الكتاب: زواج المتعة
المؤلف: السيد جعفر مرتضى
الجزء: ١
الوفاة: معاصر
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤٢٢ - ٢٠٠١م
المطبعة:
الناشر: دار السيرة - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: المركز الإسلامي للدراسات

زواج المتعة
تحقيق ودراسة
1

بحوث في التشريع الإسلامي
زواج المتعة
2

تحقيق ودراسة
الجزء الأول
السيد جعفر مرتضى العاملي
المركز الإسلامي للدراسات
توزيع: دار السيرة بيروت - لبنان
حقوق الطبع محفوظة
الطبعة الأولى
1422 ه‍. ق - - 2001 م
3

تقديم:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه أجمعين، محمد وآله الطيبين الطاهرين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، من الأولين والآخرين، إلى قيام يوم الدين.
وبعد..
فإن بعض الموضوعات تمتاز بأهمية خاصة، لها ما يبررها في جهات كثيرة، خصوصا تلك الموضوعات التي ترتبط بحساسيات مذهبية ذات طابع خاص. أو ما كان منها يلامس جوهر العواطف والمشاعر البشرية، ويحركها، ويثيرها، حيث تتكون روافدها من داخل الإنسان، ومن صميم ذاته، وفي عمق تكوينه الغريزي والعاطفي.
6

وموضوع الزواج المؤقت " زواج المتعة " يجمع كلتا الناحيتين، ومن هنا كانت له أهميته، وحساسيته إلى درجة كبيرة.
ولأجل ذلك، فقد أصبح البحث فيه، محفوفا بالمخاطر، مليئا بالعراقيل، يفرض على الباحث المزيد من توخي الدقة فيه، ومراعاة الجوانب التي ربما يترك إهمالها أو معالجتها بطريقة سيئة أو بدائية آثارا سلبية على الفكر، وعلى الإحساس، ويفقد البحث حينئذ حيويته، وجدواه بفقده القدرة على التأثير الإيجابي، حيث يفترض أن يكون له فيه تأثير.
ولكن ذلك لا يعني: أن يتهيب الباحثون الخوض في موضوعات كهذه، تحتم الضرورة معالجتها، وتبيين الصواب والخطأ فيها، إذا كان كل من الخطأ والصواب يؤثر بقوة وعمق على حياة
7

المجتمعات الإنسانية، وعلى طبيعة علاقاتها من الداخل، ثم على مستقبلها بصورة أو بأخرى.
وزواج المتعة ليس بعيدا عن هذه الناحية، إن لم يكن في الصميم منها، فكان لا بد لنا من أن نقول كلمة الحق فيه، لأنه من الموضوعات الهامة والخطيرة، التي تمس مستقبل أبنائنا وبناتنا ومجتمعنا - - نقولها - - بموضوعية وتجرد، ومسؤولية، وبصراحة أيضا.
وعلينا أن نحيط القارئ علما بأننا كنا قد أنجزنا معالجة موجزة لهذا الموضوع قبل سنوات، وهي رغم إيجازها ربما كانت قادرة على أن تجعل القارئ يتلمس موقع هذا التشريع الذي هو من مفاخر الإسلام.. من الإسلام.
ولكننا أدركنا أن لا بد لنا من أن نعيد تقديم هذه الدراسة إلى القارئ الكريم بحلة جديدة، وبصورة
8

أكثر شمولية واستيعابا، لأننا وجدنا أن الاكتفاء ببعض التقليم والتطعيم في المواد وفي المصادر لا يغني عن التوسع في البحث، والتقصي في المعالجة، وذلك يفرض إعادة النظر في هيكلية الدراسة نفسها من الأساس.. فبادرنا إلى ذلك متكلين على الله سبحانه وتعالى، معترفين بالتقصير، سائلين الله سبحانه أن ينفع بهذا الكتاب، وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم، ويجعل ثوابه لشهداء الإسلام الأبرار في إيران الإسلام والثورة، وفي جبل عامل الجريح، وسائر بقاع العالم الإسلامي، إنه ولي قدير، وبالإجابة حري وجدير.
حرر بتاريخ 24 شوال 1405 ه‍. ق.
الموافق: 22 / تير 1364 ه‍. ش الموافق: 13 تموز 1985 م.
وأعيد النظر فيه في صيف سنة 1422 ه‍. 2001 م.
9

جعفر مرتضى العاملي
10

قال تعالى:
بسم الله الرحمن الرحيم
? والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم، كتاب الله عليكم، وأحل لكم ما وراء ذلكم: أن تبتغوا بأموالكم، محصنين غير مسافحين، فما استمتعتم به منهن، فآتوهن أجورهن فريضة، ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة، إن الله كان عليما حكيما..?.
صدق الله العلي العظيم.
(سورة النساء الآية 24)
وروي:
(حلال محمد حلال أبدا إلى يوم القيامة، وحرامه حرام أبدا إلى
11

يوم القيامة).
حديث شريف
12

تمهيد:
دور زواج المتعة في حل مشكلة الجنس
مشكلة الجنس:
إن قضية الجنس بنظر الإسلام ليست هي مجرد
13

إشباع رغبة، وقضاء شهوة، وإنما هي إحدى الحاجات الجسدية، والنفسية التي تمثل عنصر كمال في الشخصية الإنسانية، لأنها تمتد إلى عمق كيانه ووجوده، ولها الأثر العميق في جسده، وروحه ونفسه.
وقد أراد الإسلام للإنسان أن يتعامل مع هذه الحاجة وفق ضوابط معينة لا بد منها إن أريد لها تحقيق الغاية منها.
إن غريزة الجنس قد وجدت ونشأت وترعرعت، مع هذا الكائن منذ خلقه الله سبحانه، وحيثما نشأ، وترعرع، حتى إنها ربما سيطرت على كل وجوده وكيانه، وحتى أصبح الإحساس الجنسي هو أقوى الأحاسيس، وأعنفها في داخل ذاته.. وهو القوة المسيطرة عليه، لا يفوقها إلا إحساسه بذاته، حين يخشى المفاجآت التي تستهدف حياته.
14

وواضح أن غريزة الجنس هي هبة إلهية للإنسان أراد الله العالم الحكيم له أن يوظفها، كسائر ما أودعه الله فيه من قوى وغرائز، في بناء الحياة، ولصالح بقاء البشرية جمعاء، ولتسهم - - من ثم - - في بث الراحة والسعادة، في حياة الإنسان، وفي إيصاله إلى كماله المنشود.
ولكن هذا الأمر الضروري للحياة هو نفسه قد يصبح خطرا عليها، لأن هذه الغريزة التي أراد الله لها أن تسهم في ذلك كله، وأن تقوم بدور حفظ النوع الإنساني، وبناء الحياة، قد جعلها محكومة لسلسلة من الضوابط والقوانين ومن أبرزها، إخضاعها للزواج الدائم، وتحريم الزنا، وغير ذلك.
ولكن ذلك لا يعني أن تكون جميع العوائق، والموانع، قد زالت، وأن تكون مشكلة الجنس قد انحلت بصورة نهائية وشاملة، لا سيما مع
15

ملاحظة: عدم توفر الظروف في كثير من الأحيان، لتحمل مسؤوليات الزواج الدائم، والوفاء بالتزاماته..
وبقيت مشكلة الجنس حقيقة واقعة لا يمكن لأي إنسان أن يتجاهلها أو أن يقلل من أهميتها، وخطرها.
وقد ازدادت هذه المشكلة عمقا، وتعقيدا، وخطرا في عصرنا الحاضر هذا، عنها في العصور السالفة، وذلك بسبب تزايد الاختلاط بين الجنسين، في مختلف المواضع والمواقع، والذي لم يعد له حدود، ولا تقيده قيود.
وقد فرضت شؤون الحياة على هذا الإنسان، وما نشأ عن هذا المد الحضاري من تعقيدات، ومسؤوليات، ومن آثار وسلبيات، أنواعا كثيرة من الروابط، والعلاقات الاجتماعية المختلفة والمتميزة، فكانت حضارة ثقيلة ومرهقة، قد
16

أبهضت كاهل هذا الإنسان بالمسؤوليات الخطيرة، وحملته الكثير من الأعباء الكبيرة، التي لم تكن لتخطر لإنسان العصور السالفة على بال، ولا لتمر له في خيال.
ومن ذلك: أن هذه الحضارة، قد أوجدت فاصلا كبيرا بين وقت البلوغ الطبيعي، وبين القدرة على تشكيل الأسرة، وتحمل مسؤولياتها بما يتناسب مع حاجات العصر، ومتطلبات الحياة، في ظل هذا التوسع المادي الهائل في كثير من الشؤون والمجالات.
وأصبح الشاب الذي يريد أن يهيئ لنفسه حياة زوجية رخية، وطبيعية، وكريمة، مضطرا لأن ينتظر سنوات كثيرة وطويلة، لربما يحالفه التوفيق في الوصول إلى هدفه فيها، وربما لا يتسنى له ذلك.
وذلك لأنه مهما توفرت له عوامل النجاح،
17

فإنه حين يكون طالبا - - - وأكثر شبابنا من الطلاب - - - لا يستطيع أن ينهي دراسته الجامعية، إلا بعد سن الخامسة والعشرين. ثم هو من بعد ذلك يحتاج لمزيد من الوقت والجهد - - - لو وجد العمل المناسب - - - ليهيئ الرصيد الذي يمكنه من تحمل مسؤولية بناء أسرة، ويكون رب بيت، وربما يمتد به الحال إلى سنوات عديدة ومديدة، الأمر الذي يجعل الفاصل كبيرا، يمتد إلى أكثر من خمسة عشرة سنة فيما بين البلوغ الجنسي الطبيعي، والبلوغ الاجتماعي في فترة يكون الهيجان والتوتر الجنسي في أقصى مداه لدى الشباب.
وكذلك تماما تكون الحالة بالنسبة إلى الفتاة، التي أصبحت ترى نفسها مضطرة إلى مسايرة الرجل في مجالات كثيرة، وأصبحت أسيرة لطموحاتها ولطموحات الحضارة كما هي ضحية
18

سلبياتها.
هذا كله، لو وفقت إلى الزواج برجل يناسبها وتناسبه.
وأما إذا كانت من أولئك اللواتي لم يسعفهن الحظ بنسبة كافية من الجمال، تجعل لدى بعض الشباب رغبة في الزواج الدائم منهن، فإن الأمر سيكون أكثر تعقيدا وصعوبة بالنسبة إليهن.
ثم إن علينا أن لا ننسى أن نسبة المواليد في طرف الإناث تكون عادة أكثر منها في طرف الذكورة.
هذا كله عدا عمن تحصدهم الحروب الطاحنة التي تظهر بين وقت وآخر في هذه البقعة أو تلك، تاركة وراءها الكثير من الضحايا من الشباب، ومزيدا من الكوارث العائلية، والنكبات الاجتماعية المروعة والمؤلمة.
19

وإذن.. وحين تكون الطاقة الجنسية لدى الجنسين في هذه السنين بالذات، في أوج عنفها وثوريتها، وبالغ إلحاحها.. وحين يواجه كل من الشاب والفتاة كل هذا الإعلام المسموم الذي يضج بالإغراء الجنسي ويلهب الغرائز، ويؤجج حميمها، ويسعر جحيمها.. وحيث لا يمكن تجاهل الضغوط الهائلة لهذه الطاقة، ولا قدرة على إسكاتها، وحيث لا نواجه بشرا معصومين، ولا هم من جنس الملائكة.. وحين لا يكون من الممكن - - في أحيان كثيرة - - تلبية حاجات هذه الغريزة، ولا الاستجابة لرغباتها، عن طريق بناء أسرة من خلال الارتباط بزواج دائم، يتحمل فيه كل من الشاب والفتاة مسؤولياته الكثيرة، وتبعاته الوفيرة..
هذا كله، بالإضافة إلى أننا نجد أنفسنا عاجزين عن التحكم بظاهرة البلوغ الجنسي لدى كل من
20

الشاب والفتاة، ولو بتأخير ظهورها، أو الحد من درجة استعارها.. كما أنه ليس بإمكاننا فرض إرادتنا على الشباب، ولا بمقدورنا مراقبة كل تحركاتهم، لمقاومة كل تصرف شاذ منهم، بالقوة والسيطرة والقهر..
فلا يبقى أمامنا إلا أسلوب الإقناع، وكذلك أسلوب التربية الأخلاقية، وهما الأمران اللذان قد لا يكون لهما الكثير من الجدوى أو الفعالية في أحيان كثيرة - - لظروف مختلفة - - بالإضافة إلى أننا لا نستطيع أن نطمئن لقدرة هذين الأسلوبين الإستيعابية، والإستمرارية، وهما في مواجهة الكثير من المغريات الطاغية، والعاتية في أغلب الأحيان.
السؤال الكبير:
نعم، إننا حين نرى ذلك كله، ونواجهه، ونتفهمه
21

بعمق ووعي، فإن السؤال الذي يواجهنا هو:
ماذا نستطيع أن نفعل في قبال ما يعاني منه هذا الشاب الذي هو رصيد الأمة الغالي، وأملها العزيز؟!.
وكيف نستطيع حل مشكلته، أو التخفيف عنه بالطريقة المسؤولة المقبولة، والمعقولة؟.
وما هي وسائل إبعاده عن مواقع الضرر، ومزالق الخطر؟.
وهل تقع تلك الوسائل تحت اختيارنا؟
وهل هي في حدود قدراتنا؟
وهل تسمح لنا الظروف الموضوعية باستعمال تلك الوسائل؟
22

وما هو مدى فعاليتها، وتأثيرها في الوصول إلى الغاية الفضلى، والهدف الأمثل والأسمى؟
أي الحلول أنجع:؟
إننا أمام هذا الواقع.. إما:
1 - - أن نطلب من الشباب، مقاومة رغباتهم، والوقوف في وجه شهواتهم، وخنقها، وممارسة الصيام الجنسي، طيلة تلك المدة المديدة، وإلى أن تتوفر لهم إمكانات الزواج الدائم، الأمر الذي ينشأ عنه الأسئلة التالية:
هل تسمح لنا نظرتنا الواقعية باعتماد هذا الأسلوب كحل أمثل لمشكلة هي بهذه الشدة والحدة، ولها تلك المواصفات؟!
23

وهل أن طلبا كهذا له مبرراته الموضوعية، والواقعية؟!.
وإذا جاز لنا أن نطلب منهم ذلك، فهل سيكونون على استعداد للإستجابة لنا، والقبول منا؟!
وإذا كانوا على استعداد لذلك، فهل ستترك لهم الطبيعة الفرصة للتنفيذ - - - - - لو فرض جدلا أنهم قادرون على التنفيذ - - - - فلا تتهددهم بالأعراض النفسية، والأمراض الجسمانية، أو العقلية؟!.
وهكذا يتضح أن كبت الشهوة الجنسية لا ينسجم مع الفطرة، بل إن نتيجته قد تكون مضاعفة الأضرار النفسية، والاجتماعية، بل إن ذلك قد يؤدي إلى هزات نفسية عميقة وعنيفة تدفع الشاب إلى
24

الانتحار أو الانحراف، أو الإقدام على العنف الجنسي، أو غير ذلك.
2 - - أن نعتمد الحل الغربي المعروف، وذلك بأن نقيم مراكز لطائفة من المومسات، تحت إشراف الدولة، يستطيع الشاب في أي وقت أراد أن يبادر إلى ممارسة الجنس معهن، إذا وجد حاجة إلى ذلك.. ويكون هذا هو خيارنا الأمثل الذي يخولنا أن ندعي أننا نحافظ على العائلات والأسر، من الفساد، والانهيار، كما يقولون!!.
ولكن.. كيف يمكننا أن نعتبر هذا حلا مقبولا، ومعقولا، ونحن نرى: أنه قد فشل فشلا ذريعا في حل مشكلة الجنس لدى تلك المجتمعات التي قبلت به، ولجأت إليه، واعتمدته، وبقي التحلل الأخلاقي، والتفسخ والإباحية، هو الظاهرة البشعة، التي لا تزال تزداد قوة، وعنفا، في تلك المجتمعات.
25

وبعد.. فلو فرض: أن هذا الأسلوب قد استطاع أن يحل المشكلة عند الشباب، فكيف يمكن حل مشكلة الجنس الآخر، أعني الفتيات، اللواتي يعانين من نفس المشكلة، ويتعرضن لنفس الخطر والمحنة؟!.
هذا.. عدا عن أن ذلك يعني: أننا لا بد أن نطلب من طائفة من النساء السيئات الحظ، أن يسلمن أنفسهن إلى براثن الشقاء والبلاء، والعار..
وأين يصبح حينئذ مقام المرأة وكرامتها؟! وأين هي فضيلتها وإنسانيتها؟!.
هذا كله عدا عن الآثار النفسية والجسدية، التي يمكن أن تنشأ عن ممارسات كهذه.
3 - - أن نقبل بالإباحية المطلقة، بجميع أشكالها وصورها والتمرد على كل القيم الدينية والأخلاقية وغيرها واعتبار الجنس قضية لا ربط لها بالدين، والأخلاق، والقيم..
26

ولا نرى أنفسنا بحاجة إلى شرح مساوئ هذا الافتراض، فإن
أوار الجنس لن ينطفئ بل سوف يزداد استعارا وعنفا بعد أن يكون قد دمر كل القيم والمثل، والأخلاق..
ويكفي أن نذكر هنا: أن عقلاء جميع الأمم على اختلاف نحلهم وثقافاتهم قد أدركوا مساوئ ظاهرة التحلل الأخلاقي والإباحية الجنسية، وهم يبذلون محاولات حثيثة للتخلص منها، والقضاء عليها، أو التخفيف منها ومن حدتها.. لا سيما بعد أن أدركوا ما ينشأ عنها من أعراض وأمراض نفسية، وجسدية، زهرية وغيرها.. وأيضا من أمراض اجتماعية واختلاط أنساب، ومشاكل أسرية، وغير ذلك.
27

4 - - أن نأمر الشباب بالزواج الدائم ثم الطلاق بعد ثلاث كما في بعض الروايات عن بعض الصحابة وعلى الأخص الخليفة الثاني عمر بن الخطاب.
وهنا نقول: إن الفتاة أو المرأة التي يفترض أن تكون طرفا في هذا الزواج إن لم تكن على علم بذلك.. فإنه يكون نوعا من التغرير بها، وكذلك بأهلها، حيث لا تقدم هي ولا يقدمون هم عادة على أمر كهذا لو علموا به قبل حدوثه، ومن الممكن جدا أن ينشأ عن ذلك الكثير من الإحن والأحقاد والمشاحنات، ثم العديد من السلبيات على الصعيد الاجتماعي العام.
وأما إن كانت تعلم بذلك ويعلمون.. فإن نسبة الإقدام على زواج كهذا - - والحالة هذه - - لسوف تكون متدنية جدا، ولا تستطيع حل مشكلة اجتماعية مستعصية، بالنسبة إلى الشباب، وبالنسبة إلى الفتيات
28

على حد سواء..
ثم إن حلا كهذا لن يكون بأفضل من الحل الآخر الذي ستأتي الإشارة إليه، إن لم نقل أنه يمتاز عنه بالكثير من السلبيات، والآثار التي ربما لا يرغب الكثيرون في ترتبها، بملاحظة، ظروفهم الموضوعية، التي يعانون منها، خصوصا إذا كان يحملهم مسؤوليات كبيرة من قبيل النفقة، والإرث، والسكن، وغير ذلك..
هذا عدا عن الخلافات التي سوف تنشأ في صورة إصرار الزوج على عدم الطلاق، ولم يكن بإمكانه أن يقوم بشؤون الزوجية ومتطلباتها..
بل إن الزواج الدائم، قد لا يحل المشكلة الجنسية لأكثر من سبب، فتبقى المشكلة قائمة، الأمر الذي قد يدفع بالزوجين أو بأحدهما إلى الانحراف أو الانفصال.
29

5 - - أن نبيح لكل الشباب، والفتيات ممارسة العادة السرية كإجراء مؤقت، من شأنه أن يطفئ ثورة الطاقة الجنسية، ويحد من هيجانها.
والملفت للنظر هنا: أن بعض الناس في هذا العصر قد أصدر فتواه في هذا الأمر، فقال:
" إن الفتوى في هذا الزمن الذي تشتد فيه على الشباب العزوبية، مع توفر وسائل الفتنة، والإغراء، ينبغي - - - - والحال كذلك - - - - أن نعمم فتوى إباحة الاستمناء، وهو ما يسمى العادة السرية، خاصة وأن كثيرا من علماء السلف المتقين أجازوا ذلك مطلقا، واعتبروه كالفصد، ومنهم الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه، ومستندهم عدم ورود حديث صحيح يفيد التحريم، وسائر ما يروى في نكاح اليد موضوع، أو شديد الضعف، وأرجو مما تقدم: أن أكون قد بينت وجه الحق، فيما توجه إلي من السؤال، ولعلي - - - -
30

بعون الله - - - - قد وفقت في حل الإشكال، والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله " (1)
ونحن هنا لا نريد أن نفيض في بيان مساوئ هذا الحل، الذي تخيل صاحبه: أنه جاء بأمر مبتكر وفريد من نوعه!! ولكننا لا نجد حرجا في أن نذكره بما ينشأ من ممارسة هذه العادة من احتقانات تترك آثارا سلبية نفسية وجسدية على الشباب والفتيات على حد سواء.
هذا كله.. عدا عن أننا نجد: أنه رغم ممارسة الشباب في المجتمعات الغربية وغيرها للعادة السرية فإنها لم تستطع أن تحل المشكلة لهم بل لم تستطع أن تثبت قدرتها على أن تكون البديل المناسب للممارسة الجنسية الطبيعية، بل بقي

(1) مجلة اليقظة الكويتية العدد 778 - - ص 33.
31

التعطش والتلهف لذلك هو الصفة المميزة للشباب والفتيات في مختلف المجتمعات، هذا إن لم نقل إنه يذكي في الممارس لهذه العادة نفسه المزيد من التوثب، والتطلع لممارسة الجنس بصورة طبيعية، ويزيد من تأجج الشهوة الطبيعية في نفسه، ويهيؤها لمزيد من الفساد والانحراف في هذا المجال.
على أن المشكلة الاجتماعية لا تنحصر في أمر الناحية الجنسية، بل هناك حالات وحاجات متنوعة، تفرض معونة أحد الجنسين للآخر وتدفع إلى مشاركة حياتية فعلية فيما بين الشاب والفتاة، أو فقل: الرجل والمرأة بصورة عامة.
6 - - أن نتطلع إلى نوع من الزواج قادر على أن يحل مشكلة الجنس، وأن يحل المشاكل الحياتية التي قد تواجه الرجل وقد تواجه المرأة أيضا، مما
32

يقتضي أو فقل يفرض معونة ومشاركة حياتية فعلية فاعلة ولكن من دون أن تكون له سلبيات تزيد الأمر خطورة، والمشكلة تعقيدا.
وقد طرح الإسلام " الزواج المؤقت " على أنه الحل الناجع للمشكلة، مع ضمان: أن لا تنشأ عنه عواقب ومضاعفات، من شأنها أن تعرقل المسيرة الطبيعية للحياة في المجتمعات بصورة عامة..
وهو يلتقي مع الزواج الدائم في جميع الأحكام والآثار، ولا يفترق عنه إلا في نقاط لولا المرونة فيها، لبقيت المشكلة قائمة والخطر داهما.
ومن الواضح: أن الزواج الدائم سرعان ما يتحول إلى زواج منقطع، بسبب عدم القدرة على تحمل المسؤوليات أو لأسباب أخرى حيث يكون الطلاق بالمرصاد فينهي العلاقة الزوجية في وقت معين، ويحولها إلى زواج منقطع.
33

.. إلى جانب هذا الزواج:
ولا تفوتنا هنا الإشارة إلى أن الإسلام، حين اعتمد " الزواج المؤقت " كحل صحيح لمشكلة الجنس، استجابة منه للمقتضيات الطبيعية، وانسجاما مع الواقع الموضوعي.. لم يكتف به دون أن يخطط إلى تزويد الشباب المؤمن بطاقات حرارية وإيمانية، عقيديا، وإنسانيا، تسمو به عن التعلق الأعمى بهذه الحياة الدنيا، وتجعله يعتبرها وسيلة لا غاية، ومنطلقا لا هدفا، وأن بعدها حسابا، فإما ثواب، وإما عقاب.
ثم هو قد زوده بنصائحه الكثيرة والمتتالية، بتقوى الله سبحانه، والثقة به، والتوكل عليه، والخوف منه والرجاء له.. ثم حظر عليه التعامل مع أي من الوسائل أو الحالات التي من شأنها أن
34

تثير فيه كوامن الشهوة، وتساعد على الإخلال بحالة التوازن الضرورية له.. بالإضافة إلى نصائحه له باستعمال بعض الوسائل التي تخفف من حدة دوافعه الغريزية، وتسهل عليه مقاومتها، كالصوم، وغيره مما من شأنه - - - - بالتالي - - - - أن يجعله قادرا على مقاومة المغريات والتحكم بطاقته الجنسية، والتصرف إزاءها على ضوء هذا التشريع، بالشكل المقبول، والمعقول.
المتعة رحمة:
ولأجل ذلك نجد أن الإسلام قد اعتبر زواج المتعة رحمة رحم الله بها أمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ولو أن الناس قبلوها والتزموا بها ما زنا إلا شقي، أو إلا شفا من الناس، أي قليل.. كما سيأتي في النصوص..
35

تشريع زواج المتعة بين الأخذ والرد:
وحيث إن ثمة كلاما في بقاء مشروعية هذا الزواج، بعد الاتفاق على أنه كان قد شرع في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله).. كان لا بد من التعرض لهذا الأمر، لقطع دابر الخلاف فيه.. وهذا الكتاب مخصص لهذا الأمر بالذات.
حقيقة زواج المتعة:
هذا النكاح هو: عقد زواج بين الرجل والمرأة، بمهر معين، يذكر في متن العقد، إلى أجل معين، وبحلول الأجل، أو بهبة الزوج المدة لها تنحل عقدة النكاح بلا حاجة إلى طلاق.
فتقول المرأة:
36

" زوجتك، أو أنكحتك (1) أو متعتك نفسي بمهر قدره كذا لمدة شهر أو سنة أو أقل أو أكثر ".
فيقول لها الرجل: " قبلت ".
فتثبت الزوجية إلى انتهاء المدة التي حددت، أو إلى أن يهبها باقي المدة.
وبعد انتهاء المدة تعتد - - - - كالأمة - - - - بحيضتين، وقيل: بواحدة، إن كانت ممن تحيض، وبخمسة وأربعين يوما إن كانت لا تحيض، وهي في سن من تحيض، وعدة الحامل، والمتوفى عنها زوجها كعدة الدائمة.
ولا بد أن تتوفر في هذا النكاح جميع الشرائط الشرعية، من البلوغ، والعقل، والاختيار، إلخ.. مع

(1) سيأتي إن شاء الله: أن البعض يقول: إن كانت الصيغة هي (زوجتك)، أو (أنكحتك)، كان الزواج مؤقتا، وليس متعة، وإن كانت الصيغة هي (متعتك) كان الزواج هو زواج المتعة المحظور. وسيأتي عدم صحة هذا التفريق، إن شاء الله تعالى.
37

عدم وجود مانع شرعي من: نسب، أو سبب، أو رضاع، أو إحصان، أو عدة لآخر، أو كونها أخت زوجة، أو نحو ذلك.
هذا بالإضافة إلى توفر سائر شرائط النكاح الدائم، حسبما هو مقرر في الكتب الفقهية.
وولد المتعة يلحق بأبيه، ويرثه، كسائر أولاده، وتشمله جميع العمومات الشرعية الواردة في الآباء والأمهات، والإخوة والأخوات، والعمات، والخالات إلخ (1)
ومهما يكن من أمر فإننا نلخص نقاط افتراق زواج المتعة عن الدائم فيما يلي:

(1) راجع: مسائل فقهية، للإمام السيد عبد الحسين شرف الدين (ره).
38

فوارق الزواج الدائم عن زواج المتعة:
إن هذا الزواج يفترق عن الزواج الدائم في الأمور التالية:
1 - - ميراث الزوجين، فلا يتوارثان إلا مع الشرط في ضمن العقد على قول مشهور (1)
أما الولد فهو يرث والديه ويرثانه.
2 - - يفترض في الرجل في الزواج الدائم أن يتحمل أعباء الإنفاق على المرأة باستمرار، وأن يؤمن ما تحتاج إليه من مسكن، وملبس، وغذاء، ودواء، وغير ذلك.
أما في المنقطع، فليس للزوجة أن تطالب بالسكن، والنفقة، والطبابة، ونحوها، إلا إذا اشترطت

(1) راجع: نظام حقوق المرأة في الإسلام، للشهيد العلامة الشيخ مرتضى مطهري.
39

ذلك في ضمن العقد فيما لو رغبت في الاستفادة من ماله. ووجد الرجل في نفسه القدرة على تلبية رغبتها هذه.
وقد تجد لدى بعض النساء إباء عن الاستفادة من مال زوجها، وتتمحور رغبتها في أن تكون في عصمته أو أن تتحرر من طغيان الجنس، أو نحو ذلك.
3 - - الليلة أيضا، فلا يجب على الزوج المبيت عند المتمتع بها ليلة من أربع ليال، كما هو الحال في الدائمة.
4 - - المضاجعة، ليس للمتمتع بها المطالبة بالمواقعة، كما أن بإمكانها الامتناع عن ذلك، وفي هذه الحالة يجوز للزوج أن ينقص من المهر
40

بمقدار ما تمتنع به عنه.
أما الدائمة فلها أن تطالب بالمواقعة مرة في كل أربعة أشهر، وذلك لأدلة خاصة اقتضت ذلك، قد خصصت تلك الأدلة العامة.
5 - - إن زواج المتعة يحتاج إلى الصيغة وهو ينعقد بألفاظ ثلاثة هي: " زوجتك "، " أنكحتك "، و " متعتك ".
أما الدائم، فينعقد بالأولين وفي الثالث كلام عند الفقهاء.
6 - - إنه يشترط في الدائم، أن تكون الزوجة مسلمة، وفي المنقطع يصح التمتع بالمسلمة، وبالكتابية أيضا على حد سواء، ويستحب اختيار المؤمنة العفيفة.
7 - - إن الزوجين يتحكمان معا في الزمان ابتداء، فيتخيران المدة حسبما تمليه عليهما
41

ظروفهما، وبإمكانهما تمديدها بعقد جديد.
بينما في الدائم يكون الاختيار في الزمان ملكا للرجل، ولا خيار للمرأة فيه، والخلاصة أنه لابد من تحديد الأجل طويلا كان أو قصيرا في المنقطع، فلو أخل به انعقد دائما، ولا تحديد للأجل في الدائم.
أما ما قاله البعض من أن كتب الإمامية تذكر أن المتعة هي:
" النكاح المؤقت بأمد معلوم أو مجهول وغايته إلى خمسة وأربعين يوما "
فمما لا حقيقة له، ولا يوجد في كتب الإمامية منه عين ولا أثر، فلا تصح نسبته إليهم.
8 - - لا يقع في المنقطع طلاق، بل لزوجها أن يهبها المدة المتبقية، أو أنها حين انتهاء المدة تنقطع العلاقة الزوجية بصورة تلقائية.
42

9 - - لا يقع في المنقطع لعان، أو ظهار على المشهور.
10 - - يجوز العزل عن المتمتع بها، أما في الدائم، فالمشهور أن جواز العزل يتوقف على رضاها، وقيل يجوز، ولو لم ترض.
11 - - عدة المتمتع بها بعد انقضاء الأجل حيضتان، وإن كانت ممن تحيض، ولم تحض، فخمسة وأربعون يوما، والعدة في العقد الدائم ثلاثة قروء.
لكن عدة الوفاة في الدائمة والمنقطعة على حد سواء.
12 - - لا رجعة لها في أثناء عدتها، بخلاف المطلقة رجعيا في الدائم، أو المطلقة خلعيا إذا تراجعت عن البذل أثناء العدة.
13 - - يشترط في زواج المتعة ذكر المهر،
43

ويتقرر بالتراضي، فإن لم يذكر بطل، وبذلك يفترق عن الزواج الدائم.
14 - - لا يجوز الزيادة على أربع نساء في الدائم، ولا تحديد للعدد في المنقطع.
15 - - لا يحتاج بعد الثلاث مرات إلى محلل بخلاف الدائم، فإنه إذا طلقها ثلاث مرات، فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره.
16 - - إذا مات عنها زوجها قبل انقضاء المدة، ولم يدخل بها استحقت المهر كاملا.
أما الدائم غير المدخول بها، فتستحق نصف المهر بالموت على المشهور.
17 - - تستحق المتمتع بها المهر كاملا إذا انقضت مدتها، ولو لم يدخل بها، أما في الدائم، فلها إذا طلقت قبل الدخول نصف المهر..
44

18 - - لا تستطيع المرأة في الزواج الدائم الامتناع عن الحمل إلا بإذن زوجها، أما في المنقطع فلكل منهما الحق في ذلك وجودا، أو عدما، فلهما معا أن يقررا الحمل، ولكل منهما الحق في الامتناع عنه، بالعمل بما يوجب عدم حصوله.
ما يشترك فيه الزواج الدائم مع زواج المتعة:
ويشترك الزواج المؤقت مع الدائم في الأمور التالية:
1 - - العقد المشتمل على الإيجاب والقبول، ولا يكفي التراضي والمعاطاة.
2 - - العقد فيهما لا يكون إلا بلفظ الزواج، والنكاح، والمتعة، فلا يصح بلفظ الإباحة، والإجارة مثلا.
3 - - لو طلقها في الدائم، أو وهبها المدة في
45

المنقطع قبل الدخول ثبت لها نصف المهر.
4 - - لا بد من إذن العمة والخالة في ابنة أخيها أو أختها فلا يتزوجها إلا بإذنها.
5 - - لا بد في الدائم والمنقطع من عدم وجود مانع شرعي من سبب أو نسب، أو رضاع، أو إحصان، أو غير ذلك.
6 - - لا يجوز مقاربة المتمتع بها والدائمة في حال الحيض أو النفاس.
7 - - الحاجة إلى العدة مع الدخول، وعدم الحاجة بدونه، أو مع اليأس.
8 - - الزوجة فراش مع الدخول، ويلحق الولد بالزوج حتى ولو عزل.
9 - - لحوق الأولاد بالأبوين، وترتب جميع الآثار على ذلك من الإرث والنفقة عليه، وكذا يجب عليه أن
46

ينفق عليهما..
10 - - الحضانة وأحكامها.
11 - - لا يجوز للمسلمة أن تتمتع بالكافر، ولا يجوز للمسلم أن يتمتع بالمشركة وكذا الحال بالنسبة للدائم.
12 - - الميراث بين الولد وأبويه.
13 - - نشر الحرمة بالنسب، والمصاهرة، والرضاع.
14 - - الحاجة إلى إذن الولي بالبكر، وغير الرشيدة، صغيرة كانت أو غيرها.
15 - - لا بد من توفر الشروط العامة من البلوغ والعقل والاختيار، أو تزويج الولي حين يكون ثمة مصلحة تعود للمولى عليه.
47

الفرق بين الزواج المؤقت.. والمتعة:
وبعد.. فقد يحلو للبعض أن يحاول أن يجد فرقا بين تعبيري: الزواج المؤقت، وزواج المتعة، على اعتبار أن الأول يقع بلفظ " زوجت " أو " أنكحت " أما زواج المتعة، فيقع بلفظ: " أستمتع بك " أو " أتمتع ".
وفرق بينهما في " العناية " بفرق آخر، وهو: أن المؤقت يكون بحضرة الشهود، ويذكر فيه مدة معينة، بخلاف المتعة: فإنه لو قال: أتمتع بك، ولم يذكر مدة كان
متعة، وقد حكم ببطلانهما معا. (1)
وعلى هذا الأساس، فإن تجويز الزواج المؤقت لا يلزم منه تجويز زواج المتعة.

(1) راجع: البحر الرائق ج 3 ص 114 عن النهاية والمعراج. ومجلة: هدى الإسلام ج 19 عدد 2 ص 79، وفتح الملك المعبود ج 3 ص 223، وأوجز المسالك ج 9 ص 402، وراجع: مجمع الأنهر ج 1 ص 320 وراجع قول الشماعي الرفاعي في كتاب: المتعة حلال.
48

ونقول:
إن الحقيقة هي: أنه لا فرق بينهما أصلا بل هما اسمان لمسمى واحد، فإن المتعة تقع كالزواج الدائم بالألفاظ الثلاثة، فإن شئت سمها متعة، وإن شئت سمها زواجا مؤقتا، أو زواجا منقطعا.. لا فرق.
ولأجل توضيح ذلك نسجل النقاط التالية:
1 - - قال الجزيري:
" اتفق المالكية، والشافعية، والحنابلة، على أنه لا فرق بين الاثنين، فالنكاح المؤقت هو نكاح المتعة، والمشهور عن الحنفية: أن نكاح المتعة يشترط فيه ان يكون بلفظ المتعة كأن يقول لها: متعيني بنفسك أو أتمتع بك أو متعتك بنفسي، ولكن بعضهم، حقق أن ذلك لم يثبت وعلى هذا يكون نكاح
49

المتعة هو النكاح المؤقت بلا فرق عند الجميع " (1)
إذن، فلا صحة لما ذكره البعض من أنه لا بد في عقد المتعة من لفظ التمتع (2).
2 - - إن الذين يفرقون بين العقد المؤقت والمتعة ويقولون: المؤقت لا يكون بلفظ المتعة قد زعموا: أن المراد بآية} فما استمتعتم به منهن.. {هو النكاح الدائم، مما يعني أن النكاح الدائم يقع بلفظ متعت بقرينة تعبير الآية بذلك، ونحن لو سلمنا إرادة النكاح الدائم منها فإن سؤالنا هو لماذا صححوا وقوع الدائم بلفظ متعت، ولم يصححوا وقوع المؤقت بلفظ متعت أيضا.
3 - - إذا كان الأحناف هم الذين يفرقون بين

(1) الفقه على المذاهب الأربعة ج 4 ص 90 وراجع ص 93 و 92.
(1) أحمد الحصري: النكاح وقضاياه ص 168 وعنه في تحريم المتعة في الكتاب والسنة ص 4.
50

المتعة والزواج المؤقت، فإن ما يثير عجبنا هو أن الحنفية قد أفتوا بأنه لو قال لها: يا عرسي فقالت: " لبيك، انعقد النكاح بذلك " (1)
وكذا أفتى الأحناف بانعقاده بلفظ الهبة، والصدقة، والتمليك، والجعل (2) بل لقد رجح البعض انعقاده بلفظ البيع والشراء، والسلم، والصلح، والقرض (3) فكيف صح انعقاد الدائم بذلك كله، ولم يصح انعقاد المتعة، أو المؤقت بذلك أيضا؟!.
4 - - ولا ننسى أن نذكر هنا أن ابن نجيم قد صرح فيما يرتبط " بزواج المتعة " بأنه لو عقد بلفظ التزويج، وأحضر الشهود، كان من أفراد

(1) شرح الدر المختار كتاب النكاح ص 243.
(1) الفقه على المذاهب الأربعة ج 4 ص 14.
(1) المصدر السابق.
51

المتعة " (1)
وقال ابن المرتضى:
".. ويحرم نكاح المتعة، وهو المؤقت.. " (2)
وقال النحاس في الناسخ والمنسوخ:
" وإنما المتعة أن يقول: أتزوجك يوما أو ما أشبه بذلك " (3)
5 - - أضف إلى ذلك كله: أن الصحابة والتابعين، يعتبرون المتعة تزويجا، كما يظهر من مراجعة فصل النصوص، والآثار الآتي إن شاء الله، ولا يفرقون بينها وبين المؤقت.

(1) البحر الرائق ج 3 ص 114 و 115 عن فتح القدير، وراجع أسفل الصفحة أيضا، وراجع مجمع الأنهر ج 1 ص 320.
(1) البحر الزخار ج 4 ص 22، وحاشية الشيرواني على تحفة المحتاج ج 7 ص 224.
(1) الناسخ والمنسوخ ج ‌ 2 ص 193.
52

6 - - قال الكاندهلوي:
" ولم يعرف في شيء من الآثار لفظ واحد ممن باشرها من الصحابة (رض) بلفظ تمتعت بك ونحوها " (1)
7 - - وقد دل حديث ابن مسعود، الذي يقول:
" ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل إلخ.. "
على أن المتعة من أقسام النكاح وهي نفس النكاح المؤقت، وبعد جميع ما تقدم يتضح بما لا مجال معه للشك أنه لا معنى للتفريق بين النكاح المؤقت والمتعة، والقول ببطلان الزواج إذا كان بلفظ المتعة، وصحته وبطلان الشرط - - وهو الأجل - - إذا كان بلفظ زوجت.

(1) أوجز المسالك ج 9 ص 402.
53

وأما مسألة اشتراط الشهود في مطلق الزواج فهي مسألة خلافية ولا ربط لها في المقام.
ما في هذا الكتاب:
إننا سوف نتحدث في هذا الكتاب عن الأمور التالية:
1 - - قطعية تشريع هذا الزواج.
2 - - الأقوال في نسخه.. ودعوى أنه منسوخ بالإجماع تارة، وبالآيات أخرى وبالأخبار ثالثة، وسنشير إلى قيمة هذه الدعاوي من الناحية العلمية إن شاء الله تعالى.
3 - - ثم نتحدث عن أدلة بقاء تشريع هذا الزواج.. ونذكر طائفة من الصحابة والتابعين والفقهاء وأئمة المذاهب وغيرهم ممن قال ببقاء تشريع هذا الزواج.
4 - - ثم نورد طائفة من الروايات التي وردت من طرق الشيعة والتي هي بعض ما يستندون إليه في
54

حكمهم ببقاء هذا التشريع. ثم نضيف إلى ذلك فصلا حافلا بعشرات الروايات الواردة من طرق أهل السنة، مما دل على بقاء هذا التشريع أيضا.
5 - - ونعقب ذلك بذكر تحفظات أو فقل: إشكالات على آحاد من تلك الروايات، ثم نجيب عنها.. ونذكر أيضا بعض الإيضاحات التي أحببنا إيرادها فيما يرتبط بالروايات المشار إليها.
6 - - ثم نتابع في القسم الأخير من الكتاب حديثنا عن موقف عمر من زواج المتعة وعن أسباب هذا الموقف، وغير ذلك مما يرتبط بهذا الأمر.
7 - - ثم نذكر في الفصول الثلاثة الأخيرة طائفة كبيرة من الاعتراضات أو التوجيهات غير المقبولة ولا المعقولة.. وأجوبتنا عليها.
ومن الله نستمد القوة والعون. وهو ولينا.. والهادي إلى سواء السبيل.
55

القسم الأول
المتعة بين التشريع ودعاوي النسخ
الفصل الأول: آية المتعة.. وقراءة (إلى أجل).
الفصل الثاني: آية المتعة.. وشبهاتها.
الفصل الثالث: نسخ المتعة بالإجماع.
الفصل الرابع: النسخ بالآيات.. ومناقشته..
56

الفصل الأول
59

آية المتعة.. وقراءة (إلى أجل)
60

الطريقة المألوفة:
إن من يراجع طريقة علماء الشيعة يجد أنهم قد دأبوا على اتباع طريقة الإلزام في احتجاجاتهم على الآخرين، أي أنهم يحتجون على الآخرين بما هو مقبول لديهم، ومروي في كتبهم وصحاحهم، ووفق أصول الجرح والتعديل عندهم وما يلتزمون به في مناهج البحث بحسب مذاهبهم.
وأعتقد أن الإفراط في هذا الاتجاه قد يوحي بما هو غير مقصود، ولا موجود حيث يفهم منه إرادة تسجيل النقاط من منطلق التحزب المذهبي مع أن الحقيقة هي أن الهدف ما هو إلا مجرد الإقناع من أقرب السبل وأيسرها، بعد ان اتضح لديهم: أن الآخرين يرفضون الانصياع لمقتضيات الأدلة والبراهين التي تعنى بتصويب المعايير والمنطلقات الفكرية في المجال العقيدي، والخصائص
62

الإيمانية، والتي لو أمكن تقبل النقد الموضوعي فيها بروح رياضية، وعقل منفتح، وإنصاف، ووعي، ومسؤولية.. لانحلت العقدة في عشرات من المسائل التي هي مثار خلاف ونزاع لا يراد له أن ينتهي.. بل هو يتجدد ويعود باستمرار إلى نقطة الضوء، فتتكرر الدعاوي وتسرد الأدلة من جديد وتتبعها أجوبتها، وتتكرر هذه الحالة مرة بعد أخرى، ولا من جديد في الأدلة، بل الأدلة هي نفسها، وكذلك لا جديد في الدعاوي، ولا في الاتهامات، ولا في المواقف المتخذة على أساس تخيلات ومزاعم غير معقولة ولا مقبولة..
الموضوع حساس لماذا؟!
وها نحن قد عدنا من جديد لبحث موضوع طالما طرح على بساط البحث، وأدلى كل فريق
63

بدلوه، فهل سنأتي بجديد، أم أننا سنسير على نفس النهج، وفي نفس الطريق.
وسوف يجد القارئ لهذا الكتاب الإجابة على هذا السؤال واضحة وضوح الشمس، ونلخصها نحن له بكلمة واحدة وهي أننا شئنا أم أبينا نجد أنفسنا مضطرين للالتزام بهذا النهج الإثباتي والتزام نهج الإلزام في بحثنا هذا، خصوصا في هذه المسألة التي تتميز بحساسية خاصة من الناحية الفقهية والاجتماعية، وحتى من الناحية الاعتقادية حيث يفترض هذا الطرف، أو ذاك، أن الإثبات والنفي فيها يمثل إدانة أو اتهاما لشخصية لها دورها، وموقعها الحساس فيما يرتبط بأخطر قضية واجهها المسلمون في حياتهم السياسية، وهي قضية الخلافة، والإمامة، قال الشهرستاني:
" وأعظم خلاف بين الأمة خلاف الإمامة، إذ ما
64

سل سيف في الإسلام على قاعدة دينية، مثلما سل على الإمامة في كل زمان " (1)
حيث تتوجه أصابع تهام إلى أحد الخلفاء بأنه هو الذي بادر إلى تحريم زواج المتعة، أو إلى المنع منه، وهذا ما يزيد البحث في هذا الأمر تعقيدا أو حساسية بالغة.. رغم أن واقع القضية سواء ثبت ما ينسب إلى الخليفة من تصرف في هذا التشريع أم لم يثبت، لا يجب أن ينظر إليه بهذه الطريقة الحادة التي تظهر على شكل هيجان قوي في مواجهة كل من يحاول تلمس الأدلة على بقاء هذا التشريع، خشية أن يؤدي ذلك إلى تلك الإدانة التي يخشونها ويحاولون تلافي آثارها.
مع أن الخلفاء باعتقاد هؤلاء الناس ليس لهم

(1) الملل والنحل للشهرستاني ج 1 ص 24 ومحاضرات في تاريخ الأمم الإسلامية للخضري ج 1 ص 167.
65

موقع عقائدي بالنسبة إليهم لأنهم إنما ينتخبون حسب مذهبهم من قبل الناس، فإذا كان قد صدر منهم ما هو سلبي، فإنهم هم الذين يتحملون مسؤولية ذلك، ولا يوجب ذلك أية خدشة في الناحية العقائدية لأحد.
والغريب في الأمر: أن إصرار البعض على مواقفهم قد بلغ بهم حدا جعلهم يصرون حتى على رفض ما يقدم إليهم من أحاديث صحاح رواها لهم أهل نحلتهم ووفق شروطهم في الرواية وفي القبول.
بين الرد والقبول:
ومهما يكن من أمر، فإننا سنحاول معالجة هذا الموضوع بالطريقة التي ترضي وجداننا، وتتوافق مع المنهج العلمي المتبع والمقبول، وسيرى القارئ الكريم أننا سوف نلتزم الطريقة المقبولة عند الطرف المعارض لاستمرار تشريع هذا الزواج، وأما قبول ذلك أو رده فهو مسؤولية الآخرين، ولن نتوقف عند
66

هذا الأمر لا قليلا ولا كثيرا.. وإن كان يحزننا أن نرى آثار عناد غير مبرر يظهر في مواقف أي كان من الناس.
وها نحن ندخل في صلب البحث الإستدلالي مستعينين بالله سبحانه، ومتوكلين عليه، وهو ولينا، وهادينا إلى سواء السبيل.
توطئة:
لقد أجمع أهل القبلة كافة على أن الله سبحانه قد شرع نكاح المتعة في دين الإسلام.
ولا يرتاب في هذا أحد من أئمة المذاهب الإسلامية، وكبار فقهائها بل لعل أصل تشريعه يلحق بضروريات الدين، والروايات في ذلك متواترة في كتب المسلمين.
بل لقد أكد كثير من فقهاء وعلماء الأمة: أن آية
67

قرآنية قد نزلت لتؤكد هذا التشريع، وهذا ما سنعالجه في هذا الفصل.
فنقول:
آية المتعة في الكتاب العزيز:
قد نزلت في تشريع هذا الزواج آية قرآنية كريمة اعترف عدد من أئمة التفسير عند السنة، بأن الجمهور قد قالوا: إن زواج المتعة هو المراد منها وهي قوله تعالى:
{والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم، كتاب الله عليكم، وأحل لكم ما وراء ذلكم، أن تبتغوا بأموالكم، محصنين غير مسافحين، فما استمتعتم به منهن، فآتوهن أجورهن فريضة، ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة، إن الله كان عليما حكيما} (1)
فعن ابن عباس، قال: (كانت المتعة في أول الإسلام، وكانوا يقرأون هذه الآية: {فما استمتعتم به منهن إلى

(1) سورة النساء / الآية 24.
68

أجل مسمى} فكان الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفة فيتزوج إلخ..) (1)
قال القرطبي وغيره: " قال الجمهور المراد نكاح المتعة، الذي كان في صدر الإسلام " (2).
وهذا اعتراف صريح من بعض كبار علماء التفسير، الذين يذهبون إلى تحريم زواج المتعة، فتصريح بعض آخر بخلافه حرصا منهم على تأكيد ما يذهبون إليه.. لا يؤثر على أهمية هذا الاعتراف الصريح.
وسيأتي في فصل الروايات والآثار، أن عمران بن الحصين، يقول: إن هذه الآية نزلت في

(1) فتح القدير ج 1 ص 455 عن الطبراني والبيهقي في سننه.
(1) الجامع لأحكام القرآن ج 5 ص 130، ومع القرآن للباقوري ص 167 وعبارته: (جمهور أهل العلم..) والغدير ج 6 ص 235، وفتح القدير ج 1 ص 449.
69

المتعة، ولم تنزل آية تنسخها، وأنه (صلى الله عليه وآله) مات، ولم ينههم عنها، قال رجل برأيه ما شاء.
وقال عبد الرزاق وغيره:
" قال عطاء: فهي التي في سورة النساء:} فما استمتعتم به منهن {كذا وكذا من الأجل، على كذا وكذا إلخ.. " (1)
وقرأ ابن عباس، - - والحديث مروي عنه بأسانيد صحيحة - - وأبي بن كعب، وسعيد بن جبير، وابن مسعود، والسدي، قرأوا - - هذه الآية هكذا:} فما استمتعتم به منهن - - إلى أجل مسمى - - فآتوهن أجورهن {.
وفي نص آخر:

(1) مصنف الحافظ عبد الرزاق ج 7 ص 497 والإيضاح لابن شاذان ص 440 وتجد بقية المصادر في الهامش التالي.
70

وحكي نزول الآية في المتعة أيضا عن: حبيب بن أبي ثابت، ومجاهد، والسدي، والحكم بن عتيبة (1)

(1) راجع في ذلك: وفي قراءة الآية بإضافة كلمة: (إلى أجل) عن واحد أو أكثر ممن تقدمت أسماؤهم المصادر التالية: تفسير القرآن العظيم لابن كثير ج 1 ص 474، والدر المنثور ج 2 ص 140 عن الطبراني وعبد بن حميد وابن الأنباري وأبي داود وغيرهم، ونفحات اللاهوت ص 99.
وراجع: الجامع لأحكام القرآن ج 5 ص 130، وأحكام القرآن لأبي بكر ابن العربي ج 1 ص 389، جامع البيان ج 5 ص 9 و 10، وتفسير الرازي ج 10 ص 51 ط سنة 1357 ه‍، والإيضاح لابن شاذان ص 442، والمصنف للصنعاني ج 7 ص 498، وشرح = = الموطأ للزرقاني ج 4 ص 47، وفتح القدير ج 1 ص 449 و 455، ومستدرك الحاكم ج 2 ص 305، وتلخيصه للذهبي هامش نفس الصفحة، وأحكام القرآن للجصاص ج 2 ص 147، وتفسير النيسابوري هامش تفسير الطبري ج 5 ص 18، وسنن البيهقي ج 7 ص 206، والكشاف ط بيروت ج 1 ص 498، وبداية المجتهد ج 2 ص 57 و 58، والمنتقى ج 2 هامش ص 521، ولسان العرب ج 8 ص 329.
وراجع أيضا: الاعتبار في الناسخ والمنسوخ ص 178، والجواهر ج 3 ص 148، والطرائف ص 460 عن تفسير الثعلبي، وكنز العرفان ج 2 ص 151، وعون المعبود ج 6 ص 83.
وراجع: تحريم نكاح المتعة ص 89 و 111، والبيان للخوئي، والمتعة للفكيكي، والتسهيل ج 1 ص 137، ونيل الأوطار ج 6 ص 270 و 275، وفقه السنة ج 2 ص 45 عنه، ودلائل الصدق ج 3 قسم 1، والفصول المهمة..، والنص والاجتهاد..، وفتح القدير للشوكاني، ج 1 ص 414، والبغوي هامش تفسير الخازن ج 1 ص 423.
وراجع: وتفسير لباب التأويل للخازن ج 1 ص 343 ومحاسن التأويل للقاسمي ج 5 ص 99 وشرح صحيح مسلم للنووي ج 9 ص 179 و 181، والبحر الزخار ج 4 ص 22.
وراجع: المرأة في القرآن والسنة ص 179، والتفسير الحديث ج 9 ص 53، والبحار ج 89 ص 65 وج 100 من 305 وص 302 و 314 و 315 و 317 والتمهيد في علوم القرآن ج 1 ص 266.
وراجع: واكذوبة تحريف القرآن ص 22، والمصاحف للسجستاني ص 53، والغدير ج 6 ص 229 و 235 عن بعض من تقدم، وعن تفسير البيضاوي ج 1 ص 259، والبحر المحيط ج 3 ص 318 وتفسير الآلوسي ج 5 ص 5، وتفسير أبي السعود هامش تفسير الرازي ج 3 ص 251، والوسائل ج 21 ط مؤسسة آل البيت لإحياء التراث ص 5 و 6 و 9 و 21 و 56 و 10، وفي هامشه عن الفقيه ج 2 ص 148 وعن قرب الإسناد ص 21 وعن تفسير القمي ص 136 وعن تفسير العياشي ج 1 ص 233 و 234 وعن نوادر أحمد بن محمد بن عيسى ص 65 و 82 والكافي ج 5 ص 448 و 449 وتهذيب الأحكام ج 7 ص 250 والاستبصار ج 3 ص 141.
وراجع: مستدرك الوسائل ط دار إحياء التراث ج 14 ص 447 و 448 و 481 و 486 و 484 و 485 و 482 و 449 و 467 عن كتاب عاصم الحناط من 24 و 31 وكتاب التنزيل والتحريف للسياري ص 18.
71

وقال أبو عمر: عبد الرزاق عن ابن جريج قال:
72

أخبرني عطاء: أنه سمع ابن عباس يراها حلالا حتى الآن.
وأخبرني أنه كان يقرأ: {فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن}.
وقال ابن عباس: في حرف أبي {إلى أجل مسمى} (1) وسنده صحيح.
قال أبو عمر: وقرأها أيضا هكذا: {إلى أجل مسمى} علي بن الحسين، وابنه أبو جعفر محمد بن علي، وابنه جعفر بن محمد، وسعيد بن جبير، هكذا كانوا يقرأون (2)

(1) التمهيد ج 9 ص 113، والإستذكار ج 16 ص 295، والمصنف ج 7 ص 498.
(1) التمهيد ج 9 ص 113.
73

وذكر الحاكم وغيره بسند صحيح: إن ابن عباس، قد أقسم أن هذه الآية لأنزلها الله كذلك (1) ثلاث مرات (2)
وقال الرازي والنيسابوري، بعد نقلهما هذه القراءة عن ابن عباس، وأبي بن كعب: " والأمة ما أنكروا عليهما في هذه القراءة، فكان ذلك إجماعا من الأمة على صحة هذه القراءة " (3).
وسيأتي إن شاء الله أن قراءة هؤلاء للآية، بإضافة كلمة:} إلى أجل مسمى {قد جاءت على وجه

(1) مستدرك الحاكم ج 2 ص 305، وتلخيصه للذهبي، بهامش نفس الصفحة، وراجع: البحر المحيط ج 3 ص 218، ونفحات اللاهوت ص 99 وأحكام القرآن لابن عربي ج 1 ص 389، ونكاح المتعة للأهدل ص 241 عن جامع البيان ج 8 ص 177 وعن الحاكم والذهبي وعن المصاحف لابن الأنباري كما في الدر المنثور ج 2 ص 140.
(1) المرأة في القرآن والسنة ص 179، والتفسير الحديث ج 9 ص 53.
(1) راجع: التفسير الكبير ج 10 ص 52.
74

التفسير والتوضيح، وهو جائز عند علماء القراءات، لا أنها كانت في القرآن، ثم حذفت.
ونقل بسند معتبر أيضا عن حبيب بن أبي ثابت قال: أعطاني ابن عباس مصحفا، فقال: هذا على قراءة أبي، فرأيت في المصحف:} فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى {(1)
ومهما يكن من أمر فإن الأستاذ عبد الهادي مسعود، مدير الفهارس العامة بدار الكتب المصرية قال: " على أننا نضيف إلى هذا بعد الدراسة الطويلة أن أكثر من تسعين بالمائة من المجتهدين من سنة وشيعة أجمعوا على أن المتعة المذكورة في الآية

(1) راجع: الدر المنثور للسيوطي ج 2 ص 140، ونفحات اللاهوت ص 99 عن تفسير الثعلبي، وراجع أيضا مستدرك الحاكم ج 2 ص 305، وأحكام القرآن لابن عربي ج 1 ص 389 وجامع البيان ج 5 ص 9 والطرائف ص 460، ونكاح المتعة للأهدل ص 143 عن جامع البيان ج 8 ص 176 و 177.
75

الكريمة هي الزواج إلى أجل، وأن هذه الآية هي المرجع الأول في الإباحة " (1)
لا توجد آية تبيح المتعة:
ومع ذلك كله نجد أن البعض يدعي: أن لا أحد غير الشيعة يقول: بأن آية: {فما استمتعتم به منهن} قد نزلت في نكاح المتعة (2)
ونقول:
إن ما تقدم من مصادر كثيرة، وكذلك ما سيأتي في الفصل التالي وغيره، يدل على عدم صحة هذا القول.. ويكفي في رده قول الأستاذ عبد الهادي مسعود السالف الذكر.

