الكتاب: الينابيع الفقهية
المؤلف: علي أصغر مرواريد
الجزء: ٣٧ق٢
الوفاة: معاصر
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤١٣ - ١٩٩٣ م
المطبعة:
الناشر: مؤسسة فقه الشيعة - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: أشرف على جمع أصولها الخطية وترتيبها حسب التسلسل الزمني وعلى تحقيقها وإخراجها وعمل قواميسها علي أصغر مرواريد

الخلاف
كتاب الشركة
مسألة 1: شركة المسلم لليهودي والنصراني وسائر الكفار مكروهة. وبه
قال جميع الفقهاء. وقال الحسن البصري: إن كان المتصرف المسلم لا يكره، وإن كان
المتصرف الكافر أو هما، كره.
دليلنا: إجماع الفرقة، بل إجماع الأمة، لأن خلاف الحسن لا يعتد به،
ومع ذلك قد انقرض.
وروي عن عبد الله بن عباس أنه قال: أكره أن يشارك المسلم اليهودي أو
النصراني. ولا يعرف له مخالف.
مسألة 2: لا تنعقد الشركة إلا في مالين مثلين في جميع صفاتهما،
ويخلطان، ويأذن كل واحد من الشريكين لصاحبه في التصرف فيه. وبه قال
الشافعي.
وقال أبو حنيفة: تنعقد الشركة بالقول وإن لم يخالطاهما، بأن يعينا المال
ويحضراه، ويقولا: قد تشاركنا في ذلك، صحت الشركة.
وقيل: هذه شركة العنان.
وإذا أخرج أحدهما دراهم، والآخر دنانير، انعقدت الشركة بينهما.
3

دليلنا: أن ما اعتبرناه مجمع على انعقاد الشركة به، وليس على انعقادها
بما قاله دليل، فوجب بطلانه.
مسألة 3: العروض التي لها أمثال، مثل: المكيلات، والموزونات تصح
الشركة فيها. واختلف أصحاب الشافعي فيه:
فقال أبو إسحاق المروزي مثل ما قلناه.
وقال غيره: لا تصح.
دليلنا: أن الأصل جواز ذلك، والمنع يحتاج إلى دليل، ولا دليل في
الشرع.
مسألة 4: إذا أخرج أحدهما دراهم، والآخر دنانير، لم تنعقد الشركة. وبه
قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: تصح.
دليلنا: أنهما مالان متميزان، ولا يختلطان، ومن حق الشركة اختلاط
المالين، فوجب أن تبطل، ولأن ما اعتبرناه لا خلاف في عقد الشركة به، وما
ذكروه لا دليل على صحته.
مسألة 5: شركة المفاوضة باطلة. وبه قال الشافعي، قال: ولها حكم في
اللغة دون الشرع.
قال صاحب إصلاح المنطق: شركة المفاوضة: أن يكون مالهما من كل
شئ يملكانه بينهما. ووافقه على ذلك مالك، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور.
وقال أبو حنيفة: هي صحيحة إذا صحت شرائطها وموجباتها.
فشرائطها أن يكون الشريكان مسلمين حرين، فإذا كان أحدهما مسلما
والآخر كافرا، أو كان أحدهما حرا والآخر مكاتبا، لم تجز الشركة.
4

ومن شروطها أن يتفق قدر المال الذي تنعقد الشركة في جنسه، وهو
الدراهم والدنانير، فإذا كان مال أحدهما أكثر لم تصح هذه الشركة، أو أخرج
أحدهما من الشركة من ذلك المال أكثر مما أخرجه الآخر لم يصح.
وأما موجباتها فهو أن يشارك كل واحد منهما صاحبه فيما يكتسبه، قل
ذلك أو كثر، وفيما يلزمه من غراماته بغصب وكفالة بمال، فهذه جملة ما
يشرطونه من الشرائط والموجبات. وبه قال سفيان الثوري والأوزاعي.
دليلنا: أنه لا دليل على صحة ذلك، وانعقاد الشركة حكم شرعي يحتاج
إلى دلالة شرعية.
وأيضا هذه الشرائط التي ذكروها من اكتساب المال والغرامة باطلة، فلا
يصح معها الشركة.
وأيضا روي عنه عليه السلام أنه نهى عن الغرر، وهذا غرر، لأنه يدخل في
العقد على أن يشاركه في جميع ما يكسبه وما يضمنه بعد، من غصب وضمان
وكفالة، وقد يلزمه غرامة، فيحتاج أن يشاركه فيها على حسب ما دخل عليه في
العقد، وهذا غرر عظيم.
مسألة 6: شركة الأبدان عندنا باطلة - وهي أن يشترك الصانعان على أن
ما يرتفع لهما من كسبهما فهو بينهما على حسب شرطهما، سواء كانا متفقي
الصنعة كالنجارين والخبازين، أو مختلفي الصنعة كالنجار والخباز - وبه قال
الشافعي.
وقال أبو حنيفة: يجوز مع اتفاق الصنعة واختلافها، ولا يجوز في الاحتطاب
والاحتشاش، والاصطياد والاغتنام.
وقال مالك: يجوز الاشتراك مع اتفاق الصنعة، ولا يجوز مع اختلافها.
وقال أحمد: يجوز الاشتراك في جميع الصنائع، وفي الاحتشاش
والاحتطاب، والاصطياد والاغتنام.
5

دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
وأيضا العقود الشرعية تحتاج إلى أدلة شرعية، وليس في الشرع ما يدل
على صحة هذه الشركة.
وأيضا نهى النبي صلى الله عليه وآله عن بيع الغرر، وهذا غرر، بدلالة أن
كل واحد منهما لا يدري أيكسب صاحبه شيئا أم لا يكسب، وكم مقدار ما
يكسبه.
مسألة 7: شركة الوجوه باطلة - وصورتها: أن يكون رجلان وجيهان في
السوق، وليس لهما مال، فيعقدان الشركة على أن يتصرف كل واحد منهما
بجاهه في ذمته، ويكون ما يرتفع بينهما - وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: أنها تصح، فإذا عقداها كان ما يرتفع لهما على حسب ما
شرطاه بينهما.
دليلنا: ما قدمناه في المسألة الأولى من أن العقود الشرعية تحتاج إلى أدلة
شرعية، وليس في الشرع ما يدل على صحة هذه الشركة، فيجب أن تكون باطلة.
مسألة 8: لا فرق بين أن يتفق المالان في المقدار، أو يختلفا، فيخرج
أحدهما أكثر مما أخرجه الآخر. وبه قال أكثر أصحاب الشافعي.
وقال أبو القاسم الأنماطي من أصحابه: إذا اختلف مقدار المالين، بطلت
الشركة.
دليلنا: أنه لا دلالة على بطلان هذه الشركة، والأصل جوازها.
وقوله عليه السلام: المؤمنون عند شروطهم.
مسألة 9: لا يجوز أن يتفاضل الشريكان في الربح مع التساوي في المال،
ولا أن يتساويا فيه مع التفاضل في المال، ومتى شرطا خلاف ذلك كانت
6

الشركة باطلة. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: يجوز ذلك.
دليلنا: أن ما قلناه مجمع على جوازه، وليس على جواز ما ذكره دليل.
مسألة 10: إذا اشترى الشريكان عبدا بمال الشركة، ثم أصابا به عيبا، كان
لهما أن يرداه، وكان لهما إمساكه، فإن أراد أحدهما الرد والآخر الإمساك كان
لهما ذلك. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: إذا امتنع أحدهما من الرد، لم يكن للآخر أن يرده.
دليلنا: أن المنع من الرد بالعيب يحتاج إلى دليل، والأصل جوازه، وليس
هاهنا ما يدل على المنع منه.
مسألة 11: إذا باع أحد الشريكين عبدا بألف، فأقر البائع على شريكه
بالقبض، وادعى ذلك المشتري، وأنكره الشريك الآخر الذي لم يبع، لم يبرأ
المشتري من الثمن. وبه قال الشافعي.
وله في إقرار الوكيل على موكله بقبض ما وكله فيه قولان:
أحدهما: يقبل. وبه قال أبو حنيفة، ومحمد.
والآخر: لا يقبل.
وقال أبو حنيفة، ومحمد بن الحسن: إن إقرار الشريك مقبول على شريكه،
بناءا منهما على أن إقرار الوكيل مقبول على موكله بقبض ما وكله فيه.
دليلنا على ذلك: أن الخمسمائة التي للبائع لا يبرأ منها، لأنه يقول ما
أعطيتني ولا أعطيت من وكلته في قبضها، وإنما أعطيتها أجنبيا، ولا تبرأ من حقي
بذلك، وأما الخمسمائة التي للذي لم يبع فلا يبرأ منها أيضا، لأنه يزعم أنها على
المشتري لم يقبضها بعد، وإنما البائع هو الذي يقر بقبضه، وهو وكيل الذي لم
يبع في قبض حقه.
7

والوكيل إذا أقر على موكله بقبض الحق الذي وكله في استيفائه لم يقبل
قوله، إلا أنه إن شهد مع البائع شاهد آخر، أو امرأتان، أو يمين المشتري، فإنه
يحكم على الشريك الذي لم يبع بقبض حقه، وإن لم يكن توجهت عليه اليمين
لا غير.
مسألة 12: إذا كان مال بين شريكين، فغصب غاصب أحد الشريكين
نصيبه، وباع مع ما لشريكه، مضى العقد فيما للشريك، ويبطل فيما للغاصب.
ولأصحاب الشافعي فيه طريقان:
منهم من قال: المسألة مبنية على تفريق الصفقة، فيبطل البيع في القدر
المغصوب، وهل يبطل في حصة الشريك البائع؟ على قولين: إذا قال: لا تفرق
الصفقة، بطل في الجميع.
وإذا قال: تفرق، يصح في حصة الشريك البائع، ويبطل في الباقي.
ومنهم من قال: المسألة على قول واحد كما قال الشافعي، لأن هذا البيع
صفقتان، لأن في طرفيه عاقدين، فإذا جمع بين الصفقتين في العقد فبطلت
إحديهما لم تبطل الأخرى، وإنما تبنى المسألة على تفريق الصفقة إذا كانت الصفقة
واحدة، وهو الصحيح عندهم.
فأما إذا غصب أحد الشريكين من الآخر، وباع الجميع، بطل في نصيب
شريكه، وفي نصيبه قولان:
وإذا وكل الشريك الذي لم يغصب الغاصب في بيع حصته، فباع
الغاصب جميع المال، وأطلق البيع، بطل في القدر المغصوب. وهل يبطل في
حصة الموكل؟ على قولين، بناء على تفريق الصفقة، ولا خلاف بينهم إذا أطلق
ذلك البيع، وإن لم يطلق وأخبر المشتري أنه وكيل، فهو على الخلاف الذي
مضى.
دليلنا على أنه لا يبطل في الجميع: قوله تعالى: وأحل الله البيع، وهذا
8

بيع صادف ملكا، وأما ما لا يملك فلا خلاف في أنه لا يمضى البيع فيه.
مسألة 13: إذا كان لرجلين عبدان، لكل واحد منهما عبد بانفراده،
فباعاهما من رجل واحد بثمن واحد، لا يصح البيع.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما يصح.
والآخر: لا يصح، وهو الأصح عندهم.
دليلنا: أن هذا العقد بمنزلة العقدين، لأنه لعاقدين، وثمن كل واحد منهما
مجهول، لأن ثمنهما يتقسط على قدر قيمتها وذلك مجهول، والثمن إذا كان
مجهولا بطل العقد، ولا يلزم إذا كانا جميعا لواحد فباعهما بثمن معلوم، لأن ذلك
يكون عقدا واحدا، وإنما يبطل الأول من حيث كانا عقدين.
مسألة 14: إذا عقدا شركة فاسدة، إما بأن يتفاضل المالان ويتساوى
الربح، أو يتساوى المالان ويتفاضل الربح، وتصرفا، وارتفع الربح، ثم تفاضلا،
كان الربح بينهما على قدر المالين، ويرجع كل واحد منهما على صاحبه بأجرة
مثل عمله، بعد إسقاط القدر الذي يقابل عمله في ماله. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: لا يرجع واحد منهما على صاحبه بأجرة مثل عمله، لأن هذه
الأجرة لما لم تثبت في الشركة الصحيحة، فكذلك في الفاسدة.
دليلنا: أن كل واحد منهما قد شرط في قابلة عمله جزء من الربح، ولم
يسلم له لفساد العقد، وقد تعذر عليه الرجوع إلى المبدل، فكان له الرجوع إلى
قيمته، كما لو باع منه سلعة بيعا فاسدا وسلمها إليه وتلفت في يد المشتري رجع
عليه بقيمتها، لأن المسمى لم يسلم له، وقد تعذر عليه الرجوع في السلعة بتلفها،
فكان له الرجوع في قيمتها.
ويفارق ذلك الشركة الصحيحة، لأن المسمى قد سلم له فيها، وفي الفاسدة
لم يسلم له المسمى، وقد تعذر عليه الرجوع إلى المبدل، فيرجع إلى عوض
9

المثل.
مسألة 15: إذا كان بينهما شئ، فباعاه بثمن معلوم، كان لكل واحد منهما
أن يطالب المشتري بحقه. فإذا أخذ قدر حقه، شاركه فيه صاحبه.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه.
والآخر وهو الأظهر عندهم: أنه لا يشاركه فيه.
دليلنا: إجماع الفرقة فإن هذه المسألة منصوصة لهم، ورواياتهم واردة بها.
وأيضا فإن المال الذي في ذمة المشتري غير متميز فكل جزء يحصل من
جهته فهو بينهما.
10

المبسوط
كتاب الشركة
الشركة جائزة لقوله تعالى: " واعلموا أنما غنمتم من شئ فإن لله خمسه
وللرسول... الآية "، فجعل الغنيمة مشتركة بين الغانمين وبين أهل الخمس،
وجعل الخمس مشتركا بين أهل الخمس، وقال تعالى: " يوصيكم الله في
أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين " فجعل التركة مشتركة بين الورثة، وقال
تعالى: " إنما الصدقات للفقراء والمساكين " فجعل الصدقات مشتركة بين أهلها
لأن " اللام " للتمليك و " الواو " للتشريك فجعلها مشتركة بين الثمانية أصناف،
وقال تعالى: " وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض ".
وروى جابر بن عبد الله قال: نحرنا بالحديبية سبعين بدنة كل بدنة عن
سبعة، وقال النبي صلى الله عليه وآله: يشترك البقر في الهدي، وروى الجابر عن
النبي أنه قال: من كان له شريك في ربع أو حائط فلا يبيعه حتى يؤذن شريكه
فإن رضي أخذه وإن كره تركه، وروي عن أبي المنهال أنه قال: كان زيد بن أرقم
والبراء بن عازب شريكين فاشتريا فضة بنقد ونسيئة فبلغ ذلك النبي صلى الله
عليه وآله فأمرهم فقال: أما ما كان بنقد فأجيزوه، وما كان من نسيئة فردوه،
وروي عن السائب بن أبي السائب أنه قال: كنت شريكا للنبي صلى الله عليه وآله
في الجاهلية فلما قدم يوم فتح مكة قال: أتعرفني؟ قلت: نعم كنت شريكي وكنت
خير شريك كنت لا تواري ولا تماري، وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه
11

قال: يد الله على الشريكين ما لم يتخاونا، وروي عن النبي صلى الله عليه وآله
وسلم أنه قال: يقول الله عز وجل " أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه
فإذا خان أحدهما صاحبه خرجت من بينهما "، وعليه إجماع الفرقة بل إجماع
المسلمين لأنه لا خلاف بينهم في جواز الشركة وإن اختلفوا في مسائل من تفصيلها
وفروعها.
فإذا ثبت هذا فالشركة على ثلاثة أضرب: شركة في الأعيان، وشركة في
المنافع، وشركة في الحقوق.
فأما الشركة في الأعيان فمن ثلاثة أوجه:
أحدها: بالميراث.
والثاني: بالعقد.
والثالث: بالحيازة.
فأما الميراث فهو اشتراك الورثة في التركة، وأما العقد فهو أن يملك جماعة
عينا ببيع أو هبة أو صدقة أو وصية مشتركة.
وأما الشركة بالحيازة فهو أن يشتركوا في الاحتطاب والاحتشاش
والاصطياد والاغتنام والاستقاء وغير ذلك فإذا صار محوزا لهم كان بينهم.
وأما الاشتراك في المنافع كالاشتراك في منفعة الوقف ومنفعة العين
المستأجرة ومنفعة الكلاب الموروثة عند من قال: إنها غير مملوكة، وأما عندنا
فإنها تملك إذا كانت للصيد، فعلى هذا دخلت في شركة الأعيان.
وأما الاشتراك في الحقوق فمثل الاشتراك في حق القصاص وحد القذف
وحق خيار الرد بالعيب وخيار الشرط، وحق الرهن وحق المرافق من المشي في
الطرقات ومرافق الدار والضيعة وما أشبه ذلك. فإذا ثبت هذا فقسمة الأموال على
ثلاثة أضرب:
ضرب يجوز للحاكم أن يقسم ويجبر الممتنع.
وضرب يجوز أن يقسم ولا يجوز أن يجبر.
12

وضرب لا يجوز أن يقسم ولا أن يجبر.
فأما ما يجوز أن يقسم ويجبر فكل مال مشترك أجزاؤه متساوية لا ضرر في
قسمته فإنه يجوز للحاكم أن يقسمه إذا تراضوا به، وإذا طلب بعض الشركاء
وامتنع بعضهم أجبر الممتنع عليه.
وأما ما لا يجوز له أن يقسم ولا يجبر عليه فمثل أن يريد أن يقسما دارين على
أن يكون إحديهما لأحدهما والأخرى للآخر أو ضيعتين أو بستانين أو دار واحدة
يكون علوها لأحدهما وسفلها للآخر أو كان القسمة فيه رد الدراهم، وذلك إذا لم
يمكن تعديل الأجزاء إلا برد مال من غيره فإذا كان كذلك جاز للحاكم أن
يقسم ذلك بتراضيهم، وإن امتنع بعضهم لم يجز له أن يجبر الممتنع عليه.
وأما ما لا يجوز للحاكم أن يفعل ولا أن يجبر عليه فهو أن يكون ثوب في
قسمته ضرر أو قسمة جوهرة أو حجر رحى وما أشبه ذلك فهذا لا يجوز لهم قسمته
لأنه سفه وضرر، ولا يجوز للحاكم إذا رضوا به أن يفعله لأنه لا يجوز له أن
يشاركهم في السفه، وفي جواز قسمة الرقيق والثياب التي لا ضرر فيها خلاف
نذكره في أدب القضاء فإن له بابا مفردا إن شاء الله تعالى.
إذا كانت دار هي وقف على جماعة فأرادوا قسمتها لم يجز لأن الحق لهم
ولمن بعدهم فلا يجوز لهم تميز حقوق غيرهم والتصرف فيها بأنفسهم، وإذا كان
نصفها ملكا طلقا ونصفها وقفا فطالب صاحب الطلق المقاسمة فمن قال: إن
القسمة تمييز النصيبين، أجاز ذلك، ومن قال: إنها بيع، لم يجز لأن بيع الوقف
لا يجوز.
شركة التجارة جائزة بين المسلمين، فأما بين المسلمين والكافرين مثل
اليهود والنصارى فمكروهة إجماعا إلا الحسن البصري.
العروض على ضربين: ضرب لا مثل له مثل الثياب والعبيد والبهائم
والخشب، وضرب له مثل، مثل الحبوب والأدهان وكل مكيل وموزون.
فالضرب الأول لا تجوز الشركة فيه لأنه لا يخلو من أحد أمرين: إما أن يعقد
13

الشركة على ما يحصل من ثمنها أو يعقد على أعيانها وبطل أن يعقد على ما
يحصل من ثمنها لأن في مثل ذلك تعليق الشركة بصفة لأنه كأنه قال: عقدت
الشركة معك إذا حصل الثمن، وذلك لا يجوز، وأيضا فإنها شركة في مال
مجهول وذلك لا يصح، ولا يجوز أن يكون العقد على أعيانها لأن الأعيان
لا تختلط.
ومن شرط الشركة أن يكون مال الشركة مختلطا لا يتميز مال أحدهما عن
الآخر، ولأن من حقيقة الشركة أن يكون التالف من مال الشركة منهما والسالم
لهما، وهذا يؤدي إلى أن يكون التالف لأحدهما والسالم للآخر وذلك لا يجوز.
فإذا ثبت هذا فالشركة إنما تصح في مالين متفقين في الصفة، وإذا خلطا
اختلطا حتى لا يتميز أحدهما عن الآخر، وعلى هذا لا يجوز أن يكون لأحدهما
دراهم وللآخر دنانير ولا أن يكون لأحدهما دراهم وللآخر ثوب أو طعام أو
عرض من العروض لأنهما لا يختلطان ولأنه يجوز أن يتغير سعر أحدهما ولا يتغير
سعر الآخر، فإذا أراد سعر أحدهما واستحق الآخر جزء من الزيادة كأن استحق
جزء من رأس المال، وإن تصرفا فيهما وأراد أن يجعلا رأس المال يجوز أن يزيد
قيمة رأس المال الذي لأحدهما فإذا اشتراه استغرقت قيمته جميع ما حصل من
الربح فيؤدى إلى انفراد أحدهما بجميع الربح وذلك لا يجوز.
وإن كان لأحدهما عرض وللآخر عرض آخر فإنه لا يجوز لأنهما لا يتفقان في
جميع الصفات وإنما يحصل اتفاق الصفة فيما له مثل من المكيل والموزون.
ومتى أخرجا مالين متفقين في الصفة مثل أن يخرج كل واحد منهما دراهم
مثل دراهم صاحبه أو دنانير مثل دنانير صاحبه أو دهنا مثل دهن صاحبه أو حبا
مثل حب صاحبه وخلطاهما وأذن كل واحد منهما لصاحبه في التصرف في ماله
انعقدت الشركة.
وأما العروض التي لها أمثال فهل يصح عقد الشركة عليه أم لا؟ قيل فيه
وجهان: أحدهما يصح، والآخر لا يصح.
14

فمن قال: لا يصح، قال: يشتري كل واحد منهما نصف سلعة صاحبه
بنصف سلعته فتكون كل سلعة بينهما نصفين فتنعقد الشركة بينهما، ثم يأذن كل
واحد منهما لصاحبه في التصرف في حقه لأن عقد البيع وعقد الشركة لا يتضمن
الإذن في التصرف، والوجه الآخر أن يشتريا جميعا سلعة مثلا بألف درهم فيكون
على كل واحد منهما نصف الألف ثم يصرف كل واحد منهما عرضه الذي أراد
عقد الشركة عليه في الثمن الذي يلزمه وهو خمسمائة فيحصل تلك السلعة
مشتركة بينهما ثم يأذن كل واحد منهما لصاحبه في التصرف فيه، وإنما امتنع
عقد الشركة في العرضين لما قدمنا ذكره وهذا يمكن اعتباره فيما لا مثل له على
الترتيب.
إذا شارك نفسان سقاء على أن يكون من أحدهما حمل ومن الآخر راوية
واستقى فيها على أن ما يقع من الربح يكون بينهما لم تصح هذه الشركة لأن من
شرطها اختلاط الأموال وهذا لم يختلط، ولا يمكن أن يكون له إجارة لأن الأجرة
فيها غير معلومة.
فإذا ثبت أن هذه معاملة فاسدة فإذا استقى السقاء وباع الماء وحصل
الكسب في يده فإنه يكون للسقاء ويرجع الآخران عليه بأجرة المثل فيما لهما من
حمل وراوية، وقيل: إنهما يقتسمان بينهما أثلاثا ويكون لكل واحد منهما على
صاحبه ثلثا أجرة ماله على كل واحد منهما ثلثها وسقط الثلث لأن ثلث النفع
حصل له، وفي الناس من حمل الوجه الأول على أنه إذا كان الماء للسقاء ملكه،
والثاني على أنه إذا أخذ السقاء الماء من موضع مباح، وهذا ليس بشئ لأن
السقاء إذا أخذ الماء من موضع آخر مباح فقد ملكه، والوجهان جميعا قريبان،
ويكون الوجه الأول على وجه الصلح، والثاني مر الحكم فيه.
إذا أذن رجل لرجل أن يصطاد له صيدا فاصطاد الصيد بنية أن يكون للآمر
دونه فلمن يكون هذا الصيد؟ قيل فيه: إن ذلك بمنزلة الماء المباح إذا استقاه
السقاء بنية أن يكون بينهم وأن الثمن يكون له دون شريكه، فهاهنا يكون الصيد
15

للصياد دون الآمر لأنه انفرد بالحيازة، وقيل: إنه يكون للآمر لأنه اصطاده بنيته
فاعتبرت النية، والأول أصح.
قد ذكرنا أن الشركة في العروض التي لا مثل لها لا تجوز بلا خلاف وما لها
مثل يصح الشركة فيه، ومتى أخرج أحدهما دراهم والآخر عرضا له مثل أو
لا مثل له لا تصح الشركة، ومتى أخرج أحدهما دراهم والآخر دنانير لم يجز عقد
الشركة لأن الاختلاط فيهما لا يصح.
الشركة على أربعة أضرب: شركة المفاوضة، وشركة العنان، وشركة
الأبدان، وشركة الوجوه.
فشركة العنان هي التي ذكرناها، وإنما سميت شركة العنان لأنهما يتساويان
فيهما ويتصرفان فيهما بالسوية فيها كالفارسين إذا سيرا دابتيهما وتساويا في ذلك
فإن عنانتهما حال السير سواء.
وقال الفراء: هي مشتقة من عن الشئ إذا عرض يقال: عنت لي حاجة، أي
عرضت، فسمي به الشركة لأن كل واحد منهما قد عن له أن يشارك صاحبه،
أي عرض له، وقيل: إنه مشتق من المعاننة، يقال: عاننت فلانا، أي عارضته بمثل
ماله ومثل فعاله.
وكل واحد من الشريكين يخرج في معارضة صاحبه بماله وتصرفه فيخرج
مالا مثل مال صاحبه وينصرف كما ينصرف صاحبه، فسميت بذلك شركة
العنان، وهذا الأخير أصلح ما قيل فيه.
إذا ثبت هذا فإذا أخرج كل واحد منهما من جنس المال الذي أخرجه
صاحبه ومن نوعه وصفته وعقدا عليهما عقد الشركة وخلطا المالين انعقدت
الشركة وثبتت، فإذا أذن كل واحد منهما في التصرف لصاحبه بعد ذلك جاز
التصرف، وإذا لم يخلطا المالين لم تنعقد الشركة، ويكون الحكم في المالين كما
لو لم يتلفظا بالشركة، وفي الناس من قال: الخلط ليس من شرط صحة الشركة
فإذا تلفظا بالشركة، انعقدت وإذا ارتفع الربح كان بينهما، والأول أقوى لحصول
16

الإجماع على انعقاد الشركة به، وفي الثاني خلاف فيه، ولأن الاشتراك هو
الاختلاط في اللغة فينبغي أن يراعى معنى الاختلاط.
وشركة المفاوضة باطلة، وهي أن يكون مالهما من كل شئ يملكانه بينهما،
وفي الناس من قال: إنها صحيحة إذا حصلت بشرائطها، ومن شرائطها أن يكونا
مسلمين حرين.
فأما إذا كان أحدهما مسلما والآخر كافرا أو أحدهما حرا والآخر مكاتبا لم
يجز الشركة، ومن شرطها أن يتفق قدر المال الذي تنعقد الشركة في جنسه وهو
الدراهم والدنانير.
وإذا كان مال أحدهما أكثر لم تصح هذه الشركة، وإخراج أحدهما
الشركة من ذلك المال أكثر مما أخرجه الآخر لم يصح.
وأما موجباتها فهو أن يشارك كل واحد منهما صاحبه فيما يكسبه قل
ذلك أم كثر، وفيما يلزمه من غراماته بغصب وكفالة بملك، فهذا جملة ما
يشرطونه من الشرائط ويثبتونه من الموجبات فيها، وقد بينا أن الذي يقتضيه
مذهبنا أن هذه الشركة باطلة لأنهم قد شرطوا فيها الاكتساب والضمان بالغصب،
وذلك باطل لأنه لا دليل على صحة هذه الشركة.
وشركة الأبدان عندنا باطلة، وهو أن يشترك الصانعان على أن ما ارتفع
لهما من كسبهما فهو بينهما على حسب ما يشرطانه وسواء كانا متفقي الصنعة
كالنجارين والخبازين أو مختلفي الصنعة مثل النجار والخباز.
وشركة الوجوه باطلة، وصورتها أن يكون رجلان وجيهان في السوق
وليس لهما مال فيعقدان الشركة على أن يتصرف كل واحد منهما بجاهه في ذمته
ويكون ما يرتفع بينهما.
فإذا اشترى أحدهما بعد ما عقدا هذه الشركة نظر: فإن أطلق الشراء لم
يشاركه صاحبه فيه، وإن نوى بالشراء أن يكون له ولصاحبه وكان صاحبه أذن
له في ذلك كان بينهما على حسب ما نواه بالتوكيل لا بالعقد الذي هو شركة.
17

وإذا ثبت أن ذلك يكون بينهما بالتوكيل فإنه يراعى فيه شرائط الوكالة من
تعيين الجنس الذي يريد أن يتصرف فيه وغير ذلك من شرائط الوكالة التي
نذكرها في صحة الوكالة، ولا فرق بين أن يتفق قدر المالين أو يختلف فيخرج
أحدهما أكثر مما أخرجه الآخر.
وإذا عقد الشركة على المالين وخلطاهما كان لكل واحد منهما أن يتصرف
في نصيبه، ولا يجوز أن يتصرف في نصيب شريكه حتى يأذن له فيه.
فإذا أذن له فيه جاز له أن يتصرف على حسب ما أذن له في ذلك فإن أطلق
الإذن في التجارة والتصرف في الأمتعة تصرف فيهما مطلقا، وإن عين له جنسا
دون جنس أو نوعا دون نوع كان له التصرف في ذلك العين، ولا يجوز له
التصرف فيما عداه لأن كل واحد منهما يتصرف في نصيب صاحبه بتوكيل منه
فيه فكان تصرفه حسب تصرف الوكيل في التعيين والإطلاق، ولا يجوز أن
يتفاضل الشريكان في الربح مع التساوي في المال، ولا أن يتساويا فيه مع
التفاضل في المال، ومتى ما شرطا خلاف ذلك كانت الشركة باطلة.
إذا عقدا الشركة ثم أذن كل واحد منهما لصاحبه في التصرف فتصرفا ثم إن
أحدهما فسخ الشركة، انفسخت الشركة، وكان لصاحبه أن يتصرف في نصيبه
دون نصيب الآخر، وكان للفاسخ أن يتصرف في نصيبه ونصيب صاحبه، لأن
صاحبه ما رجع في إذنه وإنما كان كذلك لأن تصرف كل واحد منهما في
نصيب صاحبه إنما هو على جهة التوكيل، وللموكل أن يمنع الوكيل من
التصرف أي وقت شاء، فإذا ثبت هذا فهذا الفسخ يفيد المنع من التصرف على
ما بيناه، وأما المال فهو بعد مشترك بينهما لأنه مختلط غير متميز فلا يتميز
بالفسخ.
فإذا ثبت هذا فإن كان المال قد نض كان لهما أن يتقاسماها، وإن أراد بيعها
كان لهما ذلك، وإن اختلفا وأراد أحدهما البيع وامتنع الآخر لم يجبر الممتنع
منهما لأن أصل المال بينهما والربح بينهما.
18

إذا تقاسما والمال عروض يوصل كل واحد منهما إلى حقه فلهذا لم يجبر
الممتنع على البيع، وإذا مات أحد الشريكين انفسخت الشركة بموته، ومعنى
الانفساخ أن الباقي منهما لا يتصرف في حصة الميت، وأما المال فهو مشترك لأنه
مختلط.
فإذا ثبت هذا فالوارث لا يخلو: إما أن يكون رشيدا أو مولى عليه.
فإن كان رشيدا كان بالخيار في ذلك المال بين أن يبقى على الشركة،
وبين أن يطالبه بالقسمة، وسواء كان الخلط فيما يختاره أو يتركه، فإن اختار البقاء
على الشركة استأنف الإذن للشريك في التصرف.
فأما إذا كان مولى عليه فإن الوصي ينوب عنه أو الحاكم إن لم يكن له
وصي فينظر: فإن كان الحظ في البقاء على الشركة استأنف الإذن للشريك في
التصرف، وإن كان الحظ في المفاضلة قاسمه المال، ولا يجوز له أن يترك ما فيه
الحظ إلى غيره لأن النظر إليه في المال على وجه الاحتياط، هذا إذا لم يكن هناك
دين.
فإن كان هناك دين لم يكن للوارث أن يستأنف الإذن للشريك في
التصرف لأن الدين تعلق بالتركة كلها كما تعلق الحق بالرهن، ولا يجوز عقد
الشركة في المال المرهون، فإن قضى الدين من غير ذلك المال كان الحكم فيه
بعد القضاء كما لو لم يكن عليه دين، وإن قضاه من ذلك المال، فإن بقي منه
شئ كان في الباقي بعد القضاء على ما ذكرناه.
فأما إذا لم يكن هناك دين وكان وصية نظر:
فإن كان لمعين وكان الموصي أوصى له بثلث مال الشركة أو أوصى له
بثلث ماله وعين له الوصية في مال الشركة وكان ذلك المال بحيث إذا خرج
منه ثلث جميع ماله، فإن فضل منه شئ فإن الثلاثة فيه شركاء، والخيار إليهم في
المقاسمة والبقاء على الشركة على ما بيناه في الشريك والوارث.
وإن كانت الوصية لقوم غير معينين مثل أن تكون للفقراء والمساكين لم
19

يجز له البقاء على الشركة لأن حقهم قد تعلق بذلك المال، فإذا عزل حصتهم
وبقى منه شئ كان بالخيار فيه على ما بيناه.
إذا كان بين رجلين ثلاثة آلاف درهم مشتركة فيما بينهما، لأحدهما ألف
وللآخر ألفان فأذن صاحب الألفين لشريكه أن يتصرف في المال على أن يكون
الربح بينهما نصفين نظر: فإن شرط أن يعمل هو أيضا معه كانت الشركة باطلة
لأنهما شرطا التساوي في الربح مع التفاضل في المال، وقد بينا أن ذلك
لا يصح.
فإن كانت المسألة بحالها ولم يشرط العمل على نفسه صحت الشركة
وكانت شركة قراض فيكون قد قارضه على ألفين له على أن يكون له من ربحها
الربع فيقسم ربح الثلاثة آلاف على ستة أسهم فيكون لصاحب الألف منهما ثلاثة،
سهمان بحق ماله، ويكون له سدس بشرط صاحب الألفين وهو سهم واحد،
وذلك السدس هو ربع ثلثي جميع الربح، فيكون الربح بينهما نصفين على هذا
الترتيب.
إذا ثبت هذا فليس في هذا العقد أكثر من أنه قراض بمال مشاع مختلط بمال
المقارض، وذلك لا يمنع صحة القراض، وإنما لا يصح القراض في مال المشاع
إذا كان الشريك فيه غير المقارض لأنه لا يتمكن من التصرف فيه لكونه مشتركا
بين المقارض وشريكه، والمقصود من القراض تنمية المال وهذا الاختلاط يمنع
من المقصود، فلذلك أبطل القراض.
إذا كان بين رجلين ألفا درهم، لكل واحد منهما ألف درهم، فأذن أحدهما
للآخر في التصرف في ذلك المال على أن يكون الربح بينهما نصفين لم يكن
ذلك شركة ولا قراضا، لأنه لم يشرط على نفسه العمل فمن هذا امتنع أن يكون
شركة، ولم يشرط له جزء من الربح فلهذا امتنع أن يكون قراضا، فإذا ثبت ذلك
كان ذلك بضاعة سأله التصرف فيها ويكون ربحها له.
إذا اشترى الشريكان عبدا بمال الشركة ثم أصابا به عيبا كان لهما أن يرداه
20

وكان لهما أن يمسكاه، فإن أراد أحدهما الرد والآخر الإمساك كان لهما ذلك،
فيرد الذي يريد الرد نصفه ويمسك الآخر نصفه ويكون مشتركا بينه وبين
البائع.
إذا اشترى أحد الشريكين عبدا للشركة ثم أصابا به عيبا كان لهما أن يرداه
أو يمسكاه، فإن أراد أحدهما الرد والآخر الإمساك نظر:
فإن كان أطلق العقد ولم يخبر البائع بأنه يشتريه للشركة، لم يكن له الرد
لأن الظاهر أنه اشتراه لنفسه دون شريكه، فإذا ادعى أنه اشتراه له ولشريكه فقد
ادعى خلاف الظاهر فلم يقبل قوله، وكان القول قول البائع في ذلك مع يمينه.
فأما إذا أخبره بذلك حين العقد قيل فيه وجهان: أحدهما - وهو
الصحيح - أن له الرد لأن الملك بالعقد وقع لاثنين، وقد علم البائع أنه يبيعه من
اثنين فكان لأحدهما أن ينفرد بالرد دون الآخر، وقيل فيه وجه آخر، وهو أنه ليس
له الرد لأن القبول في العقد كان واحدا، كما لو اشتراه لنفسه وحده.
إذا باع أحد الشريكين عينا من أعيان الشركة وأطلق البيع ثم ادعى بعد
ذلك أنه باع مالا مشتركا بينه وبين غيره، ولم يأذن له شريكه في البيع، لم يقبل
قوله على البائع لأن الظاهر أن ما يبيعه ملك له ينفرد به دون غيره، فإن ادعى
خلاف الظاهر لم يسمع منه.
فإن ادعى شريكه وأقام عليه البينة إما شاهدين أو شاهدا وامرأتين أو شاهدا
ويمينا ثبت بالبينة أنه باع ملكه وملك غيره، وللمشتري أن يدعي عليه أنه أذن له
في بيعه، ولهذا أن ينكر ذلك ويحلف أنه ما أذن له لأن الأصل عدم الإذن، فإذا
حلف ثبت أن البائع باع ملك غيره بغير إذن صاحبه فيبطل البيع في ملك
شريكه ولا يبطل في ملكه، كما قلنا في تفريق الصفقة، وصار المبيع مشتركا بين
المشتري وبين شريك البائع.
إذا اشترى أحد الشريكين شيئا بمال الشركة بما لا يتغابن الناس بمثله لم
يخل من أحد أمرين: إما أن يشتري ذلك بثمن في الذمة أو بثمن معين.
21

فإن اشتراه بثمن في الذمة كان ذلك للمشتري دون شريكه، لأن إذن شريكه
لم يتناول هذا الشراء فهو بمنزلة أن يشتري له شيئا بغير إذنه.
فأما إذا اشتراه بثمن معين من مال الشركة، وثبت أن الثمن المعين من مال
الشركة بتصديق البائع أو ببينة أقامها الشريك بطل الشراء في نصف الثمن، ولا
يبطل في النصف الآخر، كما قلناه في تفريق الصفقة، ويصير الثمن مشتركا بين
البائع وبين شريك المشتري، وصار البيع مشتركا بين البائع وبين المشتري.
إذا اشترى أحد الشريكين شيئا فادعى أنه اشتراه لنفسه دون شريكه، وأنكر
شريكه ذلك وزعم أنه اشتراه للشركة، كان القول قول المشتري مع يمينه لأنه
اختلاف في نيته وهو أعلم بها من غيره.
فأما إذا كان بخلاف ذلك فادعى المشتري أنه اشتراه للشريك وأنكر
ذلك شريكه وزعم أنه اشتراه لنفسه دون الشركة، كان القول قول المشتري لأنه
اختلاف في نيته، وهو أعلم بها.
وإذا ادعى أحد الشريكين على الآخر خيانة معلومة مثل أن يقول: قد خنتني
في دينار، أو في عشرة، أو أقل أو أكثر فبين الخيانة، سمعت دعواه، وكان القول
قول المدعى عليه الخيانة في أنه ما خانه مع يمينه لأنه أمين، والأصل أنه لم يخن
وأنه على أمانته، وعلى المدعي إقامة البينة على دعواه.
وإذا ادعى أحد الشريكين تلف مال الشركة أو تلف شئ منه، وأنكر
صاحبه فالقول قول المدعي للتلف مع يمينه لأنه أمين كالمودع.
إذا كان عبد بين شريكين فأذن أحدهما لصاحبه في بيع حصته من العبد
مع حصة نفسه وقبض ثمنها فباعه بألف درهم صح البيع، ثم إن شريك البائع
أقر بأن شريكه البائع قبض جميع الثمن من المشتري وادعى ذلك المشتري،
فإن المشتري يبرأ من نصف الثمن وهو حصة المقر، وإنما كان كذلك لأمرين:
أحدهما: أن البائع وكيله في قبض ثمن حصته، والموكل إذا أقر بقبض
الوكيل فهو كما لو أقر بقبض نفسه.
22

والثاني: أن إقراره تضمن إبراءه عن حصته، وهو لو أبرأه برئ، فكذلك إذا
تلفظ بما يتضمن الإبراء.
فإذا ثبت هذا فإن البائع ينكر القبض والمشتري يدعي عليه ذلك ويدعيه
أيضا شريكه، فيحتاج أن يحاكم كل واحد منهما.
فإذا ثبت هذا فإن بدأ بمخاصمة المشتري أولا، فأنكر القبض وادعاه ذلك
كان القول قول البائع مع يمينه لأن الأصل أنه ما قبض شيئا، وعلى المشتري
إقامة البينة على ذلك.
فإن أقام عليه البينة إما شاهدين أو شاهدا وامرأتين أو شاهدا ويمين المشتري
قبل ذلك وثبت أن البائع قد قبض منه الثمن، فإن شهد له بذلك شريك البائع
المقر فهل تقبل شهادته أم لا؟ قيل فيه قولان: أحدهما لا تقبل لأنه شهد بقبض
ألف نصفها له فهو متهم في ذلك فردت شهادته فيه، والشهادة إذا رد بعضها رد
جميعها، والآخر أنها تقبل لأن التهمة في إحدى النصفين دون الآخر تسقط في
موضع التهمة وتثبت في غيره، فعلى هذا يحلف معه ويثبت القبض بذلك.
فأما إذا لم تكن له بينة كان القول قول البائع مع يمينه، فإذا حلف رجع
على المشتري بنصف الثمن وسلم له ذلك، ولم يرجع عليه شريكه بشئ منه
لأنه مقر بأنه أخذه من المشتري ظلما، وإن نكل ردت اليمين على المشتري
وحلف وثبت القبض بذلك.
فإذا فرع من خصومة المشتري عاد إلى خصومة شريكه، وشريكه يدعي
عليه القبض وهو ينكر فالقول قوله مع يمينه لما ذكرناه، وعلى شريكه البينة، فإن
أقام شاهدين أو شاهدا وامرأتين أو شاهدا ويمينا ثبت القبض ورجع بحقه، وإن لم
تكن له بينة حلف البائع، فإذا حلف أسقط دعواه عن نفسه، وإن نكل حلف
شريكه ويثبت القبض بذلك ورجع عليه بحقه، هذا إذا بدأ بمخاصمة المشتري
ثم ثنى بمخاصمة شريكه فالترتيب فيه كما ذكرناه.
فأما إذا بدأ أولا بمخاصمة شريكه ثم ثنى بمخاصمة المشتري فالحكم فيه على
23

ما ذكرناه.
إذا ثبت هذا فمتى أقام الشريك أو المشتري شاهدين على القبض، ثبت
القبض في حق من أقامها وفي حق صاحبه، لأن البينة حجة يثبت بها الحق في
جنبة المقيم لها وفي جنبة غيره، وإن حلف الشريك أو المشتري مع الشاهد
الواحد أو مع النكول، ثبت القبض في حقه ولم يثبت في حق الآخر، وكانت
المحاكمة باقية بين البائع وبين الشريك أو المشتري.
وإذا كانت صورة المسألة بحالها فأقر البائع أن شريكه قد قبض الثمن من
المشتري وادعى المشتري ذلك وأنكر شريكه الذي لم يبع، فإنه لم يبرأ
المشتري عن شئ من الثمن، أما الخمسمائة التي للبائع فلا يبرأ منها لأنه يقول: ما
أعطيتني ولا أعطيت من وكلته في قبضها وإنما أعطيتها أجنبيا فلا تبرأ من حقي
بذلك، وأما الخمسمائة التي للذي لم يبع فلا يبرأ أيضا، لأنه يدعي أنها على
المشتري لم يقبض بعد منها شيئا وإنما البائع هو الذي يقر بالقبض وهو وكيل
الذي لم يبع في قبضه حقه، والوكيل إذا أقر على موكله بقبض الحق الذي وكله
في استيفائه لم يقبل قوله عليه، فعلى هذا لم يبرأ عن شئ من الحق.
فإذا ثبت هذا فالحق باق على المشتري، وليس للبائع أن يطالبه إلا بقدر
حقه، لأن إقراره بقبض موكله يضمن عزله عن الوكالة بالقبض، وإذا انعزل
بذلك لم يكن له القبض بعده.
وإذا ثبت أن البائع لا يطالب المشتري بحق شريكه - لما ذكرنا - فإن له
مطالبته بحقه من غير يمين يجب عليه للمشتري، ويجب على المشتري تسليمه إليه
لأن حقه ثابت عليه، فإذا أخذه سلم له ولم يشاركه صاحبه لأنه قد انعزل بإقراره،
وما يقبضه بعد العزل فإنه يكون من حقه لا من حق شريكه، فهذا الكلام في جنبة
البائع مع المشتري.
فأما الكلام في جنبة الشريك الذي لم يبع مع المشتري فقد ذكرنا أن حقه
ثابت لم يبرأ المشتري منه بإقرار البائع غير أنه يدعي عليه القبض وهو ينكر
24

ذلك، فكان القول قوله مع يمينه لأنه يدعي عليه دعوى صحيحة، لأنه لو أقر بها
لسقط الحق عن المشتري، فإن أقام المشتري على الذي لم يبع بينة، شاهدين أو
شاهدا وامرأتين أو شاهدا ويمينا ثبت القبض وبرئ من حقه، وإن شهد له بذلك
البائع قبلت شهادته لأنه لا يجر بها إلى نفسه منفعة ولا يدفع بها مضرة، لأنه يقول:
حقي ثابت عليك ولا يسقط بالدفع إلى شريكي وأما حق شريكي فلا يرجع إلي
منه شئ بحال، أعطيته أو لم تعطه.
غصب المشاع يصح كما يصح غصب المقسوم، وذلك أن يأخذ عبدا بين
شريكين ويمنع أحد الشريكين من استخدامه ولا يمنع الآخر فيكون قد غصب
حصة الذي منعه منه، وكذلك إذا كان شريكا في دار فدخل غاصب إليها
فأخرج أحدهما وقعد مع شريكه فيكون غاصبا لحصة الشريك الذي أخرجه.
فإذا ثبت هذا وحصل المال المشترك في يد الغاصب وأحد الشريكين ثم
إنهما باعا ذلك المال ومضى البيع في نصيب الشريك البائع ولا يمضي بيع
الغاصب، كما نقول في تفريق الصفقة.
وكذلك إذا غصب أحد الشريكين من الآخر فباع الجميع بطل في نصيب
شريكه ولا يبطل في نصيبه.
وإذا وكل الشريك الذي لم يغصب عليه الغاصب في بيع حصته فباع
الغاصب جميع المال وأطلق البيع بطل في القدر المغصوب، ولا يبطل في حصة
الشريك الموكل.
إذا كان لرجلين عبدان لكل واحد منهما عبد بانفراده فباعاهما من رجل
واحد بثمن واحد لا يصح العقد، لأن ما يستحق كل واحد من السيدين في مقابلة
قيمة عبده مجهول، هذا إذا كانا مختلفي القيمة.
وإن كانا متقاربي القيمة صح البيع، وفي الناس من قال: يصح بيعهما لأن
جملة ثمنهما معلوم كما أنهما لو كانا لرجل واحد فباعهما في عقد واحد بثمن
معلوم صح، وهذا ليس بصحيح لأنهما عقدان وثمن كل واحد منهما مجهول
25

المقدار فلهذا لم يصح، وليس كذلك إذا كانا لواحد لأن ذلك عقد واحد
وجملة الثمن معلومة، وأما إذا كان بينهما عبدان لكل واحد منهما نصف كل
واحد من العبدين فباعاهما صح البيع بلا خلاف لأن الثمن يتقسط بينهما نصفين
لأن لكل واحد منهما مثل ما للآخر وذلك معلوم فيكون الثمن في كل واحد من
العقدين معلوما.
وإن كان لرجلين قفيزان من طعام من نوع واحد وصفة واحدة لكل واحد
منهما قفيز بانفراده فباعاهما معا صح البيع لأن الثمن مقسط عليهما نصفين و
يكون الثمن في كل واحد من العقدين معلوما.
فأما إذا كان لرجلين عبدان لكل واحد منهما عبد بانفراده فأذن أحدهما
لصاحبه في بيع عبده فباعهما معا نظر: فإن أخبر المشتري بأن أحد العبدين له و
الآخر لغيره أذن له في بيعه أو لم يخبره بذلك وأطلق العقد ثم ادعى أن أحد
العبدين لم يكن له وصدقه المشتري على ذلك كان البيع باطلا، ومن قال في
الأولى: إنها تنعقد، قال في هذه مثل ذلك، وأما إذا أطلق ولم يصدقه المشتري
في دعواه بعد العقد فإن القول قول المشتري مع يمينه فيحلف بالله أنه لا يعلم أن
أحد العبدين لم يكن له، فإذا حلف سقطت دعوى البائع وصح البيع ولزم.
وأما الثمن الذي حصل في يد البائع وصاحبه فهو على القول الصحيح مال
المشتري في أيديهما وهما مقران بأنهما لا يستحقانه ثمنا، غير أنهما يستحقانه من
وجه آخر وهو أن عبديهما في حكم المغصوب في يد المشتري، والمشتري في
حكم الغاصب لهما، والغاصب إذا تعذر عليه رد العبد بإباقه كلف تسليم قيمته
إلى المغصوب منه وكان للمغصوب منه أن يتمسك بها إلى أن يرد عليه عبده،
فعلى هذا فقد تعذر رد العبدين لأنه حكم له بهما، وقد بينا أنه في حكم الغاصب
فيكون للبائع وصاحبه إمساك هذا المال على الوجه الذي ذكرناه في قيمة
المغصوب إذا تعذر رده على الغاصب وينظر: فإن كان الثمن وفق القيمتين فقد
وصلا إلى حقهما، وإن كان أقل فقد وصلا إلى بعض حقهما، والباقي لهما في ذمة
26

المشتري، وإن كان أكثر من القيمتين فلهما قدر القيمتين، وأما الفاضل فإنهما
مقران بأنهما لا يستحقانه والمشتري لا يدعيه فيردانه إلى الحاكم حتى يحفظه على
صاحبه، وإذا ادعاه رده إليه.
وقد ذكرنا فيما مضى أن من شرط صحة الشركة أن يتساويا في الربح إذا
تساويا في المال ويتفاضلا فيه إذا تفاضلا في المال، فإن شرطا التفاضل في الربح
مع التساوي في المال، والتساوي في الربح مع تفاضل المال كانت الشركة
فاسدة، فإذا تصرفا وارتفع الربح وتفاضلا كان الربح بينهما على قدر المالين لأنه
فائدتهما ويرجع كل واحد منهما على صاحبه بأجرة مثل عمله بعد إسقاط القدر
الذي يقابل عمله في ماله لأن كل واحد منهما شرط في مقابلة عمله أجرة أو جزء
من الربح ولم يسلم له لفساد العقد وقد تعذر عليه الرجوع إلى المبدل فكان له
الرجوع إلى البدل، كما إذا باع سلعة بيعا فاسدا وسلمها إليه وتلفت في يد
المشتري فإنه يرجع عليه بقيمتها لأن المسمى لم يسلم له وقد تعذر عليه الرجوع
إلى السلعة بتلفها، فكان له الرجوع بقيمتها.
ويفارق الشركة الصحيحة لأن المسمى سلم له فيها، وفي الفاسدة لم يسلم له
المسمى.
إذا ثبت هذا فإن لكل واحد الرجوع على صاحبه بما يقابل ماله من عمله،
وتفصيل ذلك أن ينظر: فإن تساويا في المال وتساوتا الأجرتان مثل أن تكون
أجرة كل واحد منهما مائة سقط من كل واحد منهما نصفها في مقابلة عمله في ماله
وثبت النصف الآخر فيحصل لكل واحد منهما خمسون على صاحبه فيتقاصان
منه.
وأما إذا اختلفت الأجرتان مثل أن تكون أجرة عمل أحدهما مائة وأجرة
عمل الآخر خمسون سقط من كل واحد منهما نصفها فيبقي لصاحب المائة
خمسون، ولصاحب الخمسين خمسة وعشرون، فقد حصل لصاحب الخمسين
على صاحبه خمسة وعشرون، ولصاحبه عليه خمسون، فيتقاصان في خمسة
27

وعشرين، ويرجع صاحب المائة على صاحبه بما بقي وهو خمسة وعشرون، هذا
إذا تساوى المالان.
فأما إذا اختلفا مثل أن يكون لأحدهما ألف وللآخر ألفان نظر في الأجرتين:
فإن تساويا مثل أن تكون أجرة كل واحد منهما ستين درهما سقط من أجرة
صاحب الألف ثلثها وبقى له أربعون وسقط من أجرة الآخر ثلثاها وبقى له
عشرون، فقد حصل لصاحب الألف على صاحبه أربعون ولصاحب الألفين عليه
عشرون فيتقاصان في العشرين وبقى له عليه عشرون.
فأما إذا اختلفت الأجرتان مثل أن تكون أجرة عمل صاحب الألف ستين
وأجرة صاحب الألفين ثلاثين سقط من أجرة صاحب الألف ثلثها وبقى له أربعون،
وسقط من أجرة صاحب الألفين ثلثاها وبقى له عشرة، فيتقاصان في العشرة فيبقي
لصاحب الألف على صاحبه ثلاثون يرجع بها عليه، وإن كان أجرة صاحب
الألف ثلاثين وأجرة صاحب الألفين ستين سقط من أجرة صاحب الألف ثلثها
وبقى له عشرون، ومن أجرة الآخر ثلثاها وبقى له عشرون، فحصل لكل واحد
منهما على صاحبه عشرون فيتقاصان فيها، ولا رجوع لأحد منهما على صاحبه
بشئ، وعلى هذا إن كان الاختلاف بأقل من ذلك أو أكثر، هذا كله في شركة
العنان.
فأما شركة الأبدان فهي فاسدة، فإن اكتسبا وتميز كسب كل واحد منهما
انفرد به دون صاحبه.
وإن اختلط الكسبان نظر في الأجرة: فإن كانت فاسدة رجع كل واحد
منهما على المستأجر بأجرة مثل عمله وانفرد بها، وإن كانت صحيحة سلم لهما
الأجرة المسماة وقسطت على قدر أجرة مثل عملهما فيأخذ كل واحد منهما ما
يقابل مثل عمله.
إذا كان بين رجلين عبد فباعاه بثمن معلوم كان لكل واحد منهما أن يطالب
المشتري بحقه دون صاحبه، فإذا أخذ قدر حقه شاركه صاحبه فيه، وفي الناس
28

من قال: لا يشاركه فيه، والأول منصوص عليه لأصحابنا.
إذا استأجر رجلا ليصطاد له مدة معلومة وذكر جنس الصيد ونوعه صح
عقد الإجارة، وكذلك إذا استأجره ليحتطب له أو يحتش مدة معلومة صحت
الإجارة لأن ذلك مقدور عليه.
وإن استأجره أن يصطاد صيدا بعينه لم يجز ذلك كما لا يجوز له بيعه لأنه
عقد على غرر، وإن استأجره ليبيع له مدة معلومة فإن عين المبيع صح أيضا.
والفرق بين تعيين المبيع وتعيين الصيد أن تعيين الصيد غرر وتعيين المبيع
ليس بغرر.
وكذلك إذا استأجره لحفر نهر أو تنقيته جاز إذا كانت المدة معلومة،
وكذلك الاستئجار على الخياطة وبناء الحائط وغير ذلك، هذا إذا عين المدة.
وإن عين العمل ولم يعين المدة وكان العمل معلوما مثل خياطة ثوب بعينه
أو بناء حائط بعينه أو حفر ساقية في موضع معلوم المقدار وما أشبه ذلك، صح
لأنه عقد على عمل معلوم مقدور عليه.
فأما إذا عين العمل مثل أن يستأجره لخياطة ثوب بعينه وقدر المدة مع
ذلك لم يصح لأنه عقد غرر.
إذا اشترك أربعة في زراعة أرض فكانت الأرض لأحدهم والبذر لآخر
والفدان لآخر والعمل من آخر، فزرعت الأرض بذلك البذر وأصلح بذلك
الفدان، وكان الاشتراط بينهم على أن ما يرتفع من الزرع يكون بينهم فإن هذه
معاملة فاسدة فلا هي إجارة لأن مدتها مجهولة والأجرة مجهولة، ولا هي شركة
لأن الشركة إنما تصح على الأموال التي تختلط ولا تتميز بعد الاختلاط، ولا هي
مضاربة لأن المضاربة إنما تصح على رأس ماله يرجع إليه عند المفاضلة، فإذا
بطل أن يكون إجارة أو شركة أو قراضا ثبت أنها معاملة فاسدة، فإذا ثبت هذا فإن
الزرع يكون لصاحب البذر لأنه عين ماله غير أنه نما وزاد، ويرجع صاحب
الأرض عليه بمثل أجرة أرضه، وكذلك صاحب الفدان يرجع بمثل أجرة فدانه
29

والعامل بمثل أجرة عمله لأنهم عملوا له.
30

تبصرة المتعلمين
الفصل الخامس: في الشركة:
إنما يصح في الأموال دون الأعمال - فلكل أجرة عمله - والوجوه
والمفاوضة.
ويتحقق باستحقاق الشخصين - فما زاد - عينا واحدة، أو بمزج المتساويين
بحيث يرتفع الامتياز بينهما، ولكل منهما في الربح والخسران بقدر ماله، ولو
اشترطا التساوي مع اختلاف المالين أو بالعكس جاز، ولا يصح تصرف
أحدهما بدون إذن الآخر، ويقتصر على المأذون.
ومع انتفاء الضرر بالقسمة يجبر الممتنع عنها مع المطالبة، ويكفي القرعة
في تحقق القسمة مع تعديل السهام، والأحوط حضور قاسم وليس شرطا،
والشريك أمين، ولا تصح مؤجلة وتبطل بالموت والجنون.
ويكره مشاركة الكفار، وليس لأحد الشركاء المطالبة بإقامة رأس المال،
وإنما تصح القسمة بالتراضي، ولا تصح قسمة الوقف، ويجوز قسمته مع الطلق.
31

إرشاد الأذهان
المقصد الخامس: في الشركة:
وفيه بحثان:
الأول:
الشركة عقد جائز من الطرفين، ولا يصح شرط الأجل لكن يثمر المنع من
التصرف إلا بإذن جديد، وتتحقق بمزج المتساويين، وباستحقاق الاثنين الشئ
إما بالإرث أو الحيازة، أو بابتياع جزء من أحد المختلفين بجزء من الآخر.
وإنما تصح بالأموال دون الأبدان والوجوه والمفاوضة، والربح والخسران
على قدر رأس المالين، ما لم يشترطا الضد على رأي.
ولا يصح لأحدهما التصرف إلا بإذن شريكه، ويقتصر على المأذون فيضمن
لو خالفه، وله الرجوع في الإذن والمطالبة بالقسمة متى شاء، وليس له المطالبة
بالانضاض.
والشريك أمين لا يضمن بدون التعدي، ويقبل قوله في عدمه وعدم الخيانة
واختصاص الشراء واشتراكه، ويبطل الإذن بالجنون والموت.
ولو دفع إليه اثنان دابة وراوية على الشركة لم يصح، والحاصل للسقاء
وعليه أجرتهما، وقيل: يقسم أثلاثا فيرجع كل منهما على صاحبه بثلث أجرته.
ويكره مشاركة الكفار، ولو باعا سلعة صفقة وقبض أحدهما نصيبه شاركه
33

الآخر.
البحث الثاني: في القسمة:
وكل من طلب القسمة مع انتفاء الضرر أجبر الممتنع، ولو اتفق الشركاء
مع الضرر لم يجز، ويحصل الضرر بنقص القيمة، وقيل: بعدم الانتفاع.
ولا تصح قسمة الوقف، وتصح قسمته مع الطلق، ولا يشترط إيمان القاسم
ولا إسلامه لو تراضا الخصمان به، وتكفي القرعة في التعيين بعد التعديل.
ويستحب للإمام نصب قاسم، ويشترط عدالته، ومعرفته بالحساب، ولا
يكفي الواحد في قسمة الرد إلا مع الرضا، والأجرة من بيت المال، فإن ضاق
فمنهما بالحصص.
ومتساوي الأجزاء يقسم قسمة إجبار، وغيره إن التمس المتضرر القسمة أجبر
غيره عليها، ويقسم ما اشتمل على الرد قسمة تراض.
ويقسم الثياب والعبيد بعد التعديل، والعلو والسفل معا - لا بأن ينفرد
أحدهما بواحد منهما، ولا يقسم كل واحد على حدة - والأرض المزروعة والزرع
الظاهر والقرحان المتعددة كل واحد بانفراده لا قسمتها بعضا في بعض،
والقراح الواحد وإن اختلفت أشجار أقطاعه بعد التعديل، والدكاكين المتجاورة
بعضا في بعض، قسمة إجبار.
ثم تخرج السهام على الأسماء: بأن يكتب كل سهم في رقعة ويؤمر الجاهل
بإخراج بعضها على اسم أحدهما، أو على السهام: بأن يكتب اسم كل واحد في
رقعة ويؤمر الجاهل بإخراج بعضها على سهم منها.
وتعدل السهام قيمة لا قدرا، فلو كانا متساويين وكان الثلث بإزاء الثلثين
جعل الثلث محاذيا للثلثين، ولو تساوت قيمة لا قدرا - بأن كان لأحدهما النصف
من متساوي الأجزاء وللآخر الثلث وللثالث السدس - سويت على أقلهم ثم
تخرج على الأسماء.
34

ويجعل للسهام أول وثان إلى آخرها، فإن خرج صاحب النصف فله الثلاثة
الأول، وإن خرج صاحب الثلث فله الأولان، وكذا في المرتبة الثانية، ولو
اختلفت قيمة وقدرا ميزت على الأقل.
وقسمة الرد تفتقر إلى الرضا، ولو اتفقا عليه وعدلت السهام افتقر بعد القرعة
إلى الرضا ثانيا، ولو ادعى الغلط كان عليه البينة فتبطل أو الإحلاف، ولو ظهر
استحقاق البعض بطلت إن كان معينا مع أحدهما أو معهما لا بالسوية أو مشاعا،
ولو كان معينا بالسوية لم يبطل، ولو ظهر دين بعد قسمة الوارث فإن دفعوه وإلا
بطلت.
35

تلخيص المرام
كتاب الشركة
الثالث:
تثبت الشركة بامتزاج المالين الرافع للاثنينية، وإنما يحصل في المختلف
بالإرث أو أحد العقود الناقلة، ويكره شركة المسلم للكافر، ولا تصح بالأعمال ولا
بالوجوه ولا المفاوضة، وتقسم أجرة عملهما عليهما إن لم يعلم، وإلا انفرد كل
منهما بأجرته، ولو احتش لغيره وله اختص به ولا أثر لكسبه، ويختص كل
واحد بما حازه، ولو اقتلعا شجرة تحققت الشركة، قيل: ولا يفتقر المجرى في
تملك المباح إلى نيته، ومع التساوي في المالين يتساويان في الربح والخسران
ومع تفاوتهما يتفاوتان، وهل ينعكس مع الشرط؟ خلاف، إلا إذا كان الفاضل
للعامل منهما، ولا يجوز التصرف لأحدهم إلا مع الإذن، ويجوز الرجوع ويقتصر
على المأذون فيه، ويضمن مع التعدي.
وهي جائزة من الطرفين، فلو فسخ أحدهما انفسخت بمعنى عدم التصرف،
ويجوز للفاسخ إلا أن يفسخ الآخر، ولا يصح فيها التأجيل، وليس لأحدهما
المطالبة بحصته من رأس المال المشتري به بل يقتسمان الأعواض، وكذا ليس له
المطالبة بمال النسيئة، ولو قال أحدهما: خذ الربح والخسران والنقد والنسيئة،
ويأخذ الآخر رأس ماله واصطلحا عليه جاز.
والشريك أمين فالقول قوله في التلف والتفريط والخيانة، ويبطل بالجنون
37

والموت، والقول قول المشتري في اختصاص الشراء واشتراكه، ولو باع أحدهما
المأذون سلعة وصدق الآخر المشتري في إعطاء الثمن برئ من حقه، وقبلت
شهادته على البائع، ولو كان المصدق البائع في إعطاء الثمن للآخر لم يبرأ من
الحصتين، ولو دفع إليه اثنان دابة وراوية فلا شركة، والحاصل للسقاء وعليه
أجرتهما، وقيل: يقسم الحاصل أثلاثا، ويكون لكل منهم على كل واحد من
الباقيين ثلث أجرة ماله وسقط الثلث، ولو باعا عبدين مشاعين لهما صح، قيل:
ولا يصح لو كانا منفردين واختلفت قيمتهما، وإذا استوفى أحد الشركاء بعض
الثمن شاركه الباقون على رأي.
والقسمة ليست بيعا ولا تصح إلا مع اتفاق الشركاء، وكل ما لا ضرر في
قسمته يجبر الممتنع عليها، وما فيه ضرر لا يجوز قسمته وإن اتفقوا، ولا يجبر
الممتنع لو تضمنت ردا، ولا تصح قسمة الوقف، وتصح قسمته مع غيره،
ولا قسمة الدين، ولو اقتسماه وقبض أحدهما نصيبه شاركه الآخر، وإذا أذن أحد
الشريكين المتساويين في العمل على أن يكون الربح بينهما بالسوية كان بضاعة
لا شركة ولا قراضا، ولو اشترك صاحب الأرض والبذر والفدان والعمل على
التساوي في الربح فهي باطلة، والنماء لصاحب البذر وعليه أجرة الباقين، ولو
أخذ الصائد آلة على المشاركة في الصيد فعليه الأجرة وله الصيد، وإذا عثر أحد
الشريكين على خيانة لم يفعلها.
والمضاربة جائزة من الطرفين وإن كان بالمال عروض، وتكره مضاربة
الكفار، ولا يصح فيها التأجيل لكن يصح أن تقول: إذا مضت سنة فلا تشتر،
وتبطل بموت أيهما كان، ولا يتعدى المأذون سواء كان في تعيين البائع أو
المشتري أو المبتاع أو السفر أو غير ذلك فيضمن لو تعدى، ولو ربح حينئذ فهما
على الشرط، ولو شرط أن يشتري أصلا يشتركان في نمائه، قيل: بطلت.
وشرطها أن تكون بالأعيان من الأثمان المعلومة المقدار المعينة، فلو ضاربه
بأحد المالين أو بالدين قبل قبضه أو قال: بع هذه السلعة فإذا نض ثمنها فهو
38

قراض، بطلت.
وتصح بالمشاع، وعلى العامل العمل، فلو استأجر له فعليه الأجرة إلا أن
يكون مما جرت العادة بالاستئجار فيه، وله الاستئجار فيه فلو تبرع به فلا أجرة
له، وينفق في السفر كمال نفقته من المأكول والمشروب والملبوس والمركوب
من أصل المال على رأي، ولو كان معه مال له قسط المؤونة، ولو انتزعه المالك
في سفره فنفقة عوده في ماله، وله ابتياع المعيب والرد به وأخذ الأرش مع
الغبطة، فلو خالفه المالك قدم قول من الحظ معه، وإطلاق البيع ينصرف إلى
ثمن المثل نقدا بنقد البلد ويقف على الإجازة مع المخالفة، وإطلاق الشراء إلى
الشراء بالعين، فلو اشترى في الذمة ولم يذكر المالك فهو له، وإن ذكره افتقر إلى
الإجازة.
والمضارب أمين لا يضمن إلا بالتفريط أو التعدي، ولو مزج بماله وارتفع
الامتياز من غير إذن ضمن، لأنه كالتالف إذ لا يمكن رده بعينه، ويقبل قوله في
التلف والخسارة وقدر رأس المال واختصاص المشتري واشتراكه دون الرد
والنصيب، ولو ادعى الغلط في قوله: كسبت كذا، لم يقبل، بخلاف: ثم
خسرت، ولو أخذ ما يعجز أو خلطه بغيره بغير إذن ضمن، ولو ضاربه
بالمغصوب في يده زال الضمان بالدفع إلى البائع.
ولو أقر الوارث العامل بعد الشراء لم يصح، ويلزمه الحصة بالشرط على
رأي، ولا بد من شياعها بينهما، ويفسد لو شرط أحدهما المعين ثم بعده الحصة، أو
عين حصة المالك وسكت، ولو عكس صح، ولو قال: على النصف أو بيننا، فهو
تنصيف، ولو قال: على أن لك ربح ألف من المشتركتين ولي ربح الأخرى
صح، ولو كان من المنفردين بطل، ولو قال: على أن لك الثلث وثلث ما بقي،
صح.
ولو شرط الغلام المالك حصة صح وإن لم يعمل، ولو شرط لأجنبي صح
بشرط العمل، ولو شرط ربا المال له النصف وتفاضلا مع تساوي ماليهما قيل:
39

