الكتاب: الينابيع الفقهية
المؤلف: علي أصغر مرواريد
الجزء: ٣٠
الوفاة: معاصر
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤١٣ - ١٩٩٣ م
المطبعة:
الناشر: مؤسسة فقه الشيعة - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: أشرف على جمع أصولها الخطية وترتيبها حسب التسلسل الزمني وعلى تحقيقها وإخراجها وعمل قواميسها علي أصغر مرواريد

الينابيع الفقهية 2
الحج
تعريف الكتاب 1

حقوق الطبع محفوظة للمؤلف
الطبعة الأولى
1413 ه‍ - 1993 م
مؤسسة فقه الشيعة
بيروت - لبنان
حارة حريك - شارع دكاش - بناية كليوباترا
ص. ب 209 / 25 - تلفون: 836763 - فاكس 04625848 - 357
تعريف الكتاب 2

سلسلة الينابيع الفقهية 2
الحج
أشرف على جمع أصولها الخطية وترتيبها حسب التسلسل
الزمني وعلى تحقيقها واخراجها وعمل قواميسها
علي أصغر مرواريد
الفهرست الإجمالي للمتون
الإشراف - الإقتصاد
الخلافة - المبسوط
نزهة الناظر - تبصرة المتعلمين
إرشاد الأذهان - تلخيص المرام
الرسالة الفخرية - الدروس الشرعية
البيان - الألفية
النفلية - المحرر
الموجز الحاوي - مسائل ابن طي
تعريف الكتاب 3

التعريف
سلسلة الينابيع الفقهية
موسوعة فقهية متكاملة جمعت بين دفتيها أهم المتون الفقهية
الأصلية بتحقيق رائع وتنقيح أكاديمي، ومن أحدث المناهج
العلمية لفن التحقيق.
تعني الموسوعة بالتقسيم الموضوعي للأبواب الفقه الإسلامي -
كافة أبوابه - وبذلك تهئ للباحث والمحقق والأستاذ أسهل
الطرق لاستنباط ما يحتاجه، واستخلاص ما يبتغيه، بعيدا
عن عناء الاستقصاء والبحث.
تميزت هذه الدورة الكبرى باعتمادها الأصول الخطية
الأصلية لكل المتون الفقهية بمثابة الأصول الأساسية لتحقيق
النصوص التي بقيت لفترة ليست بالقصيرة أسيرة الطبعات السقيمة.
بالإضافة إلى احتوائها النصوص التي تطبع لأول مرة، موزعة
حسب الأبواب الفقهية.
تفيد المتخصصين بدراسة الفقه المقارن واختلاف الفتاوى
على مدى عشرة قرون.
مقدمة المشرف 4

إهداء وشكر...
إلى...
كل انسان يؤمن بأن الشريعة السمحاء أساس جميع القوانين في العالم...
والى...
الذين يهتمون بشؤون المجمعات البشرية وشيعون إلى اصطلاحها عن طريق
القسم الإسلامية.
والى...
كل الذين يعشقون الفقه الإسلامي باعتبار أفضل السبل وأنجح القوانين
المستمدة من أصول القرآن للوصل إلى الكمال الإنسان من الجوانب
المادية والروحية...
أقدم هذا الجهد المتواضع...
ولا يسعني - في غمرة سعادتي وسروري وأنا أرى سلسلة الينابيع
الفقهية هذه قد عانقت النور - إلا أن أتقدم بجزيل شكري وعظيم
امتناني لكل الذين ساهموا من قريب أو بعيد بإيجاز هذا العمل الجليل
من العلماء والفضلاء الذين قدموا لنا مساعدتهم ومشورتهم الخالصة،
ومن الإخوة العاملين والمحققين معنا... داعيا الله لهم جميعا التوفيق
والسداد وأن يجزل لهم الثواب وحسن العاقبة...
إنه سميع مجيب. علي أصغر مرواريد
مقدمة المشرف 5

بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المشرف 7

الإشراف
للشيخ المفيد أبي عبد الله
محمد بن النعمان الحارثي البغدادي المعروف بابن المعلم
336 - 413 ه‍. ق
1

أبواب الحج
والحج هو الزيارة في اللغة على الجملة، وهو في الشريعة زيارة البيت الحرام
خاصة بالقصد إليه لذلك على شرائط وصفات.
باب
فرائض الحج
وهي ثمان خصال:
الإحرام به من الميقات، والتلبية لمن تيسر منه الكلام، والطواف بالبيت
سبع مرات، وصلاة الطواف وهي ركعتان، والسعي بين الصفا والمروة سبعا
بعدد الطواف، وشهادة الموقفين وهما عرفة والمشعر الحرام، وطواف النساء،
وصلاته، وهو كطواف الورود وصلاته سواء. باب
ماهية العمرة في الإسلام:
والعمرة هي الحج الأصغر، وحقيقتها في اللغة حقيقة الحج على ما ذكرناه
في الشريعة بحسب ما قدمناه.
3

باب
فرائض العمرة المفردة:
وهي سبع خصال:
الإحرام بها من الميقات، والتلبية لمن انطلق لسانه بالكلام، والطواف
بالبيت سبع مرات، وصلاة الطواف، والسعي بين الصفا والمروة سبعا بعدد
الطواف، وطواف النساء وصلاته، وركعتان لطواف الورود والصلاة له سواء.
باب
مواقيت الحج والعمرة:
وهي عشرة مواقيت: المسلخ، وغمرة، وذات عرق، وذو الحليفة، والجحفة، ويلملم، وقرن
المنازل، والمسجد الحرام، وخارج الحرم، وذات الحاج، والمعتبر.
باب
أصناف المحرمين ممن عددنا من المواقيت:
والمسلخ الوقت الأفضل لحاج العراق ومن صحبهم من أهل البلاد على
طريق الجادة إلى مكة، وغمرة وقت لهم أيضا، وهو دون الأول في الفضل لمن
تعمد الإحرام منه على الاختيار، وذات عرق وقت لهم أيضا، وهو دون الأول في
الفضل، وآخر مواقيتهم للاختيار.
وذو الحليفة وقت لحاج المدينة ومن صحبهم على طريقهم من كافة أهل
الأمصار.
والجحفة وقت لأهل الشام ومن صحبهم على طريقهم من أهل البلاد.
ويلملم وقت لأهل اليمن ومن صحبهم من أهل الأمصار.
وقرن المنازل وقت لأهل الطائف ومن صحبهم في طريقهم إلى الحج من
4

سائر أهل الأمصار.
والمسجد الحرام وقت للمتمتعين بالعمرة إلى الحج من سائر الناس.
وخارج الحرم وقت لمن فاته ميقات أهله، أو فاته التمتع بالعمرة إلى الحج
فأفرد العمرة بعد الحج.
والمجاورين بمكة من أهل البلاد إذا لم يتمكنوا من الإهلال من مواقيت
بلادهم، وأمثالهم من أهل الاضطرار، ودار الإنسان إذا كانت بين مكة، والمواقيت
التي ذكرناها أو فيما هو أقرب إلى مكة منها في المكان ميقات له.
باب
المحظور في الحج والعمرة من الأفعال المباحة في غيرها من الأحوال:
وهي سبعة عشر شيئا:
تغطية الرأس، وتظليل المحامل، ولبس الثياب، والطيب، والنساء،
والصيد، والأكل منه وإن صاده الحلال، واليمين بالله عز وجل، وتقصير الشعر،
وحلقه، ونتفه، والارتماس في الماء، وعقد النكاح، والنظر في المرآة، وقتل
القمل، ونقله إلى الجسد إلى ما سواه، وقتل سائر الهوام.
وقد رخص للنساء في تغطية الرؤوس وأبيحوا ترك الظلال، ثم وهن
والرجال فيما عددناه مما سوى هذين السببين سواء.
5

الاقتصاد
الهادي إلى الرشاد
تأليف شيخ الطائفة
أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (قدس سره)
385 - 460 ه‍. ق
7

كتاب الحج
الحج في الشريعة عبارة عن قصد البيت الحرام لأداء مناسك مخصوصة على
وجه مخصوص في أزمان مخصوصة ممن كان على صفة مخصوصة.
وهو على ضربين: مفروض، ومسنون.
والمفروض على ضربين: أحدهما يجب بأصل الشرع، وهي حجة الإسلام،
وهي واجبة على كل حر بالغ كامل العقل صحيح الجسم، متمكن من
الاستمساك على الراحلة، مخلى السرب من الموانع يمكنه المسير، واجد الزاد
والراحلة، ولما يتركه من نفقة من يجب عليه نفقته على الاقتصاد، ولما ينفقه على
نفسه ذاهبا وجائيا بالاقتصاد، ويبقى بعد ذلك ما يرجع إلى كفاية في معيشة أو
صناعة أو حرفه يرجع إليها.
ومتى اختل شئ من هذه الشروط فإنه لا يجب عليه الحج، وإن كان
مستحبا له تكلفه والقيام به، غير أنه إذا فعله ثم تكاملت شروط وجوبه فلا بد له من
إعادة الحج.
ومن شرط صحة أدائها الإسلام وكمال العقل.
ومتى تكاملت هذه الشروط تجب في العمر مرة واحدة، وما زاد عليها
فمستحب مندوب إليه، وعند تكامل شروط الوجوب يجب على الفور والبدار
دون التراخي، غير أنه متى أخره ثم فعله كان مؤديا وإن فرط في التأخير.
9

وما يجب بالنذر أو العهد فهو بحسبهما إن كان واحدا فواحدا أو إن كانوا
أكثر كان مثل ذلك، وإذا اجتمعت حجة الإسلام وحجة النذر فلا تجزئ إحديهما
عن الأخرى إذا نذر حجة زائدة على حجة الإسلام، وإن نذر مطلقا أجزأ عنهما
حجة واحدة.
ولا يراعى في حجة الندب الشروط التي راعيناها في حجة الإسلام، وإنما
يراعى الحرية وكمال العقل، وما عداه فبحسب شروطه. فصل
في ذكر أقسام الحج
الحج على ثلاثة أقسام: تمتع بالعمرة إلى الحج وقران وإفراد.
فالتمتع هو فرض من نأى عن المسجد الحرام، وحده من كان بينه وبين
المسجد من كل جانب اثنا عشر ميلا، فلا يجوز لهؤلاء التمتع مع الإمكان، فإذا
لم يمكنهم التمتع أجزأتهم الحجة المفردة أو القارنة.
ومن كان من أهل حاضري المسجد الحرام - وهو من كان بينه وبين
المسجد أقل من اثني عشر ميلا من أربع جوانبه - ففرضه القران والإفراد ولا
يجزئه التمتع بحال.
فسياقة أفعال المتمتع: الإحرام من الميقات مع الحج والتلبيات الأربع،
ويكون على تلبيته حتى يشاهد بيوت مكة، فإذا شاهدها قطع التلبية ودخل إليها
ودخل المسجد الحرام، فطاف بالبيت سبعا وصلى عند المقام ركعتين، ثم
يخرج إلى الصفا فيسعى بينهما سبعة أشواط، ثم يقصر من شعر رأسه، وقد أحل
من كل شئ أحرم منه.
ثم ينشئ إحراما آخر بالحج يوم التروية، ويمضي إلى منى فيبيت بها ليلة
عرفة، ويغدو منها إلى عرفات فيقف هناك إلى غروب الشمس، ويفيض منها إلى
المشعر الحرام فيصلي بها المغرب والعشاء الآخرة ويبيت بها إلى طلوع الشمس
10

أو الفجر، ويتوجه إلى منى ويقضي مناسكه يوم النحر بها على ما نبينه، ويمضى إلى
مكة فيطوف بالبيت طواف الزيارة ويصلي عند المقام ركعتين ويسعى بين
الصفا والمروة ثم يطوف طواف النساء، وقد أحل من كل شئ أحرم منه وقد
قضى مناسكه كلها للعمرة والحج وكان متمتعا، ثم يعود إلى منى فيقضي بقية
مناسكه من الرمي وغير ذلك إن شاء الله.
وأما القارن: فهو الذي يحرم من الميقات، ويقرن بإحرامه سياق الهدي، ويمضي
إلى عرفات ويقف بها، ويعود إلى المشعر فيقف بها، ويجئ منها يوم
النحر فيقضي مناسكه بها، ثم يجئ إلى مكة فيطوف بالبيت ويصلي عند المقام
ويسعى بين الصفا والمروة ويطوف طواف النساء، وقد قضى مناسكه كلها الحج
فحسب دون العمرة.
والمفرد مثل ذلك إلا أنه لا يقرن بإحرامه سياق الهدي، وباقي المناسك
هما فيهما سواء، ويجددان التلبية عند كل طواف، ثم يخرج إلى التنعيم أو أحد
المواضع التي يحرم منها، فيحرم من هناك بالعمرة ويرجع إلى مكة فيطوف
بالبيت ويصلي عند المقام ويسعى بين الصفا والمروة، ثم يطوف طواف النساء
ويقصر من شعر رأسه وقد أدى عمرته، فتكون عمرته مفردة.
ونحن نبين فصلا فصلا من ذلك إن شاء الله.
فصل
في ذكر المواقيت
المواقيت التي يحرم منها ثلاثة:
منها: لأهل العراق يجمعها اسم العقيق، أولها المسلخ وأوسطها غمرة
وآخرها ذات عرق، وأفضلها الأول ودونها الأوسط وأدونها الأخير، ولا يتجاوز
ذات عرق إلا محرما، فإن تجاوز متعمدا لزمه الرجوع إليها، فإن لم يمكنه بطل
حجه، وإن تجاوزه ناسيا أو لعذر رجع مع الإمكان، فإن لم يمكنه أحرم من
11

موضعه وقد أجزأه.
وميقات أهل المدينة ذو الحليفة، وهو مسجد الشجرة، وعند الضرورة
الجحفة، ولأهل الشام الجحفة وهي المهيعة، ولأهل الطائف قرن المنازل، ولأهل
اليمن يلملم.
ومن كان منزله وراء الميقات فميقاته منزله، ولا يجوز الإحرام قبل الميقات
وإن أحرم قبله لم ينعقد إحرامه.
فصل
في الإحرام وكيفيته وشروطه
الإحرام شرط في صحة الحج على ما قلناه، من تركه متعمدا فلا حج له، ولا
يصح الإحرام بالحج على اختلاف أنواعه إلا في أشهر الحج، وهي شوال
وذو القعدة وتسعة من ذي الحجة.
وأما الإحرام بالعمرة المفردة فيصح في سائر السنة أي وقت شاء.
والإحرام لا ينعقد إلا بالنية أولا والاستمرار عليها حكما.
ويستحب الغسل عند الإحرام، وإزالة الشعر والوسخ من بدنه إلا شعر رأسه
فإنه لا يمسه من أول ذي القعدة، ثم يصلي ويلبس ثوبي إحرامه، يأتزر بأحدهما
ويتردى بالآخر، ويصلي ركعتي الإحرام، وإن صلى ست ركعات كان أفضل،
وإن كان عقيب فريضة كان أفضل.
ثم يحرم عقيب الصلاة فيقول: اللهم إني أريد ما أمرت به من التمتع بالعمرة
إلى الحج على لسان نبيك.
وإن كان مفردا أو قارنا ذكر ذلك في دعائه: أحرم لك شعري وبشري
وجلدي وعظامي من النساء والطيب وجميع ما نهيتني عنه في حال الإحرام أبتغي
بذلك وجهك والدار الآخرة، اللهم إن لم تكن حجة فعمرة، وإن أضاف إلى
ذلك غيره من الدعاء كان أفضل.
12

ثم يلبي فرضا واجبا، فيقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك إن الحمد والنعمة
لك والملك لا شريك لك لبيك، لبيك بحجة وعمرة أو حجة مفردة تمامها
عليك لبيك، وإن أضاف إلى ذلك ألفاظا مروية من التلبيات كان أفضل.
والتلبية بها ينعقد الإحرام، ويقوم مقامها إشعار الهدي وتقليدها لمن كان معه
هدي، وهو أن يشعر سنامها ويلطخه بالدم ويعلق في رقبتها نعلا كان يصلي فيه.
والأخرس ينعقد إحرامه بالإيماء.
وإذا عقد إحرامه ومشى خطوات رفع صوته بالتلبية، ويكون على التلبية، في
كل وقت إلى أن يشاهد بيوت مكة إن كان متمتعا فعند ذلك يقطع التلبية، وإن
كان معتمرا عمرة مفردة فحين تضع الإبل أخفافها في الحرم.
وينبغي أن يجتنب في إحرامه الطيب كله، وأكل طعام يكون فيه طيب، ولا
يلبس مخيطا، وأن يكشف رأسه ومحمله، ولا يتزين بزينة، ولا يصيد ولا يأكل
لحم صيد، ولا يقتل صيدا، ولا يدل على صيد، ولا يدهن بشئ من الأدهان طيبا
وغير طيب، ولا يتزوج ولا يزوج ولا يجامع ولا يباشر النساء بشهوة ولا
يلمسهن ولا يقبلهن، ويكون ثيابه مما تجوز الصلاة فيها وأفضلها القطن المحض
ولا يقتل الجراد، ولا يرتمس في الماء.
والمرأة تسفر عن وجهها، ويجوز لها لبس المخيط.
ولا يقطع شجرا نبت في الحرم إلا شجر الفواكه، ولا يكسر بيض صيد، ولا
يأكل منه، ولا يذبح فرخا، ولا يلبس الخفين، ولا ما يستر القدم، ويجتنب
الفسوق وهو الكذب، والجدال وهو قول " لا والله " و " بلى والله "، والرفث وهو
الجماع، ولا ينحي عن نفسه شيئا من القمل، ولا يقبض على أنفه من رائحة كريهة،
ولا يقص شيئا من شعره ولا من أظفاره، ولا يلبس سلاحا إلا عند الضرورة.
ويكره له لبس الثياب المصبوغة المشبعة والنوم عليها، ولبس الثياب المعلمة
ولبس حلي لم تجر عادته بلبسه، ولا للمرأة لبسه، ويكره استعمال الحلي
والكحل، ولا تلتفت المرأة، ولا ينظر في المرآة، ولا يحك جسمه حكا يدميه
13

ويكره له دخول الحمام.
وما يلزم من الكفارة لمخالفة ذلك قد بيناه في النهاية وغيرها من كتبنا لا
نطول بذكره.
فما يلزمه من الكفارات في إحرامه بالحج على اختلاف ضروبه فلا ينحره إلا
بمنى، وما يلزمه في إحرام العمرة المفردة لا ينحره إلا بمكة قبالة البيت بالحزورة.
ويلزم المحل في الحرم القيمة، والمحرم في الحل الجزاء، والمحرم في
الحرم الجزاء والقيمة، حسب ما بيناه في النهاية.
والجماع إن كان بالفرج قبل الوقوف بالمشعر فإنه يفسد الحج ويجب
عليه إتمامه والحج من قابل، وإن كان بعد الوقوف بالمشعر أو كان فيما دون
الفرج كان عليه الكفارة ولم يلزمه الحج من قابل، ومن فعل ذلك في العمرة
المفردة تممها وكان عليه قضاؤها من الشهر الداخل.
فصل
في دخول مكة والطواف بالبيت
يستحب الغسل عند دخول الحرم، وتطييب الفم يمضغ شيئا من الإذخر أو
غيره، وإذا أراد دخول مكة اغتسل أيضا منه، ويكون دخوله من أعلاها، ويمشي
حافيا على سكينة ووقار.
ويستحب أيضا الغسل عند دخول المسجد الحرام، وأن يدخل من باب بني
شيبة، ويصلي على النبي عليه السلام ويسلم عليه عند الباب ويدعو بما أراد، وإن
دعا بما روي فيه كان أفضل، ويكون حافيا.
فإذا أراد الطواف فينبغي أن يبتدئ أولا بالحجر الأسود، ويطوف سبعة
أشواط ويكون على طهر، ويستحب أن يستلم الحجر في كل شوط ويقبله إن أمكنه
وإلا مسه بيده وقبل يده، وإن لم يمكنه أومأ بيده إليه، ويدعو عند الاستلام،
ويدعو عند الطواف، ويقرأ القرآن، ويلزم المستجار، ويضع خده وبطنه عليه
14

ويدعو عنده، ويستحب أيضا استلام الأركان كلها وخاصة الركن اليماني.
ومتى فرع من الطواف على ما قدمناه صلى عند المقام ركعتين أو حيث
يقرب منه، ومن زاد في طواف الفريضة عامدا أعاد، وإذا شك فلا يدري كم
طاف أعاد، وإن شك بين الستة والسبعة والثمانية أعاد، ومن نقص طوافه ثم
ذكر أتمه ولا شئ عليه، فإن رجع إلى بلده أمر من يطوف عنه ذلك، ومن شك
بين السبعة والثمانية قطع الطواف ولا شئ عليه، ومن شك فيما دون السبعة في
النافلة بنى على الأقل، ومن زاد في النافلة أتم أسبوعين.
ويكره الجمع بين طوافين في الفريضة، ويجوز ذلك في النوافل، والأفضل
كلما طاف سبعا أن يصلي عند المقام ركعتين ثم يطوف كذلك على ما شاء على
هذا الترتيب. فصل
في السعي وأحكامه
فإذا فرع من طوافه ينبغي أن يخرج إلى الصفا.
فإذا أراد الخروج إلى السعي بين الصفا والمروة، فينبغي أولا أن يستلم
الحجر ويقبله وينصرف، فيأتي زمزم ويشرب من مائه ويصب شيئا منه على بدنه،
ويجتهد أن يكون ذلك من الدلو المقابل للحجر، وليخرج من الباب المقابل
للحجر، ثم ليصعد إلى الصفا ويستقبل الكعبة ويقول: لا إله إلا الله وحده لا
شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو
على كل شئ قدير، ويدعو الله ويحمده ويصلي على النبي صلى الله عليه وآله.
ثم يطوف بين الصفا والمروة سبع مرات، يبدأ بالصفا ويختم بالمروة، فإذا
بلغ إلى المسعى فليسع فيه مهرولا راكبا كان أو ماشيا، وذلك على الرجال دون
النساء، والمشي أفضل من الركوب.
وكلما جاء إلى المروة وقف عندها ويدعو الله، وكذلك إذا عاد إلى الصفا
15

مثل ذلك، ويدعو فيما بينهما ويقرأ القرآن والأفضل أن يكون على طهر وليس
ذلك من شرطه.
ومن زاد في السعي شوطا متعمدا أعاد، ومن سعى ثمان مرات ناسيا وهو عند
المروة أعاد لأنه بدأ بالمروة، ومن لا يدري كم سعى أعاد، ومن زاد ناسيا شوطا
وقد بدأ بالصفا طرح الزيادة، وإن أتم أسبوعين كان جائزا، ومن سعى تسع
مرات وهو عند المروة لم يعد، ومن نقص شوطا أو ما زاد عليه ثم ذكر تمم ولم
يعد.
فإذا فرع من السعي قصر من شعر رأسه ولحيته أو يقص أظفاره ولا يحلق
رأسه في هذا الإحلال فإن حلقه كان عليه دم، ويمر الموسي على رأسه يوم النحر،
وإن نسي التقصير حتى يحرم بالحج كان عليه دم.
فإذا فعل ذلك فقد أحل من كل شئ أحرم منه إلا الصيد لكونه في الحرم
ويستحب له أن يتشبه بالمحرمين ولا يلبس المخيط.
فصل
في ذكر الإحرام بالحج
إذا أراد الإحرام بالحج فينبغي أن يكون ذلك يوم التروية عند الزوال، فإن
لم يمكنه أحرم في الوقت الذي يعلم أنه يلحق الوقوف بعرفات.
وكيفية الإحرام وشروطه وأفعاله مثل ما قدمناه في إحرام العمرة سواء، غير
أنه يذكر في دعائه الحج فقط فإن العمرة قد مضت.
ويقطع التلبية يوم عرفة عند الزوال، فإن سها أحرم بالعمرة أجزأه ذلك
بالنية إذا أتى بأفعال الحج، فإن نسي الإحرام حتى يحصل بعرفات أحرم بها، فإن
لم يذكر حتى يقضي المناسك كلها لم يكن عليه شئ.
16

فصل
في نزول منى وعرفات والمشعر
يستحب للإمام أن يصلي الظهر والعصر يوم التروية بمنى، ومن عداه لا
يخرج من مكة حتى يصلي الظهر والعصر بها.
وينبغي للإمام أن لا يخرج من منى إلا بعد طلوع الشمس من يوم عرفة،
وغير الإمام يجوز له الخروج بعد طلوع الفجر، ويجوز للعليل والكبير الخروج
قبل ذلك.
ويستحب الدعاء في طريق عرفات، وينبغي أن يصلي الظهر والعصر
بعرفات يجمع بينهما بأذان واحد وإقامتين، ويقف إلى غروب الشمس يدعو الله
ويثني عليه ويصلي على النبي صلى الله عليه وآله ويدعو لنفسه ولإخوانه المؤمنين.
وينبغي أن يكون نزوله ببطن عرفة ولا يقف تحت الأراك.
فإذا غابت الشمس أفاض منها إلى المشعر، فإن أفاض قبل ذلك متعمدا
لزمه دم بدنة، ولا يصلي المغرب والعشاء الآخرة إلا بالمشعر الحرام، ويبيت بها
تلك الليلة في الدعاء وقراءة القرآن.
ويستحب للصرورة أن يطأ المشعر.
ولا يجوز للإمام أن يخرج من المشعر الحرام إلا بعد طلوع الشمس، وغير
الإمام يجوز له بعد طلوع الفجر، غير أنه لا يجوز وادي محسر إلا بعد طلوع
الشمس.
ومن خرج قبل طلوع الفجر مختارا لزمه دم شاة، ورخص في ذلك للمرأة
والخائف والمضطر الخروج قبل طلوع الفجر، ويستحب السعي في وادي
محسر.
17

فصل
في نزول منى والمناسك بها
أول ما يبدأ الحاج بمنى يوم النحر أن يرمي جمرة العليا بسبع حصيات،
يرميهن حذفا يضع كل حصاة على باطن إبهامه ويدفعها بظفر سبابته، وينبغي أن
يلتقط الحصى ولا يكسرها، ويستحب أن تكون برشا، ولا يرمي بغير حصاة، وإن
كان على طهارة فهو أفضل، ويجوز الرمي على غير وضوء.
ويرمي الجمرة من قبل وجهها، وينبغي أن يكون بينه وبين الجمرة عشرة
أذرع إلى خمسة عشر ذراعا، ويدعو عند الرمي فيقول: اللهم هذه حصياتي
فأحصهن لي وزدهن في عملي، ولا يجوز أقل من سبع.
فإذا فرع من ذلك ذبح الهدي إن كان متمتعا وهو واجب عليه، وإن كان
قارنا أو مفردا استحب له أن يضحي.
ومن شرط الهدي إن كان من البدن أن يكون إناثا، ويكون ثنيا فما فوقه،
وهو ما تم له خمس سنين ودخل في السادسة، وإن كان من البقر يكون أنثى
ويكون ثنيا وهو الذي دخل في السنة الثانية، وإن كان من الغنم يكون فحلا من
الضأن يمشي في سواد وينظر في سواد ويبرك في سواد، فإن لم يجد من الضأن
جاز التيس من المعزى.
ولا يجوز ناقص الخلقة، ومع الاختيار لا يجزئ واحد إلا عن واحد، وعند
الضرورة يجزئ واحد عن خمسة وعن سبعة وعن سبعين، وينبغي أن يكون مما
قد عرف به.
ولا يجوز ذبحه إلا بمنى، ويستحب أن يتولى ذبحه بيده، وإلا جعل يده مع يد
الذابح ويقول: وجهت وجهي... إلى آخر الآية، ويقسمه ثلاثة أقسام: قسم
يأكله وقسم يهديه وقسم يتصدق به، وإن كان نائبا عن غيره ذكره عند الذبح،
وإن نوى عنه ولم يذكره أجزأه.
وإن لم يجد الهدي ووجد ثمنه خلف ثمنه عند الثقات ليشتريه ويذبح عنه
18

في بقية ذي الحجة، ومتى عجز عن ثمنه صام بدله ثلاثة أيام في الحج يوم التروية
ويوم عرفة، فإن فاته صام ثلاثة أيام بعد انقضاء أيام التشريق، وإن خرج من مكة
صام ثلاثة أيام في الطريق لأنها في ذي الحجة والسبعة إذا وصل إلى أهله، فإن أقام
بمكة صبر شهرا ثم صام السبعة أيام.
والأضحية قد بينا أنه مسنونة شديدة الاستحباب، وشروطها شروط الهدي سواء،
ويجوز ذبح الهدي طول ذي الحجة، والأضحية يجوز ذبحها بمنى يوم
النحر وثلاثة أيام بعده، فإذا مضت فقد فات وقت الأضحية، وفي الأمصار يوم
النحر ويومان بعده، فإذا خرجت فقد فات وقتها.
وإن كان وجب عليه هدي في كفارة أو نذر وكان حاجا ذبحه بمنى وإن
كان معتمرا ذبحه بمكة، ولا يأكل من هدي الكفارة، ولا يخرجه من مكة ولا
يذخره إلا أن يقيم عوضه فيتصدق به، ويجوز ذلك في هدي المتمتع والأضحية.
فإذا فرع من الذبح حلق رأسه، وإن كان صرورة لا يجوز غير الحلق، وغير
الصرورة يجزئه التقصير والحلق أفضل، فإن نسي حتى خرج من منى رجع إليها
وحلق بها، فإن لم يمكنه حلق موضعه وبعث شعره إلى منى ليدفن هناك فإن لم
يمكنه دفن مكانه، وليس على النساء حلق ويجزئهن التقصير، ويأمر الحلاق ليبدأ
بناصيته فيحلق رأسه إلى الأذنين، ويدعو عند الحلق فيقول: اللهم أعطني بكل
شعرة نورا يوم القيامة.
فإذا فرع من الحلق مضى من يومه إلى مكة لزيارة البيت وطواف الحج،
فإن لم يفعل مضى من الغد ولا يؤخر أكثر من ذلك مع الاختيار، وإن كان
مفردا أو قارنا جاز له تأخيره إلى بعد انقضاء أيام التشريق.
فإذا جاء إلى مكة فعل عند دخول المسجد والطواف مثل ما فعله يوم قدم
مكة سواء، ويطوف أسبوعا ويصلي ركعتين عند المقام، ثم يخرج إلى الصفا
فيسعى بينه وبين المروة سبع مرات كما فعل أول مرة سواء، فإذا فعل ذلك فقد
أحل من كل شئ أحرم منه إلا النساء، ثم يطوف طواف النساء أسبوعا آخر
19

ويصلي ركعتين عند المقام، وقد حلت له أيضا النساء.
فإذا فرع من ذلك عاد إلى منى وأقام بها أيام التشريق ولا يبيت ليالي منى
إلا بها، فإن بات بغيرها كان عليه عن كل ليلة شاة، ويرمي كل يوم من أيام
التشريق ثلاث جمار بإحدى وعشرين حصاة كل جمرة بسبع حصيات على ما
وصفناه سواء، يبدأ بالجمرة الأولى ويرميها عن يسارها ويكبر ويدعو عندها، ثم
الجمرة الثانية ثم الثالثة مثل ذلك سواء، ولا يقف عندها.
ويجوز أن ينفر في النفر الأول وهو اليوم الثاني من أيام التشريق، فإذا أراد
ذلك دفن حصاه يوم الثالث، ومن فاته رمي يوم قضاه من الغد بكرة ويرمي ما
لذلك اليوم عند الزوال، ومن نسي رمي الجمار حتى جاء إلى مكة عاد إلى منى
ورماها، فإن لم يذكر فلا شئ عليه.
وينبغي أن يرتب الرمي، يبدأ بالجمرة العظمى أولا ثم بالوسطى ثم بجمرة
العقبة، فإن رماها منكوسة أعاد، ويجوز الرمي عن العليل وعن المغمى عليه وعن
الصبي.
وينبغي أن يكبر عقيب خمس عشرة صلاة بمنى أولها صلاة الظهر يوم النحر
وآخرها الفجر من اليوم الثالث من أيام التشريق، وفي الأمصار عقيب عشر
صلوات أولها الظهر من يوم النحر وآخرها صلاة الفجر من اليوم الثاني من أيام
التشريق، ولا ينفر في النفر الأول إلا بعد الزوال، وفي الثاني يجوز قبل الزوال
ولا يجوز قبل للإمام أن ينفر في النفر الأول.
ويستحب أن يعود إلى مكة لوداع البيت وطواف الوداع، ويدخل في
طريقه مسجد الحصبة ويستلقي فيه على قفاه ويصلي فيه، وكذلك مسجد الخيف
وهو مسجد منى.
ويستحب للصرورة دخول الكعبة، والصلاة في أربع زواياها وبين
الأسطوانتين وعلى الرخامة الحمراء، وغير الصرورة يجوز له أن لا يدخلها، ولا
يبصق ولا يمتخط إذا دخلها.
20

فإذا أراد الخروج من مكة ودع البيت وخرج من باب الحناطين، ويسجد
في باب المسجد، ويدعو مستقبل الكعبة.
وينبغي أن يشتري بدرهم تمرا ويتصدق به ليكون جبرانا لما لعله دخل عليه
من تقصير في إحرامه.
فصل
في العمرة المفردة
العمرة فريضة مثل الحج، وشرائط وجوبها شرائط وجوب الحج.
وعمرة الإسلام مرة واحدة، وما يجب بالنذر والعهد فبحسبهما.
ومتى تمتع بالحج سقط عنه فرضها، وإن حج قارنا أو مفردا أتى بالعمرة
بعد الفراع من مناسك الحج إلى التنعيم أو مسجد علي بن الحسين أو مسجد
عائشة، يحرم من هناك ويعود إلى مكة فيطوف بالبيت ويصلي عند المقام
ويسعى بين الصفا والمروة ويقصر من شعر رأسه ثم يطوف طواف النساء، وقد
أحل من كل شئ أحرم منه.
وتجوز العمرة في كل شهر، وأقله في كل عشرة أيام.
فصل
في ذكر مناسك النساء
الحج واجب على النساء كوجوبه على الرجال، وشروط وجوبه عليهن مثل
شروط وجوبه على الرجال سواء بلا زيادة ولا نقصان.
وليس من شرط وجوبه عليهن وجود محرم، ولا طاعة للزوج على المرأة في
حجة الإسلام، ويجوز لها خلافه، ولا يجوز لها حج التطوع إلا باذنه، وكلما يلزم
الرجال بالنذر من الحج والعمرة يلزم مثله النساء، ويستحب أن لا تخرج إلا مع
محرم أو زوج، فإن لم تجد خرجت مع ثقات المؤمنين.
21

وإن حاضت وقت الإحرام فعلت ما يفعله المحرم وتؤخر الصلاة والغسل،
ومتى حاضت قبل طواف العمرة وفاتها ذلك بطلت متعتها وجعلت حجة مفردة
وتقضي العمرة فيما بعد، فإن حاضت في حال الطواف وكانت طافت أربعة
أشواط تركت بقية الطواف وقضتها بعد ذلك وتسعى وتقصر وقد تم متعتها، وإن
طافت ثلاثة أشواط أو أقل فقد بطلت متعتها فتجعلها حجة مفردة.
ومتى خافت من الحيض عند عودها جاز لها تقديم طواف الحج وطواف
النساء قبل الخروج إلى عرفات.
والمستحاضة يجوز لها الطواف بالبيت إذا فعلت ما تفعله المستحاضة
وتصلي عند المقام، والحائض إذا أرادت وداع البيت ودعت من باب المسجد
ولا تدخل على حال.
22

الخلاف تأليف شيخ الطائفة
أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (قدس سره)
385 - 460 ه‍. ق
23

كتاب الحج
مسألة 1: ليس من شرط وجوب الحج الإسلام، لأن الكافر يجب عليه
عندنا جميع العبادات.
وقال الشافعي: الإسلام من شرط وجوبه.
دليلنا: قوله تعالى: " ولله على الناس حج البيت " ولم يفصل.
وقوله تعالى: " وأتموا الحج والعمرة لله " ولم يفصل بين الكافر والمسلم.
وأيضا جميع الأخبار الواردة بوجوب الحج. تتناول الجميع.
مسألة 2: من شروط وجوب الحج، الرجوع إلى كفاية زائدا على الزاد
والراحلة.
ولم يعتبر ذلك أحد من الفقهاء إلا ما حكي عن ابن سريج أنه قال: لو
كانت له بضاعة يتجر بها، ويربح قدر كفايته، اعتبرنا الزاد والراحلة في الفاضل
عنها، ولا يحج ببضاعته. وخالفه جميع أصحاب الشافعي.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا الأصل براءة الذمة، وعند حصول ما قلناه
لا خلاف في وجوبه، وقبل حصوله ليس على وجوبه دليل.
مسألة 3: من لم يجد الزاد والراحلة لا يجب عليه الحج، فإن حج لم يجزه
25

وعليه الإعادة إذا وجدهما.
وقال باقي الفقهاء: أجزأه.
دليلنا: أن الله تعالى علق الوجوب على المستطيع، فمن قال: أن غير
المستطيع إذا حج أجزأ عنه إذا كان مستطيعا، فعليه الدلالة.
وأيضا عليه إجماع الفرقة.
وأيضا فإذا استطاع وأعاد الحج برئت ذمته بيقين، وإن لم يعد فليس على
براءتها دليل.
مسألة 4: المستطيع ببدنه، الذي يلزمه فعل الحج بنفسه، أن يكون قادرا
على الكون على الراحلة، ولا يلحقه مشقة غير محتملة في الكون عليها، فإذا كانت
هذه صورته فلا يجب عليه فرض الحج إلا بوجود الزاد والراحلة. فإن وجد
أحدهما لا يجب عليه فرض الحج، وإن كان مطيقا للمشي، قادرا عليه. وبه قال
في الصحابة ابن عباس، وابن عمر، وفي التابعين الحسن البصري، وسعيد بن
جبير، وفي الفقهاء الثوري، وأبو حنيفة وأصحابه، والشافعي، وأحمد، وإسحاق.
وقال مالك: إذا كان قادرا على المشي لم تكن الراحلة شرطا في حقه، بل
من شرطه أن يكون قادرا على الزاد.
والقدرة على الزاد تختلف، فإن كان مالكا له لزمه، وإن لم يكن مالكا له
وكان ذا صناعة كالتجارة والخياطة والحجامة وما يكتسب به الزاد في طريقه
لزمه، وإن لم يكن ذا صناعة لكن من عادته مسألة الناس فهو واجد. فعنده القدرة
على المشي كالراحلة، والقدرة على كسب الزاد بصنعة أو بمسألة الناس كوجود
الزاد. وبمثله قال ابن الزبير، والضحاك.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا فإن الأصل براءة الذمة، ولا خلاف أن من
اعتبرناه يجب عليه الحج، وليس على قول من خالف دليل.
وأيضا قوله تعالى: " ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا "
26

والاستطاعة تتناول القدرة وجميع ما يحتاج إليه، فيجب أن يكون من شرطه.
وأيضا روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: " الاستطاعة الزاد
والراحلة " لما سئل عنها. روي ذلك عن ابن عمر، وابن عباس، وابن مسعود،
وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وجابر بن عبد الله، وعائشة، وأنس بن مالك،
ورواه أيضا علي عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله.
مسألة 5: إذا وجد الزاد والراحلة، ولزمه فرض الحج، ولا زوجة له، بدأ
بالحج دون النكاح، سواء خشي العنت أو لم يخش.
وقال الأوزاعي: إن خشي العنت فالنكاح أولى، وإن لم يخف العنت
فالحج أولى.
وقال أصحاب الشافعي: ليس لنا فيها نص، غير أن الذي قاله الأوزاعي
قريب.
دليلنا: قوله تعالى: " ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا "
وهذا قد استطاع، فمن أجاز تقديم النكاح عليه فعليه الدلالة، على أن الحج
فرض عند وجود الزاد والراحلة، وحصول كمال الاستطاعة بلا خلاف، وهو على
الفور عندنا على ما سنبينه، والنكاح مسنون عند الأكثر، فلا يجوز له العدول عن
الفرض إلى النفل إلا بدليل.
مسألة 6: الذي لا يستطيع الحج بنفسه، وأيس من ذلك إما بأن لا يقدر
على الكون على الراحلة، أو يكون به سبب لا يرجى زواله وهو العضب، والضعف
الشديد من الكبر، أو ضعف الخلقة بأن يكون ضعيف الخلقة في بدنه لا يقدر أن
يثبت على مركب، يلزمه فرض الحج في ماله بأن يكتري من يحج عنه فإن فعل
ذلك سقط الفرض وبه قال في الصحابة علي عليه السلام، وفي الفقهاء الثوري،
وأبو حنيفة، وأصحابه، وابن المبارك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق.
27

وقال مالك فرض الحج لا يتوجه على من لا يقدر عليه بنفسه، فإن كان
معضوبا لم يجب الحج عليه، لا يجوز أن يكتري من يحج عنه، فإن أوصى أن
يحج عنه حج عنه من الثلث.
وحكي عنه أنه قال: لو عضب بعد وجوب الحج عليه سقط عنه فرضه.
دليلنا: إجماع الفرقة وطريقة الاحتياط، لأنه إذا فعل ما قلناه برئت ذمته
بيقين، وإذا لم يفعل فليس على براءة ذمته دليل.
وروي عن علي عليه السلام أنه قال لشيخ كبير لم يحج: إن شئت فجهز
رجلا يحج عنك.
وروى سفيان بن عيينة عن الزهري عن سليمان بن يسار عن ابن عباس أن
امرأة من خثعم سألت رسول الله صلى الله عليه وآله فقالت: إن فريضة الله في
الحج على عباده أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يستمسك على راحلة،
فهل ترى أن أحج عنه؟ فقال صلى الله عليه وآله: نعم.
وفي رواية عمرو بن دينار عن الزهري مثله، وزاد: فقالت: يا رسول الله فهل
ينفعه ذلك؟ فقال: نعم كما لو كان عليه دين تقضيه نفعه.
مسألة 7: إذا استطاع بمن يطيعه بالحج عنه لا يلزمه فرض الحج إذا لم
يكن مستطيعا بنفسه، ولا بماله، وبه قال مالك وأبو حنيفة.
وقال الشافعي: يلزمه فرض الحج.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، وليس في الشرع ما يدل على ذلك.
وأيضا قوله تعالى: " ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا "
وهذا ما استطاع.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: " إن الاستطاعة هي الزاد
والراحلة ".
وإذا كان هذا غير واجد للزاد والراحلة لا يلزمه.
28

مسألة 8: إذا كان لولده مال، روى أصحابنا أنه يجب عليه الحج، ويأخذ
منه قدر كفايته ويحج به، وليس للابن الامتناع منه.
وخالف جميع الفقهاء في ذلك.
دليلنا: الأخبار المروية في هذا المعنى من جهة الخاصة قد ذكرناها في
الكتاب الكبير وليس فيها ما يخالفها تدل على إجماعهم على ذلك.
وأيضا قوله عليه السلام: " أنت ومالك لأبيك ".
فحكم أن ملك الابن مال الأب، وإذا كان له فقد وجد الاستطاعة فوجب
عليه الحج.
مسألة 9: إذا بذل له الاستطاعة، لزمه فرض الحج.
وللشافعي فيه وجهان: أحدهما مثل ما قلناه، والثاني: وهو الذي يختارونه
أنه لا يلزمه.
دليلنا: إجماع الفرقة، والأخبار الواردة في هذا المعنى.
وأيضا قوله تعالى: " من استطاع إليه سبيلا " وهذا قد استطاع.
مسألة 10: إذا كانت به علة يرجى زوالها مثل الحمى وغيرها، فأحج رجلا
عن نفسه ثم مات، أجزأه عن حجة الإسلام.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما: يجزئه، والآخر: لا يجزئه، وهو الذي
يختارونه.
دليلنا: إجماع الفرقة، والأخبار المروية عنهم في هذا المعنى.
مسألة 11: المعضوب الذي لا يرجى زواله، مثل أن يكون خلق نضوا يجب
أن يحج رجلا عن نفسه، فإذا ثم برأ يجب عليه أن يحج بنفسه حجة الإسلام. وبه
قال الشافعي في الأم.
29

وفي أصحابه من قال: المسألة على قولين مثل العليل الذي يرجى زواله.
دليلنا: قوله تعالى: " ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا "
وهذا قد استطاع، فوجب أن يحج بنفسه.
وما فعل أولا كان لزمه في ماله، فإجزائه عما يجب عليه في بدنه يحتاج إلى
دليل.
مسألة 12: إذا أوصى المريض بحجة تطوع، أو استأجر من يحج عنه
تطوعا فإنه جائز. وبه قال مالك، وأبو حنيفة، وهو أحد قولي الشافعي.
والقول الآخر: لا يجزئ ولا الوصية به.
دليلنا: إجماع الفرقة، والأخبار التي وردت في فضل الحج، ومن يعطي
غيره ما يحج عنه، وقد ذكرناها في الكتاب الكبير.
مسألة 13: إذا أحرم بالحج عن غيره نيابة، ثم نقل النية إلى نفسه لا يصح
نقلها. فإذا أتم حجه لم تسقط أجرته عمن كان استأجره.
وللشافعي فيه قولان، أحدهما: لا شئ له، والآخر: وهو الذي يختارونه مثل
قولنا من أن له أجرة.
دليلنا: أن الأجرة استحقها بنفس العقد، وبالدخول في الإحرام انعقد الحج
عن المستأجر، ونيته ما أثرت في النقل، وجب أن يكون استحقاق الأجرة ثابتا،
لأن إسقاطه يحتاج إلى دليل.
مسألة 14: إذا استأجر الصحيح من يحج عنه الحجة الواجبة، لا يجزئه بلا
خلاف، وإن استأجر من يحج عنه تطوعا أجزأه، وبه قال أبو حنيفة.
وقال الشافعي: لا يجوز أن يستأجر لا نفلا ولا فرضا.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم الواردة في ذلك، وأيضا الأصل جوازه،
30

والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 15: الأعمى يتوجه إليه فرض الحج إذا كان له من يقوده ويهديه،
ووجد الزاد والراحلة لنفسه ولمن يقوده، ولا يجب عليه الجمعة.
وقال الشافعي: يجب عليه الحج والجمعة معا.
وقال أبو حنيفة: لا يجب عليه الحج وإن وجد جميع ما قلناه.
دليلنا: قوله تعالى " ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا "
وهذا مستطيع، فمن أخرجه عن العموم فعليه الدلالة.
مسألة 16: من استقر عليه وجوب الحج فلم يفعل ومات، وجب أن يحج
عنه من صلب ماله مثل الدين، ولم يسقط بوفاته، هذا إذا أخلف مالا، فإن لم
يخلف مالا كان وليه بالخيار في القضاء عنه. وبه قال الشافعي، وعطاء
وطاووس.
وقال أبو حنيفة ومالك: يسقط بوفاته، بمعنى أنه لا يفعل عنه بعد وفاته،
وحسابه على الله يلقاه، والحج في ذمته. وإن كان أوصى حج عنه من ثلثه
ويكون تطوعا لا يسقط الفرض به عنه.
وهكذا يقول في الزكوات، والكفارات، وجزاء الصيد كلها تسقط بوفاته،
ولا تفعل عنه بوجه.
دليلنا: إجماع الفرقة والأخبار التي ذكرناها في الكتاب الكبير، ويدل عليه
خبر الخثعمية أيضا.
مسألة 17: سكان الجزائر والسواحل الذين لا طريق لهم غير البحر،
يلزمهم ركوبه إلى الحج إذا غلب في ظنهم السلامة، فإن غلب في ظنهم العطب لا
يجب عليهم ذلك.
31

واختلف قول الشافعي في ذلك.
واختلف أصحابه على طريقين، فقال الإصطخري والمروزي: المسألة على
اختلاف حالين: إذا كان الغالب الهلكة كالبر إذا كان مخوفا لا يلزمه.
والآخر: إذا كان الغالب السلامة، يلزمه وإن جوز حدوث حادثة في
الطريق.
ومن أصحابه من قال: إذا غلب في ظنه الهلكة لم يجب قولا واحدا، وإن
غلب على ظنه السلامة فعلى قولين.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، ومع غلبة الظن قد حصلت التخلية، لأن
القطع على السلامة ليس في موضع، ولم يقم دليل على وجوبه ظنه الهلكة في
ذلك.
مسألة 18: من مات وكان قد وجب عليه الحج، وعليه دين، نظر فإن
كانت التركة تكفي للجميع أخرج عنه الحج ويقضي الدين من صلب المال،
وإن لم يسع المال قسم بينهما بالسوية، والحج يجب إخراجه من الميقات دون
بلد الميت.
وللشافعي فيه ثلاثة أقوال: أحدها مثل ما قلناه.
والثاني: أنه يقدم دين الآدميين.
والثالث: يقدم دين الله تعالى.
دليلنا: أنهما جميعا دينان، وليس أحدهما أولى من صاحبه، فوجب أن
يقسم بينهما.
مسألة 19: من قدر على الحج عن نفسه، فلا يجوز أن يحج عن غيره، وإن
كان عاجزا عن الحج عن نفسه لفقد الاستطاعة جاز له أن يحج عن غيره. وبه
قال الثوري.
32

وقال مالك وأبو حنيفة: يجوز له أن يحج عن غيره على كل حال، قدر
عليه أو لم يقدر.
وكذلك يجوز له أن يتطوع به وعليه فرض نفسه. وبه نقول.
وقال الشافعي: كل من لم يحج حجة الإسلام لا يصح أن يحج عن غيره،
فإن حج عن غيره أو تطوع بالحج انعقد إحرامه عما يجب عليه، سواء كانت
حجة الإسلام أو واجبا عليه بالنذر. وإن كانت عليه حجة الإسلام فنذر حجة
فأحرم بالنذر انعقد عن حجة الإسلام. وبه قال ابن عباس، والأوزاعي، وأحمد،
وإسحاق.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا الأصل جوازه والمنع يحتاج إلى دليل،
وكذلك إجازته مطلقا يحتاج إلى دليل، وليس في الشرع ما يدل عليه.
فأما الدليل على أنه إذا نوى التطوع وقع عنه لا عن حجة الإسلام قوله عليه
السلام: " الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى " وهذا نوى التطوع، وجب أن
يقع عما نوى عنه.
مسألة 20: من نذر أن يحج، ولم يحج حجة الإسلام، وحج بنية النذر،
أجزأ عن حجة الإسلام على ما وردت به بعض الروايات.
وفي بعض الأخبار أن ذلك لم يجزئه عن حجة الإسلام، وهو الأقوى
عندي.
وقال الشافعي: لا يقع إلا عن حجة الإسلام.
دليلنا: على ذلك: أنهما فرضان، أحدهما: حجة الإسلام، والآخر: بالنذر،
فإجزاء أحدهما عن الآخر يحتاج إلى دليل، وليس في الشرع ما يدل عليه.
مسألة 21: يجوز للعبد أن يحج عن غيره من الأحرار إذا أذن له مولاه.
وقال الشافعي: لا يجوز له ذلك.
33

دليلنا: أنه لا مانع يمنع عنه في الشرع، فيجب جوازه.
وأيضا الأخبار المروية في جواز حج الرجل عن الرجل تتناول الحر والعبد،
فوجب حملها على العموم.
مسألة 22: الحج وجوبه على الفور دون التراخي، وبه قال مالك، وأبو
يوسف، والمزني.
وليس لأبي حنيفة فيه نص، وقال أصحابه: يجئ على قوله أنه على الفور
كقول أبي يوسف.
وقال الشافعي: وجوبه على التراخي - ومعناه أنه بالخيار إن شاء قدم وإن
شاء أخر والتقديم أفضل - وبه قال الأوزاعي، والثوري، ومحمد.
دليلنا: إجماع الفرقة فإنهم لا يختلفون، وأيضا طريقة الاحتياط تقتضيه.
وأيضا فقد ثبت أنه مأمور به، والأمر عندنا يقتضي الفور على ما بيناه في
أصول الفقه.
وروي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله قال: " من أراد الحج
فليعجل " فقد أمر بتعجيله.
وأيضا روى أبو إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي عليه السلام أن النبي
صلى الله عليه وآله قال: " من ملك زادا وراحلة تبلغه إلى الحج ولم يحج فلا
عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا ".
فتوعده على التأخير، فلو لا أنه يقتضي الفور لم يتوعده على تأخيره.
مسألة 23: أشهر الحج: شوال، وذو القعدة إلى طلوع الفجر من يوم
النحر، فإذا طلع الفجر فقد انقضت أشهر الحج. وبه قال الشافعي، وابن مسعود،
وابن الزبير.
وقال أبو حنيفة: شوال، وذو القعدة، وعشرة أيام من ذي الحجة. فجعل يوم
34

النحر آخرها، فإذا غربت الشمس منه فقد خرجت أشهر الحج. وقد روى ذلك
أصحابنا.
وقال مالك: شوال، وذو القعدة، وذو الحجة ثلاثة أشهر كاملة. وقد روي
ذلك في بعض رواياتنا.
وعن ابن عمرو ابن عباس روايتان كقولنا وقول مالك.
دليلنا: إجماع الفرقة على أن أشهر الحج يصح أن يقع فيه الإحرام
بالحج، ولا يصح الإحرام بالحج إلا في الأشهر التي ذكرناها، لأنه إذا طلع الفجر
من يوم النحر فقد فات وقت الإحرام بالحج، ولهذا رجحنا هذه الرواية على
الروايات الباقية.
وأيضا فما اعتبرناه مجمع عليه على أنه من أشهر الحج، وليس على قول من
قال بخلافه دليل.
مسألة 24: لا ينعقد الإحرام بالحج ولا العمرة التي يتمتع بها إلى الحج إلا
في أشهر الحج، فإن أحرم في غيرها انعقد إحرامه بالعمرة. وبه قال جابر بن
عبد الله، وابن عباس، وعطاء، وعكرمة، والأوزاعي، وأحمد، وإسحاق، ومالك،
والشافعي.
وقال أبو حنيفة والثوري: يتعقد في غيرها إلا أن الإحرام فيها أفضل وهو
المسنون، وإذا أحرم في غيرها أساء وانعقد إحرامه.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا فلا خلاف أن الإحرام بالحج ينعقد في
الأشهر التي قدمنا ذكرها، وليس على قول من قال بانعقادها في غيرها دليل.
مسألة 25: جميع السنة وقت العمرة المبتولة، ولا تكره في شئ منها. وبه
قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: تكره في خمسة أيام، وهي أيام أفعال الحج، عرفة والنحر،
35

والتشريق.
وقال أبو يوسف: تكره في أربعة أيام النحر والتشريق.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا ما دل على وجوب العمرة أو ندبها لم يخصص
بوقت دون وقت، وكراهتها في وقت يحتاج إلى دليل.
مسألة 26: يجوز أن يعتمر في كل شهر، بل في كل عشرة أيام.
وقال أبو حنيفة والشافعي: له أن يعتمر ما شاء.
وقال مالك: لا يجوز إلا مرة، وبه قال سعيد بن جبير، والنخعي، وابن
سيرين.
دليلنا: إجماع الفرقة، وكل خبر ورد في الحث على العمرة لم يخصص
بعدد دون عدد.
وروي عن علي عليه السلام أنه قال: في كل شهر عمرة، أو في كل عشرة
أيام عمرة.
واعتمر ابن عمر أعواما في كل عام عمرتين، في أيام ابن الزبير.
وروى القاسم بن محمد أن عائشة اعتمرت في شهر واحد عمرتين، فقال
رجل للقاسم: فما أنكرتم عليها؟ فقال القاسم: أم المؤمنين كيف ينكر عليها،
فاستحيى الرجل.
وأنس كلما حمم رأسه اعتمر - يعني نبت شعره - ولا مخالف لهم في
الصحابة.
مسألة 27: لا يجوز إدخال الحج على العمرة، ولا إدخال العمرة على
الحج إذا كان أحرم بالحج وحده، بل كل واحد منهما له حكم نفسه. فإن أحرم
بالعمرة التي يتمتع بها إلى الحج، فضاق عليه الوقت، أو حاضت المرأة جعله
حجة مفردة ومضى فيه. وإن أحرم بالحج مفردا ثم أراد التمتع، جاز له أن يتحلل
36

ثم ينشئ الإحرام بعد ذلك بالحج، فيصير متمتعا.
فأما أن يحرم بالحج قبل أن يفرع من مناسك العمرة، أو بالعمرة قبل أن
يفرع من مناسك الحج، فلا يجوز على حال.
وقال جميع الفقهاء يجوز إدخال الحج على العمرة بلا خلاف بينهم. وأما
إدخال العمرة على الحج، إذا أحرم بالحج وحده وأراد إدخال العمرة عليه
فللشافعي فيه قولان:
قال في القديم: يجوز، وبه قال أبو حنيفة.
وقال في الجديد: لا يجوز، وهو الأصح عندهم.
دليلنا: على ما فصلناه: إجماع الفرقة، وأما ما ذكروه فليس في الشرع ما
يدل عليه، فوجب نفيه.
مسألة 28: العمرة فريضة مثل الحج. وبه قال الشافعي في الأم وبه قال
ابن عمر، وابن عباس، وسائر الصحابة، ومن التابعين سعيد بن جبير، وابن
المسيب، وعطاء، وفي الفقهاء الثوري، وأحمد، وإسحاق.
وقال في القديم: سنة مؤكدة، وما علمت أحدا رخص في تركها وإليه أومئ
في أحكام القرآن، وأما لي حرملة، وبه قال في الصحابة ابن مسعود، وهو قول
الشعبي، ومالك، وأبي حنيفة وأصحابه.
دليلنا: قوله تعالى " وأتموا الحج والعمرة لله " والإتمام لا يتم إلا بالدخول،
فوجب الدخول أيضا.
وروي عن علي عليه السلام وعمر أنهما قالا: إتمامها أن تحرم بها من دويرة
أهلك.
وروي عن ابن مسعود أنه قرأ: وأقيموا الحج والعمرة لله.
وأيضا فإن الله تعالى قرن العمرة بالحج في قوله: " وأتموا الحج والعمرة
لله " بلفظ واحد، فإذا كان الحج واجبا فالعمرة مثله.
37

وأيضا عليه إجماع الفرقة.
وأيضا فإذا اعتمر برئت ذمته بلا خلاف، وإذا لم يعتمر لم تبرأ ذمته بيقين،
فالاحتياط يقتضي فعلها.
وروى ابن سيرين عن زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وآله قال:
" الحج والعمرة فريضتان، لا يضرك بأيهما بدأت " وهذا نص.
وروي عن عائشة قالت: قلت: يا رسول الله على النساء جهاد؟ فقال:
" نعم، جهاد لا قتال فيه، الحج والعمرة ".
فأخبر أن عليهن جهادا، وفسره بالحج والعمرة، ثبت أنهما واجبة.
مسألة 29: القارن مثل المفرد سواء، إلا أنه يقرن بإحرامه سياق الهدي
ولذلك سمي قارنا، ولا يجوز أن يجمع بين الحج والعمرة في حالة واحدة،
ولا يدخل أفعال العمرة قط في أفعال الحج.
وقال جميع الفقهاء: أن القارن هو من قرن بين الحج والعمرة في إحرامه،
فيدخل أفعال العمرة في أفعال الحج.
دليلنا: إجماع الفرقة المحقة، وأيضا من قال: إن أفعال العمرة تدخل في
أفعال الحج، يحتاج قوله إلى دليل، وليس في الشرع ما يدل عليه.
مسألة 30: إذا قرن بين الحج والعمرة في إحرامه لم ينعقد إحرامه إلا
بالحج، فإن أتى بأفعال الحج لم يلزمه دم، وإن أراد أن يأتي بأفعال العمرة
ويحل ويجعلها متعة جاز ذلك، ويلزمه الدم.
وقد بينا ما يريد الفقهاء بالقران، واختلفوا في لزوم الدم.
فقال الشافعي، ومالك، والأوزاعي، والثوري، وأبو حنيفة وأصحابه: يلزمه
دم.
وقال الشعبي: عليه بدنه.
38

وقال طاووس: لا شئ عليه، وبه قال داود.
وحكي عن محمد بن داود أنه استفتي عن هذا بمكة، فأفتى بمذهب أبيه،
فجروا برجله.
دليلنا: على ما فصلناه: إجماع الفرقة، وأيضا فإن كل من قال: إن القران
ما فسرناه قال بما فصلناه، ولأن الأصل براءة الذمة، فمن قال إنه إذا أتى بأفعال
الحج وحده لزمه دم فعليه الدلالة.
مسألة 31: إذا أراد المتمتع أن يحرم بالحج، فينبغي أن ينشئ الإحرام من
جوف مكة ويحرم منها، فإن خالف وأحرم من غيرها وجب عليه أن يرجع إلى
مكة ويحرم منها، سواء كان أحرم من الحل أو الحرم إذا أمكنه، فإن لم يمكنه
مضى على إحرامه وتمم أفعال الحج، ولا يلزمه دم لهذه المخالفة.
وقال الشافعي: إن أحرم من خارج مكة وعاد إليها فلا شئ عليه، وإن لم
يعد إليها ومضى على وجهه إلى عرفات فإن كان أنشأ الإحرام من الحل فعليه دم
قولا واحدا، وإن أنشأه من الحرم ما بين مكة والحل فعلى قولين: أحدهما: عليه
دم، والآخر: لا دم عليه.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، ومن أوجب عليه دما لمكان ما قلناه فعليه
الدلالة.
مسألة 32: المفرد إذا أراد أن يحرم بالعمرة بعد الحج، وجب عليه أن
يحرم من خارج الحرم، فإن خالف وأحرم من مكة وطاف وسعى وحلق
لا يكون معتمرا، ولا يلزمه دم.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه.
والثاني: تكون عمرة صحيحة.
دليلنا: أن كون ذلك عمرة يحتاج إلى شرع، وليس في الشرع ما يدل
39

عليه.
وأيضا فقد ثبت وجب العمرة، وإذا أتى بالإحرام من خارج الحرم برئت
ذمته بلا خلاف، وليس على براءة ذمته إذا أحرم من غيره دليل.
مسألة 33: التمتع أفضل من القران والإفراد. وبه قال أحمد بن حنبل،
وهو قول الشافعي في اختلاف الحديث.
وقال في عامة كتبه: الإفراد أفضل وبه قال مالك، وقال: التمتع أفضل من
القران.
وقال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه والمزني: القران أفضل.
وكره عمر المتعة، وكره زيد بن صوحان القران، وكذلك سلمان ابن
ربيعة.
دليلنا: إجماع الفرقة المحقة، وأيضا التمتع يأتي بعمرة وبالحج، ولا يجوز
أن يكون من يأتي بالحج وحده أفضل ممن يأتي بهما.
وأيضا ما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وآله قال: " لو أني استقبلت من
أمري ما استدبرت لما سقت الهدي، ولجعلتها عمرة "، فتأسف على فوات إحرامه
بالعمرة، ولا يأسف إلا على ما هو أفضل.
وأيضا فإنه إذا تمتع أتى بكل واحد من النسكين في وقت شريف، وإذا أفرد
أتى بالعمرة في غير أشهر الحج.
مسألة 34: عندنا أن النبي صلى الله عليه وآله حج قارنا على ما فسرناه في
القران.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: حج قارنا على ما يفسرونه.
وقال الشافعي: حج النبي صلى الله عليه وآله مفردا.
دليلنا: إجماع الفرقة.
40

وأيضا روى البراء بن عازب أن عليا عليه السلام وأبا موسى الأشعري أحرما
باليمن وقالا: إهلالا كإهلال رسول الله صلى الله عليه وآله، فلما قدم علي عليه
السلام على رسول الله صلى الله عليه وآله، قال له النبي صلى الله عليه وآله: " بم
أهللت؟ " فقال له: إهلالا كإهلال رسول الله صلى الله عليه وآله قال: " أما أني
سقت الهدي وقرنت ".
وروى جابر أن النبي صلى الله عليه وآله قال: " لو استقبلت من أمري ما
استدبرت لما سقت الهدي ولجعلتها عمرة ".
فتأسف على فوات إحرامه بالعمرة، لأن في فوتها التمتع الذي هو أفضل
على ما دللنا عليه.
فهذا الخبر يدل على ثلاثة أشياء:
أحدها: أن النبي صلى الله عليه وآله حج قارنا.
والثاني: أن القران ما قلناه دون ما قالوه.
والثالث: أن التمتع أفضل.
مسألة 35: دم التمتع نسك، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه.
وقال الشافعي: هو دم جبران.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا قوله تعالى: " والبدن جعلناها لكم من شعائر
الله لكم فيها خير فاذكروا اسم الله عليها صواف فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها
وأطعموا القانع والمعتر ".
فأخبر أنها من الشعائر، وأمرنا بالأكل، فلو كان دم جبران لما أمرنا بالأكل
منها.
مسألة 36: المتمتع إذا أحرم بالحج من مكة لزمه دم بلا خلاف، فإن أتى
الميقات وأحرم منه لم يسقط عنه فرض الدم.
41

وقال جميع الفقهاء: يسقط عنه الدم.
دليلنا: طريقة الاحتياط، فإنه إذا فعل ما قلناه برئت ذمته بلا خلاف، وإذا
لم يفعل ففيه الخلاف.
مسألة 37: من أحرم بالحج ودخل مكة، جاز أن يفسخه ويجعله عمرة،
ويتمتع بها.
وخالف جميع الفقهاء في ذلك، وقالوا: إن هذا منسوخ.
دليلنا: إجماع الفرقة، والأخبار التي رويناها.
وأيضا لا خلاف إن ما قلناه هو الذي أمر به النبي صلى الله عليه وآله
أصحابه، وقال لهم: " من لم يسق هديا فليحل وليجعلها عمرة " وروى ذلك
جابر وغيره بلا خلاف في ذلك، وهذا صريح. ومن ادعى النسخ فعليه الدلالة،
وما يدعى في هذا الباب خبر واحد لا ينسخ بمثله المعلوم.
مسألة 38: إذا أتى بالإحرام في غير أشهر الحج، وفعل بقية أفعال العمرة
في أشهر الحج لا يكون متمتعا، ولا يلزمه دم.
وللشافعي فيه قولان، أحدهما: لا يجب عليه الدم كما قلناه. والثاني: يلزمه
دم التمتع. وبه قال أبو حنيفة.
وقال ابن سريج: إن جاوز الميقات محرما بعمرته في أشهر الحج لزمه دم،
وإن جاوزه في غير أشهر الحج فلا دم عليه.
وهذا مثل قولنا، لأن ما قبل الميقات عندنا لا يعتد به، والمراعي أن يحرم من
الميقات.
دليلنا: إجماع الفرقة على أن من شرط العمرة التي يتمتع بها أن تقع في
أشهر الحج، فإذا فعل الإحرام في غيرها لم يفعل جميع العمرة فيها، فمن أجاز
ذلك وأوجب عليه الدم فعليه الدلالة.
42

مسألة 39: إذا أحرم المتمتع من مكة بالحج، ومضى إلى الميقات، ثم
مضى منه إلى عرفات لم يسقط عنه الدم.
وقال الشافعي: إن مضى منها إلى عرفات لزمه دم قولا واحدا.
وإن مضى إلى الميقات، ثم منه إلى عرفات على وجهين: أحدهما: لا دم
والثاني: عليه الدم.
دليلنا: قوله تعالى: " فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي "
ولم يفرق، فمن خصه فعليه الدلالة.
مسألة 40: من أحرم بالتمتع بعد الميقات ولا يمكنه الرجوع صحت متعته،
ولزمه الدم.
وقال الشافعي في القديم: لا يلزمه دم التمتع، لكن يلزمه دم لأنه ترك
الإحرام من الميقات. ولم يراع إمكان الرجوع ولا تعذره.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
وأيضا قوله تعالى: " فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي "
ولم يفرق.
مسألة 41: نية التمتع لا بد منها.
وللشافعي فيه وجهان، أحدهما: شرط، والثاني: لا يفتقر إلى النية.
دليلنا: قوله تعالى: " وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين " والتمتع
عبادة، ولا تكون العبادة على وجه الإخلاص إلا بالنية.
وأيضا فلا خلاف أنه إذا نوى، أن تمتعه صحيح، وإذا لم ينو لا دليل على
صحته.
مسألة 42: فرض المكي ومن كان من حاضري المسجد الحرام القران
43

والإفراد، فإن تمتع سقط عنه الفرض، ولم يلزمه دم.
وقال الشافعي: يصح تمتعه وقرانه وليس عليه دم.
وقال أبو حنيفة: يكره له التمتع والقران، فإن خالف وتمتع فعليه دم
المخالفة دون التمتع والقران.
دليلنا: قوله تعالى: " فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي
- إلى قوله - ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام ".
معناه أن الهدي لا يلزم إلا من لم يكن من حاضري المسجد، ويجب أن
يكون قوله ذلك راجعا إلى الهدي لا إلى التمتع، لأنه يجري مجرى قول القائل:
من دخل داري فله درهم، ذلك لمن لم يكن غاصبا في أن ذلك يرجع إلى
الجزاء دون الشرط، ولو قلنا أنه راجع إليهما وقلنا إنه لا يصح منهم التمتع أصلا
لكان قويا.
مسألة 43: من ليس من حاضري المسجد الحرام فرضه التمتع، فإن أفرد
أو قرن مع الاختيار لم تبرأ ذمته، ولم تسقط حجة الإسلام.
وخالف جميع الفقهاء في ذلك وقالوا إنها تسقط.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأخبارهم وأيضا فذمته مشغولة بحجة الإسلام بلا
خلاف، وإذا تمتع برئت ذمته بلا خلاف، وإذا أفرد أو قرن فليس على براءة ذمته
دليل.
مسألة 44: إذا أحرم بالحج متمتعا وجب عليه الدم إذا أهل بالحج، ويستقر
في ذمته. وبه قال أبو حنيفة والشافعي.
وقال عطاء: لا يجب حتى يقف بعرفة.
وقال مالك: لا يجب حتى يرمي جمرة العقبة.
دليلنا: قوله تعالى: " فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي "
44

فجعل الحج غاية لوجوب الهدي، والغاية وجود أول الحج دون إكماله يدل
عليه قوله تعالى: " ثم أتموا الصيام إلى الليل " كانت الغاية دخول أول الليل دون
إكماله كله.
وروى ابن عمر قال: تمتع الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله
فقال عليه السلام: " من كان معه هدي فإذا أهل بالحج فليهد ومن لم يكن معه
هدي فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله " وهذا نص.
مسألة 45: لا يجوز إخراج الهدي قبل الإحرام بالحج.
وقال الشافعي: إذا أخرج ذلك، إذا تحلل من العمرة وقبل الإحرام بالحج
على قولين، أحدهما: لا يجوز. والثاني: يجوز.
دليلنا: أنه لا يجب عليه قبل الإحرام بالحج بلا خلاف بيننا، فإخراج ما لم
يجب عليه عما يجب عليه فيما بعد يحتاج إلى دليل.
مسألة 46: إذا أحرم بالحج وجب الهدي على ما قلناه، ولا يجوز له
إخراجه إلى يوم النحر. وبه قال أبو حنيفة.
وقال الشافعي: إذا أحرم بالحج يجوز له إخراجه قولا واحدا، ولا يجوز قبل
الإحلال من العمرة قولا واحدا.
دليلنا: إنا قد اتفقنا على أنه إذا أخرجه يوم النحر أجزأه، ولا دليل على
إجزائه قبل ذلك.
مسألة 47: لا يجوز الصيام بدل الهدي إلا بعد عدم الهدي، وعدم ثمنه،
فإن عدمهما جاز له الصوم، وإن لم يحرم بالحج بأن يصوم يوما قبل التروية ويوم
التروية ويوم عرفة، وقد روي رخصة في أول العشر.
وقال أبو حنيفة: إذا أهل بالعمرة يجوز له الصيام إذا عدم الهدي ودخل
45

وقته، ولا يزال كذلك إلى يوم النحر.
وقال الشافعي: لا يجوز له الصيام إلا بعد الإحرام بالحج وعدم الهدي، ولا
يجوز له الصوم قبل الإحرام بالحج قولا واحدا.
ووقت الاستحباب أن يكون آخره يوم التروية، ووقت الجواز أن يكون آخره
يوم عرفة.
دليلنا: أنه لا خلاف بين الطائفة أن الواجب أن يصوم الثلاثة أيام التي
ذكرناها مع الاختيار، وأن الإحرام بالحج ينبغي أن يكون يوم التروية، فخرج
من ذلك جواز الصوم قبل الإحرام بالحج.
مسألة 48: لا يجوز صيام أيام التشريق في الحج بدل الهدي في أكثر
الروايات، وعند المحصلين من أصحابنا. وبه قال علي عليه السلام في الصحابة،
وإليه ذهب أهل العراق، وبه قال الشافعي في الجديد.
وقال في القديم: يصومها، وبه قال ابن عمر، وعائشة، وفي الفقهاء مالك
وأحمد وإسحاق.
وقد روي في بعض روايات أصحابنا ذلك.
دليلنا: إجماع الفرقة على أن صوم أيام التشريق محرم لمن كان بمنى،
وأخبارنا في هذا المعنى قد أوردناها في الكتاب المقدم ذكره.
وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله نهى عن صيام ستة أيام: يوم
الفطر، والأضحى، وأيام التشريق، واليوم الذي يشك فيه من رمضان.
وروى عمرو بن سليم عن أبيه قال: بينا نحن بمنى إذ أقبل علي بن أبي طالب
عليه السلام على جمل أحمر ينادي: أن الرسول صلى الله عليه وآله قال: إنها أيام
أكل وشرب فلا يصومن أحد فيها.
وقد أوردنا في الكتاب ما فيه كفاية من الأخبار من طرقنا، وأنهم قالوا:
يصبح ليلة الحصبة صائما، وهي بعد انقضاء أيام التشريق.
46

مسألة 49: لا يصوم التطوع ولا صوما واجبا عليه ولا صوما نذره فيها بل
يقضيها ولا صوما له به عادة في أيام التشريق، هذا إذا كان بمنى، فأما إذا كان في
غيره من البلدان فلا بأس أن يصومهن.
وقال أصحاب الشافعي في غير صوم التمتع لا يجوز صومه على حال.
وماله سبب كالنذر والقضاء أو وافق صوم يوم له به عادة، فعلى وجهين:
أحدهما: لا يجوز.
وقال أبو إسحاق: يجوز كل صوم له سبب.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا فإن النهي عام عن صوم هذه الأيام، فوجب
حملها على عمومها.
فأما الفرق بين منى وغيرها من الأمصار فالمرجع فيه ما روته الطائفة فقط.
مسألة 50: إذا تلبس بالصوم ثم وجد الهدي، لم يجب عليه أن يعود إليه،
وله المضي فيه وله الرجوع إلى الهدي بل هو الأفضل. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: إن وجده وهو في صوم السبعة مثل قولنا. وإن كان في
الثلاثة بطل صومه، وإن وجده بعد أن صام الثلاثة فإن كان ما أحل من إحرامه
بطل صومه أيضا وعليه الهدي، وإن كان أحل من إحرامه فقد مضى صومه.
وهكذا مذهبه في كل كفارة على الترتيب متى وجد الرقبة وهو في الصوم
فعليه أن يعود إلى الرقبة.
وهكذا المتيمم إذا وجد الماء بعد تلبسه بالصلاة. ووافقه المزني في كل
هذا.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا من عدم الهدي وثمنه كان فرضه الصوم، فإذا
تلتبس فقد دخل في فرضه، فمن أوجب عليه الانتقال إلى فرض آخر فعليه الدلالة.
مسألة 51: إذا أحرم بالحج ولم يصم، ثم وجد الهدي، لم يجز له الصوم
47

ووجب عليه الهدي.
وللشافعي فيه ثلاثة أقوال مبنية على أقواله في الكفارات.
أحدها: أن الاعتبار بحال الوجوب، فعلى هذا فرضه الصيام فإن أهدى كان
أفضل.
والثاني: الاعتبار بحال الأداء.
والثالث: بأغلظ الأحوال، فعلى الوجهين يجب عليه الهدي.
دليلنا: الإجماع على أنه إذا أهدى برئت ذمته، وليس على قول من قال: إنه
إذا صام برئت ذمته دليل.
مسألة 52: قد بينا أنه إن لم يصم الثلاثة أيام التي قبل النحر، فلا يصوم أيام
التشريق ويصوم بعدها، ويكون أداء إلى أن يهل المحرم، فإذا أهل المحرم فإن
وقت الصوم قد فات، ووجب عليه الهدي واستقر في ذمته.
وقال أبو حنيفة: إذا لم يصم إلى أن يجئ يوم النحر سقط الصوم، فلا يفعل
أبدا، ويستقر الهدي في ذمته.
وقال الشافعي في قوله في القديم: يصوم أيام التشريق ويكون أداء، ويعدها
يصومها ويكون قضاء.
وعلى قوله في الجديد: لا يصوم أيام التشريق ويصوم بعدها ويكون قضاء.
وقال ابن سريج: فيها قول آخر مثل قول أبي حنيفة.
دليلنا: إجماع الفرقة على أنه يصوم بعد أيام التشريق ولم يقولوا بأنه يكون
قضاء، وتسميته بأنه قضاء يحتاج إلى دليل.
فأما استقرار الهدي في ذمته بعد النحر فيحتاج إلى دلالة، واستقراره بعد
المحرم فعليه إجماع الفرقة.
وأيضا قوله تعالى: " فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج " وروي عنهم
عليهم السلام أنهم قالوا: يعني في ذي الحجة، فدل على ما قلناه، لأن هذا قد فاته
48

صوم ذي الحجة.
مسألة 53: صوم السبعة أيام لا يجوز إلا بعد أن يرجع إلى أهله، أو يصبر
بمقدار مسير الناس إلى أهله، أو يمضي عليه شهر ثم يصوم بعده.
وقال أبو حنيفة: إذا فرع من أفعال الحج جاز له صوم السبعة قبل أن يأخذ
في السير.
وللشافعي فيه قولان:
قال في الحرملة ونقله المزني: إن المراد هو الرجوع إلى أهله كما قلناه.
وقال: في الإملاء هذا إذا أخذ في السير خارج مكة بعد فراغه من أفعال
الحج وفي أصحابه من يجعل مثل قول أبي حنيفة القول الثاني.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم فإنهم فصلوا ما قلناه وبينوه، وقد أوردنا ما
روي عنهم في الكتاب المقدم ذكره.
ويدل على ذلك قوله تعالى: " وسبعة إذا رجعتم " فلا يخلو من أن يريد
رجوعا عن أفعال الحج، أو عن وقته، أو الأخذ في السير، أو الرجوع إلى وطنه.
فبطل أن يريد عن أفعاله لأنه إنما يقال فيه: فرع منها ولا يقال: رجع عنها.
وبطل أن يريد الوقت لأنه لا يجوز أن يقال: رجع عن زمان كذا.
وبطل أن يريد الأخذ في المسير لأنه ليس بالرجوع، والرجوع في الحقيقة
الرجوع إلى موضعه.
ولأن السفر لا يجوز فيه الصيام عندنا على ما بيناه في كتاب الصوم. فلم يبق
إلا أنه أراد الرجوع إلى الوطن.
وروى جابر عن النبي صلى الله عليه وآله قال: " من لم يجد الهدي فليصم
ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله " وهذا نص.
مسألة 54: إذا لم يصم في مكة ولا في طريقه حتى عاد إلى وطنه، صام
49

الثلاثة متتابعة والسبعة مخير فيها، ويجوز أن يصوم العشر متتابعة.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه.
والثاني: أنه يفصل بين الثلاثة والسبعة.
وكيف يفصل؟ له فيه خمسة أقوال، أحدهما: أربعة أيام وقدر المسافة.
والثاني: أربعة أيام. والثالث: يفصل قدر المسافة. والرابع: لا يفصل بينهما،
والخامس: يفصل بينهما بيوم.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا فإيجاب الفصل بينهما يحتاج إلى دليل،
وليس في الشرع ما يدل عليه.
مسألة 55: يستحب للمتمتع أن يحرم بالحج يوم التروية بعد الزوال. وبه
قال الشافعي، سواء كان واجدا للهدي أو عادما له.
وقال مالك: المستحب أن يحرم إذا أهل ذو الحجة.
دليلنا: إجماع الفرقة، وقد ذكرنا أخبارهم في ذلك.
مسألة 56: إذا أفرد الحج عن نفسه، فلما فرع من الحج خرج إلى أدنى
الحرم فاعتمر لنفسه ولم يعد إلى الميقات لا دم عليه، وهكذا من تمتع ثم اعتمر
بعد ذلك من أدنى الحرم.
وكذلك إذا أفرد عن غيره أو تمتع أو قرن ثم اعتمر لنفسه من أدنى الحل
كل هذا لا دم لتركه الإحرام من الميقات بلا خلاف.
وأما إن أفرد عن غيره ثم اعتمر لنفسه من خارج الحرم دون الحل، قال
الشافعي في القديم: عليه دم.
وقال أصحابه: على هذا لو اعتمر عن غيره ثم حج عن نفسه، فأحرم بالحج
من جوف مكة فعليه دم لتركه الإحرام من الميقات، وعندنا أنه لا دم عليه.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، فمن ألزمها شيئا احتاج إلى دليل.
50

مسألة 57: إذا أكمل التمتع أفعال العمرة، تحلل منها إذا لم يكن ساق
الهدي، فإن كان ساق الهدي لا يمكنه التحلل ولا يصح له التمتع ويكون قارنا
على مذهبنا في القران.
وقال الشافعي: إذا فعل أفعال العمرة تحلل، سواء ساق الهدي أو لم يسق.
وقال أبو حنيفة: إن لم يكن معه هدي لم يحل من العمرة، لكنه يحرم
بالحج ولا يحل حتى يحل منهما.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا لا خلاف أن النبي صلى الله عليه وآله لم
يحل، وقال: " لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ".
وهذا يدل على بطلان مذهب الشافعي في قوله: إن له أن يحل على كل
حال، لأن النبي صلى الله عليه وآله جعل العلة في ترك التحلل سياق الهدي.
ويدل على بطلان مذهب أبي حنيفة في قوله: أن يحرم بالحج، وإن لم يحل
لأنه لو جاز ذلك لفعله النبي صلى الله عليه وآله، وقد علمنا أنه لم يفعل، وإنما
مضى على إحرامه الأول.
وروت حفصة قالت: قلت يا رسول الله ما شأن الناس حلوا ولم تحلل أنت
من عمرتك؟ فقال: " إني لبدت رأسي وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر ".
مسألة 58: المواقيت الأربعة لا خلاف فيها، وهي: قرن المنازل، ويلملم -
وقيل: المسلم - والجحفة، وذو الحليفة. فأما ذات عرق، فهو آخر ميقات أهل
العراق، لأن أوله المسلخ، وأوسطه غمرة، وآخره ذات عرق.
وعندنا أن ذلك منصوص عليه من النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم
السلام بالإجماع من الفرقة وأخبارهم.
وأما الفقهاء، فقد اختلفوا فيه:
فذهب طاووس، وأبو الشعثاء جابر بن زيد، وابن سيرين إلى أنه ثبت قياسا.
فقال طاووس: لم يوقت رسول الله صلى الله عليه وآله ذات عرق، ولم يكن
51

حينئذ أهل المشرق، فوقت الناس ذات عرق.
وأما أبو الشعثاء فقال: لم يوقت رسول الله صلى الله عليه وآله لأهل
المشرق شيئا، فاتخذ الناس بحيال قرن ذات عرق.
وابن سيرين قال: وقت عمر بن الخطاب ذات عرق لأهل العراق.
وقال عطاء: ما ثبت ذات عرق إلا بالنص، وقال: كذلك سمعنا أنه وقت
ذات عرق أو العقيق لأهل المشرق.
وقال الشافعي في الأم: لا أحسبه إلا كما قال طاووس.
وقال أصحابه: ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله نص في ذلك.
دليلنا: ما قلناه من إجماع الفرقة وأخبارهم.
وأيضا روى القاسم بن محمد، عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وآله وقت
لأهل العراق ذات عرق.
وروى أبو الزبير، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وآله أنه وقت لأهل
المشرق ذات عرق.
وقال الشافعي: الإهلال لأهل المشرق من العقيق كان أحب إلي وكذلك
قال أصحابه.
مسألة 59: من جاوز الميقات مريدا لغير النسك، ثم تجدد له إحرام
بنسك رجع إلى الميقات مع الإمكان، وإلا أحرم من موضعه.
وقال الشافعي: يحرم من موضعه ولم يفصل.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا توقيت النبي صلى الله عليه وآله المواقيت يدل
على ذلك، لأنه لو جاز الإحرام من موضعه لم يكن لذلك معنى.
وطريقة الاحتياط تقتضي ذلك، لأنه إذا فعل ما قلناه صح نسكه بلا
خلاف، وإذا لم يفعل ففيه الخلاف.
52

مسألة 60: المجاور بمكة إذا أراد الحج أو العمرة خرج إلى ميقات أهله إن
أمكنه، وإن لم يمكنه فمن خارج الحرم.
وقال الشافعي: يحرم من موضعه.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 61: من جاوز الميقات محلا، فأحرم من موضعه وعاد إلى الميقات
قبل التلبس بشئ من أفعال النسك أو بعده لا دم عليه.
وقال الشافعي: إن كان عوده بعد التلبس بشئ من أفعاله، مثل أن يكون
طاف طواف الورود، وجب عليه دم، وإن كان قبل التلبس لا دم عليه، وبه قال
الحسن البصري، وسعيد بن جبير، وأبو يوسف، ومحمد.
وقال مالك، وزفر: يستفز الدم عليه متى أحرم دونه، ولا ينفعه رجوعه.
وقال أبو حنيفة: إن عاد إليه ولبى فلا دم عليه، وإن لم يلب فيه فعليه دم.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، وليس على وجوب ما قالوه دليل.
مسألة 62: لا يجوز الإحرام قبل الميقات، فإن أحرم لم ينعقد إحرامه إلا أن
يكون نذر ذلك.
وقال أبو حنيفة: الأصل أن يحرم قبل الميقات.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل قول أبي حنيفة.
والثاني: الأفضل من الميقات إلا أنه ينعقد قبله على كل حال.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا فالإحرام من الميقات مقطوع على صحته
وانعقاده، وليس على انعقاده قبل الميقات دليل، والأصل براءة الذمة.
وأيضا لا خلاف أن النبي صلى الله عليه وآله أحرم من الميقات، ولو كان
يصح قبله أو كان فيه فضل لما تركه عليه الصلاة والسلام.
53

مسألة 63: يستحب الغسل عند الإحرام، وعند دخول مكة، وعند دخول
المسجد الحرام، وعند دخول الكعبة، وعند الطواف، والوقوف بعرفة، والوقوف
بالمشعر.
وللشافعي فيه قولان:
أحدهما: في سبع مواضع: للإحرام، ولدخول مكة، وللوقوف بعرفة،
وللمبيت بالمزدلفة، ولرمي الجمار الثلاث، ولا يغتسل لرمي جمرة العقبة.
وقال في القديم: لتسع مواضع هذه السبع مواضع، ولطواف الزيارة،
وطواف الوداع.
دليلنا: إجماع الفرقة، ولأن ما ذكرناه مستحب بلا خلاف، والزائد عليه
ليس عليه دليل.
مسألة 64: يكره أن يتطيب للإحرام قبل الإحرام إذا كانت تبقى رائحته إلى
بعد الإحرام.
وقال الشافعي: يستحب أن يتطيب للإحرام، سواء كانت تبقى رائحته وعينه
مثل الغالية والمسك، أو لا تبقى له عين وإنما تبقى له الرائحة كالبخور والعود
والند. وبه قال عبد الله بن الزبير، وابن عباس، ومعاوية، وسعد بن أبي وقاص،
وأم حبيبة، وعائشة، وأبو حنيفة، وأبو يوسف.
وكان محمد معهما حتى حج الرشيد، فرأى الناس كلهم متطيبين، فقال:
هذا شنيع، فامتنع منه.
وقال مالك مثل قولنا إنه يكره، فإن فعله فعليه أن يغتسل، وإن لم يفعل
وأحرم على ما هو عليه فعليه الفدية، وبه قال عطاء، وروي ذلك عن عمر بن
الخطاب.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا أجمعت الأمة على أنه لا يجوز للمحرم الطيب،
ولم يفصلوا بين استئنافه واستدامته، والنهي متناول للحالين، وطريقة الاحتياط
54

تقتضي ذلك.
وأما أخبارنا فهي أكثر من أن تحصى قد ذكرناها في الكتاب المقدم ذكره.
وروى صفوان بن يعلى بن منية عن أبيه قال: كنا عند رسول الله صلى الله
عليه وآله بالجعرانة فأتاه رجل وعليه مقطعة - يعني جبة - وهو متضمخ
بالخلوق - وفي بعضها وعليه ردع من زعفران - فقال: يا رسول الله إني أحرمت
بالعمرة، وهذه علي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما كنت تصنع في
حجك؟ قال: كنت أنزع هذه المقطعة فاغسل هذا الخلوق، فقال له رسول الله:
فما كنت صانعا في حجتك فاصنعه في عمرتك وهذا أمر يقتضي الوجوب.
مسألة 65: يجوز أن يلبي عقيب إحرامه، والأفضل إذا علت راحلته البيداء
أن يلبي. وبه قال مالك.
وللشافعي فيه قولان:
قال في الأم والإملاء: الأفضل أن يحرم إذا انبعثت به راحلته إن كان راكبا،
وإذا أخذ في السير إن كان راجلا.
وقال في القديم: أن يهل خلف الصلاة نافلة كانت أو فريضة. وبه قال أبو
حنيفة.
دليلنا: ما ذكرناه من الأخبار في الكتاب المقدم ذكره فأما الراجل
فالأفضل أن يلبي خلف صلاته كما قال أبو حنيفة والشافعي في القديم.
مسألة 66: لا ينعقد الإحرام بمجرد النية، بل لا بد أن يضاف إليها التلبية
والسوق، أو الإشعار، أو التقليد.
وقال أبو حنيفة: لا ينعقد إلا بالتلبية أو سوق الهدي.
وقال الشافعي: يكفي مجرد النية.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا لا خلاف أن ما ذكرناه ينعقد به الإحرام، وما
55

ذكروه ليس عليه دليل.
مسألة 67: إذا أحرم كإحرام فلان وتعين له ما أحرم به عمل عليه، وإن لم
يعلم حج متمتعا.
وقال الشافعي: يحج قارنا على ما يقولون في القران.
دليلنا: إنا قد بينا أن ما يدعونه من القران لا يجوز، فإذا بطل ذلك
فالاحتياط يقتضي أن يأتي بالحج متمتعا، لأنه يأتي بالحج والعمرة وتبرأ ذمته
بيقين بلا خلاف.
مسألة 68: إذا أحرم فنسي، فإن عرف أنه أحرم بشيئين ولم يعلم ما هما
جعلهما عمرة، وإن نسي فلم يعلم بما ذا أحرم منهما، أو لم يعلم هل بهما أو
بأحدهما، مثل ذلك جعله عمرة ويتمتع.
وقال الشافعي: إن أحرم بشيئين ولم يعلم ما هما فهو قارن - على ما
يفسرونه - وإن نسي فلم يعلم بما ذا أحرم منهما، أو لم يعلم هل أهل بهما أو بأحد
هما ففيها قولان:
قال في الأم والإملاء: لا يجوز له التحري وعليه أن يقرن وبه قال أبو حنيفة.
وقال في القديم: من لبى فنسي ما نواه فأحب إلي أن يقرن.
فعلى هذا القول قال أصحابه: يتحرى.
دليلنا: أنه لا يخلو أن يكون إحرامه بالحج أو العمرة، فإن كان بالحج فقد
بينا أنه يجوز له أن يفسخه إلى عمرة يتمتع بها، وإن كان بالعمرة فقد صحت
العمرة على الوجهين، وإذا أحرم بالعمرة لا يمكنه أن يجعلها حجة مع القدرة على
إتيان أفعال العمرة، فلهذا قلنا: يجعلها عمرة على كل حال.
مسألة 69: التلبية فريضة، ورفع الصوت بها سنة، ولم أجد أحدا ذكر
56

كونها فرضا.
وقال الشافعي: إنها سنة، ولم يذكروا خلافا، وكلهم قالوا: رفع الصوت بها
سنة. وبه قال في الصحابة علي عليه السلام على ما حكوه عنه، وابن عمر،
وعائشة، وعطاء، وطاووس، ومجاهد، والنخعي، ومالك، وأحمد، وإسحاق.
دليلنا: إجماع الفرقة والأخبار الواردة المتضمنة للأمر بالتلبية، وظاهرها
يقتضي الوجوب، وطريقة الاحتياط تقتضيه.
وروى خلاد بن السائب عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وآله قال:
" أتاني جبرائيل فأمرني أن آمر أصحابي أو من معي أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية أو
بالإهلال " وظاهر الأمر يقتضي الوجوب، ولو خلينا وظاهره لقلنا إن رفع الصوت
أيضا واجب، لكن تركناه بدليل.
مسألة 70: لا يلبي في مسجد عرفة. وبه قال مالك.
وقال الشافعي: يستحب ذلك.
دليلنا: أن الحاج يجب عليه أن يقطع التلبية يوم عرفة قبل الزوال، فإن
حصل بعرفات بعدها هناك لم يجز له التلبية، وإن حصل قبل الزوال جاز له
ذلك لعموم الأخبار.
مسألة 71: لا يلبي في حال الطواف لا خفيا ولا معلنا.
وللشافعي فيه قولان، قال في الأم: لا يلبي. وقال في غير الأم: له ذلك لكنه
يخفض صوته. وبه قال ابن عباس.
دليلنا: إجماع الفرقة على أنه يجب على المتمتع أن يقطع التلبية عند
مشاهدة بيوت مكة.
وما روي عنهم عليهم السلام من قولهم: إن هؤلاء يطوفون ويسعون ويلبون،
وكلما طافوا أحلوا، وكلما لبوا عقدوا، فيخرجون لا محلين ولا محرمين.
57

وأيضا روي عن ابن عمر أنه قال: لا يلبي الطائف.
وقال سفيان ما رأيت أحدا يلبي وهو يطوف إلا عطاء بن السائب.
فالدلالة من قوله إنه إجماع، لأنه لا مخالف له.
مسألة 72: التلبية الأربعة لا خلاف في جواز فعلها على خلاف بيننا وبينهم
في كونها فرضا أو نفلا، وما زاد عليها عندنا مستحب.
وقال الشافعي: ما زاد عليها مباح، وليس بمستحب.
وحكى أصحاب أبي حنيفة عنه أنه قال: إنها مكروهة.
دليلنا: إجماع الفرقة، فأما الألفاظ المخصوصة التي رواه أصحابنا من قوله:
" لبيك ذا المعارج لبيك " وما بعدها فلم يعرفها أحد من الفقهاء.
مسألة 73: لا يجوز للمرأة لبس القفازين، وبه قال في الصحابة علي عليه
السلام، وابن عمر، وعائشة، وعطاء، وطاووس، ومجاهد، والنخعي، ومالك،
وأحمد، وإسحاق.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه، وهو الأقوى.
والآخر: لها ذلك. وبه قال أبو حنيفة، والثوري وبه قال سعد بن أبي
وقاص، فإنه أمر بناته أن يلبسن القفازين.
دليلنا: الإجماع على أنها إذا لم تلبس يصح إحرامها ويكمل، ولا دليل
على جواز لبس ذلك لها في حال الإحرام، فطريقة الاحتياط تقتضي تركهما.
وروى الليث بن سعد، عن نافع، عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله
قال: " لا تنتقب المرأة الحرام، ولا تلبس القفازين ". وهذا نص وعليه إجماع
الفرقة، لا يختلفون فيه.
مسألة 74: يكره للمرأة أن تختضب للإحرام قصدا به الزينة، فإن قصدت
58

به السنة لم تكن به بأس.
وقال الشافعي: يستحب ذلك، ولم يفصل.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وطريقة الاحتياط تقتضيه، لأن مع تركه
يتحقق كمال الإحرام، وليس على استحبابه مطلقا دليل.
مسألة 75: من لا يجد النعلين، لبس الخفين، وقطعهما حتى يكونا أسفل من
الكعبين على جهتهما. وبه قال عمر، وابن عمر، والنخعي، وعروة بن الزبير،
والشافعي، وأبو حنيفة وعليه أهل العراق.
وقال عطاء وسعيد بن مسلم: القداح يلبسهما غير مقطوعين، ولا شئ عليه
وبه قال أحمد بن حنبل وقد رواه أيضا أصحابنا وهو الأظهر.
دليلنا: أنه إذا لم يلبسهما غير مقطوعين لا خلاف في كمال إحرامه، وإذا
لبسهما كما هما فيه الخلاف.
وروى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله قال: " فإن لم يجد نعلين فليلبس
خفين وليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين " وهذا نص.
وأما الرواية الأخرى فقد ذكرناها في الكتاب الكبير المقدم ذكره.
مسألة 76: من كان معه نعلان وشمشك لا يجوز له أن يلبس الشمشك.
وقال أبو حنيفة: هو بالخيار يلبس أيهما شاء وبه قال بعض أصحاب
الشافعي.
وقال في الأم: لا يلبسهما، فإن فعل افتدى.
دليلنا: أنه إذا لم يلبسهما كمل إحرامه بلا خلاف، وإذا لبسهما ففي كماله
خلاف، فالاحتياط يقتضي تركهما.
مسألة 77: من لبس الخفين المقطوعين مع وجود النعلين لزمه الفداء.
59

وهو منصوص الشافعي وفي أصحابه من قال: لا فدية عليه وبه قال أبو
حنيفة.
دليلنا: طريقة الاحتياط، فإنه إذا كفر برئت ذمته بيقين، وإذا لم يفد ففيه
خلاف.
وأيضا ما روي عنهم عليهم السلام من قولهم: " كل من لبس ما لا يحل له
لبسه، أو أكل طعاما لا يحل له أكله فعليه فدية " وذلك داخل فيه.
مسألة 78: من لا يجد مئزرا ووجد سراويلا لبسه، ولا فدية عليه، ولا يلزمه
فتقه. وبه قال ابن عباس، والشافعي، والثوري، وأحمد بن حنبل، وأبو ثور.
وقال مالك: لا يفعل ذلك، فإن فعل فعليه الفداء.
وقال أبو حنيفة: لا يلبسه بحال، فإذا عدم الإزار لبسه مفتوقا، فإن لبسه غير
مفتوق فعليه الفداء وربما ذكر أصحابه جواز لبسه عند عدم الإزار، وإذا لبسه
فعليه الفداء.
دليلنا: ما ذكرناه في الكتاب المذكور من الأخبار، وأنهم قالوا لا بأس
بلبسه ولم يذكروا فتقه، ولا وجوب الفدية.
وأيضا الأصل براءة الذمة، وشغلها يحتاج إلى دليل.
مسألة 79: من لبس القباء، فإن أدخل كتفيه فيه ولم يدخل يديه في كميه
ولا يلبسه مقلوبا كان عليه الفداء. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: لا شئ عليه.
ومتى توشح به كالرداء لا شئ عليه بلا خلاف.
دليلنا: طريقة الاحتياط، والقطع على تمام الإحرام وصحة نسكه إذا
افتدى، وليس على قول من أسقطها دليل.
وروى ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: " لا يلبس المحرم
60

القميص ولا الأقبية ".
مسألة 80: لا يجوز للمحرم لبس السواد. ولم يكره أحد من الفقهاء ذلك.
دليلنا: إجماع الفرقة، وطريقة الاحتياط.
مسألة 81: يجب على المحرم كشف رأسه بلا خلاف، وكشف وجهه
غير واجب. وبه قال في الصحابة علي عليه السلام، وعمر، وعثمان، وعبد الرحمن،
وسعد بن أبي وقاص، وابن عباس، وابن الزبير، وزيد بن ثابت، وجابر، و مروان
بن الحكم ولا مخالف لهم فيه، وبه قال الشافعي، والثوري، وأحمد وإسحاق.
وقال أبو حنيفة ومالك: يجب عليه كشف وجهه.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا الأصل الإباحة، فمن ادعى الحظر فعليه
الدلالة.
مسألة 82: إذا حمل على رأسه مكتلا أو غيره لزمه الفداء. وبه قال
الشافعي.
وقال أبو حنيفة: لا يلزمه، وبه قال عطاء.
دليلنا: عموم ما روي في من غطى رأسه أن عليه الفدية ولم يفصلوا.
مسألة 83: إذا لبس المحرم، ثم صبر ساعة، ثم لبس شيئا آخر، ثم لبس
بعد ساعة، فعليه عن كل لبسة كفارة، سواء كفر عن الأولى أو لم يكفر،
وكذلك الحكم في الطيب.
وقال الشافعي: إن كان كفر عن الأولى لزمته الكفارة ثانية قولا واحدا وإن
لم يكفر ففيها قولان:
قال في القديم: يتداخل، فعليه كفارة واحدة، وبه قال محمد.
61

وقال في الأم والإملاء مثل ما قلناه. وبه قال أبو حنيفة وأبو يوسف.
دليلنا: أنه لا خلاف أنه يلزمه بكل لبسة كفارة، فمن ادعى تداخلها فعليه
الدلالة، وطريقة الاحتياط تقتضي ما قلناه، لأن معه تبرأ ذمته بيقين.
مسألة 84: إذا وطئ المحرم ناسيا، أو لبس أو تطيب ناسيا، لم تلزمه
الكفارة. وبه قال الشافعي، وعطاء بن أبي رباح، والثوري، وأحمد، وإسحاق.
وقال أبو حنيفة ومالك: عليه الفدية.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وطريقة براءة الذمة.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: " رفع عن أمتي ثلاث: النسيان
والخطأ وما استكرهوا عليه ".
مسألة 85: إذا لبس ناسيا في حال إحرامه، وجب عليه نزعه في الحال إذا
ذكر، فإن استدام ذلك لزمه الفداء، وإذا أراد نزعه فلا ينزعه من رأسه بل يشقه
من أسفله.
وقال الشافعي: ينزعه من رأسه.
وحكي عن بعض التابعين أنه قال: ينزعه من أسفل بأن يشقه حتى لا يغلي.
وهذا مثل ما قلناه.
وإن كان لبسه قبل الإحرام نزعه من رأسه.
دليلنا: طريقة الاحتياط، فإنه متى فعل كما قلناه كمل إحرامه بلا خلاف،
وإذا لم يفعل ففيه الخلاف، وأخبارنا صريحة بذلك مفصلة ذكرناها في الكتاب
الكبير.
مسألة 86: إذا لبس أو تطيب مع الذكر فعليه الفدية بنفس الفعل، سواء
استدامه أو لم يستدمه، حتى لو لبس ثم نزع عقيبه أو تطيب ثم غسل عقيبه. وبه
62

قال الشافعي.
وكان أبو حنيفة يقول في القديم: إن استدام اللباس أكثر النهار ففيه الفدية،
وإن كان أقل فلا فدية، وقال: أخيرا إن استدامه طول النهار ففيه الفدية، وإن كان
أقل من ذلك فلا فدية فيه، ولكن فيه الصدقة. ووافقنا في الطيب.
وعن أبي يوسف روايتان مثل قول أبي حنيفة.
دليلنا: عموم الأخبار التي تضمنت الفدية، ولم يفرقوا فيها بين من استدامه
أو لم يستدمه، وطريقة الاحتياط تقتضيه، لأنه إذا أفدى برئت ذمته بيقين، وإذا لم
يفد فيه الخلاف.
وأيضا قوله تعالى: " فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من
صيام أو صدقة أو نسك " ومعناه من كان منكم مريضا فلبس أو تطيب أو حلق
بلا خلاف، فعلق الفدية بنفس الفعل دون الاستدامة.
مسألة 87: من طيب كل العضو أو بعضه فعليه الفداء، وإن ستر بعض
رأسه فعليه الفدية، وإن وجد نعلين بعد لبس الخفين المقطوعين وجب عليه نزع
الخفين ولبسهما، فإن لم يفعل فعليه الفداء. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: إن تطيب جميع العضو، أو لبس في العضو كله كاليد
والرجل فيه الفدية، وإن لبس في بعضه أو طيب بعضه فلا فدية وتجب الصدقة إلا
في الرأس فإنه إذا أستر بعضه ففيه الفدية. فأما لبس الخفين المقطوعين أسفل من
الكعبين فلا فدية عنه، فإنه لا يستر جميع العضو.
دليلنا: عموم الأخبار، والآية، وطريقة الاحتياط.
مسألة 88: ما عدا المسك، والعنبر، والكافور، والزعفران، والورس،
والعود عندنا لا يتعلق به الكفارة إذا استعمله المحرم.
وخالف جميع الفقهاء في ذلك، فأوجبوا في استعمال ما عداها الكفارة،
63

والأخبار التي ذكرناها ليس فيها خلاف.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا الأصل براءة الذمة، وشغلها
يحتاج إلى دلالة.
مسألة 89: الريحان الفارسي إذا شمه، لا يتعلق به الفدية.
واختلف أصحاب الشافعي، فمنهم من قال مثل ما قلناه، وبه قال عطاء
وعثمان وابن عباس.
وقال آخرون: هو طيب، وبه قال ابن عمر وجابر.
دليلنا: أن الأصل الإباحة، وبراءة الذمة، فمن حظره أو أوجب به كفارة
فعليه الدلالة.
وكذلك الخلاف في النرجس، والمرزنجوش، واللفاح، والبرم،
والبنفسج.
مسألة 90: الدهن على ضربين: طيب وغير طيب.
فالطيب هو: البنفسج، والورد، والزنبق، والخيري، والنيلوفر، والبان وما
في معناها لا خلاف أن فيه الفدية على أي وجه استعمله.
والضرب الثاني ليس بطيب مثل الشيرج، والزيت، والسليخ من البان،
والزبد، والسمن لا يجوز عندنا الأدهان به على وجه، ويجوز أكله بلا خلاف.
فأما وجوب الكفارة بالادهان بما قلناه فلست أعرف فيه نصا، ويجوز أكله
بلا خلاف.
فأما وجوب الكفارة بالادهان بما قلناه فلست أعرف فيه نصا، والأصل
براءة الذمة.
واختلف الناس على أربعة مذاهب:
فقال أبو حنيفة: فيه الفدية على كل حال.
64

وقال الحسن بن صالح بن حي: لا فدية فيه بحال.
وقال الشافعي: فيه الفدية في الرأس واللحية، ولا فدية فيما عداهما.
وقال مالك: إن دهن به ظاهر بدنه ففيه الفدية، وإن كان في بواطن بدنه فلا
فدية.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، فمن أوجب فيه الفدية فعليه الدلالة.
وروى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله أدهن وهو محرم بزيت.
مسألة 91: من أكل طعاما فيه شئ من الطيب، فعليه الفدية على جميع
الأحوال.
وقال مالك: إن مسته النار فلا فدية.
وقال الشافعي: إن كانت أوصافه باقية من طعم أو لون أو رائحة فعليه
الفدية، وإن بقي له وصف ومعه رائحة ففيه الفدية قولا واحدا.
وإن لم يبق غير لونه وما بقي ريح ولا طعم فيه، قولان: أحدهما مثل ما
قلناه. والثاني: لا فدية عليه.
دليلنا: عموم الأخبار في أن من أكل طعاما لا يحل له أكله وجبت عليه
الفدية. وطريقة الاحتياط أيضا تقتضيه.
مسألة 92: العصفر والحناء ليسا من الطيب، فإن لبس المعصفر كان
مكروها وليس عليه فدية.
وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: هما طيبان، فمن لبس المعصفر وكان مفدما مشبعا فعليه
الفدية، وإلا فلا فدية عليه.
دليلنا: أن الأصل الإباحة وبراءة الذمة، فمن حظرهما أو أوجب الفدية
باستعمالهما فعليه الدلالة. والأخبار صريحة عن أهل البيت عليهم السلام بأن
ذلك ليس من الطيب.
65

وروي أن عمر بن الخطاب أبصر على عبد الله بن جعفر ثوبين مضرجين وهو
محرم، فقال: ما هذه الثياب؟ فقال علي بن أبي طالب عليه السلام: ما أخال أحدا
يعلمنا بالسنة، فسكت عمر.
مسألة 93: إذا مس طيبا ذاكرا لإحرامه، عالما بالتحريم، رطبا، كالغالية
والمسك والكافور إذا كان مبلولا بماء ورد أو دهن طيب، فعليه الفدية في أي
موضع كان من بدنه، ولو بعقبه. وكذلك لو سعط به أو حقن به. وبه قال
الشافعي.
وقال أبو حنيفة لو ابتلع الطيب فلا فدية.
وعندنا وعند الشافعي ظاهر البدن وباطنه سواء، وكذلك إن حشي جرحه
بطيب فداواه.
دليلنا: عموم الأخبار التي وردت في من استعمل الطيب أن عليه الفدية وهي
عامة في جميع المواضع، وطريقة الاحتياط أيضا تقتضيه، لأنه إذا كفر برئت ذمته
بيقين، وإن لم يكفر ففيه الخلاف.
مسألة 94: وإن كان الطيب يابسا مسحوقا، فإن علق بيده منه شئ فعليه
الفدية، وإن لم يعلق بحال فلا فدية، وإن كان يابسا غير مسحوق كالعود والعنبر
والكافور فإن علق بيده رائحته فعليه الفدية.
وقال الشافعي: إن علق به رائحته فيها قولان.
دليلنا: عموم الأخبار وطريقة الاحتياط تقتضيه.
مسألة 95: إذا مس خلوق الكعبة لا فدية عليه، عالما كان أو جاهلا، عامدا
أو ناسيا.
وقال الشافعي: إن جهل أنه طيب فبان طيبا رطبا، فإن غسله في الحال وإلا
66

فعليه الفدية، وإن علمها طيبا فوضع يده عليه يعتقده يابسا فبان رطبا ففيها قولان.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم فإن هذه المسألة منصوصة لهم، وأيضا
الأصل براءة الذمة، وشغلها يحتاج إلى دليل.
مسألة 96: يكره للمحرم القعود عند العطار الذي يباشر العطر، وإن جاز
في زقاق العطارين أمسك على أنفه.
وقال الشافعي: لا بأس بذلك، وأن يجلس عند رجل متطيب عند الكعبة،
وفي جوفها وهي تجمر إذا لم يقصد ذلك، وإن قصد الاستشمام كره له ذلك، إلا
الجلوس عند البيت وفي جوفه، وإن شم هناك طيبا فإنه لا يكره.
دليلنا: إجماع الفرقة فإنها منصوصة لهم، وطريقة الاحتياط تقتضي ذلك.
مسألة 97: يكره للمحرم أن يجعل الطيب في خرقة ويشمها، فإن فعل
فعليه الفداء.
وقال الشافعي: لا كفارة عليه ولا بأس به.
دليلنا: عموم الأخبار الواردة في المنع من الطيب فإنهم لم يفصلوا في
ذلك، وطريقة الاحتياط تقتضي ما قلناه.
مسألة 98: لا يجوز للمحرم أن يحلق رأسه كله ولا بعضه مع الاختيار بلا
خلاف، فإن حلق لعذر جاز وعليه الفدية، وحد ما يلزم فيه الفدية ما يقع عليه
اسم الحلق.
وحد الشافعي ذلك بثلاث شعرات فصاعدا إلى جميع الرأس.
وقال أبو حنيفة بحلق ربع الرأس فصاعدا، فإن كان أقل من الربع فعليه
الصدقة.
دليلنا: قوله تعالى: " ولا تحلقوا رؤوسكم " وهذا نهي عما يقع عليه اسم
67

الحلق، ثم قال: " فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية " ومعناه فحلق
" ففدية " فما يقع عليه هذا الاسم يجب فيه الفدية.
مسألة 99: إذا حلق أقل من ثلاث شعرات، لا تلزمه الفدية، ويتصدق بما
استطاع.
وقال الشافعي: يتصدق بشئ. وربما قال: مد عن كل شعرة. وربما قال:
ثلث شاة. وربما قال: درهم.
وهكذا قوله في ثلاث ليالي منى إذا بات بغيرها.
وهكذا في الأظفار الثلاثة، وفي ثلاث حصيات، فإن في الثلاث دما قولا
واحدا، فما دونه فيه الأقوال الثلاثة.
وقال مجاهد: لا شئ عليه.
وعن مالك روايتان كقول الشافعي، وقول مجاهد.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، ولا يتناوله اسم الحلق، وأما الصدقة فطريق
وجوبها الاحتياط.
وما روي عنهم عليهم السلام من أن من مس شعر رأسه ولحيته فسقط شئ
من شعر رأسه ولحيته يتصدق بشئ يتناول هذا الموضع.
مسألة 100: من قلم أظفار يديه لزمته فدية، فإن قلم دون ذلك لزمه عن
كل أصبع مد من طعام.
وقال أبو حنيفة: إن قلم خمسة أصابع من يد واحدة لزمته الفدية ورواه أيضا
أصحابنا - وإن قلم أقل من ذلك من يد أو خمسة من اليدين فعليه الصدقة.
وقال الشافعي: إن قلم ثلاث أصابع لزمته فدية، سواء كانت من يد واحدة
أو من اليدين، وإن قلم الأظفار كلها لزمته أيضا فدية واحدة إذا كان في مجلس
واحد، وإن كان في مجالس لزمه عن كل ثلاثة فدية.
68

وهكذا قوله في شعر رأسه: كلما حلق ثلاث شعرات لزمته فدية، وإن حلق
جميع الرأس لزمته فدية واحدة.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم وأيضا ما قلناه مجمع على وجوب تعلق
الدم به، وما قالوه ليس عليه دليل، والأصل براءة الذمة، وأخبار الخاصة في
ذلك قد ذكرناها.
مسألة 101: إذا قلم ظفرا واحدا تصدق بمد من طعام.
وللشافعي فيه ثلاثة أقوال: أحدها مثل ما قلناه. والثاني: فيه درهم. والثالث:
فيه ثلث شاة.
وإن قلم ثلاثة أظافير في ثلاثة أوقات ففي كل واحد ثلاثة أقوال، ولا يقول:
إذا تكاملت ثلاثة فيها دم.
وفي أصحابه من قال: دم، وليس هو المذهب عندهم.
دليلنا: إجماع الفرقة على ما قلناه وأخبارهم، وطريقة الاحتياط في اعتبار
المد، وطريقة براءة الذمة في المنع من إيجاب شاة، أو ثلث شاة أو درهم كذلك.
مسألة 102: من حلق أو قلم ناسيا لم يلزمه الفداء، والصيد يلزمه فداءه
ناسيا كان أو عامدا، فأما إذا فعل ذلك جاهلا لزمه الفداء على كل حال.
وقال الشافعي: يلزمه الفداء عالما كان أو جاهلا، ناسيا كان أو ذاكرا، وإن
زال عقله بجنون أو إغماء ففيه قولان.
دليلنا: إجماع الفرقة وبراءة الذمة.
وما روي عن النبي صلى الله عليه وآله من قوله: " رفع عن أمتي ثلاث:
الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ".
فأما الصيد فلا خلاف فيه أنه يلزمه الفداء وإن كان ناسيا.
69

مسألة 103: يجوز للمحرم أن يحلق رأس المحل، ولا شئ عليه. وبه قال
الشافعي.
وقال مالك وأبو حنيفة: ليس له ذلك، فإن فعل فعليه الضمان، والضمان
عند أبي حنيفة صدقة.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، وشغلها يحتاج إلى دليل.
مسألة 104: المحل لا يجوز له أن يحلق رأس المحرم بحال إذا كان عالما
بحاله، لا باذنه ولا بغير إذنه، فإن فعل لم يلزمه الفداء.
وقال الشافعي: إن حلقه بأمره لزم الآمر الفدية، ولا تلزم الحالق. وإن حلفه
مكرها أو نائما ففيه قولان:
أحدهما: على الحالق الفدية، ولا شئ على المحرم، وبه قال مالك.
والآخر: أنه يلزم المحرم الفدية ويرجع هو على الحالق بها.
وقال أبو حنيفة: على المحرم فدية، وعلى الحالق صدقة، والصدقة فيه
نصف صاع.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، وشغلها يحتاج إلى دليل.
مسألة 105: إذا حلق محرم رأس محرم لا يلزمه شئ، وإن كان قد فعل
قبيحا.
وقال أبو حنيفة: إن كان باذنه فعلى الآذن الفدية، وعلى الحالق صدقة.
وقال الشافعي: كالمحل يحلق رأس المحرم، إن كان بأمره لزم الآمر
الفدية، وإن كان مكرها على قولين، وإن كان ساكتا فعلى وجهين.
فأما المحرم فعندنا إن كان بأمره لزمه الفداء، وإن كان بغير أمره لم يلزمه
فداء.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، فعلى من شغلها الدليل.
70

مسألة 106: الاكتحال بالإثمد مكروه للنساء والرجال.
وللشافعي فيه قولان، أحدهما: مثل ما قلناه، والآخر: أنه لا بأس به هذا إذا
لم يكن فيه طيب، فإن كان فيه طيب فلا يجوز، ومن استعمله فعليه الفداء.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وطريقة الاحتياط.
وقول النبي صلى الله عليه وآله: " الحاج أشعث أغبر ". وذلك ينافي
الاكتحال.
مسألة 107: يجوز للمحرم أن يغتسل، ولا يجوز له أن يرتمس في الماء،
ويكره له أن يدلك جسده ورأسه بل يفيض الماء عليه، فإن سقط شئ من شعره
لم يلزمه شئ، ومتى ارتمس في الماء لزمه الفداء، وهو المماقلة والتماقل.
وقال الشافعي وباقي الفقهاء: لا بأس بذلك إلا أنه قال: إن سقط شئ من
شعره فالأحوط أن يفديه.
دليلنا: إجماع الفرقة على أن الارتماس لا يجوز، وطريقة الاحتياط تقتضي
الامتناع منه، فأما إذا ارتمس فقد غطى رأسه بالماء. وما أوجب الفداء في تغطية
الرأس أوجبه هاهنا لدخوله في العموم.
مسألة 108: يجوز للمحرم أن يدخل الحمام وإزالة الوسخ عن جسمه،
ويكره له دلك بدنه. وبه قال الشافعي، غير أنه لم يكره الدلك.
وقال مالك: عليه الفدية.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة والإباحة، فمن حظره أو أوجب عليه شيئا
فعليه الدلالة.
مسألة 109: يكره أن يغسل رأسه بالخطمي والسدر، وإن فعله لم يلزمه
الفداء. وبه قال الشافعي.
71

وقال أبو حنيفة: عليه الفدية.
دليلنا: براءة الذمة في الأصل، فمن شغلها فعليه الدلالة.
مسألة 110: يكره للمحرم أن يحتجم.
وقال الشافعي: لا بأس به.
وقال مالك: لا يفعل.
دليلنا: أن الأصل الإباحة، فعلى من منع منه الدلالة، وأما كراهته فعليه
إجماع الفرقة.
وروي عن ابن عباس أنه قال: احتجم رسول الله صلى الله عليه وآله وهو
محرم، وذلك يدل على أنه ليس بمحظور.
مسألة 111: إذا كان الولي أو وكيله، أو الزوج أو وكيله في القبول، أو
المرأة محرمين أو واحد منهم محرما، فالنكاح باطل. وبه قال في الصحابة علي
عليه السلام، وعمر، وابن عمر، وزيد بن ثابت، ولا مخالف لهم في الصحابة، وإليه
ذهب في التابعين سعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار، والزهري، وفي الفقهاء
مالك، والشافعي، والأوزاعي، وأحمد، وإسحاق.
وقالت طائفة: إنه لا تأثير للإحرام في عقد النكاح بوجه، ذهب إليه الثوري،
وأبو حنيفة وأصحابه، ويرويه عن الحكم.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأخبارهم، فإنهم لا يختلفون في ذلك.
وأيضا طريقة الاحتياط تقتضيه، لأنه إذا عقد في حال الإحلال كان العقد
صحيحا بلا خلاف، وإذا عقد في حال الإحرام ففيه الخلاف.
وأيضا فاستباحة الفرج لا تجوز إلا بحكم شرعي بلا خلاف، ولا دليل في
الشرع على استباحته بالعقد حال الإحرام.
وروى أبان بن عثمان عن عثمان أن النبي صلى الله عليه وآله قال: " لا ينكح
72

المحرم ولا ينكح ولا يخطب " وهذا نص.
مسألة 112: إذا أشكل الأمر فلا يدري هل وقع في حال الإحرام أو قبله،
فالعقد صحيح، لأن الأصل الإباحة. وبه قال الشافعي.
والأحوط عندي تجديد العقد، لأنه إذا جدد فإن كان وقع العقد الأول حال
الإحلال فلا يضر هذا شيئا، وإن كان وقع العقد حال الإحرام فيكون هذا العقد
صحيحا، فالاحتياط يقتضي تجديده على ما بيناه.
مسألة 113: إن اختلفا، فقالت: وقع العقد بعد إحرامك، وقال هو وقع
قبله، فالقول قول الزوج بلا خلاف بيننا وبين الشافعي. وإن كان بالضد من
ذلك، فادعت أنه كان حلالا، وقال: كنت حراما، حكم عليه بتحريم الوطء
ولزمه نصف المهر.
وهذا أيضا ينبغي أن يكون مذهبنا، ويسقط الخلاف فيهما، والحكم في الأمة
والحرة سواء إذا اختلفا أو اختلف السيد والزوج.
مسألة 114: إذا عقد المحرم على نفسه عالما بتحريم ذلك، أو دخل بها
وإن لم يكن عالما، فرق بينهما ولا تحل له أبدا، ولم يوافقنا عليه أحد من الفقهاء.
دليلنا: إجماع الفرقة، وطريقة الاحتياط وأخبارهم، قد ذكرناها في الكتاب
الكبير.
مسألة 115: لا يجوز للمحرم أن يشهد على النكاح.
وقال الشافعي: لا بأس به.
وقال أبو سعيد الإصطخري من أصحابه مثل ما قلناه.
دليلنا: إجماع الفرقة، وطريقة الاحتياط.
73

وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: " لا ينكح المحرم، ولا ينكح
ولا يشهد " وهذا نص.
مسألة 116: كل موضع حكمنا ببطلان العقد في المحرم يفرق بينهما بلا
طلاق. وبه قال الشافعي.
وقال مالك: يفرق بينهما بطلقة، وكذلك كل نكاح وقع فاسدا عنده
يفرق بينهما بطلقة.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا فالطلاق فرع على ثبوت العقد، فإذا لم يثبت
العقد كيف يطرأ عليه الطلاق، والخبر الذي قدمناه من النهي عن نكاح المحرم
يدل على فساده، لأن النهي يدل على فساد المنهي عنه على ما بين في الأصول.
مسألة 117: للمحرم أن يراجع زوجته سواء طلقها حلالا ثم أحرم، أو
طلقها وهو محرم. وبه قال الشافعي.
وقال أحمد: لا يجوز ذلك.
دليلنا: قوله تعالى: " وبعولتهن أحق بردهن في ذلك " ولم يفصل. وقال:
" فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان " والإمساك هو المراجعة، ولم يفصل،
فوجب حمله على عمومه.
مسألة 118: للمحرم أن يستظل بثوب ينصبه ما لم يكن فوق رأسه بلا
خلاف، وإذا كان فوق رأسه مثل الكنيسة، والعمارة، والهودج فلا يجوز له
ذلك سائرا، فأما إذا كان نازلا فلا بأس أن يقعد تحت الخيمة، والخباء،
والبيوت. وبه قال مالك وأحمد.
وقال الشافعي: يجوز له ذلك كيف ما ستر.
دليلنا: إجماع الفرقة، وطريقة الاحتياط، لأنه إذا لم يستر صح إحرامه
74

كاملا بلا خلاف، وإذا ستر ففيه الخلاف.
وروي عن ابن عمر أنه قال: أضح لمن أحرمت له، فأمره بالظهور للشمس.
مسألة 119: يكره للمحرم النظر في المرآة، رجلا كان أو امرأة. وبه قال
الشافعي في سنن الحرملة.
قال في الأم: لهما أن ينظرا في المرآة.
دليلنا: إجماع الفرقة، وطريقة الاحتياط.
مسألة 120: يجوز للمحرم أن يغسل ثيابه وثياب غيره. وبه قال الشافعي.
وقال أحمد: أكره له أن يغسل ثياب غيره.
دليلنا: إجماع الفرقة، وبراءة الذمة، وإباحة الأصل، فمن ادعى خلاف
ذلك فعليه الدلالة.
مسألة 121: يجوز دخول مكة نهارا بلا خلاف، ويجوز عندنا دخولها ليلا.
وبه قال الشافعي وجميع الفقهاء.
وحكي عن ابن جريح عن عطاء أنه قال: أكره دخولها ليلا.
دليلنا: إباحة الأصل، وكراهته تحتاج إلى دليل.
مسألة 122: الأدعية المخصوصة التي ذكرناها في الكتاب عند دخول
مكة، والمسجد الحرام، ومشاهدة الكعبة لا يعرفها أحد من الفقهاء، ولهم أدعية
غيرها.
دليلنا: عمل الطائفة بما أوردناه.
مسألة 123: رفع اليدين عند مشاهدة الكعبة لا يعرفه أصحابنا.
75

وقال الشافعي: ذلك مستحب.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، وشغلها بواجب أو مندوب يحتاج إلى
دليل.
مسألة 124: المستحب أن يستلم الحجر بجميع بدنه، فإن لم يتمكن
واستلمه ببعضه أجزأه.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه. والثاني قاله في الأم: إنه لا
يجزئه.
دليلنا: إجماع الفرقة.
مسألة 125: استلام الركن الذي فيه الحجر لا خلاف فيه، وباقي الأركان
مستحب استلامها. وبه قال ابن عباس، وابن الزبير، وجابر.
وقال الشافعي: لا يستلمها - يعني الشاميين -، وبه قال عمر، وابن عمر،
ومعاوية.
دليلنا: إجماع الفرقة وعملهم وأخبارهم وطريقة الاحتياط تقتضيه، لأن فعل
ذلك لا يضر على حال بلا خلاف.
مسألة 126: يستحب استلام الركن اليماني على ما بيناه. وبه قال الشافعي
وقال: يضع يده عليه ويقبلها ولا يقبل الركن، وبه قال مالك إلا أنه قال: يضع
يده على فيه ولا يقبلها.
وقال أبو حنيفة: لا يستلمه أصلا.
دليلنا: أن ما قلناه مروي عن ابن عمر، وجابر، وأبي سعيد الخدري، وأبي
هريرة ولا مخالف لهم في الصحابة. وأيضا عليه إجماع الفرقة وأخبارهم وطريقة
الاحتياط تقتضيه.
76

مسألة 127: لا يكره قراءة القرآن في حال الطواف، بل هي مستحبة. وبه
قال الشافعي، وحكي ذلك عن مجاهد.
وقال مالك والأوزاعي: أكره قراءة القرآن في الطواف.
دليلنا: كلما ورد من فضل قراءة القرآن لا يختص بمكان دون مكان.
وأيضا قوله تعالى: " فاقرؤوا ما تيسر من القرآن " وقوله: " فاقرؤوا ما تيسر
منه " يدلان عليه.
مسألة 128: الأفضل أن يقول طواف وطوافان وثلاثة أطواف، فإن قال:
شوط وشوطان وثلاثة أشواط جاز.
وقال الشافعي: أكره ذكر الشوط. وبه قال مجاهد.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا الأصل الإباحة.
مسألة 129: لا يجوز الطواف إلا على طهارة من حدث ونجس، وستر
العورة، فإن أخل بشئ من ذلك لم يصح طوافه، ولا يعتد به. وبه قال مالك،
والشافعي، والأوزاعي وعامة أهل العلم.
وقال أبو حنيفة: إن طاف على غير طهارة فإن أقام بمكة أعاد، وإن عاد إلى
بلده وكان محدثا فعليه دم شاة، وإن كان جنبا فعليه بدنة.
دليلنا: إجماع الفرقة وطريقة الاحتياط، لأنه إذا طاف على طهارة صح
طوافه بلا خلاف، وليس على صحته إذا طاف بغير طهارة دليل.
وروت عائشة أن النبي صلى الله عليه وآله لما أراد أن يطوف توضأ، ثم
طاف. وقد قال عليه وآله السلام: " خذوا عني مناسككم " وهذا أمر يقتضي
الإيجاب.
وروى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: " الطواف بالبيت
صلاة إلا أن الله تعالى أحل فيه النطق ".
77

وقال صلى الله عليه وآله: " لا صلاة إلا بطهور " فوجب أن يكون حكم
الطواف حكمه.
مسألة 130: من طاف على وضوء وأحدث في خلاله، انصرف وتوضأ
وعاد، فإن كان زاد على النصف بنى عليه، وإن لم يزد أعاد الطواف.
وقال الشافعي: إن لم يطل الفصل بنى قولا واحدا، ولم يفصل، وإن طال
فعلى قولين:
قال في القديم: استأنف، وقال في الجديد: بنى، وهو المذهب عندهم ولم
يفصل.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأخبارهم، وطريقة الاحتياط فإنه إذا لم يجز النصف
وأعاد صح طوافه بلا خلاف.
مسألة 131: متى طاف على غير وضوء وعاد إلى بلده، رجع وأعاد
الطواف مع الإمكان، فإن لم يمكنه استناب من يطوف عنه.
وقال الشافعي: يرجع ويطوف، ولم يفصل.
وقال أبو حنيفة: يجبره بدم.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم وطريقة الاحتياط، لأن من طاف على ما
قلناه برئت ذمته بلا خلاف، وسقط الفرض عنه، هذا على أبي حنيفة، وأما على
الشافعي فقوله تعالى: " وما جعل عليكم في الدين من حرج ".
مسألة 132: الطواف يجب أن يكون حول البيت والحجر معا، فإن سلك
الحجر لم يعتد به. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: إذا سلك الحجر أجزأه.
دليلنا: إجماع الفرقة، وطريقة الاحتياط، لأن من طاف على ما قلناه برئت
78

ذمته بلا خلاف، وسقط الفرض عنه. وإذا لم يفعل ففيه الخلاف.
مسألة 133: إذا تباعد من البيت حتى يطوف بالسقاية وزمزم لم يجزه.
وقال الشافعي: يجزئه.
دليلنا: أن ما ذكرناه مقطوع على إجزائه، وما ذكروه ليس على إجزائه
دليل، فالاحتياط أيضا يقتضي ما قلناه.
مسألة 134: إذا طاف منكوسا - وهو أن يجعل البيت على يمينه - فلا
يجزئه، وعليه الإعادة. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: إن أقام بمكة أعاد، وإن عاد إلى بلده جبره بدم.
دليلنا: إجماع الفرقة وطريقة الاحتياط، والقطع على براءة الذمة إذا فعل
ما قلناه، وعدم القطع إذا فعل خلافه.
وأيضا لا خلاف أن النبي صلى الله عليه وآله فعل ما قلناه، وقد قال: " خذوا
عني مناسككم " فمن خالفه لا يجزئه.
مسألة 135: كيفية الطواف: أن يبتدئ في السبع طوافات من الحجر،
ثم يأتي إلى الموضع الذي بدأ منه، فإن ترك ولو خطوة منها لم يجزه، ولم تحل
له النساء حتى يعود إليها فيأتي بها. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: عليه أن يطوف سبعا، لكنه إذا أتى بمعظمه وهو أربع من
سبع أجزأه، فإن عاد إلى بلده جبره بدم، وإن أتى بأقل من أربع لم يجزه.
دليلنا: طريقة الاحتياط، وظواهر الأوامر بسبع طوافات، فمن نقص لا
يكون قد امتثل المأمور، وفعل النبي صلى الله عليه وآله، لأنه لا خلاف أنه طاف
كما قلناه.
79

مسألة 136: لا ينبغي أن يطوف إلا ماشيا مع القدرة، وإنما يطوف راكبا
إذا كان عليلا أو من لا يقدر عليه، فإن خالف وطاف راكبا أجزأه ولم يلزمه دم.
وقال الشافعي: الركوب مكروه، فإن فعله لم يكن عليه شئ، مريضا كان
أو صحيحا.
وقال أبو حنيفة: لا يركب إلا من عذر من مرض، فإن طاف راكبا فعليه دم.
دليلنا: إجماع الفرقة، فإنه لا خلاف بينهم في كراهته، وأما إلزام الدم
فيحتاج إلى دليل، والأصل براءة الذمة.
مسألة 137: إذا طاف وظهره إلى الكعبة لا يجزئه. وبه قال أبو حنيفة.
وقال أصحاب الشافعي: لا نص للشافعي فيه، والذي يجئ على مذهبه أنه
يجزئه.
دليلنا: طريقة الاحتياط، والقطع على براءة الذمة إذا فعل ما قلناه، وليس
على ما قالوه دليل.
مسألة 138: ركعتا الطواف واجبتان عند أكثر أصحابنا. وبه قال عامة
أهل العلم أبو حنيفة، ومالك، والأوزاعي، والثوري.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه، والآخر أنهما غير واجبتين وهو
أصح القولين عندهم. وبه قال قوم من أصحابنا.
دليلنا: قوله تعالى " واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى " وهذا أمر يقتضي
الوجوب.
وطريقة الاحتياط أيضا تقتضيه، لأنه إذا صلاهما برئت ذمته بيقين، وإذا لم
يصلهما فيه الخلاف، وأخبارنا في هذا المعنى أكثر من أن تحصى، ذكرناها وبينا
الوجه في الرواية المخالفة لها ولا خلاف أن النبي صلى الله عليه وآله صلاهما،
وظاهر ذلك يقتضي الوجوب.
80

مسألة 139: يستحب أن يصلي الركعتين خلف المقام، فإن لم يفعل
وفعل في غيره أجزأه. وبه قال الشافعي.
وقال مالك: فإن لم يصلهما خلف المقام، فعليه دم.
وقال الثوري: يأتي بهما في الحرم.
دليلنا: أنه لا خلاف أن الصلاة في غيره مجزئة، ولا تجب عليه الإعادة،
وجبرانه بدم يحتاج إلى دليل، لأن الأصل براءة الذمة.
مسألة 140: السعي بين الصفا والمروة ركن، لا يتم الحج إلا به، فإن تركه
أو ترك بعضه ولو خطوة واحدة لم تحل له النساء حتى يأتي به. وبه قالت
عائشة، وإليه ذهب مالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق.
وقال ابن مسعود وابن عباس وأبي بن كعب: السعي سنة، وليس بواجب.
وقال أبو حنيفة: واجب وليس بركن، وهو بمنزلة المبيت بالمزدلفة، فإن
تركه فعليه دم.
دليلنا: إجماع الفرقة، وطريقة الاحتياط في براءة الذمة، وفعل النبي صلى
الله عليه وآله، وأمره بالاقتداء به.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: " إن الله تعالى كتب عليكم
السعي " ومعناه فرض.
مسألة 141: السعي بين الصفا والمروة سبع، يبتدئ بالصفا، ويختم
بالمروة بلا خلاف بين أهل العلم، وصفته أن يعد ذهابه إلى المروة دفعة،
ورجوعه إلى الصفا أخرى، يبدأ بالصفا ويختم بالمروة وهكذا. وعليه جميع
الفقهاء وأهل العلم إلا أهل الظاهر، وابن جرير، وأبا بكر الصيرفي من أصحاب
الشافعي فإنهم اعتبروا الذهاب إلى المروة والرجوع إلى الصفا دفعة واحدة.
وحكي عن ابن جرير أنه استفتي فأفتى بذلك، فحمل الفتيا إلى أبي بكر
81

الصيرفي فأفتى بمثله، فحمل الفتيا إلى أبي إسحاق المروزي فخط على فتيا الصيرفي
ظنا منه أنه تبع ابن جرير، فأقام الصيرفي على فتياه.
دليلنا: على ما قلناه: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا في خبر جابر أن النبي
صلى الله عليه وآله بدأ بالصفا وختم بالمروة، فلو كان ما قالوه صحيحا لكان
خاتما بالصفا، وذلك باطل بالاتفاق. مسألة 142: يكفي في السعي أن يطوف ما بين الصفا والمروة وإن لم
يصعد عليهما. وبه قال جميع الفقهاء.
وقال ابن الوكيل من أصحاب الشافعي: لا بد أن يصعد عليهما ولو شيئا
يسيرا.
دليلنا: قوله تعالى: " فلا جناح عليه أن يطوف بهما " وأجمع المفسرون
على أنه أراد أن يطوف بينهما، ومن انتهى إليهما فقد طاف بينهما، والأخبار كلها
دالة على ما قلناه، وعليه إجماع الفرقة.
مسألة 143: إذا طاف بين الصفا والمروة سبعا وهو عند الصفا، أعاد
السعي من أوله، لأنه لا بدء بالمروة.
وقال الفقهاء: يسقط الأول، ويبني على أنه بدأ بالصفا، فيضيف إليه شوطا
آخر.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وطريقة الاحتياط تقتضيه، لأنه إذا أعاد
برئت ذمته بيقين، وإذا لم يعد ففيه الخلاف.
مسألة 144: أفعال العمرة خمسة: الإحرام، والتلبية، والطواف، والسعي
بين الصفا والمروة، والتقصير، وإن حلق جاز، والتقصير أفضل، وبعد الحج
الحلق أفضل.
82

وقال الشافعي: أربعة، في أحد قوليه: الإحرام، والطواف، والسعي، والحلق
أو التقصير والحلق أفضل.
وفي القول الآخر: ثلاثة، والحلق أو التقصير ليس فيها، وإنما هو إطلاق
محظور.
دليلنا: إجماع الفرقة، وطريقة الاحتياط، لأنه إذا فعل ما قلناه فقد أتى
بكمال العمرة بلا خلاف، وإن لم يفعل ففيه الخلاف.
مسألة 145: هدي المتمتع لا يجوز نحره إلا بمنى.
وقال الشافعي: ينحره على المروة، وإن نحره بمكة جاز أي موضع شاء.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 146: من ليس على رأسه شئ من الشعر، مثل أن يكون أصلع أو
أقرع فعليه أن يمر الموسي على رأسه استحبابا. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: يجب عليه ذلك.
دليلنا: إجماع الفرقة، والأصل براءة الذمة، وإيجاب ذلك يحتاج إلى
دليل.
مسألة 147: المحرم بالعمرة من الميقات يقطع التلبية إذا دخل الحرم، فإن
كان متمتعا قطعها إذا شاهد بيوت مكة.
وقال الشافعي: لا يقطع المقيم التلبية حتى يأخذ في الطواف، وبه قال ابن
عباس.
وقال مالك مثل ما قلناه، إلا أنه قال: إذا كان أحرم وراء الميقات لا يقطع
حتى يرى البيت.
دليلنا: إجماع الفرقة، ولأن إيجاب ذلك على ما قالوه يحتاج إلى دليل.
83

