الكتاب: منهاج الفقاهة
المؤلف: السيد محمد صادق الروحاني
الجزء: ١
الوفاة: معاصر
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة: الرابعة
سنة الطبع: ١٤١٨ - ١٣٧٦ ش
المطبعة: علمية
الناشر:
ردمك:
ملاحظات: منهاج الفقاهة التعليق علي مكاسب الشيخ الأعظم

منهاج الفقاهة
التعليق على مكاسب الشيخ الأعظم
لآية الله العظمى السيد محمد صادق الروحاني
مد ظله
الجزء الأول
1

المكاسب المحرمة
3

بسم الله الرحمن الرحيم
5

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله على ما أولانا من التفقه في الدين والهداية إلى الحق.
والصلاة والسلام على أشرف النفوس القدسية وأزكى الذوات
المطهرة الملكية محمد المصطفى وعترته المرضية هداة الخلق وأعلام
الحق
وبعد فهذا هو الجزء الأول من كتابنا " منهاج الفقاهة " ويليه خمسة
أجزاء أخر وهي شرح لكتاب " المكاسب " للشيخ الأعظم، خاتمة الرعيل
الأول من المجتهدين، وأفضل المتأخرين آية الله العظمى الشيخ
مرتضى الأنصاري قدس سره الذي أصبح اليوم منتجع العلم ومحور الدراسة
في الحوزات العلمية.
إذ كانت مباحث هذا الكتاب فتحة عهد جديد مبارك في الدراسات
الفقهية والتتبع والتحقيق، تقتضي مزيدا من العناية بشرحها وتيسير
الاطلاع عليها - وهذا ما توخيناه في هذا الكتاب - والله من وراء القصد.
6

وينبغي أولا التيمن بذكر بعض الأخبار الواردة على سبيل الضابطة الكلية
للمكاسب من حيث الحل والحرمة {1} فنقول مستعينا بالله تعالى {2} روى في
الوسائل والحدائق عن الحسن بن علي بن شعبة في كتاب تحف العقول {3} عن مولانا
الصادق (صلوات الله عليه) حيث سئل عن معايش العباد.

(1) الوسائل، باب 2، من أبواب ما يكتسب به كتاب التجارة، حديث 1.
(2) الحدائق ج 8 ص 67.
(3) تحف العقول ص 331.
7

فقال: جميع المعايش {1} كلها من وجوه المعاملات فيما بينهم مما يكون لهم
فيه المكاسب أربع جهات {2}، ويكون فيها حلال من جهة وحرام من جهة.
8

فأول هذه الجهات الأربع: الولاية، ثم التجارة، ثم الصناعات، ثم الإجارات
{1} والفرض من الله تعالى على العباد. في هذه المعاملات الدخول في جهات الحلال
والعمل بذلك واجتناب جهات الحرام منها، فإحدى الجهتين من الولاية، ولاية
ولاة العدل الذين أمر الله بولايتهم على الناس، والجهة الأخرى: ولاية ولاة الجور،
فوجه الحلال من الولاية ولاية الوالي العادل، وولاية ولاته بجهة ما أمر
به الوالي العادل بلا زيادة ونقيصة، فالولاية له والعمل معه ومعونته وتقويته حلال
محلل.
9

وأما وجه الحرام من الولاية، فولاية الوالي الجائر وولاية ولاته، فالعمل لهم
والكسب معهم بجهة الولاية لهم حرام معذب فاعل ذلك على قليل من فعله أو
كثير، لأن كل شئ من جهة المؤونة له معصية كبيرة من الكبائر، وذلك أن في ولاية
الوالي الجائر دروس الحق كله فلذلك حرم العمل معهم ومعونتهم والكسب معهم إلا
بجهة الضرورة نظير الضرورة إلى الدم والميتة {1}.
وأما تفسير التجارات في جميع البيوع ووجوه الحلال من وجه التجارات
التي يجوز للبائع أن يبيع مما لا يجوز له، وكذلك المشتري الذي يجوز له شراءه مما لا يجوز له {2}.
10

فكل مأمور به {1} مما هو غذاء للعباد، وقوامهم به في أمورهم في وجوه
الصلاح الذي لا يقيمهم غيره مما يأكلون ويشربون ويلبسون وينكحون ويملكون
ويستعملون من جميع المنافع التي لا يقيمهم غيرها، وكل شئ يكون لهم فيه
الصلاح من جهة من الجهات، فهذا كله حلال بيعه، وشراؤه، وامساكه، واستعماله و
هبته وعاريته.
وأما وجوه الحرام: من البيع والشراء، فكل أمر يكون فيه الفساد مما هو
منهي عنه {2} من جهة أكله، وشربه، أو كسبه، أو نكاحه {3} أو ملكه، أو إمساكه،
أو هبته، أو عاريته، أو شئ يكون فيه وجه من وجوه الفساد، نظير البيع بالربا أو
بيع الميتة، أو الدم، أو لحم الخنزير أو لحوم السباع من صنوف سباع الوحش.
11

أو الطير، أو جلودها أو الخمر أو شئ من وجوه النجس، فهذا كله حرام محرم لأن
ذلك كله منهي عن أكله وشربه ولبسه وملكه والتقلب فيه، فجميع تقلبه
في ذلك حرام، وكذلك كل مبيع ملهو به، وكل منهي عنه مما يتقرب به لغير الله
عز وجل أو يقوى به الكفر والشرك في جميع وجوه المعاصي، أو باب يوهن به الحق،
فهو حرام محرم بيعه، وشراؤه، وامساكه، وملكه، وهبته، وعاريته، وجميع التقلب
فيه إلا في حال تدعو الضرورة فيه إلى ذلك.
وأما تفسير الإجارات: فإجارة الانسان نفسه، أو ما يملك أو يلي أمره، من
قرابته، أو دابته أو ثوبه بوجه الحلال، من جهات الإجارات أن يؤجر {1} نفسه أو داره أو أرضه أو شيئا يملكه، فيما ينتفع به من وجوه المنافع، أو العمل بنفسه، وولده، و
مملوكه، وأجيره، من غير أن يكون وكيلا {2} للوالي أو وليا للوالي، فلا بأس أن يكون أجيرا {3} يؤجر نفسه، أو ولده، أو قرابته أو ملكه أو
12

وكيله في إجارته {1} لأنهم وكلاء الأجير من عنده ليس هم بولاة الوالي نظير
الحمال الذي يحمل شيئا معلوما بشئ معلوم، فيجعل ذلك الشئ {2} الذي يجوز له
حمله بنفسه أو بملكه أو دابته أو يؤجر نفسه في عمل يعمل ذلك بنفسه أو بمملوكه أو
قرابته أو بأجير من قبله، فهذه وجوه من وجوه الإجارات حلال لمن كان من الناس ملكا، أو سوقة، أو كافرا أو مؤمنا، فحلال إجارته وحلال كسبه من هذه الوجوه:
فأما وجوه الحرام من وجوه الإجارة نظير: أن يؤاجر نفسه على حمل ما يحرم
أكله أو شربه، أو يؤاجر نفسه في صنعة ذلك الشئ أو حفظه، أو يؤاجر نفسه في هدم
المساجد ضرارا أو قتل النفس بغير حق، أو عمل التصاوير والأصنام والمزامير
والبرابط والخمر والخنازير والميتة والدم أو شئ من وجوه الفساد الذي كان محرما عليه من غير جهة الإجارة فيه، وكل أمر منهي عنه، من جهة من الجهات، فمحرم
على الانسان إجارة نفسه فيه {3} أو له أو شئ منه أو له إلا لمنفعة من استأجرته،
كالذي يستأجر له الأجير له الأجير ليحمل الميتة ينحيها عن أذاه أو أذى
13

غيره، وما أشبه ذلك إلى أن قال: وكل من أجر نفسه أو ما يملك أو يلي أمره، من
كافر أو مؤمن، أو ملك أو سوقة على ما فسرنا مما يجوز الإجارة فيه، فحلال محلل
فعله وكسبه.
قال - وأما تفسير الصناعات فكلما يتعلم العباد أو يعملون غيرهم من
أصناف الصناعات مثل الكتابة والحساب والتجارة والصياغة والسراجة والبناء
والحياكة والقصارة والخياطة وصنعة صنوف التصاوير ما لم يكن مثل الروحاني و
أنواع صنوف الآلات التي يحتاج إليها العباد منها منافعهم وبها قوامهم وفيها بلغة
جميع حوائجهم فحلال فعله وتعليمه والعمل به وفيه لنفسه أو لغيره، وإن كانت
تلك الصناعة وتلك الآلة قد يستعان بها على وجوه الفساد ووجوه المعاصي و
تكون مقوية على الحق والباطل فلا بأس بصناعته وتعليمه، نظير الكتابة التي هي
على وجه من وجوه الفساد تقوية ومعونة لولاة الجور كذلك السكين والسيف والرمح
والقوس وغير ذلك من وجوه الآلة التي تصرف إلى جهات الصلاح وجهات
الفساد وتكون آلة ومعونة عليهما فلا بأس بتعليمه وتعلمه وأخذ الأجر عليه و
العمل به وفيه لمن كان له فيه جهات الصلاح من جميع الخلائق، ومحرم عليهم فيه
تصريفه إلى جهات الفساد والمضار، فليس على العالم والمتعلم إثم ولا وزر لما فيه
من الرجحان في منافع جهات صلاحهم وقوامهم وبقائهم، وإنما الإثم والوزر على
المتصرف بها في وجوه الفساد والحرام، وذلك أنما حرم الله الصناعة التي هي حرام
كلها التي يجئ منها الفساد محضا نظير البرابط والمزامير والشطرنج وكل ملهو به
والصلبان والأصنام وما أشبه من ذلك من صناعات الأشربة الحرام، وما يكون
منه وفيه الفساد محضا ولا يكون منه ولا فيه شئ من وجوه الصلاح فحرام تعليمه
وتعليمه والعمل به وأخذ الأجر عليه وجميع التقلب فيه من جميع وجوه الحركات
كلها إلا أن تكون صناعة قد تتصرف إلى جهات الصنائع وإن كان قد يتصرف بها
ويتناول بها وجه من وجوه المعاصي فلعلة ما فيه من الصلاح حل تعلمه وتعليمه و
العمل به، ويحرم على من صرفه إلى غير وجه الحق والصلاح.
فهذا تفسير بيان وجه اكتساب معائش العباد وتعليمهم في جميع وجوه
اكتسابهم.
14

وحكاه غير واحد {1} عن رسالة المحكم والمتشابه للسيد قدس سره،
وفي الفقه
المنسوب {2} إلى مولانا الرضا عليه السلام: إعلم رحمك الله أن كل ما هو مأمور به على
العباد، وقوام لهم في أمورهم من وجوه الصلاح الذي لا يقيمهم غيره مما يأكلون و
يشربون ويلبسون، وينكحون، ويملكون، ويستعملون، فهذا كله حلال بيعه و
شراؤه وهبته وعاريته، وكل أمر يكون فيه الفساد مما فد نهى عنه من جهة أكله، و
شربه، ولبسه، ونكاحه، وامساكه، بوجه الفساد، مثل: الميتة والدم ولحم الخنزير
والربا وجميع الفواحش ولحوم السباع والخمر، وما أشبه ذلك، فحرام ضار للجسم
وفساد للنفس، انتهى.
15

وعن دعائم الاسلام للقاضي نعمان المصري {1} عن مولانا الصادق عليه السلام: إن
الحلال من البيوع كلما كان حلالا من المأكول والمشروب وغير ذلك، مما هو قوام
للناس، ويباع لهم الانتفاع وما كان محرما أصله منهيا عنه، لم يجز بيعه ولا شراؤه،
(انتهى).

(1) المستدرك باب 2، من أبواب ما يكتسب به، حديث 2.
17

وفي النبوي المشهور {1}: إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه...

(1) أورده العامة والخاصة في كتبهم الاستدلالية راجع مستند أحمد، ج 1، ص 322 والبحار، ج 23، ص 17 - والخلاف، ج 1، ص
225 - والغنية وغيرها.
(2) مسند أحمد، ج 1، ص 247 و ص 293 - السنن الكبرى، ج 6، ص 13.
18

إذا عرفت ما تلوناه وجعلته في بالك متدبرا لمدلولاته فنقول: قد جرت عادة
غير واحد على تقسيم المكاسب إلى محرم ومكروه ومباح مهملين للمستحب و
الواجب بناء على عدم وجودهما في المكاسب. مع امكان التمثيل للمستحب بمثل
الزراعة والرعي مما ندب إليه الشرع. والواجب بالصناعة الواجبة كفاية خصوصا
إذا تعذر قيام الغير به، فتأمل {1}.
19



(1) الوسائل، الباب 10، من أبواب مقدمات التجارة، حديث 3.
(2) الوسائل، الباب 3، من كتاب المزارعة والمساقاة، الحديث 4.
(3) الوسائل، الباب 4 من كتاب المزارعة والمساقاة.
20

ومعنى حرمة الاكتساب حرمة النقل والانتقال بقصد ترتب الأثر المحرم. و
أما حرمة أكل المال في مقابلها فهو متفرع على فساد البيع لأنه مال الغير وقع في يده
بلا سبب شرعي وإن قلنا بعدم التحريم. لأن ظاهر أدلة تحريم بيع مثل الخمر
منصرف إلى ما لو أراد ترتيب الآثار المحرمة. أما لو قصد الأثر المحلل فلا دليل على
تحريم المعاملة إلا من حيث التشريع {1}.

* الوسائل، باب 3، من كتاب المزارعة والمساقاة.
(1) البحار، ج 11، ص 65، من الطبع الجديد.
21



(1) الوسائل باب 24، من أبواب نكاح العبيد والإماء، حديث 1.
(2) الوسائل باب 24، من أبواب نكاح العبيد والإماء، حديث 2.
25

وكيف كان، فالاكتساب المحرم أنواع نذكر كلا منها في طي مسائل ثمان:
الأولى: الاكتساب بالأعيان النجسة عدا ما استثني. وفيه مسائل:
الأولى: يحرم المعاوضة على بول غير مأكول اللحم بلا خلاف ظاهر، لحرمته و
نجاسته وعدم الانتفاع به منفعة محللة مقصودة {1} فيما عدا بعض أفراده كبول الإبل
28



(1) الوسائل باب 2، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.
(2) قد تقدم مصدر هذا الحديث في ص 18.
29

الجلالة أو الموطوءة {1}.
فرعان: الأول: ما عدا بول الإبل من أبوال ما يؤكل لحمه المحكوم بطهارتها
عند المشهور إن قلنا بجواز شربها اختيارا {2} كما عليه جماعة من القدماء.
30

والمتأخرين بل عن المرتضى دعوى الاجماع عليه، فالظاهر جواز بيعها {1}.

(1) الوسائل، باب 59 من أبواب الأطعمة والمباحة، حديث 2.
(2) سورة الأعراف، آية 158.
(3) الوسائل، باب 59 من أبواب الأطعمة المباحة، حديث 7.
31

وإن قلنا بحرمة شربها كما هو مذهب جماعة أخرى لاستخباثها ففي جواز بيعها قولان: من عدم المنفعة المحللة المقصودة فيها، والمنفعة النادرة لو جوزت المعاوضة لزم منه جواز معاوضة كل شئ والتداوي بها لبعض الأوجاع لا يوجب قياسها على

(1) الوسائل، باب 59 من أبواب الأطعمة المباحة، حديث 1.
(2) الوسائل باب 59 من أبواب الأطعمة المباحة، حديث 3.
32

الأدوية والعقاقير، لأنه يوجب قياس كل شئ عليها للانتفاع به في بعض
الأوقات (1) ومن أن المنفعة الظاهرة ولو عند الضرورة المسوغة للشرب كافية في
جواز البيع والفرق بينها وبين ذي المنفعة الغير المقصودة حكم العرف بأنه لا منفعة
فيه وسيجئ الكلام في ضابطة المنفعة المسوغة.
33

نعم يمكن أن يقال: قوله صلى الله عليه وآله وسلم إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه، وكذلك الخبر
المتقدم عن دعائم الاسلام، يدل على أن ضابطة المنع تحريم الشئ اختيارا، وإلا فلا
حرام إلا وهو محلل عند الضرورة والمفروض حرمة شرب الأبوال اختيارا،
والمنافع الأخر غير الشرب لا يعبأ بها جدا، فلا ينتقض بالطين المحرم أكله، فإن
المنافع الأخر للطين أهم وأعم من منفعة الأكل المحرم، بل لا يعد الأكل من منافع
الطين، فالنبوي دال على أنه إذا حرم الله شيئا بقول مطلق، بأن قال يحرم الشئ
الفلاني حرم بيعه، لأن تحريم عينه إما راجع إلى تحريم جميع منافعه أو إلى تحريم أهم
منافعه الذي يتبادر عند الاطلاق، بحيث يكون غيره غير مقصود منه، وعلى
التقديرين يدخل الشئ لأجل ذلك، فيما لا ينتفع به منفعة محللة مقصودة، والطين لم
يحرم كذلك بل لم يحرم إلا بعض منافعه الغير المقصودة منه وهو الأكل بخلاف
الأبوال، فإنها: حرمت كذلك، فيكون التحريم راجعا إلى شربها وغيره من المنافع
في حكم العدم. وبالجملة فالانتفاع بالشئ حال الضرورة منفعة محرمة في حال
الاختيار لا يوجب جواز بيعه {1}.
34

ولا ينتقض أيضا بالأدوية المحرمة في غير حال المرض لأجل الاضرار {1}
لأن حلية هذه في حال المرض ليست لأجل الضرورة بل لأجل تبدل عنوان
الاضرار بعنوان النفع.
35

ومما ذكرنا يظهر أن قوله عليه السلام: في رواية تحف العقول المتقدمة، وكل شئ
يكون لهم فيه الصلاح من جهة من الجهات، يراد به جهة الصلاح الثابتة حال الاختيار {1} دون الضرورة ومما ذكرنا يظهر حرمة بيع لحوم السباع دون شحومها
فإن الأول من قبيل الأبوال، والثاني من قبيل الطين، في عدم حرمة جميع منافعها
المقصودة منها، ولا ينافيه {2} النبوي: لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم،
فباعوها {1} وأكلوا ثمنها، لأن الظاهر أن الشحوم كانت محرمة الانتفاع على اليهود
بجميع الانتفاعات، لا كتحريم شحوم غير مأكول اللحم علينا.
36

ولكن الموجود من النبوي في باب الأطعمة عن الخلاف أن الله إذا حرم أكل
شئ حرم ثمنه والجواب عنه مع ضعفه {1} وعدم الجابر له سندا ودلالة لقصودها
لزوم تخصيص الأكثر الثاني بول الإبل يجوز بيعه إجماعا على ما في جامع المقاصد و
عن إيضاح النافع أما لجواز شربه اختيارا {2} كما يدل عليه قوله عليه السلام في
رواية الجعفري أبوال الإبل خير من ألبانها (1).

(1) الوسائل باب 59 من أبواب الأطعمة المباحة، حديث 3.
37

وأما لأجل الاجماع المنقول لو قلنا بعدم جواز شربها إلا لضرورة الاستشفاء
كما يدل عليه {1} رواية سماعة قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن بول الإبل والبقر والغنم
ينتفع به من الوجع هل يجوز أن يشرب؟ قال عليه السلام: نعم لا بأس (1) وموثقة عمار عن
بول البقر يشربه الرجل قال إن كان محتاجا إليه يتداوي بشربه فلا بأس به كذلك
بول الإبل والغنم (2) لكن الانصاف أنه لو قلنا بحرمة سربه اختيارا {2} أشكل الحكم
بالجواز إن لم يكن اجماعيا كما يظهر من مخالفة العلامة في النهاية.

(1) الوسائل باب 59 من أبواب الأطعمة المباحة، حديث 7.
(2) الوسائل باب 59 من أبواب الأطعمة المباحة، حديث 1.
38

وابن سعيد في النزهة قال {1} في النهاية: وكذلك البول يعني يحرم بيعه وإن
كان طاهرا للاستخباث كأبوال البقر والإبل وإن انتفع به في شربه للدواء لأنه منفعة
جزئية نادرة فلا يعتد به (انتهى) أقول: بل لأن {2} المنفعة المحللة للاضطرار وإن كانت كلية لا يسوغ البيع
كما عرفت. الثانية يحرم بيع العذرة من كل حيوان على المشهور {3} بل في التذكرة كما
عن الخلاف الاجماع على تحريم بيع السرجين النجس ويدل عليه مضافا إلى ما تقدم
من الأخبار رواية يعقوب بن شعيب ثمن العذرة من السحت، نعم في رواية محمد بن
مضارب لا بأس ببيع العذرة.

(1) الوسائل باب 40 من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.
(2) الوسائل، باب 40 من أبواب ما يكتسب به، حديث 2.
39

وجمع الشيخ بينهما {1} بحمل الأول على عذرة الانسان والثاني على عذرة
البهائم، ولعله لأن الأول نص في عذرة الانسان ظاهر في غيرها، بعكس الخبر
الثاني، فيطرح ظاهر كل منهما بنص الآخر.

(1) الوسائل، باب 40 من أبواب ما يكتسب به، حديث 3.
40

ويقرب هذا الجمع {1} رواية سماعة قال سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام وأنا
حاضر عن بيع العذرة فقال إني رجل أبيع العذرة فما تقول؟ قال: عليه السلام حرام بيعها و
ثمنها وقال لا بأس ببيع العذرة (1)، فإن الجمع بين الحكمين في كلام واحد لمخاطب
واحد يدل على أن تعارض الأولين ليس إلا من جهة الدلالة فلا يرجع فيه إلى
المرجحات السندية أو الخارجية.

(1) الوسائل، باب 40، من أبواب ما يكتسب به، حديث 3.
41

وبه يدفع ما يقال من أن العلاج في الخبرين المتنافين على وجه التباين الكلي
هو الرجوع إلى المرجحات الخارجية ثم التخيير أو التوقف {1} لا إلغاء ظهور كل
منهما ولهذا طعن علي من جمع بين الأمر والنهي بحمل الأمر على الإباحة والنهي على
الكراهة واحتمل السبزواري حمل خبر المنع على الكراهة وفيه ما لا يخفى من البعد.
42

وأبعد منه ما عن المجلسي من احتمال حمل خبر المنع على بلاد لا ينتفع به
والجواز على غيرها {1}.

(1) المستدرك باب 5 من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.
(2) الوسائل، باب 5 من أبواب ما يكتسب به، حديث 2.
(3) الوسائل، باب 5 من أبواب ما يكتسب به، حديث 11.
43

ونحوه حمل خبر المنع على التقية لكونه مذهب أكثر العامة {1}.
44

والأظهر ما ذكره الشيخ لو أريد الترع بالحمل لكون أولى من الطرح وإلا
فرواية الجواز لا يجوز الأخذ بها من وجوه لا تخفى {1}.
45

ثم إن لفظ العذرة في الروايات إن قلنا إنه ظاهر في عذرة الانسان كما حكى
التصريح به عن بعض أهل اللغة، فثبوت الحكم في غيرها بالأخبار العامة المتقدمة و
بالاجماع المتقدم على السرجين النجس واستشكل في الكفاية في الحكم تبعا
للمقدس الأردبيلي إن لم يثبت الاجماع وهو حسن إلا أن الاجماع المنقول هو الجابر
لضعف سند الأخبار العامة السابقة.
47

وربما يستظهر من عبارة الاستبصار القول بجواز بيع عذرة ما عدا الانسان،
لحمله أخبار المنع على عذرة الانسان وفيه نظر {1}.
فرع: الأقوى جواز بيع الأرواث الطاهرة التي ينتفع بها منفعة محللة
مقصودة {2} وعن الخلاف نفي الخلاف فيه. وحكي أيضا عن المرتضى قدس سره الاجماع
عليه.
48

وعن المفيد حرمة بيع العذرة والأبوال كلها إلا بول الإبل وحكي عن سلار أيضا و
لا أعرف مستندا لذلك إلا دعوى أن تحريم الخبائث في قوله تعالى (ويحرم
عليهم الخبائث) يشمل تحريم بيعها وقوله عليه الصلاة والسلام إن الله إذا حرم شيئا
حرم ثمنه وما تقدم من رواية دعائم الاسلام وغيرها، ويرد على الأول أن المراد
بقرينة مقابلته لقوله تعالى (يحل لهم الطيبات) الأكل لا مطلق الانتفاع {1} و
في النبوي وغيره ما عرفت من أن الموجب لحرمة الثمن حرمة عين الشئ بحيث يدل
على تحريم جميع منافعه أو المنافع المقصودة الغالبة الروث ليست هي الأكل
المحرم فهو كالطين المحرم كما عرفت سابقا.
49

الثالثة: يحرم المعاوضة على الدم بلا خلاف، بل عن النهاية وشرح الإرشاد
لفخر الدين والتنقيح الاجماع عليه {1} ويدل عليه الأخبار السابقة.

(1) الوسائل، باب 2، من أبواب يكتسب به، حديث 1.
50



(1) سورة البقرة، آية 174.
{2} الوسائل، باب 31، من أبواب الأطعمة المحرمة، حديث 2.
51

فرع: وأما الدم الطاهر إذا فرضت له منفعة محللة كالصبغ وقلنا بجوازه ففي
جواز بيعه وجهان: أقواهما الجواز. لأنها عين طاهرة ينفع بها منفعة محللة {1}.
وأما مرفوعة الواسطي المتضمنة لمرور أمير المؤمنين عليه السلام بالقصابين ونهيهم
عن بيع سبعة: بيع الدم والغدد وآذان الفؤاد والطحال، إلى آخرها {2} فالظاهر
إرادة حرمة البيع للأكل، ولا شك في تحريمه لما سيجئ من أن قصد المنفعة المحرمة
في المبيع موجب لحرمة البيع بل بطلانه {3} وصرح في التذكرة بعدم جواز بيع الدم
الطاهر لاستخباثه. ولعله لعدم المنفعة الظاهرة فيه غير الأكل المحرم.
52

الرابعة: لا اشكال في حرمة بيع المني لنجاسته وعدم الانتفاع به إذا وقع في
خارج الرحم {1}.
53

ولو وقع فيه فكذلك لا ينتفع به المشتري، لأن الولد نماء الأم في الحيوانات
عرفا وللأب في الانسان شرعا {1}.
لكن الظاهر أن حكمهم {1} بتبعيته الأم متفرع على عدم تملك المني وإلا لكان
بمنزلة البذر المملوك يتبعه الزرع. فالمتعين التعليل بالنجاسة {2}. لكن قد منع بعض
من نجاسته إذا دخل من الباطن إلى الباطن.
54

وقد ذكر العلامة من المحرمات بيع عسيب الفحل وهو مائه قبل الاستقرار في الرحم {1}.

(1) الوسائل، باب 10، من أبواب عقد البيع وشروطه، حديث 2.
{2} الوسائل، باب 10 من أبواب عقد البيع وشروطه، حديث 3.
55



(1) المستدرك باب 5 من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.
(2) الوسائل باب 12 من أبواب ما يكتسب به، حديث 2.
(3) الوسائل باب 12 من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.
56

كما أن الملاقيح هو ماؤه بعد الاستقرار، كما في جامع المقاصد وعن غيره {1}
وعلل في الغنية بطلان بيع ما في أصلاب الفحول بالجهالة وعدم القدرة على
التسليم {2}.
57

المعاوضة على الميتة
الخامسة: يحرم المعاوضة على الميتة وأجزائها التي تحلها الحياة من ذي
النفس السائلة {1} على المعروف من مذهب الأصحاب وفي التذكرة كما عن المنتهى
والتنقيح الاجماع عليه. وعن رهن الخلاف الاجماع على عدم ملكيتها.
{2} ويدل عليه - مضافا إلى ما تقدم من الأخبار - ما دل على أن الميتة لا
ينتفع بها، منضما إلى اشتراط وجود المنفعة المباحة في المبيع لئلا يدخل في عموم
النهي عن أكل المال بالباطل.
58



(1) الوسائل باب 34 من أبواب الأطعمة المحرمة، حديث 4.
(2) الوسائل باب 34 من أبواب الأطعمة المحرمة، حديث 1.
59

وخصوص عد ثمن الميتة من السحت في رواية السكوني {1}.

(1) الوسائل، باب 34، من أبواب الأطعمة المحرمة وباب 30 من أبواب الذبائح.
(2) الوسائل، باب 34، من أبواب الأطعمة المحرمة، حديث 1.
61

نعم قد ورد بعض ما يظهر منه الجواز، مثل رواية الصقيل، قال: كتبوا إلى
الرجل: جعلنا الله فداك إنا قوم نعمل السيوف وليست لنا معيشة ولا تجارة غيرها
ونحن مضطرون إليها. وإنما غلافها من جلود الميتة من البغال والحمير الأهلية لا
يجوز في أعمالنا غيرها. فيحل لنا عملها وشراؤها وبيعها ومسها بأيدينا وثيابنا و
نحن نصلي في ثيابنا؟ ونحن محتاجون إلى جوابك في المسألة يا سيدنا لضرورتنا إليها.
فكتب عليه السلام: " اجعلوا ثوبا للصلاة " (حديث) {1} ونحوها رواية أخرى بهذا المضمون
ولذا قال في الكفاية والحدائق أن الحكم لا يخلو عن اشكال.

(1) الوسائل، باب 38، من أبواب ما يكتسب به، حديث 4.
(2) الوسائل، باب 5، من أبواب ما يكتسب به، حديث 9 - 8.
(3) المستدرك باب 5 من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.
(4) الوسائل، باب 5، من أبواب ما يكتسب به، حديث 9 - 8.
(5) الوسائل، باب 6، من أبواب ما يكتسب به، حديث 6.
(6) الوسائل، باب 6، من أبواب ما يكتسب به، حديث 6.
62

ويمكن أن يقال: إن مورد السؤال عمل السيوف وبيعها وشراؤها لا
خصوص الغلاف مستقلا ولا في ضمن السيف على أن يكون جزء من الثمن في
مقابل عين الجلد.
فغاية ما يدل عليه جواز الانتفاع بجلد الميتة بجعله غمدا للسيف و
هو لا ينافي عدم جواز معاوضته بالمال {1} ولذا جوز جماعة منهم الفاضلان في
النافع والارشاد على ما حكي عنهما الاستقاء بجلد الميتة لغير الصلاة والشرب مع
عدم قولهم بجواز بيعه مع أن الجواب لا ظهور فيه في الجواز إلا من حيث التقرير
الغير الظاهر في الرضا خصوصا في المكاتبات المحتملة للتقية {2}.

(1) الوسائل، باب 38، من أبواب ما يكتسب به، حديث 4.
63



(1) الوسائل، باب 34، من أبواب النجاسات، حديث 4.
65

هذا ولكن الانصاف أنه إذا قلنا بجواز الانتفاع بجلد الميتة منفعة مقصودة
كالاستقاء بها للبساتين والزرع إذا فرض عده مالا عرفا {1} فمجرد النجاسة لا
تصلح علة لمنع البيع لولا الاجماع على حرمة الميتة بقول مطلق {2} لأن المانع
حرمة الانتفاع في المنافع المقصودة لا مجرد النجاسة {3}. وإن قلنا: إن مقتضى الأدلة
حرمة الانتفاع بكل نجس، فإن هذا كلام آخر سيجئ ما فيه بعد ذكر حكم
النجاسات.
لكنا نقول: إذا قام الدليل الخاص على جواز الانتفاع منفعة مقصودة بشئ
من النجاسات فلا مانع من صحة بيعه، لأن ما دل على المنع عن بيع النجس من
النص والاجماع ظاهر في كون المانع حرمة الانتفاع.
فإن رواية تحف العقول المتقدمة قد علل فيها المنع عن بيع شئ من
وجوه النجس بكونه منهيا عن أكله وشربه، إلى آخر ما ذكر فيها.
66

ومقتضى رواية دعائم الاسلام المتقدمة أيضا إناطة جواز البيع وعدمه بجواز
الانتفاع وعدمه {1}.
وأدخل ابن زهرة في الغنية النجاسات فيما لا يجوز بيعه من جهة عدم حل
الانتفاع بها.
واستدل أيضا على جواز بيع الزيت النجس بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أذن في الاستصباح
به تحت السماء قال: وهذا يدل على جواز بيعه لذلك (انتهى).
فقد ظهر من أول كلامه وآخره أن المانع من البيع منحصر في حرمة الانتفاع
وأنه يجوز مع عدمها، ومثل ما ذكرناه عن الغنية من الاستدلال كلام الشيخ في
الخلاف في باب البيع حيث ذكر النبوي الدال على إذن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الاستصباح ثم
قال وهذا يدل على جواز بيعه (انتهى)، وعن فخر الدين في شرح الإرشاد والفاضل
المقداد في التنقيح الاستدلال على المنع عن بيع النجس بأنه محرم الانتفاع وكل ما
كان كذلك لا يجوز بيعه.
نعم، ذكر في التذكرة شرط الانتفاع وحليته بعد اشتراط الطهارة واستدل
للطهارة بما دل على وجوب الاجتناب عن النجاسات وحرمة الميتة. والانصاف
إمكان إرجاعه إلى ما ذكرنا فتأمل {2}.
ويؤيده أنهم أطبقوا على بيع العبد الكافر وكلب الصيد، وعلله في التذكرة
بحل الانتفاع به. ورد من منع عن بيعه لنجاسته بأن النجاسة غير مانعة، وتعدى إلى
كلب الحائط والماشية والزرع، لأن المقتضي وهو النفع موجود فيها.

(1) دعائم الاسلام، ج 2، ص 18، كتاب البيوع، فصل 2، حديث 23.
67

ومما ذكرنا من قوة جواز بيع جلد الميتة لولا الاجماع إذا جوزنا الانتفاع به
في الاستقاء يظهر حكم جواز المعاوضة على لبن اليهودية المرضعة بأن يجعل تمام
الأجرة أو بعضها في مقابل اللبن فإن نجاسته لا تمنع عن جواز المعاوضة عليه {1}.
فرعان: الأول: إنه كما لا يجوز بيع الميتة منفردة كذلك لا يجوز بيعها منضمة
إلى مذكى {2}.
ولو باعها فإن كان المذكى ممتازا صح البيع فيه وبطل في الميتة كما سيجئ في
محله.
وإن كان مشتبها بالميتة لم يجز بيعه أيضا لأنه لا ينتفع به منفعة محللة بناء على
وجوب الاجتناب عن كلا المشتبهين، فهو في حكم الميتة من حيث الانتفاع، فأكل
المال بإزائه أكل المال بالباطل {3}، كما أن أكل من المشتبهين في حكم أكل الميتة.
68

ومن هنا يعلم أنه لا فرق في المشتري بين الكافر المستحل للميتة وغيره
لكن في صحيحة الحلي وحسنته " إذا اختلط المذكى بالميتة بيع ممن يستحل الميتة " و
حكى نحوهما عن كتاب علي بن جعفر واستوجه العمل بهذه الأخبار في الكفاية و
هو مشكل {1}.

الوسائل، باب 7، من أبواب م يكتسب به، حديث 1.
(2) الوسائل، باب 7، من أبواب ما يكتسب به، حديث 2.
69

مع أن المروي عن أمير المؤمنين عليه السلام: أنه يرمي بهما {1}.

(1) المستدرك، باب 7، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.
(2) الوسائل، باب 37، من أبواب الأطعمة المحرمة.
71

وجوز بعضهم البيع بقصد بيع المذكى، وفيه أن القصد لا ينفع بعد فرض عدم
جواز الانتفاع بالمذكى لأجل الاشتباه.
نعم لو قلنا بعدم وجوب الاجتناب في الشبهة المحصورة وجواز ارتكاب
أحدهما جاز البيع بالقصد المذكور {1}. لكن لا ينبغي القول به في المقام، لأن الأصل
في كل واحد من المشتبهين عدم التذكية. غاية الأمر العلم الاجمالي بتذكية أحدهما
وهو غير قادح في العمل بالأصلين. وإنما يصح القول بجواز ارتكاب أحدهما في
المشتبهين إذا كان الأصل في كل منهما الحل وعلم إجمالا بوجود الحرام، فقد يقال هنا
بجواز ارتكاب أحدهما اتكالا على أصالة الحل وعدم جواز ارتكاب الآخر بعد
ذلك حذرا عن ارتكاب الحرام الواقعي وإن كان هذا الكلام مخدوشا في هذا المقام
أيضا لكن القول به ممكن هنا بخلاف ما نحن فيه لما ذكرنا، فافهم.
72

وعن العلامة حمل الخبرين على جواز استنقاذ مال المستحل للميتة بذلك
برضاه وفيه أن المستحل قد يكون ممن لا يجوز الاستنقاذ منه إلا بالأسباب
الشرعية كالذمي ويمكن حملهما على صورة قصد البايع المسلم أجزائها التي لا تحلها
الحياة من الصوف والعظم والشعر ونحوها وتخصيص المشتري بالمستحل لأن
الداعي له على الاشتراء اللحم أيضا، ولا يوجب ذلك فساد البيع ما لم يقع العقد
عليه وفي مستطرفات السرائر عن جامع البزنطي سألته عن الرجل يكون له الغنم
يقطع من ألياتها وهي أحياء، أيصلح أن ينتفع بها؟ قال: نعم يذيبها ويسرج بها ولا
يأكلها ولا يبيعها (1)، واستوجه في الكفاية العمل بها تبعا لما حكاه الشهيد عن
العلامة في بعض أقواله. والرواية شاذة، ذكر الحلي بعد ايرادها: " إنها من
نوادر الأخبار، والاجماع منعقد على تحريم الميتة والتصرف فيها على كل حال إلا
أكلها للمضطر معللا بقوله عليه السلام أما علمت أنه يصيب الثوب واليد وهو حرام (2) ومع
الاغماض عن المرجحات.

(1) السرائر، ج 3، ص 573.
(2) الوسائل، باب 32، من أبواب الأطعمة المحرمة، حديث 1، وفيه " أما تعلم ".
74

أقول: مع أنها معارضة بما دل على المنع من موردها معللا بقوله عليه السلام أما علمت أنه
يصيب الثوب واليد وهو حرام (1) ومع الاغماض عن المرجحات يرجح إلى عموم ما
دل على المنع عن الانتفاع بالميتة مطلقا (2)، مع أن الصحيحة صريحة في المنع عن البيع
إلا أن يحمل على إرادة البيع من غير الاعلام بالنجاسة.
الثاني: إن الميتة من غير ذي النفس السائلة يجوز المعاوضة عليها إذا كانت
مما ينتفع بها أو ببعض أجزائها كدهن السمك الميتة للاسراج والتدهين، لوجود
المقتضي وعدم المانع، لأن أدلة عدم الانتفاع بالميتة مختصة بالنجسة {1}. وصرح بما
ذكرنا جماعة، والظاهر أنه مما لا خلاف فيه.

(1) الوسائل، باب 32، من أبواب الأطعمة المحرمة، حديث 1، وفيه " أما تعلم ".
(2) الوسائل، باب 34، من أبواب الأطعمة المحرمة.
75

السادسة: يحرم التكسب بالكلب الهراش والخنزير البريين {1} اجماعا على
الظاهر المصرح به في المحكي عن جماعة، وكذلك أجزاؤهما.

(1) الوسائل، باب 14، من أبواب ما يكتسب به، حديث 4.
(2) الوسائل، باب 5، من أبواب ما يكتسب به، حديث 5.
76



(1) المستدرك، باب 5، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.
(2) الوسائل، باب 61، من أبواب ما يكتسب به.
77



(1) الوسائل، باب 57، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.
(2) الوسائل، باب 60، من أبواب ما يكتسب به حديث 1.
(3) الوسائل، باب 34، من أبواب الأشربة المحرمة، حديث 3.
(4) الوسائل، باب 60، من أبواب ما يكتسب به، حديث 3.
(5) المستدرك، باب 5، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.
(6) المستدرك، باب 5، من أبواب ما يكتسب به، حديث 5.
78



(1) الوسائل، باب 60، من أبواب ما يكتسب به، حديث 2.
79

نعم لو قلنا بجواز استعمال شعر الخنزير وجلده جاء فيه ما تقدم في جلد الميتة.
السابعة: يحرم التكسب بالخمر وكل مسكر مائع والفقاع اجماعا نصا و
فتوى {1}.

(1) الوسائل، باب 55، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.
(2) الوسائل، باب 55، من أبواب ما يكتسب به، حديث 7.
80



(1) الوسائل، باب 55، من أبواب ما يكتسب به.
(2) الوسائل، باب 1، من أبواب الأشربة المحرمة، حديث 5.
81

وفي بعض الأخبار: يكون لي على الرجل دراهم فيعطيني خمرا قال: " خذها
وأفسدها " {1} قال ابن أبي عمير: يعني اجعلها خلا والمراد به إما أخذ الخمر مجانا
ثم تخليلها، أو أخذها وتخليلها لصاحبها ثم أخذ الخل وفاء عن الدراهم.

(1) الوسائل، باب 31، من أبواب الأشربة المحرمة، حديث 6.
82



(1) الوسائل، باب 19، من أبواب الأشربة المحرمة، حديث 1.
(2) الوسائل، باب 19، من أبواب الأشربة المحرمة، حديث 2.
83



(1) الوسائل، باب 5، من أبواب ما يكتسب به، حديث 12.
(2) الوسائل، باب 15، من أبواب الأشربة المحرمة، حديث 5.
84

الثامنة: يحرم المعاوضة على الأعيان المتنجسة الغير القابلة للطهارة إذا توقف
منافعها المحللة المعتد بها على الطهارة {1}.
لما تقدم من النبوي: " إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه " (1) ونحوه المتقدم عن
دعائم الاسلام {2} وأما التمسك بعموم قوله عليه السلام في رواية تحف العقول " أو شئ من
وجوه النجس " ففيه نظر، لأن الظاهر من وجوه النجس العنوانات النجسة لأن
ظاهر الوجه هو العنوان (2).
نعم يمكن الاستدلال على ذلك بالتعليل المذكور بعد ذلك وهو قوله عليه السلام: " لأن
ذلك كله محرم أكله وشربه ولبسه " إلى آخر ما ذكر (3).

(1) عوالي اللئالي، ج 2، ص 110، حديث 301.
(2) دعائم الاسلام، ج 2، ص 18، حديث 23.
(3) وسائل الشيعة، باب من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.
85

ثم اعلم أنه قيل بعدم جواز بيع المسوخ من أجل نجاستها ولما كان الأقوى
طهارتها لم يحتج إلى التكلم في جواز بيعها هنا. نعم لو قيل بحرمة البيع لا من حيث
النجاسة كان محل التعرض له ما سيجئ من أن كل طاهر له منفعة محللة مقصودة
يجوز بيعه. وسيجئ ذلك في ذلك في ذيل القسم الثالث مما لا يجوز الاكتساب به لأجل عدم
المنفعة فيه.
وأما المستثنى من الأعيان المتقدمة فهي أربعة تذكر في مسائل أربع:
86

الأولى يجوز بيع المملوك الكافر أصليا كان أم مرتدا مليا {1} بلا خلاف ظاهر
بل ادعي عليه الاجماع وليس ببعيد كما يظهر للمتتبع في المواضع المناسبة لهذه
المسألة كاسترقاق الكفار {2} وشراء بعضهم من بعض، وبيع العبد الكافر إذا أسلم
على مولاه الكافر، وعتق الكافرة، وبيع المرتد، وظهور كفر العبد المشتري على
ظاهر الاسلام، وغير ذلك.
وكذا الفطري على الأقوى {3} بل الظاهر أنه لا خلاف فيه من هذه الجهة، و
إن كان فيه كلام من حيث كونه في معرض التلف لوجوب قتله.
ولم نجد من تأمل فيه
من جهة نجاسته عدا ما يظهر من بعض الأساطين في شرحه على القواعد، حيث
احترز بقول العلامة: " ما لا يقبل التطهير من النجاسات " عما يقلبه ولو بالاسلام
كالمرتد ولو عن فطرة على أصح القولين. فبنى جواز بيع المرتد على قبول توبته. بل
بنى جواز بيع مطلق الكافر على قبوله للطهر بالاسلام.

(1) الوسائل، باب 2، من أبواب بيع الحيوان، حديث 2.
{2} الوسائل، باب 1، من أبواب بيع الحيوان، حديث 2.
87

وأنت خبير بأن حكم الأصحاب بجواز بيع الكافر نظير حكمهم بجواز بيع
الكلب لا من حيث قابليته للتطهر نظير الماء المتنجس. وأن اشتراطهم قبول
التطهير إنما هو فيما يتوقف الانتفاع به على طهارته ليتصف بالملكية لا مثل الكلب
والكافر المملوكين مع النجاسة اجماعا
وبالع تلميذه في مفتاح الكرامة فقال: " أما المرتد عن فطرة فالقول بجواز بيعه
ضعيف جدا لعدم قبول توبته فلا يقبل التطهير ". ثم ذكر جماعه ممن جوز بيعه - إلى أن قال -: " ولعل من جواز بيعه بناه على قبول توبته " انتهى. وتبعه على ذلك شيخنا
المعاصر.
88

الثانية: يجوز المعاوضة على غير كلب الهراش في الجملة {1} بلا خلاف ظاهر
إلا ما عن ظاهر اطلاق العماني، ولعله كاطلاق كثير من الأخبار بأن ثمن الكلب
سحت، محمول على الهراش، لتواتر الأخبار واستفاضة نقل الاجماع على جواز بيع
ما عدا كلب الهراش {2} في الجملة، ثم إن ما عدا كلب الهراش على أقسام:
أحدها: كلب الصيد السلوقي وهو المتيقن من الأخبار ومعاقد الاجماعات
الدالة على الجواز {3}.
الثاني: كلب الصيد غير السلوقي وبيعه جائز على المعروف من غير ظاهر
اطلاق المقنعة والنهاية، ويدل عليه قبل الاجماع المحكي عن الخلاف والمنتهى و
الإيضاح وغيرها الأخبار المستفيضة.