بطل، ولو دفع إليه قراضا وشرط أن يأخذ بضاعة صح، ويملك العامل الحصة
بالظهور، ولو اشترى أبا المالك باذنه انعتق وللعامل الأجرة، وقيل: قدر حصته
من الربح، وإن كان بغير إذنه بالعين بطل، وفي الذمة يصح للعامل إلا أن يذكر
المالك. ولو اشترى زوج المالكة بغير إذنها بطل، وبإذنها يبطل النكاح.
ولو اشترى أباه انعتق نصيبه من الربح فيه، ويسعى المعتق في الباقي.
ولو فسخ المالك صح وعليه أجرة العامل إلى وقت الفسخ، ولو كان به
عروض لم يكن له البيع، ولا يجب على العامل إنضاض المال إذا طلبه المالك،
ولو كان سلفا فعليه تحصيله، ولو مات المالك وهو عروض فله البيع إلا أن يمنعه
الوارث على رأي، ولو وقعت فاسدة فللعامل الأجرة وإن لم يربح المالك، ولو
عامل العامل آخر بالإذن وشرط الربح بين المالك والآخر صح ولا يصح
لنفسه، ولو كان بدون الإذن بطل، والربح على الشرط وعلى الأول أجرة الثاني
على رأي، ولو ادعى المالك القراض فأنكر ضمن إذا أقام البينة، ولا يقبل قوله في
التلف حينئذ.
وكذا كل أمين أنكر مع قيام البينة، فإن أجاب بعدم الاستحقاق فلا ضمان،
ولو تلف الثمن بعد الشراء فإن كان بالعين استعاد البائع سلعته ولا ضمان على
العامل إلا مع التفريط، ولو كان في الذمة فالبيع له وعليه الثمن على رأي، ولو
تلف بعض المال بعد التجارة احتسب التالف من الربح، فلو كان مائة وخسر
عشرة وأخذ المالك عشرة ثم ربح، فرأس المال تسعة وثمانون إلا تسعا، قيل:
وكذا لو كان قبل التجارة، ولو نض الربح فطلب أحدهما القسمة لم يجبر
المالك، فإن اقتسما وبقى رأس المال مع العامل فخسر رد أقل الأمرين.
ولا يجوز أن يشتري المالك من العامل ولا يأخذ منه بالشفعة ولا أن يشتري
العامل جارية يطأها إلا مع الإذن على رأي، ولو مات وفي يده مضاربة وجهلت
فهي ميراث، وإن جهل التعيين فهي بالسوية.
وتصح مضاربة المريض وتكون على ما شرط من الربح من صلب ماله، ولو
40

أوصى بالمضاربة بتركته أو ببعضها على أن الربح نصفان بين العامل والورثة
صح على رأي، ويصح للولي دفع مال الطفل مضاربة مع الحظ ولا ضمان عليه
على رأي، ولو صدق أحد العاملين بالنصف المالك في أن رأس المال ثلثا
الحاصل ضعف ما ادعاه الآخر، فللمكذب بعد يمينه السدس وللمصدق ثلث
السدس، وربح المال المغصوب لربه على رأي.
41

المسائل لابن طي
المقصد الثالث: الشركة:
وفيه مسائل:
مسألة [1]: قيل: شركة الأعمال تفتقر إلى توقيف والأبدان ما لا تفتقر
كالجرف.
مسألة [2]: لو كان لإنسان شريك في دابة، وأنفق عليها أو أنزى عليها فحلا
بأجرة، ولم يأمره الشريك بذلك، فهل له الرجوع على شريكه بالنسبة إلى
حصته أم لا؟ قال: لا رجوع.
مسألة [3]: إذا كان للإنسان شريك يتيم في ملكه وله نماء وليس له ولي فما
الحيلة في القسمة؟ أيكون له القسمة بينه وبين نفسه أو يحتاج إلى غيره إذا عدل
في القسمة؟ وهل يجوز له أن يخرص على نفسه من الثمرة أو لا؟ وعلى تقديره
هل يكون في ذمته قيمته يوم الخرص أو مثله؟
الجواب: لا يجوز إلا بإذن الحاكم، فإن تعذر الحاكم والحال موضع
ضرورة فيجوز أن يقسم مع بعض المؤمنين العدول ويحفظ له إن كان المصلحة
في تبقيته إلى وقت زوال حجر الصبي.
43

مسألة [4]: لو تشاح الشريكان في الانتفاع بالملك فمع التعذر يؤجر
الحاكم عليهما ويدفع الأجرة إليهما بحسب النصيب.
مسألة [5]: قوله في الشركة: ولو شرط أحدهما زيادة في الربح مع تساوي
المالين أو التساوي مع اختلاف المالين هل يلزمه الشرط؟ قال: لا يصح، وقيل:
يصح.
مسألة [6]: إذا كان بين اثنين فرس مشتركة، والعادة أن تكون عند كل
واحد منهما زمانا حتى يسلمها إلى غلامه أو زوجته أو جاريته وما أشبه ذلك من
الأجراء، هل يضمن تلك الفرس أم لا؟
الجواب: إذا كان معتادا لم يضمن بالتسليم مع عدم التفريط، أو لم يكن
معتادا وحصلت ضرورة فيجوز حينئذ.
مسألة [7]: هل يصح للشريك أن يركب الدابة المشتركة بغير إذن شريكه
أم لا؟ ولو كان للضرورة هل الحكم سواء أم لا؟
الجواب: اختيارا لا يصح ومع الضرورة يجوز.
مسألة [8]: لو وطئ الشريك فحملت وقومت عليه، ثم مات الولد ولو قبل
الوضع لم ينتقض هذا الحكم.
مسألة [9]: لو زرع الأرض المشتركة بغير إذن الشريك، فباع الذي لم
يزرع حصته في الأرض لآخر فمع علم المشتري أن للبائع حق قلع الزرع فله
مثله، وإن لم يكن عالما فإشكال.
44

مسألة [10]: لو اقتسم الشريكان من غير تعديل السهام بل اقتسما المال
شطرين واتفقا على أن يأخذ أحدهما جانبا والآخر جانبا، هل يكون هذا لازما أم
لا؟ فلو لم يكن أحدهما عالما هل له الفسخ أم لا؟
إذا تبين على الجاهل نقص في حقه عينا أو قيمة بطلت القسمة وإلا كان
لازما مع عدم النقص.
45

كتاب المضاربة
47

الخلاف
كتاب القراض
مسألة 1: لا يجوز القراض إلا بالأثمان التي هي الدراهم والدنانير. وبه قال
أبو حنيفة، ومالك، والشافعي.
وقال الأوزاعي وابن أبي ليلى: يجوز بكل شئ يتمول. فإن كان مما له مثل
كالحبوب والأدهان يرجع إلى مثله حين المفاصلة والربح بعده بينهما نصفين.
وإن كان مما لا مثل له كالثياب والمتاع والحيوان كان رأس المال قيمته والربح
بعد بينهما.
دليلنا: إن ما اخترناه مجمع على جواز القراض به، وليس على جواز ما
قالوه دليل.
مسألة 2: القراض بالفلوس لا يجوز. وبه قال أبو حنيفة، وأبو يوسف،
والشافعي.
وقال محمد: هو القياس، إلا أني أجيزه استحسانا، لأنها ثمن الأشياء في
بعض البلاد.
دليلنا: أن ما قلناه مجمع على جواز القراض به، وما ذكروه ليس عليه
دليل، والاستحسان عندنا باطل.
49

مسألة 3: لا يجوز القراض بالورق المغشوش، سواء كان الغش أقل أو
أكثر أو سواء، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: إن كانا سواء أو كان الغش أقل جاز، وإن كان الغش أكثر
لم يجز. بناه على أصله في الزكاة، وقد مضى الكلام عليه.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 4: إذا كان القراض فاسدا، استحق العامل أجرة المثل على ما يعمله،
سواء كان في المال ربح أو لم يكن. وبه قال الشافعي.
وقال مالك: إن كان في المال ربح فله أجرة مثله، وإن لم يكن ربح فلا
شئ له.
دليلنا: أنه عمل بإذن صاحب المال، فإذا لم يصح له ما قارضه عليه كان
له أجرة المثل، لأنه دخل على أن يكون له المسمى في مقابلة عمله.
مسألة 5: ليس للعامل أن يسافر بمال القراض بغير إذن رب المال. وبه
قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة ومالك: له ذلك.
وللشافعي في البويطي ما دل على ذلك.
قال أصحابه: لا يجئ ذلك على مذهبه.
وبنى أبو حنيفة ومالك ذلك على الوديعة، وأن له أن يسافر بها.
وعندنا أنه ليس له ذلك في الوديعة أيضا.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا الأصل أنه ليس له ذلك، لأنه تصرف في
مال الغير، وإثبات ذلك وإجازته يحتاج إلى دليل، وإلى إذنه ولم يوجد.
مسألة 6: إذا سافر بإذن رب المال كان نفقة السفر من المأكول
50

والمشروب والملبوس من مال القراض.
وللشافعي فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: لا ينفق كالحضر.
والثاني: ينفق كمال نفقته. كما قلناه.
والثالث: ينفق القدر الزائد على نفقة الحضر لأجل السفر.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 7: إذا أعطاه ألفين، وقال: ما رزق الله تعالى من الربح كان لي
ربح ألف ولك ربح ألف، كان جائزا. وبه قال أبو حنيفة وأبو ثور.
وقال أبو العباس بن سريج: هذا غلط، لأنه شرط لنفسه ربح ألف لا يشاركه
العامل فيه، وكذلك العامل فكان باطلا، كما لو تميز الألفان.
دليلنا: أنه لا مانع من ذلك، والأصل جوازه.
وقوله صلى الله عليه وآله: المؤمنون عند شروطهم يدل عليه.
وأيضا فلا فرق بين أن يقول: ربح الألفين بيننا. وبين أن يقول: ربح ألف
لي وربح ألف لك. لأنهما غير متميزين، ومن حمل ذلك على المتميزين كان
قائسا، وذلك لا يجوز عندنا.
مسألة 8: إذا دفع إليه مالا قراضا، وقال له: اتجر به، أو قال له: اصنع ما
ترى، أو: تصرف كيف شئت. فإنه يقتضي أن يشترى بثمن مثله نقدا بنقد البلد.
وبه قال الشافعي.
وخالفه أبو حنيفة في الثلاثة، وقال: له أن يشترى بثمن مثله، وبأقل، وبأكثر،
ونقدا ونسيئة، وبغير نقد البلد.
دليلنا: أن ما ذكرناه مجمع على جوازه، وما ذكروه ليس على جوازه
دليل، والأصل المنع منه، لأنه تصرف في ملك الغير.
51

مسألة 9: إذا اشترى العامل في القراض أباه بمال القراض، فإن كان في
المال ربح انعتق منه بقدر نصيبه من الربح، واستسعى في باقي ذلك لرب المال،
وينفسخ القراض إذا كان معسرا، وإن كان موسرا قوم عليه بقيته لرب المال،
وسواء كان الربح ظاهرا أو يحتاج إلى أن يقوم ليعلم أن فيه ربحا.
وللشافعي فيه قولان:
أحدهما: مثل ما قلناه، أنه ينعتق بمقدار نصيبه، ويلزم شراء الباقي إن كان
موسرا. قال: وإن كان معسرا يبقى بقيته رقا لرب المال.
والقول الثاني: إن الشراء باطل.
دليلنا: إجماع الفرقة المحقة وأخبارهم.
مسألة 10: إذا فسخ رب المال القراض، وكان في المال نسئ، باعه
العامل بإذن رب المال نسيئة، لزمه أن يجيبه، سواء كان فيه ربح أو لم يكن فيه
ربح. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة إن كان فيه ربح كما قلناه. وإن لم يكن فيه ربح لم يلزمه.
دليلنا: أن على العامل رد المال كما أخذه، وإذا أخذه ناضا وجب عليه أن
يرده مثله.
مسألة 11: إذا أعطاه ألفا قراضا على أن يكون الربح بينهما، فحال الحول
وهو ألفان، فعند أكثر أصحابنا لا زكاة على واحد منهما، لأنه لا زكاة في مال
التجارة.
وفي أصحابنا من قال: يجب فيه الزكاة.
وعلى قول الأولين: فيه الزكاة استحبابا، فعلى القولين الفائدة لا تضم إلى
الأصل، بل يراعى الحول منفردا في الفائدة، كما يراعى في الأصل، فعلى هذا لا
زكاة في الفائدة على واحد منهما، وزكاة الأصل على رب المال.
52

وخالف جميع الفقهاء في ذلك على ما مضى في كتاب الزكاة، وقالوا: في
مال التجارة الزكاة، والفائدة تضم إلى الأصل.
وعلى من تجب الزكاة؟ للشافعي فيه قولان:
أحدهما: تجب زكاة الكل على رب المال إذا قال أن العامل لا يملك الربح
بالظهور، وإنما يملكه بالمقاسمة. وبه قال أكثر أهل العراق، واختاره المزني، وهو
أضعف القولين.
والقول الثاني: أن على رب المال زكاة الأصل، وزكاة حصته من الربح،
وعلى العامل زكاة ما يخصه من الربح.
دليلنا: إجماع الفرقة، ولأن الأصل براءة الذمة، وإيجاب الزكاة في الذمة
أو المال يحتاج إلى دليل.
مسألة 12: إذا قال: خذ هذا المال قراضا على أن يكون الربح كله لي.
كان ذلك قراضا فاسدا، ولا يكون بضاعة. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: يكون هذا بضاعة.
دليلنا: أن لفظ القراض يقتضي أن يكون الربح بينهما، فإذا شرط الربح
لنفسه كان فاسدا، كما لو شرط الربح للعامل.
مسألة 13: إذا كان العامل نصرانيا، فاشترى بمال القراض خمرا أو
خنزيرا، أو باع خمرا، مثل أن كان عصيرا فاستحال خمرا فباعه، كان جميع
ذلك باطلا. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: البيع والشراء صحيحان.
وقال أبو يوسف ومحمد: الشراء صحيح والبيع باطل.
والفصل بينهما أن الوكيل يملك أولا عندهم، ثم ينتقل المال عنه إلى
الموكل. فإذا كان العامل نصرانيا صح أن يملك الخمر، فصح الشراء وليس
53

كذلك البيع، لأن الملك ينتقل عن الموكل إلى المشتري، ولا يملك الوكيل
شيئا في الوسط، فلهذا لم يصح.
دليلنا: أن هذه الأشياء محرمة بلا خلاف، وجواز التصرف في المحرمات
يحتاج إلى دلالة.
وروي عن النبي عليه السلام أنه قال: إن الله تعالى حرم الكلب وحرم ثمنه،
وحرم الخمر وحرم ثمنها.
مسألة 14: إذا قال اثنان لواحد: خذ هذا المال قراضا ولك النصف من
الربح، ثلثه من مال هذا، وثلثاه من مال الآخر، والنصف الباقي بيننا نصفين.
قال الشافعي: القراض فاسد.
وقال أبو حنيفة وأبو ثور: يصح، ويكون على ما شرطاه، لأنهما قد جعلا له
نصف جميع المال، فكان الباقي بينهما على ما شرطاه.
وقال أصحاب الشافعي: هذا غلط، لأن أحدهما إذا شرط الثلث والآخر
الثلثين بقي نصف الربح لهما وهو تسعة مثلا، وكان من سبيله أن يكون لأحدهما
منه ستة وللآخر ثلاثة، فإذا شرطاه نصفين أخذ أحدهما فضلا عن شريكه بحق ماله
سهما ونصف سهم، لأنه كان يستحق ثلاثة من تسعة فأخذ أربعة ونصف سهم من
تسعة، وهذا لا يجوز.
والذي يقتضيه مذهبنا أنه لا يمنع من صحة هذا الشرط مانع.
والنبي صلى الله عليه وآله قال: المؤمنون عند شروطهم.
ولأن الأصل جوازه، والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 15: إذا دفع إليه ألفا للقراض، فاشترى به عبدا للقراض، فهلك
الألف قبل أن يدفعه في ثمنه، اختلف الناس فيه على ثلاثة مذاهب.
فقال أبو حنيفة ومحمد: يكون المبيع لرب المال، وعليه أن يدفع إليه ألفا
54

غير الأول ليقضي به دينه، ويكون ألف الأول والثاني قراضا، وهما معا رأس
المال.
وقال مالك: رب المال بالخيار بين أن يعطيه ألفا غير الأول ليقضي به الدين
ويكون الألف الثاني رأس المال دون الأول، أو لا يدفع إليه شيئا فيكون المبيع
للعامل والثمن عليه.
ونقل البويطي عن الشافعي أن المبيع للعامل، والثمن عليه، ولا شئ على
رب المال، وهو اختيار أبي العباس، وهو الذي يقوى في نفسي.
وفي أصحابه من قال بمثل قول أبي حنيفة، إلا أنه قال: كلما دفع إليه ألفا
وهلكت لزمه أن يدفع إليه ألفا آخر.
وأبو حنيفة: إذا هلكت الألف الثانية لم يلزمه شئ آخر.
دليلنا: أنه لا يخلو أن يكون الألف تلف قبل الشراء أو بعده، فإن كان
التلف قبل الشراء وقع الشراء للعامل، لأنه اشتراه بعد زوال القراض.
وإن كان التلف بعد الشراء فالبيع وقع لرب المال وعليه أن يدفع الثمن
من ماله الذي سلمه إليه، فإذا هلك المال تحول الملك إلى العامل، وكان الثمن
عليه، لأن رب المال إنما فسح للعامل في التصرف في ألف إما أن يشتريه به بعينه
أو في الذمة، وينقد منه ولم يدخل على أن يكون له في القراض أكثر منه.
مسألة 16: ليس للعامل أن يبيع بالدين إلا بإذن رب المال. وبه قال
الشافعي.
وقال أبو حنيفة: له ذلك.
دليلنا: أن الأصل أنه لا يجوز له ذلك، لأنه تصرف في مال الغير، فإجازته
تحتاج إلى دليل.
مسألة 17: لا يصح القراض إذا كان رأس المال جزافا. وبه قال الشافعي.
55

وقال أبو حنيفة: يصح القراض ويكون القول قول العامل حين المفاصلة،
وإن كان مع كل واحد منهما بينة قدمت بينة رب المال.
دليلنا: أن القراض عقد شرعي يحتاج إلى دليل شرعي، وليس في الشرع
ما يدل على صحة هذا القراض، فوجب بطلانه.
مسألة 18: إذا قال خذ ألفا قراضا على أن لك نصف ربحها. صح بلا
خلاف. وإن قال: على أن لك ربح نصفها. كان باطلا. وبه قال الشافعي
وأصحابه.
وقال أبو ثور: هو جائز. وحكى ذلك أبو العباس عن أبي حنيفة.
دليلنا: أن ما قلناه مجمع على جوازه، ولا دليل على جواز ما قالوه. وإن
قلنا بقول أبي ثور كان قويا، لأنه لا فرق بين اللفظين.
56

المبسوط
كتاب القراض والمضاربة
القراض والمضاربة اسمان بمعنى واحد، وهو أن يدفع الإنسان إلى غيره مالا
يتجر به على أن ما رزق الله من ربح كان بينهما على ما يشترطانه، والقراض لغة
أهل الحجاز والمضاربة لغة أهل العراق، وقيل في اشتقاقه سيئان: أحدهما: أنه من
القرض وهو القطع، ومنه قيل: قرض الفأر الثوب، إذا قطعه، ومعناه هاهنا أن
رب المال قطع قطعة من ماله يسلمها إلى العامل وقطع له منه قطعة من الربح،
ومنه يسمى القرض قرضا، لأن المقرض يقطع قطعة من ماله يدفعها إلى
المقترض.
والآخر أن اشتقاقه من المقارضة وهي المساواة والموازاة، يقال: تقارض
الشاعران إذا تساويا في قول كل واحد منهما في صاحبه من مدح وهجو.
وروي عن أبي الدرداء أنه قال: قارض الناس ما قارضوك فإن تركتهم لم
يتركوك، يعني ساوهم فيما يقولون فيك، ومعناه هاهنا من وجهين: أحدهما من
رب المال المال ومن العامل العمل، والثاني يساوي كل واحد منهما صاحبه في
الاشتراك في الربح، والمقارض " بكسر الراء " رب المال، والمقارض " بفتح
الراء " العامل.
وأما المضاربة فاشتقاقها من الضرب بالمال والتقليب له، وقيل: اشتقاقها من
أن كل واحد من رب المال والعامل يضربان في الربح، والأول أصح،
57

والمضارب " بكسر الراء " العامل لأنه هو الذي يضرب فيه ويقلبه، وليس لرب
المال اشتقاق منه.
يدل على ذلك ما رواه الحسن عن علي عليه السلام أنه قال: إذا خالف
المضارب فلا ضمان هنا على ما شرطاه، والظاهر أنه أراد العامل لأن الخلاف
منه، والضمان بالتعدي عليه.
وعلى جوازه دليل الكتاب وإجماع الأمة، فالكتاب قوله تعالى: " فإذا
قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله "، وقال تعالى:
" وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله "، ولم يفصل، وأما
الإجماع فإنه لا خلاف فيه، وأيضا فإن الصحابة كانت تستعمله، روي ذلك عن
علي عليه السلام وعمرو ابن مسعود وحكيم بن حزام وابن عمر وأبي موسى
الأشعري، ولا مخالف لهم.
فإذا ثبت جواز القراض، فالكلام في ما يجوز أن يكون رأس مال في
القراض وما لا يجوز، وجملته أن القراض لا يجوز إلا بالأثمان من الدراهم و
الدنانير، وأما غيرهما فلا يجوز وفيه خلاف، وأما القراض بالنقرة فلا يصح لأنها
معتبرة فيما له قيمة، فهي كالثياب والحيوان، والقراض بالفلوس لا يجوز،
والقراض بالورق المغشوش لا يجوز، سواء كان الغش أقل أو أكثر أو سواء،
وفيه خلاف.
فإن دفع إلى حائك غزلا وقال: انسجه ثوبا على أن يكون الفضل بيننا، فهو
قراض فاسد، لأن موضوع القراض على أن يتصرف العامل في رقبة المال ويقلبها
ويتجر فيها، فإذا كان غزلا فهو نفس المال وعينه، فهو كالطعام إذا أعطاه ليطحنه
ويكون الفضل بينهما، فيكون الكل لرب المال، وللعامل أجرة مثله.
وإن أعطاه شبكة وقال: تصطاد بها فما رزق الله من صيد كان بيننا، كان
قراضا فاسدا لما مضى، فإذا اصطاد شيئا كان له دون صاحب الشبكة لأنه صيده،
ويكون لصاحب الشبكة أجرة مثله، كما أنه لو غصب شبكة فصاد بها كان الصيد
58

له دون مالكها، وليس كذلك الغزل لو غصبه فنسجه لأن الثوب يكون لصاحب
الغزل، لأنه عين ماله.
وإن دفع له ثوبا فقال له: بعه فإذا نض ثمنه فقد قارضتك عليه، فالقراض
باطل لأنه قراض بمال مجهول، لأنه لا يعلم كم قيمته حين العقد، وللعامل أجرة
مثله، وهذا أصل القراض الفاسد فبان مشروحا.
إذا دفع إليه ألفا قراضا على أن ما رزق الله من ربح كان له الثلث، وللعامل
الثلث، ولغلام رب المال الثلث، والغلام مملوك لرب المال كان جائزا، سواء
شرط فيه عمل الغلام أو لم يشرط مع العامل، وفي الناس من قال: لا يصح إذا
شرط عمل الغلام مع العامل لأن موضوع القراض على أن من رب المال المال،
ومن العامل العمل، فإذا شرط هذا كان من رب المال المال والعمل، وذلك لا
يجوز، ولأن موضوع القراض على أن رب المال يستحق الربح بماله دون عمله،
ويستحق العامل الربح بعمله من غير مال، وإذا شرط هذا استحق
رب المال الربح بماله وعمله، وهذا لا يجوز.
وإنما قلنا إن الأول أصح لأنه إذا شرط هذا، فقد شرط ضم مال إلى ماله، لأن
عبده ماله أيضا فصح ذلك، فإذا ثبت هذا فلو دفع إليه ألفا قراضا على أن له من
الربح النصف ودفع إليه بغلا أو حمارا يستعين به في نقل المتاع والركوب
وغير ذلك صح، هذا إذ شرط الربح لغلامه.
فإن شرط ثلث الربح لأجنبي، مثل أن يقول: ثلثه لك وثلثه لي وثلثه
لزوجتي أو أبي أو ولدي أو صديقي فلان، نظرت: فإن لم يشرط بأن على الأجنبي
العمل بطل القراض، لأن الربح يستفاد في القراض بالمال أو العمل، وليس هذا
واحد منهما، وإن شرط أن يكون من الأجنبي العمل مع العامل صح، ويكون
كأنه قارض عاملين، فخرج من هذه الجملة.
إذا شرط رب المال الربح لغلامه لم يخل من أن يكون حرا أو عبدا، فإن
كان عبدا نظرت: فإن لم يكن من الغلام عمل صح قولا واحدا، وإن شرط عليه
59

العمل فعلى وجهين، وإن كان حرا أو أجنبيا فشرط له قسطا من الربح، فإن لم
يشرط منه العمل بطل قولا واحدا، وإن شرط العمل صح قولا واحدا.
القراض من العقود الجائزة كالوكالة، فإذا ثبت ذلك ففيه ثلاثة مسائل:
إحداها: أن يقول: قارضتك على ألف سنة فإذا انتهت فلا تبع ولا تشتر،
فالقراض باطل لأن من مقتضى القراض أن يتصرف في المال إلى أن يؤخذ منه
المال نضا.
الثانية: أن يقول: قارضتك سنة على أن لك البيع والشراء لا أملك منعك
منهما، فالقراض باطل لأنه من العقود الجائزة، فإذا شرط فيه اللزوم بطل
كالشركة والوكالة.
الثالثة: أن يقول: قارضتك سنة على أنه إذا انتهت السنة امتنع من الشراء
دون البيع، فالقراض صحيح لأنه شرط ما هو من موجب العقد ومقتضاه، لأن
لرب المال أن يمنع العامل من الشراء أي وقت شاء، فإذا عقد على هذا كان
شرطا من مقتضى العقد وموجبه، فلم يقدح فيه.
إذا دفع إليه قراضا على أن ما رزق الله من ربح كان لي منه درهم، والباقي
بيننا أو يكون لك منه درهم والباقي بيننا نصفين، فالقراض باطل، لأنه يمكن أن
يكون هذا الدرهم جميع الربح، فيتفرد أحدهما بكل الربح، وأيضا فإنه لا يصح
القراض حتى يكون نصيب العامل معلوما بالأجزاء، فإذا ضم إليها درهما صارت
مجهولة فلهذا بطل القراض.
فإن شرط عليه أن يوليه سلعة من السلع مثل أن يقول رب المال: أعطني هذا
الثوب بقيمته من غير ربح، كان باطلا لأنه قد لا يكون الربح إلا في ذلك الثوب
فيؤدى إلى ما قدمناه من انفراد أحدهما بالربح، وكذلك إن قال: على أن لي أن
أنتفع ببعض المال، مثل أن يكون عبدا يستخدمه وثوبا يلبسه.
إذا شرط في القراض أن لا يشتري إلا من فلان ولا يبيع إلا منه كان فاسدا عند قوم، و
عند قوم أنه جائز، وهو الأقوى لأنه لا مانع منه، ومن قال: لا يجوز،
60

قال: لأنه يسقط المقصود من الربح لأن فلانا قد يغيب أو يموت، فلا يقدر على
الشراء ولا البيع، أو ربما لا يختار أن يبيعه أو يشتري منه، وهكذا الحكم فيه لو
قال: على أن لا يشتري إلا العقار الفلاني أو الثوب الفلاني، كان فاسدا لما مضى،
وعندي أنه يجوز.
وكذلك إذا قال: لا تشتر إلا جنسا لا يعم وجوده في أيدي الناس، لكن
يوجد ولا يوجد، مثل أن يقول: لا تتجر إلا في لحوم الصيد، فإن هذا قد يوجد
وقد لا يوجد فلا يجوز، وإنما يصح القراض فيما يتمكن من طلب المقصود به،
مثل أن يقول: اتجر فيما شئت، وعامل من شئت كيف شئت، فيكون جائزا،
وهكذا لو عين جنسا لا ينقطع عن أيدي الناس كقوله: اتجر في الطعام وحده أو
في التمر وحده أو في الثياب القطن، فكل هذا يوجد غالبا ولا ينقطع، فالقراض
صحيح لا يتعذر المقصود منه.
وهكذا لو شرط ألا يتجر إلا فيما يعم وجوده في بعض السنة كالرطب
والعنب والفواكه الرطبة فإنه جائز لأنه لا يعدم في وقته غالبا، وفي الناس من
قال: لا يتجر إلا فيه، وقد قلنا: إن جميع ذلك يقوي في النفس أنه جائز وكل ما
ذكروه قياس، وقوله عليه السلام: المؤمنون عند شروطهم، يقوي ما قلناه.
إذا قارضه على أن يشتري أصلا له فائدة يستبقي الأصل ويطلب فائدته
كالشجر يسقيها ليكون ثمارها بينهما أو عقارا يستغله أو غنما يرجو نسلها ودرها
أو عبيدا يأخذ كسبها فالكل قراض فاسد، لأن موضوع القراض على أن يتصرف
العامل في رقبة المال وهذا خروج عن بابه.
الكلام في القراض الفاسد في ثلاثة فصول: في التصرف والربح والأجرة:
أما التصرف فإنه جائز صحيح، لأن القراض الفاسد يشتمل على الإذن
بالتصرف وعلى شرط فاسد، فإذا فسد الشرط كان الإذن بالتصرف قائما فهو
كالوكالة الفاسدة تصرف الوكيل صحيح لحصول الإذن فيه.
وأما الربح فكله لرب المال لا حق للعامل فيه، لأن العامل اشترى لرب
61

المال فيكون الملك له، وإذا كان الملك له كان الربح له.
وأما الأجرة فللعامل أجرة مثله سواء كان في المال ربح أو لم يكن فيه ربح
وفيه خلاف، فإذا ثبت هذا فإن له أجرة المثل، فإن الأجرة يستحقها في مقابلة عمله
على كل المال، لأن عمله وجد في كله واستحق الأجرة على جميعه.
إذا دفع إليه مالا قراضا نظرت: فإن اتجر به حضرا كان عليه أن يلي من
التصرف فيه ما يليه رب المال في العادة من نشر الثوب وطيه، وتقليبه على من
يشتريه وعقد البيع وقبض الثمن، ونقده، وإحرازه في كيسه وختمه، ونقله إلى
صندوقه وحفظه ونحو ذلك مما جرت العادة بمثله.
وإن كان شيئا لا يليه رب المال في العادة مثل النداء على المتاع في
الأسواق، ونقله إلى الخان، ومن مكان إلى مكان، فليس على العامل أن يعمله
بنفسه، بل يكتري من يتولاه لأن القراض متى وقع مطلقا من غير اشتراط شئ
من هذا، وجب أن يحمل إطلاقه على ما جرت به العادة، كما نقول في صفة
القبض والتصرف.
فإن خالف العامل فحمل على نفسه، وتولي من التصرف ما لا يليه في
العرف لم يستحق الأجرة على فعله، لأنه تطوع بذلك، وإن خالف واستأجر
أجيرا يعمل فيه ما يعمله بنفسه، كانت الأجرة من ضمانه، لأنه أنفق المال في غير
حقه.
فأما النفقة مثل القوت والأدم والكسوة ونحو هذا فليس له أن ينفق على
نفسه من مال القراض بحال، لأنه دخل على أن يكون له من الربح سهم معلوم،
فليس له أكثر من ذلك، لأنه ربما لا يربح المال أكثر من هذا القدر، هذا إذا كان
حاضرا.
فأما إن كان في السفر فأول ما فيه أن العامل ليس أن يسافر بمال القراض
بغير إذن رب المال، وفيه خلاف، فإن سافر بإذن رب المال فعليه أن يلي بنفسه
من العمل عليه ما يليه رب المال في العادة من حمله وحطه وحفظه والاحتياط له
62

في حراسته وليس عليه رفع الأحمال بنفسه، ولا حطها، بل له أن يكتري من يلي
ذلك من مال القراض، فإن خالف فاكترى لما يعمله بنفسه، أو حمل على نفسه
فعمل فيما يكتري له، فالحكم على ما مضى.
وأما نفقة المأكول والمشروب والملبوس والمركوب، من الناس من قال:
ليس له أن ينفق من مال القراض بحال حضرا ولا سفرا، ومنهم من قال: له النفقة
لأن السفر إنما أنشأه وتلبس به لمال القراض فوجب أن يكون الإنفاق عليه،
والأول أقوى لما مضى.
فمن قال " ينفق " ففي قدرها قيل وجهان: أحدهما ينفق كمال النفقة من
المأكول والمشروب والملبوس والمركوب لأنه يسافر لأجله، والثاني - وهو
الأصح - أنه ينفق القدر الذي يزيد على نفقة الحضر، لأجل السفر، مثل زيادة
مأكول وملبوس وتفاوت سعر من ثمن ماء وغيره.
فإذا تقرر هذا خرج من الجملة أنه لا ينفق من مال القراض إذا كان في
الحضر بحال، فإذا سافر فيها ثلاثة أوجه: أحدها لا ينفق كالحضر، وهو الذي
اخترناه، والثاني ينفق كمال نفقته، والثالث ينفق القدر الزائد على نفقة الحضر.
فإن كان له في صحبته مال لنفسه غير مال القراض كانت النفقة بقسطه على
قدر المالين بالحصص، على قول من قال: له كمال النفقة، وعلى ما قلناه ينفق من مال نفسه خاصة.
إذا شرط أن يكون لأحدهما مائة من الربح وما فضل كان بينهما نصفين، لم
يصح وكان باطلا.
إذا دفع إليه ألفين منفردين فقال: أحدهما قراض على أن يكون الربح من
هذا الألف لي وربح الآخر لك، فالقراض فاسد، لأن موضوع القراض على أن
يكون ربح كل جزء من المال بينهما.
إذا خلط الألفين وقال: ما رزق الله من فضل كان لي ربح ألف ولك ربح
ألف، كان جائزا لأنه شرط له نصف الربح، وقال قوم: لا يصح لأن موضوع
63

القراض على أن يكون ربح كل جزء بينهما، فإذا شرط لنفسه ربح ألف فقد
شرط لنفسه ربح ألف لا يشاركه العامل، والأول أصح، لأن الألف الذي شرط
ربحها ليست متميزة، وإنما كانت تبطل لو كانت متميزة وذلك لا يجوز.
إذا اشترى العامل سلعة للقراض فأصاب بها عيبا كان له ردها بالعيب، لأنه
قائم مقام رب المال، فإن كان الحظ في الرد لزمه الرد، وإن كان الحظ في
الإمساك لزمه الإمساك، ولم يكن له الرد لأن المقصود طلب الفضل فأيهما
كان الحظ فيه لم يكن له تركه، فإن حضر رب المال وعلم بالعيب فإن اتفقا على
الرد ردا، وإن اتفقا على الإمساك أمسكا، وإن اختلفا قدمنا قول من الحظ معه من
إمساك أو رد لأن لكل واحد منهما في المال حقا، والمقصود الربح.
وكذلك الوكيل إذا أصاب بما اشتراه عيبا كان له رده، فإن كان الموكل
غائبا فقال له البائع: لا ترد أيها الوكيل فلعل موكلك يرضى به معيبا، كان له
الرد لأن في ذلك غررا عليه، لأن الموكل قد لا يرضى، فإن قال: ليس لك الرد
لأن الموكل قد رضي به معيبا، لم يقبل قوله على الوكيل، وقدمنا قول الوكيل.
وإن كان الموكل حاضرا فإن اتفقا على الرد ردا، وإن اتفقا على الإمساك
أمسكا، وإن اختلفا قدمنا قول الموكل ولا يراعى الحظ لأن المال كله له، فلا
اعتراض للوكيل عليه.
للعامل في القراض أن يشتري المعيب والسليم ابتداء، وليس كذلك
للوكيل لأن المقصود من القراض طلب الربح، وقد يكون الربح في المعيب
كالصحيح، وليس كذلك الوكالة لأن المقصود إمساك المبيع واقتناؤه، فلهذا
لم يكن له شراء المعيب.
إذا دفع إليه مالا قراضا نظرت: فإن نص على صفة التصرف فقال: بع نقدا
أو نسيئة بنقد البلد وغير نقد البلد، كان له ذلك لأنه قد نص عليه، وعليه إن
أطلق فقال: اتجر، أو قال: تصرف كيف شئت واصنع ما ترى، كان كالمطلق، و
المطلق يقتضي ثلاثة أشياء: أن يشتري بثمن مثله نقدا بنقد البلد، وفيه خلاف.
64

فإذا ثبت هذا نظرت: فإن لم يخالف ذلك فلا كلام، وإن خالف لم يخل
من أحد أمرين: إما أن يخالف في البيع أو في الشراء.
فإن خالف في البيع فباع عينا من أعيان المال نسيئا أو دون ثمن المثل، أو
بغير نقد البلد، فالبيع باطل لأنه باع مال غيره بغير حق، فإن كان المبيع قائما
رده، وإن كان تالفا كان لرب المال أن يضمن من شاء منهما، يضمن العامل لأنه
تعدي، ويضمن المشتري لأنه قبض عن يد ضامنه، فإن ضمن المشتري لم يرجع
على العامل لأن التلف في يده فاستقر الضمان عليه، وإن ضمن العامل رجع
العامل على المشتري لهذا المعنى أيضا.
وإن كان الخلاف في الشراء لم يخل من أحد أمرين: إما أن يذكر العامل
رب المال حين الشراء أو لا يذكره، فإن لم يذكره تعلق العقد به، وكان المبيع
له دون رب المال وتعلق الثمن بذمته، وإن ذكر أنه يشتريه لرب المال، قيل فيه
وجهان: أحدهما يصح العقد، ويكون الشراء له كما لو أطلق، وقال آخرون: إنه
باطل لأنه عقد لغيره وإذا لم يضح لذلك الغير بطل، وهذا الوجه أولى.
العامل في القراض أمين في ما في يديه كالوكيل لأنه يتصرف في مال
المالك باذنه كالوكيل، وينظر: فإن ادعى العامل تلف المال في يده كان القول
قوله لأنه أمين، وإن ادعى رده إلى مالكه فهل يقبل قوله؟ فيه قولان: أحدهما وهو
الصحيح أنه يقبل قوله، وفي الناس من قال: لا يقبل قوله.
وجملته أن الأمناء على ثلاثة أضرب: من يقبل قوله في الرد قولا واحدا، ومن
لا يقبل قوله في الرد قولا واحدا، ومختلف فيه، والأصل فيه أن من قبض الشئ
لمنفعة مالكه قبل قوله في رده وهو المودع والوكيل، وكل من قبض الشئ
ومعظم المنفعة له لم يقبل قوله في الرد قولا واحدا كالمرتهن والمكتري، وكل
من قبض العين ليشتركا في الانتفاع فعلى وجهين، كالعامل في القراض
والوكيل بجعل والأجير المشترك إذا قلنا قبضه قبض أمانة.
65

هنا ثلاث مسائل:
إذا اشترى العامل من يعتق على رب المال، وإذا اشترى المأذون من يعتق
على سيده، وإذا اشترى العامل في القراض من يعتق عليه.
أما إذا اشترى العامل من يعتق على رب المال وهم العمودان، الوالدون و
المولودون، آباؤه وأمهاته وإن علوا، والمولودون وولد الولد الذكور والإناث
وإن سفلوا، فإن اشترى واحدا من هؤلاء لم يخل من أحد أمرين: إما أن يكون
باذنه أو بغير إذنه.
فإن كان باذنه فالشراء صحيح، لأنه يقوم مقامه، ويعتق عليه لأنه ملك من
يعتق عليه، ثم ينظر: فإن كان اشتراه بجميع مال القراض انفسخ القراض، لأنه
خرج عن أن يكون مالا، فإن لم يكن في المال فضل فلا كلام، وإن كان فيه
فضل كان على رب المال ضمان حصة العامل فيه، وإن لم يكن في المال فضل
انصرف العامل ولا شئ له، وإن كان الشراء ببعض مال القراض انفسخ من
القراض بقدر قيمة العبد كما لو أتلفه رب المال مباشرة، هذا إذا كان باذنه.
وإن كان اشتراه بغير إذنه نظرت: فإن اشتراه بعين المال فالشراء باطل لأنه
اشترى ما يتلف ويهلك عقيب الشراء، وإن كان الشراء في الذمة وقع الملك
للعامل وصح الشراء، لأنه إذا لم يصح لمن اشتراه لزمه في نفسه، كالوكيل،
وليس له أن يدفع ثمنه من مال القراض، فإن خالف وفعل فعليه الضمان لأنه قد
تعدى بأن وزن مال غيره عن ثمن لزمه في ذمته.
إذا كان رب المال امرأة ولها زوج مملوك، فإن اشترى عاملها من يعتق
عليها فالحكم على ما مضى، وإن اشترى زوجها للقراض فهل يصح الشراء أم لا؟
نظرت: فإن كان بإذنها صح وانفسخ النكاح، ويكون العبد قراضا، وإن كان
بغير إذنها قيل إن الشراء باطل، لأن عليها ضررا وهو أنها تملك زوجها فيفسخ
نكاحها وتسقط نفقتها، والعامل إذا اشترى ما يضر برب المال لم يصح الشراء
كما لو اشترى لها من يعتق عليها بغير إذنها، وفي الناس من قال: يصح الشراء
66

لأن المقصود من القراض طلب الربح، وقد يكون الفضل في شراء زوجها، و
الأول أقوى.
فمن قال: يصح أن يشتريه للقراض، فلا فصل بين أن يشتريه بعين المال أو
بثمن في الذمة كغير زوجها، فإذا فعل هذا ملكته وانفسخ نكاحها وسقطت
نفقتها، لأنها ملكته ويكون في مال القراض، ومن قال: لا يصح، فالحكم فيه كما
لو اشترى من يعتق عليها، فإن كان بإذنها صح، وإن كان بغير إذنها فإن اشتراه
بعين المال فالعقد باطل، وإن كان بثمن في الذمة صح العقد له دونها وليس له
أن ينقد ثمنه من مال القراض، فإن خالف وفعل فعليه الضمان.
الثانية: إذا اشترى المأذون من يعتق على سيده لم يخل من أحد أمرين: إما أن
يكون باذنه أو بغير إذنه.
فإن كان باذنه صح لأنه أقامه مقام نفسه، ثم نظرت: فإن لم يكن على العبد
دين عتق على سيده لأنه ملك أباه، ولم يتعلق به حق الغير ملكا صحيحا، وإن
كان على العبد دين فهل يعتق أم لا؟ قيل فيه قولان، بناء على عتق الراهن إذا
أعتق العبد المرهون، هل يصح أم لا؟ على القولين.
ووجه الجمع بينهما أن العبد إذا كان رهنا، تعلق الدين برقبته وذمة الراهن
كما يتعلق الدين برقبة ما في يد المأذون، والذمة فلما كانت في الرهن على قولين
كذلك هاهنا، فمن قال " لا ينعتق " فلا كلام، ومن قال " ينعتق " أخذ العبد من
سيده قيمة ذلك فيكون في يده يقضي الدين منه.
فأما إذا اشتراه بغير إذن سيده لم يخل من أحد أمرين: إما أن يكون على
العبد دين أو لا دين عليه، فإن لم يكن عليه دين فهل يصح الشراء هاهنا أم لا؟
قيل فيه قولان: أحدهما - وهو الصحيح - أنه لا يصح الشراء، لأن السيد إنما أذن
في طلب الربح والفضل، وهذا يبطل مقصوده لأنه يعتق عليه فيذهب ماله، فهو
كالعامل إذا اشترى لرب المال أباه، فعلى هذا لا فرق بين أن يشتريه بعين المال
أو في الذمة فإن الشراء باطل.
67

والفصل بينه وبين العامل في القراض واضح، لأن العامل حر يصح أن
يشتري لنفسه في الذمة، وليس كذلك العبد لأنه إذا اشترى شيئا كان لمولاه،
سواء كان بعين المال أو في الذمة، لأن الشراء في الذمة لا ينصرف إليه، فلهذا
بطل على كل حال.
وقال قوم: يصح الشراء لأنه إذا أذن لعبده في الشراء فقد دخل مع العلم
بأن العبد لا يصح منه الشراء لغير سيده، فلما لم يقع الشراء لغير سيده، فإذا
أطلق الإذن له به، فقد أطلقه في شراء كل ما يصح أن يملك، وأن الشراء يقع
لسيده، ويفارق العامل لأن شراءه ينقسم لرب المال وفي الذمة، فمن قال "
باطل " فلا كلام، ومن قال " يصح " عتق على سيده لأنه لم يتعلق حق الغير
به، هذا إذا لم يكن عليه دين.
فأما إن كان عليه دين فقال قوم: لا يصح لأنه بغير إذنه ولأن عليه دينا،
وفيهم من قال: يصح، فمن قال " باطل " وهو الصحيح فلا كلام، ومن قال
" يصح " ملكه سيده، وهل يعتق عليه أم لا؟ قيل فيه قولان بناء على مسألة
الراهن.
المسألة الثالثة: إذا اشترى العامل أبا نفسه لم يخل من أحد أمرين: إما أن
يكون في المال ربح أو لا ربح فيه.
فإن لم يكن فيه ربح صح الشراء وملكه رب المال، لأن العامل وكيل في
الشراء، فإذا ثبت أنه يصح نظرت: فإن بيع هذا العبد قبل أن يظهر في المال
ربح فلا كلام، وإن بقي في يديه حتى يظهر فيه ربح فهل يعتق على العامل شئ
منه أم لا؟ يبني على القولين متى يملك العامل حصته من الربح، فإنه على قولين:
أحدهما يملكها بالظهور، وهو الأظهر في روايات أصحابنا، والثاني بالقسم.
فمن قال: لا يملك بالظهور، لم يعتق عليه شئ منه لأنه ما ملك شيئا من
أبيه، ومن قال: يملك بالظهور، فهل يعتق عليه قدر ما ملكه أم لا؟ قيل فيه
وجهان: أحدهما يعتق عليه، وهو الظاهر في روايات أصحابنا، ويستسعي في
68

الباقي لأنه قد ملك من أبيه ملكا صحيحا، والثاني لا يعتق عليه لأن ملكه غير تام.
فإذا تقرر ذلك فمن قال " لا يعتق " فلا كلام، ومن قال " يعتق " نظرت:
فإن كان العامل موسرا قوم عليه نصيب رب المال، وعتق كله، وزال القراض،
وإن كان معسرا عتق منه نصيبه واستقر الرق في نصيب رب المال، وانفسخ
القراض في ذلك القدر، لأنه قد تميز قسط العامل منه، هذا إذا اشتراه وفي المال
ربح.
فأما إذا اشتراه وليس في المال ربح يبني على ما مضى.
فأما إذا قيل: لا يملك العامل حصته بالظهور، أو قيل: يملك بالظهور لكن
لا ينعتق عليه ما ملكه، صح الشراء لأنه لا مانع منه، وإذا قيل: يملك حصته
بالظهور فيه ويعتق عليه نصيبه منه، فهل يصح الشراء أم لا؟ قيل فيه وجهان:
أحدهما يصح لأنهما في المال شريكان، والثاني لا يصح الشراء لأنه يقتضي أن
يكون العامل يستقر نصيبه فيه.
فمن قال: الشراء باطل، نظرت: فإن اشترى بعين المال بطل، وإن كان في
الذمة لزمه في نفسه، ومن قال: يصح، قال: يعتق قدر نصيبه منه، ثم ينظر في
العامل فإن كان موسرا قوم عليه باقيه وعتق كله وزال القراض، وإن كان معسرا
عتق منه نصيبه واستقر الرق في نصيب رب المال.
القراض من العقود الجائزة لأن العامل يبتاع ويشتري به لرب المال باذنه
فهو كالوكيل وكذلك الشركة، فلكل واحد منهما فسخ القراض سواء كان
ذلك قبل أن يعمل العامل شيئا أو بعد العمل، كالشركة والوكالة، وإذا وقع
الفسخ منع العامل من الشراء دون البيع، فإذا ثبت هذا لم يخل من أحد أمرين:
إما أن يكون الفاسخ رب المال أو العامل، فإن كان رب المال نظرت:
فإن كان المال ناضا قبل التصرف أو بعده ولم يكن فيه ربح تسلمه رب
المال، وإن كان ناضا وفيه ربح اقتسما الربح، وأخذ كل واحد منهما ماله.
وإن كان المال عرضا كان للعامل بيعه سواء لاح فيه ربح أم لم يلح، لأنه
69

يطمع أن يرغب راغب فيشتريه بما يحصل فيه الربح، فلهذا كان له بيعه إلا أن
يقول له رب المال: أنا أعطيك قيمة العروض بقول مقومين، فله ذلك وليس
للعامل البيع، لأنه قد حصل له غرضه.
وإن قال العامل لرب المال: لست أبيعه بل خذه بحاله بارك الله لك فيه،
نظرت: فإن رضي رب المال بذلك فلا كلام، وإن قال: لا أقبله بل بعه أنت حتى
ينض المال، فهل على العامل البيع أم لا؟ على وجهين: أحدهما ليس عليه
ذلك، لأنه إذا دفع المال بحاله إلى ربه فلا فائدة له في بيعه، والثاني - وهو
الأصح - أن عليه البيع ليرد إلى رب المال ماله ناضا، كما تسلمه منه، ولو لم يبعه
تكلف رب المال البيع، وعليه فيه مشقة.
وإن كان المال دينا مثل أن باع العامل نسيئا بإذن رب المال، فعلى العامل
أن يجيبه ممن هو عليه، سواء كان في المال ربح أو لا ربح فيه، فإن كان الفاسخ
العامل فالحكم فيه على ما فصلناه إذا كان الفاسخ رب المال حرفا بحرف.
إذا مات أحد المتقارضين انفسخ القراض، فإن كان الميت رب المال فإن
كان المال ناضا قبل التصرف فيه أخذه وارث رب المال، وإن كان ناضا بعد
التصرف نظرت: فإن لم يكن فيه ربح أخذه أيضا، وإن كان فيه فضل قاسمه على
الربح، وإن كان المال عروضا كان للعامل بيعه لأن رب المال خلفه في يديه
وقد رضي اجتهاده، فإن باع فلا كلام، وإن قال وارث المال: أنا أعطيك القيمة،
لم يكن للعامل البيع، وإن قال العامل للوارث: خذ العروض بارك الله لك
فيها، فإن قبل فلا كلام، وإن أبي أن يأخذه إلا ناضا فهل للعامل البيع؟ على
وجهين على ما مضى، وإن كان المال دينا فعلى العامل أن يقضيه.
وإن أراد وارث رب المال أن يقره في يد العامل قراضا نظرت: فإن كان
ناضا ولا ربح هناك استأنف عقد القراض معه، وإن كان فيه ربح استأنف
القراض معه بقدر ماله مشاعا، لأن القراض بالمشاع جائز كرجل له في يد غيره
ألف مشاعا في ألف لمن هو في يديه، فإذا قارضه على نصيبه فيه مشاعا يكون
70

عاملا في ألف ومتصرفا في قدر ماله في ألف، وصح ذلك.
وإن كان المال عروضا فهل يصح أن يقره في يده قراضا على ما كان أو
لا؟ قيل فيه وجهان: أحدهما لا يصح أن يجدد معه قراضا لأنه قراض على غير
الأثمان، والثاني له أن يقره في يده قراضا، لأنه استصحاب قراض وليس بابتداء
قراض، بل قام الوارث مقام مورثه فأقره على ما هو عليه، والأول أقوى، لأن
القراض قد انفسخ بالموت، وهذا استئناف قراض على عروض ولا يصح.
فأما إذا مات العامل نظرت: فإن كان المال ناضا لا ربح فيه أخذه ربه، فإن
كان فيه فضل كان بينهما على ما شرطناه، وإن كان المال عروضا فأراد وارث
العامل بيعه لم يكن له لأن رب المال إنما رضي باجتهاد العامل لا باجتهاد وارث
العامل، فإذا ثبت هذا دفع المال إلى الحاكم ليباع ويأخذ كل واحد منهما حقه
إن كان فيه ربح، وإن لم يكن فيه ربح أخذ رب المال ماله ناضا.
وإن اختار رب المال أن يستأنف القراض مع وارث العامل نظرت: فإن
كان المال ناضا صح سواء كان في فضل أو لم يكن فيه فضل، وإن كان
عروضا لم يجز إعادته معه قولا واحدا.
إذا دفع إلى رجل مالا قراضا على أن ما رزق الله من ربح كان بينهما
نصفين فقارض العامل عاملا آخر لم يخل من أحد أمرين: إما أن يكون بإذن رب
المال أو بغير إذنه، فإن كان باذنه مثل أن قال: اعمل أنت فيه وإن اخترت أن
تقارض عني من يقوم مقامك فافعل، أو أطلق القراض، ثم عجز العامل عن النظر
له، فقال له رب المال: فأقم غيرك فيه عني، فإنه يصح لأنه يكون وكيلا لرب
المال في عقد القراض عنه.
فإذا ثبت أنه جائز فقارض العامل عاملا آخر نظرت: فإن قال: على أن ما
رزق الله من ربح كان بينك وبين رب المال نصفين ولا شئ لي فيه، صح
القراض وكان العامل الثاني عامل رب المال ولا شئ للعامل الأول، وإن قال:
على أن الربح بيننا أثلاثا ثلث لي وثلث لك وثلث لرب المال، فإن القراض فاسد
71

لأن العامل الأول شرط لنفسه قسطا من الربح بغير مال ولا عمل، والربح في
القراض لا يستحق إلا بمال أو عمل، وليس للعامل الأول أحدهما، فيكون الربح
كله لرب المال وللعامل الثاني أجرة مثله، لأنه عمل في قراض فاسد، و
لا شئ للعامل الأول لأنه لا عمل له فيه.
فإذا قارض العامل عاملا آخر بغير إذن رب المال فقال: خذه قراضا على
أن ما رزق الله من ربح كان بيننا نصفين، كان القراض فاسدا لأنه تصرف في
مال غيره بغير أمره، فإذا ثبت أن القراض فاسد فعمل العامل وربح فما حكمه؟
فهذه المسألة مبنية على أصل نذكره أولا ثم نبين كيفية بناء هذه المسألة
عليها، وذلك الأصل: إذا غصب رجل مالا فاتجر به فربح أو كان في يده مال
أمانة وديعة أو نحوها، فتعدى فيه فاتجر به فربح، فلمن الربح؟ قيل فيه قولان:
أحدهما: أن الربح كله لرب المال ولا شئ للغاصب، لأنا لو جعلنا الربح
للغاصب كان ذلك ذريعة إلى غصب الأموال والخيانة في الودائع، فجعلنا
الربح لرب المال صيانة للأموال.
والقول الثاني: أن الربح كله للغاصب لا حق لرب المال في الربح، لأنه إن
كان قد اشترى بعين المال فالشراء باطل، وإن كان الشراء في الذمة ملك
المشتري المبيع، وكان الثمن في ذمته، فإذا دفع مال غيره فقد قضى دين نفسه
بمال غيره، وكان عليه ضمان المال فقط، والمبيع ملكه حلال له طلق، وإذا اتجر
فيه وربح كان متصرفا في مال نفسه، فلهذا كان الربح له دون غيره، ولا يكون
ذريعة إلى أخذ الأموال لأن حسم ذلك بالخوف من الله والحذر فيما يرتكبه من
المعصية ويحذره من الإثم، وهذا القول أقوى، والأول تشهد به رواياتنا.
فإذا ثبت ذلك عدنا إلى مسألتنا، فإذا قارض العامل عاملا آخر فتصرف
العامل الثاني كان متعديا بذلك، لأنه تصرف في مال غيره بغير حق، فإن كان
عالما فهو آثم، وإن كان جاهلا فالإثم ساقط، فإذا ربح بني على القولين:
فمن قال: ربح الغاصب كله لرب المال، فعلى هذا يكون لرب المال
72

النصف لأنه دخل على أن له نصفه منه، ولا يستحق أكثر مما شرط لنفسه، و
يفارق ربح الغاصب لأن رب المال ما شرط لنفسه بعض الربح، ولهذا كان
كله له، والنصف الباقي فهو بين العامل الأول والثاني نصفين، لأن الأول قال
للثاني: على أن ما رزق الله من ربح كان بيننا نصفين، فهذا النصف هو القدر
الذي رزق الله وكان بيننا.
وهل يرجع العامل الثاني على الأول أم لا؟ قيل فيه قولان: أحدهما لا
يرجع عليه بشئ، لأنه يسلم ما شرط من الربح ولا أجر له مع حصول المسمى،
والوجه الثاني يرجع الثاني على الأول بنصف أجرة مثله، لأنه دخل على أن يسلم
له نصف كل الربح فلم يسلم له إلا نصف ما شرط له، فكان له أن يرجع بنصف
أجرة مثله.
فخرج من هذا أن لرب المال نصف الربح، والنصف الباقي بين العامل
الأول والثاني نصفين، فهل للثاني على العامل الأول نصف أجرة مثله؟ على
وجهين.
ومن قال: ربح الغاصب لنفسه ولا حق لرب المال فيه، فعلى هذا ما حكم
الربح؟ منهم من قال: إن الربح كله للعامل الأول وللثاني على الأول أجرة مثله،
ومنهم من قال: الربح كله للعامل الثاني لا حق للأول فيه لأنه هو المتعدي في
التصرف فهو كالغاصب وربح الغاصب كله لنفسه، والأول أقوى لأن العامل
الثاني وإن كان متعديا فإنه لما اشترى في ذمته بنية أنه للأول وقع الشراء للأول
وحده، وملك المبيع دون كل أحد، وكان الربح كله له، لأنه ربح ملكه.
ويفارق الغصب لأن الغاصب اشتراه لنفسه، فكان الملك له وحده، فلهذا
كان الربح له، وللعامل أجرة مثله على الأول، لأنه دخل على أن يسلم له المسمى
من الربح، فإذا لم يسلم، كان له أجرة مثله، فعلى هذا لا شئ لرب المال في
الربح قولا واحدا، ولمن يكون الربح؟ على وجهين: أحدهما للعامل الثاني لا
شئ لغيره فيه، والثاني للأول وعلى للثاني أجرة مثله، هذا الكلام في الربح.
73

فأما الكلام في حكم الضمان فعلى كل واحد منهما الضمان، على العامل
الأول لأنه تعدى بتسليم مال غيره إلى الغير بغير أمره، وعلى الثاني لأنه قبض عن
يد ضامنه، ولرب المال مطالبة من شاء منهما، يطالب الأول لأنه تعدى، ويطالب
الثاني لأن ما حصل له في يده، فإن كان المال قائما أخذه، وإن كان تالفا نظرت:
فإن طالب الأول لم يكن للأول مطالبة الثاني بما غرم، لأنه دفع المال إليه وقال:
هو أمانة في يديك ولا ضمان عليك، وإن ضمن الثاني فهل للثاني أن يرجع على
الأول؟ قيل فيه قولان: أحدهما يرجع لأنه غره، والثاني لا يرجع لأن التلف في
يده فاستقر الضمان عليه.
إذا دفع إليه ألفا قراضا على أن ما رزق الله من ربح كان بينهما نصفين،
فاشترى بها سلعة وحال الحول عليها، وهي تساوي ألفين كانت الزكاة غير
واجبة على مذهب أكثر أصحابنا، لأن هذا مال التجارة فلا زكاة فيه، وفي أصحابنا
من قال: يجب فيها الزكاة، فعلى هذا تجب هاهنا زكاة الألف على رب المال،
وليس حول الأصل حول الفائدة، بل للفائدة حول نفسه، من حيث بدا ثبت، وإذا
تم الحول كان عليهما الزكاة بالحصص.
إذا ملك كل واحد منهما نصابا يجب فيه الزكاة، ومن قال من المخالفين:
إن حول الفائدة حول الأصل، قال: يجب فيها أجمع الزكاة، وعلى من تجب
الزكاة؟ فيها قولان: أحدهما زكاة الكل على رب المال وحده، والثاني على رب
المال زكاة الأصل وزكاة حصته من الربح، وعلى العامل زكاة حصته من
الربح، وأما إن دفع إليه نخلا مساقاة فأثمرت وبدا الصلاح فيها وكانت نصابا
ففيها الزكاة، وعلى من تجب الزكاة؟ فمن الناس من قال على قولين كالقراض،
والأصح أن كل واحد منهما يلزمه زكاة حصته.
وهذا يقتضيه مذهبنا لأن الثمرة تحدث ملكا لهما، بدليل أنه لو بقي منها رطبة
لكان بينهما، فإذا كانت ملكهما كانت الزكاة عليهما، وليس كذلك القراض لأنه
إذا لم يظهر على الملكين معا، بدليل أنه إذا ذهب الربح لم يبق للعامل شئ،
74

فلهذا كانت الزكاة فيه على رب المال وحده، على أحد القولين.
إذا دفع إليه ألفا وقال: خذه قراضا على النصف أو على السدس أو على
سهم ذكره معلوما، صح القراض، لأن قوله " خذه قراضا " يقتضي أن من رب
المال المال، ومن العامل العمل، فما يحدث فيه من ربح كان بينهما، هذا بماله
وهذا بعمله، فإذا قال: على النصف، كان تقديرا لقسط العامل، وإذا كان تقديرا
لقسطه كان القسط المذكور له لأن إطلاق العمل يقتضي أن الربح كله لرب
المال، وإنما يستحق العامل بالشرط والعمل، فإذا ذكر شيئا كان للعامل، والباقي
لرب المال.
فإن اختلفا فقال رب المال: شرطته لنفسي لا لك، فالقراض فاسد، وقال
العامل: شرطته لي لا لك، فالقراض صحيح، فالقول قول العامل لأن ظاهر
الشرط له، ومعه سلامة العقد فلا يقبل قول غيره عليه.
وإن قال: خذه قراضا على أن الربح بيننا، فالقراض صحيح، لأن قوله "
بيننا " معناه بيننا نصفين، كرجل قال: هذه الدار بيني وبين زيد، كان إقرارا
بأنها بينهما نصفين.
وجملته أن هاهنا ثلاثة عقود: عقد يقتضي أن الربح كله لمن أخذ المال وهو
القرض، وعقد يقتضي أن الربح كله لرب المال وهو البضاعة يقول له: خذ المال
فاتجر به، والربح كله لي، فإنه يصح لأنها استعانة منه على ذلك، وعقد يقتضي
أن الربح بينهما وهو القراض، فإذا قال: خذه واتجر به، صلح هذا للثلاثة عقود،
قرض وقراض وبضاعة.
فإذا قرن به قرينة أخلصته إلى ما تدل القرينة عليه. فإن قال: خذه فاتجر به
والربح لك، كان قرضا لأنها قرينة تدل عليه، وإن قال: خذه فاتجر به على أن
الربح لي، كان بضاعة، وإن قال: خذه واتجر به على أن الربح بيننا، كان قراضا
لأن القرينة تدل عليه.
وإن كانت اللفظة خالصة للعقد الواحد، فقرن به قرينة نظرت: فإن لم
75

يخالف مقتضاه لم يقدح فيه، وإن خالفت مقتضاه فسد العقد.
بيانه: إذا قال: خذه قراضا، هذا خالص للقراض، ومقتضاه أن الربح
بينهما، فإن قال:
على أن الربح بيننا، صح لأنها قرينة تدل على مقتضاه، وإن قال: على
أن الربح لك، كان قراضا فاسدا لأنها قرينة تخالف مقتضاه.
فإن قال: على أن الربح كله لي، فهو قراض فاسد أيضا، ولا يكون بضاعة،
وفي الناس من يقول: يكون بضاعة ولا يكون قراضا فاسدا، وهذا غلط، لأن لفظ
القراض يقتضي الاشتراك في الربح، فإذا شرط لأحدهما كان قراضا فاسدا كما
لو شرط كله للعامل.
إذا دفع إلى رجل ألفا وقال له: اشتر بها هرويا أو مرويا بالنصف، فإن
القراض فاسد عند المخالف لأنه لم يطلقه في البيع، ولأنه لم يبين النصف، وعلى
ما قلناه أو لا يصح وإن لم يطلقه في البيع، لكن من حيث لم يبين النصف كان
قراضا فاسدا، فإذا ثبت أنه فاسد فالكلام في تصرفه وربحه وأجرته.
أما التصرف فله الشراء لأنه مأذون فيه دون البيع الذي لم يؤذن له فيه،
والربح كله لرب المال لأن شرط العامل قد بطل، والأجرة فله أجرة مثله لأنه
دخل على أن يسلم له المسمى، فإذا لم يسلم كان له أجرة المثل.
إذا دفع إليه ألفا قراضا على أن ما رزق الله من الربح كان لك منه قدر ما
شرطه فلان لعامله، نظرت: فإن كانا يعلمان مبلغ ذلك صح لأن الاعتبار بمعرفة
المعلوم من ذلك لا بلفظه، وإن كانا جهلاه أو أحدهما فالقراض فاسد، لأنه لا
يصح حتى يكون نصيب كل واحد منهما من الربح معلوما عندهما كالأجرة في
الإجارة، والحكم في القراض الفاسد قد مضى.
إذا قال: خذه قراضا على أن ما رزق الله من ربح فلك الثلث وثلثا ما بقي
والباقي لي، صح القراض لأنه قد شرط للعامل سبعة اتساع الربح، وتسعين
لنفسه، لأن أقل مال له ثلث وثلثا ما بقي من غير كسر تسعة فيكون للعامل
ثلثه الثلاث، وثلثا ما بقي أربعة تصير سبعة وبقى سهمان لرب المال.
76

إذا تصرف العامل وحصل في المال فضل، وطالب بالمقاسمة، لم يخل من
أحد أمرين: إما أن يكون المال ناضا أو عرضا.
فإن كان ناضا دراهم أو دنانير نظرت: فإن كان من جنس رأس المال
اقتسماه على ما شرط، وإن كان من غير جنسه مثل أن كان رأس المال دنانير
وحصل دراهم، فإن اختار رب المال أن يأخذ منه بقيمة رأس المال فعل، ويكون
الباقي بينهما على الشرط، فإن أبي ذلك كان على العامل أن يبيع منه بقدر رأس
المال، والباقي بينهما، هذا إذا كان ناضا.
فأما إن كان عرضا فإن اختار رب المال أن يأخذ بقدر رأس المال بالقيمة
كان له، والباقي بينهما، وإن امتنع فعلى العامل أن يبيع منه بقدر رأس ماله، فإن
لم يقدر باع الكل حتى يحصل لرب المال جنس رأس ماله، ويقتسمان الفضل
على الشرط.
فإن قال العامل: خذه عرضا فقد تركت حقي لك، فهل يلزم رب المال
ذلك أم لا؟ قيل فيه وجهان، بناء على القولين متى يملك العامل حصته، فمن
قال: يملكه بالظهور، قال: لم يجب على رب المال القبول، ومن قال: يملكه
بالقسمة، كان عليه القبول.
إذا دفع في مرضه مالا قراضا صح لأنه عقد يبتغي فيه الفضل، كالشراء
والبيع، فإذا ثبت أنه يصح فتصرف العامل وربح كان له من الربح ما شرط له،
لأنه يستحقه بالشرط، ويكون من صلب ماله، سواء كان بقدر أجرة مثله أو أقل أو
أكثر.
فإذا ثبت أن الكل من صلب ماله، فإن مات رب المال انفسخ القراض، ثم
لا يخلو مال القراض من أحد أمرين: إما أن يكون ناضا أو عرضا.
فإن كان ناضا من جنس رأس المال نظرت: فإن لم يكن على رب المال
دين، أخذ وارث رب المال رأس المال، واقتسما الربح على الشرط، وإن كان
عليه دين انفرد العامل بنصيبه، وقضى من بعد دين الميت.
77

