب سنن الصيام من التهذيب كراهية الشعر من الصائم
والمحرم وفي الحرم وفي يوم الجمعة.
وأن يروي بالليل، وعمل جميع الصنائع لأن الله تعالى لا يبارك فيه على
ما روي، والسير في أول الليل، والدفن، والصرام والجذاذ والحصاد، ودخول
مكة، ودخول المسافر إلى أهله، والوليمة، وعقد النكاح في ليلة يكون القمر في
برج العقرب ويومها، وكذلك السفر.
ويكره الجماع في عشرة مواضع: في الليلة التي يسافر في صبيحتها وليلة
قدومه من السفر، وأول ليلة من الأشهر إلا شهر رمضان، وليلة النصف من كل
110

شهر، وآخر ليلة من الشهر لأنه لا يؤمن من الجنون، وقد روي في كتاب من لا
يحضره الفقيه: يا علي لا تجامع امرأتك في أول الشهر ووسطه وآخره، فإن
الجنون والجذام والخبل يسرع إليها وإلى ولدها.
وفي محاق الشهر، فقد روي أيضا عن أبي الحسن عليه السلام أنه قال: من
أتى في محاق الشهر أهله فليسلم لسقوط الولد.
وليلة خسوف القمر، ويوم كسوف الشمس وليلته، والليلة التي فيها ريح
صفراء أو حمراء أو سوداء أو زلزلة حالة الريح، والزلزلة، وكذلك في اليوم
الذي يكون فيه ذلك، وفيما بين غروب الشمس إلى مغيب الشفق، فقد روي عن
رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: وأيم الله لا يجامع أحد في هذه
الساعات التي وصفت فرزق من جماعه ولدا وقد سمع هذا الحديث فيرى ما
يحب.
قال المصنف: المراد بالساعات من ليلة خسوف القمر إلى آخر هذه
الأقسام.
وإن كان هناك ضرورة زالت الكراهة في جميع ما قدمناه.
111

تبصرة المتعلمين
في أحكام الدين
للشيخ جمال الدين أبي منصور الحسن بن سديد الدين
يوسف بن زين الدين علي بن محمد مطهر الحلي المشتهر بالعلامة الحلي
والعلامة على الإطلاق
647 - 726 ه‍. ق
113

كتاب الصوم
وفيه أبواب:
الباب الأول:
الصوم هو الإمساك عن المفطرات مع النية، فإن تعين الصوم كرمضان
كفت فيه نية القربة، وإلا افتقر إلى التعيين. ووقتها الليل ويجوز تجديدها إلى
الزوال، فإذا زالت الشمس فات وقتها ووجب الإمساك في رمضان والمعين، ثم
قضاء.
ويجزئ في رمضان نية عن الشهر في أوله، ويجوز تقديم النية عليه.
ويوم الشك يصام - ندبا - عن شعبان، فإن اتفق أنه من رمضان أجزأ، ولو
أصبح بنية الإفطار ولم يفطر ثم تبين أنه من رمضان جدد النية إلى الزوال، ولو
كان بعد الزوال أمسك واجبا وقضى.
ومحل الصوم النهار من طلوع الفجر الثاني إلى الغروب.
الباب الثاني: فيما يمسك عنه:
وهو ضربان: واجب وندب.
فالواجب: الأكل والشرب والجماع في القبل والدبر والاستمناء وإيصال
الغبار الغليظ إلى الحلق متعديا والبقاء على الجنابة متعمدا حتى يطلع الفجر
115

ومعاودة النوم بعد انتباهتين حتى يطلع الفجر. وهذه السبعة توجب القضاء
والكفارة.
ويجب القضاء بالإفطار بعد الفجر مع ظن بقاء الليل وترك المراعاة مع
القدرة عليها ولو أخبره غيره ببقاء الليل، وقبل الغروب للظلمة الموهمة - ولو
غلب على الظن دخول الليل فلا قضاء - وتقليد الغير في دخول الليل ولم يدخل،
ومعاودة النوم بعد انتباهة واحدة قبل الغسل حتى يطلع الفجر، وتعمد القئ،
ودخول الماء إلى الحلق للتبرد - دون ماء المضمضة للصلاة - والحقنة
بالمائعات.
ويجب الإمساك عن الكذب على الله تعالى وعلى رسوله وعلى الأئمة عليه السلام،
وفي الارتماس في الماء قولان، وكذا الإمساك عن كل محرم سوى ما
ذكرناه، ويتأكد في الصوم.
والمندوب: [ترك] السعوط، والكحل بما فيه صبر أو مسك، وإخراج
الدم ودخول الحمام المضعفان، وشم النرجس والرياحين، والحقنة بالجامد وبل
الثوب على الجسد، والقبلة والملاعبة والمباشرة بشهوة، وجلوس المرأة في الماء.
ولا يفسد الصوم بمص الخاتم ومضغ العلك وذوق الطعام إذا لفظه وزق
الطائر واستنقاع الرجل في الماء.
مسائل:
الأولى: الكفارة لا تجب إلا في رمضان والنذر المعين، وقضاء رمضان بعد
الزوال، والاعتكاف على وجه. وما لا يتعين صومه: كالنذر المطلق وقضاء
رمضان قبل الزوال والنافلة، لا يجب بإفساده شئ.
الثانية: كفارة المتعين: عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين
مسكينا. وكفارة قضاء رمضان بعد الزوال: إطعام عشرة مساكين، فإن عجز
صام ثلاثة أيام. ولو تكرر الإفطار في يومين تكررت الكفارة، ويعزر المفطر، ولو
116

كان مستحلا قتل.
الثالثة: المكره لزوجته يتحمل عنها الكفارة، والمطاوعة تكفر عن نفسها.
الباب الثالث: في أقسامه:
وهي أربعة: واجب ومندوب ومكروه ومحظور.
والواجب: شهر رمضان، والكفارات، ودم المتعة، والنذر وشبهه، والاعتكاف
على وجه، وقضاء الواجب بغير رمضان يأتي في أماكنه.
وأما شهر رمضان فعلامته رؤية الهلال، أو مضي ثلاثين من شعبان، أو قيام
البينة بالرؤية.
وشرائط وجوبه سبعة: البلوغ وكمال العقل والسلامة من المرض والإقامة
أو حكمها والخلو من الحيض والنفاس. وشرائط القضاء: البلوغ وكمال العقل
والإسلام. والمرتد يقضي ما فاته من زمان ردته.
ويتخير قاضي رمضان في إتمامه إلى الزوال، فيتعين.
والمندوب: جميع أيام السنة إلا المنهي عنه. والمؤكد ستة عشر قسما: أول
خميس من كل شهر، وأول أربعاء من العشر الثاني، وآخر الخميس من الثالث،
ويوم الغدير، والمباهلة، ويوم المبعث، ومولد النبي عليه السلام، ويوم دحو
الأرض، وعاشوراء على وجه الحزن، وعرفة لمن لا يضعفه عن الدعاء، وأول
ذي الحجة، وأول رجب، ورجب كله، وشعبان كله، وأيام البيض، وكل
خميس، وجمعة.
ويستحب الإمساك - وإن لم يكن صوما - للمسافر القادم بعد الزوال أو
قبله وقد أفطر، والمريض إذا برئ كذلك، والحائض والنفساء إذا طهرتا،
والكافر إذا أسلم، والصبي إذا بلغ، والمجنون إذا أفاق، وكذا المغمى عليه.
ولا يصح صوم الضيف تطوعا بدون إذن المضيف، ولا المرأة بدون إذن
الزوج، ولا الولد بدون إذن الوالد، ولا المملوك بدون إذن المولى.
117

والمكروه: النافلة سفرا، والمدعو إلى طعام، وعرفة مع ضعفه عن الدعاء أو
شك الهلال.
والمحرم: صوم العيدين، وأيام التشريق لمن كان بمنى، ويوم الشك على أنه
من رمضان، وصوم نذر المعصية، وصوم الصمت، والوصال، والواجب في السفر
إلا النذر المقيد به، وبدل دم المتعة، والبدنة لمن أفاض من عرفات قبل الغروب
عامدا، أو يكون سفره أكثر من حضره، وهو كل من ليس له في بلده مقام عشرة
أيام.
مسائل:
الأولى: الصوم الواجب ينقسم إلى: مضيق، وهو رمضان وقضاؤه والنذر
والاعتكاف. ومخير، وهو صوم كفارة أذى حلق الرأس، وكفارة رمضان،
وجزاء الصيد. ومرتب، وهو صوم كفارة اليمين، وقتل الخطأ، والظهار، ودم
الهدي، وكفارة قضاء رمضان.
الثانية: كل الصوم يجب فيه التتابع إلا النذر المطلق وشبهه، والقضاء،
وجزاء الصيد، والسبعة في بدل الهدي.
الثالثة: كل ما يشترط فيه التتابع إلا إذا أفطر لعذر، بنى، وإن كان لغيره
استأنف، إلا من وجب عليه شهران فصام شهرا ومن الثاني ولو يوما، ومن وجب
عليه شهر فصام خمسة عشر يوما، والثلاثة في بدل هدي التمتع إذا صام يومي
التروية وعرفة صام الثالث بعد أيام التشريق.
الباب الرابع: في المعذورين:
إذا حاضت المرأة أو نفست أي وقت كان من النهار بطل صومها وتقضيه،
ولو طهرت بعد الفجر أمسكت استحبابا وقضته، ولو بلغ الصبي أو أفاق المجنون
قبل الفجر صاما ذلك اليوم واجبا وإلا فلا، والمريض إذا برئ أو قدم المسافر
118

قبل الزوال ولم يفطرا أمسكا واجبا وأجزأهما وإلا فلا، ولو استمر المرض إلى
رمضان آخر سقط القضاء وتصدق عن الماضي لكل يوم بمد، ولو برئ بينهما
وكان عازما على الصوم قضاه ولا كفارة، وإن تهاون قضى وكفر عن كل يوم
بمد، وحكم ما زاد على رمضانين حكم رمضانين.
ويجب الإفطار على المريض والمسافر، فلو صاما لم يجزئهما، وشرائط قصر
الصلاة شرائط قصر الصوم، والشيخ والشيخة مع عجزهما، يتصدقان عن كل
يوم بمد، وكذا ذو العطاش، ويقضي مع البرء، والحامل المقرب والمرضعة
القليلة اللبن تفطران وتقضيان مع الصدقة.
ولو مات المريض في مرضه استحب لوليه القضاء عنه، ولو مات بعد
استقرار الصوم والفوات بسفر وغيره قضى الولي - وهو أكبر أولاده الذكور -
واجبا، ولو كان وليان تحاصا، ويقضي عن المرأة، ولو كان الأكبر أنثى فلا
قضاء، وتصدق من التركة عن كل يوم بمد، ولو كان عليه شهران قضى الولي
شهرا وتصدق من مال الميت عن الآخر.
الباب الخامس: في الاعتكاف:
وهو اللبث للعبادة في مسجد مكة، أو مسجد النبي عليه السلام، أو جامع
الكوفة أو البصرة خاصة.
وشرطه: النية والصوم وإيقاعه ثلاثة أيام فما زاد.
وهو واجب وندب: فالواجب ما أوجب بالنذر وشبهه، والندب ما تبرع به،
فإذا مضى يومان وجب الثالث.
ولا يخرج عن المسجد إلا لضرورة أو طاعة كتشييع أخ أو عيادة مريض
وصلاة جنازة وإقامة شهادة، ومع الخروج لا يمشي تحت الظلال ولا يجلس ولا
يصلي إلا بمكة، ويستحب الاشتراط.
ويحرم عليه الاستمتاع بالنساء والبيع والشراء وشم الطيب والجدال،
119

ويفسده ما يفسد الصوم.
ولو جامع فيه كفر مثل كفارة رمضان وإن كان ليلا، وفي نهار رمضان
تتضاعف الكفارة، ولو أفطر بغيره مما يوجب الكفارة، فإن وجب بالنذر المعين
كفر وإلا فلا، إلا في الثالث.
ولو حاضت المرأة أو مرض المعتكف خرجا وقضيا مع وجوبه.
120

إرشاد الأذهان
للشيخ جمال الدين أبي منصور الحسن بن سديد الدين يوسف بن زين الدين
علي بن محمد مطهر الحلي المشتهر بالعلامة الحلي والعلامة على الإطلاق
647 - 726 ه‍. ق
121

كتاب الصوم
والنظر في ماهيته وأقسامه ولواحقه:
الأول:
الصوم هو: الإمساك مع النية - من طلوع الفجر الثاني إلى ذهاب الحمرة
المشرقية - عن الأكل والشرب المعتاد وغيره، وعن الجماع قبلا ودبرا حتى
تغيب الحشفة، وعن تعمد البقاء على الجنابة حتى يطلع الفجر، وعن النوم عليها
من غير نية الغسل حتى يطلع، وعن معاودة النوم بعد انتباهتين، وعن إيصال
الغبار الغليظ إلى الحلق، وعن الاستمناء، وعن تعمد القئ، وعن الحقنة، وعن
معاودة النوم للجنب بعد انتباهه.
فلو فعل شيئا من ذلك بطل الصوم، ثم إن كان الصوم متعينا بالأصالة
- كرمضان - أو بالنذر وشبهه، وجب القضاء والكفارة، إلا بفعل الثلاثة الأخيرة،
فإنه يجب بها القضاء خاصة.
ويجب القضاء أيضا: بفعل المفطر قبل مراعاة الفجر مع القدرة ويكون
طالعا، وبالإفطار لإخبار الغير بعدم الطلوع مع القدرة على المراعاة مع طلوعه،
وبالإفطار مع الإخبار بطلوعه لظن كذبه والقدرة على المراعاة وطلوعه،
وبالإفطار للإخبار بدخول الليل ثم يظهر الفساد، وللظلمة الموهمة دخول الليل،
ولو ظن لم يفطر، وحكم الموطوء حكم الواطئ.
123

ويحرم: وطء الدابة، والكذب على الله ورسوله وأئمته عليه السلام،
والارتماس، ولا قضاء ولا كفارة على رأي.
ويكره: تقبيل النساء ولمسهن وملاعبتهن، والاكتحال، ما فيه صبر أو
مسك، وإخراج الدم ودخول الحمام المضعفان، والسعوط بما لا يتعدى الحلق،
وشم الرياحين خصوصا النرجس، وبل الثوب على الجسد، وجلوس المرأة في
الماء.
ولو أجنب ونام ناويا للغسل وطلع الفجر، أو أجنب نهارا، أو نظر إلى امرأة
فأمنى، أو استمع فأمنى لم يفسد صومه.
ولو تمضمض للتبرد فدخل الماء حلقه فالقضاء، بخلاف مضمضة الصلاة
والتداوي والعبث على رأي.
ولو ابتلع بقايا الغذاء في أسنانه عامدا كفر، ولو صب في إحليله دواء
فوصل جوفه فالقضاء على رأي.
ولا يفسد مص الخاتم وغيره، ومضغ العلك والطعام للصبي، وزق
الطائر، والاستنقاع في الماء، والحقنة بالجامد على رأي، وابتلاع النخامة
و البصاق إذا لم ينفصل عن الفم، والمسترسل من الفضلات من الدماع من غير
قصد ولو قصد ابتلاعه أفسد - وفعل المفطر سهوا، ولو كان عمدا أو جهلا أفسد.
والإكراه على الإفطار غير مفسد، وناسي غسل الجنابة الشهر يقضي الصلاة
والصوم على رأي.
وإنما تجب الكفارة: في صوم رمضان، وقضائه بعد الزوال، والنذر المعين
وشبهه، والاعتكاف الواجب لا غير.
وهي في رمضان مخيرة: بين عتق رقبة، أو إطعام ستين مسكينا، أو صيام
شهرين متتابعين، ولو أفطر بالمحرم وجب الجميع.
ولو أكل عمدا لظنه الإفطار بأكله سهوا، أو طلع الفجر فابتلع باقي ما في
فيه كفر.
124

والمتفرد برؤية رمضان إذا أفطر كفر، وإن ردت شهادته.
والمجامع مع علم ضيق الوقت عن إيقاعه والغسل يكفر، ولو ظن السعة
مع المراعاة فلا شئ، وبدونها يقضي.
ويتكرر بتكرر الموجب في يومين مطلقا، وفي يوم مع الاختلاف، ولو أفطر
ثم سقط الفرض باقي النهار فلا كفارة.
ويعزر المتعمد للإفطار، فإن عاد عزر، فإن عاد ثالثا قتل.
والمكره لزوجته بالجماع يتحمل عنها الكفارة وصومها صحيح، ولو
طاوعته فسد صومها أيضا وكفرت، ويعزر الواطئ بخمسة وعشرين سوطا، وفي
التحمل عن الأجنبية المكرهة قولان، وتبرع الحي بالتكفير يبرئ الميت.
خاتمة:
يكفي في المتعين نية الصوم غدا متقربا إلى الله تعالى لوجوبه أو ندبه، ولا بد
في غيره من نية التعيين، ويجب إيقاعها ليلا في أوله أو آخره، والناسي يجدد إلى
الزوال، فإن زالت فات وقتها وقضى.
ولا بد في كل يوم من رمضان من نية على رأي، ولا تكفي المتقدمة عليه
للناسي على رأي.
ولا يقع في رمضان غيره، فلو نوى غيره لم يجز عن أحدهما على رأي.
ويجوز صوم الشك بنية رمضان، ولا بنية الوجوب على تقديره والندب إن
لم يكن، ولو نواه مندوبا أجزأ عن رمضان إذا ظهر أنه منه، ولو ظهر في أثناء النهار
جدد نية الوجوب ولو كان قبل الغروب.
ولو أصبح بنية الإفطار وظهر أنه من الشهر ولم يكن تناول جدد نية الصوم
وأجزأ، ولو زالت الشمس أمسك واجبا وقضى.
ولا بد من استمرار النية حكما، فلو جدد في أثناء النهار نية الإفساد بطل
صومه على رأي، ولو نوى الإفساد ثم جدد نية الصوم قبل الزوال لم يجزئه على
125

رأي، ولو ارتد في أثناء النهار بعد عقد النية بطل وإن عاد فيه.
النظر الثاني: في أقسامه:
وفيه مطالب:
الأول:
الصوم أربعة: واجب، وهو: رمضان، والكفارات، وبدل الهدي، والنذر وشبهه،
والاعتكاف الواجب، وقضاء الواجب.
ومندوب، وهو: أيام السنة إلا ما يستثني - ولا يجب بالشروع - وآكده:
أول خميس من كل شهر، وآخر خميس منه، وأول أربعاء في العشر الثاني، وأيام
البيض، ويوم الغدير، والمباهلة، ومولد النبي عليه السلام، ومبعثه، ودحو
الأرض، وعرفة لمن لا يضعف عن الدعاء مع تحقق الهلال، وعاشوراء حزنا،
وكل خميس وجمعة، وأول ذي الحجة، ورجب، وشعبان.
ومكروه، وهو: النافلة سفرا، والمدعو إلى طعام، وعرفة مع ضعفه عن
الدعاء أو شك الهلال.
ومحرم، وهو: العيدان، وأيام التشريق لمن كان بمنى ناسكا، ويوم الشك
من رمضان، ونذر المعصية، والصمت، والوصال وهو: تأخير العشاء إلى السحر،
والواجب في السفر - إلا النذر المقيد به، وبدل الهدي والبدنة للمفيض عمدا قبل
غروب عرفة، ومن هو بحكم الحاضر - والواجب في المرض مع التضرر به.
ولا ينعقد صوم العبد تطوعا بدون إذن مولاه، والولد بدون إذن والده،
والزوجة بدون إذن الزوج، والضيف بدون إذن المضيف، والنافلة في السفر، إلا
أيام الحاجة بالمدينة.
ويستحب: الإمساك تأديبا للمسافر إذا قدم بعد إفطاره أو بعد الزوال،
وكذا المريض إذا برأ، وللحائل والنفساء إذا طهرتا في الأثناء، والكافر إذا أسلم،
126