(1) 1) المتعة للفكيكي (المقدمة) ص 12.
(1) الوشيعة لموسى جار الله ص 166.
76

كلمة: " إلى أجل " لم تتواتر:
وقد أورد الزرقاني على هذه القراءة التفسيرية بإضافة كلمة {إلى أجل} بقوله: " وقراءة ابن مسعود لم تتواتر، والقرآن لا يثبت بالآحاد " (1) فتكون زيادة في كتاب الله، والزائد في كتاب الله ملعون، لأن قوله (إلى أجل) ليس بين الدفتين، ولو كان قرآنا لجازت قراءته بين أظهر الناس وفي المحاريب (2)
وقال الشوكاني: " إن هذه القراءة: " ليست بقرآن عند مشترطي التواتر ولا سنة لأجل روايتها قرآنا، فيكون من قبيل التفسير للآية وذلك ليس بحجة، وأما عند من يشترط التواتر، فلا مانع من نسخ ظني

(1) شرح الموطأ ج 4 ص 47.
(1) راجع: تحريم نكاح المتعة ص 90 و 91.
77

القرآن بظني السنة كما تقرر في الأصول (1)
وعلى حد تعبير الأهدل:
" إن قوله إلى أجل مسمى، ليس بقرآن، وليس بمنزل من الله، ولو كان قرآنا لوجدناه فيه، ولقرئ به في المحاريب. وكفى بالمصحف وإجماع الصحابة على أنه ليس منه " (2)
ونقول:
أولا: إن كلمة: (إلى أجل) ليست جزءا من الآية القرآنية، وإنما هي تفسير للمراد وقد تحدثنا عن موضوع القراءات التي من هذا القبيل، بالتفصيل في

(1) نيل الأطار ج 6 ص 275، وفقه السنة ج 2 ص 45 عنه، وراجع: شرح صحيح مسلم للنووي ج 9 ص 179.
(1) نكاح المتعة للأهدل ص 244 عن المقدسي في كتابه تحريم نكاح المتعة ص 128.
78

موضع آخر (1) وأثبتنا أنها مجرد تفسيرات مزجية تضاف بهذه الطريقة من أجل التوضيح لغير العارف.
وإن هذه التفسيرات قد تكون من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقد تكون منزلة من قبل الله عز وجل، قد جاء بها جبرائيل، كما كان يأتي بالأحاديث القدسية وكلاهما ليس قرآنا.
وقد تقدمت مصادر كثيرة تشير إلى أن هذه أيضا هي قراءة ابن عباس وأبي بن كعب، وسعيد بن جبير، والسدي، وعطاء، بالإضافة إلى ابن مسعود، والإمام علي بن الحسين، وولده الإمام الباقر، والإمام جعفر الصادق عليهم السلام، وحبيب بن أبي ثابت ومجاهد والحكم بن عتيبة.
ثانيا: بالنسبة لمغالطة الشوكاني، فهي مردودة بأننا نختار أنها ليست قرآنا وأنها تفسير للقرآن،

(1) حقائق هامة حول القرآن - للمؤلف.
79

لكنه تفسير مأخوذ من النبي (ص) لأن ذلك من الأمور التوقيفية التي لا تعرف إلا من قبله (صلى الله عليه وآله)، فتكون من السنة الثابتة الواردة بالسند الصحيح لتفسير القرآن، بل ربما يكون هذا التفسير منزلا من عند الله سبحانه، كالأحاديث القدسية المنزلة من عند الله سبحانه، وليس قرآنا.
فقول الأهدل: " ليس بمنزل من الله " غير مقبول على إطلاقه.. إذ قد يكون منزلا على سبيل التفسير، وإن لم يكن قرآنا. كما اعترف به السيوطي وابن الجزري (1) واعترف به الأهدل في خصوص قراءة ابن عباس (2) إذن، فنحن متفقون مع هؤلاء على نفي كون هذه الكلمة جزءا من القرآن، ولكننا لا نوافق على نفي كونها من التفسيرات المنزلة كالأحاديث القدسية أو

(1) راجع: نكاح المتعة ص 247 عن الاتقان ج 1 ص 77.
(1) نكاح المتعة ص 247.
80

هي على الأقل من التفسيرات النبوية للآية، فلا يلزم قراءتها في المحاريب، ولا إثباتها في المصاحف.
ثالثا: إن من يقول بنسخ التلاوة لا يحق له أن يستدل بالمصحف، وبعدم القراءة بالمحاريب وبغير ذلك، إذ لا يستطيع أن ينفي أن يكون مما نسخت تلاوته، وبقي حكمه..
رابعا: بالنسبة لنسخ ظني القرآن بظني السنة سيأتي أن القرآن لا ينسخ بالسنة مطلقا.
كلمة إلى أجل تتعلق بالاستمتاع
وقالوا: إن كلمة {إلى أجل} جار ومجرور يتعلق بالاستمتاع لا بنفس العقد فصار معنى الآية: فإن تمتعتم بالمنكوحات إلى مدة معينة فأدوا مهورهن تماما، مع أن المدة المعينة في المتعة إنما تتعلق بالعقد لا بالاستمتاع، ولذلك كان تعيين الأجل شرطا لصحة
81

العقد.
وفائدة زيادة هذه العبارة دفع ما عسى أن يتوهم من أن وجوب تمام المهر متعلق بمضي تمام مدة النكاح كما اشتهر في العرف أن ثلث المهر يعجل، ويؤجل الثلثان إلى بقاء النكاح.
فهذا التأجيل يحصل بتصرف المرأة واختيارها، وإلا فلها المطالبة بتمام المهر في الشرع، بعد حصول الوطء مرة واحدة.
ولو كان " إلى أجل مسمى قيدا للعقد لم تصح المتعة عندهم إلى مدة العمر مع أنها صحيحة كذلك بإجماعهم، وهذا عجيب.. " (1)
ونقول:

(1) راجع تحريم المتعة للمحمدي ص 117.
82

في كلام هذا البعض مواضع كثيرة للنظر، نذكر منها:
أولا: إنه لو كان الجار والمجرور متعلقا بالاستمتاع لا بالعقد لاقتضى أن يكون الاستمتاع في الدائم موقتا بوقت لا يتعداه. وبعد انتهاء الوقت يبقى العقد ويمنع من الاستمتاع. وهذا ما لم يقل به أحد.. وهو من اللغو غير المعقول ولا المقبول..
كما أن سياق الكلام يقتضي أن يكون المعنى: فما عقدتم من عقد متعة إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن، وهذا هو المطلوب.
ثانيا: من الذي قال: إن العرف القائم على أن ثلث المهر يعجل، ويؤجل الثلثان إلى بقاء النكاح قد كان في زمن نزول الآية موجودا، حتى يحتاج إلى نزول الآية لمعالجته؟!
ثالثا: ما معنى تأجيل ثلثي المهر إلى بقاء النكاح.
83

فهل بقاء النكاح شئ محدد لكي يؤجل إعطاء ثلثي المهر إليه. إن البقاء حالة قائمة ومستمرة لا نهاية لها حتى تكون تلك النهاية أجلا لثلثي المهر.
وإذا كان الزواج دائما فما معنى توهم مضي تمام مدته؟!
رابعا: هل هذا القيد " إلى أجل مسمى " أبطل هذا العرف؟ أم أنه أكده حيث أفاد أنه ليس للمرأة المطالبة بمهرها إلا حين يحل الأجل المسمى للمطالبة.. سواء أكان هذا الأجل هو شهر أو سنة أو أقرب الأجلين من الموت أو الطلاق..
خامسا: من الذي قال: إن المتعة تصح إلى مدة العمر، ومن أين حصل على هذا الإجماع على صحتها.. والذي نعرفه هو أن تحديد المدة بمدة العمر يجعل العقد دائما لا منقطعا..
84

رد حديث ابن عباس في قراءة " إلى أجل ":
وقالوا: إن حديث ابن عباس حول قراءة " إلى أجل مسمى " مروي عن موسى بن عبيدة وهو ضعيف!
كما أن له تتمة تقول: إنه لما نزلت آية حرمت عليكم أمهاتكم - - إلى قوله: {محصنين غير مسافحين..} تركت المتعة. وكان الإحصان، إذا شاء طلق، وإذا شاء أمسك ويتوارثان، وليس لهما من الأمر شيء (1).
ونقول:
أولا: بالنسبة لضعف سند هذه الرواية: قد راجعنا ما ذكروه في تضعيفه، فوجدنا أن سبب التضعيف هو عدم استساغتهم نفس الرواية المنقولة عنه، لا لأنهم يتهمونه بالكذب فيما ينقله.. بل يصفه عدد كبير منهم بالصدق والوثاقة (2)

(1) تحريم المتعة للمحمدي ص 121 - - 123.
(1) راجع: تهذيب التهذيب ج 10 ص 357 - - 360.
85

بل إن أحمد بن حنبل إنما يطعن فيه بسبب روايته هذه الرواية المذكورة عن ابن عباس في المتعة (1)
وإذا عاد الطعن في روايته إلى أن رواياته قد جاءت على خلاف مذاقهم، فإن ذلك الطعن يصبح ساقطا، أو يعود أمر الأخذ بالرواية إلى مزاج الآخذ. وقضايا الدين ليست خاضعة لأمزجة الأشخاص.
ثانيا: بالنسبة لبقية الرواية، فإنه لا يضر فيما نحن فيه.. إذ إن آية حرمت عليكم أمهاتكم قد نزلت مقترنة بقوله: فما استمتعتم به منهن، فما معنى قوله: فلما نزلت} حرمت عليكم أمهاتكم.. {إلخ..
ثالثا: إن المقصود بالإحصان هو التعفف، لا الإحصان الذي يوجب الرجم لو حصل الزنا.. وسيأتي الحديث عن ذلك إن شاء الله تعالى.

(1) راجع: تهذيب التهذيب ج 10 ص 360.
86

قراءة " إلى أجل ".. لا تصح:
وقد حاول البعض أن يقول: كلمة " إلى أجل مسمى " لم تأت في الآية. وكان الأولى أن تذكر فيها لكي لا يكون هناك خلاف.
ونقول:
أولا: هناك آيات كثيرة اختلف المسلمون في المراد منها، وقد كان يمكن حل الإشكال بإضافة كلمة أو كلمتين.. فلماذا لم يضف الله سبحانه فيها تلك الكلمات.
ثانيا: إن بيان الرسول للمراد من الآيات يكفي ويشفي، وعلى الناس أن يلتزموا بتوجيهاته (صلى الله عليه وآله)، وبالتفسيرات التي ترد عنه. فإذا وجد من يريد
المخالفة، وإثارة الشبهات، فإن الله سبحانه لا يتكفل بأن يضع أجوبة لكل شبهة من أي مكابر
87

ومعاند.. وإلا لزم أن يصبح القرآن أضعاف ما هو عليه..
ثالثا: إن في الآية نفسها وكذلك في موقعها من سائر الآيات السابقة واللاحقة قرائن تغني عن ذكر هذه الفقرة.. فيصبح ذكرها فيها في غير محله. وإنما يصح أن ترد على سبيل التفسير لإلفات نظر من لا يلتفت إلى تلك القرائن. وقد ذكرنا في هذا الفصل بعض ما يشير إلى هذه القرائن المشار إليها، فلا نعيد.
أسباب رفض قراءة " إلى أجل ":
قال ابن جرير عن قراءة الآية بإضافة كلمة " إلى أجل " إنها " قراءة بخلاف ما جاءت به مصاحف المسلمين. وغير جائز لأحد أن يلحق في كتاب الله تعالى شيئا لم يأت به الخبر القاطع لعذر عمن لا يجوز خلافه " (1)

(1) جامع البيان ج 5 ص 10.
88

وقال القيسي: " ولا يجوز لأحد اليوم أن يقرأ بذلك، لأنها قراءة على التفسير مخالفة للمصحف، ولأن القرآن لا يؤخذ بأخبار الآحاد " (1)
وقال المازري: " قراءة ابن مسعود هذه شاذة لا يحتج بها قرآنا، ولا خبرا، ولا يلزم العمل بها " (2)
وقال الجصاص: " لا يجوز إثبات الأجل في التلاوة عند أحد من المسلمين، فالأجل عندنا غير ثابت في القرآن " (3)
أما الرازي فقال:
".. إن تلك القراءة - - بتقدير ثبوتها - - لا تدل إلا على أن المتعة كانت مشروعة، ونحن لا ننازع فيه،

(1) تحريم نكاح المتعة ليوسف جابر ص 114 عن الإيضاح للقيسي ص 222.
(1) تحريم نكاح المتعة ص 114 عن: العلم بفوائد المسلم ج 2 ص 130.
(1) تحريم نكاح المتعة ص 114 عن: أحكام القرآن ج 2 ص 148.
89

إنما الذي نقوله: إن النسخ طرأ عليه. وما ذكرتم من الدلائل لا يدفع قولنا.
ثم إن هذه القراءة الشاذة أي " إلى أجل مسمى " جاء جار ومجرور متعلق بالاستمتاع، لا بنفس العقد، في حين أن المدة المتعينة إنما تكون متعلقة بنفس العقد، ومن هنا أبطلوا متعتهم بأيديهم، وهم لا يشعرون " (1)
ونقول:
إننا نستخلص مما تقدم النقاط التالية:
1 - - إنها قراءة بخلاف ما جاءت به مصاحف المسلمين.
2 - - لا يجوز إلحاق شيء في كتاب الله إلا بخبر قاطع للعذر عن النبي.
3 - - إنها قراءة على التفسير.

(1) تحريم نكاح المتعة ليوسف جابر المحمدي ص 114، 115.
90

4 - - إنها خبر واحد ولا يؤخذ القرآن بخبر الواحد.
5 - - هي قراءة شاذة لا يحتج بها قرآنا ولا خبرا.
6 - - قراءة لا يلزم العمل بها.
7 - - إنها قراءة لا تدل إلا على مشروعية المتعة. وهو مسلم لكننا ندعي النسخ.
والجواب عن ذلك كله نلخصه فيما يلي:
أولا: إن هذه القراءة إنما جاءت على سبيل التفسير للآية.. وقد يكون هذا التفسير منزلا من عند الله سبحانه على حد الأحاديث القدسية التي هي من كلام الله وليست قرآنا. فقراءة الآية بإضافة هذه الكلمة لا يعني أن تكون هذه الكلمة جزءا من النص القرآني.
ولأجل ذلك نقول: إنه لا حرج في أن تكون
91

قراءة على التفسير، كما ذكره المستشكل بل هذا هو المطلوب كما أنه لا يصح قول المستشكل:
إنها قراءة بخلاف ما جاءت به مصاحف المسلمين.
ولا قوله: لا يجوز إلحاق شيء في كتاب الله إلا بخبر قاطع للعذر عن رسول الله (صلى الله عليه وآله).
ولا قوله: إنها خبر واحد، ولا يؤخذ القرآن بخبر الواحد.
ثانيا: قولهم إنها قراءة شاذة يثير سؤالا عن المعيار والضابطة التي تسوغ الحكم على قراءة بالشذوذ أو بعدمه..
فإنها قراءة رواها المسلمون عن ابن مسعود وأبي بن كعب وابن عباس وسعيد بن جبير وغيرهم.. فلماذا تكون قراءة شاذة. ولماذا لا يصح الاحتجاج بها قرآنا
92

ولا خبرا؟!
ثالثا: قولهم إنها قراءة لا يلزم العمل بها يحتاج إلى إثبات.
رابعا: قد اعترفوا هم أنفسهم أنها قراءة تدل على مشروعية المتعة. لكنهم يدعون النسخ. فمن يدعي النسخ فعليه إثباته. ولا بد له ولنا من الالتزام بالمشروعية إلى أن يثبتوا رفعها.
قراءة " إلى أجل " رأي صحابي:
وقد زعم البعض: أن هذه القراءة لم ترد على أنها سنة مرفوعة إلى النبي (صلى الله عليه وآله)، إذ يعوزها السند، فبقيت على أنها مجرد فهم صحابي عبر عنه بلفظه هو. ورأي الصحابي ليس بحجة، لأنه محض اجتهاد، ولو لزمنا رأي الصحابي لتعدد الرسل.
ونقول:
93

أولا: إن الاستشهاد بهذه القراءة يراد به الإشارة إلى أن الذين قرأوا هذه القراءة لم يأتوا بها من عند أنفسهم بصورة اقتراحية، وإنما هم قد تلقوها من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، بل يظهر من ابن عباس: أن هذه القراءة لا تختص بابن مسعود، بل عامة صحابة رسول الله يقرؤونها كذلك..
فقد جاء في حديثه قال: كانت المتعة في أول الإسلام، وكانوا يقرؤون هذه الآية:} فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى {الآية.. فكان الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفة فيتزوج بقدر ما يرى أنه يفرغ من حاجته إلخ (1)

(1) راجع: السنن الكبرى ج 7 ص 205 - - 206 ونيل الأوطار للشوكاني ج 6 ص 136 والناسخ والمنسوخ من الآثار للحازمي، وتحفة الأحوذي ج 4 ص 269 وفتح الباري ج 9 ص 77 وغير ذلك.
94

ولم يكن الصحابة ليفتروا على الله سبحانه من عند أنفسهم.. وليست هذه القراءة مجرد اجتهاد من واحد منهم..
وكيف تجرؤا على أن يدخلوا اجتهاداتهم الشخصية ويشرعوا من عند أنفسهم؟
ثانيا: إنهم يقولون عن الصحابة إنهم جميعا ذوو اجتهاد صواب (1) كما أن مالكا كان إذا جاءه عمل من صحابي وحديث صحيح عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) يجري بينهما أحكام المتعارضين. بل هو يوجب الطعن فيه (2) هذا فضلا عن كونه يخصص العلم (3) بل

(1) راجع: التراتيب الإدارية ج 2 ص 366 وراجع ص 364 و 365 وإرشاد الفحول ص 259 وراجع ص 78 ونهاية السؤل ج 4 ص 560 وراجع ص 558 وراجع: الأحكام للآمدي ج 4 ص 159.
(1) أبو زهرة: مالك ص 290 وابن حنبل ص 251 وراجع ص 254 و 255 وعن إرشاد الفحول ص 214، وراجع: أعلام الموقعين ج 1 ص 29 وقواعد في علوم الحديث ص 460 و 461.
(1) راجع نهاية السؤل، وسلم الوصول (المطبوع بهامشه) ج 4 ص 408.
95

إن عمل صحابي بخلاف الحديث يوجب الطعن في ذلك الحديث (1)
ثالثا: إنه إذا جاز لابن مسعود وغيره من الصحابة أن يجتهدوا فلم لا تجوزون على عمر بن الخطاب أن يكون قد اجتهد برأيه حين منع من متعتي النساء والحج.. وتتركون رأيه فيهما وتقولون: لو لزمنا رأي الصحابي لتعدد الرسل.
رابعا: إنه إذا كان أمثال ابن مسعود، وابن عباس، وأبي بن كعب، وغيرهم ممن أشار إليهم ابن عباس، حسبما ألمحنا آنفا إذا كانوا يرون أن هذه الآية قد نزلت في نكاح المتعة، فكيف يشنعون على من استدل بهذه الآية على مشروعية هذا الزواج. وطالبهم بناسخه

(1) قواعد في علوم الحديث ص 202 وراجع: أصول السرخسي ج 2 ص 7.
96

القطعي؟! وهل يجوز لهم بعد هذا اعتبار المتعة من الزنا؟!
احتمال أن يكون الأجل للمهر:
ولو صحت قراءة إلى أجل، فقد ادعى البعض: أن يكون الأجل داخلا على المهر، وتقدير الآية: {فما دخلتم به منهن بمهر إلى أجل مسمى فآتوهن مهورهن عند حلول الأجل} (1)
ونقول:
إن ظاهر الآية أن الأجل قيد للاستمتاع، ولم تشر قبل ذكر الأجل المسمى إلى المهر لا من قريب ولا من بعيد.. فتقديره على النحو الذي ذكره محض اقتراح منه لا شاهد له ولا دليل عليه..

(1) تحريم نكاح المتعة ليوسف جابر المحمدي ص 116 و 117 ونكاح المتعة للأهدل ص 245 عن أحكام القرآن للجصاص ج 2 ص 179.
97

قراءة إلى أجل في صورة وطء الشبهة:
وفي محاولاتهم للتخلص والتملص من دلالة الآية الشريفة قالوا:
" لو سلمنا ما ذكروا من الزيادة في القراءة فليس فيها دليل على إباحة نكاح المتعة. وإنما فيها دليل على وجوب المهر على من ارتكب الحرام من ذلك ووطأ فيه.
ونحن نقول: إن المهر يلزم بالوطء فيه لأجل الشبهة، التي سقط الحد لأجلها عنه.
فهو كما لو وجد امرأة نائمة على فراشه فوطأها معتقدا أنها زوجته، فإنه يجب عليه مهر مثلها لأجل الشبهة، فكذلك ها هنا " (1)

(1) تحريم المتعة للمحمدي ص 117. وراجع نكاح المتعة للأهدل ص 246 عن منهاج السنة لابن تيمية ج 2 ص 156.
98

ونقول:
إن ذلك لا يصح، وذلك لما يلي:
أولا: إنه تعالى لم يشر إلى حرمة هذا الزواج في هذه الآية لا من قريب ولا من بعيد؛ فمن أين استنبط: أن الحديث إنما هو في صورة ما لو ارتكب الحرام من ذلك (أي من زواج المتعة) ووطأ فيه..
ثانيا: إن هذه الآية واردة في سورة النساء، التي نزلت في أوائل الهجرة، ولا شك في بقاء حلية هذا الزواج إلى زمن خيبر، ثم إلى عام الفتح، بل إلى حجة الوداع، كما ذكر في بعض الروايات فلم يكن زواج المتعة حراما حين نزول هذه الآية، لكي تتحدث هذه الآية عن أحكام الوطء شبهة فيه..
ثالثا: إن هذا القول معناه: أن الآية تتحدث عن زواج المتعة - - الذي هو محرم بزعمه - - ولم يزل هؤلاء ينكرون دلالة الآية عليه ويدعون أن المراد بها
99

خصوص النكاح الدائم، فبأي كلاميهم نأخذ، يا ترى؟!
كلمة إلى أجل منسوخة:
ويقولون: إن كلمة " إلى أجل " ليست ثابتة الآن في القراءة المشهورة فإن كانت مما أنزله الله، فعدم ثبوتها في القراءة المشهورة يكشف عن أنها قد أنزلت حين كانت المتعة مباحة، ثم جاء الناسخ فنسخ هذه الكلمة وذلك حين حرمت المتعة (1)
ونقول:
أولا: إن عدم ثبوتها في القراءة المشهورة لا يدل على نسخها، لأننا نقول إنها من القراءات التفسيرية، التي ليست جزءا من القرآن، فلا ينالها النسخ.
ثانيا: إن هناك حرصا شديدا على استبعاد هذه القراءة من بين القراءات المشهورة وما نجده من

(1) راجع: المصدر السابق ص 116.
100

تمحلات ومن إصرار على إثارة الشبهات حول هذا الموضوع خير دليل على ما نقول.. فعدم ذكرها في القراءات المشهورة لا يدل على النسخ.
ثالثا: إن هناك من ينكر هذا النسخ المدعى فكيف يمكن إثباته بمثل هذه التوجيهات والتأويلات.
وبعبارة أخرى: إن حلية هذا الزواج ثابتة بلا شك عند كل أحد.. ودعوى أنه قد طرأ عليه النسخ والتحريم أول الكلام. فعلى مدعيها أن يثبتها.. فلا مجال لإرسالها إرسال المسلمات هنا. فإن الدعوى لا يمكن أن تكون هي الدليل.. ومجرد عدم ثبوت كلمة (إلى أجل) في القراءة المشهورة لا يدل على ذلك.. وذلك لما ذكرناه فيما جاء بعنوان: " أولا.. وثانيا "..
دليل التحريم يعارض قراءة " إلى أجل ":
وذكروا أيضا: أننا لو فرضنا أن قراءة " إلى أجل " تدل
101

على الحلية، فإن دليل التحريم لهذا الزواج يعارض هذا الدليل على الحلية. فيلزم تقديم دليل الحرمة منهما لأن الحظر مقدم على الإباحة أصوليا لأن تقديم المحرم قد يؤدي إلى ترك المباح لكن تقديم المبيح قد يؤدي إلى ارتكاب الحرام (1)
ونقول:
أولا: إن هذا الدليل المدعى على حرمة زواج المتعة غير تام لا سندا ولا دلالة فلا يصلح لمعارضته دليل التحليل الثابت بصورة قطعية. وسيأتي الكلام في أسانيد ودلالات الروايات التي اعتمد عليها مدعو النسخ.. فانتظر.
ثانيا: إنما يلاحظ التكافؤ بين الدليلين في صورة كونهما في مرتبة واحدة وأما إذا كان أحد الدليلين

(1) راجع نكاح المتعة للأهدل ص 246 عن روح المعاني ج 6 ص 7 وتحريم المتعة للمحمدي.
102

قطعيا وثابتا وقد أثبت الحكم وعملت به الأمة ثم جاء ضعيف يدعي أنه ينسخه، وقد عورض دليل النسخ بما يدل على تأكيد البقاء، فإن دليل النسخ ليس في مرتبة دليل أصل التشريع لكي يدعى المعارضة بينهما ويعمل بالمرجحات. بل هو في مرتبة الدليل الدال على عدم صحة النسخ المدعى.
الآية لا تدل على حلية المتعة إلى أجل:
ويقولون أيضا: " ليس في الآية ما يدل على أن الاستمتاع إلى أجل مسمى حلال، فإنه تعالى لم يقل: وأحل لكم أن تستمتعوا بهن إلى أجل، بل قال تعالى: فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن " (1)
ونقول:
أولا: سيأتي أن قرينة السياق تدل على أن المراد

(1) تحريم المتعة للمحمدي ص 116.
103

بها ذلك.
ثانيا: كما أن قراءة الصحابة الآية بإضافة كلمة " إلى أجل مسمى " التفسيرية قرينة أخرى على المراد بها..
ثالثا: عدا ذلك، فإن نفس قوله تعالى: {فما استمتعتم به منهن} يدل على أن الأجور تثبت بحصول مقدار من الاستمتاع ولو كان يسيرا.. وهذا إنما يكون في خصوص حالة توقيت النكاح، فإنه يجب إعطاؤها من المهر بمقدار ما وفت به من المدة.. وإلا لثبت المهر في الدائم ولو من أجل تقبيلة أو لمسة، ولا يقول بذلك أحد..
والتفريق في التعبير الذي ذكره المستشكل لا يصلح فارقا. بل هو على خلاف مقصوده أدل.. لأن
104

العبارة القرآنية تفيد أن أي مقدار من الاستمتاع يوجب ثبوت المهر. وليس الأمر كذلك في النكاح الدائم.
قراءة ابن مسعود خبر واحد:
وقالوا عن قراءة ابن مسعود: إنها ليست بحجة لأنها من أخبار الآحاد، ولا يلزم العمل بخبر الواحد في مثل هذه النقول على أنه قرآن على الصحيح من القول في ذلك.
فالمخالف ملزم بإثبات: أن ابن مسعود كان يقرأ بهذه القراءة على أنها قراءة رسول الله (ص)، وإن نسبت بعض الكتب التفسير ذلك القول إليه. فإذا لم يثبت ذلك فيلزم أن يفتري على الله ورسوله ويلزم المسلمين بقراءة شاذة لا يستطيع هو أن يثبتها أنها من
105

قراءة النبي (ص) (1)
ونقول:
أولا: قد قلنا أكثر من مرة أن المقصود من إيراد هذه القراءة هو تأييد كون الآية الشريفة المذكورة تتكفل ببيان حكم زواج المتعة. وليس المقصود اعتبار كلمة " إلى أجل مسمى " من القرآن ثم الاستدلال بها على هذا الأساس. ويكفي في ذلك خبر الواحد.. ولا حاجة إلى أزيد من ذلك..
بل لا حاجة لإثبات أنها قراءة لرسول الله (صلى الله عليه وآله).. فإن فهم الصحابة لذلك أو فهم فريق منهم له كاف في إثبات هذا الأمر.. خصوصا إذا كان هذا الأمر من الأمور التوقيفية التي لا ينالها الاجتهاد، بل تحتاج إلى دلالة من المعصوم.
ثانيا: إن من يدعي نسخ حكم قطعي الثبوت بخبر

(1) راجع: تحريم المتعة للمحمدي ص 123.
106

الواحد.. ألا يكون ممن يفتري على الله ورسوله، ويلزم المسلمين بأمر لا يستطيع هو أن يثبت أنه صادر عن النبي (صلى الله عليه وآله) بصورة قطعية؟!
المقدسي وقراءة " إلى أجل ":
وقد حاول نصر بن إبراهيم المقدسي الشافعي التملص والتخلص من تبعات الالتزام بالقراءة التفسيرية للآية من قبل ابن عباس متعللا بما يلي:
أولا: إن الرواية عن ابن عباس قد اختلفت، حيث روي عنه أنها حرام كالميتة، والدم، ولحم الخنزير. فإذا ثبت أنه رجع عن التحليل إلى التحريم لم يصح التعلق بروايته (1)
أضاف البعض قوله: " وانتقده جماعة من الصحابة

(1) وراجع أيضا في ذلك: نكاح المتعة للأهدل ص 307.
107

وغيرهم على الترخيص فيها عند الضرورة، ولم يسلم له رأيه " (1)
ثانيا: لو كان هذا تفسيرا لوجب نسخه بما روي عن رسول الله (ص) أنه قال: " ثم هي حرام إلى يوم القيامة، نهيت عنها وعن لحوم الحمر الأهلية " وكذلك هي منسوخة بالنكاح والطلاق، والعدة، والميراث، والظهار، والإستباحة وغير ذلك.
ثالثا: إن من المفسرين من قال إن المراد بها هو النكاح، عن الحسن، وابن شهاب، وربيعة، وغيرهم.
وروي أن المراد بالآية تقدير الصداق.. وقد روي عن الحسن وقتادة أنهما قالا في هذه الآية إلى موت أو طلاق.

(1) نكاح المتعة للأهدل ص 307.
108

وعن قتادة:} فآتوهن أجورهن فريضة {أي بما تراضوا عليه من قليل أو كثير فقد أحل الله ذلك لهما.
رابعا: لو سلمنا الزيادة في القراءة، فلا تدل الآية على حلية المتعة، بل تدل على وجوب المهر - - أي مهر المثل - - على من ارتكب الحرام من ذلك ووطأ فيه.
ونحن نقول به: أي أنه يلزم المهر بالوطء في المتعة لأجل الشبهة التي أسقطت الحد عنه وثبت لها مهر المثل، ولو أن الأمر اقتصر على العقد فإنه يفرق بينهما، ولا يجب شيء لا المسمى ولا غيره.. فهو نظير امرأة أجنبية نائمة ظن أنها زوجته فيجب مهر المثل لأجل الشبهة.
خامسا: إن الزيادة المذكورة لا تدل على إباحة المتعة لقوله تعالى:} أن تبتغوا بأموالكم محصنين {، لأن
109

الإحصان لا يحصل بالمتعة، بل بالدائم ولأن المتعة سفاح وليس نكاحا، والله سبحانه يقول:} غير مسافحين {.
فالمباح هو النكاح بشرط الإحصان وعدم السفاح، فالإباحة معلقة على شرط، فإذا انتفى الشرط - - كما هو الحال في المتعة - - انتفت الإباحة وصار كأنه منهي عنه بهذه الآية.
وذلك كله يبين لنا أن الآية واردة لدفع شبهة سقوط مهر المثل عمن ارتكب هذا الزواج المحرم، فبينت الآية أن المتعة ليست كالزنا الذي لا مهر فيه - - لا المثل ولا المسمى - - بل هي من قبيل وطء الشبهة..
فهي من قبيل قوله تعالى في قتل المحرم للصيد وذلك حرام عليه:} ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل
110

من النعم {.
إنتهى كلامه بتصرف وتلخيص وإيضاح (1)
كلام المقدسي في الميزان:
ونقول: إن جميع ما ذكره هذا الرجل لا يصح الاستناد إليه، ونحن نناقش كلامه ضمن العناوين التالية:
1 - اختلاف الرواية عن ابن عباس:
يرد على دليله الأول؛ وهو الاختلاف في الرواية عن ابن عباس:
1 - - إن المدار على ما هو ثابت عنه، وقد ثبت عنه التحليل بطرق صحيحة، حتى ادعوا: أن عليا

(1) راجع: رسالة تحريم نكاح المتعة ص 90 - 96.
111

عليه السلام قال له: إنك امرؤ تائه إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نهى عن المتعة يوم خيبر..
2 - - لو كان الاختلاف المزعوم موجبا لرد روايته بالحلية لكان لا بد من رد رواية سبرة بن معبد التي اختلفت اختلافا فاحشا، ولكان اللازم رد رواية التحريم يوم خيبر، وسائر روايات التحريم المتناقضة.. وتبقى قراءة غيره ممن لم تتناقض الرواية عنهم على حالها من الاعتبار.
3 - - إن هذا المستدل - - وأعني به المقدسي - - لا يرضى حتى بأن يقال: ان ابن عباس قد أحلها للمضطر، كالميتة، والدم، ولحم الخنزير، حيث رفض الإستدلال برواية ابن ميسرة عن ابن عباس قال: " قيل له: إنك تفتي بإحلال المتعة حتى قالوا فيها الشعر، وأنشد بعض ما قالوا، فقال: ما لهم قاتلهم الله، والله ما حدثتهم أن رسول الله
112

(صلى الله عليه وآله) أحلها إلا في أيام على حالة ضرورة، على مثل ما أحلت لهم الميتة، والدم، ولحم الخنزير، فعقب على هذا الحديث بقوله: الأولى أن لا يحتج بحديث ابن المنذر، لأن ظاهره مباح عند الضرورة كإباحة الميتة " (1)
مع أنه هو نفسه يستدل على رجوعه بحديث سعيد بن جبير عنه، مع أن حديثه لا يختلف عن حديث ابن المنذر في شيء.
ولكننا لم نجد أثرا لهذا الرجوع، بل وجدناه يصر في مقابل ابن الزبير على بقاء الحلية، رغم تهديد ابن الزبير له.. وسيأتي ذلك إن شاء الله تعالى.
لكننا نجد في المقابل: أن الذين اعتذروا

(1) تحريم نكاح المتعة ص 92.
113

باختلاف الرواية عن ابن عباس قد اعترفوا بأن أصح الروايات عنه هي تلك التي تقول: إنه كان يحلها للمضطر (1).
فشتان بين موقف المقدسي وبين موقف هؤلاء..
ولكن سيأتي الحديث عن أن هذا الأمر لا يمكن أن يصح أيضا. وذلك في الأقسام التالية من هذا الكتاب.
4 - - إن ابن عبد البر وغيره - - حسبما ذكرناه في موضع آخر من هذا الكتاب - - قد صرحوا بأن روايات التحريم عن ابن عباس ضعيفة.. وروايات التحليل عنه أصح.
5 - - إن رواية سعيد بن جبير نفسها تدل على بقاء الحلية للمضطر كما هو ظاهر.
6 - قول بعضهم: إنه لم يسلم لابن عباس رأيه لا

(1) نكاح المتعة للأهدل ص 307.
114

يوجب الوهن في رأي ابن عباس، وسنعرف أن دعوى اعتراض علي (عليه السلام) عليه، غير ثابتة، بل هي لا تصح أصلا.
وأما اعتراض ابن الزبير فهو غير ضائر فإن ابن الزبير لم يكن فقيها، ولا عالما، وإنما كان عدوا لبني هاشم، وقد كان يسعى للحصول على أية فرصة ممكنة لإيصال الأذى إليهم. وقد جمعهم في الشعب ليحرقهم فخلصهم جيش المختار من براثنه.
فأين هي تلك الجماعة التي يدعونها، وما معنى دعوى انتقاد جماعة من الصحابة لرأي ابن عباس؟!
2 - - لو كانت " إلى أجل " تفسيرا لكانت منسوخة:
أما بالنسبة لقوله: لو كانت كلمة " إلى أجل " تفسيرا لوجب نسخها بما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) فيرد عليه:
1 - - إن حديث النسخ عن النبي (صلى الله عليه
115

وآله) قد اختلف وتناقض فلا يصح الاعتماد عليه.
2 - - بالنسبة للنسخ بالآيات القرآنية قد ذكرنا في هذا الكتاب فيما يأتي عدم صحة ذلك، فلا حاجة للتكرار، بل نكل الحديث في ذلك إلى موضعه.
3 - - لا يجوز نسخ الكتاب بخبر الواحد.
4 - - لا معنى لنسخ آية المتعة بآية النكاح الدائم، لأن المتعة نكاح، ولأن النكاح الدائم كان مشرعا قبل وبعد تشريع المتعة.
5 - - من قال: إن الظهار لا يقع في زواج المتعة؟ ‍.
3 - المراد بالآية النكاح الدائم:
أما بالنسبة لقوله: إن المراد بالآية النكاح الدائم أو تقدير الصداق، نقول:
116

1 - - إن حلية هذا الزواج لا تعرف إلا ببيان صريح من الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) وقد وردت الروايات المصرحة بحليته استنادا إلى هذه الآية الشريفة، وذلك يدل على أنهم قد أخذوا ذلك من مصدر الوحي، وليس قولا من عند أنفسهم، لأن هذا الأمر ليس من الأمور التي تصاب بالعقول.. فلا يلتفت إلى المفسرين الذين يريدون إيجاد المبررات لما صدر عن عمر بن الخطاب من المنع عن هذا الزواج.
2 - - إن القول بأن المراد بالآية هو النكاح الدائم يلزم منه التكرار في الآيات كما سنرى.
3 - - إنه لا معنى للإصرار على أن المراد بالآية هو خصوص الدائم مع عدم وجود قرينة في الآية على هذا التخصيص، فلماذا لا يعترفون على الأقل بأن الآية تتحدث عن مطلق النكاح سواء أكان
117

دائما أم منقطعا؟!
4 - - قال سبرة: الاستمتاع - - يومئذ - - التزويج، فليس المراد به التلذذ الموجب لاستحقاق المهر.
5 - - ليس كل تلذذ واستمتاع يوجب المهر، بل هو تلذذ خاص وهو الدخول، ومن الواضح أن الاستمتاع لا ينحصر بذلك فما معنى إيجاب المهر استنادا إلى ذلك؟.
6 - - إن التعبير في الآية الكريمة بقوله:} فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن {ظاهر بأن أي استمتاع يحصل مهما كان ضئيلا يوجب مقدارا من الأجر بحسبه وهذا لا يكون إلا في نكاح المتعة.
ومع الاصرار على عدم التبعيض في المهر وعلى أن المقصود هو تمام الاستمتاع الذي يبلغ ذروته بالدخول كما يدعون، فإن عليهم أن يقبلوا بأن ذلك يلزم
118

منه التحكم وفرض الرأي بلا مبرر فإن كلمة الاستمتاع أعم من الدخول وعدمه.. فلا معنى للتخصيص بالدخول.
كما أنه يحصر إرادة التعميم من حيث الكمية في مرات الدخول لا التعميم في مقدار الاستمتاع الذي يبدأ بالنظرة ثم باللمسة والقبلة.. وهكذا إلى أن يبلغ ذروته بالدخول.. والتعميم من حيث مقدار ما تفي به المتمتع بها من المدة فتستحق ما يوازيها من المهر.
فإن قلنا بأن المراد بالآية المتعة، فالتعميم الأخير هو المراد والتعميم الذي سبقه لا ينافيه..
وإن قلنا بما يقولون به فإن الأمر ينحصر في مرات الدخول.. فيكون التعميم في قوله} فما استمتعتم به منهن {خاصا به دون سواه.. وهو خلاف الظاهر جدا من الآية، الدالة على أن مقدار المهر هو في مقابل
119

مقدار ما يحصل من الاستمتاع وتفي به له من المدة..
كما أن إرادة تمام المهر من قوله} فآتوهن أجورهن {خلاف الظاهر أيضا. بل المقصود هو الأجور التي تناسب مقدار الاستمتاع..
4 - الآية تدل على وجوب المهر بالدخول:
أما بالنسبة لقوله: إن المهر إنما يلزم بالدخول، ويسقط الحد لأجل الشبهة، فيرد عليه:
1 - - لو كان المقصود مهر المثل، فما معنى قوله تعالى:} ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة {، فإن الفريضة هي المهر المسمى، كما هو ظاهر.
2 - - إن هذه الآية قد وردت في سورة النساء ولا شك أنها قد نزلت قبل خيبر، والفتح، وحجة الوداع، وحنين، وو.. وقد ثبت التحليل للمتعة في هذه
120

المواطن، فما معنى تشريع مهر المثل، واعتبار المتعة وطء شبهة مع أن الحلية كانت موجودة آنئذ.
نعم لو كانت هذه الآية قد نزلت بعد حجة الوداع لأمكن القول، لو صحت الروايات: إن هذا الزواج كان منسوخا حراما، فممارسته تكون من قبيل وطء الشبهة الموجب لمهر المثل وسقوط الحد.
3 - - إن قياس المقام على وطء المرأة الأجنبية النائمة غير صحيح، لأن الآية إن كانت قد وردت بعد النسخ والتحريم، فلا شبهة في البين لورود البيان، بل هو زنا صريح، يوجب الحد بالرجم، أو الجلد، فجعل الوطء شبهة يسهل على الناس ارتكاب هذا الزنا المحرم الذي لا شبهة فيه أصلا.
5 - الإحصان في زواج المتعة:
أما بالنسبة لقوله: إن المتعة من قبيل وطء
121

الشبهة وأنها لا توجب إحصانا فسيأتي الحديث عنه تحت عنوان المتعة لا توجب إحصانا لكننا نكتفي هنا بما يلي:
1 - - ان المتعة توجب إحصانا عند بعض الفقهاء، كما ذكره الرازي (1)
2 - - إنها حتى لو لم توجب ذلك لم يكن ذلك مضرا في حليتها فإن الدائمة قبل الدخول زوجة شرعية، لكن ذلك لا يوجب إحصانا.
والمسافر أيضا لو زنى لا يرجم لعدم تحقق الإحصان فيه، مع أنه متزوج بالدائم.
3 - - دعوى أن زواج المتعة سفاح وليس بنكاح (2) أول الكلام، لأن الله تعالى، قد شرعها، وعمل بها الناس، ولا يعقل أن يشرع الله السفاح. أضف إلى

(1) التفسير الكبير ج 1 ص 53.
(1) راجع أيضا: تحريم نكاح المتعة ص 96.
122

ذلك أن سبرة بن معبد يقول في رواية التحريم يوم الفتح: " والاستمتاع يومئذ التزويج " فاشتراط التأبيد في النكاح ليس له ما يبرره.. نعم هو شرط في الدائم لا في مطلق النكاح.
4 - - تشبيه المتعة بقتل المحرم صيدا، فإن ذلك حرام عليه، وذلك لا ينافي نزول آية تبين حكم من فعل ذلك.. في غير محله، فإن السفاح حكمه الرجم أو الجلد، وليس في السفاح مهر أصلا، وقد ثبت ذلك بأدلة النسخ فما معنى إعطاء المهر للزانية؟.
123

الفصل الثاني
آية المتعة.. وشبهاتهم.
124

الصحابة لم يرووا نزول الآية في المتعة:
وقد ذكر بعضهم: " أن الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين لم يقولوا فيما يروونه عن الرسول (ص): أن الآية نزلت في المتعة، وخير مثال نضربه، ونلقم المخالف حجرا قول الإمام علي رضي
126

الله عنه الذي يعتبره أتباع المتعة حجة، وأنه الإمام المعصوم، والوصي الأول، وكان أعلم الصحابة بمواقع التنزيل، ومعرفة التنزيل، فإن السنة والشيعة لم يرووا عنه بأن هذه الآية نازلة في المتعة، مع أنه كان يعلم نزول كل آية زمانا ومكانا (1)
ثم ذكر أن عمر قال: إن المقصود بالآية هو النكاح الأول..
وأن ابن مسعود قال: إنها محمولة على الاستمتاع بهن في النكاح، وقول ابن مسعود " إلى أجل مسمى يعني به المهر دون العقد " (2)
ونقول:
أولا: لماذا هذه الحدة التي يظهرها هؤلاء في مناقشاتهم لهذه المسألة، حتى يبلغ بهم الأمر إلى حد

(1) تحريم المتعة في الكتاب والسنة ص 76.
(1) المصدر السابق ص 77.
127

أنهم يريدون أن يلقموا المخالف حجرا؟!!
مع أنهم غير قادرين على تقديم أي شيء يفيد الإقناع، بما يلزمون أنفسهم به. حتى إن دعواهم العريضة - - هنا - - تدحضها الأدلة القاطعة الكثيرة.. ما دام أن عددا من الصحابة قد رووا نزول هذه الآية في زواج المتعة. فابن عباس.. يقول: إنهم كانوا يقرؤون آية المتعة بإضافة كلمة " إلى أجل "، حسبما تقدم.
وسيأتي في فصل النصوص والآثار: أن عمران بن حصين - - وهو من الصحابة - - قد ذكر أن هذه الآية قد نزلت في المتعة، ولم تنزل آية تنسخها، وأنه (صلى الله عليه وآله وسلم) مات ولم ينههم عنها، قال رجل برأيه ما شاء..
وروي ذلك أيضا عن أبي بن كعب، كما أسلفنا. وعن ابن مسعود..
وأما علي (عليه السلام) فقوله في المتعة أشهر من
128

أن يذكر، ومن ذلك الذي ما عرف أو سمع: كلمته " لولا أن عمر نهى عن المتعة لأمرت بها ثم ما زنى إلا شقي ".
ثانيا: إن استدلاله بقول عمر بن الخطاب: إن آية المتعة يراد بها النكاح الدائم لا يصح، لأن عمر هو الذي حرم المتعة - - كما سيأتي في نصوص كثيرة جدا - - فلا نتوقع منه أن يفسر الآية الشريفة بها، لأن ذلك معناه أنه يدين نفسه.
ثالثا: ما ذكره عن ابن مسعود من أنه يفسر الآية بالنكاح الدائم، لا يصح أيضا، فإن قراءته الآية بإضافة كلمة " إلى أجل " خير شاهد على أن نسبة هذا التفسير إليه غير صحيحة. وتبرير ذلك بأن كلمة " إلى أجل مسمى، يعني به المهر، دون العقد " غير صحيح أيضا؛ إذ إن ذلك لا يستقيم من الناحية اللغوية، حيث لم يتقدم ذكر للمهر لتكون هذه الكلمة قيدا له..
129

الرسول لم يفسر آية المتعة:
وقد استدل بعضهم على عدم كون آية} فما استمتعتم به منهن.. {قد نزلت في زواج المتعة، بأن الرسول (ص) " لم يقل: إنها نزلت في نكاح المتعة " (1)
ونقول:
أولا: إن عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود. فكيف صح له نفي أن يكون (صلى الله عليه وآله وسلم) قد قال بنزول الآية في نكاح المتعة؟
ثانيا: إن ما ذكره ابن عباس، وعمران بن الحصين، وابن مسعود، وغيرهم، وقراءتهم الآية بإضافة كلمة " إلى أجل " التي لم يكونوا ليتفتئتوها من عند أنفسهم، بل هو علم أخذوه عن رسول الله (صلى

(1) تحريم المتعة في الكتاب والسنة ص 75.
130

الله عليه وآله وسلم) يؤكد: على أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أعلمهم بنزولها في هذا الزواج بالذات، وأنهم قد أخذوا تفسيرها بكلمة " إلى أجل " منه (ص).
القرطبي وآية المتعة
قال القرطبي: " ولا يجوز أن تحمل الآية (يعني آية:} فما استمتعتم به منهن.. {على جواز المتعة، لأن رسول الله (ص) نهى عن نكاح المتعة، وحرمه، لأن الله تعالى قال:} فانكحوهن بإذن أهلهن {ومعلوم أن النكاح بإذن الأهلين هو النكاح الشرعي، بولي وشاهدين، ونكاح المتعة ليس كذلك (1)
ونقول:
أولا: إن نهي رسول الله (صلى الله عليه وآله

(1) الجامع لأحكام القرآن ج 5 ص 129 و 130.
131

وسلم) عن نكاح المتعة، لا يدل على عدم كون المقصود بالآية هو ذلك، فإن النهي لا يلازم التحريم، فلعله كان نهي تنزيه، أو لعله كان نهيا تدبيريا حين رأى أنهم لا يمارسون هذا الزواج وفق الضوابط والشرائط.
هذا بالإضافة إلى عدم ثبوت هذا النهي كما سيتضح في الفصول الآتية، لأن الآية قد نزلت في أوائل الهجرة، والنهي المزعوم قد كان في عام خيبر، أو الفتح أو بعد ذلك.. وقد زعموا أن هذا النهي نسخ لذلك التحليل الثابت بالآية وغيرها..
وإن كان سيأتي: أن القرآن لا ينسخ بالسنة عندهم: فكيف ينسخ بخبر الواحد..
وثانيا: إن تحريم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لهذا الزواج - - لو صح - - فإنما كان بعد الإذن فيه بلا ريب، وبإجماع الأمة..
132

وثالثا: لا ربط لإذن الأهل بشرعية الزواج وعدمه، فإنه لا بد من استئذان ولي البكر، سواء أكان الزواج دائما أو منقطعا، أما الثيب فلا ولاية لأحد عليها، سواء في الدائم أو في المنقطع..
ورابعا: يفهم من كلام القرطبي: أن عدم مشروعية زواج المتعة تستند إلى أنه ليس بولي وشاهدين.. وعلى هذا الأساس يرد عليه:
1 - - إن كان مراده أن طبيعة زواج المتعة هي ذلك، فيرد سؤال: كيف أذن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) به وشرعه في أول الإسلام، قبل النسخ المدعى؟ وهل إن إذنه (ص) به، وتشريعه له، لم يجعله شرعيا؟!.
وإن كان مراده: أنه زواج صحيح ومشروع لو كان بولي وشاهدين.. فإن القرطبي يكون بذلك من القائلين ببقاء مشروعية هذا الزواج. مع أنه لا يرضى
133

بنسبة ذلك إليه.
2 - - إن الولي والشاهدين، إن كان مشترطا في النكاح، فلا فرق فيه بين الدائم والمنقطع، وإن لم يكن مشترطا فيه، فهو فيهما على حد سواء أيضا..
وقد أشرنا آنفا إلى أننا نشترط إذن الولي بالنسبة للبكر، سواء في الدائم أو المنقطع..
وأما بالنسبة للإشهاد على النكاح، فقد دل الدليل على عدم اشتراطه في الدائم (1) فضلا عن المنقطع أيضا
نعم قد دل الدليل أيضا على استحباب ذلك.
ولو سلمنا أنه شرط فيهما.. عند هذا القائل..

(1) راجع: مجلة الهادي الصادرة في قم سنة 1392 ه‍. ق - - السنة الثانية، العدد الأول، ص 110 - - 124 والعدد الثاني من ص 25 حتى 37، فهناك مقالان للسيد محمد بحر العلوم بعنوان: المذاهب الإسلامية السبعة ووجوب الإشهاد على الزواج والطلاق والرجعة، مقارنا بالقوانين الوضعية.
134

فلا ضير في ذلك بل يكون من القائلين بمشروعية زواج المتعة إذا أشهدا على هذا النكاح!!
آية الاستمتاع تفيد النكاح الدائم لوجوه أربعة:
روى مجاهد (1) والحسن (2) في قوله تعالى:} فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن.. {(3) قالوا: النكاح، وقالوا: إن مرادهما به هو خصوص الدائم.
ونقول: لا يمكن الجزم بذلك، لأن الاستمتاع أيضا نكاح كما سترى.
غير أن الأمر لا ينحصر بهؤلاء، فإن البعض

(1) التمهيد ج 9 ص 122، وفتح القدير ج 1 ص 449.
(1) فتح القدير ج 1 ص 449.
(1) سورة النساء / الآية 24.
135

من غيرهم أيضا (1) قد ذهبوا إلى إرادة النكاح الدائم، استنادا إلى قرينة السياق.. قبلها وبعدها، حيث إنه تعالى: إنما يتحدث عن الزواج الدائم مع ملاحظة التفريع بالفاء، ثم ترتيب الإحصان على الاستمتاع.
وقد بينوا مرادهم بوجوه أربعة، أجاب الرازي في تفسيره عن أكثرها.. وتقدم، وسيأتي في مطاوي كلامنا ما يفيد في توضيح الجواب عنها أيضا، ولكننا نذكرها هنا أيضا، ونشير إلى أجوبتها على النحو التالي:
1 - - الاستمتاع هو التلذذ:

(1) هو الجصاص في أحكام القرآن ج 2 ص 179 و 180 وقال في البحر الزخار ج 4 ص 22 حول الآية: (قلنا: أراد النكاح، جمعا بين الأدلة) ونسب الرازي ذلك في التفسير الكبير ج 10 ص 49 إلى أكثر علماء الأمة، وراجع شرح الموطأ للزرقاني ج 4 ص 47، والاعتصام بحبل الله المتين ج 3 ص 201، وزاد المسير في علم التفسير ج 2 ص 54، وروح المعاني ج 5 ص 7.
136

قالوا: الاستمتاع في الآية يراد به معناه اللغوي وهو التلذذ.
والأخذ بظاهر الآية يقتضي أن يعطي المرأة أجرا على كل تلذذ، وذلك لا يجوز إجماعا.. حيث لابد من لفظ عقد يصحح ذلك، فتحتاج الآية إلى إضمار ما يشير إلى العقد، أي فما استمتعتم به منهن بعقد النكاح فآتوهن أجورهن.. ولو كان المراد نكاح المتعة لاحتاج إلى إضمار ثان وهو كلمة " إلى أجل " والإضمار الأول مجمع عليه، والإضمار الثاني مختلف فيه، فيؤخذ بالقدر المتيقن، فمن ادعى الزيادة فعليه الدليل (1)
وقالوا: إن الذي اقتضى هذا الاضمار أمور:
الأول: إن المذكور في أول الآيات وآخرها هو

(1) تحريم نكاح المتعة ص 88 و 89. وراجع: نكاح المتعة للأهدل ص 301 و 302.
137

النكاح فهو ينتقل من حكم إلى حكم، فالآيات منصبة على بيان حكم النكاح الصحيح، وليس للمتعة فيها ذكر (1).
الثاني: إن هناك فرقا بين قولك " نكح فلان متعة " فينصرف إلى النكاح الموقت، وبين قولك " استمتع فلان بالنكاح " فيراد به معنى الاستلذاذ والانتفاع والآية من قبيل الثاني لا من قبيل الأول.
الثالث: إنه لا بد والحالة هذه من إضمار كلمة (عقد) ليتقيد به الانتفاع والالتذاذ لئلا يقتضي ظاهر الآية جواز كل تلذذ بأجر، ولو بدون عقد، وهذا باطل جزما (2).
والجواب:
1 - - ان الدليل على أن المراد بالآية هو عقد المتعة

(1) نكاح المتعة للأهدل ص 302 عن أحمد الحصري في كتاب: النكاح والقضايا المتعلقة به ص 178 و 179.
(1) راجع فيما تقدم: نكاح المتعة للأهدل ص 301 و 302.
138

موجود، وهو قراءة أبي بن كعب، وابن عباس، وغيرهما مما تقدم، ومجرد المكابرة في إنكاره لا يجعله مختلفا فيه، فإن الميزان هو قيام الحجة عليه.
ولا يعتد بالإنكار بلا مبرر بل على المنكر أن يقدم ما يبرر إنكاره مما هو مقبول ومعتد به في الإحتجاج العلمي.
2 - - إنه يلزم من إرادة النكاح الدائم في قوله:} فما استمتعتم {تكرار النكاح الدائم في الآية كما سيأتي بيانه.
3 - - قولهم: إن الآيات أولا وآخرا تتحدث عن النكاح الصحيح، وهو خصوص الدائم.. غير صحيح.. فإن عقد المتعة أيضا نكاح صحيح شرعه الله تعالى.. فلماذا هذا الاصرار على الباطل؟
139

4 - - قولهم: إن الآيات ناظرة أولا وآخرا إلى الدائم هو محل النزاع فكيف تصبح الدعوى دليلا على نفسها؟
5 - - إن أول الآيات يتحدث عن الدائم وآخرها يتحدث عن نكاح الإماء، ووسطها يتحدث عن زواج المتعة، بقرينة السياق الدال على أن مقدار ما يحصل من الاستمتاع وتفي به من المدة، فإنه يجب إعطاء مقابله من المهر؛ فإن قوله {فما استمتعتم به منهن} بمثابة قولك أي مقدار حصل من الاستمتاع فيجب إعطاء مقابله من الأجور.. وهذا إنما يكون في نكاح المتعة، كما بيناه في موضع آخر من هذا الكتاب.
6 - - إن ما ذكره من الفرق بين كلمة التمتع ونكح متعة، لا أثر له في ما نحن فيه. إذ لا بد من تقدير كلمة عقد على كل حال. وكلمة استمتع حتى لو أريد به الانتفاع والالتذاذ فإن طبيعة تركيب الجملة إنما تناسب
140

عقد المتعة حسبما أوضحناه في الفقرة الخامسة الآنفة الذكر.
7 - - ان المضمر إذا كان هو عقد النكاح، فهو عام يشمل الدائم والمنقطع، فيحتاج تعيين أحد القسمين واخراج ما عداه إلى قرينة، مثل كلمة " الدائم "، أو كلمة " إلى أجل ".
ومع كون النكاح إلى أجل له قرينة، وهو أنه بمقدار ما تفي به من المدة يجب إعطاء ما يقابله من المهر.. كان هذا قرينة على أن المراد خصوص المتعة. وعلى أن الآية لا تشمل حتى النكاح الدائم ولو من خلال الإطلاق.. هذا بالإضافة إلى قراءة إلى أجل التي زادت الأمر وضوحا. فمن أين عرفوا أن الآية منحصرة في النكاح الدائم؟ فإن الانحصار يحتاج إلى دليل.
141

2 - قرائن على أن الاستمتاع هو النكاح الدائم:
قال أحمد بن عيسى بن زيد حول الآية: (الاستمتاع هو الدخول بهن على وجه النكاح الصحيح. و} إيتاؤهن أجورهن {هو إعطاؤهن مهورهن، إلا ما وهبن بطيبة من أنفسهن. والتراضي هو التعاطي) (1)
وقال غيره: إن قوله تعالى:} وأحل لكم ما وراء ذلكم {معناه: أحل لكم النكاح الدائم، والمراد به النكاح الحلال، للإشارة إلى أن المدخول بها تستحق تمام المهر، لاستمتاعه المتعة الكاملة، فإن طلق قبل الدخول فلها نصف المهر (2)

(1) كتاب العلوم ج 3 ص 14، وأحكام الأسرة في الإسلام لمصطفى شلبي ص 148 دار النهضة العربية.
(1) راجع: شرح الموطأ للزرقاني ج 4 ص 48، وراجع أيضا: التفسير الكبير للرازي ج 10 ص 49، والتمهيد ج 9 ص 118 و 119، ولسان العرب ج 8 ص 329 عن الزجاج وزاد المسير ج 2 ص 54.
142

وروي ذلك عن عمر بن الخطاب والحسن بن أبي الحسن (1)
بل روي ذلك عن ابن عباس أيضا (2)
إذن: المراد بالإستمتاع هو: الكناية عن الوطء، والمراد بالأجر هو: المهر، وليس أمرا آخر (3)
ونقول في الجواب:
1 - - إن البعض يقول: " إن المهر ليس مقابل الوطء فقط، وإنما هو لتوطيد الميثاق الزوجي بصورة عامة، فإن المفسرين جميعهم أرادوا الكلام في سياق

(1) راجع: التمهيد ج 9 ص 118 و 119، والإستذكار ج 16 ص 298.
(1) راجع: التمهيد ج 9 ص 120، وفتح القدير ج 1 ص 455 عن ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والإستذكار ج 16 ص 299.
(1) راجع المرأة في القرآن والسنة ص 178 والتفسير الحديث ج 9 ص 52.
143

الآية على نكاح المتعة " (1)
2 - - إن الأستاذ عبد الهادي مسعود، رفض القول بأن المراد بالآية المشار إليها هو النكاح الدائم فقد قال:
" يحاول بعض الدارسين من معتنقي مذاهب أهل السنة أن يقول: بأن المتعة هنا هي الزواج الدائم.
ومثل هذا الكلام مردود، إذ من المحقق أن اصطلاح المتعة معروف ومقرر ومن المقطوع به أنه أبيح على عهد رسول الله (ص) وعلى عهد أبي بكر، وجانب من خلافة عمر، وهو عند الشيعة لا يزال مباحا إلى اليوم ".
إلى أن يقول:
" نضيف إلى هذا بعد الدراسة الطويلة أن أكثر

(1) المرأة في القرآن والسنة ص 178 و 179، والتفسير الحديث ج 9 ص 52.
144

من تسعين في المائة من المجتهدين من سنة وشيعة أجمعوا على أن المتعة المذكورة في الآية الكريمة هي الزواج إلى أجل، وأن هذه الآية هي المرجع الأول في الإباحة.
أما النسخ فالمجتهدون من السنة يقررون:
أنه ورد بحديث عن النبي (ص) نهى فيه عن ممارسة هذا الحق الذي منحه القرآن الكريم.
وقد عودنا القرآن حين يحرم شيئا أن يفصله ويكرره، ويؤكده، بل غالبا ما يضع العقوبات للمخالفين: قال تعالى: {وقد فصل لكم ما حرم عليكم}.
وترتيبا على ذلك: محال أن يحرم الله علينا ما لم يبينه لنا، وما لم يفصله على حد تعبيره تعالى
145

في هذه الآية المحكمة.
وإذا كانت المتعة أبيحت بنص القرآن، فلا بد أن تحرم - - إذا كان ثمة تحريم - - بهذه الطريقة من البيان والتفصيل " (1) انتهى.
3 - - وبعد ما تقدم نقول: إن ما استدلوا به على أن المقصود بالآية هو النكاح الدائم لا يصح وذلك لما يلي:
أ - - أنه يلزم منه تكرار ذكر النكاح الدائم في الآية، كما أشار إليه جماعة (2) وسيأتي بيانه.
ب - - من أين ثبت لهم أن المراد هنا هو خصوص النكاح الدائم؟ فإن الحديث عن النكاح جاء مطلقا ولم يقيد بشيء، أي أن الآية قد قررت أن

(1) مقدمة كتاب المتعة وأثرها في الإصلاح الاجتماعي ص 12.
(1) نصب الراية ج 3 ص 178 وغيره.
146

مطلق النكاح لتلك النساء حرام، ومطلق النكاح لمن عداهن جائز.
ج - - ولو كان المراد بالآية العقد الدائم لاستحقت المرأة تمام المهر بمجرد العقد، مع أنها لو طلقها قبل الدخول إنما تستحق نصفه فقط.. وأما إذا كان المراد نكاح المتعة بالآية فالمرأة تستحق تمام المهر بنفس العقد، سواء دخل أو لم يدخل (1)
ولهم على هذا الكلام إشكال سوف نورده تحت عنوان: المراد بآية الاستمتاع: الزوجة المدخول بها.
د - - إن المراد بالإستمتاع التزويج، كما ورد في رواية سبرة في حجة الوداع، فراجع، وليس المراد به مجرد الإلتذاذ ليكون هذا التعبير إشارة إلى استحقاق تمام المهر بحصول الدخول.

