الكتاب: محصل المطالب في تعليقات المكاسب
المؤلف: الشيخ صادق الطهوري
الجزء: ٥
الوفاة: معاصر
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤٢١ - ١٣٧٩ ش
المطبعة: قدس
الناشر: انتشارات مؤسسة فرهنگي سماء
ردمك: ٩٦٤-٩٢٤٨٨-٤-٦VOL.٥
ملاحظات: موسوعة فقهية تشتمل على متن المكاسب وتعليقات هامة رشيقة للعلماء الأعاظم ( الآخوند الخراساني ، الطباطبائي اليزدي ، الإيرواني ، النائيني ، الإصفهاني)

محصل المطالب
في تعليقات المكاسب
1

محصل المطالب
في تعليقات المكاسب
الجزء الخامس
موسوعة فقهية تشتمل على متن المكاسب
وتعليقات هامة وشيقة للعلماء الأعاظم
(الآخوند الخراساني * الطباطبائي اليزدي *
الإيرواني * النائيني * الأصفهاني *)
صادق الطهوري
3

طهوري (نوروزي) صادق 1344 تصحيح وباز آفرينى
محصل المطالب في تعليقات المكاسب: موسوعة فقهية تشتمل على متن المكاسب
وتعليقات هامة الآخوند الخراساني / صادق الطهوري (نوروزي).
قم. انتشارات مؤسسه فرهنگى سماء، 1421 ق = 1379 ش.
(ج 5) 6 - 4 - 92488 - 964 - ISBN - عربي
1. الأنصاري، مرتضى بن محمد امين، 1214 - 1281 ق - المكاسب -
نقد وتفسير 2. معاملات (فقه) الف. الأنصاري، مرتضى بن محمد امين، 1214 - 1281 ق.
المكاسب. شرح ب. الآخوند الخراساني: محمد كاظم بن حسين، 1255 - 1329 ق. شارح
ج. عنوان المكاسب = مكاسب. شرح
70262 م 8 الف گ BP 190
ط. ش / 8852 الف / 32 / 297
انتشارات مؤسسه فرهنگى سماء
محصل المطالب في تعليقات المكاسب / ج 5
المؤلف: صادق الطهوري (نوروزي)
المطبعة: قدس
الطبعة الأولى / 1421 ق / 1379 ش
حق الطبع محفوظ للناشر
العنوان: قم، شارع الانقلاب (چهار مردان)، مقابل گذرخان جنب ياسر تور،
الرقم 134 - الطابق الثالث
الهاتف: 7722294
ص. ب: 3813 - 37185
4

بسم الله الرحمن الرحيم
5

لفت نظر
1 - عنونا من أول المجلد الرابع بالطبعة الجديدة لكتاب منية الطالب (طبع مؤسسة
النشر الاسلامي)
2 - وضعنا علامة (x) قبل عبارة النائيني (المكاسب والبيع) في المجلد الرابع من
موسوعتنا، مشيرة إلى ما صرح الشيخ محمد تقي الآملي بأنها تقرير ابنه الشيخ
ضياء الدين الآملي في مجلس درس أستاذهما المحقق النائيني قدس اسرارهم
6

شروط العوضين
* العلم بقدر الثمن *
7

مسألة
من شروط العوضين: العلم بقدر الثمن
المعروف أنه يشترط العلم بالثمن قدرا، فلو باع بحكم أحدهما بطل إجماعا، كما عن
المختلف والتذكرة، واتفاقا، كما عن الروضة وحاشية الفقيه للسلطان وفي السرائر في
مسألة البيع بحكم المشتري إبطاله بأن كل مبيع لم يذكر فيه الثمن فإنه باطل، بلا خلاف
بين المسلمين والأصل في ذلك: حديث نفي الغرر المشهور بين المسلمين.
ويؤيده: التعليل في رواية حماد بن ميسر، عن جعفر، عن أبيه عليه السلام: أنه كره أن
يشتري الثوب بدينار غير درهم، لأنه لا يدري كم الدينار من الدرهم. (1)]
9

لكن في صحيحة رفاعة النخاس ما ظاهره المنافاة، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام فقلت له
: ساومت رجلا بجارية له فباعنيها بحكمي، فقبضتها منه على ذلك ثم بعثت إليه بألف
درهم فقلت له: هذه ألف درهم حكمي عليك فأبي أن يقبلها مني وقد كنت مسستها قبل
أن أبعث إليه بألف درهم؟ فقال: أري أن تقوم الجارية بقيمة عادلة، فإن كان قيمتها
أكثر مما بعثت إليه كان عليك أن ترد ما نقص من القيمة، وإن كان قيمتها أقل مما بعثت
إليه فهو له قال: قلت: أرأيت إن أصبت بها عيبا بعد أن مسستها؟ قال: ليس عليك
أن تردها عليه، ولك ان تأخذ قيمة ما بين الصحة والعيب.
لكن التأويل فيها متعين لمنافاة ظاهرها لصحة البيع وفساده، فلا يتوهم جواز التمسك بها
لصحة هذا البيع، إذ لو كان صحيحا لم يكن معني لوجوب قيمة مثلها بعد تحقق البيع بثمن
خاص. (2)]
12

نعم هي محتاجة إلى أزيد من هذا التأويل، بناء على القول بالفساد بأن يراد من قوله:
باعنيها بحكمي قطع المساومة على أن أقومها على نفسي بقيمتها العادلة في نظري - حيث
إن رفاعة كان نخاسا يبيع ويشتري الرقيق - فقومها رفاعة على نفسه بألف درهم إما
معاطاة، وإما مع إنشاء الايجاب وكالة والقبول أصالة، فلما مسها وبعث الدراهم لم يقبلها
المالك، لظهور غبن له في البيع، (3) وأن رفاعة مخطئ في القيمة، أو لثبوت خيار الحيوان
للبائع على القول به وقوله: إن كان قيمتها أكثر فعليك أن ترد ما نقص إما أن يراد به
لزوم ذلك عليه من باب إرضاء المالك إذا أراد إمساك الجارية، حيث إن المالك لا حاجة له
في الجارية فيسقط خياره ببذل التفاوت، (4) وإما أن يحمل على حصول الحبل بعد المس،
فصارت أم ولد تعين عليه قيمتها إذا فسخ البائع. وقد يحمل على صورة تلف الجارية،
وينافيه قوله فيما بعد: فليس عليك أن تردها الخ. وكيف كان، فالحكم بصحة البيع
بحكم المشتري، وانصراف الثمن إلى القيمة السوقية، لهذه الرواية - كما حكي عن ظاهر
الحدائق - ضعيف. وأضعف منه ما عن الإسكافي: من تجويز قول البائع: بعتك بسعر ما
بعت، ويكون للمشتري الخيار. ويرده: أن البيع في نفسه إذا كان غررا فهو باطل فلا يجبره
الخيار وأما بيع خيار الرؤية فذكر الأوصاف فيه بمنزلة اشتراطها المانع عن حصول الغرر،
كما تقدم عند حكاية قول الإسكافي في مسألة القدرة على التسليم.]
14

شروط العوضين
العلم بقدر المثمن
17

مسألة
من شروط العوضين: العلم بقدر المثمن
العلم بقدر المثمن كالثمن شرط، بإجماع علمائنا، كما عن التذكرة وعن الغنية: العقد على
المجهول باطل، بلا خلاف. وعن الخلاف: ما يباع كيلا فلا يصح بيعه جزافا وإن شوهد،
إجماعا، وفي السرائر: ما يباع وزنا فلا يباع كيلا، بلا خلاف. والأصل في ذلك ما تقدم
من النبوي المشهور وفي خصوص الكيل والوزن خصوص الاخبار المعتبرة: منها: صحيحة
الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام: في رجل اشتري من رجل طعاما عدلا بكيل معلوم،
وأن صاحبه قال للمشتري: ابتع مني هذا العدل الاخر بغير كيل، فإن فيه مثل ما في الاخر
الذي ابتعت؟ قال: لا يصلح الا بكيل قال: وما كان من طعام سميت فيه كيلا، فإنه لا
يصلح مجازفة، هذا مما يكره من بيع الطعام. وفي رواية الفقيه: فلا يصح بيعه مجازفة.
والايراد على دلالة الصحيحة بالاجمال، أو باشتمالها على خلاف المشهور من عدم تصديق
البائع، غير وجيه، لا الظاهر من قوله: سميت فيه كيلا، أنه يذكر فيه الكيل، فهي كناية
عن كونه مكيلا في العادة، (1)
19

اللهم إلا أن يقال: إن توصيف الطعام بكونه كذلك ج الظاهر في التنويع، مع أنه ليس من
الطعام ما لا يكال ولا يوزن الا مثل الزرع قائما - يبعد إرادة هذا المعني فتأمل. (2)
وأما الحكم بعدم تصديق البائع فمحمول على شرائه سواء زاد أو نقص، خصوصا إذا لم
يطمئن بتصديقه، لا شرائه على أنه القدر المعين الذي أخبر به البائع، فإن هذا لا يصدق
عليه الجزاف قال في التذكرة: لو أخبره البائع بكيله ثم باعه بذلك الكيل، صح عندنا
وقال في التحرير: لو أعلمه بالكيل، فباعه بثمن، سواء زاد أو نقص، لم يجز. (3)
وأما نسبة الكراهة إلى هذا البيع، فليس فيه ظهور في المعني المصطلح يعارض ظهور لا
يصلح ولا يصح في الفساد. (4)
22

وفي الصحيح عن ابن محبوب، عن زرعة، عن سماعة، قال: سألته عن شراء الطعام وما
يكال ويوزن، بغير كيل ولا وزن؟ فقال: أما أن تأتي رجلا في طعام قد كيل أو وزن
تشترى منه مرابحة، فلا بأس إن اشتريته منه ولم تكله ولم تزنه، إذا أخذه المشتري الأول
بكيل أو وزن وقلت له عند البيع: إني أربحك كذا وكذا ودلالتها أوضح من الأول (5)
ورواية أبان، عن محمد بن حمران، قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: اشترينا طعاما،
فزعم صاحبه أنه كاله، فصدقناه وأخذناه بكيله؟ قال: لا بأس قلت: أيجوز أن أبيعه كما
اشتريته بغير كيل؟ قال: أما أنت فلا تبعه حتى تكيله، دلت على عدم جواز البيع
بغير كيل، إلا إذا أخبرها البائع فصدقه. (6)
23

وفحوى مفهوم رواية أبي العطارد، وفيها قلت: فاخرج الكر والكرين، فيقول الرجل:
أعطنيه بكيلك، فقال: إذا ائتمنك فلا بأس به (7) ومرسلة ابن بكير عن رجل: سأل أبا
عبد الله عليه السلام عن الرجل يشتري الجص، فيكيل بعضه ويأخذ البقية بغير كيل، فقال:
إما أن يأخذ كله بتصديقه، وإما أن يكيله كله فإن المنع من التبعيض المستفاد منه إرشادي
محمول على أنه إن صدقه فلا حاجة إلى كلفة كيل البعض، وإلا فلا يجزئ كيل البعض. (8)
24

ويحتمل الرواية الحمل على استيفاء المبيع بعد الاشتراء (9)
وكيف كان، ففي مجموع ما ذكر من الاخبار، وما لم يذكر مما فيه إيماء إلى المطلب من
حيث ظهوره في كون الحكم مفروغا عنه عند السائل، وتقرير الإمام عليه السلام، كما في رواية كيل ما لا يستطاع عده وغيرها - مع ما ذكر من الشهرة المحققة والاتفاقات
المنقولة - كفاية في المسألة.
25

ثم إن ظاهر إطلاق جميع ما ذكر أن الحكم ليس منوطا بالغرر الشخصي وإن كان حكمته سد باب المسامحة المفضية إلى الوقوع في الغرر. كما أن حكمة الحكم باعتبار بعض الشروط
في بعض المعاملات رفع المنازعة المتوقعة عند إهمال ذلك الشرط، فحينئذ فيعتبر التقدير
بالكيل والوزن وإن لم يكن في شخص المقام غرر، كما لو باع مقدارا من الطعام بما يقابله في
الميزان من جنسه أو غيره المساوي له في القيمة، فإنه لا يتصور هنا غرر أصلا مع الجهل
بمقدار كل من العوضين، لأنه مساو للاخر في المقدار (10)
26

