الكتاب: منهاج الفقاهة
المؤلف: السيد محمد صادق الروحاني
الجزء: ٤
الوفاة: معاصر
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة: الرابعة
سنة الطبع: ١٤١٨ - ١٣٧٦ ش
المطبعة: العلمية
الناشر:
ردمك:
ملاحظات: منهاج الفقاهة التعليق علي مكاسب الشيخ الأعظم

منهاج الفقاهة
1

التعليق على مكاسب الشيخ الأعظم
لآية الله العظمى السيد محمد صادق الروحاني
الجزء الرابع
الكتاب: منهاج الفقاهة: الجزء 4
المؤلف: آية الله العظمى السيد محمد صادق الروحاني
الطبعة: الرابعة
تاريخ النشر: الرابعة
تاريخ النشر: 1418 ه‍ ق. 1376 ه‍ ش
المطبعة: العلمية
2

البيع
3

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله على ما أولانا من التفقه في الدين والهداية إلى الحق، وأفضل
صلواته وأكمل تسليماته على رسوله صاحب الشريعة الخالدة، وعلى آله العلماء
بالله الأمناء على حلاله وحرامه، سيما بقية الله في الأرضين أرواح من سواه فداه.
وبعد.
فهذا هو الجزء الرابع من كتابنا منهاج الفقاهة وقد وفقنا إلى طبعه،
والمرجو من الله تعالى التوفيق لنشر بقية المجلدات فإنه ولي التوفيق.
4

مسألة ومن شروط المتعاقدين أن يكونا مالكين أو مأذونين من المالك أو الشارع
{1} فعقد الفضول لا يصح أي لا يترتب عليه ما يترتب على عقد غيره من اللزوم.
وهذا مراد من جعل الملك وما في حكمه شرطا، ثم فرع عليه بأن بيع الفضولي
موقوف على الإجازة، كما في القواعد، فاعترض جامع المقاصد عليه بأن التفريع في
غير محله، لعله في غير محله، وكيف كان، فالمهم التعرض لمسألة عقد الفضولي التي
هي من أهم المسائل، فنقول: اختلف الأصحاب وغيرهم في بيع الفضولي بل مطلق
عقده بعد اتفاقهم على بطلان ايقاعه {2} كما في غاية المراد على أقوال
5

والمراد بالفضولي {1} كما ذكره الشهيد هو الكامل الغير المالك للتصرف ولو كان
غاصبا. وفي كلام بعض العامة أنه العاقد بلا إذن من يحتاج إلى إذنه، وقد يوصف به
نفس العقد ولعله تسامح وكيف كان فيشمل العقد الصادر من الباكرة الرشيدة بدون
إذن الولي، ومن المالك إذ لم يملك التصرف لتعلق حق الغير بالمال، كما يؤمي إليه
استدلالهم لفساد الفضولي بما دل على المنع من نكاح الباكرة بغير إذن وليها، وحينئذ
فيشمل بيع الراهن والسفيه ونحو هما، وبيع العبد بدون إذن السيد، وكيف كان
فالظاهر
6

شموله لما إذا تحقق رضاء المالك للتصرف باطنا وطيب نفسه بالعقد من دون حصول
إذن منه صريحا أو فحوى {1} لأن العاقد لا يصير مالكا للتصرف، ومسلطا عليه
بمجرد علمه برضاء المالك. ويؤيده اشتراطهم في لزوم العقد كون العاقد مالكا أو
مأذونا أو وليا وفرعوا عليه بيع الفضولي.
ويؤيده أيضا استدلالهم على صحة الفضولي بحديث عروة البارقي مع أن
الظاهر علمه برضاء النبي صلى الله عليه وآله بما يفعله، وإن كان الذي يقوى في النفس لولا خروجه
عن ظاهر الأصحاب عدم توقفه على الإجازة اللاحقة، بل يكفي فيه رضا المالك
المقرون بالعقد،

(1) المائدة، 2.
7

سواء علم به العاقد أو انكشف بعد العقد حصوله حينه أو لم ينكشف أصلا، فيجب
على المالك فيما بينه وبين الله تعالى امضاء ما رضي به، وبترتيب الآثار عليه لعموم
وجوب الوفاء بالعقود وقوله تعالى: إلا أن تكون تجارة عن تراض {1} ولا يحل
مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفسه {2} وما دل أن علم المولى بنكاح العبد
وسكوته، اقرار منه، ورواية عروة البارقي الآتية حيث أقبض المبيع وقبض الدينار
لعلمه برضاء النبي صلى الله عليه وآله ولو كان فضوليا موقوفا على الإجازة لم يجز التصرف في
المعوض والعوض، بالقبض والاقباض وتقرير النبي صلى الله عليه وآله له على ما فعل، دليل على
جوازه، هذا مع أن كلمات الأصحاب في بعض

(1) البقرة، 275.
(2) النساء، 29.
(3) راجع الوسائل باب 3 من أبواب مكان المصلي والمستدرك ج 1 ص 212 وفروع الكافي ج 1 ص 426.
8

المقامات يظهر منه خروج هذا الفرض عن الفضولي، وعدم وقوفه على الإجازة،
مثل قولهم في الاستدلال على الصحة أن الشرائط كلها حاصلة إلا رضا المالك،
وقولهم إن الإجازة لا يكفي فيها السكوت، لأنه أعم من الرضا ونحو ذلك، ثم لو سلم
كونه فضوليا ليكن ليس كل فضولي يتوقف لزومه على الإجازة لأنه لا دليل على
توقفه مطلقا على الإجازة اللاحقة، كما هو أحد الاحتمالات فيمن باع ملك غيره ثم
ملكه، مع أنه يمكن

(1) الوسائل باب 26 من أبواب نكاح العبيد والإماء.
(2) المستدرك باب 18 من أبواب عقد البيع وشروطه.
(3) الوسائل باب 1 من أبواب عقد البيع وشروطه حديث 8.
9

الاكتفاء في الإجازة بالرضا الحاصل بعد البيع المذكور آنا ما، إذ وقوعه برضاه لا
ينفك عن ذلك مع الالتفات {1} ثم إنه لو أشكل في عقود غير المالك فلا ينبغي
الاشكال في عقد العبد نكاحا أو بيعا، مع العلم برضا السيد، ولو لم يأذن له لعدم تحقق
المعصية التي هي مناط المنع في الأخبار وعدم منافاته لعدم استقلال العبد في
التصرف.
ثم اعلم أن الفضولي قد يبيع للمالك، وقد يبيع لنفسه وعلى الأول فقد لا يسبقه
منع من المالك، وقد يسبقه المنع فهنا مسائل ثلاث:
الأولى: أن يبيع للمالك مع عدم سبق منع من المالك وهذا هو المتيقن من عقد
الفضولي والمشهور الصحة. بل في التذكرة نسبه إلى علمائنا تارة صريحا وأخرى
ظاهرا بقوله عندنا إلا أنه ذكر عقيب ذلك إن لنا فيه قولا بالبطلان.
وفي غاية المراد: حكى الصحة عن العماني والمفيد والمرتضى والشيخ في
النهاية وسلار والحلبي والقاضي وابن حمزة، وحكى عن الإسكافي واستقر عليه
رأي من تأخر عدا فخر الدين، وبعض متأخري المتأخرين كالأردبيلي والسيد
الداماد وبعض متأخري المحدثين
10

لعموم أدلة البيع والعقود {1} لأن خلوه عن إذن المالك لا يوجب سلب اسم العقد
والبيع عنه، واشتراط ترتب الأثر بالرضا وتوقفه عليه أيضا لا مجال لانكاره، فلم
يبق الكلام إلا في اشتراط سبق الإذن، وحيث لا دليل عليه، فمقتضى الاطلاقات
عدمه، ومرجع ذلك كله إلى عموم حل البيع ووجوب الوفاء بالعقد، خرج منه
العاري عن الإذن والإجازة معا، ولم يعلم خروج ما فقد الإذن ولحقه الإجازة،
11

وإلى ما ذكرنا يرجع استدلالهم بأنه عقد صدر عن أهله في محله، فما ذكره في غاية
المراد: من أنه من باب المصادرات لم أتحقق وجهه، لأن كون العاقد أهلا للعقد من
حيث أنه بالغ عاقل لا كلام فيه، وكذا كون المبيع قابلا للبيع فليس محل الكلام إلا
خلو العقد عن مقارنة إذن المالك وهو مدفوع بالأصل، ولعل مراد الشهيد أن الكلام
في أهلية العاقد،
12

ويكفي في اثباتها العموم المتقدم، وقد اشتهر الاستدلال عليه بقضية عروة البارقي
{1} حيث دفع إليه النبي صلى الله عليه وآله دينارا، وقال له: اشتر لنا به شاة للأضحية، فاشترى به
شاتين، ثم باع أحدهما في الطريق بدينار فأتى النبي صلى الله عليه وآله بالشاة والدينار، فقال له
رسول الله صلى الله عليه وآله بارك الله لك في صفقة يمينك، فإن بيعه وقع فضولا وإن وجهنا
شراءه على وجه يخرج عن الفضولي، {2}، هذا، ولكن لا يخفى أن الاستدلال بها
يتوقف على دخول المعاملة المقرونة برضا المالك في بيع الفضولي

(1) المستدرك باب 18 من أبواب عقد البيع وشروطه حديث 1.
13

توضيح ذلك أن: الظاهر علم عروة برضا النبي صلى الله عليه وآله بما يفعل. {1} وقد أقبض
المبيع وقبض الثمن ولا ريب أن الاقباض والقبض في بيع الفضولي حرام، لكونه
تصرفا في مال الغير، فلا بد أما من التزام إن عروة فعل الحرام في القبض والاقباض
وهو مناف لتقرير النبي صلى الله عليه وآله. وأما من القول بأن البيع الذي يعلم بتعقبه للإجازة يجوز
التصرف فيه قبل الإجازة، بناء على كون الإجازة كاشفة وسيجئ ضعفه، فيدور
الأمر بين ثالث وهو جعل
14

هذا الفرد من البيع، وهو المقرون برضا المالك، خارجا عن الفضولي كما قلناه،
ورابع: وهو علم عروة برضاء النبي صلى الله عليه وآله باقباض ماله للمشتري حتى يستأذن وعلم
المشتري بكون البيع فضوليا حتى يكون دفعه للثمن بيد البائع على وجه الأمانة،
وإلا فالفضولي ليس مالكا ولا وكيلا فلا يستحق قبض المال. فلو كان المشتري عالما، فله أن يستأمنه على الثمن حتى ينكشف الحال بخلاف ما لو كان جاهلا. ولكن
الظاهر هو أول الوجهين [الأخيرين وهو القول الثالث] كما لا يخفى خصوصا
بملاحظة أن الظاهر وقوع تلك المعاملة على جهة المعاطاة. {1}
وقد تقدم أن المناط فيه مجرد المراضاة، ووصول كل من العوضين إلى صاحب
الآخر وحصوله عنده باقباض المالك أو غيره ولو كان صبيا أو حيوانا، فإذا حصل
التقابض بين الفضوليين أو فضولي وغيره مقرونا برضاء المالكين، ثم وصل كل من
العوضين إلى صاحب الآخر وعلم برضاء صاحبه كفي في صحة التصرف، وليس
هذا من معاملة الفضولي لأن الفضولي صار آلة في الايصال والعبرة برضاء المالك
المقرون به،
15

واستدل له أيضا تبعا للشهيد في الدروس {1} بصحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر
الباقر عليه السلام قال: قضى أمير المؤمنين عليه السلام في وليدة باعها ابن سيدها وأبوه غائب،
فاستولدها الذي اشتراها فولدت منه، فجاء سيدها فخاصم سيدها الآخر، فقال:
وليدتي باعها ابني بغير إذني، فقال عليه السلام: الحكم أن يأخذ وليدته وابنها فناشده الذي
اشتراها، فقال له: خذ ابنه الذي باعك الوليدة حتى ينفذ البيع لك، فما رآه أبوه قال له
أرسل ابني قال: لا والله لا أرسل ابنك حتى ترسل ابني فلما رأى ذلك سيد الوليدة
أجاز بيع ابنه، الحديث
قال في الدروس وفيها دلالة على صحة الفضولي {2} وأن الإجازة كاشفة ولا
يرد عليها شئ مما يوهن الاستدلال بها، فضلا عن أن يسقطه، وجميع ما ذكر فيها

(1) الوسائل باب 88 من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث 1.
16

من الموهنات موهونة إلا ظهور الرواية في تأثير الإجازة المسبوقة بالرد {1} من
جهة ظهور المخاصمة في ذلك واطلاق حكم الإمام عليه السلام بتعين أخذ الجارية. وأنها من
المالك بناء على أنه لو لم يرد البيع وجب تقييد الأخذ بصورة اختيار الرد {2}
ومناشدة المشتري للإمام عليه السلام والحاحه إليه في علاج فكاك ولده وقوله حتى ترسل
ابني {3} الظاهر في أنه حبس الولد ولو على قيمة يوم الولادة وحمل إمساكه الوليدة
على حبسها لأجل ثمنها كحبس ولدها على القيمة ينافيه قوله عليه السلام، فلما رأى ذلك
سيد الوليدة أجاز بيع الولد.
17

والحاصل أن ظهور الرواية في رد البيع أولا مما لا ينكره المصنف {1} إلا أن الأنصاف أن ظهور الرواية في أن أصل الإجازة مجدية في الفضولي مع قطع النظر عن
الإجازة الشخصية في مورد الرواية غير قابل للانكار، فلا بد من تأويل ذلك الظاهر
لقيام القرينة وهي الاجماع على اشتراط الإجازة بعدم سبق الرد.
والحاصل أن مناط الاستدلال لو كان نفس القضية الشخصية، من جهة
اشتمالها على تصحيح بيع الفضولي بالإجازة بناء على قاعدة اشتراك جميع القضايا
المتحدة نوعا في الحكم الشرعي، كان ظهورها في كون الإجازة الشخصية في تلك
القضية مسبوقة بالرد مانعا عن الاستدلال بها موجبا للاقتصار على موردها، لوجه
علمه الإمام عليه السلام مثل كون مالك الوليدة كاذبا في دعوى عدم الإذن للولد،
فاحتال عليه السلام حيلة يصل بها الحق
18

إلى صاحبه. أما لو كان مناط الاستدلال ظهور سياق كلام الأمير عليه السلام في قوله: خذ
ابنه حتى ينفذ لك البيع، وقول الباقر عليه السلام في مقام الحكاية، فلما رأى ذلك سيد الوليدة
أجاز بيع ابنه، في أن للمالك أن يجيز العقد الواقع على ملكه وينفذه {1} لم يقدح في
ذلك ظهور الإجازة الشخصية في وقوعها بعد الرد، فيؤول ما يظهر منه الرد بإرادة
عدم الجزم بالإجازة والرد، أو كون حبس الوليدة على الثمن أو نحو ذلك، وكأنه قد
اشتبه مناط الاستدلال على من لم
19

يستدل بها في مسألة الفضولي أو يكون الوجه في الاغماض عنها ضعف الدلالة
المذكورة، فإنها لا تزيد على الاشعار، ولذا لم يذكرها في الدروس في مسألة
الفضولي، بل ذكرها في موضع آخر لكن الفقيه في، غنى منه بعد العمومات المتقدمة،
وربما يستدل أيضا بفحوى صحة عقد النكاح من الفضولي في الحر والعبد الثابتة
بالنص {1} والاجماعات المحكية، فإن تمليك بضع الغير إذا لزم بالإجازة كان تمليك
ماله أولى بذلك، مضافا إلى ما علم من شدة الاهتمام في عقد النكاح لأنه يكون منه
الولد، كما في بعض الأخبار. وقد أشار إلى هذه الفحوى في غاية المراد واستدل بها في
الرياض، بل قال: إنه لولاها أشكل الحكم من جهة

(1) الوسائل باب 24 و 25 و 26 و 27 و 70 من أبواب نكاح العبيد والإماء وباب 6 و 7 و 13 من أبواب عقد النكاح وأولياء
العقد.
20



(1) راجع الوسائل باب 13 و 8 و 6 و 7 من أبواب عقد النكاح.
(2) راجع الوسائل باب 13 و 8 و 6 و 7 من أبواب عقد النكاح.
(3) الوسائل باب 25 من أبواب نكاح العبيد والإماء.
(4) الوسائل باب 70 من أبواب نكاح العبيد والإماء.
22

الاجماعات المحكية على المنع وهو حسن إلا أنها ربما توهن بالنص الوارد {1} في
الرد على العامة الفارقين بين تزويج الوكيل المعزول مع جهله بالعزل وبين بيعه
بالصحة في الثاني لأن المال له عوض والبطلان في الأول لأن البضع ليس له عوض،
حيث قال الإمام عليه السلام في مقام ردهم واشتباههم في وجه الفرق سبحان الله ما أجور
هذا الحكم وأفسده، فإن النكاح أولى وأجدر أن يحتاط فيه، لأنه الفرج ومنه يكون
الولد، الخبر.

(1) الوسائل باب 2 من أبواب كتاب الوكالة حديث 2 وباب 157 من أبواب مقدمات النكاح.
23

وحاصله أن مقتضى الاحتياط كون النكاح الواقع أولى بالصحة من البيع من
حيث الاحتياط المتأكد في النكاح دون غيره، فدل على أن صحة البيع تستلزم صحة
النكاح بطريق أولى {1} خلافا للعامة حيث عكسوا وحكموا بصحة البيع دون
النكاح، فمقتضى حكم الإمام عليه السلام أن صحة المعاملة المالية الواقعة في كل مقام تستلزم
صحة النكاح الواقع بطريق أولى، وحينئذ فلا يجوز التعدي من صحة النكاح في
مسألة الفضولي إلى صحة البيع، لأن الحكم في الفرع لا يستلزم الحكم في الأصل، في
باب الأولوية وإلا لم يتحقق الأولوية كما لا يخفى، فالاستدلال بصحة النكاح على
صحة البيع مطابق لحكم العامة، من كون النكاح أولى بالبطلان، من جهة أن البضع
غير قابل للتدارك بالعوض.
24

بقي الكلام في وجه جعل الإمام عليه السلام الاحتياط في النكاح هو ابقاؤه {1} دون
ابطاله، مستدلا بأنه يكون منه الولد مع أن الأمر في الفروج كالأموال دائر بين
محذورين ولا احتياط في البين، ويمكن أن يكون الوجه في ذلك أن ابطال النكاح في
مقام الاشكال والاشتباه يستلزم التفريق بين الزوجين على تقدير الصحة واقعا،
فيتزوج المرأة ويحصل الزنا بذات البعل بخلاف ابقائه، فإنه على تقدير بطلان النكاح
لا يلزم منه إلا وطي المرأة الخالية عن المانع، وهذا أهون من وطي ذات البعل.
فالمراد بالأحوط هو الأشد احتياطا.
وكيف كان، فمقتضى هذه الصحيحة أنه إذا حكم بصحة النكاح الواقع من
الفضولي لم يوجب ذلك التعدي إلى الحكم بصحة بيع الفضولي، نعم لو ورد الحكم
بصحة البيع أمكن الحكم بصحة النكاح، لأن النكاح أولى بعدم الابطال كما هو نص
الرواية، ثم إن الرواية وإن لم يكن لها دخل بمسألة الفضولي {2} إلا أن المستفاد منها
قاعدة كلية هي أن امضاء العقود المالية يستلزم امضاء النكاح من دون العكس
الذي هو مبنى الاستدلال في مسألة الفضولي هذا.
25

ثم إنه ربما يؤيد صحة الفضولي بل يستدل عليها، بروايات كثيرة وردت في
مقامات خاصة، مثل موثقة جميل عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل دفع إلى رجل مالا
ليشتري به ضربا من المتاع مضاربة فاشترى غير الذي أمره، قال: هو ضامن
والربح بينهما على ما شرطه ونحوها غيرها الواردة في هذا الباب فإنها إن أبقيت على
ظاهرها من عدم توقف ملك الربح على الإجازة، كما نسب إلى ظاهر الأصحاب
وعد هذا خارجا عن بيع الفضولي بالنص، كما في المسالك وغيره، كان فيها استئناس
لحكم المسألة من حيث عدم اعتبار إذن المالك سابقا في نقل مال المالك إلى غيره {1}
وإن حملناه على صورة رضاء المالك بالمعاملة بعد ظهور الربح، كما هو الغالب،
وبمقتضى الجمع بين هذه الأخبار وبين ما دل على اعتبار رضاء المالك في نقل ماله،
والنهي عن أكل المال بالباطل اندرجت المعاملة في الفضولي وصحتها في خصوص
المورد، وإن احتمل كونها للنص الخاص، إلا

(1) الوسائل باب 1 من أبواب كتاب المضاربة حديث 9.
26

أنها لا تخلو عن تأييد للمطلب ومن هذا القبيل الأخبار الواردة في اتجار غير الولي
في مال اليتيم وأن الربح لليتيم {1} فإنها إن حملت على صورة إجازة الولي، كما هو
صريح جماعة تبعا للشهيد كان من أفراد المسألة {2} وإن عمل باطلاقها، كما عن
جماعة ممن تقدمهم، خرجت عن مسألة الفضولي لكن يستأنس لها بالتقريب
المتقدم، وربما احتمل دخولها في المسألة من حيث إن الحكم بالمضي إجازة إلهية لا
حقة للمعاملة {3} فتأمل.
27

وربما يؤيد المطلب أيضا برواية ابن أشيم {1} الواردة في العبد المأذون، الذي
دفع إليه مال ليشتري به نسمة ويعتقه، أو يحجه عن أبيه، فاشترى أباه وأعتقه، ثم
تنازع مولى المأذون ومولى الأب وورثة الدافع، وادعى كل منهم أنه اشتراه بماله،
فقال أبو جعفر عليه السلام يرد المملوك رقا لمولاه، وأي الفريقين أقاموا البينة بعد ذلك على أنه اشتراه بماله كان رقا له، الخبر. بناء على أنه لولا كفاية الاشتراء بعين المال في تملك
المبيع بعد مطالبته المتضمنة لإجازة البيع لم يكن مجرد دعوى الشراء، بالمال ولا
إقامة البينة عليها كافية في تملك المبيع.
ومما يؤيد المطلب أيضا صحيحة الحلبي {2} عن الرجل يشتري ثوبا ولم
يشترط على صاحبه شيئا، فكرهه ثم رده على صاحبه فأبى أن يقبله إلا بوضيعة،
قال: لا يصلح له أن يأخذ بوضيعة، فإن جهل فأخذه فباعه بأكثر من ثمنه يرد على
صاحبه الأول ما زاد فإن الحكم برد ما زاد لا ينطبق بظاهره إلا على صحة بيع
الفضولي لنفسه ويمكن التأييد له

(1) الوسائل باب 25 من أبواب بيع الحيوان من كتاب التجارة حديث 1.
(2) الوسائل باب 17 من أبواب أحكام العقود من كتاب التجارة حديث 1.
28

أيضا بموثقة عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام عن السمسار يشتري بالأجر، فيدفع إليه
الورق فيشترط عليه أنك تأتي بما تشتري، فما شئت أخذته وما شئت تركته، فيذهب
ليشتري، ثم يأتي بالمتاع، فيقول خذ ما رضيت ودع ما كرهت، قال لا بأس {1}
الخبر.
بناء على الاشتراء من السمسار يحتمل أن يكون لنفسه ليكون الورق عليه
قرضا فيبيع على صاحب الورق ما رضيه من الأمتعة ويوفيه دينه، ولا ينافي هذا
الاحتمال، فرض السمسار في الرواية ممن يشتري بالأجر، لأن توصيفه بذلك
باعتبار أصل حرفته وشغله، لا بملاحظة هذه القضية الشخصية، ويحتمل أن يكون
لصاحب الورق بإذنه مع جعل خيار له على بائع الأمتعة، فيلتزم بالبيع فيما رضي
ويفسخه فيما كره، ويحتمل أن يكون فضوليا عن صاحب الورق فيتخير ما يريد
ويرد ما يكره وليس في مورد الرواية ظهور في إذن صاحب الورق السمسار، على
وجه ينافي كونه فضوليا، كما لا يخفى، فإذا احتمل مورد السؤال لهذه الوجوه، وحكم
الإمام عليه السلام بعدم البأس من دون استفصال عن المحتملات، أفاد ثبوت الحكم على
جميع الاحتمالات.
وربما يؤيد المطلب بالأخبار الدالة على عدم فساد نكاح العبد بدون إذن
مولاه {2} معللا بأنه لم يعص الله، وإنما عصى سيده، وحاصله أن المانع من صحة
العقد، إذا كان لا يرجى زواله فهو الموجب لوقوع العقد باطلا، وهو عصيان الله
تعالى. وأما المانع الذي يرجى زواله كعصيان السيد، فبزواله يصح العقد، ورضا
المالك من هذا القبيل،

(1) الوسائل باب 20 من أبواب أحكام العقود حديث 2 والراوي عبد الرحمن بن أبي عبد الله لا عبد الله.
29

فإنه لا يرضى أولا ويرضى ثانيا بخلاف سخط الله عز وجل بفعل فإنه يستحيل
رضاه.
هذا غاية ما يمكن أن يحتج ويستشهد به للقول بالصحة، وبعضها وإن كان مما
يمكن الخدشة فيه، إلا أن في بعضها الآخر غني وكفاية.
واحتج للبطلان بالأدلة الأربعة: {1}
أما الكتاب فقوله تعالى: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة
عن تراض) دل بمفهوم الحصر أو سياق التحديد، على أن غير التجارة عن تراض أو
التجارة لا عن تراض غير مبيح، لأكل مال الغير، وإن لحقها الرضا. ومن المعلوم أن
الفضولي غير داخل في المستثنى، وفيه أن دلالته على الحصر ممنوعة {2} لانقطاع
الاستثناء كما هو ظاهر اللفظ وصريح المحكي عن جماعة من المفسرين، ضرورة عدم
كون التجارة عن تراض فردا من الباطل خارجا عن حكمه. وأما سياق التحديد
الموجب لثبوت مفهوم القيد، فهو

(1) النساء: 29
30

مع تسليمه مخصوص بما إذا لم يكن للقيد فائدة أخرى {1} لكونه واردا مورد الغالب
كما فيما نحن فيه وفي قوله تعالى: (وربائبكم اللاتي في حجوركم) مع احتمال أن يكون
عن تراض خبرا بعد خبر ليكون على قراءة نصب التجارة لا قيدا لها {2} وإن كان
غلبة توصيف النكرة تؤيد التقييد فيكون المعنى إلا أن يكون سبب الأكل تجارة
ويكون عن تراض.
ومن المعلوم أن السبب الموجب لحل الأكل في الفضولي إنما نشأ عن التراضي،
مع أن الخطاب لملاك الأموال والتجارة في الفضولي، إنما يصير تجارة المالك بعد
الإجازة، فتجارته عن تراض.
وقد حكى عن المجمع أن مذهب الإمامية والشافعية وغيرهم، أن معنى
التراضي بالتجارة امضاء البيع بالتصرف أو التخاير بعد العقد، ولعله يناسب ما
ذكرنا من كون الظرف خبرا بعد خبر.
31

وأما السنة فهي أخبار منها: النبوي المستفيض {1} وهو قوله صلى الله عليه وآله لحكيم بن
حزام لا تبع ما ليس عندك، فإن عدم حضوره عنده كناية عن عدم تسلطه على
تسليمه، لعدم تملكه، فيكون مساوقا للنبوي الآخر لا بيع إلا فيما يملك، بعد قوله صلى الله عليه وآله
لا طلاق إلا فيما يملك ولا عتق إلا فيما يملك، ولما ورد في توقيع العسكري إلى الصفار
لا يجوز بيع ما ليس يملك.
وما عن الحميري أن مولانا عجل الله فرجه، كتب في جواب بعض مسائله
أن الضيعة لا يجوز ابتياعها إلا عن مالكها أو بأمره أو رضا منه، وما في الصحيح عن
محمد بن مسلم الوارد في أرض بفم النيل اشتراها رجل، وأهل الأرض يقولون هي
أرضنا وأهل الأصناف يقولون هي من أرضنا، فقال: لا تشترها إلا برضاء أهلها.

(1) راجع سنن الترمذي ج 3 ص 534 باب ما جاء في كراهية بيع ما ليس عندك.
(2) الوسائل باب 7 من أبواب أحكام العقود من كتاب التجارة حديث 2.
(3) نفس المصدر حديث 5.
(4) المستدرك باب 1 من أبواب عقد البيع وشروطه حديث 3.
(5) الوسائل باب 2 من أبواب عقد البيع وشروطه.
32

وما في الصحيح عن محمد بن القاسم بن الفضل في رجل اشتري من امرأة من
آل فلان بعض قطائعهم فكتب إليها كتابا قد قبضت المال ولم تقبضه، فيعطيها المال أم
يمنعها، قال: قل يمنعها أشد المنع، فإنها باعت ما لم تملكه، والجواب عن النبوي أولا أن
الظاهر من الموصول هي العين الشخصية للاجماع والنص على جواز بيع الكلي، ومن
البيع البيع لنفسه لا عن مالك العين، وحينئذ فإما أن يراد بالبيع مجرد الانشاء،
فيكون دليلا على عدم جواز بيع الفضولي لنفسه فلا يقع له ولا للمالك بعد إجازته.
وأما أن يراد ما عن التذكرة: من أن يبيع عن نفسه، ثم يمضي ليشتريه من مالكه،
قال: لأنه صلى الله عليه وآله ذكره جوابا لحكيم بن حزام حيث سأله عن أن يبيع الشئ فيمضي
ويشتريه ويسلمه فإن هذا البيع غير جائز، ولا نعلم فيه خلافا للنهي المذكور
وللغرر لأن صاحبها قد لا يبيعها، انتهى.

(1) الوسائل باب 7 من أبواب أحكام العقود حديث 1.
(2) الوسائل باب 7 من أبواب أحكام العقود حديث 3.
33

وهذا المعنى يرجع إلى المراد من روايتي خالد ويحيى: الآتيتين في بيع الفضولي
لنفسه، ويكون بطلان البيع بمعنى عدم وقوع البيع للبائع، بمجرد انتقاله إليه بالشراء،
فلا ينافي أهليته لتعقب الإجازة من المالك. وبعبارة أخرى: نهي المخاطب عن البيع
دليل على عدم وقوعه مؤثرا في حقه، فلا يدل على إلغائه بالنسبة إلى المالك حتى لا
تنفعه بإجازة المالك، في وقوعه له، وهذا المعنى أظهر من الأول، ونحن نقول به كما
سيجئ، وثانيا سلمنا دلالة النبوي على المنع لكنها بالعموم، فيجب تخصيصه بما
تقدم من الأدلة الدالة على تصحيح بيع ما ليس عند العاقد لمالكه إذا أجاز {1}
34

وبما ذكرناه من الجوابين، يظهر الجواب عن دلالة قوله لا بيع إلا في ملك، فإن الظاهر
منه كون المنفي هو البيع لنفسه، وأن النفي راجع إلى نفي الصحة في حقه، لا في حق
المالك، مع أن العموم لو سلم وجب تخصيصه بما دل على وقوع البيع للمالك إذا أجاز.
وأما الروايتان: {1} فدلالتهما على ما حملنا عليه السابقين أوضح، وليس فيهما ما
يدل، ولو بالعموم على عدم وقوع البيع الواقع من غير المالك له إذا أجاز وأما
الحصر في صحيحة ابن مسلم والتوقيع، فإنما هو في مقابلة عدم رضا أهل
الأرض {2} والضيعة رأسا على ما يقتضيه السؤال فيهما، وتوضيحه أن النهي في مثل
المقام وإن كان يقتضي الفساد، إلا أنه بمعنى عدم ترتب الأثر المقصود من المعاملة
عليه.

(1) الوسائل باب 8 من أبواب أحكام العقود.
(2) الوسائل باب 1 من أبواب عقد البيع حديث 3.
(3) نفس المصدر حديث 8.
35

ومن المعلوم أن عقد الفضولي لا يترتب عليه بنفسه الملك المقصود منه، ولذا
يطلق عليه الباطل في عباراتهم كثيرا.
ولذا عد في الشرائع من شروط المتعاقدين، أعني شروط الصحة كون العاقد
مالكا أو قائما مقامه، وإن أبيت إلا عن ظهور الروايتين في لغوية عقد الفضولي رأسا
وجب تخصيصها بما تقدم من أدلة الصحة.
وأما رواية القاسم بن فضل فلا دلالة فيها، إلا على عدم جواز إعطاء الثمن
للفضولي، لأنه باع ما لا يملك، وهذا حق لا ينافي صحة الفضولي.
36

وأما توقيع الصفار {1} فالظاهر منه نفي جواز البيع فيما لا يملك، بمعنى وقوعه للبائع
على جهة الوجوب واللزوم. ويؤيد تصريحه عليه السلام بعد تلك الفقرة بوجوب البيع فيما
يملك، فلا دلالة على عدم وقوعه لمالكه إذا أجاز. وبالجملة فالانصاف أنه لا دلالة في
تلك الأخبار بأسرها على عدم وقوع بيع غير المالك للمالك إذا أجاز، ولا تعرض
فيها إلا لنفي وقوعه للعاقد.
الثالث: الاجماع على البطلان {2} ادعاه الشيخ في الخلاف معترفا بأن الصحة
مذهب قوم من أصحابنا، معتذرا عن ذلك بعدم الاعتداد بخلافهم، وادعاه ابن زهرة
أيضا في الغنية، وادعى الحلي في باب المضاربة: عدم الخلاف في بطلان شراء الغاصب
إذا اشترى بعين المغصوب.
والجواب عدم الظن بالاجماع بل الظن بعدمه، بعد ذهاب معظم القدماء
كالقديمين، والمفيد، والمرتضى، والشيخ بنفسه في النهاية، التي هي آخر مصنفاته على
ما قيل، واتباعهم على الصحة. واتباع المتأخرين عليه عدا فخر الدين، وبعض
متأخري المتأخرين.

(1) الوسائل باب 2 من أبواب عقد البيع وشروطه حديث 1.
37

الرابع: ما دل من العقل والنقل على عدم جواز التصرف في مال الغير ألا
بإذنه {1} فإن الرضا اللاحق لا ينفع في رفع القبح الثابت حال التصرف. ففي التوقيع
المروي في الإحتجاج: لا يجوز لأحد أن يتصرف في مال غيره إلا بإذنه. ولا ريب
أن بيع مال الغير تصرف فيه عرفا.
والجواب {2} إن العقد على مال الغير متوقعا لإجازته غير قاصد لترتيب
الآثار عليها ليس تصرفا فيه
{1} الرابع: ما دل من العقل والنقل على عدم جواز التصرف في مال الغير إلا بإذنه (1).
وقد أجاب المصنف قدس سره عن هذا الوجه بوجوه:
{2} الأول: إن العقد على مال الغير متوقعا لإجازته غير قاصد لترتيب الآثار عليه
ليس تصرفا فيه.

(1) الوسائل باب 3 من أبواب مكان المصلي.
38

نعم لو فرض كون العقد علة تامة ولو عرفا لحصول الآثار، كما في بيع المالك أو
الغاصب المستقل، كان حكم العقد جوازا ومنعا حكم معلوله المترتب عليه، ثم لو
فرض كونه تصرفا فمما استقل العقل بجوازه مثل الاستضائة والاصطلاء بنور الغير
وناره {1} مع أنه قد يفرض الكلام فيما إذا علم الأذن في هذا من المقال أو الحال بناء
على أن ذلك لا يخرجه عن الفضولي {2} مع أن تحريمه لا يدل على الفساد {3} مع أنه
لو دل لدل على بطلان البيع بمعنى عدم ترتب الأثر عليه وعدم استقلاله في ذلك {4}
ولا ينكره القائل بالصحة خصوصا إذا كانت الإجازة ناقلة، ومما ذكرنا ظهر الجواب
عما لو وقع العقد من الفضولي قاصدا لترتيب الأثر من دون مراجعة المشتري بناء
على أن العقد المقرون في هذا القصد قبيح محرم، لا نفس القصد المقرون بهذا العقد،
وقد يستدل للمنع بوجوه أخر ضعيفة أقواها أن
39

القدرة على التسليم معتبرة في صحة البيع والفضولي غير قادر وإن الفضولي غير
قاصد حقيقة إلى مدلول اللفظ كالمكره، كما صرح في المسالك ويضعف الأول مضافا
إلى أن الفضولي قد يكون قادرا على رضا المالك بأن هذا الشرط غير معتبر في
العاقد قطعا، بل يكفي تحققه في المالك فحينئذ، يشترط في صحة العقد مع الإجازة
قدرة المجيز على تسليمه وقدرة المشتري على تسلمه على ما سيجئ ويضعف الثاني
بأن المعتبر في العقد هو هذا القدر من القصد الموجود في الفضولي والمكره لا أزيد منه
بدليل الاجماع على صحة نكاح الفضولي وبيع المكره بحق فإن دعوى عدم اعتبار
القصد في ذلك للإجماع كما ترى.
المسألة الثانية:
أن يسبقه منع المالك {1} والمشهور أيضا صحته، وحكى عن فخر الدين إن بعض
المجوزين للفضولي اعتبر عدم سبق نهي المالك، ويلوح إليه ما عن التذكرة في باب
النكاح من حمل النبوي: أيما عبد تزوج بغير إذن مولاه فهو عاهر. بعد تضعيف السند
على أنه إن نكح بعد منع مولاه وكراهته، فإنه يقع باطلا.
والظاهر أنه لا يفرق بين النكاح وغيره، ويظهر من المحقق الثاني حيث حمل
فساد بيع الغاصب نظرا إلى القرينة الدالة على عدم الرضا: وهي الغصب، وكيف
كان، فهذا القول
40

لا وجه له ظاهرا عدا تخيل أن المستند في عقد الفضولي هي رواية عروة المختصة بغير
المقام، وإن العقد إذا وقع منهيا عنه، فالمنع الموجود بعد العقد ولو آنا ما كاف في الرد
فلا ينفع الإجازة اللاحقة {1} بناء على أنه لا يعتبر في الرد سوى عدم الرضا الباطني
بالعقد، على ما يقتضيه حكم بعضهم بأنه إذا حلف الموكل على نفي الإذن في اشتراء
الوكيل انفسخ العقد لأن الحلف عليه أمارة عدم الرضا، هذا،
41

ولكن الأقوى عدم الفرق لعدم انحصار المستند، حينئذ في رواية العروة، وكفاية
العمومات مضافا إلى ترك الاستفصال في صحيحة محمد بن قيس {1} وجريان
فحوى أدلة نكاح العبد بدون إذن مولاه مع ظهور المنع فيها ولو بشاهد الحال بين
الموالي والعبيد مع أن رواية إجازته صريحة في عدم قدح معصية السيد {2} حينئذ
جريان المؤيدات المتقدمة له،

(1) الوسائل باب 88 من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث 1.
(2) الوسائل باب 24 من أبواب نكاح العبيد والإماء.
42

من بيع مال اليتيم والمغصوب {1} ومخالفة العامل لما اشترط عليه رب المال الصريح
في منعه عما عداه. وأما ما ذكره من المنع الباقي بعد العقد ولو آنا ما، فلم يدل دليل
على كونه فسخا لا ينفع بعده الإجازة، وما ذكره في حلف الموكل غير مسلم، ولو
سلم فمن جهة ظهور الاقدام على الحلف {2} على ما أنكره في رد البيع وعدم تسليمه
له، ومما ذكرنا يظهر وجه صحة عقد المكره بعد الرضا، وأن كراهة المالك حال العقد
وبعد العقد لا يقدح في صحته إذا لحقه الإجازة.
المسألة الثالثة:
أن يبيع الفضولي لنفسه {3} وهذا غالبا يكون في بيع الغاصب، وقد يتفق من
غيره بزعم ملكية، المبيع كما في مورد صحيحة الحلبي المتقدمة في الإقالة بوضيعة
43

والأقوى فيه الصحة وفاقا للمشهور {1} للعمومات المتقدمة بالتقريب المتقدم،
وفحوى الصحة في النكاح وأكثر ما تقدم من المؤيدات مع ظهور صحيحه ابن قيس
المتقدمة، ولا وجه للفرق بينه وبين ما تقدم من بيع الفضولي للمالك، إلا وجوه تظهر
من كلمات جماعة بعضها مختص على بيع الغاصب، وبعضها مشترك بين جميع صور
المسألة.
منها إطلاق ما تقدم من النبويين: لا تبع ما ليس عندك. ولا بيع إلا في ملك {2}
بناء على اختصاص مورد الجميع ببيع الفضولي لنفسه، والجواب عنها يعرف مما تقدم
من أن

(1) راجع الوسائل باب 1 من أبواب عقد البيع وشروطه وباب 7 من أبواب أحكام العقود.
44

مضمونها عدم وقوع بيع غير المالك لبايعه الغير المالك بلا تعرض فيها، لوقوعه
وعدمه بالنسبة إلى المالك إذا أجاز.
ومنها بناء المسألة على ما سبق من اعتبار عدم سبق منع المالك، وهذا غالبا
مفقود في المغصوب. {1} وقد تقدم عن المحقق الكركي أن الغصب قرينة عدم الرضا.
وفيه أولا: إن الكلام في الأعم من بيع الغاصب.
وثانيا: إن الغصب أمارة عدم الرضا بالبيع للغاصب لا مطلقا، فقد يرضي
المالك ببيع الغاصب لتوقع الإجازة وتملك الثمن. فليس في الغصب دلالة على عدم
الرضا بأصل البيع، بل الغاصب وغيره من هذه الجهة سواء.
وثالثا: قد عرفت أن سبق منع المالك غير مؤثر.
ومنها أن الفضولي إذا قصد إلى بيع مال الغير لنفسه، فلم يقصد حقيقة
المعاوضة {2} إذ لا يعقل دخول أحد العوضين في ملك من لم يخرج عن ملكه الآخر.
فالمعاوضة الحقيقية غير متصورة، فحقيقته يرجع إلى اعطاء المبيع وأخذ الثمن لنفسه،
وهذا ليس بيعا.
والجواب من ذلك مع اختصاصه ببيع الغاصب أن قصد المعاوضة الحقيقية
مبنى على جعل الغاصب نفسه مالكا حقيقيا {3} وإن كان هذا الجعل لا حقيقة له لكن
المعاوضة المبنية على
45

هذا الأمر الغير الحقيقي حقيقية، نظير المجاز الادعائي في الأصول، نعم لو باع لنفسه
من دون بناء على ملكية المثمن ولا اعتقاد له، كان المعاملة باطلة غير واقعة له ولا
للمالك، لعدم تحقق معنى المعاوضة ولذا ذكروا أنه لو اشترى بماله لغيره شيئا بطل ولم
يقع له ولا لغيره، والمراد ما لو قصد تملك الغير للمبيع بإزاء مال نفسه وقد تخيل بعض
المحققين أن البطلان هنا يستلزم البطلان للمقام وهو ما لو باع مال غيره لنفسه لأنه
عكسه وقد عرفت أن عكسه هو ما إذا قصد تملك الثمن من دون بناء ولا اعتقاد
لتملك المثمن لأن المفروض الكلام في وقوع المعاملة للمالك إذا أجاز
46

ومنها أن الفضولي إذا قصد البيع لنفسه {1} فإن تعلقت إجازة المالك بهذا الذي
قصده البائع كان منافيا لصحة العقد لأن معناها هو صيرورة الثمن لمالك المثمن
بإجازته، وإن تعلقت بغير المقصود كانت بعقد مستأنف لا امضاء لنقل الفضولي،
فيكون النقل من المنشئ غير مجاز، والمجاز غير منشئ.
47

وقد أجاب عن هذا المحقق القمي رحمهم الله في بعض أجوبة مسائله بأن الإجازة في
هذه الصورة مصححة للبيع لا بمعنى لحوق الإجازة لنفس العقد، كما في الفضولي
المعهود، بل بمعنى تبديل رضى الغاصب وبيعه لنفسه برضى المالك ووقوع البيع
عنه {1} وقال نظير ذلك فيما لو باع شيئا ثم ملكه، وقد صرح في موضع آخر بأن
حاصل الإجازة يرجع إلى أن العقد الذي قصد إلى كونه واقعا على المال المعين لنفس
البائع الغاصب والمشتري العالم قد بدلته بكونه على هذا الملك بعينه لنفسي فيكون
عقدا جديدا كما هو أحد الأقوال في الإجازة. {2} وفيه أن الإجازة على هذا تصير
كما اعترف معاوضة جديدة من طرف المجيز والمشتري، لأن المفروض عدم رضاء
المشتري ثانيا بالتبديل المذكور، لأن قصد البائع البيع لنفسه إذا فرض تأثيره في
مغايرة العقد الواقع للعقد المجاز، فالمشتري إنما رضي بذلك الايجاب المغاير لمؤدى
الإجازة. فإذا التزم يكون مرجع الإجازة إلى تبديل عقد بعقد وبعدم الحاجة إلى
قبول المشتري ثانيا فقد قامت الإجازة من المالك مقام إيجابه وقبول المشتري وهذا
خلاف الاجماع والعقل. {3}
48

وأما القول بكون الإجازة عقدا مستأنفا فلم يعهد من أحد من العلماء
وغيرهم وإنما حكى كاشف الرموز عن شيخه وهو المحقق أن الإجازة من مالك
المبيع بيع مستقل بغير لفظ البيع وهو قائم مقام إيجاب البائع وينضم إليه القبول المقدم
من المشتري، وهذا لا يجري فيما نحن فيه لأنه إذا قصد البائع البيع لنفسه، فقد قصد
المشتري تمليك الثمن للبائع وتملك مبيع منه فإذا بنى على كون وقوع البيع للمالك
مغايرا لما وقع فلا بد له من قبول آخر فالاكتفاء عنه بمجرد إجازة البائع الراجعة إلى
تبديل البيع للغاصب بالبيع لنفسه التزام بكفاية رضاء البائع وانشائه عن رضاء
المشتري وانشائه، وهذا ما ذكرنا أنه خلاف الاجماع والعقل
49

فالأولى في الجواب منع مغايرة ما وقع لما أجيز.
وتوضيحه أن البائع الفضولي إنما قصد تمليك المثمن للمشتري بإزاء الثمن. {1}
وأما كون الثمن مالا له أو لغيره فإيجاب البيع ساكت عنه فيرجع فيه إلى ما يقتضيه
مفهوم المعاوضة من دخول العوض في ملك مالك المعوض تحقيقا لمعنى المعاوضة
والمبادلة وحيث أن البائع يملك المثمن بانيا على تملكه له وتسلطه عليه، عدوانا أو
اعتقادا، لزم من ذلك بنائه على تملك الثمن والتسلط عليه، وهذا معنى قصد بيعه
لنفسه، وحيث إن المثمن ملك لمالكه واقعا. فإذا أجاز المعاوضة انتقل عوضه إليه،
فعلم من ذلك أن قصد البائع البيع لنفسه غير مأخوذ في مفهوم الايجاب حتى تردد
الأمر في هذا المقام بين المحذورين المذكورين، بل مفهوم الايجاب هو تمليك المثمن
بعوض من دون تعرض فيه لمن يرجع إليه العوض إلا باقتضاء المعاوضة لذلك،
ولكن يشكل فيما إذا فرضنا الفضولي مشتريا لنفسه بمال الغير {2} فقال للبائع
الأصيل تملكت منك أو ملكت [بالتخفيف] هذا الثوب بهذه الدراهم. فإن مفهوم هذا
الانشاء هو تملك الفضولي للثوب، فلا مورد لإجازة مالك الدراهم على وجه ينتقل
الثوب إليه، فلا بد من التزام كون الإجازة نقلا مستأنفا غير ما أنشأه الفضولي
الغاصب.
50

وبالجملة فنسبة المتكلم الفضولي بتملك المثمن إلى نفسه بقوله ملكت أو
تملكت كايقاع المتكلم الأصلي التمليك على المخاطب الفضولي بقوله ملكتك هذا
الثوب بهذه الدراهم مع علمه بكون الدراهم لغيره أو جهله بذلك، وبهذا استشكل
العلامة رحمهم الله في التذكرة حيث قال: لو باع الفضولي مع جهل الآخر، فاشكال من أن
الآخر إنما قصد تمليك العاقد، ولا ينتقض بما لو جهل الآخر وكالة العاقد أو ولايته،
لأنه حينئذ إنما يقصد به المخاطب بعنوانه الأعم من كونه أصليا أو نائبا. ولذا يجوز
مخاطبته واسناد الملك إليه مع علمه بكونه نائبا وليس إلا بملاحظة المخاطب باعتبار
كونه نائبا، فإذا صح اعتباره نائبا صح اعتباره على الوجه الأعم عن كونه نائبا أو
أصليا.
أما الفضولي فهو أجنبي عن المالك لا يمكن فيه ذلك الاعتبار، وقد تفطن
بعض المعاصرين لهذا الاشكال في بعض كلماته، فالتزم تارة ببطلان شراء الغاصب
لنفسه مع أنه لا يخفى مخالفته للفتاوى وأكثر النصوص المتقدمة في المسألة، كما اعترف
به أخيرا، وأخرى بأن الإجازة إنما تتعلق بنفس مبادلة العوضين وإن كانت
خصوصية ملك المشتري الغاصب للمثمن مأخوذة فيها، وفيه أن حقيقة العقد في
العبارة التي ذكرناها في الإشكال أعني قول المشتري الغاصب تملكت أو ملكت هذا
منك بهذه الدراهم، ليس إلا انشاء تملكه للمبيع فإجازة هذا الانشاء لا يحصل بها
تملك المالك الأصلي له، بل يتوقف على نقل مستأنف فالأنسب في التفصي أن يقال
أن نسبة الملك إلى الفضولي العاقد لنفسه في قوله، تملكت منك أو قول غيره له ملكتك
ليس من حيث هو بل من حيث جعل نفسه مالكا للثمن اعتقادا أو عدوانا. {1}
51

ولذا لو عقد لنفسه من دون البناء على مالكيته للثمن التزمنا بلغويته،
ضرورة عدم تحقق مفهوم المبادلة بتملك شخص المال بإزاء مال غيره، فالمبادلة
الحقيقية من العاقد لنفسه لا يكون إلا إذا كان مالكا حقيقيا أو ادعائيا، فلو لم يكن
أحدهما وعقد لنفسه لم يتحقق المعاوضة والمبادلة حقيقة، فإذا قال الفضولي الغاصب
المشتري لنفسه تملكت منك كذا بكذا، فالمنسوب إليه التملك إنما هو المتكلم لا من
حيث هو، بل من حيث عد نفسه مالكا اعتقادا أو عدوانا وحيث إن الثابت للشئ
من حيثية تقييدية ثابت لنفس تلك الحيثية، فالمسند إليه التملك حقيقة هو المالك
للثمن، إلا أن الفضولي لما بني على أنه المالك المسلط على الثمن أسند ملك المثمن الذي
هو بدل الثمن إلى نفسه، فالإجازة الحاصلة من المالك متعلقة بانشاء الفضولي وهو
التملك المسند إلى مالك الثمن وهو حقيقة نفس المجيز، فيلزم من ذلك انتقال الثمن إليه
هذا مع أنه ربما يلتزم صحة أن يكون الإجازة لعقد الفضولي، موجبة لصيرورة
العوض ملكا للفضولي، ذكره شيخ مشايخنا في شرحه على القواعد وتبعه غير واحد
من أجلاء تلامذته، وذكر بعضهم في ذلك وجهين:
52

أحدهما: إن قضية بيع مال الغير عن نفسه والشراء بمال الغير لنفسه، جعل ذلك
المال له ضمنا حتى أنه على فرض صحة ذلك البيع والشراء تملكه قبل انتقاله إلى
غيره ليكون انتقاله إليه عن ملكه نظير ما إذا قال أعتق عبدك عني، أو قال بع مالي عنك أو اشتر لك بمالي كذا، فهو تمليك ضمني حاصل ببيعه أو الشراء، ونقول في المقام
أيضا، إذا أجاز المالك صح البيع والشراء وصحته تتضمن انتقاله إليه حين البيع أو
الشراء، فكما أن الإجازة المذكورة تصحح البيع أو الشراء كذلك تقضي بحصول
الانتقال الذي يتضمنه البيع الصحيح فتلك الإجازة اللاحقة قائمة مقام الأذن السابق
قاضية بتمليكه المبيع ليقع البيع في ملكه ولا مانع منه.
الثاني: أنه لا دليل على اشتراط كون أحد العوضين ملكا للعاقد في انتقال
بدله إليه بل يكفي أن يكون مأذونا في بيعه لنفسه، أو الشراء، به فلو قال بع هذا
لنفسك أو اشتر لك بهذا، ملك الثمن في الصورة الأولى بانتقال المبيع عن مالكه إلى
المشتري، وكذا ملك المثمن في الصورة الثانية، ويتفرع عليه أنه لو اتفق بعد ذلك
فسخ المعاوضة رجع الملك إلى مالكه دون العاقد.
وفي كلا الوجهين نظر:
أما الأول: فلأن صحة الإذن في بيع المال لنفسه أو الشراء لنفسه ممنوعة، كما
تقدم في بعض فروع المعاطاة مع أن قياس الإجازة على الإذن قياس مع الفارق،
لأن الأذن
53

في البيع يحتمل فيه أن يوجب من باب الاقتضاء تقدير الملك آنا ما قبل البيع بخلاف
الإجازة، فإنها لا يتعلق إلا بما وقع سابقا والمفروض أنه لم يقع إلا مبادلة مال الغير
بمال آخر، نعم لما بنى هو على ملكية ذلك المال عدوانا أو اعتقادا قصد بالمعاوضة
رجوع البدل إليه فالإجازة من المالك إن رجعت إلى نفس المبادلة أفادت دخول
البدل في ملك المجيز، وإن رجعت إلى المبادلة منضمة إلى بناء العاقد على تملك المال،
فهي وإن أفادت دخول البدل في ملك العاقد إلا أن مرجع هذا إلى إجازة ما بنى
عليه العاقد من التملك وامضائه له إذ بعد امضائه يقع البيع في ملك العاقد فيملك
البدل إلا أن من المعلوم عدم الدليل على تأثير الإجازة في تأثير ذلك البناء في تحقق
متعلقه شرعا بل الدليل على عدمه {1} لأن هذا مما لا يؤثر فيه الإذن لأن الإذن في
التملك لا يؤثر التملك فكيف إجازته.
54

وأما الثاني: فلما عرفت من منافاته لحقيقة البيع التي هي المبادلة، ولذا صرح
العلامة رحمهم الله في غير موضع من كتبه تارة بأنه لا يتصور، وأخرى بأنه لا يعقل أن
يشتري الانسان لنفسه بمال غيره شيئا.
بل ادعى بعضهم في مسألة قبض المبيع عدم الخلاف في بطلان قول مالك الثمن
اشتر لنفسك به طعاما، وقد صرح به الشيخ والمحقق وغيرهما.
نعم سيأتي في مسألة جواز تتبع العقود للمالك مع علم المشتري بالغصب أن
ظاهر جماعة كقطب الدين والشهيد وغيرهما أن الغاصب مسلط على الثمن، وأن لم
يملكه فإذا اشترى به شيئا ملكه وظاهر هذا امكان أن لا يملك الثمن ويملك المثمن
المشتري [بصيغة المجهول] إلا أن يحمل ذلك منهم على التزام تملك البايع الغاصب
للمثمن مطلقا، كما نسبه الفخر رحمه الله إلى الأصحاب، أو آنا ما قبل أن يشتري به شيئا
تصحيحا للشراء. وكيف كان فالأولى في التفصي عن الاشكال المذكور في البيع
لنفسه ما ذكرنا، ثم إن مما ذكرنا من أن نسبة ملك العوض حقيقة إنما هو إلى مالك
المعوض، لكنه بحسب بناء الطرفين على مالكية الغاصب للعوض منسوب إليه يظهر
اندفاع اشكال آخر {1} في صحة البيع لنفسه مختص بصورة علم المشتري، وهو أن
المشتري الأصيل إذا كان عالما بكون البائع لنفسه غاصبا،
55