(1) الوسائل، باب 14، ن أبواب ما يكتسب به، حديث 3.
(2) الوسائل: باب 14، من أبواب ما يكتسب به، حديث 5.
{3} الوسائل، باب 14، من أبواب ما يكتسب به، حديث 7.
90

منها قوله عليه السلام في رواية القسم بن الوليد، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن ثمن
الكلب الذي لا يصيد، قال: سحت، وأما الصيود فلا بأس به، ومنها الصحيح عن
ابن فضال عن أبي جميلة عن ليث قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الكلب الصيود
يباع؟ قال: نعم، ويؤكل ثمنه.
ومنها رواية أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن كلب الصيد، قال: لا
بأس به، وأما الآخر فلا يحل ثمنه.
ومنها ما عن دعائم الاسلام للقاضي نعمان المصري عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: لا بأس بثمن كلب الصيد ومنه مفهوم رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله ثمن الخمر ومهر البغي وثمن الكلب الذي لا يصطاد من السحت،
ومنها مفهوم رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: ثمن الكلب
الذي لا يصيد سحت، ولا بأس بثمن الهرة، ومرسلة الصدوق وفيها ثمن الكلب
الذي ليس بكلب الصيد سحت، ثم إن دعوى انصراف هذه الأخبار كمعاقد
الاجماعات المتقدمة إلى السلوقي {1} ضعيفة، لمنع الانصراف لعدم الغلبة المعتد بها
على فرض تسليم كون مجرد غلبة الوجود من دون غلبة الاستعمال منشأ
للانصراف، مع أنه لا يصح في مثل قوله ثمن الكلب الذي لا يصيد أوليس بكلب {2}
91

الصيد لأن مرجع التقييد إلى إرادة ما يصح عنه سلب صفة الاصطياد، وكيف كان
فلا مجال لدعوى الانصراف بل يمكن أن يكون مراد المقنعة والنهاية من السلوقي
مطلق الصيود، على ما شهد به بعض الفحول من اطلاقه عليه أحيانا، ويؤيد بما عن
المنتهى حيث إنه بعد ما حكى التخصيص بالسلوقي عن الشيخين، قال: وعنى
بالسلوقي كلب الصيد، لأن سلوق قرية باليمن أكثر كلابها معملة، فنسب الكلب إليها
وإن كان هذا الكلام من المنتهى يحتمل لأن يكون مسوقا لاخراج غير كلب الصيد
من الكلاب السلوقية، وأن المراد بالسلوقي خصوص الصيود لا كل سلوقي، لكن
الوجه الأول أظهر.
92

الثالث: كلب الماشية والحائط، وهو البستان والزرع والأشهر بين القدماء
على ما قيل المنع، ولعله استظهر ذلك من الأخبار الحاضرة لما يجوز بيعه في الصيود
المشتهرة بين المحدثين كالكليني والصدوقين، ومن تقدمهم بل وأهل الفتوى، كالمفيد
والقاضي وابن زهرة وابن سعيد والمحقق، بل ظاهر الخلاف والغنية الاجماع عليه،
نعم المشهور بين الشيخ ومن تأخر عنه الجواز وفاقا للمحكي عن ابن الجنيد قدس سره
حيث قال: لا بأس بشراء الكلب الصائد والحارس للماشية والزرع، ثم قال لا خير
في الكلب فيما عد الصيود والحارس وظاهر الفقرة الأخيرة لو لم يحمل على الأولى
جواز بيع الكلاب الثلاثة وغيرها، كحارس الدور والخيام وحكى الجواز أيضا
عن الشيخ والقاضي في كتاب الإجارة:
93

وعن سلار وأبي الصلاح وابن حمزة وابن إدريس وأكثر المتأخرين
كالعلامة ولده السعيد والشهيدين والمحقق الثاني وابن القطان في المعالم، و
الصيمري وابن فهد وغيرهم من متأخري المتأخرين عدا قليل وافق المحقق
كالسبزواري، والتقي المجلسي، وصاحب الحدائق، والعلامة الطباطبائي في
مصابيحه وفقيه عصره، في شرح القواعد وهو الأوفق بالعمومات المتقدمة المانعة،
إذ لم نجد مخصصا لها سوى ما أرسله في المبسوط {1} من أنه روى ذلك، يعني جواز
البيع في كلب الماشية والحائط المنجبر قصور سنده ودلالته لكون المنقول مضمون)
الصلاح فإن النسبة بينهما عموم من وجه، والكلاب المزبورة من موارد الاجتماع
لجواز الانتفاع بها في الحراسة وغيرها، وحيث إن دلالة خبر تحف العقول على الجواز
بالعموم دلالة تلك الأخبار على المنع بالاطلاق، فيقدم عليها.
وأجيب عنه بجوابين:
الأول: إن الأخبار المقسمة للكلب إلى كلب الصيد وغيره تكون أخص من خبر
تحف العقول فيخصص بها.
وفيه: إن النسبة عموم من وجه، إذ الكلب الهراش والعقور ليس لهما جهة من
جهات الصلاح، اللهم إلا أن يقال: إن حمل النصوص المانعة على خصوص الكلب
الهراش والعقور الذين يكفي في عدم جواز بيعهما عدم المنفعة المحللة لهما عبارة أخرى
عن القائها رأسا، وهذا بخلاف حمل خبر تحف العقول على غير الكلب، فيتعين ذلك كما
لا يخفى.
الثاني: إن هذه الجملة من خبر تحف العقول لا يصح الاستدلال بها في نفسها
لمعارضتها مع الجملة الأخرى المتضمنة للمنع عن بيع النجس، وحيث إن دلالة كل
منهما تكون بالعموم فتتساقطان في المقام.
وفيه: ما عرفت من أن الجملة المتضمنة للمنع عن بيع النجس مختصة بالنجس
الذي لا يكون له منفهة محللة مقصودة فلا تشمل المقام، ولكن الذي يسهل الخطب
ضعف سند خبر تحف العقول وعدم صحة الاستدلال به.
{1} الثاني: مرسل المبسوط، فإنه قال بعد الافتاء بجواز بيع كلب الصيد
94

الرواية لا معناها، ولا ترجمتها باشتهاره بين المتأخرين، بل ظهور الاتفاق المستفاد
من قول الشيخ في كتاب الإجارة (1) أن أحدا لم يفرق بين بيع هذه الكلاب
وإجارتها، بعد ملاحظة الاتفاق على صحة إجارتها، ومن قوله قدس سره في التذكرة يجوز
بيع هذه الكلاب عندنا ومن المحكي عن الشهيد في الحواشي أن أحدا لم يفرق بين
الكلاب الأربعة فيكون هذه الدعاوى قرينة على حمل كلام من اقتصر على كلب
الصيد على المثال لمطلق ما ينتفع به منفعة محللة مقصودة.
كما يظهر ذلك من عبارة ابن زهرة في الغنية حيث اعتبر أولا في المبيع أن يكون مما ينتفع به منفعة محللة مقصودة ثم قال: واحترزنا بقولنا ينتفع به منفعة محللة
عما يحرم الانتفاع به، ويدخل في ذلك كل نجس إلا ما خرج بالدليل من بيع

(1) الوسائل، باب 14، من أبواب ما يكتسب به، حديث 9.
95

الكلب المعلم والزيت النجس للاستصباح تحت السماء، ومن المعلوم بالإجماع
والسيرة جواز الانتفاع بهذه الكتاب منفعة محللة مقصودة أهم من منفعة الصيد
فيجوز بيعها لوجود القيد الذي اعتبره فيها وأن المنع من بيع النجس منوط بحرمة
الانتفاع، فينتفي بانتفائها ويؤيد ذلك كله ما في التذكرة من أن المقتضي لجواز بيع
كلب الصيد أعني المنفعة موجودة في هذه الكلاب {1}.
96

وعنه قدس سره في مواضع أخر أن تقدير الدية لها يدل على مقابلتها بالمال {1} وأن
ضعف الأول برجوعه إلى قياس {2} والثاني بأن الدية لو لم تدل على عدم التملك
وإلا لكان الواجب القيمة كائنة ما كانت لم تدل على التملك {3} لاحتمال كون الدية
من باب تعيين غرامة معينة لتفويت شئ ينتفع به لا لإتلاف مال كما في إتلاف الحر،
ونحوهما في الضعف دعوى انجبار المرسلة بدعوى الاتفاق المتقدم عن الشيخ
والعلامة والشهيد قدس سرهم لوهنها بعد الإغماض عن معارضتها بظاهر عبارتي الخلاف
والغنية من الاجماع على عدم جواز غير المعلم من الكلاب بوجدان الخلاف العظيم
من أهل الرواية والفتوى، نعم لو ادعى الاجماع أمكن منع وهنها بمجرد الخلاف ولو
من الكثير بناء على ما سلكه بعض متأخر المتأخرين في الاجماع من كونه منوطا
بحصول الكشف من اتفاق جماعة ولو خالفهم أكثر منهم مع أن دعوى الاجماع ممن لم
يصطلح الاجماع على مثل هذا الاتفاق لا يعبأ بها عند وجدان الخلاف.
97

وأما شهرة الفتوى بين المتأخرين فلا تجبر الرواية خصوصا مع مخالفة كثير
من القدماء، ومع كثرة ظاهر عمومات الواردة في مقام الحاجة وخلو كتب الرواية
المشهورة عنها حتى أن الشيخ لم يذكرها في جامعيه، وأما حمل كلمات القدماء على
المثال ففي غاية البعد، وأما كلام ابن زهرة المتقدم فهو مختل على كل حال لأنه
استثنى الكلب المعلم عما يحرم الانتفاع به، مع أن الاجماع على جواز الانتفاع
بالكافر، فحمل كلب الصيد على المثال لا يصحح كلامه إلا أن يريد كونه مثالا ولو
للكافر أيضا، كما أن استثناء الزيت من باب المثال لسائر الأدهان المتنجسة، هذا.
ولكن الحاصل من شهرة الجواز بين المتأخرين بضميمة أمارات الملك في هذه
الكلاب يوجب الظن بالجواز حتى في غير هذه الكلاب مثل كلاب الدور والخيام،
فالمسألة لا يخلو عن إشكال، وإن كان الأقوى بحسب الأدلة والأحوط في العمل
هو المنع فإنهم.

1) الوسائل، باب 14، من أبواب ما يكتسب به.
98

الثالثة: الأقوى جواز المعاوضة على العصير العنبي إذا غلا ولم يذهب
ثلثاه {1}.

1) الوسائل، باب 43، من أبواب أحكام الدواب، حديث 2، من كتاب الحج.
2) المستدرك، باب 12، من أبواب ما يكتسب به، حديث 6.
100



1) الوسائل، باب 59 من أبواب ما يكتسب به، حديث 6.
2) الوسائل، باب 2، من أبواب الأشربة المحرمة، حديث 7.
3) الوسائل، باب 59، من أبواب ما يكتسب به، حديث 2.
101



) الوسائل، باب 7 من أبواب الأشربة الحرمة، حديث 2.
102



1) الوسائل، باب 7، من أبواب الأشربة المحرمة، حديث 1.
2) الوسائل، باب 2، من أبواب الأشربة المحرمة.
103

وإن كان نجسا لعمومات البيع والتجارة الصادقة عليها بناء على أنه مال قابل
للانتفاع به بعد طهارته بالنقص لأصالة بقاء ماليته {1}، وعدم خروجه عنها
بالنجاسة، غاية الأمر أنه مال معيوب قابل لزوال عيبه.

1) الوسائل، باب 1، من أبواب الأشربة المحرمة، حديث 1.
104

ولذا لو غصب عصيرا فأغلاه حتى حرم ونجس لم يكن في حكم التالف بل
وجب عليه رده، ووجب عليه غرامة الثلثين {1} وأجرة العمل فيه حتى يذهب
الثلثان كما صرح في التذكرة معللا لغرامة الأجرة بأنه رده معيبا ويحتاج زوال
العيب إلى خسارة والعيب من فعله فكانت الخسارة عليه.
105

نعم ناقشه {1} في جامع المقاصد في الفرق بين هذا وبين ما لو غصبه عصيرا
فصار خمرا حيث حكم فيه بوجوب غرامة مثل العصير لأن المالية قد فاتت تحت
يده فكان عليه ضمانها كما لو تلفت، لكن لا يخفى الفرق الواضح بين العصير إذا غلا و
بينه إذا صار خمرا {2}، فإن العصير بعد الغليان مال عرفا وشرعا، والنجاسة إنما تمنع
من المالية إذا يقبل التطهير كالخمر فإنها لا يزول نجاستها إلا بزوال موضوعها
بخلاف العصير فإنه يزول نجاسته بنقصه نظير طهارة ماء البئر بالنزح.
106

وبالجملة فالنجاسة فيه وحرمة الشرب عرضية تعرضانه في حال متوسط
بين حالتي طهارته، فحكمه حكم النجس بالعرض القابل للتطهير فلا يشمله قوله عليه السلام
في رواية تحف العقول أو شئ من وجوه النجس، ولا يدخل تحت قوله عليه السلام: إذا
حرم الله شيئا حرم ثمنه {1}، لأن الظاهر منهما العنوانات النجسة والمحرمة بقول
مطلق لا ما تعرضانه في حال دون حال فيقال يحرم في حال كذا وينجس في حال
كذا، وبما ذكرنا يظهر عدم شمول معقد إجماع التذكرة على فساد بيع نجس العين
للعصير لأن المراد بالعين هي الحقيقة والعصير ليس كذلك، ويكمن أن ينسب جواز
بيع العصير إلى كل من قيد الأعيان النجسة المحرم بيعها بعدم قابليتها للتطهير، ولم
أجد مصرحا بالخلاف عدا ما في مفتاح الكرامة من أن الظاهر المنع للعمومات
المتقدمة وخصوص بعض الأخبار مثل قوله عليه السلام وإن غلا فلا يحل بيعه.
107

ورواية أبي بصير إذا بعته قبل أن يكون خمرا وهو حلال فلا بأس، ومرسل
ابن هيثم إذا تغير عن حاله وغلا خير فيه بناء على أن الخير المنفي يشمل البيع،
وفي الجميع نظر، أما في العمومات فلما تقدم، وأما الأدلة الخاصة {1} فهي مسوقة
للنهي عن بيعه بعد الغليان نظير بيع الدبس والخل من غير اعتبار إعلام المكلف، و
في الحقيقة هذا النهي كناية عن عدم جواز الانتفاع ما لم يذهب ثلثاه فلا يشمل بيعه
بقصد التطهير مع إعلام المشتري نظير بيع الماء النجس.
وبالجملة فلو لم يكن إلا استصحاب ماليته وجواز بيعه كفى، ولم أعثر على
من تعرض للمسألة صريحا عدا جماعة من المعاصرين، نعم قال المحقق الثاني في
حاشية الإرشاد في ذيل قول المصنف: ولا بأس ببيع ما عرض له التنجيس مع قبوله
التطهير بعد الاستشكال بلزوم عدم جواز بيع الأصباغ المتنجسة بعدم قبولها التطهير
ودفع ذلك بقبولها له بعد الجفاف، ولو تنجس العصير ونحوه فهل يجوز بيعه على من
يستحله؟ فيه اشكال ثم ذكر أن الأقوى العدم لعموم (ولا تعاونوا على الإثم و
العدوان) (انتهى).
والظاهر أنه أراد بيع العصير للشرب من غير التثليث كما يظهر من
ذكر المشتري والدليل فلا يظهر منه حكم بيعه على من يطهره.
108

الرابعة: يجوز المعاوضة على الدهن المتنجس على المعروف من مذهب
الأصحاب {1} وجعل هذا من المستثنى عن بيع الأعيان النجسة مبني على المنع من
الانتفاع بالمتنجس إلا ما خرج بالدليل أو على المنع من بيع المتنجس وإن جاز
الانتفاع به نفعا مقصود محللا، وإلا كان الاستثناء منقطعا من حيث إن المستثنى منه
ما ليس فيه منفعة محللة مقصودة من النجاسات والمتنجسات {2}، وقد تقدم أن
المنع عن بيع النجس فضلا عن المتنجس ليس إلا من حيث حرمة المنفعة المقصودة
فإذا فرض حلها فلا مانع من البيع.

1) الوسائل، باب 6، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.
2) المستدرك، باب 6، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.
3) الوسائل، باب 7، من أبواب ما يكتسب به، حديث 5.
109

ويظهر من الشهيد الثاني في المسالك خلاف ذلك، وأن جواز بيع الدهن
للنص لا لجواز الانتفاع به وإلا لا طرد الجواز في غير الدهن أيضا، وأما حرمة
الانتفاع بالمتنجس إلا ما خرج بالدليل فسيجئ الكلام فيه إن شاء الله وكيف كان
فلا اشكال في جواز بيع الدهن المذكور وعن الاجماع عليه في الجملة و
الأخبار به مستفيضة منها الصحيح عن معاوية بن وهب، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
قلت له: جرذ مات في سمن أو زيت أو عسل، قال: أما السمن والعسل فيؤخذ الجرذ
وما حوله والزيت يستصبح به {1} وزاد في المحكي عن التهذيب أنه يبيع ذلك الزيت
ويبينه لمن اشتراه ليستصبح به {2} ولعل الفرق بين الزيت وأخويه من جهة كونه
مائعا غالبا بخلاف السمن والعسل. وفي رواية إسماعيل الآتية إشعار بذلك.

1) الوسائل، باب 6، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1 - 4.
110

ومنها الصحيح {1} عن سعيد الأعرج عن أبي عبد الله عليه السلام في الفأرة والدابة تقع في
الطعام والشراب فتموت فيه، قال: إن كان سمنا أو عسلا أو زيتا فإنه ربما يكون
بعض هذا، فإن كان الشتاء فانزع ما حوله وكله وإن كان الصيف فادفعه حتى
يسرج به، ومنها ما عن أبي بصير في الموثق عن الفأرة تقع في السمن أو الزيت
فتموت فيه، قال: إن كان جامدا فاطرحها [فتطرحها] وما حولها ويؤكل ما بقي
وإن كان ذائبا فأسرج به وأعلمهم إذا بعته (1).
ومنها رواية إسماعيل بن عبد الخالق (2)، قال: سأله سعيد الأعرج السمان وأنا
حاضر، عن السمن والزيت والعسل يقع فيه الفأرة فتموت كيف يصنع به، قال: أما
الزيت فلا تبعه إلا لمن تبين له فيبتاع للسراج وأما الأكل فلا {2}.
وأما السمن فإن كان ذائبا فكذلك وإن جامدا والفأرة في أعلاه فيؤخذ
ما تحتها وما حولها ثم لا بأس به، والعسل كذلك أن كان جامدا إذا عرفت هذا
فالإشكال يقع في مواضع:
(الأول) إن صحة بيع هذا الدهن هل هي مشروطة باشتراط الاستصباح به
صريحا ويكفي قصد هما لذلك أو لا يشترط أحدهما، ظاهر الحلي في السرائر الأول،
فإنه بعد ذكر جواز الاستصباح بالأدهان المتنجسة جمع، قال: ويجوز بيعه بهذا
الشرط عندنا، وظاهر المحكي عن الخلاف الثاني حيث قال: جاز بيعه لمن يستصبح
به تحت السماء دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم، وقال أبو حنيفة: يجوز مطلقا (انتهى).
ونحوه مجردا عن دعوى الاجماع عبارة المبسوط، وزاد أنه لا يجوز بيعه إلا
لذلك وظاهرة كفاية القصد وهو ظاهر غيره ممن عبر بقوله: جاز بيعه للاستصباح
كما في الشرائع والقواعد وغيرها، نعم ذكر المحقق الثاني ما حاصله: إن التعليل راجع

1) الوسائل، باب 43، من أبواب الأطعمة، حديث 4.
2) الوسائل، باب 6، من أبواب ما يكتسب به، حديث 4.
111

إلى الجواز يعني يجوز لأجل تحقق فائدة الاستصباح بيعه، وكيف كان فقد
صرح جماعة بعدم اعتبار قصد الاستصباح {1} ويمكن أن يقال باعتبار قصد
الاستصباح إذا كانت المنفعة المحللة منحصرة فيه، وكان من منافعه النادرة التي لا
تلاحظ في ماليته كما في دهن اللوز والبنفسج وشبههما، ووجهه أن مالية الشئ إنما
هي باعتبار منافعها المقصودة منه لا باعتبار مطلق.
112

الفوائد الغير الملحوظة في ماليته {1}، ولا باعتبار الفوائد الملحوظة المحرمة،
فإذا فرض أن لا فائدة في الشئ محللة ملحوظة في ماليته فلا يجوز بيعه لا على
الإطلاق، لأن الإطلاق ينصرف إلى كون الثمن بإزاء المنافع المقصودة

1) الوسائل، باب 6، من أبواب ما يكتسب به، حديث 4.
2) الوسائل، باب 6، من أبواب ما يكتسب به، حديث 3.
3) الوسائل، باب 16، من أبواب ما يكتسب به.
115

منه {1} والمفروض حرمتها فيكون أكلا للمال بالباطل، ولا على قصد الفائدة النادرة
المحللة لأن قصد الفائدة النادرة لا يوجب كون الشئ مالا، ثم إذا فرض ورود
النص الخاص على جواز بيعه كما فيما نحن فيه {2} فلا بد من حمله على صورة قصد
الفائدة النادرة {3} لأن أكل المال حينئذ ليس بالباطل بحكم الشارع، بخلاف صورة
عدم القصد لأن المال في هذه الصورة مبذول في مقابل المطلق المنصرف إلى الفوائد
المحرمة، فافهم {4}.
وحينئذ فلو لم يعلم المتبايعان جواز الاستصباح بهذا الدهن وتعاملا من
غير قصد إلى هذه الفائدة كانت المعاملة باطلة لأن المال مبذول مع الإطلاق في
مقابل الشئ باعتبار الفوائد المحرمة.
نعم لو علمنا عدم التفات المتعاملين إلى المنافع أصلا أمكن صحتها لأنه مال
116

واقعي شرعا قابل لبذل المال بإزائه ولم يقصد به ما لم يصح بذل المال بإزائه من
المنافع المحرمة، ومرجع هذا في الحقيقة إلى أنه لا يشترط إلا عدم قصد المنافع
المحرمة، فإنهم {1}.
وأما فيما كان الاستصباح منفعة غالبة بحيث كان مالية الدهن باعتباره
كأدهان المعدة للاسراج فلا يعتبر في صحة بيعه قصده أصلا، لأن الشارع قد قرر
ماليته العرفية بتجويز الاستصباح به وإن فرض حرمة سائر منافعه بناء على أضعف
الوجهين من وجوب الاقتصار في الانتفاع بالنجس على مورد النص، وكذا إذا كان
الاستصباح منفعة مقصودة مساوية لمنفعة الأكل المحرم كالألية والزيت وعصارة
السمسم، فلا يعتبر قصد المنفعة المحللة فضلا عن اشتراطه إذ يكفي في ماليته وجود
المنفعة المقصودة المحللة، غاية الأمر كون حرمة منفعة الأخرى المقصودة نقصا فيه
يوجب الخيار للجاهل، نقم يشترط عدم اشتراط المنفعة المحرمة بأن يقول: بعتك
بشرط أن تأكله وإلا فسد العقد بفساد الشرط، بل يمكن الفساد وإن لم نقل بإفساد
فيكون أكل الثمن أكلا بالباطل لأن حقيقة النفع العائد إلى المشتري بإزاء ثمنه هو النفع
المحرم، فافهم {2}.
بل يمكن القول بالبطلان بمجرد القصد وإن لم يشترط في متن العقد.
وبالجملة فكل بيع قصد فيه منفعة محرمة بحيث قصد أكل أو بعضه بإزاء
المنفعة المحرمة كان باطلا كما يومئ إلى ذلك ما ورد في تحريم شراء الجارية المغنية و
بيعها {3} وصرح في التذكرة بأن الجارية المغنية إذا بيعت بأكثر مما يرغب فيها لولا
الغناء فالوجه التحريم. (انتهى).
117

ثم إن الأخبار المتقدمة خالية عن اعتبار قصد الاستصباح لأن موردها مما
يكون الاستصباح فيه منفعة مقصودة منها كافية في ماليتها العرفية وربما يتوهم من
قوله عليه السلام في رواية الأعرج المتقدمة: فلا تبعه إلا لمن تبين له، فيبتاع للسراج اعتبار
القصد ويدفعه أن الابتياع للسراج إنما جعل غاية للإعلام. {1} بمعنى أن المسلم إذا
الطلع على نجاسته فيشتريه للسراج قوله عليه السلام في رواية معاوية بن وهب: بينه
لمن اشتراه ليستصبح به.
(الثاني) إن ظاهر بعض الأخبار وجوب الإعلام {2} فهل يجب مطلقا أم
لا {3}، وهل وجوبه نفسي أو شرطي بمعنى اعتبار اشتراطه في صحة البيع الذي.
118

ينبغي أن يقال إنه لا إشكال في وجوب الإعلام، إن قلنا باعتبار اشتراط
الاستصباح في العقد أو تواطؤهما عليه من الخارج لتوقف القصد، على العلم
بالنجاسة وأما إذا لم نقل باعتبار اشتراط الاستصباح في العقد فالظاهر وجوب
الإعلام وجوبا نفيسا قبل العقد، أو بعده {1}، لبعض الأخبار المتقدمة وفي قوله عليه السلام
119

يبينه لمن اشتراه ليستصبح به إشارة إلى وجوب الإعلام لئلا يأكله فإن الغاية
للإعلام ليس هو تحقق الاستصباح إذ ترتب بينهما شرعا ولا عقلا ولا عادة {1}
بل الفائدة حصر الانتفاع فيه، بمعنى عدم الانتفاع به في غيره، ففيه إشارة إلى
وجوب اعلام الجاهل بما يعطي إذا كان الانتفاع الغالب به محرما بحيث يعلم عادة
وقوعه في الحرام لولا الإعلام فكأنه قال: أعلمه لأن يقع في الحرام الواقعي بتركك
الإعلام.
120

ويشير إلى هذه القاعدة كثير من الأخبار المتفرقة الدالة على حرمة تغرير
الجاهل بالحكم أو الموضوع في المحرمات مثل ما دل أن من أفتى بغير علم لحقه وزر
من عمل بفتياه {1} فإن اثبات الوزر للمباشر من جهة فعل القبيح الواقعي وحمله
على المفتى من حيث التسبيت والتغرير ومثل قوله عليه السلام: ما من إمام صلى بقوم فيكون

1) الوسائل، باب 4، من أبواب صفات القاضي، حديث 1.
121

في صلواتهم تقصير إلا كان عليه أوزارهم {1}.
وفي رواية أخرى فيكون في صلاته وصلاتهم تقصير إلا كان إثم ذلك عليه و

1) البحار، ج 18، ص 613، من طبعة الكمباني.
2) تحف العقول، باب ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام كتابه إلى أهل مصر.
122

في رواية أخرى لا يضمن الإمام صلاتهم إلا أن يصلي بهم جنبا {1}.

1) الوسائل، باب 36، من أبواب صلاة الجماعة، حديث 6.
123

ومثل رواية أبي بصير {1} المتضمنة لكراهة أن يسقى البهيمة أو يطعم ما لا
يحل للمسلم أكله أو شربه فإن في كراهة ذلك في البهائم إشعارا بحرمته بالنسبة إلى
المكلف ويؤيده أن أكل الحرام وشربه من القبيح ولو في حق الجاهل، ولذا يكون
الاحتياط فيه مطلوبا مع الشك إذ لو كان للعلم دخل في قبحه لم يحسن الاحتياط، و
حينئذ فيكون إعطاء النجس للجاهل المذكور إغراء بالقبيح وهو قبيح عقلا {2}.

1) الوسائل، باب 10، من أبواب الأشربة المحرمة، حديث 5.
2) الوسائل، باب 10، من أبواب الأشربة المحرمة، حديث 4.
124



1) الوسائل، باب 10، من أبواب الأشربة المحرمة، حديث 7.
2) الوسائل، باب 26، من أبواب الأشربة المحرمة وباب 38 من أبواب النجاسات.
126

بل قد يقال بوجوب الإعلام وإن لم يكن منه تسبيب كما لو رأى نجسا في يده
يريد أكله وهو الذي صرح به العلامة قدس سره في [أجوبه المسائل المهنائية] حيث سأله
السيد المهنا عمن رأى في ثوب المصلي نجاسة، فأجاب: بأنه يجب الإعلام لوجوب
النهي عن المنكر {1} لكن إثبات هذا مشكل {2}.

1) الوسائل، باب 40، من أبواب الجنابة، حديث 1.
127

والحاصل أن هنا أمورا أربعة:
(أحدها): أن يكون فعل الشخص علة تامة لوقوع الحرام في الخارج كما إذا
أكره غيره على المحرم، ولا اشكال في حرمته وكون وزر الحرام عليه {1} بل أشد
لظلمه {2}.
(وثانيها): أن يكون فعله سببا للحرام {3} كمن قدم إلى غيره محرما ومثله
ما نحن فيه.
128

وقد ذكرنا أن الأقوى فيه التحريم {1} لأن استناد الفعل إلى السبب أقوى
فنسبة فعل الحرام إليه أولى {2} ولذا يستقر الضمان على السبب دون المباشر الجاهل،
بل قيل: إنه لا ضمان ابتداء إلا عليه.
(الثالث): أن يكون شرطا لصدور الحرام وهذا يكون على وجهين:
(أحدهما): أن يكون من قبيل ايجاد الداعي على المعصية، إما لحصول الرغبة
فيها كترغيب الشخص على المعصية، وإما لحصول العناد من الشخص حتى يقع في
المعصية، كسب آلهة الكفار الموجب لالقائهم في سب الحق عنادا أو سب آباء الناس
الموقع لهم في سب أبيه، الظاهر حرمة القسمين {3}.
وقد ورد في ذلك عدة من الأخبار.
(وثانيهما): أن يكون بإيجاد شرط آخر غير الداعي كبيع العنب ممن يعلم أنه
يجعله خمرا وسيأتي الكلام فيه.
129

الرابع: أن يكون من قبيل عدم المانع، وهذا يكون تارة مع الحرمة الفعلية في
حق الفاعل كسكوت الشخص عن المنع من المنكر ولا اشكال في المحرمة بشرائط
النهي عن المنكر، وأخرى مع عدم الحرمة الفعلية بالنسبة إلى الفاعل كسكوت العالم
عن إعلام الجاهل كما فيما نحن فيه، فإن صدور الحرام منه مشروط بعدم إعلامه فهل
يجب رفع الحرام بترك السكوت أم لا؟ وفيه إشكال {1} إلا إذا علمنا من الخارج
وجوب دفع ذلك لكونه فسادا قد أمر بدفعه كل من قدر عليه كما لو الطلع على عدم
إباحة دم من يريد الجاهل قتله أو عدم إباحة عرضه له أو لزم من سكوته ضرر
مالي، قد أمرنا بدفعه عن كل أحد فإنه يجب الإعلام والردع لو لم يرتدع بالإعلام
أما فيما تعلق بغير الثلاثة من حقوق الله فوجوب رفع مثل هذا الحرام مشكل، لأن
الظاهر من أدلة النهي عن المنكر وجوب الردع عن المعصية، فلا يدل على وجوب
اعلام الجاهل بكون فعله معصية، نعم وجب ذلك فيما إذا كان الجهل بالحكم لكنه من
حيث وجوب تبليغ التكاليف ليستمر التكليف إلى آخر الأبد بتبليغ الشاهد الغائب
فالعالم في الحقيقة مبلغ عن الله ليتم الحجة على الجاهل ويتحقق فيه قابلية
130

الإطاعة والمعصية، ثم إن بعضهم استدل على وجوب الإعلام بأن النجاسة
عيب خفي فيجب إظهارها {1} وفيه مع أن وجوب الإعلام على القول به ليس
مختصا بالمعاوضات {2} بل يشتمل مثل الإباحة من المجانيات أن كون النجاسة
عيبا ليس إلا لكونه منكرا واقعيا وقبيحا {3} فإن ثبت ذلك حرم الالقاء فيه مع قطع
النظر عن مسألة وجوب إظهار العيب وإلا لم يكن عيبا، فتأمل.
131

الثالث: المشهور بين الأصحاب وجوب كون الاستصباح تحت السماء {1} بل
في السرائر أن الاستصباح به تحت الظلال بغير خلاف.
وفي المبسوط أنه روى أصحابنا أنه يستصبح به تحت سماء دون السقف.

1) المبسوط كتاب الأطعمة، ج 6، ص 283.
132

لكن الأخبار المتقدمة على كثرتها وورودها في مقام البيان ساكتة عن هذا
القيد ولا مقيد لها من الخارج عدا ما يدعي من مرسلة الشيخ المنجبرة بالشهرة
المحققة والإنفاق المحكي {1} لكن لو سلم الانجبار فغاية الأمر دورانه بين تقييد
المطلقات المتقدمة أو حمل الجملة الخبرية على الاستحباب أو الإرشاد لئلا يتأثر
السقف بدخان النجس الذي هو نجس بناء على ما ذكره الشيخ من دلالة المرسلة
على نجاسة دخان النجس، إذ قد لا يخلو من أجزاء لطيفة دهنية تتصاعد بواسطة
الحرارة.
ولا ريب أن مخالفة الظاهر في المرسلة خصوصا بالحمل على الإرشاد أولى
خصوصا مع ابتناء التقييد، أما على ما ذكره الشيخ من دلالة الرواية على نجاسة
الدخان المخالفة للمشهور.
وأما على كون الحكم تعبدا محضا وهو في غاية البعد ولعله لذلك أفتى في
المبسوط بالكراهة مع روايته المرسلة، والإنصاف أن المسألة لا يخلو عن إشكال من
حيث ظاهر الروايات البعيدة عن القيد لإبائها في أنفسها عنه، وإباء المقيد عنه ومن
حيث الشهرة المحققة والاتفاق المنقول، ولو رجع إلى أصالة البراءة حينئذ.
133

لم يكن إلا بعيدا عن الاحتياط وجرأة على مخالفة المشهور {1} ثم إن العلامة
في المختلف فصل بين ما إذا علم بتصاعد شئ من أجزاء الدهن وما إذا لم يعلم
فوافق المشهور في الأول، وهو مبني على على ثبوت حرمة تنجيس السقف ولم يدل
عليه دليل وإن كان ظاهر كل من حكم بكون الاستصباح تحت السماء تعبدا لا
لنجاسة الدخان معللا بطهارة دخان النجس التسالم على حرمة التنجيس، وإلا لكان الأولى تعليل التعبد به لا بطهارة الدخان كما لا يخفى.
135

الرابع: هل يجوز الانتفاع بهذا الدهن في غير الاستصباح بأن يعمل صابونا
أو يطلى به الأجرب أو السفن {1} قولان مبنيان على أن الأصل في المتنجس جواز
الانتفاع إلا ما خرج بالدليل كالأكل والشرب والاستصباح تحت الظل، أو أن
القاعدة فيه المنع عن التصرف إلا ما خرج بالدليل كالاستصباح تحت السماء وبيعه
ليعمل صابونا على رواية ضعيفة تأتي {2} والذي صرح به في مفتاح الكرامة هو
الثاني {3} ووافقه بعض مشايخنا المعاصرين {4} وهو ظاهر جماعة من القدماء
كالشيخين والسيدين والحلي، وغيرهم، قال في (الإنتصار) ومما انفردت به الإمامية
أن كل طعام عالجه أهل الكتاب ومن ثبت كفرهم بدليل قاطع لا يجوز أكله ولا
الانتفاع واختلف باقي الفقهاء في ذلك {5} وقد دللنا على ذلك في كتاب الطهارة
حيث ذللنا على أن سؤر الكفار نجس، وقال في المبسوط، في الماء المضاف أنه مباح
التصرف فيه بأنواع التصرف ما لم يقع فيه نجاسة، فإن وقعت فيه نجاسة لم يجز
استعماله على حال وقال في حكم الماء المتغير بالنجاسة أنه لا يجوز استعماله إلا عند
الضرورة للشرب لا غير {6} وقال في النهاية وإن كان ما حصل فيه الميتة مايعا لم
يجز استعماله على حال ووجب إهراقه (انتهى) {7}.
136

وقريب منه عبارة المقنعة {1} وقال في الخلاف في حكم السمن والبذر و
الشيرج والزيت إذا وقعت فيه فأرة إنه جاز الاستصباح به ولا يجوز أكله ولا
الانتفاع به بغير الاستصباح.
وبه قال الشافعي: وقال قوم من أصحاب الحديث لا ينتفع به بحال لا
باستصباح ولا بغيره، بل براق كالخمر، وقال أبو حنيفة: يستصبح به ويباع أيضا،
وقال ابن داود: إن كان المائع سمنا لم ينتفع به بحال، وإن كان ما عداه من الأدهان
لم ينجس بموت الفأرة فيه ويحل أكله وشربه لأن الخبر ورد في السمن فحسب دليلنا
اجماع الفرقة وأخبارهم {2}.
وفي السرائر في حكم الدهن المتنجس أنه لا يجوز الأدهان به ولا استعماله في
شئ من الأشياء عدا الاستصباح تحت السماء (انتهى) {3}.
وادعى في موضع آخر أن الاستصباح به تحت الظلال محظور بغير خلاف، و
قال ابن زهرة بعد أن اشترط في المبيع أن يكون مما ينتفع به منفعة محللة، قال: و
شرطنا في المنفعة أن تكون مباحة تحفظا من المنافع المحرمة ويدخل في ذلك كل نجس
لا يمكن تطهيره عدا ما استثنى من بيع الكلب المعلم للصيد، والزيت النجس
للاستصباح به تحت السماء وهو إجماع الطائفة، ثم استدل على جواز بيع الزيت بعد
الاجماع بأن النبي صلى الله عليه وآله أذن في الاستصباح به تحت السماء قال: وهذا يدل على جواز
بيعه لذلك (انتهى) {4}.
137

هذا ولكن الأقوى وفاقا لأكثر المتأخرين جواز الانتفاع إلا ما خرج
بالدليل ويدل عليه أصالة الجواز وقاعدة حل الانتفاع بما في الأرض ولا حاكم
عليها سوى ما يتخيل من بعض الآيات والأخبار ودعوى الجماعة المتقدمة
الاجماع على المنع والكل غير قابل لذلك، أما الآيات فمنها قوله تعالى: (إنما الخمر و
الميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه) {1} (1) دل بمقتضى
التفريع على وجوب اجتناب كل رجس.

1) سورة المائدة، 91.
138

وفيه: إن الظاهر من الرجس ما كان كذلك في ذاته لا ما عرض له ذلك
فيختص بالعناوين النجسة {1} وهي النجاسات العشر مع أنه لو عم المتنجس لزم
أن يخرج عنه أكثر الأفراد.
139

فإن أكثر المتنجسات لا يجب الاجتناب منه {1} مع أن وجوب الاجتناب ثابت فيما
كان رجسا من عمل الشيطان يعني من مبتدعاته فيختص وجود الاجتناب
المطلق بما كان من عمل الشيطان سواء كان نجسا كالخمر أو قذرا معنويا مثل المسير.
140

ومن المعلوم أن المائعات المتنجسة كالدهن والطين، والصبغ والدبس إذا
تنجست ليست من أعمال الشيطان، وإن أريد من عمل الشيطان عمل المكلف
المتحقق في خارج باغوائه ليكون المراد بالمذكورات استعمالها على النحو الخاص،
فالمعنى أن الانتفاع بهذه المذكورات رجس من عمل الشيطان، كما يقال في سائر
المعاصي أنها من عمل الشيطان، فلا تدل أيضا على وجوب الاجتناب عن استعمال
المتنجس إلا إذا ثبت كون الاستعمال رجسا وهو أول الكلام وكيف كان فالآية لا
تدل على المطلوب ومن بعض ما ذكرنا يظهر ضعف الاستدلال {1} على ذلك بقوله
تعالى: (والرجز فاهجر) بناء على أن الرجز هو الرجس.

1) المدثر، 6.
141

وأضعف من الكل الاستدلال بآية تحريم الخبائث {1} بناء على أن كل
متنجس خبيث، والتحريم المطلق يفيد تحريم عموم الانتفاع إذ لا يخفى أن المراد هنا
حرمة الأكل {2} بقرينة مقابلته بحلية الطيبات.
وأما الأخبار فمنها ما تقدم من رواية تحف العقول حيث علل النهي عن بيع
وجوه النجس بأن ذلك كله محرم أكله وشربه وإمساكه وجميع التقلب فيه. فجميع
التقلب في ذلك حرام {3} وفيه ما تقدم من أن المراد بوجوه النجس عنواناته
المعهودة لأن الوجه هو العنوان، والدهن ليس عنوانا للنجاسة، والملاقي للنجس و
إن كان عنوانا للنجاسة لكنه ليس وجها من وجوه النجاسة في مقابلة غيره {1}، و
لذا لم يعدوه عنوانا في مقابل العناوين النجسة مع ما عرفت من لزوم تخصيص
الأكثر لو أريد به المنع عن استعمال كل متنجس.

1) سورة الأعراف، 157.
142

ومنها ما دل على الأمر بإهراق المائعات الملاقية للنجاسة والقاء ما حول
الجامد من الدهن وشبهه وطرحه {1} وقد تقدم بعضها في مسألة الدهن وبعضها
الآخر متفرقة مثل قوله يهريق المرق ونحو ذلك، وفيه أن طرحها كناية عن عدم
الانتفاع بها في الأكل فإن ما أمر بطرحه من جامد الدهن والزيت يجوز الاستصباح
به اجماعا فالمراد اطراحه من ظرف الدهن وترك الباقي للأكل.