وإن كان المال عرضا نظرت: فإن لم يكن على رب المال دين، فأراد
الوارث أن يأخذ من العرض بالقيمة، ويقتسما ما فضل جاز، وإن امتنع من الأخذ
فعلى العامل بيعه ليرد إلى وارث رب المال من جنس رأس المال، وما فضل كان
بينهما على الشرط، وإن كان عليه دين فعلى العامل أن يبيع الموجود ويصرف
إلى غرماء الدين، ويفرد هو حصته.
إذا اشترى العامل عبدا فاختلف هو ورب المال، فقال العامل: اشتريته
لنفسي، وقال رب المال: بل للقراض، والعادة أن هذا الاختلاف يقع بينهما إذا
كان في العبد رغبة وفيه ربح، فالقول قول العامل لأن العبد في يده، وظاهر ما
في يده أنه ملكه، فلا يقبل قول غيره في إزالة ملكه عنه.
وإن اختلفا فقال رب المال: اشتريته لنفسك، وقال العامل: للقراض،
والعادة في هذا إذا لم يكن في العبد رغبة، فالقول أيضا قول العامل لأنه أمين.
إذا دفع إليه ألفا قراضا فاشترى متاعا للقراض بألف، لم يكن له أن يشتري
للقراض غير الأول، لأنه إنما أذن له أن يتصرف للقراض بالألف، فلا يملك
الزيادة عليه، فإن خالف واشترى لم يكن للقراض لأنه غير مأذون فيه، ثم ينظر:
فإن كان الشراء الثاني بعين الألف فهو باطل، لأنه إن كان الشراء الأول بعين
الألف، فالألف للبائع، وليس للعامل أن يشتري شيئا بمال غيره، وإن كان
الشراء الأول في الذمة فقد استحق على العامل تسليم الألف عن المبيع الأول فإذا
اشترى بطل لهذا المعنى، ولأنه غير مأذون فيه.
وإن كان شراؤه الثاني في الذمة لم يكن المبيع للقراض، وانصرف إلى
العامل لأنه اشتراه في الذمة لغيره، فإذا لم يسلم للغير لزمه في نفسه كالوكيل،
فإذا ثبت أنه لم يكن له أن يدفع الثمن من مال القراض، فإن خالف وفعل
وتصرف وربح فالربح لمن يكون؟ على مضى من القولين في مسألة البضاعة،
وإن نهاه رب المال أن يشتري ويبيع فقد مضى الكلام عليه.
إذا دفع إليه ألفا للقراض بالنصف، فذكر العامل أنه ربح ألفا ثم قال بعد
78

هذا: غلطت لأني رجعت إلى حسابي فما وجدت ربحا، أو قال: خفت أن ينتزع
من يدي فرجوت فيه الربح، لزمه إقراره، ولم ينفعه رجوعه لأنه إذا اعترف بربح
ألف فقد اعترف بخمسمائة، فإذا ثبت حق الآدمي بالإقرار لم يسقط برجوعه
كسائر الإقرارات.
فإن كانت بحالها فقال: قد خسرت وتلف الربح، كان القول قوله لأنه ما
أكذب نفسه، ولا رجع في إقراره، وإنما أخبر بتلف الأمانة في يده، فكان القول
قوله، ومثله ما مضى في الوكالة إذا دفع إليه وديعة فطالبه بها فجحده فأقام البينة
أنه أودعه كان عليه الضمان، وإن لم يجحد لكنه قال: لا حق لك قبلي، فأقام
البينة أنه أودعه فلا ضمان عليه، لأنه ما أكذب البينة في الثانية، وأكذبها في
الأولى، لأنه قال: لا حق له قبلي، وقد يكون صادقا لأنها حين الجواب كانت
تالفة، فلهذا لم يكن عليه الضمان.
ليس للعامل أن يشتري ولا يبيع إلا بثمن مثله، أو بما يتغابن الناس بمثله،
لأنه كالوكيل، فإذا ثبت هذا فإن خالف نظرت: فإن خالف في الشراء بأن
اشترى بعين المال بطل، وإن اشترى في الذمة لزمه في نفسه دون رب المال، وإن
كان الخلاف في البيع فباع ما يساوي مائة بخمسين وما يتغابن به عشرة، كان
التفريط ما بين الخمسين والتسعين وهو أربعون وليس له أن يسلم، فإن سلم
المبيع رد إن كان قائما وكان له قيمته إن كان تالفا.
ولرب المال أن يضمن من شاء منهما، يضمن العامل لأنه تعدى بالتسليم،
ويضمن المشتري لأنه قبض عند يد ضامنه، فإن ضمن المشتري، ضمنه كمال
القيمة لأن الشئ تلف كله في يده، وإن ضمن العامل فكم يضمنه؟ قيل فيه
قولان:
أحدهما: ما زاد على ما يتغابن الناس بمثله، وهو أربعون، لأنه هو الذي
تعدى فيه.
والثاني: يضمنه الكل، وهو الصحيح لأنه تعدى بتسليم كله وكان عليه
79

ضمان كله.
إذا اشترى العامل في القراض خمرا أو خنزيرا لم يخل من أحد أمرين: إما
أن يكون العامل مسلما أو ذميا، فإن كان مسلما فالشراء باطل، سواء كان رب
المال مسلما أو ذميا لأنه اشترى بالمال ما ليس بمال، فهو كما لو اشترى الميتة
والدم، وإن كان العامل ذميا فالشراء باطل أيضا بمثل ذلك، وإن كان في يد
العامل خمر فباعه مثل أن استحال العصير في يده خمرا فالبيع باطل، وفيه
خلاف.
وإنما قلنا ذلك، لأن هذه الأشياء محرمة بلا خلاف، وجواز التصرف فيها
يحتاج إلى دليل، لعموم الأخبار في تحريم بيع الخمر، فإذا كان الشراء باطلا
فنقد المال من مال القراض فهل عليه ضمان؟ قيل فيه وجهان: أحدهما: لا ضمان
عليه، لأن رب المال وكل الاجتهاد إليه في شراء ما يطلب فيه الفضل، وقد أدى
اجتهاده إليه فلا ضمان عليه، والآخر - وهو الصحيح - أن عليه الضمان، لأن
الشراء باطل، ولا يجوز للعامل دفع الثمن بغير حق، فإذا فعل فقد تعدى فلزمه
الضمان.
إذا دفع إلى رجل مالا قراضا كان للعامل من الربح قدر ما شرطه له قليلا
كان أو كثيرا، فإن شرط للعامل العشر جاز، وإن شرط تسعة أعشار الربح جاز،
لأنه إنما يستحق الربح بالشرط، بدليل أنه لو كان القراض فاسدا لم يكن له من
الربح شئ، ولو قال: خذ هذا المال فاتجر به، كان الربح كله لرب المال، فإذا
كان استحقاقه بالشرط وجب أن يكون على ما شرط.
فإن دفع إليه ألفا قراضا وقال: على أن الربح بيننا، قال قوم: القراض
صحيح والربح بينهما نصفين، وقال آخرون: القراض فاسد لأنه مجهول، والأول
أقوى، لأنهما تساويا في إضافة الربح إليهما، وكان كقوله: هذه الدار بيني وبين
زيد فإنها تكون بينهما نصفين.
إذا دفع إليه ألفا قراضا فقال: على أن لك النصف، ولم يزد عليه كان
80

صحيحا لأن الربح لرب المال، وإنما يستحق العامل قسطا بالشرط، فإذا ذكر
قدر قسطه كان المسكوت عنه لرب المال، لقوله تعالى: " وورثه أبواه فلأمه
الثلث، فذكر للأم الثلث وكان المفهوم أن ما بقي فللأب.
فإن قال: خذه قراضا على أن لك النصف ولي السدس، صح وكان
النصف لرب المال، لأن قوله: على أن لك النصف، يفيد أن الباقي لرب المال،
وإذا ذكر رب المال من الباقي بعضه لنفسه لم يضره.
إذا قال: خذه قراضا على أن لي نصف الربح، من الناس من قال: إنه يكون
فاسدا كما أنه لو قال: ساقيتك على هذا النخل على أن لي نصف الثمرة، كان
فاسدا، وفي الناس من قال: يصح لأنه لو قال: على أن لك أيها العامل النصف،
ولم يذكر لنفسه شيئا صح.
والأول أصح لأن الربح كله لرب المال، وإنما يستحق العامل بالشرط،
فإذا شرط النصف لنفسه فما شرط للعامل شيئا فبطل القراض، كالمساقاة سواء،
فمن قال " يصح " فلا كلام، ومن قال " فاسد "، قال: لو قال على أن لي النصف
ولك الثلث، وسكت صح وكان للعامل الثلث ولرب المال الثلثان، وكذلك لو
قال: لك الثلثان أيها العامل، وسكت كان لرب المال الثلث وهو الباقي.
فإن دفع إليه ألفين قراضا فتلف بعض المال، نظرت: فإن تلف إحدى
الألفين قبل أن يدور المال في التجارة كان محتسبا من رأس المال، لأن التالف
عين مال رب المال، وإن تلف المال بعد أن دار في التجارة كان من الربح لأن
الربح وقاية لمال رب المال، فما ربح بعد هذا كان وقاية لما تلف منه.
وإن أخذ الألفين فاشترى بكل ألف عبدا فتلف أحد العبدين، قيل فيه
وجهان: أحدهما من الربح لأنه تلف بعد أن دار المال في التجارة، فهو كما لو
تكرر دورانه، والوجه الثاني من صلب المال، لأن هذا العبد التالف بدل ذلك
الألف، وكان الألف قد تلف بنفسه.
وقيل: إنه متى تلف من المال شئ بعد أن قبضه العامل كان من الربح
81

بكل حال، سواء كان بعد أن دار في التجارة أو قبل ذلك، وهو الصحيح.
فإذا ذهب بعض المال قبل أن يعمل ثم عمل فربح، فأراد أن يجعل البقية
رأس المال بعد الذي هلك فلا يقبل قوله، ويوفي رأس المال من ربحه حتى إذا
وفاه اقتسما الربح على شرطهما، لأن المال إنما يصير قراضا في يد العامل
بالقبض فلا فصل بين أن يملك قبل التصرف، أو بعده وقبل الربح، فالكل
هالك من مال رب المال، فوجب أن يكن الهالك أبدا من الربح لا من رأس
المال.
فإن دفع إلى رجلين ألفا على أن الربح لهما منه النصف نظرت: فإن سكت
على هذا ولم يزد، كان لهما النصف بينهما نصفين، والباقي لرب المال، لأن عقد
الواحد مع الاثنين في حكم العقدين المنفردين، وكان رب المال عقد مع أحدهما
قراضا بخمسمائة على أن له نصف الربح، ومع الآخر على خمسمائة على أن له
نصف الربح، وهذا سائغ.
فإن كانت بحالها فقال لهما: إن لكما نصف الربح، الثلثان منه لهذا، وثلثه
لهذا، صح أيضا فيكون كأن أحد العاملين عقد معه على الانفراد على خمسمائة
على أن له ثلث الربح، والآخر عقد على الانفراد على أن له سدس الربح، ولو
عقدا منفردين هكذا لكان صحيحا، كذلك إذا كان صفقة واحدة.
وأما إن كان العامل واحدا ورب المال اثنين، فقالا: خذ هذا الألف قراضا،
نظرت: فإن قالا: خذ قراضا على أن لك النصف، فيهما مسألتان:
إحديهما: قالا له هكذا وسكتا، ولم يذكرا ما لهما، فالقراض صحيح، لأنهما
إذا سكتا عن مالهما كان الباقي وهو النصف بينهما نصفين، لأنهما مستحقان
بالمال، فهما في المال سواء فكانا في الربح سواء.
الثانية: قالا: على أن لك النصف، ولنا النصف، الثلث من النصف الباقي لي
والثلثان منه لشريكي، فالقراض فاسد لأنهما شرطا التفاضل في الربح مع
التساوي في المال، فلهذا فسد القراض، هذا إذا شرطا له النصف مطلقا.
82

فأما إن شرطا النصف وقالا له: ثلث هذا النصف لك من مالي وثلثاه من
مال الآخر، وتفرض المسألة من ثمانية عشر، وكان الربح كله من ثمانية عشر،
فقالا له: لك النصف من تسعة، ستة من مال هذا وثلاثة من ذاك، ففيها مسألتان
أيضا:
إحديهما: قالا هذا وسكتا، فإنه يصح ويكون للعامل ما شرط، والنصف
الباقي لهما الثلث منه لمن شرط للعامل الثلثين، والثلثان منه لمن شرط للعامل
الثلث، وكان تسعة، ستة لصاحب الثلثين وثلاثة لصاحب الثلث، لأن عقد الواحد
مع الاثنين في حكم العقدين، وكان أحدهما قال له: قارضتك على خمسمائة
على أن لي ثلثي الربح، وقال له الآخر: قارضتك على خمسمائة على أن لك
الثلث من الربح، ولو كان كذلك لصح، فكذلك إذا جمع بينهما.
الثانية: قالا له: لك النصف، ثلثه من مال هذا وثلثاه من مال الآخر، والباقي
بيننا نصفين، كان القراض فاسدا، وفي الناس من قال: يكون صحيحا ويكون
على ما شرطا، والأول هو الأقوى لأن الثاني يؤدي إلى التفاضل في الربح مع
التساوي في رأس المال وذلك لا يجوز.
إذا كان له في يد غيره ألف وديعة، فقال: قارضتك على الألف الذي في
يدك، صح لأن يد المودع كيد المودع، ولو دفع إليه ألفا ابتداء صح كذلك
إذا قارضه على ما في يديه، فإن كان له في يد غيره ألف غصبا فقارض رب المال
الغاصب عليه، قيل فيه وجهان:
أحدهما: أنه قراض فاسد، لأن الغصب مضمون، ومال القراض أمانة، فلا
يصح أن يكون الألف في يده مضمونة أمانة.
والوجه الثاني - وهو الصحيح - أنه يكون قراضا صحيحا ويكون أمانة من
حيث القراض وإن كان مضمونا من حيث الغصب، كما أنه إذا رهن الغصب عند
الغاصب صح ويكون في يده وثيقة بالحق ومضمونا بالغصب، فمن قال:
القراض فاسد، فالحكم في القراض الفاسد مضى، وإذا قلنا: صحيح، لا يزول
83

الضمان عن الغاصب بعقد القراض، بل يكون الضمان على ما كان، فإذا اشترى
العامل شيئا للقراض كان ما اشتراه للقراض ويكون المال مضمونا في يده، فإذا
نقده في ثمن ما اشتراه زال عنه الضمان، لأنه قضي به دين رب المال باذنه، فلهذا
برئت ذمته وسقط الضمان.
فإن كان له ألف في ذمة غيره فقال لمن عليه الدين: اقبض الألف لي من
نفسك وأفرده من مالك فإذا فعلت هذا فقد قارضتك عليه، فإن قبض العامل
من نفسه وميزه من ماله لم يصح قبضه ولم ينفع التميز، وتكون ذمته مشغولة
كما كانت، والألف المفردة المميزة ملك لمن عليه الدين دون من له الدين، لأن
الإنسان لا يكون وكيلا لغيره في القبض له من نفسه.
فإذا ثبت أن هذا القبض لا يصح، فإن تصرف العامل واشترى ينوي
القراض نظرت: فإن اشترى بعين المال كان الشراء له، لأنه لا يملك أن يشتري
بعين ماله ملكا لغيره، وإن اشترى في الذمة قيل فيه وجهان أحدهما قراض فاسد،
لأنه علقه بصفة، فهو كما لو قال: خذ هذا الثوب وبعه فإذا نض ثمنه فقد
قارضتك عليه، كان قراضا فاسدا.
فعلى هذا متى اشترى شيئا للقراض كان لما اشتراه فإن دفع المال في ثمنه
الألف صح ذلك وبرئت به ذمته لأنه قد قضي به دين غيره بأمره وبرئت به ذمته،
والحكم في القراض الفاسد قد مضى.
وفي الناس من قال: لا يكون قراضا فاسدا ولا صحيحا بل يقع الملك
للعامل، والربح والخسران له، لأنه إنما يكون قراضا إذا كان رأس المال ملكا
لرب المال، فأما إذا لم يكن ملكا له لم يكن هناك قراض، ويكون الشراء
للعامل وحده، كما لو دفع إليه ألفا غصبا قراضا، فإن العامل متى اشترى كان له
دون رب المال كذلك هاهنا الألف لم يملكه رب المال بالتمييز فقد قارضه على
ألف لم يملكها، فلهذا لم يكن قراضا فاسدا ولا صحيحا.
فعلى هذا الشراء للعامل، والدين في ذمته لا تبرأ ذمته عنه، وإن كان قد دفع
84

ذلك ونوى به عن رب المال لأن رب المال ما ملك شيئا، هذا إذا قارضه على
ألف في ذمته.
فأما إذا كان له في ذمة غيره ألف فقال لغيره من عليه الدين: اقبض لي منه
وقد قارضتك عليها، فإذا قبضه له صح القبض لأنه يقبض له، وكان القراض
فاسدا لأنه قراض بصفة، فوقع العقد على ما هو ملكه بالقبض له.
ويفارق التي قبلها لأنه قارضه على ما ليس بملك له، فلهذا لم يكن هناك
قراض بحال، فإذا ثبت أنه فاسد، كان الربح كله لرب المال، وللعامل أجرة
مثله.
فإن دفع إليه ألفا قراضا فنض ألفين فاختلفا في نصيب العامل، فقال له رب
المال: شرطت لك النصف، وقال العامل: شرطت لي الثلثين، تحالفا كما لو
اختلفا في البيع، فإذا تحالفا انفسخ القراض وكان فاسدا، لأنه ما ثبت فيه شرط
صحيح، وقد مضى حكم القراض الفاسد.
ويقوي في نفسي أن القول قول رب المال مع يمينه لأن المال والربح له،
وإنما يثبت للعامل بالشرط فعليه البينة في ما يدعيه.
فإن دفع إليه مالا قراضا فنض ثلاثة آلاف فاتفقا على نصيب العامل، وأنه
النصف من الربح واختلفا في رأس المال، فقال العامل: رأس المال ألف والربح
ألفان، وقال رب المال: رأس المال ألفان والربح ألف، كان القول قول العامل،
لأن الخلاف وقع في الحقيقة في قدر ما قبض العامل من رب المال، فكان القول
قول العامل، لأن الأصل أن لا قبض.
وإذا دفع إليه ألفا قراضا فاشترى به عبدا للقراض، فهلك الألف قبل أن
يدفعه في ثمنه، قال قوم: إن المبيع للعامل والثمن عليه ولا شئ على رب المال
وقال قوم: المبيع لرب المال، وعليه أن يدفع إليه ألفا غير الأول، ليقضي به
الدين، ويكون الألف الأول والثاني قراضا، وهما معا رأس المال، وهو الأقوى.
وقال قوم: رب المال بالخيار بين أن يعطيه ألفا غير الأول ليقضي به الدين
85

ويكون الألف الثاني رأس المال دون الألف الأول، أو لا يدفع إليه شيئا فيكون
المبيع للعامل والثمن عليه.
وإذا سرق المال قبل أن يدفعه في ثمن المبيع، قال قوم: يكون المبيع
للعامل، والثمن عليه ولا شئ على رب المال.
وفي الناس من قال: إذا تلف المال لم يخل من أحد أمرين: إما أن يتلف
قبل الشراء أو بعده، فإن تلف قبل الشراء مثل أن اشترى السلعة والثمن في بيته
فسرق قبل الشراء فهاهنا يكون المبيع للمشتري، لأنه اشتراه بعد زوال عقد
القراض وبطلان الإذن بالشراء، وإن كان التلف بعد الشراء كان الشراء
للقراض، ووقع الملك لرب المال، لأنه اشتراه والقراض بحاله، لأن الإذن قائم،
فإذا كان الشراء له كان الثمن عليه.
فإذا دفع إليه ألفا آخر ليدفعه في الثمن نظر: فإن سلم فلا كلام، وإن هلك
فعليه غيره وكذلك أبدا، فعلى هذا إذا هلك الألف الأول ودفع إليه ألفا آخر،
فدفعه في الثمن فإن الألفين يكونان رأس المال، وهو الصحيح، لأن الأول تلف
بعد أن قبضه العامل، فلم يكن من أصل المال، كما لو كان في التجارة.
وفيهم من قال: يكون من أصل المال، لأنه هلك بعينه، والملك لربه قبل
أن يتصرف فيه.
وقال قوم: إن المبيع للعامل وعليه الثمن دون رب المال، لأنه لا يخلو أن
يكون الألف تلف قبل الشراء أو بعده، فإن كان التلف قبل الشراء وقع الشراء
للعامل، لأنه اشتراه بعد زوال القراض، وإن كان التلف بعد الشراء فالبيع وقع
لرب المال على أن يدفع الثمن من ماله الذي سلمه إليه، فإذا هلك المال تحول
الملك إلى العامل، وكان الثمن عليه لأن رب المال إنما فتح للعامل في التصرف
في الأول إما أن يستوفيه به بعينه أو في الذمة وينقد منه، ولم يدخل على أن يكون
له من القراض أكثر منه، فإذا تعذر تسليم الثمن من مال رب المال تحول الملك
إلى العامل، كما أن الأجير إذا أحرم بالحج عن الغير فالعقد صحيح فإن بقي على
86

السلامة كان للمحجوج عنه، وإن أفسده الأجير تحول الإحرام إليه، لأنه لم يكمله
على الوجه الذي افتتحه.
فإن كان هذا في الوكالة فأعطاه ألفا ليشتري له عبدا فاشترى العبد وتلف
الثمن قبل الدفع، قيل فيه وجهان: أحدهما يتحول الملك إلى الوكيل والثمن
عليه كالعامل في القراض، والوجه الثاني على رب المال أن يعطيه ألفا آخر
ليدفعه في الثمن.
والفصل بينهما أن رب المال أعطاه ألفا على أن لا يزيد عليها في القراض
شيئا، فلهذا لم يكن عليه غير الأول، وليس كذلك الوكالة، لأنه دفع إليه الألف
ليحصل له العبد، فإذا اشتراه له فذهب الثمن كان عليه دفع ثمنه إليه.
فإذا ثبت هذا، قلنا إنه على رب المال أن يدفع إليه غيره، فإن هلك دفع إليه
غيره كذلك أبدا.
وقال قوم: إن على الموكل أن يدفع إليه ألفا آخر، فإن هلك الثاني لم يكن
عليه أن يدفع إليه غيره، وهذا غلط، لأنه إما أن يكون للوكيل فلا يجب على
الموكل شئ، أو للموكل فعليه أن يدفع الثمن إليه أبدا حتى تبرأ ذمته.
إذا دفع إليه ألفا قراضا بالنصف فاتجر وربح، فنض المال كله أو نض قدر
الربح منه، فطالب أحدهما بقسمة الربح وإفراز رأس المال بحاله، لم يجبر
الممتنع منهما على القسمة، سواء كان المطالب بذلك العامل أو رب المال، لأنه
إن كان المطالب به هو العامل لم يجبر رب المال عليه، لأنه يقول: الربح وقاية
لرأس المال، ومتى خسرت شيئا جبرناه بالربح، فلا تأخذ شيئا من الربح قبل أن
آخذ رأس مالي، وإن كان المطالب رب المال لم يجبر العامل، لأنه يقول: متى
قبضت شيئا من الربح، لم يستقر ملكي عليه، لأن المال قد يخسر فيلزمني رد ما
أخذت، لأجبر به الخسران فلا أختار قسمة الربح.
وإن اتفقا على قسمة الربح وإفراز رأس المال جاز، لأن الربح لهما، فإذا فعلا
واتجر العامل في رأس المال نظرت: فإن ربح أو لم يربح ولم يخسر فلا كلام،
87

وإن خسر احتجنا إلى جبران رأس المال بما اقتسماه، ليعود رأس المال، فإن كان
المقسوم قدر الخسران جبرناه، وإن كان أقل من الخسران جبرنا به ما أمكن، وإن
كان أكثر من الخسران جبرنا منه ما يحتاج إليه، لأن الربح وقاية للمال.
ورب المال لا حاجة به إلى رد شئ، بل العامل يرد، ورب المال يحتسب
ما يلزمه من ذلك من جهته، وعلى العامل أقل الأمرين مما أخذه أو نصف
الخسران، فإن كان المقسوم مائتين نظرت في الخسران: فإن كان مائة، فعلى
العامل نصف الخسران لأنه أقل ما قبضه، وإن كان مائتين رد العامل كل ما
أخذه لأنه وفق نصف الخسران، وإن كان الخسران ثلاثمائة رد العامل ما أخذه
وليس عليه أكثر من ذلك.
إذا أراد رب المال أن يشتري من العامل شيئا من مال القراض لم يجز، لأن
المال ملكه، فلا يشتري ملكه بملكه كالمال في يد وكيله، ولهذا قلنا: إذا اشترى
العامل شقصا في شفعة رب المال فلا شفعة لرب المال، لأن المبيع ملكه فلا
يستحق الشفعة على نفسه.
فأما إن أراد السيد أن يشتري من مكاتبه شيئا مما في يده من مال الكتابة
جاز، لأن الذي في يد المكاتب ليس بملك السيد، ولهذا قلنا: إذا اشترى
المكاتب شقصا في شفعته كان لسيده أخذه منه بالشفعة، لأنه لا يملكه، فالسيد
فيما يتعلق بالمعاوضات كالأجنبي.
فأما إن أراد السيد أن يشتري من العبد المأذون شيئا مما في يده للتجارة
نظرت: فإن لم يكن على العبد دين لم يجز، لأنه ملكه، فهو كالعامل في القراض
والوكيل، وإن كان عليه دين فقد تعلق الدين بما في يديه، فإن اشترى السيد شيئا
منه، قيل فيه قولان:
أحدهما: يصح، لأنه حق للغرماء، لا حق للسيد فيه، فهو كمال الكتابة.
والثاني: أنه لا يجوز - وهو الصحيح - لأن المال ملك لسيده، وإنما تعلق
حق الغير به بدليل أن له قضاء الدين، وأخذ المال، فهو كالرهن والراهن لا
88

يملك أن يشتري الرهن كذلك هاهنا، ويفارق مال الكتابة فإنه لا يملكه فلهذا
جاز أن يشتريه.
إذا دفع إليه ألفا قراضا بالنصف على أن يأخذ منه ألفا بضاعة، والبضاعة أن
يتجر له فيها بغير جعل ولا قسط من الربح، فلا يصح هذا، والشرط فاسد، لأن
العامل في القراض لا يعمل عملا لا يستحق في مقابلته عوضا فبطل الشرط، وإذا
بطل الشرط بطل القراض، لأن قسط العامل يكون مجهولا فيه، وذلك أن رب
المال ما قارض بالنصف حتى يشترط للعامل له عملا بغير جعل وقد بطل
الشرط، وإذا بطل ذهب من نصيب العامل وهو النصف، قدر ما زيد فيه لأجل
البضاعة وذلك القدر مجهول، وإذا ذهب من المعلوم مجهول كان الباقي مجهولا،
ولهذا بطل القراض، وإن قلنا: القراض صحيح والشرط جائز لكنه لا يلزمه الوفاء
به، لأن البضاعة لا يلزم القيام بها، كان قويا.
إذا أعطاه ألفا قراضا بالنصف، وقال له: أحب أن تأخذ ألفا بضاعة تعاونني
فيه، صح لأن البضاعة ما أخذت بالشرط، وإنما تطوع بالعمل له فيها من غير
شرط، فلهذا لم يفسد القراض، ويفارق الأولى لأنه شرط أخذ البضاعة، وفرق بين
الارتفاق بالشرط وبين الشرط.
ألا ترى أنه لو باع دارا بشرط أن يعطيه المشتري عبدا يخدمه شهرا بطل
البيع، ولو قال له: ادفع إلى عبدك أيها المشتري يخدمني شهرا، من غير شرط
صح البيع، والفرق بينهما ما مضى.
إذا دفع إليه ألفا قراضا بالنصف ثم دفع إليه ألفا قراضا بالنصف نظرت:
فإن كان الثاني قبل أن يدور الأول في التجارة صح، وكان معا قراضا بالنصف،
وإن كان الثاني بعد أن دار الأول في التجارة لم يصح الثاني.
والفصل بينهما أن الثاني عقد ثان بعد الأول، وإذا ترادف قراضان كان
لكل عقد حكم في الخسران والربح، وإذا ربح أحد القراضين وخسر الآخر لم
يجبر خسران أحدهما بربح الآخر، فإذا كان الأصل هذا، ظهر الفرق بين
89

المسألتين.
لأنه إن كان الأول ما دار في التجارة فإذا خلط الألفين كان الربح فيهما
والخسران فيهما، ولا يقضي إلى ينفرد كل واحد بحكم نفسه، وليس كذلك إذا
دار في التجارة، لأنه قد يربح أحدهما دون صاحبه، فيلزم أن يجبر خسران
أحدهما بربح الآخر، فلهذا لم يصح.
إذا دفع إليه ألفا قراضا، وقال له: أضف من عندك إليه ألفا آخر واتجر بهما
على أن الربح بيننا لك منه الثلثان والثلث لي، أو لك منه الثلث والثلثان لي،
كان فاسدا، سواء كان الفضل لرب المال أو العامل، لأنه إن كان لرب المال فهو
ظاهر الفساد، لأن له نصف المال من غير عمل، وللعامل نصف المال والعمل
معا، فإذا شرط لنفسه الثلثين من الربح أخذ من ربح ألف العامل قسطا بغير
وضع مال فيه ولا عمل، وهذا لا يجوز.
وإن شرط العامل لنفسه فسد أيضا لأن المال شركة بينهما، والربح في
الشركة على قدر المالين، لا يفضل أحدهما صاحبه بشئ، فإذا شرط الفضل
لأحدهما بطلت، فإذا ثبت أنه باطل فيهما كان العقد قرضا فاسدا، لأنه دفعه إليه
بلفظ القراض.
وأما إن دفع إليه ألفين وقال: أضف إليه من عندك ألفا يكون ألفان من
كل المال شركة بيننا والألف الثالث قراضا بالنصف، صح، لأن المال إذا خلط
فهو شركة مشاعا كله، فقد أقر ألفين على الشركة، وقارضه على ألف مشاع
فصح لأن القراض على المشاع جائز، وقد قلنا: إذا كان بينهما ألفان شركة
فقارض أحدهما صاحبه على نصيبه منه مشاعا صح كذلك هاهنا.
إذا كان رأس المال في القراض معلوما بالمشاهدة دون المقدار، بأن يكون
أعطاه جزافا قراضا، فالقراض فاسد، لأن رب المال يرجع حين المفاصلة إلى
رأس ماله، ويكون الربح بينهما، فإذا كان رأس المال مجهولا تعذر إفرازه لربه،
فبطل القراض.
90

فأما إن كان رأس المال مال السلم جزافا قيل فيه قولان: أحدهما يصح،
لأنه ثمن في بيع فأشبه بيوع الأعيان، والثاني باطل لأن السلم لا يقع منبرما بل
يشرب الفساد لتعذر المسلم فيه في محله، فإذا تعذر المسلم فيه في محله، صرف
إلى رب المال رأس ماله، فإذا كان مجهول القدر بطل العقد كالقراض سواء.
وقال قوم: يصح القراض بمال مجهول، فإذا كان حين المفاصلة يكون
القول قول العامل في قدره، فإن كان مع واحد منهما بينة فالبينة بينة رب المال،
لأنها بينة الخارج، وإن كان في السلم لا يصح، وهذا هو الأقوى عندي، فأما
البيع فلا يصح عندنا بثمن مجهول، لا بيوع الأعيان ولا بيوع السلم.
لولي اليتيم أن يدفع مال اليتيم قراضا والولي هو الأب، أو الجد إن لم يكن
له أب، أو الوصي إن لم يكن أب ولا جد، أو أمين الحاكم إن لم يكن واحد من
هؤلاء، وإنما يجوز دفعه قراضا إلى من يجوز إيداع ماله عنده من كونه ثقة أمينا،
فإن دفعه إلى غير ثقة أمين فعليه الضمان.
إذا خلط العامل مال القراض بمال نفسه خلطا لا يتميز فعليه الضمان
كالمودع والوكيل، لأنه صيره كالتالف بدلالة أنه لا يقدر على رد المال إلى ربه
بعينه.
وإذا دفع إليه ثوبا وقال: بعه فإذا نض ثمنه فقد قارضتك عليه، فالقراض
فاسد لأنه قراض بصفة، ولأن رأس المال مجهول، والعامل له أجرة مثله، وله
أجرة المثل على بيع الثوب وأجرة مثله على عمل القراض، وأجرة بيعه لازم على
بيع الثوب سواء كان في المال ربح أو لم يكن، وسواء تصرف فيه بعد بيعه أو
لم يتصرف.
إذا اشترى العامل سلعة للقراض فقال رب المال: كنت نهيتك عن ابتياعها
فاشتريت بعد النهي فليست للقراض، وقال العامل: ما نهيتني عن هذا قط، كان
القول قول العامل لأنه أمين، ورب المال يدعي الخيانة.
إذا دفع إليه ألفا قراضا فاتجر ونض المال وقد خسر مائة، فخاف أن يعلم
91

رب المال بالخسران فينتزع المال من يده، فأتى العامل صديقا له فأخبر بحاله
وقال: أقرضني مائة أضمها إلى مال رب المال لأحمله إليه كاملا، وإذا استبقاه في
يدي رددت المائة إليك، ففعل ذلك، فلما حمل العامل المال إلى رب المال
أخذه من يده، وفسخ القراض:
قال قوم: للمقرض أن يرجع بالمائة على رب المال، وقال آخرون: ليس له
ذلك لأن العامل اقترض المائة من المقرض، وملكها بالقرض وحملها إلى رب
المال فقال: هذا كله رأس مالك، فليس للعامل أن يرجع على رب المال، لأنه
قد اعترف له بأن كل ذلك ماله، ولا للمقرض أن يرجع على رب المال لأنه
أقرض غيره، فيرجع المقرض على العامل بها وحده، وهذا هو الأقوى.
إذا دفع إليه ألفا قراضا، فأذن له في السفر إلى مكة، فسافر فاتفق رب المال
معه بمكة وقد نض المال فأخذه من العامل، فأراد العامل أن يرجع إلى بلده،
فهل له مطالبة رب المال بنفقة رجوعه إلى بلده؟ قال قوم: له ذلك، وقال
آخرون: ليس له ذلك، وهو الأقوى دليلا.
فإذا مات العامل هل على رب المال تكفينه؟ مبني على هذين القولين، فمن
قال: يلزمه نفقته، قال: يلزمه تكفينه، ومن قال: لا يلزمه نفقته، قال: لا يلزمه
تكفينه، وهو الصحيح لأنه لا دليل على لزومه، والأصل براءة الذمة، وأصل
المسألة على ما مضى من أن نفقة العامل على نفسه أو من مال القراض مضى أنه
على وجهين، فمن قال: يجب، فهل له كل النفقة أو ما زاد على نفقة الحضر؟ على
وجهين، فمن قال: لا نفقة لذهابه، فكذلك لرجوعه، ومن قال: له نفقة لذهابه،
فعليه النفقة لرجوعه.
إذا كان العامل واحدا ورب المال اثنين، فدفع كل واحد منهما إليه مائة
قراضا بالنصف، فاشترى العامل جارية لأحدهما بمائة وللآخر أخرى بمائة، ثم
اختلطا فلم يعلم جارية الأول من الثاني، قال قوم: الجاريتان لربي المال بينهما
لأنهما مالهما اختلط بعضه ببعض، ككيسين اختلطا، ويباعان في القراض ويدفع
92

إلى كل واحد منهما نصفه إذا لم يكن في المال فضل، وإن كان فيه فضل أخذ
كل واحد منهما رأس ماله واقتسموا الربح على الشرط وإن كان فيه خسران
فالضمان على العامل، لأنه فرط في اختلاط المال.
وقال قوم: ينقلب المال إلى العامل، لأنه لما فرط بالخلط كان كالتفريط منه
حال العقد، فتكون الجاريتان له وعليه لكل واحد منهما رأس ماله، والأول أقوى
وهو المنصوص لأصحابنا، ولو قلنا تستعمل في ذلك القرعة كان أقوى.
إذا دفع إليه مالا قراضا وهو يعلم أنه لا يقدر أن يتجر بمثله لكثرته أو لضعفه
عن ذلك مع قلته، فعليه الضمان لأنه مفرط في قبضه.
إذا كان المال في القراض مائة فخسر عشرة فأخذ رب المال بعد الخسران
عشرة، ثم اتجر العامل وربح بعد هذا فأراد المقاسمة، أفرد رأس المال تسعين إلا
درهما وتسع درهم، وما فضل فهو بينهما على الشرط، لأن المال إذا خسر لم
ينتقض القراض فيه بدليل أن المال متى ربح بعد الخسران رد إليه من الربح
حتى يتم ما ذهب من رأس ماله، فإذا لم ينتقض القراض من الخسران، كان
الخسران كالموجود في يد العامل، فإذا أخذ رب المال عشرة انتقض القراض في
المال المأخوذ، بدليل أنه لو أخذ الكل انتقض القراض فيه، فإذا انتقض في
العشرة انتقض في الخسران ما يخصه من العشرة، فيقسط العشرة المأخوذة على
تسعين يكون لكل عشرة درهم وتسع درهم، فكأنه أخذ أحد عشر درهما
وتسعا، فيكون رأس المال ما بقي بعد هذا.
بيان هذا: إذا خسر عشرة وأخذ رب المال خمسة وأربعين، انتقض القراض
في المأخوذ وهو خمسة وأربعون، وفي نصف الخسران وهو خمسة، فيكون رأس
المال بعد هذا خمسين.
وأصل هذا أن يجعل الخسران كالموجود، فإذا انتقض القراض في سهم من
الموجود انتقض بحصته من الخسران، فإن أخذ رب المال ثلث التسعين انتقض
القراض فيها وفي ثلث الخسران، وإن أخذ ربع التسعين انتقض فيها وفي ربع
93

العشرة، وعلى هذا أبدا.
إذا اشترى العامل عبدا للقراض فقتله عبد لأجنبي، وجب على القاتل
القصاص لأنهما متكافئان، ثم ينظر فيه: فإن لم يكن في المال فضل كان
القصاص لرب المال وحده لأنه لا حق للعامل فيه، فإن اقتص فلا كلام وزال
القراض، وإن عفا على غير مال فكذلك، وإن عفا على مال ثبت المال وكان
قراضا لأن الأجنبي متى أتلف مال القراض كان بدله للقراض.
فإذا ثبت أنه قراض نظرت: فإن لم يكن في العفو ربح فالكل لرب المال،
وإن كان فيه فضل كان الفضل على الشرط، هذا إذا قتل وليس في المال فضل.
فأما إن كان فيه فضل فليس للعامل القصاص على الانفراد ولا لرب المال
لتعلق حق العامل به، ولأنا إن قلنا قد ملك حصته بالظهور فهو شريك، وإن قلنا
ما ملك حصته بالظهور فحقه متعلق به، بدليل أن له المطالبة بالقسمة، فإذا كان
كذلك فإن اتفقا على القصاص أو العفو على غير مال زال القراض، وإن عفوا
على مال كان لرب المال رأس ماله، ويقتسمان الربح على ما شرطاه.
وإن اشترى العامل جارية فليس للعامل وطؤها، لأنه إن كان في المال
فضل فهو شريك، وإن لم يكن فيه فضل فالكل لرب المال، فإن أراد رب المال
وطأها لم يكن له أيضا لأنه إن كان فيه فضل فهو شريك، وإن لم يكن فيه فضل
فليس لرب المال أن يتصرف في السلعة المشتراة للقراض ما يضر بها، فإن أراد
أحدهما تزويجها لم يجز، وإن اتفقا عليه جاز، لأن الحق لهما.
إذا اشترى العامل عبدا وأراد أن يكاتبه لم يجز، وإن أراد رب المال لم يجز
لأنه نقصان، وإن اتفقا عليه جاز، لأنه لهما لا حق لغيرهما فيه، فإذا فعلا ذلك فإن
أدركه عتق نظرت: فإن لم يكن في المال فضل فالولاء كله لرب المال، وإن
كان فيه فضل فالولاء بينهما على ما شرطاه في الربح بالحصة، هذا إذا كانا شرطا
عليه الولاء لأنه إن لم يشترطاه فلا ولاء لأحد عليه عندنا.
إذا دفع مالا قراضا إلى عاملين على أن له نصف الربح ولهما النصف،
94

فاتجرا ونض المال ثلاثة آلاف، ثم اختلفوا فقال رب المال: رأس المال ألفان،
والربح ألف، ولي منه خمسمائة، ولكما خمسمائة لكل واحد منكما مائتان
وخمسون، فصدقه أحدهما وكذبه الآخر فقال: بل رأس المال ألف، والربح
ألفان، لك من الربح ألف ولنا ألف لكل واحد منا خمسمائة، فهذه تبني على
أصول ثلاثة:
أحدهما: إذا اختلف العامل ورب المال في قدر رأس المال فالقول قول
العامل، لأن المال في يده أمانة، ورب المال مدع.
والثاني: لا يستحق العامل حصته من الربح حتى يسلم لرب المال رأس
ماله.
والثالث: أن العاملين كالعامل الواحد، إن ربح المال كان لهما قسطاهما،
وإن خسر فلا شئ عليهما.
فإذا ثبت هذا فإذا حلف الذي كذبه ثبت أن رأس المال ألف، والربح ألفان
في حقه، يأخذ من الربح خمسمائة ويبقى ألفان وخمسمائة، يقول المصدق لرب
المال: لك رأس مالك ألفان يبقى خمسمائة، لك ثلثاها ولي ثلثها، لأنه يقول: لو
أخذ شريكي قدر حقه من الربح وهو مائتان وخمسون، بقي منه سبعمائة
وخمسون لك ثلثاها خمسمائة ولي ثلثها مائتان وخمسون، فلما أخذ شريكي منها
مائتين وخمسين، كان غاصبا لها منا معا، منك الثلثان، ومني الثلث، ويكون
الباقي بيننا الثلث والثلثان كما لو غصبنا على ثلث المال أجنبي كان الباقي بيننا
بالحصة.
وإنما احتاجت إلى أصول ثلاثة ليكون القول قول العامل في رأس المال،
والثاني لا يستحق العامل المصدق شيئا حتى يسلم لرب المال رأس ماله ألفان،
والثالث العاملان كالعامل الواحد، لئلا يقول الذي صدقه العامل: غصبه من
حقك دون حقي.
إذا أحضر رب المال أجناسا من المال مثل أن أحضر ألف درهم، وألف
95

دينار وألف ثوب فقال: خذ أيها شئت قراضا بالنصف، كان باطلا لأنه لم يعين
رأس المال، وكذلك لو أحضر ألف دينار وألف درهم، فقال: خذ أيهما شئت
قراضا، كان فاسدا لأنه ما عين رأس المال، فهو كما لو قال في المبيع: بعتك
هذا العبد بأحد هذين الجنسين، كان فاسدا.
فإن دفع إليه ألفا قراضا فقال: على أن لك نصف ربحها، صح بلا خلاف،
وإن قال: على أن لك ربح نصفها، كان باطلا عند قوم، والصحيح أنه جائز، ولا
فرق بينهما، ومن قال: يبطل، قال: لأن موضوع القراض على أن ما رزق الله من
ربح كان بينهما على ما يشترطانه، ولا يربح المال حبة إلا وهو بينهما، فإذا قال:
ربح نصفه، فسد من الجانبين، من جانب العامل لأنه يأخذ ربح نصفه لا حق
لرب المال فيه، ولرب المال ربح النصف الآخر لا حق للعامل فيه، وربما ربح
نصفه وانفرد أحدهما به، فلهذا بطل.
وهذا ليس بشئ لأن النصف الذي جعل له ربحه، مشاع غير مقسوم، فلا
درهم منها إلا وله ربح نصفه إنما كان يؤدي إلى ذلك لو كانت الخمسمائة
معينة.
فإن دفع إليه بغلا وقال: تركبه وتستعمله فيما ينقل عليه، والفائدة بيننا
نصفان، كانت هذه معاملة فاسدة لأن القراض هو أن يتصرف العامل في رقبة
المال، وهاهنا تستبقي الرقبة، فإذا عمل كان الفضل كله لرب المال، وللعامل
أجرة مثله، وإن أعطاه شبكة يصطاد بها فما رزق الله من صيد كان بينهما نصفين،
كان الصيد للعامل، ولرب الشبكة عليه أجرة مثل شبكته.
والفصل بينهما أن العمل للبغل، وعمل العامل تابع، فلهذا كان الفضل كله
لرب البغل، وليس كذلك الشبكة لأن الأصل عمل العامل بدليل أن الصيد
يضاف إليه والشبكة تبع، فلهذا كان الصيد للصياد، وعليه أجرة مثل الشبكة،
لأنه دخل على أن له نصف الصيد بها، فإذا لم يسلم له المسمى كان على العامل
رد المنافع وقد أتلفها وتعذر ردها، فكان عليه بدلها وبدلها أجرة مثلها.
96

فإن دفع إلى رجل أرضا وقال: اغرسها كذا وكذا على أن ما رزق الله من
غرس فيها كان بيننا نصفين، والأرض بيننا نصفين، نصف الأرض بعملك
وغرسك، ونصف الغرس لي بأرضي، فإن هذه معاملة فاسدة، ليست شركة لأن
المالين لا يختلطان، ولا قراض لأن من العامل العمل والمال معا.
فإذا ثبت أنها فاسدة كان لرب الأرض أرضه لأنها عين ماله، وللعامل غرسه
لأنه عين ماله، لا يملك أحدهما على صاحبه ما بذله، فرب الأرض لا يملك
نصف الغراس لأنه باع معلوما وهو نصف أرضه بمجهول، وهو نصف الغراس
وعمل العامل، والعامل لا يملك نصف نصف الأرض لأنه اشترى معلوما
بمجهول، فإذا ثبت أن لكل واحد منهما عين ماله، فلرب الأرض على الغارس
أجرة مثل أرضه لأنه غرسها بغير حق.
فإن أراد رب الأرض قلع الغراس نظرت: فإن لم يكن على الغراس نقص
بالقلع مثل أن غرسه قريبا، أو بعيدا إن تصور أنه لا ينقصها بالقلع، كان له مطالبة
الغارس بالقلع لأنه لا ضرر عليه في غرسه بتحويله كما لو صب طعاما في دار
غيره بغير حق، فعليه نقله وتحويله لأنه لا ضرر عليه في طعامه بنقله.
وإن كان الغراس يستضر بالقلع وينقص به قلنا لرب الأرض: لك الخيار
بين ثلاثة أشياء، إما أن يقلعه وعليك ما نقص، أو تعطيه قيمته ليكون الغرس مع
الأرض لك، أو تقره في أرضك ولك الأجرة حتى ننظر ما الذي يقول الغارس.
ولو كان مكان الغرس زرع كان عليه أن يقره في أرضه وله أجرة مثله،
والفرق بينهما من وجهين:
أحدهما: ضرر الزرع يقل لأن له غاية إذا انتهى إليها حصد، فلهذا أقره فيها
بالأجرة، وليس كذلك الغراس لأن ضرره يكثر، فإنه لا غاية له إذا انتهى إليها
قلع، فلهذا لم يكن عليه أن يقره بالأجرة.
والثاني: لا قيمة للزرع بعد قلعه، فلهذا لزمه أن يقره في أرضه بأجرة، وليس
كذلك الغراس لأن له قيمة بعد قلعه فلهذا أجبرناه على قلعه.
97

فإذا تقرر هذا رجعنا إلى رب الغراس، فقلنا: قد خيرنا رب الأرض بين ثلاثة
أشياء، بين القيمة، والقلع، والأجرة، ما تقول أنت؟ فإن اتفقا على شئ اقرأ على ما
اتفقا عليه، وإن اختلفا نظرت: فإن قال رب الأرض: اقلع وعلي ما نقص، وقال
العامل: بل أقره في أرضك ولك الأجرة، قدمنا قول رب الأرض، لأن العامل لا
يملك إقرار غرسه في أرض غيره، إذا لم يكن عليه في تحويله ضرر، لأن رب
الأرض يضمن له ما نقص.
فإن كانت بالضد فقال الغارس: أعطني ما نقص لأقلع، وقال رب الأرض:
أقره في أرضي وعليك الأجرة، فالقول قول الغارس، ويقال لرب الأرض: إما أن
يقلع وعليك ما نقص أو تقره في أرضك بغير أجرة، هذا إذا اختلفا في القلع
والأجرة.
فأما إن اختلفا في القيمة والقلع، فقال رب الأرض: خذ القيمة ليكون الكل
لي، وقال الغارس: بل أقلع أنا وعليك ما نقص، قدمنا قول الغارس، لأنه لا
يجبر على بيع غرسه.
فإن كانت بالضد فقال الغارس: أعطني القيمة، وقال رب الأرض: بل اقلع
وعلي ما نقص، قدمنا قول رب الأرض لأن رب الأرض لا يجبر على شراء
الغراس.
وإن اختلفا في القيمة والأجرة، فقال رب الأرض: خذ القيمة، وقال الغارس:
بل أقره ولك الأجرة، أو قال العامل: أعطني القيمة ليكونا لك، وقال رب
الأرض: بل أعطني الأجرة لأقره في أرضي، لم يجبر واحد منهما على ما يطلبه
صاحبه، فحصلت ثلاثة فصول في كل فصل مسألتان: مسألتان في القلع
والأجرة، ومسألتان في القيمة والقلع، ومسألتان في القيمة والأجرة.
98

تبصرة المتعلمين الفصل السادس: في المضاربة:
وهي أن يدفع الإنسان مالا إلى غيره ليعمل فيه بحصة من ربحه.
وإنما تصح بالأثمان الموجودة، والشركة في الربح، وللعامل ما شرط له،
ولو وقعت فاسدة فله أجرة المثل والربح لصاحب المال، وليست لازمة.
ويقتصر على المأذون، ولو أطلق تصرف كيف شاء مع اعتبار المصلحة،
ويضمن لو خالف، وتبطل بالموت، ويشترط العلم بمقدار المال.
ويملك العامل حصته من النماء بالظهور، ولا خسران عليه بدون التفريط.
والقول قوله في عدمه وفي قدر رأس المال والتلف والخسران، وقول المالك في
عدم الرد، ولو اشترى العامل أباه عتق نصيبه من الربح فيه وسعى الأب في
الباقي، وينفق العامل من الأصل في السفر قدر كفايته.
ولا يطأ جارية القراض من دون إذن، والإطلاق يقتضي الشراء بعين المال
وثمن المثل، ولو فسخ المالك المضاربة فللعامل أجرته إلى ذلك الوقت.
99

إرشاد الأذهان
المقصد السادس: في المضاربة:
وهي جائزة من الطرفين لكل منهما فسخه وإن كان بالمال عروض، ولا
يلزم الأجل، ويثمر المنع، ولا يتعدى العامل المأذون، فيضمن إن خالف، أو أخذ
ما يعجز عنه، أو مزج المال بغيره بغير إذن، ولا يؤثر في الاستحقاق.
وإذا أطلق تولى ما يتولاه المالك، من عرض القماش ونشره وطيه
وإحرازه، وقبض الثمن واستيجار ما جرت العادة له، ولو عمله بنفسه لم يستحق
أجرة، كما أنه يضمن الأجرة لو استأجر للأول، ويبتاع المعيب ويرد به ويأخذ
الأرش مع الغبطة.
والإطلاق يقتضي البيع نقدا بثمن المثل بنقد البلد والشراء بالعين، فيقف
على الإجازة لو خالف، ولو اشترى في الذمة ولم يضف وقع الشراء له.
وتبطل بالموت منهما والخروج عن أهلية التصرف، وينفق في السفر كمال
النفقة من الأصل، ويقسط لو ضم.
ولا تصح إلا بالأثمان الموجودة المعلومة القدر المعينة، وإن كانت مشاعة،
ولو قارضه بأحد الألفين، أو بالعروض، أو بالمشاهد المجهول، أو بالفلوس، أو
بالنقرة على إشكال، أو بالمغشوشة، أو بالدين وإن كان على العامل، أو بثمن ما
يبيعه لم يصح، ويصح بالمغصوب.
101

ويبرأ بالتسليم إلى البائع، والعامل أمين، ويقدم قوله في التلف وعدم
التفريط والخسارة وقدر رأس المال والربح - ولا يضمن إلا مع التفريط - وقول
المالك في عدم الرد والحصة.
ويشترط في الربح الشياع - فلو شرط إخراج معين من الربح والباقي
للشركة بطل - وتعيين حصة العامل.
ولو قال: الربح بيننا، فهو تنصيف، ولو شرط حصة لغلامه صح وإن لم
يعمل، ويشترط في الأجنبي العمل.
ولو قال: لكما نصف الربح، تساويا ويملك العامل حصته بالظهور، ولو
شرط المريض للعامل ربحا صح، ولو أنكر القراض وادعى التلف بعد البينة أو
ادعى الغلط في الأخبار بالربح أو بقدره ضمن، أما لو قال: ثم خسرت أو تلف
المال بعد الربح قبل.
ولو اشترى بالعين أبا المالك باذنه فله الأجرة وعتق وإلا فلا، ولو اشترى
زوج المالكة بإذنها بطل النكاح وإلا بطل البيع، ولو اشترى أبا نفسه عتق ما
يصيبه من الربح ويستسعي العبد في الباقي، ولو اشترى جارية جاز له وطؤها مع
إذن المالك بعده لا قبله على رأي، والتالف بعد دورانه في التجارة من الربح.
ولو خسر من المائة عشرة، ثم أخذ المالك عشرة، ثم ربح فرأس المال
تسعة وثمانون إلا تسعا.
ولو اشترى بالعين فتلف الثمن قبل الدفع بطل، وإن اشترى في الذمة
بالإذن ألزم صاحب المال عوض التالف، وهكذا دائما، ويكون الجميع رأس
المال، وإن كان بغير الإذن بطل مع الإضافة.
ولو فسخ المالك فللعامل أجرته إلى وقت الفسخ، وعليه جباية السلف لا
الإنضاض، ولو ضارب العامل باذنه صح والربح بين الثاني والمالك، وبغير
إذنه لا يصح والربح بين المالك والأول وعلى الأول أجرة الثاني، ولو خسر بعد
قسمة الربح رد العامل أقل الأمرين، وكل موضع تفسد فيه المضاربة يكون
102

الربح للمالك وعليه الأجرة.
103

المسائل لابن طي
المقصد الرابع: في المضاربة:
وفيه مسائل:
مسألة [1]: قوله: لا تصح المضاربة بالمال المشاهد، وقيل: تصح إن علم
وزنه.
مسألة [2]: هل يلزم الحصة بالشرط أو الأجرة خاصة؟ قال: بل الحصة.
مسألة [3]: في رجل أعطى رجلا آخر عرضا مضاربة، وأعطاه قدرا من
الدراهم وأذن له بصرفها في حمل ذلك العرض إلى بلد في أثناء المسافة يريد
قطعا إلى البلد الذي عينا بيع العرض المذكور فيه، فحمل ذلك العرض إلى بلد
في أثناء المسافة يريد قطعا إلى البلد المعين للبيع، فأقر المضارب أن العرض
المذكور والدراهم والدابة المذكورين لشخص آخر، فهل يجب على العامل
تسليم العين له مع المطالبة؟ وهل يكون للعامل مطالبة المقر له بأجرة حمل
العرض المذكور إلى الموضع المذكور أم لا؟
أجاب عميد الدين رحمه الله: إن المقر له إذا طلب المال المقر به من عامل
المضاربة يجب عليه دفعه إليه ثم المقر له إن اعترف بالإذن للدافع في دفعه
للعامل والمضاربة كان للعامل مطالبة المقر له بأجرته وإلا كان له مطالبة الدافع
105

بهما.
فرع: فلو أنه ادعى العامل المذكور عند مطالبة المقر له بالدراهم والدابة المقر
بهما أنه صرفهما في حمل العرض وخرج الطريق عليه هل يكون ذلك موجبا
لسقوط المطالبة بهما وإن كان العامل صرفهما في المصرف المذكور؟
مسألة [4]: أيضا أنه مع إنكاره الإذن للدافع في الدفع له المطالبة، فيكون
القول قول العامل في صرف الدراهم وسقط عنه المطالبة بالعين، ويكون للمقر له
المطالبة بمثلها أو قيمتها مع عدم البينة بالإذن بعد يمينه، وإن اعترف بالإذن أو
قامت به حجة شرعية فإن القول إذا قول العامل في الصرف ولا ضمان عليه
حينئذ.
مسألة [5]: إذا خلط العامل المضاربة بماله بحيث لا يتميز ضمن لأن الشركة
عيب.
مسألة [6]: إذا أذن للعامل إذنا عاما كان قال له: اصنع ما شئت، فخلط مال
المضاربة بماله لا يضمن إن كان في مزجه مصلحة أو تساوى الأمران أيضا.
مسألة [7]: للعامل أن يكتسي منها ثم يرده إليها.
مسألة [8]: لو مات المالك في المضاربة ولم يعلم به العامل وعمل بعد
ذلك وربح يكون له أجرة أم لا؟ قوي إذا لم يمكنه الاستعلام.
106

كتاب الوديعة
107

الخلاف
كتاب الوديعة
مسألة 1: ليس للمودع أن يسافر بالوديعة سواء كان الطريق مخوفا أو غير
مخوف، وسواء كانت المسافة قريبة أو بعيدة مع الاختيار، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: إن كان مخوفا كما قلناه وإن لم يكن مخوفا كان له أن
يسافر بها.
دليلنا: أن جواز السفر بها يحتاج إلى دلالة، وأيضا فإنه إذا سافر بها فإنه
يحفظها في موضع لم تجر العادة بحفظها فيه، فوجب أن يلزمه الضمان كما لو
تركها في خرابة لأن الطريق يطرأ عليه الخوف.
مسألة 2: إذا شرط في الوديعة أن تكون مضمونة كان الشرط باطلا، ولا
تكون مضمونة بالشرط، وبه قال جميع الفقهاء: إلا عبد الله بن الحسن العنبري
فإنه قال: تكون مضمونة.
دليلنا: إجماع الفرقة بل إجماع الأمة لأن خلاف العنبري قد انقرض،
وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وآله قال: ليس
على المستودع ضمان، ولم يفصل.
مسألة 3: المودع متى أودع الوديعة عند غيره مع قدرته على صاحبه فإنه
109

يكون ضامنا سواء أودع زوجته أو غير زوجته أو من يعوله أو لا يعوله، وبه قال
الشافعي.
وقال مالك: إن أودع زوجته لم يضمن، وإن أودع غيرها ضمن، وقال
أبو حنيفة: إن أودعها عند من يعول ويمون فلا يضمن، وإن أودعها عند غيرهم
ضمن.
دليلنا: هو أنه قد تعدى في الوديعة لأن صاحبها إنما ائتمنه عليها دون غيره،
فإذا ائتمن عليها غير نفسه فقد تعدى.
مسألة 4: إذا تعدى في الوديعة فضمنها، فإذا ردها إلى حرزها لم يزل
الضمان عنه إلا أن يردها على المودع أو حدث استئمان آخر مجدد، وبه قال
الشافعي.
وقال مالك وأبو حنيفة: فإن ردها إلى حرزها زال الضمان.
دليلنا: أن بالتعدي قد ضمن واشتغلت ذمته بها، فمن ادعى براءتها بردها
إلى حرزها فعليه الدلالة.
مسألة 5: إذا أخرجها من حرزها ثم ردها إلى مكانها فإن عندنا يضمن بكل
حال، وبه قال الشافعي، وعند أبي حنيفة لا يضمنها إلا في ثلاث مسائل: إذا
جحده ثم اعترف به، الثاني إذا طالب بردها فمنع الرد، ثم بدل ردها، الثالث إذا
خلطه ثم ميزه فإنه لا يزول ضمانه في هذه المسائل الثلاث عنده.
وقال مالك: إن أنفقها وجعل بدلها مكانها زال الضمان لأن عنده إذا كان
المودع موسرا وكانت الوديعة دراهم أو دنانير كان للمودع أن ينفقها وتكون في
ذمته، قال: ويكون أحفظ للمودع من الحرز.
دليلنا: أنه إذا ثبت وجوب الضمان عليه بالتعدي فلا دليل على زوال
الضمان بالرد، وروى سمرة أن النبي صلى الله عليه وآله قال: على اليد ما أخذت
110

حتى تؤدي، وهذا قد أخذ فوجب أن يؤدى.
مسألة 6: إذا قال له رب الوديعة بعد أن تعدى فيها وضمنها: أبرأتك من
ضمانها وجعلتها عندك وديعة وائتمنتك على حفظها، فإنه يزول ضمانها، وظاهر
مذهب الشافعي أنه لا يزول لأن بالإبراء لا يزول الضمان إلا أن يردها عليه ثم
يتسمها من الرأس، وفي أصحابه من قال: يزول ضمانه.
دليلنا: أن حق الضمان إذا كان لصاحبها فمتى أبرأه وجب أن يزول
الضمان لأنه إسقاط حق له.
مسألة 7: إذا أخرج الوديعة لمنفعة نفسه مثل أن يكون ثوبا فأراد أن يلبسه
أو دابة فأراد ركوبها فإنه يضمن بنفس الإخراج، وبه قال الشافعي، وقال
أبو حنيفة: بالإخراج لا يضمن حتى ينتفع مثل أن يلبس أو يركب.
دليلنا: أنه تعدى فيها بنفس الإخراج فوجب أن يكون ضامنا لها وإن لم
يستعمل.
مسألة 8: إذا نوى أن يتعدى لا يضمن بالنية حتى يتعدى، واختلف
أصحاب الشافعي على وجهين: فقال بعضهم مثل ما قلناه، وقال أبو العباس: إنه
يضمن بنفس النية لأن نية التعدي تعد.
دليلنا: أنه لا دليل على أن ذلك تعد فمن جعله تعديا فعليه الدلالة،
والأصل براءة الذمة.
مسألة 9: إذا أودع غيره حيوانا ولم يأمره بأن يسقيها ويعلفها ولا نهاه لزمه
الإنفاق عليها وسقيها وعلفها، وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: لا يلزمه أن ينفق
عليها ولا يسقيها ولا يعلفها.
111

دليلنا: أن الاحتياط يقتضي ذلك لأنه متى أنفق عليها كانت نفقته غير
ضائعة لأنه يرجع بها على صاحبها، وإن لم ينفق وهلكت الدابة ضمن على
خلاف فيه، فالأخذ بالأحوط أولى، ولأن للحيوان حرمة في نفسه فلا يجوز أن
يضيع حرمتها وحق الله تعالى في ذلك، ولأنه إذا أطلق فالعادة جارية بأن الدابة
تسقى وتعلف، فوجب حمل ذلك على العرف وإن لم يلفظ به.
مسألة 10: إذا أودعه وديعة، وقال: ادفعها إلى فلان أمانة، فادعى المودع
أنه دفعها إليه وأنكر المودع أن يكون دفعها فالقول قول المودع، وبه قال
أبو حنيفة، وللشافعي فيه وجهان: أحدهما إذا قال يلزمه الإشهاد على الدفع ولم
يشهد فإنه يكون مفرطا ويضمن، والآخر أنه لا يلزمه الإشهاد فعلى هذا يكون القول
قول المودع.
دليلنا: أن المودع مؤتمن فوجب أن يكون القول قوله كما لو ادعى أنه
ردها على المودع.
مسألة 11: إذا أودعه صندوقا فيه متاع وقال له: لا ترقد عليه ولا تقفله، فنام
عليه وأقفله بقفل آخر يضمن، وبه قال الشافعي وأكثر أصحابه، ومنهم من قال:
يضمن لأنه نبه اللصوص بأن فيه مالا، وبه قال مالك.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، وإلزامهم الضمان يحتاج إلى دليل، ولأنه
أضاف إليه حرزا آخر وبالغ فيه كما لو أودعه وقال: اتركه في صحن دارك،
فتركه في بيته وأقفل عليه لم يضمن لأنه زاده حرزا، وما قالوه من التنبيه عليه لو
كان على ما قالوه لم يجب به الضمان لأنه لو صرح وقال: إن فيه مالا، لم يضمن
فبأن لا يضمن بالتنبيه عليه أولى.
مسألة 12: إذا خلط الوديعة بمال خلطا لا يتميز مثل أن يخلط دراهم بدراهم
112

أو دنانير بدنانير أو طعاما بطعام فإنه يضمن سواء خلطها بمثلها أو أرفع منها أو
أدون منها على كل حال، وبه قال أبو حنيفة وأهل العراق، وقال مالك: إن
خلطها بأدون منها ضمن وإن خلطها بمثلها لم يضمن.
دليلنا: طريقة الاحتياط وأيضا فقد تعدى فيها بالخلط بدلالة أنه لا يمكنه
أخذ ماله بعينه فوجب عليه الضمان.
مسألة 13: إذا أودعه دراهم أو دنانير فأنفقها المودع ثم رد مكانها غيرها
لم يزل الضمان، وبه قال الشافعي.
وقال مالك: زال الضمان عنه بذلك الرد، بناء على أصله لأن عنده للمودع
إنفاق الوديعة فأقل الأقسام أن يكون دينا في ذمته فهو أحظى للمودع من الحرز.
دليلنا: أنه ضمن بالأخذ بلا خلاف، وزوال الزمان عنه بالرد يحتاج إلى
دليل.
مسألة 14: إذا كان عنده وديعة فادعى نفسان، فقال المودع: هو لأحدهما
ولا أعلم صاحبه بعينه، وادعى كل واحد منهما علمه بذلك، لزمه يمين واحدة أنه
لا يعلم لأيهما هي، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: يحلف لكل واحد منهما يمينا فيلزمه يمينان.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، فمن علق عليها يمينا فعليه الدلالة، ولأن في
ضمن يمين واحدة أنه لا يعلم أيهما هو صاحبه يمينا في حق كل واحد منهما فلا
معنى ليمين الأخرى.
مسألة 15: إذا حلف وأخرجت الوديعة من عنده، وبذل كل واحد من
المتداعيين اليمين أنها له استخرج واحد منهما بالقرعة، فمن خرج اسمه حلف
وسلمت إليه أو يقسم نصفين، وللشافعي فيه قولان: أحدهما يقسم بينهما نصفين
113

والآخر يوقف حتى يصطلحا، وبه قال ابن أبي ليلى.
دليلنا: إجماع الفرقة على أن كل أمر مشكل أو مبهم ففيه القرعة، وهذا من
ذلك.
114

المبسوط
كتاب الوديعة
الوديعة مشتقة من ودع يدع إذا استقر وسكن، يقال: أودعته أودعه أي
أقررته وأسكنته، ويقال: إنه مشتق من ودع يقال: الشئ يودعه إذا كان في
خفض وسكون، وأحدهما قريب من الآخر.
وللوديعة حكم في الشريعة لقوله تعالى: " إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات
إلى أهلها " وقال تعالى: " فليؤد الذي اؤتمن أمانته "، وقال: " ومن أهل الكتاب
من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك ".
وروى أنس بن مالك وأبي بن كعب وأبو هريرة كل واحد على الانفراد عن
النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك،
وروي أن النبي صلى الله عليه وآله كانت عنده ودائع بمكة فلما أراد أن يهاجر
أودعها أم أيمن وأمر عليا بردها على أصحابها.
فإذا ثبت هذا فالوديعة أمانة لا ضمان على المودع ما لم يفرط، وروى عمرو
بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وآله قال: ليس على
المستودع ضمان.
وإذا ثبت ذلك فالوديعة جائزة بين الطرفين، من جهة المودع متى شاء أن
يستردها فعل، ومن جهة المودع متى شاء أن يردها فعل، بدلالة ما تقدمت من
الأخبار والآي.
115

وروى سمرة أن النبي صلى الله عليه وآله قال: على اليد ما أخذت حتى
تؤدي.
إذا أراد المقيم أن يرد الوديعة ردها، فإن ردها على المودع أو على وكيله فلا
شئ عليه، وإن ردها على الحاكم أو على ثقة مع القدرة على الدفع إلى المودع
أو على وكيله فعليه الضمان، فأما إن لم يقدر على المودع ولا على وكيله فلا
يخلو: إما أن يكون له عذر أو لم يكن له عذر فيه، فإن لم يكن له عذر فرده فعليه
الضمان، وإن كان له عذر مثل النهب والحريق ورده على الحاكم أو على ثقته فلا
ضمان عليه.
وإن أراد أن يسافر فردها على المودع أو على وكيله فلا ضمان عليه، وإن لم
يتمكن منهما ورد على الحاكم فلا ضمان عليه، وإن لم يتمكن منهم ورد على ثقته
فلا ضمان أيضا، كل هذا لا خلاف فيه لأن السفر مباح، فلو قلنا: ليس له رده،
لمنعناه من المباح الذي هو السفر.
فأما إذا لم يتمكن من المودع ولا من وكيله وقدر على الحاكم فرده على ثقته
قال قوم: لا ضمان عليه، وقال آخرون: عليه الضمان، وأما إن أراد أن يسافر بها
فليس له أن يسافر بها سواء كان الطريق مخوفا أو آمنا، وفيه خلاف، وأما إن
كان البلد مخوفا ففزع من النهب والحريق فله أن يسافر بها ولا ضمان عليه، بلا
خلاف.
وإن أراد المودع السفر فدفنها فلا يخلو: إما أن يعلم به غيره أو لم يعلم به،
فإن لم يعلم به غيره ضمن لأنه غرر، لأنه ربما مات المودع في السفر ولم يعلم،
ويتلف الوديعة في الدفن، وربما يتلف أيضا بالغرق أو الحريق أو من تحت
الأرض وإن أعلم غيره فإن كان فاسقا ضمن لأنه أشهرها، وإن عرف ثقة أمينا
نظرت: فإن كان ممن لا يسكن تلك الدار التي دفن فيها فإنه يضمن، لأنه عرف
من لم يأمنه المودع كما لو كان المودع حاضرا.
وإن أعلم من سكن تلك الدار التي دفن فيها فهل يضمن أم لا؟ فيه الفصول
116