مسألة 148: أفعال العمرة لا تدخل في أفعال الحج عندنا، ومتى فرع من
أفعال العمرة بكمالها حصل محلا، فإذا أحرم بعد ذلك بالحج أتى بأفعال الحج
على وجهها، ويكون متمتعا، وإن أحرم بالحج قبل استيفاء أفعال العمرة بطلت
عمرته وكانت حجته مفردة.
وقال الشافعي: إذا قرن يدخل أفعال العمرة في أفعال الحج، واقتصر على
أفعال الحج فقط، يجزئه طواف واحد وسعي واحد عنهما.
وبه قال جابر، وابن عمر، وعطاء، وطاووس، والحسن البصري، ومجاهد،
وربيعة، ومالك، وأحمد، وإسحاق.
وقال بمثل ما قلناه من أن أفعال العمرة لا تدخل في أفعال الحج في الصحابة
علي عليه السلام، وابن مسعود، وفي التابعين الشعبي، والنخعي، وفي الفقهاء أبو
حنيفة وأصحابه.
ولأبي حنيفة تفصيل، قال: من شرط القران تقديم العمرة على الحج،
ويدخل مكة، ويطوف ويسعى للعمرة، ويقيم على إحرامه حتى يكمل أفعال
الحج، ثم يحل منها. فإن ترك الطواف للعمرة قبل الوقوف انتقضت عمرته،
وصار مفردا بالحج، وعليه قضاء العمرة.
دليلنا: إجماع الفرقة، فإنهم لا يختلفون في التفصيل الذي ذكرناه، وقد
أوردنا أخبارهم في شرح ذلك في الكتاب المقدم ذكره.
وأيضا قوله تعالى: " وأتموا الحج والعمرة لله " فأمر بالحج والعمرة معا،
ولكل واحد منهما أفعال مخصوصة، فمن ادعى دخول أحدهما في الآخر فعليه
الدليل.
وروى عمران بن الحصين أن النبي صلى الله عليه وآله قال: " من جمع
الحج إلى العمرة فعليه طوافان ".
وروى حماد بن عبد الرحمن قال: حججت مع إبراهيم بن محمد بن الحنفية
فطاف طوافين وسعى سعيين لحجته وعمرته وقال: حججت مع أبي محمد بن
84

الحنفية فطاف طوافين وسعى سعيين لحجته وعمرته، وقال: حججت مع أبي علي
بن أبي طالب عليه السلام فطاف طوافين وسعى سعيين لحجته وعمرته، وقال:
حججت مع رسول الله صلى الله عليه وآله فطاف طوافين وسعى سعيين لحجته
وعمرته، فهو فعل رسول الله صلى الله عليه وآله والأئمة والناس من بعد.
فأما القران الذي قالوه فقد بينا فساده فيما مضى.
مسألة 149: إذا حاضت المتمتعة قبل أن تفرع من أفعال العمرة، جعلته
حجة مفردة.
وقال الفقهاء بأسرهم تحتاج إلى تجديد الإحرام.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 150: يخطب الإمام بعرفة يوم عرفة قبل الأذان. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: بعده.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وحديث جابر لأنه قال: فخطب الناس ثم
أذن بلال وأقام وهذا نص.
مسألة 151: يصلي الإمام بالناس بعرفة الظهر والعصر، يجمع بينهما بأذان
واحد وإقامتين. وبه قال الشافعي وأبو حنيفة.
وقال مالك: بأذانين وإقامتين.
وقال أحمد: بإقامتين.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وحديث جابر لأنه قال: ثم أذن بلال، ثم
أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر.
وروى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله جمع بين الظهر والعصر بعرفة
بأذان واحد وإقامتين. وهذا نص.
85

مسألة 152: إذا كان الإمام مقيما أتم وقصر من خلفه من المسافرين، وإن
كان مسافرا قصر وقصروا، ومن كان من أهل مكة فلا يقصر لأن المسافة نقصت
عما يجب فيه التقصير.
وقال الشافعي: إن كان الإمام مقيما أتم وأتم من خلفه من المقيمين
والمسافرين، وإن كان مسافرا قصر وقصر من خلفه من المسافرين وأتم المقيمون.
وبه قال أبو حنيفة.
وقال مالك: يقصر كما قالوا: وزاد فقال: يقصر أهل مكة وإن كانت
المسافة قريبة مع قوله بأن التقصير في أربعة برد.
دليلنا: إنا قد بينا فيما تقدم من كتاب الصلاة أن فرض المسافر التقصير،
وأنه لا يجوز له التمام، وإن صلى خلف المقيم، فمن أوجب التمام فعليه الدلالة.
فأما أهل مكة، فلم تحصل لهم المسافة التي يجب فيها التقصير.
وروى ابن عباس أن النبي صلى الله وآله قال: " يا أهل مكة لا تقصروا
في أقل من أربعة برد " وهذا نص.
مسألة 153: من صلى مع إمام جمع، وإن صلى منفردا جمع أيضا، سواء
كان من له التقصير، أو من ليس له القصر.
وللشافعي في من ليس له القصر قولان.
أحدهما: ليس له الجمع، والآخر: له الجمع.
وقال أبو حنيفة: ليس له الجمع إلا مع إمام.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا فقد بينا في كتاب الصلاة أن له الجمع في
السفر والخصر، وعلى كل حال.
وروي عن ابن عمر أنه جمع مع الإمام وعلى الانفراد.
مسألة 154: بطن عرنة ليس من الموقف، فمن وقف فيه لم يجزه. وبه قال
86

الشافعي.
وقال مالك: يجزيه.
دليلنا: إجماع الفرقة، وطريقة الاحتياط، وحديث جابر.
وروى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله قال: " عرفة كلها موقف،
وارتفعوا عن وادي عرنة ".
مسألة 155: يجوز الوقوف بعرفة راكبا وقائما سواء، وهو أحد قولي
الشافعي ذكره في الإملاء.
وقال في القديم: الركوب أفضل.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا تفضيل الركوب يحتاج إلى دلالة.
وأيضا القيام أشق من الركوب، فينبغي أن يكون أفضل.
مسألة 156: وقت الوقوف من حين تزول الشمس إلى طلوع الفجر من
يوم النحر. وبه قال جميع الفقهاء إلا أحمد بن حنبل، فإنه خالف في الأول،
فقال: من عند طلوع الفجر من يوم عرفة ووافق في الآخر.
وروي في بعض أخبارنا: إلى طلوع الشمس.
وفي شاذها: إلى الزوال من يوم النحر، ولم يقل به أحد من الفقهاء.
دليلنا: إجماع الفرقة، وطريقة الاحتياط، وحديث جابر كل ذلك يدل
على أول الوقت، وقد تكلمنا على الأخبار المختلفة من طرق أصحابنا إلى طلوع
الشمس، وإلى الزوال في الكتابين المقدم ذكرهما.
مسألة 157: الأفضل أن يقف إلى غروب الشمس في النهار، ويدفع من
الموقف بعد غروبها، فإن دفع قبل الغروب لزمه دم، فأما الليل إذا وقف ففي أي
وقت دفع أجزأه.
87

وقال أبو حنيفة والشافعي: إن الأفضل مثل ما قلناه، فأما الإجزاء فهو أن
يقف ليلا ونهارا أي شئ كان، ولو كان بمقدار المرور فيه.
وقال أبو حنيفة: يلزمه دم إن أفاض قبل الغروب.
وقال الشافعي في القديم والأم: إن دفع قبل الغروب عليه دم.
وقال في الإملاء: يستحب أن يهدي، ولا يجب عليه، فضمان الدم على
قولين، وقال: إن دفع قبل الزوال أجزأه.
وقال مالك: إن وقف نهارا لم يجزه حتى يقيم إلى الليل، فيجمع بين الليل
والنهار، وإن وقف ليلا وحده أجزأه.
دليلنا: إجماع الفرقة وطريقة الاحتياط، فإنه إذا وقف إلى الوقت الذي قلناه
تم حجه بلا خلاف، وإن لم يقف ففيه الخلاف، ولا خلاف أن النبي صلى الله
عليه وآله أفاض بعد الغروب، وقد قال: " خذوا عني مناسككم ".
وأما لزوم الدم، فطريقة إجماع الفرقة وطريقة الاحتياط.
وروى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله قال: " من ترك نسكا فعليه
دم " وهذا قد ترك نسكا، لأنه لا خلاف أن الأفضل الوقوف إلى غروب
الشمس.
مسألة 158: إذا عاد قبل غيبوبة الشمس وأقام حتى غابت سقط عنه الدم،
وإن عاد بعد غروبها لم يسقط. وبه قال أبو حنيفة.
وقال الشافعي: إن عاد قبل خروج وقت الوقوف سقط الدم.
دليلنا: أن إسقاط الدم بعد وجوبه عليه إذا عاد ليلا يحتاج إلى دليل،
وليس عليه دليل.
مسألة 159: يجمع بين المغرب والعشاء الآخرة بالمزدلفة بأذان واحد
وإقامتين.
88

وقال أبو حنيفة: يجمع بينهما بأذان واحد وإقامة واحدة.
وقال مالك: بأذانين وإقامتين.
وقال الشافعي مثل ما قلناه: إذا جمع بينهما في وقت الأولى، وإن جمع
بينهما في وقت الثانية ثلاثة أقوال:
قال في القديم: يجمع بينهما بأذان واحد وإقامتين وهو الصحيح عندهم.
وقال في الجديد: يجمع بينهما بإقامتين بغير أذان.
وقال في الإملاء: إن رجى اجتماع الناس أذن وإلا لم يؤذن.
وحكي عن مالك مثل قولنا سواء.
دليلنا: إجماع الفرقة وحديث جابر قال: جمع رسول الله صلى الله عليه
وآله بين المغرب والعشاء الآخرة بالمزدلفة بأذان وإقامتين، ولم يسبح بينهما
شيئا.
مسألة 160: المغرب والعشاء الآخرة لا يصليان إلا بالمزدلفة إلا لضرورة
من الخوف، والخوف أن يخالف فوتهما، وخوف الفوت إذا مضى ربع الليل،
وروي إلى نصف الليل. وبه قال أبو حنيفة إلا أنه قال: بطلوع الفجر.
وقال الشافعي: إن صلى المغرب في وقتها بعرفات والعشاء بالمزدلفة
أجزأه.
دليلنا: إجماع الفرقة وطريقة الاحتياط، فإنه لا خلاف أنه إذا صلى كما
قلناه أنه يجزئه، وقبل ذلك لا دليل عليه.
وحديث أسامة بن زيد عن النبي صلى الله عليه وآله أنه لما نزل المعرس
أناخ النبي صلى الله عليه وآله ناقته، ثم بال، ثم دعا بالوضوء فتوضأ ليس بالبالغ
جدا فقلت: يا رسول الله صلى الله عليه وآله الصلاة فقال: الصلاة أمامك، ثم
ركب حتى قدمنا المزدلفة، فنزل فتوضأ وأسبغ الوضوء وصلى.
89

مسألة 161: الوقوف بالمزدلفة ركن، فمن تركه فلا حج له. وقال
الشعبي والنخعي: المبيت بها ركن.
وخالف باقي الفقهاء في ذلك، وقالوا: ليس بركن، إلا أن الشافعي قال: إن
ترك المبيت بها لزمه دم واحد في أحد قوليه. والثاني: لا شئ عليه.
دليلنا: إجماع الفرقة وطريقة الاحتياط، لأنه إذا وقف بها فلا خلاف في
صحة حجته، وإذا لم يقف ففي صحتها خلاف، وفعل النبي صلى الله عليه وآله
يدل عليه لأنه لا خلاف أنه وقف بالمشعر.
وروي عنه عليه السلام أنه قال: " من ترك المبيت بالمزدلفة فلا حج له ".
مسألة 162: من فاته عرفات وأدرك المشعر ووقف بها فقد أجزأ. ولم
يوافقنا عليه أحد من الفقهاء.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم فإنهم لا يختلفون فيما قلناه.
مسألة 163: لا يجوز الرمي إلا بالحجر، وما كان من جنسه من البرام
والجواهر وأنواع الحجارة، ولا يجوز بغيره كالمدر، والآجر، والكحل،
والزرنيخ، والملح وغير ذلك من الذهب والفضة. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: يجوز بالحجر، وبما كان من نفس الأرض كالطين والمدر،
والكحل، والزرنيخ، ولا يجوز بالذهب ولا بالفضة.
وقال أهل الظاهر: يجوز بكل شئ حتى لو رمى بالخرق، والعصافير الميتة
أجزأه.
دليلنا: إجماع الفرقة وطريقة الاحتياط، فإن ما ذكرناه مجمع على إجزائه،
وليس على ما قالوه دليل.
وروى ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله غداة جمع:
التقط حصيات من حصى الخذف، فلما وضعهن في يده قال: " بأمثال هؤلاء
90

فارموا ومثل الحجر حجر ".
وروى الفضل بن عباس قال: لما أفاض رسول الله صلى الله عليه وآله من
المزدلفة وهبط بمكان محسر قال: " أيها الناس عليكم بحصى الخذف " وهذا
نص.
مسألة 164: لا يجوز أن يرمي بحصاة قد رمى بها، سواء رماها هو، أو رماها
غيره.
وقال الشافعي: أكرهه، فإن فعل أجزأ، سواء رماها هو أو غيره.
وقال المزني: إن رماها هو لا يجوز، وإن رماها غيره أجزأه.
دليلنا: إجماع الفرقة وطريقة الاحتياط، وفعل النبي صلى الله عليه وآله،
فإنه لا خلاف أنه ما رمى بما رمى بها هو أو غيره.
مسألة 165: إذا رمى الحصاة، فوقعت على عنق بعير، فتحرك البعير
فوقعت في المرمى، أو على ثوب رجل، فتحرك فوقعت في المرمى، لا يجوز.
وللشافعي فيه وجهان.
دليلنا: طريقة الاحتياط، فإنه إذا أعاد مكانها برئت ذمته بلا خلاف، وإذا لم
يفعل ففيه الخلاف.
مسألة 166: قد قلنا أن وقت الوقوف بالمزدلفة من وقت حصوله بها إلى
طلوع الفجر الثاني. وقد روي إلى طلوع الشمس، فإن دفع قبل طلوع الفجر
91

مع الاختيار لم يجزئه، سواء كان قبل نصف الليل أو بعده.
وقال الشافعي: الوقت الكامل من عند الحصول إلى أن يسفر الفجر، والآخر
إلى أن يكون بها ما بين أول وقتها إلى طلوع الشمس، إلا أنه إن حصل بها بعد
نصف الليل أجزأه ولا شئ عليه، وإن حصل قبل نصف الليل ولم يلبث بها حتى
ينتصف الليل فهل عليه دم أم لا؟ على قولين.
دليلنا: إجماع الفرقة، وطريقة الاحتياط.
مسألة 167: وقت الاستحباب لرمي جمرة العقبة بعد طلوع الشمس من
يوم النحر بلا خلاف، ووقت الإجزاء من عند طلوع الفجر مع الاختيار.
فإن رمى قبل ذلك لم يجزئه، وللعليل، ولصاحب الضرورة، والنساء يجوز
الرمي بالليل.
وقال الشافعي: أول وقت الإجزاء إذا انتصفت ليلة النحر، وبه قال عطاء،
وعكرمة.
وقال مالك، وأبو حنيفة، وأحمد، وإسحاق: وقته إذا طلع الفجر، فإن رمى
قبله لم يجزئه مثل ما قلناه.
وقال النخعي، والثوري: وقته بعد طلوع الشمس من يوم النحر، وقبل
ذلك لا يجزئ ولا يعتد به.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وقد ذكرناها.
وروي عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وآله أرسل بأم سلمة ليلة النحر
فرمت الجمرة قبل الفجر ثم مضت وأفاضت.
مسألة 168: ينبغي أن يبتدئ بمنى برمي جمرة العقبة، ثم ينحر، ثم
يحلق، ثم يذهب إلى مكة فيطوف طواف الزيارة وهو طواف الحج بلا خلاف،
ويسعى إن لم يكن قدم السعي حين كان بمكة قبل الخروج، والترتيب في ذلك
92

مستحب وليس بواجب، فإن قدم الحلق على الرمي أو على الذبح أجزأه. وبه قال
الشافعي.
وقال أبو حنيفة الترتيب مستحب، فإن قدم الحلق على النحر فعليه دم.
دليلنا: أنه لا خلاف أنه إذا فعل ذلك لا يجب عليه الإعادة، وأما لزوم
الدم فيحتاج إلى دليل، والأصل براءة الذمة، وأخبارنا في ذلك قد ذكرناها في
الكتاب الكبير.
وروى عبد الله بن عمرو بن العاص قال: وقف رسول الله صلى الله عليه وآله
في حجة الوداع بمنى للناس يسألونه فجاء رجل فقال: يا رسول الله لم أشعر
فحلقت قبل أن أذبح؟ قال: اذبح ولا حرج، فجاء رجل فقال: يا رسول الله لم
أشعر فنحرت قبل أن أرمي؟ قال: ارم ولا حرج قال: فما سئل رسول الله
صلى الله عليه وآله عن شئ يومئذ قدم أو أخر إلا قال: افعل ولا حرج.
وهذا بعينه على هذا اللفظ مروي عن أئمتنا عليهم السلام.
مسألة 169: لا يجوز أن يأكل من الهدي الواجب مما يلزمه في حال
الإحرام من الكفارات، أو ما يلزمه بالنذر. وبه قال الشافعي، وله في النذر وجهان.
وقال أبو إسحاق: يحل، لأنه تطوع بإيجابه على نفسه.
وقال أبو حنيفة: يأكل من الكل إلا من جزاء الصيد وحلق الشعر.
وقال مالك: يأكل من الكل إلا من جزاء الصيد.
دليلنا: إجماع الفرقة، وطريقة الاحتياط.
مسألة 170: يجوز الأكل من الهدي المتطوع به بلا خلاف، والمستحب
أن يأكل ثلثه، ويتصدق بثلثه، ويهدي ثلثه.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه.
والثاني: يأكل النصف ويتصدق بالنصف.
93

دليلنا: إجماع الفرقة، وقوله تعالى " فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر "
فقسم ثلاثة أصناف.
مسألة 171: يقع التحلل من إحرام العمرة إذا طاف وسعى وقصر،
والتقصير نسك يثاب عليه. وبه قال أبو حنيفة، وهو أحد قولي الشافعي إذ قال:
إن الحلق نسك.
والثاني: إنه إطلاق محظور، وليس بنسك ولا يثاب عليه.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 172: التحلل في الحج ثلاثة:
أولها: إذا رمى، وحلق، وذبح، فإنه يتحلل من كل شئ إلا النساء
والطيب.
فإذا طاف طواف الزيارة، وسعى، حل له كل شئ إلا النساء. فأما
الاصطياد فلا يحل له لكونه في الحرم، ويجوز له أن يأكل منه.
فإذا طاف طواف النساء حلت له النساء.
وقال الفقهاء كلهم: إنه يتحلل بتحليلتين معا بالرمي وطواف الزيارة.
والتحلل الأول يحصل بشيئين: رمي وحلق، أو رمي وطواف، أو حلق وطواف،
ويستبيح عند ذلك اللباس، وترجيل الشعر، والحلق، وتقليم الأظفار.
قال الشافعي: ولا يحل له الوطء إلا بعد التحلل الثاني قولا واحدا.
والطيب على قولين: قال في القديم: لا يحل بالتحلل الأول. والآخر يحل
قولا واحدا.
فأما عقد النكاح، والوطء فيما دون الفرج، والاصطياد، وقتل الصيد فعلى
قولين:
قال في القديم: لا يحل.
94

والثاني: يحل له كل هذا. وبه قال أبو حنيفة، ولم يعتبر أحد طواف النساء
بحال.
دليلنا: إجماع الفرقة، وطريقة الاحتياط تقتضي ذلك، لأنه إذا فعل ما قلناه
لا خلاف أنه يستبيح النساء، وقبل طواف النساء لا دليل على إباحته.
مسألة 173: يقطع المعتمر التلبية إذا دخل الحرم.
وخالف جميع الفقهاء في ذلك، وقالوا: إذا استلم الحجر قطعها، وقد
مضت.
والحاج يقطع التلبية يوم عرفة عند الزوال، وقالوا: لا يزال يلبي حتى يرمي
جمرة العقبة من يوم النحر.
دليلنا: إجماع الفرقة، ولأن إيجاب ذلك يحتاج إلى دليل.
مسألة 174: يستحب للإمام أن يخطب الناس بمنى يوم النحر بعد الزوال،
وبعد الظهر. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: لا يخطب يوم النحر.
دليلنا: ما روي أن النبي صلى الله عليه وآله خطب يوم النحر. وروى ذلك
الهرماس بن زياد الباهلي، وأبو أمامة الباهلي.
وأيضا الأصل الإباحة، والمنع يحتاج إلى دليل.
وأيضا فإنه تحميد الله، والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله، وتعليم الناس
المناسك، وكل ذلك مرغب فيه، فلا وجه للمنع منه.
مسألة 175: روى أصحابنا رخصة في تقديم الطواف والسعي قبل
الخروج إلى منى وعرفات، والأفضل أن لا يطوف طواف الحج إلا يوم النحر ان
كان متمتعا، ولا يؤخره. فإن أخره فلا يؤخره عن أيام التشريق.
95

وأما المفرد والقارن فيجوز لهما أن يؤخرا إلى أي وقت شاءا، والأفضل
التعجيل على كل حال.
وقال الشافعي: وقت الفضل يوم النحر قبل الزوال، وأول وقت الإجزاء
النصف الأخير من ليلة النحر، وآخره فلا غاية له، ومتى أخره فلا شئ عليه.
وقال أبو حنيفة: إن أخره عن أيام التشريق فعليه دم.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم أوردناها في الكتاب الكبير.
مسألة 176: لا يجوز الرمي أيام التشريق إلا بعد الزوال، وقد روي رخصة
قبل الزوال في الأيام كلها، وبالأول قال الشافعي وأبو حنيفة إلا أنه قال أبو حنيفة:
وإن رمى اليوم الثالث قبل الزوال جاز استحسانا.
وقال طاووس: يجوز قبل الزوال في الكل.
دليلنا: إجماع الفرقة، وطريقة الاحتياط، فإن من فعل ما قلناه لا خلاف أنه
يجزئه، وإذا خالفه ففيه الخلاف.
مسألة 177: الترتيب واجب في رمي الجمار بلا خلاف، يرمي التي هي
إلى منى أقرب، ويختم بالتي هي إلى مكة أقرب، ويقف عند الأولى والثانية، ويكبر
مع كل حصاة يرميها، ولا يقف عند الثالثة، كل ذلك لا خلاف فيه، فإن نقص
في الأولى شيئا ورمى الجمرتين بعدها نظرت، فإن كان أقل من الثلاث أعاد على
الجميع، وإن كان رماها أربعا فصاعدا أتمها ولا يعيد على التي بعدها.
وقال الشافعي: من نسي واحدة من الأولى أعاد عليها وعلى ما بعدها.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا فإن إيجاب الإعادة يحتاج إلى دلالة لأنها
فرض ثان.
مسألة 178: إذا نسي واحدة من الحصيات ولا يدري من أي الجمار هي،
96

رمى كل جمرة بحصاة، وقد أجزأه.
وقال الشافعي: يجعلها من الأولى ويرميها بحصاة، ويعيد على الجمرتين.
دليلنا: إجماع الفرقة، وإيجاب الإعادة على الباقيين يحتاج إلى دليل.
مسألة 179: إذا رمى سبع حصيات دفعة واحدة لم يعتد بأكثر من
واحدة، سواء وقعت عليها مجتمعة أو متفرقة. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: إذا وقعت متفرقة اعتد بهن كلهن.
دليلنا: إجماع الفرقة، وطريقه الاحتياط.
وحديث عائشة أنها قالت: يكبر مع كل حصاة، وذلك لا يتم إلا مع التفريق.
مسألة 180: إذا أخر الرمي حتى يمضي أيام الرمي، وجب عليه أن يرميها في
العام المقبل، إما بنفسه أو يأمر من يرمي عنه، ولا يلزمه الهدي، ويحل إذا أتى
بطواف الزيارة والسعي وطواف النساء.
وقال أصحاب الشافعي: يجب عليه الهدي في ذمته، وهل يحل قبل
الذبح؟ فيه وجهان:
أحدهما: يصير حلالا قبل الذبح.
والثاني: لا يصير حلالا حتى يذبح.
دليلنا: إجماع الفرقة على ما قلناه وأخبارهم، وإلزام الهدي يحتاج إلى
دلالة، وليس عليه دلالة.
مسألة 181: من فاته رمي يوم حتى غربت الشمس، قضاه من الغد، ويكون
قاضيا، فإذا قضى رمى ما فاته بكرة، وما يرمي ليومه عند الزوال، هكذا في الأيام
كلها.
97

فإن فاته في الأيام كلها فقد فات الوقت، ولا يرميها إلا من القابل على ما
مضى في هذه الأيام، إما بنفسه أو من ينوب عنه.
وليس عليه دم بتأخيره من يوم إلى يوم، ولا بتأخير الأيام.
وقال الشافعي فيه قولان:
أحدهما: أن الأربعة أيام كاليوم الواحد، فما فاته في يوم منها رماه من الغد
على الترتيب ويكون مؤديا، وهو الذي قاله في القديم، ومختصر الحج، ونقله
المزني واختاره الشافعي.
والثاني: كل يوم محدود الأول محدود الثاني، فإذا غربت الشمس فقد فات
الرمي، هذا قوله في الثلاثة أيام.
فأما يوم النحر ففيه طريقان، أحدهما: أن فيه قولين مثل الثلاثة. والآخر: أنه
محدود الأول والآخر. وهو بعيد عندهم.
فعلى هذا إذا فاته حتى غربت الشمس ففيه ثلاثة أقوال، أحدها: يقضي،
والثاني: لا يقضي وعليه دم، والثالث: يرمي ويهريق دما.
فأما إذا فاته الثلاثة فعلى القولين معا مضى وقت الرمي على كل حال.
دليلنا: إجماع الفرقة، ولأن القضاء في اليوم الثاني أحوط، وكذلك فيما
بعد الأربعة، وإلزام الدم يحتاج إلى دليل، والأصل براءة الذمة.
مسألة 182: يجوز للرعاة وأهل السقاية المبيت بمكة، ولا يبيتوا بمنى بلا
خلاف.
فأما من له مريض يخاف عليه، أو مال يخاف ضياعه، فعندنا يجوز له ذلك.
وللشافعي فيه وجهان: أحدهما مثل ما قلناه، والثاني: ليس له ذلك.
دليلنا: قوله تعالى: " وما جعل عليكم في الدين من حرج " وإلزام المبيت
والحال ما وصفناه فيه حرج.
98

مسألة 183: يستحب للإمام أن يخطب بمنى يوم النفر الأول بعد الزوال،
وهو أوسط أيام التشريق، ويعلمهم أنهم بالخيار بين التعجيل والتأخير. وبه قال
الشافعي.
وقال أبو حنيفة: يخطب يوم النفر، وهو أول التشريق، فانفرد به ولم يقل به
فقيه، ولا نقل فيه أثر.
دليلنا: أن ما ذكرناه أحوط.
وقد روي أن النبي صلى الله عليه وآله خطب بمنى أوسط أيام التشريق.
روت ذلك سراء بنت نبهان قالت: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله
وذكرت مثل ذلك.
مسألة 184: يوم النفر الأول بالخيار أن ينفر أي وقت شاء إلى غروب
الشمس، فإذا غربت فليس له أن ينفر، فإن نفر أثم. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: له أن ينفر إلى قبل طلوع الفجر، فإن طلع الفجر يوم النفر
الثاني فنفر أثم.
دليلنا: قوله تعالى: " فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه " فعلق الرخصة في
اليوم الثاني، وهذا فاته اليوم الثاني، فلا يجوز له أن ينفر.
مسألة 185: من فاته رمي يوم، رماه من الغد، وكذلك الحكم في
اليومين، ويبدأ بالأول فالأول مرتبا.
وللشافعي فيه قولان، أحدهما: مثل ما قلناه.
والآخر: يسقط الترتيب.
فإن اجتمع عليه الثلاثة أيام جاز أن يرمي كل جمرة بإحدى وعشرين
حصاة.
دليلنا: إجماع الفرقة، ودليل الاحتياط، فإن ما قلناه لا خلاف في جوازه،
99

وسقوط النسك به، وما قالوه ليس عليه دليل.
مسألة 186: إذا رمى ما فاته بنية يومه قبل أن يرمي ما لأمسه، لا يجزي
ليومه ولا عن أمسه.
وللشافعي فيه وجهان، أحدهما: مثل ما قلناه.
والثاني: وهو المذهب أنه يقع لأمسه، هذا على قوله بالترتيب.
دليلنا: إجماع الفرقة على وجوب الترتيب، وهذا لم يرتب، وطريقة
الاحتياط.
مسألة 187: إذا رمى جمرة واحدة بأربع عشرة حصاة، سبعا عن يومه،
وسبعا عن أمسه، فالأولة لا تجزيه عن يومه، لأنه ما رتب، والثانية تجزي عن
أمسه، ويحتاج أن يرمي ليومه.
وقال الشافعي: لا يجزيه عن يومه بلا خلاف، وأجزأه عن أمسه.
ولكن أي السبعين يجزيه؟ فيه وجهان، أحدهما: الأولى، والثاني: الثانية.
دليلنا: إنا قد أبطلنا أن ما يرميه بنية يومه يجزيه عن أمسه، فإذا بطلت الأولى
لم يبق بعد ذلك إلا الثانية، فيجزي عن أمسه.
مسألة 188: من فاته حصاة أو حصاتان أو ثلاثة حتى يخرج أيام التشريق
لا شئ عليه، وإن رماها في القابل كان أحوط.
وقال الشافعي: إن ترك واحدة فعليه مد، وإن
ترك اثنتين فعليه مدان، وإن ترك ثلاثة فدم، إذا
كان ذلك في الجمرة الأخيرة، فإذا كان من الجمرة الأولى
أو الثانية لا يصح ما بعدها على ما مضى.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، فمن أوجب عليها شيئا فعليه الدلالة.
100

مسألة 189: من ترك الرمي في الأربعة أيام قضاه من قابل، أو أمر من
يقضي عنه، ولا دم عليه.
وقال الشافعي: لا قضاء عليه قولا واحدا.
وفيما يجب عليه قولان:
أحدهما: عليه دم واحد، والثاني: عليه أربعة دماء، لكل يوم دم.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، فعلى من شغلها بشئ الدلالة.
مسألة 190: من ترك المبيت بلا عذر بمنى ليلة كان عليه دم، فإن ترك
ليلتين كان عليه دمان، والثالثة لا شئ عليه، لأن له أن ينفر في الأول إلا أن تغيب
الشمس، ثم ينفر فيلزمه ثلاثة دماء.
وقال الشافعي: إن ترك ليلة فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: عليه دم، والآخر: عليه ثلث دم، والثالث قاله في مختصر الحج: في
ليلة درهم وفي ليلتين درهمان وفي الثلاثة عليه دم، على أحد قوليه، والقول الآخر:
لا شئ عليه.
دليلنا: إجماع الفرقة وطريقة الاحتياط.
مسألة 191: نزول المحصب مستحب، وهو نسك. وبه قال عمر بن
الخطاب.
وقال جميع الفقهاء: هو مستحب، وليس بنسك.
فإن أرادوا بالنسك ما يلزمه بتركه الدم فليس بنسك عندنا، لأن من تركه
لا يلزمه الدم، وإنما يكون قد ترك الأفضل، ويسقط الخلاف.
مسألة 192: يصح أن يحرم عن الصبي، ويجنبه جميع ما يتجنبه المحرم،
101

وكلما يلزم المحرم البالغ يلزم في إحرام الصبي مثله، من الصيد، والطيب،
واللباس وغير ذلك، وتصح منه الطهارة، والصلاة، والصوم، والحج غير أن
الطهارة والصلاة والصيام لا يصح منه حتى يعقل ويميز، والحج يصح منه بإذن
وليه إذا كان مميزا، ويصح له الحج بإحرام وليه عنه إن لم يكن مميزا. وبه قال
مالك والشافعي.
وقال أبو حنيفة: لا ينعقد له صلاة، ولا صوم، ولا حج، فإن أذن له وليه
فأحرم لم ينعقد إحرامه، وإنما يفعل ذلك ليمرن عليه، ويجنب ما يجتنب المحرم
استحسانا، وإذا قتل صيدا فلا جزاء عليه.
دليلنا: إجماع الفرقة.
وأيضا ما روي أن امرأة رفعت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله صبيا من
محفة فقالت: يا رسول الله أ لهذا حج؟ قال: " نعم ولك أجز ".
مسألة 193: إذا قتل الصبي الصيد لزم وليه الفداء عنه.
والشافعي نص على ما قلناه. وفي أصحابه من قال: يلزمه في ماله.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا الصبي غير مخاطب بالعبادة، فلا يلزمه ما
يلزم المخاطب بالعبادة.
مسألة 194: يجوز للأم أن تحرم عن ولدها الصغير. وبه قال أبو سعيد
الإصطخري من أصحاب الشافعي.
وقال الباقون من أصحابه: لا يصح.
دليلنا: خبر المرأة التي سألت النبي صلى الله عليه وآله عن إحرامها عن
الصبي، فقال لها: " نعم له حج ولك أجر ".
مسألة 195: إذا أحرم الولي بالصبي، فنفقته الزائدة على نفقته في الحضر
102

على الولي دون ماله، وبه قال أكثر الفقهاء.
وقال قوم منهم: يلزمه في ماله.
دليلنا: أن الولي هو الذي أدخله في ذلك، وليس بواجب عليه، فيجب أن
يلزمه، لأن إلزامه في مال الصبي يحتاج إلى دلالة.
مسألة 196: إذا حمل الإنسان صبيا فطاف به، ونوى بحمله طواف الصبي
وطواف نفسه، أجزأ عنهما.
وللشافعي فيه قولان:
أحدهما: يقع الطواف عن الولي، والثاني: يقع عن الصبي.
دليلنا: إجماع الفرقة، فإنها منصوصة لهم في من حمل غيره فطاف به في أنه
يجزي عنهما جميعا إذا نوى ذلك.
مسألة 197: الصبي إذا وطأ في الفرج عامدا فقد روى أصحابنا أن عمد
الصبي وخطأه سواء، فعلى هذا لا يفسد حجه، ولا تتعلق به كفارة.
وإن قلنا: أن ذلك عمد، يجب أن يفسد الحج وتتعلق به الكفارة، لعموم
الأخبار في من وطأ عامدا أنه يفسد حجه، كان قويا، إلا أنه لا يلزمه القضاء، لأنه
ليس مكلف، ووجوب القضاء يتوجه إلى المكلف.
وللشافعي فيه قولان:
أحدهما: أن عمده وخطأه سواء في الحكم، فإن حكم بأن عمده خطأ، فهو
على قولين مثل البالغ في فساد الحج.
وإن قال: عمده عمد فقد أفسد حجه وعليه بدنة.
وهل يجب عليه القضاء بالإفساد؟ على قولين، أحدهما: لا قضاء عليه، لأنه
غير مكلف مثل ما قلناه. والثاني: عليه القضاء.
فإذا قال بالقضاء، فهل يصح منه القضاء وهو صغير، منصوص للشافعي
103

أنه يصح، ومن أصحابه من قال: لا يصح.
فإذا قال:
يصح منه وهو صغير، ففعل فلا كلام، وإذا قال: لا يصح أو قال:
يصح ولم يفعل حتى بلغ، فحج بعد بلوغه، فهل تجزيه عن حجة الإسلام أم لا؟
نظرت في التي أفسدها، فإن كانت لو سلمت من الفساد أجزأت عن حجة
الإسلام، وهو أن يبلغ قبل فوات وقت الوقوف بعرفات، فكذلك القضاء، وإن
كانت لو سلمت من الفساد لا تجزيه عن حجة الإسلام، بأن لم يبلغ في وقت
الوقوف، فكذلك القضاء.
دليلنا: عموم الأخبار التي وردت على ما قدمناه.
مسألة 198: ضمان ما يتلفه الصبي المحرم من الصيد على الولي.
وللشافعي فيه قولان:
أحدهما مثل ما قلناه، والثاني: في ماله.
دليلنا: عموم الأخبار الواردة في ذلك، وأنه يلزمه جميع ما يلزم المحرم.
مسألة 199: طواف الوداع مستحب بلا خلاف، وقد قدمنا أن طواف
النساء فرض لا يتحلل من النساء إلا به، وإن ترك طواف الوداع لا يلزمه دم،
وإن ترك طواف النساء لم تحل له النساء حتى يعود ويطوف، أو يأمر من
يطوف عنه.
وخالف جميع الفقهاء في طواف النساء، ووافقونا في طواف الوداع.
فأما لزوم الدم بتركه، فذهب إليه أبو حنيفة: وأحد قولي الشافعي والآخر: لا
دم عليه.
دليلنا: على وجوب طواف النساء: إجماع الفرقة، وطريقة الاحتياط، فأما
لزوم الدم بترك طواف الوداع فيحتاج إلى دليل، والأصل براءة الذمة.
104

مسألة 200: من وطأ في الفرج قبل الوقوف بعرفة، فسد حجه بلا خلاف،
ويلزمه المضي فيها، ويجب عليه الحج من قابل، ويلزمه بدنة عندنا وعند
الشافعي.
وعند أبي حنيفة: شاة.
دليلنا: إجماع الفرقة، وطريقة الاحتياط.
وروي عن ابن عمر، وابن عباس أنهما قالا: من وطأ قبل التحلل أفسد،
وعليه ناقة، ولا مخالف لهما.
مسألة 201: إذ وطأ بعد الوقوف بعرفة وقبل الوقوف بالمشعر فسد حجه،
وعليه بدنة، وإن وطأ بعد الوقوف بالمشعر قبل التحلل لزمه بدنة، ولم يفسد
حجة.
وقال الشافعي ومالك: إن وطأ بعد الوقوف بعرفة قبل التحلل أفسد حجه،
وعليه بدنة، مثل الوطء قبل الوقوف.
وقال أبو حنيفة: لا يفسد حجه الوطء بعد الوقوف بعرفة، وعليه بدنة.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا فكل من قال الوقوف بالمشعر الحرام ركن
قال بما قلناه، وقد دللنا على أنه ركن، فثبت ما قلناه لفساد التفرقة.
وأيضا رواية ابن عمرو ابن عباس تدل على ذلك.
وما بعد الوقوف بالمشعر نخرجه بدليل إجماع الفرقة.
مسألة 202: من أفسد حجه وجب عليه المضي فيه، واستيفاء أفعاله، وبه
قال جميع الفقهاء، إلا داود، فإنه قال: يخرج بالفساد منه.
دليلنا: إجماع الفرقة، بل إجماع الأمة، وداود قد سبقه الإجماع وطريقة
الاحتياط تقتضي ذلك.
وأيضا قوله تعالى: " وأتموا الحج والعمرة لله ".
105

يتناول هذا الموضع، لأنه لم يفرق بين حجة أفسدها وبين ما لم يفسده.
وما قلناه مروي عن علي عليه السلام وابن عباس، وعمر، وأبي هريرة ولا
مخالف لهم في الصحابة.
مسألة 203: إذا وطأ في الفرج بعد لتحلل الأول لم يفسد حجه وعليه
بدنة. وقال الشافعي مثل ذلك، وله في لزوم الكفارة قولان:
أحدهما: بدنة، والآخر: شاة.
وقال مالك: يفسد ما بقي منه، وعليه أن يأتي بالطواف والسعي، لأنه يمضي
في فاسدة، ثم يقضي ذلك بعمل عمرة، ويخرج في الحل، فيأتي بذلك.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا تبنى هذه المسألة على وجوب الوقوف
بالمشعر، فكل من قال بذلك قال بما قلناه.
وروي عن ابن عباس أنه قال: من وطأ بعد التحلل - وفي بعضها بعد الرمي
- فحجه تام، وعليه بدنة.
مسألة 204: إذا وطأ بعد وطء، لزمه بكل وطء كفارة، وهي بدنة، سواء
كفر عن الأول أو لم يكفر.
وقال الشافعي: إن وطأ بعد أن كفر عن الأول وجبت عليه الكفارة، قولا
واحدا، وهل هي شاة أو بدنة على قولين.
وإن كان قبل أن يكفر عن الأول ففيها ثلاثة أقوال:
أحدها: لا شئ عليه، والثاني: شاة، والثالث: بدنة.
دليلنا: ظواهر الأوامر التي وردت بأن من وطأ وهو محرم فعليه كفارة،
ولم يفصلوا.
وإن قلنا بما قاله الشافعي: إنه إن كان كفر عن الأول لزمته الكفارة، وإن
كان قبل أن يكفر فعليه كفارة واحدة، كان قويا، لأن الأصل براءة الذمة.
106

مسألة 205: من أفسد حجه وجب عليه الحج من قابل. وقال الشافعي
مثل ذلك في المنصوص عليه.
ولأصحابه قول آخر: وهو أنه على التراخي.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأخبارهم التي تضمنت أن عليه الحج من قابل،
وطريقة الاحتياط تقتضي ذلك، ولأنا قد بينا أن حجة الإسلام على الفور، وهذه
حجة الإسلام.
وأيضا فلا خلاف أنه مأمور بذلك، والأمر عندنا يقتضي الفور، وبهذا
المذهب قال عمر، وابن عباس، وابن عمر.
مسألة 206: إذا وطأها وهي محرمة فالواجب كفارتان، فإن أكرهها كانتا
جميعا عليه، وإن طاوعته لزمته واحدة، ولزمتها الأخرى.
وقال الشافعي: كفارة واحدة يتحملها الزوج، ولم يفصل.
وله قول آخر: أن على كل واحد منهما كفارة.
وفي من يتحملها وجهان:
أحدهما: عليه وحده، والثاني: على كل واحد منهما كفارة، فإن أخرجهما
الزوج سقط عنها.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأخبارهم، طريقة الاحتياط.
مسألة 207: إذا وجب عليهما الحج في المستقبل، فإذا بلغا إلى الموضع
الذي واقعها فيه فرق بينهما. وبه قال الشافعي نصا.
واختلف أصحابه على وجهين:
أحدهما: هي واجبة، والثاني: مستحبة.
وقال مالك: واجبة.
وقال أبو حنيفة: لا أعرف هذه التفرقة.
107

دليلنا: إجماع الفرقة، وأخبارهم وطريقة الاحتياط أيضا تقتضيه، وروي
ذلك عن ابن عباس، وابن عمر ولا مخالف لهما.
مسألة 208: إذا وطأ المحرم ناسيا، لا يفسد حجه.
وقال أبو حنيفة: يفسد حجه مثل العمد، وهو أحد قولي الشافعي.
والثاني: لا يفسد وهو أصح القولين.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا الأصل براءة الذمة.
وأيضا روي عنه عليه السلام أنه قال: " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما
استكرهوا عليه "، وهذا خطأ.
مسألة 209: إذا وطأ المحرم فيما دون الفرج لا يفسد حجه، أنزل أو لم
ينزل. وبه قال الشافعي.
وقال مالك: إذا أنزل أفسد الحج.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا إفساد الحج يحتاج إلى دليل والأصل
صحته، لأنه انعقد صحيحا، وليس على ما قالوه دليل.
مسألة 210: من أصحابنا من قال: إن إتيان البهيمة، واللواط بالرجال
والنساء، وإتيانها في دبرها، كل ذلك يتعلق به فساد الحج. وبه قال الشافعي.
ومنهم من قال: لا يتعلق الفساد إلا بالوطئ في القبل من المرأة.
وقال أبو حنيفة: إتيان البهيمة لا يفسد، والوطء في الدبر على روايتين،
المعروف أنه يفسده.
دليلنا: على الأول: طريقة الاحتياط، وعلى الثاني براءة الذمة.
مسألة 211: من أفسد عمرته كان عليه بدنة. وبه قال الشافعي.
108

وقال أبو حنيفة: شاة.
دليلنا: إجماع الفرقة، وطريقة الاحتياط.
مسألة 212: القارن على تفسيرنا إذا أفسد حجه لزمه بدنة، وليس عليه دم
القران.
وقال الشافعي: إذا وطأ القارن - على تفسيرهم في من جمع بين الحج
والعمرة في الإحرام - لزمه بدنة واحدة بالوطئ، ودم القران باق عليه.
وقال أبو حنيفة: يسقط دم القران، ويجب عليه شاتان، شاة بإفساد الحج
وشاة بإفساد العمرة.
دليلنا: إجماع الفرقة، وبراءة الذمة، ولأنا قد بينا فساد ما يقولونه في كيفية
القران.
مسألة 213: من وجب عليه دم في إفساد الحج فلم يجد، فعليه بقرة، فإن
لم يجد فسبع شياة على الترتيب، فإن لم يجد فقيمة البدنة دراهم، ويشتري بها
طعاما يتصدق به، فإن لم يجد صام عن كل مد يوما.
ونص الشافعي على مثل ما قلناه.
وفي أصحابه من قال: هو مخير.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأخبارهم، وطريقه الاحتياط.
مسألة 214: من نحر ما يجب عليه في الحل وفرق اللحم في الحرم لا
يجزئه. وبه قال الشافعي.
وقال بعض أصحابه: يجزيه.
دليلنا: قوله تعالى: " ثم محلها إلى البيت العتيق " وهذا ما بلغه، وعليه
إجماع الفرقة، وطريقة الاحتياط تقتضيه.
109

مسألة 215: إذا نحر في الحرم، وفرق اللحم في الحل، لم يجزئه، وبه قال
الشافعي قولا واحدا.
وكذلك الإطعام، ولا يجزئه عندنا إلا لمساكين الحرم، وبه قال الشافعي
قولا واحدا.
وقال مالك في اللحم مثل قولنا، والإطعام: كيف شاء.
وقال أبو حنيفة: إذا فرق اللحم أو أطعم المساكين في غير الحرم أجزأه.
دليلنا: طريقة الاحتياط.
مسألة 216: من وجب عليه الهدي في إحرام الحج فلا ينحره إلا بمنى،
وإن وجب عليه في إحرام العمرة فلا ينحره إلا بمكة.
وقال باقي الفقهاء: أي مكان شاء من الحرم يجزئه، إلا أن الشافعي استحب
مثل ما قلناه.
دليلنا: إجماع الفرقة، وطريقة الاحتياط.
مسألة 217: من أفسد الحج وأراد أن يقضي، أحرم من الميقات. وبه قال
أبو حنيفة وقال: لا يلزمه إن كان أحرم فيما أفسد من قبل الميقات.
وقال الشافعي: يلزمه من الموضع الذي كان أحرم منه.
دليلنا: إنا قد بينا أن الإحرام قبل الميقات لا ينعقد، وهو إجماع الفرقة،
وأخبارهم عامة في ذلك، فلا تتقدر على مذهبنا هذه المسألة.
مسألة 218: إذا أراد قضاء العمرة التي أفسدها أحرم من الميقات.
وقال الشافعي مثل قوله في الحج، بأغلظ الأمرين.
وقال أبو حنيفة: تحرم من أدنى الحل، ولا يلزمه الميقات.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
110

مسألة 219: من فاته الحج سقط عنه توابع الحج، الوقوف بعرفات،
والمشعر، ومنى، والرمي. وعليه طواف وسعي، فيحصل له إحرام، وطواف،
وسعي، ثم يحلق بعد ذلك، وعليه القضاء في القابل، ولا هدي عليه.
وفي أصحابنا من قال: عليه هدي.
وروي ذلك في بعض الروايات.
وبمثله قال الشافعي إلا في الحلق، فإنه على قولين إلا أنه قال: لا يصير حجه
عمرة، وإن فعل أفعال العمرة، وعليه القضاء وشاة.
وبه قال أبو حنيفة، ومحمد إلا في فصل، وهو أنه لا هدي عليه.
وقال أبو يوسف تنقلب حجته عمرة، مثل ما قلناه.
وعن مالك ثلاث روايات:
أولاها: مثل قول الشافعي.
والثانية: يحل بعمل عمرة، وعليه الهدي دون القضاء.
والثالثة: لا يحل، بل يقيم على إحرامه، حتى إذا كان من قابل أتى بالحج،
فوقف وأكمل الحج.
وقال المزني: يمضي في فائته، فيأتي بكل ما يأتي به الحاج إلا الوقوف،
فخالف الباقين في التوابع.
دليلنا: إجماع الفرقة، ولأن إلزام التوابع مع الفوات يحتاج إلى دليل،
وكذلك البقاء، وإسقاط القضاء يحتاج إلى دليل، وأما وجوب الهدي فطريقة
الاحتياط تقتضيه.
مسألة 220: من فاته الحج وكانت حجة الإسلام، فعليه قضاؤها على الفور
في السنة الثانية. وبه قال الشافعي، وهو ظاهر مذهبهم.
وفي أصحابه من قال: على التراخي.
دليلنا: ما بيناه من أن حجة الإسلام على الفور، وأيضا فهو مأمور بهذه
111

الحجة، والأمر عندنا على الفور. وطريقة الاحتياط أيضا تقتضيه، وما ذكرناه
مروي عن عمر، وابن عمر ولا مخالف لهما.
مسألة 221: على الرواية التي ذكرناها، أن من فاته الحج عليه الهدي، لا
يجوز تأخيره إلى القابل، وهو أحد قولي الشافعي.
والثاني: أن له ذلك.
دليلنا: طريقة الاحتياط، لأنه إذا أتى به برئت ذمته بلا خلاف.
مسألة 222: من دخل مكة لحاجة لا تتكرر كالتجارة، والرسالة، وزيارة
الأهل، أو كان مكيا فخرج لتجارة ثم عاد إلى وطنه، أو دخلها للمقام بها، فلا
يجوز له أن يدخلها إلا بإحرام. وبه قال ابن عباس، وأبو حنيفة، وهو قول الشافعي
في الأم.
ولأبي حنيفة تفصيل فقال: هذا لمن كانت داره قبل المواقيت، وأما إن
كانت داره في المواقيت أو دونها فله دخولها بغير إحرام.
والقول الآخر للشافعي أن ذلك مستحب غير واجب قاله في عامة كتبه، وبه
قال ابن عمر، ومالك.
دليلنا: إجماع الفرقة، وطريقة الاحتياط، والأخبار الواردة في هذا المعنى
وظاهرها يقتضي الإيجاب.
مسألة 223: من يتكرر دخوله مكة من الحطابة والرعاة، جاز له دخولها
بغير إحرام. وبه قال الشافعي.
وقال بعض أصحابه: إن للشافعي فيه قولا آخر، وهو أنه يلزم هؤلاء في السنة
مرة.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، وإيجاب ذلك يحتاج إلى دليل.
112

مسألة 224: من يجب عليه أن لا يدخل مكة إلا محرما، فدخلها محلا، فلا
قضاء عليه. وبه قال الشافعي على قوله: إنه واجب أو مستحب.
وقال أبو حنيفة: عليه أن يدخلها محرما، فإن دخلها محلا فعليه القضاء، ثم
ينظر، فإن حج حجة الإسلام من سنته فالقياس أن عليه القضاء، لكنه يسقط
القضاء استحسانا، وإن لم يحج من سنته استقر عليه القضاء.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، وإيجاب القضاء يحتاج إلى دلالة.
مسألة 225: من أسلم وقد جاوز الميقات، فعليه الرجوع إلى الميقات،
والإحرام منه، فإن لم يفعل، وأحرم من موضعه، وحج تم حجه، ولا يلزمه دم.
وبه قال أبو حنيفة والمزني.
وقال الشافعي: يلزمه دم قولا واحدا.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، فمن شغلها بشئ فعليه الدلالة.
مسألة 226: إحرام الصبي عندنا جائز صحيح، وإحرام العبد صحيح بلا
خلاف، ووافقنا الشافعي في إحرام الصبي.
فعلى هذا إذا بلغ الصبي، وأعتق العبد قبل التحلل، فيه ثلاث مسائل: إما أن
يكملا بعد فوات وقت الوقوف، أو بعد الوقوف وقبل فوات وقته.
فإن كملا بعد فوات وقت الوقوف، مثل أن يكملا بعد طلوع الفجر من يوم
النحر، مضيا على الإحرام، وكان الحج تطوعا، ولا يجزي عن حجة الإسلام بلا
خلاف.
وإن كملا قبل الوقوف، تعين إحرام كل واحد منهما بالفرض، وأجزأه عن
حجة الإسلام. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: الصبي يحتاج إلى تجديد إحرام، لأن إحرامه لا يصح
عنده، والعبد يمضي على إحرامه تطوعا، ولا ينقلب فرضا.
113

وقال مالك: الصبي والعبد معا يمضيان في الحج، ويكون تطوعا.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، فإنهم لا يختلفون في هذه المسألة، وهي
منصوصة لهم، وقد ذكرناها ونصوصها في الكتاب المقدم ذكره.
مسألة 227: وإن كان البلوغ والعق بعد الوقوف وقبل فوات وقته، مثل
أن كملا قبل طلوع الفجر، رجعا إلى عرفات والمشعر إن أمكنهما، وإن لم
يمكنهما رجعا إلى المشعر ووقوفا وقد أجزأهما، فإن لم يعود إليهما أو إلى أحدهما
فلا يجزئهما عن حجة الإسلام.
وقال الشافعي: إن عادا إلى عرفات، فوقفا قبل طلوع الفجر، فالحكم فيه
كما لو كملا قبل الوقوف فإنه يجزئهما، وإن لم يعودا إلى عرفات لم يجزهما عن
حجة الإسلام.
وحكي عن ابن عباس أنه قال: يجزئهما عن حجة الإسلام.
دليلنا: إجماع الفرقة، فإنهم لا يختلفون في أن من أدرك المشعر فقد
أدرك الحج، ومن فاته فقد فاته الحج.
مسألة 228: كل موضع قلنا إنه يجزئهما عن حجة الإسلام، فإن كانا
متمتعين يلزمهما الدم للتمتع، وإن لم يكونا متمتعين لم يلزمهما دم.
وقال الشافعي: عليهما دم. وقال في موضع آخر: لا يبين لي أن عليهما دما.
وقال أبو إسحاق: على قولين.
وقال أبو سعيد الإصطخري، وأبو الطيب بن سلمة: لا دم، قولا واحدا.
دليلنا: في المتمتع: قوله تعالى: " فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر
من الهدي " ولم يفصل وغير المتمتع، فالأصل براءة الذمة، وشغلها يحتاج إلى
دليل.
114

مسألة 229: لا ينعقد إحرام العبد إلا بإذن سيده. وبه قال داود ومن تابعه.
وقال جميع الفقهاء: ينعقد، وله أن يفسخ عليه حجه، والأفضل أن
لا يفسخه.
دليلنا: قوله تعالى: " عبدا مملوكا لا يقدر على شئ " والإحرام من جملة
ذلك، ومن أجاز فعليه الدلالة، وعليه إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 230: العبد إذا أفسد حجه، وكان أحرم بإذن مولاه، لزمه ما يلزم
الحر، ويجب على مولاه إذنه فيه إلا الفدية، فإنه بالخيار بين أن يفدي عنه، أو يأمره
بالصيام.
وإن كان بغير إذنه فإحرامه باطل، لا يتصور معه الإفساد.
وقال جميع الفقهاء: إن الإفساد صحيح في الموضعين معا.
وقال أصحاب الشافعي: إن المنصوص أن عليه القضاء، ومن أصحابه من
قال: لا قضاء عليه.
دليلنا: على وجوب القضاء: إذا كان بإذن سيده طريقة الاحتياط، وعموم
الأخبار فيمن أفسد حجه أن عليه القضاء، وهي متناولة له، لأنا حكمنا بصحة
إحرامه.
فأما إذا لم يكن باذنه فقد بينا أن إحرامه باطل.
مسألة 231: إذا أذن له السيد في الإحرام، وأفسد، وجب عليه أن يأذن له
في القضاء.
وللشافعي فيه وجهان:
أحدهما: له منعه منه. والآخر: ليس له ذلك.
دليلنا: أنه إذا أذن في ذلك لزمه جميع ما يتعلق به، ومما يتعلق به قضاء
ما أفسده.
115

مسألة 232: إذا أفسد العبد حجه، ولزمه القضاء على ما قلناه، فأعتقه
السيد، كان عليه حجة الإسلام وحجة القضاء، ويجب عليه البدأة بحجة الإسلام،
وبعد ذلك بحجة القضاء. وبه قال الشافعي.
وهكذا القول في الصبي إذا بلغ، وعليه قضاء حجه، فإنه لا يقضي قبل حجة
الإسلام، فإن أتى بحجة الإسلام كان القضاء باقيا، وإن أحرم بالقضاء انعقد لحجة
الإسلام وكان القضاء باقيا في ذمته. هذا إذا تحلل من حجة كان أفسدها، وتحلل
منها ثم أعتق.
فأما إن أعتق قبل التحلل منها، فلا فصل بين أن يفسد بعد العتق أو قبل
العتق، فإنه يمضي في فاسدة، ولا تجزئه الفاسدة عن حجة الإسلام، فإذا قضى،
فإن كانت لو سلمت التي أفسدها من الفساد أجزأه عن حجة الإسلام فالقضاء
يجزئه عنه، مثل إن أعتق قبل فوات وقت الوقوف، ووقف بعده. وإن كانت لو
سلمت لم تجزئه عن حجة الإسلام فالقضاء كذلك، مثل أن يعتق بعد فوات
وقت الوقوف، فيكون عليه القضاء وحجة الإسلام معا.
وهذا كله وفاق، إلا ما قاله من العتق قبل التحلل، فإنا نعتبر قبل الوقوف
بالمشعر، فإن كان بعده لا يتعلق به فساد الحج أصلا، فتكون حجته تامة إلا أنها
لا تجزئه عن حجة الإسلام على حال.
دليلنا: ما قدمناه من أن من لحق المشعر فقد لحق الحج، ومن لم يلحق
فقد فاته، فهذه التفريعات يقتضيها كلها.
مسألة 233: إذا أذن المولى لعبده في الإحرام، ثم بدا له، فأحرم العبد قبل
أن يعلم نهيه عن ذلك، صح إحرامه، وليس له فسخه عليه.
وللشافعي فيه قولان:
أحدهما: مثل ما قلناه، والآخر: له ذلك، بناء على مسألة الوكيل إذا عزله
قبل أن يعلم، فإن له فيه قولين.
116

دليلنا: أن هذا إحرام صحيح انعقد بإذن المولى، لأن العلم بالإذن كان
حاصلا ولم يعلم النهي، فيجب أن يصح، لأن المنع من ذلك يحتاج إلى دليل.
مسألة 234: إذا أحرم العبد بإذن سيده، لم يكن لسيده أن يحلله منه. وبه
قال الشافعي. وقال أبو حنيفة: له أن يحلله منه.
دليلنا: طريقة الاحتياط، ولأن هذا إحرام صحيح، وجواز تحليله منه
يحتاج إلى دليل.
مسألة 235: من أهل بحجتين انعقد إحرامه بواحدة منهما، وكان وجود
الأخرى وعدمها سواء، ولا يتعلق بها حكم، ولا يجب قضاؤها ولا الفدية.
وهكذا من أهل بعمرتين، أو بحجة ثم أدخل عليها أخرى، أو بعمرة ثم
أدخل عليها أخرى. والكلام فيما زاد عليه كالكلام فيه سواء. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: ينعقد إحرامه بحجتين وأكثر وبعمرتين وأكثر،
لكنه لا يمكنه المضي فيهما.
ثم اختلفوا، فقال أبو حنيفة ومحمد: يكون محرما بهما ما لم يأخذ في السير،
فإذا أخذ فيه ارتفضت إحديهما وبقيت الأخرى، وعليه قضاء التي ارتفضت
والهدي، قالا: ولو حصر قبل المسير تحلل منهما بهديين.
وقال أبو يوسف: ترتفض إحداهما عقيب الانعقاد، وعليه قضاؤها وهدي،
وتبقى الأخرى يمضي فيها.
دليلنا: أن انعقاد واحدة مجمع عليه، وما زاد عليها ليس عليه دليل،
والأصل براءة الذمة، ولأنا أجمعنا على أن المضي فيهما لا يمكن، فمن أوجب
القضاء في واحدة فعليه الدلالة.
117

مسألة 236: الاستئجار للحج جائز، فإذا صار الرجل معضوبا جاز أن
يستأجر من يحج عنه، وتصح الإجارة وتلزم، ويكون للأجير أجرته، فإذا فعل
الحج عن المكتري، وقع عن المكتري، وسقط الفرض به عنه.
وكذلك إذا مات من عليه حج، واكترى وليه من يحج عنه، ففعل الأجير
الحج. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: لا يجوز الإجارة على الحج، فإذا فعل كانت الإجارة
باطلة، فإذا فعل الأجير ولبى عن المكتري وقع الحج عن الأجير، ويكون
للمكتري ثواب النفقة، فإن بقي مع الأجير شئ كان عليه رده.
فأما إن مات، فإن أوصى أن يحج عنه كانت تطوعا من الثلث، وإن لم
توجد كان لوليه وحده أن يحج عنه، فإذا فعل، قال محمد: أجزأه إن شاء الله،
وأراد " أجزأه عنه " الإضافة إليه، ليبين أن غير الولي لا يملك هذا.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا الأصل جواز الإجارات في كل
شئ، فمن منع في شئ دون شئ فعليه الدلالة، ولأنا اتفقنا على وجوب الحج
عليه، فمن أسقطه بالموت فعليه الدلالة.
وروي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله سمع رجلا وهو يقول:
لبيك عن شبرمة فقال له: ويحك من شبرمة؟ فقال له: أخ لي، أو صديق لي،
فقال النبي صلى الله عليه وآله: " حج عن نفسك، ثم حج عن شبرمة ".
فوجه الدلالة أنه قال: ثم حج عن شبرمة. وعند أبي حنيفة لا يحج عنه.
وروى ابن عباس أن امرأة من خثعم سألت النبي صلى الله عليه وآله فقالت:
إن فريضة الله في الحج أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يستمسك على
الراحلة، فهل ترى أن أحج عنه؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله: " نعم " فقالت:
يا رسول الله فهل ينفعه ذلك؟ قال: " نعم كما لو كان عليه دين فقضيته نفعه ".
وهذا يدل على ما قلناه من ثلاثة أوجه:
أحدها: أنها سألته عن النيابة عنه؟ فقال: تجوز.
118

والثاني: قالت: ينفعه؟ قال: نعم، فأخبرها أن الحج ينعقد وينفعه،
وعندهم ينفعه ثواب النفقة.
والثالث: أنه شبهه بالدين، في أنه ينفعه ويسقط به قضاؤه عنه.
وروى عبيد الله بن أبي رافع عن علي بن أبي طالب عليه السلام أن رسول الله صلى
الله عليه وآله وصل منى ينحر فجاءته امرأة من خثعم فقالت: إن أبي
شيخ كبير قد أقعد، وأدركته فريضة الله على عباده في الحج، ولا يستطيع
أداؤها، فهل يجزئ عنه أن أؤديها عنه؟ فقال: " نعم ".
وهذا نص، لأنها سألته عن الإجزاء عنه بالنيابة؟ فقال: نعم.
مسألة 237: إذا صحت الإجارة فلا يحتاج إلى تعيين الموضع الذي
يحرم منه.
وللشافعي فيه قولان:
قال في الأم ونقله المزني: لا يصح إلا بأن يقول يحرم من موضع كذا
وكذا.
وقال في الإملاء: يحرم عنه من ميقات بلد المستأجر، وهو أصح القولين
عندهم.
دليلنا: إنا قد بينا أن الإحرام قبل الميقات لا يجوز، وإذا ثبت فلا يصح
إحرامه لو شرطه عليه قبل ذلك.
ولأنه إذا ثبت الأول ثبت الآخر، لأن أحدا لا يفصل.
وأيضا روى طاووس، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وآله: " هذه المواقيت لأهلها، ولكل آت أتى عليها من غير أهلها ممن أراد حجا أو
عمرة ".
وهذا عام في كل أحد، نائبا كان أو غير نائب.
119

مسألة 238: إذا قال الإنسان: أول من يحج عني فله مائة، فبادر رجل
فحج عنه استحق المائة. وبه قال الشافعي.
وقال المزني: لا يستحق المائة، وله أجرة المثل.
دليلنا: أن هذا شرط وجزاء، والنبي صلى الله عليه وآله قال: " المؤمنون
عند شروطهم " وليس في الشرع ما يمنع منه.
مسألة 239: إذا أحرم الأجير بالحج عن المستأجر، انعقد عمن أحرم عنه،
فإن أفسد الأجير الحج انقلب عن المستأجر إليه وصار محرما بحجة عن نفسه
فاسدة، فعليه قضاؤها عن نفسه، والحج باق عليه للمستأجر، يلزمه أن يحج عنه
فيما بعد إن كانت الحجة في الذمة، ولم يكن له فسخ هذه الإجارة، لأنه لا دليل
على ذلك.
وإن كانت معينة انفسخت الإجارة، وكان على المستأجر أن يستأجر من
ينوب عنه. وبه قال الشافعي، إلا أنه قال: إن كانت الحجة في الذمة وكان
المستأجر حيا له أن يفسخ عليه، وإن كان ميتا لم يكن للولي فسخه.
وقال المزني: إذا أفسدها لم تنقلب إليه، بل أفسد حج غيره، فيمضي في
فاسدها عن المستأجر، وعلى الأجير بدنة، ولا قضاء على واحد منهما.
دليلنا: على انتقاله: أنه استأجره على أن يحج عنه حجة صحيحة شرعية،
وهذه فاسدة غير شرعية، فيجب أن لا يجزئه.
وأما تجويز الفسخ عليه فليس في الشرع ما يدل عليه.
مسألة 240: إذا استأجر رجلان رجلا ليحج عنهما، لم يصح عنهما ولا عن
واحد منهما بلا خلاف، ولا يصح عندنا إحرامه عن نفسه، ولا ينقلب إليه.
وقال الشافعي: ينقلب الإحرام إليه.
دليلنا: أن انقلاب ذلك إليه يحتاج إلى دليل، وأيضا فإن من شرط الإحرام
120

النية، فإذا لم ينو عن نفسه فقد تجرد عن نيته، فإذا تجرد عن نيته فلا يجزئه.
مسألة 241: إذا أحرم الأجير عن نفسه وعن من استأجره، لم ينعقد الإحرام
عنهما، ولا عن واحد منهما.
وقال الشافعي: ينعقد عنه دون المستأجر.
دليلنا: ما قدمناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 242: إذا أفسد الحج فعليه القضاء، وإذا تلبس بالقضاء فأفسده، فإنه
يلزمه القضاء ثانيا.
وقال الشافعي: لا يلزمه القضاء ثانيا.
دليلنا: عموم الأخبار الواردة في أن من أفسد حجه كان عليه القضاء، ولم
يفصلوا.
مسألة 243: إذا مات الأجير أو أحصر قبل الإحرام، لا يستحق شيئا من
الأجرة. وعليه جمهور أصحاب الشافعي.
وأفتى الإصطخري والصيرفي سنة القرامطة حين صدوا الناس عن الحج
فرجعوا، بأنه يستحق عن الأجرة بقدر ما عمل.
وقال أصحاب الشافعي: إنما أفتيا من قبل نفوسهما، إلا أنهما خرجاه على
مذهب الشافعي.
دليلنا: أن الإجارة إنما وقعت على أفعال الحج، وهذا لم يفعل شيئا منها،
فيجب أن لا يستحق الأجرة، ومن أوجب له ذلك فعليه الدلالة.
ويقوى في نفسي ما قاله الصيرفي، لأنه كما استؤجر على أفعال الحج
استؤجر على قطع المسافة، وهذا قد قطع قطعة منها، فيجب أن يستحق الأجرة
بحسبه.
121

مسألة 244: إذا مات أو أحصر بعد الإحرام سقطت عنه عهدة الحج، ولا
يلزمه رد شئ من الأجرة. وبه قال أصحاب الشافعي إن كان بعد الفراع من
الأركان، كأن تحلل بالطواف، ولم يقو على المبيت بمنى والرمي.
ومنهم من قال: يرد قولا واحدا.
ومنهم من قال: على قولين.
وإن مات بعد أن فعل بعض الأركان، وبقى البعض، قال في الأم: له من
الأجرة بقدر ما عمل، وعليه أصحابه، وقد قيل: لا يستحق شيئا، فالمسألة على
قولين.
دليلنا: إجماع الفرقة، فإن هذه المسألة منصوصة لهم، لا يختلفون فيها.
مسألة 245: إذا أحرم الأجير ومات، فقد قلنا أنه سقط الحج عنه، وإن كان
أحرم عن نفسه فلا يجوز أن ينقلها إلى غيره.
وللشافعي فيه قولان:
قال في القديم: يجوز له البناء عليه، ويتم عنه غيره، والآخر: أنه لا يصح
ذلك.
دليلنا: أن جواز ذلك يحتاج إلى دلالة، لأن الأصل في الشريعة أن لا
تجزئ عبادة إلا عن واحد، فمن أجازها عن اثنين فعليه الدلالة.
مسألة 246: إذا استأجر رجلا على أن يحج عنه مثلا من اليمن، فأتى الأجير
الميقات، ثم أحرم عن نفسه بالعمرة، فلما تحلل منها حج عن المستأجر، فإن
كانت الحجة حجها من الميقات صحت، وإن حجها من مكة وهو متمكن من
الرجوع إلى الميقات لم تجزئه، وإن لم يمكنه صحت حجته، ولا يلزمه دم.
وقال الشافعي مثلنا، إلا أنه قال: حجته صحيحة، قدر على الرجوع أو لم
يقدر، ويلزم دم، لا خلاله بالرجوع إلى الميقات.
122

دليلنا: أنه استأجره على أن يحج من ميقات بلده، فإذا حج من غيره فقد
فعل غير ما أمر به، وإجزائه عنه يحتاج إلى دليل، فأما مع التعذر فلا خلاف فيه
في إجزائه، وإيجاب الدم عليه يحتاج إلى دليل.
مسألة 247: إذا استأجره ليتمتع عنه، فقرن أو أفرد، لم يجزئ عنه.
وقال الشافعي: إن قرن عنه أجزأه على تفسيرهم في القرآن.
وهل يرد من الأجرة بقدر ما ترك منها من العمل؟ وجهان.
وإن أفرد عنه، فإن أتى بالحج وحده دون العمرة، فعليه أن يرد من الأجرة
بقدر عمل العمرة.
وإن حج واعتمر بعد الحج، فإن عاد إلى الميقات فأحرم بها منه فلا شئ
عليه، وإن أحرم بالعمرة من أدنى الحل فعليه دم.
وهل عليه أن يرد من الأجرة بقدر ما ترك من عمل العمرة؟ وجهان.
دليلنا: أن من ذكرناه لم يأت بما استأجره عليه وأتى بغيره، فمن قال إنه
يجزئ عنه فعليه الدلالة، وليس في الشرع ما يدل عليه.
مسألة 248: إذا استأجره للإفراد، فتمتع، فقد أجزأه.
وقال الشافعي: إن كان في كلامه ما يوجب التخيير أجزأه ولا شئ عليه،
وإن لم يكن ذلك في كلامه وقعت العمرة عن الأجير، والحج عن المستأجر،
وعليه دم لإخلاله بالإحرام للحج من الميقات.
وفي وجوب رد الأجرة بقدر ما ترك من عمل الحج طريقان.
دليلنا: إجماع الطائفة، فإن هذه المسألة منصوصة لهم.
مسألة 249: إذا أوصى بأن يحج عنه تطوعا، صحت الوصية.
وللشافعي فيه قولان:
123

أحدهما: الوصية باطلة. والثاني: صحيحة.
دليلنا: قوله تعالى: " فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه ".
وأيضا إجماع الفرقة دليل عليه، فإنهم لا يختلفون فيه.
مسألة 250: إذا قال: حج عني بنفقتك، أو علي ما تنفق، كانت الإجارة
باطلة، فإن حج عنه لزمه أجرة المثل. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: الإجارة صحيحة.
دليلنا: أن هذه إجارة مجهولة، ومن شرط الإجارة أن يذكر العوض عنها.
مسألة 251: من قال: أول من يحج عني فله مائة، كانت جعالة صحيحة.
وقال المزني: إجارة فاسدة.
دليلنا: أن هذا شرط وجزاء محض، ولا مانع يمنع من ذلك، فينبغي أن
يكون صحيحا.
مسألة 252: إذا قال: حج عني أو اعتمر بمائة، كان صحيحا، فمتى حج أو
اعتمر استحق المائة.
وقال الشافعي: الإجارة باطلة، لأنها مجهولة، فإن حج أو اعتمر استحق
أجرة المثل.
دليلنا: أن هذا تخيير بين الحج والعمرة بأجرة معلومة، وليس بمجهول،
ولا مانع يمنع عنه، فمن ادعى المنع فعليه الدلالة.
مسألة 253: إذا قال: من يحج عني فله عبد، أو دينار، أو عشرة دراهم
كان صحيحا، ويكون المستأجر مخيرا في إعطائه أيها شاء.
وقال الشافعي: العقد باطل، فإن حج استحق أجرة المثل.
124

دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء، من أنه تخيير وليس بمجهول، فمن
ادعى ذلك فعليه الدلالة.
مسألة 254: من كان عليه حجة الإسلام وحجة النذر لم يجز له أن يحج
النذر قبل حجة الإسلام، فإن خالف وحج بنية النذر لم تنقلب إلى حجة الإسلام.
وقال الشافعي: تنقلب إلى حجة الإسلام.
وهكذا الخلاف في الأجير إذا استأجره، وكان معضوبا ليحج عنه حجة
النذر لا تنقلب إلى حجة الإسلام. وعند الشافعي تنقلب.
دليلنا: قول النبي صلى الله عليه وآله: " الأعمال بالنيات " وظاهرها يقتضي
مطابقة الأعمال للنيات، فمن قال: ينقلب إلى غيرها فعليه الدلالة.
مسألة 255: إذا استأجره ليحج عنه، فاعتمر عنه، أو ليعتمر فحج عنه، لم
يقع ذلك عن المحجوج عنه، سواء كان حيا أو ميتا، ولا يستحق عليه شيئا من
الأجرة.
وقال الشافعي: إن كان المحجوج عنه حيا وقعت عن الأجير، وإن كان
ميتا وقعت عن المحجوج عنه، ولا يستحق شيئا من الأجرة على حال.
دليلنا: أنه ما فعل ما استأجره فيه، بل خالف ذلك، فمن ادعى أن خلافه
يجزئ عنه فعليه الدلالة.
مسألة 256: إذا كان عليه حجتان حجة الإسلام وحجة النذر وهو
معضوب، جاز أن يستأجر رجلين ليحجا عنه في سنة واحدة. وبه قال الشافعي.
وفي أصحابه من قال: لا يجوز ذلك، كما لا يجوز أن يفعل الحجتين في
سنة واحدة.
دليلنا: أن المنع من ذلك يحتاج إلى دليل، وليس كذلك هو نفسه، لأن
125

ذلك مجمع على المنع منه.
مسألة 257: إذا أتى المتمتع بأفعال العمرة من الطواف والسعي والحلق،
ثم أحرم بالحج وأتى بأفعاله جميعا، ثم ذكر أنه طاف أحد الطوافين إما العمرة أو
الحج بغير طهارة، ولا يدري أيهما هو، فعليه أن يعيد الطواف بوضوء، ويعيد
بعده السعي، ولا دم عليه.
وقال الشافعي: يلزم بأغلظ الأمرين، فنفرض إن كان من طواف العمرة يعيد
الطواف والسعي، وصار قارنا بإدخال الحج عليها، وعليه دمان، وإن كان من
طواف الحج فعليه أن يعيد الطواف والسعي، وعليه دم.
دليلنا: أن إعادة الطواف والسعي مجمع عليه، وإلزام الدم يحتاج إلى
دليل، والأصل براءة الذمة.
مسألة 258: إذا قتل المحرم صيدا لزمه الجزاء، سواء كان ذاكرا للإحرام
عامدا إلى قتل الصيد، أو كان ناسيا للإحرام مخطئا في قتل الصيد، أو كان ذاكرا
للإحرام مخطئا في قتل الصيد، أو ناسيا للإحرام عامدا في القتل. وبه قال أبو
حنيفة، ومالك، والشافعي، وعامة أهل العلم.
وقال مجاهد: إنما يجب الجزاء في قتل الصيد إذا كان ناسيا للإحرام، أو
مخطئا في قتل الصيد، فأما إذا كان عامدا فيهما فلا جزاء عليه.
وقال داود: إنما يجب الجزاء على العامد دون الخاطئ.
دليلنا: على الفريقين: إجماع الفرقة، وطريقة الاحتياط.
وعلى مجاهد قوله تعالى: " ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من
النعم ".
وعلى داود مثل ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله إذ قال: " في الضبع
كبش إذا أصابه المحرم " ولم يفرق.
126

مسألة 259: إذا عاد إلى قتل الصيد، وجب عليه الجزاء ثانيا. وبه قال عامة
أهل العلم.
وروي في كثير من أخبارنا أنه إذا عاد لا يجب عليه الجزاء، وهو ممن ينتقم
الله منه، وهو الذي ذكرته في النهاية، وبه قال داود.
دليلنا: على الأول قوله تعالى: " ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل
من النعم " ولم يفرق بين الأول والثاني، وقوله بعد ذلك: " ومن عاد فينتقم الله
منه " لا يوجب إسقاط الجزاء، لأنه لا يمتنع أن يكون بالمعاودة ينتقم الله منه وإن
لزمه الجزاء.
وإذا قلنا بالثاني، فطريقته الأخبار التي ذكرناها في الكتاب، ويمكن أن
يستدل بقوله: " ومن عاد فينتقم الله منه " ولم يوجب الجزاء، ويقوي ذلك أن
الأصل براءة الذمة، وشغلها يحتاج إلى دليل.
مسألة 260: إذا قتل صيدا، فهو مخير بين ثلاثة أشياء، بين أن يخرج مثله
من النعم، وبين أن يقوم مثله دراهم ويشتري به طعاما ويتصدق به، وبين أن
يصوم عن كل مد يوما.
وإن كان الصيد لا مثل له فهو مخير بين شيئين، بين أن يقوم الصيد ويشتري
بثمنه طعاما ويتصدق به، أو يصوم عن كل مد يوما، ولا يجوز إخراج القيمة
بحال. وبه قال الشافعي.
ووافق في جميع ذلك مالك إلا في فصل واحد، وهو أن عندنا إذا أراد
شراء الطعام قوم المثل وعنده قوم الصيد، ويشتري بثمنه طعاما.
وفي أصحابنا من قال على الترتيب.
وقال أبو حنيفة: الصيد مضمون بقيمته، سواء كان له مثل أو لم يكن له
مثل، إلا أنه إذا قومه مخير بين أن يشتري بالقيمة من النعم ويخرجه، ولا يجوز
أن يشتري من النعم إلا ما يجوز في الضحايا، وهو الجذع من الضأن، والثني من
127

كل شئ، وبين أن يشتري بالقيمة طعاما ويتصدق به، وبين أن يصوم عن كل
مد يوما.
وقال أبو يوسف ومحمد: يجوز أن يشتري بالقيمة شيئا من النعم ما يجوز في
الضحايا وما لا يجوز له.
دليلنا: قوله تعالى: " فجزاء مثل ما قتل من النعم " فأوجب في الصيد مثلا
موصوفا من النعم.
وروى جابر أن النبي صلى الله عليه وآله قال: " في الضبع كبش إذا أصابه
المحرم " وعليه إجماع الفرقة.
مسألة 261: ما له مثل، منصوص عليه عندنا، وقد فصلناه في النهاية
وتهذيب الأحكام وغيرهما.
وقال الشافعي: ما قضت الصحابة فيه بالمثل، مثل البدنة في النعامة، والبقرة
في حمار الوحش، والشاة في الظبي والغزال، فإنه يرجع إلى قولهم فيه، وما لم
يقضوا فيه بشئ فيرجع إلى قول عدلين.
وهل يجوز أن يكون أحدهما القاتل أم لا؟ لأصحابه فيه قولان.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأخبارهم وعليه عملهم، فإن فرضنا أن يحدث ما
لا نص فيه، رجعنا فيه إلى قول عدلين على ما يقتضيه ظاهر القرآن.
مسألة 262: في صغار أولاد الصيد صغار أولاد المثل. وبه قال الشافعي،
وأبو حنيفة إلا أن أبا حنيفة يوجب القيمة.
وقال مالك: يجب في الصغار الكبار.
دليلنا: قوله تعالى: " فجزاء مثل ما قتل من النعم " ومثل الصغير صغير،
وعليه إجماع الفرقة، وطريقة براءة الذمة تدل عليه.
128

مسألة 263: إذا قتل صيدا أعور أو مكسورا فالأفضل أن يخرج الصحيح
من الجزاء، وإن أخرج مثله كان جائزا. وبه قال الشافعي.
وقال مالك: يفديه بصحيح.
دليلنا: قوله تعالى: " فجزاء مثل ما قتل من النعم " ومثل الأعور يكون
أعور، ومثل المكسور مكسور.
مسألة 264: إذا قتل ذكرا جاز أن يفديه بأنثى، وإن قتل أنثى جاز أن يفديها
بذكر، وإن فدى كل واحد منهما بمثله كان أفضل. وبه قال الشافعي وأصحابه إلا
في فداء الأنثى بالذكر، فإن في أصحابه من قال: لا يجوز أن يفدي الأنثى بالذكر.
دليلنا: عموم الأخبار الواردة في ذلك، وقوله تعالى: " فجزاء مثل ما قتل
من النعم " ونحن نعلم أنه أراد المثل في الخلقة، لأن الصفات الأخر لا تراعى، ألا
ترى أن اللون وغيره من الصفات لا تراعى، فعلم أن المراد ما قلناه.
مسألة 265: إذا جرح المحرم صيدا، فإنه يضمن ذلك الجرح على قدره.
وبه قال كافة العلماء.
وذهب داود وأهل الظاهر إلى أنه لا يضمن جرح الصيد، ولا إتلاف
أبعاضه.
دليلنا: إجماع الفرقة، وطريقة الاحتياط.
مسألة 266: إذا لزمه أرش الجراح، قوم الصيد صحيحا ومعيبا، فإن كان
ما بينهما مثلا عشر، ألزم عشر مثله. وبه قال المزني.
وقال الشافعي: يلزمه عشر قيمة المثل.
129

دليلنا: قوله تعالى: " فجزاء مثل ما قتل من
النعم " والمثل لا يدخل في
القيمة بالاتفاق بيننا وبين الشافعي.
مسألة 267: إذا جرح صيدا، فغاب عن عينه، لزمه الجزاء على الكمال.
وبه قال مالك.
وقال الشافعي: لا يلزمه الجزاء على الكمال، ويقوم بين كونه صحيحا مجروحا، والدم جار، وألزم ما بينهما.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأخبارهم، وهذه منصوصة لهم وطريقة الاحتياط
تقتضي ما قلناه.
مسألة 268: جزاء الصيد على التخيير بين إخراج المثل، أو بيعه وشراء
الطعام والتصدق به، وبين الصوم عن كل مد يوما. وبه قال جميع الفقهاء.
وروي عن ابن عباس وابن سيرين أنهما قالا: وجوب الجزاء على الترتيب،
فلا يجوز أن يطعم مع القدرة على إخراج المثل، ولا يجوز أن يصوم مع القدرة
على الإطعام.
وحكى أبو ثور عن الشافعي أنه قال في القديم مثل هذا.
وذهب إليه قوم من أصحابنا.
دليلنا: قوله تعالى: " فجزاء مثل ما قتل من النعم، يحكم به ذوا عدل منكم -
إلى قوله - أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما " و (أو) للتخيير بلا
خلاف بين أهل اللسان، فمن ادعى الترتيب فعليه الدلالة.
مسألة 269: المثل الذي يقوم هو الجزاء. وبه قال الشافعي.
وقال مالك: يقوم الصيد المقتول.
دليلنا: قوله تعالى: " فجزاء مثل ما قتل من النعم " والقراءة بالخفض
130

توجب أن يكون الجزاء بدلا عن المثل من النعم، لأن تقديرها لمثل ما قتل من
النعم.
مسألة 270: ما له مثل يلزم قيمته وقت الإخراج دون حال الإتلاف، وما
لا مثل له يلزم قيمته حال الإتلاف دون حال الإخراج، وهو الصحيح من مذهب
الشافعي.
ومنهم من قال: ما لا مثل له على قولين:
أحدهما: الاعتبار بحال الإخراج، والثاني: مثل ما قلناه.
دليلنا: أن حال الإتلاف وجب عليه قيمته، فالاعتبار بذلك دون حال
الإخراج، لأن القيمة قد استقرت في ذمته.
مسألة 271: لحم الصيد حرام على المحرم، سواء صاده
هو أو غيره، قتله هو أو غيره، أذن فيه أو لم يأذن، أعان عليه أو لم يعن، وعلى كل حال.
وهو مذهب جماعة من الفقهاء ذكروهم غير معينين.
وقال الشافعي: ما يقتله بنفسه أو بأمره أو يشير إليه أو يدل عليه أو يعطي
سلاحا لإنسان يقتله به، محرم عليه أكله، سواء كانت الدلالة عليه يستغني عنها أو
لا يستغني. وكذلك ما اصطيد له بعلمه أو بغير علمه فلا يحل أكله.
وما اصطاده غيره ولا أثر له فيه، ولا صيد لأجله، فمباح له أكله.
وقال أبو حنيفة: إنه يحرم عليه ما صاده بنفسه، وماله فيه أثر لا يستغني عنه،
بأن يدل عليه ولا يعلم مكانه، أو دفع إليه سلاحا يحتاج إليه.
فأما إذا دل عليه دلالة ظاهرة لا يحتاج إليها، أو دفع سلاحا لا يحتاج إليه،
أو أشار إليه ويستغني عنها، فلا يحرم عليه، وكذلك ما صيد لأجله لا يحرم عليه.
دليلنا: إجماع الفرقة، وطريقة الاحتياط، ويمكن أن يستدل بقوله تعالى: "
وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما " والمراد به المصيد عند أهل التفسير.
131

مسألة 272: المحرم إذا ذبح صيدا فهو ميتة، لا يجوز لأحد أكله، وبه قال
أبو حنيفة، والشافعي في الجديد.
وقال في القديم، والإملاء: ليس بميتة، ولكن لا يجوز له أكله.
دليلنا: إجماع الفرقة، وطريقة الاحتياط.
مسألة 273: المحرم أو المحل إذا ذبحا صيدا في الحرم كان ميتة لا يجوز
لأحد أكله.
وفي أصحاب الشافعي من قال فيه قولان، ومنهم من قال: إن هذا ميتة قولا واحدا.
دليلنا: إجماع الفرقة، وطريقة الاحتياط.
مسألة 274: إذا أكل المحرم من صيد قتله لزمه قيمته. وبه قال أبو حنيفة.
وقال الشافعي: إذا أكل من لحم الصيد الذي قتله لم يلزمه بذلك شئ.
دليلنا: إجماع الفرقة، وطريقة الاحتياط.
مسألة 275: إذا دل على الصيد، فقتله المدلول، لزم الدال الفداء،
وكذلك المدلول إن كان محرما، أو في الحرم، سواء كانت دلالة ظاهرة أو
باطنة.
فإن أعاره سلاحا قتل به صيدا، فلا نص لأصحابنا فيه، والأصل براءة
الذمة.
وقال الشافعي: لا يضمن جميع ذلك.
وقال أبو حنيفة: يجب عليه الجزاء إذا دل على صيد دلالة باطنة، وإذا أعاره
سلاحا لا يستغني عنه، وأما إذا دل عليه دلالة ظاهرة، أو أعاره سلاحا يستغني
عنه، فلا جزاء عليه.
دليلنا: إجماع الفرقة، وطريقة الاحتياط.
132

مسألة 276: إذا أمسك محرم صيدا، فجاء محرم آخر فقتله، لزم كل
واحد منهما الفداء كاملا.
وقال الشافعي: جزاء واحد، وعلى من يجب فيه وجهان:
أحدهما: يجب على الذابح. والآخر: يكون بينهما الممسك والذابح.
دليلنا: إجماع الفرقة، وطريقة الاحتياط.
مسألة 277: صيد الحرم مضمون بلا خلاف بين الفقهاء إلا داود، فإنه
قال: لا يضمن.
دليلنا: إجماع الفرقة، وطريقة الاحتياط.
مسألة 278: صيد الحرم إذا تجرد عن الإحرام يضمن، فإن كان القاتل
محرما تضاعف الجزاء، وإن كان محلا لزمه جزاء واحد.
وقال الشافعي: صيد الحرم مثل صيد الإحرام مخير بين ثلاثة أشياء: بين
المثل، والإطعام، والصوم. وفيما لا مثل له بين الإطعام، والصيام.
وقال أبو حنيفة: لا مدخل للصوم في ضمان صيد الحرم.
دليلنا: إجماع الفرقة المحقة، وطريقة الاحتياط.
مسألة 279: المحل إذا صاد صيدا في الحل وأدخله الحرم، ممنوع من
قتله، وإذا قتله لزمه الجزاء. وبه قال أبو حنيفة.
وقال الشافعي: هو ممنوع، وإذا قتله فلا جزاء عليه.
دليلنا: إجماع الفرقة، وطريقة الاحتياط.
مسألة 280: الشجر الذي ينبته الآدميون في العادة إذا أنبته الآدميون أو
أنبته الله تعالى فلا ضمان في قطعه، وأما ما أنبته الله تعالى في الحرم، فيجب
133

الضمان بقطعه، وإن أنبته الله تعالى في الحل فقطعه آدمي وأدخله في الحرم،
فأنبته، فلا ضمان على قاطعه.
وقال الشافعي: شجر الحرم مضمون على المحل والمحرم إذا كان ناميا غير
مؤذ، وأما اليابس والمؤذي كالعوسج وغيره فلا ضمان في قطعه.
وقال داود وأهل الظاهر: لا ضمان في قطعه، لكنه ممنوع منه.
دليلنا: إجماع الفرقة، على التفصيل الذي ذكرناه، وأخبارنا مشروحة
بذلك ذكرناها في الكتاب الكبير المذكور.
مسألة 281: في الشجرة الكبيرة بقرة، وفي الصغيرة شاة. وبه قال
الشافعي.
وقال أبو حنيفة: هو مضمون بالقيمة.
دليلنا: إجماع الفرقة، وطريقة الاحتياط.
وروي عن ابن عباس أنه قال: في الدوحة بقرة، وفي الجزلة شاة. والدوحة
الشجرة الكبيرة، والجزلة الصغيرة.
وعن ابن الزبير أنه قال: في الكبيرة بقرة، وفي الصغيرة شاة. ولا مخالف
لهما.
مسألة 282: لا بأس بالرعي في الحرم. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: لا يجوز.
دليلنا: إجماع الفرقة، والأصل الإباحة.
وفي خبر أبي هريرة إلا علف الدواب، وفيه إجماع، لأن الناس من عهد
النبي صلى الله عليه وآله إلى يومنا هذا يرعون بهائمهم في الحرم، ولم ينكر منكر
عليهم.
134

مسألة 283: لا بأس بإخراج حصى الحرم، وترابه، وأحجاره.
وقال الشافعي: لا يجوز ذلك، إلا أنه إذا أخرجه لا ضمان عليه.
وقال: البرام ليست من أحجار الحرم، وإنما تحمل إليه فتعمل فيه.
دليلنا: أن الأصل الإباحة، والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 284: المفرد والقارن عندنا سواء، وإنما يفارق المفرد بسياق
الهدي، فإذا ثبت ذلك، فإذا قتل صيدا لزمه جزاء واحد، وكذا الحكم في
اللباس، والطيب وغير ذلك.
وقال الشافعي: يلزم القارن والمفرد جزاء واحد - على تفسيره في القارن.
وقال أبو حنيفة: يلزم القارن جزاءان في جميع ذلك.
دليلنا: إجماع الفرقة، ولأنا بينا أن الإحرامين لا يجتمعان، وإذا ثبت ذلك
زال الخلاف، لأن أبا حنيفة بنى ذلك على اجتماعهما.
وأيضا قوله تعالى: " ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم "
ولم يقل: مثل، ولم يفرق.
مسألة 285: إذا اشترك جماعة في قتل صيد، لزم كل واحد منهم جزاء
كامل. وبه قال في التابعين الحسن البصري، والشعبي، والنخعي، وفي الفقهاء
الثوري، ومالك، وأبو حنيفة وأصحابه.
وذهب قوم إلى أنه يلزم الجميع جزاء واحد، روي ذلك عن عمر، وابن
عمر، وعبد الرحمن بن عوف، وبه قال في التابعين عطاء، والزهري، وحماد، وفي
الفقهاء الشافعي، وأحمد، وإسحاق.
دليلنا: إجماع الفرقة، وطريقة الاحتياط.
مسألة 286: المحرم إذا قتل صيدا مملوكا لغيره لزمه الجزاء لله تعالى،
135

والقيمة لمالكه، وبه قال أبو حنيفة والشافعي.
وذهب مالك، والمزني إلى أن الجزاء لا يجب في قتل الصيد المملوك
بحال.
دليلنا: قوله تعالى: " ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم "
ولم يفصل.
مسألة 287: يجب في قتل الحمام على المحرم شاة، وفي فرخه ولد شاة
صغير. وبه قال الشافعي، وقال: القياس أن يجب فيه قيمته، ولكني أوجبت فيه
شاة اتباعا للصحابة.
وقال أبو حنيفة: تجب قيمته، بناء على أصله في أن الصيد مضمون بالقيمة.
وقال مالك: في حمامة الحرم شاة، وفي حمامة الحل قيمتها.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأخبارهم.
وأيضا روي ما ذكرناه عن أربعة من الصحابة: عمر، وعثمان، وابن عمر،
وابن عباس، وطريقة الاحتياط تقتضيه أيضا.
مسألة 288: إذا رمى صيدا وهو في الحل والصيد في الحل، فدخل السهم
في الحرم، وخرج فأصاب الصيد في الحل، فقتله، لم يلزمه ضمانه. وبه قال
الشافعي.
وفي أصحابه من قال: يلزمه ضمانه.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، ولا دليل على وجوب ذلك عليه.
مسألة 289: إذا كان طير على غصن من شجرة أصلها في الحرم والغصن
في الحل، فأصابه إنسان فقتله، لزمه الضمان.
وقال الشافعي: لا يلزمه.
136

دليلنا: إجماع الفرقة، فإنها منصوصة لهم، وطريقة الاحتياط تقتضيه.
مسألة 290: الدجاج الحبشي ليس بصيد، ولا يجب فيه الجزاء.
وقال الشافعي: يجب فيه الجزاء.
وأما الأهلي فلا خلاف أنه غير مضمون.
دليلنا: إجماع الفرقة، فإنها منصوصة لهم، والأصل براءة الذمة يدل عليه
أيضا.
مسألة 291: إذا انتقل الصيد إلى المحرم بالميراث، لا يملكه.
وللشافعي فيه قولان:
أحدهما: مثل ما قلناه، والآخر: يملك، وله التصرف فيه بجميع أنواع
التصرف إلا بالقتل.
دليلنا: عموم الأخبار المانعة من تملك الصيد، والتصرف فيه، وطريقة
الاحتياط تقتضيه.
مسألة 292: إذا أحرم الإنسان ومعه صيد، زال ملكه عنه، ولا يزول ملكه
عما يملكه في منزله وبلده.
وللشافعي فيه قولان:
أحدهما: يزول ملكه، ولا فرق بين أن يكون في يده أو بيته. والثاني: أن
ملكه لا يزول.
وقال مالك وأبو حنيفة: تزول عنه اليد المشاهدة، ولا تزول عنه اليد
الحكمية.
دليلنا: إجماع الفرقة، فإنها منصوصة لهم على التفصيل الذي قلناه، والذي
قلناه من زوال ملكه عما معه مجمع عليه، وما غاب عنه ليس عليه دليل.
137

مسألة 293: الجراد مضمون بالجزاء، فإذا قتله المحرم لزمه جزاؤه. وبه
قال عمر، وابن عباس، وهو مذهب الشافعي.
وروي عن أبي سعيد الخدري أنه قال: الجراد من صيد البحر، لا يجب به
الجزاء.
دليلنا: قوله تعالى: " وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما " والجراد من
صيد البر مشاهدة، فإذا ثبت أنه من صيد البر، ثبت أنه مضمون إجماعا.
مسألة 294: في قتل الجرادة تمرة. وروي ذلك عن عثمان.
وروي: كف من طعام، وبه قال ابن عباس.
وروي عن عمر أنه قال لكعب وقد قتل جرادتين: ما جعلت على نفسك؟
فقال: درهمين، فقال: درهم خير من مائة جرادة.
وقال الشافعي: هو مضمون بالقيمة.
وعندنا في الكثير منه دم.
دليلنا: إجماع الفرقة، وطريقة الاحتياط في الكثير تقتضيه.
مسألة 295: إذا انفرش الجراد بالطريق، ولا يمكن سلوكه إلا بقتله ووطئه،
فلا جزاء على قاتله. وبه قال عطاء، وهو أحد قولي الشافعي.
والقول الآخر: أن عليه ذلك.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، وأيضا قوله تعالى: " وما جعل عليكم
في الدين من حرج " وهذا لا يمكنه التخلص منه إلا بقتله، فلا شئ عليه.
مسألة 296: بيض النعام إذا كسره المحرم، فعليه أن يرسل فحولة الإبل
في إناثها بعدد البيض، فما ينتج كان هديا لبيت الله تعالى.
وإن كان بيض الحمام، فعليه أن يرسل فحولة الغنم في الإناث بعدد
138

البيض، فما خرج كان هديا.
فإن لم يقدر على ذلك لزمه عن كل بيضة شاة، أو إطعام عشرة مساكين،
أو صيام ثلاثة أيام، فإذا كسره في الحرم وهو محل لزمته قيمته.
وقال داود وأهل الظاهر: لا شئ عليه في البيض.
وقال الشافعي: البيض إذا كان من صيد مضمون كان فيه قيمته.
وقال مالك: يجب في البيضة عشر قيمة الصيد.
دليلنا: إجماع الفرقة، وطريقة الاحتياط.
مسألة 297: إذا كسر المحرم بيضة فيها فرخ، فإن كان بيض نعام كان
عليه بكارة من الإبل، وإن كان بيض قطاة فعليه بكارة من الغنم.
وقال الشافعي: عليه قيمة بيضة فيها فرخها.
دليلنا: إجماع الفرقة، وطريقة الاحتياط.
مسألة 298: إذا باض الطير على فراش محرم، فنقله إلى موضعه، فنفر
الطير فلم يحضنه، لزمه الجزاء.
وللشافعي فيه قولان:
أحدهما: مثل ما قلناه، والثاني: لا يلزمه شئ.
دليلنا: عموم الأخبار الواردة في هذا المعنى.
مسألة 299: إذا قتل الأسد، لزمه كبش على ما رواه بعض أصحابنا، فأما
الذئب وغيره من السباع فلا جزاء عليه، سواء صال أو لم يصل.
وقال الشافعي: لا جزاء في ذلك بحال.
وقال أبو حنيفة: إذا صال السبع على المحرم فقتله لم يلزمه شئ، وإن قتله
من غير صول لزمه الجزاء.
139

دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، ولا يتعلق عليها شئ إلا بدليل، وما أوجبناه
من الكبش فإجماع الفرقة، وطريقة الاحتياط.
مسألة 300: الضبع لا كفارة في قتله، وكذلك السبع المتولد بين الذئب
والضبع.
وقال الشافعي: فيما الجزاء.
دليلنا: إجماع الفرقة، والأصل براءة الذمة، وأيضا فإن الضبع عندنا محرم
الأكل، وسندل عليه فيما بعد، فإذا ثبت ذلك، فكل من قال بذلك قال: لا جزاء
فيه.
مسألة 301: إذا أراد المحرم تخليص صيد من شبكة، أو حبالة، أو فخ وما
أشبه ذلك، فمات بالتخليص لزمه الجزاء.
وللشافعي فيه قولان:
أحدهما: مثل ما قلناه. والثاني: لا جزاء عليه.
دليلنا: عموم الأخبار الواردة في وجوب الجزاء على من قتل الصيد متعمدا ولم يفرقوا.
مسألة 302: إذا نتف المحرم ريش طائر أو جرحه، فإن بقي ممتنعا على ما
كان، بأن تحامل فأهلك نفسه، فإن أوقع نفسه في بئر أو ماء أو صدم حائطا،
فعليه ضمان ما جرحه، وإن امتنع وغاب عن العين وجب عليه ضمانه كاملا.
وقال الشافعي مثل ما قلناه إلا أنه قال: إذا غاب عن العين يقوم بين كونه
صحيحا ومعيبا، فإن كان له مثل ألزم ما بين قيمتي المثل، وإن لم يكن له مثل
ألزم ما بين القيمتين.
دليلنا: إجماع الفرقة، فإن هذه المسألة منصوص عليها، وطريقة الاحتياط
140

تقتضيه، فإن فعل ما قلناه تبرأ ذمته بيقين.
مسألة 303: إذا جرح الصيد، فجاءه آخر فقتله، لزم كل واحد منهما
الفداء.
وقال الشافعي: على الجارح القيمة ما بين كونه صحيحا ومعيبا، وعلى
الثاني الجزاء.
وفي أصحابه من قال مثل ما قلناه، وقالوا: ليس بشئ.
دليلنا: إجماع الفرقة، وطريقة الاحتياط.
مسألة 304: إذا جرح الصيد، فصار غير ممتنع بعد الجرح والنتف، ثم
غاب عن العين، لزمه الجزاء كاملا. وبه قال أبو إسحاق من أصحاب الشافعي.
وقال باقي أصحابه: غلط في ذلك.
والمنصوص للشافعي أنه لا يلزمه ضمان جميعه، وإنما يضمن الجناية التي
وجدت منه، وهو النتف والجرح.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأخبارهم، وطريقة الاحتياط.
مسألة 305: المتولد بين ما يجب فيه الجزاء وما لا يجب، مثل السبع وهو
المتولد بين الضبع والذئب، والمتولد بين الحمار الوحشي والحمار الأهلي،
لا يجب بقتله الجزاء.
وعند جميع الفقهاء: يجب به الجزاء.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، ولا دليل على وجوب الجزاء بما قلناه.
مسألة 306: الجوارح من الطير كالبازي، والصقر، والشاهين، والعقاب
ونحو ذلك، والسباع من البهائم كالنمر، والفهد وغير ذلك لا جزاء في قتل
141

شئ منه.
وقد قدمنا أن في رواية أصحابنا أن في الأسد كبشا.
وقال الشافعي: لا جزاء في شئ منه.
وقال أبو حنيفة: يجب الجزاء في جميع ذلك إلا الذئب، فلا جزاء فيه،
ويجب الجزاء أقل الأمرين، إما القيمة أو الشاة، ولا يلزم أكثرهما.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، فمن علق عليها شيئا فعليه الدلالة.
مسألة 307: صيد المدينة حرام اصطياده. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: ليس بمحرم.
دليلنا: إجماع الفرقة، وطريقة الاحتياط.
وروي عن علي عليه السلام أن النبي صلى الله عليه وآله قال: " المدينة حرام
من عير إلى ثور، ولا ينفر صيدها ولا يختل خلاها، ولا يعضد شجرها إلا رجلا
يعلفه بعيره ".
مسألة 308: إذا اصطاد في المدينة، لا يجب عليه الجزاء.
وللشافعي فيه قولان:
قال في القديم: عليه الجزاء، والجزاء أن يسلب ما عليه - يعني الصائد - فيكون لمن يسلبه.
وفيه قول آخر: أنه يكون للمساكين. وقال في الجديد: لا جزاء عليه.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، فعلى من شغلها بشئ الدليل.
مسألة 309: صيدوج - وهو بلد باليمن - غير محرم، ولا مكروه.
قال الشافعي: هو مكروه، وقال أصحابه: ظاهر هذا المذهب أنه أراد بذلك
142

كراهية تحريم.
دليلنا: أن الأصل الإباحة، فمن منع منه فعليه الدلالة، وأيضا قوله تعالى: "
فإذا حللتم فاصطادوا " وهذا إباحة، فمنع ذلك يحتاج إلى دليل.
مسألة 310: إذا بلغ قيمة مثل الصيد أكثر من ستين مسكينا، لكل مسكين
نصف صاع، لم يلزمه أكثر من ذلك، وكذلك لا يلزمه أكثر من ستين يوما من
الصوم، هذا في النعامة، وفي البقرة ثلاثين مسكينا أو ثلاثين يوما، وفي الظبي
عشرة مساكين أو ثلاثة أيام، ولم يعتبر أحد من الفقهاء ذلك.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأخبارهم.
مسألة 311: إذا عجز عن صيام شهرين، وعن الإطعام، صام ثمانية عشر
يوما، وفي القطاة تسعة أيام، وفي الحمام ثلاثة أيام، ولم يقل بذلك أحد من
الفقهاء.
دليلنا: إجماع الفرقة، وطريقة الاحتياط، وبراءة الذمة، وما ذكرناه مجمع
عليه، والزائد على ذلك ليس عليه دليل في حال العجز.
مسألة 312: ما يجب فيه المثل أو القيمة إذا قتله المحرم في الحرم تضاعف
ذلك عليه، وإن قتله المحل في الحرم لزمته القيمة لا غير، ولم يفصل أحد من
الفقهاء ذلك.
دليلنا: إجماع الفرقة، وطريقة الاحتياط.
مسألة 313: إذا كان الصيد قاصدا إلى الحرم، يحرم اصطياده، ولم يعتبر
ذلك، أحد من الفقهاء.
دليلنا: إجماع الفرقة، وطريقة الاحتياط.
143

مسألة 314: روى أصحابنا أن المحرم إذا أصاب صيدا فيما بين البريد
والحرم لزمه الفداء، ولم يقل بذلك أحد من الفقهاء.
دليلنا: إجماع الفرقة، وطريقة الاحتياط.
مسألة 315: لا يجوز للمحصور أن يتحلل إلا بهدي. وبه قال الشافعي.
وقال مالك: لا هدي عليه.
دليلنا: طريقة الاحتياط، وأيضا قوله تعالى: " فإن أحصرتم فما استيسر من
الهدي ".
وأيضا روى جابر قال: أحصرنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله
بالحديبية، فنحرنا البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة.
مسألة 316: إذا أحصره العدو، جاز أن يذبح هديه مكانه، والأفضل أن
ينفذ به إلى منى أو مكة. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: لا يجوز له أن ينحر إلا في الحرم، سواء أحصر في الحل أو
في الحرم، فإن أحصر في الحرم نحر مكانه، وإن أحصر في الحل أنفذ بهديه،
ويقدر له مدة يغلب على ظنه أنه يصل فيها وينحر، فإذا مضت تلك المدة تحلل،
ثم ينظر، فإن كان وافق تحلله بعد نحر هديه فقد صح تحلله، ووقع موقعه ظاهرا
وباطنا، وإن كان تحلل قبل. أن ينحر هديه لم يصح تحلله في الباطن إلى أن
ينحر هديه، فإن كان تطيب أو لبس لزمه بذلك دم.
دليلنا: على جواز ذلك فعل النبي صلى الله عليه وآله بالحديبية حيث
صده المشركون، فلما قاضى سهيل بن عمرو نحر وتحلل مكانه، والحديبية من
الحل، وهذا نص.
مسألة 317: إذا أحصره العدو، جاز له التحلل، سواء كان مفردا أو قارنا
144

أو متمتعا أو معتمرا. وبه قال جميع الفقهاء، إلا مالكا، فإنه قال: إن كان معتمرا لم
يكن له التحلل.
دليلنا: عموم الآية، وفعل النبي صلى الله عليه وآله بالحديبية.
مسألة 318: إذا كان متمكنا من البيت، ومصدودا عن الوقوف بعرفة،
جاز له التحلل أيضا. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة ومالك: ليس له ذلك.
دليلنا: عموم الآية، وهو قوله تعالى: " فإن أحصرتم فما استيسر من
الهدي " ولم يفصل.
مسألة 319: المصدود عن الحج أو العمرة، إن كانت حجة الإسلام أو
عمرته، لزمه القضاء في القابل، وإن كان تطوعا لا يلزمه القضاء.
وقال الشافعي: لا قضاء عليه بالتحلل، فإن كانت حجة تطوع أو عمرة
تطوع لم يلزمه قضاؤها بحال، وإن كانت حجة الإسلام أو عمرة الإسلام وكانت
قد استقرت في ذمته قبل هذه السنة، فإذا خرج منها بالتحلل فكأنه لم يفعلها،
فتكون باقية في ذمته على ما كانت عليه، وإن كانت وجبت عليه في هذه السنة،
سقط وجوبها ولم تستقر في ذمته، لأنا بينا أنه لم يوجد جميع شرائط الحج.
فعلى قولهم التحلل بالحصر لا يوجب القضاء بحال.
وقال أبو حنيفة: إذا تحلل المحصر لزمه القضاء، وإن كان أحرم بعمرة
تطوع قضاها، وإن أحرم بحجة تطوع وأحصر تحلل منه، وعليه أن يأتي بحج
وعمرة.
وإن كان فرق بينهما فأحصر، فتحلل، لزمته حجة وعمرتان، عمرة لأجل
العمرة، وعمرة وحجة لأجل الحج.
ويجئ على مذهبه إذا أحرم بحجتين فإنه ينعقد بهما، وإنما يترفض عن
145

أحدهما إذا أخذ في السير، فإن أحصر قبل أن يسير، تحلل منهما، ويلزمه حجتان
وعمرتان.
دليلنا: على ذلك: أن وجوب القضاء على كل حال يحتاج إلى دلالة،
وما ذكرناه مقطوع به.
وأيضا فالنبي صلى الله عليه وآله خرج عام الحديبية في ألف وأربعمائة من
أصحابه محرمين بعمرة، فحصره العدو، فتحللوا، فلما كانت في السنة الثانية عاد
في نفر معدودين، فلو كان القضاء قد وجب على جماعتهم لأخبرهم بذلك
ولفعلوه، ولو فعلوا لنقل نقلا عاما أو خاصا.
مسألة 320: الحصر الخاص، مثل الحصر العام سواء.
وللشافعي فيه قولان:
أحدهما: مثل ما قلناه. والثاني: أنه يجب القضاء في القابل.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى، ولأن الأصل براءة الذمة.
مسألة 321: المحصر بالعدو إذا لم يجد الهدي أو لم يقدر على شرائه،
لا يجوز له أن يتحلل، ويبقى الهدي في ذمته، ولا ينتقل إلى الإطعام ولا إلى الصوم.
وللشافعي فيه قولان:
أحدهما: مثل ما قلناه، أنه لا ينتقل إلى بدل.
والثاني: وهو الصحيح عندهم، أنه ينتقل إلى البدل، فإذا قال لا ينتقل، يكون
في ذمته. وله في جواز التحلل قولان منصوصان.
أحدهما: أنه يبقى محرما إلى أن يهدي. والثاني: وهو الأشبه أنه يتحلل، ثم
يهدي إذا وجد.
وإذا قال: يجوز الانتقال، قال في مختصر الحج: ينتقل إلى صوم التعديل،
146

وقال في الأم: ينتقل إلى الإطعام، وفيه قول ثالث: أنه مخير بين الإطعام والصيام.
دليلنا: على ما قلناه: قوله تعالى: " فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي "
وتقديره، وأردتم التحلل، فما استيسر من الهدي، ثم قال: " ولا تحلقوا رؤوسكم
حتى يبلغ الهدي محله " فمنع من التحلل إلا بعد أن يبلغ الهدي محله، وهو يوم
النحر، ولم يذكر البدل، ولو كان له بدل لذكره، كما أن نسك الأذى لما كان
له بدل ذكره.
مسألة 322: المحصر بالمرض يجوز له التحلل، غير أنه لا يحل له النساء
حتى يطوف في القابل، أو يأمر من يطوف عنه. وبه قال أبو حنيفة، إلا أنه لم يعتبر
طواف النساء. وبه قال ابن مسعود.
وذهب قوم إلى أنه لا يجوز له التحلل، بل يبقى على إحرامه أبدا إلى أن يأتي
به، فإن فاته الحج تحلل بعمرة. وبه قال مالك والشافعي وأحمد.
وروي ذلك عن جماعة من الصحابة كابن عباس، وابن عمر، وابن الزبير،
ومروان، وعائشة.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأخبارهم، وقد ذكرناها في الكتاب الكبير. وأيضا
قوله تعالى: " فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي " وذلك عام في منع العدو،
والمنع بالمرض.
فإن في اللغة يقال: أحصره المرض، وحصره العدو، وقال الفراء: أحصره
المرض لا غير، وحصره العدو، وأحصره معا.
وروى عكرمة، عن حجاج بن عمرو الأنصاري أن النبي صلى الله عليه وآله
قال: " من كسر أو عرج فقد حل، وعليه حجة أخرى " وفي بعضها: " وعليه
الحج من قابل ".
مسألة 323: يجوز للمحرم أن يشترط في حال إحرامه أنه إن عرض له
147

عارض يحبسه أن يحل حيث حبسه من مرض، أو عدو، أو انقطاع نفقة، أو فوات
وقت، وكان ذلك صحيحا يجوز له أن يتحلل إذا عرض شئ من ذلك. وروي
ذلك عن عمر، وابن عمر، وابن مسعود، وبه قال الشافعي.
وقال بعض أصحابه: إنه لا تأثير للشرط، وليس بصحيح عندهم.
والمسألة على قول واحد في القديم، وفي الجديد على قولين، وبه قال أحمد
وإسحاق.
وقال الزهري، ومالك، وابن عمر: الشرط لا يفيد شيئا، ولا يتعلق به
التحلل.
وقال أبو حنيفة: المريض له التحلل من غير شرط، فإن شرط سقط عنه
الهدي.
دليلنا: إجماع الفرقة، ولأنه شرط لا يمنع منه الكتاب ولا السنة، فيجب أن
يكون جائزا، لأن المنع منه يحتاج إلى دليل، وحديث ضباعة بنت الزبير يدل
على ذلك.
روت عائشة أن النبي صلى الله عليه وآله دخل على ضباعة بنت الزبير
فقالت: يا رسول الله إني أريد الحج، وأنا شاكية، فقال النبي صلى الله عليه وآله: "
أحرمي واشترطي أن تحلني حيث حبستني " وهذا نص.
مسألة 324: إذا شرط على ربه في حال الإحرام، ثم حصل الشرط وأراد
التحلل، فلا بد من نية التحلل، ولا بد من الهدي.
وللشافعي فيه قولان في النية والهدي معا.
دليلنا: عموم الآية في وجوب الهدي على المحصر، وطريقة الاحتياط.
مسألة 325: ليس للرجل أن يمنع زوجته الحرة من حجة الإسلام إذا
وجبت عليها. وبه قال مالك، وأبو حنيفة، والشافعي في اختلاف الحديث.
148

وقال في القديم والجديد: له منعها من ذلك.
وقال أصحابه: والأول لا يجئ على مذهبه، وهو قول غريب.
دليلنا: أن الحج على الفور، فإذا ثبت ذلك فليس لأحد منعها من ذلك،
لأن جواز ذلك يحتاج إلى دليل، ولأن الشافعي إنما أجاز ذلك لقوله إن الحج
على التراخي.
وأيضا روي عن النبي صلى الله عليه وآله، رواه أبو هريرة، أن النبي صلى الله
عليه وآله قال: " لا تمنعوا إماء الله عن مساجد الله فإذا خرجن فليخرجن تفلات
وهذا عام في سائر المساجد، والمسجد الأعظم منها.
مسألة 326: ليس للمرأة أن تحرم تطوعا إلا بإذن زوجها، فإن أحرمت
بغير إذنه كان له منعها منه. وللشافعي في جواز إحرامها قولان، وفي المنع منه
قولان.
دليلنا: أن جواز ذلك يحتاج إلى دليل، وإذا لم يصح إحرامها فالمنع من
ذلك لا يحتاج إلى دليل، لأنه فرع على ثبوته.
مسألة 327: ليس للأبوين، ولا لواحد منهما منع الولد في حجة الإسلام،
أمر بلا خلاف.
وعندنا أن الأفضل أن لا يحرم إلا برضاهما في التطوع، فإن بادر وأحرم لم
يكن لهما ولا لواحد منهما منعه.
وقال الشافعي: لهما منعه من ابتداء الإحرام قولا واحدا.
فإن بادر وأحرم كان لهما ولكل واحد منهما المنع على قولين.
دليلنا: أن المنع من ابتداء الإحرام، والمنع بعد الانعقاد يحتاج إلى دليل،
ولا دلالة تمنع منه، والأصل براءة الذمة.
149

مسألة 328: شرائط وجوب الحج على المرأة هي شرائط وجوبه على
الرجال سواء، وهي: البلوغ، والعقل، والحرية، والزاد، والراحلة، والرجوع إلى
كفاية، وتخلية الطريق، وإمكان المسير، وهي بعينها شروط الأداء.
وليس من شرط الوجوب، ولا من شرط الأداء في حجة الإسلام المحرم بل
أمن الطريق، ومصاحبة قوم ثقات تكفي، فأما حجة التطوع فلا تجوز لها إلا
بمحرم.
وقال الشافعي بمثل ما قلناه، وزاد أن من شرط الأداء محرما أو نساء ثقات،
وأقل ذلك امرأة واحدة. وبه قال مالك، والأوزاعي.
وخالف مالك في فصل وقال: لا تجزئ امرأة واحدة.
وقال الشافعي بمثل ما قلناه وزاد: إذا كان الطريق مسلوكا متصلا كطريق
السوق فهذا أمر لا يفتقر معه إلى محرم ولا نساء. وبه قال بعض أصحاب
الشافعي.
وأما التطوع فقال الشافعي: لا يجوز لها أن تسافر إلا مع ذي رحم محرم،
هذا هو المنصوص عليه ومن أصحابه من قال ذلك بغير محرم كالفرض.
وذهب أبو حنيفة إلى أن المحرم شرط في الوجوب.
وأبي أصحابه هذا وقالوا: ليس بشرط في الوجوب، لكنه شرط في الأداء
والفرض والنفل عنده سواء.
دليلنا: إجماع الفرقة، وقوله تعالى " ولله على الناس حج البيت من
استطاع إليه سبيلا " ولم يذكر محرما، وباقي الشروط مجمع عليها، أكثرها
أوردناها في الكتاب المقدم ذكره.
مسألة 329: يجوز للمرأة أن تخرج في حجة الإسلام وإن كانت معتدة،
أي عدة كانت، ومنع الفقهاء كلهم من ذلك.
دليلنا: إجماع الفرقة، وعموم الآية، فإنه لم يذكر فيها أن لا تكون معتدة،
150

فمن منع منها في هذه الحالة فعليه الدلالة.
مسألة 330: إذا حج حجة الإسلام، ثم ارتد، ثم عاد إلى الإسلام، اعتد
بتلك الحجة، ولم يجب عليه غيرها.
وكذلك كل ما فعله من العبادات يعتد بها، وعليه أن يقضي جميع ما تركه
قبل عوده إلى الإسلام، وسواء تركه حال إسلامه أو حال ردته. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة ومالك: إذا أسلم حدث وجوب حجة الإسلام عليه، كأنه ما
كان فعلها، وكلما كان فعله قبل ذلك فقد حبط عمله وبطل، وما تركه فلا
يقضيه، سواء تركه في حال إسلامه أو حال ردته، ويكون ككافر أصلي أسلم
يستأنف أحكام المسلمين.
دليلنا: أنه لا خلاف أن حجة الإسلام دفعة واحدة في العمر، وهذا قد
فعلها، فمن حكم بإبطالها وإيجابها ثانيا فعليه الدلالة.
وأما وجوب القضاء فيما فات من العبادات، فطريقة الاحتياط تقتضيه.
وأيضا روى الأقرع بن حابس قال: يا رسول الله الحج مرة واحدة أو في
كل عام؟ فقال: " بل مرة، وما زاد فهو تطوع " وهذا فعل مرة، فلم يجب عليه
غيرها.
مسألة 331: إذا أحرم المسلم، ثم ارتد، لا يبطل إحرامه، فإن عاد إلى
الإسلام جاز أن يبني عليه.
وللشافعي فيه وجهان.
أحدهما: يبطل كالصلاة والصيام. والثاني: لا يبطل.
دليلنا: إن إبطال ذلك يحتاج إلى دليل، وقد وقع في الأصل صحيحا بلا
خلاف، ولا دلالة على ذلك.
151

مسألة 332: الأيام المعدودات أيام التشريق بلا خلاف، والأيام
المعلومات عشرة أيام من أول ذي الحجة، آخرها غروب الشمس من يوم النحر،
وهو قول علي عليه السلام، وابن عباس، وابن عمر، وبه قال الشافعي.
وقال مالك: ثلاثة أيام أولها يوم النحر، فجعل أول التشريق وثانيها من
المعدودات والمعلومات.
وقال أبو حنيفة ثلاثة أيام، أولها يوم عرفة وآخرها أول التشريق، فجعل أول
التشريق من المعدودات والمعلومات.
وقال مالك: لا ذبح إلا في المعلومات.
وقال أبو حنيفة: الذبح جائز في غير المعلومات، وهو باقي التشريق.
وروي عن علي عليه السلام: أربعة أيام أولها يوم عرفة.
وقال سعيد بن جبير: المعدودات هي المعلومات.
دليلنا: إجماع الفرقة، فإن هذه المسألة منصوصة لهم.
وأيضا اختلاف اسمهما يدل على اختلاف أوقاتهما، لأنهما لو كانا شيئا
واحدا، أو اتفقا في بعض لما استحقا اسمين مختلفين، وهذا أصل الحقيقة.
مسألة 333: يجوز عندنا الذبح في اليوم الثالث من أيام التشريق. وبه
قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة ومالك: لا يجوز، لأنه ليس من المعلومات.
دليلنا: إجماع الفرقة.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه نهى عن صيام أيام التشريق، وقال:
إنها أيام أكل وشرب.
ويقال: وقال: " إنها أيام أكل وشرب وذكر وذبح ".
ثبت بذلك أن الثالث من أيام الذكر والذبح معا، وعند أبي حنيفة أن
الثالث ليس من أيام الذكر ولا الذبح.
152

مسألة 334: إذا قال: لله علي هدي، أو أن أهدي، أو أهدي هديا فعليه أن
يهدي إما من الإبل أو البقر أو الغنم. وبه قال أبو حنيفة، وهو أصح قولي الشافعي.
وقال في القديم والإملاء: والنذر يلزمه ما يقع اسم الهدي عليه قل أو كثر.
دليلنا: أن ما ذكرناه مجمع على إجزائه وما ذكره ليس عليه دليل ولأنا
روينا أن الهدي لا يقع إلا على البدن والنعم.
وأيضا قوله تعالى: " فما استيسر من الهدي " لا خلاف أنه يتناول النعم دون
غيرها.
مسألة 335: الدماء المتعلقة بالإحرام كدم التمتع، والقران، وجزاء
الصيد، وما وجب بارتكاب محظورات الإحرام كاللباس، والطيب وغير ذلك
إن أحصر جاز له أن ينحر مكانه في حل أو حرم، إذا لم يتمكن من إنفاذه بلا
خلاف.
وإن لم يحصر فعندنا ما يجب بإحرام الحج على اختلاف أنواعه، لا يجوز
ذبحه إلا بمنى، وما يجب بإحرام العمرة المفردة لا يجوز ذبحه إلا بمكة قبالة
الكعبة بالحزورة.
وقال الشافعي: فيه ثلاث مسائل: إن نحر في الحرم وفرق اللحم في الحرم
أجزأه بلا خلاف بينهم، وإن نحر في الحرم وفرق اللحم في الحل لم يجزئ عنده
خلافا لأبي حنيفة، وإن نحر في الحل وفرق اللحم في الحرم، فإن كان تغير لم
يجزئ، وإن فرقه طريا في الحرم فعلى وجهين.
دليلنا: إجماع الفرقة، وطريقة الاحتياط، فإن ما ذكرناه لا خلاف
في إجزائه، وما ذكروه ليس عليه دليل.
مسألة 336: ما يجب عليه من الدماء بالنذر، فإن قيده ببلد أو بقعة لزمه
في موضعه الذي عينه بلا خلاف، وإن أطلقه فلا يجوز عندنا إلا بمكة قبالة
153

الكعبة بالحزورة، ولا يجزئ إلا من النعم على ما تقدم القول فيه.
وقال الشافعي في المطلق: كدماء الحج إن كان محصرا فحيث يحل، وإن
لم يكن محصرا ففيه المسائل الثلاثة.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأخبارهم، وطريقة الاحتياط.
مسألة 337: إذا ساق الهدي من الإبل أو البقر، فمن السنة أن يقلدها نعلا،
ويشعرها في صفحة سنامها الأيمن، وهو أن يشق المكان بحديدة حتى يسيل الدم
ويشاهد ويرى، وروي ذلك عن ابن عباس، وابن عمر، ولا مخالف لهما فيه.
وبه قال مالك، وأبو يوسف، ومحمد، والشافعي.
غير أن مالكا وأبا يوسف قالا: الإشعار من الجانب الأيسر.
وقال أبو حنيفة: يقلدها ولا يشعرها، فإن الإشعار مثلة وبدعة.
دليلنا: إجماع الفرقة.
وأيضا روي عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وآله صلى الظهر
بذي الحليفة، ثم دعا ببدنته - وفي بعضها ببدنة - فأشعرها من صفحة سنامها
الأيمن، ثم سلت الدم عنها - وفي بعضها ذلك الدم عنها، وفي بعضها بيده، وفي
بعضها بإصبعه - ثم أتى براحلته، فقعد عليها واستقرت به على البيداء، أهل
بالحج.
وروى عروة، عن مسور بن مخرمة ومروان أنهما قالا: خرج رسول الله
صلى الله عليه وآله عام الحديبية، فلما كان بذي الحليفة قلد الهدي وأشعره وهذا
في الصحيح.
مسألة 338: الغنم يستحب تقليدها. وبه قال الشافعي.
وقال مالك وأبو حنيفة: لا تقلد الغنم.
دليلنا: إجماع الفرقة، وطريقة الاحتياط.
154

وروى جابر قال: كان هدايا رسول الله صلى الله عليه وآله غنما مقلدة وهذا
في السنن.
وروى مالك، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة أن رسول الله صلى عليه
وآله أهدى غنما مقلدة وهذا في الصحيح.
مسألة 339: عندنا يصير محرما بأحد ثلاثة أشياء: التلبية، والتقليد،
والإشعار، ولا بد في ذلك من النية.
وقال الشافعي: يصير محرما بمجرد النية، وهو قول الجماعة.
وروي عن ابن عمر، وابن عباس أنه يصير محرما بنفس التقليد.
وحكينا عن أبي حنيفة أنه لا يصير محرما بمجرد النية، وإنما ينعقد إحرامه
بالتلبية أو سوق هدي، مثل ما قلناه، وخالف في الإشعار.
دليلنا: إجماع الفرقة، ولأن ما ذكرناه لا خلاف فيه أنه ينعقد به الإحرام،
وما قالوه ليس عليه دليل.
مسألة 340: عندنا أن من ينفذ هديا من أفق الآفاق، يواعد أصحابه يوما
يقلدونه فيه أو يشعرونه، ويجتنب هو ما يجتنبه المحرم، فإذا كان يوم وافقهم على
نحره أو ذبحه يحل مما أحرم منه. وروي ذلك عن ابن عباس، وخالف جميع
الفقهاء في ذلك.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا الأصل جواز ذلك، والمنع يحتاج إلى
دليل. مسألة 341: يجوز اشتراك سبعة في بدنة واحدة، أو بقرة واحدة أو بقرتين
إذا كانوا متقربين، وكانوا أهل خوان واحد، سواء كانوا متمتعين أو قارنين أو
مفردين، أو بعضهم مفردا وبعضهم قارنا أو متمتعا، أو بعضهم مفترضين وبعضهم
155

متطوعين، ولا يجوز أن يكون بعضهم يريد اللحم. وبه قال أبو حنيفة إلا أنه لم
يعتبر أهل خوان واحد.
وقال الشافعي مثل ذلك إلا أنه أجاز أن يكون بعضهم يريد اللحم.
وقال مالك: لا يجوز الاشتراك إلا في موضع واحد، وهو إذا كانوا
متطوعين.
وقد روى ذلك أصحابنا أيضا، وهو الأحوط.
دليلنا: على الأول: خبر جابر، روى عطاء عن جابر قال: كنا نتمتع على
عهد رسول الله صلى الله عليه وآله ونشترك السبعة في البقرة أو البدنة.
وما رواه أصحابنا أكثر من أن تحصى.
والثاني: قد رواه أصحابنا، وطريقة الاحتياط تقتضيه.
مسألة 342: إذا ذبح الإبل، أو نحر البقر، أو الغنم لم يجزئه، وكان حراما
أكله.
وقال الشافعي: خالف السنة وأجزأه.
وقال مالك: إن ذبح الإبل لم يحل أكلها، مثل ما قلناه.
دليلنا: إجماع، الفرقة، وطريقة الاحتياط.
مسألة 343: السنة في البدن أن تنحر وهي قائمة. وبه قال جميع الفقهاء.
وقال عطاء: ينحرها باركة.
دليلنا: قوله تعالى: " فاذكروا اسم الله عليها صواف فإذا وجبت جنوبها
فكلوا منها ".
قال ابن عباس: " صواف " أي معقولة إحدى يديها، وقوله: " وجبت
جنوبها " أي سقطت على جنوبها.
وقال مجاهد: سقطت على الأرض وإجماع الفرقة دليل على ما قلناه.
156

وروى جابر أن النبي صلى الله عليه وآله وأصحابه كانوا ينحرون البدنة معقولة اليسرى، وهي قائمة على ما بقي من قوائمها.
مسألة 344: محل النحر للحاج منى، وللمعتمر مكة، فإن خالف لا يجزئه.
وبه قال مالك.
وقال الشافعي: السنة ما قلناه، وإن خالف أجزأه.
دليلنا: أن ما ذكرناه مجزئ بلا خلاف، وما ذكروه ليس على إجزائه
دليل، وذمته مرتهنة فلا تبرأ إلا بدليل.
مسألة 345: الهدي الواجب وهو ما يلزم المحرم بارتكاب محظور من
اللباس، والطيب، والوطء، وحلق الشعر، وقتل الصيد وغير ذلك، أو النذر
لا يحل له أن يأكل منه، ويجوز أن يأكل من هدي التمتع. وبه قال أبو حنيفة.
وقال الشافعي: لا يجوز الأكل من جميع ذلك، ولا من دم التمتع، لأن
عنده أنه دم جبران وليس بنسك.
وقال مالك: يأكل من الكل إلا من النذر، وجزاء الصيد، والحلق.
دليلنا: إجماع الفرقة وطريقة الاحتياط.
وللشافعي في النذر تفصيل، وظاهر مذهبه أنه مثل سائر الواجبات.
مسألة 346: الهدي المتطوع به يستحب أن يأكل ثلثه، ويتصدق بثلثه،
ويهدي ثلثه. وبه قال الشافعي في القديم، ومختصر الحج.
وله قول آخر وهو: أنه يأكل نصفه، ويتصدق بالنصف هذا في المستحب
فأما الإجزاء فيكفي ما يقع عليه اسم الأكل قل أو كثر، ولا ينبغي أكل جميعه.
وقال أبو العباس: له أن يأكل الكل.
وقال عامة أصحاب الشافعي مثل ما قلناه، وهو قدر ما يقع عليه الاسم.
157

دليلنا: قوله تعالى: " فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر " فسمى ثلاثة
أجناس، فالمستحب التسوية بينهم في ذلك، وهو إجماع الفرقة.
مسألة 347: إذا أكل الكل لم يضمن شيئا. وهو قول أبي العباس.
وقال الباقون من أصحاب الشافعي: يضمن، وهو على وجهين:
أحدهما: القدر الذي لو تصدق به أجزأه، والثاني: قدر المستحب، وهو إما
النصف أو الثلث على قولين.
وقال أبو حامد الإسفرايني: القول قول أبي العباس، وهذا التفريع على قول
الشافعي في النذر المطلق، وغلط أصحابنا فنقلوا من مسألة إلى مسألة.
دليلنا: أنه متطوع به في الأصل، فلو لم يفعله لما ضمن، فمن أوجب
الضمان بعد ذلك فعليه الدلالة، لأن الأصل، براءة الذمة.
مسألة 348: قد ذكرنا أن ما يجب بالنذر المطلق لا يجوز له الأكل منه،
سواء كان على سبيل المجازات أو واجبا. وهو مذهب قوم من أصحاب الشافعي.
وفي أصحابه من قال وعليه أكثرهم: أن ما وجب بالنذر المطلق المذهب أن
يأكل منه.
وقال مالك: يأكل من الكل إلا ما وجب بالنذر، ولم يفصل ما وجب عن
إتلاف صيد، وحلق شعر.
وقال أبو حنيفة: لا يأكل من الكل إلا من دم التمتع والقران مثل ما قلناه.
وأصل الخلاف أن دم التمتع عندنا وعند أبي حنيفة نسك، وعند الشافعي
جبران.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا قوله تعالى: " والبدن جعلناها لكم من شعائر
الله - إلى قوله - فكلوا منها " وهذا عام، فإذا ثبت جواز الأكل، ثبت أنه نسك،
لأن أحدا لا يفرق.
158

مسألة 349: إذا ضل الهدي الواجب في الذمة، فعليه إخراج بدله، وإن
عاد الضال يستحب له إخراجه أيضا، ويجوز له بيعه إن شاء أولا، وإن شاء آخرا.
وقال الشافعي مثل ذلك، إلا أنه قال: إن عاد الضال أخرجه أيضا.
دليلنا: أن إيجاب يحتاج إلى دليل، والواجب عليه أحدهما بالاتفاق.
مسألة 350: لا يجوز أن يتولى ذبح الهدي والأضحية أحد من الكفار، ولا
اليهود، ولا المجوس، ولا النصارى. ووافقنا الشافعي في المجوس، وكره في
اليهودي والنصراني وأجازه.
دليلنا: أن ذبيحة أهل الكتاب غير مباحة، ونحن ندل على ذلك في
الذبائح، فإذا ثبت ذلك فأحد لا يفرق.
مسألة 351: إذا نذر هديا بعينه زال ملكه عنه، وانقطع تصرفه فيه، ولا يجوز
له بيعه وإخراج بدله. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: له إخراج بدله.
دليلنا: طريقة الاحتياط، ولأن البدل يحتاج إلى دليل.
وروى سالم بن عبد الله عن أبيه قال: أهدي عمر بن الخطاب نجيبا فأعطي
بها ثلاثمائة دينار، فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: يا رسول الله إني
أهديت نجيبا، فأعطيت بها ثلاثمائة دينار، فأبيعها وأشتري بثمنها بدنا، فقال: " لا،
أنحرها ".
مسألة 352: إذا جن بعد إحرامه، فقتل صيدا، أو حلق شعرا، أو وطأ
ما يفسد الحج، لزمه الجزاء بقتل الصيد، وليس عليه فيما عداه شئ.
وللشافعي في جميع ذلك قولان.
أحدهما: عليه الضمان. والثاني: لا ضمان عليه.
159

دليلنا: على أنه لا يلزمه فيما عدا الصيد: أن الأصل براءة الذمة، وشغلها
يحتاج إلى دليل.
وقوله صلى الله عليه وآله: " رفع القلم عن ثلاثة: أحدهم المجنون حتى
يفيق ".
وأما الصيد، فما بيناه من أن حكم العمد والنسيان سواء يوجبه.
مسألة 353: المستحب للمكي، والمتمتع، ولمن يحرم من دويرة أهله، إذا
أراد الحج أن يحرم ويخرج إلى منى، ولا يقيم بعد إحرامه. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: المستحب أن يحرم ويقيم، فإذا أراد الخروج إلى منى خرج محرما.
دليلنا: عمل الطائفة، وطريقة الاحتياط، لأن ما ذكرناه لا خلاف في
جوازه.
مسألة 354: إذا رمى حلال صيدا وقف وقوائمه في الحل ورأسه في الحرم
من الحل، فأصاب رأسه فقتله، فعليه الجزاء. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: لا جزاء عليه.
دليلنا: إجماع الفرقة، وطريقة الاحتياط.
مسألة 355: إذا حلب لبن صيد ضمنه. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: إن نقص بالحلب ضمنه، وإلا لم يضمن.
دليلنا: إجماع الفرقة، وطريقة الاحتياط.
مسألة 356: قال الشافعي: يكره أن يقال لمن لم يحج: " صرورة " لقوله عليه السلام: " لا صرورة في الإسلام ".
160

ويكره أن يقال لحجة الوداع: حجة الوداع، لأن الوداع المفارقة ولعزم
على أن لا يعود.
ويكره أن يقال للمحرم وصفر معا: صفران، بل يسمى كل واحد منهما
باسمه.
ويكره لمن طاف بالبيت أن يضع يده على فيه.
ويكره أن يقال: شوط، ودور، بل يقال: طواف، وطوافان.
ولا أعرف لأصحابنا نصا في كراهة شئ من هذه المسائل، بل ورد في
أخبارهم لفظ صرورة، ولفظة شوط وأشواط، والأولى أن تكون على أصل الإباحة،
لأن الكراهة تحتاج إلى دليل.
مسألة 357: قال الشافعي: يستحب لمن حج أن يشرب من نبيذ السقاية،
الذي لم يشتد، ولم يتغير، لأن النبي صلى الله عليه وآله رخص لأهل سقاية
العباس ترك المبيت بمنى من أجل السقاية، وأنه يشرب النبيذ.
ولا أعرف لأصحابنا في هذا نصا، والأصل براءة الذمة.
مسألة 358: مكة أفضل من المدينة. وبه قال الشافعي، وأهل مكة، وأهل
العلم أجمع إلا مالكا فإنه قال: المدينة أفضل من مكة. وبه قال أهل المدينة.
دليلنا: إجماع الفرقة، فإنهم رووا أن صلاة في المسجد الحرام بعشرة
آلاف صلاة، وصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وآله بألف صلاة، فدل ذلك
على أن مكة أفضل.
وروي عن ابن عباس قال: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وآله من مكة
التفت إليها فقال " أنت أحب البلاد إلى الله تعالى، وأنت أحب البلاد إلي، ولولا أن
قومك أخرجوني منك لما خرجت ".
وروى جبير بن مطعم أن النبي صلى الله عليه وآله قال: " صلاة في مسجدي
أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام ".
161

وروى جابر أن النبي صلى الله عليه وآله قال: " صلاة في المسجد الحرام
أفضل من مائتي صلاة في مسجدي " وما يكون بهذا الوصف يكون أفضل.
مسألة 359: يستحب لمن أراد الخروج من مكة أن يشتري بدرهم تمرا
ويتصدق به. وما أعرف لأحد من الفقهاء ذلك.
دليلنا: إجماع الفرقة، وطريقة الاحتياط.
مسألة 360: يكره للمحرم أن يلبي غيره إذا ناداه، ولم أجد لأحد من
الفقهاء كراهية ذلك.
دليلنا: إجماع الفرقة، وطريقة الاحتياط، وأخبارهم ذكرناها في الكتاب
المقدم ذكره.
162

المبسوط
في فقه الإمامية
تأليف شيخ الطائفة
أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (قدس سره) 385 - 460 ه‍. ق
163

كتاب الحج
فصل: في حقيقة الحج والعمرة وشرائط وجوبهما:
الحج في اللغة هو القصد، وفي الشريعة كذلك إلا أنه اختص بقصد البيت
الحرام لأداء مناسك مخصوصة عنده متعلقة بزمان مخصوص.
والعمرة هي الزيارة في اللغة، وفي الشريعة عبارة عن زيارة البيت الحرام
لأداء مناسك عنده، ولا يختص بزمان مخصوص.
وهما على ضربين: مفروض ومسنون، فالمفروض منهما على ضربين: مطلق من
غير سبب، وواجب عند سبب.
فالمطلق من غير سبب هي حجة الإسلام وعمرة الإسلام، وشرائط وجوبهما
ثمانية: البلوغ، وكمال العقل، والحرية، والصحة، ووجود الزاد والراحلة،
والرجوع إلى كفاية إما من المال أو الصناعة أو الحرفة، وتخلية السرب من
الموانع، وإمكان المسير، ومتى اختل شئ من هذه الشرائط سقط الوجوب، ولم
يسقط الاستحباب.
ومن شرط صحة أدائهما الإسلام وكمال العقل، لأن الكافر وإن كان واجبا
عليه لكونه مخاطبا بالشرع فلا يصح منه أداؤهما إلا بشرط الإسلام، وعند تكامل
الشروط يجبان في العمر مرة واحدة، وما زاد عليها مستحب مندوب إليه،
ووجوبهما على الفور دون التراخي.
165