1) الوسائل، باب 26، من أبواب الأشربة المحرمة، حديث 1.
2) الوسائل، باب 6، من أبواب ما يكتسب به.
143

وأما الاجماعات {1} ففي دلالتها على المدعى نظر يظهر من ملاحظتها، فإن
الظاهر من كلام السيد المتقدم أن مورد الاجماعات هو نجاسة ما باشره أهل الكتاب {2} وأما حرمة الأكل والانتفاع فهي من فروعها المتفرعة على النجاسة لا
أن معقد الاجماع حرمة الانتفاع بالنجس، فإن خلاف باقي الفقهاء في أصل النجاسة
في أهل الكتاب لا في أحكام النجس.
وأما اجماع الخلاف فالظاهر أن معقده ما وقع الخلاف فيه بينه وبين من ذكر
من المخالفين {3} إذ فرق بين دعوى الاجماع على محل النزاع بعد تحريره وبين

1) الوسائل، باب 8، من أبواب الماء المطلق.
2) الوسائل، باب 8، من أبواب الماء المطلق.
144

دعواه ابتداء على الأحكام المذكورة في عنوان المسألة، فإن الثاني يشمل الأحكام
كلها، والأول لا يشمل إلا الحكم الواقع مورد الخلاف لأنه الظاهر من قوله: دليلنا
اجماع الفرقة فافهم واغتنم.
وأما اجماع السيد في الغنية فهو في أصل مسألة تحريم بيع النجاسات و
استثناء الكلب المعلم والزيت المتنجس لا فيما ذكره من أن حرمة بيع المتنجس من
حيث دخوله فيما يحرم الانتفاع، نعم هو قائل بذلك {1}.
وبالجملة فلا ينكر ظهور كلام السيد في حرمة الانتفاع بالنجس الذاتي و
العرضي لكن دعواه الاجماع على ذلك بعيدة عن مدلول كلامه جدا وكذلك لا ينكر
145

كون السيد والشيخ قائلين بحرمة الانتفاع بالمتنجس، كما هو ظاهر المفيد وصريح
الحلي لكن دعواهما الاجماع على ذلك ممنوعة عند المتأمل المنصف، ثم على تقدير
تسليم دعواهم الاجماعات، فلا ريب في وهنها بما يظهر من أكثر المتأخرين من
قصر حرمة الانتفاع على أمور خاصة.
قال في معتبر في أحكام الماء القليل المتنجس وكل ماء حكم بنجاسته لم يجز
استعماله {1} إلى أن قال: ونريد بالمنع عن استعماله، الاستعمال في الطهارة وإزالة
الخبث والأكل والشرب دون غيره، مثل بل الطين وسقي الدالة (انتهى).
146

أقول: إن بل الصبغ والحناء بذلك الماء داخل في الغير فلا يحرم الانتفاع
بهما {1}.
وأما العلامة فقد قصر حرمة استعمال الماء المتنجس في التحرير والقواعد
والإرشاد على الطهارة والأكل والشرب، وجوز في المنتهى الانتفاع بالعجين
النجس في علف الدواب محتجا بأن المحرم على المكلف تناوله وبأنه انتفاع فيكون
سائغا للأصل {2} ولا يخفى أن كلا دليليه صريح في حصر التحريم في أكل العجين
المتنجس وقال الشهيد في قواعده: النجاسة ما حرم استعماله في الصلاة والأغذية،
ثم ذكر ما يؤيد المطلوب، وقال في الذكرى في أحكام النجاسة تجب إزالة النجاسة
عن الثوب والبدن، ثم ذكر المساجد وغيرها إلى أن قال: وعن كل مستعمل في أكل
أو شرب أو ضوء تحت الظل للنهي عن النجس وللنص (انتهى).
ومراده بالنهي عن النجس النهي عن أكله، ومراده بالنص ما ورد من المنع
عن الاستصباح بالدهن المتنجس تحت السقف، فانظر إلى صراحة كلامه في أن
المحرم من الدهن المتنجس بعد الأكل والشرب خصوص الاستضاءة تحت الظل
للنص وهو المطابق لما حكاه المحقق الثاني في حاشية الإرشاد عنه قدس سره في بعض فوائده
من جواز الانتفاع بالدهن المتنجس في جميع ما يتصور من فوائده.
وقال المحقق والشهيد الثانيان في المسالك وحاشية الإرشاد عند قول المحقق
والعلامة (قدس سرهما) تجب إزالة النجاسة عن الأواني، أن هذا إذا استعملت فيما
يتوقف استعماله على الطهارة كالأكل والشرب، وسيأتي عن المحقق الثاني في حاشية
الإرشاد في مسألة الانتفاع بالأصباغ المتنجسة ما يدل على عدم توقف جواز
الانتفاع بها على الطهارة.
وفي المسالك في ذيل قول المحقق قدس سره وكل مايع نجس عدا الأدهان، قال: لا فرق
147

في عدم جواز بيعها على القول بعدم قبولها للطهارة بين صلاحيتها للانتفاع على
بعض الوجوه وعدمه ولا بين الإعلام بحالها وعدمه على ما نص عليه الأصحاب.
وأما الأدهان المتنجسة بنجاسة عارضية كالزيت تقع فيه الفأرة، فيجوز
بيعها لفائدة الاستصباح بها وإنما خرج هذا الفرد بالنص وإلا فكان ينبغي مساواتها
لغيرها من المايعات المتنجسة التي يمكن الانتفاع بها في بعض الوجوه.
وقد ألحق بعض الأصحاب ببيعها للاستصباح بيعها ليعمل صابونا أو يطلي به
الأجرب ونحو ذلك، ويشكل بأنه خروج عن مورد النص المخالف للأصل فإن جاز
لتحقق المنفعة فينبغي مثله في المائعات النجسة التي ينتفع بها كالدبس يطعم للنحل و
غيره انتهى.
ولا يخفى ظهوره في جواز الانتفاع بالمتنجس وكون المنع من بيعه لأجل
النص يقتصر على مورده وكيف كان فالمتتبع في كلام المتأخرين يقطع بما استظهرناه
من كلماتهم والذي أظن وإن كان الظن لا يغني لغيري شيئا أن كلمات القدماء يرجع
إلى ما ذكره المتأخرين.
وأن المراد بالانتفاع في كلمات القدماء الانتفاعات الراجعة إلى الأكل
والشرب وإطعام الغير، وبيعه على نحو بيع ما يحل أكله {1}، ثم لو فرضنا مخالفة
القدماء كفى موافقة المتأخرين في دفع الوهن عن الأصل والقاعدة السالمين عما يردا
عليهما، ثم على تقدير جواز غير الاستصباح من الانتفاعات فالظاهر جواز بيعه
لهذه الانتفاعات {2} وفاقا للشهيد والمحقق الثاني.
148

قال الثاني في حاشية الإرشاد في ذيل قول العلامة قدس سره إلا الدهن للاستصباح
إن في بعض الحواشي المنسوبة إلى شيخنا الشهيد أن الفائدة لا تنحصر في ذلك إذ مع
فرض فائدة أخرى للدهن لا يتوقف على طهارته يمكن بيعه لها كاتخاذ الصابون منه.
قال: وهو مروي ومثله طلي الدواب، أقول: لا بأس بالمصير إلى ما ذكره شيخنا، و
قد ذكر أن به رواية، (انتهى).
أقول: والرواية إشارة إلى ما عن الراوندي في كتاب النوادر بإسناده عن أبي
الحسن موسى بن جعفر عليه السلام وفيه سأل عليه السلام عن الشحم يقع فيه شئ له دم فيموت،
قال: تبيعه لمن يعمله صابونا، (الخبر) {1}.
ثم لو قلنا: بجواز البيع في الدهن لغير المنصوص من الانتفاعات المباحة فهل
يجوز بيع غيره من المتنجسات المنتفع بها في المنافع المقصودة المحللة كالصبغ والطين و
نحو هما، أم يقتصر على المتنجس المنصوص وهو الدهن، غاية الأمر التعدي من
حيث غاية البيع إلى غير الاستصباح إشكال {2} من ظهوره استثناء الدهن في كلام
المشهور في عدم جواز بيع ما عداه، بل عرفت من المسالك نسبة عدم الفرق بين ما له
منفعة محللة وما ليست له إلى نص الأصحاب، ومما تقدم في مسألة جلد الميتة من أن
الظاهر من كلمات جماعة من القدماء والمتأخرين، كالشيخ في الخلاف، وبأن زهرة و
العلامة وولده والفاضل المقداد والمحقق الثاني وغيرهم، دوران المنع عن بيع النجس
مدار جواز الانتفاع به وعدمه إلا ما خرج بالنص كأليات الميتة مثلا، أو مطلق.
149

نجس العين على ما سيأتي من الكلام فيه، وهذا هو الذي يقتضيه استصحاب الحكم
قبل التنجس {1} وهي القاعدة المستفادة من قوله عليه السلام في رواية تحف العقول {2} إن
كل شئ يكون لهم فيه الصلاح من جهة من الجهات فذلك كله حلال (1) وما تقدم
من رواية دعائم الاسلام من حل بيع كل ما يباح الانتفاع به (2) وأما قوله تعالى
(فاجتنبوه) (3) وقوله تعالى (والرجز فاهجر) (4). فقد عرفت أنهما لا تدلان على
حرمة الانتفاع بالمتنجس فضلا عن حرمة البيع على تقدير جواز الانتفاع ومن ذلك
يظهر عدم صحة الاستدلال فيما نحن فيه بالنهي في رواية

1) تحف العقول، ص 333.
2) دعائم الاسلام، ج 2، ص 18، حديث 23.
3) المائدة، 89.
4) المدثر، 5.
150

تحف العقول عن بيع شئ من وجوه النجس بعد ملاحظة تعليل المنع فيها بحرمة
الانتفاع {1} ويمكن حمل كلام من أطلق المنع عن بيع النجس إلا الدهن لفائدة
الاستصباح على إرادة المائعات النجسة التي لا ينتفع بها في غير الأكل والشرب
منفعة محللة مقصودة من أمثالها {2} ويؤيده تعليل استثناء الدهن بفائدة الاستصباح
نظير استثناء بول الإبل للاستشفاء وإن احتمل أن يكون ذكر الاستصباح لبيان ما
يشترط أن يكون غاية للبيع، قال في جامع المقاصد في شرح قول العلامة قدس سره إلا
الدهن لتحقق فائدة الاستصباح به تحت السماء خاصة، قال: وليس المراد بخاصة {3}
بيان حصر الفائدة في الاستصباح كما هو الظاهر.
وقد ذكر شيخنا الشهيد في حواشيه أن في رواية جواز اتخاذ الصابون من
الدهن المتنجس، وصرح مع ذلك بجواز الانتفاع به فيما يتصور من فوائده كطلي
الدواب، إن قيل إن العبارة تقتضي حصر الفائدة لأن الاستثناء في سياق النفي يفيد
الحصر {4} فإن المعنى في العبارة إلا الدهن النجس لهذه الفائدة لأن الفائدة، قلنا: ليس المراد
ذلك لأن الفائدة بيان لوجه الاستثناء أي إلا الدهن لتحقق فائدة الاستصباح وهذا
لا يستلزم الحصر ويكفي في صحة ما قلنا تطرق الاحتمال في العبارة المقتضي
لعدم الحصر، انتهى.
151

وكيف كان فالحكم بعموم كلمات هؤلاء لكل مايع متنجس مثل الطين و
الجص المايعين والصبغ، وشبه ذلك محل تأمل، وما نسبه في المسالك من عدم فرقهم
في المنع عن بيع المتنجس بين ما يصلح للانتفاع به وما لا يصلح، فلم يثبت صحته
مع ما عرفت من كثير من الأصحاب من إناطة الحكم في كلامهم مدار الانتفاع و
لأجل ذلك استشكل المحقق الثاني في حاشية الإرشاد فيما ذكره العلامة بقوله: ولا
بأس بيع ما عرض له التنجيس مع قبول الطهارة حيث قال: مقتضاه أنه لو لم يكن
قابلا للطهارة لم يجز بيعه وهو مشكل، إذ الأصباغ المتنجسة لا تقبل التطهير
قابلا للطهارة لم يجز بيعها، لأن منافعها لا تتوقف على الطهارة اللهم إلا أن
يقال: إنها تؤول إلى حالة معها التطهير لكن بعد جفافها بل ذلك هو المقصود
منها فاندفع الاشكال {1}.
أقول لو لم يعلم من مذهب العلامة دوران المنع عن بيع المتنجس مدار حرمة
الانتفاع لم يرد على عبارته إشكال، لأن المفروض حينئذ التزامه بجواز الانتفاع
بالأصباغ مع عدم جواز بيعها إلا أن يرجع الاشكال إلى حكم العلامة، وأنه مشكل
على مختار المحقق الثاني لا إلى كلامه، وأن الحكم مشكل على مذهب المتكلم فافهم.
152

ثم إن ما دفع به الاشكال من جعل الأصباغ قابلة للطهارة إنما ينتفع في
خصوص الأصباغ، وأما مثل بيع الصابون المتنجس فلا يندفع الاشكال عنه بما
ذكره، وقد تقدم منه سابقا جواز بيع الدهن المتنجس ليعمل صابونا بناء على أنه من
فوائده المحللة مع أن ما ذكره من قبول الصبغ التطهير بعد الجفاف محل نظر لأن
المقصودة من قبوله الطهارة قبولها قبل الانتفاع وهو مفقود في الأصباغ لأن الانتفاع
بها وهو الصبغ قبل الطهارة، وأما ما يبقى منها بعد الجفاف وهو اللون فهي نفس
المنفعة لا الانتفاع مع أنه لا يقبل التطهير وإنما القابل هو الثوب {1} بقي الكلام في
حكم نجس العين من حيث أصالة حل الانتفاع به في غير ما ثبت حرمته أو أصالة
العكس.
فاعلم أن ظاهر الأكثر أصالة الأكثر حرمة الانتفاع بنجس العين {2} بل ظاهر
فخر الدين في (شرح الإرشاد) والفاضل المقداد الاجماع على ذلك، حيث استدلا
على عدم جواز بيع الأعيان النجسة بأنها محرمة الانتفاع، وكل ما هو كذلك لا يجوز
بيعه، قالا: أما الصغرى فإجماعية ويظهر من الحدائق في مسألة الانتفاع بالدهن
المتنجس في غير الاستصباح نسبة ذلك إلى الأصحاب، ويدل عليه ظواهر الكتاب
والسنة {3} مثل قوله: (حرمت عليكم الميتة والدم) بناء على ما ذكره الشيخ

1) المائدة: 3.
2) مدثر، 6.
3) المائدة: 9.
153

والعلامة من إرادة جميع الانتفاعات وقوله تعالى: (إنما الخمر والميسر والأنصاب و
الأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه) الدال على وجوب اجتناب كل رجس و
هو نجس العين، وقوله تعالى: (والرجز فاهجر) بناء على أن هجره لا يحصل إلا
بالاجتناب عنه مطلقا، وتعليله عليه السلام في رواية تحف العقول حرمة بيع وجوه النجس
بحرمة الأكل والشرب والإمساك وجميع التقلبات فيه {1} ويدل على أيضا كلما دل
من الأخبار {2} والإجماع على عدم جواز بيع نجس العين بناء على أن المنع من بيعه
لا يكون إلا مع حرمة الانتفاع به، هذا ولكن التأمل يقضي بعدم جواز الاعتماد في
مقابل أصالة الإباحة على شئ مما ذكر {3}.
أما آيات التحريم والاجتناب والهجر فلظهورها في الانتفاعات المقصودة في
كل نجس بحسبه {4} وهي مثل الميتة الأكل، والخمر الشرب، وفي المسير
اللعب به، والأنصاب والأزلام ما يليق بحالها.

1) الوسائل، باب 2، من أبواب ما يكتسب به، حديث 3.
154

وأما رواية تحف العقول {1} فالمراد بالإمساك والتقلب فيه ما يرجع إلى
الأكل والشرب، وإلا فسيجئ الاتفاق على جواز إمساك نجس العين لبعض الفوائد.
155

وما دل من الاجماع الأخبار على حرمة بيع نجس العين قد يدعى
اختصاصه بغير ما يحل الانتفاع المعتد به أو يمنع استلزامه لحرمة الانتفاع {1} بناء
على أن نجاسة العين مانع مستقل عن جواز البيع من غيرها إلى إرجاعها إلى
عدم المنفعة المحللة.
156

وأما توهم الاجماع فمدفوع بظهور كلمات كثير منهم في جواز الانتفاع في
الجملة {1}. قال في المبسوط: أن سرجين ما لا تؤكل لحمه، وعذرة الانسان و
خرؤ الكلاب لا يجوز بيعها ويجوز الانتفاع بها في الزروع والكروم وأصول الشجر
بلا خلاف (انتهى).
وقال العلامة في التذكرة يجوز اقتناء الأعيان النجسة لفائدة، ونحوها في
القواعد، وقرره على ذلك في جامع المقاصد، وزاد عليه قوله لكن هذه لا تصيرها
مالا بحيث يقابل بالمال، وقال في باب الأطعمة والأشربة من المختلف أن شعر
الخنزير يجوز استعماله مطلقا مستدلا بأن نجاسته لا يمنع الانتفاع به لما فيه من المنفعة
الخالية عن ضرر عاجل وآجل.
وقال الشهيد في قواعده: النجاسة ما حرم استعماله في الصلاة والأغذية
للاستقذار وللتوصل بها إلى الضرار، ثم ذكر أن قيد الأغذية لبيان مورد الحكم، و
فيه تنبيه على الأشربة كما أن الصلاة تنبيها على الطواف (انتهى) وهو كالنص في
جواز الانتفاع بالنجس في غير هذه الأمور.
وقال الشهيد الثاني في روضة عند قول المصنف في عداد ما لا يجوز بيعه من
النجاسات والدم، قال: وإن فرض له نفع حكمي كالصبغ وأبوال وأرواث ما لا
والأرواث هو النفع المحلل وإلا لم يحسن ذكر هذا القيد في خصوص هذه الأشياء
دون سائر النجاسات ولا ذكر خصوص الصبغ للدم مع أن الأكل هي المنفعة
157

المتعارفة المنصرف إليها الإطلاق في قوله تعالى: (حرمت عليكم الميتة) والمسوق لها
الكلام في قوله تعالى: (أو دما مسفوحا) وما ذكرنا هو ظاهر المحقق الثاني حيث
حكى عن الشهيد أنه حكى عن العلامة جواز الاستصباح بدهن الميتة، ثم قال: و
هو بعيد لعموم النهي عن الانتفاع بالميتة {1} فإن عدوله عن التعليل بعموم المنع عن
الانتفاع بالنجس إلى ذكر خصوص الميتة يدل على عدم العموم في النجس، وكيف
كان فلا يبقى بملاحظة ما ذكرنا وثوق بنقل الاجماع المتقدم عن شرح الإرشاد و
التنقيح الجابر لرواية تحف العقول الناهية عن جميع التقلب في النجس مع احتمال أن
يراد من جميع التقلب جميع أنواع التعاطي {2} لا الاستعمالات ويراد من إمساكه،
إمساكه للوجه المحرم {3}، ولعله للإحاطة بما ذكرنا اختار بعض الأساطين في شرحه
على القواعد جواز الانتفاع بالنجس كالمتنجس لكن مع تفصيل لا يرجع إلى مخالفة
في محل الكلام، فقال: ويجوز الانتفاع بالأعيان النجسة والمتنجسة في غير ما ورد
النص بمنعه كالميتة النجسة التي لا يجوز الانتفاع بها فيما يسمى استعمالا عرفا للأخبار
والإجماع، وكذا الاستصباح بالدهن المتنجس تحت الظلال وما دل على المنع عن
الانتفاع بالنجس والمتنجس مخصوص أو منزل على الانتفاع الدال على
عدم الاكتراث بالدين وعدم المبالاة وأما من استعمله ليغسله فغير مشمول للأدلة

1) الوسائل، باب 5، من أبواب ما يكتسب به.
158

ويبقى على حكم الأصل (انتهى).
والتقييد بما يسمى استعمالا في كلامه قدس سره لعله لإخراج مثل الإيقاد بالميتة وسد
ساقية الماء بها واطعامها لجوارح الطير {1} ومراده سلب الاستعمال المضاف إلى
الميتة عن هذه الأمور، لأن استعمال كل شئ إعماله في العمل المقصود منه عرفا فإن
إيقاد الباب والسرير لا يسمى استعمالها لهما كلن لا يشكل بأن المنهي عنه في
النصوص الانتفاع بالميتة الشامل لغير الاستعمال المعهود المتعارف في الشئ، ولذا
قيد هو قدس سره الانتفاع بما يسمى استعمالا.
نعم يمكن أن يقال مثل هذه الاستعمالات لا تعد انتفاعا تنزيلا لها منزلة
المعدوم، ولذا يقال للشئ أنه مما ينتفع به مع قابليته للأمور المذكورة فالمنهي عنه
هو الانتفاع بالميتة بالمنافع المقصودة التي تعد عرفا غرضنا من تملك الميتة لولا كونها
ميتة {2} وإن كانت قد تملك لخصوص هذه الأمور كما قد يشترى اللحم لإطعام
الطيور والسباع لكنها أغراض شخصية كما قد يشترى الجلاب لإطفاء النار والباب
للإيقاد والتسخين به.
159

قال العلامة في النهاية في بيان أن الانتفاع ببول غير المأكول في الشرب للدواء.
منفعة جزئية لا يعتد بها، قال: إذ كل شئ من المحرمات لا تخلو عن منفعة كالخمر
للتخليل والعذرة للتسميد والميتة لأكل جوارح الطير ولم يعتبرها الشارع (انتهى).
ثم إن الانتفاع المنفي في الميتة وإن كان مطلقا في حيز النفي إلا أن اختصاصه
بما ادعيناه من الأغراض المقصودة من الشئ دون الفوائد المترتبة عليه من دون أن
تعد مقاصد ليس من جهة انصرافه إلى المقاصد حتى يمنع انصراف المطلق في حيز
النفي {1}.
160

بل من جهة التسامح والادعاء العرفي {1} تنزيلا للموجود منزلة المعدوم، فإنه
يقال للميتة مع وجود تلك الفوائد فيها إنما مما لا ينتفع به، ومما ذكرنا ظهر الحال في
البول والعذرة والمني فإنها مما لا ينتفع بها وإن استفيد منها بعض الفوائد كالتسميد
والإحراق كما هو سيرة بعض الجصاصين من العرب كما يدل عليه وقوع والسؤال في
بعض الروايات عن الجص يوقد عليه العذرة وعظام الموتى ويجصص به المسجد،
فقال الإمام عليه السلام إن الماء والنار قد طهارة، بل في الرواية إشعار بالتقرير فتفطن. وأما
ما ذكره من تنزيل ما دل على المنع عن الانتفاع بالنجس على ما يؤذن بعدم
الاكتراث بالدين وعدم المبالاة لا من استعمله ليغسله فهو تنزيل بعيد {2}.
نعم يمكن أن ينزل على الانتفاع به على وجه الانتفاع بالطاهر بأن يستعمله
على وجه يوجب تلويث بدنه وثيابه وسائر آلات الانتفاع كالصبغ بالدم وإن بنى
على غسل الجميع عند الحاجة إلى ما يشترط فيه الطهارة.

1) الوسائل، باب 34، من أبواب الأطعمة المحرمة.
161

وفي بعض الروايات إشارة إلى ذلك.
ففي الكافي (1) بسنده عن الوشاء، قال: قلت لأبي الحسن عليه السلام جعلت فداك إن أهل
الجبل تثقل عندهم أليات الغنم فيقطعونها، فقال: حرام هي ميتة، فقلت: جعلت
فداك فيستصبح بها، فقال: أما علمت أنه يصيب اليد والثوب وهو حرام بحملها
على حرمة الاستعمال {1} على وجه يوجب البدن والثياب، وأما حمل الحرام
على النجس كما في كلام بعض فلا شاهد عليه والرواية في نجس العين فلا ينتقض
بجواز الاستصباح بالدهن المتنجس لاحتمال كون مزاولة نجس العين مبغوضة
للشارع كما يشير إليه قوله تعالى (والرجز فاهجر) ثم إن منفعة النجس المحللة للأصل
أو للنص {2}.

1) الكافي، ج 6، ص 255، حديث 3 - الوسائل، باب 32 من أبواب الأطعمة المحرمة، حديث 1.
162

قد تجعله مالا عرفا إلا أنه منع الشرع عن بيعه كجلد الميتة إذا قلنا بجواز الاستقاء به
لغير الوضوء كما هو مذهب جماعة مع القول بعدم جواز بيعه لظاهر الاجماعات
المحكية وشعر الخنزير إذا جوزنا استعماله اختيارا والكلاب الثلاثة إذا منعنا عن
بيعها.
163

فمثل هذه أموال لا تجوز المعاوضة عليها ولا يبعد جواز هبتها لعدم المانع مع
وجود المقتضي فتأمل {1} وقد لا تجعله مالا عرفا لعدم ثبوت المنفعة المقصودة منه
له وإن ترتب عليه الفوائد كالميتة التي يجوز إطعامها لجوارح الطير والإيقاد بها و
العذرة للتسميد فإن الظاهر أنها لا تعد أموالا عرفا كما اعترف به جامع المقاصد في
شرح قول العلامة ويجوز اقتناء الأعيان النجسة لفائدة والظاهر ثبوت
164

حق الاختصاص في هذه الأمور الناشئ {1} إما عن الحيازة وأما عن كون أصلها
مالا للمالك كما لو مات حيوان له أو فسد لحم اشتراه للأكل على وجه خرج عن
المالية.

1) المستدرك، باب 1، من كتاب إحياء الموات، حديث 4.
165

والظاهر جواز المصالحة على هذا الحق بلا عوض بناء على صحة هذا
الصلح {1} بل مع العوض بناء على أنه لا يعد ثمنا لنفس العين حتى يكون سحتا
بمقتضى الأخبار.
قال في التذكرة ويصح الوصية بما يحل الانتفاع به من النجاسات، كالكلب
المعلم والزيت النجس لاشعاله تحت السماء والزيل للانتفاع باشعاله والتسميد به، و
جلد الميتة إن سوغنا الانتفاع به والخمر المحترمة لثبوت الاختصاص فيها، وانتقالها
من يد إلى يد بالإرث وغيره (انتهى).
والظاهر أن مراده بغير الإرث، الصلح الناقل.
وأما اليد الحادثة بعد إعراض اليد الأولى فليس انتقالا، لكن الانصاف أن
الحكم مشكل {2}.
166

نعم لو بذل مالا على أن يرفع يده عنها ليحوزها الباذل كان حسنا كما يبذل
الرجل المال على أن يرفع اليد عما في تصرفه من الأمكنة المشتركة كمكانه من
المسجد والمدرسة والسوق، وذكر بعض الأساطين بعد إثبات حق الاختصاص إن
دفع شئ من المال لافتكاكه يشك في دخوله تحت الإكتساب المحظور فيبقى على
أصالة الجواز أنه يشترط في الاختصاص بالحيازة قصد الحائز للانتفاع {1} ولذا
ذكروا أنه لو علم كون حيازة الشخص للماء والكلاء لمجرد العبث لم يحصل له حق و
حينئذ فيشكل الأمر فيما تعارف في بعض البلاد من جمع العذرات حتى إذا صارت من
الكثرة بحيث ينتفع بها في البساتين والزرع بذل له مال فأخذت منه، فإن الظاهر بل
167

المقطوع أنه لم يحزها للانتفاع بها وإنما حازها لأخذ المال ومن المعلوم أن حل المال
فرع ثبوت الاختصاص المتوقف على قصد الانتفاع المعلوم انتفائه في المقام وكذا لو
سبق إلى مكان من الأمكنة المذكورة من غير قصد الانتفاع منها بالسكنى، نعم لو
جمعها في مكانه المملوك فبذل له المال على أن يتصرف في ذلك المكان بالدخول
لأخذها كان حسنا كما أنه لو قلنا بكفاية مجرد قصد الحيازة في الاختصاص وإن لم
يقصد الانتفاع بعينه وقلنا: بجواز المعاوضة على حق الاختصاص كان أسهل.
النوع الثاني مما يحرم التكسب به ما يحرم لتحريم ما يقصد به وهو على أقسام:
الأول: ما لا يقصد من وجوده على نحوه الخاص إلا الحرام وهي أمور:
منها هياكل العبادة المبتدعة كالصليب والصنم {1} بلا خلاف ظاهر بل
168

الظاهر الاجماع عليه ويدل عليه مواضع من رواية تحف العقول المتقدمة {1} في
قوله عليه السلام وكل أمر يكون فيه الفساد مما هو منهي عنه، وقوله: أو شئ يكون فيه
وجه من وجوه الفساد وقوله عليه السلام وكل منهي عنه مما يتقرب به لغير الله وقوله عليه السلام إنما
حرم الله الصناعة التي هي حرام كلها مما يجئ منه الفساد محضا نظير المزامير
والبرابط وكل ملهو به والصلبان والأصنام إلى أن قال: فحرام تعليمه وتعلمه و
العمل به وأخذ الأجرد عليه وجميع التقلب فيه من جميع وجوه الحركات. الخ.

1) الوسائل، باب 2، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.
2) المستدرك، باب 5، من أبواب ما يكتسب به، حديث 5.
3) سورة الحج، آية 31.
169

هذا كله مضافا إلى أكل المال في مقابل هذه الأشياء أكل له بالباطل، وإلى
قوله عليه السلام إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه {1} بناء على أن تحريم هذه الأمور تحريم
لمنافعها الغالبة بل الدائمة، فإن الصليب من حيث إنه حشب بهذه الهيئة لا ينتفع به إلا
في الحرام، وليس بهذه الهيئة مما ينتفع به في المحلل والمحرم، ولو فرض ذلك كان منفعة

1) سورة المدثر، آية 6.
2) سورة المائدة، آية 91.
3) عوالي اللئالي، ح 2، ص 110، حديث 301.
170

نادرة لا يقدح في تحريم العين بقول مطلق الذي هو المناط في تحريم الثمن (1) نعم لو
فرض هيئة خاصة مشتركة بين هيكل العبادة وآلة أخرى لعمل محلل بحيث لا تعد
منفعة نادرة فالأوقوى جواز البيع بقصد تلك المنفعة المحللة كما اعترف به في المسالك.
فما ذكره بعض الأساطين من أن ظاهر الاجماع والأخبار أنه لا فرق بين قصد الجهة
المحللة وغيرها، فلعله محمول على الجهة المحللة التي لا دخل للهيئة فيها أو النادرة
التي مما للهيئة دخل فيه، نعم ذكر أيضا، وفاقا لظاهر غيره بل الأكثر أنه لا فرق بين
قصد المادة والهيئة.

الوسائل، باب 41، من أبواب ما يكتسب به.
171

أقول: إن أراد بقصد المادة كونها هي الباعثة {1} على بذل المال بإزاء
ذلك الشئ وإن كان عنوان المبيع المبذول بإزائه الثمن هو ذلك الشئ، فما استظهره
من الاجماع والأخبار حسن لأن بذل المال بإزاء هذا الجسم المتشكل

1) الوسائل، باب 86، من أبواب ما يكتسب به، حديث 5.
173

بالشكل الخاص من حيث كونه مالا عرفا بذل للمال على الباطل {1} وإن
أراد بقصد المادة كون المبيع هي المادة سواء تعلق البيع بها بالخصوص كأن يقول:
بعتك خشب هذا الصنم أو في ضمن مجموع مركب، كما لو وزن لو وزنة حطب، فقال:
بعتك فظهر فيه صنم أو صليب، فالحكم ببطلان البيع في الأول وفي مقدار الصنم في
الثاني مشكل لمنع شمول الأدلة لمثل هذا الفرد لأن المتقين من الأدلة المتقدمة حرمة
المعاوضة على هذه الأمور نظير المعاونة على غيره من الأموال العرفية وهو
ملاحظة مطلق ما يتقوم به مالية الشئ من المادة والهيئة والأوصاف.
174

والحاصل أن الملحوظ في البيع قد يكون مادة الشئ من غير مدخلية الشكل
ألا ترى أنه لو باعه وزنة نحاس فظهر فيها آنية مكسورة، لم يكن لها (له) خيار العيب
لأن المبيع هي المادة ودعوى أن المال هي المادة بشرط عدم الهيئة مدفوعة، بما
صرح به من أنه لو أتلف الغاصب لهذه الأمور ضمن موادها وحمله على الإتلاف
تدريجا تمحل {1} وفي محكي (التذكرة) أنه إذا كان لمكسور قيمة وباعها صحيحة
ليكسر وكان المشتري ممن يوثق بديانته، فإنه يجوز بيعها على الأقوى (انتهى)، {2}
واختار ذلك صاحب الكفاية وصاحب الحدائق وصاحب الرياض نافيا عنه الريب.
ولعل التقييد في كلام العلامة بكون المشتري ممن يوثق بديانته لئلا يدخل
في باب المساعدة على المحرم فإن دفع ما يقصد منه المعصية غالبا مع عدم وثوق
بالمدفوع إليه تقوية لوجه من وجوه المعاصي فيكون باطلا كما في رواية تحف العقول.
175

لكن منه مضافا إلى التأمل في بطلان البيع المجرد الإعانة على الإثم {1} أنه
يمكن الاستغناء عن هذا التقيد بكسره قبل أن يقبضه إياه فإن الهيئة غير محترمة في
هذا الأمور كما صرحوا به في باب الغصب بل قد يقال بوجوب إتلافها فورا، ولا
يبعد أن يثبت لوجوب مادة الفساد.
وفي جامع المقاصد بعد حكمه بالمنع عن بيع هذه الأشياء وإن أمكن الانتفاع
على حالها في غير المحرم منفعة لا تقصد منها، قال: ولا أثر لكون رضاضها الباقي بعد
كسرها مما ينتفع به في المحلل {2} ويعد مالا لأن بذل المال في مقابلها وهي على
هيئتها بذل له في المحرم الذي لا يعد مالا عند الشارع، نعم لو باع رضاضها الباقي بعد
كسرها قبل أن كسرها وكان المشتري موثوقا به، وأنه يكسرها أمكن القول
بصحة البيع ومثله باقي الأمور المحرمة كأواني النقدين والصنم، (انتهى).
176

ومنها آلات القمار {1} بأنواعه بلا خلاف ظاهرا {2} ويدل عليه جميع ما
تقدم في هياكل العبادة ويقوى هنا أيضا جواز بيع المادة قبل تغيير الهيئة، وهي
المسالك أنه لو كان لمكسورها قيمة وباعها صحيحة ليكسر، وكان المشتري ممن
يوثق بديانته ففي جواز بيعها وجهان:

1) الوسائل، باب 102، من أبواب ما يكتسب به، حديث 12.
2) الوسائل، باب 103، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.
3) الوسائل، باب 35، من أبواب ما يكتسب به، حديث 4.
177

قوى في التذكرة {1} الجواز مع زوال الصفة وهو حسن الأكثر أطلقوا المنع (انتهى).
أقول: إن أراد بزوال الصفة زوال الهيئة فلا ينبغي الإشكال في الجواز ولا
ينبغي جعله محلا للخلاف بين العلامة والأكثر، ثم إن المراد بالقمار مطلق المراهنة
بعوض {2} فكل ما أعد لها بحيث لا يقصد منه على ما فيه من الخصوصيات غيرها
حرمت المعاوضة عليه، وأما المراهنة بغير عوض فيجئ أنه ليس بقمار على الظاهر،
نعم لو قلنا: بحرمتها لحق الآلة القمار مثل ما يعملونه شبه الكرة
يسمى عندنا كذا الترثة (النوبة) والصولجان.

1) الوسائل، باب 102، من أبواب ما يكتسب به، حديث 12.
178



1) الوسائل، باب 35، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.
2) الوسائل، باب 35، من أبواب ما يكتسب به، حديث 4.
179

ومنها آلات اللهو على اختلاف أصنافها {1} بلا خلاف لجميع ما تقدم في
المسألة السابقة والكلام في بيع المادة كما تقدم وحيث إن المراد بآلات اللهو ما أعد
له توقف على تعيين معنى اللهو وحرمة اللهو إلا أن المتقين منه ما كان

1) المستدرك، باب 79، من أبواب ما يكتسب به، حديث 16.
180

من جنس المزامير وآلات الأغاني، ومن جنس الطبول وسيأتي معنى اللهو و
حكمه ومنها أواني الذهب والفضة إذا قلنا بتحريم اقتنائها و [أو] قصد المعاوضة
على مجموع الهيئة والمادة لا المادة فقط {1}.

1) الوسائل، باب 67، من أبواب النجاسات والأواني والجلود، حديث 2.
2) الوسائل، باب 65، من أبواب النجاسات والأواني والجلود.
181

ومنها الدراهم الخارجة المعمولة {1} لأجل غش الناس إذا لم يفرض على.
هيئتها الخاصة منفعة محللة معتد بها مثل التزين أو الدفع إلى الظالم الذي يريد مقدارا
من المال كالعشار ونحوه بناء على جواز ذلك وعدم وجوب اتلاف مثل هذه
الدراهم ولو بكسرها من باب دفع مادة الفساد كما يدل عليه قوله عليه السلام في رواية
الجعفي مشيرا إلى درهم أكسر هذا فإنه لا يحل بيعه ولا انفاقه.
وفي رواية موسى بن بكير قطعه نصفين، ثم قال: ألقه في البالوعة حتى لا يباع
بشئ فيه غش وتمام الكلاب فيه في باب الصرف إن شاء الله تعالى.

1) الوسائل، باب 65، من أبواب النجاسات والأواني والجلود، حديث 3.
2) الوسائل، باب 65، من أبواب النجاسات والأواني.
182



1) الوسائل، باب 10، من أبواب الصرف، حديث 5.
2) الوسائل، باب 86، من أبواب ما يكتسب به، حديث 5.
3) المستدرك، باب 6، من أبواب الصرف، حديث 1.
183



1) الوسائل، باب 10، من أبواب ما يكتسب به حديث 2.
184

ولو وقعت المعاوضة عليها جهلا فتبين الحال لمن صار إليه فإن وقع عنوان
المعاوضة على الدرهم المنصرف إطلاقه إلى المسكوك سكة السلطان بطل البيع {1}.
{1} في حاشية السيد الفقيه ظاهره كون البيع واقعا على الكلي.
وهو كما ترى لا سيما وأنه لا يمكن نسبة القول بالبطلان إلى المصنف في هذه الصورة.
بل ظاهره هي الصورة الثانية أي بيع الدرهم المسكوك بسكة المعاملة بهذا العنوان
أي الدراهم الخارجي المعنون بهذا العنوان.
وكيف كان ففي الصورة الثانية: إما أن يظهر عدم كونه مسكوكا بسكة المعاملة
الرائجة، أو يظهر كونه فضة بل نحاسا بتمامه، أو يظهر كون المادة مغشوشة بأن كان
بعضها فضة وبعضها نحاسا.
فقد استدل للبطلان في جميع الفروض: بأن المبيع هو العنوان غير المنطبق على ما في
الخارج، كما إذا باع هذا الحمار فانكشف أنه فرس.
ولكن هذا الوجه يتم في الفرض الثاني، من جهة أن النحاس والفضة عنوانان
مختلفان حقيقة، ولا يتم في باقي الفروض.
أما في الأول: فلأن كون الفضة مسكوكة بسكة المعاملة ليس إلا وصفا لها، فتخلفه
تخلف للوصف ولا يوجب هو إلا الخيار، والشاهد على ذلك هو نظر العرف الذي هو
الميزان في هذا الباب، ويؤيد ما ذكرناه بل يشهد له عدم كون العنوان في المقام دخيلا في
المالية.
وأما في الفرض الأخير فلأن الغش في المادة يوجب ثبوت خيار العيب، لأن
المغشوش معيب غيره نظير شوب اللبن بالماء لا أنه عنوان مغاير.
واستدل لفساد البيع في الفرض الأول: بأن البيع واقع على الموجود الخارجي
المتشكل بهذا الشكل الذي لا يصح بيعه فيكون بمقتضى إطلاق ما دل على عدم
جواز البيع في هذا الموجود، فإنه غير جائز البيع بذاته لا بما هو معلوم.
185

وإن وقعت معاوضة على شخصه من دون عنوان {1} فالظاهر صحة البيع
مع خيار العيب، إن كانت المادة مغشوشة وإن كان مجرد تفاوت السكة فهو خيار
التدليس فتأمل.
186

وهذا بخلاف ما تقدم من الآلات فإن البيع الواقع عليها لا يمكن تصحيحه
بإمضائه من جهة المادة فقط واسترداد ما قابل الهيئة من الثمن المدفوع كما لو جمع
بين الخل والخمر لأن كل جزء من الخل والخمر، مال لا بد أن يقابل في المعاوضة بجزء
من المال ففساد المعاملة باعتباره يوجب فساد مقابله من المال لا غير [1] بخلاف
المادة والهيئة فإن الهيئة من قبيل القيد للمادة جزء عقلي لا خارجي تقابل بمال على
حدة، ففساد المعاملة باعتباره فساد لمعاملة المادة حقيقة وهذا الكلام مطرد في كل
قيد فاسد بذل الثمن الخاص لداعي وجوده.
187

القسم الثاني ما يقصد منه المتعاملان المنفعة المحرمة وهو تارة على وجه
يرجع بذل المال في مقابل المنفعة المحرمة كالمعاوضة على العنب مع التزامهما أن لا
يتصرف فيه إلا بالتخمير، وأخرى على وجه يكون الحرام هو الداعي إلى المعاوضة
لا غير كالمعاوضة على العنب مع قصدهما تخميره.
والأول أما أن يكون مقصودا لا غير {1} كبيع العنب على أن يعمله
خمرا ونحو ذلك وأما أن يكون الحرام مقصودا مع الحلال بحيث يكون بذل المال
بإزائها كبيع الجارية المغنية بثمن فيه وقوع بعضه بإزاء صفة التغني، فهنا
مسائل ثلاث:
189

المسألة الأولى: بيع العنب على أن يعمل خمرا، والخشب على أن يعمل صنما
أو آلة لهو قمار، وإجارة المساكن ليباع أو يحرز فيها الخمر، وكذا إجارة السفن و
الحمولة لحملها {1} ولا إشكال في فساد المعاملة فضلا عن حرمته ولا خلاف فيه، و
يدل عليه {2}.
190

مضافا إلى كونها إعانة الإثم {1} وإلى أن الالزام والالتزام بصرف المبيع في
المنفعة المحرمة الساقطة في نظر الشارع أكل وإيكال للمال بالباطل {2}.
191

خبر جابر {1} سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يؤاجر بيته فيباع فيه الخمر،
قال: حرام أجرته فإنه أما مفيد بما إذا استأجره أو يدل عليه بالفحوى بناء على ما
سيجئ من حرمة العقد مع من يعلم أنه يصرف المعقود عليه في الحرام، نعم {2} في
مصححة بأن أذينة قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يؤاجر سفينته أو دابته لمن
بحمل فيها أو عليها الخمر والخنازير، قال: لا بأس.

1) الوسائل، باب 39، من أبواب ما يكتسب به حديث 1 و 2.
2) الوسائل، باب 39، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1 و 2.
192

لكنها محمولة على ما إذا اتفق الحمل {1} من دون أن يؤخذ ركنا أ (شرطا في العقد
بناء على أن خبر جابر نص فيما نحن فيه، وظاهر في هذا عكس الصحيحة يطرح
[فيطرح] ظاهر كل بنص الآخر {2} فتأمل، مع أنه لو سلم التعارض كفى العمومات
المتقدمة {3} وقد يستدل أيضا فيما نحن فيه بالأخبار المسؤول فيها عن جواز بيع
الخشب ممن يتخذه صلبانا أو صنما مثل مكاتبة ابن أذينة عن رجل له خشب فباعه
ممن يتخذه صلبانا، قال: لا.
193

ورواية عمرو بن الحريث عن التوت أبيعه ممن يصنع الصليب أو الصنم، قال:
لا، وفيه أن حمل تلك الأخبار على صورة اشتراط البائع المسلم على المشتري أو
تواطؤهما على التزام صرف المبيع في لصنم والصليب بعيد في الغاية، والفرق بين
مؤاجرة البيت لبيع الخمر فيه وبيع الخشب على أن يعمل صليبا أو صنما لا يكاد
يخفى {1} فإن بيع الخمر في مكان وصيرورته دكانا لذلك منفعة عرفية يقع الإجارة
عليها من لا مسلم كثيرا كما يؤجرون البيوت لسائر المحرمات، بخلاف جعل العنب
خمرا، والخشب صليبا فإنه لا غرض للمسلم في ذلك غالبا يقصده في بيع عنبه أو
خشبه فلا يحمل عليه موارد السؤال.
نعم لو قيل في المسألة الآتية بحرمة بيع الخشب ممن يعلم أنه يعمله صنما
لظاهر هذه الأخبار صح الاستدلال بفحواها على ما نحن فيه (2) لكن ظاهر هذه الأخبار معارض بمثله أو بأصرح منه كما سيجئ ثم إنه يلحق بما ذكره من بيع العنب
والخشب على أن يعملا خمرا أو صليبا بيع كل ذي منفعة محللة على أن يصرف في
الحرام لأن حصر الانتفاع بالبيع في الحرام يوجب كون أكل الثمن بإزائه أكلا للمال
بالباطل، ثم إنه لا فرق بين ذكر الشرط المذكور في متن العقد وبين التواطي عليه
خارج العقد ووقوع العقد عليه (3) ولو كان فرق فإنما هو في لزوم الشرط وعدمه
194

لا فيما هو مناط الحكم هنا، ومن ذلك يظهر أنه لا يبنى فساد هذا العقد على
كون الشرط الفاسد مفسدا بل الأظهر فساد ه وإن لم نقل بإفساد الشرط الفساد لما
عرفت من رجوعه في لا حقيقة إلى أكل المال في مقابل المنفعة المحرمة
وقد تقدم الحكم بفساد المعاوضة على آلات المحرم مع كون موادها أموالا
مشتملة على منافع محللة مع أن الجزء أقبل للتفكيك بينه وبين الجزء الآخر من
الشرط والمشروط {1}، وسيجئ في المسألة الآتية ما يؤيد هذا إن شاء الله تعالى.
195

المسألة الثانية: يحرم المعاوضة على الجارية المغنية وكل عين مشتملة على
صفة يقصد منها الحرام إذا قصد منها ذلك وقصد اعتبار في البيع على وجه يكون
دخيلا في زيادة الثمن كالعبد الماهر في القمار أو اللهو والسرقة إذا لو حظ فيه هذه
الصفة وبذل بإزائها شئ من الثمن {1} لا ما كان على وجه الداعي، ويدل عليه أن
بذل الشئ من الثمن بملاحظة الصفة المحرمة أكل للمال بالباطل والتفكيك بين القيد و
المقيد بصحة العقد في المقيد
196

وبطلانه في القيد بما قابله من الثمن غير معروف عرفا {1}، لأن القيد أمر معنوي لا
يوزع عليه شئ من المال وإن كان يبذل المال بملاحظة وجوده وغير واقع شرعا
على ما اشتهر من أن الثمن لا يوزع على الشروط فتعين بطلان العقد رأسا، وقد ورد
النص بأن ثمن الجارية المغنية سحت وأنه قد يكون للرجل الجارية تلهيه وما ثمنها إلا
كثمن الكلب، نعم لو لم يلاحظ الصفة أصلا في كمية الثمن فلا اشكال في الصحة ولو
لو حظ من حيث إنه صفة كما قد يصرف إلى المحلل فيزيد لأجلها الثمن فإن كانت
المنفعة المحللة لتلك الصفة مما يعتد بها فلا اشكال في لجواز وإن كانت نادرة بالنسبة
إلى المنفعة المحرمة ففي لحاقها بالعين في عدم جواز بذل المال إلا لما اشتمل على منفعة
محللة غير نادرة بالنسبة إلى المحرمة وعدمه الآن المقابل بالمبذول هو الموصوف ولا
ضير في زيادة ثمنه بملأ حظة منفعة نادرة وجهان: أقواهما الثاني، إذ لا يعد أكلا للمال
بالباطل {2} والنص بأن ثمن المغنية سحت مبني على الغالب.
198

المسألة الثالثة: يحرم بيع العنب ممن يعمله خمرا بقصد أن يعمله، وكذا بيع
الخشب بقصد أن يعمله صنما أو صليبا لأن فيه إعانة على الإثم والعدوان، ولا
إشكال ولا خلاف في ذلك. أما لو لم يقصد ذلك، فالأكثر على عدم التحريم {1}.
199

للأخبار المستفيضة {1} منها خبر ابن أذينة قال: كتبت إلى أبي عبد الله عليه السلام
أسأله عن رجل له كرم يبيع العنب ممن يعلم أنه يجعله خمرا أو مسكرا، فقال: إنما
باعه حلالا في الابان الذي يحل شربه أو أكله فلا بأس ببيعه.
ورواية أبي كهمس، قال: سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام - إلى أن قال - هو ذا نحن
نبيع تمرنا ممن نعلم أنه يصنعه خمرا إلى غير ذلك مما هو دونهما في الظهور
.