الثلاثة التي ذكرناها فيما قبل في رد الوديعة، فإن ردها على صاحبها أو على وكيله
لم يضمن، وإن لم يتمكن منهما فردها على الحاكم لم يضمن، وإن لم يتمكن منه
أيضا فردها على الثقة لم يضمن، الثالث إذا تمكن من الحاكم فرده على ثقة فعلى
الوجهين.
وكذلك هاهنا فإن عرف صاحبها أو وكيله أو الحاكم مع عدمهما فلا
يضمن، وإن عرف الساكن معه في تلك الدار مع عدم صاحبها أو وكيله ووجود
الحاكم فعلى وجهين.
إذا حيل بينه وبين المودع عند حضوره ولم يقدر على تسليمها إليه سواء
كانت الحيلولة له دونه بالسفر أو الحبس فإن الحكم فيه سواء، فإن كان المودع
معه في البلد فهو في حكم الغائب فالحكم فيه كما لو كان غائبا.
إذا أودع وديعة بشرط أن تكون مضمونة لم تكن مضمونة وكان الشرط
باطلا، وخالف فيه العنبري.
من كانت عنده وديعة فأراد أن يودعها غيره مع حضوره، فإنه يضمنها بكل
حال سواء أودعها زوجته أو أحدا من عياله - وفيه خلاف - فقال بعضهم: إن
أودعها زوجته لم يضمن وإن أودع غيرها ضمن، وقال غيره: إذا أودعها زوجته أو
من يكون عليه مؤونته فقد وكلها إلى اجتهاده ورفع يد نفسه عنها، فبهذا يضمن،
وأما إن قال لزوجته أو لجاريته: اجعليها في الصندوق أو أدخليها البيت وهو يرى
ما تفعل ويشاهد فلا يضمن، ويجري ذلك مجرى من يكون عنده دابة وديعة
فيقول لغلامه: اسقها أو اطرح علفها، فإنه لا يضمن.
إذا أودع وديعة فتعدى فيها ضمنها، وإذا ردها إلى حرزها لم يزل الضمان
بردها إلا أن يردها على المودع، أو حدث استئمان على أحد الوجهين وفيه
خلاف، ومتى أخرجها لمنفعة نفسه ضمنها مثل أن يكون ثوبا ليلبسه أو دابة
ليركبها فإن بنفس الإخراج يضمن، وقال قوم: بنفس الإخراج لا يضمن وإنما
يضمن بالاستعمال إن كان ثوبا حتى يلبسه وإن كانت دابة حتى يركبها فالكلام
117

في هذا يجئ.
وإذا أخرجها من حرزها ثم ردها إلى مكانها فإن عندنا يضمن بكل حال،
وعند قوم لا يضمن إلا في ثلاث مسائل: الأولى إذا جحدها ثم اعترف بها، والثانية
إذا طلب بردها فمنع الرد ثم بذل، والثالثة إذا خلطها ثم ميزها فإنه لا يزول
الضمان في هذه المسائل عنده، وقال قوم: إن أنفقها وجعل بدلها مكانها زال
الضمان بناء على أصله لأن عنده أن المودع إذا كان موسرا وكانت الوديعة
دراهم أو دنانير كان للمودع أن ينفقها وتكون في ذمته ويكون هذا أحظى عنده
للمودع من الحرز، والأول أصح.
إذا تعدى بإخراج الوديعة ثم ردها ففيه ثلاث مسائل:
إحداها: أن يردها إلى يد ربها، فإنه يبرأ ويسقط الضمان، وكذلك إن ردها
إلى وكيله بالقبض بلا خلاف.
الثانية: أن يردها إلى الحرز من حيث أخذها فإنه لم يزل الضمان خلافا لأبي
حنيفة.
الثالثة: أن يقول له رب الوديعة: قد أبرأتك من ضمانها وجعلتها وديعة
عندك وائتمنتك على حفظها، فهل يزول الضمان أم لا؟ قال قوم: إنه لم يزل
الضمان، وقال آخرون: يزول، وهو الأقوى، فإن ردها إلى صاحبها ثم أودعها إياه
زال الضمان بلا خلاف.
إذا أخرج الوديعة لمنفعة نفسه مثل أن يكون ثوبا أراد أن يلبسه أو دابة فأراد
أن يركبها، فإن بنفس الإخراج يضمن، وقال قوم: بنفس الإخراج لا يضمن حتى
ينتفع مثل أن يلبسه أو يركبه، وإن عزم على أن يتعدى فيها لا يضمن عندنا، وقال
قوم شذاذ: إنه يضمن بالنية كما لو التقط لقطة لينتفع بها فإنه يضمن، والأول
أصح لأنه لم يقع التعدي.
إذا كان عنده وديعة في كيس أو في شئ مشدود فحل الخيط أو قطعه أو
كان عليها ختم فكسر الختم، فإنه يضمن جميع الوديعة لأنه قد هتك الحرز، فإن
118

لم يكن هكذا لكن خرق الكيس وشقه نظرت: فإن كان ذلك من فوق الشد
والختم لم يضمن المال لكن عليه أرش ما نقص من الكيس بالتخريق، وإن كان
الشق بالبط من تحت الكيس أو تحت الشد فإنه يضمن جميع المال سواء أخذه أو
لم يأخذ منه لأنه هتك حرز المال.
قد ذكرنا أنه إذا تعدى في الوديعة في الكيس بكسر الختم وحل الشد فإنه
يضمن، فأما إذا أودع شيئا ليس بمحرز مثل الدراهم والدنانير، في قفة أو ركوة
ونحو ذلك فأخذ منها درهما أو دينارا ضمن ذلك الدرهم والدينار لأنه تعدى
عليه بأخذه وعليه ضمانه، ولا يضمن الباقي لأنه ما تعدى فيه ولا يتعلق به ضمانه.
فإن رده فلا يخلو: إما يرد ما أخذه بعينه أو يرد بدله، فإن رد ما أخذه بعينه
فلا يخلو: إما أن يكون متميزا من الباقي أو غير متميز.
فإن كان متميزا فلا خلاف أنه لا يضمن البقية لأن الذي أخذه معروف
العين، والباقي لم يحدث فيه فعلا تعدى به، بل عليه ضمان الذي رده، وقال قوم:
زال ضمانه عنه.
وإن كان لا يتميز مثل أن يكون دراهم صحاحا فخلطه بصحاح أو مكسرا
خلطه بمكسر، فذهب قوم إلى أنه لا يضمن إلا قدر ما أخذه، والباقي أمانة كما
كان، وقال قوم: إنه إذا لم يتميز ضمن الكل لأنه خلط المضمون بغير المضمون،
والأول أصح، لأنه وإن خلط مضمونا بغير المضمون، فإنه خلطه باذنه، وهو
مأذون فيه، لأن رب المال رضي بأن يكون ذلك مع الباقي، فإذا رده فلم يفعل
شيئا إلا برضا رب الوديعة.
وأما الكيسان إذا خلطهما فإنه يكون مضمونا عليه، لأنه خلطهما بغير رضا
صاحبه، فكان متعديا بالخلط، فضمنهما بكمالهما، هذا إذا كان قد رد ما أخذ
بعينه.
فأما إن رد بدل ما أخذه فلا يخلو: إما أن يتميز أو لا يتميز، فإن كان يتميز
فإنه يضمن ذلك الذي أخذه، ولا يضمن الباقي، وإن كان غير متميز فإنه يضمن
119

الكل لأنه خلط ماله بمال غيره بغير إذن مالكه، فهو كما لو كان مقارضا فخلط
مال القراض بمال من عنده فإنه يضمن مال القراض كله.
إذا أودع حيوانا ففيه ثلاث مسائل: إحداها أن يأمره بسقيها وعلفها، الثانية
إذا أطلق ولم يأمره ولم ينهه، الثالثة قال: لا تسقها ولا تعلفها.
فإن أمره بسقيها فإنه يلزمه سقيها وعلفها، لأن لها حرمتين وحقين: أحدهما
حرمة مالكها، ألا ترى أنه لو أتلفها عليه إنسان ضمنها ولها حرمة في نفسها وهي
حق لله، ألا ترى أنه ليس لصاحبها أن يعذبها إذا كان هكذا لزمه أن يسقيها
ويعلفها.
فإن سقاها فلا يخلو: إما أن يسقيها في بيته أو في غير بيته، فإن كان قد سقاها
في بيته نظرت: فإن سقاها بنفسه فقد زاد خيرا وبالغ في حفظها، وإن أمر غيره من
غلمانه فسقاها الغير جاز، ولا ضمان عليه، لأن العادة جرت بأن الإنسان لا يسقي
الدابة بنفسه.
وإن أخرجها من داره وسقاها في غير داره، فلا يخلو: إما أن يكون إخراجها
لعذر أو لغير عذر، فإن كان لعذر مثل أن يكون داره حجرة، لم يكن فيها بئر ولا
نهر فأخرجها إلى خارج إلى نهر أو حيث يسقي دواب نفسه للضرورة، والعادة
جرت بأنه يسقي خارجا لم يضمنها، وإن كان في داره بئر أو نهر يجري ويسقي
دواب نفسه منه فأخرجها وحملها لسقيها برا ضمن، وفيهم من قال: إذا كان
الطريق أمنا لم يضمن وكأنه أخرجها من حرز إلى حرز، والأول أقوى، لأنه
أخرجها من غير حاجة ويرجع على صاحبها بما أنفق عليها لأنه أذن له في النفقة
عليها.
المسألة الثانية: إذا أطلق ولم يقل شيئا فإنه يلزمه الإنفاق، وقال قوم: لا يلزمه
أن ينفق عليها، ولا يسقيها ولا يعلفها، لأنه مستحفظ في حفظها فأذن له في حفظها،
فأما سقيها وعلفها فلا، والأول أقوى لأن لها حرمة، ويراعى فيها حرمته أيضا ولأن
120

العادة جرت بأن السقي والعلف لا بد منهما، فكأنه تلفظ بذلك.
فإذا ثبت أنه يلزمه فأنفق وأراد أن يرجع عليه بما أنفق، فإنه ينبغي أن يجئ
إلى الحاكم ويعرفه بأن فلان بن فلان أودعه دابة وسافر، فإن الحاكم يفعل بها ما
يرى من المصلحة، فإن يرى من المصلحة أن يبيعها ويحفظ ثمنها على صاحبها
فعل، وإن رأى أن يبيع بعضها وينفق على باقيها، فله ذلك، وإن رأى من
المصلحة أن يؤجرها وينفق عليها من الأجرة، والباقي يحفظ على صاحبها فعل.
وإن رأى أنه يستقرض وينفق نظرت: فإن استقرض من المودع فهل لهذا
المودع أن ينفق عليها أو يؤخذ منه ويدفع إلى أمين الحاكم لينفق عليها؟ على
وجهين:
أحدهما: ليس له أن ينفق عليها بنفسه لأنه لا يجوز أن يكون مستقرضا وهو
ينفق مما استقرض منه، حتى إذا أراد الرجوع فيحتاج أن يقبل قوله.
والوجه الثاني: يجوز أن ينفق هو لأنه كما جاز أن يستقرض من غيره
ويدفع إلى هذا لينفق عليها كذلك إذا استقرض منه جاز أن ينفق هو بنفسه، فإذا
جاء صاحبها نظرت: فإن كان أنفق قدر المعروف فإن القول قول المودع هاهنا،
لأن الأصل الأمانة.
والكلام في الرجوع على صاحبها، فإن كان أنفق هو بنفسه مع القدرة على
الحاكم فإنه لا يرجع لأنه تطوع بذلك، وإن لم يكن حاكم ولا يقدر عليه
نظرت: فإن لم يشهد على نفسه بالرجوع على الإنفاق فإنه لا يرجع لأنه تطوع به
وفرط في ترك الإشهاد، وإن أشهد على نفسه بما ينفق فهل يرجع على صاحبها
أم لا؟ قيل فيه وجهان: أحدهما لا يرجع لأنه أنفق بغير الإذن، وهو لا يلي على
صاحبها وإنما يلي الحاكم، والوجه الثاني يرجع عليه لأن هاهنا موضع
الضرورة.
وهذان الوجهان مبنيان على الوجهين: إذا هرب الجمال وترك الجمال
وأنفق المكري فإذا جاء الجمال فهل يرجع أم لا؟ على وجهين كذلك هاهنا،
121

فمن قال: له أن يرجع هاهنا وفي الفصل الأول حيث قلنا إن له أن ينفق هو
بنفسه، قال في هذين الموضعين: إنما قلنا له ذلك، فإن حاله في التصرف في هذه
الدابة كالحكم إن رأى من المصلحة بيعها أو بيع بعضها فله ذلك وكذلك
الإجارة في الحكم سواء.
فإن لم يسقها ولم يطعمها فماتت الدابة نظرت: فإن كان قد منعها من
العلف في مدة تموت الدابة لمثل تلك المدة لمنع السقي والعلف، فإنه يضمن
قيمتها، لأنه معلوم أنها ماتت من منع علفها، وإن كانت مدة لم تمت الدابة لمثل
تلك المدة فإنه لا يضمن إذا منعت العلف والسقي.
المسألة الثالثة: إذا أودعه دابة أو عبدا وقال: لا تطمعه ولا تسقه، فإن الحكم
في هذه المسألة كالمسألة التي قبلها إذا أطلق حرفا بحرف، إلا في شئ واحد
وهو إذا منع الطعام والشراب عنه فماتت، فإن مات في مدة يموت الحيوان لمثل
ذلك إذا منع الطعام فهل يضمن قيمة العبد أم لا؟ قيل فيه وجهان، وفي الفصل
الأول وجه واحد أنه يضمن وهاهنا وجهان:
أحدهما: يضمن قيمة العبد لأنه مات من منع الطعام، وهو متعد في هذا
الموضع لحق الله، وقال غيره: لا يضمن قيمة العبد لأن الضمان كان لمالكه، فإذا
أمر بأن لا يسقيه ولا يطعمه فقد رضي بإسقاط حقه وإسقاط الضمان عنه، وهذا هو
الأقوى.
وهذا كما لو كان له عبد فأمر بقتله فقتله فإنه وإن كان ليس له قتله فإذا قتله
لم يكن عليه ضمان قيمة العبد بل عليه الكفارة.
والمودع إذا حضرته الوفاة فإنه يلزم أن يشهد على نفسه بأن عنده وديعة
لفلان، ويشهد حتى لا يختلط بماله ويأخذه ورثته، ولا يقبل قول المودع إلا
بالبينة، فإذا لم يكن معه بينة، فالظاهر أن هذا مال الميت فيؤدى إلى هلاك ماله،
والحكم في هذه المسألة إذا حضرته الوفاة وإذا كان عنده وديعة وسافر، فإن
122

الحكم فيه واحد لأن المسافر يعود ويغيب، فكذلك الميت يغيب.
إذا ثبت هذا جميع أحكامه يعتبر بالمسافر مثل ما قلنا فيما قبل، فإن ردها
على صاحبها أو على وكيله فلا يضمن، وإن لم يتمكن من صاحبها وكان وكيله
فرد على الحاكم أو على ثقة فلا يضمن، وإن ردها على الحاكم مع القدرة على
صاحبها أو على وكيله فيضمن، وإن لم يتمكن من الحاكم ولا من صاحبها فردها
على ثقة فلا ضمان، وإن ردها على ثقة مع القدرة على الحاكم فهل يضمن أم لا؟
على وجهين.
إذا أودعها في قرية فنقلها إلى قرية أخرى، فلا يخلو من أحد أمرين: إما أن
يكون نقلها لعذر أو لغير عذر، فإن كان نقلها لعذر مثل النهب والحريق فلا
يضمنها لأن هاهنا موضع الضرورة، وإن نقلها لغير عذر نظرت: فإن كان بين
القريتين مسافة ليس بينهما بنيان، فإنه يضمن، وفيهم من قال: لا يضمن إذا كان
الطريق أمنا، والأول قول الشافعي والثاني قول أبي حنيفة.
وإن لم يكن بينهما مسافة نظرت: فإن نقلها إلى قرية مثلها أهلية في الكبر
وكثرة الناس فيها وكثرة الحصون فإنه لا يضمنها، لأن صاحبها رضي أن يكون
في تلك القرية وفي مثل تلك القرية وهذه مثلها، فكأنها حرز له، وإن كانت
القرية التي نقلت إليها دون القرية التي كانت فيها ضمنها، لأن صاحبها ما رضي
بأن تكون في مثل ذلك، ولا اختار أن تكون تلك القرية حرزا له.
إذا أودع وديعة ففيه ثلاث مسائل:
إحداها: إذا أطلق ولم يقل: احفظها في هذا الموضع، فإن هاهنا يلزمه أن
يحفظها في حرز مثلها، مثل أن يكون دراهم أو دنانير فإنه يحفظها على وسطه وفي
كمه وفي بيته وفي صندوقه وفي خزانته، فإن هلك وكان في حرز مثله أو دونه
بعد أن يكون حرز مثله فلا ضمان عليه.
والمسألة الثانية: إذا قال: أودعتك على أن تحفظها في هذا الموضع، فإنه
يلزمه حفظها في ذلك الموضع، فإن نقلها إلى موضع آخر نظرت: فإن نقلها إلى
123

مثل ذلك الموضع وما في معناه في الحرز والحفظ فإنه لا يضمن، لأن صاحبها
رضي بأن يكون في ذلك الموضع، وما في معناه في الحرز والحفظ.
وهذا كما لو استأجر أرضا ليزرعها طعاما فله أن يزرع فيها ما يكون ضرره
مثل ضرر الطعام، أو دون ضرره.
وإن كان الموضع الذي نقل إليه دون ذلك المكان، فإنه يضمن لأن
صاحبها ما رضي بأن يكون في دون ذلك الموضع الذي نص عليه.
المسألة الثالثة: إذا أودعها وقال: على أن لا تخرجها من هذا الموضع، فنقلها
إلى موضع آخر فلا يخلو: إما أن يكون لعذر أو لغير عذر.
فإن كان لعذر مثل الحريق والنهب فلا ضمان عليه، لأنه موضع الضرورة،
فإن لم ينقلها وتركها حتى تلفت هل يضمن أم لا؟ قيل فيه وجهان: أحدهما يضمن
لأنه يلزمه حفظها وكان الحفظ في نقلها، وهو الأقوى، والثاني لا يضمن لأنه مأذون
فيه في تركها لأنه أخذ عليه أن لا يخرجها وبإذن صاحبها هلكت.
وإن نقلها لغير عذر نظرت: فإن نقلها إلى دون ذلك الموضع فإنه يضمن
لأنه فرط، وإن نقلها إلى مثل ذلك الموضع فهل يضمن أم لا؟ على وجهين:
أحدهما لا يضمن لأنه لما لم يكن فيما أطلق كذلك إذا قيده، والآخر أنه يضمن،
لأنه خالف ما نص عليه من غير فائدة، وهو الأقوى.
ويفارق إذا أطلق لأنه إذا احتمل أن يكون أراد ذلك الموضع بعينه،
ويحتمل مثل ذلك الموضع، وفوض إلى اجتهاده، وليس كذلك إذا قال: لا
تخرجها، لأنه قطع اجتهاده.
فرع المسألة التي قبلها: فإن نقلها وادعى أنه أخرجها للحريق أو النهب والغرق
فإنه لا يقبل قوله إلا ببينة لأن مثل ذلك لا يخفى، وجملته أن كل موضع يدعي
الحريق والنهب والغرق فإنه لا يقبل قوله إلا بالبينة، وكل موضع يدعي السرقة
والغصب أو يقول: تلفت في يدي، فإن القول قوله مع يمينه بلا بينة.
124

والفرق بينهما أن الحريق والغرق لا يخفى، ويمكن إقامة البينة عليها وليس
كذلك السرقة فإنه يتعذر إقامة البينة عليها.
إذا ادعى وديعة فقال المودع: ما أودعتني، وأنكر فالقول قول المودع لقوله
عليه السلام: البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه، والأصل أن لا إيداع
حتى يظهر.
المسألة بحالها: أودع وديعة وادعى المودع بأنه قد ردها على صاحبها،
وأنكر المودع، فالقول قول المودع مع يمينه، لأنه أمينه ولا بدل له على حفظها،
ويفارق المرتهن إذا ادعى رد الرهن، لأن المرتهن يمسكه على نفسه طلبا لمنفعة
نفسه وهو وثيقة يأخذ الحق من رقبة الرهن، والمودع ممسك على غيره حافظ
لغيره من غير فائدة.
إذا أودع وديعة فقال المودع: دفعتها إلى فلان بأمرك، وأنكر المودع ففيه
مسألتان: إحديهما: إذا قال: دفعتها إلى فلان بأمرك، فقال المودع: أمرتك بأن
تدفع إليه لكن ما دفعتها إليه. والثانية: إذا قال: أمرتني بأن أدفعها إلى فلان
فدفعتها إليه، فقال المودع: ما أمرتك بأن تدفعها إليه.
فالمسألة الأولى: إذا ادعى أنه دفعها بأمره وأنكر دفعها فلا يخلو: إما أن
يكون الذي أمره به إسقاط حق مثل الدين الذي عليه أو المهر، أو يكون أمانة.
فإن كان عن دين عليه فإن القول قول المودع بلا يمين، سواء صدقه أو
كذبه لأنه يقول: أنت دفعت لكن دفعا ما كان يبرئني ويلزم الضمان المودع لأنه
كان يلزمه أن يشهد على الدفع فلما لم يشهد فرط فلزمه الضمان.
وإن كان أمانة فقال: أمرتك بأن تدع عند فلان، فهل يلزمه الإشهاد؟ قيل
فيه وجهان: أحدهما لا يلزمه لأنه لا فائدة في الإشهاد، لأنه ليس فيه أكثر من أن
المودع الثاني يدعي الهلاك فيكون القول قوله، والوجه الثاني يلزمه الإشهاد،
وفيه فائدة لأنه ربما أنكره المودع الثاني فيقيم عليه البينة، فإذا ادعى بعد ذلك
الهلاك لا يقبل.
125

إذا ثبت هذا فمن قال: يلزمه الإشهاد، فالقول قول المودع، وقال قوم: القول
قول المودع لأنه أمين، وهو الأقوى، كما لو ادعى أنه دفعها إلى المودع نفسه،
ومن قال بالأول قال: المودع ائتمن هذا الدافع، والمدفوع إليه ما ائتمنه، فوجب
أن لا يقبل قوله على من لم يأتمنه، كما قلنا في الصبي إذا بلغ وادعى الولي بأنه
دفع إليه ماله وأنكر الصبي فالقول قول الصبي، لأن هذا الولي ائتمنه الموصي، وما
ائتمنه هذا الصبي، فلهذا قال الله تعالى: " فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا
عليهم "، وهذا أيضا قوي.
المسألة الثانية: إذا قال: أمرتني بأن أدفعها إلى فلان وقد دفعتها إليه، فأنكر
وقال: ما أمرتك، فإن القول قول المودع لأن الأصل أن لا دفع، ثم لا يخلو حال
المدفوع إليه من أحد أمرين: إما أن يصدقه أو يكذبه.
فإن كذبه فالقول قوله، لأن الأصل أن لا إذن ولا دفع.
وإن صدقه فلا يخلو: إما أن يكون غائبا أو حاضرا، فإن كان حاضرا فقال:
صدقتك أمرك بالدفع ودفعت إلي، نظرت: فإن كانت العين قائمة فإنها ترد
على المودع لأنها عين ماله، وإن كانت تالفة كان المودع بالخيار، إن شاء ضمن
المودع لأنه دفعها بغير إذنه، وإن شاء ضمن المدفوع إليه لأنه أخذها من يد
مضمونة.
فإن ضمن أحدهما فلا يرجع أحدهما على الآخر، فإن ضمن المودع فلا
يرجع على المدفوع إليه لأنه يقول: أنا دفعت إليك لكن ظلمت، وإن ضمن
المدفوع إليه لا يرجع على المودع لأنه يقول: أنت دفعتها إلي وإني قبضت منك
لكن تلفت في يدي وأنا كنت أمينا فظلمت.
فأما إن كان غائبا فإنه يضمن المودع لأنه دفعها بغير إذنه، فإن جاء الغائب
فلا يخلو: إما أن يصدقه أو يكذبه، فإن كذبه فلا كلام، لأنه قد ضمن المودع،
وقلنا إنه لا يرجع، وإن صدقه فقال: دفعتها إلي وقبضتها منك، فلا يخلو حال
العين من أحد أمرين: إما أن تكون باقية أو تالفة، فإن كانت باقية فإنها تؤخذ
126

وتدفع إلى المودع ويسترجع منه ما قد ضمن المودع، ويرد على المودع، وإن
كانت تالفة فلا يرجع أحدهما على أحد، وما كان قد ضمنه صح ضمانه ولا
رجوع.
إذا كان الكيس للمودع فقال: احفظها في هذا الكيس، فإن حفظها في
كيس فوقه في الحرز فلا يضمن، وإن حفظها فيما هو دونه ضمن، وهذا كما لو
قال: احفظها في هذا البيت، فنقلها إلى بيت فوق منه لم يضمن، وإن نقلها إلى بيت
دونه يضمن كذلك هاهنا مثله.
وإن كان الكيس للمودع فقال: احفظها في هذا الكيس، ثم أخرجها من
الكيس فإنه يضمن الكل لأنه هتك حرز صاحبها، كما لو أودعها وكان في
الصندوق فأخرجها من الصندوق من غير عذر فإنه يضمن، لأنه هتك حرزه
كذلك هاهنا مثله.
وإذا أكره على الأخذ فلا ضمان عليه، لأنه لو أخذه من غير إكراه لم يكن
عليه ضمان فبأن لا يكون عليه ضمان بالإكراه أولى، وإذا أكره على أخذه منه
وأمكنه من دفعه عن نفسه فلم يفعل، فعليه الضمان لأنه فرط، وإن لم يتمكن من
الدفع عن نفسه لم يضمن.
ولو أودع صندوقا وشرط وقال: لا ترقد عليه، فرقد ونام عليه أو طرح
متاعا عليه أو قفله أو كان عليه قفل فقفله بآخر فلا ضمان عليه، لأنه زاده حرزا،
وفي الناس من قال: يلزمه الضمان لأنه نبه عليه اللصوص بأن فيه مالا بالرقاد
عليه، والأول أقوى، لأن الأصل براءة الذمة، وهذا مثل أن يقول: اطرحها في
صحن دارك، فأدخلها في البيت وقفله، فإنه لا يضمن لأنه زاده حرزا.
ويفارق ما قالوه من أنه نبه عليه اللصوص بأن فيه بضاعة، لأنه لو قال بلفظه:
إن فيه مالا، لم يضمن، فبأن لا يضمن بالتنبيه أولى، وكذلك لو دفع إليه حمل
متاع ليحمله إلى بلد آخر فنام عليه، لم يضمن لأنه بالنوم عليه زاده حرزا، ولو قال
له: اطرحها في بيتك واحفظها وإن فزعت عليها فلا تخرجها، ففزع عليها
127

فأخرجها وحفظها في حرز مثله لم يضمنها لأنه زاده حرزا وبالغ في الحرز.
ولو أودعه خاتما فقال: دعها في إصبعك الخنصر، فوضع في البنصر لم
يضمن لأن الخاتم في البنصر أوثق لأن في الخنصر سريع القلق، ولو قال: دعها
في إصبعك البنصر، فوضعها في الخنصر، فإنه يضمن لأنه وضعها فيما دون منه
من الحرز، وكذلك إن كان يضيق به على البنصر فأمره أن يجعلها في الخنصر
فأدخلها بنصره فانكسرت ضمن الأرش، لأنه تحامل عليها وتعدى فيها.
إذا أودعه دراهم فخلطها بدنانير، أو كان أودعه دنانير فخلطها بدراهم معه،
أنه لا يضمن لأن الدراهم والدنانير لا تخلط خلطا لا يتميز، وإذا كانت متميزة لم
يضمنها، بلى إن تغيرت الدراهم وتوسخت كان عليه أرش ما نقص.
إذا طالب المودع المودع فقال: لم تودعني شيئا، وأنكر فأقام المودع البينة
أنه كان أودعه فقال: صدقت البينة كنت أودعتني لكن تلفت مني قبل ذلك، فإنه
لم يسمع هذا القول، وعليه الضمان لأن البينة قد أكذبته، وبأن كذبه بالبينة، فإن
أتى هذا المودع ببينة تشهدان بأن الوديعة تلفت فهل تسمع هذه البينة وسقط عنه
الضمان أم لا؟ على وجهين:
فقال بعضهم: لا يلتفت إلى هذه البينة لأنه قد كذبها، وذلك أن تحت قوله:
ما أودعتني، إنكار أن يكون هناك وديعة تلفت، فإذا شهدت البينة بتلفها فهي
تشهد له بشئ قد أنكره وأكذبها، فلم يقبل، وقال قوم: إنه ينظر فإن شهدت
بالتلف بعد إنكاره وجحده لم يسمع، وإن شهدت بأنها تلفت قبل الإنكار
والجحود قبلت لأن الوديعة إلى حين تلفها كان المودع على أمانته، وطريان
الجحود لا يقدح في أمانته، والأول أقوى، والثاني أيضا قريب.
إذا أودع وديعة فقال: اجعلها في كمك، فجعلها في يده، قال قوم: لا
يضمن لأن اليد أحرز من الكم، وقال آخرون: إنه يضمن لأنه إذا أمسكها في يده
فقد يسهو وتسترخي يده منها، وليس كذلك الكم لأنه قد أمن من أن تسقط
بالاسترخاء لأنه يعلم خفته، ويقوى في نفسي أنه من حيث خالف صاحبها فكان
128

ذلك تعديا لا أنه لم يخالفه أفضل حفظه.
إذا دفع إليه شيئا فقال: اتركه في جيبك، فطرحها في كمه، يضمن، ولو
قال: اربطها في كمك، فطرحها في جيبه لا يضمن لأن الجيب أحرز من الكم،
وأما إذا قال: اتركها في جيبك، فتركها في فمه ضمن لأنه نقلها إلى ما هو دونه،
لأنه ربما بلعها، وربما سقط من فمه، وليس كذلك الجيب لأن الجيب لا يقع منه
إلا إذا بط.
إذا قال له: اتركها في جيبك، فربطها في طرف ثوبه وأخرجها إلى برا
فتلفت لزمه الضمان، لأنه أخرجها إلى ما هو دون الحرز لأن الجيب أحرز من برا.
إذا أودع وديعة في السوق فقال: اتركها في بيتك، فإنه يلزم في الحال أن
يحملها إلى البيت لكن لا يعدو، بل يمشي على تؤدة على حسب عادته، فإذا جاء
إلى باب الدار يدق ويقف مقدار ما جرت به العادة بأنه يفتح في ذلك القدر،
فإن تلفت في تلك الحال لم يضمن، وإن لم يحملها حين الأخذ وكان يتمكن من
حملها فتركها زمانا ثم قام وحملها فتلفت في يده، ضمن لأنه تعدى في ذلك القدر
الذي حبسها، وكان قادرا على الحمل.
ما يتلف في يد الصبي على ثلاثة أضرب: أحدها ما يدفع إليه باختياره
ويسلطه على هلاكه وإتلافه، الثاني ما لم يسلط عليه ولم يختر هلاكه، والثالث إذا
دفع إليه باختياره ولم يسلطه على هلاكه وإتلافه.
أما ما دفع إليه باختياره وسلطه على هلاكه، مثل البيع والقرض والهبة إذا
وهبه وأقبضه فإن هاهنا لا يضمن لأنه باختياره هلك لأن بيع الصبي وهبته كلا
بيع، فإذا باعه من صبي وعلم أن بيعه كلا بيع فقد رضي بهلاكه وإتلافه، كما لو
دفع إلى بالغ شيئا فقال: أتلفه، فأتلفه لم يكن عليه الضمان، لأنه باختياره أتلفه
كذلك الصبي.
الثاني: إذا جنى هذا الصبي على مال رجل فإن الضمان يتعلق بذمته في ماله،
لأن في باب إتلاف الأموال الصبي والبالغ سواء، وإن كانت الجناية على بدن
129

فعلى ما مضى إن كان خطأ أو عمدا على عاقلته، لأن عمد الصبي وخطأه سواء،
وفي الناس من قال: إن عمده عمده يجب عليه الدية في ماله، هذا إذا لم يدفع إليه
باختياره ولم يسلط عليه.
وأما الضرب الثالث: إذا دفع إليه باختياره ولم يسلطه على الإتلاف، فهو إذا
كان قد أودع وديعة عندي صبي وتلفت في يده، فهل يلزمه الضمان؟ قيل فيه
وجهان: أحدهما لا يلزمه الضمان وهو الأقوى لأن باختياره سلطه على إتلافها
وهلاكها، فأشبه البيع كما لو باع، والثاني أنه يضمن لأنه ما اختار التسليط، وهذه
المسألة لها نظائر في البيع والجناية.
صبي أودع وديعة عند رجل يلزمه الضمان لأن دفع الصبي لا حكم له، فلما
لم يكن له حكم فقد أخذها ممن ليس له الأخذ منه، فإن أراد ردها إلى الصبي لم
يزل الضمان، لأن بالأخذ لزمه الضمان فلا يسقط بهذا الرد، لأن هذا رد على من
ليس له أن يردها عليه، إلا أن يردها على ولي الصبي فإنه يزول بهذا الرد الضمان.
فأما إن أودع عبدا فالكلام في العبد قريب من الكلام في الصبي، كذلك
إتلاف العبد على ثلاثة أضرب: أحدها ما يكون قد اختار أن يسلطه على هلاكه،
والثاني ما اختار أن يسلطه على هلاكه وإتلافه، والثالث إذا اختار الدفع إليه ولم
يختر التسليط على الهلاك:
فإن كان اختار التسليط على هلاكه، مثل أن يكون قد باعه من عبد أو
أقرضه أو وهبه منه وأقبضه، فتلف في يده، فإن هناك لا يتعلق الضمان برقبته،
وإنما يتعلق الضمان بذمته، لأنه مكلف ويتبع به إذا أعتق.
الضرب الثاني: إذا لم يختر التسليط على هلاكه مثل الجناية، عبد جنى
جناية يلزمه الضمان ويتعلق برقبته.
الضرب الثالث: إذا اختار الدفع ولم يختر الهلاك والإتلاف، مثل أن
أودعه وديعة فالضمان على وجهين، فإن غلبنا الجناية تعلق الضمان برقبته، وإن لم
نغلب الجناية فالضمان يتعلق بذمته، وإن شئت قلت: إن قلنا في الصبي يضمن
130

فضمان العبد يتعلق برقبته، وإن قلنا الصبي لا يضمن يتعلق في العبد الضمان
بذمته، وهذا هو الأقوى عندي.
رجل مات ووجد في روزنامجته مكتوب: لفلان عندي كذا وكذا، أو وجد
في خزانته شئ مكتوب عليه: لفلان بن فلان، لا يلزم الورثة رد ذلك على من
وجد اسمه، لأنه يجوز أن يكون الميت قد رده عليه، ونسي ولم يمح اسمه، ويجوز
أن يكون كان وديعة عنده فاشتراها من صاحبه ولم يمح الاسم فتركه كما كان.
فأما إذا أقر فقال: لفلان عندي وديعة، أو لفلان علي شئ، فمات أو أقر
الورثة بأن لفلان على مورثه كذا وكذا أو أقيم البينة بأن عليه لفلان كذا وكذا
نظرت: فإن كانت العين باقية ردت على صاحبها، وإن كانت تالفة نظرت: فإن
كان ماله كثيرا يتسع هذا والغرماء جميعا فإنه يدفع قيمة ذلك من التركة، وإن
كان المال ضيقا قال قوم: حاص رب الوديعة الغرماء على كل حال.
وقال قوم: هذا إذا كان أقر ومات، وكان في ماله من جنس ما أقر به مثل
الدراهم والدنانير، فإنه لا يمكن أن ندفع إليه من هذا المال لأنه يجوز أن هذا ليس
بعين ماله، ولا يمكن أن يبطل حقه فلا يدفع إليه شيئا، لأنه يجوز أن يكون هذا
عين ماله، فإذا كان كذلك حاص الغرماء، فأما إذا لم يكن في تركته من جنس
ذلك العين فلا يدفع إليه شيئا، لأنه يجوز أنها تلفت قبل ذلك فلا يلزمه الضمان.
وفي الناس من قال: هذا إذا كان قد أقر به حين حضرته الوفاة فقال: لفلان
عندي كذا وكذا، أو لفلان قبلي كذا وكذا، ولم يوجد العين في تلك الحال، فإنه
يضرب مع الغرماء لأنه يحتمل أن يكون كانت وديعة عنده فتعدى فيها
واستهلكها فأقر بها فإنه يضرب مع الغرماء.
وفي الناس من قال: يضرب مع الغرماء بكل حال سواء كان في ماله من
جنس ذلك أو لم يكن، وهو الأقوى لأمرين: أحدهما الوديعة إذا حصلت في يد
المودع يلزمه الرد، فإذا شككنا في الهلاك هل هلك أم لا فلا يسقط الرد إلا بعد
تحقق الهلاك، ولا يسقط عنه الضمان بالشك، والثاني أنا قد تحققنا أن عنده
131

وديعة يجب عليه ردها، لكن جهلت عينها فوجب ضمانها في ماله، كما لو كانت
عنده وديعة فدفنها وسافر ولم يطلع عليها أحدا، فإن الضمان يجب عليه بالسفر،
والموت في هذا المعنى واحد.
إذا خلط الوديعة بماله خلطا لا يتميز، مثل أن كانت دراهم فخلطها بدراهم أو
دنانير فخلطها بدنانير أو طعاما فخلطه بطعام مثله، سواء كان ما خلطه بها مثلها أو
دونها، فإنه يضمن، وقال قوم: إن خلطها بما هو مثلها لم يضمن، وإن خلطها بما هو
دونها ضمن.
إذا أودعه دراهم أو دنانير فأنفقها ثم رد مكانها غيرها لم يزل الضمان، وقال
قوم: يزول لأن عند هذا القائل له إنفاق الوديعة، وأقل الأقسام أن يكون دينا في
ذمته والدين في ذمته أحفظ للمودع من الحرز، وهذا باطل، لأنه تعدى ولزمه
الضمان، وزواله يحتاج إلى دليل.
ولو أمره أن يكري دابته لحمل القطن فأكراها لحمل الحديد ضمن، لأن
الحديد يضر بالدابة ما لا يضر به القطن، وإن أذن له أن يكريها لحمل الحديد
فأكراها لحمل القطن ضمن لمثل ذلك، ولأنه خلاف المأذون فيه لا لضرورة،
وإن أذن له أن يكريها للركوب فحمل عليها رجلا جسيما ضخيما عظيم الجثة
ضمن، لأن العادة لم تجر بركوب مثل هذا فلم يتضمن إذنه ذلك فلذلك ضمن.
وإن أذن له أن يكريها للركوب بسرج فأكراها عريانا رجع إلى أهل
الخبرة، فإن قالوا: ركوبها بالسرج أخف، لزمه الضمان، وإن قالوا: ركوبها
عريانا أخف من ركوبها بسرج، لم يضمن، لأن له أن يؤجرها لما ضرره ضرر ما
جرى به الإذن، ويقوى عندي أنه يضمن على كل حال لأنه خالف المأذون فيه.
وإذا ادعى رجلان وديعة وقال المودع: هي لأحدكما، ولا أدري أيكما هو،
قيل لهما: هل تدعيان شيئا غير هذا بعينه؟ فإن قالا: لا، حلف المودع أنه لا
يدري لأيهما هو، ووقف لهما جميعا حتى يصطلحا فيه أو يقيم أحدهما البينة،
وأيهما حلف مع نكول صاحبه كان له.
132

وجملته أن حال المودع لا يخلو من أربعة أشياء: إما أن ينكرهما معا، أو
يعترف لأحدهما بعينه، أو يقر لهما معا بها، أو يقر بها لأحدهما لا بعينه.
فإن أنكرهما معا فقال: هي لي وملكي لا حق لأحدهما فيها، فالقول قوله مع
يمينه لأنه مدعى عليه فيحلف لكل واحد منهما يمينا أنه لا حق له فيها، فإذا حلف
سقطت دعواهما وخلص ملكها له دونهما.
وإن أقر لأحدهما بعينه فإن إقراره مقبول، لأن يده عليها، والظاهر أنها ملكه،
فإذا أقر بها لإنسان قبل إقراره فيها، وهل يحلف للآخر؟ قيل فيه قولان، بناء على
القولين.
إذا أقر لزيد بدار ثم رجع فقال: لا بل لعمرو، ففيها قولان: أحدهما يغرم
لعمرو قيمتها، والثاني لا يغرم، لكن لا ينتزع من يد زيد قولا واحدا.
وهذا كرجلين تداعيا نكاح امرأة فأقرت لأحدهما هل تحلف للآخر أم لا؟
وهكذا لو أقرت لواحد بالزوجية، ثم رجعت فقالت: لا بل فلان تزوجني، فهل
يغرم للثاني مهر مثلها أم لا؟ على قولين.
وكذلك رجل باع شيئا ثم ادعى بأن هذا الشئ الذي باعه لزيد، وصدقه
المشتري هل يغرم لهما أم لا؟ على قولين، كذلك هاهنا هل يحلف للثاني أم لا؟
على قولين.
إذا ثبت هذا فمن قال: لا يمين، فلا كلام، ومن قال: عليه اليمين للثاني، أنه لا
حق له في هذا، فلا يخلو من ثلاثة أحوال: إما أن يحلف أو يعترف أو ينكل، فإن
حلف سقطت دعواه، وإن اعترف لم ينتزع الدار من يد المقر له الأول، وعليه
القيمة للمقر له الثاني هاهنا، لأنا فرعنا هذا على القول الذي يقال إنه يوجب عليه
اليمين والضمان.
فأما إن لم يقر ولم يحلف ونكل، فرد اليمين على الثاني، ويحلف ليحصل
للأول إقرار المدعى عليه، ويحصل للثاني يمينه مع نكول المدعى عليه، وهو
يجري مجرى الإقرار فيصير في الحقيقة كأنه قد أقر بها لكل واحد منهما.
133

والحكم فيه قيل فيه ثلاثة أوجه: أحدها أن توقف الدار والشئ المتنازع فيه
حتى يتبين أو يصطلحا، والوجه الثاني يقسم بينهما، الثالث يقر في يد المقر له
الأول ويغرم قيمتها للثاني، لأن يمين الثاني مع نكوله يجري مجرى الإقرار، وقد
تقدم إقراره بها للأول، فصار كأنه أقر للثاني بعد أن كان أقر بملكها، فوجب أن
يقر في يد من يقر بها له، ويغرم للثاني، وهذا هو الأقوى.
الثالث: أن يقر بها لهما معا فقد أقر لكل واحد منهما بنصفها، ويدعي كل
واحد منهما نصف ذلك الشئ، فالحكم في النكول عن اليمين والوقف والقسمة
والغرم في هذا النصف كالحكم في جميع الدار في الفصل الأول وقد مضى.
الرابع: إذا قال: هو لأحدكما لا بعينه، ولا أعرف عينه، فقال لهما: هل
تدعيان علمه؟ فإن لم يدعيا ذلك توقف حتى يصطلحا معا، لتساويهما في الإقرار
لهما، وما الذي يصنع به؟ وجهان: أحدهما ينتزع من يده ويوضع على يدي
عدل حتى يصطلحا لأنه لا حق له فيها، والثاني أنها تقر في يده، لأنا إن انتزعنا من
يده لا نسلم إلى أحدهما، وإنما يوضع على يدي عدل، وهو عدل، وهذا أقوى.
وإن ادعيا العلم وقال كل واحد منهما: أنت تعلم أن جميع هذه الدار لي،
وأنكر فالقول قوله مع يمينه، لأنه مدعى عليه، فيحلف ويبرأ يمينا واحدة أنه لا
يعلم لأيهما هي، وقال قوم: يحلف لكل واحد منهما، وهذا الأقوى كالفصل الأول
إذا أنكر لهما معا.
قال المخالف: والفرق بينهما أن هناك أنكر كل واحد منهما، فإذا حلف
لم يكن ذلك اليمين يمينا للآخر، وليس كذلك هاهنا، لأنه إذا قال: لا أعرف
أيكما هو مالكها، وحلف فقد حلف لكل واحد منهما، فإن حلف سقطت دعواه،
وصار كما لو صدقاه، وقد مضى الكلام عليه، وهل ينتزع من يده أو يقر في يده؟
على القولين.
ثم يبقى الحكومة بينهما بين المتداعيين، فإن حلف أحدهما ونكل الآخر
قضي بها للذي حلف دون المنكر، وإن حلفا فقد تساويا، وفيها قولان: أحدهما،
134

يقسم بينهما نصفين، والثاني يوقف حتى يصطلحا فيها، والأقوى الأول، وإن
استعمل القرعة في ذلك كان قويا.
135

تبصرة المتعلمين
الفصل السابع: في الوديعة:
وهي عقد جائز من الطرفين، ويجب حفظها بمجرى العادة، ولو عين
المالك حرزا تعين، فلو خالف ضمن إلا مع الخوف.
ويجب على الودعي علف الدابة وسقيها، ويرجع به [على المالك] ويضمن
المستودع مع التفريط لا بدونه، ولا يزول إلا بالرد إلى المالك أو الإبراء،
ويحلف للظالم ويوري، ولو أقر له لم يضمن.
ويجب ردها عقلا على المودع أو إلى ورثته بعد موته إلا أن يكون غاصبا
فيردها على مالكها، ومع الجهل لقطة يتصدق بها إن شاء إلا أن يمتزج بمال
الظالم فيردها عليه.
والقول قول الودعي في التلف وعدم التفريط والرد والقيمة مع يمينه، وقول
المالك أنه دين لا وديعة مع التلف.
والقول قول الودعي في التلف وعدم التفريط والرد والقيمة مع يمينه، وقول
المالك أنه دين لا وديعة مع التلف.
137

إرشاد الأذهان
المقصد السابع: في الوديعة:
وهي عقد جائز من الطرفين يبطل بالموت والجنون، ولا بد من إيجاب، وهو
كل لفظ يدل على الاستنابة في الحفظ، ولا يشترط القبول لفظا.
ويجب حفظها مع القبول بما جرت عادتها بالحفظ، ويختلف الحرز،
كالصندوق للثوب والنقد، والإصطبل للدابة، والمراح للشاة، ولا يجب الحفظ لو
طرحها عنده من غير قبول أو أكره على القبض.
ويجب سقي الدابة وعلفها بنفسه وبغلامه، ولا يخرجها من منزله للسقي إلا
مع الحاجة، ولو أهمل ضمن إلا أن ينهاه المالك فيزول الضمان لا التحريم.
ويقتصر على ما يعينه المالك من الحرز، فإن نقل ضمن إلا مع الخوف أو
إلى أحرز، ولو قال: لا تنقلها، ضمن كيف كان إلا مع الخوف وإن قال: وإن
تلفت.
والمستودع أمين لا يضمن إلا مع التفريط ولا بأخذها منه قهرا، ويجوز
الحلف للظالم ويوري.
ولا تصح وديعة غير العاقل فيضمن القابض، ولا يبرأ بالرد إليه وإن كان
مميزا، وإن أودع لم يضمن بالتفريط.
ويجوز السفر بها مع خوف الإقامة، ولو ظهرت أمارة الخوف في السفر لم
139

يجز. ولو أنكر الوديعة، أو ادعى التلف، أو الرد على إشكال، أو عدم التفريط، أو
قدر القيمة فالقول قوله مع يمينه.
ولا يبرأ لو فرط بالرد إلى الحرز، ويبرأ بالرد إلى المالك، أو وكيله أو
الحاكم مع الحاجة، أو إلى ثقة معها إذا فقد الحاكم، ولو دفعها إلى الثقة مع
قدرته عليه أو على المالك ضمن، ولو أراد السفر فدفنها ضمن إلا مع خوف
المسارعة.
ولو ادعى الإذن في الدفع إلى غير المالك، أو أنكرها فقامت عليه البينة
فادعى التلف، أو أخر الإحراز مع المكنة، أو سلم إلى زوجته، أو أخر دفعها مع
الطلب والإمكان، أو فرط بطرحها في غير حرز، أو ترك سقي الدابة أو نشر
الثوب، أو سافر مع الأمن والخوف، أو لبس الثوب، أو ركب الدابة، أو خلطها
بماله بحيث لا يتميز، أو مزج الكيسين، أو حملها أثقل من المأذون أو أشق، أو
فتح قفل المالك وأخذ بعضها أو لا ضمن.
ولو أخذ البعض من تحت قفله ضمن المأخوذ خاصة، ولو أعاده ومزجه
بحيث لا يتميز لم يبرأ ولم يضمن الباقي، ولو أعاد بدله ومزجه بحيث لا يتميز
ضمن الجميع.
ويجب أن يشهد لو خاف الموت، ولو مات ولم توجد أخذت من التركة
على إشكال، ويجب ردها على المالك وإن كان كافرا لا غاصبا، بل ترد على
المغصوب منه، ولو جهله تصدق وضمن، أو أبقاها أمانة ولا ضمان، ويحلف لو
طلبها، ولو مزجها الغاصب بماله بحيث لا تتميز رد الجميع إليه.
ولو مات المالك سلمت إلى وارثه، فإن تعدد سلم إلى الجميع أو وكيلهم،
ولو دفع إلى البعض ضمن حصص الباقين، ولو ادعاها اثنان صدق في
التخصيص، ولو ادعى الآخر علمه أو ادعياه مع الاشتباه حلف.
140

تلخيص المرام
كتاب الوديعة
الرابع:
الوديعة أمانة يجب حفظها، ولا يضمن وإن شرط عليه الضمان إلا مع
التفريط، ويجوز الحلف عند مطالبة غير المستحق ويؤدي، فلو سلمها مع رضاه
منه باليمين ضمن، ولا يجب تحمل الضرر الكثير، وهي جائزة من الطرفين وتبطل
بالموت والجنون منهما.
والحفظ يختلف والبناء على العادة، ويجب سقي الدابة وعلفها، ويضمن
بالإخلال وإن لم يأمره، ولا يضمن لو أمره بالترك وإن حرم، ولو عين موضع
الحفظ اقتصر ويضمن لو نقل إلا مع خوف التلف أو إلى أحرز، ولو قال: لا تنقلها
من هذا، ضمن به إلا مع خوف تلفها فيه، ولو قال: وإن تلفت، ولو أمره بوضع
الخاتم في الخنصر فوضعه في البنصر، أو بوضع الوديعة في كمه فوضعها في
جيبه لم يضمن، بخلاف العكس فيهما، ولو أمره بالوضع في الكم فوضعها في
فيه أو في يده ضمن على رأي.
ولا تصح وديعة غير المكلف ويضمن المستودع وإن رد إليه، ولا يضمن لو
استودع فأهمل، ويجب على المستودع الإشهاد عند الوفاة والسعي إلى الحرز
بالعادة والرد عند المطالبة، إلا أن يكون غاصبا فيرد على صاحبها، ومع الجهل
جاز أن يتصدق بعد تعريف سنة أو تملكها ويضمن على رأي، ولو مزجها
141

الغاصب ولم يتمكن من التخلص ردت إليه.
ولو أودع المستودع من غير إذن أو ضرورة أو سافر بها كذلك، أو
تصرف فيها لنفسه، أو طرحها في غير حرز، أو ترك نشر الثوب المفتقر إليه، أو
أخر تركها في الحرز، أو سلمها إلى زوجته لتحرزها، أو منع من الرد مع القدرة،
أو جحد وشهد عليه، أو اعترف بعده، أو خلطها بماله، أو فتح ختم الكيس، أو
مزج الكيسين المودعين، أو حمل الدابة أثقل من المشروط، أو سار، أو فتح
ما غلقه المودع وأخذ البعض أو سلم إلى الحاكم أو الثقة مع عدم العذر أو إلى
الثقة مع وجود الحاكم والحاجة إلى التسليم، أو دفنها مع إرادة السفر وعدم
خوف المسارعة، أو سلمها إلى بعض الوارث ضمن.
ولو أعاد الوديعة إلى الحرز بعد إخراجها لم يبرأ إلا في الدابة للسقي مع
الضرورة، ويبرأ لو جدد الاستئمان أو أبرأه من الضمان، ولو دفعها إلى غير المالك
قهرا على رأي، أو طرحت عنده ولم تستودع، أو أكره على قبضها وأهمل فيها، أو
سافر بها مع خوف تلفها إذا أقام بها، أو نوى التصرف ولم يفعله، أو أودعها ثقة
مع خوف تلفها، أو عدم الحاكم، أو أقر لمن يريد أخذها ظلما من غير خوف على
رأي، فلا ضمان.
ولو كانت الوديعة في حرز المستودع فأخذ بعضها ضمنه خاصة، وكذا إن
أعاده ومزجه وإن أعاد بدله ومزجه بحيث لا يتميز ضمن الجميع.
ولو أنكر الوديعة أو ادعى التلف أو الرد أو القيمة مع التفريط على رأي،
فالقول قوله مع يمينه، ولو دفعها إلى الغير وادعى الإذن ضمن ولو صدقه،
ولا يضمن بترك الإشهاد على التسليم، ولو أنكر الوديعة فقامت البينة فادعى
التلف قبل الإنكار سمعت بينته على رأي، ولو ادعاها اثنان فصدق أحدهما أو
كذبهما قبل، وإن نفى العلم أقرت في يده إلى أن يثبت المالك، ولو ادعى عليه
العلم فعليه اليمين، ولو مات المستودع وعلمت الوديعة وجهلت عينها، قيل:
يخرج من الأصل، ولو أمره بالإيداع فأنكر الثالث ولا بينة عليه حلفا له.
142

والعارية أمانة، لا يضمنها المستعير إلا أن يكون ذهبا أو فضة، أو يشترط، أو
يكون المعير غير مالك، أو يستعير الصيد وهو محرم، أو يفرط، والقول قوله في
القيمة يوم التلف على رأي.
والتفريط، ولو جحد الإعارة بطل الاستئمان، ويشترط أن يكون المعير جائز
التصرف إلا أن يأذن المولى للصغير مع المصلحة.
وصحة الانتفاع مع بقاء العين، ولو استعار من الغاصب مع العلم والتلف
في يده ورجع عليه لم يرجع على الغاصب، ولو رجع على الغاصب رجع عليه،
ولو كان لا معه ضمن الغاصب خاصة.
ويقتصر المستعير على المأذون، وإلا بنى على العادة، ولو خالف المأذون
ضمن وعليه أجرة المثل إن كان مما يستأجر له، ولو أذن له في الغرس والزرع،
قيل: له القلع مع الأرش وله بيعه على المعير وغيره، ولو حملت الريح الحب
فنبت كان للمالك قلعه ولا أرش، ولو أعاره للدفن لم يكن له قلع الميت، ولو
أذن له في طرح خشبة فله الإزالة مع الأرش، إلا أن يكون الطرف الآخر في ملكه
ويؤدي إلى خرابه، ولو انقلعت لم تجدد إلا بالإذن، وكذا في الغرس.
ولا يعير المستعير ولا يؤجر إلا بالإذن، وإنما يبرأ المستعير بالرد إلى المالك
أو الوكيل، ولو أعار إلى المسافة المأذون فيها بعد التعدي لم يبرأ، ولو نقصت
بالاستعمال ثم تلفت مع التفريط ضمن يوم التلف لا مع النقص، ولو قال
المالك: آجرتك، وادعى العارية حلف المالك على عدمها وله أجرة المثل على
رأي، وكذا لو ادعى عارية الأرض المزروعة، وإن كان الاختلاف عقيب القبض
فالقول قول من ينكر الأجرة، والقول قول المالك في الرد.
ويجوز إعارة الشاة للحلب، ويكره استعارة الأبوين للخدمة، ويستحب
للترفه.
143

المسائل لابن طي
المقصد الخامس: الوديعة والعارية:
وفيهما مسائل:
مسألة [1]: إذا نقل المستودع الوديعة عن الحرز المعين يضمن وإن كان إلى
أحرز أم في صورة الأحرز لا يضمن؟
الضمان قوي وعدمه مشهور، قال يضمن مطلقا إلا مع الخوف.
مسألة [2]: لو استعار شيئا فطريق التخلص من ضمانه أن يقول له المالك:
أذنت لك في التصرف وأن تضعه في حرز وغيره.
مسألة [3]: لو استعار إنسان من غيره شيئا وطرحه في غير حرز ضمن، ولم
تصح عبادته إن علم كراهية المالك، وإن لم يعلم عدم الكراهية فصلاته
صحيحة.
مسألة [4]: لو ادعى الناقل عن الحرز المعين السبب كالغرق فأنكر، احتمل
تقديم قول المالك والودعي، نعم يقدم الودعي.
مسألة [5]: لو جحد الوديعة ثم أقام البينة عليه أي المالك لها، ثم ادعى
145

التلف هل تقبل بينته أم لا؟
الجواب: الأقرب نعم.
مسألة [6]: إذا تعدى في العين المستعارة هل يضمن أعلى القيم من حين
التعدي إلى حين التلف؟ قال: يضمن القيمة حين التلف.
مسألة [7]: لو قال: رد على وكيلي، فطلب الوكيل فامتنع ضمن، ولو لم
يطلب وتمكن من الرد ففي الضمان إشكال، قال: إن دل اللفظ على الاتصال مطلقا
ضمن، وإن دل على الإيصال مع الطلب فلا ضمان.
مسألة [8]: لو أنكر الوديعة - إلى قوله - فالقول قوله وفي الرد نظر، قال:
يقبل قوله في الرد قطعا أعني الودعي إن كان بغير جعل، قال: وإن مات
المستودع ولم توجد الوديعة في تركته فهي والدين سواء على إشكال، هذا إن أقر
إن عنده وديعة... إلى آخره، أما لو كان عنده وديعة في حال الحياة ولم توجد
عينها ولم يعلم بقاءها ففي الضمان إشكال، لا ضمان نعم.
مسألة [9]: إعارة القلائد وشبهها هل يضمن من غير تفريط؟
الجواب: نعم يضمن إذا كانت من ذهب أو فضة.
مسألة [10]: قوله في التحرير في الوديعة: لو ادعى الرد فالقول قوله مع يمينه
إلا أن يدعي الرد على غير من ائتمنه، كدعوى الرد على وارث المالك، أو دعوى
وارث المستودع على المالك، أو دعوى من طيرت له الريح ثوبا إلى داره، أو
دعوى المستودع الرد على وكيل المالك ففي هذه المواضع لا بد من البينة.
146

مسألة [11]: المستودع إذا لم يكن أحرز إلا ببيته، وعنده في البيت زوجته
وأولاده ولا يمكنه جعلها في صندوق بل يحفظها كما يحفظ رحله، هل يضمن أم
لا؟ إذا علم المودع بذلك كفى وإن لم يعلم فالضمان لأنه حرز لم تجر العادة
العامة به.
مسألة [12]: إذا غرم الإنسان على وديعة هي عنده شئ من ماله لأجل دفع
الظالم عنها، فهل يرجع به على المودع أم لا؟
الجواب: إن كان ذلك بإذن الحاكم فله وإلا احتمل عدمه، ويحتمل
الرجوع لأنه من ضرورات الحفظ فهو كالعلف.
وكتب محمد بن مكي:
مسألة [13]: لو كانت عادة أهل بلد أن يشردوا حيوانهم ودوابهم إلى
الصحراء للرعي حتى أودع واحد منهم دابة وكانت بينه وبين آخر وخلاها للرعي
بمجرى عادة تلك البلد، هل يضمن أم لا، وكذا لو كانت عادة أهل بلد يسلموا
مواشيهم إلى الراعي ليرعاها في الصحراء، فسلم إنسان وديعته إلى الراعي هل
يضمن أم لا؟
الجواب: لا يضمن مع عدم التفريط ويصح تسليمها إلى الأمين مع الاحتياط
لترعى بمجرى العادة.
مسألة [14]: لو كان لإنسان دارا معتادة بالسرقة وعليها أغلاق بمجرى
عادتها هل تكون هذه حرز أم لا؟ ولو كان عنده وديعة لا تنحفظ إلا ببيعها
كالحنطة والتمر مثلا وإن لم يبعها سوست هل يجوز بيعها أم لا؟ ولو لم يبعها هل
يضمن أم لا؟
147

مسألة [15]: قوله في الوديعة: ولو سافر بها من غير إذن أو من غير ضرورة،
قال: يريد بالضرورة ضرورة المستودع.
مسألة [16]: لا يشترط تعين الشئ المعار، فلو قال: أعرتك إحدى هاتين
الدابتين أو أحد العبدين، صح.
مسألة [17]: قوله في الشرائع: ولو أراد السفر فدفنها ضمن إلا أن يخاف
المعاجلة فما مراده بذلك؟ المراد يخاف تلفها قبل إيصالها إلى صاحبها أو إلى
الحاكم.
وهل هذا دليل على أن الدفن يضمن به الوديعة أم لا؟
الجواب: في موضع يجوز لا يضمن كما إذا تعين الدفع للحرز.
مسألة [18]: إذا ادعى المالك العارية المضمونة وأن قيمة العين خمسون
مثلا، وادعى المتشبث الإجارة مدة معلومة بمائة وكان ذلك بعد تلف العين
وانقضاء المدة وتساوي مال الإجارة والعين جنسا، فللمالك ما ادعاه من غير
يمين، ويتوصل المستأجر في إيصال الخمسين الباقية إلى المالك لاعترافه بأنه
مستحقها، نعم ليس للمالك المطالبة لاعترافه بعدم الاستحقاق.
ولو كانت الصورة بحالها واحدة، غير أن المالك ادعى أن قيمة العين مائة
وادعى المتشبث الاستئجار بخمسين فالقول قول المالك مع يمينه في الخمسين
الزائدة، لقوله عليه السلام: على اليد ما أخذت حتى تؤدي، ولأن ذلك من تلق
مال الغير في يده فالأصل الضمان والأصالة عدم الاستئجار، هذا إذا صدقه مدعي
الإجارة على القيمة، قاله شيخنا دام فضله.
148

كتاب العارية
149

الخلاف
كتاب العارية
مسألة 1: العارية أمانة غير مضمونة، إلا أن يشرط صاحبها الضمان، فإن
شرط ذلك كانت مضمونة، وإلا فلا، إلا أن يتعدى فيها، فيجب عليه حينئذ
ضمانها. وبه قال قتادة وعبيد الله بن الحسن العنبري، وأبو حنيفة، ومالك
والنخعي، والشعبي، والحسن البصري، إلا أنهم لم يضمنوها بالشرط.
وقال ربيعة: العواري مضمونة إلا موت الحيوان، فإنه إذا استعاره، ثم مات
في يده، لم يضمنه.
وقال الشافعي: هي مضمونة شرط ضمانها أو لم يشرط، تعدى فيها أو لم
يتعد. وبه قال ابن عباس، وأبو هريرة، وعطاء، وأحمد، وإسحاق.
دليلنا: إجماع الطائفة وأخبارهم، فإنهم لا يختلفون في ذلك.
وروى عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن النبي عليه السلام قال: ليس
على المستعير غير المغل ضمان وهذا نص.
مسألة 2: إذا رد العارية إلى صاحبها أو وكيله، برئ من الضمان، وإن ردها
إلى ملكه - مثل أن تكون دابة فردها إلى إصطبل صاحبها، وشدها فيه - لم يبرأ
من الضمان. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: يبرأ، لأن العادة هكذا جرت في رد العواري إلى الأملاك،
151

فيكون بمنزلة المأذون من طريق العادة.
دليلنا: أن كون ذلك ردا أو إبراء الذمة به من العارية يحتاج إلى دليل،
ولا دليل على ذلك، والأصل شغل ذمته بالعارية.
مسألة 3: إذا اختلف صاحب الدابة والراكب، فقال الراكب: أعرتنيها.
وقال صاحب الدابة: أكريتكها بكذا. كان القول قول الراكب مع يمينه، وعلى
صاحبها البينة.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما: مثل ما قلناه.
والثاني: أن القول قول صاحبها.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، وصاحب الدابة مدعي الكراء، فعليه البينة.
مسألة 4: إذا اختلف الزارع وصاحب الأرض، فقال الزارع: أعرتنيها.
وقال صاحبها: أكريتكها. كان القول قول الزارع مع يمينه.
وللشافعي فيه قولان مثل المسألة الأولى سواء.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء، واختار المزني في المسألتين قولنا.
مسألة 5: إذا اختلفا، فقال صاحب الدابة: غصبتها. وقال الراكب: بل
أعرتنيها. فالقول قول الراكب. وبه قال المزني.
وقال أصحاب الشافعي: هذه المسألة والتي قبلها سواء على قولين: ومنهم
من قال: على طريقين، ومنهم من قال: على قول واحد، وهو أن القول قول
المستعير.
وذهب أبو إسحاق إلى أن الجواب في هذه المسألة مرجوع عنه، والقول في
ذلك قول صاحبها قولا واحدا.
152

دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء، من أن الأصل براءة الذمة،
والمدعي للغصب يحتاج إلى بينة، لأنه يدعي ضمان الدابة ولزوم الأجرة إن كان
ركبها.
مسألة 6: إذا تعدى المودع في إخراج الوديعة من حرزها، فانتفع بها، ثم
ردها إلى موضعها، فإن الضمان لا يزول بذلك. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: يزول، لأنه مأمور بالحفظ في جميع هذه الأوقات، فإذا
خالف في جهة منها، ثم رجع وعاد إلى الحفظ، كان متمسكا به على الوجه
المأمور به، فينبغي أن يزول عنه الضمان.
دليلنا: أن بالتعدي قد ثبت عليه الضمان بلا خلاف، فمن أزال ضمانه بالرد
إلى موضعه فعليه الدلالة.
مسألة 7: إذا أبرأه صاحبها من الوديعة بعد تعديه فيها، من غير أن يردها
إليه أو إلى وكيله، فقد سقط عنه الضمان.
وللشافعي فيه وجهان:
أحدهما: يبرأ، وهو ظاهر قوله.
والثاني: لا يبرأ. قال: لأن الإبراء لا يصح عن القيمة، لأنها لم تجب بعد، ولا
يصح الإبراء من العين لأنها في يده باقية، فكيف يصح الإبراء منها.
دليلنا: أن الضمان إذا كان من حقه، فله التصرف فيه بالإبراء والمطالبة،
وإذا أسقط وجب سقوطه، ومن منع من ذلك فعليه الدلالة.
مسألة 8: إذا أعاره أرضا ليبنى فيها، أو ليغرس فيها، فلا يجوز له أن
يخالف فيغرس في أرض البناء، ولا أن يبني في أرض الغراس.
وللشافعي فيه قولان:
153

أحدهما: مثل ما قلناه.
والثاني: له ذلك، لأن ضررهما متقارب.
دليلنا: أن ما قلناه متفق على جوازه، وتجويز خلافه يحتاج إلى دلالة، ولا
دليل.
مسألة 9: إذا طالب المعير المستعير بقلع ما أذن له في غراسه من غير أن
يضمن له أرش النقصان، وأبي ذلك صاحب الغراس، لم يجبر عليه. وبه قال
الشافعي.
وقال أبو حنيفة: يجبر على ذلك. وإن لم يضمن.
دليلنا: قول النبي عليه السلام: ليس لعرق ظالم حق، وهذا ليس بظالم،
فيجب أن يكون له حق.
وروت عائشة أن النبي عليه السلام قال: من بنى في رباع قوم بإذنهم فله
قيمته.
وعند أبي حنيفة يجبر على القلع، ولا يجعل له قيمة بنائه.
ولأن مع ضمان النقصان أجمعنا أن له قلعه، وليس على جواز قلعه مع عدم
ذلك دليل.
154

المبسوط
كتاب العارية
العارية جائزة لدلالة الكتاب والسنة والإجماع، فالكتاب قوله تعالى:
" وتعاونوا على البر والتقوى "، والعارية من البر، وقوله تعالى: " ويمنعون
الماعون "، يدل عليه أيضا، قال أبو عبيد: الماعون اسم لكل منفعة ولكل عطية،
وأنشد للأعشى:
بأجود منه بما عونه * إذا ما سماؤهم لم تغم
وروي عن ابن عباس - رحمه الله - أنه قال: الماعون العواري، وعن ابن
مسعود أنه قال: الماعون العواري من الولد والقدر والميزان، وعن علي عليه
السلام وابن عمر أنهما قالا: الماعون الزكاة.
وأما السنة فروى أبو أمامة أن النبي صلى الله عليه وآله قال في خطبته في عام
حجة الوداع: العارية مؤداة والمنحة مردودة والدين مقضي والزعيم غارم، وروي
عن صفوان بن أمية أن النبي صلى الله عليه وآله استعار منه يوم حنين درعا فقال:
أغصبا يا محمد؟ فقال: بل عارية مضمونة مؤداة.
وأما الإجماع فلا خلاف بين الأمة في جواز ذلك، وإنما اختلفوا في مسائل
نذكرها.
إذا ثبت جواز العارية فهي أمانة غير مضمونة إلا أن يشرط صاحبها، فإن شرط
ضمانها كانت مضمونة وإن تعدى فيها كانت مضمونة، والذهب والفضة
155