وأما ما يجب عند سبب فهو ما يجب بالنذر أو العهد أو إفساد حج دخل فيه
أو عمرة، ولا سبب لوجوبهما غير ذلك، وذلك بحسبهما إن كان واحدا فواحدا،
وإن كان أكثر فأكثر.
ولا يصح النذر بهما إلا من كامل العقل حر، فأما من ليس كذلك فلا
ينعقد نذره، ولا يراعى في صحة انعقاد النذر ما روعي في حجة الإسلام من
الشروط لأنه ينعقد نذر من ليس بواجد للزاد والراحلة، ولا ما يرجع إليه من
كفاية.
وكذلك ينعقد نذر المريض بذلك، غير أنه إذا عقد نذره بذلك ثم عجز
عن المضي فيه أو حيل بينه أو منعه مانع أو نذر في حال الصحة ثم مرض فإنه
يسقط فعله في الحال، ويجب عليه أن يأتي به في المستقبل إذا زال العارض، اللهم
إلا أن يعقد نذره أنه يحج في سنة معينة فمتى فاته في تلك السنة بتفريط منه وجب
عليه أن يأتي به في المستقبل، وإن منعه مانع من ذلك أو حال بينه وبين فعله
حائل - من عدو أو مرض أو غير ذلك - فإنه لا يلزمه فيما بعد لأنه لا دليل عليه.
ومتى نذر أن يحج ولم يعتقد أن يحج زائدا على حجة الإسلام ثم حج بنية
النذر أجزأه عن حجة الإسلام، وإن نذر أن يحج حجة الإسلام ثم حج بنية النذر
لم يجزئه عن حجة الإسلام، والأولى أن نقول: لا يجزئه أيضا عن النذر لأنه لا يصح
منه ذلك قبل أن يقضي حجة الإسلام، ولو قلنا بصحته كان قويا لأنه لا مانع من
ذلك.
وأما المسنون: فهو ما زاد على حجة الإسلام وعمرته ولم يكن نذر فيه فإن
ذلك مستحب مندوب إليه.
ونعود الآن إلى ذكر بيان الشروط التي اعتبرناها في وجوب حجة الإسلام،
فالشروط التي اعتبرناها علي ثلاثة أضرب: أحدها شرط في الصحة والوجوب وهو
العقل، والآخر شرط في الصحة دون الوجوب وهو الإسلام، لأن الكافر يجب عليه
وإن لم يصح منه، والثالث شرط في الوجوب دون الصحة، لأن الصبي والمملوك
166

ومن ليس له زاد ولا راحلة وليس بمخلى السرب ولا يمكنه المسير لو تكلفوا
لصح منهم الحج غير أنه لا يجزئهم عن حجة الإسلام.
وراعينا البلوغ والحرية وكمال العقل لأن هؤلاء لو تكلفوا الحج وحجوا
لا خلاف أنه لا يجزئهم ووجب عليهم إعادة حجة الإسلام.
فإن بلغ الصبي أو أعتق العبد أو رجع إليه العقل قبل أن يفوته المشعر
الحرام فوقف بها وأتى بباقي المناسك فإنه يجزئه عن حجة الإسلام.
والزاد والراحلة شرط في الوجوب، والمراعي في ذلك نفقته ذاهبا وجائيا
وما يخلفه لكل من يجب عليه نفقته قدر كفايتهم، ويفضل معه ما يرجع إليه
يستعين به على أمره أو صناعة يلتجئ إليها، فإن كان له ضياع أو عقار أو مسكن
يمكنه أن يرجع إليها ويكون قدر كفايتهم لزمه، ولا يلزمه بيع مسكنه الذي
يسكنه ولا بيع خادمه الذي يخدمه في الزاد والراحلة، ويلزمه بيع ما زاد على
ذلك من ضياع أو عقار وغير ذلك من الذخائر والأثاث التي له منها بد إذا بقي
معه ما يرجع إلى كفايته.
وإن كان له دين حال على موسر باذل له لزمه فرض الحج، وإن كان على
ملي جاحد أو معترف معسر أو إلى أجل لم يجب عليه الحج لأنه عاجر.
وإن كان عليه دين وله مال بقدر الدين لا يلزمه فرض الحج سواء كان حالا
أو مؤجلا، وإذا لم يكن له مال لا يجب عليه الحج وإن كان قادرا على القرض ولا
يجب عليه الاستسلاف، وقد روي جواز الاستدانة في الحج، وذلك محمول على
أنه إذا كان له ما يقضي عنه إن حدث به حدث الموت، فأما مع عدم ذلك فلا
يلزمه ذلك.
وإن قدر على زاد وراحلة ولا زوجة له لزمه فرض الحج وتقديمه على
النكاح، لأنه فرض والنكاح مسنون، سواء خاف العنت أو لم يخف ويلزمه
الصبر.
من وجب عليه الحج فحج مع غيره في نفقته أجزأه عن حجة الإسلام، فإن
167

آجر نفسه من غيره ليخدمه ثم حج أجزأه أيضا.
وإنما يعتبر الزاد والراحلة في وجوب من كان على مسافة يحتاج فيها إلى
الزاد والراحلة، وأما أهل مكة ومن كان بينه وبين مكة قريب فلا يحتاج إلى
ذلك، وليس ذلك من شرط وجوبه عليه إذا كان قادرا على المشي لأنه لا مشقة
عليه، واعتبار الزاد لا بد فيه على كل حال، وإن كان لا يقدر على المشي لم يلزمه،
فإن كان من هذه صورته ذا صناعة وحرفة لا يقطعه الحج عنها ويكون كسبه
حاضرا ومسافرا على حد واحد لزمه، وإن قطعه عن كسبه لم يجب عليه فرض
الحج.
إذا بذل له الاستطاعة قدر ما يكفيه ذاهبا وجائيا ويخلف لمن يجب عليه نفقته
لزمه فرض الحج لأنه مستطيع.
إذا علم أن له من يطيقه على أداء الحج عنه لا يلزمه فرضه لأنه ليس
بمستطيع بنفسه، ولدا كان أو ذا قربة، وقد روى أصحابنا أنه إذا كان له ولد له
مال وجب عليه أن يأخذ من ماله ما يحج به، ويجب عليه إعطاؤه.
المعضوب الذي لا يقدر أن يستمسك على الراحلة من كبر أو ضعف إلا
بمشقة عظيمة وله مال لزمه أن يحج عنه غيره، ويجوز أن يكون ذلك الغير
صرورة لا يجب عليه الحج لعدم الاستطاعة، ويجوز أن يكون غير صرورة،
ويحتاج أن يعطيه ما يكفيه لنفقته ذاهبا وجائيا ويخلفه لأهله.
إذا كان به علة يرجى زوالها يستحب له أن يحج رجلا عن نفسه، فإذا فعل و
برأ وجب عليه أن يحج بنفسه، وإن مات من تلك العلة سقط عنه فرض الحج.
والمعضوب الذي خلق نضوا ولا يرجى زوال خلقته كان فرضه أن يحج
رجلا عن نفسه، فإذا فعل ثم برأ وجب عليه أن يحج بنفسه، لأن ما فعله كان
واجبا في ماله وهذا يلزمه في نفسه.
والمعضوب إذا وجبت عليه حجة بالنذر أو بإفساد حجة وجب عليه أن
يحج عن نفسه رجلا، فإذا فعل فقد أجزأه، فإن برأ فيما بعد تولاها بنفسه.
168

وحجة التطوع يجوز أن يعطيها غيره ليحج عنه، وكذلك يجوز أن يوصي
بأن يحج عنه تطوعا، ويكون ذلك من ثلثه، ويقع الحج عن الآمر دون المتولي.
ومتى استأجر إنسانا في ذلك كانت الإجارة صحيحة، ويستحق الأجير
المسمى.
وإذا أوصى فللوصي أن يكتري، فإذا اكترى كان من الثلث، ويستحق
الأجير الذي سمي له حين العقد ما لم يتعد، فإن تعدى الواجب رد إلى أجرة
المثل.
إذا أحرم عمن استأجره - سواء كانت في حجة الفرض أو التطوع - ثم نقل
الإحرام إلى نفسه لم يصح نقله، ولا فرق بين أن يكون الإحرام بالحج أو بالعمرة
فإن
النقل لا يصح أبدا، فإن مضى على هذه النية وقعت الحجة عمن بدأ بنيته لأن
النقل ما صح، وإنما قلنا ذلك لأن صحة النقل يحتاج إلى دليل، فإذا ثبت هذا
فالأجرة يستحقها على من وقعت الحجة عنه لأن اعتقاده أنه يحج عن نفسه لا يؤثر
في وقوع الحجة عن غيره فلم تسقط الأجرة بحال.
إمكان المسير أحد شروط الحج على ما قلناه، ومعناه أن يجد رفقة يمكنه
المسير معهم ويتسع له وقت المسير على مجرى العادة لمثله، فإن لم يجد من
يخرج معه أو ضاق عليه الوقت حتى لا يلحق إلا بأن يصعب المسير لم يلزمه تلك
السنة.
وشرائط الوجوب قد بيناها، وشرائط الاستقرار أن يمضي من الزمان ما يمكنه
فيه الحج بعد الوجوب ولا يفعل فإنه يستقر في ذمته. إذا ثبت هذا، وكان له مال
وذهب ثبت الحج في ذمته، فإن مات حج عنه من تركته من أصل المال، وإن لم
يكن له مال استحب لوليه أن يحج عنه.
وقد بينا أن إمكان المسير شرط الوجوب، وهو أنه عند وجود الاستطاعة
يتمكن من المسير وتحصيل الآلات التي يحتاج إليها للطريق وبعد ذلك يلحق
الرفقة، فإن حصلت له الاستطاعة وحصل بينه وبين الرفقة مسافة لا يمكنه اللحاق
169

بهم أو يحتاج أن يتكلف - إما لمناقله أو يجعل منزلين منزلا - لا يلزمه الحج تلك
السنة، فإن بقي على حالته في إزاحة العلة إلى السنة المقبلة لزمه، فإن مات قبل
ذلك لا يجب أن يحج عنه، فإن فاتته السنة المقبلة ولم يحج وجب حينئذ أن
يحج عنه.
الراحلة المعتبرة في الاستطاعة راحلة مثله، إن كان شابا يقدر على ركوب
السرج أو القتب وجب عليه عند وجوده، وإن كان أضعف منه فزاملة وما
أشبهها، وإن كان ضعيفا لكبر أو ضعف خلقة فراحلة مثله أن يكون له محمل وما
في معناه.
وأما الزاد فهو عبارة عن المأكول والمشروب، فالمأكول هو الزاد، فإن لم
يجده بحال أو وجده بثمن يضر به - وهو أن يكون في الرخص بأكثر من ثمن
مثله، وفي الغلاء مثل ذلك - لم يجب عليه، وهكذا حكم المشروب.
وأما المكان الذي يعتبر وجوده فيه فإنه يختلف، أما الزاد إن وجده في أقرب
البلدان إلى البر فهو واجد، وكذلك إن لم يجده إلا في بلده فيجب عليه حمله معه
ما يكفيه لطول طريقه إذا كان معه ما يحمل عليه.
وأما الماء، فإن كان يجده في كل منزل أو في كل منزلين فهو واجد، وإن
لم يجده إلا في أقرب البلدان إلى البر أو في بلده فهو غير واجد، والمعتبر في
جميع ذلك العادة، فما جرت العادة بحمل مثله وجب حمله، وما لم تجر سقط
وجوب حمله.
وأما علف البهائم ومشروبها فهو كما للرجل سواء، إن وجده في كل منزل
أو منزلين لزمه، وإن لم يجد إلا في أقرب البلاد إلى البر أو في بلده سقط الفرض
لاعتبار العادة، هذا كله إذا كانت المسافة بعيدة.
فأما إن كان بلده بالقرب من الحرم على منزلين ونحو عشرين فرسخا
أو ثلاثين فرسخا متى لم يجد كل ذلك إلا في أقرب البلاد إلى البر من ناحية بلده
فهو واجد لأنه يمكنه نقله.
170

وهكذا ما لا بد له من ظروف الزاد والماء إذا تعذرت سقط الحج لأنه لا بد
له من ظروف، فإذا تعذر تعذر الإمكان، فوجودها شرط في الاستطاعة.
وأما تخلية الطريق فشرط، وينظر فيه، فإن كان له طريقان مسلوك وغير
مسلوك لكون العدو فإنه يلزمه الفرض وإن كان المسلوك أبعد من المخوف
لأن له طريقا مخلا بينه وبينه، فإن لم يجد إلا طريقا واحدا فيه عدو أو لص لا يقدر
على دفعهم سقط فرض الحج لأن التخلية لم تحصل، فإن لم يندفع العدو إلا
بمال يبذله أو خفارة فهو غير واجد لأن التخلية لم تحصل، فإن تحمل ذلك كان
حسنا، فإن تطوع بالبذل عنه غيره لزمه لأن التخلية حصلت.
وطريق البحر ينظر فيه، فإن كان له طريقان أحدهما في البر والآخر في
البحر لزمه الفرض، وإن لم يكن له غير طريق البحر مثل سكان البحر والجزائر
لزمه أيضا لعموم الأخبار المتضمنة لتخلية الطريق إذا غلب في ظنهم السلامة، فإن
غلب في ظنهم الهلاك لم يلزمهم.
إذا وجب عليه الحج ومات وخلف عليه دينا، فإن كان المال يسع لهما
قضي الدين وحج عنه، والحج يجب أن يقضى عنه من الميقات بأقل ما يكون
أجرة من يحج من هناك، ولا يجب من بلده إلا أن يتبرع به الورثة لأنه لا دليل
عليه، وإن لم يسع المال لهما قسم بينهما بالسوية وحج بما يخصه من الموضع
الذي يمكن، هذا إذا لم يوص به، فإن أوصى فله حكم مفرد سنذكره فيما بعد.
من وجبت عليه حجة الإسلام لا يجوز أن يحج عن غيره، ولا يجوز له أن
يحج تطوعا، فإن تطوع وقعت عن حجة الإسلام، وإن حج عن غيره لم يجزئ
عن غيره ولا عنه، لأن شرط الإجزاء عن الغير لم يحصل فلا يجزئ ولا يستحق
عليه الأجرة بذلك، وشرط الإجزاء عن نفسه من النية لم تحصل، فلا يجزئ عن
واحد منهما.
ومن لم يجب عليه الحج جاز أن يحج عن غيره، ويجوز له أن يحج عن
نفسه تطوعا، ولا يجزئ ذلك عن حجة الإسلام فيما بعد، ويجوز لمن عدم
171

الاستطاعة أن يعتمر عن غيره، ويجوز أن يتطوع بها ولا يجزئه عما يجب عليه إذا
وجد الاستطاعة مثل ما قلناه في الحج سواء.
المستطيع للحج والعمرة لا يجوز أن ينوب عن غيره فيهما على ما بيناه، فإن
حج عن نفسه دون العمرة جاز أن يحج عن غيره ولا يجوز أن يعتمر عنه، وإن
اعتمر عن نفسه ولم يحج جاز أن يعتمر عن غيره ولا يجوز أن يحج عن غيره،
هذا إذا جاز له إفراد أحد الأمرين عن الآخر لعذر، فأما مع زوال الأعذار فلا يجوز
له غير التمتع، وأما أهل مكة وحاضريها فإنه يتقدر جميع ما قلناه فيهم.
من حج حجة الإسلام ثم نذر أن يحج لم يجز له أن يحج عن غيره إلا بعد
أن يقضي ما عليه من النذر، فإن عدم الاستطاعة في النذر جاز أن يحج عن غيره،
هذا إذا نذر بشرط الاستطاعة، فإن نذر على كل حال لزمه مع فقد الاستطاعة على
الوجه الذي يمكنه ولا يجوز أن يحج عن غيره.
ويجوز أن يحج الرجل عن الرجل وعن المرأة، وللمرأة أن تحج عن مثلها
وعن الرجل بلا خلاف، ويجوز أن يحج العبد عن غيره إذا أذن له مولاه فيه
لعموم الأخبار، فأما الصبي فلا يصح أن يحج عن غيره لأنه ليس بمكلف تصح
منه العبادة ولا نية القربة.
والصرورة إذا حج عن غيره لعدم الاستطاعة ثم وجدها كان عليه إعادة
الحج عن نفسه.
ومن كان مستطيعا للزاد والراحلة وخرج ماشيا كان أفضل له من الركوب
إذا لم يضعفه ذلك عن القيام بالفرائض، فإن أضعفه عن ذلك كان ركوبه
أفضل. ومن لا يملك الاستطاعة وخرج ماشيا أو متسكعا وحج كان له فيه فضل
كثير، إلا أنه إذا أيسر كان عليه حجة الإسلام لأن ما حجه لم يكن عليه واجبا.
وإنما تبرع به.
ومن نذر أن يحج ماشيا وجب عليه الوفاء به، فإن عجز عن ذلك ركب
وساق بدنة كفارة عن ذلك، وإن لم يعجز وجب عليه الوفاء به، فإذا انتهى إلى
172

مواضع العبور قام قائما، وإن ركب ناذر المشي مع القدرة على المشي لم يجزئه
وعليه أن يعيد الحج، يركب ما مشى ويمشي ما ركب.
وقد بينا أن حجة الإسلام تجب في العمر مرة واحدة، ويستحب لذوي
الأموال أن يحجوا كل سنة إذا قدروا عليه.
ومن حج وهو مخالف للحق ثم استبصر، فإن كان قد حج بجميع شرائط
الوجوب ولم يخل بشئ من أركانه أجزأه، ويستحب له إعادته، وإن كان أخل
بشئ من ذلك فعليه الإعادة على كل حال.
وقد بينا أن الحج والعمرة واجبان على النساء والرجال، وشروط وجوبهما
عليهن مثل شروط الرجال سواء، وليس من شرط الوجوب ولا من شرط صحة
الأداء وجود محرم لها ولا زوج، ومتى كان لها زوج أو ذو محرم ينبغي أن
لا تخرج إلا معه، فإن لم يساعدها على ذلك جاز لها أن تحج حجة الإسلام
بنفسها ولا طاعة للزوج عليها في ذلك، وليس لها ذلك في حجة التطوع.
وإذا كانت في عدة الطلاق وكان للزوج عليها رجعة لم يجز لها أن تخرج
في حجة التطوع إلا باذنه ويجوز لها ذلك في حجة الإسلام، وإن لم يكن له عليها
رجعة جاز لها أن تخرج في حجة التطوع بغير إذنه، فأما التي في عدة المتوفى
عنها زوجها فإنه يجوز لها أن تخرج على كل حال في حجة التطوع وفي حجة
الإسلام.
ومن وجبت عليه حجة الإسلام ثم مات لم تسقط عنه بالموت، ثم لا يخلو إما
أن يوصي فإن يحج عنه أو لا يوصي، فإن لم يوص أصلا أخرجت حجة الإسلام
من صلب ماله وما يبقى يكون تركة، وإنما يجب أن يخرج من ميقات أهله من
يحج عنه لا يجب أكثر من ذلك.
وإن أوصى بأن يحج عنه فلا يخلو من أن يقول: من أصل المال، أو من
الثلث، فإن قال: من أصل المال، فعل كما قال من الميقات، وإن قال: من دويرة
أهله، نظر، فإن كان ما زاد على الميقات يسعه الثلث فعل كما قال، وإن لم يسعه
173

الثلث لم يجب أكثر من إضافة الثلث إلى قدر ما يحج عنه به من الميقات، وإن
قال: حجوا عني من الثلث، فعل ذلك من الميقات، وإن قال من دويرة أهله
وكان الثلث فيه كفاية لذلك فعل كما قال، وإن لم يكف فعل من حيث يسعه
الثلث.
ومن قرن بالحج في الوصية أحد أبواب البر من الصدقة وغيرها بدئ
بالحج أولا، وإن كان قرن به أمورا واجبة عليه من الزكاة والدين والكفارات
جعل ذلك بالحصص.
وقد بينا أن العمرة فريضة مثل الحج وأن شروط وجوبهما واحدة، ومن
تمتع بالعمرة إلى الحج سقط عنه فرضها، وإن أفرد أو قرن كان عليه أن يعتمر
بعد انقضاء الحج إن أراد بعد انقضاء أيام التشريق، وإن شاء أخرها إلى استقبال
المحرم.
ومن دخل مكة بعمرة مفردة في غير أشهر الحج لم يجز أن يتمتع بها إلى
الحج، فإن أراد التمتع اعتمر عمرة أخرى في أشهر الحج، وإن دخل مكة بعمرة
مفردة في أشهر الحج جاز له أن يقضيها، ويخرج إلى بلده أو إلى أي موضع
شاء، والأفضل أن يقيم حتى يحج ويجعلها متعة، وإذا دخلها بنية التمتع لم يجز
له أن يجعلها مفردة، ويخرج من مكة لأنه صار مرتبطا بالحج.
وأفضل العمرة ما كانت في رجب، وهي تلي الحج في الفضل. ويستحب
أن يعتمر في كل شهر مع الإمكان، وقد روي أنه يجوز أن يعتمر كل عشرة أيام
فمن عمل بذلك فلا شئ عليه.
وينبغي إذا أحرم المعتمر أن يذكر في دعائه أنه محرم بالعمرة المفردة، وإذا
دخل الحرم قطع التلبية، فإذا دخل مكة طاف بالبيت طوافا واحدا للزيارة،
ويسعى بين الصفا والمروة، ثم يقصر إن شاء، وإن شاء حلق، والحلق أفضل،
ويجب عليه بعد ذلك لتحلة النساء طواف آخر، فإذا فعله فقد أحل من كل شئ
أحرم منه.
174

الكافر لا يصح منه الحج، فإن أحرم من الميقات لا ينعقد إحرامه، فإن أسلم بعد
ذلك وجب عليه الحج والعمرة معا على الفور، فإن أمكنه الرجوع إلى
الميقات والإحرام منه فعل، وإن لم يمكنه أحرم من موضعه، فإن لحق أحد
الموقفين في وقته فقد أدرك الحج ويقضي بعد ذلك العمرة، وإن فاته الحج
وأسلم يوم النحر كان عليه الحج في العام المقبل متمتعا إن كان في الآفاق، وإن
كان من حاضري المسجد الحرام قرن أو أفرد وعليه العمرة بعد ذلك، ويجوز له
أن يعتمر في الحال العمرة المفردة.
والمرتد إذا حج حجة الإسلام في حال إسلامه ثم عاد إلى الإسلام لم يجب
عليه الحج، وإن قلنا أن عليه الحج كان قويا لأن إسلامه الأول لم يكن إسلاما
عندنا، لأنه لو كان كذلك لما جاز أن يكفر، وإذا لم يكن إسلاما لم يصح حجه،
وإذا لم يصح فالحجة باقية في ذمته.
وأما سائر العبادات التي تفوته في حال الارتداد من الصلاة والزكاة وغيرهما
فإنه يجب عليه القضاء في جميع ذلك، وكذلك ما كان فاته في حال إسلامه ثم
ارتد ثم رجع إلى الإسلام يلزمه قضاؤه.
ومتى أحرم المرتد في حال ارتداده ثم أسلم استأنف الإحرام فإن إحرامه لم
ينعقد، فإن أحرم ثم ارتد ثم عاد إلى الإسلام جاز أن يبني عليه لأنه لا دليل على
فساده إلا على ما استخرجناه في المسألة المتقدمة في قضاء الحج، فإن على ذلك
التعليل لم ينعقد إحرامه الأول أيضا، غير أنه يلزم عليه إسقاط العبادات التي فاتته
في حال الارتداد عنه لمثل ذلك، لأنا إذا لم نحكم بإسلامه الأول فكأنه كان
كافرا في الأصل، وكافر الأصل لا يلزمه قضاء ما فاته في حال الكفر، وإن قلنا
بذلك كان خلاف المعهود من المذهب، وفي المسألة نظر، ولا نص فيها على
المسألة عن الأئمة عليهم السلام.
إذا أوصى الإنسان بحجة تطوع أخرجت من الثلث، فإن لم يبلغ الثلث ما
يحج عنه من موضعه حج عنه من بعض الطريق، فإن لم يمكن أن يحج به أصلا
175

صرف في وجوه البر.
ومن نذر أن يحج ثم مات قبل أن يحج ولم يكن أيضا حج حجة الإسلام
أخرجت حجة الإسلام من صلب المال وما نذر فيه من ثلثه، فإن لم يكن له من
المال إلا قدر ما يحج عنه حجة الإسلام حج به ويستحب لوليه أن يحج عنه ما
نذر فيه.
ومن وجب عليه حجة الإسلام فخرج لأدائها فمات في الطريق، فإن كان قد
دخل الحرم فقد أجزأ عنه، وإن لم يكن دخل الحرم فعلى وليه أن يقضي عنه حجة
الإسلام من تركته.
ومن أوصى أن يحج عنه كل سنة من وجه بعينه فلم يسع ذلك المال
للحج في كل سنة جاز أن يجعل ما لسنتين لسنة واحدة.
ومن أوصى أن يحج عنه ولم يذكر كم مرة ولا بكم من ماله حج عنه ما
بقي من ثلثه بشئ يمكن أن يحج به عنه.
فصل في ذكر أنواع الحج وشرائطها:
الحج على ثلاثة أضرب: تمتع بالعمرة إلى الحج، وقران، وإفراد.
فالتمتع فرض من لم يكن من حاضري المسجد الحرام، وهو كل من كان
بينه وبين المسجد الحرام أكثر من اثنى عشر ميلا من أربع جهاته، فهؤلاء فرضهم
التمتع مع الإمكان، ولا يجزئ عنهم القران والإفراد، فإن لم يتمكنوا من ذلك
جاز لهم القران والإفراد عند الضرورة.
والقران والإفراد فرض من كان من حاضري المسجد الحرام، وهو كل من
كان بينه وبين المسجد الحرام من أربع جوانبه اثنا عشر ميلا فما دونه، فهؤلاء
لا يجب عليهم التمتع على وجه وإنما يجب عليهم أحد النوعين اللذين ذكرناهما.
فإن تمتع من قلناه، من أصحابنا من قال: إنه لا يجزئه، ومنهم من قال:
يجزئه، وهو الصحيح لأن من تمتع قد أتى بالحج وبجميع أفعاله، وإنما أضاف
176

إليه أفعال العمرة قبل ذلك، ولا ينافي ذلك ما يأتي به من أفعال الحج في
المستقبل، وفي الناس من قال: المكي لا يصح منه التمتع أصلا، وفيهم من قال:
يصح ذلك منه غير أنه لا يلزمه دم المتعة، وهو الصحيح لقوله تعالى: ذلك لمن
لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام، يعني الهدي الذي تقدم ذكره قبل هذا
الكلام بلا فصل.
وشروط التمتع ستة، خمسة بلا خلاف، والسادس فيه خلاف.
فالخمسة: أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج، ويحج من سنته، ويحرم بالحج
من جوف مكة، ولا يكون من حاضري المسجد الحرام، ويحرم بعمرته من
الميقات.
والسادس النية، وفيها خلاف، فعندنا أنها شرط في التمتع، والأفضل أن
تكون مقارنة للإحرام، فإن فاتت جاز تجديدها إلى وقت التحلل.
فإذا فعل العمرة في غير أشهر الحج بتمامها أو فعل معظم أفعالها أو أحرم في
غيرها وأتى بباقي أفعالها - من الطواف والسعي - في أشهر الحج لا يكون متمتعا
ولا يلزمه دم. ومن أحرم في أشهر الحج ثم حج من القابل لا يكون متمتعا ولا
يلزمه دم بلا خلاف. وإذا أحرم المتمتع بالحج من مكة ومضى إلى الميقات ومنه
إلى عرفات كان ذلك صحيحا، ويكون الاعتداد بالإحرام من عند الميقات، ولا
يلزمه دم. والمكي ليس فرضه التمتع بلا خلاف، وهل يصح منه التمتع؟ فيه
خلاف، وقد بينا المذهب فيه.
وشرائط القارن والمفرد على حد سواء، وهي أربعة: أحدها: أن يحرم في
أشهر الحج. وثانيها: أن يحرم من ميقات أهله إن لم يكن مكيا، وإن كان مكيا
فمن دويرة أهله وثالثها: أن يحج من سنته ورابعها: النية.
وأفعال الحج على ضربين: مفروض ومسنون في الأنواع الثلاثة.
والمفروض على ضربين: ركن وغير ركن.
فأركان المتمتع عشرة: النية، والإحرام من الميقات في وقته، وطواف
177

العمرة، والسعي بين الصفا والمروة لها، والإحرام بالحج من جوف مكة، والنية
له، والوقوف بالعرفات، والوقوف بالمشعر، وطواف الزيارة، والسعي للحج.
وما ليس بركن فثمانية أشياء: التلبيات الأربع مع الإمكان أو ما يقوم مقامها
مع العجز، وركعتا طواف العمرة، والتقصير بعد السعي، والتلبية عند الإحرام
بالحج أو ما يقوم مقامها، والهدي أو ما يقوم مقامه من الصوم مع العجز، وركعتا
طواف الزيارة، وطواف النساء، وركعتا الطواف له.
وأركان القارن والمفرد ستة: النية، والإحرام، والوقوف بعرفات، والوقوف
بالمشعر، وطواف الزيارة، والسعي.
وما ليس بركن فيهما أربعة أشياء: التلبية أو ما يقوم مقامها من تقليد أو
إشعار، وركعتا طواف الزيارة، وطواف النساء، وركعتا الطواف له.
ويتميز القارن من المفرد بسياق الهدي ويستحب لهما تجديد التلبية عند كل
طواف.
ومن جاور بمكة سنة واحدة أو سنتين جاز له أن يتمتع، فيخرج إلى الميقات
ويحرم بالحج متمتعا، فإن جاور بها ثلاث سنين لم يجز له ذلك.
ومن كان من أهل مكة أو حاضريها ثم نأى عن منزله إلى مثل المدينة أو
غيرها من البلاد، ثم أراد الرجوع إلى مكة وأراد أن يحج متمتعا جاز له ذلك.
فإن كان له منزل بمكة ومنزل في غير مكة، فإن كان مقامه في أحدهما أكثر
كان حكمه حكمه، وإن كان مقامه فيهما سواء صح منه الأنواع الثلاثة، ثم ينظر،
فإن أراد الإحرام من منزله الذي ليس من حاضريه أحرم متمتعا ولزمه دم، وإن
أراد الإحرام من منزله بمكة أحرم إن شاء قارنا أو مفردا، وإن أحرم متمتعا صح
على ما قلناه غير أنه لا يلزمه دم.
ومن جاء إلى مكة متمتعا وفي نيته المقام بعد الفراع لا يكون من الحاضرين
ويلزمه دم الهدي.
المكي إذا انتقل إلى غيرها من البلدان ثم جاء متمتعا لم يسقط عنه الدم، وإن
178

كان من غيرها وانتقل إلى مكة، فإن أقام بها ثلاث سنين فصاعدا كان من
الحاضرين، وإن كان أقل من ذلك كان حكمه حكم أهل بلده على ما قلناه.
وأشهر الحج شوال وذو القعدة إلى يوم النحر قبل طلوع الفجر منه، فإذا
طلع الفجر فقد مضى أشهر الحج، ومعنى ذلك أنه لا يجوز أن يقع إحرامه
بالحج إلا فيه. ولا إحرام العمرة التي يتمتع بها إلى الحج إلا فيها، وأما إحرام
العمرة المبتولة فجميع السنة وقت له.
وأقل ما يكون بين عمرتين عشرة أيام، ولا تكره العمرة في شئ من أيام
السنة.
ولا يجوز إدخال العمرة على الحج ولا إدخال الحج على العمرة، ومعنى
ذلك أنه إذا أحرم بالحج لا يجوز أن يحرم بالعمرة حتى يفرع من مناسك
الحج، وكذلك إذا أحرم بالعمرة لا يجوز أن يحرم بالحج حتى يفرع من
مناسكها، فإن فاته وقت التحلل مضى على إحرامه وجعلها حجة مفردة ولا يدخل
أفعال العمرة في أفعال الحج.
المتمتع إذا أحرم بالحج من خارج مكة وجب عليه الرجوع إليها مع
الإمكان، فإن تعذر ذلك لم يلزمه شئ وتم حجه ولا دم عليه، سواء أحرم من
الحل أو الحرم.
والمفرد والقارن إذا أرادا أن يأتيا بالعمرة بعد الحج وجب عليهما أن يخرجا
إلى خارج الحرم ويحرما منه، فإن أحرما من جوف مكة لم يجزئهما، فإن خرج
بعد إحرامه من مكة إلى خارج الحرم ثم عاد كان إحرامه من وقت خروجه إلى
الحل، فإذا عاد وطاف وسعى قصر وتمت عمرته، وإن لم يخرج وطاف وسعى
لم يكن ذلك عمرة لأنه لا دليل عليه، ولا يجبر ذلك بدم لما قلناه من أنه لا دليل
عليه.
والمستحب لهما أن يأتيا بالإحرام من الجعرانة لأن منها أحرم النبي صلى الله
عليه وآله، فإن فاته فمن التنعيم.
179

وكيفية أفعال المتمتع أن يبدأ فيوفر شعر رأسه ولحيته من أول ذي القعدة ولا
يمس شيئا منهما، فإذا انتهى إلى ميقات بلده أحرم بالحج متمتعا ومضى إلى مكة،
فإذا شاهد بيوت مكة قطع التلبية، فإذا دخل المسجد الحرام طاف بالبيت سبعا،
وصلى عند المقام ركعتين، ثم خرج إلى السعي فسعى بين الصفا والمروة سبعا،
وقصر من شعر رأسه، وقد أحل من جميع ما أحرم منه من النساء والطيب وغير
ذلك إلا الاصطياد لكونه في الحرم.
فإذا كان يوم التروية عند الزوال صلى الظهر والعصر وأحرم بالحج،
ومضى إلى منى وبات بها، ثم غدا منها إلى عرفات فيصلي بها الظهر والعصر
ووقف إلى غروب الشمس، ثم أفاض إلى المشعر الحرام فوقف بها تلك الليلة،
فإذا أصبح يوم النحر غدا منها إلى منى وقضى مناسكه هناك، ثم يمضي يوم
النحر أو من الغد لا يؤخر ذلك إلى مكة، ويطوف بالبيت طواف الحج، ويصلي
ركعتي الطواف، ويسعى، وقد فرع من مناسكه كلها وحل له كل شئ إلا
النساء والصيد.
ثم يطوف طواف النساء أي وقت شاء مدة مقامه بمكة، فإذا طاف حلت له
النساء وعليه هدي واجب، وهو نسك ليس يجيز أن ينحره إلا بمنى يوم النحر،
فإن لم يتمكن منه كان عليه صيام عشرة أيام، ثلاثة في الحج - يوم قبل التروية،
ويوم التروية، ويوم عرفة - وسبعة إذا رجع إلى أهله.
والمتمتع إذا أهل بالحج وجب عليه الهدي، فإن فقده أو فقد ثمنه جاز له أن
ينتقل إلى الصوم وإن كان واجدا له في بلده، غير أنه إذا كان واجدا له لم يجز له
إخراجه إلا يوم النحر فإن ذبح قبله لا يجزئه.
وإذا صام بعد أيام التشريق يكون أداء ولا يسمى قضاء لأنه لا دليل عليه،
ويستقر الهدي في ذمته بهلال المحرم.
إذا أحرم بالحج ولم يكن صام ثم وجد الهدي لم يجز له الصوم، فإن مات
وجب أن يشترى الهدي من تركته من أصل المال لأنه دين لله عليه.
180

وقد قلنا أنه يستقر الهدي في ذمته بهلال المحرم، فإن عاد إلى وطنه قبل
الهلال ولم يصم الثلاثة لا بمكة ولا في طريقة صام العشرة في وطنه، الثلاثة
متتابعة، والسبعة إن شاء متتابعة وإن شاء متفرقة، فإن تابع العشرة كان أفضل،
فإن مات بعد تمكنه من الصيام كان على وليه أن يصوم عنه أو يتصدق، وإن مات
قبل تمكنه من الصيام لا يجب ذلك.
والقارن هو الذي يقرن بإحرامه بالحج مفردا سياق الهدي، وعليه أيضا أن
يحرم من ميقات أهله، ويسوق الهدي، يشعره من موضع الإحرام، يشق سنامه
ويلطخه بالدم ويعلق في رقبته نعلا كان يصلي فيه، ويسوق الهدي معه إلى منى،
ولا يجوز له أن يحل حتى يبلغ الهدي محله.
فإن أراد دخول مكة جاز له ذلك لكنه لا يقطع التلبية، وإن أراد الطواف
بالبيت تطوعا فعل إلا أنه كلما طاف بالبيت لبى عند فراغه من الطواف ليعقد
إحرامه بالتلبية، لأنه إن لم يفعل ذلك صار محلا وتبطل حجته وتصير عمرة.
وقد بينا أنه ليس له أن يحل حتى يبلغ الهدي محله من يوم النحر، ثم يقضي
مناسكه كلها من الوقوف بالموقفين والمناسك بمنى، ثم يعود إلى مكة ويطوف
بالبيت سبعا، ويسعى مثل ذلك بين الصفا والمروة، ثم يطوف طواف النساء
وقد أحل من كل شئ أحرم منه، وعليه العمرة بعد ذلك.
والمتمتع يسقط عنه فرض العمرة لأنها دخلت في الحج، والمفرد عليه ما
على القارن سواء لا يختلف حكمها في شئ من مناسك الحج، وإنما يتميز القارن
بسياق الهدي فقط، ولا يجوز لهما معا قطع التلبية إلا بعد الزوال من يوم عرفة،
وليس عليهما الهدي، ويستحب لهما الأضحية وإن لم تكن واجبة.
فصل: في ذكر المواقيت وأحكامها:
لا ينعقد الإحرام إلا من المواقيت التي وقتها رسول الله صلى الله عليه وآله،
ومتى أحرم قبل الميقات لم ينعقد إحرامه ويحتاج إلى استئنافه من الميقات، إلا أن
181

يكون قد نذر ذلك فإنه يجب عليه الوفاء به ويحرم من الموضع الذي نذر،
وروي جواز الإحرام قبل الميقات لمن أراد عمرة رجب وقد قارب بعضه ليحصل
له بذلك ثواب عمرة رجب.
ومتى منع مانع من الإحرام عند الميقات جاز له أن يؤخره عن الميقات،
فإذا زال المنع أحرم من الموضع الذي انتهى إليه.
ومن أحرم قبل الميقات وأصاب صيدا لم يكن عليه شئ.
ومن أخر إحرامه عن الميقات متعمدا أو ناسيا وجب عليه أن يرجع فيحرم
منه إن أمكنه، فإن لم يمكنه الرجوع لضيق الوقت وكان تركه عامدا فلا حج له،
وقد قيل: إنه يجبره بدم وقد تم حجه، وإن كان تركه ناسيا أحرم من موضعه،
فإن دخل مكة وذكر أنه لم يحرم ولم يمكنه الرجوع إلى الميقات لضيق الوقت
أو الخوف، فإن أمكنه الخروج إلى خارج الحرم خرج وأحرم منه، وإن لم
يمكنه أحرم من موضعه وليس عليه شئ.
والمواقيت التي وقتها رسول الله صلى الله عليه وآله خمسة:
لأهل العراق ومن حج على طريقهم العقيق، وله ثلاثة مواضع: أولها
المسلخ وهو أفضلها وينبغي أن لا يؤخر الإحرام منها إلا لضرورة، وأوسطه غمرة،
وآخره ذات عرق، ولا يجعل إحرامه من ذات عرق إلا لضرورة أو تقية، ولا
يتجاوز ذات عرق إلا محرما.
ووقت لأهل المدينة ومن حج على طريقهم الحليفة، وهو مسجد الشجرة
مع الاختيار، وعند الضرورة الجحفة، ولا يجوز تأخيره عن الجحفة، ومن خرج
على طريق المدينة كره له أن يرجع إلى طريق العراق ليحرم من العقيق.
ووقت لأهل الشام الجحفة وهي المهيعة: ولأهل الطائف قرن المنازل.
ولأهل اليمن يلملم، وقيل: الململم.
ومن كان منزله دون هذه المواقيت إلى مكة فميقاته منزله، وأبعد هذه
المواقيت إلى مكة ذو الحليفة لأنها على ميل من المدينة، وبينها وبين مكة عشرة
182

مراحل، وبعدها الجحفة يليها في البعد، والثلاثة الأخر - يلملم وقرن المنازل
وذات عرق - على مسافة واحدة.
ولا خلاف أن هذه المواقيت تثبت توقيفا، إلا ذات عرق فإن في ذلك خلافا
بين الفقهاء، وعندنا أنها تثبت سنة.
كل من مر على ميقات وجب عليه أن يهل منه ولا يلزمه ميقات أهل بلده
بلا خلاف، فإن قطع الطريق بين الميقاتين أو على طريق البحر نظر إلى ما يغلب
في ظنه أنه يحاذي أقرب المواقيت إليه فيحرم منه.
والمواقيت في الحج - على اختلاف ضروبه - والعمرة المفردة على حد
واحد بلا خلاف.
وقد قلنا أن من أراد الحج أو العمرة أحرم من الميقات، فإن جازه محلا
رجع إليه مع الإمكان، وكذلك إن جازه غير مريد للحج ولا العمرة ثم تجددت
له نية الحج أو العمرة رجع إليه فأحرم منه مع الإمكان، فإن لم يمكنه أحرم من
موضعه.
المجاور بمكة إذا أراد الحج أو العمرة يخرج إلى ميقات أهله إن أمكنه، فإن
لم يمكنه خرج إلى خارج الحرم مع الإمكان.
ولا يتغير الميقات بتغير البنيان وخرابها وابتنائها في غير موضعها.
ومن جاء إلى الميقات ولم يتمكن من الإحرام لمرض أو غيره أحرم عنه وليه
وجنبه ما يجتنبه المحرم وقد تم إحرامه.
الحائض والنفساء إذا جاءا إلى الميقات اغتسلا وأحرما منه وتركا صلاة
الإحرام.
وتجرد الصبيان من فخ إذا أريد الحج بهم ويجنبون ما يجتنبه المحرم،
ويفعل بهم جميع ما يفعل به، وإذا فعلوا ما يجب فيه الكفارة كان على أوليائهم
أن يكفروا عنهم.
وإن كان الصبي لا يحسن التلبية أو لا يتأتى له لبى عنه وليه، وكذلك يطوف
183

به ويصلي عنه إذا لم يحسن ذلك، وإن حج بهم متمتعين وجب أن يذبح عنهم
إذا كانوا صغارا، وإن كانوا كبارا جاز أن يؤمروا بالصيام، وينبغي أن يوقفوا
بالموقفين معا ويحضروا المشاهد كلها، ويرمي عنهم ويناب عنهم في جميع ما
يتولاه البالغ بنفسه، وإذا لم يوجد لهم هدي ولا يقدرون على الصوم كان على
وليهم أن يصوم عنهم.
فصل: في ذكر كيفية الإحرام:
الإحرام ركن من أركان الحج أو العمرة من تركه متعمدا فلا حج له، وإن
تركه ناسيا كان حكمه ما ذكرناه في الباب الأول إذا ذكر، فإن لم يذكر أصلا
حتى يفرع من جميع مناسكه فقد تم حجه أو عمرته ولا شئ عليه إذا كان قد
سبق في عزمه الإحرام.
ومتى أراد أن يحرم متمتعا فإذا انتهى إلى الميقات تنظف وقص أظفاره وأخذ
شيئا من شاربه، ولا يمس شعر رأسه، ويزيل الشعر من جسده وتحت إبطيه، وإن
تنظف أو أطلى قبل الإحرام بيوم أو يومين إلى خمسة عشر يوما كان جائزا،
وإعادة ذلك في الحال أفضل.
ويستحب له أن يغتسل عند الإحرام، فإن لم يجد ماء تيمم، ويلبس ثوبي
إحرامه، يأتزر بأحدهما ويتوشح بالآخر أو يرتدي به، ويجوز أن يغتسل قبل
الميقات إذا خاف عوز الماء، وأن يلبس قميصه وثيابه فإذا انتهى إلى الميقات نزع
ثيابه ولبس ثوبي إحرامه، وإن لبس الثوبين من موضع الاغتسال كان أيضا
جائزا، وإن وجد الماء عند الإحرام أعاد الغسل استحبابا.
ومن اغتسل بالغداة أجزأه غسله ليومه أي وقت أحرم فيه، وكذلك إذا
اغتسل أول الليل أجزأه إلى آخر الليل ما لم ينم، فإن نام استحب له إعادة الغسل
إلا أن يكون عقد الإحرام بعد الغسل.
وإذا اغتسل للإحرام ثم أكل طعاما لا يجوز للمحرم أكله أو لبس ثوبا لا
184

يجوز لبسه استحب له إعادة الغسل.
ويجوز للمحرم أن يلبس أكثر من ثوبي إحرامه - ثلاثة أو أربعة أو ما زاد -
يتقي بذلك الحر أو البرد، ويجوز أيضا أن يغير ثيابه وهو محرم، فإذا دخل مكة
وأراد الطواف طاف في ثوبيه اللذين أحرم فيهما.
وأفضل الأوقات التي يحرم فيها عند الزوال، ويكون ذلك بعد فريضة
الظهر، فإن اتفق أن يكون في غير هذا الوقت جاز، والأفضل أن يكون عقيب
فريضة، فإن لم يكن وقت فريضة صلى ست ركعات من النوافل وأحرم في
دبرها، فإن لم يتمكن من ذلك أجزأته ركعتان، يقرأ في الأولى منهما بعد التوجه
الحمد وقل يا أيها الكافرون، وفي الثانية الحمد وقل هو الله أحد.
ثم يحرم عقيبهما بالتمتع بالعمرة إلى الحج فيقول: اللهم إني أريد ما أمرت
به من التمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك وسنة نبيك صلى الله عليه وآله، فإن
عرض لي عارض يحبسني فحلني حيث حبستني بقدرك الذي قدرت علي، اللهم
إن لم تكن حجة فعمرة، أحرم لك شعري وجسدي وبشري من النساء والطيب
والثياب أبتغي بذلك وجهك والدار الآخرة، وإن كان قارنا قال: اللهم إني أريد
ما أمرت به من الحج قارنا، وإن كان مفردا ذكر ذلك.
ومن أحرم من غير صلاة أو غسل كان إحرامه منعقدا غير أنه يستحب له
إعادة الإحرام بصلاة وغسل.
ويجوز أن يصلي صلاة الإحرام أي وقت كان من ليل أو نهار ما لم يكن
وقت فريضة قد تضيق، فإن تضيق الوقت بدأ بالفرض ثم بصلاة الإحرام، وإن
كان أول الوقت بدأ بصلاة الإحرام ثم بصلاة الفرض.
ويستحب له أن يشرط في الإحرام إن لم يكن حجة فعمرة، وأن يحله حيث
حبسه - سواء كانت حجته تمتعا أو قرانا أو إفرادا، وكذلك في إحرام العمرة -
ليسقط عنه فرض الحج في العام المقبل، فإن من حج حجة الإسلام فأحضر لزمه
الحج من قابل، وإن كان تطوعا لم يلزمه ذلك.
185

ويجوز أن يأكل لحم الصيد وينال النساء ويشم الطيب بعد الإحرام ما لم
يلب، فإذا لبى حرم عليه جميع ذلك لأن الإحرام لا ينعقد إلا بالتلبية أو سياق
الهدي أو الإشعار أو التقليد، فإنه إذا فعل شيئا من ذلك فقد انعقد إحرامه.
والإشعار أن يشق سنام البعير من الجانب الأيمن، فإن كانت بدنا كثيرة
جاز له أن يدخل بين كل بدنتين ويشعر أحدهما من الجانب الأيمن والأخرى من
الجانب الأيسر، ويشعرها وهي باركة، وينحرها وهي قائمة، ويكون التقليد بنعل
قد صلى فيه.
ولا يجوز الإشعار إلا في البدن، وأما البقر والغنم فليس فيهما غير التقليد.
وإذا أراد المحرم أن يلبي، فإن كان حاجا على طريق المدينة فالأفضل أن
يلبي إذا أتى البيداء عند الميل إن كان راكبا، وإن لبى من موضعه كان جائزا،
والماشي يجوز له أن يلبي من موضعه على كل حال.
وإن كان على غير طريق المدينة لبى من موضعه إن شاء، وإن مشى
خطوات ثم لبى كان أفضل.
والتلبية فريضة، ورفع الصوت بها سنة مؤكدة للرجال دون النساء.
والمفروض الأربع تلبيات، وهي قولك: لبيك اللهم لبيك إن الحمد والنعمة
لك والملك لا شريك لك لبيك، وما زاد عليها سنة وفضيلة.
وأفضل ما يذكره في التلبية الحج والعمرة معا، فإن لم يمكنه - لتقية أو
غيرها - واقتصر على ذكر الحج فإذا دخل مكة طاف وسعى وقصر وجعلها
عمرة كان أيضا جائزا، وإن لم يذكر لا حجا ولا عمرة ونوى التمتع جاز، وإن لبى
بالعمرة وحدها ونوى التمتع كان جايزا، وإذا لبى بالتمتع ودخل مكة وطاف
وسعى ثم لبى بالحج قبل أن يقصر بطلت متعته وصارت حجة مبتولة إذا فعل
ذلك متعمدا، وإن فعله ناسيا مضى فيما أخذ فيه وتمت متعته.
ومتى لبى بالحج مفردا ودخل مكة فطاف وسعى جاز له أن يقصر ويجعلها
عمرة ما لم يلب بعد الطواف، فإن لبى بعده فليس له متعة ومضى في حجه.
186

ومتى نوى العمرة ولبى بالحج، أو نوى الحج ولبى بالعمرة، أو نواهما ولبى
بأحدهما، أو نوى أحدهما ولبى بهما كان ما نواه دون ما تلفظ به، وإن تلفظ به ولم
ينو شيئا لم ينعقد إحرامه، كل هذا لا خلاف فيه.
إذا أحرم منهما ولم ينو شيئا لا حجا ولا عمرة كان مخيرا بين الحج والعمرة
أيهما شاء فعل إذا كان في أشهر الحج، وإن كان في غيرها فلا ينعقد إحرامه إلا
بالعمرة.
وإن أحرم وقال: إحراما كإحرام فلان، فإن علم بما ذا أحرم فلان - من حج
أو عمرة، قران أو إفراد أو تمتع - عمل عليه، وإن لم يعلم ذلك بأن يهلك فلان
فليتمتع احتياطا للحج والعمرة، وإنما قلنا بجواز ذلك لإحرام أمير المؤمنين عليه
السلام حين جاء من اليمن وقال: إهلالا كإهلال نبيك، وأجازه النبي صلى الله
عليه وآله، وإن بان له أن فلانا ما أحرم أصلا كان إحرامه موقوفا إن شاء حج
وإن شاء اعتمر.
ومن أحرم ونسي بما ذا أحرم كان بالخيار إن شاء حج وإن شاء اعتمر، لأنه
لو ذكر أنه أحرم بالحج جاز له أن يفسخ ويجعله عمرة على ما قدمناه، ومتى
أحرم بهما فقد قلنا أنه لا يصح ويمضي في أيهما شاء، وكذلك إن شك هل أحرم
بهما أو بأحدهما فعل أيهما شاء.
ويستحب للمحرم التلبية في كل حال قائما وقاعدا وراكبا وماشيا وعند
الصعود والنزول، وفي جميع الأحوال ليلا كان أو نهارا بلا خلاف، طاهرا كان
أو جنبا.
وينبغي أن لا يتخلل بين التلبيات الأربع كلام، فإن سلم عليه جاز أن يرد
الجواب. ويستحب الإكثار من قول: لبيك ذا المعارج لبيك. وتلبية الأخرس
تحريك لسانه وإشارته بالإصبع.
ولا يقطع المتمتع التلبية إلا إذا شاهد بيوت مكة، وإن كان قارنا أو مفردا
قطعها يوم عرفة عند الزوال، وإن كان معتمرا قطعها إذا وضعت الإبل أخفافها في
187

الحرم، فإن كان المعتمر خرج من مكة ليعتمر قطعها إذا شاهد الكعبة.
فصل: فيما يجب على المحرم اجتنابه:
قد بينا أن الإحرام لا ينعقد إلا بالتلبية أو الإشعار أو التقليد، فإذا عقده بشئ
من ذلك حرم عليه لبس المخيط من الثياب، ويحرم عليه وطئ النساء
ومباشرتهن بشهوة، ويحرم عليه العقد عليهم لنفسه ولغيره، فمتى عقد على امرأة
لنفسه أو لغيره كان العقد باطلا، ولا يجوز له أن يشهد أيضا على عقد، فإن شهد
لم يفسد بذلك العقد لأن العقد ليس من شرطه الشهادة عندنا، فإن أقام الشهادة
بذلك لم يثبت بشهادة النكاح إذا كان تحملها وهو محرم.
إذا حصل العقد وأشكل الأمر فلم يعلم هل كان في حال الإحرام أو في
حال الحلال؟ فالعقد صحيح، والأحوط تجديد العقد.
فإن اختلفا فقال الزوج: عقدت حلالا، وقالت المرأة كنت محرما، فالقول
قول الرجل لأنه أعرف بحال نفسه، وهي مدعية في كونه محرما فعليها البينة، ولا
يلزمه البينة لأنها أقرت له بالعقد وادعت عليه ما يفسده فاحتاجت إلى بينة.
فإن ادعت المرأة أنها كانت محرمة وأنكر الرجل كان الحكم مثل ذلك،
لأنها أقرت بالعقد وادعت ما يفسده فاحتاجت إلى بينة.
فإن ادعى الرجل أنه كان محرما وادعت هي أنه كان محلا فعلى الرجل
البينة، لأنه أقر بالعقد وادعى ما يفسده - ليسقط عن نفسه فرض الزوجية من المهر
وغيره - فعليه البينة، غير أنه يحكم عليه بتحريم وطئها لأنه أقر بأن ذلك حرام
عليه، وأما المهر فإنه يلزمه نصفه إن كان قبل الدخول، وإن كان بعده لزمه كله.
إذا وكل محرم محلا في النكاح فعقد له الوكيل، فإن كان ذلك في حال
إحرام الموكل كان العقد فاسدا، وإن كان ذلك بعد أن تحلل الموكل صح
النكاح لأن العقد وقع في حال الإحلال.
ويكره للمحرم أن يخطب امرأة للعقد، وكذلك إن كانت هي محرمة وهو
188

محل.
إذا وطئ العاقد في حال الإحرام لزمه المهر، فإن كان قد سمى لزمه ما
سمى، وإن لم يكن قد سمى لزمه مهر المثل، ويلحق به الولد، ويفسد حجه إن
كان قبل الوقوف بالموقفين، وتلزمها العدة، وإن لم يدخل بها لم يلزمه شئ من
ذلك. ولا بأس أن يراجع امرأته وهو محرم سواء طلقها في حال الحلال أو في
حال الإحرام.
وإذا تزوج امرأة وهو محرم فرق بينهما ولا تحل له أبدا إذا كان عالما
بتحريم ذلك، فإن لم يكن عالما به جاز له أن يعقد عليها بعد الإحلال.
والمحرم إذا عقد لغيره كان العقد فاسدا، ثم نظر فيه، فإن كان المعقود له
محرما ودخل بها لزم العاقد بدنة.
ويجوز مفارقة النساء بسائر أنواع الفرقة.
ويجوز له شراء الجواري غير أنه لا يجوز له الاستمتاع بهن.
ويحرم عليه الطيب على اختلاف أجناسه، وأغلظها خمسة أجناس: المسك
والعنبر والكافور والزعفران والعود، وقد ألحق بذلك الورس، وأما خلوق
الكعبة فإنه لا بأس به.
ويحرم عليه التطيب بالطيب وأكل طعام يكون فيه شئ من الطيب ومسه
ومباشرته، فإن اضطر إلى أكل طعام يكون فيه طيب أكله وقبض على أنفه.
ولا بأس بالسعوط وإن كان فيه طيب عند الحاجة إليه.
وإذا أصاب ثوبه طيب أزاله.
وإذا اجتاز في موضع يباع فيه الطيب لم يكن عليه شئ، فإن باشره بنفسه
أمسك على أنفه منه، ولا يمسك على أنفه من الروائح الكريهة.
وأما الرياحين الطيبة فمكروه استعمالها غير أنها لا تلحق في الحظر بما قدمناه
من الطيب.
ولا يجوز له الصيد، ولا الإشارة إليه، ولا أكل ما صاده غيره، ولا ذبح شئ
189

من الصيد فإن ذبحه كان حكمه حكم الميتة لا يجوز لأحد الانتفاع به.
وأفضل ما يحرم فيه من الثياب ما كان قطنا محضا، فإن كانت غير بيض
كان جائزا إلا إذا كانت سودا فإنه لا يجوز الإحرام فيها، أو تكون مصبوغة بصبغ
فيه طيب مثل الزعفران والمسك وغيرهما، وإذا صبغ بصبغ فيه طيب وذهبت
رائحته لم يكن به بأس، وكذلك إن أصاب ثوبه طيب وذهبت رائحته جاز
الإحرام فيه.
ويكره الإحرام في الثياب المصبوغة - مثل المعصفر وما أشبهه لأجل
الشهرة - وليس ذلك بمحظور.
وكل ما تجوز الصلاة فيه من الثياب يجوز الإحرام فيه، وما لا تجوز الصلاة
فيه لا يجوز الإحرام فيه مثل الخز المغشوش بوبر الأرانب والثعالب والإبريسم
المحض وغير ذلك.
ولا ينبغي أن يحرم إلا في ثياب طاهرة نظيفة، فإن توسخت بعد الإحرام فلا
يغسلها إلا إذا أصابها شئ من النجاسة، ولا بأس أن يستبدل بثيابه في حال
الإحرام غير أنه إذا طاف لا يطوف إلا فيما أحرم فيه.
ويجوز أن يلبس طيلسانا له أزرار غير أنه لا يزره على نفسه، ويكره له النوم
على الفرش المصبوغة.
وإذا لم يكن معه ثوبا الإحرام وكان معه قباء لبسه مقلوبا ولا يدخل يديه في
كمي القباء.
ولا يلبس السراويل إلا إذا لم يجد المئزر، فإن لم يجده جاز له لبسه، ويكره
له لبس الثياب المعلمة بالإبريسم.
ولا يلبس الخاتم للزينة ويجوز لبسه للسنة، ولا يجوز له لبس الخفين بل
يلبس نعلين، فإن لم يجد النعلين لبس الخفين عند الضرورة وشق ظهر قدميهما،
ولا يلبس الشمشك على كل حال.
ويحرم عليه الرفث وهو الجماع، وكذلك مباشرتهن وملامستهن بشهوة
190

وتقبيلهن على كل حال، ويجوز لمسهن من غير شهوة.
ويحرم عليه الفسق، وهو الكذب، والجدال وهو قول الرجل: لا والله، وبلى
والله.
ولا يجوز له قتل شئ من القمل والبراغيث وما أشبههما، ولا ينحيها عن
بدنه، ولا بأس أن ينحي عن نفسه القراد والحملة.
ويجوز له استعمال الحناء للتداوي، ويكره ذلك للزينة.
ويحرم على المرأة في حال الإحرام جميع ما يحرم على الرجل، ويحل لها
ما يحل له، وقد رخص لها في القميص والسراويل، وليس عليها رفع الصوت
بالتلبية ولا كشف الرأس.
وإحرامها في وجهها، ويجوز لها أن تسدل على وجهها ثوبا إسدالا وتمنعه
بيديها من أن يباشر وجهها أو يغشيه، فإن باشر وجهها الثوب الذي تسدله متعمدة
كان عليها دم. ولا يجوز لها أن تنتقب.
ولا يجوز لها لبس القفازين ولا شئ من الحلي الذي لم تجر عادتها به، فأما
ما كانت تعتاد لبسه فلا بأس به، غير أنها لا تظهره لزوجها ولا تقصد به الزينة.
ويكره لها لبس الثياب المصبوغة المفدمة، ويجوز لها لبس الخاتم وإن كان
من ذهب.
ويجوز للحائض أن تلبس تحت ثيابها غلالة تقي ثيابها من النجاسات،
ويكره لها الخضاب إذا قاربت حال الإحرام.
ولا يجوز للرجل والمرأة إذا كانا محرمين أن يكتحلا بالسواد إلا عند
الضرورة، ويجوز لهما الاكتحال بغير السواد إلا إذا كان فيه طيب فإنه لا يجوز
على حال.
ولا يجوز للمحرم والمحرمة النظر في المرآة، ولا استعمال الأدهان التي فيها
طيب قبل أن يصير محرما إذا كان مما تبقى رائحته إلى بعد الإحرام، وما ليس
بطيب يجوز له الادهان به ما لم يلب، فإذا لبى حرم عليه الادهان بسائر أنواع
191

الدهن إلا عند الضرورة إلى ذلك فيدهن حينئذ بما ليس بطيب مثل الشيرج
والسمن، فأما أكلهما فلا بأس به على كل حال.
الدهن الطيب إذا زالت رائحته جاز استعماله.
ولا يجوز للمحرم أن يحتجم إلا عند الضرورة، ولا إزالة شئ من الشعر عن
موضعه ما دام محرما، فإن اضطر إلى ذلك بأن يريد أن يحتجم ولا يمكنه إلا بإزالة
الشعر عن موضعه جاز أن يزيله ولا شئ عليه.
ولا يجوز للمحرم أن يغطي رأسه، فإن غطى رأسه ناسيا ألقى القناع عن رأسه
وجدد التلبية ولا شئ عليه، ولا بأس أن يغطي وجهه ويعصب رأسه عند الحاجة
إليه.
ولا يجوز للمحرم أن يظلل على نفسه إلا عند الضرورة، ويجوز له أن يمشي
تحت الظلال، ويقعد في الخباء والخيم والبيوت، وإن كان مزاملا لعليل ظلل
على العليل ولا يظلل على نفسه، وقد رخص في الظلال للنساء، والأفضل تجنبه
على كل حال، ومن يشق عليه كشف الظلال فداه بدم وظلل.
ولا يحك المحرم جلده حكا يدميه، ولا يستاك سواكا يدمي فاه، ولا
يدلك وجهه ولا رأسه في الوضوء والغسل لئلا يسقط شئ من شعره، ولا يجوز
له قص الأظافير.
ويكره له دخول الحمام، فإن دخله فلا يدلك جسده بل يصب عليه الماء
صبا.
وإذا مات المحرم غسل كتغسيل الحلال، ويكفن تكفينه، ولا يقرب شيئا
من الكافور.
ويكره للمحرم أن يلبي من دعاه، بل يجيبه بغير التلبية.
ولا يجوز للمحرم لبس السلاح إلا عند الضرورة.
ويجوز له أن يؤدب غلامه وخادمه وولده غير أنه لا يزيد على عشرة أسواط.
يجوز للمحرم أن يلبس المنطقة ويشد على وسطه الهميان لأنه لا مانع منه.
192

فصل: في ذكر الاستئجار للحج:
يجوز الاستئجار للحج لمن عجز عن القيام بنفسه، ويجوز استئجاره عن
الميت وتصح النيابة فيه، ثم ينظر في المستأجر، فإن مات بعد ذلك سقط فرضه،
وإن صلح وجب عليه القضاء بنفسه.
ويلزم الأجرة بالعقد ويستحقها الأجير، ولا يلزمه أن يرد ما فضل، وإن
نفدت نفقته استحب للمستأجر أن يتممه وليس بواجب ذلك عليه.
ويثاب على فعله من المناسك، ولا يحرم إلا من الميقات، فإن شرط عليه أن
يحرم قبل الميقات لم يلزمه ذلك لأنه باطل.
ومتى فعل من محظورات الإحرام ما يلزمه به كفارة كان عليه في ماله من
الصيد واللباس والطيب.
وإن أفسد الحجة وجب عليه قضاؤها عن نفسه وكانت الحجة باقية عليه، ثم
ينظر فيها، فإن كانت معينة انفسخت الإجارة ولزم المستأجر أن يستأجر من
ينوب عنه فيها، وإن لم تكن معينة - بل تكون في الذمة - لم تنفسخ وعليه أن
يأتي بحجة أخرى في المستقبل عمن استأجره بعد أن يقضي الحجة التي أفسدها
عن نفسه، ولم يكن للمستأجر فسخ هذه الإجارة عليه، والحجة الأولى مفسودة لا
تجزئ عنه، والثانية قضى بها عن نفسه، وإنما يقضي عن المستأجر بعد ذلك على
ما بيناه.
وإذا استأجره لا يخلو من أن يقول: استأجرتك لتحج عني في هذه السنة،
فإن قال هذا فقد عين السنة فلا تصح الإجارة إلا بعد أن يكون الأجير على صفة
يمكنه التلبس بالإحرام في أشهر الحج، فإن لم يمكنه ذلك بطل عقد الإجارة لأنه
عقد على ما لا يصح. فإذا عقد على وجه يصح منه الإحرام في أشهر الحج صح،
فإن خالف وخرجت السنة ولم يحرم انفسخت الإجارة لأن الوقت الذي عينه قد
فات.
وإن استأجره بحجة في الذمة بأن يقول: استأجرتك على أن تحج عني،
193

صح العقد واقتضى التعجيل في هذا العام، وإن شرط التأجيل إلى عام أو عامين
جاز، فإذا وقع مطلقا فانقضت السنة قبل فعل الحج لم تبطل الإجارة لأن
الإجارة في الذمة لا تبطل بالتأخير، وليس للمستأجر أن يفسخ هذه الإجارة
لمكان التأخير، فإذا أحرم في السنة الثانية كان إحرامه صحيحا عمن استأجره.
إذا استأجر اثنان رجلا ليحج عنهما فأحرم عنهما لم يصح إحرامه عنهما ولا
عن واحد منهما، لأن حجة واحدة لا تكون عن نفسين، وليس أحدهما أولى بها من
صاحبه، ولا تنعقد عن نفسه لأنه ما نواها عن نفسه وانقلابها إليه لا دليل عليه. فإن
أحرم الأجير عن نفسه وعمن استأجره لا ينعقد أيضا عنهما ولا عن واحد منهما لما
قلناه أولا.
وإذا أحصر الأجير كان له التحلل بالهدي ولا قضاء عليه لأنه لا دلالة دالة
على وجوبه عليه، والمستأجر على ما كان عليه، إن كان متطوعا كان بالخيار،
وإن كان وجب عليه حجة الإسلام لزمه أن يستأجر من ينوب عنه، غير أنه يلزم
الأجير أن يرد بمقدار ما بقي من الطريق أو يضمن الحج فيما يستأنفه ويتولاه
بنفسه.
إذا مات الأجير، فإن كان قبل الإحرام وجب على ورثته أن يردوا جميع ما
أخذ ولا يستحق شيئا من الأجرة لأنه لم يفعل شيئا من أفعال الحج، وإن كان
بعد الإحرام لا يلزمه شئ وأجزأت عن المستأجر - وسواء كان ذلك قبل
استيفاء الأركان أو بعدها، قبل التحلل أو بعده، وعلى جميع الأحوال لعموم
الخبر في ذلك - هذا إذا استأجره على أن يحج عنه وأطلق.
وإن استأجره على أن يحج عنه مثلا من بغداد أو خراسان بأن يقطع المسافة
إلى الميقات استحق الأجرة بمقدار ما قطع من المسافة.
إذا استأجره على أن يحج عنه من بغداد فجاء الميقات وأحرم بالعمرة عن
نفسه صحت، فإذا تحلل منها وأحرم بالحج عن مستأجرة، فإن كان رجع إلى
الميقات أجزأه، وإن لم يرجع مع تمكنه من الرجوع لم يجزئه، وإن لم يمكنه
194

الرجوع أجزأ عن المستأجر، ولا يلزمه دم، ولا يجب عليه رد شئ من الأجرة لأنه
لا دليل عليه.
إذا استأجر رجلا لنسك لم يخل من ثلاثة أحوال: إما أن يستأجره ليقرن
عنه أو يفرد أو يتمتع.
فإن استأجره للقران وقرن صح لأنه استأجره له، وقد بينا كيفية القران،
والهدي الذي يكون به قارنا يلزم الأجير لأن إجارته تتضمنه، فإن شرط الهدي
على المستأجر كان جائزا، فإن خالفه وتمتع كان جائزا لأنه عدل إلى ما هو
أفضل ويقع النسكان معا عن المستأجر، وإن أفرد لم يجزئه لأنه لم يفعل ما
استأجره فيه.
وإن استأجره ليتمتع ففعل فقد أجزأه، ويلزم دم المتعة الأجير لأنه من
متضمن العقد إلا أن يشرط المستأجر على نفسه ذلك فيجزئ عنه، وإن خالفه إلى
القران لم يجزئه لأنه لم يفعل ما استأجره فيه.
وإن استأجره ليفرد فتمتع أو قرن أجزأه لأنه عدل إلى الأفضل. وأتى بما
استؤجر فيه وزيادة.
إذا أوصى أن يحج عنه حجة واجبة من نذر أو قضاء أو حجة الإسلام فلا
يخلو: إما أن لا يعين الأجير والأجرة، أو يعينهما معا، أو يعين الأجير دون الأجرة.
فإن أطلق ولم يعين الأجير ولا الأجرة فقال: حجوا عني أو أحجوا عني
إنسانا، فإنه يحج عنه بأقل ما يوجد من يحج عنه من الميقات.
وإن عين الأجير والأجرة معا فقال: أحجوا عني فلانا بمائة، فإنه يعطي من
التركة أجرة مثله من الميقات، وما زاد عليه فهو وصية، فإن قام بالحج وجب له ما
وصى به، وإن لم يقم بالحج لم يستحق من هذه الوصية شيئا لأنه وصى له بشرط
قيامه بالحج، ولا فرق بين أن يكون وارثا أو غير وارث.
وإن عين الأجير دون الأجرة فقال: أحجوا عني فلانا، ولم يذكر مبلغ
الأجرة فإنه يحج عنه بأقل ما يوجد من يحج عنه، فإن رضي الأجير بذلك وقام
195

به لم يكن للولي العدول عنه إلى غيره لأنه مخالفة للوصية، وإن لم يقبل ذلك
ولم يقم به كان على الولي أن يحج عنه بأقل ما يوجد من يحج عنه.
وكذلك الحكم إن كانت الوصية بحجة تطوع، إلا أن الواجب يكون من
أصل المال والتطوع من الثلث.
إذا أوصى بشئ من ماله للحاج فرق فيهم، والأفضل أن يعطي الفقراء لأنهم
أحوج، وإن أعطى الأغنياء والفقراء معا كان جائزا لأن الاسم يتناولهم.
إذا قال لغيره: حج عني بما شئت، لم تنعقد الإجارة لأنه لم يسم العوض،
فإن حج عنه وجب له أجرة المثل وصحت الحجة عن المستأجر. وكذلك
الحكم إن قال: حج عني بنفقتك أو ما تنفق سواء.
وإذا قال: حج عني أو اعتمر بمائة، فالإجارة باطلة لأن العمل مجهول، وإن
حج أو اعتمر وقع عمن حج عنه لأنه أذن له فيه، ولزمه أجرة المثل ولا يستحق
المسمى لفساد العقد، وإن قلنا: إن العقد صحيح ويكون مخيرا في ذلك، كان
قويا.
فإن قال: من حج عني فله مائة، صح ذلك، وكان ذلك جعالة لا أجرة،
فإذا فعل الحج استحق المائة. وإن قال: أول من يحج عني فله مائة كان ذلك
صحيحا.
إذا قال: من حج عني فله عبد أو دينار أو عشرة دراهم، كان ذلك صحيحا
ويكون مخيرا في ذلك كله، فمتى حج استحق واحدا من ذلك، ويكون
المستأجر بالخيار.
من كان عليه حجة الإسلام وحجة النذر لم يجز أن يحج أولا إلا حجة
الإسلام، فإن حج بنية النذر وجب عليه حجة الإسلام ولا ينقلب، فإن كان
معضوبا لا يقدر أن يركب فاستأجر من يحج عنه كان إحرام الأجير كإحرامه
لا يحرم بحجة النذر قبل حجة الإسلام، فإن خالف لم ينقلب إلى حجة الإسلام.
فإن استأجر ليحج عنه فاعتمر، أو ليعتمر عنه فحج، لم يقع عن المحجوج
196

عنه سواء كان حيا أو ميتا، ولا يستحق شيئا من الأجرة.
فإن استأجره ليحرم عنه من ميقات بلده فسلك طريقا آخر وأحرم من ميقاته
أجزأه، ولا يلزمه أن يرد من الأجرة ما بين الميقاتين ولا أن يطالب بالنقصان لأنه لا
دليل عليه.
فإن استأجره للحج أو العمرة فأحرم عنه به ثم أفسده انقلب إليه ولا أجرة
له. وكذلك إن فاته الحج بتفريط كان منه، فأما إن فاته بغير تفريط فله أجرة مثله
إلى حين الفوات. وكذلك الحكم في المحصور سواء.
إذا كان عليه حجتان - حجة النذر وحجة الإسلام - وهو معضوب جاز أن
يستأجر رجلين يحجان عنه في سنة واحدة، ويكون فعل كل واحد منهما واقعا
بحسب نيته سبق أو لم يسبق.
وينبغي لمن حج عن غيره أن يذكره في المواضع كلها، فيقول عند
الإحرام: اللهم ما أصابني من تعب أو لغوب أو نصب فأجر فلان بن فلان وأجرني
في نيابتي عنه، وكذلك يذكره عند التلبية والطواف والسعي والموقفين، وعند
الذبح والرمي، وعند جميع المناسك، فإن لم يذكره وكانت نيته الحج عنه
أجزأه.
وإذا أمره أن يحج عنه بنفسه فليس له أن يستأجر غيره في تلك النيابة، فإن
فوض الأمر إليه في ذلك جاز أن يتولاه بنفسه وأن يستنيب غيره فيه.
وإذا أخذ حجة عن غيره لم يجز أن يأخذ حجة أخرى حتى يقضي التي
أخذها.
ولا يجوز لأحد أن يطوف عن غيره وهو بمكة إلا أن يكون الذي يطاف عنه
مبطونا لا يقدر على الطواف بنفسه ولا يمكن حمله لفقد طهارته، وإن كان غائبا
جاز أن يطاف عنه.
ومن حج عن غيره من أخ أو أب أو قرابة أو أخ مؤمن فإنه يصل فضل
ذلك إلى من ينوب عنه، وله ثواب عمله من غير نقصان. ومن حج عمن وجب
197

عليه الحج بعد موته تطوعا منه سقط بذلك فرضه عن الميت.
ومن كان عنده وديعة ومات صاحبها وله ورثة ولم يكن حج حجة الإسلام
جاز له أن يأخذ منها بقدر ما يحج عنه ويرد الباقي على ورثته إذا غلب في ظنه
أنهم لا يقضون عنه حجة الإسلام، فإن غلب على ظنه أنهم يتولون القضاء عنه لم
يجز له أن يأخذ منها شيئا إلا بأمرهم.
ولا يحج أحد عمن يخالفه في الاعتقاد إلا أن يكون أباه فإنه يجوز له أن
يحج عنه.
ويجوز أن تحج المرأة عن الرجل إذا كانت قد حجت حجة الإسلام وكانت
عارفة، وإن لم تكن حجت حجة الإسلام لم يجز لها ذلك ولا عن غيرها من
النساء.
فصل: في حكم العبيد والمكاتبين والمدبرين في الحج:
لا يجوز للعبد أن يحرم إلا بإذن سيده، فإن أحرم بغير إذنه لم ينعقد إحرامه
وللسيد منعه منه، ولا يلزمه الهدي ولا بدله لأن إحرامه ما انعقد، فإن أذن له سيده
فأحرم لم يكن له فيما بعد منعه منه، وإن أذن له ثم رجع عن الإذن، فإن علم
بالرجوع زال الإذن فإن أحرم بعد ذلك لم ينعقد إحرامه، وإن لم يعلم بالرجوع
فأحرم بعد الرجوع وقبل العلم به فالأولى أن نقول: ينعقد إحرامه غير أن للسيد
منعه منه، وقد قيل: إنه لا ينعقد إحرامه أصلا، وهكذا الحكم في المدبر والمدبرة
وأم الولد والمعتق بعضه لا يختلف الحكم فيه.
والأمة المزوجة لمالكها منعها من الإحرام وللزوج أيضا منعها منه.
والمكاتب لا ينعقد إحرامه سواء كان مشروطا عليه أو مطلقا، لأنه إن كان
مشروطا عليه فهو بحكم الرق، وإن كان مطلقا وقد تحرر بعضه فهو غير متعين،
فإن هايأه على أيام معلومة معينة يكون لنفسه لا يمتنع أن نقول: ينعقد إحرامه فيها
ويصح حجه فيها بغير إذن سيده.
198

ومن أحرم بغير إذن سيده ثم أعتقه قبل الموقفين لم يجزئه إحرامه ويجب
عليه الرجوع إلى الميقات والإحرام منه إن أمكنه، فإن لم يمكنه أحرم من موضعه،
فإن فاته المشعر الحرام فقد فاته الحج.
وإن أحرم بإذن سيده لم يلزمه الرجوع إلى الميقات لأن إحرامه صحيح
منعقد، فإن أدرك المشعر الحرام بعد العتق فقد أدرك حجة الإسلام، وإن فاته
المشعر فقد فاته الحج وعليه الحج فيما بعد.
وإذا أحرم بغير إذن سيده ثم أفسد الحج لم يتعلق به حكم لأن إحرامه غير
منعقد، وإن أحرم بإذن سيده وأفسد الحج لزمه القضاء وعلى سيده تمكينه منه.
وإذا أفسد العبد الحج ولزمه القضاء - على ما قلناه - فأعتقه السيد فلا يخلو
أن يكون بعد الوقوف بالمشعر أو قبله.
فإن كان بعده كان عليه أن يتم هذه الحجة ويلزمه حجة الإسلام فيما بعد
وحجة القضاء، ويجب عليه البدأة بحجة الإسلام ثم بحجة القضاء. وكذلك
حكم الصبي إذا بلغ وعليه قضاء، ولا يقضي قبل حجة الإسلام، فإن أتى بحجة
الإسلام بقي عليه حجة القضاء، وإن أحرم بالقضاء انعقد بحجة الإسلام وكان
القضاء في ذمته، وإن قلنا: إنه لا يجزئ عن واحد منهما، كان قويا.
وإن أعتق قبل الوقوف بالمشعر فلا فصل بين أن يفسد بعد العتق أو قبل
العتق، فإنه يمضي في فاسدة ولا يجزئه الفاسد عن حجة الإسلام ويلزمه القضاء في
القابل، ويجزئه القضاء عن حجة الإسلام، لأن ما أفسده لو لم يفسده لكان يجزئه
عن حجة الإسلام وهذه قضاء عنها.
إذا أحرم العبد بإذن سيده فباعه سيده قبل الوقوف بالمشعر صح بيعه، فإن
كان المشتري عالما بحاله فلا خيار له لأنه دخل على بصيرة ويملك منه ما كان
يملكه منه، ولا يجوز للمشتري أن يحلله كالبائع، وإن لم يعلم المشتري بذلك
وكان إحرامه بإذن سيده كان له الخيار عليه لأنه لا يقدر على تحليله، ويكون
ذلك نقصا يوجب الرد، فإن كان إحرامه بغير إذن سيده صح البيع ولا خيار له
199

ولا حكم لإحرامه لأنه لم ينعقد على ما بيناه.
إذا أحرم بإذن مولاه فارتكب محظورا يلزمه به دم - مثل اللباس، والطيب،
وحلق الشعر، وتقليم الأظفار، واللمس بشهوة، والوطئ في الفرج أو فيما دون
الفرج، وقتل الصيد أو أكله - ففرضه الصيام وليس عليه دم، ولسيده منعه منه
لأنه فعله بغير إذنه، فإن ملكه سيده هديا ليخرجه فأخرجه جاز، وإن أذن له فصام
جاز أيضا، وإن مات قبل الصيام جاز لسيده أن يطعم عنه ودم المتعة، فسيده
بالخيار بين أن يهدي عنه أو يأمره بالصيام، وليس له منعه من الصوم لأنه باذنه
دخل فيه.
فصل: في ذكر حكم الصبيان في الحج:
الصبي الذي لم يبلغ قد بينا أنه لا حج عليه ولا ينعقد إحرامه، فإن كان طفلا
لا يميز جاز أن يحرم عنه الولي، وإن كان مميزا مراهقا جاز أن يأذن له فيحرم هو
بنفسه.
والولي الذي يصح إحرامه عنه وإذنه له: الأب والجد وإن علا، فإن كان
غيرهم - مثل الأخ وابن الأخ والعم وابن العم - فإن كان وصيا أو له ولاية عليه
وليها فهو بمنزلة الأب، وإن لم يكن وليا ولا وصيا ويكون أخا أو ابن أخ أو عما أو
ابن عم فلا ولاية له عليه، وهو والأجنبي سواء، فإن تبرع به عنه انعقد إحرامه.
والأم لها ولاية عليه بغير تولية، ويصح إحرامها عنه لحديث المرأة التي
سألت النبي صلى الله عليه وآله عن ذلك.
النفقة الزائدة على نفقته في الحضر يلزم وليه دونه.
وكل ما أمكن الصبي أن يفعله من أفعال الحج فعليه، وما لم يمكنه فعلى
وليه أن ينوب عنه.
أما الإحرام فإن كان مميزا أحرم بنفسه. والوقوف بالموقفين يحصل على
كل حال مميزا كان أو غير مميز. ورمي الجمار إن ميز رماها بنفسه، وإن لم يميز
200

رمى عنه وليه، ويستحب أن يترك الحصى في كفه ثم يؤخذ منه. والطواف إن
كان مميزا صلاهما، وإن لم يكن مميزا طاف عنه وليه، ومن طاف به ونوى
الطواف به عن نفسه أجزأ عنهما. وحكم السعي مثل ذلك.
وركعتا الطواف إن كان مميزا صلاهما، وإن لم يكن مميزا صلى عنه وليه.
وأما محظورات الإحرام فكل ما يحرم على المحرم البالغ يحرم على الصبي،
والنكاح إن عقد له كان باطلا.
وأما الوطء فيما دون الفرج واللباس والطيب واللمس بشهوة وحلق الشعر
وترجيل الشعر وتقليم الأظفار، فالظاهر أنه يتعلق به الكفارة على وليه، وإن قلنا:
لا يتعلق به شئ لما روي عنهم عليهم السلام من أن عمد الصبي وخطأه سواء،
- والخطأ في هذه الأشياء لا يتعلق به كفارة من البالغين - كان قويا.
وقيل: الصيد يتعلق به الجزاء على كل حال لأن النسيان يتعلق به من
البالغ الحر.
وأما الوطء في الفرج، فإن كان ناسيا فلا شئ عليه ولا يفسد حجه مثل
البالغ سواء، وإن كان عامدا فعلى ما قلناه: من أن عمده وخطأه سواء، لا يتعلق
به أيضا فساد الحج، وإن قلنا: إن عمده عمد لعموم الأخبار في من وطئ عامدا في
الفرج من أنه يفسد حجة، فقد فسد حجه ويلزمه القضاء، والأقوى الأول لأن
إيجاب القضاء يتوجه إلى المكلف وهذا ليس بمكلف.
فصل: في ذكر حكم النساء في الحج:
الحج واجب على النساء كوجوبه على الرجال، وشرائط وجوبه عليهن
شرائط وجوبه على الرجال سواء، وليس من شرط وجوبه عليهن وجود محرم ولا
زوج.
ولا طاعة للزوج عليها في حجة الإسلام، ومعنى ذلك أنها إذا أرادت حجة
الإسلام فليس لزوجها منعها من ذلك، وينبغي أن يساعدها على الخروج معها،
201

فإن لم يفعل خرجت مع بعض ذوي أرحامها، فإن لم يكن لها محرم خرجت
مع بعض الثقات من المؤمنين.
فإن أرادت أن تحج تطوعا لم يكن لها ذلك، وكان له منعها منه.
وإن نذرت الحج، فإن كان بإذن زوجها كان حكمه حكم حجة الإسلام،
وإن كان بغير إذنه لم ينعقد نذرها.
وإذا كانت في عدة الطلاق جاز لها أن تخرج في حجة الإسلام سواء كان
للزوج عليها رجعة أو لم يكن، وليس لها أن تخرج في حجة التطوع إلا في
التطليقة البائنة. فأما عدة المتوفى عنها زوجها فإنه يجوز لها أن تخرج على كل
حال فرضا كان أو نفلا.
وإذا حجت المرأة بإذن الزوج حجة الإسلام كان قدر نفقة الحضر عليه. وما
زاد لأجل السفر عليها، فإن أفسدت حجها بأن مكنت زوجها من وطئها مختارة
قبل الوقوف بالمشعر لزمها القضاء، وكان في القضاء مقدار نفقة الحضر على
الزوج وما زاد عليه فعليها في مالها، ويلزمها مع ذلك كفارة وهي بدنة في مالها
خاصة.
وقد بينا كيفية إحرامها في باب الإحرام، وأن عليها أن تحرم من الميقات ولا
تؤخره، فإن كانت حائضا توضأت وضوء الصلاة واحتشت واستثفرت وأحرمت
إلا أنها لا تصلي ركعتي الإحرام، فإن تركت الإحرام ظنا منها أنه لا يجوز لها ذلك
حتى جازت الميقات فعليها أن ترجع إليه وتحرم منه مع الإمكان، وإن لم يمكنها
أحرمت من موضعها ما لم تدخل مكة، فإن دخلتها خرجت إلى خارج الحرم
وأحرمت من هناك، فإن لم يمكنها أحرمت من موضعها.
وإذا دخلت المرأة مكة متمتعة طافت بالبيت وسعت بين الصفا والمروة
وقصرت وقد أحلت من كل ما أحرمت منه مثل الرجل سواء.
فإن حاضت قبل الطواف انتظرت ما بينها وبين الوقت الذي تخرج إلى
عرفات، فإن طهرت طافت وسعت، وإن لم تطهر فقد مضت متعتها ويكون حجة
202

مفردة، تقضي المناسك كلها ثم تقضي العمرة بعد ذلك مبتولة.
وإن طافت بالبيت ثلاثة أشواط ثم حاضت كان حكمها حكم من لم يطف.
وإذا طافت أربعة أشواط ثم حاضت قطعت الطواف وسعت وقصرت ثم
أحرمت بالحج وقد تمت متعتها، فإذا فرغت من المناسك وطهرت تممت
الطواف.
وإن طافت الطواف كله ولم تصل عند المقام ثم حاضت خرجت من
المسجد وسعت وقصرت وأحرمت بالحج وقضت المناسك كلها ثم تقضي
الركعتين إذا طهرت.
وإذا طافت بالبيت وسعت بين الصفا والمروة وقصرت ثم أحرمت بالحج
وخافت أن يجيئها الحيض فيما بعد فلا تتمكن من طواف الزيارة وطواف النساء
جاز لها أن تقدم الطوافين معا والسعي، ثم تخرج فتقضي باقي المناسك وتمضي
إلى منزلها، فإن كانت طافت طواف الزيارة وبقى عليها طواف النساء فلا تخرج
من مكة إلا بعد أن تقضيه، وإن كانت طافت منه أربعة أشواط وأرادت الخروج
جاز لها الخروج وإن لم تتم الطواف.
ويجوز للمستحاضة أن تطوف بالبيت وتصلي عند المقام وتشهد المناسك
كلها إذا فعلت ما تفعله المستحاضة لأنها بحكم الطاهر.
وإذا أرادت الحائض وداع البيت فلا تدخل المسجد بل تودع من أدنى
باب من أبواب المسجد وتنصرف.
وإذا كانت المرأة عليلة لا تقدر على الطواف طيف بها وتستلم الأركان
والحجر، فإن كان عليها زحمة كفاها الإشارة ولا تزاحم الرجال، وإن كان بها علة
تمنع من حملها والطواف بها طاف عنها وليها وليس عليها شئ، وإن كانت
عليلة لا تعقل عند الإحرام أحرم عنها وليها وجنبها ما يجتنب المحرم وتم إحرامها.
وليس على النساء رفع الصوت بالتلبية، ولا كشف الرأس، ويجوز لها
لبس المخيط، ورخص لها في تظليل المحمل، وليس عليها حلق ولا دخول
203

البيت، فإن أرادت دخول البيت فلتدخله إذا لم يكن زحام، ولا يجوز للمستحاضة
دخول البيت على حال.
فصل: في حكم المحصور والمصدود:
الحصر عند أصحابنا لا يكون إلا بالمرض، والصد يكون من جهة العدو،
وعند الفقهاء الحصر والصد واحد وهما من جهة العدو، والمذهب الأول.
فإذا أحرم بحج أو عمرة فحصروه عدو من المشركين ومنعوه من الوصول
إلى البيت كان له أن يتحلل لعموم الآية، ثم ينظر، فإن لم يكن له طريق إلا الذي
حصر فيه فله أن يتحلل بلا خلاف، وإن كان له طريق آخر، فإن كان ذلك
الطريق مثل الذي صد عنه لم يكن له التحلل لأنه لا فرق بين الطريق الأول
والثاني، وإن كان الطريق الآخر أطول من الطريق الذي صد عنه، فإن لم يكن له
نفقة يمكنه أن يقطع بها الطريق الآخر فله أن يتحلل لأنه مصدود عن الأول، وإن
كان معه نفقة يمكنه قطع الطريق الأطول إلا أنه يخاف إذا سلك ذلك الطريق
فاته الحج لم يكن له التحلل، لأن التحلل إنما يجوز بالحصر لا بخوف الفوات
وهذا غير مصدود هاهنا، فإنه يجب أن يمضي على إحرامه في ذلك الطريق، فإن
أدرك الحج جاز، وإن فاته الحج لزمه القضاء إن كانت حجة الإسلام، وإن
كانت تطوعا كان بالخيار. هذا في الحصر العام.
فأما الحصر الخاص - وهو أن يحبس بدين عليه أو غير ذلك - فلا يخلو أن
يحبس بحق أو بغير حق، فإن حبس بحق - بأن يكون عليه دين يقدر على قضائه
فلم يقضه - لم يكن له أن يتحلل لأنه متمكن من الخلاص فهو حابس نفسه
باختياره، وإن حبس ظلما أو بدين لا يقدر على أدائه كان له أن يتحلل لعموم الآية
والأخبار لأنه مصدود.
وكل من له التحلل فلا يتحلل إلا بهدي ولا يجوز له قبل ذلك.
من أحصر عن البيت وقد وقف بعرفة والمشعر وعن الرمي أيام التشريق فإنه
204

يتحلل، فإن لحق أيام الرمي رمى وحلق وذبح، وإن لم يلحق أمر من ينوب عنه
في ذلك، فإذا تمكن أتى مكة وطاف طواف الحج وسعى، وقد تم حجه ولا
قضاء عليه إذا أقام على إحرامه حتى يطوف ويسعى، وإن لم يقم على إحرامه
وتحلل كان عليه الحج من قابل لأنه لم يستوف أركان الحج من الطواف
والسعي.
فأما إذا طاف وسعى ومنع من البيت والرمي فقد تم حجه لأن ذلك من
المسنونات دون الأركان.
وإن كان متمكنا من البيت ومصدودا عن الوقوف بالموقفين أو عن أحدهما
جاز له التحلل لعموم الآية والأخبار، فإن لم يتحلل وأقام على إحرامه حتى فاته
الوقوف فقد فاته الحج وعليه أن يتحلل بعمل عمرة ولا يلزمه دم لفوات الحج
ويلزمه القضاء إن كانت حجة الإسلام، وإن كانت تطوعت كان بالخيار.
وإذا كان مصدودا عن العمرة جاز له أن يتحلل مثل الحج سواء.
ومتى لم يخف فوات الحج فالأفضل أن لا يتحلل ويبقى على إحرامه، فإذا
انكشف العدو مضى على إحرامه وتمم حجه، فإن ضاق الوقت وآيس من اللحوق
تحلل.
فإذا أحصر فأفسد حجه فله التحلل، وكذلك إن أفسد حجه ثم أحصر كان
له التحلل لعموم الآية والأخبار، ويلزمه الدم بالتحلل وبدنة بالإفساد والقضاء في
المستقبل، فإن انكشف العدو وكان الوقت واسعا وأمكنه الحج قضى من سنته -
وليس هاهنا حجة فاسدة تقضى في سنتها إلا هذه - وإن ضاق الوقت قضى من
قابل.
وإن لم يتحلل من الفاسد، فإن زال الحصر والحج لم يفت مضى في الفاسد
وتحلل، وإن فاته تحلل بعمل عمرة ويلزمه بدنة للإفساد ولا شئ عليه للفوات
والقضاء من قابل على ما بيناه.
وإن كان العدو باقيا فله التحلل، فإذا تحلل لزمه دم التحليل أو بدنة للإفساد
205

والقضاء من قابل، وليس عليه أكثر من قضاء واحد.
وإذا لم يجد المحصور الهدي أو لا يقدر على ثمنه لا يجوز له أن يتحلل حتى
يهدي، ولا يجوز له أن ينتقل إلى بدل من الصوم أو الإطعام لأنه لا دليل على
ذلك، وأيضا قوله تعالى: فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا
رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله، فمنع من التحلل إلى أن يهدي ويبلغ الهدي
محله وهو يوم النحر، ولم يذكر البدل.
وإذا أراد التحلل من حصر العدو فلا بد فيه من نية التحلل مثل الدخول فيه،
وكذلك إذا أحصر بالمرض.
ومتى شرط في حال الإحرام أن يحله حيث حبسه صح ذلك ويجوز له
التحلل.
ولا بد أن يكون للشرط فائدة مثل أن يقول: إن مرضت أو فنيت نفقتي أو
فاتني الوقت أو ضاق علي أو منعني عدو أو غيره، فأما إن قال: إن تحلني حيث
شئت، فليس له ذلك. فإذا حصل ما شرط فلا بد له من الهدي لعموم الآية.
إذا أحرموا وصدهم العدو لم يخل أن يكونوا مسلمين أو مشركين، فإن كان
العدو مسلما - كالأكراد والأعراب وأهل البادية - فالأولى أن يتركوا قتالهم
وينصرفوا إلا أن يدعوهم الإمام أو من نصبه الإمام إلى قتالهم، وإن كان العدو
مشركا لم يجب على الحاج قتالهم، لأن قتال المشركين لا يجب إلا بإذن الإمام أو
الدفع عن النفس والإسلام وليس هاهنا واحد منهما، وإذا لم يجب فلا يجز أيضا،
سواء كانوا قليلين أو كثيرين أو المسلمون أكثر أو أقل.
ومتى بدروهم بالقتال جاز لهم قتالهم، فإن لبسوا جنة القتال كالجباب
والدروع والجواشن والمخيط فعلى من فعل ذلك الفدية لعموم الأخبار، فإن قتلوا
أنفسا أو أتلفوا أموالا فلا ضمان عليهم في نفس ولا مال.
وإن كان هناك صيد قتلوه، فإن كان لأهل الحرب ففيه الجزاء دون القيمة
لأنه لا حرمة لمالكه، وإن كان لمسلم ففيه الجزاء والقيمة لمالكه.
206

فإن بذل لهم العدو تخلية الطريق وكانوا معروفين بالغدر جاز لهم
الانصراف، وإن كانوا معروفين بالوفاء لم يجز لهم التحلل وعليهم المضي في
إحرامهم.
فإن طلب العدو على تخلية الطريق مالا لم يجب على الحاج بذله قليلا كان
أو كثيرا، ويكره بذله لهم إذا كانوا مشركين لأن فيه تقوية المشركين، فإن بذلوا
ذلك لهم جاز لهم التصرف فيها لأنها كالهدية، وإن كان العدو مسلما لا يجب
البذل، لكن يجوز أن يبذلوا ولا يكون مكروها.
وأما المحصور بالمرض وهو أن يمرض مرضا لا يقدر على النفوذ إلى مكة
بعد إحرامه.
فإن كان قد ساق هديا بعث به إلى مكة ويجتنب هو جميع ما يجتنبه
المحرم إلى أن يبلغ الهدي محله - ومحله منى يوم النحر إن كان حاجا، وإن كان
معتمرا فمحله مكة قبالة الكعبة - فإذا بلغ الهدي محله قصر من شعر رأسه وحل له
كل شئ إلا النساء - ويجب عليه الحج من قابل إن كان صرورة، وإن لم تكن
صرورة كان عليه الحج قابلا استحبابا - ولم تحل له النساء إلى أن يحج في
القابل أو يأمر من يطوف عنه طواف النساء إن كان متطوعا، فإن وجد من نفسه
خفة بعد أن بعث هديه فليلحق بأصحابه، فإن أدرك مكة قبل أن ينحر هديه قضى
مناسكه كلها وقد أجزأه وليس عليه الحج من قابل، وإن وجدهم قد ذبحوا الهدي
فقد فاته الحج وكان عليه الحج من قابل. وإنما كان الأمر على ذلك لأن الذبح
لا يكون إلا يوم النحر فإذا وجدهم قد ذبحوا فقد فاته الموقفان، وإن لحقهم قبل
الذبح يجوز أن يلحق أحد الموقفين، فمتى لم يلحق واحدا منهما فقد فاته الحج.
وإن لم يكن ساق الهدي بعث بثمنه مع أصحابه ويواعدهم وقتا بعينه أن
يشتروه ويذبحوه عنه ثم يحل بعد ذلك، فإن ردوا عليه الثمن ولم يكونوا وجدوا
الهدي وكان قد أحل لم يكن عليه شئ ويجب أن يبعث به في العام القابل
ويمسك عما يمسك عنه المحرم إلى أن يذبح عنه.
207

وإن كان المحصور معتمرا فعل ما ذكرناه وكانت العمرة في الشهر الداخل
إن كانت عمرة الإسلام، وإن كانت نفلا كان عليه ذلك نفلا.
والمحصور إن كان أحرم بالحج قارنا لم يجز أن يحج في المستقبل متمتعا
بل يدخل بمثل ما خرج منه.
ومن أراد أن يبعث هديا تطوعا بعثه وواعد أصحابه يوما بعينه ويجتنب
جميع ما يجتنبه المحرم من الثياب والنساء والطيب وغيره غير أنه لا يلبي، فإن
فعل شيئا مما يحرم عليه كانت عليه الكفارة مثل ما على المحرم سواء، فإذا كان
اليوم الذي واعدهم على نحره أحل، وإن بعث الهدي من أفق من الآفاق فواعدهم
يوما بعينه بإشعاره وتقليده فإذا كان ذلك اليوم اجتنب ما يجتنبه المحرم إلى أن
يبلغ الهدي محله ثم إنه أحل من كل شئ.
فصل: في ذكر ما يلزم المحرم من الكفارة بما يفعله
من المحظورات عمدا أو ناسيا:
ما يفعله المحرم من محظورات الإحرام على ضربين: أحدهما يفعله عامدا،
والآخر يفعله ساهيا.
فكل ما يفعله من ذلك على وجه السهو لا يتعلق به كفارة ولا فساد الحج،
إلا الصيد خاصة فإنه يلزمه فداؤه عامدا كان أو ساهيا.
وما عداه إذا فعله عامدا لزمته الكفارة، وإذا فعله ساهيا لم يلزمه شئ:
فمن ذلك إذا جامع المرأة في الفرج - قبلا كان أو دبرا - قبل الوقوف
بالمشعر عامدا - سواء كان قبل الوقوف بعرفة أو بعده قبل الوقوف بالمشعر -
فإنه يفسد حجه، ويجب عليه المضي في فاسدة، وعليه الحج من قابل قضاء عن
هذه الحجة - سواء كانت حجته فرضا أو تطوعا - ويلزمه مع ذلك كفارة وهي
بدنة.
والمرأة إن كانت محلة لا يتعلق بها شئ، وإن كانت محرمة فلا يخلو أن
208

تكون مطاوعة له أو مكرهة عليه، فإن طاوعته على ذلك كان عليها مثل ما عليه
من الكفارة والحج من قابل - وينبغي أن يفترقا إذا انتهيا إلى المكان الذي فعلا
فيه ما فعلا إلى أن يقضيا المناسك، وحد الافتراق أن لا يخلو يخلو بأنفسها إلا
ومعهما ثالث - وإن كان أكرهها على ذلك لم يكن عليها شئ ولا يتعلق به فساد
حجها، ويلزم الرجل كفارة أخرى يتحملها عنها وهي بدنة أخرى، فأما حجة
أخرى فلا يلزمه لأن حجتها ما فسدت.
وإن كان جماعه فيما دون الفرج كان عليه بدنة ولم يكن عليه الحج من
قابل.
وإن كان الجماع في الفرج بعد الوقوف بالمشعر كان عليه بدنة وليس
عليه الحج من قابل، سواء كان ذلك قبل التحلل أو بعده وعلى كل حال.
وإذا قضى الحج في القابل فأفسد حجه أيضا كان عليه مثل ما لزمه في العام
الأول من الكفارة والحج من قابل لعموم الأخبار.
وإذا جامع أمته وهي محرمة وهو محل، فإن كان إحرامها باذنه كان عليه
كفارة يتحملها عنها، وإن كان إحرامها من غير إذنه لم يكن عليه شئ لأن إحرامها
لم ينعقد، فإن لم يقدر على بدنة كان عليه دم شاة أو صيام ثلاثة أيام، وإن كان
هو أيضا محرما تعلق به فساد حجه، والكفارة مثل ما قلناه في الحرة سواء.
وإذا وطء بعد وطء لزمته كفارة بكل وطء، سواء كفر عن الأول أو لم
يكفر لعموم الأخبار.
ومن أفسد الحج وأراد القضاء أحرم من الميقات، وكذلك من أفسد العمرة
أحرم فيما بعد من الميقات. والمفرد إذا حج ثم اعتمر بعده فأفسد عمرته قضاها
وأحرم من أدنى الحل. والمتمتع إذا أحرم بالحج من مكة ثم أفسد حجه قضاه
وأحرم من الموضع الذي أحرم منه.
ومتى جامع قبل طواف الزيارة كان عليه جزور، فإن لم يتمكن كان عليه
بقرة، فإن لم يتمكن كان عليه شاة. ومتى طاف من طواف الزيارة شيئا ثم واقع
209

أهله قبل إتمامه كان عليه بدنة وإعادة الطواف.
وإن كان سعى من سعيه شيئا ثم جامع كان عليه الكفارة ويبني على ما
سعى، وإن كان قد انصرف من السعي ظنا منه أنه تممه ثم جامع لم تلزمه الكفارة
وكان عليه تمام السعي لأن هذا في حكم الساهي.
وإذا جامع بعد قضاء المناسك قبل طواف النساء كان عليه بدنة، فإن
كان قد طاف من طواف النساء شيئا، فإن كان أكثر من النصف بنى عليه بعد
الغسل ولم تلزمه الكفارة، وإن طاف أقل من النصف لزمته الكفارة وأعاد
الطواف.
ومن جامع وهو محرم بعمرة مبتولة قبل أن يفرع من مناسكها بطلت
عمرته، وعليه بدنة والمقام بمكة إلى الشهر الداخل ثم يقضي عمرته.
ومن عبث بذكره حتى أمنى كان حكمه حكم من جامع على السواء في
اعتبار ذلك قبل الوقوف بالمشعر في أنه يلزمه الحج من قابل، وإن كان بعده لم
يلزمه غير الكفارة.
ومن نظر إلى غير أهله فأمنى فعليه بدنة، فإن لم يجد فبقرة فإن لم يجد فشاة.
وإذا نظر إلى امرأته فأمنى أو أمذى لم يكن عليه شئ، إلا أن يكون نظر
بشهوة فأمنى فإنه يلزمه الكفارة وهي بدنة، فإن مسها بشهوة كان عليه دم يهريقه
وإن لم ينزل، وإن مسها بغير شهوة لم يكن عليه شئ وإن أمنى.
ومن قبل امرأته من غير شهوة كان عليه دم شاة، وإن كان عن شهوة كان
عليه جزور.
ومتى لاعب امرأته فأمنى من غير جماع كان عليه الكفارة. ومن يسمع
لكلام امرأة أو استمع على من يجامع من غير رؤية لهما فأمنى لم يكن عليه شئ.
ويجوز له أن يقبل المحرمات عليه من الأم والبنت.
إذا أحرم بحجة التطوع فوطئ قبل الوقوف بالمشعر في الفرج أفسدها،
وعليه الحج من قابل وبدنة على ما بيناه، وعليه المضي في فاسدها، فإن حصر
210

قبل الوقوف تحلل منها بهدي وعليه القضاء، ويجزئه قضاء واحد عن إفساد
الحج وعن الحصر.
الحيوان على ضربين: مأكول وغير مأكول.
فالمأكول على ضربين: إنسي ووحشي. فالإنسي هو النعم من الإبل والبقر
والغنم % فلا يجب الجزاء بقتل شئ منه، والوحشي هو الصيود المأكولة مثل
الغزلان وحمر الوحش وبقر الوحش وغير ذلك فيجب الجزاء في جميع ذلك
على ما نبينه بلا خلاف.
وما ليس بمأكولة فعلى ثلاثة أضرب:
أحدها: لا جزاء فيه بالاتفاق، وذلك مثل الحية والعقرب والفأرة والغراب
والحدأة والكلب والذئب.
الثاني: يجب فيه الجزاء عند جميع من خالفنا، ولا نص لأصحابنا فيه،
والأولى أن نقول: لا جزاء فيه لأنه لا دليل عليه والأصل براءة الذمة، وذلك مثل
المتولد بين ما يجب الجزاء فيه وما لا يجب فيه ذلك كالسباع، وهو المتولد بين
الضبع والذئب والمتولد بين الحمار الأهلي والحمار الوحشي.
والضرب الثالث: مختلف فيه، وهو الجوارح من الطير كالبازي والصقر
والشاهين والعقاب ونحو ذلك، والسباع من البهائم كالأسد والنمر والفهد وغير
ذلك، فلا يجب الجزاء عندنا في شئ منه، وقد روي أن في الأسد خاصة كبشا.
ويجوز للمحرم قتل جميع المؤذيات كالذئب والكلب العقور والفأر
والعقارب والحيات وما أشبه ذلك ولا جزاء عليه، وله أن يقتل صغار السباع
وإن لم يكن محذورا منها، ويجوز له قتل الزنابير والبراغيث والقمل، إلا أنه إذا
قتل القمل على بدنه لا شئ عليه، وإن أزاله عن جسمه فعليه الفداء، والأولى أن لا
يعرض له ما لم يؤذه.
الصيد على ضربين:
أحدهما: له مثل - مثل النعامة وحمار الوحش والغزال فهو مضمون بمثله
211

من البدنة والبقرة والشاة.
والثاني: لا مثل له - مثل العصافير وما أشبهها - فهو مضمون بالقيمة.
فما له مثل فظاهر القرآن يدل على أنه مخير بين ثلاثة أشياء: أحدها: إخراج
المثل، والثاني: أن يقوم ويشتري بقيمته طعاما يتصدق به على كل مسكين
نصف صاع، والثالث: أن يصوم عن كل مدين يوما. والذي رواه أصحابنا أنه
يلزمه المثل، فإن عجز عنه أخرج الطعام بدله، فإن لم يقدر صام على ما بيناه.
والذي يقوم عندنا هو المثل دون الصيد نفسه.
وما لا مثل له مخير بين شيئين: أحدهما: يقومه ويشتري به طعاما ويتصدق
به، والثاني: يصوم عن كل مد يوما.
وماله مثل فمنصوص عليه بذكره، وما لا مثل له على ضربين: أحدهما
منصوص على قيمته، والآخر لا نص على قيمته فإنه يرجع إلى قول عدلين، ويجوز
أن يكون أحدهما قاتل الصيد.
إذا قتل نعامة كان عليه جزور، فإن لم يقدر قوم الجزاء وفض ثمنه على
الحنطة وتصدق على كل مسكين نصف صاع على ما بيناه، فإن زاد على إطعام
ستين مسكينا لم يلزمه أكثر منه، وإن كان أقل منه فقد أجزأه، فإن لم يقدر على
إطعام ستين مسكينا صام عن كل نصف صاع يوما، فإن لم يقدر على ذلك
صام ثمانية عشر يوما.
فإن قتل بقرة وحش أو حمار وحش فعليه دم بقرة، فإن لم يقدر قومها
وفض ثمنها على الطعام، وأطعم كل مسكين نصف صاع، فإن زاد على إطعام
ثلاثين مسكينا لم يلزمه أكثر منه، وإن نقص عنه لم يلزمه أكثر منه، فإن لم يقدر
على ذلك صام عن كل نصف صاع يوما، فإن لم يقدر صام تسعة أيام.
ومن أصاب ظبيا أو ثعلبا أو أرنبا كان عليه دم شاة، فإن لم يقدر على ذلك
قوم الجزاء وفض ثمنه على البر وأطعم كل مسكين منه نصف صاع، فإن زاد
ذلك على إطعام عشرة مساكين لم يلزمه أكثر منه، وإن نقص عنه لم يلزمه أكثر
212

منه، فإن لم يقدر صام عن كل نصف صاع يوما، فإن لم يقدر صام ثلاثة أيام.
ومن أصاب قطاة وما أشبهها كان عليه حمل قد فطم ورعى الشجر.
ومن أصاب يربوعا أو قنفذا أو ضبا وما أشبهه كان عليه جدي.
ومن أصاب عصفورا أو صعوة أو قبرة وما أشبهها كان عليه مد من طعام.
ومن قتل حمامة كان عليه دم لا غير إذا كان في الحل، فإن أصابها وهو
محل في الحرم كان عليه درهم، فإن أصابها وهو محرم في الحرم كان عليه دم
والقيمة.
وإن قتل فرخا وهو محرم في الحل كان عليه حمل، فإن قتله في الحرم وهو
محل كان عليه نصف درهم، فإن قتله وهو محرم في الحرم كان عليه الجزاء
والقيمة.
وإن أصاب بيض الحمام وهو محرم في الحل كان عليه درهم، فإن أصابه
وهو محل في الحرم كان عليه ربع درهم، فإن أصابه وهو محرم في الحرم كان
عليه الجزاء والقيمة، سواء كان حمام الحرم أو حماما أهليا، غير أن حمام الحرم
يشتري بقيمته علف لحمام الحرم، والأهلي يتصدق بثمنه على المساكين.
وكل من كان معه شئ من الصيد وأدخله الحرم وجب عليه تخليته وزال
ملكه عنه، فإن أخرجه وهلك كان عليه فداؤه، فإن كان معه طير مقصوص
الجناح تركه حتى ينبت ريشه ثم يخليه.
ولا يجوز صيد حمام الحرم وإن كان في الحل، ومن نتف ريشة من حمام
الحرم كان عليه صدقة يتصدق بها باليد التي نتف بها.
ولا يجوز أن يخرج شيئا من حمام الحرم من الحرم، فإن أخرجه فعليه رده،
فإن هلك كان عليه قيمته. ويكره شراء القماري والدباسي بمكة وإخراجهما منها.
ومن أغلق بابا على حمام من حمام الحرم وفراخ وبيض فهلكت، فإن كان
أغلق عليها قبل أن يحرم فعليه لكل طير درهم ولكل فرخ نصف درهم ولكل
بيضة ربع درهم، وإن كان أغلق عليها بعد ما أحرم فعليه لكل طير شاة ولكل
213

فرخ حمل ولكل بيضة درهم.
ومن نفر حمام الحرم، فإن رجعت فعليه دم شاة، وإن لم ترجع فعليه لكل
طير شاة.
ومن دل على صيد فقتل كان عليه فداؤه.
وإذا اجتمع جماعة محرمون على صيد فقتلوه فعلى كل واحد منهم فداء،
وإذا اشتروا لحم صيد فأكلوه لزم أيضا كل واحد منهم فداء كامل.
وإذا رمى اثنان صيدا فأصاب أحدهما وأخطأ الآخر لزم كل واحد منهما
الفداء.
وإذا قتل اثنان صيدا أحدهما محل والآخر محرم في الحرم كان على المحرم
الفداء والقيمة، وعلى المحل القيمة. ومن ذبح صيدا في الحرم وهو محل كان
عليه دم لا غير.
وإذا أوقد جماعة نارا فوقع فيها طائر، فإن قصدوا ذلك لزم كل واحد منهم
فداء كامل، وإن لم يقصدوا ذلك فعليهم كلهم فداء واحد.
وفي فراخ النعامة مثل ما في النعامة سواء، وقد روي أن فيه من صغار
الإبل، والأحوط الأول.
وكل ما يصيبه المحرم من الصيد في الحل كان عليه الفداء لا غير، وإن
أصابه في الحرم كان عليه الفداء والقيمة معا.
ومن ضرب بطير الأرض وهو محرم فقتله كان عليه دم وقيمتان: قيمة لحرمة
الحرم، وقيمة لاستخفافه به، وعليه التعزير.
ومن شرب لبن ظبية في الحرم كان عليه دم وقيمة اللبن معا.
وما لا يجب فيه دم - مثل العصفور وما أشبهه - إذا أصابه المحرم في الحرم
كان عليه قيمتان، وما يجب فيه التضعيف هو ما لم يبلغ بدنة، فإذا بلغ ذلك لم
يجب غير ذلك.
المحرم إذا تكرر منه الصيد لا يخلو أن يكون ناسيا أو متعمدا، فإن كان ناسيا
214

تكررت عليه الكفارة، وإن كان عامدا فالأحوط أن يكون مثل ذلك، وقد روي
أنه لا يتكرر ذلك عليه وهو ممن ينتقم الله منه.
والمحرم إذا قتل صيدا في غير الحرم كان عليه فداء واحد، فإن أكله كان
عليه فداء آخر.
المحل إذا قتل صيدا في الحرم كان عليه فداؤه.
وإذا كسر المحرم قرني الغزال كان عليه نصف قيمته، فإن كسر أحدهما
فعليه ربع القيمة. فإن فقأ عينيه فعليه القيمة، فإن فقأ إحديهما فعليه نصف القيمة.
فإن كسر إحدى يديه فعليه نصف قيمته، فإن كسرهما جميعا فعليه قيمته،
وكذلك حكم الرجلين، فإن قتله لم يكن عليه أكثر من قيمة واحدة.
ومن رمى صيدا فأصابه ولم يؤثر فيه ومشى مستويا لم يكن عليه شئ
وليستغفر الله، فإن لم يعلم هل أثر فيه أم لا ومضى على وجهه لزمه الفداء، وإن أثر
فيه بأن رماه أو كسر يده أو رجله ثم رآه بعد ذلك وقد صلح كان عليه ربع
الفداء.
ولا يجوز لأحد أن يرمي الصيد والصيد يؤم الحرم وإن كان محلا، فإن رماه
وأصابه ودخل الحرم ومات فيه كان لحمه حراما وعليه الفداء.
ومن ربط صيدا بجنب الحرم فدخل الحرم صار لحمه وثمنه حراما ولا يجوز
له إخراجه منه، وقد روي أن من أصاب صيدا فيما بين البريد وبين الحرم كان
عليه الفداء، فإن أصاب شيئا منه بأن فقأ عينه أو كسر قرنه فيما بين البريد إلى
الحرم كان عليه صدقة.
والمحل إذا كان في الحرم فرمى صيدا في الحل كان عليه الفداء، وإن
وقف صيد في الحل وبعضه في الحرم فقتله إنسان ضمنه، فإن كانت قوائمه في
الحرم ورأسه في الحل فرماه محل فأصاب رأسه فقتله ضمنه، وكذلك إن كانت
قوائمه في الحل ورأسه في الحرم فرماه من الحل وأصاب رأسه فقتله ضمنه.
من كان معه صيد فلا يحرم حتى يخليه ولا يدخل معه الحرم، فإن أدخله
215

زال ملكه عنه وعليه تخليته، فإن لم يفعل ومات لزمه الفداء، هذا إذا كان معه
حاضرا، فإن لم يكن معه حاضرا وكان في بلده لم يكن عليه شئ ولا يزول ملكه
عنه.
إذا رمى صيدا فقتله ونفذ السهم إلى صيد آخر لزمه جزاءان لأنه قتلهما.
وإن رمى طائرا فقتله فاضطرب فقتل فرخا له أو كسر بيضا كان عليه ضمانه
لأنه السبب فيه.
فإذا قتل صيدا مكسورا أو أعورا فالأحوط أن يفديه بصحيح، وإن أخرج
مثله كان جائزا.
إذا قتل ذكرا جاز أن يفديه بأنثى، وإن قتل أنثى جاز أن يفديه بذكر، و
الأفضل أن يفدي الذكر بالذكر والأنثى بالأنثى.
جرح الصيد وإتلاف أعضائه مما لم يرد فيه نص معين فالذي نقوله: إنه
مضمون بقيمته، وهو فضل ما بين قيمته صحيحا ومعيبا فيضمن ذلك من المثل،
مثال ذلك إذا جرح ظبيا قوم صحيحا ومعيبا فإذا كان بينهما عشر ضمن عشر
المثل من الشاة.
وإذا جرح صيدا فلا يخلو من ثلاثة أحوال: إما أن يجرحه جراحة تسري إلى
نفسه فيلزمه جزاء مثله، فإن جرحه جراحة لا تسري إلى نفسه إلا أنه يصير غير
متمتع بعد أن كان متمتعا - مثل الظبي لا يقدر على العدو، والطير لا يقدر على
الطيران - فهو مثل الأول يلزمه جزاء المثل، وإن كان متمتعا كما كان لزمه قيمته
ما بين كونه صحيحا ومعيبا على ما بيناه.
وإن غاب عن عينه ولا يدري ما كان منه لزمه الجزاء على الكمال.
وقد بينا أن المثل المقوم هو الجزاء دون الصيد، فإذا أراد أن يقوم الجزاء
لزمه قيمته يوم يريد تقويمه ولا يلزمه أن يقوم وقت إتلاف الصيد، وما لا مثل له
فليس بمنصوص عليه لزمه قيمته حال الإتلاف لأنها حال الوجوب عليه.
إذا أصاب المحرم بيض نعام فعليه أن يعتبر حال البيض، فإن كان قد
216

تحرك فيه الفرخ كان عليه عن كل بيضة بكارة من الإبل، وإن لم يكن تحرك
فعليه أن يرسل فحولة الإبل في إناثها بعدد البيض فما خرج كان هديا لبيت الله،
فإن لم يقدر فعليه عن كل بيضة شاة، فإن لم يقدر كان عليه إطعام عشرة
مساكين، فإن لم يقدر صام ثلاثة أيام.
وإذا اشترى محل لمحرم بيض نعام فأكله المحرم فعلى المحل عن كل
بيضة درهم، وعلى المحرم عن كل بيضة شاة.
وإذا أصاب المحرم بيض القطاة أو القبج اعتبر حال البيض، فإن كان
تحرك فيها فرخ كان عليه عن كل بيضة مخاض من الغنم، وإن لم يكن
تحرك فعليه أن يرسل فحولة الغنم في إناثها بعدد البيض فما نتج كان هديا
لبيت الله، فإن لم يقدر كان حكمه حكم بيض النعام سواء.
وقد بينا ما يلزم بكسر بيض الحمام، ويعتبر أيضا حاله، فإن تحرك فيه
الفرخ لزمه عن كل بيضة شاة، وإن لم يكن تحرك لم يكن عليه إلا القيمة حسب
ما قدمناه.
وما يجب على المحرم من جزاء الصيد، فإن كان حاجا نحر أو ذبح بمنى
بأي مكان شاء منه، وإن كان معتمرا نحره بمكة قبالة الكعبة بالحزورة، وإن نحر
بمكة في غير هذا الموضع كان جائزا، وما يلزم المعتمر في غير كفارة الصيد جاز
أن ينحره بمنى، وإن أخرج بدل ذلك الطعام فلا يخرجه أيضا إلا بمنى أو مكة
حسب ما قلناه في الجزاء، وإن أراد الصوم فيجوز أن يصومه حيث شاء.
وإذا كان المحرم راكبا فرمحت دابته أو رفست بيدها أو عضت صيدا وغيره
مما يجب فيه الجزاء أو القيمة لزمه ذلك لعموم الأخبار في أن الراكب يضمن ما
يكون من الدابة.
من قتل صيدا ماخضا - وهو الحامل - وجب عليه مثله من النعم، فإن أراد
تقويمه قوم الماخض وتصدق بقيمته طعاما أو يصوم على ما قلناه.
وإذا ضرب صيدا حاملا فألقت جنينا حيا ثم مات الجنين وماتت الأم بعد
217

ذلك لزمه جزاء المثل عن الأم وجزاء المثل عن الجنين صغيرا مثله، وإن ألقت
الجنين حيا وعاش وعاشت الأم فلا شئ عليه في أحدهما، فإن عاشت الأم ومات
الجنين فعليه مثل الجنين ولا شئ في الأم، وإن عاش الجنين وماتت الأم فعليه
مثل الأم ولا شئ عليه للجنين، كل ذلك إذا لم يؤثر بضربه في الأم شيئا، فإن أثر
فيها جراحا لزمه بحسب ذلك.
وإن ضرب بطنها فألقت جنينا ميتا فعليه من الجنين ما نقص من قيمة الأم،
ينظر كم قيمتها حاملا وقيمتها حائلا بعد الإسقاط فيلزم ذلك في المثل على ما
قلناه.
إذا أمسك محرم صيدا فجاء محل فذبحه يجب على المحرم الجزاء،
والمحل إن كان في الحل ليس عليه شئ لأنه ليس في الحرم فيلزمه قيمته ولا هو
ملك للمحرم لأنه لا يملك الصيد فلا يلزمه قيمته على حال، وأما إذا جاء محرم آخر
فقتله لزم كل واحد منهما القيمة، وإن أمسك محرم صيدا في الحرم فجاء محرم
آخر فقتله لزم كل واحد منهما الجزاء والقيمة، فإن قتله محل لزمته القيمة لا غير.
قد بينا أن الجماعة المحرمين إذا اشتركوا في قتل صيد أنه يلزم كل واحد
منهم الفداء، وإن اشترك جماعة محلون في صيد الحرم لزم كل واحد منهم
القيمة، وإن قلنا: يلزمهم جزاء واحد، كان قويا لأن الأصل براءة الذمة.
وإذا اشترك محلون ومحرمون في قتل الصيد في الحل لزم المحرمين
الجزاء ولم يلزم المحلين، وإن اشتركوا في الحرم لزم المحرمين الجزاء والقيمة
والمحلين جزاء واحد.
وإذا قتل المحرم صيدا مملوكا لغيره لزمه الجزاء والقيمة لصاحبه.
قد بينا أن في الحمام شاة وفي فرخه ولد شاة. وكل ما هدر وعب الماء فهو
حمام مثل الفاختة والورشان والنحام وغيرها من القماري والدباسي.
العب: أن يشرب الماء دفعة واحدة ولا يقطعه.
والهدر: أن يواصل الصوت، والعرب تسمي كل مطوق حماما.
218

وما كان أصغر من الحمام من العصفور وغير ذلك مضمون بالقيمة.
والبط والوز والكركي يجب فيه شاة وهو الأحوط، وإن قلنا فيه القيمة لأنه
لا نص فيه كان جائزا.
كل ما لا يؤكل لحمه لا ضمان فيه من جوارح السباع والطير إلا ما
استثنيناه.
فإن رمى محل في الحل صيدا في الحرم فقتله لزمه جزاؤه، وإن رماه في
الحرم فقتله في الحل لزمه مثل ذلك، فإن رماه في الحل فدخل السهم في الحرم
وخرج منه وأصاب صيدا في الحل لزمه أيضا على الرواية التي قلناها: إن صيد
الحرم مضمون فيما بين البريد والحرم.
وإذا أمسك محل حمامة في الحل ولها فرخ في الحرم فماتت الحمامة في
يده ومات فرخها في الحرم فعليه ضمان الفرخ ولا شئ عليه في الأم، لأن موت
الفرخ كان سببه منه، فإن أمسك حمامة في الحرم وفراخها في الحل فماتت
الحمامة وماتت الفراخ لزمه ضمان الجميع لأنه مات بفعل منه في الحرم.
إذا أشلى المحرم كلبا معلما على صيد فقتله لزمه ضمانه، سواء كان في الحل
أو في الحرم، فإن كان في الحرم تضاعفت عليه الفدية، وإن كان في الحل لزمه
جزاء واحد، وإن كان محلا في الحرم فمثل ذلك.
الشجرة إذا كان أصلها في الحرم وغصنها في الحل فحكم غصنها حكم
أصلها في وجوب الضمان، وإن كان أصلها في الحل وغصنها في الحرم فمثل
ذلك، فإن كان على غصنها الذي في الحرم طائر فقتله المحرم أو المحل لزمه
ضمانه لأن الطير في الحرم، وإن كان أصل الشجرة في الحرم وغصنها في الحل
وعليه طائر لزمه أيضا ضمانه.
إذا نفر صيدا فهلك من تنفيره أو أصابته آفة فأخذه جارح آخر لزمه ضمانه
لأن الآفة كانت بسببه.
صيد البحر كله لا ضمان فيه سمكا كان أو غيره، ويجوز أكله - طرية
219

ومالحة - إذا كان مما يجوز أكله.
إذا اصطاد المحرم صيدا لم يملكه ووجب عليه تخليته، فإن تلف كان عليه
ضمانه. وكذلك لا يملكه بالهبة، فإن قبله وجب عليه تخليته، فإن تلف ضمنه.
ولا يجوز ابتياع الصيد للمحرم، ولا معاوضته، ولا أخذه في الصداق، ولا جميع
أنواع التملك بكل حال.
إذا انتقل الصيد إليه بالميراث لا يملكه ويكون باقيا على ملك الميت إلى أن
يحل، فإذا حل ملكه، ويقوى في نفسي أنه إن كان حاضرا معه فإنه ينتقل إليه
ويزول ملكه عنه، وإن كان في بلده يبقى في ملكه.
إذا وهب محل لمحرم صيدا لم يملكه ولا له أن يقبله، فإن قبله وتلف في يده
من غير تفريط لزمه الجزاء ولا قيمة عليه لصاحبه، وعليه رده إلى صاحبه فإنه
أحوط.
فإن وهب محرم صيدا لمحل اصطاده في حال إحرامه لم يصح لأنه وهب
ما لا يملكه، فإن كان في ملكه ثم أحرم وهو معه كان مثل ذلك، وإن كان في
بلده لم يزل ملكه وصحت هبته.
وإذا أحرم ومعه صيد زال ملكه عنه ولا يجوز له التصرف فيه ويجب عليه
إرساله، فإن لم يفعل وتلف ضمنه، وإن أتلفه غيره عليه من المحلين لم يلزمه قيمته
لأنه قد زال ملكه. وما يملكه في بلده لا يزول ملكه عنه فمن أتلفه كان ضامنا لقيمته
له.
إذا باع محل صيدا من محل ثم أحرم البائع وفلس المبتاع لم يكن له أن
يختار عين ماله من الصيد لأن ذلك لا يملكه.
في جرادة تمرة أو كف من طعام، وفي الكثير منه دم، وفي الدبى مثله لعموم
الأخبار.
الراكب إذا وطئ دابته جرادا لزمه فداؤه، وكذلك إذا كان سائقا أو قائدا،
فإن كان الجراد منفرشا في الطريق لا يمكن السلوك إلا بوطئه فلا شئ فيه.
220

جراد الحرم لا يجوز أخذه للمحل، فإن أخذه لزمه جزاؤه.
إذا كسر بيض ما يؤكل لحمه من الطيور غير ما ذكرناه من المنصوص عليه
كان عليه قيمته.
إذا أخذ البيض وتركه تحت طير أهلي ففقسه وخرج الفرخ سالما وعاش لا
شئ عليه، وإن فسد فعليه قيمته، وإن أخذ بيضة طير أهلي فحضنه تحت الصيد،
فإن خرج الكل صحيحا وعاش فلا شئ عليه، وإن فسد الجميع فعليه ضمانه،
وإن فسد بعضه فعليه ضمان ما فسد.
وإن باض صيد في الحرم في دار إنسان فنقل البيض من موضع إلى
موضع فنفر الصيد فلم يحضنه فعليه ضمانه، فإن باض على فراشه فنقله فلم
يحضنه الصيد لزمه أيضا ضمانه لعموم الأخبار.
إذا كسر المحرم بيضا لم يجز له أكله ولا لمحل.
المتولد بين ما يؤكل لحمه وبين ما لا يؤكل لحمه قد قلنا أنه لا جزاء في قتله
ولا يحل أكله، وإن كان متولدا بين شيئين مختلفين يؤكل لحمهما وجب فيه
الجزاء.
إذا أراد تخليص صيد من شئ وقع فيه من شبكة أو حبل أو شق حائط أو
غير ذلك فمات في التخليص لزمه الجزاء لعموم الأخبار.
إذا جرح الصيد وبقى في يده ومات حتف أنفه لزمه ضمانه، وكذلك إن
قتله غيره لزمه ضمانه، وإن قتله جارح آخر لزمه ضمانه.
إذا جرح الصيد أو نتفه ثم أخذه وسقاه وأطعمه فنبت ريشه وبرأ جرحه
وعاد إلى حال السلامة لزمه ما بين قيمته صحيحا ومنتوفا قد نبت ريشه،
ومجروحا قد اندمل جرحه، وإذا أطعمه حتى اندمل جرحه أو نبت ريشه وبقى
غير متمتع لزمه ضمان جميعه.
إذا قتل المحرم ما شك في كونه صيدا أو غير صيد فلا يجب عليه الجزاء
لأن الأصل براءة الذمة.
221

وكل صيد يكون في البر والبحر معا، فإن كان مما يبيض ويفرخ في البحر
فلا بأس بأكله، وإن كان مما يبيض ويفرخ في البر لم يجز صيده ولا أكله.
ومن قتل زنبورا أو زنابير خطأ لا شئ عليه، فإن قتل عمدا تصدق بما
استطاع.
ويجوز ذبح الدجاج الحبشي للمحرم وفي الحرم، فإذا اضطر إلى أكل
الميتة والصيد أكل الصيد وفداه ولا يأكل الميتة، فإن لم يتمكن من الفداء جاز له
أكل الميتة.
إذا ذبح المحرم صيدا في غير الحرم أو ذبحه محل في الحرم لم يجز أكله
لأحد وكان بحكم الميتة.
من قلم ظفرا من أظفاره فعليه مد من طعام، وكذلك الحكم فيما زاد عليه،
فإذا قلم أظفار يديه جميعا كان عليه دم شاة، فإن قلم أظفار يديه ورجليه جميعا في
مجلس واحد لزمه دم واحد، وإن كان في مجلسين فعليه دمان، ومن أفتى غيره
بتقليم ظفر فقلمه المستفتي فأدمى إصبعه لزم المفتي دم شاة.
ومن حلق رأسه لأذى فعليه دم شاة أو صيام ثلاثة أيام أو يتصدق على ستة
مساكين كل مسكين مد من طعام، وقد روي عشرة مساكين، وهو الأحوط.
ومن ظلل على نفسه فعليه دم يهريقه.
ومن جادل مرة أو مرتين صادقا فليس عليه شئ واستغفر الله، فإن جادل
ثلاث مرات فصاعدا فعليه دم شاة، وإن جادل مرة كاذبا فعليه دم شاة، وإن
جادل مرتين كاذبا فعليه دم بقرة، وإن جادل ثلاث مرات كاذبا لزمه بدنة.
ومن نحى عن جسمه قملة فرمى بها أو قتلها كان عليه كف من طعام،
ويجوز أن يحولها من موضع من جسده إلى موضع آخر، ولا بأس بنزع القراد
عن بدنه وعن بعيره.
وإذا مس المحرم لحيته أو رأسه فوقع منهما شئ من شعره كان عليه أن
يطعم كفا من طعام أو كفين، فإن سقط شئ من شعر رأسه أو لحيته لمسه لهما في
222

حال الوضوء فلا شئ عليه.
إذا نتف إبطه فعليه أن يطعم ثلاثة مساكين، فإن نتف إبطيه معا لزمه دم
شاة.
ومن لبس مخيطا أو أكل طعاما لا يحل له أكله لزمه دم شاة. ومن قلع
ضرسه كان عليه دم. وإذا استعمل دهنا طيبا لزمه دم وإن كان في حال
الضرورة. من لبس الخفين أو الشمشك من غير ضرورة لزمه دم.
الطيب ممنوع منه للمحرم ابتداؤه واستدامته، وسواء كان مصبوغا به
كالمزعفر والممسك والمعنبر، أو مغموسا فيه كما يغمس في ماء الكافور وماء
الورد، أو مبخرا به مثل الند والعود، فإن خالف لزمه الفداء، فأما ما غمس في ماء
الفواكه الطيبة كالأترج والتفاح وغير ذلك فلا بأس به، وما ليس بطيب مثل
المشق - وهو المغرة أو العصفر - فإنه يكره، ولا يتعلق به الفداء.
ولا يجوز لبس السواد على حال، فإن خالف لزمه الفداء.
من خضب رأسه أو طيبه لزمه الفداء كمن غطاه بثوب بلا خلاف، وإن غطاه
بعصابة أو مرهم نجس أو قرطاس مثل ذلك، فإن طلى جسده أو ألزق عليه
قرطاسا أو مرهما لم يكن عليه شئ، فإن كان الدواء فيه طيب لزمه الفداء في أي
موضع استعمله، وإن حمل على رأسه شيئا غطى رأسه لزمه الفداء، فإن غطاه بيده
أو شعره لم يكن عليه شئ، وإن ارتمس في الماء لزمه دم لأنه غطى رأسه.
إذا احتاج المحرم إلى لبس ثوب لا يحل له لبسه لبرد أو حر، أو يغطي
الرأس لمثل ذلك فعل وفدى، ولا إثم عليه بلا خلاف.
اللبس والطيب والحلق وتقليم الأظفار كل واحد من ذلك جنس مفرد إذا
جمع بينهما لزمه عن كل جنس فدية، سواء كان ذلك في وقت واحد أو أوقات
متفرقة، وسواء كفر عن ذلك الفعل أو لم يكفر، ولا يتداخل إذا ترادفت،
وكذلك حكم الصيد.
فأما جنس واحد فعلى ثلاثة أضرب:
223

أحدهما: إتلاف على وجه التعديل، مثل قتل الصيد فقط لأنه يعدل به،
ويجب فيه مثله، ويختلف فيه بالصغر والكبر، فعلى أي وجه فعله دفعة أو دفعتين
أو دفعة بعد دفعة ففي كل صيد جزاء بلا خلاف.
الثانية: إتلاف مضمون لا على سبيل التعديل، وهو حلق الشعر وتقليم الأظفار
فقط فهما جنسان، فإن حلق أو قلم دفعة واحدة فعليه فدية واحدة، وإن فعل
ذلك في أوقات - حلق بعضه بالغداة، وبعضه الظهر، والباقي العصر - فعليه
لكل فعل كفارة.
الثالث: وهو الاستمتاع باللباس والطيب والقبلة، فإن فعل ذلك دفعة
واحدة - لبس كل ما يحتاج إليه، أو تطيب بأنواع الطيب، أو قبل وأكثر منه -
لزمه كفارة واحدة، فإن فعل في أوقات متفرقة لزمته عن كل دفعة كفارة سواء
كفر عن الأول أو لم يكفر.
يستحب للمحرم إذا نسي وتطيب أن يكلف محلا غسله ولا يباشره بنفسه،
فإن باشره بنفسه فلا شئ عليه.
الطيب على ضربين:
أحدهما: تجب فيه الكفارة، وهي الأجناس الستة التي ذكرناها: المسك
والعنبر والكافور والزعفران والعود والورس.
والضرب الآخر: فعلى ثلاثة أضرب:
أولها: ينبت للطيب ويتخذ منه الطيب مثل الورد والياسمين والخبزي
والكاذي والنيلوفر - فهذا مكروه لا يتعلق باستعماله كفارة، إلا أن يتخذ الأدهان
الطيبة فيدهن فيها فيتعلق بها كفارة.
وثانيها: لا ينبت للطيب ولا يتخذ منه الطيب - مثل الفواكه كالتفاح
والسفرجل والنارنج والأترنج، والدارصيني، والمصطكي، والزنجبيل، والشيح
والقيصوم، والإذخر وحبق الماء والسعد - كل ذلك لا يتعلق به كفارة ولا هو
محرم بلا خلاف، وكذلك حكم أنوارها وأورادها، وكذلك ما يعتصر منها من
224

المياه، والأولى تجنب ذلك للمحرم.
الثالث: ما ينبت للطيب ولا يتخذ منه الطيب - مثل الريحان الفارسي -
لا يتعلق به كفارة، ويكره استعماله، وفيه خلاف.
الدهن الطيب أو ما فيه طيب يحرم استعماله ويتعلق به الفدية، وما ليس
بطيب مثل الشيرج والسمن وغيرهما يجوز أكله ولا يجوز الادهان به لا في الرأس
ولا في الجسد.
من أكل شيئا فيه طيب لزمته الكفارة سواء مسته النار أو لم تمسه. الحناء
ليس من الطيب.
إن مس طيبا متعمدا رطبا كالغالية والمسك والكافور إذا كان مبلولا أو في
ماء ورد أو دهن طيب ففيه الفدية، في أي موضع من بدنه كان ظاهرا أو باطنا،
وكذلك لو سعط به أو حقن به، وإن كان يابسا غير مسحوق وعلق ببدنه فعليه
الفدية، وإن لم يعلق فلا شئ عليه.
خلوق الكعبة لا يتعلق به فدية عامدا أو ناسيا.
ويكره للمحرم القعود عند العطار الذي يباشر العطر، فإن جاز عليه أمسك
على أنفه، وكذلك يكره الجلوس عند الرجل المتطيب إذا قصد ذلك غير أنه
لا يتعلق به فدية. ولا يجوز أن يجعل الطيب في خرقة ويمسه، فإن فعل لزمته
الفدية، ولا بأس بشراء الطيب.
ومن حلق وتطيب لزمته فديتان، فإن حلق بمقدار ما يقع عليه اسم الحلق
لزمته الفدية، فإن كان أقل من ذلك تصدق بما شاء.
يجوز للمحرم أن يحلق رأس المحل، ولا يجوز له أن يحلق رأس المحرم،
ولا يجوز للمحل أن يحلق رأس المحرم، فإن خالفا لم يلزمهما الفدية لأن الأصل
براءة الذمة سواء كان بأمره أو بغير أمره، مكرها كان المحرم أو مختارا ساكنا،
فإن كان المحرم أمره أو أذن له فيه لزم المحرم الفداء.
يجوز للمحرم أن يحتجم ويفتصد، ويدخل الحمام ويزيل عن نفسه الوسخ،
225