(1) الوسائل: باب 39، من أبواب ما يكتسب به حديث 1.
(2) الوسائل: باب 59، من أبواب ما يكتسب به حديث 5.
(3) الوسائل: باب 59، من أبواب ما يكتسب به حديث 6.
(4) الوسائل: باب 59، من أبواب ما يكتسب به حديث 4.
(5) الوسائل: باب 59، من أبواب ما يكتسب به حديث 8
200

وقد يعارض تلك بمكاتبة ابن أبي أذينة عن رجل له خشب فباعه ممن يتخذه
صلبانا، قال: لا ورواية عمر بن حريث عن التوز (التوت) أبيعه ممن يصنع الصليب
أو الصنم، قال: لا {1}، وقد يجمع بينهما وبين الأخبار المجوزة بحمل المانعة على صورة
.

(1) الوسائل، باب 59 من أبواب ما يكتسب به، حديث 9.
(2) الوسائل، باب 41 من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.
(3) الوسائل، باب 41 من أبواب ما يكتسب به، حديث 2.
(4) الوسائل، باب 41 من أبواب ما يكتسب به، حديث 1
201



(1) الوسائل، باب 59 من أبواب ما يكتسب به، حديث 10.
(2) الوسائل، باب 59 من أبواب ما يكتسب به، حديث 6.
(3) الوسائل، باب 59 من أبواب ما يكتسب به، حديث 6.
(4) سورة النساء، آية 49.
202

اشتراط جعل الخشب صليبا أو صنما أو تواطؤهما عليه {1}.
وفيه أن هذا في الغاية البعد {2} إذ لا داعي للمسلم على اشتراط صناعة
الخشب صنما في متن بيعه أو في خارجة، ثم يجئ ويسأل الإمام عليه السلام عن جواز فعل
هذا في المستقبل وحرمته وهل يحتمل أن يريد الراوي بقوله: أبيع التوت (التوز)
ممن يصنع الصنم والصليب أبيعه مشترطا وملزما في متن العقد أو قبله أن لا
يتصرف فيه إلا بجعله صنما، فالأولى حمل الأخبار المانعة على الكراهة {3} لشهادة.
غير واحد من الأخبار على الكراهة كما أفتى به جماعة.
203

ويشهد له رواية الحلبي عن بيع العصير ممن يصنعه خمار، قال بيعه ممن يطبخه أو
يصنعه خلا أحب إلى ولا أرى به بأسا وغيرها، أو التزام الحرمة في بيع الخشب
ممن يعمله صليبا أو صنما لظاهر تلك الأخبار والعمل في مسألة بيع العنب وشبهها
على الأخبار المجوزة، وهذا الجمع قول فصل لو لم يكن قولا بالفصل وكيف كان.
فقد يستدل على حرمة البيع ممن يعمل أنه يصرف المبيع في الحرام بعموم النهي على
التعاون على الإثم والعدوان {1} وقد يستشكل
.

(1) سورة المائدة، آية 3
204

في صدق الإعانة بل يمن حيث لم يقع القصد إلى وقوع الفعل من المعان بناء على أن
الإعانة هي فعل بعض مقدمات فعل الغير بقصد حصوله منه لا مطلقا {1} وأول من
أشار إلى هذا المحقق الثاني في حاشية الإرشاد في هذا المسألة حيث إنه بعد حكاية
القول بالمنع مستندا إلى الأخبار المانعة، قال: ويؤيده قوله تعالى: (ولا تعاونوا على
الإثم) ويشكل بلزوم عدم جواز بيع شئ مما يعلم عادة التوصل به إلى به محرم، لو تم
هذا الاستدلال فيمنع معاملة أكثر الناس.
والجواب عن الآية المنع من كون محل النزاع معاونة مع أن الأصل الإباحة، و
إنما يظهر المعاونة مع بيعه لذلك انتهى، ووافقه في اعتبار القصد في مفهوم الإعانة
جماعة من متأخري المتأخرين كصاحب الكفاية وغيره.
207



الوسائل، ب أب 58 من أبواب الطعمة المحرمة.
(2). الوسائل، باب 58 من أبواب الطعمة المحرمة.
(3) الوسائل، باب 42، من أبواب ما يكتسب به.
208

هذا وربما زاد بعض المعاصرين على اعتبار القصد وقوع المعان عليه
في تحقق مفهوم الإعانة في الخارج {1} وتخيل أنه لو فعل فعلا بقصد تحقق الإثم
الفلاني من الغير فلم يتحقق منه لم يحرم من جهة صدق الإعانة بل من جهة قصدها
بناء على ما حرره من حرمة الاشتغال بمقدمات الحرام بقصد تحققه، وأنه لو تحقق
الفعل كان حراما من جهة القصد إلى المحرم، ومن جهة الإعانة وفيه تأمل.
210

فإنه حقيقة الإعانة علي الشئ هو الفعل بقصد حصول الشئ سواء حصل أم لا، ومن
اشتغل ببعض مقدمات الحرام الصادر عن الغير بقصد التوصل إليه فهو داخل في
الإعانة على الإثم، ولو تحقق الحرام لم يتعدد العقاب {1} وما أبعده ما بين ما ذكره
المعاصر وبين ما يظهر من الأكثر من عدم اعتبار القصد، فعن المبسوط الاستدلال
على وجوب بذل الطعام لمن يخاف تلفه بقوله صلى الله عليه وآله: من أعان على قتل مسلم ولو
بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوبا بين عينيه آيس من رحمة ت الله {2} وقد استدل في
التذكرة على حرمة بيع السلاح من أعداء الدين بأن فيه إعانة على الظلم {3} واستدل
المحقق الثاني على حرمة بيع العصير المتنجس ممن يستحله بأن فيه إعانة على الإثم.

(1) عوالي اللئالي ج 2، ص 333.
211

وقد استدل المحقق الأردبيلي قدس سره على ما حكى عنه من القول بالحرمة
في مسألتنا بأن فيه إعانة على الإثم، وقد قرره على ذلك في الحدائق فقال: إنه جيد
في حد ذاته لو سلم من المعارضة بأخبار الجواز وفي الرياض، بعد ذكر الأخبار
السابقة الدالة على الجواز، قال: وهذه النصوص وإن كثرت واشتهرت وظهرت
دلالتها، بل ربما كان بعضها صريحا لكن في مقابلتها للأصول والنصوص المعتضدة
بالعقول إشكال انتهى {1}.
والظاهر أن مراده بالأصول قاعة حرمة الإعانة على الإثم، ومن العقول
حكم العقل بوجوب التوصل إلى دفع المنكر مهما أمكن ويؤيد ما ذكره من صدق
الإعانة بدون القصد إطلاقها في غير واحد من الأخبار {2} ففي النبوي المروي في
الكافي عن أبي عبد الله عليه السلام من أكل الطين فمات فقد أعان على نفسه، وفي العلوي
الوارد في الطين المروي (1) أيضا في الكافي عن أبي عبد الله عليه السلام فإن أكلته ومت فقد
أعنت على نفسك (2) ويدل عليه غير واحد مما ورد في أعوان الظلمة وسيأتي.
وحكى أنه سأل بعض الأكابر، وقيل له: إني رجل أخيط للسلطان ثيابه فهل
تراني داخلا بذلك في أعوان الظلمة، فقال له: المعين من يبيعك الإبر والخيوط، و
أما أنت فمن الظلمة.

(1) الوسائل باب 58 من أبواب الأطعمة والأشربة، حديث 6.
{2} الوسائل باب 58 من أبواب الأطعمة والأشربة، حديث 7.
212

وقال المحقق الأردبيلي قدس سره في آيات أحكامه في الكلام على الآية، الظاهر أن
المراد الإعانة على المعاصي مع القصد أو على الوجه الذي يصدق أنها إعانة مثل أن
يطلب الظالم العصا من شخص لضرب مظلوم فيعطيه إياها أو يطلب القلب لكتابة
ظلم فيعطيه إياه ونحو ذلك مما معونة عرفا، فلا تصدق على التاجر الذي يتجر
لتحصيل غرضه أنه معاون للظالم العاشر في أخذ العشور ولا على الحاج الذي يؤخذ
منه المال ظلما وغير ذلك، مما لا يحصى فلا يعلم صدقها على بيع العنب ممن يعمله
خمرا أو الخشب ممن يعمله صنما، ولذا ورد في الروايات الصحيحة جوازه وعليه
الأكثر ونحو ذلك مما لا يخفى، انتهى كلامه، ورفع مقامه.
ولقد دقق النظر {1} حيث لم يعلق صدق الإعانة على القصد، ولا أطلق
القول بصدقه بدونه بل علقه بالقصد ا بالصد العرفي وإن لم يكن قصد لكن أقول:
لا شك في أنه إذا لم يكن مقصود الفاعل من الفعل وصول الغير إلى مقصده ولا إلى
مقدمة من مقدماته، بل يترتب عليه الوصول من دون قصد الفاعل فلا يسمى
إعانة كما في تجارة التاجر بالنسبة إلى أخذ العشور ومسير الحاج بالنسبة إلى أخذ
المال ظلما، وكذلك لا اشكال فيما إذا قصد الفاعل بفعله ودعاه إليه وصول الغير إلى
مطلبه الخاص، فإنه يقال: إنه إعانة على ذلك المطلب فإن كان عدوانا مع علم المعين
به صدق الإعانة على العدوان، وإنما الاشكال فيما إذا قصد الفاعل بفعله وصول الغير
إلى مقدمة مشتركة بين المعصية وغيرها زمع العلم بصرف الغير إياها إلى المعصية، كما
إذا باعه العنب فإن مقصود البائع تملك المشتري له وانتفاعه به فهي إعانة له بالنسبة
إلى أصل تملك العنب، ولذا لو فرض ورود النهي من معاونة هذا المشتري الخاص
في جميع أموره أو في خصوص تملك العنب حرم بيع العنب عليه مطلقا.
213

فمسألة بيع العنب ممن يعلم أنه يجعله خمرا نظير إعطاء السيف أو العصا لمن
يريد قتلا أو ضربا حيث إن الغرض من الاعطاء هو ثبوته بيده والتمكن منه، كما أن
الغرض من بيع العنب تملكه له فكل من البيع والاعطاء بالنسبة إلى أصل تملك
الشخص واستقراره في يده إعانة إلا أن الاشكال في أن العلم بصرف ما حصل
بإعانة البائع والمعطي في الحرام هل يوجب صدق الإعانة على الحرام أم لا، فحاصل
محل الكلام هو أن الإعانة على شرط الحرام مع العلم بصرفه في الحرام هل هي إعانة
على الحرام أم لا، فظهر الفرق بين بيع العنب وبين تجارة التاجر ومسير الحاج {1} و
أن الفرق بين إعطاء السوط للظالم وبين بيع العنب لا وجه له، وأن اعطاء السوط إذا
كان إعانة كما اعترف به فيما تقدم من (آيات الأحكام) كان بيع العنب كذلك كما
أعرف به في شرح الإرشاد فإذا بنينا على أن شرط الحرام حرام مع فعله توصلا إلى
الحرام {2} كما جزم به بعض، دخل ما نحن فيه في الإعانة على المحرم فيكون بيعا
لعنب إعانة على تملك العنب المحرم مع قصد التوصل به إلى التخمير، وإن لم يكن
إعانة على نفس التخمير أو على شرب الخمر.
وإن شئت قلت: إن شراء العنب للتخمير حرام كغرس العنب لأجل ذلك،
فالبائع إنما يعين على الشراء المحرم، نعم لو لم يعلم أن الشراء لأجل التخمير لم يحرم،
وإن علم أنه سيخمر العنب بإرادة جدية منه، وكذا الكلام في بائع الطعام على من
يرتكب المعاصي فإنه لو علم إرادته من الطعام المبيع التقوى به عند التملك على
المعصية حرم البيع منه.
214

وأما العلم بأنه يحصل من هذا الطعام قوة على المعصية يتوصل بها إليها فلا
يوجب التحريم هذا، ولكن الحكم بحرمة الاتيان بشرط الحرام توصلا إليه قد يمنع
إلى من حيث صدق التجري، والبيع ليس إعانة عليه وإن كان إعانة على الشراء إلا
أنه في نفسه ليس تجريا {1} فإن التجري يحصل بالفعل المتلبس بالقصد وتوهم أن
الفعل مقدمة له فيحرم الإعانة {2} مدفوع بأنه لم يوجد قصد إلى التجري حتى يحرم
وإلا لزم التسلسل فافهم {3}.
نعم لو ورد النهي بالخصوص عن بعض شروط الحرام كالغرس للخمر دخل
الإعانة عليه في الإعانة على الإثم، كما أنه لو استدللنا بفحوى ما دل على لعن
الغارس على حرمة التملك للتخمير حرم الإعانة عليه أيضا بالبيع، فتحصل مما
ذكرناه أن قصد الغير لفعل الحرام معتبر قطعا في حرمة فعل المعين، وأن محل الكلام
هي الإعانة على شرط الحرام بقصد تحقق الشرط دون المشروط، وأنها هل تعد
إعانة على المشروط فتحرم أم لا؟
215

فلا تحرم ما لم يثبت حرمة الشرط من غير جهة التجري وأن مجرد بيع العنب
ممن يعلم أنه سيجعله خمرا من دون العلم بقصده ذلك من الشراء ليس محرما أصلا لا
من جهة الشرط ولا من جهة المشروط {1} ومن ذلك يعلم ما فيما تقدم عن حاشية
الإرشاد من أنه محل الكلام فيما يعد شرطا للمعصية الصادرة عن الغير، فما تقدم من
المبسوط من حرمة ترك بذل الطعام لخائف التلف مستندا إلى قوله عليه السلام من أعان على
قتل مسلم الخ. محل تأمل، إلا أن يريد الفحوى ولذا استدل في المختلف بعد حكاية
ذلك عن الشيخ بوجوب حفظ النفس مع القدرة وعدم الضرر.
ثم إنه يمكن التفصيل {2} في شروط الحرام المعان عليه بين ما ينحصر فائدته و
منفعته عرفا في المشروط المحرم كحصول العصا في يد الظالم المستعير لها من غيره
لضرب أحد فإن ملكه للانتفاع به في هذا الزمان ينحصر فائدته عرفا في الضرب و
كذا من استعار كأسا ليشرب الخمر فيه وبين ما لم يكن كذلك كتمليك الخمار للعنب،
فإن منفعته التمليك وفائدته غير منحصرة عرفا في الخمر حتى عند الخمار فيعد الأول
عرفا إعانته على المشروط المحرم بخلاف الثاني.
216

ولعل من جعل بيع السلاح من أعداء الدين حال قيام الحرب من المساعدة
على المحرم، وجوز بيع العنب ممن يعمله خمرا كالفاضلين في الشرائع والتذكرة و
غيرهما نظر إلى ذلك وكذلك المحقق الثاني حيث منع من بيع العصير المتنجس على
مستحله مستندا إلى كونه من الإعانة على الإثم ومنع من كون بيع العنب ممن يعلم
أنه يجعله خمرا من الإعانة، فإن تملك المستحل للعصير منحصر فائدته عرفا عنده
في الانتفاع به حال النجاسة بخلاف تملك العنب، وكيف كان فلو ثبت تميز موارد
الإعانة من العرب فهو وإلا فالظاهر مدخلية قصد المعين:
نعم يمكن الاستدلال على حرمة بيع الشئ ممن يعلم أنه يصرف المبيع في
الحرام بأن دفع المنكر كرفعه واجب ولا يتم إلا بترك البيع فيجب {1} وإليه أشار
المحقق الأردبيلي قدس سره حيث استدل على حرمة بيع العنب في المسألة بعد عموم النهي
عن الإعانة بأدلة النهي عن المنكر.
217

ويشهد بهذا ما ورد من أنه لولا أن بني أمية وجودا من يجبي لهم الصدقات و
يشهد جماعتهم ما سلبوا حقنا {1} دل على مذمة الناس في فعل ما لو تركوه لم يتحقق
المعصية من بني أمية، فدل على ثبوت الذم لكل ما لو ترك لم يتحقق المعصية من
الغير، وهذا وإن دل بظاهره على حرمة بيع العنب ولو ممن يعلم أنه سيجعله خمرا
مع عدم قصد ذلك حين الشراء إلا أنه لم يقم دليل على وجوب تعجيز من يعلم أنه
سيهم بالمعصية، وإنما الثابت من النقل والعقل القاضي بوجوب اللطف وجوب ردع
من هم بها وأشرف عليها بحيث لولا الردع لفعلها أو استمر عليها.

الوسائل، باب 47، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.
218

ثم إن الاستدلال المذكور إنما يحسن مع علم البائع بأنه لو لم يبعه لم يحصل
المعصية لأنه حينئذ قادر على الردع، أما لو لم يعلم ذلك أو علم بأنه يحصل منه
المعصية بفعل الغير فلا يتحقق الارتداع بترك البيع، كمن يعلم عدم الانتهاء بنهيه عن
المنكر {1}.
219

وتوهم أن البيع حرام على كل أحد فلا يسوغ لهذا الشخص فعله معتذرا بأنه
لو تركه لفعله غيره مدفوع بأن ذلك فيما كان محرما على كل واحد على سبيل
الاستقلال فلا يجوز لواحد منهم الاعتذار بأن هذا الفعل واقع لا محالة ولو من
غيري فلا ينفع تركي له.
220

أما إذا وجب على جماعة شئ واحد كحمل ثقيل مثلا بحيث يراد منهم
الاجتماع عليه، فإذا علم واحد من حال الباقي عدم القيام به والاتفاق معه في إيجاد
الفعل كان قيامه بنفسه بذلك الفعل لغوا فلا يجب، وما نحن فيه من هذا القبيل، فإن
عدم تحقق المعصية من مشتري العنب موقوف على تحقق البيع من كل بائع،
فترك المجموع للبيع سبب واحد لترك المعصية، كما أن بيع واحد منهم على البدل
شرط لتحققها فإذا علم واحد منهم عدم اجتماع الباقي معه في تحصيل السبب و
المفروض أن قيامه منفردا لغو سقط وجوبه {1}.
221

وما تقدم من الخبر في اتباع بني أمية فالذم فيه أنما هو على إعانتهم بالأمور
المذكورة في الرواية وسيأتي تحريم كون الرجل من أعوان الظلمة حتى في المباحات
التي لا دخل لها برئاستهم فضلا عن مثل جباية الصدقات وحضور الجماعات و
شبههما مما هو من أعظم المحرمات.
وقد تلخص مما ذكرنا أن فعل ما هو من قبيل الشرط لتحقق المعصية من
الغير من دون قصد توصل إلى الغير به إلى المعصية غير محرم لعدم كونها في العرف إعانة
مطلقا أو على التفصيل الذي احتملناه أخيرا، وأما ترك هذا الفعل فإن كان سببا
يعني علة تامة لعدم المعصية من الغير كما إذا انحصر العنب عنده وجب لوجوب
الردع عن المعصية عقلا ونقلا.

1) الوسائل، باب 47، من أبواب ما يكتسب به.
222

وأما لو لم يكن سببا بل كان السبب تركه منضما إلى ترك غيره، فإن علم أو
ظن (أو احتمل {1} قيام الغير بالترك وجب قيامه به أيضا، وإن علم أو ظن عدم
قيام الغير سقط عنه وجوب الترك لأن تركه بنفسه ليس برادع حتى يجب، نعم هو
جزء للرادع المركب من مجموع تروك أرباب العنب لكن يسقط وجوب الجزء إذا
علم بعدم تحقق الكل في الخارج، فعلم مما ذكرناه في هذا المقام أن فعل ما هو شرط
للحرام الصادر من الغير يقع على وجوه:
(أحدها): أن يقع من الفاعل قصدا منه لتوصل الغير به إلى الحرام، وهذا لا
اشكال في حرمته لكونه إعانة {2}.
(الثاني): أن يقع منه من دون قصد لحصول الحرام ولا لحصول ما هو مقدمة له
مثل تجارة التاجر بالنسبة إلى معصية العاشر فإنه لم يقصد بها تسلط العاشر عليه
الذي هو شرط لأخذ العشر، وهذا لا اشكال في عدم حرمته {3}.
223

الثالث: أن يقع منه بقصد حصول ما هو من مقدمات حصول الحرام عن
الغير لا لحصول نفس الحرام منه وهذا قد يكون من دون قصد الغير التوصل بذلك
الشرط إلى الحرام كبيع العنب من الخمار المقصود منه تملكه للعنب الذي هو شرط
لتخميره لا نفس التخمير مع عدم قصد الغير أيضا التخمير حال الشراء، وهذا أيضا
لا اشكال في عدم حرمته {1} وقد يكون مع قصد الغير التوصل به إلى الحرام أعني
التخمير حال شراء العنب وهذا أيضا على وجهين:
(أحدهما): أن يكون ترك هذا الفعل من الفاعل علة تامة لعدم تحقق الحرام من
الغير والأقوى هنا وجوب الترك وحرمة الفعل.
(والثاني): أن لا يكون كذلك بل يعلم عادة أو يظن بحصول الحرام من الغير
من غير تأثير لترك ذلك الفعل والظاهر عدم وجوب الترك {2} حينئذ بناء على ما
ذكرنا من اعتبار قصد الحرام في صدق الإعانة عليه مطلقا أو على ما احتملنا من
التفصيل.
224

ثم كل مورد حكم فيه بحرمة البيع من هذه الموارد الخمسة، فالظاهر عدم
فساد البيع لتعلق النهي بما هو خارج عن المعاملة أعني الإعانة على الإثم أو المسامحة
في الردع عنه {1}، ويحتمل الفساد لا شعار قوله عليه السلام في رواية التحف المقدمة بعد
طوله: وكل بيع ملهو به وكل منهي عنه مما يتقرب به لغير الله أو يقوى به الكفر و
الشرك في جميع وجوه المعاصي أو باب يوهن به الحق فهو حرام محرم بيعه وشراؤه و
إمساكه الخ {2}. بناء على أن التحريم مسوق لبيان الفساد في تلك الرواية كما لا يخفى
لكن في الدلالة تأمل، ولو تمت لثبت الفساد مع قصد المشتري خاصة للحرام لأن
الفساد لا يتبعض.
225

القسم الثالث: ما يحرم لتحريم ما يقصد منه شأنا {1} بمعنى أن من شأنه أن يقصد منه
الحرام، وتحريم هذا مقصور على النص إذ لا يدخل ذلك تحت الإعانة خصوصا مع
عدم العلم بصرف الغير له في الحرام كبيع السلاح من أعداء الدين مع عدم قصد
تقويهم، بل وعدم العلم باستعمالهم لهذا المبيع الخاص في حرب المسلمين، إلا أن
المعروف بين الأصحاب حرمته {2} بل لا خلاف فيها والأخبار بها مستفيضة.
226



1) سورة النساء، آية 142.
2) الوسائل، باب 1، من أبواب موانع الإرث، حديث 11.
3) الوسائل، باب 2، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.
227

منها رواية الحضرمي فقال: دخلنا على أبي عبد الله عليه السلام فقال له حكم
السراج: ما تقول فيمن يحمل إلى الشام من السروج وأداتها، قال: لا بأس أنتم اليوم
بمنزلة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وأنتم في هدنة فإذا كانت المباينة حرم عليكم أن
تحملوا إليهم السلاح والسروج.
ومنها رواية هند السراج، قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام أصلحك الله إني كنت
أحمل السلاح إلى أهل الشام فأبيعه منهم، فلما عرفني الله هذا الأمر ضقت بذلك
وقلت: لا أحمل إلى أعداء الله فقال: أحمل إليهم وبعهم فإن الله يدفع بهم عدونا و
عدوكم يعني الروم فإذا كانت الحرب بيننا فلا تحملوا فمن حمل إلى عدونا سلاحا
يستعينون به علينا فهو مشرك، وصريح الروايتين اختصاص الحكم بصورة قيام
الحرب بينهم وبين المسلمين بمعنى وجود المباينة {1}. في مقابل الهدنة وبهما يقيد

1) الوسائل، باب 8، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.
2) الوسائل، باب 8، من أبواب ما يكتسب به، حديث 2.
228

المطلقات جوازا أو منعا مع امكان دعوى ظهور بعضها في ذلك مثل مكاتبة الصيقل،
اشترى السيوف وأبيعها من السلطان أجائز لي بيعها، فكتب لا بأس به.
ورواية علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام قال: سألته عن حمل المسلمين إلى
المشركين التجارة، قال: إذا لم يحملوا سلاحا فلا بأس، ومثله ما في وصية النبي صلى الله عليه وآله
لعلي عليه السلام يا علي كفر بالله العظيم من هذه الأمة عشر أصناف وعد منها بائع السلاح
من أهل الحرب.

1) الوسائل، باب 8، من أبواب ما يكتسب به حديث 5.
2) الوسائل، باب 8، من أبواب ما يكتسب به حديث 6.
3) الوسائل، باب 8، من أبواب ما يكتسب به حديث 7.
4) الوسائل، باب 8، من أبواب ما يكتسب به حديث 4.
229

فما عن حواشي الشهيد من أن بيع السلاح حرام مطلقا في حال الحرب
والصلح والهدنة لأن فيه تقوية الكافر على المسلم، فلا يجوز على كل حال {1} شبه
الاجتهاد في مقابل النص {2} مع ضعف دليله كما لا يخفى.
230

ثم إن ظاهر الروايات شمول الحكم لما إذا لم يقصد البائع المعونة والمساعدة
أصلا بل صريح مورد السؤال في روايتي الحكم والهند هو صورة عدم قصد ذلك {1}
فالقول باختصاص حرمة البيع بصورة قصد المساعدة كما يظهر من بعض العبائر
ضعيف جدا، وكذلك ظاهرها الشمول لما إذا لم يعلم باستعمال أهل الحرب للمبيع في
الحرب، بل يكفي مظنة ذلك بحسب غلبة ذلك مع قيام الحرب بحيث يصدق حصول
التقوى لهم بالبيع {2} وحينئذ فالحكم مخالف للأصول صير إليه للأخبار المذكورة و
عموم رواية تحف العقول المتقدمة، فيقتصر فيه على مورد الدليل وهو السلاح {3}
دون ما لا يصدق عليه ذلك كالمجن والدرع والمغفر وسائر ما يكن وفاقا للنهاية و
ظاهر السرائر وأكثر كتب العلامة والشهيدين والمحقق الثاني للأصل.
231

وما استدل به في التذكرة من رواية محمد بن قيس قال: سألت أبا
عبد الله عليه السلام عن الفئتين من أهل الباطل يلتقيان أبيعهما السلاح، قال: بعهما ما يكنهما
الدرع والخفين ونحوهما، لكن يمكن أن يقال إن ظاهر رواية تحف العقول إناطة
الحكم على تقوي الكفر ووهن الحق {1} وظاهر قوله عليه السلام في رواية هند: من حمل
إلى عدونا سلاحا يستعينون به علينا {2}، أن الحكم منوط بالاستعانة والكل
موجود فيما يكن أيضا كما لا يخفى مضافا إلى فحوى رواية الحكم المانعة عن بيع
السروج وحملها على السيوف السريجية لا يناسبه صدر الرواية مع كون الراوي
سراجا.

1) الوسائل، باب 8، من أبواب ما يكتسب به، حديث 3.
232

وأما رواية محمد بن قيس فلا دلالة لها على المطلوب لأن مدلولها بمقتضى أن
التفصيل قاطع للشركة الجواز فيما يكن والتحريم في غيره مع كون الفئتين من أهل
الباطل، فلا بد من حملهما على فريقين محقوني الدماء إذ لو كان كلاهما أو أحدهما
مهدور الدم لم يكن وجه للمنع من بيع السلاح على صاحبه، فالمقصود من بيع ما
يكن منهما تحفظ كل منهما عن صاحبه وتترسه بما يكن وهذا غير مقصود فيما نحن
فيه بل تحفظ أعداء الدين عن بأس المسلمين خلاف مقصود الشارع، فالتعدي عن
مورد الرواية إلى ما نحن فيه يشبه القياس مع الفارق، ولعله لما ذكر قيد الشهيد فيما
حكى عن حواشيه على القواعد اطلاق العلامة جواز بيع ما يكن بصورة الهدنة و
عدم قيام الحرب، ثم إن مقتضى الاقتصار على مورد النص عدم التعدي إلى غير
أعداء الدين كقطاع الطريق إلا أن المستفاد من رواية تحف العقول إناطة الحكم
بتقوي الباطل ووهن الحق، فلعله يشمل ذلك وفيه تأمل {1}. ثم إن النهي في هذه الأخبار لا يدل على الفساد {2} فلا مستند له سوى ظاهر خبر تحف العقول الوارد
في بيان المكاسب الصحيحة والفاسدة والله العالم.
233

النوع الثالث
مما يحرم الاكتساب به ما لا منفعة فيه محللة معتدا بها عند العقلاء والتحريم في
هذا القسم ليس إلا من حيث فساد المعاملة وعدم تملك الثمن {1} وليس
كالاكتساب بالخمر والخنزير والدليل على الفساد في هذا القسم على ما صرح به في
الإيضاح كون أكل المال بإزائه أكلا بالباطل {2} وفيه تأمل، لأن منافع كثير من
الأشياء التي ذكروها في المقام يقابل عرفا بمال ولو قليلا بحيث لا يكون بذل مقدار
قليل من المال بإزائه سفها، فالعمدة ما يستفاد من الفتاوى {3} والنصوص {4} من
عدم اعتناء الشارع بالمنافع النادرة وكونها في نظره كالمعدومة.

1) النساء آية 29.
234

قال في المبسوط: إن الحيوان الطاهر على ضربين ضرب ينتفع به والآخر لا
ينتفع به إلى أن قال: وإن كان مما لا ينتفع به فلا يجوز بيعه بلا خلاف مثل الأسد
والذئب وسائر الحشرات مثل الحيات والعقارب والفأر والخنافس والجعلان
والحداء والرخمة والنسر وبغاث الطير وكذلك الغربان، (انتهى) وظاهر الغنية
الاجماع على ذلك أيضا ويشعر به عبارة التذكرة حيث استدل على ذلك بخسة تلك
الأشياء وعدم نظر الشارع إلى مثلها في التقويم ولا يثبت يد لأحد عليها، قال: ولا
اعتبار بما ورد في الخواص من منافعها لأنها لا تعد مع ذلك مالا، وكذا عند الشافعي
انتهى.
وظاهره اتفاقنا عليه وما ذكره من عدم جواز بيع ما لا يعد مالا مما لا
اشكال فيه، وإنما الكلام فيما عدوه من هذا، قال في محكي إيضاح النافع ونعم ما قال:
جرت عادة الأصحاب بعنوان هذا الباب وذكر أشياء معينة على سبيل المثال، فإن
كان ذلك لأن عدم النفع مفروض فيها فلا نزاع وإن كان لأن ما مثل به لا يصح بيعه
لأنه محكوم بعدم الانتفاع فالمنع متوجه في أشياء كثيرة انتهى.
وبالجملة فكون الحيوان من المسوخ أو السباع أو الحشرات لا دليل على
كونه كالنجاسة مانعا، فالمتعين فيما اشتمل منها على منفعة مقصودة للعقلاء جواز البيع
فكل ما جاز الوصية به لكونه مقصودا بالانتفاع للعقلاء فينبغي جواز بيعه إلا ما دل
الدليل على المنع فيه تعبدا.
236

وقد صرح في التذكرة بجواز الوصية بمثل الفيل والأسد وغيرهما من المسوخ
والمؤذيات وإن منعنا عن بيعها، وظاهر هذا الكلام {1} أن المنع من بيعها على القول
به للتعبد لا لعدم المالية، ثم إن ما تقدم منه قدس سره من أنه لا اعتبار بما ورد في الخواص
من منافعها لأنها لا تعد مالا، مع ذلك يشكل بأنه إذا اطلع العرف على خاصية في
إحدى الحشرات معلومة بالتجربة أو غيرها، فأي فرق بينها وبين نبات من الأدوية
علم فيه تلك الخاصية وحينئذ فعدم جواز بيعه وأخذ المال في مقابله بملاحظة تلك
الخاصية يحتاج إلى دليل لأنه حينئذ ليس أكلا للمال بالباطل، ويؤيد ذلك ما تقدم في
رواية التحف من أن كل شئ يكون لهم فيه الصلاح من جهة من الجهات فذلك حلال
بيعه الخ.
وقد أجاد في الدروس حيث قال: ما لا نفع فيه مقصودا للعقلاء كالحشار و
فضلات الانسان، وعن التنقيح ما لا نفع فيه بوجه من الوجوه كالخنافس
والديدان، ومما ذكرنا يظهر النظر فيما ذكره في التذكرة من الاشكال في جواز بيع
العلق الذي ينتفع به لامتصاص الدم وديدان القز التي يصاد بها السمك، ثم
استقرب المنع، قال لندور الانتفاع فيشبه (فيشمل) ما لا منفعة فيه إذ كل شئ فله نفع
ما، انتهى {2}.
237

أقول: ولا مانع من التزام جواز بيع كل ما له نفع ما، ولو فرض الشك في
صدق المال على مثل هذه الأشياء المستلزم للشك في صدق
البيع أمكن الحكم بصحة
المعاوضة عليها {1} لعمومات التجارة والصلح والعقود والهبة المعوضة وغيرها، و
عدم المانع لأنه ليس إلا أكل المال بالباطل والمفروض عدم تحققه هنا، فالعمدة في
المسألة الاجماع على عدم الاعتناء بالمنافع النادرة وهو الظاهر من التأمل في
الأخبار أيضا مثل ما دل على تحريم بيع ما يحرم منفعته الغالبة مع اشتماله على منفعة
نادرة محللة مثل قوله عليه السلام: لعن الله اليهود، حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا
ثمنها بناء على أن للشحوم منفعة نادرة محللة على اليهود لأن ظاهر تحريمها عليهم
تحريم أكلها أو سائر منافعها المتعارفة فلولا أن النادر في نظر الشارع كالمعدوم لم
يكن وجه للمنع عن البيع {2} كما لم يمنع الشارع عن بيع ما له منفعة محللة مساوية
للمحرمة في التعارف والاعتداد، إلا أن يقال المنع فيها تعبد للنجاسة لا من حيث
عدم المنفعة المتعارفة فتأمل.
238

وأوضح من ذلك قوله عليه السلام: في رواية تحف العقول في ضابط ما يكتسب به {1} و
كل شئ يكون لهم فيه الصلاح من جهة من الجهات فذلك كله حلال بيعه وشراؤه
الخ. إذ لا يراد منه مجرد المنفعة وإلا لعم الأشياء كلها {2} وقوله في آخره إنما حرم
الله الصناعة التي يجئ منها الفساد محضا نظير كذا وكذا إلى آخر ما ذكره، فإن كثيرا
من الأمثلة المذكورة هناك لها منافع محللة فإن الأشربة المحرمة كثيرا ما ينتفع بها في
معالجة الدواب بل المرضى، فجعلها مما يجئ منه الفساد محضا باعتبار عدم الاعتناء
بهذه المصالح لندرتها، إلا أن الاشكال في تعيين المنفعة النادرة وتميزها عن غيرها
فالواجب الرجوع في مقام الشك إلى أدلة التجارة ونحوها مما ذكرنا، ومنه يظهر أن
الأقوى جواز بيع السباع بناء على وقوع التذكية عليها للانتفاع البين بجلودها، وقد
نص في الرواية على بعضها وكذا شحومها وعظامها، وأما لحومها فالمصرح به في
التذكرة عدم الجواز معللا بندور المنفعة المحللة المقصودة منه كإطعام الكلاب المحترمة
وجوارح الطير ويظهر أيضا جواز بيع الهرة، وهو المنصوص في غير واحد من
الروايات ونسبه في موضع من التذكرة إلى علمائنا بخلاف القرد لأن المصلحة
المقصودة منه وهو حفظ المتاع، نادر {3}.

1) الوسائل، باب 14، من أبواب ما يكتسب به حديث 4.
239

ثم اعلم أن عدم المنفعة المعتد بها يستند تارة إلى خسة الشئ كما ذكر من
الأمثلة في عبارة المبسوط وأخرى إلى قلته كجزء يسير من المال لا يبذل في مقابله
مال كحبة حنطة، والفرق أن الأول لا يملك ولا يدخل تحت اليد كما عرفت من
التذكرة بخلاف الثاني فإنه يملك ولو غصبه غاصب كان عليه مثله إن كان مثليا
خلافا للتذكرة، فلم يوجب شيئا كغير المثلي {1} وضعفه بعض بأن اللازم حينئذ
عدم الغرامة فيما لو غصب صبرة تدريجا ويمكن أن يلتزم فيه بما يلتزم في غير المثلي
فافهم.

1) الوسائل باب 37، من أبواب ما يكتسب به حديث 3.
240

ثم إن منع حق الاختصاص في القسم الأول مشكل مع عموم قوله صلى الله عليه وآله: من
سبق إلى ما لم يسبق إليه أحد من المسلمين فهو أحق به مع عد أخذه قهرا ظلما
عرفا {1}.
النوع الرابع
ما يحرم الاكتساب به لكونه عملا محرما في نفسه، وهذا النوع وإن كان
أفراده هي جميع الأعمال المحرمة القابلة لمقابلة المال بها في الإجارة والجعالة و
غيرهما إلا أنه جرت عادة الأصحاب بذكر كثير مما من شأنه الاكتساب به من
المحرمات، بل وغير ذلك مما لم يتعارف الاكتساب به كالغيبة والكذب ونحوهما، و
كيف كان فنقتفي آثارهم بذكر أكثرها في مسائل مرتبة بترتيب حروف أوائل
عنواناتها إن شاء الله فنقول:
(المسألة الأولى): تدليس الماشطة المرأة التي يراد تزويجها أو الأمة التي يراد
بيعها حرام {2} بلا خلاف، كما عن الرياض وعن مجمع الفائدة الاجماع عليه وفعل
المرأة ذلك بنفسها ويحصل بوشم الخدود، كما في المقنعة والسرائر والنهاية، وعن
جماعة قال في المقنعة: وكسب المواشط حلال إذا لم يغششن ولم يدلسن في عملهن
فيصلن شعور النساء بشعور غيرهن من الناس ويشمن الخدود ويستعملن ما لا يجوز
في شريعة الاسلام، فإن وصلن شعرهن بشعر غير الناس لم يكن ذلك بأس انتهى.
241

ونحوه بعينه عبارة النهاية، وقال في السرائر: في عداد المحرمات، وعمل
المواشط بالتدليس بأن يشمن الخدود ويحمرنها وينقش بالأيدي والأرجل و
يصلن شعر النساء بشعر غيرهن وما جرى مجرى ذلك، (انتهى).
وحكي نحوه عن الدروس وحاشية الإرشاد في القواعد وشم الخدود من
جملة تدليس تأمل، لأن الوشم في نفسه زينة، وكذا التأمل في التفصيل بين وصل
الشعر بشعر الانسان ووصله بشعر غيره، فإن ذلك لا مدخل له في التدليس وعدمه
إلا أن يوجه الأول بأنه قد يكون الغرض من الوشم أن يحدث في البدن نقطة خضراء

1) الوسائل، باب 86، من أبواب ما يكتسب به.
2) الوسائل، باب 19، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.
3) الوسائل، باب 19، من أبواب ما يكتسب به، حديث 2.
242

حتى يتراءى بياض سائر البدن وصفائه أكثر مما كان يرى لولا هذه النقطة، ويوجه
الثاني بأن شعر غير المرأة لا يلتبس على الشعر الأصلي للمرأة، فلا يحصل التدليس
به بخلاف شعر المرأة وكيف كان يظهر من بعض الأخبار المنع عن الوشم ووصل
الشعر بشعر الغير {1} وظاهرها المنع ولو في غير مقام التدليس، فهي مرسلة ابن أبي
عمير عن رجل عن أبي عبد الله عليه السلام قال: دخلت ماشطة على رسول الله صلى الله عليه وآله فقال
لها: هل تركت عملك أو أقمت عليه؟ فقالت: يا رسول الله أنا أعمله إلا أن تنهاني
عنه، فانتهى عنه. فقال: أفعلي فإذا مشطت فلا تجلي الوجه بالخرقة فإنها تذهب بماء
الوجه ولا تصلي (الشعر بالشعر) شعر المرأة بشعر امرأة غيرها وأما شعر المعز فلا
بأس بأن يوصل بشعر المرأة.
وفي مرسلة الفقيه لا بأس بكسب الماشطة ما لم تشارط وقبلت ما تعطي ولا
تصل شعر المرأة بشعر (امرأة) غيرها.
وأما شعر المعز فلا بأس بأن يوصل بشعر المرأة.
وعن معاني الأخبار بسنده عن علي بن غراب عن جعفر بن محمد عليه السلام عن
آبائه قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وآله النامصة والمنتمصة والواشرة والموتشرة والواصلة
والمستوصلة والواشمة والمستوشمة.

1) الوسائل، باب 19، من أبواب ما يكتسب به، حديث 6.
2) الوسائل، باب 19، من أبواب ما يكتسب به، حديث 7.
243

قال الصدوق قال علي بن غراب: النامصة التي تنتف الشعر، والمنتمصة التي
يفعل ذلك بها، والواشرة التي تشر أسنان المرأة وتفلجها وتحدها، والموتشرة التي
يفعل ذلك بها، والواصلة التي تصل شعر المرأة بشعر امرأة غيرها، والمستوصلة التي
يفعل ذلك بها، والواشمة التي تشم وشما في يد المرأة أو في شئ من بدنها وهو أن تغرز
بدنها أو ظهر كفها بإبرة حتى تؤثر فيه، ثم تحشوها بالكحل أو شئ من النورة
فتخضر، والمستوشمة التي يفعل بها ذلك، وظاهر بعض الأخبار كراهة الوصل {1}
ولو بشعر غير المرأة مثل ما عن عبد الله بن الحسن، قال: سألته عن القرامل، قال:
وما القرامل، قلت: صوف تجعله النساء في رؤوسهن، قال إن كان صوفا فلا بأس، و
إن كان شعرا فلا خير فيه من الواصلة والمستوصلة، وظاهر بعض الأخبار الجواز
مطلقا، ففي رواية سعد الإسكاف، قال: سأل أو جعفر عن القرامل التي يضعها
النساء في رؤوسهن يصلن شعورهن قال: لا بأس على المرأة بما تزينت به لزوجها
قال: فقلت له: بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وآله لعن الواصلة والمستوصلة، فقال: ليس هناك
إنما لعن رسول الله صلى الله عليه وآله الواصلة التي تزني في شبابها فإذا كبرت قادت النساء إلى
الرجال فتلك الواصلة والمواصلة.