ويحتمل غير بعيد حمل الاطلاقات سيما الاخبار على المورد الغالب، وهو ما كان رفع
الغرر من حيث مقدار العوضين موقوفا على التقدير، فلو فرض اندفاع الغرر بغير التقدير
كفي، كما في الفرض المزبور، وكما إذا كان للمتبائعين حدس قوي بالمقدار نادر التخلف
عن الواقع، وكما إذا كان المبيع قليلا لم يتعارف وضع الميزان لمثله، كما لو دفع فلسا
وأراد به دهنا لحاجة، فإن الميزان لم يوضع لمثله، فيجوز بما تراضيا عليه من التخمين.
ولا منافاة بين كون الشئ من جنس المكيل والموزون، وعدم دخول الكيل والوزن فيه،
لقلته كالحبتين والثلاثة من الحنطة، أو لكثرته كزبرة الحديد، كما نبه عليه في القواعد
وشرحها وحاشيتها. ومما ذكرنا يتجه عدم اعتبار العلم بوزن الفلوس المسكوكة، فإنها
وإن كانت من الموزون ولذا صرح في التذكرة بوقوع الربا فيها الا أنها عند وقوعها ثمنا
حكمها كالمعدود في أن معرفة مقدار ماليتها لا تتوقف على وزنها، فهي كالقليل والكثير
من الموزون الذي لا يدخله الوزن وكذا شبه الفلوس من المسكوكات المركبة من النحاس
والفضة كأكثر نقود بغداد في هذا الزمان وكذا الدرهم والدينار الخالصان، فإنها وإن
كانت من الموزون ويدخل فيها الربا إجماعا، إلا أن ذلك لا ينافي جواز جعلها عوضا من
دون معرفة بوزنها، لعدم غرر في ذلك أصلا ويؤيد ذلك جريان سيرة الناس على المعاملة
بها من دون معرفة الأغلب بوزنها. نعم، يعتبرون فيها عدم نقصها عن وزنها المقرر في
وضعها من حيث تفاوت قيمتها بذلك، فالنقص فيها عندهم بمنزلة العيب، ومن هنا لا
يجوز إعطاء الناقص منها، لكونه غشا وخيانة وبهذا يمتاز الدرهم والدينار عن الفلوس
السود وشبهها حيث إن نقصان الوزن لا يؤثر في قيمتها، فلا بأس بإعطاء ما يعلم نقصه
34

وإلى ما ذكرنا من الفرق أشير في صحيحة ابن عبد الرحمن، (11)
قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: أشتري الشئ بالدراهم فأعطي الناقص الحبة والحبتين؟
قال:، حتى تبينه ثم قال: إلا أن تكون نحو هذه الدراهم الأوضاحية التي تكون
عندنا عددا
وبالجملة، فإناطة الحكم بوجوب معرفة وزن المبيع وكيله مدار الغرر الشخصي قريب في
الغاية، إلا أن الظاهر كونه مخالفا لكلمات الأصحاب في موارد كثيرة.
ثم إن الحكم في المعدود ووجوب معرفة العدد فيه، حكم المكيل والموزون، بلا خلاف ظاهر
ويشير إليه، بل يدل عليه: تقرير الإمام عليه السلام في الرواية الآتية المصرحة بتجويز
الكيل في المعدود المتعذر عده.
ويظهر من المحكي عن المحقق الأردبيلي المناقشة في ذلك، بل الميل إلى منعه وجواز بيع
المعدود مشاهدة، ويرده رواية الجوز الآتية والمراد بالمعدودات: ما يعرف مقدار ماليتها
بأعدادها، كالجوز والبيض، بخلاف مثل الشاة والفرس والثوب وعد العلامة البطيخ
والباذنجان في المعدودات، حيث قال في شروط السلم من القواعد: ولا يكفي العد في
المعدودات، بل لا بد من الوزن في البطيخ والباذنجان والرمان، وإنما اكتفي بعدها في البيع
للمعاينة، انتهى
وقد صرح في التذكرة بعدم الربا في البطيخ والرمان إذا كان رطبا، لعدم الوزن، وثبوته
مع الجفاف، بل يظهر منه كون القثاء والخوخ والمشمش أيضا غير موزونة وكل ذلك
محل تأمل، لحصول الغرر أحيانا بعدم الوزن فالظاهر أن تقدير المال عرفا في المذكورات
بالوزن لا بالعدد، كما في الجوز والبيض.
35

مسألة لو قلنا بأن المناط في اعتبار تقدير المبيع في المكيل والموزون والمعدود بما يتعارف التقدير به
هو حصول الغرر الشخصي، فلا إشكال فجواز تقدير كل منها بغير ما يتعارف تقديره به
إذا انتفي الغرر بذلك، بل في كفاية المشاهدة فيها من غير تقدير أصلا. (1)
37

لكن تقدم: أن ظاهر الأخبار الواردة في هذا الباب اعتبار التقدير من غير ملاحظة الغرر
الشخصي، لحكمة سد باب الغرر المؤدي إلى التنازع، المقصود رفعه من اعتبار بعض
الخصوصيات في أكثر المعاملات زيادة على التراضي الفعلي حال المعاملة وحينئذ فيقع
الكلام والاشكال في تقدير بعض المقدرات بغير ما تعارف فيه، فنقول: اختلفوا في جواز
بيع المكيل وزنا وبالعكس وعدمه على أقوال، (2)
39

أما الأول، فقد يكون التفاوت المحتمل مما يتسامح فيه
عادة، وقد يكون مما لا يتسامح فيه: أما الأول، فالظاهر جوازه، خصوصا مع تعسر تقديره بما يتعارف فيه، لان ذلك غير خارج
في الحقيقة عن تقديره مما يتعارف فيه، غاية ما في الباب أن يجعل التقدير الاخر طريقا إليه
ويؤيده: رواية عبد الملك بن عمرو، قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: أشتري مائة راوية
من زيت، فأعترض راوية أو اثنتين فأزنهما، ثم آخذ سائره على قدر ذلك قال: لا بأس.
استدل بها في التذكرة على جواز بيع الموزون عند تعذر وزنه بوزن واحد من المتعدد
ونسبة الباقي إليه، وأردفه بقوله: ولأنه يحصل المطلوب وهو العلم واستدلاله الثاني يدل
على عدم اختصاص الحكم بصورة التعذر والتقييد بالتعذر لعله استنبطه من الغالب في
مورد السؤال، وهو تعذر وزن مائة راوية من الزيت، ولا يخفى أن هذه العلة - لو سلمت
على وجه يقدح في عموم ترك الاستفصال - إنما يجب الاقتصار على موردها لو كان الحكم
مخالفا لعمومات وجوب التقدير، وقد عرفت أن هذا في الحقيقة تقدير وليس بجزاف.
نعم، ربما ينافي ذلك التقرير المستفاد من الصحيحة الآتية في بيع الجوز، كما سيجئ وأما لو
كان التفاوت مما لا يتسامح فيه، فالظاهر أيضا الجواز مع البناء على ذلك المقدار المستكشف
من التقدير إذا كان ذلك التقدير أمارة على ذلك المقدار (4)، لان ذلك أيضا خارج عن
الجزاف، فيكون نظير إخبار البائع بالكيل ويتخير المشتري لو نقص.
43

وما تقدم من صحيحة الحلبي في أول الباب من المنع عن شراء أحد العدلين بكيل أحدهما
قد عرفت توجيهه هناك.
هذا كله مع جعل التقدير الغير المتعارف أمارة على المتعارف وأما كفاية أحد التقديرين عن
الاخر أصالة من غير ملاحظة التقدير المتعارف، فالظاهر جواز بيع المكيل وزنا على
المشهور، كما عن الرياض، لان ذلك ليس من بيع المكيل مجازفة، المنهي عنه في الاخبار
ومعقد الاجماعات، لان الوزن أضبط من الكيل، ومقدار مالية المكيلات معلوم به أصالة
من دون إرجاع إلى الكيل والمحكي - المؤيد بالتتبع -: أن الوزن أصل للكيل، وأن العدول إلى
الكيل من باب الرخصة، وهذا معلوم لمن تتبع موارد تعارف الكيل في الموزونات (5) ويشهد
لأصالة الوزن: أن المكاييل المتعارفة في الأماكن المتفرقة - على اختلافها في المقدار - ليس
لها مأخذ الا الوزن، إذ ليس هنا كيل واحد يقاس المكاييل عليه (6)
44

وأما كفاية الكيل في الموزون من دون ملاحظة كشفه عن الوزن، ففيه إشكال، بل لا يبعد
عدم الجواز، وقد عرفت عن السرائر: أن ما يباع وزنا لا يباع كيلا بلا خلاف، فإن هذه
مجازفة صرفة، إذ ليس الكيل فيما لم يتعارف فيه، وعاء منضبطا، فهو بعينه ما منعوه من
التقدير بقصعة حاضرة أو مل ء اليد، فإن الكيل من حيث هو لا يوجب في الموزونات
معرفة زائدة على ما يحصل بالمشاهدة، فالقول بالجواز فيما نحن فيه مرجعه إلى كفاية
المشاهدة. ثم إنه قد علم مما ذكرنا: أنه لو وقعت معاملة الموزون بعنوان معلوم عند أحد
المتبايعين دون الاخر - كالحقة والرطل والوزنة باصطلاح أهل العراق، الذي لا يعرفه
غيرهم، خصوصا الأعاجم ج غير جائز، لان مجرد ذكر أحد هذه العنوانات عليه وجعله في
الميزان، ووضع صخرة مجهولة المقدار معلومة الاسم في مقابله، لا يوجب للجاهل معرفة
زائدة على ما يحصل بالمشاهدة هذا كله في المكيل والموزون.
وأما المعدود: فإن كان الكيل أو الوزن طريقا إليه، فالكلام فيه كما عرفت في أخويه. (7)
45

وربما ينافيه التقرير المستفاد من صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام: أنه سئل عن
الجوز لا نستطيع أن نعده، فيكال بمكيال ثم يعد ما فيه، ثم يكال ما بقي على حساب ذلك
العدد؟ قال: لا بأس به فإن ظاهر السؤال اعتقاد السائل عدم جواز ذلك في غير حال
الضرورة، ولم يردعه الإمام عليه السلام بالتنبيه على أن ذلك غير مختص بصورة الاضطرار
لكن التقرير غير واضح، فلا تنهض الرواية لتخصيص العمومات، ولذا قوي في الروضة
الجواز مطلقا. وأما كفاية الكيل فيه أصالة: فهو مشكل، لأنه لا يخرج عن المجازفة،
والكيل لا يزيد على المشاهدة.
وأما الوزن: فالظاهر كفايته، بل ظاهر قولهم في السلم: إنه لا يكفي العد في المعدودات
وإن جاز بيعها معجلا بالعد، بل لا بد من الوزن: أنه لا خلاف في أنه أضبط، وأنه يغني
عن العد فقولهم في شروط العوضين: إنه لا بد من العد في المعدودات محمول على أقل
مراتب التقدير لكنه ربما ينافي ذلك تعقيب بعضهم ذلك بقولهم: ويكفي الوزن عن العد،
فإنه يوهم كونه الأصل في الضبط، إلا أن يريدوا هنا الأصالة والفرعية بحسب الضبط
المتعارف، لا بحسب الحقيقة، فافهم. (8)
46

بقي الكلام في تعيين المناط في كون الشئ مكيلا أو موزونا فقد قيل: إن الموجود في كلام
الأصحاب اعتبار الكيل والوزن فيما بيع بهما في زمن الشارع، وحكم الباقي في البلدان ما
هو المتعارف فيها، فما كان مكيلا أو موزونا في بلد يباع كذا، وإلا فلا.
وعن ظاهر مجمع البرهان وصريح الحدائق نسبته إلى الأصحاب (9)
47

وربما منع ذلك بعض المعاصرين، قائلا: إن دعوى الاجماع على كون المدار هنا على زمانه
صلي الله عليه وآله وسلم على الوجه المذكور، غريبة! فإني لم أجد ذلك في كلام أحد من
الأساطين، فضلا عن أن يكون إجماعا نعم، قد ذكروا ذلك بالنسبة إلى حكم الربا، لا أنه
كذلك بالنظر إلى الجهالة والغرر الذي من المعلوم عدم المدخلية لزمانه صلي الله عليه وآله
وسلم في رفع شئ من ذلك وإثباته، انتهى (10)
أقول: ما ذكره دام ظله: من عدم تعرض جل الفقهاء لذلك هنا - يعني في شروط العوضين -
وأن ما ذكروه في باب الربا، حق، إلا أن المدار وجودا وعدما في الربا على اشتراط
الكيل والوزن في صحة بيع جنس ذلك الشئ، (11) وأكثر الفقهاء لم يذكروا تحديد هذا
الشرط والمعيار فيه هنا - يعني في شروط العوضين - إلا أن الأكثر ذكروا في باب الربا ما
هو المعيار هنا وفي ذلك الباب.
52