(1) مجمع البيان ج 3 ص 32.
147

ه‍ - - قال الفاضل المقداد:
" لو لم يكن المراد المتعة المذكورة، لم يلزم شيء من المهر، من لا ينتفع من المرأة الدائمة بشيء، واللازم باطل، فكذا الملزوم. وأما بطلان اللازم، فللإجماع على أنه لو طلقها قبل أن يراها، وجب نصف مهرها، وأما بيان الملازمة، فإنه علق وجوب إيتاء الأجرة بالإستمتاع، فلا يجب بدونه.. " (1)
والحاصل: أن الاستمتاع إنما يوجب تمام المهر، إذا صاحبه الدخول، فإذا استمتع بها دون ذلك لم تستحق إلا النصف.
ويوضح ذلك: أن المرأة تستحق من المهر في

(1) راجع كنز العرفان ج 2 ص 149 و 150.
148

عقد المتعة بمقدار المدة التي منحته إياها، فإذا أخلت بنصف المدة مثلا استحقت نصف المهر وإن أخلت بثلثها ذهب من المهر بمقدار ذلك، وهذا يتوافق تماما مع قوله تعالى:} فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن {وليس الأمر كذلك في الزواج الدائم حسبما أوضحه الفاضل المقداد رحمه الله.
إن قلت: إن الآية قد جاءت لتؤكد حق الزوجة في تمام المهر إن استمتع بها الزوج (1)
فالجواب:
إن ذلك معناه أن تستحق الزوجة تمام المهر لمجرد لمسة أو تقبيلة وهو باطل.
وقد يقال: المراد المهر المستقر، وهو إنما استقر بالدخول، فعبر عن الدخول بالإستمتاع.

(1) أحكام الأسرة في الإسلام ص 148.
149

فالجواب أيضا:
أولا: ليس في الآية حديث عن الاستقرار بل الحديث عن لزوم الإيتاء للمهر فقط.
ثانيا: الآية تحدثت عن الاستمتاع ولم تذكر الدخول. والاستمتاع أعم من الدخول، والعام لا دلالة له على الخاص. ويكون تقدير الآية حينئذ فالذي استمتعتم به منهن فآتوهن مجموع أجورهن لأن الأجرة في الكل حقيقة وفي البعض مجاز فيجب تمام المهر ولو لأجل قبلة كما قلنا (1)
3 - - غير مسافحين:
إن الإستدلال الثاني لهم على أن المراد بالآية هو النكاح الدائم هو قوله تعالى في الآية:}.. غير

(1) راجع كنز العمال ج 2 ص 150 وراجع تفسير النيسابوري المطبوع بهامش جامع البيان للطبري ج 5 ص 18.
150

مسافحين {فسمي الزنا سفاحا، لإنتفاء أحكام النكاح عنده من ثبوت النسب، والعدة، والفراش، وكذلك المتعة.
كما أن سفح الماء مشترك بين المتعة والزنا، لأن المقصود في كل منهما قضاء الشهوة وسفح الماء، فإذا حرم الزنا حرمت المتعة (1)
ونقول:
1 - - قد تحدثنا فيما سبق وفي القسم الأخير من هذا الكتاب:
أن النسب والعدة، وغيرهما يثبتان في الزواج المنقطع كالدائم فلا يكون سفاحا.
2 - - قد عرفت أن الإسلام قد شرع هذا الزواج بالإجماع لكن الخلاف إنما هو في نسخه وناسخه،

(1) وراجع أيضا: التفسير الكبير ج 10 ص 53 والمتعة للفكيكي ص 49. وراجع: تحريم المتعة في الكتاب والسنة للمحمدي ص 97 و 98.
151

فهل يصح القول: إنه قد شرع السفاح؟!! أو إنه قد شرعه بدون أحكام؟!! فإن كان قد جعل له أحكاما؟!! فإننا نلزم أنفسنا بكل ما قرره والتزم وألزم به الشارع المقدس في صدر الإسلام حيث شرع هذا الزواج.
3 - - قولهم: إن المقصود بالمتعة هو مجرد سفح الماء قد أجبنا عنه أكثر من مرة وقلنا:
أ - - إن الزواج الدائم باليائس والعقيم وبالتي استأصل الطبيب رحمها أو المبيض، والزواج بالصغيرة، والزواج الدائم مع نية الطلاق قبل الدخول، والدائم المقصود به مجرد إطفاء الشهوة - - إن ذلك كله - - جائز مع أنه لا استيلاد فيه كما أن المقصود في بعضه مجرد سفح الماء.
ب - - إن المراد بالسفاح هو النكاح دون عقد في مقابل النكاح بعقد لا أن سفح الماء هو علة الحلية والحرمة، والمتعة نكاح بعقد شرعي وليست سفاحا.
152

ج - - قد أجاب الرازي عن هذا الدليل أيضا فقال:
المتعة ليست كذلك فإن المقصود منها سفح الماء بطريق مشروع، مأذون فيه من قبل الله، فإن قلتم، المتعة محرمة، قلنا: هذا أول البحث، فلم قلتم: " إن الأمر كذلك؟ فظهر أن الكلام رخو " (1)
4 - - المتعة لا توجب إحصانا:
ومما استدلوا به على إرادة النكاح الدائم: قوله تعالى:} محصنين {فإن الإحصان لا يكون إلا في نكاح دائم، لأن المتمتع، لا يكون محصنا، فوجب حمل الآية على الدائم لتصريحها بثبوت الإحصان.
وبعبارة أخرى: لو زنى متمتع لا يرجم، ولا يعامل معاملة المحصن فهو غير متزوج.

(1) التفسير الكبير ج 10 ص 55.
153

وقد نسبوا إلى ابن عباس قوله: " كانت المتعة في أول الإسلام متعة، فكان الرجل يقدم بسلعته البلد ليس له من يحفظ عليه ضيعته، ويضم إليه متاعه، فيتزوج المرأة إلى قدر ما يرى أنه يقضي حاجته، وقد كانت تقرأ:} فما استمتعتم به منهن - - إلى أجل مسمى - - فآتوهن أجورهن {الآية.. حتى نزلت} حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم.. {وتلي إلى قوله:} محصنين غير مسافحين {فتركت المتعة، وكان الإحصان إذا شاء طلق وإذا شاء أمسك، ويتوارثان، وليس لهما من الأمر شيء " (1)
والمراد بالإحصان: صفة تحصل للمتزوج

(1) الاعتبار في الناسخ والمنسوخ ص 178، التفسير الكبير ج 10 ص 53، وراجع الجامع الصحيح للترمذي المطبوع مع تحفة الأحوذي ج 4 ص 269، وغاية المأمول في شرح التاج الجامع للأصول ج 2 ص 335، والمنار في المختار ج 11 ص 461 وراجع روح المعاني ج 5 ص 6. وراجع: تحريم المتعة في الكتاب والسنة ص 96 و 97 ونكاح المتعة للأهدل ص 303 وفي هامشه عن زاد المسير لابن الجوزي ج 2 ص 53 و 54.
154

توجب إجراء حد الرجم عليه لو ارتكب الزنا.. ولا رجم للمتمتع إذا زنا.
ونقول:
قد تقدم تحت عنوان: الإحصان في زواج المتعة.
أولا: قد أجاب الرازي عن ذلك بقوله: من أين ثبت: أن الإحصان خاص بالنكاح الدائم؟ بل هو موجود في المنقطع أيضا، من غير فرق، لأن المراد بالإحصان حفظ الفرج عن ارتكاب الحرام، أي الزنا، دون النكاح مطلقا (1)
ومن الواضح: أن الاستمتاع من المرأة مدة معينة قد يقع بدون إنشاء العلقة الزوجية، فيكون الغرض منه مجرد سفح الماء وقضاء الشهوة وهو السفاح المحرم.

(1) تفسير الرازي ج 10 ص 53.
155

وقد يقع مع إنشاء الزواج المؤقت فيراد منه بالإضافة إلى قضاء الشهوة تحصين النفس عن الوقوع في الحرام، وهذا هو معنى الإحصان، أي تحصين النفس من الوقوع في الإثم، ويحصل بذلك السكن لهما ولو في هذه المدة القليلة جدا.
والحاصل: أن المراد بالإحصان في الآية ليس هو ثبوت الرجم للزاني الذي هو اصطلاح فقهي.. بل له معنى آخر.. وهو حصول التعفف.
قال البغوي في تفسير الآية:
" محصنين أي متزوجين أو متعففين " (1)
وقال ابن جزي:
" محصنين: هنا العفة ونصبه على الحال من الفاعل في تبتغوا " (2)

(1) راجع تفسير البغوي ج 1 ص 413 ط دار المعرفة - - بيروت.
(1) التسهيل لعلوم التنزيل ج 1 ص 137.
156

وكذا قال السيد المرتضى رحمه الله (1)
وثانيا: قولهم: إن الإحصان ملازم للزوجية ممنوع، إذ لا يثبت الإحصان قبل الدخول (2) سواء في الدائمة، أو في المتمتع بها مع أن الزوجية صادقة، وثابتة في هذا الحال أيضا، ومن وطأ زوجته في دبرها فليس بمحصن، وكذا النكاح بملك اليمين فإنه لا يوجب الإحصان بمعنى ثبوت الرجم، حتى لو وطأ جاريته في قبلها.
وقد يقال: إن المحصن هو من كان عنده فرج يغدو عليه ويروح، ولا يتحقق ذلك في المتعة.
وهو ممنوع صغرى وكبرى، أما صغرى فقد عرفت أن المراد بالإحصان هو مجرد التعفف.
وأما قولهم لا يتحقق ذلك في المتعة فهو ممنوع

(1) الإنتصار ص 113.
(1) الفقه على المذاهب الأربعة ج 5 ص 58.
157

أيضا فإنه يتحقق فيها في أحيان كثيرة.. وأيضا هو متحقق في ملك اليمين مع أنه لا توجب الرجم، كما قلنا.
وثالثا: قال الرازي: أما قوله ثانيا: الإحصان لا يكون إلا في نكاح صحيح (1) فلم يذكر عليه دليلا (2)
ورابعا: لنفرض أن المراد هو الإحصان بالمعنى المصطلح. لا بمعنى التعفف، فلماذا لا نعتبر المتمتع محصنا أيضا، لكن الأدلة خصصت الحكم بالإحصان في الدائم فيه وأسقطته من المنقطع.
خامسا: قال العلامة الطباطبائي: (لو كان المراد إحصان التزويج لا إحصان التعفف، فلا بد من القول بعدم شمول الآية لملك اليمين لعدم تحقق إحصان

(1) الظاهر أنه يقصد النكاح الدائم وراجع: تحريم المتعة في الكتاب والسنة ص 97.
(1) التفسير الكبير ج 10 ص 53.
158

التزويج والرجم فيه، مع أن كلمة " ما " في قوله تعالى: {أحل لكم ما وراء ذلكم}، بمعنى الموصول، وهي شاملة لنكاح الدائم وملك اليمين) (1)
سادسا: إن صاحبنا فيما يذكره في معنى الآية، إنما يصادر كل ما نقل عن الصحابة والتابعين في معناها، ويتجاهل كل قراءاتهم التفسيرية المتواترة عنهم بإضافة كلمة: {إلى أجل مسمى} ويرى نفسه أعرف منهم بالمقصود والمراد منها، رغم أنهم قد عاشوا مع النبي (صلى الله عليه وآله)، وتلقوا معارفهم بهذا الخصوص عنه (ص) ومارسوا العمل بمضمون هذه الآية تحت سمعه وبصره، وتوجيهاته ثم استمروا على ذلك عشرات السنين من بعده.

(1) راجع: تفسير الميزان ج 4 ص 275.
159

سابعا: إن المتعة قد كانت موجودة على عهد رسول الله، وهي التي نقول ببقاء تشريعها، فإن كان زواج المتعة الذي كان على عهد رسول الله يوجب إحصانا فنحن نقول به. وإن كان لا يوجب الإحصان الشرعي، فنحن أيضا نقول به.
معاني الإحصان في الآيات:
وقد ذكر بعضهم أن الإحصان في القرآن الكريم يقع على أربعة معان هي: الزواج، والحرية، والإسلام، والعفاف.
والمراد بالإحصان في آية المتعة، في قوله:} محصنين غير مسافحين {هو العفة، أي متناكحين نكاحا شرعيا صحيحا يحصنهم، والاحصان لا يكون إلا في نكاح دائم.
ولو سلم أن المراد بالإحصان هو المعنى الأول أي
160

إحصان التزوج. فلا بد أن ينحصر في الدائم وملك اليمين، لأن إمام الشيعة يقول: إن الإحصان والرجم لا يكون في المتعة، فلو كان نكاح المتعة صحيحا لوجب الرجم فيها.. فبطلت المتعة. ولا بد أن يفسروا الاحصان بالنكاح الصحيح الدائم.
أضف إلى ذلك: أن الإحصان هو الدخول في الحصن، أي ما يوجب العفة ويمنع من الزنا. ولا تعف المرأة في المتعة، بل هي كل شهر تحت صاحب، وكل يوم في حجر ملاعب.
كما أن رجل المتعة لا يقصد الاحصان والعفة بل يقصد المسافحة فقط ولا يقصد إحصان المرأة وحفظها من أن ينالها أحد سواه..
وصاحب المتعة لا يستغني عن امرأة المتعة، ولا امرأة المتعة تستغني عن غيره. فليس هناك استغناء كل منهما بالآخر عن طلب الاستمتاع المحرم، فأي نوع
161

من الإحصان هذا؟ (1)
ونقول:
إن ذلك غير مقبول ولا معقول، وذلك للأمور التالية:
1 - - من الذي قال لهذا البعض: إن الإحصان بمعنى العفة لا يكون إلا في نكاح دائم.. بل يكون التعفف بالدائم، وبالمنقطع، وبالوطء بملك اليمين أيضا.
2 - - إذا كان المراد بالإحصان إحصان التزوج، فكيف يشمل ملك اليمين؟! فإنه لا عقد زواج في ملك اليمين.
3 - - إذا كان يوجد في المتعة عقد يحدث الزوجية، وفي الزواج الدائم عقد يحدثها كذلك، مع الاعتراف بأن

(1) راجع: تحريم المتعة في الكتاب والسنة للمحمدي ص 149 و 150.
162

المقصود بالإحصان هو الزوجية في الآية. وهي الجامع المشترك بينهما، فإذا قيل: إنهما يشتركان في إيجابهما العفة والحصانة، لم يكن ذلك أمرا مستهجنا.
أما أن يقال بصورة قاطعة: إن الدائم يشارك ملك اليمين في إيجاد العفة والحصانة، ثم القول بأن الزواج المنقطع الموجد للزوجية لا يوجب الحصانة، فإن ذلك بعيد عن الإنصاف جدا.
4 - - وفي جميع الأحوال نقول: هل كان هذا العقد في المتعة موجبا للإحصان في زمن الرسول أم لا.. فما تقولونه هناك نقوله هنا.
5 - - ما نقله هذا المعترض عن أئمة الشيعة، من أن المتعة لا توجب إحصانا ليس معناه أنها لا توجد زواجا.. ولا معناه: أنها لا توجد عفة.. بل المراد به أنها لا توجد الاحصان بمعنى استحقاق الرجم.. لأن الاحصان الموجب لذلك هو خصوص الاحصان في
163

النكاح الدائم لا مطلقا.. فالأئمة يتحدثون عن معنى.. والمستشكل يتحدث عن معنى آخر..
6 - - إن الإحصان إذا كان بمعنى الزوجية، فإن مطلق الزوجية لا تستلزم الرجم، بل الذي يستوجب ذلك هو الزوجية بشرط الدوام..
7 - - قول المستشكل بأن العفة عن الزنا لا تتحقق في المتعة، لا عفة الرجل ولا عفة المرأة لأنها في كل شهر عند صاحب وكل يوم عند ملاعب.
غير صحيح.. لأن العفة تتحقق في المدة المحددة، وفي زمن العدة، تماما كما هو الحال حين حصول الطلاق في الدائم، والتحرير للأمة، فإنهما بعد انقضاء عدتهما يمكنهما التزوج بمن شاءتا.. فليست هي كل يوم ولا كل شهر عند صاحب أو ملاعب.
كما أنه لو صح هذا لورد الإشكال على تحليل المتعة حتى في زمن الرسول (صلى الله عليه وآله).
164

8 - - وعدم استغناء المتمتعة برجل المتعة غير صحيح، بل هي تستغني به مدة العقد، وإلى حين انقضاء العدة.. تماما كما هو الحال في المطلقة وفي الأمة المحررة.
9 - - ولماذا فرض في مورد المتعة عدم الاستغناء عن الاستمتاع المحرم الذي هو الزنا؟!.. فهل العاقد بالدائم، الذي يريد الطلاق بعد ساعة مستغن عن الاستمتاع المحرم والزنا أم لا؟!
ولماذا فرض الحاجة إلى الزنا المحرم، دون سواه من أوجه الاستمتاع المحلل كملك اليمين مثلا؟ فهل الحاجة إلى الجنس تفرض أن يكون زنا محرما؟!..
من لم يستطع منكم طولا:
وقد أورد البعض شبهة هنا مفادها: أن الله سبحانه يقول:} من لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات
165

المؤمنات فمما ملكت أيمانكم.. {ومن يكون عاجزا عن كف من بر كيف يشتري جارية ينكحها بملك اليمين.. فقوله تعالى:} فما استمتعتم به منهن.. {قبل هذه الآية لا يمكن أن يكون المراد بها الاستمتاع، ولو بكف من بر، بل المراد بها والحالة هذه هو النكاح الدائم - - الذي يحتاج إلى تكاليف كثيرة حتى إذا عجز عنها، فإنه يشتري جارية يعف بها نفسه (1)
وعلى حد تعبير بعضهم:
" لو كانت المتعة جائزة لما نصت الآية التي بعدها صراحة على التزوج من الإماء، ولما اضطر الناس إلى ذلك, ولما جعل الشارع عن ترك نكاح الإماء خيرا من نكاحهن، ولكان في نكاح المتعة مندوحة عن ذلك ".

(1) الوشيعة لموسى جار الله ص 163.
166

وقال: " إن الله أمر بالاكتفاء بنكاح الإماء عند عدم الطول إلى نكاح الحرائر، فلو كان أحل المتعة في الكلام السابق، لما قال سبحانه بعده: {ومن لم يستطع} لأن المتعة في صورة عدم الطول. فمجرد نزول هذه الآية بعد قوله تعالى: {فما استمتعتم} يكفي في تحريم المتعة، فإن الآية نقلت من لا يستطيع أن ينكح الحرة المحصنة إلى ملك اليمين، ولم يذكر له ما هو عليه أقدر من ملك اليمين، فلو كان التمتع بكف من بر جائز (كذا) لذكره " (1)
ونقول:
أولا: الزواج الدائم أيضا قد يكون المهر فيه كفا من بر.. وحديث ذلك الرجل الذي لم يكن يملك

(1) تحريم المتعة في الكتاب والسنة ص 98.
167

شيئا يعطيه مهرا لزوجته، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): زوجتكها بما معك من القرآن، معروف ومشهور.
ثانيا: لا دليل على أن المراد بالطول هو المهر، بل لعل المراد الأعم منه، ومن الزيادة والسعة في المال، الذي يحتاج إليه للسكن، وللنفقة، أو الأعم منهما ومن عدم التمكن من الزواج - - لا متعة ولا دائما - - بسبب ظروف اجتماعية أو حياتية، أو حيث لا ترضى الدائمة ولا المنقطعة بالمهر القليل. فإن جواز جعل المهر كفا من بر - - في الدائم والمنقطع - - لا يلازم وجود من تقبل بهذا القليل..
وقد يكون السبب في عدم التمكن من الدائم والمنقطع هو عدم تيسر من ترضى بالزواج الدائم أو المؤقت لعيب تراه في الرجل، أو لأي سبب آخر.. فإنه إذا عجز عن الزواج والحالة هذه - - بقسميه
168

المؤقت والدائم - - فلا جناح عليه أن يتخذ سرية يتعفف بها..
وهكذا يتضح أن هذه الآية لا تتنافى مع الزواج المنقطع بل هي منسجمة معه ومع الدائم تمام الانسجام..
تفسير آخر للآية الشريفة:
وقالوا في تفسير الآية: إن حقيقة الاستمتاع هي تحصيل المتعة واللذة، من الوطي والتقبيل وغيرهما، وقد فرعه: (بالفاء) على عقد زواج معهود اقتضاء.. والمعنى:} فما استمتعتم به منهن.. {بوطي وتقبيل أو غيره، ممن تزوجتموهن، فقد وجب إعطاؤهن مهورهن كاملة، فالآية دليل على لزوم المهر بالإستمتاع، لا بمجرد إجراء العقد..
ويرد عليه:
169

أولا: يحتمل أن يراد بالإستمتاع معناه اللغوي، وهو اللذة والمتعة، ويحتمل إرادة عقد النكاح الدائم..
ويحتمل إرادة عقد النكاح المنقطع والأخير هو المتعين، وذلك لما يلي:
أ - - إن المتتبع للأخبار التي تعد بالعشرات يجد أنهم يستعملون لفظ المتعة والاستمتاع في هذا المعنى المعروف وهو زواج المتعة من دون نصب أي قرينة وعليه: فما هو الدليل على حمل هذا اللفظ في الآية الكريمة على المعنى اللغوي دون المعنى الاصطلاحي المتداول فيما بينهم، وليكن حاله حال كلمة: الحج، والصلاة، والصوم، والزكاة، والبيع، والربا، وما إلى ذلك.
ب - - سلمنا أن استعمال هذه الكلمة في زمن الرسول لم يكن بتلك المثابة، ولكن ذلك لا يجدي نفعا هنا، إذ لا يمكن حمل الاستمتاع في الآية على
170

المعنى اللغوي - - إذ إن ذلك معناه: أن يجب المهر كله لمجرد قبلة أو لمسة بشهوة وهو ما لم يقل به أحد..
إن قلت: الاستمتاع هنا استعمل كناية عن خصوص الوطء (1)
أجبتك: هذا تحكم واضح، وهو ليس بأولى من حمل الكلمة على الاستمتاع بمعناه الشائع المعروف وهو زواج المتعة، ويكون ذلك الشياع قرينة على إرادة ذلك منه.
وإن عدت فقلت: نحمل الاستمتاع على معناه اللغوي، ثم نقيده بالأدلة الدالة على إرادة خصوص الوطء.
فالجواب: إن هذا تخصيص للأكثر، وهو غير مستساغ عند أهل اللغة.

(1) راجع: تحريم المتعة في الكتاب والسنة ص 99.
171

ثانيا: إن الضمير في كلمة:} منهن {يرجع إلى النساء، فإن كان مرجعه هو مطلق النساء، كان معنى الآية لزوم إعطاء المهر لكل امرأة تلذذ معها، واستمتع بها سواء كان ذلك مع عقد أو بدونه. وهذا غير معقول.
وإن كان المراد بالإستمتاع التلذذ، وكان الضمير يرجع إلى خصوص النساء المعقود عليهن بالدائم، فيرد عليه:
أنه لم يتقدم ذكر لهن من هذه الحيثية، فإرادة المعقود عليهن من الضمير تقييد بلا مقيد، إلا على سبيل الاستخدام حيث يراد بالمرجع المعنى العام، والضمير يرجع إليه بما هو مقيد، لأن مرجع الضمير هو قوله تعالى:} وأحل لكم ما وراء ذلكم {من
172

دون ذلك القيد، وهو: (العقد عليهن).
ثالثا: إن قراءة: (إلى أجل) قرينة على أن المراد هو النكاح المنقطع دون سواه.
الفرق بين استمتعتم والمتعة:
وقد حاول بعضهم أن يتهرب من دلالة الآية على المتعة بطريقة أخرى، فقال ما ملخصه:
إن الآية لم تعبر بلفظ المصدر " الاستمتاع " ولا بكلمة " المتعة " بل استعملت كلمة: " استمتعتم " التي هي فعل ماض. والفعل يدور معناه على الالتذاذ والنفع.. والقول بأنه يدل على زواج المتعة يدل على جهل باللغة العربية. ثم أورد آيات جاء التعبير فيها بصيغة الفعل؛ للدلالة على معنى الالتذاذ.
قال: " فهذا دليل قاطع على أن لفظ " الاستمتاع " و " التمتع " لم يقتصر في عرف الشرع على هذا العقد
173

المعين، كما زعموا (1)
ونقول:
أولا: إن ذلك لا يجدي نفعا، إذ إن الصحابة قد نقلوا لنا: أن الآية قد نزلت للدلالة على هذا الزواج، وقرأوا الآية - - ولا شك أنهم ينقلون ذلك عن رسول الله على سبيل التفسير والتوضيح - - هكذا:} فما استمتعتم به منهن - - - - إلى أجل - - - -.. {.
ثانيا: إن في الآية قرائن تأبى أن يكون المراد بالاستمتاع مجرد الالتذاذ، فإن ذلك يؤدي إلى إثبات تمام المهر على المتزوج ولو بقبلة أو لمسة.. وهو غير مقبول حتى عند القائلين بنسخ هذا الزواج.
هذا بالإضافة إلى القرائن الأخرى التي ذكرناها

(1) تحريم المتعة في الكتاب والسنة ص 102 و 103 ونكاح المتعة للأهدل ص 302.
174

في هذا الفصل.
ثالثا: لم يدع أحد أن لفظ الاستمتاع والتمتع قد اقتصرا في عرف الشرع على هذا العقد المعين..
سياق الآيات لا يناسب المتعة:
يقول البعض: وبناء على ما تقدم؛ فإن النفس تطمئن بما أجمع عليه أهل السنة. ولا سيما أن الآية التي جاءت فيها العبارة والآيات السابقة لها منصبة على الزواج، وتعظيم رابطته، وحماية الحياة الزوجية، وتوطيدها ووجوب الاحتفاظ بالزوجات وعدم معاشرتهن، وتحمل ما يكره منهن والإحصان، والأولاد، والمواريث، والمهور، وما يحل التزوج به من النساء، وإبطال بعض عادات الجاهلية منه، مثل نكاح زوجة الأب والجمع بين الأختين.
وننبه على أن الزواج هو للإحصان وليس للشهوة فحسب وتنهى عن قصد السفاح والمخادنة. والمتعة
175

على كل حال ليست زواجا ولا إحصانا في معناهما ومداهما الصحيحين، ولا تخرج عن كونها نوعا من أنواع المخادنة، وليس فيها قصد تأسيس علاقة زوجية ثابتة، وإقامة كيان أسروي، وإنجاب ذرية مما هو منطو في الآيات.
ويتبادر لنا من كل ما روي وقيل أن مسألة المتعة وحلها وتحريمها متصلة بما روي من أحاديث أكثر مما هي منطوية في الجملة القرآنية، وأن من المحتمل أن تكون مما أباحها رسول الله في ظرف ثم نهى عنها، وأن تحريم النبي (ص) لها ووفاته على ذلك هو الأقوى والأوثق (1)
ونقول:
إن هذا الرجل قد أنكر نزول هذه الآية الشريفة

(1) المرأة في القرآن والسنة ص 183 والتفسير الحديث ج 9 ص 54 و 55.
176

في زواج المتعة، بالاستناد إلى الأمور التالية:
إن سياق الآيات قد بين لنا الأمور التالية:
إن الآيات قد انصبت على الزواج، وتعظيم رابطته، وحماية الحياة الزوجية.
وتوطيدها.
ووجوب الاحتفاظ بالزوجات.
وعدم معاشرتهن (1)
وتحمل ما يكره منهن.
والإحصان.
والأولاد.
والمواريث.
والمهور.
وما يحل التزوج به من النساء.

(1) لعله يقصد: أن لا يتخذها عشيقة لمجرد سفح الماء.
177

وإبطال بعض عادات الجاهلية منه، مثل نكاح زوجة الأب. والجمع بين الأختين.
(ثم نبه هذا الرجل على أن الزواج هو للإحصان، وليس للشهوة وحسب).
وتنهى - - أي الآيات - -:
عن قصد السفاح.
والمخادنة.
فإذا كان هذا هو مفاد الآيات فهي لا تناسب المتعة ولا تنطبق عليها بنظره، وذلك للأمور التالية:
1 - - إن المتعة ليست زواجا في معناه ومداه الصحيح.
2 - - إن المتعة ليست إحصانا في معناه ومداه الصحيح أيضا.
178

3 - - إن المتعة لا تخرج عن كونها نوعا من أنواع المخادنة.
4 - - ليس في المتعة قصد تأسيس علاقة زوجية ثابتة.
5 - - ليس فيها قصد إقامة كيان أسروي، وإنجاب ذرية، وهذا ما هو منطو في الآيات.
ثم هو يخلص إلى القول:
إن حل المتعة وتحريمها متصل بما روي من أحاديث أكثر مما هي منطوية في الجملة القرآنية.
ثم احتمل أن يكون النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أباحها في ظرف، ثم نهى عنها.. وأنه (صلى الله عليه وآله وسلم) توفي وهي على ذلك.. واعتبر هذا الرأي هو الأقوى والأوثق.
ونقول:
لقد ادعى هذا الرجل كما ترى أن الأمور الخمسة
179

الأخيرة قد انطوت الآيات الشريفة عليها.
وقد عرفنا ولسوف يأتي المزيد من الحديث عن أن المتعة زواج في معناه ومداه الصحيح.
وعرفنا المراد بالإحصان في الآية الشريفة، وأن المتعة إحصان بهذا المعنى في معناه ومداه الصحيح..
ولسوف يأتي في هذا الكتاب لا سيما في القسم الأخير منه، الكثير من الشواهد والدلائل الدالة على أن زواج المتعة ليس من المخادنة، ولا هو نوع من أنواعها لا من قريب ولا من بعيد.
ويكفي اعتراف هذا الرجل نفسه بأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أحل هذا الزواج، فهل يصح لمسلم أن يقول: إنه قد أحل الزنا والمخادنة للأمة؟!.
وأما الأمران الأخيران.. فقد تقدم بعض الكلام
180

فيهما وسيأتي في القسم الأخير من هذا الكتاب ما يدفع كل شبهة، ويزيل كل ريب إن شاء الله تعالى.
ولولا حب الابتعاد عن التكرار الموجب للملال لذكرنا ذلك هنا وهناك.. وما على القارئ إن أراد استعجال الإجابة إلا أن يراجع القسم الأخير من هذا الكتاب، ليجد فيه بغيته. ويحصل على طلبته، فالأمر إليه، ونحن نلقي بالعهدة في ذلك عليه..
تقرير آخر لسياق الآية:
يقول البعض: إن السياق يمنع من أن تكون الآية ناظرة إلى المتعة، لأن الله سبحانه عدد المحرمات بقوله تعالى:} حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم.. {أي التزوج بهن ذلك الزواج الدائم المعهود في الإسلام. ثم قال تعالى:} وأحل لكم ما وراء
181

ذلكم.. {أي أحل لكم التزوج بالدائم بما عدا المذكورات قبل أن تبتغوا بأموالكم على طبق ما شرع الله تعالى النكاح لأجله، من الإحصان والتناسل، دون مجرد سفح الماء - - كما يفعل الزناة - - فالآية تدل على المنع عن وضع المرأة موضع المخانة بأن يجعلها لمجرد سفح الماء.
وبعبارة أخرى: قد حرم الزواج الدائم بالمذكورات، وأحل الزواج الدائم بمن عداهن فإن المراد بالتحليل هنا نفس ما أريد بالتحريم هناك (1)
ويقول مصطفى شلبي أيضا:
(ان الفاء) تجعل ما بعدها مربوطا بما قبلها، والآية من أولها في النكاح المشروع.
وهذا يجعل قوله تعالى:} فما استمتعتم به.. {

(1) راجع التفسير الكبير ج 10 ص 53.
182

في التمتع بالنساء بطريق النكاح لا بالمتعة (1)
وقال يوسف جابر المحمدي ما ملخصه:
إن السياق في الآية خاص بالنكاح الدائم، فلا يعقل أن يقحم نكاح المتعة في وسطها، لأن الله سبحانه ذكر لفظة النكاح ثلاث مرات:} لا تنكحوا ما نكح آباؤكم {و} من لم يستطع منكم طولا أن ينكح {و} فانكحوهن بإذن أهلهن {فيصرف قوله:} فما استمتعتم {إلى النكاح الدائم " لأن العطف بالفاء من قطع المعنى بعدها عما قبلها " (2)
ونقول:
إن سياق الآيات الشريفة يحتم إرادة زواج المتعة، ونحن نذكر ذلك في سياق مناقشة الكلام المتقدم، فنقول:

(1) أحكام الأسرة في الإسلام ص 147.
(1) تحريم المتعة في الكتاب والسنة ص 96.
183

إننا نسلم أن الفاء تعبر عن انسجام ما بعدها مع ما قبلها، لكننا نقول: إن هذا الانسجام ليس كما ذكرتم.
فأولا: من الذي قال: إن المقدر في قوله تعالى:} حرمت عليكم أمهاتكم و.. {هو خصوص النكاح الدائم؟.
ويشهد لذلك قول الرازي:
" فكأنه تعالى ذكر أصناف من يحرم على الإنسان وطؤهن، ثم قال: وأحل لكم ما وراء هذه الأصناف، فأي فساد في هذا الكلام " (1)
ثانيا: إننا نقول: إن الآية لا بد أن تتحدث عن مطلق النكاح، الشامل للمنقطع وللدائم على حد سواء. أي أن قوله:} ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم {. وقوله تعالى} ومن

(1) التفسير الكبير ج 10 ص 53.
184

لم يستطع منكم طولا أن ينكح {. وقوله تعالى:} فانكحوهن بإذن أهلهن {لا يختص بالدائم.. وإلا فهل يصح القول إن التمتع بالأم والبنت كان حلالا؟!.
أو أن نقول: إن التمتع بما نكح الآباء كان حلالا في زمن الرسول؟!.
أو أن نقول: إن التمتع بالبكر في زمن الرسول كان جائزا ولو من دون إذن الأب؟!.
ثالثا: إن المراد بالإحصان هو حصن العفاف عن المآثم من خلال عقد الزواج، وهذا الأمر محقق في المتعة إذ يريد العاقد أن يجعل نفسه في حصن يمنعها من الوقوع في الحرام، ولا يريد مجرد سفح الماء - - ولو من دون عفة - - فإن نفس إرادة الوطء عن عقد هو دخول في دائرة التحصين عن الحرام.
رابعا: بالنسبة لما قاله مصطفى شلبي نقول: إنه
185

يكفي لتحقيق التناسب فيما بين ما قبل الفاء، وما بعدها أن يكون أحدهما عاما وكليا، مع كون الآخر خاصا، ومن أفراد ذلك العام، فقوله: وأحل لكم ما وراء ذلكم يراد به الأعم من الدائم والمنقطع، ثم فرع المنقطع الذي هو الخاص على ما سبق أي على ذلك العام (1)
خامسا: لو كان المراد بما بعد الفاء هو النكاح الدائم، فلا بد من الحكم بأن الزوجة تستحق تمام المهر والعقد حسبما تقدم مع أنها إنما تستحق نصفه فقط بخلاف ما لو قلنا بأنه يكفي في التناسب أن يكون ما بعد الفاء من أفراد ما قبلها.
سادسا: إن سياق الآيات يؤيد إرادة خصوص المتعة، إذ إن الآيات قد تحدثت في أوائل سورة

(1) الإنتصار ص 113.
186

النساء عن حكم الزنا، وعن النكاح الدائم، وعن ملك اليمين.. وقد شرع بقوله:} فما استمتعتم به منهن.. {ببيان حكم زواج المتعة.
وحمل هذه الفقرة على النكاح الدائم يلزم منه التكرار بدون سبب.
السياق يدل على المتعة فقط:
إن الآيات تحدثت أولا، عن النكاح الدائم، حيث قالت:} فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع {(1) ثم بينت حكم الزواج المؤقت، فقالت:} فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن {(2) ثم بينت حكم التزويج بالإماء فقالت:} ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما

(1) سورة النساء / الآية 3
(1) سورة النساء / الآية 24
187

ملكت أيمانكم {(1) كما أنه سبحانه وتعالى قد ذكر: المحرمات من النساء (2) ثم قال تعالى:} وأحل لكم ما وراء ذلكم {(3)
وعبر عن المهر هنا: مرة بالصداق وبالنحلة تكريما للنكاح الدائم، وتفضيلا له، ومرة بالأجر فيما يرتبط بالمتعة ونكاح الإماء، وإن كان قد عبر عنه في موارد أخرى بالأجر حتى بالنسبة للزواج الدائم أيضا، وذلك كما في سورتي الممتحنة الآية 10، والأحزاب الآية 50، لكن لم يكن هناك ذكر لسائر أقسام النكاح، أما هنا فلعله من أجل أنه أراد أن يظهر فضل الدائم على غيره من أقسام النكاح، وإن كانت حلالا فاختار كلمتي: صداق، ونحلة.

(1) سورة النساء / الآية 25
(1) راجع: الآيات من سورة النساء? ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم? الآية 22 والآية 23 إلخ..
(1) سورة النساء / الآية 24
188

وهذا الأمر يوضح: مدى انسجام الآيات فيما بينها، أما لو كان المراد بآية الاستمتاع النكاح الدائم، فيلزم التكرار في الحديث عن هذه الأمور، بالإضافة إلى محاذير أخرى تظهر من خلال ما يأتي من مطالب..
الاستمتاع لا يدل على إنشاء عقد المتعة
وقال بعضهم أيضا:
إن القرآن قد استعمل لفظ الاستمتاع في غير عقد المتعة في العديد من الموارد.
(وأن حقيقة " الاستمتاع " في القرآن الكريم، وفي عرفه الاستعمالي لا تدل على " إنشاء عقد المتعة " أصلا، في أي موضع من آي القرآن. ومن ذهب إلى أن المقصود بالاستمتاع هنا هو إنشاء عقد المتعة فعليه
189

بالدليل، وإلا كان تقولا على الله تعالى.
وإنما يعبر القرآن عن إنشاء " العلاقة الزوجية الصحيحة الدائمة " إما بلفظ " النكاح " ومشتقاته، وهو الكثير الغالب، وإما بلفظ " التزويج "، فيبقى الاستمتاع إذن على معناه الحقيقي اللغوي والشرعي، حتى يقوم الدليل على صرفه عن معناه الأصلي إلخ (1)
وبتقرير آخر:
إن لفظ المتعة لم يرد في القرآن بل ورد لفظ " استمتعتم " ولم يرد بها في تلك الموارد المتعة اتفاقا، ولذا اتفق جمهور المفسرين على أن المراد بالاستمتاع الانتفاع، كقوله {أذهبتم طيباتكم في الحياة الدنيا واستمتعتم بها} (2) وليس المراد مطلق الانتفاع، بل المراد الانتفاع بالوطء

(1) تحريم المتعة في الكتاب والسنة ص 103، وراجع: نكاح المتعة للأهدل ص 302 و 303.
(1) سورة الأحقاف، الآية 20.
190

المباح بالعقد الدائم (1).
ونقول:
إن هذا الكلام لا يصح، وذلك لما يلي:
أولا: إن عقد المتعة لا يحتاج إلى كلمة " متعت "، لأن المتعة تزويج ينشأ عقده بلفظي " زوجت " و " أنكحت " كما يمكن إنشاؤه بلفظ " متعت " من دون أي فرق.. فلفظا التزويج والنكاح ينشأ بهما عقد الزواج الدائم والمتعة على حد سواء..
ثانيا: إن التعبير عن إنشاء العلاقة الدائمة بلفظي " التزويج " و " النكاح " لا يدل على عدم صحة إنشاء العلاقة في المنقطع بلفظ الاستمتاع، كما اعترف به هذا المستدل.. وذلك لأن عدم صحة أمر في مورد لا يعني عدم صحته في غيره، لجواز أن تكون ثمة خصوصية في ذلك الغير اقتضت صحة فيه..

(1) راجع: نكاح المتعة للأهدل ص 304 و 305.
191

ثالثا: إن قراءة عدد من الصحابة وغيرهم للآية الكريمة، بإضافة كلمة " إلى أجل " واستفادتهم مشروعية هذا الزواج منها خير دليل على أن المراد بالاستمتاع فيها عقد المتعة، فضلا عن أن الصحابة، وغيرهم قد مارسوا هذا الزواج برهة من الزمان في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وبعده. وصرحوا في كثير من النصوص بأن المراد من الآية هو هذا الزواج بالذات.
فقول هذا المستدل ".. فيبقى الاستمتاع على معناه الحقيقي اللغوي والشرعي حتى يقوم الدليل على صرفه عن معناه الأصلي.. ".
إن هذا القول يبقى بلا معنى، لأن الدليل على هذا الصرف موجود..
رابعا: إن الحديث في هذه الآية الكريمة إنما هو عن أصل تشريع زواج المتعة، لا عن الألفاظ التي يصح
192

إنشاؤه بها، ولا عن أي من شرائط هذا الزواج وأحكامه الأخرى.. والفرق بين هذين الأمرين لا يخفى على ذي مسكة.
خامسا: إن استعمال كلمة " استمتع " في مواضع أخرى من القرآن بمعنى الإلتذاذ، كقوله تعالى: {استمتعتم بخلاقكم} لا بمعنى عقد المتعة، لا يوجب أن يكون قد استعملها في نفس هذا المعنى في هذا المورد أيضا. ولا يجعل ذلك حقيقة قرآنية أو عرفية، تمنع من استعماله في سائر المعاني.
سادسا: إن لفظ استمتعتم أدل على إرادة زواج المتعة من غيره حيث دلت طريقة استعماله في الآية الشريفة على أن أي مقدار من الاستمتاع يوجب مقدارا من المهر. وهو أمر لا يكون إلا في زواج المتعة كما أشرنا إليه غير مرة.
سابعا: لو سلمنا أن الآية لم تقيد النكاح بكونه دائما
193

أو منقطعا فمن أين عرف أن القيد هو العقد الدائم؟!. فلماذا لا يكون القيد هو كلمة " العقد " التي تصلح للدائم وللمنقطع على حد سواء؟! ثم تأتي الروايات والقرائن الداخلية فتبين المراد وأنه خصوص المنقطع.
الآية لا تختص بالمتعة:
وقد حاول البعض أن يقول:
إن من أحكام المتعة: أنه لو وهبها المدة قبل الدخول، استحقت نصف المهر.. وإذا انقضت المدة بعد الدخول فلها تمام المهر..
ومن أحكام الزواج الدائم أيضا: أنه إذا طلقها قبل الدخول استحقت نصف المهر أما بعد الدخول فلها تمام المهر.
قال: ".. وبهذا ينعدم الفرق بين المتعة والنكاح
194

المشروع في هذه الحالة. ويصبح فهم الآية على أنها خاصة بالمتعة لا أساس له ".
وهو كلام غير دقيق وغير مقبول..
فأولا: إن مجرد التشابه في هذا الأمر بين الزواج الدائم والمتعة لا يخرج الآية عن كونها خاصة بالمتعة، لأن اختصاصها بالمتعة منشؤه قراءة إلى أجل واشتهار أنها خاصة بهذا الزواج، الأمر الذي لا يدل على أن الصحابة قد أخذوه عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم ينشأ من عدم التشابه في الأحكام..
ثانيا: إن غاية ما يدل عليه كلام المستدل هنا هو عدم اختصاص الآية بالمتعة، ولا ينفي شمولها لها بل هو يكاد يصرح بالشمول، فكيف إذا دل الدليل على هذا الشمول كفى ذلك. والمستدل إنما يريد أن ينفي دلالة الآية على زواج المتعة من الأساس.
ثالثا: إن من يقول بأن الآية خاصة بالمتعة، يؤكد
195

قوله هذا بأن إرادة الدائم منها يقتضي استحقاق تمام المهر لمجرد لمسة أو تقبيلة؛ لأن الآية تقول: إن أي استمتاع منهن يوجب إعطاء أجورهن لهن..
هذا بالإضافة إلى محاذير وحيثيات أخرى تفرض إرادة خصوص المتعة من الآية.
المراد بالآية: الزوجة المدخول بها.
وقد ادعى البعض، وهو ابن تيمية:
" أن قوله تعالى: {فما استمتعتم به منهن} متناول لكل من دخل بها. أما غير المدخول بها فإنها لا تستحق إلا نصفه.
وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الحالة وهي المطلقة قبل الدخول المسمى لها بقوله تعالى:
{وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن، وقد فرضتم
196

لهن فريضة فنصف ما فرضتم، إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح} (1)
فأما الآية: {فما استمتعتم به منهن} فهي كقوله سبحانه: {وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض، وأخذن منكم ميثاقا غليظا}.
فجعل الإفضاء مع العقد موجبا لاستقرار الصداق.
فتبين بذلك: أنه ليس لتخصيص الموقت بإعطاء الأجر فيه دون النكاح المؤبد معنى. بل إعطاء الصداق كاملا في المؤبد أولى " (2)
وهو كلام لا يصح، وذلك لما يلي:
أولا: إن هذا اجتهاد في مقابل النص. فإن قراءة " إلى أجل " نص صريح في خلاف دعوى إرادة النكاح

(1) سورة البقرة، الآية 237.
(1) تحريم المتعة في الكتاب والسنة ليوسف جابر المحمدي ص 106 ومنهاج السنة ج 2 ص 155 وراجع نكاح المتعة للأهدل ص 306.
197

الدائم بل هي خلاف دعوى احتماله أيضا، إذ من المعلوم: أن هذه القراءة ليست اختراعا منهم، وإنما هي مأخوذة من مصدر التشريع..
ثانيا: إن تخصيص الآية بالزوجة المدخول بها يحتاج إلى قرينة. وهي مفقودة.. وأما الآية التي تحدثت عن أن الطلاق قبل الدخول يوجب استحقاقها لنصف المهر. فهي قد فرضت وجود نكاح دائم وطلاق. وليس في آية الاستمتاع لا حديث عن طلاق، ولا حديث عن الدخول أو عدمه.. فدعوى كون آية الطلاق قبل الدخول ناظرة لآية الاستمتاع ومخصصة لها ليس بأولى من القول بأن آية الاستمتاع ناظرة لزواج المتعة بل هذا المعنى هو المتعين لوجود هذا الزواج في عصر نزول الآية. ولأجل القراءة التفسيرية لها بإضافة " إلى أجل ".
ثالثا: إن أحدا لم يدع بأن النكاح الدائم لا يعطى
198

الأجر بل يعطى الأجر في خصوص المنقطع. كما ادعاه هذا المستدل..
بل المدعى هو أن هذه الآية قد تحدثت عن خصوص المنقطع، ولم تتعرض لحكم الدائم لا بنفي ولا إثبات. فهي لا تمنع من ثبوت الأجر في الدائم بآية أخرى أو رواية..
رابعا: ولو تنزلنا وسلمنا بشمول الآية للدائم، فإنها تشمله مع المنقطع أيضا فما هو الوجه في أولوية الدائم على المنقطع فيما يرتبط بإعطاء الصداق؟!
والغريب في الأمر: أن هذا المستدل نفسه قد صرح بأن الأمر في المتعة لا يختلف عنه في الدائم فيما يرتبط بالمهر، وذكر عن تحرير الوسيلة وزبدة الأحكام في أحكام المتعة: أنه " لو وهبها المدة، فإن كان قبل الدخول لزمه نصف المهر، وإن كان بعده لزمه الجميع ".
199

وذكر مثل ذلك عن كتاب: المتعة ومشروعيتها في الإسلام وعن الروضة البهية. فراجع كلامه ص 107 و 108.
خامسا: إن ثبوت الحكم بتنصيف المهر حين الطلاق قبل الدخول في آية أخرى.. أو في رواية.. لا يجعل آية {فما استمتعتم به منهن} خاصة بالنكاح الدائم، فإن هذه الآية قد بينت حكم المهر في زواج المتعة، وبينت أيضا مشروعية هذا الزواج، وتلك الآية، وذلك الحديث قد بين حكما آخر في مورد آخر، وهو تنصيف المهر في الطلاق قبل الدخول.. ولا منافاة بين الحكمين، ولا بين الآيتين.
سادسا: إن آية: {فما استمتعتم به منهن} تقول: إن أي مقدار حصل
200

من الاستمتاع فيجب إعطاء ما يقابله من المهر.. وهذا إنما يتحقق في خصوص زواج المتعة من حيث أن ما تفي به من المدة يوجب إعطاء ما يقابله من المهر.
إذ لو كانت هذه الآية شاملة للزواج الدائم، أو كانت فيه خاصة، فإنها ستكون منافية لقوله تعالى:} وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن، وقد فرضتم لهن فريضة، فنصف ما فرضتم {(1).
سابعا: قوله: " ليس لتخصيص الموقت بإعطاء الأجر فيه دون النكاح المؤبد معنى.. إلخ ".
غير صحيح، إذ إن إعطاء الأجر في الدائم قد أثبته القرآن، وبين أحكامه في أكثر من آية، ومنها آية سورة البقرة المذكورة آنفا.. وقد بقي المهر في نكاح المتعة بحاجة إلى بيان وتفصيل، وقد جاء التعبير في الآية

(1) سورة البقرة، الآية 237.
201

الشريفة بكيفية بينت فيها لزوم المهر، ولزوم أن يكون بمقدار الاستمتاع كما بيناه في الايراد السادس المتقدم. فهو إذن بيان لحكم تأسيسي وليس فيه إعادة لبيان ما هو مذكور في موارد أخرى، ففائدة بيانه هنا أتم، ونفعها أعم.
الآية تؤكد حق المرأة بالمهر بالدخول:
وفي مقام الإصرار على أن آية: {فما استمتعتم به منهن} خاصة بالنكاح الدائم، نجد البعض يعلل ذلك بأن عقد الزواج وإن كان يثبت به المهر كاملا إثر إبرامه، وتستحقه الزوجة بنفس العقد، لكنه يثبت ثبوتا قابلا لسقوط بعضه كالطلاق قبل الدخول.
فالآية تفيد: " أن المهر يتأكد وجوبه كاملا بالاستمتاع، لا بعقد الزواج وحده لأنه عرضة لأن
202

يسقط نصفه بالطلاق قبل الدخول. فيتأكد حق المرأة في تمام المهر بالدخول " (1).
ونقول:
إنه كلام لا يصح وذلك لما يلي:
أولا: إن الآية الكريمة قد قالت {فما استمتعتم به منهن}. ولم تقل: فإن استمتعتم منهن. وذلك للإشارة إلى درجة الاستمتاع.. وأن قلته وكثرته، وكونه بالدخول أو بغير الدخول.. لا يؤثر في لزوم إعطاء أجورهن إليهن كاملة غير منقوصة..
وبما أن ذلك غير متيسر في الدائم فلا بد من حملها على خصوص المنقطع، ويكون المراد كما قلنا أكثر من مرة أن أي مقدار من الاستمتاع يوجب مقدارا من المهر، والحكم في المتعة هو ذاك فإنها تستحق من المهر بمقدار ما تفي به من المدة.

(1) راجع: تحريم نكاح المتعة ليوسف جابر ص 109.
203

ثانيا: كيف عرف هذا المستدل أن المراد بما استمتعتم به منهن هو خصوص الدخول.. فإنه لو قبلها أو استمتع منها بما دون الدخول فإنه مشمول بقوله تعالى: {فما استمتعتم به منهن} فكيف أخرجه من هذا الشمول يا ترى؟!
ثالثا: إن تخصيصه الآية بالدائم لا شاهد له.. بل الشاهد على خلافه، وهو قراءة إلى أجل وذهاب كثيرين من علماء الأمة إلى إرادة نكاح المتعة بغض النظر عن هذه القراءة قرينة على ذلك أيضا.
مسألة تنصيف المهر كيف تحل؟
يقول بعض من ألف في المتعة:
" إذا كان أصحاب المتعة يرون عدم صلتها بالنكاح المعتاد لعدم إشارتها إلى تشطير المهر، فإننا نقول لهم: وهي بهذا الشرط لا علاقة لها بالمتعة؛ لأنها لا تختلف عن الزواج في هذا الحكم.
204

وهل لأن الآية لم تشر إلى تشطير المهر تصبح دليلا على المتعة؟! فماذا تقولون في قوله تعالى: {وآتوا النساء صدقاتهن نحلة} وهي لم تشر إلى تقسيم الصداق، فهل هذا أيضا في المتعة؟!
إنها تتحدث عن الصداق الذي هو من خواص النكاح، ولا علاقة له بمسألة الأجر المتفق عليه في المتعة موضوع البحث " (1)
ونقول: إن في ما ذكره مآخذ عدة:
فأولا: إن الأجر كما يعبر به عن المهر في المتعة، فإنه يعبر به عن المهر أيضا في النكاح الدائم، فقد قال تعالى: {فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف، محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان} (2)

(1) تحريم المتعة في الكتاب والسنة ص 108.
(1) سورة النساء، الآية 25.
205

وقال: {والمحصنات من المؤمنات، والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان} (1)
وقال: {ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن} (2)
وقال: {يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللائي آتيت أجورهن} (3)
وكلمة صداق إنما تعني المهر، سواء أعطي هذا المهر في نكاح دائم، أو منقطع. فالمهر في المنقطع يقال له: صداق. والمهر في الدائم يقال له: صداق. فلا معنى للتفريق بين الأمرين، وجعل ذلك منشأ لأحكام وآثار تختلف وتتخالف.