ويغتسل بعد أن لا يرتمس في الماء، فإن سقط منه شعر عند الاغتسال لم يلزمه
شئ.
شجر الحرم مضمون إلا الإذخر وما أنبته الله، وما أنبته الآدميون من شجر
الفواكه كلها غير مضمون، وما أنبته الله تعالى في الحل إذا قلعه المحل ونقله إلى
الحرم ثم قطعه فلا ضمان عليه، وما أنبته الله تعالى إذا نبت في ملك الإنسان جاز
له قلعه، وإنما يجوز قلع ما ينبت في المباح.
والضمان في الشجرة الكبيرة بقرة، وفي الصغيرة شاة، وفي غصن من
أغصانها القيمة، ولا يجوز أن يأخذ من أغصان الشجر الممنوع منه ولا من ورقه، و
من قلع شجرة من شجر الحرم وغرسها في غيره فعليه أن يردها إلى مكانها، فإذا
فعل نظر، فإن عادت إلى ما كانت لم يلزمه شئ، وإن لم تعد وجفت لزمه
ضمانها.
وحشيش الحرم ممنوع من قلعه، فإن قلعه أو شيئا منه لزمته قيمته، ولا بأس
أن تخلي الإبل ترعى. و يجوز إخراج ماء زمزم من الحرم تبركا به.
صيد الحرم محرم ما صيد منه بين الحرمين، وشجره ممنوع منه ما بين ظل
عائر إلى ثور، وقيل: وعير، غير أنه لا يتعلق بذلك كله ضمان.
صيد وج - بلد باليمن - غير محرم ولا مكروه، وكذلك حرم الأئمة عليهم
السلام ومشاهدهم لا يحرم شئ من صيده ولا قلع شجره وإن كان الأولى
تركه.
وحد الحرم بمكة الذي لا يجوز قلع شجره بريد في بريد.
إذا جن بعد إحرامه ففعل ما يفسد الحج من الوطء لم يفسد لأنه مثل
الناسي، ولقوله: عليه السلام رفع القلم عن المجنون حتى يفيق، فأما الصيد خاصة
فإنه يلزمه الجزاء لأن حكم العمد والنسيان فيه سواء، وما عدا الصيد مما يتعلق به
كفارة لا يتعلق عليه بها شئ.
إذا جعل الرجل والمرأة في رأسه زئبقا وهو حلال فقتل القمل بعد إحرامه
226

لم يكن عليه شئ، وكذلك إن رمى صيدا وهو حلال فأصاب الصيد وهو محرم
لم يلزمه شئ، ومتى جعل ذلك في رأسه بعد الإحرام فقتل القمل لزمه الفداء.
فصل: في ذكر دخول مكة والطواف بالبيت:
المتمتع يجب عليه أولا دخول مكة ليطوف بالبيت ويسعى ويقصر، ثم
ينشئ الإحرام بالحج من المسجد على ما نبينه، والقارن والمفرد لا يجب عليهما
ذلك لأن الطواف والسعي إنما يلزمهما بعد الموقفين ونزول منى وقضاء بعض
المناسك بها، لكن يجوز لهما أيضا دخول مكة والمقام بها على إحرامهما حتى
يخرجا إلى عرفات، فإن أرادا الطواف بالبيت استحبابا فعلا غير أنهما كلما فرغا
من طواف وسعي عقد إحرامهما بالتلبية على ما بيناه.
ولا يجوز لأحد أن يدخل مكة إلا محرما إما بحج أو عمرة، وقد روي جواز
دخولها بغير إحرام للحطابة والمرضى.
ومن أراد دخول مكة استحب له الغسل إن أمكنه ذلك، فإن لم يتمكن
أجزأه إلى بعد الدخول ثم يغتسل إما من بئر ميمون أو فخ، فإن لم يتمكن اغتسل
من منزله.
ومن أراد الدخول إلى الحرم فليمضغ شيئا من الإذخر ليطيب الفم، وإذا أراد
دخول مكة دخلها من أعلاها وإذا أراد الخروج خرج من أسفلها، ويستحب له أن
يدخلها حافيا ماشيا على سكينة ووقار.
ومتى اغتسل لدخول مكة ثم نام قبل دخولها أعاد الغسل استحبابا.
وإذا أراد دخول المسجد الحرام جدد غسلا آخر لدخول المسجد، وليدخله
من باب بني شيبة حافيا على سكينة ووقار، فإذا انتهى إلى الباب قال: السلام
عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته... إلى آخر الدعاء الذي ذكرناه في تهذيب
الأحكام.
وأول ما يبدأ به إذا دخل المسجد الحرام الطواف بالبيت، إلا أن يكون عليه
227

صلاة فائتة فريضة فإنه يبدأ بالصلاة، أو يكون قد دخل وقت الصلاة فإنه يبدأ أولا
بالصلاة، أو وجد الناس في الجماعة فإنه يدخل معهم فيها، وكذلك إن خاف
فوت صلاة الليل أو فوت ركعتي الفجر فإنه يبدأ بذلك أولا فإذا فرع من ذلك
بدأ بالطواف.
فإذا شرع في الطواف ابتدأ من الحجر الأسود، فإذا دنا منه رفع يديه وحمد
الله واثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وآله وسأله أن يتقبل منه، وليستلم
الحجر بجميع بدنه، فإن لم يمكنه إلا ببعضه كان جائزا، فإن لم يقدر استلمه بيده،
فإن لم يقدر أشار إليه وقال: أمانتي أديتها وميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة
اللهم تصديقا بكتابك... إلى آخر الدعاء.
ثم يطوف بالبيت سبعة أشواط ويقول في طوافه: اللهم إني أسألك باسمك
الذي يمشي به على ظلل الماء كما يمشي به على جدد الأرض... إلى آخر
الدعاء.
وكلما انتهى إلى باب الكعبة صلى على النبي صلى الله عليه وآله ودعا، فإذا
أتى مؤخر الكعبة وبلغ الموضع المعروف بالمستجار دون الركن اليماني في
الشوط السابع بسط يده على الأرض وألصق خده وبطنه بالبيت وقال: اللهم
البيت بيتك والعبد عبدك... إلى آخر الدعاء، فإن لم يتمكن من ذلك لم يكن
عليه شئ، فإن جاز الموضع ثم ذكر أنه لم يلتزم لم يكن عليه الرجوع، ويتم
طوافه سبعة أشواط ويختم بالحجر كما بدأ به.
ويستحب استلام الأركان كلها، وأشدها تأكيدا الركن الذي فيه الحجر،
وبعده الركن اليماني فإنه لا يترك استلامهما مع الاختيار، فإن كان مقطوع اليد
استلم الحجر بموضع القطع، فإن كان مقطوعا من المرفق استلمه بشماله. وقد
روي أنه يدخل إزاره تحت منكبه الأيمن ويجعله على منكبه الأيسر ويسمى ذلك
اضطباعا.
ويستحب أن يرمل ثلاثا ويمشي أربعا في الطواف، وهذا في طواف القدوم
228

فحسب اقتداء بالنبي عليه السلام لأنه كذلك فعل، رواه جعفر بن محمد عن أبيه
عن جابر عن جده، وليس على النساء والمريض رمل، ولا على من تحمله أو
يحمل الصبي ويطوف به. والدنو من البيت أفضل من التباعد عنه.
وينبغي أن يكون طوافه فيما بين المقام والبيت ولا يجوزه، فإن جاز المقام
وتباعد عنه لم يصح طوافه. وينبغي أن يكون طوافه على سكون لا سرعة فيه ولا
إبطاء.
ويجب أن يطوف بالبيت والحجر معا، فإن سلك الحجر لم يجزئه، وإن
مشى على نفس أساس البيت فطاف لم يجزئه، وإن مشى على حائط الحجر مثل
ذلك لا يجزئه.
إذا طاف بالبيت مستدبر الكعبة لا يجزئه، وكذلك إن طاف بالبيت مقلوبا
لم يجزئه وهو أن يجعل يساره إلى المقام - يطوف على يساره - لأنه يجب أن
يجعل يمينه إلى المقام ويساره إلى البيت ويطوف به، فمتى خالف لم يجزئه.
ومن شرط صحة الطواف الطهارة، فإن طاف به جنبا أو على غير وضوء لم
يجزئه وعليه إعادة الطواف إن كان طواف فريضة، وإن كان طواف نافلة تطهر
وصلى ولا إعادة عليه.
وإن أحدث في طواف الفريضة وقد طاف بعضه، فإن كان قد طاف أكثر
من النصف تطهر وتمم ما بقي، وإن أحدث قبل النصف أعاد الطواف من أوله.
ومن ظن أنه على طهارة وطاف ثم ذكر أنه كان محدثا تطهر وأعاد
الطواف.
ومن زاد في طواف الفريضة حتى طاف ثمانية أشواط عامدا أعاد الطواف.
وإن شك فيما دون السبعة ولا يدري كم طاف أعاد الطواف من أوله،
وكذلك إن شك بين الستة والسبعة والثمانية أعاد.
وإن شك بين السبعة والثمانية قطع ولا شئ عليه.
ومن شك بعد انصرافه في عدد الطواف لم يلتفت إليه.
229

ومن نقص طوافه ثم ذكر تمم ما نقص إذا كان في الحال، وإن انصرف،
فإن كان طاف أكثر من النصف تمم، وإن كان طاف أقل من النصف ثم ذكر
بعد انصرافه أعاد من أوله، فإن لم يذكر حتى يرجع إلى أهله أمر من يطوف عنه.
ومن شك فيما دون السبعة في النافلة بنى على الأقل، وإن زاد في الطواف
في النافلة تمم أسبوعين، ولا يجوز القران في طواف الفريضة ويجوز ذلك في
النافلة، وينبغي أن لا ينصرف إلا على وتر مثل أن يتمم ثلاثة أسابيع.
ومن ذكر أنه نقص شيئا من الطواف في حال السعي قطع السعي ورجع،
فإن كان طاف أكثر من النصف تمم الطواف ورجع فتمم السعي، وإن كان أقل
من النصف أعاد الطواف ثم استأنف السعي.
ومن زاد في الطواف ناسيا تمم أسبوعين وصلى بعدهما أربع ركعات،
يصلى ركعتين عند الفراع من الطواف لطواف الفريضة ويمضي ويسعى، فإذا
فرع من السعي عاد فصلى ركعتين آخرتين.
ومن ذكر في الشوط الثامن قبل أن يبلغ الركن أنه طاف سبعا قطع
الطواف، وإن جاوزه ثم ذكر تمم أسبوعين على ما بيناه.
ومن قطع طوافه بدخول البيت أو بالسعي في حاجة له أو لغيره، فإن كان
جاوز النصف بنى عليه، وإن لم يكن جاوز النصف وكان طواف الفريضة أعاد،
وإن كان طواف نافلة بنى عليه.
ومن كان في الطواف فدخل وقت الصلاة قطعه وصلى ثم تمم الطواف من
حيث انتهى إليه، وكذلك من كان في الطواف وتضيق عليه وقت الوتر - بأن
قارب طلوع الفجر أو طلع عليه الفجر - أوتر وصلى الفجر ثم بنى على طوافه.
والمريض على ضربين: أحدهما يقدر على إمساك طهارته، والآخر لا يقدر
عليه. فالأول يطاف به ولا يطاف عنه، والثاني: ينتظر به زوال المرض، فإن
صلح طاف بنفسه، وإن لم يصلح طيف عنه، وصلى هو الركعتين وقد أجزأه.
وإذا طاف أربعة أشواط ثم اغتسل انتظر به يوم أو يومان، فإن صلح تمم
230

طوافه، وإن لم يصلح أمر من يطوف عنه ما بقي ويصلى هو الركعتين، وإن كان
طوافه أقل من ذلك وبرأ أعاد الطواف من أوله، وإن لم يبرأ أمر من يطوف عنه
أسبوعا.
ومن حمل غيره فطاف به ونوى لنفسه الطواف أجزأه عنهما.
ولا يطوف الرجل بالبيت إلا مختونا، ويجوز ذلك للنساء.
ولا يجوز أن يطوف وفي ثوبه شئ من النجاسة، فإن لم يعلم ورأى في
خلال الطواف النجاسة رجع فغسل ثوبه ثم عاد فتمم طوافه، فإن علم بعد فراغه
من الطواف مضى طوافه ويصلي في ثوب طاهر. وحكم البدن حكم الثوب
سواء.
ويكره الكلام في حال الطواف إلا بذكر الله وقراءة القرآن، ويكره إنشاد
الشعر في حال الطواف.
ومن نسي طواف الزيارة حتى يرجع إلى أهله وواقع أهله كان عليه بدنة
والرجوع إلى مكة وقضاء طواف الزيارة، وإن كان طواف النساء وذكر بعد
رجوعه إلى أهله جاز أن يستنيب غيره فيه ليطوف عنه، فإن أدركه الموت قضى
عنه وليه.
ومن طاف بالبيت جاز له أن يؤخر السعي إلى بعد ساعة، ولا يجوز أن
يؤخر ذلك إلى غد يومه.
ولا يجوز تقديم السعي على الطواف، فإن تقدم سعيه على الطواف فعليه أن
يطوف ثم يعيد السعي.
المتمتع إذا أهل بالحج لا يجوز له أن يطوف ويسعى إلا بعد أن يأتي منى
ويقف بالموقفين، إلا أن يكون شيخا كبيرا لا يقدر على الرجوع إلى مكة أو
مريضا أو امرأة تخاف الحيض فيحول ذلك بينها وبين الطواف فلا بأس بهم أن
يقدموا طواف الحج والسعي.
وأما المفرد والقارن فإنه يجوز لهما أن يقدما الطواف قبل أن يأتيا عرفات،
231

وأما طواف النساء فلا يجوز إلا بعد الرجوع من منى مع الاختيار، فإن كان
هناك ضرورة تمنعه من الرجوع إلى مكة أو امرأة تخاف الحيض جاز لهما
تقديم طواف النساء، ثم يأتيان الموقفين ومنى ويقضيان المناسك، ويذهبان
حيث شاءا.
ولا يجوز تقديم طواف النساء على السعي، فمن قدمه عليه كان عليه إعادة
طواف النساء، وإن قدمه ناسيا أو ساهيا لم يكن عليه شئ وقد أجزأه.
وينبغي أن يتولى الإنسان عدد الطواف بنفسه، فإن عول على صاحبه في
تعداده كان جائزا، ومتى شكا جميعا أعاد الطواف من أوله. ولا يطوف الرجل
وعليه برطلة.
ويستحب للإنسان أن يطوف بالبيت ثلاث مائة وستين أسبوعا بعدد أيام
السنة، فإن لم يتمكن طاف ثلاث مائة وستين شوطا، فإن لم يتمكن طاف ما
يتمكن منه.
ومن نذر أن يطوف على أربع وجب عليه أسبوعان: أسبوع ليديه وأسبوع
لرجليه.
وطواف النساء فريضة في الحج - على اختلاف ضروبه - وفي العمرة
المبتولة، وليس بواجب في العمرة التي يتمتع بها إلى الحج على الأشهر في
الروايات.
وإن مات من وجب عليه طواف النساء كان على وليه القضاء عنه، وإن
تركه وهو حي كان عليه القضاء، فإن لم يتمكن من الرجوع إلى مكة جاز أن يأمر
من ينوب عنه فيه فإذا طاف النائب عنه حلت له النساء.
وطواف النساء فريضة على الرجال والنساء والصبيان والبالغين والشيوخ
والخصيان لا يجوز لهم تركه على حال.
فإذا فرع من طوافه أتى مقام إبراهيم عليه السلام وصلى فيه ركعتين، يقرأ في
الأولى منهما الحمد وقل هو الله أحد، وفي الثانية الحمد وقل يا أيها الكافرون.
232

وركعتا طواف الفريضة فريضة مثل الطواف على السواء، وموضع المقام
حيث هو الساعة.
ومن نسي هاتين الركعتين أو صلاهما في غير المقام ثم ذكرهما عاد إلى
المقام وصلى فيه، ولا يجوز له أن يصلي في غيره، فإن خرج من مكة وقد نسي
ركعتي الطواف، فإن أمكنه الرجوع إليها رجع وصلى عند المقام، وإن لم يمكنه
الرجوع صلى حيث ذكره ولا شئ عليه.
وإذا كان في موضع المقام زحام جاز أن يصلي خلفه، فإن لم يتمكن صلى
بحياله.
ووقت ركعتي الطواف إذا فرع منه أي وقت كان من ليل أو نهار سواء كان
بعد العصر أو بعد الغداة، إلا أن يكون طواف النافلة، فإن كان ذلك أخر ركعتي
الطواف إلى بعد طلوع الشمس أو بعد الفراع من المغرب.
ومن نسي ركعتي طواف الفريضة ومات قبل أن يقضيهما فعلى وليه القضاء
عنه.
من دخل إلى مكة على أربعة أقسام:
أحدها: يدخلها بحج أو عمرة فلا يجوز أن يدخلها إلا بإحرام بلا خلاف.
والثاني: يدخلها لقتال عند الحاجة الداعية إليه جاز أن يدخلها محلا كما
دخل النبي صلى الله عليه وآله عام الفتح وعليه المغفر على رأسه بلا خلاف.
والثالث: يدخلها لحاجة تتكرر مثل الرعاة والحطابة جاز لهم أن يدخلوها
عندنا بغير إحرام.
ورابعها: يدخلها لحاجة لا تتكرر مثل تجارة وما جرى مجراها فلا يجوز
عندنا أن يدخلها إلا بإحرام.
فصل: في السعي وأحكامه:
السعي بين الصفا والمروة ركن من أركان الحج من تركه عامدا فلا حج
233

له، والأفضل إذا فرع من الطواف أن يخرج إلى السعي ولا يؤخره، ولا يجوز
تقديم السعي على الطواف، فإن قدمه لم يجزئه وكان عليه الإعادة.
فإذا أراد الخروج إلى الصفا استحب له استلام الحجر الأسود أولا، وأن يأتي
زمزم فيشرب من مائها ويصب على بدنه دلوا منه، ويكون ذلك من الدلو الذي
بحذاء الحجر، وليخرج من الباب المقابل للحجر الأسود حتى يقطع الوادي.
فإذا صعد إلى الصفا نظر إلى البيت واستقبل الركن الذي فيه الحجر الأسود
وحمد الله واثنى عليه وذكر من آلائه وبلائه وحسن ما صنع به ما قدر عليه.
ويستحب أن يطيل الوقوف على الصفا، فإن لم يمكنه وقف بحسب ما تيسر
له، ويكبر الله سبعا ويهلله سبعا، ويقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له
الملك وله الحمد، يحيي ويميت ويميت ويحيي وهو حي لا يموت، بيده الخير
وهو على كل شئ قدير، ثلاث مرات، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وآله
ويدعو بما أحب، ويستحب أن يدعو بما ذكرناه في الكتاب المقدم ذكره.
ثم ينحدر إلى المروة ماشيا إن تمكن منه، فإن شق عليه جاز له الركوب،
فإذا انتهى إلى أول الزقاق جاز له عن يمينه بعد ما يتجاوز الوادي إلى المروة
سعى، فإذا انتهى إليه كف عن السعي ومشى مشيا، وإذا جاء من المروة بدأ من
عند الزقاق الذي وصفناه، فإذا انتهى إلى الباب قبل الصفا بعد ما تجاوز الوادي
كف عن السعي ومشى مشيا.
والسعي هو أن يسرع الإنسان في مشيه إن كان ماشيا، وإن كان راكبا
حرك دابته، وذلك على الرجال دون النساء.
ومن ترك السعي ناسيا كان عليه إعادة السعي لا غير، فإن خرج من مكة
ثم ذكر أنه لم يسع وجب عليه الرجوع والسعي بين الصفا والمروة، فإن لم
يتمكن من الرجوع جاز له أن يأمر من يسعى عنه.
والرمل مستحب من تركه لم يكن عليه شئ.
ويجب البدأة بالصفا قبل المروة والختم بالمروة، فإن بدأ بالمروة قبل الصفا
234

وجب عليه إعادة السعي.
وإذا طاف بين الصفا والمروة ولم يصعد عليهما أجزأه، والصعود عليهما
أفضل.
والسعي المفروض بين الصفا والمروة سبع مرات، يبدأ بالصفا، فإذا جاء
إلى المروة كان ذلك مرة، فإذا عاد إلى الصفا كان ذلك مرتين، ثم هكذا حتى
ينتهي في السابع إلى المروة فيختم بها.
فإن سعى أكثر منه متعمدا وجب عليه إعادة السعي من أوله، وإن فعله ناسيا
أو ساهيا أسقط الزيادة واعتد بالسبعة، وإن شاء أن يتم أربعة عشر جاز، وإن قطع
وأسقط الزيادة كان أيضا جائزا إذا كان بدأ بالصفا.
وإن سعى ثمان مرات وهو عند المروة أعاد السعي لأنه بدأ من المروة، وإن
سعى تسع مرات وهو عند المروة ساهيا فلا إعادة عليه.
وإن سعى أقل من سبع مرات ناسيا وانصرف ثم ذكر أنه نقص منه شيئا
رجع فتمم ما نقص منه، فإن لم يعلم كم نقص منه أعاد السعي، وإن كان واقع
أهله قبل إتمام السعي فعليه دم بقرة - وكذلك إن قصر أو قلم أظفاره كان عليه
دم بقرة - وإتمام ما نقص من السعي.
والأفضل أن يكون على وضوء إذا سعى، فإن سعى على غير وضوء كان
مجزئا، فإن دخل عليه وقت فريضة قطع السعي وصلى ثم عاد فتمم السعي.
ويجوز أن يجلس بين الصفا والمروة للاستراحة، ولا بأس أن يقطعه لقضاء
حاجة له أو لبعض إخوانه ثم يعود فيتم ما قطع عليه.
وإن نسي الرمل في حال السعي حتى يجوز موضعه ثم ذكر رجع القهقرى
إلى المكان الذي يرمل فيه.
فإذا فرع من السعي قصر، فإذا قصر فقد أحل من كل شئ أحرم منه. ولا
يجوز في عمرة التمتع الحلق بل يقتصر على التقصير، فإن حلق كان عليه دم إذا
كان عامدا، وإن كان ناسيا لا شئ عليه، وفي الحج الحلق أفضل والتقصير مجز.
235

والحلق: إزالة الشعر، سواء كان بموسي أو النورة أو بالنتف فإن كل ذلك
حلق، وأدنى ما يكون به حالقا إذا أزال شيئا من شعر رأسه قليلا أو كثيرا.
والتقصير: أن يقطع شيئا من الشعر، قليلا كان أو كثيرا بعد أن يكون
جماعة شعر، وسواء كان من الشعر الذي على الرأس أو مما نزل من الرأس مثل
الذؤابة فإن جميع ذلك تقصير.
والأصلع يمر الموسي على رأسه استحبابا لا وجوبا يوم النحر، وعند التقصير
يأخذ من شعر لحيته أو حاجبيه أو يقلم أظفاره.
وليس على النساء حلق وفرضهن التقصير.
ومن حلق رأسه في العمرة حلقه يوم النحر، فإن لم ينبت شعره أمر الموسي
على رأسه، ومن نسي التقصير حتى يهل بالحج كان عليه دم يهريقه وقد تمت
متعته، وإن تركه متعمدا فقد بطلت متعته وصار حجة مفردة.
ويستحب للمتمتع أن لا يلبس المخيط ويتشبه بالمحرمين بعد إحلاله قبل
الإحرام بالحج، فإن لبسها لم يكن مأثوما.
ومتى جامع قبل التقصير كان عليه بدنة إن كان موسرا، وإن كان متوسطا
فبقرة، وإن كان فقيرا فشاة.
فإن قبل امرأته قبل التقصير كان عليه دم شاة.
فإن قصر فقد أحل من كل شئ أحرم منه من النساء والطيب وغير ذلك
من أكل لحم الصيد، فأما الاصطياد فلا يجوز له لأنه في الحرم، فأما ما صيد
وذبح في غير الحرم يجوز له أكله.
ولا ينبغي للمتمتع بالعمرة إلى الحج أن يخرج من مكة قبل أن يقضي
مناسكها كلها إلا لضرورة، فإن اضطر إلى الخروج خرج إلى حيث لا يفوته
الحج، ويخرج محرما بالحج، فإن أمكنه الرجوع إلى مكة وإلا مضى إلى
عرفات، فإن خرج بغير إحرام ثم عاد، فإن كان عوده في الشهر الذي خرج فيه
لم يضره أن يدخل مكة بغير إحرام، وإن كان عوده إليها في غير ذلك الشهر
دخلها محرما بالعمرة إلى الحج، وتكون العمرة الأخيرة هي التي يتمتع بها إلى
236

الحج.
ويجوز للمحرم المتمتع إذا دخل مكة أن يطوف ويسعى ويقصر إذا علم أنه
يقدر على إنشاء الإحرام بالحج بعده والخروج إلى عرفات والمشعر ولا يفوته
شئ من ذلك، فإن غلب على ظنه أنه يفوته ذلك أقام على إحرامه وجعلها حجة
مفردة أي وقت كان ذلك.
والأفضل إذا كان عليه زمان أن يطوف ويسعى ويقصر ويحل وينشئ
الإحرام يوم التروية عند الزوال، فإن لم يلحق مكة إلا ليلة عرفة أو يوم عرفة جاز
أيضا أن يطوف ويسعى ويقصر ثم ينشئ الإحرام ما بينه بين الزوال، فإن زالت
الشمس من يوم عرفة فقد فاتته العمرة ويكون حجة مفردة، هذا إذا غلب على ظنه
أنه يلحق عرفات على ما قلناه، فإن غلب على ظنه أنه لا يلحقها فلا يجوز له أن يحل
بل يقيم على إحرامه على ما قلناه.
فصل: في ذكر الإحرام بالحج ونزول منى وعرفات والمشعر:
قد قلنا أن الأفضل أن يحرم بالحج يوم التروية ويكون ذلك عند الزوال
بعد أن يصلي الفرضين ويكون على غسل، فإن لم يتمكن من ذلك في هذا الوقت
جاز أن يحرم بقية نهاره أو أي وقت شاء بعد أن يعلم أنه يلحق عرفات.
وينبغي أن يفعل عند الإحرام للحج جميع ما يفعله عند الإحرام الأول من
الغسل والتنظيف وإزالة الشعر عن جسده وأخذ شئ من شاربه وتقليم أظفاره
وغير ذلك، ثم يلبس ثوبي إحرامه ويدخل المسجد حافيا على السكينة والوقار،
ويصلي ركعتين عند المقام أو في الحجر، وإن صلى ست ركعات كان أفضل،
وإن صلى فريضة الظهر وأحرم عقيبها كان أفضل.
وأفضل المواضع التي يحرم منها المسجد الحرام من عند المقام، فإن أحرم
من غير المسجد جاز، وإذا صلى ركعتي الإحرام أحرم بالحج مفردا ويدعو بما
دعا به عند الإحرام الأول غير أنه يذكر الحج مفردا لأن عمرته قد مضت، فإن
237

كان ماشيا لبى من موضعه الذي صلى فيه، وإن كان راكبا لبى إذا نهض به
بعيره، فإذا انتهى إلى الردم وأشرف على الأبطح رفع صوته بالتلبية، ثم يخرج
إلى منى، ويكون على تلبيته إلى زوال الشمس من يوم عرفة فإذا زالت قطع التلبية.
ومن سها في حال الإحرام فأحرم بالعمرة مضى في أفعال الحج وليس عليه
شئ، وإذا أحرم بالحج لم يجز له أن يطوف بالبيت إلى أن يرجع من منى، فإن
سها فطاف لم ينتقض إحرامه غير أنه يعقده بتجديد التلبية.
ومن نسي الإحرام بالحج إلى أن يحصل بعرفات جدد الإحرام بها ولا شئ
عليه، فإن لم يذكر حتى يرجع إلى بلده، فإن كان قد قضى مناسكه كلها لم يكن
عليه شئ.
ويستحب إذا أراد الخروج إلى منى أن لا يخرج من مكة حتى يصلي الظهر
يوم التروية بها وهو يوم الثامن من ذي الحجة. وعشر ذي الحجة يسمى بالأيام
المعلومات، والمعدودات ثلاثة أيام بعدها، وتسمى أيام الذبح والتشريق وأيام
منى، ويوم الثامن يوم التروية، والتاسع يوم عرفة، والعاشر يوم النحر وهو يوم
الحج الأكبر، وليلة الحادي عشر ليلة النفر، والثاني عشر يوم النفر الأول،
والثالث عشر يوم النفر الثاني، وليلة الرابع ليلة التحصيب.
ويستحب للإمام أن يخطب في أربعة أيام من ذي الحجة - يوم السابع منه،
ويوم عرفة، ويوم النحر بمنى، ويوم النفر الأول - يعلم الناس ما يجب عليهم فعله
من مناسكهم.
فإذا صلى الظهر يوم التروية بمكة خرج متوجها إلى منى - وعلى الإمام أن
يخرج من مكة قبل الظهر حتى يصلي الظهر والعصر معا في هذا اليوم بمنى -
ويقيم بها إلى طلوع الشمس من يوم عرفة، فإذا طلعت غدا منها إلى عرفات، فإن
اضطر إلى الخروج بأن يكون عليلا يخاف أن لا يلحق أو يكون شيخا كبيرا
ويخاف الزحام جاز له أن يتعجل قبل أن يصلي الظهر.
فإذا توجه إلى منى فليقل: اللهم إياك أرجو وإياك أدعو فبلغني أملي
238

وأصلح لي عملي، فإذا نزل منى قال: اللهم هذه منى وهي مما مننت به علينا من
المناسك، فأسألك أن تمن علي بما مننت به على أنبيائك فإنما أنا عبدك وفي
قبضتك.
وحد منى من العقبة إلى وادي محسر.
فإذا طلعت الشمس من يوم عرفة خرج الإمام منها متوجها إلى عرفات، ومن
عدا الإمام يجوز له أن يخرج بعد أن يصلي الفجر وموسع له ذلك إلى طلوع
الشمس، ولا يجوز له أن يخرج من وادي محسر إلا بعد طلوع الشمس. ومن
اضطر إلى الخروج قبل طلوع الفجر جاز له أن يخرج ويصلى في الطريق.
فإذا توجه إلى عرفات فليقل: اللهم إياك صمدت وإياك اعتمدت
ووجهك أردت، أسألك أن تبارك لي في رحلتي وأن تقضي لي حاجتي، وأن
تجعلني ممن يباهي به اليوم من هو أفضل مني، ويكون على تلبيته على ما ذكرناه
إلى زوال الشمس.
فإذا زالت اغتسل وصلى الظهر والعصر - جميعا يجمع بينهما - ثم يقف
بالموقف ويدعو لنفسه ولوالديه ولإخوانه المؤمنين بما أجرى الله على لسانه، فإن
الأدعية المخصوصة في هذا الوقت كثيرة موجودة في كتب العبادات.
ويستحب أن يضرب خباءه بنمرة - وهو بطن عرنة دون الموقف ودون
عرفة، وحد عرفة من بطن عرنة وثوية ونمرة إلى ذي المجاز - ولا يرتفع إلى
الجبل إلا عند الضرورة إلى ذلك، ويكون وقوفه على السهل، ولا يترك خللا إن
وجده إلا سده بنفسه ورحله، ولا يجوز الوقوف تحت الأراك ولا في نمرة ولا في
ثوية ولا في ذي المجاز، فإن هذه المواضع ليست من عرفات، فمن وقف بها فلا
حج له.
ولا بأس بالنزول بها غير أنه إذا أراد الوقوف جاء إلى الموقف فوقف
هناك.
والوقوف بعرفات ركن من أركان الحج، فمن تركه متعمدا فلا حج له،
239

ومن تركه ناسيا عاد إليها فوقف بها ما دام عليه وقت، فإن ضاق عليه الوقت
ولحق المشعر الحرام فإنه يجزئ به الوقوف بها عن الوقوف بعرفات.
ويجوز الوقوف بعرفة راكبا وقائما، والقيام أفضل لأنه أشق.
ولا يفيض من عرفات قبل غروب الشمس، فإن أفاض قبل الغروب عامدا
لزمه بدنة، فإن عاد إليه قبل الغيبوبة سقط عنه، وإن عاد بعد غروبها لم يسقط عنه
لأنه لا دليل على سقوطه، وإن لم يقدر على البدنة صام ثمانية عشر يوما إما في
الطريق أو إذا رجع إلى أهله، والبدنة ينحرها بمنى، وإن أفاض قبل الغروب ساهيا
أو جاهلا بأنه لا يجوز لم يلزمه شئ.
فإذا أراد الإفاضة قال: اللهم لا تجعله آخر العهد من هذا الموقف وارزقنيه
أبدا ما أبقيتني واقلبني اليوم مفلحا منجحا مستجابا لي مرحوما مغفورا لي بأفضل ما
ينقلب به اليوم أحد من وفدك عليك، وأعطني أفضل ما أعطيت أحدا منهم من
الخير والبركة والرحمة والرضوان والمغفرة، وبارك لي فيما أرجع إليه من مال
أو أهل أو قليل أو كثير، وبارك لهم في.
وينبغي أن يقتصد في السير ويسير سيرا جميلا، فإذا بلغ إلى الكثيب الأحمر
عن يمين الطريق قال: اللهم ارحم موقفي وزد في عملي وسلم لي ديني وتقبل
مناسكي.
ولا يصلي المغرب والعشاء الآخرة إلا بالمزدلفة وإن ذهب من الليل ربعه أو
ثلثه، فإن عاقه عائق عن المجئ إليها إلى أن يذهب من الليل أكثر من الثلث جاز
أن يصلي المغرب في الطريق، ولا يجوز ذلك مع الاختيار.
ويجمع بين الصلاتين بالمزدلفة بأذان واحد وإقامتين، ولا يصلي بينهما
نوافل، بل يؤخر نوافل المغرب إلى الفراع من العشاء الآخرة، فإن خالف
وفصل بينهما بالنوافل لم يكن مأثوما وإن كان تاركا فضلا.
والمزدلفة تسمى المشعر الحرام وتسمى أيضا جمعا، وحده ما بين المأزمين
إلى الحياض وإلى وادي محسر، ولا ينبغي أن يقف إلا فيما بين ذلك، فإن ضاق
240

عليه الموضع جاز أن يرتفع إلى الجبل.
فإذا أصبح يوم النحر صلى الفجر ووقف للدعاء إن شاء قريبا من الجبل
وإن شاء في موضعه الذي بات فيه، وليحمد الله تعالى ويثني عليه ويذكر من آلائه
وبلائه ما قدر عليه، ويصلي على النبي صلى الله عليه وآله.
ويستحب للضرورة أن يطأ المشعر الحرام، ولا يتركه مع الاختيار،
والمشعر الحرام جبل هناك مرتفع يسمى فراخ، ويستحب الصعود عليه وذكر
الله عنده، فإن لم يمكنه ذلك فلا شئ عليه لأن رسول الله صلى الله عليه وآله
فعل ذلك في رواية جابر.
واعلم أن الوقوف بالمشعر ركن على ما مضى القول فيه، وهو آكد من
الوقوف بعرفة لأن من فاته الوقوف بعرفة أجزأه الوقوف بالمشعر، ومن فاته
الوقوف بالمشعر لم يجزئه الوقوف بعرفة. وإلى أي وقت يلحق الوقوف؟ سنبينه
فيما بعد إن شاء الله تعالى.
فصل: في ذكر نزول منى بعد الإفاضة من المشعر وقضاء
المناسك بها:
لا يجوز للإمام أن يخرج من المشعر إلا بعد طلوع الشمس، وعلى من عدا
الإمام أن يخرج قبل طلوعها بقليل ويرجع إلى منى ولا يجوز وادي محسر إلا
بعد طلوع الشمس، وإن أخر من عدا الإمام الخروج إلى بعد طلوع الشمس لم
يكن عليه شئ، ولا يجوز الخروج من المشعر قبل طلوع الفجر، فإن خرج قبل
طلوعه متعمدا لزمه دم شاة، وإن خرج ناسيا أو ساهيا لم يكن عليه شئ.
ومرخص للمرأة والرجل إذا خاف على نفسه أن يفيضا إلى منى قبل طلوع
الفجر، فإذا بلغ وادي محسر - وهو واد عظيم بين جمع ومنى، وهو إلى منى
أقرب - سعى فيه حتى يجوزه، ويقول: اللهم سلم عهدي واقبل توبتي وأجب
دعوتي واخلفني في من تركت بعدي، فإن ترك السعي في وادي محسر رجع
241

يسعى إن تمكن منه، فإن لم يتمكن فلا شئ عليه.
وينبغي أن يأخذ على الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى.
وعليه بمنى يوم النحر ثلاثة مناسك: أوله: رمي الجمرة الكبرى، والثاني: الذبح،
والثالث: الحلق أو التقصير.
وأما أيام التشريق فعليه كل يوم رمى الثلاث جمار على ما نرتبه، ويجوز أخذ
حصى الجمار من سائر الحرم - سوى المسجد الحرام ومسجد الخيف - ومن
حصى الجمار، ولا يجوز أخذ الحصى من غير الحرم، ولا يجوز أن يرمي الجمار إلا
بالحصى.
ويستحب أن يكون الحصى برشا، ويكره أن يكون حمأ، ويكون قدرها مثل
الأنملة منقطة كحلية، ويكره أن يكسر شيئا من الحصى بل يلتقط بعدد ما يحتاج
إليه.
ويستحب أن لا يرمي الجمار إلا على طهر، فإن رماها على غير طهر لم يكن
عليه شئ.
فإذا أراد الرمي فعليه أن يرمي الجمرة العظمى يوم النحر بسبع حصيات
يرميها خذفا، يضع كل حصاة على بطن إبهامه ويدفعها بظفر السبابة، ويرميها من
بطن الوادي من قبل وجهها، وينبغي أن يكون بينه وبين الجمرة مقدار عشرة
أذرع إلى خمس عشرة ذراعا.
ويقول حين يريد أن يرمي الحصاة: اللهم هؤلاء حصياتي فأحصهن لي
وارفعهن في عملي، ويقول مع كل حصاة: اللهم ادحر عني الشيطان اللهم
تصديقا بكتابك وعلى سنة نبيك محمد صلى الله عليه وآله اللهم اجعله حجا
مبرورا وعملا مقبولا وسعيا مشكورا وذنبا مغفورا.
ويجوز أن يرميها راكبا وماشيا، والركوب أفضل لأن النبي صلى الله عليه
وآله رماها راكبا، ويكون مستقبلا لها مستدبرا الكعبة، وإن رماها عن يسارها
جاز.
242

وجميع أفعال الحج يستحب أن يكون مستقبل القبلة من الوقوف بالموقفين
ورمي الجمار، إلا رمي جمرة العقبة يوم النحر فإن النبي - عليه أفضل الصلاة
والسلام - رماها مستقبلها مستدبرا الكعبة.
ولا يأخذ الحصى من المواضع التي يكون فيها نجاسة، فإن أخذها وغسلها
أجزأه، وإن لم يغسلها ترك الأفضل وأجزأه لأن الاسم يتناوله.
إذا رمى فأصاب شيئا ثم وقع على المرمى أجزأه، وإن رمى فوقع على عنق
بعير فنفض عنقه فأصاب الجمرة أو وقعت على ثوب إنسان فنفضه فأصاب
الجمرة لم يجزئه، وإذا رمى فلا يعلم هل وقعت على الجمرة أم لا؟ لا يجزئه، وإن
وقعت على مكان أعلى من الجمرة وتدحرجت إليها أجزأه، وإذا وضعها على
الجمرة وضعا لا يجزئه، وإذا وقعت على حصاة أخرى فطيرت الثانية إلى الجمرة
وبقيت التي رماها في مكان تلك لم يجزئه.
فإذا فرع من رمي جمرة العقبة ذبح هديه، وإن كان متمتعا فالهدي واجب
عليه، وإن كان قارنا ذبح هديه الذي ساقه، وإن كان مفردا لم يكن عليه شئ،
فإن تطوع بالأضحية كان فيه فضل كثير.
ومن وجب عليه الهدي ولا يقدر عليه، فإن كان معه ثمنه خلفه عند من يثق
به حتى يشتري له هديا يذبح عنه في العام المقبل في ذي الحجة، وإن أصابه في
مدة مقامه بمكة إلى انقضاء ذي الحجة جاز له أن يشتريه ويذبحه، وإن لم يصبه
فعل ما ذكرناه.
فإذا لم يقدر على الهدي ولا على ثمنه وجب عليه صيام عشرة أيام، ثلاثة في
الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله، فالثلاثة أيام: يوم قبل التروية ويوم التروية ويوم
عرفة، فإن فاته صوم هذه الأيام صام يوم الحصبة وهو يوم النفر ويومين بعده
متواليات، فإن فاته ذلك أيضا صامهن في بقية ذي الحجة، فإن أهل المحرم ولم
يكن صام وجب عليه دم شاة واستقر في ذمته الدم وليس له صوم.
فإن مات من وجب عليه الهدي ولم يكن معه ثمنه ولا يكون صام أيضا صام
243

عنه وليه الثلاثة أيام، ولا يلزمه قضاء السبعة أيام بل يستحب له ذلك، هذا إذا
تمكن من الصوم فلم يصم، فأما إن لم يتمكن من الصوم أصلا لمرض فلا يجب
القضاء عنه وإنما يستحب ذلك.
وإذا صام الثلاثة أيام ورجع إلى أهله صام السبعة أيام، فإن جاور بمكة
انتظر مدة وصول أهل بلده إلى البلد أو شهرا ثم صام بعد ذلك السبعة أيام.
ولا يجوز أن يصوم الثلاثة أيام بمكة ولا منى أيام التشريق، ومن فاته صوم
يوم قبل التروية صام يوم التروية وعرفة ثم صام يوما آخر بعد أيام التشريق، فإن
فاته صوم يوم التروية فلا يصم يوم عرفة بل يصوم الثلاثة أيام بعد انقضاء أيام
التشريق متتابعات، وقد رويت رخصة في تقديم صوم الثلاثة أيام من أول العشر،
والأحوط الأول لأنه ربما حصل له الهدي.
ومن ظن أنه إن صام يوم التروية ويوم عرفة أضعفه عن القيام بالمناسك
أخرها إلى بعد انقضاء أيام التشريق.
ومن صام هذه الثلاثة أيام بعد أيام التشريق أو في أول العشر على ما قلناه
من الرخصة فلا يصمهن إلا متتابعات.
ومن لم يصم الثلاثة أيام وخرج عقيب أيام التشريق صامها في الطريق، فإن
لم يتمكن من ذلك صامهن مع السبعة أيام إذا رجع إلى أهله إذا كان ذلك قبل
أن يهل المحرم، فإن أهل المحرم استقر في ذمته الدم على ما بيناه. ولا بأس
بتفريق صوم السبعة أيام.
ومن لم يصم الثلاثة أيام بمكة ولا في الطريق ورجع إلى بلده وكان متمكنا
من الهدي بعث به فإنه أفضل من الصوم.
ومن صام ثلاثة أيام ثم أيسر ووجد ثمن الهدي لا يلزمه الانتقال إلى الهدي
ويجوز أن يصوم ما بقي عليه، والأفضل أن يشتري الهدي.
والمتمتع إذا كان مملوكا وحج بإذن مولاه كان المولى مخيرا بين أن يذبح
عنه أو يأمره بالصوم، فإن أعتق العبد قبل انقضاء الوقوف بالموقفين كان عليه
244

الهدي ولم يجزئه الصوم مع الإمكان، فإن لم يقدر عليه كان حكمه حكم
الأحرار في الأصل على ما فصلناه.
وإذا لم يصم العبد إلى انقضاء أيام التشريق فالأفضل لمولاه أن يهدي عنه
ولا يأمره بالصوم، وإن أمره لم يكن به بأس، وإنما الخيار قبل انقضاء هذه الأيام.
والصوم بعد انقضاء أيام التشريق يكون أداء لا قضاء.
وإذا أحرم بالحج ولم يكن صام ثم وجد الهدي لم يجز له الصوم، فإن
مات وجب أن يشترى الهدي من تركته من أصل المال لأنه دين عليه.
ولا يجوز أن يذبح الهدي الواجب في الحج إلا بمنى في يوم النحر أو بعده،
فإن ذبح بمكة لم يجزئه، وما ليس بواجب جاز ذبحه أو نحره بمكة، وإذا ساق
هديا في الحج فلا يذبحه أيضا إلا بمنى، فإن ساقه في العمرة نحره بمكة قبالة
الكعبة بالحزورة.
وأيام النحر بمنى أربعة أيام: يوم النحر وثلاثة أيام بعده، وفي غيره من
البلدان ثلاثة أيام: يوم النحر ويومان بعده، هذا في التطوع، فأما هدي المتعة فإنه
يجوز ذبحه طول ذي الحجة إلا أنه يكون بعد انقضاء هذه الأيام قضاء، والتطوع
فيه يكون قد مضى وقته ولا قضاء فيه.
ولا يجوز في الهدي الواجب إلا واحد عن واحد مع الاختيار سواء كانت
بدنا أو بقرة، ويجوز عند الضرورة عن خمسة وعن سبعة وعن سبعين، وكلما قلوا
كان أفضل، وإن اشتركوا عند الضرورة أجزأت عنهم سواء كانوا متفقين في
النسك أو مختلفين، ولا يجوز أن يرتد بعضهم اللحم، وإذا أرادوا ذبحه أسندوه
إلى واحد منهم ينوب عن الجماعة، ويسلم مشاعا اللحم إلى المساكين، وإن كان
تطوعا جاز أن يشتركوا فيه إذا كانوا أهل خوان واحد مع الاختيار، وإن لم
يكونوا أهل خوان واحد جاز لهم مع الضرورة.
ولا يجوز في الهدي ولا الأضحية العرجاء البين عرجها، ولا العوراء البين
عورها، ولا العجفاء ولا الخرماء، ولا الجذاء وهي المقطوعة الأذن، ولا العضباء
245

وهي المكسورة القرن، فإن كان القرن الداخل صحيحا لم يكن به بأس، وإن
كان ما ظهر منه مقطوعا فلا بأس به، وإن كانت أذنه مشقوقة أو مثقوبة إذا لم يكن
قد قطع منها شئ.
ومن اشترى هديا على أنه تام فوجده ناقصا لم يجزئ عنه إذا كان واجبا،
فإن كان تطوعا لم يكن به بأس.
ولا يجوز الهدي إذا كان خصيا ولا التضحية به، فإن كان موجوءا لم يكن
به بأس وهو أفضل من الشاة، والشاة أفضل من الخصي.
وأفضل الهدي البدن، فإن لم يجد فمن البقر، فإن لم يجد ففحلا من الضأن،
فإن لم يجد فتيسا من المعزى، وإن لم يجد إلا شاة كان جائزا عند الضرورة.
وأفضل ما يكون من البدن والبقر ذوات الأرحام، ومن الغنم الفحولة.
ولا يجوز من الإبل إلا الثني فما فوقه وهو الذي تم له خمس سنين ودخل في
السادسة، وكذلك من البقر لا يجوز إلا الثني وهو الذي تمت له سنة ودخل في
الثانية، ويجزئ من الضأن الجذع لسنة.
وينبغي أن يكون الهدي سمينا، فإن كان من الغنم يكون فحلا أقرن ينظر في
سواد ويمشي في سواد، فإن اشترى أضحية على أنها سمينة فخرجت مهزولة
أجزأت عنه، وإن اشتراها على أنها مهزولة فخرجت سمينة كان جائزا أيضا، وإن
اشتراها على أنها مهزولة فكانت كذلك لم يجزئه. وحد الهزال الذي لا يجزئ أن
لا يكون على كليته شئ من الشحم.
وإذا لم يجد على هذه الصفة اشتراها كما يتسهل. ولا يشترى إلا ما عرف به
وهو أن يكون أحضر عرفات، فإن ابتاعه على أنه عرف به فقد أجزأه ولا يلزمه أن
يعرف به. وقد بينا أن الهدي لا يجوز أن يكون خصيا، فإن ذبح خصيا وقدر على
أن يقيم بدله لم يجزئه وعليه الإعادة، وإن لم يتمكن أجزأ عنه.
ومن اشترى هديا ثم أراد أن يشتري أسمن منه اشتراه وباع الأول إن شاء،
وإن ذبحهما كان أفضل. ولا يجوز أن يذبح ما يلزم الحاج على اختلاف ضروبه
246

من الهدي والكفارات إلا بمنى، وما يلزم منه في إحرام العمرة فلا ينحره إلا بمكة.
ومن اشترى هديه فهلك، فإن كان واجبا وجب عليه أن يقيم بدله، وإن
كان تطوعا فلا شئ عليه. والهدي الواجب لا يجوز أن يأكل منه، وهو كلما
يلزمه من النذور والكفارات، وإن كان تطوعا فلا بأس بأكله منه.
وإذا هلك الهدي قبل أن يبلغ محله نحره أو ذبحه وغمر النعل في الدم
وضرب به صفحة سنامه ليعلم بذلك أنه هدي.
وإذا انكسر الهدي جاز بيعه والتصدق بثمنه ويقيم آخر بدله، وإن ساقه على
ما به إلى المنحر فقد أجزأه.
وإذا سرق الهدي من موضع حصين أجزأ عن صاحبه، وإن أقام بدله كان
أفضل.
ومن وجد هديا ضالا عرفه يوم النحر والثاني والثالث، فإن وجد صاحبه وإلا
ذبح عنه وقد أجزأ عن صاحبه إذا ذبح بمنى، فإن ذبح بغيرها لم يجزئه.
وإذا عطب في موضع لا يوجد فيه من يتصدق عليه نحر وكتب كتابا
ويوضع عليه ليعلم من مر به أنه صدقة.
فإذا ضاع هديه واشترى بدله ثم وجد الأول كان بالخيار، إن شاء ذبح
الأول وإن شاء ذبح الأخير، إلا أنه متى ذبح الأول جاز له بيع الأخير، ومتى
ذبح الأخير لزمه أن يذبح الأول ولا يجوز له بيعه، هذا إذا كان قد أشعره أو قلده،
فإن لم يكن أشعره ولا قلده جاز له بيع الأول إذا ذبح الثاني.
ومن اشترى هديا وذبحه فاستعرفه رجل وذكر أنه هديه ضل عنه وأقام
بذلك شاهدين كان له لحمه، ولا يجزئ عن واحد منهما.
وإذا نتج الهدي كان حكم ولده حكمه في وجوب نحره أو ذبحه، ولا بأس
بركوب الهدي وشرب لبنه ما لم يضر به ولا بولده.
فإذا أراد نحر البدنة نحرها وهي قائمة من قبل اليمين، ويربط يديها ما بين
الخف إلى الركبة، ويطعن في لبتها. ويستحب أن يتولى الذبح أو النحر بنفسه،
247

فإن لم يحسنه جعل يده مع يد الذابح، ويسمي الله ويقول: وجهت وجهي...
إلى قوله: وأنا من المسلمين، ثم يقول: اللهم منك ولك بسم الله والله أكبر اللهم
تقبل مني، ثم يمر السكين، ولا ينخعه حتى يموت. ومن أخطأ في الذبيحة فذكر
غير صاحبها أجزأت عنه بالنية.
وينبغي أن يبدأ بمنى بالذبح قبل الحلق، وفي العقيقة بالحلق قبل الذبح،
فإن قدم الحلق على الذبح ناسيا لم يكن عليه شئ.
ومن السنة أن يأكل من هديه لمتعته ويطعم القانع والمعتر، يأكل ثلثه،
ويطعم القانع والمعتر ثلثه، ويهدي للأصدقاء ثلثه.
وقد بينا أن الهدي المضمون لا يجوز أن يأكل منه وهو ما كان جبرانا، فإن
اضطر إليه جاز أن يأكل منه، وإن أكله من غير ضرورة كان عليه قيمته، ويجوز
أكل لحم الأضاحي بعد ثلاثة أيام، وإذخارها، ولا يجوز أن يخرج من منى من
لحم ما يضحي به، ولا بأس بإخراج السنام منه، ولا بأس أيضا بإخراج لحم قد
ضحاه غيره.
ويستحب أن لا يأخذ شيئا من جلود الهدي والأضاحي بل يتصدق بها كلها،
ولا يجوز أن يعطيها الجزار، فإن أراد أن يخرج شيئا منها لحاجته إلى ذلك
تصدق بثمنه.
ولا يجوز أن يحلق رأسه ولا أن يزور البيت إلا بعد الذبح أو أن يبلغ الهدي
محله، وهو أن يحصل في رحله، فإذا حصل في رحله بمنى وأراد أن يحلق جاز له
ذلك، والأفضل أن لا يحلق حتى يذبح، ومتى حلق قبل أن يحصل الهدي في
رحله لم يكن عليه شئ.
ومن وجبت عليه بدنة في نذر أو كفارة ولم يجدها كان عليه سبع شياة،
فإن لم يجد صام ثمانية عشر يوما إما بمكة أو إذا رجع إلى أهله.
والصبي إذا حج به متمتعا وجب على وليه أن يذبح عنه.
ومن لم يتمكن من شراء الهدي إلا ببيع ما يتجمل به من ثيابه لم يلزمه ذلك
248

وأجزأه الصوم. والهدي مجزئ عن الأضحية، والجمع بينهما أفضل.
ومن نذر أن ينحر بدنة، فإن سمى الموضع الذي ينحر فيه فعليه الوفاء به،
وإن لم يسم الموضع لا يجوز أن ينحرها إلا بفناء الكعبة.
ويكره أن يذبح شيئا تولى تربيته بل ينبغي أن يشتريه في الحال.
الهدي على ثلاثة أضرب: تطوع، ونذر شئ بعينه ابتداء، وتعين هدي
واجب في ذمته.
فإن كان تطوعا - مثل أن خرج حاجا أو معتمرا فساق معه هديا بنية أنه
ينحره في منى أو بمكة من غير أن يشعره أو يقلده - فهذا على ملكه يتصرف فيه
كيف شاء من بيع وهبة، وله ولده وشرب لبنه، وإن هلك فلا شئ عليه.
الثاني: هدي أوجبه بالنذر ابتداء بعينه مثل أن قال: لله علي أن أهدي هذه
الشاة أو هذه البقرة أو هذه الناقة، فإذا قال هذا زال ملكه عنها وانقطع تصرفه في
حق نفسه فيها، وهي أمانة للمساكين في يده وعليه أن يسوقها إلى المنحر، فإن
وصل نحر، وإن عطب في الطريق نحره حيث عطب وجعل عليه علامة على ما
قدمناه ليعرف أنها هدي للمساكين فإذا وجدها المساكين حل لهم التصرف
فيها، وإن هلكت فلا شئ عليه، وإن نتجت هذه الناقة ساق معها ولدها وهي
والولد للمساكين، فإن ضعف عن المشي معها حمله على أمه.
ولبنها إن كان وفقا لري الفصيل وقدر حاجته فالولد أحق به، فإن شرب منه
شيئا ضمنه، وإن كان أكثر من حاجة الفصيل فالحكم فيه وفي الفصيل إذا هلك
واحد، وهو بالخيار بين أن يتصدق به وبين أن يشربه ولا شئ عليه، والأفضل أن
يتصدق به.
الثالث: ما وجب في ذمته عن نذر أو ارتكاب محظور كاللباس والطيب
والثوب والصيد أو مثل دم المتعة، فمتى عين في هدي بعينه تعين فيه، فإذا عينه
زال ملكه عنه وانقطع تصرفه فيه وعليه أن يسوقه إلى المنحر، فإن وصل نحره
وأجزأه، وإن عطب في الطريق أو هلك سقط التعين وكان عليه إخراج الذي في
249

ذمته. وإذا نتجت فحكم ولدها حكمها.
وكل هدي - كان جبرانا أو نذرا، مطلقا كان أو معينا - لا يجوز الأكل
منه، وما كان تطوعا أو هدي التمتع جاز الأكل منه.
إذا وصل الهدي الواجب إلى المحل والمتطوع به قدم الواجب للذبح أولا
فإنه أفضل وأحوط.
قد بينا أن الأفضل أن يتولى الذبح بنفسه، فإن لم يفعل جعل يده مع يد
الذابح، فإن لم يفعل حضره، ويستحب أن يفرق اللحم بنفسه ويجوز الاستنابة
فيه، فإن نحره وخلى بينه وبين المساكين كان أيضا جائزا.
إذا نذر هديا بعينه زال ملكه، ولا يجوز له بيعه وإخراج بدله على ما بيناه.
فإذا فرع من الذبح حلق بعده إن كان صرورة ولا يجزئه غير الحلق، وقد
تقدم معناه، وإن كان حج حجة الإسلام جاز له التقصير، والحلق أفضل، فإن لبد
شعره لم يجزئه غير الحلق على كل حال.
ومن ترك الحلق عامدا أو التقصير حتى يزور البيت كان عليه دم شاة، وإن
فعله ناسيا لم يكن عليه شئ وعليه إعادة الطواف.
ومن رحل من منى قبل الحلق رجع إليها ولا يحلق إلا بها مع الاختيار، فإن
لم يمكنه حلق رأسه مكانه وأنفذ شعره إلى منى ليدفن، وإن لم يمكنه فلا شئ
عليه. ويكفي المرأة التقصير وليس عليها حلق، ويجزئها من التقصير مثل أنملة.
وإذا أراد الحلق بدأ بناصيته من القرن الأيمن وحلقه إلى العظمين، ويقول إذا
حلق: اللهم أعطني بكل شعرة نورا يوم القيامة، ومن لا شعر على رأسه أمر الموسي
عليه وأجزأه.
فإذا حلق رأسه أو قصر فقد حل له كل شئ أحرم منه إلا النساء والطيب
وهو التحلل الأول إن كان متمتعا، وإن كان غير متمتع حل له الطيب أيضا ولا
تحل له النساء، فإذا طاف المتمتع طواف الزيارة حل له الطيب ولا يحل له
النساء وهو التحلل الثاني، فإذا طاف طواف النساء حلت له النساء أيضا وهو
250

التحلل الثالث الذي لا يبقى بعده شئ من حكم الإحرام.
ويستحب أن لا يلبس المخيط إلا بعد الفراع من طواف الزيارة وليس
بذلك بمحظور، وكذلك يستحب أن لا يمس الطيب إلا بعد طواف النساء
وليس ذلك بمحظور أيضا على ما فصلناه.
فإذا فرع من مناسكه بمنى يوم النحر توجه إلى مكة لزيارة البيت يوم النحر
ولا يؤخره إلا لعذر، فإن أخره لعذر زار من الغد ولا يؤخره أكثر من ذلك إذا
كان متمتعا، فإن كان مفردا أو قارنا جاز أن يؤخره إلى أي وقت شاء، والأفضل
التقديم غير أنه لا يحل له النساء.
ويستحب الغسل لمن أراد زيارة البيت قبل دخول المسجد والطواف
وتقليم الأظفار وأخذ الشارب، فإذا فعل ذلك زار، ويجوز أن يغتسل بمنى ثم
يجئ إلى مكة فيطوف بذلك الغسل، ولا بأس أن يغتسل بالنهار ويطوف
بالليل ما لم يحدث، فإن أحدث أو نام أعاد الغسل استحبابا ليطوف على غسل.
والغسل مستحب للمرأة أيضا قبل الطواف.
فإذا أراد أن يدخل المسجد وقف على بابه وقال: اللهم أعني على
نسكك... إلى آخر الدعاء، ثم يدخل المسجد ويأتي الحجر الأسود فيستلمه
ويقبله، فإن لم يستطع استلمه بيده وقبل يده، فإن لم يتمكن من ذلك استقبله
وكبر وقال ما قال حين طاف يوم قدم مكة، ثم يطوف أسبوعا على ما مضى
شرحه، ويصلي عند المقام ركعتين، ثم يرجع إلى الحجر الأسود فيقبله إن
استطاع وإلا استقبله وكبر.
ثم يخرج إلى الصفا فيصنع عنده ما صنع يوم دخل مكة، ويطوف بين
الصفا والمروة سبعة أشواط، يبدأ بالصفا ويختم بالمروة على ما مضى وصفه، فإذا
فعل ذلك فقد حل له كل شئ أحرم منه إلا النساء.
ثم يرجع إلى البيت فيطوف به طواف النساء أسبوعا ويصلي ركعتين عند
المقام وقد حلت له النساء.
251

فإذا فرع من الطواف فليرجع إلى منى، ولا يبيت ليالي التشريق إلا بمنى،
فإن بات في غيرها كان عليه دم شاة، وإن بات بمكة ليالي التشريق مشتغلا
بالطواف والعبادة لم يكن عليه شئ، وإن كان بغير ذلك كان عليه ما ذكرناه،
وإن خرج من منى بعد نصف الليل جاز له أن يبيت بغيرها غير أنه لا يدخل مكة
إلا بعد طلوع الفجر، وإن تمكن أن لا يخرج منها إلا بعد طلوع الفجر كان أفضل.
من بات عن منى ليلة كان عليه دم شاة على ما قدمناه، وإن بات عنها ليلتين
كان عليه دمان، فإن بات ليلة الثالثة فلا يلزمه شئ لأن له النفر في الأول - والنفر
الأول يوم الثاني من أيام التشريق بلا خلاف، والنفر الثاني يوم الثالث من أيام
التشريق - وقد روي في بعض الأخبار أن من بات ثلاث ليال عن منى فعليه
ثلاث دماء، وذلك محمول على الاستحباب أو على من لم ينفر في النفر الأول
حتى غابت الشمس، فإنه إذا غابت الشمس ليس له أن ينفر، فإن نفر فعليه دم.
والأفضل أن لا يبرح الإنسان من منى أيام التشريق، فإن أراد أن يأتي مكة
للطواف بالبيت تطوعا جاز، والأفضل ما قدمناه.
والواجب عليه أن يرمي ثلاثة أيام التشريق - الثاني من النحر والثالث
والرابع - كل يوم إحدى وعشرين حصاة، ثلاث جمار، كل جمرة منها بسبع
حصيات، ويكون ذلك عند الزوال فإنه أفضل، فإن رماها بين طلوع الشمس إلى
غروبها لم يكن به بأس.
فإذا أراد أن يرمي بدأ بالجمرة الأولى ورماها عن يسارها من بطن المسيل
بسبع حصيات، يرميهن خذفا على ما قدمناه، ويكبر مع كل حصاة ويدعو بما
قدمناه، ثم يقوم عن يسار الطريق ويستقبل القبلة ويحمد الله ويثني عليه ويصلي
على النبي صلى الله عليه وآله ثم يتقدم قليلا ويدعو ويسأله أن يتقبل منه، ثم يتقدم
أيضا ويرمي الجمرة الثانية ويصنع عندها كما صنع عند الأولى ويقف ويدعو، ثم
يمضي إلى الثالثة فيرميها كما رمى الأولتين ولا يقف عندها.
252

فإن غابت الشمس ولم يكن رمى فلا يرميها ليلا بل يقضيها من الغد، فإذا
كان من الغد رمى ليومه مرة ومرة قضاء لما فاته ويفصل بينهما بساعة. ويستحب
أن يكون الذي يرمي لأمسه بكرة والذي ليومه عند الزوال. فإن فاته رمي يومين
رماها كلها يوم النفر ولا شئ عليه، وقد رخص للعليل والخائف والرعاة والعبيد
الرمي ليلا.
ومن نسي رمي الجمار إلى أن أتى مكة عاد إلى منى ورماها ولا شئ عليه.
وحكم المرأة في جميع ما ذكرناه حكم الرجل سواء. فإن لم يذكر حتى خرج
من مكة فلا شئ عليه، فإن حج في العام المقبل أعاد ما كان فاته من رمي
الجمار، فإن لم يحج أمر وليه أن يرمي عنه، فإن لم يكن له ولي استعان بمن يرمي
عنه من المسلمين.
ومن فاته رمي يوم قضاه من الغد على ما قلناه، ويبدأ بالفائت أولا، فإن بدأ
بالذي قضاه من الغد ليومه لم يجزئه عن يومه ولا عن أمسه، وإن رمى جمرة
واحدة بأربع عشرة حصاة - سبع ليومه وسبع لأمسه - بطلت الأولى وكانت
الثانية لأمسه.
والترتيب واجب في الرمي، يجب أن يبدأ بالجمرة العظمى ثم الوسطى ثم
جمرة العقبة، فمن خالف شيئا منها أو رماها منكوسة كان عليه الإعادة، ومن بدأ
بالجمرة العقبة ثم الوسطى ثم الأولى أعاد على الوسطى ثم جمرة العقبة.
فإن نسي فرمى من الجمرة الأولى بثلاث حصيات ثم رمي الجمرتين
الأخريين على التمام أعاد الرمي عليها كلها، وإن كان قد رمى من الجمرة الأولى
بأربع حصيات ورمى الجمرتين على التمام أعاد على الأولى بثلاث حصيات،
وكذلك إن رمى من الوسطى أقل من الأربعة أعاد عليها وعلى ما بعدها، وإن
رماها بأربعة أتمها ولا إعادة عليه في الثالثة، وإن رمى الأولتين على التمام ورمى
الثالثة ناقصة تممها على كل حال لأنه لا يترتب عليها رمي آخر.
ومن رمى جمرة بست حصيات وضاعت عنه واحدة أعاد عليها بحصاة وإن
253

كان من الغد، فإن لم يدر من أي الجمار ضاعت رمى كل جمرة بحصاة.
ولا يجوز أن يأخذ من حصى الجمار فيرمي بها، فإن رمى بحصاة فوقعت في
محمله أعاد مكانها حصاة أخرى، فإن أصابت إنسانا أو دابة ثم وقعت على الجمرة
أجزأه، ويجوز أن يرمي راكبا وماشيا.
ويجوز الرمي عن العليل والمبطون والمغمى عليه والصبي لا بد من إذنه إذا
كان عقله ثابتا، ويستحب أن يترك الحصى في كفه ثم يؤخذ ويرمى.
وينبغي أن يكبر الإنسان بمنى عقيب خمس عشرة صلوات من الفرائض،
يبدأ بالتكبير يوم النحر بعد الظهر إلى صلاة الفجر من يوم الثالث، وفي الأمصار
عقيب عشرة صلوات يبدأ عقيب الظهر من يوم النحر إلى صلاة الفجر من اليوم
الثاني من أيام التشريق، ويقول في التكبير: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله
أكبر الله أكبر على ما هدانا وله الشكر على ما أولانا ورزقنا من بهيمة الأنعام.
ومن أصحابنا من قال: إن التكبير واجب، ومنهم من قال: إنه مسنون، وهو الأظهر.
ولا يكبر عقيب النوافل ولا في الطرقات والشوارع لأجل هذه الأيام
خصوصا، ولا يكبر أيضا قبل يوم النحر في شئ من الأيام العشر بحال.
فصل: في ذكر النفر بمنى ووداع البيت
ودخول الكعبة:
النفر نفران: أولهما: اليوم الثاني من أيام التشريق، وهو الثالث من يوم
النحر. والثاني: يوم الثالث من التشريق، وهو الرابع من النحر، والمقام إلى النفر
الأخير أفضل.
ولا يجوز النفر الأول إلا لمن أصاب النساء أو الصيد في إحرامه فإنه لا يجوز
لهما أن ينفرا في الأول. ويستحب للإمام أن يخطب يوم النفر الأول ويعلم الناس
جواز التعجيل والتأخير.
فإذا أراد أن ينفر في الأول فلا ينفر إلا بعد الزوال إلا لضرورة من خوف
254

وغيره فإن عند ذلك يجوز أن ينفر قبل الزوال، وله أن ينفر بعد الزوال فيما بينه
وبين غروب الشمس، فإذا غابت لم يجز له النفر وعليه أن يبيت بمنى إلى الغد،
وإذا نفر في النفر الأخير جاز له أن ينفر من بعد طلوع الشمس أي وقت شاء، فإن
لم ينفر وأراد المقام بمنى جاز له ذلك إلا الإمام خاصة فإن عليه أن يصلي الظهر
بمكة.
ومن نفر من منى وكان قد قضى مناسكه كلها جاز له أن لا يدخل مكة، وإن
كان قد بقي عليه شئ من المناسك فلا بد له من الرجوع إليها، والأفضل
الرجوع إليها لوداع البيت على كل حال وطواف الوداع.
ويستحب أن يصلي الإنسان في مسجد منى وهو مسجد الخيف، وكان
رسول الله صلى الله عليه وآله مسجده عند المنارة التي في وسط المسجد وفوقها
إلى القبلة نحو من ثلاثين ذراعا وعن يمينها ويسارها مثل ذلك، فمن استطاع أن
يكون مصلاه فيه فليفعل.
ويستحب أن يصلي الإنسان ست ركعات في مسجد منى، فإذا بلغ مسجد
الحصى وهو مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله دخله واستراح فيه قليلا، واستلقى
على قفاه.
فإذا جاء إلى مكة فليدخل الكعبة إن تمكن منه سنة واستحبابا، والصرورة
لا يترك دخولها مع الاختيار، فإن لم يتمكن من ذلك فلا شئ عليه.
فإذا أراد الدخول إلى الكعبة اغتسل سنة مؤكدة، فإذا دخلها فلا يتمخط فيها
ولا يبصق، ولا يجوز دخولها بحذاء، ويقول إذا دخلها: اللهم إنك قلت: ومن
دخله كان آمنا، فأمني من عذابك عذاب النار، ثم يصلي بين الأسطوانتين على
الرخامة الحمراء ركعتين، يقرأ في الأولى منهما حم السجدة، وفي الثانية عدد
آياتها، ثم يصلي في زوايا البيت كلها، ثم يقول: اللهم من تهيأ وتعبأ... إلى آخر
الدعاء.
فإذا صلى عند الرخامة على ما قدمناه وفي زوايا البيت قام واستقبل الحائط
255

بين الركن اليماني والغربي ويرفع يديه عليه ويلتصق به ويدعو، ثم يتحول إلى
الركن اليماني فيفعل به مثل ذلك، ثم يأتي الركن الغربي ويفعل أيضا مثل ذلك
ثم ليخرج.
ولا يجوز أن يصلي الفريضة جوف الكعبة مع الاختيار، فإن اضطر إلى
ذلك لم يكن به بأس، والنوافل فيها مندوب إليها.
فإذا خرج من البيت ونزل عن الدرجة صلى عن يمينه ركعتين.
فإذا أراد الخروج من مكة جاء إلى البيت وطاف به أسبوعا طواف الوداع
سنة مؤكدة، فإن استطاع أن يستلم الحجر والركن اليماني في كل شوط فعل وإلا
افتتح به وختم به وقد أجزأه، فإن لم يتمكن من ذلك أيضا فلا شئ عليه.
ثم يأتي المستجار فيصنع عنده كما صنع يوم قدم مكة، ويتخير لنفسه من
الدعاء ما أراد، ثم يستلم الحجر الأسود، ثم يودع البيت ويقول: اللهم لا تجعله
آخر العهد من بيتك، ثم يأتي زمزم فيشرب منه، ثم يخرج ويقول: آئبون تائبون
عابدون لربنا راغبون إلى ربنا راجعون، فإذا خرج من باب المسجد فليكن
خروجه من باب الحناطين، فيخر ساجدا ويقوم مستقبل الكعبة فيقول: اللهم إني
أنقلب على لا إله إلا الله.
ومن لا يتمكن من طواف الوداع أو شغله شاغل عن ذلك حتى خرج لم
يكن عليه شئ.
وإذا أراد الخروج من مكة اشترى بدرهم تمرا وتصدق به ليكون كفارة لما
لعله دخل عليه في الإحرام إن شاء الله تعالى.
فصل: في ذكر تفصيل فرائض الحج:
قد ذكرنا فرائض الحج فيما تقدم في اختلاف ضروب الحج وفصلناه بين
الأركان وما ليس بركن، ونحن الآن نذكر تفصيل أحكامها إن شاء الله تعالى.
أما النية فهي ركن في الأنواع الثلاث، من تركها فلا حج له عامدا كان أو
256

ناسيا إذا كان من أهل النية، فإن لم يكن من أهلها أجزأت نية غيره عنه، وذلك
مثل المغمى عليه يحرم عنه وليه وينوي وينعقد إحرامه، وكذلك الصبي يحرم
عنه وليه، وعلى هذا إذا فقد النية لكونه سكرانا وإن حضر المشاهد وقضى
المناسك لم يصح حجه بحال.
ثم الإحرام من الميقات، وهو ركن من تركه متعمدا فلا حج له، وإن نسيه
ثم ذكر وعليه الوقت رجع فأحرم من الميقات، فإن لم يمكنه أحرم من الموضع
الذي انتهى إليه، فإن لم يذكر حتى يقضي المناسك كلها روى أصحابنا أنه
لا شئ عليه وتم حجه.
والتلبية الأربعة فريضة وليس بركن، إن تركه متعمدا فلا حج له إذا كان
قادرا عليه فإن كان عاجزا فعل ما يقوم مقامها من الإشعار والتقليد، وإن تركها
ناسيا لبى حين ذكر ولا شئ عليه.
والطواف بالبيت إن كان متمتعا ثلاثة أطواف:
أوله: طواف العمرة، وهو ركن فيها، فإن تركه متعمدا بطلت عمرته، وإن
تركه ناسيا أعاد.
والثاني: طواف الزيارة، إن تركه متعمدا فلا حج له، وإن تركه ناسيا أعاد
على ما مضى القول فيه.
والثالث: طواف النساء فهو فرض وليس بركن، فإن تركه متعمدا لم تحل
له النساء حتى يقضيه ولا يبطل حجه، وإن تركه ناسيا قضاه.
وإن كان قارنا أو مفردا طوافان: طواف الحج وطواف النساء، وحكمهما
ما قلناه في المتمتع.
ويجب مع كل طواف ركعتان عند المقام، وهما فرضان، فإن تركهما
متعمدا قضاهما في ذلك المقام، فإن خرج سأل من ينوب عنه فيهما ولا يبطل
حجه.
والسعي بين الصفا والمروة ركن، فإن كان متمتعا يلزمه سعيان: أحدهما
257

للعمرة والآخر للحج، وإن كان مفردا أو قارنا سعى واحدا للحج، فإن تركه
متعمدا فلا حج له، وإن تركه ناسيا قضاه أي وقت ذكره.
والوقوف بالموقفين - عرفات والمشعر الحرام - ركنان من تركهما أو
واحدا منهما متعمدا فلا حج له، فإن ترك الوقوف بعرفات ناسيا وجب عليه أن
يعود فيقف بها ما بينه وبين طلوع الفجر من يوم النحر، فإن لم يذكر إلا بعد
طلوع الفجر وكان قد وقف بالمشعر فقد تم حجه ولا شئ عليه.
وإذا ورد الحاج ليلا وعلم أنه إن مضى إلى عرفات وقف بها - وإن كان
قليلا - ثم عاد إلى المشعر قبل طلوع الشمس وجب عليه المضي إليها والوقوف
بها ثم يعود إلى المشعر، فإن غلب في ظنه أنه إن مضى إلى عرفات لم يلحق
المشعر قبل طلوع الشمس اقتصر على الوقوف بالمشعر وتمم حجه ولا شئ
عليه.
ومن أدرك المشعر قبل طلوع الشمس فقد أدرك الحج، وإن أدركه بعد
طلوعها فقد فاته الحج.
ومن وقف بعرفات ثم قصد المشعر الحرام فعاقه في الطريق عائق فلم
يلحق إلى قرب الزوال فقد تم حجه ويقف قليلا بالمشعر ثم يمضي إلى منى.
ومن لم يكن وقف بعرفات وأدرك المشعر بعد طلوع الشمس فقد فاته
الحج لأنه لم يلحق أحد الموقفين في وقته.
ومن فاته الحج أقام على إحرامه إلى انقضاء أيام التشريق، ثم يجئ إلى مكة
فيطوف بالبيت ويسعى ويتحلل بعمرة، فإن كان قد ساق معه هديا نحره بمكة
وعليه الحج من قابل إن كانت حجة الإسلام، وإن كانت تطوعا كان بالخيار إن
شاء حج وإن شاء لم يحج، ولا يلزمه لمكان الفوات حجة أخرى.
ومن فاته الحج سقطت عنه توابع الحج من الرمي وغير ذلك، وإنما عليه
المقام بمنى استحبابا وليس عليه بها حلق ولا تقصير ولا ذبح، وإنما يقصر إذا
تحلل بعمرة بعد الطواف والسعي، ولا يلزمه دم لمكان الفوات.
258

من كان متمتعا ففاته الحج، فإن كانت حجة الإسلام فلا يقضيها إلا متمتعا
لأن ذلك فرضه ولا يجوز غيره، ويحتاج إلى أن يعيد العمرة في أشهر الحج في
السنة المقبلة، وإن لم يكن حجة الإسلام أو كان من أهل مكة وحاضريها جاز أن
يقضيها مفردا وقارنا، وإن فاته القران أو الإفراد جاز أن يقضيه متمتعا لأنه أفضل.
المواضع التي يجب أن يكون الإنسان مفيقا حتى يجزئه أربعة: الإحرام،
والوقوف بالموقفين، والطواف، والسعي. فإن كان مجنونا أو مغلوبا على عقله لم
ينعقد إحرامه إلا أن ينوي عنه وليه على ما قدمناه، وما عداه تصح منه.
وصلاة الطواف حكمها حكم الأربعة سواء، وكذلك طواف النساء،
وكذلك حكم النوم سواء، والأولى أن نقول: يصح منه الوقوف بالموقفين وإن
كان نائما لأن الغرض الكون فيه لا الذكر.
فصل: في الزيادات من فقه الحج:
من أحدث حدثا في غير الحرم فالتجأ إلى الحرم ضيق عليه في المطعم
والمشرب حتى يخرج فيقام عليه الحد، فإن أحدث في الحرم ما يجب عليه الحد
أقيم عليه فيه.
لا ينبغي أن يمنع الحاج شيئا من دور مكة ومنازلها لأن الله تعالى قال:
سواء العاكف فيه والباد، ولا ينبغي لأحد أن يرفع بناء فوق الكعبة.
ومن وجد شيئا في الحرم لا يجوز له أخذه، فإن أخذه عرفه سنة، فإن جاء
صاحبه وإلا كان مخيرا بين شيئين: أحدهما يتصدق به عن صاحبه بشرط الضمان
إن لم يرض بذلك صاحبه، والآخر أن يحفظه على صاحبه حفظ الأمانة، وإن
وجده في غير الحرم عرفه سنة وهو مخير بين ثلاثة أشياء: وبين أن يحفظه على
صاحبه أمانة، وبين أن يتصدق عنه بشرط الضمان، وبين أن يتملكه لنفسه وعليه
ضمانه.
ويكره الصلاة في طريق مكة في أربعة مواضع: البيداء، وذات الصلاصل،
259

وضجنان، ووادي الشقرة.
ويستحب الإتمام في الحرمين - مكة والمدينة - ما دام مقيما وإن لم ينو
المقام عشرة أيام، وإن قصر فلا شئ عليه، وكذلك يستحب الإتمام في مسجد
الكوفة وفي الحائر على ساكنه أفضل الصلاة والسلام، وقد رويت رواية أخرى
في الإتمام في حرم حجة الله على خلقه أمير المؤمنين عليه السلام وحرم الحسين
عليه السلام، فعلى هذه الرواية يجوز الإتمام في نفس المشهد بالنجف وخارج
الحائر، إلا أن الأحوط ما قدمناه.
ويكره الحج والعمرة على الإبل الجلالات.
ويستحب لمن حج على طريق العراق أن يبدأ أولا بزيارة النبي صلى الله
عليه وآله بالمدينة فإنه لا يأمن أن لا يتمكن من العود إليها، فإن بدأ بمكة فلا بد له
من العود إليها للزيارة.
وإذا ترك الناس الحج وجب على الإمام أن يجبرهم على ذلك، وكذلك
إن تركوا زيارة النبي صلى الله عليه وآله كان عليه إجبارهم عليها.
ويجوز أن يستدين الإنسان ما يحج به إذا كان من ورائه مال إن مات قضي
عنه، فإن لم يكن له ذلك كره له الاستدانة.
ويستحب الاجتماع يوم عرفة، والدعاء عند المشاهد وفي المواضع المعظمة
وليس ذلك بواجب، ويستحب لمن انصرف من الحج أن يعزم على العود إليه،
ويسأل الله تعالى ذلك.
ومن جاور بمكة فالطواف له أفضل من الصلاة ما لم يجاور ثلاث سنين،
فإن جاورها أو كان من أهل مكة كانت له الصلاة أفضل.
ولا بأس أن يحج عن غيره تطوعا إذا كان ميتا فإنه يلحقه ثوابه إلا أن يكون
مملوكا فإنه لا يحج عنه.
ويكره المجاورة بمكة، ويستحب إذا فرع من مناسكه الخروج منها. ومن
أخرج شيئا من حصى المسجد الحرام كان عليه رده.
260

ويكره أن يخرج من الحرمين بعد طلوع الشمس قبل أن يصلي الصلاتين،
فإذا صلاهما خرج إن شاء.
ولا أعرف كراهية أن يقال لمن لم يحج: صرورة، بل رواية وردت بذلك،
ولا أن يقال لحجة الوداع: حجة الوداع، ولا أن يقال: شوط وأشواط، بل ذلك
كله في الأخبار. و لا أعرف استحبابا لشرب نبيذ السقاية.
فإذا خرج الإنسان من مكة فليتوجه إلى المدينة لزيارة النبي صلى الله عليه
وآله، فإذا بلغ إلى المعرس دخله وصلى فيه ركعتين استحبابا ليلا كان أو نهارا،
فإن جاوزه ونسي رجع وصلى فيه واضطجع قليلا، فإذا انتهى إلى مسجد الغدير
دخله وصلى فيه ركعتين.
واعلم أن للمدينة حرما مثل حرم مكة، وحده ما بين لابتيها وهو من ظل
عائر إلى ظل وعير، لا يعضد شجرها، ولا بأس أن يؤكل صيدها إلا ما صيد بين
الحرمين.
ويستحب لمن أراد دخول المدينة أن يغتسل، وكذلك إذا أراد دخول
مسجد النبي صلى الله عليه وآله، فإذا دخله أتى قبر النبي صلى الله عليه وآله وزاره،
فإذا فرع من زيارته أتى المنبر فمسحه ومسح رمانتيه.
ويستحب الصلاة بين القبر والمنبر ركعتين فإن فيه روضة من رياض الجنة،
وقد روي أن فاطمة عليها السلام مدفونة هناك، وقد روي أنها مدفونة في بيتها،
وروي أنها مدفونة بالبقيع وهذا بعيد، والروايتان الأولتان أشبه وأقرب إلى
الصواب، وينبغي أن يزور فاطمة عليها السلام من عند الروضة.
ويستحب المجاورة في المدينة وإكثار الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه
وآله.
ويستحب لمن له مقام بالمدينة أن يصوم ثلاثة أيام بها: الأربعاء والخميس
والجمعة، ويصلي ليلة الأربعاء عند أسطوانة أبي لبابة - وهي أسطوانة التوبة -
ويقعد عندها يوم الأربعاء ويأتي ليلة الخميس الأسطوانة التي تلي مقام رسول الله
261

ومصلاه ويصلي عندها، ويصلي ليلة الجمعة عند مقام النبي صلى الله عليه وآله،
ويستحب أن يكون هذه الثلاثة أيام معتكفا في المسجد ولا يخرج منه إلا
للضرورة.
ويستحب إتيان المشاهد كلها بالمدينة، وهي مسجد قبا، ومشربة أم إبراهيم
عليه السلام، ومسجد الأحزاب وهو مسجد الفتح، ومسجد الفضيخ، وقبور
الشهداء كلهم، ويأتي قبر حمزة عليه السلام بأحد ولا يتركه إلا عند الضرورة إن
شاء الله تعالى.
262

نزهة الناظر
في الجمع بين الأشباه والنظائر
تأليف
المحقق يحيى بن سعيد الحلي
263

فصل
[العمرات الواجبة]
العمرات الواجبة عشرة:
عمرة التمتع، وعمرة القارن، وعمرة المفرد، والعمرة التي تؤدي عن العمرة
التي أفسدها، وعمرة من فإنه الوقوف بالموقفين، والعمرة الآتية من قابل لمن أفسد
حجه، والعمرة المندوبة إذا دخل فيها، والعمرة لمن دخل مكة في حاجة وتسقط
هذه العمرة عن المرضى والحطابة، والعمرة التي استؤجر عليها، والعمرة الواجبة
بالنذر أو العهد أو اليمين.
فصل
[مواضع وجوب البدنة]
يجب البدنة في ثمانية وعشرين موضعا:
إذا جامع المحرم قبل وقوفه بعرفة في القبل وجب عليه بدنة والحج من
قابل، وإذا جامع فيما دون الفرج وجب عليه بدنة ولا يجب عليه الحج من
قابل، وبه قال الشيخ أبو جعفر في النهاية ومسائل الخلاف، وجاءت به أخبار
صحيحة. وذهب سيدنا المرتضى علم الهدي قدس الله روحه وابن إدريس إلى أن
265

الجماع وإن كان في الدبر وجب أيضا الحج من قابل.
وإذا جامع قبل وقوفه بالمشعر في القبل وجب عليه بدنة والحج من قابل،
وجاء به حديث صحيح، وقال بعض أصحابنا: لا يجب عليه الحج من قابل،
وهو الذي يلوح من قول أبي الصلاح.
وإذا جامع قبل أن يطوف طواف الزيارة، في القبل كان أو في الدبر وجب
عليه بدنة، فإن لم يجد فبقرة، فإن لم يجد فشاة.
وإذا جامع قبل أن يطوف طواف النساء أو قبل أن يطوف منه أربعة أشواط
وجب عليه بدنة، فإن كان قد طاف منه أربعة أشواط فلا شئ عليه، وروي به
خبر صحيح، وقال ابن إدريس: يجب عليه، طاف أربعة أشواط أو لم يطف.
وإذا جامع في العمرة المفردة قبل الفراع منها وجب عليه بدنة وأبطلت
عمرته ووجب عليه المقام بمكة إلى الشهر الداخل فإذا دخل الشهر خرج إلى
بعض المواقيت فأحرم بعمرة.
وإذا جامع بعد الفراع من العمرة التي يتمتع بها إلى الحج قبل التقصير
وجب عليه بدنة، وروي بذلك خبر صحيح، وقال الحسن بن أبي عقيل: فإن
جامع الرجل في عمرته بعد أن طاف لها وسعى قبل أن يقصر فعليه بدنة وعمرته
تامة، أطلق رحمه الله العمرة.
وإذا جامع قاهرا زوجته على الجماع وقد أحل من إحرامه ولم تحل هي
وجب عليه البدنة دون زوجته.
وإذا جامع المحل أمته المحرمة باذنه وجب عليه البدنة، فإن لم يتمكن من
البدنة وجب عليه شاة. وروي: أنه إن كان موسرا فعليه بدنة وإن شاء بقرة، وإن
كان معسرا فعليه دم شاة - رواه صباح الحذاء عن إسحاق بن عمار عن أبي
الحسن موسى عليه السلام.
وإذا عبث بذكره فأمنى وجب عليه بدنة ولا يجب عليه الحج من قابل، وبه
قال الشيخ أبو جعفر في الأول من الاستبصار والأول من مسائل الخلاف، وهو
266

اختيار ابن إدريس، وقال في النهاية: يجب عليه الحج من قابل، روي به خبر
ضعيف، رواه صباح الحذاء عن إسحاق ابن عمار عن أبي الحسن موسى عليه
السلام.
وإذا أمنى المحرم بالنظر بشهوة إلى زوجته وجب عليه بدنة، وهو مذهب أبي
الصلاح.
وإذا أمنى المحرم بالنظر بشهوة أو غير شهوة إلى غير زوجته وجب عليه
بدنة، فإن لم يتمكن من البدنة كان عليه بقرة، وإن لم يتمكن من البقرة كان عليه
دم شاة - هكذا ذكره الشيخ في النهاية مرتبا، ولم أقف على خبر بالترتيب في
البقرة بل في الشاة، روى ذلك موسى بن القاسم عن حماد عن حريز عن زرارة
عن أبي جعفر عليه السلام أن عليه جزورا أو بقرة، فإن لم يجد فشاة.
وإذا قبل امرأة بشهوة فأمنى وجب عليه بدنة، فإن لم يتمكن فعليه شاة
بشهوة كان أو غير شهوة، وإليه ذهب ابن إدريس، وجاء به خبر رواه مسمع بن
عبد الملك عن أبي عبد الله عليه السلام ولم يقيده الشيخ في النهاية بالإمناء بل
أطلقه.
وإذا عقد المحرم لمحرم آخر على زوجة فدخل بها وجب عليه وعلى العاقد
بدنة، وإذا عقد المحل لمحرم على امرأة فدخل بها العاقد وكانا عالمين وجب
على كل واحد منهما بدنة وعلى المرأة إن كانت محرمة، وكذلك إن كانت محلة
وعلمت بأن الذي تزوجها محرم، على ما رواه سماعة في التهذيب في كتاب كفارة
خطأ المحرم.
وإذا جادل المحرم ثلاث مرات كاذبا وجب عليه بدنة، جاء به خبر
صحيح.
وإذا أفاض من عرفات قبل غيبوبة الشمس وجب عليه بدنة، فإن لم يقدر
وجب عليه صيام ثمانية عشر يوما إما في الطريق أو إذا رجع إلى أهله، رواه في
باب الإفاضة من عرفات محمد بن يعقوب عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد
267

عن يونس عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن رجل أفاض من عرفات قبل
أن تغيب الشمس؟ قال: عليه بدنة ينحرها يوم النحر، فإن لم يقدر صام ثمانية
عشر يوما بمكة أو في الطريق أو في أهله.
وروى في باب الذبح: محمد بن أحمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن
الحسن بن محبوب، عن داود الرقي، عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يكون
عليه بدنة واجبة في فداء؟ قال: إذا لم يجد بدنة فسبع شياه، فإن لم يقدر صام
ثمانية عشر يوما بمكة أو في منزله ولا يسقط البدنة برجوعه إلى عرفة لأن
سقوطها بعد وجوبها يحتاج إلى دليل.
وقال الشيخ في مسائل الخلاف: إذا عاد قبل غيبوبة الشمس وأقام حتى
غابت سقط عنه الدم، وإن عاد بعد غروبها لم يسقط، وإذا أفاض من عرفات ولم
يبت رجع ومضى إلى منى متعمدا أو مستخفا فعليه بدنة، على ما روي في التهذيب
في باب تفصيل فرائض الحج.
وإذا قتل المحرم النعامة في الحل وجب عليه بدنة، وكذا إذا قتلها في الحرم
على ما ذكره الشيخ في النهاية معتمدا في نفي التضعيف على خبر مرسل في
التهذيب رواه الحسن بن علي بن فضال وهو فطحي، والصحيح أن عليه بدنتين
لأن أصحابنا أطلقوا القول بتضعيف الفداء على المحرم، وأطلقه أيضا الشيخ في
مسائل الخلاف، والأخبار الصحيحة جاءت مطلقة بذلك، وهو اختيار محمد بن
إدريس.
وإذا قتل المحل النعامة في الحرم وجب عليه بدنة، فإذا رمى المحرم النعامة
مصيبا لها مع غيبوبتها عن العين ولم يعلم بحالها وجب عليه بدنة.
وإذا أدخل المحرم النعامة الحرم ولم يحلها حتى ماتت وجب عليه بدنة،
وإذا شارك المحرم غيره في رميها فقتلها ذلك الغير وجب على المحرم بدنة
أصاب النعامة أو لم يصبها.
وإذا دل غيره عليها فقتلها ذلك الغير وجب على كل واحد منهما بدنة سواء
268

كان الدال محرما في الحرم أو في الحل أو محلا في الحرم، رواه حفص بن
البختري عن أبي عبد الله عليه السلام.
وإذا أمر المحرم غلامه المحرم بصيدها فرماها الغلام فقتلها وجب على السيد بدنة،
وإذا أمر المحرم غلامه المحل بصيدها فرماها الغلام فقتلها وجب على السيد
بدنة، على ما ذكره في النهاية، ولم أقف في التهذيب على خبر بذلك، بل ورد
خبر صحيح أنه لا شئ عليه، رواه موسى بن القاسم عن صفوان عن عبد الله بن
سنان وابن أبي عمير عن عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام.
وإذا أكلها المحل فيما بين البريد إلى الحرم وجب عليه بدنة، وإليه ذهب
الشيخ المفيد في المقنعة والشيخ أبو جعفر في النهاية، وجاء به حديث صحيح
في كتاب من لا يحضره الفقيه، وروى علي بن رئاب عن أبان بن تغلب عن أبي
عبد الله عليه السلام في قوم حجاج محرمين أصابوا أفراخ نعام فأكلوا جمعا؟
قال عليه السلام: عليهم مكان كل فرخ أكلوه بدنة يشتركون فيها جميعا
فيشترونها على عدد الفراخ وعلى عدد الرجال.
وإذا كسر المحرم بيض نعامة بنفسه أو وطأها بغيره وكسرها فإن كان قد
تحرك فيها الفرخ وجب عليه عن كل بيضة بكرة من الإبل، وجاء بالبكرة خبر
صحيح وبالبعير خبر صحيح، وإن لم يكن فيها فراخ وجب عليه إرسال فحل
الإبل في الإناث بعدد البيض، فما نتج كان هديا لبيت الله، جاء بالفحل عدة
أخبار وبالفحولة خبر واحد، هذا في المحرم فأما المحل فليس
عليه إرسال وليس عليه إلا قيمة البيض وهي عن كل بيضة درهم.
وجميع هذه الأفعال إذا فعلها الإنسان ناسيا أو جاهلا فلا شئ عليه إلا
النعامة وبيضها فإنه يجب فيهما ما ذكرناه على كل حال، واعتبر الشيخان أبو
الحسن ابن بابويه وأبو جعفر رضي الله عنهما في الإرسال أن يكون قد تحرك
فيها الفرخ، فإن لم يكن كذلك كان عليه عن كل بيضة شاة. قال أبو جعفر:
فإن لم يجد شاة فعليه صيام ثلاثة أيام، فإن لم يقدر فإطعام عشرة مساكين.
269

فصل
[مواضع وجوب البقرة]
تجب البقرة في ثمانية عشر موضعا:
بقتل البقرة الوحشية في المواضع التي ذكرناها في النعامة وهي عشرة،
وبالحمار الوحشي في جميع المواضع العشرة المذكورة أيضا.
وتجب البقرة أيضا بالجماع قبل طواف الزيارة إذا عدم البدنة، وتجب أيضا
بالجماع بعد طواف الزيارة قبل الدخول في السعي، وبالجماع وقد بقي من
السعي شوط وظن أنه تممه، على ما رواه الحسين بن سعيد عن محمد بن سنان عن
عبد الله بن مسكان عن أبي عبد الله عليه السلام، وهذا الخبر إن عملنا به فإنما
يكون الحكم به في العمرة التي يتمتع بها إلى الحج، فأما في العمرة المبتولة وفي
الحج فيجب عليه بدنة لأنه جامع قبل طواف النساء.
وتجب البقرة أيضا بالتقصير وقد بقي له من السعي شوط واحد ظنا أنه تممه،
على ما رواه الحسين بن سعيد عن صفوان بن يحيى وعلي بن النعمان عن سعيد بن
يسار عن أبي عبد الله عليه السلام.
وإذا أمنى بالنظر إلى غير أهله وعدم البدنة وجب عليه بقرة، وقد تقدم
الحديث فيه.
وبجداله مرتين كاذبا يجب عليه بقرة.
وتجب البقرة أيضا بقلع شجرة الحرم محرما كان أو محلا إلا النخل وشجر
الفاكهة وما غرسه الإنسان بنفسه وما نبت في داره، وقال الشيخ أبو جعفر رحمه
الله في مسائل الخلاف: في الشجرة الكبيرة بقرة وفي الصغيرة شاة، وقال أبو
الصلاح: دم شاة ولم يفرق، وقال ابن إدريس الأخبار وردت بتحريم قلع شجر
الحرم دون الكفارة.
وتجب البقرة أيضا بالسباب وبالكذب مطلقا من دون تقييد بجدال، على
ما رواه محمد بن يعقوب عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن الحسين بن
270

سعيد عن فضالة بن أيوب عن أبي المعزا عن سليمان بن خالد قال: سمعت أبا
عبد الله عليه السلام يقول: في الجدال شاة وفي السباب والفسوق بقرة.
وروي: أن من بعث بهدي وأمر الذي بعثه معه أن يشعر أو يقلد في يوم كذا
وكذا، ولا يستطيع أن ينزع الثياب فليلبس ولينحر بقرة في يوم النحر، روي في
باب الزيادات من الحج في التهذيب.
وروي خبر في باب النذر من التهذيب: أن عنبسة بن مصعب نذر في ابن له
إن عافاه الله تعالى أن يحج ماشيا فعجز به يستحب أن يذبح بقرة.
فصل
[مواضع تجب فيها الشاة]
تجب الشاة في سبعة وثمانين موضعا:
في قتل الضبي بالأفعال المتقدمة العشرة، وكذلك الحكم في الثعلب
والأرنب من المحل في الحرم خاصة، ومن المحرم في الحل، ومن المحرم في
الحرم لكن في الحرم يتضاعف على المحرم الفداء، وإذا فقأ المحرم عيني الضبي
معا أو كسر يديه أو رجليه وجب عليه في كل واحد من هذه الأقسام الثلاثة شاة،
وحكم الحمامة حكم الضبي للمحرم في الحل خاصة، فأما في الحرم فيجب عليه
مع الشاة درهم، وأما المحل فيجب عليه في الحرم درهم.
وإذا أغلق المحرم بابا على حمام من حمام الحرم وفراخ وبيض فهلك كان
عليه عن كل طير شاة وعن كل فرخ حمل وعن كل بيض درهم، فإن أغلق
عليها قبل أن يحرم كان عليه عن كل طير درهم وعن كل فرخ نصف درهم
وعن كل بيضة ربع درهم.
وإذا نفر المحرم حماما من حمام الحرم وجب عليه شاة إذا رجع فإن لم
يرجع فعليه عن كل طير شاة، على ما ذكره الشيخ أبو الحسن علي بن بابويه في
الرسالة، وقال الشيخ أبو جعفر في التهذيب: ولم أجد بما ذكره خبرا مسندا، فأما
271

الشيخ المفيد في المقنعة كتاب الأيمان والنذور والكفارات فقال: ومن نفر حمام
الحرم كان عليه دم شاة.
وإذا أوقد جماعة محرمون نارا فوقع فيها طائر فإن لم يكن قصدوا ذلك
وجب عليهم كلهم شاة واحدة، وإن قصدوا ذلك وجب على كل واحد منهم
شاة.
والمحرم إذا تعذر عليه إرسال فحولة الإبل في إناثها في كسر بيض النعام
كان عليه عن كل بيضة شاة، فإن لم يجد تصدق على عشرة مساكين لكل
مسكين مد من طعام، فإن لم يقدر صام ثلاثة أيام، رواه علي بن أبي حمزة وهو
واقفي عن أبي الحسن عليه السلام.
والمحرم إذا وجب عليه بدنة في فداء ولم يجد وجب سبع شياه، وقد تقدم
الخبر فيه في فصل ما يجب فيه البدنة.
وإذا اشترى محل لمحرم بيض نعام فأكل المحرم وجب على المحرم عن
كل بيضة شاة وعلى المحل عن كل بيضة درهم، جاء به خبر صحيح فأما
الإرسال فلا يجب ههنا.
وإذا شرب المحرم في الحرم لبن ظبية وجب عليه شاة وقيمة اللين، كذلك
ورد الخبر مقيدا بالحرم، رواه صالح بن عقبة عن يزيد بن عبد الملك عن أبي عبد
الله عليه السلام، وفي النهاية أطلقه شيخنا أبو جعفر.
وإذا ذبح الصيد وجب عليه شاة إذا كان مما يجب عليه فيه الشاة، لأن في
الخبر ما يلزم منه القول بهذا، لأنه عليه السلام قال في محرمين أكلوا صيدا: فعليهم
شاة شاة وليس على الذي ذبحه إلا شاة، فقوله عليه السلام: " شاة شاة " يدل على
أنه مما يجب فيه شاة، وفي النهاية أطلقه شيخنا أبو جعفر.
وإذا كسر المحرم بيض حمام وقد تحرك فيه الفرخ وجب عليه عن كل
بيضة شاة، جاء به خبر صحيح، وقال ابن إدريس: وجب عليه حمل، فإن لم
يكن قد تحرك فيه الفرخ وأصابه في الحل كان عليه عن كل بيضة درهم، وإن
272

أصابه في الحرم كان عليه عن كل بيضة درهم وربع درهم، وإن أصابه محل في
الحرم كان عليه ربع درهم.
وإذا قتل المحرم القطاة أو الحجلة أو الدراج وما أشبه ذلك في الحل وجب
عليه حمل قد فطم ورعى من الشجر، فإن قتلها في الحرم كان عليه حملان، وإن
قتلها محل في الحرم كان عليه حمل واحد.
وإذا قتل المحرم فرخ الحمام في الحل وجب عليه حمل، فإن قتله في الحرم
كان عليه حمل ونصف درهم، فإن قتله محل في الحرم كان عليه نصف درهم.
وإذا قتل المحرم الضب أو اليربوع أو القنفذ وجب عليه جدي، وقال أبو
الصلاح: حمل. ومن قتل أسدا لم يرده كان عليه كبش، على ما رواه داود بن أبي
يزيد العطار عن أبي سعيد المكاري عن أبي عبد الله عليه السلام.
وإذا كسر المحرم بيض القطاة أو القبج وقد تحرك فيها الفرخ وجب عليه
عن كل بيضة مخاض من الغنم، وقال الشيخ أبو جعفر في مسائل الخلاف:
بكارة من الغنم، جاء به خبر صحيح، فإن لم يكن قد تحرك فيها الفرخ كان
عليه إرسال فحولة الغنم على إناثها بعدد البيض فما نتج فهو هدي لبيت الله
تعالى.
وإذا قتل المحرم الجراد الكثير مع التمكن من الاحتراز عن قتله وجب عليه
شاة، وفي قتل الجرادة تمرة، وإذا أكل المحرم الجراد الكثير وجب عليه شاة،
على ما ذكره الشيخ في النهاية ولم أقف على خبر يوجب هذه الشاة. وقال ابن
بابويه: من أكل جرادة واحدة فعليه شاة.
وإذا لم يتمكن من البدنة أو البقرة الواجبة عليه بالجماع قبل طواف الزيارة
وجب عليه شاة، جاء به خبر صحيح، وإذا لم يتمكن من البدنة أو البقرة الواجبة
عليه في الإمناء بالنظر إلى غير أهله وجب عليه شاة، وإذا تعذرت البدنة الواجبة
على المحل الذي وطئ أمته المحرمة باذنه وجب عليه شاة، وإذا لمس المحرم
أمته بشهوة وجب عليه دم شاة أمنى أو لم يمن، فإن مسها بغير شهوة لم يكن عليه
273

شئ أمنى أو لم يمن، وإذا قبل المحرم أهله بغير شهوة وجب عليه شاة، وإذا قبلها
قبل أن يقصر هو وجب عليه شاة، جاء في التهذيب به حديثان صحيحان أحدهما
في باب السعي والآخر في باب الزيادات في فقه الحج.
وإذا فرع من طواف النساء وقبل امرأته قبل أن تطوف هي طواف النساء
وجب عليه شاة، جاء به حديث صحيح رواه الحسين بن سعيد عن صفوان عن
عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن عليه السلام، وذهب المفيد إلى أن عليها
دما إن آثرت ذلك، وإن أكرهها غرم عنها ذلك.
وإذا لاعب المحرم أهله فأمنى وجب عليه شاة، كذلك ورد الخبر مقيدا
بالإمناء، وأطلق ذلك الشيخ أبو جعفر في النهاية.
وإذا قلم المحرم أظفار يديه جميعا وجب عليه شاة، وإذا قلم أظفار رجليه
جميعا في مجلس آخر وجب عليه شاة أخرى، فإن قلم أظفار يديه ورجليه جميعا
في مجلس واحد وجب عليه شاة واحدة، وفي كل ظفر من أظفار يديه مد من
طعام إلى أن يبلغ عشرة، فإذا بلغت عشرة ففيها شاة، وكذلك أظفار رجليه، وإذا
أفتى المحرم غيره بتقليم ظفره فقلم المستفتي فأدمى إصبعه وجب على المفتي شاة.
وإذا حلق المحرم رأسه لأذى وجب عليه شاة أو الصدقة على ستة مساكين
لكل مسكين مدان من طعام أو صيام ثلاثة أيام مخيرا في ذلك، وروي بذلك
خبران صحيحان، وروي خبر آخر صحيح أن الصدقة على عشرة مساكين
يشبعهم، فإن حلقه من غير أذى متعمدا وجب عليه شاة من غير تخيير بينها وبين
الإطعام والصيام.
وإذا ظلل المحرم على نفسه في حال السير مختارا وجب عليه شاة مع الإثم،
فإن كان مضطرا وجب عليه شاة مع غير الإثم، فإن ظلل في حال النزول فلا
شئ عليه مختارا كان أو مضطرا، جاءت بذلك أخبار صحيحة، فأما النساء
والصبيان فيجوز لهم الظلال على كل حال، جاءت بذلك أخبار صحيحة، وقال
الشيخ أبو الصلاح: إن ظلل مختارا فعليه لكل يوم شاة ومع الاضطرار لجملة
274

المدة شاة.
وإذا جادل المحرم ثلاث مرات صادقا وجب عليه شاة، وإذا جادل مرة
كاذبا وجب عليه شاة.
وإذا نتف المحرم إبطيه معا وجب عليه شاة، وإذا نتف إبطا واحدا وجب
عليه إطعام ثلاثة مساكين، جاء بالنتف ثلاثة أخبار صحيحة، ولم أقف في
التهذيب على خبر صحيح يتضمن خلافها.
وإذا لبس المحرم ثوبا لا يحل له لبسه مع الاختيار وجب عليه شاة وإذا لبس
ثيابا جملة في مواضع متفرقة وجب عليه عن كل ثوب شاة، فإن لبسها في
موضع واحد وكانت أجناسا وضروبا وجب عليه عن كل ثوب شاة، جاء به
أخبار صحيحة، وإن كانت جنسا واحدا وجب عليه شاة واحدة.
وإذا أكل المحرم طعاما لا يحل له أكله وجب عليه شاة، كذلك ورد الخبر
مطلقا في الطعام.
وإذا استعمل المحرم المسك أو العنبر أو العود أو الكافور أو الزعفران
مختارا وجب عليه شاة، ولم أقف في التهذيب على خبر يتضمن وجوب الشاة في
استعمال الكافور، والمعتمد في ذلك على عمل أصحابنا.
وإذا أفاض المحرم من المشعر قبل طلوع الفجر مختارا وجب عليه شاة،
فأما الشيخ الكبير والخائف فلا شئ عليهما.
وإذا لم يبت الحاج ليالي التشريق بمنى وجب عليه ثلاث شياه إذا أقام ثاني
التشريق بمنى حتى تغيب الشمس، وإن لم يقم ونفر لم يجب عليه شئ، وإذا بات
هذه الليالي بمنى حتى تغيب الشمس وخرج منها بعد نصف الليل فلا شئ عليه،
وكذلك إن بات بمكة مشتغلا بالطواف والعبادة فلا شئ عليه أيضا، فإن لم
يكن مشتغلا وجب عليه ما ذكرناه.
وإذا زالت الشمس قبل أن يحلق عالما بأنه لا ينبغي كان عليه دم شاة، جاء
به خبر صحيح.
275

وإذا لبس المحرم الخف أو الشمشك وجب عليه شاة، على ما ذكره بعض
أصحابنا ولم أقف على خبر يتضمن ذلك.
وإذا قلع المحرم ضرسه وجب عليه شاة، على ما روي في خبر مرسل وبه
قال الشيخ أبو الصلاح.
وإذا نسي التقصير حتى يهل بالحج فعليه شاة على ما روي، والصحيح أنه
مستحب، وقد تقدم.
وإذا حلق رأسه المتمتع بعد الفراع من العمرة التي يتمتع بها متعمدا فعليه
شاة، على ما رواه علي بن حديد، وهو ضعيف، ورواه إسحاق بن عمار في باب
السعي مطلقا من غير ذكر العمد.
والمتمتع إذا عقص رأسه من غير حلقه يوم النحر كان عليه شاة، على ما رواه
موسى بن القاسم عن صفوان عن عيص عن أبي عبد الله عليه السلام، وما رواه
أيضا محمد بن الحسن عن صفوان عن ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام.
وإذا زار البيت قبل أن يحلق فعليه شاة، على ما رواه في التهذيب في باب
الحلق عن محمد بن يعقوب بإسناده عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه
السلام، في رجل زار البيت قبل أن يحلق؟ فقال: إن كان زار البيت قيل أن
يحلق وهو عالم أن ذلك لا ينبغي له فإن عليه دم شاة.
فصل
[ما لا يجب فيه الكفارة]
لا تجب الكفارة في اثنين وعشرين شيئا:
الحدأ وسباع الوحش وسباع الطير، والكلب، والخنزير، والقرد، والدب،
والأسد إذا أراد الإنسان فدفعه عن نفسه فأدى إلى قتله، والغراب، والإبل، والبقر
الأهلي والغنم، والدجاج الحبشي، والفأرة والحلم، والقراد والذباب، والبق
والبرغوث، والحية، والعقرب، وجميع الحشرات، والجراد إذا لم يكن عنه
276

مندوحة.
277

تبصرة المتعلمين
في أحكام الدين
للشيخ جمال الدين أبي منصور الحسن بن سديد الدين
يوسف بن زين الدين علي بن محمد مطهر الحلي المشتهر بالعلامة الحلي
والعلامة على الإطلاق
647 - 726 ه‍. ق
279

كتاب الحج
وفيه أبواب:
الباب الأول: في أقسامه:
وهي: حجة الإسلام، وما يجب بالنذر وشبهه، وبالاستئجار، والإفساد.
فحجة الإسلام واجبة بأصل الشرع مرة واحدة على الذكور والإناث والخناثى،
بشروط ستة: البلوغ والعقل والحرية والزاد والراحلة وإمكان المسير.
فلو حج الصبي لم يجزه إلا إذا أدرك أحد الموقفين بالغا وكذا العبد،
ويصح الإحرام بالصبي غير المميز وبالمجنون، ومن العبد بإذن المولى.
ولو تسكع الفقير لم يجزئه بعد الاستطاعة، ولو كان المتمكن مريضا لم
يجب الاستنابة.
ويجب مع الشرائط على الفور، ولو أهمل مع الاستقرار حتى مات قضي من
صلب ماله من أقرب الأماكن ولو لم يخلف غير الأجرة.
ولا يجوز لمن وجب عليه الحج أن يحج تطوعا ولا نائبا.
ولا يشترط في المرأة المحرم ولا إذن الزوج، ويشترط في الندب.
أما النائب فشرطه: الإسلام، والعقل، وأن لا يكون عليه حج واجب، ولو لم
يكن جاز ولو كان صرورة أو امرأة، ولو تبرع عن الميت برئت ذمته.
281

الباب الثاني: في أنواعه:
وهي ثلاثة: تمتع بالعمرة إلى الحج، وقران، وإفراد.
أما التمتع: فصورته الإحرام من الميقات، والطواف بالبيت سبعا، وصلاة
ركعتين في مقام إبراهيم عليه السلام، والسعي بين الصفا والمروة سبعا،
والتقصير. والإحرام ثانيا من مكة بالحج، والوقوف بعرفات تاسع ذي الحجة إلى
الغروب، والإفاضة إلى المشعر والوقوف به بعد الفجر، ورمي جمرة العقبة، ثم
الذبح، ثم الحلق يوم النحر بمنى، وطواف الحج، وركعتاه، وسعيه، وطواف
النساء، وركعتاه، والمبيت بمنى ليلة الحادي عشر والثاني عشر، ورمي الجمار
الثلاث في اليومين، ثم إن أقام الثالث عشر رمى.
وهذا فرض من نأى عن مكة اثني عشر فما زاد من كل جانب.
والمفرد: يقدم الحج ثم يعتمر عمرة مفردة بعد الإحلال.
والقارن: كذلك، لكنه يسوق الهدي عند إحرامه.
وشرط التمتع: النية، ووقوعه في أشهر الحج، وهي شوال وذو القعدة
وذو الحجة، وإتيان الحج والعمرة في عام واحد، وإنشاء إحرام الحج من مكة.
وشرط الباقين: النية، ووقوعه في أشهر الحج، وعقد الإحرام من الميقات أو
من منزله إن كان دون الميقات.
ويجوز لهما الطواف قبل المضي إلى عرفات، لكنهما يجددان التلبية عند
كل طواف استحبابا، ويجب على المتمتع الهدي، ولا يجب على الباقين.
الباب الثالث: في الإحرام:
وإنما يصح من الميقات، وهي ستة:
لأهل العراق: العقيق وأفضله المسلخ وأوسطه غمرة وآخره ذات عرق، فلا
يجوز عبورها إلا محرما. ولأهل المدينة: مسجد الشجرة، وعند الضرورة الجحفة،
وهي ميقات أهل الشام اختيارا. ولليمن: يلملم. وللطائف: قرن المنازل، ولحج
282

التمتع مكة. ومن كان منزله أقرب من الميقات فمنزله ميقاته، وفخ للصبيان.
ومن حج على طريق أحرم من ميقات أهله.
ولا يجوز الإحرام قبل هذه المواقيت، ولو تجاوزها متعمدا رجع وأحرم
منها، وإن لم يتمكن بطل حجه، وإن كان ناسيا أو جاهلا رجع مع المكنة،
وأحرم من موضعه إن لم يتمكن، ولو نسي الإحرام حتى كملت مناسكه صح
حجه على رواية.
والواجب في الإحرام: النية، واستدامتها حكما، والتلبيات الأربع للمتمتع
والمفرد، وهي والإشعار والتقليد للقارن، وصورتها: لبيك اللهم لبيك لبيك إن
الحمد والنعمة والملك لك، لا شريك لك لبيك، ولبس الثوبين مما يصح فيه
الصلاة.
والمندوب: توفير شعر الرأس للمتمتع من أول ذي القعدة، وتنظيف
الجسد، وقص الأظفار والشارب، وأخذ العانة والإبطين بالنورة، والغسل أمامه،
والإحرام عقيب الظهر، أو فريضة، أو ست ركعات، أو ركعتين، ورفع الصوت
بالتلبية إذا علت راحلته البيداء على طريق المدينة، والدعاء والتلفظ بالنوع
والاشتراط وتكرار التلبية إلى أن يشاهد بيوت مكة للمتمتع، وإلى عند الزوال يوم
عرفة للمفرد والقارن، وإذا دخل الحرم للمعتمر، والإحرام في قطن محض.
وإحرام المرأة كإحرام الرجل إلا في تحريم المخيط، ولا يمنعها الحيض
منه.
الباب الرابع: في تروك الإحرام:
والواجب منها أربعة عشر تركا: صيد البر، وإمساكه، وأكله، والإشارة إليه،
والإغلاق عليه، وذبحه، والنساء وطئا وتقبيلا ولمسا ونظرا بشهوة، وعقدا له
ولغيره وشهادة عليه، والاستمناء، والطيب، والمخيط للرجال، وما يستر ظهر
القدم، والفسوق وهو الكذب، والجدال وهو قول: لا والله وبلى والله، وقتل هوام
283

الجسد، وإزالة الشعر مع غير الضرورة، واستعمال الدهن، وتغطية الرأس
للرجال، والتظليل سائرا، وقص الأظفار، وقطع الشجر والحشيش النابت في غير
ملكه إلا الفواكه والإذخر والنخل.
ويكره الاكتحال بالسواد، والنظر في المرآة، ولبس الخاتم للزينة،
والحجامة، ودلك الجسد، ولبس السلاح اختيارا، على أحد القولين في ذلك
كله، والنقاب للمرأة، والإحرام في الثياب الوسخة والمعلمة، والحناء للزينة،
ودخول الحمام وتلبية المنادي، واستعمال الرياحين.
ويجوز حك الجسد والسواك ما لم يدم.
الباب الخامس: في كفارات الإحرام:
وفيه فصلان:
الأول: في كفارات الصيد:
وهو الحيوان المحلل الممتنع في البر، ويجوز صيد البحر وهو ما يبيض
ويفرخ فيه، والدجاج الحبشي.
ففي النعامة بدنة، ومع العجز يفض ثمن البدنة على البر ويطعم لكل
مسكين مدان، وما زاد عن ستين له، ولا يجب عليه ما نقص عنه. ولو عجز صام
عن كل مدين يوما، فإن عجز صام ثمانية عشر يوما.
وفي بقرة الوحش وحماره بقرة، فإن لم يجد فض ثمنها على البر وأطعم
ثلاثين مسكينا لكل واحد مدان، ولا يجب عليه التتميم، والفاضل له، وإن عجز
صام عن كل مدين يوما، فإن عجز صام تسعة أيام.
وفي الضبي والثعلب والأرنب شاة، فإن عجز فض ثمنها على البر وأطعم
عشرة لكل مسكين مدان، والفاضل له، ولا يجب عليه التتميم، فإن عجز صام
عن كل مدين يوما، فإن عجز صام ثلاثة أيام.
وفي كسر بيض النعام إذا تحرك الفرخ، لكل بيضة بكرة من الإبل، وإن
284

لم يتحرك أرسل فحولة الإبل في إناث بعددها فالنتاج هدي لبيت الله، فإن
عجز فعن كل بيضة شاة، فإن عجز صام ثلاثة أيام.
وفي بيض القطاة والقبج إذا تحرك الفرخ، لكل بيضة من صغار الغنم،
وإن لم يتحرك أرسل فحولة الغنم في إناث بعددها والناتج هدي للبيت، ولو
عجز كان كبيض النعام.
وفي الحمامة شاة، وفي فرخها حمل، وفي بيضها درهم.
وعلى المحل في الحرم عن الحمامة درهم، وعن الفرخ نصف، وعن البيضة
ربع، ويجتمعان على المحرم في الحرم.
وفي الضب والقنفذ واليربوع جدي، وفي القطاة والدراج وشبهه جمل
فاطم، وفي العصفور والقنبرة والصعوة مد، وفي الجرادة والقملة يلقيها عن جسده
كف من طعام، وفي الجراد الكثير شاة، ولو لم يتمكن من التحرز لم يكن عليه
شئ.
ولو أكل ما قتله كان عليه فداءان، ولو أكل ما ذبحه غيره ففداء واحد، ولو
اشترك جماعة في قتله فعلى كل واحد فداء، وكل من معه صيد يزول ملكه عنه
بالإحرام، ويجب عليه إرساله، فإن أمسكه ضمنه.
مسائل:
الأولى: المحرم في الحل يجب عليه الفداء، والمحل في الحرم القيمة،
ويجتمعان على المحرم في الحرم ما لم يبلغ بدنة فلا يتضاعف.
الثانية: القاتل يضمن الصيد بالقتل عمدا وسهوا وجهلا، ولو تكرر خطأ
تكررت الكفارة، وكذا العمد.
الثالثة: لو اضطر إلى أكل الصيد والميتة أكل وفداه مع المكنة، وإلا أكل
الميتة.
الرابعة: فداء الصيد المملوك لصاحبه، وغير المملوك يتصدق به، وحمام
285

الحرم يشترى بقيمته علف لحمامه.
الخامسة: ما يلزمه في إحرام الحج ينحره أو يذبحه بمنى، وإن كان معتمرا
فبمكة في الموضع المعروف بالحزورة.
السادسة: حد الحرم بريد في بريد، من أصاب فيه صيدا ضمنه.
الفصل الثاني: في بقية المحظورات:
وفيه مسائل:
الأولى: من جامع امرأته قبل أحد الموقفين قبلا أو دبرا عامدا عالما بالتحريم
بطل حجه، وعليه إتمامه والقضاء من قابل، وبدنة سواء كان الحج فرضا أو نفلا،
وعليها مثل ذلك إن طاوعته، وعليهما الافتراق - وهو أن لا ينفردا بالاجتماع -
إن حجا في القابل، من موضع المعصية إلى أن يفرغا من المناسك.
ولو أكرهها صح حجها ويحمل عنها الكفارة، ولو كان بعد الموقفين صح
الحج ووجبت البدنة على كل واحد منهما.
ولو جامع قبل طواف الزيارة لزمه بدنة، فإن عجز فبقرة أو شاة، ولو
جامع قبل طواف النساء لزمه بدنة ولو كان قد طاف منه خمسا فلا كفارة، ولو
جامع في إحرام العمرة قبل السعي بطلت وعليه بدنة وقضاؤها وإتمامها.
ولو نظر إلى غير أهله فأمنى كان عليه بدنة فإن عجز فبقرة وإن عجز فشاة،
ولو نظر إلى أهله بغير شهوة فأمنى فلا شئ عليه، وإن كان بشهوة فأمنى فجزور،
وكذا لو أمنى عند الملاعبة.
ولو عقد المحرم لمحرم فدخل كان عليهما كفارتان.
الثانية: من تطيب لزمه شاة، سواء الصبغ والإطلاء والبخور والأكل، ولا
بأس بخلوق الكعبة.
الثالثة: في تقليم كل ظفر مد من طعام، وفي يديه ورجليه شاة مع اتحاد
المجلس، ولو تعدد فشاتان، وعلى المفتي إذا قلم المستفتي فأدمى إصبعه شاة.
286

الرابعة: في لبس المخيط شاة وإن كان لضرورة.
الخامسة: في حلق الشعر شاة، أو إطعام عشرة مساكين لكل مسكين مد، أو
صيام ثلاثة أيام وإن كان مضطرا.
السادسة: في نتف الإبطين شاة، وفي أحدهما إطعام ثلاثة مساكين، ولو سقط
من رأسه أو لحيته شئ بمسه تصدق بكف من طعام، وإن كان في الوضوء فلا
شئ.
السابعة: في التظليل سائرا شاة، وكذا في تغطية الرأس وإن كان لضرورة.
الثامنة: في الجدال صادقا ثلاثا شاة، وكذا في الكاذب مرة، ولو ثنى فبقرة،
ولو ثلث فبدنة.
التاسعة: في الدهن الطيب وقلع الضرس شاة.
العاشرة: في الشجرة الكبيرة بقرة وفي الصغيرة شاة وفي أبعاضها قيمته.
الحادية عشرة: تتكرر الكفارة بتكرر الوطء واللبس مع اختلاف المجلس،
والطيب كذلك.
الثانية عشرة: لا كفارة على الجاهل والناسي إلا في الصيد.
الباب السادس: في الطواف:
وهو واجب مرة في العمرة المتمتع بها، ومرتين في حجه، وفي كل واحد
من عمرة الباقيين مرتين، وكذا في حجهما.
ويشترط فيه الطهارة، وإزالة النجاسة عن الثوب والبدن، والختان في
الرجل.
ويجب فيه النية، والطواف سبعة أشواط، والابتداء بالحجر والختم به،
وجعل البيت على يساره، وإدخال الحجر فيه، ويكون بين المقام والبيت، وصلاة
ركعتيه في مقام إبراهيم عليه السلام.
ويستحب فيه الدعاء عند الدخول إلى مكة والمسجد، ومضغ الإذخر،
287

ودخول مكة من أعلاها حافيا بسكينة ووقار، والغسل من بئر ميمون أو فخ،
واستلام الحجر في كل شوط، وتقبيله أو الإيماء إليه، والدعاء عند الاستلام وفي
الطواف، والتزام المستجار ووضع الخد عليه والبطن، والدعاء، واستلام الركن
اليماني وباقي الأركان، والطواف ثلاثمائة وستين طوافا، فإن لم يتمكن فثلاثمائة
وستين شوطا.
والطواف ركن من تركه عمدا بطل حجه، وناسيا يأتي به، ومع التعذر
يستنيب. ولو شك في عدده بعد الانصراف لم يلتفت، وفي الأثناء يعيد إن كان
فيما دون السبعة، وإلا قطع.
ولو ذكر في طواف الفريضة عدم الطهارة أعاد. ولو قرن في طواف
الفريضة بطل، ويكره في النافلة، ولو زاد سهوا أكمل أسبوعين، وصلى ركعتي
الواجب قبل السعي والمندوب بعده. ولو نقص من طوافه وقد تجاوز النصف
أتم، ولو رجع إلى أهله استناب، ولو كان أقل استأنف، وكذا من قطع الطواف
لحاجة أو صلاة نافلة.
ولا يجوز تقديم طواف حج التمتع وسعيه على الوقوف إلا لخائفة الحيض
ولو حاضت قبله انتظرت الوقوف، فإن لم تطهر بطلت متعتها وصارت حجتها
مفردة، وتقضي العمرة بعد ذلك. ولو حاضت خلاله فإن تجاوزت النصف
تركت بقية الطواف وفعلت بقية المناسك، ثم قضت الفائت بعد طهرها، وإلا
فحكمها حكم من لم تطف.
والمستحاضة إذا فعلت ما يجب عليها كانت كالطاهرة.
الباب السابع: في السعي:
وهو واجب في كل إحرام مرة، وتجب فيه النية، والبدأة بالصفا والختم
بالمروة، والسعي سبعة أشواط من الصفا إليه شوطان.
ويستحب فيه الطهارة، واستلام الحجر، والشرب من زمزم، والاغتسال من
288

الدلو المقابل للحجر، والخروج من باب الصفا والصعود عليه، واستقبال ركن
الحجر بالتكبير والتهليل سبعا، والدعاء والمشي طرفيه، والهرولة من المنارة إلى
زقاق العطارين فإنه من وادي محسر، والسعي ماشيا.
وهو ركن يبطل الحج بتركه عمدا لا سهوا، ويعود لأجله، فإن تعذر
استناب، ولو زاد على السبع عمدا بطل لا سهوا، ويعيده لو لم يحصل عدد
أشواطه، ولو قطعه لقضاء حاجة أو صلاة فريضة تممه، ولو ظن الإتمام فأحل
وواقع أهله وقلم الأظفار ثم ذكر نسيان شوط أتم ويكفر ببقرة.
وإذا فرع من سعي العمرة قصر، وأدناه أن يقص أظفاره أو شيئا من شعره،
ولا يحلق رأسه، فإن فعل كان عليه دم، وكذا لو نسيه حتى أحرم بالحج، ومع
التقصير يحل من كل شئ أحرم منه إلا الصيد ما دام في الحرم، ويستحب له أن
يتشبه بالمحرمين في ترك لبس المخيط.
الباب الثامن: في أفعال الحج:
وفيه فصول:
الأول: في إحرام الحج:
إذا فرع من العمرة وجب عليه الإحرام بالحج من مكة، ويستحب أن يكون
يوم التروية عند الزوال من تحت الميزاب.
وكيفيته كما تقدم، إلا أنه ينوي إحرام الحج، ويقطع التلبية يوم عرفة عند
الزوال.
ولو نسيه حتى يحصل بعرفات أحرم بها إذا لم يتمكن من الرجوع، ولو لم
يتذكر حتى يقضي مناسكه لم يكن عليه شئ.
الفصل الثاني: في الوقوف بعرفات:
وهو ركن في الحج، يبطل الإخلال به عمدا، ولو تركه ناسيا حتى فات
289

وقته ولم يحصل بالمشعر بطل حجه.
ويجب فيه النية، والوقوف بعرفات إلى غروب الشمس من يوم عرفة، ولو
لم يتمكن من الوقوف نهارا وقف ليلا ولو قبل الفجر، ولو لم يتمكن أو نسي حتى
طلع الفجر وقف بالمشعر وأجزأه، ولو أفاض منها قبل الغروب وجب عليه بدنة،
ولو عجز صام ثمانية عشر يوما إن كان عالما، وإن كان جاهلا أو ناسيا فلا شئ
عليه.
ونمرة وثوية وذو المجاز وعرنة والأراك حدود لا يجزئ الوقوف بها.
ويستحب أن يخرج إلى منى يوم التروية بعد الزوال والإمام يصلي بها ثم
يثبت بها إلى فجر عرفة، ولا يجوز وادي محسر حتى تطلع الشمس، ويدعو عند
نزولها والخروج منها وفي الطريق، وأن يقف مع السفح في ميسرة الجبل داعيا
قائما، وأن يجمع بين الظهرين بأذان وإقامتين.
ويكره الوقوف في أعلى الجبل وقاعدا وراكبا.
الفصل الثالث: في الوقوف بالمشعر:
وإذا غربت الشمس من يوم عرفة أفاض إلى المشعر.
ويستحب أن يقتصد في المسير، ويدعو عند الكثيب الأحمر، ويؤخر
العشائين حتى يصليهما فيه ولو صار ربع الليل، ويجمع بينهما بأذان وإقامتين.
وتجب فيه النية، والكون فيه بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، ولو فاته
لضرورة فإلى الزوال، ولو أفاض قبل الفجر عالما عامدا كفر بشاة وصح حجه
إن وقف بعرفة، ويجوز للمرأة والخائف الإفاضة قبله.
وحد المشعر بين المأزمين إلى الحياض إلى وادي محسر.
وهذا الوقوف ركن، من تركه ليلا ونهارا عمدا بطل حجه، ولو كان ناسيا
وأدرك عرفات صح حجه.
290

مسائل: الأولى: وقت الوقوف الاختياري بعرفة من زوال الشمس يوم عرفة إلى
غروبها، والاضطراري إلى الفجر.
ووقت الوقوف الاختياري بالمشعر من طلوع الفجر يوم النحر إلى طلوع
الشمس، والاضطراري إلى الزوال، فإن أدرك أحد الموقفين اختيارا وفاته الآخر
لضرورة صح حجه، وإن أدرك الاضطراريين معا فاته الحج على قول، أما لو
أدرك أحدهما فإنه يبطل حجه إجماعا.
الثانية: من فاته الحج سقطت عنه أفعاله، ويحل بعمرة مفردة، ويقضي الحج
في القابل مع الوجوب.
الثالثة: يستحب الوقوف بعد الصلاة والدعاء، ووطأ المشعر بالرجل
للضرورة، والصعود على قزح، وذكر الله عليه.
الرابعة: يستحب التقاط حصى الرمي منه، ويجوز من أي جهات الحرم كان
عدا المساجد.
الفصل الرابع: في نزول منى:
ويجب يوم النحر بمنى ثلاثة:
أحدها: رمي جمرة العقبة بسبع حصيات ملتقطة من الحرم أبكارا مع النية،
وإصابة الجمرة بفعله بما يسمى رميا.
ويستحب أن تكون رخوة برشا قدر الأنملة ملتقطة لا مكسرة ولا صلبة،
والدعاء عند كل حصاة، والطهارة، والتباعد بمقدار عشرة أذرع إلى خمسة عشر
ذراعا، والرمي خذفا وأن يستقبل هذه الجمرة ويستدبر القبلة، وفي غيرها
يستقبلها. ويجوز الرمي عن العليل.
الثاني: الذبح، ويجب بعد الرمي الذبح مرتبا، وهو الهدي، على المتمتع
خاصة، في الفرض والنفل، وللمولى إلزام المملوك بالصوم أو أن يهدي عنه، فإن
291

عتق قبل أحد الموقفين لزمه الهدي مع القدرة، وإلا صام.
وتجب فيه النية، وذبحه بمنى يوم النحر، وعدم المشاركة في الواجب، وأن
يكون من النعم ثنيا قد دخل في السادسة إن كان من البدن، وفي الثانية إن كان
من البقر والغنم، ويجزئ من الضأن الجذع لسنة تاما غير مهزول بحيث لا يكون
على كليتيها شحم.
ويستحب أن تكون سمينة قد عرف بها، إناثا من الإبل والبقر، وذكرانا من
الضأن والمعز، والدعاء عند الذبح، وأن يأكل ثلثه ويهدي ثلثه ويطعم القانع
والمعتر ثلثه.
ولو فقد الهدي ووجد ثمنه خلفه عند من يشتريه ويذبحه طول ذي الحجة،
ولو فقده صام ثلاثة أيام متتابعة في الحج وسبعة إذا رجع، ويجوز تقديم الثلاثة
من أول ذي الحجة ولا يجوز تقديمها عليه، فإن خرج ولم يصمها تعين الهدي في
القابل بمنى.
وأما هدي القران فيجب ذبحه أو نحره بمنى إن قرن بالحج، وبمكة إن قرن
بالعمرة، ويجوز ركوب الهدي وشرب لبنه ما لم يضر به وبولده، وإذا هلك
هدي القران لم يلزمه بدله إلا أن يكون مضمونا، ولا يتعين للصدقة إلا بالنذر، ولا
يعطي الجزار من الهدي الواجب.
وأما الأضحية فمستحبة يوم النحر وثلاثة بعده بمنى ويومان في غيرها،
ويجزئ هدي التمتع عنها، فلو فقدها تصدق بثمنها، ويكره التضحية بما يربيه،
وإعطاء الجزار الجلود.
الثالث: الحلق، ويجب يوم النحر بعد الذبح الحلق أو التقصير بمنى والحلق
أفضل، ويتأكد للصرورة والملبد، ويتعين في المرأة التقصير.
ولو رحل قبل الحلق أو التقصير رجع وفعل أحدهما، فإن تعذر حلق أو
قصر أين كان - وجوبا - وبعث شعره إلى منى ليدفن بها استحبابا، ومن ليس على
رأسه شعر يمر الموسي عليه.
292

ولا يزور البيت قبل التقصير، فإن طاف قبله عمدا كفر بشاة، ولا شئ
على الناسي ويعيد طوافه.
فإذا حلق أو قصر أحل مما عدا الطيب والنساء، فإذا طاف طواف الزيارة
حل الطيب، ويحل النساء بطوافهن.
الفصل الخامس: في بقية المناسك:
فإذا تحلل بمنى مضى - ليومه أو غده إن كان متمتعا، ويجوز للقارن والمفرد
طول ذي الحجة - إلى مكة لطواف الحج، ويصلي ركعتيه ثم يسعى للحج ثم
يطوف للنساء كل ذلك سبعا، ثم يصلي ركعتيه، وصفة ذلك كما قلنا في أفعال
العمرة، وطواف النساء واجب على كل حاج.
فإذا فرع من هذه المناسك رجع إلى منى وبات بها ليلتي الحادي عشر
والثاني عشر من ذي الحجة واجبا، ويرمي في اليومين الجمار الثلاث، كل جمرة
في كل يوم بسبع حصيات، يبدأ بالجمرة الأولى ويرميها عن يسارها مكبرا داعيا
ثم الثانية كذلك ثم الثالثة، ولو نكس أعاد على ما يحصل معه الترتيب.
ووقت الرمي ما بين طلوع الشمس إلى غروبها، ولا يجوز الرمي ليلا إلا
للمعذور كالخائف والرعاة والعبيد، فإن أقام اليوم الثالث رماها أيضا وإلا دفن
حصاه بمنى، ولو بات الليلتين بغير منى وجب عليه عن كل ليلة شاة، إلا أن يبيت
بمكة مشتغلا بالعبادة، ويجوز أن يخرج بعد نصف الليل.
ويجوز النفر الأول لمن اتقى [الصيد والنساء] إذا لم تغرب الشمس في
الثاني عشر بمنى ولا يجوز لغيره، فإن نفر كان عليه شاة، والنافر في الأول يخرج
بعد الزوال وفي الثاني يجوز قبله.
ولو نسي رمي يوم قضاه من الغد مقدما، ولو نسي جمرة وجهل عينها رمى
الثلاث، ولو نسي الرمي حتى دخل مكة رجع ورمى، فإن تعذر مضى ورمى في
القابل أو استناب مستحبا، ويستحب الإقامة بمنى أيام التشريق.
فإذا فرع من هذه المناسك تم حجه، واستحب له العود إلى مكة لطواف
293

الوداع ودخول الكعبة خصوصا للصرورة، والصلاة في زواياها وبين الأسطوانتين
وعلى الرخامة الحمراء، ودخول مسجد الحصبة والصلاة فيه، والاستلقاء على
قفاه، وكذلك مسجد الخيف، ويخرج من المسجد من باب الحناطين، ويسجد
عند باب المسجد ويدعو، ويشتري بدرهم تمرا يتصدق به. ويكره أن يجاور
بمكة، ويستحب بالمدينة، والحائض تودع من باب المسجد.
ثم يأتي المدينة لزيارة النبي عليه السلام استحبابا مؤكدا، وزيارة فاطمة عليها
السلام من الروضة، وزيارة الأئمة عليهم السلام بالبقيع، وزيارة الشهداء
خصوصا حمزة بأحد، والاعتكاف ثلاثة أيام بها.
الباب التاسع: في العمرة:
وهي فريضة مثل الحج بشرائطه وأسبابه.
وأفعالها: النية والإحرام والطواف وركعتاه والسعي وطواف النساء
وركعتاه والتقصير أو الحلق.
وليس في المتمتع بها طواف النساء.
ويجوز المفردة في جميع أيام السنة وأفضلها رجب، والقارن والمفرد يأتي
بها بعد الحج، والمتمتع بها يجزئ عنها.
ولو اعتمر في أشهر الحج جاز أن ينقلها إلى التمتع، ويجوز في كل شهر،
وأقله في كل عشرة أيام، ولا حد لها عند السيد المرتضى.
الباب العاشر: في المحصور والمصدود:
المصدود: الممنوع بالعدو، فإن تلبس بالإحرام نحر هديه وأحل من كل
شئ أحرم منه، وإنما يتحقق الصد بالمنع عن مكة أو عن الموقفين ولا يسقط
الواجب، ويسقط المندوب، ولا يصح التحلل إلا بالهدي ونية التحلل، ويجزئ
هدي السياق عنه، والمعتمر المصدود كالحاج.
294

والمحصر: هو الممنوع بالمرض، فيبعث هديه إن لم يكن قد ساق، وإلا
اقتصر على هدي السياق، فإذا بلغ محله - وهو منى إن كان حاجا ومكة إن كان
معتمرا - قصر، وأحل إلا من النساء حتى يحج في القابل إن كان واجبا، أو
يطاف طواف النساء عنه إن كان ندبا، ولو زال الحصر التحق، فإن أدرك أحد
الموقفين صح حجه، وإلا فلا.
295

إرشاد الأذهان
للشيخ جمال الدين أبي منصور الحسن بن سديد الدين يوسف بن زين الدين
علي بن محمد مطهر الحلي المشتهر بالعلامة الحلي والعلامة على الإطلاق
647 - 726 ه‍. ق
297

كتاب الحج
والنظر في أمور أربعة:
الأول: في أنواعه:
وهو: واجب، وندب.
فالواجب بأصل الشرع مرة واحدة على الفور وهي: حجة الإسلام، وغيرها
يجب: بالنذر وشبهه، وبالاستئجار، والإفساد.
والندب: ما عداه.
وكل من هذه إما تمتع أو قران أو إفراد.
فالتمتع: أن يحرم من الميقات للعمرة المتمتع بها، ثم يمضي إلى مكة
فيطوف سبعا ويصلي ركعتيه ويسعى للعمرة ويقصر، ثم يحرم من مكة يوم
التروية ويخرج إلى عرفات فيقف بها إلى غروب الشمس يوم عرفة ثم يفيض إلى
المشعر فيقف به من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، ثم يأتي منى فيرمي جمرة
العقبة بسبع حصيات، ثم يذبح هديه، ثم يحلق رأسه، ثم يمضي إلى مكة فيطوف
للحج ويصلي ركعتيه، ثم يسعى للحج، ثم يطوف للنساء ويصلي، ثم يرجع إلى
منى فيبيت ليلة الحادي عشر والثاني عشر ويرمي في اليومين الجمار الثلاث، ثم
ينفر إن شاء أو يقيم إلى الثالث فيرميه.
والمفرد: يحرم من الميقات، ثم يمضي إلى عرفة والمشعر فيقف بهما، ثم
299