وأما اختصاص هذا المعيار بمسألة الربا وعدم جريانه في شروط العوضين - كما ذكره - فهو
خلاف الواقع: أما أولا، فلشهادة تتبع كلمات الأصحاب بخلافه قال في المبسوط في باب
الربا: إذا كانت عادة الحجاز على عهده صلي الله عليه وآله وسلم في شئ الكيل، لم يجز الا كيلا
في سائر البلاد، وما كانت فيه وزنا لم يجز الا وزنا في سائر البلاد، (12) والمكيال مكيال
أهل المدينة، والميزان ميزان أهل مكة، هذا كله بلا خلاف فإن كان مما لا يعرف عادته في
عهده صلي الله عليه وآله وسلم حمل على عادة البلد الذي فيه ذلك الشئ، فما عرف بالكيل لا
يباع الا كيلا، وما عرف فيه الوزن لا يباع الا وزنا، انتهي (13)
ولا يخفى عموم ما ذكره من التحديد لمطلق البيع، لا لخصوص مبايعة المتماثلين ونحوه
كلام العلامة في التذكرة. (14).
54

وأما ثانيا: فلان ما يقطع به بعد التتبع في كلماتهم هنا، وفي باب الربا أن الموضوع في كلتا
المسألتين شئ واحد أعني المكيل والموزون قد حمل عليه حكمان: أحدهما عدم صحة بيعه
جزافا، والاخر عدم صحة بيع بعضه ببعض متفاضلا، ويزيده وضوحا ملاحظة أخبار
المسألتين المعنونة بما يكال أو يوزن، فإذا ذكروا ضابطة لتحديد الموضوع فهي
مرعية في كلتا المسألتين. (15) وأما ثالثا، فلانه يظهر من جماعة - تصريحا أو ظهورا -: أن من
شرط الربا كون الكيل والوزن شرطا في صحة بيعه. قال المحقق في الشرائع - بعد ذكر
اشتراط اعتبار الكيل والوزن في الربا تفريعا على ذلك -: إنه لا ربا في الماء، إذ لا يشترط
في بيعه الكيل أو الوزن وقال في الدروس: ولا يجري الربا في الماء وإن وزن أو كيل،
لعدم اشتراطهما في صحة بيعه نقدا - ثم قال: - وكذا الحجارة والتراب والحطب، ولا عبرة
ببيع الحطب وزنا في بعض البلدان، لان الوزن غير شرط في صحته، انتهي. (16)
55

وهذا المضمون سهل الإصابة لمن لاحظ كلماتهم، فلاحظ المسالك هنا، وشرح القواعد
وحاشيتها للمحقق الثاني والشهيد عند قول العلامة: والمراد بالمكيل والموزون هنا جنسه
وإن لم يدخلاه لقلته كالحبة والحبتين من الحنطة، أو لكثرته كالزبرة، ولازم ذلك - يعني
اشتراط دخول الربا في جنس باشتراط الكيل والوزن في صحة بيعه -: أنه إذا ثبت الربا في
زماننا في جنس، لثبوت كونه مكيلا أو موزونا على عهد رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم
، لزم أن لا يجوز بيعه جزافا، والا لم يصدق ما ذكروه: من اشتراط الربا باشتراط التقدير
في صحة بيعه. وبالجملة، فتلازم الحكمين - أعني دخول الربا في جنس، واشتراط بيعه
بالكيل أو الوزن - مما لا يخفى على المتتبع في كتب الأصحاب وحينئذ فنقول: كل ما ثبت
كونه مكيلا أو موزونا في عصره صلي الله عليه وآله وسلم فهو ربوي في زماننا ولا يجوز بيعه
جزافا، فلو فرض تعارف بيعه جزافا عندنا كان باطلا وإن لم يلزم غرر، للاجماع، ولما
عرفت: من أن اعتبار الكيل والوزن لحكمة سد باب نوع الغرر لا شخصه، فهو حكم لحكمة
غير مطردة، نظير النهي عن بيع الثمار قبل الظهور لرفع التنازع، واعتبار الانضباط في
المسلم فيه، لان في تركه مظنة التنازع والتغابن، ونحو ذلك.
والظاهر - كما عرفت من غير واحد - أن المسألة اتفاقية وأما ما علم أنه كان يباع جزافا
في زمانه صلي الله عليه وآله وسلم، فالظاهر جواز بيعه كذلك عندنا مع عدم الغرر قطعا،
والظاهر أنه إجماعي، كما يشهد به دعوى بعضهم الاجماع على أن مثل هذا ليس بربوي
، والشهرة محققة على ذلك.
60

لكن يرد على ذلك - مع كونه مخالفا للظاهر المستفاد من عنوان ما يكال ويوزن -: أنه لا
دليل حينئذ على اعتبار الكيل فيما شك في كونه مقدرا في ذلك الزمان، مع تعارف التقدير
فيه في الزمان الاخر، إذ لا يكفي في الحكم حينئذ دخوله في مفهوم المكيل والموزون،
بل لا بد من كونه أحد المصاديق الفعلية في زمان صدور الاخبار، ولا دليل أيضا على
إلحاق كل بلد لحكم نفسه مع اختلاف البلدان. (18)
والحاصل: أن الاستدلال بأخبار المسألة المعنونة بما يكال أو يوزن على ما هو المشهور -
من كون العبرة في التقدير بزمان النبي صلي الله عليه وآله وسلم، ثم بما
اتفق عليه البلاد، ثم بما تعارف في كل بلدة بالنسبة إلى نفسه - في غاية الاشكال فالأولى تنزيل الاخبار على ما
تعارف تقديره عند المتبايعين وإثبات ما ينافي ذلك من الاحكام المشهورة بالاجماع المنقول
المعتضد بالشهرة المحققة. (19)
63

وكذا الاشكال لو علم التقدير في زمن الشارع ولم يعلم كونه بالكيل أو بالوزن. (20)
64

أقول: ليس الكلام في مفهوم المكيل والموزون، بل الكلام فيما هو المعتبر في تحقق هذا
المفهوم، فإن المراد بقولهم عليهم السلام مكان مكيلا فلا يباع جزافا، أو لا يباع بعضه ببعض
الا متساويا، (22) إما أن يكون ما هو المكيل في عرف المتكلم، أو يراد به ما هو المكيل في
العرف العام، أو ما هو المكيل في عرف كل مكلف.
وعلى أي تقدير فلا يفيد الكلام لحكم غير ما هو المراد، فلا بد لبيان حكم غير المراد من
دليل خارجي وإرادة جميع هذه الثلاثة - خصوصا مع ترتيب خاص في ثبوت الحكم بها،
وخصوصا مع كون مرتبة كل لاحق مع عدم العلم بسابقه لا مع عدمه - غير صحيحة،
كما لا يخفى.
66

ولعل المقدس الأردبيلي أراد ما ذكرنا، حيث تأمل فيما ذكروه من الترتيب بين عرف
الشارع، والعرف العام، والعرف الخاص، معللا باحتمال إرادة الكيل والوزن المتعارف
عرفا عاما، أو في أكثر البلدان، أو في الجملة مطلقا، أو بالنسبة إلى كل بلد بلد - كما قيل في
المأكول والملبوس في السجدة - من الامر الوارد بهما لو سلم، والظاهر هو الأخير، انتهى. (23)
67

وقد رده في الحدائق: بأن الواجب في معاني الألفاظ الواردة في الاخبار حملها على عرفهم
صلوات الله عليهم، فكل ما كان مكيلا أو موزونا في عرفهم وجب إجراء الحكم عليه في
الأزمنة المتأخرة، وما لم يعلم فهو - بناء على قواعدهم - يرجع إلى العرف العام وإلي آخر
ما ذكروه من التفصيل ثم قال: ويمكن أن يستدل للعرف العام بما تقدم في صحيحة الحلبي
من قوله عليه السلام: ما كان من طعام سميت فيه كيلا، فإن الظاهر أن المرجع في كونه
مكيلا إلى تسميته عرفا مكيلا ويمكن تقييده بما لم يعلم حاله في زمانهم عليهم السلام،
انتهي.
أقول: قد عرفت أن الكلام هنا ليس في معني اللفظ، لان مفهوم الكيل معلوم لغة، وإنما
الكلام في تعيين الاصطلاح الذي يتعارف فيه هذا المفهوم.
ثم لو فرض كون الكلام في معني اللفظ، كان اللازم حمله على العرف العام إذا لم يكن
عرف شرعي، لا إذا جهل عرفه الشرعي، فإنه لم يقل أحد بحمل اللفظ حينئذ على المعني
العرفي، بل لا بد من الاجتهاد في تعيين ذلك المعني الشرعي، ومع العجز يحكم بإجمال
اللفظ، كما هو واضح.
هذا كله مع أن الاخبار إنما وصلت إلينا من الأئمة صلوات الله وسلامه عليهم، فاللازم اعتبار
عرفهم لا عرف الشارع.
وأما ما استشهد به للرجوع إلى العرف العام من قوله عليه السلام: ما سميت فيه كيلا الخ
فيحتمل أن يراد عرف المخاطب، فيكون المعيار العرف الخاص بالمتبايعين.
نعم، مع العلم بالعرف العام لا عبرة بالعرف الخاص، لمقطوعة ابن هاشم الآتية، فتأمل. (24)
68

وأبعد شئ في المقام: ما ذكره في جامع المقاصد، من أن الحقيقة العرفية يعتبر فيها ما كان يعتبر
في حمل إطلاق لفظ الشارع عليها، فلو تغيرت في عصر بعد استقرارها فيما قبله الخ (25)
وبالجملة، فإتمام المسائل الثلاث بالاخبار مشكل، لكن الظاهر أن كلها متفق عليها
نعم، اختلفوا - فيما إذا كان البلاد مختلفة - في أن لكل بلد حكم نفسه من حيث الربا، أو أنه
يغلب جانب التحريم، كما عليه جماعة من أصحابنا.
لكن الظاهر اختصاص هذا الحكم بالربا، لا في جواز البيع جزافا في بلد لا يتعارف فيه التقدير.
(26)
69

ثم إنه يشكل الامر فيما لو علم كونه مقدرا في زمان الشارع لكن لم يعلم أن تقديره
بالكيل أو بالوزن، ففيه وجوه: أقواها وأحوطها اعتبار ما هو أبعد من الغرر. (27)
وأشكل من ذلك: ما لو علم كون الشئ غير مكيل في زمن الشارع أو في العرف العام،
(28) مع لزوم الغرر فيه عند قوم خاص، ولا يمكن جعل ترخيص الشارع لبيعه جزافا
تخصيصا لأدلة نفي الغرر، لاحتمال كون ذلك الشئ من المبتذلات في زمن الشارع أو في
العرف بحيث يتحرز عن الغرر بمشاهدته وقد بلغ عند قوم في العزة إلى حيث لا يتسامح
فيها فالأقوى وجوب الاعتبار في الفرض المذكور بما يندفع فيه الغرر من الكيل أو الوزن
أو العد.
70

وبالجملة، فالأولى جعل المدار فيما لا إجماع فيه (29) على وجوب التقدير بما بني الامر في
مقام استعلام مالية الشئ على ذلك التقدير، فإذا سئل عن مقدار ما عنده من الجوز،
فيجاب بذكر العدد، بخلاف ما إذا سئل عن مقدار ما عنده من الرمان والبطيخ، فإنه لا
يجاب الا بالوزن، (30) وإذا سئل عن مقدار الحنطة والشعير فربما يجاب بالكيل وربما يجاب
بالوزن،
71

لكن الجواب بالكيل مختص بمن يعرف مقدار الكيل من حيث الوزن، إذ الكيل بنفسه غير
منضبط، بخلاف الوزن، وقد تقدم أن الوزن أصل في الكيل. (31)
72