والصبي إذا بلغ، والمجنون إذا أفاق والمغمى عليه.
والواجب إما مضيق كرمضان وقضائه والنذر والاعتكاف، وإما مخير
كجزاء الصيد، وكفارة أذى الحلق، وكفارة رمضان وإما مرتب، وهو: كفارة
اليمين، وقتل الخطأ، والظهار، ودم الهدي، وقضاء رمضان.
المطلب الثاني: في شرائط الوجوب:
إنما يجب: على المكلف، السليم من التضرر به، الطاهر من الحيض
والنفاس.
فلا يجب الصوم: على الصبي، ولا المجنون، ولا المغمى عليه وإن سبقت منه
النية، ولا المريض المتضرر به ولا الحائض، ولا النفساء.
ويشترط في رمضان: الإقامة، فلا يصح صومه سفرا يجب فيه القصر، ولو
صام عالما بالقصر لم يجزئه، ولو جهل أجزأه، ولو قدم قبل الزوال ولم يتناول
أتم واجبا وأجزأه، وحكم المريض حكمه.
وشرط القضاء: التكليف، والإسلام، فلا يجب قضاء ما فات: الصبي،
والمجنون، والمغمى عليه وإن لم تسبق منه النية، والكافر الأصلي.
ويجب القضاء على: المرتد، والحائض، والنفساء، والنائم، والساهي.
ولو أسلم، أو أفاق المجنون، أو بلغ الصبي قبل الفجر وجب ذلك اليوم،
ولو كان بعده لم يجب.
ولو فاته رمضان أو بعضه بمرض ومات في مرضه سقط واستحب لوليه
القضاء، ولو استمر مرضه إلى آخر سقط الأول وكفر عن كل يوم منه بمد، ولو بدأ
بينهما وترك القضاء تهاونا قضى الأول وكفر، وإن لم يتهاون قضى بغير كفارة،
ولو مات بعد استقراره وجب على وليه القضاء، وهو أكبر أولاده الذكور، ولو
تعددوا قضوا بالتقسيط وإن اتحد الزمان.
ويوم الكسر واجب على الكفاية، ولو تبرع أحد سقط، ولو كان الأكبر أنثى
127

لم يجب عليها وتتصدق عن كل يوم بمد من تركته.
ولو كان عليه شهران متتابعان صام الولي شهرا وتصدق من تركة الميت عن
آخر، ويستحب تتابع القضاء.
المطلب الثالث: في شهر رمضان:
وهو واجب بأصل الشرع على جامع الشرائط.
ويصح: من المميز والنائم مع سبق النية، ولو استمر نومه من الليل قبل النية
إلى الزوال قضى.
ومن المستحاضة إذا فعلت الأغسال إن وجبت، فإن أخلت حينئذ قضت،
وكذا البحث في غير رمضان، ولو أصبح جنبا فيه أو في المعين تمم صومه، وفي
غيره لا ينعقد.
ومن المريض إذا لم يتضرر به.
ويعلم رمضان: برؤية الهلال، وبشياعه، وبمضي ثلاثين من شعبان، وبشهادة
عدلين مطلقا على رأي.
والمتقاربة كبغداد والكوفة متحدة، بخلاف المتباعدة، فلو سافر بعد الرؤية
ولم ير ليلة أحد وثلاثين صام معهم، وبالعكس يفطر التاسع والعشرين.
ولو اشتبه شعبان عد رجب ثلاثين، ولو غمت الشهور أجمع فالأولى العمل
بالعدد.
والمحبوس يتوخى، فإن وافق أو تأخر أجزأ، وإلا أعاد.
النظر الثالث: في اللواحق:
وفيه مطلبان:
الأول: في أحكام متفرقة:
كل الصوم يجب فيه التتابع، إلا النذر المجرد عنه وشبهه، والقضاء، وجزاء
128

الصيد، وسبعة الهدي.
وكل مشروط بالتتابع لو أفطر في أثنائه لعذر يبني، ولغيره يستأنف، إلا من
صام شهرا ويوما من المتتابعين، ومن صام خمسة عشر يوما من شهر، ومن أفطر
بالعيد خاصة بعد يومين في بدل الهدي.
وكل من وجب عليه شهران متتابعان فعجز صام ثمانية عشر يوما، فإن عجز
عن الصوم أصلا استغفر الله.
ولا يجوز صيام ما لا يسلم فيه الشهر واليوم، كشعبان خاصة في المتتابعين.
والشيخ والشيخة إذا عجزا، وذو العطاش الذي لا يرجى زواله يفطرون
ويتصدقون عن كل يوم بمد من طعام، ثم إن تمكنوا قضوا.
والحامل المقرب، والمرضعة القليلة اللبن، وذو العطاش الذي يرجو زواله
يفطرون ويقضون مع الصدقة.
ويكره: التملي للمفطر، والجماع.
وحد المرض المبيح الرخصة: ما يخاف معه الزيادة بالصوم.
وشرائط قصر الصلاة والصوم واحدة، ولا يحل الإفطار حتى يتوارى الجدار
ويخفى الأذان، فيكفر لو أفطر قبله.
المطلب الثاني: في الاعتكاف:
وهو بأصل الشرع مندوب، ويجب بالنذر وشبهه - وقيل: لو اعتكف
يومين وجب الثالث - ولو اشترط في النذر الرجوع إذا شاء كان له ذلك
ولا قضاء، ولو لم يشرط وجب استئنافه مع قطعه.
وإنما يصح من مكلف مسلم يصح منه الصوم، في مسجد مكة والمدينة
والكوفة والبصرة، ولا يصح في غيرها من المساجد على رأي.
واللبث ثلاثة أيام فصاعدا لا أقل، صائما ناويا له على وجهه متقربا.
ولو أطلق النذر وجب ثلاثة أيام أين شاء في أي وقت شاء، ولو عينهما تعينا،
129

ولو نذر أزيد وجب، فإن شرط التتابع لفظا أو معنى وجب، فإن أخل بالمشروط
لفظا استأنفه متتابعا وكفر، وبالمشروط معنى يبني ويكفر، وإن لم يشرطهما جاز
التفريق ثلاثة ثلاثة.
ولو أطلق الأربعة جاز أن يعتكفها متوالية، وأن يفرق الثلاثة عن اليوم، لكن
يضم إليه آخرين ينوي بهما الوجوب أيضا.
ولو نذر اعتكاف النهار وجب الليل أيضا، ولو شرط عدم اعتكافه أو
اعتكاف يوم لا أزيد بطل النذر، ولو نذر اعتكاف يوم وجب وأضاف يومين.
ويشترط في المندوب إذن الزوج والمولى، ولو هايأه مولاه جاز أن يعتكف
في أيامه، إلا أن ينهاه المولى.
ولا يجوز الخروج من موضعه، فيبطل لو خرج وإن كان كرها لا نسيانا،
فإن مضت ثلاثة صح إلى وقت خروجه، وإلا فلا.
إلا في الضرورية: كقضاء الحاجة، والاغتسال، وشهادة الجنازة، وعود
المريض، وتشييع المؤمن، وإقامة الشهادة، فيحرم عليه حينئذ الجلوس، والمشي
تحت الضلال، والصلاة خارجا إلا بمكة.
والمطلقة رجعيا تخرج إلى منزلها للعدة ثم تقضي مع وجوبه، وكذا
الحائض والمريض.
ويحرم عليه ليلا ونهارا: النساء لمسا وتقبيلا وجماعا، وشم الطيب،
واستدعاء المني، والبيع والشراء، والمماراة.
ويجوز: النظر في المعاش والخوض في المباح، ويفسده كل ما يفسد
الصوم، فإن أفطر في المتعين نهارا، أو جامع فيه ليلا كفر، وفي غيره يقضي واجبا
إن كان واجبا ولا كفارة على رأي.
ولو جامع في نهار رمضان فكفارتان، وعلى المطاوعة المعتكفة مثله، إلا أن
يكرهها فتتضاعف عليه.
130

تلخيص المرام
في معرفة الأحكام
للشيخ جمال الدين أبي منصور الحسن بن سديد الدين
يوسف بن زين الدين علي بن محمد مطهر الحلي المشتهر بالعلامة الحلي
والعلامة على الإطلاق
647 - 726 ه‍. ق
131

كتاب الصوم
يجب على المكلف المقيم أو شبهه غير الحائض والنفساء، الإمساك من
طلوع الفجر الثاني إلى الغروب، عن الأكل والشرب المعتاد وغيره، والجماع
الموجب للغسل، والاستمناء، وإيصال الغبار الحلق، والبقاء على الجنابة حتى
يطلع الفجر، ومعاودة النوم ثالثا، ولو نام غير ناو للغسل وطلع الفجر فسد
وكفر، والكذب على الله ورسوله والأئمة عليهم السلام، والارتماس، والحقنة
بالمائع والجامد على رأي، والمداوي لجرح بما يصل إلى الجوف مفسد على
رأي، وقيل: تقطير الدهن في الأذن مفطر، وكذا قيل: جلوس المرأة في الماء إلى
وسطها في رمضان، والكفارات والنذر ودم المتعة وبعض الاعتكاف والقضاء،
ويجب الكفارة المخيرة على رأي، والقضاء مع تعمد السبعة المتقدمة خاصة على
رأي، والاختيار في رمضان مع بقاء الوجوب على رأي، وقضائه بعد الزوال،
والمعين، والاعتكاف الواجب، وبالبواقي القضاء على رأي.
ويجب القضاء مع الإفطار، وكذب ظن بقاء الليل، أو التعويل على الغير
مع قدرة المراعاة، أو ترك قبول قوله في الطلوع معه وإن ظن الكذب أو الظلمة
الموهمة لليل، ولا يفطر لو غلب على ظنه على رأي، وتعمد القئ على رأي،
وبلوغ الماء الحلق في غير الوضوء، ومعاودة النوم ثانيا.
ولو احتلم نهارا أو نظر إلى امرأة أو استمع فأمنى، فلا فساد مطلقا على رأي،
133

أو أولج في فرج بهيمة ولم ينزل على رأي، ولو أكل ناسيا فظن الفساد فأكل
متعمدا قضى وكفر على رأي، ويسقط القضاء عن الكافر الأصلي والمغمى عليه
وإن لم يسبق منه النية على رأي دون الحائض والنفساء والمرتد.
ويقضي عن الميت أكبر أولاده الذكور على رأي ما تمكن منه أوقات بالسفر
على رواية، ويتصدق مع عدم الولي عن كل يوم بمد، وقيل بعكس الترتيب، ولو
تساووا في السن تساووا فيه على رأي.
ولو كان عليه شهران متتابعان صام شهرا وتصدق عن آخر من مال الميت،
ويقضي السبعة بدل الهدي مع تمكن الميت على رأي، وتتكرر الكفارة مع تغاير
الأيام أو المفطر وفي اتحادهما خلاف، ويقتل في الثالثة، والمكره لزوجته يتحمل
عنها وفي الأجنبية خلاف، ولا يفطر ما لا يتعدى كالمضغ والسعوط فيجوز على
رأي.
ويستحب السواك ولو بالرطب.
ويكره التقبيل، والملاعبة، والملامسة، والاكتحال بالمسك، وإخراج الدم
ودخول الحمام المضعفان، والرياحين، والحقنة بالجامد، وبل الثوب، وجلوس
المرأة في الماء، والامتلاء، والجماع للمفطر.
ويجب النية، فلا يصح من الكافر، ويجزئ القربة في رمضان والمعين على
خلاف، ومعناها أن ينوي صيام رمضان على رأي، ووقتها الليل على رأي،
ويجدد الساهي والمصبح يوم الشك بنية الإفطار مع وجوبه إلى الزوال، وقيل
في النافلة إلى الغروب، وتقديم نية رمضان عليه، ويجزئ الواحدة لرمضان، ويوم
الشك بنية الندب، ويحرم الوجوب أو التردد على رأي، وقيل: لو نوى غير
رمضان فيه أجزأ عن رمضان، ولو نوى إفطار يوم منه ثم جدد قبل الزوال لم
ينعقد، ولو صام ناويا ثم نوى الإفطار ولم يفطر ثم جدد الأولى انعقد.
ولا يصام الواجب سفرا على رأي إلا المقيد به، وبدل المتعة والبدنة للمفيض
عامدا قبل الغروب، والغالب سفره والناوي عشرة والمقيم ثلاثين، وفي المندوب
134

خلاف.
ويصح من المميز والمستحاضة مع الأغسال، ولا يصح من المريض مع
التضرر، وإن استمر إلى رمضان آخر سقط الأول على رأي ويصدق عنه، ولو برأ
ونوى القضاء فالقضاء بلا كفارة، ولو تهاون اجتمعا على رأي، ولا الضيف
والمرأة والولد والمملوك ندبا بدون الحاكم.
ويعلم رمضان بالهلال شياعا ورؤيته، ومضي ثلاثين، وشهادة اثنين مطلقا
خاصة على رأي، والمشتبه يتوخى فإن تقدم أعاد وإلا أجزأ، والبلاد المتقاربة في
حكم واحد دون المتباعدة، والناسي للجنابة يقضي الصلاة قيل والصوم،
والمسافر يفطر بشرط التبيت على رأي، ويكفر لو أفطر قبل غيبوبة الأذان أو
الجدر، ولو جهل فهو معذور.
وكل الصوم يجب فيه التتابع إلا النذر المجرد عنه والقضاء وجزاء الصيد
والسبعة في بدل الهدي.
ولو أفطر في أثناء المتتابع لعذر بنى، وإن كان بغيره استأنف، إلا من وجب
عليه شهران فزاد على شهر، أو شهر مطلقا على رأي فصام خمسة عشر يوما،
والثلاثة في بدل الهدي إذا أفطر الثالث بالعيد خاصة على رأي، ولا يجب
المندوب بالشروع، والشيخ والشيخة العاجزان يتصدقان عن كل يوم بمد على
رأي، وكذا ذو العطاش مع عدم البرء، ويقضي معه ولا كفارة على رأي، وكذا
الحامل والمرضع على رأي.
ويحرم صوم العيدين وأيام التشريق لمن كان بمنى وإن كان بدلا من الهدي
على رأي أو كان قاتلا في الحرم على رأي، ونذر المعصية والصمت والوصال
وهو صوم يومين بغير إفطار على رأي.
ويستحب تمرين الصبيان، وثلاثة أيام في الشهر ويقضي أو يتصدق مع
المشقة، وأيام البيض، ويوم الثلاثين من شعبان وإن كان صحوا على رأي،
والغدير، والمولد، والمبعث، والدحو، وعرفة، وعاشوراء حزنا، والمباهلة،
135

والجمع، وأول ذي الحجة، ورجب وشعبان، والإمساك للقادم بعد الزوال أو
قبله مع التناول وبدونه يجب ويجزئ، والمريض كذلك، والحائض والنفساء
والصبي والكافر على رأي، والمجنون والمغمى عليه مع زوال عذرهم.
ويكره الإفطار في النافلة بعد الزوال، والصوم للمدعو إلى طعام، وتتابع أيام
القضاء على رأي، ولو أفطر فيه بالشرط أطعم عشرة مساكين، فإن تعذر صام
ثلاثة أيام على رأي ولا كفارة لو أفطر في قضاء النذر على رأي أو عجز عن صوم
النذر بما يرجى زواله على رأي، ونائم رمضان يصح صومه إن سبقت منه النية
وإلا فالقضاء، ولو نذر يوما معينا فاتفق أحد العيدين لم يصح الصوم وفي القضاء
خلاف، وكذا لو اتفق وجوبه بغيره على رأي.
ولا بد في الاعتكاف من النية الصادرة عن أهلها المشتملة على القربة والوجه
واللبث المستدام ثلاثة في أحد الأربعة على رأي، والصوم وإذن المولى والزوج،
وهو واجب بنذر وشبهه، وندب إلى يومين فقيل يجب الثالث وقيل يجب
بالدخول.
ومن نذر اعتكافا مطلقا أو وجب عليه قضاء يوم أو نذر اعتكاف يوم
اعتكف ثلاثة، ولو نذر اعتكاف يوم لا غير أو اعتكاف الأيام دون الليالي بطل
على رأي ولا يجب التوالي فيما زاد على الثلاثة إلا بالنذر ولو نذر اعتكافا متتابعا
فأخل بالبعض عمدا قضى الجميع، ويقضي لو خرج الوقت المنذور مع الجهل،
ولو اشترط في حال النذر الخروج إذا شاء فلا قضاء معه وإن لم يشرط قضى،
ولو لم يأذن للعبد ودخل فأعتق لم يلزمه على رأي، ولو هايأ العبد مولاه جاز
الاعتكاف في أيامه مع عدم الإذن.
ويجب على ولي الميت قضاء الفائت منه.
ويحرم عليه الاستمتاع بالنساء والاستمناء والبيع والشراء والطيب شما
والمماراة ليلا ونهارا خاصة على رأي، ويفسده ما يفسد الصوم والارتداد على
رأي.
136

ويجب كفارة رمضان في الواجب، ومع إكراه المرأة يتحمل ويتضاعف في
رمضان، ويستحب الاشتراط.
ويجوز مع الضرورة الخروج، فلا يمشي تحت الظلال ولا يجلس ولا يصلي
خارجا إلا بمكة، وفسخ الاعتكاف الواجب معها، والمطلقة رجعية تخرج
وتقضي مع الوجوب.
137

الرسالة الفخرية
لمحمد بن الحسن بن يوسف بن علي بن المطهر الحلي الملقب بفخر المحققين
682 - 771 ه‍. ق
139

كتاب الصوم
وهو توطين النفس من المكلف عن المفطرات مع النية، وهو واجب
ومستحب.
فالواجب إما بأصل الشرع وهو رمضان لا غير.
وصفة نيته عند هلاله: أصوم شهر رمضان من أوله إلى آخره مع ارتفاع
الموانع لوجوبه علي قربة إلى الله.
ثم ينوي كل ليلة فيقول: أصوم غدا من شهر رمضان أداء لوجوبه علي قربة
إلى الله.
ولا يجب قوله " من رمضان " ولا " الأداء " بل يستحب، والأولى مستحبة
لا يبطل بالإخلال بها، والثانية متعينة، ويقضى لو فات بسفر أو غيره.
ونية قضائه: أصوم غدا قضاء عن رمضان لوجوبه علي قربة إلى الله.
ونية القضاء عن الغير إن كان ممن يجب عليه القضاء يقول: أصوم غدا
قضاء عما في ذمة فلان من الصوم الواجب عن كذا لوجوبه عليه بالأصالة وعلي
بالتحمل قربة إلى الله.
وإن لم يجب عليه فليقل: أصوم غدا قضاء عما في ذمة فلان من الصوم
الواجب عن كذا لوجوبه عليه بالأصالة وندبه علي قربة إلى الله.
ونية الإفطار بعد الغروب: أفطر من صوم رمضان قربة إلى الله.
141