مضمونان شرط فيهما ذلك أو لم يشرط، فإذا ثبت أنها غير مضمونة إلا بالشرط
فإذا استعار شيئا وقبضه كان له الانتفاع به، لأن المعير أذن له فيه، وإن نقص من
أجزائه بالاستعمال من تصرفه فلا شئ عليه، وإن تعدى أو شرط عليه ضمان ما
نقص، لزمه بمقدار ما نقص من الأجزاء، فإن استعار منشفة فأذهب بخملها لا
يلزمه ذلك لأن إذنه في استعمالها إذن في ذلك بمجرى العادة، وكذلك سائر
الثياب التي تذهب جدتها بالاستعمال على ما جرت به العادة.
العارية لا تضمن فإن كان ذلك بتعد كان ضامنا، هذا إذا ردها.
فأما إذا تلفت قبل أن ينقص من أجزائها شئ وكان شرط ضمانها أو تعدى
فيها قومت عليه بإجزائها، لأن الأجزاء المأذون في الاستعمال لا تعلم، وإن تلفت
بعد ذهاب الأجزاء، وقد شرط عليه ضمانها وجب عليه ضمان القيمة يوم التلف،
لأن ما ذهب من الجزاء مأذون في إذهابها بمجرى العادة، وإذا رد العارية إلى
صاحبها أو وكيله برئ من الضمان وإن ردها إلى ملكه مثل أن يكون دابة فيردها
إلى إصطبل صاحبها ويشدها فيه لم يبرأ من الضمان.
إذا اختلف صاحب الدابة والراكب فقال الراكب: أعرتنيها مضمونة، وقال
صاحبها: أكريتها، فالقول قول الراكب مع يمينه، وعلى صاحبها البينة لأنه يدعي
أجرة الركوب، وكذلك إذا اختلف الزارع وصاحب الأرض، فادعى الزارع
العارية وادعى صاحب الأرض الكراء، فالقول قول الزارع لمثل ما قلناه.
وفي الناس من قال: المسألتان على قولين، فإذا ثبت ما قلناه فمتى حلف
الراكب أو الزارع أسقط عن نفسه الدعوى، وإن نكل ردت يمينه على صاحبها
فإذا حلف حكم له بالأجرة المسماة لأن اليمين مع النكول بمنزلة الإقرار والبينة،
ومن قال: إن القول قول صاحبها، فإن لم يحلف ونكل سقط حقه ولا يرد على
الراكب لأنه ليس يدعي شيئا وإنما يدعى عليه، فإذا لم يحلف سقطت دعواه
كالمدعي إذا ردت عليه اليمين فلم يحلف فإنه ينصرف ولا يبقى له حق.
وإن حلف فهل يستحق عوض المثل أو المسمى؟ قيل فيه وجهان: أحدهما
156

المسمى لأنه ادعاه وحلف عليه، وهو الأقوى، والثاني عوض المثل لأن المسمى لا
يثبت بيمينه من غير نكول من صاحبه، كما لو تحالف المتبايعان وحلفا لم يجب
المسمى وإنما تجب القيمتان إذا كان المبيع تالفا، هذا إذا اختلفا والدابة لم تتلف
وكان الاختلاف بعد مضي مدة لمثلها أجرة.
فأما إذا كان قبل مضي مدة لها أجرة، وهو أن يختلفا عقيب تسليم الدابة فإن
صاحبها يدعي عليه عقدا وهو ينكره، فكان القول قوله فيه، لأن الأصل عدمه،
كما لو قال: بعتك هذا الشئ، وقال: ما اشتريته منك، فإن القول في ذلك
قوله، كذلك هاهنا فإذا حلف سقطت دعواه، وكان له أن يرد الدابة ولصاحبها
استرجاعها منه.
فأما إذا كانت تالفة، فإن كانت تلفت عقيب الأخذ، قبل أن تمضي مدة
لمثلها أجرة فلا معنى لدعوى صاحبها لأنه يدعي أجرة وقد بطلت قبل أن يستقر
عليه شئ، وأما الراكب فإنه مقر له بقيمة الدابة، وهو لا يدعيها فلا معنى لدعوى
أحدهما وإقرار الآخر وينصرفان.
وإن كان بعد مضي المدة التي يدعيها بالإجارة فهو مدع عليه أجرة تلك
المدة والراكب مقر له بقيمة الدابة، فمن الناس من قال: إن كانت القيمة بقدر
الأجرة، سلمت إليه وانفصل الأمر بينهما، لأنه مقر له بالمقدار الذي يدعيه وإنما
يدعي استحقاقه بجهة أخرى، وذلك لا اعتبار به، وإن كانت الأجرة أكثر من
القيمة سلم إليه مقدار القيمة وأما القدر الذي يبقى من الأجرة فعلى الطريقين اللذين
مضيا.
وإن كان الاختلاف بعد مضي بعض المدة، فقد انفسخ العقد فيما بقي،
ويكون الحكم فيما مضى، فمنهم من قال: إن كانت الأجرة بقدر القيمة، سلمت
القيمة إليه وإن كانت أكثر سلم إليه بقدر القيمة، والباقي على طريقين، هذا الكلام
فيه إذا ادعى صاحبها الإجارة وادعى راكبها الإعارة.
فإذا كان بخلاف ذلك فادعى صاحبها الإعارة، وادعى راكبها الإجارة، فلا
157

يخلو: أن تكون الدابة تالفة أو باقية، فإن كانت باقية وكان الاختلاف عقيب
الأخذ قبل مضي مدة لمثلها أجرة، فإن الراكب يدعي على صاحبه عقده وهو منكر
فيكون القول قوله مع يمينه، فإذا حلف أسقط دعواه وكان له استرجاع الدابة،
وإن كان بعد مضي المدة فلا معنى لهذه الدعوى، لأن الراكب لا يدعي حقا
مستأنفا وهو مقر له بالأجرة، وصاحبها لا يدعيها فله استرجاع دابته، وعليه ردها.
وإن كان بعد مضي المدة فهو يدعي حق الإمساك ببقية الإجارة، فالقول قول
صاحبها مع يمينه، فإذا حلف سقطت دعواه، وأما الذي مضي فهو مقر له ببدل،
وهو لا يدعيه فلا معنى لإقراره.
وأما إذا كانت الدابة تالفة، فإن كانت تلفت عقيب الأخذ قبل مضي مدة
لمثلها أجرة، فصاحبها يدعي أن عليه ضمان قيمتها، لأنها عارية بشرط الضمان،
والراكب يدعي أنها كانت مستأجرة فتلفت وهي أمانة فلا قيمة عليه ولا أجرة، لأنه
ما مضى شئ من المدة، فيكون القول قول صاحبها مع يمينه أنه أخذها إجارة،
لأن صاحبها يدعي ضمانا في العارية، فعليه البينة، والأصل براءة ذمة الراكب.
وإن كان ذلك بعد مضي المدة، فهو مدع للقيمة، وهو مقر بالأجرة، فإنه
يسلم مقدار الأجرة فإن كان وفق القيمة فقد استوفى ما يدعيه وإن كان أكثر فقد
أقر له صاحبه به، فإن شاء أخذه وإن شاء رده، وإن كان أقل كان القول قول
الراكب مع يمينه لما قلناه.
ومن الناس من قال: هما جهتان مختلفتان، فلا يصرف ما يثبت في إحديهما
إلى الأخرى، وعلى ما قلناه يكون القول قول الراكب، وعلى قول المخالف القول
قول صاحبها.
وإن كان التلف في أثناء المدة فإن كانت أجرة ما مضى بقدر القيمة، فمنهم
من قال: يعطاه وينفصل الأمر، وإن كانت أقل من ذلك، فالقول قول صاحبها
في الفاضل، ومنهم من قال: يكون القول قوله في جميع القيمة لاختلاف
الجهتين.
158

إذا اختلفا فقال صاحب الدابة: غصبتنيها، وقال الراكب: بل أعرتنيها،
وكانت الدابة قائمة، فالقول قول الراكب مع يمينه، وكان حكم هذه المسألة مثل
حكم المسألة الأولى سواء، فإن كانت الدابة باقية ردت على صاحبها، وإن تلفت
فإن كان التلف عقيب الأخذ فهو يدعي الغصب وذلك مقر له بقيمة العارية إن
كانت مضمونة فالمقدار واحد لأن وقت الضمان واحد، وإن كان التلف بعد
مضي مدة فإنه مقر له بقيمة العارية وقت التلف، وهو يدعي قيمة الغصب وهي
أكثر ما كانت من وقت القبض إلى حين التلف، فيأخذ قدر العارية وما زاد عليه
فعليه البينة، وإلا فعلى المستعير اليمين، فأما الأجرة فتكون على الاختلاف الذي
ذكرناه.
إذا أودعه شيئا ثم تعدى المودع في إخراجه من حرزه فانتفع به ثم رده إلى
موضعه، فإن الضمان لا يزول بذلك، وإذا استعار منه دابة ليركبها إلى النهروان،
فركبها إلى حلوان، فإنه يصير ضامنا لها إذا جاوز النهروان، فإذا ردها إلى النهروان
لم يزل عنه ضمانها بلا خلاف.
إذا أنكر الوديعة وجحدها ثم أقر بها بطل استئمانه بلا خلاف وإذا ثبت أنه
ضمنها فإن ردها إلى صاحبها أو إلى وكيله زال عنه الضمان، وإن أبرأه صاحبه من
غير أن يردها إلى وكيله أو إليه فإنه يسقط الضمان، وفي الناس من قال: لا يزول.
يجوز إعارة الأرض للبناء والغراس والزرع لأنه لا مانع منه بلا خلاف.
فإذا ثبت ذلك فإن أعاره لبناء أو غراس أو زرع ففعل ما أذن له فيه جاز،
وإن فعل غير المأذون فيه نظر: فإن كان أذن له في الغراس أو البناء فزرع جاز
ذلك، لأن ضرر الزرع أخف من ضرر الغراس والبناء بلا خلاف، وكذلك إن
أذن في زرع حنطة فزرع شعيرا أو غيره جاز لأن ضرر هذه أخف من ضرر
الحنطة، وإن أذن له في الزرع فغرس أو بنى لم يجز لأن ضرر الغراس والبناء
أعظم من الزرع، ولا يكون الإذن في القليل إذنا في الكثير، وكذلك إذا أذن له
في زرع الحنطة فزرع القطن أو الذرة لم يجز لأن ضررهما أعظم من ضرر
159

الحنطة.
وإذا أذن له في الغراس فهل له أن يبني أم لا؟ أو أذن له في البناء فهل له أن
يغرس؟ قيل فيه وجهان: أحدهما ليس له ذلك، وهو الصحيح لأن ضرر أحدهما
مخالف لضرر الآخر، والثاني له ذلك لأن ضررهما متقارب.
فإذا تقرر هذا فإنه يجوز أن يطلق الإذن له في ذلك، ولا يقدر المدة لأنه
ليس من شرط العارية تقدير المدة بلا خلاف وإن قدر المدة كان جائزا بلا
خلاف أيضا، وتقديرها أولى وأحوط.
فإذا ثبت جوازهما فإن أطلق له وأذن في الغراس والبناء كان له أن يبني
ويغرس ما لم يمنعه من ذلك، فإذا منعه لم يكن له بعد المنع أن يحدث شيئا من
ذلك لأنه إنما جاز له الاستحداث بالإذن فإذا منعه من ذلك سقط الإذن، وإن
كانت المدة مقدرة كان له أن يغرس ويبني ما لم تنقض المدة، فإذا انقضت المدة
لم يكن له أن يحدث شيئا بعد المنع.
إذا تقرر ذلك فإذا غرس أو بني أو انتفع بسائر ما ذكرناه من وجوه
الانتفاع الذي ليس له على حسب ما مضى كان متعديا بذلك، وله أن يطالبه
بقلعه من غير شئ يضمنه لقول النبي صلى الله عليه وآله: ليس لعرق ظالم حق،
وروي أن رجلا غصب أرضا لأنصاري وغرس فيها فأخبر رسول الله صلى الله
عليه وآله فأمر بقلعها، قال الراوي: فلقد رأيتها والغروس تعمل في أصولها وإنها
لنخل عم.
فإذا ثبت أن عليه قلعها فإن عليه أجرة المثل إن كان تعدى بذلك من حين
تسلم العارية، إن كان تعديه من حين التسليم كانت عليه الأجرة من ذلك
الوقت، وإن كان تعدى بعد ذلك بمدة مثل أن يكون منعه من الغرس فخالفه،
كانت عليه الأجرة من حين الغراس، لأن ذلك أول وقت التعدي، فإذا قلعها
فعليه تسوية الحفر وطمها لأنها حدثت من غير رضا صاحب الأرض، هذا إذا كان
متعديا بالغراس.
160

وأما إذا لم يكن تعدى بذلك فإنه لا يخلو من أحد أمرين: إما أن يكون قد
شرط القلع حين أذن له في ذلك، أو لم يشرط، فإن كان قد شرط وجب عليه
القلع لأنه أذن له في الغراس بشرط قلعها، فإذا قلعها فليس عليه تسوية الأرض من
الحفر وطمها لأنه مأذون له فيها، وإن كان لم يشرط عليه القلع كان للمستعير أن
يقلعها لأنها ملكه، فإن قلعها فهل عليه تسوية الأرض أم لا؟ قيل فيه وجهان:
أحدهما أن عليه ذلك لأنه قلع غير مأذون له فيه، والثاني ليس له ذلك لأنه إنما
أذن له في ذلك على أن لصاحب الغرس القلع أي وقت أراد، فإذا كان دخوله
في العارية على هذا كان ذلك قلعا مأذونا له فيه كما لو شرط.
فأما إذا لم يقلعها المستعير وطالب المعير بالقلع نظر: فإن طالبه بذلك
بشرط أن يضمن له ما ينقص بالقلع لزمه قلعها، لأنه لا ضرر عليه في ذلك لأنه
يغرم له ما ينقص، فيقوم قائمة ومقلوعة، ويغرم ما بين القيمتين، وإن قال المعير:
أنا أغرم لك قيمتها، فطالبها بأخذ القيمة كان ذلك له وأجبر المستعير على
قبضها، لأنه لا ضرر عليه فيه، وإن قال المستعير: أنا أبقي الغراس وأضمن للمعير
قيمة الأرض، لم يكن له ذلك.
فأما إن طالبه من غير أن يضمن له أرش النقصان وأبي ذلك صاحب
الغرس لا يجبر عليه، وفي الناس من قال: يجبر عليه ولا يضمن، وهو أبو حنيفة.
دليلنا: قوله عليه السلام: ليس لعرق ظالم حق، وروت عائشة عن النبي
صلى الله عليه وآله أنه قال: من بنى في رباع قوم بإذنهم فله قيمته، فأما إذا أذن له
إلى سنة ثم رجع قبل مضي السنة وطالب بالقلع من غير أن يضمن الأرش فلا
يلزمه القلع إلا بعد الضمان بلا خلاف.
فأما إذا أعاره أرضا يدفن فيها ميتا فإنه لا يجبر على قلع الميت، فإذا ثبت أنه
لا يجبر على القلع من غير ضمان فإنه يعرض عليهما البيع، فإن أجابا إلى ذلك
بيعت الأرض بغراسها، وكان للمعير من جملة الثمن ما يخص قيمة الأرض وفيها
غراس لغيره وللمستعير ما يخص قيمة الغراس في أرض غيره، فيقسم الثمن على
161

قدر القيمتين، وإن أبيا البيع قلنا لهما: انصرفا فإنه لا حكم لكما عندنا، ويمنعهما
الحاكم من التواثب والتشاجر.
وللمعير أن يدخل الأرض ينتفع بها، أو يقعد تحت الغراس في فيئه غير أنه
لا ينتفع بغراسه ولا يشد فيه دابته ولا غيرها.
وأما المستعير فليس له أن يدخلها لغير حاجة، فإذا أراد دخولها لحاجة مثل
سقي الغراس وغيره مما يتعلق بمصالح غرسه فهل له ذلك أم لا؟ قيل فيه
وجهان: أحدهما ليس له الدخول لأن الانتفاع بالأرض لا يجوز بعد رجوعه من
العارية، والثاني له ذلك لأنا إن لم نجعل له الدخول لمصالح الغراس أتلفناه
عليه، وذلك لا يجوز.
فإن أراد المعير بيع الأرض كان له ذلك وإن أراد المستعير بيع الغراس،
فإن باعها من المعير صح البيع، وإن باعها من غيره قيل فيه وجهان بناء على
الوجهين في الدخول لمصالحها: أحدهما لا يجوز لأنه لا يمكن تسليمه، والآخر له
ذلك لأنه يمكن تسليمها وتسلمها، والأول أقوى في الموضعين.
إذا استعار أرضا للزرع فزرع فيها ثم رجع المعير قبل أن يدرك الزرع
وطالبه بالقلع فإنه يجبر على التبقية، لأن الزرع لا يتأبد، وله وقت وينتهي إليه
فأجبرناه على التبقية. وفيهم من قال: حكمه حكم الغراس سواء.
إذا أعاره حائطا ليضع عليه جذوعه فوضعها عليه لم يكن له أن يطالبه
بقلعها على أن يضمن له أرش النقصان، لأنها موضوعة على حائط نفسه، فأحد
الطرفين على أحدهما، والطرف الآخر على الآخر، فلو أجبرناه على القلع على هذا
الوجه كان ذلك إجبارا على قلع جذوعه من ملكه، وليس كذلك الغرس، لأنها
في ملك غيره.
إذا أذن له في غرس شجرة في أرضه فغرسها ثم قلعها، فهل يعيد أخرى أم
لا؟ فالصحيح أنه ليس له، وقيل: إن له ذلك، لأن الإذن قائم ما لم يرجع،
وكذلك إذا أعاره حائطا ليضع عليه جذوعا ثم انكسر الجذع فهل له إعادة
162

آخر بدله؟ على هذين الوجهين.
إذا كان له حبوب فحملها السيل إلى أرض رجل فنبتت فيها كان ذلك
الزرع لصاحب الحب لأنه عين ماله، كما قلنا في من غصب حبا فزرعه أو بيضا
فحضنها عنده وفرخت فإن الزرع والفرخ للمغصوب منه لأنهما عين ماله.
إذا ثبت هذا فليس عليه أجرة الأرض لأنها حصلت فيه بغير صنع منه، وهل
لصاحب الأرض أن يطالب صاحب الزرع بقلعه أم لا؟ من الناس من قال:
الحكم فيه كالحكم في الغراس المأذون له فيه في الأرض المستعارة لأنه غير
متعد، ومنهم من قال: يجبره على قلعه من غير أرش لأنه لم يأذن له في ذلك،
كما نقول في شجرة إذا تشعبت أغصانها ودخلت في ملك لغيره فإن لصاحب
الملك أن يجبره على قطعها إذا لم يمكن تحويلها من غير قطع، وهذا أقرب إلى
الصواب.
يجوز استعارة الحيوان الذي فيه منفعة لأنه لا مانع منه وهو إجماع سواء
كان مما يجوز إجارته أو لا يجوز، مثل الفحل فإنه يجوز إعارته ولا يجوز إجارته
ويجوز إعارة الكلب للصيد والانتفاع به، ويجوز إعارة العبد للخدمة، والجارية
يجوز إعارتها لامرأة للخدمة ويجوز إعارتها من رجل ذي محرم لها للخدمة وأما
إعارتها لأجنبي فإن كانت عجوزا لا يرغب في مثلها جاز بلا خلاف، وإن كانت
ذات هيئة كره ذلك ولا يجوز إعارتها للاستمتاع بها لأن البضع لا يستباح
بالإعارة، وحكي عن مالك جواز ذلك، وعندنا يجوز ذلك بلفظ الإباحة، ولا
يجوز بلفظ العارية.
يكره استعارة الأبوين للخدمة، لأنه يكره استخدامها، وإن استعارها ليرفه
عنهما ويخفف عن خدمتهما لسيدهما كان ذلك مستحبا.
لا يجوز إعارة العارية لأنه لا يملك منافعها بعقد الإجارة، وكذلك لا يجوز
إعارتها لأنه إذن له في الانتفاع على وجه مخصوص، وكذلك إذا قدم له طعام
ليأكله فله أن يأكل ولا يجوز له أن يلقم غيره ولا أن يزل منه معه، لأنه لم يؤذن له
163

في ذلك، وفي الناس من قال: يجوز إعارة العارية كما يجوز إجارة المستأجرة،
وهو غلط.
إذا كان في يد رجل حلال صيد لم يجز للمحرم أن يستعير منه، لأنه لا
يجوز له إمساكه، فإن استعاره منه بشرط الضمان ضمنه باليد، وإن تلف في يده
لزمه قيمته لصاحبه والجزاء لله.
فأما إذا استعاره الحلال من المحرم، وذلك مثل أن يحرم وفي يده صيد
قيل فيه قولان: أحدهما: أن ملكه يزول عنه فيلزمه تخليته، فعلى هذا إذا أخذه
المحل كان له ذلك ولا يضمنه إذا تلف لأنه ليس يملك أخذه منه ولا يكون
ذلك استعارة، والثاني أن ملكه لا يزول وله إمساكه، وليس له قتله ولا بيعه،
فعلى هذا يجوز للمحل أن يستعيره منه، فإذا تلف في يده لزمه قيمته لصاحبه دون
الجزاء، والأول أصح إذا كان معه الصيد حاضرا، وإن كان في منزله وفي بلده
كان الثاني أصح.
إذا استعار من الغاصب المغصوب بشرط الضمان وثبت أنه غصب وتعين
صاحبه بأن يقيم البينة على أن العارية ملكه فإن له استرجاعها من يد المستعير، وله
أن يطالب الغاصب بالأجرة وأرش ما نقص بالاستعمال، وله أن يطالب المستعير
لأنه تلف في يده بغير إذن صاحبه.
فإذا غرم المستعير فهل يرجع على المعير بذلك؟ قيل فيه قولان:
أحدهما: لا يرجع، لأنه اختص بتلف المنافع والأجزاء في يده فاستقر عليه
الضمان.
والثاني: يرجع على الغاصب لأنه دخل في العقد على أن لا يكون عليه
ضمان الأجرة والأرش، فإذا بان أنه مغصوب كان الغاصب غارا له بذلك، فكان
له الرجوع به عليه، فأما إذا غرم الغاصب فهل له الرجوع على المستعير؟ مبني
على ما ذكرناه، فمن قال: للمستعير الرجوع إذا غرم، قال: لم يكن للغاصب
الرجوع، ومن قال: ليس له ذلك، كان للغاصب الرجوع، والأقوى أن
164

للمستعير الرجوع، هذا إذا كانت العين باقية.
فإن تلفت في يد المستعير فإن كانت قيمتها وقت التلف أكثر ما كانت فله
أن يغرمها من شاء منهما فإن غرمه المستعير لم يرجع على الغاصب وإن غرمه
الغاصب لم يرجع على المستعير لأنه دخل على أن يضمن تلك القيمة فلا يكون
الغاصب غارا بذلك، وإن كانت قيمتها وقت التلف أقل مما كانت قبله كان له
أن يغرمها أيهما شاء، فإذا غرم المستعير لم يرجع بقدر قيمتها وقت التلف، وهل
يرجع بالزيادة عليها على الغاصب؟ قيل فيه قولان، كما قلناه في الأجرة وأرش
الأجزاء، لأنه دخل على أن يضمنها كما دخل على أن لا يضمن الأجرة ولزمه
الفضل، وإن غرم الغاصب هل يرجع بقدر قيمتها وقت التلف والزيادة؟ فمبني
على القولين كما مضى.
فأما إذا كان استعار من غير شرط الضمان وهو لا يعلم أنه غصب فإنه يرجع
على المعير بكل حال عندنا، وإن كان علم أنه غصب فليس له الرجوع عليه
بحال. وتجوز إعارة الشاة للحلب والانتفاع بلبنها لقوله عليه السلام: المنحة
مردودة، وأراد به الشاة التي تستعار لينتفع بلبنها، ومن الناس من قال: لا يجوز
كما لا يجوز إجارتها.
165

تبصرة المتعلمين
الفصل الثامن: في العارية:
كل عين مملوك يصح الانتفاع بها مع بقائها صح إعارتها، بشرط كون
المعير جائز التصرف.
وينتفع المستعير على العادة، ولا يضمن مع التلف بدون التضمين أو
التعدي، أو كون العين أثمانا، ولو نقصت بالاستعمال المأذون فيه لم يضمن، ولو
استعار من الغاصب ضمن، فإن كان جاهلا رجع على المعير بما يؤخذ منه،
ويقتصر المستعير على المأذون.
والقول قول المستعير مع يمينه في عدم التفريط والقيمة معه، وقول المالك
في الرد، ويصح الإعارة للرهن، وله المطالبة بالافتكاك بعد المدة.
167

إرشاد الأذهان
المقصد الثامن: في العارية:
وهي جائزة من الطرفين، وإنما تصح من جائز التصرف، ولو أذن الولي
للطفل صح أن يعير مع المصلحة.
وكلما يصح الانتفاع به مع بقائه صح إعارته، ويقتصر المستعير على
المأذون فيضمن الأجرة والعين لو خالف، ويصح استعارة الشاة للحلب والأمة
للخدمة للأجنبي.
وينتفع المستعير بما جرت العادة به، فإن نقص من العين شئ بالاستعمال
أو تلفت به من غير تفريط لم يضمن إلا أن يشرط المعير، أو يستعير المحرم صيدا،
أو من الغاصب، أو يستعير ذهبا أو فضة، إلا أن يشرط سقوط الضمان، وكذا
البحث لو تلفت بغير الاستعمال، ولو فرط ضمن.
ولو استعار المحل صيدا من محرم جاز لزوال ملكه عنه، ولو رجع على
المستعير من الغاصب جاهلا رجع بأجرة المنفعة أو بالعين التالفة على الغاصب
لا عالما ومفرطا، ولو رجع على الغاصب رجع على المستعير العالم، ولو أذن في
الزرع أو الغرس جاز الرجوع بالأرش.
وليس له قلع الميت بعد الإذن في الدفن، ولا قلع الخشبة إذا كان طرفها
الآخر في ملكه، ولو انقلعت الشجرة لم يكن له زرع أخرى إلا بالإذن، وليس
169

للمستعير الإعارة ولا الإجارة إلا بإذن.
ولو تلفت بتفريط بعد نقص القيمة في الاستعمال ضمن الناقص لا النقص،
ويضمن بالجحود، ويقبل قوله في التلف والقيمة وعدم التفريط لا الرد.
ولو ادعى المالك الأجرة حلف على عدم الإعارة وله الأقل من المدعي
وأجرة المثل، ولو اختلفا عقيب العقد حلف المستعير ولا شئ.
170

كتاب المزارعة والمساقاة
171

الخلاف
كتاب المزارعة
مسألة 1: المزارعة بالثلث، والربع، والنصف، أو أقل، أو أكثر بعد أن
يكون بينهما مشاعا جائزة. وبه قال في الصحابة علي عليه السلام، وعبد الله بن
مسعود، وعمار بن ياسر، وسعد بن أبي وقاص، وخباب بن الأرت. وفي الفقهاء
ابن أبي ليلى، وأبو يوسف، ومحمد، وأحمد، وإسحاق.
وقال قوم: أنها لا تجوز. ذهب إليه ابن عباس، وعبد الله بن عمر، وأبو هريرة.
وبه قال أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأبو ثور.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، فإنهم لا يختلفون في ذلك. وأيضا الأصل
جوازه، والمنع يحتاج إلى دلالة.
وأيضا روى ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وآله عامل أهل خيبر بشطر ما
يخرج من ثمر أو زرع.
وروى مقسم، عن ابن عباس: أن النبي دفع خيبر أرضها ونخلها إلى أهلها
مقاسمة على النصف.
وروى عروة بن الزبير، عن زيد بن ثابت أنه قال: يغفر الله لرافع بن
خديج، أنا والله أعلم بالحديث منه، إنما أتاه رجلان من الأنصار اقتتلا، فقال
رسول الله صلى الله عليه وآله: إن كان هذا شأنكما فلا تكروا المزارع.
وهذا يدل على أن النهي ليس بنهي تحريم، لأنه قال على وجه المشورة
173

وطلب الصلاح.
مسألة 2: يجوز إجارة الأرضين للزراعة. وبه قال جميع الفقهاء.
وحكي عن الحسن وطاووس أنهما قالا: لا يجوز ذلك.
وحكى أبو بكر بن المنذر عنهما أنهما جوزا المزارعة.
دليلنا: إجماع الفرقة، بل إجماع المسلمين، لأن هذا الخلاف قد انقرض.
ولأن الأصل جوازه، والمنع يحتاج إلى دليل.
وروى سعد بن أبي وقاص قال: كنا نكري الأرض بما على السواقي فنهانا
رسول الله صلى الله عليه وآله، وأمرنا أن نكريها بذهب أو فضة.
مسألة 3: يجوز إجارة الأرض بكل ما يصح أن يكون ثمنا من ذهب، أو
فضة، أو طعام. وبه قال الشافعي وغيره.
وقال مالك: لا يجوز إكراؤها بالطعام، وبكل ما يخرج منها.
دليلنا: إجماع الفرقة، فإنهم لا يختلفون فيه، إلا أن يشرط الطعام منها فإن
ذلك لا يجوز، فأما بطعام في الذمة فإنه يجوز على كل حال.
مسألة 4: إذا أكراه أرضا ليزرع فيها طعاما، صح العقد، ولا يجوز له أن
يزرع غيره. وبه قال داود.
وقال أبو حنيفة والشافعي وعامة الفقهاء: أنه إذا عين الطعام بطل الشرط
والعقد.
وللشافعي في بطلان الشرط قول واحد، وفي بطلان العقد وجهان.
دليلنا: قوله تعالى: أوفوا بالعقود، والإيفاء بالعقد أن يزرع ما سمى وما
تناوله العقد.
وقوله: المؤمنون عند شروطهم، يدل عليه أيضا.
174

مسألة 5: إذا أكرى أرضا للزراعة ولم يعين ما يزرع فيها، صح العقد، وله
أن يزرع ما شاء وإن كان أبلغ ضررا وعليه أكثر أصحاب الشافعي.
وقال أبو العباس: لا يجوز ذلك، لأن أنواع الزرع تختلف وتتباين، فلا بد
من التعيين.
دليلنا: أن الأصل جوازه، والمنع يحتاج إلى دليل، ولأن الزراعة وإن
اختلفت فاختلافها متقارب، فيجري مجرى النوع الواحد.
مسألة 6: إذا أكرى أرضا للغراس وأطلق جاز. وبه قال أكثر أصحاب
الشافعي.
وقال أبو العباس: لا يجوز ذلك، لأنه يختلف.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 7: إذا أكراه أرضا على أن يزرع فيها ويغرس، ولم يعين مقدار كل
واحد منهما، لم يجز. وبه قال المزني وأكثر أصحاب الشافعي.
وقال أبو الطيب بن سلمة: يجوز أن يزرع نصفه ويغرس نصفه.
وقال الشافعي: نصا أنه يجوز.
وقال أصحابه: إنما أراد بذلك التخيير بين أن يزرع كلها أو يغرس كلها،
فأما من النوعين بلا تعيين فلا يجوز.
دليلنا: أن ذلك مجهول، وضررهما مختلف، فإذا لم يعين بطل العقد.
مسألة 8: إذا أكراه أرضا سنة للغراس، فغرس في مدة السنة، ثم خرجت
السنة لم يكن للمكري المطالبة بقلع الغراس إلا بشرط أن يغرم قيمته، فإذا غرم
قيمته أجبر على أخذه وصار الأرض بما فيها له، أو يجبره على القلع، ويلزمه ما
بين قيمتها ثابتة ومقلوعة. وبه قال الشافعي وأصحابه.
175

وقال أبو حنيفة والمزني: له أن يجبره على القلع من غير أن يغرم له شيئا.
دليلنا: قوله عليه السلام: ليس لعرق ظالم حق، فدل على أن العرق إذا
كان لغير ظالم له حق.
وروت عائشة أن النبي عليه السلام قال: من غرس في رباع قوم بإذنهم فله
القيمة، ومثل هذا رواه أصحابنا، وعليه إجماعهم.
مسألة 9: إذا استأجر دارا أو أرضا، إجارة صحيحة أو فاسدة مدة معلومة،
ومضت المدة، استقرت الأجرة على المستأجر، انتفع أو لم ينتفع. وبه قال
الشافعي.
وقال أبو حنيفة: إن كانت الإجارة صحيحة مثل ما قلنا، وإن كانت فاسدة لم
تستقر الأجرة عليه حتى ينتفع بالمستأجر. فأما إذا مضت المدة ولم ينتفع به، فإن
الأجرة تستقر عليه.
دليلنا: أن هذه المنافع تلفت في يده فلزمه ضمانها، وإن لم ينتفع كما لو
انتفع بها.
مسألة 10: إذا اختلف المكتري والمكري في قدر المنفعة أو الأجرة.
قال الشافعي: يتحالفان مثل المتبايعين إذا اختلفا في قدر الثمن أو المثمن،
فإن كان لم يمض من المدة شئ، رجع كل واحد منهما إلى حقه، وإن كان بعد
مضى المدة في يد المكتري لزمه أجرة المثل.
ويجئ على مذهب أبي حنيفة أنه إذا كان ذلك قبل مضى المدة يتحالفان،
وإن كان بعد مضى المدة في يد المكتري لم يتحالفا، وكان القول قول المكتري
كما قال في البيع إن القول قول المشتري إذا كانت السلعة تالفة.
والذي يليق بمذهبنا أن يستعمل فيه القرعة، فمن خرج اسمه حلف، وحكم
له به، لإجماع الفرقة على أن كل مشتبه يرد إلى القرعة.
176

مسألة 11: إذا زرع أرض غيره، ثم اختلفا، فقال الزارع: أعرتنيها. وقال
رب الأرض: بل أكريتكها. وليس مع واحد منهما بينة. حكم بالقرعة.
وللشافعي فيه قولان:
أحدهما وعليه أكثر أصحابه: أن القول قول الزارع. وكذلك في الراكب
إذا ادعى أن صاحب الدابة أعاره إياها وهو الذي يقوى في نفسي.
والقول الثاني: أن القول قول رب الأرض، ورب الدابة.
وحكى أبو علي الطبري أن في أصحابه من حمل المسألتين على ظاهرهما،
وفرق بينهما بأن العادة جرت بإعارة الدواب، وفي الأرض بالإجارة دون
العارية.
دليلنا على ما قلناه أولا: إجماع الفرقة على أن كل مجهول مشتبه فيه
القرعة، وهذا مثل ذلك.
وأما على ما قلناه ثانيا: هو أن الأصل براءة الذمة، وصاحب الدابة والأرض
يدعي الأجرة، فعليه البينة، فإذا عدمها كان على الراكب والزارع اليمين.
177

كتاب المساقاة
مسألة 1: المساقاة جائزة وبه قال في الصحابة أبو بكر، وعمر. وفي التابعين
سعيد بن المسيب، وسالم بن عبد الله بن عمر، وفي الفقهاء مالك، والشافعي،
والأوزاعي، وأبو يوسف، ومحمد، وأحمد، وإسحاق.
وانفرد أبو حنيفة بأن المساقاة لا تجوز، قياسا على المخابرة.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، ولأن الأصل جواز ذلك، والمنع يحتاج
إلى دليل.
وروى أحمد بن حنبل، عن يحيى بن سعيد، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن
عمر أن رسول الله صلى الله عليه وآله عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج من ثمر أو
زرع.
وروى محمد بن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر، عن أبيه، قال: ساقى
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يهود خيبر على تلك الأموال، وذلك
بالشطر، وسهامهم معلومة، قال: إذا شئنا أخرجناكم.
وروى ميمون بن مهران عن مقسم، عن ابن عباس قال: افتتح رسول الله
صلى الله عليه وآله خيبر واشترط عليهم أن له الأرض وكل صفراء
وبيضاء. فقال أهل خيبر: نحن أعلم بالأرض منكم، فأعطناها على أن لكم نصف
الثمرة ولنا النصف من ذلك، فزعم أنه أعطاهم على ذلك، فلما كان حين يصرم
179

النخل بعث إليهم عبد الله بن رواحة فحرز عليهم النخل، وهو الذي يسميه أهل
المدينة الخرص، فقال في ذه كذا وكذا، أكثرت علينا يا ابن رواحة، قال: فأنا آتي
جذاذ النخل وأعطيكم نصف الذي قلت، قالوا: هذا هو الحق وبه تقوم السماء
والأرض، فقد رضينا أن نأخذه بالذي قلت.
وقال أبو الزبير: سمعت جابرا يقول: خرصها ابن رواحة أربعين ألف وسق،
وزعم أن اليهود لما خيرهم ابن رواحة، أخذوا الثمر وعليهم عشرون ألف وسق.
فدلت هذه الأخبار على جواز المساقاة، لأنه قال في الأول: عامل أهل خيبر
بشطر ما يخرج من ثمر أو زرع، وفي الثاني قال: ساقى بشطر. وفي الثالث قال:
طلبوا منه أن يعطيهم ليكون بينهم نصفين فأجابهم إلى ذلك.
وروى نافع عن ابن عمر أنه قال: دفع رسول الله صلى الله عليه وآله خيبر
إلى أهلها بالشطر، فلم تزل في أيديهم حياة رسول الله صلى الله عليه وآله، وحياة
أبي بكر، وحياة عمر، ثم بعث بي عمر إليهم لأقسم عليهم، فسحروني فتكوعت
يدي، فانتزعتها من أيديهم.
فثبت في هذا سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وإجماع الصحابة، فإن
أبا بكر أقرها في أيديهم وكذا عمر، وإنما انتزعها من أيديهم بجناية كانت منهم،
فإن كانت مسألة يدعى فيها الإجماع فهذه.
مسألة 2: يجوز المساقاة في النخل والكرم. وبه قال كل من أجاز
المساقاة.
وخالف داود وقال: لا يجوز، إلا في النخل خاصة، لأن الخبر به ورد.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، ولأن الأمة بين قائلين، قائل أجازها في
الجميع ومانع منعها في الجميع، فمن فرق بينهما فقد خالف الإجماع.
مسألة 3: يجوز المساقاة فيما عدا النخل والكرم من الأشجار.
180

وللشافعي فيه قولان:
قال في القديم: يجوز ذلك. وبه قال أكثر من أجاز المساقاة: مالك،
وأبو يوسف، ومحمد. وزاد أبو يوسف فقال: تجوز المساقاة على البقل الذي يجز
جزة بعد جزة. وكذلك نقول.
وقال في الجديد: لا يجوز المساقاة على ما عدا النخل والكرم.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا الأصل جوازه، والمنع يحتاج إلى دليل.
وروى نافع، عن ابن عمر قال: عامل رسول الله صلى الله عليه وآله أهل
خيبر بالشطر مما يخرج من النخل والشجر. وهذا عام في سائر الأشجار.
مسألة 4: يجوز أن يعطي الأرض غيره ببعض ما يخرج منها، بأن يكون
منه الأرض والبذر، ومن المتقبل القيام بها بالزراعة والسقي ومراعاتها.
وخالف جميع الفقهاء في ذلك. وأجاز الشافعي في الأرض اليسير إذا
كان بين ظهراني نخل كثير، فيساقي على النخل ويخابر على الأرض.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
ولأن الأصل جواز ذلك، والمنع من جوازه يحتاج إلى دليل.
وروى عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر قال: عامل رسول الله صلى
الله عليه وآله أهل خيبر بشطر ما يخرج من ثمر أو زرع.
وما روي من نهى النبي عليه السلام عن المخابرة، نحمله على إجارة الأرض
ببعض ما يخرج منها. وذلك لا يجوز.
مسألة 5: إذا كانت نخل أنواعا مختلفة، معقلي، وبرني، وسكر، فساقى من
المعقلي على النصف، ومن البرني على الثلث، ومن السكر على الربع كان جائزا.
وبه قال الشافعي.
وقال مالك: لا يصح حتى يكون الحصص سواء في الكل.
181

دليلنا: عموم الأخبار، ولأن الأصل جوازه، والمنع يحتاج إلى دليل،
وقوله: المؤمنون عند شروطهم، يدل عليه.
مسألة 6: إذا شرط في حال العقد على العامل ما يجب على رب النخل أو
بعضه، أو شرط على رب المال ما يجب على العامل عمله أو بعضه، لم يمنع
ذلك من صحته إذا بقي للعامل عمل ولو كان قليلا.
وقال الشافعي: يبطل ذلك العقد.
دليلنا: أن الأصل جوازه، والمنع يحتاج إلى دليل. وقوله: المؤمنون عند
شروطهم، وهذا عام في كل شرط.
مسألة 7: إذا ساقاه بعد ظهور الثمرة، كان جائزا إذا كان قد بقي للعامل
عمل وإن كان قليلا.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما: مثل ما قلناه.
والثاني: لا يجوز.
دليلنا: أن الأصل جوازه، ولأن الأخبار عامة في جواز المساقاة، ولم يفرقوا
بين حال ظهور الثمرة وعدم ظهورها، والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 8: يجوز أن يشرط المساقي على رب المال أن يعمل معه غلام لرب
المال.
وللشافعي فيه قولان:
أحدهما: يجوز بلا أجر. والآخر: لا يجوز.
دليلنا: ما قدمناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 9: إذا ثبت أن ذلك جائز، فلا فرق بين أن يكون الغلام موسوما
182

بعمل هذا الحائط، أو بعمل غيره من حوائط صاحبه. وبه قال الشافعي على قوله
الذي يجوز ذلك.
وقال مالك: لا يجوز إلا الغلام الذي هو موسوم بهذا الحائط فحسب.
دليلنا: ما قدمناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 10: إذا شرط على المساقي نفقة الغلام جاز، ولا يلزم أن تكون
مقدرة، بل الكفاية على موجب العادة. وبه قال الشافعي.
وقال محمد: لا بد من أن تكون مقدرة لأنها كالأجرة.
دليلنا: أن الأصل جوازه، ولا دليل على وجوب تقديرها.
مسألة 11: إذا اختلف رب النخل والعامل، فقال رب النخل: شرطت على
أن لك ثلث الثمرة. وقال العامل: على أن لي نصف الثمرة، كان القول قول رب
النخل مع يمينه.
وقال المزني وأصحاب الشافعي: يتحالفان.
دليلنا: أن الثمرة كلها لصاحب النخل، لأنها نماء أصله، وإنما يثبت للعامل
بالشرط، فإذا ادعى شرطا فعليه البينة، فإذا عدمها كان القول قول رب النخل مع
يمينه.
مسألة 12: إذا كان مع كل واحد منهما بينة بما يدعيه، قدمنا بينة العامل
وللشافعي فيه قولان:
أحدهما: يسقطان. والآخر: تستعملان.
فإذا استعملهما، ففيه ثلاثة أقوال: أحدها: يوقف. والآخر: يقسم. والثالث:
يقرع. وليس هاهنا غير القرعة، فمن خرج اسمه قدمت بينته. وهل يحلف معها؟
على قولين.
183

دليلنا: أنا قد بينا أن العامل هو المدعي، وإذا كان هو المدعي فبينته تقدم،
لأن النبي عليه السلام قال: البينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه، ورب
المال مدعى عليه، كان عليه اليمين.
مسألة 13: إذا ظهرت الثمرة، وبلغت الأوسق التي يجب فيها الزكاة، كان
الزكاة على رب المال والعامل معا، فإذا بلغ نصيب كل واحد منهما خمسة
أوسق وجبت فيه الزكاة، وإن نقص نصيب كل واحد منهما عن ذلك لم يجب
على واحد منهما الزكاة.
وإن بلغ نصيب أحدهما النصاب، ونقص نصيب الآخر، كان على من تمت
حصته الزكاة، ولا تلزم الآخر.
وللشافعي فيه قولان:
أحدهما: أن الزكاة تجب على رب النخل دون العامل.
والآخر: أنها على كل واحد منهما.
فإذا قال: على رب النخل، وبلغ خمسة أوسق، كان عليه الزكاة. ومن أين
يخرج له، فيه وجهان: أحدهما: من ماله.
والثاني: من مالهما معا.
وإذا قال: تجب عليهما، نظرت، فإن كان نصيب كل واحد منهما النصاب
وجبت الزكاة، وإن لم يبلغ نصيب كل واحد نصابا، بل بلغ الحقان نصابا،
فهل فيه الزكاة؟ على قولين في الخلطة:
إن قال: لا خلطة في غير الماشية، فلا زكاة.
وإذا قال: تصح الخلطة في غير الماشية، وجبت الزكاة.
دليلنا: أنه إذا كانت الثمرة ملكا لهما، فوجبت الزكاة على كل واحد
منهما، فمن أوجب على أحدهما دون الآخر، كان عليه الدليل.
184

وأما الخلطة فقد بينا فسادها في كتاب الزكاة، وإنا لا نعتبرها، لا في الماشية
ولا في غيرها، لأن الأصل براءة الذمة، ولا دليل على أن مال الخلطة تجب فيه
الزكاة، فيجب أن يبقى على الأصل.
185

المبسوط
كتاب المزارعة
المخابرة والمزارعة اسمان لعقد واحد، وهو استكراء الأرض ببعض ما
يخرج منها، وفي الناس من قال: المخابرة غير المزارعة، وهي أن تكون من
أحدهما الأرض وحدها والباقي من البذر والأعمال من الآخر، والمزارعة أن تكون
الأرض والبذر وما يحتاج إليه من الفدان وغيرها من رب الأرض، ولا يكون من
الأكار إلا عمل نفسه، والأول أظهر.
فإذا ثبت ذلك فالمزارعة مشتقة من الزرع، والمخابرة من الخبار، وهي
الأرض اللينة، والأكار يسمى خابرا، والمعاملة على الأرض ببعض ما يخرج من
نمائها على ثلاثة أضرب: مقارضة ومساقاة ومزارعة، فأما المقارضة فإنها تصح بلا
خلاف بين الأمة، وأما المساقاة فجائزة عند جميع الفقهاء إلا عند أبي حنيفة
وحده، وأما المزارعة فعلى ضربين: ضرب باطل بلا خلاف، وضرب مختلف
فيه.
فالضرب الباطل بلا خلاف فيه، هو أن يشرط لأحدهما شيئا بعينه ولم
يجعله مشاعا، مثل أن يعقد المزارعة على أن يكون لأحدهما الهرف " وهو ما
يدرك أولا "، وللآخر الأول " وهو ما يتأخر إدراكه " أو على أن يكون لأحدهما
ما ينبت على الجداول والماذيانات وللآخر ما ينبت على الأبواب، أو على أن
الشتوي لأحدهما، والصيفي للآخر، فهذا باطل بلا خلاف لأنه غرر، لأنه قد ينمو
187

أحدهما ويهلك الآخر.
وأما الضرب المختلف فيه، فهو أن يزارعه على سهم مشاع، مثل أن يجعل
له النصف أو الثلث أو الربع أو أقل منه أو أكثر كان ذلك جائزا عندنا، وفيه
خلاف.
دليلنا: إجماع الفرقة والأخبار عن النبي ودلالة الأصل، ومن قال: لا يجوز
قال: إذا زارع رجلا فعمل كان الزرع لصاحب البذر، لأنه عين ماله، فإن كان
البذر لرب الأرض فالزرع له، وعليه أجرة المثل للأكار، وإن كان البذر للأكار
فالزرع له، وعليه أجرة المثل لرب الأرض عن أرضه، وإن كان البذر لهما
فالزرع لهما ولصاحب الأرض أن يرجع على الأكار بنصف أجرة أرضه،
وللأكار أن يرجع على رب الأرض بنصف أجرة عمله، فإن تساوى الحقان
تقاصا، وإن اختلفا تقاصا فيما تساويا فيه، ويرجع صاحب الفضل على صاحبه
بالفضل.
فإذا أراد رب الأرض والأكار أن يخرج الغلة على الحقين ويثبت على
الملكين، فإن رب الأرض يكتري نصف عمل الأكار ونصف عمل فدانه وآلته،
بنصف منفعة أرضه، ويراعى في ذلك الشرائط التي تراعى في الإجارة من
مشاهدة الأرض والفدان وغيره، ويضرب المدة كذلك حتى يصير العمل معلوما
بتقديرها ويكون البذر بينهما نصفين فيكون الأكار عاملا في جميع الزرع في
نصفه لنفسه، وفي النصف لصاحب الأرض.
وإن أراد أن يكون البذر من أحدهما، فإن جعلناه من صاحب الأرض اكترى
نصف عمل الأكار ونصف منفعة آلته بنصف منفعة أرضه وبنصف البذر، وإن
جعلناه من الأكار اكترى الأكار من رب الأرض نصف منفعة أرضه بنصف عمله
وعمل آلته وبنصف آلته ونصف البذر.
وإن أراد أن يكون للأكار ثلث المنفعة اكترى رب الأرض منه ثلثي عمله
بثلث منفعة أرضه وثلث بذره، وإن كان البذر من الأكار اكترى بثلث منفعة أرضه
188

ثلثي عمله وعمل آلته وثلثي البذر وعلى هذا الترتيب فيما قل أو كثر، ويكون هذا
إجارة منفعة بمنفعة، ولا يكون إجارة وبيعا.
ويجوز أيضا أن يكتري رب الأرض نصف عمل الأكار ونصف عمل آلته
بمائة درهم، ويكريه نصف أرضه بمائة، والبذر بينهما ويتقاصان في الأجرين.
تجوز إجارة الأرضين للزراعة بالدراهم والدنانير بلا خلاف إلا من الحسن
البصري وطاووس، ويجوز إجارتها بكل ما يجوز أن يكون ثمنا من الطعام
والشعير وغير ذلك بعد أن يكون ذلك في الذمة ولا يكون من تلك الأرض.
المعقود عليه عقد الإجارة يجب أن يكون معلوما، وقد بينا أنه يصير معلوما
تارة بتقدير المدة وتارة بتقدير العمل، والعقار فلا تقدر منفعته إلا بتقدير المدة لأنه
لا عمل لها فيقدر في نفسه.
إذا ثبت هذا فاكتراها سنة وجب أن تتصل المدة بالعقد، ويذكر الاتصال
بالعقد لفظا، ولا يخلو إما أن يشترطا سنة عددية أو هلالية أو يطلقا ذلك، فإن
شرطاها عددية وجبت سنة كاملة وهي ثلاثمائة وستون يوما، وإن شرطاها هلالية
كان الاعتبار بالهلال ناقصا أو كاملا لقوله تعالى: " يسألونك عن الأهلة قل هي
مواقيت للناس والحج " وإن أطلقا ذلك رجع إلى السنة الهلالية لأن الشرع ورد
بها.
إذا ثبت هذا فإن وافق ذلك أول الهلال كانت السنة كلها بالأهلة وإن لم
يوافق ذلك أول الهلال عدد الباقي من ذلك الشهر، وكان ما عداه بالأهلة ثم
يكمل ذلك الشهر الأول من الشهر الأخير ثلاثين يوما، وإن قلنا: إنه يكمل بقدر
ما مضى من ذلك الشهر، كان قويا.
وإن شرطا سنة بالشهور الرومية التي أولها أيلول وآخرها آب، أو بالشهور
الفارسية التي أولها فروردين وآخرها اسفندارمذ ماه " وهو شهر النيروز " كان
أيضا جائزا إذا كانا يعلمان هذه الأسامي، وإن لم يعلماها أو أحدهما لم يجز، وإن
آجرها إلى العيد فإن أطلق العيد لم يجز حتى يعينه، وإن عين العيد فقال: عيد
189

الفطر أو عيد الأضحى، جاز ذلك، وكذلك إن سمى عيدا من أعياد أهل الذمة
مثل المهر جان والنوروز جاز ذلك لأنه مشهور فيما بين المسلمين كشهرته بين
أهل الذمة وإن كانت أعيادا يختصون بها مثل الفطير والسعانين والفصح - وربما
قيل بالسين - والأسمونيا والسدق لم يجز، لأن ذلك غير مشهور بين المسلمين،
فلا يتعين إلا بالرجوع إليهم، ولا يجوز قبول قولهم في ذلك.
إذا أكراه أرضا للزراعة ذات ماء قائم إما يقينا أو غالبا مثل الأرضين التي
تستقي من الأنهار الكبار مثل الفرات ودجلة والنيل والجيحون أو من الأنهار
المشتقة الصغار من الأنهار الكبار، فإن ذلك جائز، لأنه عقد على منفعة يمكن
استيفاؤها.
وكذلك الحكم في العثري، وهو الزرع الذي يستسقي من المصانع التي
يجتمع فيها الماء من السيل في الأراضي التي ليس لها سيح، ويكون لها سواقي
ممتدة إلى الأرض التي يستسقي منها، وتسمى الساقية من تلك السواقي عاثورا،
ويجمع على عواثير، وسميت بذلك لأنه يتعثر بها ويسمى ذلك الماء عثريا،
وكذلك الزرع يسمى عثريا.
والبعل هو الشجر الذي يشرب بعروقه من نداوة الأرض، وذلك يكون في
الأرضين التي يكثر فيها الندا، وأما الغيل والغليل والسيح فهو الماء الذي يجري
إلى الأراضي من غير أن يسقى بدولاب ولا غيره.
إذا ثبت هذا فكل أرض كان لها ماء قائم من نهر كبير أو صغير مشتق من
كبير أو عين أو مصنع أو بئر فإنه يجوز اكتراؤها للزراعة لما ذكرناه، فإن ثبت
الماء إلى أن يستوفي الغلتين الصيفي والشتوي منها، فقد استوفى حقه.
وإن كان قد استوفى إحديهما ثم انقطع الماء نظر: فإن قال المكري: أنا
أجري إليها الماء من موضع آخر لأن لي فيه حق الشرب لأرضي، لم يكن
للمكتري الخيار لأن العيب قد زال بذلك، كما لو أصاب بالمبيع عيبا ثم زال
قبل الرد، فإنه لا يرد، وأما إذا تعذر إجراء إليها من موضع آخر فإن الخيار
190

يثبت له في الفسخ.
وكذلك القول في كل الإجارات، مثل الدار إذا أكراها ثم انهدمت، فإن
الإجارة تنفسخ لتعذر المقصود منها لأن المقصود السكنى، وقد تعذر بانهدامها،
والمقصود من الأرض الزراعة وقد تعذرت بانقطاع الماء عنها.
وفيهم من قال: لا يبطل، لأن جميع المنافع لم تتعذر، ويمكنه الانتفاع
بالعرصة والأرض التي انقطع عنها الماء بغير الوجه المقصود، فمن قال: يثبت له
الخيار في ذلك فأمسكها، فلا كلام، ويجب عليه الأجرة، وإن ردها أو قال:
ينفسخ العقد، فإنها تبطل فيما بقي ولا تبطل فيما مضى، وفي الناس من قال:
تبطل في الجميع، والأول أصح.
فإذا ثبت ما قلناه من أنها لا تنفسخ فيما مضى نظرت: فإن كانت أوقات
السنة كلها متساوية في الأجرة حسب على ما مضى، تقسط من الأجرة المسماة،
وإن كانت مختلفة نظر: كم أجرة مثلها فيما مضى وفيما بقي، فإن كانت أجرة
المثل في المدة التي مضت مثل أجرة المدة التي بقيت، فعليه ثلثا أجرة المسماة،
وعلى هذا الترتيب إن كانت الحال بخلاف ذلك، ومن قال: ينفسخ في الكل،
أوجب أجرة المثل لما مضى.
إذا اكترى أرضا للزراعة مدة معلومة لم تخل الزراعة من أحد أمرين: إما أن
تكون مطلقة أو معينة.
فإن كانت مطلقة كان له أن يزرعها في تلك المدة أبلغ الزرع ضررا، فإن
أراد أن يزرعها زرعا ليس ببالغ في تلك المدة لكنه يمكن إدراكه إلى ما بعدها
كان للمكري منعه من ذلك في الحال، لأنه إذا لم يكن له منعه وزرع وانقضت
المدة احتاج أن يطالب بالقلع والزرع ثابت في ملكه ومثل ذلك يشق، فجعل
له المنع في الحال حتى يتخلص من ذلك.
فإن زرع لم يكن له أن يطالب بالقلع في الحال، لأن له حق الانتفاع
بالأرض في تلك المدة بالزراعة فهو مستوف منفعته، فلم يمنع من ذلك، فإن
191

انقضت المدة كان له أن يطالب بالقلع، لأن صاحب الأرض لم يأذن له في
ذلك، فهو في معنى الغاصب، والغاصب إذا زرع الأرض المغصوبة كان
لصاحبها أن يطالبه بالقلع.
فإذا ثبت ذلك، فإن قلعه فلا كلام، وإن اتفقا على التبقية بإعارة أو إجارة
جاز، غير أن الإجارة لا تصح إلا بعد أن يقدر المدة، ولا يجوز أن يجعلاها إلى
الحصاد لأنه مجهول، وإن زرع زرعا يبلغ في تلك المدة فقد استوفى حقه، وسلم
الأرض مفرغة.
وإن كان قد اكترى للزراعة عن أول المدة وزرع بعد مضي مدة، وانقضت
المدة والزرع لم يدرك بعد، كان له المطالبة بالقلع لأنه فرط في التأخير،
والحكم في ذلك ما ذكرناه في المسألة الأولى، وهو إذا عدل إلى زرع لا يبلغ
في ذلك الوقت، لأنه مفرط في أحد الموضعين، وعادل في الآخر.
وأما إذا لم يؤخر وزرع في أول وقته غير أنه تأخر ولم يدرك في الوقت
المحدود لاضطراب الماء أو شدة البرد، فهل يجبر على القلع بعد مضيها؟ قيل
فيه وجهان: أحدهما له ذلك، لأنه مفرط وكان من حقه أن يحتاط في تقدير المدة
التي يبلغ في مثلها، والثاني لا يجبر على القلع لأن هذا التأخير ليس بسبب من
جهته، وإنما هو من الله تعالى، وهو الأقوى، فعلى هذا له تبقيته إلى وقت الإدراك،
وعليه أجرة المثل لتلك المدة، هذا إذا كانت الزراعة مطلقة.
فأما إذا كانت معينة لم يخل من أحد أمرين: إما أن يكون مثلها يبلغ في
تلك المدة المقدرة أو لا يبلغ.
فإن كانت يبلغ مثلها في تلك المدة، قال قوم: إن بالتعيين لا يتعين عليه،
لأنه إنما قصد تقدير المدة، وله أن ينتفع بالأرض بزراعة ما سماه وبغيره مما هو
مثله في الضرر ودونه، والحكم في هذا القسم كالحكم في القسم الأول، وهو إذا
كانت الزراعة مطلقة سواء في التأخير والمطالبة بالقلع وغيرهما.
وإن كان ذلك الزرع لا يقلع في مثل ذلك الوقت لم يخل من ثلاثة
192

أحوال: إما يشرط القلع أو يشرط التبقية أو يطلق.
فإن شرط القلع جاز ذلك، لأن الزرع قد يقصل قبل بلوغه وينتفع
بالقصيل وهو مقصود.
وإن شرط التبقية كان العقد باطلا لأنه عقد الإجارة مدة على أن ينتفع
بالأرض مدة أخرى، وذلك لا يجوز كما لا يجوز أن يستأجر دارا ويشرط أن
ينتفع بدار أخرى للمكري.
فإذا ثبت أن العقد باطل فإن له أن يمنعه من الزرع، لأنه لا يملك
الانتفاع لفساد العقد، فإن زرع قبل أن يمنعه من ذلك لم يكن له قلعه، لأن العقد وإن
كان فاسدا فإن الإذن باق، وقد زرع بإذن صاحب الأرض، فيكون له التبقية إلى
بلوغ الحصاد، وعليه أجرة المثل لتلك المدة.
وأما إذا أطلق ذلك، فإن الإجارة صحيحة، لأنه يجوز أن يزرعها للقصيل،
فإذا انقضت المدة فهل له أن يجبره على القلع أم لا؟ قيل فيه وجهان: أحدهما أن
له أن يجبره على القلع لأن التحديد يقتضي التفريع عقيب مضي المدة، والثاني لا
يجبر على ذلك، لأن المكري لما دخل في هذا العقد ولم يشرط قلع الزرع مع
علمه أن ذلك الزرع الذي سماه لا يبلغ في ذلك الوقت، كان رضا منه بالتبقية.
فإذا قيل: يجبره، فالحكم على ما مضى في الأقسام، وإذا قيل: لا يجبره،
فالحكم على ما مضى في الأقسام التي جعل له التبقية فيها.
إذا اكترى أرضا لا ماء لها إلا المطر، وهي مثل المزارع التي تكون على
الظراب، أو اكترى أرضا تسقى بماء النهر غير أنه لا يبلغها إلا إذا زاد الماء في النهر
زيادة مفرطة نادرة، فإن ذلك لا يخلو من ثلاثة أحوال: إما أن يشترط في العقد أنه
يعقد عليها للزراعة، أو يذكر في العقد أنه لا ماء لها، أو يطلق.
فإن شرطا في العقد أنها للزراعة، كان العقد باطلا، لأنه عقد على منفعة لا
يمكن استيفاؤها، فهو مثل إجارة الآبق للخدمة.
وإن ذكر المكري أنها أرض بيضاء لا ماء لها جاز العقد لأنه ينتفع بها بغير
193

الزراعة، فيكون للمكتري أن يجعلها بيدرا يدوس فيها الغلات أو يجعلها حظيرة
للغنم، أو يضرب فيها الخيم أو ينصب فيها الشباك يصطاد بها، أو غير ذلك من
وجوه الانتفاع، إلا أنه لا يبني ولا يغرس لأنها للتأبيد وفيها إضرار بالأرض فلا
يجوز إلا بالشرط.
وإن أطلقا ذلك فلم يذكرا أنها للزراعة ولا أنه لا ماء لها، من الناس من قال:
يبطل العقد لأن الزارع إنما يقصد بها الزراعة فإطلاق العقد فيها يرجع إلى
المقصود فهو كما لو أكراها للزراعة، ومنهم من قال: إن علم المكتري أنه لا ماء
لها ولا يمكن أن يجري إليها صح العقد لأن مثلها لا يكون للزراعة، فيكون كأنه
شرط ذلك في العقد، فينتفع بها بما ذكرناه من وجوه الانتفاع إذا شرط أنه لا ماء
لها.
وإن كانت بحيث يمكن أن تسقى بطل العقد، لأنه يحتمل أن تكون للزراعة
وقد أطلق العقد فلم يذكر وجه الانتفاع بها، فكان ذلك باطلا، وأما المواضع
التي تكون في بلاد لا ينقطع فيها المطر مثل طبرستان وغيرها فإنه يجوز إجارتها
وإن كانت لا تسقى إلا بالمطر، لأن المطر فيها معتاد بمجرى العادة والغالب أنه لا
ينقطع.
الأرض إذا كانت لا تسقى إلا بزيادة ماء في النهر نظر:
فإن كانت الزيادة التي تسقى بها نادرة ففيه ثلاث مسائل:
أولاها: إذا استأجرها للزراعة، فإن العقد يكون باطلا لأنه استأجرها لمنافع
لا يمكن استيفاؤها.
والثانية: إذا استأجرها على أنها أرض بيضاء لا ماء لها جاز ذلك، وينتفع
بها بغير الزراعة، مثل ما ذكرناه.
والثالثة: إن أطلق بطل العقد لأنه يمكن إجراء الماء إلى هذه الأراضي من
نهر أو بئر أو غيره، فاحتمل أن تكون الإجارة للزراعة، فبطل العقد كما لو صرح
أنها للزراعة.
194

وإذا كانت المسألة بحالها غير أن الماء زاد تلك الزيادة التي تسقى بها، جاز
إكراؤها لأنه يملك الانتفاع بها في الحال، والماء الذي تستقى بها موجود، وأما
إذا كانت تلك الزيادة زيادة معتادة جاز عقد الإجارة لأنه مأمون الانقطاع في
الغالب، وذلك مثل أرض البصرة التي تسقى بالمد لأن للمد وقتا معتادا لا ينقطع
فيه، وكذلك سائر الأراضي التي تسقى بالزيادة المعتادة التي توجد في كل سنة
في وقتها.
ويقال إن النيل يزيد في وقت الخريف، وهو وقت الزراعات، ويزداد
زيادتين: مأمونة وغير مأمونة، فالمأمونة أن يزيد دون ستة عشر ذراعا، والتي
ليست بمأمونة فستة عشر ذراعا فما فوق ذلك، فإن كانت الأرض على دون ستة
عشر ذراعا من الماء فتلك زيادة معتادة، فيجوز إكراؤها لأنها مأمون الانقطاع،
وإن كانت على أكثر من ذلك، فالكراء فاسد، لأن تلك الزيادة نادرة فماؤها غير
مأمون الانقطاع.
إذا اكترى أرضا وفيها ماء قائم فإنه ينظر: فإن كان ذلك الماء لا ينحسر
عنها يقينا أو لا ينحسر في الغالب فإنه لا يصح العقد، لأنه لا يمكن الانتفاع
بالزراعة، وإن كان قد ينحسر وقد لا ينحسر لم يجز أيضا، لأن الانتفاع بها
مشكوك فيه، وإن كان الماء ينحسر عنه يقينا أو في الغالب جاز، لأن الغالب
بمنزلة اليقين.
وفي الناس من قال: إذا كان فيها ماء لا يمنع الانتفاع بها بنوع من الزرع،
فإن العقد جائز، وذلك مثل أن يكون الماء قدر شبر فما دونه لأنه يمكن أن يزرع
أرزا، وإذا أمكن الانتفاع بها بنوع من الزرع، رجع إطلاق العقد إليه، وجاز،
وإذا كان فيها من الماء ما يمنع الزراعة جملة، ولا يمكن أن ينتفع بها بنوع من
الزروع فإن العقد باطل، والصحيح الأول.
فأما إذا استأجر الأرض وليس فيها ماء قائم، غير أن الغالب أنها تغرق بعد
ذلك ويحصل فيها وقت الزراعة ماء قائم يمنع الانتفاع بها، فما يتوقع بعد
195

ذلك لا يمنع جواز العقد عليها، كما يجوز أن يستأجر عبدا سنتين وإن جاز ألا
يبقى ولا يتيقن ذلك.
إذا اكترى أرضا للزراعة وغرقت بعد ذلك نظر:
فإن كانت غرقت عقيب العقد بطل العقد، وإن كان بعد مضي مدة انفسخ
العقد فيما بقي ولا ينفسخ فيما مضى، ومنهم من قال: يبطل فيما مضى أيضا فإن
غرق بعض الأرض انفسخ العقد فيما غرق، ولا ينفسخ فيما لم يغرق، وفيهم من
قال فيما لم يغرق: أنها تبطل.
فإذا ثبت أنها لا تنفسخ فإن له الخيار، لأن الصفقة تبعضت عليه، فإن رد فلا
كلام، وإن أمسك فبحصته، وفيهم من قال: يمسك بجميع الأجرة.
فأما إذا كان الماء ينحسر عنها يوما بعد يوم كان ذلك عيبا في المعقود عليه
يثبت له به الخيار، ولا ينفسخ العقد لأجله.
فأما إذا غصبت الأرض ومضت المدة في يد الغاصب فالمسألة على قولين:
أحدهما ينفسخ العقد فيرجع بالمسمى على المكري، ويرجع المكري على
الغاصب بأجرة المثل، والثاني لا ينفسخ، ويثبت له الخيار، فإن شاء فسخ وإن
شاء أمضى ورجع على الغاصب بأجرة المثل.
وإن غصب بعضها ومضت المدة فالأمر فيما بقي أنه ينفسخ، وفيما مضى
يكون صحيحا وإن كان مدة الغصب يوما أو يومين فذلك عيب يثبت له به
الخيار، ولا ينفسخ العقد بذلك.
إذا اكتراها للزراعة فزرع فمر بالأرض سيل فأفسد الزرع أو أصابه حريق
فاحترق أو جراد فأهلكه، فذلك فساد في الزرع لا في الأرض، ولا ينفسخ العقد
به، كما لو اكترى دكانا ليبيع فيه البز فاحترق بزه لم تنفسخ الإجارة.
إذا أكرى أرضا ليزرعها لم يخل من أربعة أحوال: إما أن يقول: أكريتها
للزراعة، ويطلق ذلك، أو يقول: ليزرعها طعاما، ويسكت على ذلك، أو يقول:
ليزرعها طعاما أو ما يقوم مقامه، أو يقول: ليزرعها طعاما ولا يزرعها غيره.
196