يأتي منى فيقضي مناسكه، ثم يطوف بالبيت للحج ويصلي ركعتيه، ثم يسعى، ثم
يطوف للنساء، ثم يرجع إلى منى فيرمي اليومين أو الثلاثة، ثم يأتي بعمرة مفردة.
والقارن: كذلك، إلا أنه يقرن بإحرامه هديا.
والتمتع فرض من نأى منزله عن مكة باثني عشر ميلا من كل جانب،
والباقيان فرض أهل مكة وحاضريها، ولو عدل كل منهم إلى فرض الآخر
اضطرارا جاز لا اختيارا.
ويجوز للمفرد لا للقارن إذا دخل مكة العدول إلى التمتع، ولو دخل القارن
والمفرد مكة جاز لهما الطواف، ويستحب لهما تجديد التلبية عند كل طواف ولا
يجب ولا يحلان إلا بالنية على رأي.
وذو المنزلين يلزم فرض أغلبهما إقامة، فإن تساويا تخير.
ولو حج المكي على ميقات أحرم منه وجوبا.
وينتقل فرض المقيم ثلاث سنين إلى المكي، ودونها يتمتع، فيخرج إلى
الميقات إن تمكن، وإلا فخارج الحرم، ولو تعذر أحرم من موضعه.
ولا يجوز الجمع بين الحج والعمرة بنية واحدة، ولا إدخال أحدهما على
الآخر، ولا نية حجتين، ولا عمرتين.
النظر الثاني: في الشرائط:
يشترط في حجة الإسلام: التكليف، والحرية، والاستطاعة وهي: الزاد
والراحلة ومؤونة عياله، وإمكان المسير وهو: الصحة وتخلية السرب والقدرة على
الركوب، وسعة الوقت.
فلا يجب على الصبي والمجنون، ولو حجا أو حج عنهما لم ى جزئ عن حجة
الإسلام، ولو حجا ندبا ثم كملا قبل المشعر أجزأ، ويحرم المميز، والولي عن غير
المميز والمجنون.
ولو حج المملوك بإذن مولاه لم يجزئ عن حجة الإسلام، إلا أن يدرك
300

المشعر معتقا، ويتم لو أفسده ويقضيه، ويجزئه القضاء إن كان عتقه قبل المشعر،
وإلا فلا.
ومن وجد الزاد والراحلة على نسبة حاله وما يمون عياله ذاهبا وعائدا فهو
مستطيع وإن لم يرجع إلى كفاية على رأي.
ولا تباع ثيابه ولا داره ولا خادمه، ولو وجد بالثمن وجب الشراء وإن كان
بأكثر من ثمن المثل على رأي.
والمديون لا يجب عليه شئ إلا أن يفضل عن دينه قدر الاستطاعة، ولا يجوز
صرف المال في النكاح وإن شق.
ولو بذل له زاد وراحلة ومؤونة عياله وجب، ولو وهب مالا يستطيع به لم
يجب القبول.
ولو استؤجر لعمل في السفر بقدر الكفاية وجب، ولا يجب القبول.
ولو حج الفقير متسكعا لم يجزئ عن حجة الإسلام - إلا مع إهمال
المستقرة - ولو تسكع الغني أجزأه.
ولو كان النائب معسرا أجزأت عن المنوب لا عنه لو استطاع، ولو حج عن
المستطيع الحي غيره لم يجزئ.
ولا يجب الاقتراض للحج، ولا بذل الولد ماله لوالده فيه.
والمريض إن قدر على الركوب وجب عليه، وإلا فلا.
ولو افتقر إلى الرفيق مع عدمه، أو إلى الأوعية والآلات مع العدم، أو إلى
الحركة القوية مع ضعفه، أو إلى مال للعدو في الطريق مع تمكنه على رأي سقط.
ولو منعه عدو، أو كان معضوبا لا يستمسك على الراحلة سقط، ولا يجب
على الممنوع بمرض أو عدو الاستنابة على رأي.
ولو مات بعد الاستقرار قضي من الأصل من أقرب الأماكن، وإلا فلا، ولو
اختص أحد الطريقين بالسلامة وجب سلوكه وإن بعد، ولو تساويا فيه تخير، ولو
اشتركا في العطب سقط، ولو مات بعد الإحرام ودخول الحرم أجزأ.
301

ومع حصول الشرائط يجب، فإن أهمل استقر في ذمته.
ويجب على الكافر، ولا يصح منه إلا بالإسلام، فإن أحرم حال كفره لم
يجزئ عنه، فإن أسلم أعاده من الميقات إن تمكن، وإلا خارج الحرم، وإلا في
موضعه، ولو ارتد بعد إحرامه لم يبطل لو ناب، والمخالف يعيد مع إخلال
ركن.
وليس للمرأة ولا العبد الحج تطوعا بدون إذن الزوج والمولى.
ولا يشترط المحرم إلا مع الحاجة، ولا إذن الزوج في الواجب.
ويشترط في النذر: البلوغ، والعقل، والحرية، ولو أذن المولى انعقد نذر
العبد، وكذا الزوجة.
ولو مات بعد استقراره قضي من الأصل، وتقسط التركة عليها، وعلى حجة
الإسلام، وعلى الدين بالحصص.
وإن عينه بوقت تعين، فإن عجز فيه سقط، وإن أطلق توقع المكنة لو عجز،
ولا تجزئ عن حجة الإسلام، وبالعكس.
ولو نذره ماشيا وجب، فإن ركب متمكنا أعاد، وعاجزا يتوقع المكنة مع
الإطلاق، ومع التقييد يسقط.
ويشترط في النائب: كمال العقل، والإسلام، وأن لا يكون عليه حج واجب،
وتعيين المنوب عنه قصدا.
ولا تصح عن المخالف - إلا أن يكون أبا للنائب - ولا نيابة المميز على
رأي، ولا العبد بدون إذن المولى، ولا في الطواف عن الصحيح الحاضر.
وتصح نيابة الصرورة مع عدم الوجوب، وإن كان امرأة عن رجل أو
امرأة.
ولو مات النائب بعد الإحرام ودخول الحرم أجزأ عن المنوب، وإلا استعيد
من الأجرة بما قابل المتخلف ذاهبا وعائدا، وكذا لو صد قبل الإحرام.
ويجب أن يأتي بالمشترط، إلا في الطريق، والعدول إلى التمتع مع قصد
302

الأفضل.
ولو استأجره اثنان للإيقاع في عام صح السابق، وإلا بطلا، ولو كان في
عامين صحا.
ولو أفسد، حج من قابل واستعيدت الأجرة.
والإطلاق يقتضي التعجيل، وعليه ما يلزمه من الكفارات والهدي، ولو
أحصر تحلل بالهدي ولا قضاء عليه.
ولو أحرم عن المنوب، ثم نقل النية لم يجزئ عن أحدهما على رأي،
وتستعاد الأجرة مع التقييد.
ولو أوصى بقدر أخرج أجرة المثل للواجب من الأصل والزائد من الثلث،
وفي الندب يخرج الجميع من الثلث.
وتكفي المرة مع الإطلاق، ومع التكرار بالثلاث، ولو كرر ولم يف القدر
جمع نصيب أكثر من سنة لها.
والمستودع يقتطع أجرة المثل في الواجب، مع علم عدم الأداء.
ويشترط في حج التطوع: الإسلام، وأن لا يكون عليه حج واجب، وإذن
المولى والزوج، ولا يشترط البلوغ.
ويشترط في حج التمتع: النية، ووقوعه في أشهر الحج - وهي: شوال،
وذو القعدة، وذو الحجة - والإتيان به وبالعمرة في عام واحد، والإحرام بالحج من
مكة، فلو أحرم من غيرها رجع، فإن تعذر أحرم حيث قدر.
وشرط القارن والمفرد: النية، ووقوعه في أشهر الحج، وعقد إحرامه من
الميقات أو منزله إن كان أقرب.
303

النظر الثالث: في الأفعال:
وفيه مقاصد:
الأول: في الإحرام:
ومطالبه أربعة:
الأول: في المواقيت:
ويجب الإحرام منها على كل من دخل مكة - إلا من دخلها بعد إحرام قبل
الشهر، والمتكرر - فلو أحرم قبلها لم يصح، إلا للناذر، ومن يعتمر في رجب إذا
خاف خروجه قبل الوصول.
ولا يكفي مرور المحرم قبلها عليها، بل يجب تجديده عند ها، فإن تعذر
خرج إلى الحل، فإن تعذر أحرم من موضعه، وكذا الناسي، وغير القاصد
للنسك، والمتمتع المقيم بمكة.
ولو أخره عامدا وجب الرجوع، فإن تعذر بطل، ولو نسي الإحرام أصلا
وقضى المناسك أجزأ على رأي.
والمواقيت ستة:
لأهل العراق: العقيق، وأفضله المسلخ، وأوسطه غمرة، وآخره ذات عرق،
ولأهل المدينة اختيارا: بمسجد الشجرة، واضطرارا: الجحفة، وهي ميقات أهل
الشام.
ولأهل اليمن: يلملم.
ولأهل الطائف: قرن المنازل.
ومن كان منزله أقرب: فمنزله.
وهذه مواقيت لأهلها والمجتاز عليهم، ولو سلك ما لا يفضي إلى أحدها أحرم
عند ظن المحاذاة لأحدها.
304

المطلب الثاني: في كيفيته:
ويجب فيه: النية المشتملة على قصد حجة الإسلام أو غيرها، تمتعا أو قرانا أو
إفرادا أو عمرة مفردة، لوجوبه أو ندبه، متقربا به إلى الله تعالى، واستدامتها حكما.
والتلبيات الأربع - وصورتها: لبيك اللهم لبيك لبيك إن الحمد والنعمة
لك والملك لا شريك لك لبيك - للمتمتع والمفرد، ويتخير القارن بين عقده
بها، وبالإشعار المختص بالبدن، أو التقليد المشترك.
ولبس الثوبين مما تصح فيه الصلاة.
ويبطل الإحرام: بإخلال النية عمدا وسهوا، وبأن ينوي النسكين معا،
والأخرس يحرك لسانه بالتلبية ويعقد قلبه، ولو فعل المحرم قبلها فلا كفارة.
ويجوز: الحرير للنساء، والمخيط لهن، وتعديد الثياب، والإبدال، ولبس
القباء مقلوبا للفاقد.
ويحرم إنشاء إحرام قبل إكمال أفعال الأول، ولو أحرم بحج التمتع قبل
التقصير ناسيا فلا شئ، وعامدا يبطل تمتعه ويصير حجه مفردا على رأي.
ويجرد الصبيان من فخ، ويجنب ما يجتنبه المحرم، فإن فعل ما يوجب
الكفارة لزم الولي، وكذا ما يعجز عنه، والهدي أو الصيام.
ويستحب: تكرار التلبية للحاج إلى الزوال يوم عرفة - وإذا شاهد بيوت
مكة للمعتمر تمتعا، وإذا دخل الحرم للمعتمر إفرادا إن أحرم بها من خارج، وإذا
شاهد الكعبة إن أحرم بها من مكة ورفع الصوت بها للرجال، والاشتراط،
والإحرام في القطن، وتوفير شعر الرأس من أول ذي القعدة للمتمتع - ويتأكد
عنه هلال ذي الحجة - وتنظيف الجسد، وقص الأظفار، وأخذ الشارب، وإزالة
الشعر، والإطلاء، والغسل، والإحرام عقيب فريضة الظهر، أو غيرها، أو ست
ركعات وأقله ركعتان.
والمرأة كالرجل، إلا في تحريم المخيط، ولا يمنعها الحيض منه، فإن تركته
ظنا بالمنع رجعت مع المكنة، وإلا خارج الحرم وإلا في موضعها.
305

المطلب الثالث: في تروكه:
يجب على المحرم اجتناب: صيد البر - وهو: كل حيوان ممتنع يبيض
ويفرخ في البر - أكلا، وذبحا، واصطيادا، وإشارة، ودلالة، وإغلاقا، وإمساكا.
والنساء وطأ، وعقدا له ولغيره، وشهادة عليه، وإقامة، وتقبيلا، ونظرا
بشهوة.
والاستمناء والطيب مطلقا على رأي وإن كان في الطعام، إلا خلوف الكعبة.
والاكتحال بالسواد، والنظر في المرآة، والجدال - وهو قول: لا والله وبلى
والله - والكذب، وقتل هو أم الجسد، ولبس الخاتم للزينة لا للسنة، ولبس ما يستر
ظهر القدم اختيارا، والادهان اختيارا، وإزالة الشعر وإن قل، وإخراج الدم من غير
ضرورة، وقص الأظفار، وقطع الشجر والحشيش النابت في غير ملكه - عدا
شجر الفواكه والإذخر والنخل - ولبس المخيط للرجال، والحلي غير المعتاد
للنساء، وإظهار المعتاد للزوج، والتظليل للرجل الصحيح سائرا - ولو زامل
عليلا أو امرأة اختصا بالتظليل دونه - وتغطية الرجل رأسه وإن كان في
الارتماس.
وفرخ الصيد وبيضه والجراد كالصيد، وإذا ذبح المحرم صيدا كان ميتة،
وكذا لو ذبحه المحل في الحرم، فلو ذبحه المحل في الحل جاز للمحل أكله في
الحرم.
ويقدم قول مدعي إيقاع العقد في الإحلال، لكن ليس للمرأة المطالبة بالمهر
لو أنكرته، ولو أوقعه الوكيل المحل حال إحرام الموكل بطل، ويجوز مراجعة
الرجعية، وشراء الأمة.
ويقبض على أنفه لو اضطر إلى طعام فيه طيب أو لمسه.
ولو فقد غير السراويل لبسه، ولا يزر الطيلسان لو اضطر إليه، يحول القملة
إلى موضع آخر من بدنه، ويلقي الحلم والقراد.
والمرأة تسفر عن وجهها، ويجوز أن تلقي القناع من رأسها إلى طرف أنفها.
306

ويكره: لبس السلاح اختيارا، والإحرام في السواد، والمعصفر، والوسخة،
والمعلمة، والحناء للزينة، والنقاب للمرأة، والحمام، واستعمال الرياحين، وتلبية
المنادي.
المطلب الرابع: في الكفارات:
وفيه مقامان:
الأول: في كفارة الصيد:
في النعامة: بدنة، أو يفض ثمن البدنة على البر - ويطعم ستين مسكينا لكل
مسكين نصف صاع، والفاضل له، ولا يلزم التمام لو أعوز - أو يصوم عن كل
مسكين يوما، فإن عجز صام ثمانية عشر.
وفي فرخها: من صغار الإبل.
وفي بقرة الوحش وحماره: بقرة، أو يفض الثمن على البر - ويطعم لكل
مسكين نصف صاع، والفاضل عن ثلاثين له، ولا يلزمه لو أعوز - أو يصوم عن
كل مسكين يوما، فإن عجز صام تسعة أيام.
وفي الظبي: شاة، أو يفض ثمنها على البر - ويطعم لكل مسكين مدين،
والفاضل عن عشرة له، ولا يلزمه الإكمال - أو يصوم لكل مسكين يوما، فإن
عجز صام ثلاثة أيام.
وفي الثعلب والأرنب شاة.
وفي كسر بيض النعام: لكل بيضة بكرة من الإبل إن تحرك الفرخ، وإلا
أرسل فحولة الإبل في إناث بعدده فالناتج هدي، فإن عجز فعن كل بيضة شاة،
فإن عجز أطعم عشرة مساكين، فإن عجز صام ثلاثة أيام.
وفي كسر بيض القطاة والقبج: لكل بيضة مخاض من الغنم إن تحرك،
وإلا أرسل فحولة الغنم في إناث بعدده فالناتج هدي، فإن عجز فكبيض النعام.
وفي الحمام: - وهو: كل مطوق - كل حمامة شاة على المحرم في الحل،
307

ولكل فرخ حمل، وكذا لكل بيضة إن تحرك الفرخ، وإلا فدرهم، وعلى
المحل في الحرم: لكل حمامة درهم، ولكل فرخ نصف، ولكل بيضة ربع،
ويجتمعان على المحرم في الحرم، ويشتري بقيمة حمام الحرم علفا لحمامه.
وفي كل من القطاة والحجل والدراج: حمل فطيم.
وفي كل من القنفذ، والضب، واليربوع: جدي.
وفي كل من العصفور، والقنبرة، والصعوة: مد طعام.
وفي قتل الجرادة: كف، وكذا القملة يلقيها عن جسده، وقتل الزنبور عمدا
لا خطأ.
وفي كثير الجراد: شاة، ولو عجز عن التحرز فلا شئ.
وكل ما لا تقدير لفديته ففي قتله: قيمته، وكذا البيوض.
والأفضل أن يفدي المعيب بصحيح، والمماثل في الأنوثة والذكورة
- ويجوز بغيره - ويفدي الماخض بمثله، فإن تعذر قوم الجزاء ماخضا، ولا ضمان
لو شك في كونه صيدا، ويقوم الجزاء وقت الإخراج وما لا تقدير لفديته وقت
الإتلاف.
ويجوز صيد البحر - وهو: ما يبيض ويفرخ فيه - وأكله، والدجاج
الحبشي والنعم إذا توحشت.
ولا كفارة في السباع، ولا المتولد بين وحشي وإنسي، أو بين المحرم
والمحلل إذا لم يصدق الاسم.
ويجوز: قتل الأفعى والفأرة والعقرب والبرغوث، ورمي الحدأة والغراب،
وإخراج القماري والدباسي من مكة لا قتلها وأكلها، ولو أكل مقتولة فدى القتل
وضمن قيمة ما أكل.
ولو لم يؤثر الرمي فلا شئ، ولو جرحه ثم رآه سويا فربع القيمة، ولو جهل
حاله فالجميع، وكذا لو جهل التأثير.
وفي كسر قرني الغزال: نصف قيمته، وفي عينيه: الجميع، وكذا في يديه أو
308

رجليه.
ويضمن كل من المشتركين فداء كملا، وشارب لبن الظبية دما وقيمة اللبن،
ولو ضرب بطير على الأرض فدم وقيمتان.
ويزول بالإحرام ما يملكه من الصيود معه، فلو لم يرسله ضمن.
ولو أمسك المحرم فذبحه آخر فعلى كل فداء، ولو أمسكه محرم في الحل
فذبحه محل ضمن المحرم خاصة.
ولو أغلق على حمام الحرم وفراخ وبيض ضمن بالهلاك: الحمامة بشاة،
والفرخ بحمل، والبيضة بدرهم إن كان محرما.
ولو نفر حمام الحرم فشاة، وإن لم يرجع فعن كل واحد شاة.
ولو أوقد جماعة نارا فوقع طائر، فعلى كل واحد فداء كامل إن قصدوا،
وإلا فالجميع فداء.
والدال، والمخلص مع الإتلاف، ومغري الكلب، وممسك الأم حتى
يهلك الطفل، والقاتل خطأ، والسائق، والراكب مع وقوفه ضمناء، ولو كان
سائرا ضمن ما تجنيه بيديها خاصة.
ولو اضطرب المرمي فقتل آخر ضمن الجميع.
والمحل في الحرم عليه القيمة، والمحرم في الحل الفداء، ويجتمعان على
المحرم في الحرم.
وتتكرر الكفارة بتكرر الصيد سهوا وعمدا على رأي، ولا يدخل الصيد في
ملك المحرم بوجه، ويجوز للمضطر الأكل ويفدي، وإن كان عنده ميتة، فإن
تمكن من الفداء أكل الصيد، وإلا الميتة.
وفداء المملوك لصاحبه، وغيره يتصدق به.
ويذبح الحاج ما يلزمه بمنى، والمعتمر بمكة.
وحد الحرم بريد في مثله، من أصاب فيه صيدا ضمن، ويكره ما يؤم الحرم.
ولو رمى من الحل فقتل في الحرم ضمن، وكذا لو كان بعضه فيه، أو كان
309

على شجرة أصلها في الحل، أو كان على ما فرعها في الحل وأصلها في الحرم.
ومن نتف ريشة من حمام الحرم تصدق بالجانية، ولو أخرج من الحرم.
صيدا وجب إعادته، فإن تلف ضمنه، ولو كان مقصوصا وجب حفظه ثم يرسله
بعد عود ريشه.
المقام الثاني: في باقي المحظورات:
من جامع زوجته أو أمته، قبلا أو دبرا، محرما بحج أو عمرة، واجب أو
ندب، عامدا عالما بالتحريم قبل المشعر فسد حجه، وعليه إتمامه وبدنة والحج
من قابل، والافتراق إذا بلغا الموضع بمصاحبة ثالث إلى أن يفرغا، فإن طاوعته
الزوجة لزمها مثله، وإلا صح حجها وعليه بدنتان.
ولو جامع بعد المشعر، أو في غير الفرجين قبله عامدا فبدنة.
وفي الاستمناء بدنة، وفي الفساد به قولان.
ولو جامع أمته محلا وهي محرمة باذنه فبدنة أو بقرة أو شاة فإن عجز فشاة
أو صيام.
ولو جامع قبل طواف الزيارة فبدنة، فإن عجز فبقرة، فإن عجز فشاة.
ولو جامع وقد طاف للنساء ثلاثة أشواط فبدنة، ولو طاف خمسا فلا
كفارة، وفي الأربعة قولان.
ولو جامع قبل سعي العمرة في إحرامها فسدت، وعليه بدنة وقضاؤها.
ولو نظر إلى غير أهله فأمنى، فبدنة على الموسر وبقرة على المتوسط وشاة
على المعسر، ولو كان إلى أهله فلا شئ وإن أمنى، إلا أن يكون عن شهوة فبدنة.
ولو مسها بغير شهوة فلا شئ، وبشهوة شاة وإن لم يمكن، ولو قبلها فشاة،
وبشهوة جزور.
ولو أمنى عن ملاعبة فجزور، ولو استمع على المجامع من غير نظر فلا شئ،
ولو عقد المحرم على محرم فدخل فعلى كل منهما كفارة.
310

وفي الطيب - أكلا وإطلاء وبخورا وصبغا، ابتداء واستدامة - شاة.
وفي قص كل ظفر مد من طعام، وفي أظفار يديه شاة، وكذا في رجليه،
ولو اتحد المجلس فشاة.
ولو أدمى إصبعه بالإفتاء، فعلى المفتي شاة.
وفي المخيط دم، فإن اضطر جاز وعليه شاة.
وفي حلق الشعر شاة، أو إطعام عشرة لكل مسكين مد، أو صيام ثلاثة أيام.
وفي سقوط شئ بمس رأسه ولحيته كف من طعام، ولو كان في الوضوء
فلا شئ.
وفي نتف الإبطين شاة، وفي أحدهما إطعام ثلاثة مساكين.
وفي التظليل سائرا، وتغطية الرأس وإن كان بالارتماس أو الطين، وقلع
الضرس شاة.
وفي الجدال مرة كاذبا شاة، ومرتين بقرة، وثلاثا بدنة، وصادقا ثلاثا شاة.
وفي قلع الشجرة الكبيرة من الحرم بقرة، وفي الصغيرة شاة وإن كان
محلا، وفي الأبعاض قيمة، ويعيدها، فإن جفت ضمن، ولا كفارة في قلع
الحشيش وإن أتم.
وفي الأدهان شاة ولو في الضرورة، ويجوز أكل ما ليس بطيب كالشيرج
والسمن. ولو تعددت الأسباب تعددت الكفارة مع الاختلاف، ولو كرر الوطء
تكررت الكفارة، ولو كرر الحلق في وقتين تكررت لا في وقت واحد، ولو كرر
اللبس أو الطيب في مجلس فواحدة، ولو تعدد المجلس تعددت.
وتسقط الكفارة عن الجاهل والناسي والمجنون، إلا في الصيد، فإن الكفارة
تجب مع الجهل والنسيان والعمد.
وكل من أكل ما لا يحل للمحرم، أو لبس كذلك فعليه شاة.
311

المقصد الثاني: في الطواف:
وهو ركن يبطل الحج بتركه عمدا، ويقضيه في السهو، ولو تعذر استناب.
ويجب فيه: الطهارة، وإزالة النجاسة عن الثوب والبدن، والختان في
الرجل، والنية، والبدأة بالحجر، والختم به، والطواف سبعا، وجعل البيت على
يساره، وإدخال الحجر، وإخراج المقام، وركعتاه في مقام إبراهيم عليه السلام،
فإن منعه زحام صلى خلفه أو إلى أحد جانبيه.
ويستحب: الغسل لدخول مكة، والغسل من بئر ميمون أو فخ - فإن تعذر
فمن منزله - ومضغ الأذخر، ودخول مكة من أعلاها حافيا بسكينة ووقار
والغسل لدخول المسجد، ودخوله من باب بني شيبة، والوقوف عندها، والدعاء،
والطهارة في النفل، والوقوف عند الحجر، وحمد الله، والصلاة على النبي وآله
عليه السلام، والدعاء، والاستلام، والتقبيل، والرمل ثلاثا والمشي أربعا، والتزام
المستجار، وبسط اليدين عليه، وإلصاق بطنه وخده به، والتزام الأركان خصوصا
العراقي واليماني، وطواف ثلاثمائة وستين طوافا - وإلا فثلاثمائة وستين شوطا -
والتداني من البيت.
ويكره: الكلام فيه بغير الدعاء والقراءة والزيادة في النفل.
وتحرم الزيادة على السبع في الواجب عمدا، فإن زاد سهوا أكمل أسبوعين
استحبابا، وصلى للفرض أولا وللنفل بعد السعي.
ولو طاف في النجس عالما أعاد، ولو لم يعلم صح، ولو علم في الأثناء أزال
النجاسة وتممه.
ولو نقص عدده، أو قطعه لدخول البيت أو لحاجة أو لمرض أو لحدث،
فإن تجاوز النصف رجع فأتمه - ولو عاد إلى أهله استناب - ولو كان دونه
استأنف.
ولو ذكر في السعي النقص أتم الطواف مع تجاوز النصف ثم أتم السعي
ولو ذكر الزيادة في الثامن قبل وصول الحجر قطع.
312

ولو شك في عدده بعد الانصراف لم يلتفت، وإن كان في الأثناء، فإن كان
في الزيادة قطع ولا شئ وإن كان في النقيصة استأنف، وفي النافلة يبني على
الأقل، ولو ذكر عدم الطهارة استأنف في الفريضة.
وطواف النساء واجب على كل حاج ومعتمر، إلا في عمرة التمتع.
ولو نسي طواف الزيارة حتى واقع بعد الذكر فبدنة، ويستنيب لو نسي
طواف النساء.
ويجب تأخره عن الموقف ومناسك منى في حج التمتع، إلا للمعذور
- ويجوز تقديمه للمفرد والقارن - ويجب تأخير طواف النساء عن السعي، إلا
لعذر أو سهو، ولو كان عمدا لم يجز.
ويحرم لطواف وعليه برطلة في العمرة، ولا ينعقد نذر الطواف على أربع،
ويجوز التعويل على الغير في العدد.
ولو حاضت قبل طواف العمرة انتظرت الوقوف، فإن ضاق بطلت متعتها
ووقفت وصارت حجتها مفردة وتقضي العمرة، ولو حاضت بعد مجاوزة النصف
تمت متعتها وقضت الباقي بعد المناسك، أو استنابت فيه مع التعذر، ولو حاضت
قبله فهي كمن لم يطف.
والمستحاضة كالطاهر إذا فعلت ما يجب عليها. المقصد الثالث: في السعي:
وهو ركن يبطل الحج بتركه عمدا، ولو تركه سهوا أتى به، فإن خرج.
عاد، فإن تعذر استناب.
ويجب فيه: النية، والبدأة بالصفا: بأن يلصق عقبيه به، والختم بالمروة: بأن
يلصق أصابع رجليه بها، والسعي سبعا من الصفا إليه شوطان.
ويستحب: الطهارة، واستلام الحجر، والشرب من زمزم، والصب على
الجسد من الدلو المقابل للحجر، والخروج من الباب المحاذي له، والصعود على
313

الصفا، واستقبال العراقي، والإطالة، والدعاء والتكبير سبعا، والتهليل سبعا،
والمشي طرفيه: والهرولة بين المنارة وزقاق العطارين - ولو نسيها رجع
القهقرى - والدعاء خلاله.
ويحرم: الزيادة عمدا - ويبطل بها - لا سهوا، وتقديمه على الطواف عمدا،
فيعيده بعد الطواف لو قدمه.
ولو ذكر النقيصة قضاها، ولو كان متمتعا وظن إتمامه فأحل وواقع أو قلم
أرقص شعره، فعليه بقرة وإتمامه.
ولو لم يحصل العدد، أو شك في المبدأ وكان في المزدوج على المروة
أعاد، وبالعكس لا إعادة.
ويجوز قطعه لقضاء حاجة وصلاة فريضة، ثم يتمه.
فإذا فرع من سعي عمرة التمتع قصر وأحل من كل شئ أحرم منه، وأدناه
أن يقصر شيئا من شعر رأسه، أو يقص أظفاره، ولا يحلق، فإن فعل فعليه دم، ولو
نسيه حتى أحرم بالحج فعليه دم.
المقصد الرابع: في إحرام الحج والوقوف:
فإذا فرع من العمرة وجب عليه الإحرام بالحج من مكة، ويستحب أن
يكون يوم التروية عند الزوال من تحت الميزاب، فإن نسيه رجع، فإن تعذر أحرم
ولو بعرفة.
وصفته كما تقدم، إلا أنه ينوي إحرام الحج، ثم يبيت بمنى مستحبا ليلة
عرفة، ثم يمضي إلى عرفة فيقف بها بعد الزوال إلى الغروب.
وهو ركن من تركه عمدا بطل حجه، وكذا لو كان سهوا ولم يقف
بالمشعر.
ويجب فيه: النية، والكون بها إلى الغروب، فلو أفاض قبله جاهلا أو ناسيا
وعاد قبل الغروب فلا شئ، وعامدا عليه بدنة، فإن عجز صام ثمانية عشر يوما،
314

ولو لم يتمكن نهارا وقف ليلا، ولو فاته بالكلية جاهلا أو ناسيا أو مضطرا أجزأه
المشعر.
ويستحب: الوقوف في الميسرة في السفح، والدعاء له ولوالديه وللمؤمنين
بالمنقول، وأن يضرب خباءه بنمرة، وأن يجمع رحله، ويسد الخلل به وبنفسه،
والدعاء قائما.
ويكره: راكبا، وقاعدا، وفي أعلى الجبل.
ولا يجزئ لو وقف بنمرة، أو عرنة، أو ثوية، أو ذي المجاز، أو تحت
الأراك، فإذا غربت الشمس بعرفة أفاض ليلة النحر إلى المشعر.
ويستحب: الاقتصاد في سيره، والدعاء عند الكثيب الأحمر، وتأخير
العشائين إلى المشعر ولو تربع الليل - فإن منع في الطريق صلى - والجمع
بأذان وإقامتين، وتأخير نافلة المغرب إلى بعد العشاء.
ويجب فيه: النية، والوقوف بعد الفجر قبل طلوع الشمس، فلو أفاض قبل
الفجر عامدا بعد أن كان به ليلا فعليه دم شاة، ولا يبطل حجه إن كان وقف
بعرفة.
ويجوز للمرأة والخائف الإفاضة قبل الفجر ولا شئ عليهما، وكذا الناسي.
ولا يقف بغير المشعر، وحده: ما بين المأزمين إلى الحياض وإلى وادي
محسر، ويجوز مع الزحام الارتفاع إلى الجبل، ولو نواه ونام أو جن أو أغمي
عليه صح وقوفه على رأي.
ويستحب: الوقوف بعد صلاة الفجر، والدعاء، ووطء الصرورة المشعر
برجله، وذكر الله على قزح، والإقامة بمنى أيام التشريق لمن فاته الحج، ثم
يتحلل بعمرة.
خاتمة:
وقت الاختيار لعرفة: من زوال الشمس يوم عرفة إلى غروبها، من تركه
315

عامدا فسد حجه، وللمضطر: إلى طلوع الفجر، ولو نسي الوقوف بها رجع
ووقف ولو إلى الفجر، إذا عرف إدراك المشعر.
ووقت الاختيار للمشعر: من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، وللمضطر:
إلى الزوال.
ويدرك الحج بإدراك أحد الاختياريين، ولو أدرك الاضطراريين
فقولان، ولو أدرك أحدهما خاصة فاته الحج.
ولو لم يقف بالمشعر ليلا ولا بعد الفجر عامدا بطل حجه، وناسيا يصح إن
أدرك عرفة.
ولو ترك الوقوفين معا بطل حجه، عمدا وسهوا.
وتسقط أفعال الحج عمن فاته، ويتحلل بعمرة مفردة ثم يقضيه واجبا مع
وجوبه.
تتمة:
يستحب التقاط الحصى من جمع، ويجوز من سائر الحرم إلا المساجد،
ويجب أن تكون أحجارا أبكارا من الحرم.
ويستحب: أن تكون برشا رخوة منقطة كحلية بقدر الأنملة ملتقطة، والإفاضة
إلى منى قبل طلوع الشمس لغير الإمام - لكن لا يجوز وادي محسر إلا بعد
طلوعها، ويتأخر الإمام حتى تطلع - والسعي في وادي محسر داعيا.
المقصد الخامس: في مناسك منى:
ومطالبه ثلاثة:
الأول: الرمي:
ويجب يوم النحر رمي جمرة العقبة بسبع حصيات مع النية بفعله، فلا
يجزئ لو وقعت بواسطة غيره من حيوان وغيره، ولا إذا أصابت الجمرة بما لا
316

يسمى رميا، ولا مع الشك في وصولها.
ويستحب: الطهارة، والدعاء عند كل حصاة، والتباعد بعشرة أذرع إلى
خمسة عشر، والرمي خذفا، واستقبالها مستدبر القبلة، وفي غيرها يستقبلهما،
ويجوز الرمي عن العليل.
المطلب الثاني: الذبح:
ويجب ذبح الهدي أو نحره على المتمتع وإن كان مكيا، ويتخير المولى بين
الذبح عن عبده المأذون وبين أمره بالصوم، فإن أدرك المشعر معتقا تعين
الهدي مع القدرة.
ويجب فيه: النية منه أو من الذابح عنه، وذبحه يوم النحر بمنى قبل الحلق،
والوحدة، ويجزئ المندوب عن سبعة وعن سبعين من أهل الخوان الواحد.
ولا تباع ثياب التجمل فيه، ولا يجزئ لو ذبح الضال عن صاحبه، ولا يجوز
إخراج شئ منه عن منى.
ويجب أن يكون من النعم، ثنيا من الإبل، وهو الذي دخل في السادسة،
ومن البقر والغنم ما دخل في الثانية، ويجزئ من الضأن الجذع لسنته.
وتاما، فلا يجزئ العوراء، والعرجاء البين، ولا اللاتي انكسر قرنها الداخل،
ولا المقطوعة الأذن، ولا الخصي، ولا المهزول، وهو: الذي ليس على كليتيه
شحم.
فإن اشتراها سمينة فخرجت مهزولة، أو أنها مهزولة فخرجت سمينة أجزأ،
ولو اشتراه على أنه تام فظهر ناقصا لم يجزئ.
ويستحب: أن يبرك في سواد، ويمشي في مثله، وينظر في مثله، وأن يكون
معرفا، وإناثا من الإبل والبقر، وذكرانا من الضأن والمعز، ونحرها قائمة مربوطة
بين الخف والركبة، والدعاء، والمباشرة مع المعرفة - وإلا جعل يده مع يد
الذابح - والقسمة أثلاثا بين أكله وإهدائه وصدقته.
317

ويكره: الثور، والجاموس، والموجوء.
ولو فقد الهدي ووجد الثمن، خلفه عند من يذبحه عنه طول ذي الحجة.
ولو عجز صام عشرة: ثلاثة أيام في الحج متتابعات يوم عرفة ويومان قبله
- ويجوز تقديمها من أول ذي الحجة بعد التلبس بالمتعة وتأخيرها، فإن خرج
ذو الحجة ولم يصمها تعين الهدي، ولو وجد الهدي بعد صومها استحب الذبح
- وسبعة إذا رجع إلى أهله - فإن أقام انتظر وصول أصحابه أو مضي شهر، ولو
مات قبل الصوم صام الولي العشرة على رأي، ولو مات الواجد أخرج الهدي من
الأصل.
وأما هدي القرآن فلا يخرج عن ملكه، وله إبداله والتصرف فيه وإن أشعره
أو قلده، لكن متى ساقه فلا بد من نحره بمنى إن كان لإحرام الحج، وإن كان
للعمرة فبالحزورة.
ولا يجب البدل لو هلك، ولو كان مضمونا كالكفارات وجب.
ولو عجز هدي السياق ذبح أو نحر وعلم علامة الهدي، ولو انكسر جاز
بيعه وتصدق بثمنه أو أقام بدله، ولا يتعين هدي السياق للصدقة إلا بالنذر.
ولو سرق من غير تفريط لم يضمن، ولو ضل فذبح عن صاحبه أجزأ، ولو
أقام بدله ثم وجده ذبحه ولم يجب ذبح الأخير، ولو ذبح الأخير استحب ذبح
الأول.
ويجوز ركوب الهدي، وشرب لبنه ما لم يضر به أو بولده.
ولا يعطي الجزار من الواجب حتى الجلد، ولا يأكل منها، فيضمن المأكول
ويستحب: قسمة هدي السياق كالتمتع، والأضحية - وأيامها ثلاثة، أولها النحر
بالأمصار، وأربعة بمنى - بما يشتريه، ويجزئ الهدي الواجب عنها، ولو فقدها
تصدق بثمنها، فإن اختلفت تصدق بالأوسط.
ويكره التضحية بما يربيه، وأخذ الجلود وإعطاؤها الجزار.
وإذا نذر أضحية معينة زال ملكه عنها، فإن تلفت بتفريط ضمن، وإلا فلا، ولو
318

عبأت من غير تفريط نحرها على ما بها.
ولو ذبحها غيره ولم ينو عن المالك لم يجزئ عنه، وإن نوى عنه أجزأ.
ولا يسقط استحباب الأكل من المنذورة، وتتعين بقوله: جعلت هذه الشاة
أضحية، ولو قال: لله علي التضحية بهذه تعينت، ولو أطلق ثم قال: هذه عن
نذري، ففي التعيين إشكال.
وكل من وجب عليه بدنة في نذر أو كفارة فلم يجد فعليه سبع شياه.
المطلب الثالث: الحلق:
ويجب بعد الذبح الحلق أو التقصير بأقله بمنى - والأفضل الحلق، خصوصا
للملبد والصرورة، ويتعين التقصير على النساء - قبل طواف الزيارة، فإن أخره
عمدا فشاة، وناسيا لا شئ ويعيد الطواف.
ولو رحل قبله رجع فحلق بها، فإن عجز حلق أو قصر مكانه واجبا وبعث
بشعره ليدفن بها مستحبا، فإن عجز فلا شئ.
ويمر الأقرع الموسي على رأسه.
وبعد الحلق أو التقصير يحل من كل شئ، عدا الطيب والنساء والصيد،
فإذا طاف للزيارة حل الطيب، فإذا طاف للنساء حللن له.
ويكره المخيط قبل طواف الزيارة، والطيب قبل طواف النساء.
فإذا فرع من المناسك مضى إلى مكة من يومه، ويجوز تأخيره إلى غده لا
أزيد، فيطوف للزيارة ويسعى ويطوف للنساء، ويجوز للمفرد والقارن التأخير
طول ذي الحجة على كراهية.
المقصد السادس: في باقي المناسك:
فإذا فرع من الطوافين والسعي رجع إلى منى وبات بها ليالي التشريق،
وهي: الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر.
319

ويجوز النفر يوم الثاني عشر بعد الزوال لمن اتقى النساء والصيد، إلا أن
تغرب الشمس بمنى.
ولو بات الليلتين بغيرها وجب عليه شاتان، إلا أن يبيت بمكة مشتغلا
بالعبادة، ولو بات غير المتقي الثلاث وجب عليه ثلاث شياه، ويجوز أن يخرج
من منى بعد نصف الليل.
ويجب أن يرمي كل يوم من أيام التشريق كل جمرة من الثلاث بسبع
حصيات، يبدأ بالأولى، ثم الوسطى، ثم جمرة العقبة، فإن نكس أعاد على الوسطى
وجمرة العقبة، ولو نقص العدد ناسيا حصل بالترتيب مع أربع لا بدونها.
ووقته من طلوع الشمس إلى غروبها، ولو نفر في الأول دفن حصى الثالث،
ويرمي الخائف والمريض والراعي والعبد ليلا.
ولو نسي رمي يوم قضاه من الغد مقدما، ولو نسي الجميع حتى دخل مكة
رجع، ولو خرج بعد انقضاء أيامه رمى في القابل أو استناب - ويجوز الرمي عن
المعذور - ولو نسي جمرة وجهل عينها أعاد الثلاث، ولو نسي حصاة ولم يعلم
المحل رمى على الثلاث.
يستحب: الإقامة بمنى أيام التشريق، ورمي الأولى عن يمينه واقفا داعيا،
وكذا الثانية، والثالثة مستدبرا للقبلة مقابلا لها ولا يقف، والتكبير على رأي
- وصورته: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر على ما هدانا
والحمد لله على ما أولانا ورزقنا من بهيمة الأنعام - عقيب خمس عشرة صلاة أولها
ظهر العيد، ثم يمضي حيث شاء.
ولو بقي عليه شئ من المناسك بمكة عاد إليها واجبا - وإلا مستحبا -
لطواف الوداع بعد صلاة ست ركعات بمسجد الخيف عند المنارة التي في
وسطه وفوقها بنحو من ثلاثين ذراعا، وعن يمينها ويسارها كذلك.
ويستحب: لمن نفر في الأخير الاستلقاء في مسجد الحصبة بعد صلاة
ركعتين، وللعائد دخول الكعبة خصوصا الصرورة، والصلاة بين الأسطوانتين
320

على الرخامة الحمراء - ركعتين بالحمد، وحم السجدة، وفي الثانية بعددها - وفي
الزوايا، والدعاء، واستلام الأركان خصوصا اليماني والمستجار، والشرب من
زمزم، والدعاء خارجا من باب الحناطين، والسجود مستقبل القبلة داعيا، وشراء
تمر بدرهم يتصدق به، والعزم على العود، والنزول بالمعرس على طريق المدينة،
وصلاة ركعتين به، والحائض تودع من باب المسجد.
ويكره: المجاورة بمكة، والحج على الإبل الجلالات.
والطواف للمجاور أفضل من الصلاة، والمقيم بالعكس.
النظر الرابع: في اللواحق:
وفيه مطالب:
الأول: في العمرة المفردة:
وتجب على الفور على من يجب عليه الحج بشروطه في العمر مرة، إلا
المتمتع، فإن عمرة تمتعه تجزئ عنها، وقد تجب بالنذر وشبهه، والاستئجار،
والإفساد، والفوات، والدخول إلى مكة لغير المتكرر، وتتكرر بتكرر السبب.
ويجب فيها: النية، والإحرام من الميقات أو من خارج الحرم - وأفضله
الجعرانة، ثم التنعيم، ثم الحديبية - والطواف، وركعتاه، والسعي، والتقصير،
وطواف النساء، وركعتاه.
وتصح في جميع أيام السنة وأفضلها رجب، ويجوز العدول بها إلى التمتع
إن وقعت في أشهر الحج.
ولو اعتمر متمتعا لم يجز الخروج حتى يأتي بالحج، فإن خرج من مكة
بحيث لا يفتقر إلى استئناف إحرام آخر جاز، ولو خرج فاستأنف عمرة تمتع
بالأخيرة.
وتستحب المفردة في كل شهر، وأقله عشرة أيام، والحلق فيها أفضل من
التقصير، ويحل مع أحدهما من كل شئ عدا النساء، فإذا طاف طوافهن حللن
321

له.
المطلب الثاني: في الحصر والصد:
من صد بالعدو بعد تلبسه ولا طريق غيره، أو كان وقصرت النفقة عن
الموقفين أو مكة، نحر أو ذبح وتحلل بالهدي ونية التحلل، ولو كان هناك
طريق آخر لم يتحلل، وإن خشي الفوات صبر حتى يتحقق ثم يتحلل بالعمرة ثم
يقضي في القابل مع وجوبه وإلا ندبا وكذا المعتمر إذا منع عن مكة.
ويكفي هدي السياق عن هدي التحلل، ولا بدل لهدي التحلل، فلو عجز
عنه وعن ثمنه لم يتحلل وإن حل، ولا صد بالمنع عن منى.
ولو احتاج إلى المحاربة لم تجب وإن غلب السلامة، ولو افتقر إلى بذل مال
مقدور عليه فالوجه الوجوب، ولو ظن مفارقة العدو قبل الفوات جاز التحلل،
والأفضل البقاء، فإن فارق أتمه، وإلا تحلل بعمرة.
والمحبوس القادر على الدين غير مصدود، وغيره مصدود، وكذا المظلوم.
ولو صابر ففات لم يجز التحلل بالهدي بل بالعمرة ولا دم، ولو صد المفسد
فعليه بدنة ودم التحلل، فلو انكشف العدو بعد التحلل واتسع الزمان للقضاء
وجب، وهو حج يقضى لسنته، وإن لم يكن تحلل مضى فيه وقضاه في القابل.
والمحصور الممنوع بالمرض عن مكة أو الموقفين يبعث ما ساقه، وإلا هديا
أو ثمنه ويتم محرما حتى يبلغ الهدي محله، إما منى للحاج أو مكة للمعتمر، ثم
يحل بالتقصير، إلا من النساء، إلى أن يحج في القابل مع وجوبه، أو يطاف عنه
للنساء مع ندبه.
ولو زال العارض فأدرك أحد الموقفين تم حجه، وإلا تحلل بعمرة وقضى
في القابل واجبا مع وجوبه وإلا ندبا.
ولا يبطل تحلله لو بان أنه لم يذبح عنه، وكان عليه ذبحه في القابل.
والمعتمر إذا تحلل يقضي العمرة عند المكنة، والقارن يحج في القابل
322

كذلك إن كان واجبا، وإلا تخير.
المطلب الثالث: في نكت متفرقة:
تحرم لقطة الحرم وإن قلت وتعرف سنة، فإن وجد المالك وإلا تخير بين
الصدقة والحفظ ولا ضمان فيهما.
ويكره: منع الحاج سكنى دور مكة، ورفع بناء فوق الكعبة.
ويضيق على الملتجئ - إلى الحرم - الجاني في المطعم والمشرب حتى
يخرج، ويقابل بجنايته فيه لو جنى فيه.
ويجبر الإمام الناس على زيارة النبي عليه السلام مع تركهم.
وحرم المدينة بين عائر ووعير لا يعضد شجره ولا يؤكل صيده، إلا ما صيد
بين الحرتين على كراهية.
ويستحب: زيارة النبي عليه السلام مؤكدا، وزيارة فاطمة عليها السلام من
الروضة، والأئمة عليهم السلام بالبقيع، والمجاورة في المدينة، والصلاة في
الروضة، وصوم الحاجة ثلاثة أيام، والصلاة ليلة الأربعاء عند أسطوانة أبي لبابة،
وليلة الخميس عند أسطوانة مقام رسول الله صلى الله عليه وآله، وإتيان المساجد
بالمدينة، وقبور الشهداء بأحد خصوصا قبر حمزة عليه السلام.
323

تلخيص المرام
في معرفة الأحكام
للشيخ جمال الدين أبي منصور الحسن بن سديد الدين
يوسف بن زين الدين علي بن محمد مطهر الحلي المشتهر بالعلامة الحلي
والعلامة على الإطلاق
647 - 726 ه‍. ق
325

كتاب الحج
وفيه فصول:
الأول:
الحج واجب على الفور مرة على المستطيع البالغ العاقل الحر.
والاستطاعة: الزاد والراحلة وإمكان المسير والصحة ومؤونة أهله وتخلية
السرب، قيل: والرجوع إلى كفاية، ولو وجد الزاد والراحلة بأكثر من ثمن المثل
وجب الشراء مع المكنة على رأي.
والمدين لا يجب عليه إلا أن يفضل عنه ما يقوم به، ولو كان له دين لا يقدر
على اقتضائه سقط، ولم يجب الاستدانة ولو كان من مال الولد، ولا يجب على
الولد الإقراض.
ولو بذل له الزاد والراحلة، أو استؤجر للمعونة بهما، أو بالبعض مع قدرته
على الإكمال وجب، ولو وهب مالا لم يجب القبول، ويسقط مع عدم الآلات
المحتاج إليها، قيل: ومع العدو إذا طلب ما يمكن تحمله، ويجزئ مع الموت
الإحرام ودخول الحرم.
ويصح من الصبي المميز، ولغير المميز، ويعيدان مع البلوغ، ومن العبد
بالإذن، فلا منع بعد التلبس، ويجوز قبله، ولو رجع حينئذ ولم يعلم إلا بعد
التلبس فالأولى الصحة، وله الفسخ، والمدبر وأم الولد والمعتق بعضه كذلك،
327

ولو زال عذر الصبي والمجنون والعبد، أجزأهم إن أدركوا أحد الموقفين، ولو
أفسد العبد المأذون مضى فيه، وعليه بدنة والقضاء، وأجزأ إذا أعتق قبل أحدهما،
ولو أعتق بعدهما وجب القضاء ولم يجزئ.
وتقديم حجة الإسلام على القضاء، فلو بدأ بالقضاء، قيل: وقع عن حجة
الإسلام وبقيت الأخرى في ذمته.
وفاقد ما ذكر يستحب له، ويعيد المستطيع الممنوع لمرض أو كبر أو عدو،
وقيل: يستنيب، ومع الزوال يعيد بنفسه، ومع الاستقرار والإهمال يقضي من
أصل التركة، من الأقرب على رأي، ولو كان عليه دين فبالحصص، ولا تستأذن
الزوجة والمعتدة رجعية في الواجب، دون غيره.
والنذر المطلق وحجة الإسلام لا يتداخلان على رأي، ولو نذر المشي وجب،
ويقف موضع العبور، ومع ركوب البعض يعيد على رأي إلا مع العجز
فيجزئ، ولا جبران على رأي، إلا مع الإطلاق والتمكن بعد، والمخالف لا يعيد
ما لم يخل، وكذا من حج مسلما ثم ارتد على رأي، أو أحرم مسلما ثم ارتد ثم عاد
وأكمل.
ومن حج عن غيره مع تعيينه عليه، لم يجزئ عن أحدهما، ولو لم يتعين
أجزأ عن المنوب، وإن كان صرورة على رأي.
ويجب التمتع على من نأى عن مكة باثني عشر ميلا من كل جانب على
رأي، وشرطه النية والوقوع في أشهر الحج وهي: شوال وذو القعدة وذو الحجة،
على رأي، وإتيان الحج والعمرة في عام.
وصورته: الإحرام من الميقات، فلأهل العراق العقيق، وأفضله المسلخ، ثم
غمرة، ثم ذات عرق، ولأهل المدينة مسجد الشجرة، وعند الضرورة الجحفة،
وهي ميقات أهل الشام، ولليمن يلملم ولأهل الطائف قرن المنازل، ولمن منزله
أقرب منزله، ولحج التمتع مكة، ومن حج على طريق غير أهله فميقاته ميقات
328

طريقه، ولو لم يؤد إلى الميقات فالمحاذي، وفخ للصبيان ولا يجوز قبله إلا لناذر
على رأي، مع الوقوع في الأشهر أو رجب للمعتمر، ولو تجاوزه رجع، ومع
التعذر لا حج مع العمد، ومن موضعه لا معه، ولو نسي الإحرام مع الإكمال قيل:
أجزأ.
ويستحب في الإحرام توفير الشعر من ذي القعدة على رأي، وتنظيف
الجسد، وقص الأظفار وأخذ الشارب والإطلاء، ولو تقدم جاز إلى خمسة عشر
يوما، والغسل، ويعيد ولو قدمه خائف الإعواز والنائم على رأي، ولو أخل به
وبالصلاة استحب له الإعادة، والإحرام عقيب الظهر أو عقيب فريضة وإلا فعقيب
ست ركعات وإلا فركعتين، والجهر بالتلبية على رأي، للرجل إذا علت راحلته
البيداء إن حج على المدينة، وحيث يحرم إن كان راجلا، وإذا أشرف على
الأبطح إذا أحرم من مكة، والتكرار إلى زوال الشمس يوم عرفة للحاج، وإذا
شاهد بيوت مكة للمعتمر تمتعا، وإذا دخل الحرم للمعتمر إفرادا، المحرم من
خارج، وإذا شاهد الكعبة له إذا خرج من مكة للإحرام على رأي.
والتلفظ بالنوع، والاشتراط، وكون الثياب قطنا بيضاء، ويكره الإبريسم
للنساء على رأي، ولا يحرم المخيط لهن على رأي، ويجوز لهن تظليل المحمل.
ويجب النية المشتملة على ما يحرم به، مقارنة على رأي، متقربا واجبا أو ندبا،
وما يحرم له من حجة الإسلام أو غيرها، ولو أخل بها مطلقا بطل إحرامه.
والتلبيات الأربع، ويتخير فيها القارن مع الإشعار المختص بالبدن، والتقليد
المشترك على رأي، ولبس الثوبين مما يصلى فيه الرجل، ويجوز أكثر، والإبدال،
ثم يأتي مكة فيطوف ويصلي ركعتيه ويسعى ويقصر، ثم يحرم يوم التروية من
مكة، ويستحب من تحت الميزاب، ولو أحرم قبل التقصير عامدا بطل الثاني على
رأي، وفي الدم على الناسي خلاف، ثم يأتي عرفات فيقف بها إلى الغروب، ثم
يأتي المشعر فيقف إلى طلوع الشمس، ثم يأتي منى فيقضي مناسكه، ثم يطوف
للحج ويسعى له، ويطوف للنساء ثم يعود إلى منى للمبيت.
329

وأركان التمتع: النية، والإحرام من الميقات في وقته، وطواف العمرة
وسعيها، وإحرام الحج من مكة ونيته، والوقوف بعرفات وبالمشعر، وطوافه
وسعيه، والتلبيات الأربع على رأي.
والقارن والمفرد يقدمان الحج، ويعتمران عمرة مفردة بعده، وإن لم يكن
في أشهره، ويتميز القارن بالسياق.
وأركانهما: النية، والإحرام، والوقوف بعرفات وبالمشعر، وطواف الزيارة،
والسعي، والتلبية على رأي.
ولو عدل من فرضه التمتع إليهما اختيارا لم يجزئ، ولا العكس على رأي،
واضطرارا جائز، ولا يجوز له الخروج من مكة قبل الحج إلى موضع يفتقر فيه
إلى تجديدها، ولو جدد تمتع بالأخيرة، ولو اعتمر وخاف الضيق جاز النقل إلى
الإفراد، وكذا الحائض والنفساء مع عذرهما المانع عن التحلل وإنشاء الإحرام
للحج ويجزئهما لو طافا أربعا فيسعيان ويأتيان بالبقية ويقضيان الباقي على رأي.
ويجوز للمفرد إذا دخل مكة العدول إلى التمتع بخلاف القارن، ومن فرضه
التمتع ينتقل إليهما إذا أقام ثلاث سنين.
والمكي إذا نأى أحرم من الميقات الذي يأتي به، ولو كان له منزلان غلب
أكثرهما إقامة، ومع التساوي يتخير، ولا هدي على القارن والمفرد، ويستحب لهما
التضحية.
ولا يجوز الجمع بين الحج والعمرة بنية واحدة، ولا إحرام واحد على رأي،
ولا إدخال أحدهما على الآخر، ولا نية حجتين ولا عمرتين على رأي.
الثاني:
يحرم على المحرم النساء، جماعا وعقدا ونظرا وتقبيلا وملامسة ووكالة فيه،
وشهادة وإقامة وإن تحملها محلا، ولو أوقع الوكيل في حال الإحرام قبل إحلال
الموكل بطل، ويصح بعده، ويجوز شراء الأمة، ومراجعة الرجعية.
330

فمن جامع زوجته أو أمته قبل أحد الموقفين على رأي عامدا عالما قبلا أو
دبرا أتم الفاسد وعليه القضاء، وإن كانت مندوبة فبدنة، وعليها مثله إن طاوعت،
وإلا يحمل عنها البدنة، ويفترقان مع وصوله الموضع، قيل: والثانية العقوبة،
وكذا اللواط وإتيان البهائم والنساء في الدبر على رأي، ولو كان بعد الوقوف أو
في غير الفرج قبله، أو استمنى بيده على رأي، فبدنة.
وعلى المجامع المحل للأمة المحرمة باذنه بدنة أو بقرة أو شاة، ومع العجز
شاة أو صيام، وعلى المجامع قبل طواف الزيارة بدنة ومع العجز بقرة ومعه
شاة.
ولو جامع قبل طواف النساء فبدنة، وإن طاف منه خمسة فلا كفارة على
رأي، ولو جامع بعد سعي ست بظن التمام فلا شئ على رأي، ولو مس امرأته
بشهوة أو قبلها بغير شهوة كان عليه شاة ولو لم يمن، ولو مسها بغير شهوة، أو
استمع على من يجامع من غير نظر فلا شئ.
والعاقد المحرم لغيره المحرم يكفر معه، وعلى المجامع قبل السعي في
العمرة فبدنة ولا قضاء، وفي النظر إلى غير أهله مع الإمناء بدنة ومع العجز بقرة
ومعه شاة، وإلى أهله لا شئ إلا مع الشهوة أو الملاعبة، والإمناء أو التقبيل بشهوة
فجزور.
ويحرم الطيب مطلقا على رأي، عدا الخلوق والفواكه كالأترج، والرياحين
كالورد، ومع الاستعمال شاة، وفي كل ظفر مد، وفي تقليم اليدين والرجلين شاة
إن اتحد المجلس، وإلا فشاتان، وعلى المفتي إذا أدمى المستفتي شاة، وفي المخيط
دم وإن تكرر مع اتحاد المجلس ولا معه يتعدد، ويجوز مع الضرورة والكفارة،
وفي الحلق شاة أو إطعام عشرة أمداد لعشرة على رأي، أو صيام ثلاثة، وفي نتف
الإبطين شاة، وفي أحدهما إطعام ثلاثة، وفي سقوط شعر الرأس أو اللحية بمسهما
في غير الوضوء كف.
وفي التظليل سائرا وتغطية الرأس وقلع الضرس والادهان بالطيب مطلقا
331

على رأي، ويحرم غيره وإن كان زيتا على رأي ولا كفارة، ويجوز أكله، واستعمال
الطيب بعد زوال الرائحة، ولبس وأكل ما لا يجوز، والجدال ثلاث مرات فصاعدا
صادقا شاة.
وفي الكذب بدنة، وفي الاثنين بقرة، وفي الواحدة شاة، وقيل: في صغار
الشجر شاة، وفي الكبار بقرة، وفي أبعاضها قيمة، ويعيد لو قلعها، ولو جفت
ضمن، ويجوز قلع النخل وشجر الفواكه والإذخر وما أنبته وما نبت في داره بعد
بنائه لها، وتغطية وجهه على رأي، ويأثم بقلع الحشيش ولا كفارة، ويجوز تخلية
إبله للرعي، وتسقط الكفارة مع النسيان والجهل إلا الصيد.
ويحرم لبس ما يستر ظهر القدم، فإن اضطر إلى الخف جاز ولا شق على
رأي، والنظر في المرآة على رأي، ولبس السلاح ويجوز مع الضرورة، وقتل
هو أم الجسد والرمي ويجوز التحويل.
ولو اجتمعت الأسباب المختلفة تعددت الكفارة، وكذا الوطء المتكرر،
ويكره دخول الحمام ومعه لا يدلك جسده، وتلبية المنادي.
ويحرم صيد البر وهو الممتنع أكلا وصيدا ودلالة وإشارة وإغلاقا وذبحا،
ولو ذبحه المحرم كان ميتة، عدا السباع، وقيل في الأسد مع عدم الإرادة كبش،
والحية والعقرب والفأرة، ورمي الغراب والحدأة، ويخرج القماري والدباسي من
مكة بالشراء على رأي.
ويراعى في المتولد بين المحلل والمحرم الاسم، ففي النعامة بدنة ومع
التعذر تقسيط الثمن على ستين لكل واحد مدان، ولا يتم لو نقص ويملك
ما فضل، ومع العجز يصوم شهرين على رأي، ومعه ثمانية عشر يوما، ولو نقصت
القيمة عن إطعام ستين وعجز صام بعدد الناقص، وفي فراخها من صغار الإبل
على رأي، وفي بقرة الوحش وحماره بقرة، ومع العجز نصف ما مضى، وفي
الظبي شاة، ومع العجز سدس ما مضى، وفي الثعلب والأرنب شاة.
وفي كل بيضة من النعام مع التحرك بكرة، ولا معه الإرسال على رأي
332

بالعدد، ومع العجز شاة على رأي، ومعه إطعام عشرة مساكين ومعه صيام ثلاثة
أيام وقيل: الكفارة مخيرة، ولو اشتراه محل لمحرم فأكله المحرم كان على
المحرم عن كل بيضة شاة، وعلى المحل درهم، وفي بيض القطاة والقبج مع
التحرك صغار الغنم ولا معه الإرسال على رأي، ومع العجز كبيض النعام على
رأي.
وفي الحمامة للمحرم في الحرم شاة ودرهم ويوزعان مع التفريق، وفي
الفرخ له حمل ونصف، وفي كل بيضة منها درهم وربع والحكم في التوزيع
كالأول، ومع التحرك حمل على رأي.
وفي القطاة والدراج والحجل حمل فطيم، وفي الضب والقنفذ واليربوع
جدي، وفي العصفور والقنبرة والصعوة مد طعام على رأي، والجرادة كف على
رأي، والكثير شاة على رأي إلا مع تعذر التحرز، وفي الزنبور عمدا تمرة على
رأي، وفي الكثير شاة على رأي، والآكل كالقابل ويجتمعان مع الاجتماع على
رأي.
وفي الجرح وكسر اليد والرجل والأضلاع ربع الفداء، ومع الجهل
الجميع، والمشتركون في القتل يتعذر عليهم الفداء، وكذا في الإيقاد مع القصد
ولا معه يتحد على الجميع.
وفي ضرب الطير على الأرض دم وقيمتان، وفي شرب لبن الظبية دم
وقيمته.
والمستصحب للصيد يزول ملكه عنه، فلو حبسه ضمنه، وكذا لو ربطه في
الحل فدخل الحرم، ولو كان مقصوص الجناح وجب حفظه إلى استكماله ثم
يرسله، ولا يدخل في ملكه ببيع وميراث وهبة وغيرها، ومع الغيبة خلاف.
وفي التنفير مع العود شاة ولا معه يتعدد، والمغلق يضمن الحمامة بشاة
والبيضة بدرهم والفرخ بحمل على رأي.
والدال مع القتل ومغري الكلب والممسك وناقل البيض عن موضعه مع
333

فساده، والمعاون رميا وإن أخطأ على رأي، والقاتل مسببا كالراكب، والممسك
عن الولد، والذي يهلك الصيد بتنفير آخر والمخلص له عن شبكته مع الهلاك،
والقاتل خطأ ضمناء.
وفداء المملوك لربه وغيره يتصدق به، وحمام الحرم يشترى بقيمته علفا
لحمامه، وتتكرر الكفارة بالتكرار سهوا وعمدا على رأي، والمضطر إليه وإلى الميتة
يفديه، ومع العجز قيل: يأكل الميتة، ويذبح بمنى ما يلزم المحرم وبمكة المعتمر،
وما تضمنه المحرم في الحل فعليه الفداء خاصة على رأي، والقيمة للمحل في
الحرم، ويتضاعف على المحرم في الحرم ما يتفرق عليهما، إلا مع بلوع بدنة على
رأي، وما لا دم فيه فقيمتان.
وصيد الحرم - وهو بريد من كل جانب - حرام للمحل ويضمنه، ويحرم له
ما ذبح في الحرم، وفي الحل للمحرم لا للمحل، ويكره ما يؤم الحرم للمحل على
رأي، وما زاد على بريد بمثله على رأي، وحمام الحرم في الحل على رأي، ولو
أصيب فدخل ومات لم يضمن، والمحل في الحرم يضمن ما يقتله في الحل،
ويضمن هو ما أصله أو فرعه في الحرم، ومن نتف ريشة تصدق بيده الجانية.
وفي قتل ما لا تقدير لفديته القيمة وقت الإتلاف، ولا يضمن لو شك في كون
المقتول صيدا، وكذا لو رماه محلا فأصابه وهو محرم، ويضمن المحرم بقتل
مملوكه المحل بأمره، وهل يضمن الصبي الجزاء؟ فيه قول، وكذا البحث لو
جامع الصبي عمدا قبل الوقوف.
الثالث:
يشترط في الطواف: تقديم الطهارة وإزالة النجاسة والختان.
ويجب فيه: النية، والبدأة بالحجر والختم به، والطواف سبعا على اليسار،
وإدخال الحجر وإخراج المقام، والركعتين على رأي، فيه أو في حياله مع الزحام
على رأي، ومع نسيانهما يرجع، ومع المشقة حيث يذكر، ولو مات قضى الولي،
334

والإفراد إلا مع السهو على رأي، فيكملهما أسبوعين، ويصلي الفريضة قبل السعي
والنافلة بعده، ويقطع لو لم يتم الثامن، قيل: والواجب السير.
ويستحب مضغ الإذخر، ودخول مكة من أعلاها حافيا مع السكينة،
والاغتسال من بئر ميمون أو فخ، والدخول من باب بني شيبة، والدعاء،
والوقوف عند الحجر، والدعاء واستلامه وتقبيله، وإلا فالإشارة والاقتصاد في
المشي، وذكر الله، والتزام المستجار، والاعتراف بالذنب، وكذا الأركان،
وطواف ثلاثمائة وستين طوافا، وإلا فثلاثمائة وستين شوطا، والزائد بالأخير،
وقراءة الحمد والصمد في أول الركعتين، وهي والجحد في الثانية، وتعجيل
السعي، ولا يجوز تأخيره إلى غده.
ويكره الكلام بغير الدعاء والقراءة والقرآن في النافلة:
ومن ترك الطواف عمدا بطل حجه، ونسيانا يأتي به ويستنيب مع التعذر،
ولو شك في عدده بعد الانصراف أو قبله فيما زاد على السبعة أو في النافلة فلا
إعادة، وعكسهما يعيد على رأي، ويبني على الأقل في النافلة، ويجوز التعويل على
الغير في العدد، ومن ذكر عدم طهارة الفريضة أعاد دون النافلة، ولو طاف في
النجس عمدا بطل، ولو تجدد مع التمام صح، ولا معه يلقيه ويتمم، وناسي طواف
الزيارة إذا رجع إلى أهله يرجع، ومع العجز يستنيب.
ولو جامع قبل الذكر كفر ببدنة وجوبا على رأي، وفي طواف النساء
يستنيب، ومع موته يقضي الولي، ولو نقص من طوافه تمم مع تجاوزه النصف،
ولا معه يستأنف، وكذا قاطع طواف الفريضة لدخول البيت أو لسعي في حاجة
أو لمرض، ولو دخل في السعي ثم ذكر رجع فأتم، ثم أتم السعي مع التجاوز،
ولو ذكر أنه طاف أحد طوافي العمرة والحج على غير الوضوء واشتبه أعاد
بوضوء وسعى ولا دم.
ولا يقدم المتمتع طواف الحج والسعي على الوقوف ومناسك منى إلا مع
المرض أو الكبر أو خوف الحيض على رأي، وينبغي أن لا يطوف إلى أن يرجع
335

من منى، فإن طاف سهوا لم ينتقض إحرامه وإن لم يجدد التلبية، على رأي.
ويكره للقارن والمفرد على رأي، ولا يجوز تقديم طواف النساء على السعي
للمتمتع، إلا مع العذر على رأي، ولا يجزئه لو قدمه عمدا، ويجزئ مع النسيان.
ويجوز للقارن والمفرد الطواف، إلا أنهما يجددان التلبية عند كل طواف،
ولو لم يفعلا لم يحلا على رأي.
ولا يجوز الطواف وعليه برطلة على رأي، وقيل: من نذر الطواف على أربع
فعليه طوافان، ويستنيب غير المتمكن أو الغائب دون من اجتمع فيه الضدان،
والحامل يجزئه.
الرابع:
يجب في السعي: النية والبدأة بالصفا والختم بالمروة، والسعي سبعا من
الصفا إليه شوطان.
ويستحب: الطهارة، واستلام الحجر، والاغتسال من مقابله، والشرب من
زمزم، والخروج من باب الصفا، وصعوده والوقوف عليه مطيلا، واستقبال ركن
الحجر، والتكبير، والتهليل سبعا، والدعاء، والسعي ماشيا ومهرولا للرجل خاصة
بين المنارة والزقاق، ولو سها رجع القهقرى وهرول، ويجوز الجلوس على رأي،
وقطعه لصلاة وإن كانت واجبة في أول وقتها لا وجوبا على رأي، وقضاء حاجة
ويتم، ولو ظن الإتمام فأخل وواقع أو قص أو قلم أتم، قيل: ويلزمه بقرة إن كان
في عمرة التمتع، ولو ترك السعي عمدا بطل حجه وسهوا يعود لتداركه، فإن
تعذر استناب، ويبطل بالزيادة عمدا لا سهوا، ومعه يجوز القطع ويتمه سعيين، ولو
تيقن النقيصة أتى بها، ولو لم يحصل العدد أعاد، ولو حصله وشك في المبدأ فإن
كان زوجا وهو على المروة أعاد، وإلا صح.
ولا يجوز تقديم السعي على الطواف، وإذا زالت الشمس يوم التروية ولم
يكن أحل من العمرة جاز على رأي، وكذا لو زالت الشمس يوم عرفة وتمكن من
336

إحرام الحج مع الخوف على رأي.
الخامس:
يجب في الوقوف بعرفة: النية واللبث بها إلى الغروب على رأي، ولو أفاض
قبله عامدا عالما فبدنة على رأي، فلو عجز صام ثمانية عشر يوما، ولا شئ مع
اختلال أحد الوصفين، وكذا لو عاد قبله، ويجوز للمضطر الوقوف ليلا، ومن فاته
الوقوف عمدا بطل حجه، ونسيانا يتدارك ليلا، ولو فات اجتزأ بالمشعر.
ويستحب الخروج بعد ظهر التروية إلى منى، عدا الإمام والضعيف،
والمبيت إلى الفجر، وأن لا يجوز وادي محسر إلا بعد طلوع الشمس، وللإمام إلى
طلوع الشمس، والدعاء عند النزول والخروج، وأن يضرب خباءه بنمرة،
والوقوف بالمسيرة في سهل السفح، وجمع رحله وسد الخلل به وبنفسه،
والدعاء.
ويكره الوقوف في أعلى الجبل وقاعدا وراكبا على رأي، ونمرة وثوية وعرنة
والأراك وذو المجاز خارجة، والاختياري من زوال الشمس إلى الغروب،
والاضطراري إلى فجر يوم النحر.
ويجب الوقوف بالمشعر - وحده ما بين المأزمين إلى الحياض إلى وادي
محسر - ويجوز الارتفاع إلى الجبل مع الزحام، ناويا من طلوع الفجر إلى طلوع
الشمس على رأي، ويجوز للمضطر إلى الزوال، ولو أفاض قبل الفجر عمدا عالما
فعليه شاة على رأي، عدا المرأة والخائف، ولو ترك الوقوف عمدا بطل حجه،
ولو كان ناسيا لم يبطل، ولو نسيهما بطل، وقيل: لو أدرك الاضطراريين أجزأه،
ولو نوى الوقوف ثم جن أو أغمي عليه أو نام صح وقوفه على رأي.
وتسقط أفعال الحج عمن فاته ويتحلل بعمرة، ويقضي مع الوجوب.
ويستحب الاقتصاد في السير، والجمع بين الصلاتين فيها ولو تربع الليل،
ويسقط الأذان الثاني، وتأخير نوافل المغرب إلى بعد العشاء، وأن يطأ الصرورة
337

المشعر، والإفاضة لغير الإمام قبل طلوع الشمس، والوقوف بعد الفجر، والدعاء،
والهرولة في وادي محسر، ولو تركها رجع وهرول، والتقاط الحصى منه ويجوز
التقاطه من الحرم، إلا المساجد مطلقا على رأي.
السادس:
يجب يوم النحر بمنى - على رأي - رمي جمرة العقبة بسبع حصيات بما
يسمى حجرا على رأي، ومن الحرم وأبكارا، ويستحب أن يكون برشا ناويا، وعدم
إتمام الغير، ويستحب الطهارة والدعاء وأن لا يتباعد بزائد عن خمسة عشرة ذراعا
على رأي، والرمي خذفا ماشيا على رأي، واستقبال الجمرة واستدبار القبلة، وفي
غيرها يستقبلها.
ويجب الذبح على المتمتع نفلا وفرضا، والمملوك يتخير مولاه مع الإذن
في الصوم والهدي، ولو خرجت أيام التشريق ولم يصم، فالأفضل لمولاه أن
يهدي عنه، ولو أدرك أحد الموقفين معتقا وجب، ويجب فيه النية منه من
الذابح، وعدم المشارك، وفي النفل خاصة على رأي، عن سبعة وعن سبعين،
ويصرف في وجهه ويذبح بمنى، ويقدمه على الحلق، ولو أخره أثم وأجزأ، وكذا
لو ذبح بقية ذي الحجة.
ويشترط النعم غير مهزولة ثنية، وفي الضأن الجذع غير ناقصة، كالعوراء
والعرجاء البين، ويجزئ المشقوقة الأذن، ولو اشترى السمين فبان الضد أو
بالعكس أجزأ، ولو اشترى المهزولة فبان كذلك، أو التام فبان ناقصا لم يجز.
ويستحب الإناث إلا من المعز والضأن والمعرف به، والنظر والبروك،
والمشي في السواد، ونحر الإبل قائمة، وعدم النيابة أو المشاركة إن لم يحسن،
والدعاء، وأكل الثلث، وإهداء الثلث، وإطعام القانع والمعتر الباقي.
ويكره الثور والجاموس والموجوء، ومع فقد الهدي ووجدان الثمن يجب،
ويستنيب إن فقد على رأي، ويصوم إن عجز ثلاثة متواليات في الحج يوم عرفة،
338

ويومان قبله، ولو فاتت صامهما بعد أيام التشريق أداء، ويجوز تقديمها إلا قبل ذي
الحجة، ولو خرج تعين في القابل الهدي، ولو وجد بعد صومهما استحب، ولو
مات قبل الوصول قضى الولي الثلاثة خاصة على رأي، ولو صام يومين وأفطر
بغير العيد أعاد، ولو مات الواجد أخرج من الأصل وسبعة متفرقة جوازا على
رأي، إذا رجع أو مضى مدة الرجوع إذا قصرت عن شهر.
وهدي القران وكل واجب بنذر أو كفارة يجب ذبحه أو نحره بمنى إن قرن
بالحج، وبمكة إن قرن بالعمرة، ولا يتعين مع الإشعار والتقليد بل له الإبدال،
ولا يضمن إلا أن يكون مضمونا، ولو عجز نحره وعلمه، ويجوز بيعه والصدقة بثمنه
مع الكسر، وإذا ضل وذبح عن صاحبه أجزأ، بخلاف هدي التمتع، ولو أقام
بدله فذبحه ثم وجده استحب له ذبحه، ومع تعينه يجب، ويجوز ركوبه وشرب
لبنه ما لم يضر بولده، ولا يعطي الجزار من الواجب ولا يؤخذ من المنذورة الجلود،
ومن نذر بدنة نحرها بمكة أو المعين.
ويستحب تقسيم هدي السياق والأضحية أثلاثا كالتمتع، ومن عجز عن
بدنة واجبة اجتزأ بسبع شياه، ولا تباع الثياب في الهدي.
ويستحب الأضحية بمنى يوم النحر وثلاثة بعده وفي غيرها يومان غيره،
وهدي المتعة يجوز ذبحه طول ذي الحجة، ولا يكون بعد هذه الأيام قضاء على
رأي، ويجزئ هدي التمتع عن الأضحية ومع فقدها يتصدق بالثمن، ومع
التفاوت بالأوسط.
ويكره بما يربيه، وإعطاء الجزار الجلد، وإخراج بعضه من منى، ولا بأس
بالادخار وإخراج السنام وما ضحى به غيره.
ويتخير الحاج يوم النحر بمنى بين الحلق والتقصير بأقله، الواجب أحدهما
على رأي، والأول أفضل خصوصا للصرورة والملبد على رأي، والثاني متعين على
النساء، ولو فارق عاد له أو للتقصير، ولو تعذر بعثه ليدفن هناك، ويمر الأقرع
الموسي، ثم يطوف ويسعى إن كان متمتعا يومه أو غده، واجبا ومستحبا للقارن
339

والمفرد، ولو طاف قبل الحلق أو التقصير عامدا فشاة، ويعيد الطواف مع
النسيان ولا كفارة.
ويجب البدأة بالرمي ثم النحر ثم الحلق، ويأثم لو خالف، ولا إعادة، وبعد
الحلق أو التقصير يحل ما عدا الطيب والنساء والصيد، ومع طواف الحج يحل
له الطيب على رأي، ومع النساء يحللن له وكذا المرأة لا يحل لها المجامعة قبله.
ويكره المخيط قبل طواف الزيارة، والطيب قبل طواف النساء، ثم يعود
إلى منى واجبا، ويبيت ليلة الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، ويجوز النفر
قبل الثالثة لمن اتقى بعد الزوال، وفي الثالثة يجوز قبله، ولو أخل بالمبيت معه في
غير مكة مشتغلا بالعبادة فشاتان على رأي، ولا معه ثلاث، ومع الاشتغال بمكة
لا شئ على رأي، ويجوز الخروج بعد نصف الليل، ورمي أيام التشريق كل
جمرة بسبع، لا دفعة واحدة، كل يوم الأولى ثم الوسطى ثم العقبة، ولو نكس
أعاد على الأخريين.
ووقته طلوع الشمس إلى الغروب على رأي، ويقضي من الغد لو نسي يبدأ
بالفائت، ويستحب مباكرته ورمي الحاضر عند الزوال، ويجوز مع العذر بالليل،
ومع أربع يحصل بالترتيب، ولو نسي واحدة مجهولة أعادها على الجميع ولو
نسي الرمي رجع، ولو خرج من مكة قضى من قابل أو استناب، ويجوز أن يرمى
عن المعذور.
ويستحب الوقوف والرمي عن يمينها، واستقبال القبلة عند غير العقبة،
والإقامة بمنى أيام التشريق والليلتين على رأي، والعود للوداع، وصلاة ست
ركعات بمسجد الخيف، ودخول الكعبة، والصلاة في زواياها وعلى الرخامة
الحمراء، والشرب من زمزم، واستلام الأركان، والخروج من باب الحناطين،
والدعاء، والصدقة بتمر بدرهم، والعزم على العود، والتحصيب للنافر في الآخر
والاستلقاء فيه، والنزول بالمعرس ليلا أو نهارا على طريق المدينة، وصلاة
ركعتين، وزيارة النبي وفاطمة والأئمة عليهم السلام وصوم ثلاثة للحاجة بالمدينة،
340

والصلاة عند الروضة، وليلة الأربعاء عند أسطوانة أبي لبابة، وليلة الخميس عند
الأسطوانة التي تلي مقام رسول الله صلى الله عليه وآله، وإتيان المساجد بالمدينة،
وقبور الشهداء خصوصا قبر حمزة، والمجاورة بها.
ويكره النوم في مساجدها.
السابع:
الكافر والمجنون والصبي والمتمكن مع الوجوب، ولنسبه إلى الكافر أو
المخالف غير الأب على رأي، لا تصح نيابتهم.
وتصح نيابة العبد المأذون، وكل من الرجل والمرأة عن صاحبه، وإن
كانت المرأة النائبة صرورة على رأي.
ولا بد من النية وتعيين المنوب ويستحب ذكره لفظا عند كل فعل، وإعادة
فاضل الأجرة، وإعادة المخالف حجة الصحيح مع استبصاره، وتجزئ لو مات
بعد الإحرام ودخول الحرم، لا الأول على رأي.
ويأتي بالشرط عدا الطريق إلا مع الغرض، فلو أمره بالإحرام من ميقات
معين فمضى بغير طريقه وأحرم من آخر صح، وليس له عود بأجرة ولا التفاوت،
ولو عدل إلى التمتع مطلقا لم يجزئ على رأي، أو إلى القران للمفرد على رأي،
ولا يستنيب إلا مع الإذن، ولا يؤخر آخر في السنة، ومعه إن حصل التقارن بطل،
وإلا فالمتأخر.
ولو استؤجر فحصلت شرائط الإسلام لم يجب، ولو صد أو مات قبل
الإحرام ودخول الحرم استعيد الباقي على رأي، ولا يجب التضمين ولا الإتمام إذا
قصرت الأجرة، ولا الرجوع عليه بالفاضل وبتبرع الحي يبرأ الميت، والأجير
الجاني يضمن، ومع الإفساد يحج من قابل، والاستحقاق مبني على القولين، ثم
يحج ثالثة عن المنوب.
ويجوز أن يستأجر اثنين في عام ليحجا عنه منذورة وأصلية، ولو قال: حج
341

عني أو اعتمر بمائة، كان صحيحا ويستحق مع فعل أحدهما على رأي.
ومن أوصى بحجة ولم يعين صرف إلى المثل، ولو لم يعين المرات احترز
بالواحدة على رأي، إلا مع علم التكرار، ولو أوصى بحجة الإسلام أخرجت من
الأصل من بلده على رأي، ولو أوصى من النماء كل سنة ولم تسع، جمع بين
الأولى والثانية، ومستودع الميت يرد على الورثة ما فضل عن الأجرة مع علم
الترك.
والموصى بمبلغ إن كان في واجب، صح ما زاد على المثل من الثلث، وإلا
فمن الثلث، ومع القصور يتصدق به على رأي.
ولو أوصى بحج وغيره قدم الواجب، ومع وجوب الكل يقسم بالحصص
مع القصور، ولو مات عن حجة منذورة وحجة الإسلام أخرجتا من صلب ماله
على رأي، ولو مات في الطريق من وجبت عليه ولم يستقر فلا شئ عليه ولا على
وليه، ولا يخرج من تركته على رأي، وللحاج أن يعتمر عن غيره، وبالعكس، ولو
أحرم عن المستأجر ثم نقل وأكمل بطلت.
ويحرم الارتفاع على الكعبة بالبناء، ولقطة الحرم، ومنع الحاج دورها على
رأي، وترك زيارة النبي عليه السلام على رأي، ويضيق على الملتجئ الجاني، ولو
أحدث فيه قوبل بفعله فيه، وحرم المدينة من ظل عائر إلى وعير.
ويكره صيد ما بين الحرتين منه، والنوم في مسجد النبي عليه السلام،
والمجاورة بمكة، ونيابة المرأة إذا كانت صرورة على رأي.
والطواف أفضل من الصلاة، إلا أن يجاوز ثلاث سنين فالصلاة أفضل.
والأيام المعدودات هي أيام التشريق، والمعلومات عشر ذي الحجة على
رأي.
والمصدود عن الحج أو العمرة بعد التلبس يتحلل بالهدي على رأي، ونية
التحلل، ولو سافر لم يفتقر إلى هدي التحلل على رأي، ولو عجز عنه لم يتحلل،
ولو حل وبالمنع عن مكة أو عن أحد الموقفين يحصل الصد دون المنع عن
342

الرمي والمبيت بمنى.
ولو لم يتحلل ففاته الحج تحلل بالعمرة دون الهدي ولا دم، ويقضي إن
كان واجبا، ولو خاف الفوات لم يتحلل وصبر حتى يتيقن، ثم يتحلل بعمرة،
ويقضي مع الوجوب، ولو اشترط سقط الهدي على رأي.
والمحبوس بالدين مع القدرة غير مصدود، ولا معها يتحلل بالهدي،
والمفسد إذا صد فعليه بدنة ودم التحلل والحج من قابل، ولو انكشف في وقت
إمكان الاستئناف أجزأ، ولو كان هناك ما يساوي طريقه سلكها وإن بعدت
ولا نفقة يتحلل، ولو وجدت وخاف الفوات لم يتحلل، ولو لم يندفع إلا بالقتال
لم يجب، وهل يجب بذل المال مع الاندفاع به؟ قيل: لا.
والمحصور بالمرض يبعث ما ساقه على رأي، أو هديا أو ثمنه إن لم يسق،
مع عدم الاشتراط على رأي، ويجوز التحلل من غير شرط على رأي.
فإذا بلغ الهدي محله - هو: إما منى للحاج أو مكة للمعتمر - قصر وأحل إلا
من النساء إلى فعل الحج في القابل مع الوجوب أو الاستنابة في طواف النساء
مع الندب، ولو زال العارض ولحق أحد الموقفين أجزأه، وإلا تحلل بالعمرة،
وقضى في القابل مع الوجوب، ولو لم يذبح هديه لم يبطل تحلله، ويذبح في
القابل، والمعتمر المتحلل يقضي إذا زال المانع، والقارن يقضي كما فاته إن تعين
عليه، وإلا فله التمتع، والأفضل المساواة على رأي.
وباعث الهدي يواعد أصحابه ثم يجتنب المحرم استحبابا على رأي، فإذا
جاء الوقت أحل ولا يلبي، ولو أتى بالمحرم كفر استحبابا.
ويجب العمرة المفردة على من لم يتمتع على الفور، وبالنذر والاستئجار
والإفساد والفوات، وبدخول مكة عدا المتكرر والمعذور.
ويجب فيها: النية والإحرام والطواف وركعتاه، والسعي والتقصير أو
الحلق، وطواف النساء وركعتاه، وأفضلها في رجب.
ويتخير الآتي في أشهر الحج بينها وبين جعلها متعة، ولو دخل في التمتع لم
343

يجز العدول عنه على رأي، ويجوز في كل وقت على رأي، والمحرم بها إذا قصر
أحل إلا من النساء، ومع طواف النساء يحل مطلقا.
344

الرسالة الفخرية
للشيخ جمال الدين أبي منصور الحسن بن سديد الدين
يوسف بن زين الدين علي بن محمد مطهر الحلي المشتهر
بالعلامة الحلي والعلامة على الإطلاق
647 - 726 ه‍. ق
345

كتاب الحج
مقدمة:
يستحب لمن أراد الحج أو العمرة أن يقف على باب داره، ويدعو بالمنقول
وينوي فيقول: أتوجه إلى بيت الله الحرام والمشاعر العظام لأداء الحج والعمرة
وأفعالهما لوجوبهما علي قربة لله. وإن كانا مستحبين قال: " لندبهما ".
وهو ثلاثة أقسام: تمتع وقران وإفراد.
فصورة التمتع أن يحرم من أحد المواقيت التي وقتها رسول الله صلى الله
عليه وآله، وهي لأهل العراق العقيق، وأفضله المسلخ وأوسطه الغمرة وآخره ذات
عرق. ولأهل المدينة مسجد الشجرة وعند الضرورة الجحفة، وهي ميقات أهل
الشام. ولأهل الطائف قرن المنازل. ولليمن يلملم وعبر عنه ب‍ " ألملم " أيضا
فيقول:
أحرم بالعمرة المتمتع بها إلى الحج حج الإسلام لوجوبه قربة إلى الله،
ويتممها بما يأتي.
ويلبس ثوبي الإحرام فيقول: ألبس ثوبي الإحرام لوجوبه قربة إلى الله.
ثم يلبي التلبيات الأربع وهي: لبيك اللهم لبيك لبيك إن الحمد والنعمة
والملك لك لا شريك لك لبيك.
ونيتها: ألبي التلبيات الأربع لأعقد بها إحرام العمرة المتمتع بها إلى الحج
347

حج الإسلام لوجوبه قربة إلى الله.
وهذه نية التلبية بعد نية الإحرام بلا فصل، ولا يفصل بين قوله " قربة إلى
الله " وقوله " لبيك اللهم لبيك... إلى آخره " ويجوز جمعهما في نية واحدة
فيقول: أحرم إحرام العمرة المتمتع بها إلى الحج حج التمتع حج الإسلام وألبي
التلبيات الأربع لأعقد الإحرام بها لوجوب ذلك كله علي قربة إلى الله لبيك
اللهم لبيك... إلى آخره.
وكذا في إحرام الحج يذكر بدل قوله " إحرام العمرة " " إحرام الحج ".
ثم يأتي مكة فيطوف بالبيت سبعة أشواط طواف العمرة، فيحاذي الحجر
ببدنه، ويقول حين المحاذاة: أطوف سبعة أشواط طواف العمرة المتمتع بها إلى
الحج عمرة الإسلام لوجوبه قربة إلى الله.
ويدخل الحجر في طوافه ويخرج المقام.
ثم يصلي ركعتيه في مقام إبراهيم ونيتها: أصلي ركعتي طواف العمرة
المتمتع بها إلى الحج عمرة الإسلام لوجوبها قربة إلى الله.
ثم يسعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط من الصفا إليه شوطان، فيلصق
عقبيه به ويقول: أسعي سبعة أشواط سعي العمرة المتمتع بها عمرة الإسلام
لوجوبه قربة إلى الله.
ثم يقص شيئا من شعر رأسه أو لحيته فيقول: أقصر التقصير الواجب في
عمرة التمتع عمرة الإسلام لوجوبه قربة إلى الله. للإحلال به فيحل له كل شئ
حرمه الإحرام، عدا الصيد لكونه في الحرم.
ثم يحرم بالحج من مكة وأفضلها تحت الميزاب فيقول: أحرم بالحج حج
الإسلام حج التمتع لوجوبه علي قربة إلى الله. ويفعل كما فعل في إحرامه
السابق وينوي عند كل فعل.
ثم يأتي عرفة فيقف بها يوم تاسع ذي الحجة من زوال الشمس إلى الغروب
ونيته: أقف بعرفات لحج الإسلام حج التمتع لوجوبه علي قربة إلى الله.
348

ثم يأتي المشعر فيقف به يوم النحر وجوبا ناويا من طلوع الفجر إلى طلوع
الشمس ونيته: أقف بالمشعر لحج الإسلام حج التمتع لوجوبه قربة إلى الله.
ثم يأتي منى فيرمي جمرة العقبة بسبع حصيات فيقول: أرمي جمرة العقبة
بسبع حصيات لحج التمتع حج الإسلام لوجوبه قربة إلى الله.
ثم يذبح هديه فيقول: أذبح هذا الهدي الواجب علي لحج التمتع حج
الإسلام لوجوبه قربة لله ويهدي ثلثه ويتصدق بثلثه ويأكل ثلثه.
ونية الإهداء أن يقول: أهدي ثلث الهدي الواجب علي في حج الإسلام
لوجوبه قربة لله.
ونية الصدقة: أتصدق بثلث الهدي الواجب علي في حج التمتع حج
الإسلام لوجوبه قربة لله.
ونية الأكل من هذا الهدي الواجب علي في حج التمتع حج الإسلام
لوجوبه قربة لله.
ثم يحلق رأسه بعد الذبح أو النحر، ويجوز أن يقصر عوض الحلق والحلق
أفضل من التقصير، ويجب فيه النية فيقول: أحلق رأسي أو أقصر لحج التمتع
حج الإسلام للإحلال به لوجوبه علي قربة إلى الله.
ثم يأتي مكة فيطوف بالبيت كما تقدم للحج، ونيته: أطوف بالبيت سبعة
أشواط طواف الحج حج التمتع حج الإسلام لوجوبه علي قربة إلى الله.
ثم يصلي ركعتيه في مقام إبراهيم عليه السلام فيقول: أصلي ركعتي طواف
الحج حج التمتع حج الإسلام لوجوبه قربة إلى الله.
ثم يسعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط سعي الحج حج التمتع حج
الإسلام لوجوبه قربة إلى الله.
ثم يطوف طواف النساء كالسابق فيقول: أطوف طواف النساء سبعة
أشواط لحج التمتع حج الإسلام لوجوبه علي قربة إلى الله.
ثم يصلي ركعتيه بالتمام ونيتهما: أصلي ركعتي طواف النساء لحج التمتع
349

حج الإسلام لوجوبه علي قربة إلى الله.
ثم يطوف طواف النساء كالسابق فيقول: أطوف طواف النساء سبعة
أشواط لحج التمتع حج الإسلام لوجوبه علي قربة إلى الله.
ثم يصلى ركعتيه بالمقام ونيتهما: أصلي ركعتي طواف النساء لحج التمتع
حج الإسلام لوجوبه علي قربة إلى الله.
ثم يمضي إلى منى فيبيت بها ليالي التشريق، وهي ليلة الحادي عشر والثاني
عشر والثالث عشر.
ونية المبيت: أبيت هذه الليلة في منى لحج التمتع حج الإسلام لوجوبه
قربة إلى الله.
ويرمي في كل يوم الجمار الثلاث، كل جمرة بسبع حصيات، يبدأ بالأولى
ثم الوسطى ثم الجمرة العقبة فيقول: أرمي هذه الجمرة لحج الإسلام حج التمتع
لوجوبه علي قربة إلى الله.
ويستحب أن يعود إلى مكة لوداع البيت، ونيته: أعود إلى مكة لوداع
البيت لندبه قربة إلى الله.
ويستحب أن يطوف ثلاثمائة وستين طوافا، فإن لم يتمكن جعل العدة
أشواطا، فالأخير عشرة، ونية كل طواف: أطوف سبعة أشواط بالبيت لندبه قربة
إلى الله.
ونية الأخير إذا اجعل العدة أشواطا: أطوف عشرة أشواط بالبيت لندبه قربة
إلى الله.
وينوي المستحبات المذكورة في مواضعها كالدعاء والصدقة بدرهم تمرا.
وصورة الإفراد أن يحرم من الميقات أو من حيث يسوع له، ثم يمضي إلى
عرفة ثم المشعر، ثم يقضي مناسك يوم النحر، ثم يأتي مكة فيطوف للحج
ويصلي ركعتيه، ثم يسعى ويطوف للنساء ويصلي ركعتيه، ثم يأتي بعمرة مفردة
بعد الإحلال من أدنى الحل، ونيات أفعاله كما تقدم إلا أنه يذكر عوض التمتع
350

الإفراد، وينوي طواف النساء للعمرة أنه للعمرة المبتولة.
والقارن كالمفرد إلا أنه يقرن بإحرامه سياق الهدي فيقول: أسوق هذا
الهدي ندبا - إن لم يكن بنذر وشبهه أو استئجار - لندبه قربة إلى الله.
وعند ذبحه يقول: أذبح هذا الهدي في حج القران لوجوبه قربة إلى الله.
والنائب كالحاج عن نفسه إلا أنه يزيد على ما ذكرناه في نية كل فعل:
نيابة عن فلان لوجوبه عليه بالأصالة وعلي بالاستئجار.
وإن تبرع بالقضاء قال في نية الإحرام: لوجوبه عليه بالأصالة وندبه علي
قربة إلى الله.
ثم ينوي في باقي الأفعال الوجوب فيقول: أطوف - مثلا - طواف العمرة
المتمتع بها نيابة عن فلان لوجوبه عليه بالأصالة وعلي بالتحمل قربة إلى الله.
والحج المندوب كما تقدم إلا أنه يذكر عوض حج الإسلام حج الندب،
والندب كالواجب إلا في الإحرام، وفي الإفساد ينوي في الثاني حج الإسلام إذا
كان حج الإسلام، وينوي في تمام الحج الأول الواجب لوجوبه.
تتمة:
يستحب زيارة النبي عليه السلام إما متقدمة على الحج أو متأخرة، وبالجملة
فزيارته صلى الله عليه وآله في كل وقت مستحبة لا يعادل فضلها شئ لأن حرمته
ميتا كحرمته حيا.
ويستحب السلام عليه في كل وقت، ويجب في الجملة وفي آخر الصلاة في
التشهد الأخير بعد قوله: اللهم صل على محمد وآل محمد، فيقول: السلام
عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته. وهذا واجب قبل التسليم الذي يخرج به
من الصلاة، فإن تركه عامدا بطلت صلاته.
وتجب الصلاة عليه في الصلاة، وفي الجملة لقوله تعالى: إن الله وملائكته
يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما.
351

الدروس الشرعية للشهيد السعيد محمد بن جمال الدين مكي العاملي
" الشهيد الأول "
734 - 786 ه‍. ق
353

كتاب الحج
وهو لغة القصد المتكرر، وشرعا القصد إلى مكة ومشاعرها لأداء المناسك
المخصوصة، وقيل: هو اسم للمناسك المؤداة في المشاعر - المخصوصة - ويلزم
منه النقل، ومن الأول التخصيص، وهو خير من النقل.
وحج الإسلام فرض على من استكمل شروطا ثمانية من الرجال والنساء
والخناثى:
أحدها: البلوغ، فلا يجب على الصبي ولا تصح منه مباشرته إلا أن يكون مميزا
وأذن له الولي، ولو بلغ قبل أحد الموقفين صح حجه وكذا لو فقد التمييز وباشره
الولي فاتفق البلوغ والعقل، ولو بلغ بعد الوقوف والوقت باق جدد النية وأجزأ،
والولي ولي المال كالأب والجد والوصي ووكيل أحدهم والأم على الأقوى،
والنفقة الزائدة على نفقة الحضر تلزم الولي، وكذا كفارات المحظورات اللازمة،
عمدا وسهوا كالصيد.
وأما اللازمة عمدا خاصة الوطء واللبس فبناها الشيخ على أن عمد الصبي
هل هو عمد أو خطأ؟ وقد نصوا على أن عمده في الجناية على الآدمي خطأ.
وأما الهدي فعلى الولي، وإن كان مميزا وفقد الهدي، جاز للولي الصوم عنه
وأمره به، ولو وطئ قبل أحد الموقفين متعمدا بنى على العمد والخطأ، وقوى
الشيخ أنه خطأ فلا إفساد، ولو قيل بالإفساد لم يجزئ القضاء حتى يبلغ، ولا
355

يجزئ عن حجة الإسلام إلا أن يكون قد بلغ في الفاسد قبل الوقوف، ويجب
تقديم حجة الإسلام حيث يجبان، فلو قدم القضاء احتمل إجزاؤه عن حجة
الإسلام، وفي وجوب مؤونة القضاء على الولي نظر أقربه الوجوب.
وثانيها: العقل، فلا يجب على المجنون ولا يصح منه ويحرم به الولي كغير
المميز، ويجوز للولي الإحرام بهما محلا ومحرما لأنه ليس نائبا عنهما، وإنما هو
جاعلهما محرمين، فيقول:
اللهم إني قد أحرمت بهذا... إلى آخر النية، ويكون حاضرا ومواجها له،
ويأمره بالتلبية إن أحسنها وإلا لبى عنه ويلبسه الثوبين ويجنبه محرمات الإحرام،
وإذا طاف به فليكونا متطهرين ويكفي في الصبي صورة الوضوء، ويحتمل
الاجتزاء بطهارة الولي.
ولو أركبه دابة فيه أو في السعي وجب كونه سائقا به أو قائدا إذ لا قصد
للصبي والمجنون.
ويصلي عنه ركعتي الطواف إذا لم يكن مميزا لأنه لا حكم لصلاة غير المميز،
وعلى ما قال الأصحاب: من أمر ابن ست بالصلاة يشترط نقصه عنها، ولو قيل:
يأتي بصورة الصلاة كما يأتي بصورة الطواف أمكن.
ولو كان الجنون دوريا وجب عليه إن وسعت النوبة الأفعال، ولو أفاق قبل
الوقوف فكالصبي.
فرع:
لو استقر الحج في ذمته ثم جن لم يجب على الولي الخروج به، فلو فعل
وأنفق الولي عليه من ماله ثم أفاق قبل الوقوف أجزأ ولا غرم، وإلا غرم الولي النفقة
الزائدة.
356

وثالثها: الحرية، فلا تجب على العبد وإن تشبث بالحرية، ويصح منه
المباشرة بإذن المولى، فلو بادر فللمولى فسخه ولو أذن فله الرجوع قبل التلبس لا
بعده، فلو رجع ولما يعلم حتى أحرم فالأقرب بطلان الرجوع، وقال الشيخ:
إحرامه صحيح وللسيد فسخه.
ولو أعتق قبل الوقوف أجزأ عن حجة الإسلام بشرط تقدم الاستطاعة
وبقائها، ويجب عليه الدم لو كان متمتعا، وكذا لو كمل الصبي والمجنون،
ويجب عليهم تجديد نية الوجوب لا استئناف الإحرام ويعتد بالعمرة المتقدمة لو
كان الحج تمتعا في ظاهر الفتوى.
فرع:
لو حج العبد الأفقى أو المميز كذلك قرانا أو إفرادا، أو حج الولي بغير
المميز أو المجنون كذلك، وكملوا قبل الوقوف ففي العدول إلى التمتع مع سعة
الوقت نظر من الأمر بإتمام النسك، والأقرب العدول للحكم بالإجزاء مطلقا،
ومع عدم القول بالعدول أو لم يمكن العدول ففي إجزاء الحج هنا نظر من
مغايرة فرضهم، ومن الضرورة المسوغة لانتقال الفرض وهو قوي.
ولو باعه محرما صح، وتخير المشتري إن لم يعلم على الفور إلا مع قصر
الزمان الباقي، بحيث لا يفوت شئ من المنافع.
والأمة تستأذن الزوج والسيد، والمبعض كالقن، إلا أن يهايأه وتسع النوبة
ولا خطر ولا ضرر على السيد فالأقرب الجواز، ولو أفسد المأذون أتم وقضى في
الرق، قيل: ويجب على المولى تمكينه منه، ولو أعتق في الفاسد وقبل الوقوف
أجزأه مع القضاء عن حجة الإسلام، ولو كان العتق بعده لم يجزئه، ووجبت
حجة الإسلام مقدمة فلو قدم القضاء قال الشيخ: يجزئ عن حجة الإسلام،
ووجوب القضاء يكفي فيه الاستطاعة العادية، بخلاف حجة الإسلام فإنه
بالاستطاعة الشرعية، فلو حصلت صرفها إلى حجة الإسلام، وإلا فالظاهر أن
357

القضاء مقدم ولا ينتظر استطاعة حجة الإسلام.
ولو نذر العبد بإذن مولاه وعين زمانه، فليس للمولى منعه منه، وهل يجب
على المولى الزائد عن نفقة الحضر؟ الأقرب الوجوب، ولو أخل بالمعين حتى
صار قضاء أو كان النذر مطلقا فالوجه عندي عدم منع السيد من البدار، وكذا
الزوجة ولوازم المحظورات على العبد، ويكون الصوم عوضا عن الدم، قاله
الشيخ، وقال المفيد: على السيد فداء الصيد وقضاء الفاسد، وفي وجوب التمكين
من الكفارة على السيد وجهان، وفي المعتبر جناياته كلها على السيد لرواية حريز،
ويعارضها رواية عبد الرحمان بعدم وجوب فداء الصيد على السيد وحمله على أنه
إحرام بغير إذن، ويتخير المولى في الهدي بينه وبين أمره بالصوم لرواية جميل.
درس [1]:
ورابعها: ملك الزاد والراحلة في المفتقر إلى قطع المسافة، ويكفي ملك
المنفعة ولا يجب على فاقدهما ولو سهل عليه المشي وكان معتادا للسؤال، ويكفي
البذل في الوجوب مع التمليك أو الوثوق به، وهل يستقر الوجوب بمجرد البذل
من غير قبول؟ إشكال من ظاهر النقل وعدم وجوب تحصيل الشرط.
ولو حج كذلك أو في نفقة غيره أجزأ، بخلاف ما لو تسكع فإنه لا يجزئ
عندنا، وفيه دلالة على أن الإجزاء فرع الوجوب فيقوى الوجوب بمجرد البذل
لتحقق الإجزاء، إلا أن يقال الوجوب هنا بقبول البذل، ولو وهبه زادا أو راحلة لم
يجب عليه القبول، وفي الفرق نظر، وابن إدريس قال: لا يجب الحج بالبذل حتى
يملكه المبذول، وجنح إليه الفاضل.
فرع:
لا يمنع الدين الوجوب بالبذل، وكذا لو وهبه مالا لشرط الحج به، أما لو
وهبه مالا مطلقا فإنه يجب قضاء الدين منه، ولا يجب على المبذول له إعادة الحج
358

مع اليسار خلافا للشيخ، نعم يستحب لرواية الفضل بن عبد الملك، وتصرف
في الاستطاعة، ما عدا داره وثيابه وخادمه ودابته وكتب علمه.
فروع ثلاثة: الأول: في استثناء ما يضطر إليه من أمتعة المنزل والسلاح وآلات
الصنائع عندي نظر.
الثاني: لو غلت هذه المستثنيات وأمكن الحج بثمنها والاعتياض عنها
فالظاهر الوجوب، ويجب لو زادت أعيانها عن قدر الحاجة قطعا، ولا يجب بيعها
لو كان يعتاض عنها بالوقوف العامة وشبهها قطعا.
الثالث: لو لم يكن له هذه المستثنيات وملك مالا يستطيع به صرف فيها،
ولا يجب الحج إذا لم يتسع المال.
أما النكاح تزويجا أو تسريا فالحج مقدم عليه وإن شق تركه إلا مع
الضرورة الشديدة، والمديون ممنوع إلا أن يستطيع بعد قضائه مؤجلا كان أو
حالا، والمدين مستطيع مع إمكان استيفاء قدر الاستطاعة وإلا فلا، وتجب
الاستدانة عينا إذا تعذر بيع ماله وكان وافيا بالقضاء، وتخييرا إذا أمكن الحج
بماله، وروى سعيد بن يسار: الحج من مال الولد الصغير، وحملت على
الاستدانة، وقال في الخلاف: لم يرو خلافها، فدل على إجماعهم عليها.
ويصرف العقار والبضاعة في الاستطاعة وإن التحق بالمساكين، إلا أن
يشترط الرجوع إلى كفاية، ولا ينفع الفرار بهبة المال أو إتلافه أو بيعه مؤجلا إذا
كان عند سير الوفد، ولو حج المستطيع متسكعا أو في نفقة غيره أو بمال
مغصوب أجزأ، ولو طاف أو سعى على مغصوب أو كان ثمن الهدي أو ثوب
الإحرام مغصوبا مع الشراء بالعين لم يجز، والمعتبر في الراحلة ما يناسبه ولو
محملا إذا عجز عن القتب، ولا يكفي علو منصبه في اعتبار المحمل أو الكنيسة فإن
النبي والأئمة صلى الله عليهم حجوا على الزوامل والآلات والأوعية من الاستطاعة،
ويجب حمل الزاد والعلف ولو كان طول الطريق، ولم يوجب الشيخ حمل
359

الماء زيادة عن مناهله المعتادة، ولو زادت الأثمان عن المعتاد وتمكن منها فالأولى
الوجوب، ولا يجب تحصيل الاستطاعة بإجارة أو تزويج أو تكسب وإن سهل.
والمعضوب لو بذل له النيابة عنه لم يجب عليه أمره عند الشيخ، ولا يستقر
بتركه وإن وثق بوعده سواء كان الباذل ولدا أو لا، أهلا للمباشرة أو لا، مستطيعا
أو لا، مشغولا بحجة الإسلام أو لا، وسواء كان المعضوب آيسا من البرء أو لا، ذا
مال أو لا، إلا أن نقول بوجوب الاستنابة عليه وهو الأقوى، وبوجوب قبول البذل
على غير المعضوب وهو المشهور، فيجب أمره هنا على تردد، ولو امتنع أمره
الحاكم، ولو حج عن المعضوب فبرئ حج ثانيا، فلو مات استؤجر عنه من ماله،
والأقرب أن وجوب الاستنابة فوري إن يئس من البرء وإلا استحب الفور وفي
حكم المعضوب المريض والهرم والممنوع بعدو سواء كان قد استقر عليه
الوجوب أو لا خلافا لابن إدريس.
ولو بذل للمعضوب الفقير مال يكفي للنيابة ففي وجوب قبوله وجهان مبنيان
على قبول الصحيح وأولى بالمنع، ويلزم من وجوب قبول المال وجوب قبول
بذل النيابة بطريق الأولى، ولو وجب عليه الحج بإفساد أو نذر فهو كحجة
الإسلام، بل أقوى.
فرع:
لو استناب المعضوب فشفي انفسخت النيابة، ولو كان بعد الإحرام فالأقرب
الإتمام، فإن استمر الشفاء حج ثانيا، وإن عاد المرض قبل التمكن فالأقرب
الإجزاء.
درس [2]:
وخامسها: أن يكون له ما يمون به عياله حتى يرجع إذا كانوا واجبي النفقة،
لأن حق الآدمي مقدم، ولرواية أبي الربيع الشامي.
360

وسادسها: الصحة من المرض والعضب، وهو شرط في الوجوب البدني لا
المالي، فلو لم يتضرر بالركوب وجب.
وسابعها: تخلية السرب، فيسقط مع الخوف على النفس أو المال أو البضع
إذا غلب الظن على ذلك، ولو احتاج إلى خفارة أو مال للعدو وجب مع المكنة
ما لم يجحف، ولو دفع إليه مال لمصانعة العدو قيل: لم يجب قبوله، ولو دفع
المال إلى العدو وخلا السرب وجب، ويجب سلوك الآمن من الطرق وإن بعد أو
كان في البحر، ولو اشترك في العطب سقط، وكذا لو خاف هيجان البحر.
فرع:
لو خرج مع الأمن فخاف في أثناء الطريق أو هاج عليه البحر رجع إن
أمن، ولو تساوى الذهاب والإياب والمقام في الخوف احتمل ترجيح الذهاب،
ولا يجب قتال العدو وإن كان كافرا وظن السلامة، نعم يستحب، بخلاف ما لو
كانوا مسلمين إلا من حيث النهي عن المنكر، ويجب البداء مع أول رفقة إلا أن
يثق بالمسير مع غيرها.
وثامنها: التمكن من المسير بسعة الوقت، فلو ضاق أو احتاج إلى سير عنيف
ليطوي المنازل وعجز سقط في عامه، وكذا لو قدر بمشقة غير محتملة.
ولو حج فاقد هذه الشرائط لم يجزئه وعندي لو تكلف المريض
والمعضوب والممنوع بالعدو وضيق الوقت أجزأ، لأن ذلك من باب تحصيل
الشرط فإنه لا يجب، ولو حصله وجب وأجزأ، نعم لو أدى ذلك إلى إضرار
بالنفس يحرم إنزاله.
ولو قارن بعض المناسك احتمل عدم الإجزاء، وهنا شروط غير معتبرة
عندنا وهي أربعة:
361

أولها: الإسلام، فيجب على الكافر وإن لم يصح منه، وأولى بالوجوب
المرتد، ولو أحرما فسد، فإن زال المانع أعادا إن أدركا الوقوف، ولو ارتد بعد
الحج لم يعد على الأقوى، ولو كان في أثناء الإحرام وعاد إلى الإسلام بنى.
وثانيها: البصر، فيجب على المكفوف إذا وجد قائدا أو أمكنه الاستقلال.
وثالثها: المحرم في النساء، إلا مع الحاجة وأجرته ونفقته جزء من
الاستطاعة، ولا يجب على المحرم الإجابة.
وتتحقق الحاجة بالخوف على البضع، فلو ادعى الزوج الخوف وأنكرت
عمل بشاهد الحال أو بالبينة، فإن انتفيا قدم قولها، والأقرب أنه لا يمين عليها، ولو
زعم الزوج أنها غير مأمونة على نفسها وصدقته فالظاهر الاحتياج إلى المحرم،
لأن في رواية أبي بصير وعبد الرحمان: تحج بغير محرم إذا كانت مأمونة، وإن
كذبته وأقام بينة بذلك أو شهدت به القرائن فكذلك وإلا فالقول قولها، وهل
يملك الزوج محقا منعها باطنا؟ نظر.
ورابعها: إذن الزوج، وليس شرطا في الوجوب ولا في البدار في الحج
الواجب المضيق، نعم يستحب استئذانه فإن امتنع خالفته، ويشترط إذنه في
التبرع، والمعتدة رجعية زوجة بخلاف البائن، ونفقة الحضر على الزوج حيث
يجوز الخروج، واختلف في الرجوع إلى كفاية بنحو صناعة أو بضاعة أو
صنيعة، فنقل الشيخ الإجماع عليه وأنكره الحليون وهو أصح.
واختلف في اشتراط الإيمان في الصحة، والمشهور عدم اشتراطه، فلو حج
المخالف أجزأ ما لم يخل بركن عندنا لا عندهم، فلو استبصر لم تجب الإعادة
وقال ابن الجنيد والقاضي: تجب لرواية ضعيفة معارضة بصحيحة محمولة على
الندب.
ولو حج المحق حج غيره جاهلا ففي الإجزاء تردد، من التفريط وامتناع
تكليف الغافل مع مساواته المخالف في الشبهة، ويصح من السفيه، وتجب مع
الاستطاعة فإن افتقر إلى حافظ فأجرته جزء منها، فانقسمت الشرائط إلى أربعة
362

أقسام:
الأول: ما يشترط في الصحة خاصة، وهو الإسلام.
الثاني: ما يشترط في المباشرة، وهو الإسلام والتمييز.
الثالث: ما يشترط في الوجوب، وهو ما عدا الإسلام.
الرابع: ما هو شرط في الإجزاء، وهو ما عدا الثلاثة الأخيرة.
وفي ظاهر الفتاوى، كل شرط في الوجوب والصحة شرط في الإجزاء،
ومع الشرائط يجب في العمر مرة إجماعا، والرواية بوجوبه على أهل الجدة في
كل عام مأولة بالتارك أو بالاستحباب المؤكد.
ويستقر الوجوب بمضي زمان يمكن فيه على جامع الشرائط، ولا يكفي
إمكان دخول الحرم فيقضي من أصل تركته من منزله، ولو ضاق المال فمن حيث
يمكن ولو من الميقات على الأقوى، ولو قضى مع السعة من الميقات أجزأ وإن أثم
الوارث، ويملك المال الفاضل، ولا يجب صرفه في نسك أو بعضه أو في وجوه
البر.
ولو حج فمات بعد الإحرام ودخول الحرم أجزأ ولا يكفي الإحرام على
الأقرب، ولا فرق بين موته في الحل أو الحرم محلا أو محرما، كما لو مات بين
الإحرامين، والمشي أفضل من الركوب فقد حج الحسن بن علي عليهما السلام
عشرين حجة ماشيا، ولو ضعف به عن التقدم للعبادة بمكة كان الركوب أفضل،
ولو قصد بالمشي حفظ المال ولا حاجة إليه ففي رجحانه على الركوب هنا نظر من
المشقة والنية.
درس [3]:
قد يجب الحج والعمرة بالنذر والعهد واليمين والنيابة والإفساد.
ويشترط في صحة النذر وقسميه التكليف والإسلام وإذن الزوج والمالك،
أو إجازتهما بعده أو زوال الولاية عنهما قبل إبطال الوالي.
363

وإذن الأب في العهد واليمين، وفي النذر نظر من الشك في تسميته يمينا،
وفي تبعيض المحل احتمال قوي، سواء كان في الأجزاء أو في الأوصاف.
ويتقيد الالتزام بهذه الثلاثة بحسب القيد، إذا كان مشروطا كعام معين أو
نوع من أنواع الحج بعينه، أو ركوب أو مشي حيث يكون أفضل، ولا ينعقد نذر
الحفاء في المشي للخبر عن النبي صلى الله عليه وآله، ولو أطلق تخير في الأنواع،
وهل يجزئ النذر المطلق عن حجة الإسلام؟ قيل: نعم، لرواية رفاعة، وقيل: لا،
لاختلاف السبب، ولو حج بنية حجة الإسلام لم تجزء عن النذر على القولين.
ولو نذر حجة الإسلام وقد وجبت فهو من باب نذر الواجب، وإلا تقيد
بالاستطاعة، ولا يجب تحصيلها إلا فيما مر من تكليف المريض وشبهه على إشكال
أقربه عدم الوجوب، ولو نذر المستطيع الصرورة أن يحج في عامه غير حجة
الإسلام لم ينعقد ما دام مستطيعا، فإن قصد مع فقد الاستطاعة وزالت صح، ولو
خلا عن القصد فالأقرب المراعاة، فإن تمت الاستطاعة لغا النذر، وإلا صح
والظاهر أن استطاعة النذر شرعية لا عقلية، فلو نذر الحج ثم استطاع صرف
ذلك إلى النذر، فإن أهمل واستمرت الاستطاعة إلى القابل وجبت حجة الإسلام
أيضا، وظاهر الأصحاب تقديم حجة الإسلام مطلقا وصرف الاستطاعة بعد النذر
إليها، إلا أن يعين سنة للنذر فيصرف الاستطاعة فيها إلى حج النذر.
ولو حج الناذر عن غيره أجزأ في صحيح رفاعة، واختاره الشيخ، والأقرب
عدمه، وتحمل الرواية على من قصد مطلق الحج، وقال الشيخ نجيب الدين
يحيى بن سعيد - رحمه الله -: لا يشترط في وجوب حج النذر الاستطاعة بالمال إلا
أن يشرطها، وفي المبسوط وغيره لا يراعى في صحة النذر شروط حجة الإسلام
فينعقد نذر من ليس بواجد للزاد والراحلة.
ومن مات وعليه حجة الإسلام والنذر أخرجتا من صلب ماله على الأصح،
ومع القصور، إلا عن واحدة تصرف في حجة الإسلام، ويستحب للولي أن يحج
عنه للنذر، وقد يظهر من كلام ابن الجنيد الوجوب.
364

ولو نذر الحج بولده أو عنه لزم، فإن مات الناذر استؤجر عنه من الأصل،
ولو مات الولد قبل التمكن فالأقرب السقوط، ولو مات بعده وجب القضاء،
والظاهر مراعاة التمكن في وجوب القضاء على الناذر أيضا.
ولو قيد الحج بعام فمرض أو صد فلا قضاء، وكذا لو لم يستطع، ولو قيده
بالمشي وجب من بلده على الأقوى، ويسقط المشي بعد طواف النساء، فلو ركب
طريقه أعاد ماشيا، فإن تعين الزمان قضى وكفر، وفي المعتبر يمكن إجزاء الحج
وإن وجبت الكفارة، وإن ركب بعضه قضى ملفقا فيمشي ما ركب ويتخير فيما
مشى منه، ولو اشتبهت الأماكن احتاط بالمشي في كل ما يجوز فيه أن يكون قد
ركب، ولو عجز عن المشي فالأقوى أنه يحج راكبا، وفي وجوب سوق بدنة
لرواية الحلبي أو استحبابه جبرا قولان، وإذا عبر في بحر أو نهر فالأقوى القيام
لرواية السكوني.
درس [4]:
تجوز النيابة في الحج، ويقع للمنوب بشرط إسلامهما وإيمان المنوب عنه إلا
أن يكون أبا، والأقرب اختصاص المنع بالناصب ويستثني الأب ويلحق به الجد
له لا للأم، ولو حج المخالف عن مثله أجزأ، قيل: وعن المؤمن لصحة حجه ولو
استبصر الولي أو النائب لم يجب القضاء.
وشرط النيابة في الواجب موت المنوب أو عجزه، ولا يشترط ذلك في
الندب إجماعا، فتجوز الاستنابة في الحج ندبا للحي وقيل فيه فضل كثير فقد
أحصي في عام واحد خمسمائة وخمسون رجلا يحجون عن علي بن يقطين
صاحب الكاظم عليه السلام أقلهم بسبعمائة دينار وأكثرهم عشرة آلاف.
ويشترط في النائب العقل، فلا تصح نيابة المجنون ولا الصبي غير المميز،
وفي صحة نيابة المميز وجه للمحقق رجع عنه في المعتبر.
والعدالة شرط في الاستنابة عن الميت وليست شرطا في صحة النيابة، فلو
365

حج الفاسق عن غيره أجزأ، وفي قبول إخباره بذلك تردد أقربه القبول لظاهر
حال المسلم ومن عموم قوله تعالى فتبينوا.
ولا يشترط الذكورة، فتجوز نيابة المرأة عن الرجل والمرأة، وإن كانت
صرورة على الأقوى، ومنع في التهذيب من نيابتها صرورة عن الرجل لرواية
الشحام، وفي النهاية أطلق المنع من نيابة المرأة الصرورة، وفي المبسوط صرح
بالمنع عن الرجل والمرأة.
ولا يشترط الحرية على الأشبه إذا أذن السيد، ويشترط الخلو من حج واجب
على النائب إلا أن يعجز عن الوصلة إليه فيجوز عند ضيق الوقت، ولا يقدح في
صحتها تجدد القدرة، وكذا لا تنفسخ الإجارة بتجدد الاستطاعة لحج الإسلام،
ولا يستقر حج الإسلام إلا ببقاء الاستطاعة إلى القابل، ويشترط قدرة الأجير على
العمل وفقهه في الحج وفي الاكتفاء بالعلم الإجمالي احتمال، نعم لو حج مع
مرشد عدل أجزأ.
ولا يشترط أن يشرط على الأجير السنن الكبار خلافا لابن الجنيد.
ويجب تعيين المنوب عنه قصدا ويستحب لفظا في جميع الأفعال فيقول
عند الإحرام: " اللهم ما أصابني من تعب أو لغوب أو نصب فأجر فلان بن فلان
وأجرني في نيابتي عنه "، فلو أحرم عنه ثم عدل إلى نفسه لغا العدول فإن أتم
الأفعال عن نفسه أجزأ عند الشيخ عن المنوب عنه بناء على أن نية الإحرام كافية
عن نية باقي الأفعال وأن الإحرام يستتبع باقي الأفعال، وأن النقل فاسد لمكان
النهي، وتبعه في المعتبر دون الشرائع.
وفي رواية ابن حمزة: لو حج الأجير عن نفسه وقع عن المنوب، وهذا أبلغ
من الأول.
ولو أحرم عن نفسه وعن المنوب فالمروي عن الكاظم عليه السلام وقوعه
عن نفسه، ويستحق المنوب ثواب الحج وأن يقع عنه، وقال الشيخ: لا ينعقد
الإحرام عنهما ولا عن أحدهما.
366

ولا يجوز أن ينوب عن اثنين في حجتين لعام، ويجوز في عمرتين وعمرة
مفردة وحجة مفردة، ولو استأجره لعام صح الأسبق فإن اقترنا في العقد وزمان
الإيقاع بطلا، وإن اختلف زمان الإيقاع صحا إلا أن يكون المتأخر يجد من يحج
عن منوبه لذلك العام فالأقرب بطلان العقد المؤخر.
ولو حج اثنان عن فرضي ميت أو معضوب في عام واحد فالأقرب الإجزاء
وإن كان ممتنع من المنوب حجتان بالمباشرة في عام، ولا فرق بين أن يكون
فيهما حجة الإسلام أو لا، ولو قلنا بوجوب تقديم حجة الإسلام من المنوب، إما
لسبق وجوبها أو مطلقا ففي وجوب تقديمها من النائب نظر، ولو تقدم نائب
المنذورة فقضية كلام الشيخ وقوعها عن حجة الإسلام، ويستحق الأجرة على
إشكال، أقربه ذلك لإتيانه بما استؤجر له، والقلب من فعل الشارع وحينئذ
تنفسخ إجارة الآخر.
ويجوز أن ينوب الواحد في النسك المندوب عن جماعة، ولا يجوز في
الواجب، فلو فعل عنهم لم يقع لهم، وفي وقوعها لنفسه تردد لرواية أبي حمزة
ولأنه لم ينو عن نفسه.
ولو اشتركوا في نذر حج مشترك صح من النائب الواحد وإن كان واجبا
على الجماعة.
وتجوز النيابة في أبعاض الحج القابلة لذلك كالطواف والسعي والرمي
والذبح، لا الإحرام والوقوف والمبيت بمنى والحلق، ويشترط في الجميع العجز
بغيبة أو غيرها، وقدرت الغيبة بعشرة أميال في الطواف.
والحمل جائز في الطواف والسعي ويحتسب لهما إلا أن يستأجره على حمله
لا في طوافه.
ولو تعذرت الطهارة عليه في الطواف استناب فيه وفي الصلاة، وفي استنابة
الحائض عندي تردد.
ويجب أن يأتي بالنوع المشترط عليه، فلو عدل إلى الأفضل جاز إذا قصد
367

المستأجر ذلك وكان الحج ندبا أو كان واجبا مخيرا كالنذر المطلق وحج
متساوي الإقامة بمكة وغيرها وإلا فلا، وجوز الشيخ العدول إلى الأفضل مطلقا،
ولو عدل إلى المفضول أو إلى الحج عن العمرة أو بالعكس وتعين الزمان بطل،
ولو استأجره مطلقا وقع عن المنوب عنه ولا يسقط فرضه المستأجر عليه ولا أجرة،
وهذا يتم على القول: بأن الأمر بالشئ نهي عن جميع أضداده، وعلى القول
بالفرق بين الواجب على الفور بسبب الشرط وبين الواجب على الفور بسبب
الإطلاق وفيهما منع.
ولو شرط سلوك طريق معين وجب مع الفائدة، فلو سلك غيره رجع
عليه بالتفاوت، وقال الشيخ: لا يرجع لإطلاق رواية حريز في من استؤجر للحج
من الكوفة فحج من البصرة، قال: لا بأس، وفيها دليل على أنه لا يتعين المسير من
نفس بلد الميت.
ولو شرط سنة معينة وجبت.
ولا يجوز لوصي الميت تأخير الاستئجار إلى عام آخر مع الإمكان، ولو أطلق
اقتضى التعجيل، فلو خالف الأجير فلا أجرة له، ولو أهمل لعذر فلكل منهما
الفسخ في المطلقة في وجه قوي، ولو كان لا لعذر تخير المستأجر خاصة، ولو
صد أو أحصر تحلل بالهدي وانفسخت الإجارة إن تعين الزمان، وإن كان مطلقا
ملكا الفسخ كما قلناه.
ويملك من الأجرة بنسبة ما عمل ويستأجر آخر من موضع الصد، ولو كان
بين الميقات ومكة فمن الميقات، ولو مات بعد الإحرام ودخول الحرم أجزأ
عنهما، ولا يكفي الإحرام، خلافا للخلاف، وكفارة جناية الأجير في ماله، ودم
الهدي عليه، ويستحب له إعادة فاضل الأجرة.
ويستحب للمستأجر الإتمام لو أعوز، وفي استحباب إجابة الوارث إلى أخذ
الزيادة وإجابة النائب إلى قبول التكملة نظر، ولو جامع قبل الوقوف أعاد الحج
وأجزأ عنهما سواء كانت الإجارة معينة أو مطلقة على الأقوى.
368

درس [5]:
لا يشترط في صحة الإجارة تعيين الميقات، فإن عينه تعين فإن خالف أجزأ،
وقال الشيخ: لا يرد التفاوت، ولو شرط الإحرام قبل الميقات صح إن كان قد
وجب على المنوب ذلك بالنذر وشبهه وإلا فسد العقد، والشيخ حكم بالبطلان
مطلقا.
ولا تجوز النيابة عن الحي إلا باذنه بخلاف الميت، ولو كان النسك مندوبا
لم يشترط إذن الحي على الأشبه، وتجوز النيابة في نسك لمن لم يجب عليه وإن
وجب عليه النسك الآخر، وكذا لو استأجره أحدهما لعمرة والآخر لحجة مفردة،
ولو اعتمر عن نفسه ثم أتى بالمستأجر عليه تاما أجزأ، وإن تعذر عليه العود إلى
الميقات قال الشيخ: يحرم من مكة ويجزئ ولا يرد التفاوت، وقيل: يرد بنسبة
ما فات من الميقات إلى مكة، ويحتمل ما بينها وبين بلده، ولو أمكنه العود إلى
الميقات لم يجزئه، وقال الفاضل: يجزئ ويرد التفاوت مع تعيين الميقات،
ويشكل صحة الحج إذا تعمد النائب الاعتمار عن نفسه ولما يعد إلى الميقات
سواء تعذر عليه العود أو لا، إلا أن يظن إمكان العود، أو يفرق بين المتعمد عن
نفسه وغيره، وفي الخلاف لا خلاف في إجزائه مع تعذر العود.
ولا يجوز للنائب الاستنابة إلا مع التفويض وعليه تحمل رواية عثمان بن
عيسى، ويستحق الأجرة بالعقد، ولا يجب التسليم إلا بالعمل، ولو توقف الحج
على الأجرة فالأقرب جواز فسخ الأجير، ولا يجوز لوصي الميت التسليم قبل
الفعل إلا مع الإذن صريحا أو بشاهد الحال.
وتجوز الجعالة على الحج والعمرة فإن عين الجعل والنسك وأتى به
استحقه وإن لم يعين الجعل فله أجرة المثل، ولو قال: من حج عني أو اعتمر فله
عشرة، فالأقرب الصحة بخلاف الإجارة.
ويجب سير الأجير مع أول رفقة، فإن تأخر وأدرك أجزأ، وإن فاته الموقفان
فلا أجرة له، ويتحلل بعمرة عن نفسه، ولو فأتاه بغير تفريط فله من المسمى
369

بالنسبة، ولو عين الموصي النائب أو القدر تعينا ولا يجب على النائب القبول، ولو
زاد القدر عن أجرة المثل فمن الثلث إلا مع إجازة الوارث، ولو امتنع المعين
وأراد الزيادة عن أجرة المثل لم يعط لأنها وصية بشرط النيابة، ثم يستأجر غيره
بذلك القدر إن علم أن غرض الموصي تحصيل الحج، وإن تعلق الغرض
بالمعين استؤجر غيره بأجرة المثل، ولو أطلق القدر وعين الأجير أعطي أقل أجرة
يوجد من يحج عنه بها قاله في المبسوط، ويحتمل أن يعطي أجرة مثله إن اتسع
الثلث، فإن امتنع استؤجر غيره بأقل أجرة، ولو أطلق الوصية بالحج فكذلك.
ولو مات من استقر عليه الحج أخرج عنه وإن لم يوص ولو لم يخلف شيئا
استحب للولي الحج عنه ويتأكد في الوالدين ولو تبرع عنه أجنبي أجزأ ولو ترك
مالا، ولو خلف شيئا لا يقوم بالحج من أقرب المواقيت - ولو من مكة - عاد ميراثا،
ولو وسع أحد النسكين فالأقرب وجوبه ولا كذا لو وسع بعض الأفعال.
ولو أوصى بالحج الواجب مع واجب آخر وضاقت التركة وزعت فلو قصر
نصيب الحج صرف في الباقي، ولو كان معها ندب قدم الواجب، وكذا لو جمع
الوصايا في الثلث، ولا يوزع على الأقرب لرواية معاوية بن عمار، فلو أوصى بحج
واجب وعتق وصدقة ندبا وقصر المال أو الثلث عما عدا الحج سقطا، ولا يجوز
صرفه في إعانة الحاج والساعي في فك رقبته وفي الصدقة، ولو أطلق الموصي
الحج حمل على الندب إذا لم يعلم الوجوب، ولا يجب التكرار إلا أن يعلم منه
ذلك فيحج عنه بثلث ماله، وعليه تحمل رواية ابن أبي خالد.
ولو عين لكل سنة قدرا فقصر تمم من الثانية فما بعدها، ولو فضل عن سنة
صرف في حجة أخرى لتلك السنة، فلو قصرت الفضلة كملها من الفضلات
الآتية، ولو قصر مال الآتية عن السنة كملها بتلك الفضلة.
فروع ثلاثة:
الأول: هل للوصي التكسب بهذا المال أو للوارث مع الضمان؟ يحتمل
370

ذلك للأصل، والمنع لعدم دخوله في ملك الوارث فلو تكسب به وربح وكان
الشراء بالعين احتمل صرفه إلى الحج أو إلى الوارث على بعد.
الثاني: الأقرب أن الاستئجار هنا من بلد الميت مع السعة، وإلا فمن حيث
يمكن، وسبيله سبيل حجة الإسلام.
الثالث: لو كان الوصية بغلة بستان أو دار فمؤونتهما على الوارث لأن الأصل
ملكه، ويحتمل تقديمهما على الوصية لتوقفها عليها، وروى بريد، في من استودع
مالا فهلك وعليه حجة الإسلام: يحج عنه المودع، وحملها الأصحاب على العلم
بأن الورثة لا يؤدون، وطردوا الحكم في غير الوديعة كالدين والغصب والأمانة
الشرعية.
فروع:
الأول: خرج بعضهم وجوب استئذان الحاكم مع إمكانه.
الثاني: ظاهر الرواية مباشرة الحج بنفسه، والأقرب جواز الاستئجار أيضا،
والظاهر أن الحج هنا من بلد الميت كغيره.
الثالث: لو تعدد الودعي توازعوا الأجرة، ويمكن جعله من فروض الكفايات،
ولو حجوا جميعا قدم السابق ولا غرم على الباقين مع الاجتهاد، على تردد، ولو
اتفق إحرامهم دفعة سقط من وديعة كل منهم ما يخصه من الأجرة الموزعة، ولو
علموا بعد الإحرام أقرع بينهم وتحلل من لم تخرج له القرعة.
الرابع: الظاهر اطراد الحكم في غير حجة الإسلام كالنذر، وفي العمرة، بل
وفي قضاء الدين.
وأما حج الإفساد فسيأتي إن شاء الله، وما عدا ذلك مسنون.
ويشترط في صحة الندب الخلو من الواجب سواء كان حجة الإسلام أو لا،
فلو نوى الندب لم ينعقد إحرامه، وقال الشيخ: ينعقد ويجزئ عن حجة الإسلام،
وفي التهذيب ظاهره جواز الحج ندبا وإن لم يجزئ عن حجة الإسلام.
371

ولو أوصى بالحج ندبا أخرج من الثلث، فلو كان هناك واجب فأوقعهما
الأجيران في عام فالأقرب الصحة وإن تقدم الندب أو قارن الواجب، ولو قصرت
الأجرة عن الرغبة ففي الصدقة بها أو توريثها قولان، ويجوز الحج ندبا بغير إذن
الأبوين وإن كان الأفضل استئذانهما قاله الشيخ، ويكره تركه خمس سنين لما
روي أنه لمحروم.
درس [6]:
أقسام الحج ثلاثة: التمتع والقران والإفراد.
وأفعال المتمتع الواجبة مرتبة، خمسة وعشرون:
النية والإحرام بالعمرة، والتلبية ولبس ثوبي الإحرام والطواف وركعتاه
والسعي والتقصير والنية والإحرام بالحج، والتلبية واللبس والوقوف بعرفات
والمبيت بالمشعر والوقوف به ورمي جمرة العقبة والذبح والحلق أو التقصير
وطواف الزيارة وركعتاه والسعي وطواف النساء وركعتاه والمبيت بمنى ليالي
التشريق ورمي الجمرات الثلاث، وفي التبيان يستحب الحلق أو التقصير والرمي
أيام منى وهو متروك.
والأركان من ذلك ثلاثة عشر:
النية والإحرام بالعمرة، والتلبية وطوافها وسعيها والنية والإحرام بالحج،
والتلبية والوقوف بعرفات والكون بالمشعر وطواف الحج وسعيه والترتيب.
ويتحقق البطلان بفوات شئ من الأركان عمدا لا سهوا، إلا أن يكون الفائت
الموقفين فيبطل وإن كان سهوا، ولا يبطل بفوات باقي الأفعال وإن كان عمدا، وفي
ركنية التلبية خلاف، ورواية ابن عمار تقتضي توقف الإحرام عليها. وهذه الأفعال
لقسيميه ويؤخران العمرة عن الحج ويزيدان فيها طواف النساء وركعتيه بعد
الحلق أو التقصير، وكذا في كل عمرة مفردة.
وقال الحلبي: الحلق آخرها، والرواية بخلافه، وظاهر الجعفي أن ليس في
372

المفردة طواف النساء، ونقل عن بعض الأصحاب أن في المتمتع بها طواف
النساء، وفي المبسوط الأشهر في الروايات عدمه وأشار به إلى رواية سليمان بن
حفص عن الفقيه المتمتع إذا قصر فعليه - لتحلة النساء - طواف وصلاة.
ولا هدي على المفرد وبسياق الهدي يتميز عنه القارن في المشهور، وقال
الحسن: القارن من ساق، وجمع بين الحج والعمرة، فلا يتحلل منها حتى يحل
من الحج، فهو عنده بمثابة المتمتع إلا في سوق الهدي وتأخير التحلل وتعدد
السعي فإن القارن عنده يكفيه سعيه الأول عن سعيه في طواف الزيارة،
وظاهر الصدوقين الجمع بين النسكين بنية واحدة.
وصرح ابن الجنيد: بأنه يجمع بينهما، فإن ساق وجب عليه الطواف
والسعي قبل الخروج إلى عرفات ولا يتحلل، وإن لم يسق جدد الإحرام بعد
الطواف ولا تحل له النساء وإن قصر، وقال الجعفي: القارن كالمتمتع غير أنه
لا يحل حتى يأتي بالحج للسياق.
وفي الخلاف إنما يتحلل من أتم أفعال العمرة إذا لم يكن ساق، فلو كان قد
ساق لم يصح له التمتع ويكون قارنا عندنا، وظاهره أن المتمتع السائق قارن،
وحكاه الفاضلان عنه، ساكتين عليه.
ثم السياق مقارن للإحرام، وقال المفيد: إذا لم يقدر على المقارنة أجزأه قبل
دخول الحرم.
ثم التمتع عزيمة في النائي عن مكة بثمانية وأربعين ميلا من كل جانب، وأما
قسيماه فلمن نقص عنها لرواية زرارة والحلبي وأبي بصير، وقال في المبسوط
والحلبي وابن إدريس اثنا عشر ميلا، ولا يعلم مستنده، ويتخير المكي بين
القسمين، والقران أفضل، ويتخير الحاج ندبا في الثلاثة، وكذا الناذر وشبهه وذو
المنزلين المتساويين في الإقامة، والتمتع أفضل مطلقا، لقول الباقر عليه السلام: لو
حججت ألفا وألفا لتمتعت، ولو غلب أحدهما عمل عليه.
ولو أقام النائي بمكة سنتين انتقل فرضه إليها في الثالثة كما في المبسوط
373

والنهاية، ويظهر من أكثر الروايات أنه في الثانية، وروى محمد بن مسلم: من أقام
سنة فهو بمنزلة أهل مكة، وروى حفص بن البختري: إن أقام أكثر من ستة أشهر
لم يتمتع.
واختلف في جواز التمتع للمكي اختيارا في حج الإسلام باختلاف
الروايات، فجوزه الشيخ وجوز فسخ الإفراد إليه محتجا بالإجماع وتبعه في
المعتبر، وأسقط الشيخ عن المكي الهدي لو تمتع، وقال: إن رسول الله صلى الله
عليه وآله حج قارنا على تفسيرنا لا على أنه جمع بين الحج والعمرة والذي رواه
الأصحاب والعامة: أنه لم يعتمر بعد حجه فكيف يكون قارنا على تفسير الشيخ؟
نعم يتم على تفسير الحسن وابن الجنيد والجعفي، وصرح الحسن بأنه عليه
السلام حج قارنا، وقيل: حج متمتعا ولم يتحلل لمكان السياق، فيصير النزاع
لفظيا ويجوز عدول المكي والنائي إلى فرض الآخر عند الضرورة، كخوف
الحيض المتقدم في العدول إلى القران والإفراد، وخوف الحيض المتأخر عن
النفر في عدولهما إلى المتعة، وكذا لو خاف عدوا أو فوت الصحبة.
ويجوز للقارن والمفرد إذا دخلا مكة الطواف ندبا وتقديم طواف الحج
وسعيه على المضي إلى عرفات خلافا لابن إدريس في التقديم، وصحاح الأخبار
وفتاوى الأصحاب على الجواز.
والأولى تجديد التلبية عقيب صلاة كل طواف، فإن تركها ففي التحلل
روايات ثالثها تحلل المفرد دون السائق.
ولا يجوز تقديم الطواف والسعي للمتمتع إلا لضرورة كخوف الحيض
والنفاس والأولى تجديد التلبية في حقه لقول الباقر عليه السلام: من طاف بالبيت
وبالصفا والمروة أحل، أحب أو كره، وأما طواف النساء فلا يجوز تقديمه لأحد
إلا عند الضرورة.
وكما يجوز فسخ الحج إلى العمرة يجوز نقل العمرة المفردة إلى المتعة إذا
أهل بها في أشهر الحج، إلا لمن لبى بعد طوافه وسعيه، فإن لبى فلا، وفي التلبية
374