وهذه النية مستحبة، والإفطار واجب لتحريم صوم الوصال، لكنه لما كان
فعلا كالترك لم تجب فيه النية واستحبت، فإن فعلها أثيب.
وإما بغير أصل الشرع وهو ستة: صوم الكفارات، وبدل الهدي، والنذر
وشبهه كالعهد واليمين، والاعتكاف الواجب، وقضاء الواجب عنه، وقضاء
ما فات أباه مع تمكنه من أدائه.
ونيته: أصوم غدا عن كذا لوجوبه علي قربة إلى الله.
وفي قضائه عن أبيه: أصوم غدا قضاء عما وجب على أبي بالأصالة ثم علي
بالتحمل لوجوبه قربة إلى الله.
والمندوب: وهو جميع أيام السنة إلا العيدين مطلقا وأيام التشريق لمن كان
بمنى ناسكا.
والمؤكد أول خميس من كل شهر وآخر خميس من الشهر، وأول أربعاء من
العشر الثاني ويقضي مع الفوات، وأيام البيض من كل شهر وهي: الثالث عشر
والرابع عشر والخامس عشر، وستة أيام بعد عيد الفطر، ويوم الغدير وهو ثامن
عشر ذي الحجة، ومولد النبي عليه السلام وهو سابع عشر ربيع الأول، ومبعثه
وهو السابع والعشرون من رجب، ودحو الأرض وهو الخامس والعشرون من
ذي القعدة، وعرفة إلا مع الضعف عن الدعاء أو شك الهلال، وعاشوراء حزنا،
والمباهلة، وكل خميس، وكل جمعة، وأول ذي الحجة، ورجب كله، وشعبان
كله.
ونيته: أصوم غدا لندبه قربة إلى الله. وإن عين السبب كان أفضل.
ووقت النية الليل، فإن فاتت إلى أن يصبح جاز تجديدها إلى الزوال.
ونية الاعتكاف الواجب: أعتكف كذا كذا يوما لوجوبه قربة إلى الله، أصوم
غدا للاعتكاف لوجوبه قربة إلى الله.
ونية المندوب: أعتكف كذا كذا يوما لندبه قربة إلى الله.
وينوي الوجوب في اليوم الثالث مع ندبية الاعتكاف.
142

الدروس الشرعية
للشهيد السعيد محمد بن جمال الدين مكي العاملي
" الشهيد الأول "
734 - 786 ه‍. ق
143

كتاب الصوم
وهو توطين النفس لله على ترك الثمانية: الأكل والشرب المعتاد وغيره،
والجماع قبلا أو دبرا لآدمي وغيره على الأقرب، والاستمناء، وإيصال الغبار
الغليظ إلى الحلق، والبقاء على الجنابة مع علمه ليلا، والحقنة بالمائع، والارتماس
على الأقوى، من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس، من المكلف أو المميز
المسلم الخالي عن السفر والمرض والحيض والنفاس والجنابة على وجه،
والإغماء والسكر وطول النوم.
فيشترط نية الوجوب أو الندب والقربة ليلا أو نهارا للناسي إلى زوال
الشمس، وكذا الجاهل بوجوب ذلك اليوم أو من تجدد له العزم على صوم غير
معين زمانه كالقضاء أو النفل، والأقرب امتداد النفل بامتداد النهار لا الفرض،
خلافا لابن الجنيد، وفي التهذيب روايتان بجواز نية القضاء بعد الزوال.
ويشترط فيما عدا شهر رمضان تعيين سبب الصوم وإن كان نذرا معينا
وشبهه على الأقوى.
وفي المبسوط فسر نية القربة أن ينوي صوم شهر رمضان، ولا ريب أنه
أفضل، وكذا الأفضل أن ينوي الأداء، ولا يجب تجديدها بعد الأكل أو النوم أو
الجنابة على الأقوى سواء عرضت ليلا أو نهارا بالاحتلام.
وتتعدد النية بتعدد الأيام في غير شهر رمضان إجماعا، وفيه قولان أجودهما
145

التعدد، ولو تقدمت عليه في شعبان لم يجز على الأقوى، ويشترط الجزم مع علم
اليوم وفي يوم الشك بالمترددة قول قوي.
ويجب استمرارها حكما فلو نوى الإفطار في الأثناء أو ارتد ثم عاد فالمشهور
الإجزاء وإن أثم، وكذا لو كره الامتناع عن المفطرات يأثم ولا يبطل، أما الشهوة
لها مع بقاء إرادة الامتناع أو الاستمرار عليها حكما فلا إثم.
ولو تردد في الإفطار أو في كراهة الامتناع فوجهان مرتبان على الجزم،
وأولى بالصحة هنا، والوجه الإفساد في الجميع، ولو نوى إفطار غد ثم جدد قبل
الزوال فوجهان مرتبان وأولى بالإبطال، ولو نوى الندب فظهر الوجوب جدد نية
الوجوب وأجزأ وإن كان بعد الزوال، وكذا لو نوى الوجوب عن سبب فظهر
استحقاق صوم اليوم بغيره جدد التعيين، وهنا يجب التعيين في رمضان.
فروع:
لو عدل من فرض إلى فرض لم يجز مع تعيين الزمان للأول، ولو صلح
الزمان لهما فالأقرب المنع أيضا، ولو كان بعد الزوال في قضاء رمضان لم يجز
قطعا.
ولو عدل من فرض غير معين إلى نفل فوجهان مرتبان وأولى بالمنع.
ويجوز العدول من نفل إلى نفل ما دام محل النية باقيا.
ويتأدى رمضان بنية النفل مع عدم علمه، والأقرب سريانه في غيره من
الواجبات المعينة ويتأدى رمضان وكل معين بنية الفرض وغيره بطريق الأولى،
وفي تأدي رمضان بنية غيره فرضا أو نفلا مع علمه قولان أقربهما المنع،
ويستحبان في المعين غيره لو نوى فيه غيره ولا يجزئ عما نواه في الموضعين
إجماعا، ويتأدى قضاء رمضان بنية أدائه في الجاهل بالمشهور.
ولو ظهر سبق صومه على رمضان لم يجز، وحكم المعين كذلك، ويجب
على هذا في كل سنة شهر بحسب ظنه، ولو فقد الظن تخير ويجعله هلاليا إن
146

أمكن وإلا عدديا، فلو ظهر نقص الهلالي عن رمضان قضى يوما ويتحرى أيضا
ناذر الدهر لو تخير فيحدث نية التعيين لرمضان، ولو قيده بالسفر وسافر لم يتحر
في إفطاره ولا إفطار العيدين، ويجزئ التحري في كل صوم معين، ولا يجب في
النية المقارنة لطلوع الفجر وإن كان جائزا، وظاهر كلام المفيد والحسن منعه.
درس [1]:
لا يجب الصوم على الصبي وإن أطاق، نعم يمرن عليه لسبع ويشدد عليه
لتسع ويكون صوما شرعيا بمعنى استحقاق الثواب ودخوله في اسم الصائم، ولو
أطاق بعض النهار فعل، وقيل: إنما يؤمر إذا أطاق ثلاثة أيام تباعا، ولو بلغ في
أثناء النهار أمسك مستحبا إن كان لم يتناول، وفي الخلاف يجب، وتأديبا إن
تناول، ولو شك في البلوغ فلا وجوب، ولو ظن أنه يمني بالجماع لم يجب
التعرض له، ولو وجد على ثوبه المختص منيا فالأقرب البلوغ مع إمكانه، ولو
كان مشتركا فلا، ولو اشترك بين صبيين وأحدهما بالغ فالأولى تعبدهما.
ولا يجب على المجنون، ويسقط بعروضه وإن كان بسبب المكلف،
ولا تمرين في حقه، ولا على المغمى عليه، ولا يقضي بسبق النية وإفطاره ومداواته
بالمفطر، خلافا للمبسوط، وقال المفيد رحمه الله يقضي ما لم ينو قبل الإغماء
فيجزئ، ولا يصح من السكران وإن وجب عليه، والنائم بحكم الصائم مع سبق
النية أو انتباهه قبل الزوال وتجديدها، ولو نام أياما قضى ما لم ينو له، وفي
المبسوط: تصح كلها مع سبق النية بناء على إجزاء النية للأيام.
والكافر يجب عليه، ولا يصح منه إلا ما أدرك فجره مسلما، وفي المبسوط
لو أسلم قبل الزوال أمسك، ورواية العيص تدفعه، ولو ارتد المسلم في الأثناء
فالوجه فساد الصوم وإن عاد خلافا للمبسوط والمعتبر.
ولا على المسافر حيث يجب القصر، ولا يصح منه صوم رمضان وإن نذره،
ولو صام رمضان ندبا أو كان عليه صوم شهر مقيد بالسفر فصامه عنه فظاهر
147

الشيخ الجواز، ومنعه الفاضلان.
ولا يصح في السفر غيره من الواجبات إلا ثلاثة الهدي وثمانية عشر البدنة
للمفيض من عرفات والنذر المقيد بالسفر، وجوز المرتضى صحة صوم المعين إذا
وافق السفر، وبه روايتان، وابنا بابويه جزاء الصيد، والمفيد ما عدا رمضان في
فحوى كلامه، والكل متروك، والأقرب كراهة الندب سفرا إلا ثلاثة أيام للحاجة
بالمدينة، وألحق المفيد المشاهد، وابنا بابويه وابن إدريس الاعتكاف في المساجد
الأربعة، وإنما يفطر إذا خرج قبل الزوال على الأقرب بيت النية أو لا.
ويفطر المسافر للنزهة خلافا للحسن حيث أوجب الصوم والقضاء.
ولا يحرم السفر على من شهد الشهر حاضرا خلافا للحلبي، نعم يكره إلى
ثلاث وعشرين، ولو قدم قبل الزوال ولم يتناول أمسك واجبا وإلا تأديبا، ولو
علم القدوم قبل الزوال تخير في الإفطار والإمساك وهو أفضل لرواية رفاعة وهو
تخير في صوم رمضان تابع لسببه، كما يتخير المسافر بين نية المقام وعدمه فيتبعه
الصوم، والقدوم يحصل برؤية الجدار أو سماع الأذان.
ولا يحرم الجماع على المسافر خلافا للنهاية، وحرمه الحلبي على كل مفطر
إلا مع الضرورة، وكذا التملي من الطعام والشراب، والوجه الكراهة.
ولا على المريض المتضرر به بحسب وجدانه أو ظنه بقول عارف، ولو صام
لم يجزئه، ولو كان جاهلا على إشكال لرواية عقبة في إجزاء صيام المريض
فيحمل على الجاهل أو على من لا يضره ويروه كقدوم المسافر.
ولا على الحائض والنفساء ولو في جزء من النهار، ولو زال في الأثناء
استحب الإمساك، ولو طهرت ليلا فتركت الغسل قضت ولا كفارة على الأقرب،
ويصح من المستحاضة إذا اغتسلت غسلي النهار، فلو تركت فكالحائض، ومن
الجنب إذا لم يتمكن من الغسل، والأقرب وجوب التيمم، ولو تمكن ليلا وتعمد
البقاء فسد، وكذا لو نام غير ناو للغسل أو عاود النوم بعد انتباهة فصاعدا، ولو
أصبح جنبا ولما يعلم انعقد المعين خاصة.
148

وفي الكفارة وما وجب تتابعه وجهان وإن كان نفلا، ففي رواية ابن بكير
صحته وإن علم بالجنابة ليلا، وفي رواية كليب إطلاق الصحة إذا اغتسل وتحمل
على المعين أو الندب للنهي عن قضاء الجنب في رواية ابن سنان، ولو احتلم نهارا
لم يفسد مطلقا، ولو نسي الغسل فالوجه وجوب قضاء الصوم كالصلاة.
ويجب القضاء على كل تارك مع تكليفه وإسلامه، ولا يقضي المخالف
صومه إذا استبصر، ولو أغمي عليه بفعله قضى كالسكران، ولو لم يعلم فأداه
التناول إلى الإغماء والسكر فلا قضاء.
ولا بد من قبول الزمان للصوم، فلا يصح صوم العيدين مطلقا، ولا أيام
التشريق لمن كان بمنى، وألحق الشيخ مكة، واشترط الفاضل كونه ناسكا بحج
أو عمرة والرواية مطلقة، ولو نذر هذه الأيام بطل، ولو وافقت نذره لم يصمها وفي
صيام بدلها قولان أحوطهما الوجوب.
ولا صيام يوم الشك بنية شهر رمضان على الأظهر، وقال الحسن وابن
الجنيد والشيخ في الخلاف: لا يحرم وتجزئ.
ولا صيام الليل، فإن ضمه إلى النهار فهو الوصال المنهي عنه، وكذا لو جعل
عشاءه سحوره حرم.
درس [2]:
يفسد الصوم بفعل الثمانية عمدا لا سهوا وإن كان في النفل للرواية علما و
جهلا.
ويجب القضاء والكفارة على العالم، إلا في الحقنة فإنه لا كفارة، وكذا
لا يكفر الجاهل على الأقوى، ولو كان بعد إفطاره ناسيا إذا توهم إباحة الإفطار،
وفي حكم تعمد البقاء على الجنابة الإعراض عن نية الغسل ومعاودة النوم بعد
انتباهتين وإن نوى الغسل إذا طلع الفجر، وفي حكم الاستمناء النظر لمعتاده
والاستمتاع والملاعبة والتخيل إذا قصده.
149

ولو أكره على الإفطار فلا إفساد سواء وجر في حلقه أو خوف على الأقوى،
ولو أكره زوجته تحمل عنها الكفارة لا القضاء، وفي التحمل عن الأمة والأجنبية
والأجنبي وتحمل المرأة لو أكرهته وتحمل الأجنبي لو أكرههما نظر، أقربه التحمل
إلا في الأخير، ولو نزع المجامع لما طلع الفجر فلا شئ ولو استدام كفر، وكذا لو
نزع بنية الجماع.
وتتعلق الكفارة بتناول غير المعتاد من المأكل والمشرب، خلافا للمرتضى،
وأسقط القضاء أيضا ونقل وجوبه، ولا تسقط الكفارة بعروض الحيض والسفر
الضروري على الأشبه.
والكفارة عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا، وقال
الحسن والمرتضى: مرتبة، ولو أفطر على محرم كزنى أو مال حرام وجبت الثلاثة
على الأقرب، ولو عجز عن بعضها ففي بدله نظر.
ويجب القضاء خاصة بتناول المفسد ظانا بقاء الليل ولما يرصد مع القدرة
عليه سواء أخبره غيره ببقائه أو زواله أولا، إلا أن يكون معلوم الصدق أو عدلين
فيكفر، وكذا لو أفطر لظن دخول الليل مع قدرته على المراعاة، ولو راعى فظن
ففي القضاء قولان أشهرهما القضاء، والفرق اعتضاد ظنه بالأصل هناك ومخالفته
الأصل هنا، وبتعمد القئ ولو ذرعه فلا، وقال المرتضى: لا قضاء بتعمده، ونقل
وجوب الكفارة، ولو ابتلع ما خرج منه كفر، واقتصر في النهاية والقاضي على
القضاء، وفي رواية محمد بن سنان: لا يفطر، وتحمل على عوده بغير قصد وبسبق
الماء إلى الحلق.
إذا تمضمض أو استنشق للتبرد لا للطهارة للصلاة وإزالة النجاسة وفي
الصلاة المندوبة رواية حسنة بالقضاء، ويكره المبالغة فيه للصائم، وقال يونس:
الأفضل أن لا يتمضمض، ولو سبق بالتداوي أو طرح شيئا في فيه لغرض صحيح
فلا شئ بخلاف العبث.
وبمعاودة النوم بعد انتباهه عن نوم يعقب الجنابة فيطلع الفجر ولا شئ في
150

النومة الأولى وإن طلع الفجر، وبالنظر إلى المحرمة بشهوة فيمني بغير قصد ولا
اعتياد.
درس [3]:
اختلف في وجوب القضاء والكفارة بالكذب على الله ورسوله أو الأئمة صلى الله عليه وآله
متعمدا، وتعمد الارتماس، والمشهور الوجوب وإن ضعف
المأخذ.
وتعمد ترك النية، فأوجبهما الحلبي وبعض شيوخنا المعاصرين، وهو نادر.
وشم الرائحة الغليظة التي تصل إلى الجوف، فأوجبهما الشيخ والقاضي،
ونقل المرتضى وجوبهما بالحقنة وهما متروكان، والسعوط بما يتعدى الحلق
متعمدا كالشرب، لا ما يصل إلى الدماع، وأوجبهما المفيد به مطلقا.
ولو ابتلع ما أخرجه الخلال متعمدا كفر، وفي الخلاف القضاء، ولو قصد
الإمذاء بالملاعبة فلا كفارة خلافا لابن الجنيد.
واختلف في وجوب القضاء بالحقنة بالجامد والصب في الإحليل فيصل
الجوف، وفي طعنه نفسه برمح كذلك، أو داوى جرحه كذلك أو قطر في أذنه
دهنا، أو مضغ علكا، أو جلست المرأة في الماء، أو أكرهها الزوج على الجماع،
أو أمذى عن ملاعبة بغير قصد، والأشبه عدم القضاء في الجميع.
وتتكرر الكفارة بتكرر الوطء مطلقا وبتغاير الأيام مطلقا ومع تخلل التكفير
على الأقرب، وفي تغاير الجنس قولان أحوطهما التكرر ومع اتحاده لا تكرار
قطعا.
ومن أفطر في شهر رمضان مستحلا فهو مرتد، وغيره يعزر مرتين وقيل:
يقتل في الثالثة لرواية سماعة وهي مقطوعة، ولو استحل غير الجماع والأكل
والشرب المعتادين لم يكفر خلافا للحلبي، ولو ادعى الشبهة الممكنة قبل منه،
ويعزر المجامع بخمسة وعشرين سوطا والمطاوعة مثله، فلو أكرهها عزر خمسين.
151

وإنما تجب الكفارة في شهر رمضان والنذر المعين وشبهه والاعتكاف
الواجب وقضاء رمضان بعد الزوال، وقال الحسن: لا كفارة في غير رمضان وهو
شاذ.
وإنما يكون القضاء في المتعين أما غيره فلا يسمى قضاء وإن وجب الصوم
ثانيا بالفساد.
ولو أفطر لخوف التلف فالأقرب القضاء، وفي الرواية يشرب ما يمسك
الرمق خاصة وفيها دلالة على بقاء الصوم وعدم وجوب القضاء كما اختاره
الفاضل.
وكفارة النذر والعهد كرمضان، وكفارة المتعين باليمين يمين، وكفارة
القضاء إطعام عشرة مساكين فإن عجز صام ثلاثة أيام وروي كبيرة كقول ابن
بابويه ويمين كقول القاضي، ولا شئ كقول الحسن، فظاهر الحسن والحلبي تحريم
إفطاره قبل الزوال، وألحق ابن بابويه علي والحلبي قضاء النذر به.
ولا يجب في القضاء الفورية خلافا للحلبي، ويستحب فيه التتابع لا التفرقة
على الأصح ولا ترتيب فيه فلو قدم آخره فالأشبه الجواز، وهل يستحب نية الأول
فالأول؟ إشكال، وكذا في وجوب تقديم القضاء على الكفارة، ويكفي في تتابع
الشهرين يوم من الثاني فيباح التفريق بعده على الأقرب.
ولو أفطر لعذر بنى مطلقا، ولا تجب الفورية بعد زوال العذر، والعبد يتابع
خمس عشرة يوما في كفارتي الإفطار والظهار على قول الشيخ، وكذا من نذر
شهرا متتابعا.
ويجب في الرقبة الإسلام أو حكمه على الأشبه.
وإطعام المسكين شبعه أو مد، ولا يجب مدان خلافا للشيخ، ولو عجز عن
الخصال الثلاثة صام ثمانية عشر يوما تباعا على الأشبه، أو تصدق بما يطيق جمعا
بين الروايتين وإن كان الأول أشهر، ولو عجز عن الثمانية عشر أتى بالممكن من
الصوم والإطعام وفي وجه مخرج الإتيان بالممكن منهما ابتداء حتى لو أمكن
152