فأما الأول، وهو إذا أطلق فإن له أن يزرع أي زرع شاء، لأن أعظمها ضررا
مأذون له فيه، وإن ذكر الطعام وسكت كان للمكتري أن يزرع الطعام وما
ضرره ضرر الطعام، ويكون تقدير الطعام تقديرا لضرر الانتفاع بالأرض التي
تناولها العقد، وإن ذكر الطعام وما يقوم مقامه فهو تأكيد له كما لو قال: بعتك
هذا على أن أسلمه إليك.
وإن شرط ألا يزرعها غير الطعام، فالشرط يسقط، وهل يبطل العقد أم لا؟
قيل فيه وجهان: أحدهما يبطل، لأنه شرط ما ينافي العقد وليس فيه مصلحة،
والثاني لا يبطل، وهو الصحيح، لأنه إذا سقط هذا الشرط لم يعد إسقاطه بضرر
عليهما ولا على أحدهما.
هذا قول جميع المخالفين، ويقوى في نفسي أنه إذا شرط أن يزرع طعاما لم
يجز له أن يزرع غيره، وبه قال داود، وكذلك إذا اكترى دارا ليسكنها هو، لم
يجز أن يسكنها غيره، وبه قال داود.
إذا اكترى أرضا للزراعة وأراد أن يزرعها زرعا ضرره أكثر من ضرر الزرع
الذي سماه، وهو أن يكون قد أكراها ليزرع الطعام فأراد أن يزرعها قطنا أو دخنا
أو كتانا أو ما أشبه ذلك، لم يجز، لأن هذه أضر بالأرض من الطعام.
فإذا ثبت هذا فإن للمكري أن يمنعه من ذلك، لأنه ضرر لم يتناوله عقد
الإجارة، فإن خالف فزرع لم يخل: إما أن يكون المكري علم بذلك بعد أن
أدرك الزرع واستحصد، أو قبل أن يدرك، فإن كان بعد أن أدرك
واستحصد، قال قوم: لرب الأرض الخيار إن شاء أخذ الكري وما نقص الأرض
كما ينقصها الطعام أو يأخذ منه كري مثلها، وقال آخرون: له أجرة المثل والأول
أشبه بالصواب.
وكذلك إذا اكترى منزلا يسكنه فجعل فيه القصارين والحدادين فيقطع
البناء، أو اكترى غرفة ليترك فيه ألف من قطنا فيترك فيه ألف من حديدا
فانشقت، كل هذه المسائل فيها قولان: أحدهما - وهو الصحيح - أنه يأخذ
197

الأجرة المسماة، وقدر ما نقص بالتعدي، هذا كله إن علم به وقد استحصد
الزرع.
فأما إذا علم بذلك قبل أن يدرك الزرع، فإن له أن يقلعه، لأنه غير مأذون
له فيه، كالغاصب إذا زرع الأرض، فإذا قلعه نظر: فإن كانت المدة التي قد بقيت
يحتمل أن يكون متى يزرع في مثلها زرع يدرك فيها كان للمكتري أن يزرعها،
وإن لم يحتمل لم يكن له أن يزرعها، وقد استقرت الأجرة عليه، لأنه فوت المنفعة
على نفسه، فهو كما لو أمسكها طول المدة ولم يزرعها.
إذا اكترى أرضا وأطلق لم يجز، لأنها تكترى لمنافع مختلفة متباينة، فلا بد
من تعيين جنس منها، كما إذا اكترى بهيمة وأطلق لم يجز، لأن البهيمة ينتفع بها
بأجناس مختلفة فلا بد من التعيين.
وإن اكترى الأرض ليزرعها وأطلق الزرع جاز، وله أن يزرع أي زرع
شاء، وإن كان أبلغ ضررا، وفيهم من قال: لا يجوز ذلك، لأن أنواع الزرع
تختلف وتتباين، فلا بد من التعيين، والأول أقوى.
ومتى اكتراها للزرع لا يجوز له أن يغرس فيها لأن الغرس أعظم ضررا
وكذلك إن عين له زرعا لم يكن له أن يزرع ما هو أعظم ضررا لما ذكرناه.
وإن اكتراها للغراس وأطلق جاز، وفيهم من قال: لا يجوز، لأنه يختلف
والأول أقوى لأن الأصل جوازه ولا يجوز أن يبني فيها بلا خلاف لأن البناء
ضرره مخالف لضرر الغراس بلا خلاف، وإن اكترى بهيمة لم يجز أن يطلق
ذلك، لأن أنواع الانتفاع فيها تختلف اختلافا متباينا فلا بد من التعيين بلا
خلاف.
وإن اكترى دارا جاز إطلاق ذلك وله أن يسكنها ويسكن غيره، وله أن
يضع فيها متاعا لا يضر بحيطانها، ولا يجوز أن يفرع فيها سرقينا وما جرى مجراه
لأنه يفسدها، ولا يجوز أن ينصب فيها حدادين وقصارين، لأن ضرره أعظم من
ضرر السكنى.
198

إذا أكراه أرضا على أن يزرعها ويغرسها ولم يعين مقدار كل واحد منهما لم
يجز، وقال قوم: يجوز ويغرس نصفه ويزرع نصفه، والأول أقوى لأن ذلك
مجهول لا يجوز العقد عليه.
إذا اكترى أرضا سنة ليغرسها جاز ذلك، لأنها منفعة مقدرة مقدور على
تسليمها وله أن يغرس فيها ما لم تنقض المدة، فإذا انقضت المدة لم يجز له بعد
ذلك أن يستأنف غراسا لأنه غير مأذون له فيه.
فأما الذي قد غرسها فهل يلزم قلعها؟ نظر: فإن كان شرط عليه قلعها بعد
مضي المدة لزمه قلعها لأنه دخل في العقد راضيا لدخول هذا الضرر عليه، فإذا
قلعها فليس عليه تسوية الأرض من الحفر، لأنه قلع مأذون له فيه، وإن لم يشرط
عليه القلع لكن أطلق لم يجبر على القلع، لأن إطلاقه يقتضي التأبيد لأن الغراس
يراد للتأبيد، ويرجع في ذلك إلى العرف.
فإذا ثبت أن له التبقية على ما يقتضيه العرف، فإن أراد قلعها كان ذلك له
لأنه ملكه، وإذا قلعها فعليه تسوية الحفر لأنه غير مأذون له فيه - أي في ذلك
القلع -، وإن لم يرد قلعها كان المكري بالخيار بين ثلاثة أشياء: بين أن يغرم له
قيمتها ويجبر المكتري على أخذها، فيحصل له الأرض بغراسها، وبين أن يجبره
على قلعها بشرط أن يغرم له أرش ما ينقص بالقلع، فيلزم ما بين قيمتها ثابتة وبين
قيمتها مقلوعة، وبين أن يتركها ويطالب بالأجرة.
فأما إذا أراد أن يجبره على القلع من غير أن يغرم له شيئا فليس له ذلك،
ومتى ما بقيناها في الأرض فباعها منه جاز، وإن باعها من غيره قيل فيه وجهان:
أحدهما يجوز وهو الأصح لأنه ملكه، والثاني لا يجوز لأن المكري يملك أن يزيل
ملكه بغرامة القيمة، فملك المكتري غير مستقر عليه فلم يجز بيعه، وقال قوم: له
أن يجبره على القلع من غير أن يغرم له شيئا.
إذا اكترى دارا أو أرضا مدة معلومة وكانت الإجارة صحيحة، ومضت المدة
استقرت عليه الأجرة، استوفى تلك المنافع وانتفع بها أو لم ينتفع، وكذلك إن
199

كانت الإجارة فاسدة استقرت عليه الأجرة بمضي المدة انتفع أو لم ينتفع، إذا
كان متمكنا منه، وفيه خلاف.
إذا اكترى دارا سنة فغصبها رجل نظر: فإن كان ذلك عقيب العقد ثبت له
الخيار مثل العبد إذا أبق عقيب الشراء وقبل التسليم، لأنه تعذر تسليم المعقود
عليه، وإن كان المكتري قبض الدار ومضي بعض المدة في يده ثم غصب ثبت
له الخيار، فإن فسخ العقد انفسخ فيما بقي، ولا ينفسخ فيما مضى، وفيهم من
قال: ينفسخ فيما مضى.
وإن لم يفسخ حتى مضت المدة كلها في يد الغاصب وهو أن يكون
الغاصب غصبها عقيب العقد، وأمسكها حتى مضت المدة قيل فيه قولان: أحدهما
أن العقد ينفسخ ويرجع على المكري بالمسمى ويرجع المكري على الغاصب
بأجرة المثل، والثاني أنه لا ينفسخ، لأنه قبضه، والغصب بعد القبض لا يؤثر في
العقد، ويرجع على الغاصب بأجرة المثل مثل المبيع إذا أتلفه أجنبي بعد
القبض.
إذا اختلف المكري والمكتري في قدر المنفعة، مثل أن يقول: أكريتها شهرا،
وقال بل شهرين، أو قال: أكريتها لتركبها إلى الكوفة، وقال: بل إلى بغداد، أو
اختلفا في قدر الأجرة، فقال: بعشرين، وقال المكتري: بعشرة، قال قوم: فيها
كلها أنهما يتحالفان مثل المتبايعين إذا اختلفا في قدر الثمن والمثمن، فإن تحالفا
فهل ينفسخ العقد بنفس التحالف أو يفسخ بفسخ؟ نظر:
فإن كان لم يمض من المدة شئ رجع كل واحد منهما إلى حقه وإن كان
بعد مضي المدة في يد المكتري، فقد تلفت المنفعة المعقود عليها في يده، فيلزمه
أجرة المثل مثل المبيع إذا كان باقيا بعد التحالف رده وإن كان تالفا رد قيمته.
وعلى مذهب قوم أنه إذا كان ذلك قبل مضي المدة تحالفا، وإن كان بعد
مضي المدة في يد المكتري لم يتحالفا، وكان القول قول المكتري، كما قال في
البيع فيجعل القول قول المشتري إذا كانت السلعة تالفة، وهذا الذي يقتضيه
200

مذهبنا.
وإن قلنا: يرجعان إلى القرعة، فمن خرج اسمه حلف وحكم له به كان
قويا.
إذا زرع رجل أرض غيره ثم اختلف هو ورب الأرض فقال الزارع:
أعرتنيها، وقال رب الأرض: بل أكريتكها، وليس مع واحد منهما بينة، فالقول
قول رب الأرض مع يمينه، وقال قوم: إن القول قول الزارع، والأول أقوى، لأن
العادة جرت بإكراء الأرضين دون العارية، ووجه الثاني أن الأصل براءة الذمة،
والأحوط أن يستعمل القرعة.
فمن قال: القول قول الزارع، فإذا حلف أنه أعارها إياه وما اكتراه ثبت أنها
عارية، ولا أجرة عليه من حين الزرع إلى حين اختلفا وحلف، وله الرجوع عن
العارية التي ثبتها الزارع بيمينه، غير أنه لا يمكن قلع الزرع لأنه مأذون له فيه،
وعليه أجرة المثل من ذلك الوقت إلى أن يدرك ويستحصد.
ومن قال: القول قول رب الأرض، حلف بالله لقد أكراها وما أعارها، فإذا
حلف كانت له الأجرة من حين زرع، وللزارع التبقية حتى يدرك ويستحصد
ولا يجبر على القلع، لأنه ثبت أنه زرع بعقد الإجارة، فإن امتنع الزارع من تسليم
الأجرة أجبر على ذلك، ويلزمه أجرة المثل دون المسمى، لأنه قبل يمينه في
ذلك، ولو قبل في المسمى ربما ادعى مالا عظيما فيؤدى ذلك إلى أن يلزمه ذلك
بيمينه ابتداء، وذلك لا يجوز.
وإن اختلف الغسال وصاحب الثوب، فقال: أمرتني بغسله، وأنكر صاحب
الثوب، فالقول قول رب الثوب مع يمينه.
وإن اختلف الراكب ورب الدابة فقال الراكب: أعرتنيها، وقال رب الدابة:
بل غصبتنيها، فالقول قول رب الدابة، لأن الراكب يدعي الإذن عليه في الركوب،
وهو ينكره، والأصل عدم الإذن، وفيهم من قال: القول قول المدعي للعارية، لأن
الأصل براءة الذمة.
201

وإذا زرع أرض غيره فيدعي أنه زرعها بإجارة، وقال رب الأرض: بل
غصبتنيها، فالقول قول رب الأرض مع يمينه، فإذا حلف أجبر على القلع عقيب
اليمين، وعليه أجرة المثل من حين الزرع إلى ذلك الوقت.
202

كتاب المساقاة
المساقاة هو أن يدفع الإنسان نخلة إلى غيره على أن يلقحه ويصرف الجريد
ويصلح الأجاجين تحت النخل ويسقيها، أو يدفع إليه الكرم على أن يعمل فيه
فيقطع الشيف ويصلح مواضع الماء ويسقيه، على أن ما رزق الله من ثمرة
كانت بينهما على ما يشترطانه، وسميت مساقاة، لأن الغالب في الحجاز
والمطلوب السقي لأنها تسقى من الآبار بنضح أو غرب.
وهي جائزة بشرطين: مدة معلومة كالإجارة، ويكون قدر نصيب العامل
معلوما كالقراض، وفي جوازها خلاف، فإذا ثبت جوازها، فإنها جائزة في النخل
والكرم معا، ويجوز عندنا المساقاة فيما عدا النخل والكرم من شجر الفواكه،
وفي من أجاز في النخل والكرم من منع فيما سواهما، وكل ما لا ثمرة له من الشجر
كالتوت الذكر والخلاف فلا يجوز مساقاته بلا خلاف.
فصار الشجر على ضربين: ضرب له ثمر يؤكل سواء تعلق به الزكاة أو لم
يتعلق فإنه يتعلق به المساقاة، وشجر لا ثمرة له فلا يجوز المساقاة فيه.
المساقاة تحتاج إلى مدة معلومة كالإجارة لأن كل من أجازها أجازها
كذلك فهو إجماع، وهي من العقود اللازمة لأنها كالإجارة، وبهذا فارق القراض
لأنه لا يحتاج إلى مدة، والمدة فيها مثل المدة في الإجارة سواء، فما يجوز هناك
يجوز هاهنا، سواء كان سنة أو سنتين، ومن يخالف هناك خالف هاهنا.
203

المساقاة على النخل والمخابرة على الأرض جائزة عندنا، سواء كانت
الأرض خلال النخل أو منفردا، ومن خالفنا في ذلك فمنهم من قال: لا يجوز
المخابرة على الأرض بحال، وفيهم من قال: إن كانت منفردة أو بين ظهراني
النخل وكانت كثيرة لا يجوز، وإن كانت يسيرة بين ظهراني النخل جاز أن
يساقيه على الشجرة ويخابره على الأرض إذا كان من رب الأرض البذر والأرض
معا، ويكون من العامل العمل فقط.
وينبغي أن يخص كل واحد منهما بلفظ، فيقول: ساقيتك على النخل
وخابرتك على الأرض بالنصف، أو يذكر لفظة واحدة تصلح لهما، فيقول:
عاملتك على النخل والأرض معا بالنصف مما يخرج من ثمر وزرع، كل هذا
صحيح لأن اللفظ يأتي عليه، فإن اقتصر على لفظ المساقاة لم يتضمن هذا مخابرة
الأرض لأن الاسم لا يشتمل عليه.
فإن ثبت هذا فإن زرع العامل الأرض فقد تعدى وغصب، ويقلع زرعه
منها، وعلى أجرة مثل الأرض من حين القبض إلى حين الرد، فكل موضع
أجازوا فيه المخابرة فإنها تجوز، سواء كانا معا بالنصف أو اختلفا، مثل أن يساقي
بالنصف ويخابر على الربع، وكذلك إذا كان له أنواع نخل معقلي وبرني
وسكر فساقاه بالنصف على البعض وبالربع على البعض الآخر، أو أقل أو أكثر
كان جائزا، وهو الذي نختاره ونفتي به، وإن خالفناهم في جواز المخابرة في
الأرضين في كل موضع.
وإذا ساقاه على النخل بعقد، ثم خابره على الأرض بعقد آخر كان جائزا،
وفي من وافقنا فيه قال: لا يجوز، وفيهم من قال كما قلنا، هذا إذا كان البياض يسيرا
بين ظهراني نخل كثير.
فإن كان البياض يسيرا منفردا عن النخل يمكن إفراد كل واحد منهما
بالسقي، فإذا ساقاه على الأول لم يصح أن يخابره على هذه الأرض، لأنا أجزنا
لموضع الحاجة، وإن كان البياض كثيرا بين ظهراني نخل يسير، فساقاه على
204

النخل وخابره على الأرض بعقد واحد، فيها وجهان: أحدهما يصح، والآخر لا
يصح لأنه إذا كان البياض هو الأكثر فالنخل تبع فلهذا لم يصح، وقد قلنا إن
عندنا يجوز ذلك أجمع.
ولا يجوز المساقاة حتى يشترط للعامل جزء معلوما من الثمرة، فإذا ثبت أنه
يفتقر إلى أن يكون سهمه معلوما، إما النصف أو الثلث أو الربع، فلا يجوز أن
يكون معلوم المقدار مثل أن يكون ألف رطل أو خمس مائة رطل بلا خلاف،
ومهما شرط ذلك من الأجزاء كان جائزا قليلا كان أو كثيرا لأنه لو شرط لرب
الأرض سهما من ألف سهم والباقي للعامل أو بالعكس من ذلك كان جائزا، لأن
ذلك يستحق بالشرط فعلى حسب الشرط.
إذا ساقاه على ثمرة نخلات بعينها كانت المساقاة باطلة، لأن موضعها على
الاشتراك بلا خلاف بين من أجازها، ولأنه قد لا يسلم إلا النخل المعين فيبقي
رب الأرض والنخل بلا شئ من الثمرة، أو لا تحمل شئ منها فيكون العامل بلا
فائدة، ومتى ساقاه على هذا الوجه كانت باطلة، وكانت الثمرة لرب النخل
ويكون للعامل أجرة مثله.
ومن استأجره على أن له سهما من الثمرة في مقابلة عمله، فإن كان قبل خلق
الثمرة فالعقد باطل، وإن كانت مخلوقة فإن كان بعد بدو صلاحها فاستأجره
بكل الثمرة أو بسهم منها صح، لأنه لما صح بيعها أو بيع بعضها كذلك هاهنا،
وإن كان قبل بدو صلاحها فإن استأجره بكلها بشرط القطع صح، وإن استأجره
بسهم غير مشاع منها لم يصح، لأنه إن أطلق فإطلاقها لا يصح بالعقد، وإن كان
بشرط القطع لم يصح لأنه لا يمكن أن يسلم إليه ما وقع العقد عليه إلا بقطع
غيره، وهذا يفسد العقد.
كل ما كان مستزادا في الثمرة كان على العامل وهو التأبير والتلقيح،
وتصريف الجريد وهو السعف اليابس، وما يحتاج إلى قطعه لمصلحة النخل
والثمرة وتسوية الثمرة، لأن الثمار تظهر وتبقى قائمة في قلب النخل فإذا كثرت
205

الثمرة ثقلت فنزلت فيحتاج أن يعبيها على السعف اليابس وغيره حتى يكون
كالطوق في حلق النخل، وعليه إصلاح الأجاجين تحت النخل ليجتمع الماء
فيها عند السقي، وعلى قطع الحشيش المضر بالنخل، وعليه كري السواقي
ليجري الماء فيها، وإدارة الدولاب، فإذا بدا صلاحها فعليه اللقاط، إن كان مما
يلقط، فإذا جف ما فيه جذه، وإن كان مما يشمس فعليه إصلاح موضع التشميس
- وهو الذي يقال له في البصرة الجوخان وبالحجاز الجرين والأندر والبيدر -
وعليه الجذاذ والنقل إليه، وعليه حفظه في نخله وغيره حتى يقسم، لما روى نافع
عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله دفع إلى يهود خيبر نخل خيبر وأرضها
على أن يعملوها من أموالهم وأن لرسول الله شطر ثمرتها.
وأما الذي على رب المال مما فيه حفظ الأصل، وهو شد الحصار وإنشاء
الأنهار والدولاب، والثور الذي يديره، وعليه الكش " وهو طلع النخل الذي
يلقح به " لأن ذلك أجمع أصول الأموال.
فإذا ثبت أن هذا يقتضيه إطلاقه، فإن وقع العقد مطلقا حمل على مقتضاه،
وإن شرط فيه العمل مطلقا نظرت: فإن شرط على العامل ما يقتضيه إطلاقه، وعلى
رب النخل ما يقتضيه إطلاقه كان الشرط تأكيدا، وإن شرط على العامل ما على
رب النخل أو بعضه، أو شرط على رب النخل ما على العامل أو بعضه، فالمساقاة
باطلة عند قوم، لأنه شرط ليس من مصلحة العقد ينافي مقتضاه، والذي يقوي في
نفسي أنه لا يمنع من صحة هذا الشرط مانع، لأنه ليس في الشرع ما يمنعه منه إلا
أن يشرط جميع ما يجب على العامل على رب النخل، فيبقي العامل لا عمل له
فلا يصح، فيبطل.
قد مضى الكلام في المساقاة مطلقا، فأما الكلام في وقت عقد المساقاة فهل
يجوز بعد ظهور الثمرة أو قبلها؟ فالذي ورد الشرع به ما عامل رسول الله صلى
الله عليه وآله أهل خيبر عليها قبل ظهور الثمرة، فروى نافع عن ابن عمر أن النبي
صلى الله عليه وآله عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج من ثمر أو زرع، ثبت إذا أن
206

المعاملة قبل ظهور الثمرة، وإن ساقاه بعد ظهور الثمرة فيقوى في نفسي أنه لا
يمنع منه مانع، بعد أن يبقى للمساقي عمل يعمله إلى وقت الجذاذ.
وفي الناس من قال: لا يجوز كالقراض، فمن قال " لا يجوز " فلا كلام،
وإذا قلنا " يجوز " فإنما يجوز إذا بقي من العمل على العامل ما يستزاد به الثمرة
كالتأبير وإصلاح الثمرة والسقي، فإن لم يبق من العمل ما فيه مستزاد كاللقاط
والجذاذ لم تجز المساقاة.
إذا شرط العامل في المساقاة أن يعمل غلام رب المال معه كان ذلك جائزا
لأنه ضم مال إلى مال، وليس بضم عمل إلى مال، وفي الناس من قال: لا يجوز،
فمن قال " لا يجوز " فلا كلام، وإذا قلنا " يجوز " فإنما يجوز تبعا على ما فصلناه،
ولا فصل بين أن يكون الغلام مرسوما بعمل هذا البستان وحده، وبين أن يعمل
لرب المال فيه وفي غيره.
ويجوز أن يكون من تحت تدبير العامل، ويجوز أن لا يكون كذلك، ولا
يجوز أن يكون أصلا في نفسه، وينبغي أن يكون الغلام يعمل مع العامل في
خاص مال رب المال، فأما إذا شرط أن يعمل معه في حائط رب المال وفي حائط
للعامل غيره فلا يجوز.
وأما نفقة الغلام نظرت: فإن وقع العقد مطلقا كان على سيده لأنه مملوكه،
وإن شرط نظرت: فإن شرط على المولى صح، لأن ذلك من مقتضى العقد، وإن
شرط على العامل صح لأنها إعانة منه على ذلك، فإذا ثبت أنه يجوز شرطها عليه
فالنفقة غير مقدرة بل الكفاية بمقتضى العادة.
إذا ساقاه بالنصف على أن يعمل رب المال معه، فالمساقاة باطلة، لأن
المساقاة موضوعة على أن من صاحب المال المال، ومن العامل العمل
كالقراض، فإذا شرط على رب المال العمل وجب أن يبطل كالقراض.
وإذا قال: ساقيتك على الحائط بالنصف على أن أساقيك على هذا الآخر
بالثلث، بطلت لأنه بيعتان في بيعة، فإنه ما رضي أن يعطيه من هذا النصف إلا بأن
207

يرضى منه بالثلث من الآخر.
وهكذا في البيع إذا قال: بعتك عبدي هذا بألف على أن تبيعني عبدك
بخمس مائة، فالكل باطل لأن قوله: على أن تبيعني عبدك بألف، إنما هو وعد
من صاحب العبد بذلك وهو بالخيار بين الوفاء به وبين الترك، فإذا لم يف به
سقط، وعلى هذا ما رضي أن يبيعه بألف إلا بأن يشتري منه العبد بخمس مائة، فقد
نقصه من الثمن لأجله، فإذا بطل ذلك رددنا إلى الثمن ما نقصناه لأجله، وذلك
المردود مجهول، والمجهول إذا أضيف إلى معلوم كان الكل مجهولا فلهذا بطل.
ويفارق هذا إذا قال: ساقيتك على هذين الحائطين بالنصف من هذا
وبالثلث من هذا، حيث قلنا يصح، لأنها صفقة واحدة وعقد واحد، وليس
كذلك هاهنا لأنهما صفقتان في صفقة، ألا ترى أنه لو قال: بعتك داري هذه
بألف على أن تبيعني عبدك بمائة، بطل الكل، ولو قال: بعتك داري هذه
وعبدي هذا معا بألف، الدار بستمائة والعبد بأربع مائة، صح وكان الفصل
بينهما ما مضى.
وإذا كان العامل واحدا ورب المال اثنين، فقالا له: ساقيناك على أن لك
من نصيب هذا النصف ومن نصيب الآخر الثلث، والعامل عالم بقدر نصيب كل
واحد منهما في الحائط صح لأن العقد الواحد مع الاثنين في حكم العقدين
المنفردين، كما لو أفرد كل واحد منهما العقد معه على نصيبه بما يتفقان عليه
صح، فكذلك إذا جمع ذلك في عقد واحد.
وهكذا كل العقود مثل القراض والإجارة والبيوع، كل هذا جائز إلا في
المكاتب، فإنه إذا كان بينهما عبد نصفين فكاتباه على التفاضل هذا على نصيبه
بألف، وهذا بألفين، فالكتابة باطلة.
والفصل بينهما وبين هذه العقود أنهما إذا تفاضلا في مال الكتابة أفضي إلى
أن ينفرد أحدهما بمنفعة مال شريكه مدة بغير حق، لأن الكتابة لازمة من جهة
السيد، جائزة من جهة المكاتب.
208

فإذا أدى إلى أحدهما ألفا وإلى الآخر خمسمائة كان له الامتناع عن أداء
الباقي، فإذا فعل كان لهما الفسخ، فإذا فسخا رد المال إلى الوسط واقتسماه
نصفين، لأنه كسب عبدهما، فيكون من أخذ الأكثر قد انتفع ببعض مال شريكه
مدة إلى حين رده عليه، فلهذا لم يصح، وليس كذلك سائر العقود فإنها لا تفضي
إلى هذا، فلهذا صح التفاضل فيهما فبان الفصل بينهما، هذا إذا كان العامل عالما
بقدر نصيب كل واحد منهما.
فأما إن كان جاهلا بنصيب كل واحد منهما، فقالا له: لك من نصيب هذا
النصف، ومن نصيب هذا الثلث، بطل العقد، لأنه غرر، لأنه يدخل على أن من
بذل له النصف من ماله، له نصف الحائط فيتبين أن له السدس منه، فيقل ما
أخذه، فإذا أفضي إلى هذا بطل العقد.
وأما إذا كان رب المال واحدا والعامل اثنين فقال لهما: ساقيتكما على أن
لهذا النصف ولهذا السدس والباقي لي، صح لأن كل واحد منهما قد عرف قدر
ما يصيبه من جميع الثمرة، ولا غرر على واحد منهما في ذلك.
إذا كان في حائط أنواع كثيرة بعضه دقل وبعضه عجوة وبعضه برني
فساقاه على هذا الحائط على أن له من الدقل النصف، ومن العجوة الثلث، ومن
البرني السدس، نظرت: فإن كان العامل يعلم قدر كل صنف منها في الحائط
صح لأن كل صنف كالمنفرد بحائط، ولو كان كل صنف في حائط مفرد صح
هذا كله، وإذا كان في حائط واحد يجب أن يصح.
ومتى كان العامل جاهلا بقدر هذه الأصناف فلم يعلم البرني منه نصف
الحائط أو ربعه أو أقل أو أكثر، فالعقد باطل لأنه غرر، لأنه يدخل معتقدا أن
البرني نصف الحائط فيقل ما كان يظن أنه يكثر وذلك غرر.
وإذا قال: ساقيتك على أن لك من الثمرة نصفها، ولم يزد عليه صح العقد،
لأن الثمرة كلها له، فإذا اشترط النصف للعامل كان ما بعد ذلك له، كما لو قال:
بعتك نصف عبدي هذا، صح وكان ما بعد النصف له، وإن قال: على أن لي
209

النصف، ولم يزد على هذا لا يصح.
وفي الناس من قال: يصح، لأن قوله ساقيتك يقتضي المشاركة في الثمرة،
فإذا قال: لي منها النصف، علم أنه ترك الباقي للعامل كقوله تعالى: " وورثه
أبواه فلأمه الثلث " علم أن للأب ما بقي، فمن قال " يصح " فلا كلام، ومن قال
" باطل " كان للعامل أجرة مثله، وهذا القول أصح.
إذا كان الحائط بين نفسين نصفين فساقى أحدهما شريكه، نظرت فيما
شرطاه من الثمرة:
فإن شرط له منها الثلثين صح لأن له النصف بحق ملكه وثلث ما بقي على
المساقاة، فكأنه ساقاه منفردا على نصيبه على أن له منه ثلث الثمرة، ولو فعل هذا
صح.
وإن شرط له نصف الثمرة كانت باطلة، لأنه ساقاه بغير عوض، وإن ساقاه
على أن له ثلث الثمرة بطلت أيضا لأنه ساقاه بغير عوض، ولأنه شرط على العامل
العمل وثلث ثمرته، وذلك لا يجوز، فإذا ثبت بطلانها فإن عمل كانت الثمرة
بينهما نصفين لكل واحد منهما بقدر ملكه، وللعامل أجرة مثله، وقال قوم: لا
شئ.
إذا كانت النخيل بينهما نصفين فساقى أحدهما شريكه على أن يعمل معه
فالمساقاة باطلة لأن موضوعها على أن من رب المال المال، ومن العامل العمل،
فإذا شرط أن يكون من رب المال المال والعمل بطلت المساقاة، فإذا عملا
وظهرت الثمرة كانت بينهما نصفين بحق ملكهما، لا حق للعامل فيها.
وهل للعامل أجرة المثل؟ نظرت: فإن كانا في العمل سواء فلا حق
للعامل لأنه ما عمل على مال شريكه، لأن كل واحد منهما قد عمل بقدر ملكه،
وإن كان عمل العامل أكثر نظرت فيما شرط له: فإن كان المشروط له أكثر من
النصف فله بقدر فضل عمله على مال شريكه، لأنه دخل على أن يسلم له المسمى،
فإذا لم يسلم، كان أجرة مثله، وإن كان المشروط نصف الثمرة أو أقل، فهل له
210

الأجرة؟ على ما مضى من الوجهين: أحدهما يستحق، والآخر لا يستحق.
إذا كانت المساقاة صحيحة فهرب العامل لم تبطل مساقاته لأنه عقد لازم،
فلا يبطل بالفرار كالإجارة والبيع، وإذا كان العقد بحاله فإن رب المال يحضر
عند الحاكم فيثبت العقد عنده، فإذا ثبت طلب الحاكم العامل، فإن وجده كلفه
العمل وأجبره عليه، وإن لم يجده نظرت:
فإن وجد له مالا أنفق عليه منه، وإن لم يجد له مالا أنفق عليه من بيت المال،
فإن لم يكن في بيت المال مال أو كان فيه مال لكن هناك ما هو أهم منه،
استقرض عليه وأنفق، فإن لم يجد من يقرضه قال الحاكم لرب المال: أتتطوع
أنت بالإنفاق؟ فإن تطوع فلا كلام، وإن لم يتطوع قال له: فأقرضه دينا عليه
تستوفيه منه، فإن فعل فلا كلام، وإن لم يفعل لم تخل الثمرة من أحد أمرين: إما
أن تكون ظاهرة أو غير ظاهرة:
فإن لم تكن ظاهرة فهل لرب المال الفسخ أم لا؟ قيل فيه وجهان: أحدهما
- وهو الصحيح - أن له الفسخ، لأنه تعذر عليه استيفاء العمل، فكان له الفسخ
للضرورة، وقال قوم: لا يفسخ ولكن يطلب الحاكم عاملا يساقيه عن الهارب،
وهذا غلط لأن المساقاة إنما تنعقد على أصل يشتركان في فائدته والعامل لا أصل
له، وإنما له قسط من الثمرة فلا يصح أن يساقى عليه.
وإن كانت الثمرة ظاهرة، قيل لرب النخل: هذه الثمرة شركة بينكما، فاختر
البيع أو الشراء، فإن اختار البيع نظرت: فإن كان بعد أن بدا صلاحها بيعت
لهما، يبيع الحاكم نصيب العامل ورب النخل نصيبه، وما بقي من العمل عليها
فما هو على العامل يكتري عنه من يعمل عنه، وإن كان قبل أن يبدو صلاحها فلا
تباع إلا على شرط القطع، فيباع ويحفظ نصيب العامل له، حتى إذا عاد سلم
إليه.
وإن قال رب النخل: لا أبيع ولكني أشتري، نظرت: فإن كان بعد أن بدا
صلاحها صح، وإن كان قبل أن يبدو صلاحها لم يجز بشرط القطع، لأنه
211

مشاع، ولكن إذا اشتراها مطلقا فهل يصح أم لا؟ قيل فيه وجهان لأنه يشتريها
وهو مالك النخل، فإذا قلنا " يصح " فلا كلام، وهو الصحيح، وإذا قلنا " لا
يصح " فالحكم فيه كما لو قال: لا أبيع ولا أشتري، ومتى قال هذا قيل له:
انصرف فما بقي لك حكومة، هذا إذا كان هناك قاض.
وإن لم يكن هناك قاض فأنفق رب المال نظرت: فإن أنفق ولم يشهد أو
أشهد ولم يشرط الرجوع، كان متطوعا به، ولا يرجع على العامل، فإن أشهد
على الرجوع فهل له الرجوع أم لا؟ قيل فيه وجهان، بناء على مسألة الجمال إذا
هرب فأنفق المكتري، هل يرجع أم لا؟ على وجهين.
إذا ادعى رب النخل على العامل أنه خان أو سرق، لم تسمع هذا الدعوى
لأنها مجهولة، فإذا حررها فذكر قيمة ذلك صحت الدعوى، وكان القول قول
العامل لأنه أمين، فإن حلف برئ وإن لم يحلف ثبتت الخيانة عليه، فإنها تثبت
بثلاثة أشياء: بينة أو اعتراف أو يمين المدعي مع نكول المدعى عليه.
فإذا ثبت ذلك، أوجبنا عليه الضمان، وهل تقر النخل في يده أم لا؟ قيل:
يكتري من يكون معه لحفظ الثمرة منه، وقيل أيضا: تنتزع الثمرة من يده
ويكتري من يقوم مقامه.
إذا ماتا أو مات أحدهما انفسخت المساقاة كالإجارة عندنا، ومن خالف في
الإجارة خالف هاهنا، فإذا ثبت هذا فمن قال " لا تبطل " قال نظرت: فإن كان
الميت رب المال قام وارثه مقامه والعامل على عمله، وإن كان الميت العامل،
عرضنا على وارثه النيابة عنه، فإن ناب عنه فلا كلام، وإن امتنع لم يجبر عليه لأن
العمل على المورث لا يجبر عليه الوارث.
ثم ينظر الحاكم، فإن كانت له تركة اكترى منها من ينوب عنه، وإن لم
تكن له تركة لم يجز أن يقترض عليه، لأنه لا ذمة له، ويفارق هذا إذا هرب لأن
الهارب له ذمة.
ويقول الحاكم لرب النخل: تطوع أنت بالإنفاق، فإن تطوع فلا كلام،
212

وإن امتنع نظرت: فإن كانت الثمرة غير ظاهرة فسخ العقد، لأنه موضع
ضرورة، وعلى رب النخل أجرة العامل إلى حين الوفاة، وإن كانت الثمرة ظاهرة
فالحكم كما لو هرب بعد ظهور الثمرة وقد مضى.
إذا دفع إلى غيره نخلا مساقاة بالنصف، فبانت مستحقة، أخذها ربها لأنها
عين ماله، وأخذ الثمرة أيضا لأنها نماء ماله وثمرة نخله، ولا حق للعامل في الثمرة
لأنه عمل فيها بغير إذن مالكها، ولا أجرة على ربها لأنه عمل فيها بغير إذنه.
وللعامل أجرة مثله على الغاصب، لأنه دخل بأمره على أن يسلم له ما شرط
له، فلما لم يسلم له كان له أجرة مثله كالمساقاة الفاسدة.
فإذا ثبت هذا فإن كانت الثمرة بحالها أخذها ولا كلام، وإن كانت قد
شمست نظرت: فإن لم تنقص بالتشميس أخذها ولا كلام، وإن نقصت كان عليه
ما بين قيمتها رطبا وتمرا، وعلى من يجب ذلك؟ يأتي الكلام عليه، هذا إذا كانت
الثمرة باقية.
أما إذا كانت هالكة وهو إذا كانا قد اقتسماها وأخذ كل واحد منهما نصفها،
فاستهلكت فلرب النخل أن يرجع على من شاء منهما.
يرجع على الغاصب لأنه تعدى وكان سبب يد العامل، ويرجع على
العامل لأن الثمرة حصلت في يده فكان عليه الضمان، فإن رجع على الغاصب
كان له أن يرجع بجميعها عليه لما مضى، فإذا غرمها رجع الغاصب على العامل
بنصف بدل الثمرة، وهو القدر الذي هلك في يده، ورجع العامل على الغاصب
بأجرة مثله، لأنه لم يسلم له المسمى.
وإن رجع على العامل، فبكم يرجع عليه؟ قال قوم: يرجع عليه بنصف
الثمرة، وهو القدر الذي هلك، لأنه ما قبض الثمرة كلها، وإنما كان مراعيا لها
حافظا لها نائبا عن الغاصب، فلا ضمان عليه، فعلى هذا لو هلكت كلها بغير تفريط
كان منه فلا ضمان عليه.
ومنهم من قال: له أن يضمنه الكل، لأن يده ثبتت على الكل مشاهدة بغير
213

حق، فعلى هذا إذا هلكت كلها بغير تفريط كان ضمان الكل عليه، والأول أقوى.
فمن قال: يضمن النصف، قال: إذا ضمن كان له أن يرجع على الغاصب
بأجرة مثله، ولا يرجع بالثمرة عليه لأن التلف كان في يده، فاستقر الضمان عليه،
ومن قال: يضمن الكل، فإذا ضمنه لم يرجع على الغاصب بما تلف في يده، وهو
نصيبه من الثمرة، ورجع عليه بما هلك في يد الغاصب لأن الضمان استقر عليه،
ورجع عليه بأجرة مثله لأن المسمى لم يسلم له.
إذا ساقاه على أنه لو سقاها بماء السماء أو سيح فله الثلث، وإن سقاها
بالنضح أو الغرب فله النصف، فالمساقاة باطلة لأن هذا عمل مجهول غير معين،
ولأن نصيبه من الثمرة سهم غير معين، لأنه ما قطع على نصيبه، فإذا ثبت أنها
فاسدة فالثمرة كلها لرب النخل، وللعامل أجرة المثل لأنه لم يسلم ما شرط له.
إذا ساقاه على أن أجرة الأجراء الذين يعملون ويستعان بهم من الثمرة فالعقد
فاسد، لأن المساقاة موضوعة على أن من رب المال المال، ومن العامل العمل،
فإذا شرط أن تكون أجرة الأجراء من الثمرة، كان على رب المال المال والعمل
معا، وهذا لا يجوز.
الودي صغار النخل قبل أن يحمل، فإذا ساقاه على ودي ففيها ثلاث
مسائل:
إحداها: ساقاه إلى مدة تحمل مثلها غالبا، فالمساقاة صحيحة، لأنه ليس فيه
أكثر من أن عمل العامل يكثر ويقل نصيبه، وهذا لا يمنع صحتها كما لو جعل له
سهما من ألف سهم، فإذا عمل نظرت: فإن حملت فله ما شرط، وإن لم تحمل فلا
شئ له لأنها مساقاة صحيحة، ونصيبه من ثمرها معلوم، فإذا لم تثمر لم يستحق
شيئا كالقراض الصحيح إذا لم يربح شيئا.
الثانية: ساقاه إلى مدة لا يحمل الودي إليها فالمساقاة باطلة، لأنه ساقاه بشرط
أن لا يستحق شيئا، فعلى هذا إذا عمل فهل له أجرة المثل؟ على وجهين: أحدهما
له ذلك لأن إطلاق المساقاة يقتضي ذلك، والثاني لا يستحق ذلك لأنه دخل
214

على أنه لا يقابل عمله عوض.
الثالثة: ساقاه إلى وقت قد يحمل وقد لا يحمل، وليس أحدهما أولى من
الآخر، قيل فيه وجهان: أحدهما تصح لأنه ساقاه لوقت يحمل فيه غالبا، والثاني
لا تصح لأنه ساقاه لمدة لا يحمل فيها غالبا، وهذا يفسد العقد.
فمن قال " تصح " نظرت فإن حمل كان له ما شرط، وإن لم يحمل فلا
شئ له، لأن المساقاة صحيحة، ومن قال " فاسدة " فلا شئ للعامل في الثمرة
وله أجرة مثله لأنه لم يسلم له ما سمي له.
إذا ساقاه على ودي على أنه إذا كبر وحمل، فله نصف الثمرة، ونصف
الودي فالعقد باطل، لأن موضوع المساقاة على أن يشتركا في الفائدة دون
الأصول، فإذا شرط المشاركة في الأصول بطل كالقراض إذا شرط له جزء من
أصل رأس المال مضافا إلى وجود الربح.
إذا كان الودي مقلوعا فساقاه على أن يغرس، فإذا علق وحمل فله نصف
الثمرة والمدة يحمل في مثلها إن علق، فالمساقاة باطلة لأنها تصح على أصل
ثابت يشتركان في فوائده، فإذا كانت الأصول مقلوعة لم تصح المساقاة، فإذا
عمل العالم فهل له أجرة أم لا؟ نظرت: فإن كانت إلى مدة تحمل في مثلها أو
علقت كان له أجرة مثله، وإن كان إلى مدة لا تحمل فيها، فعلى الوجهين.
إذا أثمرت النخل في يدي العامل وأراد القسمة واختلفا، فقال رب المال:
المساقاة على أن لك الثلث، وقال العامل: على النصف، تحالفا لأنهما اختلفا في
قدر العوض كالمتبايعين إذا اختلفا، ويقوي في نفسي أن البينة على العامل، لأن
الثمرة كلها الأصل فيها أنها لصاحب النخل، والعامل يدعي شرطا فعليه البينة،
وعلى رب النخل اليمين.
ومن قال " يتحالفان " فإذا تحالفا فسخ العقد بينهما، وكانت الثمرة كلها
لرب المال، وللعامل أجرة مثله، لأن المسمى له لم يسلم، فإن حلف أحدهما
ونكل الآخر ردت اليمين على الآخر فإذا حلف استحق، هذا إذا لم يكن هناك
215

بينة.
فإن كان هناك بينة نظرت: فإن كانت مع أحدهما حكمنا له بها، وإن
كان مع كل واحد منهما بينة تعارضتا ورجعنا على مذهبنا إلى القرعة، وعند
المخالف يسقطان.
وفيهم من قال " يستعملان " وكيف يستعملان؟ فيه ثلاثة أقوال: أحدهما
يوقف، والثاني يقرع، والثالث يقسم، ولا وقف هاهنا ولا قسمة، لأنه عقد
فليس غير القرعة مثل ما قلناه، فمن خرج اسمه قدمنا قرعته، وهل يحلف أم لا؟ قيل فيه
قولان: أحدهما يحلف، والثاني لا يحلف، وهو الصحيح والأول أحوط.
إذا كان رب المال اثنين والعامل واحدا، فاختلفوا حين القسمة فقال
العامل: شرطتما لي النصف، فصدقه أحدهما وكذبه الآخر، وقال: بل علي
الثلث، كان له من نصيب من صدقه النصف، وبقى الكلام بينه وبين المنكر،
فينظر فيه: فإن كان المصدق عدلا فشهد للعامل بما ادعاه حلف واستحق، لأنه
مما يثبت باليمين مع الشاهد، وإن لم يكن عدلا أو كان فلم يشهد، فالحكم فيه
كما لو كان العامل واحدا، ورب المال واحدا، فقد مضى الكلام فيه، عندهم
يتحالفان، وعندنا البينة على العامل، واليمين على رب النخل.
إذا كان العامل واحدا ورب المال اثنين، فشرط العامل النصف من نصيب
أحدهما والثلث من نصيب الآخر، فإن كان عالما بقدر نصيب كل واحد منهما
صح، وإن كان جاهلا بذلك بطل العقد، وقد مضت فإن شرط من نصيب
أحدهما بعينه النصف، ومن نصيب الآخر بعينه الثلث، فإن جهل ذلك لم يجز
على ما قلناه، وإن ساقاه فقال: على أن لك النصف أجرة عملك أو عوضا عن
عملك، جاز لأن الذي شرط له عوض وهو أجرة، فبأي العبارتين عبر صح.
إذا ساقاه على نخل في أرض الخراج فالخراج على رب النخل، لأنه يجب
لأجل رقبة الأرض، فإذا أطلعت النخل فالكلام في الزكاة قد مضى في القراض
حيث قلنا: إذا ربح المال في القراض قيل فيه قولان: أحدهما زكاة الكل على
216

رب المال، والثاني على رب المال زكاة الأصل وزكاة حصته من الربح، وهذا
مذهبنا ولكن تراعى في الفائدة الحول ولا تبنى على حول الأصل.
فأما في المساقاة، في الناس من قال: إنه كالقراض، وأصحهما عندهم أن
الزكاة عليهما، والثمرة إذا ظهرت كان بينهما، والذي نقوله: إن الثمرة الزكاة فيها
عليهما إذا بلغ نصيب كل واحد منهما نصابا، وإن نقص لم يلزمهما الزكاة، وإن
كان الجميع أكثر من النصاب.
وإنما قلنا ذلك، لأن الثمرة إذا ظهرت كانت بينهما وعلى ملكهما،
بدليل أنها لو ذهبت إلا تمرة واحدة كان الباقي بينهما، وليس كذلك الربح في
القراض، لأنه وقاية لمال رب المال، بدليل أنه لو ذهب من المال شئ كمل من
الربح، فبان الفصل بينهما.
217

تبصرة المتعلمين
الفصل الثاني: في المزارعة والمساقاة:
وهما عقدان لا زمان لا يبطلان إلا بالتفاسخ.
أما المزارعة فشروطها خمسة: العقد، وأن يكون النماء مشاعا، والأجل
المعلوم، وتعيين الحصة بالجزء المشاع، وكون الأرض مما ينتفع بها.
وله أن يزرع بنفسه أو بغيره أو بالشركة ما لم يشترط المباشرة، ويزرع ما
شاء مع عدم التخصيص في العقد، والخراج على المالك ما لم يشترط عليه،
والخرص جائز من الطرفين، فإن اتفقا كان مشروطا بالسلامة، وإذا بطلت
المزارعة أو لم يزرع العامل تثبت أجرة المثل.
ويكره إجارة الأرض بالحنطة والشعير، وأن يشترط مع الحصة ذهبا أو
فضة، ولو غرقت الأرض قبل القبض بطلت، ولو غرق بعضها تخير العامل في
الفسخ والإمضاء، وكذا لو استأجرها.
وأما المساقاة فشروطها ستة: العقد من أهله، والمدة المعلومة، وإمكان حصول
الثمرة فيها، وتعيين الحصة، وشياعها، وأن يكون على أصل ثابت له ثمرة ينتفع
بها مع بقائه.
وتصح قبل ظهور الثمرة وبعدها مع الاستزادة بالعمل، وإطلاق العقد
يقتضي قيام العامل بكل ما يستزاد به الثمرة، وعلى المالك بناء الجدران وعمل
219

الناضح والخراج، ومع بطلانها يثبت للعامل أجرة المثل والنماء لربه.
ولو شرط على العامل مع الحصة ذهبا أو فضة كره، ووجب الوفاء مع
سلامة الثمرة.
220

إرشاد الأذهان
المقصد الثاني: في المزارعة والمساقاة:
وفيه مطلبان:
الأول:
المزارعة عقد لازم من الطرفين، والإيجاب: زارعتك أو ازرع هذه الأرض
أو سلمتها إليك وما شابهه مدة بحصة معلومة من حاصلها، والقبول: قبلت.
ولا تبطل إلا بالتفاسخ لا بالموت والبيع، وشرطها شياع النماء، وتعيين
المدة، وإمكان زرع الأرض، فلو شرط أحدهما النماء لنفسه أو نوعا من الزرع أو
قدرا من الحاصل والباقي بينهما بطل، ولو شرط أحدهما شيئا من غير الحاصل
جاز، ولا يجوز إجارة الأرض للزراعة بالحنطة والشعير مما يخرج منها.
ولو مضت المدة المشترطة والزرع باق فللمالك إزالته، سواء كان بتفريط
من الزارع أو بسببه تعالى كتغير الأهوية وتأخر المياه، ويجوز التبقية مدة معلومة
بالعوض، ولو شرط في العقد تأخيره إن بقي بعدها بطل.
ولو أهمل الزراعة حتى خرجت المدة لزمه أجرة المثل، ولو زارع على ما لا
ماء له بطل إلا مع علمه، ولو انقطع في الأثناء تخير العامل، فإن فسخ فعليه
أجرة ما سلف، وله زرع ما شاء مع الإطلاق، ولو عين فزرع الأضر تخير
المالك في الفسخ فيأخذ أجرة المثل أو الإمضاء فيأخذ المسمى مع الأرش، ولو
221

شرط الزرع والغرس افتقر إلى تعيين كل منهما، وكذا الزرعين متفاوتي الضرر،
وللعامل المشاركة وأن يعامل من غير إذن، ولو شرط التخصيص لم يجز
التعدي.
والقول قول منكر زيادة المدة، وقول صاحب البذر في الحصة، وقول
المالك في عدم العارية، فتثبت الأجرة مع يمين الزارع على انتفاء الحصة
والوجه الأقل، وللزارع التبقية، ولو ادعى المالك الغصب طالب بالأجرة
والأرش وطم الحفر والإزالة.
والخراج على المالك إلا مع الشرط، وللمالك أجرة المثل في كل
موضع تبطل فيه المزارعة، ويجوز الخرص ويستقر بالسلامة، ولو كان الغرس
يبقى بعد المدة فعلى المالك الإبقاء، والأرش لو أزاله.
ولو كان من أحدهما الأرض ومن الآخر البذر والعمل والعوامل، أو من
أحدهما الأرض والبذر ومن الآخر العمل، أو من أحدهما الأرض والعمل ومن
الآخر البذر صح بلفظ المزارعة، ولو أجره بالحصة بطل.
المطلب الثاني: المساقاة:
وفيه مقامان:
الأول: في الأركان:
وهي أربعة: العقد والمحل والمدة والفائدة.
وصيغة الإيجاب ساقيتك، أو عاملتك، أو سلمت إليك وشبهه، وهي لازمة
لا تبطل بالموت ولا البيع بل بالتقايل، وتصح قبل ظهور الثمرة وبعدها إن ظهر
للعمل زيادة.
وأما المحل فهو كل أصل ثابت له ثمرة ينتفع بها مع بقائه كالنخل
والشجر، وفي التوت والحناء نظر، وإنما يصح إذا كانت الأشجار مرئية، ولو
ساقاه على وادي غير مغروس ففاسد، ولو كان مغروسا وقدر العمل بمدة لا يثمر
222

فيها قطعا أو ظنا أو تساوى الحالان بطل.
وتصح إلى مدة تحمل فيها غالبا وإن لم تحمل، ولو كانت الثمرة لا تتوقع
إلا في آخر المدة صح، ويشترط في المدة تقديرها بما لا يحتمل الزيادة
والنقصان، وأن تحصل الثمرة فيها غالبا.
ويشترط شياع الفائدة، فلو اختص بها أحدهما، أو شرط مقدارا معينا لا
بالجزء المشاع والباقي للآخر أو لهما، أو شرط ثمر نخلات بعينها والباقي للآخر
لم يصح.
ويجوز اختلاف الحصة من الأنواع إذا علم العامل مقدار الأنواع، ويكره
اشتراط رب الأرض مع الحصة شيئا من الذهب والفضة، ويجب الوفاء مع
السلامة، ولو شرط فيما سقت السماء النصف وفيما سقي بالناضح الثلث، أو شرط
مع الحصة جزءا من الأصل بطل.
المقام الثاني: في الأحكام:
وإطلاق العقد يقتضي قيام العامل بكل عمل يتكرر في كل سنة وتحتاج
الثمرة إليه من السقي والتقليب وتنقية الأجاجين والأنهار وإزالة الحشيش المضر
وتهذيب الجريد والتلقيح والتعديل واللقاط وإصلاح موضع التشميس ونقل
الثمرة إليه وحفظها.
وما لا يتكرر في كل سنة ويعد من الأصول فهو على المالك كحفر الآبار
والأنهار وبناء الحائط ونصب الدولاب والدالية والكش، ولو شرط على العامل
لزم، ولو شرط العامل العمل كله على المالك بطل، ولو شرط البعض لزم، ولو
شرط أن يعمل غلام المالك معه جاز وإن شرط عمله لخاصته، ويصح لو شرط
عليه أجرة الأجراء أو خروج أجرتهم منهما، وكل موضع تفسد فيه المساقاة
فللعامل الأجرة والثمن للمالك.
ولو ساقاه الاثنان واختلفا في النصيب صح إن علم حصته كل منهما، وإلا
223

فلا، ولو ساقاه على بستان على أن يساقيه على آخر صح، ولو هرب العامل ولا
باذل جاز له الفسخ والاستئجار عنه بإذن الحاكم، وإن تعذر فبغير إذنه مع
الإشهاد لا بدونه.
والقول قول العامل في عدم الخيانة وعدم التفريط، ولو ظهر استحقاق
الأصل فللعامل الأجرة على الآمر ويرجع المالك على كل منهما بنصيبه وليس
للعامل أن يساقي غيره والخراج على المالك إلا مع الشرط، والفائدة تملك
بالظهور.
والمغارسة باطلة، والغرس لصاحبه، وعليه أجرة الأرض، ولصاحبه أرش
نقص القلع، ولو بذل أحدهما للآخر القيمة لم يجب القبول.
224

تلخيص المرام
كتاب المزارعة والمساقاة
الثاني:
يشترط في المزارعة والمساقاة الإيجاب والقبول، وجواز التصرف لهما،
واشتراكهما في الفائدة، وشياعها، وتعيين المدة، وأن تكون الأرض مما ينتفع بها
في المزارعة بأن يكون لها ماء إن زارع أو استأجرها للزراعة وإلا فلا يشترط، وإن
انقطع في أثنائها فللمزارع الخيار وعليه أجرة ما سلف بالتقسيط بالنسبة إلى أجرة
المثل، ويرجع بما قابل المتخلف، فإن وجد قبل الفسخ فلا فسخ كالعيب إذا
زال قبل الرد في البيع، وكذا لو غرقت بغير جناية أحد بحيث لا يمكن زرعها،
وهما لازمان لا ينفسخان إلا بالتقايل، ولا يبطلان بالموت، ولو شرط أحدهما
الانفراد بشئ والمشاركة في المتخلف بطلت، ولو شرط إخراج البذر وسطا صح
على رأي، وإلا كانت الغلة على ما اتفقا عليه.
ويكره اشتراط الذهب وغيره، ولو ذكر المزروع في غير مدة، أو عينت
وشرط في العقد تأخير الزرع إن بقي بعدها بطلت، ولو مضت المدة والزرع باق
فللمالك الإزالة، ولو تركه فله أجرة المثل.
ويكره إجارة الأرض للزراعة بشئ مما يحصل منها والأولى البطلان، وأن
يؤجرها بالأكثر من غير حدث، ولو عين المزروع لزم وإلا ساع مطلقا، ولو
استأجر للزراعة ما لا ينحسر عنه الماء بطلت، وكذا إن كان ينحسر على التدريج،
225

ولو استأجر للغرس ما يبقى بعد المدة غالبا فللمالك الإزالة مع الأرش على رأي.
ويصح في المزارعة أن تكون من أحدهما الأرض ومن الآخر البذر والعوامل
والعمل، وكذا إن كان من أحدهما العمل والأرض والبذر من الآخر، ولو اختلفا
في المدة فالقول قول منكر الزيادة، ولو اختلفا في الحصة فالقول قول صاحب
البذر، ومع تعارض البينتين فالقول قول العامل، ولو قال الزارع: أعرت، وادعى
الآخر حصة فالقول قول صاحب الأرض وله أجرة المثل وعليه التبقية، وفي ادعاء
الغصب له الإزالة وأرش الأرض والتسوية.
وللزارع المشاركة وأن يزارع غيره إلا مع شرط الاقتصار، وخراج الأرض
ومؤونتها على ربها إلا مع الشرط، والزكاة على كل واحد منهما إن بلغ نصيبه
النصاب على رأي، ويجوز الخرص، فإن قبل المزارع استقر بشرط السلامة من
الآفات السماوية والأرضية على رأي.
وتجوز المساقاة قبل الظهور وبعده إن بقي للعمل فائدة في زيادة النماء،
وإنما يساقى على أصل ثابت له ثمرة ينتفع بها في المدة، ويملك الفائدة بالظهور.
ويجب على العامل كلما يستزاد به النماء، كآلات السقي والحرث والحبال
والكش على رأي، إلا أن يشترط - إلا العمل - فيبطل لو اشترط الجميع بخلاف
البعض، ولو شرط أن يعمل معه غلام المالك جاز، وكذا لو شرط عمله له،
وقيل: لو شرط أن يعمل معه المالك لم يجز.
ويكره أن يشترط على العامل ذهبا أو فضة ويلزم بشرط السلامة، وعلى
المالك عمل الجدار وما يستسقى به وخراج الأرض إلا مع الشرط، قيل:
ولا يجوز للعامل مع اشتراط حصة من النماء اشتراط بعض الأصل، ولو شرط
أحدهما الانفراد بالنماء أو شرط معينا، وما زاد بينهما، أو ما فضل عنه فللآخر
بطلت، وكذا في المزارعة، ويجوز أن يفاضل في الحصة بين الأنواع، ولو عين
حصة العامل وسكت صح بخلاف العكس، وكل موضع تفسد فيه المساقاة
فللعامل الأجرة، وكذا المزارعة إلا أن يكون البذر من العامل فله الزرع وعليه
226

أجرة الأرض.
ويجوز أن يساقيه على بستان بشرط أن يساقيه على آخر، وأن تختلف حصة
العامل من الشريكين بعد علمه بنصيب كل منهما، ولو هرب العامل وبذل عنه
العمل فلا خيار وإلا فلصاحب الغرس الفسخ، أو الإشهاد بالرجوع عليه بما
يستأجره عنه، والقول قول العامل في الخيانة والإتلاف والتفريط، ومع ثبوتها
فللمالك رفع يده عن حصته، وإن استأجر للحفظ لزم المالك، والقول قول
المالك في الحصة، وللعامل الأجرة على المساقي إن بان الاستحقاق، ولو اقتسما
النماء وتلف رجع المالك على الغاصب، ورجع هو على العامل بالحصة،
ورجع العامل عليه بالأجرة، وله الرجوع عليهما، ولا يختص الرجوع بالعامل
إلا مع العلم، وليس للعامل أن يساقي غيره، ولو دفع أرضا ليغرسها على الشركة
فالغرس لصاحبه، ولصاحب الأرض القلع والأجرة وعليه الأرش، ويجوز لمن
اشترى مراعي بيعها بأكثر من ثمنها، وأن يراعي معهم على رأي.
227

المسائل لابن طي
المقصد الثاني: في المساقاة والمزارعة:
وفيه مسائل:
مسألة [1]: ما يتعلق بالثمرة من المصطاح وضمها وحملها إلى المنزل
وحفظها على العامل، كذا ذكره في الظاهر في الفتاوى.
مسألة [2]: لو أعطاه أرضه على أنه يفلحها ويزرعها والزرع يكون بينه وبينه،
فحصل مانع من الزرع، فإن كان قد حصل للأرض منفعة فعليه الأجرة لأنه
فعل مأذون فيه، بمعنى أن الأجرة على صاحب الأرض للعامل، هذا إذا لم يكن
الترك من جهته.
مسألة [3]: إذا أعطى الجماعة إنسانا قطعة من الأرض هل يجوز أن يزارع
عليها كذلك أم لا مع أنه لا أثر له فيها؟ وكذا لو أقطع السلطان إنسانا بلدا هل له
أن يزارع عليها كذلك أم لا؟
الجواب: الجواز قوي إن شاء الله تعالى في الموضعين إذا لم يسبق إحياء ولا
ملك مالك.
مسألة [4]: لو قصر عامل المساقاة في العمل، بأن شرط عليه حرث سكتين
229

مثلا فقصر عن واحدة، فهل يستحق نصيب أم لا؟ وهل يلزمه أرش الغروس
لنقصها بترك الحرث أم لا؟
قال: للمالك فسخ المساقاة ويضمنه أرش النقص ويدفع إليه أجرة ما عمل
أولا، وإن لم يفسخ كان له الحصة وعليه أرش النقص، ولو أخل المالك بما
شرط عليه من العمل ففسخ العامل كان للعامل أجرة عن عمله.
مسألة [5]: تصح المساقاة على ورق التوت.
مسألة [6]: يشترط علم المساقي بأنواع الثمرة إن كان أنواعها مما تتفاوت به
الأغراض.
مسألة [7]: لو قال: ساقيتك على هذا الحائط مدة كذا على أن تعمل في هذا
البستان ما يحتاج إليه بثلث حاصله مثلا، صح ويلزمه كل ما يتكرر في كل سنة
من الأعمال المنمية للثمرة وللعامل أخذ العريش.
مسألة [8]: لو كان للطفل عقار ولا وصي له كالكرم مثلا جاز لبعض
المؤمنين أن يساقي عليه، ولو تلف شيئا خطأ فلا ضمان.
مسألة [9]: الفلاحون يبذرون في الأرض ونظير بذر هذا إلى أرض هذا وهو
معلوم قطعا، هل يجب أن يتحلل من جاره أم لا؟
الجواب: نعم يجب الخروج إليه من حقه بإبراء أو غيره.
مسألة [10]: إذا كان عند إنسان شخص يعمل على أن له ربع المغل ولم
يحصل مزارعة صحيحة، وتم مدة متطاولة وكان يأكل ويلبس ويتصرف في ماله
230

ويفرط في الذي في يده، بحيث يكون اتصل إليه وقيمة ما فرط فيه بقدر أجرته،
هل يبرأ ذلك الشخص من أجرته بذلك أم لا؟ ولو علم أنه يحاسبه بذلك لما
قعد عنده؟
الجواب: يجب تعريفه الحكم الشرعي في ذلك ابتداء، فإن لم يتفق فعرف
في الانتهاء تقاصا بالتراضي أو يترادا، وإذا امتنع من المحاسبة والمقاصة والتراد
جاز مقاصته بما أخذ وتبرأ الذمة إذا كان مطابقا للحق الواجب له.
مسألة [11]: المزارعة لا تنحصر في لفظ كالبيع، فلو قال: خذ هذه الحنطة
وازرعها، صح وكان لازما، وكذا الجعالة تلزم بعد العمل، ولو أطلق انصرف
في المزارعة إلى السنة ولا يفتقر إلى تعيين السنة، أما تعين الأرض فشرط.
مسألة [12]: لو قال: اجمع ثمرة التين الفلاني ولك نصفه، ثم رجع المالك
في الأثناء استحق العامل نصيبه.
مسألة [13]: قال: ولو ساقاه مدة معينة ثم أبرأه من العمل صح سواء شرط
عليه المباشرة أو لا، لأنه وإن شرط عليه المباشرة فإن المساقاة متعلقة بالذمة
ويستحق العامل الحصة.
مسألة [14]: إذا كان المساقي معينا فعمل غيره باذنه أو بغير إذنه لم يكن
للمساقي الحصة لعدم العمل ولا شئ للعامل لأنه متبرع بعمله، وكذلك في
الإجارة، أما مع عدم التعيين فإنه يستحق الحصة، هذه المسألة من ورقة من قواعد
نجم الدين.
مسألة [15]: قال لو كان الزارع معينا ثم مات أو هرب يخير مالك الأرض
231

بين الصبر والحصة وبين الفسخ، فإذا فسخ فإن كان البذر منه كان للعامل أجرة
عمله والزرع كله لمالك الأرض، وإن كان البذر من العامل كان النماء كله له
ولرب الأرض الأجرة إلى وقت حصاده وعليه التبقية.
232

كتاب الإجارة
233

الخلاف
كتاب الإجارة
مسألة 1: كلما جاز أن يستباح بالعارية، جاز أن يستباح بعقد الإجارة.
وبه قال عامة الفقهاء، إلا حكاية تحكى عن عبد الرحمن الأصم، فإنه قال: لا يجوز
الإجارة أصلا.
دليلنا: الكتاب، والسنة، والإجماع.
أما الكتاب، فقوله تعالى: فإن أرضعن لكم فأتوهن أجورهن، فالإجارة على
الرضاع تجوز بلا خلاف.
ومن الناس من قال: العقد يتناول اللبن والخدمة، والحضانة تابعة.
ومنهم من قال: يكون العقد متناولا للخدمة والحضانة، واللبن تابع.
وأيضا قوله تعالى: يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين، قال
إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج، وقوله
تعالى: لو شئت لاتخذت عليه أجرا، لما استضافوهم فأبوا.
وأما السنة، فقد روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله قال: أعطوا
الأجير أجره قبل أن يجف عرقه.
وروى أبو سعيد الخدري، وأبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله قال: من
استأجر أجيرا فليعلمه أجره.
وروى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله قال: ثلاثة أنا خصمهم يوم
235

القيامة: رجل باع حرا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا واستوفى منه ولم يوفه
أجره، ورجل أعطاني صفقته ثم غدر.
وروت عائشة أن النبي صلى الله عليه وآله وأبا بكر استأجرا رجلا من قبيلة
الديل للهداية إلى المدينة.
ومن الإجماع هو قول علي عليه السلام، وابن عباس، وعبد الله بن عمر،
وعبد الرحمن بن عوف، ورافع بن خديج.
فأما علي عليه السلام فأجر نفسه من يهودي يسقي له الماء كل دلو بتمرة،
وجمع التمرات، وحملها إلى النبي صلى الله عليه وآله فأكله.
وعبد الله بن عباس وابن عمر، فروي عنهما أنهما قالا في تأويل قوله تعالى:
ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم، قالا: معناه أن يحج ويؤاجر نفسه.
وأما عبد الرحمن بن عوف، فإنه استأجر أرضا، فلما حضرته الوفاة أمر ليعطى
ما بقي عليه من الورق والذهب، فقال ابنه: كنت أراها أن تكون ملكا له لطول ما
مكثت في يده.
وأما رافع بن خديج، فإنه قال: يجوز إجارة الأرض بالورق، والذهب.
وأجمع المسلمون على ذلك، وخلاف الأصم قد انقرض.
مسألة 2: عقد الإجارة من العقود اللازمة، متى حصل لم يكن لأحدهما
فسخ الإجارة إلا عند وجود عيب بالثمن، أو فلس المستأجر، فحينئذ يملك
المؤجر الفسخ. أو وجود عيب بالمستأجر مثل: غرق الدار، وانهدامها على وجه
يمنع من استيفاء المنفعة، فإنه يملك المستأجر الفسخ. فأما من غير ذلك فلا.
وبه قال الشافعي، ومالك، والثوري، وأبو ثور.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: إن الإجارة يجوز فسخها لعذر، قالوا: إذا اكترى
الرجل جملا ليحج به، ثم بدا له من الحج، أو مرض فلم يخرج، كان له أن
يفسخ الإجارة. وكذلك إذا اكترى دكانا ليتجر فيه ويبيع ويشترى، فذهب ماله
236