وما ذكرنا هو المراد بالمكيل والموزون اللذين حمل عليهما الحكم بوجوب الاعتبار بالكيل
والوزن عند البيع، وبدخول الربا فيهما. وأما ما لا يعتبر مقدار ماليته بالتقدير بأحد
الثلاثة - كالماء والتبن والخضريات - فالظاهر كفاية المشاهدة فيها من غير تقدير فإن اختلف
البلاد في التقدير والعدم، فلا إشكال في التقدير في بلد التقدير وأما بلد عدم التقدير، فإن
كان ذلك لابتذال الشئ عندهم بحيث يتسامح في مقدار التفاوت المحتمل مع المشاهدة كفت
المشاهدة، وإن كان لعدم مبالاتهم بالغرر وإقدامهم عليه خرصا " مع الاعتداد بالتفاوت
المحتمل بالمشاهدة فلا اعتبار بعادتهم، بل يجب مخالفتها، فإن النواهي الواردة في الشرع عن
بيوع الغرر والمجازفات - كبيع الملاقيح والمضامين والملامسة والمنابذة والحصاة، على بعض
تفاسيرها، وثمر الشجر قبل الوجود، وغير ذلك - لم يرد الا ردا على من تعارف عندهم
الاقدام على الغرر والبناء على المجازفات، الموجب لفتح أبواب المنازعات وإلي بعض ما
ذكرنا أشار ما عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن رجاله ذكره في حديث طويل، قال: ولا
ينظر فيما يكال أو يوزن الا إلى العامة، ولا يؤخذ فيه بالخاصة فإن كان قوم يكيلون
اللحم ويكيلون الجوز فلا يعتبر بهم، لان أصل اللحم أن يوزن وأصل الجوز أن يعد.
وعلي ما ذكرنا، فالعبرة ببلد وجود المبيع، لا ببلد العقد ولا ببلد المتعاقدين. (32)
73

وفي شرح القواعد لبعض الأساطين: ثم الرجوع إلى العادة مع اتفاقها اتفاقي، ولو اختلف
فلكل بلد حكمه كما هو المشهور وهل يراد به بلد العقد أو المتعاقدين؟ الأقوى الأول
ولو تعاقدا في الصحراء رجعا إلى حكم بلدهما ولو اختلفا رجح الأقرب، أو الأعظم، أو ذو
الاختبار على ذي الجزاف، أو البائع في مبيعه والمشتري في ثمنه، (33)
74

أو يبني على الاقراع مع الاختلاف وما اتفقا عليه مع الاتفاق، أو التخيير، ولعله الأقوى
(34) ويجري مثله في معاملة الغرباء في الصحراء مع اختلاف البلدان والأولي التخلص بإيقاع
المعاملة على وجه لا يفسدها الجهالة، من صلح أو هبة بعوض أو معاطاة ونحوها ولو حصل
الاختلاف في البلد الواحد على وجه التساوي فالأقوى التخيير ومع الاختصاص بجمع قليل
إشكال، انتهي. (35)
75

مسألة
لو أخبر البائع بمقدار المبيع جاز الاعتماد عليه على المشهور، (1)
77

وعبارة التذكرة مشعرة بالاتفاق عليه، ويدل عليه غير واحد من الاخبار المتقدمة
وما تقدم من صحيحة الحلبي الظاهرة في المنع عن ذلك محمول على صورة إيقاع المعاملة غير
مبنية على المقدار المخبر به وإن كان الاخبار داعيا إليها، فإنها لا تخرج بمجرد ذلك عن
الغرر، وقد تقدم عن التحرير ما يوافق ذلك
. ثم إن الظاهر اعتبار كون الخبر طريقا عرفيا للمقدار كما يشهد به الروايات المتقدمة، فلو
لم يفد ظنا فإشكال: من بقاء الجهالة الموجبة للغرر، ومن عدم تقييدهم الاخبار بإفادة الظن
ولا المخبر بالعدالة. (2)
78

والأقوى، بناء على اعتبار التقدير وإن لم يلزم الغرر الفعلي: هو الاعتبار.
نعم، لو دار الحكم مدار الغرر كفي في صحة المعاملة إيقاعها مبنية على المقدار المخبر به وإن
كان مجهولا. (3)
81

ويندفع الغرر ببناء المتعاملين على ذلك المقدار، فإن ذلك ليس بأدون من بيع العين الغائبة
على أوصاف مذكورة في العقد، فيقول: بعتك هذه الصبرة على أنها كذا وكذا صاعا،
وعلي كل تقدير حكمنا فيه بالصحة. (4)
85

فلو تبين الخلاف، فإما أن يكون بالنقيصة، وإما أن يكون بالزيادة. فإن كان بالنقيصة تخير
المشتري بين الفسخ وبين الامضاء، بل في جامع المقاصد: احتمال البطلان، كما لو باعه
ثوبا على أنه كتان فبان قطنا ثم رده بكون ذلك من غير الجنس وهذا منه وإنما الفائت
الوصف. (5) لكن يمكن أن يقال: إن مغايرة الموجود الخارجي لما هو عنوان العقد حقيقة
مغايرة حقيقية لا تشبه مغايرة الفاقد للوصف لواجده، لاشتراكهما في أصل الحقيقة، بخلاف
الجزء والكل، فتأمل، فإن المتعين الصحة والخيار.
86

ثم إن في حكم إخبار البائع بالكيل والوزن من حيث ثبوت الخيار عند تبين الخلاف، كل
ما يكون طريقا عرفيا إلى مقدار المبيع وأوقع العقد بناء عليه، كما إذا جعلنا الكيل في
المعدود والموزون طريقا إلى عده أو وزنه
95

مسألة
قال في الشرائع: يجوز بيع الثوب والأرض مع المشاهدة وإن لم يمسحا، ولو مسحا كان
أحوط، لتفاوت الغرض في ذلك، وتعذر إدراكه بالمشاهدة، انتهي. (1)
وفي التذكرة: لو باع مختلف الاجزاء مع المشاهدة صح كالثوب والدار والغنم إجماعا.
وصرح في التحرير بجواز بيع قطيع الغنم وإن لم يعلم عددها.
أقول: يشكل الحكم بالجواز في كثير من هذه الموارد، لثبوت الغرر غالبا مع جهل أذرع
الثوب وعدد قطيع الغنم والاعتماد في عددها على ما يحصل تخمينا بالمشاهدة عين المجازفة
وبالجملة، فإذا فرضنا أن مقدار مالية الغنم قلة وكثرة يعلم بالعدد فلا فرق بين الجهل
بالعدد فيها وبين الجهل بالمقدار في المكيل والموزون والمعدود. (2)
97

وكذا الحكم في عدد الأذرع والطاقات في الكرابيس والجربان في كثير من الأراضي المقدرة
عادة بالجريب. نعم، ربما يتفق تعارف عدد خاص في أذرع بعض طاقات الكرابيس.
لكن الاعتماد على هذا من حيث كونه طريقا إلى عدد الأذرع، نظير إخبار البائع، وليس
هذا معني كفاية المشاهدة وتظهر الثمرة في ثبوت الخيار، إذ على تقدير كفاية المشاهدة لا
يثبت خيار مع تبين قلة الأذرع بالنسبة إلى ما حصل التخمين به من المشاهدة، الا إذا كان
النقص عيبا أو اشترط عددا خاصا من حيث الذراع طولا وعرضا.
وبالجملة: فالمعيار هنا دفع الغرر الشخصي، إذ لم يرد هنا نص بالتقدير ليحتمل إناطة الحكم
به ولو لم يكن غرر، كما استظهرناه في المكيل والموزون، فافهم. (3)
98

مسألة بيع بعض من جملة متساوية الاجزاء - كصاع من صبرة مجتمعة الصيعان أو متفرقتها، أو
ذراع من كرباس، أو عبد من عبدين، وشبه ذلك - يتصور على وجوه: الأول: أن يريد
بذلك البعض كسرا واقعيا من الجملة مقدرا بذلك العنوان، فيريد بالصاع مثلا من صبرة
تكون عشرة أصوع عشرها، ومن عبد من العبدين نصفهما ولا إشكال في صحة ذلك،
ولا في كون المبيع مشاعا في الجملة ولا فرق بين اختلاف العبدين في القيمة وعدمه، ولا بين
العلم بعدد صيعان الصبرة وعدمه، لان الكسر مقدر بالصاع فلا يعتبر العلم بنسبته إلى
المجموع. (1)
99

هذا، ولكن قال في التذكرة: والأقرب أنه لو قصد الإشاعة في عبد من عبدين أو شاة من
شاتين بطل، بخلاف الذراع من الأرض، انتهي ولم يعلم وجه الفرق، الا منع ظهور
الكسر المشاع من لفظ العبد والشاة. (2)
الثاني: أن يراد به بعض مردد بين ما يمكن صدقه عليه من الافراد المتصورة في المجموع،
نظير تردد الفرد المنتشر بين الافراد، وهذا يتضح في صاع من الصيعان المتفرقة ولا إشكال في
بطلان ذلك مع اختلاف المصاديق في القيمة كالعبدين المختلفين، لأنه غرر، لان المشتري لا
يعلم بما يحصل في يده منهما وأما مع اتفاقهما في القيمة كما في الصيعان المتفرقة، فالمشهور
أيضا - كما في كلام بعض - المنع، بل في الرياض نسبته إلى الأصحاب، وعن المحقق الأردبيلي
أيضا نسبة المنع عن بيع ذراع من كرباس مشاهد من غير تعيين أحد طرفيه إلى الأصحاب (3)
105

واستدل على المنع بعضهم: بالجهالة التي يبطل معها البيع إجماعا وآخر: بأن الابهام في
البيع مبطل له، لا من حيث الجهالة.
ويؤيده أنه حكم في التذكرة - مع منعه عن بيع أحد العبدين المشاهدين المتساويين - بأنه
لو تلف أحدهما فباع الباقي ولم يدر أيهما هو، صح، خلافا لبعض العامة وثالث: بلزوم
الغرر ورابع: بأن الملك صفة وجودية محتاجة إلى محل تقوم به - كسائر الصفات
الموجودة في الخارج - وأحدهما على سبيل البدل غير قابل لقيامه به، لأنه أمر انتزاعي من
أمرين معينين ويضعف الأول بمنع المقدمتين، لان الواحد على سبيل البدل غير مجهول، إذ
لا تعين له في الواقع حتى يجهل، والمنع عن بيع المجهول ولو لم يلزم غرر، غير مسلم.
نعم، وقع في معقد بعض الاجماعات ما يظهر منه صدق كلتا المقدمتين ففي السرائر - بعد
نقل الرواية التي رواها في الخلاف على جواز بيع عبد من عبدين - قال: إن ما اشتملت
عليه الرواية مخالف لما عليه الأمة بأسرها، مناف لأصول مذهب أصحابنا وفتاويهم
وتصانيفهم، لان المبيع إذا كان مجهولا كان البيع باطلا بغير خلاف، انتهي
وعن الخلاف - في باب السلم -: أنه لو قال: أشتري منك أحد هذين العبدين أو هؤلاء
العبيد لم يصح الشراء دليلنا: أنه بيع مجهول فيجب أن لا يصح، ولأنه بيع غرر لاختلاف
قيمتي العبدين، ولأنه لا دليل على صحة ذلك في الشرع وقد ذكرنا هذه المسألة في البيوع
وقلنا: إن أصحابنا رووا جواز ذلك في العبدين، فإن قلنا بذلك تبعنا فيه الرواية، ولم
يقس غيرها عليها، انتهي
وعبارته المحكية في باب البيوع هي: أنه روي أصحابنا أنه إذا اشتري عبدا من عبدين
على أن للمشتري أن يختار أيهما شاء، أنه جائز، ولم يرووا في الثوبين شيئا ثم قال: دليلنا
إجماع الفرقة، وقوله صلي الله عليه وآله وسلم: المؤمنون عند شروطهم، انتهى
111

وسيأتي أيضا في كلام فخر الدين أن عدم تشخيص المبيع، من الغرر الذي يوجب النهي
عنه الفساد إجماعا وظاهر هذه الكلمات صدق الجهالة وكون مثلها قادحة اتفاقا مع فرض
عدم نص، بل قد عرفت رد الحلي للنص المجوز بمخالفته لاجماع الأمة. (4)
ومما ذكرنا من منع كبري الوجه الأول يظهر حال الوجه الثاني من وجوه المنع، أعني كون
الابهام مبطلا.
وأما الوجه الثالث، فيرده منع لزوم الغرر مع فرض اتفاق الافراد في الصفات الموجبة
لاختلاف القيمة، ولذا يجوز الاسلاف في الكلي من هذه الافراد، مع أن الانضباط في السلم
آكد وأيضا فقد جوزوا بيع الصاع الكلي من الصبرة، ولا فرق بينهما من حيث الغرر قطعا،
ولذا رد في الايضاح حمل الصاع من الصبرة على الكلي برجوعه إلى عدم تعيين المبيع
الموجب للغرر المفسد إجماعا.
وأما الرابع، فبمنع احتياج صفة الملك إلى موجود خارجي، فإن الكلي المبيع سلما أو حالا
مملوك للمشتري، ولا وجود لفرد منه في الخارج بصفة كونه مملوكا للمشتري، فالوجه أن
الملكية أمر اعتباري يعتبره العرف والشرع أو أحدهما في موارده، وليست صفة وجودية
متأصلة كالحموضة والسواد، (5)
ولذا صرحوا
بصحة الوصية بأحد الشيئين، بل لاحد الشخصين ونحوهما
112