الشهران متفرقين وجب، ولو عجز استغفر الله فلو قدر بعد الاستغفار فإشكال إذ
لا تجب الكفارة على الفور ومن الامتثال، أما لو قدر بعد الثمانية عشر أو ما أمكن
منها فلا شئ.
ولو تبرع عن غيره بالكفارة أجزأ إذا كان ميتا في أقوى القولين، وفي الحي
وجهان مرتبان وأولى بالمنع لعدم إذنه، وفي وجه ثالث يجزئ غير الصوم لأنه
كقضاء الدين.
درس [4]:
لا يفطر بابتلاع ريقه ولو خرج مع اللسان، نعم لو انفصل عن باطن الفم
أفطر بابتلاعه، وكذا لو ابتلع ريق غيره وإن كان أحد الزوجين، فالمروي جواز
الامتصاص وهو لا يستلزم الابتلاع، نعم في التهذيب عن أبي ولاد لا شئ في دخول
ريق البنت المقبلة في الجوف وتحمل على عدم القصد، والفضلات المسترسلة من
الدماع إذا لم تصر في فضاء الفم لا بأس بابتلاعها للرواية ولو قدر على إخراجها،
ولو صارت في الفضاء أفطر لو ابتلعها، وفي وجوب الكفارات الثلاث هنا نظر،
وتجب لو كانت نخامة غيره.
وكلما يحرم في غير الصوم يتأكد به كالمسابة والكذب، ويجوز التبرد
بالغسل وصب الماء على الرأس ولو علم دخوله الأذن، ولو غمس رأسه في الماء
دفعة أو على التعاقب ففي إلحاقه بالارتماس نظر، نعم لو سبق الماء إلى حلقه
قضى، ولو سبق في الاغتسال الواجب أو المستحب فلا شئ، وفي التبرد احتمال،
ولا إفطار بسبق الغبار إلى الحلق أو الذباب وشبهه، ويجب التحفظ من الغبار
لمزاوله.
ويكره مضغ العلك وتقطير الدواء في الأذن والسعوط بما لا يتعدى الحلق،
ويستحب للمتمضمض أن يتفل ثلاثا، وكذا ذائق الطعام وشبهه، ولا بأس
بالسواك أول النهار وآخره، وكرهه الشيخ والحسن بالرطب للرواية.
153

ويكره مباشرة النساء بغير الجماع إلا لمن لا تتحرك شهوته، والاكتحال
بما فيه مسك أو صبر وإخراج الدم المضعف، ودخول الحمام المضعف، وشم
الرياحين وخصوصا النرجس، ولا يكره شم الطيب بل روي استحبابه للصائم،
وعن علي عليه السلام بطريق غياث كراهة المسك، نعم في رواية الحسن بن راشد
تعليل شم الرياحين باللذة وأنها مكروهة للصائم.
ويكره نزع الضرس لمكان الدم، رواه عمار، والاحتقان بالجامد على
الأقرب، وبل الثوب على الجسد، وإنشاد الشعر وإن كان حقا والهذر والمراء
والسفر إلا لحج أو غزو أو ضرورة كحفظ مال أو أخ في الله أو تشييعه أو تلقيه.
ويستحب الإكثار من تلاوة القرآن، والدعاء والتسبيح بالمأثور، والصدقة،
وتفطير الصائمين، ولزوم المساجد، والسحور ولو بشربة ماء وأفضله السويق
والتمر.
ويتأكد السحور في الواجب وفي المعين آكد، وفي رمضان أشد تأكيدا، و
كلما قرب من الفجر كان أفضل، وتعجيل الفطور إلا لمن لا تنازعه نفسه فيؤخره
عن الصلاة إلا أن يتوقع غيره فطره.
ويستحب الإفطار على الماء الفاتر أو الحلو كالتمر أو الزبيب أو اللبن، وإتيان
النساء أول ليلة من الشهر وإحياء ليلة القدر بإحياء الثلاث الفرادى وخصوصا
إحدى وثلاثا، وقراءة سورتي العنكبوت والروم في ليلة ثلاث وعشرين،
والاعتكاف في العشر الأواخر، والمواظبة على النوافل المختصة به بدعواتها
المأثورة، والدعاء عند الإفطار فيقول: " اللهم لك صمنا وعلى رزقك أفطرنا
فتقبله منا ذهب الظمأ وابتلت العروق وبقى الأجر، اللهم تقبل منا وأعنا عليه
وسلمنا فيه وتسلمه منا " ودعاء الصائم مستجاب وخصوصا عند الإفطار ويتأكد
استحباب الاستغفار في الصيام.
وليصم سمعه وبصره وجوارحه، وليظهر عليه وقار الصوم، ويجوز ذوق
المرق ومضغ الخبز لفعل فاطمة عليه السلام، وزق الطائر ومص الخاتم،
154

ويكره مص النواة.
درس [5]:
ينقسم الصوم بانقسام الأحكام الأربعة.
فالواجب ستة: صوم رمضان والنذر وشبهه والكفارات ودم المتعة و
الاعتكاف إذا وجب وقضاء الواجب.
والمستحب: صوم جميع الأيام إلا ما نذكر، ويتأكد أول خميس في العشر
الأول، وأول أربعاء في العشر الثاني، وآخر خميس في العشر الأخير، وروي
خميس بين أربعائين ثم أربعاء بين خميسين كقول ابن الجنيد، وروي مطلق
الخميس والأربعاء في الأعشار الثلاثة كقول أبي الصلاح، وتؤخر من الصيف إلى
الشتاء عند المشقة ثم يقضي، بل يستحب قضاؤهما عند الفوات مطلقا أو يتصدق
عن كل يوم بدرهم أو مد.
والمبعث، والمولد والغدير، والدحو، وأيام البيض، وعرفة لمن لا يضعف
عن الدعاء، وتحقق الهلال، والمباهلة وأول ذي الحجة وباقي العشر، ورجب
وشعبان، وكل خميس وكل جمعة، وقول ابن الجنيد: صيام يوم الاثنين
والخميس منسوخ لم يثبت، نعم روي كراهة الاثنين، وكذا لم يثبت قوله بكراهة
إفراد الجمعة وإن كان قد رواه العامة عن أبي هريرة.
ومن المستحب التاسع والعشرين من ذي القعدة وأول يوم من المحرم
وثالثه وسابعه وروي عشرة وكله، وستة أيام بعد عيد الفطر وفيها بحث ذكرناه
في القواعد، وروي صحيحا كراهة صيام ثلاثة أيام بعد الفطر بطريقين.
وصوم داود عليه السلام، ويوم التروية وثلاثة أيام للحاجة وخصوصا
بالمدينة، ويوم النصف من جمادى الأولى، وروى المفيد: من صام الخميس
والجمعة والسبت من شهر حرام كتب الله له عبادة تسعمائة سنة، وفي صوم
عاشوراء حزنا كله أو إلى العصر أو تركه روايات. وروي: صمه من غير تبييت
155

وأفطره من غير تسميت، ويفهم منه استحباب ترك المفطرات لا على أنه صوم
حقيقي وهو حسن.
وكذا اختلفت الرواية في صوم يوم الشك، والأشهر استحبابه خلافا للمفيد
إلا مع مانع الرؤية.
ولا يجب صوم النفل بالشروع فيه إلا الاعتكاف على قول، نعم يكره
الإفطار بعد الزوال إلا أن يدعى إلى طعام، وعليه تحمل رواية مسعدة بوجوبه بعد
الزوال.
ويشترط فيه كله خلو الذمة عن صوم واجب يمكن فعله، فيجوز حيث
لا يمكن كشعبان لمن عليه كفارة كبيرة، ولم يبق سواه، وجوز المرتضى التنفل
مطلقا، والرواية بخلافه.
ويستحب الإمساك للمسافر والمريض بزوال عذرهما وقد تناولا، أو كان
بعد الزوال، والحائض والنفساء إذا طرأ الدم في أثناء النهار أو انقطع فيه،
والكافر يسلم، والصبي يبلغ.
والمكروه صوم الدهر خلا الأيام المحرمة ويوم عرفة مع شك الهلال أو
الضعف عن الدعاء، والنافلة سفرا كما سلف، والمدعو إلى طعام، والضيف ندبا
إذا لم يؤمر ولم ينه من المضيف، وروي كراهة العكس أيضا، وأما الولد والزوجة
والعبد فالأقرب اشتراط الإذن في صحته، وفي المعتبر لا يلزم استئذان الوالد بل
يستحب، ورواية هشام بن الحكم مصرحة بعقوقه.
والمحظور صوم العيدين والتشريق ويوم الشك بنية رمضان، ولو نواه
واجبا عن غيره لم يحرم، ونذر المعصية والصمت والوصال، ويظهر من ابن
الجنيد عدم تحريم الوصال وهو متروك، والواجب سفرا كما مر، وصوم الأربعة
المذكورين مع النهي أو عدم الإذن على الخلاف وروى زرارة عن الباقر عليه السلام
جواز صيام العيدين والتشريق للقاتل في أشهر الحرم، بل ظاهرها
الوجوب، وروى إسحاق بن عمار عن الصادق عليه السلام صيام أيام التشريق
156

بدلا عن الهدي، والأقرب المنع فيهما.
وفي رواية الزهري عن زين العابدين عليه السلام جعل قسم من الصوم من باب التخيير وهو الجمعة والخميس والبيض وستة الفطر وعرفة وعاشوراء وهو
يشعر بعدم التأكيد.
درس [6]:
يصام شهر رمضان برؤية هلاله، وإن انفرد عدلا أو لا ردت شهادته أو لا،
ولو لم يره ومضى من شعبان ثلاثون يوما، أو رئي شائعا، أو شهد به عدلان في
الصحو أو الغيم من البلد أو خارجه وجب الصوم على من علم الشياع أو سمع
العدلين وإن لم يحكم بهما حاكم، لقول الصادق عليه السلام: صم لرؤية الهلال
وأفطر لرؤيته فإن شهد عندك شاهدان مرضيان بأنهما رأياه فاقضه، وفي رواية
أبي أيوب يعتبر خمسون مع الصحو واثنان من خارج مع العلة، وحملت على
عدم العلم بعدالتهم أو على التهمة.
واجتزأ سلار بالواحد في أوله والمرتضى برؤيته قبل الزوال فيكون لليلة
الماضية لرواية حماد، وهي حسنة لكنها معارضة وعمل بها الفاضل في أوله
خاصة، فلو لم ير الهلال ليلة أحد وثلاثين صام، والصدوق جعل غيبوبته بعد
الشفق لليلتين ورؤية ظل الرأس في ثلاث، وتبعه الشيخ إذا كان هناك علة
وجعل التطوق لليلتين عند العلة أيضا، والمشهور عدم اعتبار الثلاثة.
ولا عبرة بالعدد وهو نقيصة شعبان أبدا وتمام رمضان أبدا خلافا للحسن،
ولا بالجدول خلافا لشاذ من الأصحاب.
ولا بعدم طلوعه من المشرق في دخول الشهر لليلة المستقبلة إلا في رواية
داود الرقي.
ولا بعد خمسة أيام من الماضية وستة في الكبيسة إلا أن تغم الشهور كلها،
ولا تقبل شهادة النساء فيه منفردات ولا منضمات ولو حصل بهن الشياع أو
157

بالفساق ثبت.
والبلاد المتقاربة كالبصرة وبغداد متحدة لا كبغداد ومصر، قاله الشيخ،
ويحتمل ثبوت الهلال في البلاد المغربية برؤيته في البلاد المشرقية وإن تباعدت
للقطع بالرؤية عند عدم المانع.
ويستحب الترائي ليلتي الشك، وأوجبه الفاضل على الكفاية، والدعاء عند
رؤية الهلال بالمأثور، وأوجب الحسن أن يقال عند هلال رمضان: " الحمد لله
الذي خلقني وخلقك وقدر منازلك وجعلك مواقيت للناس، اللهم أهله علينا
إهلالا مباركا، اللهم أدخله علينا بالسلامة والإسلام واليقين والإيمان والبر والتقوى
والتوفيق لما تحب وترضى " ولعله أراد تأكيد الندب.
وروي النهي عن أن يقال: " رمضان "، بل شهر رمضان، عن النبي صلى الله عليه وآله وعلي عليه السلام
والباقر عليه السلام وهو للتنزيه إذا الأخبار مملوءة عنهم
عليه السلام بلفظ رمضان.
ووقت الإفطار غيبوبة الشفق المشرقي، ولا اعتبار بثلاثة أنجم خلافا
للصدوقين، ولا يكفي ستر القرص على الأصح، ولو أفطر قبله كفر إلا لتقية يخاف
معها التلف فيقضي، كما لو أفطر مع الرؤية أول يوم للتقية، وهو منصوص عن
فعل الصادق عليه السلام في زمن السفاح.
فروع ثلاثة:
الأول: لو رأى الهلال في بلد وسافر إلى آخر يخالفه في حكمه انتقل حكمه
إليه، فيصوم زائدا أو يفطر على ثمانية وعشرين حتى لو أصبح معيدا، ثم انتقل
أمسك، ولو أصبح صائما للرؤية ثم انتقل ففي جواز الإفطار نظر، ولو روعي
الاحتياط في هذه الفروض كان أولى.
الثاني: لو اختلفا الشاهدان في صفة الهلال بالاستقامة والانحراف فالأقرب
البطلان، بخلاف ما لو اختلفا في زمان الرؤية مع اتحاد الليلة، ولو شهد أحدهما
158

برؤية شعبان الأربعاء وشهد الآخر برؤية رمضان الجمعة احتمل القبول.
الثالث: لا يكفي قول الشاهد: اليوم الصوم أو الفطر، لجواز استناده إلى
عقيدته، بل يجب على الحاكم استفساره، وهل يكفي قول الحاكم وحده في
ثبوت الهلال؟ الأقرب نعم، ولو قال: اليوم الصوم أو الفطر، ففي وجوب
استفساره على السامع ثلاثة أوجه ثالثها إن كان السامع مجتهدا.
درس [7]:
لا يجوز تأخير قضاء رمضان عن عام الفوات اختيارا، ويستحب المبادرة به،
ولا يكره في عشر ذي الحجة، والرواية عن علي عليه السلام بالنهي عنه مدخولة، و
حيث تجب الكفارة يقدم ما شاء منها ومن القضاء، قاله ابن إدريس، فإن أدركه
رمضان آخر وكان عازما على القضاء إلا أنه مرض أو حاضت المرأة عند التضيق
قضى خاصة، ولو كان غير عازم أو عازما على تركه أو تعمد الإفطار وقد تضيق
وجبت الفدية أيضا بمد عن كل يوم، ويستحب مدان على الأصح لمستحقي
الزكاة لحاجتهم.
وأطلق الصدوقان وجوب الفدية على من أدركه رمضان وكان قادرا فلم
يقض، واكتفى ابن إدريس بالقضاء وإن توانى، وخبر محمد بن مسلم يدفعه
ولكنه جعل دوام المرض مقابل التواني وهو يشعر بقول الصدوقين ولعله
الأقرب، ولو استمر المرض إلى رمضان آخر فالفدية لا غير، وقال الحسن: القضاء
لا غير، والأول مروي، واحتاط ابن الجنيد بالجمع بين القضاء والصدقة وهو
مروي أيضا، ويحمل على الندب، ولا تتكرر الفدية بتكرر السنين، ولا فرق بين
فوات رمضان واحد أو أكثر، وقد يظهر من ابن بابويه أن الرمضان الثاني يقضى
بعد الثالث، وإن استمر المرض، ولا وجه له.
159

فرع:
هل يلحق غير المريض به كالمسافر؟ توقف فيه المحقق في المعتبر، وتظهر
الفائدة في وجوب الفدية على القادر وسقوط القضاء عن العاجز، وكلام الحسن
والشيخ يؤذن بطرد الحكم في ذوي الأعذار، وربما قيل يطرد في وجوب الكفارة
بالتأخير لا في سقوط القضاء بدوام العذر، ولو مات قبل التمكن من القضاء فلا
قضاء ولا كفارة، ويستحب القضاء، وفي التهذيب يقضي ما فات بالسفر، ولو مات
في رمضان لرواية منصور بن حازم، والشرط فيه تمكن المسافر من الأداء وهو
أبلغ من التمكن من القضاء إذا كان تركه للسفر سائغا، ولو تمكن من القضاء
ومات قبله فالمشهور وجوب القضاء على الولي سواء كان صوم رمضان أو لا،
وسواء كان له مال أو لا، ومع عدم الولي يتصدق من أصل ماله عن كل يوم
بمد، وقال المرتضى: يتصدق عنه، فإن لم يكن له مال صام وليه، وقال الحسن
يتصدق عنه لا غير، وقال الحلبي: مع عدم الولي يصام عنه من ماله كالحج،
والأول أصح، والمرأة هنا كالرجل على الأصح، أما العبد فمشكل والمساواة
قريبة.
ثم الولي عند الشيخ أكبر أولاده الذكور لا غير، وعند المفيد لو فقد أكبر
الولد فأكبر أهله من الذكور فإن فقدوا فالنساء وهو ظاهر القدماء والأخبار
والمختار، ولو كان له وليان فصاعدا متساويان توزعوا إلا أن يتبرع به بعضهم،
وقال القاضي: يقرع بينهما، وقال ابن إدريس لا قضاء، والأول أثبت.
فروع خمسة:
الأول: لو استأجر الولي غيره فالأقرب الإجزاء سواء قدر أو عجز، ولو تبرع
الغير بفعله احتمل ذلك.
الثاني: لو مات الولي ولما يقض، فإن لم يتمكن من القضاء فلا شئ على وليه
وإن تمكن فالظاهر الوجوب عليه، ويحتمل الصدقة من تركته، والاستئجار.
160

الثالث: لو انكسر يوم فكفرض الكفاية، فإن لم يقم به أحدهما وجب عليهما،
فلو كان من قضاء رمضان وأفطرا فيه بعد الزوال فالأقرب عدم الكفارة، ولو قلنا
بها ففي تعددها أو اتحادها عليهما بالسوية أو كونها فرض كفاية كأصل الصوم
نظر، ولو أفطر أحدهما فلا شئ عليه إذا ظن بقاء الآخر وإلا أثم لا غير.
الرابع: لو استأجر أحدهما صاحبه على الجميع بطل في حصة الأجير، ولو
استأجره على ما يخصه فالأقرب الجواز.
الخامس: لو تصدق الولي بدلا عن الصوم من مال الميت أو من ماله لم يجزئ
ويظهر من كلام الشيخ التخيير، نعم لو كان عليه شهران متتابعان صام الولي
شهرا وتصدق من مال الميت عن آخر وليكن الشهر الثاني لرواية الوشاء، وأوجب
ابن إدريس قضاءهما إلا أن يكونا من كفارة مخيرة فيتخير، وتابعه الفاضل -
رحمهما الله - لضعف الرواية، والأول ظاهر المذهب.
درس [8]:
يجب الإمساك مع عدم صحة الصوم في متعمد الإفطار لغير سبب مبيح،
وفي المتناول يوم الشك فيظهر وجوبه فلو أفطر كفر.
ويجب الإمساك عن جميع المحرمات مؤكدا في الصوم وإن لم يفسد
بارتكابها، وفي التحاسد قول للشيخ بالاستحباب ولعله أراد به ما يخطر بالقلب.
ولو أكره المجنون أو المسافر زوجته فلا تحمل.
وتجب الفدية على الحامل المقرب والمرضع القليلة اللبن إذا خافتا على
الولد مع القضاء، وكذا يجبان على من به عطاش فيزول، وعلى الشيخ والشيخة
إذا أمكنهما القضاء وإلا فالفدية لا غير، وقال المفيد والمرتضى: إن عجزا فلا فدية
وإن أطاقاه بمشقة فديا، وقالا في من به عطاش يرجى برؤه: يقضي ولا فدية، وقال
سلار: لو لم يرج برؤه لم يفد ولم يقض، وفي التهذيب عن أبي بصير: يصوم عنه
بعض ولده فإن لم يكن له ولد فأدنى قرابته فإن لم يكن تصدق بمد فإن لم يكن
161