(1) سورة المائدة، الآية 5.
(1) سورة الممتحنة، الآية 10.
(1) سورة الأحزاب، الآية 50.
206

ثانيا: إن آية {وآتوا النساء صدقاتهن نحلة}، لا تختص بالنكاح الدائم، بل عامة لكل نكاح جعل فيه مهر دائما كان أو منقطعا. فلا معنى لقوله: إنها تتحدث عن الصداق الذي هو من خواص النكاح..
ثالثا: إن قوله: إن آية: وآتوا النساء صدقاتهن.. تتحدث عن الصداق الذي هو من خواص النكاح يعطي: أن النكاح فقط ما كان دائما.. وأن المتعة ليست نكاحا مع أن المتعة من أقسام النكاح.. فإن النكاح مفهوم عام يشمل الدائم والمنقطع كما قلناه غير مرة..
رابعا: إن آية} وآتوا النساء صدقاتهن نحلة {إنما تتحدث عن لزوم الوفاء بالعقد وعدم جواز الانتقاص مما ثبت للزوجات في ذمم أزواجهن.. وذلك بقرينة بقية الآية التي تقول:} فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا {(1)

(1) سورة النساء، الآية 4.
207

فهي على حد قوله تعالى:}.. وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا، أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا {.
وقوله تعالى:} ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن {.
وقوله:} وآتوهن أجورهن بالمعروف {.
وأما آية المتعة.. فقد أشارت إلى مقدار من الاستمتاع يوجب تمام المهر وذلك لأنها تقول:} فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن {.. أي أنها تقول: إن الأجر ثابت بتمامه للمستمتع بها حتى ولو استمتع بها بأقل درجات الاستمتاع. ولا ينظر فيه إلى الدخول وعدمه بل إنه لو انقضت المدة أو وهبها إياها ولم يشأ أن يستمتع بها أصلا فإن المهر كله ثابت عليه كما اعترف
208

به هو نفسه (1) مع أن الأمر في النكاح الدائم على خلاف ذلك، حيث إن الطلاق إذا كان قبل الدخول، فإنه يوجب تنصيف المهر.

(1) راجع: تحريم المتعة للمحمدي ص 117.
209

الفصل الثالث
نسخ المتعة بالإجماع
211

اليقين بالناسخ:
وبعد أن عرفنا: أن هذا التشريع ثابت في الإسلام، وأن ذلك مما أجمعت عليه الأمة، وقد نص
213

القرآن، ودلت الأخبار الكثيرة والمتواترة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على تشريعه وسيأتي شطر منها فإن ذلك الحكم لا يرتفع إلا بعد ورود الناسخ بصورة يقينية، فعلى مدعي النسخ إثبات ذلك بالأدلة القاطعة والبراهين الساطعة، ومن أين له ذلك، وأنى..
ونحن رغم اقتناعنا بأن دعوى النسخ قد جاءت بهدف تبرير بعض المواقف التي لم يفهمها البعض على حقيقتها، إلا أننا نجد أن من الإنصاف التعرض لها ومناقشتها بكل تفاصيلها، وجزئياتها حتى لا يبقى عذر لمعتذر، ولا حيلة لمتطلب حيلة.
وقبل التعرض لذلك نقول:
قال الرازي هنا: إن الناسخ إن كان معلوما بالتواتر، فإن مخالفة طائفة من الصحابة وغيرهم ممن سنذكرهم في هذا الكتاب توجب كفرهم، وخروجهم
214

من الدين.
وإن كان الناسخ معلوما بالآحاد يلزم جعل المظنون ناسخا للمقطوع وهو باطل أيضا (1)
وذلك يدفع إلى القول؛ بأن لا ناسخ في البين، وأن ما يدعونه ناسخا لا يصلح لذلك..
لا بد من الإنصاف:
وقبل البدء في الحديث عما يقال من أن زواج المتعة منسوخ، نود أن نشير - - بمرارة وأسف - - إلى أن طريقتنا في الإستدلال تختلف عن طريقة أنصار نسخ هذا التشريع.
إذ إننا حين نأخذ دليل الإباحة من البخاري ومسلم وغيرهما، ونترك دليل النسخ، فإنما نتركه لأجل تناقض رواياته، وضعفها، ولغير ذلك من أمور

(1) راجع: التفسير الكبير ج 10 ص 52
215

كثيرة جدا بيناها في هذا الكتاب.
لكن ما يلفت نظرنا هنا هو أننا نجد الطرف الآخر يكيل بمكيالين، حيث إنه حين يأخذ بدليل النسخ، لا ينظر فيه ليرى إن كان مما تقوم به الحجة، أو كان تام الدلالة أم لا، بل هو يتغاضى عن كل ما فيه من هنات وقد لا يشير أبدا إلى دليل الإباحة ولا يقرره تقريرا تاما أو موضوعيا.
النسخ يقتضي جعل البديل:
لقد ادعى فريق من المسلمين أن زواج المتعة منسوخ.. ونحن قبل الشروع في بيان ما استند إليه نقول: لو افترضنا ان هذا الزواج قد نسخ بالفعل فإن نسخه ليس من قبيل التخفيف، ورفع حكم إلزامي عن هذه الأمة.
216

وإنما هو نسخ لحكم قد وضع لأجل حل مشكلة.
فإذا نسخ، وبقيت تلك المشكلة قائمة فيجب على الشارع أن يجعل بديلا عن ذلك الحكم المنسوخ، خصوصا إذا كان من يدعي النسخ يعتبر أن قوله تعالى:} ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها {يشير إلى هذا النوع من النسخ..
ومعنى ذلك: أنه لا بد من عوض وبدل عن المنسوخ، وهو المتعة هنا، ولا بد أن يكون البدل من جنس المبدل منه أو قريبا منه، كما هو الحال في نسخ القبلة عن بيت المقدس، فقد أعطى قبلة خيرا منها وهي الكعبة..
ولا نرى أنه تعالى قد أعطى بديلا عن زواج المتعة، لا خيرا منه، ولا حتى مثله.. فإما أن تكون السنة الإلهية قد تبدلت، وزال الوعد الإلهي، أو أن النسخ المدعى غير صحيح.
217

ما هو ناسخ آية المتعة:
قد عرفنا أن زواج المتعة قد ثبت تشريعه في الإسلام بالكتاب والسنة، وإجماع المسلمين، فمن يدعي النسخ، فعليه إثبات ذلك بالأدلة القطعية، وقد ادعت بعض الفئات من المسلمين نسخه.
قال الفخر الرازي عن آية المتعة:
" الآية على تقدير ثبوتها لا تدل إلا على أن المتعة كانت مشروعة، ونحن لا ننازع فيه، وإنما الذي نقوله: أن النسخ طرأ عليه " (1)
وقد اختلفوا بالنسبة لناسخ آية المتعة، فقد قيل إنها نسخت ب‍:
1 - - الإجماع: قال ابن العربي: " فإنا لو قلنا: أن نكاح المتعة جائز فهي زوجة إلى أجل، ينطبق عليها

(1) التفسير الكبير ج 10 ص 51.
218

اسم الزوجية، وان قلنا بالحق الذي أجمعت عليه الأمة من تحريم نكاح المتعة لما كانت زوجة، فلم تدخل في الآية " (1)
أضاف القرطبي: " قلت: وفائدة هذا الخلاف هل يجب الحد، ولا يلحق الولد، كالزنا الصريح؟ أو يدفع الحد بالشبهة، ويلحق الولد؟ قولان لأصحابنا " (2)
وسنذكر طائفة من أقوال القائلين بأن النسخ قد ثبت بالإجماع.
2 - - وقال آخرون: نسخت بالأخبار (3)

(1) أحكام القرآن ج 3 ص 1311 ط دار المعرفة تحقيق على محمد البجاوي.
(1) الجامع لأحكام القرآن ج 12 ص 106.
(1) راجع تفسير البيضاوي ج 1 ص 259، والتسهيل لعلوم التنزيل ج 1 ص 137، وتفسير القرآن العظيم ج 1 ص 474، ولباب التأويل ج 1 ص 343، وفتح القدير للشوكاني ج 1 ص 414، والتفسير الكبير ج 10 ص 50 والمحلى ج 9 ص 519، وعن تفسير أبي السعود مطبوع بهامش التفسير الكبير ج 3 ص 251، والغدير ج 6 ص 224 و 225 عمن تقدم.
219

3 - - وفريق ثالث يقول: إنها نسخت بالقرآن (1)
ونقول:
إن ذلك كله لا يصح، ونفصل القول في ذلك فيما يلي من مطالب..
النسخ بالإجماع، لا يصح:
قالوا: " إن زمن إباحة المتعة لم يطل، وإنه حرم ثم أجمع السلف والخلف على تحريمها إلا من لا يلتفت إليه من الروافض (2) وزعم جماعة من الأئمة بتفرد ابن عباس بإباحتها..
ولكن قال ابن عبد البر:
أصحاب ابن عباس من أهل مكة، واليمن على

(1) لباب التأويل ج 1 ص 343 وستأتي المصادر الكثيرة الدالة على ذلك.
(1) أوجز المسالك ج 9 ص 404 وفتح الباري ج 9 ص 150.
220

إباحتها ثم اتفق فقهاء الأمصار على تحريمها إلخ.. " (1)
وقالوا أيضا:
" فلم يبق اليوم في ذلك خلاف بين فقهاء الأمصار وأئمة الأمة إلا شيئا ذهب إليه بعض الشيعة، إلخ.. " (2) ويروى أيضا عن ابن جرير جوازه (3)
وقالوا أيضا عن قول جابر الأنصاري:
" فعلناها مع رسول الله (ص) "
وقوله: " فنهانا عمر فلم نفعله بعد ":.. فإن كان قوله " فعلناها "، يعم كل الصحابة فقوله: " لم نعد " يعم جميع الصحابة، فيكون إجماعا " (4)

(1) نيل الأوطار ج 6 ص 271 و 272.
(1) نيل الأوطار ج 6 ص 272 والاعتبار ص 176.
(1) الاعتبار ص 176.
(1) أوجز المسالك ج 9 ص 404.
221

وقال عياض: " ثم وقع الإجماع من جميع العلماء على تحريمها إلا الروافض " (1)
وقال آخر: " ثبت النسخ بإجماع الصحابة " (2)
وقال غيره: " ثم أجمع الصحابة على أن المتعة قد نسخت في حياة النبي (ص) " (3)
وعلى حد تعبير العيني: " قد يثبت (4) النسخ بإجماع الصحابة " (5)
وقال آخر: " إنه صار منسوخا بإجماع الصحابة " (6)

(1) أوجز المسالك ج 9 ص 404، وفتح الباري ج 9 ص 150.
(1) شرح فتح القدير ج 3 ص 150 ومرقاة المفاتيح ج 3 ص 422.
(1) شرح العناية لمحمد بن محمود الباربرتي ج 3 ص 150.
(1) لعل الصحيح: ثبت.
(1) البناية في شرح الهداية ج 4 ص 100.
(1) مجمع الأنهر ج 1 ص 320.
222

لكن عبارة البعض هكذا:
" تحريم نكاح المتعة كالإجماع بين المسلمين إلا عن بعض الشيعة (1) ولعل هذا هو مراد العيني من قوله: قد يثبت ".
وقال النووي:
" ووقع الإجماع بعد ذلك على تحريمها من جميع العلماء إلا الروافض إلخ.. " (2)
وادعوا: أنه بلغ أمير المؤمنين عليا (عليه السلام) قول ابن عباس في المتعة، فقال له (عليه السلام): إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):

(1) فتح الملك المعبود ج 3 ص 227 وراجع: أوجز المسالك ج 9 ص 404 وعون المعبود ج 6 ص 84، وفقه السنة ج 2 ص 42 وشرح السنة للبغوي ج 5 ص 78 وفتح الباري ج 9 ص 150. وتحريم المتعة في الكتاب والسنة ص 51 عن معالم السنن للخطابي.
(1) شرح النووي على صحيح مسلم ج 9 ص 180 وأوجز المسالك ج 9 ص 410.
223

" نهى عنها، وعن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر " (1) وقد قال له (عليه السلام) ذلك: " لأنه كان يرى جواز المتعة، بناء على ما كان أولا في حياة النبي (ص)، ولم يكن بلغه النسخ، ولم يصح عنده، فلما أخبره بذلك رجع إلى قوله وانعقد على ذلك الإجماع، ولم يخالف فيه إلا من لم يعتد بخلافه ممن يزعم أنه من شيعة علي (ع) " (2)
وقال محمد بخيت المطيعي:
" إن المتعة، وان أبيحت يوم خيبر، فقد حرمت بعد ذلك في زمن النبي (ص).. " إلى أن قال: " وعلى هذا انعقد الإجماع من الصحابة، وغيرهم على

(1) وستأتي المصادر لهذا الحديث إن شاء الله تعالى.
(1) راجع: أسمى المناقب ص 145 و 158 و 160.
224

حرمتها، فلم يقع فيها إجماع بعد خلاف " (1)
وقال الأسنوي: ".. وباتفاقهم على تحريم المتعة، يعني نكاح المرأة إلى مدة، مع أن ابن عباس من كان يفتي بالجواز ".
ثم تنظر في ذلك إذ قد نقل عن الماوردي وغيره: " أن ابن عباس رجع فأفتى بالتحريم " (2)
وقال أيضا: " إن الخلاف بين الأصوليين هل يصح الإجماع على أحد القولين بعد الخلاف أم لا ينعقد؟ وحكم الخلاف باق. وهو مذهب الباقلاني.. وهذا على عدم صحة رجوع ابن عباس عنها، فأما ما روي من رجوعه فقد انقطع

(1) سلم الوصول إلى نهاية السؤل ج 3 ص 292.
(1) نهاية السؤل ج 3 ص 387، وقريب من ذلك في فتح الملك المعبود ج 3 ص 227.
225

الخلاف جملة " (1)
وأغرب تعبير قرأناه في هذا الصدد هو قول البعض:
" وقد انعقد الاجماع في شورى الصحابة، حينما نهى عنها عمر (رض) وهو على المنبر أيام خلافته، وأقره الصحابة " (2)
فهل أصبحت الأحكام الإلهية تثبت أو ترفض من خلال شورى يعقدها الصحابة؟!.
وأخيرا، فقد قال الشوكاني:
" ثم قد أجمع المسلمون على التحريم ولم يبق على الجواز إلا الرافضة. وليسوا ممن يحتاج إلى دفع أقوالهم، ولا هم ممن يقدح في الإجماع،

(1) شرح الموطأ للزرقاني ج 4 ص 49.
(1) تحريم المتعة في الكتاب والسنة ص 50.
226

فإنهم في غالب ما هم عليه مخالفون للكتاب والسنة ولجميع المسلمين ".
قال ابن المنذر: " جاء عن الأوائل الرخصة فيها - - يعني المتعة - - ولا أعلم اليوم أحدا يجيزها إلا بعض الرافضة ".
وقال القاضي عياض: " أجمع العلماء على تحريمها إلا الروافض ".
وقال ابن بطال: " وأجمعوا الآن على أنه متى وقع - - يعني المتعة - - أبطل، سواء كان قبل الدخول أو بعده ".
وقال الخطابي: " تحريم المتعة كالإجماع إلا عن بعض الشيعة ". (1)
ونقول:

(1) السيل الجرار ج 2 ص 268.
227

إن دعوى أن الإجماع هو الذي نسخ تشريع المتعة الثابت بالقرآن الكريم، وبالسنة والإجماع، لا تصح.
وذلك للأمور التالية:
أولا: قول الشوكاني عن الرافضة: إنهم في غالب ما هم عليه مخالفون للكتاب والسنة ولجميع المسلمين، غير صحيح.. ويعلم ذلك بالبداهة، فإن ما يذهبون إليه - - إلا ما قل - - يوافقهم فيه هذا المذهب أو ذاك، أو اعلام آخرون لا يجرؤ أحد على الطعن بانتسابهم إلى مذهب أهل السنة والجماعة..
ثانيا: إذا كانت حجة هؤلاء هي الإجماع دون سواه، على اعتبار أن الإجماع حجة في مورد لا يوجد فيه نص، فاستدلالهم به يفرض عليهم التخلي عن الإستدلال بالأخبار.
ثالثا: إن الحديث عن وجود إجماع على
228

التحريم، غير صحيح، حيث سيأتي في فصل أقوال ومذاهب أن عددا كبيرا من الصحابة والتابعين وغيرهم، كأهل مكة واليمن، وأكثر أهل الكوفة، يقولون باستمرار الحكم بإباحة هذا الزواج، بل حكي القول بالحلية عن جميع الصحابة، كما ذكره ابن حزم، عن جابر، وحكي أيضا عن بعض أئمة المذاهب الأربعة وغيرهم، وعن أكابر علماء الأمة، فضلا عن أهل البيت، وشيعتهم رضوان الله عليهم، ومع هذا فكيف يدعي هؤلاء الإجماع على النسخ؟!.
رابعا: إن عددا ممن ينسب إليهم القول بالنسخ لا تصح نسبة ذلك إليهم.. خصوصا ابن عباس وعلي (عليه السلام) كما سيأتي في الحديث عنه في فصل مستقل بالإضافة إلى ما سيمر علينا من دلائل على عدم صحة ذلك حين الحديث عن النسخ في خيبر، وفي حجة الوداع، وفي تبوك، وسيأتي في
229

فصل النصوص والآثار: أن عليا (عليه السلام) قال: لولا أن عمر نهى عن المتعة ما زنى إلا شقي، وسيأتي أيضا أنه عليه السلام تمتع بامرأة من بني نهشل بالكوفة..
وأما سعيد بن جبير فسيأتي في فصل النصوص والآثار أنه هو نفسه قد مارس هذا الزواج..
وسنذكر في فصل النصوص والآثار، وتقدم أيضا: أن الحكم بن عتيبة سئل عن آية المتعة، هل هي منسوخة؟ فقال لا.
وقد صرح عمران بن الحصين بعدم نسخ آية المتعة.
وأما ابن عباس، فقد تقدم قوله:
" إن الآية محكمة غير منسوخة ".. وكان يستدل بها على بقاء تشريع هذا الزواج.
230

وأجابوا عن ذلك: بأن: " ابن عباس صح رجوعه إلى قولهم (أي الصحابة) فتقرر الإجماع " (1)
وسنذكر في فصل: علي (عليه السلام) وابن عباس، أنه لم يرجع عن ذلك.
خامسا: إن الروايات الكثيرة جدا، - وستأتي - - صريحة في أن التحريم لم يكن في زمن النبي (ص) ولا في زمن أبي بكر، ولا شطرا من خلافة عمر بن الخطاب.
سادسا: يقول الجمهور: " إن الإجماع لا ينسخ ولا ينسخ به " (2)
ولهذا التجأ البعض إلى أن يقول:

(1) الهداية ج 1 ص 195، ورجوع ابن عباس مذكور في البحر الزخار ج 4 ص 23 وراجع: الجامع الصحيح للترمذي المطبوع مع تحفة الآحوذي ج 4 ص 268، وراجع: مرقاة المفاتيح ج 3 ص 422.
(1) راجع: البناية في شرح الهداية ج 4 ص 100.
231

إن النسخ إنما هو بالأخبار، والإجماع مظهر، لأن نسخ الكتاب والسنة بالإجماع ليس بصحيح على المذهب الصحيح (1)
فكيف إذا كان هذا الإجماع متأخرا عن عهد الصحابة، والتابعين؟ فإن النسخ بإجماع كهذا يتناقض مع قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): " حلال محمد حلال إلى يوم القيامة، وحرام محمد حرام إلى يوم القيامة ".
وكيف أيضا إذا كان أهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم مخالفين لهؤلاء المجمعين، ويفتون

(1) راجع: شرح التلويح للتفتازاني والمستصفى للغزالي ج 1 ص 126، والإحكام ج 3 ص 146 وشرح فتح القدير لكمال الدين محمد عبد الواحد ج 3 ص 150، وشرح النووي على صحيح مسلم بهامش إرشاد الساري ج 1 ص 50 و 52 و 53، وفواتح الرحموت بهامش المستصفى ج 2 ص 81، ومنهاج الوصول للبيضاوي، وشرحه المسمى بنهاية السؤل للأسنوي ج 2 ص 589، وإرشاد الفحول ص 197، وراجع: مرقاة المفاتيح ج 3 ص 422.
232

بخلافهم؟.
هذا.. عدا عن وجود مخالفين كثيرين من غيرهم، حتى أئمة المذاهب الأربعة، كما سيأتي إن شاء الله تعالى في فصل: أقوال ومذاهب.
سابعا: إن هذا الإجماع قد علم فيه مستند المجمعين، فلا يكون حجة بل ينظر إلى مستندهم نفسه.
ثامنا: قال التفتازاني في شرح التلويح صفحة 51: ذكر الجمهور أن الإجماع القطعي، وهو إجماع الصحابة لا يجوز تبديله ونسخه بإجماع آخر متأخر عنه (1) فإن كان ثمة إجماع على التحليل لزواج المتعة فلا يرفعه أي إجماع على خلافه يأتي بعده.
تاسعا: وبعد ما تقدم نقول: لعل الذين يقولون بالنسخ

(1) المتعة في الإسلام للعلامة السيد حسين مكي ص 38.
233

بالإجماع هم من أولئك الذين يعتبرون الإجماع نبوة بعد نبوة (1) وهو حجة قاطعة للعذر متى انعقد وفي أي عصر كان (2) ويرون أن الأمة معصومة (3) وأن المراد بالأمة المعصومة، وبالنبوة هو من عدا أهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم.
عاشرا: أما بالنسبة لهذا الأمر الذي يطال الخليفة الثاني بالتساؤل فلا بد أن يتحقق إجماع ناسخ حتى ولو خالف فيه خليفة آخر هو رابع الخلفاء

(1) راجع: المنتظم ج 9 ص 210 والإلمام ج 6 ص 123 والإحكام في أصول الأحكام ج 1 ص 204 و 205 وبحوث مع أهل السنة والسلفية ص 27.
(1) الإحكام في أصول الأحكام ج 1 ص 208 وتهذيب الأسماء ج 1 ص 42 والنشر في القراءات العشر ج 1 ص 7 و 31 و 33 وأي كتاب يبحث في حجية الإجماع على مذاق أهل السنة.
(1) راجع: تهذيب الأسماء ج 1 ص 42 والإلمام ج 6 ص 142 والباعث الحثيث ص 35 وشرح صحيح مسلم (مطبوع بهامش إرشاد الساري) ج 1 ص 28 ونهاية السؤل ج 3 ص 325 وسلم الوصول ج 3 ص 326 وعلوم الحديث لابن الصلاح ص 24 وإرشاد الفحول ص 82 والإحكام في أصول الأحكام للآمدي ج 4 ص 188 و 189.
234

الراشدين، وثلاثة من الأئمة الأربعة، وخالف أهل مكة واليمن وأكثر علماء أهل الكوفة وكثيرين من الصحابة والتابعين وغيرهم!!!.
حادي عشر: قال أمين محمود خطاب: " وأجيب: بأن الخلاف إنما كان في الصدر الأول إلى آخر خلافة عمر (رض). والإجماع إنما هو فيما بعد.. ".
إلى أن قال:
" وأكثر أهل العلم على تحريم المتعة " (1)
ثاني عشر: إن الإجماع بعد الخلاف لا يرفع الخلاف السابق، فلاحظ التصريحات التالية:
أ - - قال الزرقاني: " وتعقب قوله: لم يخالف إلا الروافض " بأنه ثبت الجواز عن جمع من الصحابة

(1) فتح الملك المعبود ج 3 ص 225.
235

كجابر، وابن مسعود، وأبي سعيد، ومعاوية، وأسماء بنت أبي بكر، وابن عباس، وعمر بن الحويرث، وسلمة، وعن جماعة من التابعين..
وأجيب: بأن الخلاف إنما كان في الصدر الأول إلى آخر خلافة عمر، والإجماع إنما هو فيما بعد.
واختلف هل رجع ابن عباس إلى التحريم أم لا..
قال ابن عبد البر:
" أصحابه من أهل مكة، واليمن، يرونه حلالا ".
واختلف الأصوليون في الإجماع بعد الخلاف، هل يرفع الخلاف السابق أم لا يرفعه، ويكون الخلاف باقيا، ومن ثم جاء الخلاف في من
236

نكح متعة هل يحد أم لا (1)
ب - - " وقالوا: إن الخلاف إذا انقطع ووقع الإجماع على أحد أقواله بعد موت قائله وقبل رجوعه عنه فإن الناس مختلفون فيه، فذهب القاضي أبو بكر إلى أن الإجماع لا ينعقد بموت المخالف، فعلى هذا حكم الخلاف باق في حكم قضية المتعة.. وبذلك لا يحد فاعله، وقال جماعة: ينعقد الإجماع بموت إحدى الطائفتين.. إلى أن قال: فعلى هذا يحد فاعله " (2)
وقال: " ومما يدل على أنه لم ينعقد الإجماع على تحريمه أنه يلحق به الولد " (3)
ج - - ورغم أن النووي قد قال: " ووقع الإجماع بعد ذلك على تحريمها من جميع العلماء إلا

(1) شرح الموطأ للزرقاني ج 4 ص 47.
(1) أوجز المسالك ج 9 ص 410.
(1) المصدر السابق.
237

الروافض.. ".
لكنه الحقه بقوله:
" وكان ابن عباس يقول بإباحتها، وروي عنه أنه رجع عنها ".
إلى أن قال:
" واختلف أصحاب مالك، هل يحد الواطئ فيه، ومذهبنا أنه لا يحد لشبهة العقد وشبهة الخلاف.. ".
ومأخذ الخلاف اختلاف الأصوليين في أن الإجماع بعد الخلاف هل يرفع الخلاف، وتصير المسألة مجمعا عليها، والأصح عند أصحابنا أنه لا يرفعه بل يدوم الخلاف، ولا تصير المسألة بعد ذلك مجمعا عليها أبدا، وبه قال القاضي أبو بكر الباقلاني
238

(1)
د - - وقال ابن حجر الهيثمي:
".. ثم حرم عام خيبر، ثم جاز عام الفتح، وقيل: حجة الوداع، ثم حرم أبدا بالنص الصريح الذي لو بلغ ابن عباس لم يستمر على حلها، مخالفا كافة العلماء..
وحكاية الرجوع عنه لا تصح بل صح كما قال بعضهم عن جمع من السلف أنهم وافقوه في الحل، لكن خالفوه، فقالوا: لا يترتب عليه أحكام النكاح، وبهذا نازع الزركشي في حكاية الإجماع فقال: الخلاف محقق وإن ادعى جمع

(1) شرح النووي على صحيح مسلم ج 9 ص 180 وراجع أوجز المسالك ج 9 ص 410 و 411.
239

نفيه " (1)
ه‍ - - " وفي نور الأنوار: قيل: يشترط للإجماع اللاحق عدم الاختلاف السابق عند أبي حنيفة، يعني إذا اختلف أهل عصر في مسألة وماتوا عليه، ثم يريد من بعدهم أن يجمعوا على قول واحد منهما، قيل لا يجوز ذلك الإجماع عند أبي حنيفة، وليس كذلك في الصحيح، بل الصحيح أنه ينعقد عنده إجماع متأخر، ويرتفع الخلاف السابق من البين، وفي هامشه على قوله عند أبي حنيفة اختار هذا القول أحمد بن حنبل، ومن الشافعية الغزالي، وقال الموفق: لا يجب الحد بالوطئ في نكاح مختلف فيه كنكاح المتعة وغيرها، وهذا قول

(1) تحفة المحتاج بشرح المنهاج ج 7 ص 224.
240

أكثر أهل العلم، فإن الاختلاف في إباحة الوطي فيه شبهة والحدود تدرأ بالشبهات، قال ابن المنذر أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم أن الحدود تدرأ بالشبهة " (1)
وأخيرا، فلا نرى أننا بحاجة إلى التذكير بسقوط القول: بوجود شورى للصحابة حين أعلن عمر تحريم المتعة على المنبر.. فإنه لم يكن ثمة من شورى آنئذ، بل كان هناك فرض للمنع من قبل عمر، كما سيأتي توضيحه في أكثر من موضع من هذا الكتاب.. وسنذكر أن كثيرا من الصحابة لم يلتزموا بما فرضه عليهم عمر..
تقرير الإجماع بطريقة أخرى:

(1) أوجز المسالك ج 9 ص 411.
241

ويقول البعض ما ملخصه:
" إن الإجماع قائم على تحريم نكاح المتعة، وذلك بالبيان الآتي: إن عمر قد نهى عن المتعة، وتوعد عليها وغلظ أمرها.. وذكر أن رسول الله (ص) قد نهى عنها على المنبر، بحضرة المهاجرين والأنصار، ولم يعارضه، ولا رد عليه منهم أحد، مع ما كانوا عليه من الحرص على إظهار الحق، وبيان الواجب والخطأ.
وقد عارضه أبي بن كعب في متعة الحج، وعارضه معاذ بن جبل في رجم الحامل، وقال له: إن كان لك سبيل عليها، فلا سبيل لك على ما في بطنها، وعارضته المرأة في أمر الصداق وغير ذلك، إذ لا يجوز لمثلهم
242

المداهنة في الدين، ولا السكوت على استماع الخطأ لا سيما في أمور الشريعة.
فسكوتهم يعلمنا أن التحريم ثابت، وأن الحلية منسوخة عندهم كما هو الحال عند عمر.
ولو لم يقل بتحريم المتعة إلا واحد من الصحابة رضوان الله عليهم إذا لم يكن له فيهم مخالف لوجب علينا الأخذ بقوله، والمصير إلى علمه، لأنه لم يقل ذلك إلا عن علم ثاقب، ورأي صائب، وقد قال النبي (ص): أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم، وقد أجمعوا كلهم على ذلك: فكان من خالف ذلك، واستحل نكاح المتعة مخالفا للإجماع،
243

معاندا للحق والصواب " (1)
ويقول أيضا:
" إباحة نكاح المتعة ليس في كتاب الله، ولا في سنة رسول الله (ص)، ولا في إجماع الصحابة، ولا قول واحد منهم، ولا من التابعين.. ولا العلماء بل في كل ذلك قد أنهي (كذا) عنه ومنع منه، فكان الأخذ بخلافهم ضلالا " (2)
1 - - أقول:
الصحيح هو أن الذي اعترض على عمر لتحريمه المتعة هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وعمران بن الحصين، وابن عباس، بل اعترض عليه كل القائلين بالتحليل من بعده حسبما يظهر في فصل: أقوال ومذاهب، وفي

(1) تحريم نكاح المتعة ص 77 و 78
244

فصل النصوص والآثار.
فلا معنى لهذا الجزم القاطع من هذا القائل..
ثانيا: سيأتي: أن عدم الاعتراض عليه، وهو يتوعد ويتهدد لا يدل على رضا الساكتين وموافقتهم على ما يقول. وسيأتي مزيد توضيح لهذا الأمر في القسم الثالث من هذا الكتاب. وليكن استمرارهم على ممارسة هذا الزواج، وعلى القول بحليته رغم كل هذه الشدة والحدة، نعم ليكن ذلك أبلغ رد عليه وأوضح اعتراض على قرار المنع الصادر منه.
ثالثا: إن إباحة المتعة، وارد في كتاب الله في قوله تعالى:} فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن {، ثم هو ثابت أيضا في سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد أجمعت عليه الأمة، لكن البعض يدعي
245

وجود ناسخ، وأنى له بإثباته، بل الثابت عكسه..
بل إن الخليفة الثاني نفسه، قد أقر باستمرار تشريع هذا الزواج في عهد أبي بكر، ثم في النصف الأول من خلافته هو، وأنه هو الذي ينهى ويمنع.
رابعا: قد عرفت أن طائفة كبيرة من الصحابة والتابعين، ومن فقهاء الإسلام، بل إن الأئمة الأربعة - - باستثناء الشافعي - - قد نقل عنهم القول، باستمرار الحلية، وإن كان بعض هؤلاء قيدها في صورة الضرورة.
خامسا: إن الحديث المنسوب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم ".
لا تصح نسبته إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، كيف وقد كان أصحابه يكفر بعضهم
246

بعضا، ويقتل بعضهم بعضا، ويحكمون على بعضهم بالخطأ والضلال، والنفاق، والانحراف، فهل يصح الاقتداء بهم وهذه هي حالهم، ويلزم من ذلك اهتداء القائلين بحلية المتعة، واهتداء القائلين بحرمتها.
وإذا صح الاقتداء بهم، فهل يقتدى بهم، حتى في التكفير والقتل، حين قتلوا عثمان وغيره، ويلزم كون محارب علي (عليه السلام) على الهدى..
فإن كان هذا الحديث صحيحا فلا بد أن يحمل على جماعة مخصوصين من أصحابه لا على كل من رآه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
والصحيح في هذا الحديث هو أنه (صلى الله عليه وآله) قال: " أهل بيتي كالنجوم إلخ.. " (1) لأن أهل البيت (عليهم السلام) نور واحد، لا خلاف فيما بينهم، ولا اختلاف فيما ورد عنهم بل نهجهم

(1) لسان الميزان ج 1 ص 136.
247

واحد، وفكرهم واحد..
سادسا: إن خضوع عمر واستسلامه، واعترافه بالخطأ على المنبر حيث أخبرته المرأة بما قاله الله تعالى في شأن الصداق:} وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا {.
فقال: امرأة أصابت ورجل أخطأ، أو نحو ذلك.
لا يفيد شيئا.. بل هو يدل على أن من كان هذا حاله، فلا يصح الأخذ بقوله.. لأنه قد يحرم الحلال، ويحلل الحرام، حتى ولو كان منصوصا عليه في الكتاب العزيز مثل، مقالته في مهور النساء، كما أنه قد أراد رجم الحبلى، حتى نهاه علي (عليه السلام)، وقال له: إن كان لك سبيل عليها فلا سبيل لك على الذي في بطنها.
248

فمن كان هذا حاله لم يكن له أن يستبد برأيه، بل عليه أن يرجع إلى الصحابة ويأخذ عنهم..
وسيأتي في القسم الرابع من هذا الكتاب المزيد مما يوضح الكثير من مواضع الخلل في الأقوال الآنفة الذكر.
وقد أعرضنا عن ذلك هنا مخافة التكرار الممل، والمخل في نسق الكتاب، والله هو الموفق والهادي إلى الحق والصواب.
الإجماع على الإباحة إجماع على التحريم:
وقد حاول بعضهم أن يقول: إن أهل العلم متفقون على أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد رخص في المتعة لظروف خاصة، ثم حرمت. فاتفاقهم قائم على الطرفين - - أعني التحريم والتحليل معا - -. فإن كان هذا إجماعا مثبتا للإباحة فهو مثبت للتحريم
249

أيضا.
فإن قيل: إن هناك إجماعا على الترخيص..
قيل: هناك إجماع على التحريم أيضا..
على أن لفظ الترخيص مؤذن بالتوقيت، مشعر بأن هذا الحكم في طريقه إلى النسخ (1)
ونقول:
1 - - إن هذا المعترض يجعل ما هو محل النزاع موردا للاتفاق. فإن أهل العلم وان كانوا قد اتفقوا على تشريع المتعة، لكنهم لم يتفقوا على النسخ، وخلاف ابن عباس كالنار على المنار، وكالشمس في رابعة النهار، هذا فضلا عن غيره من صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقد ذكرنا شطرا من القائلين بحلية هذا الزواج في فصل أقوال ومذاهب..

(1) تحريم المتعة للمحمدي ص 186 بتصرف.
250

بل إن أهل مكة والمدينة، واليمن، قائلون بالتحليل. بل قد نقل ذلك عن ثلاثة من أئمة المذاهب الأربعة، حسبما أوضحناه في ذلك الفصل.
فما معنى قول هذا المعترض: إن أهل العلم متفقون على الطرفين، فإن كان يقصد به أهل العلم الذين يوافقونه، فلا يفيده ذلك شيئا، وإن كان يقصد أهل العلم من المسلمين على سبيل العموم والشمول، فهو غير صحيح.
وفي مطلق الأحوال، إننا لا نستطيع أن نجد معنى صحيحا، أو معقولا لما يدعيه هذا المعترض من وجود إجماع على التحريم ليعارض به الإجماع على الترخيص. فهل هو لا يرى عليا (عليه السلام) وابن عباس، وجابرا وابن مسعود، وابن جبير والحكم وعمران بن الحصين، وحتى ابن عمر، وابن أم أراكة.. وعلماء مكة واليمن والمدينة، وعددا من أئمة
251

المذاهب الأربعة وغيرهم وغيرهم، هل لا يرى في هؤلاء جميعا من يصلح لخرق الإجماع الذي يدعيه على التحريم؟!
2 - - قوله: إن لفظ الترخيص مؤذن بالتوقيت، ومشعر بالنسخ، هو مجرد ادعاء وتحكم، إذ إن هذا اللفظ لا يشعر بهذا ولا يؤذن بذاك.
3 - - إن الإيذان بالتوقيت إن كان بالغا حد الدلالة على ذلك، فإنه لا يحتاج إلى النسخ، بل هو ينتهي بانتهاء زمانه.. والدليل الذي يحدد الأمد يعتبر قرينة على دليل جعل الحكم، ومبينا لأمده، ولا يكون ناسخا له، فيصح أن يقول الشارع قد رخصت لكم بكذا.. ثم يقول: إن أمد الرخصة ينتهي بعد سنة من الآن فقوله الثاني ليس ناسخا للأول بل هو قرينة عليه..
أما إن لم يبلغ حد الدلالة الظاهرة فإنه لا يكون مؤذنا بالتوقيت. ولا مشعرا بالنسخ.
252

4 - - قوله: إن الترخيص كان لظروف خاصة، ثم ادعاؤه الإجماع على ذلك. لا يصح إذ لا إجماع على التقييد بالظروف الخاصة.. بل إن ظاهر التشريع هو جعل الحكم لموضوعه بصورة مطلقة، كتشريع الزواج الدائم تماما وكتشريع أحكام الإرث، والطلاق، والحج و..
الإجماع على الإذن، لا على الإباحة:
وزعموا أيضا: أن الاجماع لم ينعقد على إباحتها - - والتعبير ب‍ " إباحتها " خطأ. بل انعقد على الإذن بها، كما أذن بأكل الميتة، فإن الإباحة تكون لأمر ذاتي في الفعل.
أما الإذن فيكون لضرورة سوغت هذا الإذن. فتعبير بعض الأئمة بالإباحة من قبيل التسامح في
253

التعبير (1)
ويمكن أن يقال أيضا: " إن ترك النبي (ص) المتعة لهم قبل الأمر الجازم بالمنع ليس من قبيل الإباحة، بل هو من قبيل الترك حتى تستأنس القلوب بالإيمان، وتترك عادات الجاهلية. وقد كان شائعا بينهم اتخاذ الأخدان، وهو ما نسميه اتخاذ الخلائل، وهذه هي متعتهم، فنهى القرآن الكريم، والنبي (ص) عنها. وأن الترك مدة لا يسمى إباحة، وإنما يسمى عفوا حتى تخرج النفوس من جاهليتها، والذين يستبيحونها باقون على الجاهلية الأولى؟ (2).
ونقول:

(1) راجع: تحريم المتعة للمحمدي ص 188 و 189.
254

أولا: إن كانت المتعة زنا كما يزعمون، فهل أذن الله ورسوله بالزنا؟.
ثانيا: هل يمكن أن نتصور أن الاضطرار إلى النساء يصل إلى درجة يصبح الزنا فيها حلالا؟ فيكون كالاضطرار إلى أكل الميتة، الذي لولاه لمات الإنسان؟
ثالثا: أي دليل يدل على أن الأئمة قد تسامحوا فعبروا عن الإذن بالإباحة؟! إن هذا مجرد ادعاء يحتاج إلى إثبات.
رابعا: من الذي قال: إن إباحة المتعة لم تكن لأمر ذاتي في الفعل، تماما كما هو الحال في الزواج الدائم؟! وكيف يمكن إثبات الخطأ في التعبير بكلمة: " إباحة ".
خامسا: إذا كان هذا المعترض ممن يقول بأن الحسن هو ما حسنه الشارع، وليس بالضرورة أن تكون الأحكام المجعولة تابعة للمصالح والمفاسد في
255

نفس الأمر والواقع.. فلا يبقى معنى لاشتراط أن تكون الإباحة اقتضائية وناشئة عن أمر ذاتي في الفعل.
سادسا: إن تحريم الزنا قد كان في مكة، وقبل الهجرة وأسوأ مظاهره إذا كان هو اتخاذ الأخدان والخلائل، فهل يمكن أن يكون الله قد حرم الزنا، الذي قد يتفق لإنسان ما مع امرأة ما، ويترك ما هو أشر وأضر، وهو اتخاذ الأخدان الذي يعني العشرة والانغماس في أجواء الزنا لمدد متطاولة.
وهل يصح للنبي (صلى الله عليه وآله) أن يعفو عن أمر كهذا؟!، ولماذا لم يترك الزناة الآخرين يمارسون رذيلتهم إلى أن تخرج النفوس من جاهليتها؟ وما الدليل على وجود اصطلاح كهذا " عفو " في قاموس المصطلحات الإسلامية، أو العربية؟!
سابعا: قال تعالى في سورة النساء الآية 25: {وآتوهن أجورهن بالمعروف، محصنات غير مسافحات، ولا متخذات أخدان}.
256

وسورة النساء قد نزلت في أوائل الهجرة، فكيف ينهاهم الله عن المخادنة ثم يعفو رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويتركهم ولا ينهاهم عنها إلى عام خيبر بل إلى عام أوطاس والفتح، وحجة الوداع؟!..
لا يرجع في المختلفات إلى علي وآل بيته (ع):
والغريب في الأمر قولهم:
" قال الخطابي: تحريم المتعة كالإجماع إلا عن بعض الشيعة، ولا يصح على قاعدتهم في الرجوع في المختلفات إلى علي وآل بيته (ع)، فقد صح عن علي (ع) أنها نسخت، ونقل البيهقي عن جعفر بن محمد: أنه سئل عن المتعة، فقال هي الزنا بعينه " (1)

(1) فتح الباري ج 9 ص 150 وأوجز المسالك ج 9 ص 404، وراجع فتح الملك المعبود ج 3 ص 227، وعون المعبود ج 6 ص 84، وفقه السنة ج 2 ص 42 و 43.
257

ونقول:
1 - - لا ندري من أين استنبط هذه القاعدة التي نسبها إلى الشيعة، وفي أي كتاب من كتبهم ذكرت؟!.
2 - - إن الصحيح عند الشيعة هو لزوم الرجوع في المختلفات إلى علي وآل بيته (عليه السلام) ليرفعوا الخلاف، ببيان الحق، الذي لا محيص عنه، فهم أحد الثقلين الذين أمرنا الرسول (ص)، بالرجوع إليهم والأخذ منهم، والانتهاء إلى قولهم، وهم سفينة النجاة من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق، وهم أهل بيت النبوة (عليهم السلام) فهم أدرى من كل أحد بما في ذلك البيت.
3 - - لا ندري لماذا اختص علي وأهل بيته (عليهم السلام) بهذا الحرمان من الرجوع إليهم، ولم ينل ذلك عمر وأهل بيته مثلا.
258

4 - - أما قوله: صح عن علي (عليه السلام) أنها نسخت، فسيأتي أنه لا يصح، بل الصحيح عكس ذلك، فقد صح عنه (عليه السلام) وعن أهل بيته (عيهم السلام) الاستمرار على القول بالحلية.
وكذا الحال بالنسبة لما نسبوه إلى الإمام الصادق (ع).
وقد تقدم النقل الصريح للحلية عن أهل البيت (عليهم السلام)، وسيأتي المزيد من الكلام حول ذلك.
ومهما يكن من أمر فإن نسبة هذه المقولة إلى الشيعة تذكرنا بقول علي (عليه السلام) عن بنت أبي حثمة حين أرسلت إليه لتمدح عمر بن الخطاب فور وفاته، فقد قال علي (ع) في هذه المناسبة: " أما والله ما قالت ولكن قولت " (1)

(1) شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج 12 ص 5 عن الطبري.
259

الفصل الرابع
النسخ بالآيات.. ومناقشته
261

النسخ بالآيات:
إننا قبل أن نذكر الآيات التي ادعوا أنها ناسخة لآية المتعة، أو لتشريع هذا الزواج، ونبين فساد تلك الدعوى نحب أن نشير إلى أمر مثير للدهشة، والإستغراب، ألا وهو نسبتهم القول بنسخ هذا الزواج وتحريمه إلى أمثال علي (عليه السلام)، وابن عباس، وآخرين، ممن لا يشك من له أدنى اطلاع على مثل هذه الأمور بأنهم في طليعة من يقول ببقاء تشريع هذا الزواج، فلنلاحظ معا ما يأتي من نصوص ومطالب.
بعض من نسب إليهم النسخ بالآيات:
263

لقد نسب القول بالحرمة والنسخ إلى أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وأنه قال:
" نهى رسول الله (ص) عن المتعة، قال: إنما كانت لمن لم يجد، فلما أنزل الله النكاح، والطلاق، والعدة، والميراث بين الزوج والمرأة نسخت " (1)
وعن علي (عليه السلام) قال: " نسخ رمضان كل صوم، ونسخ المتعة الطلاق والعدة والميراث " (2)

(1) سنن الدارقطني ج 3 ص 260، وراجع الإستذكار ج 6 ص 297، والجامع لأحكام القرآن ج 5 ص 130، والاعتبار في الناسخ والمنسوخ ص 177، وتحريم نكاح المتعة ص 47 و 55 و 56، والاعتصام بحبل الله المتين ج 3 ص 203، وراجع: شرح الموطأ للزرقاني ج 4 ص 48، والسنن الكبرى للبيهقي ج 7 ص 207، وكنز العمال ج 22 ص 99، وراجع التمهيد ج 9 ص 118.
(1) فتح الباري ج 9 ص 150.
264

ونسب القول بأن آية المتعة نسخت بآية الطلاق، والميراث والعدة بالإضافة إلى علي (عليه السلام) إلى ابن مسعود وإلى سعيد بن المسيب، ورواه أبو هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله) (1)
ونسب إلى ابن عباس ذلك أيضا (2) وأنها

(1) راجع في ذلك كلا أو بعضا: الدر المنثور ج 2 ص 140، والمصنف للصنعاني ج 7 ص 501 وص 505، وراجع شرح الموطأ للزرقاني ج 4 ص 48، وكنز العمال ج 16 ص 328 ط مؤسسة الرسالة، وسنن البيهقي ج 7 ص 207، وفتح الباري ج 9 ص 150، ونصب الراية ج 3 ص 180، وتحفة الأحوذي ج 4 ص 268 عن الدارقطني، والتمهيد ج 9 ص 118، وراجع: الإستذكار ج 16 ص 297، ومجمع الزوايد ج 4 ص 264، وراجع: الروض النضير شرح مسند زيد ج 4 ص 213، والأم ج 7 ص 174، والمغني ج 6 ص 644، والآثار لأبي يوسف ص 298، ومعرفة السنن والآثار ج 10 ص 141، والبناية في شرح الهداية ج 4 ص 100، والجامع لأحكام القرآن ج 5 ص 130، ونيل الأوطار ج 6 ص 274 عن أبي هريرة، وكذا في فقه السنة ج 2 ص 45 ورسالة تحريم نكاح المتعة ص 47 عن أبي هريرة..
(1) التفسير الكبير ج 10 ص 49، والسنن الكبرى للبيهقي ج 7 ص 205 و 206.
265

منسوخة بآية العدة (1)
ونسب إلى ابن عباس: أن الآية الأولى من سورة الطلاق قد نسخت المتعة (2)
وعن عمر بن الخطاب: هدم المتعة: النكاح، والطلاق، والعدة، والميراث (3)
ونسب إلى زيد بن علي القول بنسخها بآية العدة والميراث (4)
النسبة عشوائية:
ونحن نرى: أن نسبة القول بالنسخ إلى هؤلاء

(1) أحكام القرآن للجصاص ج 2 ص 178، والدر المنثور ج 2 ص 140، والتمهيد ج 9 ص 120.
(1) المرأة في القرآن والسنة ص 179 والتفسير الحديث ج 9 ص 53.
(1) لباب التأويل ج 1 ص 343 والمرأة في القرآن والسنة ص 180 والتفسير الحديث ج 9 ص 154.
(1) مسند زيد هامش ص 305.
266

الأعلام قد جاءت على غير هدى، ولسوف يتضح أن نسبة ذلك إلى:
علي (ع)، وابن عباس رحمه الله فضلا عن النسبة إلى:
سعيد بن جبير، وسعيد بن المسيب، وابن مسعود.
لا تصح.. وسيأتي في فصل: علي (عليه السلام) وابن عباس. وفصل: النصوص والآثار، وفصل: آراء ومذاهب، وفي سائر فصول القسم الثالث من هذا الكتاب، دلائل وشواهد كثيرة لا تدع مجالا لأية شبهة في ذلك..
الآيات الناسخة بزعمهم:
تقدم أنهم ذكروا عدة آيات ادعوا أنها ناسخة لآية المتعة، أو فقل لتشريع زواج المتعة، بصورة عامة،
267

والآيات هي التالية:
1 - - قال النحاس عن ابن عباس: " إن آية المتعة قد نسخت بآية:} يا أيها النبي إذا طلقتم النساء.. {" (1)
2 - - وقال ابن أبي حاتم: " نسخها قوله تعالى:} محصنين غير مسافحين {" (2)
3 - وروي: أنها نسخت بقوله تعالى:} حرمت عليكم أمهاتكم.. {(3)
4 - - وقيل: بآية حفظ الفروج (4)

(1) زاد المسير في علم التفسير ج 2 ص 54، والناسخ والمنسوخ للنحاس ج 2 ص 192، وفي هامشه عن أبي عبيد ج 1 ص 246 وعن الجصاص ج 2 ص 147 والسنن الكبرى للبيهقي ج 7 ص 207.
(1) الدر المنثور ج 2 ص 140
(1) السنن الكبرى للبيهقي ج 7 ص 206 وعن الطبراني أيضا.
(1) ستأتي المصادر لذلك وراجع أحكام القرآن ج 3 ص 13، قال ابن عربي: " قال قوم: هذه الآية دليل على تحريم نكاح المتعة.
268

5 - - وقيل: بقوله تعالى:} ولكم نصف ما ترك أزواجكم {(1)
6 - - وقيل: بقوله تعالى:} فانكحوا ما طاب لكم من النساء.. {(2)
7 - - وقيل: بآيات تشريع النكاح، وقد تقدم نسبة ذلك إلى علي (عليه السلام) وغيره.
8 - - وقيل: بآية العدة. وقد تقدمت مصادر ذلك أيضا.
ولسوف نتحدث - - إن شاء الله - - عن مدى صحة هذه الأقوال فيما يأتي من مطالب..

(1) الناسخ والمنسوخ للنحاس ج 2 ص 192 والمصنف لعبد الرزاق الصنعاني ج 7 ص 505 والسنن الكبرى للبيهقي ج 7 ص 207.
(1) راجع: زواج المتعة حلال ص 86.
269

اعترافهم بنزول القرآن بالمتعة:
ومن الواضح الجلي:
أن القول بنسخ آية المتعة يستبطن الاعتراف بأنها قد نزلت في خصوص زواج المتعة، مع أننا نجدهم يكابرون ويبالغون في إنكار أن تكون الآية قد نزلت بتحليل هذا الزواج، ويحاولون حصر القول بذلك بابن عباس، وأبي بن كعب، بسبب روايتهما قراءة الآية المذكورة بإضافة كلمة " إلى أجل مسمى ".
وقد تنبه لهذا الأمر بعض متأخريهم فحاول التهرب من هذا الأمر، فقال حول النسخ بآية المعارج، والمؤمنون:
" نحن نقول: إن آية النساء لا تدل على نكاح المتعة إطلاقا. وعليه فلا نسخ في الآيتين بل كلتاهما
270

محكمتان " (1).
ولكن ذلك لا ينفع فإن رواتهم، وأقوال متقدميهم تنفي أن يكون ذلك هو مقصودهم.
1 - آية حفظ الفروج:
إن عمدة ما استدلوا به لنسخ آية المتعة هو آية حفظ الفروج، والاستدلال بها شائع بين القائلين بالتحريم وهي قوله تعالى:
{والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم، أو ما ملكت أيمانهم، فإنهم غير ملومين} (2)
وقد ذهب إلى ناسخيتها لآية المتعة جماعة من المتأخرين (3) ونقل ذلك عن القاسم بن محمد بن أبي بكر، وعن ابن عباس، وعن عائشة

(1) نكاح المتعة للأهدل ص 304.
(1) سورة المؤمنون / الآية 5 و 6.
(1) راجع على سبيل المثال: مدارك التنزيل مطبوع بهامش لباب التأويل ج 3 ص 301 ولباب التأويل نفسه ج 1 ص 343.
271

أيضا (1) من الصحابة.
ونقل ذلك أيضا عن زيد بن علي (2) والشافعي (3) فراجع أقوالهم في كتب الحديث والتاريخ المعدة لذلك.
كيفية الإستدلال بالآية:

(1) راجع: المصنف لعبد الرزاق ج 7 ص 503، والسنن الكبرى ج 7 ص 206 و 207، والدر المنثور ج 5 ص 5، والإستذكار ج 6 ص 297، ومستدرك الحاكم ج 2 ص 393، وغاية المأمول في شرح التاج الجامع للأصول ج 2 ص 335، والغدير ج 6 ص 235، وليراجع: التسهيل ج 1 ص 137، والجامع لأحكام القرآن ج 5 ص 130، وعن ابن عباس في جواهر الأخبار والآثار ج 4 ص 22، وتفسير البحر المحيط ج 3 ص 397، وراجع مجلة الهلال المصرية عدد 13 جمادى الأولى 1397 ه‍ أول مايو سنة 1977، والجامع الصحيح ج 3 ص 430، وجامع الأصول ج 12 ص 132، وفتح القدير ج 1 ص 455 عن الطبراني، والبيهقي عن ابن عباس وص 449 و 450 عن عائشة والقاسم بن محمد بن أبي بكر، والتمهيد ج 9 ص 116 عن القاسم بن محمد، وفتح الملك المعبود ج 3 ص 225، والمنار في المختار ج 1 ص 461 عن ابن عباس وروح المعاني ج 5 ص 8 عن القاسم بن محمد.
(1) مسند زيد هامش ص 305.
(1) راجع: تفسير الخازن تفسير الآية 24 من سورة النساء.
272

ويوجهون الإستدلال بهذه الآية على ذلك، فيقولون: بأنه ليس للشيعة أن يقولوا: إن المتمتع بها مملوكة لبداهة بطلانه، أو زوجة، لانتفاء لوازم الزوجية، كالميراث، والعدة، والطلاق، والنفقة، والقسم، وانتفاء لوازم الزوجية يوجب انتفاء الملزوم، فإذا لم تكن زوجة، ولا ملك يمين كانت من العدوان المحرم بمقتضى الآية (1)
وزاد ابن قدامة، على لوازم الزوجية المنتفية: الظهار واللعان (2)

(1) تفسير النيسابوري بهامش الطبري ج 5 ص 17، وجواهر الكلام ج 30 ص 149، وعن تفسير الآلوسي، والتفسير الكبير ج 1 ص 50، وراجع: الجامع لأحكام القرآن ج 12 ص 106، وراجع أيضا تحفة الأحوذي ج 4 ص 296 عن الطيبي زاد قوله: " بل هي مستأجرة نفسها أياما معدودة " وراجع: فتح القدير ج 1 ص 450 وحاشية السندي على سنن ابن ماجة ج 1 ص 604 ط دار الجيل، وراجع: الإستذكار ج 16 ص 297، وأحكام الأسرة في الإسلام لشلبي ص 146 وفقه السنة ج 2 ص 38.
(1) المغنى ج 7 ص 573.
273

وزاد الرازي قوله: ".. ولثبت النسب، لقوله (ص): (الولد للفراش) وبالاتفاق لا يثبت.. " (1)
وقال الجصاص: "} فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون {تقتضي تحريم نكاح المتعة، إذ ليست بزوجة ولا مملوكة يمين " (2)
وقال ابن عربي:
" قال قوم: هذه الآية دليل على تحريم المتعة، لأن الله قد حرم الفرج إلا بالنكاح أو بملك اليمين: والمتمتعة ليست بزوجة ".
وهذا يضعف، فإنا لو قلنا: إن نكاح المتعة جائز فهي زوجة إلى أجل، يطلق عليها اسم الزوجة.
وإن قلنا بالحق الذي أجمعت عليه الأمة من

(1) التفسير الكبير ج 10 ص 50
(1) أحكام القرآن للجصاص ج 5 ص 92.
274

تحريم نكاح المتعة، لما كانت زوجة؛ فلم تدخل في الآية، وبقيت على حفظ الفرج فيها، وتحريمه من سببها " (1)
واستدل آخرون أيضا بهذه الآية على تحريم نكاح المتعة، فراجع كلماتهم (2)
أما عائشة فكانت إذا سئلت عن المتعة قالت: بيني وبينكم كتاب الله، قال الله عز وجل:} والذين هم لفروجهم حافظون. إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين. فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون {قالت: فمن ابتغى غير ما زوجه الله وما ملكه فقد عدا (3)
وعن ابن عباس قال: إنما كانت المتعة في أول

(1) أحكام القرآن لابن عربي ط دار المعرفة ج 3 ص 1311.
(1) فتح القدير ج 3 ص 474.
(1) التمهيد ج 9 ص 116 والسنن الكبرى ج 7 ص 206 والمبسوط للسرخسي ج 5 ص 152 وفتح القدير ج 1 ص 449 و 450. ومستدرك الحاكم ج 2 ص 305.
275

الإسلام، كان الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفة، فيتزوج المرأة بقدر ما يرى أنه يقيم، فتحفظ له متاعه، وتصلح له شيئه، حتى إذا نزلت الآية إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم، قال ابن عباس: فكل فرج سواهما حرام (1)
وبه قال: وحدثنا محمد، حدثنا أحمد بن أبي عبد الرحمن، عن الحسن بن محمد، عن الحكم بن ظهير، عن السدي، عن ابن عباس في قوله تعالى:} والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم {قال نساؤهم، وقوله:} أو ما ملكت أيمانهم {قال السراري، قوله:} فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون {الذين يعدون الحلال إلى الحرام، فأولئك هم العادون، قال: فلم يحل الله له إلا زوجة أو ملك يمين، والزوجة قد أنزل الله

(1) ستأتي مصادر ذلك في الفصل التالي: النسخ بالأخبار، تحت عنوان: روايات نسخ المتعة، الحديث رقم 12.
276

أحكامها وميراثها وعدتها (1)
ويقال: إن يحيى بن أكثم قد استدل على المأمون بما يقرب من هذا أيضا حينما نادى المأمون بإباحة المتعة (2)
ونقول:
إن هذه الآية غير صالحة لنسخ آية المتعة أصلا، وذلك لما يلي:
أولا: لا يصح تقدم الناسخ:
إن آيتي حفظ الفروج الواردتين في سورتي المعارج والمؤمنون - - مكيتان - - متقدمتان.