فالانصاف - كما اعترف به جماعة أولهم المحقق الأردبيلي - عدم دليل معتبر على المنع قال
في شرح الارشاد - على ما حكي عنه - بعد أن حكي عن الأصحاب المنع عن بيع ذراع من
كرباس من غير تقييد كونه من أي الطرفين، قال: وفيه تأمل، إذ لم يقم دليل على اعتبار
هذا المقدار من العلم، فإنهما إذا تراضيا على ذراع من هذا الكرباس من أي طرف أراد
المشتري أو من أي جانب كان من الأرض، فما المانع بعد العلم بذلك؟ انتهي
فالدليل هو الاجماع لو ثبت، وقد عرفت من غير واحد نسبته إلى الأصحاب قال بعض
الأساطين في شرحه على القواعد ج بعد حكم المصنف بصحة بيع الذراع من الثوب
والأرض، الراجع إلى بيع الكسر المشاع ج قال: وإن قصدا معينا أو كليا لا على وجه
الإشاعة بطل، لحصول الغرر بالابهام في الأول، وكونه بيع المعدوم، وباختلاف الأغراض
في الثاني غالبا، فيلحق به النادر، وللإجماع المنقول فيه - إلى أن قال: - والظاهر بعد إمعان
النظر ونهاية التتبع أن الغرر الشرعي لا يستلزم الغرر العرفي وبالعكس (6)، وارتفاع الجهالة
في الخصوصية قد لا يثمر مع حصولها في أصل الماهية، ولعل الدائرة في الشرع أضيق، وإن
كان بين المصطلحين عموم وخصوص من وجهين، وفهم الأصحاب مقدم، لأنهم أدري
بمذاق الشارع وأعلم، انتهي ولقد أجاد حيث التجأ إلى فهم الأصحاب فيما يخالف
العمومات
113

فرع
على المشهور من المنع، لو اتفقا على أنهما أرادا غير شائع لم يصح البيع، لاتفاقهما على
بطلانه.
(7) ولو اختلفا فادعي المشتري الإشاعة فيصح البيع، وقال البائع: أردت معينا، ففي التذكرة:
الأقرب قبول قول المشتري، عملا بأصالة الصحة وأصالة عدم التعيين، انتهي (8)
114

وهذا حسن لو لم يتسالما على صيغة ظاهرة في أحد المعنيين، أما معه فالمتبع هو الظاهر،
وأصالة الصحة لا تصرف الظواهر وأما أصالة عدم التعيين فلم أتحققها (9)
وذكر بعض من قارب عصرنا: أنه لو فرض للكلام ظهور في عدم الإشاعة كان حمل
الفعل على الصحة قرينة صارفة وفيه نظر (10)
الثالث من وجوه بيع البعض من الكل: أن يكون المبيع طبيعة كلية منحصرة المصاديق في
الافراد المتصورة في تلك الجملة والفرق بين هذا الوجه. (11)
115

والوجه الثاني كما حققه في جامع المقاصد بعد التمثيل للثاني بما إذا فرق الصيعان، وقال:
بعتك أحدها -: أن المبيع هناك واحد من الصيعان المتميزة المتشخصة غير معين، فيكون بيعه
مشتملا على الغرر (12)
120

وفي هذا الوجه أمر كلي غير متشخص ولا متميز بنفسه، ويتقوم بكل واحد من صيعان
الصبرة ويوجد به، ومثله ما لو قسم الأرباع وباع ربعا منها من غير تعيين ولو باع ربعا
قبل القسمة صح وتنزل على واحد منها مشاعا، لأنه حينئذ أمر كلي. (13)
فإن قلت: المبيع في الأولى أيضا أمر كلي قلنا: ليس كذلك، بل هو واحد من تلك
الصيعان المتشخصة، مبهم بحسب صورة العبارة، فيشبه الامر الكلي، وبحسب الواقع
جزئي غير معين ولا معلوم والمقتضي لهذا المعني هو تفريق الصيعان، وجعل كل واحد منها
برأسه، فصار إطلاق أحدها منزلا على شخصي غير معلوم، فصار كبيع أحد الشياه
وأحد العبيد ولو أنه قال: بعتك صاعا من هذه شائعا في جملتها، لحكمنا بالصحة، انتهي
وحاصله: أن المبيع مع الترديد جزئي حقيقي، فيمتاز عن المبيع الكلي الصادق على الافراد
المتصورة في تلك الجملة.
وفي الايضاح: أن الفرق بينهما هو الفرق بين الكلي المقيد بالوحدة وبين الفرد المنتشر.
121

ثم الظاهر صحة بيع الكلي بهذا المعني، كما هو صريح جماعة، منهم الشيخ والشهيدان
والمحقق الثاني وغيرهم، بل الظاهر عدم الخلاف فيه وإن اختلفوا في تنزيل الصاع من
الصبرة على الكلي أو الإشاعة
لكن يظهر مما عن الايضاح وجود الخلاف في صحة بيع الكلي وأن منشأ القول بالتنزيل
على الإشاعة هو بطلان بيع الكلي بهذا المعني، والكلي الذي يجوز بيعه هو ما يكون في
الذمة قال في الايضاح في ترجيح التنزيل على الإشاعة: إنه لو لم يكن مشاعا لكان غير
معين، فلا يكون معلوم العين (14)، وهو الغرر الذي يدل النهي عنه على الفساد إجماعا،
ولان أحدهما بعينه لو وقع البيع عليه ترجح من غير مرجح، ولا بعينه هو المبهم، وإبهام
المبيع مبطل، انتهي
وتبعه بعض المعاصرين مستندا تارة إلى ما في الايضاح من لزوم الابهام والغرر، وأخرى
إلى عدم معهودية ملك الكلي في غير الذمة لا على وجه الإشاعة، وثالثة باتفاقهم على
تنزيل الأرطال المستثناة من بيع الثمرة على الإشاعة.
122

ويرد الأول: ما عرفت من منع الغرر في بيع الفرد المنتشر، فكيف نسلم في الكلي
والثاني: بأنه معهود في الوصية والاصداق، مع أنه لم يفهم مراده من المعهودية، فإن أنواع
الملك - بل كل جنس - لا يعهد تحقق أحدها في مورد الاخر، (15) إلا أن يراد منه عدم وجود
مورد يقيني حكم فيه الشارع بملكية الكلي المشترك بين أفراد موجودة، فيكفي في رده
النقض بالوصية وشبهها. هذا كله مضافا إلى صحيحة الأطنان الآتية، فإن مورده إما بيع
الفرد المنتشر، وإما بيع الكلي في الخارج.
وأما الثالث: فسيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالي (16)
123

مسألة
لو باع صاعا من صبرة، فهل ينزل على الوجه الأول من الوجوه الثلاثة المتقدمة - أعني:
الكسر المشاع - أو على الوجه الثالث وهو الكلي، بناء على المشهور من صحته؟ وجهان،
بل قولان، حكي ثانيهما عن الشيخ والشهيدين والمحقق الثاني وجماعة. (1)
125

واستدل له في جامع المقاصد: بأنه السابق إلى الفهم، وبرواية بريد بن معاوية عن أبي عبد
الله عليه السلام: عن رجل اشتري عشرة آلاف طن من أنبار بعضه على بعض من أجمة
واحدة، والأنبار فيه ثلاثون ألف طن، فقال البائع: قد بعتك من هذا القصب عشرة آلاف
طن فقال المشتري: قد قبلت واشتريت ورضيت، فأعطاه المشتري من ثمنه ألف درهم،
ووكل من يقبضه، فأصبحوا وقد وقع في القصب نار فاحترق منه عشرون ألف طن وبقي
عشرة آلاف طن، فقال عليه السلام: العشرة آلاف طن التي بقيت هي للمشتري، والعشرون
التي احترقت من مال البائع.
ويمكن دفع الأول: بأن مقتضى الوضع في قوله: (صاعا من صبرة) هو الفرد المنتشر الذي
عرفت سابقا أن المشهور - بل الاجماع - على بطلانه ومقتضى المعني العرفي هو المقدار
المقدر بصاع، وظاهره حينئذ الإشاعة، لان المقدار المذكور من مجموع الصبرة مشاع فيه. (2)
126

وأما الرواية فهي أيضا ظاهرة في الفرد المنتشر، كما اعترف به في الرياض. (3)
لكن الانصاف: أن العرف يعاملون في البيع المذكور معاملة الكلي فيجعلون الخيار في
التعيين إلى البائع، وهذه أمارة فهمهم الكلي. (4)
128

وأما الرواية، فلو فرضنا ظهورها في الفرد المنتشر فلا بأس بحملها على الكلي لاجل
القرينة الخارجية، (5)
وتدل على عدم الإشاعة من حيث الحكم ببقاء المقدار المبيع وكونه مالا للمشتري فالقول
الثاني لا يخلو من قوة (6)، بل لم نظفر بمن جزم بالأول وإن حكاه في الايضاح قولا ".
129

ثم إنه يتفرع على المختار من كون المبيع كليا أمور، أحدها: كون التخيير في تعيينه بيد
البائع، لان المفروض أن المشتري لم يملك الا الطبيعة المعراة عن التشخص الخاص، فلا
يستحق على البائع خصوصية فإذا طالب بخصوصية زائدة على الطبيعة فقد طالب ما ليس
حقا له وهذا جار في كل من ملك كليا في الذمة أو في الخارج، فليس لمالكه اقتراح
الخصوصية على من عليه الكلي، ولذا كان اختيار التعيين بيد الوارث إذا أوصي الميت
لرجل بواحد من متعدد يملكه الميت، كعبد من عبيده ونحو ذلك. (7)
130

إلا أنه قد جزم المحقق القمي قدس سره - في غير موضع من أجوبة مسائله -: بأن الاختيار
في التعيين بيد المشتري، ولم يعلم له وجه مصحح، فيا ليته قاس ذلك على طلب الطبيعة!
حيث إن الطالب لما ملك الطبيعة على المأمور واستحقها منه لم يجز له بحكم العقل مطالبة
خصوصية دون أخرى، وكذلك مسألة التمليك كما لا يخفى. (8)
وأما على الإشاعة: فلا اختيار لأحدهما، لحصول الشركة، فيحتاج القسمة إلى التراضي.
134

ومنها: أنه لو تلف بعض الجملة وبقي مصداق الطبيعة انحصر حق المشتري فيه، لان كل
فرد من أفراد الطبيعة وإن كان قابلا لتعلق ملكه به بخصوصه، إلا أنه يتوقف على تعيين
مالك المجموع وإقباضه، فكل ما تلف قبل إقباضه خرج عن قابلية ملكيته للمشتري
فعلا فينحصر في الموجود وهذا بخلاف المشاع، فإن ملك المشتري فعلا ثابت في كل جزء
من المال من دون حاجة إلى اختيار وإقباض، فكل ما يتلف من المال فقد تلف من المشتري
جزء بنسبة حصته. (9)
ومنها: أنه لو فرضنا أن البائع بعد ما باع صاعا من الجملة باع من شخص آخر صاعا كليا
آخر، فالظاهر أنه إذا بقي صاع واحد كان للأول، لان الكلي المبيع ثانيا إنما هو سار في
مال البائع وهو ما عدا الصاع من الصبرة، فإذا تلف ما عدا الصاع فقد تلف جميع ما كان
الكلي فيه ساريا فقد تلف المبيع الثاني قبل القبض، وهذا بخلاف ما لو قلنا بالإشاعة (10)
135

ثم اعلم: أن المبيع إنما يبقي كليا ما لم يقبض وأما إذا قبض، فإن قبض منفردا عما عداه
كان مختصا بالمشتري، وإن قبض في ضمن الباقي - بأن أقبضه البائع مجموع الصبرة فيكون
بعضه وفاء، والباقي أمانة - حصلت الشركة، لحصول ماله في يده وعدم توقفه على تعيين
وإقباض حتى يخرج التالف عن قابلية تملك المشتري له فعلا وينحصر حقه في الباقي،
فحينئذ حساب التالف على البائع دون المشتري ترجيح بلا مرجح، فيحسب عليهما. (11)
138