عنده شئ فلا شئ عليه، وظاهرها أنه في حياته، وتحمل على الندب، وظاهر علي
بن بابويه وجوب الفدية وسقوط القضاء عن الحامل تخاف على ولدها، ورواية
محمد بن مسلم بخلافه، والفدية مد لا مدان للقادر على الأصح.
فروع ستة:
الأول: لا فرق بين الجوع والعطش لخائف التلف، ولا بين الهرمين
والشابين.
الثاني: لو خافت المرأة على نفسها دون ولدها ففي وجوب الفدية وجهان،
والرواية مطلقة، ولكن الأصحاب قيدوا بالولد.
الثالث: هذه الفدية من مالها ولو كانت ذات بعل.
الرابع: لا فرق بين خوف المرضع على ولدها نسبا أو رضاعا ولا بين
المستأجرة والمتبرعة على الظاهر، إلا أن يقوم غيرها مقامها.
الخامس: لو قام غير الأم مقامها روعي صلاح الطفل، فإن تم بالأجنبية
فالأقرب عدم جواز الإفطار هذا مع التبرع أو تساوى الأجرتين، ولو طلبت
الأجنبية زيادة لم يجب تسليمه إليها، وجاز الإفطار.
السادس: هل يجب هذا الإفطار عليها؟ الظاهر نعم، مع ظن الضرر بتركه
وأنه لا يدفعه إلا إرضاعها.
درس [9]:
نذر الصوم أو المعاهدة عليه أو الحلف يوجبه بحسب السبب، فلو أطلق
أجزأ يوما، ولو عين عددا أو زمانا تعين، ولو نذر صوم زمان كان خمسة أشهر،
وصوم حين ستة أشهر ما لم ينو غيرهما، وإنما يجب تتابعه مع التعيين لفظا كشهر
متتابع، أو معنى كشهر معين، ولا يكفي مجاوزة النصف في المعين مطلقا ولا في
المطلق غير الشهر الواحد أو الشهرين، وطرده الشيخ في السنة وهو أعلم.
162

وقال القاضي: لو نذر شهرا مطلقا وجب فيه التتابع كما لو شرطه، وهو
خلاف المشهور، ولو نذر الصوم الواجب كرمضان لم ينعقد عند المرتضى
والشيخ والحلبي وابن إدريس، وكذا لو نذر يوما فوافق شهر رمضان، والأقرب
انعقاد نذر كل واجب للطف بالانبعاث حذرا من الكفارة، فعلى هذا يجوز ترامي
النذر وتتعدد الكفارة بتعدده، وينبغي التعرض في النية للمؤكد مع الأصل.
ولا يجب إتمام اليوم أو الشهر المنذور مطلقا بالشروع خلافا للحلبي، ويجب
فعله في مكان عينه بالنذر وفاقا له، وللشيخ في قول، وقيده الفاضل بالمزية، ولو
نذر صوم داود فتابعه استأنف عند الحلبي، وكفر للخلف عند ابن إدريس،
وأجزأ عند الفاضل ولا كفارة.
ولا يبطل نذر صوم يوم قدوم زيد إذا قدم نهارا قبل الزوال ولما يتناول على
الأقوى وفاقا للشيخ، بل لو علم قدومه نوى ليلا وإن قدم بعد الزوال، ولو نذر
الدهر صرف إلى غير المحرم منه ولو قصد المحرم صح في المحلل وقيل يبطل
رأسا.
ولا يصوم سفره إلا مع التقييد، ولا يحرم عليه السفر ولكن الأقرب وجوب
الفدية بمد عن كل يوم كالعاجز عن صوم النذر على الأصح، لروايات في
الكليني، ولو عين سنة سقط أيام المحرمة أداء وقضاء ورمضان، وعلى القول
بجواز نذره يدخل هنا فتتعدد الكفارة، ولو نذر سنة مطلقة أتم بدلها وبدل شهر
رمضان، ويجزئ في نذر الشهر ما بين الهلالين وثلاثون يوما، ولو وجب على ناذر
الدهر قضاء رمضان قدمه على النذر، فإن كان قد تعمد سبب القضاء فالأقرب
الفدية عن النذر، ويحتمل سقوطها مع إباحة السبب كالسفر لا مع تحريمه كتعمد
الإفطار.
ولو وجب عليه كفارة فهو عاجز عن الصوم، ولو نذر إلا خمسة دائما فليس
بعاجز عن الصوم على الأصح، ولا يقدح في تتابع الكفارة على الأصح لا في
الشهر الأول ولا في الثاني.
163

ويجوز نذر الصوم ممن عليه صوم واجب ويقدم النذر إن عينه بزمان على
ما في ذمته من غير تعيين زمان، ولو لم يعينه فالأقرب التخيير، نعم لو كان عليه
قضاء من رمضان وتضيق قدمه على النذر.
وقال الحسن لا يجوز صوم النذر والكفارة لمن عليه قضاء رمضان، ولو عين
زمانا فاتفق مريضا فالأقرب قضاؤه، وكذا الحائض.
ولو حلف على صيام يوم وجب، وكذا لو حلف على عدم الإفطار في
الندب أو نذر، وفي تمحض هذا الصوم نظر أقربه ذلك فينوي الوجوب حينئذ،
أما لو نذر إتمام الندب فهو صوم وينعقد على الأقرب، بخلاف ما لو نذر صوم
بعض يوم، وقال ابن الجنيد: لو حلف أن لا يفطر فسأله من يرى حقه الفطر أفطر
وكفر، ويشكل بأنه إن كان كالأب فلا كفارة وإلا فلا إفطار.
درس [10]:
الصوم إما مضيق - أي لا بدل له -، وهو شهر رمضان إلا في مثل الهرمين،
والنذر إلا مع العجز، والاعتكاف، وصوم كفارة الجمع على الظاهر.
وإما مخير ككفارة رمضان، وأذى الحلق، وخلف النذر والعهد،
والاعتكاف، وما تعلق به النذر تخييرا.
وإما مرتب، ككفارة اليمين، وقتل الخطأ، والظهار، وجزاء الصيد على
الأقرب، وبذل الهدي والبدنة في الإفاضة من عرفات، وكفارة قضاء رمضان على
الأقوى، وما تعلق به النذر ترتيبا.
وإما مخير بعد الترتيب، وهو كفارة الواطئ أمته المحرمة باذنه وهو محل.
وكل الصوم يلزم فيه التتابع إلا خمسة، النذر المطلق خلافا لما ظهر من
كلام الشاميين، وجزاء الصيد إلا بدل النعامة عند المفيد والمرتضى وسلار وقال
في الصوم في المختلف: المشهور أن فيها شهرين متتابعين، والسبعة في بدل
الهدي خلافا للحسن والحلبي وعولا على رواية حسنة، وقضاء رمضان، وقضاء
164

النذر المعين، ولو كان قد شرط فيه التتابع ففي وجوبه في قضائه وجهان أقربهما
الوجوب، وأما بدل البدنة للمفيض فالأحوط فيه التتابع.
وذكر الشيخ صوم الرقيق في جناية الإحرام، وذكر آخر صوم الأمة تجامع
في الإحرام بدلا عن البدنة ولا نص فيه ولا في تتابعه.
وقد روى الجعفري عن أبي الحسن عليه السلام: إنما الصيام الذي لا يفرق
كفارة الظهار والقتل واليمين، وكل ثلاثة وجب تتابعها وأخل به فالظاهر
استئنافها سواء كان لعذر أو لا، إلا ثلاثة الهدي إذا صام يومين وكان الثالث العيد
فإنه يبني، وفي المبسوط لم يشترط فصل العيد، وأما الشهران والشهر فكما مر.
وفي رواية في التهذيب يستأنف المريض، وتحمل على مرض غير موجب
للإفطار، ولا يعذر بفجأة مثل رمضان أو العيد سواء علم أو لا بخلاف فجأة
الحيض والنفاس، وأما السفر الضروري فعذر إذا حدث سببه بعد الشروع في
الصوم.
165

كتاب الاعتكاف
وهو اللبث في مسجد جامع ثلاثة أيام فصاعدا، صائما للعبادة، فلا يصح في
غير المسجد، وإن كان المعتكف امرأة، وشرط الأكثر المساجد الأربعة، وأضاف
بعض مسجد المدائن.
وكلما لم يصح الصوم باعتبار المكلف أو الزمان، لم يصح الاعتكاف.
ويمرن عليه الصبي، ويجوز جعله في صيام مستحق، وإن كان قد نذر
الاعتكاف على قول.
وتشترط النية في ابتدائه، وهو قبل طلوع الفجر، فيكون في الأيام الثلاثة
ليلتان، وفي موضع من الخلاف إن شرط التتابع فكذلك، وإلا أجزأه ثلاثة أيام
بلا لياليهن، وهو متروك، ولو نذره أو نذر أقل من ثلاثة أيام بطل إذا نفى الأزيد،
أما لو نذر اعتكاف يوم فإنه يضم إليه آخرين.
ويشترط الإسلام، فلا يصح من الكافر، ولو ارتد في الأثناء فكالارتداد في
الصوم، والأقرب الجزم بالبطلان هنا للنهي عن لبث الكافر في المسجد.
وإذن الزوج والمولى والوالد، وله الرجوع ما لم يجب.
والمبعض كالقن، نعم لو هايأه واعتكف في نوبته، فالأقوى جوازه ما لم يؤد
إلى الضعف في نوبة السيد، فيعتبر إذنه، ولو نذر بإذن الولي فله المبادرة معينا
كان أو مطلقا على الأقوى، وقال الفاضلان: للولي المنع في المطلق، والأقرب أن
167

الأجير والضيف يستأذنان في الاعتكاف.
ولو زال المانع في الأثناء كعتق العبد وطلاق الزوجة، لم يجب الإتمام، إذا
كان الشروع بدون الإذن، وقال الشيخ: يجب لو أعتق.
ولزوم المسجد فلو خرج بطل إلا لضرورة أو تشييع جنازة أو عيادة
مريض أو إقامة شهادة وإن لم يتعين عليه، وإقامة الجمعة إن أقيمت في غيره،
وصلاة العيد، قاله في المبسوط، وهو مبني على جواز صومه للقاتل في الأشهر
الحرم.
ولا يجلس لو خرج إلا لضرورة، ولا يمشي تحت ظل كذلك، وفي
المبسوط، لا يجلس تحت ظل، وقال المفيد: لا يجلس تحت سقف، فخصاه
بالجلوس، واختاره الفاضلان، وهو المروي.
ولا يصلي خارج المسجد إلا بمكة أو لضيق الوقت عن الرجوع.
ولو طلقت اعتدت في منزلها مع عدم تعيين الزمان، وإلا ففي المسجد.
ولو أخرج كرها ففي بطلان الاعتكاف أوجه، ثالثها البطلان بطول الزمان،
أما الساهي فمعذور، ويجب عليه العود كما ذكر ولو لم ينو بطل، وكذا من
خرج لضرورة فزالت، ولو دامت فخرج عن كونه معتكفا بطل، ولا يجب تجديد
النية إذا عاد بسرعة.
وتخرج الحائض والنفساء، والمريض إذا لم يمكن تمريضه فيه، أو أمكن
وأدى إلى تلويث المسجد.
والمحرم إذا خاف فوت عرفة أو المشعر، ومن يخاف على نفسه أو ماله
بمقامه.
وبعضه ككله في الإخراج إلا أن يخرج رأسه ليغسل تأسيا بالنبي صلى الله عليه وآله،
ولو خرج لضرورة تحري أقرب الطرق، وفي خروجه للأذان في
المأذنة قول، وقيده بعضهم بكونه معتادا للأذان ولا يبلغ صوته تماما إلا بها، ولو
صعد سطح المسجد فكالخروج، وقيل لا.
168

ويحرم عليه نهارا ما يحرم على الصائم، وكذا البيع والشراء، والطيب حتى
الريحان على الأقوى، والاستمتاع بالنساء، والمماراة ليلا ونهارا، ولو اضطر إلى
شراء شئ وتعذرت المعاطاة جاز، وكذا البيع، وللشيخ قول بتحريم محرمات
الإحرام وهو ضعيف، ولا يفسد العقد خلافا له - رحمه الله -.
ويجوز له النظر في معاشه والخوض في المباح وإن كان تركه أفضل.
وأما درس العلم وتدريسه، وتلاوة القرآن، فهو أفضل من الصلاة ندبا.
ولا يستحب له الصمت عن ذكر الله، بل يحرم إن اعتقده، ولو نذره في
اعتكافه بطل، ولو جعل كلامه في إعراضه بالقرآن كره.
درس [1]:
لا يجب الاعتكاف إلا بنذر، أو عهد، أو يمين، أو نيابة عن الأب أو غيره
باستئجار أو مضي يومين في المندوب على الأقوى، وفي المبسوط إن شرط
الرجوع عند العارض رجع متى شاء، ما لم يمض يومان، فإن لم يشرط وجب
بالدخول ثلاثة أيام، وقال المرتضى: لا يجب النفل مطلقا، والرواية بخلافه، ولو
زاد على الثلاثة يومين وجب السادس، وكذا كل ثالث، ولو قيد في النذر بعدد،
تعين، ولا تجب فيه المتابعة إلا في كل ثلاثة، إلا أن يشترط ذلك أو تعين زمانه،
ولو نذر اعتكاف أربعة لم تجب الزيادة، ولو نذر خمسة فالأقرب وجوب
السادس.
وتجب الليالي في الجميع إلا في اليوم الأول، إلا أن يعين الزمان، كرجب،
فالأقرب وجوب البدأة في أول ليلة.
ويستحب له أن يشرط في اعتكافه الرجوع مع العارض، كالمحرم،
فيرجع عند العارض، وإن مضى يومان على الأقرب، وفاقا للنهاية، تعين الزمان
أولا، ولو شرط الرجوع متى شاء أتبع ولم يتقيد بالعارض، ولو جعل الشرط في
نذره أو عهده أو يمينه فكذلك، ولو خلا النذر من الشرط فلا عبرة بالشرط عند
169

الشروع في الاعتكاف.
وإذا خرج للشرط في الاعتكاف المندوب فلا قضاء، وإن كان في الواجب
المعين فكذلك، وإن كان في غير المعين ففي وجوب القضاء نظر، وقطع في
المعتبر بوجوبه.
وقال ابن إدريس: إذا شرط التتابع ولم يعين الزمان، وشرط على ربه
فخرج، فله البناء والإتمام دون الاستئناف، وإن لم يشرط استأنفه، ولعله أراد: إنه
شرط على ربه في التتابع لا في أصل الاعتكاف.
ولو شرط فعل المنافي بطل رأسا.
ويفسد الاعتكاف نهارا بمفسد الصوم، ومطلقا الاستمتاع بالنساء،
والخروج من المسجد، وأما البيع والشراء والمراء والسباب منافيات عند ابن
إدريس، خلافا للشيخ.
ثم إن أفسده وكان متعينا ولم يمض يومان كفر إن كان بجماع أو إنزال
وغيره من مفسدات الصوم، ونقل الشيخ: إن ما عدا الجماع يوجب القضاء
خاصة، والظاهر أنه يراد به مع عدم التعيين.
ولو أفسده بالخروج أو باستمتاع لا يفسد الصوم أو بسبب يوجب قضاء
الصوم خاصة، فكفارة خلف النذر أو العهد أو اليمين بحسب سببه الموجب، ولو
كان الخروج في ثالث الندب فلا كفارة، وإن وجب القضاء.
ثم كفارة إفساده بمفسدات الصوم كبيرة إن وجب بنذر أو عهد أو بمضي
يومين، وإن وجب باليمين فالظاهر أنها كفارة يمين، وإن كان الفاسد غير متعين،
فإن وجب وجبت الكفارة بالجماع وغيره في ظاهر كلام الشيخين، وبالجماع
خاصة عند آخرين، وهو ظاهر الرواية.
ثم هي مخيرة عند الأكثر ومرتبة عند ابن بابويه، لرواية زرارة.
ولو جامع نهارا في رمضان أو في المعين فكفارتان وإلا فواحدة، وأطلق
الأكثر هذا التفصيل ولم يعتبروا التعيين، ولا رمضان، ولعله الأقرب، لأن في
170

النهار صوما واعتكافا.
لو كانا معتكفين فعلى كل منهما ذلك، ولو أكرهها نهارا، فالمشهور أربع،
لا نعلم فيه مخالفا سوى المعتبر، فإنه اقتصر على كفارتين.
وأما تدارك الاعتكاف بعد فساده، فإنه إن كان ندبا أو شرط، فلا تدارك،
إلا على قول المعتبر في تدارك غير المعين، وإن اشترط.
وإن كان واجبا ولم يشرط، فإن كان معينا وجب الإتيان بما بقي، وقضاء
ما ترك، وصح ما مضى إن كان ثلاثة فصاعدا، إلا أن يكون قد شرط فيه التتابع
فيجب الاستئناف على قول متتابعا في وجه، وإن كان غير معين، صح ما مضى إن
لم يشرط التتابع، إذا كان ثلاثة فصاعدا، ويأتي بما بقي، وإن شرط التتابع
استأنف.
ولو عين شهرا ولم يعلم به حتى خرج، قضاه ولا كفارة، ولو اشتبه فالظاهر
التخيير، وكذا لو غمت الشهور عليه، ولو أطلق الشهر كفارة الهلالي والعددي،
وكذا لو عين العشر الأخير كفاه التسع، لو نقص.
ولو مات قبل القضاء بعد التمكن، وجب على الولي قضاؤه عند الشيخ،
و الرواية لا دلالة فيها إلا على قضاء الصوم. وجوز الفاضل الاستنابة فيه للولي.
ولو بقي من الاعتكاف أقل من ثلاثة، أو نذر الأقل، أكمله ثلاثة ووجب
الجمع، ولو عين ثلاثة فجاء العيد الثالث، بطل من أصله، ويجئ على القول
بقضاء صومه وجوب ثلاثة غيرها، ولو فرق الاعتكاف المنذور في أثناء اعتكاف
آخر بحيث لا يحصل الخروج من مسمى الاعتكاف، قيل صح، أما توزيع
الساعات فلا.
وأوجب في المبسوط وتبعه في المعتبر قضاء الاعتكاف على الفور والظاهر
إنه من فروع الفورية في الأمر المطلق، لا من خصوصيات الاعتكاف.
171

البيان
للشهيد السعيد محمد بن جمال الدين مكي العاملي
" الشهيد الأول "
734 - 786 ه‍. ق
173

كتاب الصوم
وهو لغة: الإمساك المطلق، وشرعا إما الإمساك عن المفطرات مع النية
فيكون تخصيصا للمعنى اللغوي والنية شرطا، أو توطين النفس على الإمساك
عنها فيكون نقلا عن المعنى اللغوي والنية جزء.
وهو من أفضل العبادات، فعن النبي صلى الله عليه وآله فيما ذكر عن ربه
جل وعلا أنه قال: كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة
ضعف إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به يدع شهوته وطعامه من أجلي.
وقال صلى الله عليه وآله: الصوم جنة من النار، وقال صلى الله عليه وآله:
الصوم نصف الصبر، وفي خبر آخر: الصبر نصف الإيمان، هذا ويقتضي أن
يكون الصوم ربع الإيمان.
وقال: إن الله تعالى وكل ملائكته بالدعاء للصائمين وما أمر الله ملائكته
بالدعاء لأحد إلا استجيب لهم فيه.
وقال صلى الله عليه وآله: الصائم في عبادة وإن كان نائما على فراشه ما لم
يغتب مسلما، وقال الصادق عليه السلام: نوم الصائم عبادة وصمته تسبيح وعمله
متقبل ودعاؤه مستجاب وأعظم الثواب أجرا صوم شهر رمضان، وقال الباقر عليه السلام:
خطب رسول الله صلى الله عليه وآله في آخر جمعة من شعبان فحمد الله
واثنى عليه ثم قال: أيها الناس، إنه قد أظلكم شهر رمضان، فيه ليلة خير من ألف
175