1) الوسائل، باب 137، من أبواب مقدمات النكاح، حديث 1.
2) الوسائل، باب 101، من أبواب مقدمات النكاح، حديث 2 - 4.
244



1) الوسائل، باب 19، من أبواب ما يكتسب به، حديث 8.
2) الوسائل، باب 19، من أبواب ما يكتسب به، حديث 5.
245



1) الوسائل، باب 19، من أبواب ما يكتسب به حديث 4.
246

ويمكن الجمع بين الأخبار بالحكم بكراهة وصل مطلق الشعر {1} كما في رواية
عبد الله بن الحسن وشده الكراهة في الوصل بشعر المرأة، وعن الخلاف والمنتهى
الاجماع على أنه يكره وصل شعرها بشعر غيرها رجلا كان أو امرأة.
247

وأما ما عدا الوصل مما ذكر في رواية معاني الأخبار فيمكن حملها أيضا على
الكراهة لثبوت الرخصة من رواية سعد في مطلق الزينة {1} خصوصا مع صرف
الإمام للنبوي {2} الوارد في الواصلة عن ظاهره المتحد سياقا مع سائر ما ذكر في
النبوي ولعله أولى من تخصيص عموم الرخصة بهذه الأمور {3}.
248

مع أنه لولا الصرف {1} لكان الواجب إما تخصيص الشعر {2} بشعر المرأة أو
تقييده بما إذا كان هو أو أحد أخواته في مقام التدليس فلا دليل على تحريمها في غير
مقام التدليس كفعل المرأة المزوجة ذلك لزوجها خصوصا بملاحظة ما في رواية علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام عن المرأة تحف الشعر عن وجهها، قال: لا بأس، وهذه
أيضا قرينة على صرف اطلاق لعن النامصة في النبوي عن ظاهره بإرادة التدليس
أو الحمل على الكراهة.
نعم قد يشكل الأمر في وشم الأطفال من حيث إنه إيذاء لهم بغير مصلحة {3}
بناء على أن لا مصلحة فيه لغير المرأة المزوجة إلا التدليس بإظهار شدة بيان البدن
وصفائه بملاحظة النقطة الخضراء الكدرة في البدن لكن الانصاف أن كون ذلك
تدليسا مشكل بل ممنوع بل هو تزيين للمرأة من حيث خلط البياض بالخضرة فهو
تزيين لا موهم لما ليس في البدن واقعا من البياض والصفا.
249

نعم مثل نقش الأيدي والأرجل بالسواد يمكن أن {1} يكون الغالب فيه
إرادة ايهام بياض البدن وصفائه ومثله الخط الأسود فوق الحاجبين أو وصل
الحاجبين بالسواد لتوهم طولهما وتقوسهما، ثم إن التدليس بما ذكرنا إنما يحصل {2}
بمجرد رغبة الخاطب أو المشتري، وإن علما أن هذا البياض والصفا ليس واقعيا بل
حدث بواسطة هذه الأمور فلا يقال: إنها ليست بتدليس لعدم خفاء أثرها على
الناظر، وحينئذ فينبغي أن يعد من التدليس لبس المرأة أو الأمة الثياب الحمراء
والخضراء الموجبة لظهور بياض البدن وصفائه والله العالم.
ثم إن المرسلة المتقدمة عن الفقيه دلت على كراهة كسب الماشطة مع شرط
الأجرة المعينة {3} وحكى الفتوى به عن المقنع وغيره، والمراد بقوله عليه السلام إذا
250

قبلت ما تعطي البناء على ذلك حين العمل وإلا فلا يلحق العمل بعد وقوعه ما
يوجب كراهته {1}، ثم إن أولوية قبول ما يعطي وعدم مطالبة الزائد {2}، إما لأن
الغالب عدم نقص ما تعطي عن أجرة مثل العمل إلا أن مثل الماشطة والحجام
والختان ونحوهم كثيرا ما يتوقعون أزيد مما يستحقون خصوصا من أولي المروة
والثروة وربما يبادرون إلى هتك العرض إذا منعوا ولا يعطون ما يتوقعون من
الزيادة أو بعضه إلا استحياء وصيانة للعرض.
251

وهذا لا يخلو عن شبهة فأمروا في الشريعة بالقناعة بما يعطون وترك مطالبة
الزائد، فلا ينافي ذلك جواز مطالبة الزائد والامتناع عن قبول ما يعطي إذا اتفق
كونه دون أجرة المثل، وأما لأن المشارطة في مثل هذه الأمور لا يليق بشأن كثير
من الأشخاص لأن المماكسة فيها خلاف المروة والمسامحة فيها قد لا يكون مصلحة
لكثرة طمع هذه الأصناف فأمروا بترك المشارطة والاقدام على العمل بأقل ما
يعطي وقبوله وترك مطالبة الزائد مستحب للعامل وإن وجب على من عمل له
إيفاء تمام ما يستحقه من أجرة المثل فهو مكلف وجوبا بالايفاء والعامل مكلف
ندبا بالسكوت وترك المطالبة خصوصا على ما يعتاده هؤلاء من سوء الاقتضاء أو
لأن المولى في حق العامل قصد التبرع بالعمل {1} وقبول ما يعطي على وجه التبرع
أيضا فلا ينافي ذلك ما ورد من قوله عليه السلام لا تستعملن أجيرا حتى تقاطعه.
252

المسألة الثانية: تزيين الرجل بما يحرم عليه من لبس الحرير والذهب حرام
لما ثبت في محله من حرمتهما على الرجال {1} وما يختص بالنساء من اللباس
كالسوار والخلخال والثياب المختصة بهن في العادات على ما ذكره في المسالك، وكذا
العكس أعني تزيين المرأة بما يختص بالرجال كالمنطقة والعمامة ويختلف

1) الوسائل، باب 35، من أبواب لباس المصلي، حديث 1، كتاب الصلاة.
2) الوسائل، باب 30، من أبواب لباس المصلي، حديث 5.
253

باختلاف العدات، واعترف غير واخد بعدم العثور على دليل هذا الحكم عدا
النبوي المشهور المحكي عن الكافي والعلل لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء و
المتشبهات من النساء بالرحال {1} وفي دلالته قصور لأن الظاهر من التشبه تأنث الذكر

1) الوسائل، باب 87، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.
2) الوسائل، باب 87، من أبواب ما يكتسب به، حديث 2.
3) الوسائل، باب 24، من أبواب النكاح المحرم، حديث 5.
254

وتذكر الأنثى لا مجرد لبس أحدهما لباس الآخر مع عدم قصد التشبه.
ويؤيده المحكي عن العلل أن عليا عليه السلام رأى رجلا به تأنث في مسجد
رسول الله صلى الله عليه وآله فقال له: أخرج من مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله فإني سمعت
رسول الله صلى الله عليه وآله يقول لعن الله الخ، وفي رواية يعقوب بن جعفر الواردة في المساحقة
أن فيهن قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعن الله المتشبهات بالرجال من النساء إلى آخره، و
في رواية أبي خديجة عن أبي عبد الله عليه السلام لعن رسول الله صلى الله عليه وآله المتشبهين من الرجال
بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال وهم المخنثون واللائي ينكحن بعضهن بعضا.

1) الوسائل، باب 24، من أبواب النكاح المحرم، حديث 6.
255

نعم في رواية سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام عن الرجل يجر ثيابه، قال: إني
لأكره أن يتشبه بالنساء.
وعنه عليه السلام عن آبائه عليهم السلام كان رسول الله صلى الله عليه وآله يزجر الرجل أن يتشبه
بالنساء وينهى المرأة أن تشبه بالرجال في لباسها، وفيهما خصوصا الأولى بقرينة
المورد ظهور في الكراهة {1}، فالحكم المذكور لا يخلو عن إشكال.

1) الوسائل، باب 13، من أبواب أحكام الملابس، حديث 1 و 2 كتاب الصلاة.
256



1) المستدرك باب 70، من أبواب ما يكتسب به، حديث 2.
257



1) المستدرك باب 70، من أبواب ما يكتسب به، حديث 2.
2) المستدرك باب 9، من أبواب أحكام الملابس، حديث 1.
3) المستدرك باب 9، من أبواب أحكام الملابس، حديث 4.
4) المستدرك باب 9، من أبواب أحكام الملابس، حديث 2.
5) الوسائل، باب 13، من أبواب أحكام الملابس، حديث 1 - 2.
258

ثم الخنثى يجب عليها ترك الزينتين {1} المختصتين بكل من الرجل والمرأة كما
صرح به جماعة لأنها يحرم عليها لباس مخالفها في الذكورة والأنوثة وهو مردد بين
اللبسين فتجتنب عنهما مقدمة لأنهما من قبيل المشتبهين المعلوم حرمة أحدهما، و
يشكل بناء على كون مدرك الحكم حرمة التشبه بأن الظاهر عن التشبه صورة
259

علم المتشبه {1}.
المسألة الثالثة: التشبيب بالمرأة المعروفة المؤمنة المحترمة، وهو كما في جامع
المقاصد ذكر محاسنها وإظهار شدة جبها بالشعر حرام على ما عن المبسوط وجماعة
كالفاضلين والشهيدين والمحقق الثاني {2} واستدل عليه بلزوم تفضيحها وهتك
حرمتها {3}.
260

ايذائها {1}.
261

وإغراء الفساق بها {1} وإدخال النقص عليها وعلى أهلها {2} ولذا لا
ترضى النفوس الأبية ذوات الغيرة والحمية أن يذكر ذاكر عشق بعض بناتهم و
أخواتهم بل البعيدات من قراباتهم، والإنصاف أن هذه الوجوه لا تنهض لإثبات
التحريم مع كونه أخص من المدعى، إذ قد لا يتحقق شئ من المذكورات في التشبيب
بل وأعم منه من وجه فإن التشبيب بالزوجة قد توجب أكثر المذكورات، ويمكن أن
يستدل عليه بما سيجئ من عمومات حرمة اللهو والباطل {3}.
262

ما دل على حرمة الفحشاء {1} ومنافاته للعفاف المأخوذ في العدالة - 2 -.
وفحوى ما دل على حرمة ما يوجب ولو بعيدا تهيج القوة الشهوية بالنسبة
إلى غير الحليلة {3} مثل ما دل على المنع عن النظر لأنه سهم من سهام إبليس.

1) النحل، آية 90 - النور، آية 91.
2) الوسائل، باب 41، من أبواب الشهادات، حديث 1.
3) الوسائل، باب 104، من أبواب مقدمات النكاح.
263

والمنع عن الخلوة بالأجنبية لأن ثالثهما الشيطان {1}.

1) الوسائل، باب 99، من أبواب مقدمات النكاح - والمستدرك، باب 77، منها.
264



1) الوسائل، باب 99، من أبواب مقدمات النكاح، حديث 1.
2) الوسائل، باب 99، من أبواب مقدمات النكاح، حديث 1.
3) الوسائل، باب 10، من أبواب حد الزنا.
4) المستدرك، باب 77، من أبواب مقدمات النكاح، حديث 1.
265

وكراهة جلوس الرجال في مكان المرأة حتى يبرد المكان {1} وبرجحان التستر عن
نساء أهل الذمة لأنهن يصفن لأزواجهن {2}.

1) الوسائل، باب 58، من أبواب وجوب الحج وشرائطه.
2) الوسائل، باب 145، من أبواب مقدمات النكاح وآدابه، حديث 1.
3) الوسائل، باب 98، من أبواب مقدمات النكاح وآدابه، حديث 1.
266

والتستر عن الصبي المميز الذي يصف ما يرى {1} والنهي في الكتاب العزيز
عن (أن يخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض) وعن (أن يضربن بأرجلهن
وليعلم ما يخفين من زينتهن) {2} إلى غير ذلك في المحرمات والمكروهات التي يعلم
منها حرمة ذكر المرأة المعينة المحترمة بما يهيج الشهوة عليها خصوصا ذات البعل التي
لم يرض الشارع بتعريضها للنكاح بقول رب راغب فيك،

1) الوسائل، باب 130، من أبواب مقدمات النكاح، حديث 2.
2) الأحزاب، آية 33.
3) النور، آية 32.
267

نعم لو قيل: بعدم حرمة التشبيب بالمخطوبة قبل العقد، بل مطلق من يراد
تزويجها لم يكن بعيدا لعدم جريان أكثر ما ذكر فيها، والمسألة غير صافية عن
الاشتباه والاشكال {1}.
ثم إن المحكي عن المبسوط وجماعة جواز التشبيب بالحليلة بزيادة الكراهة
عن المبسوط، وظاهر الكل جواز التشبيب بالمرأة المبهمة بأن يتخيل امرأة و
يتشبب بها.
وأما المعروفة عند القائل دون السامع سواء علم السامع إجمالا بقصر معينة
أم لا، ففيه أشكال.
269

وفي جامع المقاصد كما عن الحواشي الحرمة في الصورة الأولى، وفيه إشكال
من جهة اختلاف الوجوه المتقدمة للتحريم، وكذا إذا لم يكن هنا سامع.
وأما اعتبار الايمان فاختاره في القواعد والتذكرة وتبعه بعض الأساطين
لعدم احترام غير المؤمنة، وفي جامع المقاصد كما عن غيره حرمة التشبيب بنساء
أهل الخلاف وأهل الذمة لفحوى حرمة النظر إليهن، ونقض بحرمة النظر إلى نساء
أهل الحرب مع أنه صرح بجواز التشبيب بهن، والمسألة مشكلة من جهة الاشتباه في
مدرك أصل الحكم وكيف كان فإذا شك المستمع في تحقق شروط الحرمة لم يحرم
عليه الاستماع كما صرح به في جامع المقاصد.
وأما التشبيب بالغلام فهو محرم على كل حال {1}، كما عن الشهيدين والمحقق
الثاني وكاشف اللثام لأنه فحش محض فيشتمل على الاغراء بالقبيح.
وعن المفاتيح أن في اطلاق الحكم نظرا، والله العالم.
270

المسألة الرابعة: تصوير صور ذوات الأرواح حرام {1} إذا كانت الصورة
مجسمة بلا خلاف فتوى ونصا وكذا مع عدم التجسم وفاقا لظاهر النهاية وصريح السرائر والمحكي عن حواشي الشهيد والميسية والمسالك وإيضاح النافع والكفاية
ومجمع البرهان وغيرهم للروايات المستفيضة.

(1) المستدرك، باب 75، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.
271

مثل قوله عليه السلام: نهى أن ينقش شئ من الحيوان على الخاتم، وقوله عليه السلام: نهى عن
تزويق البيوت، قلت: وما تزويق البيوت، قال تصاوير التماثيل {1} والمتقدم عن
تحف العقول وصنعة صنوف التصاوير ما لم يكن مثال الروحاني، وقوله عليه السلام في
عدة أخبار: من صور صورة كلفه الله يوم القيامة أن ينفخ فيها وليس بنافخ.

(1) الوسائل، باب 94، من أبواب ما يكتسب به، حديث 6 و 1. وباب 3 من أبواب المساكن، حديث 1.
{2} الوسائل، باب 32، من أبواب مكان المصلي، حديث 10.
272

وقد يستظهر اختصاصها بالمجسمة من حيث إن نفخ الروح لا تكون إلا في
الجسم وإرادة تجسيم النقش مقدمة للنفخ، ثم النفخ فيه خلاف الظاهر، وفيه أن النفخ
يمكن تصوره في النقش {1} بملاحظة محله بل بدونها كما في أمر الإمام الأسد المنقوش
على البساط بأخذ الساحر في مجلس الخليفة أو بملاحظة لون النقش الذي هو في
الحقيقة أجزاء لطيفة من الصبغ.
والحاصل أن مثل هذا لا يعد قرينة عرفا على تخصيص الصورة بالمجسم.

(1) التهذيب، ج 1، باب دفن الميت، ص 130 - والوسائل، باب 3، من أبواب المساكن، حديث 1.
(2) المستدرك، باب 5، من أبواب ما يكتسب به، حديث 6.
273

وأظهر من الكل صحيحة محمد بن مسلم سألت أبا عبد الله عليه السلام عن تماثيل
الشجر والشمس والقمر، قال: لا بأس ما لم يكن شيئا من الحيوان، فإن ذكر الشمس
والقمر قرينة على إرادة مجرد النقش ومثل قوله عليه السلام من جدد قبرا أو مثل مثالا فقد
خرج عن الاسلام، فإن المثال والتصوير مترادفان {1} على ما حكاه كاشف اللثام
عن أهل اللغة من أن الشائع من التصوير والمطلوب منه هي الصور المنقوشة على
أشكال الرجال والنساء والطيور والسباع دون الأجسام المصنوعة على تلك
الاشكال ويؤيده أن الظاهر أن الحكمة في التحريم هي حرمة التشبه بالخالق في
إبداع الحيوانات وأعضائها على الاشكال المطبوعة التي يعجز البشر عن نقشها على
ما هي عليه فضلا عن اختراعها، ولذا منع بعض الأساطين عن تمكين غير المكلف
من ذلك، ومن المعلوم أن المادة لا دخل لها في هذه الاختراعات العجيبة فالتشبه إنما
يحصل بالنقش والتشكيل لا غير.
274

ومن هنا يمكن استظهار اختصاص الحكم بذوات الأرواح فإن صور غيرها
كثيرا ما يحصل بفعل الانسان للدواعي الأخر غير قصد التصوير ولا يحصل به
تشبه بحضرة المبدع تعالى عن التشبيه بل كل ما يصنعه الانسان من التصرف في
الأجسام فيقع على شكل واحد من مخلوقات الله تعالى، ولذا قال كاشف اللثام على
ما حكي عنه في مسألة كراهة الصلاة في الثوب المشتمل على التماثيل أنه لو عمت
الكراهة لتماثيل ذي الروح وغيرها كرهت الثياب ذوات الأعلام لشبه الأعلام
بالأخشاب والقصبات ونحوها والثياب المحشوة لشبه طرائقها المخيطة بها بل
الثياب قاطبة لشبه خيوطها بالأخشاب.

(1) الوسائل، باب 94، من أبواب ما يكتسب به، حديث 6.
(2) الوسائل، باب 94، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.
(3) الوسائل، باب 94، من أبواب ما يكتسب به، حديث 2.
(4) الوسائل، باب 94، من أبواب ما يكتسب به، حديث 3.
275



(1) الوسائل، باب 3، من أبواب أحكام المساكن، حديث 12.
276

وإن كان ما ذكره لا يخلو عن نظر كما سيجئ هذا ولكن العمدة في اختصاص
الحكم بذوات الأرواح أصالة الإباحة {1} مضافا إلى ما دل على الرخصة مثل
صحيحة ابن مسلم السابقة ورواية التحف المتقدمة.
وما ورد في تفسير قوله تعالى: (يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل) من
قوله: والله ما هي تماثيل الرجال والنساء ولكنها تماثيل الشجر وشبهه، والظاهر
شمولها للمجسم وغيره فبها يقيد بعض ما مر من الاطلاق خلافا لظاهر جماعة
حيث إنهم بين من يحكي عنه تعميمه الحكم لغير ذي الروح ولو لم يكن مجسما
لبعض الاطلاقات اللازم تقييدها بما تقدم مثل قوله عليه السلام نهى عن تزويق البيوت و
قوله عليه السلام من مثل مثالا إلى آخره، وبين من عبر بالتماثيل المجسمة بناء على شمول
التمثال لغير الحيوان كما هو كذلك، فخص الحكم بالمجسم لأن المتيقن من المقيدات
للاطلاقات، والظاهر منها بحكم غلبة الاستعمال والوجود النقوش لا غير {2}.
279

وفيه أن هذا الظهور لو اعتبر لسقط الاطلاقات عن نهوضها لاثبات حرمة
المجسم فتعين حملها على الكراهة {1} دون التخصيص بالمجسمة، وبالجملة التمثال في
الاطلاقات المانعة مثل قوله: من مثل مثالا، إن كان ظاهرا في شمول الحكم للمجسم
كان كذلك في الأدلة المرخصة لما عدا الحيوان كرواية تحف العقول وصحيحة ابن
مسلم، وما في تفسير الآية فدعوى ظهور الاطلاقات المانعة في العموم واختصاص
المقيدات المجوزة بالنقوش تحكم {2}.
280



(1) الوسائل، باب 94، من أبواب ما يكتسب به، حديث 3.
282



(1) الوسائل، باب 2، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.
(2) الأظهر هو الرجوع إلى مرجحات السند في العامين من وجه مطلقا - منه.
283

ثم إنه لو عممنا الحكم لغير الحيوان مطلقا أو مع التجسم، فالظاهر أن المراد به
ما كان مخلوقا لله سبحانه على هيئة خاصة معجبة للناظر على وجه يميل النفس إلى
مشاهدة صورتها المجردة عن المادة أو معها {1} فمثل تمثال السيف والرمح والقصور
والأبنية والسفن مما هو مصنوع للعباد وإن كانت في هيئة حسنة معجبة خارج، وكذا
مثل تمثال القصبات والأخشاب والجبال والشطوط مما خلقه الله لا على هيئة معجبة
للناظر بحيث تميل النفس إلى مشاهدتها ولو بالصور الحاكية لها لعدم شمول الأدلة لذلك
285

هذا كله مع قصد الحكاية والتمثيل. فلو دعت الحاجة إلى عمل شئ يكون
شبيها بشئ من خلق الله ولو كان حيوانا من غير قصد الحكاية فلا بأس قطعا {1} و
منه يظهر النظر فيما تقدم عن كاشف اللثام.
287

ثم إن المرجع في الصورة إلى العرف فلا يقدح في الحرمة نقص
بعض الأعضاء {1} وليس فيما ورد من رجحان تغيير الصورة بقلع عينها أو كسر
رأسها دلالة على جواز تصوير الناقص ولو صور بعض أجزاء الحيوان، ففي حرمته
نظر بل منع {2} وعليه فلو صور نصف الحيوان من رأسه إلى وسطه فإن قدر الباقي
موجودا بأن فرضه انسانا جالسا لا يتبين ما دون وسطه حرم، وإن قصد النصف لا
غير لم يحرم إلا مع صدق الحيوان على هذا النصف، ولو بدا له في اتمامه حرم الاتمام
لصدق التصوير بإكمال الصورة لأنه ايجاد لها، ولو اشتغل بتصوير حيوان فعل
حراما حتى لو بدا له في إتمامه، وهل يكون ما فعل حراما من حيث التصوير أو لا
يحرم إلا من حيث التجري وجهان: من أنه لم يقع إلا بعض مقدمات الحرام بقصد
289

تحققه، ومن أن معنى حرمة الفعل عرفا ليس إلا حرمة الاشتغال به عمدا {1} فلا
يراعى الحرمة بإتمام العمل، والفرق بين فعل الواجب المتوقف استحقاق الثواب على
إتمامه وبين الحرام قو قضاء العرف فتأمل.
291

بقي الكلام في جواز اقتناء ما حرم عمله من الصور وعدمه {1}، فالمحكي عن
شرح الإرشاد للمحقق الأردبيلي قدس سره أن المستفاد من الأخبار الصحيحة وأقوال
الأصحاب عدم حرمة إبقاء الصور {2} انتهى وقرره الحاكي على هذه الاستفادة.
293

وممن اعترف بعدم الدليل على الحرمة: المحقق الثاني في جامع المقاصد مفرعا
على ذلك جواز بيع الصور المعمولة وعدم لحوقها بآلات اللهو والقمار وأواني
النقدين، وصرح في حاشية الإرشاد بجواز النظر إليها لكن ظاهر كلام بعض القدماء
حرمة بيع التماثيل وابتياعها، ففي المقنعة بعد أن ذكر فيما يحرم الاكتساب به الخمر و
صناعتها وبيعها، قال: وعمل الأصنام والصلبان والتماثيل المجسمة والشطرنج و
النرد وما أشبه ذلك حرام وبيعه وابتياعه حرام، (انتهى).
وفي النهاية وعمل الأصنام والصلبان والتماثيل المجسمة والصور والشطرنج و
النرد وسائر أنواع القمار حتى لعب الصبيان بالجوز والتجارة فيها والتصرف فيها
والتكسب بها محظور انتهى، ونحوها ظاهر السرائر.
ويمكن أن يستدل للحرمة مضافا إلى أن الظاهر من تحريم عمل الشئ
مبغوضية وجود المعمول ابتداء أو استدامة {1}.
294



(1) الوسائل، باب 3، من أبواب أحكام المساكن، حديث 8.
296

بما تقدم في صحيحة ابن مسلم {1} من قوله لا بأس ما لم يكن حيوانا بناء على أن الظاهر من سؤال الراوي عن التماثيل سؤاله عن حكم الفعل المتعارف المتعلق بها
العام البلوى وهو الاقتناء {2}.
وأما نفس الايجاد فهو عمل مختص بالنقاش، ألا ترى أنه لو سئل عن الخمر
فأجاب بالحرمة أو عن العصير فأجاب بالإباحة انصرف الذهن إلى شربهما دون
صنعتهما، بل ما نحن فيه أولى بالانصراف لأن صنعة العصير والخمر يقع من كل أحد
بخلاف صنعة التماثيل.

(1) الوسائل، باب 3، من أبواب أحكام المساكن، حديث 17.
(2) الوسائل، باب 3، من أبواب أحكام المساكن، حديث 1.
297

وبما تقدم من الحصر في قوله عليه السلام في رواية تحف العقول {1} إنما حرم الله
الصناعة التي يجئ منه الفساد محضا ولا يكون منه، وفيه شئ من وجوه الصلاح فإن
ظاهره أن كل ما يحرم صنعته.
ومنها التصاوير يجئ منه الفساد محضا فيحرم جميع التقلب فيه بمقتضى ما ذكر
في الروايد بعد هذه الفقرة.

(1) الوسائل باب 2، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.
298

وبالنبوي لا تدع صورة إلا محوتها ولا كلبا إلا قتلته {1} بناء على إرادة
الكلب الهراش المؤذي الذي يحرم اقتناؤه، وما عن قرب الإسناد بسنده عن علي بن جعفر عليه السلام عن أخيه عليه السلام قال: سألته عن التماثيل هل يصلح أن يلعب بها؟ قال: لا
{2} وبما ورد في إنكار أن المعمول لسليمان (على نبينا وآله وعليه السلام) هي تماثيل الرجال و
النساء {3} الانكار إنما يرجع إلى مشية سليمان للمعمول كما هو ظاهر الآية دون
أصل العمل، فدل على كون مشية وجود التمثال من المنكرات التي لا يليق بمنصب النبوة.

(1) الوسائل، باب 94، من أبواب ما يكتسب به، حديث 10.
(2) الوسائل، باب 3، من أب وأب أحكام المساكن، حديث 16.
299



(1) الوسائل، باب 94، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.
300

وبمفهوم صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام لا بأس بأن يكون التماثيل في
البيوت إذا غيرت رؤسها وترك ما سوى ذلك (1).

(1) الوسائل، باب 4 من أبواب أحكام المساكن، حديث 3، كتاب الصلاة.
301

ورواية المثنى عن أبي عبد الله عليه السلام أن عليا عليه السلام يكره الصور في البيوت
بضميمة ما ورد في رواية أخرى مروية في باب الربا أن عليا عليه السلام لم يكن يكره
الحلال (1).
ورواية الحلبي المحكية عن مكارم الأخلاق عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أهدى
إلى طنفسة (قطيفة) من الشام فيها تماثيل طائر، فأمرت به فغير رأسه فجعل كهيئة
الشجر (2) هذا وفي الجميع نظر.
أما الأول: فلأن الممنوع هو ايجاد الصورة وليس وجودها مبغوضا حتى
يجب رفعه، نعم قد يفهم الملازمة من سياق الدليل أو من خارج كما أن حرمة ايجاد
النجاسة في المسجد يستلزم مبغوضية وجودها فيه المستلزم لوجوب رفعها، وأما
الروايات فالصحيحة الأولى غير ظاهرة في السؤال عن الاقتناء لأن عمل الصور
مما هو مركوز في الأذهان حتى أن السؤال عن حكم اقتنائها بعد معرفة حرمة عملها
إذ لا يحتمل حرمة اقتناء ما لا يحرم عمله.

1) الوسائل، باب 3 من أبواب أحكام المساكن، حديث.
2) الوسائل، باب 3، من أبواب أحكام المساكن، حديث 14.
3) الوسائل باب 15 من أبواب أحكام الربا، حديث 1.
4) الوسائل، باب 4 من أبواب أحكام المساكن، حديث 7.
302

وأما الحصر في رواية تحف العقول فهو بقرينة الفقرة السابقة منها الواردة في
تقسيم الصناعات ا لي ما يترتب عليه الحلال والحرام، وما لا يترتب عليه إلا الحرام
إضافي بالنسبة إلى هذين القسمين يعني لم يحرم من القسمين إلا ما ينحصر فائدته في
الحرام ولا يترتب عليه إلا الفساد، نعم يمكن أن يقال: إن الحصر وارد في مساق
التعليل واعطاء الضابطة للفرق بين الصنائع لا لبيان حرمة خصوص القسم
المذكور.
وأما النبوي فسياقه ظاهر في الكراهة كما يدل عليه عموم الأمر بقتل
الكلاب وقوله عليه السلام في بعض هذه الروايات ولا قبرا إلا سويته.
وأما رواية علي بن جعفر فلا تدل إلا على كراهة اللعب بالصورة ولا نمنعها،
بل ولا الحرمة إذا كان اللعب على وجه اللهو، وأما ما في تفسير الآية فظاهره رجوع
الانكار إلى مشيئة سليمان (على نبينا آله وعليه السلام) لعملهم بمعنى إذنه فيه، أو إلى تقريره
لهم في العمل.
وأما الصحيحة فالبأس فيها محمول على الكراهة لأجل الصلاة أو مطلقا مع
دلالته على جواز الاقتناء وعدم وجوب المحو.
وأما ما ورد من أن عليا عليه اللام لم يكن يكره الحلال، فمحمول على المباح
المتساوي طرفاه لأنه عليه السلام كان يكره المكروه قطعا وأما رواية الحلبي فلا دلالة لها
على الوجوب أصلا، ولو سلم الظهور في الجميع فهي معارضة بما هو أظهر و
أكثر (1). مثل صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام ربما قمت أصلي وبين يدي
303



(1) الوسائل، باب 45، من أبواب لباس المصلي، حديث 7.
304

الوسادة فيها تماثيل طير فجعلت عليها ثوبا {1}.
ورواية علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام عن الخاتم يكون فيه نقش تماثيل
طير أو سبع أيصلي فيه، قال: لا بأس.
وعنه عن أخيه عن البيت فيه صورة سمكة أو طير يعبث به أهل البيت هل
يصلي فيه؟ قال: لا، حتى يقطع رأسه ويفسد {2}.

1) الوسائل، باب 32 من أبواب مكان المصلي، حديث 2 و 10.
2) الوسائل، باب 32، من أبواب مكان المصلي، حديث 2 و 10.
305

ورواية أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الوسادة والبساط يكون
فيه التماثيل قال: لا بأس به يكون في البيت، قلت: ما التماثيل؟ قال: كل شئ يوطأ فلا
بأس به (1). وسياق السؤال مع عموم الجواب يأبى عن تقييد الحكم بما يجوز عمله
كما لا يخفى.
ورواية أخرى لأبي بصير، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام إنا نبسط عندنا
الوسائد فيها التماثيل ونفرشها، قال: لا بأس منها بما يبسط ويفرش ويوطأ وإنما
يكره منها ما نصب على الحائط وعلى السرير (2).
وعن قرب الإسناد عن علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام سألته عن رجل كان في
بيته تماثيل أو في ستر ولم يعلم بها وهو يصلي في ذلك البيت ثم علم ما عليه؟،
قال عليه السلام: ليس عليه فيما لم يعلم شئ فإذا علم فلينزع الستر وليكسر رؤوس
التماثيل، فإن ظاهره أن الأمر بالكسر لأجل كون البيت مما يصلي فيه ولذلك لم
يأمر عليه السلام بتغيير ما على الستر واكتفى بنزعه (3).
ومنه يظهر أن ثبوت البأس في صحيحة زرارة السابقة مع عدم تغيير
الرؤوس إنما هو لأجل الصلاة، وكيف كان فالمستفاد من جميع ما ورد من الأخبار
الكثيرة في كراهة الصلاة في البيت الذي فيه التماثيل إلا إذا غيرت، أو كانت بعين
واحدة أو ألقى عليها ثوب جواز اتخاذها وعمومها يشمل المجسمة وغيرها.

1) الوسائل، باب 4، من أبواب أحكام المساكن، حديث 2.
2) الوسائل، باب 94، من أبواب ما يكتسب به، حديث 4، مع اختلاف.
3) الوسائل، باب 45، من أبواب لباس المصلي، حديث 20.
306

ويؤيد {1} الكراهة الجمع بين اقتناء الصور والتماثيل في البيت واقتناء الكلب
والإناء المجتمع فيه البول في الأخبار الكثيرة مثل ما روى عنهم عليهم السلام مستفيضا عن
جبرئيل (على نبينا وآله وعليه السلام) إنا لا ندخل بيتا فيه صورة انسان، ولا بيتا يبال فيه، و
لا بيتا فيه كلب وفي بعض الأخبار إضافة الجنب إليها والله العالم بأحكامه.
(الخامسة): التطفيف {2} حرام ذكره في القواعد في المكاسب، ولعله استطرادا
والمراد اتخاذه كسبا بأن ينصب نفسه كيالا أو وزانا فيطفف للبائع.
307

وكيف كان فلا اشكال في حرمته ويدل عليه الأدلة الأربعة، ثم إن البخس في
العد والذرع يلحق به حكما وإن خرج عن موضوعه {1}.

1) المطففين: 2.
2) المطففين: 3.
3) الشعراء: 183.
4) هود: 85.
5) الوسائل، باب 41، من أبواب الأمر والنهي وما يناسبهما، حديث 6.
308

ولو وازن الربوي بجنسه فطفف في أحدهما فإن جرت المعاوضة على الوزن
المعلوم الكلي {1} فيدفع الموزون على أنه بذلك الوزن اشتغلت ذمته بما نقص {2}.
309

الصورة الثانية: أن ينشأ البيع منجزا على الموجود الخارجي بشرط كونه بذلك
المقدار ثم ظهر الخلاف صح البيع في هذه الصورة وثبت الخيار للمشتري، هذا بناء على أن
شرط المقدار كغيره من الشروط لا يقسط عليه العوض، وإلا فحكم هذه الصورة حكم
الصورة الخامسة.
الصورة الثالثة: أن ينشأ البيع عليه منجزا بعنوان أنه مقدر بكذا مقدار، فقد يقال كما
عن المحقق الإيرواني قدس سره أن البيع باطل إذا ظهر الخلاف لظهور عدم الوجود للمبيع، فإن
المبيع العنوان المتحقق في هذا المشاهد ولا عنوان متحقق في هذا المشاهد، وليس المبيع هذا
المشاهد بأي عنوان كان، ولا العنوان في أي مصداق كان، إذ لا وجه لالغاء الإشارة أو
الوصف.
وفيه: إن تخلف العنوان الذي ليس من العناوين المقومة - وهي ما تعد من الصور
النوعية عند العرف - لا يوجب إلا الخيار كما تقدم في مبحث بيع هياكل العبادة فراجع.
الصورة الرابعة: أن يكون المقصود شراء الموجود الخارجي كائنا ما كان، وكان
الكيل والوزن من جهة حصول العلم بالمعوض ليخرج عن كونه بيع المجهول صح البيع في
هذه الصورة مع عدم الخيار، إلا إذا كان البائع جاهلا بمقدار ما طفف، فإنه حينئذ يبطل
البيع للجهل بالمبيع، إذ يعتبر علم كلا الطرفين.
فإن قيل إنه ما الفرق بين هذه الصورة والصورتين السابقتين حيث حكمتم فيهما
بالصحة مطلقا وفي هذه قيدتم الصحة بما ذا كان البائع عالما بمقدار ما طفف؟
أجبنا عنه بالفرق إذ الاشتراط وانشاء البيع بعنوان أنه مقدر بكذا يوجبان الخروج
عن كونه بيع المجهول، وهذا بخلاف هذه الصورة.
الصورة ا لخامسة: ما إذا كان المقصود بيع الموجود الخارجي، وكان الغرض من
الاشتراط، الإشارة إلى تعيين مقدار العوضين، ووقوع كل منهما في مقابل الآخر، وفي هذه
310

وإن جرت على الموزون المعين باعتقاد المشتري أنه بذلك الوزن فسدت
المعاوضة في الجميع للزوم الربا {1} ولو جرت عليه على أنه بذلك الوزن بجعل ذلك
عنوانا للعوض فحصل الاختلاف بين العنوان والمشار إليه لم يبعد الصحة ويمكن
ابتناؤه على أن لاشتراط المقدار مع تخلفه قسطا من العوض أم لا فعلى الأول يصح
دون الثاني.
(السادسة): التنجيم حرام {2} وهو كما في جامع المقاصد الاخبار عن أحكام
النجوم باعتبار الحركات الفلكية والاتصالات الكوكبية. وتوضيح المطلب يتوقف
على الكلام في مقامات:
311

له، واعترافه بنبوة محمد صلى الله عليه وآله وأنه نبي مرسل، والاعتراف بالمعاد، فالمنكر لوجوده تعالى،
أو لكونه خالقا للموجودات كالدهرية، أو كونه واحدا كالثنوية، أو كون محمد صلى الله عليه وآله نبيا
مرسلا كاليهود والنصارى، أو للمعاد كافر بالضرورة، من غير فرق بين أن يكون هذا
الانكار مستندا إلى التقصير أو القصور.
وأما المنكر للضروري فقد حققنا في محله في الجزء الثالث من فقه الصادق إن انكار
الضروري بنفسه ليس موجبا للكفر، بل إنما يوجبه إذا رجع إلى تكذيب النبي، ويترتب
على ذلك أمران:
الأول: إن المنكر للضروري لشبهة ليس بكافر.
الثاني: إن كل ما جاء به النبي صلى الله عليه وآله من الفرائض والسنن، إن ثبت كونه كذلك جحده
وانكاره يوجب الكفر كما دلت على ذلك الأدلة.
المقدمة الثانية: إنه كما لا ريب في أن الأوضاع الفلكية والكيفيات الخاصة الحاصلة
بين الفلكيات لها آثار ولوازم غير مربوطة بما يحدث في عالم العناصر، مثلا الخسوف لازم
وضع المقارنة بين النيرين في حال كون المقارنة في إحدى عقدتي الرأس والذنب، كذلك لها
آثار في الأوضاع السفلية وما يحدث في عالم العناصر، مثلا اختلاف الفصول من آثار
قرب الشمس وبعدها عن خط الاستواء وغير ذلك من الآثار الواضحة.
المقدمة الثالثة: إنه لا اشكال في جواز النظر إلى الأوضاع الفلكية والهيئات
الكوكبية والاذعان بها وبما يترتب عليها من الآثار في ذلك العالم والاخبار عنها، كما هو
الشأن في الحوادث السفلية الواقعة في هذا العالم، وليس النظر فيها متوقفا على تعلم علم
النجوم المصطلح في المقام، ولا الاذعان بها وبتأثيرها في ما لا يكون مرتبطا بالحوادث
السفلية إلا كالاذعان بتأثير بعض ما في هذا العالم في بعض آخر كتأثير النار في الاحراق.
وأما الاخبار عنها فإن كان مستندا إلى الأمارات القطعية فلا اشكال فيه، وإن كان
مستندا إلى الأمارات الظنية فإن كان الاخبار ظنيا فلا اشكال فيه أيضا، وإن كان جزميا
كان حراما من جهة الكذب. وبذلك يظهر تمامية ما أفاده المصنف قدس سره في مقامين من
المقامات الذي ذكره في المسألة. وهما خارجان، عن مسألة التنجيم فلاحظ المتن.
312

(الأول): الظاهر أنه لا يحرم الاخبار عن الأوضاع الفلكية المبتنية على سير
الكواكب كالخسوف الناشئ عن حيلولة الأرض بين النيرين والكسوف الناشئ عن
حيلولة القمر أو غيره، بل يجوز الاخبار بذلك، إما جزما إذا استند إلى ما يعتقده
برهانا أو ظنا إذا استند إلى الأمارات، وقد اعترف بذلك جملة ممن أنكر التنجيم
منهم السيد المرتضى والشيخ أبو الفتح الكراجكي فيما حكى عنهما في رد الاستدلال
على اصابتهم في الأحكام بإصابتهم في الأوضاع ما حاصله أن الكسوفات واقتران
الكواكب وانفصالها من باب الحساب وسير الكواكب، وله أصول صحيحة وقواعد
سديدة وليس كذلك ما يدعونه عن تأثير الكواكب في الخير والشر والنفع و
الضرر، ولو لم يكن الفرق بين الأمرين إلا الإصابة الدائمة المتصلة في الكسوفات و
ما يجرى مجراها فلا يكاد يتبين فيها خطأ، وأن الخطأ الدائم المعهود إنما هو في
الأحكام حتى أن الصواب فيها عزيز وما يتفق فيها من الإصابة قد يتفق من المخمن
أكثر منه فحمل أحد الأمرين على الآخر بهت وقلة دين انتهى المحكي من كلام
السيد قدس سره.
وقد أشار إلى جواز ذلك في جامع المقاصد مؤيدا ذلك بما ورد من كراهة
السفر والتزويج في برج العقرب لكن ما ذكره السيد قدس سره من الإصابة الدائمة في
الأخبار عن الأوضاع محل نظر لأن خطأهم في الحساب في غاية الكثرة، ولذلك لا
يجوز الاعتماد في ذلك على عدو لهم فضلا عن فساقهم لأن حسابهم مبتنية على أمور
نظرية مبتنية على نظريات أخر إلا فيما هو كالبديهي مثل اخبارهم بكون القمر في
هذا اليوم في برج العقرب وانتقال الشمس من برج إلى برج في هذا اليوم وإن كان
يقع الاختلاف بينهم فيما يرجع إلى تفاوت يسير، ويمكن الاعتماد في مثل ذلك على
شهادة عدلين منهم إذا احتاج الحاكم لتعيين أجل دين أو نحوه.
(الثاني:): يجوز الاخبار بحدوث الأحكام عند الاتصالات والحركات
المذكورة بأن يحكم بوجود كذا في المستقبل [مستندا إلى] عند الوضع المعين من
القرب والبعد والمقابلة والاقتران بين الكوكبين إذا كان على وجه الظن المستند إلى
تجربة محصلة أو منقولة في وقوع تلك الحادثة بإرادة الله عند الوضع الخاص من
313

دون اعتقاد ربط بينهما أصلا، بل الظاهر حينئذ جواز الاخبار على وجه القطع إذا
استند إلى تجربة قطعية إذ لا حرج على من حكم قطعا بالمطر في هذه الليلة نظرا إلى
ما جربه من نزول كلبه عن السطح إلى داخل البيت مثلا، كما حكي أنه اتفق ذلك
لمروج هذا العلم بل محييه نصير الملة والدين حيث نزل في بعض أسفاره على طحان
له طاحونة خارج البلد، فلما دخل منزله صعد السطح لحرارة الهواء فقال له صاحب
المنزل انزل ونم في البيت تحفظا من المطر فنظر المحقق إلى الأوضاع الفلكية فلم ير
شيئا فيما هو مظنة للتأثير في المطر، فقال صاحب المنزل: إن لي كلبا ينزل في كل ليلة
يحس المطر فيها إلى البيت فلم يقبل منه المحقق ذلك وبات فوق السطح فجاءه المطر
في الليل وتعجب المحقق، ثم إن ما سيجئ في عدم جواز تصديق المنجم يراد به غير
هذا وينصرف إلى غيره لما عرفت من معنى التنجيم.
(الثالث): الاخبار عن الحادثات والحكم بها مستندا إلى تأثير الاتصالات
المذكورة فيها بالاستقلال أو بالمدخلية وهو المصطلح عليه بالتنجيم. {1}.
314

فظاهر الفتاوى والنصوص {1} حرمته مؤكدة، فقد أرسل المحقق في المعتبر
عن النبي صلى الله عليه وآله أنه من صدق منجما أو كاهنا فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وآله وهو
يدل على حرمة حكم المنجم بأبلغ وجه.
وفي رواية نصر بن قابوس عن الصادق عليه السلام أن المنجم ملعون والكاهن
ملعون والساحر ملعون.
وفي نهج البلاغة أنه عليه السلام لما أراد المسير إلى بعض أسفاره، فقال بعض
أصحابه: إن سرت في هذا الوقت خشيت أن لا تظفر بمرادك من طريق علم النجوم،
فقال عليه السلام: له أتزعم أنك تهدي إلى الساعة التي من سار فيها انصرف عنه السوء و
تخوف الساعة التي من سار فيها حاق به الضر فمن صدقك بهذا القول فقد كذب
القرآن واستغنى عن الاستعانة بالله تعالى في نيل المحبوب ودفع المكروب إلى أن
قال: أيها الناس إياكم وتعلم النجوم إلا ما يهتدى به في بر أو بحر فإنها تدعو إلى
الكهانة والكاهن كالساحر، والساحر كالكافر والكافر في النار إلى آخر، وقريب
منه ما وقع بينه وبين منجم آخر نهاه عن المسير أيضا، فقال عليه السلام: له أتدري ما في
بطن هذه الدابة أذكر أم أنثى، قال: إن حسبت علمت.

(1) الوسائل، باب 24، من أبواب ما يكتسب به، حديث 7.
2) المعتبر، ص 688.
3) نهج البلاغة، 105، خطبة 79.
315

قال عليه السلام: فمن صدقك بهذا القول فقد كذب بالقرن، قال الله: (إن الله عنده
علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام) الآية، ما كان محمد صلى الله عليه وآله يدعى
ما ادعيت أتزعم أنك تهدي الساعة التي من سار فيها صرف عنه السوء والساعة
التي من سار فيها حاق به الضر من صدقك بهذا استغنى بقولك عن الاستعانة بالله
في هذا الوجه وأحوج إلى الرغبة إليك في دفع المكروه عنه (1).
وفي رواية عبد الملك بن أعين المروية عن الفقيه، قلت لأبي عبد الله عليه السلام إني
قد ابتليت بالنظر في النجوم فأريد الحاجة، فإذا نظرت إلى الطالع ورأيت الطالع
الشر جلست ولم أذهب فيها وإذا رأيت الطالع الخير ذهبت في الحاجة فقال لي
أتقضي، قلت: نعم، قال: أحرق كتبك (2). وفي رواية مفضل بن عمر المروية عن
معاني الأخبار في قوله تعالى (وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات) قال وأما الكلمات
فمنها ما ذكرناه ومنها المعرفة بقدم بارئه وتوحيده وتنزيهه عن الشبيه حتى نظر
إلى الكواكب والقمر والشمس واستدل بأفول كل منها على حدوثه وبحدوثه على
محدثه.
ثم اعلم أن الحكم بالنجوم خطأ (3)، ثم إن مقتضى الاستفصال في رواية
عبد الملك المتقدمة بين القضاء بالنجوم بعد النظر وعدمه أنه لا بأس بالنظر إذا لم
يقض به بل أريد به مجرد التفاؤل إن فهم الخير والتحذر بالصدقة إن فهم الشر كما
يدل عليه ما عن المحاسن عن أبيه عن ابن أبي عمر عن عمرو بن أذينة عن سفيان
بن عمر، قال كنت أنظر في النجوم وأعرفها وأعرف الطالع فيدخلني عن ذلك شئ
فشكوت ذلك إلى أبي الحسن عليه السلام فقال: إذا وقع في نفسك عن ذلك شئ فتصدق على
أول مسكين، ثم امض فإن الله يدفع عنك (4)، ولو حكم بالنجوم على جهة أن
مقتضى الاتصال الفلاني والحركة الفلانية الحادثة الواقعية، وإن كان الله يمحو ما
يشاء ويثبت لم يدخل أيضا في الأخبار الناهية لأنها ظاهرة في الحكم على سبيل

1) الوسائل باب 14، من أبواب آداب السفر إلى الحج، حديث 4.
2) الوسائل، باب 14، من أبواب آداب السفر إلى الحج: حديث 1.
3) الوسائل، باب 14، من أبواب آداب السفر إلى الحج، حديث 5.
4) الوسائل، باب 15، من أبواب آداب السفر، حديث 3.
316

البت كما يظهر من قوله عليه السلام: فمن صدقك بهذا فقد استغنى عن الاستعانة بالله {1} في
دفع المكروه بالصدقة والدعاء، وغيرهما من الأسباب نظير تأثير نحوسة الأيام
الواردة في الروايات ورد نحوستها بالصدقة إلا أن جوازه مبني على جواز اعتقاد
الاقتضاء في العلويات للحوادث السفلية، وسيجئ انكار المشهور لذلك وإن كان
يظهر ذلك من الحدث الكاشاني، ولو أخبر بالحوادث بطريق جريان العادة على
وقوع الحادثة عند الحركة الفلانية من دون اقتضاء لها أصلا فهو أسلم.
قال في الدروس ولو أخبر بأن الله تعالى يفعل كذا عند كذا لم يحرم وإن كره،
انتهى.