بعد النقل تردد.
وابن إدريس لم يعتبر التلبية بل النية، وكذا حكم تلبية فاسخ الحج إلى
العمرة، وابن الجنيد جوز العدولين، وشرط في العدول من الحج إلى المتعة أن
يكون جاهلا بوجوب العمرة وأن لا يكون قد ساق ولا لبى بعد طوافه وسعيه.
درس [7]:
لا يجوز إدخال الحج على العمرة إلا في حق من تعذر عليه إتمام العمرة فإنه
يعدل إلى الحج، ولو أحرم بالحج قبل التحلل من العمرة فهو فاسد إن تعمد
ذلك، إلا أن يكون بعد السعي، وقبل التقصير فإنه يصح في المشهور وتصير
الحجة مفردة، والأقرب أنها لا تجزئ، ويشكل بالنهي عن الإحرام وبوقوع خلاف
ما نواه إن أدخل حج التمتع، وعدم صلاحية الزمان إن أدخل غيره فالبطلان
أنسب، ورواية أبي بصير قاصرة الدلالة مع إمكان حملها على متمتع عدل عن
الإفراد ثم لبى بعد السعي، لأنه روى التصريح بذلك في رواية أخرى.
ولو نسي صح إحرامه بالحج هنا، ويستحب جبره بشاة على الأقوى، ولو
نسي فأحرم به قبل كمال السعي لم ينعقد.
وكذا لا يجوز إدخال العمرة على الحج إلا في صورة الفسخ كما سلف، أو
عند الضرورة كخوف تعقب الحيض، فلو أحرم بالعمرة قبل كمال التحلل من
الحج لم تنعقد، والظاهر أنه يؤخره عن المبيت بمنى ورمي الجمرات، ولا تنعقد
العمرة الواجبة قبل ذلك ولا المندوبة للنهي عن عمرة التحلل في أيام التشريق
كما رواه معاوية بن عمار، فغيرها أولى.
وكذا لا يجوز إدخال حج على حج ولا عمرة على عمرة ولا نية حجتين
ولا عمرتين، فلو فعل فالبطلان أولى، وقيل ينعقد إحديهما، ولا نية حجة وعمرة معا
إلا على قول الحسن وابن الجنيد، ولو فعل بطل إحرامه، وفي المبسوط يتخير ما لم
يلزمه إحداهما.
375

ولا ينعقد الحج وعمرة التمتع إلا في أشهر الحج وهي " شوال وذو القعدة
وذو الحجة " في الأقرب للرواية وفي المبسوط والخلاف وإلى قبل طلوع فجر
النحر، وقال الحسن والمرتضى: وعشر ذي الحجة، وقال الحلبي: وثمان من ذي
الحجة، وقال ابن إدريس: وإلى طلوع الشمس من العاشر، قيل: وهو نزاع
لفظي، ولو أحرم بالحج في غيرها لم ينعقد، وروي انعقاده عمرة مفردة، ولو
أحرم بعمرة التمتع في غيرها احتمل انعقادها مفردة أيضا.
واختلف في فوات المتعة، فقال في النهاية: بزوال عرفة، وقال علي بن
بابويه: تفوت المتعة المرأة إذا لم تطهر حتى تزول الشمس يوم التروية، وقال
الحلبي: وقت طواف العمرة إلى غروب شمس التروية للمختار وللمضطر إلى أن
يبقى ما يدرك عرفة في آخر وقتها، وظاهر ابن إدريس امتداده ما لم يفت
اضطراري عرفة، وفي صحيح زرارة اشتراط اختياريها وهو قوي، وفي صحيح
جميل له المتعة إلى زوال عرفة والحج إلى زوال النحر، وفي صحيح العيص
توقيت المتعة بغروب شمس التروية، وهو خيرة الصدوق والمفيد، ولعل الخلاف
في أشهر الحج يناط بهذا.
وكلما فاتت المتعة فالحج مفردا إذا أدرك الوقوف المجزئ وإلا فقد
صارت عمرة مفردة للمتحلل.
ولا يجوز للمتمتع بعد قضاء عمرته الخروج من مكة بحيث يفتقر إلى
استئناف إحرام، بل إما أن يخرج محرما وإما أن يعود قبل شهر، فإن انتفى
الوصفان جدد عمرة هي عمرة التمتع، وفي استدراك طواف النساء في الأولى
احتمال، ولو رجع في شهره دخلها محلا فإن أحرم فيه من الميقات بالحج
فالمروي عن الصادق عليه السلام أنه فعله من ذات عرق وكان قد خرج من مكة
إليها، ومنع الشيخ في النهاية وجماعة من الخروج من مكة لارتباط عمرة التمتع
بالحج، فلو خرج صارت مفردة، والرواية تدل عليه، وأطلقوا المنع فلعلهم أرادوا
الخروج المحوج إلى عمرة أخرى كما قال في المبسوط، أو الخروج لا بنية
376

العود.
وفي كلامهم وفي الروايات دلالة على وجوب حج التمتع بالشروع في
العمرة وإن كانت ندبا، وابن إدريس قال: بكراهة الخروج وهو ظاهر المبسوط.
والأفضل للمعتمر في أشهر الحج مفردا الإقامة بمكة حتى يأتي بالحج
ويجعلها متعة، وقال القاضي: إذا أدرك يوم التروية فعليه الإحرام بالحج ويصير
متمتعا، وفي رواية عمر بن يزيد: إذا أهل عليه ذو الحجة حج، وتحمل على الندب
لأن الحسين عليه السلام خرج بعد عمرته يوم التروية، وقد يجاب بأنه مضطر.
درس [8]:
تجب العمرة كالحج بشرائطه، وتجزئ المتمتع بها للمتمتع وأحد قسمي
القارن على ما مر في كلام الشيخ، والقارن مطلقا على قول الحسن.
وقد تجب بالنذر والعهد واليمين والاستئجار والإفساد وفوات الحج،
ولوجوب الدخول إلى مكة ووجوبها هنا تخييري، إذ لو دخل الحج أجزأ ولو
كان متكررا كالحطاب والحشاش، أو دخل لقتال مباح سقط الوجوب، وكذا
لو كان عقيب إحلال من إحرام ولما يمض شهر منذ الإحلال، ولو دخلها بغير
إحرام أساء ولا قضاء عليه.
وتستحب العمرة كاستحباب الحج ووقت العمرة المفردة الواجبة بأصل
الشرع عند الفراع من الحج وانقضاء أيام التشريق لرواية معاوية بن عمار
السالفة، أو في استقبال المحرم، وليس هذا القدر منافيا للفورية، وقيل: يؤخرها
عن الحج حتى يتمكن الموسي من الرأس، ووقت الواجبة بالسبب عند حصوله،
ووقت المندوبة جميع السنة، وأفضلها الرجبية لأنها تلي الحج في الفضل
وتحصل بالإحرام فيه.
وروي فضل العمرة في رمضان، ويجوز الاتباع بين العمرتين إذا مضى
عشرة أيام لرواية ابن أبي حمزة، وأصح الروايات اعتبار شهر، واعتبر الحسن
377

سنة، وجوزه المرتضى وابن إدريس بغير حد لقول النبي صلى الله عليه وآله:
العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما.
وميقاتها ميقات الحج أو خارج الحرم وأفضله الجعرانة لإحرام النبي صلى
الله عليه وآله منها، ثم التنعيم لأمره بذلك، ثم الحديبية لاهتمامه به، ولو أحرم بها
من الحرم لم يجز إلا لضرورة، ويستحب الاشتراط في إحرامها والتلفظ بها في
دعائه أمام الإحرام وفي التلبية، ولو استطاع لها خاصة لم يجب، ولو استطاع
للحج مفردا دونها فالأقرب الوجوب ثم يراعى الاستطاعة لها، ولا تدخل أفعالها
في أفعال الحج.
ولا يكره إيقاعها في يوم عرفة ولا يوم النحر ولا أيام التشريق، ولو ساق فيها
هديا نحره قبل الحلق بالحزورة على الأفضل.
ولو جامع فيها قبل السعي عالما عامدا فسدت ووجب عليه بدنة وقضاؤها
في زمان يصح فيه الاتباع بين العمرتين، وعلى المرأة مطاوعة، مثله، ولو أكرهها
تحمل البدنة، ولو جامع بعد السعي فالظاهر وجوب البدنة وإن كان بعد الحلق،
ولو جامع في المتمتع بها قبل السعي فسدت وسرى الفساد إلى الحج في
احتمال، ولو كان بعده قبل التقصير فجزور إن كان موسرا، وبقرة إن كان
متوسطا، وشاة إن كان معسرا، وقال الحسن: بدنة، وقال سلار: بقرة وأطلقا.
وعلى المطاوعة مثله وإن أكرهها تحمل.
ولو قبلها قبل التقصير فشاة، ولو ظن إتمام السعي فجامع أو قصر أو قلم
أظفاره كان عليه بقرة وإتمام السعي لرواية معاوية وسعيد بن يسار، وليس في
رواية ابن مسكان سوى الجماع.
درس [9]:
شروط المتمتع أربعة: النية والإحرام بالعمرة في الأشهر، والحج في سنته،
والإحرام بالحج من مكة.
378

والمراد بالنية نية الإحرام، ويظهر من سلار أنها نية الخروج إلى مكة، وفي
المبسوط الأفضل أن يقارن الإحرام فإن فاتت جاز تجديدها إلى وقت التحلل،
ولعله أراد نية التمتع في إحرامه لا مطلق نية الإحرام، ويكون هذا التجديد بناء على
جواز الإحرام المطلق كما هو مذهب الشيخ، أو على جواز العدول إلى التمتع من
إحرام الحج أو العمرة المفردة، وهذا يشعر أن النية المعدودة هي نية النوع
المخصوص.
والاعتبار بالإهلال في أشهر الحج لا بالأفعال أو الإحلال، ويجب كونه من
الميقات مع الاختيار، ومع الضرورة من حيث يمكن ولو من أدنى الحل، بل من
مكة.
ولو أتى بالحج في السنة القابلة فليس بمتمتع، نعم لو بقي على إحرامه
بالعمرة من غير إتمام الأفعال إلى القابل احتمل الإجزاء، ولو قلنا أنه صار معتمرا
بمفردة بعد خروج أشهر الحج ولما يحل لم يجز، ولو تعذر إحرامه من مكة
بحجة أحرم من حيث يمكن ولو بعرفة إن لم يتعمد وإلا بطل حجه، ولا يسقط عنه
دم التمتع ولو أحرم من ميقات المتعة، وفي المبسوط: إذا أحرم المتمتع من مكة
ومضى إلى الميقات ومنه إلى عرفات صح واعتد بالإحرام من الميقات، ولا يلزمه
دم - وعني به دم التمتع -، وهو يشعر أنه لو أنشأ إحرامه من الميقات لا دم عليه
بطريق الأولى، وهذا بناء على أن دم التمتع جبران لا نسك، وقد قطع في
المبسوط بأنه نسك ولإجماعنا على جواز الأكل منه، وفي الخلاف قطع بذلك
أيضا وبعدم سقوط الدم بالإحرام من الميقات وهو الأصح.
وشروط القران والإفراد ثلاثة: النية والإحرام في أشهر الحج من ميقاته إن لم
يكن مكيا وإلا فمن دويرة أهله، والحج من سنته قاله الشيخ، وفيه إيماء إلى أنه لو
فاته الحج انقلب إلى العمرة فلا يحتاج إلى قلبه عمرة في صورة الفوات.
والمواقيت عشرة:
فلأهل المدينة ذو الحليفة، وأفضله مسجد الشجرة والأحوط الإحرام منه.
379

ولأهل الشام ومصر الجحفة، ولأهل اليمن يلملم ولأهل الطائف قرن المنازل
" بسكون الراء " ولأهل العراق العقيق، وأفضله المسلخ وأوسطه غمرة، وآخره
ذات عرق، وظاهر علي بن بابويه والشيخ في النهاية أن التأخير إلى ذات عرق
للتقية أو المرض، وما بين هذه الثلاثة من العقيق فيسوع الإحرام منه وهي لمن مر
بها من غير أهلها، ولو اضطر المدني أجزأ من الجحفة بل من ذات عرق، ولو عدل
إليهما اختيارا بعد مروره على ميقاته لم يجزئ، ولو صار إليهما فالصحة قوية، وإن
أساء.
ولو لم يمر على ميقاته فالأقرب الجواز على كراهية، وفي رواية: من دخل
المدينة فليس له أن يحرم إلا منها، وكذا ينتقل الشامي إلى مسجد الشجرة
للضرورة أو لمروره عليه، ولا يتجاوز المواقيت بغير إحرام فإن تعمد التجاوز
وجب العود إلى ميقاته في رواية الحلبي، والأقرب إجزاء غيره فإن تعذر بطل
النسك، وإن كان ناسيا أو جاهلا وتعذر العود رجع إلى حيث يمكن وإلا أحرم
من موضعه ولو أدنى الحل.
ولو قدم الإحرام عليها لم يجز إلا لناذر خلافا لابن إدريس، فإن كان للعمرة
المفردة ففي أي شهر شاء، وإن كان للمتعة أو الحج اشترط أشهر الحج، ولا يفتقر
إلى تجديد إحرام عند الميقات خلافا للراوندي أو لمعتمر في رجب إذا ظن
خروجه قبل الميقات، ومن كان منزله دون الميقات فميقاته منزله.
وهذه مواقيت للحج مطلقا ولعمرة التمتع وللمفردة إذا مر عليها، وميقات
حج التمتع اختيارا مكة والأفضل المسجد وأفضله المقام أو تحت الميزاب.
ولو سلك طريقا بين ميقاتين أحرم عند محاذاة الميقات في بر أو بحر، وقال
ابن إدريس: ميقات من صعد البحر جدة، ويكفي الظن، فلو تبين تقدمه أعاد ولو
تبين تأخره فالظاهر الإجزاء ولا دم عليه، ولو لم يحاذ ميقاتا ففي إحرامه من أدنى
الحل أو من مساواة أقرب المواقيت إلى مكة وجهان.
ولو منعه مانع من الإحرام من الميقات جاز تأخيره عنه قاله الشيخ، وحمل
380

على تأخير ما يتعذر منه كلبس الثوبين وكشف الرأس، دون الممكن من النية
والتلبية، ولو جن في الميقات أو أغمي عليه أحرم عنه وليه وجنبه ما يتجنبه المحرم.
وإحرام الصبيان من فخ، وقيل من الميقات ويجردون من فخ، وظاهر رواية
معاوية الأولى حيث قال: قدموا من معكم من الصبيان إلى الجحفة أو إلى بطن
مرو، ثم يصنع بهم ما يصنع بالمحرم.
والمجاور بمكة قبل انتقال فرضه يخرج إلى ميقات أهله أو غيره، فإن تعذر
فمن أدنى الحل فإن تعذر فبمكة، ولو تجاوز الميقات من لا يريد النسك وجب
الرجوع إليه إن أمكن وإلا فبحسب المكنة.
درس [10]:
يستحب لمن أراد الحج أن يقطع العلائق بينه وبين معامليه، ويوصي بما
يهمه وأن يجمع أهله ويصلي ركعتين ويسأل الله الخيرة في عاقبته ويدعو بالمأثور،
وإذا خرج وقف على باب داره تلقاء وجهه وقرأ الفاتحة ثم يقرأها عن يمينه
ويساره، وكذا آية الكرسي، ويدعو بالمنقول، ويتصدق بشئ، وليقل: بحول الله
وقوته أخرج، ثم يدعو عند وضع رجليه في الركاب وعند الاستواء على الراحلة،
ويكثر من ذكر الله تعالى في سفره.
ويستحب الخروج يوم السبت أو الثلاثاء، واستصحاب العصا وخصوصا
اللوز المر، وتوفير شعر رأسه ولحيته من أول ذي القعدة، ويتأكد عند هلال ذي
الحجة، وقال المفيد: يجب، ولو حلق في ذي القعدة فدم، والأول أظهر، والمعتمر
يوفره شهرا واستكمال التنظيف بإزالة شعر الإبط والعانة بالحلق والإطلاء أفضل،
ولو كان مطليا أو قد زال الشعر بغيره أجزأ ما لم يمض خمس عشرة يوما،
والإعادة أفضل وإن قرب العهد به، وقص الشارب والأظفار وإزالة الشعث،
والغسل وأوجبه الحسن، ولو فقد الماء تيمم عند الشيخ، ويجزئ غسل النهار
ليومه والليل لليلته ما لم ينم فيعيده خلافا لابن إدريس، والأقرب أن الحدث
381

كذلك، ويجوز تقديمه على الميقات لخائف الإعواز فإن تمكن بعد استحب
الإعادة، وكذا يستحب إعادته لو أكل أو تطيب أو لبس بعده ما يحرم على
المحرم، ولو قلم أظفاره بعد الغسل لم يعد ويمسحها بالماء.
وصلاة سنة الإحرام، وهي ست أو أربع أو ركعتان، ثم الفريضة، والأفضل
إحرامه عقيب الظهر ثم الفريضة مطلقا، ولو لم يكن وقت فريضة فالظاهر أن
الإحرام عقيب فريضة مقضية أفضل، فإن لم يكن فعقيب النافلة، ويقرأ في
الركعتين الجحد في الأولى والتوحيد في الثانية.
وقال ابن الجنيد لا ينعقد الإحرام بدون الغسل والتجرد والصلاة، ولو نسي
الغسل أو النافلة أعاد الإحرام بعدهما مستحبا خلافا لابن إدريس إذ نفى الإعادة
مع صحة الإحرام، والمعتبر هو الأول، ويستحب أن يقول بعد صلاته: " اللهم إني
أسألك أن تجعلني ممن استجاب لك وآمن بوعدك... إلى آخره " ثم يقول:
" اللهم إني أريد ما أمرت به من التمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك وسنة
نبيك صلى الله عليه وآله أو القران أو الإفراد فإن عرض لي عارض يحبسني
فحلني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت علي، اللهم إن لم تكن حجة فعمرة
أحرم لك شعري وجسدي وبشري من النساء والطيب والثياب أبتغي بذلك
وجهك والدار الآخرة ".
ويجب في الإحرام أربعة:
الأول: لبس الثوبين غير المخيطين من جنس ما يصلى فيه خاليين من نجاسة،
ويجوز للنساء الإحرام في المخيط والحرير على قول المفيد لرواية يعقوب بن
شعيب، ومنعه الشيخ لروايات أشهر وهو الأصح، ولو لم يجد إزارا أجزأ
السراويل ولو فقد الرداء أجزأ القباء أو القميص منكوسا، ولا يكفي قلبه، ولا فدية
في الموضعين، ولو كان الثوب طويلا فاتزر ببعضه وارتدى بالباقي أو توشح
أجزأ ولو حكى الإزار العورة لم يجز، أما الرداء فالأحوط أنه كذلك، ولا يجوز
عقد الرداء، ويجوز عقد الإزار، ويجوز لبس الطيلسان ولا يزره عليه وجوبا،
382

والأقرب تحريم لبس ما أحاط بالبدن من اللبد وغيره، وكذا ما أشبه المخيط
كالدرع المنسوج والثوب المعقود لفحوى زر الطيلسان ومشابهته المخيط في
الترفة، وللتأسي، وإن لم يكن مخيطا، ويجوز أن يلبس أكثر من ثوبين لنحو الحر
أو البرد، وأن يبدل الثياب.
ويستحب له الطواف فيما أحرم فيه، وروى محمد بن مسلم أنه يكره غسلهما
وإن توسخا إلا لنجاسة، وروى معاوية بن عمار كراهة بيعهما، وهل اللبس من
شرائط الصحة حتى لو أحرم عاريا أو لابسا مخيطا لم ينعقد؟ نظر، وظاهر
الأصحاب انعقاده حيث قالوا: لو أحرم وعليه قميص نزعه ولا يشقه، ولو لبسه
بعد الإحرام وجب شقه وإخراجه من تحت كما هو مروي، وظاهر ابن الجنيد
اشتراط التجرد.
وأفضل الثياب البيض من القطن، ويجوز في غيرها ولكن يكره في السواد
والمشبع بالعصفر أو غيره، ولا بأس بغير المشبع كالممشق للنص عن علي عليه
السلام، والوسخة والمعلمة، والنوم على الفراش المصبوغ وخصوصا الأسود،
والممتزج بالحرير جائز ما لم يصدق عليه اسمه.
الثاني: النية، وهي القصد إلى الحج أو العمرة ونوع الحج من التمتع
وقسيميه، ونوع العمرة من المتعة والمفردة، وصفتهما من الوجوب أو الندب،
والسبب من حجة الإسلام أو النذر والعمرة كذلك. والتقرب إلى الله تعالى، ولو
أطلق الإحرام صح عند الشيخ ويعتمر إن كان في غير الأشهر ويتخير إن كان
فيها بين الحج والعمرة، قال: ولو قال: " كإحرام فلان " صح لما روي عن علي
عليه السلام أنه قال: إهلالا كإهلال نبيك، فإن لم ينكشف له حاله تمتع احتياطا
للحج والعمرة، ولو ظهر غير محرم تخير بين الحج والعمرة، فلو طاف قبل تعين
أحدهما فلا حكم له، ولو نسي بما ذا أحرم صرفه إلى ما في ذمته فإن كان خاليا
منهما تخير، ولو شك قبل الطواف بما ذا أحرم فكذلك، ولو شك بعد الطواف
383

قال الفاضل: يتمتع وهو حسن، إن لم يتعين عليه غيره، وإلا صرف إليه، ولو
نوى نسكا وتلفظ بغيره فالمعتبر ما نواه، ويستحب التلفظ كما مر.
وروى زرارة: أن المتمتع يهل بالحج فإذا طاف وسعى وقصر أهل
بالحج، وفي صحيح الحلبي عن الصادق عليه السلام: دخلت العمرة في الحج
إلى يوم القيامة، وروى إسحاق بن عمار نية المتعة.
وروى الحلبي: أن عليا عليه السلام قال: لبيك بحجة وعمرة معا، وليس
ببعيد إجزاء الجميع إذ الحج المنوي هو الذي دخلت فيه العمرة فهو دال عليها
بالتضمن ونيتهما معا باعتبار دخول الحج فيها، والشيخ بالغ في الاقتصار على
نية المتعة والإهلال بها وتأويل الأخبار المعارضة لها.
الثالث: مقارنة النية للتلبيات، فلو تأخرت عنها أو تقدمت لم ينعقد، ويظهر
من الرواية والفتوى جواز تأخير التلبية عنها.
وروى معاوية بن عمار بعد دعاء الإحرام ثم قم فامش هنيئة فإذا استوت
بك الأرض فلب، وعبد الله بن سنان نحوه، وقال ابن إدريس: التلبية كالتحريمة
في الصلاة.
وبعض الأصحاب: جعلها مقارنة لشد الإزار، وعقل بعضهم من قول الشيخ
بتجديدها إلى وقت التحلل، تأخير النية عن التلبية وعلى ما فسرناه به لا دلالة فيه.
الرابع: التلبيات الأربع، وأتمها " لبيك اللهم لبيك، لبيك إن الحمد والنعمة
لك، والملك لك لا شريك لك لبيك " ويجزئ " لبيك اللهم لبيك، لبيك
لا شريك لك لبيك " وإن أضاف إلى هذا " إن الحمد والنعمة لك، والملك
لك لا شريك لك " كان حسنا.
والأخرس يعقد بها قلبه ويحرك لسانه ويشير بإصبعه، وقال ابن الجنيد:
يلبي غيره عنه، ولو تعذر على الأعجمي التلبية ففي ترجمتها نظر، وروي أن غيره
384

يلبي عنه.
ويستحب أن يضيف إليها " لبيك ذا المعارج لبيك، لبيك بعمرة وبمتعة
إلى الحج لبيك " إلى آخر التلبيات المشهورة، وقال الشيخ في موضع: يستحب
أن يقول: " لبيك بحجة وعمرة معا " كما سلف، وروي أيضا عن الصادق عليه
السلام وفيه دلالة على قول الحسن وابن الجنيد، ونهى في التهذيب عن ذلك إلا
لتقية، وكذا أبو الصلاح، وعلى ما قلناه لا يكاد يتحقق الخلاف.
وتكرار التلبية في إدبار الصلاة المفروضة والمسنونة وإذا نهض به بعيره أو
علا شرفا أو هبط واديا أو لقي راكبا أو استيقظ وبالأسحار وعند اختلاف الأحوال.
والجهر بها للرجل، وفي التهذيب يجب، وليكن الجهر للراجل حيث يحرم
وللراكب إذا علت راحلته البيداء، والحاج تمتعا إذا أشرف على الأبطح.
وتستحب فيها الطهارة والتتالي بغير تخلل كلام إلا أن يرد السلام، والصلاة
على النبي صلى الله عليه وآله عند فراغها والدعاء بعدها، ويجوز من الجنب
والحائض.
ويقطعها المتمتع إذا شاهد بيوت مكة، وحدها عقبة المدنيين وعقبة ذي
طوى بأسفل مكة، والمعتمر مفردة إذا دخل الحرم، ولو كان قد خرج من مكة
للإحرام فبمشاهدة الكعبة، والحاج يقطعها بزوال عرفة، وأوجب علي بن بابويه
والشيخ قطعها عند الزوال لكل حاج، ونقل الشيخ الإجماع على أن المتمتع
يقطعها وجوبا عند مشاهدة مكة، وخير الصدوق في العمرة المفردة بين القطع
عند دخول الحرم أو مشاهدة الكعبة، ويستحب إكثار ذكر الله تعالى وحفظ
اللسان إلا من خير فهو من تمام الحج والعمرة. درس [11]:
ينعقد إحرام الحائض والنفساء لكن لا تصلي له ولا تدخل المسجد وتلبس
ثيابا طاهرة فإذا أحرمت نزعتها، وينبغي أن تستثفر بعد الحشو وتتمنطق ثم تحرم.
385

ولو تركت الإحرام لظن فساده رجعت إلى الميقات، فإن تعذر فمن أدنى الحل،
وفي رواية معاوية بن عمار: ترجع إلى ما قدرت عليه، فإن تعذر فمن خارج
الحرم فمن مكة.
ولا ينعقد إحرام غير القارن إلا بالتلبية، فلو نوى ولم يلب وفعل ما يحرم على
المحرم فلا حرج، وأما القارن فيتخير بينها وبين الإشعار بشق سنام البدنة من
الجانب الأيمن ولطخه بدمه ولو كانت بدنا دخل بينها وأشعر إحديهما يمينا
والأخرى يسارا، أو التقليد المشترك بينها وبين البقر والغنم بتعليق نعل قد صلى
فيه في العنق أو خيط أو سير وشبهه مما صلى فيه.
ولو جمع بين التلبية وأحدهما كان الثاني مستحبا، ويتحقق السياق بذلك، وقال
المرتضى وابن إدريس لا عقد في الجميع إلا بالتلبية، ويدفعه قول الصادق
عليه السلام: يوجب الإحرام ثلاثة أشياء: التلبية والإشعار والتقليد فإذا فعل شيئا
من هذه الثلاثة فقد أحرم، وألحق القاضي المفرد بالقارن في الانعقاد بهما ورد
بعدم الفرق بينهما حينئذ.
وقد يريد بالقارن ما أراده الجعفي في تفسيره بالقران، وبالمفرد من أفرد
الحج عن العمرة وساق، ويكون أحد قسمي المفرد بالمعنى الأعم، كما إن القارن
أحد قسمي المتمتع بالمعنى الأعم.
وناسي الإحرام حتى يكمل مناسكه يصح نسكه في فتوى الأصحاب، إلا
ابن إدريس فإنه حكم بفساده ولم نجد لهم شاهدا سوى مرسلة جميل في رجل
نسي أن يحرم أو جهل وقد شهد المناسك كلها وطاف وسعى، قال: يجزئه إذا
كان قد نوى ذلك وإن لم يهل، وفيها دليل على أن المنسي هو التلبية لا النية وأن
الجاهل يعذر، وظاهره أنه جاهل الحكم.
وروى علي بن جعفر عن أخيه في المتمتع جهل الإحرام بالحج حتى رجع
إلى أهله: إذا قضى المناسك تم حجه.
وكلما يجب ويستحب في إحرام العمرة فهو كذلك في إحرام الحج إلا في
386

نية الحج والتلفظ به، ولا يبطله الطواف والسعي بعده، ولا يحرمان في رواية
عبد الرحمان بن الحجاج، ولا يحتاج إلى تجديد التلبية.
وقال الشيخ: لا يجوز الطواف بعد الإحرام حتى يرجع من منى، فإن طاف
ساهيا لم ينتقض إحرامه غير أنه يعقده بتجديد التلبية، وقال ابن إدريس: لا ينبغي
الطواف، ولو فعل لم يجدد التلبية، وقال الحسن: يطوف أسبوعا بعد الإحرام،
والوجه الكراهية لا غير، وحكمهما في استحباب الاشتراط أيضا واحد، وفائدته
جواز أصل التحلل عند العارض كقول ابن حمزة وظاهر الشرائع، أو جواز
التعجيل للمحصر كقول النافع، أو سقوط الهدي عن المحصر والمصدود غير
السائق كقول المرتضى، أو سقوط قضاء الحج لمتمتع فاته الموقفان كقول
الشيخ في التهذيب، لرواية ضريس بن عبد الملك الصحيحة.
درس [12]:
يجب على المحرم ترك ثلاثة وعشرين.
الترك الأول: الصيد، وهو الحيوان المحلل، إلا أن يكون أسدا أو ثعلبا أو أرنبا
أو ضبا أو قنفذا أو يربوعا، الممتنع بالأصالة البري، فلا يحرم قتل الضبع والنمر
والصقر وشبهها والفأرة والحية، ولا يرمي الحدأة والغراب عن البعير، ولا الحيوان
الأهلي ولو صار وحشيا، ولا الدجاج وإن كان حبشيا، ولا يحل الممتنع
بصيرورته إنسيا، ويراعى في المتولد بين المحرم على المحرم والمحلل الاسم، ولا
صيد البحر وهو ما يبيض ويفرخ فيه، بخلاف البط وإن لازم الماء فإنه بري لعدم
بيضه فيه وكذا الجراد لأنه لا يعيش في الماء.
فيحرم الصيد اصطيادا، وأكلا وإن ذبحه المحل، وذبحا، وإشارة، ودلالة،
وإغلاقا مباشرة وتسبيبا ولو بإعارة سلاح لمن لا سلاح معه.
ويحرم الصيد في الحرم أيضا على المحل والمحرم، فلو ذبح فيه كان ميتة،
كما لو ذبحه المحرم، ويستحب دفنه، ولا يحل استعمال جلده، ويجوز للمحل
387

أكل لحم الصيد في الحرم إذا كان مذكى بالحل، وللمحرم أكله في المخمصة
بقدر ما يمسك الرمق، ولو وجد ميتة إذا تمكن من الفداء وإلا أكل من الميتة.
ولا يملك المحرم الصيد بوجه من الوجوه، نعم لو أحل دخل الموروث في
ملكه، ولا كذا لو أثبت يده عليه محرما فأحل، بل يجب إرساله ولو تلف عنده
ضمن، ولو كان مقصوصا أو مريضا حفظه حتى يستقل ومؤنته عليه، وكذا لو
أحرم وجب عليه إرسال ما معه من الصيد، ولو كان وديعة أو عارية وشبههما
وتعذر المالك والحاكم وبعض العدول، أرسله وضمن.
ولا يزول عن ملكه ما نأى عنه من الصيد، وروى أبو الربيع عن الصادق
عليه السلام، في رجل خرج حاجا فألف حمامه طائرا لا يعرض أهله له في الوقت
الذي يظنون إحرامه فيه إلى أن يحل، بل يطعم لا غير.
والشجرة النابتة في الحرم كالحرم، وإن تفرعت في الحل، ولو نبتت في
الحل وتفرعت في الحرم كانت تلك الفروع بحكم الحرم لا غيرها، والصيد
الذي بعضه في الحرم محرم، ولو أم الحرم كره على الأقوى، وأما حمام الحرم
فالأولى تحريمه في الحل.
ولا يحرم الصيد في حرم الحرم - وهو بريد من كل جانب - بل يكره على
الأقوى، ولو رمى من الحل فقتل في الحرم أو بالعكس ضمن، ولا يضمن بمجرد
مرور السهم في الحرم، والقماري والدباسي مستثنى من الصيد، فيجوز على كراهية
شراؤها وإخراجها من الحرم، للمحل والمحرم على الأقوى، لا إتلافها، ولا فرق بين
العامد والناسي والجاهل والعالم.
ولو كان الصيد مملوكا فعليه الجزاء لله والقيمة للمالك، وفي القماري في
الحرم نظر، أقربه وجوب جزاء وقيمة للمالك فعلى هذا يجب جزاء لله تعالى
أيضا، ولو قيل بالمساواة بين الحرمي هنا وغيره كان قويا.
ولو باض الطائر على فراش محرم، فنقله فلم يحضنه الطائر، ضمنه عند
الشيخ، ولو صال عليه صيد ولم يندفع إلا بالقتل أو الجرح فلا ضمان، والفرخ
388

والبيض تابع في الحرمة والحل والبعض كالكل.
درس [13]:
حرم الحلبي قتل جميع الحيوان ما لم يخف منه أو كان حية أو عقربا أو
فأرة أو غرابا - ولم يذكر له فداء -، ولا نعلم وجهه إلا ما رواه معاوية: اتق قتل
الدواب كلها إلا الأفعى والعقرب والفأرة والحدأة والغراب يرميهما عن ظهر
بعيره، وعن الحسين بن أبي العلاء: اقتل كل شئ منهن يريدك، إلا أنه قد روى
معاوية أيضا قتل النمل والبق والقمل في الحرم، والإجماع على جواز ذبح النعم
في الحرم، وتجب القيمة فيما لا نص فيه ومنه البطة والإوزة والكركي، وقيل: فيها
شاة، لما روى ابن سنان في ذبح الطائر، ومنه البيض الخالي عن نص.
وأما المنصوص فمنه ما لكفارته المماثلة بدل مخصوص وهو خمسة:
الأول: النعامة وفرخها، وفيهما بدنة ثنية فصاعدا وفي النهاية جزور وهما
مرويان، غير أن البدنة في الصحيح، وقال المفيد في فرخها: إبل في سنه فإن عجز
فض قيمتها على البر وأطعم ستين مسكينا لكل واحد مدان، ولا يجب الإكمال لو
نقصت والفاضل له، فإن عجز صام عن كل مدين يوما، وفي الخلاف عن كل
مد يوما، وكذا إن كان البدل ناقصا على قول، فإن عجز صام ثمانية عشر يوما،
والحلبي يتصدق بالقيمة فإن عجز فضها على البر، وقال ابن بابويه والحسن: إن
عجز عن البدنة أطعم ستين مسكينا لكل واحد مد، فإن عجز صام ثمانية عشر
يوما لصحيح معاوية بن عمار.
الثاني: بقر الوحش وحماره، وفي كل منهما بقرة أهلية ثم فض قيمتها على
البر وإطعام ثلاثين كما سبق ثم صيام بعدد المساكين ثم صيام تسعة أيام،
والحلبي على أصله في الصدقة بالقيمة ثم الفض، وقال الصدوق: في الحمار بدنة
لصحيح أبي بصير، وخير ابن الجنيد بينها وبين البقرة، وفي صغارهما من صغار
البقر في سنه، قاله المفيد.
389

الثالث: الظبي، وفيه شاة ثم الفض فإطعام عشرة مساكين كما مر ثم صيام
عشرة ثم صيام ثلاثة أيام، والحق الثلاثة به شاة الثعلب والأرنب، والحلبي أيضا ثم
هو على أصله فيما يلوح من كلامه، فإن لم نقل به عاد إلى الرواية الآتية، والأبدال
الثلاثة الأول في الأقسام الثلاثة على التخيير في قول الخلاف وابن إدريس،
والترتيب أظهر.
الرابع: بيض النعام، وفي كسره مع تحرك الفرخ، للبيضة بكرة وإلا أرسل
فحولة الإبل في إناث بعدد البيض فما نتج فهدي بالغ الكعبة فإن
عجز فشاة فإن عجز فإطعام عشرة أمداد لعشرة فإن عجز فصيام ثلاثة أيام ولما أفتى به الحسن
عليه السلام قال له أمير المؤمنين عليه السلام: قد علمت أن الإبل ربما أزلقت أو
كان فيها ما يزلق، فقال: والبيض ربما أمرق أو كان فيه ما يمرق، فقال: صدقت،
ولو ظهر فاسدا والفرخ ميتا فلا شئ.
الخامس: بيض القطاة والقبج، وفي كسر البيضة مع تحرك الفرخ مخاض
من الغنم - أي من شأنها الحمل - وإلا أرسل فحولة الغنم في إناثها بالعدد، فإن
عجز أطعم عشرة لعشرة فإن عجز صام ثلاثة أيام، وقيل مع العجز تجب الشاة
ثم الإطعام ثم الصيام، وهو بعيد، وقال ابن حمزة: مع العجز يتصدق عن بيضة
القطاة بدرهم، ولم نقف على مأخذه، وألحق القاضي بيض الحمام، وطرد ابن
الجنيد في كل بيضة فداء أمها شاة.
درس [14]:
في الحمام، وهو كل مطوق شاة على المحرم في الحل ودرهم على المحل
في الحرم، وفي فرخها حمل فطم ورعي سنه أربعة أشهر، أو جدي في رواية على
المحرم في الحل ونصف درهم على المحل في الحرم، وفي بيضها درهم على
المحرم في الحل، وربعه على المحل في الحرم، ويجتمع الأمران على المحرم في
الحرم، ومع العجز عن الشاة يدخل في عموم صحيح معاوية: من كان عليه شاة
390

فلم يجد أطعم عشرة مساكين فإن لم يجد صام ثلاثة أيام في الحج، وكذا كل
شاة لا نص في بدلها، وقال الحسن في الحمامة: على المحرم في الحرم شاة، ولو
كسر بيضة حمامة تحرك فرخها وجب ما في الفرخ مع التلف.
وفي كل من القطاة والدراجة والحجلة حمل، وهو ينافي وجوب مخاض في
فرخها، مع شهرته، وروى سليمان بن خالد في بيضها بكارة من الغنم - وهي
جمع بكرة - وفي بعض رواياته مخاض ولعل المخاض إشارة إلى بنت المخاض
توفيقا بين العبارتين وبين ما يجب في القطاة والقبج، أو نقول فيه دليل على أن في
القطاة مخاضا بطريق الأولى، وقد روى سليمان أيضا أن في كتاب علي
عليه السلام من أصاب قطاة أو حجلة أو دراجة أو نظيرهن فعليه دم، ويجمع بين
الأخبار بالتخيير.
ويشتري بقيمة حمام الحرم علف لحمامه، وليكن قمحا، رواه حماد بن
عثمان، وفي رواية ابن فضيل جواز الصدقة به وشراء العلف، وكذا في رواية علي
بن جعفر، وفي رواية يزيد بن خليفة إن قيمة البيض يعلف به حمام الحرم أيضا،
ومثله رواه علي بن جعفر. وقيمة الأهلي إذا كان في الحرم صدقة ويحتمل كونها
للمالك مع الفداء.
وفي القنفذ والضب واليربوع جدي، وألحق الشيخان ما أشبهها، وقال
الحلبي: فيها حمل فطيم، وفي العصفور والصعوة والقنبرة وشبهها مد طعام، وقال
علي بن بابويه: في كل طير شاة، وفي الجرادة تمرة - وتمرة خير من جرادة -
وروى محمد بن مسلم كف طعام فيتخير، وإن كان كثيرا فشاة ولو لم يمكن
التحرز منه فلا شئ، وفي العضاءة كف طعام، ولو كان الصيد معيبا أجزأ مثله،
خلافا لابن الجنيد.
وفي شرب لبن الظبية في الحرم دم وقيمة اللبن، والمروي دم وجزاء وقيده
بالمحرم في الرواية يحتمل وجوب القيمة على المحل في الحرم والدم على المحرم
في الحل.
391

وفي عيني الصيد كمال قيمته وفي إحديهما النصف، وكذا قيل في يديه
ورجليه، وفي قرنيه نصف القيمة وفي إحديهما الربع لرواية أبي بصير، وقال
المفيد: يتصدق في العين والقرن بشئ، والإغلاق على الحمام والفراخ والبيض
كالإتلاف إلا أن يعلم خروجها سالمة، وفي الزنبور عمدا كف طعام أو تمر، وقال
المفيد: في الواحد تمرة وفي الكثير مد طعام أو تمر، وقال الحلبي: في الواحد
كف طعام وفي الزنابير صاع وفي كثيرها شاة، واختلف في القمل والبراغيث
فجوز قتلها في المبسوط وإن ألقاها فداها، وفي النهاية: لا يجوز قتلهما للمحرم
ويجوز للمحل في الحرم، وقال المفيد والمرتضى: في قتل القملة أو رميها كف
طعام لصحيح حماد بن عيسى في رميها، وفي صحيح معاوية بن عمار لا شئ فيها
ولا في البق، وفي التهذيب لا يجوز قتلها ولا قتل البق والبراغيث للمحرم.
ويجوز قتل الأفعى والعقرب والفأرة والأسد إذا أراده، ولو لم يرده فقولان:
أحوطهما كبش إذا قتله في الحرم سواء كان محلا أو محرما.
درس [15]:
يجتمع الفداء والقيمة على المحرم في الحرم، وقال المرتضى وابن الجنيد:
يجب الجزاء مضاعفا ولو بلغ بدنة لم يتضاعف، والرواية مرسلة، وضاعفه ابن
إدريس، وقال الحلبي: يتضاعف الصوم في البدنة والبقرة والظبي إذا كان في
الحرم، وقال في موضع آخر: عليه الفداء والقيمة، وروي الجزاء مضاعفا ولم
يذكر البدنة، ولا فرق في التضاعف وعدمه بين العامد والخاطئ والعالم
والجاهل، وقال المرتضى: على العامد جزاءان في الحل، وقيده في الناصرية
بقصده رفض إحرامه وعلى الخاطئ والجاهل واحد، ونقل عنه وجوب جزاءين
على المحرم في الحل إذا تعمد وضعفهما لو كان محرما في الحرم، ولو أخطأ أحد
الراميين فهو كالمصيب في الفداء، ونفاه ابن إدريس، والأول مروي، وفي تعديه
إلى الرماة نظر، والمشتركون يتعدد عليهم الجزاء محرمين كانوا أو محلين في
392

الحرم، ولو أوقدوا نارا في الحرم فوقع فيها صيد تعدد الجزاء إن قصدوا وإلا
فواحد، ولو قصد بعضهم تعدد على من قصد وعلى الباقين فداء واحد، ولو كان
غير القاصد واحدا على إشكال ينشأ من مساواته القاصد ويحتمل مع اختلافهم
في القصد أن يجب على من لم يقصد ما كان يلزمه مع عدم قصد الجميع، فلو
كانا اثنين مختلفين فعلى القاصد شاة وعلى الآخر نصفها لو كان الواقع
كالحمامة، ولا إشكال في وجوب الشاة على الموقد الواحد قصد أو لا.
ولو نفر حمام الحرم فعاد، فعن الجميع شاة ولو لم يعد فعن كل واحدة
شاة، قاله علي بن بابويه، ولم يجد الشيخ به خبرا مسندا.
فرع:
لو كانت واحدة فالظاهر المساواة، وفي انسحابه على الظباء وغيرها نظر،
لعدم التنصيص، وفي وجوب الفداء والقيمة على المحرم مع العود أو لا معه نظر،
ولو شك في العدد بنى على الأقل، ولو شك في العود فكيقين عدمه، ويكفي
إعادتهن بفعله أو فعل غيره. و لو شك في كون المقتول صيدا أو في كونه في
الحرم أو في الحل فالأصل العدم، وكذا في الإصابة إلا عند القاضي، ولو شك
في تأثير الإصابة أو في البرء ضمن كمال الجزاء، ولو رآه سويا بعد الجرح فربع
الفداء، والذي روي عن الكاظم عليه السلام في صيد كسر يده أو رجله ثم رعى
فيه ربع الفداء، وعن الصادق عليه السلام فيه ربع القيمة، والشيخ ألحق إدماءه
بذينك.
ولو ضرب الحامل فماتا ضمنهما بحامل فإن تعذر قوم الجزاء حاملا، ولو
ألقته حيا ثم ماتا ضمنهما بفدائهما، ولو عاشا وتعيبا فالأرش، وكذا لو تعيب
أحدهما أو تعيب مطلق الصيد ثم الأرش جزء من الفداء والقيمة، وقيل: لا يلزم
الجزء من العين إلا مع مشارك، ويتضاعف ما لا نص فيه بتضعيف قيمته وما فيه
نص غير الدم بوجوب قيمة فوقه، كالعصفور فيه مد وقيمة، وروى سليمان بن
393

خالد في القمري والدبسي والسماني والعصفور والبلبل القيمة، فإن كان محرما في
الحرم فعليه قيمتان ولا دم عليه، وهذا جزاء الإتلاف وفيه تقوية تحريم إخراج
القماري والدباسي، ولا بد في التقويم من عدلين عارفين، ولو كان القاتل أحدهما
إذا تاب أو كان مخطئا.
وقيمة النعم معتبرة يوم الفض والصدقة، وقيمة الصيد يوم الإتلاف والمحل
مكة إن كان في إحرام العمرة ومنى إن كان في إحرام الحج، وأوجب الحلبي
سياق الفداء من حيث قتل الصيد إلى محله فإن تعذر فمن حيث أمكن.
فروع أربعة:
الأول: لو زاد جزاء الحامل عن الإطعام المقدر: كالعشرة في شاة الظبي
فالأقرب وجوب الزيادة بسبب الحمل إلا أن يبلغ العشرين فلا يجب الزائد.
الثاني: لو تبين أنها حامل باثنين فصاعدا تعدد الجزاء والقيمة لو كان محرما
في الحرم.
الثالث: لو لم تزد قيمة الشاة حاملا عن قيمتها حائلا، ففي سقوط اعتبار الحمل
هنا نظر.
الرابع: لو لزمه أرش نعامة وهو محرم في الحرم، ففي تضاعف القيمة هنا على
القول بعدمه فيما يبلغ بدنة نظر من المساواة بين الجزء وكله ومن عدم بلوع
البدنة، وهو قوي.
درس [16]:
لو ضرب بطير على الأرض في الحرم فعليه دم وقيمة له وقيمة أخرى
لاستصغاره والذي في رواية معاوية بن عمار ثلاث قيم، إما بالصيد أو بالحرم،
وتظهر الفائدة فيما لو ضربه في الحل إلا أن يراد الاستصغار بالصيد المختص
بالحرم، وفي انسحابه على غيره إشكال، ولو كان نعامة فالإشكال أقوى.
394

ولا شئ على المحل حال الرمي وإن كان محرما حال الإصابة، وكذا لو
دخل الصيد المرمي في الحل فمات في الحرم، لصحيح ابن الحجاج، وقال في
النهاية: يضمنه لرواية عقبة بن خالد، وهي مبنية على القولين، وفي اشتراط قرار
الحياة إشكال، ولو كان الرامي محرما اجتمع الأمران إن قلنا بضمان المحل،
قيل: وكذا لو جعل في رأسه ما يقتل القمل محلا فقتله محرما. ولو أكل من لحم
الصيد فعليه فداء آخر لرواية علي بن جعفر عليه السلام.
ويضمن الدال والمغري والسائق مطلقا، والراكب والقائد إذا جنت دابته
واقفا بها مطلقا، أو سائرا برأسها ويديها، وناصب الشبكة ومن قتل بخروجه صيدا
آخر وهلم جرا، والممسك والمعين، وكذا لو تلف الولد بإمساك الأم في الحرم،
ولو كان الولد في الحل عند الشيخ كالرمي من الحرم معللا بأن الآفة من الحرم،
في رواية مسمع، وكذا من حل الكلب المشدود أو شد المحلول إذا تلف بسبب
الشد، وكذا لو شد صيدا أو أطلقه من شبكة أو سبع، أو حفر بئرا في غير ملكه
عدوانا أو في الحرم مطلقا، أو نقل بيضا عن موضعه إلا أن يخرج الفرخ سليما.
ومن نتف ريشة من حمام الحرم فعليه صدقة بتلك اليد ولا يجزئ بغيرها،
والظاهر تعددها بتعدد الريش، ولا تسقط الصدقة بنبات الريش، وفي التعدي إلى
غيرها وإلى نتف الوبر نظر، ويمكن هنا الأرش، وكذا لو حدث بنتف الريش
عيب في الحمامة ضمن أرشه مع الصدقة، والأقرب عدم وجوب تسليم الأرش
باليد الجانية، ولو نتفه بغير يده تصدق بما شاء وكذا لو اضطرب في يده فنسل
ريشه.
ومن أخرج حماما من الحرم فعليه رده إليه، فإن تلف ضمنه، وفي رواية علي
بن جعفر عليه ثمنه يتصدق به، ومن ربط صيدا في الحل فدخل الحرم، حرم
احترازه ووجب رده، ولو كان الداخل سبعا كالفهد لم يحرم إخراجه.
وتتكرر الكفارة بتكرر الصيد خطأ وسهوا، وفي العمد قولان أظهرهما تكرارها
وظاهر الأخبار عدمه كصحيح الحلبي، وفيها أنه يتصدق بالصيد على مسكين
395

وفيها دلالة على أن مذبوح المحرم لا يحرم على المحل كقول الصدوق وابن
الجنيد إذا كان الذبح في الحل وإن كان الأكل في الحرم، ومثلها روايتان
صحيحتان عن حريز وجميل وتعارضها روايات ليست في قوتها، وإن كان
التحريم أظهر، ويعزر متعمد قتل الصيد، وهو مروي في من قتله بين الصفا والمروة
وإن تعمد قتله في الكعبة ضرب دون الحد، ويدفن المحرم الصيد إذا قتله فإن أكله
أو طرحه فعليه فداء آخر على الرواية.
فروع أربعة:
الأول: لو ذبحه المحرم في المخمصة أمكن كونه ذكيا لإباحته، وحرمه
الشيخ وابن إدريس، وهذا الاحتمال قائم وإن كان الذبح في الحرم، نعم لو أمكنه
ذبحه في الحل وجب.
الثاني: يجوز للمحرم إذا أحل أكل لحم ما صاده محل في الحل وإن كان في
أيام التشريق، ومنع منها ابن الجنيد.
الثالث: الظاهر إنه لا يزول ملك المحرم عن الصيد النائي عنه، ويلزم منه
دخوله في ملكه نائيا، كما قواه الشيخ، وقوى أيضا دخول الحاضر في ملكه ثم
يزول، وتظهر الفائدة في الضمان مع اليد وفي تملك البائع الثمن.
الرابع: لو باع صيدا بصيد وكانا محرمين، فعلى القول بعدم التملك يضمن
المتبايعان الصيدين إذا أثبتا أيديهما عليهما، وعلى قول الشيخ ينبغي ذلك أيضا،
لأنه يزول ملك المحرم عنه فلا يصادف البيع ملكا.
درس [17]:
لو اشترى محل بيض نعام لمحرم فأكله فعلى المحرم عن البيضة شاة وعلى
المحل درهم، هذا إذا اشتراه مكسورا أو كسره المحل أو كان مسلوقا، إذ لو لم
يكن كذلك وكسره المحرم فعليه الإرسال كما سلف، ولا تسقط الشاة لوجوبها
396

بالأكل، وفي تعدد الجزاء هنا لو كان المحرم في الحرم نظر، وكذا لو وجب
الإرسال فتجب القيمة معه ويمكن وجوبها في صورة الإرسال لا في غيره لسبق
التلف على أكل المحرم وفي انسحاب شراء غيره عليه نظر.
ولو كان المشتري محرما ففي وجوب الشاة أو الدرهم نظر، بل يحتمل
وجوب الدرهم لو اشتراه المحرم لنفسه وأكله أو بذله المحل له من غير شراء أو
تملكه بغير البيع كالهبة، ويحتمل وجوب الدرهم هنا على المحل.
ويضمن المحرم ما أتلفه عبده باذنه وإن كان محلا في الحل، وفي وجوب
جزاء ما قتله العبد المأذون في الإحرام على المولى روايتان، أصحهما الوجوب.
ولا تجوز الصدقة بالحيوان المماثل إلا بعد الذبح ومستحقه الفقراء
والمساكين بالحرم، وفي رواية إسحاق بن عمار، يجزئ الذبح عند أهله لو خرج
من مكة ويتصدق به، وهي متروكة، ولا يجوز الأكل من الجزاء في الأشهر،
وروى عبد الملك الأكل من كل هدي نذرا كان أو جزاء، وجوزه الشيخ إذا
تصدق بثمنه، ولا يجزئ إخراج الجزاء قبل استقرار الجناية على الأقوى.
ويجوز في الإطعام التمليك والأكل، ولا فرق بين الحمام المسرول وغيره
ولا بين رفض الإحرام وغيره ولا بين الجميع وأبعاضه ولا بين القارن وغيره، ولا
يتعدد الجزاء بسبب القران، وخير الشيخ فيما لا مثل له بين إطعام المساكين
بقيمته وبين الصوم عن كل مد يوما. ولم يجوز الصدقة بالقيمة وكذا الحلبي، إلا
أنه لكل نصف صاع يوم، والظاهر أنه مع عدم البر ينتقل إلى الصيام لا إلى
طعام آخر مع احتماله، وقيل: يجزئ كل طعام ابتداء فيكون البر على الأفضل
وفيه قوة، ويجوز رمي القراد والحلم عن بدنه لرواية عبد الله بن سنان، وكذا القراد
عن بعيره، وروى معاوية بن عمار عدم جواز إلقاء الحلم عن البعير.
ولو أبطل امتناع الصيد فالأقرب أنه كالتلف وفاقا للشيخ، ويحتمل الأرش
نعم لو أبطل أحد الامتناعين فالأرش قطعا، ويفدي الذكر بمثله وبالأنثى
وبالعكس، ولو حكم عدلان بأن للصيد غير المنصوص مثلا من النعم رجع
397

إليهما إن أمكن، هذا الفرض، قاله الشيخ في الخلاف.
وروي في التهذيب عن الصادق عليه السلام: فيما سوى النعامة والبقرة،
والحمار والظبي قيمة، وروي أيضا، إن ذوي العدل النبي والإمام، فيمتنع حكم
غيرهما فعلى الأول لو عارضهما مثلهما، أما في مثل آخر أو شهدا بأن لا مثل له ففي
الترجيح وتعيينه نظر.
درس [18]:
الترك الثاني: الاستمتاع بالنساء بالجماع ومقدماته حتى العقد:
فيبطل إذا كان أحدهما محرما سواء عقد لنفسه أو لغيره محلا أو محرما،
أو عقد له غيره كذلك، نعم لو وكله حال الإحرام فعقد بعد الإحلال صح، وكذا
تحرم الشهادة على العقد وإقامتها، وإن تحملها محلا أو كان في عقد بين محلين فلو
أقامها لم تسمع، قاله الشيخ وابن إدريس، إلا أن الشيخ قيده بما إذا تحملها وهو
محرم.
ولو ادعى أحد الزوجين الإحلال حال العقد قضي به مع اليمين وعدم البينة،
ويلزم مدعي الإحرام لوازم الفساد فتحرم عليه لو كان المدعي، وظاهر الشيخ
انفساخ العقد حينئذ ووجوب نصف المهر إن كان قبل المسيس وجميعه لو كان
بعده، ويشكل بأنه إقرار على الغير فيجب كمال المهر في الموضعين، ولو كان
المنكر فليس لها مطالبته بالمهر مع عدم الدخول وبعده تطالب بأقل الأمرين من
المسمى، ومهر المثل مع جهلها، ولو شكا في وقوع العقد حال الإحرام أو
الإحلال فالأصل الصحة.
ويجوز الطلاق ومراجعة المطلقة وإن كانت مختلعة، إذا رجعت في البذل،
وشراء الأمة للتسري، وفي جواز نظره إليها للسوم أو نظر المخطوبة بغير شهوة،
نظر، أقربه الجواز، وكذا النظرة المباحة في الأجنبية بغير شهوة.
398

وتنقسم الكفارة بانقسام الاستمتاع إلى أنواع:
الأول: الجماع قبل المشعر وإن كان وقف بعرفة على أقوى القولين، واعتبر
المفيد وسلار قبلية عرفة، وللمرتضى القولان، وفيه على المتعمد العالم بالتحريم
بدنة وإتمام الحج وإعادته من قابل فوريا إن كان الأصل كذلك، وعلى المرأة
المطاوعة ذلك.
ويجب عليهما الافتراق من حين الجماع إلى أن يقضيا المناسك، فإذا حجا
في القابل على تلك الطريق وبلغا موضع الفاحشة افترقا إلى آخر المناسك،
ومعناه مصاحبة ثالث.
ولو حجا على غير تلك الطريق فلا تفريق، وقال ابن الجنيد: يستمر التفريق
في الحجة الأولى ويحرم الجماع إلى أن يعودا إلى مكان الخطيئة، وإن كانا قد
أحلا، فإذا قضيا وبلغا الموضع لم يجتمعا حتى يبلغ الهدي محله، ولو أكرهها
تحمل عنها البدنة ولا قضاء عليه عنها لبقاء صحة حجها.
ولو أكرهها على الجماع أو أحدهما فلا شئ على المكره، ولو أكرهته ففي
تحملها البدنة نظر، ولو أكره أمته تحمل عنها الكفارة ولا يجب الحج بها خلافا
لابن الجنيد، ويحتمل وجوب تمكينها قويا.
ولا فرق بين الوطء قبلا أو دبرا، ونقل الشيخ إن الدبر لا يتعلق به الإفساد
وإن وجبت البدنة، وكثير من الأصحاب أطلق إن الجماع في غير الفرج يوجب
البدنة لا غير ولا بين كون الموطوءة أجنبية أو زوجة أو أمة أو كان ذكرا، وقال
الحلبي: في الذكر بدنة لا غير، ولا بين الإنزال وعدمه، لا بوطئ البهيمة، ونقل
الشيخ الإفساد به وهو قول ابن حمزة، ولا بين كون الحج واجبا في أصله أو
ندبا، وروى زرارة أن الأولى فرضه وتسميتها فاسدة مجاز، وقال ابن إدريس:
الثانية فرضه، وتظهر الفائدة في الأجير وفي كفارة خلف النذر لو عينه بتلك
السنة، وفي المصدود المفسد إذا تحلل ثم قدر على الحج لسنته أو غيرها.
الثاني: الجماع المتكرر بعد الإفساد يوجب تكرار البدنة لا غير، سواء كفر
399

عن الأول أو لا، وتردد في الخلاف إذا لم يكفر، نعم لو جامع في القضاء لزمه
ما لزم أولا.
الثالث: الجماع بعد الموقفين قبل إكمال طواف الزيارة، وفيه بدنة فإن عجز
فبقرة فإن عجز فشاة، وفي رواية معاوية بن عمار جزور وأطلق.
الرابع: الجماع قبل أن يطوف من طواف النساء خمسة أشواط، وفيه بدنة،
وقال الشيخ: يكفي الأربعة، وهو مروي صريحا عن أبي بصير، وروى حمران لا
شئ إذا طاف خمسة، وتجب البدنة إذا طاف ثلاثة، واعتبر ابن إدريس البناء في
الأربعة لا في سقوط الكفارة.
الخامس: جماع أمته المحرمة باذنه وهو محل، وفيه بدنة أو بقرة أو شاة، فإن
عجز عن الأوليين تخير بين الشاة وصيام ثلاثة أيام، وفي التهذيب عليه بدنة فإن
عجز فشاة أو صيام ثلاثة والأول مروي.
السادس: الاستمناء، وفيه بدنة، وروى إسحاق بن عمار الحج ثانيا إذا أمنى
بعبثه بالذكر، ولم نقف على معارض لها.
السابع: النظر إلى غير أهله فيمني، يوجب بدنة فإن عجز فبقرة فإن عجز فشاة
وفي رواية أبي بصير على الموسر بدنة والمتوسط بقرة والفقير شاة وفيها تصريح
بأن الكفارة للنظر لا للإمناء، وقال الصدوق: يتخير بين الجزور والبقرة فإن عجز
فشاة لصحيح زرارة، ولو نظر إلى أهله بغير شهوة فلا شئ وإن أمنى، ولو كان
بشهوة فأمنى فجزور.
الثامن: لو قبل امرأته بشهوة فجزور أنزل أو لا، ولو طاوعته فعليها مثله، ولو
قبلها بغير شهوة فشاة، وقال ابن إدريس: في القبلة بشهوة فينزل جزور وبغير
إنزال شاة كما لو قبلها بغير شهوة، ويجوز له تقبيل أمته رحمة لا شهوة.
التاسع: في الملاعبة إذا أمنى بدنة، وعليها مطاوعة مثله.
العاشر: لو عقد المحرم على امرأة ودخل فعلى كل واحد كفارة وإن كان
العاقد محلا، ولو كانت المرأة محلة فلا شئ عليها.
400

الحادي عشر: لو مس امرأته بشهوة فعليه شاة أمنى أو لا، وبغير شهوة فلا شئ
وإن أمنى.
الثاني عشر: قال المفيد: من قبل امرأته وقد طاف للنساء ولم تطف هي،
مكرها لها فعليه دم، فإن طاوعته فالدم عليها دونه ورواية زرارة بالدم هنا ليس
فيها ذكر الإكراه ولا شئ في الإمناء بالنظر ولو كانت مجردة، وكذا لو فكر فأمنى
أو استمع فأمنى.
ولو عجز عن البدنة الواجبة بالإفساد فعليه بقرة فإن عجز فسبع شياه فإن
عجز فقيمة البدنة دراهم تصرف في الطعام ويتصدق به، فإن عجز صام عن كل
مد يوما قاله الشيخ.
وقال في التهذيب: روي إطعام ستين لكل مسكين مد فإن عجز صام ثمانية
عشر يوما، ذكره في الرجل والمرأة وقال ابن بابويه: من وجب عليه بدنة في
كفارة وعجز فسبع شياه فإن عجز صام ثمانية عشر يوما بمكة أو منزله لرواية
داود الرقي، غير أن فيها كون البدنة في فداء وهو أخص من الكفارة.
ولا يمنع الإفساد تحلل المحصر فلو زال الإحصار بعد التحلل قضى الحج
مع سعة الزمان لسنته بناء على أن الأولى عقوبة وإنها تسقط بالتحلل وهما
ممنوعان، ولو أفسد حج التطوع ثم أحصر فعليه بدنة للإفساد ودم للتحلل
وقضاء واحد بسبب الإفساد ولأن التطوع يسقط بالتحلل منه.
درس [19]:
الترك الثالث: الطيب، وهو حرام بأنواعه، وفي التهذيب إنما يحرم المسك
والعنبر والزعفران والورس، وفي الخلاف والنهاية أضاف الكافور والعود وفي
صحيح حريز لا يمس المحرم شيئا من الطيب ولا بأس بخلوق الكعبة وزعفرانها،
وقال الشيخ: لو دخل الكعبة وهي تجمر أو تطيب لم يكره له الشم، والعطر في
المسعى كذلك في رواية هشام بن الحكم وفي الرياحين قولان: أقربهما التحريم
401

إلا الشيخ والخزامي والإذخر لرواية معاوية بن عمار، وقيدها بعضهم بالحرم.
واختلف في الفواكه، ففي رواية ابن أبي عمير يحرم شمها، وكرهه الشيخ في
المبسوط، ويجوز أكلها إذا قبض على شمه، وكذا يقبض إذا اضطر إلى أكل
مطيب.
ويحرم القبض من كريه الرائحة، ولبس ثوب مطيب مطلقا والنوم عليه إلا
أن يكون فوقه ثوب يمنع الرائحة، ولو أصابه طيب أمر الحلال بغسله أو غسله
بآلة، وفي رواية ابن أبي عمير: يجوز غسله بيده أو مسحه بنعله، وصرف الماء في
غسله أولى من الطهارة وإزالة النجاسة فيتيمم، ولو فقد الماء مسحه بالتراب
والحشيش وشبهه.
ويحرم الاكتحال بالمطيب لرواية ابن عمار وابن سنان، وكرهه القاضي،
ويمنع المحرم لو مات من الكافور في الغسل والحنوط ويحرم الدهن المطيب
ولو كان قبل الإحرام إذا كانت الرائحة تبقى إلى الإحرام، وفي الخلاف يكره هذا
وظاهره إرادة التحريم، واختار ابن حمزة الكراهية، وفي رواية الحلبي: لا يدهن
حين يريد أن يحرم بدهن فيه مسك ولا عنبر من أجل بقاء الرائحة، ولو زالت
الرائحة عن الدهن جاز استعماله قاله في التهذيب، وجوز في المبسوط استعمال
المغموس في ماء الفواكه الطيبة كالتفاح، وكره الممشق والمعصفر.
وكفارة الطيب شاة مع التعمد والعلم شما وسعوطا وحقنة وإطلاء وصبغا
كما يغمس في ماء الورد والكافور وما يصبغ بالزعفران، وبخورا كالند، وأكلا
ابتداء واستدامة سواء مسته النار أم لا، طيب جميع العضو أم لا، وقال الصدوق
في الخبيص المزعفر يؤكل: إنه إذا تصدق بتمر يشتريه بدرهم كان كفارة له،
ولعله أراد الناسي، وروى حريز في شم الرياحين الصدقة بشبعه.
ويجوز شراء الطيب ولا يمسه فلو كان يابسا فمسه فلا فدية إلا أن يعلق بثوبه
أو بدنه ريحه أو شئ منه، ولو كان أحدهما رطبا فدى بشاة، وخص الحلبي الشاة
بالمسك والعنبر والزعفران والورس، وفيما عداها يأثم لا غير.
402

الترك الرابع: الادهان مطلقا، وسوع المفيد غير المطيب، ولا خلاف في
جواز أكله، وجواز الادهان عند الضرورة، ويجب الشاة باستعمال المطيب وإن
كان لضرورة وينتفي الإثم حينئذ، وفي التهذيب يجب على من داوى قرحه بدهن
بنفسج عمدا شاة، وجهلا طعام مسكين وأما غير المطيب فقال في الخلاف:
لا نص لأصحابنا في كفارته، وصرح ابن إدريس والفاضل بعدم الكفارة فيه.
الترك الخامس: المخيط، ويجب تركه على الرجال وإن قلت الخياطة في
ظاهر كلام الأصحاب ولا يشترط الإحاطة ويظهر من كلام ابن الجنيد اشتراطها،
حيث قيد المخيط بانضمام البدن، فعلى الأول يحرم التوشح بالمخيط والتدثر
وعلى القولين يجوز لبس الطيلسان ويحرم الزر والخلال ويجوز افتراشه والمنطقة
والهميان وللنساء، خلافا للنهاية إلا الغلالة تحت الثياب لتقيها من النجاسة،
والخلاف في الحرير بين الشيخين، فجوزه المفيد لرواية يعقوب بن شعيب، ومنعه
الشيخ لرواية العيص وداود بن الحصين، وهي أشهر والخنثى تجتنب المخيط
والحرير.
وفدية المخيط شاة ولو اضطر، ولا فدية على الخنثى إلا أن تجمع بين المخيط
وتغطية الوجه.
درس [20]:
الترك السادس: لبس ما يستر ظهر القدم، كالخف والشمشك، فيفدي بشاة
لو فعله، ولو اضطر فلا شئ عليه عند الشيخ، وقيل: يجب.
ويجب شقه عن ظهر القدم على الأصح لرواية محمد بن مسلم، وفي
الخلاف لا يجب لمقطوعة رفاعة، ولو وجد نعلين فهما أولى من الخف المشقوق،
والظاهر جواز الخف للمرأة كما قاله الحسن، ولا يحرم تغطية القدم بما لا يسمى
لبسا.
الترك السابع: لبس الخاتم للزينة ويجوز للسنة وكلاهما مروي.
403

الترك الثامن: لبس المرأة ما لم تعتده من الحلي، ويجوز المعتاد لغير قصد
الزينة، ويحرم إظهاره للزوج، ويحرم عليها لبس القفازين لرواية داود وعيص -
وهما وقاية لليدين من البرد محشوان يزران عليهما - وقال ابن دريد - هما ضرب
من حلي اليدين -.
الترك التاسع: لبس السلاح اختيارا في المشهور والكراهية نادرة، وحرم
أبو الصلاح شهره، ويجوز لبسه وشهره عند الضرورة لرواية الحلبي.
الترك العاشر: التظليل للرجل سائرا اختيارا في المشهور لرواية إسحاق بن
عمار.
وقال ابن الجنيد: يستحب تركه، ويجوز للمريض ومن لا يطيق الشمس
وللنساء وعند النزول مطلقا، وروى علي بن جعفر جوازه مطلقا ويكفر، وفي رواية
مرسلة عن الرضا عليه السلام يجوز تشريك العليل، والأشهر اختصاصه به.
واختلف في كفارة التظليل، فقال الحسن: فدية من صيام أو صدقة أو نسك
كالحلق لأذى.
وقال الصدوق: لا بأس بالظل ويتصدق لكل يوم بمد.
وقال الحلبي: على المختار لكل يوم شاة وعلى المضطر بجملة المدة شاة،
وروى سعد بن سعد في من يؤذيه حر الشمس يظلل ويفدي، وروى ابن بزيع شاة
للتظليل لأذى المطر والشمس، والروايتان صحيحتان، وروى أبو علي بن راشد
جوازه لمن تؤذيه الشمس وعليه دم لكل نسك وبه أخذ الشيخ، وفي رواية سعيد
الأعرج لا يجوز الاستتار من الشمس بعود أو بيده إلا من علة، ويجوز المشي تحت
الظلال وفي ظل المحمل وشبهه، وفي المبسوط ترك التظليل للنساء أفضل.
فرع:
هل التحريم في الظل لفوات الضحى أو لمكان الستر؟ فيه نظر، لقوله صلى
الله عليه وآله أضح لمن أحرمت له. والفائدة في من جلس في المحمل بارزا للشمس
404

وفي من تظلل به وليس فيه، وفي الخلاف: لا خلاف أن للمحرم الاستظلال بثوب
ينصبه فوق رأسه ما لم يمسه، وقضيته اعتبار المعنى الثاني.
الترك الحادي عشر: تغطية الرأس للرجل ولو كان بالغسل وشبهه أو
بارتماس، وفديته شاة ولو كان مضطرا، والأقرب عدم تكرارها بتكرر تغطيته،
نعم لو فعل ذلك مختارا تعددت، ولا تتعدد بتعدد الغطاء مطلقا، ويجوز التوسد
ولا يجوز حمل ساتر على الرأس، وجوز الفاضل ستر رأسه بيديه لرواية معاوية،
ولا بأس أن يستر بعض جسده ببعض أن يضع ذراعه على وجهه من حر
الشمس، وليس صريحا في الدلالة، والأولى المنع، وتجب الفدية بتغطية بعضه،
وتجوز العصابة للصداع وجعل عصام القربة على الرأس لرواية محمد بن مسلم،
ولو غطى رأسه ناسيا ألقى الغطاء واجبا وجدد التلبية استحبابا.
الترك الثاني عشر: تغطية الوجه للمرأة، وفديته شاة عند الشيخ في المبسوط،
وقال الحلبي: لكل يوم شاة ولو اضطرت فشاة لجميع المدة وكذا قال في تغطية
الرأس واختلف في تغطية الرجل وجهه فقال في النهاية والمبسوط بجوازه، وكذا
في الخلاف مدعيا للإجماع وهو قول ابن الجنيد لقول النبي صلى الله عليه وآله:
إحرام الرجل في رأسه وإحرام المرأة في وجهها، والتفصيل قاطع للشركة، ومنعه
الحسن وجعل كفارته إطعام مسكين في يده، وجوزه في التهذيب بشرط هذه
الكفارة لرواية الحلبي وحملت على الندب، وفي هذه الرواية لا بأس أن ينام
المحرم على وجهه على راحلته، وروى معاوية كراهة أن يتجاوز ثوب المحرم أنفه،
ولا بأس بمده من أسفل حتى يبلغ أنفه، والخنثى تغطي ما شاءت من الرأس أو
الوجه ولا كفارة، ولو جمعت بينهما كفرت.
فرع:
تعارض في المرأة وجوب كشف جزء من الرأس لتحريم تغطية الوجه
وستر جزء من الوجه لوجوب ستر الرأس وهما متنافيان، فالأولى تقديم حق
405

الرأس احتياطا في الستر ولحصول مسمى الوجه بفوات الجزء اليسير.
الترك الثالث عشر: النقاب للمرأة لتحريم التغطية، وفي رواية معاوية لا
تطوف المرأة بالبيت وهي متنقبة، وروى الحلبي أن الباقر عليه السلام قال لامرأة
متنقبة: أحرمي وأسفري وأرخي ثوبك من فوق رأسك، وجوزه إلى فيها، ولم
يذكر عدم إصابة وجهها، والمشهور منع ذلك إلا بخشبة تحته وشبهها تمنعه من
إصابة الوجه وفي رواية حريز: تسدله إلى الذقن ولو أصاب الوجه رفعته بسرعة
وإلا وجب الدم، قاله الشيخ.
الترك الرابع عشر: قلم الأظفار، ففي كل ظفر مد من طعام وفي الرواية قيمة مد،
وفي أظفار يديه أو رجليه شاة ما لم يكن كفر عن الماضي، وفي جميعها شاة إن
اتحد المجلس وإلا فشاتان، ولو كان له إصبع زائدة أو يد زائدة فالظاهر أنها
كالأصلية، وقال ابن الجنيد: في الظفر مد أو قيمته حتى يبلغ خمسة فصاعدا فدم
إن كان في مجلس واحد، فإن فرق بين يديه ورجليه فليديه دم ولرجليه دم.
وقال الحلبي: في قص ظفر كف من طعام وفي أظفار إحدى يديه صاع
وفي أظفار كلتيهما شاة، وكذا حكم أظفار رجليه وإن كان الجميع في مجلس فدم
وقال الحسن: من انكسر ظفره فلا يقصه فإن فعل أطعم مسكينا في يده، وقال
الفاضل: لو انكسر ظفره فله إزالته إجماعا وتوقف في الفدية، والأقرب التساوي
بين قص بعض الظفر وكله، نعم لو قصه في دفعات فالظاهر عدم التعدد مع
اتحاد الوقت، ولو تغاير احتمل التعدد.
درس [21]:
الترك الخامس عشر: إزالة الشعر عن رأسه وبدنه ويجوز حلق الرأس لأذى
وعليه شاة أو إطعام عشرة لكل واحد مد أو صيام ثلاثة أيام، وقال المفيد: يطعم
ستة ستة أمداد، وقال الحسن وابن الجنيد: يطعم ستة اثنى عشر مدا وهو في
406

صحيح حريز، والتخيير بين العشرة وبين هذا وجه قوي، ولو حلقه لغير أذى
فكذلك ويأثم.
ولا فرق بين بعضه وكله، ولو لم يسم حلقا تصدق بشئ، ولو اختلف الوقت
في الحلق تعددت الكفارة، ولو قصره في أوقات ثم حلقه احتمل التعدد.
وفي نتف الإبطين شاة وكذا حلقهما وفي أحدهما إطعام ثلاثة مساكين، ولو
سقط شئ من شعر لحيته أو رأسه فعليه كف من طعام، ولو كان في الوضوء
فلا شئ وكذا في الغسل على الأقرب، وأوجب المفيد الكف في السقوط بالوضوء
قال: ولو كثر الساقط من شعره فشاة، وقال سلار: في القليل كف وفي الكثير
شاة وأطلق، وقال الحلبي في قص الشارب وحلق العانة والإبطين شاة.
فروع سبعة:
الأول: الأقرب إنه لا شئ على الناسي والجاهل، وأوجب الفاضل الكفارة على
الناسي في الحلق والقلم لأن الإتلاف يتساوى فيه العمد والخطأ كالمال، وهو
بعيد لصحيح زرارة عن الباقر عليه السلام: من حلق رأسه أو نتف إبطه ناسيا أو
جاهلا فلا شئ عليه، ونقل الشيخ الإجماع على عدم وجوب الفدية على الناسي -
والقياس عندنا باطل - وخصوصا مع معارضة النص.
الثاني: لو نبت في عينه شعر أو طال حاجبه فغطى عينه فأزاله فلا فدية، ولو
تأذى بكثرة الشعر في الحر فأزاله فدى، والفرق لحوق الضرر من الشعر في الأول
ومن الزمان في الثاني، وفي إزالته لدفع القمل الفدية لأنه محل المؤذي لا مؤذ.
الثالث: في جواز حلق المحرم رأس المحل قولان للشيخ، والنهي رواية
معاوية عن الصادق عليه السلام.
الرابع: لو قلع جلدة عليها شعر قيل: لا يضمن.
الخامس: لو علم أن الشعرة كانت منتسلة فلا شئ فيها ولو شك في كونها
نابتة أو لا فالأقرب الفدية.
407

السادس: لا يجوز التكفير قبل الحلق على الأصح.
السابع: لو أفتاه مفت بالحلق فلا شئ عليه والأقرب عدم ضمان المفتي أيضا،
ولو أفتاه بالقلم فأدمى فعلى المفتي شاة، والظاهر إنه لا يشترط إحرام المفتي
ولا كونه من أهل الاجتهاد، ولو تعدد المفتي دفعة فالأشبه التعدد عليهم، ولا دفعة
على الأول ويحتمل التعدد، والأقرب قبول قول القالم في الإدماء، ولو أفتى غيره
فقلم السامع فأدمى فالظاهر الكفارة أيضا، ولو تعمد الإدماء فلا شئ على المفتي،
ولو أفتاه بالإدماء فأدمى أو بغيره من المحظورات احتمل الضمان لما روي أن
كل مفت ضامن.
الترك السادس عشر: قتل هو أم الجسد، كالقمل سواء كان على الثوب أو
البدن، وجوز في المبسوط وتبعه ابن حمزة قتله على البدن، وكذا البرغوث، قال
الشيخ: فإن ألقى القمل عن جسمه فدى، والأولى أن لا يعرض له ما لم يؤذه،
ومنع في النهاية من قتل المحرم البق والبرغوث وشبههما في الحرم، وإن كان
محلا في الحرم فلا بأس، وأوجب المرتضى في قتل القملة أو الرمي بها كف طعام،
والذي في صحيح حماد بن عيسى يطعم مكانها طعاما، وفي صحيح معاوية بن
عمار لا شئ فيها وإنه لا بأس بقتل النمل والبق والقمل في الحرم، وروى هو أيضا
عن الصادق عليه السلام: اتق قتل الدواب كلها إلا الأفعى والعقرب والفأرة،
ويجوز تحويلها من مكان إلى آخر من جسده وألقاء القراد والحلم عن نفسه
وبعيره، وقال الشيخ: لا يلقي الحلم عن بعيره، ولا يجوز قتل شئ من ذلك.
الترك السابع عشر: الاكتحال بالسواد للرجل والمرأة وفي الخلاف يكره،
والذي في صحيح معاوية لا يكتحل إلا من علة، وروى حريز في الصحيح:
لا يكتحل المحرم بالسواد لأنه زينة، وقال النبي صلى الله عليه وآله: الحاج أشعث
أغبر.
الترك الثامن عشر: الحناء للزينة على قول لأنه زينة، والكراهية مشهورة
لصحيحة ابن سنان حيث أطلقت استعماله وحملت على غير الزينة وحكم ما قبل
408

الإحرام إذا قارنه حكمه.
الترك التاسع عشر: النظر في المرآة، لصحيح حماد ومعاوية معللا بالزينة،
وقال القاضي وابن حمزة: يكره، تبعا للشيخ في الخلاف.
الترك العشرون: الحجامة، إلا مع الحاجة في الأظهر لرواية الحسن الصيقل،
وقال في المبسوط: يجوز للمحرم أن يحتجم ويفتصد، وقال في الخلاف وتبعه ابن
حمزة: يكره، وهو في صحيح حريز، وفي حكم الحجامة الفصد وإخراج الدم
ولو بالسواك أو حك الرأس، وفدية إخراج الدم شاة ذكره بعض أصحاب
المناسك، وقال الحلبي: في حك الجسم حتى يدمي مد طعام لمسكين.
الترك الحادي والعشرون: الجدال، وهو قوله " لا والله وبلى والله " ففي الثلاث
صادقا شاة وكذا ما زاد ما لم يكفر، وفي الواحدة كذبا شاة وفي الاثنين بقرة ما لم
يكفر وفي الثلاث بدنة ما لم يكفر قيل: ولو زاد على الثلاث فبدنة ما لم يكفر،
وروى محمد بن مسلم إذا جادل فوق مرتين مخطئا فعليه بقرة، وروى معاوية إذا
حلف ثلاث أيمان في مقام ولاء فقد جادل فعليه دم، وقال الجعفي: الجدال
فاحشة إذا كان كذبا أو في معصية فإذا قاله مرتين فعليه شاة، وقال الحسن: من
حلف ثلاث أيمان بلا فصل في مقام واحد فقد جادل وعليه دم، قال: وروي أن
المحرمين إذا تجادلا فعلى المصيب منهما دم شاة وعلى المخطئ بدنة.
فروع ثلاثة:
الأول: خص بعض الأصحاب الجدال بهاتين الصيغتين، والقول بتعديته إلى
ما يسمى يمينا أشبه.
الثاني: لو اضطر إلى اليمين لإثبات حق أو نفي باطل فالأقرب جوازه، وفي
الكفارة تردد أشبهه الانتفاء، وقال ابن الجنيد: يعفى عن اليمين في طاعة الله وصلة
الرحم ما لم يدأب في ذلك، وارتضاه الفاضل، وروى أبو بصير في المتحالفين
على عمل لا شئ لأنه إنما أراد إلزامه إنما ذلك على ما كان فيه معصية وهو قول
409

الجعفي.
الثالث: لا كفارة في اللغو من ذلك لأنه في معنى الساهي.
الترك الثاني والعشرين: الفسوق، وهو الكذب والسباب لصحيح معاوية،
وفي صحيح علي بن جعفر هو الكذب والمفاخرة، وتخصيص ابن البراج
بالكذب على الله ورسوله والأئمة عليهم الصلاة والسلام، وقول المفيد: إن الكذب
يفسد الإحرام ضعيفان، ولا كفارة في الفسوق سوى الكلام الطيب في الطواف
والسعي قاله الحسن، وفي رواية علي بن جعفر يتصدق.
الترك الثالث والعشرون: قلع الضرس، وفيه دم والرواية مقطوعة، وقال ابن
الجنيد وابن بابويه: لا بأس به مع الحاجة ولم يوجبا شيئا.
درس [22]:
يكره الإحرام في الثياب الوسخة وإن كانت طاهرة، ولو عرض الوسخ في
الأثناء بلا نجاسة لم تغسل.
ويستحب الإحرام في القطن المحض الأبيض ويكره في الثياب المصبوغة،
ويتأكد السواد وحرمه الشيخ وابن حمزة لرواية الحسين بن المختار، ويكره أيضا
النوم على المصبوغة ولبس الثياب المعلمة ودخول الحمام وتدليك الجسد فيه
وفي غيره ولو في الطهارة وغسل الرأس بالسدر والخطمي وتلبية مناديه بل
يقول: يا سعد أو سعديك، واستعمال الرياحين وخطبة النساء والمبالغة في
السواك وفي دلك الوجه والرأس في الطهارة والهذر من الكلام، والاغتسال
للتبرد وحرمه الحلبي.
ويستحب حك الرأس بأطراف الأصابع لا بالأظفار لرواية أبي بصير،
ويجوز له التخليل ما لم يدم، ولو كان ملبدا فلا يفيض على رأسه الماء إلا من
الاحتلام.
410

ويكره الاحتباء للمحرم وفي المسجد الحرام، ويكره له المصارعة أيضا خوفا
من جرح أو سقوط شعر، ويجوز حك الجرب وإن سأل منه الدم في رواية عمار،
ويجوز للمحرم أن يؤدب عبده إلى عشرة أسواط.
ويحرم قلع شجر الحرم على المحرم والمحل، وحده بريد في بريد، ففي
الكبيرة بقرة وفي الصغيرة شاة وفي الأغصان القيمة ويقل في الخلاف الإجماع
فيه وأطلق ابن الجنيد القيمة في القلع وقال الحلبي: في قلع الشجرة شاة وفي
بعضها ما تيسر من الصدقة، وظاهر ابن إدريس لا كفارة، والذي رواه سليمان بن
خالد لا ينزع من شجر مكة شئ إلا النخل وشجر الفاكهة، وروي مرسلا إذا كان
في داره شجرة فنزعها فبقرة ويجوز قلع عودي المحالة لرواية زرارة إن النبي صلى
الله عليه وآله رخص فيها.
ويكفي في تحريم الشجرة كون شئ منها في الحرم سواء كان أصلها أو
فرعها لرواية معاوية، وفي النهاية لا بأس بقلع ما أنبته الإنسان في الحرم وفي
الخلاف لا ضمان فيما ينبته الآدمي، في العادة وإن أنبته الله، وكذا لا ضمان فيما
أخذه الآدمي من الحل فأنبته في الحرم، ويجب إعادة المقلوعة إلى مغرسها أو غيره
فإن جفت وجبت الكفارة وإلا سقطت، ويجوز أخذ ما جف من الشجر وإن كان
متصلا بالرطب.
ويحرم نزع الحشيش إلا الأذخر ولا يحرم رعيه لصحيح حريز، وقال ابن
الجنيد: لا أختار رعيه لأن البعير ربما نزعه من أصله وجوز حصده إذا بقي أصله،
وفي صحيح ابن أبي بحران ومحمد بن حمران أما شئ تأكله الإبل فليس به بأس
أن ينزعه، وأسند الشيخ النزع إلى الإبل، ولو قلنا بتحريم نزعه فلا كفارة فيه
سوى الاستغفار، ومال الفاضل إلى وجوب القيمة.
ولو اقتتل اثنان في الحرم فعلى كل واحد دم عند الشيخ لرواية أبي هلال
عن الصادق عليه السلام.
411

لواحق:
كل محرم أكل أو لبس الممنوع منه فعليه شاة، وتتعدد الكفارة باختلاف
الجنس وبتكرر الوطء أما الحلق والقلم فيتعدد بتعدد الوقت وإلا فواحدة، وكذا
الاستمتاع باللبس والطيب والقبلة، ولا فرق في التعدد بين التكفير عن الأول أو
لا، قاله في المبسوط، وأنكر ابن حمزة تكرر الكفارة بتكرر الجماع المفسد،
والمحقق جعل تعدد الكفارة في الحلق تابعا لتغاير الوقت، وفي اللبس والطيب
تابعا لتغاير المجلس وتبع في اللبس النهاية، وفي رواية محمد بن مسلم في اللبس
لكل صنف فداء، ولا كفارة على الجاهل والناسي إلا في الصيد، ونقل الحسن أن
الناسي فيه لا شئ عليه.
ومحل الذبح والنحر والصدقة مكة، إن كانت الجناية في إحرام العمرة وإن
كانت متعة، ومنى إن كان في إحرام الحج، وجوز الشيخ إخراج كفارة غير
الصيد بمنى وإن كان في إحرام العمرة، وألحق ابن حمزة وابن إدريس عمرة
التمتع بالحج في الصيد، ويستحب كونه بالحزورة " بتخفيف الواو " بفناء
الكعبة، وجوز الشيخ فداء الصيد حيث أصابه واستحب تأخيره إلى مكة
لصحيحة معاوية بن عمار، وفي رواية مرسلة ينحر الهدي الواجب في الإحرام
حيث شاء إلا فداء الصيد فبمكة، وقال الشيخ في الخلاف: كل دم يتعلق
بالإحرام كدم المتعة والقران وجزاء الصيد وما وجب بارتكاب محظورات
الإحرام إذا أحصر جاز له أن ينحر مكانه في حل أو حرم إذا لم يتمكن من إنفاذه
بلا خلاف.
درس [23]:
يجب الطواف في العمرة والحج.
والكلام في مقدماته وكيفيته وأحكامه:
412

الأول:
يستحب للمتمتع وغيره الغسل عند دخول الحرم ومضغ الأذخر والمشي
حافيا ونعله بيده، والدعاء عند دخوله، فإذا أراد دخول مكة " زادها الله شرفا "
اغتسل من بئر ميمون بالأبطح أو بئر عبد الصمد أو فخ أو غيرهما، ولو تعذر
اغتسل بعد دخوله، ولو أحدث بعد غسله أعاده.
ودخول مكة من أعلاها من عقبة المدنيين والخروج من أسفلها من ذي
طوى داعيا حافيا بسكينة ووقار. ويستحب عندنا دخوله من - ثنية - " كذا
بالفتح والمد " - وهي التي ينحدر منها إلى الحجون مقبرة مكة - ويخرج من - ثنية
" كذا بالضم والقصر منونا " وهي بأسفل مكة - والظاهر أن استحباب الدخول من
الأعلى والخروج من الأسفل عام: وقال الفاضل: يختص بالمدني والشامي، وفي
رواية يونس بن يعقوب: إيماء إليه، ثم يغتسل لدخول المسجد الحرام، وأوجبه
الجعفي، ويدخله حافيا خاضعا خاشعا من باب بني شيبة ليطأ هبل ويقف عنده
داعيا مصليا على النبي وآله، فإذا دخل المسجد استقبل الكعبة الشريفة ورفع يديه
ودعا بالمنقول.
ويجب قبله أربعة أشياء:
إزالة النجاسة عن الثياب والبدن وفي العفو عما يعفى عنه في الصلاة نظر،
وقطع ابن إدريس والفاضل بعدمه والتوقف فيه لا وجه له، وكره ابن الجنيد
وابن حمزة الطواف في الثوب النجس لرواية البزنطي أجزأ الطواف في ثوب فيه دم
لا يعفى عن مثله في الصلاة.
وستر العورة والختان في الرجل مع المكنة ويظهر من ابن إدريس التوقف
فيه.
والطهارة من الحدث وتجزئ طهارة المستحاضة والتيمم مع تعذر المائية
على الأصح، ولا يشترط طهارة الحدث في الطواف المندوب خلافا للحلبي
وخصوص رواية زرارة وعبيد الدالة عليه تدفع تمسكه بعموم كون الطواف
413

بالبيت صلاة.
ولا يشترط في الطواف المشي، فيجوز راكبا اختيارا على الأصح، ومنع ابن
زهرة مدفوع بفعل النبي صلى الله عليه وآله، ويجب في المشي المعهود فلو مشى
على أربع لم يجزئه، ولو نذره فالمروي وجوب طوافين ولو تعلق نذره بطواف
النسك فالأقرب البطلان، وظاهر القاضي الصحة ويلزمه طوافان، وأطلق ابن
إدريس البطلان، ومال إليه المحقق إن كان الناذر رجلا.
فرع:
لو عجز عن المشي إلا على الأربع فالأشبه فعله، ويمكن ترجيح الركوب
لثبوت التعبد به اختيارا.
الثاني: في الكيفية:
وتشتمل على واجب وندب. فالواجب اثنا عشر:
أولها: النية ولا بد من قصد القربة وكونه طواف عمرة أو حج وطواف
النساء أو غيره لوجوبه أو ندبه، وظاهر بعض القدماء أن نية الإحرام كافية عن
خصوصيات نيات الأفعال، نعم يشترط أن لا ينوي بطوافه غير النسك إجماعا،
وتجب استدامة حكمها إلى الفراع.
وثانيها: مقارنتها لأول جزء من الحجر الأسود، بحيث يكون أول بدنه بإزاء
أول الحجر حتى يمر عليه كله بجميع بدنه، ولا يشترط استقباله ثم الانحراف، بل
يكفي جعله عن اليسار ابتداء.
وثالثها: البدأة بالحجر، فلو ابتدأ بغيره فلغو حتى يأتيه فيجدد عنده النية.
ورابعها: الختم به، فلو نقص خطوة أو أقل من ذلك لم يجز، ولو زاد عليه
متعمدا بطل ولو خطوة.
وخامسها: إكمال السبع من الحجر، إليه شوط.
414

وسادسها: إدخال الحجر في طوافه، فلو طاف فيه أو مشى على حائطه لم يجز
سواء قلنا بأنه من البيت كما هو المشهور، أو لا كما في رواية زرارة عن الصادق
عليه السلام، وقطع به الصدوق، ولو جعل يده على جداره فالأولى المنع، أما لو
مس خارج الجدار منه لم يضر، ولو اختصر شوطا في الحجر ففي إعادته وحده أو
الاستئناف روايتان ويمكن اعتبار تجاوز النصف هنا وحينئذ لو كان السابع كفاه
إتمام الشوط من موضع سلوك الحجر.
وسابعها: الطواف بين البيت والمقام فلو أدخله لم يصح في المشهور،
وجوز ابن الجنيد الطواف خارج المقام عند الضرورة لرواية محمد الحلبي،
ما أرى به بأسا، ولا يفعله إلا أن لا يجد منه بدا، ويجب مراعاة قدره من كل جانب.
وثامنها: أن يكون البيت على يساره فلو استقبله بوجهه أو ظهره أو جعله على
يمينه بطل.
وتاسعها: خروجه بجميع بدنه عن البيت فلو مشى على شاذروانه - أي أساسه
- بطل، ولو كان بمس الجدار بيده أو بدنه وهو خارج عنه في مشيه فالأقرب
البطلان.
وعاشرها: حفظ عدده، فلو شك في النقيصة بطل مطلقا، وقال علي بن بابويه
وجماعة: يبني على الأقل، والأول أشهر، ولو شك في الزيادة ولما يبلغ الركن
بطل، ولو بلغ الركن قطع وصح طوافه، ولو شك بعد فراغه لم يلتفت مطلقا،
ولو كان الطواف نقلا وشك في أثنائه بنى على الأقل، ويجوز الإخلاد إلى غيره
في الحفظ فإن شكا جميعا فكما قلناه، ولو اختلف شكهما اعتبر حكم شك
الطائف.
وحادي عشرها: الموالاة فيه، فلو قطعه في أثنائه ولما يطف أربعة أعاد سواء
كان لحدث أو خبث أو دخول البيت أو صلاة فريضة على الأصح أو نافلة أو
لحاجة له أو لغيره أم لا، أما النافلة فيبني فيها مطلقا، وجوز الحلبي البناء على شوط
إذا قطعه لصلاة فريضة وهو نادر، كما ندر فتوى النافع بذلك وإضافته الوتر.
415

وإنما يباح القطع للفريضة أو نافلة يخاف فوتها أو دخول البيت أو ضرورة
أو قضاء حاجة مؤمن، ثم إذا عاد بنى من موضع القطع، ولو شك فيه أخذ
بالاحتياط، ولو بدأ من الركن قيل: جاز وكذا لو استأنف من رأس يجزئ في
رواية ذكرها الصدوق، وفي مراسيل ابن أبي عمير إذا قطعه لحاجة له أو لغيره أو
لراحة جاز وبنى، وإن نقص عن النصف.
وثاني عشرها: الركعتان في مقام إبراهيم عليه السلام حيث هو الآن، فلو صلى
حيث كان أو في غيره لم تصح، ولو منعه زحام أو غيره صلى خلفه أو إلى
جانبيه، ونقل الشيخ استحباب الركعتين وهو شاذ وجوز في الخلاف فعلهما في
غير المقام، وصرح الحلبي بفعلهما حيث شاء من المسجد الحرام مطلقا، وكذا
قال ابنا بابويه في ركعتي طواف النساء خاصة، والأول أشهر، أما ركعتا طواف
النفل فحيث شاء من المسجد، ولو نسي الركعتين رجع إلى المقام، فإن تعذر
فحيث شاء من الحرم، فإن تعذر فحيث أمكن من البقاع.
وروى ابن مسكان مقطوعا ومحمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام:
الاستنابة فيهما، واختاره في المبسوط وتبعه الفاضل، والأول أظهر.
والجاهل كالناسي لو تركهما للنص، فرويت رخصة صلاتهما بمنى،
ولو مات قضاهما الولي، ولا يكره ركعتا الفريضة في وقت من الخمسة على الأظهر،
وينبغي المبادرة بهما لقول الصادق عليه السلام: لا تؤخرها ساعة إذا طفت فصل.
تنبيه:
معظم الأخبار وكلام الأصحاب ليس فيها الصلاة في المقام بل عنده أو
خلفه وعن الصادق عليه السلام: ليس لأحد أن يصليهما إلا خلف المقام، وأما
بتعبير بعض الفقهاء بالصلاة في المقام فهو مجاز تسمية لما حول المقام باسمه إذ
القطع بأن الصخرة التي فيها أثر قدمي إبراهيم عليه السلام لا يصلى عليها،
ولا خلاف في عدم جواز التقدم عليها والمنع من استدبارها.
416

درس [24]:
والمستحب فيه أربعة عشر:
أولها: المبادرة بالطواف كما يدخل المسجد لأنه تحيته إلا أن يدخل والإمام
يصلي أو قد قربت الإقامة فيصلي مع الإمام، وكذا لو دخل وقت الصلاة الواجبة
قدمها، قال الشيخ: وكذا لو خاف فوت صلاة الليل أو ركعتي الفجر فإنه
يقدمها، ولو كان عليه فريضة فائتة قدمها قاله ابن الجنيد قال: ولا يصلي تطوعا
حتى يطوف.
وثانيها: استقبال الحجر في ابتدائه بجميع بدنه والدعاء والتكبير والحمد
والثناء.
وثالثها: استلام الحجر ببطنه وبدنه أجمع فإن تعذر فبيديه فإن تعذر أشار إليه
بيده، يفعل ذلك في ابتداء الطواف وفي كل شوط والأقطع بموضع القطع،
فإن قطعت من المرفق استلمه بشماله رواه السكوني عن علي عليه السلام.
ورابعها: تقبيله، وأوجبه سلار، ولو لم يتمكن من تقبيله استلمه بيده ثم قبلها،
ويستحب وضع الخد عليه وليكن ذلك في كل شوط، وأقله الفتح والختم
وليقل: " أمانتي أديتها وميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة آمنت بالله وكفرت
بالجبت والطاغوت واللات والعزى وعبادة كل ند يدعى من دون الله ".
وطاف النبي صلى الله عليه وآله على راحلته وكان يستلم الحجر بمحجنه،
وروي إنه كان يقبل المحجن، ولو خاف أن يؤذى أو يؤذي ترك الاستلام
ورواه حماد بن عثمان عن الصادق عليه السلام.
وخامسها: استلام الأركان كلها، وآكدها العراقي واليماني ويقبلهما لأنهما على
قواعد إبراهيم عليه السلام، وأوجب سلار استلام اليماني، ومنع ابن الجنيد من
استلام الشامي والغربي ويدفعه ما صح عن الصادق والرضا عليه السلام.
وسادسها: الاقتصاد في مشيته على الأشهر، وقال الحسن: الرمل فعل العامة،
وقال ابن الجنيد: لا يرمل فيه لأن فيه أذى الطائفين، وقال الصدوق: قارب بين
417

خطاك، وفي رواية ابن سيابة مشي بين المشيين، وفي المبسوط يرمل ثلاثا
ويمشي أربعا في طواف القدوم اقتداء بالنبي صلى الله عليه وآله.
فروع على قوله - رحمه الله - وهي عشرة:
الأول: الرمل هو الإسراع في المشي مع تقارب الخطى دون الوثوب والعدو
ويسمى الخبب.
الثاني: إنما يستحب على القول به في الثلاثة الأول وأما الأربعة الأخيرة
فمتوسطة.
الثالث: لا فرق في الرمل بين الركنين اليمانيين وغيرهما عندنا.
الرابع: لو ترك الرمل في شوط أتى به في شوطين، وكذا لو ترك في
شوطين أتى به في الثالث، ولو تركه في الثلاثة لم يقضه فيما بعدها عمدا كان أو
سهوا.
الخامس: لو كان محمولا رمل به الحامل، ولو كان راكبا حرك دابته.
السادس: لا رمل على المرأة ولا الخنثى ولا المريض، قال الشيخ: ولا على
من تحمله أو يحمل الصبي.
السابع: لو تعذر الرمل في موضع من المطاف رمل في غيره، ولو احتاج
إلى التباعد عن البيت، ففي ترجيحه تحصيلا للرمل على التداني من البيت نظر من
حيث أن الرمل فضيلة تتعلق بنفس العبادة والقرب بموضعها، ومراعاة ما يتعلق
بنفسها أولى ومن الخلاف في الرمل دون القرب.
الثامن: لو أدى رمله إلى أذاه أو أذى الغير ترك قطعا، ولو أدى إلى مزاحمة
النساء فالأقرب تركه أيضا، خوف الفتنة.
التاسع: لو تعذر الرمل وأمكن التحرك في مشيه مشيرا إلى حركة الرمل
احتمل الاستحباب.
العاشر: ظاهر كلام الشيخ إنه يسن في طواف القدوم سواء كان واجبا أو
418

ندبا، وسواء كان عقيبه، سعى كما في طواف العمرة المتمتع بها وطواف الحج
المقدم أم لا، كما في طواف الحاج مفردا إذا قدم ندبا، فلا رمل في طواف
النساء والوداع إجماعا، ولا في طواف الحج تمتعا، ولا فيه إفرادا إذا كان المفرد
قد دخل مكة أو لا، ولو لم يكن دخل مكة حتى وقف رمل في طواف الحج لأنه
قادم الآن، ويمكن أن يراد بطواف القدوم الطواف المستحب للحاج مفردا أو
قارنا على المشهور إذا دخل مكة قبل الوقوف كما هو مصطلح العامة، فلا يتصور
في حق المكي ولا في المعتمر متعة أو إفرادا ولا في الحاج مفردا إذا أخر دخول
مكة عن الموقفين، فحينئذ يرمل في الطواف المستحب للقدوم لا غير، ولكن
الأقرب الأول لأن المعتمر قادم حقيقة إلى مكة، وكذا الحاج إذا أخر دخولها،
ويدخل طواف القدوم تحت طوافه، وأما اشتراط السعي بعده فليس في كلامه
دليل عليه.
والفائدة إنه لو طاف للقدوم ولم يرد السعي بعده لا يرمل إن شرطنا تعقب
السعي، فلو رمل لم يتأد المستحب، ويرمل إذا طاف لحجة لاستعقاب السعي،
ولو ترك الرمل في طواف يعقبه السعي ثم عاد إلى مكة لطواف الحج لم يرمل
فيه، ولو أنشأ المكي حجه من مكة لم يرمل إذ لا قدوم له، وإن اعتبرنا تعقب
السعي رمل إن تعقبه.
وسابعها: التداني من البيت ولا يبالي بقلة الخطى معه وكثرتها مع البعد.
وثامنها: المشي فيه لا الركوب وإن جاز، وقال ابن الجنيد: من طيف به
فسحب رجليه على الأرض أو مسها بهما كان أصلح، ومستنده ما روي من أمر
الصادق عليه السلام وفعله ذلك في رواية أبي بصير.
وتاسعها: الدعاء بالمرسوم والأذكار المروية في ابتدائه وأثنائه وتلاوة القرآن
خصوصا، القدر، ويستحب الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله كلما حاذى باب
الكعبة.
419

وعاشرها: الاضطباع للرجل على ما روي - وهو إدخال وسط الرداء تحت
المنكب الأيمن وجعله مكشوفا وتغطية الأيسر بطرفيه - وهو مستحب في موضع
استحباب الرمل لا غير، ووقته حين الشروع في الطواف إلى الفراع ويترك عند
الصلاة، وربما قيل يضطبع فيها وفي السعي.
وحادي عشرها: الخضوع حال الطواف والخشوع وإحضار القلب وحفظ
الجوارح عن تعاطي ما لا ينبغي وترك الكلام إلا بالذكر والقرآن، ويتأكد
الكراهية في الشعر والأكل والشرب والتثاؤب والتمطي والفرقعة والعبث
ومدافعة الأخبثين وكل ما يكره في الصلاة غالبا.
وثاني عشرها: التزام المستجار في الشوط السابع خاصة وبسط يديه على
حائطه وإلصاق بطنه وخده به، وتعداد ذنوبه والاستغفار منها، والدعاء والتعلق
بأستار الكعبة، ولو تجاوزه رجع مستحبا ما لم يبلغ الركن، وقيل: لا يرجع
مطلقا وهو رواية علي بن يقطين، وإذا التزم أو استلم حفظ موضع قيامه وعاد إلى
طوافه منه حذرا من التقدم.
وثالث عشرها: قراءة التوحيد في الركعة الأولى والجحد في الثانية، وروي
العكس، والدعاء عقيب الصلاة بالمأثور أو بما سنح.
ورابع عشرها: استحباب إكمال أسبوعين لمن زاد شوطا ناسيا، ولو لم يبلغ
الحجر قطعه وجوبا.
وتقدم صلاة الفريضة على السعي وتؤخر صلاة النافلة بعده، ويستحب
التطوع بالطواف مهما أمكن وسن ثلاثمائة وستون طوافا بعدد أيام السنة، رواه
معاوية وأبو بصير عن الصادق عليه السلام، فإن عجز فأشواط فالأخير عشرة،
وزاد ابن زهرة أربعة أشواط حذرا من الكراهية وليوافق عدد أيام السنة الشمسية
ورواية البزنطي، وقال: الصادق عليه السلام: كان رسول الله صلى الله عليه وآله
يطوف في اليوم والليلة عشرة أسابيع ثلاثة ليلا وثلاثة نهارا واثنين إذا أصبح
واثنين بعد الظهر.
420

وعن الصادق عليه السلام طواف قبل الحج أفضل من سبعين طوافا بعد
الحج، وعنه عليه السلام طواف في العشر أفضل من سبعين طوافا في الحج،
وروى محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام إنه لا يعجبه التطوع بالطواف بعد
السعي حتى يقصر.
والأفضل عند الشيخ أن يقال: " طواف وطوافات " ويجوز " شوط
وأشواط " والأخبار مملوءة بها، وهذا الأفضل لا نعرف وجهه إنما هو مذهب
بعض العامة، وفي المبسوط لا أعرف كراهة أن يقال لمن لم يحج " صرورة "
ولا أن يقال " لحجة الوداع " حجة الوداع ولا أن يقال " شوط وأشواط " بل
ذلك كله في الأخبار.
درس [25]:
الثالث: في أحكامه:
وهي ستة عشر:
الأول: كل طواف واجب ركن إلا طواف النساء فلو تركه عمدا بطل نسكه
وإن كان جاهلا وفي صحيح علي بن يقطين على الجاهل مع إعادة الحج بدنة،
وفي وجوب هذه البدنة على العالم نظر من الأولوية، ولو تركه ناسيا عاد له فإن
تعذر استناب فيه، والظاهر أن المراد به المشقة الكثيرة ويحتمل أن يراد بالقدرة
استطاعة الحج المعهود.
الثاني: لا يبطل تعمد ترك طواف النساء، ويجب الإتيان به ولو كان تركه
نسيانا، ولا تحل له النساء بدونه حتى العقد على الأقرب سواء كان المكلف به
رجلا أو امرأة، فيحرم عليها تمكين الزوج على الأصح، ولا يجزئ طواف الوداع
عنه في الأظهر، واجتزأ به علي بن بابويه لرواية إسحاق بن عمار: لولا ما من الله
به على الناس من طواف الوداع لرجعوا، ولا ينبغي أن يمسوا نساءهم، ويمكن
حملها على كون التارك عاميا.
421

وحكم الخصي والخنثى والصبي كذلك، ويجب العود له إن تركه عمدا
وإلا أجزأته الاستنابة.
وروى علي بن جعفر: أن ناسي الطواف يبعث بهدي ويأمر من يطوف عنه،
وحمله الشيخ على طواف النساء، والظاهر أن الهدي ندب.
وحكم البعض المقضى من غير طواف النساء حكم طواف النساء في عدم
وجوب العود إذا رجع إلى بلده، وفي التهذيب يجب العود إلى طواف النساء لو
نسيه إلا مع التعذر فيستنيب لرواية معاوية، والأشهر جواز الاستنابة للقادر،
وتحمل الرواية على الندب.
الثالث: لو طاف على غير طهارة أعاد الفريضة عمدا كان أو نسيانا، ويعيد
صلاة النافلة لا غير، ولو طاف في ثوب نجس أو على بدنه نجاسة أعاد مع التعمد
أو النسيان، ولو لم يعلم حتى فرع صح ولو علم في الأثناء أزالها وأتم إن بلغ
الأربعة وإلا استأنف.
الرابع: إذا وجب قضاء طواف العمرة أو طواف الحج فالأقرب وجوب
قضاء السعي أيضا كما قاله الشيخ في الخلاف ولا يحصل التحلل بدونهما، ولو
شك في كون المتروك طواف الحج أو طواف العمرة أعادهما وسعيهما
ويحتمل إعادة واحد عما في ذمته.
الخامس: لو واقع ناسي طواف الزيارة ذاكرا كفر ببدنة وإن كان ناسيا
فالأشبه سقوط الكفارة، وفي النهاية أطلق الوجوب، وفي رواية العيص ومعاوية
احتمال الإطلاق وهو بعيد.
السادس: لا يخرج وقت طواف الزيارة وطواف النساء بخروج أيام
التشريق خلافا للحلبي.
السابع: من طيف به لعلة أجزأه ولا تجب إعادته لو برئ، وكذا السعي
وأوجبهما ابن الجنيد.
الثامن: إنما تسلم المتعة للحائض بطواف العمرة كملا أو بأربعة أشواط منه
422

على الأظهر، وقال الصدوق: تسلم بدونها وتعتد به وتأتي بالباقي لرواية العلاء
وحريز وهي متروكة.
التاسع: الأظهر أن الحائض إذا خافت فوت الوقوف بالتربص نقلت عمرتها
إلى الحج ثم تعتمر بعده، ورواه جماعة منهم جميل بن دراج في الصحيح
والحلبي وفي رواية: عليها دم، وحمله الشيخ على الندب، وروي إنها تسعى ثم
تحرم بالحج وتقضي طواف العمرة مع طواف الحج، وعليه علي بن بابويه وابن
الجنيد وأبو الصلاح الحلبي، وجوز ابن الجنيد لها الإفراد.
العاشر: القران بين الأسبوعين في طواف الفريضة حرام عند الشيخ، ومكروه
عند ابن إدريس وهو المروي، وفي النافلة أخف كراهة. ويستحب الانصراف على
وتر كثلاثة أسابيع لا أسبوعين قاله الشيخ في كتبه، ويزول بالتقية.
الحادي عشر: أوجب الصدوق إعادة الطواف لو زاد عليه شوطا سهوا، لظاهر
رواية أبي بصير، ويعارضها غيرها من أنه يكمل أسبوعين والثاني منهما هو الفريضة
عند ابن الجنيد وعلي بن بابويه، ويفهم منه الإبطال بالقران، وظاهر الأصحاب إنه
الأول وإلا لوجب التكميل.
الثاني عشر: منع في النهاية من الطواف ببرطلة لرواية زياد بن يحيى، وفي
التهذيب يكره، وقال ابن إدريس: إنما يحرم إذا حرم الستر، وهو قريب.
فرع:
لو قلنا بالتحريم إما تعبدا أو للستر فالأشبه إنه لا يقدح في صحة الطواف،
وكذا لبس المخيط وشبهه.
الثالث عشر: لو ذكر في السعي خللا في الطواف أو الصلاة رجع إليه
واستأنف السعي في كل موضع يستأنف الطواف وبنى فيما يبني في الطواف،
وخير الصدوق فيما إذا ذكر إنه لم يصل الركعتين بين قطع السعي والإتيان بهما
وبين فعلهما بعد فراغه لتعارض الروايتين.
423

الرابع عشر: يجب تقديم طواف الحج والعمرة على السعي، فإن قدم السعي
لم يجز وإن كان سهوا أما طواف النساء فمتأخر عن السعي فلو قدمه ناسيا أجزأ،
وفي رواية سماعة إطلاق الإجزاء ولم يقيد بالنسيان، وكذا يجوز تقديمه على
السعي للضرورة والخوف من الحيض.
الخامس عشر: روى معاوية عن الصادق عليه السلام: لا يطوف المعتمر بعد
طواف الفريضة حتى يقصر، ولعله للكراهة لرواية محمد بن مسلم السالفة، وروى
أبو خالد عن أبي الحسن عليه السلام: إنه ليس على المفرد طواف النساء، ورده
الشيخ بالإجماع على وجوبه، وروي عدم صلاة الركعتين جالسا لمن أعيى كما
لا يطوف جالسا.
السادس عشر: الطواف للمجاور أفضل من الصلاة في السنة الأولى، وفي
السنة الثانية يشرك بينهما، وفي الثالثة تصير الصلاة أفضل كالمقيم، والقراءة في
الطواف أفضل من الذكر، فإن مر بسجدة وهو يطوف أومأ برأسه إلى الكعبة رواه
الكليني عن الصادق عليه السلام.
درس [26]:
مباحث السعي ثلاثة:
الأول: في مقدماته:
وهي أربعة عشر مسنونة:
التعجيل عقيب الطواف أو قريبا منه، والطهارة من الحدث - على الأصح
خلافا للحسن حيث أوجبها لرواية الحلبي وابن فضال وهما معارضتان بأشهر -
ومن الخبث أيضا، واستلام الحجر، والشرب من زمزم وصب الماء عليه من الدلو
المقابل للحجر، وإلا فمن غيره والأفضل استقاؤه بنفسه، ويقول عند الشرب
والصب: " اللهم اجعله علما نافعا ورزقا واسعا وشفاء من كل داء وسقم ".
وروى الحلبي أن الاستلام بعد إتيان زمزم، والظاهر استحباب الاستلام
424

والإتيان عقيب الركعتين ولو لم يرد السعي وقد رواه علي بن مهزيار عن الجواد
عليه السلام في ركعتي طواف النساء، ويستحب الاطلاع في زمزم كما روي عن
علي عليه السلام.
ونص ابن الجنيد أن استلام الحجر من توابع الركعتين وكذا إتيان زمزم
على الرواية عن النبي صلى الله عليه وآله.
والخروج إلى الصفا من الباب المقابل للحجر الذي خرج به النبي صلى الله
عليه وآله وهو الآن من المسجد معلم بأسطوانتين معروفتين فليخرج من بينهما،
والظاهر استحباب الخروج من الباب الموازي لهما، والصعود على الصفا بحيث
يرى البيت من بابه، واستقبال الركن العراقي، وإطالة الوقوف على الصفا بقدر
قراءة سورة البقرة مسترسلا تأسيا بالنبي صلى الله عليه وآله وذكر الله تعالى بأن
يحمده مائة مرة ويكبره ويسبحه ويهلله ويصلي على النبي وآله صلى الله عليهم
مائة مائة، وأقله أن يكبر الله سبعا ويهلله سبعا ويقول ثلاثا " لا إله إلا الله وحده
لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت وهو حي لا يموت، بيده الخير
وهو على كل شئ قدير "، والدعاء بالمنقول، وقراءة القدر، والوقوف على
الدرجة الرابعة حيال الكعبة والدعاء ثم ينحدر عنها كاشفا ظهره يسأل الله العفو،
وليكن وقوفه على الصفا في الشوط الثاني أقل من الوقوف في الأول.
الثاني: في كيفيته:
وواجبها عشر:
أولها: النية وتذكر فيها مميزاته عن غيره على وجهه تقربا إلى الله تعالى،
ويستديم حكمها إلى الفراع.
وثانيها: المقارنة لوقوفه على الصفا في أي جزء منها، والصعود أفضل للرجال
خاصة قاله الفاضل، والاحتياط الترقي إلى الدرج ويكفي الرابعة فيلصق عقبه
بالصفا إذا لم يصعد فإذا عاد ألصق أصابعه بموضع العقب أولا فإذا ذهب ثانيا
425

ألصق عقبه.
وفي المروة يصنع ذلك في الذهاب والعود، وفي الصحيح عن أبي الحسن
عليه السلام في النساء على الإبل يقفن تحت الصفا والمروة بحيث يرين البيت.
وثالثها: البدأة بالصفا والختم بالمروة، فلو عكس بطل عمدا وسهوا وجهلا.
ورابعها: الذهاب بالطريق المعهود، فلو اقتحم المسجد الحرام ثم خرج من
باب آخر لم يجز، وكذا لو سلك سوق الليل، وقد روي أن المسعى اختصر.
وخامسها: استقبال المطلوب بوجهه، فلو أعرض أو مشى القهقرى فالأشبه
عدم الإجزاء.
وسادسها: وقوعه بعد الطواف، فلو وقع قبله بطل مطلقا إلا طواف النساء أو
عند الضرورة.
وسابعها: إكمال الشوط، وهو من الصفا إلى المروة فلو نقص من المسافة شيئا
بطل وإن قل، والعود شوط كامل كما إن الذهاب كذلك فلو اعتقدهما شوطا
أخطأ، وفي الرواية إنه يجزئ.
وثامنها: إكمال السبعة فلو نقص ولو شوطا أو بعضه لم يجز ويجب العود
له، ومع التعذر الاستنابة ولا يتحلل بدونه.
وتاسعها: عدم الزيادة على السبعة، فلو زاد عمدا بطل، ولو كان ناسيا تخير
بين القطع وإكمال أسبوعين، ويحتمل انسحاب الخلاف في ناسي الطواف هنا
إلا أن يستند وجوب الثاني في الطواف إلى القران، ولو كان جاهلا بالحكم فعلى
الرواية السالفة لا شئ عليه، ولا يستحب السعي ابتداء، وفي رواية عبد الرحمان بن
الحجاج في المحرم بالحج، يطوف ويسعى ندبا ويجدد التلبية.
وعاشرها: الموالاة المعتبرة في الطواف عند المفيد وسلار والحلبي وظاهر
الأكثر والأخبار البناء مطلقا، ورواية ابن فضال مصرحة بالبناء على شوط إذا قطعه
للصلاة كقول ابن الجنيد.
ومندوبها أربعة:
426

السعي ماشيا مع القدرة، وأن لا يقطعه لغير العبادة بانصراف أو جلوس إلا
لضرورة، وحرم الحلبيان الجلوس بين الصفا والمروة لرواية قاصرة عن التحريم
وجوزا الوقوف عند الإعياء، والهرولة ما بين المنارة وزقاق العطارين للرجل،
وأوجبها الحلبي، ملء فروجه، ولو نسيها رجع القهقرى وتداركها، والراكب
يحرك دابته ما لم يؤذ أحدا. وفي رواية معاوية بن عمار عن الصادق عليه السلام:
ليس على الراكب سعي ولكن ليسرع شيئا، والدعاء في خلاله.
الثالث: في أحكامه:
السعي ركن كما تقدم سواء كان سعي عمرة أو حجة، فلو تركه عامدا بطل
النسك ولو كان ناسيا أتى به فإن تعذر العود استناب فيه.
ولا يحل له ما يتوقف عليه من المحرمات كالنساء حتى يأتي به كملا،
ولا يجوز تأخير السعي عن يوم الطواف إلى الغد في المشهور إلا لضرورة فلو أخره
أثم وأجزأ، وقال المحقق: يجوز تأخيره إلى الغد ولا يجوز عن الغد، والأول
مروي، وفي رواية عبد الله بن سنان: يجوز تأخيره إلى الليل، وفي رواية محمد بن
مسلم إطلاق تأخيره.
ولو شك في أثنائه بطل وبعده لا يلتفت، ولو شك في المبدأ وتيقن العدد
فإن كان زوجا اعتبر كونه على الصفا في الصحة وعلى المروة في البطلان، وإن
كان فردا انعكس الحكم، ولو شك بين السبعة والتسعة وهو على المروة لم يعد
ولو كان على الصفا أعاد، ويجوز الجلوس في خلاله للراحة سواء كان على الصفا
أو المروة أو بينهما وقطعه لحاجة له ولغيره، ويستحب قطعه لصلاة الفريضة، ولو
تضيق وقتها وجب.
تتمة:
إذا فرع من السعي قصر وجوبا، وهو نسك في نفسه لا استباحة محظور،
427

ويجب كونه بمكة ولا يجب كونه على المروة للرواية الدالة على جوازه في غيرها
نعم يستحب عليها.
ولا يجزئ الحلق عنه للرجل، وقال في الخلاف: الحلق مجز والتقصير
أفضل، والأصح تحريمه ولو بعد التقصير، فلو حلق عالما عامدا فشاة، ويمر
الموسي على رأسه يوم النحر لرواية إسحاق بن عمار، وأوجب إلا مرار ابن إدريس.
ويجزئ مسمى التقصير من شعر الرأس وإن قل، واجتزأ الفاضل بثلاث
شعرات وفي المبسوط جماعة شعر، ولا فرق بين ما على الرأس وبين ما نزل
كالذؤابة، والواجب إزالة الشعر بحديد أو نورة أو نتف أو قرض بالسن،
ويستحب بعده الأخذ من جميع جوانب شعره على المشط وليبدأ بالناصية ثم
يأخذ من أطراف شعر لحيته، ويقلم أظفاره، ولو اقتصر في التقصير على قلم
أظفاره أو بعضها أو أخذ من لحيته أو حاجبيه أو شاربه أجزأ، ولو حلق بعض
رأسه أجزأ عن التقصير ولا تحريم فيه، ولو حلق الجميع احتمل الإجزاء لحصوله
بالشروع.
وعند التقصير يحل له جميع ما يحل للمحل حتى الوقاع، للنص على
جوازه قولا وفعلا، نعم يستحب له التشبه بالمحرمين في ترك لبس المخيط،
وكذا لأهل مكة طول الموسم، ويكره الطواف بعد السعي قبل التقصير.
درس [27]:
إذا أحل المتمتع من عمرته ولم يكن ساق الهدي أحرم بالحج إجماعا،
وكذا لو ساق إلا على ما مر، وأفضل أوقاته يوم التروية، وأوجبه ابن حمزة فيه،
ويستحب كونه عند الزوال عقيب الظهرين المتعقبتين لسنة الإحرام السالفة، وقال
المفيد والمرتضى: يصلي الظهرين بمنى، وكلاهما مرويان، وجمع بينهما
باختصاص الإمام بالتقدم لقول الصادق عليه السلام: على الإمام أن يصلي الظهر
يوم التروية بمسجد الخيف ويصلي الظهر يوم النفر بالمسجد الحرام.
428

في استحباب الطواف وركعتيه قبل الإحرام بالحج قول للمفيد وابن
الجنيد والحلبي، والأقرب إن فعله في المقام أفضل من الحجر تحت الميزاب
وكلاهما مروي.
وكيفيته في السنن والواجبات كما مر إلا أنه ينوي الحج، والأفضل الإتيان
بمقدماته قبل الزوال، وقال الحلبي، بعده، ويرفع صوته بالتلبية في موضع
الإحرام إن كان ماشيا، وإن كان راكبا إذا نهض به بعيره، وظاهر رواية أبي بصير
وجماعة، إن الراكب يؤخر التلبية إلى أن ينهض به بعيره، وفي رواية معاوية يلبي
عند الرقطاء دون الردم - وهو ملتقى الطريقين حين يشرف على الأبطح -
واتفقوا على أنه يرفع صوته بها إذا انتهى إلى الردم وأشرف على الأبطح.
ولا طواف بعد إحرام الحج، واستحبه الحسن، وناسي الإحرام كناسيه فيما
سلف وتاركه جاهلا كالناسي، وفي رواية علي بن جعفر عليه السلام، ولو ذكر
عاد له فإن تعذر جدده ولو بالمشعر.
ويستحب لمن أحرم بالحج أن لا يقيم بعد إحرامه بل يخرج إلى منى سواء
كان متمتعا أو مكيا أو محرما من دويرة أهله، قاله في الخلاف محتجا بعمل
الطائفة والاحتياط.
فرع:
لو ذكر بعد الموقفين فوات الإحرام فالظاهر بطلان الحج ولو كان بعد
التحلل الأول أو الثاني فالإشكال أقوى.
درس [28]:
يجب الوقوف بعرفة بعد إحرام الحج.
وله مقدمات مسنونة: الخروج يوم التروية إلا لمن يضعف عن الزحام
كالعليل والهرم والمريض والمرأة فيتقدم بما شاء، والدعاء عند التوجه إلى منى
429

وفيها، والمبيت بها ليلة عرفة إلى طلوع الفجر ويكره الخروج منها اختيارا قبل
طلوع الفجر وظاهر الحلبي والقاضي تحريمه ثم لا يتجاوز وادي محسر حتى
تطلع الشمس فيكره قبله، وظاهر الشيخ والقاضي تحريمه لرواية هشام بن
الحكم.
ويجوز الخروج ليلا والصلاة في طريقه للمعذور كالماشي وتأخر الإمام
حتى تطلع الشمس بالمشعر للتأسي ولقول الصادق عليه السلام: إنه من السنة.
والدعاء عند الخروج إلى عرفة.
وضرب الخباء بنمرة - وهي بطن عرنة - وقال الحسن: يضربه حيث شاء
والأول أصح، فعلى هذا لا يدخل عرفات إلى الزوال فإذا زالت الشمس اغتسل
وتطهر واستتر وجمع رحله وسد الخلل به وبنفسه.
وتظام الناس، وخطبة الإمام قبل الأذان لإعلام المناسك، وليخطب أيضا
يوم النحر بمنى والنفر الأول، كما تستحب الخطبة يوم السابع والجمع بين
الظهرين بأذان وإقامتين وتعجيل الصلاة حين تزول الشمس بعد الخطبة
المختصرة ليتفرع للدعاء فإنه يوم دعاء ومسألة.
والوقوف بالسفح في ميسرة الجبل والقرب منه، ويكره الوقوف على
الجبل، والقاضي - رحمه الله - حرمه إلا لضرورة وهو ظاهر ابن إدريس، ويكفي
في المقام بوظيفة الميسرة لحظة ولو في مروره ومن المستحب القيام به إلا
لضرورة، والمرأة كالرجل في ذلك، واستقبال القبلة، والصوم إلا أن يضعف عن
الدعاء وإحضار القلب وتفريغه من المشاغل وإكثار التكبير والتحميد والتهليل
والتمجيد والتسبيح والثناء على الله تعالى، والاستعاذة بالله من الشيطان فإنه
حريص على أن يذهله في ذلك الموطن، والدعاء بالمأثور عن النبي صلى الله
عليه وآله والإمام الحسين وزين العابدين عليهما السلام وقول " لا إله إلا الله وحده
لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير " مائتي مرة وتعقيبها بما
ذكره في التهذيب لأنه دعاء النبي والأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وأورده
430

الصدوق أيضا، والاستغفار باللسان والقلب وتعداد الذنوب، والبكاء والتباكي
كما بكى ابن جندب وابن شعيب وغيرهما من أصحاب الأئمة عليهم السلام فهو
أعظم مجامع الدنيا، والدعاء لإخوانه وأقلهم أربعون، والبروز تحت السماء إلا
لضرورة، وصرف الزمان كله في الدعاء والاستغفار والأذكار، وظاهر الحلبي
والقاضي وجوبه.
ويستحب قراءة عشر من أول البقرة ثم التوحيد ثلاثا وآية الكرسي والسخرة
والمعوذتين، ثم يحمد الله على نعمه مفصلة ما حضره منها وكذا على ما أبلى،
والصبر لو فجأته مصيبة، وترك الهذر، وفعل الخير ما استطاع، والتعريف
بالأمصار والرواية بعدمه ضعيفة.
وأما واجبه فخمسة:
أولها: النية مقارنة لما بعد الزوال، ولا يجوز تأخيرها عنه فيأثم لو تعمده
وتجزئ، واستدامة حكمها إلى الفراع.
وثانيها: الكون بعرفة، وحدها نمرة وثوية " بفتح الثاء وكسر الواو " وذو
المجاز والأراك، فلا يجوز الوقوف بالحدود، والظاهر إن خلف الجبل موقف
لرواية معاوية، وقال الحسن وابن الجنيد والحلبي: حدها من المأزمين إلى
الموقف.
وثالثها: المقام بها إلى غروب الشمس، والركن منه مسماه، ولو سارت به
دابته مع النية، فلو أفاض قبل الغروب عمدا اختيارا مع علمه ولما يعد إلى
الموقف صح حجه وجبره ببدنة فإن عجز صام ثمانية عشر يوما متتابعة سفرا أو
حضرا بمكة أو في أهله، ولا تسقط الكفارة بعوده بعد الغروب، وقال ابنا بابويه:
الكفارة شاة.
ورابعها: السلامة من الجنون والإغماء والسكر والنوم في جزء من الوقت، فلو
استوعب بطل، واجتزأ الشيخ بوقوف النائم وكأنه بنى على الاجتزاء بنية الإحرام
431

فيكون كنوم الصائم، وأنكره الحليون، ويتفرع عليه من وقف بها ولا يعلمها فعلى
قوله يجزئ.
وخامسها: الوقوف في اليوم التاسع من ذي الحجة بعد زواله، فلو وقفوا ثامنه
غلطا لم يجزئ ولو وقفوا عاشره احتمل الإجزاء دفعا للعسر إذ يحتمل مثله في
القضاء، ولما روي عن النبي صلى الله عليه وآله: حجكم يوم تحجون، وعدمه
لعدم الإتيان بالواجب، والفرق بينه وبين الثامن إنه لا يتصور نسيان العدد من
الحجيج ويأمنون ذلك في القضاء، وقوى الفاضل التسوية في عدم الإجزاء،
والحادي عشر كالثامن، ولو غلطت طائفة منهم لم يعذروا مطلقا، وابن الجنيد
يرى عدم العذر مطلقا، ولو رأى الهلال وحده أو مع غيره وردت شهادتهم وقفوا
بحسب رؤيتهم وإن خالفهم الناس، ولا يجب عليهم الوقوف مع الناس، ولو
غلطوا في المكان أعادوا، ولو وقفوا غلطا في النصف الأول من اليوم أو جهلا لم
يجز، وأوجب الحلبي الدعاء والاستغفار، وظاهر ابن زهرة إيجاب الذكر.
وأما أحكامه فمسائل:
يبطل الحج بترك الوقوف بعرفات عمدا، ورواية ابن فضال إنه سنة
مزيفة بالإرسال ومعارضة بالإجماع ومؤولة بالثبوت بالسنة، ولو تركه ناسيا أو
لعذر أو جاهلا على إشكال وقف به ليلا إلى طلوع الفجر.
والواجب هنا مسمى الوقوف ولو عارضه اختياري المشعر فالمشعر أولى،
ولو تعارض الاضطراريان ولم يكن وقف بعرفة فعلى المشهور من عدم إجزاء
الاضطراري وحده، ويؤثر عرفات رجاء إدراك المشعر وإن بعد وعلى القول
بإجزاء اضطراري المشعر يقف به، ولو لم يدرك سوى الليل ويعلم العجز عن
المشعر نهارا فالأقرب صرفه في المشعر إن جعلنا الوقوف الليلي اختياريا وهو
قوي، وإن جعلناه اضطراريا فكالفرض السابق.
432

درس [29]:
إذا غربت الشمس أفاض إلى المشعر الحرام وجوبا.
ويستحب أن يدعو بالمأثور ويسأل العتق من النار ويكثر من الاستغفار للآية
والسكينة والوقار، فإذا بلغ الكثيب الأحمر عن يمين الطريق قال: ما رواه معاوية
عن الصادق عليه السلام " اللهم ارحم موقفي وزد في عملي وسلم لي ديني وتقبل
مناسكي " وتضيف إليه " اللهم لا تجعله آخر العهد من هذا الموقف وارزقنيه أبدا
ما أبقيتني.
والاقتصاد في السير لا وضفا وإيضاعا لقول رسول الله صلى الله عليه وآله:
عليكم بالدعة، والمضي بطريق المأزمين والنزول ببطن الوادي عن يمين الطريق
قريبا من المشعر، وتأخير العشائين إلى جمع للجمع بأذان وإقامتين إجماعا،
وأوجب الحسن تأخيرهما إلى المشعر في ظاهر كلامه، وله التأخير وإن ذهب ثلث
الليل، رواه محمد بن مسلم، وأن لا يصلي سنة المغرب بينهما بل بعدهما، وروي
فعلها بينهما، وينبغي الصلاة قبل حط الرحل للتأسي، ولو منع صلى بعرفة أو في
الطريق، وإحياء تلك الليلة بالمزدلفة بالذكر والتلاوة والدعاء فإذا طلع الفجر
وصلى انتصب للدعاء والذكر والثناء والصلاة على النبي وآله إلى أن يشرف على
ثبير.
والطهارة والغسل قاله الصدوق والشيخ في الخلاف، ووطأ الصرورة
برجله أو بعيره، وقد قال الشيخ: هو قزح فيصعد عليه ويذكر الله عنده، وقال
الحلبي: يستحب وطأ المشعر، وفي حجة الإسلام آكد، وقال ابن الجنيد: يطأ
برجله أو بعيره المشعر الحرام قرب المنارة، والظاهر إنه المسجد الموجود الآن.
والواجب فيه ستة:
أولها: النية به واستدامة حكمها.
وثانيها: المبيت به تأسيا بالنبي صلى الله عليه وآله، وقيل: ليس بركن، وفي
433

التذكرة ليس بواجب، والأشبه إنه ركن عند عدم البدل من الوقوف نهارا، فلو
وقف ليلا لا غير وأفاض قبل طلوع الفجر صح حجه وجبره بشاة، وقال ابن
إدريس: يفسد حجه، والروايات تخالفه، وفي صحيح هشام بن سالم جواز صلاة
الصبح بمنى ولم يعد بالضرورة، ورخص النبي صلى الله عليه وآله للنساء
والصبيان الإفاضة ليلا، وكذا يجوز للخائف.
وثالثها: الوقوف بالمشعر، وحده ما بين المأزمين إلى الحياض إلى وادي
محسر، وفي رواية زرارة إلى الجبل إلى حياض محسر، ويكره الوقوف في الجبل
إلا لضرورة، وحرمه القاضي، والظاهر إن ما أقبل من الجبال من المشعر دون ما
أدبر منها.
ورابعها: الوقوف بعد الفجر إلى طلوع الشمس، والأولى استئناف النية له،
والمجزئ فيه الذي هو ركن مسماه، ولو أفاض قبل طلوع الشمس ولما يتجاوز
محسرا فلا بأس، بل يستحب، وإن تجاوزه اختيارا أثم ولا كفارة، وقال
الصدوقان: عليه شاة، وقال ابن إدريس: يستحب المقام إلى طلوع الشمس،
والأول أشهر، ولا يفيض الإمام حتى تطلع الشمس استحبابا وأوجبه عليه ابن
حمزة.
وخامسها: السلامة من الجنون والإغماء والسكر والنوم في جزء من الوقت
كما مر.
وسادسها: كونه ليلة النحر ويومه حتى تطلع الشمس، وللمضطر إلى زوال
الشمس، والكلام في الغلط هنا كالكلام في عرفات.
ويستحب له السكينة والوقار في إفاضته، وذكر الله تعالى، والاستغفار
والدعاء، والهرولة بوادي محسر للماشي والراكب، ولو نسي الهرولة تداركها
ويقول فيها " اللهم سلم عهدي واقبل توبتي وأجب دعوتي واخلفني في من تركت
بعدي "، وقال الصدوق: أمر الصادق عليه السلام رجلا ترك السعي في وادي
محسر بالرجوع إليه من مكة، والهرولة فيه قبل العود من عرفة بدعة قاله الحسن،
434

وروي إن قدرها مائة ذراع أو مائة خطوة وإنه تكره الإقامة بالمشعر بعد الإفاضة،
وأوجب القاضي فيه الذكر الله تعالى والصلاة على النبي وآله للآية، ولقول
الصادق عليه السلام: إن ذكروا الله أجزأهم، وقال عليه السلام: يكفي اليسير من
الدعاء وقد سئل عن الوقوف.
وأما أحكامه فمسائل:
الوقوف بالمشعر ركن أعظم من عرفة عندنا، فلو تعمد تركه بطل حجه،
وقول ابن الجنيد بوجوب البدنة لا غير ضعيف، ورواية حريز بوجوب البدنة على
متعمد تركه أو المستخف به متروكة محمولة على من وقف به ليلا قليلا ثم مضى.
ولو تركه نسيانا فلا شئ عليه إذا كان قد وقف بعرفات اختيارا، ولو نسيهما
بالكلية بطل حجه، وكذا الجاهل، ولو ترك الوقوف بالمشعر جهلا بطل حجه
عند الشيخ في التهذيب، ورواية محمد بن يحيى بخلافه وتأولها الشيخ على
تارك كمال الوقوف جهلا وقد أتى باليسير منه.
أقسام الوقوفين بالنسبة إلى الاختيار والاضطرار ثمانية مجزئة، إلا
الاضطراري الواحد منهما، وفي اضطراري المشعر رواية صحيحة بالإجزاء وعليها
ابن الجنيد والصدوق والمرتضى في ظاهر كلامهم.
وقال ابن الجنيد يلزمه دم لفوات عرفه ويمكن تأويلها بمن أدرك اضطراري
عرفه، ولا يجزئ اضطراري عرفات قولا واحدا، وخرج الفاضل وجها بإجزاء
اختياري المشعر وحده دون اختياري عرفه وحده، ولعله لقول الصادق عليه
السلام: الوقوف بالمشعر فريضة وبعرفة سنة وقوله عليه السلام: إذا فاتتك
المزدلفة فاتك الحج، ويعارض بما اشتهر من قول النبي صلى الله عليه وآله:
الحج عرفة وأصحاب الأراك لا حج لهم، ويتفرع عليه اختياري المشعر لو
تعارضا ولا يمكن الجمع بينهما، وإن سوينا بينهما تخير، ولو قيل بترجيح عرفات
435

لأنه المخاطب به الآن كان قويا.
خاتمة:
من فاته الوقوفان سقطت عنه أفعال الحج ووجب عليه التحلل بعمرة مفردة،
والأفضل الإقامة بمنى أيام التشريق ثم " الاعتمار " وإن كان قد ساق هديا نحره
بمكة لا بمنى لعدم سلامة الحج له وإلا فلا دم عليه للفوات، ونقل الشيخ وجوبه،
وهو المروي عن الصادق عليه السلام بطريق داود الرقي، وفي الرواية: إنه يحلق
ثم يتخير بين إنشاء العمرة من أدنى الحل فتجزئه عن الحج في القابل، وبين العود
إلى أهله فيحج في القابل، وحملها الشيخ على كون الفائت ندبا أو على من اشترط
في حال إحرامه لرواية ضريس عن الباقر عليه السلام فإنها مصرحة بأن المشترط
تكفيه العمرة، وغيره يحج من قابل، ولم يذكر فيها طواف النساء.
والعمل بهذا بعيد لأن الفائت إن كان واجبا مستقرا لم يسقط بالاشتراط،
وإن كان غير مستقر ولم يفت بفعل المكلف لم يجب قضاؤه بعدم الاشتراط و
إن كان بفعله فكالمستقر، وإن كان ندبا لم يجب قضاؤه مطلقا وإن لم يعتمر.
وأوجب علي بن بابويه وابنه على المتمتع بالعمرة يفوته الموقفان العمرة ودم
شاة، ولا شئ على المفرد سوى العمرة، ولم يذكرا أيضا طواف النساء، ولو أراد
من فاته الحج البقاء على إحرامه إلى القابل فالأشبه المنع، وهل ينقلب إحرامه أو
يقلبه بالنية؟ الأحوط الثاني، ورواية محمد بن سنان فهي عمرة مفردة تدل على
الأول، ورواية معاوية فليجعلها عمرة تدل على الثاني.
والقضاء تابع للأداء في الفور والتراخي والنوع، ومن جوز العدول عن
القران والإفراد إلى التمتع في الأداء جوزه في القضاء، ولا تجزئ عمرة التحلل عن
عمرة الإسلام.
436