فقد حكم الأصحاب على ما حكى عنهم، بأن المالك لو رد فليس للمشتري
الرجوع على البائع بالثمن. وهذا كاشف عن عدم تحقق المعاوضة الحقيقية، وإلا كان
ردها موجبا لرجوع كل عوض إلى مالكه، وحينئذ فإذا أجاز المالك لم يملك الثمن
لسبق اختصاص الغاصب به فيكون البيع بلا ثمن، ولعل هذا هو الوجه في اشكال
العلامة في التذكرة حيث قال بعد الاشكال في صحة بيع الفضولي مع جهل المشتري.
أن الحكم في الغاصب مع علم المشتري أشكل، انتهى.
أقول: هذا الإشكال بناء على تسليم ما نقل عن الأصحاب من أنه ليس
للمشتري استرداد الثمن مع رد المالك وبقائه، وبعد تسليم أن الوجه في حكمهم ذلك
هو مطلق التسليط على تقديري الرد والإجازة، لا التسليط المراعى بعدم إجازة
البيع {1}: إنما يتوجه على القول بالنقل، حيث إن تسليط المشتري للبائع على الثمن
قبل انتقاله إلى مالك المبيع بالإجازة فلا يبقى مورد للإجازة. وأما على القول
بالكشف فلا يتوجه {2} اشكال أصلا
56

لأن الرد كاشف عن كون تسليط المشتري تسليطا له على مال نفسه، والإجازة
كاشفة عن كونه تسليطا له على ما يملكه غيره بالعقد السابق على التسليط الحاصل
بالاقباض، ولذا لو لم يقبضه الثمن حتى أجاز المالك أو رده لم يكن للغاصب انتزاعه
من يد المشتري أو المالك، وسيأتي في مسألة جواز تتبع العقود للمالك تتمة لذلك
فانتظر.
ثم اعلم أن الكلام في صحة بيع الفضولي لنفسه غاصبا كان أو غيره، إنما هو في
وقوعه للمالك إذا أجاز وهو الذي لم يفرق المشهور بينه وبين الفضولي البائع للمالك
لا لنفسه
وأما الكلام في صحة بيع الفضولي ووقوعه لنفسه إذا صار مالكا للمبيع
وأجاز سواء باع لنفسه أو المالك فلا دخل له بما نحن فيه، لأن الكلام هنا في وقوع
البيع للمالك، وهناك في وقوعه للعاقد إذا ملك. ومن هنا يعلم أن ما ذكره في الرياض،
من أن بيع الفضولي لنفسه باطل {1} ونسب إلى التذكرة نفي الخلاف فيه في غير محله،
إلا أن يريد ما ذكرناه وهو خلاف ظاهر كلامه، بقي هنا أمران
57

الأول: إنه لا فرق على القول بصحة بيع الفضولي، بين كون مال الغير {1} عينا أو دينا
في ذمة الغير، ومنه جعل العوض ثمنا أو مثمنا في ذمة الغير، ثم إن تشخيص ما في
الذمة الذي يعقد عليه الفضولي. {2} إما بإضافة الذمة إلى الغير، بأن يقول بعت كرا
من طعام في ذمة فلان بكذا، أو بعت هذا بكذا في ذمة فلان، وحكمه أنه لو أجاز فلان
يقع العقد له وإن رد بطل رأسا.
وأما بقصده العقد له فإنه إذا قصده في العقد تعين كونه صاحب الذمة، لما
عرفت من استحالة دخول أحد العوضين في ملك غير من خرج عنه الآخر، إلا على
احتمال ضعيف تقدم عن بعض، فكما أن تعيين العوض في الخارج يغني عن قصد من
وقع له العقد، فكذا قصد من وقع له العقد يغني عن تعيين الثمن الكلي بإضافته إلى ذمة
شخص خاص، وحينئذ فإن أجاز من قصد
58

مالكيته وقع العقد، وإن رد فمقتضى القاعدة بطلان العقد واقعا، لأن مقتضى رد العقد
بقاء كل عوض على ملك صاحبه، إذ المال مردد في باب الفضولي بين مالكه الأصلي،
ومن وقع له العقد، فلا معنى لخروجه عن ملك مالكه وتردده بين الفضولي ومن وقع
له العقد، إذ لو صح وقوعه للفضولي لم يحتج إلى إجازة ووقع له إلا أن الطرف الآخر
لو لم يصدقه على هذا القصد، وحلف على نفي العلم {1} حكم له على الفضولي لوقوع
العقد له ظاهرا، كما عن المحقق وفخر الاسلام والمحقق الكركي والسيوري والشهيد
الثاني.
وقد يظهر من اطلاق بعض الكلمات كالقواعد، والمبسوط وقوع العقد له
واقعا، وقد نسب ذلك إلى جماعة في بعض فروع المضاربة، وحيث عرفت أن قصد
البيع للغير أو إضافته إليه في اللفظ يوجب صرف الكلي إلى ذمة ذلك الغير، كما أن
إضافة الكلي إليه
59

يوجب صرف البيع أو الشراء إليه، وإن لم يقصده أو لم يضفه إليه، ظهر من ذلك
التنافي بين إضافة البيع إلى غيره وإضافة الكلي إلى نفسه أو قصده من غير إضافة،
وكذا بين إضافة البيع إلى نفسه وإضافة الكلي إلى غيره، فلو جمع بين المتنافيين
{1} بأن قال: اشتريت هذا لفلان بدرهم في ذمتي أو اشتريت هذا لنفسي بدرهم في
ذمة فلان.
ففي الأول: يحتمل البطلان: {2} لأنه في حكم شراء شئ للغير بعين ماله،
ويحتمل إلغاء أحد القيدين وتصحيح المعاملة لنفسه أو للغير.
وفي الثاني: يحتمل كونه من قبيل شرائه لنفسه بعين مال الغير، فيقع للغير
بعد إجازته، لكن بعد تصحيح المعاوضة بالبناء على التملك في ذمة الغير اعتقادا،
ويحتمل الصحة بإلغاء قيد ذمة الغير، لأن تقييد الشراء أولا بكونه لنفسه يوجب
إلغاء ما ينافيه من إضافة الذمة إلى الغير، والمسألة تحتاج إلى تأمل. ثم إنه قال في
التذكرة: لو اشترى فضوليا،
60

فإن كان بعين مال الغير فالخلاف في البطلان والوقف على الإجازة، إلا أن أبا
حنيفة قال: يقع للمشتري لكل حال، وإن كان في الذمة لغيره وأطلق اللفظ قال
علماؤنا يقف على الإجازة فإن أجاز صح ولزمه أداء الثمن، وإن رد نفد عن
المباشر {1}، وبه قال الشافعي في القديم وأحمد، وإنما يصح الشراء لأنه تصرف
في ذمته لا في مال غيره، وإنما وقف على الإجازة لأنه عقد الشراء له، فإن أجازه
لزمه وإن رده لزم من اشتراه، ولا فرق بين أن ينقد من مال الغير أو لا، وقال أبو
حنيفة: يقع عن المباشر وهو جديد للشافعي، انتهى.
وظاهره الاتفاق على وقوع الشراء مع الرد للمشتري واقعا، كما يشعر به
تعليله بقوله لأنه تصرف في ذمته لا في مال الغير، لكن أشرنا سابقا اجمالا إلى أن
تطبيق هذا على القواعد مشكل
61

لأنه إن جعل المال في ذمته بالأصالة فيكون ما في مثل هذا. أما البطلان لو
عمل بالنية بناء على أنه لا يعقل في المعاوضة دخول عوض مال الغير قهرا. أما
صحته ووقوعه لنفسه لو ألغى النية، بناء على انصراف المعاملة إلى مالك العين
قهرا، وإن نوى خلافه. وإن جعل المال في ذمته لا من حيث الأصالة بل من حيث
جعل نفسه نائبا عن الغير فضولا، ففيه مع الاشكال في صحة هذا لو لم يرجع إلى
الشراء في ذمة الغير أن اللازم من هذا أن الغير إذا رد هذه المعاملة، وهذه النيابة
يقع فاسدة من أصلها إلا أنها تقع للمباشر، نعم إذا عجز المباشر من اثبات ذلك على
البائع لزمه ذلك في ظاهر الشريعة: كما مرددة بين المباشر والمنوي دون التزامه
خرط القتاد ويمكن تنزيل العبارة على الوقوع للمباشر ظاهرا لكنه بعيد.
62

الثاني: الظاهر أنه لا فرق فيما ذكرنا من أقسام بيع الفضولي، بين البيع
العقدي والمعاطاة {1} بناء على إفادتها للملك، إذ لا فارق بينها وبين العقد، فإن
التقابض بين الفضوليين أو فضولي وأصيل إذا وقع بنية التمليك فأجازه المالك فلا
مانع من وقوع المجاز من حينه أو من حين الإجازة، فعموم مثل قوله تعالى: أحل
الله البيع شامل له، ويؤيده رواية عروة البارقي، حيث إن الظاهر وقوع المعالمة
بالمعاطاة،
وفيه: أولا: إن الغير إذا لم يجز لا معنى لكون الضامن ملزما ولا لوقوع البيع له.
63

وتوهم الاشكال فيه من حيث إن الاقباض الذي يحصل به التمليك محرم لكونه
تصرفا في مال الغير، فلا يترتب عليه أثر {1} في غير محله إذ قد لا يحتاج إلى
اقباض مال الغير: كما لو اشترى الفضولي لغيره في الذمة مع أنه قد يقع الاقباض
مقرونا برضا المالك [2] بناء على ظاهر كلامهم من أن العلم بالرضا لا يخرج
المعاملة عن معاملة الفضولي
64

مع أن النهي لا يدل على الفساد مع أنه لو دل لدل على عدم ترتب الأثر
المقصود وهو استقلال الاقباض في السببية فلا ينافي كونه جزء سبب {1} وربما
يستدل على ذلك بأن المعاطاة منوطة بالتراضي وقصد الإباحة أو التمليك وهما
من وظائف المالك ولا يتصور صدورها من غيره، ولذا ذكر الشهيد الثاني أن
المكره والفضولي قاصدان للفظ دون المدلول وذكران قصد المدلول لا بتحقق
من غير المالك ومشروطة أيضا بالقبض والاقباض من الطرفين أو من أحدهما
مقارنا للأمرين، ولا أثر له إلا إذ صدر من المالك أو بإذنه. وفيه أن اعتبار الاقباض والقبض في المعاطاة عند من اعتبره فيها إنما هو لحصول انشاء التمليك أو
الإباحة، فهو عندهم من الأسباب الفعلية، كما صرح الشهيد في قواعده والمعاطاة
عندهم عقد فعلي، ولذا ذكر بعض الحنفية القائلين بلزومها أن البيع ينعقد
بالايجاب والقبول وبالتعاطي، وحينئذ فلا مانع من أن يقصد الفضولي باقباضه
المعنى القائم بنفسه المقصود من قوله ملكتك
65

واعتبار مقارنة الرضا من المالك للانشاء الفعلي دون القولي مع اتحاد أدلة
اعتبار الرضا وطيب النفس في حل مال الغير لا يخلو عن تحكم، وما ذكره الشهيد
الثاني لا يجدي فيما نحن فيه لأنا لا نعتبر في فعل الفضولي أزيد من القصد
الموجود في قوله لعدم الدليل، ولو ثبت لثبت منه اعتبار المقارنة في العقد القولي
أيضا إلا أن يقال إن مقتضى الدليل ذلك خرج عنه بالدليل معاملة الفضولي إذا
وقعت بالقول.
لكنك قد عرفت أن العقد الفضولي ليس على خلاف القاعدة.
نعم لو قلنا أن المعاطاة لا يعتبر فيها قبض، ولو اتفق معها بل السبب المستقل هو
تراضي المالكين بملكية كل منها لمال صاحبه مطلقا، أو مع وصولهما، أو وصول
أحدهما، لم يعقل وقوعها من الفضولي.
نعم الواقع منه ايصال المال والمفروض أنه لا مدخل له في المعاملة، فإذا
رضي المالك بمالكية من وصل إليه المال تحققت المعاطاة من حين الرضا، ولم
يكن إجازة لمعاطاة سابقة لكن الانصاف أن هذا المعنى غير مقصود للعلماء في
عنوان المعاطاة، وإنما قصدهم إلى العقد الفعلي، هذا كله على القول بالملك. وأما
على القول بالإباحة، فيمكن القول
66

ببطلان الفضولي لأن إفادة المعاملة المقصود بها الملك للإباحة خلاف القاعدة {1}
فيقتصر فيها على صورة تعاطي المالكين مع أن حصول الإباحة قبل الإجازة غير
ممكن {2} والآثار الأخر مثل بيع المال على القول بجواز مثل هذا التصرف إذا
وقعت في غير زمان الإباحة الفعلية لم تؤثر أثرا، فإذا أجاز حدث الإباحة من
حين الإجازة، اللهم إلا أن يقال بكفاية وقوعها مع الإباحة الواقعية إذا كشف عنها
الإجازة، فافهم.

(1) الوسائل باب 88 من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث 1.
(2) المستدرك باب 18 من أبواب عقد البيع وشروطه حديث 1.
67

القول في الإجازة والرد أما الكلام في الإجازة، فيقع تارة في حكمها وشروطها و
أخرى في المجيز وثالثة في المجاز.
أما حكمها فقد اختلف القائلون بصحة الفضولي بعد اتفاقهم على توقفها
على الإجازة {1} في كونها كاشفة بمعنى أنه يحكم بعد الإجازة بحصول آثار العقد
من حين وقوعه حتى كأن الإجازة وقعت مقارنة للعقد أو ناقلة، بمعنى ترتب آثار
العقد من حينها حتى كان العقد وقع حال الإجازة على قولين: فالأكثر على الأول
واستدل عليه كما عن جامع المقاصد والروضة
68

بأن العقد سبب تام في الملك {1} لعموم قوله تعالى: (أوفوا بالعقود) وتمامه في
الفضولي إنما يعلم بالإجازة، فإذا أجاز تبين كونه تاما فوجب ترتب الملك عليه و
إلا لزم أن لا يكون الوفاء بالعقد خاصة. بل به مع شئ آخر وبأن الإجازة متعلقة
بالعقد فهي رضا بمضمونه وليس إلا نقل العوضين من حينه.
69

وعن فخر الدين في الإيضاح الاحتجاج لهم بأنها لو لم تكن كاشفة لزم تأثير
المعدوم في الموجود {1} لأن العقد حالها عدم انتهى ويرد على الوجه الأول أنه
إن أريد بكون العقد سببا تاما كونه علة تامة للنقل إذا صدر عن رضاء المالك فهو
مسلم إلا أن بالإجازة لا يعلم تمام ذلك السبب ولا يتبين كونه تاما إذ الإجازة لا
تكشف عن مقارنة الرضا غاية الأمر أن لازم صحة عقد الفضولي كونها قائمة مقام
الرضاء المقارن، فيكون لها مدخل في تمامية السبب كالرضا المقارن، فلا معنى
لحصول الأثر قبلها، ومنه يظهر فساد تقرير الدليل
70

بأن العقد الواقع جامع لجميع الشروط وكلها حاصلة إلا رضا المالك، فإذا حصل
بالإجازة عمل السبب عمله، فإنه إذا اعترف أن رضا المالك من جملة الشروط،
فكيف يكون كاشفا عن وجود المشروط قبله ودعوى (صاحب الجواهر) أن
الشروط الشرعية ليست كالعقلية بل هي بحسب ما يقتضيه جعل الشارع، فقد
يجعل الشارع ما يشبه تقديم المسبب على السبب كغسل الجمعة يوم الخميس، و
اعطاء الفطرة قبل وقته، فضلا عن تقدم المشروط على الشرط كغسل الفجر بعد
الفجر للمستحاضة الصائمة، وكغسل العشائين لصوم اليوم الماضي على القول به
مدفوعة، بأنه لا فرق فيما فرض شرطا أو سببا بين الشرعي وغيره، وتكثير
الأمثلة لا يوجب وقوع المحال العقلي، فهي كدعوى أن التناقض الشرعي بين
الشيئين لا يمنع عن اجتماعهما لأن النقيض الشرعي غير العقلي فجميع ما ورد مما
يوهم ذلك أنه لا بد فيه من التزام أن المتأخر ليس سببا أو شرطا، بل السبب
والشرط الأمر المتنزع من ذلك لكن ذلك لا يمكن فيما نحن فيه، بأن يقال إن
الشرط تعقب الإجازة ولحوقها بالعقد. وهذا أمر مقارن على تقدير الإجازة
لمخالفته الأدلة.
اللهم إلا أن يكون مراده بالشرط، ما يتوقف تأثير السبب المتقدم في زمانه
على لحوقه، وهذا مع أنه لا يستحق اطلاق الشرط عليه غير صادق على الرضا،
لأن المستفاد من العقل والنقل اعتبار رضا المالك في انتقال ماله، لأنه لا يحل
لغيره بدون طيب النفس، وأنه لا ينفع لحوقه في حل تصرف الغير وانقطاع سلطنة
المالك، ومما ذكرنا يظهر ضعف ما احتمله في المقام بعض الأعلام (صاحب
الفصول) بل التزم به غير واحد من المعاصرين، من أن معنى شرطية الإجازة {1}
مع كونها كاشفة شرطية الوصف المنتزع منها وهو كونها لاحقة للعقد في المستقبل،
فالعلة التامة العقد الملحوق بالإجازة وهذه صفة مقارنة للعقد،
71

وإن كان نفس الإجازة متأخرة عنه، وقد التزم بعضهم مما يتفرع على هذا من أنه
إذا علم المشتري أن المالك للمبيع سيجيز العقد حل له التصرف فيه بمجرد العقد، و
فيه ما لا يخفى من المخالفة للأدلة، ويرد على الوجه الثاني أولا إن الإجازة وإن
كانت رضا بمضمون العقد
72

إلا أن مضمون العقد ليس هو النقل من حينه حتى يتعلق الإجازة والرضا بذلك
النقل المقيد يكونه في ذلك الحال، بل هو نفس النقل {1} مجردا عن ملاحظة
وقوعه في زمان، وإنما الزمان من ضروريات انشائه، فإن قول العاقد بعت ليس
نقلت من هذا الحين وإن كان النقل المنشئ به واقعا في ذلك الحين، فالزمان
ظرف للنقل لا قيد له، فكما أن انشاء مجرد النقل الذي هو مضمون العقد في زمان
76

يوجب وقوعه من المنشئ في ذلك الزمان {1} فكذلك، إجازة ذلك النقل
في زمان يوجب وقوعه من المجيز في زمان الإجازة، وكما أن الشارع إذا أمضى
نفس العقد وقع النقل من زمانه، فكذلك إذا أمضى إجازة المالك وقع النقل من
زمان الإجازة ولأجل ما ذكرنا لم يكن مقتضى القبول وقوع الملك من زمان
الايجاب، مع أنه ليس إلا رضا بمضمون الايجاب، فلو كان مضمون الايجاب النقل
من حينه، وكان القبول رضا بذلك كان معنى امضاء الشارع للعقد الحكم بترتب
الأثر من حين الايجاب لأن الموجب ينقل من حينه والقابل يتقبل ذلك ويرضى به.
ودعوى أن العقد سبب للملك فلا يتقدم عليه مدفوعة بأن سببيته للملك
ليست إلا بمعنى امضاء الشارع لمقتضاه، فإذا فرض مقتضاه مركبا من نقل في
زمان ورضاء، بذلك النقل كان مقتضى العقد الملك بعد الايجاب، ولأجل ما ذكرنا
أيضا لا يكون فسخ العقد إلا انحلاله من زمانه {2} من زمان العقد، فإن الفسخ نظير
الإجازة والرد لا يتعلق إلا بمضمون العقد، وهو النقل من حينه، فلو كان زمان
وقوع النقل مأخوذا في العقد على وجه القيدية
77

لكان رده وحله موجبا للحكم بعدم الآثار من حين العقد والسر في جميع ما
ذكرنا من عدم كون زمان النقل إلا ظرفا، فجميع ما يتعلق بالعقد من الارضاء والرد
والفسخ إنما يتعلق بنفس المضمون دون المقيد بذلك الزمان.
والحاصل أنه لا اشكال في حصول الإجازة بقول المالك {1} رضيت بكون
مالي لزيد بإزاء، ماله أو رضيت بانتقال مالي إلى زيد وغير ذلك من الألفاظ التي
لا تعرض فيها لإنشاء الفضولي فضلا عن زمانه، كيف وقد جعلوا تمكين الزوجة
بالدخول عليها إجازة منها ونحو ذلك.
ومن المعلوم أن الرضا يتعلق بنفس نتيجة العقد من غير ملاحظة زمان نقل
الفضولي وبتقرير آخر إن الإجازة من المالك قائمة مقام رضاه، وإذنه المقرون
بانشاء الفضولي أو مقام نفس انشائه، فلا يصير المالك بمنزلة العاقد إلا بعد
الإجازة، فهي إما شرط أو جزء سبب للملك، بعبارة أخرى المؤثر هو العقد
المرضي به والمقيد من حيث إنه مقيد لا يوجد إلا بعد القيد ولا يكفي في التأثير
وجود ذات المقيد المجردة عن القيد،
78

وثانيا إنا لو سلمنا عدم كون الإجازة شرطا اصطلاحيا ليؤخذ فيه تقدمه
على المشروط ولا جزء سبب، وإنما هي من المالك محدثة للتأثير في العقد
السابق وجاعلة له سببا تاما حتى كأنه وقع مؤثرا فيتفرع عليه أن مجرد رضا
المالك بنتيجة العقد أعني محض الملكية من غير التفات إلى وقوع عقد سابق ليس
بإجازة لأن معنى إجازة العقد جعله جائزا نافذا ماضيا لكن نقول لم يدل دليل
على امضاء الشارع لإجازة المالك على هذا الوجه {1} لأن وجوب الوفاء بالعقد
تكليف بتوجه إلى العاقدين كوجوب الوفاء بالعهد والنذر.
ومن المعلوم أن المالك لا يصير عاقدا أو بمنزلته إلا بعد الإجازة فلا يجب
الوفاء إلا بعدها.
ومن المعلوم أن الملك الشرعي يتبع الحكم الشرعي فما لم يجب الوفاء فلا
ملك ومما ذكرنا يعلم عدم صحة الاستدلال للكشف بدليل وجوب الوفاء بالعقود
بدعوى أن الوفاء بالعقد والعمل بمقتضاه هو الالتزام بالنقل من حين العقد وقس
على ذلك ما لو كان دليل الملك عموم أحل الله البيع فإن الملك ملزوم لحلية
التصرف فقبل الإجازة لا يحل التصرف خصوصا إذا علم عدم رضا المالك باطنا
أو تردده في الفسخ والامضاء.

(1) المائدة، آية 2.
(2) البقرة، 275.
79

وثالثا: سلمنا دلالة الدليل على امضاء الشارع لإجازة المالك على طبق
مفهومها اللغوي والعرفي أعني جعل العقد السابق جائزا ماضيا بتقريب أن يقال إن
معنى الوفاء بالعقد العمل بمقتضاه ومؤداه العرفي فإذا صار العقد بالإجازة كأنه
وقع مؤثرا ماضيا كان مقتضى العقد المجاز عرفا ترتب الآثار من حينه فيجب
شرعا العمل به على هذا الوجه، لكن نقول بعد الاغماض عن أن مجرد كون
الإجازة بمعنى جعل العقد السابق جائزا نافذا لا يوجب كون مقتضى العقد ومؤداه
العرفي ترتب الأثر من حين العقد كما أن كون مفهوم القبول رضاء بمفهوم
الايجاب وامضاء له لا يوجب ذلك حتى يكون مقتضى الوفاء بالعقد ترتيب
الآثار من حين الايجاب فتأمل.
إذ هذا المعنى على حقيقة غير معقول لأن العقد الموجود على صفة عدم
التأثير {1} يستحيل لحوق صفة التأثير له
80

لاستحالة خروج الشئ عما وقع عليه، فإذا دل الدليل الشرعي على امضاء
الإجازة على هذا الوجه الغير المعقول، فلا بد من صرفه بدلالة الاقتضاء إلى إرادة
معاملة العقد بعد الإجازة معاملة العقد الواقع مؤثرا من حيث ترتب الآثار الممكنة،
فإذا أجاز المالك حكمنا بانتقال نماء المبيع بعد العقد إلى المشتري وإن كان أصل
الملك قبل الإجازة للمالك ووقع النماء في ملكه.
والحاصل أنه يعامل بعد الإجازة معاملة العقد الواقع مؤثرا من حينه بالنسبة
إلى ما أمكن من الآثار، وهذا نقل حقيقي في حكم الكشف من بعض الجهات، و
سيأتي الثمرة بينه وبين الكشف الحقيقي ولم أعرف من قال بهذا الوجه من
الكشف إلا الأستاذ شريف العلماء فيما عثرت عليه من بعض تحقيقاته وإلا فظاهر
كلام القائلين بالكشف أن الانتقال في زمان العقد، ولذا عنون العلامة رحمهم الله: في
القواعد مسألة الكشف والنقل بقوله وفي زمان الانتقال اشكال فجعل النزاع في
هذه المسألة نزاعا في زمان الانتقال، وقد تحصل مما ذكرنا أن كاشفية الإجازة
على وجوه ثلاثة، قال بكل منها قائل:
أحدها: وهو المشهور الكشف الحقيقي والتزام كون الإجازة فيها شرطا
متأخرا.
ولذا اعترضهم جمال المحققين في حاشيته على الروضة بأن الشرط لا يتأخر.
81

والثاني: الكشف الحقيقي والتزام كون الشرط تعقب العقد بالإجازة لا نفس
الإجازة فرارا عن لزوم تأخر الشرط عن المشروط والتزم بعضهم بجواز التصرف
قبل الإجازة لو علم تحققها فيما بعد.
الثالث: الكشف الحكمي وهو اجراء أحكام الكشف بقدر الامكان مع عدم
تحقق الملك في الواقع إلا بعد الإجازة، وقد تبين من تضاعيف كلماتنا أن الأنسب
بالقواعد والعمومات هو النقل، ثم بعده الكشف الحكمي. وأما الكشف الحقيقي مع
كون نفس الإجازة من الشروط فاتمامه بالقواعد في غاية الاشكال، ولذا
استشكل فيه العلامة في القواعد، ولم يرجحه المحقق الثاني في حاشية الإرشاد
بل عن الإيضاح اختيار خلافه تبعا للمحكي عن كاشف الرموز وقواه في مجمع
البرهان وتبعهم كاشف اللثام في النكاح، هذا بحسب القواعد والعمومات. وأما
الأخبار فالظاهر من صحيحة محمد بن قيس الكشف {1} كما صرح به في
الدروس. وكذا الأخبار التي بعدها لكن لا ظهور فيها للكشف بالمعنى المشهور {2}

(1) الوسائل باب 88 من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث 1.
82

فيحتمل الكشف الحكمي. نعم صحيحة أبي عبيدة الواردة في تزويج
الصغيرين فضولا الآمرة بعزل الميراث من الزوج المدرك الذي أجاز فمات
للزوجة الغير المدركة حتى تدرك وتحلف ظاهر في قول الكشف، إذ لو كان مال
الميت قبل إجازة الزوجة باقية على ملك سائر الورثة كان العزل مخالفا لقاعدة
تسلط الناس على أموالهم، {1} فإطلاق الحكم بالعزل منضما إلى عموم الناس
مسلطون على أموالهم يفيد أن العزل لاحتمال كون الزوجة الغير المدركة وارثة في
الواقع فكأنه احتياط في الأموال، قد غلبه الشارع على أصالة عدم الإجازة كعزل
نصيب الحمل وجعله أكثر ما يحتمل.

(1) الوسائل، باب 11، من أبواب ميراث الأزواج حديث 1.
(2) البحار ج 2 - ص 272 الطبع الحديث.
83

بقي الكلام في بيان الثمرة بين الكشف باحتمالاته والنقل {1} فنقول:

(1) أصول الكافي ج 1 ص 406.
84

أما الثمرة على الكشف الحقيقي. بين كون نفس الإجازة شرطا وكون
الشرط تعقب العقد بها ولحوقها له، فقد يظهر في جواز تصرف كل منهما فيما انتقل
إليه بانشاء الفضولي إذا علم إجازة المالك فيما بعد. {1}
وأما الثمرة بين الكشف الحقيقي والحكمي مع كون نفس الإجازة شرطا
يظهر في مثل ما إذا وطئ المشتري الجارية قبل إجازة مالكها فأجاز، فإن الوطي
على الكشف الحقيقي حرام ظاهرا لأصالة عدم الإجازة، حلال واقعا لكشف
الإجازة عن وقوعه في ملكه، {2} ولو
85

أولدها صارت أم ولد على الكشف الحقيقي والحكمي، لأن مقتضى جعل العقد
الواقع ماضيا ترتب حكم وقوع الوطي في الملك، ويحتمل عدم تحقق الاستيلاد
على الحكمي لعدم تحقق حدوث الولد في الملك، وإن حكم بملكيته للمشتري
بعد ذلك ولو نقل المالك أم الولد
86

عن ملكه قبل الإجازة فأجاز بطل النقل على الكشف الحقيقي {1} لانكشاف
وقوعه في ملك الغير {2} مع احتمال كون النقل بمنزلة الرد. وبقي صحيحا على
الكشف الحكمي وعلى المجيز قيمتها لأنه مقتضى الجمع بين جعل العقد ماضيا
من حين وقوعه. ومقتضى صحة النقل الواقع قبل حكم الشارع بهذا الجعل، كما
في الفسخ بالخيار مع انتقال متعلقه بنقل لازم وضابط الكشف الحكمي الحكم بعد
الإجازة بترتيب آثار ملكية المشتري من حين العقد، فإن ترتب شئ من آثار
ملكية المالك قبل إجازته كإتلاف النماء، ونقله ولم يناف الإجازة جمع بينه وبين
مقتضى الإجازة بالرجوع إلى البدل وإن نافى الإجازة كاتلاف العين عقلا أو
شرعا كالعتق فات محلها مع احتمال الرجوع إلى البدل وسيجئ،
87

ثم إنهم ذكر والثمرة بين الكشف والنقل مواضع.
منها النماء فإنه على الكشف بقول مطلق لمن أنتقل إليه العين، وعلى النقل
لمن انتقلت عنه {1} وللشهيد الثاني في الروضة عبارة {2} توجيه المراد منها، كما
فعله بعض أولى من توجيه حكم ظاهرها كما تكلفه آخر.
89

ومنها إن فسخ الأصيل لانشائه قبل إجازة الآخر مبطل له على القول بالنقل
دون الكشف {1} بمعنى أنه لو جعلناها ناقلة. كان فسخ الأصيل كفسخ الموجب
قبل قبول القابل في كونه ملغيا لانشائه السابق، بخلاف ما لو جعلت كاشفة، فإن
العقد تام من طرف الأصيل {2} غاية الأمر تسلط الآخر على فسخه، وهذا مبني
على ما تسالموا عليه من جواز إبطال أحد المتعاقدين لانشائه قبل انشاء صاحبه،
بل قبل تحقق شرط صحة العقد كالقبض في الهبة والوقف والصدقة، فلا يرد ما
اعترضه بعض من منع جواز الابطال على القول بالنقل {3} معللا بأن ترتب الأثر
على جزء السبب بعد انضمام الجزء الآخر من أحكام الوضع لا مدخل لاختيار
المشتري فيه، وفيه أن عدم تخلل الفسخ بين جزئي السبب شرط

(1) البحار ج 2 ص 272 الطبع القديم.
90

فانضمام الجزء الآخر من دون تحقق الشرط غير مجد في وجود المسبب،
فالأولى في سند المنع دفع احتمال اشتراط عدم تخلل الفسخ باطلاقات صحة
العقود ولزومها، ولا يخلو عن اشكال. {1}
ومنها جواز تصرف الأصيل فيما انتقل عنه بناء على النقل {3} وإن قلنا بأن
فسخه غير مبطل لانشائه، فلو باع جارية من فضولي جاز له وطأها وأن
استولدها صارت أم ولد لأنها ملكه

(1) المائدة، 2.
91

وكذا لو زوجت نفسها من فضولي جاز لها التزويج من الغير، فلو حصل
الإجازة في المثالين لغت لعدم بقاء المحل قابلا.
والحاصل أن الفسخ القولي وإن قلنا أنه غير مبطل لانشاء الأصيل إلا أن له
فعل ما ينافي انتقال المال عنه على وجه يفوت محل الإجازة، فينفسخ العقد
بنفسه بذلك وربما احتمل عدم جواز التصرف على هذا القول أيضا. لعله لجريان
عموم وجوب الوفاء بالعقد في حق الأصيل وإن لم يجب في الطرف الآخر وهو
الذي يظهر من المحقق الثاني في مسألة شراء الغاصب بعين المال المغصوب حيث
قال: لا يجوز للبائع ولا للغاصب التصرف في العين لامكان الإجازة سيما على
القول بالكشف، انتهى.
وفيه أن الإجازة على القول بالنقل له مدخل في العقد شرطا أو شطرا فما لم
يتحقق الشرط أو الجزء لم يجب الوفاء على أحد المتعاقدين لأن المأمور بالوفاء
هو العقد المقيد الذي لا يوجد إلا بعد القيد وهذا كله على النقل.
وأما على القول بالكشف: فلا يجوز التصرف فيه على ما يستفاد من كلمات
جماعة كالعلامة والسيد العميدي والمحقق الثاني وظاهر غيرهم، وربما اعترض
عليه بعدم المانع له من التصرف، لأن مجرد احتمال انتقال المال عنه في الواقع لا
يقدح في السلطنة الثابتة له،
92

ولذا صرح بعض المعاصرين بجواز التصرف مطلقا. نعم إذا حصل الإجازة كشفت
عن بطلان كل تصرف مناف لانتقال المال إلى المجيز، فيأخد المال مع بقائه وبدله
مع تلفه، قال: نعم لو علم بإجازة المالك لم يجز له التصرف، انتهى. {1}
أقول مقتضى عموم وجوب الوفاء وجوبه على الأصيل ولزوم العقد و
حرمة نقضه من جانبه ووجوب الوفاء عليه ليس مراعي بإجازة المالك، بل
مقتضى العموم وجوبه حتى مع العلم بعدم إجازة المالك
93

ومن هنا يظهر أنه لا فائدة في أصالة عدم الإجازة لكن ما ذكره البعض
المعاصر صحيح على مذهبه في الكشف من كون العقد مشروطا بتعقبه بالإجازة
لعدم احراز الشرط مع الشك، فلا بجب الوفاء به على أحد من المتعاقدين وأما
على المشهور في معنى الكشف من كون نفس الإجازة المتأخرة شرطا لكون العقد
السابق بنفسه مؤثرا تاما، فالذي يجب الوفاء به هو نفس العقد من غير تقييد. وقد
تحقق، فيجب على الأصيل الالتزام به وعدم نقضه إلى أن ينقض فإن رد المالك
فسخ العقد من طرف الأصيل كما أن إجازته امضاء له من طرف الفضولي.
والحاصل أنه إذا تحقق العقد، فمقتضى العموم على القول بالكشف المبني
على كون ما يجب الوفاء به هو العقد من دون ضميمة شئ شرطا أو شطرا حرمة
نقضه على الأصيل مطلقا، فكل تصرف يعد نقضا لعقد المبادلة بمعنى عدم اجتماعه
مع صحة العقد فهو غير جائز

(1) المائدة آية 2.
94

ومن هنا تبين فساد توهم أن العمل بمقتضى العقد كما يوجب حرمة تصرف
الأصيل فيما انتقل عنه كذلك يوجب جواز تصرفه فيما انتقل إليه، لأن مقتضى
العقد مبادلة المالين فحرمة التصرف في ماله مع حرمة التصرف في عوضه ينافي
مقتضى العقد أعني المبادلة توضيح الفساد أن الثابت من وجوب وفاء العاقد بما
التزم على نفسه من المبادلة حرمة نقضه والتخطي عنه، وهذا لا يدل إلا على
حرمة التصرف في ماله حيث التزم بخروجه عن ملكه ولو بالبدل. وأما دخول
البدل في ملكه فليس مما التزمه على نفسه، بل مما جعله لنفسه ومقتضى الوفاء
بالعقد حرمة رفع اليد عما التزم على نفسه. وأما قيد كونه بإزاء مال فهو خارج عن
الالتزام على نفسه، وإن كان داخلا في مفهوم المبادلة فعلا وتركا إلى ما يقتضيه
الأصل، وهي أصالة عدم الانتقال، ودعوى أن الالتزام المذكور أنما هو على
تقدير الإجازة ودخول البدل في ملكه، فالالتزام معلق على تقدير لم يعلم تحققه،
فهو كالنذر المعلق على شرط حيث حكم جماعة بجواز التصرف في المال
المنذور قبل تحقق الشرط إذا لم يعلم بتحققه
95

فكما أن التصرف حينئذ لا يعد حنثا، فكذا التصرف فيما نحن فيه قبل العلم
بتحقق الإجازة لا يعد نقضا، لما التزمه إذ لم يلتزمه في الحقيقة إلا معلقا مدفوعة
بعد تسليم جواز التصرف في مسألة النذر المشهورة بالاشكال أن الفرق بينهما أن
الالتزام هنا غير معلق على الإجازة، وإنما التزم بالمبادلة متوقعا للإجازة فيجب
عليه الوقاء به ويحرم عليه نقضه إلى أن يحصل ما يتوقعه من الإجازة أو ينقض
التزامه برد المالك، ولأجل ما ذكرنا من اختصاص حرمة النقض بما يعد من
التصرفات منافيا لما التزمه الأصيل على نفسه دون غيرها، قال في القواعد في
باب النكاح، ولو تولى الفضولي أحد طرفي العقد ثبت في حق المباشر تحريم
المصاهرة، فإن كان زوجا حرمت عليه الخامسة والأخت والأم والبنت إلا إذا
فسخت على اشكال في الأم. وفي الطلاق نظر لترتبه على عقد لازم، فلا يبيح المصاهرة
وإن كانت زوجة لم يحل لها نكاح غيره إلا إذا فسخ والطلاق هنا معتبر، انتهى.
وعن كشف اللثام نفي الاشكال.
وقد صرح أيضا جماعة بلزوم النكاح المذكور من طرف الأصيل، وفرعوا
عليه تحريم المصاهرة. وأما مثل النظر إلى المزوجة فضولا وإلى أمها مثلا وغيره
مما لا يعد تركه نقضا لما التزم العاقد على نفسه فهو باق تحت الأصول، لأن ذلك
من لوازم علاقة الزوجية الغير الثابتة، بل المنفية بالأصل فحرمة نقض العاقد لما
عقد على نفسه لا يتوقف على ثبوت نتيجة العقد. أعني علاقة الملك أو الزوجية بل
ثبوت النتيجة تابع لثبوت حرمة النقض من الطرفين.
96

ثم إن بعض متأخري المتأخرين ذكر ثمرات أخر لا بأس بذكرها للتنبه بها،
وبما يمكن أن يقال عليها، منها: {1} ما لو انسلخت قابلية الملك عن أحد
المتبايعين بموته قبل إجازة الآخر أو بعروض كفر بارتداد فطري أو غيره، مع كون
المبيع عبدا مسلما أو مصحفا فيصح حينئذ على الكشف دون النقل،
97

وكذا لو انسلخت قابلية المنقول بتلف أو عروض نجاسة له مع ميعانه إلى
غير ذلك {1} وفي مقابله ما لو تجددت القابلية قبل الإجازة بعد انعدامها حال
العقد كما لو تجددت الثمرة وبدا صلاحها بعد العقد قبل الإجازة، وفيما قارن العقد
فقد الشروط، ثم حصلت وبالعكس، وربما يعترض على الأول بامكان دعوى
ظهور الأدلة في اعتبار استمرار القابلية إلى حين الإجازة على الكشف، فيكشف
الإجازة عن حدوث الملك من حين العقد مستمرا إلى حين الإجازة.
وفيه أنه لا وجه لاعتبار استمرار القابلية {2} ولا استمرار التملك
المكشوف عنه بالإجازة إلى حينها، كما لو وقعت بيوع متعددة على ماله، فإنهم
صرحوا بأن إجازة الأول توجب صحة الجميع مع عدم بقاء مالكية الأول مستمرا،
وكما يشعر بعض أخبار المسألة المتقدمة حيث إن ظاهر بعضها وصريح الآخر
عدم اعتبار حياة المتعاقدين حال الإجازة
99

مضافا إلى فحوى خبر {1} تزويج الصغيرين الذي يصلح ردا لما ذكر في الثمرة
الثانية أعني خروج المنقول عن قابلية تعلق انشاء عقد أو إجازة به، لتلف وشبهه،
فإن موت أحد الزوجين كتلف أحد العوضين في فوات أحد ركني العقد، مضافا
إلى اطلاق رواية عروة {2} حيث لم يستفصل النبي صلى الله عليه وآله عن موت الشاة أو ذبحه
واتلافه. نعم ما ذكره أخيرا من تجدد القابلية بعد العقد حال الإجازة لا يصلح ثمرة
للمسألة، لبطلان العقد ظاهرا على القولين، وكذا فيما لو قارن العقد فقد الشرط. و
بالجملة فباب المناقشة وإن كان واسعا إلا أن الأرجح في النظر ما ذكرناه

(1) الوسائل - باب 11 - من أبواب ميراث الأزواج حديث 1.
(2) المستدرك باب 18 من أبواب عقد البيع.
100

وربما يقال بظهور الثمرة في تعلق الخيارات وحق الشفعة واحتساب مبدأ
الخيارات {1} ومعرفة مجلس الصرف والسلم والأيمان والنذور المتعلقة بمال
البائع أو المشتري وتظهر الثمرة الثمرة أيضا في العقود المترتبة على الثمن أو
المثمن، وسيأتي أن شاء الله تعالى.
101

وينبغي التنبيه على أمور:
الأول: إن الخلاف في كون الإجازة كاشفة أو ناقلة، ليس في مفهومها اللغوي {1} و
معنى الإجازة وضعا أو انصرافا، بل في حكمها الشرعي بحسب ملاحظة اعتبار
رضا المالك وأدلة، وجوب الوفاء بالعقود وغيرهما من الأدلة الخارجية، فلو قصد
المجيز الامضاء من حين الإجازة على القول بالكشف أو الامضاء من حين العقد
على القول بالنقل. ففي صحتها وجهان:
103

الثاني: أنه يشترط في الإجازة أن يكون باللفظ الدال عليه على وجه الصراحة
العرفية، كقوله أمضيت وأجزت وأنفذت ورضيت وشبه ذلك. وظاهر رواية
البارقي وقوعها بالكناية وليس ببعيد، إذا اتكل عليه عرفا. والظاهر أن الفعل
الكاشف عرفا عن الرضا بالعقد كاف كالتصرف في الثمن، ومنه إجازة البيع الواقع
عليه، كما سيجئ وكتمكين الزوجة من الدخول بها إذا زوجت فضولا كما صرح
به العلامة رحمه الله
وربما يحكى عن بعض اعتبار اللفظ بل نسب إلى صريح جماعة. وظاهر
آخرين وفي النسبة نظر واستدل عليه بعضهم من أنه كالبيع في استقرار الملك و
هو يشبه المصادرة ويمكن أن يوجه بأن الاستقراء في النواقل الاختيارية اللازمة
كالبيع وشبهه يقتضي اعتبار اللفظ.
ومن المعلوم أن النقل الحقيقي العرفي من المالك يحصل بتأثير الإجازة، و
فيه نظر بل لولا شبهة الاجماع الحاصلة من عبارة جماعة من المعاصرين تعين
القول بكفاية نفس الرضا إذا علم حصوله من أي طريق، كما يستظهر من كثير من
الفتاوى والنصوص. فقد علل جماعة عدم كفاية السكوت في الإجازة بكونه أعم
من الرضا، فلا يدل عليه فالعدول عن التعليل بعدم اللفظ إلى عدم الدلالة كالصريح
فيما ذكرنا، وحكى عن آخرين أنه إذا أنكر الموكل الإذن فيما أوقعه الوكيل من
المعاملة فحلف انفسخت، لأن الحلف يدل على كراهتها، وذكر بعض أنه يكفي في
إجازة البكر للعقد الواقع عليها فضولا سكوتها.
ومن المعلوم أن ليس المراد من ذلك أنه لا يحتاج إلى إجازتها، بل المراد
كفاية السكوت الظاهر في الرضا وإن لم يفد القطع دفعا للحرج عليها وعلينا، ثم إن الظاهر أن كل من قال بكفاية الفعل الكاشف عن الرضا، كأكل الثمن وتمكين
الزوجة اكتفي به من جهة الرضا المدلول عليه به لا من جهة سببية الفعل تعبدا. وقد
صرح غير واحد بأنه لو رضي المكره بما فعله صح ولم يعبروا بالإجازة. وقد ورد
فيمن روجت نفسها في حال السكر أنها إذا أقامت معه بعدما أفاقت فذلك رضاء
منها وعرفت أيضا استدلالهم على كون الإجازة كاشفة بأن العقد مستجمع
للشرائط عدا رضا المالك، فإذا حصل، عمل السبب التام عمله. وبالجملة فدعوى
الاجماع في المسألة دونها خرط القتاد، وحينئذ فالعمومات المتمسك بها
105

لصحة الفضولي السالمة عن ورود مخصص عليها {1} عدا ما دل على
اعتبار رضا المالك في حل ماله وانتقاله إلى الغير ورفع سلطنته عنه أقوى حجة
في المقام،
106

مضافا إلى ما ورد في عدة أخبار، من أن سكوت المولى بعد علمه بتزويج عبده
اقرار منه له عليه، {1} وما دل على أن قول المولى لعبده، المتزوج بغير إذنه طلق،
يدل على الرضا بالنكاح، فيصير إجازة، {2} وعلى أن المانع من لزوم نكاح العبد
بدون إذن مولاه معصية المولى {3} التي يرتفع بالرضا

(1) سورة النساء آية 29 - الوسائل - باب 3 - من أبواب مكان المصلي حديث 1.
(2) الوسائل - باب 26 - من أبواب نكاح العبيد والأماء حديث 1.
(3) الوسائل - باب 27 - من أبواب نكاح العبيد والأماء حديث 1.
(4) الوسائل - باب 24 - من أبواب نكاح العبيد والأماء حديث 1.
107

وما دل على أن التصرف من ذي الخيار رضا منه {1} وغير ذلك. بقي في
المقام أنه إذا قلنا بعدم اعتبار انشاء الإجازة باللفظ وكفاية مطلق الرضا أو الفعل
الدال عليه، فينبغي أن يقال بكفاية وقوع مثل ذلك مقارنا للعقد أو سابقا، فإذا
فرضنا أنه علم رضا المالك بقول أو فعل يدل على رضاه ببيع ماله كفي في اللزوم،
لأن ما يؤثر بلحوقه يؤثر بمقارنته بطريق أولى.
والظاهر أن الأصحاب لا يلتزمون بذلك، فمقتضى ذلك أن لا يصح الإجازة
إلا بما لو وقع قبل العقد كان إذنا مخرجا للبيع عن بيع الفضولي، ويؤيد ذلك أنه لو
كان مجرد الرضا ملزما كان مجرد الكراهة فسخا، فيلزم عدم وقوع بيع الفضولي
مع نهي المالك، لأن الكراهة الحاصلة حينه و بعده ولو آنا ما، يكفي في الفسخ، بل
يلزم عدم وقوع بيع المكره أصلا، إلا أن يلتزم بعدم كون مجرد الكراهة فسخا، و
إن كان مجرد الرضا إجازة.

(1) الوسائل باب 4 من أبواب الخيار.
108

الثالث: من شروط الإجازة أن لا يسبقها الرد {1} إذ مع الرد، ينفسخ العقد فلا يبقى
ما يلحقه الإجازة، والدليل عليه بعد ظهور الاجماع بل {2} التصريح به في كلام
بعض مشايخنا أن الإجازة إنما تجعل المجيز أحد طرفي العقد {3} وإلا لم يكن
مكلفا بالوفاء بالعقد لما عرفت من أن وجوب الوفاء إنما هو في حق العاقدين أو
من قام مقامهما. وقد تقرر أن من شروط الصيغة أن لا يحصل بين طرفي العقد ما
يسقطهما عن صدق العقد الذي هو في معنى المعاهدة،
109

هذا مع أن مقتضى سلطنة الناس على أموالهم {1} تأثير الرد في قطع علاقة الطرف
الآخر عن ملكه، فلا يبقى ما يلحقه الإجازة، فتأمل.

(1) البحار ج 2 - ص 272 الطبع الحديث.
110

نعم الصحيحة الواردة في بيع الوليدة ظاهرة في صحة الإجازة بعد الرد {1}
اللهم إلا أن يقال: إن الرد الفعلي كأخذ المبيع مثلا غير كاف {2} بل لا بد من انشاء
الفسخ ودعوى أن الفسخ هنا ليس بأولى من الفسخ في العقود اللازمة. وقد
صرحوا بحصوله بالفعل، يدفعها أن الفعل الذي يحصل به الفسخ، هو فعل لوازم
ملك المبيع كالوطي والعتق ونحوهما، لا مثل أخذ المبيع.
وبالجملة فالظاهر هنا وفي جميع الالتزامات عدم الاعتبار بالإجازة
الواقعة عقيب الفسخ، فإن سلم ظهور الرواية في خلافه، فليطرح أو يأول.