(1) كتاب العلوم لأحمد بن قيس بن زيد ج 3 ص 13.
(1) وفيات الأعيان ج 2 ص 259 ط إيران، والسيرة الحلبية ج 3 ص 46. وبجيرمي على الخطيب ج 3 ص 336 و 337.
277

وقد حكى الآلوسي الاتفاق على مكيتهما (1)
وآية المتعة مدنية، متأخرة، والمتقدم لا ينسخ المتأخر، بالبديهة والاتفاق، بل الأمر على العكس، وهذا الإشكال آت في جميع الآيات الأخرى المدعى ناسخيتها لآية المتعة.
وقد يعترض على ذلك بأن قولهم: إن السورة الفلانية مكية، لا يعني أن جميع آياتها كذلك فلعل بعضها مدني.
والجواب: أن ذلك لا يرفع الإشكال، وذلك لما يلي:
أ - - إن كلام الآلوسي ناظر إلى الآية، لا إلى السورة.
ب - - حتى لو كانت آية الفروج مدنية فهي أسبق من آية المتعة التي نزلت حسب دعواهم في فتح مكة،

(1) روح المعاني ج 5 ص 8، وراجع: جواهر الكلام ج 30 ص 147.
278

أو في عام أوطاس، حيث أحلت ثلاثة أيام فقط، أو في حجة الوداع، أو تبوك.
وهل يعقل أن تكون آية حفظ الفروج قد نزلت في خصوص هذه الأيام الثلاثة دون سواها؟.. وكيف يثبتون لنا ذلك، فإن التشريع ثابت وعلى مدعي النسخ إثبات مدعاه، وإحراز تأخر الناسخ بنحو قطعي، ولا يكفي مجرد الادعاء والاحتمال.
ثانيا: آية حفظ الفروج محكمة:
إن آيتي سورتي المعارج والمؤمنون، في قوله تعالى: {الذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم إلخ..} هي من الآيات المحكمة التي لم تنسخ وهي مكية، فلو كان النبي (صلى الله عليه وآله) قد رخص بالمتعة، وقلنا: إن المتمتع بها ليست زوجة، وقلنا إن هذه تحرم المتعة لكان الترخيص في خيبر نسخا
279

لآية حفظ الفروج!! فكيف مع تكرر النسخ، فإذا كان هناك يقين بأنها لم تنسخ فلا بد من القول، بأن المتمتع بها من جملة الزوجات (1)
ولأجل هذا الإشكال بالذات نجد الآلوسي يعترف بعدم صحة الإستدلال بهذه الآية على تحريم المتعة لمن يعلم أنها أحلت بعد نزولها.
ثالثا: أبو حيان وآية حفظ الفروج:
قال أبو حيان: " لا يظهر التحريم من هذه الآية (2) يعني آية حفظ الفروج ".
رابعا: المتمتع بها زوجة:
إن قولهم: إن المتمتع بها ليست زوجة، فلا تشملها آية الحفظ، غير صحيح وذلك للأمور التالية:

(1) راجع: تفسير الميزان ج 4 ص 304.
(1) البحر المحيط ج 6 ص 397.
280

أ - - قال ابن عربي: " وهذا يضعف، فإنا لو قلنا، إن نكاح المتعة جائز فهي زوجة إلى أجل يطلق عليها اسم الزوجة (1)
ب - - إن المتعة عقد نكاح شرعي صحيح، جاء به الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) والقرآن العظيم من الله عز وجل.
ج - - لقد ورد على لسان الصحابة، والتابعين التعبير عن المتعة بأنها: نكاح، وزواج، وعن المتمتع بها بأنها زوجة في أكثر من مورد، وأكثر من مناسبة، وفي رواية سبرة: " فتزوجتها " (2)
وفي لفظ عبد الرزاق:

(1) أحكام القرآن ج 3 ص 1311.
(1) راجع: سنن ابن ماجة، الحديث رقم 1962.
281

" فإذا رسول الله (ص) على المنبر يقول: من كان تزوج امرأة إلى أجل: فليعطها إلخ.. " (1)
وأمثال ذلك كثير ويتضح ذلك بمراجعة فصل: النصوص والآثار.
ج - - إن نفس آية المتعة تدل على ثبوت الزوجية، لاقتران جملة:} فما استمتعتم إلخ.. {بجملة:} محصنين غير مسافحين {.
د - - قال النحاس في الناسخ والمنسوخ:
".. وإنما المتعة أن تقول: أتزوجك يوما، وما أشبهه " (2)

(1) المصنف لعبد الرزاق ج 7 ص 504.
(1) الناسخ والمنسوخ ج 2 ص 193.
282

ه‍ - - وقال الزمخشري:
".. فإن قلت: هل فيه دليل على تحريم المتعة؟ قلت: لا، لأن المنكوحة نكاح المتعة من جملة الأزواج إذا صح النكاح " (1)
ولا أظن إثبات هذا الأمر يحتاج إلى أكثر من مراجعة أقوال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والصحابة، والتابعين، وفيما ذكرناه كفاية.
خامسا: الوجه هو التخصيص لا النسخ:
إن آية حفظ الفروج، وسائر الآيات التي ادعي ناسخيتها لحكم آية المتعة.. كلها متقدمة، وهي عامة، وآية المتعة متأخرة، وهي خاصة.. فالمتعين ليس النسخ بل لا بد من تخصيص تلك العمومات المتقدمة بهذا الخاص المتأخر..

(1) الكشاف ط بيروت ج 3 ص 177.
283

ونظير ذلك تخصيص آية حفظ الفروج بأمة الغير، التي أذن في وطيها: فإنها ليست زوجة، ولا ملك يمين.. وقد أفتى بجواز هذا الإذن والتحليل كل من ابن عباس، وطاووس، وقال الثاني: هي أحل من الطعام.
بل ربما يظهر من بعض النصوص الصحيحة السند: أن ذلك كان شائعا ومعروفا جدا في زمن التابعين، فراجع ما قاله عطاء لابن جريج في خصوص ذلك (1)
سادسا: انتفاء لوازم الزوجية:
قد ذكروا في مقام الإستدلال على نسخ آية المتعة بآية حفظ الفروج انتفاء لوازم النكاح في

(1) المصنف للحافظ عبد الرزاق ج 7 ص 216، فإنه قد نقل ذلك عن طاووس، وابن عباس، كما أنه قد نقل كلام عطاء أيضا..
284

المنقطع (1)
وبمثل ذلك استدلوا أيضا لناسخية آية الطلاق والميراث إلخ.. لآية المتعة - - أيضا - - فإذا انتفت لوازم الزوجية، كان سفاحا.. وهذا كلام غريب منهم، وعجيب، وذلك للأمور التالية:
أ - - متى ثبت لهؤلاء: أن لوازم النكاح الدائم، لا بد أن تكون هي بعينها لوازم النكاح المنقطع، بحيث إذا ثبت للدائم بعض الأحكام، فلا بد من ثبوتها بعينها للمنقطع؟ ‍.
ب - - هل مجرد جعل حكم أو أثر في مورد، يكون نسخا ورفعا للحكم الثابت في ذلك المورد؟ ‍.

(1) وذكروا بعض الروايات حول ناسخية الطلاق، والميراث، والعدة، والنكاح، والصداق عن علي (ع) وغيره، فراجع سنن البيهقي ج 7 ص 207، وراجع الجامع لأحكام القرآن ج 5 ص 130، والمصنف لعبد الرزاق ج 7 ص 505، وفتح الباري ج 9 ص 146 و 149 و 150.
285

وهل عدم جعل بعض الآثار لحكم في مورد، يكون دليلا على انتفاء الحكم نفسه، أو دليلا على رفعه ونسخه؟ ‍. مع العلم بأن النسخ شيء، وعدم جعل الحكم أو اللازم، أو الأثر، شيء آخر، ولا ربط لأحدهما بالآخر..
ج - - لماذا لم يمنع انتفاء هذه اللوازم المدعاة من تشريع أصل المتعة في زمن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ مع أن آية المتعة، وتشريع هذا الزواج، قد كان بعد نزول آية الطلاق وغيرها من الآيات المثبتة لبعض تلكم اللوازم.
د - - إن القول بأن هذه الأمور لوازم غير منفكة عن الزوجية غير صحيح إذ قد توجد الزوجية حتى الدائمة، ولا توجد اللوازم المذكورة (1) فلا يصح إذن

(1) راجع: كنز العرفان ص 166 وجواهر الكلام ج 30 ص 149 و 144.
286

ما رتبوه على ذلك، من قولهم: إن الآيات المثبتة لهذه اللوازم ناسخة لآية {فما استمتعتم..} الخ.. أو ناسخة للمتعة.. ونوضح ذلك ضمن العناوين التالية:
أ - - القسم والليلة:
أما بالنسبة للقسم والليلة فهما يسقطان في السفر، مع بقاء صدق الزوجية..
وكذا لا قسم للصغيرة، ولا للمجنونة، ولا للناشز مع صدق الزوجية أيضا.
ب - النفقة:
أما النفقة، فإنه لا نفقة للناشز، مع أنها زوجة قطعا.
287

وأما بالنسبة للإرث، فسيأتي الحديث عنه.
ج - ثبوت النسب:
وأما بالنسبة لقول الرازي: إن النسب لا يثبت بالمتعة فهو محض تجن، لا واقع له.
وقال السيد المرتضى: " إن الولد يلحق بعقد المتعة، من ظن خلاف ذلك علينا، فقد أساء بنا الظن " (1)
وقد تقدم بعض ما يشير إلى ذلك فلا نعيد.
قال ابن إدريس: " يلحق الولد بالزوج، ويلزمه الاعتراف به، ويجب عليه إلحاقه به " (2) وكذا

(1) الإنتصار ص 115.
(1) السرائر ص 624.
288

قال آخرون (1)
لكن ذكر البعض أن لأهل السنة قولين فيما يرتبط بإلحاق الولد بأبيه حين تشريع المتعة في أول الإسلام.
الأول: وهو الأقرب أنه يلحق بالمستمتع.
وبعد التحريم أيضا هناك اختلاف بين علماء السنة، فقيل: إنه يلحق به، وقيل: لا، وقيل: يحد المستمتع، وقيل: لا يجري عليه الحد.. كذا عن القرطبي.
أما عند فقهاء الإمامية، فلا خلاف في إلحاقه بأبيه لأنه نكاح مشروع ومباح (2)

(1) الروضة البهية ج 5 ص 288 وقال: هو مروي والرواية في الوسائل كتاب النكاح، أبواب المتعة، باب 33، وتهذيب الأحكام ج 2 ص 191، والاستبصار ج 3 ص 152 و 149.
(1) نكاح المتعة حرام في الإسلام ص 8 و 9.
289

أضف إلى جميع ما تقدم: أنه لو كان ولد المتعة لا يلحق بأبيه عند هؤلاء فلا بد أن نسألهم عن ابن الزبير ابن من يكون..
فإنه وكذلك آخرون من أبناء الصحابة قد ولدوا في المتعة حسبما سيأتي..
د - الظهار واللعان:
وأما بالنسبة للظهار واللعان والإيلاء، فقد قال ابن إدريس: يصح الظهار منها عند بعض أصحابنا، وكذلك اللعان عند السيد (1)
وقال السيد المرتضى: " والظهار أيضا يقع بالمستمتع بها وكذلك اللعان " (2)
وقال البعض عن اللعان عند أهل السنة: " واللعان

(1) السرائر ج 2 ص 624 ط مؤسسة النشر الإسلامي - - قم - - إيران.
(1) الإنتصار ص 115.
290

لا يقع بين الحر والأمة عند كثير منهم " (1)
كما " أن ابا حنيفة يشترط في اللعان أن يكون الزوجان جميعا غير كافرين ولا عبدين " (2)
ويقول الشيخ محمد حسن النجفي: " وعدم اللعان والظهار والإيلاء فلاشتراطها بالدوام، لا الزوجية.
ولو فرض ما يدل على وقوعها بالزوجة وجب تخصيصها بالدائمة جمعا بينه وبين ما دل على عدم لحوقها بالمتعة " (3)
رواية ابن عباس:
بالنسبة لرواية ابن عباس التي ذكرت: أن المتعة كانت حلالا في أول الإسلام، إلى أن نزلت

(1) أصل الشيعة وأصولها ص 166 ط دار البحار - - بيروت.
(1) الإنتصار ص 115.
(1) جواهر الكلام ج 30 ص 149.
291

آية حفظ الفروج، كان الرجل يقدم البلدة إلخ..
نقول:
1 - - قد تقدم أن ابن عباس قد استمر على القول بالتحليل إلى آواخر أيام حياته، ومساجلته مع ابن الزبير في هذا الأمر وتهديد ابن الزبير له بالرجم أشهر من أن تذكر.
وقد صرح أن آية المتعة محكمة غير منسوخة.
كما أن أتباعه من أهل مكة وغيرها قد تابعوه على هذا الرأي، واستمروا عليه عشرات السنين بعد وفاته.
وقد صرح بأنه لم يرجع عنها كثيرون حسبما قدمناه. 2 - - قال الآلوسي: " لا أدري ما عنى بأول الإسلام إن عنى ما كان في مكة قبل الهجرة أفاد
292

الخبر أنها كانت تفعل قبل.. إلى أن نزلت الآية. فإن كان نزولها قبل الهجرة لا إشكال في الإستدلال بها على الحرمة، لو لم يكن بعد نزولها إباحة، لكنه قد كان ذلك.
وإن عنى ما كان بعد الهجرة، أو أولها، وأنها كانت مباحة إذ ذاك إلى أن نزلت الآية كان ذلك قولا بنزول الآية بعد الهجرة، وهو خلاف ما روي عنه من أن السورة مكية " (1)
1 - آية حفظ الفروج تحرم المتعة:
وقد ادعى بعض القائلين بتحريم المتعة: أن آيتي حفظ الفروج محكمتان.. لأن آية {فما استمتعتم به منهن} يراد بها النكاح الدائم.

(1) روح المعاني ج 5 ص 10 ط دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان.
293

وحديث عائشة يدل على أنها ترى تحريم المتعة بآية حفظ الفروج، لا لكونها ناسخة لآية المتعة، وإلا لصرحت بالنسخ. ولأنها لم تكن لتجهل تقدم نزول آية حفظ الفروج على آية المتعة، وأن المتقدم لا ينسخ المتأخر.
وقد استحسن أبو محمد القيسي هذا الكلام من عائشة لأن المتعة ليست بملك يمين، ولا هي نكاح صحيح.. فتدل آية حفظ الفروج على تحريمها لأنها حصرت الحلال في هذين الأمرين.. والمتعة - - حتى على كلامهم - - لا تسمى عقد نكاح أبدا.
أما المتعة فكانت بإباحة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثم نهى عنها، فيكون من نسخ السنة بالسنة (1)
ونقول:

(1) راجع: تحريم المتعة للقيسي ص 133 و 134 بتصرف وتلخيص.
294

أولا: إذا كانت آية حفظ الفروج تدل على التحريم على النحو الذي ذكروه، وكانت مكية فإنها تمنع من إباحة النبي (صلى الله عليه وآله) للمتعة في المدينة أيضا، إذ إن
المتعة ليست - - على زعمهم - - ملك يمين، ولا هي نكاح صحيح.. وإذا كان الحلال منحصرا من أول الإسلام بهذين الأمرين.. وكانت هذه الآية محكمة غير منسوخة، فذلك يعني أن النبي (صلى الله عليه وآله) لم يحل المتعة بعد نزول آية حفظ الفروج أبدا.. مع أن المتفق عليه عند الأمة كلها: أن هذا الزواج قد أباحه رسول الله (صلى الله عليه وآله) قطعا..
والمدعون للنسخ بالسنة والأخبار فإنما يدعون ذلك في عام خيبر، أو تبوك، أو الفتح، أو حجة الوداع الخ.. وكل هذه المواطن إنما كانت في المدينة في أواخر حياة الرسول (صلى الله عليه وآله).. فهل أحل لهم (ص) ما دل القرآن صريحا على تحريمه؟! وهل ينسخ القرآن
295

بالاخبار.
ثانيا: قولهم: إن المتعة ليست عقد نكاح صحيح، مجرد دعوى فإنها عقد نكاح صحيح بلا شك وقد كان على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، غير أن هؤلاء يدعون النسخ فعليهم الإثبات.
ثالثا: قولهم: إنه حتى على كلام القائلين بحلية المتعة، فإنها لا تسمى عقد نكاح أبدا.. غير صحيح.. وقد تقدم وسيأتي في هذا الكتاب ما يدل على ذلك، وحديث سبرة خير شاهد عليه.
2 - نسخ آية المتعة بآية الميراث:
وقد نسب إلى سعيد بن جبير (1) وإلى ابن

(1) فتح القدير ج 1 ص 449، والغدير ج 6 عنه، والتسهيل ج 1 ص 137، ذكره بلفظ قيل.
296

المسيب (1) وغيرهما (2)
أن آية المتعة قد نسخت بآية الميراث، وقد تقدم عن علي (عليه السلام) وابن مسعود، وأبي هريرة مثل ذلك.
وقال الرازي: " لو كانت زوجة لحصل التوارث بينهما، لقوله تعالى:} ولكم نصف ما ترك أزواجكم {وبالاتفاق لا توارث بينهما " (3)
بل قال بعضهم:

(1) الجامع لأحكام القرآن ج 5 ص 130 والإستذكار ج 16 ص 298، والمصنف لابن أبي شيبة ج 3 ص 390.
(1) راجع: الإعتصام بحبل الله المتين ج 3 ص 202، والمصادر المتقدمة تحت عنوان: بعض من نسب إليهم النسخ بالآيات، وراجع: التسهيل لعلوم التنزيل ج 1 ص 137. وعن علي عليه السلام في سنن الدارقطني ج 1 ص 260 والسنن الكبرى ج 7 ص 207 وعن الاعتبار للحازمي ص 428 والمصنف للصنعاني ج 7 ص 505 وعن أبي هريرة في نيل الأوطار 3 / 6 / 138.
(1) التفسير الكبير ج 10 ص 5. وتحريم المتعة في الكتاب والسنة ص 137.
297

" لا يوجد في الكتاب ولا السنة المطهرة حكم ميراث امرأة المتعة. بل لا يوجد حكم واحد لهذه المرأة المسماة امرأة المتعة " (1)
ونقول:
أولا: إن آية الميراث قد نزلت قبل آية المتعة، فكيف تكون ناسخة لها؟. وقد تقدم ذلك.
ثانيا: إن مسألة عدم التوارث ليست إجماعية عند الإمامية، فإن بعضهم قد ذهب إلى ثبوت الإرث إلا مع اشتراط عدمه (2)
ثالثا: قد اشتبه الأمر عليهم بين النسخ وبين التخصيص، فالآية ليست ناسخة لحكم المتعة، وإنما هي مخصصة بآية المتعة لأن آية الإرث وهي قوله تعالى:} ولكم نصف ما ترك أزواجكم {عامة للأزواج جميعا

(1) تحريم المتعة في الكتاب والسنة ص 137.
(1) السرائر: ج 2 ص 624 والانتصار للسيد المرتضى: ص 114.
298

من دائم أو منقطع. وقد خصصت بالدليل الدال على عدم إرث المتمتع بها. والدليل هو الروايات المعتبرة الدالة على ذلك.
وقد اعترض بعضهم: بأن الدليل الخاص المزعوم ليس هو قول الله ورسوله.
والجواب: أن الدليل المخصص هو نفس تشريع المتعة في زمن الرسول، وعدم تشريع الإرث للمتمتع بها آنئذ، سواء نسخت المتعة بعد ذلك أم لم تنسخ.
والحديث الذي ذكره هو نفسه عن علي (عليه السلام) يدل على ذلك أيضا، حيث قال: فلما نزل النكاح والطلاق والعدة والميراث بين الزوج والمرأة نسخت، فراجع..
فإن ذلك يدل على أنه ليس في المتعة التي كانت
299

مشرعة ميراث ولا عدة الخ..
وإن كنا نعتقد عدم صحة هذا الحديث من أساسه، خصوصا وأنه ذكر أن لا عدة في المتعة.
رابعا: إن عدم الإرث لا ينافي الزوجية، والزوجية لا تستلزم الإرث، لكن دل الدليل على وجود إرث بين الزوجين، ولكن إذا تزوجت الأمة غير مالكها، فإن هذا الزواج لا يوجب توارثا بينها وبين زوجها، وهذا تخصيص آخر لآية إرث الزوجة..
كما أن الكافرة الذمية لا ترث زوجها المسلم عندهم، مع أنهم يفتون بصحة تزويج الكتابية زواجا دائما مع عدم التوارث بينهما، فخصصوا عمومات الإرث هنا، فلماذا لا يخصصونها هناك.
والقاتلة أيضا لا ترث زوجها المقتول.. ولا العكس مع ثبوت سائر الأحكام مثل العدة، وغير ذلك.
وكذا الحال في الزوجة المعقود عليها في
300

المرض الذي توفي فيه الزوج ولم يدخل بها.
وقال ابن شهر أشوب: " إن فقد الميراث ليس علامة لفقد الزوجية، لأن الزوجة الذمية، والأمة والقاتلة، لا يرثن، وهن زوجات " (1)
وقد اعترض بعضهم: بأن عدم إرث القاتلة خصصته السنة النبوية المطهرة، وقد قال أهل السنة: إن المتعة نسخت من قبل النبي (صلى الله عليه وآله) كما ثبت بالدليل القاطع..
فشتان ما بين تخصيصهم من قبل رسول الله، وتخصيص الشيعة من قبل أئمتهم. وعقد الزواج يقتضي الميراث فحرمانها منه دليل عدم الزوجية.
واعترض أيضا بأن عدم إرث الكافرة والقاتلة

(1) متشابه القرآن ومختلفه ص 189 والانتصار للمرتضى ص 114 وكنز العرفان وجواهر الكلام ج 30 ص 149.
301

والمملوكة إنما هو لوجود المانع وهو الكفر والقتل والرقية فالمانع طارئ قابل للزوال (1)
ونقول في الجواب:
ألف: إن التمتع أيضا مانع طارئ فيمكن استبداله بالدائم. فهو كالرقية ونحوها مما زعم هذا القائل أنه مانع طارئ.
ب: إن هذا القائل يريد إثبات نسخ تشريع المتعة من جهة أن المتمتع بها لا ترث، وعدم إرثها هو بسبب نسخ تشريع المتعة. فلزم الدور.
ج: قول أهل السنة إن المتعة نسخت ليس دليلا على من لا يقول بالنسخ.
د: دعوى وجود دليل قاطع على النسخ هو محل النزاع، فإننا نقول: إن ما استدلوا به ضعيف. بل هو في غاية الضعف، لأنها أخبار آحاد، متناقضة لا يمكن

(1) تحريم المتعة ص 137 - 139.
302

التعويل عليها..
ه‍: إن تخصيص أهل السنة إنما يصح إسناده إلى رسول الله (ص) لو ثبت هذا التخصيص بالدليل القاطع. وليس الأمر كذلك..
و: إن أئمتنا أتقياء أبرار، لا يقولون على الله ما لم يقله، بل هم يأخذون علومهم عن رسول الله (ص). ويعترف بتقواهم وإخلاصهم أئمة الجرح والتعديل الذين يرجع إليهم هذا الرجل نفسه، فلا داعي للغمز واللمز والتجريح والتذاكي في هذا المجال..
ز: قد قلنا أكثر من مرة: إن العقد الذي يقتضي الميراث هو العقد الدائم، لا عقد المتعة.
خامسا: قد قرر المفيد (ره) أن الزوجة لم يجب لها الميراث، ويقع بها الطلاق لمجرد كونها زوجة، وإنما حصل لها ذلك بصفة تزيد على الزوجية، بدليل أنها إذا كانت أمة لم ترث، وإن
303

كانت الزوجية ثابتة، وكذا القاتلة والذمية، كما أن الملاعنة تبين بغير طلاق، ولذا الأمة المبينة والمختلعة، والمرتد عنها زوجها، والمرضعة قبل الفطام بما يوجب التحريم من لبن الأم. مع أن كل هؤلاء زوجات على الحقيقة (1)
وقد اعترض البعض: بأن القاتلة لو اعتدى عليها شخص فماتت قبل موت زوجها، فإن زوجها يرثها ولا ترثه هي. والمتمتع بها ليست كذلك فإنها لو ماتت قبل زوجها لم يرثها أيضا.
والجواب:
ألف: إن إرث الزوج للقاتلة قد جاء على وفق القاعدة. فإن القاتلة هي التي لا ترث زوجها. أما زوجها فإنه يرثها.
ب: إن عدم إرث المتمتع بها قد جاء أيضا وفق

(1) زواج المتعة حلال ص 121 و 122.
304

القاعدة لأن النبي (صلى الله عليه وآله) هو الذي قرر ذلك حين شرع هذا الزواج فنحن نأخذ بما شرع وقرر.. وتشريعه هذا يثبت أن الإرث ليس من لوازم مطلق الزوجية، بل هو من لوازم الزوجية في خصوص النكاح الدائم حسبما ذكرناه أكثر من مرة..
سادسا: إن القائلين بأن الزوجية يلزمها الإرث، ولا إرث في المتعة هم أنفسهم يقولون: " بأن نساء النبي (ص) لا يرثن ". ويستدلون على ذلك بحديث لهم: أن النبي
(ص) قال: (نحن معاشر الأنبياء لا نورث). فكما دل الدليل الخاص على عدم إرث جميع من تقدم، فليكن الدليل الخاص دالا على عدم إرث المتمتع بها..
سابعا: ومن جهة أخرى فقد ترث المرأة مع كونها ليست بزوجة، كما لو طلقها في المرض، ومات مباشرة، فإنها ترثه مع أنها ليست زوجة.
305

وذلك يدل على أن مطلق الزوجية لا توجب توارثا..
إن قلت: إن هؤلاء قد منعن عن الميراث لدليل خاص.
قلنا: في المتعة أيضا قد نفي الإرث بدليل خاص.
ثامنا: قول بعضهم أين الدليل من الكتاب والسنة على أن امرأة المتعة زوجة، وأنها ترث (1)
يجاب عنه: بأن نفس تشريع المتعة في زمن رسول الله (ص) يثبت أنها زوجة وإلا كان (ص) قد شرع السفاح والزنا.
كما أننا نسأل: هل كانت امرأة المتعة ترث في زمن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أم لا؟. فإن كانت ترث أو لا ترث فليقبل هذا البعض بهذا الزواج

(1) تحريم المتعة ص 137.
306

وليورث الزوجة أو لا يورثها تماما كما كان الحال في عهد الرسول (صلى الله عليه وآله).
على أن جابرا وغيره كما سيأتي في فصل: " النصوص والآثار عند أهل السنة " يصرح بأنهم كانوا يتزوجون متعة، وأن زوجة المتعة لا ترث.. ولا ريب في أنهم قد أخذوا ذلك من رسول الله (صلى الله عليه وآله)..
تاسعا: قول بعضهم: " بل لا يوجد حكم واحد لهذه المرأة المسماة امرأة المتعة (1)
غير صحيح فراجع تمهيد الكتاب لتطلع على الجوامع والفوارق في الأحكام بين الزواج الدائم وزواج المتعة..
ولو سلم أنه ليس له أحكام فالإشكال إنما يرد على

(1) المصدر السابق.
307

الشارع الحكيم حين شرع هذا الزواج في صدر الإسلام.
3 - النسخ بآية ثبوت الإحصان:
وقد رووا عن ابن عباس نزول آية المتعة في الزواج المنقطع (1) وأنهم كانوا يقرأون الآية بإضافة كلمة: {إلى أجل} حتى نزلت: {حرمت عليكم أمهاتكم} إلى قوله تعالى: {محصنين غير مسافحين} فتركت المتعة: إذا شاء طلق، وإذا شاء أمسك، ويتوارثان وليس لهما من الأمر شيء (2)
ونقول:
أ - - إن الآية تريد أن تقول: إن المطلوب هو

(1) تقدمت مصادر هذا القول في فصل: قطعية تشريع زواج المتعة، تحت عنوان: آية المتعة في الكتاب العزيز.
(1) راجع: عون المعبود ج 6 ص هامش ص 83 والمنتقى ج 2 هامش ص 521 وراجع الدر المنثور ج 2 ص 140.
308

النكاح الشرعي في مقابل السفاح والزنا، والمتعة نكاح شرعه الله تعالى. ومن الثابت أن ابن عباس كان يذهب إلى حلية المتعة مما يدل على عدم اهتمامه بهذه الرواية لو صح نقلها عنه.
ب - - وبالنسبة لنسخ المتعة بالإحصان فإننا قد تحدثنا عن أن المتعة توجب إحصانا.. بمعنى التعفف، وهو المقصود بالآية الشريفة.. بل لقد أفتى البعض بأنها توجب الإحصان الذي يستتبع الرجم حسبما فصلناه فيما سبق.
ج - - إن قوله محصنين غير مسافحين قد جاء مقترنا بقوله تعالى: {فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن}، فما معنى أن تقول الرواية حتى نزلت: {حرمت عليكم أمهاتكم} إلى قوله: {محصنين غير مسافحين} فتركت المتعة؟!!
309

د - - إن الإحصان في الزواج الدائم لا ينافي جواز المتعة، فلماذا يوجب تركها..
4 - حرمت عليكم أمهاتكم:
وأما آية: {حرمت عليكم أمهاتكم..} فلا تصلح للنسخ أيضا لأنها تنص على المحرمات في الدائم والمنقطع. ومن المعلوم: أن الزواج المنقطع بالمحرمات لم يكن جائزا في أي وقت..
5 - وأما آية الطلاق:
فهي أيضا لا يمكن أن تكون ناسخة لآية المتعة، وذلك لما يلي:
أ - - لقد قلنا: إنها أيضا قد نزلت قبل آية المتعة، فلا يمكن أن تكون آية المتعة منسوخة بها.. بل لا بد من التزام تخصيصها بآية المتعة.. أو على قاعدة
310

المستدلين لا بد من نسخ آية المتعة لها، وهو ما لا يلتزمون به.
ب - - إن المراد بآية الطلاق هو الزوجة التي تبين بالطلاق، وهي خصوص الزوجة الدائمة، لا مطلق الزوجة.. وليس في آية الطلاق تعرض لموارده، وأنه في أي مورد يكون، وفي أي مورد لا يكون. أي: أن المقصود بالآية هو: بيان الحكم في المورد الذي يصح فيه الطلاق، لا مطلقا..
ج - إن الزوجية لا تلازم الطلاق؛ ولأجل ذلك نجد بعض الأديان لا تسمح بالطلاق أصلا مع قبولها بثبوت الزوجية.
د - - كما أن انفصام عقدة الزوجية لا ينحصر بالطلاق، بل هو كما يكون بالطلاق، كذلك يكون بغيره، ولو كان الطلاق من لوازم الزوجية التي لا تنفك عنها لم يصح ذلك إلا بالطلاق، مع أننا نرى:
311

أن الملاعنة، والمختلعة (1) وكذلك المرتدة، والمرتد زوجها، والأمة المبيعة، والأمة التي أعتقت - - كما في قضية بريرة - -، كل واحدة من هؤلاء تبين من زوجها بدون طلاق.
كما أن الأمة المزوجة إذا اشتراها زوجها تبين بغير طلاق، وزوجة المجنون إذا فسخت عقدها، والزوجة التي ملكت زوجها المملوك (2)
وكذلك الحال بالنسبة للزوجة الصغيرة، التي ترضعها أم زوجها، فإنها تبين من زوجها أيضا بغير طلاق.
ومثل ذلك الزوجة الصغيرة التي ترضعها الزوجة الكبيرة، فإنها تبين بغير طلاق أيضا.
وكذلك الحال بالنسبة لفسخ النكاح، ولا سيما من

(1) إن قلنا: إن الخلع ليس نوعا من الطلاق..
(1) ذكر بعض ذلك السيد المرتضى في الإنتصار ص 114.
312

قبل الزوجة بسبب ظهور بعض العيوب التي توجب ذلك.
فلماذا لا تكون آية الطلاق ناسخة لكل تلكم الأحكام؟ ‍ أو تكون تلك الأحكام ناسخة للطلاق! ‍.
ه‍ - إنه إنما يحتاج إلى الطلاق في فرض ثبات الزوجية ودوامها، ومن الواضح أنه لا حاجة للطلاق في المتعة، لأن انتهاء المدة أو هبتها من قبل الزوج يغني عنه (1)
و - - قول بعضهم: إنه لا يصح قياس الطلاق على التسري باطل لأن التسري ملك لا يحتاج إلى طلاق والزواج عقد فيحتاج للطلاق (2)
مجرد مغالطة، لأن الإشكال هو على قولهم: إن آية الطلاق نسخت المتعة حيث لا طلاق في المتعة مما

(1) راجع: الإنتصار ص 115.
(1) راجع: تحريم المتعة ص 144.
313

يعني: أن كل ما لا طلاق فيه فهو زنا..
فأجاب عنه: بأنه ليس كل مورد لا طلاق فيه يكون زنا لوجود موارد قد شرعها الله ويتم الفراق فيها بغير الطلاق ولا تكون زنا.. مثل موارد فسخ العقد.
وموارد الملاعنة وموارد التسري فإن الفراق في هذه الموارد يتم بغير الطلاق.. فلا معنى لقولهم: إن كل ما لا طلاق فيه فهو زنا.
فإن قصدوا خصوص ما فيه عقد لم يصح وإن عمموه إلى كل نكاح - - حتى التسري - - فهو لا يصح أيضا.. فهي إجابة عامة وشاملة لجميع الاحتمالات، مع علم المجيب بأن هذا عقد، وذاك ملك.
ز - - وزعم بعضهم أنه لا دليل من الكتاب والسنة على أن انقضاء الأجل في المتعة، أو هبة المدة الباقية أيضا سبب للفراق؟!
314

كما أن الطلاق أمر وجودي شرعه الله في كتابه. أما انتهاء أجل المتعة أو هبة المدة فهو أمر عدمي.
كما أن الطلاق فك عصمة قابلة للامتداد، أي أن هناك رجعة. وهبة المدة في المتعة ليست كذلك (1).
والجواب:
1 - إن الله قد شرع زواج المتعة في صدر الإسلام دون شك. والخلاف إنما هو في نسخه فهل شرعه لهم مع طلاق أو بدون طلاق. فالقائل بعدم النسخ يقول: أنا راض بهذا الزواج على النحو الذي شرعه الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) في صدر الإسلام.
2 - - في أي آية أو رواية جاء هذا التحديد وذاك التفريق بين الأمر العدمي والوجودي؟!.

(1) راجع: تحريم المتعة ص 144.
315

3 - - ان هبة المدة الباقية أمر وجودي، وليس بعدمي كما زعم..
4 - - قوله: إن الطلاق فك عصمة قابلة للامتداد، أي أن هناك رجعة يرد عليه: أن هذا إنما هو في غير الطلاق الثالث. أو فقل: في غير قوله: " أنت طالق ثلاثا " حسب رأي هذا الزاعم، وحتى في الطلاق الرجعي حيث لا رجعة بعد العدة.
5 - - إن الملاعنة والمختلعة ليس فيها رجعة.
وثمة ايراد آخر، وهو:
إنه قد زعم بعضهم: أنه لا يصح قياس فسخ النكاح على الطلاق لوجود فروق بينهما. فالطلاق إنهاء للعقد، أما الفسخ فهو نقض لأصل العقد فالطلاق لا يكون إلا بناء على عقد صحيح لازم فليس فيه ما يتنافى مع نفس العقد، أو يكون سببا لعدم لزومه.
316

وانتهاء مدة المتعة أو هبتها لا تنافي نفس العقد. فلا يصح قياسها على الفسخ (1).
ونقول:
1 - - إن هؤلاء قد ادعوا أن آية الطلاق ناسخة للمتعة لعدم وجود طلاق فيها. فصح الاعتراض عليهم بأنه لو صح ذلك لصح القول بأن آية الطلاق تنسخ جواز فسخ العقد وتنسخ اللعان وغير ذلك. لأن الفراق فيهما ليس بالطلاق، سواء أكان ذلك إنهاء للعقد، أم كان نقضا له من أصله..
2 - - إن الفسخ هو إنهاء للعقد كالطلاق..
والقول بأن الفسخ إنما يكون حيث يكون ثمة ما يقتضي عدم لزوم العقد، صحيح، لكن ذلك إنما هو بيان لمورد الفسخ الذي ليس هو مورد الطلاق جزما..
والإشكال إنما هو في أنه إذا كان لمورد الفسخ

(1) راجع المصدر السابق ص 145 و 146 بتصرف وتلخيص.
317

خصوصية تختلف عن مورد الطلاق، فكذلك الحال بالنسبة للمتعة، فإن لها خصوصية تختلف عن مورد الطلاق أيضا.. وهي أن الأجل داخل في طبيعة هذا العقد بحيث حدد دائرته في زمان معين.
هبة المدة والطلاق:
وأما الدليل على أن هبة المدة توجب انتهاء مدة المتعة.. فهو أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) التي هي أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وآله).. ولا يمكن لأحد أن يطعن في طهرهم ووثاقتهم أبدا.
6 - النسخ بآية العدة:
وقد ادعوا: أن المتعة منسوخة بالعدة (1) وروي ذلك

(1) راجع: الإعتصام بحبل الله المتين ج 3 ص 202.
318

عن ابن عباس (1) وغيره كما تقدم. والكلام في هذه الدعوى أغرب، وأعجب، فمن الذي قال: إن المتمتع بها لا عدة لها؟ فإن ثبوت العدة مما لا ريب فيه عند كل من قال بمشروعية هذا الزواج من زمن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى يومنا هذا بل إن ثبوت العدة من الضروريات.
وأما ما نقله صاحب تفسير المنار عن بعض المفسرين من أنه لا عدة على المتمتع بها عند الشيعة فهو محض افتراء واضح، وكذب فاضح على الشيعة، وهو من أجلى مصاديق البهتان عليهم، فإن ذلك لم يرد على لسان أي إنسان منهم على مدى

(1) الإستذكار ج 16 ص 299، ولباب التأويل ج 1 ص 343 وعن علي في سنن الدارقطني ج 1 ص 260 والسنن الكبرى للبيهقي ج 7 ص 207 والاعتبار للحازمي ص 428 والمصنف للصنعاني ج 7 ص 505.
319

التاريخ ولو بصورة الاحتمال..
هذا وقد كان السؤال عن مقدار العدة شائعا في زمن الصحابة أنفسهم؟ ‍.
فكان الناس يسألونهم عن مقدارها ويجيبونهم، ويسألون فيجابون.. فراجع مصنف عبد الرزاق، والدر المنثور، وغيرهما من كتب الحديث، والجوامع الفقهية والروائية.. وراجع أيضا ما سيأتي في فصل النصوص والآثار في مصادر أهل السنة، الروايات رقم 2 و 8 و 93.
وبعد.. فهل يعقل أن الصحابة في عهد الرسول وبعده، وكذلك التابعون كانوا يتزوجون النساء متعة، ثم لا تعتد تلكم النساء بعد انقضاء الأجل؟
أوليست المتمتع بها زوجة شرعية، فتثبت لها أحكام الزوجية، إلا ما أخرجه الدليل؟! ولقد أخرج الدليل النفقة والتوارث - - على المشهور - - ولم يخرج
320

العدة، فتثبت في المنقطع كالدائم؟ ‍!.
وأيضا فإن آية العدة مطلقة وعامة للدائمة والمنقطعة ثم جاءت الروايات فخصصتها وأخرجت المنقطعة منها.
وقد يقال: إن عدة المتمتع بها أقل من عدة المطلقة، وذلك يقتضي الالتزام بالنسخ، فتكون آية العدة ناسخة لآية المتعة..
وجواب ذلك: أنه ليس ثمة ما يدل على لزوم أن تكون عدد النساء على نحو واحد، فإن عدة المتوفى عنها زوجها، وعدة المتمتعة، وعدة المطلقة تختلف كل واحدة منها عن الآخرى، وكذلك الحال في عدة الأمة.
قال السيد المرتضى عن موقف أهل السنة من آية العدة:
321

" فهم يخصون الآية التي تلوها في عدة المتوفى عنها زوجها لأن الأمة عندهم زوجة وعدتها شهران وخمسة أيام، وإذا جاز تخصيص ذلك بالدليل، خصصنا المتمتع بها بمثله.. " (1)
القرآن لم يشرع المتعة لتنسخ بآية العدة:
وقد حاول البعض أن يتخلص من الإشكالات على مقولة النسخ بآية العدة، فادعى:
أن القرآن لم يشرع نكاح المتعة، ليقال: إنه منسوخ بآية العدة، لأن العدة إنما هي عند الطلاق والوفاة لا عند انتهاء مدة المتعة.
فإن قيل:

(1) الإنتصار ص 114.
322

إن المتعة أيضا لها عدة لكنها نصف عدة الدائم..
أجابوا:
أولا: بأن القائلين بالمتعة هم الذين قالوا بتنصيف العدة، وذلك من دون دليل، لا من الكتاب ولا من السنة.
ثانيا: قد تضاربت آراء القائلين بالمتعة حول عدتها. فقيل شهر ونصف إن كانت لا تحيض، وإن كانت تحيض فهي حيضة واحدة. وفي نص آخر حيضة ونصف، أو حيضتان. وعدة الوفاة خمس وستون يوما أو أربعة أشهر وعشرا.. (1) الخ..
ونقول:
أولا: إنه لا شك في أن المتعة قد شرعت في أول

(1) راجع: تحريم المتعة ص 141 - 143.
323

الإسلام، فهل شرعت بعدة أو من دون عدة. فإن كانت لها عدة، فنحن نسأله عن مقدارها.
ثانيا: إن النسخ بآية العدة لا يتوقف على كون التشريع بالقرآن أيضا، إذ يمكن أن يشرع على لسان الرسول، ثم ينسخ بالآية..
ثالثا: إن العدة التي هي عند الطلاق والوفاة هي عدة النكاح الدائم ولم يذكر في القرآن عدة نكاح المتعة، وقد بينتها السنة.
رابعا: إن هذا البعض نفسه قد ذكر في صفحة سابقة حديثين يدلان على النسخ بآية العدة والطلاق والميراث (1)، وغير ذلك فما معنى إنكاره للقول بالنسخ.

(1) راجع: تحريم المتعة ص 140 وأشار في هامشه إلى مصادر الروايات التي ذكرها، وهي: سنن الدارقطني ج 1 ص 260 والسنن الكبرى ج 7 ص 207 والاعتبار للحازمي ص 428 والمصنف لعبد الرزاق ج 7 ص 505 عن علي، ونيل الأوطار ج 3 / 6 / 38 عن الدارقطني عن أبي هريرة بسند حسن.
324

خامسا: قوله: إن القائلين بالمتعة هم الذين قالوا بالتنصيف من دون دليل من الكتاب والسنة، لا يصح أيضا؛ لأن رواياتهم عن أهل البيت متصلة برسول الله (صلى الله عليه وآله) لوجود نصوص دلت على أنهم ينقلون كل شيء عن آبائهم عنه (صلوات الله عليهم أجمعين).
سادسا: الاختلاف في مقدار العدة لا يدل على عدم وجود العدة، وإلا للزم نفي كثير من الأحكام الثابتة، بسبب اختلاف الروايات حول بعض التفاصيل فيها وهذا باطل.
7 - آية النكاح نسخت المتعة:
قد ذكر الحديث المروي عن علي (عليه
325

السلام):
(أن المتعة قد نسخت حين أنزل النكاح والطلاق إلخ..)
ونقول:
1 - - إن هذا الحديث قد ضعفه ابن القطان في كتابه (1) واستغربه غيره (2)
2 - - إن النكاح لم يزل حلالا منذ بعث الله محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) نبيا، وقبل تشريع زواج المتعة.. ومقتضى الحديث عن أن المتعة نسخت حين أنزل النكاح والطلاق: أن المتعة قد شرعت قبل الزواج الدائم.
وسيأتي المزيد من الكلام حول ذلك الحديث إن

(1) التعليق المغني على الدارقطني ج 3 ص 259 عن الزيلعي.
(1) راجع: المصدر السابق.
326

شاء الله.
وقد روي نظير هذا الحديث عن عمر بن الخطاب، ولعله به أولى وأشبه. لأنه هو المصر على تحريم هذا الزواج كما سيتضح بحوله وقوته تعالى.
8 - نسخ آية العدد:
واستدلوا على أن آية المتعة منسوخة بقوله تعالى:} فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع {(1) إذ يجوز في المتعة أن يتزوج بأي عدد شاء من النساء، فجاءت الآية السابقة لتنسخ ذلك أو تحدد العدد بالأربع.
ونقول في الجواب:
أولا: إن آية العدد السابقة تشمل الدائمة

(1) سورة النساء، الآية 3
327

والمنقطعة والمنكوحة بملك اليمين فجاءت الروايات فأخرجت زواج المتعة عنها، وكذا ملك اليمين على سبيل التخصيص لا النسخ.
ثانيا:
أ - - ستأتي رواية عمران بن حصين التي تقول: إن آية المتعة نزلت في كتاب الله، ولم تنزل آية تنسخها، قال رجل برأيه ما شاء.
ب - - ستأتي رواية عبد الله بن مسعود حول حلية زواج المتعة، وقال في آخرها: " ثم قرأ عبد الله: يا أيها الذين أمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم، ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين ".
فإن قراءته لهذه الآية دليل على أنه يذهب إلى أن آية المتعة لم تنسخ لا بآية العدد ولا بغيرها.
ج - - سيأتي أن ابن عباس وكذلك الحكم بن عتيبة
328

قد صرحا بأن آية المتعة لم تنسخ.
د - - ستأتي إن شاء الله روايات كثيرة عن جابر بن عبد الله الأنصاري، وعن ابن مسعود، وعمران بن الحصين وغيرهم كثير، تدل على عدم نسخ هذا الزواج.
9 - بين آية تحريم الزنا، وآية المتعة:
إن الفرق بين المتعة والزنا، كالنار على المنار، وكالشمس في رابعة النهار، وقد تحدثنا عن ذلك في مواضع أخرى من هذا الكتاب.. غير أننا في الرد على من زعم أن آية الزنا قد حرمت المتعة لأن المتعة من الزنا - - نقتصر هنا على ما يلي:
1 - - إن من يقول: إن المتعة زنا وسفاح، لا بد أن يلتزم بأن آية المتعة المدنية ناسخة لآيات تحريم الزنا المكية، ولبعض المدنية وهي النازلة
329

قبل آية المتعة!!.
2 - - بل اللازم على قول من يقول بتحليل المتعة ونسخها مرات عدة، أن تكون آيات تحريم الزنا قد نسخت، ثم أحكمت عدة مرات!!.. ولم يقل أحد بأن آيات تحريم الزنا قد طرأ عليها نسخ، أو يمكن أن يطرأ عليها نسخ أصلا.
ومن هنا نعرف أيضا: أن الالتزام بأن المتعة زنا قد أبيح للضرورة لا مبرر له أصلا، بل هو قبيح جدا..
3 - - بل إن نفس الآية التي شرعت المتعة تدل على أن المتعة ليست زنا، وذلك لاقتران جملة: {فما استمتعتم به منهن} بجملة: {محصنين غير مسافحين} وذلك يدل أيضا: على أن المتعة، تحقق الزوجية، والنكاح، لا السفاح، حسبما قدمناه..
330

التدرج في تحريم الزنا:
وما تقدم يوضح لنا: أن ما ذكره صاحب المنار، من: " أن تشريع المتعة هو من قبيل التدرج في تحريم الزنا كالتدرج في تحريم الخمر (1)
لا يصح، لأن آيات التحريم القاطع للزنا، قد نزلت في مكة، قبل الهجرة، وفي المدينة قبل تشريع المتعة، كما قلنا..
كما أننا قد أثبتنا في موضع آخر: أنه لم يكن ثمة تدرج في تحريم الخمر، فراجع (2)
لا آية تبيح المتعة لكي تنسخ:
وبعد ما تقدم يتضح أن لا صحة لما يدعيه البعض من أن لا أحد غير الشيعة، يقول: بأن آية: {فما

(1) تفسير المنار ج 5 ص 13 و 14.
(1) الصحيح من سيرة النبي الأعظم ج 5 ص 300
331

استمتعتم به منهن..} قد نزلت في نكاح المتعة. وقد أجمعت الأمة على تحريم المتعة ولم يقل أحد أن قول الله تعالى: {فما استمتعتم به منهن..} قد نسخ!! (1)
فما ذكرناه في هذا الفصل والذي سبقه يؤكد كثرة القائلين بنزول الآية في زواج المتعة.. ووجود كثيرين يقولون بنسخها بالإجماع، وبالآيات.
القسم الثاني

(1) الوشيعة ص 166.
332

النسخ في الأخبار والأقوال
الفصل الأول: الأخبار والأقوال الناسخة.
الفصل الثاني: النسخ بالأخبار.
الفصل الثالث: النسخ في خيبر أو الفتح.
الفصل الرابع: ما تبقى من روايات النسخ
333

الفصل الأول
الأخبار والأقوال الناسخة..
335

توطئة:
إن الأخبار في مشروعية المتعة متواترة حتى عند من يدعي النسخ. بل إن الأخبار التي يدعى أنها ناسخة، تدل هي الأخرى على ثبوت أصل المشروعية أيضا، إذ لو لم تكن مشروعية هذا الزواج ثابتة، فلماذا تنسخ؟.
وسنورد في فصل مستقل عددا هائلا من الروايات تناهز المئة وعشر روايات تدل على بقاء مشروعيته إلى وقتنا هذا.. ولسوف نرى إن شاء الله أن خصوص الروايات الصحيحة منها تفوق حد التواتر، فكيف إذا أضيفت إلى الروايات التي سنذكرها هنا، وإلى غيرها مما لم نذكره؟! فإن
337

المجموع سوف يشكل تواترات عديدة، لا مجال للشك ولا للشبهة فيها..
ونحن نذكر باقة يسيرة من الروايات الدالة على أن هذا الزواج قد شرع في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نذكرها من دون انتقاء، بل لمجرد تعريف القارئ بوجود أحاديث من هذا القبيل..
ونترك بقية الأحاديث إلى فصل: النصوص والآثار وكثير منها وارد في كتب الصحاح الستة وغيرها من المجاميع المعتبرة.
فنقول:
من روايات التشريع في صدر الإسلام:
1 - - حدثنا محمد بن بشار، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن عمرو بن دينار، قال: سمعت الحسن بن محمد يحدث عن جابر بن عبد الله، وسلمة بن الأكوع، قالا: خرج علينا منادي رسول الله (ص) فقال:
338

إن رسول الله (ص) قد أذن لكم أن تستمتعوا، يعني: متعة النساء، زاد في نص آخر: فاستمتعوا.
ورواه عبد الرزاق عن ابن جريج عن عمرو بن دينار (1)
وقال المقدسي الشافعي: إن ذلك كان في حنين (2)
2 - - وحدثني أمية بن بسطام العيشي، حدثنا يزيد، يعني ابن زريع، حدثنا روح يعني ابن القاسم، عن عمرو بن دينار، عن الحسن بن محمد، عن سلمة بن

(1) صحيح مسلم ج 4 ص 130، وراجع: المصنف لعبد الرزاق ج 7 ص 498، وصحيح البخاري ج 3 ص 158، والتاج الجامع للأصول ج 2 ص 334 و 335، ومنحة المعبود ج 1 ص 309، ومسند أحمد ج 4 ص 47 و 51، والمسند الجامع ج 4 ص 100 و 101 عمن تقدم، وعن النسائي، وراجع: كنز العمال ج 22 ص 96، وجامع الأصول ج 12 ص 132، والتمهيد ج 9 ص 110 و 111، والمنتقى ج 2 هامش ص 519، وتحريم نكاح المتعة ص 98 و 99.
(1) تحريم نكاح المتعة ص 49.
339

الأكوع، وجابر بن عبد الله، أن رسول الله (ص) أتانا فأذن لنا في المتعة (1)
3 - - حدثنا سعيد: أنبأنا هشيم قال: أنبأنا منصور عن الحسن قال: لما قدم رسول الله (ص) مكة في عمرته تزين نساء أهل المدينة (كذا) فشكا أصحاب رسول الله (ص) إلى رسول الله (ص) قال: (تمتعوا منهن، واجعلوا الأجل بينكم وبينهن ثلاثا، فما أحسب رجلا يتمكن من امرأة ثلاثا إلا ولاها الدبر) (2)
4 - - عن عبد الله بن موسى عن أبيه، عن عبد الله بن الحسن، أنه قال: الرجل كان يتزوج المتعة (3)

(1) صحيح مسلم ج 4 ص 130 و 131 وشرح معاني الآثار ج 3 ص 24، وجامع الأصول ج 12 ص 132.
(1) مسند احمد بن حنبل ج 1 ص 337.
(1) سنن سعيد بن منصور ط دار الكتاب ج 1 ص 217.
340

5 - - حدثنا عبد الله، حدثني أبي، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن زيد أبي الحواري قال: سمعت أبا الصديق يحدث عن أبي سعيد الخدري قال: كنا نتمتع على عهد رسول الله (ص) بالثوب (1) رجاله رجال الصحيح.
6 - - محمد بن أيوب، قال: حدثنا محمد بن سنان العوضي قال: حدثنا عبد الله بن المؤمل، قال: حدثني أبو الزبير، عن جابر بن عبد الله قال: قدمنا مع نبي الله (ص) مكة، فقال نبي الله (ص)، تمتعوا، قال: فكان أحدنا يتمتع بالمرأة من الرواح إلى الغدو، ومن الغدو إلى الرواح (2)
7 - - عن أبي عاصم عن صالح بن رومان، عن

(1) مسند أحمد ج 3 ص 22، وتحريم نكاح المتعة ص 99، وكشف الأستار ج 2 ص 167 ومجمع الزوائد ج 4 ص 264، وكنز العمال ج 22 ص 98 عن ابن جرير..
(1) كتاب الضعفاء الكبير ج 2 ص 303.
341

أبي الزبير عن جابر قال: كنا على عهد رسول الله (ص) نستمتع بالقبضة من الطعام على معنى المتعة.
قال أبو داود: رواه ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر، على معنى أبي عاصم (1)
قال السهارنفوري الهندي معلقا على قوله: على معنى المتعة:
" أي متعة النكاح، فالمراد بقوله نستمتع، أي الاستمتاع بالنساء.. " إلى أن قال: " فعلى معنى هذا الحديث: من أعطى امرأة ملء كفيه سويقا، أو تمرا بطريق الصداق في المتعة فقد استحل " (2)
8 - - عبد الرزاق عن ابن جريج: أن عطاء قال: أخبرني من شئت عن أبي سعيد الخدري، قال: لقد

(1) بذل المجهود في حل أبي داود للسهار نفوري الهندي ج 9 ص 132 و 133.
(1) المصدر السابق.
342

كان أحدنا يستمتع بملء القدح سويقا (1) السند صحيح.
والجهل بأحد الرواة الذي عبر عنه بقوله: أخبرني من شئت (2) لا يضر إذ يظهر منه أنه يريد به كثرة الذين أخبروه، فإنه يكون كأنه يدعي التواتر أو الإستفاضة للحديث، فيصح الاعتماد على هذا الحديث أيضا. وكأنه يريد التأكيد على عدم صحة المنع عن هذا الزواج..
فقول العسقلاني: " ليس فيه التصريح بأنه كان بعد النبي (ص) " (3)
في غير محله، ما دام يريد الإستدلال به على بقاء الحلية واستمرارها.

(1) المصنف لعبد الرزاق ج 7 ص 498، وفتح الباري ج 9 ص 151، والتمهيد ج 9 ص 12 وكنز العمال ج 22 ص 98 وأوجز المسالك ج 9 ص 404.
(1) فتح الباري ج 9 ص 151.
(1) المصدر السابق.
343

9 - - وروى ابن شبة: إن ثنية الوداع سميت بذلك لأن رسول الله (ص) أقبل من خيبر، ومعه المسلمون قد نكحوا النساء نكاح المتعة، فلما كان بالمدينة قال لهم: دعوا ما في أيديكم من نساء المتعة فأرسلوهن، فسميت ثنية الوداع (1)
10 - - حدثنا محمد بن بشر، عن عبد العزيز ابن عمر، عن الحسن بن مسلم، عن ابن طاووس قال: كانت سنة المتعة سنة النكاح إلا أن الأجل كان في أيديهن (2)
11 - - عن سمرة بن جندب قال: كنا نستمتع على عهد رسول الله (ص) (3) ثم جاء النهي من قبل عمر بن الخطاب كما رواه لنا.

(1) ستأتي مصادر هذا الحديث تحت عنوان روايات المتعة برقم - - 7.
(1) المصنف لابن أبي شيبة ج 3 ص 390.
(1) الإصابة ج 2 ص 81.
344

12 - - عبد الرزاق عن إسرائيل بن يونس، عن إبراهيم بن عبد الأعلى، عن سويد بن غفلة، قال: سمعت عمر ينهى عن متعة النساء (1)
فتراه ينسب النهي إلى عمر ولا ينسبه إلى رسول الله (ص).
وفي هذا الحديث دلالة أيضا على أن الناس كانوا يمارسون زواج المتعة حتى احتاج عمر إلى النهي عنه.
والروايات الدالة على بقاء هذا التشريع واستمراره، وعلى أن الخليفة عمر بن الخطاب هو الذي منع منه، كثيرة جدا كما أشرنا إليه، وستأتي العشرات الكثيرة منها في مواضع من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.