درس [30]:
يستحب التقاط حصى الجمار من جمع، وهو سبعون حصاة فإن أخذ زائدا
احتياطا فحسن، ويجوز من الحرم بأسره إلا المساجد مطلقا على الأشبه، والقدماء
لم يذكروا غير المسجد الحرام والخيف ولا يجزئ من غير الحرم.
ويجب كونها أبكارا، ويستحب أن يكون برشا كحلية ملتقطة منقطة رخوة
بقدر الأنملة طاهرة مغسولة، وتكره الصلبة والمكسرة والسود والبيض والحمر،
وقال الحلبي، الأفضل البرش ثم البيض والحمر، وتبعه ابن زهرة ورواية البزنطي
تدفعه، وجوز في الخلاف الرمي بالبرام والجوهر وفيه بعد إن كان من الحرم
وأبعد إن كان من غيره، ويستحب الاقتصاد في سيره إلى منى والدعاء بالمأثور،
فإذا وردها لم يعرج على شئ سوى رمي جمرة العقبة بسبع حصيات وهي حد
منى وحدها الآخر وادي محسر.
ويجب في الرمي ستة:
أولها: النية، والأولى التعرض للأداء والعدد.
وثانيها: إصابة الجمرة بها، فلو لم يصب لم يحتسب - والجمرة اسم لموضع
الرمي وهو البناء أو موضعه مما يجتمع من الحصى - وقيل: - هو مجتمع
الحصى لا السائل منه -، وصرح علي بن بابويه بأنه الأرض، ولو وقعت على
الأرض ثم وثبت إلى الجمرة بواسطة صدم الأرض أو المحمل وشبهه أجزأت، ولو
شك في الإصابة أعاد، ولو وثبت حصاة بها لم تحتسب الحصاة، فإن أصابت
المرمية احتسبت، ولو وقعت على ما هو أعلى من الجمرة ثم استرسلت إليها
أجزأت.
وثالثها: إيصالها بما يسمى رميا فلو وضعها وضعا أو طرحها من غير رمي لم
تجزئ على قول.
ورابعها: تلاحق الحصيات فلو رمى بها دفعة فالمحسوب واحدة، والمعتبر
تلاحق الرمي لا الإصابة فلو أصابت المتلاحقة دفعة أجزأت، ولو رمى بها دفعة
437

فتلاحقت في الإصابة لم يجزئ.
وخامسها: وقوع الرمي في وقته، وهو منذ طلوع الشمس إلى غروبها، فلو
رمى ليلة النحر أو قبل طلوع الشمس لم يجزئ إلا لضرورة كالمريض والمرأة
والخائف والعبد، هذا إذا كان قد وقف بالمشعر ليلا وتعذر عليه الوقوف به
نهارا، فلو أمكنه الوقوف به نهارا ففي إجزاء الرمي ليلا عندي نظر لقضية الترتيب.
وروى الصدوق إن تارك المشعر لو ذكر بعد الرمي يرجع فيقف به ثم
يرمي، وفي رواية أبي بصير عن الصادق عليه السلام رخص رسول الله صلى الله
عليه وآله للنساء والصبيان أن يفيضوا بليل وأن يرموا الجمار بليل وقال الصادق
عليه السلام: أفض بهن بليل ويرمين الجمرة، وقال الشيخ وابن زهرة والفاضل:
يجزئ رميها بعد طلوع الفجر اختيارا.
وسادسها: مباشرة الرمي، فلو استناب غيره لم يجزئ إلا مع العذر كالمرض
والغيبة والصبي، ولو شركه في الحصاة غيره ابتدأ أو في أثناء المسافة لم يجزئ
سواء كان إنسانا أو غيره، ولو أغمي على المنوب لم ينعزل النائب لزيادة العجز
وليس بوكالة محضة، ولو أغمي عليه قبل الاستنابة وخيف فوت الرمي فالأقرب
رمي الولي عنه فإن تعذر فبعض المؤمنين لرواية رفاعة عن الصادق عليه السلام:
يرمي عمن أغمي عليه.
ويجب الترتيب سابعا إذا كان الرمي في أيام التشريق فيبدأ بالأولى ثم
بالوسطى ثم جمرة العقبة، كل جمرة بسبع حصيات في كل يوم من أيامه، فلو
نكس أعاد على ما يحصل معه الترتيب، وهو يحصل بأربع حصيات مع النسيان
أو الجهل لا مع التعمد فيعيد الأخيرتين ويبني على الأربع في الأولى، وكذا لو
رمى الثانية بأربع ورمى الثالثة بعدها يجزئ مع النسيان لا العمد، ولو نقص عن
الأربع بطل ما بعده مطلقا، وفي صحته قولان، والمروي المنع فلو رمى ثلاثا ثم
رمى اللاحقة استأنف فيهما، وقال ابن إدريس: يبني على الثلاث، نعم لو رمى
الأخيرة بثلاث ثم قطعه عمدا أو نسيانا بنى عليها عند الشيخ في المبسوط
438

واستأنف عند علي بن بابويه.
ويجب الرمي في الأيام الثلاثة لمن أقام اليوم الثالث عشر، ولا يجب على من
نفر في الأول نفرا سائغا ولو كان غير سائغ كغير المتقي للصيد والنساء وكمن
غربت عليه الشمس اليوم الثاني عشر وجب قضاؤه، ولو كان له ضرورة جازت
الاستنابة، ويجوز هنا ليلا في مواضع جوازه يوم النحر، والوقت في الموضعين
واحد، وقال في الخلاف: لا يجوز الرمي أيام التشريق إلا بعد الزوال، وقد روي
رخصته قبل الزوال، وقال ابن زهرة: وقته بعد الزوال من أيام التشريق، وقال
علي بن بابويه: يجوز من أول النهار إلى الزوال، وروي رخصته إلى آخره، والكل
ضعيف.
وأما المستحب فأحد عشر:
أولها: الطهارة، فلو رمى الجنب والمحدث فالأظهر الإجزاء، وقال المفيد
والمرتضى وابن الجنيد: لا رمي إلا وهو على طهر، تعويلا على صحيحة محمد بن
مسلم وهي محمولة على الندب لرواية أبي غسان بجوازه على غير طهر.
وثانيها: استحباب المشي في الرمي يوم النحر وباقي الأيام على الأظهر، وفي
المبسوط الركوب في جمرة العقبة يومها أفضل تأسيا بالنبي صلى الله عليه وآله
ورؤي الصادق عليه السلام يركب ثم يمشي فقيل له في ذلك فقال: أركب إلى
منزل علي بن الحسين ثم أمشي كما كان يمشي إلى الجمرة.
وثالثها: رمي جمرة العقبة مستدبرا للقبلة مقابلا لها، وقال الحسن: يرميها من
قبل وجهها من أعلاها، وقال علي بن بابويه: يقف في وسط الوادي مستقبل القبلة
ويدعو والحصى في يده اليسرى ويرميها من قبل وجهها لا من أعلاها، وهو موافق
للمشهور إلا في موقف الدعاء.
ورابعها: رمي الأولى والثانية عن يسارهما ويمينه مستقبل القبلة.
وخامسها: الدعاء في ابتداء الرمي والحصيات في يده اليسرى ويأخذ
باليمنى.
439

وسادسها: التكبير مع كل حصاة والدعاء.
وسابعها: القيام عن يسار الطريق بعد فراغه من الأولى مستقبل القبلة فيحمد
الله ويثني عليه ويصلي على النبي وآله صلى الله عليه وآله ثم يتقدم قليلا ويدعو
ويسأل الله القبول، وكذا يقف عند الثانية بعد الفراع داعيا، ولا يقف بعد الرمي
عند جمرة العقبة ولو وقف لغرض آخر فلا بأس، وليقل عند وصوله إلى رحله
من الرمي " اللهم بك وثقت وعليك توكلت فنعم الرب ونعم النصير ".
وثامنها: تعجيل الرمي يوم النحر بعد طلوع الشمس وفي باقي الأيام مقاربة
الزوال في المشهور، وقال في المبسوط: الأفضل بعده، وقال ابن حمزة: عنده.
وتاسعها: التباعد بعشرة أذرع إلى خمس عشرة ذراعا وقدرهما علي بن بابويه
بالخطى.
وعاشرها: الرمي خذفا - وهو أن يضع الحصاة على بطن إبهام اليد اليمنى
ويدفعها بظفر السبابة - قال المعظم وأوجب المرتضى الخذف بأن يضعها على
إبهام يده اليمنى ويدفعها بظفر الوسطى مدعيا للإجماع، وابن إدريس أوجب
الخذف بالمعنى المشهور.
وحادي عشرها: وضع الحصى في يد المنوب العاجز ثم يأخذها النائب من
يده، إن أمكن حمله إليها، فإنه مستحب، نص عليه علي بن بابويه قال: ومره أن
يرمي من كفه إلى كفك وارم أنت من كفك إلى الجمرة، وحمله رواه إسحاق بن
عمار عن الكاظم عليه السلام.
وهنا مسائل:
الأولى: ذهب الشيخ والقاضي وهو ظاهر المفيد وابن الجنيد إلى استحباب الرمي،
وقال ابن إدريس: لا خلاف عندنا في وجوبه ولا أظن أن أحد المسلمين يخالف
فيه، وكلام الشيخ إنه سنة محمول على ثبوته بالسنة، وقال المحقق: لا يجب
قضاؤه في القابل لو فات، مع قوله بوجوب أدائه، والأصح وجوب الأداء
440

والقضاء وحمل الشيخ رواية معاوية أن الناسي والجاهل لا يعيد على الإعادة في
سنته لخروج أيامه، ولكن يجب في القابل، وفي الخلاف لو فاته ثلاث حصيات
فما دون فلا شئ عليه، وإن رماها في القابل كان أحوط.
الثانية: لو فاته رمي يوم قضاه في الغد في وقت الرمي مقدما للفائت على
الحاضر وجوبا، ويراعى فيه الترتيب في القضاء كالأداء، ولا يرمي الأداء إلا بعد
فراغه من رمي الثلاث، لو كان الفائت واحدة أو اثنتين قدمه أيضا، بل ولو كان
حصاة وجب تقديمها، ويستحب أن يرمي القضاء غدوة بعد طلوع الشمس
والأداء عند الزوال في الأظهر لرواية عبد الله بن سنان، وروى معاوية إنه يجعل
بينهما ساعة، ولو فاته رمي يومين قدم الأول فالأول.
الثالثة: لو فاته جمرة وجهل تعيينها أعاد على الثلاث مرتبا لإمكان كونها
الأولى وكذا لو فاته أربع حصيات من جمرة وجهلها ولو فاته دون الأربع كرره
على الثلاث ولا يجب الترتيب هنا ولو فاته من كل جمرة واحدة أو اثنتان أو ثلاث
وجب الترتيب، ولو فاته ثلاث أو اثنتان وشك في كونها من واحدة أو أكثر رمى
العدد الفائت على كل واحدة مرتبا، ولو شك في أربع استأنف.
الرابعة: لو ذكر فوت الرمي أو بعضه وقد صار بمكة أو غيرها وجب العود
إليه ما دام الوقت، وإن تعذر استناب، وإن خرجت أيام الرمي وجب القضاء في
القابل على الأصح مباشرة أو استنابة، ولا يحرم عليه شئ من محرمات الإحرام في
الأظهر، وفي رواية عبد الله بن جبلة عن الصادق عليه السلام، من ترك رمي
الجمار متعمدا لم تحل عليه النساء وعليه الحج من قابل، ولم نقف على قائل به
من الأصحاب فيحمل على الندب، ولو فاته رمي الجمرة يوم النحر قضاه في اليوم
الأول من أيام التشريق، مقدما له أيضا، وتجب نية القضاء في كل ما فات.
الخامسة: لا يشترط في استنابة المريض اليأس من برئه، ولو زال عذره بعد
فعل نائبه لم تجب الإعادة وإن كان في الوقت، خلافا لابن الجنيد، ولو زال عذره
في أثناء الرمي بنى، ولو اتفق الرمي بعد زوال عذره لعدم إعلام النائب به مع
441

إمكانه أولا معه ففي إجزاء فعله عندي نظر من امتناع تكليف الغافل مع امتثال
أمره ومن مصادفة المانع من الاستنابة.
السادسة: لو رمى بحصى نجس أجزأ، نص عليه المبسوط ومنعه ابن حمزة لما
روي من غسله قلنا لا لنجاسته أو يحمل على الندب، ولو رمى بخاتم فصه من
حجارة الحرم أجزأ، ولو رمى بصخرة عظيمة فالأقرب الإجزاء، ولو رمى بحجر
مسته النار أجزأ ما لم يستحل.
السابعة: لو نفر في النفر الأول استحب دفن حصى اليوم الثالث عشر، ولم
أقف على استحباب الاستنابة في رميه عنه في الثالث عشر، نعم قال ابن الجنيد:
إنه يرمي حصى الثالث عشر في الثاني عشر بعد رمي يومه.
الثامنة: روى معاوية عن الصادق عليه السلام في من سقطت منه حصاة
فاشتبهت يأخذ من تحت قدمه حصاة ويرمي بها، وروى عبد الأعلى إنه لو نسي
رمي حصاة أعادها إن شاء من ساعته وإن شاء في غده.
التاسعة: ينبغي أن يأخذ على الطريق الوسطى إلى الجمرة الكبرى تأسيا بالنبي
صلى الله عليه وآله قاله الشيخ في المبسوط.
درس [31]:
يجب ذبح الهدي على المتمتع بعد الرمي يوم النحر أو نحره بمنى، ولو
تمتع المكي فثالث الأوجه وجوبه عليه إن تمتع ابتداء لا إذا عدل إلى التمتع، وهو
منقول عن المحقق، ويحتمل وجوبه إن كان لغير حج الإسلام، وفي صحيح
العيص يجب على من اعتمر في رجب وأقام بمكة وخرج منها حاجا لا على من
خرج فأحرم من غيرها وفيه دقيقة.
وإنما يجب الهدي بإحرام الحج لا بالعمرة قاله في الخلاف، ولا بوقوف
عرفة ولا برمي جمرة العقبة. ولا تباع ثياب التجمل فيه، ولو باعها واشتراه أجزأ.
ويجب كونها من النعم، وأفضلها البدن ثم البقر ثم الغنم، ولا يجزئ غير
442

الثني - وهو من البقر والمعز ما دخل في الثانية ومن الإبل في السادسة -، ومن
الضأن ما كمل سبعة أشهر، وقيل: ستة أشهر، وأن يكون تاما فلا يجزئ الأعور
والمريض والأعرج البين ولا الأجرب ولا مكسور القرن الداخل وإن بقي ثلثه
خلافا للصفار ولا مقطوع الأذن ولو قليلا ولا الخصي ويكره الموجوء وقال ابن
إدريس لا يجزئ.
وقال الحسن: يكره الخصي، ولو تعذر غيره أجزأ، وكذا لو ظهر خصيا
وكان المشتري معسرا لصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، ولو كان مجبوبا،
وروي المنع من المقابلة - وهي المقطوعة طرف الأذن ويترك معلقا -، ومن
المدابرة - وهي المقطوعة مؤخر الأذن كذلك، ومن الخرقاء - وهي التي في
أذنها ثقب مستدير -، والشرقاء - وهي المشقوقة الأذنين باثنتين.
ويجب كونه ذا شحم على الكليتين ويكفي الظن وإن أخطأ، ولا يجزئ
الأعجف وتجزئ الجماء - وهي الفاقدة القرن خلقة -، والصمعاء - وهي الفاقدة
الأذن خلقة أو صغيرتها - على كراهية فيهما، وفي إجزاء البتراء - وهي مقطوعة
الذنب - قول.
وتجب الوحدة على قول فلا تجزئ الواحدة عن أكثر من واحد ولو عزت
الأضاحي لصحيح محمد بن مسلم، ورواه الحلبي، وقيل: يجزئ عند الضرورة
عن سبعة وسبعين أولي خوان واحد، والذي رواه معاوية بن عمار إجزاء الخمسة
لأولي الخوان الواحد.
وروى أبو بصير إجزاء البدنة والبقرة عن سبعة إذا اجتمعوا من أهل بيت
واحد ومن غيرهم، وفي رواية حمران إجزاء البدنة عن سبعين مطلقا، وروى علي
بن أسباط إجزاء الشاة عن سبعين مطلقا، وقال المفيد وعلي بن بابويه: تجزئ
البقرة عن خمسة إذا كانوا أهل بيت، وقال سلار: تجزئ البقرة عن خمسة
وأطلق.
والاشتراك أظهر بين الأصحاب، وعلى القول بالوحدة لو تعذرت انتقل إلى
443

الصوم، ولو اشتراها على إنها مهزولة فخرجت سمينة أجزأت لصحيح الرواية،
ومنعه الحسن والظاهر إنه أراد به لو خرجت بعد الذبح، ولو ظن التمام فظهر
النقص لم يجزئ بخلاف العكس، ويجئ على قوله عدم الإجزاء ولو تعذر إلا
فاقد الشرائط أجزأ، وروى الحلبي إجزاء المعيب إذا لم يعلم بعيبه حتى نقد ثمنه،
وروى معاوية عدم الإجزاء.
ويستحب كونه إناثا من الإبل والبقر ذكرانا من الضأن والمعز وأن يكون
كبشا من الضأن أو تيسا من المعز وأن يكون مما عرف به، ويكفي قول المالك،
وأن يكون سمينا ينظر في سواد ويمشي في سواد ويبرك في سواد، وفي رواية
ويبعر في سواد، إما بكون هذه المواضع سودا وإما بكونه ذا ظل أو بكونه رعى
ومشى ونظر وبرك في الخضرة فسمن لذلك، قال الراوندي: والثلاثة مروية عن
أهل البيت عليهم السلام، ويكره الثور والجمل.
وتجب النية في الذبح وتجزئ الاستنابة في ذبحه، ويستحب جعل يده مع
يده فينويان ومباشرته أفضل إن أحسن، ويستحب للنائب ذكر المنوب لفظا
وتجب نية، ونحر الإبل قائمة صواف مربوطة يداها ما بين الخف إلى الركبة، رواه
أبو الصباح، وروى أبو خديجة إنه يعقل يدها اليسرى وطعنها من الجانب
الأيمن، والدعاء بالمأثور.
ويجب مراعاة شروط الذبيحة، ومكان هدي التمتع منى وزمانه يوم النحر،
فإن فات أجزأ في ذي الحجة، وفي رواية أبي بصير تقييده بما قبل يوم النفر،
وحملت على من صام ثم وجد، ويشكل بأنه إحداث قول ثالث إلا أن يبني على
جواز صيامه في التشريق، ويجب أن يصرفه في الصدقة والإهداء والأكل، وظاهر
الأصحاب الاستحباب.
مسائل:
الأولى: لو فقد الهدي ووجد ثمنه خلفه عند ثقة ليذبح عنه في ذي الحجة،
444

فإن تعذر فمن القابل فيه، ولو عجز عن الثمن صام، وأطلق الحسن وجوب الصوم
عند الفقد، وخير ابن الجنيد بينهما وبين الصدقة بالوسطى من قيمة الهدي في تلك
السنة، وحتم ابن إدريس الصوم مطلقا، والأول أظهر.
الثانية: إذا انتقل فرضه إلى الصوم فهو ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجع، ولو جاور
بمكة انتظر شهرا أو وصوله إلى بلده، ولتكن الثلاثة بعد التلبس بالحج،
ويجوز من أول ذي الحجة.
ويستحب السابع وتالياه ولا يجب، ونقل ابن إدريس إنه لا يجوز قبل هذه
الثلاثة، وجوز بعضهم صومه في إحرام العمرة وهو بناء على وجوبه بها، وفي
الخلاف لا يجب الهدي قبل إحرام الحج بلا خلاف، ويجوز الصوم قبل إحرام
الحج وفيه إشكال، ويسقط الصوم بفوات ذي الحجة ولما يصم الثلاثة بكمالها
ويتعين الهدي.
الثالثة: لو صام ثم وجد الهدي في وقته استحب الذبح ولا يجب لرواية حماد
بن عثمان الصحيحة بإجزائه، وتحمل رواية عقبة بن خالد بذبحه على الندب.
الرابعة: لو صام بعد التشريق ففي الأداء والقضاء قولان أشبههما الأول، وفي
جواز صومها في أيام التشريق خلاف، فجوز الصدوقان والشيخ صوم الثالث
عشر وما بعده لصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، يصام يوم الحصبة، ولعله لعدم
استيعاب مقامه بمنى، وجوز ابن الجنيد أيام التشريق للرواية عن علي عليه السلام،
ولو كان أيام التشريق بمكة ففي جواز الصوم تردد وقطع الشيخ بالمنع.
الخامسة: يجب التتالي في الثلاثة ولا يضر فصل العيد إذا كان قبله يومان، ولو
أفطر عرفة لضعفه عن الدعاء وقد صام يومين قبله استأنف خلافا لابن حمزة.
السادسة: لو مات قبل الصوم مع تمكنه صام الولي عنه العشرة لرواية
معاوية، وخص الشيخ الوجوب بالثلاثة.
السابعة: لو رجع إلى بلده ولم يصم الثلاثة وتمكن من الهدي وجب بعثه
لعامه إن كان يدرك ذا الحجة وإلا ففي القابل، وقال الشيخ، يتخير بين البعث
445

وهو أفضل وبين الصوم وأطلق.
الثامنة: المعتبر بالقدرة على الثمن في موضعه لا في بلده، نعم لو تمكن من
الاستدانة على ما في بلده فالأشبه الوجوب.
التاسعة: لو ذبح الهدي ليالي التشريق فالأشبه الجواز، ولو منعناه فهو مقيد
بالاختيار فيجوز مع الاضطرار، نعم يكره اختيارا وكذا الأضحية بل يجوز مع
الضرورة الذبح ليلة النحر كالخائف، رواه زرارة ومحمد بن مسلم عن الصادق
عليه السلام.
العاشرة: يجوز اشتراك جماعة في الهدي المستحب إجماعا ولو سبعين،
وليس المراد به هدي الحج المندوب لأن الشروع في الإحرام بحج أو عمرة
يوجب إتمامه، فيجب الهدي في المتمتع، بل الأضحية أو هدي السياق.
الحادية عشر: لا يجوز إخراج لحم الهدي عن منى بل يجب صرفه بها، ولا
يعطي الجزار منه ولو كان فقيرا جاز لا أجرة، والأقرب وجوب الصدقة بجلده
لأمر النبي صلى الله عليه وآله بذلك، وفي رواية معاوية: يتصدق به أو يجعله
مصلى.
الثانية عشرة: المستحق الفقير المؤمن فالقانع السائل والمعتر غير السائل،
وفي رواية معاوية القانع الذي يقنع بما أعطيته والمعتر الذي يعتريك، وروى
هارون بن خارجة أن علي بن الحسين عليهما السلام كان يطعم من ذبيحته
الحرورية عالما بهم.
الثالثة عشرة: روى الحارث بن المغيرة عن الصادق عليه السلام في رجل
تمتع عن أمه وأهل الحج عن أبيه، قال: إن ذبح فهو خير له وإن لم يذبح فليس
عليه شئ.
الرابعة عشرة: لو ضل هدي التمتع فذبح عن صاحبه قيل لا يجزئ لعدم
تعيينه وكذا لو عطب سواء كان في الحل أو الحرم بلغ محله أو لا، والأصح
الإجزاء لرواية جماعة إذا تلفت شاة المتعة أو سرقت أجزأت ما لم يفرط، وفي رواية
446

منصور بن حازم لو ضل فذبحه غيره أجزأ ولو تعيب بعد شرائه أجزأ في رواية
معاوية.
الخامسة عشرة: يخرج الهدي الواجب من أصل المال كالدين ويقدم على
الوصايا وتزاحم الديون بالحصص.
درس [32]:
الدماء الواجبة بالنص أربعة، دم المتعة وهو مضيق، ودم الإحصار
والمشهور فيه التضيق، ودم الحلق وهو مخير إجماعا، ودم الجزاء وفيه قولان
سقا. و أما باقي الدماء فتجب بالنذر وشبهه، وإلا فهي مستحبة فمنها هدي القران
ويستحب بأصل الشرع في العمرة بنوعيها، وفي الحج فيصير قرانا، ولو ساقه في
عمرة التمتع فهو قران على قول مر ويفيد تأخير التحلل حتى يتحلل من إحرام
حجه كما قال الشيخ في الخلاف وإن لم يكن قرانا عنده، وعلى كل تقدير
لا يخرج عن ملكه، نعم له إبداله ما لم يشعره أو يقلده فلا يجوز حينئذ إبداله وتعين
ذبحه أو نحره بمنى إن قرنه بالحج وإلا فبمكة، والأفضل الحزورة بين الصفا
والمروة، ولا تجب الصدقة به، ومن الأصحاب من جعله كهدي التمتع وهو قريب
فيقسم في الجهات الثلاث وجوبا، وعلى القول الآخر يستحب قسمته فيها،
وأوجب الحلبي سوق جزاء الصيد منذ قتل الصيد إن أمكن وإلا فمن حيث أمكن
ولم يوجب سياق باقي الكفارات، ولو تلف لم يجب بدله، نعم لو ساق مضمونا
كالكفارة ضمنه، ويتأدى السياق المستحب بها وبالمنذور.
ويستحب إشعار هدي التمتع وتقليده كهدي القران ويتعين بهما كهدي
القران ولو عطب الهدي نحره مكانه وغمس نعله في دمه وضرب بها صفحة
سنامه أو كتب عنده إنه هدي، والغمس والكتابة مرويان في مطلق الهدي مع
العجز عن الصدقة حينئذ وعدم من يعلم بأنه هدي، ويباح الأكل منه حينئذ
للمستحق، وتكون النية عند ذبحه وإعلامه كافية عن المقارنة للتناول، ولا تجب
447

الإقامة عنده ولو أمكنت، ولا يجب بدله إلا إذا كان مضمونا كالمتعة على قول
ضعيف والجزاء.
وفي مرسلة حريز عن الصادق عليه السلام، كل هدي دخل الحرم فعطب
فلا بدل على صاحبه تطوعا أو غيره، وحمله الشيخ على العجز عن البدل أو على
عطب غير الموت، كالكسر، فينحره على ما به ويجزئه، وفي النهاية أطلق إن
الهدي إذا عطب ذبح وأعلم، فظاهره دخول هدي المتعة، ولو كسر جاز بيعه
فيتصدق بثمنه أو يقيم بدله ندبا، ولو كان الهدي واجبا وجب البدل.
وفي رواية الحلبي يتصدق بثمنه ويهدي بدله، ولو ضل فأقام بدله ثم وجده
ذبحه وسقط وجوب ذبح البدل، ولو كان قد ذبح البدل استحب ذبح الأول،
وأوجبه الشيخ إذا كان قد أشعره أو قلده لصحيح الحلبي، وحكم هدي التمتع
كذلك.
ولو ضل فذبحه الغير ناويا عن صاحبه أجزأ إذا كان في محله، ويستحب
لواجده تعريفه ثلاثا يوم النحر ويومين بعده ثم يذبحه عشية الثالث عن صاحبه،
ويجزئ ولو ذبح هديا فاستحق ببينة فللمستحق لحمه ولا يجزئ عن أحدهما،
وحكم الشيخ بأن الهدي المضمون كالكفارة، وهدي التمتع يتعين بالتعيين
كقوله: هذا هدي، مع نيته، ويزول عنه الملك، وظاهر الشيخ أن النية كافية في
التعيين وكذا الإشعار أو التقليد، وظاهر المحقق إنهما غير مخرجين وإن وجب
ذبحه بعينه.
وتظهر الفائدة في النتاج بعد التعيين، فإن قلنا بقول الشيخ وجب ذبحه معه
وهو المروي، أما ركوبه وشرب لبنه إذا لم يضرا به أو بنتاجه فإنهما جائزان، وقال
ابن الجنيد: لا يختار شربه في المضمون فإن فعل غرم قيمته لمساكين الحرم، وفي
رواية السكوني إذا أشعرها حرم ظهرها على صاحبها، وتعارضها رواية أبي
الصباح بركوبها من غير عنف.
وأما الهدي المتعين بالنذر ابتداء، مثل قوله: لله علي أن أهدي هذه الشاة
448

فلا ريب في تعيينه وتصير أمانة في يده، وحكم الشيخ في المطلق بخروجه عن
ملكه بالقول، فإن عطب نحر مكانه وأعلم ولو نتج فهو هدي فلو ضعف عن
المشي حمله على أمه أو غيرها ولا يجوز شرب لبنه إذا لم يفضل عنه فيضمن ولو
فضل فالأفضل الصدقة به، ويجوز شربه عند الشيخ، ولو تلف الهدي أو الولد أو
اللبن بغير تفريط فلا ضمان، ولو ضاع لم تجب إقامة بدله ولو أقام كان
كالمسوق تبرعا.
ولا يجوز الأكل من الواجب غير المتعة، فإن أكل ضمن القيمة، وجوز
الشيخ الأكل منه للضرورة ولا قيمة عليه، وروى عبد الملك القمي عن الصادق
عليه السلام، يؤكل من كل هدي نذرا كان أو جزاء، وروى عبد الله الكاهلي
يؤكل من الهدي كله مضمونا أو غيره، وفي رواية جعفر بن بشير يؤكل من
الجزاء وحملها الشيخ على الضرورة أو على الصدقة بالقيمة لتصريح الباقر عليه
السلام إذا كان واجبا فعليه قيمة ما أكل وإذا كان معه هدي واجب وتبرع وبلغا
المحل استحب البداءة بذبح الواجب. ويستحب تفرقة اللحم بنفسه ويجوز بنائبه،
ولو خلى بينه وبين المساكين جاز.
فائدة:
من نذر ذبح بدنة في مكان بعينه وجب، وإن أطلق نحرها بمكة، ومكان
نحر الجزاء سبق، ومكان هدي الإحصار مكة أو منى بحسب النسك، وزمانه يوم
النحر إن كان بمنى، قيل: وأيام التشريق، ومكان هدي الصد مكانه وزمانه إلى
فوات الحج فيتعين العمرة، وأوجب الحلبي بعثه كالمحصر، فإن كان مسوقا بعثه
وإلا بعث ثمنه، وخير الشيخ بين ذبحه مكانه وبعثه إلى منى، أو مكة وجعل
البعث أفضل، وقال ابن الجنيد: يبعثه السائق إلا أن يصد هديه أيضا فيذبحه
مكانه.
ومنها ما يبعثه المحل ويواعد أصحابه يوما فيقلدونه، ويجتنب في وقت
449

المواعدة ما يجتنبه المحرم إلى يوم النحر إلا أنه لا يلبي ثم يحل إذا بلغ محله في ظنه
على ما تواعدوا عليه وإن أخطأ ظنه فلا بأس، ولو أتى بما يحرم على المحرم كفر
مستحبا، وفي رواية هارون بن خارجة يكفر ببقرة عن لبسه الثياب، وعن الصادق
عليه السلام إنه: إذا فعل ذلك وطاف عنه نائبه أسبوعا وذبح عنه وعرف
بمسجده إلى غروب الشمس فقد حج، وإنكار ابن إدريس لا وجه له.
درس [33]:
ومنها الأضحية، وهي سنة مؤكدة، ويجزئ الهدي الواجب عنها والجمع
أفضل وهي مختصة بالنعم، والأفضل الثني من الإبل ثم الثني من البقر ثم الجذع
من الضأن أو الجذعة ثم الثني من المعز ولا يجزئ: غير الثني والجذع.
ويستحب التضحية بالإناث من الإبل والبقر والذكران من الغنم، وتكره
التضحية بالثور والجاموس والموجوء، وروى الصدوق تحريم التضحية بالبخاتي،
ويستحب أن يكون أملح سمينا ينظر ويمشي ويبرك في سواد كالهدي،
ولا يجزئ ذات عوار، ومنع في المبسوط من التضحية بالثور والجمل بمنى
لا بالأمصار، وقال: أفضل ألوانها الملحاء - وهي ما فيها بياض وسواد والبياض
أكثر - ثم العفراء - وهي البيضاء ثم السوداء - وفي مقطوع الحلبي: ضح
بكبش أسود أقرن، فإن لم تجد فعجل أقرن فحل ينظر ويأكل ويشرب في سواد.
وروي أن عليا عليه السلام كان يكره التشريم في الأذن: بأن يشقها وتبقى
مدلاة من غير انفصال ويكره الخرم.
وأيامها بمنى يوم النحر وثلاثة بعده، وبغيرها يوم النحر ويومان بعده، ولو
فاتت لم تقض إلا أن تكون واجبة بنذر وشبهه، ووقتها بعد طلوع الشمس، إذا
مضى قدر صلاة العيد والخطبتين، ويكره ليلا وتجزئ، ولا تجب بالأصالة، نعم
كانت من خصائص النبي صلى الله على وآله، وروي أنه ضحى بكبش عن نفسه
وعمن لم يضح من أهل بيته، وبكبش عن نفسه وعمن لم يضح من أمته، وضحت
450

فاطمة عليها السلام بالمدينة بسبعة أكبش، وضحى أمير المؤمنين عليه السلام
بكبش عن النبي صلى الله عليه وآله وبكبش عن نفسه، وقال: لا يضحى عما في
البطن، وفيه إشعار بأن الأضحية عن الغير مستحبة وإن كان ميتا وأنه ينبغي أن
ينوي بها عن العيال أجمعين، وقد روى الصدوق خبرين بوجوبها على الواجد
وأخذ ابن الجنيد بهما، ويحملان على تأكد الاستحباب، ولا يكره قص الأظفار
وحلق الرأس في العشر لمريد التضحية، ويأتي في رواية كراهته.
وتكره التضحية بما يربيه، وتستحب بما يشتريه وبما عرف به ولو تعذرت
تصدق بثمنها فإن اختلف فقيمة منسوبة إلى القيم بالسوية، فمن الثلاث الثلث ومن
الأربع الربع، واقتصار الأصحاب على الثلث تبعا للرواية التابعة لواقعة هشام.
ويجوز اشتراك جماعة فيها وإن لم يكونوا أهل بيت واحد، وروى
السكوني إجزاء البقرة والجذعة عن ثلاثة من أهل بيت واحد، والمسنة عن سبعة
متفرقين، والجزور يجزئ عن عشرة متفرقين، وفي مكاتبة الهادي عليه السلام،
يجزئ الجاموس الذكر عن واحد والأنثى عن سبعة، وكذا يصح الاشتراك لو
أراد بعضهم اللحم، وشاة أفضل من سبع بدنة أو سبع بقرة.
ويستحب الاقتراض للأضحية فإنه دين مقضي. وتجوز تضحية العبد بإذن
مولاه، والمبعض لو ملك بجزئه الحر جاز من غير إذن. ويتعين بالنية حال
الشراء عند الشيخ وإن لم يتلفظ ولم يشعر ولم يقلد، ولو كانت في ملكه تعينت
بقوله: جعلتها أضحية فيزول ملكه عنها وليس له إبدالها، فإن أتلفها أو فرط فيها
فتلفت فعليه قيمتها يوم التلف وإن أتلفها غيره فعليه أرفع القيم عند الشيخ،
فيشتري به غيرها، ولو أمكن شراء أكثر من واحدة بقيمتها فعل ولو كان جزءا
من أخرى، ولو قصر عن واحدة كفاه شقص ولو عجز عن شقص تصدق به، ولو
وجد بها عيبا سابقا بعد التعيين فله أرشه لا ردها ويصنع بالأرش ما ذكرناه ولو
عابت بعد القبض نحرها على ما بها، ولو تلفت أو ضلت بغير تفريط لم يضمن فإن
عادت ذبحها أداء، وإن كان بعد الأيام ذبحها قضاء، ولو ذبحها غيره عنه أجزأ،
451

وفي وجوب الأرش هنا بعد، فإن قلنا به، تصدق به إن لم يمكن الشراء به، وإذا
ذبحها استحب الأكل منها تأسيا بالنبي صلى الله عليه وآله.
ويستحب أن يهدي قسما ويتصدق بقسم، قال الشيخ: والصدقة بالجميع
أفضل، والمشهور الصدقة بأكثرها، ولو استوعب الأكل ضمن للفقراء نصيبهم
وجوبا أو استحبابا بحسب حال الأضحية، ويجزئ اليسير والثلث أفضل، ولا يجوز
بيع لحمها.
ويستحب الصدقة بجلودها وجلالها وقلائدها تأسيا بالنبي صلى الله عليه
وآله، ويكره بيع الجلود وإعطاؤها الجزار أجرة لا صدقة، ويكره إطعام المشرك
من الأضحية، ويجوز ادخار لحمها بعد ثلاث، وكان محرما فنسخ، ويكره أن
يخرج بشئ منها عن منى، ولو أهدي له جاز وكذا لو اشتراه من المسكين، ويجوز
إخراج السنام.
فائدة:
الأيام المعدودات أيام التشريق وآخرها غروب الشمس من الثالث.
والأيام المعلومات عشر ذي الحجة، وهو المروي في الصحيح عن علي
عليه السلام، وفي النهاية بالعكس، وقال الجعفي: أيام التشريق هي المعلومات
والمعدودات، وتظهر الفائدة في نذر الصدقة والصيام.
ومن وجب عليه بدنة في كفارة أو نذر وعجز كان عليه سبع شياه فإن عجز
صام ثمانية عشر يوما وفي رواية داود الرقي عن الصادق عليه السلام في بدنة
الفداء ذلك، وخير بين الصوم بمكة أو في منزله: وبه أفتى الشيخ في التهذيب،
وقال سلار: لا بدل لما عدا بدنة النعامة.
درس [34]:
يجب الحلق بعد الذبح، واكتفى في المبسوط والنهاية وابن إدريس بحصول
452

الهدي في رحله وهو مروي، وفي الخلاف ترتيب مناسك منى مستحب وهو
مشهور، وفي التبيان الحلق أو التقصير مستحب وهو نادر والترتيب ليس بشرط
في الصحة، وإن قلنا بوجوبه، نعم يستحب لمن حلق قبل الذبح أن يعيد الموسي
على رأسه بعد الذبح لرواية عمار، وقال ابن الجنيد، كل سائق هديا واجبا أو
غيره يحرم عليه الحلق قبل ذبحه، فلو حلق وجب دم آخر، ولا يتعين الحلق على
الصرورة والملبد عند الأكثر بل يجزئ التقصير، وللشيخ قول بتعيينه عليهما،
وهو قول ابن الجنيد وزاد المعقوص شعره والمضفور، ووافق الحسن على
الأخيرين ولم يذكر الصرورة.
وقال يونس بن عبد الرحمن: إن عقص شعره - أي ضفره -، أو لبده -
أي ألزقه بصمغ أو ربط بعضه إلى بعض - بسير أو كان صرورة تعين الحلق في
الحج وعمرة الإفراد، وفي رواية أبي بصير: الصرورة يحلق ولا يقصر، إنما التقصير
لمن حج حجة الإسلام، وفي رواية معاوية: إذا لبد أو عقص فليس له التقصير،
ويظهر من رواية العيص إنه إذا قصر ولم يحلق فعليه دم، وفي التهذيب وكذا يلزم
الملبد لو لم يحلق، وصحيحة حريز مطلقة فيحمل غيرها على الندب.
والحلق أفضل الواجبين، وهو معنى استحبابه، وليس على النساء حلق
ويجزئهن من التقصير قدر الأنملة، وقال ابن الجنيد: مقدار القبضة وهو على
الندب.
فرع:
لو نذر الرجل الحلق في نسكه وجب إلا في عمرة التمتع، ولا يجزئ عنه
التقصير ولا إزالته بنتف أو نورة وشبههما، نعم يجزئ التقصير في التحلل على
الأقوى ويكفر إن تعذر حلق محل التقصير، ولو نذرته المرأة فهو لغو.
ويجب فيه النية وتحصيل مسماه، ويستحب استقبال القبلة والبداءة بالقرن
الأيمن من ناصيته وتسمية المحلوق والدعاء مثل قوله: " اللهم أعطني بكل شعرة
453

نورا يوم القيامة "، والاستيعاب إلى العظمين الذين عند منتهى الصدغين قبالة وتد
الأذنين ودفن الشعر في فسطاطه أو منزله بمنى، وقلم الأظفار وأخذ الشارب
بعده، ولو رحل قبله حلق أو قصر مكانه وجوبا إن تعذر عليه العود وبعث بشعره
إلى منى ليدفن بها استحبابا، وأوجب الحلبي دفنه بها
، وفي رواية معاوية كان
الصادق عليه السلام يكره إخراج الشعر من منى ويقول: من أخرجه فعليه رده،
وظاهر الروايات وجوبه، وفي المختلف يجب رده لو حلق بعد خروجه عمدا
لا سهوا، والأصح الاستحباب لقول زين العابدين عليه السلام: كانوا يستحبون
ذلك، يعني دفنه بمنى ومع العجز لا شئ عليه على القولين.
ومن لا شعر على رأسه يمر الموسي، وفي وجوبه مطلقا أو لمن حلق في إحرام
العمرة وجهان أو قولان، ونقل في الخلاف الإجماع على استحبابه، ولو أراد
غسل رأسه بالخطمي أو غيره أخره عن التقصير.
ولا يجوز تقديم الحلق على يوم النحر ولا تأخيره عن الطواف فلو قدمه لم
يجزئ، وفدى إن تعمد ذلك عالما، ولو أخره عن الطواف جهلا فظاهر الرواية
الإجزاء فيه وفي الطواف، وإن كان عالما وتعمد فعليه شاة قاله الشيخ وأتباعه،
وظاهرهم إنه لا يعيد الطواف وإن نسي فلا كفارة ويعيد الطواف بعد الحلق،
وصحيحة علي بن يقطين بإعادة الطواف والسعي قبل التقصير مطلقة ليس فيها
عمد ولا نسيان، وفي صحيح جميل بن دراج لا ينبغي زيارة البيت قبل أن يحلق
إلا أن يكون ناسيا، وظاهره عدم إعادة الطواف لو فعل، والكلام في الطواف
قبل الذبح كذلك، وقيل: يكفي وضع الهدي في رحله بمنى وهو ظاهر
المبسوط.
وفي صحيحة معاوية من نسي أن يذبح بمنى حتى زار البيت فنحر بمكة
يجزئ عنه، ويشكل بأنه في غير محل الذبح، وكذا لو قدم الطواف على الرمي
أو على جميع مناسك منى يجزئ مع الجهل وفي التعمد والنسيان الإشكال،
ويجوز لخائفة الحيض الإفاضة ليلا والرمي والتقصير ثم تمضي للطواف وتستنيب
454

في الذبح.
وإذا حلق أو قصر بعد الرمي والذبح تحلل مما عدا الطيب والنساء وهو
التحلل الأول للمتمتع، وأما القارن والمفرد فيحل لهما الطيب إذا كانا قد قدما
الطواف والسعي، وأطلق الأكثر إنهما يحل لهما الطيب، وابن إدريس قائل
بذلك مع عدم تجويزه تقديم الطواف والسعي، وسوى الجعفي بينهما، وبين
المتمتع، ولو أتى بالحلق قبل الرمي والذبح أو بينهما فالأشبه عدم التحلل إلا
بكمال الثلاثة، وقال علي بن بابويه وابنه: يتحلل بالرمي إلا من الطيب والنساء،
وقال الحسن: به وبالحلق وجعل الطيب مكروها للمتمتع حتى يطوف ويسعى،
وظاهره حل النساء بالطواف والسعي وإن طواف النساء غير واجب إذ جعله
رواية شاذة.
والتحلل الثاني إذا طاف للزيارة وسعى حل له الطيب ولا يكفي الطواف
خاصة على الأقوى لرواية منصور بن حازم ورواية سعيد بن يسار عن الصادق
عليه السلام يحل الطيب بالحلق للمتمتع متروكة، وتطيب رسول الله صلى الله
عليه وآله بعد الحلق لأنه ليس بمتمتع.
والتحلل الثالث إذا طاف للنساء حللن له.
والقارن والمفرد لهما تحللان، أحدهما عقيب الحلق، والثاني عقيب طواف
النساء، وكذا المعتمر إفرادا، والمتعة فيها تحلل واحد وأما الصيد الذي حرم
بالإحرام فبطواف النساء قاله الفاضل وذكر إنه مذهب علمائنا لقوله تعالى:
لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم، وروى الصدوق تحريم الصيد بعد طواف النساء ولعله
لمكان الحرم، وصرح ابن الجنيد بتحريم لحم الصيد أيام منى ولو أحل.
يستحب ترك المخيط وتغطية الرأس حتى يطوف ويسعى وترك الطيب
حتى يطوف للنساء.
455

فرع:
لو طاف المتمتع الطوافين وسعى قبل الوقوفين لضرورة فتحلله واحد عقيب
الحلق بمنى، ولو قدم طواف الحج والسعي خاصة كان له تحللان، ولو قدم
الطوافين والسعي قبل مناسك منى لضرورة أو ناسيا، واجتزاء بها أو متعمدا على
ما سلف فالأشبه إنه لا يحل له شئ من محرمات الإحرام حتى يأتي بمناسك منى،
وإنما يحصل التحلل بكمال الطوافين والسعي فلو بقي منها ولو خطوة فهو باق
على ما كان.
درس [35]:
إذا قضى الحاج مناسكه بمنى وجب عليه العود إلى مكة، ويستحب ليومه
فإن تأخر فمن غده، وفي جواز تأخيره عن الغد اختيارا قولان، أقربهما الجواز على
كراهية، وقد روي في الصحيح عن الصادق والكاظم عليهما السلام رواية منصور
بن حازم ومحمد بن مسلم الصحيحة بالزيارة يوم النحر تحمل على الندب توفيقا،
وعلى القول بتحريم التأخير لا يقدح في الصحة، وإن أثم، نعم لا يجوز تأخير
الطواف والسعي عن ذي الحجة فيبطل الحج، كما قاله ابن إدريس إن تعمد
ذلك، هذا حكم المتمتع، وأما القارن والمفرد فيؤخران طول ذي الحجة لا عنه.
ويستحب أمام دخول مكة ما سلف في دخولها لطواف العمرة وسعيها
من الغسل وتقليم الأظفار وأخذ الشارب هنا والدعاء وغير ذلك، ويجزئ الغسل
بمنى، بل غسل النهار ليومه والليل لليلته ما لم يحدث فيعيده، وإنكار ابن إدريس
إعادته مع الحدث ضعيف وجعله الأظهر عدم الإعادة غريب ثم يأتي بطواف
الحج وركعتيه وسعيه بعده، ثم بطواف النساء وركعتيه على هذا الترتيب،
وكيفيتها في الواجب والمستحب كما تقدم غير إنه ينوي مميزاتها عن غيرها.
وليس طواف النساء مخصوصا بمن يغشى النساء إجماعا، فيجب على
الخصي والمرأة والهم ومن لا إربة له في النساء.
456

وتحرم بتركه النساء وطئا وتقبيلا وملاعبة ونظرا بشهوة وعقدا وشهادة
وكل ما كان قد حرمه الإحرام منهن، ولا يكفي في حل النساء تجاوز النصف إلا
في رواية أبي بصير رواها الصدوق.
ويلزم به الصبي المميز، ويطوف الولي بغير المميز، فلو تركاه وجب قضاؤه
كما يجب على غيرهما، ويحرم عليهما النساء بعد البلوغ ويمنعان من الاستمتاع
بالحلائل قبل البلوغ، وإذا استناب فيه من تركه ففعله النائب حلت له النساء،
ولو واعده في وقت بعينه فالأقرب حلهن بحضوره عملا بالظاهر، فلو تبين عدمه
اجتنب، ولا يكفي عنه طواف النساء الذي يفعله داخل مكة بنسك واجب أو
ندب بل يأتي بهما سواء كان هو التارك أو نائبه.
ولو مات قضاه الولي قاله الأصحاب ورواه معاوية عن الصادق عليه السلام
وفيها: لو قضاه غير وليه أجزأ، وقال: ما دام حيا فلا يصلح أن يقضى عنه، وهو
معارض برواية القضاء عنه في حياته.
درس [36]:
إذا قضى مناسكه بمكة وجب العود إلى منى للرمي وقد تقدم كيفيته وللمبيت
بها وجوبا ليالي التشريق الثلاث، ويجوز لمن اتقى الصيد والنساء في إحرامه
ترك مبيت الثالثة، إلا أن تغرب الشمس وهو بمنى فيتعين والأفضل مبيت الثالثة
للمتقي لينفر في النفر الثاني إذ هو أفضل على ما نص عليه الأصحاب، ولو بات
بغيرها فعليه عن كل ليلة شاة إلا أن يبيت بمكة مشتغلا بالعبادة الواجبة أو
المستحبة فلا شئ، سواء كان خروجه للعبادة من منى قبل غروب الشمس أو
بعده.
ويجب استيعاب الليلة بالعبادة إلا ما يضطر إليه من غذاء أو شراب أو نوم
يغلب عليه، ويحتمل أن القدر الواجب هو ما كان يجب عليه بمنى وهو أن يتجاوز
نصف الليل.
457

وقال الشيخ: ليس له دخول مكة حتى يطلع الفجر مع تجويزه الخروج
بعد نصف الليل من منى ومبيته بغير منى ومكة ولم نقف له على مأخذ، إذ
الروايات مطلقة في جواز الخروج بعد نصف الليل.
ولو فرع من العبادة قبل الانتصاف ولم يرد العبادة بعده وجب عليه
الرجوع إلى منى، ولو علم أنه لا يدركها قبل انتصاف الليل على إشكال، وأولى
بعدم الوجوب إذا علم أنه لا يدركها حتى يطلع الفجر.
وروى الحسن في من زار وقضى نسكه ثم رجع إلى منى فنام في الطريق
حتى يصبح: إن كان قد خرج من مكة وجاز عقبة المدنيين فلا شئ عليه، وإن لم
يجز العقبة فعليه دم، ونحوه رواه هشام بن الحكم عن الصادق عليه السلام، إلا أنه
لم يذكر حكم الذي لم يتجاوز مكة، وفي رواية جميل: من زار فنام في الطريق
فإن بات بمكة فعليه دم وإن كان قد خرج منها فلا شئ وفي رواية محمد بن
إسماعيل: إذا جاز عقبة المدنيين فلا بأس أن ينام، واختار ابن الجنيد ما رواه
الحسن، وفيها دلالة على قول الشيخ وعلى وجوب الخروج من مكة لغير المتعبد
مطلقا.
ولا يجب في المبيت بمنى سوى النية، وأوجب ابن إدريس على من بات بمكة
وإن كان مشتغلا بالعبادة الدم، وجعله غير متق بمبيته فيحرم عليه النفر في
الأول.
وأوجب الشيخ في النهاية ثلاثة دماء لو بات بغيرها، وفي المبسوط حمله
على غير المتقي أو على الندب، ويضعف منع ابن إدريس المبيت بمكة للعبادة
بالروايات الصحيحة كرواية معاوية وصفوان، وجعله الاتقاء شاملا لجميع
المحرمات غير مشهور، بل هو مقصور على الصيد والنساء، إلا ما رواه الصدوق
عن سلام عن الباقر عليه السلام لمن اتقى الرفث والفسوق والجدال وما حرم عليه
في إحرامه وأشد منه طرده الاتقاء في غير الإحرام.
ورخص في ترك المبيت لثلاثة: الرعاة ما لم تغرب عليهم الشمس بمنى،
458

وأهل سقاية العباس وإن غربت الشمس عليهم بمنى، وكذا من له ضرورة بمكة
كمريض يراعيه أو مال يخاف ضياعه بمكة، وكذا لو منع من المبيت منعا خاصا
أو عاما كنفير الحجيج ليلا، ولا إثم في هذه المواضع، وتسقط الفدية عن أهل
السقاية والرعاة، وفي سقوطها عن الباقين نظر.
وأما نهار أيام التشريق فلا يجب فيه سوى الرمي، فإذا رمى جاز له مفارقة منى
لزيارة البيت وغيره وإن كان المقام بمنى نهارا أفضل كما رواه ليث المرادي عن
الصادق عليه السلام: إن المقام بها أفضل من الطواف تطوعا.
ومنع الحلبي الصرورة من النفر في الأول، والمشهور الجواز، ويجب كونه
بعد الزوال إلا لضرورة، ويجوز تقديم رحله قبل الزوال ولو قدم رحله في النفر
الأول وبقى هو إلى الأخير فهو ممن تعجل في يومين على الرواية.
أما النفر الثاني فيجوز قبله إذا رمى الجمار الثلاث، وعلى القول بأن وقت
الرمي عند الزوال لا يجوز النفر إلا بعد الزوال، ولا فرق في جواز النفر في الأول
بين المكي وغيره فيجوز التعجيل له وللمجاور كما يجوز لغيرهما.
ويستحب إعلام الإمام الناس في خطبة يوم النفر الأول جواز التعجيل
والتأخير وكيفية النفر والتوديع ويردعهم ويحثهم على طاعة الله تعالى وعلى أن
يختموا حجهم بالاستقامة والثبات على طاعة الله وأن يكونوا بعد الحج خيرا منهم
قبله وأن يذكروا ما عاهدوا الله عليه من خير.
فروع:
لو اشتغل بالتأهب فغربت الشمس تعين المبيت والرمي، ولو ارتحل فغربت
الشمس قبل تجاوز الحدود فالأشبه المقام، أما لو انفصل برحله ثم عاد بعد
الغروب لحاجة أو لغيرها فلا مبيت عليه، ولو بات ففي وجوب الرمي نظر لأنه
خرج عن اسم الحاج ومن أنه صاحب نسك وقرب الفاضل الوجوب، ولو عاد
قبل الغروب فغربت الشمس عليه بمنى ففي وجوب المبيت هنا والرمي الوجهان،
459

ولو رجع لتدارك واجب عليه فالأقرب وجوبهما.
ويستحب للإمام النفر في الثاني مؤكدا، ويستحب له الخروج قبل الزوال
ليصلي الظهرين بمكة ويعلمهم كيفية الوداع.
ويستحب للمقيم بمنى أن يجعل صلاته في مسجد الخيف فرضها ونفلها،
وأفضله في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله - وهو من المنارة إلى نحو من
ثلاثين ذراعا إلى جهة القبلة وعن يمينها ويسارها كذلك - فقد صلى فيه ألف
نبي، ويستحب صلاة ست ركعات به إذا نفر في أصل الصومعة كما روي عن
الصادق عليه السلام.
وروي من صلى بمسجد منى مائة ركعة عدلت عبادة سبعين عاما، ومن
سبح الله فيه مائة تسبيحة كتب الله له أجر عتق رقبة، ومن هلل الله فيه مائة
عدلت إحياء نسمة، ومن حمد الله عز وجل فيه مائة عدلت أجر خراج العراقين
ينفق في سبيل الله.
والتكبير بمنى مستحب، وقال السيد يجب، وقد سلف، ولا يكبر عقيب
النوافل ولا في الطرقات ولا قبل يوم النحر في أيام العشر عندنا.
وأسماء أيام منى على الراء، فالعاشر النحر والحادي عشر القر، والثاني عشر
النفر، والثالث عشر الصدر وليلته تسمى ليلة التحصيب، وفي المبسوط هي ليلة
الرابع عشر.
فوائد:
روى حماد عن الصادق عليه السلام: أن من نفر في الأول فليس له أن
يصيب الصيد حتى ينفر الناس، لقوله تعالى: لمن اتقى - أي الصيد -، وفي رواية
معاوية بن عمار عنه عليه السلام: يحل للنافر في الأول الصيد إذا زالت الشمس
من اليوم الثالث، وروى غيلان عن أبي الحسن عليه السلام: أن التكبير
بالأمصار يوم عرفة من صلاة الغداة إلى الظهر من النفر الأول، قال الشيخ: هذا
460

موافق للعامة لا عمل عليه، وروى عمار عنه عليه السلام: التكبير بمنى واجب في
دبر كل صلاة فريضة أو نافلة.
وروى علي بن جعفر عن أخيه عليهما السلام: النساء يكبرن ولا يجهرن، وروى
محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام وسأله عن التكبير أيام التشريق
بعدكم صلاة؟ فقال: كم شئت إنه ليس بموقت - أي في الكلام -، كذا فسر في
الرواية، وروى عمار عن الصادق عليه السلام: إذا نسي التكبير حتى قام من
موضعه لا شئ عليه، وروى إسحاق بن عمار عن أبي الحسن عليه السلام إتمام أهل
مكة الصلاة إذا زاروا والمقيم بمكة إلى شهر بمنزلتهم، وفي صحيح زرارة عن
الباقر عليه السلام: من قدم قبل يوم التروية بعشرة أيام فهو بمنزلة أهل مكة يقصر
إذا خرج إلى منى ويتم إذا زار البيت، ثم يتم بمنى حتى ينفر، وروى عمار عن
الصادق عليه السلام في ناسي طواف النساء حتى يرجع إلى أهله: عليه بدنة
ينحرها بين الصفا والمروة، ويمكن حملها على من واقع ويكون وقاعه بعد
الذكر، وروى جميل عنه عليه السلام: لا بأس أن يأتي الرجل مكة فيطوف أيام
منى ولا يبيت بها، وروى العيص عنه النهي عن الزيارة في أيام التشريق، فالجمع
بينهما بالحمل على أفضلية المقام بمنى كما مر.
درس [37]:
يستحب العود إلى مكة بعد النفر من منى لطواف الوداع، وليس واجبا
عندنا، ولو كان قد بقي عليه نسك أو بعضه وجب العود له ويطوف بعده
طواف الوداع.
ويستحب للنافر في الأخير التحصيب تأسيا برسول الله صلى الله عليه وآله -
وهو النزول بمسجد الحصبة بالأبطح الذي نزل به رسول الله صلى الله عليه وآله
- ويستريح فيه قليلا ويستلقي على قفاه.
وروي أن النبي صلى الله عليه وآله صلى فيه الظهرين والعشائين وهجع
461

هجعة ثم دخل مكة وطاف، وليس التحصيب من سنن الحج ومناسكه وإنما هو
فعل مستحب اقتداء برسول الله صلى الله عليه وآله، قال ابن إدريس: وليس
للمسجد أثر الآن فتتأدى هذه السنة بالنزول بالمحصب من الأبطح، قال: وهو
ما بين العقبة وبين مكة، وقيل: هو ما بين الجبل الذي عنده مقابر مكة والجبل
الذي يقابله مصعدا في الشق الأيمن للقاصد مكة وليست المقبرة منه، واشتقاقه من
الحصباء وهي الحصى المحمولة بالسيل.
وقال السيد ضياء الدين ابن الفاخر شارح الرسالة: ما شاهدت أحدا يعلمني
به في زماني، وإنما وقفني واحد على أثر مسجد بقرب منى على يمين قاصد مكة في
مسيل واد، قال: وذكر آخرون أنه عند مخرج الأبطح إلى مكة.
وروى الصدوق أن الباقر عليه السلام كان ينزل بالأبطح قليلا ثم يدخل
البيوت، وأكثر الروايات ليس فيها تعيين مسجد.
فإذا أتى مكة استحب له أمور:
أحدها: الغسل لدخولها ودخول مسجدها والدخول من باب بني شيبة
والدعاء.
وثانيها: دخول الكعبة وخصوصا الصرورة بعد الغسل وليكن حافيا بسكينة
ووقار، ويأخذ بحلقتي الباب عند الدخول ثم يقصد الرخامة الحمراء بين
الأسطوانتين اللتين تليان الباب، ويصلي عليها ركعتين يقرأ في الأولى بعد الحمد
حم السجدة وفي الثانية بعدد آيها وهي ثلاث أو أربع وخمسون، والدعاء
والصلاة في الزوايا الأربع، كل زاوية ركعتين تأسيا بالنبي صلى الله عليه وآله،
والدعاء والقيام بين الركن الغربي واليماني رافعا يديه ملصقا به والدعاء، ثم
كذلك في الركن اليماني ثم الغربي ثم الركنين الآخرين ثم يعود إلى الرخامة
الحمراء فيقف عليها ويرفع رأسه إلى السماء ويطيل الدعاء وليبالغ في الخضوع
والخشوع وحضور القلب في دعائه، وليحذر البصاق والامتخاط ولا يشغل بصره
بما يشغل قلبه.
462

وروي أن رسول الله صلى الله عليه وآله لما دخلها لم يجاوز بصره موضع
سجوده حتى خرج منها، وذلك إعظام وإجلال لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه
وآله.
ويستحب أن يصلي ركعتين بعد خروجه منها عن يمين الباب، رواه يونس
عن الصادق عليه السلام، وهو موضع المقام في عهد رسول الله صلى الله عليه
وآله كما كان في عهد إبراهيم عليه السلام - وهو الآن منخفض عن المطاف،
ويستحب التكبير ثلاثا عند الخروج من الكعبة.
والدخول إلى الكعبة لا يتأكد في حق النساء وخصوصا مع الزحام، ويجوز
للمستحاضة الدخول على كراهية وروي أنه لا يجوز لها وهو فتوى المبسوط.
وتكره الفريضة فيها على ما مر في الأقوى وخصوصا الجماعة، ولو وقعت
الجماعة فيها انعقدت، ولهم في موقفهم أحوال خمسة:
الأول: أن يكونوا صفا واحدا أو صفوفا والإمام في سمتهم.
الثاني: أن يتقدم الإمام عليهم، ولا ريب في جواز هذين.
الثالث: أن يكون وجه المأموم إلى وجه الإمام، وفيه وجهان والأشبه الجواز.
الرابع: أن يكون ظهر المأموم إلى ظهر الإمام، وفيه وجهان مرتبان وأولى
بالمنع، والأشبه الجواز مع المشاهدة المعتبرة.
الخامس: أن يكون ظهر المأموم إلى وجه الإمام، وهذا غير جائز على الأقوى،
وروي أن يونس سأل الكاظم عليه السلام عن صلاة الفريضة بالكعبة إذا لم يمكنه
الخروج، يستلقي على قفاه ويصلي إيماء. والرواية مهجورة.
وثالثها: إتيان الحطيم وهو ما بين الباب والحجر الأسود وهو أشرف البقاع
والصلاة عنده والدعاء والتعلق بأستار الكعبة عنده، وعند المستجار ويلي الحطيم
في الفضل عند المقام ثم الحجر ثم كل ما دنا من البيت.
ورابعها: الشرب من زمزم والإكثار منه والتضلع منه - أي الامتلاء -، فقد
قال النبي صلى الله عليه وآله: ماء زمزم لما شرب له، وقد روي أن جماعة من
463

العلماء شربوا منه لمطالب مهمة ما بين تحصيل علم وقضاء حاجة وشفاء من علة
وغير ذلك فنالوها، والأهم طلب المغفرة من الله تعالى، فليسم ولينو بشربه طلب
المغفرة والفوز بالجنة والنجاة من النار وغير ذلك، ويستحب حمله وإهداؤه.
وفي رواية معاوية أسماء زمزم، ركضة جبرئيل، وسقيا إسماعيل، وحفيرة
عبد المطلب، وزمزم، والمصونة، والسقيا وطعام طعم، وشفاء سقم.
وخامسها: الإكثار من الطواف مهما استطاع.
وسادسها: ختم القرآن بها إما في زمان الوداع أو غيره، فقد روى الشيخ عن
زين العابدين عليه السلام: من ختم القرآن بمكة لم يمت حتى يرى رسول الله
صلى الله عليه وآله ويرى منزله في الجنة، وكذا يكثر من ذكر الله تعالى، فعن زين
العابدين عليه السلام أيضا: تسبيحة بمكة أفضل من خراج العراقين ينفق في
سبيل الله.
وسابعها: إنه إذا جلس في المسجد جلس قبالة الميزاب مستقبلا للبيت، قاله
الجعفي.
وثامنها: الصلاة في موضع المقام قديما وخلف المقام الآن، وأفضل منهما
عند الحطيم - وهو الموضع الذي تاب الله على آدم فيه -.
وتاسعها: زيارة المواضع الشريفة بمكة.
فمنها إتيان مولد رسول الله صلى الله عليه وآله وهو الآن مسجد في زقاق
يسمى زقاق المولد.
ومنها إتيان منزل خديجة الذي كان رسول الله صلى الله عليه وآله يسكنه
وخديجة به وفيه ولدت أولادها منه صلى الله عليه وآله وفيه توفيت ولم يزل
رسول الله صلى الله عليه وآله مقيما به حتى هاجر، وهو الآن مسجد، ويستحب أن
يزور خديجة عليها السلام بالحجون وقبرها معروف هناك قريب من سفح
الجبل.
ومنها إتيان مسجد الأرقم ويقال للدار التي هو بها " دار الخيزران " فيه استتر
464

النبي صلى الله عليه وآله في أول الإسلام.
ومنها إتيان الغار الذي بجبل حراء، الذي كان رسول الله صلى الله عليه
وآله في ابتداء الوحي يتعبد فيه، وإتيان الغار الذي بجبل ثور واستتر فيه النبي
صلى الله عليه وآله من المشركين، وهو المذكور في الكتاب العزيز.
ومنها طواف الوداع، وليكن آخر أعماله بحيث يخرج بعده بلا فصل،
وكيفيته كما تقدم ويستلم فيه الأركان والمستجار ويدعو بالمأثور فيه وبعده
ويصلي ركعتيه.
وروي وداع البيت بعد طواف الوداع من المستجار بين الحجر والباب ثم
الشرب من زمزم، وروى قثم بن كعب عن الصادق عليه السلام جعل آخر عهده،
وضع يده على الباب ويقول في خروجه من المسجد وتوجهه إلى أهله: آئبون،
تائبون عابدون لربنا حامدون، إلى ربنا راغبون، إلى ربنا راجعون.
ومنها أن يشتري بدرهم شرعي تمرا ويتصدق به قبضة قبضة ليكون كفارة
لما عساه لحقه في إحرامه من حك أو سقوط قملة أو شعرة ونحوه، وقال الجعفي:
يتصدق بدرهم فلو تصدق ثم ظهر له موجب يتأدى بالصدقة أجزأ على الأقرب.
ومنها الخروج من باب الحناطين - وهو باب بني جمح بإزاء الركن
الشامي -، والسجود عند الباب مستقبل الكعبة، ويطيل سجوده والدعاء وليكن
آخر كلامه وهو قائم مستقبل الكعبة: اللهم إني أنقلب على لا إله إلا الله.
فروع: في طواف الوداع: من أراد المجاورة بمكة فلا وداع في حقه، فإذا
أراد الخروج ودع، ويودع من كان منزله في الحرم، ولا رمل في هذا الطواف
ولا اضطباع ولا يجب بتركه دم، ولا طواف على الحائض والنفساء للوداع،
وكذا المستحاضة إذا خافت التلويث، بل يودعن من باب المسجد الأدنى إلى
الكعبة، ولو خرج من مكة بغير وداع استحب له العود مع الإمكان سواء بلغ
مسافة القصر أو لا، ولا يحتاج إلى إحرام إذا لم يكن مضى له شهر، وإلا احتاج،
465

وأطلق الفاضل أنه يحرم إذا رجع.
وروي أن طواف الوداع كاف لمن نسي طواف النساء، ولو طهرت
الحائض والنفساء بعد مفارقة مكة لم يستحب لهما العود وإلا استحب، ولو مكث
بعد الطواف بمكة غير مشغول بأسباب الخروج فالأشبه استحباب إعادته، ولو
كان لاشتغاله بها كالتزود فلا، ولا يعيد للدعاء الواقع بعده ولا للصلاة بعده
بالمسجد، سواء كانت فريضة أو نافلة، ولكن الأفضل أن يكون آخر عهده
الطواف.
ومنها العزم على العود ما بقي، فإنه من المنشآت في العمر، وليسأل الله
تعالى ذلك عند انصرافه - رزقنا الله تعالى العود إلى بيته الحرام وتكراره في
كل عام بمنه - وكرمه.
درس [38]:
مكة أفضل بقاع الأرض ما عدا موضع قبر رسول الله صلى الله عليه وآله،
وروي في كربلاء - على ساكنها السلام - مرجحات، والأقرب أن مواضع قبور
الأئمة صلى الله عليهم كذلك، أما البلدان التي هم بها فمكة أفضل منها حتى من
المدينة، وروى صامت عن الصادق عليه السلام: أن الصلاة في المسجد الحرام
تعدل مائة ألف صلاة، ومثله رواه السكوني عنه عن آبائه عليهم السلام، واختلف
الرواية في كراهية المجاورة بها واستحبابها.
والمشهور الكراهية إما لخوف الملالة وقلة الاحترام وإما لخوف ملابسة
الذنوب فإن الذنب بها أعظم، قال الصادق عليه السلام: كل الظلم فيه إلحاد
حتى ضرب الخادم، قال: ولذلك كره الفقهاء سكنى مكة.
وإما ليدوم شوقه إليها إذا أسرع خروجه منها، ولهذا ينبغي الخروج منها
عند قضاء المناسك، وروي أن المقام بها يقسي القلب، والأصح استحباب
المجاورة للواثق من نفسه بعدم هذه المحذورات لما رواه ابن بابويه عن الباقر عليه
466

السلام: من جاور بمكة سنة غفر الله له ذنبه ولأهل بيته ولكل من استغفر له
ولعشيرته ولجيرانه ذنوب تسع سنين قد مضت وعصموا من كل سوء أربعين
ومائة سنة.
وروي أن الطاعم بمكة كالصائم فيما سواها، وصيام يوم بمكة يعدل صيام
سنة فيما سواها، ومن ختم القرآن بمكة من جمعة إلى جمعة أو أقل أو أكثر كتب
الله له من الأجر والحسنات من أول جمعة كانت في الدنيا إلى آخر جمعة تكون،
وكذا في سائر الأيام.
وقال بعض الأصحاب: إن جاور للعبادة استحب وإن كان للتجارة ونحوها
كره، جمعا بين الروايات، وروى محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام: لا ينبغي
للرجل أن يقيم بمكة سنة، وفيها إشارة إلى التعليل بالملك لأنه لا يكره أقل من
سنة، ويكره منع الحاج من دور مكة ولا يجعل أهلها على دورهم أبوابا لينزل
الحاج ساحة الدار، وأن يرفع بناء فوق الكعبة وأن يخرج من الحرمين بعد
ارتفاع النهار قبل أن يصلي الظهرين.
وروي جواز استعمال ستارة الكعبة في المصاحف والوسائد وللصبيان عن
الصادق عليه السلام.
والطواف للمجاور بمكة أفضل من الصلاة، والمقيم بالعكس، وتحصل
الإقامة بالثالثة.
والمعتصم بالحرم من الجناة لا يستوفى منه فيه بل يضيق عليه في المطعم
والمشرب، ولا يبايع حتى يخرج منه، ولو جنى في الحرم قوبل بجنايته، ولا يجوز
أخذ شئ من تربة المسجد وحصاه فلو فعل وجب رده إلى موضعه في رواية محمد
بن مسلم، وإلى مسجد في رواية زيد الشحام وهي أشبه، والأولى على الأفضلية.
ويحرم الالتقاط في الحرم فيعرفه سنة فإن وجد مالكه وإلا تصدق به وضمن
في رواية محمد بن مسلم وعلي بن أبي حمزة، وفي باب اللقطة من النهاية لا يضمن
وهو قول المفيد وسلار والقاضي وابن حمزة، ونقله الفاضل عن والده ولم نظفر
467

بمأخذه من الحديث، والأمر بالصدقة لا ينافي الضمان، وفي رواية الفضيل بن يسار
عن الباقر عليه السلام تلويح بأن للثقة أخذها ويعرفها.
ويجبر الإمام الناس على الحج وزيارة النبي صلى الله عليه وآله لو تركوهما،
وعلى المقام بالحرمين لو تركوه، فلو لم يكن لهم مال أنفق عليهم من بيت المال،
وروي لو عطلوه سنة لم يناظروا، وروي لنزل عليهم العذاب، وروي ما تخلف
رجل عن الحج إلا بذنب وما يعفو الله عنه أكثر.
ولا يعرف أصحابنا كراهة أن يسمى من لم يحج صرورة ولا أن يقال حجة
الوداع، ولا استحباب شرب نبيذ السقاية ولا تحريم إخراج حصى الحرم وترابه،
إلا ابن الجنيد فإنه حرم أخذ حجارة الحرم وتكسيرها وأخذ ترابه وتفريقه، فإن
أخذه وجب رده إلى الحرم، فإن كان جاهلا وتعذر رده إلى الحرم جعله في أعظم
المساجد التي يقدر عليها حرمة، وجوز أخذ الصمغ وورق الطلح كماء زمزم لأنه
لا يتغير أصله بتغير فرعه.
ويكره الاحتباء قبالة البيت واستدباره، والحج والعمرة على الإبل الجلالة
وعلى الزاملة، وترك الحج للموسر أكثر من خمس سنين، وترك العزم على
العود لأنه من قواطع الأجل، وإظهار السلاح بمكة بل يغيب في جوالق أو يلف
عليه شئ.
ويستحب الطواف عن النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام وعن
الأبوين والأهل والإخوان، يقول في ابتدائه " بسم الله اللهم تقبل من فلان "، وأن
يقال للقادم من الحاج " الحمد لله الذي يسر سبيلك وهدى دليلك وأقدمك
بحال عافية وقد قضى الحج وأعان على السعة، تقبل الله منك وأخلف عليك
نفقتك وجعلها حجة مبرورة ولذنوبك طهورا " وانتظار أصحاب الحائض
طهرها إلا أن تأذن لهم، ودعاؤها في مقام جبرائيل عليه السلام بعد الغسل
ليذهب الحيض، وصرف المال الموصى به في الحج الواجب متعين.
ولو خير الموصي بينه وبين الصرف في الفاطميين صرف في الحج، ولو
468

كان الحج ندبا وخير فمفهوم الرواية أفضلية الصرف فيهم، ويستحب إقلال النفقة
في الحج لينشط له والاستدانة له فإنه أقضى للدين.
وروى عمر بن يزيد عن الصادق عليه السلام: أن النبي صلى الله عليه وآله
حج عشرين حجة، وفي خبر آخر عشر، وما كانت حجة الوداع إلا وقد حج قبل
ذلك، ولا خلاف أنه لم يحج بعد قدوم المدينة سواها، وروي أنه صلى الله عليه
وآله حج عشر حجج مستترا في كل واحدة ينزل فيبول بالمأزمين، رواه في
موضعين من التهذيب.
وكان على بدن رسول الله صلى الله عليه وآله في حجة الوداع ناجية بن
جندب الخزاعي، وحالق رأسه معمر بن عبد الله بن حارثة القرشي العدوي،
وكانت بدنه ستا وستين، وروي سبع وستون، وبدن علي عليه السلام تمام المائة،
وشركه رسول الله صلى الله عليه وآله في الجميع فأخذا من كل بدنة جذوة ثم
طبخت فتحسيا من المرق ليكونا قد أكلا من الجميع.
ويستحب البدأة للعراقي بالمدينة قبل مكة خوفا من عدم العود، وروي عن
الباقر عليه السلام: ابدأ بمكة واختم بالمدينة، وحمل على غير العراقي كالشامي
واليمني.
ومن جعل جاريته هديا للكعبة صرفت قيمتها في معونة المحتاج إلى المعونة
من الحاج.
ويكره الإشارة بترك الحج على المتبرع به وإن كان المستشير ضعيفا
حذرا من أن يمرض المشير سنة كما وقع لإسحاق بن عمار وقد أنذره الصادق
عليه السلام بذلك قبله.
وروى عبد الله بن ميمون عن الصادق عليه السلام: أن المقام كان لاصقا
بالبيت فحوله الثاني، وروى الحسين بن نعيم عنه عليه السلام: أن حد المسجد
ما بين الصفا والمروة، وروى عبد الله بن سنان عنه عليه السلام: أن خط إبراهيم
عليه السلام - يعني المسجد - ما بين الحزورة إلى المسعى، وروى جميل: أن
469

الصادق عليه السلام سئل عما زيد في المسجد أمن المسجد؟ قال: نعم، إنهم لم
يبلغوا مسجد إبراهيم وإسماعيل، وقال: الحرم كله مسجد.
وروى زرارة عن الباقر عليه السلام: أن المرتد إذا عاد إلى الإسلام حسب له
عمله في إيمانه وروى عبد الرحمان بن الحجاج عن أبي الحسن عليه السلام:
عليكم بالاحتياط، يعني فيما يرد مما لا تعلمونه من الأحكام.
وروى هشام بن الحكم عن الصادق عليه السلام: إن الحرم أفضل من
عرفة.
وروى علي بن يقطين عن أبي الحسن عليه السلام: أنه لا شئ على الناظر في
فرج المحللة بعد الحلق قبل الطواف، وعن الصادق عليه السلام في محرم أكل
لحم صيد لا يدري ما هو: عليه شاة.
درس [39]:
إذا أحصر المحرم بالمرض عن مكة أو الموقفين بعث هديه المسوق إلى مكة
إن كان معتمرا ومنى إن كان حاجا، ويواعد نائبه وقتا معينا فإذا بلغ محله قصر
وتحلل بنيته إلا من النساء حتى يحج في القابل أو يعتمر مع وجوب الحج أو
العمرة، أو يطاف عنه طواف النساء مع ندبهما قيل: أو مع عجزه في الواجب.
ولو أحصر في عمرة التمتع فالظاهر حل النساء له إذ لا طواف لأجل النساء
فيها، وخير ابن الجنيد بين البعث وبين الذبح حيث أحصر، والجعفي: يذبحه
مكانه ما لم يكن ساق، وروى المفيد مرسلا: أن المتطوع ينحر مكانه ويتحلل
حتى من النساء، والمفترض يبعث ولا يتحلل من النساء واختاره سلار لتحلل
الحسين عليه السلام من العمرة المفردة بالحلق والنحر مكانه في حياة أبيه عليهما
السلام، وربما قيل: بجواز النحر مكانه إذا أضر به التأخير وهو في موضع المنع
لجواز التعجيل مع البعث، ولو لم يكن ساق بعث هديا أو ثمنه.
وقال ابنا بابويه: لا يجزئ هدي السياق عن هدي التحلل، وبه قال ابن
470

الجنيد: إذا كان قد أوجبه الله بإشعار أو غيره وإلا أجزأ، والظاهر أنه مرادهما لأنه
قبل الإشعار والتقليد لا يدخل في حكم المسوق إلا أن يكون منذورا بعينه أو معينا
عن نذره.
وقيل يتداخلان إذا لم يكن السوق واجبا بنذر أو كفارة وشبههما، وأطلق
المعظم التداخل، ولو كان مشترطا أنفذ ما ساق إجماعا، وإلا سقط عند المرتضى
وابن إدريس وتحلل في الحال، وقال المحقق بتعجل التحلل، وظاهر الأكثر
مساواته لغير المشترط في وجوب الهدي والتربص وهو المروي.
ثم القضاء يساوي الأداء، فإن كان متعينا بنوع فعله وإلا تخير، وقال
الأكثر: يأتي بمثل ما خرج منه لرواية محمد بن مسلم ورفاعة عن الصادقين
عليهما السلام.
القارن يدخل بمثل ما خرج منه ويبعث وإن اشترط، ولو لم يجد هديا
ولا ثمنه بقي محرما ولا بدل له قاله الشيخ، وقال ابن الجنيد: يحل لأنه لم يستيسر
له هدي، ولو ظهر أن هديه لم يذبح لم يبطل تحلله وبعث به في القابل، وهل
يمسك عن المحرمات إذا بعث؟ المشهور ذلك لصحيحة معاوية بن عمار.
فروع سبعة:
الأول: لو خف التحق، فإن أدرك الوقوف المجزئ، وإلا تحلل بعمرة وإن
نحر هديه على الأقرب.
الثاني: لو ظن الخف فله الإنفاذ والتربص فإن أدرك وإلا تحلل بعمرة مع
الفوات، وبالهدي لا معه.
الثالث: المحصر قبل التحلل باق على إحرامه، فلو جنى جناية فكغيره، وكذا
لو حلق رأسه لأذى ولو رفض إحرامه وفعل فعل المحل لم يتحلل ولا كفارة على
الرفض وإن أثم، ويكفر عن جنايته.
الرابع: لو أخر التحلل حتى تحقق الفوات فله ذلك، وحينئذ يتحلل بالعمرة،
471

ويتحلل بالهدي منها لو تعذرت، ولو كان قد ذبح هديه وقت المواعدة ففي
الاجتزاء به أو التحلل بالعمرة وجهان اعتبارا بحالة البعث أو حالة التحلل.
الخامس: المعتمر إفرادا يقضي عمرته في زمان يصح فيه الاعتمار ثانيا، يبني
على الخلاف، ولو كان متمتعا قضاها مع الحج، ولو اتسع الزمان لقضائها في
عامه وجب.
السادس: يجوز اشتراط التحلل عند وجود مانع من الإتمام كعدم النفقة
وفوات الوقت أو ضيقه أو ضلال عن الطريق فيتحلل عنده، وفي إلحاق أحكامه
بالمصدود أو بالمحصر أو استقلاله تردد، ويحتمل جواز التحلل وإن لم يشترط
كما ثبت فيهما لقول الصادق عليه السلام: هو حل حيث حبسه قال أو لم يقل،
فعلى هذا لا تنحصر أسباب التحلل الضروري في الصد والإحصار والفوات.
السابع: لو شرط التحلل عند أحد هذه العوارض بغير هدي أمكن الصحة
عملا بالشرط، فيتحلل بالحلق أو التقصير مع النية، ولو شرط أن يكون حلالا
بنفس العارض أمكن صحته فلا يحتاج إلى تحلل، ولو شرط التحلل عند فوات
الحج بغير العمرة ففي اتباع شرطه احتمال، والأقرب لغو الجميع.
درس [40]:
إذا منع المحرم عدو من إتمام نسكه كما مر في المحصر ولا طريق غير
موضع العدو، أو وجد ولا نفقة ذبح هديه أو نحره مكان الصد بنية التحلل فيحل
على الإطلاق، وفي وجوب التقصير أو الحلق قولان أقربهما الوجوب.
ولا فرق في جواز التحلل بين المشترط وغيره صرح به في التهذيب لرواية
زرارة وحمزة بن حمران عن الصادق عليه السلام، وقول ابن حمزة والمحقق هنا
بعيد.
ولا بين العمرة المفردة وغيرها، ولو كان سائغا ففي التداخل ما مر.
وأوجب الحلبي بعث المصدود كالمحصر، وجعله الشيخ في الخلاف
472

أفضل، وفصل ابن الجنيد بإمكان البعث فيجب، ولعدمه فينحر مكانه، وأسقط ابن
إدريس الهدي عن المصدود ويدفعه صحيحة معاوية بن عمار أن النبي صلى الله
عليه وآله حين صده المشركون يوم الحديبية نحر وأحل، والمرتضى أسقطه مع
الاشتراط.
ولا بدل لهدي التحلل، والخلاف فيه مع التعذر كالمحصر، ويجوز التحلل
في الحل والحرم بل في بلده إذ لا زمان ولا مكان مخصوصين فيه.
ويتحقق الصد بالمنع عن مكة في إحرام العمرة وبالمنع عن الموقفين أو
أحدهما مع فوات الآخر في إحرام الحج، ولا يتحقق بالمنع عن مناسك منى،
وفي تحققه بالمنع عن مكة بعد الموقفين والتحلل أو قبله نظر، أقربه عدم تحققه
في الأول فيبقي على إحرامه بالنسبة إلى الطيب والنساء والصيد لا غير، حتى يأتي
بالمناسك ويتحقق في الثاني فيتحلل ويعيد الحج من قابل.
ويلوح من كلام ابن الجنيد التحلل والاجتزاء بقضاء باقي المناسك، وقال
ابن حمزة يستنيب فيها ولم يذكر التحلل، ولو منع عن سعي العمرة أمكن التحلل
لعدم إفادة الطواف شيئا، ولو ظن انكشاف العدو تربص ندبا فإن استمر تحلل
بالهدي إن لم يتحقق الفوات، وإلا فبالعمرة، ولو عدل إلى العمرة مع الفوات
قصد عن إتمامها تحلل أيضا، وكذا لو قلنا ينقلب إحرامه إليها بالفوات، وعلى هذا
لو صار إلى بلده ولما يتحلل وتعذر العود في عامه لخوف الطريق فهو مصدود
فله التحلل بالذبح والتقصير في بلده.
ولو كان العدو يندفع بالقتال لم يجب وإن ظن الظفر، ويجوز إذا كانوا
مشركين، ومنعه الشيخ التفاتا إلى إذن الإمام في الجهاد ويندفع بأنه نهي عن
منكر، ولو كانوا مسلمين فالأولى ترك قتالهم ولو فعله جاز من حيث النهي عن
المنكر، ولو ظن العطب أو تساوى الاحتمالان سقط في الموضعين، ولو بدؤوا
بالقتال وجب دفاعهم مع المكنة في الموضعين، فإن لبسوا جنة القتال كالجبال
والجواشن والمخيط فعليهم الفدية، ولو طلبوا مالا ففيه ما سلف من الشرائط، ولو
473

لم يوثق بهم لم يجب قطعا، والشيخ لم يوجب على التقديرين وإن قل، والفاضل
إذا كثر كره دفعه إن كان العدو كافرا للصغار.
ويجب قضاء الحج والعمرة بعد التحلل إذا كانا مستقرين، وإلا وجب إن
بقيت الاستطاعة سواء قضيا في عامه أو لا، ولو كان الأصل ندبا استحب القضاء،
والتسمية بالقضاء في مواضعه مجاز لعدم الوقت المحدود.
فروع ستة:
الأول: لا فرق بين الصد العام والخاص بالنسبة إلى المصدود، فلو حبس
الظالم بعض الحاج تحلل، ولو كان بحق وهو قادر عليه لم يتحلل وإلا تحلل،
ولو كان عليه دين يحل قبل قدوم الحاج فمنعه صاحبه من المضي تحلل.
الثاني: لو أحاط العدو بهم جاز التحلل لأنه زيادة في العذر، ولأنهم
يستفيدون به الأمن ممن أمامهم.
الثالث: لو صد عن الموقفين دون مكة فله التحلل والمصابرة، فإن فات
الحج فالعمرة، ولا يجوز فسخه إلى العمرة قبل الفوات كما جاز فسخ حج
الإفراد إلى العمرة ابتداء، لأن المعدول إليه هناك عمرة التمتع المتصلة بالحج
فهو عدول من جزء إلى كل، بخلاف هذه الصورة فإنه إبطال للحج بالكلية، نعم
لو كان الحج ندبا إفرادا أمكن ذلك لأنه يجوز له التحلل لا إلى بدل فالعمرة
أولى.
الرابع: لا يجب على المصدود إذا تحلل بالهدي من النسك المندوب حج
ولا عمرة، ولا يلزم من وجوب العمرة بالفوات وجوبها بالتحلل إذ ليس التحلل
فواتا محضا.
الخامس: لو أحرم الرق بغير إذن سيده حلله من غير هدي، وكذا لو أذن له
في نسك التمتع فأتى بغيره وإن كان عدولا إلى الأدنى كما لو أذن له في الحج
فاعتمر أو في التمتع فقرن على مذهب ابن أبي عقيل، لأنه يسقط عنه سعي الحج
474

عنده لتحقق المخالفة مع احتمال المنع، وكذا لو قرن على مذهب الجعفي،
والاحتمال فيه أقوى لعدم الفرق بينهما إلا في تعجيل التحلل، هذا إذا كان السياق
لا من مال السيد إن جوزناه من الأجنبي، وإلا فله تحليله قطعا، لأن القران بغير
سياق باطل بإجماعنا والمتمتع لم ينوه.
ولو أذن له في الإحرام في وقت فقدمه فله تحليله قبل حضور الوقت المأذون
فيه، وفيما بعده تردد التفاتا إلى مصادقة المأذون فيه وإلى أن أصله وقع فاسدا،
والأول مختار الفاضل، والأشبه الثاني.
السادس: لو اجتمع الإحصار والصد فالأشبه تغليب الصد لزيادة التحلل به،
ويمكن التخيير، وتظهر الفائدة في الخصوصيات والأشبه جواز الأخذ بالأخف من
أحكامهما، ولا فرق بين عروضهما معا أو متعاقبين، نعم لو عرض الصد بعد بعث
المحصر أو الإحصار بعد ذبح المصدود ولما يقصر فترجيح جانب السابق قوي.
وهنا لواحق متفرقة:
أولها صرح في ثامن ضروب الحج من التهذيب جواز الحج ندبا والصلاة ندبا والزكاة
ندبا لمن عليه واجب، والتمتع للمكي في الحج المندوب أفضل.
وإشعار الإبل وهي باركة ونحرها قائمة ويستقبل بها حال الإشعار القبلة،
ويتولاه بنفسه تأسيا بالنبي صلى الله عليه وآله، ويقول " بسم الله اللهم منك ولك
تقبل مني " فإن عقد به الإحرام فليكن من الميقات بعد غسله، ولبس ثوبيه وصلاة
الإحرام، ولو لم يتمكن من السوق ثم تمكن فحيث يمكن يشعر أو يقلد، واشترط
ابن الجنيد أن يكون النعل قد صلى فيها مهدية، ويلوح منه أن السير والخيط مما
صلى فيه وأن تقليد الغنم بخيط أو سير جائز.
وفسر الصادق عليه السلام لسفيان الثوري قوله تعالى، تلك عشرة كاملة،
إن كمالها كمال الأضحية - أي هما سواء في الكمال -.
475

وروى معاوية عنه تسمية طواف النساء طواف الزيارة.
وصرح المفيد - رحمه الله - بتقديم القارن والمفرد طوافهما وسعيهما وهو
في صحيح حماد بن عثمان والحلبي عنه عليه السلام، ورواه عن الباقر عليه
السلام زرارة.
وفي صحيح عبد الرحمان بن الحجاج عن الصادق عليه السلام إحرام
المجاور بمكة بحجه من الجعرانة " بكسر الجيم وكسر العين " وقال الباقر عليه
السلام لمن أحرم قبل الميقات: لا يعرض لي بابان كلاهما حلال إلا أخذت
باليسير إن الله يحب اليسير ويعطي على اليسر ما لا يعطي على العنف، وفيه تلويح
بصحته ولأنه لم يأمره بالإعادة إلا أنه معارض بنحو رواية إبراهيم الكرخي
المتضمنة لعدم الانعقاد فتحمل الأولى على النذر أو التقية، وروى عبد الله بن
سنان الإحرام للمدني من ستة أميال إذا لم يأت مسجد الشجرة، وروي أن
الصادق عليه السلام أخر الإحرام عن الشجرة إلى الجحفة للمرض، وروى أبو
شعيب المحاملي مرسلا: تأخير المضطر إلى الحرم.
ولم أقف الآن على رواية بتحريم غير المخيط إنما نهي عن القميص والقباء
والسراويل، وفي صحيح معاوية: لا تلبس ثوبا تزره ولا تدرعه ولا تلبس سراويل،
وتظهر الفائدة في الخياطة في الأزرار وشبهه.
وروى علي بن أبي حمزة عن أبي الحسن الكاظم عليه السلام: أن الحائض
لا تقدم طواف النساء فإن أبت الرفقة الإقامة عليها استعدت عليهم، والأصح
جوازه لها ولكل مضطر، رواه الحسن بن علي عن أبيه عنه عليهما السلام، وفي
الرواية الأولى إشارة إلى عدم شرعية استنابة الحائض في الطواف كما يقوله
متأخر والأصحاب في المذاكرة، وقد روى الكليني في الحسن عن الصادق عليه
السلام في امرأة حاضت ولم تطف طواف النساء فقال: لا يقيم عليها جمالها ولا
تستطيع أن تتخلف عن أصحابها تمضي وقد تم حجها، وهو لا ينافي إعادة
الطواف من قابل، وهو دليل أيضا على عدم استنابتها، ويؤيده أيضا ما رواه عن
476

أبي الحسن عليه السلام في امرأة حاضت فخافت أن يفوتها الحج: تتحمل بقطنة
بماء اللبن فانقطع، وروي أيضا أنها تدعو لانقطاعه.
وروى إسحاق بن عمار عن أبي الحسن عليه السلام: ما رأيت الناس أخذوا
عن الحسن والحسين عليهما السلام إلا الصلاة بعد العصر وبعد الغداة في طواف
الفريضة، وروى محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام في ركعتي طواف
الفريضة: أكرهه عند اصفرار الشمس وعند طلوعها، وروى غيره أيضا ذلك،
ويعارضها رواية ميسرة عن الصادق عليه السلام وغيرها.
ولا يجوز التقدم إلى منى على التروية بأزيد من ثلاثة أيام، قاله المفيد لرواية
إسحاق بن عمار عن أبي الحسن عليه السلام، وروى عبد الرحمان بن الحجاج
عنه عليه السلام: أن أباه كان يقول ذو الحجة كله من أشهر الحج.
وروى السكوني بإسناده إلى علي عليه السلام في المحرم والمحل يقتلان
صيدا: على المحرم الفداء وعلى المحل نصف الفداء وروى أبو بصير عن
الصادق عليه السلام: في بيضة النعامة شاة فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام فإن لم
يستطع فإطعام عشرة مساكين إذا أصابه وهو محرم، وهو محمول على بيض
اشتراه نضيجا أو مكسورا وإلا وجب الإرسال.
وروى زرارة عن أحدهما عليهما السلام: إن قتل الصبي المحرم صيدا فعلى
أبيه. واليوم المشهود يوم عرفة ويوم الحج الأكبر يوم النحر.
درس [41]:
روى الكليني عن زرارة أيضا عن أحدهما عليهما السلام: أن الجمار كن
يرمين كلهن يوم النحر ثم ترك ذلك، وعن حمران أن الباقر عليه السلام كان
يرميهن جمع يوم النحر.
وعن معاوية بن عمار عن الصادق عليه السلام: المعتمر إذا ساق الهدي
يحلق قبل الذبح، وروي أيضا عنه: النحر قبل الحلق، ومثله رواه زرارة، وروى
477

معاوية أيضا: أن الحزورة بين الصفا والمروة، وعن الحلبي عن الصادق عليه
السلام: إذا لبى من لا يريد الحج بحج أو عمرة فليس بشئ ولا ينبغي له أن يفعل.
وروى البزنطي مرسلا عن الصادق عليه السلام: أعظم الناس وزرا من
وقف وسعى وطاف وصلى ثم ظن أن الله لم يغفر له، وعن الفضيل بن يسار عن
أحدهما عليهما السلام: من حج ثلاثا ولاء فهو بمنزلة مد من الحج وإن لم يحج،
وروى عمر بن يزيد عن الصادق عليه السلام: لا يلي الموسم مكي، والدفن في
الحرم أفضل من عرفات ولو مات بها رواه علي بن سليمان.
وروى داود الرقي عن الصادق عليه السلام: أنه شكى إليه غريما له خاف
توى ماله عليه، فأمره بالطواف عن عبد المطلب وعبد الله وأبي طالب وآمنة
وفاطمة بنت أسد، كل واحد منهم أسبوعا وركعتيه، ثم الدعاء برد ما له، ففعل،
فإذا غريمه واقف على باب الصفا لإيفائه، وحافظ متاع القوم حتى يطوفوا أعظمهم
أجرا عن الصادق عليه السلام، وعنه: القعود عند المريض أفضل من الصلاة في
مسجد النبي صلى الله عليه وآله.
وعنه عليه السلام: من سبق إلى موضع فهو أحق به يومه وليلته، ومن أماط
أذى من طريق مكة كتب الله له حسنة ومن كتب الله له حسنة لم يعذبه، ولا يزال
العبد في حد الطواف ما دام حلق الرأس عليه، وروى الحسين بن مسلم عن أبي
الحسن عليه السلام: يوم الأضحى يوم الصوم، ويوم عاشوراء يوم الفطر.
وروى الصدوق عن أبي عبد الله عليه السلام: أن لله تبارك وتعالى حول
الكعبة عشرين ومائة رحمة، منها ستون للطائفين وأربعون للمصلين وعشرون
للناظرين، وروي أيضا أن من صلى في المسجد الحرام صلاة واحدة قبل الله منه
كل صلاة صلاها وكل صلاة يصليها إلى أن يموت.
وإذا رد النائب فاضل الأجرة استحب للمستأجر ترك أخذه، رواه
الصدوق، وروي أيضا: أن النائب إذا مات قبل الفعل ولا مال له أجزأ عن الميت،
وإن كان له عند الله حجة أثبتت لصاحبه، وقال الصادق عليه السلام لمن حج عن
478

إسماعيل: لك تسع وله واحدة.
وحجة الجمال والتاجر والأجير تامة، ويؤخر الإحرام بالصبي عند البرد إلى
العرج فإن شق فالجحفة فإن شق فبطن مر، وكان علي بن الحسين عليه السلام
يضع السكين في يد الصبي ويقبض الرجل على يده فيذبح، ومن أدان وحج
قضي دينه، والمؤمن محرم المؤمنة لقوله تعالى " والمؤمنون والمؤمنات بعضهم
أولياء بعض ".
واستنابة الرجل عن المرأة أفضل ويجوز للوصي في الاستئجار للحج
مباشرته ولو شك الوارث في حج المورث حج عنه إذا علم أنه قد وجب عليه
واستقر، ويجوز أن يتمتع عن واحد ويحج عن آخر وأفتى به الجعفي ولو أحرم في
شهر وأحل في آخر كتب له أفضلهما، ويجوز تشريك الغير في الحج ندبا ولو
بعد فراغه.
درس [42]:
من كلام ابن الجنيد قال: روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله قال:
إذا حج الأعرابي ثم هاجر فعليه أخرى، ولعله على الندب، وجعل " عسفان "
ميقاتا لمن دخل مفردا للعمرة إذا أراد أن يتمتع بعمرة وخير بينه وبين " ذات
عرق "، وجعل ميقات أهل مكة لحجهم " الجعرانة " واستحب أن يكون في أول
ذي الحجة، وكذا المجاور، ما لم يتجاوز المكي الحرم فلا عمرة عليه لدخوله.
ولا يجزئ الإحرام بغير صلاة إلا للحائض، وفائدة الاشتراط إباحة تأخير
قضاء النسك ولولاه لوجبت المبادرة في أول أوقات الإمكان، والاحتياط لمن
أراد التمتع أن ينوي المتعة ويهل بالحج وليكثر من " لبيك ذا المعارج " لأن
فيها إثبات فضيلة رسول الله صلى الله عليه وآله في الإسراء ولا بأس بالمراوحة بين
الأثواب إذا كان قد أخرج جميعها عند الميقات.
ولو وطأ بعير الراكب ليلا شيئا في وكره بغير عمد فلا جزاء عليه، مع أنه
479

قال: لا فرق بين العامد وغيره، ويمكن إخراج هذا للحرج، كما لو ملأ الجراد
الطرق.
وقال: لو علم أن النعامة ذات فراخ أهدى بدنة ذات جنين ونحرهما جميعا،
وفي أكل الجراد عمدا دم ومعناه إذا كان على الرفض لإحرامه.
وقال: لو اجتمعت في الصيد الواحد أفعال توجب كل منها الجزاء بانفراده
لم يتداخل، كما لو أشار إلى صيد حتى صيد ثم أعان عليه حتى ذبح ثم أكل منه
ثم أطعم، ومن نفر طيور الحرم كان عليه لكل طائر ربع قيمته ولم يذكر العود
ولا عدمه، وإذا أحرم وفي ملكه صيد خلاه خارج الحرم، فإن أدخله وجب تخليته
وإن كان ممتنعا وإلا حفظه حتى يمتنع، قال: ولا يستحب أن يحرم وفي يده صيد
ولا لحم صيد، وقيد في الميتة المقدمة على الصيد للقادر على الفداء بأن يكون
مباحا أكلها بالذكاة وإلا أكل الصيد.
وقال: لا يصلي إذا دخل المسجد تطوعا حتى يطوف ويصلي له ويسعى، ولو
طاف فيما ليس له لبسه في إحرامه افتدى عن كل ثوب بدم، وهو مخالف
للمشهور، وجعل استئناف طواف الفريضة عند قطعه أحوط، وجوز البناء ولكن
يبتدئ بالحجر، وكذلك الساعي يبتدئ بالصفا أو بالمروة لو قطعه في أثناء
الشوط، ولو ابتدأ بالسعي قبل الطواف أعاده بعده، فإن فاته ذلك قدم،
والمشهور وجوب الإعادة مطلقا.
ولا يحل الطيب بالحلق لمكي أخر إحرامه إلى يوم التروية، وعلى الإمام أن
يمضي للطوافين والسعي من منى ليومه ويعود حتى يصلي بالناس الظهر بمنى.
ولا يؤخر المتمتع الزيارة عن يوم النحر، وكذا من بحكمه وهو المكي الذي
أخر إحرامه إلى يوم التروية.
قال: وروي عن أبي جعفر عليه السلام: الإتمام في الثلاثة الأيام بمنى
للحاج، وأرى ذلك إذا نوى مقام خمسة أيام أولها أيام منى وهو شاذ، ومن تعذر
حمله إلى الجمرة يرمي بالحصى في يد غيره مكبرا مع كل حصاة ويفصل بين
480

كل سبع منها بدعاء، ثم يأمر الغير بالرمي، ومن نفر في الأول لم يقرب الصيد
حتى يمضي اليوم الثالث.
وتحرم إجارة بيوت مكة فيدفع الحاج الأجرة عن حفظ رحله، وتجب
الأضحية على البالغ مرة واحدة والاستحباب في كل سنة ويجوز التبرع بها عن
الغير، ويستحب كون الأضحية من غالب قوت بلد الأضحية، فإن اشترك فمن
أعلاها، ويجوز أن يشرك فيها من يشاء من أهله وغيره حاضرا أو غائبا إلا من
لا يجوز توليه في الدين أو من يريد أن لا يهدي نصيبه منه.
ويكره التعرض للصوف والشعر واللبن من الأضحية الواجبة، ولا بأس به
في التطوع ولا يذبح إمام المصر إلا في المصلى بعد خطبته، وروت أم سلمة أن
رسول الله صلى الله عليه وآله قال: إذا أهل هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن
يضحي فلا يمس من شعره ولا من بشره، والفرعة والعتيرة والبحيرة والسائبة
والوصيلة والحامي التي كانت الجاهلية توجبها في مواسمها منسوخة بالهدي
والأضحية والعقيقة، ويفهم من هذا أنها كانت مشروعة، والقرآن ينفيه إلا أن يعني
بالنسخ الرفع المطلق.
درس [43]:
منع ابن إدريس من الإحرام عمن زال عقله لسقوط الحج عنه، وجوز ذلك
عنه من الولي جماعة وهو المعتمد، ولا يلزم من سقوط التكليف عنه عدم الاعتداد
به كإحرام الصبي المميز والإحرام بغير المميز، وتظهر الفائدة لو زال المانع قبل
الوقوف، وقال: لا يكره الإحرام في الكتان وإن كره التكفين فيه.
ولو قتل الطير الأهلي غرم لصاحبه قيمته السوقية، وتصدق بقيمته الشرعية
على المساكين، ويشكل إذا كان في الحل، نعم لو كان في الحرم كالقماري،
وقال بملكه أمكن ما قاله وكذا إذا أراد بالقيمة الفداء، وفي فرخ النعامة إبل في سنة
ونقل عن بعض الأصحاب أن في الفرخ إذا تحرك في بيضة الحمامة شاة.
481

وقال سلار: في الوداع من السنة المتأكدة صلاة ركعتين فما زاد بإزاء كل
ركن آخرها الركن الذي فيه الحجر، وعد من موجبات الدم الإحرام بالعمرة في
رجب، ثم المقام بمكة حتى يحرم منها للرواية السالفة، ومنع المستحاضة من
دخول الكعبة.
ومن فتاوى الجعفي يجوز للمدني تأخير الإحرام إلى الجحفة، ويجوز لمريد
الإحرام التطيب بما ليس فيه مسك ولا عنبر، وهما ضعيفان، ولا يلبس ثوبا مخيطا
يتدرعه.
ولو عجز عن بدنة النعامة أطعم ثلاثين مسكينا فإن عجز صام ثمانية عشر
يوما، وفي بقرة البقرة يعجز عنها الصدقة على ثمانية عشر مسكينا، فإن عجز صام
تسعة أيام، وفي شاة الظبي يعجز عنها الصدقة على عشرة مساكين فإن عجز صام
ثلاثة أيام، وفي شاة الثعلب والأرنب يعجز عنها صيام ثلاثة أيام، وكلها متروكة،
وفي اليحمور والأيل ونحوهما ما في حمار الوحش وهي بقرة، ولم يذكره الأصحاب.
ومن نتف ريش طير في الحرم تصدق على مسكين باليد الناتفة وعليه أن
يمسكه ويعلفه حتى ينبت، وفي بغاث الطير مد، وفي العصفور والصعوة والقبرة
والفاختة والحجلة واليعفور جدي، وهو شاذ.
وقال لو عجز عن الإرسال في بيض الحمام والطير ففي كل بيضة شاة ثم
إطعام عشرة مساكين ثم صيام ثلاثة أيام، وجوز الظلال للصبيان، وجعل المشي
أفضل من الركوب والحفاء أفضل من الانتعال، ويجعل بينه وبين جمرة العقبة
عشرين ذراعا.
وقال أبو الصلاح الحلبي: ميقات المجاور ميقات بلده ويجوز له الإحرام من
الجعرانة وإن ضاق الوقت فمن خارج الحرم، وميقات المعتمر ميقات أهله فإن
اعتمر من مكة فخارج الحرم، وميقات أهله أفضل، ومن منزله بين الميقات ومكة
إحرامه من الميقات أفضل، وأهل مكة مخيرون بين سائر المواقيت، وأوجب في
482

قتل الزنابير صاعا وفي قتل الكثير دم شاة.
وقال المفيد - رحمه الله -: في الزنبور تمرة فإن قتل كثيرا منها تصدق بمد
من طعام أو مد من تمر، وقال: يكره للمحرم أن يأكل من يد امرأته أو أمته شيئا
تلقمه إياه، ويسقط المشي عن ناذره بعد طواف النساء، وروى المفيد عن الصادق
عليه السلام سقوطه إذا رمى جمرة العقبة.
ومن فروع المبسوط يكره للمحرم لبس الثياب المعلمة بالإبريسم، وخطبة
النساء، ولو وطأ العاقد محرما لزمه المسمى إن سمى وإلا فمهر المثل، والأقرب
مهر المثل وإن سمى.
ولا تبطل الإجارة المطلقة بالتأخير وليس للمستأجر فسخها، وقد مر ثبوت
الخيار، ويدخل أغنياء الحاج في الوصية للحاج وإن كان الفقراء أفضل، ولو
قال من حج عني فله عبد أو دينار أو درهم فحج، تخير الجاعل في دفع واحد
منها، ويحتمل أجرة المثل للجهالة.
وقال في الزنبور تمرة فإن قتل كثيرا منها تصدق بمد من طعام أو مد من
تمر، وقال يحرم الدبى كالجراد، ويشكل بعدم تحليله، ويحرم البيض بكسر
المحرم، والأقرب حله، وفي الخلاف لا يحرم صيد " وج " - وهو مكان
بالطائف - ولا يكره للأصل وهو " بالواو والجيم المشددة ".
درس [44]:
ينبغي للإمام الأعظم إذا لم يشهد الموسم نصب إمام عليه في كل عام، كما
فعل النبي صلى الله عليه وآله من تولية علي عليه السلام سنة تسع على الموسم
وأمره بقراءة براءة، وكان قد ولى غيره فعزله عن أمر الله تعالى، وولى علي عليه
السلام على الحج أيام ولايته الظاهرة.
وروى ابن بابويه عن العمري: أن المهدي عليه السلام يحضر الموسم في
كل سنة يرى الناس ويرونه يعرفهم ولا يعرفونه.
483

ويشترط في الوالي العدالة والفقه في الحج، وينبغي أن يكون شجاعا مطاعا
ذا رأي وهداية وكفاية.
وعليه في مسيره أمور خمسة عشر: جمع الناس في سيرهم، ونزولهم حذرا
من المتلصصة، وترتيبهم في السير والنزول، وإعطاء كل طائفة معا في السير
وموضعا من النزول ليهتدي ضالهم إليهم، وأن يرتاد لهم المياه والمراعي، وأن
يسلك بهم أوضح الطريق وأخصبها وأسهلها مع الاختيار، وأن يحرسهم في
سيرهم ونزولهم ويكف عنهم من يصدهم عن المسير ببذل مال أو قتال مع
إمكانه.
ولو احتاج إلى خفارة بذل لها أجرة فإن كان هناك بيت مال أو تبرع به
الإمام أو غيره فلا بحث، وإن طلب من الحجيج فقد مر حكمه، وأن يرفق بهم في
السير على سير أضعفهم، وأن يحمل المنقطع منهم من بيت المال أو من الوقف
على الحاج إن كان وإلا فهو من فروض الكفاية، وأن يراعي في خروجه الأوقات
المعتادة فلا يتقدم بحيث يؤدي إلى فناء الزاد ولا يتأخر فيؤدى إلى النصب أو فوات
الحج، وأن يؤدب الجناة حدا أو تعزيرا إذا فوض إليه ذلك، وأن يحكم بينهم إن
كان أهلا وإلا رفعهم إلى الأهل، وأن يمهلهم عند الوصول إلى الميقات ريثما
يتهيأوا له بفروضه وسننه، ويمهلهم بعد النفر لقضاء حوائجهم من المناسك
المتخلفة وغيرها، وأن يقيم على الحائض والنفساء كيما تطهرا، روي نصا، وأن
يسير بهم إلى زيارة النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام ويمهلهم بالمدينة
بقدر أداء مناسك الزيارات والتوديع وقضاء حاجاتهم.
وعليه في إقامة المناسك أمور:
الإعلام بوقت الإحرام ومكانه وكيفيته، وكذا في كل فعل ومنسك،
والخطب الأربع تتضمن أكثر ذلك، ولتكن الأولى بعد صلاة الظهر من اليوم
السابع من ذي الحجة وبعد إحرامه لمكان تقدمه إلى منى، والثانية يوم عرفة قبل
صلاة الظهر، والثالثة يوم النحر، والرابعة في النفر الأول، وكلها مفردة، إلا خطبة
484

عرفة فإنها اثنتان يعرفهم في الأولى كيفية الوقوف وأدائه ووقت الإفاضة ومبيت
مزدلفة ووقت الإفاضة منها ويحضهم على الدعاء والأذكار. ثم يجلس جلسة
خفيفة كالأولى ويقوم إلى الثانية فيأتي بها مخففة بحيث يفرغ منها بفراغ المؤذن
من الأذان والإقامة.
وصرح الشيخ في الخلاف بأن الخطبة قبل الأذان قال ابن الجنيد، وروي
عن الصادق عليه السلام أن النبي صلى الله عليه وآله خطب بعرفة بعد الصلاة،
وأنه خطب الرابعة في غد يوم النحر.
وتقدمه في الخروج إلى منى ليصلي بها الظهرين وتخلفه فيها حتى تطلع
الشمس، وكذا يتخلف بجمع حتى تطلع ولا يلبث بعد طلوعها، وتقدمه يوم النحر
في الإفاضة إلى مكة ثم يعود ليومه ليصلي الظهرين بالحجيج في منى، وتأخره
بمنى إلى النفر الثاني ثم يتقدم لصلاة الظهرين بمكة، وأمر أهل مكة بالتشبه
بالمحرمين أيام الموسم.
وإمامة الحجيج في الصلوات وخصوصا الصلوات التي معها الخطب، وعلى
الناس طاعته فيما يأمر به، ويستحب لهم التأمين على دعائه ويكره التقدم بين يديه
فيما ينبغي التأخر عنه وبالعكس.
ولو نهى حرم، وعليه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وخصوصا فيما
يتعلق بالمناسك والكفارات، ولو كان الحكم مختلفا فيه بين علماء الشيعة فليس
له أن يأمرهم باتباع مذهبه إذا لم يكن الإمام الأعظم أو من أخذ عنه، إلا أن يكون
الخطأ ظاهرا فيه لندور القول فله رد معتقده.
ويجوز أن يتولى الإمام الواحد وظائف السفر وتأدية المناسك وأن يفوضا
إلى إمامين، ولو كان إمام التأدية والتعليم حلالا جاز، والظاهر أنه مكروه لما فيه
من تغيير سنة السلف.
ولو أمر الإمام مناديا أن ينادي أيام منى، كما أمر رسول الله صلى الله عليه
وآله بديل بن ورقاء ألا لا تصوموا فإنها أيام أكل وشرب وبعال كان حسنا.
485

درس [45]:
لنختم كتاب الحج بأخبار اثني عشر:
الأول: روى البزنطي عن ثعلبة عن ميسر قال: كنا عند أبي جعفر عليه السلام
في الفسطاط نحوا من خمسين رجلا فقال لنا: أ تدرون أي البقاع أفضل عند الله
منزلة؟ فلم يتكلم أحد فكان هو الراد على نفسه فقال: تلك مكة الحرام التي
رضاها الله لنفسه حرما وجعل بيته فيها، ثم قال: أ تدرون أي بقعة في مكة أفضل
حرمة؟ فلم يتكلم أحد فكان هو الراد على نفسه فقال: ذلك المسجد الحرام، ثم
قال: أ تدرون أي بقعة في المسجد الحرام أعظم عند الله حرمة؟ فلم يتكلم أحد
فكان هو الراد على نفسه فقال: ذلك بين الركن الأسود إلى باب الكعبة، ذلك
حطيم إسماعيل عليه السلام الذي كان يذود فيه غنمه ويصلي فيه، فوالله لو أن
عبدا صف قدميه في ذلك المكان قائما بالليل مصليا حتى يجنه النهار وقائما
بالنهار حتى يجنه الليل ولم يعرف حقنا وحرمتنا أهل البيت لم يقبل الله منه شيئا
أبدا، إن أبانا إبراهيم عليه الصلاة والسلام وعلى محمد وآله كان مما اشترط على
ربه أن قال: رب اجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم، أما إنه لم يعن الناس كلهم
فأنتم أولئك رحمكم الله ونظراؤكم، وإنما مثلكم في الناس كمثل الشعرة
السوداء في الثور الأنور.
الثاني: ما رواه الصدوق بإسناده إلى أبي حمزة الثمالي قال: قال لنا علي بن
الحسين عليهما السلام: أي البقاع أفضل؟ فقلت: الله ورسوله وابن رسوله أعلم،
فقال: أفضل البقاع ما بين الركن والمقام، ولو أن رجلا عمر ما عمر نوح في قومه
ألف سنة إلا خمسين عاما يصوم النهار ويقوم الليل في ذلك المكان ثم لقي الله
عز وجل بغير ولايتنا لم ينفعه ذلك شيئا.
الثالث: ما رواه سعيد الأعرج عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أحب الأرض
إلى الله عز وجل مكة، وما تربة أحب إلى الله عز وجل من تربتها، ولا حجر أحب
إليه من حجرها، ولا شجر أحب إليه من شجرها، ولا جبال أحب إليه من جبالها،
486

ولا ماء أحب إليه من مائها.
الرابع: ما رواه الصدوق عن الباقر عليه السلام قال: أتى آدم عليه السلام هذا
البيت ألف أتية على قدميه، منها سبعمائة حجة وثلاثمائة عمرة، وكان يأتيه من
ناحية الشام على ثور.
الخامس: عن الصادق عليه السلام: من أم هذا البيت حاجا أو معتمرا تبرءا من
الكبر رجع من ذنوبه كهيئة يوم ولدته أمه، - والكبر أن يجهل الحق ويطعن على
أهله.
السادس: قال الصادق عليه السلام: من نظر إلى الكعبة فعرف من حقنا
وحرمتنا مثل الذي عرف من حقها وحرمتها غفر الله له ذنوبه وكفاه هم الدنيا
والآخرة، وروي أن من نظر إلى الكعبة لم يزل يكتب له حسنة وتمحى عنه سيئة
حتى يصرف بصره عنها.
السابع: قال الباقر عليه السلام ما يقف أحد على تلك الجبال بر ولا فاجر إلا
استجاب الله له فأما البر فيستجاب له في آخرته ودنياه، وأما الفاجر فيستجاب له
في دنياه، وما من رجل وقف بعرفة من أهل بيت من المؤمنين إلا غفر الله لأهل
ذلك البيت من المؤمنين، وما من رجل من أهل كورة وقف بعرفة من المؤمنين
إلا غفر الله لأهل تلك الكورة من المؤمنين.
الثامن: عن الصادق عليه السلام: للذي يحج عن الرجل أجر وثواب عشر
حجج ويغفر له ولأبيه ولأمه ولابنه ولا بنته ولأخيه ولأخته ولعمه وعمته ولخاله
وخالته.
التاسع: قال الصادق عليه السلام: من أنفق درهما في الحج كان خيرا له من
مائة ألف درهم ينفقها في حق، قال ابن بابويه: روي أن درهما في الحج أفضل
من ألفي درهم فيما سواه في سبيل الله، وأن درهما يصل إلى الإمام مثل ألف ألف
درهم في الحج.
العاشر: روى سعد الإسكاف قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: إن
487

الحاج إذا أخذ في جهازه لم يخط خطوة إلا كتب الله له عشر حسنات ومحا عنه
عشر سيئات ورفع له عشر درجات حتى يفرع من جهازه، فإذا استقلت به راحلته
لم ترفع خفا ولم تضعه إلا كتب الله له مثل ذلك حتى يقضي نسكه، فإذا قضى
نسكه غفر الله تعالى له، وكان بقية ذي الحجة والمحرم وصفر وشهر ربيع الأول
وعشرا من شهر ربيع الآخر يكتب الله له الحسنات ولا يكتب عليه السيئات إلا أن
يأتي بموبقة، فإذا مضت أربعة أشهر خلط بالناس.
الحادي عشر: قال الصادق عليه السلام: الحاج يصدرون على ثلاثة أصناف،
فصنف يعتقون من النار وصنف يخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، وصنف يحفظ
في أهله وماله.
الثاني عشر: روى زرارة أنه قال لأبي عبد الله عليه السلام: جعلني الله فداك،
أسألك في الحج منذ أربعين عاما فتفتيني؟ فقال: يا زرارة بيت يحج قبل آدم
بألفي عام تريد أن تفتي مسائله في أربعين عاما.
وقد أتينا منه بحمد الله في هذا المختصر ما لم يجتمع في غيره من المطولات،
فلله الشكر على جميع الحالات.
488

كتاب المزار
يستحب للحاج وغيرهم زيارة النبي صلى الله عليه وآله بالمدينة استحبابا
مؤكدا، أو يجبر الإمام الناس على ذلك لو تركوه لما فيه من الجفاء المحرم، كما
يجبرون على الأذان، ومنع ابن إدريس ضعيف لقوله صلى الله عليه وآله: من أتى
مكة حاجا ولم يزرني إلى المدينة جفوته يوم القيامة، ومن أتاني زائرا وجبت له
شفاعتي ومن وجبت له شفاعتي وجبت له الجنة، وقال صلى الله عليه وآله في
الترغيب في زيارته: من زار قبري بعد موتي كان كمن هاجر إلي في حياتي، فإن
لم تستطيعوا فابعثوا إلي بالسلام فإنه يبلغني، وقال للحسين عليه السلام: يا بني من
زارني حيا أو ميتا أو زار أباك أو زار أخاك حيا أو زارك كان حقا علي أن
أزوره يوم القيامة وأخلصه من ذنوبه.
ورسول الله صلى الله عليه وآله، هو " أبو القاسم محمد بن عبد الله بن
عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف " ولد بمكة في شعب أبي طالب يوم الجمعة
بعد طلوع الفجر سابع عشر شهر ربيع الأول عام الفيل، وكان حمل أمه " آمنة
بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب " به في ثلاثة أيام التشريق في منزل
أبيه عبد الله بمنى عند الجمرة الوسطى.
وصدع بالرسالة في اليوم السابع والعشرين من رجب لأربعين سنة،
وقبض بالمدينة يوم الاثنين لليلتين بقيتا من صفر سنة إحدى عشرة من الهجرة،
489

وقيل: لاثنتي عشرة ليلة بقيت من شهر ربيع الأول، عن ثلاث وستين سنة.
ويستحب زيارة فاطمة عليها السلام ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله
وزوج أمير المؤمنين عليه السلام وأم الحسن والحسين عليهما السلام، قالت عليها
السلام: أخبرني أبي صلى الله عليه وآله أنه: من سلم عليه وعلي ثلاثة أيام أوجب
الله له الجنة، فقيل لها: في حياتكما؟ قالت: نعم وبعد موتنا، وليزر بيتها والروضة
والبقيع.
ولدت عليها السلام بعد المبعث بخمس سنين، وقبضت بعد أبيها صلى الله
عليه وآله بنحو مائة يوم.
ويستحب زيارة الأئمة الاثني عشر عليهم السلام:
فالأول: أمير المؤمنين أبو الحسن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم،
وأبو طالب وعبد الله إخوان لأبوين، وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم، وهو وإخوته
أول هاشمي ولد بين هاشميين، ولد يوم الجمعة ثالث عشر رجب وروي سابع
شعبان، بعد مولد رسول الله صلى الله عليه وآله بثلاثين سنة، وقبض قتيلا بالكوفة
ليلة الجمعة لتسع ليال بقين من شهر رمضان سنة أربعين عن ثلاث وستين سنة،
ودفن بالغري من نجف الكوفة بمشهده الآن.
قال الصادق عليه السلام: من زار أمير المؤمنين عليه السلام ماشيا كتب الله له
بكل خطوة حجة وعمرة، وإن رجع ماشيا كتب الله له بكل خطوة حجتين
وعمرتين، وقال الصادق عليه السلام: زيارة علي عليه السلام تعدل حجتين
وعمرتين، وزيارة الحسين عليه السلام تعدل حجة وعمرة، وقال عليه السلام: من
زار أمير المؤمنين عارفا بحقه كتب الله له بكل خطوة حجة مقبولة وعمرة مبرورة.
والله ما تطعم النار قدما أغبرت في زيارة أمير المؤمنين عليه السلام ماشيا كان أو
راكبا.
ويستحب زيارة آدم ونوح عليهما السلام معه، قال الصادق عليه السلام: إذا
زرت جانب النجف فزر عظام آدم وبدن نوح وجسم علي عليهم السلام، وقال
490

الرضا عليه السلام للبزنطي: احضر يوم الغدير عند أمير المؤمنين عليه السلام فإن
الله يغفر لكل مؤمن ومؤمنة ومسلم ومسلمة ذنوب ستين سنة، ويعتق من النار
ضعف ما أعتق في شهر رمضان، وفي ليلة القدر وليلة الفطر، والدرهم فيه بألف
درهم لإخوانك العارفين فأفضل عليهم في هذا اليوم.
الثاني: الإمام الزكي أبو محمد الحسن بن علي عليهما السلام، سيد شباب
أهل الجنة، ولد بالمدينة يوم الثلاثاء منتصف شهر رمضان سنة اثنتين من الهجرة،
وقال المفيد: سنة ثلاث، وقبض بها مسموما يوم الخميس سابع صفر سنة تسع
أو ثمان وأربعين، أو سنة خمسين من الهجرة، عن سبع أو ثمان وأربعين سنة.
قال عليه السلام يا رسول الله ما لمن زارنا؟ فقال: من زارني حيا أو ميتا أو
زار أباك حيا أو ميتا أو زار أخاك حيا أو ميتا أو زارك حيا أو ميتا كان حقا
علي أن أستنقذه يوم القيامة، وقيل للصادق عليه السلام، ما لمن زار واحدا منكم؟
فقال: كمن زار رسول الله صلى الله عليه وآله، وقال الرضا عليه السلام: إن لكل
إمام عهدا في عنق أوليائهم وشيعتهم، وأن من تمام الوفاء بالعهد وحسن الأداء
زيارة قبورهم، فمن زارهم رغبة في زيارتهم وتصديقا لما رغبوا فيه كان أئمتهم
شفعاؤهم يوم القيامة، وقال الصادق عليه السلام في الحسن عليه السلام، من أتاه
وزاره وصلى عنده ركعتين كتب الله له حجة مبرورة، فإن صلى عنده أربع
ركعات كتب الله له حجة وعمرة، قال: وكذلك كل من زار إماما مفترض
الطاعة.
الثالث: الإمام الشهيد أبو عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم
السلام، سيد شباب أهل الجنة، ولد بالمدينة آخر شهر ربيع الأول سنة ثلاث من
الهجرة، وقيل يوم الخميس ثالث عشر شهر رمضان، وقال المفيد: لخمس خلون
من شعبان سنة أربع، وقتل بكربلاء يوم السبت عاشوراء سنة إحدى وستين عن
ثمان وخمسين سنة، وثواب زيارته لا تحصى، حتى روي أن زيارته فرض على
كل مؤمن وأن تركها ترك حق لله ولرسوله، وأن تركها عقوق رسول الله صلى
491

الله عليه وآله وانتقاص في الإيمان والدين، وأنه حق على الغني زيارته في السنة
مرتين والفقير في السنة مرة، وأن من أتى عليه حول ولم يأت قبره نقص من عمره
حول، وأنها تطيل العمر، وأن أيام زيارته لا تعد من الأجل وتفرج الغم وتمحص
الذنوب، وبكل خطوة حجة مبرورة، وله بزيارته أجر عتق ألف نسمة، وحمل
على ألف فرس في سبيل الله، وله بكل درهم أنفقه عشرة آلاف درهم، وأن من
أتى قبره عارفا بحقه غفر الله له ما تقدم من ذنوبه وما تأخر، وأن زيارته يوم عرفة
بعشرين حجة وعشرين عمرة مبرورة وعشرين غزوة مع النبي صلى الله عليه وآله
والإمام عليه السلام.
بل يروى أن مطلق زيارته خير من عشرين حجة وأن زيارته يوم عرفة مع
المعرفة بحقه بألف ألف حجة وألف ألف عمرة متقبلات وألف غزوة مع نبي أو
إمام.
وزيارة أول رجب مغفرة للذنب البتة، ونصف شعبان يصافحه مائتا ألف
نبي وعشرون ألف نبي، وليلة القدر مغفرة للذنب، وأن الجمع في سنة واحدة بين
زيارته ليلة عرفة والفطر وليلة النصف من شعبان بثواب ألف حجة مبرورة وألف
عمرة متقبلة وقضاء ألف حاجة للدنيا والآخرة.
وزيارته يوم عاشوراء معرفة بحقه كمن زار الله فوق عرشه، وهو كناية عن
كثرة الثواب والإجلال بمثابة من رفعه الله إلى سمائه وأدناه من عرشه وأراه من
خاصة ملكه ما يكون به توكيد كرامته.
وزيارته في العشرين من صفر من علامات المؤمن، وزيارته في كل شهر
ثوابها ثواب مائة ألف شهيد من شهداء بدر.
ومن بعد عنه وصعد على سطحه ثم رفع رأسه إلى السماء ثم توجه إلى قبره
وقال: السلام عليك يا أبا عبد الله السلام عليك ورحمة الله وبركاته، كتب الله له
زورة - والزورة حجة وعمرة - ولو فعل ذلك كل يوم خمس مرات كتب له
ذلك.
492

وإذا زاره فليزر ولده علي بن الحسين عليهما السلام، وهو الأكبر على
الأصح، وليزر الشهداء وأخاه العباس والحر بن يزيد، وليتم الصلاة عنده ندبا.
ويستشفي بتربته من حريم قبره وحده خمسة فراسخ من أربع جوانبه،
وروي فرسخ من كل جانب، وروى إسحاق بن عمار: خمسا وعشرين ذراعا من
ناحية الرأس ومثلها من ناحية الرجلين، وروى عبد الله بن سنان: أن قبره عشرون
ذراعا مكسرا وكله على الترتيب في الفضل.
وروى المفضل بن عمر عن الصادق عليه السلام في الصلاة عنده كل
ركعة بألف حجة وألف عمرة وعتق ألف رقبة وألف وقعة في سبيل الله مع نبي
مرسل، وروى ابن أبي عمير مرسلا عن الباقر عليه السلام: صلاة الفريضة عنده
تعدل حجة والنافلة تعدل عمرة، وفي تربته الشفاء من كل داء وهي الدواء الأكبر
رواه سليمان البصري عن الصادق عليه السلام، وليؤخذ من قبره إلى سبعين ذراعا
على الأفضل، وحملها أيضا أمان من كل خوف، ويستحب حمل السبحة من طينه
ثلاثا وثلاثين حبة فمن قلبها ذاكرا لله فله بكل حبة أربعون حسنة وإن قلبها ساهيا
فعشرون حسنة، وما سبح الله بأفضل من سبحة طينه، ويستحب وضعها مع
الميت في قبره وخلطها بحنوطه رواه الحميري عن الفقيه.
ويستحب لزائره أن يأتيه محزونا أشعث أغبر جائعا عطشانا ولا يتخذ في
طريقه السفر ولا يتطيب ولا يدهن ولا يكتحل، ويأكل الخبز واللبن ويزوره
بالمأثور.
الرابع: الإمام أبو محمد زين العابدين علي بن الحسين عليهما السلام، ولد
بالمدينة يوم الأحد خامس شعبان سنة ثمان وثلاثين، وقبض بها يوم السبت ثاني
عشر المحرم سنة خمس وتسعين عن سبع وخمسين سنة، وأمه شاة زنان بنت
شيرويه بن كسرى أبرويز، وقيل: ابنة يزدجرد.
الخامس: الإمام أبو جعفر محمد بن علي الباقر لعلم الدين، ولد بالمدينة يوم
الاثنين ثالث صفر سنة سبع وخمسين، وقبض بها يوم الاثنين سابع ذي الحجة
493

سنة أربع عشرة ومائة، وروي سنة ست عشرة، أمه أم عبد الله بنت الحسن بن
علي عليهما السلام، فهو علوي بين علويين.
السادس: الإمام أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق العالم، ولد بالمدينة يوم
الاثنين سابع عشر شهر ربيع الأول سنة ثلاث وثمانين، وقبض بها في شوال،
وقيل: في منتصف رجب يوم الاثنين سنة ثمان وأربعين ومائة عن خمس وستين
سنة، وأمه أم فروة فاطمة ابنة القاسم الفقيه بن محمد النجيب بن أبي بكر، وقال
الجعفي: اسمها وكنيتها أم فروة، قبره وقبر أبيه وجده وعمه الحسن بالبقيع في
مكان واحد.
وفي بعض الروايات أن فاطمة بنت أسد جدتهم معهم في تربتهم، والروايات
في زيارة الحسن عليه السلام تدل على فضيلة زيارتهم، وعن أبي محمد الحسن بن
علي العسكري: من زار جعفرا وأباه لم يشل عينه ولم يصبه سقم ولم يمت مبتلى،
وعن الصادق عليه السلام من زارني غفرت له ذنوبه ولم يمت فقيرا.
السابع: الإمام الكاظم أبو الحسن وأبو إبراهيم وأبو علي موسى بن جعفر
الصادق عليهما السلام، وأمه حميدة البربرية، ولد بالأبواء - بين مكة والمدينة -
سنة ثمان وعشرين ومائة، وقيل سنة تسع وعشرين ومائة يوم الأحد سابع صفر،
وقبض مسموما ببغداد في حبس السندي بن شاهك لست بقين من رجب سنة
ثلاث وثمانين ومائة، وقيل يوم الجمعة لخمس خلون من رجب إحدى وثمانين
ومائة، ودفن بمقابر قريش في مشهده الآن.
سأل الحسن بن علي الوشا الرضا عليه السلام عن زيارة أبيه أبي الحسن، أ هي
مثل زيارة الحسين عليه السلام؟ قال: نعم، وقال عليه السلام من زار قبر أبي
ببغداد كمن زار قبر رسول الله وقبر أمير المؤمنين صلوات الله عليهما، وقال عليه
السلام: إن الله نجى بغداد لمكان قبره بها، وإن لمن زاره الجنة.
الثامن: الإمام الرضا أبو الحسن علي بن موسى ولي المؤمنين، وأمه أم البنين
أم ولد، ولد بالمدينة سنة ثمان وأربعين ومائة وقيل يوم الخميس حادي عشر ذي
494

القعدة وقبض بطوس في صفر وقبره بسناباذ بمشهده الآن سنة ثلاث ومائتين،
عن الكاظم عليه السلام من زار قبر ولدي علي كان عند الله كسبعين حجة
مبرورة، قال له يحيى المازني: سبعين حجة؟ قال: نعم وسبعين ألف حجة،
وقيل لأبي جعفر محمد بن علي الجواد: أ زيارة الرضا أفضل أم زيارة الحسين عليه
السلام؟ قال: زيارة أبي أفضل لأنه لا يزور إلا الخواص من الشيعة، وعنه عليه
السلام: إنها أفضل من الحج، وأفضلها رجب، وروى البزنطي قال: قرأت كتاب
أبي الحسن الرضا عليه السلام بخطه: أبلغ شيعتي أن زيارتي تعدل عند الله ألف
حجة وألف عمرة متقبلة كلها، قال: قلت لأبي جعفر: ألف حجة؟ قال: إي والله
وألف ألف حجة لمن يزوره عارفا بحقه.
وقال الرضا عليه السلام: من زارني على بعد داري ومزاري أتيته يوم القيامة
في ثلاثة مواطن حتى أخلصه من أهوالها إذا تطايرت الكتب يمينا وشمالا وعند
الصراط والميزان.
التاسع: الإمام الجواد أبو جعفر محمد بن علي الرضا عليهما السلام، وأمه أم
الخيزران أم ولد، وكانت من أهل بيت مارية القبطية، ولد بالمدينة في شهر
رمضان سنة خمس وتسعين ومائة، وقبض ببغداد في آخر ذي القعدة، وقيل: يوم
الثلاثاء حادي عشر ذي القعدة سنة عشرين ومائتين، ودفن في ظهر جده الكاظم
عليهما السلام بمقابر قريش.
عن الهادي عليه السلام في فضل زيارتهما عن الحسين عليه السلام أبو
عبد الله المقدم وهذا أجمع وأعظم أجرا.
العاشر: الإمام الهادي المنتجب أبو الحسن علي بن محمد الجواد عليهما
السلام، أمه أم سمانة أم ولد، ولد بالمدينة منتصف ذي الحجة سنة اثنتي عشرة
ومائتين، وقبض بسر من رأى يوم الاثنين ثالث رجب سنة أربع وخمسين ومائتين
ودفن في داره بها.
الحادي عشر: الإمام التقي الهادي ولي المؤمنين أبو محمد الحسن بن علي
495

العسكري، أمه حديث أم ولد، ولد بالمدينة في شهر ربيع الآخر وقيل: يوم
الاثنين رابع سنة اثنتين وثلاثين ومائتين، وقبض بسر من رأى يوم الأحد، وقال
المفيد: يوم الجمعة ثامن شهر ربيع الأول سنة ستين ومائتين، ودفن إلى جانب
أبيه، وثواب زيارتهما تعلم من الأخبار السابقة، وروى أبو هاشم الجعفري قال:
قال لي أبو محمد الحسن بن علي عليهما السلام: قبري بسر من رأى أمان لأهل
الجانبين، وقال المفيد رحمه الله يزاران من ظاهر الشباك ومنع من دخول الدار،
وقال الشيخ أبو جعفر وهو الأحوط لأنها ملك الغير فلا يجوز التصرف فيها إلا
باذنه، قال: ولو أن أحدا دخلها لم يكن مأثوما وخاصة إذا تأول في ذلك ما روي
عنهم عليهم السلام: أنهم جعلوا شيعتهم في حل من مالهم.
الثاني عشر: الإمام المهدي الحجة، صاحب الزمان أبو القاسم محمد بن الإمام
أبي محمد بن الحسن العسكري عجل الله تعالى فرجه، ولد بسر من رأى يوم
الجمعة ليلا، وقيل ضحى خامس عشر شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين، أمه
صقيل، وقيل: نرجس، وقيل: مريم بنت زيد العلوية.
وهو المتيقن ظهوره وتملكه وأنه يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما
وجورا، " اللهم إنا نسألك بك وبحق حبيبك محمد وأهل بيته الطاهرين أن
تصلي على محمد وآل محمد وأن تحشرنا في زمرتهم وتعتق رقابنا من النار بحبهم
وتعجل فرجهم وفرجنا بهم وتدرك بنا أيامهم، يا أرحم الراحمين ".
ويستحب زيارة المهدي عليه السلام في كل مكان وكل زمان، والدعاء
بتعجيل الفرج عند زيارته، وتتأكد زيارته في السرداب بسر من رأى.
ويستحب زيارة النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام كل يوم
جمعة، ولو من البعد وإذا كان على مكان عال، أفضل.
ويستحب زيارة منتجبي الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، وخصوصا
جعفر بن أبي طالب بمؤتة، والعباس وأولاده، وسلمان بالمدائن وعمار بصفين،
وحذيفة، وزيارة الأنبياء عليهم السلام حيث كانوا خصوصا إبراهيم وإسحاق
496

ويعقوب بمشهدهم المعروف، وباقي الأنبياء عليهم السلام بالأرض المقدسة
وزيارة المسجد الأقصى وإتيان مقامات الأنبياء وزيارة قبور الشهداء والصلحاء من
المؤمنين.
قال الكاظم عليه السلام: من لم يقدر أن يزورنا فليزر صالحي إخوانه يكتب
له ثواب زيارتنا، ومن لم يقدر أن يصلنا فليصل صالحي إخوانه يكتب له ثواب
صلتنا، وليقل ما قاله أبو جعفر عليه السلام على قبر رجل من الشيعة: " اللهم ارحم
غربته وصل وحدته وآنس وحشته وآمن روعته وأسكن إليه من رحمتك رحمة
يستغني بها عن رحمة سواك وألحقه بمن كان يتولاه " وليكن الزائر مستقبل
القبلة ويقرأ كلا من التوحيد والقدر سبعا وقد وضع يده عليه.
قال ابن إدريس ولا أرى التعفير على قبر أحد ولا التقبيل له سوى قبور الأئمة
عليهم السلام للإجماع عليه وإلا لامتنع، وروى محمد بن بزيع عن الرضا عليه
السلام: من أتى قبر أخيه المؤمن من أي ناحية فوضع يده عليه وقرأ إنا أنزلناه
سبع مرات أمن من الفزع الأكبر، ويستحب إهداء ثواب الأعمال والقربات
وخصوصا القرآن العزيز للأموات من المؤمنين وخصوصا العلماء، وذوي الأرحام
وخصوصا الوالدين.
ويستحب لمن حضر مزارا أن يزور عن والديه وأحبائه وعن جميع المؤمنين
فيقول " السلام عليك يا مولاي من فلان بن فلان أتيتك زائرا عنه فاشفع له عند
ربك " ويدعو له، ولو قال: السلام عليك يا نبي الله من أبي وأمي وزوجتي
وولدي وخاصتي وجميع إخواني من المؤمنين أجزأ، وجاز له أن يقول: لكل
واحد قد أقرأت رسول الله عنك السلام، وكذا باقي الأنبياء والأئمة عليهم
السلام، وروى حفص بن البختري: أنه من خرج من مكة أو المدينة أو مسجد
الكوفة أو الحائر قبل أن ينتظر الجمعة نادته الملائكة أين تذهب لا ردك الله.
497