1) الوسائل، باب 24، من أبواب ما يكتسب به.
317

الرابع: اعتقاد ربط الحركات الفلكية بالكائنات والربط يتصور على وجوه {1}.

1) الوسائل، باب 14، من أبواب آداب السفر إلى الحج وغيره، حديث 1.
318



1) الوسائل، باب 8، و 2، من أبواب الصدقة من كتاب الزكاة، وباب 7، من أبواب الدعاء من كتاب الصلاة.
320



1) الوسائل، باب 24، من أبواب ما يكتسب به.
2) الوسائل، باب 24، من أبواب ما يكتسب به.
3) الوسائل، باب 24، من أبواب ما يكتسب به.
321

الأول: الاستقلال في التأثير بحيث يمتنع التخلف عنها امتناع تخلف المعلول
عن العلة العقلية، وظاهر كثير من العبارات كون هذا كفرا، قال السيد المرتضى قدس سره
فيما حكي عنه وكيف يشتبه على مسلم بطلان أحكام النجوم وقد أجمع المسلمون
قديما وحديثا على تكذيب المنجمين والشهادة بفساد مذهبهم وبطلان أحكامهم. و
معلوم من دين الرسول ضرورة تكذيب ما يدعيه المنجمون والازراء عليهم و
التعجيز لهم، وفي الروايات عنه صلى الله عليه وآله ما لا يحصى كثرة، وكذا عن علماء أهل بيته و
خيار أصحابه، وما اشتهر بهذه الشهرة في دين الاسلام كيف يفتي بخلافه منتسب
إلى الملة ومصل إلى القبلة انتهى.
وقال العلامة في المنتهى بعد ما أفتى بتحريم التنجيم وتعلم النجوم مع اعتقاد
أنها مؤثرة أو أن لها مدخلا في التأثير في الضر والنفع قال: وبالجملة كل من اعتقد
ربط الحركات النفسانية والطبيعية بالحركات الفلكية والاتصالات الكوكبية كافر انتهى.
وقال الشهيد قدس سره في قواعده كل من اعتقاد في الكواكب أنها مدبرة لهذا العالم و
موجودة له فلا ريب أنه كافر.
وقال في جامع المقاصد:
واعلم أن التنجيم مع اعتقاد أن للنجوم تأثيرا في الموجودات السفلية ولو
على جهة المدخلية حرام وكذا تعلم النجوم على هذا النحو، بل هذا الاعتقاد في نفسه
كفر نعوذ بالله منه انتهى.
وقال شيخنا البهائي ما زعمه المنجمون من ارتباط بعض الحوادث السفلية
بالأجرام العلوية إن زعموا أنها هي العلة المؤثرة في تلك الحوادث بالاستقلال أو
أنها شريكة في التأثير فهذا لا يحل للمسلم اعتقاده وعلم النجوم المبتنى على
هذا كفر، وعلى هذا حمل ما ورد من التحذير عن علم النجوم والنهي عن اعتقاد
صحته انتهى.
وقال في البحار لا نزاع بين الأمة في أن من اعتقد أن الكواكب هي المدبرة
لهذا العالم وهي الخالقة لما فيه من الحوادث والخيرات والشرور فإنه يكون كافرا
على الاطلاق انتهى.
322

وعنه في موضع آخر أن القول بأنها علة فاعلية بالإرادة والاختيار وإن
توقف تأثيرها على شرائط آخر كفر، انتهى بل ظاهر الوسائل نسبة دعوى ضرورة
الدين على بطلان التنجيم والقول بكفر معتقده إلى جميع علمائنا حيث قال: قد صرح
علماؤنا بتحريم علم النجوم والعمل بها وبكفر من اعتقد تأثيرها أو مدخليتها في
التأثير وذكروا أن بطلان ذلك من ضروريات الدين انتهى.
بل يظهر من المحكي عن ابن أبي الحديد أن الحكم كذلك عند علماء العامة
أيضا حيث قال في شرح نهج البلاغة أن المعلوم ضرورة من الدين إبطال حكم
النجوم وتحريم الاعتقاد بها والنهي والزجر عن تصديق المنجمين، وهذا معنى قول
أمير المؤمنين عليه السلام فمن صدقك بهذا فقد كذب بالقرآن واستغنى عن الاستعانة بالله
انتهى (1).
ثم لا فرق في أكثر العبارات المذكورة بين رجوع الاعتقاد المذكور إلى انكار
الصانع جل ذكره كما هو مذهب بعض المنجمين وبين تعطيله تعالى عن التصرف في
الحوادث السفلية بعد خلق الأجرام العلوية على وجه تتحرك على النحو المخصوص
سواء قبيل بقدمها كما هو مذهب بعض آخر أم قيل بحدوثها وتفويض التدبير إليها
كما هو المحكي عن ثالث منهم، وبين أن لا يرجع إلى شئ من ذلك بأن يعتقد أن
حركة الأفلاك تابعة لإرادة الله فيه مظاهر لإرادة الخالق تعالى ومجبولة على الحركة
على طبق اختيار الصانع جل ذكره كالآلة أو بزيادة أنها مختارة باختيار هو عين
اختياره تعالى عما يقول الظالمون. لكن ظاهر ما تقدم في بعض الأخبار من أن
المنجم بمنزلة الكاهن الذي هو بمنزلة الساحر الذي هو بمنزلة الكافر ما عدا الفرق
الثلاث الأول إذ الظاهر عدم الاشكال في كون الفرق الثلاث من أكفر الكفار لا بمنزلتهم.
ومنه يظهر أن ما رتبه عليه السلام على تصديق المنجم من كونه تكذيبا للقرآن وكونه
موجبا للاستغناء عن الاستعانة بالله في جلب الخير ودفع الشر يراد منه إبطال قوله
بكونه مستلزما لما هو في الواقع مخالف للضرورة من كذب القرآن والاستغناء عن
الله، كما هو طريقة كل مستدل من أنهاء بطلان التالي إلى ما هو بديهي البطلان عقلا

1) نهج البلاغة، 105، خطبة 79.
323

أو شرعا أو حسا أو عادة ولا يلزم من مجرد ذلك الكفر، وإنما يلزم ممن التفت إلى
الملازمة واعترف باللازم وإلا فكل من أفتى بما هو مخالف لقول الله واقعا، إما لعدم
تفطنه لقول الله أو لدلالته بكون مكذبا للقرآن.
وأما قوله صلى الله عليه وآله من صدق منجما أو كاهنا فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وآله فلا
يدل أيضا على كفر المنجم وإنما يدل على كذبه فيكون تصديقه تكذيبا
للشارع المكذب له ويدل عليه عطف الكاهن عليه، وبالجملة فلم يظهر من
الروايات تكفير المنجم بالمعنى الذي تقدم للتنجيم في صدر عنوان المسألة كفرا
حقيقيا، فالواجب الرجوع فيما يعتقده المنجم إلى ملاحظة مطابقته لأحد موجبات
الكفر من إنكار الصانع أو غ يره مما علم من الدين بديهة، ولعله لذا اقتصر الشهيد فيما
تقدم من القواعد في تكفير المنجم على من يعتقد في الكواكب أنها مدبرة لهذا العالم و
موجدة له، ولم يكفر غير هذا الصنف كما سيجئ تتمة كلامه السابق، ولا شك أن هذا
الاعتقاد انكار أما للصانع وأما لما هو ضروري الدين من فعله تعالى وهو ايجاد
العالم وتدبيره، بل الظاهر من كلام بعض اصطلاح لفظ التنجيم في الأول، قال السيد
شارح النخبة أن المنجم من يقول بقدم الأفلاك والنجوم ولا يقولون بمفلك ولا
خالق، وهم فرقة من الطبيعيين يستمطرون بالأنواء معدودون من فرق الكفر في
مسفورات الخاصة والعامة يعتقدون في الانسان أنه كسائر الحيوانات يأكل و
يشرب وينكح ما دام حيا، فإذا مات بطل واضمحل وينكروه جميع الأصول
الخمسة انتهى.
ثم قال قدس سره: وأما هؤلاء الذين يستخرجون بعض أوضاع السيارات وربما
يتخرصون عليها بأحكام مبهمة متشابهة ينقلونها تقليدا لبعض ما وصل إليهم من
كلمات الحكماء الأقدمين مع صحة عقائدهم الاسلامية فغير معلوم دخولهم في
المنجمين الذين ورد فيهم من المطاعن ما ورد انتهى.
أقول فيه مضافا إلى عدم انحصار الكفار من المنجمين فيمن ذكر بل هم على
فرق ثلاث كما أشرنا إليه وسيجئ التصريح به من البحار في مسألة السحر أن النزاع
المشهور بين المسلمين في صحة التنجيم وبطلانه هو المعنى الذي ذكره أخيرا كما
324

عرفت من جامع المقاصد والمطاعن الواردة في الأخبار المتقدمة وغيرها كلها أو
جلها على هؤلاء دون المنجم بالمعنى الذي ذكره أولا.
وملخص الكلام أن ما ورد فيهم من المطاعن لا صراحة فيها بكفرهم بل
ظاهر ما عرفت خلافه ويؤيده ما رواه في البحار عن محمد وهارون ابني سهل
النوبختي أنهما كتبا إلى أبي عبد الله عليه السلام نحن ولد نوبخت المنجم وقد كنا كتبنا إليك هل
يحل النظر فيها فكتبت، نعم والمنجمون يختلفون في صفة الفلك فبعضهم يقولون إن
الفلك فيه النجوم والشمس والقمر إلى أن قال: فكتب عليه السلام نعم ما لم يخرج من
التوحيد (1).
الثاني: أنها (3) تفعل الآثار المنسوبة إليها والله سبحانه هو المؤثر الأعظم
كما يقوله بعضهم على ما ذكره العلامة وغيره قال العلامة في محكي شرح فص
الياقوت (4) اختلف قول المنجمين على قولين أحدهما قول من يقول إنها حية مختارة،
الثاني قول من يقول إنها موجبة والقولان باطلان.
وقد تقدم عن المجلسي قدس سره أن القول بكونها فاعلة بالإرادة والاختيار، وإن
توقف تأثيرها على شرائط آخر كفر، وهو ظاهر أكثر العبارات المتقدمة ولعل
وجهه أن نسبة الأفعال التي دلت ضرورة الدين على استنادها إلى الله تعالى كالخلق
والرزق والاحياء والإماتة وغيرها إلى غيره تعالى مخالف لضرورة الدين لكن
ظاهر شيخنا الشهيد في القواعد العدم، فإنه بعد ما ذكر الكلام الذي نقلناه منه سابقا
قال: وإن اعتقد أنها تفعل الآثار المنسوبة إليها والله سبحانه هو المؤثر الأعظم فهو
مخطئ إذ لا حياة لهذه الكواكب ثابتة بدليل عقلي ولا نقلي انتهى.

1) البحار، ج 58، ص 250، حديث 36.
2) أي الوجه الثاني من الوجوه المتصورة في ربط الحركات الفلكية بالكائنات.
3) مرجع الضمير الحركات الفلكية.
4) عن الرياض إن لياقوت الذي هو لأبي إسحاق إبراهيم بن نوبخت، شروحا منها لعبد الحميد المعتزلي ابن أبي الحديد في البال أنها
تسمى فص الياقوت ومنها للعلامة اسمه أنوار الملكوت وعليه فقد وقع الاشتباه في المتن من تسمية شرح العلامة بشرح فص
الياقوت.
325

وظاهره أن عدم القول بذلك لعدم المقتضي له وهو الدليل لا لوجود المانع منه
وهو انعقاد الضرورة على خلافه فهو ممكن غير معلوم الوقوع ولعل وجهه أن
الضروري عدم نسبة تلك الأفعال إلى فاعل مختار باختيار مستقل مغاير لاختيار
الله كما هو ظاهر قول المفوضة، أما استنادها إلى الفاعل بإرادة الله المختار بعين
مشيئته واختياره حتى يكون كالآلة بزيادة الشعور وقيام الاختيار به بحيث
يصدق أنه فعله وفعل الله فلا، إذ المخالف للضرورة انكار نسبة الفعل إلى الله تعالى
على وجه الحقيقة لا إثباته لغيره أيضا بحيث يصدق أنه فعله نعم ما ذكره الشهيد من
عدم الدليل عليه حق، فالقول به تخرص ونسبة فعل الله إلى غيره بلا دليل وهو
قبيح.
وما ذكره قدس سره كان مأخذه ما في الإحتجاج عن هشام بن حكم، قال: سأل
الزنديق أبا عبد الله عليه السلام فقال: ما تقول فيمن يزعم أن هذا التدبير الذي يظهر في هذا
العالم تدبير النجوم السبعة، قال: يحتاجون إلى دليل أن هذا العالم الأكبر والعالم
الأصغر من تدبير النجوم التي تسبح في الفلك وتدور حيث دارت منقبة لا تفتر و
سائرة لا تقف، ثم قال: وأن لكل نجم منها موكل مدبر فهي بمنزلة العبيد المأمورين
المنهيين، فلو كانت قديمة أزلية لم تتغير من حال إلى حال الخبر. (1)
والظاهر أن قوله بمنزلة العبيد المأمورين المنهيين يعني في حركاته لا أنه
مأمورون بتدبير العالم بحركاتهم، فهي مدبرة باختياره المنبعث عن أمر الله تعالى.
نعم ذكر المحدث الكاشاني في الوافي في توجيه البداء كلاما ربما يظهر منه
مخالفة المشهور حيث قال: إعلم أن القوى المنطبعة الفلكية لم تحط بتفاصيل ما سيقع
من الأمور دفعة واحدة لعدم تناهي تلك الأمور، بل إنما تنقش فيها الحوادث شيئا
فشيئا، فإن ما يحدث في عالم الكون والفساد إنما هو من لوازم حركات الأفلاك و

1) الإحتجاج، ج 2 ص 93 - 94.
326

نتائج بركاتها، فهي تعلم أنه كلما كان كذا، كان كذا، انتهى موضع الحاجة (1) وظاهره
أنها فاعلة بالاختيار لملزومات الحوادث.
وبالجملة فكفر المعتقد بالربط على هذا الوجه الثاني لم يظهر من الأخبار و
مخالفته لضرورة الدين لم يثبت أيضا إذ ليس المراد العلية التامة، كيف وقد حاول
المحدث الكاشاني ن بهذه المقدمات اثبات البداء (2) الثالث استناد الأفعال إليها كاستناد
الاحراق إلى النار، وظاهر كلمات كثير ممن تقدم كون هذا الاعتقاد كفرا إلا أنه قال:
شيخنا المتقدم في القواعد بعد الوجهين الأولين، وأما ما يقال في استناد الأفعال إليها
كاستناد الاحراق إلى النار وغيرها من العاديات بمعنى أن الله تعالى أجري عادته
أنها إذا كانت على شكل مخصوص أو وضع مخصوص يفعل ما ينسب إليها ويكون
ربط المسببات بها كربط مسببات الأدوية والأغذية بها مجازا باعتبار الربط العادي
لا الربط العقلي الحقيقي، فهذا لا يكفر معتقده لكنه مخطئ وإن كان أقل خطأ من الأول
لأن وقوع هذه الآثار عندها ليس بدائم ولا أكثر انتهى.
وغرضه من التعليل المذكور الإشارة إلى عدم ثبوت الربط العادي لعدم
ثبوته بالحس كالحرارة الحاصلة بسبب النار والشمس وبرودة القمر، ولا بالعادة
الدائمة ولا الغالبة لعدم العلم بتكرر الدفعات كثيرا حتى يحصل العلم أو الظن، ثم على
تقديره فليس فيه دلالة على تأثير تلك الحركات في الحوادث فلعل الأمر بالعكس
أو كلتاهما مستندتان إلى مؤثر ثالث فيكونان من المتلازمين في الوجود.
وبالجملة فمقتضى ما ورد من أنه أبي الله أن يجري الأشياء إلا بأسبابها (3)
كون كل حادث مسببا وأما أن السبب هي الحركة الفلكية أو غيرها فلم يثبت ولم
يثبت أيضا كونه مخالفا لضرورة الدين، بل في بعض الأخبار ما يدل بظاهره على

(1) الوافي، ج 1 ص 507 - 508، باب 50، من أبواب معرفة مخلوقاته وأفعاله.
2) وقد مر ما هو الحق عندنا في ربط الحركات الفلكية بالكائنات وبه يظهر ما في كلمات المصنف في المقام فلا حاجة إلى التكرار،
وأما مسألة البداء فقد أشبعنا الكلام فيها في رسالتنا المطبوعة مرارا ولو ساعدنا التوفيق ننشرها في آخر هذا الجزء فانتظر.
3) الكافي، ج 1، ص 183، حديث 7، وفيه إلا بأسباب.
327

ثبوت التأثير للكواكب مثل ما في الإحتجاج عن أبان بن تغلب في حديث اليماني
الذي دخل على أبي عبد الله عليه السلام وسماه باسمه الذي لم يعلمه أحد وهو سعد، فقال له:
يا سعد وما صناعتك، قال: إنا من أهل بيت ننظر في النجوم، إلى أن قال عليه السلام: ما
اسم النجم الذي إذا طلع هاجت البقر، قال: لا أدري، قال صدقت فقال: ما اسم النجم
الذي إذا طلع هاجت الكلاب قال: لا أدري قال: صدقت في قولك لا أدري، فما
زحل عندكم في النجوم فقال سعد يماني: نجم نحس، فقال أبو عبد الله عليه السلام لا تقل هذا
فإنه نجم أمير المؤمنين وهو نجم الأوصياء وهو ا لنجم الثاقب الذي قال الله تعالى في
كتابه (1).
وفي رواية المدائني المروية عن الكافي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الله خلق
نجما في الفلك السابع فخلقه من ماء بارد (برد) وخلق سائر النجوم الجاريات من
ماء حار وهو نجم الأنبياء والأوصياء وهو نجم أمير المؤمنين يأمر بالخروج من
الدنيا والزهد فيها، ويأمر بافتراش التراب وتوسد اللبن ولباس الخشن وأكل
الجشب وما خلق الله نجما أقرب إلى الله منه (2) والظاهر أن أمر النجم بما ذكر من
المحاسن كناية عن اقتضائه لها.
الرابع: أن يكون ربط الحركات بالحوادث من قبيل ربط الكاشف و
المكشوف والظاهر أن هذا الاعتقاد لم يقل أحد بكونه كفرا.
قال شيخنا البهائي بعد كلامه المتقدم الظاهر في تكفير من قال بتأثير
الكواكب أو مدخليتها ما هدا لفظة: وإن قالوا: إن اتصالات تلك الأجرام وما
يعرض لها من الأوضاع علامات على بعض حوادث هذا العالم مما يوجده الله
سبحانه بقدرته وإرادته، كما أن حركات النبض واختلافات أوضاعه علامات
يستدل بها الطبيب على ما يعرض للبدن من قرب الصحة واشتداد المرض ونحوه،
كما يستدل باختلاج بعض الأعضاء على بعض الأحوال المستقبلة فهذا لا مانع منه
ولا حرج في اعتقاده وما روى في صحة علم النجوم وجواز تعلمه محمول على هذا
المعنى انتهى.

1) الإحتجاج، ج 2، ص 100 والآية من سورة الطارق، 3.
2) الكافي، ج 8، ص 257، حديث 369.
328

ومما يظهر منه خروج هذا عن مورد طعن العلماء على المنجمين ما تقدم من
قول العلامة قدس سره إن المنجمين بين قائل بحياة الكواكب وكونها فاعلة مختارة وبين من
قال إنها موجبة ويظهر ذلك من السيد قدس سره حيث قال: بعد إطالة الكلام في التشنيع
عليهم ما هذا لفظة المحكي، وما فيهم أحد يذهب إلى أن الله تعالى أجرى العادة بأن
يفعل عند قرب بعضها من بعض أو بعده أفعالا من غير أن يكون للكواكب بأنفسها
تأثير في ذلك، قال: ومن ادعى منهم هذا المذهب الآن فهو قائل بخلاف ما ذهب
إليه القدماء ومتجمل بهذا المذهب عند أهل الاسلام انتهى.
لكن ظاهر المحكي عن ابن طاووس انكار السيد قدس سره لذلك أيضا حيث إنه بعد
ما ذكر أن للنجوم علامات ودلالات على الحادثات، لكن يجوز للقادر الحكيم
تعالى أن يغيرها بالبر والصدقة والدعاء وغير ذلك من الأسباب وجوز تعلم علم
النجوم والنظر فيه والعمل به إذا لم يعتقد أنها مؤثرة، وحمل أخبار النهي على ما إذا
اعتقد أنها كذلك أنكر على علم الهدى تحريم ذلك، ثم ذكر لتأييد ذلك أسماء جماعة
من الشيعة كانوا عارفين به انتهى.
وما ذكره قدس سره حق إلا أن مجرد كون النجوم دلالات وعلامات لا يجدي مع
عدم الإحاطة بتلك العلامات ومعارضاتها والحكم مع عدم الإحاطة لا يكون
قطعيا ولا ظنيا والسيد علم الهدى إنما أنكر من المنجم أمرين:
أحدهما: اعتقاد التأثير وقد اعترف به ابن طاوس.
والثاني: غلبة الإصابة في أحكامهم كما تقدم منه ذلك في صدر المسألة، وهذا
أمر معلوم بعد فرض عدم الإحاطة بالعلامات ومعارضاتها.
ولقد أجاد شيخنا البهائي أيضا حيث أنكر الأمرين، وقال بعد كلامه المتقدم
في انكار التأثير والاعتراف بالأمارة والعلامة أعلم أن الأمور التي يحكم
بها المنجمون من الحوادث الاستقبالية، أصول بعضها مأخوذة من أصحاب الوحي
سلام الله عليهم، وبعضها يدعون لها التجربة وبعضها مبتن على أمور منشعبة، لا تفي
القوة البشرية بضبطها والإحاطة بها كما يؤمي إليه قول الصادق عليه السلام كثيرة لا
329

يدرك، وقليله لا ينتج (1) ولذلك وجد الاختلاف في كلامهم وتطرق الخطأ إلى
بعض أحكامهم ومن اتفق له الجرئ على الأصول الصحيحة صح كلامه وصدقت
أحكامه لا محالة كما نطق به الصادق عليه السلام ولكن هذا أمر عزيز المنال لا يظفر به إلا
القليل والله الهادي إلى سواء السبيل انتهى.
وما أفاده قدس سره أولا من الاعتراف بعدم بطلان كون الحركات الفلكية أمارات
وعلامات وآخرا من عدم النفع في علم النجوم إلا مع الإحاطة التامة هو
الذي صرح به الصادق عليه السلام في رواية هشام الآتية بقوله: إن أصل الحساب حق،
ولكن لا يعلم ذلك إلا من علم مواليد الخلق، ويدل أيضا على كل من الأمرين
الأخبار المتكثرة، فما يدل على الأول وهو ثبوت الدلالة والعلامة في الجملة مضافا
إلى ما تقدم من رواية سعد المنجم المحمولة بعد الصرف عن ظاهرها الدال على سببية
طلوع الكواكب لهيجان الإبل والبقر والكلاب على كونه أمارة وعلامة عليه المروي
في الإحتجاج عن رواية الدهقان المنجم الذي استقبل أمير المؤمنين حين خروجه
إلى نهروان، فقال له عليه السلام: يومك هذا يوم صعب قد انقلب منه كوكب وانقدح من
برجك النيران، وليس لك الحرب بمكان، فقال عليه السلام: له أيها الدهقان المنبئ عن
الآثار (بالآثار) المحذر عن الأقدار، ثم سأله عن مسائل كثيرة من النجوم فاعترف
الدهقان بجهلها إلى أن قال عليه السلام له: أما قولك انقدح من برجك النيران فكان
الواجب أن تحكم به لي لا على، أما نوره وضياؤه فعندي، وأما حريقه ولهبه فذهب
عني فهذه مسألة عميقة فأحسبها إن كنت حاسبا (2).
وفي رواية أخرى عليه السلام قال له: احسبها إن كنت عالما بالأكوار والأدوار،
قال: لو علمت هذا لعلمت أنك تحصى عقود القصب في هذه الأجمة (3) وفي الرواية
الآتية لعبد الرحمن بن سيابة هذا حساب إذا حسبه الرجل ووقف عليه عرف
القصبة التي في وسط الأجمة، وعدد ما عن يمينها وعدد ما عن يسارها وعدد ما
خلفها وعدد ما أمامها حتى لا يخفى عليه شئ من قصب الأجمة

1) الوسائل، باب 24، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1، وفيها وقليله لا ينتفع به.
2) الإحتجاج، ج 1 ص 356 - 357.
3) البحار، ج 58، ص 231، ذيل الحديث 13.
330

وفي البحار وجد في كتاب عتيق عن عطاء قال: قيل لعلي بن أبي طالب عليه السلام:
هل كان للنجوم أصل، قال: نعم نبي من الأنبياء قال له قومه إنا لا نؤمن بك حتى
تعلمنا بدء الخلق وآجالهم فأوحى الله عز وجل إلى غمامة فأمطرتهم واستنقع حول
الجبل ماء صافيا، ثم أوحى الله إلى الشمس والقمر والنجوم أن تجري في الماء ذلك،
ثم أوحى الله إلى ذلك النبي أن يرتقي هو وقومه إلى الجبل فاترقوا الجبل فقاموا على
الماء حتى عرفوا بدء الخلق وآجاله بمجاري الشمس والقمر والنجوم وساعات
الليل والنهار، كان أحدهم يعرف (يعلم من) متى يموت ومتى يمرض من ذا الذي
يولد له ومن ذا الذي لا يولد له فبقوا كذلك برهة من دهرهم، ثم إن داود قاتلهم
على الكفر فأخرجوا إلى داود عليه السلام في القتال من لم يحضر أجله ومن حضر أجله
خلفوه في بيوتهم فكان يقتل من أصحاب داود ولا يقتل من هؤلاء أحد، فقال
داود: رب أقاتل على طاعتك ويقاتل هؤلاء على معصيتك يقتل أصحابي ولا يقتل
من هؤلاء أحد فأوحى الله عز وجل إليه إني علمتهم بدء الخلق وآجاله وإنما
أخرجوا إليك من لم يحضر أجله ومن حضر أجله خلفوه في بيوتهم ومن ثم يقتل
من أصحابك ولا يقتل منهم أحد، قال داود عليه السلام رب على ماذا علمتهم قال على
مجاري الشمس والقمر والنجوم وساعات الليل والنهار قال: فدعى الله عز وجل
فحبس الشمس عليهم فزاد في النهار واختلطت الزيادة في الليل والنهار ولم يعرفوا
قدر الزيادة فاختلط حسابهم قال علي عليه السلام: فمن ثم كره النظر في علم النجوم. (1).
وفي البحار أيضا عن الكافي بالاسناد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سأل عن
النجوم فقال: لا يعلمها إلا أهل بيت من العرب وأهل بيت من الهند (2) وبالإسناد عن محمد بن سالم قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: قوم يقولون النجوم أصح من الرؤيا و
كان ذلك صحيحا حين لم يرد الشمس على يوشع بن نون وأمير المؤمنين عليه السلام فلما
رد الله الشمس عليهما أضل فيها علماء النجوم (3).
وخبر يونس قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام جعلت فداك، أخبرني عن علم

1) البحار، ج 58، ص 236، نقلا عن فرج المهموم مع اختلاف.
2) ا لوسائل، باب 24، من أبواب ما يكتسب به، حديث 4.
3) البحار، ج 58، ص 242، حديث 22.
331

النجوم ما هو قال: علم من علوم الأنبياء، فقلت كان علي بن أبي طالب يعلمه، قال:
كان أعلم الناس به الخبر (1).
وخبر ريان بن الصلت، قال: حضر عند أبي الحسن الرضا عليه السلام الصباح بن
نصر الهندي وسأله عن علم النجوم، فقال: هو علم في أصله (أصل) حق وذكروا أن
أول من تكلم به في النجوم إدريس عليه السلام وكان ذو القرنين به ماهرا، وأصل هذا العلم
من الله (2) وعن معلى بن خنيس قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن النجوم أحق هي؟
قال: نعم. إن الله بعث المشتري إلى الأرض في صورة رجل فأتى رجلا من العجم
فعلمه (3) (بلد العجم فعلمهم) فلم يستكلموا ذلك فأتى بلد الهند فعلم رجلا منهم فمن
هناك صار علم النجوم بها، وقد قال قوم هو علم من علوم الأنبياء خصوا به
لأسباب شتى، فلم يستدرك المنجمون الدقيق منها فشاب الحق بالكذب إلى غير
ذلك مما يدل على صحة علم النجوم في نفسه، وأما ما دل على كثرة الخطأ والغلط في
حساب المنجمين فهي كثيرة، منها ما تقدم في الروايات السابقة مثل قوله عليه السلام في
الرواية الأخيرة فشاب الحق بالكذب، وقوله عليه السلام ضل فيها علماء النجوم و
قوله عليه السلام في تخطئة ما ادعاه المنجم من أن زحل عندنا كوكب نحس، وأنه كوكب
أمير المؤمنين عليه السلام والأوصياء وتخطئة أمير المؤمنين للدهقان الذي حكم بالنجوم
بنحوسة اليوم الذي خرج فيه أمير المؤمنين عليه السلام.
ومنها خبر عبد الرحمن بن سيابة، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام جعلت فداك
أن الناس يقولون إن النجوم لا يحل النظر فيها وهي تعجبني فإن كانت يضر بديني
فلا حاجة لي في شئ يضر بديني وإن كانت لا تضر بديني فوالله إني لأشتهيها
وأشتهي النظر إليها، فقال: ليس كما يقولون لا تضر بدينك، ثم قال: إنكم تنظرون في
شئ كثيرة لا يدرك وقليله لا ينفع (ينتفع به) الخبر (4).
ومنها خبر هشام قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام كيف بصرك بالنجوم، قلت:

1) البحار، ج 58، ص 235، حديث 15.
2) البحار، ج 58، ص 245، حديث 26.
3) إلى هنا الوسائل، باب 24، من أبواب ما يكتسب به، حديث 3.
4) الوسائل، باب 24، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.
332

ما خلفت بالعراق أبصر بالنجوم مني، ثم سأله عليه السلام عن أشياء لم يعرفها، ثم قال: فما
بال العسكرين يلتقيان في هذا حاسب، وفي ذلك حاسب فيحسب هذا لصاحبه
بالظفر ويحسب هذا لصاحبه بالظفر فيلتقيان فيهزم أحدهما الآخرين فأين كانت
النجوم، قال: فقلت والله ما أعلم ذلك، فقال: صدقت أن أصل الحساب حق ولكن
لا يعلم ذلك إلا من علم مواليد الخلق كلهم (1).
ومنها المروي في الإحتجاج عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث أن زنديقا قال
له: ما تقول في علم النجوم قال عليه السلام: هو علم قلت منافعه وكثرت مضاره لأنه لا
يدفع به المقدور ولا يتقى به المحذور، أن خبر المنجم بالبلاء لم ينجه التحرز
عن القضاء وإن أخبر هو بخير لم يستطع تعجيله وإن حدث به سوء لم يمكنه صرفه
والمنجم يضاد الله في علمه بزعمه أنه يرد قضاء الله عن خلقه، الخبر (2) إلى غير
ذلك من الأخبار الدالة، على أن ما وصل إليه المنجمون أقل قليل من أمارات
الحوادث من دون وصل إلى معارضاتها، ومن تتبع هذه الأخبار لم يحصل له ظن
بالأحكام المستخرجة عنها فضلا عن القطع، نعم قد يحصل من التجربة المنقولة خلفا
عن سلف الظن بل العلم بمقارنة حادث من الحوادث لبعض الأوضاع الفلكية،
فالأولى التجنب عن الحكم بها ومع الارتكاب فالأولى الحكم على سبيل التقريب
وأنه لا يبعد أن يقع كذا عنه كذا والله المسدد.

1) الوسائل، باب 24، من أبواب ما يكتسب به، حديث 2.
2) الوسائل، باب 24، من أبواب ما يكتسب به، حديث 10.
3) الوسائل، باب 5، من أبواب ما يكتسب به، حديث 14.
333



1) نهج البلاغة، ص 105، خطبة 79.
2) الوسائل، باب 15، من أبواب آداب السفر إلى الحج وغيره، حديث 3.
3) المستدرك، باب 21، من أبواب ما يكتسب به، حديث 7.
334

السابعة: حفظ كتب الضلال حرام في الجملة بلا خلاف {1}، كما في التذكرة، و
عن المنتهى ويدل عليه مضافا إلى حكم العقل بوجوب قطع مادة الفساد {2} والذم
335

المستفاد من قوله تعالى (ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن
سبيل الله) {1}

1) لقمان: 7.
336

والأمر بالاجتناب {1} عن قول الزور

1) الوسائل، باب 99، من أبواب ما يكتسب به.
2) الوسائل، باب 99، من أبواب ما يكتسب به.
3) الحج، 31.
337

قوله عليه السلام فيما تقدم من رواية تحف العقول، إنما حرم الله تعالى الصناعة التي
يجئ منها الفساد محضا الخ {1} بل قوله عليه السلام قبل ذلك: أو ما يقوي به الكفر والشرك
في جميع وجوه المعاصي أو باب يوهن به الحق إلى آخره {2}.

1) الوسائل، باب 2، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.
2) الوسائل، باب 2، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.
338

وقوله عليه السلام في رواية عبد الملك المتقدمة حيث شكى إلى الصادق عليه السلام إني
ابتليت بالنظر إلى النجوم، فقال عليه السلام: أتقضي، قلت: نعم، قال: أحرق كتبك {1} بناء
على أن الأمر للوجوب دون الارشاد للخلاص من الابتلاء بالحكم بالنجوم.

1) الوسائل، باب 14، من أبواب السفر إلى الحج وغيره، حديث 1.
339

ومقتضى الاستفصال في هذه الرواية {1} أنه إذا لم يترتب على إبقاء كتب
الضلال مفسدة لم يحرم وهذا أيضا مقتضى ما تقدم من إناطة التحريم بما يجئ منه
الفساد محضا.
340

نعم، المصلحة الموهومة أو المحققة النادرة لا اعتبار بها {1} فلا يجوز الابقاء
بمجرد احتمال ترتب مصلحة على ذلك مع كون الغالب ترتب المفسدة وكذلك
المصلحة النادرة الغير المعتد بها، وقد تحصل من ذلك أن حفظ كتب الضلال لا يحرم
إلا من حيث ترتب مفسدة الضلالة قطعا أو احتمالا قريبا، فإن لم يكن كذلك أو كانت
المفسدة المحققة معارضة بمصلحة أقوى أو عارضت المفسدة المتوقعة مصلحة أقوى
أو أقرب وقوعا منها، فلا دليل على الحرمة إلا أن يثبت اجماع أو يلتزم بإطلاق
عنوان معقد نفي الخلاف الذي لا يقصر عن نقل الاجماع.
341

وحينئذ فلا بد من تنقيح هذا العنوان {1} وأن المراد ما يكون باطلا
في نفسه فالمراد الكتب المشتملة على المطالب الباطلة {2} أو أن المراد به مقابل
الهداية فيحتمل أن يراد بكتبه ما وضع لحصول الضلال، وأن يراد ما أوجب الضلال
وإن كان مطالبها حقة كبعض كتب العرفاء والحكماء المشتملة على ظواهر منكرة
يدعون أن المراد غير ظاهرها، فهذه أيضا كتب ضلال على تقدير حقيتها.
ثم الكتب السماوية المنسوخة الغير المحرفة لا تدخل في كتب الضلال، وأما
المحرفة كالتوراة والإنجيل على ما صرح به جماعة فهي داخلة في كتب الضلال بالمعنى
الأول بالنسبة إلينا حيث إنها لا توجب للمسلمين بعد بداهة نسخها ضلالة، نعم
توجب الضلالة لليهود والنصارى قبل نسخ دينهما فالأدلة المتقدمة لا تدل على
حرمة حفظها، قال قدس سره في المبسوط في باب الغنيمة من الجهاد: فإن كان في المغنم كتب
نظر وإن كانت مباحة يجوز إقرار اليد عليها مثل كتب الطب والشعر واللغة و
المكاتبات فجميع ذلك غنيمة، وكذلك المصاحف وعلوم الشريعة كالفقه والحديث
لأن هذا مال يباع ويشترى وإن كانت كتبا لا يحل إمساكها كالكفر والزندقة وما
أشبه ذلك فكل ذلك لا يجوز بيعه فإن كان ينتفع بأوعيته إذا غسل كالجلود ونحوها،
فإنها غنيمة وإن كانت مما لا ينتفع بأوعيته كالكاغذ فإنها تمزق ولا تحرق إذ ما من
كاغذ إلا وله قيمة وحكم التوراة والإنجيل هكذا كالكاغذ فإنه يمزق لأنه كتاب
مغير مبدل، انتهى.
342

وكيف كان فلم يظهر من معقد نفي الخلاف إلا حرمة ما كان موجبا للضلال و
هو الذي دل عليه الأدلة المتقدمة، نعم ما كان من الكتب جامعا للباطل في نفسه من
دون أن يترتب عليه ضلالة لا يدخل تحت الأموال فلا يقابل بالمال لعم المنفعة
المحللة المقصودة فيه {1}.
343

مضافا إلى آيتي لهو الحديث وقول الزور {1}.

1) لقمان، 6.
2) الحج، 30.
3) الوسائل، باب 2، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.
344

أما وجوب إتلافها فلا دليل عليه {1}، ومما ذكرنا ظهر حكم تصانيف
المخالفين في الأصول والفروع والحديث والتفسير وأصول الفقه وما دونها من
العلوم، فإن المناط في وجوب الاتلاف جريان الأدلة المتقدمة، فإن الظاهر عدم
جريانها في حفظ شئ من تلك الكتب إلا القليل مما ألف في خصوص إثبات الجبر
ونحوه واثبات تفضيل الخلفاء أو فضائلهم وشبه ذلك {2} ومما ذكرنا أيضا يعرف
وجه ما استثنوه في المسألة من الحفظ للنقض والاحتجاج على أهلها أو الاطلاع
على مطالبهم ليحصل به التقية أو غير ذلك، ولقد أحسن جامع المقاصد حيث قال: إن فوائد الحفظ كثيرة ومما ذكرنا أيضا يعرف حكم ما لو كان بعض الكتاب موجبا
للضلال فإن الواجب رفعه ولو بمحو جميع ا لكتاب إلا أن يزاحم مصلحة وجوده
لمفسدة وجود الضلال، ولو كان باطلا في نفسه كان خارجا عن المالية فلو قوبل
بجزء من العوض المبذول يبطل المعاوضة بالنسبة إليه ثم الحفظ المحرم يراد به الأعم من
الحفظ بظهر القلب والنسخ والمذاكرة وجميع ما له دخل في بقاء المطالب المضلة {3}.
345

الثامنة: الرشوة حرام {1} وفي جامع المقاصد والمسالك أن على تحريمها إجماع المسلمين ويدل عليه الكتاب {2}.

1) البقرة، 188.
346

والسنة {1} وفي المستفيضة أنها كفر بالله العظيم أو شرك.
ففي رواية الأصبغ بن نباته عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: أيما وال احتجب عن
حوائج الناس احتجب الله عنه يوم القيامة وعن حوائجه، وإن أخذ هدية كان
غلولا وإن أخذ رشوة فهو شرك.
وعن الخصال في الصحيح عن عمار بن مروان قال: كل شئ غل من الإمام
فهو سحت، والسحت أنواع كثيرة منها ما أصيب من أعمال الولاة الظلمة، ومنها
أجور القضاة وأجور الفواجر وثمن الخمر والنبيذ المسكر والربا بعد البينة، وأما الرشاء
في الأحكام يا عمار فهو الكفر بالله العظيم، ومثلها رواية سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام.

1) الوسائل، باب 5، من أبواب ما يكتسب به، حديث 10.
2) الوسائل، باب 5، من أبواب ما يكتسب به، حديث 12.
3) الوسائل، باب 8، من أبواب آداب القاضي حديث 5.
347

وفي رواية يوسف بن جابر لعن رسول الله صلى الله عليه وآله من نظر إلى فرج امرأة لا
تحل له ورجلا خان أخاه في امرأته ورجلا احتاج الناس إليه لفقهه فسألهم
الرشوة {1}.