(1) المصنف للصنعاني ج 7 ص 506.
345

روايات نسخ المتعة:
وقد ادعى القائلون بتحريم زواج المتعة بأنه منسوخ بالأخبار. وقد ادعى بعضهم أنها متواترة، ومن القائلين بنسخها بالاخبار ابن حزم، والرازي، والبخاري، وابن رشد، والشافعي وعياض، والمازري والزهري وأصحابه، وغيرهم..
فقال عن زواج المتعة: " تواترت الأخبار عن رسول الله (ص) بتحريمه " (1)
وقالوا: إنه روي من طريق سبعة عشر رجلا، فقد:
" ورد من حديث علي بن أبي طالب، وعمر بن الخطاب، وسلمة بن الأكوع، وسبرة بن

(1) بداية المجتهد ج 2 ص 57، والهداية في تخريج أحاديث البداية ج 6 ص 502.
346

معبد، وأبي هريرة، وجابر، وثعلبة بن الحكم، وابن عمر، وأبي ذر، ورجل، والحارث بن غزية، وسهل بن سعد، وكعب بن مالك، وابن عباس، وابن مسعود، وأنس وحذيفة " (1)
ونحن نذكر هذه الأحاديث.. ونشير إلى أن بعض من ذكرهم قد رووا بقاء هذا التشريع واستمراره.
1 - - فعن علي (ع) أنه قال: أمرني رسول الله (ص) أن أنادي بالنهي عن المتعة، وتحريمها بعد أن كان أمر بها (2)
وعنه (ع): نهى رسول الله (ص) في غزوة تبوك

(1) الهداية في تخريج أحاديث البداية ج 6 ص 502.
(1) بجيرمي على الخطيب ج 3 ص 337.
347

عن نكاح المتعة (1)
وعنه أيضا (ع): نهى رسول الله (ص) عن متعة النساء (2)
وعن زيد عن أبيه، عن جده عن علي (ع) قال: لا نكاح إلا بولي وشاهدين ليس بالدرهم ولا الدرهمين، ولا اليوم ولا اليومين شبه السفاح، ولا شرط في النكاح (3)
عن الزهري عن عبد الله بن محمد بن علي، عن أبيه، عن علي (ع) عن النبي (ص): أنه نهى عن

(1) التمهيد ج 9 ص 100، والإستذكار ج 16 ص 289، والجامع لأحكام القرآن ج 5 ص 131.
(1) الإحسان ج 9 ص 448، ومعاني الآثار ج 3 ص 25، وسنن سعيد بن منصور رقم 849، وتحريم نكاح المتعة ص 41 وتاريخ بغداد ج 7 ص 376 وفي أخبار القضاة لوكيع ج 3 ص 244 نهى عن المتعة.. والمعجم الصغير ج 1 ص 133.
(1) مسند زيد ص 304.
348

متعة النساء يوم خيبر (1) وفي نص آخر: نهى رسول الله يوم خيبر عن متعة النساء (2)
وعن علي (عليه السلام):
إن رسول الله (ص) نهى عن نكاح المتعة، وعن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر.
وفي رواية: نهى عن متعة النساء يوم خيبر، وعن لحم الحمر الإنسية.. (وكلتا الروايتين متفق عليهما) (3)

(1) تاريخ بغداد ج 8 ص 461.
(1) تاريخ بغداد ج 14 ص 240.
(1) راجع منحة المعبود ج 1 ص 309، وتحريم نكاح المتعة للمقدسي ص 23 حتى ص 32 و 42 و 43 و 113 و 114، والاعتبار في الناسخ والمنسوخ ص 159 و 177 و 178، وفتح الباري ج 9 ص 144، وعن ج 11 ص 71، والموطأ لمالك كتاب النكاح باب نكاح المتعة ج 2 ص 74، مطبوع مع تنوير الحوالك والتاج الجامع للأصول ج 2 ص 335 وقال: رواه الخمسة ومصابيح السنة ج 2 ص 415 وروى النص الثاني في قسم الصحاح والسنن الكبرى للبيهقي ج 7 ص 201 و 202، وسنن الدارمي ج 2 ص 140، وبلوغ المرام ص 207، ولم يذكر لحوم الحمر الأهلية وص 208 وقال: أخرجه السبعة إلا أبو داود، ومسند أبي يعلى ج 1 ص 434، ومسند الحميدي ص 22 ج 1، ونيل الأوطار ج 6 ص 269 و 272، وشرح النووي على صحيح مسلم ج 9 ص 180 و 207، وتفسير ابن كثير ج 1 ص 474، ومسند زيد ص 304، وصحيح مسلم ج 4 ص 134 و 135، وصحيح البخاري المغازي ج 3 ص 158، وكتاب المغازي باب غزوة خيبر والطيالسي ص 18، وهداية الباري ص 257، والتفسير الحديث ج 9 ص 53، وفقه السنة ج 2 ص 42، والمنتقى ج 2 ص 519، وشرح السنة للبغوي ج 5 ص 77، وقال: هذا حديث متفق على صحته، وكتاب العلوم (الشهير بآمالي أحمد بن عيسى بن زيد) ج 3 ص 10 و 11، وراجع: البداية والنهاية ج 4 ص 193. وسنن سعيد بن منصور ج 1 ص 218، واسمى المناقب ص 145، والمرأة في القرآن والسنة ص 180، عن الخمسة ولسان الميزان ج 1 ص 442، وراجع الإعتصام بحبل الله المتين ج 3 ص 201 و 202 و 203 و 204 عن الستة إلا أبا داود، وعن مجموع الإمام زيد بن علي، ومسند الإمام الشافعي ص 254، وشرح معاني الآثار ج 3 ص 24 ولم يحدد المناسبة وص 25 وحددها بخيبر، والتمهيد ج 9 ص 94 حتى ص 99 و 101 و 102 وكنز العمال ج 22 ص 96 عن مصادر كثيرة، وشرح الأزهار ج 2 ص 238 في الحاشية، والجامع الصحيح ج 3 ص 430 وج 4 ص 254، وجامع الأصول ج 12 ص 135 وسنن ابن ماجة ج 1 ص 804 و 630، وفتح القدير ج 1 ص 449، والإستذكار ج 16 ص 286 و 287، ومصنف ابن أبي شيبة ج 3 ص 389 وسنن النسائي ج 7 ص 202 و 203 وج 6 ص 125 و 126، وراجع البناية في شرح الهداية ج 4 ص 98 و 99، والبحر المحيط ج 3 ص 218، ولباب التأويل ج 1 ص 343، ومسند الطيالسي ص 18، ومسند أحمد ج 1 ص 79، والمعجم الصغير للطبراني ج 1 ص 133، وسنن الدارقطني ج 3 ص 257، وحلية الأولياء ج 3 ص 177، والهداية في تخريج أحاديث البداية ج 6 ص 502 و 503 = = ومسند أبي عوانة ج 5 ص 160 و 159 و 158 و 157، وتاريخ بغداد ج 6 ص 802، وراجع الجامع لأحكام القرآن ج 5 ص 131، وجواهر الأخبار ج 4 ص 22، والاحسان ج 9 ص 450 و 453، وفي هامشه عن مصادر كثيرة، والسيرة النبوية لابن كثير ج 3 ص 366، والأم ج 5 ص 79 وشرح الموطأ للزرقاني ج 3 ص 152 والمبسوط للسرخسي ج 3 ص 152 وصحيح مسلم وغير ذلك.
349

وفي حديث آخر عن علي (عليه السلام): إن النهي عنها كان في تبوك (1) وأنه قال لابن عباس: إنك أمرؤ تائه.
وقال: لا أجد أحدا يعمل بها إلا جلدته (2)
وفي حديث آخر عنه (عليه السلام): " إن ذلك

(1) شرح النووي على صحيح مسلم ج 9 ص 80، وفتح الباري ج 9 ص 144.
(1) الإعتصام بحبل الله المتين ج 3 ص 203.
ويحتمل أن يكون القائل هو الرسول (ص)،
ويحتمل أن يكون هو علي (ع)، والتمهيد ج 9 ص 94، وراجع: ص 96 و 98 و 99 و 101 ولم يذكر في التمهيد (الجلد).
351

كان في حجة الوداع " (1) وأجاب الحافظ على هذا باحتمال: أن يكون المراد أن النهي شاع في حجة الوداع، لاجتماع الناس في ذلك الموقف (2)
وفي نص آخر عن يحيى القطان، عن مالك: " يوم حنين " (3)
وفي نص آخر: أن عليا مر بابن عباس وهو يفتي في متعة النساء: " أنه لا بأس بها فقال له (ع)، إن رسول الله نهى عنها وعن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر " (4)
أو قال له: أمرت بها، وإن رسول الله قد

(1) كنز العمال ج 22 ص 99 وأنه (ع) قال لابن عباس ذلك.. ومجمع الزوائد ج 4 ص 265 وفتح الباري ج 9 ص 144، والمرأة في القرآن والسنة ص 180 و 181، والتفسير الحديث ج 9 ص 54.
(1) الهداية في تخريج أحاديث البداية ج 6 ص 509.
(1) راجع: شرح الموطأ للزرقاني ج 3 ص 46، وسنن النسائي ج 1 ص 126، وفتح الباري ج 9 ص 144 و 146 و 149.
(1) سنن سعيد بن منصور ج 1 ص 218 وراجع: أسمى المناقب ص 145 فما بعدها.
352

نهى عنها يوم خيبر، وعن لحوم الحمر الإنسية (1)
2 - - عن ثعلبة بن الحكم: أن النبي (ص) نهى يوم خيبر عن المتعة. وسنده صحيح (2)
3 - - عن ابن عمر: نهى رسول الله (ص) عام خيبر عن لحوم الحمر الأهلية وعن متعة النساء (3)
وقال ابن عمر: نهانا عنها رسول الله (ص) وما

(1) تيسير المطالب في أمالي الإمام أبي طالب ص 388.
(1) راجع مجمع الزوائد ج 4 ص 265 عن الطبراني.
(1) الإعتصام بحبل الله المتين ج 3 ص 202، وراجع: مسند أحمد ج 2 ص 142، ومجمع الزوائد ج 4 ص 265، وراجع: تحريم نكاح المتعة ص 40 و 41، وراجع: ص 70، وجامع الأسانيد ج 1 ص 85، وفيه: نهى رسول الله (ص) يوم خيبر عن نكاح المتعة، وفتح الباري ج 9 ص 145.
وراجع كتاب العلوم لأحمد بن عيسى بن زيد ج 3 ص 11، والسنن الكبرى للبيهقي ج 7 ص 202. وراجع ص 206 و 207، لكنه لا يروي النهي عن النبي (ص) فيها وشرح المعاني الآثار ج 3 ص 25 وكنز العمال ج 22 ص 99.
353

كنا مسافحين (1)
وعنه أيضا: أن رسول الله (ص): أذن لنا في المتعة ثلاثا، ثم حرمها. والله لا أعلم أحدا تمتع وهو محصن إلا رجمته بالحجارة (2)
لكن السؤال هو: كيف يمكن لابن عمر أن يرجم من يفعل ذلك؟!! إلا أن يكون قد روى ذلك عن رسول الله (ص) كما يظهر من فقه السنة.
4 - - وحدثنا محمد، حدثنا محمد بن إسماعيل، عن وكيع، عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز، حدثنا الربيع بن سبرة، عن أبيه، قال: خرجنا مع رسول الله (ص) فلما قضينا عمرتنا قال لنا: استمتعوا من هذه

(1) سبل السلام شرح بلوغ المرام ج 3 ص 266، وراجع تحريم نكاح المتعة ص 114.
(1) نيل الأوطار ج 6 ص 274، وفتح الباري ج 9 ص 149 وابن ماجة. وفي فقه السنة ج 2 ص 631، رواه عن ابن عمر نفسه، وبذلك يحل الإشكال.
354

النساء، والاستمتاع عندنا يومئذ التزويج، فعرضنا ذلك على النساء، فأبين إلا أن يضرب بيننا وبينهن أجل.
قال: فذكرناه إلى رسول الله (ص)، فقال: اجعلوا.
قال: فخرجت أنا وابن عم لي، ومعي برد، ومعه برد أجود من بردي، وأنا أشب منه، فأتينا امرأة فعرضنا ذلك عليها، فأعجبها شبابي، وأعجبها برد ابن عمي، فقالت: برد كبرد، فتزوجتها، وكان الأجل بيني وبينها عشر، فبت عندها تلك الليلة، ثم أصبحت غاديا إلى المسجد، فإذا رسول الله (ص) بين الحجر والباب قائما يخطب الناس، وهو يقول:
(أيها الناس إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من هذه النساء، ألا وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيله، ولا
355

تأخذوا مما آتيتموهن شيئا) (1)
وفي نص آخر:
عن الربيع بن سبرة الجهني عن أبيه قال: وردنا مع رسول الله (ص) في حجة الوداع، فقال: استمتعوا من هذه النساء والاستمتاع عنده النكاح فكلم النساء من كلمهن
منا، فقلن لا ننكح إلا وبيننا وبينكم أجل فذكرنا ذلك لرسول الله (ص) فقال: (اضربوا بينكم وبينهن أجلا) فخرجت أنا وابن عم لي، وفي نص آخر: (وصاحب لي) ومعه برد ومعي برد، وبرده أجود من بردي وأنا أشب منه،

(1) كتاب العلوم لأحمد بن عيسى بن زيد ص 12، والسيرة الحلبية ج 3 ص 103، وراجع: نيل الأوطار ج 6 ص 269 و 272، وراجع: سنن ابن ماجة ج 1 ص 631، وسنن الدارمي ج 2 ص 140 وكنز العمال ج 22 ص 98، وراجع التمهيد ج 9 ص 106 و 107، والهداية في تخريج أحاديث البداية ج 6 ص 508 عن صحيح ابن حبان وعن المنتقى لابن الجارود ص 234، وراجع مجمع الزوائد ج 4 ص 264 عن أحمد ورجاله رجال الصحيح.
356

فمررنا بالمرأة - - وفي نص آخر: من بني عامر - - أعجبها شبابي وأعجبها برده فقالت برد كبرد وجعلت بيني وبينها أجلا - - في نص آخر: عشرا - - فبت عندها تلك الليلة فغدوت فإذا النبي (ص) قائم بين الركن والمقام.
وفي رواية معمر: على المنبر يخطب الناس فقال:
(يا أيها الناس إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من هذه النساء. ألا وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده شيء فليخل سبيلها، ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا).
وأخرج أصل هذا الحديث مسلم، وأبو داود، والنسائي بروايات بعضها مختلفة (1)

(1) الإعتصام بحبل الله المتين ج 3 ص 203، وراجع كتاب العلوم ص 11، وسنن البيهقي ج 7 ص 202 وراجع البناية في شرح البداية ج 4 ص 100 وراجع: المنتقى ج 2 ص 520 و 521، وراجع شرح السنة ج 5 ص 77 والفائق ج 3 ص 43، وراجع جامع الأصول ج 12 ص 133 و 134 والتمهيد ج 9 ص 106 و 107، وراجع مسند أحمد ج 3 ص 404 و 405 ومسند الحميدي ج 2 ص 374 وصحيح مسلم ج 4 ص 131 - 134 وراجع: جواهر الأخبار ج 4 ص 22 عنه، ومصنف عبد الرزاق ج 7 ص 504، والدارمي ج 2 ص 140 وأبو يعلى، الحديث 939، والطحاوي ج 3 ص 25، والبيهقي ج 7 ص 203، والطبراني وهامش الإحسان ج 9 ص 454 وسعيد بن منصور ج! ص 217 الحديث 846، وفتح الباري ج 9 ص 146، وتحريم نكاح المتعة ص 48 و 47 والإستذكار ج 6 ص 291 و 292، وسنن أبي داود ج 2 ص 227، والنسائي ج 6 ص 126 وابن ماجة ج 1 ص 631، والمصنف لابن أبي شيبة ج 3 ص 390، والمصنف للصنعاني ج 7 ص 504 وشرح معاني الآثار ج 3 ص 25، والحميدي = = رقم 847، وبلوغ المرام ص 208 عن مسلم وأبي داود وابن حبان والنسائي وأحمد وابن ماجة والمبسوط للسرخسي ج 5 ص 152 ونيل الأوطار ج 6.
357

وفي رواية أخرى عن سبرة " فلبثت معها ثلاثا " (1)

(1) سنن سعيد بن منصور القسم الأول (من المجلد الثالث ص 217 والتمهيد ج 9 ص 108 و 109 ومعرفة علوم الحديث ص 176 وجامع الأصول) ج 12 ص 133 و 134، والسنن الكبرى ج 7 ص 202 و 203، وشرح معاني الآثار ج 3 ص 25 وسنن النسائي ج 6 ص 127، وصحيح مسلم ج 4 ص 131 و 133 ومسند أحمد ج 3 ص 405 وراجع: تحريم نكاح المتعة ص 50.
358

وذكر سبرة: أنه تمتع امرأة من بني عامر ببردين أحمرين، ثم نهاهم النبي (ص) عن المتعة (1)
ولكن قد روي عن سبرة بن معبد: أن رسول الله (ص) نهى يوم الفتح عن متعة النساء (2)
وفي رواية: أمرنا رسول الله بالمتعة عام الفتح حين دخلنا مكة، ثم لم نخرج حتى نهانا عنها.

(1) جامع الأصول ج 12 ص 133، وفتح القدير ج 1 ص 449، وسنن الدارمي ج 2 ص 140، وراجع تحريم نكاح المتعة ص 48.
(1) راجع السنن الكبرى للبيهقي ج 7 ص 204 وسنن الدارمي ج 2 ص 140، ومسند الشافعي ص 255 دون تعيين المناسبة، وكذا في لباب التأويل ج 1 ص 343 وكذا في تحريم نكاح المتعة للمقدسي ص 34 و 35، وعلل الحديث للرازي ج 1 ص 420، وكنز العمال ج 22 ص 97 و 96، وجامع الأصول ج 12 ص 134، وشرح معاني الآثار ج 3 ص 26، والتاج الجامع للأصول ج 2 ص 335، وسنن سعيد بن منصور ج 2 ص 218، والإستذكار ج 16 ص 289 و 290، والمصنف لابن أبي شيبة ج 3 ص 389، ومسند أحمد ج 3 ص 404 ومسند الحميدي ج 2 ص 374 وحلية الأولياء ج 5 ص 363.
359

وكلتاهما في صحيح مسلم (1)
وفي حديث آخر عنه: أنه (ص) نهى عن المتعة يوم خيبر (2)
وفي نص آخر عن سبرة: أن ذلك كان في حجة الوداع (3)

(1) البداية والنهاية ج 4 ص 193 و 319، والإحسان ج 9 ص 457 وهامش ص 454 عن مصادر كثيرة، والسيرة النبوية لابن كثير ج 3 ص 366، وراجع المعجم الكبير رقم 6525 و 6526، والبيهقي ج 7 ص 203 و 202.
(1) الإعتصام بحبل الله المتين ج 3 ص 202 وكتاب العلوم لأحمد بن عيسى ص 11، وكنز العمال ج 22 ص 97 عن ابن جرير..
(1) جامع الأصول ج 12 ص 135 والتمهيد ج 9 ص 104 و 105 و 106 و 107، وفتح القدير ج 1 ص 449، والإستذكار ج 16 ص 290 و 291، والبناية في شرح الهداية ج 4 ص 100، والجامع لأحكام القرآن ج 5 ص 131، ونيل الأوطار ج 6 ص 269 و 274، وفتح الباري ج 9 ص 146 و 149، والاعتصام بحبل الله المتين ج 3 ص 204 و 203، وراجع شرح الموطأ للزرقاني ج 4 ص 46 عن أبي داود، وعن سنن أبي داود ج 1 ص 283 وج 2 ص 226 و 227 الحديث رقم 2072، وتفسير ابن كثير ج 1 ص 474، والبداية والنهاية ج 4 ص 418 ومسند أحمد ج 3 ص 404 و 405، وتحريم نكاح المتعة للمقدسي ص 34 و 35، والاعتبار في الناسخ والمنسوخ ج 5 ص 176 وراجع ص 177، وشرح النووي على صحيح مسلم ج 9 ص 180 وتاريخ بغداد ج 6 ص 105 و 106 وأوجز المسالك ج 9 ص 407، والمنتقى ج 2 ص 522 عن أحمد وأبي داود، والسنن الكبرى ج 7 ص 203 و 204، وراجع غاية المأمول شرح التاج الجامع للأصول ج 2 ص 335، وشرح معاني الآثار ج 3 ص 25، وكنز العمال ج 22 ص 97 عن ابن جرير وعبد الرزاق، وارواء الغليل ج 6 ص 312 وسنن ابن ماجة ج 1 ص 631 وسنن الدارمي ص 140 والإحسان ج 9 ص 454 و 455.
360

وفي حديث آخر أيضا عنه: إن ذلك كان في عمرة القضاء (1)
5 - - وعن الحارث بن غزية: سمعت النبي (ص) يوم فتح مكة يقول: متعة النساء حرام، ثلاث مرات (2)
6 - - عن أبي هريرة، قال: خرجنا مع رسول الله (ص) في غزوة تبوك، فنزلنا ثنية الوداع، فرأى

(1) راجع: التمهيد ج 9 ص 108، ونيل الأوطار ج 6 ص 272، وشرح النووي على مسلم ج 9 ص 180.
(1) مجمع الزوائد ج 4 ص 266 عن الطبراني.
361

رسول الله (ص) مصابيح، ورأى نساء يبكين: فقال، ما هذا؟ قيل: نساء يبكين (تمتع، أو استمتع) منهن أزواجهن، ثم فارقوهن، فقال رسول الله (ص): حرم - - أو قال: هدم - - المتعة النكاح، والطلاق، والعدة، والميراث، صححه " ابن حبان " (1) وضعفه الزرقاني.
7 - - عن جابر قال: خرجنا مع رسول الله (ص) إلى غزوة تبوك، حتى إذا كنا عند العقبة مما يلي الشام جئن نسوة، فذكرنا تمتعنا، وهن يجلن في

(1) الهداية في تخريج أحاديث البداية ج 1 ص 504 عن سنن الدارقطني ج 3 ص 259، وكنز العمال ج 22 ص 98 عن ابن النجار، ومسند أبي يعلى ج 11 ص 504، والإحسان ج 9 ص 456، ومجمع الزوائد ج 4 ص 264 وفتح الباري ج 9 ص 146 عن ابن حبان، والحازمي، وابن راهويه، ووفاء الوفاء ج 4 ص 1168 عن ابن حبان وأبي يعلى، وراجع شرح الموطأ للزرقاني ج 4 ص 46، والسنن الكبرى ج 7 ص 207، وشرح معاني الآثار ج 3 ص 26، والمطالب العالية ج 2 ص 70 و 71 وص 309، وموارد الظمآن ص 309، والبناية في شرح البداية ج 4 ص 100 وأشار إليه في نيل الأوطار ج 6 ص 272 و 273.
362

رحالنا، أو قال: يطفن في رحالنا، فجاءنا رسول الله (ص) فنظر إليهن، فقال: من هؤلاء النسوة؟.
فقلنا يا رسول الله، نسوة تمتعنا منهن.
قال: فغضب رسول الله (ص) حتى احمرت وجنتاه، وتغير لونه، واشتد غضبه، وقام فينا خطيبا، فحمد الله واثنى عليه، ثم نهى عن المتعة، فتوادعنا يومئذ الرجال والنساء، ولم نعد ولا نعود إليها أبدا، فبها سميت يومئذ ثنية الوداع.
هكذا ذكره الحازمي من رواية عباد بن كثير، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر..
وعباد ضعيف (1)

(1) الهداية في تخريج أحاديث البداية ج 6 ص 508، والهيثمي في مجمع الزوائد ج 4 ص 264 عن الطبراني في الأوسط ووفاء الوفاء ج 4 ص 1168 عن البخاري وعن ابن شبة وعن الطبراني في الأوسط أيضا، ونيل الأوطار ج 6 ص 272 عن الحازمي والبيهقي والاعتبار في الناسخ والمنسوخ ص 178 ونصب الراية للزيلعي ج 3 ص 179، وعمدة القارئ ج 17 ص 247 والتعليق المغني على سنن الدارقطني ج 3 ص 259.
363

8 - - عن سلمة بن الأكوع، قال: رخص رسول الله عام أوطاس في المتعة ثلاثا، ثم نهى عنها (1)
9 - - وعن عمر: ما بال رجال ينكحون هذه

(1) صحيح مسلم ج 4 ص 131، والبداية والنهاية ج 1 ص 318 وجامع الأصول ج 12 ص 131 وراجع شرح الأزهار ج 2 ص 238 حاشية، والتمهيد ج 9 ص 110، والمنتقى ج 2 ص 520، والإحسان ج 9 ص 458، ومنحة المعبود ج 1 ص 309، وفتح الملك المعبود ج 3 ص 224 و 225، ومسند أحمد ج 4 ص 55 والإستذكار ج 16 ص 293، ونيل الأوطار ج 6 ص 269 و 272، والمرأة في القرآن والسنة ص 180، والتفسير الحديث ج 9 ص 53، وفتح الباري ج 9 ص 146 و 149، وشرح الموطأ للزرقاني ج 4 ص 46، ومصابيح السنة ج 2 ص 415 وتحريم نكاح المتعة = = ص 62، وسنن البيهقي ج 7 ص 204، والبناية في شرح الهداية ج 4 ص 100، والاعتصام بحبل الله المتين ج 3 ص 203 وشرح صحيح مسلم للنووي ج 9 ص 184 وسنن الدارقطني ج 3 ص 258، وراجع شرح معاني الآثار ج 3 ص 26، ومصنف ابن أبي شبة ج 3 ص 390، والاعتبار في الناسخ والمنسوخ ص 177، وكنز العمال ج 22 ص 98 ومرقاة المفاتيح ج 3 ص 422 عن صحيح البخاري ومسلم، وبلوغ المرام للعسقلاني ص 207 والتاج الجامع للأصول ج 2 ص 334.
364

المتعة، وقد نهى رسول الله (ص) عنها، ألا وإني لا أوتى بأحد نكحها إلا رجمته (1)
وعن عمر أنه خطب فقال: إن رسول الله (ص) أذن لنا في المتعة ثلاثا ثم حرمها، والله لا أعلم أحدا تمتع وهو محصن إلا رجمته بالحجارة (2)
وعن أبي نضرة عن ابن عباس:
" إن عمر (رض) نهى عن المتعة التي في النساء وقال: إنما أحل الله ذلك للناس في عهد

(1) السنن الكبرى ج 7 ص 206، وحياة الصحابة ج 3 ص 501 وكنز العمال ج 22 ص 93 و 94، والمرأة في القرآن والسنة ص 180 والتفسير الحديث ج 9 ص 54، ولباب التأويل ج 1 ص 343. وراجع: سنن الدارقطني ج 3 ص 258 و 259 وفتح الباري ج 9 ص 149 عن ابن المنذر والبيهقي.
(1) سبل السلام في شرح بلوغ المرام ج 3 ص 266 عن ابن ماجة، وسنن ابن ماجة ج 1 ص 631 وفتح الباري ج 9 ص 149 عنه، وعون المعبود ج 6 ص 82 وحياة الصحابة ج 3 ص 501، وعن كنز العمال ج 8 ص 293.
365

رسول الله (ص)، والنساء يومئذ قليل ثم حرم عليهم بعد فلا أقدر على أحد يفعل من ذلك شيئا فتحل به العقوبة " (1)
وعن ابن عمر: لما ولي عمر حمد الله وأثنى عليه، ثم قال: يا أيها الناس، إن رسول الله (ص) أحل المتعة ثلاثا ثم حرمها علينا. وأنا أقسم بالله قسما بارا لا أجد أحدا من الناس أحصن متمتعا إلا رجمته حتى يأتي بأربعة يشهدون: أن النبي (ص) أحلها بعد ما حرمها ولا أجد رجلا من المسلمين متمتعا لم يحصن إلا جلدته ماءة جلدة إلا أن يأتي بشهود يشهدون أن رسول الله (ص) أحلها بعد أن حرمها (2)

(1) تحريم نكاح المتعة ص 64.
(1) تحريم نكاح المتعة ص 74 و 75 وعن كنز العمال ج 8 ص 293 ط حيدر آباد الدكن كما في حياة الصحابة ج 3 ص 501.
366

والشق الأول من الحديث (أي بدون ذكر حكمه على من لم يحصن) ورد في نفس المصدر هكذا.. (1) أي بدون الشق الثاني..
10 - - وعن عبد الله بن مسعود، قال: نسختها العدة، والطلاق والميراث (2) وله رواية أخرى أيضا (3)
إلا أن الظاهر هو أن هذا من اجتهادات ابن مسعود، وليس رواية عن النبي (ص).
11 - - وعن أبي ذر قال: إنما أحلت لنا أصحاب رسول الله (ص) متعة النساء ثلاثة أيام، ثم نهى

(1) تحريم نكاح المتعة ص 73 و 74.
(1) تقدمت المصادر لذلك حين الحديث عن نسخ الآيات.
(1) الإستذكار ج 16 ص 293 وفي هامشه عن البخاري رقم الحديث 4615 و 5071 وفتح الباري ج 8 ص 276 وج 9 ص 117، وصحيح مسلم في باب نكاح المتعة ج = = 7 ص 134 ومسند الشافعي ج 2 ص 13 وسنن النسائي المجلد الثالث الجزء السادس صفحة 126 و 127.
367

عنها رسول الله (ص) (1)
12 - - عن كعب بن مالك: نهى رسول الله (ص) عن نكاح المتعة في غزوة خيبر (2)
وعن كعب بن مالك: نهى رسول الله (ص) عن متعة النساء (3)
13 - - عن عبد الله بن كعب، وكعب بن عبد الله: نهى رسول الله (ص) عن نكاح المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية (4).
14 - - وسئل ابن عباس (على الظاهر) عن

(1) السنن الكبرى ج 7 ص 207 والبناية في شرح الهداية ج 4 ص 100 وشرح معاني الآثار ج 3 ص 26 و 27 واكتفى بالقول إنما كانت متعة النساء لنا خاصة، وفتح الباري ج 9 ص 150 عن البيهقي.
(1) كتاب العلوم لأحمد بن عيسى بن زيد ج 3 ص 11 وراجع: مجمع الزوائد ج 4 ص 266 والمرأة في القرآن والسنة ص 181، وفي التفسير الحديث ج 9 ص 54 من دون كلمة في غزوة خيبر.
(1) مجمع الزوائد ج 4 ص 266 عن الطبراني.
(1) كتاب العلوم لأحمد بن عيسى بن زيد ج 3 ص 11.
368

المتعة، فقال: الذئب يكنى أبا حيدة، أي ذلك حسن الاسم قبيح الفعل (1)
عن أبي الجوزاء: أن ابن عباس جمعهم قبل موته بأربعين يوما، ثم قال: إني كنت أقول لكم في المتعة ما قد علمتم، وإن جميع أصحاب رسول الله (ص) قد رأوا تقويمي، وإني رأيت رأيا، وقد رجعت عن ذلك الرأي (2)
وعن ابن عباس: إنما كانت المتعة في أول الإسلام كان الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفة، فيتزوج المرأة بقدر ما يرى أنه مقيم، فتحفظ له متاعه، وتصلح له شيئه حتى إذا نزلت الآية إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم، قال ابن عباس: فكل

(1) محاضرات الراغب ج 2 ص 214.
(1) تحريم نكاح المتعة ص 118.
369

فرج سوى هذين فهو حرام (1)
15 - - وعن سهل بن سعد الساعدي ثم العجلاني قال: إنما رخص رسول الله (ص) في المتعة لعزوبة كانت بالناس شديدة، ثم نهى النبي (ص) عنها بعد ذلك (2)
16 - - وعن حذيفة: سمعت رسول الله (ص) حرم متعة النساء (3)
17 - - وعن أنس: النبي نهى عن المتعة (4)

(1) الجامع الصحيح ج 3 ص 430، وجامع الأصول ج 12 ص 132، والمنتقى ج 2 ص 518 و 519 ونيل الأوطار ج 6 ص 268 و 269 والجامع الصحيح ج 3 ص 430 والسنن الكبرى ج 7 ص 205 و 206.
(1) التمهيد ج 9 ص 109 و 110، وراجع: مجمع الزوائد ج 4 ص 266 عن الطبراني، والمرأة في القرآن والسنة ص 181، والتفسير الحديث ج 9 ص 54، وتحريم نكاح المتعة ص 65.
(1) راجع: الهداية في تخريج أحاديث البداية ج 6 ص 505.
(1) المصدر السابق.
370

18 - - وعن زيد بن خالد الجهني قال: كنت انا وصاحب لي نماكس امرأة في الأجل، وتماكسنا، فأتانا آت فأخبرنا أن رسول الله (ص) حرم نكاح المتعة، وحرم كل ذي ناب من السباع، والحمر الانسية (1)
19 - - وعن عباد بن فضيل، عن أشعث عن الحسن: قال: أمر رسول الله (ص) بالمتعة بعد فتح الحديبية بعام، فأمر بها ثلاثة أيام، ثم حرمها، فلم تحل لأحد قبل ولا بعد (2)
وحسب نص آخر: عن الحسن: ما حلت المتعة قط إلا ثلاثا في عمرة القضاء، ما حلت قبلها ولا

(1) المرأة في القرآن والسنة ص 181، والتفسير الحديث ج 9 ص 54 ومجمع الزوائد ج 4 ص 265 و 266 عن الطبراني والسند ضعيف.
(1) الإعتصام بحبل الله المتين ج 3 ص 202 وكتاب العلوم (المعروف) بآمالي أحمد بن عيسى بن زيد ج 3 ص 11.
371

بعدها (1)
وروى الحسن البصري - - مرسلا - - ان ذلك كان في عمرة القضاء (2)
وعن الحسن قال: إنما كانت المتعة من النساء ثلاثة أيام، ولم يكن قبل ذلك ولا بعده (3)
الأقوال في نسخ زواج المتعة:
إن تشريع زواج المتعة أمر قطعي لا ريب

(1) التمهيد ج 9 ص 107، والمصنف للصنعاني ج 7 ص 503 و 504 وراجع تحريم نكاح المتعة ص 63 وسنن البيهقي ج 7 ص 202 و 203 ومسند أحمد ج 3 ص 405 و 406 والتفسير الكبير ج 10 ص 51 وراجع: فتح الباري ج 9 ص 146 وصحيح مسلم ج 4 ص 132.
372

فيه، وقد ثبت تشريعه بالكتاب والسنة والإجماع، لكن هناك فئة كبيرة من المسلمين تدعي نسخ هذا التشريع، ولكنهم اختلفوا في ما بينهم في هذا النسخ، وفي أزمنته، وأمكنته وغير ذلك من خصوصيات.
والمراجع لكلماتهم؛ يجد أن أقوالهم حول نسخ آية وتشريع المتعة كثيرة، وقد تعددت بسبب تعدد رواياتهم، واختلاف أخبارهم في ذلك.
" وقد روي نسخها بعد الترخيص في ستة مواطن،
الأول في خيبر،
والثاني في غزوة تبوك،
والثالث في عمرة القضاء
والرابع في عام الفتح،
373

والخامس في عام أوطاس،
والسادس في حجة الوداع " (1)
وقد قال العلامة الأميني: إن أقوالهم في نسخها تنتهي إلى اثنين وعشرين قولا (2)
ونحن نذكر نموذجا من هذه الأقوال.. ونحيل القارئ إلى كتاب الغدير، للعلامة الأميني (ره) ليطلع على باقيها، كما أن كثيرا من هذه الأقوال قد ذكرت في سائر الكتب التي تعرضت للروايات، وللأقوال حول هذا التشريع الثابت بالكتاب والسنة (3)
فنقول: اختلف العلماء في عدد المرات

(1) سبل السلام شرح بلوغ المرام ج 3 ص 266.
(1) الغدير ج 3 ص 333.
(1) راجع: البداية والنهاية ج 3 ص 193، والسيرة النبوية لابن كثير ج 3 ص 366 والجامع لأحكام القرآن ج 5 ص 130 و 131 وتفسير القرآن العظيم ج 1 ص 474.
374

للإباحة وللنسخ (1)
فقيل:
1 - - إنها كانت رخصة في أول الإسلام ثم نهي عنها يوم خيبر (2) ونسب ابن القيم (3) ذلك إلى الشافعي وغيره.
وقال النووي:
" إن الإباحة مختصة بما قبل خيبر، والتحريم يوم خيبر للتأبيد.. اختاره المازري، والقاضي " (4)
وإليه ذهب البيهقي في بعض كلامه (5) ومحمد بخيت المطيعي (6) أما يوم الفتح فكان مجرد تأكيد

(1) الجامع لأحكام القرآن ج 5 ص 130.
(1) راجع: بداية المجتهد ج 2 ص 57.
(1) زاد المعاد ج 2 ص 183، وراجع أوجز المسالك ج 9 ص 407، والمنتقى هامش ج 2 ص 517، وراجع: البداية والنهاية ج 4 ص 193، والسيرة النبوية ج 3 ص 366.
(1) شرح صحيح مسلم ج 9 ص 193.
(1) سنن البيهقي ج 7 ص 201.
(1) سلم الوصول إلى نهاية السؤل ج 3 ص 288.
375

للتحريم الذي كان يوم خيبر (1)
وقال الزرقاني: " هكذا اتفق مالك، وسائر أصحاب الزهري على (خيبر) قال عياض: تحريمها يوم خيبر لا شك فيه " (2)
2 - - أبيحت ثم نهي عنها يوم الفتح، وإليه ذهب العسقلاني، وابن القيم والبيهقي في بعض كلامه، وابن عينية، وطائفة، وغير واحد (3) وقال السهيلي: " إن هذا هو المشهور " (4)
وعلى حد تعبير البعض:
" إن نكاح المتعة، قد كان مباحا بين أيام خيبر

(1) فتح الملك المعبود ج 3 ص 266.
(1) شرح الموطأ للزرقاني ج 3 ص 153.
(1) سنن البيهقي ج 7 ص 206، وراجع البداية والنهاية ج 4 ص 193، وبداية المجتهد ج 2 ص 57، والمنتقى ج 2 ص هامش ص 517، وبلوغ المرام تعليقات محمد حامد النقي هامش ص 207 عن ابن القيم.
(1) فتح الباري ج 9 ص 145
376

وأيام فتح مكة، إلا أنه صار منسوخا بإجماع الصحابة " (1)
وعلى حد قول ابن القيم: " ثبت في صحيح مسلم أنهم استمتعوا عام الفتح مع النبي (ص) بإذنه (ص) " (2)
3 - - إنها حرمت في حجة الوداع (3) وهو ما صححه الحلبي الشافعي وهو ما نقل عن أبي داود: " إن هذا ما روي في ذلك " (4)

(1) مجمع الأنهر ج 1 ص 320.
(1) زاد المعاد ج 2 ص 183.
(1) السيرة الحلبية ج 3 ص 104، وأشار إلى هذا القول أو إلى روايته في: زاد المعاد ج 2 ص 183 وتفسير القرآن العظيم ج 1 ص 474، والتمهيد ج 9 ص 103، والسيرة النبوية لابن كثير ج 3 ص 366 والبداية والنهاية ج 4 ص 193، والاعتبار للحازمي ص 176، وفتح الملك المعبود ج 3 ص 227 عن الخطابي وراجع فتح الباري ج 9 ص 144 و 146، وراجع بداية المجتهد ج 2 ص 57، وأوجز المسالك ج 9 ص 204 و 407 ونسبه إلى ابن عابدين تبعا لابن الهمام، وعون المعبود ج 9 ص 84 والمنتقى ج 2 ص 517 في الهامش.
(1) الجامع لأحكام القرآن ج 5 ص 131.
377

وذهب إليه الحازمي (1)
4 - - أبيحت، ثم نهي عنها في غزوة تبوك (2) ولم يقع منه (ص) إذن في الاستمتاع (3)
5 - - ما حلت إلا في عمرة القضاء، وما حلت قبلها، ولا بعدها عن الحسن (4)
6 - - أبيحت للضرورة، ثم حرمت آخر سنة حجة الوداع (5) قاله الحازمي.
7 - - أبيحت ثم نهي عنها عام خيبر، ثم أذن

(1) الاعتبار ص 199.
(1) الجامع لأحكام القرآن ج 5 ص 131.
(1) نيل الأوطار ج 6 ص 273.
(1) الجامع لأحكام القرآن ج 5 ص 131 قال: وروي هذا عن سبرة. والمصنف لعبد الرزاق ج 7 ص 503 و 504، والبداية والنهاية ج 4 ص 193، والسيرة النبوية لابن كثير ج 3 ص 366، وراجع: فتح الباري ج 9 ص 145، وراجع التفسير الكبير ج 10 ص 49، وبداية المجتهد ج 2 ص 57، والإستذكار ج 16 ص 292.
(1) راجع بداية المجتهد ج 2 ص 57، والبداية والنهاية ج 4 ص 193.
378

فيها حين الفتح، ثم حرمت، وهو قول القرطبي وقول النووي، وربما يكون هو مقصود الشافعي، حين قال: إنها أبيحت ثم نسخت مرتين.
وقال الشافعي أيضا:
" لا أعلم في الإسلام شيئا أحل ثم حرم، ثم أحل ثم حرم غير المتعة " (1)
فحمل الأمر على ظاهره، وأن النبي (ص) حرمها يوم خيبر، ثم أباحها في حجة الوداع ثلاثة أيام ثم حرمها (2)
واعتبر ابن العربي نكاح المتعة من غرائب

(1) لباب التأويل ج 1 ص 343. وراجع: أوجز المسالك ج 9 ص 407، والبداية والنهاية ج 4 ص 193، ونسبه في ص 318 إلى القيل، والسيرة النبوية لابن كثير ج 3 ص 366، وراجع فتح الباري ج 9 ص 147.
(1) أوجز المسالك ج 9 ص 407 الفواكه الدواني ج 5 ص 33 من دون أن يربط ذلك بالشافعي.
379

الشريعة لأنه أبيح، ثم حرم، ثم أبيح، ثم حرم (1)
8 - - وقيل: حرمت في غزاة أوطاس بعد تحليلها ثلاثة أيام، وصححه الحلبي أيضا (2)
وقالوا: لا مخالفة بين أوطاس والفتح، لأن الفتح هو يوم أوطاس لاتصالهما (3)

(1) شرح الموطأ ج 4 ص 47.
(1) السيرة الحلبية ج 3 ص 45، والرواية في صحيح مسلم ج 4 ص 131 عن أياس بن سلمة عن أبيه، ونصب الراية ج 3 ص 177، وسنن البيهقي ج 7 ص 204، والجامع لأحكام القرآن ج 2 ص 130 و 131، وسنن الدارقطني ج 3 ص 258، وقد ذكروا أن النبي (ص) رخص بها عام أوطاس ثلاثا، ثم نهى عنها.. وراجع بداية المجتهد ج 2 ص 57.
(1) راجع الجامع لأحكام القرآن ج 5 ص 130 وج 12 ص 106، وأوجز المسالك ج 9 ص 406 و 407، وبجيرمي على الخطيب ج 3 ص 336، ومرقاة المفاتيح ج 3 ص 422، وراجع: التمهيد ج 9 ص 99، وفتح الملك المعبود ج 3 ص 226، والبناية ج 4 ص 101، وفتح الباري ج 9 ص 147 و 146 عن النووي، وعون المعبود ج 6 ص 82، وشرح النووي على صحيح مسلم ج 9 ص 181، والإحسان ج 9 ص 458، وسبل السلام شرح بلوغ المرام ج 3 ص 266، وشرح الموطأ للزرقاني ج 4 ص 193، وتحفة المحتاج ج 7 ص 224، وقال ابن حويز منداد وغيره: وإليه أشار ابن العربي وزاد المعاد ج 2 ص 142، والبداية والنهاية ج 4 ص 193، راجع الفواكه الدواني ج 5 ص 33، والهداية في شرح البداية ج 6 ص 510.
380

9 - - حرمت يوم حنين.
لكن البعض احتمل: أن تكون غزوة أوطاس وحنين واحدا (1)
10 - - وروي أنه (ص): قام خطيبا يوم عرفة وقال: " أيها الناس، إن المتعة حرام كالميتة، والدم، والخنزير " (2)
11 - - وقال العظيم آبادي: " روي نسخ المتعة بعد الترخص في ستة مواطن الأول خيبر، والثاني في عمرة القضاء، والثالث عام الفتح، والرابع عام أوطاس، والخامس غزوة تبوك، والسادس في حجة الوداع، فهذه التي أوردت إلا أن في ثبوت بعضها

(1) أوجز المسالك ج 9 ص 406، وفتح الباري ج 9 ص 146.
(1) بجيرمي على الخطيب ج 3 ص 336.
381

خلافا " (1)
12 - - أبيحت في صدر الإسلام، وعام أوطاس، ويوم الفتح، وعمرة القضاء، وحرمت يوم خيبر، وغزوة تبوك، وحجة الإسلام (2)
ولعل هذا هو مقصود بعضهم أنها: أبيحت ثم حرمت أربع مرات (3)
13 - - أبيحت ثم نسخت ثلاث مرات (4)
وقد قال ابن كثير عن هذا القول وسابقه: " وهذا

(1) عون المعبود ج 6 ص 92 وراجع أوجز المسالك ج 9 ص 406 عن الهميلي.
(1) راجع: البداية والنهاية ج 3 ص 193، وفتح الباري ج 9 ص 146.
(1) السيرة الحلبية ج 3 ص 45، والبداية والنهاية ج 4 ص 193، والسيرة النبوية لابن كثير ج 3 ص 366.
(1) البداية والنهاية ج 4 ص 193، والسيرة النبوية لابن كثير ج 3 ص 366 وبجيرمي على الخطيب ج 3 ص 336.
382

بعيد جدا " (1)
14 - - أبيحت سبعا، ونسخت سبعا، في خيبر، وحنين، وعمرة القضاء، ويوم الفتح، وأوطاس، وتبوك، وحجة الوداع (2)
15 - - ذكر الطحاوي أخبار الحل والتحريم المختلفة فيما بينهما في ذكر مناسبة التحريم ووقته: ثم قال: فثبت بما ذكرنا نسخ ما في الآثار الأول التي ذكرناها في أول الباب، ثم قد روي عن أصحاب رسول الله (ص) النهي عنها أيضا (3)

(1) البداية والنهاية ج 4 ص 193، والسيرة النبوية ج 3 ص 366.
(1) راجع: نيل الأوطار ج 6 ص 272 و 273، ولا بأس بمراجعة: أوجز المسالك ج 9 ص 406، والجامع لأحكام القرآن ج 5 ص 131، وراجع الغدير ج 6 ص 222 و 226 لتجد هذه الأقوال، وغيرها. وتوجد هذه الأقوال أيضا في كتب القائلين بالنسخ، وحين الحديث عن: غزوة تبوك، وأوطاس، وحنين، والفتح، وخيبر، وعمرة القضاء، وحجة الوداع.
(1) شرح معاني الآثار ج 3 ص 26.
383

وقال: " ففي هذه الآثار النهي من رسول الله (ص) عن المتعة، فاحتمل أن يكون ما ذكرنا عن رسول الله (ص) من الإذن فيها كان ذلك من قبل النهي، ثم نهى عنها، فكان ذلك النهي ناسخا لما كان من الإباحة قبل ذلك " (1)
وعند الزرقاني: إن ذلك هو المتحصل من الأخبار (2)
16 - - أبيحت في صدر الإسلام، ثم حرمت يوم خيبر، ثم أبيحت في غزوة أوطاس، ثم حرمت بعد ذلك، واستقر الأمر على التحريم، وهو قول ابن العربي (3)

(1) المصدر السابق ج 3 ص 25.
(1) راجع: شرح الموطأ ج 4 ص 46، ولم يذكر التحريم في حنين، ربما لأنه اعتبرها تصحيف كلمة: (خيبر) وكما ذكره في نفس الصفحة المشار إليها.
(1) الجامع لأحكام القرآن ج 5 ص 130 و 131، وراجع: مرقاة المفاتيح ج 3 ص 422.
384

17 - - أبيحت في خيبر سنة سبع، ثم نهي عنها، ثم أبيحت عام الفتح سنة ثمان، ثم نهي عنها، ثم كرر النهي عنها أيضا في حجة الوداع سنة عشر، وانتهى الأمر على ذلك (1)
الشك فيما نسب للشافعي:
تقدم: أن الشافعي يقول: إن النهي عن المتعة قد كان يوم خيبر.
ونقول:
إننا نشك في صحة نسبة ذلك إلى الشافعي، لأنه قائل بعدم جواز نسخ الكتاب بالسنة..
إلا أن يقال: إن الشافعي إنما يثبت حلية المتعة بالسنة أيضا، لا بالقرآن..
أو يقال: إنه يقصد من النسخ يوم خيبر هو إعادة

(1) فتح الملك المعبود ج 3 ص 225.
385

إبلاغ النسخ الذي حصل بآية: حفظ الفروج، في سورة المؤمنون، وآية سورة المعارج..
لكن هذا التوجيه لا يتناسب مع ما صرح به ابن قيم الجوزية من أن هذا الزواج قد كان حلالا قبل خيبر، لأن ذلك معناه: أن هذا الزواج لم ينسخ قبل خيبر ليكون ما جرى يوم خيبر مجرد إعادة إبلاغ للتحريم.. بل يكون إنشاء للتحريم، ونسخا للحكم القطعي بخبر الواحد الظني.. وذلك مرفوض عندهم كما هم معلوم.
386

الفصل الثاني
النسخ بالأخبار
388

بداية:
وبعد أن عرفنا أقوال القائلين بنسخ تشريع زواج المتعة، وقرأنا الروايات التي اعتمدوا عليها في أقوالهم تلك. نرى من الضروري إلفات نظر القارئ الكريم إلى جانب من المآخذ على تلك الأقوال. وقسم من الإشكالات على تلكم الروايات، ليظهر له بجلاء عدم صلاحيتها للاعتماد عليها في أي حال.. ونذكر أولا بعض المآخذ العامة عليها. ثم نتبع ذلك في الفصل التالي ببعض ما يرتبط بتفاصيلها:
فإن العلماء.. وإن كانوا قد كفونا مؤونة الكلام
390

في كثير من تلك الأقوال، وردوها، وطعنوا في أسانيد الروايات التي ذكرتها، وخطأوا وغلطوا القائلين بها.. كل ذلك بالأدلة، والشواهد الكثيرة والقاطعة..
ولكننا بدورنا لا يسعنا هنا إلا التذكير ببعض ما قيل، أو ما يمكن قوله في ذلك، فلاحظ الأمور التالية:
دليل الإباحة هو دليل النسخ:
وزعموا أيضا: أن النصوص التي أثبتت الإباحة هي التي أثبتت النسخ وأيضا لا يوجد اتفاق على الإباحة، لأن القائلين بالإباحة من أهل السنة إنما يثبتون الإباحة الموقتة المنسوخة، لا مطلق الإباحة المؤبدة التي لم يتعقبها نسخ، فأين الإجماع؟ (1)

(1) راجع: تحريم المتعة للمحمدي ص 188 و 189.
391

ونقول:
1 - - سوف يأتي بالتفصيل: أن دليل التحريم هو أخبار آحاد، متباينة ومتناقضة فيما بينها، وفيها الكثير من الإشكالات، ودلائل الضعف والسقوط عن صلاحية الاحتجاج بها.
أما دليل الإباحة، فهو الآية الشريفة، واتفاق الأمة، وروايات كثيرة سيأتي شطر منها في فصل النصوص والآثار، وروايات أخرى تتحدث عن تحليل المتعة، من دون أن تشير إلى التحريم.
إذن، فليس دليل التحريم هو دليل الإباحة، كما زعموا.
2 - - إن المثبتين للإباحة من أهل السنة إنما يثبتونها انصياعا للأدلة الآنفة الذكر، ويدعون النسخ استنادا إلى روايات بعينها لا تصلح لاثباته..
392

3 - - ليس ثمة اتفاق من الصحابة على النسخ، وقد حكى جابر وغيره عنهم أنهم يصرون على الإباحة.
والتزامهم بقول عمر ليس دليلا على موافقتهم له. وقد أشرنا أكثر من مرة إلى بعض أسباب التزامهم، خصوصا وهو يتهددهم بالرجم.
النسخ غير ثابت:
قد تقدم: أن عمران بن الحصين، وابن عباس، والحكم بن عتيبة، يصرحون بأن آية حلية المتعة محكمة غير منسوخة..
وسيأتي أن طائفة كبيرة من الصحابة، وغيرهم، وأهل مكة، واليمن، وأكثر أهل الكوفة، وأهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم.. إلى آخر ما سيأتي قد أصروا على عدم نسخ حكم المتعة.. فلا مجال لدعوى القطع بالنسخ.
393

السنة لا تنسخ القرآن:
إن ثمة من يقول: كالشافعي وأكثر أصحابه، وأكثر أهل الظاهر وهو إحدى الروايتين عن أحمد بن حنبل: إن السنة لا تنسخ القرآن (1) حتى لو كانت متواترة (2)
وقال ابن حازم الهمداني: ".. ذهب جماعة من المتقدمين ونفر من المتأخرين إلى منع ذلك وقالوا: كما أن خبر الواحد لا ينسخ المتواتر، مع اشتراكهما في اللوازم والتوابع، كذلك السنة لا تنسخ القرآن لتباينهما في الحقائق واللواحق " (3)

(1) المستصفى للغزالي ج 1 ص 124، وفواتح الرحموت بهامشه ج 2 ص 78، والأحكام للآمدي ج 3 ص 139، ونهاية السؤل للأسنوي ج 2 ص 579 و 580 متنا وهامشا، وراجع: ج 4 ص 457، وإرشاد الفحول ص 191، وقال: وبه جزم الصيرفي والخفاف، وأصول السرخسي ج 2 ص 67 و 68 و 69، ولباب التأويل للخازن ج 1 ص 343.
(1) الأحكام ج 3 ص 139.
(1) الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار ص 28 وراجع: الإحكام في أصول الأحكام ج 4 ص 107 وتنقيح الفصول ص 311 وأحكام الفصول لابن خلف الناجي ص 358 وتيسير التحرير ج 3 ص 201 وإرشاد الفحول ص 190 وفواتح الرحموت ج 2 ص 76 ونهاية السؤل ج 2 ص 586.
394

وقال أبو بكر الهمداني: " قال الشافعي: لا ينسخ كتاب الله إلا كتابه وهكذا سنة رسول الله (ص) لا ينسخها إلا سنة رسول الله (ص) ".
وقال أبو داود السجستاني: " سمعت أحمد بن حنبل، وسئل عن حديث السنة قاضية على الكتاب، قال: لا أجترئ أن أقول فيه، ولكن السنة تفسر القرآن، ولا ينسخ القرآن إلا القرآن " (1)
وروي عن عبد الله بن سعيد، المنع من ذلك عقلا، وقال أبو حامد وأبو اسحق، وأبو الطيب الصعلوكي بالمنع سمعا، وقيل: ليس بممتنع لا عقلا، ولا سمعا، لكنه لم يقع، وقال السبكي: إن قول

(1) الاعتبار ص 28 و 29.
395

الشافعي لا يدل على أكثر من هذا (1)
وهذا معناه: أنه لا يصح عندهم نسخ المتعة بالروايات، المدعى ناسخيتها فضلا عن احتمال نسخها بها مرة أو أكثر من مرة كما يدعون.
نسخ السنة بالسنة:
قالوا: إن نسخ المتواتر بالآحاد غير واقع، لأن الآحاد ضعيف، والمتواتر أقوى منه، فلا يقع الأضعف في مقابلة الأقوى، فالثابت قطعا لا ينسخه مظنون (2).
لكن الشوكاني وأهل الظاهر قالوا بالجواز (3).
وقد اعترف الشوكاني بأن أخبار النهي عن المتعة هي أخبار آحاد، وقد نسخت التشريع القطعي الثابت،

(1) راجع نهاية السؤل ج 2 ص 579 و 580 متنا وهامشا.
(1) الأحكام للآمدي 2 / 3 / 134 وإرشاد الفحول ص 190.
(1) الأحكام للآمدي 2 / 3 / 135 وراجع: الأحكام لابن حزم 1 / 477.
396

قال عن وقوع نسخ المتواتر بالآحاد: " ومن الوقوع نسخ نكاح المتعة بالنهي عنها وهو آحاد " (1).
استدلال واعتذار غير مقبول:
تقدم أن الرازي يقول: إنه بعد إجماع الأمة على تشريع المتعة في الإسلام، فالناسخ - - لو كان - - لكان معلوما إما بالتواتر، وهو لا يصح، إذ يلزم منه عدم صحة مخالفة من ستأتي مخالفتهم في فصل أقوال ومذاهب لاستلزام مخالفتهم هذه تكذيب النبي (ص) وهو يعني كفرهم، وإن كان الناسخ معلوما بالآحاد لزم نسخ المقطوع بالمظنون وهو باطل (2)
ثم اعتذر الرازي عن ذلك بأنه: لعل بعضهم قد سمع الناسخ من النبي (ص) ثم نسيه، ثم تذكره، حينما

(1) إرشاد الفحول ص 191.
(1) التفسير الكبير ج 10 ص 52.
397

ذكر عمر ذلك أمام ذلك الجمع العظيم وعرفوا صدقه، فسلموا الأمر له (1)
والجواب:
إن الذين سيأتي ذكرهم من القائلين بحلية زواج المتعة قد عاشوا بعد موت عمر، واستمروا على الإصرار على قولهم ذاك.
وقد قلنا: إن عمر إنما نسب التحريم إلى نفسه لا إلى النبي (صلى الله عليه وآله)، وأن عمران بن الحصين، قد اعتبر تحريم المتعة رأيا لعمر، وأنه لا يهتم لهذا الرأي، حيث قال: " قال رجل برأيه ما شاء "، بل سيأتي أن ابن عمر أيضا قد اعتبر ذلك رأيا لأبيه، وليس له أن يترك ما قاله النبي (صلى الله عليه وآله) ويتبع رأي أبيه.

(1) التفسير الكبير ج 10 ص 54.
398

تعدد النسخ مرفوض:
قد تقدم قولهم: إن زواج المتعة قد نسخ أكثر من مرة: مرتين، أو ثلاثا، أو أربعا، أو ستا، أو سبعا، وزعم بعضهم أن غير المتعة أيضا قد نسخ أكثر من مرة، وهي لحوم الحمر الإنسية، والوضوء مما مسته النار، والقبلة.. وقد نظم ذلك الجلال السيوطي فقال:
جاءت بها الأخبار والآثار
وأربع تكرر النسخ بها
كذا الوضوء مما تمس النار (1)
فقبلة ومتعة والحمر
لكنهم قالوا في مقابل ذلك: إن النسخ مرتين مما لا يعهد في الشرع، ولا يقع مثله فيها (2) فكيف بالنسخ أربع مرات، أو ستا، أو سبعا، أو غير ذلك مما تقدم.