وأفلس، فإنه يجوز له أن يفسخ الإجارة.
قال: وبمثل هذه الأعذار لا يكون للمكري الفسخ، فإذا أكرى جماله من
إنسان ليحج بها ثم بدا له من ذلك لم يملك فسخ الإجارة وكذلك إذا آجره
داره أو دكانه، وأراد السفر، ثم بدا له من السفر لم يكن له فسخ الإجارة.
إلا أن أصحابه يقولون: للمكري فسخ الإجارة لعذر كالمكتري سواء. ولا
يبينون الموضع الذي يكون له الفسخ.
دليلنا: أن العقد قد ثبت، ومن ادعى أن لهما أو لأحدهما الفسخ فعليه
الدلالة.
وأيضا قوله تعالى: أوفوا بالعقود، فأمر بالوفاء بالعقود، والإجارة عقد،
فوجب الوفاء به.
مسألة 3: من استأجر دارا أو دابة أو عبدا فإن المستأجر يملك تلك
المنفعة، والمؤجر يملك الأجرة بنفس العقد، حتى أن المستأجر أحق عندنا بملك
المنفعة من مالكها. وبه قال الشافعي.
وذهب أبو حنيفة إلى أن المؤجر يملك الأجرة بنفس العقد، والمستأجر لا
يملك المنفعة، وإنما تحدث في ملك المكري، ثم يملك المكتري من المكري
حين حدوثه في ملكه، فعنده المنفعة غير مملوكة، وإنما المكري يملك حدوثها،
والمكتري يملك من المكري بعد ذلك.
وعلى مذهبنا المكتري يملك المنفعة بنفس العقد.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 4: إذا أطلقا عقد الإجارة ولم يشرطا تعجيل الأجرة، ولا تأجيله، فإنه
يلزم الأجرة عاجلا. وبه قال الشافعي.
وقال مالك: إنما يلزمه أن يسلم إليه الأجرة جزء فجزء، فكلما استوفى جزء
237

من المنفعة لزمه أن يوفيه ما في مقابله من الأجرة.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: القياس ما قال مالك، ولكن يشق ذلك، فكلما
استوفى منفعة يوم فعليه تسليم ما في مقابله.
وقال الثوري: لا يلزمه تسليم شئ من الأجرة ما لم تنقض مدة الإجارة
كلها.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وقد ذكرناها في الكتاب الكبير.
وأيضا قوله تعالى: فإن أرضعن لكم فأتوهن أجورهن، وإنما أراد: فإن بذلن
لكم الرضاع فأتوهن أجورهن. بدليل أنه قال في آخرها: وإن تعاسرتم فسترضع
له أخرى.
والتعاسر: أن لا ترضى المرضعة بأجرة مثلها فأخبر أنها متى لم ترض بأجرة
المثل، فإنه يؤاجر غيرها ليرضعه.
مسألة 5: إذا قال: آجرتك هذه الدار كل شهر بكذا، كانت إجارة
صحيحة. وبه قال أبو حنيفة، وهو قول بعض أصحاب الشافعي.
وفي أصحابه من قال: هذه إجارة باطلة.
دليلنا: أنه لا دليل على بطلان ذلك، والأصل جوازه.
مسألة 6: إذا استأجر دارا أو عبدا سنة، فتلف المعقود عليه بعد القبض قبل
استيفاء المنفعة، فإنه تنفسخ الإجارة. وبه قال أبو حنيفة، ومالك، والشافعي.
وقال أبو ثور: لا تنفسخ الإجارة، والتلف من ضمان المكتري، قال: لأن
هذه المنفعة صارت في حكم المقبوض كالعين.
دليلنا: إن المعقود عليه المنفعة، فإذا تعذرت وجب أن ينفسخ الإجارة.
مسألة 7: الموت يبطل الإجارة، سواء كان موت المؤجر أو المستأجر.
238

وبه قال أبو حنيفة وأصحابه، والليث بن سعد، والثوري.
وقال الشافعي: الموت لا يفسخ الإجارة من أيهما كان. وبه قال عثمان
البتي، ومالك، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور.
وفي أصحابنا من قال: موت المستأجر يبطلها، وموت المؤجر لا يبطلها.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، فإن ما حكيناه عن بعضهم شاذ لا معول
عليه.
وأيضا فإن المكتري دخل على أن يستوفي المنفعة من ملك المكري،
فكيف يستوفي من ملك غيره، وقد زال ملك المكري.
مسألة 8: إذا أكرى دابة من بغداد إلى حلوان، فركبها إلى همدان، فإنه
يلزمه أجرة المسمى من بغداد إلى حلوان، ومن حلوان إلى همدان أجرة المثل. وبه
قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: لا يلزمه أجرة التي تعدى فيها، بنى على أصله: أن المنافع لا
تضمن بالغصب.
وقال مالك: إن كان قد تجاوز بها شيئا يسيرا فإنه كما قلنا، وإن تعدى فيها
شيئا كثيرا، فإن المكري بالخيار، إن شاء أخذ منه أجرة المثل لذلك التعدي، أو
يأخذ منه الدابة.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم وأيضا فإن الاحتياط يقتضي ذلك، لأن من
أدى ما قلنا برئت ذمته بالإجماع، ومتى لم يفعل لم يبرأ ذمته بيقين، لأن فيه
الخلاف.
مسألة 9: ويضمن الدابة بتعديه فيها من حلوان إلى همدان بلا خلاف إذا لم
يكن صاحبها معها، فإن ردها إلى حلوان فإنه لا يزول معه ضمانه عندنا، فإن ردها
إلى بغداد إلى يد صاحبها زال ضمانه، وعليه أجرة المثل فيما تعدى على ما مضى،
239

ويكون عليه ضمانها من وقت التعدي إلى حين التلف، لا من يوم أكراها.
وقال الشافعي: لا يزول ضمانه إذا ردها إلى حلوان. وبه قال أبو حنيفة
وأبو يوسف.
قال أبو يوسف: وكان أبو حنيفة يقول: لا يزول الضمان بردها إلى هذا
المكان، ثم رجع فقال بزوال الضمان عنه.
وقال زفر ومحمد: إنه يزول الضمان عنه، كما لو تعدى في الوديعة ثم ردها
إلى مكانها كما كانت.
دليلنا: أنه قد ثبت أنه ضمنها بالتعدي بلا خلاف، ومن قال: يزول ضمانه
بردها إلى موضع التعدي فعليه الدلالة، وعلى المسألة إجماع الفرقة، وأخبارهم
تدل عليها.
مسألة 10: يجوز الإجارة إلى أي وقت شاء. وبه قال أهل العراق.
وللشافعي فيه قولان:
أحدهما: لا تجوز المدة في الإجارة أكثر من سنة.
والثاني: مثل ما قلناه.
وله قول آخر أنه يجوز ثلاثين سنة.
وقال: يجوز المساقاة سنتين.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا الأصل جواز ذلك، والمنع يحتاج إلى
دليل.
وأيضا قوله تعالى: على أن تأجرني ثماني حجج، فإن أتممت عشرا فمن
عندك، يدل على جواز الإجارة أكثر من سنة.
مسألة 11: إذا استأجر دارا أو غيرها من الأشياء، وأراد أن يؤجرها بأقل مما
استأجرها، أو أكثر منه، أو مثله جاز ذلك إذا أحدث فيها حدثا كيف ما أراد،
240

وسواء أجرها من المؤجر أو من غيره، كل ذلك جائز. وبه قال الشافعي، إلا أنه
لم يراع إحداث الحدث.
وقال أبو حنيفة: إن أجرها من المكري بمثل الأجرة أو أقل منها فإنه يجوز،
وإن آجرها بأكثر منه فإنه لا يجوز - كما قال في البيع - وإن آجرها من غير
المكري كما قلناه.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، ولأن عند إحداث الحدث لا خلاف في
جوازه، وقبل ذلك لم يقم دليل على صحته.
مسألة 12: الإجارة لا تخلو من أحد أمرين: إما أن تكون معينة أو في الذمة.
فإن كانت معينة، مثل أن قال: استأجرت منك هذه الدار أو هذا العبد سنة،
فإنه لا يمتنع دخول خيار الشرط فيها، وإن كانت في الذمة فكذلك. وبه قال
أبو حنيفة، لأن عنده يجوز أن يستأجر أرضا أو دارا بعد شهور.
وقال الشافعي: إن كانت الإجارة معينة لا يجوز أن يدخلها خيار الشرط،
لأن من شرط الإجارة أن تكون المدة متصلة بالعقد، فيقول: آجرتك سنة من هذا
اليوم، فإن شرط خيار الثلاث بطلت، لأن هذه المدة لا يمكن أن ينتفع بها
المكتري، فلا يخلو أن تحتسب على المكري أو على المكتري.
ولا يجوز أن تحتسب على المكري، لأنه إنما آجر شهرا، فلو احتسبنا عليه
هذه المدة لزدنا عليه، ولا يجوز أن تحتسب على المكتري، لأنه استأجر شهرا، فلا
ينقص عن مدته، فدل ذلك على أنه لا يجوز.
وأما خيار المجلس فهل يثبت أم لا؟ فيه وجهان.
وعندنا أنه لا يمتنع ذلك إذا شرط، وإن لم يشرط فلا خيار للمجلس.
دليلنا: قوله: المؤمنون عند شروطهم.
وأيضا الأصل جوازه، والمنع يحتاج إلى دليل.
241

مسألة 13: إذا قال: آجرتك هذه الدار شهرا، ولم يقل من هذا الوقت
وأطلق، فإنه لا يجوز.
وكذلك إذا آجره الدار في شهر مستقبل بعد ما دخل، فإنه لا يجوز. وبه
قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: إذا أطلق الشهر جاز، ويرجع الإطلاق إلى الشهر الذي يلي
العقد ويتعقبه، وإذا آجره شهرا مستقبلا جاز ذلك.
دليلنا: أن عقد الإجارة حكم شرعي، ولا يثبت إلا بدلالة شرعية، وليس
على ثبوت ما قاله دليل، فوجب أن لا يكون صحيحا.
مسألة 14: إذا آجره شهرا من وقت العقد، ولم يسلمها إليه حتى مضت أيام،
انفسخت الإجارة في مقدار ما مضى، وتصح في الذي بقي.
وقال الشافعي: تنفسخ فيما مضى، وفيما بقي على طريقين.
ومن أصحابه من قال: على قولين.
ومنهم من قال: تصح قولا واحدا مثل ما قلناه.
دليلنا: إن انفساخها فيما مضى مجمع عليه، وفيما بعد يحتاج إلى دلالة،
وليس على ذلك دلالة.
مسألة 15: إذا اكترى دابة ليركبها إلى النهروان مثلا، أو يقطع بها مسافة
معلومة، فسلمها المكري إليه وأمسكها مدة يمكنه المسير إليها، فلم يفعل، استقرت
عليه الأجرة. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: لا تستقر عليه الأجرة حتى يسيرها في بقاع تلك المسافة.
دليلنا: أنه عقد على بهيمة، ومكنه منها، فإذا لم يستوف المنفعة فقد ضيع
حقه، والأجرة لازمة له لأنها وجبت بالعقد، كما لو سيرها في بقاع السفر ولم
يركبها، فإنه يلزمه الأجرة بلا خلاف.
242

مسألة 16: إذا استأجر مرضعة مدة من الزمان بنفقتها وكسوتها، ولا يعين
المقدار، لم يصح العقد. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: يصح.
دليلنا: أنه إذا عين مقدار الأجرة صحت الإجارة بلا خلاف، وليس على
قول من قال بصحته من غير تعيين الأجرة دليل.
مسألة 17: إذا استأجر امرأة لترضع ولده، فمات واحد من الثلاثة، بطلت
الإجارة.
وقال الشافعي: إن ماتت المرأة بطلت الإجارة، وإن مات الأب لا تبطل،
وإن مات الصبي ففيه قولان.
دليلنا: عموم الأخبار التي وردت في أن الإجارة تبطل بالموت، وهي تناول
هذا الموضع.
مسألة 18: إذا آجرت نفسها للرضاع أو لغيره بإذن زوجها، صحت
الإجارة بلا خلاف. وإن آجرتها بغير إذنه، لم تصح الإجارة.
وللشافعي فيه وجهان:
أحدهما: مثل ما قلناه.
والثاني: تصح الإجارة، غير أنه يثبت له الخيار، فله أن يفسخ الذي عقدته.
دليلنا: أنه لا دليل على صحة هذه الإجارة. وأيضا فإن المرأة معقودة على
منافعها لزوجها بعقد النكاح، فلا يجوز لها أن تعقد لغيرها، فيخل ذلك بحقوق
زوجها.
مسألة 19: إذا وجد الأب من يرضع ولده بدون أجرة المثل، أو وجد من
تتطوع برضاعه، وأم الصبي لا ترضى إلا بأجرة المثل، كان له أن ينتزع الصبي
243

منها ويسلمه إلى غيرها.
وللشافعي فيه قولان:
أحدهما: مثل ما قلناه.
والثاني: الأم أولى.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، ولأن كونها أولى مع زيادة الأجرة
يحتاج إلى دليل، ولا دليل.
مسألة 20: إذا باع الرقبة المستأجرة لم تبطل الإجارة، سواء باعها من
المستأجر أو من غيره. ثم ينظر، فإن علم المشتري بالإجارة لم يكن له الخيار،
وعليه أن يمسك حتى يمضى مدة الإجارة، وإن لم يعلم كان له الرد بالعيب،
والخيار إليه.
وللشافعي فيه قولان:
أحدهما: أن البيع باطل.
والثاني: صحيح.
ويقول مثل ما قلناه إذا كان على أجنبي. فأما إذا باعها من المستأجر، فالبيع
صحيح قولا واحدا.
وقال أبو حنيفة: يكون البيع موقوفا على رأي المستأجر، فإن رضي به بطلت
إجارته وصح البيع، وإن لم يرض به ورده بطل البيع وبقيت الإجارة.
دليلنا: عموم الأخبار التي وردت في أن البيع لا يبطل الإجارة، وهي
مجمع عليها عند الطائفة المحقة، ولأن كون البيع مبطلا للإجارة التي ثبت
صحتها يحتاج إلى دليل شرعي.
مسألة 21: إذا آجر الأب أو الوصي الصبي أو شيئا من ماله مدة، صحت
الإجارة بلا خلاف، فإن بلغ الصبي قبل انقضاء المدة، كان له ما بقي، ولم يكن
244

للصبي فسخه.
وللشافعي فيه قولان:
أحدهما: مثل ما قلناه.
والثاني: له ذلك.
دليلنا: أن العقد على عين الصبي أو على ماله وقع صحيحا بلا خلاف،
فمن ادعى أن له الفسخ بعد بلوغه فعليه الدلالة.
مسألة 22: إذا استأجر رجلا ليبيع له شيئا بعينه، أو ليشتري له شيئا
موصوفا، فإن ذلك يجوز عندنا. وقال الشافعي مثل ما قلناه.
وقال أبو حنيفة: لا يجوز.
دليلنا: أن الأصل جواز ذلك، والمنع يحتاج إلى دليل، وليس في
الشرع ما يدل على المنع منه، فوجب جوازه.
مسألة 23: يجوز إجارة الدفاتر، سواء كان مصحفا أو غيره ما لم يكن به
كفر. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: لا يجوز إجارة شئ من ذلك.
دليلنا: أن الأصل جوازه، والمنع يحتاج إلى دلالة.
مسألة 24: لا يجوز إجارة حائط مزوق أو محكم، للنظر إليه، والتفرج به،
والتعلم منه. وبه قال أبو حنيفة.
وقال الشافعي: يجوز ذلك إذا كان فيه غرض من الفرجة أو التعلم منه.
دليلنا: أن ذلك عبث، والتعلم منه قبيح، وإذا لم يجز التعلم منه فإجارته
قبيحة.
245

مسألة 25: إذا انفرد الأجير بالعمل في غير ملك المستأجر، فتلف الشئ
الذي استؤجر فيه بتقصير منه، أو بشئ من أفعاله، أو بنقصان من صنعته، فإنه
يلزمه ويكون ضامنا، سواء كان الأجير مشتركا أو منفردا.
وقال أبو حنيفة في الأجير المشترك مثل ما قلناه. وذلك مثل أن يدق
القصار الثوب فينخرق، أو يقصره فيتمزق، فيكون عليه الضمان. وبه قال أحمد،
وإسحاق.
وقال أبو يوسف ومحمد: إن تلف بأمر ظاهر لا يمكن دفعه كالحريق
المنتشر واللهب الغالبة، فإنه لا يضمنه. وإن تلف بأمر يمكنه دفعه ضمنه.
وأما الأجير المنفرد فلا ضمان عليه عندهم، وللشافعي فيه قولان:
أحدهما: أنه إذا انفرد بالعمل في غير ملك المستأجر فإنه يكون ضامنا متى
تلف، بأي شئ تلف، بالسرقة أو بالحريق، أو شئ من فعله أو غير فعله، وهو
قول مالك، وابن أبي ليلى، والشعبي.
والآخر: أنه لا ضمان عليه، سواء كان منفردا أو مشتركا، وقبضه قبض
أمانة. وهو قول عطاء، وطاووس.
وقال الربيع: كان الشافعي يعتقد أنه لا ضمان على الصناع بتة.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم. وأيضا فإن الأصل براءة الذمة، وما
ذكرناه مجمع عليه.
وما روي عن علي عليه السلام أنه كان يضمن الأجير، محمول على أنه إذا
كان بفعله.
مسألة 26: الختان، والبيطار، والحجام يضمنون ما يجنون بأفعالهم، ولم
أجد أحدا من الفقهاء ضمنهم، بل حكى المزني أن أحدا لا يضمنهم.
دليلنا: إجماع الفرقة المحقة.
246

مسألة 27: إذا حبس حرا أو عبدا مسلما، فسرقت ثيابه، لزمه ضمانها.
وقال الشافعي: إن حبس حرا فلا ضمان على حابسه إذا سرقت ثيابه، وإن
كان عبدا لزمه ضمانها.
دليلنا: أن الحبس كان سبب السرقة، بدلالة أنه لو لم يحبسه لم تسرق،
فوجب عليه الضمان.
مسألة 28: الراعي إذا أطلق له الرعي حيث شاء، فلا ضمان على ما يتلف
من الغنم، إلا إذا كان هو السبب فيه.
وللشافعي فيه قولان:
أحدهما: مثل ما قلناه.
والآخر: عليه الضمان. مثل القول في الصناع سواء.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، فمن شغلها فعليه الدلالة.
مسألة 29: إذا اكترى دابة فركبها أو حمل عليها، فضربها أو كبحها
باللجام على ما جرت به العادة في التسيير، فتلفت، فلا ضمان عليه، وإن كان
ذلك خارجا عن العادة لزمه الضمان. وهو قول الشافعي، وأبي يوسف، ومحمد.
وقال أبو حنيفة: عليه الضمان في الحالين.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، فعلى من شغلها بشئ الدلالة.
مسألة 30: إذا سلم مملوكا إلى معلم، فمات حتف أنفه، أو وقع عليه شئ
من السقف فمات من غير تعد من المعلم، فلا ضمان عليه.
وللشافعي فيه قولان مثل ما قال في الوديعة.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، فمن علق عليها شيئا فعليه الدلالة.
247

مسألة 31: إذا عزر الإمام رجلا فأدى إلى تلفه، لم يجب عليه الضمان. وبه
قال أبو حنيفة.
وقال الشافعي: يجب فيه الضمان.
وأين يجب؟ فيه قولان: أحدهما في بيت المال. والآخر على عاقلته.
وإذا قال: على عاقلته فالكفارة في ماله.
وإذا قال: في بيت المال فالكفارة على قولين: أحدهما: في بيت المال أيضا.
والثاني: في ماله.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، فلا يعلق عليها شئ إلا بدليل.
وأيضا فإنه فعل من التعزير ما أمره الله به، فلا يلزمه الضمان، كما أن
الحدود إذا أقامها فتلف المحدود لم يلزمه الضمان بلا خلاف.
مسألة 32: إذا أسلم الثوب إلى غسال، وقال له: اغسله. ولم يشرط
الأجرة، ولا عرض له بها، فغسله لزمته الأجرة. وإن لم يأمره بغسله، فغسله، لم
تكن له أجرة. وبه قال المزني.
والذي نص الشافعي عليه: أنه إذا لم يشرط، ولم يعرض، لا أجرة له.
وفي أصحابه من قال: إن كان الرجل معروفا بأخذ الأجرة على الغسل
وجبت له الأجرة، وإن لم يكن معروفا بأخذ الأجرة على الغسل، لم تجب له
الأجرة.
ومنهم من قال: إن كان صاحب الثوب هو الذي سأله أن يغسله لزمته
الأجرة، وإن كان الغسال هو الذي طلب منه الثوب ليغسله فلا أجرة له، ومذهبهم
ما نص عليه الشافعي أنه لا أجرة له.
دليلنا: طريقة الاحتياط، لأنه إذا أعطاه الأجرة برئت ذمته بلا خلاف، وإذا
لم يعطه لم تبرأ ذمته بذلك.
248

مسألة 33: إجارة المشارع جائزة، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: لا تجوز.
دليلنا: أن الأصل جواز ذلك، والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 34: إذا سلم إلى الخياط ثوبا، فقطعه الخياط قباء، ثم اختلفا، فقال
رب الثوب: أمرتك أن تقطعه قميصا فخالفت. وقال الخياط: بل قلت اقطع قباء
فقد فعلت ما أمرت، فالقول قول صاحب الثوب مع يمينه. وبه قال أبو حنيفة.
وهو الذي اختاره الشافعي على ما حكاه أبو إسحاق والقاضي أبو حامد ونقله
المزني في جامعه عن الشافعي حكاية قوليهما - يعني أبا حنيفة وابن أبي ليلى -
وقال: وكلاهما مدخول.
وقال أبو علي في الإفصاح: إن الشافعي ذكر في موضع من كتبه أنهما
يتحالفان.
واختلف أصحابه في ترتيبهما:
فمنهم من قال: المسألة على قولين:
أحدهما: القول قول الخياط.
والآخر: القول قول رب الثوب.
والثاني: أنهما يتحالفان.
ومنهم من قال: يتحالفان قولا واحدا.
دليلنا: أن المالك رب الثوب، والخياط مدعي للإذن في قطع القباء فعليه
البينة، فإذا فقدها فعلى المالك اليمين.
ولأنهما لو اختلفا في أصل القطع لكان القول قول رب الثوب، فكذلك في
صفة القطع.
وكنا قلنا فيما تقدم في هذه المسألة: أن القول قول الخياط، لأنه غارم، وأن
رب الثوب يدعي عليه قطعا لم يأمره به، فيلزمه بذلك ضمان الثوب، فكان عليه
249

البينة، فإذا فقدها وجب على الخياط اليمين وهذا أيضا قوي.
مسألة 35: إذا اكترى منه بهيمة ليقطع بها مسافة، فأمسكها قدر قطع
المسافة ولم يسيرها فيها، استقرت عليه الأجرة. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: لا تستقر عليه حتى يسيرها في بقاع تلك المسافة.
دليلنا: ما دللنا عليه من أن مال الإجارة يلزم بنفس العقد، والتمكين من
التسيير قد حصل، فوجب عليه الأجرة، فمن أسقطها فعليه الدلالة.
مسألة 36: إذا استأجر دارا على أن يتخذها مسجدا يصلى فيه، صحت
الإجارة. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: لا تصح.
دليلنا: أن الأصل جوازه، والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 37: إذا استأجر دارا ليتخذها مخمرا يبيع فيها الخمر، أو ليتخذها
كنيسة، أو بيت نار، فإن ذلك لا يجوز والعقد باطل.
وقال أبو حنيفة: العقد صحيح، ويعمل فيه غير ذلك من الأعمال المباحة
دون ما استأجره له. وبه قال الشافعي.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم. وأيضا فهذه الأشياء محظورة بلا خلاف،
فلا يجوز الاستئجار لها.
مسألة 38: إذا استأجر رجلا لينقل له خمرا من موضع إلى موضع لم
تصح الإجارة. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: تصح كما لو استأجره لينقل الخمر إلى الصحراء ليريقه.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
250

مسألة 39: إذا استأجره ليخيط له ثوبا بعينه، وقال: إن خطته اليوم
فلك درهم، وإن خطته غدا فلك نصف درهم. صح العقد فيهما، فإن خاطه في اليوم
الأول كان له الدرهم، وإن خاطه في الغد كان له نصف درهم.
وقال أبو حنيفة: إن خاطه في اليوم الأول بمثل ما قلناه، وإن خاطه في الغد
له أجرة المثل، وهو ما بين النصف المسمى إلى الدرهم، فلا يبلغ درهما ولا
ينقص عن نصف درهم.
وقال الشافعي: هذا عقد باطل في اليوم والغد.
دليلنا: أن الأصل جواز ذلك، والمنع يحتاج إلى دليل.
وقوله صلى الله عليه وآله: المؤمنون عند شروطهم.
وفي أخبارهم ما يجري مثل هذه المسألة بعينها منصوصة، وهي أن يستأجر
منه دابة على أن يوافي به يوما بعينه على أجرة معينة، فإن لم يواف به ذلك اليوم
كان أجرتها أقل من ذلك، وأن هذا جائز، وهذه بعينها سواء.
مسألة 40: إذا استأجره لخياطة ثوب، وقال: إن خطته روميا - وهو الذي
يكون بدرزين - فلك درهم، وإن خطته فارسيا - وهو الذي يكون بدرز واحد -
فلك نصف درهم، صح العقد. وبه قال أبو حنيفة.
وقال الشافعي: لا يصح.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء. مسألة 41: يجوز إجارة الدراهم والدنانير.
وللشافعي فيه وجهان: أحدهما مثل ما قلناه.
والآخر لا يجوز.
دليلنا: أن الأصل جوازه، والمنع يحتاج إلى دليل. ولأنه ينتفع بها مع
بقاء عينها، مثل أن ينثرها ويسترجعها، أو يضعها بين يديه ليتجمل بها وغير
251

ذلك.
مسألة 42: إذا استأجر دراهم أو دنانير، وعين جهة الانتفاع بها، كان على
ما شرط، وصحت الإجارة. وإن لم يعين بطلت الإجارة، وكانت قرضا. وبه قال
أبو حنيفة.
وقال الشافعي: إن لم يعين جهة الانتفاع لم يصح العقد، ولا يكون قرضا.
دليلنا: أن العادة في دراهم الغير ودنانيره أن لا ينتفع بها إلا على وجه
القرض، فإذا أطلق له الانتفاع رجع الإطلاق إلى ما يقتضيه العرف.
مسألة 43: يصح إجارة كلب الصيد للصيد وحفظ الماشية والزرع.
وللشافعي فيه وجهان: أحدهما مثل ما قلناه.
والآخر: أنه لا يجوز ذلك.
دليلنا: أن الأصل جوازه، والمنع يحتاج إلى دليل، ولأن بيع هذه
الكلاب يجوز عندنا، وما يصح بيعه يصح إجارته بلا خلاف.
مسألة 44: إذا استأجره لينقل له ميتة على أن يكون له جلدها، لم يصح بلا
خلاف. وإن استأجره ليسلخ له مذكى على أن يكون له جلده كان جائزا عندنا.
وقال الشافعي: لا يجوز ذلك، لأنه مجهول.
دليلنا: أن الأصل جوازه، والمنع يحتاج إلى دليل. وأيضا فإنه ليس
بمجهول، لأنه مشاهد.
مسألة 45: إذا استأجره ليطحن له دقيقا على أن يكون له صاع منه صح.
وقال الشافعي: لا يصح، لأنه مجهول، لأنه لا يدري هل يكون ناعما أو
خشنا.
252

دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 46: إذا استأجر رجلان جملا للعقبة، صحت الإجارة، سواء كان في
الذمة أو معينا. وبه قال الشافعي.
وقال المزني: إن كان معينا لم يجز، لأنه إذا سلم إلى أحدهما تأخر التسليم
إلى الآخر، فيكون ذلك عقدا قد شرط فيه تأخير التسليم، وقد تناول عينا فلم
يجز.
دليلنا: هو أن الأصل جوازه، والمنع يحتاج إلى دليل، وليس فيه تأخر
التسليم، لأنه يسلم الجمل إليهما معا، يتناوبان بعد التسليم على ما يتفقان عليه.
253

المبسوط
كتاب الإجارات
كل ما يستباح بعقد العارية، يجوز أن يستباح بعقد الإجارة من إجارة
الرجل نفسه وعبيده وثيابه وداره وعقاره بلا خلاف، ويدل عليه القرآن والسنة،
قد ذكرناه في الخلاف.
فإذا ثبت جوازها، فإنها تفتقر إلى شيئين: أحدهما أن تكون المدة معلومة،
والثاني أن يكون العمل معلوما، فإذا ثبت ذلك فالإجارة على ضربين: أحدهما ما
تكون المدة معلومة، والعمل مجهولا، والثاني ما تكون المدة مجهولة والعمل
معلوما.
فما تكون المدة معلومة والعمل مجهولا، مثل أن يقول: آجرتك شهرا لتبني
أو تخيط، فهذه مدة معلومة، والعمل مجهول، وما تكون المدة مجهولة والعمل
معلوما فهو أن يقول: آجرتك لتخيط ثوبي أو تبني هذه الدار، فالمدة مجهولة
والعمل معلوم.
فأما إذا كانت المدة معلومة والعمل معلوما فلا يصح، لأنه إذا قال:
استأجرتك اليوم لتخيط قميصي هذا، كانت الإجارة باطلة، لأنه ربما يخيط قبل
مضي النهار فيبقي بعض المدة بلا عمل، وربما لا يفرع منه بيوم ويحتاج إلى مدة
أخرى ويحصل العمل بلا مدة.
والإجارة عقد معاوضة وهي من عقود المعاوضات اللازمة كالبيع، فإذا
255

آجر الرجل داره وعبده أو دابته فإنه يلزم العقد من الطرفين، ويستحق المؤجر
الأجرة على المستأجر ويستحق المستأجر المنفعة على المؤجر، وليس لأحدهما
فسخ عقد الإجارة بحال، سواء كان لعذر أو لغير عذر.
فهي كالبيع في باب الفسخ، لأن من اشترى شيئا ملك البائع الفسخ إذا
وجد بالثمن عيبا، وكذلك المشتري إذا وجد بالمبيع عيبا، ولا يملك بغير
العيب، وكذلك المؤجر إنما يملك الفسخ إذا تعذر استيفاء الحق منه لفلس أو
لغيره، وكذلك المستأجر إنما يملك الفسخ إذا وجد بالمنافع عيبا مثل أن
تنهدم الدار أو تغرق ولا يمكنه استيفاء المنفعة منه، وليس لهما الفسخ لغير عذر.
إذا استأجره على قلع ضرسه ثم بدا له فلا يخلو من أحد من أمرين: إما أن
يكون زال الوجع أو يكون الألم باقيا:
فإن كان بحاله فإنه لا يملك فسخ الإجارة ولكن يقال له: قد استأجرته على
استيفاء منفعة وأنت متمكن من استيفائه، فإما أن تستوفي منه ذلك، وإلا إذا مضت
مدة يمكنه أن يقلع ذلك فإنه قد استقر له الأجرة، كمن استأجر دابة ليركبها إلى
بلد، وسلمها إليه، فلم يركبها، فإنه يقال له: أنت متمكن من استيفاء المنفعة من أن
تركب وتمضي، فإما أن تستوفي وإلا إذا مضت مدة يمكنك أن تستوفيها فقد
استقر عليك الأجرة، وكذلك إذا استأجر دارا فسلمت إليه، يقال له: إما أن
تسكنها، وإلا يستوفى منك الأجرة إذا مضت المدة.
وأما إذا زال الوجع فإنه قد تعذر استيفاء المنفعة من جهة الله شرعا لأنه لو
أراد أن يقلعها لم يجز، ويمنع الشرع من قلع السن الصحيحة، فانفسخت الإجارة
بذلك كالدار إذا انهدمت، ألا ترى أن الوجع إذا عاد بعد ذلك احتاج أن
يستأنف عقد الإجارة لقلع الضرس، وإنما ملك الفسخ لتعذر المعقود عليه، وأما
إذا استأجر عبدا فأبق فإنه تنفسخ الإجارة لتعذر استيفاء المنفعة المعقود عليها،
كالدار إذا انهدمت.
والمستأجر يملك من المستأجر المنفعة التي في العبد والدار والدابة إلى
256

المدة التي اشترط حتى يكون أحق بها من مالكها، والمؤجر يملك الأجرة بنفس
العقد.
ولا تخلو الأجرة من ثلاثة أحوال: إما أن يشترطا فيه التأجيل أو التعجيل أو
يطلقا، فإن شرطا التأجيل إلى سنة أو إلى شهر فإنه لا يلزمه تسليم الأجرة إلى تلك
المدة بلا خلاف، وإن اشترطا التعجيل أو أطلقا لزمه ذلك على خلاف فيه.
ومتى عقد الإجارة ثم أسقط المؤجر مال الإجارة وأبرأ صاحبه منها سقط بلا
خلاف، وإن أسقط المستأجر المنافع المعقود عليها لم يسقط بلا خلاف.
إذا باع شيئا بثمن جزاف جاز إذا كان معلوما مشاهدا، وإن لم يعلم وزنه،
ولا يجوز أن يكون مال القراض جزافا، والثمن في السلم أيضا يجوز أن يكون
جزافا وقيل إنه لا يجوز كالقراض، ومال الإجارة يصح أن يكون جزافا، وفي
الناس من قال: لا يجوز، والأول أصح.
إذا قال: آجرتك هذه الدار كل شهر بكذا، كان ذلك صحيحا، لأنه لا
دليل على بطلانه ولأن الشهر معلوم، وقال قوم: ذلك باطل، لأنه أضافه إلى
مجهول، فمن قال " يصح " قال: يلزمه أجرة شهر واحد الأجر المسمى، وما زاد
عليه فعليه أجرة المثل، ومن قال " باطل " أوجب في الكل أجرة المثل لأنها
إجارة فاسدة.
إذا آجر عبدا سنة معلومة فمات العبد قبل استيفاء المنفعة، فلا يخلو من أربعة
أحوال: إما أن يتلف بعد انقضاء المدة واستيفاء المنفعة، أو يتلف قبل القبض، أو
يتلف بعد القبض وقبل استيفاء المنفعة، أو يتلف وقد استوفى بعض المنفعة.
فإن تلف بعد انقضاء المدة فإن الإجارة صحيحة، وقد استوفى كما لو
اشترى شيئا فتلف في يد المشتري، فيكون من ضمان المشتري، لأنه تلف في
يده.
وإن تلف قبل القبض فإن العقد ينفسخ بتلف المعقود عليه، كما لو اشترى
فتلف في يد البائع قبل القبض.
257

وإن تلف بعد القبض قبل استيفاء المنفعة فإنه تنفسخ الإجارة.
والرابع إذا استوفى بعض المنفعة ثم تلف، مثل أن يكون آجر عبده سنة
معلومة أجرة معلومة فاستخدمه ستة أشهر ثم مات العبد، فلا خلاف في أن العقد
فيما بقي يبطل، وفيما مضى لا يبطل عندنا، وفيهم من قال: يبطل، مبنيا على
تفريق الصفقة.
وإذا ثبت ما قلناه أن الإجارة صحيحة فيما مضى وباطلة فيما بقي، فهو
بالخيار بين أن يفسخ وأن يقيم، فإن أراد الفسخ فلا كلام فيه كما لو انفسخ وقلنا
ببطلانه، فله أجرة المثل، وإن أقام نظرت: فإن كان أجرة ما بقي مثل أجرة ما
مضى، فإنه يأخذه لما مضى، وإن كان فيما بقي من المدة أجرته أكثر مما مضى،
فإنه يستحق تلك الزيادة، وذلك مثل أن يكون أجرة المدة التي مضت مائة
درهم، وأجرة مدة ما بقي مائتين، فإنه يستحق عليه مائتين، ويعكس هذا إن كانت
أجرة المدة التي مضت مائتين ومدة الباقي مائة، فإنه يستحق مائة.
وهكذا في أجرة الدار:
إذا آجر دارا ثم انهدمت الدار، فالكلام في ثلاثة فصول كما مضى في فصول
التلف في العبد، فإن كانت انهدمت بعد مضي ستة أشهر، وكانت المدة سنة،
منهم من قال: الكلام فيه كالكلام في العبد سواء، تبطل الإجارة فيما انهدمت،
وهل تبطل فيما مضى؟ على مضى من القولين، ومنهم من قال: تصح الإجارة فيما
مضى، وفيما بقي، وفرق بينهما بأن العبد إذا تلف فقد تلف عين المعقود عليه، ولا
يمكن الانتفاع به على وجه، وليس كذلك الدار لأن بعض العين باق، وينتفع
به بالعرصة، والصحيح الأول لأن هذا ما اكترى العرصة وإنما اكترى الدار
والدار قد انهدمت.
فمن قال: بطلت الإجارة أو تصح وله الخيار فاختار الفسخ، فالكلام فيه
على ما مضى يستحق عليه أجرة المثل فيما مضى، وليس عليه شئ فيما بقي، ومن
قال: عقد الإجارة يصح، واختار المقام فإنه يستحق جميع أجرة المسمى.
258

الموت يفسخ الإجارة سواء كان الميت المؤجر أو المستأجر عند أصحابنا،
والأظهر عندهم أن موت المستأجر يبطلها، وموت المؤجر لا يبطلها، وفيه خلاف.
إن اكترى دابة من بغداد إلى حلوان ثم تجاوز بها إلى همدان، فإن الكلام
هاهنا إلى فصلين: أحدهما في الأجرة، والثاني في الضمان:
فأما الكلام في الأجرة فإنه يلزمه أجرة المسمى من بغداد إلى حلوان ومن
حلوان إلى همدان أجرة المثل لأنه استوفى المنفعة من بغداد إلى همدان، فاستقر
عليه المسمى.
وأما الكلام في الضمان فإنه لا يخلو: إما أن يكون صاحبها معها، أو لم يكن
معها، فإن لم يكن صاحبها معها فإنه يكون مضمونا، ثم نظرت: فإن ردها إلى
بغداد إلى يد صاحبها فلا ضمان عليه وعليه أجرة المثل فيما تعدى فيه، وإن تلفت
فإنه يضمن بالغا ما بلغ من وقت التعدي إلى حين التلف، لا من يوم اكتراها، وإن
ردها إلى حلوان فإنه لا يزول ضمانه، وفي الناس من قال: يزول.
وإن كان صاحبها معها وكان ساكتا ولم ينطق بشئ حتى تعدى بها، فإن
هذا لا يكون مضمونا ضمان اليد لأن يد صاحبها عليها، وما زال يد صاحبها عنها،
فإن ماتت فلا يخلو: إما أن يكون هذا راكبها أو لم يكن راكبها، فإن لم يكن
راكبها وماتت فإنه لا شئ عليه، لأنها ماتت بغير تعد، وإن ماتت وهو راكبها فإنه
يضمن لأن الظاهر أنها ماتت عن جناية وركوبها.
إذا ثبت هذا وأنها تكون في ضمانه فكم يضمن؟ قيل فيه قولان: أحدهما
يضمن بنصف قيمتها، لأنها ماتت من مباح ومحظور، والثاني يقسط على الفراسخ
ويضمن بقدره.
وللإنسان أن يؤجر داره أو ضيعته ما شاء من الزمان، أن شاء سنة، وإن شاء
ثلاثين أو ما زاد عليه، ولا عدد في ذلك لا يجوز أكثر منه، فإذا ثبت هذا فإنه يعتبر
تبقية ذلك الشئ المؤاجر فيؤاجر إلى مدة جرت العادة ببقائه إلى تلك المدة
سواء كانت دارا أو دابة أو ثوبا أو ما كان.
259

وإذا كانت الإجارة سنة فلا يحتاج أن يذكر أجرة كل شهر، لأن الغالب من
العادة أن الأجرة لا تختلف في هذا القدر، وإذا لم يختلف أو كانت الجملة فلا
يحتاج إلى شئ آخر.
وإن كانت إلى ثلاثين سنة، هل يحتاج أن يذكر أجرة كل سنة أم لا؟ قيل
فيه قولان: أحدهما لا يحتاج إلى ذكر ذلك لأن الجملة معلومة وهو الأقوى،
والثاني لا بد من ذكر كل سنة لأنه ربما انهدمت الدار أو يموت الغلام أو يهرب
فيحتاج أن يعتبر ما مضى أو ما بقي، وربما نسي ما مضى فلا يدري كيف تتقسط
عليه.
فإذا قيل: يذكر أجرة كل سنة، ثم انهدمت بعد مضي بعض السنين فإنه
يرجع بالمسمى، ويقسط عليه على أجرة المسمى، وإن لم يذكر حين العقد هذا
فإن الإجارة تبطل.
وإذا قيل: لا يحتاج أن يذكر أجرة كل سنة، ثم انهدمت الدار، فإنه يرجع
عليه بأجرة المثل، ويقسط بأجرة المثل.
إذا اكترى دارا أو عبدا وأراد أن يؤجره من إنسان آخر نظرت: فإن كان
بعد القبض وبعد أن أحدث فيه حدثا فإنه جائز، وإن كان قبل أن يحدث فلا
يجوز، وفي الناس من أجاز ذلك وإن لم يحدث فيه حدثا.
وإذا آجره بعد إحداث الحدث، فلا فرق بين أن يؤجره من المكري أو من
غيره بمثل ما استأجره أو أقل منه أو أكثر.
الإجارة على ضربين: معينة، وإجارة في الذمة، فالمعينة أن يستأجر دارا أو
عبدا شهرا أو سنة، وفي الذمة أن يستأجر من يبني له حائطا أو يخيط له ثوبا،
وكلاهما يجوز أن يشرط فيه خيار المجلس وخيار الثلاث، ولا مانع منه لقول
النبي صلى الله عليه وآله: المؤمنون عند شروطهم، وفي الناس من قال: لا يجوز
ذلك.
قد مضى ذكر الأراضي والعقار والدور، والكلام في البهائم والحيوان فإنه
260

يكترى للركوب ويكترى للحمولة ويكترى للعمل عليها، بدلالة قوله تعالى:
" والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة " وروي عن ابن عباس في قوله
تعالى: " لا جناح عليكم أن تبتغوا فضلا من ربكم " فقال تحجوا وتكروا الجمال.
فإذا ثبت ذلك وأنه يكترى للحمولة والركوب والعمل، فإن آجرها ليركب
عليها فلا بد من أن يكون المحمول معلوما، والمحمول له، وأن يكون المركوب
معلوما والراكب معلوما، أما المركوب فيصير معلوما إما بالمشاهدة أو بالصفة.
فالمشاهدة أن يقول: اكتريت منك هذا الجمل شهرا، أو يقول: اكتريت
منك هذا الجمل لأركبه إلى مكة، فإن هذا يجزئه.
فأما إذا كان معلوما بالصفة، فلا بد من ذكر ثلاثة أشياء: الجنس والنوع
والذكورية والأنوثية، أما الجنس فمثل أن يقول: جمل، حمار، بغل، دابة، والنوع
يذكر، حمار مصري، جمل بختي أو عربي، ويقول: ناقة أو جمل، لأن السير على
النوق أطيب منه على الجمل.
وأما الراكب فيجب أن يكون معلوما، ولا يمكن ذلك إلا بالمشاهدة لأنه لا
يوزن، والرجل يكون طويلا خفيفا وقد يكون قصيرا ثقيلا، فإذا كان كذلك
فلا بد من المشاهدة، ثم هو بالخيار إن شاء ركبه هو أو يركب من يوازيه ويكون
في معناه، وإن كان ممن له زاملة ويريد أن يركب فيقول: على أن تركبني على
زاملتك أو على قتب، وإن كان ممن معه زاملة أو محمل، فإنه لا بد من أن يشاهده
أو يذكر فيقول: كنيسة محمل.
فإن كان محملا فلا بد أن يشاهد لأنها تختلف بالكبر والطول والعرض،
ويذكر مغطى أو مكشوفا لأن المغطي أثقل على الجمل، والأولى أن يذكر مغطى
بالنطع أو باللبد أو بالخرقة لأن بعضها أخف من بعض، ويذكر المعاليق
- واحدها معلوق - وهي السفرة والدلو والسطيحة والقدر، والأولى أن يشاهد،
وفي الناس من قال: يكفي أن يذكر المعاليق ويرجع إلى العرف، والأول أحوط.
فأما إن أراد أن يحمل عليها حمولة، فإنه لا يحتاج أن يذكر الأنوثية
261

والذكورية لأن الغرض تحميل المتاع في الموضع، سواء حمل على ذكر أو
أنثى، ولا بد من ذكر الجنس والمقدار، فيقول: حديد، قطن، ثياب، لأن الحديد
ثقيل على المحمل والقطن أخف.
وأما الظرف فإن كان المتاع في ظرف فيقول: مائة منا قطن في هذا
الظرف، فإنه جائز، وإن قال: مائة منا قطن فالظرف يكون زيادة عليها، فإن لم
تكن مشاهدة فإنه لا يجوز إلا أن يكون ظروفا لا يختلف بمجرى العادة فإنه
يرجع إلى العرف، وكل ما ليس له عرف ولم يذكر في العقد ولم يشاهد فإنه
يبطل العقد للجهل بذلك.
إذا ثبت هذا فكل ما يحتاج لتمكن الركوب عليها فيكون على المكري،
وكل ما يحتاج لتوطئة الركوب فإنه يكون على المكتري، وذلك مثل الحبل
الذي يشد به الحمل والمحمل، فإنه يكون على المكتري، والحبل الذي يشد
بعضه في بعض، والوطاء الذي يكون فيه التبن فيكون فوق البلان تحت المحمل
فإنه يكون على المكتري.
وأما ما يكون على المكري فالقتب والعير الذي يكون تحت القتب والقطام
والحزام وشده وحبله وشيله وحطه، فأما شد المحمل فعلى من هو؟ قيل فيه
وجهان: أحدهما يكون على المكتري لأنه من جملة التوطئة، والثاني أنه يكون على
المكري لأنه مثل الشد والرحل.
وأما السوق نظرت: فإن كان اكترى ليحمل عليها المكتري، أو ليركب هو
عليها فإن السوق عليه، وإن اكترى لحمل المتاع فالسوق على المكري.
فأما إن اكترى ليعمل عليها بأن يستقي عليها ماء أو يكون للحرث، فإن كان
للسقي والدواليب فإنه يذكر بغل أو دابة أو حمار، ولا بد من أن يشاهد الدولاب
لأنه قد يكون خفيفا وثقيلا، ولا بد من ذكر المدة شهرا وشهرين، أو يوما ويومين،
فأما إن كان للحرث فلا بد من مشاهدة الثور أو يذكر ثورا قويا من حاله وقصته،
وأن يذكر الأرض لأنها تكون صلبة وتكون رخوة ولا بد من ذكر المدة.
262

وإذا اكترى الدابة أو الجمل وجب أن يكون السير معلوما ويقول كل يوم:
خمس فراسخ أو ستة، فإن لم يذكر نظرت: فإن كان في الطريق مراحل معروفة
فإنه ترجع إلى العرف، وإن لم يكن مراحل في الطريق فإنه يبطل.
وطريق الحج الآن لا بد من ذكر السير لأن المراحل هلكت، ويسيرون ليلا
ونهارا، فإذا لا بد من ذكره فيقال على إن يسير في يوم عشرة فراسخ أو عشرين
فرسخا.
وإن اختلفا في النزول فقال الجمال: ننزل في طرف البلد موضعا يكون
قريبا إلى الماء والكلأ، وقال المكتري: لا بل ننزل في وسط القرية أو وسط البلد
حتى يكون متاعي محفوظا، فإنه لا يلتفت إلى قول واحد منهما، ويرجع فيه إلى
العرف، وينزلون منزلا جرت العادة به.
وإذا اكترى بهيمة وذكر أنها تتعبه وتكده نظر: فإن كان ذلك من جهة أنه
لا يضر له بعادة الركوب، لم يلزم المكري شئ، وإن كان من جهة البهيمة نظر:
فإن أكراها بعينها كان له ردها، وليس له أن يستبدل بها غيرها، ويكون ذلك
عيبا يردها به، وإن كان اكتراها في الذمة ردها، وأخذ بدلها.
وعليه أن يبرك البعير لركوب المرأة ونزولها، لأنها ضعيفة الخلقة، فلا
تتمكن من الصعود للركوب، ولا من النزول، ولأنها عورة ربما تكشف، والرجل
إن كان مريضا فكذلك، وإن كان صحيحا لم يلزمه أن يبركه لركوبه ونزوله،
لأنه يتمكن من ذلك، ويختلف ذلك على حسب اختلاف حاله في المرض
والصحة، ولا يعتبر حال العقد، لأنه إن كان صحيحا حال العقد ثم مرض لزمه أن
يبركه، وإن كان مريضا حال العقد ثم صح لم يلزمه أن يبركه.
ولا يلزمه لأكل المكتري وشربه لأنه يتمكن من ذلك وهو راكب،
وكذلك لصلاة النافلة، لأنها تجوز في الراحلة، وأما الفريضة فإنه يلزمه أن يبرك
البهيمة لفعلها لأنها لا تجوز عليها.
وليس للمصلي أن يطول صلاته، بل يصلي صلاة المسافر، صلاة الوقت
263

فحسب غير أنه يتم الأفعال ويختصر الأركان لأن حق الغير تعلق به.
إذا اكترى عينا من الأعيان لم يخل من أحد أمرين: إما أن يكون عقارا أو
غيره:
فإن كان عقارا مثل الدار أو الدكان أو الأرض لم يجز ذلك إلا بشرطين:
أحدهما أن تكون العين معلومة، والثاني أن تكون المنفعة معلومة.
وتصير العين معلومة بشيئين: أحدهما المشاهدة، والثاني التحديد،
ويشاهدها ثم يحددها له المكري، فيذكر حدودها الأربعة حتى يتبين حصر الذي
اكتراه.
والمنفعة تصير معلومة بالتقدير، لأنه لا يمكن مشاهدتها ولا تقديرها بكيل
ولا وزن ولا نوع، بل يقدر بتقدير الزمان.
فإذا ثبت أنها لا بد أن تكون معلومة، والمنفعة معلومة، فمن شرط صحة العقد
أن تكون المنفعة متصلة بالعقد، ويشرط أنها من حين العقد، فإذا قال: آجرتك
هذه الدار شهرا، ولم يقل: من هذا الوقت، ولكنه أطلق الشهر فإنه لا يجوز،
وكذلك إن آجره الدار في شهر مستقبل بعد ما دخل، فإنه لا يجوز،
فعلى هذا إذا قال في رجب: آجرتك هذه الدار شهر رمضان، لم تصح الإجارة، وعند قوم
تصح، وهو قوي.
فإذا ثبت ما قلناه فإذا آجره العقار واتصلت المنافع بالعقد، لم يخل من أحد
أمرين: إما أن يسلم العقار إليه، أو لا يسلم، فإن سلم له ما استحقه من المنافع، فقد
استقر له حقه، وينظر:
فإن كان العقد صادف أول الشهر كان الاعتبار بالهلال، وإن كان أكراه
شهرا فحتى يهل الهلال للشهر الآخر، سواء كان الشهر ناقصا أو كاملا.
وإن كان العقد لم يصادف أول الشهر كان الاعتبار بالعدد، فيعد من ذلك
الوقت تمام ثلاثين يوما، فإذا انقضى ذلك فقد استوفى حقه بلا خلاف في ذلك،
وإن تلفت الدار قبل مضي الوقت انفسخ العقد فيما بقي ولا ينفسخ فيما مضى.
264

وأما إذا لم يسلمه إليه ومضى بعض المدة في يده، فقد انفسخ العقد في
ذلك القدر الذي مضى، لأنه معقود عليه تلف قبل القبض، ويكون الحكم في
الباقي صحيحا، وفي الناس من قال: لا يصح فيما بقي، ومنهم من قال: يصح فيما
بقي وله الخيار.
وأما غير العقار مثل الدابة والبغل والجمل والحمار والبقر وغير ذلك، فإنه
يجوز أن يعقد عليها عقد الإجارة معينا وفي الذمة، لأن هذه الأشياء يجوز ثبوتها
في الذمة في البيع، فكذلك في الإجارة، ويفارق العقار التي لا بد فيه من تعيين
موضعه، لأنه يختلف باختلاف مواضعه، وإذا كان التعيين مقصودا في العقار لم
يثبت في الذمة.
فإذا ثبت أنه يجوز على غير العقار معينا وفي الذمة فإن استأجر شيئا منها
معينا لم يخل من أحد أمرين: إما أن يكون العمل مجهولا أو معلوما.
فإن كان مجهولا كان من شرطه تقدير الزمان، لأن الإجارة لا تصح
والمنفعة مجهولة، فإذا لم يمكن تقديرها في نفسها وجب تقديرها بالزمان.
فأما إذا قدر الزمان كان الحكم فيه كما قلنا في العقار سواء فصلا ففصلا،
ومتى تقدر ذلك الزمان بتقدير المغاير لم يجز تقديره مع ذلك في نفسه إن كان
مما يتقدر في نفسه لأن الإجارة غرر، وتقدير المنفعة في نفسها غرر، والغرر إذا
أضيف إلى الغرر في العقد منع الجواز.
فأما إذا كان العمل معلوما في نفسه مثل أن يقول: استأجرتك لتخيط هذا
الثوب أو تنقل هذا التراب من هذا الموضع، صح العقد لأن المنفعة صارت
معلومة بتقدير العمل، كما تصير معلومة بتقدير الزمان.
فإذا ثبت هذا فإن أطلق ذلك كان على التعجيل، وإن شرط التعجيل كان
تأكيدا لما يقتضيه العقد، وإن شرط تأخيره أو قدره بزمان كان باطلا، لأن العقد
وقع على معين، وشرط التأخير في التسليم لا يجوز.
وإن كان لم يشترط التأخير لكنه تأخر التسليم منه كان المعقود عليه بحاله،
265

ولم ينقص منه شئ بما مضى من الزمان، فإذا سلم المعقود عليه إلى المكتري
ومضت مدة أمكنه أن يستوفي المنفعة فيها فلم يفعل، استقرت الأجرة عليه،
ويكون كما لو استوفى المنفعة، مثل أن يكتري بهيمة ليركبها إلى النهروان مثلا
فسلمها إليه وأمسكها مدة يمكنه السير فيها، فلم يفعل استقرت الأجرة عليه، هذا
إذا كانت الإجارة معينة والمنفعة معلومة بتقدير الزمان أو العمل.
فأما إذا كانت في الذمة، مثل أن يقول: استأجرت منك ظهرا للركوب،
ووصف الشرائط التي يضبط بها من ذكر الجنس والنوع وغيرهما جاز ذلك،
وعليه تسليم الظهر إليه على الصفات التي شرطت، فإذا ثبت هذا فإنه يجوز أن
يكون حالا ومؤجلا لأن ما ثبت بالصفة فإنه يجوز حالا ومؤجلا مثل السلم والثمن
في الذمة.
إذا ثبت هذا فإذا سلم إليه الظهر في وقته، وتلفت قبل استيفاء المنافع كان له
أن يستبدل بها غيرها لأن العقد لم يتناول عينا مثل الثمن إذا كان في الذمة.
إذا استأجر رجلا لتحصيل خياطة خمسة أيام بعد شهر لم يجز، لأن العمل
يختلف على حسب اختلاف العامل من جلادته وبلادته، فإذا قدر المدة من غير
أن تكون العين معينة كان في ذلك تفاوت شديد.
يجوز السلم في المنافع كالأعيان فإذا سلم إليه في منافع نظرت: فإن كان
بلفظ السلم كان من شرطه قبض الأجرة في المجلس، وإن كان بلفظ الإجارة مثل
أن يقول: استأجرت منك ظهرا بكذا، ووصف الأوصاف التي يعتبرها قيل فيه
وجهان: أحدهما من شرطه قبض المال في المجلس مثل السلم، والثاني ليس
القبض شرطا اعتبارا باللفظ، واللفظ لفظ الإجارة.
وإذا قال في البيع: أسلمت إليك في كذا، كان من شرطه قبض المال في
المجلس، ولو قال: اشتريت منك كذا، ووصفه بأوصاف السلم قيل فيه وجهان
اعتبارا بالمعنى وباللفظ.
إذا غصب البهيمة المستأجرة، فإن كانت في يد المكري فغصبها المكتري
266

كان كالقابض للمعقود عليه، وإن كانت في يد المكتري فغصبها المكري
وأمسكها حتى مضت المدة، كان كالمتلف للمعقود عليه وانفسخ العقد، وإن
غصبها أجنبي ومضت المدة وهي في يده قيل فيه قولان: أحدهما ينفسخ العقد
فيرجع على المكري بالمسمى، والثاني لا ينفسخ ويكون بالخيار بين أن يفسخه
ويرجع على المكري، وبين أن لا يفسخه فيرجع على الغاصب بأجرة المثل،
وكذلك القول في البيع.
وإن استأجر عبدا فأبق ثبت الخيار للمكتري، ولا يبطل العقد لأنه يرجى
رجوعه، فإن فسخ العقد كان له ذلك، وإن لم يفسخه نظر: فإن رجع وقد بقي
إلى المدة بقية انفسخ العقد فيما مضى من حال الإباق، ولا ينفسخ فيما بقي.
وفيهم من قال فيما بقي: ينفسخ، وفيهم من قال: لا ينفسخ - مثل ما قلناه -
وله الخيار.
وإن كانت المدة قد مضت ولم يرجع العبد فقد انفسخ العقد فيما فات من
المنافع حال إباقه إلى أن انقضت المدة، وأما ما كان استوفاه قبل الإباق فلا
ينفسخ.
ولا فرق بين أن يأبق من يدي المكتري أو من يدي المكري، لأن المنافع
في ضمان المكري حتى يستوفيها المكتري.
إذا اختلف الراكب في المحمل والمكري، فقال المكري للراكب: وسع قيد
المحمل المقدم وضيق القيد المؤخر، حتى ينحط مقدم المحمل ويرتفع مؤخره،
لأن ذلك أخف على الجمل وأسهل عليه، إلا أنه أتعب للراكب فإنه يحتاج أن
يجلس في المحمل مكبوبا، وقال الراكب: لا بل وسع القيد المؤخر، وضيق
المقدم حتى ينحط مؤخر المحمل، ويرتفع مقدمه، فيكون أسهل على الراكب،
غير أنه أتعب على الجمل، فإنه لا يقبل قول أحدهما، ولكنه يجعل مستويا فلا
يكون مكبوبا ولا مستلقيا.
وإن اختلفا في السير فقال الراكب: نسير نهارا لأنه أصون للمتاع، وقال
267

المكري: نسير ليلا لأنه أخف للبهيمة، نظر: فإن كانا قد شرطا السير في وقت
معلوم إما بالليل أو بالنهار، حملا على ذلك، وإن كانا أطلقا نظر: فإن كان للسير
في تلك المسافة عادة في تلك القوافل، كان الإطلاق راجعا إليها، وإن لم يكن
هناك عادة، وكانت السابلة تختلف فيها، فإن العقد يكون باطلا كما إذا أطلق
الثمن وكانت النقود مختلفة.
إذا اكترى بهيمة للركوب وشرط حمل الزاد معه عليها، ثم إن زاده قد سرق
منه جميعه، كان له أن يبدله ويشتري مثله في قدره، بلا خلاف، وإن أكله أو أكل
بعضه فهل له أن يشتري بدله أو يكمله إن كان أكل بعضه؟ قيل فيه قولان:
أحدهما: له ذلك كما إذا اكتراها لحمل شئ معلوم ثم أنه باعه أو باع شيئا
منه في الطريق كان له إبداله، وهو الأقوى.
والثاني: ليس له إبداله لأن العرف والعادة أنه إذا نقص في الأكل لم يبدل،
فعلى هذا إن نفد الزاد كله وكان بين يديه مراحل يوجد فيها ما يتزود، فإنه
يشتري كفايته مرحلة مرحلة، وإن لم يوجد فيها طعام أو يوجد لكن بثمن غال
كان له أن يبدل الزاد ويحمله مع نفسه.
فأما النزول في الرواح، فإن كان شرط على المكتري لزمه النزول له في
وقته، وإن كان المكتري قد شرط ألا ينزل لم يلزمه النزول، ووجب الوفاء
بالشرط، وإن كان أطلق قيل فيه وجهان: أحدهما لا يلزمه لأنه استحق عليه أن
يحمل إلى الموضع المحدود وهو الأقوى، والثاني يلزمه النزول للرواح لأن
العادة جرت بذلك فيرجع إليها، هذا في من يقوي على الرواح من الرجال.
فأما من لا يقوي عليه لضعفه أو مرضه أو إناثيته، فلا يلزم النزول للرواح إذا
كان العقد مطلقا لأن العادة ما جرت في هؤلاء بالنزول للرواح فيحملون على
العادة.
إذا اكترى منه جملا للركوب أو الحمل، فهرب الجمال مع جماله، رفع
المكتري أمره إلى الحاكم، وثبت عنده عقد الإجارة، فإذا ثبت ذلك عنده بما
268

يثبت به مثله بعث في طلبه، فإن وجده ألزمه الوفاء بحق الإجارة، وإن لم يجده
نظر في الإجارة: فإن كانت في الذمة، ووجد الحاكم للجمال مالا حاضرا باع
عليه بعض ماله واكترى به على حسب ما قد استحقه المكتري، وإن لم يوجد له
مال استقرض الحاكم عليه من رجل من المسلمين أو من بيت المال، واكترى له
ما يستحقه على الجمال، فإن لم يجد رجع إلى المكتري واستقرض منه، فإن فعل
اكترى له بما أعطاه إياه على وجه القرض.
ومتى ما حصل القرض من جهته أو من جهة غيره، أو كان قد وجد له مالا
فباعه، فإنه يكتري له أو يأمر أمينه بذلك ولا يعطيه ذلك المال ليكتري به
لنفسه، لأنه لا يجوز أن يكون وكيلا في حقه، وإن لم يجد أحدا يقرضه ولم
يقرضه المكتري ثبت للمكتري خيار الفسخ، لأن حقه متعجل، وقد تأخر بهرب
الجمال، فهو مثل المكتري إذا أفلس بالأجرة أن الخيار يثبت للمكتري.
فإذا ثبت له الخيار فإن فسخ سقطت الإجارة، وثبت له ما كان أعطاه من
الأجرة في ذمته، وينظر: فإن كان قد ظهر له مال في ذلك الوقت أدى حقه منه،
وكذلك إذا كان له مال ظاهر غير أنه لم يجد مكريا، بيع ذلك المال وقضي منه
حقه، وإذا لم يجد له مالا لم يستقرض عليه مالا، لأن الذي يثبت له عليه دين في
ذمته والذي يستقرض دين يثبت عليه أيضا في الذمة، فيكون ذلك قضاء دين
بدين، وذلك لا يجوز، ويبقى له الحق في ذمته إلى أن يرجع فيطالب به.
فأما إذا كانت الإجارة معينة لم يجز أن يكتري الحاكم للمكتري شيئا من
مال الجمال إن وجد له مالا، ولا أن يستقرض له، لأن العقد يتناول العين، فلا
يجوز إبدالها بتعذرها.
كما إذا اشترى عينا فأصاب بها عيبا فإنه يردها، وليس له أن يستبدل بها،
ويفارق إذا كان له في الذمة لأن العقد هناك ما وقع على عين، فلهذا جاز
الاستبدال به كما إذا سلم المسلم فيه فأصاب به عيبا فإنه يرده ويأخذ بدله سليما.
فإذا ثبت ذلك فإنه بالخيار لأن حقه حال وقد تعذر عليه استيفاؤه في
269

الحال.
إذا ثبت أن الخيار يثبت له، فإنه ينظر: فإن فسخ العقد سقطت الإجارة،
وثبت له ما أعطاه في ذمته، فإن كان له مال بيع عليه وقضي منه حقه، وإن لم
يكن له مال بقي ذلك في ذمته، ولا يستقرض عليه، لأن الدين لا يقضى بالدين.
وإن لم يفسخ وبقى على العقد نظرت: فإن كان العمل مجهولا في نفسه
ووقعت الإجارة لمدة مقدرة، فإن المعقود عليه يتلف على حسب ما مضى من
الزمان، فإن رجع قبل مضي المدة فقد انفسخ العقد فيما فات، ولا ينفسخ فيما
لم يفت، فإن رجع بعد مضي المدة انفسخ العقد فيما فات، وما كان قد استوفاه
قبل الهرب لا ينفسخ، وإن كان العمل في نفسه معلوما غير مقدر بالزمان، فإذا
رجع الجمال طولب بإيفاء ذلك، سواء كان ذلك بعد مضي مدة كانت المنفعة
المستأجرة يستوفى في مثلها أو قبل مضيها، لأن المعقود عليه لا يتلف بمضي
الزمان، فعلى هذا متى ما بقي الثمن طولب بإيفاء الحق لأنه بحاله لم ينقص منه
شئ، هذا إذا هرب بجماله.
فأما إذا هرب وترك الجمال، فإن النفقة على الجمال تجب على الجمال في
ماله لأنه مالكها ونفقة المملوك على المالك، فإذا ثبت هذا فإنه يرفع خبره إلى
الحاكم ويثبت ذلك عنده.
فإذا ثبت طلبه الحاكم فإن لم يجده ووجد له مالا أنفق عليها من ماله، فإن
لم يجده وكان في الجمال فضل لا يستحقه المكتري بعقد الإجارة باعه، وأنفق
على الباقي، وإن لم يجد استقرض عليه شئ من بعض المسلمين، أو من بيت
المال، أو من المكتري إن لم يجد من يقرض، فإذا حصل أنفقه الحاكم عليها في
علفها وما يحتاج إليه أو أمينه، وهل يجوز أن يعطيه للمكتري لينفق عليها أو لا؟
قيل فيه قولان: أحدهما ليس له ذلك لأنه لا يجوز أن يكون أمينا في حق نفسه،
والثاني يجوز لأن ذلك سواء في أن يعطيه أمينه أو يجعله أمينا في ذلك، وهو
الأقوى.
270

فإذا ثبت ذلك فإن الأمين ينفق عليها، وإن جعله إليه وأنفق عليها كان كما
لو أنفق عليها من غير حكم حاكم، فيكون كالمتطوع، فإن ادعى قدرا وصدقه
الجمال أو قامت عليه بينة رجع عليه به، وإن لم يصدقه ولم يقم به بينة لم يكن له
الرجوع، هذا على قول من لا يجوز أن يجعله إليه.
ومن قال: يجوز أن يجعله إليه، فإذا ادعى قدرا من الإنفاق فإن كان ذلك
من تقدير الحاكم قبل قوله فيه، وإن لم يكن من تقديره وصدقه الجمال لزمه
ورجع عليه به، وإن لم يصدقه وكانت قدر كفايته بالمعروف قبل قوله فيه، ولا
يقبل في الزيادة.
هذا كله إذا رفع إلى الحاكم.
فإن لم يرفعه إليه مع تمكنه منه، فإنه لا يرجع بما أنفق إليه، لأنه أنفق بغير
إذن صاحبها، وإذن من يقوم مقامه، وإن لم يكن هناك حاكم، فإن لم يشهد أو
أشهد ولم يشترط له الرجوع، فإنه لا يرجع به عليه، وإن أشهد على الإنفاق
وشرط له الرجوع حين الإشهاد، فهل له الرجوع به أم لا؟ قيل فيه وجهان:
أحدهما ذلك له لأنه موضع ضرورة، والثاني لا يرجع لأنه أنفق عليها بغير إذن
صاحبها وإذن من يقوم مقامه وهو الحاكم.
فإذا تقرر هذا فكل موضع جعلنا له الرجوع بما أنفق فإذا بلغ الغاية
المحدودة ولم يرجع الهارب، فإن الحاكم يبيع بعض جماله أو جميعها ويوفيه
حقه منها، فإن باع البعض ووفى بقدر الإنفاق نظر فيما بقي: فإن كان الأحوط له
أن يبيعها - لأنه لو تركها أكل بعضها بعضا - فإنه يبيعها ويحفظ الثمن عليه، وإن
كان الأحوط إمساكها أمسكها، فإذا رجع ردها عليه.
يجوز الاستئجار لحفر البئر، غير أنه لا يجوز حتى يكون المعقود عليه معلوما،
ويصير معلوما بأحد أمرين: بتقدير المدة، وتقدير نفس العمل.
فأما المدة فيكفي أن يقول: اكتريتك لتحفر لي بئرا يوما أو عشرة وما
يقدره، لأن المعقود عليه يصير معلوما محدودا بذلك المقدار.
271