(1) الوسائل - باب 88 - من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث 1.
111

الرابع: الإجازة أثر من آثار سلطنة المالك على ماله {1} فموضوعها المالك،
فقولنا له أن يجيز مثل قولنا له أن يبيع، والكل راجع إلى أن له أن يتصرف، فلو
مات المالك لم يورث الإجازة وإنما يورث المال الذي عقد عليها الفضولي، فله
الإجازة بناء على ما سيجئ من جواز مغايرة المجيز والمالك حال العقد، فيمن
باع مال أبيه فبان ميتا والفرق بين إرث الإجازة وإرث المال يظهر بالتأمل.
112

الخامس: إجازة البيع ليست إجازة لقبض الثمن ولا لاقباض المبيع {1} ولو
أجازهما صريحا أو فهم إجازتهما من إجازة البيع مضت الإجازة، لأن مرجع
إجازة القبض
113

إلى اسقاط ضمان الثمن عن عهدة المشتري، ومرجع إجازة الاقباض إلى حصول
المبيع في يد المشتري برضا البائع، فيترتب عليه جميع الآثار المترتبة على قبض
المبيع، لكن ما ذكرنا أنما يصح في قبض الثمن المعين. وأما قبض الكلي و
تشخصه به فوقوعه من الفضولي على وجه تصححه الإجازة يحتاج إلى دليل
معمم لحكم عقد الفضولي لمثل القبض والاقباض، واتمام الدليل على ذلك
لا يخلو عن صعوبة. {1}
114



(1) الوسائل - باب 10 - من أبواب الخيار.
115

وعن المختلف أنه حكى عن الشيخ: أنه لو أجاز المالك بيع الغاصب لم
يطالب المشتري بالثمن. ثم ضعفه بعدم استلزم إجازة العقد لإجازة القبض، وعلى
أي حال فلو كان إجازة العقد دون القبض لغوا، كما في الصرف والسلم بعد قبض
الفضولي والتفرق، كان إجازة العقد إجازة للقبض صونا للإجازة عن اللغوية. {1}
116

ولو قال أجزت العقد دون القبض، ففي بطلان العقد أو بطلان رد القبض وجهان {1}
117

السادس: الإجازة ليست على الفور للعمومات، ولصحيحة محمد بن
قيس {1} وأكثر المؤيدات المذكورة بعدها ولو لم يجز المالك، ولم يرد حتى لزم
تضرر الأصيل بعدم تصرفه فيما انتقل عنه وإليه على القول بالكشف، فالأقوى {2}
تداركه بالخيار أو اجبار المالك على أحد الآخرين

(1) الوسائل - باب 88 - من أبواب نكاح العبيد والأماء حديث 1.
118

السابع: هل يعتبر في صحة الإجازة مطابقتها للعقد الواقع عموما أو
خصوصا أم لا وجهان: {1} الأقوى التفصيل، فلو أوقع العقد على صفقة فأجاز
المالك بيع بعضها، فالأقوى الجواز، كما لو كانت الصفقة بين مالكين فأجاز
أحدهما وضرر التبعض على المشتري يجبر بالخيار

(1) الوسائل - باب 1 - من أبواب الأمر والنهي وما يناسبهما وغيره من الأبواب.
(2) الوسائل - باب 17 - من أبواب الخيار - حديث 3 - 4 - 5.
119

ولو أوقع العقد على شرط فأجازه المالك مجردا عن الشرط فالأقوى عدم الجواز
بناء على عدم قابلية العقد للتبعيض من حيث الشرط {1} وإن كان قابلا للتبعيض
من حيث الجزء. {2} ولذا لا يؤثر بطلان الجزء بخلاف بطلان الشرط، ولو انعكس
الأمر بأن عقد الفضولي مجردا عن الشرط وأجاز المالك مشروطا
121

ففي صحة الإجازة مع الشرط إذا رضي به الأصيل فيكون نظير الشرط
الواقع في ضمن القبول {1} إذا رضي به الموجب أو بدون الشرط لعدم وجوب
الوفاء بالشرط إلا إذا وقع في حيز العقد فلا يجدي وقوعه في حيز القبول إلا إذا
تقدم على الايجاب [ليرد الايجاب] عليه أيضا أو بطلانها لأنه إذا لغى الشرط لغى
المشروط لكون المجموع التزاما واحدا وجوه أقواها الأخير. {2}
وأما القول في المجيز فاستقصاؤه يتم ببيان أمور. {3}
الأول: يشترط في المجيز أن يكون حين الإجازة جائز التصرف {4} بالبلوغ والعقل
122

والرشد، ولو أجاز المريض بنى نفوذها على نفوذ منجزات المريض {1} ولا فرق
فيما ذكر بين القول بالكشف والنقل
الثاني: هل يشترط في صحة عقد الفضولي وجود مجيز، حين {2} العقد فلا
يجوز بيع مال اليتيم لغير مصلحة
123

ولا ينفعه إجازته إذا بلغ أو إجازة وليه إذا حدثت المصلحة بعد البيع أم لا
يشترط قولان: أولهما للعلامة في ظاهر القواعد. واستدل له بأن العقد والحال
هذه ممتنعة، فإذا امتنع في زمان امتنع دائما {1}
124

وبلزوم الضرر على المشتري {1} لامتناع تصرفه في العين لامكان عدم الإجازة،
ولعدم تحقق المقتضي ولا في الثمن لامكان تحقق الإجازة، فيكون قد خرج عن
ملكه ويضعف الأول مضافا إلى ما قيل من انتقاضه بما إذا كان المجيز بعيدا امتنع
الوصول إليه عادة منع ما ذكره من أن امتناع صحة العقد في زمان يقتضي امتناعه
دائما سواء قلنا بالنقل أم بالكشف.
وأما الضرر، فيتدارك بما يتدارك به صورة النقض المذكورة، هذا كله مضافا
إلى الأخبار الواردة في تزويج الصغار فضولا، الشاملة لصورة وجود ولي النكاح
واهماله الإجازة إلى بلوغهم وصورة عدم وجود الولي بناء على عدم ولاية
الحاكم على الصغير في النكاح وانحصار الولي في الأب والجد والوصي على
خلاف فيه، وكيف كان فالأقوى عدم الاشتراط وفاقا للمحكي عن ابن المتوج
البحراني والشهيد والمحقق الثاني وغيرهم، بل لم يرجحه غير العلامة رحمهم الله
126

ثم اعلم أن العلامة في القواعد مثل لعدم وجود المجيز ببيع مال اليتيم.
وحكى عن بعض العامة وهو البيضاوي على ما قيل الايراد عليه بأنه لا يتم
على مذهب الإمامية من وجود الإمامية من وجود الإمام (ع) في كل عصر وعن
المصنف قدس سره أنه أجاب بأن الإمام غير متمكن من الوصول إليه وانتصر
للمورد بأن نائب الإمام وهو المجتهد الجامع للشرائط موجود، بل لو فرض عدم
المجتهد فالعدل موجود بل للفساق الولاية على الطفل في مصالحه مع عدم العدول
لكن الانتصار في غير محله إذ كما يمكن فرض عدم التمكن من الإمام يمكن عدم
اطلاع نائبه من المجتهد والعدول أيضا، فإن أريد وجود ذات المجيز فالأولى منع
تسليم دفع الاعتراض بعدم التمكن من الإمام عليه السلام وإن أريد وجوده مع تمكنه من
الإجازة فيمكن فرض عدمه في المجتهد والعدول إذا لم يطلعوا على العقد.
فالأولى ما فعله فخر الدين والمحقق الثاني من تقييد بيع مال اليتيم بما إذا كان
على خلاف المصلحة فيرجع الكلام أيضا إلى اشتراط امكان فعلية الإجازة من
المجيز لا وجود ذات من شأنه الإجازة فإنه فرض غير واقع في الأموال.
الثالث: لا يشترط في المجيز كونه جائز التصرف حال العقد {1} سواء كان
عدم التصرف لأجل عدم المقتضي أو للمانع وعدم المقتضي قد يكون لأجل عدم
كونه مالكا ولا مأذونا حال العقد. وقد يكون لأجل كونه محجورا عليه لسفه أو
جنون أو غيرهما والمانع كما لو باع الراهن بدون إذن المرتهن، ثم فك الرهن
فالكلام يقع في مسائل:
127

الأولى: أن يكون المالك حال العقد هو المالك حال الإجازة لكن المجيز لم يكن
حال العقد جائز التصرف لحجر {1} والأقوى صحة الإجازة بل عدم الحاجة إليها
إذا كان عدم جواز التصرف لتعلق حق الغير كما لو باع الراهن ففك الرهن قبل
مراجعة المرتهن فإنه لا حاجة إلى الإجازة كما صرح به في التذكرة.
129

الثانية: أن يتجدد الملك بعد العقد فيجيز المالك الجديد سواء كان هو البائع
أو غيره {1} لكن عنوان المسألة في كلمات القوم هو الأول، وهو: ما لو باع شيئا،
ثم ملكه، وهذه تتصور على صور، لأن غير المالك إما أن يبيع لنفسه أو للمالك، و
الملك إما أن ينتقل إليه باختياره كالشراء أو بغير اختياره كالإرث ثم البايع الذي
يشتري الملك، إما أن يجيز العقد الأول وإما أن لا يجيزه، فيقع الكلام في وقوعه
للمشتري الأول بمجرد شراء البائع له، والمهم هنا التعرض، لبيان ما لو باع لنفسه،
ثم اشتراه من المالك وأجاز وما لو باع واشترى ولم يجز ويعلم حكم غير هما منهما.
أما المسألة الأولى: فقد اختلفوا فيها {2} فظاهر المحقق في باب الزكاة من
المعتبر: فيما إذا باع المالك النصاب قبل اخراج الزكاة أو رهنه، أنه صح البيع
والرهن فيما عدا الزكاة، فإن اغترم حصه الفقراء، قال الشيخ صح البيع والرهن. و
فيه اشكال لأن العين مملوكة وإذا أدى العوض ملكها ملكا مستأنفا فافتقر بيعها إلى
إجازة مستأنفة، كما لو باع مال غيره، ثم اشتراه انتهى.
بل يظهر مما حكاه عن الشيخ عدم الحاجة إلى الإجازة إلا أن يقول الشيخ
بتعلق الزكاة بالعين كتعلق الدين بالرهن، فإن الراهن إذا باع ففك الرهن قبل
مراجعة المرتهن لزم، ولم يحتج إلى إجازة مستأنفة. وبهذا القول صرح الشهيد رحمه الله في
تعليق الإرشاد، وهو البطلان
132

ومال إليه بعض المعاصرين تبعا لبعض معاصريه، والأقوى هو الأول للأصل {1}
والعمومات السليمة عما يرد عليه ما عدا أمور لفقها بعض من قارب عصرنا مما
يرجع أكثرها إلى ما ذكر في الإيضاح وجامع المقاصد.
الأول: إنه قد باع مال الغير لنفسه وقد مر الاشكال فيه، {2} وربما لا يجري
فيه بعض ما ذكر هناك.
وفيه أنه قد سبق أن الأقوى صحته {3} وربما يسلم هنا عن بعض
الاشكالات الجارية هناك مثل مخالفة الإجازة لما قصده المتعاقدان. {4}

(1) الوسائل - باب 15 - من أبواب ما تحب فيه الزكاة.
133

الثاني: إنا حيث جوزنا بيع غير المملوك مع انتفاء الملك ورضى المالك و
القدرة على التسليم، اكتفينا بحصول ذلك للمالك المجيز {1} لأنه البائع حقيقة و
الفرض هنا عدم إجازته وعدم وقوع البيع عنه، وفيه أن الثابت هو اعتبار رضاء
من هو المالك حال الرضا سواء ملك حال العقد أم لا لأن الداعي على اعتبار
الرضا سلطنة الناس على أموالهم وعدم حلها لغير ملاكها بغير طيب أنفسهم، وقبح
التصرف فيها بغير رضاهم. وهذا المعنى لا يقتضي أزيد مما ذكرنا. وأما القدرة
على التسليم فلا نضائق من اعتبارها في المالك حين العقد، ولا يكتفي بحصولها
فيمن هو مالك حين الإجازة، وهذا كلام آخر لا يقدح التزامه في صحة البيع
المذكور لأن الكلام بعد استجماعه للشروط المفروغ عنها
135

الثالث: إن الإجازة حيث صحت كاشفة {1} على الأصح مطلقا لعموم الدليل
الدال عليه، ويلزم حينئذ خروج المال عن ملك البائع قبل دخوله فيه، وفيه منع
كون الإجازة كاشفة مطلقا عن خروج الملك عن ملك المجيز من حين العقد، {2}
حتى فيما لو كان المجيز غير المالك حين العقد، فإن مقدار كشف الإجازة تابع
لصحة البيع، فإذا ثبت بمقتضى العمومات أن العقد الذي أوقعه البائع لنفسه عقد
صدر من أهل العقد في المحل القابل للعقد عليه، ولا مانع من وقوعه إلا عدم
رضاء مالكه، فكما أن مالكه الأول إذا رضي يقع البيع له، فكذلك مالكه الثاني
136

إذا رضي يقع البيع له ولا دليل على اعتبار كون الرضا المتأخر ممن هو
مالك حال العقد، وحينئذ فإذا ثبت بالدليل فلا محيص عن القول بأن الإجازة
كاشفة عن خروج المال عن ملك المجيز في أول أزمنة قابليته، إذ لا يمكن الكشف
فيه على وجه أخر، فلا يلزم من التزام هذا المعنى على الكشف محال عقلي ولا
شرعي حتى يرفع اليد من أجله عن العمومات المقتضية للصحة. فإن كان لا بد من
الكلام فينبغي في المقتضي للصحة أو في القول بأن الواجب في الكشف عقلا أو
شرعا أن يكون عن خروج المال عن ملك المجيز وقت العقد. وقد عرفت أن لا
كلام في مقتضي الصحة، ولذا لم يصدر من المستدل على البطلان، وأنه لا مانع
عقلا ولا شرعا من كون الإجازة كاشفة من زمان قابلية تأثيرها، ولا يتوهم أن
هذا نظير ما لو خصص المالك الإجازة بزمان متأخر عن العقد، إذ
137

التخصيص إنما يقدح مع القابلية، كما أن تعميم الإجازة لما قبل ملك المجيز بناء
على ما سبق في دليل الكشف من أن معنى الإجازة امضاء العقد من حين الوقوع،
أو امضاء العقد الذي مقتضاه النقل من حين الوقوع غير قادح مع عدم قابلية
تأثيرها، إلا من زمان ملك المجيز للمبيع.
الرابع: إن العقد الأول، إنما صح وترتب عليه أثره بإجازة الفضولي، وهي
متوقفة على صحة العقد الثاني المتوقفة على بقاء ملك مالكه الأصلي، فيكون صحة
الأول مستلزما لكون المال المعين ملكا للمالك والمشتري معا في زمان واحد، و
138

لعدم الثاني أيضا فيلزم وجوده وعدمه في آن واحد وهو محال، فإن قلت:
مثل هذا لازم في كل عقد فضولي لأن صحته موقوفة على الإجازة المتأخرة
المتوقفة على بقاء ملك المالك والمستلزمة لملك المشتري كذلك فيلزم كونه بعد
العقد ملك المالك والمشتري معا في آن واحد، فيلزم إما بطلان عقد الفضولي
مطلقا، أو بطلان القول بالكشف فلا اختصاص لهذا الايراد بما نحن فيه.
قلنا: يكفي في الإجازة ملك المالك ظاهرا وهو الحاصل من استصحاب
ملكه السابق، لأنها في الحقيقة رفع اليد واسقاط للحق، ولا يكفي الملك الصوري
في العقد الثاني.
أقول: قد عرفت أن القائل بالصحة ملتزم بكون الأثر المترتب على العقد
الأول بعد إجازة العاقد له هو تملك المشتري له من حين ملك العاقد لا من حين
العقد. وحينئذ فتوقف إجازة العقد الأول على صحة العقد الثاني مسلم، وتوقف صحة
العقد الثاني على بقاء الملك على ملك مالكه الأصلي إلى زمان العقد مسلم أيضا.
فقوله صحة الأول يستلزم كون المال ملكا للمالك والمشتري في زمان
ممنوع بل صحته تستلزم خروج العين عن ملكية المالك الأصلي، نعم إنما يلزم ما
ذكره من المحال، إذا ادعى وجوب كون الإجازة كاشفة عن الملك حين العقد،
ولكن هذا أمر تقدم دعواه في الوجه الثالث. وقد تقدم منعه، فلا وجه لإعادته
بتقرير آخر، كما لا يخفى، نعم يبقى في المقام {1} الاشكال الوارد في مطلق الفضولي
139

على القول بالكشف وهو كون الملك حال الإجازة للمجيز والمشتري معا،
وهذا اشكال آخر تعرض لاندفاعه أخيرا، غير الاشكال الذي استنتجه من
المقدمات المذكورة، وهو لزوم كون الملك للمالك الأصلي وللمشتري. نعم يلزم
من ضم هذا الاشكال العام إلى ما يلزم في المسألة على القول بالكشف من حين
العقد اجتماع ملاك ثلاثة على ملك واحد قبل العقد الثاني. لوجوب التزام ملكية
المالك الأصلي حتى يصح العقد الثاني، ومالكية المشتري له، لأن الإجازة
تكشف عن ذلك وملكية العاقد له لأن ملك المشتري لا بد أن يكون عن ملكه، و
إلا لم ينفع إجازته في ملكه من حين العقد لأن إجازة غير المالك لا يخرج ملك
الغير إلى غيره. ثم إن ما أجاب به عن الاشكال الوارد في مطلق الفضولي لا يسمن
ولا يغني، لأن الإجازة إذا وقعت فإن كشفت عن ملك المشتري قبلها كشفت عما
يبطلها، لأن الإجازة لا تكون إلا من المالك الواقعي والمالك الظاهري إنما يجدي
إجازته إذا لم ينكشف كون غيره مالكا حين الإجازة {1} ولذا لو تبين في مقام
آخر كون المجيز غير المالك لم تنفع إجازته، لأن المالكية من الشرائط الواقعية
دون العلمية.
140

ثم إن ما ذكره في الفرق بين الإجازة والعقد الثاني من كفاية الملك الظاهري في
الأول دون الثاني تحكم صرف، خصوصا مع تعليله بأن الإجازة رفع لليد و
اسقاط للحق، فليت شعري أن اسقاط الحق كيف يجدي وينفع مع عدم الحق
واقعا، مع أن الإجازة رفع لليد من الملك أيضا بالبديهة، والتحقيق أن الاشكال إنما
نشأ من الاشكال الذي ذكرناه سابقا في كاشفية الإجازة على الوجه المشهور، من
كونها شرطا متأخرا يوجب حدوثه تأثير السبب المتقدم من زمانه.
الخامس: إن الإجازة المتأخرة لما كشفت عن صحة العقد الأول {1} وعن
كون المال ملك المشتري الأول، فقد وقع العقد الثاني على ماله، فلا بد من إجازته،
كما لو بيع المبيع من شخص آخر فأجاز المالك البيع الأول، فلا بد من إجازة
المشتري البيع الثاني، حتى يصح ويلزم، فعلى هذا يلزم توقف إجازة كل من
الشخصين على إجازة الآخر وتوقف صحة كل من العقدين على إجازة المشتري
الغير الفضولي، وهو من الأعاجيب، بل من المستحيل، لاستلزام ذلك عدم تملك
المالك الأصيل شيئا من الثمن والمثمن وتملك
141

المشتري الأول المبيع بلا عوض إن اتحد الثمان ودون تمامه إن زاد الأول ومع
زيادة إن نقص لانكشاف وقوعه في ملكه فالثمن له، وقد كان المبيع له أيضا بما
بذله من الثمن وهو ظاهر.
والجواب عن ذلك ما تقدم في سابقه من ابتنائه على وجوب كون الإجازة
كاشفة عن الملك من حين العقد وهو ممنوع. {1}
والحاصل أن منشأ الوجوه الأخيرة شئ واحد والمحال على تقديره
مسلم بتقريرات مختلفة، قد نبه عليه في الإيضاح وجامع المقاصد.
142

السادس: إن من المعلوم أنه يكفي في إجازة المالك وفسخه فعل ما هو من
لوازمها، ولو باع المالك ماله من الفضولي بالعقد الثاني، فقد نقل المال عن نفسه و
تملك الثمن وهو لا يجامع صحة العقد الأول {1} فإنها تقتضي تملك المالك للثمن
الأول وحيث وقع الثاني يكون فسخا له وإن لم يعلم بوقوعه، فلا يجدي الإجازة
المتأخرة.
وبالجملة حكم عقد الفضولي قبل الإجازة، كسائر العقود الجائزة بل أولى
منها فكما أن التصرف المنافي مبطل لها كذلك عقد الفضولي.
والجواب إن فسخ عقد الفضولي هو انشاء رده.
وأما الفعل المنافي لمضيه كتزويج المعقودة {2} فضولا نفسها من آخر، و
بيع المالك ماله المبيع فضولا من آخر، فليس فسخا له خصوصا مع عدم التفاته إلى
وقوع عقد الفضولي
143

غاية ما في الباب أن الفعل المنافي لمضي العقد مفوت لمحل الإجازة، فإذا فرض
وقوعه صحيحا فات محل الإجازة، ويخرج العقد عن قابلية الإجازة، إما مطلقا،
كما في مثال التزويج أو بالنسبة إلى من فات محل الإجازة بالنسبة إليه كما في
مثال البيع، فإن محل الإجازة إنما فات بالنسبة إلى الأول، فللمالك الثاني أن
يجيز، نعم لو فسخ المالك الأول نفس العقد بانشاء الفسخ بطل العقد من حينه
اجماعا، ولعموم تسلط الناس على أموالهم بقطع علاقة الغير عنها.
فالحاصل أنه إن أريد من كون البيع الثاني فسخا أنه ابطال لأثر العقد في
الجملة فهو مسلم، ولا يمنع ذلك من بقاء العقد متزلزلا بالنسبة إلى المالك الثاني
فيكون له الإجازة، وإن أريد أنه إبطال العقد رأسا فهو ممنوع، إذ لا دليل على كونه
كذلك، وتسمية مثل ذلك الفعل ردا في بعض الأحيان من حيث أنه مسقط للعقد
عن التأثير بالنسبة إلى فاعله بحيث يكون الإجازة منه بعده لغوا، نعم لو فرضنا
قصد المالك من ذلك الفعل فسخ العقد بحيث يعد فسخا فعليا، لم يبعد كونه
كالانشاء بالقول، لكن الالتزام بذلك لا يقدح في المطلب
144

إذ المقصود أن مجرد بيع المالك لا يوجب بطلان العقد، ولذا لو فرضنا انكشاف
فساد هذا البيع بقي العقد على حاله من قابلية لحوق الإجازة.
وأما الالتزام في مثل الهبة والبيع في زمان الخيار بانفساخ العقد من ذي
الخيار بمجرد الفعل المنافي فلأن صحة التصرف المنافي تتوقف على فسخ العقد،
وإلا وقع في ملك الغير {1} بخلاف ما نحن فيه، فإن تصرف المالك في ماله المبيع
فضولا صحيح في نفسه، لوقوعه في ملكه، فلا يتوقف على فسخه، غاية الأمر أنه
إذا تصرف فات محل الإجازة.
ومن ذلك يظهر ما في قوله رحمه الله أخيرا.
وبالجملة حكم عقد الفضولي حكم سائر العقود الجائزة، بل أولى فإن
قياس العقد المتزلزل من حيث الحدوث على المتزلزل من حيث البقاء قياس مع
الفارق فضلا عن دعوى الأولوية وسيجئ مزيد بيان لذلك في بيان ما يتحقق به الرد
145

(السابع): الأخبار المستفيضة الحاكية لنهي النبي صلى الله عليه وآله عن بيع ما ليس عندك
{1} فإن النهي فيها أما لفساد البيع مطلقا بالنسبة إلى المخاطب وإلى المالك فيكون دليلا على فساد العقد الفضولي، وأما لبيان فساده بالنسبة إلى
المخاطب خاصة كما استظهرناه سابقا فيكون دالا على عدم وقوع بيع مال الغير
لبائعه مطلقا ولو ملكه فأجاز، بل الظاهر إرادة حكم خصوص صورة تملكه بعد
البيع، وإلا فعدم وقوعه له قبل تملكه مما لا يحتاج إلى البيان

(1) راجع ص 33.
146

إلى البيان، وخصوص رواية يحيى بن الحجاج المصححة إليه قال: سألت أبا
عبد الله عليه السلام عن الرجل يقول لي: اشتر لي هذا الثوب وهذه الدابة وبعنيها أربحك
كذا وكذا، قال: لا بأس بذلك اشترها ولا تواجبه قبل أن تستوجبها أو تشتريها.
ورواية خالد بن الحجاج قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام الرجل يجيئني ويقول:
اشتر هذا الثوب وأربحك كذا وكذا قال: أليس إن شاء أخذ وإن شاء ترك؟ قلت:
بلى، قال: لا بأس به، إنما يحلل الكلام ويحرم، الكلام بناء على أن المراد بالكلام
عقد البيع فيحلل نفيا ويحرم اثباتا، كما فهمه في الوافي، أو يحلل إذا وقع بعد
الاشتراء ويحرم إذا وقع قبله أو أن الكلام الواقع قبل الاشتراء يحرم إذا كان بعنوان
العقد الملزم. ويحلل إذا كان على وجه المساومة والمراضاة.
وصحيحة ابن مسلم قال: سألته عن رجل أتاه رجل فقال له: ابتع لي متاعا
لعلي أشتريه منك بنقد أو نسية، فابتاعه الرجل من أجله قال ليس به بأس إنما
يشتريه منه بعد ما يملكه.
وصحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل أمر رجلا ليشتري
له متاعا فيشتريه منه، قال لا بأس بذلك، إنما البيع بعد ما يشتريه.
وصحيحة معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام يجيئني الرجل
فيطلب مني بيع الحرير وليس عندي شئ، فيقاولني وأقاوله في الربح والأجل،
حتى يجتمع على شئ، ثم أذهب لأشتري الحرير فأدعوه إليه، فقال: أرأيت إن
وجد مبيعا هو أحب إليه مما عندك أتستطيع أن تصرف إليه عنه وتدعه، قلت نعم
قال: لا بأس وغيرها من الروايات

(1) الوسائل باب 8 من أبواب العقود حديث 8.
(2) نفس المصدر ح 6.
(3) المصدر ح 7.
(4) نفس المصدر حديث 13.
(5) نفس المصدر حديث 4.
147

ولا يخفى ظهور هذه الأخبار من حيث المورد في بعضها ومن حيث
التعليل في بعضها الآخر، في عدم صحة البيع قبل الاشتراء، وأنه يشترط في البيع
الثاني تملك البائع له واستقلاله، فيه، ولا يكون قد سبق منه ومن المشتري إلزام
والتزام سابق لذلك المال
والجواب عن العمومات أنها إنما تدل على عدم ترتب الأثر المقصود من
البيع وهو النقل والانتقال المنجز على بيع ما ليس عنده، فلا يجوز ترتب الأثر
على هذا البيع لا من طرف البائع بأن يتصرف في الثمن ولا من طرف المشتري
بأن يطالب البائع بتسليم المبيع، ومنه يظهر الجواب عن الأخبار {1} فإنها لا تدل
خصوصا بملاحظة قوله عليه السلام ولا تواجبه البيع قبل أن تستوجبها إلا على أن الممنوع
منه هو الالزام والالتزام من المتبايعين بآثار البيع المذكور قبل الاشتراء، فكذا
بعده من دون حاجة إلى إجازة وهي المسألة الآتية أعني لزوم البيع بنفس
الاشتراء من البائع من دون حاجة إلى الإجازة وسيأتي أن الأقوى فيها البطلان،
وما قيل من أن تسليم البائع للمبيع، بعد اشترائه من المشتري الأول مفروض في
مورد الروايات وهي إجازة فعلية مدفوع بأن التسليم إذا وقع باعتقاد البيع السابق
وكونه من مقتضيات لزوم العقد وأنه مما لا اختيار للبائع فيه، بل يجبر عليه إذا
امتنع فهذا لا يعد إجازة ولا يترتب عليه أحكام الإجازة في باب الفضولي، لأن
المعتبر في الإجازة قولا وفعلا ما يكون عن سلطنة واستقلال، لأن ما يدل على
اعتبار طيب النفس في صيرورة
148

مال الغير حلالا لغيره يدل على عدم كفاية ذلك، نعم يمكن أن يقال: إن مقتضى
تعليل نفي البأس في رواية خالد المتقدمة، بأن المشتري إن شاء أخذ وإن شاء ترك
ثبوت البأس في البيع السابق بمجرد لزومه على الأصيل. وهذا محقق فيما نحن
فيه بناء على ما تقدم، من أنه ليس للأصيل في عقد الفضولي المعاملة قبل إجازة
المالك أورده لكن الطاهر بقرينة النهي عن مواجبة البيع في الخبر المتقدم إرادة
اللزوم من الطرفين.
والحاصل أن دلالة الروايات عموما وخصوصا على النهي عن البيع قبل الملك
مما لا مساغ لانكاره، ودلالة النهي على الفساد أيضا مما لم يقع فيها المناقشة في
هذه المسألة، إلا أنا نقول أن المراد بفساد البيع عدم ترتب ما يقصد منه عرفا من
الآثار في مقابل الصحة التي هي امضاء الشارع، لما يقصد عرفا من انشاء البيع
مثلا لو فرض حكم الشارع بصحة بيع الشئ قبل تملكه، على الوجه الذي يقصده
أهل المعاملة، كأن يترتب عليه بعد البيع النقل والانتقال، وجواز تصرف البائع في
الثمن وجواز مطالبة المشتري البائع بتحصيل المبيع من مالكه وتسليمه، وعدم
جواز امتناع البايع بعد تحصيله على تسليمه، ففساد البيع بمعنى عدم ترتب جميع
ذلك عليه وهو لا ينافي قابلية العقد للحقوق الإجازة من مالكه حين العقد
149

أو ممن يملكه بعد العقد ولا يجب على القول بدلالة النهي على الفساد،
وقوع المنهي عنه لغوا غير مؤثر أصلا، كما يستفاد من وجه دلالة النهي على الفساد
فإن حاصله دعوى دلالة النهي على إرشاد المخاطب وبيان أن مقصوده من الفعل
. المنهي عنه وهو الملك والسلطنة من الطرفين لا يترتب عليه، فهو غير مؤثر في
مقصود المتابيعين لا أنه لغو من جميع الجهات، فافهم.
اللهم إلا أن يقال: أن ترتب جميع مقاصد المتعاقدين على عقد بمجرد
انشائه، مع وقوع مدلول ذلك العقد في نظر الشارع، مقيدا بانضمام بعض الأمور
اللاحقة، كالقبض في الهبة ونحوها، والإجازة في الفضولي لا يقتضي النهي عنها
بقول مطلق، إذ معنى صحة المعالمة شرعا أن يترتب عليها المدلول المقصود من انشائه ولو مع شرط لاحق، وعدم بناء المتعاملين على مراعاة ذلك الشرط،
لا يوجب النهي عنه إلا مقيدا بتجرده عن لحوق ذلك الشرط فقصدهم ترتب
150

الروايات هو عدم وقوع البيع قبل التملك للبائع، وعدم ترتب أثر الانشاء المقصود
منه عليه مطلقا حتى مع الإجازة. وأما صحته بالنسبة إلى المالك إذا أجاز، فلأن
النهي راجع إلى وقوع البيع المذكور للبائع، فلا تعرض فيه لحال المالك إذا أجاز،
فيرجع فيه إلى مسألة الفضولي. نعم قد {1} يخدش فيها أن ظاهر كثير من الأخبار
المتقدمة ورودها في بيع الكلي، وأنه لا يجوز بيع الكلي في الذمة، ثم اشتراء
بعض أفراده وتسليمه إلى المشتري الأول، والمذهب جواز ذلك وإن نسب
الخلاف فيه إلى بعض العبائر، فيقوي في النفس أنها وما ورد في سياقها في بيع
الشخصي أيضا كروايتي يحيى وخالد المتقدمتين أريد بها الكراهة، أو وردت في
مقام التقية، لأن المنع عن بيع الكلي حالا مع عدم وجوده عند البائع حال البيع
مذهب جماعة من العامة، كما صرح به في بعض الأخبار مستندين في ذلك إلى
النهي عن بيع ما ليس عندك. لكن الاعتماد على هذا التوهين في رفع اليد عن
الروايتين المتقدمتين الواردتين في بيع الشخصي وعموم مفهوم التعليل في
الأخبار الواردة في بيع الكلي خلاف الانصاف إذ غاية الأمر حمل الحكم في
مورد تلك الأخبار وهو بيع الكلي قبل التملك على التقية، وهو لا يوجب طرح
مفهوم التعليل رأسا فتدبر.
151

فالأقوى العمل بالروايات والفتوى بالمنع عن البيع المذكور، ومما يؤيد المنع
مضافا إلى ما سيأتي عن التذكرة والمختلف من دعوى الاتفاق رواية الحسن بن
زياد {1} الطائي الواردة في نكاح العبد بغير إذن مولاه، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام:
إني كنت رجلا مملوكا فتزوجت بغير إذن مولاي، ثم اعتقني بعد فأجدد النكاح؟
فقال: علموا أنك تزوجت؟ قلت: نعم قد علموا فسكتوا ولم يقولوا لي شيئا، قال:
ذلك اقرار منهم أنت على نكاحك، الخبر.
فإنها ظاهرة بل صريحة في أن علة البقاء بعد العتق على ما فعله بغير إذن
مولاه هو إقراره المستفاد من سكوته، فلو كان صيرورته حرا مالكا لنفسه مسوغة
للبقاء مع إجازته أو بدونها لم يحتج إلى الاستفصال عن أن المولى سكت أم لا،
للزوم العقد على كل تقدير.

(1) الوسائل باب 26 من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث 3.
152

ثم إن الواجب على كل تقدير هو الاقتصار على مورد الرويات، {1} وهو ما لو
باع البائع لنفسه واشترى المشتري غير مترقب لإجازة المالك ولا لإجازة البائع
إذا صار مالكا، وهذا هو الذي ذكره العلامة رحمهم الله في التذكرة، نافيا للخلاف في
فساده، قال: لا يجوز أن يبيع عينا لا يملكها ويمضي ليشتريها ويسلمها. وبه قال
الشافعي وأحمد، ولا نعلم فيه خلافا لقول النبي عليه السلام لا تبع ما ليس عندك و
لاشتمالها على الغرر، فإن صاحبها قد لا يبيعها وهو غير مالك لها، ولا قادر على
تسليمها، أما لو اشترى موصوفا في الذمة سواء كان حالا أو مؤجلا فإنه جائز
اجماعا، انتهى.
وحكى عن المختلف أيضا الاجماع على المنع أيضا، واستدلاله بالغرر و
عدم القدرة على التسليم ظاهر بل صريح في وقوع الاشتراء غير مترقب لإجازة
مجيز، بل وقع على وجه يلزم على البائع بعد البيع تحصيل المبيع وتسليمه، فحينئذ
لو تبايعا على أن يكون العقد موقوفا على الإجازة، فاتفقت الإجازة من المالك أو
من البائع بعد تملكه لم يدخل في مورد الأخبار ولا في معقد الاتفاق ولو تبايعا
على أن يكون اللزوم موقوفا على تملك البائع دون إجازته، فظاهر عبارة
الدروس أنه من البيع المنهي عنه في الأخبار المذكورة حيث قال: وكذا لو باع ملك
غيره، ثم انتقل إليه فأجاز ولو أراد لزوم البيع بالانتقال فهو بيع ما ليس عنده، وقد
نهى عنه، انتهى.
لكن الانصاف ظهورها في الصورة الأولى وهي ما لو تبايعا قاصدين لتنجز النقل
153

والانتقال وعدم الوقوف على شئ {1} وما ذكره في التذكرة كالصريح في ذلك
حيث علل المنع بالغرر وعدم القدرة على التسليم، وأصرح منه كلامه المحكي عن
المختلف في فصل النقد والنسية ولو باع عن المالك فاتفق انتقاله إلى البائع
فأجازه. فالظاهر أيضا الصحة لخروجه عن مورد الأخبار.
نعم قد يشكل فيه من حيث أن الإجازة لا متعلق لها، لأن العقد السابق كان
انشاءا للبيع عن المالك الأصلي، ولا معنى لإجازة هذا بعد خروجه عن ملكه، و
يمكن دفعه بما اندفع به سابقا الاشكال في عكس المسألة، وهي ما لو باعه
الفضولي لنفسه فأجازه المالك لنفسه فتأمل
154

ولو باع لثالث معتقدا لتملكه أو بانيا عليه عدوانا، فإن أجاز المالك فلا كلام
في الصحة بناء على المشهور من عدم اعتبار وقوع البيع عن المالك، وإن ملكه
الثالث وأجازه أو ملكه البائع فأجازه فالظاهر أنه داخل في المسألة السابقة.
156

ثم إنه قد ظهر مما ذكرنا في المسألة المذكورة حال المسألة الأخرى وهي ما لو لم
يجز البائع بعد تملكه، فإن الظاهر بطلان البيع الأول {1} لدخوله تحت الأخبار
المذكورة يقينا، {2} مضافا إلى قاعدة تسلط الناس على أموالهم، وعدم صيرورتها
حلالا من دون طيب النفس {3} فإن المفروض أن البائع بعدما صار مالكا لم يطب
نفسه بكون ماله للمشتري الأول، والتزامه قبل تملكه بكون هذا المال المعين
للمشتري ليس التزاما إلا بكون مال غيره له.

(1) النساء آية 3 - الوسائل - باب 3 - من أبواب مكان المصلي حديث 1 - 3.
157

اللهم إلا أن يقال إن مقتضى عموم وجوب الوفاء بالعقود والشروط على كل عاقد
وشارط هو اللزوم على البائع بمجرد انتقال إليه {1} وإن كان قبل ذلك أجنبيا
لا حكم لوفائه ونقضه، ولعله لأجل ما ذكرنا رجح فخر الدين في الإيضاح: بناء
على صحة الفضولي صحة العقد المذكور بمجرد الانتقال من دون توقف على
الإجازة قيل: ويلوح هذا من الشهيد الثاني في هبة المسالك. وقد سبق استظهاره
من عبارة الشيخ المحكية في المعتبر، لكن يضعفه أن البائع غير مأمور بالوفاء قبل
الملك، فيستصحب {2} والمقام مقام استصحاب حكم الخاص لا مقام الرجوع إلى
حكم العام فتأمل. مضافا إلى معارضة العموم المذكور.

(1) المائدة آية 2.
158

بعموم سلطنة الناس على أموالهم وعدم حلها لغيرهم إلا عن طيب النفس {1} و
فحوى الحكم المذكور في رواية الحسن بن زياد المتقدمة في نكاح العبد بدون
إذن مولاه، وأن عتقه لا يجدي في لزوم النكاح لولا سكوت المولى الذي هو
بمنزلة الإجازة، ثم لو سلم عدم التوقف على الإجازة، فإنما هو فيما إذ باع
الفضولي لنفسه. أما لو باع فضولا للمالك أو لثالث ثم ملك هو

(1) البحار ج 1 - ص 154 الطبع القديم - و ج ص 272 الطبع الحديث.
(2) الوسائل - باب 3 - من باب أبواب مكان المصلي حديث 1 - 3.
159

فجريان عموم الوفاء بالعقود والشروط بالنسبة إلى البائع أشكل، {1} ولو
باع وكالة عن المالك، فبان انعزاله بموت الموكل فلا اشكال في عدم وقوع البيع له
بدون الإجازة ولا معها، نعم يقع للوارث مع إجازته.
المسألة الثالثة ما لو باع معتقدا لكونه غير جائز التصرف، فبان كونه جائز
التصرف، وعدم جواز التصرف المنكشف خلافه أما عدم الولاية، فانكشف كونه
وليا. وأما أن يبيع لنفسه فالصور أربع:
الأولى: أن يبيع عن المالك فانكشف كونه وليا على البيع، فلا ينبغي
الاشكال في اللزوم حتى على القول ببطلان الفضولي، {2}
160

لكن الظاهر من المحكي عن القاضي: إنه إذا أذن السيد لعبده {1} في التجارة، فباع
واشترى وهو لا يعلم بإذن سيده، ولا علم به أحد لم يكن مأذونا في التجارة و
لا يجوز شئ مما فعله، فإن علم بعد ذلك واشترى وباع جازما فعله بعد الإذن و
لم يجز ما فعله قبل ذلك، فإن أمر السيد قوما أن يبايعوا العبد والعبد لا يعلم بإذنه له
كان بيعه وشراؤه منهم جائزا، وجرى ذلك مجرى الإذن. الظاهر فإن اشترى العبد
بعد ذلك من غيرهم وباع جاز، انتهى.
وعن المختلف الايراد عليه بأنه لو أذن المولى ولا يعلم العبد، ثم باع العبد،
صح لأنه صادف الإذن ولا يؤثر فيه اعلام المولى بعض المعاملين، انتهى وهو
حسن.
161

الثانية: أن يبيع لنفسه وانكشف كونه وليا. {1}
فالظاهر أيضا صحة العقد لما عرفت من أن قصد بيع مال الغير لنفسه لا ينفع
ولا يقدح. وفي توقفه على إجازته للمولى عليه وجه، لأن قصد كونه لنفسه
يوجب عدم وقوع البيع على الوجه المأذون {2} فتأمل.

(1) الوسائل - باب 15 - من أبواب عقد البيع وشروطه - وباب 88 - من أبواب أحكام الوصايا.
162

الثالثة: أن يبيع عن المالك ثم ينكشف كونه مالكا {1} وقد مثله الأكثر بما لو
باع مال أبيه بظن حياته، فبان ميتا. والمشهور الصحة بل ربما استفيد من كلام
العلامة في القواعد والارشاد في باب الهبة الاجماع، ولم نعثر على مخالف
صريح إلا أن الشهيد رحمهم الله ذكر في قواعده أنه لو قيل بالبطلان أمكن وقد سبقه في
احتمال ذلك العلامة وولده في النهاية والايضاح، لأنه إنما قصد نقل المال عن
الأب لا عنه {2} ولأنه وإن كان منجزا في الصورة إلا أنه معلق والتقدير إن مات
مورثي فقد بعتك فلأنه كالعابث عند مباشرة العقد لاعتقاد أن المبيع لغيره، انتهى.
163

أقول: أما قصد نقل الملك عن الأب فلا يقدح في وقوعه لأنه، إنما قصد نقل الملك
عن الأب من حيث أنه مالك باعتقاده ففي الحقيقة إنما قصد النقل عن المالك {1}
لكن أخطأ في اعتقاده أن المالك أبوه
164

وقد تقدم توضيح ذلك في عكس المسألة أي ما لو باع ملك غيره باعتقاد أنه
ملكه، نعم من أبطل عقد الفضولي لأجل اعتبار مقارنة طيب نفس المالك للعقد قوي
البطلان عنده هنا لعدم طيب نفس المالك بخروج ماله عن ملكه، ولذا نقول نحن
كما سيجئ باشتراط الإجازة من المالك بعد العقد لعدم حصول طيب النفس حال
العقد، وأما ما ذكر من أنه في معنى التعليق ففيه مع مخالفته لمقتضى الدليل الأول
كما لا يخفى {1} منع كونه في معنى التعليق، لأنه إذا فرض أنه يبيع مال أبيه لنفسه
كما هو ظاهر هذا الدليل، فهو إنما يبيعه مع وصف كونه لأبيه في علمه، فبيعه كبيع
الغاصب مبني على دعوى السلطنة والاستقلال على المال، لا على تعليق للنقل
بكونه منتقلا إليه بالإرث عن مورثه، لأن ذلك لا يجامع مع ظن الحياة
اللهم إلا أن يراد أن القصد الحقيقي إلى النقل معلق على تملك الناقل و
بدونه، فالقصد صوري على ما تقدم من المسالك من أن الفضولي والمكره قاصدان
إلى اللفظ دون مدلوله، لكن فيه حينئذ أن هذا القصد الصوري كاف، ولذا قلنا
بصحة عقد الفضولي ومن ذلك يظهر ضعف ما ذكره أخيرا من كونه كالعابث عند
مباشرة العقد معللا بعلمه بكون المبيع لغيره.
165

وكيف كان فلا ينبغي الاشكال في صحة العقد إلا أن ظاهر المحكي من غير
واحد لزوم العقد وعدم الحاجة إلى إجازة مستأنفة، لأن المالك هو المباشر للعقد
فلا وجه لإجازة فعل نفسه، ولأن قصده إلى نقل مال نفسه إن حصل هنا بمجرد
القصد إلى نقل المال المعين الذي هو في الواقع ملك نفسه وإن لم يشعر به فهو أولى
من الإذن في ذلك فضلا عن إجازته، وإلا توجه عدم وقوع العقد له، لكن الأقوى
وفاقا للمحقق والشهيد الثانيين وقوفه على الإجازة، لا لما ذكره في جامع
المقاصد: من أنه لم يقصد إلى البيع الناقل للملك {1} الآن بل مع إجازة المالك
لاندفاعه بما ذكره بقوله إلا أن يقال: إن قصده إلى أصل البيع كاف
في أول مسألة بيع الفضولي - فالصحيح هو الوجه الأول.
فالمتحصل: إنه إن كان البيع عن المالك - أي عن الأب بما أنه مالك بحيث يكون
المقصود هو المالك بحيث يعم نفسه - صح البيع، وإن كان عن الأب كما هو كذلك بحسب
الطبع، فالبيع باطل لا يمكن تصحيحه.
وأما الجهة الثانية: فالمحكي عن غير واحد: لزوم العقد وعدم الحاجة إلى إجازة
مستأنفة وعن المحقق والشهيد الثانيين وقوفه على الإجازة.
وقد استدل للتوقف على الإجازة بوجهين:
{1} الأول ما عن جامع المقاصد من: أنه لم يقصد إلى البيع الناقل للملك الآن بل مع
إجازة المالك.
وتوضيحه: إن العاقل الملتفت إلى كون المال للغير وأنه لا ينتقل عن ملكه قهرا لا
محالة يكون قصده للنقل مقيدا بالإجازة، وحيث إن العقود تابعة للقصود فلا بد وأن تقع
الإجازة حتى يقع النقل على الوجه المقصود.
وفيه: أولا: إن محل الكلام هو قصد البيع عن المالك لا عن شخص الغير وإلا بطل
البيع كما تقدم، وعليه، وإن سلم كون النقل موقوفا على الإجازة، إلا أنه من جهة انطباق
عنوان المالك على نفسه واقعا يقع النقل عنه بقصده فلا حاجة إلى إجازته.
166

وتوضيحه إن انتقال المبيع شرعا بمجرد العقد أو بعد إجازة المالك ليس من
مدلول لفظ العقد، حتى يعتبر قصده أو يقدح قصد خلافه، وإنما هو من الأحكام الشرعية العارضة للعقود بحسب اختلافها في التوقف على الأمور المتأخرة و
عدمه، مع أن عدم القصد المذكور لا يقدح بناء على الكشف {1} بل قصد النقل بعد
الإجازة ربما يحتمل قدحه،
فالدليل على اشتراط تعقب الإجازة في اللزوم
وهو عموم تسلط الناس على أموالهم وعدم حلها لغيرهم إلا بطيب أنفسهم،
وحرمة أكل المال إلا بالتجارة عن تراض.
167

وبالجملة فأكثر أدلة اشتراط الإجازة في الفضولي جارية هنا. {1} وأما ما
ذكرناه من أن قصد نقل ملك نفسه إن حصل أغنى عن الإجازة وإلا فسد العقد،
ففيه أنه يكفي في تحقق صورة العقد القابلة للحوق اللزوم القصد إلى نقل المال
المعين وقصد كونه ماله [مال نفسه] أو مال غيره مع خطئه في قصده أو صوابه في
الواقع لا يقدح ولا ينفع. ولذا بنينا على صحة العقد بقصد مال نفسه، مع كونه مالا لغيره.
وأما أدلة اعتبار التراضي وطيب النفس، فهي دالة على اعتبار رضا المالك
بنقل خصوص ماله بعنوان أنه ماله {2} لا بنقل مال معين يتفق كونه ملكا له في
الواقع، فإن حكم طيب النفس والرضا لا يترتب على ذلك، فلو أذن في التصرف
في مال معتقد أنه لغيره والمأذون يعلم أنه له لم يجز له التصرف بذلك الإذن ولو
فرضنا أنه أعتق عبدا عن غيره فبان أنه له لم ينعتق. وكذا لو طلق امرأة وكالة عن
غيره، فبانت زوجته، لأن القصد المقارن إلى طلاق زوجته وعتق مملوكه معتبر
فيهما، فلا تنفع الإجازة ولو غره الغاصب. فقال: هذا عبدي أعتقه عنك فأعتقه عن
نفسه فبان كونه له، فالأقوى أيضا عدم النفوذ وفاقا للمحكي عن التحرير و
حواشي الشهيد وجامع المقاصد مع حكمه بصحة البيع هنا، ووقوفه على الإجازة،
لأن العتق لا يقبل الوقوف فإذا لم يحصل القصد إلى فك ماله مقارنا للصيغة
وقعت باطلة بخلاف البيع. فلا تناقض بين حكمه ببطلان العتق وصحة البيع مع
الإجازة كما يتوهم.

(1) النساء آية 30 - الوسائل باب 3 - من أبواب مكان المصلي حديث 1 - 3.
168

نعم ينبغي ايراد التناقض على من حكم هناك بعدم النفوذ وحكم في البيع باللزوم
وعدم الحاجة إلى الإجازة، فإن القصد إلى انشاء يتعلق بمعين، هو مال المنشئ
في الواقع، من غير علمه به إن كان يكفي في طيب النفس والرضا المعتبر في جميع
إنشاءات الناس المتعلق بأموالهم وجب الحكم بوقوع العتق وإن اعتبر في طيب
النفس المتعلق باخراج الأموال عن الملك العلم بكونه مالا له، ولم يكف مجرد
مصادفة الواقع وجب الحكم بعدم لزوم البيع،
فالحق أن القصد إلى الانشاء المتعلق بمال معين مصحح للعقد بمعنى قابليته
للتأثير، ولا يحتاج إلى العلم بكونه مالا له لكن لا يكفي ذلك في تحقق الخروج
عن ماله بمجرد الانشاء، ثم إن كان ذلك الانشاء مما يقبل اللزوم بلحوق الرضا
كفت الإجازة، كما في العقود وإلا وقع الانشاء باطلا كما في الايقاعات.
169

ثم إنه ظهر مما ذكرنا في وجه الوقوف على الإجازة إن هذا الحق للمالك
من باب الإجازة لا من باب خيار الفسخ، فعقده متزلزل من حيث الحدوث
لا البقاء كما قواه بعض من قارب عصرنا وتبعه بعض من عاصرناه: معللا بقاعدة
نفي الضرر {1}
إذ فيه أن الخيار فرع الانتقال. وقد تقدم توقفه على طيب النفس، وما
ذكراه من الضرر المترتب على لزوم البيع ليس لأمر راجع إلى العوض والمعوض،
وإنما هو لانتقال الملك عن مالكه من دون علمه ورضاه، {2} إذ لا فرق في الجهل
بانتقال ماله بين أن يجهل أصل الانتقال، كما يتفق في الفضولي أو يعلمه ويجهل
تعلقه بماله.
ومن المعلوم أن هذا الضرر هو المثبت لتوقف عقد الفضولي على الإجازة،
إذ لا يلزم من لزومه بدونها سوى هذا الضرر {3}

(1) الوسائل باب 17 من أبواب الخيار.
170

ثم إن الحكم بالصحة في هذه الصورة غير متوقفة على القول بصحة عقد
الفضولي {1} بل يجيئ على القول بالبطلان، إلا أن يستند في بطلانه بما تقدم من
قبح التصرف في مال الغير، فيتجه عنده حينئذ البطلان.

(1) النساء: 29 - الوسائل باب 7 من أبواب أحكام العقود
171

الرابعة: أن يبيع لنفسه باعتقاد أنه لغيره فانكشف أنه له {1} والأقوى هنا
أيضا الصحة ولو على القول ببطلان الفضولي والوقوف على الإجازة بمثل ما مر
في الثالثة وفي عدم الوقوف هنا وجه لا يجري في الثالثة {2} ولذا قوى اللزوم
هنا بعض من قال بالخيار في الثالثة.
172

وأما القول في المجاز فاستقصاؤه يكون ببيان أمور:
الأول: يشترط فيه كونه جامعا لجميع الشروط المعتبرة في تأثيره عدا رضا
المالك، فلا يكفي اتصاف المتعاقدين بصحة الانشاء وإلا احراز سائر الشروط
بالنسبة
173

إلى الأصيل فقط على الكشف للزومه عليه {1} بل مطلقا لتوقف تأثيره الثابت {2}
ولو على القول بالنقل عليها، وذلك لأن العقد إما تمام السبب أو جزئه {3} وعلى
أي حال فيعتبر اجتماع الشروط عنده، ولهذا لا يجوز الايجاب في حال جهل
القابل بالعوضين بل لو قلنا بجواز ذلك لم يلزم منه الجواز هنا، لأن الإجازة على
القول بالنقل أشبه بالشرط، ولو سلم كونها جزءا فهو جزء للمؤثر لا للعقد، فيكون
جميع ما دل من النص والاجماع على اعتبار الشروط في البيع ظاهرة في
اعتبارها في انشاء النقل والانتقال بالعقد،
174

نعم لو دل دليل على اعتبار شرط في ترتب الأثر الشرعي على العقد من غير
ظهور في اعتباره في أصل الانشاء {1} أمكن القول بكفاية وجوده حين الإجازة.
ولعل من هذا القبيل القدرة على التسليم، واسلام مشتري المصحف والعبد المسلم،
ثم هل يشترط بقاء الشرائط المعتبرة حين العقد إلى زمان الإجازة أم لا؟ {2} لا
ينبغي الاشكال في عدم اشتراط بقاء المتعاقدين على شروطها حتى على القول
بالنقل، نعم على القول بكونها بيعا مستأنفا يقوي الاشتراط. وأما شروط العوضين،
فالظاهر اعتبار ها بناء على النقل، وأما شروط العوضين، فالظاهر اعتبارها بناء
على النقل، وأما بناء الكشف فوجهان واعتبارها عليه أيضا غير بعيد.
175

الثاني: هل يشترط في المجاز كونه معلوما للمجيز بالتفصيل {1} من تعيين
العوضين وتعيين نوع العقد من كونه بيعا أو صلحا فضلا عن جنسه من كونه نكاحا
لجاريته أو بيعا لها أم يكفي العلم الاجمالي بوقوع عقد قابل للإجازة كالأذن
السابق، فيجوز تعلقه بغير المعين إلا إذا بلغ حدا لا يجوز معه التوكيل ومن أن
الإجازة بحسب الحقيقة أحد ركني العقد، لأن المعاهدة الحقيقية إنما تحصل من
المالكين بعد الإجازة، فيشبه القبول مع عدم تعيين الايجاب عند القابل. {2}
176



(1) الوسائل - باب 4 - من أبواب آداب التجارة حديث 3
- والمستدرك باب 31 من أبواب آداب التجارة حديث - 1
وسنن بيهقي ج 5 ص 338 - وسنن الترمذي ج 3 - ص 532 - وأخرجه مسلم - وأبو داود - في كتاب البيوع.
177

ومن هنا يظهر قوة احتمال اعتبار العلم بوقوع العقد ولا يكفي مجرد احتماله
فيجيزه على تقدير وقوعه إذا انكشف وقوعه، لأن الإجازة وإن لم تكن من العقود
حتى يشملها معاقد اجماعهم على عدم جواز التعليق فيها إلا أنها في معناها {1} و
لذا يخاطب المجيز بعدها بالوفاء بالعقد السابق
لا يكون إلا في حق العاقد فتأمل.
الثالث: المجاز أما العقد الواقع على نفس مال الغير وأما العقد الواقع
على عوضه، وعلى كل منهما إما أن يكون المجاز أول عقد وقع على المال أو
عوضه أو آخره أو عقدا بين سابق ولا حق واقعين على مورده أو بدله، أو
بالاختلاف
178

ويجمع الكل فيما إذا باع عبد المالك بفرس، ثم باعه المشتري بكتاب، ثم
باعه الثالث بدينار وباع البائع الفرس بدرهم، وباع الثالث الدينار بجارية، وباع
بائع الفرس الدرهم برغيف، ثم بيع الدرهم بحمار، وبيع الرغيف بعسل
179

وقد جميع المصنف الجميع في المثال. وجامعية هذا المثال لجميع الصور
تظهر من التصوير التالي، تأمل تعرف.
180

أما إجازة العقد الواقع على مال المالك أعني العبد بالكتاب فهي ملزمة له ولما
بعده مما وقع على مورده {1} أعني العبد بالدينار بناء على الكشف. وأما بناء على
النقل فيبني على ما تقدم من اعتبار ملك المجيز حين العقد وعدمه وهي فسخ
بالنسبة إلى ما قبله مما ورد على مورده أعني بيع العبد بالفرس بالنسبة إلى المجيز.
أما بالنسبة إلى من ملك بالإجازة وهو المشتري بالكتاب، فقابلته للإجازة مبنية
على مسألة اشتراط ملك المجيز حين العقد، هذا حال العقود السابقة واللاحقة
على مورده أعني مال المجيز
182

وأما العقود الواقعة على عوض مال المجيز {1} فالسابقة على هذا العقد وهو بيع
الفرس بالدرهم، يتوقف لزومها على إجازة المالك الأصلي للعوض وهو الفرس و
اللاحقة له أعني بيع الدينار بجارية تلزم بلزوم هذا العقد. وأما إجازة العقد الواقع
على العوض أعني بيع الدرهم برغيف، فهي ملزمة للعقود السابقة عليه، سواء
وقعت على نفس مال المالك أعني بيع العبد بالفرس، أو على عوضه وهو بيع
الفرس بالدرهم، وللعقود اللاحقة له إذا وقعت على المعوض وهو بيع الدرهم
بالحمار. أما الواقعة على هذا البدل المجاز أعني بيع الرغيف بالعسل، فحكمها
حكم العقود الواقعة على المعوض ابتداء.
183

وملخص ما ذكرناه أنه لو ترتبت عقود متعددة على مال المجيز، فإن وقعت من
أشخاص متعددة كان إجازة وسط منها فسخا لما قبله، وإجازة لما بعده، على
الكشف،
وإن وقعت من شخص واحد انعكس الأمر، ولعل هذا هو المراد من
المحكي عن الإيضاح والدروس في حكم ترتب العقود: من أنه إذا أجاز عقدا
على المبيع صح وما بعده، وفي الثمن ينعكس، فإن العقود المترتبة على المبيع لا
يكون إلا من أشخاص متعددة.
184

وأما العقود المترتبة على الثمن فليس مرادهما أن يعقد على الثمن الشخصي
مرارا، لأن حكم ذلك حكم العقود المترتبة على المبيع على ما سمعت سابقا من
قولنا. أما الواقعة على هذا البدل المجاز إلى آخره بل مراد هما ترامي الأثمان في
العقود المتعددة كما صرح بذلك المحقق والشهيد الثانيان.
وقد علم من ذلك أن مرادنا بما ذكرنا في المقسم من العقد المجاز على
عوض مال الغير ليس العوض الشخصي الأول له، بل العوض ولو بواسطة
185

ثم إن هنا اشكالا في شمول الحكم بجواز تتبع العقود لصورة علم المشتري
بالغصب، {1} أشار إليه العلامة رحمهم الله في القواعد، وأوضحه قطب الدين والشهيد في
الحواشي المنسوبة إليه، فقال الأول: فيما حكي عنه: إن وجه الاشكال أن
المشتري مع العلم يكون مسلطا للبائع الغاصب على الثمن، ولذا لو تلف لم يكن له
الرجوع ولو بقي، ففيه الوجهان: فلا ينفذ فيه إجازة الغير بعد تلفه بفعل المسلط
بدفعه ثمنا عن مبيع اشتراه ومن أن الثمن عوض عن العين المملوكة، ولم يمنع من
نفوذ الملك فيه إلا عدم صدوره عن المالك، فإذا جاز جرى مجرى الصادر عنه،
انتهى.
وقال في محكي الحواشي: إن المشتري مع علمه بالغصب يكون مسلطا
للبائع الغاصب على الثمن، فلا يدخل في ملك رب العين، فحينئذ إذا اشترى به
البائع متاعا
186