شهر وهو شهر رمضان - إلى قوله -: وهو شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره
إجابة والعتق من النار.
وعن النبي صلى الله عليه وآله: من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر الله له
ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ومن قام ليلة القدر غفر له ما تقدم من ذنبه.
وروى الشيخ في أماليه بإسناده إلى جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
أعطيت أمتي في شهر رمضان خمسا لم تعطها أمة نبي قبلي:
إذا كان أول يوم منه نظر الله عز وجل إليهم وإذا نظر الله عز وجل إلى شئ لم
يعذبه بعدها، وخلوف أفواههم حين يمسون أطيب عند الله عز وجل من ريح
المسك، وتستغفر لهم الملائكة في كل يوم وليلة، فإذا كان آخر ليلة منه غفر الله
عز وجل لهم جميعا.
وعن أمير المؤمنين عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
للصائم فرحتان فرحة عند فطره وفرحة يوم القيامة.
والكلام في الصوم يعتمد على أربعة أركان:
الركن الأول: فيما يتحقق به الصوم:
وهو النية والإمساك وشرائطه فهنا فصول ثلاثة:
الأول: في النية:
وفيه مطلبان:
الأول: في صفتها:
يكفي في شهر رمضان نية القربة مع الوجوب، ولا يشترط نية التعيين، وكذا
يكفي نية القربة في الندب إذا تعين كأيام البيض وفيما عداهما يفتقر إلى نية
التعيين، وهي المشتملة على نوع الصوم كالقضاء والنذر والكفارة المعينة، والنذر
المطلق كالنذر القلبي لصوم مطلق، وأجرى المرتضى رحمه الله النذر المعين
مجرى رمضان، ويلزم مثله في العهد المعين واليمين المعينة، وأنكره الشيخ وهو
176

الأولى.
فروع على قول المرتضى رحمه الله:
الأول: لو كان الأصل واجبا مطلقا فنذر تعيينه ففي انسحاب الحكم فيه نظر
من الالتفات إلى ما كان عليه وما صار إليه.
الثاني: لو تعين القضاء بتضيق رمضان فهذا تعيين طارئ فينسحب فيه هذان
الوجهان، والأقرب بقاؤهما على اشتراط التعيين وأولى بالاشتراط ما لو ظن الموت
في النذر المطلق لأن الظن قد يخطأ.
الثالث: المتوخي لشهر رمضان كالمحبوس الذي لا يعلم الأهلة هل يشترط
فيه التعيين؟ يحتمل ذلك لأنه زمان لا يتعين فيه الصوم ويحتمل العدم لأنه
بالنسبة إلى شهر رمضان، ويقوى الأول لأنه معرض للقضاء والقضاء يشترط فيه
التعيين، ويحتمل اشتراط التعيين إن قلنا بأنه لا يشترط التحري بل جوزنا له
الصوم في أي وقت شاء وإن قلنا: يجب تحصيل أمارة يغلب معها الظن بدخول
الشهر، لم يجب التعيين.
الرابع: لو أضاف التعيين إلى القربة والوجوب في شهر رمضان فقد زاده
خيرا والأقرب استحبابه، أما التعرض لرمضان هذه السنة فلا يستحب ولا يضر،
ولو تعرض لرمضان سنة وتعين في غيرها فإن كان غلطا لغا وإن تعمد فالوجه
البطلان.
الخامس: لو عين في رمضان صوما غيره، فإن كان مكلفا به لم ينعقد ذلك
المعين، وفي انعقاد رمضان قولان أقربهما قول ابن بابويه وابن إدريس بعدم
الانعقاد، لأن التعيين وإن لم يكن شرطا إلا أن قصد غيره مانع، وقال المرتضى
والشيخ: يقع عن رمضان لحصول المعتبر في النية والنهي عن الزيادة فيكون
لغوا.
ولو نوى رمضان وغيره فالوجه لغو الضميمة وانعقاده لرمضان، هذا في
العالم به، أما لو كان في آخر شعبان فنوى غير رمضان فإنه يقع عن رمضان إن
177

انكشف كونه منه سواء كان المنوي واجبا أو ندبا.
ولو لم يكن مكلفا بأدائه كالمسافر فنوى الصوم في رمضان واجبا أو ندبا
فللشيخ احتمال بانعقاده، وأنكره بعض الأصحاب لعدم قبول الزمان له.
السادس: لو ترك التعيين في موضع وجوبه لم ينعقد صومه وإن كان
ناسيا، ولو عين آخر شعبان لنذر مثلا ثم ظهر أنه من رمضان وجب هنا نية التعيين
لرمضان ليتميز منه، ويحتمل عدمه استصحابا لما كان في أصل صوم رمضان من
عدم اشتراط التعيين.
السابع: يجب في النية الجزم، فلو أوقعها شاكا لم يجزئ، ولو ردد الجاهل
بدخول الشهر النية على تقديري الوجوب وعدمه ففيه قولان والأقرب الإجزاء،
ولو نوى الصوم غدا واجبا أو ندبا من غير ترديد فالأقرب البطلان، ولو ردد
المتوخي ذلك بين الأداء والقضاء أو بين الوجوب والندب احتمل إجزاء ذلك
أيضا لأنه قضية المتوخي وإن لم يخطره بالبال.
الثامن: إنما ينوي الوجوب في رمضان مع العلم بوجوبه، فلو نوى الوجوب
مع الشك فعل حراما والأقرب عدم الإجزاء للنهي عنه، وقال ابن أبي عقيل وابن
الجنيد والشيخ في الخلاف: يجزئ لمطابقة الواقع، ولو استند في ذلك إلى
أمارة لم يعتبرها الشرع كخبر العدل الواحد أو جماعة الفساق ففيه وجهان
مرتبان، وأولى بالإجزاء لقوة الظن.
التاسع: لو قرن نية الصوم بمشيئة زيد بطل وإن كان بمشيئة الله تعالى، فإن
كان للتعليق الموجب للتردد بطل على الأقرب، وإن كان للتبرك أو للتعليق
بالحياة أو بالصحة أو بالتوفيق صح.
العاشر: لو نوى ليلة الثلاثين من رمضان الصوم إن كان الشهر باقيا والإفطار
إن ظهر العيد، وكذا في عيد النحر وأيام التشريق، أو نوت الحائض ذلك أو
العازم على السفر الموجب للقصر فالأقرب بطلان النية لعدم الجزم، ولا يلزم من
كونه هو الواقع بإخطاره بالبال وجعله متعلق بالقصد.
178

الحادي عشر: لو نوى من تعين عليه الصيام الإفطار في الغد ثم جدد النية
نهارا، فإن كان بعد الزوال لم يجزئ ووجب القضاء ولا ثواب له على هذا
الإمساك لأنه غير مشروع، ويحتمل أن يثاب على الإمساك الثاني المقرون
بالنية المتجددة.
وإن كان قبل الزوال ففيه وجهان أقربهما عدم الإجزاء، ولو ترك النية عمدا
طول النهار فلا ثواب له، ويجب القضاء، وفي وجوب الكفارة قول لأبي
الصلاح، وبه كان يفتي بعض مشايخنا المعاصرين لأن فوات الشرط أو الركن
أشد من فوات متعلق الإمساك.
الثاني عشر: لو منع من المفطرات بقاهر فنوى الصوم، ففي إجزائه نظر أقربه
عدم الإجزاء إذا كانت النية مبنية عن المنع، وخصوصا إذا كان عازما على رفض
الصوم متى حصل التمكن، ولو كان مريضا يضره التناول فنوى الصوم ليجمع
بين الاحتماء والإجزاء أجزأ إن كان ندبا، وإن كان واجبا غير معين فالأقرب عدم
الإجزاء لعدم الإخلاص، وإن كان واجبا معينا فالإجزاء قوي لوجوب الإمساك
هنا، وهذا قريب من ضم نية التبرد في الطهارة.
المطلب الثاني: في وقتها:
وهو الليل فإن قارن بها طلوع الفجر فالوجه الإجزاء، وظاهر المفيد وجماعة
تحتم إيقاعها ليلا، وقال المرتضى: وقتها من قبل طلوع الفجر إلى قبل الزوال،
وقال ابن الجنيد: يجوز الابتداء بها وقد بقي بعض النهار وإن كان الصوم واجبا،
وهو شاذ.
ولو فاتت نسيانا جاز تجديدها إلى الزوال في جميع الصوم، ولو تركها
عمدا في المتعين ففيه الوجهان، وإن كان غير متعين فالأصح الإجزاء كالقضاء
والكفارة والنذر المطلق وأولى منه المندوب.
وجوز بعض الأصحاب التجديد في الندب ما لم تغرب الشمس، وهو
179

تصريح ابن حمزة وظاهر المرتضى والشيخ، وفي رواية أبي بصير عن الصادق
عليه السلام: يجوز تجديدها إلى العصر ولا بأس به.
وحينئذ يترتب ثواب الصوم على انعقاده، فلا يتخصص الثواب بزمان النية
ولا استبعاد في تأثير النية فيما مضى بوضع الشرع.
وما عدا شهر رمضان يعتبر لكل يوم نية، وفي شهر رمضان خلاف، فذهب
الأكثر إلى الاكتفاء بنية واحدة من أوله، ونقل فيه المرتضى والشيخ الإجماع
والأقرب وجوب تعددها لانفصال كل يوم عن الآخر بمحلل وخروجه عن حكم
الصائم.
ولو نسي أول الشهر نية الصوم يوما أو أياما فالأقرب القضاء سواء كان
عازما على ذلك في أخريات شعبان أم لا، وقال الشيخ ونقله عن الأصحاب:
يجزئ العزم السابق، وفيه بعد لقول النبي صلى الله عليه وآله: لا صيام لمن لم
يبيت الصيام من الليل.
ولو ذكر عند دخول الشهر لم يجزئ العزم السابق قولا واحدا، ولو ذكر
في أثناء الشهر وجب أيضا التجديد، وعلى القول بالاكتفاء بالنية الواحدة للجميع
هل يكفي لما بقي منه أو لأيام معدودة محصورة منه، يحتمل ذلك لأن ذلك
أخف من الجميع، والوجه المنع لأنا نجعل رمضان عبادة واحدة أو ثلاثين
عبادة، فلا يجوز أن يجعل قسما آخر.
ولا يكره صوم يوم الشك بنية شعبان وإن كانت الموانع من الرؤية منتفية،
وقال المفيد: يكره مع الصحو إلا لمن كان صائما قبله، ولو نوى يوم الشك
قضاء رمضان ثم أفطر بعد الزوال متعمدا ثم تبين من شهر رمضان فالأقرب عدم
الكفارة، أما عن رمضان فلعدم علمه به وأما عن القضاء فلعدم انعقاده، وأولى
بسقوط الكفارة لو كان صائما عن واجب غير معين مما لا كفارة فيه، نعم لو كان
منذورا معينا فالأقرب وجوب الكفارة بناء على جواز نذر رمضان، وإن قلنا بمنعه
كقول الشيخ فلا كفارة أيضا لأنا تبينا عدم انعقاد نذره.
180

ويجب الاستمرار على حكم النية، فلو نوى الإفطار نهارا أو رفض نية الصوم
فالأقرب بطلانه، سواء جدد قبل الزوال أم لا، وقطع الشيخ بالصحة مطلقا،
وبعضهم قيدها بتلافي نية الصوم قبل الزوال.
ولا تصح النية من الكافر والمجنون، ولا من الصبي غير المميز، وتصح من
المميز ويكون صومه شرعيا على الأصح.
ولو ارتد المسلم في الأثناء ثم عاد حكم الشيخ بصحة صومه وهو من باب
الإتيان بمنافي النية.
ولا تبطل النية النوم ولا التناول ليلا بعدها، وفي الجماع وما يوجب الغسل
تردد من أنه مؤثر في صيرورة المكلف غير قابل للصوم فيزيل حكم النية، ومن
حصول شرط الصحة وزوال المانع بالغسل.
فائدة: قال الشيخ في المبسوط: النية وإن كانت إرادة لا يتعلق إلا
بالحدوث بأن يكون الشئ قائما يتعلق بالصوم بإحداث توطين النفس وقهرها
على الامتناع بتجديد الخوف من عقاب الله عز وجل أو بفعل كراهية لحدوث
هذه الأشياء فتكون متعلقة على هذا الوجه فلا ينافي الأصول.
وقال أبو الصلاح: النية هي العزم على كراهية الأمور المذكورة لكون الصوم
لطفا في الواجب العقلي إن كان واجبا ولطفا في الندب العقلي إن كان ندبا
وكأنهما نظرا إلى أن العدم غير مقدور لاستمراره والمكلف به مقدور فوجب رد
ذلك إلى أمر وجودي أما توطين النفس أو إحداث الكراهية، ومن هذا تبين أن
الصوم منقول عن معناه اللغوي، فلا يلزم العامي معرفة ذلك لعسره بل هو من
فرض العلماء.
181

المحرر في الفقه
الشيخ جمال الدين أبو العباس
أحمد بن شمس الدين محمد بن فهد الأسدي الحلي
757 - 841 ه‍. ق
183

كتاب الصوم
وهو توطين النفس على الكف عن المفطرات مع النية، وفيه فصول:
الفصل الأول:
[ما يجب الإمساك عنه]
يجب الإمساك عن الأكل والشرب المعتاد وغيره، وعن الجماع قبلا
ودبرا، والاستمناء، وإيصال الغبار الغليظ إلى الحلق، وتعمد البقاء على الجنابة
حتى يطلع الفجر، وعن النوم عليها من غير نية الغسل حتى يطلع، وعن معاودة
النوم للجنب بعد انتباهتين.
ويجب القضاء والكفارة في كل واحدة من هذه الثمانية في المتعين،
كرمضان والنذر المعين وشبهه، وفي غيره القضاء خاصة.
ويجب في المتعين بثمانية أشياء: تعمد القئ، والحقنة بالمائع، ومعاودة
الجنب النوم بعد انتباهه، وبفعل المفطر قبل مراعاة الفجر مع القدرة ويكون
طالعا، وبالإفطار لإخبار الغير بعدم الطلوع مع القدرة على المراعاة مع طلوعه،
وبالإفطار مع الإخبار بطلوعه لظن كذبه ويكون طالعا مع القدرة، وبالإفطار
للإخبار بدخول الليل ثم يظهر الخلاف، وللظلمة الموهمة دخول الليل، ولو ظن
لم يقض.
185

ويجب على من فسد صومه بمصادفة واحد من هذين القسمين الإمساك مع
نية الصوم، ولا يجب ذلك في غير المتعين، ولو أكل ناسيا فظن فساد صومه
فأكل عامدا كفر.
وحكم الموطوء كالواطئ وإن كان ذكرا، ويتعلق الحكم بإغابة الحشفة
ولو في فرج البهيمة، وإن لم يوجب به الغسل.
أما الكذب على الله ورسوله والأئمة عليهم السلام والارتماس، فلا يفسد وإن
أثم ولا يرتفع حدثه، ويقضي المتبرد لو دخل الماء حلقه بالمضمضة كالعابث، لا
إن كان لوضوء الصلاة.
ويكره الحقنة بالجامد والسعوط بما لا يتعدى الحلق، والاكتحال بما فيه
مسك أو صبر، وشم الرياحين خصوصا النرجس، لا الطيب بل يستحب، وبل
الثوب على الجسد، وجلوس المرأة في الماء، ودخول الحمام وإخراج الدم
المضعفان، ومباشرة النساء تقبيلا ولمسا وملاعبة، ولو أمنى عقيب شئ من ذلك
كفر.
ولو نظر فأمنى، فإن وقع اتفاقا فلا شئ، وإن كان مع القصد إلى النظر
والإمناء كفر وإن قصد النظر خاصة، فإن كان من عادته الإمناء عقيب النظر كفر،
وإن لم يكن من عادته فالقضاء، ولا فرق بين المحللة والمحرمة.
ولو تسمع فأنزل، فإن كان مع قصد الإنزال أو كان من عادته كفر
ولا قضاء، ولو تخيل فأنزل مع قصده كفر ولا شئ لو خطر، ولو أكره على
الإفطار فلا فساد، سواء وجر في حلقه أو خوف.
والكفارة: عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستين مسكينا.
ويجب الجمع بالإفطار على المحرم بالأصل أو العارض، ولو أكره زوجته في
رمضان تحمل عنها الكفارة، وتتكرر الكفارة بتكرر الموجب في يومين مطلقا،
وفي يوم مع الاختلاف، أو تخلل التكفير أو بالجماع.
ولو سقط الفرض باقي النهار بالحيض أو المرض أو السفر الضروري
186

سقطت الكفارة، ويعزر الواطئ بخمسة وعشرين سوطا.
الفصل الثاني:
[في من تجب عليه]
وهو البالغ العاقل الخالي من الحيض والنفاس والإغماء في جميع النهار،
فلو حصل أحد هذه الأعذار قبل غروب الشمس بلحظة أو زال بعد الفجر بمثلها لم
يجب ذلك اليوم.
ويجب على الكافر ولا يصح منه، ويسقط بإسلامه.
ويصح من المستحاضة بالأغسال، ولو أخلت بغسلي النهار أو أحدهما
قضت، ومن النائم إذا سبقت منه النية، أو انتبه قبل الزوال وبعده يقضي، ومن
المسافر في النذر المشروط سفرا وحضرا، وفي الثلاثة لدم المتعة وبدل البدنة
للمفيض من عرفات قبل الغروب، ولا يصح في واجب غير ذلك، إلا أن يكون
له حكم المقيم، ويكره المندوب إلا ثلاثة أيام للحاجة بالمدينة.
ويصح من المميز ويؤمر به لسبع مع الطاقة ويضرب لعشر، ويلزم عند
البلوغ ولا يصح من المريض المتضرر، ويرجع في ذلك إلى ما يجده من نفسه أو
يظنه أو بقول العارف ولو كان صبيا أو فاسقا أو كافرا عارفا.
الفصل الثالث:
النية:
ويكفي في المتعين من كل وجه كرمضان وإلا خمسة: أصوم غدا لوجوبه
قربة إلى الله. ولا بد في غيره من التعيين، وهو تمييز الصوم المخصوص كالنذر.
وإن كان معينا والكفارة وقضاء رمضان، فيقول: أصوم غدا قضاءا عن
رمضان أو من النذر أو الكفارة لوجوبه قربة إلى الله.
ووقتها عامة الليل ولو من أوله، ولا يجب تجديدها بعد الأكل والوقاع،
187