وإن قدر العمل فلا بد من مشاهدة الأرض التي يريد أن يحفر فيها، لأنها
تختلف في الرخاوة والصلابة، ولا بد من تقدير العرض والعمق، فيقول: قدر
عرضه كذا ذراعا وقدر عمقه كذا وكذا ذراعا، وتقدير ذلك بالذراع الذي هو
معتاد بين الناس كما يقول في المكيال.
فإذا استأجره على ذلك وأخذ ليحفرها فانهار عليه الجرف، فحصل تراب
الجرف في البئر فانطم بعضها، كان على المستأجر إخراجها ولا يجب على الأجير
لأنه ملك المستأجر حصل في تلك الحفيرة، فهو بمنزلة ما لو وقع فيها طعام له
أو دابة له أو تراب من موضع آخر، وإن وقع من تراب البئر فيه لزم الحفار
إخراجه لأن ذلك مما تضمنه العقد، لأنه استؤجر ليحفر ويخرج التراب.
وإن استقبله حجر نظرت: فإن أمكن حفره ونقبه لزمه وإن كان عليه مشقة
فيه لأنه التزم الحفر بالعقد فيلزمه على اختلاف حاله، وإن لم يمكن حفره ولا نقبه
انفسخ العقد فيما بقي، ولا ينفسخ فيما حفر على الصحيح من الأقوال، ويقسط
على أجرة المثل لأن الحفر يختلف، فحفر ما قرب من الأرض أسهل لأنه يخرج
التراب من قرب وحفر ما هو أبعد أصعب نظر: فإن كان أجرة المثل على ما بقي
عشرة، وفيما حفر خمسة أخذ ثلث المسمى، وقد روى أصحابنا في مثل هذا مقدرا
ذكرناه في النهاية.
وعلى هذا إن نبع الماء قبل انتهاء الحد ولم يمكن الزيادة على الحفر،
فالحكم على ما ذكرناه في الحجر إذا استقبله ولم يمكن حفره.
وأما الاستئجار لحفر الأنهار والقنى فإنه يجوز، ويقدر ذلك بالزمان
وبالعمل، فإن قدره بالزمان مثل أن يقول: استأجرتك لتحفر لي نهرا أو قناة كذا
وكذا يوما، وإن قدره بالعمل أراه الأرض، وقدر العرض والعمق والطول، لأنه لا
يصير معلوما إلا كذلك.
وإن استأجره لضرب اللبن جاز لما ذكرناه، ولا يجوز حتى يكون معلوما،
إما بالزمان ما شاء من الأيام، أو يقدره من العمل بعد أن يشاهد الموضع الذي
272

يضرب فيه، لأن الغرض يختلف في ذلك بقرب الماء وبعده، ويذكر العدد
ويشاهد القالب ليعرف بذلك مقدار اللبن، فإذا حصل ذلك صار معلوما.
ويجوز الاستئجار للبناء ويقدر ذلك بالزمان ما شاء من الأيام أو يقدر العمل
فيه بأن يقدر عرض الحائط وطوله وسمكه بآجر وجص أو طين ولبن، لأن
الغرض يختلف باختلاف ذلك، فلا بد من ذكره ليصير معلوما.
فأما الاستئجار للرضاع فيجوز لقوله تعالى: " فإن أرضعن لكم فأتوهن
أجورهن " فالاستئجار يقع على الإرضاع، دون الحضانة من مراعاة الصبي
وغسل خرقه، فإذا أطلق العقد لم يلزم إلا الإرضاع ولا يلزمها غيره، وإن شرط في
العقد الحضانة مع الرضاع لزمها الأمران معا، فترضع المولود وتراعى أحواله في
تربيته وخدمته وغسل خرقه وغيره من أحواله.
ومن شرط صحة العقد أن تكون المدة مقدرة، لأنه لا يمكن تقدير المعقود
عليه بالعمل نفسه، لأن الرضاع يختلف، ومن شرطه أن يشاهد الصبي لأن
رضاعه يختلف على حسب اختلافه في نفسه من صغر أو كبر، ولا يجوز العقد
حتى تكون الأجرة معلومة.
وإن استأجرها بنفقتها وكسوتها مدة الرضاع لم يصح ذلك.
فإذا ثبت أن الاستئجار في الرضاع صحيح فإن كان المرضع موسرا كانت
الأجرة من ماله لأن ذلك من نفقته ونفقة الموسر من ماله، وإن كان معسرا كانت
من مال أبيه لأن نفقة المعسر على أبيه.
ومن شرط صحة الاستئجار في الرضاع أن يعين الموضع الذي ترضعه فيه،
إما بيتها أو بيت أبوي المرضع، لأن الغرض يختلف، فلا بد من تعيينه، فإن أطلقاه
كان باطلا.
إذا استؤجرت المرأة للرضاع فمات أحد الثلاثة فإنه تبطل الإجارة، سواء
كان المستأجر - الذي هو أبو المرتضع - أو المرأة أو الصبي.
إذا آجرت المرأة نفسها للرضاع أو غيره بإذن الزوج صحت الإجارة لأنه
273

حق لهما، وإن لم يأذن لها الزوج لم تصح الإجارة لأنه لا دليل على صحتها.
إذا رزق الرجل من زوجته ولدا لم يكن له أن يجبرها على إرضاعه لأن
ذلك من نفقة الابن، ونفقته على الأب، وله أن يجبر الأمة وأم الولد والمدبرة بلا
خلاف في ذلك، وأما المكاتبة فإن كانت مشروطا عليها فله أن يجبرها، لأنها
مملوكة، وإن لم تكن مشروطا عليها لم يكن له إجبارها.
وإذا تطوعت المرأة بإرضاع الولد، لم يجبر الزوج على ذلك، وكان له أن
يمنعها منه، لأن الاستمتاع الذي هو حق له يخل باشتغالها بالرضاع، فكان له
منعها من ذلك.
وإن تعاقدا عقد الإجارة على رضاع الولد، لم تصح لأنها أخذت منه عوضا
في مقابلة الاستمتاع، وعوضا آخر في مقابلة التمكين من الاستمتاع، فأما إذا بانت
منه صح أن يستأجرها للرضاع لأنها قد خرجت من حبسه وصارت أجنبية،
فإذا بذلت الرضاع متطوعة بذلك، كانت أحق بالولد من غيرها، وإن طلبت
أكثر من أجرة المثل في الرضاع والأب يجد من يتطوع له أو من يرضى بأجرة
المثل لم تكن الأم أولى بالولد من الأب، وللأب أن يسلم الولد إلى غيرها فإن
رضيت بأجرة المثل وهو لا يجد إلا بأجرة المثل كانت هي أولى، فإن كانت يجد
غيرها بدون أجرة المثل أو متطوعة كان له أن ينزعه من يدها، وفيهم من قال:
ليس له ذلك.
إذا باع الرقبة المستأجرة لم تبطل الإجارة، لأن البيع لا يبطل الإجارة
عندنا، فإن كان قد علم المشتري بذلك أمضاه، وإن لم يعلم كان له ردها
بالعيب.
إذا آجر عبده مدة معلومة ثم إنه أعتقه نفذ عتقه فيه، لأنه مالك الرقبة كما لو
أعتقه قبل الإجارة، فإذا ثبت ذلك فالإجارة بحالها، وهي لازمة للعبد، وهل له أن
يرجع على السيد بأجرة المثل كما يلزمه بعد الحرية؟ قيل فيه قولان: أحدهما
يرجع بأجرة المثل في تلك المدة، والآخر لا يلزمه، وهو الصحيح لأنه لا دليل
274

عليه، والأصل براءة الذمة.
إذا آجر الأب أو الوصي الصبي أو ماله صح ذلك، كما يصح بيع ماله،
فإذا بلغ وقد بقي من مدة الإجارة بعضها، كان له فسخها فيما بقي، وقيل: إنه
ليس له ذلك، وهو الأقوى.
ومتى آجر الوصي صبيا أو شيئا من ماله مدة يتيقن أنه يبلغ قبل مضيها مثل
أن يكون للصبي أربع عشرة سنة، فآجره ثلاث سنين فإنه يبلغ باستكمال خمس
عشرة سنة، فإن السنة الواحدة يكون العقد صحيحا، وما زاد عليه يكون باطلا،
ومتى آجره مدة لا يتيقن أنه يبلغ قبل مضيها مثل أن يؤجره سنة أو سنتين وله
عشر سنين، فإنه يجوز أن يبلغ بالاحتلام قبل مضي مدة الإجارة، فيكون العقد
صحيحا، وإذا بلغ وكان رشيدا كان له الفسخ.
إذا استأجر رجلا ليبيع له شيئا بعينه أو يشتري له شيئا موصوفا فإنه يجوز
ذلك.
يجوز إجارة الدفاتر عندنا سواء كان ذلك مصحفا أو غيره من كتب النحو
والأدب والفقه وغيرها، إذا لم يكن فيها كفر لأنه لا مانع منه، والأصل جوازه،
وأما الحائط المزوق فلا يجوز إجارته للنظر إليه، ولا البناء المحكم للنظر إليه
والتعلم فيه، لأن ذلك عبث لا غرض فيه حكمي.
فصل: في تضمين الإجراء:
إذا تلف الشئ في يد الصانع، مثل الحائك والقصار والصباغ والخياط
وكل صانع يتلف مال المستأجر الذي استأجره للعمل في يده فإنه ينظر: فإن
كان استأجره ثم حمله إلى ملكه إما في بيته أو دكانه أو غيرهما من أملاكه فأخذ
يعمل فيه فتلف الشئ من غير تعد من الأجير، مثل أن يسرق أو يطير شرارة
فتحرقه أو غير ذلك من أنواع التلف، فإنه لا ضمان على الأجير لأن المال في يد
المستأجر ما دام في ملكه، والمال إذا تلف في يده لم يجب الضمان على غيره، إلا
275

إذا كان منه تعد فيه.
وإن كان المال مع الأجير في دكانه أو ملكه دون ملك المستأجر نظر: فإن
كان المستأجر معه وهو يعمله بين يديه فتلف بغير تعد منه فلا ضمان عليه، لأنه إذا
كان صاحب المال معه عنده فالمال في يده، فأما إذا انفرد الأجير به في غير ملك
المستأجر فإنه لا ضمان عليه أيضا إلا إذا كان بفعله أو تعد منه أو تفريط، مثل أن
يدق القصار الثوب فيتخرق أو يعصر فيتقزز، فيكون عليه الضمان وإن كان دقه
دق مثله وعصره عصر مثله أو زاد عليه، وكذلك كل من أعطي شيئا ليصلحه
فأفسده أو أعابه بفعله فعليه ضمانه.
إذا قطع الختان حشفة الغلام ضمنه والحجام إذا جنى في الحجامة كان
ضامنا وكذلك البيطار.
وأما الراعي فلا ضمان عليه فيما يأخذه العرب والأكراد واللصوص أو تأكله
السباع والذئاب إلا إذا تعدى فيه بأن يخالف صاحب الغنم في موضع المرعى،
فإن أطلق ولم يعين الموضع وقال له: ارع كيف شئت فلا ضمان عليه إلا إذا
تعدى فيه، وفي الناس من قال: يضمن مع الإطلاق.
والأجير الذي في الحانوت يحفظ ما فيه من البز وبيعه معه لا ضمان عليه بلا
خلاف وأما إذا حبس حرا فسرق ثيابه كان ضامنا وكذلك العبد.
فأما إذا قال له الحر: اقطع يدي، فقطعها لم يلزمه الضمان بلا خلاف، وإن
قال له عبد لزمه الضمان لسيده.
وجملة الأمر أن الشئ إذا كان في يد مالكه فتلف فلا ضمان على الأجير إلا
بتعد منه وإذا كان في ملك غيره فعلى الأجير الضمان على ما بيناه، وفي الناس
من قال: عليه الضمان على كل حال كان بتعد أو بغير تعد أو تفريط أو غير
ذلك.
الأجير المنفرد هو الذي يستأجر مدة معلومة لخياطة أو بناء أو غيرهما من
الأعمال ويسمى الأجير الخاص، ولقب بذلك من حيث المعنى، وهو إذا آجر
276

نفسه رجلا مدة مقدرة استحق المستأجر منافعه وعمله في تلك المدة فيلزمه
العمل له فيها ولا يجوز له أن يعمل لغيره فيها ويعقد على منافعه وعمله في
مقدارها.
والمشترك هو الذي يكري نفسه في عمل مقدر في نفسه، لا بالزمان، مثل
أن يستأجره ليخيط ثوبا بعينه أو يصبغ له ثيابا بعينها، وما أشبه ذلك، ولقب
مشتركا لأن له أن يتقبل الأعمال لكل أحد في كل مدة ولا يستحق عليه أحد من
المستأجرين منفعة زمان بعينه.
فكل مال حصل تحت عمله وهو تحت يد ربه أو في حكم يده فلا يضمنه إلا
بالتعدي بالجناية، وكل مال حصل تحت عمله وفي يده وليس في يد ربه ولا في
حكم يده فإنه لا يضمن إلا بتعد أو جناية بفعله، سواء كان الأجير مشتركا أو
منفردا.
والمنفرد يستحق منافعه في زمان بعينه، فإذا مضى الوقت ولم يعمل فقد
بطل المعقود عليه وانفسخ العقد عليه، والمشترك يستحق عليه العمل ولا يبطل
بمضي الزمان ولا ينفسخ العقد عليه.
إذا تلف العين التي استؤجر للعمل فيها، فالكلام فيه في فصلين: في الأجرة
والعمل فأما الأجرة فإنه ينظر:
فإن كان المال في ملك المستأجر بأن يكون قد استدعى الأجير واستعمله
في داره، أو كان حضره الأجير وهو يعمل بين يديه فتلف المال فإن الأجرة تلزم
المستأجر له ولا تسقط بتلف المال، لأن المال إذا كان في ملكه أو كان حاضرا
والأجير يعمل بين يديه فيه فهو في يده فكلما يفرع من جزء من العمل يصير
مسلما إليه، فإذا فرع من العمل ثم تلف، فقد تلف بعد التسليم، ولا تسقط أجرته
لأنها تستقر بالتسليم، وقد حصل التسليم ثم تعقبه التلف.
وإن كان الأجير حمله إلى ملكه ولم يحضر صاحبه فعمل وتلف قبل
التسليم لم يستحق الأجرة، لأن الأجرة في مقابلة العمل وإنما يستحق الأجرة إذا
277

سلم العمل، وإذا تلف المال بعد العمل فقد تلف العمل الذي هو المعوض قبل
التسليم، فهو كما لو تلف المثمن قبل التسليم فلا يستحق الأجرة، كما لا يستحق
البائع الثمن إذا تلف المثمن قبل التسليم.
وأما الضمان فإن تلف بغير تعد منه ولا جناية فلا ضمان عليه، وإن تلف
بجناية فعليه قيمته وقت الجناية، وإن تلف بعد تعديه فيه مثل أن يكون ثوبا
فاستعمله فإنه يضمنه لأن أمانته بطلت بالتعدي وعليه قيمته أكثر ما كانت من حين
التعدي إلى أن تلف.
إذا استأجره ليحجم حرا أو عبدا أو يعلمه صنعة، فتلف فلا ضمان عليه، فأما
الحر فلا يضمنه، لأن اليد لا تثبت عليه، وأما العبد فإن كان في يد صاحبه فلا
ضمان إلا بالتعدي وإن لم يكن في يد صاحبه فكذلك لا يضمن إلا بالتعدي،
وقال قوم: إنه يضمن، والأول أصح.
وإذا استأجره ليحمل شيئا وينقله من موضع إلى موضع فحمله فتلف في
الطريق، فإن كان صاحبه معه فلا يضمنه إلا إذا تعدى أو فرط بلا خلاف، وإن لم
يكن معه فكذلك لا يضمن عندنا إلا بالتعدي، وقال قوم: يضمن.
وإذا استأجر من يخبز له في تنور أو فرن فخبز له واحترق الخبز أو شئ منه
فإنه ينظر: فإن كان خبز في حال لا يخبز في مثله لاستيقاد النار وشدة التلهب
ضمنه لأنه مفرط، وإن كان خبزه في حال يخبز مثله فيه، ينظر: فإن كان في يد
صاحب الخبز فلا ضمان على الأجير بلا خلاف، وإن لم يكن في يده فلا يضمن
عندنا إلا بتفريط، وفيهم من قال: يضمن وإن لم يفرط.
إذا اكترى دابة ليركبها أو يحمل عليها فضربها ضرب العادة في تسيير مثلها
فتلفت فلا ضمان عليه في ذلك، وإن كان خارجا عن العادة لزمه الضمان،
وكذلك إن كبحها باللجام، فعلى هذا التفصيل، لأن الأصل براءة الذمة لأن
ذلك معلوم بالعادة، وفيه خلاف، فأما إذا ضرب عليه الأكاف أو السرج أو
اللجام فماتت فلا يضمن بلا خلاف.
278

ومن ضرب امرأته تأديبا فجنى عليها ضمن بلا خلاف، ومن أخرج روشنا أو
جناحا إلى طريق فتلف به شئ كان ضامنا بلا خلاف.
فأما الرائض فإنه يضرب البهيمة أكثر مما يضربها المستأجر للركوب
والحمل، لأنها صغيرة لا تتأدب ولا تطاوع إلا بذلك وللرواض عادة في رياضة
البهائم فيراعي في ذلك عادتهم، فإن ضربها الرائض ضربا خارجا عن عادة
الرواض فتلف وجب عليه الضمان بكل حال كانت في يد صاحبها أو لم تكن
لأنه متعد بذلك وجان عليها، والجاني عليها يضمن تلفها، وإن كانت في يد
صاحبها أو في غير ملكه لكنه معها فهي في يده فلا يضمنها بلا خلاف إلا بتعد
وجناية، وإن لم يكن في ملكه ولا هو معها فلا يضمنها عندنا إلا بتعد وجناية،
وفيهم من قال: يضمنها بكل حال.
الراعي إذا رعي الغنم في ملك صاحب الغنم أو في ملك غيره وهو معها لم
يضمن ما يتلف، إلا بالتعدي بلا خلاف، وإن لم يكن في ملكه ولا يكون معها
فكذلك عندنا لا يضمن إلا بتعد، وفيهم من قال: يضمن، وأما ما يتعدى فيه فلا
خلاف أنه يضمن، وإن ضرب شيئا منها ضربا معتادا فعلى ما رتبناه من ضرب
البهيمة سواء.
المعلم إذا ضرب الصبي ضربا معتادا فتلف المضروب، وجب الدية على
عاقلته والكفارة في ماله، وتكون الدية مغلظة، وعندنا أن الدية في ماله خاصة،
لأن ذلك شبه العمد، فأما إذا تلف الصبي في يده من غير ضرب، فإن كان حرا
فلا ضمان عليه بحال بلا خلاف، وإن كان رقيقا وسلم إلى المؤدب فمات حتف
أنفه أو وقع عليه شئ من السقف فتلف في يده فلا ضمان عليه، وفي الناس من
قال: عليه ضمان ذلك.
إذا عزر الإمام رجلا فأدى إلى تلفه فلا ضمان عليه، ولا يلزمه الكفارة وفيه
خلاف، وإذا أقام عليه الحد فتلف فلا ضمان عليه بلا خلاف.
رجل له صبرتان من طعام إحديهما حاضرة مشاهدة والأخرى غائبة، وقال:
279

استأجرتك لتحمل هذه الصبرة كل قفيز منها بدرهم، وما زاد على الصبرة
الأخرى فبحساب ذلك، فإن العقد جائز في الصبرة المشاهدة وباطل في الصبرة
الغائبة، لأن شرط صحة العقد قد وجد في إحديهما وهي المشاهدة، ولم يوجد في
الأخرى، فصح فيما وجد فيه وبطل فيما لم يوجد فيه.
وإذا كان له صبرة واحدة مشاهدة يتيقن المكتري أن فيها عشرة أقفزة،
وشك في الزيادة، فيقول: استأجرتك لتحمل عشرة أقفزة كل قفيز بدرهم وما
زاد فبحسابه، فيصح العقد في عشرة أقفزة لأنها معلومة، ويبطل فيما زاد لأن
وجودها مشكوك فيه، لأنه لا يدري هل تزيد على عشرة أقفزة أو لا تزيد، والعقد
على ما لم يتحقق وجوده عقد على غرر، فلم يجز.
وإذا قال: استأجرتك لحمل هذه الصبرة لتحمل عشرة أقفزة منها كل قفيز
بدرهم وما زاد فبحسابه، فإنه جائز ويصير كأنه قال: استأجرتك لتحمل هذه
الصبرة كل قفيز بدرهم، ومثل ذلك جائز في البيع، وهو إذا قال: اشتريت منك
هذه الصبرة كل قفيز بدرهم، أو قال: بعتكها كل قفيز بدرهم، ويفارق إذا قال:
آجرتك هذه الدار كل شهر بدرهم، عند من قال: لا يجوز، لأن جملة المدة
مجهولة المقدار، وليس كذلك هاهنا لأن الجملة معلومة بالمشاهدة.
إذا قال: استأجرتك لتحمل من هذه الصبرة عشرة أقفزة على أن تحمل ما
زاد عليها بحسابه، أو قال: استأجرتك لتحمل الصبرة كل قفيز بدرهم على أن
تحمل الصبرة الأخرى على حسابها لم يجز، لأنه في معنى البيعتين في بيعة،
وذلك منهي عنه، ويقوى عندي أنه يجوز لأن بيعتين في بيعة عندنا جائز.
إذا اكترى رجلا ليحمل له من صبرة مشاهدة عشرة أقفزة فكيل ذلك
وحمله - مثل أن يكون قد نقله من بغداد إلى الكوفة - فوجد خمسة عشر قفيزا، لم
يخل ذلك من أحد ثلاثة أحوال: إما أن يكون المكتري هو الذي اكتالها من
تلك الصبرة وحملها على بهيمة المكري، أو اكتالها الحمال، أو إنسان أجنبي.
فإن كان المكتري هو الذي اكتالها وحملها على البهيمة، فالكلام فيه في
280

فصلين: في الأجرة والضمان، فأما الأجرة فعليه المسمى في مقابلة عشرة أقفزة
منها، وعليه أجرة المثل في مقابلة الخمسة، لأنه متعد في حمل ذلك المقدار عليها،
وأما الضمان فإن كانت قد تلفت وهي في يده، وليس معها صاحبها، فإنه يلزمه
جميع الضمان لأنه متعد في ذلك.
وإن كان معها صاحبها قيل فيه قولان: أحدهما يلزمه نصف القيمة، لأنها
تلفت من فعل مأذون وغير مأذون، والآخر يلزمه بقسط ما تعدى منه وهو الثلث
مثل مسألة الجلاد.
وأما إذا اكتالها الحمال بنفسه وحملها على بهيمته فلا أجرة له في تلك
الزيادة لأنه متطوع بحملها، متعد بذلك، ولصاحبها أن يطالبه بردها إلى بغداد
لأنه في حكم الغاصب وإن أراد أن يأخذها منه بالكوفة كان له ذلك، وليس له
أن يحملها إلى بغداد لأنها عين مال المكتري، هذا إذا اجتمعا في الكوفة.
وأما إذا كانا قد رجعا إلى بغداد وعلم المكتري ذلك قيل فيه قولان:
أحدهما أن يطالبه بردها إلى بغداد، لأنه حملها إلى الكوفة بالتعدي، والآخر لا
يجب عليه ذلك، وله أن يطالبه بمثلها، كما قلنا في العبد إذا غصبه رجل ثم أبق
فإن للمغصوب منه أن يطالبه بقيمته، وليس له أن يطالبه برد العبد.
فعلى هذا إذا أخذ مثل طعامه ملكه ولم يملك الحمال ذلك الطعام، وله
التصرف فيه فإذا رد الحمال ذلك استرجع طعامه إن كان بعينه، وإن كان قد
تلف وتصرف فيه المكتري طالبه ببدله.
فأما إذا اكتاله أجنبي فالحكم في ذلك مترتب على ما قلناه، فهو مع
المكتري فيما يرجع إليه بمنزلة الحمال مع المكتري وهو مع الحمال بمنزلة
المكتري معه، هذا كله إذا اكتاله واحد وحمله على البهيمة.
فأما إذا اكتاله المكتري وحمله الحمال على البهيمة، قيل فيه وجهان:
أحدهما: أن الحكم فيه كما لو حمله المكتري لأن التدليس قد وجد منه،
لأنه هو الذي اكتال أكثر من المقدار المقدر، فالحكم فيه كما لو حمله هو أيضا.
281

والثاني: أن الحكم فيه كما لو اكتاله الحمال وحمله على البهيمة لأنه هو
الذي نقل الطعام، والأول أصح، فإذا ثبت هذا، فالحكم على ما ذكرنا.
هذا إذا كانت الزيادة على المقدار المسمى مقدارا لا يقع الخطأ في مثله.
فأما إذا كان ذلك مقدارا يقع الخطأ في مثله في الكيل، وهو زيادة مقدار
يسير، فذلك معفو عنه، يكون الحكم فيه كالحكم في المقدار المسمى إذا لم يكن
هناك زيادة عليه لأن ذلك لا يمكن الاحتراز منه.
إذا أعطى الغسال ثوبا فغسله نظر: فإن كانا قد شرطا أجرة صحيحة أو
فاسدة استحق الأجرة إما المسمى أو المثل، وكذلك إن كن قد عرض بالأجرة
مثل أن يقول: أنت تعلم أني لا أغسل إلا بأجرة، فإنه يستحق الأجرة، فإن
التعريض يقتضي استدعاء الأجرة، فأما إذا لم يشرطها ولم يعرض، قال قوم: لا
أجرة له إذا غسله، وقال آخرون: إذا أمره بغسله كان عليه الأجرة، وهو
الصحيح.
إذا اكترى منه ثوبا ليلبسه فاتزر به صار ضامنا لأن الاتزار أشد على الثوب
وأبلغ في بلاه من لبسه، وله أن يقيل في الثوب وليس له أن يبيت فيه، لأن العادة
جرت بالقيلولة في الثياب دون البيتوتة، فيرجع الإطلاق إلى العرف والعادة.
إذا استأجر بهيمة ليركبها أو يحمل عليها مسافة معلومة، مثل أن يكون
اكتراها لقطع مسافة إلى ناحية الكوفة، فسار إلى ناحية خراسان، قال قوم: إن
كانت المسافتان واحدة في السهولة والحزونة كان له أن يقطع أيهما شاء ولا
يتعين عليه إحديهما ولا يضمنها إن تلفت، كما لو اكتراها لحمل شئ كان له أن
يحملها ما هو من جنسه في مقداره، ولا يتعين، ويقوى في نفسي أنه يتعين ويكون
ضامنا بالمخالفة.
إذا استأجر بهيمة كان له أن يركبها من هو في مثل حاله ودونه، وليس
لصاحبها أن يبدلها بأخرى غيرها، والفرق بينهما أن البهيمة إذا عينت فقد استحق
منافعها، لأنه يجبر على تسليمها إلى المكتري، وليس كذلك ركوب المكتري
282

بنفسه، ولأن البهيمة إذا هلكت انفسخ العقد، وإذا مات المستأجر قام وارثه مقامه
عند قوم، وعندنا تنفسخ الإجارة فلا فرق بينهما.
إذا استأجر منه دارا وجب على المكري تسليم مفتاحها إليه لأنه استحق
استيفاء منافعها، وإنما يتمكن من ذلك بفتح الباب وما لا يتمكن استيفاء المنافع
إلا به فهو على المكري مثل الزمام والمقود في إجارة البهائم.
إجارة المشاع جائزة، ويقوم المستأجر مقام المالك يعلم ما يعمله سواء.
إذا سلم رجل إلى الخياط ثوبا فقطعه الخياط قباء، ثم اختلفا، فقال: أذنت
لك في قطعه قميصا، قطعته قباء؟ وقال الخياط: بل أذنت في قطعه قباء وقد
فعلت ما أمرتني به، فالقول قول الخياط، وقال قوم: القول قول رب الثوب، وهو
الصحيح، لأن الثوب له، والخياط مدع للإذن في قطع القباء، فعليه البينة
ويحلف بالله ما أذن له في قطعه قباء وأنه أذن له في قطعه قميصا، ويجوز أن
يحلف على النفي ويترك الإثبات.
فإذا حلف سقطت الأجرة لأنه ثبت أن ذلك القطع غير مأذون له، وقال
قوم: له الأجرة في مقابلة القطع الذي يصلح للقميص، لأن ذلك القدر مأذون له
فيه، وأما الغرامة فإنها تلزمه لأنه ثبت بيمينه أنه قطع قطعا غير مأذون له فيه.
فإذا ثبت هذا فكم القدر الذي يلزمه؟ قيل فيه قولان: أحدهما يلزمه ما بين
قيمته ثوبا غير مقطوع، وبين قيمته مقطوعا قباء، لأن قطعه قباء غير مأذون له فيه،
والثاني ما بين قيمته مقطوع قميصا وبين قيمته قباء.
وإذا لم يثبت له الأجرة نظر: فإن كان الثوب مخيطا بخيط قد سله منه سلمه
كما هو، لأنه ليس له فيه إلا أثر، وإن كان خاطه بخيط من عنده كان له نزعه
وسله، لأنه عين ماله، وليس له أن يمسكه ببدله، لأن صاحبه لا يجبر على أخذ
البدل من ماله، وإن أراد أن يشد بذلك الخيط خيطا حتى إذا سله دخل خيطه
مكانه حتى لا ينفتق الخيط، لم يكن له ذلك إلا برضاه لأنه لا يجوز أن ينتفع
بمال غيره بغير إذنه.
283

إذا اكترى منه بهيمة ليقطع بها مسافة فأمسكها قدر قطع المسافة، ولم
يسيرها فيه استقرت عليه الأجرة، فإذا انقضت المدة في الإجارة استوفى المكتري
حقه أو لم يستوف وأمسك البهيمة بعد مضي المدة فهل يصير ضامنا لها؟ وهل
يجب عليه مؤونتها ومؤونة الرد بعد الاستيفاء أم لا؟ فإنه يجب عليه الرد بعد مضي
المدة ومؤونة الرد؟
وإذا أمسكها وقد أمكنه الرد على حسب العادة صار ضامنا، وإنما قلنا ذلك
لأن ما بعد المدة غير مأذون له في إمساكها، ومن أمسك شيئا بغير إذن صاحبه،
وأمكنه الرد فلم يرد ضمن.
وفي الناس من قال: لا يصير ضامنا له ولا يجب عليه الرد، ولا مؤونة الرد
وأكثر ما يلزمه أن يرفع يده عن البهيمة إذا أراد صاحبها أن يسترجعها لأنها أمانة
في يده فلم يجب عليه ردها مثل الوديعة.
إذا استأجر دارا على أن يتخذها مسجدا يصلى فيه صحت الإجارة، لأنه لا
مانع منه، وفيه خلاف، ويجوز استئجار ثوب للصلاة فيه بلا خلاف، ويجوز
استئجار السطح للنوم عليه.
إذا استأجر دارا ليتخذها مخمرا يبيع فيه الخمر أو ليتخذه كنيسة أو بيعة أو
بيت نار، فإن ذلك لا يجوز، والعقد باطل، وكذلك إذا استأجر رجلا لينقل له
خمرا من موضع إلى موضع لم يصح عقد الإجارة.
إذا استأجره ليخيط له ثوبا بعينه، وقال: إن خطته اليوم فلك درهم، وإن
خطته غدا فلك نصف درهم، صح العقد فيهما، فإن خاطه في اليوم الأول كان
له الدرهم، وإن خاطه في الغد كان له أجرة المثل، وهو ما بين الدرهم والنصف،
لا ينقص من النصف الذي سمي، ولا يبلغ الدرهم، وقال قوم: إن هذا باطل.
إذا استأجره ليخيط ثوبا وقال: إن خطته بدرزين فلك درهم، وإن خطته
بدرز واحد فلك نصف درهم، كان العقد صحيحا، لأنه لا مانع منه، وفيها
خلاف.
284

يجوز إجارة الدراهم والدنانير لأنه لا مانع منه، ولأنه يصح الانتفاع بها من
غير استهلاك، مثل الجمال والنظر والزينة وغير ذلك، فإذا ثبت ذلك، فيحتاج
أن يعين جهة الانتفاع بها، فإن عين صح وإن أطلق لم تصح الإجارة، ويكون
قرضا لا إجارة.
إجارة الكلب للصيد وحراسة الماشية والزرع صحيحة، لأنه لا مانع من
ذلك ولأن بيع هذه الكلاب يصح، وما يصح بيعه يصح إجارته، ويجوز إجارة
الشجر لبسط الثياب عليها، وكذلك إجارة الخيط لبسط الثياب عليه جائزة،
ويجوز إجارة السنور لاصطياد الفأر، لأنه لا مانع من جميع ذلك ولا خلاف
أيضا فيها.
إذا استأجره لينقل ميتة على أن يكون له جلدها لم يجز لأن جلد الميتة لا
يجوز بيعه، وهذا لا خلاف فيه.
وأما إذا استأجره ليسلخ له مذكى على أن يكون له جلده يجوز، لأنه لا مانع
منه.
إذا استأجره ليطحن له حنطة بمكوك دقيق منها كان صحيحا، وفيهم من
قال: لا يصح لأنه مجهول، والأول أصح.
إذا استأجر راعيا ليرعي له غنما بأعيانها جاز العقد، ويتعين في تلك الغنم
بأعيانها وليس له أن يسترعيه أكثر من ذلك، وإن هلكت لم يبدلها وانفسخ العقد
فيها، وإن هلكت بعضها لم يبدله وانفسخ العقد فيه، وإن نتجت لم يلزمه أن يرعى
نتاجها لأن العقد تناول العين، فاختص بها دون غيرها.
فأما إذا كان أطلق ذلك واستأجره ليرعي له غنما مدة معلومة، فإنه يسترعيه
القدر الذي يرعاه الواحد في العادة من العدد، فإذا كانت العادة مائة استرعاه
مائة، ومتى ما هلك شئ منها أو هلكت كان له إبدالها، وإن نتجت كان عليه أن
يرعى سخالها معها لأن العادة في السخال أن لا تفصل عن الأمهات في الرعي.
إذا استأجر حماما لم يصح العقد إلا بعد أن يشاهد منه سبعة أشياء: أن
285

يشاهد منه البيوت لأن الغرض يختلف باختلافها في السعة والضيق، وأن يشاهد
القدر لمثل ذلك في السعة والضيق، وأن يشاهد بئره الذي يستقي منها لمثل
ذلك لأن الحال يختلف إذا كانت عميقة بعيدة الغور أو لا يكون كذلك، وأن
يشاهد الأتون - وهو موضع الإيقاد - لأن الغرض يختلف بلطافته وسعته، وأن
يشاهد موضع الرماد لأن الغرض يختلف في القرب والبعد من موضع الأتون،
وأن يشاهد موضع الحطب لأن الغرض يختلف بسعته وضيقه، وأن يشاهد جوبة
الحمام - ويسمى جية - لأن الغرض يختلف بصغره وكبره.
ولا يجوز أن يشرط على المكتري الإنفاق على الحمام في إصلاح ما يتشعث
منه لأن ذلك يجب على صاحب الحمام دون المكتري، وإذا شرط عليه كان
العقد باطلا لأنه شرط عليه نفقة مجهولة، فإن قبل المكتري وأنفق ثم اختلفا في
مقدار النفقة، كان القول قول المكتري لأنه أمين، ولا يجوز أن يشترط على
المكتري سلفا قائما وهو عادة الناس ببغداد، لأنهم يشرطون على المكتري سلفا
يأخذونه يكون في يد المكري بحاله على وجه الرهن ويرده على المكتري إذا
انقضت مدة إجارته، فإن شرط ذلك كان العقد باطلا.
إذا استأجر دارا فانهدم فيها حائط أو وقع سقف وامتنع المكري من بنائه لم
يجبر عليه، ويثبت للمكتري الخيار في فسخ الإجارة وإمضائها، لأن العقد تناول
العين، فإذا بطلت لم يطالب ببدلها.
إذا استأجر دارا فانسدت البالوعة، وامتلأ الخلاء، فعلى المكتري إصلاح
ذلك لأنه حصل بسبب من جهته، وكان عليه إزالته، فأما إذا أكراها والبالوعة
منسدة والخلاء ممتلئ، فإن على المكري أن ينقي دون المكتري لأنه لم يحصل
بسبب من جهته.
إذا استأجر رجلان جملا للعقبة فإنه يجوز، سواء كان في الذمة أو كان معينا
لأنه لا مانع منه، وكذلك إن استأجر رجل جملا ليركبه عقبة، فيركبه مرة وينزل
أخرى جاز، ويحمل إطلاقه على ما جرت به العادة في الركوب والنزول في
286

العقب.
إذا استأجر كحالا ليداوي عينه جاز ويكون الدواء على المستأجر، وإن
شرطه على الطبيب صح، لأن العادة جارية به، وفي الناس من قال: مع الشرط لا
يجوز.
287

تبصرة المتعلمين
كتاب الإجارة والوديعة وتوابعهما
وفيه فصول:
الفصل الأول: في الإجارة:
وشروطها ستة: العقد، وهو الإيجاب والقبول الدالان بالوضع على تمليك
المنفعة مدة من الزمان بعوض معلوم، وأن يكون ممن هو جائز التصرف، والعلم
بالأجرة كيلا أو وزنا، ويكفي فيهما وفي غيرهما المشاهدة، وأن تكون المنفعة
معلومة بالزمان أو العمل، ومملوكة أو في حكمها، وضبط المدة بما لا يزيد
وينقص.
وهي لازمة لا تبطل إلا بالتراضي لا بالبيع ولا بالموت، والمستأجر أمين
يضمن مع التعدي، وإطلاق العقد يقتضي تعجيل الأجرة، ولو شرط دفعها نجوما
معينة أو بعد المدة صح.
وللمستأجر أن يؤجر بأكثر أو أقل إن لم يشترط عليه المباشرة، ولو منعه
المؤجر من العين أو هلكت قبل القبض بطلت، ولو منعه ظالم بعد القبض
صحت ورجع المستأجر على الظالم.
ولو انهدم المسكن من غير تفريط فسخ المستأجر ورجع بنسبة المتخلف
من الأجرة، أو ألزم المالك بالعمارة.
والقول قول منكر الإجارة مع عدم بينة المدعي، وقول المستأجر في قدر
289

الأجرة والتفريط وقيمة العين، وقول المالك في رد العين وقدر المستأجر.
وكل موضع يبطل فيه الإجارة يثبت فيه أجرة المثل، ويصح أجرة
المشاع، ويضمن الصانع ما يجنيه وإن كان حاذقا كالقصار يخرق الثوب.
290

إرشاد الأذهان
كتاب الإجارة وتوابعها
وفيه مقاصد:
الأول: في الإجارة:
وفيه مطلبان:
الأول: في الشرائط:
وهي ستة:
الأول: الصيغة: فالإيجاب: آجرتك أو أكريتك، والقبول وهو: قبلت، ولا
يكفي ملكتك - إلا أن يقول: سكناها سنة مثلا - أو أعرتك، ولا ينعقد بلفظ
البيع.
ويشترط فيه جواز تصرف المتعاقدين، فلا تمضي إجارة المجنون والصبي
المميز وغيره وإن أجاز الولي، ولا المحجور عليه للسفه والفلس، ولا العبد إلا بإذن
المولى.
الثاني: ملكية المنفعة إما بانفرادها أو بالتبعية للأصل، ولو شرط استيفاء
المنفعة بنفسه لم يكن له أن يؤجر، ولو أجر غير المالك وقف على الإجازة.
الثالث: العلم بها إما بتقدير العمل كخياطة الثوب، أو بالمدة كالخياطة يوما،
ولو جمعهما بطل، وليس للأجير الخاص العمل للغير إلا بالإذن، ويجوز
للمشترك، فإن عين مبدأ المدة صح وإن تأخر عن العقد، وإلا اقتضى الاتصال،
291

وتملك المنفعة بالعقد كما تملك الأجرة به.
وإذا سلم العين ومضت مدة يمكنه الاستيفاء لزمه الأجرة وإن لم ينتفع،
وكذا لو مضت مدة يمكنه فيها قلع الضرس، ولو زال الألم عقيب العقد بطلت،
ولو تلفت العين قبل التسليم أو عقيبه بطلت، ولو كان بعد مدة بطل في الباقي.
ولو استأجر للزراعة ما لا ينحسر عنه الماء لم يجز لعدم الانتفاع، ولو كان
على التدريج لم يجز لجهالة وقت الانتفاع.
ويشترط تعيين المحمول بالمشاهدة أو الكيل والوزن، والراكب، والمحمل،
وقدر الزاد - وليس له البدل مع الفناء إلا بالشرط - ومشاهدة الدابة المركوبة أو
وصفها.
ويلزم المؤجر آلات الركوب كالقتب والحزام، ورفع المحمل وشده
وإعانة الراكب للركوب، والنزول في المهمات المتكررة، ومشاهدة الدولاب
والأرض المطلوب حرثها، وتعيين وقت السير مع عدم العادة، ومشاهدة العقار
ووصفه بما يرفع الجهالة، وتعيين أرض البئر وقدر نزولها وسعتها - فلو انهارت
لم يلزم الأجير إزالته، ولو حفر البعض رجع بالنسبة من أجرة المثل - ومشاهدة
الصبي المرتضع لا إذن الزوج إلا مع منع حقه.
ولا يجب تقسيط المسمى على أجزاء المدة، ويجوز استئجار الأرض لتعمل
مسجدا والدراهم والدنانير.
ولو زاد المحمول، فإن كان المعتبر المؤجر فلا ضمان وعليه الرد، وإن كان
المستأجر ضمن الأجرة ونصف الدابة، ويحتمل الجميع، وكذا الأجنبي.
ولو قال: آجرتك كل شهر بكذا، بطل على رأي، وصح: في شهر، على
رأي. ولو قال: إن خطته فارسيا فدرهم وروميا فدرهمان، أو إن عملت اليوم
فدرهم وغدا درهمان صح على إشكال.
الرابع: العلم بالأجرة إما بالكيل أو الوزن، وتكفي المشاهدة فيهما على
إشكال وفي غيرهما، ومع الإطلاق أو اشتراط التعجيل فهي معجلة. وإلا بحسب
292

الشرط إما في نجم أو أزيد بشرط العلم، ولو وجد بها عيبا تخير بين الفسخ
والعوض إن كانت مطلقة، وبين الفسخ والأرش إن كانت معينة.
ويجوز أن يؤجر ما استأجره أو بعضه بأكثر من مال الإجارة، ولا يجوز
بأكثر منه مع التساوي جنسا، إلا أن يحدث حدثا أو يقبل غيره بأنقص مما تقبل
بعمله، إلا مع الحدث على رأي.
ولو شرط إسقاط البعض إن لم يحمله إلى الموضع المعين في الوقت المعين
صح، ولو شرط إسقاط الجميع بطل.
ويستحق الأجير بالعمل وإن كان في ملكه، ولا يتوقف على التسليم، وكل
موضع يبطل فيه العقد تثبت فيه أجرة المثل مع استيفاء المنفعة أو بعضها، زادت
عن المسمى أو نقصت، ويكره الاستعمال قبل المقاطعة.
الخامس: إباحة المنفعة، فلو استأجر المسكن لإحراز الخمر أو الدابة لحمله
والدكان لبيعه بطل.
السادس: القدرة على تسليمها، فلو آجره الآبق لم يصح، ولو منعه المؤجر
سقطت، والأقرب جواز المطالبة بالتفاوت، ولو منعه ظالم قبل القبض تخير في
الفسخ والرجوع على الظالم، ولو كان بعده لم يبطل وله الرجوع على الظالم
خاصة.
ولو انهدم المسكن فله الفسخ، ويرجع بنسبة المتخلف إلا أن يعيده
المالك، وليس له الإلزام بالعمارة ولا الانتزاع من الغاصب ولو تمكن.
المطلب الثاني: في الأحكام:
الإجارة عقد لازم من الطرفين لا يبطل إلا بالتقايل أو أحد أسباب الفسخ، لا
بالبيع والعذر مع إمكان الانتفاع، ولا بالموت من المؤجر والمستأجر على رأي،
ولا بالعتق.
ولا يرجع العبد بما بعد العتق، ونفقته على مولاه على إشكال، وتبطل
293

بالبلوغ، ويصح إجارة كل ما يصح إعارته، والمشاع.
والمستأجر أمين لا يضمن إلا بالتفريط، أو التعدي، أو تسليم العين بغير إذن
لا بالتضمين، ويصح خيار الشرط فيها، ولو وجد بالعين عيبا فسخ أو رضي
بالأجرة بكمالها وإن فاتت به بعض المنفعة.
ويجب على المستأجر سقي الدابة وعلفها، فلو أهمل ضمن، والقول قوله في
القيمة مع التفريط، ويضمن الصانع كالقصار بخرق الثوب أو بحرقه، والطبيب
والختان والحجام وغيرهم وإن كان حاذقا واحتاط واجتهد، ولو تلف في يده من
غير سببه فلا ضمان، ولا يضمن الملاح والمكاري إلا بالتفريط، وضمان ما يفسده
المملوك على مولاه المؤجر، ولا يضمن صاحب الحمام إلا ما يودع ويفرط فيه.
ونفقة الأجير المنفذ في الحوائج على المستأجر إلا مع الشرط، ولا يضمن
الأجير لو تسلمه صغيرا أو كبيرا حرا أو عبدا، ولو أمره بعمل له أجرة بالعادة
فعليه الأجرة، وإلا فلا.
والقول قول منكر الإجارة، وزيادة المدة، والمستأجر، والرد، ومنكر زيادة
الأجرة، والتفريط، وقول المالك لو ادعى قطعه قباء وادعى الخياط قميصا.
وكل ما يتوقف استيفاء المنفعة عليه فعلى المؤجر، كالخيوط على الخياط،
والمداد على الكاتب، وعلى المؤجر تسليم المفتاح، فإن ضاع فلا ضمان وليس
على المؤجر إبداله.
ولو عدل من الزرع إلى الغرس تعين أجرة المثل، ولو عدل من حمل
خمسين رطلا إلى مائة تعين المسمى وطلب أجرة المثل للزيادة، ولو عدل من
الأثقل ضررا إلى الأخف لم يكن له الرجوع بالتفاوت.
ولو استأجر دابة معينة للركوب فتلفت انفسخت، ولو استأجر للركوب
مطلقا لم يبطل، وله أن يركب ويركب مثله إلا مع التخصيص.
ويجوز للمستأجر أن يؤجر المالك وغيره، ولو باع على المستأجر صح،
والأقرب بطلان الإجارة على إشكال.
294

تلخيص المرام
كتاب الإجارة والوديعة وتوابعهما
وفيه فصول:
الأول:
تفتقر الإجارة إلى القبول والإيجاب، وجواز تصرف المتعاقدين وعلمهما
بالعوضين، وتعيين أجل الأجرة إن اشترط وكذا في النجوم، وملك المنفعة
وإباحتها والقدرة على تسليمها، ولو قال: بعتك، ونوى الإجارة لم تصح، وكذا
لو قال: بعتك سكناها سنة، وهي لازمة من الطرفين، ولا تبطل بالبيع ولا بالعذر
متى أمكن الانتفاع، كمستأجر الجمل للحج فيبدو له، أو بمرض، أو البيت لبيع
غلته فيسرق، ولا بالموت على رأي.
وتصح إجارة كل عين مملوكة ينتفع بها مع بقائها، والمشاع والأرض
ليعمل مسجدا والدراهم والدنانير، والمزوق للتنزه على قول، والكلب للصيد
وحفظ الماشية والزرع، ولو استأجره للاحتطاب أو الاحتشاش أو الاصطياد مدة
صح، ويملك المستأجر ما يحصل فيها، ولو استأجره لاصطياد شئ معين لم
يصح، ولو استأجر المسلم أرض الحربي المملوكة له ثم فتحت لم تبطل الإجارة
مع ملك المسلمين، ولو استأجره لقلع الضرس فمضت مدة يمكن فيها انقلاعه
ثبتت الأجرة بخلاف ما لو زال الألم عقيب العقد. ولا يضمن المستأجر العين إلا بالتفريط ولو اشترط على رأي، ويضمن
295

الصانع أفسد، ولو تلف في يده لا بسببه لم يضمن، ولا يضمن الملاح والمكاري
من غير تفريط، ولو أفسد المملوك المأذون فيها لزم المولى في سعيه ولو أعتق
أتبع به، ولا يضمن الأجير مع هلاكه لو تسلمه ليعمل له صغيرا أو كبيرا، ويسقي
المستأجر الدابة ويعلفها ويضمن مع العدم، ولو سار عليها زيادة ضمن، ولا يضمن
صاحب الحمام مع عدم الوديعة والحفظ.
ولو استأجر بمقدار فبان أزيد وكان المعتبر المستأجر لزمه أجرة الزيادة
وضمان الدابة، وإن كان المؤجر فلا أجرة ولا ضمان، وإن كان أجنبيا لزمته
الأجرة.
ويكفي العلم بالمشاهدة للأجرة فيما يكال ويوزن من دونهما على رأي،
وتملك بالعقد وكذا المنفعة، ومع الإطلاق تعجل، وللمؤجر الفسخ
والمطالبة بالعوض مع سبق العيب في المضمونة، والرد أو الأرش في المعيبة، ولواجد
العيب في العين المستأجرة الفسخ والرضا بالجميع، ولو منعه المؤجر سقطت
الأجرة، قيل: ويطالب بالتفاوت، ولو منعه الظالم قبل القبض فله الفسخ، ولو
كان بعده فلا فسخ، ومع الانهدام يفسخ المستأجر ويرجع بنسبة المتخلف.
ولا تبطل الإجارة بعتق العبد، قيل: ولا يرجع على مولاه بأجرة زمان
العتق، ولو بلغ الصبي في أثناء مدة إجارته فسخ أو عمل، ولو استأجر الآبق
بطلت، ولو تجدد فله الفسخ، ولو شرط للعبد غير الأجرة لم يلزم، فإن أعطاه فهو
لمولاه، ولو استأجر المسكن لإحراز الخمر لم يصح، وكذا كل محرم.
ويجوز اشتراط الخيار وأن يؤجر ما استأجره بأكثر وأقل على رأي، ولو
شرط سقوط الأجرة إن لم يحمل المتاع إلى المعين في الوقت المشترط بطلت وله
أجرة المثل، وكذا كل موضع يستوفي المنفعة ويبطل الإجارة، ولو شرط سقوط
البعض لزم، ولو استأجر كل شهر بكذا بطلت على رأي، ولو قال: إن خطته كذا
أو اليوم فدرهم وكذا أو في غد فدرهمان، صح على رأي.
ويستحق الأجير الأجرة بالعمل، وقيل: إن كان في ملكه افتقر إلى التسليم،
296

ولو أسقطها بعد الثبوت صح بخلاف المنفعة المعينة، ويكره استعماله قبل
المشارطة، ولو أمر الأجير المستأجر بوضع الأجرة عند عدل فهي من ضمان
الأجير، وللمستأجر أن يؤجر إلا مع التخصيص فيضمن حينئذ.
وإجارة المتبرع موقوفة، ولو قدر المنفعة بالعمل والوقت بطلت على رأي،
ولو استأجره في شهر مطلق بطلت، وتصح في شهر معين متأخر على رأي، ولو
استأجره مدة معينة لم يجز له العمل لغيره إلا باذنه، بخلاف ما لو استأجره للعمل
مطلقا.
ولا يشترط استيفاء المنفعة كالسكنى مع التمكن، وتستقر الأجرة وإن لم
ينتفع، وأجرة المثل إن كانت فاسدة مع الانتفاع، ولو تلفت العين قبل انقضاء
بعض مدة الانتفاع بطلت، وكذا لو تلفت الأجرة المعينة قبل القبض، ولو دفع
إليه سلعة ليعمل فيها ما تجري عادته الاستئجار له فله أجرة المثل، وإن لم يكن
وكان العمل مما له أجرة عادة فله أيضا وإلا فلا.
ويشترط العلم بالدابة وبالمحمول كيلا ووزنا أو مشاهدة، أو أنه مكشوف
أو لا، وجنس الغطاء، وتعيين قدر الزاد المحمول ومع فنائه ليس له حمل بدله،
ومشاهدة الدولاب إذا استأجره للدوران فيه والأرض المكروبة والمكشوفة،
وتعيين وقت السير، وسعة البئر وقدر نزولها وأرضها، ومشاهدة المرتضع دون
موضع الرضاع، ولو مات الصبي أو المرضعة بطلت دون موت الأب على رأي.
ويجوز أن يستأجر زوجته لرضاع ولده وأن تؤجر نفسها لإرضاع ولد غيره
باذنه، وليس للمستأجر منع زوجها من وطئها، فلو أرضعته بلبن شاة أو غيرها فلا
أجرة لها، ويلزم مؤجر الدابة ما يحتاج في الركوب إليه.
وما تتوقف عليه المنفعة فعلى المؤجر كالخيوط والمداد، والكحل على
المستأجر لا الكحال، وتدخل المفاتيح في إجارة الدار، ولو انهارت البئر لم يلزم
الأجير إزالته، ولو حفر بعض المشترط فله حصة من الأجرة بالنسبة إلى أجرة
المثل على رأي، ولا يجب تقسيط الأجرة على أجزاء المدة، والقول قول المالك
297

في عدم الإجارة، وفي قدر المستأجر وفي رده وفي ادعاء الإذن في قطع الثوب
قميصا لو ادعى المستأجر خلافه، وليس للخياط فتقه إذا لم تكن الخيوط منه ولا
أجرة له، وعليه التفاوت بين كونه صحيحا وبين كونه مقطوعا قباء، وقيل: بين
كونه مقطوعا قباء وقميصا، والأول أولى سواء حلف على النفي أو على الإثبات،
وقول المستأجر في قدر الأجرة على رأي، وفي الهلاك وقدر قيمته والتفريط.
298

المسائل لابن طي
كتاب الإجارة وتوابعها
وفيه مقاصد:
الأول: في الإجارة وما يلحق به:
وفيه مسائل:
مسألة [1]: هل يجوز استئجار الفاسق على صلاة أم لا؟
الجواب: لا، فلو استأجر بناء على عدالته ثم ظهر فسقه فإنه يجزئه ويبرأ الميت
وكذا المستأجر.
مسألة [2]: إذا استؤجر شخص لصلاة ثم مات قبل الإكمال ثم أوصى أن
يستأجر عنه من يتم عنه ما بقي ولم يبين كم مقداره ولا مقدار ما صلى ومن
المتولي للاستئجار، أفتنا مأجورا؟
الجواب: إن عين شخصا للاستئجار وإلا كانت الولاية للوارث ويتبع غلبة
ظنه بأن ينظر المدة التي استؤجر فيها وكم كانت وظيفته كل يوم غالبا.
مسألة [3]: هل يصح أن يستأجر اثنين للصلاة؟ نعم، يجوز ويتناوبا في
الصلاة بأن يعين الزمانين كالليل لأحدهما والنهار للآخر.
299

مسألة [4]: أجير الزمان المعين هل يجب عليه السعي إلى الجمعة أم لا؟
قال: يجب، لأن أوقات الصلاة مستثناة فإن كان يضر بالمستأجر ضررا
فاحشا يخير إن لم يعلم في الفسخ، وإن لم يعلم به لزمه من الأجرة بالنسبة.
مسألة [5]: الجائر يسخر أهل البلد ودوابهم يحملوا له حمولة إلى مساق،
فتجمع نواب الجائر أجرة الدواب من أهل البلد ويستأجروا أقواما متعيشين
مختارين عالمين بأن الأجرة أخذوها نواب السلطان الجائر من أهل البلد، فهل
الأجرة حرام على ذلك التقدير أم لا؟
الجواب: بل حرام لا يجوز أخذها.
مسألة [6]: هل يجوز للإنسان أن يستأجر من يصلي عنه مندوبا أو يصوم
كذلك أو يحج عنه مع حياته أم لا؟
الجواب: بل يجوز في الجميع.
مسألة [7]: لو استؤجرت المرأة عن الرجل أجهرت في موضع الجهر
وخافت في موضع الإخفات، ويجب أن تقصد موضعا لا يطلع على صورتها
الأجانب، ولو تسمع الأجنبي فعل حراما وصحت صلاتها، أما لو استؤجر الرجل
عنها جهر في موضع الجهرية على الأفضل وله الخيرة في ذلك.
مسألة [8]: إذا استؤجر على صلاة لظن خلو ذمته ثم تفطن إلى شغلها بصلاة
سابقة هل الصلاة الواقعة عن المستأجر صحيحة أم لا؟ وهل العقد صحيح أم لا؟
قال: العقد باطل وله أجرة المثل عن الصلاة الواقعة قبل التفطن والصلاة
الواقعة قبل التفطن صحيحة مبرئة للذمة أيضا.
300

مسألة [9]: إذا تقابل الوصي والمستأجر للصلاة لم يصح، أما لو كان
المستأجر متبرعا صح، ولو تصادقا على فساد العقد صح، ولو ادعى الأجير
الإفساد لم يقبل منه.
مسألة [10]: إذا قال واحد لواحد: أعطني دابتك مثلا أنتفع بها بركوب أو
غيره مدة معينة أو غير معينة أو غير الدابة، وأعطاه شيئا عوضا عن الانتفاع، وأخذ
كل واحد منهما ما دفع إليه الآخر، وأتلف المستأجر المنفعة والمؤجر الأجرة ولم
يقع بينهما إيجاب وقبول بل على وجه التراضي، هل لأحدهما الرجوع على
الآخر أم لا؟
الجواب: إذا حصل الرضا بعد الاستعمال أو كان الاستعمال معلوما كفى
ولا رجوع.
مسألة [11]: لا يجوز استنابة المأفوف اللسان على صلاة باستئجار وغيره.
مسألة [12]: إذا كان عليه صوم قضاء لا يجوز أن يؤجر نفسه لغيره للصوم
سواء كان عن نفسه أو عن غيره.
مسألة [13]: لو استأجره لسنة معينة متصلة بالعقد كان جائزا، وقيل: إن
الوصي لا يصح أن يستأجر لسنة معينة لجواز الصد أو الحصر، فيأخذ بنسبة ما
فعل فيدخل الضرر على الموصي.
مسألة [14]: لو حبس صانعا لم يضمن أجرته إذا لم يستعمله.
مسألة [15]: لو قال: آجرتك كل شهر بكذا، بطل على رأي وصح في شهر
301

على رأي، البطلان في الجميع قوي، نعم وله أجرة المثل عن عمله ولو قال: إن
خطته فارسيا فدرهم وروميا فدرهمان، أو: إن عملته اليوم فدرهمان وغدا فدرهم،
صح على إشكال الصحة قوية والجعالة أقوى.
مسألة [16]: قال في الجعالة: فلو رد إنسان شيئا ابتداء فهو متبرع لا شئ له،
وكذا لو رد من سمع الجعالة على قصد التبرع وإلا فإشكال ليس له.
مسألة [17]: إذا استأجر شيئا فإما أن يكون مقدرا بالعمل أو الزمان، فإن كان
مقدرا بالزمان وسلمها المؤجر وامتنع المستأجر من قبضها حتى انقضت المدة،
فإن لم يستعملها المؤجر استقرت الأجرة على المستأجر، وإن استعملها احتمل
انفساخ الأجرة وأن يرجع عليه بأجرة المثل، وإن كان بالعمل ومضت مدة
يمكن الانتفاع فيها باذلا لها ولم يستعملها استقرت الأجرة على المستأجر، وإن
استعملها كان عليه عوضها إذا كانت في الذمة.
مسألة [18]: ولو رد من أبعد ليس له أزيد من الجعل المعين، قال: بل له
المسمى إن دخل الأقل دون ضد الجهة على الأقوى، ولو لم يجده في المعين
فإشكال، قال: لا شئ له إذا لم يرد.
مسألة [19]: إذا استأجره مدة بقدر وشرط المؤونة على المستأجر وأطلق قال
في التحرير فيه نظر قال ينبغي التعيين.
مسألة [20]: لا تبطل الإجارة بالموت في موضعين إجماعا:
الأول: كأن يؤجر الناظر على المصلحة العامة ثم يموت فإنها لا تبطل.
الثاني: الإجارة التي تتصور على عمل لا يقع إلا بعد الموت، كأن يستأجر
302

المغضوب من يحج عنه بعد موته.
واللذان يبطلان إجماعا أحدهما أن يؤجر البطن الأول من أرباب الوقف ثم
ينقرضوا، الثاني أن يعين الأجير ثم يموت.
مسألة [21]: لو استأجر عينا هل يجوز أن يؤجرها بأكثر مما استأجرها أو
بمثله؟
نعم يجوز وإن لم يحدث ما يقابل الزيادة، وإذا باع على المستأجر تبطل
الإجارة، وعلى تقدير ألا تبطل هل يلزمه الثمن والأجرة؟ نعم يصح ويجتمعان.
مسألة [22]: هل يكفي في مال الإجارة المشاهدة؟ قال: لا يكفي.
مسألة [23]: إذا سلم العين المستأجرة وحصل مانع من الانتفاع كالخوف
والغيث وشبهه وتمكن من الانتفاع بالعين في غير المستأجر له، هل تستقر عليه
الأجرة؟
قال: لا إذا لم يمكن الانتفاع فيما استؤجر له.
مسألة [24]: لو استأجر شخصا هل له أن يستخدمه ليلا أم لا؟ نعم إن تضمنته
الإجارة.
مسألة [25]: لو علم صاحب الماشية بأن تغيب عن عين الراعي أو أعلمه
بذلك فلا ضمان على الراعي.
مسألة [26]: كل موضع علم أن المؤجر قصد عين المستأجر سواءا يلفظ به
أو لا فإنه لا يجوز له التقبيل وإلا جاز.
303

مسألة [27]: إذا استأجرنا شخصا لرعيه ماشية معينة فماتت أو بعضها هل
تبطل الإجارة في الجميع أو في البعض أو لا تبطل وله أن يسترعيه غيرها؟ قال:
بل تبطل فيما تلف خاصة.
مسألة [28]: هل في رد البعير والعبد المذكور أو الأجرة؟ نعم المقدر
الشرعي إذا لم يشرط.
مسألة [29]: لو استأجر إنسانا مدة معينة ثم أعتقله ضمن أجرته وإلا فلا مع
إطلاق المدة، وقيل: تلزم الأجرة مع الاستئجار مطلقا، أما لو استأجر دابة أو عبدا
فحبسه بقدر الانتفاع ضمن، وإذا أخذ العين بسبب الاستئجار من غير عقد لزمه
أجرة المثل.
مسألة [30]: إذا مرض الأجير الخاص هل للمستأجر الفسخ إذا نص على
المباشرة أو مطلقا ولم يبذل العمل عنه أحد أم لا؟ قال: نعم فيهما.
مسألة [31]: إذا تعارضت بينة المؤجر والمستأجر في قدر الأجرة هل يقرع
أو يرجح بينة المستأجر؟
قال: لو عدم البينة كان القول قول المستأجر مع يمينه، ومع التعارض
فالظاهر أن البينة بينة المؤجر لأنه الخارج في العين.
مسألة [32]: للمستأجر أن يسلم العين المستأجرة بغير إذن المالك إذا
صحت الإجارة في الموضع الذي جوزه الشارع.
مسألة [33]: لو اصطاد الأجير أو احتاز شيئا من المباح، هل يكون للمستأجر
304

أم للأجير؟
الجواب: بل للمستأجر.
مسألة [34]: إذا مات المؤجر بطلت الإجارة ولا تبطل بموت المستأجر، هذا
في الوقت، وفي غير الوقت لا تبطل الإجارة بموت أيهما كان.
مسألة [35]: قوله في الإجارة: ويكره أن يضمن إلا مع التهمة، معناه أنه إذا
ثبت له أنه قد فرط وثبت عليه الضمان كره له حينئذ تضمينه أي تغريمه.
مسألة [36]: يرجع في أجرة المثل وقيمة المثل وقيمة القيمي إلى النقد الغالب
في البلد.
مسألة [37]: يرجع في أجرة مثل العجال في البلد إلى قيمة القمح إذا كانت
عادتهم الاستئجار بذلك، ولو تعذر القمح رجع إلى القيمة الوسطى زمن الدين.
مسألة [38]: لو قال له: رح إلى الموضع الفلاني، وأعطاه عشرة دراهم
فذهب إلى الموضع ولم يأت به، فلا شئ له لأنه جعالة، ولو كان إجارة فوصل
إلى الموضع ولم يأت به اختيارا منه فلا شئ له لأن التفريط من جهته.
مسألة [39]: لو آجر نفسه لنقل حطب جاز إذا قرنه بالعمل وله أن ينقل
لغيره، وإن قرنه بالمدة فإن كان لا ضرر فيه فالأقرب الجواز، وإن كان فيه ضرر
سقط ما قابل فعله مع الثاني من الأجرة وهكذا حكم كل أجير خاص عمل مع
غير مستأجرة، من التحرير.
305

مسألة [40]: إذا أخذ الأجرة على قراءة القرآن إهداء إلى الميت جاز.
مسألة [41]: أجير الحج والصلاة هل يستحق المطالبة بالأجرة قبل العمل أم
لا؟ وإذا لم يكن للأجير ما يحج ومنعه المستأجر من الأجرة هل له الفسخ أم لا؟
الجواب: ليس لهم المطالبة إلا بعد العمل ما لم يشترط، وليس للأجير
الفسخ إلا مع تعذر الحج عليه أو الصلاة، نعم لو شرطا في العقد تقدم التسليم
كان لهما الفسخ.
وهل لو مات الأجير قبل الفعل هل المطالب بمال الإجارة الوصي أو
الورثة؟
الجواب: إن كان وصيا عاما فهو المطالب، وإن كان في مجرد الاستئجار
فالمطالب الوارث.
ومع عدم الوصي هل يستأجر الوارث أو الحاكم مع صغر الوارث أو
يستأجر ورثة الأجير؟ وهل تشترط العدالة في ذلك كله بالنسبة إلى الوصي
والأجير؟ ومع ظهور الفسق للأجير بعد أن ادعى أنه عمل ما استؤجر عليه، هل
يقبل قوله أم لا؟ وهل يجب على الوصي أو الوارث استئجار غيره أم لا؟
الجواب: قضية الاحتياط أن لا يستأجر غير العدل فلو استأجر الفاسق بطلت،
أما لو تبرع متبرع فاستأجر فاسقا عن ميت فالأولى الصحة ويقبل قوله في العمل.
مسألة [42]: لو استأجر بعض الورثة عن الميت عن الحج بغير إذن الباقين
ولم يكن وصيا ولا وكيلا وقف على الإجازة إذا كان من المال المشترك بين
الورثة.
قال السيد:
مسألة [43]: لو استأجر الوصي من يصلي ثم تبين بعد الصلاة أنه فاسق
306

أجزأت الصلاة لجواز تجديد الفسق.
مسألة [44]: إذا استأجر شخصا على أن يكفل حيوانا معينا وما يتجدد من
نسله مدة سنين معينة، هل يصح ذلك أم لا؟ وبالجملة إذا لم يصح ذلك فما
الوسيلة إلى الصحة مع أنه محتاج إليه؟
الجواب: بل صحيح إذا كان أمر الكفالة معلوم كعلف وسقي ومبيت
وحفظ، فإن كان رعيا لم يحتج إلى تقدير، وإن كان علفا قدره بالمكيال أو
الميزان.
مسألة [45]: لا يجوز للنائب في الصلاة عن الميت التشاغل بغيرها إلا في
الأمور الضرورية التي لا بد منها، ولا له أن يشتغل بالعلم إلا في وقت الاستراحة أو
ما لا بد منه كتعليم الواجب المضطر إليه.
مسألة [46]: قال دام ظله: تجوز التولية في الإجارة على الظاهر.
مسألة [47]: قوله: وفيه تفصيل هو أن يقال: إن كانت الإجارة مدة معينة
ومضت استقرت الأجرة ولو لم ينتفع، أما لو كانت لعمل غير معين وجبت أجرة
المثل دون المعينة.
مسألة [48]: لو استؤجر على الحج أو الزيارة وجب أن ينوي من بلد
الاستئجار، ولو ترك النية صح الحج ولو كان عمدا، ويأثم ويستعاد منه ما قابل
التفاوت، قال: وكذا لو نذر الحج أو الزيارة وجب أن ينوي من بلد النذر، ولو
ترك النية يصح.
307

قال السيد:
مسألة [49]: لو استأجر ملكا مدة عشر سنين ثم إن المستأجر بعد مضي
خمسة رجع واستأجر من المالك الخمسة الباقية فهل يحكم على المستأجر
بصحة الاستئجار ثانيا أم لا؟ وبطلان حقه من الإجارة الأولى، ولو ادعى المستأجر
أنه إنما فعل ذلك لتوهم انقضاء المدة الأولى أو النسيان هل يقبل أم لا؟ قال:
يحكم عليه بإقراره وصحة الاستئجار.
مسألة [50]: إذا استأجره يمشي إلى بلد معين ليخلص له ابنته من زوجها على
سبيل الخلع أو الطلاق، أو استأجرته هي لذلك، وبالجملة استأجره لغرض
مقصود وهل للأجير شئ إذا لم يحصل ما استؤجر عليه بأن قد وجد الزوج قد
مات أو المالك امتنع من البيع أو غير ذلك من الأعذار مع أنه سعى إلى ذلك
البلد المعين؟
الجواب: بل تبطل الإجارة وله أجرة سعيه ما لم تزد فأقل الأمرين، وكتب
محمد بن مطهر قال: له أجرة الذهاب والعود.
مسألة [51]: قال في " القواعد ": ولا تمنع الإجارة المتعلقة بعين المؤجر
حبسه، معناه أنه لا يجوز أن يحبس على الإجارة المتعلقة بعينه إذا ماطل بالعمل
ويحبس تأديبا، ولو كانت الإجارة مقدرة بالزمان فإن كان يمكن العمل في
الحبس وإلا ففيه تردد.
وقال: لو كان لهذا المستأجر عليه دين لم يجز حبسه في الدين لأن ليس
بعض الحقين أولى من الآخر إلا إذا لم يفت حق المستأجر بأن يمكنه العمل له في
الحبس.
308