فقد اشتراه لنفسه وأتلفه عند الدفع إلى البائع فيتحقق ملكيته للمبيع، فلا يتصور
نفوذ الإجازة هنا لصيرورته ملكا للبائع وإن أمكن إجازة المبيع مع احتمال عدم
نفوذها أيضا، لأن ما دفعه إلى الغاصب كالمأذون له في اتلافه، فلا يكون ثمنا، فلا
يؤثر الإجازة في جعله ثمنا، فصار الاشكال في صحة البيع وفي التتبع، ثم قال إنه
يلزم من القول ببطلان التتبع بطلان إجازة البيع في المبيع، لاستحالة كون المبيع بلا
ثمن، فإذا قيل: إن الاشكال في صحة العقد كان صحيحا أيضا، انتهى.
واقتصر في جامع المقاصد على ما ذكره الشهيد أخيرا في وجه سراية هذا
الاشكال إلى صحة عقد الفضولي مع علم المشتري بالغصب،
187

والمحكي عن الإيضاح ابتناء وجه بطلان جواز تتبع العقود للمالك مع علم
المشتري على كون الإجازة ناقلة، فيكون منشأ الاشكال في الجواز والعدم:
الاشكال في الكشف والنقل، قال في محكي الإيضاح إذا كان المشتري جاهلا
فللمالك تتبع العقود ورعاية مصلحته والربح في سلسلتي الثمن والمثمن وأما إذا
كان عالما بالغصب، فعلى قول الأصحاب من أن المشتري إذا رجع عليه بالسلعة
لا يرجع على الغاصب، بالثمن مع وجود عينه، فيكون قد ملك الغاصب مجانا، لأنه
بالتسليم إلى الغاصب ليس للمشتري استعادته من الغاصب بنص الأصحاب و
المالك قبل الإجازة لم يملك الثمن لأن الحق أن الإجازة شرط أو سبب، فلو لم
يكن للغاصب فيكون الملك بغير مالك وهو محال.
فيكون قد سبق ملك الغاصب للثمن على سبب ملك المالك له أي الإجازة،
فإذا نقل الغاصب الثمن عن ملكه لم يكن للمالك ابطاله ويكون ما يشتري
الغاصب بالثمن وربحه له وليس للمالك أخذه، لأنه ملك الغاصب، وعلى القول
بأن إجازة المالك كاشفة، فإذا أجاز العقد كان له، ويحتمل أن يقال لمالك العين
حق تعلق بالثمن، فإن له إجازة البيع وأخذ الثمن وحقه مقدم على حق الغاصب،
لأن الغاصب يؤخذ بأخس أحواله وأشقها عليه والمالك مأخوذ بأجود الأحوال.
ثم قال: والأصح عندي مع وجود عين الثمن للمشتري العالم أخذه ومع التلف
ليس له الرجوع به، انتهى كلامه رحمهم الله.
وظاهر كلامه أنه لا وقع للأشكال على تقدير الكشف وهذا هو المتجه إذ
حينئذ يندفع بما استشكله القطب والشهيد بأن تسليط المشتري للبائع على الثمن
على تقدير الكشف تسليط على ما ملكه الغير بالعقد السابق على التسليط الحاصل
بالاقباض، فإذا انكشف ذلك بالإجازة عمل مقتضاه وإذا تحقق الرد انكشف كون
ذلك تسليطا من المشتري على ماله، فليس له أن يسترده بناء على ما نقل من
الأصحاب. نعم على القول بالنقل يقع الاشكال في جواز إجازة العقد الواقع على
الثمن، لأن إجازة مالك المبيع له موقوفة على تملكه للثمن، لأنه قبلها أجبني عنه،
والمفروض أن تملكه الثمن موقوف على الإجازة على القول بالنقل، وكذا
الاشكال في إجازة العقد الواقع على المبيع بعد قبض. البائع الثمن أو بعد اتلافه إياه
190

على الخلاف في اختصاص عدم رجوع المشتري على الثمن بصورة التلف و
عدمه، لأن تسليط المشتري للبائع على الثمن قبل انتقاله إلى مالك المبيع
بالإجازة، فلا يبقى مورد للإجازة، وما ذكره في الإيضاح من احتمال تقديم حق
المجيز، لأنه أسبق، وأنه أولى من الغاصب المأخوذ بأشق الأحوال، فلم يعلم له
وجه بناء على النقل، لأن العقد جزء سبب لتملك المجيز والتسليط المتأخر عنه
علة تامة لتملك الغاصب، فكيف يكون حق المجيز أسبق.
نعم، يمكن أن يقال: إن حكم الأصحاب بعدم استرداد الثمن، لعله لأجل
التسليط المراعى بعدم إجازة مالك المبيع، لا لأن نفس التسليط علة تامة
لاستحقاق الغاصب على تقديري الرد والإجازة، وحيث إن حكمهم هذا مخالف
للقواعد الدالة على عدم حصول الانتقال بمجرد التسليط المتفرع على عقد فاسد،
وجب الاقتصار فيه على المتقين وهو التسليط على تقدير عدم الإجازة فافهم.
191

مسألة في أحكام الرد: {1}
لا يتحقق لرد قولا إلا بقوله فسخت ورددت وشبه ذلك مما هو صريح في
الرد لأصالة بقاء اللزوم من طرف الأصيل {2} وقابليته من طرف المجيز، وكذا
يحصل بكل فعل مخرج له عن ملكه بالنقل أو بالاتلاف وشبههما، كالعتق والبيع و
الهبة والتزويج ونحو ذلك والوجه في ذلك أن تصرفه بعد فرض صحته مفوت
لمحل الإجازة لفرض خروجه عن ملكه
192

وأما التصرف الغير المخرج عن الملك، كاستيلاد الجارية، وإجارة الدابة و
تزويج الأمة {1} فهو وإن لم يخرج الملك عن قابلية وقوع الإجازة عليه، إلا أنه
مخرج له عن قابلية وقوع الإجازة من زمان العقد، لأن صحة الإجازة على هذا
النحو توجب وقوعها باطلة، وإذا فرض وقوعها صحيحة منعت عن وقوع
الإجازة.
والحاصل أن وقوع هذه الأمور صحيحة مناقض لوقوع الإجازة لأصل
العقد، فإذا وقع أحد المتنافيين صحيحا، فلا بد من امتناع وقوع الآخر، أو ابطال
صاحبه أو ايقاعه على غير وجهه، وحيث لا سبيل إلى الأخيرين تعين الأول. {2}
وبالجملة كلما يكون باطلا على تقدير لحوق الإجازة المؤثرة من حين
العقد، فوقوعه صحيحا مانع من لحوق الإجازة، لامتناع اجتماع المتنافيين، نعم لو
انتفع المالك بها قبل الإجازة بالسكنى واللبس كان عليه أجرة المثل إذا أجاز،
فتأمل.
194

ومنه يعلم أنه لا فرق بين وقوع هذه مع الاطلاع على وقوع العقد ووقوعها
بدونه لأن التنافي بينهما واقعي ودعوى أنه لا دليل على اشتراط قابلية التأثير من
حين العقد في الإجازة، ولذا صحح جماعة كما تقدم إجازة المالك الجديد فيمن
باع شيئا، ثم ملكه مدفوعة باجماع أهل الكشف على كون إجازة المالك حين
العقد مؤثرة من حينه نعم لو قلنا بأن الإجازة كاشفة بالكشف الحقيقي الراجع إلى
كون المؤثر التام هو العقد الملحوق بالإجازة، كانت التصرفات مبنية على الظاهر،
وبالإجازة ينكشف عدم مصادفتها للملك فتبطل هي وتصح الإجازة.
195

بقي الكلام في التصرفات الغير المنافية لملك المشتري {1} من حين العقد،
كتعريض المبيع والبيع الفاسد، وهذا أيضا على قسمين، لأنه أما أن يقع حال
التفات المالك إلى وقوع العقد من الفضولي على ماله، وأما أن يقع في حال عدم
الالتفات.
أما الأول: فهو رد فعلي للعقد، {2} والدليل على الحاقه بالرد القولي مضافا
196

إلى الصدق الرد عليه {1} فيعمه ما دل أن للمالك الرد مثل ما وقع في نكاح
العبد والأمة بغير إذن مولاه {2} وما ورد في من زوجته أمه وهو غائب {3} من قوله عليه السلام إن شاء قبل وإن شاء ترك إلا أن يقال إن الاطلاق مسوق لبيان أن له
الترك، فلا تعرض فيه لكيفيته أن المانع من صحة الإجازة بعد الرد القولي موجود
في الرد الفعلي {4} وهو خروج المجيز بعد الرد عن كونه بمنزلة أحد طرفي العقد،
مضافا إلى فحوى الاجماع المدعى على حصول فسخ ذي الخيار بالفعل كالوطي
والبيع والعتق {5} فإن الوجه في حصول الفسخ هي دلالتها على قصد فسخ البيع،
وإلا فتوقفهما على الملك لا يوجب حصول الفسخ بها، بل يوجب بطلانها لعدم
حصول الملك المتوقف على الفسخ قبلها حتى تصادف الملك، وكيف كان فإذا
صلح الفسخ الفعلي لرفع أثر العقد الثابت المؤثر فعلا صلح لرفع أثر العقد المتزلزل
من حيث الحدوث القابل للتأثير بطريق أولى.

(1) الوسائل - باب 24 - من أبواب نكاح العبيد والأماء حديث 1.
(2) الوسائل - باب 7 - من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد حديث 3.
197

وأما الثاني: وهو ما يقع في حال عدم الالتفات، فالظاهر عدم تحقق الفسخ به لعدم
دلالته على انشاء الرد والمفروض عدم منافاته أيضا للإجازة اللاحقة، ولا يكفي
مجرد رفع اليد عن الفعل بانشاء ضده مع عدم صدق عنوان الرد الموقوف على
القصد والالتفات إلى وقوع المردود، نظير انكار الطلاق الذي جعلوه رجوعا ولو
مع عدم الالتفات إلى وقوع الطلاق على ما يقتضيه اطلاق كلامهم، نعم لو ثبت
كفاية ذلك في العقود الجائزة كفي هناك بطريق أولى كما عرفت، لكن لم يثبت ذلك
هناك / فالمسألة محل اشكال
198

بل الاشكال في كفاية سابقه أيضا فإن بعض المعاصرين يظهر منهم دعوى الاتفاق
على اعتبار اللفظ في الفسخ كالإجازة، ولذا استشكل في القواعد في بطلان
الوكالة بايقاع الفاسد على متعلقها جاهلا بفساده وقرره في الإيضاح وجامع
المقاصد على الاشكال.
والحاصل أن المتيقن من الرد هو الفسخ القولي وفي حكمه تفويت محل
الإجازة بحيث لا يصح وقوعها على وجه يؤثر من حين العقد. وأما الرد الفعلي و
هو الفعل المنشأ به مفهوم الرد فقد عرفت نفي البعد عن حصول الفسخ به. وأما
مجرد ايقاع ما ينافي مفهومه قصد بقاء العقد من غير تحقق مفهوم الرد لعدم
الالتفات إلى وقوع العقد فالاكتفاء به مخالف للأصل

(1) البحار ج 2 - ص 272 الطبع الحديث.
(2) الوسائل باب 14 من أبواب أقسام الطلاق.
199

وفي حكم ما ذكرنا الوكالة والوصاية ولكن الاكتفاء فيهما بالرد الفعلي
أوضح. {1} وأما الفسخ في العقود الجائزة بالذات أو الخيار فهو منحصر باللفظ أو
الرد الفعلي.
وأما فعل ما لا يجامع صحة العقد كالوطي والعتق والبيع فالظاهر أن الفسخ
بها من باب تحقق القصد قبلها {2} لا لمنافاتها لبقاء العقد لأن مقتضى المنافاة
بطلانها لا انفساخ العقد عكس ما نحن فيه وتمام الكلام في محله،
ثم إن الرد إنما يثمر في عدم صحة الإجازة بعده. وأما انتزاع المال من
المشتري لو أقبضه الفضولي فلا يتوقف على الرد بل يكفي فيه عدم الإجازة،
والظاهر أن الانتزاع بنفسه رد مع القرائن الدالة على إرادته منه لا مطلق الأخذ لأنه
أعم، ولذا ذكروا أن الرجوع في الهبة لا يتحقق به.
200

مسألة: لو لم يجز المالك، فإن كان المبيع في يده فهو، وإلا فله انتزاعه ممن وجده
في يده مع بقائه {1} ويرجع بمنافعه المستوفاة وغيرها على الخلاف المتقدم في
البيع الفاسد {2} ومع التلف يرجع إلى من تلف عنده {3} بقيمة يوم التلف، أو بأعلى
القيم من زمان وقع في يده، ولو كان قبل ذلك في ضمان آخر ولو فرض زيادة
القيمة عنده ثم نقصت عند الأخير اختص السابق بالرجوع بالزيادة عليه، كما
صرح به جماعة في الأيدي المتعاقبة، هذا كله حكم المالك مع المشتري. وأما
حكم المشتري مع الفضولي فيقع الكلام فيه تارة في الثمن وأخرى فيما يغرمه
للمالك زائدا على الثمن.
فههنا مسألتان:
201

الأولى: أنه يرجع عليه بالثمن أن كان جاهلا بكونه فضوليا {1} سواء كان
باقيا أو تالفا ولا يقدح في ذلك اعترافه بكون البائع مالكا، لأن اعترافه مبني على
ظاهر يده.
نعم لو اعترف به على وجه يعلم عدم استناده إلى اليد، كأن يكون اعترافه
بذلك بعد قيام البينة، لم يرجع بشئ. ولو لم يعلم استناد الاعتراف إلى اليد أو إلى
غيره ففي الأخذ بظاهر الحال من استناده إلى اليد أو بظاهر لفظ الاقرار من دلالته
على الواقع
202

وجهان، وإن كان عالما بالفضولية، فإن كان الثمن باقيا استرده {1} وفاقا للعلامة
وولده والشهيدين والمحقق الثاني رحمهم الله إذ لم يحصل منه ما يوجب انتقاله عنه
شرعا، ومجرد تسليطه عليه لو كان موجبا لانتقاله لزم الانتقال في البيع الفاسد
{2} لتسليط كل من المتبايعين صاحبه على ماله، ولأن الحكم بصحة البيع الفاسد
المالك هو المشهور يستلزم تملك المالك للثمن، فإن تملكه البائع قبله يلزم فوات
محل الإجازة، لأن الثمن إنما ملكه الغير فيمتنع تحقق الإجازة، فتأمل. {3}
وهل يجوز للبائع التصرف فيه؟ وجهان: بل قولان أقواهما العدم. لأنه أكل
مال بالباطل. هذا كله إذا كان باقيا.
203

وأما لو كان تالفا فالمعروف عدم رجوع المشتري. بل المحكي عن العلامة
وولده والمحقق والشهيد الثانيين وغيرهم الاتفاق عليه، ووجهه كما صرح به
بعضهم كالحلي والعلامة وغيرهما ويظهر من آخر أيضا أنه سلطه على ماله بلا
عوض. {1}
توضيح ذلك: أن الضمان أما لعموم على اليد ما أخذت، وأما لقاعدة الإقدام
على الضمان الذي استدل به الشيخ وغيره على الضمان في فاسد ما يضمن
بصحيحه، والأول

(1) المبسوط كتاب الغصب - المستدرك باب - 1 - من أبواب كتاب الوديعة حديث 12 سنن بيهقي ج 6 ص 90 - كنز العمال
ج 5 ص 257.
204

والأول مخصص بفحوى ما دل على عدم ضمان من استأمنه المالك ودفعه
إليه لحفظه، كما في الوديعة، أو الانتفاع به كما في العارية، أو استيفاء المنفعة منه
كما في العين المستأجرة {1} فإن الدفع على هذا الوجه إذا لم يوجب الضمان،
فالتسليط على التصرف فيه واتلافه له مما لا يوجب ذلك بطريق أولى، ودعوى أنه إنما سلطة في مقابل العوض لا مجانا {2} حتى يشبه الهبة الفاسدة التي تقدم
على الضمان فيها، مندفعة بأنه إنما سلطة في مقابل ملك غيره {3} فلم يضمنه في
الحقيقة شيئا من كيسه، فهو يشبه الهبة لفساده والبيع بلا ثمن والإجارة بلا أجرة
التي قد حكم الشهيد وغير واحد بعدم الضمان فيها، ومن ذلك يعلم عدم جريان
الوجه الثاني للضمان، وهو الاقدام على الضمان هنا، لأن البائع لم يقدم على
ضمان الثمن إلا بما علم المشتري أنه ليس ملكا له، فإن قلت تسلطه على الثمن
بإزاء مال الغير لبنائه ولولا عدوانا على كونه ملكا له ولولا هذا البناء لم يتحقق
مفهوم المعاوضة {4} كما تقدم في تصحيح بيع الغاصب لنفسه فهو إنما سلطه على
وجه يضمنه بماله إلا أن كلا منهما لما قطع النظر عن حكم الشارع بعدم ملكية
البائع للثمن وتعاقدا معرضين عن ذلك كما هو الشأن في المعاوضات الواردة
على أموال الناس بين السراق

(1) الوسائل - باب 4 - من أبواب أحكام الوديعة - وباب 1 - من أبواب أحكام العارية وغيرهما من الأبواب.
205

والظلمة، بل بنى المشتري على كون المثمن ملكا للبائع، فالتسليط ليس
مجانا وتضمينه البائع بمقابل الثمن من ماله حقيقي، إلا أن كون المثمن مالا له
ادعائي، فهو كما لو ظهر الثمن المعين ملكا للغير، فإن المشتري يرجع إلى البائع
بالثمن مع التلف اتفاقا. مع أنه إنما ضمنه الثمن بإزاء هذا الشئ الذي هو مال الغير،
فكما أن التضمين هنا حقيقي، وكون المثمن مالا له اعتقادي، لا يقدح في
التضمين. فكذلك بناء المشتري فيما نحن فيه على ملك المثمن عدوانا، لا يقدح
في التضمين. بماله، قلت: الضمان كون الشئ في عهدة الضامن وخسارته عليه،
وإذا كان المضمون به ملكا لغير الضامن واقعا، فلا يتحقق الضمان الحقيقي مع
علمهما بذلك، وما ذكر من بناء المتعاقدين في هذا العقد: على كون المثمن ملكا
للبائع الغاصب، مع كونه مال الغير فهو إنما يصحح وقوع عقد التمليك والتملك
منهما ادعاء، مع عدم كون البائع أهلا لذلك في الواقع وإلا فأصل المعاوضة حقيقي
بين المالكين والضمان والتضمين الحقيقي بالنسبة إليهما. ولذا ينتقل الثمن إلى
مالك المبيع ويدخل في ضمانه بمجرد الإجازة. {1}
206

والحاصل أنه لا تضمين حقيقة في تسليط المشتري البائع على الثمن، وأما
رجوع المشتري مع اعتقاد المتبايعين لمالكية البائع للمثمن عند انكشاف الخطأ
مع أنه إنما ضمنه بمال الغير، فلعدم طيب نفسه على تصرف البائع فيه من دون
ضمان، وإن كان ما ضمنه به غير ملك له، ولا يتحقق به التضمين، لأنه إنما طاب
نفسه بتصرف البائع لاعتقاد كون المثمن ملكا له، وصيرورته مباحا له بتسليطه عليه
وهذا مفقود فيما نحن فيه، لأن طيب النفس بالتصرف والاتلاف من دون ضمان
له بماله حاصل.
207

ومما ذكر نا يظهر أيضا فساد ما ذكرناه بالبيع مع علم المشتري بالفساد حيث إنه
صمن البائع بما يعلم أنه لا يضمن الثمن به، وكذا البائع مع علمه بالفساد صمن
المشتري بما يعلم أن المشتري لا يضمن به، فكأنه لم يضمنه بشئ وجه الفساد أن
التضمين الحقيقي حاصل هنا، لأن المضمون به مال الضامن غاية الأمر أن فساد
العقد مانع عن مضي هذا الضمان، والتضمين في نطر الشارع لأن المفروض فساده
فإذا لم يمض الشارع الضمان الخاص، صار أصل اقدام الشخص على الضمان
الحقيقي، أو قاعدة اثبات اليد على مال من دون تسليط مجاني أو استئمان عن
مالكه موجبا لضمانه، على الخلاف في مدرك الضمان من فاسد ما يضمن بصحيحه
وشئ منهما غير موجود فيما نحن فيه، كما أوضحناه بما لا مزيد عليه
208

وحاصله أن دفع المال إلى الغاصب ليس إلا كدفعه إلى ثالث يعلم عدم كونه مالكا
للمبيع، وتسليطه على اتلافه في أن رد المالك لا يوجب الرجوع إلى هذا الثالث.
نعم لو كان فساد العقد لعدم قبول العوض للملك {1} كالخمر والخنزير والحر،
قوي اطراد ما ذكرنا فيه، من عدم ضمان عوضها المملوك مع علم المالك بالحال،
كما صرح به شيخ مشايخنا في شرحه على القواعد.
هذا ولكن اطلاق قولهم إن كل عقد يضمن بصحيحه يضمن بفساده يقتضي
الضمان فيما نحن فيه وشبهه، نظرا إلى أن البيع الصحيح يقتضي الضمان، ففاسده
كذلك، إلا أن يفسر بما أبطلناه سابقا من أن كل عقد يضمن على فرض صحته
يضمن على فرض فساده، ولا ريب أن العقد فيما نحن فيه وفي مثل المبيع بلا
ثمن والإجارة بلا أجرة إذا فرض صحيحا لا يكون فيه ضمان، فكذلك مع الحكم
بالفساد، لكنك عرفت ضعف هذا المعنى فيما ذكرناه سابقا في توضيح هذه القضية
209

فإن معناه أن كل عقد تحقق الضمان في الفرد الصحيح منه يثبت الضمان في
الفرد الفاسد منه، فيختص موردها بما إذا كان للعقد فردان فعليان لا الفرد الواحد
لمفروض تارة صحيحا وأخرى فاسدا. نعم يمكن تطبيق المعنى المختار فيما
نحن فيه وشبهه بأن: لا يكون المراد من العقد في موضوع القضية خصوص النوع
المتعارف من أنواع العقود كالبيع والصلح، بل يراد مطلق المعاملة المالية التي
يوجد لها فردان صحيح وفاسد. فيقال إن ما نحن فيه، والبيع بلا ثمن والإجارة بلا
أجرة، تمليك بلا عوض من مال الآخر. والفرد الصحيح من هذه المعاملة وهي
الهبة الغير المعوضة لا ضمان فيها ففاسدها كذلك فتأمل.
وبالجملة فمستند المشهور في مسألتنا لا يخلو من غموض، ولذا لم يصرح
أحد بعدم الضمان في: بعتك بلا ثمن. مع اتفاقهم عليه هنا وصرح بعضهم بضمان
المرتشي مع تلف الرشوة التي هي من قبيل الثمن فيما نحن فيه {1}. نعم ذكر
الشهيد رحمهم الله وغيره عدم الضمان في الإجارة بلا أجرة.
210

ويؤيد ما ذكرنا ما دل من الاخبار على كون ثمن الكلب أو الخمر سحتا وان
أمكن الذب عنه، بأن المراد التشبيه في التحريم فلا ينافي عدم الضمان مع التلف
كأصل السحت.
ثم إن مقتضى ما ذكرناه في وجه عدم الرجوع بالثمن، ثبوت الرجوع إذا
باع البائع الفضولي غير بائع لنفسه، بل باع عن المالك ودفع المشتري الثمن إليه،
لكونه واسطة في ايصاله إلى المالك، فتلف في يده. إذ لم يسلطه عليه ولا إذن له
في التصرف فيه فضلا عن اتلافه، ولعل كلماتهم ومعاقد اتفاقهم تختص بالغاصب
البائع لنفسه. وإن كان ظاهر بعضهم ثبوت الحكم في مطلق الفضولي مع علم
المشتري بالفضولية، وكذا يقوى الرجوع لو أخذ البائع الثمن من دون إذن
المشتري، بل أخذه بناء على العقد الواقع بينهما، فإنه لم يحصل هنا من المشتري
تسليط إلا بالعقد، والتسليط العقدي مع فساده غير مؤثر في دفع الضمان
211

ويكشف عن ذلك تصريح غير واحد منهم بإباحة تصرف البائع الغاصب فيه، مع
اتفاقهم ظاهرا على عدم تأثير العقد الفاسد في الإباحة، وكذا يقوى الضمان
لو اشترط على البائع الرجوع بالثمن لو أخذ العين صاحبها ولو كان الثمن كليا
فدفع إليه المشتري بعض أفراده، فالظاهر عدم الرجوع لأنه كالثمن المعين في
تسليطه عليه مجانا.
المسألة الثانية: إن المشتري إذا اغترم للمالك غير الثمن {1} فإما أن يكون
في مقابل العين كزيادة القيمة على الثمن إذا رجع المالك بها على المشتري، كأن
كان القيمة المأخوذة منه عشرين والثمن عشرة، وأما أن يكون في مقابل ما
استوفاه المشتري كسكنى الدار، ووطئ الجارية، واللبن، والصوف، والثمرة،
وأما أن يكون غرامة لم يحصل له في مقابلها نفع، كالنفقة وما صرفه في العمارة، و
ما تلف منه أو ضاع من الغرس والحفر أو اعطائه قيمة للولد المنعقد حرا ونحو
ذلك، أو نقص من الصفات والأجزاء ثم المشتري إن كان عالما فلا رجوع في
شئ من هذه الموارد، لعدم الدليل عليه، وإن كان جاهلا.
212



(1) الوسائل - باب 17 - من أبواب الخيار حديث 4 و 5.
213



(1) قاعدة مستفادة من مضامين الأخبار.
(2) الوسائل باب 11 من كتاب الشهادات حديث 1.
214



(1) الوسائل باب 17 من أبواب الخيار.
(2) رواه المحقق الثاني في حاشية الإرشاد.
215



(1) الوسائل - باب 2 - من أبواب العيوب والتدليس من كتاب النكاح حديث.
2) (2) الوسائل - باب 7 - من أبواب العيوب والتدليس من كتاب النكاح حديث 1.
(3) الوسائل باب 11 من كتاب الشهادات حديث 2.
216

فأما الثالث فالمعروف من مذهب الأصحاب كما في الرياض وعن الكفاية
رجوع المشتري الجاهل بها على البائع، بل في كلام بعض تبعا للمحكي عن فخر
الاسلام في شرح الإرشاد دعوى الاجماع على الرجوع بما لم يحصل في مقابله
نفع. وفي التحرير أنه يرجع قولا واحدا.
وفي كلام المحقق والشهيد الثانيين في كتاب الضمان نفي الاشكال عن
ضمان البايع لدرك ما يحدثه المشتري إذا قلعه المالك.
وبالجملة فالظاهر عدم الخلاف في المسألة للغرور فإن البائع مغرر
للمشتري وموقع إياه في خطرات الضمان ومتلف عليه ما يغرمه، فهو كشاهد
الزور الذي يرجع إليه إذا رجع من شهادته، ولقاعدة نفي الضرر {1} مضافا إلى
ظاهر رواية جميل أو فحواها {2} عن الرجل يشتري الجارية من السوق فيولدها،
ثم يجئ مستحق الجارية، قال يأخذ الجارية المستحق ويدفع إليه المبتاع قيمة
الولد ويرجع على من باعه بثمن الجارية وقيمة الولد التي أخذت منه، فإن حرية
ولد المشتري إما أن يعد نفعا عائدا إليه أو لا؟ وعلى التقديرين يثبت المطلوب

(1) الوسائل - باب 88 - من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث 5.
217

مع أن توصيف قيمة الولد بأنها أخذت منه نوع اشعار لعلية الحكم، فيطرد
في سائر ما أخذت منه.
وأما السكوت عن رجوع المشتري إلى البائع في بعض الأخبار، فهو لعدم
كونه مسوقا لذلك كراوية زرارة في رجل اشترى من سوق المسلمين جارية، فخرج
بها إلى أرضه فولدت منه أولادا، ثم أتاها من يزعم أنها له وأقام على ذلك البينة،
قال يقبض ولده، ويدفع إليه الجارية ويعوضه من قيمة ما أصاب من لبنها وخدمتها.
ورواية زريق قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام يوما، إذ دخل عليه رجلان،
فقال، أحدهما أنه كان علي مال لرجل من بني عمار، وله بذلك ذكر حق، وشهود.
فأخذ المال ولم استرجع عنها الذكر بالحق ولا كتبت عليه كتابا ولا أخذت منه
براءة بذلك، وذلك لأني وثقت به، وقلت له: مزق الذكر الحق الذي عندك فمات و
تهاون بذلك ولم يمزقه، وعقيب هذا طالبني بالمال وراثه وحاكموني وأخرجوا
بذلك ذكر الحق وأقاموا العدول، فشهدوا عند الحاكم فأخذت بالمال، وكان المال
كثيرا، فتواريت عن الحاكم فباع على قاضي الكوفة معيشة لي وقبض القوم المال،
وهذا رجل من إخواننا ابتلي بشراء معيشتي من القاضي، ثم إن ورثة الميت أقروا
أن أباهم قد قبض المال وقد سألوه أن يرد علي معيشتي ويعطونه الثمن في أنجم
معلومة، فقال إني أحب أن أسأل أبا عبد الله عليه السلام عن هذا، فقال الرجل: يعني
المشتري كيف أصنع جعلت فداك؟ قال تصنع: أن ترجع بمالك على الورثة وترد
المعيشة إلى صاحبها وتخرج يدك عنها، قال: فإذا فعلت ذلك له أن يطالبني بغير
هذا، قال: نعم له أن يأخذ منك ما أخذت من الغلة من ثمن الثمار وكل ما كان
مرسوما في المعيشة يوم اشتريتها يجب أن ترد ذلك إلا ما كان من زرع زرعته
أنت، فإن للزراع أما قيمة الزرع، وأما يصبر عليك إلى وقت حصاد، الزرع فإن لم
يفعل ذلك كان ذلك له ورد عليك القيمة وكان الزرع له قلت: جعلت فداك فإن كان
هذا قد أحدث فيها بناء أو غرسا؟ قال له قيمة ذلك أو يكون ذلك المحدث بعينه
[نفسه] يقلعه ويأخذه، قلت: أرأيت إن كان فيها غرس أو بناء فقلع الغرس وهدم
البناء، فقال: يرد ذلك إلى ما كان أو يغرم القيمة لصاحب الأرض، فإذا رد جميع ما
أخذ من غلاتها على صاحبها ورد البناء والغرس وكل محدث إلى ما كان
218

أو رد القيمة كذلك يجب على صاحب الأرض [أن يرد عليه] كلما خرج منه
إصلاح المعيشة من قيمة غرس أو بناء أو نفقة في مصلحة المعيشة ودفع النوائب
كل ذلك مردود إليه، انتهى.
وفيه مع أنا نمنع ورودها إلا في مقام حكم المشتري مع المالك أن السكوت
في مقام البيان لا يعارض الدليل، مع أن رواية زرارة ظاهرها عدم التمكن من
الرجوع إلى البائع، مع أن البائع في قضية زريق هو القاضي، فإن كان قضاؤه
صحيحا لم يتوجه إليه غرم، لأن الحاكم من قبل الشارع ليس غارا من جهة حكمه
على طبق البينة المأمور بالعمل بها، وإن كان قضائه باطلا كما هو الظاهر

(1) الوسائل - باب 88 - من أبواب نكاح العبيد والأماء حديث 2.
(2) الوسائل - باب 3 من أبواب ما يكتسب به حديث 1.
219

فالظاهر علم المشتري ببطلان قضاء المخالف {1} وتصرفه في أمور
المسلمين، فهو عالم بفساد البيع فلا رجوع له.
وأما الثاني: وهو ما غرمه في مقابل النفع الواصل إليه من المنافع والنماء،
{2} ففي الرجوع بها خلاف أقواها الرجوع، وفاقا للمحكي عن المبسوط و
المحقق والعلامة - في التجارة - والشهيدين والمحقق الثاني وغيرهم.
وعن التنقيح أن عليه الفتوى، لقاعدة الغرور المتفق عليها ظاهرا في من قدم مال الغير إلى غيره الجاهل، فأكله، ويؤيده قاعدة نفي الضرر {3} فإن تغريم من
أقدم على اتلاف شئ من دون عوض مغرورا من آخر بأن له ذلك مجانا من دون
الحكم برجوعه إلى من غره في ذلك ضرر عظيم، ومجرد رجوع عوضه إليه لا
يدفع الضرر، وكيف كان فصدق الضرر واضرار الغار به مما لا يخفى خصوصا في
بعض الموارد، فما في الرياض من أنه لا دليل على قاعدة الغرور إذا لم ينطبق مع
قاعدة نفي الضرر المفقود في المقام لوصول العوض إلى المشتري لا يخلو عن
شئ، مضافا إلى ما قيل عليه من منع مدخلية الضرر في قاعدة الغرور، بل هي
مبنية على قوة السبب على المباشر لكنه لا يخلو من نظر، لأنه إنما يدعي
اختصاص دليل الغرور من النصوص الخاصة والاجماع بصورة الضرر.
220

وأما قوة السبب على المباشر ليست بنفسها دليلا على رجوع المغرور {1}
إلا إذا كان السبب بحيث استند التلف عرفا إليه، كما في المكره، وكما في الريح
العاصف الموجب للاحراق، والشمس الموجبة لإذابة الدهن وإراقتها، والمتجه
في مثل ذلك عدم الرجوع إلى المباشر أصلا، كما نسب إلى ظاهر الأصحاب في
المكره لكون المباشر بمنزلة الآلة. وأما في غير ذلك، فالضمان أو قرار الضمان فيه
يحتاج إلى دليل مفقود، فلا بد من الرجوع بالآخرة إلى قاعدة الضرر أو الاجماع
المدعى في الإيضاح على تقديم السبب إذا كان أقوى، أو بالأخبار الواردة في
الموارد المتفرقة، أو كون الغار سببا في تغريم المغرور، فكان كشاهد الزور في
ضمان ما يؤخذ لشهادته ولا ريب في ثبوت هذه الوجوه فيما نحن فيه، أما
الأخير فواضح. {2}
وأما الأول: فقد عرفته. وأما الاجماع والأخبار فهما وإن لم يردا في
خصوص المسألة، إلا أن تحققها في نظائر المسألة كاف، فإن رجوع أكل طعام
الغير إلى من غره بدعوى تملكه وإباحته له مورد الاجماع ظاهرا، ورجوع
المحكوم عليه إلى شاهدي الزور مورد الأخبار
221

ولا يوجد فرق بينهما و بين ما نحن فيه أصلا، وقد ظهر مما ذكرنا فساد منع
الغرور فيما نحن فيه كما في كلام بعض حيث عدل في رد مستند المشهور عما في
الرياض من منع الكبرى إلى منع الصغرى.
فإن الانصاف أن مفهوم الغرور الموجب للرجوع في باب الاتلاف وإن كان
غير منقح. إلا أن المتقين منه ما كان اتلاف المغرور لمال الغير واثبات يده عليه لا
بعنوان أنه مال الغير، بل قصده إلى اتلافه مال نفسه أو مال من أباح له الاتلاف
فيكون غير قاصد لاتلاف، مال الغير فيشبه المكره في عدم القصد،
هذا كله مضافا إلى ما قد يقال من دلالة رواية جميل المتقدمة، بناء على أن
حرية الولد منفعة راجعة إلى المشتري،
وهو الذي ذكره المحقق احتمالا في الشرايع في باب الغصب بناء على
تفسير المسالك، وفيه تأمل.
222

ثم إن مما ذكرنا في حكم هذا القسم يظهر حكم ما يغرمه في مقابل العين من زيادة
القيمة على الثمن الحاصلة وقت العقد، كما لو باع ما يسوي عشرين بعشرة فتلف،
فأخذ منه المالك عشرين {1} فإنه لا يرجع بعشرة الثمن، وإلا لزم تلفه من كيس
البائع من دون أن يغره في ذلك، لأنه لو فرض صدق البائع في دعواه
فحصل الغرور فوجب الرجوع {2} ومما ذكرنا يظهر اندفاع ما ذكر في دعوى الملكية لم
يزل غرامة المشتري للثمن بإزاء المبيع التالف، فهذه الغرامة للثمن لم تنشأ عن
كذب البائع. وأما العشرة الزائدة، فإنما جاء غرامتها من كذب البائع في وجه عدم
الرجوع من أن المشتري إنما أقدم على ضمان العين وكون تلفه منه، كما هو شأن
فاسد كل عقد يضمن بصحيحه ومع الاقدام لا غرور {3} وإذا لم يقل به في العشرة
المقابلة للثمن.
توضيح الاندفاع أن الاقدام إنما كان على ضمانه بالثمن، إلا أن الشارع
جعل القبض على هذا النحو من الاقدام، مع فساد العقد وعدم امضاء الشارع له
سببا لضمان المبيع بقيمته {4} الواقعية
223

فالمانع من تحقق الغرور، وهو الاقدام لم يكن إلا في مقابل الثمن {1} و
الضمان، المسبب عن هذا الاقدام، لما كان لأجل فساد العقد المسبب عن تغرير
البائع كان المترتب عليه من ضمان العشرة الزائدة مستقرا على الغار، فغرامة
العشرة الزائدة وإن كانت مسببة عن الاقدام إلا أنها ليست مقدما، عليها هذا كله مع
أن التحقيق على ما تقدم سابقا أن سبب الضمان في العقد الفاسد هو القبض الواقع
لا على وجه الائتمان وأن ليس الاقدام على الضمان علة له مع عدم امضاء
الشارع لذلك الضمان، وإن استدل به الشيخ وأكثر من تأخر عنه، وقد ذكرنا في
محله، توجيه ذلك بما يرجع إلى الاستدلال باليد فراجع.
وكيف كان فجريان قاعدة الغرور فيما نحن فيه أولى منه فيما حصل في
مقابلته نفع {2} هذا إذا كانت الزيادة موجودة وقت العقد، ولو تجددت بعده
فالحكم بالرجوع فيه أولى {3}
224

هذا كله فيما يغرمه المشتري بإزاء نفس العين التالفة. أما ما يغرمه بإزاء أجزائه
التالفة، فالظاهر أن حكمه حكم المجموع في أنه يرجع في الزائد على ما يقابل
ذلك الجزء لا فيما يقابله على ما اخترناه، ويجيئ على القول الآخر عدم الرجوع
في تمام ما يغرمه. وأما ما يغرمه بإزاء أوصافه {1} فإن كان مما لا يقسط عليه
الثمن، كما عدا وصف الصحة من الأوصاف التي يتفاوت بها القيمة، كما لو كان
عبدا كاتبا فنسي الكتابة عند المشتري، فرجع المالك عليه بالتفاوت. فالظاهر
رجوع المشتري على البائع لأنه لم يقدم على ضمان ذلك
225

ثم إن ما ذكرنا كله من رجوع المشتري على البائع بما يغرمه إنما هو إذا كان البيع
المذكور صحيحا من غير جهة كون البائع غير مالك. أما لو كان فاسدا من جهة
أخرى فلا رجوع على البائع {1} لأن الغرامة لم تجئ من تغرير البائع في دعوى
الملكية، وإنما جاءت من جهة فساد البيع فلو فرضنا البائع صادقا في دعواه لم
تزل الغرامة، غاية الأمر كون المغرور له هو البائع على تقدير الصدق والمالك على
تقدير كذبه، فحكمه حكم نفس الثمن في التزام المشتري به على تقديري صدق
البائع وكذبه.
226

ثم إنه قد ظهر مما ذكرنا. إن كل ما يرجع المشتري به على البائع إذا رجع
إليه فلا يرجع البائع به على المشتري إذا رجع عليه، لأن المفروض قرار الضمان
على البائع. {1} وأما ما لا يرجع المشتري به على البائع كمساوي الثمن من القيمة،
فيرجع البائع به على المشتري إذا غرمه للمالك والوجه في ذلك حصول التلف في يده.
فإن قلت: إن كلا من البائع والمشتري يتساويان في حصول العين في يدهما
العادية، التي هي سبب للضمان وحصول التلف في يد المشتري، ولا دليل على
كونه سببا لرجوع البائع عليه،
227

نعم لو أتلف بفعله رجع لكونه سببا لتنجز الضمان على السابق. {1} قلت: توضيح
ذلك يحتاج إلى الكشف عن كيفية اشتغال ذمة كل من اليدين ببدل التالف.
وصيرورته في عهدة كل منهما، مع أن الشئ الواحد لا يقبل الاستقرار إلا في ذمة
واحدة. وأن الموصول في قوله على اليد ما أخذت شئ واحد، كيف يكون على
كل واحدة من الأيادي المتعددة.
228

فنقول معنى كون العين المأخوذة على اليد كون عهدتها ودركها بعد التلف
عليه، فإذا فرض أيدي متعددة تكون العين الواحدة في عهدة كل من الأيادي {1}
لكن ثبوت الشئ الواحد في العهدات المتعددة، معناه لزوم خروج كل منها عن
العهدة عند تلفه، وحيث أن الواجب هو تدارك التالف الذي يحصل ببدل واحد لا
أزيد، كان معناه تسلط المالك على مطالبة كل منهم الخروج عن العهدة عند تلفه،
فهو يملك ما في ذمة كل منهم على البدل، بمعنى إنه إذا استوفى أحدها سقط
الباقي، لخروج الباقي عن كونها تداركا. لأن المتدارك لا يتدارك والوجه في
سقوط حقه بدفع بعضهم عن الباقي أن مطالبته ما دام لم يصل إليه المبدل ولا بدله
فأيهما حصل في يده لم يبق له استحقاق بدله، فلو بقي شئ له في ذمة واحدة لم
يكن بعنوان البدلية والمفروض عدم ثبوته بعنوان آخر.
ويتحقق مما ذكرنا أن المالك إنما يملك البدل على سبيل البدلية ويستحيل
اتصاف شئ منها بالبدلية بعد صيرورة أحدها بدلا عن التالف واصلا إلى المالك،
229

ويمكن أن يكون نظير ذلك ضمان المال على طريقة الجمهور، حيث إنه ضم ذمة
إلى ذمة أخرى وضمان عهدة العوضين لكل من البائع والمشتري عندنا كما في
الإيضاح {1} وضمان الأعيان المضمونة على {2} ما استقر به في التذكرة وقواه في
الإيضاح وضمان الاثنين لواحد {3} كما اختاره ابن حمزة.
وقد حكى فخر الدين والشهيد عن العلامة في دروسه أنه نفى المنع من
ضمان الاثنين على وجه الاستقلال، قال: ونظيره في العبادات الواجب الكفائي
وفي الأموال الغاصب من الغاصب، هذا حال المالك بالنسبة إلى ذوي الأيدي.

(1) المستدرك باب 1 من كتاب الغصب حديث 4 نقلا عن عوالي اللئالي وتفسير الرازي.
230

وأما حال بعضهم بالنسبة إلى بعض {1} فلا ريب في أن اللاحق إذا رجع إليه
لا يرجع إلى السابق ما لم يكن السابق موجبا لايقاعه في خطر الضمان.
كما لا ريب في أن السابق إذا رجع عليه وكان غارا للاحق لم يرجع إليه، إذ
لا معنى لرجوعه عليه بما لو دفعه اللاحق ضمنه له، فالمقصود بالكلام ما إذا لم
يكن غارا له، فنقول إن الوجه في رجوعه هو أن السابق اشتغلت ذمته بالبدل قبل
اللاحق، فإذا حصل المال في يد اللاحق فقد ضمن شيئا له بدل {2} فهذا الضمان
يرجع إلى ضمان واحد من البدل والمبدل على سبيل البدل، إذ لا يعقل ضمان
المبدل معينا من دون البدل، وإلا خرج بدله عن كونه بدلا فما يدفعه الثاني، فإنما
هو تدارك لما استقر تداركه في ذمة الأول بخلاف ما يدفعه الأول، فإنه تدارك
نفس العين معينا إذ لم يحدث له تدارك آخر بعد، فإن أداه إلى المالك سقط تدارك
الأول له، ولا يجوز دفعه إلى الأول قبل دفع الأول إلى المالك، لأنه من باب
الغرامة والتدارك فلا اشتغال للذمة قبل حصول التدارك وليس من قبيل العوض لما
في ذمة الأول، فحال الأول مع الثاني كحال الضامن مع المضمون عنه في أنه لا
يستحق الدفع إليه إلا بعد الأداء.
231

والحاصل إن من تلف المال في يده ضامن لأحد الشخصين على البدل من
المالك ومن سبقه في اليد ويشتغل ذمته أما بتدارك العين وأما بتدارك ما تداركها،
وهذا اشتغال شخص واحد بشيئين لشخصين على البدل، كما كان في الأيدي
المتعاقبة اشتغال ذمة أشخاص على البدل بشئ واحد لشخص واحد، وربما
يقال {1} في وجه رجوع غير من تلف المال في يده لو رجع عليه
232

إن ذمة من تلف في يده لو رجع عليه أن ذمة من تلف بيده مشغولة للمالك
بالبدل {1} وإن جاز له إلزام غيره باعتبار الغصب بأداء ما اشتغل ذمته به، فيملك
حينئذ من أدى بأدائه ما للمالك في ذمته بالمعاوضة الشرعية القهرية، قال: وبذلك
اتضح الفرق بين من تلف المال في يده وبين غيره الذي خطابه بالأداء شرعي لا ذمي،
إذ لا دليل على شغل ذمم متعددة بمال واحد، فحينئذ يرجع عليه ولا يرجع هو، انتهى.
وأنت خبير بأنه لا وجه للفرق بين خطاب من تلف بيده وخطاب غيره بأن
خطابه ذمي، وخطاب غيره شرعي، مع كون دلالة على اليد ما أخذت بالنسية
إليهما على السواء،
233

والمفروض أنه لا خطاب بالنسية إليهما غيره، مع أنه لا يكاد يفهم الفرق بين ما
ذكره من الخطاب بالأداء {1} والخطاب الذمي، مع أنه لا يكاد يعرف خلاف من
أحد في كون كل من ذوي الأيدي مشغول الذمة بالمال فعلا ما لم يسقط بأداء
أحدهم أو أبرأ المالك نظير الاشتغال بغيره من الديون في اجباره على الدفع أو
الدفع عنه من ماله، وتقديمه على الوصايا والضرب فيه مع الغرماء ومصالحة
المالك عنه مع آخر إلى غير ذلك
234

من أحكام ما في الذمة، مع أن تملك غير من تلف المال بيده لما في ذمة من تلف
المال بيده بمجرد دفع البدل لا يعلم له سبب اختياري ولا قهري، بل المتجه على
ما ذكرنا سقوط حق المالك عمن تلف في يده بمجرد أداء غيره لعدم تحقق
موضوع التدارك بعد تحقق التدارك، مع أن اللازم مما ذكره أن لا يرجع الغارم بمن
لحقه في اليد العادية إلا إلى من تلف في يده، مع أن الظاهر خلافه، فإنه يجوز له أن
يرجع إلى كل واحد ممن بعده.
نعم لو كان غير من تلف بيده فهو يرجع إلى أحد لواحقه إلى أن يستقر على
من تلف في يده، هذا كله إذا تلف المبيع في يد المشتري.
وقد عرفت الحكم أيضا في صورة بقاء العين، وأنه يرجع المالك بها على
من في يده أو من جرت يده عليها، فإن لم يمكن انتزاعها ممن هي في يده غرم
للمالك بدل الحيلولة {1} وللمالك استردادها، فيرد بدل الحيلولة ولا يرتفع سلطنة
المالك على مطالبة الأول بمجرد تمكنه من الاسترداد من الثاني {2} لأن عهدتها
على الأول فيجب عليه تحصيلها، وإن بذل ما بذل، نعم ليس للمالك أخذ مؤنة
الاسترداد ليباشر بنفسه {3}.
235

ولو لم يقدر على استردادها إلا المالك وطلب من الأول عوضا عن
الاسترداد {1} فهل يجب عليه بذل العوض أو ينزل منزلة التعذر فيغرم بدل
الحيلولة، أو يفرق بين الأجرة المتعارفة للاسترداد وبين الزائد عليها مما يعد
إجحافا على الغاصب الأول وجوه هذا كله مع عدم تغير العين. وأما إذا تغيرت،
فيجئ صور كثيرة لا يناسب المقام التعرض لها وإن كان كثير مما ذكرنا أيضا مما لا
يناسب ذكره إلا في باب الغصب، إلا أن الاهتمام بها دعاني إلى ذكرها في هذا
المقام بأدنى مناسبة اغتناما للفرصة وفقنا الله لما يرضيه عنا من العلم والعمل أنه
غفار الزلل.
مسألة لو باع الفضولي مال غيره مع مال نفسه، فعلى القول ببطلان الفضولي.
فالظاهر أن حكمه حكم بيع ما يقبل الملك مع ما لا يقبله والحكم فيه الصحة لظهور
الاجماع، بل دعواه
236

بل دعواه عن غير واحد مضافا إلى صحيحة الصفار المتقدمة في أدلة بطلان
الفضولي من قوله عليه السلام: لا يجوز بيع ما لا يملك، وقد وجب الشراء فيما يملك ولما
ذكرنا قال به من قال ببطلان الفضولي، كالشيخ وابن زهرة والحلي وغيرهم. نعم لولا النص والاجماع أمكن الخدشة فيه بما سيجئ في بيع ما يملك وما لا يملك.
وأما على القول بصحة الفضولي، فلا ينبغي الريب في الصحة مع الإجازة {1} بل
وكذا مع الرد فإنه كما لو تبين بعض المبيع غير مملوك، غاية الأمر ثبوت الخيار
حينئذ للمشتري مع جهله بالحال عند علمائنا، كما عن التذكرة.
وسيجئ في أقسام الخيار بل عن الشيخ في الخلاف تقوية ثبوت الخيار
للبائع لكن عن الغنية الجزم بعدمه ويؤيده صحيحة الصفار.