والناسي يجددها إلى الزوال ثم يفوت وقتها، فإن لم يكن معينا بطل، وإن كان
معينا نوى ويجب القضاء.
ويجوز تجديدها بتجدد العزم إلى الزوال في غير المعين، وفيه مع النسيان
وفي المندوب إلى الغروب، ولا بد لكل يوم من نية.
وتحرم نية الوجوب في يوم الشك، ولا تجزئ إن ظهر من رمضان، إلا إن
كان قبل الزوال مع التجديد، ويتأكد صومه بنية الندب، فإن ظهر في أثناء اليوم
جدد الوجوب ولو قبل الغروب وأجزأ، وكذا لو كان بعد اليوم.
ولو نوى الفطر فظهر قبل الزوال ولم يكن تناول جدد النية وأجزأه، ولو
كان قد تناول أو كان بعده مطلقا أمسك واجبا مع النية وعليه القضاء، ولو تعمد
الإفطار كفر.
ويجب استدامتها، فلو جدد نية الإفساد بطل وإن عاد ولو قبل الزوال، وكذا
لو ارتد.
ووقت الإمساك من طلوع الفجر الثاني إلى ذهاب الحمرة المشرقية،
ويستحب تقديم الصلاة على الإفطار إلا مع شدة التنوق، أو يكون من يتوقع
إفطاره، ولو شك في دخول الليل حرم التناول، ولو شك في طلوع الفجر لم
يحرم، ولو طلع وفي فيه طعام لفظه، ولو ابتلعه كفر.
ولو كان مجامعا واستمر أو استدام أو نزع بنية الجماع كفر، ولو نزع بنية
الإمساك وكان شروعه مع ظن السعة والمراعاة لم يكن عليه شئ وبدونها
يقضي ولو ظن ضيق الوقت كفر.
الفصل الرابع
في أقسامه:
وهو: واجب ومندوب ومكروه ومحظور.
فالواجب ستة: رمضان وقضاؤه والكفارات وثالث الاعتكاف والمنذور
188

وشبهه وبدل الهدي.
أما رمضان: فيجب بمضي ثلاثين من شعبان، وبرؤية هلاله وإن انفرد أوردا
بشياعها وبشهادة عدلين مطلقا، ولو شهدا بأن هذه الليلة من رمضان لم تقبل حتى
يبينا السبب، فإن أسندا إلى الرؤية ثبت مع اتحاد الليلة وإن اختلف زمانها، ولو
تعددت الليلة لم يثبت، كما لو شهد أحدهما برؤية هلال شعبان ليلة الثلاثاء،
والآخر برؤية هلال رمضان ليلة الخميس.
ولا يكفي الواحد، ولا التطوق، ولا غيبوبته بعد الشفق، ولا رؤيته قبل الزوال
ولا الجدول، ولا عد تسعة وخمسين من هلال رجب، بل كل شهر يغم يعد ما قبله
ثلاثين، ولو غمت السنة أجمع عد خمسة أيام من هلال الماضية.
وأما القضاء: فسببه فواته بما لا يزيل التكليف، فلا يجب قضاء ما فات
بالصغر والجنون والإغماء، وكذا ما فات بسبب الكفر الأصلي، ويجب على المرتد
وإن كان عن فطرة، وعلى الحائض والنفساء والمسافر والمريض، ولو استمر به
المرض إلى رمضان آخر سقط الأول وعوض كل يوم منه بمد، ومع البرء لا يجوز
له التأخير عن عامه.
ولو أخره متهاونا حتى لحقه آخر قضاه بعد الحاضر وكفر عن كل يوم يمد
ثم لا كفارة، وإن أخره إلى الثالث والرابع، وكذا لو كان في عزمه القضاء، فلما
تضيق عرض له مرض أو سفر ضروري.
ويقضي ولده الذكر الأكبر المكلف عند موته ما تمكن من قضائه، لا إن مات
في سفره أو مرضه ذلك بل يستحب، ولو أوصى الميت بالاستئجار عنه أو آثر
الولي ذلك أجزأ وسقط عنه، وكذا الحكم في الصلاة، ولو كان وليان قضيا
بالحصص.
ولا يشترط الترتيب، فلو كان عليه عشرة أيام وصامها عنه عشرة أنفس في
يوم واحد أجزأ عنه، بخلاف الصلاة، ويوم الكسر على الكفاية، ويلزمان به لو
امتنعا، ولو كان الأكبر أنثى لم يجب عليها القضاء، والأم كالأب لا العبد.
189

ويستحب تتابع القضاء، ويكره إفطاره قبل الزوال، ويحرم بعده، وتجب
الكفارة إطعام عشرة مساكين، فإن عجز صام ثلاثة متتابعة.
وأما المكروه: فالنافلة في السفر، والمدعو إلى طعام، وعرفة مع ضعفه، أو
شك الهلال.
وأما المحظور: فالعيدان، وأيام التشريق لمن كان بمنى ناسكا، ويوم الشك
من رمضان، ونذر الصمت، والمعصية والوصال، وهو أن ينوي الصيام إلى
السحر، والواجب سفرا عدا ما استثني، وصوم المريض مع التضرر.
ولا ينعقد صوم المرأة والعبد والولد بدون إذن الزوج والسيد والوالد، وكذا
الضيف مع النهي، وبدونه يكره، وتمسك الحائض والنفساء إذا طهرتا في
الأثناء، وتتأكد في الصبي والمجنون والكافر إذا زالت أعذارهم قبل الزوال ولم
يتناولوا أما المريض والمسافر، فمتى زال العذر فيهما قبل الزوال ولم يتناولا
وجب عليهما.
وأما المندوب: فجميع أيام السنة إلا ما منع منه، والمؤكد سبعة عشر: أول
خميس في العشر الأول، وآخر خميس في الأخير، وأول أربعاء في العشر الثاني
ولو صادف الثالث والعشرين يوم الخميس صامه، فإن تم الشهر صام الآخر،
ويؤخر من الصيف إلى الشتاء مع المشقة وغيرها.
وأيام البيض، والغدير، والمباهلة، ودحو الأرض، وتاسع عشر ذي القعدة
وعشر ذي الحجة ويتأكد أوله، ومولد النبي عليه السلام، ومبعثه، وعرفة بشرطيه،
وعاشوراء حزنا، وأفضل منه الإمساك إلى العصر ثم يتناول شيئا يسيرا، وكل
خميس وكل جمعة، ورجب، وشعبان، وثلاثة أيام للحاجة ويتأكد بالمدينة.
ويشترط خلو الذمة عن واجب إلا حيث يمتنع كشعبان لذي المتتابعين،
وباقي أقسام الصوم تأتي في مواضعها إن شاء الله تعالى.
190

الفصل الخامس
في اللواحق:
ينقسم الصوم: إلى مضيق، ونعني به ما لا يجزئ غيره عنه، وهو أربعة:
رمضان وقضاؤه والنذر والاعتكاف.
وإلى مخير، وهو ما يجزئ عنه غيره اختيارا، وهو كفارة رمضان، وأذى
الحلق، وجزاء الصيد.
ومرتب، وهو كفارة الظهار وقتل الخطأ واليمين، وقضاء رمضان.
وكل الصوم يجب فيه التتابع إلا النذر المجرد عنه وشبهه، وقضاء رمضان
وجزاء الصيد وسبعة الهدي، وكل متتابع إذا أفطر في أثنائه لعذر بنى، إلا كفارة
اليمين وقضاء رمضان وثلاثة الاعتكاف، فإنه يستأنفها مطلقا.
ولغيره يستأنف إلا ثلاثة مواضع، فإنه يبني من صام شهرا ويوما من
المتتابعين كفارة أو ندرا غير معين الزمان، ومن صام خمسة عشر من شهر وجب
بنذر أو كفارة مملوك، ومن أفطر بالعيد بعد يومين في بدل الهدي.
وللشيخ والشيخة وذي العطاش اللازم الإفطار مع الصدقة عن كل يوم
بمد، وللحامل المقرب، والمرضع القليلة اللبن، وذي العطاش الراجي زواله
الإفطار مع القضاء والفدية، وناسي غسل الجنابة يقضي الصلاة والصوم.
ومن لا يعلم الأهلة كالمحبوس والأسير يتوخى شهرا، فإن استمر الاشتباه أو
صادف أو تأخر أجزأ، ولو تقدم أعاده، ولا تجب الكفارة إلا في رمضان وقضائه
بعد الزوال، والنذر المعين والاعتكاف المخصوص.
ولو احتلم في أثناء النهار لم يضر، وإن كان قبل الزوال في المطلق، ولو
استيقظ جنبا بعد الفجر لم ينعقد المطلق ويصح في المعين.
191

كتاب الاعتكاف
وهو اللبث للعبادة صائما في أحد المساجد الأربعة: مسجد مكة والمدينة
وجامع الكوفة والبصرة، ثلاثة أيام فصاعدا، وكلما لم يصح الصوم باعتبار
المكلف أو الزمان لم يصح الاعتكاف، ويجوز جعله في صيام مستحق كرمضان
وقضائه، وإن كان الاعتكاف منذورا.
ويجب الكون في المسجد قبل الفجر، فهو ثلاثة أيام وليلتان، ولو خرج قبل
ذلك أبطله إلا لضرورة كقضاء الحاجة، أو طاعة كتشييع مؤمن وعيادته وقضاء
حاجته، ولا يجلس لو خرج، ولا يمشي تحت ظل، ولا يصلي خارجا إلا بمكة أو
لضيق الوقت.
ولو خرج ناسيا لم يبطل، وكذا المكره إن كان الزمان يسيرا، وتجب
المبادرة مع زوال الإكراه، فلو تلوم بطل.
وهو في الأصل مندوب، ولا يجب بالشروع حتى يمضي يومان فيجب
الثالث، ولو أفسده كفر وقضى، ويجب بالنذر، ويلزم بالشروع فيه وإن لم يكن
معينا، ولو أفسده وقد تعين بالنذر أو مضى يومان وجب الكفارة، ومع عدم تعيينه
بأحدهما تجب الكفارة إن كان بالجماع، والقضاء بغيره مع وجوبه.
ولو نذر أربعة جاز اعتكافها جملة، ولو نذر خمسة وجب السادس.
ويستحب أن يشترط على ربه كالمحرم في ابتداء اعتكافه إن كان مندوبا،
193

فيقول: أعتكف ثلاثة أيام أو أكثر ولي الرجوع إذا شئت أو عند عارض، وإذا
شرط جاز أن يرجع عند العارض، واقتراحا بحسب الشرط ولا قضاء عليه، ولو
لم يشترط ثم حصل العارض في الثالث وجب القضاء.
وفي عقد النذر فيقول: لله علي أن أعتكف الشهر الفلاني ولي الرجوع فيه
عند العارض أو مطلقا، وحينئذ لو رجع سقط عنه ما بقي من الشهر، ولا يجب
قضاؤه ولو لم يشترط وجب استئناف ما نذره إذا قطعه مع التعين، ومع عدمه
يبني على ثلاثة ثلاثة.
ويحرم عليه الاستمتاع بالنساء والبيع والشراء والطيب، وتجب بالأول
الكفارة وبالبواقي الإثم ولا يفسد اعتكافه.
وإذا جامع في نهار رمضان وجب كفارتان، ولو كان في غيره، فإن كان
في الثالث أو المعين أو كان الإفساد بالجماع كفر، ولو كان في أولي المندوب أو
النذر المطلق بغير الجماع فلا كفارة، وهي مثل كفارة رمضان، ولو خرج في
ثالث المندوب قضى، ولو أفسده كفر.
ولا يجوز الاشتغال بالصنائع كالخياطة، ولا بأس بما لا يخرجه عن مسمى
العبادة كاليسير منها، أما الاشتغال بالعلم وتدريسه، فهو أفضل من الصلاة،
وأفضل من الجميع الدعاء مع الإقبال، فإنه مخ العبادة.
194

المسائل لابن طي
للشيخ أبي القاسم
علي بن علي بن جمال الدين محمد بن طي العاملي
195

كتاب الصوم
وفيه مسائل:
مسألة [1]: لو ارتمس الإنسان جنبا في رمضان لم يرتفع حدثه، فإن بقي عليه
غسله ظانا أنه مجزئه حتى صام لا كفارة.
مسألة [2]: في مساواة المضمضة للاستنشاق نظر.
مسألة [3]: إذا أصبح في المعين بنية الإفطار ثم جدد النية قبل الزوال ففي
الإجزاء وجهان أحوطهما القضاء، وكذلك في غير المعين، أما لو ذهل عن النية
جاز التجديد في الجميع.
مسألة [4]: لو استيقظ جنبا في المعين أو النفل عن نفسه انعقد صومه، وفي
غيره لا ينعقد.
مسألة [5]: إذا نوى في رمضان غيره هل يجزئ عن أحدهما أم لا؟ نعم
يجزئ عن رمضان مع عدم علمه به ومع العلم لا يجزئ عن أحدهما.
197

مسألة [6]: لو كان ناسيا في الصوم المندوب لم يفسد صومه.
مسألة [7]: لو أفطرت المرأة يوما من شهر رمضان ثم أعتقت عبدها عن
الكفارة ثم حاضت في أثناء النهار لم يبطل العتق، وكذا حكم النفساء، وكذا من
أفطر وحصل له سفر اضطراري، وقيل: يبطل العتق في الجميع ولا كفارة.
مسألة [8]: قال: لو حاضت في أثناء الأيام الثلاثة في كفارة اليمين، فالأقوى
انقطاع تتابعها، وحكي في التحرير عن الشيخ: إنها تبني، وفي البناء قوة.
مسألة [9]: لو غرق إنسان في ماء وعنده آخر وهو صائم في رمضان وما
يمكنه تخليصه حتى يفطر وجب عليه ويلزمه القضاء حسب، والكفارة أحوط.
مسألة [10]: لا يصح الصوم من المستحاضة إذا كان دمها كثيرا إلا إذا
اغتسلت للصبح والظهر والعصر.
مسألة [11]: لو كان على الميت شهران متتابعان جاز أن يصوم الولي شهر
ويتصدق عن شهر، ولو كان أربعة أشهر شهران وشهران متتابعان جاز أن يصوم
الولي من كل شهرين شهر ويتصدق عن شهر.
مسألة [12]: لو أمنى عن ملاعبة لامرأة، فإن كانت محللة فكفارة واحدة، وإن
كانت محرمة فثلاث لأنه أفطر على محرم، وأما النظر فإن أمنى عقيبه وكان معتادا
لزمته الكفارة وإلا فلا.
مسألة [13]: قال الاغتماس ما كان في المائع والارتماس في المائع وغيره،
198

ويصدق الارتماس إذا وارى رأسه وإن بقي ما عداه على الأحوط.
مسألة [14]: لا فرق في وجوب كفارة الجمع بالإفطار على المحرم الأصلي
والعارضي حتى أنه لو غصب رغيفا أو عنقود عنب تعددت الكفارة، حينئذ، ولا
فرق بين أن يكون صوم رمضان أو غيره كالنذر والعهد المعينين على الأقوى
واليمين كذلك، أما قضاء رمضان فلا.
مسألة [15]: لو نوى الإفطار في يوم يعتقد وجوبه، ثم جدد بعد الزوال لا
يجزئ قطعا، وكذا لو كان يعتقد ندبه ثم نوى الإفطار، ثم ظهر وجوبه بعد
الزوال لا يجزئ أيضا، أما لو كان معتقد ندبه ثم نوى الإفطار قبل الزوال وجوبا
لحصول السبب يجزئ، فكذا لو كان يعتقد وجوبه لسبب ذي بدل ثم نوى
الإفطار ثم جدد لظهور سبب آخر قبل الزوال يجزئ أيضا، أما لو ظهر السبب
المعين بعد الزوال فجدد فلا يجزئ.
مسألة [16]: من أجنب فنام ناويا للغسل فأصبح ثم نوى في الليلة الثانية
كذلك وهلم جرا لم يجب عليه الكفارة.
مسألة [17]: لو أكل ناسيا فظن الفساد فأكل فلا كفارة عليه.
مسألة [18]: إذا وجر في حلقه لم يفطر وكذلك لو أكره عليه.
مسألة [19]: متعمد ترك غسل الجنابة الذي يجب عليه الكفارة هو أن ينتبه
ويتعمد ترك الغسل، والذي ينام غير ناو للغسل أن ينام من غير أن ينوي
الغسل ولا عدمه، والأول أوجد الضد وهو ترك الصوم.
199

مسألة [20]: لا يصح أن يصوم ندبا وعليه صوم واجب إلا في موضع لا
يمكنه إيقاع الواجب، كمن عليه شهرين متتابعين وبقى لرمضان شعبان فقط أو
يكون مسافرا فيصح أن يصوم مندوبا حينئذ، وإن كان عليه واجب لعدم
صلاحية الزمان له.
مسألة [21]: إنما كره للصائم المسك والصبر لأنهما سريعا النفوذ، ويكره
بل الثوب على الجسد لأنه يخاف منه حمى الكبد.
مسألة [22]: إنما يصح في السفر صوم النذر المقيد سفرا وحضرا، وثلاثة أيام
بدل الهدي، والثمانية عشر بدل البدنة، وقال ابن بابويه: يجوز أن يصوم في السفر
ما يلزمه من كفارة الصيد، وهو ضعيف.
مسألة [23]: من أجنب ليلا في شهر رمضان وأصبح فتهاون في الغسل إلى
آخر النهار، هل يأثم ويفسد صومه أم لا؟ قال: لا يفسد.
مسألة [24]: لو خافتا على أنفسهما ففي إلحاقهما بالخوف على الولد أو
المريض إشكال، قال: بالمريض فلا فدية، ولو أفطرتا في زمان منذور هل يجبر
كرمضان؟ نعم أحوط.
مسألة [25]: لو كان له وليان تساويا في القضاء بالتقسيط وإن اتحد الزمان
وإن كان في كفارة التتابع، نعم صحيح.
مسألة [26]: لو عقد نية الصوم وأجنب بعدها ولم يقصد نقض النية الأولى،
هل يفتقر إلى نية أخرى بعد الغسل أم لا؟ وهو أحوط.
200

مسألة [27]: إذا ارتمس الإنسان في رمضان في النهار، هل يجب عليه الكفارة
والقضاء أم القضاء حسب أم لا؟
الجواب: الأولى وجوب القضاء.
وكتب محمد بن مكي:
مسألة [28]: إذا أفطر المسافر من بيته قبل تواري الجدران، هل يجب عليه
كفارة أم لا؟
الجواب: إن استند إلى اجتهاد أو تقليد أو جهل فلا شئ، وإلا وجب عليه
الكفارة كما أفتى به الأصحاب.
مسألة [29]: لو كان جنبا في رمضان وتعذر الغسل ليلا، هل يتمم واجبا
لفقد الماء أو لا؟ وهل يدخل به في الصلاة أو لا؟ وهل يقارن بالتيمم أو لا؟ وهل
ينام بعده أو لا؟
الجواب: كان عميد الدين لا يوجب شيئا، وقال: هو الأحوط الوجوب ويصح
أن يدخل به في الصلاة، ويجوز له التيمم في أي وقت شاء من الليل، ولا يضر
الحدث وإن كان الأحوط المقارنة، ولو أخل به عنادا وجب القضاء حسب
والكفارة أحوط.
مسألة [30]: لو نسي غسل الجنابة في رمضان، هل يجب عليه قضاء الصوم
والصلاة حسب؟ وهل يلزم ذلك في النذر المعين والمطلق؟
الجواب: يقضي الصلاة والصوم، وفي المعين كذلك والمطلق لا يجزئ.
مسألة [31]: إذا صامت الزوجة والمملوك والولد بغير إذن من له الولاية،
هل يثابون على ذلك النذر أم لا؟
201