1) الوسائل، باب 85، من أبواب ما يكتسب به، حديث 2.
2) الوسائل، باب 5، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.
3) الوسائل، باب 8، من أبواب آداب القاضي، حديث 5.
348



1) الوسائل، باب 8، من أبواب آداب القاضي، حديث 5.
349

وظاهر هذه الرواية سؤال الرشوة لبذل فقهه فيكون ظاهرا في حرمة أخذ
الرشوة للحكم بالحق {1} أو للنظر في أمر المترافعين ليحكم بعد ذلك بينهما بالحق من
غير أجرة وهذا المعنى هو ظاهر تفسير الرشوة في القاموس بالجعل وإليه نظر المحقق
الثاني حيث فسر في حاشية الإرشاد الرشوة بما يبذله أحد المتحاكمين.
وذكر في جامع المقاصد أن الجعل من المتحاكمين للحاكم رشوة وهو صريح
الحلي أيضا في مسألة تحريم أخذ الرشوة مطلقا واعطائها إلا إذا كان على إجراء
حكم صحيح فلا يحرم على المعطي هذا، ولكن عن مجمع البحرين قلما يستعمل
الرشوة إلا فيما يتوصل به إلى ابطال حق أو تمشية باطل.
وعن المصباح هي ما يعطيه الشخص للحاكم أو غيره ليحكم له أو يحمله على
ما يريد.
وعن النهاية أنها الوصلة إلى الحاجة بالمصانعة والراشي الذي يعطي ما يعينه
على الباطل والمرتشي الأخذ والرايش هو الذي يسعى بينهما ليزيد (ليستزيد) لهذا
وينقص لهذا ومما يدل على عدم عموم الرشا لمطلق الجعل على الحكم ما تقدم في
رواية عمار بن مروان من جعل الرشاء في الحكم مقابلا لا جور القضاة خصوصا
بكلمة أما نعم لا يختص بما يبذل على خصوص الباطل بل يعم ما يبذل لحصول
غرضه وهو ا لحكم له حقا كان أو باطلا وهو ظاهر ما تقدم عن المصباح والنهاية و
يمكن حمل رواية يوسف بن جابر على سؤال الرشوة للحكم للراشي حقا أو باطلا أو
يقال إن المراد الجعل فأطلق عليه الرشوة تأكيدا للحرمة.
350

ومنه يظهر حرمة أخذ الحاكم للجعل من المتحاكمين مع تعين الحكومة
عليه {1} كما يدل عليه قوله عليه السلام احتاج الناس إليه لفقهه {2} والمشهور المنع مطلقا
بل في جامع المقاصد دعوى النص والاجماع ولعله لحمل الاحتياج في الرواية على
الاحتياج إلى نوعه ولاطلاق ما تقدم في رواية عمار بن مروان من جعل أجور
القضاة من السحت {3} بناء على أن الأجر في العرف يشمل الجعل، وإن كان بينهما
فرق عند المتشرعة.
351

وربما يستدل على المنع بصحيحة ابن سنان، قال سئل أبو عبد الله عليه السلام عن
قاض بين فريقين يأخذ على القضاء الرزق من السلطان قال عليه السلام: ذلك السحت {1}
وفيه أن ظاهر الرواية كون القاضي منصوبا من قبل السلطان، الظاهر بل الصريح في
سلطان الجور {2} إذ ما يؤخذ من العادل لا يكون سحتا قطعا ولا شك أن هذا
المنصوب غير قابل للقضاء فما يأخذه سحت من هذا الوجه ولو فرض كونه قابلا
للقضاء لم يكن رزقه من بيت ا لمال أو من جائزة السلطان محرما قطعا، فيجب
اخراجه عن العموم إلا أن يقال: إن المراد الرزق من غير بيت المال {3} وجعله
على القضاء بمعنى المقابلة قرينة على إرادة العوض وكيف كان

1) الوسائل، باب 8، من أبواب آداب القاضي، حديث 1.
352

فالأولى في الاستدلال على المنع ما ذكرنا خلافا لظاهر المقنعة والمحكي عن القاضي
من الجواز، ولعله للأصل وظاهر رواية حمزة بن حمران، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام
يقول: من استأكل بعلمه افتقر، قلت: إن في شيعتك قوما يتحملون علومكم ويبثونها
في شيعتكم فلا يعدمون منهم البر والصلة والاكرام فقال عليه السلام: ليس أولئك بمستأكلين
إنما ذاك الذي يفتي (قضى) بغير علم ولا هدى من الله ليبطل به الحقوق طمعا في
حطام الدنيا الخبر {1}.
واللام في قوله ليبطل به الحقوق، إما للغاية أو للعاقبة وعلى الأول فيدل على
حرمة أخذ المال في مقابل الحكم بالباطل، وعلى الثاني فيدل على حرمة الانتصاب
للفتوى من غير علم طمعا في الدنيا، وعلى كل تقدير فظاهرها حصر الاستيكال
المذموم فيما كان لأجل الحكم بالباطل أو مع عدم معرفة الحق فيجوز الاستيكال مع
الحكم بالحق ودعوى كون الحصر إضافيا بالنسبة إلى الفرد الذي ذكره السائل، فلا

1) الوسائل، باب 11، من أبواب صفات القاضي، حديث 12.
353

يدل إلا على عدم الذم على هذا الفرد دون كل من كان غير المحصور فيه
خلاف الظاهر {1} وفصل في المختلف فجور أخذ الجعل والأجرة مع حاجة القاضي
وعدم تعين القضاء عليه ومنعه مع غناه أو عدم الغناء عنه، ولعل اعتبار عدم تعين
القضاء لما تقرر عندهم من حرمة الأجرة على الواجبات العينية {2} وحاجته لا
تسوغ أخذ الأجرة عليها، وإنما يجب على القاضي وغيره رفع حاجته من وجوه
خر، وأما اعتبار الحاجة فلظهور اختصاص أدلة المنع بصورة الاستغناء
354

كما يظهر بالتأمل في روايتي يوسف وعمار المتقدمتين، ولا مانع من التكسب
بالقضاء من جهة وجوبه الكفائي كما هو أحد الأقوال في المسألة الآتية في محلها
إن شاء الله.
355

وأما الارتزاق من بيت المال فلا اشكال في جوازه للقاضي مع حاجته بل
مطلقا إذا رأى الإمام المصلحة فيه {1} لما سيجئ من الأخبار الواردة في مصارف
الأراضي الخراجية ويدل عليه ما كتبه أمير المؤمنين عليه السلام إلى مالك الأشتر من
قوله عليه السلام: وافسح له أي للقاضي بالبذل ما يزيح علته وتقل معه حاجته إلى الناس.
ولا فرق بين أن يأخذ الرزق من السلطان العادل أو من الجائر لما سيجئ من حلية
بيت المال لأهله، ولو خرج من يد الجائر.
356

وأما ما تقدم في صحيحة ابن سنان من المنع من أخذ الرزق من السلطان فقد
عرفت الحال فيه {1}.

1) الوسائل، باب 8، من أبواب آداب القاضي، حديث.
2) الوسائل، باب 8، من أبواب آداب القاضي، حديث 9.
3) المستدرك، باب 8، من أبواب آداب القاضي، حديث 2.
357

وأما الهدية وهي ما يبذل على وجه الهبة ليورث المودة الموجبة للحكم له،
حقا كان أو باطلا وإن لم يقصد المبذول له الحكم إلا بالحق، إذا عرف ولو من القرائن
أن الأول (الباذل) قصد الحكم له على كل تقدير فيكون الفرق بينها وبين الرشوة أن
الرشوة تبذل لأجل الحكم والهدية تبذل لايراث الحب المحرك له على الحكم على
وفق مطلبه، فالظاهر حرمتها {1} لأنها رشوة أو بحكمها بتنقيح المناط {2}.
358

وعليه يحمل ما تقدم من قول أمير المؤمنين عليه السلام وإن أخذ يعني الوالي هدية
كان غلولا {1} وما ورد من أن هدايا العمال غلول وفي آخر سحت {2}.

1) الوسائل، باب 5، من أبواب ما يكتسب به، حديث 10.
2 و 3) لم أعثر على أصل لهما في كتب الأحاديث نعم بمضمونهما روايات في بحار الأنوار، ج 23، ص 14 - من طبع الكمپاني - وفي
الوسائل، باب 8، من أبواب آداب القاضي، هدايا الأمراء غلول.
4) النساء، 29.
359

وعن عيون الأخبار عن مولانا أبي الحسن الرضا عليه السلام عن أمير المؤمنين عليه السلام
في تفسير قوله تعالى (أكالون للسحت) قال: هو الرجل يقضي لأخيه حاجته، ثم
يقبل هديته {1} وللرواية توجيهات تكون الرواية على بعضها محمولة على
ظاهرها من التحريم وعلى بعضها محمولة على المبالغة في رجحان التجنب عن قبول
الهدايا من أهل الحاجة إليه لئلا يقع في الرشوة يوما.

1) المبسوط، كتاب القضاء.
2) الوسائل، باب 5، من أبواب ما يكتسب به، حديث 11.
360

وهل يحرم الرشوة في غير الحكم {1} بناء على صدقها كما يظهر مما تقدم عن
المصباح والنهاية، كأن يبذل له مالا على أن يصلح أمره عند الأمير.

1) الوسائل، باب 85، من أبواب ما يكتسب به، حديث 2.
2) الوسائل، باب 37، من أبواب أحكام العقود، حديث 1.
361

فإن كان أمره منحصرا في المحرم أو مشتركا بينه وبين المجلل لكن بذل على
إصلاحه حراما أو حلالا، فالظاهر حرمته لا لأجل الرشوة لعدم الدليل عليه عدا
بعض الاطلاقات المنصرف إلى الرشاء في الحكم {1} بل لأنه أكل للمال بالباطل {2}
فيكون الحرمة هنا لأجل الفساد، فلا يحرم القبض في نفسه {3}
362

وإنما يحرم التصرف لأنه باق على ملك الغير، نعم يمكن أن يستدل على حرمته
بفحوى اطلاق ما تقدم في هدية الولاة والعمال {1}. وأما بذل المال على وجه الهدية الموجبة لقضاء الحاجة المباحة، فلاحظ فيه
كما يدل عليه ما ورد في أن الرجل يبذل الرشوة ليتحرك من منزله ليسكنه، قال: لا
بأس، والمراد المنزل المشترك كالمدرسة والمسجد والسوق ونحوها.
ومما يدل على التفصيل في الرشوة بين الحالة المحرمة وغيرها رواية
الصيرفي، قال: سمعت أبا الحسن عليه السلام وسأله حفص الأعور، فقال: إن عمال السلطان
يشترون منا القرب والأدواة (أداوى) فيوكلون الوكيل حتى يستوفيه منا فنرشوه
حتى لا يظلمنا، فقال: لا بأس بما تصلح به مالك، ثم سكت ساعة ثم قال: إذا أنت
رشوته يأخذ منك أقل من الشرط قلت نعم قال فسدت رشوتك.
363

ومما يعد من الرشوة أو يلحق بها المعاملة المشتملة على المحابات {1} كبيعه من
القاضي ما يساوي عشرة دراهم بدرهم، فإن لم يقصد من المعاملة إلا المحابات التي
في ضمنها وقصد المعاملة لكن جعل المحاباة لأجل الحكم له بأن كان الحكم له من
قبيل ما تواطيا عليه من الشروط الغير المصرح بها في العقد فهي الرشوة، وإن قصد
أصل المعاملة وحابى فيها لجلب قلب القاضي فهو كالهدية
364

ملحقة بالرشوة وفي فساد المعاملة المحابي فيها وجه قوي {1}.
365

ثم إن كل ما حكم بحرمة أخذه وجب على الآخذ رده ورد بدله مع التلف إذا
قصد مقابلته بالحكم كالجعل والأجرة حيث حكم بتحريمهما وكذا الرشوة لأنها
حقيقة جعل على الباطل {1} ولذا فسره في القاموس بالجعل.
366

ولو لم يقصد بها المقابلة بل أعطى مجانا ليكون داعيا ليكون داعيا علي الحكم وهو المسمى
بالهدية فالظاهر عدم ضمانه لأن مرجعه إلى هبة مجانية فاسدة إذ الداعي لا يعد
عوضا وما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده وكونها من السحت إنما يدل على
حرمة الأخذ لا على الضمان وعموم على اليد مختص بغير اليد المتفرعة على التسليط
المجاني ولذا لا يضمن بالهبة الفاسدة في غير هذا المقام وفي كلام بعض المعاصرين
أن احتمال عدم الضمان في الرشوة مطلقا غير بعيد {1} معللا بتسليط المالك عليها
مجانا {2} قال: ولأنها تشبه المعاوضة وما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده {3}.
367

ولا يخفى ما بين تعليله من التنافي لأن شبهها بالمعاوضة يستلزم الضمان
لأن المعاوضة الصحيحة يوجب ضمان كل منهما ما وصل إليه بعوضه الذي دفعه
فيكون مع الفساد مضمونا بعوضه الواقعي وهو المثل أو القيمة وليس في المعاوضات
ما لا يضمن العوض بصحيحه حتى لا يضمن بفاسده نعم قد يتحقق عدم الضمان في
بعض المعاوضات بالنسبة إلى غير العوض كما أن العين المستأجرة غير مضمونة في
يد المستأجر بالإجارة فربما يدعى أنها غير مضمونة إذا قبض بالإجارة الفاسدة
لكن هذا كلام آخر [قد ثبت فساده بما ذكرناه في باب الغصب من أن المراد مما لا
يضمن بصحيحه أن يكون عدم الضمان مستندا إلى الإجارة الصحيحة بل إلى قاعدة
الأمانة المالكية والشرعية لكون التصرف في العين مقدمة لاستيفاء المنفعة مأذونا فيه
شرعا فلا يترتب عليه الضمان بخلاف الإجارة الفاسدة فإن الإذن الشرعي فيها
مفقود والإذن المالكي غير مثمر لكونه تبعيا ولكونه لمصلحة القابض فتأمل - كذا
في بعض النسخ] -.
والكلام فعلا في ضمان العوض بالمعاوضة الفاسدة والتحقيق أن كونها
معاوضة أو شبيهة بها وجه لضمان العوض فيها لا لعدم الضمان.
368

فروع في اختلاف الدافع والقابض {1} لو ادعى الدافع أنها هدية ملحقة
بالرشوة في الفساد والحرمة وادعى القابض أنها هبة صحيحة لداعي القربة أو
غيرها {2} احتمل تقديم الأول لأن الدافع أعرف بنيته {3} ولأصالة الضمان في اليد
إذا كانت الدعوى بعد التلف.
369

والأقوى تقديم الثاني لأنه يدعي الصحة {1} ولو ادعى الدافع أنها رشوة أو
أجرة على المحرم وادعى القابض كونها هبة صحيحة {2} احتمل أنه كذلك لأن الأمر
يدور بين الهبة الصحيحة والإجارة الفاسدة ويحتمل العدم إذ لا عقد مشترك هنا
اختلفا في صحته وفساده فالدافع منكر لأصل العقد الذي يدعيه القابض لا لصحته
فيحلف على عدم وقوعه وليس هذا من مورد التداعي كما لا يخفى.

(1) الوسائل باب 25 من أبواب كيفية الحكم من كتاب القضاء حديث 3.
371

ولو ادعى الدافع أنها رشوة والقابض أنها هدية فاسدة لدفع الغرم عن نفسه
بناء على ما سبق من أن الهدية المحرمة لا يوجب الضمان {1} ففي تقديم الأول لأصالة
الضمان في اليد أو الآخر لأصالة عدم سبب الضمان ومنع أصالة الضمان وجهان
أقواهما الأول: لأن عموم خبر: على اليد يقضي بالضمان إلا مع تسليط المالك مجانا.
372

والأصل عدم تحققه وهذا حاكم على أصالة عدم سبب الضمان {1} فافهم.
التاسعة: سب المؤمنين حرام في الجملة بالأدلة الأربعة {2} لأنه ظلم وايذاء و
اذلال.
373

ففي رواية أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) سباب
المؤمن فسوق (فسق) وقتاله كفر وأكل لحمه معصية وحرمة ماله كحرمة دمه {1}.
وفي رواية السكوني عن عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) سباب
المؤمن كالمشرف على الهلكة {2}.

(1) الحج 31.
(2) الوسائل باب 158 من أبواب أحكام العشرة حديث 3.
(3) الوسائل باب 158 من أبواب أحكام العشرة حديث 4.
374

وفي رواية أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) قال جاء رجل من تميم إلى
رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال له: أوصني فكان فيما أوصاه لا تسبوا فتكتسبوا
[فتكسبوا] العدواة {1}.
وفي رواية ابن الحجاج عن أبي الحسن في الرجلين يتسابان قال البادي منهما
أظلم ووزره على صاحبه [ووزر صاحبه عليه] ما لم يعتذر إلى المظلوم وفي مرجع
الضمائر اغتشاش {2} ويمكن الخطأ من الراوي والمراد والله أعلم أن مثل وزر
صاحبه عليه لايقاعه إياه في السب من غير أن يخفف عن صاحبه شئ فإذا اعتذر
إلى المظلوم عن سبه وايقاعه إياه في السب برأ من الوزرين.

(1) الوسائل باب 158 من أبواب أحكام العشرة حديث 2.
(2) الوسائل باب 158 من أبواب أحكام العشرة حديث 1.
375



الوسائل باب 158 من أبواب أحكام العشرة في السفر والحضر حديث 1.
الأصول من الكافي ص 322 باب السفه.
376

ثم إن المرجع في السب إلى العرف {1} وفسره في جامع المقاصد بإسناد ما
يقتضي نقصه إليه مثل الوضيع والناقص. وفي كلام بعض آخر أن السب والشتم
بمعنى واحد وفي كلام ثالث أن السب أن تصف الشخص بما هو ازراء ونقص فيدخل
في النقص كلما يوجب الأذى كالقذف والحقير والوضيع والكلب والكافر والمرتد
والتعبير بشئ من بلاء ا لله تعالى كالجذام والأبرص، ثم الظاهر أنه لا يعتبر في صدق
السب مواجهة المسبوب، نعم يعتبر فيه قصد الإهانة والنقص فالنسبة بينه وبين
الغيبة عموم من وجه {2} والظاهر تعدد العقاب في مادة الاجتماع لأن مجرد
ذكر الشخص بما يكرهه لو سمعه ولولا لقصد الإهانة غيبة محرمة والإهانة محرم آخر.
377

ثم إنه يستثنى من المؤمن المظاهر بالفسق {1} لما سيجئ في الغيبة من أنه لا
حرمة له.
وهل يعتبر في جواز سبه كونه من باب النهي عن المنكر فيشترط بشروطه أم
لا، ظاهر النصوص والفتاوى، كما في الروضة الثاني والأحوط الأول ويستثنى منه
المبتدع أيضا {2} لقوله صلى الله عليه وآله إذا رأيتم أهل البدع من بعدي فأظهروا البراءة منهم، و
أكثروا منس بهم والوقيعة فيهم.
378

ويمكن أن يستثنى من ذلك ما إذا لم يتأثر المسبوب عرفا {1} بأن لا يوجب
قول هذا القائل في حقه مذلة ولا نقصا كقول الوالد لولده أو السيد لعبده عند
مشاهدة ما يكرهه يا حمار وعند غيظه يا خبيث ونحو ذلك سواء لم يتأثر المقول فيه
بذلك بأن لم يكرهه أصلا أو تأثر به بناء على أن العبرة بحصول الدال والنقص فيه
عرفا ويشكل الثاني بعموم أدلة حرمة الايذاء

1) الوسائل، باب 39، من أبواب الأمر والنهي وما يناسبهما، حديث 1.
379

نعم لو قال السيد ذلك في مقام التأديب جاز لفحوى جواز الضرب {1} وأما
الوالد فيمكن استفادة الجواز في حقه مما ورد من مثل قولهم عليهم السلام أنت ومالك
لأبيك {2} فتأمل مضافا إلى استمرار السيرة بذلك إلا أن يقال إن استمرار السيرة
إنما هو مع عدم تأثر السامع وتأذيه بذلك، ومن هنا يوهن التمسك بالسيرة في جواز
سب المعلم للمتعلم فإن السيرة إنما نشأت في الأزمنة السابقة من عدم تألم المتعلم
بشتم المعلم لعد نفسه أدون من عبده بل ربما كان يفتخر بالسب لدلالته على كمال
لطفه. وأما زماننا هذا الذي يتألم المتعلم فيه من المعلم مما لم يتألم به من شركائه في
البحث من القول والفعل فهل إيذائه يحتاج إلى الدليل والله الهادي إلى سواء السبيل.

1) الوسائل، باب 30 من أبواب مقدمات الحدود.
2) الوسائل، باب 78 من أبواب ما يكتسب به.
380



1) الوسائل، باب 85، من أبواب أحكام الأولاد من كتاب النكاح.
2) الوسائل، باب 78، من أبواب ما يكتسب به.
381

العاشرة السحر حرام في الجملة بلا خلاف، بل هو ضروري {1} كما سيجئ
والأخبار به مستفيضة منها ما تقدم من أن الساحر كالكافر.
ومنها قوله عليه السلام من تعلم شيئا من السحر قليلا أو كثيرا فقد كفر وكان آخر
عهده بربه وحده أن يقتل، إلا أن يتوب {2}.

1) نهج البلاغة، 105، خطبة 79.
2) الوسائل، باب 25، من أبواب ما يكتسب به، حديث 7.
3) الوسائل، باب 25، من أبواب ما يكتسب به، حديث 2.
382

وفي رواية السكوني عن الصادق عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله ساحر المسلمين يقتل وساحر الكفار لا يقتل، قيل: يا رسول الله صلى الله عليه وآله لم لا يقتل ساحر
الكفار، قال: لأن الشرك أعظم من السحر ولأن السحر والشرك مقرونان. في نبوي
آخر ثلاثة لا يدخلون الجنة مدمن خمر ومدمن سحر وقاطع رحم {1} إلى غير
ذلك من الأخبار.

1) الوسائل، باب 25، من أبواب ما يكتسب به، حديث 6.
2) الوسائل باب 25، من أبواب ما يكتسب به، حديث 7.
383



1) الوسائل، باب 25، من أبواب ما يكتسب به، حديث 4.
2) الوسائل، باب 25، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.
384

ثم إن الكلام هنا يقع في مقامين:
الأول: في المراد بالسحر وهو لغة على ما عن بعض أهل اللغة: ما لطف
مأخذه ودق السحر انتهى.
وعن بعضهم أنه صرف الشئ عن وجهه.
وعن ثالث إنه الخدع.
وعن رابع: إنه اخراج الباطل في صورة الحق، وقد اختلفت عبارات
الأصحاب في بيانه، فقال العلامة قدس سره في القواعد والتحرير، أنه كلام يتكلم به أو
يكتبه أو رقية أو يعمل شيئا يؤثر في بدن المسحور أو قلبه أو عقله من غير مباشرة.
وزاد في المنتهى أو عقد.
وزاد في المسالك أو أقسام وعزائم يحدث بسببها ضرر على الغير.
وزاد في الدروس الدخنة والتصوير والنفث وتصفية النفس، ويمكن أن
يدخل جميع ذلك في قوله في القواعد أو يعمل شيئا، نعم ظاهر المسالك ومحكي
الدروس أن المعتبر في السحر الاضرار فإن أريد من التأثير في عبارة القواعد و
غيرها خصوص الاضرار بالمسحور فهو، وإلا كان أعم، ثم إن الشهيدين عدا من
السحر استخدام الملائكة واستنزال الشياطين في كشف الغائبات وعلاج المصاب
واستحضارهم وتلبيسهم ببدن صبي أو امرأة وكشف الغائبات عن لسانه، والظاهر أن المسحور فيما ذكراه هي الملائكة والجن والشياطين والاضرار بهم يحصل
بتسخيرهم وتعجيزهم من المخالفة له، والجائهم إلى الخدمة.
وقال في الإيضاح أنه استحداث الخوارق إما بمجرد التأثيرات النفسانية و
هو السحر أو بالاستعانة بالفلكيات فقط، وهو دعوة الكواكب أو بتمزيج القوى
السماوية بالقوى الأرضية وهي الطلسمات أو على سبيل الاستعانة بالأرواح
الساذجة وهي العزائم ويدخل فيه النيرنجات والكل حرام في شريعة الاسلام و
مستحله كافر انتهى.
وتبعه على هذا التفسير في محكي التنقيح وفسر النيرنجات في الدروس
بإظهار غرائب خواص الامتزاجات وأسرار النيرين.
وفي الإيضاح أما ما كان على سبيل الاستعانة بخواص الأجسام السفلية، فهو
385

علم الخواص أو الاستعانة بالنسب الرياضية فهو علم الحيل وجر الأثقال وهذان
ليسا من السحر انتهى.
وما جعله خارجا قد أدخله غيره وفي بعض الروايات دلالة عليه وسيجئ
المحكي والمروي ولا يخفى أن هذا التعريف أعم من الأول لعدم اعتبار مسحور فيه
فضلا عن الاضرار ببدنه أو عقله.
وعن الفاضل المقداد في التنقيح أنه عمل يستفاد منه ملكة نفسانية يقتدر بها
على أفعال غريبة بأسباب خفية، وهذا يشمل علمي الخواص والحبل.
وقال في البحار بعد ما نقل عن أهل اللغة أنه ما لطف وخفي سببه أنه في عرف
الشرع مختص بكل أمر يخفى سببه، ويتخيل على غير حقيقته ويجري مجرى التمويه
والخداع انتهى.
386



1) المستدرك، باب 22، من أبواب ما يكتسب به، الحديث 2.
2) سورة البقرة، آية 103.
387

وهذا أعم من الكل لأنه ذكر بعد ذلك ما حاصله أن السحر على أقسام:
الأول: سحر الكلدانيين {1} الذين كانوا في قديم الدهر وهم قوم كانوا
يعبدون الكواكب ويزعمون أنها المدبرة لهذا العالم، ومنها تصدير الخيرات
والشرور والسعادات والنحوسات، ثم ذكر أنهم على ثلاثة مذاهب فمنهم.
من يزعم أنه الواجبة لذاتها الخالقة للعالم.
ومنهم من يزعم أنها قديمة لقدم العلة المؤثرة ومنهم من يزعم أنها حادثة
مخلوقة فعالة مختارة، فوض خالقها أمر العالم إليها والساحر عند هذه الفرق من
يعرف القوى العالية الفعالة بسائطها ومركباتها ويعرف ما يليق بالعالم السفلي و
يعرف معداتها ليعدها وعوائقها ليرفعها بحسب الطاقة البشرية فيكون متمكنا من
استحداث ما يخرق العادة.
388

الثاني: سحر أصحاب الأوهام والنفوس القوية {1}.
389

الثالث: الاستعانة بالأرواح الأرضية، وقد أنكرها بعض الفلاسفة، وقال بها
الأكابر منهم وهي في أنفسها مختلفة فمنهم خيرة وهم مؤمنوا الجن وشريرة وهم
كفار الجن وشياطينهم {1}.
الرابع: التخيلات والأخذ بالعيون مثل راكب السفينة يتخيل نفسه ساكنا
والشط متحركا {2}.
390

الخامس: الأعمال العجيبة التي تظهر من تركب الآلات المركبة على نسب
الهندسة كرقاص يرقص وفارسان يقتتلان {1}
391

السادس: الاستعانة بخواص الأدوية مثل أن يجعل في الطعام بعض الأدوية
المبلدة أو المزيلة للعقل أو الدخن المسكر أو عصارة البنج المجعول في الملبس، وهذا
مما لا سبيل إلى انكاره وآثر المغناطيس شاهد {1}.
السابع: تعليق القلب هو أن يدعي الساحر أنه يعرف علم الكيميا وعلم
اللميا والاسم الأعظم حتى يميل إليه العوام، وليس له أصل {2}.
392

الثامن: النميمة {1} انتهى الملخص منه وما ذكره من وجوه السحر بعضها قد
تقدم عن الإيضاح وبعضها قد ذكر فيما ذكره في الإحتجاج من حديث الزنديق
الذي سأل أبا عبد الله عليه السلام عن مسائل كثيرة منها ما ذكره بقوله أخبرني عن السحر
ما أصله وكيف يقدر الساحر على ما يوسف من عجائبه وما يفعل، قال
أبو عبد الله عليه السلام: إن السحر على وجوه شتى منها بمنزلة الطب كما أن الأطباء وضعوا
لكل داء دواء وكذلك علماء السحر احتالوا لكل صحة آفة، ولكل عافية عاهة، و
لكل معنى حيلة ونوع آخر منه خطفة وسرعة ومخاريق وخفة ونوع منه ما يأخذه
أولياء الشياطين منهم، قال: فمن أين علم الشياطين السحر، قال: من حيث
علم الأطباء الطب بعضه بتجربة وبعضه بعلاج قال وما تقول في الملكين: هاروت و
ماروت وما يقول الناس بأنهما يعلمان الناس السحر، قال: إنما هما موضع ابتلاء و
موقف فتنة تسبيحهما اليوم لو فعل الانسان كذا وكذا لكان كذا، ولو تعالج بكذا لصار
كذا فيتعلمون منهما ما يخرج عنهما فيقولان لهم إنما نحن فتنة فلا تأخذوا عنا ما
يضركم ولا ينفعكم، قال: أفيقدر الساحر على أن يجعل الانسان بسحره في صورة
كلب أو حمار أو غير ذلك. قال: هو أعجز من ذلك وأضعف من أن يغير خلق الله أن
من أبطل ما ركبه الله تعالى وصور غيره فهو شريك لله في خلقه، تعالى الله عن
ذلك علوا كبيرا لو قدر الساحر على هذا الوصف لدفع عن نفسه الهرم والآفة
والأمراض ولنفى البياض عن رأسه والفقر عن ساحته، وأن من أكبر السحر النميمة
يفرق بها بين المتحابين، ويجلب بها العداوة على المتصافين ويسفك بها الدماء و
يهدم بها الدور ويكشف بها الستور والنمام شر من وطأ الأرض بقدم، فأقرب
أقاويل السحر من الصواب أنه بمنزلة ا لطب أن الساحر عالج الرجل فامتنع من
مجامعة النساء فجاءه الطبيب فعالجه بغير ذلك فأبرأه الحديث (1).

1) الإحتجاج، ج 2 ص 81 مع اختلاف.
393

ثم لا يخفى أن الجمع بين ما ذكر في معنى السحر في غاية الاشكال {1} لكن
المهم بيان حكمه لا موضوعه.
المقام الثاني:
في حكم الأقسام المذكورة فنقول: أما الأقسام الأربعة المتقدمة من الإيضاح
فيكفي في حرمتها {2} مضافا إلى شهادة المحدث المجلسي قدس سره في البحار بدخولها في
المعنى المعروف للسحر عند أهل الشرع، فيشملها الاطلاقات {3}.
فتحصل: إن شيئا من هذه الأقسام ليس من السحر موضوعا بما فسروا له من
المعنى، ولعل غرضهم مشاركة تلك الأمور للسحر حكما لا دخولها فيه موضوعا كما
تنادي بذلك عبارة الإيضاح التي تقدم نقلها كما نبه على ذلك بعض المحققين.
{1} لكن قد عرفت أن السحر من المفاهيم المبينة، وأن كلمات القوم إما صريحة فيما
ذكرناه، أو قابلة للحمل عليه، وما ذكروه من الأقسام أرادوا بها أنها ملحقة به حكما لا
موضوعا كما ينادي بذلك ما ذكره المجلسي قدس سره فإنه قدس سره فسر السحر أولا بما ذكرناه، ثم بعد
ذلك ذكر الأقسام الثمانية، وحيث إنه لا يمكن الجمع بين كلماته لعدم انطباق الضابط
المذكور على شئ من تلك الأنواع فلا محيص إلا عن الحمل على ما نبهنا عليه فراجع.
{2} قال في محكي الإيضاح على ما في المكاسب: إن استحداث الخوارق إما بمجرد
التأثيرات النفسانية وهو السحر، أو بالاستعانة بالفلكيات فقط وهو دعوة الكواكب، أو
بتمزيج القوى السماوية بالقوى الأرضية وهي الطلسمات، أو على سبيل الاستعانة
بالأرواح الساذجة وهي العزائم، ويدخل فيها النيرنجات، والكل حرام في شريعة الاسلام
ومستحله كافر انتهى.
واستدل لها في المتن بوجهين:
{3} أحدهما شهادة المحدث المجلسي في البحار بدخولها في المعروف للسحر
عند أهل الشرع فيشملها الاطلاقات.
وفيه: أولا ما تقدم من عدم شهادة المجلسي بكونها من السحر.
394

دعوى فخر المحققين في الإيضاح كون حرمتها من ضروريات الدين وأن
مستحلها كافر وهو ظاهر الدروس أيضا {1} فحكم بقتل مستحلها فإنا وإن لم
نطمئن بدعوى الاجماعات المنقولة، إلا أن دعوى ضرورة الدين مما يوجب
الاطمئنان بالحكم واتفاق العلماء عليه في جميع الأعصار نعم ذكر شارح النخبة أن
ما كان من الطلسمات مشتملا على إضرار أو تمويه على المسلمين أو استهانة بشئ من
حرمات الله كالقرآن وأبعاضه، وأسماء الله الحسنى ونحو ذلك فهو حرام بلا ريب
سواء عد من السحر أم لا، وما كان للأغراض كحضور الغائب وبقاء العمارة وفتح
الحصون للمسلمين ونحوه، فمقتضى الأصل جوازه ويحكى عن بعض الأصحاب و
ربما يستندون في بعضها إلى أمير المؤمنين عليه السلام والسند غير واضح والحق في الدروس
تحريم عمل الطلسمات بالسحر ووجهه غير واضح انتهى.
395

ولا وجه أوضح من دعوى الضرورة من فخر الدين والشهيد قدس سره وأما غير
تلك الأربعة، فإن كان مما يضر بالنفس المحترمة فلا اشكال أيضا في حرمته ويكفي
في الضرر صرف نفس المسحور عن الجريان على مقتضى إرادته فمثل إحداث حب
مفرط في الشخص يعد سحرا.
روى الصدوق في الفقيه في باب عقاب المرأة على أن تسحر زوجها بسنده
عن السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله لامرأة سألته
أن لي زوجا وبه غلظة علي وأني صنعت شيئا لأعطفه على فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله
أف لك كدرت البحار وكدرت الطين ولعنتك الملائكة الأخيار وملائكة
السماء (السماوات) والأرض، قال: فصامت المرأة نهارها وقامت ليلها وحلقت
رأسها ولبست المسوح فبلغ النبي صلى الله عليه وآله فقال: إن ذلك لا يقبل منها بناء على أن
الظاهر من قولها صنعت شيئا المعالجة بشئ غير الأدعية والصلوات ونحوهما، ولذا
فهم الصدوق منها السحر ولم يذكر في عنوان سحر المرأة غير هذه الرواية.
وأما ما لا يضر فإن قصد به رفع ضرر السحر أو غيره من المضار الدنيوية أو
الأخروية، فالظاهر جوازه مع الشك في صدق اسم السحر عليه للأصل بل فحوى ما
سيجئ من جواز دفع الضرر بما علم كونه سحرا، وإلا فلا دليل على تحريمه إلا أن
يدخل في اللهو أو الشعبذة، نعم لو صح سند رواية الإحتجاج صح الحكم بحرمة
جميع ما تضمنه وكذا لو عمل بشهادة من تقدم كالفاضل المقداد والمحدث المجلسي قدس سره
بكون جميع ما تقدم من الأقسام داخلا في السحر اتجه الحكم بدخولها تحت
اطلاقات المنع عن السحر لكن الظاهر استناد شهادتهم إلى الاجتهاد مع معارضته
بما تقدم من الفخر من اخراج علمي الخواص والحيل من السحر وما تقدم من
تخصيص صاحب المسالك وغيره، السحر بما يحدث ضررا بل عرفت تخصيص
العلامة له بما يؤثر في بدن المسحور أو قلبه أو عقله فهذه شهادة من هؤلاء على عدم
عموم لفظ السحر لجميع ما تقدم من الأقسام وتقديم شهادة الاثبات لا يجري في
هذا الموضع لأن الظاهر استناد المثبتين إلى الاستعمال والنافين إلى الاطلاع على كون
الاستعمال مجازا للمناسبة والأحوط الاجتناب عن جميع ما تقدم من الأقسام
396

في البحار، بل لعله لا يخلو عن قوة لقوة الظن من خبر الإحتجاج وغيره.
بقي الكلام في جواز دفع ضرر السحر بالسحر {1} ويمكن أن يستدل به له مضافا
إلى الأصل بعد دعوى انصراف الأدلة إلى غير ما قصد به غرض راجح شرعا {2}
بالأخبار منها ما تقدم في خبر الإحتجاج {3}.

1) الوسائل، باب 25 من أبواب ما يكتسب به، حديث 7.
2) البقرة، 102.
397



1) الإحتجاج، ج 2، ص 81، مع اختلاف.
398

ومنها ما في الكافي عن القمي عن أبيه عن شيخ من أصحابنا الكوفيين، قال:
دخل عيسى بن السقفي على أبي عبد الله عليه السلام قال: جعلت فداك أنا رجل كانت
صناعتي السحر وكنت آخذ عليه الأجر وكان معاشي وقد حججت منه وقد
من الله على بلقائك وقد تبت إلى الله من ذلك فهل لي في شئ من ذلك وخرج فقال
له أبو عبد الله عليه السلام حل ولا تعقد وكان الصدوق قدس سره في العلل أشار إلى هذه الرواية
حيث قال: روي أن توبة الساحر أن يحل ولا يعقد، وظاهر المقابلة بين الحل والعقد
في الجواز والعدم كون كل منهما بالسحر فحمل الحل على ما كان بغير السحر من
الدعاء والآيات ونحوهما كما عن بعض لا يخلو عن بعد.
ومنها ما عن العسكري عن آبائه عليهم السلام في قوله تعالى: (وما أنزل على الملكين
ببال هاروت وماروت)، قال: كان بعد نوح قد كثرت السحرة والمموهون فبعث الله
ملكين إلى نبي ذلك الزمان يذكر ما يسحر به السحرة، وذلك ما يبطل به سحرهم
يرد به كيدهم فتلقاه النبي عن الملكين وأداه إلى عباد الله بأمر الله وأمرهم أن يقضوا
به على السحر، وأن يبطلوه ونهاهم عن أن يسحروا به الناس، وهذا كما يقال: وأن
السم ما هو وأن ما يدفع به غائلة السم ما هو، ثم يقال] للمتعلم هذا السم فمن رأيته
سم فادفع غائلته بهذا ولا تقتل بالسم إلى أن قال: وما يعلمان من أحد ذلك السحر
وإبطاله حتى يقولا للمتعلم أنما نحن فتنة وامتحان للعباد ليطيعوا الله فيما يتعلمون
من هذا، ويبطلوا به كيد السحرة ولا يسحروهم فلا تكفر باستعمال هذا السحر و
طلب الاضرار ودعاء الناس إلى أن يعتقدوا أنك تحيي وتميت وتفعل ما لا يقدر
عليه إلا الله عز وجل، فإن ذلك كفر إلى أن قال: فيتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم
لأنهم إذا تعلموا ذلك السحر، ليسحروا به ويضروا به فقد تعلموا ما يضر بدينهم و
لا ينفعهم فيه (الحديث).
وفي رواية محمد بن الجهم [ليس في كتب الرجال محمد بن الجهم وإنما هو علي بن محمد
بن الجهم] عن مولانا الرضا عليه السلام في حديث، قال: وأما هاروت وماروت
فكانا ملكين علما الناس السحر فيحترزوا به عن سحر السحرة فيبطلوا به كيدهم
وما علما أحدا من ذلك شيئا حتى قالا إنما نحن فتنة فلا تكفر فكفر قوم باستعمالهم لما
أمروا بالاحتراز عنه.]
399

وجعلوا يفرقون بما تعلموا بين المرء وزوجه قال الله تعالى (وما هم بضارين
به من أحد إلا بإذن الله) يعني بعلمه.
هذا كله مضافا إلى أن ظاهر أخبار الساحر إرادة من يخشى ضرره، كما
اعترف به بعض الأساطين واستقرب لذلك جواز الحل به بعد أن نسبه إلى كثير من
أصحابنا لكنه مع ذلك كله قد منع العلامة في غير واحد من كتبه والشهيد قدس سره في
الدروس والفاضل الميسي والشهيد الثاني قدس سره من حل السحر به، ولعلهم حملوا ما
دل على الجواز مع اعتبار سنده على حالة الضرورة وانحصار سبب الحل فيه لا مجرد
دفع الضرر مع إمكانه بغيره من الأدعية والتعويذات، ولذا ذهب جماعة منهم
الشهيدان والميسي وغيرهم إلى جواز تعلمه ليتوقى به من السحر ويدفع به دعوى
المتنبي وربما حمل أخبار الجواز الحاكية لقصة هاروت وماروت على جواز ذلك في
الشريعة السابقة وفيه نظر.
400

ثم الظاهر أن التسخيرات بأقسامها داخلة في السحر على جميع تعاريفه {1}.
وقد عرفت أن الشهيدين مع أخذ الاضرار في تحريم السحر ذكرا أن استخدام
الملائكة والجن من السحر ولعل وجه دخوله تضرر المسخر بتسخيره، وأما سائر
التعاريف فالظاهر شمولها لها وظاهر عبارة الإيضاح أيضا دخول هذه في معقد
دعواه الضرورة على التحريم، لأن الظاهر دخولها في الأقسام والعزائم والنفث و
يدخل في ذلك تسخير الحيوانات من الهوام والسباع والوحوش وغير ذلك
خصوصا الانسان وعمل السيميا ملحق بالسحر اسما أو حكما، وقد صرح بحرمته
الشهيد في الدروس والمراد به على ما قيل احداث خيالات لا وجود لها في الحس
يوجب تأثيرا في شئ آخر.
401

الحادية عشرة: الشعبدة حرام بلا خلاف {1} وهي الحركة السريعة بحيث
يوجب على الحس الانتقال من الشئ إلى شبهه {2} كما ترى النار المتحركة على
الاستدارة دائرة متصلة لعدم إدراك السكونات المتخللة بين الحركات
402

ويدل على الحرمة بعد الاجماع {1} مضافا إلى أنه من الباطل واللهو {2}
دخوله في السحر في الرواية المتقدمة عن الإحتجاج {3} المنجبر وههنا بالاجماع
المحكي، وفي بعض التعاريف المتقدمة للسحر ما يشملها. {4}
403

الثانية عشر: الغش حرام بلا خلاف {1} والأخبار به متواترة نذكر بعضها
تيمنا.
حرمة الغش
{1} الثانية عشرة: لا خلاف بين الأصحاب في حرمة الغش.
وتنقيح القول فيها بالبحث في مواضع:
الأول: في بيان حكمه التكليفي.
الثاني: في بيان حقيقته.
الثالث: في بيان حكمه الوضعي.
أما الأول: فالأقوى هو حرمة الغش في نفسه كما هو المتفق عليه نصا وفتوى، فقد
ذكر المصنف جملة من النصوص المتظافرة الدالة على ذلك وستمر عليك.
فما ذكره المحقق الإيرواني من أن الغش ليس بنفسه من المحرمات، وإنما يحرم من جهة
انطباق عنوان الكذب وأكل مال الغير بلا رضى صاحبه عليه، مستندا إلى أنه لو لم يكن
المحرم ذلك، فإما أن يكون المحرم شوب اللبن بالماء، ومن المعلوم أنه ليس ذلك من المحرمات،
أو يكون عرض المشوب للبيع، ومن المعلوم أن مجرد ذلك ليس بحرام حتى إذا اتفق أنه لم
يبع، أو يكون المحرم هو انشاء البيع، ومن المعلوم أن مجرد الانشاء ليس بحرام لو نبه بالغش
قبل أن يقبض أو حط من ثمنه أو أبرأ ذمته من الثمن، أو خيره بين الأخذ والترك، فيتعين أن يكون الغش هو أخذ قيمة غير المغشوش بإزاء المغشوش.
غير صحيح، لأن ذلك كله، لا يعتنى به في مقابل ظاهر النصوص الدالة على حرمة
الغش.
وإن شئت قلت: إن شوب اللبن بالماء لا يحرم لعدم صدق الغش عليه، كما أنه لا
يصدق على مجرد العرض للبيع، وأما انشاء ا لبيع واعتبار ملكية المشتري للمغشوش
بعنوان أنه غير مغشوش فهو حرام بمقتضى النصوص لكونه غشا، وعدم حرمته في صورة
التنبيه إنما يكون لخروجه بذلك عن كونه غشا كما عرفت، وأما لو حط من الثمن، أو أبرأ
ذمته منه، أو خيره بين الأخذ والترك مع كون البيع واقعا على المعنون بعنوان كونه غير
مغشوش، فلا يؤثر في رفع الحرمة.
404

فعن النبي صلى الله عليه وآله بأسانيد متعددة (ليس من المسلمين من غشهم) {1}.
وفي رواية العيون بأسانيد {2} قال رسول الله صلى الله عليه وآله (ليس منا من غش
مسلما أو ضره أو ما كره) وفي عقاب الأعمال عن النبي صلى الله عليه وآله (من غش مسلما
في بيع أو شراء فليس منا ويحشر مع اليهود يوم القيامة لأنه من غش الناس فليس
بمسلم إلى أن قال: ومن غشنا فليس منا قالها ثلاثا ومن غش أخاه المسلم نزع الله
بركة رزقه وأفسد عليه معيشته ووكله إلى نفسه) {3}.
وفي مرسلة هشام {4} عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال لرجل يبيع الدقيق: إياك
والغش، فإن من غش غش في ماله، فإن لم يكن له مال، غش في أهله وفي رواية
سعد الإسكاف عن أبي جعفر عليه السلام قال: مر النبي في سوق المدينة بطعام، فقال
لصاحبه ما أرى طعامك إلا طيبا فأوحى الله إليه أن يدس يده في الطعام ففعل
فأخرج طعاما رديا، فقال لصاحبه ما أراك إلا وقد جمعت خيانة وغشا للمسلمين.

1) الوسائل، باب 86، من أبواب ما يكتسب به، حديث 12.
2) الوسائل، باب 86، من أبواب ما يكتسب به، حديث 11.
3) الوسائل، باب 86، من أبواب ما يكتسب به، حديث 7.
4) الوسائل، باب 86، من أبواب ما يكتسب به، حديث 8.
405

ورواية موسى بن بكير عن أبي الحسن عليه السلام أنه أخذ دينارا من الدنانير
المصبوبة بين يديه فقطعها [ثم قطعه] نصفين، ثم قال: القه في البالوعة حتى لا يباع
بشئ فيه غش {1}.
وقوله فيه غش جملة ابتدائية والضمير في لا يباع راجع إلى الدنانير.
وفي رواية هشام بن الحكم قال: كنت أبيع السابري في الظلال فمر بي
أبو الحسن الأول فقال لي: يا هشام إن البيع في الظلال غش والغش لا يحل {2}.
وفي رواية الحلبي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يشتري طعاما
فيكون أحسن له وأنفق له أن يبله من غير أن يلتمس زيادته فقال: إن كان بيعا لا
يصلحه إلا ذلك ولا ينفقه غيره من غير أن يلتمس فيه زيادة فلا بأس وإن كان
إنما يغش به المسلمين فلا يصلح {3} وروايته الأخرى قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن الرجل يكون عنده لونان من الطعام سعرهما شتى. وأحدهما أجود من الآخر
فيخلطهما جميعا، ثم يبيعهما بسعر واحد فقال: لا يصلح له أن يغش المسلمين حتى يبينه {4}.
ورواية داود بن سرحان قال كان معي جرابان من مسك أحدهما رطب
والآخر يابس فبدأت بالرطب فبعته ثم أخذت اليابس أبيعه فإذا أنا لا أعطى
باليابس الثمن الذي يسوى ولا يزيدوني على ثمن الرطب فسألت أبا عبد الله عليه السلام عن
ذلك أيصلح لي أن أنديه؟ قال عليه السلام: لا إلا أن تعلمهم قال فنديته ثم أعلمتهم قال عليه السلام: لا بأس.