والمشهور هنا التنزيل على الكلي، بل لم يعرف من جزم بالإشاعة.
وربما يفرق بين المسألتين بالنص فيما نحن فيه على التنزيل على الكلي، وهو ما تقدم من
الصحيحة المتقدمة.
وفيه: أن النص إن استفيد منه حكم القاعدة لزم التعدي عن مورده إلى مسألة الاستثناء،
أو بيان الفارق وخروجها عن القاعدة وإن اقتصر على مورده لم يتعد إلى غير مورده حتى
في البيع الا بعد إبداء الفرق بين موارد التعدي وبين مسألة الاستثناء وبالجملة، فالنص
بنفسه لا يصلح فارقا مع البناء على التعدي عن مورده الشخصي. (13)
143

وأضعف من ذلك: الفرق بقيام الاجماع على الإشاعة في مسألة الاستثناء، لأنا نقطع بعدم
استناد المجمعين فيها إلى توقيف بالخصوص. (14)
وأضعف من هذين، الفرق بين مسألة الاستثناء ومسألة الزكاة وغيرهما مما يحمل الكلي
فيها على الإشاعة، وبين البيع، باعتبار القبض في لزوم البيع وإيجابه على البائع، فمع
وجود فرد يتحقق فيه البيع يجب دفعه إلى المشتري، إذ هو شبه الكلي في الذمة. (15)
144

وفيه - مع أن إيجاب القبض متحقق في مسألتي الزكاة والاستثناء - (16):
145

أن إيجاب القبض على البائع يتوقف على بقائه، إذ مع عدم بقائه كلا أو بعضا ينفسخ
البيع في التالف، والحكم بالبقاء يتوقف على نفي الإشاعة، فنفي الإشاعة بوجوب الاقباض
لا يخلو عن مصادرة، كما لا يخفى. (17)
146

بمعنى وأما مدخلية القبض في اللزوم فلا دخل له أصلا في الفرق (18)
ومثله في الضعف - لو لم يكن عينه - ما في مفتاح الكرامة من الفرق: بأن التلف من
الصبرة قبل القبض، فيلزم على البائع تسليم المبيع منها وإن بقي قدره، فلا ينقص المبيع
لاجله بخلاف الاستثناء، فإن التلف فيه بعد القبض، والمستثني بيد المشتري أمانة على
الإشاعة بينهما، فيوزع الناقص عليهما، ولهذا لم يحكم بضمان المشتري هنا، بخلاف البائع
هناك، انتهي. (19)
147

وفيه - مع ما عرفت من أن التلف من الصبرة قبل القبض إنما يوجب تسليم تمام المبيع من
الباقي بعد ثبوت عدم الإشاعة، فكيف يثبت به! - أنه: إن أريد من كون التلف - في
مسألة الاستثناء - بعد القبض: أنه بعد قبض المشتري.
ففيه: أنه موجب لخروج البائع عن ضمان ما يتلف من مال المشتري ولا
كلا فيه ولا إشكال، وإنما الاشكال في الفرق بين المشتري في مسألة الصاع والبائع في مسألة الاستثناء،
حيث إن كلا منهما يستحق مقدارا من المجموع لم يقبضه مستحقه، فكيف يحسب نقص
التالف على أحدهما دون الآخر مع اشتراكهما في عدم قبض حقه الكلي.
وإن أريد من كون التلف بعد القبض: أن الكلي الذي يستحقه البائع قد كان في يده بعد
العقد فحصل الاشتراك، فإذا دفع الكل إلى المشتري فقد دفع مالا مشتركا، فهو نظير ما
إذا دفع البائع مجموع الصبرة إلى المشتري، فالاشتراك كان قبل القبض.
ففيه: أن الاشكال بحاله، إذ يبقي سؤال الفرق بين قوله: بعتك صاعا من هذه الصبرة
وبين قوله: بعتك هذه الصبرة - أو هذه الثمرة - الا صاعا منها، وما الموجب للاشتراك في
الثاني دون الأول؟ مع كون مقتضى الكلي عدم تعين فرد منه أو جزء منه لمالكه الا بعد
إقباض مالك الكل الذي هو المشتري في مسألة الاستثناء. (20)
154

فإن كون الكل بيد البائع المالك للكلي لا يوجب الاشتراك (21)
هذا، مع أنه لم يعلم من الأصحاب في مسألة الاستثناء الحكم بعد العقد بالاشتراك وعدم
جواز تصرف المشتري الا بإذن البائع، كما يشعر به فتوى جماعة، منهم الشهيدان والمحقق
الثاني بأنه لو فرط المشتري وجب أداء المستثني من الباقي.
ويمكن أن يقال: إن بناء المشهور في مسألة استثناء الأرطال إن كان على عدم الإشاعة
قبل التلف واختصاص الاشتراك بالتالف دون الموجود - كما ينبئ عنه فتوى جماعة منهم:
بأنه لو كان تلف البعض بتفريط المشتري كان حصة البائع في الباقي، (22)
155

ويؤيده استمرار السيرة في صورة استثناء أرطال معلومة من الثمرة على استقلال المشتري
في التصرف وعدم المعاملة مع البائع معاملة الشركاء فالمسألتان مشتركتان في التنزيل على
الكلي، ولا فرق بينهما الا في بعض ثمرات التنزيل على الكلي وهو حساب التالف عليهما
ولا يحضرني وجه واضح لهذا الفرق، الا دعوى أن المتبادر من الكلي المستثني هو الكلي
الشائع فيما يسلم للمشتري، لا مطلق الموجود وقت البيع. (23)
160

وإن كان بناؤهم على الإشاعة من أول الامر أمكن أن يكون الوجه في ذلك: أن المستثني
كما يكون ظاهرا في الكلي، كذلك يكون عنوان المستثني منه الذي انتقل إلى المشتري
بالبيع كليا، بمعنى أنه ملحوظ بعنوان كلي يقع عليه البيع، فمعني بعتك هذه الصبرة الا
صاعا منها: بعتك الكلي الخارجي الذي هو المجموع المخرج عنه الصاع فهو كلي كنفس
الصاع، فكل منهما مالك لعنوان كلي، فالموجود مشترك بينهما، لان نسبة كل جزء منه
إلى كل منهما على نهج سواء، فتخصيص أحدهما به ترجيح من غير مرجح، وكذا التالف
نسبته إليهما على السواء، فيحسب عليهما وهذا بخلاف ما إذا كان المبيع كليا، فإن مال
البائع ليس ملحوظا بعنوان كلي في قولنا: بعتك صاعا من هذه الصبرة، إذ لم يقع موضوع
الحكم في هذا الكلام حتى يلحظ بعنوان كلي كنفس الصاع. (24)
161

فإن قلت: إن مال البائع بعد بيع الصاع ليس جزئيا حقيقيا متشخصا في الخارج فيكون كليا
كنفس الصاع قلت: نعم ولكن ملكية البائع له ليس بعنوان كلي حتى يبقي ما بقي ذلك
العنوان، ليكون الباقي بعد تلف البعض صادقا على هذا العنوان وعلي عنوان الصاع على
نهج سواء، ليلزم من تخصيصه بأحدهما الترجيح من غير مرجح فيجئ الاشتراك، فإذا لم يبق
الا صاع كان الموجود مصداقا لعنوان ملك المشتري فيحكم بكونه مالكا له، ولا يزاحمه بقاء
عنوان ملك البائع، فتأمل. (25)
هذا ما خطر عاجلا بالبال، وقد أوكلنا تحقيق هذا المقام - الذي لم يبلغ إليه ذهني القاصر -
إلى نظر الناظر البصير الخبير الماهر، عفي الله عن الزلل في المعاثر قال في الروضة - تبعا للمحكي
عن حواشي الشهيد -: إن أقسام بيع الصبرة عشرة، لأنها إما أن تكون معلومة المقدار أو
مجهولته، فإن كانت معلومة صح بيعها أجمع، وبيع جزء منها معلوم مشاع، وبيع مقدار
كقفيز تشتمل عليه، وبيعها كل قفيز بكذا، لا بيع كل قفيز منها بكذا والمجهولة كلها
باطلة الا الثالث، وهو بيع مقدار معلوم يشتمل الصبرة عليه. (26)
163

ولو لم يعلم باشتمالها عليه، فظاهر القواعد والمحكي عن حواشي الشهيد وغيرها عدم
الصحة، واستحسنه في الروضة، ثم قال: ولو قيل بالاكتفاء بالظن باشتمالها عليه كان
متجها والمحكي عن ظاهر الدروس واللمعة الصحة، قال فيها: فإن نقصت تخير بين أخذ
الموجود منها بحصته من الثمن وبين الفسخ، لتبعض الصفقة وربما يحكي عن المبسوط،
والمحكي خلافه،
ولا يخلو عن قوة وإن كان في تعيينه نظر، لا لتدارك الغرر بالخيار، لما عرفت غير مرة:
من أن الغرر إنما يلاحظ في البيع مع قطع النظر عن الخيار الذي هو من أحكام العقد، فلا
يرتفع به الغرر الحاصل عند العقد، بل لمنع الغرر وإن قيل: عدم العلم بالوجود من أعظم
أفراد الغرر.
قلنا: نعم، إذا بني العقد على جعل الثمن في مقابل الموجود.
وأما إذا بني على توزيع الثمن على مجموع المبيع الغير المعلوم الوجود بتمامه فلا غرر عرفا،
وربما يحتمل الصحة مراعي بتبين اشتمالها عليه.
وفيه: أن الغرر إن ثبت حال البيع لم ينفع تبين الاشتمال هذا، ولكن الأوفق بكلماتهم في
موارد الغرر عدم الصحة، الا مع العلم بالاشتمال، أو الظن الذي يتعارف الاعتماد عليه
ولو كان من جهة استصحاب الاشتمال. (27)
165

وأما الرابع مع الجهالة - وهو بيعها كل قفيز بكذا - فالمحكي عن جماعة المنع وعن ظاهر
إطلاق المحكي من عبارتي المبسوط والخلاف أنه لو قال: بعتك هذه الصبرة كل قفيز بدرهم
صح البيع قال في الخلاف: لأنه لا مانع منه، والأصل جوازه وظاهر إطلاقه يعم صورة
الجهل بالاشتمال. (28)
وعن الكفاية: نفي البعد عنه، إذ المبيع معلوم بالمشاهدة (29)، والثمن مما يمكن أن يعرف،
بأن تكال الصبرة ويوزع الثمن على قفزاتها، قال: وله نظائر ذكر جملة منها في التذكرة
وفيه نظر. (30)
166

مسألة
إذا شاهد عينا في زمان سابق على العقد عليها، فإن اقتضت العادة تغيرها عن صفاتها
السابقة إلى غيرها المجهول عند المتبايعين، فلا يصح البيع الا بذكر صفات تصحح بيع
الغائب، لان الرؤية القديمة غير نافعة (1)
167

وإن اقتضت العادة بقاءها عليها فلا إشكال في الصحة، ولا خلاف أيضا الا من بعض
الشافعية.
وإن احتمل الأمران جاز الاعتماد على أصالة عدم التغير والبناء عليها في العقد، فيكون
نظير إخبار البائع بالكيل والوزن، لان الأصل من الطرق التي يتعارف التعويل عليها (2)
172

ولو فرضناه في مقام لا يمكن التعويل عليه لحصول أمارة على خلافه، فإن بلغت قوة الظن
حدا يلحقه بالقسم الأول - وهو ما اقتضي العادة تغيره - لم يجز البيع، والا جاز مع ذكر
تلك الصفات، لا بدونه، لأنه لا ينقص عن الغائب الموصوف الذي يجوز بيعه بصفات لم
يشاهد عليها، بل يمكن القول بالصحة في القسم الأول إذا لم يفرض كون ذكر الصفات مع
اقتضاء العادة عدمها لغوا لكن هذا كله خارج عن البيع بالرؤية القديمة (3)
173

وكيف كان، فإذا باع أو اشتري برؤية قديمة فانكشف التغير تخير المغبون - وهو البائع إن
تغير إلى صفات زادت في ماليته، والمشتري إن نقصت عن تلك الصفات - لقاعدة الضرر،
ولان الصفات المبني عليها في حكم الصفات المشروطة، فهي من قبيل تخلف الشرط، كما
أشار إليه في نهاية الاحكام والمسالك بقولهما: الرؤية بمثابة الشرط في الصفات الكائنة في
المرئي، فكل ما فات منها فهو بمثابة التخلف في الشرط، انتهي (4)
174