خاتمة:
يستحب زيارة الإخوان في الله تعالى استحبابا مؤكدا، فإذا زاره نزل على
حكمه ولا يحتشمه ولا يكلفه، ويستحب للمزور استقبال الزائر ومصافحته واعتناقه
وتقبيل موضع السجود من كل منهما، ولو قبل يده كان جائزا وخصوصا
العلماء وذرية رسول الله صلى الله عليه وآله لقول الصادق عليه السلام: لا تقبل يد
أحد إلا من أريد به رسول الله صلى الله عليه وآله، وروي تقبيل الحاج حين يقدم
على شفتيه، وليتحفه بما حضر من طعام وشراب وفاكهة وطيب، وأدناه شرب
الماء أو الوضوء وصلاة ركعتين عنده، والتأنيس بالحديث والتوديع إذا خرج.
وروى الكليني عن أبي حمزة عن الصادق عليه السلام: من زار أخاه لله
وكل الله به سبعين ألف ملك ينادونه ألا طبت وطابت لك الجنة وقال الباقر
عليه السلام لخيثمة: أبلغ من ترى من موالينا السلام وأوصهم بتقوى الله وأن
يعود غنيهم على فقيرهم وقويهم على ضعيفهم، وأن يشهد حيهم جنازة ميتهم، وأن
يتلاقوا في بيوتهم فإن في تلاقيهم حياة لأمرنا، رحم الله عبدا أحيا أمرنا، وقال
الصادق عليه السلام لصفوان الجمال: أيما ثلاثة مؤمنين اجتمعوا عند أخ لهم
يأمنون بوائقه ولا يخافون غوائله ويرجون ما عنده إن دعوا الله أجابهم وإن سألوه
أعطاهم وإن استزادوه زادهم وإن سكتوا ابتدأهم، وقال عليه السلام: من زار أخاه
في الله عز وجل قال الله عز وجل: إياي زرت وثوابك علي لست أرضى لك
ثوابا دون الجنة.
درس [1]:
إذا توجه الحاج إلى المدينة وانتهى إلى مسجد غدير خم دخله وصلى فيه
وأكثر فيه من الدعاء، وهو موضع النص من رسول الله صلى الله عليه وآله على
أمير المؤمنين عليه السلام، والمسجد باق إلى الآن جدرانه، وإذا أتى إلى المعرس
" بضم الميم وفتح العين وتشديد الراء المفتوحة " ويقال " بفتح الميم وبسكون
498

العين وتخفيف الراء " - وهو بذي الحليفة بإزاء مسجد الشجرة إلى ما يلي القبلة -
فلينزل به تأسيا برسول الله صلى الله عليه وآله وليصل فيه وليسترح به، فإذا أتى
المدينة فليغتسل لدخولها ودخول المسجد ولزيارة النبي صلى الله عليه وآله،
وليدخل المسجد من باب جبرائيل عليه السلام ويدعو عند دخوله، فإذا دخل
المسجد وصلى التحية، ثم أتى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله زاره مستقبلا
حجرته الشريفة مما يلي الرأس، ثم يأتي جانب الحجرة القبلي ويستقبل وجهه
صلى الله عليه وآله مستدبرا القبلة ويسلم عليه ويزوره بالمأثور أو بما حضر، ثم
يستقبل القبلة ويدعو بما أحب، ثم يصلي ركعتي الزيارة بالمسجد ويدعو بعدها
وليكثر من الصلاة بالمسجد وخصوصا الروضة - وهي ما بين القبر والمنبر -.
وروى البزنطي عن عبد الكريم عن أبي بصير عن الصادق عليه السلام: حد
الروضة من مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله إلى طرف الظلال قال البزنطي،
وقال بعضهم: ما بين القبر والمنبر إلى طرف الظلال، وقال أبو بصير: حد مسجد
رسول الله صلى الله عليه وآله إلى الأساطين يمين المنبر إلى الطريق مما يلي سوق
الليل. ويستحب للزائر أن يأتي بعد الزيارة منبر رسول الله صلى الله عليه وآله،
ويمسح رمانتيه وإن لم يكن منبر رسول الله صلى الله عليه وآله باقيا.
ويستحب صيام ثلاثة أيام بالمدينة معتكفا بالمسجد وأفضلها الأربعاء
والخميس والجمعة، ويصلى ليلة الأربعاء عند أسطوانة أبي لبابة - واسمه بشير بن
عبد المنذر الأنصاري شهد بدرا وهي أسطوانة التوبة - ويقيم عندها يوم الأربعاء ثم
يصلي ليلة الخميس عند الأسطوانة التي تلي مقام النبي صلى الله عليه وآله ومصلاه،
ويصلي ليلة الجمعة عند مقام النبي صلى الله عليه وآله، وكلما دخل المسجد سلم
على النبي صلى الله عليه وآله.
ثم يأتي البقيع فيزور الأئمة الأربعة عليهم السلام وفاطمة بنت رسول الله
صلوات الله وسلامه عليهما بعد أن يكون قد زارها بالروضة وبيتها، وقيل: يزورها
499

مع الأئمة الأربعة عليهم السلام، ثم يزور قبر إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه
وآله وعبد الله بن جعفر وفاطمة بنت أسد ومن بالبقيع من الصحابة والتابعين، ثم
يأتي قبر حمزة عليه السلام وشهداء أحد فيزورهم بادئا بحمزة ويهدي لهم ثواب
ما تيسر من القرآن، ثم يأتي المساجد الشريفة بالمدينة كمسجد قبا ومسجد الفتح -
وهو مسجد الأحزاب - ومسجد الفضيخ - وهو الذي ردت فيه الشمس
لأمير المؤمنين عليه السلام بالمدينة - ومشربة أم إبراهيم ولد رسول الله صلى الله
عليه وآله.
ويستحب المجاورة بالمدينة إجماعا، قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
لا يصبر على لاواء المدينة وشدتها أحد من أمتي إلا كنت شفيعا له يوم القيامة أو
شهيدا، وقال صلى الله عليه وآله في الذين يريدون الخروج من المدينة إلى أحد
الأمصار: المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، وليكثر المجاور فيها من الصلاة في
مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله، وتلاوة الكتاب العزيز وتدبر معانيه، ويمثل
أنه بحضرة رسول الله صلى الله عليه وآله، ويزوره إن استطاع في كل يوم مرارا،
وأقل الزيارة أن يقول إذا شاهد حجرته: السلام عليك يا رسول الله، وكذا يزور
الأئمة عليهم السلام ما استطاع، وليحفظ نفسه فيها من المآثم والمظالم، وفي
الصدقة فيها على المحاويج ثواب جزيل وخصوصا على ذرية رسول الله صلى الله
عليه وآله.
تنبيه:
للمدينة حرم وهو من ظل عائر إلى فئ وعير بفتح الواو ولا يعضد شجره،
ولا يصاد ما بين الحرتين منه - أعني حرة ليلى وحرة وأقم - وهو على الكراهية،
وظاهر الشيخ التحريم.
500

درس [2]:
قد بينا في كتاب الذكرى استحباب بناء قبور الأئمة عليهم السلام
وتعاهدها، ولنذكر هنا نبذا من أحكام المشاهد المقدسة لم يذكرها الأصحاب.
قد جمع المشهد بين المسجدية والرباط فله حكمهما، فمن سبق إلى منزل
منه فهو أولى ما دام رحله باقيا، ولو استبق اثنان ولم يمكن الجمع أقرع، ولا فرق
بين من يعتاد منزلا منه وبين غيره.
والوقف على المشاهد يتبع شرط الواقف، ولو فضل شئ من المصالح
ادخر له إما عينا أو مشغولا في عقار يرجع نفعه عليه، ولو فضل عن ذلك كله
فالأقرب جواز صرفه في مشهد آخر أو مسجد، وأمر مصالحة العامة إلى الحاكم
الشرعي، ويجوز انتفاع الزائر بآلاته المعدة فإذا انصرف سلمها إلى الناظر فيه، ولو
نقلت فرشه إلى مكان آخر للزائر جاز وإن خرج عن خطة المشهد، وفي جواز
صرف أوقافه ونذوره إلى مصالح الزائرين مع استغنائهم عنها نظر، أما مع
الحاجة فيجوز كالمنقطع به عن أهله.
وللزيارة آداب:
أولها: الغسل قبل دخول المشهد والكون على طهارة، فلو أحدث أعاد
الغسل قاله المفيد رحمه الله وإتيانه بخضوع وخشوع في ثياب طاهرة نظيفة
جدد.
وثانيها: الوقوف على بابه والدعاء والاستئذان بالمأثور، فإن وجد خشوعا
ورقة دخل، وإلا فالأفضل له تحري زمان الرقة لأن الغرض الأهم حضور القلب
لتلقي الرحمة النازلة من الرب، فإذا دخل قدم رجله اليمنى وإذا خرج فباليسرى.
وثالثها: الوقوف على الضريح ملاصقا له أو غير ملاصق، وتوهم أن البعد
أدب وهم، فقد نص على الاتكاء على الضريح وتقبيله.
ورابعها: استقبال وجه المزور واستدبار القبلة حال الزيارة، ثم يضع عليه
خده الأيمن عند الفراع من الزيارة ويدعو متضرعا، ثم يضع عليه خده الأيسر
501

ويدعو سائلا من الله تعالى بحقه وبحق صاحب القبر أن يجعله من أهل شفاعته،
ويبالغ في الدعاء والإلحاح، ثم ينصرف إلى ما يلي الرأس، ثم يستقبل القبلة
ويدعو.
وخامسها: الزيارة بالمأثور، ويكفي السلام والحضور.
وسادسها: صلاة ركعتي الزيارة عند الفراع فإن كان زائرا للنبي صلى الله
عليه وآله ففي الروضة، وإن كان لأحد الأئمة عليهم السلام فعند رأسه، ولو
صلاهما بمسجد المكان جاز، ورويت رخصة في صلاتهما إلى القبر، فلو استدبر
القبر وصلى جاز وإن كان غير مستحسن إلا مع البعد.
وسابعها: الدعاء بعد الركعتين بما نقل، وإلا فبما سنح له في أمور دينه
ودنياه، وليعمم الدعاء فإنه أقرب إلى الإجابة.
وثامنها: تلاوة شئ من القرآن عند الضريح وإهداؤه إلى المزور والمنتفع
بذلك الزائر وفيه تعظيم للمزور.
وتاسعها: إحضار القلب في جميع أحواله مهما استطاع، والتوبة من الذنب
والاستغفار والإقلاع.
وعاشرها: التصدق على السدنة والحفظة للمشهد وإكرامهم وإعظامهم، فإن
فيه إكرام صاحب المشهد عليه الصلاة والسلام، وينبغي لهؤلاء أن يكونوا من أهل
الخير والصلاح والدين والمروءة والاحتمال والصبر وكظم الغيظ خالين من
الغلظة على الزائرين، قائمين بحوائج المحتاجين مرشدي ضال الغرباء والواردين،
وليتعهد أحوالهم الناظر فيه فإن وجد من أحد منهم تقصيرا نبهه عليه فإن أصر
زجره، فإن كان من المحرم جاز ردعه بالضرب إن لم يجد التعنيف من باب
النهي عن المنكر.
وحادي عشرها: أنه إذا انصرف من الزيارة إلى منزله يستحب له العود إليها
ما دام مقيما، فإذا جاز الخروج ودع ودعي بالمأثور وسأل الله تعالى العود إليها.
وثاني عشرها: أن يكون الزائر بعد الزيارة خيرا منه قبلها، فإنها تحط الأوزار إذا
502

صادفت القبول.
وثالث عشرها: تعجيل الخروج عند قضاء الوتر من الزيارة لتعظم الحرمة
ويشتد الشوق، وروي أن الخارج يمشي القهقرى حتى يتوارى.
ورابع عشرها: الصدقة على المحاويج بتلك البقعة، فإن الصدقة مضاعفة
هنالك وخصوصا على الذرية الطاهرة كما تقدم بالمدينة.
وتستحب الزيارة في المواسم المشهورة وقصدا، وقصد الإمام الرضا عليه
السلام في رجب فإنه من أفضل الأعمال.
ولا كراهة في تقبيل الضرائح بل هو سنة عندنا ولو كان هناك تقية فتركه
أولى.
وأما تقبيل الأعتاب فلم نقف فيه على نص نعتد به، ولكن عليه الإمامية، ولو
سجد الزائر ونوى بالسجدة الشكر لله تعالى على بلوغه تلك البقعة كان أولى.
وإذا أدرك الجمعة فلا يخرج قبل الصلاة، ومن دخل المشهد والإمام يصلي
بدأ بالصلاة قبل الزيارة، وكذلك لو كان قد حضر وقتها، وإلا فالبدأة بالزيارة
أولى لأنها غاية مقصده، ولو أقيمت الصلاة استحب للزائرين قطع الزيارة والإقبال
على الصلاة، ويكره تركه وعلى الناظر أمرهم بذلك.
وإذا زارت النساء فليكن منفردات عن الرجال ولو كان ليلا فهو أولى
وليكن متنكرات مستخفيات مستترات، ولو زرن بين الرجال جاز وإن كره.
وينبغي مع كثرة الزائرين أن يخفف السابقون إلى الضريح الزيارة
وينصرفوا ليحضر من بعدهم ليفوزوا من القرب إلى الضريح بما فاز أولئك.
تتمة:
يستحب إذا زار الحسين عليه السلام أن يزور عقيبه ولده عليا، وهو الأكبر
على الأصح، وأمه ليلى بنت أبي مسعود بن مرة بن مسعود الثقفي، وهو أول قتيل
من ولد علي عليه السلام في الطف، وله رواية عن جده علي عليه السلام، ثم يزور
الشهداء، ثم يأتي العباس بن علي عليه السلام فيزوره، وأمه أم البنين بنت حزام
503

بن خالد بن ربيعة أخي لبيد الشاعر.
خاتمة:
أجمع الأصحاب على الاستشفاء بالتربة الحسينية صلوات الله على مشرفها
وعلى أفضلية التسبيح بها. وبذلك أخبار متواترة، ويجوز أخذها من حرمه عليه
السلام وإن بعد كما سبق، وكلما قرب من الضريح كان أفضل، ولو جئ بتربة
ثم وضعت على الضريح كان حسنا وليقل عند قبضها واستعمالها ما هو مشهور،
ولا يتجاوز المستشفي قدر الحمصة، ويجوز لمن جازها بيعها كيلا ووزنا ومشاهدة
سواء كانت تربة مجردة أو مشتملة على هيئات الانتفاع، وينبغي للزائر أن
يستصحب منها ما أمكن لتعم البركة أهله وولده وبلده فهي شفاء من كل داء
وأمان من كل خوف، ولو طبخت التربة قصدا للحفظ عن التهافت فلا بأس
وتركه أفضل والسجود عليها من أفضل الأعمال إن شاء الله تعالى.
504

المحرر في الفقه الشيخ جمال الدين أبو العباس
أحمد بن شمس الدين محمد بن فهد الأسدي الحلي
757 - 841 ه‍. ق
505

كتاب الحج
وفيه أبواب:
الباب الأول: في المقدمات:
وهي أربع:
المقدمة الأولى:
في شرائط حجة الإسلام
الحج في اللغة: القصد، وفي الشرع: القصد إلى بيت الله تعالى بمكة لأداء
مناسك مخصوصة عنده متعلق بزمان مخصوص، وهو واجب وندب.
فالواجب بأصل الشرع هو حجة الإسلام في العمر مرة على الفور، وقد تجب
بالنذر واليمين والعهد والإفساد والاستئجار، وتتكرر بتكرر السبب.
والندب ما سواه، كفاقد الشروط والمتبرع به.
وإنما تجب حجة الإسلام بالتكليف والحرية والاستطاعة، وهي الزاد
والراحلة، ولا يشترط المحمل وإن كان من أهله مع قدرة الركوب على الزاملة،
نعم لا يجب المشي وإن قدر عليه، ومؤونة طريقه وعياله الواجبي النفقة ذهابا وإيابا
على حسب حاله، وما يضطر إليه من الآلات والأوعية.
ولا يجب بيع دار السكنى وعبد الخدمة وفرس الركوب إذا كان من أهلها،
ويباع ما سوى ذلك وإن حل موقعه، كالملك ورأس ماله الذي لا يقدر على
507

التجارة إلا به، ولو لم يكن له الدار استثني ثمنها، وكذا يقدمه على النكاح وإن
شقت عليه العزوبة ما لم يخف الضرر الكثير.
ويستحب لفاقد الشرائط، كالعبد إذا أذن له السيد، والفقير، والولي بالصبي
والمجنون ونفقته الزائدة على الحضر في خاص الولي، وكذا كفارة الصيد،
وتسقط كفارة غيره عنهما.
أما القضاء بالإفساد فيجب على الطفل بعد بلوغه، ولا يعتبر فيها الاستطاعة
المعتبرة في حجة الإسلام، لكن لو استطاع لحجة الإسلام قدمها على القضاء،
ولو زال عذر العبد والصبي والمجنون قبل المشعر أجزأ عن حجة الإسلام.
ولو بذل له الزاد والراحلة فقد استطاع، ويستقر في ذمته لو أهمل وإن لم
يكن البذل لازما، ويلزم بالتسليم، أما من وجبت عليه العمرة بدخول مكة، فإنه
يأثم ولا يستقر في ذمته.
ولو وهب مالا لم يجب القبول، ولو قبل وجب الحج، ولو كان عليه دين
وجب صرفه في الدين، إلا أن تكون الهبة بشرط بذله في الحج.
ولا يشترط الرجوع إلى كفاية، ولا البصر مع قدرة الأعمى على الاستقلال،
أو وجود القائد، ولا الإسلام، بل يجب على الكافر وإن لم يصح منه، ولو زالت
الاستطاعة قبل إسلامه لم يستقر، ولا المحرم في المرأة مع ظن السلامة ومع
الحاجة إليه وعدم تبرعه تكون أجرته ونفقته جزءا من الاستطاعة، ولا إذن الزوج
في الواجبة بالإسلام أو النذر باذنه أو قبل نكاحه، ويشترط إذنه في التطوع،
والمعتدة الرجعية كالزوجة والبائنة كالأجنبية.
ومن الشرائط: الصحة، فلا يجب على المريض المتضرر به ولا على
المعضوب، وسعة الوقت لقطع المسافة وتخلية السرب من عدو لا يندفع إلا
بالقتال وإن ظن السلامة، ولو اندفع بمال مقدور عليه وجب.
ولو منع المستطيع كبر أو مرض أو عدو لم تجب الاستنابة، بل يستحب
ويؤدي بنية الوجوب، فإن استمر العذر أجزأت النيابة، وإن زال حج بنفسه، ولو
508

أهمل المستطيع حتى عجز بكبر أو مرض لا يرجى زواله جاز أن يستنيب.
المقدمة الثانية:
في شرائط النذر
ويعتبر التكليف والحرية وإذن السيد والزوج، ولا يشترط استطاعة حجة
الإسلام، بل يجب على القادر على المشي.
ولو نذر أن يحج العام وهو غير مستطيع ثم استطاع، وجبت المنذورة
والحج في القابل للأصل إن استمرت الاستطاعة، ولو أهمل في الأولى استقرت
وحجه في الثانية للإسلام وكفر عن النذر وقضاه، أما لو أطلق نذر الحج ثم
استطاع، فإنه يقدم حجة الإسلام.
ولو نذره ماشيا أو راكبا تعين، ولا ينعقد نذر الحافي، ويقف الماشي في
مواضع العبور، ولو عجز عن المشي ركب وساق بدنة ندبا مطلقا كان النذر أو
مقيدا، ولو ركب البعض قضى ماشيا في الجميع، ولو كان معينا بسنة كفر،
ويسقط عنه المشي بعد طواف النساء، ولو نذر غير حجة الإسلام لم يتداخلا،
وكذا لو نذر حجا مطلقا.
المقدمة الثالثة:
في أحكام النيابة:
إذا اجتمعت الشرائط وجب على الفور مع أول رفقة تخرج من بلده، وإذا
أهمل ومضى من الزمان ما يمكن فيه الوصول وأفعال الحج بتمام ركعتي طواف
النساء مع بقاء الاستطاعة، استقر في ذمته، ولو مات أو تلف ماله لا بسببه قبل
ذلك سقط، ويقضي المستقر من أصل التركة من أقرب الأماكن على الفور، ويأثم
الولي بالتأخير.
ويعتبر في النائب التكليف والإيمان والعدالة، ولو حج الفاسق أجزأ في
509

نفس الأمر، وكذا لو كان الولي فاسقا وحج أجزأ، وأن لا يكون عليه حج واجب
مع قدرته عليه ولو مشيا، ولو عجز عن ذلك صحت نيابته، وإن لم يكن حج
أو كان امرأة عن رجل أو امرأة.
ويشترط إسلام المنوب وإيمانه إلا في أب النائب، ومع إطلاق العقد أو
اشتراط التعجيل يجب تعجيلها، وإن أهمل في المعينة انفسخ العقد، وفي المطلقة
لغير عذر يتخير المستجار خاصة، ولعذر يتخيران معا.
ولو صد قبل التلبس بالإحرام تحلل ولا قضاء عليه وإن كانت الإجارة
مطلقة، وعليه رد ما قابل المتخلف من الطريق ذهابا وإيابا، وكذا لو كان قبل
التلبس، ولو اختار المستأجران البقاء على حكم الإجارة في المطلقة جاز في
المسألتين، ولم يكن للنائب شئ وعليه الهدي والكفارة، ولا يجب رد الفاضل من
الأجرة بل يستحب، كالتتمم على الولي.
ولو مات بعد الإحرام ودخول الحرم أجزأ عنهما، وقبل الدخول كالصد،
ولو مات وعليه حجة الإسلام ومنذورة أخرجا من الأصل، ومع القصور تقسم
التركة، فإن قصر نصيب كل واحدة عما لا يرغب فيه أجير صرف في حجة
الإسلام، وكذا يقسم عليهما وعلى الديون بالحصص، ومع قصور نصيب الحجة
عما لا يرغب فيه أجير يصرف في الدين.
ولو استبصر المخالف ولم يكن أخل بركن لم يعد، وكذا باقي عباداته
كالصلاة والصوم، وإن مسح على الخفين أو أفطر قبل ذهاب الحمرة، أما الزكاة
فإن صرفها في قبيله أعادها كالحج إذا أخل منه بركن، وإن كان الأفضل قضاء
جميع العبادات الواجبة.
ويأتي النائب بالنوع المشترط، ويجوز العدول إلى التمتع إن كان مندوبا،
أو كان المنوب مخيرا، كذي المنزلين المتساويين وناذر الحج مطلقا، ولو خالف
حيث منع لم يستحق أجرة، ولو كانت المخالفة في الطريق وقد تعلق به غرض
أو كان ما عدل إليه أسهل رجع عليه بالتفاوت.
510

ولو أوصى بحج ولم يعين الأجرة، انصرف إلى أجرة المثل، ولو عين قدرا
زائدا عليها كانت الزيادة من الثلث، ولو كرر الوصية بالحج وعرف قصد
التكرار، حج عنه بثلاثة وإلا اقتصر على المرة.
ولو جعل غلة ملك للحج، فإن كان حاصلها كل سنة يقوم بالحج
استؤجر له ولو وفي الحاصل بأجيرين أو أكثر وجب، ولو عجز عن واحدة كمل
من السنة الثانية.
ولا يجوز له الاستنابة إلا بإذن، ولا أن يؤجر نفسه وعليه حجة الإسلام أو النذر
أو الاستئجار المطلقين، ولو عينا بسنة جاز أن يؤجر نفسه لغيرها.
ولا يطاف عن حاضر متمكن من الطهارة، ولو لم يجمع الوصفين جاز،
ويطاف بالعاجز ويحسب للحامل والمحمول إذا لم يكن بأجرة، ولو حصل بيده
وديعة لمن عليه حجة الإسلام وخاف منع الوارث وجب أن يقتطع أجرة المثل
ويحج بنفسه وأجيره، والجعالة أفضل، ودفع ذلك إلى الحاكم أولى، وكذا
الحكم في المستعير والمستأجر والمضارب، وفاضل الرهن والديون والغاصب
مع التوبة.
ولو حج عن الميت تبرعا برأت ذمته وإن لم يأذن الولي، ولو كان حيا
عاجزا اشترط إذنه، ويستحب للموسر تكراره، وأقله في كل خمس سنين، وإذا لم
ينشط بنفسه أو منعه مانع فالاستئجار، فيجوز إيقاع حجتين وأكثر في عام عن
واحد في الواجب والندب.
ويجب تعيين المنوب قصدا ويستحب لفظا، والدعاء له في المواطن.
المقدمة الرابعة:
في أنواع الحج:
وهي ثلاثة: تمتع وقران وإفراد.
والتمتع أن يحرم من الميقات للعمرة المتمتع بها، ثم يمضي إلى مكة
511

فيطوف بها سبعا ويصلي ركعتيه، ويسعى للعمرة ويقصر، فيحل من عمرته من
كل شئ أحرم منه حتى النساء.
ثم يحرم من مكة للحج ويخرج إلى عرفات فيقف بها إلى غروب الشمس
يوم عرفة، ثم يفيض إلى المشعر فيقف به من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، ثم
يأتي منى فيرمي جمرة العقبة بسبع حصيات، ثم يذبح هديه، ثم يحلق رأسه، ثم
يمضي إلى مكة فيطوف للحج ويصلي ركعتيه، ثم يسعى للحج، ثم يطوف
للنساء ويصلي ركعتيه، ثم يرجع إلى منى فيبيت بها ليلتي الحادي عشر والثاني
عشر، ويرمي في اليومين الجمار الثلاث، ثم ينفر إن شاء أو يقيم إلى الثالث فيرميه.
والمفرد يحرم من الميقات، ثم يمضي إلى عرفة، ثم إلى المشعر، ثم يأتي منى
فيقضي مناسكه بها، ثم يأتي مكة فيطوف بالبيت للحج ويصلي ركعتيه، ثم
يسعى، ثم يطوف للنساء ويصلي ركعتيه، ثم يرجع إلى مني فيرمي اليومين أو
الثلاث، ثم يأتي بعمرة مفردة.
والقارن كذلك إلا أنه يقرن بإحرامه سياق الهدي.
والتمتع فرض من نأى عن مكة بثمانية وأربعين ميلا من كل جانب،
والباقيان فرض من دنا عن ذلك، ولو عدل كل منهم إلى فرض الآخر اختيارا لم
يجز، ويجوز مع الضرورة فيعدل المتمتع إذا خاف ضيق الوقت وقصوره عن
التحلل، وإنشاء الإحرام بالحج، وحصول الحيض قبل أربعة أشواط من طواف
العمرة، فيقول: أعدل من عمرة التمتع إلى حج الإفراد حج الإسلام لوجوبه قربة
إلى الله، ثم يخرج إلى عرفات ويأتي بعمرة بعد الحج.
ويعدل من قسميه إليه إذا عجز عن العمرة بعد الحج: إما بفوات الرفقة، أو
خوف طريان الحيض عند إرادتها، أو الخوف من عدو، فيقول: أعدل من حج
الإفراد إلى عمرة التمتع عمرة الإسلام لوجوبه قربة إلى الله، وقد يكون العدول
ابتداءا، فلا يحتاج إلى ذكر العدول في النية.
ولو كان له منزلان بمكة وناء، فالحكم لأغلبهما في الإقامة، فإن " تساويا
512

تخير والأفضل التمتع، ولو أقام الآفاقي ثلاث سنين انتقل فرضه كالعكس،
ودونها يتمتع فيخرج إلى ميقات بلده أو غيره من المواقيت ويحرم منه بحج
الإسلام، فإن تعذر فمن أدنى الحل، ولو تعذر أحرم من موضعه.
وشروط التمتع أربعة: النية، ووقوعه في أشهر الحج، وهي شوال وذو القعدة
وذو الحجة، والإتيان به وبالعمرة في عام واحد، والإحرام بالحج من مكة، ولو
أحرم من غيرها رجع، فإن تعذر أحرم حيث قدر ولو بعرفة، ولا حج له لو تعمد.
وشروط القارن والمفرد ثلاثة: النية، ووقوعه في أشهر الحج، وعقد إحرامه
من الميقات أو دويرة أهله إن كانت أقرب إلى عرفات.
وإذا دخل أحدهما إلى مكة جاز له التطوع بالطواف، ويستحب لهما تجديد
التلبية عند صلاة الطواف، ولو أرادا تقديم طواف الحج وسعيه على الوقوف جاز
على كراهية، ولا يجوز ذلك للمتمتع، ولا له التطوع بالطواف بعد إحرام حجه
قبل عرفة، ولا يقدم طواف النساء أصلا إلا لضرورة كخوف الحيض.
ويجوز للمفرد إذا دخل مكة العدول إلى المتعة إن كان إحرامه بتطوع، أو
كان قد نذر حجا مطلقا، أو تساوى منزلاه، ولا يلبي بعد طوافه وسعيه، ولو فعل
أثم ولم تبطل متعته.
ولا عدول للقارن، وإذا لبى القارن استحب له إشعار ما ساقه من البدن، يشق
سنامه من الجانب الأيمن، ويلطخ صفحته بالدم، ولو تكثرت دخل بينها وأشعر
هذه في الصفحة اليمنى، وهذه في الصفحة اليسرى، وله التقليد وهو أن يعلق في
رقبة المسوق نعلا أو سيرا أو خيطا صلى فيه، وهو مشترك بين الأنعام الثلاث،
ويختص الإشعار بالإبل.
ولا يجب على القارن والمفرد هدي، وإنما يجب على المتمتع.
513

الباب الثاني: في الأفعال:
وفيه فصول:
الفصل الأول: في الإحرام:
ومباحثه ثلاثة:
البحث الأول: الميقات:
ويجب الإحرام منه على من أراد دخول مكة إذا كان حرا، إلا أن يتكرر
كالحطاب والحشاش، أو يكون دخوله قبل مضي شهر من إحلاله، ولا يصح
قبل الميقات إلا الناذر عينه في مكان بشرط وقوعه في أشهر الحج، والمعتمر في
رجب إذا خاف خروجه قبل وصوله الميقات، ولا يفتقر إلى تجديده فيه وغيرهما
يبطل.
ولا يكفي مرور المحرم عليه ما لم يجدده فيه، فإن تجاوزه ناسيا أو جاهلا
لجهته وجب العود إليه، فإن تعذر أحرم حيث قدر، وكذا الحائض لو تركته ظنا
بالمنع، وكذا من لا يريد النسك ثم أراده، ولو نسي الإحرام بالكلية حتى قضى
المناسك أجمع أجزأ.
والمواقيت: لأهل العراق العقيق، وأفضله المسلخ وأوسطه غمرة وآخره
ذات عرق، ويجوز فيما بينهما، ولأهل المدينة مسجد الشجرة اختيارا واضطرارا
الجحفة، وهي لأهل الشام اختيارا إن لم يحجوا على المدينة، ولأهل اليمن يلملم،
وللطائف قرن المنازل، ولمن منزله دون الميقات منزله.
وهذه المواقيت لأهلها ولمن مر بها، سواء كان إحرامه للحج أو للعمرة
المتمتع بها أو المفردة، ولو عدل واحد عند القرب من ميقاته إلى غيره وأحرم منه
أجزأ، ولو كان عدوله بعد حصوله فيه أثم وأجزأ، ولو سلك طريقا لا يؤدي إلى
أحدها أحرم عند محاذاته لأحدها، ولو لم يؤد طريقه إلى المحاذاة أحرم من أدنى
الحل.
وميقات المفردة أدنى الحل، وأفضله الجعرانة ثم الحديبية ثم التنعيم، ومن
514

عجز عنه بمرض أو إغماء، أحرم به وليه وجنبه ما يجتنبه المحرم، ويحرم الولي
بغير المميز، ويستقل به المميز مع إذن.
ولو أحرما بدون إذن لم يصح بخلاف العبد، نعم لسيده أن يحلله بالهدي
مع التقصير، والولي من له ولاية المال، وللأم هنا.
والمجاور قبل انتقال فرضه يخرج إلى أحد المواقيت، فإن تعذر فأدنى الحل
فإن تعذر فمكة.
البحث الثاني: الكيفية:
وتجب النية المشتملة على قصد النسك الذي يحرم به من حجة الإسلام أو
غيرها، تمتعا أو قرانا أو إفرادا، أو عمرة مفردة، مقرونا بالقربة والاستدامة، ولبس
ثوبي الإحرام، ويجب كونهما مما تصح فيه الصلاة، فيحرم الحرير للرجل
والمخيط له، ويلحق به ما أشبهه، كالدرع المنسوج وجبة اللبد والطيلسان
المزرور، وتعقيد الرداء بالحصى وشد طرفيه.
ويجوز عقد الإزار وشد الهميان والمنطقة والطيلسان، وإن كان له أزرار إذا
لم يزره اختيارا، والسراويل لفاقد الثوبين، والقميص المقلوب له، يجعل ذيله على
كتفيه ولا فدية فيهما، وطهارتهما لا تعددهما بالفعل، فيجزئ الواحد الطويل يتزر
ببعضه ويرتدي بباقيه.
ولا يجزئ حاكي العورة، ولا القصير المانع من الستر حالة الركوع،
وتجوز الزيادة والإبدال، والأفضل الطواف فيما أحرم فيه، ويكره غسله قبله وإن
توسخ إلا من نجاسة، وبيعه.
والمرأة كالرجل إلا في الحرير والمخيط، ولا يمنعها الحيض فيه، ولكن تحرم
في ثياب طاهرة، ثم تنزعها إن شاءت، ويستحب في القطن الأبيض، ويكره
الممتزج والوسخ والمعلم والمصبوغ والنوم عليه، ويجوز على المخيط والتدثر
به.
515

والتلبيات الأربع، وصورتها: لبيك اللهم لبيك لبيك إن الحمد والنعمة
والملك لك لا شريك لك لبيك.
ويقارن بها النية كالتحريمة للصلاة، والأخرس يشير بإصبعه مع تحريك
لسانه، وعقد قلبه بها، والأعجمي يأتي بالممكن ولو تلقينا، فإن تعذر ترجمه،
ويجوز إيقاعها مقارنة لشد الإزار وبعده.
ولا ينعقد إحرام المتمتع والمفرد إلا بها، ويتخير القارن في عقده بها أو
بالإشعار أو بالتقليد، ولو نوى ولبس الثوبين ولم يلب ثم فعل المحرم لم يلزمه
كفارة.
وتستحب الزيادة على الأربع بقوله " لبيك ذا المعارج " إلى آخرها،
وتكرارها في أدبار الصلاة وعند كل حادث ويقضيه وصعود أكمة وملاقاة إنسان
للحاج إلى زوال عرفة.
وللعمرة بالمتعة حتى يشاهد بيوت مكة، وحدها من أعلاها عقبة المدنيين،
ومن أسفلها عقبة ذي طوى، وبالمفردة حتى يدخل الحرم إن كان قادما، وإن
كان ممن خرج من مكة للإحرام فمتى يشاهد الكعبة.
ورفع الصوت بها للرجال، فالراجل حيث يحرم، والراكب إذا علت راحلته
البيداء، وللحاج متمتعا إذا أشرف على الأبطح، وتنظيف الجسد قبله، وإزالة
الشعر، ولو تقدم بأقل من خمس عشر يوما أجزأ، وقص الأظفار والشارب،
والغسل يقدم على الميقات لخائف الإعواز فيه، ويعيده إن وجده، وإيقاع
الإحرام عقيبه، ويجزئ لو تأخر جملة النهار أو الليل ما لم ينم أو يحدث، بعد
ست ركعات، وأقله ركعتان بالجحد والصمد في الأولى والثانية، وبعدها الظهر
إن اتفق، وإلا فعقيب فريضة ولو مقضية، مقدما للنافلة على الفريضة ولو تضيقت،
وإن لم يتفق اقتصر على النافلة.
ولو أحرم بغير غسل ولا صلاة تدارك، والمعتبر الأول، ويحرم إدخال
إحرام على آخر، فلو أحرم بحج التمتع قبل تقصيره من عمرته ناسيا فلا شئ،
516

وعامدا يبطل إحرامه الثاني، وعليه التقصير وإعادته إن علم أنه يدرك الوقوف في
وقت الاختياري.
ويستحب لمن عزم الحج أن يوفر شعر رأسه من أول ذي القعدة، ويتأكد
عند هلال ذي الحجة، وقطع العلائق بينه وبين معامليه، واستحلال مخالطيه،
والوصية بما يهمه من أمر الدين والدنيا، وجمع أهله، وصلاة ركعتين وسؤال الله
الخيرة والدعاء بالمأثور.
وإذا خرج وقف على باب داره وقرأ فاتحة الكتاب وآية الكرسي أمامه، ثم
عن يمينه ثم عن يساره ودعا بالمأثور، وتصدق بشئ، واختيار السبت والثلاثاء
والخميس للخروج.
والخروج محنكا، والدعاء عند الركوب والاستواء على الراحلة، وكثرة
الذكر، وبذل الزاد وتطيبه، وتحسين الخلق، ويشعر أنه دليل على سفر الآخرة.
فيتذكر عند وصيته وجمع أهله اجتماع أهله عند تمريضه ووصية موته،
وتشييع إخوانه له عند خروجه تشييع جنازته للصلاة عليه، وبرجوعهم عنه
رجوعهم عن جنازته.
وبخروجه من العمران ودخوله في البر الأقفر رجوع المعارف وأهل
العمران عند إنزاله إلى القبر وإسلام أهله وولده وتخليتهم بينه وبين عمله.
وبما يقاسيه من اللصوص والأعراب وحشة القبر وأهواله ومفازعه، وبصدمة
استيحاشه من البرية ونكر ما بها من الصخور والوعور صدمة منكر ونكير
وروعتهما، وبتهضيمه في البرية أكل الدود له وشعثه وبؤسه طويل بلائه.
ويتذكر عند خلع المخيط خلع ثيابه على المغتسل، وبلبس ثياب الإحرام
لبسه الأكفان وباستواء العزيز والذليل والغني والفقير في التجرد وإماطة مفاخر
الملابس، وكشف الرؤوس استواءهم في التكفين والخروج من القصور إلى
القبور.
وبإسفار وجه المرأة وكشف رأس الأقرع هتك السرائر وإبداء الضمائر في
517

عرصة الشاهرة.
وبالتلبية وخشوعها إجابته نداء داعي القيامة، وذلك عند نفخ الصور
وتبعثر ما في القبور.
وبدخوله مكة ومشاهدته للناس مقبلين من أطراف البلاد شعثا غبرا حشرهم
في عرصة القيامة واجتماعهم على صعيد القيامة ولهين مذهولين.
وبرؤيته جلالة البيت ومهابته وقوفه بين يدي ربه، وبإتيانه المستجار ذكر
ذنوبه عند نداء المنادي: اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا.
وبخروجه إلى عرفات ووقوفه بها إلى غروب الشمس وقوف الخلائق في
عرصة القيامة مهطعين إلى الداعي منتظرين ما يقضى عليهم من سعادة أو شقاوة.
وبوقوفه في المشعر الحرام، ثم بإتيانه منى وقضائه مناسكها، ثم إتيانه مكة
وقضاء مناسكها منسكا بعد منسك إحضاره مواقف القيامة، وهي خمسون موقفا،
يلبث في كل موقف ألف سنة.
ويتذكر عند صعود عقبة منى وقضاء مناسكه وقد حط عنه أثقاله جوازه عقبة
الصراط.
وبرؤيته أهل منى على اختلاف طبقاتهم، فيرى منهم من بضاعته الدر
وخالص الذهب والمسك ونفائس الجواهر والعقيان، ومنهم الطباخ والخباز
والمتطفل على سقط الذبائح، وفي ما بينهما من المراتب تفاوت طبقات أهل الجنة
وتفاضلهم في درجاتها.
وليكن بعد الحج خيرا منه قبله، وليعلم أنه في خفارة الحج مائة يوم آخرها
عشرين شهر ربيع الأول.
البحث الثالث: في التروك:
ويحرم على المحرم أشياء:
الأول: صيد البر، وهو الحيوان البري المحلل الممتنع بالأصالة، ونعني
518

ويعم التحريم الأكل والبخور والشم، فلو مر به قبض على أنفه ولا يقبضه من
الكريهة واللمس، فيزيله بخشبة لو أصاب ثوبه أو جسده لا بكفه، ويحلان من
خلوق الكعبة لعدم الاحتراز، وتجوز التجارة فيه بلا لمس وشم، ويجوز الجلوس
عند العطار.
وكذا يحرم الاكتحال بالسواد، والنظر في المرآة، والتختم للزينة، ولبس
المرأة ما لم تعتده من الحلي ويجوز المعتاد إذا لم تظهره للزوج، والكذب،
والجدال وهو الحلف مطلقا.
وقتل هو أم الجسد كالقمل، ويجوز نقله من موضع إلى آخر من جسده،
دون القراد وهو الصغار، والحلم وهو الكبار.
ولبس ما يستر ظهر القدم كالنعلين إلا عند الضرورة ويفدي ولا يجب شقهما
عن القدم، وقص الأظفار، وإزالة الشعر عن الجسد والرأس ويباحان مع
الضرورة مع الفدية، وقلع الشجر والحشيش النابت في غير ملكه ويجوز ترك
الإبل ترعاه، وما ينبت في ملكه والنخل والفواكه وعودي المحالة.
ولبس المخيط أو ما شابهه كجبة اللبد والدرع المنسوج وتعقيد الثوبين
بالحصاة، ويجوز شد الهميان على الوسط وعقد الإزار لا الرداء والطيلسان، وإن
كان له أزرار فلا يزره، ومع فقد الثوبين يلبس السراويل والقميص مقلوبا،
فيجعل ذيله على كتفيه.
وتغطية الرأس ولو بالارتماس والحمل، ويجوز باليد، وإحرام المرأة كشف
وجهها، ويجوز أن تسدل خمارها إلى طرف أنفها إذا لم يصب وجهها كالنقاب،
والتعبد بذلك ابتلاء وتنبيه على كشف المستور، وإظهار المصون عند المبعث.
وما يذبحه المحل في الحل لا يحرم على المحل في الحرم، وكذا لا يحرم
على المحل بيض كسره محرم في المحل أو الحرم.
والتظليل سائرا، ويجوز في ظل المحمل وللمرأة والعليل، ويختضبان به
دونه لو زاملهما، وتكره الرياحين وتلبية المنادي.
519

بالبري ما يبيض ويفرخ في البر، فيدخل فيه البط وإن لازم الماء، لأنه يبيض في
البر، ويلحق بالمحلل ما نص على عينه بالتحريم، وهو الضب والقنفذ واليربوع
وعمد الزنبور، ولا يحرم الضبع ولا النمر والصقر والبازي، ورخص في رمي
الحدأة والغراب عن البعير والرحل، وفي كون ذلك رخصة دليل على تحريم
قتلها.
ويعم التحريم الأكل والقتل مباشرة، وتسبيبا كإعارة الآلة مثل السكين
وشبكة الصيد، وإن كان تعريضا كالضحك عند رؤيته، فيتفطن له من يقتله.
وإمساكا فيرسله لو كان معه قبل إحرامه، ولو لم يرسله ضمنه بمجرد إمساكه
لو تلف، وإن كان بآفة سماوية، ولو أرسله فهو في ضمانه إلى أن يعود إلى حالة
اختياره، فلو أخذه جارح أو هلك أو أهلك بمصادمته كان في ضمانه، ويضمن
عمدا وخطأ اختيارا واضطرارا، والجراد صيد، ولو كان كثيرا بحيث يعم
المسالك فلا شئ فيه للحرج، والبيض تابع.
ولو ذبح الصيد كان ميتة فينجس وتحرم فيه الصلاة ولو كسر بيضة لم تحرم
على المحل في الحرم لعدم اشتراط التذكية فيه.
ونعني بالممتنع المتوحش كالضبي دون الإنسي كالشاة، وقيدنا بالأصالة
ليخرج الإنسي لو توحش، والوحشي لو تؤنس، وكذا المتولد بين ما يحل أكله
ويحرم، كالمتولد من الشاة والذئب، فيتبع الاسم، ولو انتفى عنه الوصفان، فإن
امتنع حرم وإلا فلا، ولا يحرم صيد البحر، وهو ما يبيض ويفرخ في الماء.
المحظور الثاني: النساء وطئا ولمسا ونظرا بشهوة وتقبيلا وعقدا له ولغيره،
وشهادة عليه مطلقا وإقامة كذلك، وكذا يحرم الخضخضة، ويجوز مراجعة
الرجعية وشراء الجارية للتسري.
الثالث: الطيب على العموم، فيحرم المسك والعنبر والكافور والزعفران
والورس، وكل ما أنبته الآدميون للتطيب، كالريحان الفارسي والسنبلة، لا الشيح
والقيصوم، والفواكه كالأترج والتفاح.
520

الفصل الثاني: في الطواف:
وفيه بحثان:
البحث الأول: في واجباته:
وهي اثنا عشر: الطهارة من الخبث والحدث بقسميه عدا الاستحاضة، وعليها
الاستظهار في منع الدم من التلويث، والختان في الرجل المتمكن خاصة.
والبدأة بالحجر الأسود بحيث يحاذي بأول جزء من بدنه أول الحجر،
بحيث يمر بكل بدنه على كل الحجر، والختم به، وخروجه بجميع بدنه عن
البيت، فلو مس الجدران بيده في موازاة الشاذروان وهو طائف بطل.
وإدخال الحجر بأجمعه، فلو وضع يده على وسط جداره بطل، بخلاف ما
لو مس ظاهره، وإخراج المقام، ويجب أن يراعي هذا البعد من أربع جوانب
البيت، وجعله على يساره، ورعاية العدد سبعا، فلو نقص ولو خطوة عمدا بطل،
ولو كان سهوا، فإن تجاوز النصف رجع فأتمه، ولو رجع إلى أهله استناب، ولو
لم يتجاوز استأنف، ولو عاد إلى أهله قضاه، فإن تعذر عليه العود استناب.
وتحرم الزيادة، ويبطل مع العمد، ومع السهو إن ذكر في الثامن قبل بلوغه
الركن قطع، وإن كان عنده أكمله أسبوعا ندبا وصلى للطواف الواجب قبل
الخروج للسعي، وللندب بعده، وصلاة ركعتيه عند مقام إبراهيم عليه السلام
حيث هو الآن، ولو زوحم صلاهما وراءه أو أحد جانبيه، ولو تركهما عمدا حتى
خرج من المسجد رجع، فإن تمكن من المسجد وإلا فحيث أمكن من البقاع، ولا
يؤخرهما عن الطواف ولو ساعة إلا كما يستريح.
ويستحب الغسل لدخول الحرم والدعاء والدخول بسكينة ووقار حاملا
نعليه بيديه خاضعا، والغسل لدخول مكة، ودخولها من أعلاها، فالعراقي طريقه،
والشامي يقطع العقبة.
والغسل لدخول المسجد وللطواف، ودخوله من باب بني شيبة، والوقوف
عندها داعيا، والدعاء عند مشاهدة الكعبة، وتطييب الفم بمضغ الإذخر،
521

والطهارة في النفل، والوقوف عند الحجر واستلامه وتقبيله، فإن لم يقدر استلمه
بيده وقبلها، والرمل ثلاثا، والمشي أربعا، وهو مختص بطواف القدوم.
والتزام المستجار، وبسط اليدين عليه، وإلصاق الخد والبطن به، وذكر
ذنوبه مفصلة، والتداني من البيت إلا مع خوف الصدام، والذكر وقراءة القرآن
وهي أفضل، والدعاء كلما حاذى الباب في كل شوط، والصلاة على النبي وآله
عليهم السلام وترك الكلام.
البحث الثاني: في الأحكام:
الطواف ركن من تركه عمدا أعاده، فإن كان على وجه جهالة لزمه بدنة،
وإن كان ناسيا أتى به، ولو رجع إلى أهله عاد له، فإن تعذر استناب، ولو طاف
مع نجاسة على ثوبه أو بدنه ناسيا أعاده، ولو لم يعلم حتى فرع لم يكن عليه
شئ، وفي الأثناء يزيلها.
وتجب الموالاة، فلو قطعه وقد تجاوز النصف بنى ودونه يستأنف وإن كان
لصلاة فريضة، أو إزالة نجاسة أو حدث، أو دخول البيت، أو لحاجة له أو لغيره،
ويحصل القطع بخروجه عن المطاف، أو رفضه مع مضي زمان يخرج به عن
كونه طائفا.
ولو شك في عدده وكان في النقيصة أعاد ولو كان في الزيادة، فإن كان
فيما زاد عن الثامن أو فيه وقد بلغ الركن قطع وقبله يبطل، وفي النافلة يبني على
الأقل، ويجوز التعويل في عدده على الغير، فإن شكا معا فكشكه، وإنما يباح
قطعه للضرورة كحاجة يضر فوتها، ولدخول البيت، وقضاء حاجة المؤمن،
وحيث يجوز البناء يبتدئ من موضع القطع، ولو أشكل عليه أخذ بالأحوط.
ومن عجز عنه لمرض استناب من يطوف به ونوى هو، ويحتسب الطواف
الواحد للحامل والمحمول إن لم يكن الحمل بأجرة، وإن كان العجز لفقد الطهارة
كالحائض أخرته إلى أن يضيق الوقوف.
522

فإن خافت فواته عدلت إلى الإفراد، فتقول: أعدل من عمرة التمتع إلى حج
الإفراد لوجوبه قربة إلى الله، ثم تحرم بحج الإفراد فتقول: أحرم بحج الإفراد
حج الإسلام وألبي التلبيات الأربع لأعقد بها الإحرام المذكور لوجوب ذلك
كله قربة إلى الله.
ثم تأتي بالموقفين وأفعال منى، إذ كل ذلك لا يشترط شئ منه بالطهارة وإن
كانت من فضله، فعند قضاء هذه الأفعال إن صادفت الطهر فعلت كل أفعالها
وأنشأت العمرة المفردة وتمت مناسكها.
وإن كان الحيض عرض لها في أثناء طوافها، فإن كان بعد أربعة أشواط
تمت متعتها وأتت بالسعي والتقصير ثم أنشأت الحج وأتت بباقي أحكامه،
وقضت بعد قدومها مكة ما بقي عليها من الطواف وصلاته مقدمة لذلك على
طواف الزيارة.
وإذا تمت متعتها سليمة من العوارض وخشيت أن تكون يوم النحر طامثا،
فلها تقديم طواف العمرة والحج على السعي، فلو قدمت السعي على أحدهما
أعادته بعد التدارك وإن كان سهوا.
أما طواف النساء فإنه متأخر عن السعي، إلا في صورة تقديمه مع طواف
الحج، ولو قدمه ساهيا أجزأ، ولو ذكر خلال السعي ترك الركعتين أو شئ من
الطواف، فإن كان بعد تجاوز النصف رجع فاستدرك وبنى في السعي ولو على
شوط، وإن كان لم يتجاوز النصف استأنف الطواف، ثم استأنف السعي ولو
كان قد بقي منه شوط واحد.
ويحرم الطواف وعليه برطلة في عمرة التمتع، ويكره في غيرها مطلقا.
ويستحب الإكثار منه وهو للمجاور أفضل من الصلاة والمقيم بالعكس،
والغسل أمامه، وتطييب الفم بمضغ الإذخر، والدخول من باب بني شيبة
والوقوف عندها، والدعاء عند مواجهة الكعبة زادها الله شرفا وعظما، والطهارة
في النفل، ويجوز ابتداؤه على غير وضوء.
523

ويحرم القران في الواجب، وهو أن يطوف طوافين ليس بينهما صلاة
ويبطل، ويجوز في النفل، وأن يطوف أسابيع جملة ثم يأتي لكل طواف
بركعتيه، وأن يتطوع بثلاثمائة وستين طوافا، فيكون أحد وخمسين والآخر
عشرة.
الفصل الثالث: في السعي:
وفيه بحثان:
الأول: في الكيفية:
ويشتمل على واجب وندب، فالواجب: النية مقارنة لأول جزء منه، والبدأة
بالصفا فيلصق عقبه به، وهو عرق الجبل يرتقي إليه بعد أربع درجات، ثم ينحدر
منه إلى المروة فيلصق أصابع قدميه بها، ثم يستقبل الصفا فيلصق أصابع قدميه
بموضع ألصق به منه عقبه.
وتكميله سبعا من الصفا إليه شوطان، ولو نقص منه خطوة بطل، وناسيا
يقضيه، فإن تعذر العود استناب، ولا يحل له ما يتوقف عليه من المحرمات
كالنساء حتى يأتي به ولو كان شوطا.
ويجب تأخيره عن الطواف، فيعيده لو قدمه عليه ولو سهوا، ولو ذكر نقصه
أتمه، ولو كان شوطا وظن كماله وهو متمتع، فأحل وواقع أو قلم أو قص شعره
كفر ببقرة.
ولو شك في عدده بعد انصرافه لم يلتفت، وإن كان في أثنائه ولم يحصل
شيئا بطل، ولو تيقن الزيادة مع سلامة الواجب لم يضر، وكذا لو تيقن نقصه وقد
بلغ المروة أو قبله، ولو حصل عدده وشك في مقداره، فإن كان في المزدوج
على الصفا صح وعلى المروة يبطل، وينعكس الحكم لو انعكس الفرض.
ويجوز قطعه للراحة، وصلاة الفريضة، وقضاء حاجة له ولغيره، ثم يبني ولو
على شوط.
524

والندب: الطهارة، والشرب من زمزم والتضلع منه، والصب على الجسد
من الدلو المقابل للحجر، والخروج من الباب المحاذي له، واستقبال الحجر عند
ابتدائه والتكبير والتهليل سبعا سبعا، والمشي طرفيه، والهرولة ما بين المنارة
وزقاق العطارين ما لم يؤذ أحدا، ويرجع القهقرى لو نسيها، والدعاء خلاله،
ولا يتعبد به في غير النسك بخلاف الطواف.
الثاني: في أحكام السعي:
وهو ركن يبطل الحج بتركه عمدا لا سهوا، ويعود له، ومع التعذر يستنيب،
وتحرم الزيادة عمدا لا سهوا.
الفصل الرابع: في التقصير:
وإذا فرع من عمرة التمتع قصر في محله وهو مكة، وأفضلها المروة،
ويجزئ من الرأس واللحية والأظفار وسائر الجسد حتى العانة، قصا وقرضا
ونتفا وطليا، ولو حلق بعض رأسه أجزأ.
ولو نوى حلق جميعه وحلقه كفر بشاة ولم يجزئه، ووجب عليه إمرار
الموسي على رأسه يوم النحر، ولم يسقط عنه ما وجب عليه بالأصل من الحلق أو
التقصير.
ولو نوى حلق رأسه أجمع واقتصر على بعضه، لم يجز ولم يجب عليه
الشاة، ويحل به من كل شئ أحرم منه حتى النساء.
الفصل الخامس: في إحرام الحج والوقوف:
وإذا فرع من عمرة التمتع وجب عليه إنشاء الإحرام للحج من مكة،
وأفضلها المسجد ثم المقام ثم تحت الميزاب، ويرجع لتداركه لو نسيه، فإن تعذر
أحرم حيث قدر ولو بعرفة.
525

وأفضل أوقاته يوم التروية بعد صلاة الظهرين إلا المرأة والهم ومن يضعف
عن الزحام، ويتقدم الإمام ليصلي الظهرين بمنى، ويبيت بها ليلة عرفة مستحبا،
ولا يفيض منها حتى تطلع الشمس، ويتأخر الإمام عن الناس حتى تطلع، ثم
يمضي إلى عرفة ولها موقفان:
اختياري: وهو من زوال الشمس يوم عرفة إلى غروبها، أي وقت حضر منه
أجزأ، فإن حضرها حين الزوال حرم عليه المفارقة حتى الغروب، والركن المعتبر
زمان النية، وإن كان سائرا فيها أو راكبا، ولو أفاض قبل الغروب عامدا عالما كفر
ببدنة، ومع العجز يصوم ثمانية عشر يوما متتابعة، ويجوز في السفر ولو كان
ناسيا أو جاهلا بالجهة، أو عاد قبل الغروب لم يكن عليه شئ.
واضطراري: وهو عامة الليل إلى طلوع الفجر، ولا يجب من الكون فيه
ما زاد على الركن المعتبر، وهو زمان النية.
ويستحب الغسل، والدعاء قائما له ولوالديه ولإخوانه والمبالغة فيه والإكثار
منه، فإنه يوم دعاء ومسألة حتى تغرب الشمس، بالمنقول أو بما تيسر، مستحضرا
قيام الناس يوم الجمع، خائفا من خشية الرد وخسارة السعي وحسرة التضييع،
وندامة الفوت، وشفع نار الحرمان، راجيا لنظره سبحانه بعين الرحمة إلى وفده
وقبول الوقوف والوثوق بتحسين ظنونه بإصابة الرحمة وقبول توبته ونيل معرفته
وإجابة دعائه، فإنه وعدهم بذلك كله وهو لا يخلف الوعد.
وأن يقف في ميسرة الجبل من السفح أي في السهل دون الوعر، وأن
يضرب خباءه بنمرة وعرنة وثوية وذو المجار حدود عرفة لا يجزئ الوقوف بها.
فإذا غربت الشمس أفاض منها إلى المشعر مؤخرا لصلاة العشائين لإيقاعها
فيه ولو تربع الليل، جامعا بينهما بأذان وإقامتين مؤخرا لنوافل المغرب إلى بعد
العشاء مقتصدا في سيره، داعيا عند الكثيب الأحمر عن يمين الطريق بالمنقول،
وله ثلاث مواقف:
اختياري مطلق: وهو من طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس، فإن
526

حصل به في أوله حرمت عليه المفارقة حتى تطلع، ولو أفاض قبل طلوعها أثم
ولا كفارة، والركن المعتبر منه زمان النية كما قلنا في عرفة.
واضطراري مطلق: وهو من طلوع شمس النحر إلى الزوال، والكون
الواجب فيه والركن المعتبر فيه هو زمان النية.
واختياري إضافي: وهو عامة ليلة النحر، فيجزئ المرأة محافظة على الستر
والخائف دفعا للضرر، ولو أفاض قبل الفجر عامدا أثم وجبره بشاة وصح حجه
إن كان قد وقف بعرفة، ولا جبر على الناسي.
خاتمة:
الوقوف ركن من تركه عمدا بطل حجه، ويجزئ الاختياريان
والاضطراريان والاختياري الواحد، ولا يجزئ الاضطراري الواحد وإن كان
للمشعر، ولا يجزئ لو كان بعرفة إجماعا، وتسقط أفعال الحج عمن فاته.
ويستحب له الإقامة بمنى أيام التشريق، ثم يجب عليه أن يتحلل من إحرامه
بعمرة.
ويستحب التقاط حصى الجمار من المشعر، وهو سبعون حصاة، ويعتبر فيها
أجمع ثلاث شرائط: أن تكون أحجارا من الحرم أبكارا عدا المساجد، ويستحب
أن تكون برشا منقطة ملتقطة كحلية بقدر الأنملة رخوة، وتكره الصلبة والمكسرة.
ويفيض غير الإمام قبل طلوع الشمس، ولا يجوز وادي محسر حتى تطلع،
ويهرول فيه داعيا، ويلزم الإمام مكانه حتى تطلع.
الباب الثالث: في مناسك منى يوم النحر:
وهي ثلاثة: الرمي ثم الذبح ثم الحلق.
الأول: رمي جمرة العقبة:
527

بسبع حصيات مع النية، ولا يجزئ لو طرحها على الجمرة من غير رمي،
ولا بمساعدة غيره من حيوان وغيره، نعم لو وقعت على شئ ثم انحدرت منه إلى
الجمرة أجزأت. ولو شك في وصولها لم يجزئ.
المنسك الثاني: في الذبح:
وهو إما واجب أو ندب، والثاني الأضحية.
والأول: إما واجب بأصل الشرع وهو نسك، وهو هدي التمتع لا غير.
والثاني: إما بواسطة فعل المكلف ويصير نسكا، وهو هدي القران، وإن لم
يصر نسكا، فإما أن يكون عقوبة وهو الكفارات أو لا وهو المنذور.
أما الهدي: يختص وجوبه بالمتمتع مفترضا ومتنفلا، حتى لو تمتع المكي
وجب عليه الهدي، ويحتاج إلى النظر في أمور ثلاثة: الجنس والسنة والهيئة.
أما الجنس: فيجب أن يكون من الأنعام الثلاثة، فلا يجزئ غيرها من الخيل
وبقر الوحش، ويكره منها الجاموس والثور والجمل، ويستحب الإناث من الإبل
والبقر، والذكران من الضأن والمعز.
وأما السنة: فيعتبر الثني، وهو من الإبل ما دخل في السادسة، ومن البقر
والمعز ما دخل في الثانية، ويجزئ من الضأن ما كمل سبعة أشهر.
وأما الهيئة: فإن يكون كامل الخلقة، فلا يجزئ المعيب، كالأعور والأعرج
والخصي ومكسورة القرن الداخل وهي العضباء، والأدرد، ومقطوع الأذن،
ويجزئ المشقوقة إذا لم يكن سقط منها شئ، ولا الخرماء وهي ما في أذنها ثقب
مستدير، ولا البتراء وهي مقطوعة الذنب.
وتكره الجماء وهي فاقدة القرن خلقة، والصيمعاء وهي فاقدة الأذن خلقة،
ويستحب السمينة وهي التي لها ظل تمشي فيه وأن تنظر في سواد وتبرك في
سواد.
ولا يجزئ المهزولة، وهو ما ليس على كليتيه شحم، لكن لو اشتراها على أنها
528

سمينة فظهرت هزيلة لم يكلف ردها وشراء بدلها، وكذا لو اشتراها على أنها هزيلة
فظهرت سمينة فإنها تجزئ.
أما لو اشتراها على أنها هزيلة، فظهرت سمينة بعد الذبح، فإنها لا تجزئ
لعدم التقرب، ولو اشتراها مطلقا ولم ينو شيئا، فإن خرجت سمينة أجزأت
لا هزيلة، ولو ظن كماله فظهر ناقصا لم يجز، ويتخير مولى المأذون بين بدل
الهدي له وبين أمره بالصوم.
ويتعين على الواجد لعينه أو ثمنه ويشتريه ولو غلى بأضعاف ثمنه مع القدرة
عليه، ويباع عليه ما يباع في الدين وما لا فلا، كدار السكنى وثياب التجمل رفقا
بالمكلف، ولو تكلف بيعها واشترى به الهدي أجزأ، ومع تحقق العجز عنه وعن
ثمنه فالصوم بدل منه، وهو عشرة:
ثلاثة في الحج متتابعات، ويجوز من أول ذي الحجة بعد تلبسه بالعمرة،
ويجزئ يوم التروية وعرفة، ولو لم يتفق أخرها إلى بعد النفر، ولو خرج
ذو الحجة ولم يصمها تعين الهدي أبدا، ولا يجزئ إلا في منى.
وسبعة إذا رجع إلى أهله، ولو أقام بمكة انتظر أسبق الأمرين وصول أصحابه
ومضي شهر.
ولو وجد الثمن وفقد العين خلفه عند ثقة يذبحه عنه طول ذي الحجة، ولو
مات بعد وجوبه عليه أخرج من صلب التركة، ولو مات من وجب عليه صوم
صام الولي عنه ما عليه، ولو كان الجميع صام أجمع، ولا يراعى في وجوبها
وصوله بلده ولا تمكنه من صيامها، لأنها بدل عن نسك، ولو قدم الثلاثة من أول
ذي الحجة ووجده فيه ذبحه ولم يجبر بالصوم.
وتجب الوحدة، فلا يجزئ الواحد إلا عن واحد، ولو كانوا أهل خوان
واحد، فمن تمكن أخرج عن نفسه ومن عجز صام، والأفضل مباشرة الذبح
بنفسه إن أحسن.
ويستحب أن يجعل يده مع يد الذابح وينوي هو فيقول: أذبح هذا الهدي
529

عن الواجب علي في حج الإسلام حج التمتع، ولو لم يحضر تولاها عنه الذابح
فيقول: أذبح هذا الهدي عن الهدي الواجب على فلان في حج التمتع حج
الإسلام لوجوبه عليه نيابة عنه قربة إلى الله، ولو حضره المالك نويا معا.
ويجب إيقاعه يوم النحر، ولو أخره مختارا أثم وأجزأ طول ذي الحجة،
وقسمته أثلاثا: يأكل ثلثه ويهدي ثلثه ويتصدق بثلثه، ويجزئ الاقتصار في
الأكل على أقل من الثلث ولو بيسير من الكبد، ولا يجزئ في الصدقة والهدية إلا
الثلث فما زاد.
ويجب ذبحه وصرفه في وجوهه بمنى، ولا يجوز إخراجه عنها، ولا بأس
بالسنام وبما ضحاه غيره، ويجوز ادخاره.
وأما الندب فالأضحية، ووقتها ثلاثة أيام بعد يوم النحر بمنى، وفي الأمصار
ثلاثة بيوم النحر، ويستحب للموسر الإكثار منها ولو في الأمصار، والصدقة منها
على الجيران والمساكين، والفقير يشارك ولو سبعة وسبعين سواء قصدوا السنة
أو اللحم ويكون قد أصابوا فضلا، ولو فقد عينها تصدق بثمنها، ولو اختلف
تصدق بالأوسط، فلو اختلف على ثلاث حالات تصدق بثلث الجميع، وعلى
أربعة بالربع وهكذا.
وأما هدي القران، فإنه غير واجب بالأصل، فإذا قرن المفرد إحرامه بإشعاره
المختص بالودن وتقليده المشترك بالأنعام، بأن يعلق في رقبته نعلا صلى فيه أو
سيرا أو خيطا يميز به عن المفرد وصار قارنا، وله عقد إحرامه بذلك وبالتلبية.
ولا يخرج بذلك عن ملك صاحبه، فلا تجب الصدقة به، ولو أصابه كسر
جاز بيعه وإحراز ثمنه والأفضل التصدق به، ويجوز ركوبه وشرب لبنه ما لم يضر
به وبولده، وذلك عام في كل حيوان ذي لبن، وله إبداله وإن أشعره أو قلده في
موضعه، ومتى ساقه لم يكن بد من ذبحه أو نحره بمكة إن كان في إحرام العمرة،
وبمنى إن كان في إحرام الحج.
ويستحب قسمته أثلاثا كهدي التمتع، ولو ضل فذبحه الواجد عن صاحبه
530

أجزأ، ولو أقام بدله ثم وجده قبل ذبح الثاني ذبحه، ولو كان قد ذبح الثاني لم
يجب ذبح الأول، إلا أن يكون منذور العين.
المنسك الثالث: الحلق:
والحاج مخير بينه وبين التقصير من أي موضع شاء من بدنه كالعمرة، لكن
الحلق أفضل، فإنه بمنزلة الطائف ما دام ذلك الشعر عليه، فلا ينبغي بعد ذلك
حلقه إلا في مثله مع الاختيار.
ومع التقصير أو الحلق بمنى يحل المخيط والغطاء، وهو التحلل الأول
للمتمتع، وبطواف الزيارة يحل الطيب وهو التحلل الثاني، وبطواف النساء
يحللن له وهو التحلل الثالث، ويتعين التقصير على النساء.
ويجب الترتيب بين هذه المناسك، ولو خالف الترتيب أثم وأجزأ، ويجب
تقدمه على طواف الزيارة، فلو قدم الطواف عليه ناسيا أعاده، وعمدا يجبره بشاة
ولا إعادة، ولو رحل قبله عاد له، فإن تعذر حلق وجوبا وبعث بشعره ليدفن
بها ندبا ومع التعذر لا شئ.
وإذا قضى مناسكه بمنى يمضي إلى مكة ليومه أو غده، ويجزئ التأخير عنه
إلى تمام ذي الحجة للمتمتع، ويكره للقارن والمفرد، وكذا يجزئ الذبح والنحر
في باقي ذي الحجة وإن أثم، وأما الرمي فلا يصح إلا في أيامه، ولو فاتت أخره إلى
القابل. الباب الرابع: في باقي المناسك:
وإذا فرع من الطوافين والسعي عاد إلى منى وقضى مناسكه بها، وهي رمي
الجمار في أيام التشريق، وهي الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر، ويبيت
لياليها بمنى، ولا يجب الكون بها بالنهار إلا حالة الرمي، ويرمي في كل يوم الجمار
الثلاث كل جمرة بسبع حصيات، مرتبا يبدأ بالأولى ثم الوسطى ثم جمرة العقبة.
531

ولو رمى اللاحقة قبل تكميل السابقة عمدا أعاد وإن كان ناسيا، فإن أكمل
أربعا في السابقة بنى، وإن كان أقل استأنف السابقة واللاحقة، ولو كانت الناقصة
الأولى كملها ولم يبن على الثانية إلا مع الأربع.
فهنا مسائل:
الأولى: أن يرمي على كل واحدة من الثلاث أربعا، فيتمم على الجميع مرتبا
من غير استئناف.
الثانية: أن يرمي كل واحدة منهن ثلاثا، فيتمم الأولى ويستأنف الباقيتين.
الثالثة: أن يرمي الأولى أربعا وكلا من الباقيتين ثلاثا، فيتمم الأولى والثانية
لأن ما قبلها أربعا ويستأنف الثالثة.
الرابعة: أن يرمي على كل من الأولتين أربعا والثالثة دونها فيتمم الجميع.
الخامسة: أن يفضل في يده واحدة ولا يدري من أي جمرة هي، فيرمي على
كل واحدة واحدة ولا ترتيب.
السادسة: أن يفضل في يده أكثر من واحدة ولا يدري أ هي من جمرة أو أكثر
فإن كانت أقل من أربع رماها على كل واحدة مرتبا، وإن كانت أربعا استأنف
الجميع عدا الأولى مع الترتيب.
ووقت الرمي ما بين طلوع الشمس إلى غروبها، ووقت الفضيلة إلى الزوال،
ولو فاته رمي يوم قضاه من الغد مقدما له على الحاضر وجوبا، ولو فاته أيامه قضاه
في القابل.
ويجوز له أن ينفر في الأول وهو اليوم الثاني عشر، وله أن ينفر في الثاني وهو
اليوم الثالث عشر، ومن نفر في الأول لا ينفر إلا بعد الزوال قبل أن تغرب شمسه،
ولو غربت بات.
والنفر فيه يختص بمن اتقى الصيد والنساء في إحرامه، وغير المتقي
لا يترخص سواء كان ما خرج به عن التقوى جماعا أو قبلة، وسواء في الصيد قتلا
أو أكلا أو دلالة، وفي الثاني يجوز قبله، ولو بات الليلة الواجبة في غير منى لزمه
532

شاة، إلا أن يبيت بمكة مشتغلا بالعبادة حتى تجاوز نصف الليل، ويجوز الخروج
من منى بعد انتصاف الليل ويدخل مكة في باقيه، ويرمي العبد والخائف
والمريض والراعي ليلا، ويستنيب المعذور.
وتستحب الإقامة بمنى أيام التشريق، ورمي الأولى عن يمينه واقفا داعيا،
وكذا الثانية، ويرمي الثالثة مستدبرا للقبلة مقابلا لها ولا يقف.
والتكبير مستحب، وصورته: الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله
أكبر الله أكبر على ما هدانا، والحمد لله على ما أولانا ورزقنا من بهيمة الأنعام،
عقيب خمس عشر صلاة أولها ظهر العيد، وفي الأمصار عقيب عشر.
ولو بقي عليه شئ من المناسك في مكة عاد إليها واجبا، وإلا مستحبا
لطواف الوداع.
ولا يفيض من منى حتى يودعها بصلاة ست ركعات بمسجد الخيف عند
المنارة التي في وسطه بنحو من ثلاثين ذراعا، وعن يمينها ويسارها كذلك، فإنه
مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله، ويستحب لمن نفر في الأخير الاستلقاء
بمسجد الحصباء، وهو بالأبطح في ناحية المقابر قريب من الجبل، وصلاة
ركعتين به.
وأهم المستحبات دخول الكعبة خصوصا الصرورة، والصلاة في
الزوايا وعلى الرخامة الحمراء بين الأسطوانتين، وهي قريبة من الركن الشامي، يقرأ
في الأولى الحمد وحم السجدة، وفي الثانية بقدرها.
واختتام الدعاء فيه، واستلام الأركان خصوصا اليماني والمستجار وإلصاق
الخد والبطن به، وذكر ذنوبه على التفصيل ما أمكن ثم يجمل، والشرب من زمزم
والتضلع منه وحمله إلى بلاده فإنه لما شرب له.
والخروج من باب الحناطين، والسجود مستقبل القبلة داعيا، والشراء
بدرهم تمرا يتصدق به احتياطا لإحرامه، والعزم على العود، والنزول بالمعرس
على طريق المدينة، وصلاة ركعتين به، والحائض تودع من باب المسجد.
533

ويستحب المجاورة بمكة فإن الثواب فيها مضاعف، وهي أحب البقاع إلى
الله، ويكره لمن يريد التجارة ولمن لا يأمن على نفسه مواقعة الذنوب في الأغلب،
ويستحب بالمدينة ومشاهد الأئمة عليهم السلام إلا مع أذية المخالفين، والحج
على الإبل الجلالة.
الباب الخامس: في اللواحق:
وفيه أطراف:
الأول:
في العمرة المفردة:
وهي واجبة على الفور على من يجب عليه الحج بشرائطه، ويسقط عن
المتمتع بعمرته، وقد تجب بالنذر وأخويه، والاستئجار والإفساد والفوات
والدخول إلى مكة لغير المتكرر كالحطاب، ويتكرر بتكرر السبب.
وتجب فيها النية، والإحرام من الميقات وهو أدنى الحل، وأفضله الجعرانة ثم
التنعيم، ثم الحديبية بالتخفيف مهموزة وبالتثقيل بلا همز، والطواف وركعتاه
والسعي والتقصير، ويجوز فيها الحلق وطواف النساء وركعتاه وتصح في جميع
أيام السنة، وأفضلها رجب، ويجوز العدول بها إلى التمتع إن وقعت في أشهر
الحج، ولا يجوز للمتمتع بعد عمرته الخروج حتى يأتي بالحج لارتباطها به إلا أن
يخرج محرما بالحج لقضاء حوائجه، ثم يعدل إلى عرفات في وقتها أو يخرج
محلا ويعود في شهر خروجه ويحسب عليه من إحلاله، ولو عاد في غير الشهر لم
يصح الاعتماد عليها، ويجدد عمرة ويتمتع بالأخيرة، وتستحب في كل شهر بل
في كل يوم، ويحل بالتقصير فيها من كل شئ عدا النساء ويحللن بطوافهن.
534

الثاني:
في الحصر والصد:
ومن صد.
إلى هنا جف قلمه الشريف تغمده الله برحمته وأسكنه جنته.
535

المسائل لابن طي
للشيخ أبي القاسم
علي بن علي بن جمال الدين محمد بن طي العاملي
537

كتاب الحج
وفيه مسائل:
مسألة [1]: لو كان الإنسان نائبا عن الغير في حج الإسلام وعليه دين وطالبه
صاحب الدين وهو ينافي أفعال الحج، حج حج النيابة لأنه إذا تعارضت حقوق
الآدميين تخير في تقديم ما شاء وهنا حقين فيتخير، قاله ابن مكي.
مسألة [2]: لو لم يكن له سبيل إلى محاذاة الميقات يقدر في نفسه المحاذاة
ويحرم، ولو تبين التقدم أو التأخر صح إحرامه.
مسألة [3]: يكفيه أن يعتقد معنى الإحرام في نيته، ولو كان يعرف ذلك
وعقد النية وذهل عن معناه صح.
مسألة [4]: قوله في الشرائع: وإن أقام إلى النفر الثاني جاز أيضا وعاد إلى
مكة للطوافين والسعي، هنا سؤال وهو أنه فيما يأتي يقول: إنه لا يجوز التأخير عن
غده فكيف الجمع بينهما؟ أجاب بثلاثة أجوبة:
أ - إنه هاهنا ذكر على سبيل الجملة، وفيما بعد ذكر الأقوى عنده، إذ المسألة
فيها قولان: أحدهما يجوز التأخير، والآخر لا يجوز.
539

ب - إنه قد تغير اجتهاده.
ج - إن قوله " جاز " بمعنى الإجزاء لا بمعنى الجواز.
مسألة [5]: قال دام ظله: لو فاته شئ من أفعال الحج كالطواف والسعي،
فالأولى أنه لا يصح الإتيان به إلا في أشهر الحج، وأنه إن كان من أفعال العمرة
جاز الإتيان به في شوال وبعده، وإن كان من أفعال الحج فالأولى الإتيان به في
عشر ذي الحجة إلى آخره، قال: ولم نقف على نص في هذا.
مسألة مفيدة [6]: هل يجب استيعاب بياض اليوم الأول للتشريق، ونصف
الثاني؟ فيه نظر ينشأ من تحريم النفر قبل الزوال في الأول وذلك يستلزم تحريمه
في اليوم الأول بطريق الأولى، ومن نصهم على أنه يكفي في مبيت منى أن يكون
بها إلى أن يتجاوز نصف الليل، وقولهم: تستحب الإقامة بمنى أيام التشريق،
والكلام الأول محمول على النفر بالكلية - أي لا بنية العود - ففيه النزاع، ويمكن
الجواب أن المراد بالاكتفاء في المبيت لا في بياض اليوم، وباستحباب الإقامة
للجميع لدلالة صيغة الجمع عليه، ولا ريب أن الثالث بياضه مستحب لجواز النفر
فيه.
ويتفرع على ذلك فرعان:
أ - لو خرج الناسك من منى في هذين اليومين هل يباح له الصوم أم لا؟
فعلى الاستحباب يقوى الجواز وعلى الوجوب يقوى المنع. ب - لو نفر في الثاني بعد الفجر، ففي انعقاد صومه تردد من فساد الأول
وزوال المانع من انعقاده ولا إشكال لو نفر قبل الفجر.
مسألة [7]: إذا حصل للمحرم حرا أو بردا يؤذيه هل يتوشح بشئ مخيط أم
لا؟ وهل يجوز له أن يتوشح بغير مخيط زيادة على ثوب الإحرام أم لا؟ وإذا نام
540

مطلقا هل يجوز أن يتغطى بلحاف أو كساء أو مخيط أو غير مخيط على رأسه أو
بدنه أم لا؟ وإذا اغتسل مرتمسا هل يصدق عليه أنه غطى رأسه أم لا؟ وإذا اغتسل
لدخول الحرم أو مكة هل يكون صب الماء على رأسه تغطية للرأس أم لا؟
الجواب: إذا تعذر عليه غير المخيط جاز التوشح به والدثار في النوم، أما
تغطية الرأس فلا يجوز بمخيط ولا غيره إلا مع الضرورة، فيفدي بشاة ولا إثم
عليه، مع الضرورة نعم وضع الرأس على المخدة جائز ولا يعد تغطية، وليس
صب الماء على الرأس تغطية قطعا، نعم لو ارتمس كان تغطية ويفدي مع التعمد
والعلم بالتحريم وإلا فلا، والأولى في القباء إذا احتيج إليه نكسه وقلبه، للخبر
الصحيح عن محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام، ولروايتي المثنى وعمر بن
يزيد عن الصادق عليه السلام الدلالة على القلب.
مسألة [8]: ما كيفية استلام الحجر إن أمكن؟ وما كيفية الوقوف على
محاذاته على الأمرين؟
الجواب: المراد بالاستلام وضع يده عليه وفي بعض العبادات ما يدل على
وضع صدره ووجهه عليه، أما المحاذاة فالمعتبر أن يكون أول جزء من مقاديم
بدنه محاذيا لأول جزء من الحجر بحسب غلبة ظنه.
مسألة [9]: لو ترك الحاج النية في غير الأركان والأفعال، كتركها عند
الخروج من المنزل، وعند نزع المخيط، وعند لبس ثوبي الإحرام، وعند أكل
الهدي أو إهدائه أو صدقته عامدا أو ناسيا فهل يبطل أم لا يلزمه شئ؟
الجواب: أما ترك النية عند الخروج فيأثم إن تعمدها لا غير، أما نية النزع
فلا إثم في تركها، وأما نية اللبس فلا يقدح تركها في الإحرام بحال وكذا ترك
نية الأكل، أما الإهداء والصدقة فإن قلنا بشمول نية الإحرام لهما فلا بأس وإلا
فالأولى الإخراج.
541

مسألة [10]: ما كيفية التوشح بالإزار للمحرم، هل يتوشح به ثم يلف طرفيه
على كتفيه؟ أم يرسل طرفيه على صدره؟ أم يعقد طرفيه على صدره؟ أم يجعل
في كل طرف حصاة ويلف عليه خيطا؟ أم يجعل في الطرفين خلال يمسكهما؟
أم يلف على الطرفين خيطا؟ وهل كل ذلك جائز أم فيه كيفية مكروهة أم
محرمة كالعقد؟
الجواب: التوشح عبارة عن جعل الرداء على أحد كتفيه وإرساله إلى الجانب
الآخر كما يتقلد بالسيف ومنه الوشاح، وأما عقد الرداء فإنه حرام وكذا جعل
الحصى فيه وعقده، وكذا جعل خلال فيه أو رباط الطرفين بخيط بل يدعه مرسلا،
نعم لو شد وسطه بمنطقة أو غيرها وجعل طرفي الرداء تحته لم يكن به بأس، وأما
عقد الإزار فإنه جائز قطعا.
مسألة [11]: إذا أراد أن يحج عن غيره تبرعا سواء وجب الحج على ذلك
الغير ولم يحج أو لا وسواء كان رحما أو لا، فكيف صورة نية الإحرام ونية ما
بعدها إلى آخر الحج؟
الجواب: أما التبرع عمن وجب عليه الحج فإنه ينوي في الإحرام: أحرم
بعمرة الإسلام عمرة التمتع إلى حج الإسلام نيابة عن فلان لوجوبه عليه وندبه
علي قربة إلى الله، وكذا في التلبية، وفي الباقي: لوجوبه عليه بالأصالة وعلي
بالنيابة.
وأما متبرع عن متبرع فإنه في الإحرام: لندبه عليه وعلي، وفي البواقي:
لوجوبه عليه بالأصالة وعلي احتياطا، ولا فرق بين الرحم وغيره.
مسألة [12]: لو زاد في طوافه متعمدا جهلا ثم أعاد الطواف فهل يكون قارنا
ويبطل طوافه أو يعذر للخبر؟ وكذا لو زاد في رمي الجمار عمدا يضره أم لا؟ لا.
542

مسألة [13]: يصح أن يؤجر نفسه للحج وعليه صلاة عن نفسه؟ وإن كان
في ذمته صلاة استؤجر لها؟ لا يجوز إلا أن يتمكن من إيقاع الصلاة التي استؤجر
لها أو بعضها فيصح.
مسألة [14]: في من يعتقد التوحيد والعدل والنبوة والإمامة بتقليد لا عن نظر
واستدلال، ثم إنه حج وفعل واجبات الحج فهل حجه صحيح ويثاب عليه
وكذا الصلاة؟ وهل هي صحيحة ويثاب عليها أم لا؟
قال: هذا لا يكون مؤمنا ولا تصح أفعاله.
مسألة [15]: في التظليل سائر شاة ولا يتعدد بتعدد التظليل بل إنما يلزم به
شاة خاصة في كل نسك إلى آخره. وقد ورد أن في كل يوم مد وقيل شاة.
مسألة [16]: إذا اشترط في الحج أن يحله حيث حبسه فلا بد من فائدة
الشرط كأن تقل النفقة أو يمرض أو يظل عن الطريق.
مسألة [17]: القانع الذي يطلب، والمعتر الذي يتعرض للعطاء.
مسألة [18]: قوله إذا وطأ العاقد حال الإحرام لزمه المسمى مع التسمية
فهل هو كما قال أو مهر المثل؟ نعم.
مسألة [19]: قوله في هدي التمتع: لو لم يتصدق به ضمن ولو أخل بالإهداء
فالوجه الضمان إن كان بسبب الأكل وإلا فلا، فإذا ضمن هل يبرأ بالصدقة بقيمته
أم لا؟ إلى قوله: ولو أكل ما منع الأكل منه ضمن المثل لحما هل هذا على
إطلاقه أو يبرأ بدفع القيمة؟ قال: اللحم أولى ومع تعذره فالقيمة.
543

مسألة [20]: هل يشترط في دفع الصدقة بمكة ومنى أن يكون إلى مستحق
الزكاة كما ذكر في التحرير؟ أو إلى مطلق الفقراء والمساكين كما ذكر في غيره
سعة، وهل الإهداء كذلك أو إلى المؤمن؟ الأول أولى.
مسألة [21]: قوله: ولا يجب على المتكرر في دخول مكة الإحرام لدخولها
كل سنة وهل يجب على العبيد الإحرام لدخولها أم لا؟ ومتى يصدق حد التكرار
في سقوط الإحرام عنه؟
قال: أما المتكرر فنعم، وأما العبد فكذلك أفتى به، ولم أقف على مستنده،
والمراد بالتكرار ما يسمى في العرف ولعله في الثالثة فلا يجب الإحرام حينئذ.
مسألة [22]: لو أحرم عاريا فإن قلنا: اللبس للثوبين شرطا أو شطرا، لم
ينعقد. وإن قلنا: ليس شرطا، انعقد والظاهر الانعقاد مطلقا.
مسألة [23]: لو كان عليه دين وهو فقير فحج به بعض إخوانه أجزأ عنه،
وكذا لو بذل له بشرط أن يحج عنه، ولو أطلق كان له صرفه في الدين.
مسألة [24]: الهدي إذا كان أثول لا يجزئ لأنه ناقص صفة حكمية، ويجزئ
الموجوء في الهدي وكذا مقلوب الخصيتين.
مسألة [25]: لو أحرم بحج الإسلام قبل التقصير من إحرام العمرة عامدا
بطلت عمرته وانقلبت حجته مفردة وحج في القابل، وقيل يجزئ.
مسألة [26]: قوله في النافع: وهل يمسك في القابل؟ الوجه لا، المراد
بالإمساك هنا عما يمسك عنه المحرم إذا بعث هديه في القابل منذ حين البعث
544

إلى أن يذبح الهدي، وليس المراد به الإمساك حين العلم إلى حين الذبح، لأن
الأول ظاهر الرواية والتحلل قد وقع فلا وجه لعوده محرما عملا بالرواية، فبقي ما
عداه على الأصل.
مسألة [27]: إذا كان على إنسان، للإمام مال في ذمته ولا يمكن الحج إلا به،
ولا يتمكن من إخراجه لعدم مستحقه هل يصح حجه أم لا؟
الجواب: إذا كان له شئ يفي بالدين وقدر الحج وجب وإلا فلا. نعم وكذا
لو كان الدين لغير الإمام لا بد أن يكون له من المال ما يفي بهما، ولو حج ولم
يعلم صاحب الدين أو أعلمه ولم يصبر عليه، ونافى قضاء الدين فعلا من أفعال
الحج، فقد قيل بالبطلان.
مسألة [28]: من أفاض من المشعر قبل طلوع الفجر لزمه شاة فإن عجز فلا
بدل لها.
مسألة [29]: رجل استطاع ثم مرض، قال: يستنيب، ورجل استطاع حال
مرضه لم يجب عليه الحج.
مسألة [30]: يجب الاقتراض إذا كان له عروض تحرز ذلك المقدار وإن
تيسر بيعها في الحال.
مسألة [31]: النفر الأول مباح لمن اتقى النساء والصيد مطلقا فيهما.
مسألة [32]: لو أوصى بحج واجب أو غيره ولم يعين الأجرة استؤجر من
أقرب الأماكن مع الضيق ومن بلده مع السعة.
545

مسألة [33]: لو نذر الحج مطلقا أو مقيدا لم يجب إلا إذا تمكن مثل حجة
الإسلام، وإذا نذر أن يحج ماشيا ولم يكن له نفقة لم يجب.
مسألة [34]: قوله: لا يصح الإحرام قبل الميقات إلا لناذر بشرط أن يقع في
أشهر الحج، أو العمرة الرجبية لمن خشي تقضيه فيحرم في رجب قبل الميقات إذا
خشي تقضيه وإن لم يكن نذره، وكذا لو نذر أن يحرم من موضع معين قبل
الميقات جاز وإن لم يكن في رجب لكن بشرط أن يقع في أشهر الحج.
مسألة [35]: قوله في الجمل: إذا فرع من السعي قصر وهو ستة أضرب،
ثلاثة في الرأس كالأخذ من الشارب والذقن والرأس، وثلاثة في البدن: قص
الأظفار والعانة ونتف الإبطين، وقيل المراد إن المناسك ثلاثة: تمتع وقران
وإفراد، ولكل منها إحرام عمرة وإحرام حج وكل إحرام لا بد فيه من تحلل منه.
مسألة [36]: لو استؤجر لحجة الإسلام أو غيرها ولم يعين له سنة ومضى عليه
سنة ولم يحج فلكل منهما الفسخ، وإن كره الآخر، وقيل هذا مع العذر وإلا ثبت
للمستأجر خاصة.
مسألة [37]: لا يجب على الرجل كشف وجهه في الإحرام بل يجوز ستره
وكشفه حسن، وخالف فيه ابن أبي عقيل حيث أوجب كشفه.
مسألة [38]: لو نسي طواف النساء استناب، فهل له أن يستنيب مع قدرته
على الإتيان به أم لا؟ نعم، ولو تعمد تركه لا يبطل حجه ولا يجوز أن يستنيب فيه
إلا مع العذر.
546

مسألة [39]: قال: الخنثى المشكل يجوز تغطية رأسه وأن يغطي وجهه ولو
جمع بينهما لزمه الفدية، وكذا لو غطى رأسه ولبس المخيط.
مسألة [40]: لو سافر وهو غير مستطيع الحج، ثم ملك مالا في الأثناء
بحيث يتمكن منه لبقية الحج هل يجزئه أم لا؟ والعبد إذا عتق قبل أحد الموقفين،
والصبي إذا بلغ، والمجنون إذا أفاق هل يكفي لبقية المناسك أو لا بد من سبق
الاستطاعة فيهم؟ أفتنا في الجميع.
الجواب: لا بد من سبق الاستطاعة في الجميع مطلقا ويتصور في الصبي
والعبد ببذل المولى والولي وقول فخر الدين: يكفي لبقية المناسك.
مسألة [41]: لو كانت المرأة فرضها التمتع ودخلت إلى مكة، وعادتها عشرة
أيام في الحيض، وحاضت حينئذ وهي تعلم أن الحج ينفر وما تطهر، فهل تنقلب
حجتها مفردة لرجاء الانقطاع في وقت يمكنها إن تباشر الطواف بنفسها، أو تتم
على متعتها وتستنيب في الطواف؟ بل ينقلب لجواز نقص العادة.
مسألة [42]: لو شك بين السبعة والثمانية قبل بلوغه الركن هل يبطل أم لا؟
الجواب: بل يبطل.
مسألة [43]: قال في التحرير: رخص للرعاة المبيت في منازلهم وترك
المبيت بمنى ما لم تغرب الشمس عليهم بمنى، وكذا يجوز لأهل سقاية الحاج
ترك المبيت بمنى وإن غربت الشمس، وكذا يجوز لذوي الأعذار الذي يضر بهم
دينا أو دنيا لا مطلق الأعذار.
مسألة [44]: هل يشترط فيما يجب على الإنسان من كفارة في الإحرام
547

كاللبس والصيد مثلا أن لا يكون ناقصا كهدي التمتع أم لا؟ نعم يشترط.
مسألة [45]: قال: يجب الجزاء بقتل الصيد المملوك لله تعالى والقيمة
للمالك، ففي الحل لا يجتمعان على أحد وفي الحرم لا يملك أحد صيد فكيف
صورة المسألة؟ وهل بين الصيود فرق في الحرم بأن يملكها بعضا دون بعض
كالقماري والدباسي فإنهما يشتريان؟
الجواب: هذا يتصور في القماري والدباسي.
مسألة [46]: قال: يكره للمرأة النقاب وفي موضع آخر يحرم، نعم.
مسألة [47]: لو دخل عليه وقت فريضة قطع الطواف وبدأ بالفريضة ثم عاد
فيتم الطواف من حيث قطع، والأولى اعتبار مجاوزة النصف.
مسألة [48]: قال: لو نسي ركعتي الطواف صلاهما حيث ذكر فإن خرج
استناب من أين يكون الخروج، يعني من الحرم.
مسألة [49]: نص الشيخ على تحريم الادهان بما ليس بطيب كالشيرج
والسمن.
مسألة [50]: قال: ليس للمحرم أن يعقد الرداء عليه ولا على غيره إلا الإزار
والهميان فهل يكون حراما أم لا؟ الظاهر التحريم ويكون قد فعل حراما حسب.
مسألة [51]: لو أحصر الحاج ندبا جاز أن يستنيب من يطوف عنه لسنته بعد
تحليله.
548

مسألة [52]: قال: لا يجوز للقارن والمفرد تقديم السعي والطواف إلا
لضرورة، وقيل يجوز من دونها.
مسألة [53]: لو بذل له الزاد والراحلة تعين عليه الحج إن كان ممن يوثق به،
ويجوز للباذل أن يرجع متى شاء، فإن رجع قبل الحج سقط الوجوب، فإن عاد
بذل وجب.
مسألة [54]: لو نأى المكي إلى غير بلده اعتبر أغلبهما عليه إقامة، سواء كان
له ملك في غير بلده أو لا، وسواء اتخذه دار إقامة أو لا بعد أن ينوي الإقامة فيه،
وينتقل فرضه لو غلب الإقامة، قاله رحمه الله.
والمتمتع إما أن ينتقل قبل الاستطاعة أو بعدها، فإن استطاع قبل المجاورة
لم يخرج عن فرضه وإن أقام سنينا، وإن استطاع بعد المجاورة فإن كانت قبل
ثلاث سنين فحكمه أن يحج متمتعا وإن كان بعد ثلاث سنين فحكمه حكم أهل مكة.
مسألة [55]: قوله: لو حلف ثلاثا صادقا لزمه شاة، ولو حلف كاذبا لزمه في
الأولى شاة وفي الثانية بقرة وفي الثالثة بدنة، ولو حلف أكثر من ثلاثة ولم يكفر
لم يلزمه أكثر من بدنة في الكذب، ولا يلزمه أكثر من الشاة مع الصدق، ولو كفر
فإن كان على واحدة لزمه شاة دائما وإن كان على الثانية لزمه بقرة دائما وإن كان
على الثالثة لزمه بدنة دائما، وقيل: يلزمه في الزائد عن الثلاثة بدنة مطلقا.
مسألة [56]: لو نسي من السعي شوطا فقصر وواقع النساء لزمه بقرة إذا
ذكر.
549

مسألة [57]: لو أحصر في إحرام العمرة وبعث هديه لم يتحلل حتى يبلغ
الهدي محله، ولا تحل له النساء حتى يطوف في القابل إن كان واجبا أو يطاف
عنه إن كان ندبا، ولو أحصر في المتمتع بها تحل له النساء لعدم طوافهن فيها.
مسألة [58]: قوله في الجمار: لو رمى على الأولى أربعة صح، يريد به الأربعة
الأول، فإن رمى على الثانية أربعة صحت الثانية، وإن رمى على جمرة العقبة أربعة
صحت الثالثة وإلا صحت الأولى حسب، فلو رمى على الأولى أربعة والثانية ثلاثة
بطلت الثانية، وكذا لو رمى على جمرة العقبة ثلاث بطلت الوسطى وجمرة العقبة،
ولو رمى على كل واحدة ثلاثة بطلت الكل، فالحاصل أنه إن رمى ناسيا أو جاهلا
على الثلاثة على كل واحدة أربعة صحت الثلاثة، وإن رمى على الأولى أربعة وعلى
جمرة العقبة والوسطى ثلاثة ثلاثة صحت الأولى حسب، وإن رمى ثلاثة ثلاثة على
كل واحدة بطل الجميع.
مسألة [59]: لو ملك ما يحج به في عامه فسافر في عامه فأخذ ماله قبل
الإحرام فحج لم يجزئه عن حجة الإسلام، ولو دخل الحرم أجزأه أي حال كونه
مستطيعا، ولو ظن أن ماله يكفيه فسافر فلم يكفه لم يجزئه.
مسألة [60]: لو نذر الحج في عام فملك الزاد والراحلة قبل موسم الحاج
وجب أن يحج حجة النذر ولو لم يبق معه ما يكفيه من قابل سنة للحج لا يجب
عليه حجة الإسلام، فلو تهاون إلى قابل تعين عليه أن يبدأ بحجة الإسلام قبل
النذر. أما لو كان الحج واجبا عليه من قبل النذر فإنه يقدم حجة الإسلام ولو قدم
النذر لم يجزئه وقيل يقدم حجة الإسلام مطلقا.
مسألة [61]: هدي التمتع يجب الأكل منه والإهداء والصدقة، أما القسمة
550

فيستحب أن يجعل القسم المتصدق به أكبر.
مسألة [62]: لو تخلف على الإنسان شئ من أفعال الحج كالطواف وشبهه
جاز أن يؤجر نفسه للحج ويأتي به بعد قضاء أفعال ما أحرم له، وكذا يجوز لو
كان بعضا من ركن لشوط أو شوطين، ولو لم يؤجر نفسه لحج ولا عمرة بل
رجع للإتيان بما عليه وجب الإحرام لحج أو عمرة ويأتي بما عليه من الفائت بعد
قضاء أفعال ما أحرم له.
مسألة [63]: لو أفسد الصبي حجه بالجماع فسد ولزمه قضاؤه بعد بلوغه ولا
يشترط الاستطاعة حينئذ.
مسألة [64]: إذا أوصى أن يحج عنه بمبلغ، فقصر ذلك المبلغ حتى لا
يرغب فيه راغب، صرفه في وجوه البر إن كان مندوبا وإن كان واجبا كان إرثا.
مسألة [65]: لو تقدمت النية في الوقوف ثم حصل الجنون أو الإغماء أو النوم
صح وقوفه بشرط تخلل زمان أقله لحظة.
مسألة [66]: لا يجوز إخراج شئ من هديه من منى ويجب صرفه بها.
مسألة [67]: قوله في هدي القران: ويجب أن يذبحه بمكة إن قرنه بالعمرة،
ويفهم من ذلك قران الإحرام للعمرة بالهدي وليس كذلك بالإنفاق بل إنه ساقه
من غير عقد إحرام فيذبحه لجواز كونه جزءا عن كفارة، وتسميته هدي قران
مجاز فإن فرض خلوة من ذلك فإشكال ومع سوقه يجب الذبح.
وهل يجب قسمته كهدي التمتع؟ فيه نظر. وقوله: لا يتعين للصدقة إلا
551

بالنذر، يعني بجميعه.
مسألة [68]: العبد المعتق قبل أحد الموقفين يجزئه عن حجة الإسلام، أما
الصبي والمجنون ففيهما قول والأولى الإجزاء مطلقا.
مسألة [69]: إذا جامع النساء جهلا أو نسيانا هل يطلق عليه عدم الاتقاء؟
قال: الأولى عدم الاتقاء في حق الجاهل، والاتقاء في حق الناسي.
مسألة [70]: جاهل المناسك ابتداء إذا علم عند كل فعل، قال: يجزئه
والإعلام يكون بإخبار العدل.
مسألة [71]: قال: الصفا مزاد فيها لكن غصبها مجهول.
مسألة [72]: قوله في التحرير في ركعتي الطواف: صلاهما حيث ذكر من
الحرم، هو لفظ الرواية وهو الغالب والصلاة في غير الحرم جائز مع المشقة كبعد
البلد، والمرجع في المشقة إلى العرف هذا إذا كان في ذي الحجة.
مسألة [73]: قوله: وحشي وإنسي ومحلل ومحرم، بقرة وحش نراها بقرة
إنس والثاني ضبي نرى على شاة.
مسألة [74]: لو ضرب بطير على الأرض في غير الحرم فهل عليه كالحرم أم
لا؟
الجواب: يبني على الاستصغار هل هو بالطير أو بالحرم.
552

مسألة [75]: إذا طاف تطوعا وعليه صلاة فائتة لا يصح أن يتطوع للطواف
بل يصلي من قضائه.
مسألة [76]: إذا ملك بقدر دينه يجب عليه الحج في ثلاث صور: إذا أوصي
له بالحج بمال قدر دينه، وإذا بذل له قدره، وإذا استؤجر للعمل في طريقه بقدر
دينه، الأولى مجمع عليها، والثانية فيها خلاف ينشأ من جواز الرجوع وعدمه،
والثالثة فيها الخلاف إن دفع إليه الأجرة وإلا لم يجب عليه لأن الدفع لا يجب إلا
تدريجا كالعمل.
مسألة [77]: إذا قتل صيدا على غصن شجرة أصلها في الحل وفروعها الذي
عليه الصيد في الحل وبعض أغصانها في الحرم؟ قال: ليس قتيل الحرم
ولو نصب فيها غيرها من الآلات حتى وازى الحرم هل يلحق ذلك الغصن؟ فيه
إشكال قال: لا يلحق.
مسألة [78]: قال: الحرم من كل جانب بريد، وقوله: بريد في بريد، يعني
أربعة فراسخ في مثلها من أربع جوانب البيت يكون كل جانب أربع فراسخ
تبلغ ستة عشر فرسخا، وقيل: المراد بقولهم: بريد في بريد، أي أربع فراسخ في
مثلها قامت ستة عشر فرسخا هي طول الحرم لا أربعة من كل جانب، وهذا أقرب
إلى الصواب لأن من المعلوم أن الحرم جهاته متفاوتة في القرب والبعد والطول
والقصر.
مسألة [79]: لا يشترط موت النائب في الحرم بعد الدخول.
مسألة [80]: حد الحرم من محاذاة باطن الأنصاب.
553

مسألة [81]: الحجر من البيت وحكمه في اشتراط بعد المقام عن البيت
حكمه.
مسألة [82]: إذا مات النائب أو الحاج مطلقا وبعضه في الحل وبعضه في
الحرم لا يسقط الحج ولا يملك النائب الأجرة، بخلاف الصيد فإنه يكون مقتول
الحرم.
مسألة [83]: قيل من خط ابن إدريس: طول الكعبة أحد وعشرون ذراعا
بالجديد وعرضها ثمانية عشر ذراعا وأربع أصابع مفرجات.
مسألة [84]: لو بان أن هديه لم يذبح لم يبطل تحلله وهل يمسك؟ قال:
الذي ظهر لي من الروايات للإمساك بعد بعث الهدي من قابل عام لا من حين
العلم بعدم الذبح ولم يقل به في العصر أحد.
مسألة [85]: قال: لا يجوز استئجار المبدل حرف بغيره على حج لأجل
ركعتي الطواف، فإن ائتم فيهما قال: يحتمل الصحة.
مسألة [86]: قال: اضطراري المشعر، قيل: يجزئ خاصة والاضطراريين
يجزئ أيضا.
مسألة [87]: قد ذكر في الطواف بأن تلزم الكفارة إذا لم يبلغ الخمس فهل
يبني على الأربع؟ قال: الأحوط البناء والاستئناف فهو الأحوط.
مسألة [88]: قال: يستنيب ذو العذر للحج وجوبا.
554

مسألة [89]: لو أوصى بحج وأطلق فمن أقرب الأماكن، ولو أوصى بقدر
ولم يخرج من الثلث فإن أجاز من له أهلية الإجازة وإلا أخر إلى بلوع الطفل.
مسألة [90]: الاستمناء باليد أو بغيرها قبل أحد الموقفين يلزمه بدنة حسب.
مسألة [91]: لو أوصى لرجل بحجة ألف درهم مثلا وأجرة مثله خمس مائة
ولا مال له ولا أجازه وقبل الموصى له الوصية ثم رجع لعدم سلامة الجميع
فاستؤجر غيره بنصف ذلك، هل له من ذلك ثلثه أو لا شئ له والولاية في
النيابة للوارث أو الحاكم؟
الجواب: لا شئ للموصى له بغير قبول الإجارة والولاية تتبع نص الموصي،
فإن لم يعلم فالوارث، فإن لم يكن أو كان غير متصرف شرعا فالحاكم.
مسألة [92]: قال: يقبض على أنفه في الطيب وجوبا ولا يقبض في الكريهة
ويكون محرما، ولو ترك القبض في الأول وفعله في الثاني لزمته الكفارة في
الأول والإثم في الثاني خاصة.
مسألة [93]: الأولى أن التارك للإحرام عامدا العود إلى ميقاته الذي ترك
الإحرام منه، قال: يجزئه مطلقا.
مسألة [94]: مبدأ الشهر من إحلاله.
مسألة [95]: لو لبست المرأة ما لم تعتد من الحلي لزمها شاة.
مسألة [96]: لا فرق في النعامة بين الكبيرة والصغيرة في وجوب البدنة.
555

مسألة [97]: تأخير الحج عن عامه كبيرة موبقة، أي في العقاب مهلكة في
الإثم.
مسألة [98]: المراد بالإشعار أن يلطخ صفحته، أي صفحة بدن البعير أجمع
لا السنام خاصة.
مسألة [99]: يجب في استعمال الدهن الطيب شاة وذلك مثل دهن الورد
وشبهه.
مسألة [100]: هل يحرم وضع المحلب والزعفران في زاد المحرم سواء تميز
أو لا؟ فقد نص في التحرير أنه محرم على المحرم ما فيه طيب، وتجب به الفدية
سواء مسته النار أو لا، بقيت أوصافه أو عدمت؟ قال: لا شك في تحريم أكل
المحرم هذا الزاد ويحرم شمه.
فرع: من معتبر شيخنا أبو القاسم ابن سعيد رحمه الله في الإحرام للناذر قبل
الميقات: لو قتل صيدا أو أكل طيبا لم تلزمه كفارة لأنه ليس بمحرم وعليه نص
أئمتنا عليهم السلام.
مسألة [101]: لو وطئ المحرم أمته المحرمة باذنه فطاوعت لزمها الصوم،
هل يكون شهرين؟ فإن عجزت صامت ثمانية عشر أو صيام شهر على نصف
الحرام؟ لا.
ولو كان مكرها لها هل يجب عليه الكفارة دونها أم لا؟ لا يجب عليه
تمكينها خلافا لابن الجنيد ويحتمل قويا وجوب تمكينها.
556

مسألة [102]: كل موضع يقول الشارع: تجديد التلبية، يريد به مع تجديد
الإحرام والنية.
مسألة [103]: المراد بالصيد الذي يأكله المحرم عند الضرورة هو أن يكون
من ذبيحة محل.
مسألة [104]: العمرة يجب فيها ثمانية أشياء:
نزع المخيط وكشف الرأس وظاهر القدمين، الثاني لبس ثوبي الإحرام،
الثالث النية، الرابع: التلبيات الأربع، الخامس: الطواف، السادس: صلاة
الطواف، السابع: السعي، الثامن: التقصير، ويزاد على ذلك في عمرة الإفراد
طواف النساء وركعتاه.
مسألة [105]: الحج ويجب فيه خمسة عشر شيئا: نزع ثياب المخيط
وكشف الرأس وظاهر القدمين، الثاني لبس ثوبي الإحرام، الثالث النية، الرابع
التلبية، الخامس الوقوف بعرفة، السادس الوقوف بالمشعر، السابع رمي جمرة
العقبة، الثامن الهدي، التاسع الحلق والتقصير، العاشر الطواف، الحادي عشر
صلاة الطواف، الثاني عشر السعي، الثالث عشر طواف النساء وركعتاه، الرابع
عشر المبيت بمنى ليالي التشريق الخامس عشر رمي الجمار عليه.
مسألة [106]: يتحلل المصدود عند العذر وإن لم يشترط.
مسألة [107]: قوله في أداء الشهادة والإقامة على إشكال أو بالتفريق.
الجواب الصحيح: أن الأداء إقامة مطلقا محرمة سواء كانت بين محرمين أو
محلين.
557

مسألة [108]: إذا كان لإنسان بستان وأمتعة حرث وغيره، لو باعها استطاع
هل يجب عليه بيعها للحج أم لا؟
الجواب: نعم إذا استثني منها ما نص على استثنائه وكذا من سائر أحواله.
مسألة [109]: المضطر إلى المخيط ينزع في ابتداء الإحرام ويلبس الثوبين إن
تمكن والإحرام عاريا ثم يلبس بعد.
مسألة [110]: قال المفيد: ذكر في من لا يحضره الفقيه روايتين بعد جواز
لبس المخيط، وأشار إليه في التحرير قال: وهو الأولى إلا اليسير الذي لا ينتهي إلى
التشبه بالمخيط.
مسألة [111]: الحمل من الظان ابن أربعة أشهر، والجدي من المعز كذلك،
والماخض ما من شأنها أن تكون حاملا.
مسألة [112]: لو استؤجر للحج هل يعقد النية من بيت الميت أم يكفيه من
أرض القرية؟ نعم.
مسألة [113]: لو كان عليه عمرة الإسلام أو النذر هل يجوز له النفل أم لا؟
لا.
مسألة [114]: لو استؤجر لزيارة النبي عليه السلام أو للأئمة عليهم السلام هل
يجب صلاة الزيارات أم لا؟ لا.
مسألة [115]: هل يجوز للمحرم أن يشم الورد أم لا؟ لا.
558

مسألة [116]: لو قلم الإصبع الزائدة أو اليد الناقصة أو اليدين الزائدتين ما
حكمهم؟ الأولى كالأصلية.
مسألة [117]: لو عجز عن الهدي ومات هل يجب على وليه قضاء العشرة أم
لا؟ نعم.
مسألة [118]: لو جفت الشجرة المقلوعة يضمنها أم لا؟ نعم يضمنها.
مسألة [119]: لو حلق ما لا يصدق عليه حلق تصدق بشئ ما الشئ؟ كف
من طعام.
مسألة [120]: لو توشح المحرم بالمخيط، عليه كفارة أم لا؟ نعم.
مسألة [121]: لو استطاع لحج الإفراد دون عمرته هل يجب عليه خاصة أم لا؟
مسألة [122]: هل يكفي هدي السياق عن هدي التحلل أم لا؟ نعم مع ندبه.
مسألة [123]: قوله كل من وجب عليه بدنة أجزأه بسبع شياه فهلا يجزئ
المفيض من عرفات ويلزم بها وبأي شئ خرجت من الكلية؟ قال: الظاهر أن
الثمانية عشر بعد العجز عن السبع شياه.
مسألة [124]: لو لم يكن له سبيل إلى الميقات ولا إلى محاذاته هل يقدر في
نفسه المحاذاة أم يحرم من أدنى الحل؟ ومع إحرامه من المحاذاة لو عاد تبين له
559

التقدم أو التأخر يصح إحرامه أم لا؟ نعم.
مسألة [125]: هل وادي ذو الحليفة ظرف الإحرام أم المسجد حسب؟ نعم
أحوط.
مسألة [126]: المبطون والمستحاضة لو استأجروا من يطوف عنهما بعد
يأسهما من الطهارة وخوف فوات الرفقة وزوال عذرهما في أثناء طواف النائب
هل تنفسخ الإجارة أم لا؟ وإن انفسخ هل يجتزئان بفعل الأجير ويتما أو يستأنفا
من رأس؟
الجواب: إذا لم يتجاوز النصف انفسخت الإجارة مع قدرتهما على الطواف.
مسألة [127]: هل لو ترك طواف النساء هل يحرم عليه العقد أم لا؟ نعم.
مسألة [128]: لو ظن المتمتع إكمال الطواف في العمرة فأخل وواقع ثم
ذكر النقص هل يجب عليه شئ أم لا؟ نعم دم بقرة.
مسألة [129]: هل يجب في نفسه نية إحرام أم يقصد معنى الإحرام ويكفيه أم
لا.
مسألة [130]: يحرم على المرأة لبس القفازين في الإحرام وهما وقاية لليدين
من البرد محشوان يزران عليهما، وقال ابن دريد: هما ضرب من حلي اليدين.
مسألة [131]: لو زال عذر المحصور بعد البعث وفوات الوقت هل يجب
عليه لقاء مكة أم لا؟ نعم إذا لم يكن تحلل.
560

مسألة [132]: هل يصح للمحرم إخراج الدباسي أم لا؟ نعم ويجوز ذبحه في
الحل. مسألة [133]: لو ضرب بطير فنقصت عشر قيمته ما فيه؟ قال: عشر شاة مع
المشارك وإلا عشر القيمة. ولو نقص أقل أو أكثر حكمه واحد أم لا؟ نعم.
مسألة [134]: ركعتي الإحرام هل هي جهر أم إخفات؟ وهل الأداء شرط
فيهما أم لا؟ نعم حسن.
مسألة [135]: لو أكل بعض الصيد يضمن قيمة ما أكل أم الجميع؟ قال:
فدية كاملة.
مسألة [136]: لو ضرب بغير الطير في الحرم هل حكمه حكم الطير أم لا؟ لا
نص فيه.
مسألة [137]: لو حل الطير المربوط فتلف ضمنه ولو انحل لتقصيره هل
يضمن أم لا؟ نعم.
مسألة [138]: لو جرح صيدا ثم رآه سويا يضمن الأرش أم ربع القيمة؟ بل
الأرش فقط. و لو نفر الصيد فتلف قبل السكون بآفة سماوية يضمن أم لا؟ نعم.
مسألة [139]: لو استودع صيدا وتعذر المالك والحاكم والثقة ما الحكم
فيه؟ قال: يرسله ويضمن.
561

مسألة [140]: لو أزمن الصيد ما يلزمه؟ قال: الأرش ولكن كمال الجزاء أقوى.
مسألة [141]: لو قتل العدلين الصيد وقوما الجزاء بقيمته وزيادة هل يجوز أم
لا؟ قال: نعم إذا كانا جاهلين أو تابا.
مسألة [142]: لو فقد البر في الفض هل ينتقل إلى غيره أم لا؟ ومع الانتقال
يتخير أم لا؟ وهل يكتفي بالستين مع الانتقال لو زاد أم لا؟ قال: هذا لا نص فيه.
مسألة [143]: لو أمسك المحل الأم في الحرم فمات الولد في الحل أو
بالعكس هل يضمن أم لا؟ هو أحوط.
مسألة [144]: لو كسر المحرم البيض الفاسد عليه الضمان أم لا؟ لا.
مسألة [145]: الذي جامع أمته المحرمة باذنه وانتقل إلى صوم الثلاثة أيام
هل هي متتابعة أم لا؟ وهل هي في السفر أم لا؟ لا.
مسألة [146]: لو أمر المولى عبده بقتل الصيد في الحل هل يضمن أم لا؟ نعم
إذا كان محرما.
مسألة [147]: لو أفسد الحج وجب إتمامه أو القضاء؟ قال: الأولى هي حجة
الإسلام والثانية عقوبة، وابن إدريس عكس الحال، وقواه في التحرير لكن قول
الشيخ هو المشهور والمروي.
مسألة [148]: من حج وهو لا يعرف المعارف الأربعة هل يصح حجه
562

وصلاته أم لا؟
الجواب: إذا لم يناف الحج الأداء صح حجه ويكفيه اعتقاد ذلك مستندا
إلى دليله وإن كان عاجزا عن البيان له لما في ذلك من العسر بالنسبة إلى العوام،
أما لو لم تكن العقائد محصله عنده فلا.
مسألة [149]: إذا أحرم الإنسان في المخيط أو النجس بلا علم ثم علم هل
يصح إحرامه وتكون حجته ماضية أم لا؟
الجواب: الظاهر أن الإحرام صحيح.
مسألة [150]: إذا حج الإنسان ومعه مال حرام وأحرم فيه أو طاف فيه أو به
أو ركب حمل حرام؟ هل يصح حجه أم لا؟
الجواب: إن الحج صحيح إذا عزم على الرد، وأما الإحرام فيه فإن جعلنا
اللبس شرطا أو شطرا من الإحرام بل وأما الطواف فيه فباطل وأما الركوب للبعير
فيوجب الإثم، والكلام فيه كالكلام في المال إلا أن يكون في الطواف أو السعي
فيبطل.
مسألة [151]: لو قتله واحد وأكله جماعة كان على كل واحد فداء كامل
هل هذا صحيح؟ قيل: عليه قيمة ما أكل.
مسألة [152]: لو لبس مع الذكر وجبت الفدية بمجرد الفعل ولو نزعه من
رأسه فعل حراما ويجب الفدية إن قلنا إنه تغطية، قال: متى ستر الرأس فهو تغطية.
مسألة [153]: لو تحلل المصدود بهديه هل يجب عليه مع ذلك حلق أو
تقصير؟
563

مسألة [154]: لو حلق بعض رأسه غدوة وبعضه عشية ففديتان؟ نعم.
مسألة [155]: لو لبس قميصا وعمامة وخفين وسراويل وجب عليه لكل
واحد فدية؟ قال: صحيح إلا السراويل فإنه يشترط تعدد المجلس.
مسألة [156]: قال: لو شرط على ربه جاز له أن يحل يوم بلوع الهدي محله
وهو يوم العيد من دون إنفاذ هدي أو ثمنه إلا أن يكون ساقه أو أشعره أو قلده.
صورة المسألة: يعني إنه إذا شرط أن يحله حيث حبسه فإنه يتحلل من دون
إنفاذ إلا أن يكون ساقه هديا أو أشعره أو قلده، فإنه يجب إنفاده ولو كان قد
اشترط، وهذا مبني على أن الاشتراط يسقط الهدي.
مسألة [157]: قوله في التحرير: وينبغي أن يعتمر إذا أمكن الموسي رأسه.
صورة المسألة: يعني ينبغي تأخر العمرة المفردة حتى ينبت الشعر على رأسه
لتمكن الموسي أن يحلقه ليحصل له ثواب الحلق.
مسألة [158]: قوله: ويقدم حجة الإسلام على القضاء فلو قدم القضاء قال
الشيخ: انعقد عن حجة الإسلام. قال: لا يصح شئ منهما.
مسألة [159]: إذا كسر بيضة النعامة فيها بكرة إذا تحرك فيها الفرخ فمع
العجز فما الذي يلزمه؟ قال: فيها بدل الكبير.
مسألة [160]: هل يجب على القارن والمفرد رمي الجمار أم لا؟ وعلى تقديره
كيف صورته؟
الجواب: يجب كالمتمتع.
564

مسألة [161]: قال الشيخ: لا يجوز أن يلقي الحلم عن بعيره بل القراد، قال:
الصحيح الجواز فيهما، نعم.
مسألة [162]: لو أمكن أن يطاف عن المحصور في عام الحصر للنساء هل
يصح أو يجب التأخير إلى القابل؟ قال: يؤخر إن كان الحج واجبا وإلا جاز،
وقيل: يجوز وإن كان واجبا.
مسألة [163]: لو كان في الطريق عدو وأمكن محاربته بحيث لا يلحقه
خوف ولا ضرر فهو مستطيع، ولو غلب على ظنه عدم السلامة ثم حج وسلم لم
يجزئه.
مسألة [164]: إذا التفت الإنسان في طوافه باختياره أو بغير اختياره حتى
صار مستدبرا هل يضره أم لا؟
الجواب: إذا كان مكرها فلا قطع، وإن كان مختارا فإن خرج به عن كونه
طائفا فهو قطع.
مسألة [165]: إذا حصل له مال قبل أشهر الحج من ميراث أو غيره ثم
استؤجر للحج قبل دخول أشهر الحج صحت الإجارة، لأن الحج لا يجب في
ذمته إلا بدخول أشهر الحج ولم يحصل.
مسألة [166]: هل حكم الطواف حكم الصلاة فيما عفا الشارع عنه فيها أم
لا؟
الجواب: بل ما عفي عنه في الصلاة عفي عنه في الطواف.
565

مسألة [167]: إذا سعى راكبا هل يجب إذا بدأ بالصفا أن ينزل ويلصق عقبه
بها، وهكذا في المروة وبقية الأشواط؟ قال: إذا وصل إلى ذلك البناء العلوي
أجزأه وإن لم يلصق عقبه.
مسألة [168]: لو صيد حمام الحرم في الحل جاز ذبحه وأكله ولا كفارة عليه
والأحوط اجتنابه قوي.
مسألة [169]: لو حلق في إحرام العمرة المتمتع بها هل يجزئ أم لا؟ نعم
يجزئ.
مسألة [170]: لو لم يعلم الهلال ليلة الثلاثين من ذي القعدة فوقف الناس يوم
التاسع من ذي الحجة ثم قامت البينة أنه يوم العاشر ففي الإجزاء نظر، وكذا لو
غلطوا في العدد فوقفوا يوم التروية قال: الأولى الإعادة مطلقا.
مسألة [171]: قال: الجماء التي لم يخلق لها قرن يجزئ، والأقرب إجزاء
البترة وهي المقطوعة الذنب، وكذا الصمعة وهي التي لم يخلق لها أذن صغيرة
قال: يجزئ الجميع إلا البترة.
مسألة [172]: قال الشيخ: لو ترك الوقوف بالمشعر عمدا وجب عليه بدنة
والحق بطلان الحج، صحيح.
مسألة [173]: هل يجوز أن يصرف ما لزمه عن كفارات غير الصيد في
إحرام العمرة في منى أم لا؟ نعم يجوز.
566

مسألة [174]: لو تلبس بالصوم ثم أيسر أو وجد الهدي قال الشيخ: لا يجب
بل يستحب، ويلوح من كلامه اشتراط صوم الثلاثة، وابن إدريس أطلق قال: لا
فرق نعم.
مسألة [175]: قال: لو رحل من منى فغربت الشمس وهو راحل قبل انفصاله
ففي وجوب المقام إشكال، نعم يجب بخلاف ما لو كان مشغولا بالتأهب فإنه لا
إشكال في الوجوب هنا.
مسألة [176]: قال في التحرير: لا يجوز الأكل من الواجب عدا هدي التمتع،
سواء كان دم المتعة أو النذر أو جزاء، ولو باع منه شيئا أو أتلفه ضمن بمثله، ولو
أتلفه أجنبي ضمنه له بقيمته، أي الأجنبي يضمنه له بقيمته والمالك يضمنه بلحمه
للفقراء.
مسألة [177]: قال: وإن كان الأذى من غير الشعر كالقمل والقروح
والصداع يفدي، وإن كان منه كالنابت في العين فلا فدية، المراد أن عليه الفدية
إن كان الأذى في الشعر والرأس لا بالشعر.
مسألة [178]: لو ترك طواف عمرة الإفراد تحرم عليه النساء حتى يأتي به،
وفي طواف عمرة التمتع وجهان، قال: لا يحرم عليه النساء.
مسألة [179]: إذا قضى ما وجب عليه من أجزاء الحج لا يجب عليه إكمال
بقية المناسك.
مسألة [180]: لو استؤجر لطواف النساء فأخل به لم تحرم عليه النساء.
567

مسألة [181]: محل الطواف حول البيت سبعة من كل جانب مثل ما بين
البيت والمقام.
مسألة [182]: للمشعر ثلاث مواقف: اختياري محض، واضطراري محض،
واختياري مشوب باضطراري وهو وقوفه ليلا، ووجه تشويبه بالاختياري أنه لو
أفاض منه ليلا اختيارا لم يبطل حجه إذا كان قد وقف بعرفة.
مسألة [183]: لو رمى الجمار من أي الجهات أجزأ.
مسألة [184]: قوله في طواف النساء: يوقعه النائب عن المنوب عنه لأنه من
أفعال الحج التي استؤجر عليها أو يوقعه عن نفسه لأن النساء حرمن عليه دون
الميت المستأجر عنه، فإن أتى به عن المستأجر عنه هل تحل له النساء أم لا؟ فإن
حلت له فما الدليل؟
الجواب: بل يوقعه عن الميت وإذا فعله حلت له النساء.
مسألة [185]: النائب في أفعال الحج إذا منع من طواف النساء أو بعض
أفعال الحج واستأجر لذلك فما نية النائب عن المنوب أو عن الميت؟
الجواب: النية أن يقول: أطوف طواف النساء في الحج الواجب والمندوب
أو حجة الإسلام أو غيرها الواجب على فلان بالأصالة وعلى فلان بالنيابة لوجوبه
قربة إلى الله، ولا يفتقر إلى إذن ورثة الأول.
مسألة [186]: في الحج، قوله: ويشترط العدالة لا بمعنى عدم الإجزاء لو
حج الفاسق، فلو عصى الوصي واستأجر فاسقا هل يبرأ من الميت من الحج
والوصي من المال؟ قال: نعم يبرأ بالاستئجار ولا يملك سوى أجرة المثل.
568

مسألة [187]: يحرم على المحرم النظر في المرآة والاكتحال بالسواد وكذا
حمل السلاح.
مسألة [188]: لو رمى الصيد فأصابه وغاب عنه، قال الشارع: لزمه الفداء،
فلو فداه ثم إن الصيد وجد سليما هل يرتجع الفداء وإذا كان لمالك ودفع إليه
هل يرتجع ما دفع إليه ولا يرتجع ما صرفه إلى الفقراء؟ نعم يرتجع.
مسألة [189]: لو كسر قرني الغزال أو شئ من أعضائه فهل يلزمه المذكور
أو الأرش؟ قال: الأرش قوي.
مسألة [190]: قوله: وفداء المملوك لمالكه فهل يأخذ الفداء أو القيمة أو
القيمة له والفداء لله يتصدق به؟ قال: له الفداء إذا كان الصيد في الحل ولا قيمة
هنا.
مسألة [191]: هل يجب على الولي أن يحج عن الميت كما يجب أن يصوم
عنه أم لا؟ وإذا بقي عليه شئ من مناسك الحج هل يجب على الولي أم لا؟ أما
الحج فلا وأما الجزء من طواف وسعي وصلاة ركعتين فالظاهر نعم.
مسألة [192]: قال: قلع شجر الحرم حرام خاصة.
مسألة [193]: لو اجتمعت شرائط الحج وسوف ثم حج في القابل ومات
قبل أن تقضى المناسك أجمع إلا أنه بعد الإحرام ودخول الحرم هل يجب عليه
أن يستأجر عنه من يتم بقية المناسك أم يجتزئ بالإحرام ودخول الحرم؟
قال: نعم يجتزئ بالإحرام ودخول الحرم عن التتمة بغير إشكال.
569

مسألة [194]: المشاية المخيطة بخيوط هل يصح لبسها للمحرم أم لا؟ قال:
لا يجوز لأنها ليست من الثياب.
مسألة [195]: لو أوصى إنسان بمال في حج يزيد عن القدر المجزئ من
أقرب الأماكن هل يكون الزائد من الأصل أو من ثلث ماله؟ وكذا إذا أوصى إلى
شخص ليحج عنه ولم يرض إلا بالزائد عن أجرة المثل من أقرب الأماكن؟
الجواب: يعطي أجرة المثل من البلد ما لم يزد على أجرة غيره بزيادة عن
الثلث، وإذا أوصى بالحج مطلقا يستأجر عنه من أقرب الأماكن.
وإذا تيسر لنا من نستأجره من أقرب أماكن مكة هل يجوز من أبعد منه
بكونه أرخص أم لا؟ لا يجوز أن يتجاوز الميقات مع القدرة على الاستئجار منه.
والأولى أن يكون ذلك الميقات ميقات ذلك النسك.
مسألة [196]: لو كان بيد جماعة عدة أمانات لشخص واحد ثم مات
المودع، وعلم كل واحد من الأمناء أن الوراث لا يؤدون قدر أجرة الحج عن
مورثهم فاستأجر كل واحد منهم من يحج عن فرض الميت، وكل واحد منهم لا
يعلم بما في أيدي الآخرين فأوقعوا الحج عنه في عام واحد، ثم علموا بعد ذلك
فما يكون الحكم؟
يحتمل أن يمضي ما فعلوه ويحتمل ألا يصح إلا حجة واحدة ويضمن الباقون
ويستخرج أجرة الحج بالتوزيع لأن التصرف في مال الغير بغير إذنه قبيح
فوجب الضمان، والنص ما ورد إلا إذا كان في يد إنسان فلا يتعدى، واحتمال
البطلان قوي، ولا منافاة بين الدخول الشرعي والضمان كما في اللقطة والصدقة.
مسألة [197]: لو استؤجر لزيارة ثم استطاع للحج وجب تقديم الزيارة، فإن
لم يمكن لتعيين الحج قدم الحج بشرط أن يبقى زمان يوقع فيه الزيارة وإلا سقط
570

الحج وقدمت الزيارة لسبقها، ولو استطاع للحج أولا ثم استؤجر للزيارة بعد فإن
لم يعلمه حتى أوقعها صحت ولا رجوع للمستأجر بشئ.
قال السيد:
مسألة [198]: لو كان له عروض ويحتاج إلى البيع قبل أشهر الحج ولا يتم
الاستطاعة إلا بذلك لا يجب بيعها قبل الأشهر.
مسألة [199]: لو كان الهدي ناقص في أصل بياض العين هل يجزي أم لا؟
وهل يقبل قول الفاسق البائع في عمر الهدي ولو كان فاسد الرأي؟
مسألة [200]: إذا نسي الحاج التقصير أو الحلق، ثم نزل طاف طواف
الزيارة أو كان جاهلا بذلك ما الحكم في ذلك؟ ثم قال له بعض الناس بعد أن
طاف: قصر، فقصر ولم يعد الطواف لخوف موت الرفقة ما الحكم في ذلك؟
الجواب: يجب عليه العود في القابل فإن تعذر استناب، والأولى إعادة السعي
أيضا قال: وطواف النساء.
مسألة [201]: قولهم: كل محرم أكل أو لبس ما لا يحل للمحرم أكله أو
لبسه فعليه دم شاة، أي شئ يراد به غير المذكور يريد به ما لا نص فيه كلحم
الإوزة والبطة والثعلب والأرنب.
مسألة [202]: لو كذب المحرم مجادلا أكثر من ثلاث مرات أي شئ عليه
في الزائد عن الثلاث؟ هل يكون حكم الزائد على الثلاثة حكم ما قبلها أو كيف؟
الجواب: إذا لم يكفر فبدنة، وكذا لو صدق ستا أو سبعا أو أكثر إذا لم يكفر
فشاة، وقيل: إن كرر عقيب الثلاث تكررت البدنة وعقيب الثانية بقرة وعقيب
571

الواحدة شاة.
مسألة [203]: مذهب الأصحاب أن الحاج إذا طاف طواف النساء أحل من
كل شئ أحرم منه فتحريم الصيد هل هو لكونه في الحرم، فما حكم أهل مكة
في الصيد يحرم عليهم في الحرم؟ ولو خرج الحاج من مكة إلى الحل قبل
طواف الزيارة فهل يحرم عليه الصيد في الحل أم لا؟
الجواب: لا ريب أنه بعد طواف النساء يحل الصيد بسبب زوال الإحرام،
ويجوز له ولكل من في الحرم من المحلين أكل لحم الصيد المذبوح في الحل،
أما قبل طواف الزيارة فالظاهر أنه لا يقع التحليل للصيد لأصالة بقاء حرمته.
مسألة [204]: الولي إذا أحرم بالصبي أو أحرم عنه ما صورة النية فيهما وفي
بقية أفعال الحج؟ وإذا امتنع الصبي المميز من تتمة أفعال الحج هل للولي جبره
على ذلك أم لا؟
الجواب: أحرم بهذا الصبي إحرام عمرة التمتع عمرة التطوع لندبه قربة إلى
الله، وفي الباقي ينوي الوجوب وله إجباره على التمام لوجوب الحج بالشروع.
مسألة [205]: قولهم ما لم يبلغ بدنة، هل المراد ببلوغ البدنة أن يكون
الصيد الواحد فيه بدنة أو بلوع مقدار البدنة بقتل الصيد مرارا كما لو قتل ظباء
يبلغ فداؤها بدنة فيكون الخلاف في التضاعف بعد ذلك؟
الجواب: الأول هو المراد دون الثاني.
مسألة [206]: لو نسي الحاج نية الإحرام حتى أتى بجميع المناسك ثم
حصل منه فعل يلزم المحرم به الكفارة فهل يلزمه ذلك أم لا؟
الجواب: الأقوى عدم اللزوم لعدم مناطه.
572

مسألة [207]: قوله في الشرائع: وهل يسقط الدم والحال هذه، فيه تردد.
أراد بالدم هنا دم التمتع ومنشأ التردد الشك في دم التمتع هل وجب جبرانا
لإحرامه من مكة إذ من حق الإحرام أن يكون خارج مكة أو هو نسك مستقل؟
فإن قلنا بالأول سقط الدم لعدم إحرامه من مكة وإلا وجب، وهو الصحيح والتردد
ضعيف جدا.
مسألة [208]: لو حج الإنسان وفي ذمته حق للغير وطلب منه وأفعال الحج
تنافي الدفع احتمل القول فيه بالبطلان وإلا فلا، ولو كان لاثنين لا يلزم هذا
الحكم بل يصح حجه وإن كان في ذمته حق، لأنه إذا تعارضت حقوق الآدميين
يخير المديون أيهم شاء قدم وهذا حقين فيتخير هنا ابن مكي.
مسألة [209]: إذا استؤجر للحج يجوز أن يستنيب في ذبح الهدي والطواف
والسعي أو لا؟
الجواب: أما الذبح فالأحوط توليته بنفسه وإن كان ظاهر المذهب الجواز،
ولا إشكال في الجواز مع الاضطرار، وكذا الأقوى جواز الاستنابة في الطواف
مع التعذر.
مسألة [210]: قال: كيفية الاستئجار للحج أن يقول المؤجر: آجرتك نفسي
لأحج عن فلان مثلا حج الإسلام حج التمتع بكذا، فيقول المؤجر: استأجرتك.
مسألة دقيقة [211]: يعلم من قوله في المفرد: إن إحرامه من ميقاته أو دويرة
أهله إن كانت أقرب، رجحان القول بتجديد المتعة ببعد مسافتين وذلك لأن
أقرب المواقيت إلى مكة يزيد على اثني عشر ميلا فلو قدرناها لم يتصور دويرة أهله
وراء الميقات إلا بتقدير عروض سكناه فيها وهو نادر.
573

مسألة [212]: لو آجر نفسه بمال قدر استطاعة الحج وجب عليه الحج، فهل
له أن يقبل بعد ذلك أم لا؟ يحتمل ذلك لجوازه بالأصل، وعدمه لأنه يؤدي إلى
سقوط وجوب الحج. قال رحمه الله: تصح الإقالة ويجب عليه الحج ماشيا على
احتمال، وكذا لو باعه سلعة بأكثر من ثمن المثل أو خالعته بعوض بقدر
الاستطاعة تصح الإقالة ويحج ماشيا على احتمال.
مسألة [213]: في تفصيل الوصية بالحج أقسام:
أ - أن يعلم شغل ذمته بحج ويكفي الاستئجار من أقرب الأماكن.
ب - مات وأوصى بحج وأطلق وهو كالأول.
ج - أوصى بقدر ولم ينهض من بلده ولم يزد عن أجرة المثل فلا اعتراض
للورثة مطلقا.
د - أوصى بقدر أجرة المثل وزيادة فالزائد موقوف على الإجازة إن لم يظهر
من الثلث.
ه‍ - عين الأجير وأطلق فيستأجر بأجرة المثل إن رضي وإلا استؤجر غيره أو
بالزائد إن جازوا الورثة إن لم ينهض من الثلث.
و - عينهما معا فإن رضي الأجير فلا كلام وإن لم يرض الأجير استؤجر
غيره ممن يبرئ الذمة بأجرة المثل والباقي للورثة.
ز - عين قدرا ولم ينهض بحجة الإسلام ولو من أقرب الأماكن رجع ميراثا
إن كان واجبا، وإن كان مندوبا ولم ينهض من الأقرب صرف في وجوه البر.
مسألة [214]: لو ترك ركعتي الطواف متعمدا ففي صحة حجه إشكال.
مسألة [215]: قال: لو أخل بالاختتان متعمدا حتى أحرم ثم بعد دخول مكة
لم يتمكن قال عليه السلام: يصح طوافه.
574

مسألة [216]: قوله: لو مات النائب بعد دخول الحرم أجزأ، فهل لا فرق بين
حج التمتع وقسيميه؟ وهل لو مات في إحرام عمرة التمتع يجزئ عن حجها
ويستحق الأجرة بكمالها أم لا؟ وهل الحكم سواء في حج الإفراد وعمرته أم
بينهما فرق؟
الجواب: يجزئ في التمتع عن الحج والعمرة لأنهما متلازمان، وفي المفردة
يجزئ عن إحرام ما مات فيه وهو الحج لا غير دون العمرة لأنها منفصلة عنه
وليست داخلة فيه كالتمتع، أما إحرام المتمتع بها فيجزئ عنها وعن الحج
ويستحق الأجرة مع الإجمال، وكتب يريد بالإجمال قوله: استأجرتك لتحج
متمتعا احتراز من التفصيل كأن يستأجر على كل جزء، كاستأجرتك لتحرم
بدينار وتطوف بدينار وهكذا.
مسألة [217]: لو استأجر المكي من المدينة مثلا لحجة في سنة معينة فصد بعد
الإحرام أو أحصر هل يوزع الأجرة على ما بقي من الطريق والعود أم لا يحسب
العود بل يحسب المضي لا غير.
وكتب محمد بن مطهر:
مسألة [218]: لو استؤجر لسنة معينة بحجة الإسلام مثلا ثم نسي النائب
النوع ولم يدر ما إذا استؤجر له من حجة الإسلام أو غيرها من الأنواع ما ذا
ينوي؟
الجواب: ينوي ما في الذمة إذا تعذر الاستعلام.
وكتب محمد بن مطهر:
مسألة [219]: لو عقد المحرم على امرأة عالما بالتحريم حرمت بنفس العقد،
فلو كانت المرأة محرمة والرجل محل فعقد عليها هل تحرم عليه أم لا؟ تحرم
575

بالنسبة إليها ولا نفقة لها لأن المانع من قبلها.
مسألة [220]: لو نوى الإحرام ولم يلب ناسيا لبى حين يذكر وإن كان في
مكة، ولا يفتقر إلى الرجوع إلى الحرم وإن تمكن وفيه نظر، ولا إلى إعادة النية
وهو ظاهر كلام النهاية، وكذا لو ذكر بعد أن فعل بعض الأفعال كالطواف ولم
يجب عليه إعادة الطواف ووقع صحيحا.
مسألة [221]: المصدود لو لم يجد الهدي لم يتحلل إلا بذبحه فإذا رجع إلى
بلده ووجده ذبحه أجزأه.
مسألة [222]: لو استؤجر لحجة في سنة معينة متأخرة عن سنة العقد بسنتين
أو أكثر ثم استطاع في السنة التي وقع فيها العقد وأخر حتى جاءت السنة المعينة
للإجارة أيها يقدم؟ يقدم هنا الاستئجار قال الشيخ: يقدم الاستئجار مطلقا.
مسألة [223]: لو ترك المحرم للعمرة طوافا وسعيا أو أحدهما ناسيا هل
تصح عمرته أم لا؟ لا تصح، قال فخر الدين: لا تبطل وكذا لو كان جاهلا.
مسألة [224]: لو أفسد عمرة التمتع هل يجب عليه تمام حج التمتع؟ وكذا
إذا أراد أن يقضيها هل يجب عليه الحج معها؟ ولو أفسد حج التمتع هل يجب
عليه العمرة إذا أراد قضاءه؟ نعم يجب على الأقوى ويجزئه أن يقضي الحج
والعمرة في السنة إذا أمكن.
مسألة [225]: لو أعتق العبد قبل أحد الموقفين ولم يعلم بالعتق وأتى
بالأفعال كلها بنية الحج الأول هل يجزئه عن حج الإسلام لأنهم أطلقوا الكلام
576

فيما لو أعتق قبل أحد الموقفين؟ قال: الأولى الإجزاء وجهله عذر.
مسألة [226]: لو حاضت المرأة وانقطع دمها وطافت ظنا منها زوال
الحيض، ثم لما حضرت الموقفين عاودها وانقطع على العاشر وأوقعت جميع
أفعال الحج بنية التمتع هل يصح حجها أم لا؟ وإذا صح حجها هل يجب عليها
عمرة مفردة تتمة الحج أم لا؟
قال فخر الدين: بل تصح متعتها، وقال شيخنا عميد الدين: يجب عليها قضاء
الصلاة والطواف خاصة.
577