(1) حاشية الشيرواني على تحفة المحتاج ج 7 ص 224.
(1) زاد المعاد ج 2 ص 183 وفقه السنة ج 2 هامش ص 42، والمنتقى هامش ج 2 ص 97.
399

وقال النيسابوري والرازي: ".. وقول من قال: إنه حصل التحليل مرارا والنسخ، ضعيف لم يقل به أحد من المعتبرين، إلا الذين أرادوا إزالة التناقض عن هذه الرواية " (1)
وقال ابن كثير: " فعلى هذا يكون قد نهى عنها، ثم أذن فيها، ثم حرمت فيلزم النسخ مرتين وهو بعيد " (2)
وقال أبو الفتح نصر بن إبراهيم المقدسي: " كل موضع ثبت فيه النسخ في كتاب الله أو في سنة رسوله (ص) فهو على التأبيد " (3)
وذلك كله يدفع ما ذهب إليه الماوردي من أن هناك ما يشهد على أن المتعة أبيحت مرارا، وهو

(1) تفسير النيسابوري بهامش الطبري ج 5 ص 19، والتفسير الكبير ج 10 ص 52.
(1) راجع: سنن البيهقي ج 7 ص 201 و 207 وغيره من المصادر ليتضح لك ذلك.
(1) البداية والنهاية ج 4 ص 193.
400

قوله (صلى الله عليه وآله) في المرة الأخيرة: " إلى يوم القيامة، وذلك ليشير إلى أن التحريم الماضي كان مؤذنا بأن الإباحة تعقبه، بخلاف هذا فإنه تحريم مؤبد لا تعقبه إباحة أصلا " (1)
ويدفعه أيضا: أنه ليس ضروريا أن تكون كلمة: " إلى يوم القيامة " تشير إلى تعقب التحليل والإباحة.. إذ من القريب جدا أن تكون لأجل تأكيد حالة النسخ وطبيعته..
التناقض والاختلاف:
إن غزوة تبوك كانت في رجب سنة تسع من الهجرة، وغزوة الفتح كانت في العشرين من شهر رمضان سنة ثمان، وأوطاس بعدها بشهر، أي في

(1) راجع أوجز المسالك ج 9 ص 407 وفتح الباري ج 9 ص 147.
401

شوال سنة ثمان، وحنين أيضا كذلك، وخيبر في محرم السنة السابعة، وعمرة القضاء في ذي الحجة في السابعة أيضا، وحجة الوداع في السنة العاشرة.
فنلاحظ أن هناك اختلافا في الزمان والمكان، وفي السنين والشهور.
فهل كان التحريم في سنة سبع، أو ثمان أو تسع، أو عشر؟!.
وهل كان في شهر رجب، أم في شوال، أو في شهر رمضان، أم في ذي الحجة، أو في محرم؟!.
وهل أبيحت في عسفان، أو في يوم من فتح مكة؟!.
وهل حرمت في خيبر، أو في فتح مكة، أو في عمرة القضاء، أو في حجة الوداع، أو في أوطاس، أو في تبوك، أو في حنين؟!.
402

وهل أبيحت ثلاثة أيام فقط، أم أكثر؟!.
وهذه الثلاثة هل هي يوم الفتح، أو يوم أوطاس؟!.
إلى غير ذلك من الاختلافات التي لو تتبعناها لملأنا صفحات عدة..
فمع هذا الاضطراب في أحاديث النسخ كيف يمكن الركون إليها، والاعتماد عليها؟ فكيف إذا كانت معارضة بأحاديث أخرى كثيرة وصحيحة؟!.
وهل يمكن اعتبارها مع هذا كله دليلا قطعيا يصح الاعتماد عليه في نسخ هذا التشريع الثابت بالكتاب والسنة؟ مع العلم أن اليقين لا يدفعه إلا يقين مثله..
فلا عجب إذن إذا اختلفت أقاويل من يدعون النسخ، فقال بعضهم: نسخت مرتين أو ثلاثا، أو غير ذلك، وقال بعضهم أكثر من ذلك حسبما قدمناه. مع أن
403

أخبارهم تفيد أنها نسخت سبع مرات إن قلنا بصحتها..
وقد عرفت قولهم: إن النسخ مرتين لا يجوز.
من عاهات روايات النسخ أيضا:
أن البعض وإن كان يدعي: أن روايات التحريم متواترة عن رسول الله (ص) (1) لكن سيأتي:
1 - - أن روايات النسخ لا حجية فيها لأنها ترجع في أصولها إلى أخبار آحاد.
2 - - إن هؤلاء الرواة لا يعترف عدد منهم بمضمونها، بل يروى عنهم القول باستمرار تشريع هذا الزواج، مثل ابن مسعود، وعلي، وابن عمر، وابن

(1) بداية المجتهد ج 2 ص 57، وسبل السلام شرح بلوغ المرام ج 3 ص 227، والهداية في تخريج أحاديث البداية ج 6 ص 502، وراجع عون المعبود ج 6 ص 82 و 83.
404

عباس، وغيرهم ممن سيأتي ذكر رواياتهم في فصل النصوص والآثار، فكيف يروي النسخ ثم يلتزم بعدمه؟ والأهم من ذلك.
3 - - أن روايات الآحاد هذه قد جاء قسم كبير منها على سبيل الإجتهاد في النصوص والآيات القرآنية وفي دلالاتها، ولم يرد على سبيل الرواية عن رسول الله (ص)، فراجع ما جاء عن ابن عباس، وغيره.
وقد عرفنا الكثير، وسنعرف أيضا، أنها اجتهادات باطلة، يتجلى فيها الخطأ الفاضح، بحيث إننا نجل أولئك الكبار عن نسبة هذه الأخطاء الفاضحة والواضحة إليهم.
4 - - إن روايات الآحاد هذه قد جاءت متعارضة، ومتضاربة، لا يكاد يتفق رواتها على شيء في كيفية النسخ، وزمانه، ومكانه، فمن غزوة خيبر،
405

إلى الفتح، إلى حنين، إلى أوطاس، إلى حجة الوداع، إلى عمرة القضاء، إلى تبوك.. وهكذا، الاختلاف في نفس الموارد، وخصوصياتها.. الأمر الذي أوجب أن تصل أقوال القائلين بالنسخ إلى اثنين وعشرين قولا، كما قدمنا، وكل قائل منهم يعتمد على رواية يروق له الاعتماد عليها، وقد يكون للراوي الواحد أكثر من رواية، فتصبح إحداهما معتمدا لقول، وتصبح الأخرى معتمدا لقول آخر..
فيروى عن سبرة مثلا: أن التحريم كان يوم الفتح، ويروى عنه أيضا أنه قال: إن ذلك كان في حجة الوداع، أو في خيبر، أو في عمرة القضاء، ورواية النسخ يوم الفتح هي المعتمدة عند أكثر القائلين بتحريم هذا الزواج، وهم يضعفون سائر الروايات التي ذكرت للنسخ مناسبات أخرى وأزمنة مختلفة، فإذا سقطت هذه الدعوى عن الاعتبار فإن ما
406

عداها يكون أولى بالسقوط وأجدر وأضعف وأوهن.
فكيف يمكن ادعاء النسخ بأخبار آحاد هذه حالها، وكل واحد من الرواة فيها يروي النسخ في مكان، وزمان، وخصوصية، ومناسبة، تختلف عما يرويه غيره، بل تختلف كثيرا مع ما يرويه هو نفسه - - كما سيأتي - -.
وكيف يمكن الركون إلى روايات هذه حالها للقول: بنسخ حكم قطعي ثبت بالقرآن، وبالسنة المتواترة، ومنها أخبار النسخ نفسها (1) وبإجماع أهل القبلة؟ مع أن النسخ لا يقع بأخبار الآحاد. بل قد تقدم أن السنة حتى لو كانت متواترة لا تنسخ القرآن فكيف إذا كانت هذه الأخبار في موقع التهمة في أنها تجسد السعي لتأكيد أمر النسخ بوحي من التعصب لشخص بعينه، أو لتبرير ما صدر منه حتى لا يكون

(1) إذ لو لم يكن الحكم ثابتا لم يكن معنى للقول بنسخه.
407

تشريعا ممنوعا منه ومرفوضا دينيا..
العسقلاني يهشم روايات النسخ:
قال العسقلاني: لا يصح من الروايات شيء بغير علة إلا غزوة الفتح (1) وأما غزوة خيبر، فهي وإن كانت طرق الحديث فيها صحيحة إلا أن فيها من كلام من أهل العلم ما تقدم (2)
وأما عمرة القضاء، فلا يصح الأثر فيها: لكونه من مرسل الحسن، ومراسيله ضعيفة، لأنه كان يأخذ عن كل أحد.. وعلى تقدير ثبوته، فلعله أراد أيام خيبر، لأنهما كانا في سنة واحدة كما في الفتح، وأوطاس سواء.

(1) سيأتي أنها هي الأخرى فيها الكثير من العيوب والآفات.. ولا يمكن أن تصح.
(1) سيأتي ما ذكره، وما ذكره غيره بعد قليل.
408

وأما قصة تبوك، فليس في حديث أبي هريرة التصريح بأنهم استمتعوا منهن في تلك الحالة، فيحتمل أن يكون ذلك وقع قديما، ثم وقع التوديع منهن حينئذ والنهي. أو كان النهي وقع قديما، فلم يبلغ بعضهم فاستمروا على الرخصة، فلذلك قرن النهي بالغضب لتقدم النهي في ذلك.. على أن في حديث أبي هريرة مقالا، فإنه من رواية مؤمل بن إسماعيل، عن عكرمة بن عمار، وفي كل منهما مقال.
وأما حديث جابر، فلا يصح، فإنه من طريق عباد بن كثير، وهو متروك.
وأما حجة الوداع، فهو اختلاف على الربيع بن سبرة، والرواية عنه بأنها في الفتح أصح، وأشهر، فإن كان حفظه، فليس في سياق أبي داود سوى مجرد النهي، فلعله (صلى الله عليه وآله) أراد
409

إعادة النهي ليشيع، ويسمعه من لم يسمعه.
فلم يبق من المواطن - - كما قلنا - - صحيحا صريحا سوى غزوة خيبر، وغزوة الفتح، وفي غزوة خيبر من كلام أهل العلم ما تقدم (1)
ثم ذكر بعض الإشكالات على غزوة خيبر، وسنوردها إن شاء الله في ما يأتي فلا يبقى إلا روايات النسخ في غزوة الفتح، وسنرى أنها هي الأخرى لا تصح.
تعارض روايات التحريم والتحليل:
إن روايات النسخ متضاربة وضعيفة سندا إلا أقل القليل منها. وقد رواها فريق بعينه بل إن الاختلاف والتنافي ظاهر حتى في روايات الراوي الواحد، وللقضية الواحدة.

(1) فتح الباري ج 9 ص 146 و 147.
410

وهي بالإضافة إلى ذلك كله معارضة بالروايات المتواترة والمروية عن عشرات الأشخاص وأسانيد العشرات منها صحيحة، رواها السنة والشيعة على حد سواء، والدالة على عدم نسخ هذا التشريع، وبقائه إلى يوم القيامة.
وسيأتي شطر كبير منها إن شاء الله تعالى في فصل: " النصوص والآثار ".
وهذه الروايات - - بالإضافة إلى ذلك - - لا تعاني من أي اضطراب، أو تناقض، أو اختلاف.
علاج التعارض:
وفي مقام علاج هذا التعارض.. ومع وجود كل تلكم الهنات والعلل المضعفة لأخبار النسخ، والتي ذكرنا وسنذكر شطرا كبيرا منها فإن العلاج هو:
411

1 - - تقديم أخبار بقاء هذا التشريع المتواترة، والسليمة عن أية علة - - على أخبار التحريم التي هي آحاد تعاني من ألف علة وعلة..
2 - - ولو سلمنا جدلا بعدم تقديمها عليها ومع عدم امكان التخيير بينها، فلا أقل من سقوط أخبار الأحاد تلك، وهي أخبار النسخ، عن الحجية والاعتبار، ثم الرجوع إلى العمومات الأولى، وهي تثبت لنا أصل مشروعية هذا الزواج وبقائه إلى يومنا هذا.
هذا كله عدا عن أنه سوف يأتي في كثير من النصوص التصريح بأن التحريم إنما كان في زمن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، وقد زعم البعض أن ذلك لأمور وقتية وآنية، دفعته إلى المنع المؤقت عن ممارسة هذا الأمر المشروع، فظن البعض تأبيد التحريم، فبذل وسعه لتأييده وإبقائه،
412

فلم يسعفه الحظ، ولا ساعده الدليل على ذلك.
ونحن وإن كان لنا كلام سيأتي حول هذا الأمر، لكننا نقول إن من يلتزمون بالدفاع عن ممارسات الخليفة وموقفه في هذه القضية.. يمكنهم أن يلجأوا إلى هذا التوجيه حين تضيق بهم السبل والمذاهب.
سبب اختلاف الأخبار والأقوال:
ويعلل الشيخ محمد حسن، صاحب الجواهر اختلاف الأقوال بالنسخ بقوله:
إنما تعددت وتشعبت، بهذه الآية أو بتلك، وبهذا الخبر، أو بذاك.. بسبب: أن الذين تصدوا لرفع التناقض، كانوا جماعة متفرقين، يحاول كل منهم ذلك دون أن يعلم بالآخر: فلم تتوارد الخواطر على ناسخ بعينه، بل تعددت وتشعبت، فكان عملهم: " ضغثا
413

على إبالة ".. حتى لقد بلغت دعاوى النسخ إلى اثنين وعشرين قولا، حسبما قدمنا تماما، كما حصل في قضية النبي دانيال (عليه السلام)، في قضية تفريق الشهود، فكان ذلك سببا في إظهار الحق، وكشف الواقع (1)
إجابات وتوجيهات لا تصح:
وقد تصدى القائلون بالنسخ لرفع اختلاف الروايات بطرق أخر: فقالوا: " فإن قلت: ما وجه الاختلاف المذكور في وقت تحريم المتعة، لأنه جاء في زمن خيبر، وفي غزوة تبوك وفي عام أوطاس، وفي حجة الوداع.
قلت: قال الماوردي: يصح أن ينهى عنها في زمن، ثم ينهى عنها في زمن آخر توكيدا، أو

(1) راجع: جواهر الكلام ج 30 ص 147 بتصرف.
414

ليشهر النهي ويسمعه من لم يكن سمعه أولا، ولم يسمع بعض الرواة في زمن وسمعه آخر، فنقل كل منهم ما سمعه، وأضافه إلى زمن سماعه، وقال بعضهم: " هذا ما تداوله التحريم والإباحة مرتين " (1)
وقال آخر: " اختلاف الرواة في وقت النهي، لتفاوتهم في بلوغ الخبر إليهم " (2)
ونقول:
أما الفرض الأول، وهو التأكيد على النهي؛ فينافيه التصريح بالإباحة في الأزمنة والمواضع الأخرى.
أضف إلى ذلك أن الماوردي نفسه قد اعتبر أن

(1) راجع: أوجز المسالك ج 9 ص 407. وراجع: فتح الباري ج 9 ص 147، وشرح صحيح مسلم للنووي ج 9 ص 179.
415

ما نقل عنه (صلى الله عليه وآله) من أنه قال يوم الفتح: " إلى يوم القيامة " مشعر بأن التحريم في السابق كان مؤذنا بالإباحة.
2 - - وأما بالنسبة لقوله: إن الإباحة والتحريم قد تعاقبا على هذا الأمر مرتين، فقد تقدم: أن ذلك مما لا يقع في التشريع مثله.
3 - - وأما قولهم إن سبب الاختلاف هو التفاوت في بلوغ النهي إليهم.. فهو أعجب وأغرب.
فإن ذلك لا يتلاءم مع قولهم: إن المتعة أحلت في عمرة القضاء ثلاثة أيام لم تحل قبلها ولا بعدها.
ولا مع قولهم عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): " أذن لكم أن تستمتعوا فاستمتعوا ".
ولا مع قولهم: نهى عن المتعة يوم خيبر
416

وعن لحوم الحمر الأهلية.
ولا مع قوله (صلى الله عليه وآله) عام الفتح: استمتعوا من هذه النساء.
ولا مع قول ابن الأكوع رخص لنا رسول الله (ص) عام أوطاس في المتعة ثم نهى عنها، ولا مع غير ذلك مما تقدم ويأتي.
إجابات المقدسي أوضح فسادا:
وقد أجاب عن ذلك أبو الفتح نصر بن إبراهيم المقدسي الشافعي بعدة وجوه، هي التالية:
1 - - إذا اتفقنا على التحريم لم يضر الاختلاف في زمانه، كالشهادة على الإقرار بألف في سنة عشر، ثم شهادة أخرى على الإقرار به في سنة عشرين، فإن الألف تثبت بذلك، وإن لم يثبت وقت الإقرار به..
417

2 - - إن الاختلاف بوقت التحريم لا ينافي ثبوته، لأن الاختلاف معناه الجهل بالوقت، وهذا كما لو قال الشاهدان نسينا وقت التحريم.
3 - - إن الخبرين لا يمكن أن يكونا كاذبين لصدق رواتهما وصحة طرقهما، كما أن أحدهما لا يمكن أن يكون كاذبا لنفس هذا الدليل، أي لصدق رواته وصحة طريقه..
فثبت صدق الخبرين معا.. مع تقدم أحدهما على الآخر، فيكون الثاني مؤكدا للأول، وليس ناسخا، لأنهما متوافقين غير متخالفين.
4 - - إنه لا يمتنع أن تكون المتعة قد أبيحت عند الحاجة، ثم نسخت، ثم تجددت الحاجة فأبيحت ثم نسخت إلى يوم القيامة..
ففي صدر الإسلام أبيح ترك الغسل عند التقاء
418

الختانين وعدم الإنزال بقوله (ص): الماء من الماء. ثم بعد ذلك أوجب الغسل مطلقا حين قال: إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل.
5 - - إن التحريم بمكة كان إخبارا عن التحريم الذي صدر في خيبر، لأن قريشا لم يكونوا علموا بالتحريم، لأنهم كانوا على الكفر عام خيبر.. ففي فتح مكة أخبرهم أن النكاح الذي كان جائزا عندهم وعنده في أول الإسلام قد حرم، وأن التحريم باق إلى يوم القيامة.
ونقول:
إن جميع ما ذكره النووي والمقدسي لا يصح، ولا يمكن الالتزام به، وقد اتضح فساده من خلال البحوث التي أوردناها في هذا الكتاب بما لا مزيد عليه، ولكننا - - مع ذلك - - نسجل على كل هذه النقاط إجابات مختصرة فنقول:
419

1 - القياس على الإقرار وعلى الشهادة لا يصح:
بالنسبة للنقطة الأولى والثانية أعني قياس ما نحن فيه على الإقرار وعلى الشهادة.
نقول:
أ - - قد قامت القرائن، ودلت الشواهد على عدم صحة الرواية المنسوبة إلى علي (عليه السلام) من أن النسخ كان يوم خيبر، وصار أصل التحريم مشكوكا، ولم يعد الشك مقتصرا على الوقت، وكذا الحال بالنسبة لرواية سبرة بن معبد، وسيأتي إن شاء الله كل ذلك.
ب - - إن الثابت عن علي (عليه السلام) وأهل بيته (عليهم السلام) هو استمرارهم على القول بالحلية.. مما يعني أن ما ينسب إليه (عليه السلام) مما هو خلاف ذلك لا يعتمد عليه، حتى إنه اشتهر
420

عنه (ع) قوله: لولا تحريم عمر للمتعة، ما زنى إلا شقي.. أو شفا، أو نحو ذلك، فلا مجال لقياس هذه المسألة على مسألة الشهادة والإقرار.
ج - - إن ما نحن فيه يتضمن الدعوى إثباتا ونفيا في كل شهادة. أي أن مدعي التحريم يوم الفتح يقول: بوجود تحليل متصل به سابق عليه.
ومدعي التحريم يوم خيبر يقول: باستمرار هذا التحريم إلى يوم الفتح وبعده إلى آخر الزمان.. ولذا صح - - بحسب زعمهم - - الإستدلال عند علي (عليه السلام) على ابن عباس وتخطئته فيما ذهب إليه.. فعلي (عليه السلام) إذن - - حسب قولهم - - ينكر وجود تحليل ثم نسخ في يوم الفتح، إذ لو كان يعترف به لكان عليه أن يستدل به ولا يستدل بعام خيبر.. لأن يوم خيبر منقوض على هذا التقدير دون شك، فكيف قال له: إنك امرؤ تائه؟!.
421

وعلى هذا لا تقاس هذه المسألة على مسألة الإقرار بالألف، كما أنها لا تقتصر على الجهل بالوقت، كما لو قال الشاهدان نسينا وقت التحريم.. لأن الشاهدين بنفي كل
منهما ما يقرره الآخر. ثم يثبت كل منهما أمرا جديدا.
2 - تأكيد النسخ لا يصح:
وأما ما ذكره ثالثا، من أنه لا بد من الحكم بصدق الخبرين معا، وأنه لا تكاذب بين الأخبار، بل فيها تأكيد للنسخ.
فلا يصح أيضا، لأن كون الثاني مؤكدا للأول، إنما هو مع عدم تخلل التحليل فيما بينهما، وقد قرر سبرة بشكل صريح أن المتعة كانت يوم الفتح حلالا لهم فلا يصح القول: إن التحريم يوم الفتح يؤكد التحريم يوم خيبر.
422

وبعد أن ثبت أنه لا يمكن الحكم بصحة كلا الخبرين، لم يبق إلا أن يكون أحدهما صحيحا فقط، أو يكون كلاهما كذبا. وهو الذي تقتضيه أدلة وأخبار بقاء الحلية..
3 - الإباحة والنسخ عند الحاجة لا يصح:
وأما القول بأنها أبيحت عند الحاجة ثم نسخت ثم تجددت الحاجة، فأبيحت ثم نسخت إلى يوم القيامة، ثم قياس ذلك بغسل الجنابة فهو أيضا كلام غير صحيح.
وذلك لما يلي:
1 - - إن ما ذكر عن غسل الجنابة غير مسلم.. بل الصحيح هو حديث إذا التقى الختان وجب الغسل، فقط.
423

2 - - ولو سلمنا، فإن قضية الغسل من باب التدرج في التحريم من مرتبة إلى أخرى، وموضوع المتعة هو من قبيل النسخ ثم التشريع أكثر من مرة، فلا يقاس أحدهما بالآخر.
3 - - إن التشريع عند تجدد الحاجة لا يصح، إذ لا يصح تعدد النسخ كما تقدم.
4 - - لو سلم أنه يصح، فلا معنى للنسخ إلى يوم القيامة، عند انتهاء الحاجة في المرة الثانية، فإنه إذا كانت الحاجة هي المعيار فلا بد من دوران الأمر معها ثبوتا، وانتفاء، وإن كان المعيار شيئا آخر، فلا بد من بيانه.
وما ذنب الذين تجددت الحاجة لهم بعد حصول النسخ إلى يوم القيامة ليحرموا من بركات هذا التشريع.
424

4 - كون المقصود الإعلام بالتحريم لا يصح:
وأما قوله: إن التحريم في مكة كان إخبارا عن التحليل الذي صدر في خيبر، ليعلم به من لم يكن علمه، لأن أهل مكة كانوا في خيبر على الشرك.
فينافيه: تصريح سبرة بأن النبي (صلى الله عليه وآله) أحل المتعة لهم عام الفتح، وأذن لهم فيها..
وينافيه: قولهم: إنه (صلى الله عليه وآله) أحلها لهم في عمرة القضاء ثلاثة أيام لم تحل قبلها ولا بعدها..
وقولهم: رخص لنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) عام أوطاس بالمتعة.
وغير ذلك من نصوص.
425

قطعية التحليل، وظنية النسخ:
وقد واجه القائلون بالنسخ إشكالا قويا أربكهم إلى درجة كبيرة وقد حاولوا جاهدين أن يتخلصوا منه، فلم يفلحوا..
والإشكال هو: أن تحليل المتعة قطعي، وحديث تحريمها ونسخها ظني، لأنه مختلف فيه، والظني لا ينسخ القطعي (1)
وهذا الإشكال جعل القائلين بتحريم زواج المتعة يعانون من " الانقطاع عند المناظرة، كما هو حاصل كلام المصنف، كما ذكر المقبلي ".

(1) نيل الأوطار ج 6 ص 274 وفتح الملك المعبود ج 3 ص 226 و 227 وراجع: عون المعبود ج 6 ص 82 و 83، وراجع: السيل الجرار ج 2 ص 268 وفقه السنة ج 2 ص 45 وسبل السلام شرح بلوغ المرام ج 3 ص 266 و 267، وراجع المنار في المختار من جواهر البحر الزخار ج 1 ص 464.
426

الإجابات الواهية:
وقد أجابوا عن ذلك: " بأن استمرار ذلك القطعي ظني بلا خلاف. والنسخ إنما هو للإستمرار لا لنفي ما قد وقع، فإنه لا يقول عاقل بأنه ينسخ ما قد فرغ من فعله " (1)
وقالوا: " نمنع كون القطعي لا ينسخه الظني " فما الدليل على ذلك، ومجرد كونها مذهب الجمهور غير مقنع لمن قام في مقام المنع يسائل خصمه عن دليل العقل والسمع بإجماع المسلمين " (2)
وأجابوا أيضا:
إن الراوين لإباحة المتعة رووا نسخها، وذلك إما

(1) السيل الجرار ج 2 ص 268. وتحريم المتعة للمحمدي ص 190.
(1) نيل الأوطار ج 6 ص 274 وراجع المنار في المختار من جواهر البحر الزخار ج 1 ص 464. وتحريم المتعة للمحمدي ص 190.
427

قطعي في الطرفين، أو ظني في الطرفين جميعا (1)
وقالوا أيضا:
يقال: إن كان كون التحليل قطعيا لكونه منصوصا عليه في الكتاب العزيز فذاك وإن كان قطعي المتن فليس بقطعي الدلالة لأمرين.
الأول: إنه يمكن حمله على الاستمتاع بالنكاح الصحيح.
الثاني: إنه عموم، وهو ظني الدلالة.
على أنه قد روى الترمذي عن ابن عباس انه قال: كانت المتعة حتى نزلت هذه الآية {إلا على أزواجهم

(1) سبل السلام شرح بلوغ المرام ج 3 ص 266 و 267. وتحريم المتعة للمحمدي ص 190.
428

أو ما ملكت أيمانهم} قال ابن عباس: فكل فرج سواهما حرام.
وهذا يدل على أن التحريم بالقرآن، فيكون ما هو قطعي المتن ناسخا لما هو قطعي المتن.
وإن كان، التحليل قطعيا لكونه قد وقع الإجماع من الجميع عليه في أول الأمر.
فيقال: وقد وقع الإجماع أيضا على التحريم في الجملة عند الجميع، وإنما الخلاف في التأبيد هل وقع أم لا.
وكون هذا التأبيد ظنيا لا يستلزم ظنية التحريم الذي وقع النسخ به.
فالحاصل: " أن الناسخ للتحليل المجمع عليه هو التحريم المجمع عليه، المقيد بقيد ظني، وهو التأبيد، فالناسخ والمنسوخ قطعيان. قاله العلامة
429

صديق بن حسن خان " (1)
وقال يوسف جابر المحمدي:
" إن مستندهم لمصادر جواز المتعة هي هذه المصادر التي حرمتها والشك الذي يمكن أن يتسرب إلى هذه المصادر يشمل الحل والتحريم إذا كان بحثهم نزيها لم تترتب نتائجه قبل مقدماته. ولكن أتباع مدرسة المتعة يشاركوننا في السبب ويفردوننا بالعجب! فتتعدد روايات التحليل والتحريم فيقبلون الحل والجواز ويرفضون التحريم للتعدد " (2)
لماذا هذه الأجوبة واهية؟!:
ومن الواضح: أن ما أجاب به هؤلاء قد جاء

(1) فتح الملك المعبود ج 3 ص 226 و 227 ونيل الأوطار ج 6 ص 274 وفقه السنة ص 45 وعون المعبود ج 6 ص 82 و 83.
430

على درجة كبيرة من الضعف والوهن. وذلك لكثرة المآخذ عليه.
ونحن نكتفي هنا بالتذكير ببعض النقاط التي تظهر بطلان ما استدلوا به.. وتحديد الموقف العلمي الصحيح والصريح منها، وإن كنا أسلفنا بعض الكلام في ذلك.
فنقول:
هناك أمور اتضح في الفصول السابقة عدم صحتها وقد اعتمد عليها الذين حاولوا صياغة تلك الإجابات، وهناك أمور أضافوها هنا، ونحن نذكرها ونذكر القارئ بالإجابات المناسبة عليها فيما يلي:
1 - - قالوا: إن آية} فما استمتعتم به منهن {ناظرة إلى النكاح الدائم..
431

وقد تقدم أن هذا غير صحيح.
2 - - قالوا: إن آية:} إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم {ناسخة لآية تشريع المتعة..
وقد تقدم عدم صحة هذا القول أيضا من جهات عديدة.
3 - - قالوا: إن هناك إجماعا على النسخ والتحريم.. هذا أيضا غير صحيح لما يلي:
أ - - إن كثيرا من الصحابة قائلون باستمرار التحليل.. بل قد يكون أكثر الصحابة يقول بذلك.. فسكوتهم عن معارضة عمر، مع تهديده ووعيده لا يدل على موافقتهم له، كما سيأتي بيانه.
ب - - هناك ما يشير إلى أن عامة الصحابة قد استمروا على القول بتحليل هذا الزواج، وهو قول جابر.. كما فهمه غير واحد من الكبار ممن يذهب إلى
432

النسخ!!..
ج - - هذا فضلا عن ذهاب فقهاء مكة والمدينة، واليمن.. وغيرهم إلى استمرار تحليل هذا الزواج، وممارسته، حتى إن ابن جريج - - كما يقولون - - قد تمتع بسبعين امرأة.
وستأتي في الفصول التالية نصوص وأحاديث تعد بالعشرات، بل المئات مما يدل على بقاء هذا التشريع.
4 - - قد تقدم: أن الإجماع لا يصح النسخ به، فكيف إذا كان إجماعا في عصر متأخر عن عصر المعصوم، وكذلك الأخبار، فإنها لا تنسخ حكما ثبت تشريعه بالقرآن، فكيف إذا كانت أخبار آحاد؟!. وكيف إذا كانت مختلفة بل متناقضة في كثير من مواردها.
5 - - دعواهم تساوي الدعويين.. من حيث الظن
433

والقطع لا تصح، فإن إباحة هذا الزواج تعتبر من ضروريات هذا الدين.. أما تحريمه، فلم يروه إلا البعض.. وقد عرفنا وسنعرف المزيد من المآخذ والعلل في تلك الروايات.
6 - - إذا كان الاستمرار ظنيا، فمعنى ذلك أننا لا نعلم إن كان هذا الاستمرار حاصلا أم غير حاصل.. فلا يبقى معنى لنسخ أمر لم يعلم ثبوته من الأساس، فما معنى قولهم: إنه قد نسخ، فإن لم يكن ثابتا فأي شيء ينسخ ويرفع.
والحق هو أن يقال: إن المدار على ثبوت الحجة وعدمها. فإذا كانت حجية ذلك الظن قطعية جاء الحديث عن نسخ هذا القطعي..
7 - - إن دعواهم تواتر أخبار التحريم (1) وذلك

(1) تقدمت مصادر ذلك في هذا الفصل.
434

لتناول أصحاب السنن لجميع طرقها، وهي كثيرة، ومتعددة (1)
لا تصح أيضا، فقد عرفنا أنها أخبار آحاد، متناقضة ومضطربة فيها الكثير من التشتت والاختلاف، ولا يمكن حصول الظن بمضمونها.
8 - - إن أخبار التحريم لا تصلح لإفادة ظن ولو في حده الأدنى، فضلا عن أن يرفع بها ظن آخر.
9 - - لو سلمنا: أنها تفيد ظنا فإن الظن الحاصل من روايات استمرار التحليل والتي تناهز مئة وعشر روايات أقوى بكثير من الظن الحاصل من روايات النسخ..
10 - - لو سلمنا: تكافؤ الظن في الجانبين،

(1) تحريم المتعة في الكتاب والسنة ص 135 و 136.
435

ولم نقل بالتخيير - - كما عن أبي علي وابنه (1) - - ولا بالتساقط والرجوع إلى عمومات الحل.
فإن الراجح هو الأخذ بروايات بقاء التحليل، لأنها أكثر عددا، وأصح سندا. مع انتفاء التهمة فيها من أنها لأجل تبرئة شخص بعينه من تهمة التصدي لتحريم حلال الله، أو نحو ذلك..
كما أن روايات النسخ والتحريم ظاهرة التهافت والاختلاف متعارضة، فيما بينها، وبعضها مضطرب في نفسه - - كرواية سبرة - - لا يصلح للاعتماد عليه.. هذا بالإضافة إلى أن الراوي لها فريق بعينه.. ولم يروها ولا اعترف بها الآخرون.
وهكذا يتضح: أن الأرجحية لروايات بقاء التحليل

(1) راجع: منهاج الوصول إلى علم الأصول للبيضاوي ص 99.
436

ظاهرة جلية، لا مجال للمراء أو التشكيك فيها.
11 - - بل قال ابن المرتضى: " تحريمها ظني لأجل الخلاف. وإن صح رجوع من أباحها لم تصر قطعية، على خلاف بين الأصوليين " (1)
وقد تقدم بعض ما يفيد في ذلك في الفصول السابقة، فلا نعيد.
12 - - إن كلام الشوكاني يعطي: أن مراد القائلين بأن التحليل لزواج المتعة قطعي والتحريم ظني، هو دعوى أن النسخ هو نفي ما قد وقع في السابق. أي ادعاء أن التحليل لم يقع من الأساس..
وهو كلام باطل، ونسبة غير صحيحة، بل هم يقولون: إنه إذا ثبت التحليل بصورة قطعية، فلا بد من ثبوت ناسخه، ورافع استمراره بصورة قطعية

(1) البحر الزخار ج 4 ص 23.
437

أيضا.
13 - - إن استمرار التحليل قطعي أيضا، لأن الخليفة الثاني حين أصدر أوامره بالمنع عن هذا الزواج قد اعترف بأن التحليل كان ثابتا في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وفي عهد أبي بكر، وأنه هو الذي يصدر هذا المنع.. وسنرى أن كثيرا من الصحابة، وكثيرا من فقهاء الأمصار لم يوافقوه على هذا الأمر..
هذا عدا عشرات من الروايات تثبت استمرار حلية هذا الزواج، وعشرات منها صحيحة السند كما سيأتي.
14 - - وقد رد ابن المرتضى على من أنكر أن تكون إباحة المتعة قطعية - - بقوله: " فيه نظر، إذ
438

لم يسمع بمن أنكرها من الأصل " (1)
15 - - لا معنى للقول: إن مصادر التحليل هي مصادر التحريم، فالشك ينبغي أن يشملهما معا..
فإن الأدلة على التحليل لا تنحصر بروايات التحريم بل هناك إجماع الأمة وهناك الآية الشريفة، وهناك أحاديث استمرار الحل التي ستأتي في فصل مستقل..
أما أخبار التحريم فسيأتي أنها تعاني من إشكالات كثيرة لا مجال لردها.
عود على بدء:
وقد حاول بعضهم التخلص من إشكال: أن النسخ لا يثبت بخبر الواحد، بل لا بد من آية قرآنية أو

(1) المصدر السابق.
439

خبر متواتر، فطور في أسلوبه البياني قليلا. فذكر ما يلي:
أولا: إن المتعة إنما شرعت بالسنة، فنسخها بالسنة جائز، فيكون قوله (صلى الله عليه وآله) منسوخا بقوله.
ثانيا: المتواتر هو العلم بما كانت عليه قبل النسخ. وأما بقاء الحكم فليس متواترا بعد ورود النسخ، لأن القائلين بحليتها بعد النسخ أفراد معدودون ومعروفون بأسمائهم.
ثالثا: هناك خلاف حول إمكان وجود التواتر..
رابعا: يشترط في المتواتر: " أن يرويه جمع عن جمع عن جمع، من أول السند إلى آخره، مع ملاحظة عدم إمكان اجتماعهم على الكذب ".
وبعد النسخ لم يعد هناك رواية لجمع عن جمع عن جمع ببقاء التحليل. أي أنهم أصبحوا أفرادا يروون عن أفراد أمرا قد كان.
440

فالمنسوخ هو استمرار حل المتعة، وهو ظني لا قطعي.
خامسا: البحث إنما هو في استمرار الحل استصحابا للحال. وهذا ظني. ورفع الظني بالظني جائز. فدعوى تواتر الحل مغالطة.
سادسا: إن الناسخ ليس خبر آحاد بل هو متواتر (1)
ونقول:
إن جميع ذلك لا يمكن أن يصح، وذلك للأمور التالية:
1 - - أما قوله: إن الناسخ ليس خبر واحد بل هو متواتر، فقد تقدمت الإجابة عنه. وظهر وسيظهر أنها أخبار آحاد متعارضة فيها الكثير من الهنات والعديد من المشكلات، فلا نعيد.

(1) راجع: تحريم المتعة في الكتاب والسنة ص 136 و 137 و 138.
441

2 - - قوله: إن استمرار الحل، مستند إلى الاستصحاب.. غير سليم. بل هو مستند إلى دليل التحليل نفسه، الذي هو الآيات والروايات الظاهر في أن الحكم ثابت على نحو العموم والشمول، على جميع الناس وفي جميع الأحوال.. وفي مختلف الأزمان.. وهو قطعي الثبوت بواسطة الآيات والروايات، فعلى مدعي وجود ناسخ ورافع أن يثبت ذلك بصورة قاطعة.
فما معنى الحديث عن استصحاب الحال ليقال: إنه ظني.. ويصح رفع الظني بالظني؟!
3 - - وبذلك تتضح الإجابة عن قوله: إن المنسوخ هو استمرار حل المتعة، وهو ظني.. وتوضيح الجواب بما يلي:
إن ما دل على ثبوت التحليل عن رسول الله (صلى
442

الله عليه وآله) قطعي وثابت.
وبغض النظر عن الآية الشريفة، فإن الأخبار الدالة على ثبوت هذا الحكم في مختلف الأحوال والأزمان متواترة، بل إن ذلك من الضروريات..
يضاف إلى ذلك ما سنذكره في فصل " النصوص والآثار في مصادر أهل السنة " مما دل على بقاء هذا التشريع إلى ما بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فإنها أيضا كثيرة، ومتنوعة ولا ريب في تواترها..
وليس المقصود بالتواتر تواتر نص واحد بعينه رواه جمع عن جمع بل المقصود التواتر الإجمالي، لبقاء الحل، والذي ستأتي نصوصه في فصل " النصوص والآثار ".
وكذلك تواتر ما دل على أصل تشريع هذا الزواج
443

بصورة مطلقة وعلى نحو العموم والشمول لمختلف الأحوال والأزمان إلى أن يرد الناسخ.. وهذا الأمر حاصل، كما ذكرنا..
إذن، فلا معنى لقوله: إن استمرار حل المتعة ظني، ليس بمتواتر إذ لم يروه جمع عن جمع، عن جمع؟!
والنسخ المدعى، ما هو إلا أخبار آحاد متعارضة ومتنافرة لا جدوى منها.
وحتى لو كانت متواترة فإنها لا ترفع تواتر روايات ثبوت الحكم الشامل لجميع الأحوال والأزمان ولا ترفع أيضا تواتر الروايات الدالة على استمرار التشريع إلى ما بعد وفاة النبي التي ذكرناها في " فصل النصوص والآثار في كتب أهل السنة "، فضلا عن الأخبار المتواترة من طريق أهل البيت (عليهم السلام)، فراجع.
444

4 - - بالنسبة للخلاف في ثبوت أصل التواتر نقول: لو صح هذا، فإنه ينفي دعواه تواتر نصوص النسخ. وأما نصوص التشريع فلا يضرها شيئا، لوجود الآية والإجماع بالإضافة إلى الأخبار، وكون ذلك من ضروريات الدين.
5 - - قوله: إن المتعة إنما شرعت بالسنة.. قد تقدم أنه بعيد عن الإنصاف، فإنها قد شرعت بآية قرآنية، ظاهرة الدلالة إلى حد أنه قد ظهر أنها لو أريد بها النكاح الدائم لاختلت الآيات في دلالاتها وفي سياقها..
بالإضافة إلى إجماع المسلمين.
وكونها من ضروريات الدين.
6 - - حتى لو كانت المتعة قد شرعت بالسنة، فإن خبر الواحد لا يكفي لنسخ حكم ثابت بالتواتر وبالقطع إلى حد الضرورة.
445

7 - - قوله: إن بقاء الحكم ليس متواترا بعد ورود النسخ، لأن القائلين بحليتها بعد النسخ افراد معدودون.. لا معنى له.. لأن النسخ لا يوجب رفع تواتر ما هو ثابت في السابق.. لأن المطلوب تواتر النص بما له من دلالة.
وقد قلنا فيما تقدم.
أولا: إن النص المتواتر الذي أثبت الحلية قد أثبتها في جميع الأحوال والأزمان إلى أن يرد الناسخ القطعي.. وليس الناسخ المدعى قطعيا..
ثانيا: إن النص المثبت لبقاء المشروعية بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو الآخر ثابت بالتواتر والقطع، فرافعه لا بد أن يكون متواترا وقطعيا أيضا.
ومجرد كثرة القائلين بالنسخ لا يرفع تواتر ذلك
446

النص ولا يجعل الناسخ متواترا. فإنه لا ربط لهذا بذاك..
447

الفصل الثالث
النسخ في خيبر أو الفتح
449

بداية:
قد عرفنا في ما سبق أن الروايات والأقوال قد اختلفت في النسخ وزمانه ومكانه.. ومن يراجع أقوالهم في ذلك يجد أن أكثر القائلين بالنسخ قد اعتمدوا رواية خيبر، أو الفتح، أو كلتيهما..
وقد ضعفوا ما سواهما مزيد تضعيف، فنحن
451

نتحدث عن هاتين الروايتين ها هنا بالخصوص.
كما أننا لن نغفل الحديث عن الروايات التي استند إليها واعتمد عليها آخرون فيما ذهبوا إليه، بل سوف نتعرض لها بما يناسبها من الحديث، فنقول:
رواية النسخ يوم خيبر:
أما بالنسبة لرواية النسخ يوم خيبر، فهي تفيد:
على ما رواه البخاري ومسلم - - وغيرهما - - أن عليا (عليه السلام) قال لابن عباس: حين بلغه أنه يرخص في المتعة:
" إنك امرؤ تائه إن رسول الله (ص) نهى عنها، يوم خيبر، وعن لحوم الحمر الإنسية " (1)

(1) المصنف لعبد الرزاق ج 7 ص 501، ومسند الحميدي ج 1 ص 22، وسنن سعيد بن منصور ج 1 ص 218، والبداية والنهاية ج 4 ص 193 عن الصحيحين، وصحيح مسلم ج 4 ص 134 و 135، بعدة أسانيد، وصحيح البخاري ج 3 ص 158، وسنن البيهقي ج 7 ص 201 و 202 عن الصحيحين، ونيل الأوطار ج 6 ص 269، والموطأ، المطبوع مع تنوير الحوالك ج 2 ص 74، والجامع الصحيح للترمذي المطبوع مع تحفة الأحوذي ج 4 ص 268، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير ج 1 ص 474، وراجع فتح الباري ج 9 ص 145 والتفسير الكبير ج 10 ص 50 وراجع ص 51 و 52، ومسند أحمد ج 1 ص 79، وراجع التفسير الحديث لدروزة ج 9 ص 54، والمرأة في القرآن والسنة لمحمد عزة دروزة ص 180 عن الخمسة.
452

وفي سنن الدارقطني: أطلق ذلك ولم يذكر " يوم خيبر " (1)
وقال البعض منهم: إن تحريم التأبيد كان يوم خيبر، ثم أكده يوم الفتح.
فرد عليهم آخرون بأن روايات مسلم صريحة في الإباحة يوم الفتح، فلا يجوز ردها (2)
ونقول:

(1) راجع سنن الدارقطني ج 3 ص 257 و 258.
(1) راجع: فتح الملك المعبود ج 3 ص 226.
453

قد أشار الزرقاني إلى أن في صحة وقوع النسخ في خيبر كلاما، فقال: فلم يبق صحيح صريح سوى خيبر والفتح، مع ما وقع في خيبر من الكلام (1) ونحن نذكر هنا بعضا من هذا الكلام في ضمن النقاط التالية:
1 - - سند الحديث:
لقد نوقش في سند حديث النسخ يوم خيبر عن علي (عليه السلام) بتدليس بعض رواته.
وبالقدح في بعضهم الآخر.
وبمن قد اختلط في أواخر عمره، واعترف هو نفسه بأنه يغير، ويبدل، فيما يرويه.
وبمن هو منحرف عن علي، وأهل بيته

(1) شرح الموطأ للزرقاني ج 4 ص 46.
454

(صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين).
وبانفراد عبد الله والحسن ابني محمد بن الحنفية بروايتها، والنسخ لا يثبت بخبر الواحد.
إلى غير ذلك مما يجده المتتبع في تراجم سند هذه الرواية، في تهذيب التهذيب، وفي لسان الميزان وغير ذلك ولا نريد أن نفيض في تفاصيل ذلك، فإن سائر المآخذ على الحديث تغنينا عن ذلك. ولكننا أحببنا الإشارة إلى القارئ الكريم لكي يراجع المصادر إن أحب ذلك.
2 - اختلافات وتناقضات:
وفي الرواية اختلاف واضطراب ظاهر: فرواية الدارقطني في الموطآت عن الزهري: أن عليا (عليه السلام) سمع ابن عباس وهو يفتي في
455

متعة النساء فقال (عليه السلام): أما علمت.. إلخ..
وعند البخاري في ترك الحيل، بلفظ: أن عليا (عليه السلام) قيل له: ان ابن عباس لا يرى بمتعة النساء بأسا..
وفي رواية للدارقطني: تكلم علي وابن عباس في متعة النساء، فقال له علي (عليه السلام): إنك امرؤ تائه، ولمسلم من وجه: فقال: له مهلا يا ابن عباس، فإن رسول الله (ص) نهى عنها (1)
ومن الواضح: أنه حديث واحد يتحدث عن واقعة بعينها، ولا مجال لدعوى تعدد الواقعة لرفع هذا الاختلاف بذلك!.
وقد اعترف بهذه الاختلافات أبو عمر فقال: " لا خلاف بين أهل السير، وأهل العلم بالأثر، أن نهي

(1) راجع سنن الدارقطني ج 3 ص 258 في الهامش، وراجع: سنن البيهقي ج 7 ص 201، وأوجز المسالك ج 9 ص 405.
456

رسول الله (ص) عن لحوم الحمر الأهلية إنما كان يوم خيبر، وأما نهيه عن نكاح المتعة ففيه اختلاف واضطراب كثير " (1)
3 - - لم تحرم المتعة في خيبر:
إن السهيلي يقول: " هذا شيء لا يعرفه أحد من أهل السير، ورواة الأثر: إن المتعة حرمت يوم خيبر " (2)
وقال أبو عمر: " فقد بان من رواية يحيى بن سعيد، ومعمر، ويونس، أن النهي عنها كان يوم خيبر، فإن ذكر المتعة يوم خيبر غلط، والأقرب أن

(1) الإستذكار ج 16 ص 289.
(1) الروض الأنف ج 4 ص 59 ط سنة 1391 ه‍، وفتح الباري ج 9 ص 145، عنه، ونقله في السيرة الحلبية ج 3 ص 45 عن بعضهم، وشرح الموطأ للزرقاني ج 4 ص 46، وسبل السلام شرح غاية المرام ج 3 ص 268، وأوجز المسالك ج 9 ص 405 ونصب الراية ج 3 ص 178 و 179.
457

يكون هذا من غلط ابن شهاب والله أعلم " (1)
4 - لم يقع في خيبر تمتع بالنساء:
وقال أبو عمر: ".. إن ذلك غلط، ولم يقع في غزوة خيبر تمتع بالنساء " (2)
وقال ابن القيم: ".. قصة خيبر لم يكن فيها الصحابة يتمتعون باليهوديات، ولا استأذنوا في ذلك رسول الله (ص)، ولا نقله أحد في هذه الغزوة، ولا كان للمتعة فيها ذكر البتة، لا قولا ولا تحريما " (3)
وقال أيضا: ".. وأيضا، فإن خيبر لم يكن فيها مسلمات، وإنما كن يهوديات، وإباحة نساء أهل

(1) التمهيد ج 9 ص 99.
(1) إرشاد الساري ج 6 ص 169 وشرح الموطأ للزرقاني ج 4 ص 46، والغدير ج 6 ص 226، وعن شر ح المواهب للزرقاني ج 2 ص 239، وسبل السلام شرح بلوغ المرام ج 3 ص 268، وراجع: أوجز المسالك ج 9 ص 405.
(1) زاد المعاد ج 2 ص 143، وعنه في سبل السلام شرح بلوغ المرام ج 3 ص 268 وفتح الباري ج 9 ص 147.
458

الكتاب لم يكن ثبت بعد، إنما أبحن بعد ذلك في سورة المائدة. " (1)
وقال ابن القيم أيضا: " فلم تكن إباحة نساء أهل الكتاب ثابتة زمن خيبر ولا كان للمسلمين رغبة في الاستمتاع بنساء عدوهم قبل الفتح، وبعد الفتح استرق من استرق منهن، وصرن إماء للمسلمين.. " (2)
وقال ابن كثير: " إن يوم خيبر لم يكن ثم نساء يتمتعون بهن، إذ قد حصل لهم الاستغناء بالسباء عن نكاح المتعة " (3)

(1) زاد المعاد ج 2 ص 183، وأوجز المسالك ج 9 ص 406 والمنتقى هوامش ج 2 ص 517 وفتح الباري ج 9 ص 147.
(1) المصدر السابق.
(1) البداية والنهاية ج 4 ص 193. وعن فتح الباري ج 9 ص 171.
459

ونقول:
إذا كان المسلمون قد استغنوا بالسبي عن نكاح المتعة في غزوة خيبر فإن غزوة تبوك كانت أبعد وأتعب، فلماذا لم تحلل لهم المتعة في تلك الغزوة كما حللت في خيبر وفي الفتح وغيرهما؟!
وقد أجاب البعض: " بأنه قد يكون هناك مشركات، لأن الأوس والخزرج كانوا يصاهرون اليهود، فلعل المسلمين استمتعوا بهن " (1)
وجواب ذلك:
أن الإسلام كان قد نهى عن الأخذ بعصم الكوافر، وعن نكاح المشركات حتى يؤمن، وهذه الآية هي في سورة البقرة، وقد نزلت قبل خيبر.

(1) سبل السلام شرح بلوغ المرام ج 3 ص 268، وأوجز المسالك ج 9 ص 406، وفتح الباري ج 9 ص 149.
460

5 - المتعة كانت حلالا بعد خيبر:
ولو صح حديث النسخ يوم خيبر للزم تكذيب جميع الروايات الواردة مما دل على حلية المتعة يوم خيبر، أي في عمرة القضاء، وحنين، وحجة الوداع، والفتح، وتبوك، وأوطاس، إذ لا معنى لتحليل أمر منسوخ إلا على تقدير تعدد النسخ وهو أمر غير مقبول.
ولو سلمنا أنه مقبول، فلا بد من إثباته بدليل قاطع.
6 - - راوي النسخ رافض له:
والرواية المعتمدة للنسخ يوم خيبر هي تلك المنسوبة لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام).. وسيأتي أنه (ع) نفسه على رأس القائلين باستمرار حلية زواج المتعة إلى يوم القيامة وقد
461

اشتهر عنه الحديث المروي عن شعبة، عن الحكم بن عتيبة: " لولا أن نهى عمر عن المتعة، ما زنى إلا شقي " أو " إلا شفا " (1) أي قليل.
7 - تعارض الروايات:
ومن الواضح: أن روايات النسخ في الفتح، وتبوك، وسواهما كلها تعارض روايات النسخ يوم خيبر، وتسقطها عن صلاحية الإستدلال بها على وقوع النسخ.
8 - - الرواية المذكورة لا تصلح للمعارضة:
وإذا راجعنا رواية النسخ يوم خيبر، فإننا نجدها - - بسبب ما ذكرناه وغيره مما لم نذكره - - كثيرة العلل والأسقام لا تقوى على معارضة شيء من الروايات الأخرى، فضلا عن معارضتها لجميع

(1) ستأتي المصادر الكثيرة لهذا النص في فصل: النصوص والآثار، فراجع على سبيل المثال: جامع البيان ج 5 ص 9.
462

الروايات.
وما تقدم وما سيأتي خير شاهد على ما نقول.
9 - - التشكيك في صيغة ومعنى الحديث:
ونجد الكثير من النصوص التي تشكك في صيغة حديث النسخ يوم خيبر، أو أنها تفسره بطريقة تبعده عن دائرة الإستدلال، وبعض هذه النصوص قد جاء على طريق الرواية، وبعضه تفسير أو اقتراح تفسير رواية.
ونحن نذكر هنا بعضا من ذلك، فنقول:
أ - - ورد في نص الحميدي: " أن رسول الله (ص) نهى عن نكاح المتعة، وعن لحوم الحمر الأهلية زمن
463

خيبر، ولا يعني نكاح المتعة " (1)
قال ابن عبد البر: " وعلى هذا أكثر الناس " (2)
ب - - ولفظ البخاري برواية ابن عيينة عن الزهري: " نهى عن المتعة، وعن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر " (3)
أي أن نهيه عن المتعة لم يحدد، ولم يذكر له وقتا، بل هو يريد أن هذا التحريم قد وقع..
ج - - وقال العسقلاني: " ليس يوم خيبر ظرفا لمتعة النساء، لأنه لم يقع في غزوة خيبر تمتع

(1) مسند الحميدي ج 1 ص 22، وفتح الباري ج 9 ص 145، ونيل الأوطار ج 6 ص 273، وسنن البيهقي ج 7 ص 202، وفتح الباري ج 9 ص 133، والسيرة النبوية لابن كثير ج 3 ص 366، والبداية والنهاية ج 4 ص 194.
(1) فتح الباري ج 9 ص 145.
(1) أوجز المسالك ج 9 ص 406.
464

بالنساء " (1)
د - - قال أبو عوانة في صحيحه: ".. سمعت أهل العلم يقولون: معنى حديث علي (ع) أنه نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية، وأما المتعة، فسكت عنها وإنما نهى عنها يوم الفتح " (2) أي ليكون النهي عن المتعة موقوفا على وقته بدليله (3)
وقد بينه الربيع بن سبرة: أنه في حجة الوداع (4)
وهذا المعنى نقله ابن كثير عن بعض العلماء،

(1) فتح الباري ج 9 ص 22، وراجع ص 123، وراجع سنن البيهقي ج 7 ص 202 ومسند الحميدي ج 1 ص 22 وشرح الموطأ للزرقاني ج 4 ص 46.
(1) راجع أوجز المسالك ج 9 ص 406، وفتح الباري ج 9 ص 145، ونيل الأوطار ج 6 ص 273، وراجع البداية والنهاية ج 4 ص 194، وسبل السلام شرح بلوغ المرام ج 3 ص 268.
(1) التمهيد ج 9 ص 95.
(1) أوجز المسالك ج 9 ص 407.
465

فراجع (1)
ونقله البيهقي وغيره عن ابن عيينة، واحتمله هو أيضا (2)
لكن قال القرطبي: " وهذا تأويل فيه بعد " (3)
ه‍ - - وذكر السهيلي أن ابن عيينة روى عن الزهري بلفظ: " نهى عن أكل الحمر الأهلية عام خيبر، وعن المتعة بعد ذلك، أو في غير ذلك اليوم، انتهى " (4)

(1) البداية والنهاية ج 3 ص 194، ونسب إلى المزي: أنه كان يميل إلى هذا التقرير، وراجع الإستذكار ج 16 ص 288 و 289.
(1) سنن البيهقي ج 7 ص 201 و 202، والمنتقى هوامش ج 2 ص 518، وشرح النووي على صحيح مسلم ج 9 ص 180، وأوجز المسالك ج 9 ص 406، وفتح الباري ج 9 ص 144 و 145 و 146 وراجع: سبل السلام شرح بلوغ المرام ج 3 ص 268، وأوجز المسالك ج 9 ص 405 و 406، ونيل الأوطار ج 6 ص 273.
(1) التمهيد ج 9 ص 95.
(1) نيل الأوطار ج 6 ص 273.
466

و - - واقتصر بعضهم على رواية، بعض الحديث فقال: " حرم المتعة يوم خيبر، فجاء بالغلط البين " (1)
ز - - أضف إلى ما تقدم: أن بعض نصوص الروايات التي ذكرت النهي عن الحمر الأهلية، وأكل لحوم السباع، لم تشر إلى المتعة بشيء (2)
ح - - قال ابن القيم أيضا: " النهي يوم خيبر إنما كان عن الحمر الأهلية. وإنما قال علي (ع) لابن عباس: (نهى يوم خيبر عن متعة النساء، ونهى عن الحمر الأهلية) محتجا عليه في المسألتين، فظن بعض الرواة: أن التقييد بيوم خيبر راجع إلى الفصلين، فرواه بالمعنى ثم أفرد بعضهم أحد الفصلين

(1) المنتقى هوامش ج 2 ص 518.
(1) راجع: كتاب التمهيد ج 9 ص 94 و 101
467

وقيده بيوم خيبر " (1)
ونقول: إننا نسجل هنا:
أولا: قول السهيلي: إن المراد: أنه (ص) قد حرم الحمر الأهلية يوم خيبر لكنه نهى عن المتعة بعد ذلك، لا يمكن قبوله.. فإننا لا نجد مبررا للحديث عن خصوص المتعة دون سائر الأحكام الشرعية التي جاء بها رسول الله (ص) بعد ذلك.. أو قبله..
ثانيا: قد روى ابن حبان ومسلم هذا الحديث بصورة تمنع من إرادة هذا المعنى وغيره مما ذكروه، فقد روي عن عمر بن سعيد بن سنان عن أحمد بن أبي بكر، عن مالك، عن ابن شهاب، عن عبد الله، والحسن ابني محمد بن علي عن أبيهما عن علي (عليه السلام): " أن رسول الله (ص) نهى عن

(1) تعليقات الفقي على بلوغ المرام ص 207، وراجع البداية والنهاية ج 4 ص 194، والسيرة النبوية لابن كثير ج 3 ص 336 و 337.
468

متعة النساء يوم خيبر، وعن أكل لحوم الحمر الإنسية " (1)
وروي هذا الحديث عن مالك بإسناده إلى علي (عليه السلام) فقال فيه: " نهى عن نكاح المتعة يوم خيبر لم يزد على ذلك " (2)
10 - دعوى تكرر النسخ لا يصح:
وقد تقدم أن النووي (3) وغيره قد ادعوا أن المتعة قد نسخت أكثر من مرة، ورفضوا توجيه المازري والقاضي: أن ما جرى بعد خيبر إنما كان لتأكيد التحريم..
وإنما رفضوا هذا التوجيه، لأن روايات

(1) الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان ج 6 ص 176 و 177، وراجع: ص 175 وصحيح مسلم ج 4 ص 134 و 135 بعدة طرق..
(1) راجع: التمهيد ج 10 ص 97.
(1) شرح صحيح مسلم للنووي ج 9 ص 193.
469

الصحاح صريحة في تجدد الإباحة يوم الفتح أيضا.
فرد ابن القيم على النووي فقال: " لو كان التحريم زمن خيبر للزم النسخ مرتين، وهذا لا عهد بمثله في الشريعة البتة، ولا يقع مثله فيها " (1)
كما أن ابن كثير قال عن روايات النسخ في خيبر وفي الفتح: " فيلزم النسخ مرتين وهو بعيد " (2)
11 - إحراز تقدم المنسوخ:
ثم إنه لم يحرز تقدم آية المتعة على صدور التحريم في خيبر، ليمكن القول بالنسخ، فلعل روايات التحريم هي المتقدمة، وتكون آية المتعة هي الناسخة للتحريم في هذه الروايات لو صحت.