الجواب: لا انعقاد ولا يثابون والمتمتع بها والرجعية زوجة، قال: يقف على
الإجازة.
مسألة [32]: القاضي للصوم مطلقا يجوز له تجديد النية قبل الزوال ما لم ينو
عدم الصوم، وكذا في الناذر أداء أو قضاء والمندوب.
مسألة [33]: كلما فات الإنسان من صلاة واجبة أو صوم، وتمكن من فعله ثم
مات وجب على وارثه وهو أكبر أولاده الذكور القضاء عنه مع علمه بذلك أو
بشهادة عدلين، لا بإقرار الأب لأنه إقرار في حق الغير.
مسألة [34]: قال: لو كان عليه صوم، شهران متتابعان، جاز أن يصوم شهرا
ويوما هذا في النذر والعهد واليمين والكفارة، وأما لو كان الشهران متعينين فلا
يجوز التفريق.
مسألة [35]: قال: تلزم الكفارة بالحقنة بالمائع، قال: يلزمه القضاء حسب.
مسألة [36]: قال: تتكرر الكفارة بتكرر الوطء، ومع تخلل التكفير سواء
كان الموجب جماع أو غيره.
مسألة [37]: لو فاته صوم رمضان ومر عليه رمضانات متعددة ولم يقضه
يكفر عنه مرة واحدة لا غير.
مسألة [38]: قال: لو ترك النية في شهر رمضان إلى بعد الفجر عامدا لم
يبطل صومه، بل عليه الإثم ويجدد ويصح إن كان قبل الزوال.
202

مسألة [39]: الجماع في فرج البهيمة يفسد الصوم وإن لم ينزل، ويكفر.
مسألة [40]: قال: النخامة المنفصلة عن الحلق والمسترسلة من الدماع إذا
خرجت إلى حد الفم وهو مخرج الخاء فإن ابتلعها عامدا أفسد وكفر.
مسألة [41]: الشعر مكروه للصائم على كل حال.
مسألة [42]: إذا ترك المغسل الترتيب جاهلا وصام وجب عليه القضاء
دون الكفارة.
مسألة [43]: إذا كان عليه يوم من قضاء رمضان فلم يبق إلا يوما واحدا لشهر
رمضان فأصبح ذلك اليوم جنبا، يحتمل انعقاده لتعينه وعدمه إذ له بدل، قال:
الأولى وجوب صومه ويقضي.
مسألة [44]: يجوز أن يردد النية آخر شهر شعبان بين الوجوب إن كان من
رمضان والندب إن كان من غيره ويجزئه.
مسألة [45]: لو قدر على العدد دون الوصف، هل يتعين المقدور أم لا؟
مسألة [46]: لو صام شهرا فعجز، هل يجب عليه تسعة أيام ثمانية عشر أم
يسقط؟ قال: بل ما قدر.
مسألة [47]: هل يقبل الصوم التحمل في المعسرة المكرهة أم لا؟ نعم.
203

مسألة [48]: لو أجنب ليلا وتعذر الماء بعد تمكنه منه حتى أصبح، هل يجب
عليه القضاء والكفارة أو القضاء خاصة؟ الكفارة أحوط.
مسألة [49]: لو كان على إنسان عشرة أيام قضاء عن رمضان ولم يبق من
شعبان إلا عشرة، يجوز أن يسافر اختيارا أم لا؟ ومع جوازه هل عليه كفارة أم
لا؟ نعم.
مسألة [50]: هل حكم قضاء المعين بعد الزوال في الإفطار حكم قضاء
رمضان أم لا؟ لا.
مسألة [51]: لو كان صائم من النذر المطلق وشبهه، هل يجوز له أن يفطر
بعد الزوال عامدا أم لا؟ نعم.
مسألة [52]: لو أصبح معيدا وسار به المركب إلى موضع لم ير فيه الهلال
لقرب الدرج، هل يجب عليه الإمساك معهم أم لا؟ نعم.
مسألة [53]: لو رأى هلال رمضان ثم سار إلى موضع لم ير فيه، هل يجب
عليه الإمساك أم لا؟
الجواب: يجب الإمساك.
مسألة [54]: لو لم يتخلل في الصوم عامدا وبلع شيئا من بين أسنانه من غير
تعمد، هل يلزمه الكفارة أم لا؟
الجواب: لا ويجب القضاء.
204

مسألة [55]: لو انتبه المحتلم ثاني مرة في رمضان، هل يحرم عليه النوم أم
لا؟ ولو ترك الغسل تهاونا فطلع الصبح هل تلزمه الكفارة أم لا؟ وهل انتباهه
أول مرة يحسب أم لا؟ لا.
مسألة [56]: الصائم إذا صام مندوبا وحصل له من يفطره، هل الأفضل له
الإفطار أم لا؟ وهل يشترط أن يكون سوى له طعاما أم لا؟ ولو كانت الدعوة ولو
على تمرة أو زبيبة أو أقل هل يكون الأفضل له الإفطار أو الصوم؟
الجواب: بل إذا دعي إلى طعام كره له الإمساك، ومع الإفطار لا ينقص من
ثوابه شئ.
مسألة [57]: لو قدر على صوم الشهرين منفردين، هل يجب عليه أم لا؟ نعم.
مسألة [58]: لو صام الإنسان واجب له بدل ودعاه إنسان إلى طعام، هل
الأفضل الإفطار في المندوب أم لا؟ لا.
مسألة [59]: المحبوس الجاهل برؤية الهلال يتوخى شهرا ويصومه متتابعا
فإن أفطر في أثنائه هل يستأنف أم لا؟ لا.
مسألة [60]: الجاهل بتحريم تناول الأكل في رمضان ما حكمه؟ قال: يكفر
أحوط.
مسألة [61]: المتهاون الذي يقضي ويكفر، هو أن يتضيق رمضان إلا عن فعل
الفائت من الشهر أو الشهر كله ولم يفعل، والمتواني الذي يقضي لا غير، هو أن
يعزم على القضاء دائما، وحكم الناسي كالأول وكذا الجاهل.
205

مسألة [62]: لو أكره الزوج الذي دخل من السفر زوجته على الجماع يعزر
حسب ولا كفارة عليه ولا عليها، قال: يتحمل عنها.
مسألة [63]: لو جامع ثم نام ثم انتبه وجامع ثم نام وجامع ثالثة ثم نام
وطلع الفجر عليه، فلا شئ عليه.
مسألة [64]: لو عرض الخوف قصر في الصوم ولو كان حاضرا.
مسألة [65]: لو أعطاه شيئا يفطر عليه مثلا وأفطر على غيره لا يجوز له أكله
بعد ذلك، وإذا ظن أنه صائم مثلا وأعطاه شيئا للإفطار ولم يكن صائما لا يجوز
له أكله بعد ذلك.
مسألة [66]: كثير الشك في النيات كصوم رمضان لا تجب عليه النية بعد
خروج وقتها.
مسألة [67]: لو صام المريض مع جهله بوجوب الإفطار القضاء أولى،
والناسي كالعالم، وحكم جاهل وجوب القصر في صلاة الخوف حكم المسافر،
بل أولى بلا اختلاف.
مسألة [68]: قوله: صوم الصبي المميز صحيح، وتظهر الفائدة في مواضع:
أ - إذا صام عن أبيه هل يجزئ أم لا؟
ب - إذا فطره وهو صائم هل يحصل له ثواب من فطر صائم أم لا؟
ج - إذا نذر شيئا للصائمين هل يدخل في النذر وتبرأ ذمة الناذر أم لا؟
د - هل يستحق ثوابا على صومه أو عوضا.
206

ه‍ - إذا حج به الولي له إلزامه بالصوم وهو أقوى للصحة.
مسألة [69]: يعذر الجاهل بالتحريم في الكفارات والحدود إلا كفارة الصيد.
مسألة [70]: قال دام ظله: حكم الحائض والنفساء والمسافر في تهاون
قضاء رمضان إلى رمضان آخر كالمريض.
مسألة [71]: قال دام ظله: الأكل والشرب في رمضان فعلان متغايران،
وقال أيضا: لا يبرأ الولي بقضاء الأجنبي عن الميت الصوم والصلاة تبرعا.
مسألة [72]: قال: لو أكره الإنسان زوجته في قضاء رمضان بعد الزوال
تحمل عنها الكفارة على الأحوط.
مسألة [73]: صوم المضيف مع عدم نهي الضيف مكروه ومع نهيه حرام.
مسألة [74]: قال: النية في الصوم إن كانت في الليل فهي شرط وإن كانت
في النهار فهي جزء.
مسألة [75]: لو وطأ زوجته في رمضان جاهلا بوجوب الكفارة لا تجب
الكفارة ويعذر هنا.
مسألة [76]: لو أنشأ سفرا فقصر من موضعه ثم رجع إلى بلده أو إلى حيث
يشاهد الجدران، فإن كان المقصورة صلاة لم يعدها لموافقتها أمر الشارع، وإن
كان صوما جاز له التناول سواء كان قبل الزوال أو بعده لفساد الصوم بالإفطار
207

السابق الجائز، أما لو لم يتناول مسافرا ثم رجع، فإن كان رجوعه قبل الزوال
حرم الإفطار قطعا وإن كان بعد الزوال ففي الإمساك وجهان، ولعل الأقرب
ندبه.
مسألة [77]: لو شك في نية الصوم بعد الزوال لا يلتفت.
مسألة [78]: الضيف والمسافر إذا صاما مندوبا ينعقد صومهما معا يعني أنه
يصح ويستحقا ثوابا يسيرا أقل من الثواب الأصلي في المندوب، هذا إذا لم ينهيه
مضيفه، أما المضيف فمكروه مطلقا، وقيل أنه مع النهي لا يصح أيضا كالضيف،
وكذا يكره صوم الولد بدون إذن والده وإن نهاه.
مسألة [79]: لو سافر بعد الزوال يتمم وقبله يقصر.
مسألة [80]: لو نوى أول ليلة من شهر رمضان صيام الشهر كله، فهل يصح
صيام أول ليلة منه بتلك النية أم لا؟ نعم يصح.
قال الشيخ:
مسألة [81]: المكره زوجته على الجماع في شهر رمضان إذا كان صومها
صحيحا فلم أوجبتم عليه كفارتان.
الجواب: للنص وعقوبة على الإكراه ولأن فعل المكره في الحقيقة مستندا إلى
المكره فترتب عليه ما عليها.
مسألة [82]: إذا لم يشترط في صحة صوم الحائض التي طهرت الوضوء
وتركته، هل تفعل حراما ويصح؟
208

الجواب: لا يصح الصوم قبل الوضوء والغسل معا وتفعل حراما.
مسألة [83]: لو وطأ زوجته نائمة لزمه كفارتان واستشكل في المختلف
لوجود الفرق ولعدم النص.
مسألة [84]: لو تمضمض في قضاء رمضان للتبرد بعد الزوال، فسبق الماء
إلى حلقه فهل له الإفطار بعد ذلك لأنه لم يسلم له ذلك اليوم أم لا؟ قال
فخر الدين رحمه الله: قال لي والدي رحمه الله: الأقوى أنه لا يجب الإمساك لأن
هذا الزمان ليست له حرمة الصوم.
مسألة [85]: قوله في الإرشاد: ولو ظهر أنه من رمضان بعد الزوال جدد النية
وأجزأه ولو قبل الغروب، فكيف صورة تجديد النية وقد فات محلها؟
الجواب: بل يقول: أصوم هذا اليوم لوجوبه قربة إلى الله، ولو قال: أتمم
صوم هذا اليوم، لم يصح. ولو ترك النية هنا بطل صومه ويمنع فوات محل
النية لأن للنية وقتا مع عدم البيان ولها وقت مع البيان، وهنا البيان ثابت ووقته
إلى الغروب، نعم يجب القضاء لو ترك النية ولا كفارة عليه، وفرق بين ترك
النية من أول النهار عمدا وبين هذه الصورة.
مسألة [86]: إذا كان على الإنسان قضاء صوم، فصام في رجب مثلا قصدا
للجمع بين ثواب رجب والقضاء، أو نذر صوما، هل يحصل له ثواب الصومين أم
لا؟
الجواب: بل يحصل فضل الصومين وثوابهما.
مسألة [87]: إذا صام الإنسان يوم الجمعة وكان يوم عرفة أو يوم المباهلة أو
209

أول يوم من ذي الحجة أو رجب، هل يحصل ثواب يوم الجمعة وثواب يوم
المباهلة؟
الجواب: بل يحصل له ثواب يوم الجمعة ويوم المباهلة وتجزئ نية واحدة
بأن يقول: أصوم غدا يوم الجمعة والمباهلة لندبه قربة إلى الله، ولو لم يقل
" لندبه " أجزأ وحصل له الثواب.
مسألة [88]: ما يقول سيدنا في المسافر الذي لا يصح منه الصوم، هل يجب
عليه الإفطار على جرعة من ماء أو غير ذلك مما ينافي الصوم أو يكفيه نية الإفطار
وعدم نية الصوم ولا حاجة به إلى شئ من ذلك؟
الجواب: لا يشترط الأكل ولا الشرب بل يكفيه نية الإفطار هاهنا.
مسألة [89]: ما يقول سيدنا في قاضي شهر رمضان، هل يجب عليه في نية
القضاء أن ينوي أول يوم يصومه قضاء عن أول يوم وجب قضاؤه وعن الثاني
كذلك وهكذا أو لا يشترط ذلك؟
الجواب: لا يجب التعرض لذلك فإن الترتيب حصل فيه من ضرورات
الزمان هاهنا.
210

كتاب الاعتكاف
وفيه مسائل:
مسألة [1]: يجوز الاعتكاف في كل مسجد جامع مطلقا.
مسألة [2]: لو اعتكف خمس وجب السادس وهكذا.
مسألة [3]: لو نذر صوم يوم من اعتكاف وجب عليه أن يضم إليه آخرين
وينوي وجوبهما، ولو فعل فيهما ما يوجب الإفطار لزمته الكفارة إن أخرهما مطلقا
أو قدمهما وكان بالجماع حسب.
مسألة [4]: صورة الشرط في الاعتكاف أن يقول: لله أن أعتكف ثلاثة أيام
وأن أرجع متى شئت، وفي النذر عند الشروع فيه فله الرجوع حينئذ وإن لم
يحصل مانع الاستمرار.
مسألة [5]: الضابط فيما يتعلق بفساد الاعتكاف وجوب الكفارة في الثوالث
مطلقا وكذا في المعين زمانه، ووجوب الكفارة بالجماع في الواجب مطلقا،
ووجوب الاستئناف بغير الجماع في غير المعين من الواجب قبل الثالث، وعدم
211

وجوب شيئا أصلا في يومي الندب وإن كان بالجماع.
مسألة [6]: لو نذر اعتكافا متتابعا لفظا ومعنى وخرج في أثنائه أو أفسده،
فإنه يجب عليه كفارة كبيرة إن أفسد وخلف النذر إن خرج، وحينئذ هل يجب
عليه الاستئناف بعد البناء على ما مضى أو يكون الأولى استئناف ما فعل؟ فيه
وجهان: الاستئناف مع فعل الباقي لوجوب فعل الباقي بالنذر، والاستئناف
للإخلال بالشرط أعني التتابع.
والآخر الاجتزاء بما بقي وقضاء الفائت واستئناف ما فعل قبله، لأنه قد فعل
الباقي على وجهه، والإخلال إنما يكون بالنسبة إلى الماضي فلا يجب عليه سوى
الماضي، وحينئذ هل يجب عليه الإتيان بالقضاء عقيب الأداء بلا فصل أو يجوز
التأخير؟ فيه وجهان؟ " نعم " لمشابهته للتتابع، و " لا " لخروجه عن العهدة بفعل
الأخير إذ القضاء ثابت في الذمة ولا وقت له، فنسبته إلى جميع الأوقات على
السوية، والاستئناف مع البناء أولى واحتمال - الصحة - أقوى.
ثم هل يجب التتابع في القضاء أم لا؟ فيه إشكال ينشأ من تعلق النذر
بالتتابع والزمان المعين، والأصل عدم اشتراط أحدهما بالآخر، فإذا فات التعين
بقي التتابع ضمني لا يقوم بنفسه وإنما كان في ضمن الزمان المعين وإذا فات
فات.
مسألة [7]: إذا أكره المعتكف المزني بها نهار رمضان وهي معتكفة فما الذي
يجب عليه؟ فيه احتمالات ومبناها على مقدمات:
الأولى: هل تتعدد الكفارة على المفطر حراما أم لا؟ والأقوى التعدد، وهو
مروي عن الرضا عليه السلام.
الثانية: هل التعدد مخصوص برمضان أو يتعدى الحكم إلى غيره؟ يحتمل
الأول لعدم التنصيص وإصالة البراءة، ويحتمل الثاني لمساواته له في التعيين.
212

الثالثة: الإكراه في غير رمضان هل يوجب التحمل؟ فيه وجهان: " نعم "
لمساواته له ولأن فعل المكره مستندا إلى المكره، و " لا " لعدم التوفيق.
فحينئذ إن قيل بالتعدد في رمضان وغيره والتحمل مطلقا، فعليه اثنا عشر
كفارة وهي أربع كفارات جميعا.
وإن قلنا بعدم التعدد بالزنى وبعدم التحمل في الاعتكاف فثلاثة لا غير.
وإن قلنا بالتعدد وعدم التحمل في الاعتكاف وعدم التعدد فيه، فعليه أربع،
ثلاث عن نفسه وواحدة عن المرأة.
وإن قلنا بالتعدد وتحمل ما عليها لو كانت مطاوعة، فعليه خمسة، ثلاث عن
نفسه واثنتان عنها لو كانت مطاوعة.
وإن قلنا بسريان التعدد إلى الاعتكاف فعليه ست عن نفسه، فإن قلنا يتحمل
بتعدد رمضان خاصة فعليه ثلاثة أخرى عنها فيلزمه تسعة، وإن قلنا بالتعدد في غير
رمضان ولم نقل بالتحمل المتعدد عنها فعليه سبع، ست عن نفسه لاجتماع تعدد
رمضان والاعتكاف عليه وواحدة عنها وهي كفارة رمضان لا غير.
وإن قلنا يتحمل أصل الاعتكاف وتعدد رمضان، فعليه ست عن نفسه
وثلاث عن رمضان وواحدة عن اعتكافها.
مسألة [8]: قوله في الاعتكاف: ولو شرط شهرا معينا وأخل به كفر
واستأنف ويصوم ما تخلف ويأتي بشهر غيره.
مسألة [9]: لو نذر الاعتكاف شهرا وأخل به عمدا لزمه عن كل يوم كفارة.
مسألة [10]: الاعتكاف يجب به كفارة واحدة، فإن نذر اعتكافا مطلقا ثم نذر
صوم زمان معين واعتكف نذره فيه فإنه يجب في هذه الصورة كفارتان إن
جوزناه، وقد قيل: يجب بالجماع نهار الاعتكاف اثنتان كيف كان لأنه لا بد من
213

مزيد حكم النهار على الليل، وما ذاك إلا وجوب كفارة ثانية وليس بجيد.
مسألة [11]: إذا أفطر في الاعتكاف، إن كان المنذور لفظا ومعنى فإنه يتم
ويستأنف مع احتمال احتساب أيام الإتمام من الاستئناف، والمعنى خاصة يبني
إن كان بعد ثلاثة وقبلها يستأنف ويكفر في الصورتين، واللفظ خاصة كشهر
متتابع وحكمه الاستئناف مع الإفطار، ولو بقي يوما واحدا ووجبت الكفارة في
الثوالث مطلقا وبالجماع مطلقا، والذي لا لفظ ولا معنى حكمه صحة كل ثلاثة
ووجوب الكفارة في الثالث مطلقا.
مسألة [12]: قوله: ويحرم على المعتكف البيع والشراء فهل إذا أو كل فيهما
يجوز أم يقعان باطلان؟
الجواب: لا يصح أن يتولى البيع بنفسه، ويجوز أن يوقعه عنه وكيله الذي
سبقت وكالته الاعتكاف، وأما وكالته حال الاعتكاف فلا يجوز وتبطل الوكالة.
214