(1) الوسائل باب 86 من أبواب ما يكتسب به حديث 5.
(2) الوسائل باب 86 من أبواب ما يكتسب به حديث 3.
(3) الوسائل باب 9 من أبواب أحكام العيوب حديث 2.
(6) الوسائل باب 9 من أبواب أحكام العيوب حديث 3 - 2.
406

ثم إن ظاهر الأخبار هو كون الغش بما يخفى كمزج اللبن بالماء وخلط الجيد
بالردئ في مثل الدهن فمنه وضع الحرير في مكان بارد ليكتسب ثقلا ونحو ذلك. و
أما المزج والخلط بما لا يخفى فلا يحرم لعدم انصراف الغش إليه {1} ويدل عليه
مضافا إلى بعض الأخبار المتقدمة صحيحة ابن مسلم عن أحدهما عليهما السلام أنه سأل عن
الطعام يخلط بعضه ببعض وبعضه أجود من بعض قال: إذا رؤيا جميعا فلا بأس ما لم
يخلط الجيد الردي.
407

ومقتضى هذه الرواية بل رواية الحلبي الثانية ورواية سعد الإسكاف أنه لا
يشترط في حرمة الغش كونه مما لا يعرف إلا من قبل البائع فيجب الاعلام بالعيب
الغير الخفي {1} إلا أن ينزل الحرمة في موارد الروايات الثلاث على ما إذا تعمد الغش
برجاء التلبيس على المشتري وعدم التفطن له وإن كان من شأن ذلك العيب أن
يتفطن له {2} فلا يدل الروايات على وجوب الاعلام إذا كان العيب من شأنه التفطن
له فقصر المشتري وسامح في الملاحظة.
ثم إن غش المسلم إنما هو ببيع المغشوش عليه مع جهله فلا فرق بين كون
الاعتشاش بفعله أو بغيره فلو حصل اتفاقا أو لغرض فيجب الاعلام بالعيب الخفي
ويمكن أن يمنع صدق الأخبار المذكورة إلا على ما إذا قصد التلبيس وأما ما هو
ملتبس في نفسه فلا يجب عليه الاعلام.

(1) الوسائل باب 9 من أبواب أحكام العيوب حديث 1.
408

نعم يحرم عليه إظهار ما يدل على سلامته من ذلك فالعبرة في الحرمة بقصد
تلبيس الأمر على المشتري سواء كان العيب خفيا أم جليا كما تقدم لا بكتمان العيب
مطلقا أو خصوص الخفي وإن لم يقصد التلبيس ومن هنا منع في التذكرة من كون بيع
المعيب مطلقا مع عدم الاعلام بالعيب غشا.
وفي التفصيل المذكور في رواية الحلبي إشارة إلى هذا المعنى {1} حيث إنه عليه السلام
جوز بل الطعام بدون قيد الاعلام إذا لم يقصد به الزيادة وإن حصلت به وحرمه
مع قصد الغش نعم يمكن أن يقال في صورة تعيب المبيع بخروجه عن مقتضى خلقته
الأصلية بعيب خفي أو جلي {2} أن التزام البائع بسلامته عن العيب مع علمه به غش
للمشتري كما لو صرح باشتراط السلامة فإن العرف يحكمون على البائع بهذا
الشرط مع علمه بالعيب أنه غاش ثم إن الغش يكون باخفاء الأدنى في الأعلى
كمزج الجيد بالردي أو غير المراد في المراد كإدخال الماء في اللبن وبإظهار الصفة
الجيدة المفقودة واقعا وهو التدليس وباظهار الشئ على خلاف جنسه كبيع المموه
على أنه ذهب أو فضة.

(1) الوسائل باب 9 من أبواب أحكام العيوب حديث 3.
409

ثم إن في جامع المقاصد ذكر في الغش بما يخفى بعد تمثيله له بمزج اللبن بالماء
وجهين في صحة المعاملة وفسادها من حيث إن المحرم هو الغش والمبيع عين مملوكة
ينتفع بها ومن أن المقصود بالبيع هو اللبن والجاري عليه العقد هو المشوب {1}. ثم
قال: وفي الذكرى في باب الجماعة ما حاصله أنه لو نوى الاقتداء بإمام معين على أنه
زيد فبان عمروا أن في الحكم نظرا ومثله لو قال: بعتك هذا الفرس فإذا هو حمار و
جعل منشأ التردد تغليب الإشارة أو الوصف انتهى.
وما ذكره من وجهي الصحة والفساد جار في مطلق العيب لأن المقصود هو
الصحيح والجاري عليه العقد هو المعيب وجعله من باب تعارض الإشارة
والوصف مبني على إرادة الصحيح من عنوان المبيع فيكون قوله بعتك هذا العبد بعد
تبين كونه أعمى بمنزلة قوله بعتك هذا البصير وأنت خبير بأنه ليس الأمر كذلك كما
سيجئ في باب العيب بل وصف الصحة ملحوظ على وجه الشرطية وعدم كونه
مقوما للمبيع {2} كما يشهد به العرف والشرع.
410

ثم لو فرض كون المراد من عنوان المشار إليه هو الصحيح لم يكن اشكال في
تقديم العنوان على الإشارة بعد ما فرض (قدس سره) أن المقصود بالبيع هو اللبن والجاري
عليه العقد هو المشوب لأن ما قصد لم يقع وما وقع لم يقصد {1} ولذا اتفقوا على
بطلان الصرف فيما إذا تبين أحد العوضين معيبا من غير الجنس.
411

وأما التردد في مسألة تعارض الإشارة والعنوان فهو من جهة اشتباه ما هو
المقصود بالذات بحسب الدلالة اللفظية، فإنها مرددة بين كون متعلق القصد (العقد)
أولا، وبالذات هو العين الحاضرة ويكون اتصافه بالعنوان مبنيا على الاعتقاد و
كون متعلقه هو العنوان والإشارة إليه باعتبار حضوره، أما على تقدير العلم بما هو
المقصود بالذات ومغايرته للموجود الخارجي كما فيما نحن فيه فلا يتردد أحد في
البطلان. وأما وجه تشبيه مسألة الاقتداء في الذكرى بتعارض الإشارة والوصف في
الكلام مع عدم الاجمال في النية فباعتبار عروض الاشتباه للناوي بعد ذلك فيما نواه
إذ كثيرا ما يشتبه على الناوي أنه حضر في ذهنه العنوان ونوى الاقتداء به معتقدا
لحضوره المعتبر في إمام الجماعة فيكون الإمام هو المعنون بذلك العنوان، وإنما أشار
إليه معتقدا لحضوره أو أنه نوى الاقتداء بالحاضر وعنونه بذلك العنوان لاحراز
معرفته بالعدالة أو تعنون به بمقتضى الاعتقاد من دون اختيار هذا.

1) الوسائل، باب 10، من أبواب الصرف، حديث 5.
2) الوسائل، باب 86، من أبواب ما يكتسب به، حديث 3.
412

ثم إنه قد يستدل على الفساد كما نسب إلى المحقق الأردبيلي قدس سره بورود النهي
عن هذا البيع فيكون المغشوش منهيا عن بيعة كما أشير إليه في رواية قطع الدينار و
الأمر بالقائه في البالوعة معللا بقوله حتى لا يباع بشئ {1} ولأن نفس البيع غش
منهي عنه وفيه نظر فإن النهي عن البيع لكونه مصداقا لمحرم هو الغش لا يوجب
فساده كما تقدم في بيع العنب على من (ممن) يعمله خمرا. وأما النهي عن بيع
المغشوش لنفسه فلم يوجد في خبر.
وأما خبر الدينار فلو عمل به خرج المسألة عن مسألة الغش لأنه إذا وجب
اتلاف الدينار والقائه في البالوعة كان داخلا فيما يكون المقصود منه حراما نظير
آلات اللهو والقمار {2} وقد ذكرنا فيما يحرم الاكتساب لكون المقصود منه محرما
فيحمل الدينار على المضروب من غير جنس النقدين أو من غير الخالص منهما
لأجل التلبيس على الناس {3}.

1) الوسائل، باب 86، من أبواب ما يكتسب به، حديث 5.
413

ومعلوم أن مثله بهيئته لا يقصد منه إلا التلبيس فهو آلة ا لفساد لكل من دفع
إليه وأين هو من اللبن الممزوج بالماء وشبهه، فالأقوى حينئذ في المسألة صحة البيع
في غير القسم الرابع، ثم العمل على ما يقتضيه القاعدة عند تبين الغش فإن كان قد
غش في إظهار وصف مفقود كان فيه خيار التدليس وإن كان من قبيل شوب اللبن
بالماء، فالظاهر هنا خيار العيب لعدم خروجه بالمزج عن مسمى اللبن فهو لبن
معيوب. وإن كان من قبيل التراب الكثير في الحنطة كان له حكم تبعض الصفقة {1}
ونقص الثمن بمقدار التراب الزائد لأنه غير متمول، ولو كان شيئا متمولا بطل البيع
في مقابله.
الثالثة عشر: الغناء لا خلاف في حرمته في الجملة {2} والأخبار بها مستفيضة
وادعى في الإيضاح تواترها.
414

منها ما ورد مستفيضا في تفسير قول الزور في قوله تعالى: (واجتنبوا قول
الزور) ففي صحيحة الشحام ومرسلة ابن أبي عمير وموثقه أبي بصير المرويات عن
الكافي ورواية عبد الأعلى المحكية عن معاني الأخبار وحسنة هشام المحكية عن
تفسير القمي قدس سره تفسير قول الزور بالغناء {1}.

1) الحج: 30.
2) الوسائل، باب 99، من أبواب ما يكتسب به، حديث 2.
415

ومنها ما ورد مستفيضا في تفسير لهو الحديث كما في صحيحة ابن مسلم و
رواية مهران بن محمد ورواية الوشاء ورواية الحسن بن هارون ورواية
عبد الأعلى السابقة {1}.
ومنها ما ورد في تفسير الزور في قوله تعالى: (والذين لا يشهدون الزور) كما
في صحيحة ابن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام تارة بلا واسطة وأخرى بواسطة أبي
الصباح {2} الكناني.

1) الوسائل، باب 99، من أبواب ما يكتسب به، حديث 9.
2) الوسائل، باب 99، من أبواب ما يكتسب به، حديث 20.
3) لقمان، 6.
4) الوسائل، باب 99، من أبواب ما يكتسب به، حديث 6.
5) نفس المصدر، حديث.
6) الفرقان، 6.
416

وقد يخدش في الاستدلال بهذه الروايات بظهور الطائفة الأولى، بل الثانية في أن الغناء من مقولة الكلام لتفسير قول الزور به {1} ويؤيده ما في بعض الأخبار من أن من قول الزور أن تقول للذي يغني أحسنت، ويشهد له قول علي بن الحسين عليه السلام
في مرسلة الفقيه الآتية في الجارية التي لها صوت لا بأس لو اشتريتها، فذكرتك الجنة
يعني بقراءة القرآن والزهد والفضائل التي ليست بغناء {2} ولو جعل التفسير من
الصدوق دل على الاستعمال أيضا، وكذا لهو الحديث بناء على أنه من إضافة الصفة
إلى الموصوف فيختص الغناء المحرم بما كان مشتملا على الكلام الباطل، فلا تدل على
حرمة نفس الكيفية، ولو لم يكن في كلام باطل ومنه يظهر الخدشة في الطائفة الثالثة
حيث إن مشاهد الزور التي مدح الله تعالى من لا يشهدها هي مجالس التغني
بالأباطيل، من الكلام، فالانصاف أنها لا تدل على حرمة نفس الكيفية إلا من حيث
إشعار لهو الحديث بكون اللهو على اطلاقه مبغوضا لله تعالى وكذا الزور بمعنى
الباطل وإن تحققا في كيفية الكلام لا في نفسه، كما إذا تغني في كلام حق من قرآن أو
دعاء أو مرثية.

1) الوسائل، باب 99، من أبواب ما يكتسب به، حديث 3.
2) الوسائل، باب 16 من أبواب ما يكتسب به، حديث 2.
3) الوسائل، باب 99، من أبواب ما يكتسب به، حديث 21.
417

وبالجملة فكل صوت يعد في نفسه مع قطع النظر عن الكلام المتصوت به لهوا
وباطلا فهو حرام، ومما يدل على حرمة الغناء من حيث كونه لهوا وباطلا ولغوا
رواية عبد الأعلى وفيها ابن فضال، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام عن الغناء وقلت:
إنهم يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله رخص في أن يقال جئناكم جئناكم حيونا حيونا
نحيكم، فقال: كذبوا إن الله تعالى يقول: (وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما
لاعبين لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين بل نقذف بالحق على الباطل
فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون) ثم قال: ويل لفلان مما يصف رجل لم
يحضر المجلس الخبر.
فإن الكلام المذكور المرخص فيه بزعمهم ليس بالباطل واللهو الذين يكذب
الإمام عليه السلام رخصة النبي صلى الله عليه وآله فيه فليس الانكار الشديد المذكور وجعل ما زعموا
الرخصة فيه من اللهو الباطل إلا من جهة التغني به، ورواية يونس قال: سألت
الخراساني عن الغناء، وقلت: إن العباسي زعم أنك ترخص في الغناء، فقال: كذب
الزنديق ما هكذا، قلت له: وإنما سألني عن الغناء، قلت له: إن رجلا أتى أبا
جعفر عليه السلام فسأله عن الغناء، فقال له إذا ميز الله بين الحق والباطل فأين يكون
الغناء، قال: مع الباطل، فقال: قد حكمت. ورواية محمد بن أبي عباد وكان مستهترا
(مشتهرا) بالسماع وبشرب النبيذ، قال: سألت الرضا عليه السلام عن السماع، قال لأهل
الحجاز فيه رأي وهو في حيز الباطل واللهو. أما سمعت الله عز وجل يقول: (وإذا
مروا باللغو مروا كراما) والغناء من السماع كما نص عليه في الصحاح، وقال أيضا:
جارية مسمعة أي مغنية وفي رواية الأعمش الواردة في تعداد الكبائر قوله و
الملاهي التي تصد عن ذكر الله كالغناء وضرب الأوتار وقوله عليه السلام: وقد سئل عن
الجارية المغنية قد يكون للرجل جارية تلهيه وما ثمنها إلا كثمن الكلب وظاهره هذه الأخبار بأسرها حرمة الغناء من حيث اللهو والباطل، كما هو الأقوى وسيجئ
فهو وإن كان أعم وجب تقييده بما كان من هذا العنوان، كما أنه لو كان أخص وجب
التعدي عنه إلى مطلق الصوت الخارج على وجه اللهو.
419



1) راجع الوسائل، باب 15 و 16 و 99 و 100 و 101 وغيرها من أبواب ما يكتسب به.
420

وبالجملة فالمحرم هو ما كان من لحون أهل الفسوق والمعاصي التي ورد النهي
عن قراءة القرآن بها سواء كان مساويا للغناء، أو أعم أو أخص مع أن الظاهر أن
ليس الغناء إلا هو وإن اختلف فيه عبارات الفقهاء واللغويين، فعن المصباح أن
الغناء الصوت، وعن آخر أنه مد الصوت، وعن النهاية عن الشافعي أنه تحسين
الصوت وترقيقه.
وعنها أيضا أن كل من رفع صوتا ووالاه فصوته عند العرب غناء، وكل
هذه المفاهيم مما يعلم عدم حرمتها وعدم صدق الغناء عليها فكلها إشارة إلى
المفهوم المعين عرفا والأحسن من الكل ما تقدم من الصحاح ويقرب منه المحكي
عن المشهور بين الفقهاء من أنه مد الصوت المشتمل على الترجيع المطرب، والطرب
على ما في الصحاح خفة يعتري الانسان لشدة حزن أو سرور.
وعن الأساس للزمخشري خفة لسرور أو هم وهذا القيد هو المدخل
للصوت في أفراد اللهو وهو الذي أراده الشاعر بقوله: (أطربا وأنت قنسرى أي
شيخ كبير وإلا فمجرد السرور أو الحزن لا يبعد عن الشيخ الكبير.
وبالجملة فمجرد مد الصوت لا مع الترجيع المطرب أو ولو مع الترجيع لا
يوجب كونه لهوا، ومن اكتفى بذكر الترجيع كالقواعد أراد به المقتضي للاطراب قال
في جامع المقاصد في الشرح ليس مجرد مد ا لصوت محرما وإن مالت إليه النفوس ما
لم ينته إلى حد يكون مطربا بالترجيع المقتضي للاطراب انتهى.
ثم إن المراد بالمطرب ما كان مطربا في الجملة بالنسبة إلى المغني أو المستمع أو
ما كان من شأنه الاطراب ومقتضيا له لو لم يمنع عنه مانع من جهة قبح الصوت أو
غيره. وأما لو اعتبر الاطراب فعلا خصوصا بالنسبة إلى كل أحد وخصوصا بمعنى
الخفة لشدة السرور أو الحزن فيشكل بخلو أكثر ما هو غناء عرفا عنه وكان هذا هو
الذي دعا الشهيد الثاني إلى أن زاد في الروضة والمسالك بعد تعريف المشهور قوله.
أو ما يسمى في العرف غناء وتبعه في مجمع الفائدة وغيره، ولعل هذا أيضا دعا
صاحب مفتاح الكرامة إلى زعم أن الاطراب في تعريف الغناء غير الطرب المفسر
في الصحاح بخفة لشدة سرور أو حزن وإن توهمه صاحب مجمع البحرين وغيره من
أصحابنا واستشهد على ذلك بما في الصحاح من التطريب في الصوت مدة وتحسينه.
421

وما عن المصباح من أن طرب في صوته رجعه ومده.
وفي القاموس الغناء ككساء من الصوت ما طرب به وأن التطريب الاطراب
كالتطرب والتغني قال قدس سره فيحصل من ذلك أن المراد بالتطريب والاطراب غير
الطرب بمعنى الخفة لشدة حزن أو سرور، كما توهمه صاحب مجمع البحرين وغيره
من أصحابنا فكأنه قال في القاموس الغناء من الصوت ما مد وحسن ورجع فانطبق
على المشهور إذ الترجيع تقارب ضروب حركات الصوت والنفس فكان لازما
للاطراب والتطريب، (انتهى كلامه).
وفيه أن الطرب إذا كان معناه على ما تقدم من الجوهري والزمخشري هو ما
يحصل للانسان من الخفة لا جرم يكون المراد بالاطراب والتطريب ايجاد هذه الحالة
وإلا لزم الاشتراك اللفظي مع أنهم لم يذكروا للطرب معنى آخر ليشتق منه لفظ
التطريب والاطراب مضافا إلى ما ذكر في معنى التطريب من الصحاح والمصباح إنما
هو للفعل القائم بذي الصوت لا الاطراب القائم بالصوت، وهو المأخوذ في تعريف
الغناء عند المشهور دون فعل الشخص فيمكن أن يكون معنى تطريب الشخص في
صوته ايجاد سبب الطرب بمعنى الخفة بمد الصوت وتحسينه وترجيعه كما أن تفريح
الشخص ايجاد سبب الفرح بفعل ما يوجبه، فلا ينافي ذلك ما ذكر في معنى الطرب، و
كذا ما في القاموس من قوله ما طرب به يعني ما أوجد به الطرب مع أنه لا مجال
لتوهم كون التطريب بمادته بمعنى التحسين والترجيع إذ لم يتوهم أحد كون الطرب
بمعنى الحسن والرجوع أو كون التطريب هو نفس المد، فليست هذه الأمور إلا أسبابا
للطرب يراد من ايجاده فعل هذه الأسباب.
هذا كله مضافا إلى عدم امكان إرادة ما ذكر من المد والتحسين والترجيع
من الطرب في قول الأكثر إن الغناء مد الصوت المشتمل على الترجيع المطرب كما لا
يخفى مع أن مجرد المد والترجيع والتحسين لا يوجب الحرمة قطعا لما مر وسيجئ
فتبين من جميع ما ذكرنا أن المتعين حمل المطرب في تعريف الأكثر للغناء على الطرب
بمعنى الخفة وتوجيه كلامهم بإرادة ما يقتضي الطرب ويعرض له بحسب وضع نوع
ذلك الترجيع، وإن لم يطرب شخصه لمانع من غلظة الصوت ومج الأسماع له، ولقد
422

أجاد في الصحاح حيث فسر الغناء بالسماع وهو المعروف عند أهل العرف وقد تقدم
في رواية محمد بن أبي عباد ا لمستهتر بالسماع.
وكيف كان فالمحصل من الأدلة المتقدمة حرمة الصوت المرجع فيه على سبيل
اللهو، فإن اللهو كما يكون بآلة من غير صوت كضرب الأوتار ونحوه وبالصوت في
الآلة كالمزمار والقصب ونحوهما فقد يكون بالصوت المجرد فكل صوت يكون لهوا
بكيفيته ومعدودا من ألحان أهل الفسوق والمعاصي فهو حرام، وإن فرض أنه ليس
بغناء وكل ما لا يعد لهوا فليس بحرام، وأن فرض صدق الغناء عليه فرضا غير محقق
لعدم الدليل على حرمة الغناء إلا من حيث كونه باطلا ولهوا ولغوا وزورا.

1) الوسائل، باب 24، من أبواب قراءة القرآن، حديث 2، كتاب الصلاة.
2) نفس المصدر، حديث 5.
423

ثم إن اللهو يتحقق بأمرين أحدهما قصد التلهي وإن لم يكن لهوا، والثاني كونه
لهوا في نفسه عند المستمعين وإن لم يقصد به التلهي {1}.
ثم إن المرجع في اللهو إلى العرف والحاكم بتحققه هو الوجدان، حيث يجد
الصوت المذكور مناسبا لبعض آلات اللهو والرقص ولحضور ما يستلذه القوى
الشهوية من كون المغني جارية أو أمردا ونحو ذلك، ومراتب الوجدان المذكور
مختلفة في الوضوح والخفاء فقد يحس بعض الترجيع من مبادئ الغناء ولم يبلغه.
424

وظهر مما ذكرنا أنه لا فرق بين استعمال هذه الكيفية في كلام حق أو باطل
فقراءة القرآن والدعاء والمراثي بصوت يرجع فيه على سبيل اللهو لا اشكال في
حرمتها ولا في تضاعف عقابها لكونها معصية في مقام الطاعة واستخفافا بالمقروء
425

والمدعو والمرثى ومن أوضح تسويلات الشيطان أن الرجل المتستر قد تدعوه نفسه
لأجل التفرج والتنزه والتلذذ إلى ما يوجب نشاطه ورفع الكسالة عنه من الزمزمة
الملهية فيجعل ذلك في بيت من الشعر المنظوم في الحكم والمراثي ونحوها، فيتغنى به أو
يحضر عند من يفعل ذلك وربما يعد مجلسا لأجل احضار أصحاب الألحان ويسميه
مجلس المرثية فيحصل له بذلك ما لا يحصل من ضرب الأوتار من النشاط و
الانبساط، وربما يبكي في خلال ذلك لأجل الهموم المركوزة في قلبه الغائبة عن
خاطره من فقد ما يستحضره القوى الشهوية ويتخيل أنه بكى في المرثية وفاز
بالمرتبة العالية وقد أشرف على النزول إلى دركات الهاوية فلا ملجأ إلا إلى الله من
شر الشيطان والنفس الغاوية.
وربما يجرئ [يجترئ] على هذا عروض الشبهة في الأزمنة المتأخرة في هذه
المسألة تارة من حيث أصل الحكم وأخرى من حيث الموضوع وثالثة من
اختصاص الحكم ببعض الموضوع.
أما الأول: فلأنه حكى عن المحدث الكاشاني أنه خص الحرام منه بما اشتمل
على محرم من خارج مثل اللعب بآلات اللهو ودخول الرجال والكلام بالباطل، و
إلا فهو في نفسه غير محرم والمحكى من كلامه في الوافي أنه بعد حكاية الأخبار التي
يأتي بعضها قال الذي يظهر من مجموع الأخبار الواردة اختصاص حرمة الغناء وما
يتعلق به من الأجر والتعليم والاستماع والبيع والشراء كلها بما كان على
النحو [المعهود] المتعارف في زمن الخلفاء من دخول الرجال عليهم وتكلمهن
بالباطل ولعبهن بالملاهي من العيدان والقصب وغيرهما دون ما سوى ذلك من
أنواعه كما يشعر به قوله: ليست بالتي تدخل عليها الرجال إلى أن قال: وعلى هذا
فلا بأس بالتغني بالأشعار المتضمنة لذكر الجنة والنار والتشويق إلى دار القرار و
وصف نعم الملك الجبار وذكر العبادات والرغبات في الخيرات والزهد في الفانيات و
نحو ذلك كما أشير إليه في حديث الفقيه بقوله: ذكرتك الجنة وذلك لأن هذا كله ذكر
426

الله وربما تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى
ذكر الله.
وبالجملة فلا يخفى على أهل الحجى بعد سماع هذه الأخبار تمييز حق الغناء
عن باطله وأن أكثر ما يتغنى به الصوفية في محافلهم من قبيل الباطل انتهى.
أقول: لولا استشهاده بقوله ليست بالتي تدخل عليها الرجال أمكن بلا
تكلف تطبيق كلامه على ما ذكرنا من أن المحرم هو الصوت اللهوي الذي يناسبه
اللعب بالملاهي والتكلم بالأباطيل ودخول الرجال على النساء لحظ السمع و
البصر من شهوة الزنا دون مجرد الصوت الحسن الذي يذكر أمور الآخرة وينسى
شهوات الدنيا إلا أن استشهاده بالرواية ليست بالتي تدخل عليها الرجال ظاهر في
التفصيل بين أفراد الغناء لا من حيث نفسه فإن صوت ا لمغنية التي تزف العرائس
على سبيل اللهو لا محالة، ولذا لو قلنا بإباحته فيما يأتي كنا قد خصصناه بالدليل و
نسب القول المذكور إلى صاحب الكفاية أيضا والموجود فيها، بعد ذكر الأخبار
427

المتخالفة جوازا ومنعا في القرآن وغيره أن الجمع بين هذه الأخبار يمكن بوجهين:
أحدهما: تخصيص تلك الأخبار الواردة المانعة بما عدا القرآن، وحمل ما يدل
على ذم التغني بالقرآن على قراءة يكون على سبيل اللهو كما يصنعه الفساق في
غنائهم، ويؤيده رواية عبد الله سنان المذكورة اقرأوا القرآن بألحان العرب وإياكم
ولحون أهل الفسق والكبائر وسيجئ من بعدي أقوام يرجعون القرآن ترجيع
الغناء.
وثانيهما: أن يقال وحاصل ما قال: حمل الأخبار المانعة على الفرد الشائع في
ذلك الزمان، قال: والشائع في ذلك الزمان الغناء على سبيل اللهو من الجواري و
غيرهن في مجالس الفجور والخمور والعمل بالملاهي والتكلم بالباطل واسماعهن
الرجال، فحمل المفرد المعرف يعني لفظ الغناء على تلك الأفراد الشائعة في ذلك
الزمان غير بعيد، ثم ذكر رواية علي بن جعفر الآتية ورواية اقرأوا القرآن المتقدمة،
وقوله: ليست بالتي يدخل عليها الرجال مؤيدا لهذا الحمل، قال: إن فيه اشعارا بأن
منشأ المنع في الغناء هو بعض الأمور المحرمة المقترنة به كالالتهاء وغيره إلى أن قال: إن في عدة من أخبار المنع عن الغناء اشعارا بكونه لهوا باطلا.

1) الوسائل، باب 15، من أبواب ما يكتسب به، حديث 5.
428

وصدق ذلك في القرآن والدعوات والأذكار المقروة بالأصوات الطيبة
المذكرة المهيجة للأشواق إلى العالم الأعلى محل تأمل على أن التعارض واقع بين
أخبار الغناء والأخبار الكثيرة المتواترة الدالة على فضل قراءة القرآن والأدعية، و
الأذكار مع عمومها لغة وكثرتها وموافقتها للأصل والنسبة بين الموضوعين عموم
من وجه فإذا لا ريب في تحريم الغناء على سبيل اللهو والاقتران بالملاهي ونحوهما،
ثم إن ثبت إجماع في غيره وإلا بقي حكمه على الإباحة وطريق الاحتياط واضح
انتهى.
أقول: لا يخفى أن الغناء على استفدنا من الأخبار بل فتاوى الأصحاب وقول
أهل اللغة هو من الملاهي نظير ضرب الأوتار والنفخ في القصب والمزمار، وقد
تقدم التصريح بذلك في رواية الأعمش الواردة في الكبائر فلا يحتاج في حرمته إلى
أن يقترن بالمحرمات الأخر كما هو ظاهر بعض ما تقدم من المحدثين المذكورين.

1) الوسائل، باب 24، من أبواب قراءة القرآن، من كتاب الصلاة.
429

نعم لو فرض كون الغناء موضوعا لمطلق الصوت الحسن كما يظهر من بعض
ما تقدم في تفسير معنى التطريب توجه ما ذكراه بل لا أظن أحدا يفتي بإطلاق
حرمة الصوت الحسن والأخبار بمدح الصوت الحسن وأنه من أجمل الجمال و
استحباب القراءة والدعاء به وأنه حلية القرآن واتصاف الأنبياء والأئمة عليهم السلام به في
غاية الكثرة، وقد جمعها في الكفاية بعد ما ذكر أن غير واحد من الأخبار يدل على
جواز الغناء في القرآن بل استحبابه بناء على دلالة الروايات على استحباب حسن
الصوت والتحزين والترجيع به.
والظاهر أن شيئا منها لا يوجد بدون الغناء على ما استفيد من كلام أهل اللغة
وغيرهم على ما فصلناه في بعض رسائلنا انتهى.
وقد صرح به شرح قوله عليه السلام اقرأوا القرآن بألحان العرب أن اللحن هو
الغناء، وبالجملة فنسبة الخلاف إليه في معنى الغناء أولى من نسبة التفصيل إليه بل
ظاهر أكثر كلمات المحدث الكاشاني أيضا ذلك لأنه في مقام نفي التحريم عن الصوت
الحسن المذكر لأمور الآخرة المنسي لشهوات الدنيا، نعم بعض كلماتهما ظاهرة فيما
نسب إليهما من التفصيل في الصوت اللهوي الذي ليس هو عند التأمل تفصيلا بل
قولا باطلاق جواز الغناء وأنه لا حرمة فيه أصلا، وإنما الحرام ما يقترن به من
المحرمات فهو على تقدير صدق نسبته إليهما في غاية الضعف لا شاهد له يقيد
الاطلاقات الكثيرة المدعى تواترها إلا بعض الروايات التي ذكراها منها ما عن
الحميري بسند لم يبعد في الكفاية الحاقه بالصحاح عن علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام
قال: سألته عن الغناء في الفطر والأضحى والفرح، قال: لا بأس ما لم يعص به
والمراد به ظاهرا ما لم يصر الغناء سببا للمعصية ولا مقدمة للمعاصي المقارنة له.
وفي كتاب علي بن جعفر عن أخيه قال: سألته عن الغناء هل يصلح في الفطر
والأضحى والفرح، قال: لا بأس ما لم يزمر به، والظاهر أن المراد بقوله ما لم يزمر
به ما لم يلعب معه بالمزمار أو ما لم يكن الغناء بالمزمار ونحوه من آلات الأغاني، و
رواية أبي بصير، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن كعب المغنيات، فقال: التي يدخل
عليها الرجال حرام والتي تدعى إلى الأعراس لا بأس به، وهو قول الله عز وجل:
(ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله)
430

وعن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قال أجر المغنية التي تزف العرائس
ليس به بأس ليست بالتي تدخل عليها الرجال فإن ظاهر الثانية وصريح الأولى أن
حرمة الغناء منوط بما يقصد منه فإن كان المقصود إقامة مجلس اللهو حرم وإلا فلا
{1} وقوله في الرواية وهو قول الله إشارة إلى ما ذكره من التفصيل ويظهر
منه أن كلا الغنائين من لهو الحديث لكن يقصد بأحدهما ادخال الناس في المعاصي و
الاخراج عن سبيل الحق وطريق الطاعة دون الآخر وأنت خبير بعدم مقاومة هذه
الأخبار للاطلاقات لعدم ظهور يعتد به في دلالتها فإن الرواية الأولى لعلي بن
جعفر ظاهرة في تحقق المعصية بنفس الغناء فيكون المراد بالغناء مطلق الصوت
المشتمل على الترجيع وهو قد يكون مطربا ملهيا فيحرم وقد لا ينتهي إلى ذلك الحد
فلا يعصى به.

(1) الوسائل باب 16 من أبواب ما يكتسب به حديث 2.
(2) الوسائل باب 15 من أبواب ما يكتسب به حديث 3.
(3) الوسائل باب 15 من أبواب ما يكتسب به حديث 1
431

ومنه يظهر توجبه الرواية الثانية لعلي بن جعفر فإن معنى قوله لم يزمر به لم يرجع
فيه ترجيع المزمار أو لم يقصد منه قصد المزمار أو أن المراد من الزمر التغني على
سبيل اللهو.
وأما رواية أبي بصير مع ضعفها سندا بعلي بن أبي حمزة البطائني فلا يدل إلا
على كون غناء المغنية التي يدخل عليها الرجال داخلا في لهو الحديث في الآية وعدم
دخول غناء التي تدعى إلى الأعراس فيها وهذا لا يدل على دخول ما لم يكن منهما
في القسم المباح مع كونه من لهو الحديث قطعا فإذا فرضنا أن المغني يغني بأشعار
باطلة فدخول هذا في الآية أقرب من خروجه.
وبالجملة فالمذكور في الرواية تقسيم غناء المغنية باعتبار ما هو الغالب من أنها تطلب للتغني أما في المجالس المختصة بالنساء كما في الأعراس وأما للتغني في
مجالس الرجال نعم الانصاف أنه لا يخلو من اشعار بكون المحرم هو الذي يدخل فيه
الرجال على المغنيات لكن المنصف لا يرفع اليد عن الاطلاقات لأجل هذا الاشعار
خصوصا مع معارضته بما هو كالصريح في حرمة غناء المغنية ولو لخصوص مولاها
كما تقدم من قوله (عليه السلام) قد يكون للرجل الجارية تلهيه وما ثمنها إلا ثمن الكلب
فتأمل.
432

وبالجملة فضعف هذا القول بعد ملاحظة النصوص أظهر من أن يحتاج إلى
الاظهار وما أبعد ما بين هذا وبين ما سيجئ من فخر الدين من عدم تجويز الغناء
بالأعراس لأن الروايتين وإن كانتا نصين في الجواز إلا أنهما لا تقاومان الأخبار
المانعة لتواترها. وأما ما ذكره في الكفاية من تعارض أخبار المنع للأخبار الواردة
في فضل قراءة القرآن فيظهر فساده عند التكلم في التفصيل.
وأما الثاني: فهو الاشتباه في الموضوع فهو ما ظهر من بعض من لا خبرة له
من طلبة زماننا تقليدا لمن سبقه من أعياننا من منع صدق الغناء في المراثي وهو
عجيب فإنه إن أراد أن الغناء مما يكون لمواد الألفاظ دخل فيه فهو تكذيب للعرف
واللغة.
أما اللغة فقد عرفت. وأما العرف لأنه لا ريب أن من سمع من بعيد صوتا
مشتملا على الاطراب المقتضي للرقص أو ضرب آلات اللهو لا يتأمل في اطلاق
الغناء عليه إلى أن يعلم مواد الألفاظ وإن أراد أن الكيفية التي يقرأ بها للمرثية لا
يصدق عليها تعريف الغناء فهو تكذيب للحس.
وأما الثالث: وهو اختصاص الحرمة ببعض أفراد الموضوع فقد حكي في
جامع المقاصد قولا لم يسم قائله باستثناء الغناء في المراثي {1} نظير استثنائه في
الأعراس ولم يذكر وجهه وربما وجهه بعض من متأخري المتأخرين.
433

بعمومات أدلة الابكاء والرثاء {1}.
وقد أخذ ذلك مما تقدم من صاحب الكفاية من الاستدلال باطلاق أدلة قراءة القرآن.
وفيه أن أدلة المستحبات لا تقاوم أدلة المحرمات {2} خصوصا التي يكون من
مقدماتها فإن مرجع أدلة الاستحباب إلى استحباب ايجاد الشئ بسببه المباح لا
بسببه المحرم ألا ترى أنه لا يجوز ادخال السرور في قلب المؤمن وإجابته بالمحرمات
كالزنا واللواط والغناء والسر في ذلك أن دليل الاستحباب إنما يدل على كون
الفعل لو خلي وطبعه خاليا عما يوجب لزوم أحد طرفيه فلا ينافي ذلك طرو عنوان
من الخارج يوجب لزوم فعله أو تركه كما إذا صار مقدمة لواجب أو صادفه عنوان
محرم فإجابة المؤمن وادخال السرور في قلبه ليس في نفسه شئ ملزم لفعله أو
تركه فإذا تحقق في ضمن الزنا فقد طرا عليه عنوان ملزم لتركه كما أنه إذا أمر به
الوالد أو السيد طرا عليه عنوان ملزم لفعله.
والحاصل أن جهات الأحكام الثلاثة أعني الإباحة والاستحباب والكراهة لا
يزاحم جهة الوجوب أو الحرمة فالحكم لهما مع اجتماع جهتيهما مع إحدى الجهات الثلاث.
434

ويشهد بما ذكرنا من عدم تأدي المستحبات في ضمن المحرمات قوله صلى الله عليه وآله
اقرأوا القرآن بألحان العرب وإياكم ولحون أهل الفسوق والكبائر و
سيجئ بعدي أقوام يرجعون القرآن ترجيع الغناء والنوح والرهبانية لا يجوز
تراقيهم قلوبهم مقلوبة وقلوب من يعجبه شأنهم {1} قال في الصحاح اللحن واحد
الألحان واللحون.
ومنه الحديث اقرأوا القرآن بلحون العرب {2} وقد لحن في قرائته إذا طرب
بها وغرد وهو ألحن الناس إذا كان أحسنهم قراءة أو غناء انتهى.
وصاحب الحدائق جعل اللحن في هذا الخبر بمعنى اللغة أي بلغة العرب وكأنه
أراد باللغة اللهجة وتخيل أن ابقاءه على معناه يوجب ظهور الخبر في جواز الغناء في
القرآن {3} وفيه ما تقدم من أن مطلق اللحن إذا لم يكن على سبيل اللهو ليس غناء
وقوله صلى الله عليه وآله وإياكم ولحون أهل الفسوق نهى عن الغناء في القرآن ثم إن في قوله لا
يجوز تراقيهم إشارة إلى أن مقصودهم ليس تدبر معاني القرآن بل هو مجرد الصوت
المطرب {4}.

(1) الوسائل باب 24 من أبواب قراءة القرآن حديث 1 مع تفاوت يسير.
(2) المستدرك باب 20 من أبواب قراءة القرآن حديث 3.
437

وظهر مما ذكرنا أنه لا تنافي بين حرمة الغناء في القرآن وما ورد من
قوله صلى الله عليه وآله ورجع في القرآن صوتك فإن الله يحب الصوت الحسن فإن
المراد بالترجيع ترديد الصوت في الحلق.
ومن المعلوم أن مجرد ذلك لا يكون غناء إذا لم يكن على سبيل اللهو فالمقصود
من الأمر بالترجيع أن لا يقرأ كقراءة عبائر الكتب الكتب عند المقابلة لكن مجرد الترجيع لا
يكون غناء ولذا جعله نوعا منه في قوله (صلى الله عليه وآله) يرجعون القرآن ترجيع الغناء وفي
محكي شمس العلوم أن الترجيع ترديد الصوت مثل ترجيع أهل الألحان والقراءة
والغناء (انتهى).
وبالجملة فلا تنافي بين الخبرين ولا بينهما وبين ما دل على حرمة الغناء حتى
في القرآن كما تقدم زعمه من صاحب الكفاية {1} تبعا في بعض ما ذكره من عدم
اللهو في قراءة القرآن وغيره لما ذكره المحقق الأردبيلي (قدس سره) حيث إنه بعد ما وجه
استثناء المراثي وغيرها من الغناء بأنه ما ثبت الاجماع إلا في غيرها والأخبار
ليست بصحيحة صريحة في التحريم مطلقا أيد استثناء المراثي بأن البكاء والتفجع
مطلوب مرغوب وفيه ثواب عظيم والغناء معين على ذلك وأنه متعارف دائما في
بلاد المسلمين من زمن المشايخ إلى زماننا هذا من غير نكير ثم أيده بجواز النياحة و
جواز أخذ الأجر عليها والظاهر أنها لا تكون إلا معه وبأن تحريم الغناء للطرب
على الظاهر وليس في المراثي طرب بل ليس إلا الحزن انتهى.
438



1) راجع الوسائل، باب 24، من أبواب قراءة القرآن.
2) راجع الوسائل، باب 24، من أبواب قراءة القرآن، حديث 1.
3) الوسائل، باب 11، من أبواب قراءة القرآن.
439

وأنت خبير بأن شيئا مما ذكره لا ينفع في جواز الغناء على الوجه الذي ذكرنا
أما كون الغناء معينا على البكاء والتفجع فهو ممنوع بناء على ما عرفت من كون
الغناء هو الصوت اللهوي، بل وعلى ظاهر تعريف المشهور من الترجيع المطرب
لأن الطرب الحاصل منه إن كان سرورا فهو مناف للتفجع لا معين، وإن كان حزنا
فهو على ما هو المركوز في النفس الحيوانية من فقد المشتهيات النفسانية لا على ما
أصاب سادات الزمان من أنه على تقدير الإعانة، لا ينفع في جواز الشئ كونه مقدمة
لمستحب أو مباح بل لا بد من ملاحظة عموم دليل الحرمة له، فإن كن فهو وإلا
فيحكم بإباحته للأصل وعلى أي حال فلا يجوز التمسك للإباحة بكونه مقدمة لغير
حرام لما عرفت.
ثم إنه يظهر من هذا ومما ذكر أخيرا من أن المرئي ليس فيها طرب أن نظره
إلى المراثي المتعارفة لأهل الديانة التي لا يقصدونها إلا للتفجع وكأنه لم يحدث في
عصره المراثي التي يكتفي بها أهل اللهو والمترفون من الرجال والنساء عن حضور
مجالس اللهو وضرب العود والأوتار والتغني بالقصب والمزمار كما هو الشائع في
زماننا الذي قد أخبر النبي صلى الله عليه وآله بنظيره في قوله: يتخذون القرآن مزامير كما أن
زيارة سيدنا ومولانا أبي عبد الله عليه السلام صار سفرها من أسفار اللهو والنزهة لكثير
من المترفين، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وآله بنظيره في سفر الحج وأنه يحج أغنياء أمتي للنزهة
والأوساط للتجارة والفقراء للسمعة، وكان كلامه صلى الله عليه وآله كالكتاب العزيز وارد في
مورد وجار في نظيره والذي أظن أن ما ذكرنا في معنى الغناء المحرم من أنه الصوت
اللهوي أن هؤلاء وغيرهم غير مخالفين فيه.
وأما ما لم يكن على جهة اللهو المناسب لسائر آلاته فلا دليل على تحريمه لو
فرض شمول الغناء له لأن مطلقات الغناء منزلة على ما دل على إناطة الحكم فيه
باللهو والباطل من الأخبار المتقدمة خصوصا من انصرافها في أنفسها كأخبار المغنية
إلى هذا الفرد.
440

بقي الكلام فيما استثناه المشهور من الغناء وهو أمران:
أحدهما: الحداء بالضم كدعاء صوت يرجع فيه للسير بالإبل (1) وفي
الكفاية أن المشهور استثناؤه، وقد صرح بذلك في شهادات الشرائع والقواعد وفي
الدروس، وعلى تقدير كونه من الأصوات اللهوية كما يشهد به استثناؤهم إياه عن
الغناء بعد أخذهم الاطراب في تعريفه فلم أجد ما يصلح لاستثنائه مع تواتر
الأخبار بالتحريم عدا رواية نبوية ذكرها في المسالك من تقرير النبي صلى الله عليه وآله لعبد الله
ابن رواحة حيث حدا للإبل وكان حسن الصوت (2)، وفي دلالته وسنده ما لا
يخفى (3).

1) سنن بيهقي، ج 10، ص 227.
441

الثاني: غناء المغنية في الأعراس إذا لم يكتف بها محرم آخر من التكلم
بالأباطيل واللعب بآلات الملاهي المحرمة ودخول الرجال على النساء (1) و
المشهور استثناؤه للخبرين المتقدمين على أبي بصير في أجر المغنية التي تزف
العرائس (2).

1) الوسائل باب 37، من أبواب آداب السفر، حديث 1، كتاب الحج.
2) الوسائل، باب 15، من أبواب ما يكتسب به، حديث 3.
3) نفس المصدر، حديث 2.
442

ونحوهما ثالث عنه أيضا (1) وإباحة الأجر لازمه لإباحة الفعل ودعوى أن
الأجر لمجرد الزف لا الغناء عنده مخالفا للظاهر لكن في سند الروايات أبو بصير وهو
غير صحيح والشهرة على وجه يوجب الانجبار غير ثابتة لأن المحكي عن المفيد قدس سره
والمرتضى، وظاهر الحلبي وصريح الحلي والتذكرة والايضاح بل كل من لم يذكر
الاستثناء بعد التعميم المنع، لكن الانصاف أن سند الروايات وإن انتهت إلى أبي
بصير إلا أنه لا يخلو من وثوق والعمل بها تبعا للأكثر غير بعيد وإن كان الأحوط كما
في الدروس الترك والله العالم.

1) الوسائل، باب 15، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.
2) الوسائل، باب 2 و 16، من أبواب ما يكتسب به.
3) المستدرك، باب 14، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.
443