(1) زاد المعاد ج 4 ص 194 وفقه السنة ج 2 ص 39.
(1) البداية والنهاية ج 4 ص 194، والسيرة النبوية لابن كثير ج 3 ص 366.
470

12 - مشكلة احتجاج علي (ع) على ابن عباس:
ولو سلم ".. فلا يتم احتجاج علي (ع) إلا إذا وقع النهي أخيرا، لتقوم به الحجة على ابن عباس ".
وقد اعتذر البعض عن ذلك: ب‍ " أن عليا (ع) لم تبلغه الرخصة فيها يوم الفتح " (1)
وزاد البعض قوله: " ويمكن أن عليا (ع) عرف بالرخصة يوم الفتح ولكن فهم توقيت الترخيص، وهو أيام شدة الحاجة مع الضرورة. وبعد مضي ذلك فهي باقية على أصل التحريم المتقدم، فتقوم له الحجة على ابن عباس ".
قال هذا بعد اعترافه أنه " لا تقوم لعلي (ع)

(1) راجع: فتح الباري ج 9 ص 145 و 147، وسبل السلام شرح بلوغ المرام ج 3 ص 268.
471

الحجة على ابن عباس إلا إذا وقع النهي أخيرا " (1)
ونقول:
إذا كان لم تبلغه الرخصة بعد ذلك فلماذا يقول لابن عباس:
" إنك امرؤ تائه "؟! ولماذا يفرض عليه، ألا يحتمل أن يكون (صلى الله عليه وآله) قد عاد فرخص في هذا الأمر، وألم يكن من الأجدر أن يستفهم أولا، إن كان (ص) قد رخص فيها أم لا؟!.
13 - لماذا لم يرو الحديث سوى علي (ع)؟!
قد ذكر الواقدي أن النبي (ص) أمر بخيبر مناديا فنادى: إن رسول الله ينهاكم عن الحمر الأنسية وعن متعة النساء (2) وفي بعض المصادر أن منادي رسول

(1) سبل السلام شرح بلوغ المرام ج 3 ص 268.
(1) المغازي للواقدي ج 2 ص 661.
472

الله (ص) قد نادى يوم خيبر: ألا إن الله ورسوله (ص) ينهاكم عن المتعة، كما قيل، فكيف يقع ذلك - - لو صح - - ثم لا ينقل ذلك سوى علي (عليه السلام)؟!! وهو مما تتوفر الدواعي على نقله.. ولماذا كتمه علي (ع) عن كل أحد إلا عن ولده محمد، ثم كتمه محمد عن كل أحد سوى ولديه عبد الله والحسن؟!.
14 - يلزم نسخ الكتاب بخبر الواحد:
وأخيرا.. فإن حديث النسخ يوم خيبر، لا يعدو كونه خبر واحد، ولا يصح نسخ الكتاب والسنة المتواترة بخبر الواحد، كما هو معلوم.
15 - حديث الحسن ينفي حديث خيبر:
ولو فرضنا - - محالا - - إمكان الجمع بين رواية
473

النسخ يوم خيبر وبين سائر الروايات، فكيف يمكن أن نوفق بين حديث خيبر وبين ما روي عن الحسن: أنه قال: " ما حلت قط، إلا في عمرة القضاء ثلاثة أيام، ما حلت قبلها ولا بعدها " (1)
حنين تصحيف خيبر:
وقد ادعى البعض: أن كلمة حنين هي تصحيف كلمة خيبر:
" وقال: أخرجه النسائي، والدارقطني، ونبه على أنه وهم " (2)
زاد الشوكاني: " وعلى فرض عدم التصحيف فيمكن أن يراد ما وقع في غزوة أوطاس، لكونها

(1) تقدمت مصادر هذا الحديث.
(1) سبل السلام شرح بلوغ المرام ج 3 ص 268 وراجع: أوجز المسالك ج 9 ص 405 ونيل الأوطار ج 6 ص 272 و 273 وراجع أيضا: الهداية في شرح البداية ج 6 ص 510.
474

هي وحنين واحدة " (1)
وقال ابن حجر عن النسخ في حنين: " إما أن يكون ذهل عنها، أو تركها عمدا لخطأ رواتها، أو لكون غزوة أوطاس، وحنين واحدة " (2)
ونقول:
1 - - إن من الواضح: أنها محض تخرصات لم يدل عليها دليل، ولا يؤيدها شاهد..
2 - - إن دعوى أن كلمة حنين هي تصحيف كلمة خيبر ليست بأولى من دعوى أن كلمة خيبر هي تصحيف كلمة حنين..
3 - - إن دعوى الشوكاني باتحاد حنين وأوطاس، ليست بأولى من دعوى اختلافهما، بل دعوى الاختلاف

(1) نيل الأوطار ج 6 ص 273.
(1) تحريم المتعة ص 168 عن فتح الباري ج 9 ص 74.
475

هي الأظهر بملاحظة التصريح باسم هذه وتلك.
تحريم المتعة في خيبر كان موقتا:
قد ادعى بعضهم: أن تحريم المتعة الذي حصل في خيبر لم يكن تحريم تأبيد. ولو أن التحريم يوم خيبر كان للتأبيد لم يقع الترخيص بها عام الفتح (1)
ونقول:
أولا: إن قولهم هذا يسقط ما رووه عن علي (ع) من أنه قد اعترض على ابن عباس بأنه امرؤ تائه، فإن النبي (ص) قد نهى عن المتعة يوم خيبر. لأن الاعتراض منه (عليه السلام) إنما يصح دليلا لهم، لو كان النهي في خيبر للتأبيد، أما إذا كان موقتا فلابن عباس أن يعترض عليه، بأنه استدلال لا يصح، لأنه كان نهيا تدبيريا موقتا، وقد عاد الناس إلى العمل بهذا

(1) راجع: تحريم نكاح المتعة للأهدل ص 341.
476

الزواج، بعد أن انتهى وقت التحريم.
ثانيا: إن حديث التحريم يوم خيبر - - لو صح - - فهو إنما كان مجرد نهي تدبيري لهم عن التزوج بنساء سوف يتركونهن بعد قليل، فلا معنى للزواج بهن ثم تركهن، مع احتمال أن يحدث حمل عند بعضهن فلا يعرف الأب بأن له ابنا، ولا الأم تقدر على الاتصال بأب وليدها لتعرفه عليه، وتصله به.
ولو أنهم كانوا قد تزوجوا بهن زواجا دائما، وفي نيتهم الفراق بالطلاق أمام الشهود بعد ساعة مثلا، ثم يذهبون إلى بلاد أخرى، فإن النبي سينهاهم عن فعل ذلك حفاظا على الأولاد الذين قد يولدون من زواج كهذا، وقد تعجز المرأة عن الوصول إلى صاحب النطفة الحقيقي..
حديث التحريم يوم الفتح:
477

وأما بالنسبة لحديث سبرة الجهني الذي يفيد التحريم يوم الفتح والذي اعتبر البعض روايته هي الأشهر والأصح (1) وقال الزرقاني والعسقلاني، والنص له:
" لا يصح شيء من الروايات بغير علة إلا غزوة الفتح " (2)
فقد جاء في واحد من نصوصه، كما في صحيح مسلم، وغيره، ما يلي:
" حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا ليث، عن الربيع بن سبرة الجهني، عن أبيه سبرة، أنه قال: أذن لنا رسول الله (ص) بالمتعة، فانطلقت أنا ورجل إلى امرأة من بني عامر، كأنها بكرة عيطاء، فعرضنا أنفسنا عليها، فقالت: ما تعطي؟ فقلت ردائي.. وقال

(1) شرح الموطأ للزرقاني ج 3 ص 153.
(1) فتح الباري ج 9 ص 146 وشرح الموطأ للزرقاني ج 4 ص 46.
478

صاحبي: ردائي. وكان رداء صاحبي أجود من ردائي، وكنت أشب منه، فإذا نظرت إلى رداء صاحبي أعجبها، وإذا نظرت إلي أعجبتها، ثم قالت: أنت ورداؤك يكفيني، فمكثت معها ثلاثا، ثم ان رسول الله (ص) قال من كان عنده شيء من هذه النساء التي يتمتع فليخل سبيلها " (1)

(1) راجع: صحيح مسلم ج 4 ص 131 و 133، وفتح الملك المعبود ج 3 ص 224، وسنن البيهقي ج 7 ص 202 و 203، وأوجز المسالك ج 9 ص 406،، ومسند أحمد ج 3 ص 405، وروايات سبرة حول نهي النبي (ص) عن المتعة يوم الفتح توجد في كتاب التمهيد ج 10 ص 106، والبداية والنهاية ج 4 ص 193 عن البخاري، وأشار إليه الترمذي في الجامع الصحيح المطبوع مع تحفة الأحوذي ج 4 ص 268، وكذا في تحفة الأحوذي نفس الجزء، والصفحة عن المنتقى، والتفسير الكبير ج 10 ص 51، ونصب الراية ج 3 ص 177، والمنار في المختار ج 1 ص 462، وفقه السنة ج 4 ص 42 وتحريم نكاح المتعة ص 58 و 59 و 61، ومسند الحميدي ج 2 ص 374 ط المكتبة السلفية، وسنن سعيد بن منصور، طبع دار الكتب العلمية ج 1 ص 217 وراجع ص 218، وراجع: بجيرمي على الخطيب ج 3 ص 336، ومرقاة المفاتيح ج 3 ص 422 والمبسوط للسرخسي ج 5 ص 152.
479

هذا الحديث لا يدل على النسخ:
إن هذا النص إن صح، فهو لا يدل على تحريم زواج المتعة، حيث إن الظاهر هو: أن النبي (ص): قد أمرهم بتخلية سبيل النساء، استعدادا للرحيل، لا أنه قد حرم المتعة عليهم حرمة تشريعية.
ولعل هذا النص هو المعقول من رواية سبرة هذه.. ولا مانع من ذلك، ولا منافاة بينه وبين ما دل على مشروعية المتعة، بقول مطلق، لأنه هو أيضا دال على حليتها، وبقاء تشريعها إلى ذلك الوقت.
ولكن الظاهر هو أن الرواة قد حرفوا هذه الرواية، وزادوا عليها زيادات أخرى، كما يعلم من مراجعة نصوصها المختلفة في كتب الحديث
480

والرواية.
ولكننا مع ذلك، وأخذا منا بنظر الاعتبار النصوص الأخرى من روايات سبرة المصرحة بالتحريم، نشير إلى بعض الملاحظات حولها في ضمن النقاط التالية:
تناقضات.. وما أكثرها:
1 - - إننا بالإضافة إلى جميع ما قدمناه مما يدل على عدم صحة حديث التحريم في سنة الفتح، وإلى ما بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله)، نقول: إن هذا الحديث لا حجية فيه لما فيه من التناقض والاختلاف الكثير بين نصوصه..
ففي بعضها، وهي في مسلم والبيهقي، ومسند أحمد: أن النسخ كان يوم الفتح..
481

وفي بعض روايات البيهقي، واحمد، وابن ماجة، وعبد الرزاق، وابن حبان، ونصب الراية عنه وعن سنن أبي داود (1) أنه: كان في حجة الوداع.
وفي بعضها: يوم خيبر (2) وفي بعضها: في عمرة القضاء (3)
وفي بعضها: لم يعين وقتا ولا زمانا، وإن كان هذا الأمر لا يتنافى مع أي مما سبقه.
وبعضها يقول: إن الإذن بالمتعة كان بعد خمسة

(1) سنن أبي داود ج 1 ص 283، وغيره، وراجع: الإحسان ج 9 ص 454 و 455 وشرح الموطأ للزرقاني ج 4 ص 46 والاعتصام بحبل الله المتين ج 3 ص 203 و 204، ونيل الأوطار ج 6 ص 274 وسنن ابن ماجة ج 1 ص 631 وسنن الدارمي ص 140 ومصادر كثيرة جدا تقدمت.
(1) كنز العمال ج 22 ص 97 عن ابن جرير والاعتصام بحبل الله المتين ج 2 ص 202 وكتاب العلوم لأحمد بن عيسى ص 11.
(1) راجع: التمهيد ص 108 ونيل الأوطار ج 6 ص 272 وشرح النووي على صحيح مسلم ج 9 ص 180.
482

عشر يوما من دخول مكة (1)
وبعضها: أذن لهم بها قبل وصولهم، وبالتحديد وهم في عسفان، وأنه حرمها يوم التروية (2)
وفي أخرى: أن ذلك كان حين دخول مكة (3)
وأما رواية: مكث ما شاء الله (4)
ورواية: مكث أياما (5) فلا تتنافى مع ما سبق.
وفي بعضها: فلما كان عند الظهر رحت إلى

(1) صحيح مسلم ج 4 ص 132، والمرأة في القرآن والسنة ص 180، والتفسير الحديث ج 9 ص 53 عن مسند أحمد.
(1) تحريم نكاح المتعة ص 58 و 59، وفي هامشه عن مسند أحمد حسب ترتيب الساعاتي ج 16 ص 192 و 193.
(1) البداية والنهاية ج 3 ص 193 و 318 ومصادر كثيرة تقدمت.
(1) مسند الحميدي ج 2 ص 374.
(1) المصدران السابقان.
483

المسجد إلخ.. (1)
وأخرى تقول: إن التحريم كان في الغد (2)
وفي بعضها: أنه مكث عند صاحبته ثلاثا، ثم لقي النبي (ص)، فإذا هو يحرمها أشد التحريم (3)
وأخرى: أنه (ص) قام بين الركن والمقام.
وأخرى: بين الركن والباب وحرمها هناك (4)
وأخرى: فوجدته قائما بين الباب وزمزم (5)

(1) تحريم نكاح المتعة ص 60.
(1) الإعتصام بحبل الله المتين ج 3 ص 203 ومصادر كثيرة أخرى تقدمت.
(1) صحيح مسلم ج 4 ص 133 و 131، وسنن النسائي ج 6 ص 127، وسنن سعيد بن منصور ج 1 ص 217، ومسند أحمد ج 3 ص 405، والتمهيد ج 9 ص 108 و 109، ومعرفة علوم الحديث ص 176 وغير ذلك مما تقدم.
(1) صحيح مسلم ج 4 ص 132، والمرأة في القرآن والسنة ص 180، والتفسير الحديث ج 9 ص 53 ومصادر كثيرة أخرى تقدمت.
(1) مسند الحميدي ج 2 ص 374.
484

وبعضها: أنه (صلى الله عليه وآله) قام حذاء الكعبة (1) وهذه لا تنافي ما تقدم.
وواحدة تقول: إن الذي تمتع بالمرأة قد أعطاها بردين أحمرين (2)
وأخرى تقول: بل أعطاها بردا واحدا (3)
وواحدة تدعي: أن رفيق سبرة كان ابن عم له، أو من قومه، كما في صحيح مسلم (4) وسبرة من جهينة، وجهينة من قضاعة..
وأخرى تدعي: أن صاحبه كان من بني سليم، وهم إما بطن من عدنان، أو من قحطان.. (5)

(1) تحريم نكاح المتعة ص 61.
(1) صحيح مسلم ج 4 ص 133 و 134.
(1) صحيح مسلم ج 4 ص 131 و 132 و 133.
(1) صحيح مسلم ج 4 ص 132.
(1) راجع جمهرة العرب لابن حزم ص 261 و 379 و 408 و 444.
485

وفي بعضها: أن الذي كان معه هو أخوه (1)
ورواية أخرى: أن المستمتع هو سبرة نفسه، وكان وسيما، وبرده خلق، أما ابن عمه فكان قريبا من الدمامة وبرده جديد.
ورواية أخرى تقول: إن سبرة كان هو الدميم، والبرد الجديد له، وابن عمه كان جميلا، وبرده خلق، وان ابن عمه هو الذي استمتع بها وليس سبرة.. (2)
وفي بعضها: أنهما دخلا على المرأة في بيتها، وعرضا عليها الأمر.
وأخرى تقول: أنهما التقيا بها في أسفل مكة

(1) تحريم نكاح المتعة ص 59.
(1) راجع مسند أحمد ج 3 ص 405، ومجمع الزوائد ج 4 ص 264 وقال رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.
486

أو أعلاها (1)
هذا، ولا ندري ما معنى هذا الترديد في الرواية الواحدة حيث يقول المتحدث عن نفسه وعن رفيقه: أنهما التقيا بالفتاة في أسفل مكة أو أعلاها.. (2) ومن عرف له معنى، فلينجدنا، ولسوف نكون له من الشاكرين..
واحتمال أن يكون الترديد من الراوي عن سبرة، لا من سبرة نفسه، يدفعه سياق الكلام، حيث يتحدث المتكلم عن نفسه، وأنه لو صح ذلك للزم التنبيه عليه كما جرت عادتهم..
2 - -.. والأغرب من ذلك أن نجد رواية لسبرة، تحاول أن تنسب التمتع بالمرأة إلى رجل آخر حيث يقول:

(1) قد يقال: ان هذا لا يتنافى مع كونهما قد التقيا بها في بيتها الذي كان في أسفل مكة، أو في أعلاها..
(1) صحيح مسلم ج 4 ص 132.
487

" إن النبي (ص) رخص في المتعة، فتزوج رجل امرأة، فلما كان بعد ذلك، إذا هو يحرمها أشد التحريم ويقول فيها أشد القول " (1)
فهو إذن لا يدعي ممارسة هذا الفعل، بل يظهر من هذا النص أنه يبعد ذلك عن نفسه..
إلا أن يقال: إنه إنما يريد التعمية على السامع؛ فهو يتحدث عن رجل وامرأة، ويريد نفسه.
وأخيرا.. فلا يسعنا هنا إلا أن نذكر القارئ الكريم بالمثل الذي يقول: " لا حافظة لكذوب.. ".
حديث سبرة خبر واحد:
إننا نلاحظ: أنه لم يرو هذه الرواية عن سبرة إلا ولده الربيع، ثم حفيده عبد الملك، إلا ما رواه أبو حنيفة، عن الزهري عن محمد بن عبد الله، عن

(1) شرح معاني الآثار ج 3 ص 26.
488

سبرة (1) وهو أمر ملفت للنظر. وتشاركها في هذه الخصوصية روايات أخرى مما روي عن بعض الصحابة في إثبات النسخ، ولا يثبت النسخ بخبر الواحد لحكم ثابت بنص الكتاب، وبالسنة المتواترة، وبإجماع الأمة، خصوصا إذا كان مما تعم به البلوى، فكيف إذا تواردت على هذا الخبر العلل والأسقام، وابتلى بالمعارضات في أكثر من اتجاه؟!.
ضعف سند رواية سبرة:
وقد لا يهتم البعض للقدح في سند الرواية من خلال جهالة " سبرة " بن معبد لكونه يرى أن مجرد كونه صحابيا يكفي في ثبوت وثاقته، وإن كنا قد

(1) تحريم نكاح المتعة للمحمدي ص 166 / 167.
489

أثبتنا نحن عدم كفاية ذلك (1) لكن ولده الربيع بن سبرة ليس من الصحابة، ولم نجد ما يدل على وثاقته، أما حفيده عبد الملك، فالقدح فيه موجود، هذا مع غض النظر عن القدح في بقية رجال السند أيضا (2) كما أن مسلما لم ينقل عن الربيع سوى هذه الرواية (3)
قال ابن القيم: ".. الناس في هذا طائفتان: طائفة تقول: إن عمر هو الذي حرمها، ونهى عنها، وقد أمر رسول الله (ص) باتباع ما سنه الخلفاء الراشدون (4) ولم تر هذه الطائفة تصحيح حديث سبرة

(1) راجع: مقالنا عن الصحابة في كتابنا: دراسات وبحوث في التاريخ والإسلام ج 2.
(1) راجع: تهذيب التهذيب، وغيره من كتب الرجال.
(1) رجال صحيح مسلم ج 1 ص 203.
(1) قد علق العلامة الأميني في الغدير ج 3 ص 326 و 333 على هذا الموضع بعد أن ذكر ما يوجب الشك في صحة هذا الحديث، ما حاصله: أنه لو صح فلا بد أن يكون المقصود هو خلفاؤه الأئمة الإثنا عشر الذين تواتر الحديث عنه (ص) حولهم، ونص مرات ومرات على أسمائهم وهم الذين: أولهم علي (ع) وآخرهم المهدي (عج) إذ لو كان المراد بالحديث مطلق من صار خليفة لم يستقم الحديث لا سيما بملاحظة: أن بعضهم كان يستعين بغيره في معرفة الأحكام الشرعية، بل لقد أجمعت الأمة على مخالفة ما سنه بعضهم في العديد من الأمور.
490

بن معبد في تحريم المتعة عام الفتح، فإنه من رواية عبد الملك، بن الربيع، بن سبرة، عن أبيه، عن جده. وقد تكلم فيه ابن معين، ولم ير البخاري إخراج حديثه في صحيحه مع شدة الحاجة إليه (!!!) وكونه أصلا من أصول الإسلام (!!).
ولو صح عنده لم يصبر عن إخراجه، والاحتجاج به " (1)
لماذا لم يروه غير سبرة؟!!.
ويلفت نظرنا هنا: أن النبي (ص) قد ذكر في خطبته في غزوة الفتح بعض الاحكام المرتبطة بالنكاح، فكان مما قاله:
" ألا.. الولد للفراش، وللعاهر الحجر، ولا يحل

(1) زاد المعاد ج 2 ص 184 والمنتقى ج 2 ص 519.
491

لامرأة أن تعطي من مالها إلا بإذن زوجها، والمسلم أخو المسلم.. لا تنكح المرأة على عمتها وعلى خالتها ".
فلماذا لم يذكر هذا الحكم في خطبته، أو على الأقل لم ينقل أحد ذلك إلينا سوى سبرة.
مع العلم بأنه مما تعم به البلوى، وتتوفر الدواعي على نقله.. وقد كان ذلك الجيش الذي يعد ألوفا كثيرة بحاجة إلى هذا الزواج، مما دعا رسول الله (ص) إلى تذكيرهم به، وإلفات نظرهم إلى إباحته.. فكيف إذا كانت رواية سبرة نفسها تقول لنا: إن النبي (ص) قد أعلن التحريم على المنبر، أو بين الركن والمقام، أو بين الباب والحجر، أو بين
492

الباب وزمزم (1)
فهل من المعقول بعد هذا كله أن يختص سبرة بنقل ما جرى في ذلك الموقف الجماهيري الحاشد دون سائر المسلمين، الذين رافقوا النبي (صلى الله عليه وآله) في فتح مكة؟! وحضروا ذلك الموقف، وهم ألوف كثيرة، ودون غيرهم ممن كان حاضرا في مكة نفسها، من أهلها، مع أنهم في هذه السفرة بالذات كانوا يراقبون كل حركات النبي (صلى الله عليه وآله)، ويرصدون مواقفه بدقة واهتمام بالغين؟!. ويلتقطون كل شاردة وواردة، ويسجلون لنا حتى إشارات وحركات يديه، ولحظات عينيه.
ولماذا لم يرو لنا ذلك ابن مسعود، وابن عباس، وجابر، وأمير المؤمنين (عليه السلام)،

(1) راجع: التمهيد ج 9 ص 107 وراجع نصوص حديث سبرة في فصل النسخ بالأخبار وفيما سبق في هذا الفصل أيضا.
493

وغيرهم من كبار الصحابة؟! ولماذا لم يروه أبو بكر، وعمر، وغيرهما (سوى سبرة)؟! هذا مع كثرة ابتلائهم بهذا الأمر، وتوفر الدواعي للسؤال عنه..
وهذا الكلام بعينه نقوله بالنسبة للنسخ في غزوة تبوك وحنين، وأوطاس وغيرها.. مما كان التحريم فيه أمام الجيش الإسلامي الفاتح بهدف ردعهم عن ممارسة هذا الزواج الذي ألجأتهم الضرورة إليه - - كما يدعون - - ولا سيما في حجة الوداع، التي يقولون: إن التحريم للمتعة قد ورد في ضمن خطبة النبي (ص) فيها (1) وقد حضرها عشرات الألوف من مختلف بلاد الإسلام؟!.
ومن الطريف أن نذكر هنا: أن الفكيكي يقول: إنه تتبع كتب السيرة، والتاريخ، فلم يجد في خطب النبي (صلى الله عليه وآله)، وكلماته، سواء

(1) مسند أحمد ج 3 ص 404 و 406.
494

في خيبر، أو الفتح، أو تبوك إلخ.. ما يدل على تحريم المتعة فيها، مع أنه (صلى الله عليه وآله) قد تعرض لأحكام أخرى، مما هو من نظائرها (1)
موقف ابن مسعود يرد حديث سبرة:
وقال ابن القيم أيضا: " قالوا: لو صح حديث سبرة، لم يخف على ابن مسعود، حتى يروي أنهم فعلوها، ويحتج بالآية.. " (2)
وكذلك حديث عمران بن حصين، وسواه مما سيأتي في فصل النصوص والآثار ويتناقض أيضا مع حديث الحسن البصري:
أن المتعة إنما أحلت في عمرة القضاء، ولم تحل قبلها ولا بعدها حسبما تقدم.

(1) راجع: المتعة للفكيكي ص 66 حتى ص 78.
(1) زاد المعاد ج 2 ص 184.
495

قول عمر يدفع حديث سبرة:
وقال ابن القيم أيضا: ".. وأيضا.. ولو صح، لم يقل عمر: إنها كانت على عهد رسول الله (ص)، وأنا أنهى عنها، وأعاقب عليها، بل كان يقول: إنه (ص) حرمها، ونهى عنها " (1)
فعلها على عهد أبي بكر ينافي حديث سبرة:
وقال: " قالوا: ولو صح لم تفعل على عهد الصديق، وهو عهد خلافة النبوة حقا " (2)
قول جابر ينقض حديث سبرة:
قال الشوكاني: يعكر على ما في حديث سبرة من التحريم المؤبد ما أخرجه مسلم وغيره عن

(1) زاد المعاد ج 2 ص 184.
(1) زاد المعاد ج 2 ص 184.
496

جابر، قال:
كنا نستمتع بالقبضة من الدقيق والتمر الأيام على عهد رسول الله (ص) وأبي بكر، وصدرا من خلافة عمر، حتى نهانا عنها عمر في شأن حديث عمرو بن حريث.
فإنه يبعد كل البعد أن يجهل جمع من الصحابة النهي المؤبد الصادر عنه (صلى الله عليه وآله) في جمع كثير من الناس، ثم يستمرون على ذلك في حياته (صلى الله عليه وآله) وبعد موته حتى ينهاهم عنها عمر.
وقد أجيب عن حديث جابر هذا بأنهم فعلوا ذلك في زمن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثم لم يبلغه النسخ حتى نهى عنها عمر. واعتقد أن الناس باقون على ذلك لعدم الناقل. وكذلك يحمل فعل غيره من الصحابة ولذا ساغ لعمر أن ينهى، ولهم
497

الموافقة.
وهذا الجواب وإن كان لا يخلو عن تعسف.
ولكنه أوجب المصير إليه حديث سبرة الصحيح المصرح بالتحريم المؤبد (1)
ونقول:
أولا:
إننا لا ندري كيف يمكن الأخذ بحديث سبرة هذا بعد أن توالت عليه العلل والأسقام التي ذكرنا شطرا كبيرا منها فيما سبق.
ثانيا:
الجواب التعسفي لا يصلح لأن يصار إليه في أي حالة من الحالات إذا أردنا أن نكون منصفين من

(1) نيل الأوطار ج 6 ص 274.
498

الناحية العلمية.
فكيف إذا كان الداعي لذلك هو حديث متناقض ومتهافت، وغير صالح، كما هو الحال في حديث سبرة.
وأما سائر ما استند إليه الشوكاني لتأكيد التحريم، فيعلم حاله مما ذكرناه فيما سبق، ومما سنذكره في ثنايا هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.
499

الفصل الرابع
ما تبقى من روايات النسخ
501

النسخ عام أوطاس:
وأما بالنسبة لرواية النسخ عام أوطاس، فنقول: إن
503

ذلك لا يصح، وذلك للأمور التالية:
أولا: هو خبر واحد، لا يصلح لنسخ حكم ثابت بالقرآن والسنة المتواترة.
ثانيا: هو معارض بروايات النسخ في خيبر والفتح، وغير ذلك مما دل على التحريم المؤبد، وقد أشار الزرقاني إلى ذلك أيضا (1)
ثالثا: هو معارض بأكثر من مئة رواية، عشرات منها صحاح تدل على بقاء هذا التشريع وعدم نسخه أصلا.
رابعا: إذا كان التحريم عام أوطاس أمام جيش يعد بالألوف الكثيرة، لأن جيش حنين كان يقارب الاثني عشر ألفا - - كما يقولون - - فلماذا لم ينقل ذلك سوى ابن الأكوع وجابر، مع كون المسألة موضع ابتلاء، ومما تتوفر الدواعي على نقلها.

(1) شرح الموطأ للزرقاني ج 3 ص 153.
504

خامسا: إن من القريب جدا تعرض هذه الرواية للتحريف، فقد روي هذا الخبر عن سلمة بن الأكوع وجابر في مصادر كثيرة. ولم يذكر فيها عبارة " ثم نهى عنها ". بل ذكر الإذن بالمتعة فقط، فلتراجع الرواية في مصادرها (1)
وذلك يجعلنا نحتمل أن تكون عبارة " ثم نهى عنها " من زيادات الرواة تبرعا منهم ببيان ما جرى حسب اعتقادهم.
رخص تدل على قصر المدة:
وادعى البعض: " أن كلمة (رخص) بنفسها تدل

(1) راجع فصل: النسخ بالأخبار، تحت عنوان: من روايات التشريع في صدر الإسلام، الحديث الأول والثاني.
505

على أن الحكم مدته لا تطول " (1).
ونقول:
إنه قد جاء التعبير بكلمة (رخص) في موارد كثيرة جدا من موارد الإباحة، فهل يصح القول بأن جميع تلك الموارد قد عادت إلى التحريم بعد مدة يسيرة؟!
فراجع: المعجم المفهرس لألفاظ السنة النبوية مادة " رخص " تجد صحة هذا القول.
النسخ عام أوطاس، أو عام الفتح:
هذا.. وقد ادعى البعض: أن روايات التحريم عام أوطاس، لا تنافي روايات التحريم عام الفتح

(1) نكاح المتعة للأهدل ص 350.
506

لاتصالهما (1) لأن غزوة أوطاس كانت بعد غزوة الفتح بيسير، وهما في عام واحد، لا سيما بملاحظة: أن رواية أوطاس كرواية سبرة بن معبد، تصرح بأن الإذن كان لثلاثة أيام فقط.
وحيث إنه لم يثبت الإذن بالمتعة بعد غزوة أوطاس، فيثبت التحريم إلى الأبد.

(1) راجع: الجامع لأحكام القرآن ج 5 ص 130 وج 12 ص 106 وأوجز المسالك ج 9 ص 406 و 407 وبجيرمي على الخطيب ج 3 ص 226 ومرقاة المفاتيح ج 3 ص 422 وراجع: التمهيد ج 9 ص 99 وفتح الملك المعبود ج 3 ص 226 والبناية ج 4 ص 101 وفتح الباري ج 9 ص 147 و 146 عن النووي وعون المعبود ج 6 ص 82 وشرح النووي على صحيح مسلم ج 9 ص 180 و 181 و 182 والإحسان في تقريب صحيح ابن حبان ج 9 ص 458 وسبل السلام شرح بلوغ المرام ج 3 ص 266 وشرح الموطأ للزرقاني ج 4 ص 193 وتحفة المحتاج ج 7 ص 224 وزاد المعاد ج 2 ص 142 والبداية والنهاية ج 4 ص 46 وص 193 وراجع: الفواكه الدواني ج 5 ص 33 والهداية في شرح البداية ج 6 ص 510 ونيل الأوطار ج 6 ص 272. وقال ابن خويز منداد وغيره: وإليه أشار ابن العربي. وراجع: المنتقى ج 2 هامش 519.
507

فإن زعم زاعم: أن رواية النهي في أوطاس، يمكن قراءة كلمة " نهي " بصيغة المجهول.. ويكون الناهي هو عمر بن الخطاب.
فالجواب: إن المحفوظ عندنا " نهى " وقد جاءت بفتح الهاء، بل في كتاب بعضهم " نها " بالألف.
وحتى لو كانت بالبناء للمفعول؛ فيحتمل أن يكون الناهي هو رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويحتمل عمر. ورواية سبرة قد أوضحت: أن الناهي هو رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فتكون أولى من الرواية التي أبهمت ذلك، انتهى كلام ذلك البعض ملخصا (1)
ونقول:
إن ذلك لا يمكن قبوله، وذلك للأمور التالية:

(1) راجع: السنن الكبرى ج 7 ص 204 ونصب الراية ج 3 ص 177 وفتح الباري ج 9 ص 149 وراجع ص 146 وذكر الزرقاني في شرح الموطأ ج 4 ص 46 شطرا من ذلك أيضا.
508

1 - لا اتصال بين الفتح وأوطاس:
قال العسقلاني: " فيه نظر، لأن الفتح كان في رمضان، ثم خرجوا إلى أوطاس في شوال، وفي سياق مسلم: أنهم " لم يخرجوا من مكة حتى حرمت "، وفي نص آخر: " إلى يوم القيامة " (1)
2 - الفتح هو الأشهر والأذكر:
أما بالنسبة لكون أوطاس والفتح في عام واحد، فيصح التعبير بهذا تارة، وبذاك أخرى، لأن الغرض هو الإشارة إلى عام الحدث، لا إلى مناسبته ومكانه، وهو فتح
مكة، ومكة نفسها، فإننا نقول:
إن ذلك لا يصح، لأن بعض روايات التحريم في يوم الفتح - - كرواية مسلم وغيره - - قد صرحت

(1) فتح الباري ج 9 ص 146.
509

بأنهم لم يخرجوا من مكة حتى حرمت، وأنه (صلى الله عليه وآله) قال: إنها حرام من يومكم هذا إلى يوم القيامة (1)
وليس لأوطاس أهمية فتح مكة، فالعدول عن التعبير بفتح مكة، رغم أن الحدث قد كان في مكة. وفي نفس عام الفتح، ليس له ما يبرره.
ولم نرهم قد عدلوا إلى هذا التعبير في مناسبات أخرى، مما وقع فيه الحدث في مكة، وفي مناسبة الفتح بالذات!!.
3 - - اتحاد رواية سلمة وسبرة لا يصح:
قولهم: إن رواية سلمة بن الأكوع بالإذن، والتحريم في أوطاس، تشبه رواية سبرة، من

(1) فتح الباري ج 9 ص 146، ونصب الراية ج 3 ص 177 و 178.
510

حيث إنها ذكرت: أن الإذن بالمتعة كان ثلاثة أيام، فتكونان رواية واحدة..
لا يصح.. لأن هذا لا يكفي لاستكشاف الوحدة المزعومة، بل تكونان متعارضتين من حيث الزمان والمكان، فإن الفتح كان في العشرين من شهر رمضان، وغزوة أوطاس كانت في شوال بعد الفتح بشهر، فكيف أحلها النبي (صلى الله عليه وآله) في العشرين من شهر رمضان، ثم حرمها إلى يوم القيامة، ثم أحلها في العشرين من شهر شوال، ثم حرمها، إذا كان لم يحرمها إلا مرة واحدة؟! لا سيما وأن بعض روايات سبرة قد ذكرت أيضا: أن التحليل كان يوما واحدا فقط، حسبما رواه البيهقي (1)

(1) شرح الموطأ ج 4 ص 46 ونيل الأوطار ج 6 ص 273 وشرح صحيح مسلم للنووي ج 9 ص 184 وفتح الملك المعبود ج 3 ص 226.
511

4 - الإذن بالمتعة ثابت بعد أوطاس:
أما بالنسبة إلى قول الزرقاني وغيره: يبعد أن يقع الإذن في أوطاس بعد التصريح قبلها في الفتح بأنها حرمت إلى يوم القيامة.
وقول البيهقي وغيره: لم يثبت الإذن فيها بعد غزوة أوطاس.
نقول:
أولا: إن البيهقي نفسه قد روى قبل أسطر من كلامه المتقدم عن سبرة: أنها حرمت في حجة الوداع بعد أن أحلت ثلاثة أيام، وهي إنما كانت في آواخر حياة النبي (صلى الله عليه وآله).
ثانيا: سيأتي في فصل النصوص والآثار الكثير من الروايات الصحيحة المصرحة بأنها كانت حلالا
512

على عهد النبي (ص) وعهد أبي بكر، وشطرا من خلافة عمر، وقد تقدم أن ابن القيم قال: " قالوا: لو صح لم تفعل على عهد الصديق، وهو عهد خلافة النبوة حقا " (1)
5 - لا ترجيح لرواية سبرة:
قولهم: إن روايات سبرة الموضحة لزمن النهي أولى بالاعتبار.
أيضا، في غير محله، لأن رواية سبرة فيها الكثير من العلل، والعاهات، حسبما أشرنا إليه فيما تقدم.
كما أنها غير قادرة على مقاومة عشرات الروايات الصحيحة التي تعارضها، فضلا عن غيرها مما دل على أن حلية هذا الزواج قد استمرت إلى زمن عمر، بل إلى ما بعده أيضا، كما سنرى.

(1) زاد المعاد ج 3 ص 184.
513

النسخ في عمرة القضاء:
إن كثيرا من المؤاخذات التي ذكرناها فيما تقدم ترد على رواية نسخ زواج المتعة في عمرة القضاء، وتضعفها، ولأجل ذلك فنحن نقتصر هنا على ما يلي:
أولا: قد اعتبر السهيلي القول بنسخ المتعة في عمرة القضاء من الأمور الغريبة (1)
وقال غيره أيضا: " من قال عمرة القضاء فواهم بلا شك " (2)
ثانيا: إن هذا القول ما هو إلا رواية مرسلة عن الحسن البصري، " ومراسيله ضعيفة، لأنه كان يأخذ

(1) راجع: نصب الراية ج 3 ص 179 والروض الأنف ج 4 ص 59 وفتح الباري ج 9 ص 145.
(1) الهداية في شرح البداية ج 6 ص 510.
514

عن كل أحد " (1)
ثالثا: إنها معارضة بروايات النسخ يوم خيبر والفتح، وتبوك، وإلخ..
وقد قال النووي: ترده الأحاديث الثابتة في تحريمها يوم خيبر (2)
ورد الشوكاني على ذلك بقوله: ".. وعلى تقدير ثبوته، فلعله أراد أيام خيبر، لأنهما كانا في سنة واحدة " (3)
ونقول في الجواب:
أ - - إن هذا محض تخرص من الشوكاني، ليس له شاهد ولا دليل، وإنما يؤخذ بدلالات الكلام، لا

(1) شرح الزرقاني على موطأ مالك ج 3 ص 153 ونيل الأوطار ج 6 ص 273. وعن فتح الباري ج 9 ص 75. وراجع: تهذيب التهذيب ج 2 ص 266.
(1) نيل الأوطار ج 6 ص 263.
(1) راجع: شرح النووي على صحيح مسلم ج 9 ص 181.
515

بالإقتراحات، والافتراضات، والحدسيات..
ب - - إن غزوة خيبر هي الحدث الأهم في تلك السنة، فلماذا يترك التعبير بكلمة خيبر عن أمر قد وقع فيها إلى تعابير أخرى، ليس لها مدخلية في هذا الأمر، ولا علاقة لها به..
ج - - لماذا جاءت تعابيرهم عن المتعة على هذا النحو.. ولم ير ذلك في أي من الأحداث الأخرى التي وقعت في خيبر.
رابعا: قال العسقلاني: " أما عمرة القضاء، فلا يصح الأثر فيها " (1)
النسخ في حجة الوداع:
وقد روي: أن النسخ كان في حجة الوداع، عن

(1) فتح الباري ج 9 ص 146.
516

علي أمير المؤمنين (عليه السلام) وعن سبرة بن معبد (1)
لكن ذلك لا يصح، ولا تثبت به حجة، وذلك لأمور عديدة عرفنا فيما سبق شطرا منها، ونذكر منها هنا ما يلي:
1 - - قال القرطبي: " أما حديث سبرة الذي فيه إباحة النبي (ص) لها في حجة الوداع فخارج عن معانيها كلها، وقد اعتبرنا هذا الحرف فلم نجده إلا في رواية عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز خاصة، وقد رواه إسماعيل بن عياش عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز، وذكر أن ذلك كان في فتح مكة، وأنهم شكوا إليه العزبة فرخص لهم فيها " (2)

(1) راجع: فصل النسخ بالأخبار تحت عنوان: روايات نسخ المتعة، الحديث رقم 1 ورقم 4.
(1) الجامع لأحكام القرآن ج 5 ص 131 و 132.
517

2 - - وقالوا أيضا: إن من الخطأ، بل من المحال أن يشكو الناس إليه العزبة في حجة الوداع لأنهم كانوا قد حجوا بالنساء، وكان تزويج النساء بمكة يمكنهم. ولم يكونوا حينئذ كما كانوا في الغزوات المتقدمة.. (1)
3 - - هو خبر واحد لا يصح نسخ الكتاب والسنة القطعية المتواترة به.
4 - - إن ما رووه عن علي (عليه السلام) هنا يتعارض ويتنافى مع ما رووه عنه من النسخ في خيبر. ويتنافى ويتناقض مع ما رووه عنه من إصراره على بقاء هذا التشريع إلى يوم القيامة، حتى لقد قال:

(1) شرح النووي على صحيح مسلم ج 9 ص 180، وأوجز المسالك ج 9 ص 407 والجامع لأحكام القرآن ج 5 ص 131 وفتح الباري ج 9 ص 148 وراجع: شرح الموطأ للزرقاني ج 4 ص 46.
518

" لولا أن عمر نهى عن المتعة ما زنى إلا شقي.. "
وهو قول مشهور عنه (صلوات الله وسلامه عليه).
وما رووه عن سبرة يتعارض مع روايته نسخ هذا التشريع في يوم الفتح.. حيث صرح فيه بالتحريم المؤبد.
5 - - وقالوا: " تفرد عبد العزيز بذكر حجة الوداع يتعين توهيمه، وتوهيم المتفرد المخالف وإن كان ثقة، فكيف وقد تقرر أنه صدوق يخطئ.. ورواية عبد العزيز نقدها الحفاظ ووهموه فيها الخ.. " (1)
6 - - وقال ابن قيم الجوزية عن التحريم في حجة الوداع: " وهو وهم من بعض الرواة سافر فيه

(1) تحريم المتعة للمحمدي ص 167 عن الأهدل ص 155.
519

وهمه من فتح مكة إلى حجة الوداع، وسفر الوهم من زمان إلى زمان، ومن مكان إلى مكان، ومن واقعة إلى واقعة كثيرا ما يعرض للحفاظ إلخ.. " (1)
7 - - وقال المحمدي عن رواية أبي داود، من طريق إسماعيل بن أمية، عن الزهري، عن الربيع، أن النهي كان في حجة الوداع، قال:
".. قد تفرد بها إسماعيل، وهي شاذة " (2)
تمحلات وتوجيهات لا تصح:
وقد حاول القرطبي، توجيه روايات النسخ في حجة الوداع بقوله:
" ويحتمل: أنه لما كانت عادة النبي (ص)

(1) زاد المعاد ج 1 ص 183 وراجع: المنتقى ج 2 ص 217 والهداية في تخريج أحاديث البداية ج 6 ص 510 و 509 والاعتصام بحبل الله المتين ج 3 ص 304.
(1) تحريم المتعة ص 167.
520

تكرير مثل هذا في مغازيه، وفي المواضع الجامعة ذكر تحريمها في حجة الوداع، لاجتماع الناس حتى يسمعه من لم يكن سمعه، فأكد ذلك حتى لا تبقى شبهة لأحد يدعي تحليلها..
ولأن أهل مكة كانوا يستعملونها كثيرا " (1)
ونقول:
إن هذه الاحتمالات في غير محلها، وذلك لما يلي:
1 - - إنه قد ادعى: أن من عادة النبي (ص) تكرير مثل هذا في مغازيه.. ونحن نطالبه بإثبات أن هذا كان من عادته (ص).
2 - - إن مضمون هذه الرواية منسجم ومتوافق مع

(1) الجامع لأحكام القرآن ج 5 ص 131 و 132 وراجع: نيل الأوطار ج 6 ص 274. وراجع شرح النووي على صحيح مسلم ج 9 ص 180 و 181 وأوجز المسالك ج 9 ص 407 وفتح الباري ج 9 ص 148.
521

مضمون رواية سبرة في يوم الفتح الأمر الذي يدل على وجود إذن فعلي في حجة الوداع بالمتعة..
3 - - إن ما فعله لم ينفع في رفع شبهة من يدعي تحليلها من الصحابة، فإنهم كثيرون كما سيأتي إن شاء الله تعالى..
4 - - ما هو الدليل على أن أهل مكة كانوا يستعملون المتعة كثيرا آنئذ.
5 - - لو صح أن أهل مكة كانوا يستعملونها كثيرا لدل ذلك على أنها كانت حلالا في حال الحضر والسفر على حد سواء، وهم يدعون أن تحليلها كان في السفر والغزو لأجل الضرورة..
نسخ الجواز حتى في السفر في تبوك:
522

وقد تقدم أنهم يقولون: إن النهي عن زواج المتعة إنما كان في تبوك، كما عن جابر، وأبي هريرة، وعلي (1)
وقد قال العسقلاني: " الحديث في قصة تبوك على نسخ الجواز في السفر، لأنه نهى عنها في أوائل إنشاء السفر، مع أنه كان سفرا بعيدا، والمشقة فيه شديدة كما صرح به في الحديث في توبة كعب، وكان علة الإباحة وهي الحاجة الشديدة، انتهت من بعد فتح خيبر، وما بعدها " (2)
ثم زاد على ذلك قوله: إنه: " لما فتحت خيبر وسع عليهم من المال والسبي، فناسب النهي عن المتعة، لارتفاع سبب الإباحة، وكان ذلك في

(1) راجع فصل النسخ بالاخبار.. تحت عنوان روايات نسخ المتعة الحديث رقم 1 و 6 و 7.
(1) فتح الباري ج 9 ص 147.
523

تمام شكر نعمة الله على التوسعة بعد الضيق.
أو كانت الإباحة إنما تقع في المغازي التي يكون في المسافة إليها بعد ومشقة، وخيبر بخلاف ذلك، لأنها بقرب المدينة، فوقع النهي عن المتعة فيها إشارة إلى ذلك من غير تقدم إذن فيها، ثم لما عادوا إلى سفرة بعيدة المدة، وهي غزوة الفتح، وشقت عليهم العزوبة أذن لهم في المتعة لكن مقيدة بثلاثة أيام فقط، دفعا للحاجة، ثم نهاهم بعد انقضائها عنها كما سيأتي من رواية سلمة.
وهكذا يجاب عن كل سفرة ثبت فيها النهي بعد الإذن " (1)
ونقول:
إننا نسجل عليه المؤاخذات التالية:

(1) فتح الباري ج 9 ص 148.
524

1 - - لا ندري كيف انتهت علة الإباحة، وهي الحاجة الشديدة، بعد فتح خيبر، ولماذا لم تنته قبل ذلك في حرب بدر مثلا، أو بعد ذلك في فتح مكة مثلا. أو ما بين هذه وتلك.
وهل صحيح: أنه لم تعد ثمة حاجة شديدة إلى هذا الزواج؟!.
2 - - إذا كانت العلة، وهي الحاجة قد انتهت في فتح خيبر، فلماذا أذن لهم بالإستمتاع بعدها في فتح مكة، أو في أوطاس، أو حنين أو في تبوك أيضا أو.. الخ..
3 - - لا ندري من أين عرف العسقلاني وغيره: أن جواز المتعة كان مقيدا بالسفر..
4 - - ولا ندري من أين علم هؤلاء، أيضا أن علة الإباحة هي الحاجة الشديدة..
525

5 - - إذا كان الله عز وجل قد وسع على المسلمين في خيبر بالسبي والمال، فحرمت، فلماذا عاد إلى تحليلها وتحريمها يوم الفتح.
6 - - إذا كانت إنما تحرم في المغازي التي يكون في المسافة إليها بعد ومشقة، فلماذا أبيحت قبل الشروع في غزوة تبوك ثم حرمت بمجرد الشروع فيها، مع أنها كانت أبعد الغزوات وأشقها..
7 - - إننا لا نحتاج إلى التأكيد كثيرا على أن جابرا هو الذي يؤكد على التزام الصحابة بالعمل بالمتعة في عهد النبي (صلى الله عليه وآله)، وأبي بكر، وشطر من خلافة عمر.. فكيف يروي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد حرمها في تبوك..
8 - - وهكذا الحال بالنسبة لما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، فإنه لم يكن في ذلك السفر.
526

كما أنه هو الذي يقول كما سيأتي لولا نهي عمر عن المتعة ما زنى إلا شقي..
وهو الذي تزوج امرأة من بني نهشل في الكوفة متعة.
9 - - إن رواية أبي هريرة حتى لو كانت معها أيضا رواية جابر، وأمير المؤمنين (عليه السلام)، تبقى - - حسب قواعد هؤلاء القوم - - خبر واحد لا يصح النسخ به لحكم ثبت بالكتاب والسنة المتواترة وإجماع الأمة.
10 - - أضف إلى ذلك أنها تتعارض مع روايات النسخ في سائر المواضع كخيبر، وحجة الوداع وحنين، وغيرها مما دل على تأبيد التحريم.
11 - - استغرب السهيلي هذا القول، حيث قال: " قد اختلف في تحريم نكاح المتعة، أغرب ما روي
527

في ذلك رواية من قال: إن ذلك كان في غزوة تبوك، ثم رواية الحسن: إن ذلك كان في عمرة القضاء " (1)
كما أن الزرقاني قد ضعفه، فقال: " ثم تبوك.. وهو ضعيف، لأنه من رواية المؤمل بن إسماعيل عن عكرمة بن عمار، وفي كل منهما مقال " (2)
12 - - قال النووي: " وذكر غير مسلم عن علي: أن النبي (ص) نهى عنها في تبوك، من رواية إسحاق بن راشد، عن الزهري، عن عبد الله بن محمد بن علي، عن أبيه، عن علي. ولم يتابعه أحد على هذا. وهو غلط منه " (3)

(1) الروض الأنف ج 2 ص 59 ونصب الراية ج 3 ص 179 وفتح الباري ج 9 ص 145.
(1) شرح الزرقاني على موطأ مالك ج 4 ص 46. وعن فتح الباري ج 9 ص 74.
(1) تحريم المتعة للمحمدي ص 169 عن شرح صحيح مسلم للنووي ج 9 ص 180.
528

ضعف حديث جابر في المتعة في تبوك:
وبالنسبة لحديث جابر الذي يدعي أن تحريم المتعة قد كان في غزوة تبوك نقول:
1 - - إنه لا شك في ضعف سنده كما اعترفوا به (1).
2 - - وقالوا أيضا: إنه معارض بما صح عن جابر: " كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله، وأبي بكر، حتى نهى عمر في شأن عمرو بن حريث " (2).
فهذا الحديث يدل على أن جابرا يرى أن النسخ لم يحصل حتى في عهد أبي بكر.

(1) راجع: تحريم نكاح المتعة للأهدل ص 181 و 182 وفي هامشه عن ابن حجر في تلخيص الحبير 2 / 1 / 155 وعن فتح الباري ج 9 ص 170 وراجع مجمع الزوائد ج 4 ص 264.
(1) قد ذكرنا هذا الحديث في فصل: النصوص والآثار في مصادر أهل السنة.
529

وحديثه في غزوة تبوك يدل على أن النسخ قد حصل في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولذلك قال - - كما رواه الحازمي - - ولا نعود لها أبدا (1)
تذكير لا بد منه:
وبعد أن اتضح: أن النسخ في تبوك لا يصح، يصبح واضحا أيضا عدم صحة ما زعموه من أن تسمية ثنية الوداع بهذا الاسم إنما هو لأنهم ودعوا فيها النساء المستمتع بهن في غزوة تبوك، بسبب نسخ تشريع المتعة (2) نعم إن ذلك لا يصح، لأن النسخ في تبوك لم يقع بل هو لم يقع على الإطلاق.
تذكير آخر:

(1) الاعتبار ص 140.
530

لقد وضع بعضهم جدولا لأحاديث النسخ ورواتها.. واعتبر أن:
1 - - حديث النسخ يوم خيبر في محرم سنة سبع عن علي (عليه السلام) صحيح.
2 - - وكذا حديث سبرة عن النسخ يوم الفتح في رمضان سنة 8.
3 - - ومثلهما حديث سلمة بن الأكوع عن النسخ يوم أوطاس في محرم السنة الثامنة..
ونقول:
وقد عرفت أنها كلها لا تصح.
ثم اعتبر أن الأحاديث الضعيفة هي:
1 - - ما روي عن الحسن البصري من أن النسخ في سنة سبع من الهجرة في ذي القعدة.
531

2 - - حديث علي (عليه السلام) عن النسخ يوم حنين سنة 8.
3 - - حديث علي (عليه السلام) عن النسخ في تبوك في شهر رجب سنة 9.
4 - - حديث أبي هريرة عن النسخ أيضا بدون تحديد.
5 - - وكذا حديث جابر بن عبد الله عن النسخ في ثنية الركاب.
6 - - حديث جابر عن النسخ في تبوك عند العقبة مما يلي الشام.
7 - - حديث سبرة بن معبد عن النسخ في حجة الوداع (1)
إذن فهذه هي أحاديثهم وهذه حالها، فكيف يمكن

(1) راجع: تحريم المتعة للمحمدي.
532

إثبات النسخ بها؟.
من أسباب ظهور روايات التحريم:
ولنفترض أن الروايات تقول: إن الرسول (صلى الله عليه وآله) كان يبيح للصحابة هذا الزواج تارة ويحرمه عليهم أخرى، والتي تعاني من الكثير من العاهات والبلايا لنفترض أنها صحيحة، حتى لو كان الفرض موهونا إلى درجة كبيرة.
فإن افتراضا كهذا يجعلنا أمام سؤال وجيه عن المغزى الذي كان يرمي إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) من ذلك، خصوصا إذا بات واضحا: أن لا مجال لما يفترضه أهل السنة عموما من أن ما صدر عن النبي (صلى الله عليه وآله) من نهي عن هذا الزواج إنما هو نهي تحريم ونسخ.
والجواب عن ذلك، باختصار: هو أن ما
533

يفترضه أهل السنة غير ظاهر، إذ من الممكن جدا أن يكون (صلى الله عليه وآله) إنما كان ينهاهم عن ممارسة هذا الزواج أو يأمرهم بفراق من تزوجوا بهن، بسبب ان الجيش قد أصبح على جناح سفر، ولا بد من حفظ أولئك النسوة، وتسهيل أمرهن: فلا يبقين معلقات بأشخاص قد لا يلتقين بهم أبدا في المستقبل.
إذن فمن الممكن تصور تكرار النهي عن إقامة عقود زواج في ظروف تضيع معها الحقوق، وتنشأ عنها مشكلات حادة، دون أن يكون ذلك نهي تحريم ونسخ، وإنما هو تدبير من النبي (صلى الله عليه وآله) يهدف إلى وضع الأمور في نصابها، وفقا للصالح العام.
ومن أجل ذلك يمكننا أن نتصور أن ما قاله جابر بن عبد الله الأنصاري من أن المتعة لم تزل
534

حلالا حتى منعهم منها عمر بن الخطاب هو الأوفق بسير الأحداث.
بل يمكن القول: إن كلام جابر هذا وسواه، وممارسة الصحابة لهذا الزواج.. يدل على أن آخر ما صدر عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو الإباحة، وليس هو النهي، فبعد أن تكررت الإباحة والنهي ثلاث أو اربع، أو خمس أو ست أو سبع مرات، من الذي قال: إن الأخير كان هو النهي، فلعله هو الإباحة ويكون كلام جابر، واستمرار العمل عليه في عهد أبي بكر ونصف من خلافة عمر هو الشاهد القوي على هذا..
ودعوى: أن النبي (صلى الله عليه وآله) قد حرمها يوم الفتح إلى يوم القيامة.. منقوضة بما دل على التحليل في يوم أوطاس وغيره.. كما أنه مجرد دعوى قد تواترت عليها العلل والأسقام، فلا تقوم بها
535

حجة.
تحريم المتعة عند الصادق (ع):
وأخيرا نذكر أن البعض قد استدل على تحريم المتعة برواية منسوبة إلى الإمام الصادق (عليه السلام) مفادها ذلك (1)
فقد نقل البيهقي عن الإمام الصادق (عليه السلام) قوله عن المتعة: " هي الزنا بعينه " (2)
ونقول:
أولا: إن هذه الرواية المزعومة لا تصح رواية، ولا دراية، حيث إن الأخبار متواترة عنهم (عليهم السلام) بضد مضمونها.
ثانيا: حتى لو صحت تلك الرواية الضعيفة السند،

(1) راجع: مجلة الهلال المصرية عدد 13 جمادى الأولى، سنة 1397 ه‍ أول مايو سنة 1977 وفتح الباري ج 9 ص 150.
(1) هامش سنن الدارقطني ج 3 ص 260. وراجع: السنن الكبرى ج 7 ص 207.
536

فإنها ليست صالحة لنسخ حكم قطعي نزل به القرآن، وثبت بالتواتر، والإجماع.. خصوصا عند من لا يرى حجية في أقوال أئمة أهل البيت عليهم السلام.
كيف وهي خبر واحد، معارض بالمتواتر القطعي عن الإمام الصادق (عليه السلام) نفسه، فضلا عما ورد عن غيره من أئمة أهل بيت العصمة (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) من حلية هذا الزواج إلى يوم القيامة.
ثالثا: ولو أغمضنا النظر عن كل ذلك، فإنها لا تصلح للنسخ إذ يحتمل قويا أن تكون قد صدرت منه (عليه السلام) على سبيل التقية لدفع شر السلطان عنه وعن شيعته الأبرار رضوان الله تعالى عليهم، حيث يتخذ ذلك ذريعة للتنكيل بهم، وإيصال
537

الأذى إليهم، وتلفيق التهم الباطلة، والزائفة ضدهم، كما أوضحه الإمام الصادق (عليه السلام) حينما طلب من شيعته وأصحابه أن لا يمارسوا هذا الزواج في مكة، حتى لا يكون ذلك سببا في بعض المشاكل، والتهم، والإحراجات له من قبل الأعداء المتربصين حيث قال لهم: " هبوا لي المتعة في مكة والمدينة " (1)
خلاصة وبيان:
فتلخص من جميع ما تقدم: أن أيا مما ذكروه على أنه ناسخ لتشريع هذا الزواج الذي يثبت على سبيل القطع بالكتاب والسنة القطعية المتواترة، وبإجماع الأمة بأسرها، لا يصلح للناسخية أصلا، وليس التعلق بأمثال هذه الأمور إلا محاولات تبرير

(1) ستأتي الرواية عن مصادرها في فصل: روايات التشريع عند الشيعة.
538

موقف، لا أكثر ولا أقل..
وسنذكر للقارئ الكريم عشرات من رجالات الإسلام، وعلماء المسلمين، فيهم طائفة من كبار الصحابة، والتابعين، وغيرهم ممن سجل لنا التاريخ أسماءهم ومن بينهم ثلاثة من أئمة المذاهب الأربعة، بالإضافة إلى أهل مكة والمدينة، واليمن، وأهل البيت (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) وشيعتهم.. كلهم قائلون بعدم نسخ تشريع زواج المتعة، ولا نسخت آيته.
ولا يمكن أن نقبل مقولة نسخ هذا التشريع، وجهل كل هؤلاء بهذا النسخ، خصوصا بالنسبة إلى ابن عباس، ترجمان القرآن، وابن مسعود، وجابر. وبالأخص أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب (عليه السلام) أعلم الناس بعد رسول الله (صلى الله عليه
539

وآله).
إلا أن يدعى: أن هؤلاء أيضا يجهلون نسخ آية المتعة بالآيات المذكورة آنفا، مع ما ذكرناه من مناقشات لا يمكن ردها، تؤكد على عدم صلاحيتها للناسخية أصلا..
وقديما قيل:
" حدث العاقل بما لا يليق له، فإن لاق له، فلا عقل له.. ".
540