وتوهم: أن الشروط إذا لم تذكر في متن العقد لا عبرة بها، فما نحن فيه من قبيل ما لم
يذكر من الشروط في متن العقد، مدفوع: بأن الغرض من ذكر الشروط في العقد
صيرورتها مأخوذة فيه حتى لا يكون العمل بالعقد بدونها وفاء بالعقد والصفات المرئية
سابقا حيث إن البيع لا يصح الا مبنيا عليها كانت دخولها في العقد أولي من دخول الشرط
المذكور على وجه الشرطية، (5)
176

ولذا لو لم يبن البيع عليها ولم يلاحظ وجودها في البيع كان البيع باطلا، فالذكر اللفظي إنما
يحتاج إليه في شروط خارجة لا يجب ملاحظتها في العقد واحتمل في نهاية الاحكام البطلان
ولعله لان المضي على البيع وعدم نقضه عند تبين الخلاف إن كان وفاء بالعقد وجب، فلا
خيار وإن لم يكن وفاء لم يدل دليل على جوازه (6)
177

فرعان:
الأول
لو اختلفا في التغيير فادعاه المشتري، (8)
179

ففي المبسوط والتذكرة والايضاح والدروس وجامع المقاصد والمسالك: تقديم قول المشتري،
لان يده على الثمن، كما في الدروس، وهو راجع إلى ما في المبسوط والسرائر:
من أن المشتري هو الذي ينتزع منه الثمن، ولا ينتزع منه الا بإقراره أو بينة تقوم عليه،
انتهي (9)
وتبعهما العلامة أيضا في صورة الاختلاف في أوصاف المبيع الموصوف إذا لم يسبقه رؤية،
حيث تمسك بأصالة براءة ذمة المشتري من الثمن، فلا يلزمه ما لم يقر به أو يثبت
بالبينة ولان البائع يدعي علمه بالمبيع على هذا الوصف الموجود والرضا به، والأصل
عدمه كما في التذكرة ولان الأصل عدم وصول حقه إليه كما في جامع المقاصد. (10)
181

ويمكن أن يضعف الأول: بأن يد المشتري على الثمن بعد اعترافه بتحقق الناقل الصحيح يد
أمانة، غاية الامر أنه يدعي سلطنته على الفسخ فلا ينفع تشبثه باليد. (11)
182

إلا أن يقال: إن وجود الناقل لا يكفي في سلطنة البائع على الثمن، بناء على ما ذكره
العلامة في أحكام الخيار من التذكرة، ولم ينسب خلافه الا إلى بعض الشافعية، من عدم
وجوب تسليم الثمن والمثمن في مدة الخيار وإن تسلم الاخر، وحينئذ فالشك في ثبوت
الخيار يوجب الشك في سلطنة البائع على أخذ الثمن، (12)
185

فلا مدفع لهذا الوجه الا أصالة عدم سبب الخيار لو تم، كما سيجئ (13)
186

والثاني - مع معارضته بأصالة عدم علم المشتري بالمبيع على وصف آخر حتى يكون حقا
له يوجب الخيار -: بأن الشك في علم المشتري بهذا الوصف وعلمه بغيره مسبب عن
الشك في وجود غير هذا الوصف سابقا، (14)
187

فإذا انتفي غيره بالأصل الذي يرجع إليه أصالة عدم تغير المبيع لم يجر أصالة عدم علمه بهذا الوصف. (15)
والثالث: بأن حق المشتري من نفس العين قد وصل إليه قطعا، ولذا يجوز له إمضاء العقد،
وثبوت حق له من حيث الوصف المفقود غير ثابت، فعليه الاثبات، والمرجع أصالة لزوم
العقد ولأجل ما ذكرنا قوي بعض تقديم قول البائع (16)
188

هذا، ويمكن بناء المسألة على أن بناء المتبائعين حين
العقد على الأوصاف الملحوظة حين المشاهدة هل هو كاشتراطها في العقد، فهي كشروط مضمرة في نفس المتعاقدين - كما
عرفت عن النهاية والمسالك - ولذا لا يحصل من فقدها الا خيار لمن اشترطت له ولا يلزم
بطلان العقد، أو أنها مأخوذة في نفس المعقود عليه، بحيث يكون المعقود عليه هو الشئ
المقيد، ولذا لا يجوز إلغاؤها في المعقود عليه كما يجوز إلغاء غيرها من الشروط؟ (17)
190

فعلي الأول: يرجع النزاع في التغير وعدمه إلى النزاع في اشتراط خلاف هذا الوصف
الموجود على البائع وعدمه، والأصل مع البائع.
وبعبارة أخرى: النزاع في أن العقد وقع على الشئ الملحوظ فيه الوصف المفقود، أم لا؟
لكن الانصاف: أن هذا البناء في حكم الاشتراط من حيث ثبوت الخيار، لكنه ليس شيئا
مستقلا حتى يدفع عند الشك بالأصل، بل المراد به إيقاع العقد على العين الملحوظ كونه
متصفا بهذا الوصف (18)، وليس هنا عقد على العين والتزام بكونه متصفا بذلك الوصف،
فهو قيد ملحوظ في المعقود عليه نظير الاجزاء، لا شرط ملزم في العقد، (19)
191

فحينئذ يرجع النزاع إلى وقوع العقد على ما ينطبق على الشئ الموجود حتى يلزم الوفاء
وعدمه، والأصل عدمه. (20)
ودعوى: معارضته بأصالة عدم وقوع العقد على العين المقيدة بالوصف المفقود ليثبت
الجواز، مدفوعة: بأن عدم وقوع العقد على العين المقيدة لا يثبت جواز العقد الواقع الا
بعد إثبات وقوع العقد على العين الغير المقيدة بأصالة عدم وقوع العقد على المقيدة، وهو
غير جائز كما حقق في الأصول وعلي الثاني: يرجع النزاع إلى وقوع العقد والتراضي على
الشئ المطلق بحيث يشمل الموصوف بهذا الوصف الموجود وعدمه، والأصل مع المشتري.
ودعوى: معارضته بأصالة عدم وقوع العقد على الشئ الموصوف بالصفة المفقودة،
مدفوعة: بأنه لا يلزم من عدم تعلقه بذاك تعلقه بهذا حتى يلزم على المشتري الوفاء به،
فإلزام المشتري بالوفاء بالعقد موقوف على ثبوت تعلق العقد بهذا، وهو غير ثابت والأصل
عدمه، وقد تقرر في الأصول: أن نفي أحد الضدين بالأصل لا يثبت الضد الآخر ليترتب
عليه حكمه (21)
192

وبما ذكرنا يظهر فساد التمسك بأصالة اللزوم، حيث إن المبيع ملك
المشتري، والثمن ملك البائع اتفاقا، وإنما اختلافهما في تسلط المشتري على الفسخ، فينفي بما تقدم من قاعدة
اللزوم. توضيح الفساد: أن الشك في اللزوم وعدمه من حيث الشك في متعلق العقد، فإنا
نقول: الأصل عدم تعلق العقد بهذا الموجود حتى يثبت اللزوم، وهو وارد على أصالة
اللزوم والحاصل: أن هنا أمرين:
أحدهما: عدم تقييد متعلق العقد بذلك الوصف المفقود وأخذه فيه وهذا الأصل ينفع في
عدم الخيار، لكنه غير جار، لعدم الحالة السابقة (22)
194

والثاني: عدم وقوع العقد على الموصوف بذاك الوصف المفقود
وهذا جار غير نافع (23)، نظير الشك في كون الماء المخلوق دفعة كرا من أصله، فإن
أصالة عدم كريته نافعة غير جارية، وأصالة عدم وجود الكر جارية غير نافعة في ترتب
آثار القلة على الماء المذكور، فافهم واغتنم
وبما ذكرنا يظهر حال التمسك بالعمومات المقتضية للزوم العقد الحاكمة على الأصول
العملية المتقدمة، مثل ما دل على حرمة أكل المال (24)
198

إلا أن تكون تجارة عن تراض، وعموم: لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفسه،
وعموم: الناس مسلطون على أموالهم، بناء على أنها تدل على عدم تسلط المشتري
على استرداد الثمن من البائع، لان المفروض صيرورته ملكا له، إذ لا يخفى عليك أن هذه
العمومات مخصصة قد خرج عنها بحكم أدلة الخيار المال الذي لم يدفع عوضه الذي وقع
المعاوضة عليه إلى المشتري (25)،
199

فإذا شك في ذلك فالأصل عدم دفع العوض (26)
200

وهذا هو الذي تقدم: من أصالة عدم وصول حق المشتري اليه، فان عدم وصول حقه
اليه يثبت موضوع خيار تخلف الوصف.
فإن قلت: لا دليل على كون الخارج من العمومات المذكورة معنوتا بالعنوان المذكور، بل
نقول: قد خرج من تلك العمومات المال الذي وقع المعاوضة بينه وبين ما لم ينطبق على
المدفوع، فإذا شك في ذلك فالأصل عدم وقوع المعاوضة المذكورة.
قلت: السبب في الخيار وسلطنة المشتري على فسخ العقد وعدم وجوب الوفاء به عليه هو
عدم كون العين الخارجية منطبقة على ما وقع العقد عليه (27)
202

وبعبارة أخرى: هو عدم وفاء البائع بالعقد بدفع العنوان الذي وقع العقد عليه إلى المشتري،
لا وقوع العقد على ما لا يطابق العين الخارجية كما أن السبب في لزوم العقد تحقق
مقتضاه: من انتقال العين بالصفات التي وقع العقد عليها إلى ملك المشتري والأصل موافق
للأول، ومخالف للثاني مثلا إذا وقع العقد على العين على أنها سمينة فبانت مهزولة،
فالموجب للخيار هو: أنه لم ينتقل إليه في الخارج ما عقد عليه وهو السمين، لا وقوع العقد
على السمين، فإن ذلك لا يقتضي الجواز، وإنما المقتضي للجواز عدم انطباق العين الخارجية
على متعلق العقد، ومن المعلوم أن عدم الانطباق هو المطابق للأصل عند الشك (28)
203

فقد تحقق مما ذكرنا: صحة ما تقدم: من أصالة عدم وصول حق المشتري إليه، وكذا صحة
ما في التذكرة: من أصالة عدم التزام المشتري بتملك هذا الموجود حتى يجب الوفاء بما الزم.
نعم ما في المبسوط والسرائر والدروس: من أصالة بقاء يد المشتري على الثمن (29)،
كأنه لا يناسب أصالة اللزوم بل يناسب أصالة الجواز عند الشك في لزوم العقد، كما يظهر
من المختلف في باب السبق والرماية وسيأتي تحقيق الحال في باب الخيار. (30)
204

وأما دعوى ورود أصالة عدم تغير المبيع على الأصول المذكورة، لان الشك فيها مسبب
عن الشك في تغير المبيع، فهي مدفوعة ج مضافا إلى منع جريانه فيما إذا علم بالسمن قبل
المشاهدة فاختلف في زمان المشاهدة، (31) كما إذا علم بكونها سمينة وأنها صارت مهزولة،
ولا يعلم أنها في زمان المشاهدة كانت باقية على السمن أو لا، فحينئذ مقتضى الأصل
تأخر الهزال عن المشاهدة، فالأصل تأخر التغير، لا عدمه الموجب للزوم العقد -: (32)
بأن مرجع أصالة عدم تغير المبيع إلى عدم كونها حين المشاهدة سمينة، (33)
205

ومن المعلوم: أن هذا بنفسه لا يوجب لزوم العقد، نظير صالة عدم وقوع العقد على
السمين نعم، لو ثبت بذلك الأصل هزالها عند المشاهدة وتعلق العقد بالمهزول ثبت لزوم
العقد، ولكن الأصول العدمية في مجاريها لا تثبت وجود أضدادها المشتري النقص الموجب
للخيار. (34)
هذا كله مع دعوى ولو ادعي البائع الزيادة الموجبة لخيار البائع، فمقتضى ما ذكرنا في
طرف المشتري تقديم قول البائع، لان الأصل عدم وقوع العقد على هذا الموجود حتى يجب
عليه الوفاء به (35)
207

وظاهر عبارة اللمعة تقديم قول المشتري هنا ولم يعلم وجهه. (36)
208

الفرع الثاني
لو اتفقا على التغير بعد المشاهدة، ووقوع العقد على الوصف المشاهد، واختلفا في تقدم
التغير على البيع ليثبت الخيار، وتأخره عنه على وجه لا يوجب الخيار، تعارض كل من
أصالة عدم تقدم البيع والتغير على صاحبه (37)