(1) الوسائل - باب 2 - من أبواب عقد البيع وشروطه.
(2) المائدة آية 2.
237

وربما حمل كلام الشيخ على ما إذا ادعى البائع الجهل أو الإذن وكلام الغنية
على العالم، ثم إن صحة البيع فيما يملكه مع الرد مقيد في بعض الكلمات بما إذا لم
يتولد من عدم الإجازة مانع شرعي كلزوم ربا وبيع آبق من دون ضميمة. وسيجئ
الكلام في محلها، ثم إن البيع المذكور صحيح بالنسبة إلى المملوك بحصته من
الثمن، وموقوف في غيره بحصته،
238

وطريق معرفة حصة كل منهما {1} من الثمن في غير المثلي أن يقوم كل منهما
منفردا، فيؤخذ لكل واحد جزء من الثمن نسبته إليه كنسبة قيمته إلى مجموع
القيمتين {2} مثاله كما عن السرائر ما إذا كان ثمنها ثلاث دنانير وقيل أن قيمة
المملوك قيراط وقيمة غيره قيراطان فيرجع المشتري بثلثي الثمن. وما ذكرنا من
الطريق هو المصرح به في الإرشاد حيث قال: ويقسط المسمى على القيمتين.
ولعله أيضا مرجع ما في الشرائع والقواعد واللمعة من أنهما يقومان جميعا، ثم
يقوم أحدهما. ولذا فسر بهذه العبارة المحقق الثاني عبارة الإرشاد حيث قال:
طريق تقسيط المسمى على القيمتين الخ. لكن الانصاف أن هذه العبارة الموجودة
في هذه الكتب لا تنطبق بظاهرها على عبارة الإرشاد التي اخترناها في طريق
التقسيط واستظهرناه من السرائر إذ لو كان المراد من تقويمهما، معا تقويم كل منهما
لا تقويم المجموع لم يحتج إلى قولهم ثم يقوم أحدهما، ثم تنسب قيمته إذ ليس
هنا إلا أمران تقويم كل منهما أو نسبة قيمته إلى مجموع القيمتين.
239

فالظاهر إرادة قيمتهما مجتمعين ثم تقويم أحدهما بنفسه، ثم ملاحظة نسبة
قيمة أحدهما إلى قيمة المجموع. {1} ومن هنا أنكر عليهم جماعة تبعا لجامع
المقاصد اطلاق القول بذلك، إذ لا يستقيم ذلك فيما إذا كان لاجتماع الملكين
دخل في زيادة القيمة {2} كما في مصراعي باب وزوج خف إذا فرض تقويم
المجموع بعشرة وتقويم أحدهما بدرهمين وكان الثمن خمسة، فإنه إذا رجع
المشتري بجزء من الثمن نسبته إليه كنسبة الاثنين إلى العشرة استحق من البائع
واحدا من الخمسة، فيبقى للبائع أربعة في مقابل المصراع الواحد، مع أنه لم
يستحق من الثمن إلا مقدارا من الثمن مساويا لما يقابل المصراع الآخر أعني درهمين
ونصفا.
240

والحاصل أن البيع إنما يبطل في ملك الغير بحصة من الثمن يستحقها الغير
مع الإجازة، ويصح في نصيب المالك بحصة كان يأخذها مع إجازة المالك الجزء
الآخر هذا ولكن الظاهر أن كلام الجماعة إما محمول على الغالب، من عدم زيادة
القيمة ولا نقصانها بالاجتماع، أو مرادهم من تقويمهما كل منهما منفردا، ويراد من
تقويم أحدهما ثانيا ملاحظة قيمته مع مجموع القيمتين، وإلا ففساد الضابط
المذكور في كلامهم لا يحتاج إلى النقض بصورة مدخلية الاجتماع في الزيادة
التي يمكن القول فيها، وإن كان ضعيفا بأخذ النسبة للمشتري بين قيمة أحدهما
المنفرد وبين قيمة المجموع، بل ينتقض بصورة مدخلية الاجتماع في نقصان القيمة
241

بحيث يكون قيمة أحدهما منفردا مثل قيمة المجموع أو أزيد، فإن هذا فرض
ممكن، كما صرح به في رهن جامع المقاصد وغيره، فإن الالتزام هنا بالنسبة
المذكورة يوجب الجمع بين الثمن والمثمن، كما لو باع جارية مع أمها قيمتهما
مجتمعتين عشرة وقيمة كل واحدة منهما منفردة عشرة بثمانية، فإن نسبة إحداهما
المنفردة إلى مجموع القيمتين {1} نسبة الشئ إلى مماثله فرجع بكل الثمانية،
وكان من أورد عليهم ذلك غفل عن هذا أو كان عنده غير ممكن، فالتحقيق في
جميع الموارد ما ذكرنا من ملاحظة قيمة كل منهما منفردا ونسبة قيمة أحدهما إلى
مجموع القيمتين.
فإن قلت إن المشتري إذا بذل الثمن في مقابل كل منهما مقيدا باجتماعه مع
الآخر، وهذا الوصف لم يبق له مع رد مالك أحدهما، فالبائع إنما يستحق من الثمن
ما يوزع على ماله منفردا فله من الثمن جزء نسبته إليه كنسبة الدرهمين إلى العشرة
وهو درهم واحد. فالزيادة ظلم على المشتري وإن كان ما أو همه عبارة الشرائع
وشبهها من أخذ البائع أربعة والمشتري واحدا أشد ظلما، كما نبه عليه في بعض
حواشي الروضة فاللازم أن يقسط الثمن على قيمة كل من الملكين منفردا وعلى
هيئته الاجتماعية ويعطي البائع من الثمن بنسبة قيمة ملكه منفردا ويبقى للمشتري
بنسبة قيمة ملك الآخر منفردا وقيمة هيأته الاجتماعية.
قلت: فوات وصف الانضمام كسائر الأوصاف الموجبة لزيادة القيمة، ليس
مضمونا في باب المعاوضات، وإن كان مضمونا في باب العدوان، غاية الأمر
ثبوت الخيار مع اشتراط تلك الصفة، ولا فرق فيما ذكرنا بين كون ملك البائع
وملك غيره متعددين في الوجود، كعبد وجارية أو متحدا كعبد ثلثه للبائع وثلثاه
لغيره، فإنه لا يوزع الثمن على قيمة المجموع أثلاثا لأن الثلث لا يباع بنصف ما
يباع به الثلثان لكونه أقل رغبة منه، بل يلاحظ قيمة الثلث وقيمة الثلثين ويؤخذ
النسبة منهما ليؤخذ من الثمن بتلك النسبة، هذا كله في القيمي.
242

أما المبيع المثلي فإن كانت الحصة مشاعة قسط الثمن {1} على نفس المبيع
فيقابل كل من حصتي البائع والأجنبي بما يخصه وإن كانت حصة كل منهما معينة
كان الحكم كما في القيمي {2} من ملاحظة قيمتي الحصتين وتقسيط الثمن على
المجموع فافهم.
مسألة لو باع من له نصف الدار نصف تلك الدار، فإن علم أنه أراد نصفه، أو
نصف الغير عمل به، وإلا فإن علم أنه لم يقصد بقوله بعتك نصف الدار إلا مفهوم هذا
اللفظ، ففيه احتمالان: حمله على نصفه المملوك له، وحمله على النصف المشارع
بينه وبين الأجنبي {3}
243

ومنشأ الاحتمالين. إما تعارض ظاهر النصف أعني الحصة المشاعة في مجموع
النصفين {1} مع ظهور انصرافه في مثل المقام من مقامات التصرف إلى نصفه
المختص {2} وإن لم يكن له هذا الظهور في غير المقام، ولذا يحمل الاقرار على
الإشاعة، كما سيجئ، أو مع ظهور انشاء البيع في البيع لنفسه {3} لأن مال الغير
لا بد فيه إما من نية الغير أو اعتقاد كون المال لنفسه، وأما من بنائه على تملكه
للمال عدوانا، كما في بيع الغاصب، والكل خلاف المفروض هنا، ومما ذكرنا يظهر
الفرق بين ما نحن فيه وبين قول البائع بعت غانما مع كون الاسم مشتركا بين عبده
وعبد غيره، حيث ادعى فخر الدين الاجماع على انصرافه إلى عبده، فقاس عليه
ما نحن فيه، إذ ليس للفظ المبيع هنا ظهور في عبد الغير، فبقي ظهور البيع في
وقوعه لنفس البائع وانصراف لفظ المبيع في مقام التصرف إلى مال المتصرف
سليمين عن المعارض،
246

فيفسر بهما اجمال لفظ المبيع، ثم إنه لو كان البائع وكيلا في بيع النصف أو وليا عن
مالكه في هل هو كالا جنبي؟ وجهان مبنيان على أن المعارض لظهور النصف في
المشاع هو انصراف لفظ المبيع إلى مال البائع في مقام التصرف أو ظهور التمليك
في الأصالة الأقوى هو الأول لأن ظهور التمليك في الأصالة من باب الاطلاق
وظهور النصف في المشاع وإن كان كذلك أيضا إلا أن ظهور المقيد وارد على
ظهور المطلق وما ذكره الشهيد الثاني من عدم قصد الفضولي إلى مدلول اللفظ وإن
كان مرجعه إلى ظهور وارد على ظهور المقيد، إلا أنه مختص بالفضولي، لأن القصد
الحقيقي موجود في الوكيل والولي، فالأقوى فيهما الاشتراك في المبيع تحكيما
لظاهر النصف، إلا أن يمنع ظهور النصف إلا في النصف المشاع في المجموع. {1}
وأما ملاحظة حقي المالكين وإرادة الإشاعة في الكل من حيث إنه مجموعهما
فغير معلومة، بل معلوم العدم بالفرض.
ومن المعلوم أن النصف المشاع بالمعنى المذكور، يصدق على نصفه
المختص فقد ملك كليا يملك مصداقه، فهو كما لو باع كليا سلفا مع كونه مأذونا في
بيع ذلك من غيره أيضا لكنه لم يقصد إلا مدلول اللفظ من غير ملاحظة وقوعه عنه
أو عن غيره فإن الظاهر وقوعه لنفسه، لأنه عقد على ما يملكه، فصرفه إلى الغير
من دون صارف لا وجه له،
247

ولعله لما ذكرنا ذكر جماعة كالفاضلين والشهيدين وغيرهم، لو أنه أصدق المرأة
عينا فوهبت نصفها المشاع قبل الطلاق {1} استحق الزوج بالطلاق النصف الباقي
لا نصف الباقي وقيمة نصف الموهوب. وإن ذكروا ذلك احتمالا، وليس إلا من جهة
صدق النصف على الباقي، فيدخل في قوله تعالى: فنصف ما فرضتم.
وإن كان يمكن توجيه هذا الحكم منهم بأنه: لما كان الربع الباقي للمرأة من
الموجود مثلا للربع التالف من الزوج ومساويا له من جميع الجهات، بل لا تغاير
بينهما إلا بالاعتبار، فلا وجه لاعتبار القيمة، نظير ما لو دفع المقترض نفس العين
المقترضة، مع كونها قيمية.
لكن الظاهر أنهم لم يريدوا هذا الوجه، وأنهم عللوا استحقاقه للنصف
الباقي ببقاء مقدار حقه، فلا يخلو عن منافاة لهذا المقام،
248

ونظيره في ظهور المنافاة لما هنا ما ذكروه في باب الصلح {1} من أنه: إذا أقر من
بيده المال لأحد المدعيين للمال بسبب موجب للشركة كالإرث، فصالحه المقر له
على ذلك النصف، كان النصف مشاعا في نصيبهما فإن أجاز شريكه نفذ في
المجموع وإلا نفذ في الربع، فإن مقتضى ما ذكروه هنا اختصاص المصالح بنصف
المقر له، لأنه إن أوقع الصلح على نصفه الذي أقر له به فهو كما لو صالح نصفه قبل
الاقرار مع غير المقر أو معه، وإن أوقعه على مطلق النصف المشاع انصرف أيضا
إلى حصته، فلا وجه لاشتراكه بينه وبين شريكه، ولذا اختار سيد مشايخنا قدس
الله أسرارهم اختصاصه بالمقر له، وفصل في المسالك بين ما لو وقع الصلح على
نصفه أو مطلق النصف وبين ما إذا وقع على النصف الذي أقر به ذو اليد، فاختار
مذهب المشهور في الثالث، لأن الاقرار منزل على الإشاعة، وحكم بالاختصاص
في الأولين لاختصاص النصف وضعا في الأول وانصرافا في الثاني إلى النصف
المختص، واعترضه في مجمع الفائدة: بأن هذا ليس تفصيلا بل مورد كلام
المشهور هو الثالث، لفرضهم المصالحة على ذلك النصف المقر به. وتمام الكلام في
محله وعلى كل حال، فلا اشكال في أن لفظ النصف المقر به إذا وقع في كلام
المالك للنصف المشاع مجردا عن حال أو مقال يقتضي صرفه إلى نصفه يحمل
على المشاع في نصيبه ونصيب شريكه، ولهذا أفتوا ظاهرا على أنه لو أقر أحد
الرجلين الشريكين الثابت يد كل منهما على نصف العين، بأن ثلث العين لفلان،
حمل على الثلث المشاع في النصيبين، فلو كذبه الشريك الآخر دفع المقر إلى المقر
له نصف ما في يده، لأن المنكر بزعم المقر ظالم للسدس بتصرفه في النصف، لأنه
باعتقاده إنما يستحق الثلث، فالسدس الفاضل في يد المنكر نسبته إلى المقر
والمقر له على حد سواء، فإنه قدر تالف من العين المشتركة فيوزع الاستحقاق
ودعوى أن مقتضى الإشاعة تنزيل المقر به على ما في يد كل منهما
249

فيكون في يد المقر سدس وفي يد المنكر سدس كما لو صرح بذلك وقال إن له في
يد كل منهما سدسا واقراره بالنسبة إلى ما في يد الغير غير مسموع فلا يجب إلا أن
يدفع إليه ثلث ما في يده وهو السدس المقر به، وقد تلف السدس الآخر بزعم
المقر على المقر له بتكذيب المنكر مدفوعة، بأن ما في يد الغير ليس عين ماله،
فيكون كما لو أقر شخص بنصف كل من داره ودار غيره وهو مقدار حصته المشاعة
كحصة المقر وحصة المقر وحصة المقر له بزعم المقر، إلا أنه لما لم يجبر المكذب
على دفع شئ مما في يده، فقد تلف سدس مشاع يوزع على المقر والمقر له فلا
معنى لحسابه على المقر له وحده، إلا على احتمال ضعيف، وهو تعلق الغصب
بالمشاع وصحة تقسيم الغاصب مع الشريك، فيتمحض ما يأخذه الغاصب
للمغصوب منه وما يأخذه الشريك لنفسه، لكنه احتمال مضعف في محله وإن قال
به أو مال إليه بعض على ما حكى، للحرج أو السيرة. نعم يمكن أن يقال بأن التلف
في هذا المقام حاصل بإذن الشارع للمنكر الغاصب لحق المقر له باعتقاد المقر،
والشارع إنما أذن له في أخذ ما يأخذه على أنه من مال المقر له، فالشارع إنما
حسب السدس في يد المنكر على المقر له، فلا يحسب منه على المقر شئ، وليس
هذا كأخذ الغاصب جزءا معينا من المال عدوانا بدون إذن الشارع حتى يحسب
على كلا الشريكين.
250

والحاصل أن أخذ الجزء كان بأذن الشارع، وإنما أذن له على أن يكون من
مال المقر له، ولعله لذا ذكر الأكثر بل نسبه في الإيضاح إلى الأصحاب في مسألة
الاقرار بالنسب، أن أحد الأخوين إذا أقر بثالث دفع إليه الزائد عما يستحقه
باعتقاده وهو الثلث، ولا يدفع إليه نصف ما في يده نظرا إلى أنه أقر بتساويهما في
مال المورث، فكل ما حصل كان لهما وكلما توى كان كذلك هذا، ولكن لا يخفى
ضعف هذا الاحتمال من جهة أن الشارع ألزم بمقتضى الاقرار معاملة المقر مع
المقر له بما يقتضيه الواقع الذي أقر به.
ومن المعلوم أن مقتضى الواقع لو فرض العلم بصدق المقر: هو كان ما في
يده على حسب اقراره بالمناصفة. وأما المنكر عالما فيكون ما في يده مالا
مشتركا لا يحل له منه إلا ما قابل حصته عما في يدهما والزائد حق لهما عليه.
وأما مسألة الاقرار بالنسب فالمشهور وإن صاروا إلى ما ذكره، وحكاه
الكليني عن الفضل بن شاذان على وجه الاعتماد، بل ظاهره جعل فتواه كروايته
إلا أنه صرح جماعة ممن تأخر عنهم بمخالفته للقاعدة، حتى قوى في المسالك
الحمل على الإشاعة وتبعه سبطه وسيد الرياض في شرحي النافع. والظاهر أن
مستند المشهور بعض الروايات الضعيفة المنجبر بعمل أصحاب الحديث، كالفضل
والكليني بل وغيرهما، فروى الصدوق مرسلا والشيخ مسندا عن أبي البختري
ووهب بن وهب عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام قال: قضى أمير المؤمنين عليه السلام في
رجل مات وترك ورثة، فأقر أحد الورثة بدين على أبيه أنه يلزم ذلك في حصته
بقدر ما ورث ولا يكون ذلك في ماله كله. وإن أقر اثنان من الورثة وكانا عدلين
أجيز ذلك على الورثة، وإن لم يكونا عدلين ألزما في حصتهما قدر ما ورثا،
وكذلك إن أقر أحد الورثة بأخ أو أخت فإنما يلزمه ذلك في حصته. وبالإسناد
قال: قال علي عليه السلام من أقر لأخيه فهو شريك في المال ولا يثبت نسبه، فإن أقر اثنان
فكذلك، إلا أن يكونا عدلين فيثبت نسبه ويضرب في الميراث معهم، وعن قرب
الأسناد رواية الخبرين عن السندي بن محمد وتمام الكلام في محله من كتاب
الاقرار والميراث إن شاء الله.
251

مسألة: لو باع ما يقبل التملك وما لا يقبله كالخمر والخنزير صفقة بثمن واحد {1}
صح في المملوك عندنا، كما في جامع المقاصد واجماعا كما في الغنية، ويدل عليه
اطلاق مكاتبة الصفار المتقدمة، ودعوى انصرافه إلى صورة كون بعض القرية
المذكورة فيها مال الغير ممنوعة، بل لا مانع من جريان قاعدة الصحة، بل اللزوم
في العقود عدا ما يقال من أن التراضي والتعاقد إنما وقع على المجموع الذي لم
يمضه الشارع قطعا، فالحكم بالامضاء في البعض مع عدم كونه مقصودا إلا في
ضمن المركب يحتاج إلى دليل آخر غير ما دل على حكم العقود والشروط
والتجارة عن تراض، ولذا حكموا بفساد العقد بفساد شرطه، وقد نبه عليه في
جامع المقاصد في باب فساد الشرط وذكر أن الفرق بين فساد الشرط، والجزء
عسرا، وتمام الكلام في باب الشروط ويكفي هنا الفرق بالنص والاجماع، نعم
ربما يقيد الحكم بصورة جهل المشتري لما ذكره في المسالك، وفاقا للمحكي في
التذكرة عن الشافعي من جهة إفضائه إلى الجهل بثمن المبيع قال في التذكرة بعد
ذلك، وليس عندي بعيدا من الصواب الحكم بالبطلان، فيما إذا علم المشتري
حرمة الآخر أو كونه مما لا ينقل إليه، انتهى

(1) الوسائل - باب 2 - من أبواب عقد البيع وشروطه حديث 1.
252

ويمكن دفعه بأن اللازم هو العلم بثمن المجموع الذي قصد إلى نقله عرفا،
وإن علم الناقل بعدم امضاء الشارع له، فإن هذا العلم غير مناف لقصد النقل (البيع)
حقيقة فبيع الغرر المتعلق لنهي الشارع وحكمه عليه بالفساد هو ما كان غررا في
نفسه مع قطع النظر عما يحكم عليه عن الشارع، مع أنه لو تم ما ذكر لاقتضى
صرف مجموع الثمن إلى المملوك لا البطلان {1} لأن المشتري القادم على ضمان
المجموع بالثمن مع علمه بعدم سلامة البعض له قادم على ضمان المملوك وحده
بالثمن، كما صرح به الشهيد في محكي الحواشي المنسوبة إليه حيث قال: إن هذا
الحكم مقيد بجهل المشتري بعين المبيع وإلا لكان البذل بإزاء المملوك ضرورة أن
القصد إلى الممتنع كلا قصد انتهى.
لكن ما ذكره رحمه الله مخالف لظاهر المشهور،، حيث حكموا بالتقسيط وإن كان
مناسبا لما ذكروه في بيع مال الغير من العالم من عدم رجوعه بالثمن إلى البائع،
لأنه سلطه عليه مجانا، فإن مقتضى ذلك عدم رجوع المشتري بقسط غير المملوك،
أما لوقوع المجموع في مقابل المملوك كما عرفت من الحواشي. أما لبقاء ذلك
القسط له مجانا {2} كما قد يلوح من جامع المقاصد والمسالك، إلا أنك قد عرفت أن الحكم هناك لا يكاد ينطبق على القواعد، ثم إن طريق تقسيط الثمن على
المملوك وغيره يعرف مما تقدم في بيع ماله مع مال الغير، من أن العبرة بتقويم كل
منهما منفردا ونسبة قيمة المملوك إلى مجموع القيمتين،
253

لكن الكلام هنا في طريق معرفة قيمة غير المملوك {1} وقد ذكروا أن الحر يفرض
عبدا بصفاته ويقوم، والخمر والخنزير يقومان بقيمتها عند من يراهما مالا، ويعرف
تلك القيمة بشهادة عدلين مطلعين على ذلك لكونهما مسبوقين بالكفر أو مجاورين
للكفار، ويشكل تقويم الخمر والخنزير بقيمتهما إذا باع الخنزير بعنوان أنها شاة،
والخمر بعنوان أنها خل، فبان الخلاف، بل حزم بعض هنا بوجوب تقويمهما قيمة
الخل والشاة.
254

مسألة: يجوز للأب والجد أن يتصرفا في مال الطفل بالبيع والشراء {1} ويدل عليه
قبل الاجماع الأخبار المستفيضة {2} المصرحة في موارد كثيرة، وفحوى
سلطنتهما على بضع البنت في باب النكاح {3}.

(1) الوسائل - باب 6 - من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد.
(2) الوسائل - باب 78 و 79 - من أبواب ما يكتسب به.
(3) الوسائل - باب 78 و 79 - من أبواب ما يكتسب به.
(4) الوسائل - باب 92 - من أبواب أحكام الوصايا.
255



(1) الوسائل - باب 2 - من أبواب من تجب عليه الزكاة.
(2) الوسائل - باب 78 - من أبواب ما يكتسب به.
256

والمشهور عدم اعتبار العدالة {1} للأصل {2} والاطلاقات، وفحوى
الاجماع المحكي عن التذكرة على ولاية الفاسق في التزويج، خلافا للمحكي عن
الوسيلة والايضاح فاعتبراها فيهما

(1) الوسائل - باب 78 - من أبواب ما يكتسب به حديث 9.
257

مستدلا في الأخير بأنها ولاية على من لا يدفع عن نفسه، ولا يصرف عن ماله {1}
ويستحيل من حكمة الصانع أن يجعل الفاسق أمينا يقبل اقراراته واخباراته عن
غيره، مع نص القرآن على خلافه، انتهى.
ولعله أراد بنص القرآن آية الركون إلى الظالم التي أشار إليها في جامع
المقاصد. {2} وفي دلالة الآية نظر، وأضعف منها ما ذكره في الإيضاح من
الاستحالة إذ المحذور يندفع،

(1) هود، 114.
258

كما في جامع المقاصد بأن الحاكم متى ظهر عنده بقرائن الأحوال اختلاف حال
أبو الطفل عزله ومنعه من التصرف في ماله وإثبات اليد عليه وإن لم يظهر خلافه،
فولايته ثابتة وإن لم يعلم استعلم حاله بالاجتهاد وتتبع سلوكه وشواهد أحواله، انتهى.

(1) الحجرات، 7.
259

وهل يشترط في تصرفه المصلحة؟ أو يكفي عدم المفسدة، أم لا يعتبر
شئ {1} وجوه، يشهد للأخير اطلاق ما دل على أن مال الولد للوالد {2} كما في
رواية سعد بن يسار وأنه وماله لأبيه، كما في النبوي المشهور وصحيحة ابن مسلم
أن الوالد يأخذ من مال ولده ما شاء، وما في العلل عن محمد بن سنان عن
الرضا عليه السلام من أن علة تحليل مال الولد لوالده أن الولد موهوب للوالد في قوله
تعالى: يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور ويؤيده أخبار جواز تقويم جارية
الابن على نفسه، لكن الظاهر منها تقييدها بصورة حاجة الأب {3} كما يشهد له
قوله عليه السلام في رواية الحسين ابن أبي العلا، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام ما يحل للرجل
من مال ولده؟ قال: قوته بغير سرف إذا اضطر إليه، قال: فقلت له قول رسول الله صلى الله عليه وآله
للرجل الذي أتاه فقدم أباه

(1) الوسائل - باب 78 - من أبواب ما يكتسب به حديث 8.
(2) نفس المصدر، ح 1.
(3) الوسائل - باب 78 - من أبواب ما يكتسب به حديث 2.
260

فقال له أنت ومالك لأبيك. فقال: إنما جاء بأبيه إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال يا رسول
الله صلى الله عليه وآله هذا أبي ظلمني ميراثي من أمي فأخبره الأب أنه قد أنفقه عليه وعلى نفسه،
فقال النبي صلى الله عليه وآله أنت ومالك لأبيك ولم يكن عند الرجل شئ أو كان رسول الله صلى الله عليه وآله
يحبس الأب للابن؟! ونحوها صحيحة أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله أنت ومالك لأبيك، ثم قال: لا نحب أن يأخذ من مال ابنه إلا ما
يحتاج إليه، مما لا بد منه إن الله لا يحب الفساد، فإن الاستشهاد بالآية يدل على
إرادة الحرمة من عدم الحب دون الكراهة، وأنه لا يجوز له التصرف بما فيه مفسدة
للطفل. هذا كله مضافا إلى عموم قوله تعالى: ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي
أحسن {1} فإن اطلاقه يشمل الجد ويتم في الأب بعدم الفصل، ومضافا إلى ظهور
الاجماع على اعتبار عدم المفسدة، بل في مفتاح الكرامة استظهر الاجماع تبعا
لشيخه في شرح القواعد على إناطة جواز تصرف الولي بالمصلحة، وليس ببعيد
فقد صرح به في محكي المبسوط حيث قال: ومن يلي أمر الصغير والمجنون
خمسة: الأب، والجد للأب، ووصي الأب والجد للأب، ووصي الأب، والحاكم
ومن يأمره، ثم قال: وكل هؤلاء الخمسة لا يصح تصرفهم إلا على وجه الاحتياط
والحظ للصغير لأنهم إنما نصبوا لذلك فإذا تصرف فيه على وجه لاحظ فيه كان
باطلا، لأنه خلاف ما نصب له، انتهى.
وقال الحلي في السرائر لا يجوز للولي التصرف في مال الطفل إلا بما يكون
فيه صلاح المال، ويعود نفعه إلى الطفل دون المتصرف فيه، وهذا الذي يقتضيه
أصول المذهب انتهى.

(1) الأنعام، 152.
261

وقد صرح بذلك أيضا المحقق والعلامة والشهيدان والمحقق الثاني
وغيرهم، بل في شرح الروضة للفاضل الهندي أن المتقدمين عمموا الحكم باعتبار
المصلحة من غير استثناء، واستظهر في مفتاح الكرامة من عبارة التذكرة في باب
الحجر نفي الخلاف في ذلك بين المسلمين، وقد حكى عن الشهيد في حواشي
القواعد أن قطب الدين قدس سره نقل عن العلامة رحمه الله أنه لو باع الولي بدون ثمن المثل لم لا
ينزل منزلة الاتلاف بالاقتراض؟ لأنا قائلون بجواز اقتراض ماله، وهو يستلزم
جواز اتلافه، قال: وتوقف زاعما، أنه لا يقدر على مخالفة الأصحاب.
262

هذا ولكن الأقوى كفاية عدم المفسدة {1} وفاقا لغير واحد من الأساطين
الذين عاصرناهم لمنع دلالة الروايات على أكثر من النهي عن الفساد، فلا تنهض
لدفع دلالة المطلقات المتقدمة الظاهرة في سلطنة الوالد على الولد وماله. وأما
الآية الشريفة، فلو سلم دلالتها فهي مخصصة بما دل على ولاية الجد وسلطنته
الظاهرة في أن له أن يتصرف في مال طفله بما ليس فيه مفسدة له، فإن ما دل على
ولاية الجد في النكاح معللا بأن البنت وأباها للجد وأباها

(1) الأنعام: 152.
263

وقوله صلى الله عليه وآله: أنت ومالك لأبيك، خصوصا مع استشهاد الإمام عليه السلام به في مضى
نكاح الجد بدون إذن الأب، ردا على من أنكر ذلك وحكم ببطلان ذلك من العامة
في مجلس بعض الأمراء وغير ذلك، يدل على ذلك، مع أنه لو سلمنا عدم
التخصيص وجب الاقتصار عليه في حكم الجد دون الأب، ودعوى عدم القول
بالفصل ممنوعة.
فقد حكى عن بعض متأخري المتأخرين القول بالفصل بينهما في
الاقتراض مع عدم اليسر، ثم لا خلاف ظاهرا كما ادعى في أن الجد وإن علا
يشارك الأب في الحكم {1} ويدل عليه ما دل على أن الشخص وماله الذي منه
مال ابنه لأبيه {2} وما دل على أن الولد ووالده لجده.

(1) الوسائل - باب 78 - من أبواب ما يكتسب به.
(2) الوسائل - باب 11 - من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد.
264

ولو فقد الأب وبقي الجد فهل أبوه وجده يقوم مقامه في المشاركة أو يخص هو
بالولاية {1} قولان من ظاهر أن الولد ووالده لجده، وهو المحكي عن ظاهر
جماعة. ومن أن مقتضى قوله تعالى: {2} وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض كون
القريب أولى بقريبه من البعيد، فنفى ولاية البعيد، وخرج منه الجد مع الأب، وبقي
الباقي وليس المراد من لفظ الأولى التفصيل مع الاشتراك في المبدأ، بل هو نظير
قولك هو أحق بالأمر من فلان ونحوه، وهذا محكي عن جامع المقاصد والمسالك
والكفاية، وللمسألة مواضع أخر تأتي انشاء الله.

(1) الوسائل - باب 11 - من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد حديث 4.
(2) الأنفال آية 75.
265

مسألة من جملة أولياء التصرف في مال من لا يستقل بالتصرف في ماله:
الحاكم والمراد منه، الفقيه الجامع لشرائط الفتوى. وقد رأينا هنا ذكر مناصب الفقيه
امتثالا لأمر أكثر حضار مجلس المذاكرة فنقول: مستعينا بالله للفقيه الجامع
للشرائط مناصب ثلاثة:
أحدها: الافتاء فيما يحتاج إليها العامي في عمله، ومورده المسائل الفرعية
والموضوعات الاستنباطية، من حيث ترتب حكم فرعي عليها، ولا اشكال ولا
خلاف في ثبوت هذا المنصب للفقيه، إلا ممن لا يرى جواز التقليد للعامي.
وتفصيل الكلام في هذا المقام موكول إلى مباحث الاجتهاد والتقليد.
الثاني: الحكومة فله الحكم بما يراه حقا في المرافعات وغيرها في الجملة،
وهذا المنصب أيضا ثابت له بلا خلاف فتوى ونصا. وتفصيل الكلام فيه من حيث
شرائط الحاكم، والمحكوم به، والمحكوم عليه، موكول إلى كتاب القضاء.
الثالث: ولاية التصرف في الأموال والأنفس، وهو المقصود بالتفصيل هنا
فنقول الولاية تتصور على وجهين:
266

الأول: استقلال الولي بالتصرف مع قطع النظر عن كون تصرف غيره منوطا
بإذنه أو غير منوط به، ومرجع هذا إلى كون نظره سببا في جواز تصرفه.
الثاني: عدم استقلال غيره بالتصرف، وكون تصرف الغير منوطا بإذنه وإن لم
يكن هو مستقلا بالتصرف، ومرجع هذا إلى كون نظره شرطا في جواز تصرف
غيره، وبين موارد الوجهين عموم من وجه، ثم إذنه المعتبر في تصرف الغير، أما أن يكون على وجه الاستنابة كوكيل الحاكم، وأما أن يكون على وجه التفويض
والتولية، كمتولي الأوقاف من قبل الحاكم، وأما أن يكون على وجه الرضا، كإذن
الحاكم لغيره في الصلاة على ميت لا ولي له. {1}
إذا عرفت هذا فنقول مقتضى الأصل عدم ثبوت الولاية لأحد بشئ من
الأمور المذكورة، خرجنا عن هذا الأصل في خصوص النبي والأئمة صلوات الله
عليهم أجمعين بالأدلة الأربعة: قال الله تعالى: النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم و
ما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم *
فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن يصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم * وأطيعوا الله
وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم * وإنما وليكم الله ورسوله الآية إلى غير ذلك.
وقال النبي صلى الله عليه وآله كما في رواية أيوب بن عطية: أنا أولى بكل مؤمن من نفسه،
وقال في يوم غدير خم: ألست أولى بكم من أنفسكم قالوا: بلى
قال: من كنت مولاه فهذا علي مولاه.
267



(1) النمل، 40.
(2) ص، 38.
268



(1) آل عمران، 49.
(2) الرعد، 43.
(3) الأعراف، 187.
269



(1) الأعراف، 181.
(2) الحشر، 7.
(3) الأحزاب، 21.
(4) آل عمران، 31.
270



(1) المائدة، 55.
(2) النساء، 59.
(3) أصول الكافي، ج 2، ص 21، حديث 9، باب دعائم الاسلام.
271



(1) أصول الكافي ج 1 - ص 206 حديث 5.
(2) أصول الكافي، ج 1، ص 192.
(3) أصول الكافي، ج 1، ص 187.
(4) إرشاد المفيد طبع النجف، ص 204.
(5) الوسائل - باب 1 - من أبواب صفات القاضي حديث 6.
272



(1) الوسائل باب 3 من أبواب صفات القاضي حديث 3.
(2) أصول الكافي، ج 1، ص 200.
273



(1) المستدرك باب 5 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها.
274



(1) سورة الأحزاب آية 6.
(2) أصول الكافي، ج 1 - ص 406، حديث 6.
275



(1) كتاب النجوم للسيد بن طاوس.
(2) أصول الكافي، ج 1 - ص 409 حديث 6 باب أن الأرض كلها للإمام.
(3) أصول الكافي، ج 1، ص 408 حديث 2.
(4) أصول الكافي، ج 1، ص 409، حديث 4.
277



(1) النساء آية 59.
(2) النور آية 64.
278

والأخبار في افتراض طاعتهم {1} وكون معصيتهم كمعصية الله كثيرة، يكفي
في ذلك. منها مقبولة عمر بن حنظلة ومشهورة أبي خديجة، والتوقيع الآتي حيث
علل فيها حكومة الفقيه وتسلطه على الناس بأني قد جعلته كذلك وأنه حجتي
عليكم. وأما الاجماع فغير خفي.

(1) النساء آية 83.
(2) أصول الكافي، ج 1، ص 185 باب فرض طاعة الأئمة حديث 1.
(3) أصول الكافي، ج 1، ص 185 حديث 7.
(4) أصول الكافي، ج 1، ص 187، حديث 8.
279

وأما العقل القطعي فالمستقل منه حكمه بوجوب شكر المنعم بعد معرفة أنهم
أولياء النعم {1} وغير المستقل حكمه بأن الأبوة إذا اقتضت وجوب طاعة الأب
على الابن في الجملة {2} كانت الإمامة مقتضية لوجوب طاعة الإمام على الرعية
بطريق أولى، لأن الحق هنا أعظم بمراتب، فتأمل.
والمقصود من جميع ذلك دفع ما يتوهم من أن وجوب طاعة الإمام مختص
بالأوامر الشرعية، وأنه لا دليل على وجوب طاعته في أوامره العرفية، أو سلطنته
على الأموال والأنفس.
وبالجملة فالمستفاد من الأدلة الأربعة، بعد التتبع والتأمل، إن للإمام سلطنة
مطلقة على الرعية من قبل الله تعالى، وأن تصرفهم نافذ على الرعية، ماض مطلقا،
هذا كله في ولايتهم بالمعنى الأول.
280

وأما بالمعنى الثاني: أعني اشتراط تصرف الغير بأذنهم {1} فهو وإن كان
مخالفا للأصل، إلا أنه قد ورد أخبار خاصة بوجوب الرجوع إليهم وعدم جواز
الاستقلال لغيرهم، بالنسبة إلى المصالح المطلوبة للشارع، الغير المأخوذة على
شخص معين من الرعية، كالحدود والتعزيرات والتصرف في أموال القاصرين
والزام الناس بالخروج عن الحقوق ونحو ذلك، ويكفي في ذلك ما دل على أنهم
أولو الأمر وولاته، فإن الظاهر من هذا العنوان عرفا من يجب الرجوع إليه في
الأمور العامة التي لم تحمل في الشرع على شخص خاص، وكذا ما دل على
وجوب الرجوع في الوقائع الحادثة إلى رواة الحديث معللا بأنهم حجتي عليكم
وأنا حجة الله. فإنه دل على أن الإمام هو المرجع الأصلي.
وما عن العلل بسنده إلى الفضل بن شاذان عن مولانا أبي الحسن الرضا عليه السلام
في علل حجة الناس إلى الإمام عليه السلام حيث قال بعد ذكر جملة من العلل: ومنها أنا لا
نجد فرقة من الفرق، ولا ملة من الملل، بقوا وعاشوا إلا بقيم ورئيس، لما لا بد لهم
منه في أمر الدين والدنيا، فلم يجز في حكمة الحكيم أن يترك الخلق بما (مما)
يعلم أنه لا بد لهم منه، ولا قوام له إلا به، هذا مضافا إلى ما ورد في خصوص
الحدود والتعزيرات والحكومات، وأنها إمام المسلمين.

(1) أصول الكافي، ج 1، ص 200.
281

وفي الصلاة على الجنائز من أن سلطان الله أحق بها من كل أحد وغير ذلك
مما يعثر عليه المتتبع، وكيف كان فلا اشكال في عدم جواز التصرف في كثير من
الأمور العامة بدون إذنهم ورضاهم، لكن لا عموم يقتضي أصالة توقف كل تصرف
على الإذن. نعم الأمور التي يرجع فيها كل قوم إلى رئيسهم لا يبعد الاطراد فيها
بمقتضى كونهم أولي الأمر وولاته، والمرجع الأصلي في الحوادث الواقعة
والمرجع في غير ذلك من موارد الشك إلى اطلاقات أدلة تلك التصرفات إن
وجدت على الجواز أو المنع، وإلا فإلى الأصول العملية {1} لكن حيث كان الكلام
في اعتبار إذن الإمام أو نائبه الخاص مع التمكن منه، لم يجز إجراء الأصول، لأنها
لا تنفع مع التمكن من الرجوع إلى الحجة، وإنما تنفع مع عدم التمكن من الرجوع
إليها لبعض العوارض.
وبالجملة فلا يهمنا التعرض لذلك أنما المهم التعرض لحكم ولاية الفقيه
بأحد الوجهين المتقدمين:
282

فنقول: أما الولاية على الوجه الأول أعني {1} استقلاله في التصرف، فلم
يثبت بعموم عدا ما ربما يتخيل من أخبار واردة في شأن العلماء، مثل: إن العلماء
ورثة الأنبياء، وأن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، ولكن أورثوا أحاديث من
أحاديثهم فمن أخذ بشئ منه أخذ بحظ وافر، وأن العلماء أمناء الرسل، وقوله عليه السلام:
مجاري الأمور بيد العلماء بالله، الأمناء على حلاله وحرامه، وقوله صلى الله عليه وآله علماء أمتي
كأنبياء بني إسرائيل، وفي المرسلة المروية في الفقه الرضوي أن منزلة الفقيه في
هذا الوقت كمنزلة الأنبياء في بني إسرائيل، وقوله عليه السلام في نهج البلاغة أولى الناس
بالأنبياء أعلمهم بما جاؤوا به: إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه الآية.
وقوله صلى الله عليه وآله ثلاثا: اللهم ارحم خلفائي قيل: ومن خلفائك يا رسول الله؟ قال:
الذين يأتون بعدي ويروون حديثي وسنتي، وقوله عليه السلام: في مقبولة ابن حنظلة قد
جعلته عليكم حاكما، وفي مشهورة ابن خديجة جعلته عليكم قاضيا، وقوله عجل
الله فرجه: هم حجتي عليكم وأنا حجة الله إلى غير ذلك مما يظفر به المتتبع.
لكن الانصاف بعد ملاحظة سياقها أو صدرها أو ذيلها يقتضي الجزم بأنها
في مقام بيان وظيفتهم من حيث الأحكام الشرعية لا كونهم كالنبي والأئمة
صلوات الله عليهم في كونهم أولى الناس في أموالهم،
283



(1) التهذيب ج 6 ص 303، حديث 53 و ج 6 ص 219، حديث 8 - والكافي ج 2، ص 358، والفقيه ج 3 - ص 2
والوسائل - باب 11 - من أبواب صفات القاضي حديث 6.
284



(1) الأنفال، 63.
(2) الكافي ج 1 - ص 67 حديث 10 - التهذيب ج 6، ص 301، حديث 52 - الفقيه ج 3، ص 5 - الإحتجاج، ص 194 -
الفروع ج 7، ص 412 - الوسائل - باب 11 - من أبواب صفات القاضي حديث 1.
286



(1) رواهما العلامة المامقاني في رجاله إحداهما عن التهذيب - والأخرى عن الكافي.
(2) عيون الأخبار ج 2، ص 37، حديث 94 - معاني الأخبار، ص 374. الفقيه ج 4، ص 303، حديث 53 - الوسائل - باب
8 - من أبواب صفات القاضي حديث 53 - وباب 11 - منها حديث 7.
287



(1) سورة ص آية 26.
(2) اكمال الدين واتمام النعمة طبع الكمباني، ص 266، ح 4 باب التوقيع - كتاب الغيبة، ص 198 - الإحتجاج طبع النجف،
ص 163 - الوسائل - باب 11 - من أبواب صفات القاضي حديث 9.
288



(1) تحف العقول، ص 237.
(2) أصول الكافي، ج 1 - ص 38 باب فقد العلماء حديث 3.
290



(1) أصول الكافي، ج 1 - ص 46 باب المستأكل بعلمه حديث 5.
291



(1) أصول الكافي، ج 1، ص 34 باب ثواب العالم والمتعلم.
(2) ج 1 - ص 216 الطبع الحديث.
292



(1) أصول الكافي ج 1 - ص 46 باب المستأكل بعلمه.
(2) المحجة البيضاء ج 1 - ص 144.
(3) المحجة البيضاء، ج 1، ص 144 - وأخرجه ابن عبد البر في العلم بلفظ آخر على نقل وبلفظه نقله الشهيد في المنية.
(4) خراجية الفاضل القطيفي.
293



(1) الوسائل - باب 11 - من أبواب صفات القاضي حديث 11.
295



(1) البحار ج 2 - ص 11 من الطبع الحديث.
296

فلو طلب الفقيه الزكاة والخمس من المكلف، فلا دليل على وجوب الدفع
إليه شرعا {1} نعم لو ثبت شرعا اشتراط صحة أدائهما بدفعه إلى الفقيه مطلقا، أو
بعد المطالبة وأفتى بذلك الفقيه وجب اتباعه إن كان ممن يتعين تقليده ابتداء أو بعد
الاختيار، فيخرج عن محل الكلام. هذا مع أنه لو فرض العموم فيما ذكر من
الأخبار وجب حملها على إرادة الجهة المعهودة المتعارفة من وظيفته صلى الله عليه وآله من
حيث كونه رسولا مبلغا، وإلا لزم تخصيص أكثر أفراد العام لعدم سلطنة الفقيه على
أموال الناس وأنفسهم، إلا في موارد قليلة بالنسبة إلى موارد عدم سلطنته.
وبالجملة فإقامة الدليل على وجوب طاعة الفقيه، كالإمام إلا ما خرج
بالدليل دونه خرط القتاد.

(1) الوسائل - باب 11 - من أبواب صفات القاضي - حديث 1.
(2) الوسائل - باب 11 - من أبواب صفات القاضي - حديث 9.
297

بقي الكلام في ولايته على الوجه الثاني أعني: توقف تصرف الغير على إذنه
{1} فيما كان متوقفا على إذن الإمام عليه السلام وحيث إن موارد التوقف على إذن الإمام
غير مضبوط، فلا بد من ذكر ما يكون كالضابط لها.
فنقول كل معروف علم من الشارع إرادة وجوده في الخارج إن علم كونه
وظيفة شخص خاص، كنظر الأب في مال ولده الصغير، أو صنف خاص، كالافتاء
والقضاء، أو كل من يقدر على القيام به، كالأمر بالمعروف، فلا اشكال في شئ من
ذلك. وإن لم يعلم ذلك واحتمل كونه مشروطا في وجوده أو وجوبه بنظر الفقيه
وجب الرجوع فيه إليه.
ثم إن علم الفقيه من الأدلة جواز توليه، لعدم إناطته بنظر خصوص الإمام
أو نائبه الخاص تولاه مباشرة أو استنابة، إن كان ممن يرى الاستنابة فيه، وإلا
عطله، فإن كونه معروفا لا ينافي أناطته بنظر الإمام عليه السلام والحرمان عنه، عند فقده
كساير البركات التي حرمناها بفقده عجل الله فرجه. ومرجع هذا إلى الشك في
كون المطلوب مطلق وجوده أو وجوده، من موجد خاص.
أما وجوب الرجوع إلى الفقيه في الأمور المذكورة فيدل عليه مضافا إلى ما
يستفاد من جعله حاكما كما، في مقبولة ابن حنظلة. الظاهرة في كونه كسائر
الحكام المنصوبة في زمان النبي صلى الله عليه وآله.
298

والصحابة، في إلزام الناس بارجاع الأمور المذكورة إليه والانتهاء فيها إلى
نظره، بل المتبادر عرفا من نصب السلطان حاكما، وجوب الرجوع في الأمور
العامة المطلوبة للسلطان إليه، وإلى ما تقدم من قوله عليه السلام: مجاري الأمور بيد العلماء
بالله الأمناء على حلاله وحرامه التوقيع المروي في اكمال الدين، وكتاب الغنية.
واحتجاج الطبرسي، الوارد في جواب مسائل إسحاق بن يعقوب التي ذكر أني
سألت العمري رضي الله عنه أن يوصل إلى الصاحب (عجل الله فرجه) كتابا فيه تلك المسائل
التي قد أشكلت علي، فورد التوقيع بخطه عليه آلاف الصلاة والسلام في أجوبتها.
وفيها: وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي
عليكم، وأنا حجة الله. فإن المراد بالحوادث ظاهرا مطلق الأمور التي لا بد من
الرجوع فيها عرفا أو عقلا أو شرعا إلى الرئيس مثل النظر في أموال القاصرين
لغيبة، أو موت، أو صغر، أو سفه. وأما تخصيصها بخصوص المسائل الشرعية فبعيد
من وجوه:
منها: إن الظاهر وكول نفس الحادثة إليه، ليباشر أمرها مباشرة أو استنابة، لا
الرجوع في حكمها إليه.
299

ومنها التعليل بكونهم حجتي عليكم وأنا حجة الله، فإنه إنما يناسب الأمور
التي يكون المرجع فيها هو الرأي والنظر، فكان هذا منصب ولاة الإمام من قبل
نفسه، لا أنه واجب من قبل الله سبحانه على الفقيه بعد غيبة الإمام، وإلا كان
المناسب أن يقول إنهم حجج الله عليكم، كما وصفهم في مقام آخر: بأنهم أمناء الله
على الحلال والحرام.
ومنها أن وجوب الرجوع في المسائل الشرعية إلى العلماء الذي هو من
بديهيات الاسلام من السلف إلى الخلف، مما لم يكن يخفى على مثل إسحاق بن
يعقوب، حتى يكتبه في عداد مسائل أشكلت عليه بخلاف وجوب الرجوع في
المصالح العامة إلى رأي ونظره. فإنه يحتمل أن يكون الإمام عليه السلام قد وكله في غيبته
إلى شخص أو أشخاص من ثقاته في ذلك الزمان.
والحاصل أن الظاهر أن لفظ الحوادث ليس مختصا بما اشتبه حكمه ولا
بالمنازعات
300

ثم إن النسبة بين مثل هذا التوقيع وبين العمومات الظاهرة في إذن الشارع في كل
معروف لكل أحد مثل قوله عليه السلام: كل معروف صدقة. وقوله عليه السلام: عون الضعيف من
أفضل الصدقة، وأمثال ذلك. وإن كانت عموما من وجه {1} إلا أن الظاهر حكومة
هذا التوقيع عليها {2}

(1) الوسائل باب 3 - من أبواب مكان المصلي حديث 1 - 3 وباب 1 - من أبواب القصاص في النفس حديث 3.
301

وكونها بمنزلة المفسر الدال على وجوب الرجوع إلى الإمام عليه السلام أو نائبه في الأمور
العامة التي يفهم عرفا دخولها تحت الحوادث الواقعة وتحت عنوان الأمر في قوله
تعالى: أولي الأمر وعلى تسليم التنزل عن ذلك.
فالمرجع بعد تعارض العمومين إلى أصالة عدم مشروعية ذلك المعروف مع
عدم وقوعه عن رأي ولي الأمر هذا.
لكن المسألة لا تخلو عن اشكال وإن كان الحكم به مشهوريا وعلى أي
تقدير فقد ظهر مما ذكرنا أن ما دل عليه هذه الأدلة هو ثبوت الولاية للفقيه في
الأمور التي يكون مشروعية ايجادها في الخارج مفروغا عنها، بحيث لو فرض
عدم الفقيه كان على الناس القيام بها كفاية. وأما ما يشك في مشروعيته، كالحدود
لغير الإمام، وتزويج الصغيرة لغير الأب والجد، وولاية المعاملة على مال الغائب
بالعقد عليه، وفسخ العقد الخياري عنه، وغير ذلك، فلا يثبت من تلك الأدلة
مشروعيتها للفقيه، بل لا بد للفقيه من استنباط مشروعيتها من دليل آخر.
نعم الولاية على هذه وغيرها ثابتة للإمام عليه السلام بالأدلة المتقدمة المختصة به،
مثل آية أولى بالناس من أنفسهم، وقد تقدم أن اثبات عموم نيابة الفقيه عنه عليه السلام في
هذا النحو من الولاية على الناس ليقتصر في الخروج عنه على ما خرج بالدليل
دونه خرط القتاد.

(1) الوسائل - باب 41 من أبواب الصدقة من كتاب الزكاة.
302

وبالجملة فها هنا مقامان:
أحدهما: وجوب ايكال المعروف المأذون فيه إليه ليقع خصوصياته عن
نظره ورأيه كتجهيز الميت الذي لا ولي له، فإنه يجب أن يقع خصوصياته من
تعيين الغاسل، والمغسل، وتعيين شئ من تركته للكفن، وتعيين المدفن عن رأي
الفقيه.
الثاني: مشروعية تصرف خاص في نفس أو مال أو عرض، والثابت
بالتوقيع وشبهه هو الأول دون الثاني وإن كان الافتاء في المقام الثاني
بالمشروعية وعدمها أيضا من وظيفته، إلا أن المقصود عدم دلالة الأدلة السابقة
على المشروعية، نعم لو ثبت أدلة النيابة عموما تم ما ذكر، ثم إنه قد اشتهر في
الألسن، وتداول في بعض الكتب رواية أن السلطان ولي من لا ولي له. {1} وهذا
أيضا بعد الانجبار سندا أو مضمونا يحتاج إلى أدلة عموم النيابة، وقد عرفت ما
يصلح أن يكون دليلا عليه، وأنه لا يخلو عن وهن في دلالته مع قطع النظر عن
السند كما اعترف به جمال المحققين في باب الخمس بعد الاعتراف بأن المعروف
بين الأصحاب كون الفقهاء نواب الإمام، ويظهر من المحقق الثاني أيضا في
رسالته الموسومة (بقاطع اللحاج في مسألة جواز أخذ الفقيه أجرة أراضي الأنفال
من المخالفين)، كما يكون ذلك للإمام عليه السلام إذا ظهر عليه السلام للشك في عموم النيابة وهو
في محله.

(1) التذكرة ج 2 ص 592 - رواه أبو داود في محكي سننه ج 1 ص 481 - وابن ماجة تحت رقم 1879 - وأحمد في
مسنده ج 6 ص 47 - وفي عوائد النراقي عائدة 54 أنه مروي في كتب الخاصة والعامة.
303

ثم إن قوله من لا ولي له في المرسلة المذكورة ليس مطلق من لا ولي له، بل
المراد عدم الملكة. يعني أنه ولي من من شأنه، بحسب شخصه، أو صنفه، أو نوعه،
أو جنسه فيشمل الصغير الذي مات أبوه والمجنون بعد البلوغ، والغائب، والممتنع،
والمريض، والمغمى عليه، والميت الذي لا ولي له، وقاطبة المسلمين إذا كان لهم
ملك كالمفتوح عنوة. والموقوف عليهم في الأوقاف العامة، ونحو ذلك. لكن
يستفاد من ما لم يكن يستفاد من التوقيع المذكور: وهو الأذن في فعل كل مصلحة
لهم، فيثبت به مشروعية ما لم يثبت مشروعيته بالتوقيع المتقدم، فيجوز له القيام
بجميع مصالح الطوائف، المذكورين {1} نعم ليس له فعل شئ لا يعود مصلحته
إليهم، وإن كان ظاهر الولي يوهم ذلك، إذ بعد ما ذكرنا من أن المراد بمن لا ولي له
من شأنه أن يكون له ولي، يراد به كونه ممن ينبغي أن يكون له من يقوم
بمصالحه، لا بمعنى أنه ينبغي أن يكون عليه ولي، له عليه ولاية الاجبار بحيث
يكون تصرفه ما ضيا عليه.
والحاصل أن الولي المنفي: هو الولي للشخص لا عليه، فيكون المراد
بالولي المثبت ذلك أيضا، فمحصله: إن الله جعل الولي الذي يحتاج إليه الشخص، و
ينبغي أن يكون له هو السلطان، فافهم.
وإن كان مصداقه الكامل إلا أن للفقيه أيضا السلطنة على غيره، وهو الحاكم المنفذ الحكم
كما مر، فمقتضى اطلاق الخبر هو جعل الولاية له أيضا.
{1} وتقريب الاستدلال بالخبر: أنه يدل على ثبوت الولاية على من لا ولي له، و
من شأنه أن يكون له ولي لمن له السلطنة، ولازم جعل الولاية هو جواز كل تصرف متعلق
به أو بماله كان جائزا له لو كان مالكا لأمره فيجوز للحاكم الشرعي أن يزوج المجنون الذي
لا ولي له، وأن يزوج المجنونة.
فإن قيل: إنه ضعيف السند للارسال.
أجبنا عنه بأن صاحب الجواهر قدس سره في كتاب النكاح قال: إن هذه القاعدة استغنت
عن الجابر في خصوص الموارد نحو غيرها من القواعد. والظاهر أنه كذلك، فإن الفقهاء في
باب النكاح يصرحون بأن أحد الأولياء السلطان، والظاهر أن هذا التعبير منهم من باب
تبعية هذا النص، فلا اشكال في الخبر سندا ودلالة.
304

مسألة في ولاية عدول المؤمنين {1} إعلم: أن ما كان من قبيل ما ذكرنا فيه
ولاية الفقيه هو ما كان تصرفا مطلوب الوجود للشارع، إذا كان الفقيه متعذر
الوصول، فالظاهر جواز توليه لآحاد المؤمنين، لأن المفروض كونه مطلوبا
للشارع، غير مضاف إلى شخص، واعتبار نظارة الفقيه فيه ساقط بفرض التعذر، و
كونه شرطا مطلقا له، لا شرطا اختياريا، مخالف لفرض العلم بكونه مطلوب
الوجود مع تعذر الشرط لكونه من المعروف الذي أمر بإقامته في الشريعة. نعم لو
احتمل كون مطلوبيته مختصة بالفقيه أو الإمام عليه السلام، صح الرجوع إلى أصالة عدم
المشروعية، كبعض مراتب النهي عن المنكر، حيث إن اطلاقاته لا تعم ما إذا بلغ
حد الجرح.
305

قال الشهيد رحمه الله في قواعده: يجوز للآحاد مع تعذر الحكام تولية التصرفات الحكمية
[يعني ذات مصلحة] على الأصح، كدفع ضرورة اليتيم لعموم: وتعاونوا على البر والتقوى.
وقوله عليه السلام: والله تعالى في عون العبد ما كان في عون أخيه.
وقوله: كل معروف صدقة. {1} وهل يجوز أخذ الزكوات والأخماس من
الممتنع وتفريقها في أربابها؟ وكذا بقية وظائف الحكام غير ما يتعلق بالدعاوي
فيه وجهان:
وجه الجواز: ما ذكرنا، ولأنه لو منع من ذلك لفاتت مصالح صرف تلك
الأموال وهي مطلوبة لله تعالى، وقال بعض متأخري العامة أن القيام بهذه المصالح
أهم من ترك تلك الأموال بأيدي الظلمة يأكلونها بغير حقها، ويصرفونها إلى غير
مستحقها، فإن توقع إمام يصرف ذلك في وجهه حفظ المتمكن تلك الأموال إلى
حين تمكنه من صرفها إليه، وإن يئس من ذلك، كما في هذا الزمان تعين صرفه
على الفور في مصارفه لما في ابقائه من التغرير وحرمان مستحقيه من تعجيل
أخذه مع مسيس حاجتهم إليه، ولو ظفر بأموال مغصوبة حفظها لأربابها حتى يصل
إليهم، ومع اليأس يتصدق بها عنهم، وعند العامة تصرف في المصارف العامة، انتهى.

(1) الوسائل باب 41 من أبواب الصدقة من كتاب الزكاة.
306

والظاهر أن قوله: فإن توقع إلى آخره من كلام الشهيد رحمه الله ولقد أجاد فيما أفاد إلا
أنه لم يبين وجه عدم الجواز، لعل وجهه أن مجرد كون هذه الأمور من المعروف لا
ينافي اشتراطها بوجود الإمام أو نائبه. كما في قطع الدعاوي، وإقامة الحدود، و
كما في التجارة بمال الصغير الذي له أب وجد. فإن كونها من المعروف لا ينافي
كونه إلى شخص خاص.
نعم لو فرض المعروف على وجه يستقل العقل بحسنه مطلقا، كحفظ اليتيم
من الهلاك الذي يعلم رجحانه على مفسدة التصرف في مال الغير بغير إذنه، صح
المباشرة بمقدار يندفع به الضرورة {1} أو فرض على وجه يفهم من دليله جواز
تصديه لكل أحد إلا أنه خرج ما لو تمكن من الحاكم حيث دلت الأدلة على
وجوب ارجاع الأمور إليه، وهذا كتجهيز الميت {2} وإلا فمجرد كون التصرف
معروفا لا ينهض في تقييد ما دل على عدم ولاية أحد على مال أحد أو نفسه. ولهذا
لا يلزم عقد الفضولي على المعقود له بمجرد كونه معروفا ومصلحة، ولا يفهم من
أدلة المعروف ولاية للفضولي على المعقود عليه، لأن المعروف هو التصرف في
المال، أو النفس على الوجه المأذون فيه من المالك، أو العقل، أو الشارع، من غير
جهة نفس أدلة المعروف.
وبالجملة تصرف غير الحاكم يحتاج إلى نص عقلي أو عموم شرعي أو
خصوص في مورد جزئي فافهم
307

بقي الكلام في اشتراط العدالة في المؤمن الذي يتولى المصلحة عند فقد الحاكم،
كما هو ظاهر أكثر الفتاوى حيث يعبرون بعدول المؤمنين، وهو مقتضى الأصل {1}

(1) الأنعام: 152.
308

ويمكن أن يستدل عليه ببعض الأخبار أيضا، ففي صحيحة محمد بن إسماعيل
رجل مات من أصحابنا بغير وصية، فرفع أمره إلى قاضي الكوفة فصير عبد الحميد،
القيم بماله، وكان الرجل خلف ورثة صغارا ومتاعا وجواري، فباع عبد الحميد
المتاع، فلما أراد بيع الجوار ي ضعف قلبه عن بيعهن، إذ لم يكن الميت صير إليه
وصية، وكان قيامه بهذا بأمر القاضي، لأنهن فروج، قال: فذكرت ذلك لأبي
جعفر عليه السلام وقلت له: يموت الرجل من أصحابنا ولا يوصي إلى أحد ويخلف
الجواري فيقيم القاضي رجلا منا لبيعهن أو قال: يقوم بذلك رجل منا فيضعف قلبه
لأنهن فروج، فما ترى في ذلك. قال: إذا كان القيم به مثلك ومثل عبد الحميد فلا بأس {1}

(1) الوسائل باب 16 من أبواب عقد البيع حديث 2.
309

بناء على أن المراد من المماثلة. إما المماثلة في التشيع، أو في الوثاقة، و
ملاحظة مصلحة اليتيم، وإن لم يكن شيعيا، أو في الفقاهة بأن يكون من نواب
الإمام عموما في القضاء بين المسلمين، أو في العدالة.
والاحتمال الثالث مناف لاطلاق المفهوم الدال على ثبوت البأس، مع عدم
الفقيه ولو مع تعذره. {1} وهذا بخلاف الاحتمالات الأخر، فإن البأس ثابت
للفاسق أو الخائن، أو المخالف.
وإن تعذر غير هم فتعين أحدها الدائر بينها، فيجب الأخذ في مخالفة
الأصل بالأخص منها وهو العدل، لكن الظاهر من بعض الروايات كفاية الأمانة و
ملاحظة مصلحة اليتيم، فيكون مفسرا للاحتمال الثاني، في وجه المماثلة المذكورة
في الصحيحة.
311

كتاب، فلا يستفاد فقاهته، بل هو غير فقيه.
ففي صحيحة علي بن رئاب رجل مات وبيني وبينه قرابة وترك أولادا صغار أو
مماليك غلمانا وجواري، ولم يوص، فما ترى فيمن يشتري منهم الجارية يتخذها
أم ولد؟ وما ترى في بيعهم؟ قال: فقال إن كان لهم ولي يقوم بأمرهم باع عليهم و
نظر لهم وكان مأجورا فيهم قلت: فما ترى فيمن يشتري منهم الجارية ويتخذها
أم ولد؟ فقال: لا بأس بذلك إذا باع عليهم القيم بأمرهم، الناظر فيما يصلحهم وليس
لهم أن يرجعوا فيما فعله القيم بأمرهم الناظر فيما يصلحهم {1}

(1) الوسائل باب 15 من أبواب عقد البيع وشروطه حديث 1.
312

وموثقة زرعة عن سماعة في رجل مات وله بنون وبنات صغار وكبار من غير
وصية وله خدم ومماليك وعقر كيف يصنع الورثة بقسمة ذلك، قال: إن قام رجل
ثقة قاسمهم ذلك كله فلا بأس {1} بناء على أن المراد من يوثق به ويطمئن بفعله
عرفا، وإن لم يكن فيه ملكة العدالة.
لكن في صحيحة إسماعيل بن سعد ما يدل على اشتراط تحقق عنوان
العدالة {2} قال: سألت الرضا عليه السلام عن رجل يموت بغير وصية وله ولد صغار وكبار
أيحل شراء شئ من خدمه ومتاعه من غير أن يتولى القاضي بيع ذلك؟ فإن تولاه
قاض قد تراضوا به ولم يستخلفه الخليفة. أيطيب الشراء منه أم لا؟ قال عليه السلام: إذ كان
الأكابر من ولده معه في البيع فلا بأس إذا رضي الورثة بالبيع وقام عدل في ذلك
هذا والذي ينبغي أن يقال إنك قد عرفت أن ولاية غير الحاكم لا تثبت إلا في مقام
يكون عموم عقلي أو نقلي يدل على رجحان التصدي لذلك المعروف، أو يكون
هناك دليل خاص على الولاية اتبع ذلك النص عموما أو خصوصا، فقد يشمل
الفاسق وقد لا يشمل.

(1) الوسائل - باب 88 - من أبواب أحكام الوصايا حديث 2.
(2) الوسائل - باب 16 - من أبواب عقد البيع وشروطه حديث 1.
313

وأما ما ورد فيه العموم، فالكلام فيه قد يقع في جواز مباشرة الفاسق و
تكليفه بالنسبة إلى نفسه، وأنه هل يكون مأذونا من الشرع في المباشرة أم لا؟ وقد
يكون بالنسبة إلى ما يتعلق من فعله بفعل غيره إذا لم يعلم وقوعه على وجه
المصلحة، كالشراء منه مثلا.
أما الأول: فالظاهر جوازه، وأن العدالة ليست معتبرة في منصب المباشرة
لعموم أدلة فعل ذلك المعروف، ولو مثل قوله عليه السلام: عون الضعيف من أفضل الصدقة
وعموم قوله تعالى: ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن ونحو ذلك. وصحيحة
محمد بن إسماعيل السابقة، قد عرفت أنها محمولة على صحيحة علي بن رئاب
المتقدمة، بل وموثقة زرعة وغير ذلك مما سيأتي، ولو ترتب حكم الغير على
الفعل الصحيح منه، كما إذا صلى فاسق على ميت لا ولي له. فالظاهر سقوطها عن
غيره إذا علم صدور الفعل منه وشك في صحته،
314

ولو شك في حدوث الفعل منه وأخبر به ففي قبوله اشكال {1}
وأما الثاني: فالظاهر اشتراط العدالة فيه، فلا يجوز الشراء منه وإن ادعى
كون البيع مصلحة. بل يجب أخذ المال من يده، ويدل عليه بعد صحيحة إسماعيل
ابن سعد المتقدمة، بل وموثقة زرعة بناء على إرادة العدالة من الوثاقة أن عموم
أدلة القيام بذلك المعروف لا يرفع اليد عنها بمجرد تصرف الفاسق، فإن وجوب
اصلاح مال اليتيم ومراعاة غبطته، لا ترتفع عن الغير بمجرد تصرف الفاسق، ولا
يجدي هنا حمل فعل المسلم على الصحيح، كما في مثال الصلاة المتقدم، لأن
الواجب هناك هي صلاة صحيحة. وقد علم صدور أصل الصلاة من الفاسق، وإذا
شك في صحتها أحرزت بأصالة الصحة.
315

وأما الحكم فيما فيه فلم يحمل على التصرف الصحيح، وإنما حمل
على موضوع هو اصلاح المال ومراعاة الحال، والشك في أصل تحقق ذلك {1}
فهو كما لو أخبر فاسق بأصل الصلاة مع الشك فيها.
وإن شئت قلت: إن شراء مال اليتيم لا بد أن يكون مصلحة له، ولا يجوز
ذلك بأصالة صحة البيع من البائع {2} كما لو شك المشتري في بلوغ البائع، فتأمل.
316

نعم لو وجد في يد الفاسق ثمن من مال الصغير، لم يلزم الفسخ مع المشتري وأخذ
الثمن من الفاسق {1} لأن مال اليتيم الذي يجب اصلاحه وحفظه من التلف لا يعلم
أنه الثمن أو المثمن. وأصالة صحة المعاملة من الطرفين يحكم بالأول فتدبر،
317

ثم إنه حيث ثبت جواز تصرف المؤمنين، فالظاهر أنه على وجه التكليف
الوجوبي أو الندبي {1} لا على وجه النيابة من حاكم الشرع، فضلا عن كونه على
وجه النصب من الإمام فمجرد وضع العدل يده على مال يتيم لا يوجب منع الآخر
ومزاحمته بالبيع ونحوه ولو نقله بعقد جائز، فوجد الآخر المصلحة في استرداده
جاز الفسخ، إذا كان الخيار ثابتا بأصل الشرع أو بجعلهما مع جعله للصغير أو مطلق
وليه من غير تخصيص بالعاقد لو أراد بيعه من شخص وعرضه، لذلك جاز لغيره
بيعه من آخر مع المصلحة وإن كان في يد الأول.
وبالجملة فالظاهر أن حكم عدول المؤمنين لا يزيد عن حكم الأب والجد،
من حيث جواز التصرف لكل منهما ما لم يتصرف الآخر.

(1) الوسائل باب 15 من أبواب عقد البيع.
318

وأما حكام الشرع، فهل هم كذلك {1} فلو عين فقيه من يصلي على الميت
الذي لا ولي له، أو من يلي أمواله، أو وضع اليد على مال يتيم، فهل يجوز للآخر
مزاحمته أم لا؟ الذي ينبغي أن يقال: إنه إن استندنا في ولاية الفقيه إلى مثل التوقيع
المتقدم جاز المزاحمة قبل وقوع التصرف اللازم. لأن المخاطب بوجوب ارجاع
الأمور إلى الحكام هو العوام. فالنهي عن المزاحمة يختص بهم. وأما الحكام فكل
منهم حجة من الإمام عليه السلام فلا يجب على واحد منهم ارجاع الأمر الحادث إلى
آخر، فيجوز له مباشرته، وإن كان الآخر دخل فيه ووضع يده عليه، فحال كل
منهم حال كل من الأب والجد، في أن النافذ تصرف السابق ولا عبرة بدخول
الآخر في مقدمات ذلك وبنائه على ما يغاير تصرف الآخر.
كما يجوز لأحد الحاكمين تصدي المرافعة قبل حكم الآخر، وإن حضر
المترافعان عنده وأحضر الشهود وبنى على الحكم. وأما لو استندنا في ذلك على
عمومات النيابة وأن فعل الفقيه كفعل الإمام ونظره كنظره الذي لا يجوز التعدي
عنه، لا من حيث ثبوت الولاية له على الأنفس والأموال حتى يقال أنه قد تقدم
عدم ثبوت عموم يدل على النيابة في ذلك. بل من حيث وجوب ارجاع الأمور
الحادثة إليه المستفاد من تعليل الرجوع فيها إلى الفقيه، بكونه حجة منه عليه السلام على
الناس، فالظاهر عدم جواز مزاحمة الفقيه الذي دخل في أمر ووضع يده عليه، و
بنى فيه بحسب نظره على تصرف وإن لم يفعل نفس ذلك التصرف لأن دخوله فيه،
كدخول الإمام. فدخول الثاني فيه وبنائه على تصرف آخر، مزاحمة له فهو
كمزاحمة الإمام عليه السلام فأدلة النيابة عن الإمام عليه السلام لا تشمل ما كان فيه مزاحمة
الإمام عليه السلام
319

فقد ظهر مما ذكرنا الفرق بين الحكام وبين الأب والجد. لأجل الفرق بين
كون كل واحد منهم حجة، وبين كون كل واحد منهم نائبا، وربما يتوهم كونهم
حينئذ كالوكلاء المتعددين في أن بناء واحد منهم على أمر مأذون فيه. لا يمنع
الآخر عن تصرف مغاير لما بنى عليه الأول، ويندفع بأن الوكلاء إذا فرضوا وكلاء
في نفس التصرف لا في مقدماته فما لم يتحقق التصرف من أحدهم كان الآخر
مأذونا في تصرف مغاير وإن بنى عليه الأول ودخل فيه. أما إذا فرضوا وكلاء عن
الشخص الواحد، بحيث يكون إلزامهم كإلزامه ودخولهم في الأمر كدخوله، و
فرضنا أيضا عدم دلالة دليل وكالتهم على الإذن في مخالفة نفس الموكل والتعدي
عما بنى هو عليه مباشرة، أو استنابة، كان حكمه حكم ما نحن فيه من غير زيادة و
لا نقيصة، والوهم إنما نشأ من ملاحظة التوكيلات المتعارفة للوكلاء المتعددين
المتعلقة بنفس ذي المقدمة، فتأمل.
هذا كله مضافا إلى لزوم اختلال نظام المصالح المنوطة إلى الحكام، سيما
في مثل هذا الزمان الذي شاع فيه القيام بوظائف الحكام ممن يدعي الحكومة، و
كيف كان، فقد تبين مما ذكرنا عدم جواز مزاحمة فقيه لمثله في كل إلزام قولي أو
فعلي يجب الرجوع فيه إلى الحاكم، فإذا قبض مال اليتيم من شخص، أو عين
شخصا لقبضه، أو جعله ناظرا عليه، فليس لغيره من الحكام مخالفة نظره، لأن نظره
كنظر الإمام. وأما جواز تصدي مجتهد لمرافعة تصداها مجتهد آخر قبل الحكم،
فيها إذا لم يعرض عنها بل بنى على الحكم فيها فلأن وجوب الحكم فرع سؤال من
له الحكم ثم إنه هل يشترط في ولاية غير الأب والجد ملاحظة الغبطة لليتيم أم لا،
ذكر الشهيد في قواعده أن فيه وجهين: ولكن ظاهر كثير من كلماتهم أنه لا يصح إلا
مع المصلحة، بل في مفتاح الكرامة: إنه اجماعي وأن الظاهر من التذكرة في باب
الحجر كونه اتفاقيا بين المسلمين.
وعن شيخه في شرح القواعد: إنه ظاهر الأصحاب، وقد عرفت تصريح
الشيخ والحلي بذلك حتى في الأب والجد، ويدل عليه بعد ما عرفت من أصالة
عدم الولاية لأحد على أحد عموم قوله تعالى: ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن.
320

وحيث إن توضيح معنى الآية على ما ينبغي لم أجده في كلام أحد من
المتعرضين لبيان آيات الأحكام فلا بأس بتوضيح ذلك في هذا المقام. {1}

(1) الأنعام آية 152 - الاسراء آية 35.
321

فنقول إن القرب في الآية يحتمل معاني أربعة {1}
الأول: مطلق التقليب والتحريك حتى من مكان إلى آخر، فلا يشمل مثل
ابقائه على حال أو عند أحد. {2}
الثاني: وضع اليد عليه بعد أن كان بعيدا عنه ومجتنبا. فالمعنى تجتنبوا عنه و
لا تقربوه إلا إذا كان القرب أحسن، فلا يشمل حكم ما بعد الوضع {3}
الثالث: ما يعد تصرفا عرفا، كالاقتراض، والبيع، والإجارة، وما أشبه ذلك،
فلا يدل على تحريم ابقائه بحاله تحت يده إذا كان التصرف فيه أحسن منه إلا
بتنقيح المناط {4}
322

الرابع: مطلق الأمر الاختياري المتعلق بمال اليتيم أعم من الفعل والترك {1}
323

وأما لفظ الأحسن في الآية {1} فيحتمل أن يراد به ظاهره من التفضيل، ويحتمل
أن يراد به الحسن وعلى الأول فيحتمل التصرف الأحسن من تركه، كما يظهر من
بعض، ويحتمل أن يراد به ظاهره وهو الأحسن مطلقا من تركه ومن غيره من
التصرفات. وعلى الثاني فيحتمل أن يراد ما فيه مصلحة ويحتمل أن يراد به ما لا
مفسدة فيه على ما قيل من أن أحد معاني الحسن ما لا حرج في فعله.
ثم إن الظاهر من احتمالات القرب هو الثالث ومن احتمالات: إلا حسن
هو الاحتمال الثاني أعني التفضيل المطلق {2} وحينئذ فإذا فرضنا أن المصلحة
اقتضت بيع مال اليتيم فبعناه بعشرة دراهم.
325

ثم فرضنا أنه لا يتفاوت لليتيم ابقاء الدراهم أو جعلها دينارا فأراد الولي
جعلها دينارا، فلا يجوز لأن هذا التصرف ليس أصلح من تركه وإن كان يجوز لنا
من أول الأمر بيع المال بالدينار لفرض عدم التفاوت بين الدراهم والدينار بعد
تعلق المصلحة بجعل المال نقدا. أما لو جعلنا الحسن بمعنى ما لا مفسدة فيه
فيجوز، وكذا لو جعلنا القرب بالمعنى الرابع، لأنا إذا فرضنا أن القرب يعم ابقاء مال
اليتيم على حاله، كما هو الاحتمال الرابع، فيجوز التصرف المذكور، إذ بعد كون
الأحسن هو جعل مال اليتيم نقدا، فكما أنه مخير في الابتداء بين جعله دراهم أو
دينارا، لأن القدر المشترك أحسن من غيره، واحد الفردين فيه لا مزية لأحدهما
على الآخر فيخير، فكذلك بعد جعله دراهم إذا كان كل من ابقاء الدراهم على
حاله وجعلها دينارا قربا والقدر المشترك أحسن من غيره، فأحد الفردين لا مزية
فيه على الآخر فهو مخير بينهما.
326

والحاصل أنه كل ما يفرض التخيير بين تصرفين في الابتداء، لكون القدر
المشترك بينهما أحسن وعدم مزية لأحد الفردين تحقق التخيير لأجل ذلك
استدامة فيجوز العدول من أحدهما بعد فعله إلى الآخر، إذا كان العدول مساويا
للبقاء بالنسبة إلى حال اليتيم، وإن كان فيه نفع يعود إلى المتصرف، لكن الانصاف
أن المعنى الرابع للقرب مرجوح في نظر العرف بالنسبة إلى المعنى الثالث. وإن كان
الذي يقتضيه التدبر في غرض الشارع ومقصوده من مثل هذا الكلام أن لا
يختاروا في أمر مال اليتيم، إلا ما كان أحسن من غيره {1}
327

نعم ربما يظهر من بعض الروايات، أن مناط حرمة التصرف هو الضرر لا أن مناط
الجواز هو النفع.
ففي حسنة الكاهلي قال لأبي عبد الله عليه السلام: إنا لندخل على أخ لنا في بيت
أيتام ومعهم خادم لهم، فنقعد على بساطهم ونشرب من مائهم ويخدمنا خادمهم،
وربما طعمنا فيه الطعام من عند صاحبنا، وفيه من طعامهم، فما ترى في ذلك،
قال: إن كان في دخولكم عليهم منفعة لهم فلا بأس، وإن كان فيه ضرر فلا، بناء
على أن المراد من منفعة الدخول ما يوازي عوض ما يتصرفون من مال اليتيم عند
دخولهم، فيكون المراد بالضرر في الذيل أن لا يصل إلى الأيتام ما يوازي ذلك {1}
فلا تنافي على ذلك بين الصدر والذيل على ما زعمه بعض المعاصرين من أن
الصدر دال على إناطة الحرمة بالضرر، فيتعارضان في مورد يكون التصرف غير
نافع ولا مضر. وهذا منه مبني على أن المراد بمنفعة الدخول النفع الملحوظ بعد
وصول ما بإزاء مال اليتيم إليه، بمعنى أن يكون المنفعة في معاوضة ما يتصرف من
مال اليتيم بما يتوصل إليهم من ماله، كأن يشرب ماء فيعطي فلسا بإزائه، وهكذا
وأنت خبير بأنه لا ظهور للرواية حتى يحصل التنافي.

(1) الوسائل - باب 71 - من أبواب ما يكتسب به حديث 1.
328

وفي رواية ابن المغيرة قلت لأبي عبد الله عليه السلام إن لي ابنة أخ يتيمة، فربما
أهدي لها الشئ فأكل منه، أطعمها بعد ذلك الشئ من مالي، فأقول: يا رب هذا
بهذا، قال: لا بأس فإن ترك الاستفصال من مساواة العوض وزيادته يدل على
عدم اعتبار الزيادة {1} إلا أن يحمل على الغالب من كون التصرف في الطعام
المهدي إليها واعطاء العوض بعد ذلك أصلح إذ الظاهر أن الطعام المهدي إليها هو
المطبوخ وشبهه.

(1) الوسائل باب 71 من أبواب ما يكتب به حديث 2.
329

وهل يجب مراعاة الأصلح أم لا؟ وجهان: قال الشهيد قدس سره في القواعد: هل
يجب على الولي مراعاة المصلحة في مال للمولى عليه أو يكفي نفي المفسدة
يحتمل الأول، لأنه منصوب لها {1} ولأصالة بقاء الملك على حاله {2} ولأن
النقل والانتقال لا بد لهما من غاية، والعدميات لا تكاد تقع غاية {3}
330

وعلى هذا هل يتحرى الأصلح أم يكتفي بمطلق المصلحة فيه وجهان {1} نعم
لمثل ما قلنا لا لأن ذلك لا يتناهى، وعلى كل تقدير لو ظهر في الحال الأصلح و
المصلحة لم يجز العدول عن الأصلح، ويترتب على ذلك أخذ الولي بالشفعة
للمولى عليه حيث لا مصلحة ولا مفسدة، وتزويج المجنون حيث لا مفسدة وغير
ذلك، انتهى.
الظاهر أن فعل الأصلح في مقابل ترك التصرف رأسا غير لازم، لعدم الدليل
عليه فلو كان مال اليتيم موضوعا عنده وكان الاتجار به أصلح منه لم [لا] يجب
إلا إذا قلنا بالمعنى الرابع من معاني القرب في الآية بأن يراد لا تختاروا في مال
اليتيم أمرا من الأفعال أو التروك إلا أن يكون أحسن من غيره.
وقد عرفت الاشكال في استفادة هذا المعنى، بل الظاهر التصرفات
الوجودية فهي المنهي عن جميعها لا ما كان أحسن من غيره ومن الترك فلا يشمل
ما إذا كان فعل أحسن من الترك، نعم ثبت بدليل خارج حرمة الترك إذا كان فيه
مفسدة. وأما إذا كان في الترك مفسدة.
331

ودار الأمر بين أفعال بعضها أصلح من بعض فظاهر الآية عدم جواز العدول
عنه بل ربما يعد العدول في بعض المقامات افسادا كما إذا اشترى في موضع
بعشرة. وفي موضع آخر قريب منه بعشرين فإنه يعد بيعه في الأول إفسادا للمال
ولو ارتكبه عاقل عد سفيها ليس فيه ملكة إصلاح المال، وهذا هو الذي أراده
الشهيد بقوله: ولو ظهر في الحال انتهى.
نعم قد لا يعد العدول من السفاهة كما لو كان بيعه مصلحة وكان بيعه في بلد
آخر أصلح مع اعطاء الأجرة منه أن ينقله إليه والعلم بعدم الخسارة، فإنه قد لا يعد
ذلك سفاهة لكن ظاهر الآية وجوبه.
332

القول في شرائط العوضين: {1}
يشترط في كل منهما كونه متمولا، {2} لأن البيع لغة مبادلة مال بمال، وقد
احترزوا بهذا الشرط عما لا ينتفع به منفعة مقصودة للعقلاء محللة في الشرع لأن
الأول: ليس بمال عرفا كالخنافس والديدان، فإنه يصح عرفا سلب
المصرف لها ونفي الفائدة عنها.
والثاني: ليس بمال شرعا كالخمر والخنزير، ثم قسموا عدم الانتفاع إلى ما
يستند إلى خسة الشئ، كالحشرات، وإلى ما يستند إلى قلته كحبة حنطة، وذكروا
أنه ليس مالا وإن كان يصدق عليه الملك. ولذا يحرم غصبه اجماعا. وعن
التذكرة: إنه لو تلف لم يضمن أصلا، واعترضه غير واحد ممن تأخر عنه بوجوب
رد المثل.
333

والأولى أن يقال إن ما تحقق أنه ليس بمال عرفا، فلا اشكال ولا خلاف
في عدم جواز وقوعه أحد العوضين إذ لا بيع إلا في ملك {1} وما لم يتحقق فيه
ذلك فإن كان أكل المال في مقابله أكلا بالباطل عرفا
{2} فالظاهر فساد المقابلة وما لم يتحقق فيه ذلك، فإن ثبت دليل من نص أو
إجماع على عدم جواز بيعه فهو

راجع سنن الترمذي ج 3 ص 534 الوسائل باب 7 من أبواب أحكام العقود.
336

وإلا فلا يخفى وجوب الرجوع إلى عمومات صحة البيع والتجارة {1} و
خصوص قوله عليه السلام في المروي عن تحف العقول: وكل شئ يكون لهم فيه الصلاح
من جهة من الجهات، فكل ذلك حلال بيعه إلى آخر الرواية. وقد تقدمت في أول
الكتاب.

(1) الوسائل باب 7 من أبواب أحكام العقود.
(2) نفس المصدر.
337

ثم إنهم احترزوا باعتبار الملكية في العوضين من بيع ما يشترك فيه الناس كالماء،
والكلاء، والسموك، والوحوش، قبل اصطيادها، بكون هذه كلها غير مملوكة بالفعل {1}
338

واحترزوا به أيضا عن الأرض المفتوحة عنوة، ووجه الاحتراز أنها غير مملوكة
لملاكها {1} على نحو سائر الأملاك، بحيث يكون لكل منهم جزء معين من عين
الأرض وإن قل. ولذا لا يورث بل ولا من قبيل الوقف الخاص على معينين لعدم
تملكهم للمنفعة مشاعا، ولا كالوقف على غير معينين كالعلماء والمؤمنين، ولا من
قبيل تملك الفقراء للزكاة، والسادة للخمس، بمعنى كونهم مصارف له لعدم تملكهم
لمنافعها بالقبض، لأن مصرفه منحصر في مصالح المسلمين. فلا يجوز تقسيمه
عليهم من دون ملاحظة مصالحهم، فهذه الملكية نحو مستقل من الملكية قد دل
عليه الدليل، ومعناها صرف حاصل الملك في مصالح الملاك، ثم إن كون هذه
الأرض للمسلمين مما ادعى عليه الاجماع ودل عليه النص كمرسلة حماد
الطويلة وغيرها وحيث جرى في الكلام ذكر بعض أقسام الأرضين فلا بأس
بالإشارة اجمالا إلى جميع أقسام الأرضين وأحكامها.

(1) البحار ج 1 ص 154 الطبع القديم - ج 2 ص 272 الطبع الحديث.
339

فنقول ومن الله الاستعانة:
الأرض أما موات، وأما عامرة، وكل منهما إما أن تكون كذلك أصلية، أو
عرض لها ذلك، فالأقسام أربعة لا خامس لها.
الأول: ما يكون مواتا بالأصالة بأن لم تكن مسبوقة بعمارة، ولا إشكال ولا
خلاف منا في كونها للإمام عليه السلام، {1} والاجماع عليه محكي عن الخلاف، والغنية، و
جامع المقاصد،. المسالك، وظاهر جماعة أخرى، والنصوص بذلك مستفيضة، بل
قيل إنها متواترة. {2}

(1) الوسائل باب 1 من أبواب الأنفال من كتاب الخمس حديث 1.
(2) نفس المصدر ح 8
(3) نفس المصدر حديث 28.
340

هي من الأنفال. نعم أبيح التصرف فيها بالاحياء بلا عوض {1} وعليه
يحمل ما في النبوي موتان الأرض لله ورسوله صلى الله عليه وآله، ثم هي لكم مني أيها
المسلمون، ونحوه الآخر عادي الأرض لله ولرسوله ثم هي لكم مني وربما يكون
في بعض الأخبار وجوب أداء خراجه إلى الإمام عليه السلام كما في صحيحة الكابلي قال
وجدنا في كتاب على (إن الأرض لله يورثها من يشاء والعاقبة للمتقين) قال: إنا و
أهل بيتي الذين أورثنا الله الأرض ونحن المتقون والأرض كلها لنا، فمن أحيى
من الأرض من المسلمين فليعمرها وليؤد خراجها إلى الإمام من أهل بيتي، وله
ما أكل منها الخبر.

(1) الوسائل باب 1 من أبواب الأنفال من كتاب الخمس حديث 4.
(2) نفس المصدر ح 2.
(3) المبسوط كتاب احياء الموات - التذكرة ج 2 ص 400.
341

ومصححة عمر بن يزيد أنه سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أخذ أرضا مواتا
تركها أهلها فعمرها وأجرى أنهارها وبنى فيها بيوتا وغرس فيها نخلا وشجرا،
فقال أبو عبد الله عليه السلام كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول: من أحيى أرضا من المؤمنين فهي
له، وعليه طسقها يؤديه به إلى الإمام عليه السلام في حال الهدنة، فإذا ظهر القائم فليوطن
نفسه على أن يؤخذ منه الخبر.
ويمكن حملها على بيان الاستحقاق ووجوب ايصال الطسق إذا طلبه
الإمام عليه السلام

(1) الوسائل باب 1 من احياء الموات حديث 5.
(2) الوسائل باب 2 من أبواب احياء حديث 1.
(3) الوسائل باب 1 من أبواب الأنفال حديث 6.
342

لكن الأئمة عليهم السلام بعد أمير المؤمنين عليه السلام حللوا شيعتهم وأسقطوا ذلك عنهم
{1} كما يدل عليه قوله عليه السلام في رواية مسمع بن عبد الملك: كلما كان في أيدي
شيعتنا من الأرض فهم فيه محللون يحل لهم ذلك إلى أن يقوم قائمنا فيجبيهم
طسق ما كان في أيديهم، ويترك الأرض في أيديهم. وأما ما كان في أيدي
سواهم. فإن كسبهم في الأرض حرام عليهم حتى يقوم قائمنا، ويأخذ الأرض من
أيديهم ويخرجهم عنها صغرة. الخبر

(1) الوسائل باب 4 من أبواب الأنفال.
(2) نفس المصدر 12.
343

نعم ذكر في التذكرة أنه لو تصرف في الموات أحد بغير إذن الإمام عليه طسقها، و
يحتمل حمل هذه الأخبار المذكورة على حال الحضور، وإلا فالظاهر عدم
الخلاف في عدم وجوب مال الإمام في الأراضي في حال الغيبة، بل الأخبار
متفقة على أنها لمن أحياها، وسيأتي حكاية اجماع المسلمين على صيروتها ملكا
بالاحياء.

(1) الوسائل باب من أبواب الموات حديث 1.
(2) الوسائل باب 1 من أبواب احياء الموات حديث 5.
(3) الوسائل باب من أبواب احياء الموات حديث 6.
344

ولكن النبويين ضعيفان - والصحيح لا مفهوم له كي يدل على عدم تملك
غير المسلمين بالاحياء فيعارض مع النصوص المتقدمة
فالأظهر عدم الاختصاص بالمسلم
ولكن بعد ما عرفت من اعتبار الإذن، وأن ثبوت إذنهم عليهم السلام إنما يكون -
بأخبار التحليل المختصة بالشيعة، ودلالة شاهد الحال، ففي زمان الغيبة الالتزام
بملكية الأرض لغير الشيعة بالاحياء يتوقف على احراز رضاه عليه السلام بذلك وإلا فلا
يكون الاحياء مملكا وفي صحيح (1) عمر بن يزيد عن مسمع بن عبد الملك
المتقدم ما كان في أيدي سواهم فإن كسبهم من الأرض حرام عليهم حتى يقوم
قائمنا فيأخذ الأرض - وهذا صريح في عدم الإذن لغير الشيعة
فالأظهر هو الاختصاص بهم.
وأما الجهة الخامسة - فظاهر فتاوى القوم أن الملك بلا عوض وعن فوائد
الشرايع احتمال العوض وظاهر قولهم عليهم السلام من أحيى أرضا مواتا فهي له - هو
حصول الملك مجانا - ومقتضى صحيحي الكابلي، وعمر بن يزيد المتقدمين هو
ايجاب الخراج المنافي لكونها ملكا - ومقتضى نصوص التحليل سقوط الخراج
والجمع بين هذه الطوائف، بحمل نصوص الخراج على زمان الحضور، كما
في المتن احتماله، يأباه صريح نصوص التحليل، كما أن حمل نصوص الخراج
على بيان الاستحقاق، كما اختاره المصنف، ينافيه ظهورها في الفعلية
فالحق أن يقال إن نصوص الخراج، لا بد من تأويلها أورد علمها إلى أهلها،
لمعارضتها مع نصوص التملك بالأحياء وعدم عمل الأصحاب بها، مضافا إلى ما
ذكرناه في الأراضي الخراجية في الجزء الثاني من هذا الشرح من عدم كون هذه
الأرض منها، وبالجملة لا اشكال في سقوط الخراج إما لعدم تشريعه أو للتحليل،
فنصوص الاحياء لا معارض لها.
الأرض العامرة

(1) الوسائل باب 4 من أبواب الأنفال حديث 12.
345

الثاني: ما كانت عامرة بالأصالة أي لا من معمر، {1} والظاهر أنه أيضا
للإمام عليه السلام {2}
وعن التذكرة الاجماع عليه، وفي غيرها نفي الخلاف عنه، لموثقة أبان بن
عثمان
346

عن إسحاق بن عمار المحكي عن تفسير علي بن إبراهيم عن الصادق عليه السلام حيث
عد من الأنفال كل أرض لا رب لها {1} ونحوها المحكي عن تفسير العياشي، عن أبي
بصير عن أبي جعفر عليه السلام {2} ولا يخصص عموم ذلك بخصوص بعض الأخبار
حيث جعل فيها من الأنفال كل أرض ميتة لا رب لها، بناء على ثبوت المفهوم
للوصف المسوق للاحتراز، لأن الظاهر ورود الوصف مورد الغالب، لأن الغالب
في الأرض التي لا مالك لها كونها مواتا، {3} وهل يملك هذه بالحيازة وجهان
من كونه مال الإمام عليه السلام ومن عدم منافاته للتملك بالحيازة كما يملك الأموات
بالاحياء، مع كونه مال الإمام عليه السلام.

(1)) أصول الكافي ج 1 ص 407 المطبع الحديث.
(2) الوسائل باب من أبواب الأنفال حديث 2.
(3) نفس المصدر 28 - 4 نفس المصدر ح 4.
347

فدخل في عموم النبوي: من سبق إلى ما لم يسبقه إليه مسلم فهو أحق به. {1}

(1) المبسوط أول كتاب احياء الموات - المستدرك باب 1 من أبواب احياء الموات حديث 4.
(2) سنن البيهقي ج 6 ص 142.
348

الثالث: ما عرض له الحياة بعد الموت وهو ملك للمحيي، {1} فيصير ملكا له
بالشروط المذكورة في باب الاحياء باجماع الأمة كما عن المهذب، وبإجماع المسلمين كما عن التنقيح، وعليه عامة فقهاء الأمصار كما عن التذكرة،

(1) الوسائل - باب 2 - من أبواب احياء الموات حديث 1.
(2) الوسائل - 1 - من أبواب احياء الموات حديث 1.
(3) الوسائل - باب 1 - من أبواب احياء الموات حديث 3.
349

لكن ببالي من المبسوط كلام يشعر بأنه يملك التصرف لا نفس الرقبة {1} فلا بد من
الملاحظة

(1) الوسائل - باب 1 - من أبواب كتاب احياء الموات وباب 21 - من أبواب عقد البيع.
(2) الوسائل - باب 1 - من أبواب كتاب احياء الموات.
(3) كتاب 21 - من أبواب عقد البيع.
(4) الوسائل - باب 3 من أبواب احياء الموات حديث 2.
(5) الوسائل - باب 4 - من أبواب الأنفال حديث 12.
350

الرابع: ما عرض له الموت بعد العمارة، فإن كانت العمارة أصلية فهي مال
الإمام عليه السلام {1} وإن كانت العمارة من معمر {2} ففي بقائها على ملك معمرها أو
خروجها عنه وصيرورتها ملكا لمن عمرها ثانيا خلاف {3} معروف في كتاب
احياء الموات، منشأه اختلاف الأخبار
351

ثم القسم الثالث إما أن تكون العمارة فيه من المسلمين، أو من الكفار فإن كان من
المسلمين فملكهم لا يزول إلا بناقل أو بطرو الخراب على أحد القولين، وإن كان
من الكفار فكذلك، إن كان في دار الاسلام وقلنا بعدم اعتبار الاسلام وإن اعتبرنا
الاسلام كان باقيا على ملك الإمام عليه السلام، وإن كان في دار الكفر يزول بما يزول به
ملك المسلم وبالاغتنام كسائر أموالهم.
352



(1) الوسائل - باب 1 - من أبواب كتاب احياء الموات.
(2) الوسائل - باب 3 من أبواب احياء الموات حديث 3.
(3) الوسائل - باب 3 - من أبواب احياء الموات حديث 3.
353

ثم ما ملكه الكافر من الأرض أما أن يسلم عليه طوعا فيبقى على ملكه كسائر
أملاكه، وأما أن لا يسلم عليه طوعا، فإن {1} بقي يده عليه كافرا فهي أيضا كسائر
أملاكه تحت يده

(1) الوسائل - باب 3 من أبواب احياء الموات حديث 1.
(2) الوسائل - باب 3 من أبواب احياء الموات حديث 2.
(3) الوسائل - باب 72 - من أبواب جهاد العدو وما يناسبه.
354

وإن ارتفعت يده عنها: فإما أن يكون بانجلاء المالك عنها وتخليتها
للمسلمين، أو بموت أهلها وعدم الوارث فيصير ملكا للإمام عليه السلام ويكون من
الأنفال التي لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب. وإن رفعت يده عنها قهرا وعنوة
فهي كسائر ما لا ينقل من الغنيمة، كالنخل والأشجار والبنيان للمسلمين كافة
اجماعا {1} على ما حكاه غير واحد كالخلاف - والتذكرة وغيرهما
355

والنصوص به مستفيضة. ففي رواية أبي بردة المسؤول فيها عن بيع أرض
الخراج قال عليه السلام من يبيعها؟ هي أرض المسلمين، قلت: يبيعها الذي في يده، قال:
يصنع بخراج المسلمين ماذا؟ ثم قال لا بأس أن يشتري حقه منها ويحول حق
المسلمين عليه، ولعله يكون أقوى عليها وأملى بخراجهم منه {1}

(1) الوسائل - باب 41 - من أبواب جهاد العدو حديث 2.
(2) الوسائل باب 71 من أبواب جهاد العدو حديث 1.
356

وفي مرسلة حماد الطويلة ليس لمن قاتل شئ من الأرضين وما غلبوا [و
لا ما غلبوا كذا في الوسائل] عليه إلا ما حوى العسكر، إلى أن قال والأرض التي
أخذت بخيل وركاب فهي موقوفة متروكة في يد من يعمرها ويحييها ويقوم
عليها على ما صالحهم الوالي على قدر طاقتهم من الخراج النصف، أو الثلث، و
الثلثين، على قدر ما يكون له صالحا ولا يضربهم. فإذا أخرج منها ما أخرج بدأ
فأخرج منه العشر من الجميع مما سقت السماء أو سقي سيحا، ونصف العشر مما
سقي بالدوالي والنواضح، إلى أن قال: فيؤخذ ما بقي بعد العشر فيقسم بين الوالي و
بين شركائه الذين هم عمال الأرض وأكرتها، فيدفع عليهم انصبائهم على قدر ما
صالحهم عليه،
357

ويأخذ الباقي، فيكون ذلك أرزاق. أعوانه على دين الله وفي مصلحة ما ينويه من
تقوية الاسلام وتقوية الدين في وجوه الجهاد، وغير ذلك مما فيه مصلحة العامة
ليس لنفسه من ذلك قليل ولا كثير الخبر. {1}
وفي صحيحة الحلبي قال سئل أبو عبد الله عليه السلام عن السواد ما منزلته، قال: هو
لجميع المسلمين لمن هو اليوم ولمن دخل في الاسلام بعد اليوم، ولمن لم يخلق
بعد، فقلنا: أنشتريه من الدهاقين؟ قال: لا يصلح، إلا أن تشتريها منهم على أن
تصيرها للمسلمين، فإن شاء ولي الأمر أن يأخذها أخذها، قلت: فإن أخذها منه،
قال: يرد عليه رأس ماله وله ما أكل من غلتها بما عمل، {2}

(1) الوسائل باب 41 من أبواب جهاد العدو حديث 2.
(2) الوسائل باب 21 من أبواب عقد البيع وشروطه حديث 4.
358

ورواية ابن شريح سألت أبا عبد الله عليه السلام عن شراء الأرض من أرض الخراج
فكرهه، قال: إنما أرض الخراج للمسلمين فقالوا له: فإنه يشتريها الرجل عليه
خراجها. فقال: لا بأس إلا أن يستحيي من عيب ذلك {1}
ورواية إسماعيل بن الفضل الهاشمي ففيها وسألته عن رجل اشترى أرضا
من أرض الخراج فبنى بها أو لم يبن غير أن أناسا من أهل الذمة نزلوها هل له أن
يأخذ منهم أجرة البيوت إذا أدوا جزية رؤوسهم؟ قال يشارطهم فما أخذ بعد
الشرط فهو حلال وفي خبر أبي الربيع لا تشتر من أرض السواد شيئا إلا من كانت
له دفة فإنما هي فيئ للمسلمين {2} إلى غير ذلك. وظاهره كما ترى عدم جواز
بيعها حتى تبعا للآثار المملوكة فيها على أن تكون جزء من المبيع فيدخل في ملك
المشتري على وجه كان للبائع أعني مجرد الأولوية وعدم جواز مزاحمته، إذا كان
التصرف واحداث تلك الآثار - بإذن الإمام أو إجازته ولو لعموم الشيعة

(1) الوسائل باب 21 من أبواب عقد البيع حديث 9.
(2) نفس المصدر حديث 10.
359

كما إذا كان التصرف بتقبيل السلطان الجائر أو بإذن الحاكم الشرعي بناء
على عموم ولايته لأمور المسلمين ونيابته عن الإمام. لكن ظاهر عبارة المبسوط
اطلاق المنع عن التصرف فيها ببيع ولا شراء ولا هبة ولا معاوضة، ولا يصح أن
يبني دورا ومنازل ومساجد وسقايات وغير ذلك من أنواع التصرف الذي يتبع
الملك، ومتى فعل شيئا من ذلك كان التصرف باطلا وهو على حكم الأصل، و
يمكن حمل كلامه على صورة عدم الإذن من الإمام عليه السلام حال حضوره، ويحتمل
إرادة التصرف بالبناء على وجه الحيازة والتملك وقال في الدروس لا يجوز
التصرف فيها المفتوحة عنوة إلا بإذن الإمام سواء كان بالبيع أو الوقف أو غيرهما،
نعم في حال الغيبة ينفذ ذلك وأطلق في المبسوط أن التصرف فها لا ينفذ، وقال
ابن إدريس إنما نبيع وتوقف تحجيرنا وبنائنا وتصرفنا لا نفس الأرض انتهى.
360

وقد ينسب إلى الدروس التفصيل بين زماني الغيبة والحضور فيجوز التصرف في
الأول ولو بالبيع والوقف لا في الثاني إلا بإذن الإمام عليه السلام. وكذا إلى جامع
المقاصد، وفي النسبة نظر بل الظاهر موافقتهما لفتوى جماعة من جواز التصرف
فيه في زمان الغيبة باحداث الآثار وجواز نقل الأرض تبعا للآثار فيفعل ذلك
بالأرض تبعا للآثار، والمعنى أنها مملوكة ما دام الآثار موجودة. قال في شرح
قول المحقق ولا يجوز بيعها ولا هبتها ولا وقفها، انتهى.
إن المراد لا يصح ذلك في رقبة الأرض مستقلة، أما فعل ذلك بها تبعا لآثار
التصرف من بناء وغرس وزرع ونحوها فجائز على الأقوى قال: فإذا باعها بائع
مع شئ من هذه الآثار دخل في المبيع على سبيل التبع وكذا الوقف وغيره و
يستمر كذلك ما دام شئ من الآثار باقيا، فإذا ذهبت أجمع أنقطع حق المشتري
والموقوف عليه وغيرهما عنها، هكذا ذكره جمع وعليه العمل، انتهى.

(1) الوسائل باب 21 من أبواب عقد البيع وشروطه.
361

نعم ربما يظهر من عبارة الشيخ في التهذيب جواز البيع والشراء في نفس الرقبة
حيث قال: إن قال قائل إن ما ذكر تموه إنما دل على إباحة التصرف في هذه
الأرضين، ولا يدل على صحة تملكها بالشراء والبيع ومع عدم صحتها لا يصح ما
يتفرع عليها، قلنا إنا قد قسمنا الأرضين على ثلاثة أقسام أرض أسلم أهلها عليها
فهي ملك لهم يتصرفون فيها، وأرض يؤخذ عنوة أو يصالح أهلها عليها فقد أبحنا
شراءها وبيعها، والبيع لأن لنا في ذلك قسما لأنها أراضي المسلمين. وهذا القسم
أيضا يصح الشراء والبيع فيه على هذا الوجه. وأما الأنفال وما يجري مجراها فلا
يصح تملكها بالشراء وإنما أبيح لنا التصرف فيها حسب. ثم استدل على أراضي
الخراج برواية أبي بردة السابقة الدالة على جواز بيع آثار التصرف دون رقبة
الأرض ودليله قرينة على توجيه كلامه، وكيف كان، فما ذكروه من حصول الملك
تبعا للآثار، مما لا دليل عليه إن أرادوا الانتقال.
نعم المتيقن هو ثبوت حق الاختصاص للمتصرف ما دام شئ من الآثار
موجودا {1} فالذي ينبغي أن يصرف الكلام إليه هو بيان الوجه الذي يجوز
التصرف معه حتى يثبت حق الاختصاص.

(1) الوسائل باب 21 من أبواب عقد البيع.
362

فنقول آمال في زمان الحضور والتمكن من الاستئذان، فلا ينبغي الاشكال في
توقف التصرف على إذن الإمام، لأنه ولي المسلمين، فله نقلها عينا ومنفعة، ومن
الظاهر أن كلام الشيخ المطلق في المنع عن التصرف محمول على صورة عدم إذن
الإمام عليه السلام مع حضوره. وأما في زمان الغيبة ففي عدم جواز التصرف إلا فيما أعطاه
السلطان الذي حل قبول الخراج والمقاسمة منه، أو جوازه مطلقا، نظرا إلى عموم
ما دل على تحليل مطلق الأرض للشيعة، لا خصوص الموات التي هي مال الإمام
عليه السلام، وربما يؤيده جواز قبول الخراج الذي هو كأجرة الأرض، فيجوز التصرف
في عينها مجانا أو عدم جوازه إلا بإذن الحاكم الذي هو نائب الإمام، أو التفصيل
بين من يستحق أجرة هذه الأرض فيجوز له التصرف فيها لما يطهر من قوله عليه السلام

(1) الوسائل باب 21 من أبواب عقد البيع.
363

للمخاطب في بعض أخبار حل الخراج وأن لك نصيبا في بيت المال. وبين
غيره الذي يجب عليه حق الأرض. ولذا أفتى غير واحد على ما حكي بأنه لا
يجوز حبس الخراج وسرقته [عن] على السلطان الجائر والامتناع عنه، واستثنى
بعضهم ما إذا دفع إلى نائب الإمام عليه السلام أو بين ما عرض له الموت من الأرض
المحياة حال الفتح وبنين الباقية على عمارتها من حين الفتح، فيجوز احياء الأول
لعموم أدلة الأحياء، وخصوص رواية سليمان بن خالد ونحوها وجوه أو فقها
بالقواعد، الاحتمال الثالث، ثم الرابع، ثم الخامس، ومما ذكرنا يعلم حال ما
ينفصل من المفتوح عنوة {1} كأوراق الأشجار وأثمارها وأخشاب الأبنية
والسقوف الواقعة والطين المأخوذ من سطح الأرض، والجص، والحجارة ونحو
ذلك، فإن مقتضى القاعدة كون ما يحدث بعد الفتح من الأمور المنقولة ملكا
للمسلمين.
364

ولذا صرح جماعة كالعلامة والشهيد والمحقق الثاني وغيرهم على ما حكى عنهم
بتقييد جواز رهن أبنية الأرض المفتوحة عنوة، بما إذا لم تكن الآلات من تراب
الأرض. نعم: الموجودة فيها حال الفتح للمقاتلين، لأنه مما ينقل وحينئذ فمقتضى
القاعدة عدم صحة أخذها إلا من السلطان الجائر أو من حاكم الشرع مع امكان أن
يقال: لا مدخل لسلطان الجور، لأن القدر المأذون في تناوله منه منفعة الأرض
لا أجزائها، إلا أن يكون الأخذ على وجه الانتفاع لا التملك فيجوز، ويحتمل كون
ذلك بحكم المباحات لعموم من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به. {1} و
يؤيده بل يدل عليه استمرار السيرة خلفا عن سلف على بيع الأمور المعمولة من
تربة أرض العراق من الأجر والكوز والأواني وما عمل من التربة الحسينية و
يقوى هذا الاحتمال بعد انفصال هذه الأجزاء من الأرض.
365

واعلم أنه ذكر الفاضلان وجمع ممن تأخر في شروط العوضين بعد الملكية
كونه طلقا {1} وفرعوا عليه عدم جواز بيع الوقف إلا فيما استثني ولا الرهن إلا
بإذن المرتهن أو إجازته، ولا أم الولد إلا في المواضع المستثناة، والمراد بالطلق
تمام السلطنة على الملك {2} بحيث يكون للمالك أن يفعل بملكه ما شاء ويكون
مطلق العنان في ذلك. لكن هذا المعنى في الحقيقة راجع إلى كون الملك مما يستقل
المالك بنقله، ويكون نقله ماضيا فيه لعدم تعلق حق به مانع عن نقله بدون إذن
366

ذي الحق لمرجعه إلى أن من شرط البيع أن يكون متعلقه مما يصح للمالك بيعه
مستقلا {1} وهذا لا محصل له، فالظاهر أن هذا العنوان ليس في نفسه شرطا ليتفرع
عليه عدم جواز بيع الوقف والمرهون وأم الولد، بل الشرط في الحقيقة انتفاء كل
من تلك الحقوق الخاصة وغيرها، مما ثبت منعه عن تصرف المالك كالنذر
والخيار ونحوهما، وهذا العنوان منتزع {2} من انتفاء تلك الحقوق فمعنى الطلق
أن يكون المالك مطلق العنان في نقله غير محبوس عليه الأحد الحقوق التي ثبت
منعها للمالك عن التصرف في ملكه. فالتعبير بهذا المفهوم المنتزع تمهيد لذكر
الحقوق المانعة عن التصرف لا تأسيس لشرط ليكون ما بعده فروعا بل الأمر في
الفرعية والأصالة بالعكس، ثم إن أكثر من تعرض لهذا الشرط لم يذكر من الحقوق
إلا الثلاثة المذكورة، ثم عنونوا حق الجاني واختلفوا في حكم بيعه، وظاهر أن
الحقوق المانعة أكثر من هذه الثلاثة أو الأربعة، وقد أنهاها بعض من عاصرناه إلى
أزيد من عشرين، فذكر بعد الأربعة المذكورة في عبارة الأكثر النذر المتعلق بالعين
قبل البيع، والخيار المتعلق به، والارتداد، والحلف على عدم بيعه، وتعيين الهدي
367

للذبح، واشتراط عتق العبد في عقد لازم، والكتابة المشروطة أو المطلقة بالنسبة
إلى ما لم يتحرر منه حيث، إن المولى ممنوع عن التصرف باخراجه عن ملكه قبل
الأداء، والتدبير المعلق على موت غير المولى بناء على جواز ذلك، فإذا مات
المولى ولم يمت من علق عليه العتق كان مملوكا للورثة ممنوعا من التصرف فيه،
وتعلق حق الموصى له بالموصى به بعد موت الموصي وقبل قبوله، بناء على منع
الوارث من التصرف قبله. وتعلق حق الشفعة بالمال، فإنه مانع من لزوم التصرفات
الواقعة من المالك، فللشفيع بعد الأخذ بالشفعة ابطالها، وتغذية الولد المملوك
بنطفة سيده فيما إذا اشترى أمة حبلى فوطئها فأتت بالولد بناء على عدم جواز
بيعها وكونه مملوكا ولد من حر شريك في أمه حال الوطي، فإنه مملوك له لكن
ليس له التصرف فيه إلا بتقويمه وأخذ قيمته وتعارض السبب المملك والمزيل
للملك، كما لو قهر حربي أباه والغنيمة قبل القسمة بناء على حصول الملك بمجرد
الاستيلاء دون القسمة لاستحالة بقاء الملك بلا مالك وغير ذلك مما سيقف عليه
المتتبع، لكنا نقتصر على ما اقتصر عليه الأصحاب من ذكر الوقف، ثم أم الولد، ثم
الرهن، ثم الجناية انشاء الله تعالى
368

مسألة لا يجوز بيع الوقف اجماعا محققا في الجملة ومحكيا {1}

(1) المستدرك باب من أبواب الوقوف والصدقات حديث 1.
369

لعموم قوله عليه السلام: الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها. {1}
ورواية أبي علي بن راشد، قال: سألت أبا الحسن عليه السلام قلت جعلت فداك: إني
اشتريت أرضا إلى جنب ضيعتي، فلما عمرتها خبرت أنها وقف فقال لا يجوز
شراء الوقف ولا تدخل الغلة في ملكك ادفعها إلى ما أوقفت عليه، قلت: لا أعرف
لها ربا قال تصدق بغلتها {2}

(1) الوسائل باب 6 من أبواب الوقوف والصدقات حديث 1.
370

وما ورد من حكاية وقف أمير المؤمنين عليه السلام وغيره من الأئمة (صلوات الله عليهم
أجمعين) مثل ما عن ربعي بن عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام في صورة وقف أمير
المؤمنين عليه السلام
بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما تصدق به علي بن أبي طالب عليه السلام وهو حي سوى
تصدق بداره التي في بني زريق صدقة لا تباع ولا توهب، حتى يرثها الله الذي
يرث السماوات والأرض وأسكن فلانا هذه الصدقة ما عاش وعاش عقبه، فإذا
انقرضوا فهي لذوي الحاجة من المسلمين الخبر {1} فإن الظاهر من الوصف كونها
صفة لنوع الصدقة لا لشخصها،

(1) الوسائل باب 2 من أبواب الوقوف والصدقات حديث 2.
371

ويبعد كونها شرطا خارجا عن النوع مأخوذا في الشخص {1}، مع أن سياق
الاشتراط يقتضي تأخره عن ركن العقد أعني الموقوف عليهم، خصوصا مع كونه
اشتراطا عليهم
372

مع أنه لو جاز البيع في بعض الأحيان كان اشتراط عدمه على الاطلاق
فاسدا، بل مفسدا {1} لمخالفته للمشروع من جواز بيعه في بعض الموارد، كدفع
الفساد بين الموقوف عليهم أو رفعه، أو طرو الحاجة أو صيرورته مما لا ينتفع به
أصلا إلا أن يقال إن هذا الاطلاق نظير الاطلاق المتقدم في رواية ابن راشد في
انصرافه إلى البيع لا لعذر {2} مع أن هذا التقييد مما لا بد منه {3} على تقدير كون
الصفة فصلا للنوع أو شرطا خارجيا، مع احتمال علم الإمام بعدم طرو هذه الأمور
المبيحة {4} وحينئذ يصح أن يستغنى بذلك عن التقييد على تقدير كون الصفة
شرطا بخلاف ما لو جعل وصفا داخلا في النوع، فإن العلم بعدم طرو مسوغات
البيع في الشخص لا يغني عن تقييد اطلاق الوصف في النوع، كما لا يخفى.
373

فظهر أن التمسك باطلاق المنع على البيع على كون الوصف داخلا في أصل
الوقف، كما صدر عن بعض من عاصرناه لا يخلو عن نظر، وإن كان الانصاف مما
ذكرنا من ظهور سياق الأوصاف في كونها أوصافا للنوع، ومما ذكرنا ظهر أن
المانع عن بيع الوقف أمور ثلاثة: {1} حق الواقف حيث جعلها بمقتضى صيغة
الوقف صدقة جارية ينتفع بها، وحق البطون المتأخرة عن بطن البائع السابق و
التعبد الشرعي المكشوف عنه بالروايات، فإن الوقف متعلق لحق الله حيث يعتبر
فيه التقرب، ويكون لله تعالى عمله وعليه عوضه، وقد يرتفع بعض هذه الموانع
فيبقى الباقي وقد يرتفع كلها وسيجئ التفصيل.
374

ثم إن جواز البيع لا ينافي بقاء الوقف إلى أن يباع. فالوقف يبطل بنفس البيع
لا بجوازه فمعنى جواز بيع العين الموقوفة جواز ابطال وقفها إلى بدل أو لا إليه،
فإن مدلول صيغة الوقف وإن أخذ فيه الدوام والمنع عن المعاوضة عليه، إلا أنه قد
يعرض ما يجوز مخالفة هذا الانشاء، كما أن مقتضى العقد الجائز كالهبة تمليك
المتهب المقتضي لتسلطه المنافي لجواز انتزاعه من يده ومع ذلك يجوز مخالفته و
قطع سلطنته عنه، فتأمل.
إلا أنه ذكر بعض في هذا المقام. أن الذي يقوى في النظر بعد امعانه أن الوقف
ما دام وقفا لا يجوز بيعه، بل لعل جواز بيعه مع كونه وقفا من التضاد، نعم إذا بطل
الوقف اتجه حينئذ جواز بيعه، ثم ذكر بعض مبطلات الوقف المسوغة لبيعه، وقد
سبقه إلى ذلك بعض الأساطين في شرحه على القواعد.
375

حيث استدل على المنع عن بيع الوقف بعد النص والاجماع، بل الضرورة: بأن البيع
وأضرابه ينافي حقيقية الوقف لأخذ الدوام فيه، وأن نفي المعاوضات مأخوذة فيه
ابتداء. {1}
وفيه أنه إن أريد من بطلانه انتفاء بعض آثاره وهو جواز البيع المسبب عن
سقوط حق الموقوف عليهم عن شخص العين أو عنها وعن بدلها حيث قلنا بكون
الثمن للبطن الذي يبيع، فهذا لا محصل له فضلا عن أن يحتاج إلى نظر، فضلا عن
امعانه، وإن أريد به انتفاء أصل الوقف كما هو ظاهر من كلامه، حيث يجعل المنع
من البيع من مقومات مفهوم الوقف. ففيه مع كونه خلاف الاجماع إذ لم يقل أحد
ممن أجاز بيع الوقف في بعض الموارد {2} ببطلان الوقف
376

وخروج الموقوف عن ملك الموقوف عليه إلى ملك الواقف أن المنع عن
البيع ليس مأخوذا في مفهومه، بل هو في غير المساجد وشبهها قسم من التمليك.
ولذا يطلق عليه الصدقة ويجوز ايجابه بلفظ تصدقت، إلا أن المالك له بطون
متلاحقة، فإذا جاز بيعه مع الابدال كان البائع وليا على جميع الملاك في ابدال ما
لهم بمال آخر، وإذا جاز لا معه كما إذا بيع لضرورة البطن الموجود على القول
بجوازه فقد جعل الشارع لهم حق ابطال الوقف ببيعه لأنفسهم، فإذا لم يبيعوا لم
يبطل. ولذا لو فرض اندفاع الضرورة بعد الحكم بجواز البيع، أو لم يتفق البيع كان
الوقف على حاله. ولذا صرح في جامع المقاصد، بعد جواز رهن الوقف وإن بلغ
حدا يجوز بيعه معللا باحتمال طرو اليسار للموقوف عليهم عند إرادة بيعه في دين
المرتهن.
إذا عرفت أن مقتضى العمومات في الوقف عدم جواز البيع فاعلم أن
لأصحابنا في الخروج عن عموم المنع في الجملة أقوالا: {1}
377

أحدها: عدم الخروج عنه أصلا وهو الظاهر من كلام الحلي حيث قال في
السرائر بعد نقل كلام المفيد قدس سره والذي يقتضيه مذهبنا أنه بعد وقفه وتقبيضه لا
يجوز الرجوع فيه ولا تغييره عن وجوهه وسبله ولا بيعه سواء كان بيعه أدر
[أعود] عليهم أم لا، وسواء خرب الوقف ولا يوجد من يراعيه بعمارة من سلطان
وغيره أو يحصل بحيث لا يجدي نفعا أم لا، قال الشهيد رحمه الله بعد نقل أقوال
المجوزين وابن إدريس سد الباب وهو نادر مع قوته، وقد ادعى في السرائر عدم
الخلاف في المؤبد قال: إن الخلاف الذي حكيناه بين أصحابنا إنما هو إذا كان
الوقف على قوم، ومن بعد هم على غيرهم، وكان الواقف قد اشترط رجوعه إلى
غيره إلى أن يرث الله الأرض، لم يجز بيعه على وجه بغير خلاف بين أصحابنا،
انتهى.
وفيه نظر يظهر مما سيأتي من ظهور أقوال كثير من المجوزين في المؤبد. و
حكى المنع مطلقا عن الإسكافي وفخر الاسلام أيضا، إلا في آلات الموقوف و
أجزاءه التي انحصر طريق الانتفاع بها في البيع، قال الإسكافي على ما حكى عنه
في المختلف أن الموقوف رقيقا أو غيره لو بلغ حاله إلى زوال ما سبله من منفعته،
فلا بأس ببيعه وابدال مكانه بثمنه إن أمكن أو صرفه فيما كان يصرف إليه منفعته،
أورد ثمنه على منافع ما بقي من أصل ما حبس معه إذا كان في ذلك صلاح، انتهى.
وقال فخر الدين في الإيضاح في شرح قول والده قدس سره ولو خلق حصير
المسجد وخرج عن الانتفاع به، أو انكسر الجذع بحيث لا ينتفع به في غير
الاحراق، فالأقرب جواز بيعه، قال بعد احتمال المنع بعموم النص في المنع: و
الأصح عندي جواز بيعه وصرف ثمنه في المماثل إن أمكن وإلا ففي غيره، انتهى.
ونسبة المنع إليهما على الاطلاق لا بد أن يبني على خروج مثل هذا عن
محل الخلاف وسيظهر هذا من عبارة الحبلى والكافي أيضا فلاحظ
378

الثاني: الخروج عن عموم المنع في المنقطع في الجملة خاصة دون المؤبد، و
هو المحكي عن القاضي حيث قال في المحكي المهذب: إذا كان الشئ وقفا على
قوم ومن بعدهم إلى غيرهم، وكان الواقف قد اشترط رجوعه إلى غير ذلك إلى أن
يرث الله تعالى الأرض ومن عليها، لم يجز بيعه على وجه من الوجوه فإن كان
وقفا على قوم مخصومين وليس فيه شرط يقتضي رجوعه إلى غيرهم حسب ما
قدمناه، وحصل الخوف من هلاكه أو فساده، أو كان بأربابه حاجة ضرورية يكون
بيعه أصلح لهم من بقائه عليهم، أو يخاف من وقوع خلف بينهم يؤدي إلى فساده،
فإنه حينئذ يجوز بيعه وصرف ثمنه في مصالحهم على حسب استحقاقهم، فإن لم
يحصل شئ من ذلك لم يجز بيعه على وجه من الوجوه، ولا يجوز هبة الوقف ولا
الصدقة به أيضا، وحكى عن المختلف وجماعة نسبة التفصيل إلى الحلبي. لكن
العبارة المحكية عن كافيه لا تساعده بل ربما استظهر منه المنع على الاطلاق
فراجع.
وحكي التفصيل المذكور عن الصدوق والمحكي عن الفقيه أنه قال: بعد
رواية علي بن مهزيار الآتية أن هذا وقف كان عليهم دون من بعدهم ولو كان
عليهم وعلى أولادهم ما تناسلوا ومن بعد على فقراء المسلمين إلى أن يرث الله
تعالى الأرض ومن عليها، لم يجز بيعه أبدا. ثم إن جواز بيع ما عدا الطبقة الأخيرة
في المنقطع لا يظهر من كلام الصدوق والقاضي كما لا يخفى.
ثم إن هؤلاء إن كانوا ممن يقول برجوع الوقف المنقطع إلى ورثة الموقوف
عليه فللقول، بجواز بيعه وجه، أما إذا كان فيهم من يقول برجوعه بعد انقراض
الموقوف عليه إلى الواقف أو ورثته، فلا وجه للحكم بجواز بيعه وصرف الموقوف
عليهم ثمنه في مصالحهم. وقد حكى القول بهذين عن القاضي إلا أن يوجه بأنه لا
يقول ببقائه على ملك الواقف حتى يكون حبسا بل هو وقف حقيقي وتمليك
للموقوف عليهم مدة وجودهم، وحينئذ فبيعهم له مع تعلق حق الواقف نظير بيع
البطن الأول مع تعلق سائر حق البطون في الوقف المؤبد. لكن هذا الوجه لا يدفع
الاشكال عن الحلبي المحكي عنه القول المتقدم حيث إنه يقول ببقاء الوقف مطلقا
على ملك الواقف
379

الثالث: الخروج عن عموم المنع والحكم بالجواز في المؤبد في الجملة وأما
المنقطع فلم ينصوا عليه وإن ظهر من بعضهم التعميم ومن بعضهم التخصيص بناء
على قوله برجوع المنقطع إلى ورثة الواقف كالشيخ وسلار قدس سره، ومن حكم
برجوعه بعد انقراض الموقوف عليه إلى وجوه البر كالسيد أبي المكارم بن زهرة
فلازمه جعله كالمؤبد وكيف كان فالمناسب أولا نقل عبائر هؤلاء. فنقول قال
المفيد في المقنعة: الوقوف في الأصل صدقات لا يجوز الرجوع فيها إلا أن يحدث
الموقوف أدر [أعود] عليهم وأنفع لهم من تركه على حاله وإذا أخرج الواقف
الوقف عن يده إلى من وقف عليه، لم يجز له الرجوع في شئ منه ولا تغيير
شرائطه ولا نقله عن وجوهه وسبله متى اشترط الواقف في الوقف أنه متى احتاج
إليه في حياته لفقر كان له بيعه وصرف ثمنه في مصالحه جاز له فعل ذلك وليس
لأرباب الوقف بعد وفاة الواقف أن يتصرفوا فيه ببيع أو هبة أو يغيروا شيئا من
شروطه إلا أن يخرب الوقف ولا يوجد من يراعيه بعمارة من سلطان أو غيره، أو
يحصل بحيث لا يجدي نفعا فلهم حينئذ بيعه والانتفاع بثمنه. كذلك أن حصلت لهم
ضرورة إلى ثمنه، كان لهم حله ولا يجوز ذلك مع عدم ما ذكرنا من الأسباب
والضرورات انتهى كلامه رحمه الله.
وقد استفاد من هذا الكلام في غاية المراد تجويز بيع الوقف في خمسة
مواضع وضم صورة جواز الرجوع وجواز تغير الشرط إلى المواضع الثلاثة
المذكورة، بعد وصول الموقوف إلى الموقوف عليهم ووفات الواقف فلاحظ وتأمل.
ثم إن العلامة ذكر في التحرير أن قول المفيد بأنه لا يجوز الرجوع في
الوقف إلا أن بحدث إلى قوله أنفع لهم من تركه على حاله متأول، ولعله من شدة
مخالفته للقواعد لم يرتض بظاهره للمفيد، وقال في الإنتصار على ما حكى عنه، و
مما انفردت الإمامية به القول بأن الوقف متى حصل له الخراب بحيث لا يجدي
نفعا، جاز لمن هو وقف عليه بيعه والانتفاع بثمنه، وأن أرباب الوقف متى دعتهم
ضرورة شديدة إلى ثمنه جاز لهم بيعه ولا يجوز لهم ذلك مع فقد الضرورة
380

ثم احتج باتفاق الإمامية ثم ذكر خلاف ابن الجنيد ورده بكونه مسبوقا و
ملحوقا بالاجماع، وأنه إنما عول في ذلك على ظنون له وحسبان أخبار شاذة لا
يلتفت إلى مثلها انتهى.
ثم قال: وأما إذا صار الوقف بحيث لا يجدي أودعت أربابه الضرورة إلى
ثمنه لشدة فقرهم فالأحوط ما ذكرناه من جواز بيعه، لأنه إنما جعل لمنافعهم فإذا
بطلت منافعهم منه فقد انتقض الغرض عنه، ولم يبق منفعة فيه إلا من الوجه الذي
ذكرناه، انتهى.
وقال في المبسوط وإنما يملك الموقوف عليه بيعه على وجه عندنا، وهو
أنه إذا خيف على الوقف الخراب، أو كان بأربابه حاجة شديدة ولا يقدرون على
القيام به، فحينئذ يجوز لهم بيعه ومع عدم ذلك لا يجوز بيعه انتهى.
ثم احتج على ذلك بالأخبار، وقال سلار فيما حكى عنه: ولا يخلو الحال
في الوقف والموقوف عليهم من أن يبقى ويبقوا على الحال التي وقف فيها، أو
يتغير الحال فإن لم يتغير الحال فلا يجوز بيع الموقوف عليهم الوقف، ولا هبته ولا
تغيير شئ من أحواله، وإن تغير الحال في الوقف حتى لا ينتفع به على أي وجه
كان، أو لحق الموقوف عليهم حاجة شديدة جاز بيعه وصرف ثمنه فيما هو أنفع
لهم انتهى.
وقال في الغنية على ما حكى عنه: ويجوز عندنا بيع الوقف للموقوف عليه
إذا صار بحيث لا يجدي نفعا وخيف خرابه أو كانت بأربابه حاجة شديدة دعتهم
الضرورة إلى بيعه بدليل اجماع الطائفة ولأن غرض الواقف انتفاع الموقوف عليه
فإذا لم يبق له منفعة إلا على الوجه الذي ذكرنا جاز، انتهى.
وقال في الوسيلة ولا يجوز بيعه يعني الوقف إلا بأحد شرطين: الخوف من
خرابه أو حاجة بالموقوف عليه، شديدة لا يمكنه معها القيام به، انتهى.
وقال الراوندي في فقه القرآن على ما حكى عنه: وإنما يملك بيعه على
وجه عندنا وهو إذا خيف على الوقف الخراب أو كان بأربابه حاجة شديدة.
وقال في الجامع على ما حكى عنه: فإن خيف خرابه أو كان بهم حاجة
شديدة أو خيف وقوع فتنة لهم تستباح بها الأنفس جاز بيعه، انتهى.
381

وعن النزهة: لا يجوز بيع الوقف إلا أن يخاف هلاكه، أو يؤدي المنازعة فيه بين
أربابه إلى ضرر عظيم، أو يكون فيهم حاجة عظيمة شديدة، ويكون بيع الوقف
أصلح لهم، انتهى.
وقال في الشرائع ولا يصح بيع الوقف ما لم يؤدي بقاؤه إلى خرابه، لخلف
بين أربابه ويكون البيع أعود.
وقال في كتاب الوقف: ولو وقع بين الموقوف عليه خلف بحيث يخشى
خرابه جاز بيعه، ولو لم يقع خلف ولا خشي خرابه، بل كان البيع أنفع لهم قيل:
يجوز بيعه والوجه المنع، انتهى.
ومثل عبارة الشرائع في كتابي البيع والوقف عبارة القواعد في الكتابين. و
قال في التحرير لا يجوز بيع الوقف بحال ولو انهدمت الدار لم تخرج العرصة عن
الوقف، ولم يجز بيعها ولو وقع خلف بين أرباب الوقف بحيث يخشى خرابه جاز
بيعه على ما رواه أصحابنا، ثم ذكر كلام ابن إدريس وفتواه على المنع مطلقا، و
تنزيله قول بعض الأصحاب بالجواز على المنقطع، ونفيه الخلاف على المنع في
المؤبد، ثم قال: ولو قيل بجواز البيع إذا ذهب منافعه بالكلية، كدار انهدمت و
عادت مواتا ولم يتمكن من عمارتها ويشتري بثمنه ما يكون وقفا كان وجها،
انتهى.
وقال في بيع التحرير، ولا يجوز بيع الوقف ما دام عامرا، ولو أدى بقاؤه
إلى خرابه جاز، وكذا يباع لو خشي وقوع فتنة بين أربابه مع بقائه على الوقف
انتهى.
وعن بيع الإرشاد، لا يصح بيع الوقف إلا أن يخرب أو يؤدي إلى الخلف بين
أربابه على رأي، وعنه في باب الوقف: لا يصح بيع الوقف إلا أن يقع بين الموقوف
عليه خلف ويخشى به الخراب، وقال في التذكرة في كتاب الوقف على ما حكى
عنه: والوجه أن يقال يجوز بيع الوقف مع خرابه وعدم التمكن من عمارته أو
خوف فتنة بين أربابه يحصل باعتبارها فساد، انتهى.
وقال في كتاب البيع، لا يصح بيع الوقف لنقص الملك فيه إذ القصد منه
التأبيد، نعم لو كان بيعه أعود عليهم لوقوع خلف بين أربابه وخشي تلفه أو ظهور
فتنة بسببه جوز أكثر علمائنا بيعه، انتهى.
382

وقال في غاية المراد: يجوز بيعه في موضعين خوف الفساد بالاختلاف و
إذا كان البيع أعود مع الحاجة، وقال في الدروس لا يجوز بيع الوقف إلا إذا خيف
من خرابه أو خلف أربابه المؤدي إلى فساده. وقال في اللمعة: لو أدى بقاؤه إلى
خرابه لخلف أربابه فالمشهور الجواز، انتهى.
وقال في تلخيص الخلاف على ما حكى عنه: أن لا صحابنا في بيع الوقف
أقوالا متعددة أشهرها جوازه إذا وقع بين أربابه خلف وفتنة وخشي خرابه ولا
يمكن سد الفتنة بدون بيعه وهو قول الشيخين.
واختاره نجم الدين والعلامة، انتهى.
وقال في التنقيح على ما حكى عنه إذا آل إلى الخراب لأجل الاختلاف
بحيث لا ينتفع به أصلا جاز بيعه.
وعن تعليق الإرشاد يجوز بيعه إذا كان فساد يستباح فيه الأنفس، وعن
ايضاح النافع أنه جوز بيعه إذا اختلف أربابه اختلافا يخاف معه القتال. ونهب
الأموال ولم يندفع إلا بالبيع، قال: فلو أمكن زواله ولو بحاكم الجور، لم يجز. ولا
اعتبار بخشية الخراب وعدمه، انتهى.
ومثله الكلام المحكي عن تعليقه على الشرائع.
وقال في جامع المقاصد بعد نسبة ما في عبارة القواعد إلى موافقة الأكثر:
إن المعتمد جواز بيعه في ثلاثة مواضع:
أحدها: إذا خرب واضمحل بحيث لا ينتفع به كحصر المسجد إذا اندرست و
جذوعه إذا انكسرت.
ثانيها: إذا حصل خلف بين أربابه يخاف منه تلف الأموال ومستنده صحيحة
علي بن مهزيار ويشترى بثمنه في الموضعين ما يكون وقفا على وجه يندفع به
الخلف تحصيلا لمطلوب الواقف بحسب الامكان، ويتولى ذلك الناظر الخاص إن
كان وإلا فالحاكم.
383

ثالثها: إذا لحق بالموقوف عليه حاجة شديدة ولم يكن ما يكفيهم من غلة و
غيرها، لرواية جعفر بن حنان عن الصادق عليه السلام انتهى كلامه رفع مقامه.
وقال في الروضة: والأقوى في المسألة ما دل عليه صحيحة علي بن
مهزيار عن أبي جعفر الجواد عليه السلام من جواز بيعه إذا وقع بين أربابه خلف شديد،
علله عليه السلام بأنه ربما جاء فيه تلف الأموال والنفوس. وظاهره أن خوف أدائه إليهما و
إلى أحدهما ليس بشرط بل هو مظنة لذلك، قال ولا يجوز بيعه في غير ما ذكرناه
وإن احتاج إليه أرباب الوقف ولم يكفهم غلته أو كان بيعه أعود أو غير ذلك مما
قيل لعدم دليل صالح عليه، انتهى.
ونحوه ما عن الكفاية، هذه جملة من كلماتهم المرئية أو المحكية، والظاهر أن المراد بتأدية بقاء الوقف إلى خرابه حصول الظن بذلك الموجب لصدق الخوف
لا التأدية على وجه القطع، فيكون عنوان التأدية في بعض تلك العبارات متحدا مع
عنوان خوفها وخشيتها في بعضها الآخر، ولذلك عبر فقيه واحد تارة بهذا و
أخرى بذلك، كما اتفق للفاضلين والشهيد ونسب بعضهم عنوان الخوف إلى الأكثر،
كالعلامة في التذكرة وإلى الأشهر كما عن ايضاح النافع، وآخر عنوان التأدية إلى
الأكثر، كجامع المقاصد، أو إلى المشهور كاللمعة، فظهر من ذلك أن جواز البيع بظن
تأدية بقائه إلى خرابه مما تحققت فيه الشهرة بين المجوزين لكن، المتيقن عن
فتوى المشهور ما كان من أجل اختلاف أربابه، اللهم إلا أن يستظهر من كلماتهم
كالنص كون الاختلاف من باب المقدمة وأن الغاية المجوزة هي مظنة الخراب
384

إذا عرفت ما ذكرنا فيقع الكلام تارة في الوقف المؤبد وأخرى في المنقطع.
أما الأول فالذي ينبغي أن يقال فيه أن الوقف على قسمين:
أحدهما: ما يكون ملكا للموقوف عليهم فيملكون منفعته فلهم استئجاره و
أخذ أجرته ممن أنتفع به بغير حق.
والثاني: ما لا يكون ملكا لأحد بل يكون فك ملك نظير التحرير، {1} كما
في المساجد والمدارس والربط بناء على القول بعدم دخولها في ملك المسلمين،
كما هو مذهب جماعة فإن الموقوف عليهم إنما يملكون الانتفاع دون المنفعة، فلو
سكنه أحد بغير حق فالظاهر أنه ليس عليه أجرة المثل.

(1) المستدرك باب 2 من أبواب الوقوف والصدقات حديث 1.
385



(1) الوسائل باب 6 و 10 - من أبواب الوقوف والصدقات.
386

والظاهر أن محل الكلام في بيع الوقف إنما هو القسم الأول.
وأما الثاني: فالظاهر عدم الخلاف في عدم جواز بيعه لعدم الملك. {1}
وبالجملة فكلامهم هنا فيما كان ملكا غير طلق لا فيما لم يكن ملكا،
وحينئذ فلو خرب المسجد، وخربت القرية، وانقطعت المارة عن الطريق الذي فيه
المسجد، لم يجز بيعه

(1) الوسائل - باب 10 - من أبواب الوقوف والصدقات حديث 5.
388

وصرف ثمنه في احداث مسجد آخر أو تعميره.
والظاهر عدم الخلاف في ذلك كما اعترف به غير واحد.
نعم ذكر بعض الأساطين بعد ما ذكر أنه لا يصح بيع الوقف العام لا لعدم
تمامية الملك، بل لعدم أصل الملك برجوعها إلى الله ودخولها في مشاعره أنه مع
اليأس عن الانتفاع به في الجهة المقصودة يؤجر للزراعة ونحوها، مع المحافظة
على الآداب اللازمة لها إن كان مسجدا مثلا، وأحكام السجلات لئلا يغلب اليد،
فيقضى بالملك وتصرف فائدتها فيما يماثلها من الأوقاف مقدما للأقرب
والأحوج والأفضل احتياطا، ومع التعارض فالمدار على الراجح، وإن تعذر
صرف إلى غير المماثل، كذلك فإن تعذر صرف في مصالح المسلمين. وأما غير
الأرض من الآلات والفرش والحيوانات وثياب الضرائح ونحوها، فإن بقيت على
حالها وأمكن الانتفاع بها في خصوص المحل الذي أعدت له كانت على حالها،
وإلا جعلت في المماثل، وإلا ففي غيره، وإلا ففي المصالح على نحو ما مر.
389

وإن تعذر الانتفاع بها باقية على حالها بالوجه المقصود منها، أو ما قام مقامه
اشبهت الملك بعد اعراض المالك، فيقوم فيها احتمال الرجوع إلى حكم الإباحة
والعود ملكا للمسلمين ليصرف في مصالحهم والعود إلى المالك، ومع اليأس عن
معرفته يدخل في مجهول المالك. ويحتمل بقاؤه على الوقف ويباع احترازا عن
التلف والضرر ولزوم الحرج وتصرف مرتبا على النحو السابق، وهذا هو الأقوى،
كما صرح به بعضهم، انتهى.
وفيه أن إجارة الأرض وبيع الآلات حسن لو ثبت دليل على كونه ملكا
للمسلمين {1} ولو على نحو الأرض المفتوح عنوة، لكنه غير ثابت والمتيقن
خروجه عن ملك مالكه. وأما دخوله في ملك المسلمين فمنفي بالأصل، نعم يمكن
الحكم بإباحة الانتفاع للمسلمين لأصالة الإباحة، ولا يتعلق عليهم أجرة،
390

ثم إنه ربما ينافي ما ذكرنا من عدم جواز بيع القسم الثاني من الوقف ما ورد في بيع
ثوب الكعبة وهبته {1} مثل رواية مروان بن عبدا لملك، قال: سألت أبا الحسن عليه السلام:
عن رجل اشترى من كسوة الكعبة ما قضى ببعضه حاجته وبقي بعضه في يده هل
يصلح أن يبيع ما أراد؟ قال: يبيع ما أراد ويهب ما لم يرد وينتفع به ويطلب بركته،
قلت: أيكفن به الميت؟ قال: لا، قيل: وفي رواية أخرى يجوز استعماله وبيع نفسه،
وكذلك ما ذكروه في بيع حصر المسجد إذا خلقت وجذوعه إذا خرجت عن
الانتفاع.
اللهم إلا أن يقال إن ثوب الكعبة وحصير المسجد ليسا من قبيل المسجد، بل
هما مبذولان للبيت والمسجد فيكون كسائر أموالهما. ومعلوم أن وقفية أموال
المساجد والكعبة من قبيل القسم الأول، وليس من قبيل نفس المسجد، فهي ملك
للمسلمين، فللناظر العام التصرف فيه بالبيع. نعم فرق بين ما يكون ملكا طلقا
كالحصير المشترى من مال المسجد، فهذا يجوز للناظر بيعه مع المصلحة ولو لم
يخرج عن حيز الانتفاع، بل كان جديدا غير مستعمل وبين ما يكون من الأموال
وقفا على المسجد، كالحصير الذي يشتريه الرجل ويضعه في المسجد، والثوب
الذي يلبس البيت، فمثل هذا يكون ملكا للمسلمين لا يجوز لهم تغييره عن وضعه،
إلا في مواضع يسوغ فيها بيع الوقف.

(1) الوسائل باب 26 من أبواب مقدمات الطواف كتاب الحج.
391

ثم الفرق بين ثوب الكعبة وحصير المسجد، أن الحصير يتصور فيه كونه
وقفا على المسلمين، ولكن يضعه في المسجد، لأنه أحد وجوه انتفاعهم كالماء
المسبل الموضوع في المسجد فإذا خرب المسجد أو استغنى عنه جاز الانتفاع به
ولو في مسجد آخر، بل يمكن الانتفاع به في غيره ولو مع حاجته لكن يبقى الكلام
في مورد الشك مثل ما إذا فرش حصيرا في المسجد أو وضع حب ماء فيه.
وإن كان الظاهر في الأول الاختصاص وأوضح من ذلك الترب الموضوعة
فيه.
وفي الثاني: العموم فيجوز التوضي منه وإن لم يرد الصلاة في المسجد،
والحاصل أن الحصر وشبهها الموضوعة في المساجد وشبهها يتصور فيها أقسام
كثيرة يكون الملك فيها للمسلمين، وليست من قبيل نفس المسجد وأضرابه
فتعرض الأصحاب لبيعها لا ينافي ما ذكرنا. نعم ما ذكرنا لا يجري في الجذع
المنكسر من جذوع المسجد التي هي من أجزاء البنيان مع أن المحكي عن العلامة
وولده والشهيدين والمحقق الثاني جواز بيعه، وإن اختلفوا في تقييد الحكم
واطلاقه، كما سيجئ إلا أن نلتزم بالفرق بين أرض المسجد. فإن وقفها وجعلها
مسجدا فك ملك، بخلاف ما عداها من أجزاء البنيان كالأخشاب والأحجار فإنها
تصير ملكا للمسلمين، فتأمل.
وكيف كان فالحكم في أرض المسجد مع خروجها عن الانتفاع بها رأسا هو
أبقاؤها مع التصرف في منافعها، كما تقدم عن بعض الأساطين أو بدونه. وأما
أجزاؤه كجزوع سقفه وآجره من حائطه المنهدم فمع المصلحة في صرف عينه
392

يجب صرف عينه فيه، لأن مقتضى وجوب ابقاء الوقوف واجرائها على حسب ما
يوقفها أهلها وجوب ابقائه جزءا للمسجد، لكن لا يجب صرف المال من المكلف
لمؤنته، بل يصرف من مال المسجد أو بيت المال، وإن لم يكن مصلحة في رده
جزءا للمسجد، فبناء على ما تقدم من أن الوقف في المسجد وأضرابه فك ملك لم
يجز بيعه لفرض عدم الملك، وحينئذ فإن قلنا بوجوب مراعاة الأقرب إلى مقصود
الواقف فالأقرب تعين صرفه في مصالح ذلك، كاحراقه لأجر المسجد ونحو ذلك،
كما عن الروضة وإلا صرف في مسجد آخر، كما في الدروس، وإلا صرف في
سائر مصالح المسلمين، قيل: بل لكل أحد حيازته وتملكه. وفيه نظر، وقد الحق
بالمساجد المشاهد والمقابر والخانات وا لمدارس والقناطر الموقوفة على الطريقة
المعروفة، والكتب الموقوفة على المشتغلين والعبد المحبوس في خدمة الكعبة
ونحوها، والأشجار الموقوفة لانتفاع المارة والبواري الموضوعة لصلاة المصلين
وغير ذلك مما قصد بوقفه الانتفاع العام لجميع الناس أو للمسلمين ونحوهم من
غير المحصورين، لا لتحصيل المنافع بالإجارة

(1) الوسائل باب 26 - من أبواب مقدمات الطواف كتاب الحج.
393

ونحوها وصرفها في مصارفها، كما في الحمامات والدكاكين ونحوها، لأن جميع
ذلك صار بالوقف كالمباحات بالأصل اللازم ابقاؤها على الإباحة، كالطرق العامة
والأسواق.
وهذا كله حسن على تقدير كون الوقف فيها فك ملك لا تمليكا. ولو أتلف
شيئا من هذه الموقوفات أو أجزائها متلف، ففي الضمان وجهان {1} من عموم على
اليد، فيجب صرف قيمته في بدله، ومن أن ما يطلب بقيمته يطلب بمنافعه {2}
والمفروض عدم المطالبة بأجرة منافع هذه لو استوفاها ظالم، كما لو جعل
المدرسة بيت المسكن أو محرزا، وأن الظاهر عن التأدية في حديث اليد الايصال
إلى المالك، فيختص بأملاك الناس {3} والأول أحوط وقواه بعض إذا عرفت جميع
ما ذكرنا.

(1) المستدرك باب 1 من كتاب الغصب حديث 4.
394

فاعلم أن الكلام في جواز بيع الوقف يقع في صور:
الأولى: أن يخرب الوقف بحيث لا يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه {1}
كالحيوان المذبوح والجذع البالي والحصير الخلق، والأقوى جواز بيعه وفاقا لمن
عرفت ممن تقدم نقل كلماتهم،
395

لعدم جريان أدلة المنع. أما الاجماع فواضح {1} وأما قوله لا يجوز شراء الوقف
فلانصرافه إلى غير هذه الحالة. {2} وأما قوله عليه السلام الوقوف على حسب ما يوقفها
أهلها، فلا يدل على المنع هنا، لأنه مسوق لبيان وجوب مراعاة الكيفية المرسومة
في انشاء الوقف {3} وليس منها عدم بيعه بل عدم جواز البيع من أحكام الوقف،
وأن ذكر في متن العقد للاتفاق على أنه لا فرق بين ذكره فيه وتركه. وقد تقدم ذلك
وتضعيف قول من قال ببطلان العقد إذا حكم بجواز بيعه، ولو سلم أن المأخوذ في
الوقف ابقاء العين، فإنما هو مأخوذ فيه من حيث كون المقصود انتفاع البطون به مع
بقاء العين والمفروض تعذره هنا {4}.

(1) الوسائل - باب 6 - من أبواب الوقوف والصدقات حديث 1.
(2) الوسائل - باب 2 - من أبواب الوقوف والصدقات حديث 2.
396

والحاصل أن جواز بيعه هنا غير مناف لما قصده الواقف في وقفه، فهو ملك
للبطون يجوز لهم البيع إذا اجتمع إذن البطن الموجود مع أولياء سائر البطون، وهو
الحاكم أو المتولي.
والحاصل أن الأمر دائر بين تعطيله حتى يتلف بنفسه وبين انتفاع البطن
الموجود به بالاتلاف وبين تبديله بما يبقى وينتفع به الكل {1} والأول تضييع
مناف لحق الله وحق الواقف وحق الموقوف عليه،
399

وبه يندفع استصحاب المنع مضافا إلى كون المنع السابق في ضمن وجوب العمل
بمقتضى الوقف وهو انتفاع جميع البطون بعينه، وقد ارتفع قطعا، فلا يبقى ما كان
في ضمنه. {1} وأما الثاني فمع منا فاته لحق سائر البطون يستلزم جواز بيع البطن
الأول إذ لا فرق بين اتلافه ونقله والثالث هو المطلوب.
400

نعم يمكن أن يقال إذا كان الوقف مما لا يبقى بحسب استعداده العادي إلى آخر
البطون، فلا وجه لمراعاتهم {1} بتبديله بما يبقى لهم فينتهي ملكه إلى من أدرك
آخر أزمنة بقائه، فتأمل.
وكيف كان فمع فرض ثبوت الحق للبطون اللاحقة، فلا وجه لترخيص
البطن الموجود في اتلافه، ومما ذكرنا يظهر أن الثمن على تقدير البيع لا يخص به
البطن الموجود {2} وفاقا لمن تقدم ممن يظهر منه ذلك كالإسكافي والعلامة وولده
والشهيدين والمحقق الثاني، وحكى عن التنقيح والمقتصر ومجمع الفائدة لاقتضاء
البدلية ذلك، فإن المبيع إذا كان ملكا للموجودين بالفعل، وللمعدومين بالقوة، كان
الثمن كذلك {3} فإن الملكية اعتبار عرفي أو شرعي يلاحظها المعتبر عند تحقق
أسبابها، فكما أن الموجود مالك له فعلا ما دام موجودا بتمليك الواقف. فكذلك
المعدوم مالك له شأنا بمقتضى تمليك الواقف وعدم تعقل الملك للمعدوم إنما هو
في الملك الفعلي لا الثاني، ودعوى أن الملك الثاني ليس شيئا محققا موجودا
401

يكذبها انشاء الواقف له كانشائه لملك الموجود فلو جاز أن تخرج العين الموقوفة
إلى ملك الغير بعوض لا يدخل في ملك المعدوم على نهج دخول المعوض، جاز
أن تخرج بعوض لا يدخل في ملك الموجود {1} وإليه أشار الشهيد قدس سره في الفرع
الآتي حيث قال: إنه يعني الثمن صار مملوكا على حد الملك الأول، إذ يستحيل أن
يملك لا على حده خلافا لظاهر بعض العبائر المتقدمة.
402

واختاره المحقق في الشرائع في دية العبد الموقوف المقتول. ولعل وجهه أن
الوقف ملك للبطن الموجود، غاية الأمر تعلق حق البطون اللاحقة، فإذا فرض
جواز بيعه انتقل الثمن إلى من هو مالك له فعلا ولا يلزم من تعلق الحق بعين المبيع
تعلقه بالثمن ولا دليل عليه، ومجرد البدلية لا يوجب ترتب جميع اللوازم، إذ لا
عموم لفظيا يقتضي البدلية والتنزيل، بل هو بدل له في الملكية وما يتبعها من حيث
هو ملك. وفيه أن ما ينقل إلى المشتري إن كان هو الاختصاص الموقت الثابت
للبطن الموجود لزم منه رجوع المبيع بعد انعدام البطن السابق إلى البطن اللاحق،
فلا يملكه المشتري ملكا مستمرا وإن كان هو مطلق الاختصاص المستقر الذي لا
يزول إلا بالناقل، فهو لا يكون إلا بثبوت جميع الاختصاصات الحاصلة للبطون له
فالثمن لهم على نحو المثمن. ومما ذكرنا تعرف أن اشتراك البطون في الثمن أولى
من اشتراكهم في دية العبد المقتول، حيث إنه بدل شرعي يكون الحكم به متأخرا
عن تلف الوقف {1} فجاز عقلا منع سراية حق البطون اللاحقة إليه بخلاف الثمن،
فإنه يملكه من يملكه بنفس خروج الوقف عن ملكهم على وجه المعاوضية
الحقيقية
403

فلا يعقل اختصاص العوض بمن لم يختص بالمعوض، ومن هنا اتضح أيضا أن هذا
أولى بالحكم من بدل الرهن الذي حكموا بكونه رهنا، لأن حق الرهنية متعلق
بالعين من حيث إنه ملك لمالكه الأول {1} فجاز أن يرتفع إلى بدل بارتفاع ملكية
المالك الأول، بخلاف الاختصاص الثابت للبطن المعدوم، فإنه ليس قائما بالعين
من حيث إنه ملك البطن الموجود، بل اختصاص موقت نظير اختصاص البطن
الموجود منشأ بانشائه مقارن له بحسب الجعل متأخر عنه في الوجود.
وقد تبين مما ذكرنا أن الثمن حكمه حكم الوقف، في كونه ملكا لجميع
البطون على ترتيبهم، فإن كان مما يمكن أن يبقى وينتفع منه البطون على نحو
المبدل. وكانت مصلحة البطون في بقائه أبقى، وإلا أبدل مكانه ما هو أصلح. ومن
هنا ظهر عدم الحاجة إلى صيغة الوقف في البدل {2} بل نفس البدلية تقضي كونه
كالمبدل، ولذا علله الشهيد رحمه الله في غاية المراد بقوله لأنه صار مملوكا على حد
الملك الأول، إذ يستحيل أن يملك لا على حده.
ثم إن هذا العين حيث صارت ملكا للبطون فلهم، أو لوليهم أن ينظر فيه
ويتصرف فيه بحسب مصلحة جميع البطون ولو بالابدال بعين أخرى أصلح لهم،
404

بل قد يجب إذا كان تركه يعد تضييعا للحقوق وليس مثل الأصل ممنوعا عن بيعه
إلا لعذر {1} لأن ذلك كان حكما من أحكام الوقف الابتدائي وبدل الوقف إنما هو
بدل له في كونه ملكا للبطون فلا يترتب عليه جميع أحكام الوقف الابتدائي ومما
ذكرنا أيضا يظهر عدم وجوب شراء المماثل للوقف. {2} كما هو ظاهر التذكرة
والارشاد وجامع المقاصد والمقتصر ومجمع الفائدة، بل قد لا يجوز إذا كان غيره
أصلح، لأن الثمن إذا صار ملكا للموقوف عليهم الموجودين والمعدومين، فاللازم
ملاحظة مصلحتهم خلافا للعلامة وولده والشهيد وجماعة فأوجبوا المماثلة مع
الامكان، لكون المثل أقرب إلى مقصود الواقف. [3] وفيه مع عدم انضباط غرض
الواقف إذ قد يتعلق غرضه بكون الموقوف عينا خاصة وقد يتعلق بكون منفعة
الوقف مقدارا معينا من دون تعلق غرض بالعين وقد يكون الغرض خصوص
الانتفاع بثمرته، كما لو وقف بستانا لينتفعوا بثمرته، فبيع فدار الأمر بين أن يشتري
بثمنه بستانا في موضع لا يصل
405

إليهم إلا قيمة الثمرة، وبين أن يشتري ملكا آخر يصل إليهم أجرة منفعته. فإن
الأول: وإن كان مماثلا إلا أنه ليس أقرب إلى غرض الواقف أنه لا دليل على
وجوب ملاحظة الأقرب إلى مقصوده، إنما اللازم ملاحظة مدلول كلامه في انشاء
الوقف ليجري الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها.
فالحاصل أن الوقف ما دام موجودا بشخصه لا يلاحظ فيه إلا مدلول كلام
الواقف، وإذا بيع وانتقل الثمن إلى الموقوف عليهم {1} لم يلاحظ فيه إلا مصلحتهم،
هذا قال العلامة في محكي التذكرة: كل مورد جوزنا بيع الوقف فإنه يباع ويصرف
الثمن إلى جهة الوقف، فإن أمكن شراء مثل تلك العين مما ينتفع به، كان أولى، وإلا
جاز شراء كل ما يصح وقفه،
406

وإلا صرف الثمن إلى الموقوف عليه يعمل فيه ما شاء، لأن فيه جمعا بين التوصل
إلى غرض الواقف من نفع الموقوف عليه على الدوام وبين النص الدال على عدم
جواز مخالفة الواقف حيث شرط التأبيد فإذا لم يمكن التأبيد بحسب الشخص
وأمكن بحسب النوع وجب، لأنه موافق لغرض الواقف وداخل تحت الأول الذي
وقع العقد عليه ومراعاة الخصوصية الكلية يفضي إلى فوات الغرض بأجمعه، ولأن
قصر الثمن على البائعين يقتضي خروج باقي البطون عن الاستحقاق بغير وجه، مع أنهم يستحقون من الوقف، كما يستحق البطن الأول وتعذر وجودهم حال الوقف
لا يخرجهم عن الاستحقاق.
قال بعض علمائنا والشافعية: إن الوقف كقيمة الموقوف إذا تلف فيصرف
الثمن على الموقوف عليهم ملكا على رأي انتهى.
ولا يخفى عليك مواقع الرد والقبول في كلامه رحمه الله {1} ثم إن المتولي للبيع هو
البطن الموجود بضميمة الحاكم القيم من قبل سائر البطون {2} ويحتمل أن يكون
هذا إلى الناظر إن كان {3} لأنه المنصوب لمعظم الأمور الراجعة إلى الوقف، إلا أن
يقال بعدم انصراف وظيفته المجعولة من قبل الواقف إلى التصرف في نفس العين.
والظاهر سقوط نظارته عن بدل الوقف ويحتمل بقائه، لتعلق حقه بالعين
الموقوفة فيتعلق ببدلها،
407

ثم إنه لو لم يمكن شراء بدله ولم يكن الثمن مما ينتفع به مع بقاء عينه كالنقدين {1}
فلا يجوز دفعه إلى البطن الموجود، لما عرفت من كونه كالمبيع مشتركا بين جميع
البطون، وحينئذ فتوضع عند أمين حتى يتمكن من شراء ما ينتفع به ولو مع الخيار
إلى مدة ولو طلب ذلك البطن الموجود، فلا يبعد وجوب إجابته ولا يعطل الثمن
حتى يوجد ما يشتري به من غير خيار.
408

نعم لو رضي الموجود بالاتجار به وكانت المصلحة في التجارة، جاز مع
المصلحة إلى أن يوجد البدل والربح تابع للأصل {1} ولا يملكه الموجودون لأنه
جزء من المبيع وليس كالنماء الحقيقي،
409

ثم لا فرق في جميع ما ذكرنا من جواز البيع مع خراب الوقف بين عروض
الخراب لكله أو بعضه {1} فيباع البعض المخروب، ويجعل بدله ما يكون وقفا ولو
كان صرف ثمنه في باقيه بحيث يوجب زيادة منفعته جاز مع رضا الكل لما عرفت
من كون الثمن ملكا للبطون، فلهم التصرف فيه على ظن المصلحة، ومنه يعلم جواز
صرفه في وقف آخر عليهم على نحو هذا الوقف، فيجوز صرف ثمن ملك مخروب
في تعمير وقف آخر عليهم ولو خرب بعض الوقف، وخرج عن الانتفاع وبقي
بعضه محتاجا إلى عمارة لا يمكن بدونها انتفاع البطون اللاحقة، فهل يصرف ثمن
المخروب إلى عمارة الباقي، وإن لم يرض البطن الموجود وجهان آتيان فيما إذا
احتاج اصلاح الوقف بحيث لا يخرج عن قابلية انتفاع البطون اللاحقة إلى صرف
منفعته الحاضرة التي يستحقها البطن الموجود، إذا لم يشترط الواقف اخراج مؤنة
الوقف عن منفعته قبل قسمته في الموقوف عليهم وهنا فروع أخر يستخرجها
الماهر بعد التأمل.
410

الصورة الثانية: أن يخرب بحيث يسقط عن الانتفاع المعتد به بحيث يصدق
عرفا أنه لا منفعة فيه {1} كدار انهدمت فصارت عرصة تؤجر للانتفاع بها بأجرة لا
تبلغ شيئا معتدا به، فإن كان ثمنه على تقدير البيع لا يعطي به إلا ما كان منفعته
كمنفعة العرصة فلا ينبغي فلا ينبغي الاشكال في عدم الجواز وإن كان يعطى بثمنه
ما يكون منفعته أكثر من منفعة العرصة، بل يساوي منفعة الدار، ففي جواز البيع
وجهان من عدم دليل على الجواز مع قيام المقتضي للمنع وهو ظاهر المشهور
حيث قيدوا الخراب المسوغ للبيع بكونه حيث لا يجدي نفعا.
وقد تقدم التصريح من العلامة في التحرير بأنه لو انهدمت الدار لم تخرج
العرصة من الوقف ولم يجز بيعها.
اللهم إلا أن يحمل النفع المنفي في كلام المشهور على النفع المعتد به بحسب
حال العين. فإن الحمام الذي يستأجر كل سنة مائة دينار إذا صارت عرصة، تؤجر
كل سنة خمسة دراهم أو عشرة لغرض جزئي، كمجمع الزبائل ونحوه، يصدق عليه
أنه لا يجدي نفعا، وكذا القرية الموقوفة، فإن خرابها بغور أنهار ها وهلاك أهلها، ولا
تكون تسلب منافع أراضيها رأسا، ويشهد لهذا ما تقدم عن التحرير من جعل
عرصة الدار المنهدمة مواتا لا ينتفع بها بالكلية، مع أنها كثيرا ما تستأجر للأغراض
الجزئية.
411

فالظاهر دخول الصورة المذكورة في اطلاق كلام كل من سوغ البيع عند
خرابه بحيث لا يجدي نفعا، ويشمله الاجماع المدعي في الانتصار والغنية، لكن
الخروج بذلك عن عموم أدلة وجوب العمل بمقتضى وقف الواقف الذي هو حبس
العين وعموم قوله عليه السلام لا يجوز شراء الوقف مشكل.
ويؤيد المنع حكم أكثر من تأخر عن الشيخ بالمنع عن بيع النخلة المنقلعة،
بناء على جواز الانتفاع بها في وجوه أخر كالتسقيف، وجعلها جسرا ونحو ذلك.
بل ظاهر المختلف حيث جعل النزاع بين الشيخ والحلي رحمه الله لفظيا، حيث نزل تجويز
الشيخ على صورة عدم امكان الانتفاع به في منفعة أخرى، الاتفاق على المنع إذا
حصل فيه انتفاع ولو قليلا، كما يظهر من التمثيل بجعله جسرا. نعم لو كان قليلا في
الغاية، بحيث يلحق بالمعدوم، أمكن الحكم بالجواز لانصراف قوله عليه السلام لا يجوز
شراء الوقف إلى غير هذه الحالة. وكذا حبس العين وتسبيل المنفعة إنما يجب
الوفاء به ما دام المنفعة المعتد بها موجودة، وإلا فمجرد حبس العين وامساكه ولو
من دون منفعة لو وجب الوفاء به لمنع عن البيع في الصورة الأولى.
412

ثم إن الحكم المذكور جار فيما إذا صارت منفعة الموقوف قليلة لعارض
آخر غير الخراب، لجريان ما ذكرنا فيه. ثم إنك قد عرفت فيما سبق أنه ذكر بعض
أن جواز بيع الوقف لا يكون إلا مع بطلان الوقف، وعرفت وجه النظر فيه. ثم وجه
بطلان الوقف في الصورة الأولى بفوات شرط الوقف المراعي في الابتداء
والاستدامة، وهو كون العين مما ينتفع بها مع بقاء عينها {1} وفيه ما عرفت سابقا
من أن بطلان الوقف بعد انعقاده صحيحا لا وجه له في الوقف المؤبد، مع أنه لا دليل
عليه، مضافا إلى أنه لا دليل على اشتراط الشرط المذكور في الاستدامة، فإن
الشرط في العقود الناقلة يكفي وجودها حين النقل، فإنه قد يخرج المبيع عن
المالية ولا يخرج بذلك عن ملك المشتري، مع أن جواز بيعه لا يوجب الحكم
بالبطلان، بل يوجب خروج الوقف عن اللزوم إلى الجواز كما تقدم. ثم ذكر أنه قد
يقال بالبطلان أيضا بانعدام عنوان الوقف فيما إذا وقف بستانا مثلا ملاحظا في
عنوان وقفه البستانية. فخربت حتى خرجت عن قابلية ذلك، فإنه وإن لم تبطل
منفعتها أصلا لامكان الانتفاع بها دارا مثلا، لكن ليس من عنوان الوقف واحتمال
بقاء العرصة على الوقف، باعتبار أنها جزء من الوقف وهي باقية وخراب غيرها
وإن اقتضى بطلانه فيه لا يقتضي بطلانه فيها يدفعه أن العرصة كانت جزءا من
الموقوف من حيث كونه بستانا لا مطلقا.
413

فهي حينئذ جزء عنوان الوقف الذي فرض خرابه، ولو فرض إرادة وقفها ليكون
بستانا أو غيره لم يكن إشكال في بقائها، لعدم ذهاب عنوان الوقف.
وربما يؤيد ذلك في الجملة ما ذكروه في باب الوصية {1} من أنه لو أوصى
بدار فانهدمت قبل موت الموصي، بطلت الوصية لانتفاء موضوعها.
نعم لو لم يكن الدارية والبستانية ونحو ذلك مثلا عنوانا للوقف، وإن قارنت
وقفه بل كان المراد به الانتفاع به في كل وقت على حسب ما يقبله، لم يبطل الوقف
بتغير أحواله، ثم ذكر أن في عود الوقف إلى ملك الواقف أو وارثه، بعد البطلان أو
الموقوف عليه وجهين: أقول يرد على ذلك ما قد يقال بعد الاجماع على أن انعدام
العنوان لا يوجب بطلان الوقف، بل ولا جواز البيع وإن اختلفوا فيه عند الخراب أو
خوفه، لكنه غير تغير العنوان كما لا يخفى
414

أنه لا وجه للبطلان بانعدام العنوان، لأنه إن أريد بالعنوان ما جعل مفعولا في قوله:
وقفت هذا البستان فلا شك أنه ليس إلا كقوله بعت هذا البستان أو وهبته. فإن
التمليك المعلق بعنوان لا يقتضي دوران الملك مدار العنوان. فالبستان إذا صار
ملكا فقد ملك منه كل جزء خارجي وإن لم يكن في ضمن عنوان البستان، وليس
التمليك من قبيل الأحكام الجعلية المتعلقة بالعنوانات، وإن أريد بالعنوان شئ
آخر فهو خارج عن مصطلح أهل العرف والعلم {1} ولا بد من بيان المراد منه هل
يراد ما اشترط لفظا أو قصدا في الموضوع زيادة على عنوانه. وأما تأييد ما ذكر
بالوصية فالمناسب أن يقايس ما نحن فيه بالوصية بالبستان بعد تمامها وخروج
البستان عن ملك الموصي بموته، وقبول الموصي له، فهل يرضى أحد بالتزام
بطلان الوصية بصيرورة البستان عرصة. نعم الوصية قبل تمامها يقع الكلام في
بقائها وبطلانها من جهات أخر. {2} ثم ما ذكروه من الوجهين مما لا يعرف له وجه
بعد اطباق كل من قال بخروج الوقف المؤبد عن ملك الواقف على عدم عوده إليه
أبدا.
415

الصورة الثالثة: أن تخرب بحيث يقل منفعته لكن لا إلى حد يلحق
بالمعدوم {1} والأقوى هنا المنع وهو الظاهر من الأكثر في مسألة النخلة المنقلعة،
حيث جوز الشيخ في محكي الخلاف بيعها محتجا بأنه لا يمكن الانتفاع بها، إلا
على هذا الوجه، لأن الوجه الذي شرطه الواقف قد بطل ولا يرجى عوده ومنعه
الحلي قائلا ولا يجوز بيعها بل ينتفع بها بغير البيع مستندا إلى وجوب ابقاء الوقف
على حاله مع امكان الانتفاع وزوال بعض المنافع لا يستلزم زوال جميعها، لامكان
التسقيف بها ونحوه وحكى موافقته عن الفاضلين والشهيدين والمحقق
الثاني وأكثر المتأخرين، وحكى في الإيضاح عن والده قدس سره أن النزاع بين الشيخ
والحلي لفظي واستحسنه لأن في تعليل الشيخ اعترافا بسلب جميع منافعها
والحلي فرض وجود منفعة ومنع لذلك بيعها وقيل: يمكن بناء نزاعهما على رعاية
المنفعة المعد لها الوقف كما هو الظاهر من تعليل الشيخ، ولا يخلو عن تأمل.
وكيف كان فالأقوى هنا المنع وأولى منه بالمنع ما لو قلت منفعة الوقف من
دون خراب {2} فلا يجوز بذلك البيع، إلا إذا قلنا بجواز بيعه إذا كان أعود وسيجئ
تفصيله.
416

الصورة الرابعة: أن يكون بيع الوقف أنفع وأعود للموقوف عليه. {1} وظاهر
المراد منه أن يكون ثمن الوقف أزيد نفعا من المنفعة الحاصلة تدريجا مدة وجود
الموقوف عليه، وقد نسب جواز البيع هنا إلى المفيد. وقد تقدم عبارته فراجع،
وزيادة النفع قد تلاحظ بالنسبة إلى البطن الموجود. وقد تلاحظ بالنسبة إلى جميع
البطون، إذا قيل بوجوب شراء بدل الوقف بثمنه، والأقوى المنع مطلقا. وفاقا للأكثر
بل الكل بناء على ما تقدم من عدم دلالة قول المفيد على ذلك وعلى تقديره، فقد
تقدم عن التحرير أن كلام المفيد متأول، وكيف كان فلا اشكال في المنع لوجود
مقتضى المنع وهو وجوب العمل على طبق انشاء الواقف،

(1) الوسائل - باب 6 - من أبواب الوقوف والصدقات حديث 8.
(2) الوسائل - باب 6 - من أبواب الوقوف والصدقات حديث 9.
417

وقوله عليه السلام لا يجوز شراء الوقف وغير ذلك وعدم ما يصلح للمنع عدا رواية ابن
محبوب، عن علي بن رئاب عن جعفر بن حنان. قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
رجل وقف غلة له على قرابته من أبيه، وقرابته من أمه وأوصى لرجل ولعقبه من
تلك الغلة ليس بينه وبينه قرابة بثلاثمائة درهم في كل سنة ويقسم الباقي على
قرابته وقرابته من أمه، فقال جائز للذي أوصى له بذلك قلت: أرأيت إن لم تخرج
من غلة تلك الأرض التي أوقفها إلا خمسمائة درهم فقال: أليس في وصيته أن
يعطي الذي أوصى له من الغلة ثلاثمائة درهم، ويقسم الباقي على قرابته من أبيه
وأمه. قلت: نعم قال: ليس لقرابته أن يأخذوا من الغلة شيئا حتى يوفي الموصى له
ثلاثمائة درهم. ثم لهم ما يبقى ذلك، قلت: أرأيت إن مات الذي أوصى له، قال: إن
مات كانت له ثلاثمائة درهم لو رثته يتوارثونها ما بقي أحد منهم، فإن انقطع ورثته
ولم يبق منهم أحد كانت ثلاثمائة درهم لقرابة الميت يرد إلى ما يخرج من الوقف،
ثم يقسم بينهم يتوارثون ذلك ما بقوا وبقيت الغلة. قلت: فللورثة من قرابة الميت
أن يبيعوا الأرض إذا احتاجوا ولم يكفهم ما يخرج من الغلة. قال: نعم إذا رضوا
كلهم وكان البيع خيرا لهم باعوا والخبر المروي عن الإحتجاج أن الحميري كتب
إلى صاحب الزمان جعلني الله فداه. أنه روي عن الصادق عليه السلام خبر مأثور أن الوقف
إذا كان على قوم بأعيانهم وأعقابهم فاجتمع أهل الوقف على بيعه وكان ذلك أصلح
لهم أن يبيعوه فهل يجوز أن يشتري عن بعضهم وإن لم يجتمعوا كلهم على البيع أم
لا يجوز؟ إلا أن يجتمعوا كلهم على ذلك وعن الوقف الذي لا يجوز بيعه
فأجاب عليه السلام إذا كان الوقف على إمام المسلمين فلا يجوز بيعه وإذا كان على قوم
من المسلمين فليبع كل قوم ما يقدرون على بيعه مجتمعين ومتفرقين. إن شاء الله.
دلت على جواز البيع، أما في خصوص ما ذكره الراوي وهو كون البيع أصلح.
وأما مطلقا بناء على عموم الجواب، لكنه مقيد بالأصلح، لمفهوم رواية
جعفر كما أنه يمكن حمل اعتبار رضا الكل في رواية جعفر على صورة بيع تمام
الوقف لا اعتباره بما في بيع كل واحد بقرينة رواية الإحتجاج، ويؤيد المطلب
صدر رواية ابن مهزيار الآتية لبيع حصة ضيعة الإمام عليه السلام من الوقف.
418

والجواب: أما عن رواية جعفر، فبأنها إنما تدل على الجواز مع حاجة
الموقوف عليهم {1} لا لمجرد كون البيع أنفع. فالجواز مشروط بالأمرين كما تقدم
عن ظاهر النزهة وسيجئ الكلام في هذا القول بل يمكن أن يقال إن المراد بكون
البيع خيرا لهم مطلق النفع {2} الذي يلاحظه الفاعل، ليكون منشئا لإرادته، فليس
مراد الإمام عليه السلام بيان اعتبار ذلك تعبدا، بل المراد بيان الواقع الذي فرضه السائل،
يعني إذا كان الأمر على ما ذكرت من المصلحة في بيعه جاز،
419

كما يقال: إذا أردت البيع ورأيته أصلح من تركه فبع. وهذا مما لا يقول به أحد،
ويحتمل أيضا أن يراد من الخير هو خصوص رفع الحاجة التي فرضها السائل. {1}
وعن المختلف وجماعة: الجواب عنه بعدم ظهوره في المؤبد لاقتصاره
على ذكر الأعقاب {2} وفيه نظر، لأن الاقتصار في مقام الحكاية لا يدل على
الاختصاص، إذ يصح أن يقال في الوقف المؤبد أنه وقف على الأولاد مثلا،
وحينئذ فعلى الإمام عليه السلام أن يستفصل إذا كان بين المؤبد وغيره فرق في الحكم
فافهم. وكيف كان ففي الاستدلال بالرواية مع ما فيها من الإشكال على جواز البيع
بمجرد الأنفعية اشكال مع عدم الظفر بالقائل به عدا ما يوهمه ظاهر عبارة المفيد
المتقدمة.
ومما ذكرنا يظهر الجواب عن رواية الحميري {3} ثم لو قلنا في هذه الصورة
بالجواز
420

كان الثمن للبطن الأول البائع يتصرف فيه على ما شاء ومنه يظهر وجه آخر
لمخالفة الروايتين للقواعد {1} فإن مقتضى كون العين مشتركة بين البطون كون بدله
كذلك، كما تقدم من استحالة كون بدله ملكا لخصوص البائع فيكون تجويز البيع
في هذه الصورة والتصرف في الثمن رخصة من الشارع للبائع في اسقاط حق
اللاحقين آنا ما قبل البيع نظير الرجوع في الهبة المتحقق ببيع الواهب، لئلا يقع البيع
على المال المشترك فيستحيل كون بدله مختصا.
وأورد عليه بجملة من الايرادات الواردة على الخبر الأول، وقد تقدم ما فيها.
421

الصورة الخامسة: أن يلحق الموقوف عليهم ضرورة شديدة {1} وقد تقدم
عن جماعة تجويز البيع في هذه الصورة بل عن الإنتصار والغنية: الاجماع عليه،
ويدل عليه رواية جعفر المتقدمة {2} ويرده أن ظاهر الرواية أنه يكفي في البيع
عدم كفاية غلة الأرض لمؤنة سنة الموقوف عليهم كما لا يخفى. وهذا أقل مراتب
الفقر الشرعي والمأخوذ من عبائر من تقدم من المجوزين اعتبار الضرورة
والحاجة الشديدة وبينها وبين مطلق الفقر عموم من وجه {3} إذ قد يكون فقيرا ولا
يتفق له حاجة شديدة بل مطلق الحاجة لوجدانه من مال الفقراء ما يوجب التوسعة
عليه، وقد يتفق الحاجة والضرورة الشديدة في بعض الأوقات لمن يقدر على
مؤونة

(1) الوسائل - باب 6 - من أبواب الوقوف والصدقات حديث 8.
422

سنته. فالرواية بظاهرها غير معمول بها، مع أنه قد يقال إن ظاهر الجواب جواز
البيع بمجرد رضا الكل وكون البيع أنفع، ولو لم يكن حاجة. وكيف كان، فلا يبقى
للجواز عند الضرورة الشديدة إلا الاجماعان المعتضدان بفتوى جماعة وفي
الخروج بهما عن قاعدة عدم جواز البيع، وعن قاعدة وجوب كون الثمن على
تقدير البيع غير مختص بالبطن الموجود، مع وهنه بمصير جمهور المتأخرين،
وجماعة من القدماء إلى الخلاف، بل معارضته بالاجماع المدعى في السرائر،
اشكال.
الصورة السادسة: أن يشترط الواقف بيعه عند الحاجة {1} أو إذا كان فيه
مصلحة البطن الموجود، أو جميع البطون أو عند مصلحة خاصة على حسب ما
يشترط فقد اختلف كلمات العلامة ومن تأخر عنه في ذلك، فقال في الإرشاد: ولو
شرط بيع الوقف عند حصول ضرر كالخراج والمؤن من قبل الظالم وشراء غيره
بثمنه، فالوجه الجواز انتهى.
423

وفي القواعد ولو شرط بيعه عند الضرورة كزيادة خراج وشبهه وشراء غيره
بثمنه أو عند خرابه وعطلته أو خروجه عن حد الانتفاع أو قلة نفعه. ففي صحة
الشرط اشكال ومع البطلان ففي ابطال الوقف نظر، انتهى.
وذكر في الإيضاح في وجه الجواز رواية جعفر بن حنان المتقدمة قال: فإذا
جاز بغير شرط فمع الشرط أولى وفي وجه المنع أن الوقف للتأبيد والبيع ينافيه،
قال والأصح أنه لا يجوز بيع الوقف بحال، انتهى.
وقال الشهيد في الدروس ولو شرط الواقف بيعه عند حاجتهم أو وقوع
الفتنة بينهم فأولى بالجواز، انتهى.
ويظهر منه أن للشرط تأثيرا وأنه يحتمل المنع من دون الشرط والتجويز
معه، وعن المحقق الكركي أنه قال: التحقيق أن كل موضع قلنا بجواز بيع الوقف
بجواز اشتراط البيع في الوقف، إذا بلغ تلك الحالة لأنه شرط مؤكد، وليس بمناف
للتأبيد المعتبر في الوقف، لأنه مقيد واقعا بعدم حصول أحد أسباب البيع، وإلا فلا
للمنافاة فلا يصح حينئذ حبسا. لأن اشتراط شراء شئ بثمنه يكون وقفا مناف
لذلك لاقتضائه الخروج من المالك فلا يكون وقفا ولا حبسا، انتهى. أقول يمكن
أن يقال بعد التمسك في الجواز بعموم الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها -
والمؤمنون عند شروطهم {1}
424

بعدم ثبوت كون جواز البيع منافيا لمقتضى الوقف. {1} فلعله مناف لاطلاقه، ولذا
يجتمع الوقف مع جواز البيع عند طرو مسوغاته، فإن التحقيق كما عرفت سابقا أن
جواز البيع لا يبطل الوقف، بل هو وقف يجوز بيعه - فإذا بيع خرج عن كونه وقفا.
أما الأول: فقد يقال بفساد الشرط لوجهين:

(1) الوسائل - باب 6 - من أبواب الوقوف والصدقات حديث 1 - 4 و - باب 17 - من أبواب عقد البيع.
425

ثم إنه لو سلم المنافاة فإنما هو بيعه للبطن الموجود وأكل ثمنه. وأما تبديله
بوقف آخر فلا تنافي بينه وبين مفهوم الوقف، فمعنى كونه حبسا كونه محبوسا من أن يتصرف فيه بعض طبقات الملاك على نحو الملك المطلق. وأما حبس شخص
الوقف فهو لازم لاطلاقه وتجرده عن مسوغات الابدال شرعية كانت كخوف
الخراب أو بجعل الواقف كالاشتراط في متن العقد فتأمل.
ثم إنه روى صحيحا في الكافي ما ذكره أمير المؤمنين عليه السلام في كيفية وقف
ماله في عين ينبع {1} وفيه فإن أراد يعني الحسن عليه السلام أن يبيع نصيبا من المال
ليقضي به الدين فليفعل إن شاء لا حرج عليه فيه، وإن شاء جعله شروى الملك وإن
ولد علي ومواليهم وأموالهم إلى الحسن بن علي، وإن كانت دار الحسن بن علي
غير دار الصدقة فبدا له أن يبيعها فليبعها إن شاء، ولا حرج عليه فيه، فإن باع فإنه
يقسم ثمنها ثلاثة أثلاث فيجعل ثلثا في سبيل الله ويجعل ثلثا في بني هاشم وبني
المطلب وثلثا في آل أبي طالب وأنه يضعه فيهم حيث يراه الله.
426

ثم قال: وإن حدث في الحسن أو في الحسين حدث فإن الآخر منهما ينظر
في بني علي إلى أن قال: فإنه يجعله في رجل يرضاه من بني هاشم. وأنه يشترط
على الذي يجعله إليه أن يترك هذا المال على أصوله، وينفق الثمرة حيث أمره من
سبيل الله ووجهه وذوي الرحم من بني هاشم وبني المطلب، والقريب والبعيد، لا
يباع شئ منه، ولا يوهب ولا يورث. الرواية وظاهرها جواز اشتراط البيع في
الوقف لنفس البطن الموجود فضلا عن البيع لجميع البطون وصرف ثمنه فيما
ينتفعون به {1} والسند صحيح

(1) الوسائل - باب 10 - من أبواب الوقوف والصدقات حديث 4.
427

والتأويل مشكل والعمل به أشكل {1}...
428

الصورة السابعة: أن يؤدي بقائه إلى خرابه علما أو ظنا وهو {1} المعبر عنه
بخوف الخراب في كثير من العبائر المتقدمة والأداء إلى الخراب قد يكون للخلف
بين أربابه وقد يكون لا له، والخراب المعلوم والمخوف قد يكون على حد سقوطه
من الانتفاع نفعا معتدا به، وقد يكون على وجه نقص المنفعة. وأما إذا فرض جواز
الانتفاع به بعد الخراب بوجه آخر، كانتفاعه السابق أو أزيد فلا يجوز بيعه إلا على
ما استظهره بعض من تقدم كلامه سابقا من أن تغير عنوان الوقف يسوغ بيعه، وقد
عرفت ضعفه، وقد عرفت من عبائر جماعة تجويز البيع في صورة التأدية إلى
الخراب، ولو لغير الاختلاف، ومن أخرى تقييدهم به.
الصورة الثامنة: أن يقع بين الموقوف عليهم اختلاف لا يؤمن معه تلف المال
والنفس، وإن لم يعلم أو يظن بذلك، فإن الظاهر من بعض العبارات السابقة جوازه
لذلك خصوصا من عبر بالاختلاف الموجب لخوف الخراب.
الصورة التاسعة: أن يؤدي الاختلاف بينهم إلى ضرر عظيم من غير تقييد
بتلف المال فضلا عن خصوص الوقف.
الصورة العاشرة: أن يلزم فساد يستباح منه الأنفس، والأقوى الجواز مع
تأدية البقاء إلى الخراب على وجه لا ينتفع به نفعا يعتد به عرفا، سواء كان لأجل
الاختلاف أو غيره، والمنع في غيره من جميع الصور أما الجواز في الأول. فلما مر
من الدليل على جواز بيع ما سقط عن الانتفاع،
429

فإن الغرض من عدم البيع عدم انقطاع شخصه، فإذا فرض العلم أو الظن بانقطاع
شخصه فدار الأمر بين انقطاع شخصه ونوعه وبين انقطاع شخصه لا نوعه كان
الثاني أولى، فليس فيه منافاة لغرض الواقف أصلا.
وأما الأدلة الشرعية فغير ناهضة لاختصاص الاجماع، وانصراف النصوص
إلى غير هذه الصورة. وأما الموقوف عليهم فالمفروض إذن الموجود منهم وقيام
الناظر العام والخاص مقام غير الموجود. {1} نعم قد يشكل الأمر فيما لو فرض
تضرر البطن الموجود من بيعه للزوم تعطيل الانتفاع إلى زمان وجدان البدل أو
كون البدل قليل المنفعة بالنسبة إلى الباقي،
430

ومما ذكر يظهر أنه يجب تأخير البيع إلى آخر أزمنة إمكان البقاء مع عدم فوات
الاستبدال فيه، ومع فوته ففي تقديم البيع إشكال، ولو دار الأمر بين بيعه والأبدال
به، وبين صرف منفعته الحاصلة مدة من الزمان لتعميره، ففي ترجيح حق البطن
الذي يفوته المنفعة أو حق الواقف وسائر البطون المتأخرة المتعلق بشخص الواقف
وجهان، لا يخلو أولهما عن قوة إذا لم يشترط الواقف اصلاح الوقف من منفعته
مقدما على الموقوف عليه. وقد يستدل على الجواز فيما ذكرنا بما عن التنقيح، من أن بقاء الوقف على حاله، والحال هذه إضاعة واتلاف للمال، وهو منهي عنه،
شرعا فيكون البيع جائزا. {1} ولعله أراد الجواز بالمعنى الأعم فلا يرد عليه أنه
يدل على وجوب البيع، وفيه أن المحرم هو إضاعة المال المسلط عليه، لا ترك
المال الذي لا سلطان عليه إلى أن يخرب بنفسه وإلا لزم وجوب تعمير الأوقاف
المشرفة على الخراب بغير البيع مهما أمكن مقدما على البيع أو إذا لم يمكن البيع.
والحاصل أن ضعف هذا الدليل بظاهره واضح، ويتضح فساده على القول
بكون الثمن للبطن الموجود لا غير، ويتلوه في الضعف ما عن المختلف والتذكرة
والمهذب وغاية المرام، من أن الغرض من الوقف استيفاء منافعه. وقد تعذرت،
فيجوز اخراجه عن حده، تحصيلا للغرض منه، والجمود على العين مع تعطيلها
تضييع للغرض {2} كما أنه لو تعطلت الهدي ذبح في الحال وإن اختص بموضع،
فلما تعذر مراعاة المحل ترك مراعاته لتخلص المتعذر
431

وفيه أن الغرض من الوقف استيفاء المنافع من شخص الموقوف، لأنه الذي
دل عليه صيغة الوقف، والمفروض تعذره، فيسقط وقيام الانتفاع بالنوع مقام
الانتفاع بالشخص، لكونه أقرب إلى مقصود الواقف فرع الدليل على وجوب
اعتبار ما هو الأقرب إلى غرض الواقف بعد تعذر أصل الغرض، فالأولى منع
جريان أدلة المنع من خوف الخراب المسقط للمنفعة رأسا، وجعل ذلك مؤيدا.
وأما المنع في غير هذا القسم من الصورة السابعة وفيما عداها من الصور
اللاحقة لها، فلعموم قوله عليه السلام لا يجوز شراء الوقف ولا تدخل الغلة في ملكك، فإن
ترك الاستفصال فيه عن علم المشتري بعدم وقوع بيع الوقف على بعض الوجوه
المجوزة وعدمه الموجب لحمل فعل البائع على الصحة، يدل على أن الوقف ما دام
له غلة لا يجوز بيعه، وكذا قوله عليه السلام: الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها انشاء الله،
وما دل على أنه يترك حتى يرثها وارث السماوات والأرض، هذا كله مضافا إلى
الاستصحاب في جميع هذه الصور، وعدم الدليل الوارد عليه، عدا المكاتبة
المشهورة {1} التي انحصر تمسك كل من جوزه في هذه الصور فيها

(1) الوسائل - باب 6 - من أبواب الوقوف والصدقات حديث 6.
432

وهي مكاتبة ابن مهزيار. قال كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام: إن فلانا ابتاع ضيعة
فأوقفها، وجعل لك في الوقف الخمس ويسألك عن رأيك في بيع حصتك من
الأرض، أو تقويمها على نفسه بما اشتراها، أو يدعها موقوفة، فكتب إلي أعلم فلانا
أني آمره ببيع حصتي من الضيعة، وايصال ثمن ذلك إلى أن ذلك رأيي انشاء الله
تعالى، أو يقومها على نفسه إن كان ذلك أوفق له، قال: فكتب [فكتبت] إليه أن
الرجل ذكر أن بين من وقف عليهم بقية هذه الضيعة اختلافا شديدا، وأنه ليس يأمن أن يتفاقم ذلك بينهم بعده، فإن كان ترى أن يبيع هذا الوقف ويدفع إلى كل انسان
منهم ما وقف له من ذلك أمرته فكتب بخطه وأعلمه أن رأي أن كان قد علم
الاختلاف بين أرباب الوقف أن بيع الوقف أمثل فليبع فإنه ربما جاء في الاختلاف
تلف الأموال والنفوس {1} الخبر.
حيث إنه يمكن الاستدلال للجواز بها في القسم الثاني من الصورة السابعة،
بناء على أن قوله فإنه إلى آخره تعليل لجواز البيع في صورة الاختلاف، وأن المراد
بالمال هو الوقف، فإن ضم النفوس إنما هو لبيان الضرر الآخر المترتب على
الاختلاف، لا أن المناط في الحكم هو اجتماع الأمرين كما لا يخفى، فيكون
حاصل التعليل أنه كل ما كان الوقف في معرض الخراب جاز بيعه.
433

وفيه أن المقصود جواز بيعه إذا أدى بقائه إلى الخراب علما أو ضنا، لا مجرد
كونه ربما يؤدي إليه المجامع للاحتمال المساوي أو المرجوح على ما هو الظاهر
من لفظ ربما، كما لا يخفى على المتتبع لموارد استعمالاته، ولا أظن أحدا يلتزم
بجواز البيع بمجرد احتمال أداء بقائه إلى الخراب، لأن كلمات من عبر بهذا العنوان
كما عرفت بين قولهم أدى بقائه إلى خرابه، وبين قولهم يخشى أو يخاف خرابه،
والخوف عند المشهور، كما يعلم من سائر موارد اطلاقاتهم مثل قولهم يجب
الافطار والتيمم مع خوف الضرر، ويحرم السفر مع خوف الهلاك، لا يتحقق إلا بعد
قيام أمارة الخوف، هذا، مع أن مناط الجواز على ما ذكر تلف الوقف رأسا. وهو
القسم الأول من الصورة السابعة الذي جوزنا فيه البيع، فلا يشمل الخراب الذي لا
يصدق معه التلف، مع أنه لا وجه بناء على عموم التعليل للاقتصار على خوف
خراب خصوص الوقف، بل كلما خيف تلف مال جاز بيع الوقف.

(1) الوسائل - باب 6 - من أبواب الوقوف والصدقات حديث 1 - 4 و - باب 17 - من أبواب عقد البيع.
434

وأما تقريب الاستدلال بالمكاتبة على جواز البيع في الصورة الثامنة وهي
صورة وقوع الاختلاف الذي ربما أوجب تلف الأموال والنفوس، فهو أن الحكم
بالجواز معلق على الاختلاف، إلا أن قوله فإنه ربما الخ مقيد بالاختلاف الخاص،
وهو الذي لا يؤمن معه من التلف لأن العلة يقيد المعلول كما في قولك لا تأكل
الرمان لأنه حامض، وفيه أن اللازم على هذا تعميم الجواز في كل مورد لا يؤمن
معه من تلف الأموال والنفوس وإن لم يكن من جهة اختلاف الموقوف عليهم،
فيجوز بيع الوقف لا صلاح كل فتنة، وإن لم يكن لها دخل في الوقف {1} اللهم إلا
أن يدعي سوق العلة مساق التقريب لا التعليل الحقيقي حتى يتعدى إلى جميع
موارده، لكن تقييد الاختلاف حينئذ بكونه مما لا يؤمن، ممنوع وهو الذي فهمه
الشهيد رحمه الله في الروضة، كما تقدم كلامه، لكن الحكم على هذا الوجه مخالف
للمشهور فلا يبقى حينئذ وثوق بالرواية، بحيث يرفع اليد بها عن العمومات
والقواعد،
435

مع ما فيها من ضعف الدلالة كما سيجئ إليه الإشارة. ومما ذكرنا يظهر تقريب
الاستدلال على الصورة التاسعة ورده. {1}

(1) الوسائل - باب 17 - من أبواب الخيار.
436

وأما تقريب الاستدلال على الصورة العاشرة، فهو أن ضم تلف النفس إلى
تلف الأموال، مع أن خوف تلف الأنفس يتبعه خوف تلف المال غالبا، يدل على
اعتبار بلوغ الفتنة في الشدة إلى حيث يخاف منه تلف النفس {1} ولا يكفي بلوغها
إلى ما دون ذلك، بحيث يخاف منه تلف المال فقط. وفيه أن اللازم على هذا عدم
اختصاص موجب الفساد بوقوع الفتنة بين الموقوف عليهم، بل يجوز حينئذ بيع
الوقف لرفع كل فتنة {2} مع أن ظاهر الرواية كفاية كون الاختلاف بحيث ربما جاء
فيه تلف الأموال والنفوس. والمقصود كما يظهر من عبارة الجامع المتقدمة: هو
اعتبار الفتنة التي يستباح بها الأنفس.
437

أو فساد خاص، أو اعتبار الاختلاف مطلقا، أو اختلاف خاص، مستندة إلى ما فهم
أربابها من المكاتبة المذكورة والأظهر في مدلولها هو إناطة الجواز بالاختلاف
الذي ربما جاء فيه تلف الأموال والنفوس، لا مطلق الاختلاف، لأن الذيل مقيد،
ولا خصوص المودي علما أو ظنا، لأن موارد استعمال لفظة ربما أعم من ذلك، ولا
مطلق ما يؤدي إلى المحذور المذكور لعدم ظهور الذيل في التعليل، بحيث يتعدى
عن مورد النص، وإن كان فيه إشارة إلى التعليل وعلى ما ذكرنا فالمكاتبة غير
مفتى بها عند المشهور {1} لأن الظاهر اعتبارهم العلم أو الظن بأداء بقائه إلى
الخراب الغير الملازم للفتنة الموجبة لاستباحة الأموال والأنفس، فيكون النسبة
بين فتوى المشهور ومضمون الرواية عموما من وجه.
لكن الانصاف أن هذا لا يمنع من جبر ضعف دلالة الرواية، وقصور
مقاومتها للعمومات المانعة بالشهرة، لأن اختلاف فتاوى المشهور إنما هو من
حيث الاختلاف في فهم المناط الذي أنيط به الجواز، من قوله عليه السلام: إن كان قد علم
الاختلاف المنضم إلى قوله: فإنه ربما جاء في الاختلاف. وأما دلالة المكاتبة على
كون مورد السؤال هو الوقف المؤبد التام، فهي على تقدير قصورها منجبرة
بالشهرة، فيندفع بها ما يدعى من قصور دلالتها من جهات مثل عدم ظهورها في
المؤبد، لعدم ذكر البطن اللاحق {2} وظهورها في عدم إقباض الموقوف عليهم
438

وعدم تمام الوقف، كما عن الإيضاح {1} وأوضحه الفاضل المحدث المجلسي،
وجزم به المحدث البحراني، ومال إليه في الرياض. قال الأول في بعض حواشيه
على بعض كتب الأخبار أنه يخطر بالبال أنه يمكن حمل الخبر على ما إذا لم
يقبضهم الضيعة الموقوفة عليهم ولم يدفعها إليهم. وحاصل السؤال إن الواقف يعلم
أنه إذا دفعها إليهم يحصل بينهم الاختلاف، ويشتد لحصول الاختلاف بينهم قبل
الدفع إليهم في تلك الضيعة أو في أمر آخر، فهل يدعها موقوفة ويدفعها إليهم؟ أو
يرجع عن الوقف لعدم لزومه بعد ويدفع إليهم ثمنها، أيهما أفضل. انتهى موضع
الحاجة والأنصاف أنه توجيه حسن لكن ليس في السؤال ما يوجب ظهوره في
ذلك، فلا يجوز رفع اليد عن مقتضى ترك الاستفصال في الجواب، كما أن عدم ذكر
البطن اللاحق لا يوجب ظهور السؤال في الوقف المنقطع، إذ كثيرا ما يقتصر في
مقام حكاية وقف مؤبد على ذكر بعض البطون فترك الاستفصال عن ذلك يوجب
ثبوت الحكم للمؤبد.
والحاصل أن المحتاج إلى الانجبار بالشهرة ثبوت حكم الرواية للوقف
التام المؤبد، لا تعيين ما أنيط به الجواز من كونه مجرد الفتنة أو ما يؤدي الفتنة إليه،
أو غير ذلك، مما تقدم من الاحتمالات في الفقرتين المذكورتين. نعم يحتاج إلى
الاعتضاد بالشهرة من جهة أخرى،
439

وهي أن مقتضى القاعدة، كما عرفت لزوم كون بدل الوقف كنفسه مشتركا بين
جميع البطون، وظاهر الرواية تقريره للسائل في تقسيم ثمن الوقف على
الموجودين {1} فلا بد أما من رفع اليد عن مقتضى المعاوضة إلا بتكلف سقوط حق
سائر البطون عن الوقف آنا ما قبل البيع، لتقع المعاوضة في مالهم. وأما من حمل
السؤال على الوقف المنقطع أعني الحبس الذي لا اشكال في بقائه على ملك
الواقف، أو على الوقف الغير التام لعدم القبض أو لعدم تحقق صيغة الوقف وإن
تحقق التوطين عليه وتسميته وقفا بهذا الاعتبار.
ويؤيده تصدي الواقف بنفسه للبيع إلا أن يحمل على كونه ناظرا، أو يقال إنه
أجنبي استأذن الإمام عليه السلام في بيعه عليهم حسبة، بل يمكن أن يكون قد فهم
الإمام عليه السلام من جعل السائل قسمة الثمن بين الموجودين مفروغا عنها، مع أن
المركوز في الأذهان اشتراك جميع البطون في الوقف وبدله أن مورد السؤال هو
الوقف الباقي على ملك الواقف لانقطاعه أو لعدم تمامه.
ويؤيده أن ظاهر صدره المتضمن لجعل الخمس من الوقف للإمام عليه السلام هو
هذا النحو أيضا، إلا أن يصلح هذا الخلل وأمثاله بفهم الأصحاب الوقف المؤبد
التام، ويقال إنه لا بأس بجعل الخبر المعتضد بالشهرة مخصصا لقاعدة المنع عن بيع
الوقف، وموجبا لتكلف الالتزام لسقوط حق اللاحقين عن الوقف عند إرادة البيع،
أو نمنع تقرير الإمام عليه السلام للسائل في قسمة الثمن إلى الموجودين.
440

ويبقي الكلام في تعيين المحتملات في مناط جواز البيع، وقد عرفت
الأظهر منها لكن في النفس شئ من الجزم بظهوره، فلو اقتصر على المتيقن من
بين المحتملات وهو الاختلاف المؤدي علما أو ظنا إلى تلف خصوص مال الوقف
ونفوس الموقوف عليهم كان أولى. والفرق بين هذا والقسم الأول من الصورة
السابعة الذي جوزنا فيه البيع، أن المناط في ذلك القسم العلم أو الظن بتلف الوقف
رأسا والمناط هنا خراب الوقف الذي يتحقق به تلف المال وإن لم يتلف الوقف،
فإن الزائد من المقدار الباقي مال قد تلف وليس المراد من التلف في الرواية تلف
الوقف رأسا حتى يتحد مع ذلك القسم المتقدم، إذ لا يناسب هذا ما هو الغالب في
تلف الضيعة التي هي مورد الرواية فإن تلفها غالبا بسقوطها عن المنفعة المطلوبة
منها بحسب شأنها. ثم إن الظاهر من بعض العبائر المتقدمة، بل المحكي عن الأكثر:
إن الثمن في هذا البيع للبطن الموجود. إلا أن ظاهر كلام جماعة بل صريح بعضهم
كجامع المقاصد: هو أنه يشتري بثمنه ما يكون وقفا على وجه يندفع به الخلف
تحصيلا لمطلوب الواقف بحسب الامكان. وهذا منه قدس سره مبني على وجه ظهور
الرواية في تقرير السائل في قسمة الثمن على الموجودين، أو على منع العمل بهذا
التقرير في مخالفة مقتضى قاعدة المعاوضة من اشتراك جميع البطون في البدل
كالمبدل لكن، الوجه الثاني ينافي قوله باختصاص الموجودين بثمن ما يباع
للحاجة الشديدة تمسكا برواية جعفر، فتعين الأول وهو منع التقرير لكنه خلاف
مقتضى التأمل في الرواية.
441

وأما الوقف المنقطع، وهو ما إذا وقف على من ينقرض {1} بناء على صحته،
كما هو المعروف {2}،
442

فأما أن نقول ببقائه على ملك الواقف. وأما أن نقول بانتقاله إلى الموقوف عليهم،
وعلى الثاني فأما أن يملكوه ملكا مستقرا، بحيث ينتقل منهم إلى ورثتهم عند
انقراضهم. وأما أن يقال بعوده إلى ملك الواقف. وأما أن يقال بصيرورته في سبيل
الله {1}

(1) الوسائل - باب 7 - من أبواب الوقوف والصدقات حديث 2.
443

فعلى الأول: لا يجوز للموقوف عليهم البيع لعدم الملك، وفي جوازه للواقف مع
جهالة مدة استحقاق الموقوف عليهم اشكال من حيث لزوم الغرر بجهالة وقت
استحقاق التسليم التام على وجه ينتفع به {1} ولذا منع الأصحاب كما في الإيضاح
على ما حكى عنهم بيع مسكن المطلقة المعتدة بالأقراء لجهالة مدة العدة، مع عدم
كثرة التفاوت. نعم المحكي عن جماعة كالمحقق والشهيدين في المسالك
والدروس وغيرهم: صحة البيع في السكنى الموقتة بعمر أحدهما بل ربما يظهر من
محكي التنقيح: الاجماع عليه،

(1) الوسائل - باب 6 - من أبواب الوقوف والصدقات حديث 1 - 4 و - باب 17 - من أبواب عقد البيع.
444

ولعله أما لمنع الغرر وأما للنص وهو ما رواه المشايخ الثلاثة في الصحيح أو
الحسن عن الحسين بن نعيم، قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل جعل داره سكنى
لرجل في زمان حياته ولعقبه من بعده، قال: هي له ولعقبه من بعده كما شرط، قلت:
فإن احتاج إلى بيعها [يبيعها]، قال: نعم، قلت: فينقض البيع السكنى، قال: لا ينقض
البيع السكنى، كذلك سمعت أبي يقول: قال أبو جعفر لا ينقض البيع الإجارة ولا
السكنى ولكن يبيعه على أن الذي يشتريه لا يملك ما اشتراه حتى ينقضي السكنى
على ما شرط الخبر. {1}
ومع ذلك فقد توقف في المسألة العلامة وولده والمحقق الثاني، ولو باعه من
الموقوف عليه المختص بمنفعة الوقف فالظاهر جوازه، لعدم الغرر، ويحتمل العدم
لأن معرفة المجموع المركب من ملك البائع وحق المشتري لا يوجب معرفة
المبيع. وكذلك لو باعه ممن انتقل إليه حق الموقوف عليه. نعم لو انتقل إلى الواقف،
ثم باع صح جزما.

(1) الوسائل - باب 40 - من أبواب آداب التجارة حديث 3.
(2) الوسائل - باب 2 - من أبواب أحكام السكنى والحبس حديث 2.
445

وأما مجرد رضا الموقوف عليهم فلا يجوز البيع من الأجنبي {1} لأن المنفعة مال
لهم، فلا ينتقل إلى المشتري بلا عوض، اللهم إلا أن يكون على وجه الإسقاط لو
صححناه منهم أو يكون المعاملة مركبة من نقل العين من طرف الواقف ونقل
المنفعة من قبل الموقوف عليهم، فيكون العوض موزعا عليهما، ولا بد أن يكون
ذلك على وجه الصلح، لأن غيره لا يتضمن نقل العين والمنفعة كليهما خصوصا مع
جهالة المنفعة، ومما ذكرنا يظهر وجه التأمل فيما حكى عن التنقيح من أنه لو اتفق
الواقف والموقوف عليه على البيع في المنقطع جاز، سواء أراد بيع الواقف أو بيع
الموقوف عليه، كما يدل عليه كلامه المحكي عنه في مسألة السكنى، حيث أجاز
استقلال مالك العين بالبيع ولو من دون رضا مالك الانتفاع أو المنفعة. نعم لو كان
للموقوف عليه حق الانتفاع من دون تملك للمنفعة، كما في السكنى على قول صح
ما ذكره لإمكان سقوط الحق بالاسقاط بخلاف المال فتأمل.
وتمام الكلام في هذه المسائل في باب السكنى والحبس انشاء الله تعالى
وعلى الثاني فلا يجوز البيع للواقف لعدم الملك ولا للموقوف عليه، لاعتبار
الواقف بقائه في يدهم إلى انقراضهم. وعلى الثالث فلا يجوز البيع للموقوف عليه
وإن أجاز الواقف لمنافاته لاعتبار الواقف في الوقف بقاء العين، كما لا يجوز أيضا
للواقف الغير المالك فعلا وإن أجاز الموقوف عليه، إلا إذا جوزنا بيع ملك الغير مع
عدم اعتبار مجيز له في الحال
446

بناء على أن الموقوف عليه الذي هو المالك فعلا ليس له الإجازة لعدم تسلطه على
النقل فإذا انقرض الموقوف عليه وملكه الواقف لزم البيع.
ثم إنه قد أورد على القاضي قدس سره حيث جوز للموقوف عليه بيع الوقف
المنقطع، مع قوله ببقاء الوقف المنقطع على ملك الواقف، ويمكن دفع التنافي بكونه
قائلا بالوجه الثالث من الوجوه المتقدمة، وهو ملك الموقوف عليهم، ثم عوده إلى
الواقف، إلا أن الكلام في ثبوت هذا القول بين من اختلف في مالك الموقوف في
الوقف المنقطع، ويتضح ذلك في مراجعة مسألة في كتاب الوقف. وعلى الرابع
فالظاهر أن حكمه حكم الواقف المؤبد كما صرح به المحقق الثاني ما حكى عنه،
447

لأنه حقيقة وقف مؤبد كما لو صرح بكونه في سبيل الله بعد انقراض الموقوف عليه
الخاص. {1} ثم إن ما ذكرنا في حكم الوقف المنقطع، فإنما هو بالنسبة إلى البطن
الذي لا بطن بعده يتلقى الملك من الواقف. وأما حكم بيع بعض البطون مع وجود
من بعدهم. فإن قلنا بعدم تملكهم للمنقطع فهو كما تقدم. وأما على تقدير القول
بملكهم فحكم بيع غير الأخير من البطون حكم بيع بعض البطون في الوقف المؤبد
فيشترك معه في المنع في الصور التي منعنا وفي الجواز في الصورة التي جوزنا
بالاشتراك دليل المنع والجواز ويتشاركان أيضا في حكم الثمن بعد البيع.
448

مسألة: ومن أسباب خروج الملك عن كونه طلقا كونه مرهونا {1} فإن
الظاهر بل المقطوع به الاتفاق على عدم استقلال المالك في بيع ملكه المرهون،
وحكى عن الخلاف اجماع الفرقة وأخبارهم على ذلك.
وقد حكى الاجماع عن غيره أيضا، وعن المختلف في باب تزويج الأمة
المرهونة أنه أرسل عن النبي صلى الله عليه وآله: إن الراهن والمرتهن ممنوعان من التصرف. {2}

(1) المستدرك - باب 17 - من أبواب كتاب الرهن حديث 6.
(2) البحار 2 - ص 272 الطبع الحديث - و ج 1 ص 154 الطبع القديم.
449

وإنما الكلام في أن بيع الراهن هل يقع باطلا من أصله؟ أو يقع موقوفا على
الإجازة؟ أو سقوط حقه باسقاطه أو بالفك، فظاهر عبائر جماعة من القدماء
وغيرهم الأول، إلا أن صريح الشيخ في النهاية، وابن حمزة في الوسيلة، وجمهور
المتأخرين عدا شاذ منهم: هو كونه موقوفا، وهو الأقوى للعمومات السليمة عن
المخصص {1} لأن معقد الاجماع والأخبار الظاهرة في المنع عن التصرف هو
الاستقلال كما يشهد به عطف المرتهن على الراهن مع ما ثبت في محله
450

من وقوع تصرف المرتهن موقوفا لا باطلا، وعلى تسليم الظهور في بطلان
التصرف رأسا، فهي موهونة بمصير جمهور المتأخرين على خلافه. هذا كله مضافا
على ما يستفاد من صحة نكاح العبد بالإجازة، معللا بأنه لم يعص الله. وإنما عصى
سيده {1} إذ المستفاد منه أن كل عقد كان النهي عنه لحق الآدمي يرتفع المنع
ويحصل التأثير بارتفاع المنع، وحصول الرضا، وليس ذلك كمعصية الله أصالة في
ايقاع العقد التي لا يمكن أن يلحقها رضى الله تعالى.

(1) الوسائل - باب 24 من أبواب نكاح العبيد والإماء.
451

هذا كله مضافا إلى فحوى أدلة صحة الفضولي {1} لكن الظاهر من التذكرة، أن كل
من أبطل عقد الفضولي أبطل العقد هنا. وفيه نظر لأن من استند في البطلان في
الفضولي إلى مثل قوله صلى الله عليه وآله: لا بيع إلا في ملك. لا يلزمه البطلان هنا، بل الأظهر ما
سيجئ عن ايضاح النافع من أن الظاهر وقوف هذا العقد. وإن قلنا ببطلان
الفضولي، وقد ظهر من ذلك ضعف ما قواه بعض من عاصرناه من القول بالبطلان،
متمسكا بظاهر الاجماعات والأخبار {2} المحكية على المنع والنهي،

(1) راجع مبحث الفضولي من هذا الكتاب.
452

قال: وهو موجب للبطلان وإن كان لحق الغير إذ العبرة بتعلق النهي بالعقد، لا لأمر
خارج منه وهو كاف في اقتضاء الفساد كما اقتضاه في بيع الوقف وأم الولد
وغيرهما مع استوائهما في كون سبب النهي حق الغير، ثم أورد على نفسه بقوله:
فإن قلت فعلى هذا يلزم بطلان عقد الفضولي {1} وعقد المرتهن مع أن كثيرا
من الأصحاب ساووا بين الراهن والمرتهن في المنع كما دلت عليه الرواية فيلزم
بطلان عقد الجميع أو صحته فالفرق تحكم.
قلنا إن التصرف المنهي عنه إن كان انتفاعا بمال الغير فهو محرم ولا يحل له
الإجازة المتعقبة وإن كان عقدا أو ايقاعا فإن وقع بطريق الاستقلال لا على وجه
النيابة عن المالك. فالظاهر أنه كذلك، كما سبق في الفضولي، وإلا فلا يعد تصرفا
يتعلق به النهي فالعقد الصادر عن الفضولي قد يكون محرما، وقد لا يكون كذلك.
وكذا الصادر عن المرتهن إن وقع بطريق الاستقلال المستند إلى البناء على ظلم
الراهن وغصب حقه، أو إلى زعم التسلط عليه بمجرد الارتهان كان منهيا عنه، وإن
كان بقصد النيابة عن الراهن في مجرد اجراء الصيغة فلا يزيد عن عقد الفضولي،
فلا يتعلق به نهي أصلا. {2}
453

وأما المالك فلما حجر على ماله برهنه، وكان عقده لا يقع إلا مستندا إلى
ملكه وانحصار المالكية فيه، ولا معنى لقصده النيابة فهو منهي عنه، لكونه تصرفا
مطلقا ومنافيا للحجر الثابت عليه، فيخصص العمومات بما ذكر، ومجرد الملك لا
يقضي بالصحة، إذ الظاهر بمقتضى التأمل أن الملك المسوغ للبيع هو ملك الأصل
مع ملك التصرف فيه، ولذا لم يصح البيع في مواضع وجد فيها سبب الملك وكان
ناقصا للمنع عن التصرف، ثم قال وبالجملة فالذي يظهر بالتتبع في الأدلة أن العقود
ما لم تنته إلى المالك، فيمكن وقوعها على إجازته.
وأما إذا انتهت إلى إذن المالك أو إجازته أو صدرت منه وكان تصرفه على
وجه الأصالة فلا تقع على وجهين، بل تكون فاسدة أو صحيحة لازمة إذا كان
وضع العقد على اللزوم. {1} وأما التعليل المستفاد من الرواية المروية في النكاح
من قوله: لم يعص الله وإنما عصى سيده الخ. فهو جار فيمن لم يكن مالكا، كما أن
العبد لا يملك أمر نفسه. وأما المالك المحجور عليه فهو عاص لله بتصرفه {2} ولا
يقال إنه عصى المرتهن لعدم كونه مالكا. وإنما منع الله من تفويت حقه بالتصرف،
وما ذكرناه جار في كل مالك متمول لأمر نفسه إذا حجر على ماله لعارض كالفلس
وغيره، فيحكم بفساد الجميع

(1) الوسائل - باب 88 - من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث 1.
454

وربما يتجه الصحة فيما إذا كان الغرض من الحجر رعاية مصلحة كالشفعة {1}
فالقول بالبطلان هنا كما اختاره أساطين الفقهاء هو الأقوى، انتهى كلامه رفع
مقامه.
ويرد عليه بعد منع الفرق في الحكم بين بيع ملك الغير على وجه الاستقلال،
وبيعه على وجه النيابة، ومنع اقتضاء مطلق النهي لا لأمر خارج للفساد:
أولا: أن نظير ذلك يتصور في بيع الراهن، فإنه قد يبيع رجاء لإجازة
المرتهن،
455

ولا ينوي الاستقلال. وقد يبيع جاهلا بالرهن أو بحكمه أو ناسيا، ولا حرمة في
شئ من ذلك.
وثانيا: إن المتيقن من الاجماع والأخبار على منع الراهن كونه على نحو منع
المرتهن، على ما يقتضيه عبارة معقد الاجماع والأخبار، أعني قولهم الراهن
والمرتهن ممنوعان.
ومعلوم أن المنع في المرتهن إنما هو على وجه لا ينافي وقوعه موقوفا.
وحاصله يرجع إلى منع العقد على الرهن والوفاء بمقتضاه على سبيل
الاستقلال وعدم مراجعة صاحبه في ذلك، واثبات المنع أزيد من ذلك يحتاج إلى
دليل، ومع عدمه يرجع إلى العمومات. وأما ما ذكره من منع جريان التعليل في
روايات العبد فيما نحن فيه مستندا إلى الفرق بينهما، فلم أتحقق الفرق بينهما بل
الظاهر كون النهي في كل منهما لحق الغير، فإن منع الله جل ذكره من تفويت حق
الغير ثابت في كل ما كان النهي عنه لحق الغير، من غير فرق بين بيع الفضولي
ونكاح العبد، وبيع الراهن. وأما ما ذكره من المساواة بين بيع الراهن وبيع الوقف
وأم الولد. ففيه أن الحكم فيهما تعبد ولذا لا يؤثر الإذن السابق في صحة البيع،
فقياس الرهن عليه في غير محله.
وبالجملة فالمستفاد من طريقة الأصحاب، بل الأخبار: إن المنع من المعاملة
إذا كان لحق الغير الذي يكفي إذنه السابق لا يقتضي الابطال رأسا، بل إنما يقتضي
الفساد بمعنى عدم ترتب الأثر عليه مستقلا من دون مراجعة ذي الحق، ويندرج
في ذلك الفضولي وعقد الراهن والمفلس والمريض وعقد الزوج لبنت أخت
زوجته أو أخيها وللأمة على الحرة وغير ذلك. فإن النهي في جميع ذلك أنما
يقتضي الفساد، بمعنى عدم ترتب الأثر المقصود من العقد عرفا، وهو صيرورته
سببا مستقلا لآثاره، من دون مدخلية رضاء غير المتعاقدين.
وقد يتخيل وجه آخر لبطلان البيع {1} هنا بناء على ما سيجئ من أن ظاهر
هم كون الإجازة هنا كاشفة، حيث إنه يلزم منه كون مال غير الراهن وهو المشتري
رهنا للبائع.
456

وبعبارة أخرى الرهن والبيع متنافيان، فلا يحكم بتحققهما في زمان واحد
أعني ما قبل الإجازة. وهذا نظير ما تقدم في مسألة من باع شيئا، ثم ملكه {1} من أنه على تقدير صحة البيع يلزم كون الملك لشخصين في الواقع، ويدفعه أن القائل
يلتزم بكشف الإجازة عن عدم الرهن في الواقع، وإلا لجرى ذلك في عقد
الفضولي أيضا، لأن فرض كون المجيز ملكا للمبيع نافذ الإجازة يوجب تملك
مالكين لملك واحد قبل الإجازة. وأما ما يلزم في مسألة من باع شيئا ثم ملكه، فلا
يلزم في مسألة إجازة المرتهن. نعم يلزم في مسألة افتكاك الرهن وسيجئ التنبيه
عليه انشاء الله تعالى.
457

ثم إن الكلام في كون الإجازة من المرتهن كاشفة وناقلة، هو الكلام في
مسألة الفضولي {1}.
ومحصله أن مقتضى القاعدة النقل، إلا أن الظاهر من بعض الأخبار هو
الكشف والقول بالكشف هناك يستلزمه هنا بالفحوى {2} لأن إجازة المالك أشبه
بجزء المقتضي وهي هنا من قبيل رفع المانع
458

ومن أجل ذلك جوزوا عتق الراهن هنا مع تعقب إجازة المرتهن {1} مع أن
الايقاعات عندهم لا تقع مراعاة والاعتذار عن ذلك ببناء العتق على التغليب، كما
فعله المحقق الثاني في كتاب الرهن في مسألة عفو الراهن عن جناية الجاني على
العبد المرهون، مناف لتمسكهم في العتق بعمومات العتق، مع أن العلامة قدس سره في تلك
المسألة قد جوز العفو مراعى بفك الرهن، هذا إذا رضي المرتهن بالبيع وأجازه. أما
إذا أسقط حق الرهن، ففي كون الاسقاط كاشفا أو ناقلا كلام يأتي في افتكاك
الرهن أو ابراء الدين. ثم إنه لا اشكال في أنه لا ينفع الرد بعد الإجازة وهو واضح،
وهل ينفع الإجازة بعد الرد {2} وجهان، من أن الرد في معنى عدم رفع اليد عن
حقه فله اسقاطه بعد ذلك وليس ذلك كرد بيع الفضولي لأن المجيز هناك في معنى
أحد المتعاقدين.
459

وقد تقرر أن رد أحد العاقدين مبطل لإنشاء العاقد الآخر بخلافه هنا، فإن
المرتهن أجنبي له حق في العين ومن أن الايجاب المؤثر إنما يتحقق برضا المالك
والمرتهن فرضاء كل منهما جزء مقوم للإيجاب المؤثر فكما أن رد المالك في
الفضولي مبطل للعقد بالتقريب المتقدم. كذلك رد المرتهن وهذا هو الأظهر من
قواعدهم ثم إن الظاهر أن فك الرهن بعد البيع بمنزلة الإجازة {1} لسقوط حق
المرتهن بذلك كما صرح به في التذكرة.
وحكى عن فخر الاسلام والشهيد في الحواشي وهو الظاهر من المحقق
والشهيد الثانيين ويحتمل عدم لزوم العقد بالفك كما احتمله في القواعد بل مطلق
السقوط الحاصل بالاسقاط أو الابراء أو بغيرهما نظرا إلى أن الراهن تصرف فيما
فيه حق المرتهن وسقوطه بعد ذلك لا يؤثر في تصحيحه والفرق بين الإجازة
والفك أن مقتضى ثبوت الحق له هو صحة امضائه للبيع الواقع في زمان حقه، وإن
لزم من الإجازة سقوط حقه فيسقط حقه بلزوم البيع.
460

وبالجملة فالإجازة تصرف من المرتهن في الرهن حال وجود حقه أعني
حال العقد بما يوجب سقوط حقه نظير إجازة المالك بخلاف الإسقاط أو السقوط
بالأبراء أو الأداء فإنه ليس فيه دلالة على مضئ العقد حال وقوعه فهو أشبه شئ
ببيع الفضولي أو الغاصب لنفسهما، ثم تملكهما {1} وقد تقدم الاشكال فيه عن
جماعة مضافا إلى استصحاب عدم اللزوم الحاكم على عموم: أوفوا بالعقود بناء
على أن هذا العقد غير لازم قبل السقوط فيستصحب حكم الخاص وليس ذلك
محل التمسك بالعام، إذ ليس في اللفظ عموم زماني حتى يقال إن المتيقن خروجه
هو العقد قبل السقوط فيبقى ما بعد السقوط داخلا في العام، ويؤيد ما ذكرناه بل
يدل عليه ما يظهر من بعض الروايات من عدم صحة نكاح العبد بدون إذن سيده
بمجرد عتقه ما لم يتحقق الإجازة ولو بالرضا المستكشف من سكوت السيد مع
علمه بالنكاح. هذا ولكن الانصاف ضعف الاحتمال المذكور من جهة أن عدم
تأثير بيع المالك في زمان الرهن ليس إلا لمزاحمة حق المرتهن المتقدم على حق
المالك بتسليط المالك فعدم الأثر ليس لقصور في المقتضي. وإنما هو من جهة
المانع فإذا زال أثر المقتضي {2} ومرجع ما ذكرنا إلى أن أدلة سببية البيع المستفادة
من نحو: أوفوا بالعقود والناس مسلطون على أموالهم ونحو ذلك عامة
461

وخروج زمان الرهن يعلم أنه من جهة مزاحمة حق المرتهن الذي هو أسبق فإذا
زال المزاحم وجب تأثير السبب ولا مجال لاستصحاب عدم تأثير البيع للعلم
بمناط المستصحب وارتفاعه {1} فالمقام من باب وجوب العمل بالعام لا من مقام
استصحاب حكم الخاص، فافهم.
وأما قياس ما نحن فيه على نكاح العبد بدون إذن سيده فهو قياس مع
الفارق لأن المانع عن سببية نكاح العبد بدون إذن سيده قصور تصرفاته عن
الاستقلال في التأثير لا مزاحمة حق السيد لمقتضي النكاح إذ لا منافاة بين كونه
عبدا وكونه زوجا
462

ولأجل ما ذكرنا لو تصرف العبد لغير السيد ببيع أو غيره، ثم انعتق العبد لم ينفع في
تصحيح ذلك التصرف هذا، ولكن مقتضى ما ذكرنا كون سقوط حق الرهانة بالفك
أو الإسقاط أو الإبراء أو غير ذلك ناقلا ومؤثرا من حينه لا كاشفا عن تأثير العقد
من حين وقوعه {1} خصوصا بناء على الاستدلال على الكشف بما ذكره جماعة
ممن قارب عصرنا من أن مقتضى مفهوم الإجازة امضاء العقد من حينه. فإن هذا
غير متحقق في افتكاك الرهن فهو نظير بيع الفضولي، ثم تملكه للمبيع حيث إنه لا
يسع القائل بصحته إلا التزام تأثير العقد من حين انتقاله عن ملك المالك الأول لا
من حين العقد وإلا لزم في المقام كون ملك الغير رهنا لغير مالكه كما يلزم في تلك
المسألة كون المبيع لمالكين في زمان واحد لو قلنا بكشف الإجازة للتأثير من
حين العقد هذا، ولكن ظاهر كل من قال بلزوم العقد هو القول بالكشف. وقد تقدم
عن القواعد في مسألة عفو الراهن عن الجاني على المرهون أن الفك يكشف

(1) الوسائل - باب 26 - من أبواب نكاح العبيد والإماء.
463

عن صحته ويدل على الكشف أيضا ما استدلوا به على الكشف في الفضولي من أن
العقد سبب تام إلى آخر ما ذكره في الروضة وجامع المقاصد. ثم إن لازم الكشف
كما عرفت في مسألة الفضولي لزوم العقد قبل إجازة المرتهن من طرف الراهن
كالمشتري الأصيل فلا يجوز له فسخه بل ولا ابطاله بالإذن للمرتهن في البيع.
نعم يمكن أن يقال بوجوب فكه من مال آخر إذ لا يتم الوفاء بالعقد الثاني
إلا بذلك {1} فالوفاء بمقتضى الرهن غير مناف للوفاء بالبيع ويمكن أن يقال إنه
إنما يلزم الوفاء بالبيع بمعنى عدم جواز نقضه. وأما رفع حقوق الغير وسلطنته
فلا يجب ولذا لا يجب على من باع مال الغير لنفسه أن يشتريه من مالكه ويدفعه
إليه بناء على لزوم العقد بذلك {2} وكيف كان فلو امتنع فهل يباع عليه لحق المرتهن
لاقتضاء الرهن ذلك، وإن لزم من ذلك ابطال بيع الراهن لتقدم حق المرتهن أو يجبر
الحاكم الراهن على فكه من مال آخر جمعا بين حقي المشتري والمرتهن
اللازمين على الراهن البائع وجهان ومع انحصار المال في المبيع فلا اشكال في
تقديم حق المرتهن
464