(37) النائيني منية الطالب: لا يخفى أنه وإن اختلف هذا الفرع والفرع الأول في كيفية الدعوى
إلا أنه في النتيجة لا فرق بينهما، فإن أصالة عدم وصول حق المشتري إليه تقتضي تقديم قوله
مطلقا.
ثم إنه لا بد أن يكون دعوى البائع في هذا الفرع وقوع التغيير بعد قبض المشتري، لان تلف
الوصف قبل قبضه ضمانه عليه، لا على المشتري، غاية الامر: نتيجة كون تلفه عليه هي تخير
المشتري بين الفسخ والامضاء.
المقرر: (نعم، بناء على أن تلف الوصف بعد العقد ليس حكمه حكم تلف المبيع وتلف جزئه في
كون
ضمانه على البائع، فيكفي للبائع دعوى التغيير بعد العقد ولو قبل القبض، ولا يبعد أن يكون
وجه نظر المصنف في جعل التعارض بين أصالة عدم تقدم البيع وأصالة عدم تقدم التغير، لا بين
أصالة عدم تقدم القبض وأصالة عدم تقدم التغير هو الخلاف في كون ضمان تلف الوصف على
البائع قبل القبض)
وبالجملة: لو اتفقا على أن الغنم حال المشاهدة كان سمينا، وأن العقد وقع على الوصف المشاهد،
وأنه بعد المشاهدة صار مهزولا إلا أن البائع يدعي تحقق الهزال بعد قبض المشتري، والمشتري
يدعي تحققه قبل العقد أو قبل القبض فالقول قول المشتري. كما لو اختلفا في أصل التغير فادعي
البائع أن الغنم حال المشاهدة كان مهزولا ووقع العقد على الوصف المشاهد وادعي المشتري بأنه
كان سمينا ووقع العقد عليه،
209

وحيث إن مرجع الأصلين إلى أصالة عدم وقوع البيع حال السمن مثلا "، وأصالة بقاء
السمن، وعدم وجود الهزال حال البيع - والظاهر أنه لا يترتب على شئ منهما الحكم
بالجواز أو اللزوم، (38)
210

لان اللزوم من أحكام وصول ما عقد عليه وانتقاله إلى المشتري، وأصالة بقاء السمن لا
يثبت وصول السمين، كما أن أصالة عدم وقوع البيع حال السمن لا ينفيه - (39)
211

وبعبارة أخرى: الشك هنا في وصول الحق، وهناك في حقية الواصل، ومقتضى الأصل في
المقامين عدم اللزوم. (41)
ومن ذلك يعلم الكلام فيما لو كان مدعي الخيار هو البائع، بأن اتفقا على مشاهدته
مهزولا ووقوع العقد على المشاهد وحصل السمن، واختلفا في تقدمه على البيع ليثبت
الخيار للبائع، فافهم وتدبر، فإن المقام لا يخلو عن إشكال واشتباه
ولو وجد المبيع تالفا بعد القبض فيما يكفي في قبضه التخلية، واختلفا في تقدم التلف على
البيع وتأخره، فالأصل بقاء ملك المشتري على الثمن، لأصالة عدم تأثير البيع. (42)
وقد يتوهم جريان أصالة صحة البيع هنا، للشك في بعض شروطه، وهو وجود المبيع
213

وفيه: أن صحة العقد عبارة عن كونه بحيث يترتب عليه الأثر شرعا، فإذا فرضنا أنه عقد
على شئ معدوم في الواقع فلا تأثير له عقلا في تمليك العين (43)، لان تمليك المعدوم لا على
قصد تمليكه عند الوجود، ولا على قصد تمليك بدله مثلا أو قيمته غير معقول ومجرد
إنشائه باللفظ لغو عرفا، يقبح مع العلم دون الجهل بالحال، فإذا شككنا في وجود العين
حال العقد فلا يلزم من الحكم بعدمه فعل فاسد من المسلم، لان التمليك الحقيقي غير
متحقق، والصوري وإن تحقق لكنه ليس بفاسد، إذ اللغو فاسد عرفا - أي قبيح - إذا صدر
عن علم بالحال.
216

وبالجملة، الفاسد شرعا الذي تنزه عنه فعل المسلم هو التمليك الحقيقي المقصود الذي لم
يمضه الشارع فافهم هذا (44)، فإنه قد غفل عنه بعض في مسألة الاختلاف فيتقدم بيع
الراهن على رجوع المرتهن عن إذنه في البيع وتأخره عنه، حيث تمسك بأصالة صحة
الرجوع عن الاذن، لان الرجوع لو وقع بعد بيع الراهن كان فاسدا، لعدم مصادفته محلا
يؤثر فيه. (45)
218

نعم، لو تحققت قابلية التأثير عقلا وتحقق الانشاء الحقيقي عرفا - ولو فيما إذا باع بلا ثمن،
أو باع ما هو غير مملوك كالخمر والخنزير وكالتالف شرعا كالغريق والمسروق، أو معدوم
قصد تملكه عند وجوده كالثمرة المعدومة، أو قصد تمليك بدله مثلا أو قيمة، كما لو باع
ما أتلفه زيد على عمرو، أو صالحه إياه بقصد حصول أثر الملك في بدله - تحقق مورد
الصحة والفساد، فإذا حكم بفساد شئ من ذلك ثم شك في أن العقد الخارجي منه أم من
الصحيح، حمل على الصحيح (46)
219

مسألة
لا بد من اختبار الطعم واللون والرائحة فيما يختلف قيمته باختلاف ذلك، كما في كل وصف
يكون كذلك، إذ لا فرق في توقف رفع الغرر على العلم، بين هذه الأوصاف وبين
تقدير العوضين بالكيل والوزن والعد. (1)
220

ويغني الوصف عن الاختبار فيما ينضبط من الأوصاف، دون ما لا ينضبط، كمقدار الطعم
والرائحة واللون وكيفياتها، فإن ذلك مما لا يمكن ضبطه الا باختبار شئ من جنسه، ثم
الشراء على ذلك النحو من الوصف، مثل أن يكون الأعمى قد رأى قبل العمى لؤلؤة،
فبيع منه لؤلؤة أخرى على ذلك الوصف وكذا الكلام في الطعم والرائحة لمن كان مسلوب
الذائقة والشامة.
نعم، لو لم يرد من اختبار الأوصاف الا استعلام صحته وفساده، جاز شراؤها بوصف
الصحة، كما في الدبس والدهن مثلا، فإن المقصود من طعمهما ملاحظة عدم فسادهما
بخلاف بعض أنواع الفواكه والروائح التي تختلف قيمتها باختلاف طعمها ورائحتها، ولا
يقصد من اختبار أوصافها ملاحظة صحتها وفسادها.
وإطلاق كلمات الأصحاب في جواز شراء ما يراد طعمه ورائحته بالوصف محمول على ما
إذا أريد الأوصاف التي لها مدخل في الصحة، لا الزائدة على الصحة التي يختلف بها القيمة،
بقرينة تعرضهم بعد هذا لبيان جواز شرائها من دون اختبار ولا وصف، بناء على أصالة
الصحة. (2)
223

وكيف كان، فقد قوي في السرائر عدم الجواز أخيرا بعد اختيار جواز بيع ما ذكرنا
بالوصف، وفاقا للمشهور المدعي عليه الاجماع في الغنية قال: يمكن أن يقال: إن بيع
العين المشاهدة المرئية لا يجوز أن يكون بالوصف، لأنه غير غائب فيباع مع خيار الرؤية
بالوصف، فإذا لا بد من شمه وذوقه، لأنه حاضر مشاهد غير غائب يحتاج إلى الوصف،
وهذا قوي، انتهي
ويضعفه: أن المقصود من الاختبار رفع الغرر، فإذا فرض رفعه بالوصف كان الفرق بين
الحاضر والغائب تحكما بل الأقوى جواز بيعه من غير اختبار ولا وصف، بناء على أصالة
الصحة، وفاقا للفاضلين ومن تأخر عنهما، لأنه إذا كان المفروض ملاحظة الوصف من
جهة دوران الصحة معه، فذكره في الحقيقة يرجع إلى ذكر وصف الصحة، ومن المعلوم أنه
غير معتبر في البيع إجماعا، بل يكفي بناء المتعاقدين عليه إذا لم يصرح البائع بالبراءة من
العيوب.
وأما رواية محمد بن العيص: عن الرجل يشتري ما يذاق، أيذوقه قبل أن يشتري؟ قال:
نعم فليذقه، ولا يذوقن ما لا يشتري فالسؤال فيها عن جواز الذوق، لا عن وجوبه.
ثم إنه ربما نسب الخلاف في هذه المسألة إلى المفيد والقاضي وسلار وأبي الصلاح وابن حمزة
قال في المقنعة: كل شئ من المطعومات والمشمومات يمكن للانسان اختباره من غير إفساد
له - كالادهان المختبرة بالشم وصنوف الطيب والحلوات المذوقة - فإنه لا يصح بيعه بغير
اختباره. (3)
224

فإن ابتيع بغير اختبار كان البيع باطلا، والمتبايعان فيه بالخيار فإن تراضيا بذلك لم يكن به
بأس، انتهي. (4)
225

وعن القاضي: أنه لا يجوز بيعه الا بعد أن يختبر، فإن بيع من غير اختبار كان المشتري
مخيرا في رده له على البائع والمحكي عن سلار وأبي الصلاح وابن حمزة: إطلاق القول
بعدم صحة البيع من غير اختبار في ما لا يفسده الاختبار من غير تعرض لخيار المتبايعين
كالمفيد، أو للمشتري كالقاضي.
ثم المحكي عن المفيد وسلار: أن ما يفسده الاختبار يجوز بيعه بشرط الصحة وعن النهاية
والكافي: أن بيعه جائز على شرط الصحة أو البراءة من العيوب. (5)
226

وعن القاضي: لا يجوز بيعه الا بشرط الصحة أو البراءة من العيوب قال في محكي
المختلف - بعد ذكر عبارة القاضي -: إن هذه العبارة توهم اشتراط أحد القيدين: إما
الصحة أو البراءة من العيوب، وليس بجيد، بل الأولى انعقاد البيع، سواء شرط أحدهما
أو خلي عنهما أو شرط العيب والظاهر أنه إنما صار إلى الابهام من عبارة الشيخين،
حيث قالا: إنه جاز على شرط الصحة أو بشرط الصحة ومقصودهما: أن البيع بشرط
الصحة أو على شرط الصحة جائز، لا أن جوازه مشروط بالصحة أو البراءة، انتهي
أقول: ولعله لنكتة بيان أن مطلب الشيخين ليس وجوب ذكر الوصف في العقد عبر في
القواعد فيما يفسده الاختبار بقوله: جاز بشرط الصحة، لكن الانصاف أن الظاهر من
عبارتي المقنعة والنهاية ونحوهما هو اعتبار ذكر الصحة في العقد، كما يظهر بالتدبر في عبارة
المقنعة من أولها إلى آخرها، وعبارة النهاية - هنا - هي عبارة المقنعة بعينها، فلاحظ وظاهر
الكل - كما تري - اعتبار خصوص الاختبار فيما لا يفسده، كما تقدم من الحلي فلا يكفي
ذكر الأوصاف، فضلا عن الاستغناء عنها بأصالة السلامة.
ويدل عليه: أن هؤلاء اشترطوا في ظاهر عبائرهم المتقدمة اشتراط الوصف أو السلامة من
العيوب فيما يفسده الاختبار، وإن فهم في المختلف خلاف ذلك لكن قدمنا ما فيه. (6)
227

فينبغي أن يكون كلامهم في الأمور التي لا تنضبط خصوصية طعمها وريحها بالوصف
والظاهر أن ذلك في غير الأوصاف التي يدور عليها السلامة من العيب، (7)
228

إلا أن تخصيصهم الحكم بما لا يفسده الاختبار كالشاهد على أن المراد بالأوصاف التي لا
يفسد اختبارها ما هو مناط السلامة، كما أن مقابله وهو ما يفسد الشئ باختباره -
كالبيض والبطيخ - كذلك غالبا ويؤيده حكم القاضي بخيار المشتري. (8)
وكيف كان، فإن كان مذهبهم تعيين الاختبار فيما لا ينضبط بالأوصاف، فلا خلاف معهم
منا ولا من الأصحاب وإن كان مذهبهم موافقا للحلي بناء على إرادة الأوصاف التي بها
قوام السلامة من العيب، فقد عرفت أنه ضعيف في الغاية وإن كان مذهبهم عدم كفاية
البناء على أصالة السلامة عن الاختبار والوصف وإن كان ذكر الوصف كافيا عن
الاختبار (9) فقد عرفت: أن الظاهر من حالهم وحال غيرهم عدم التزام ذكر الأوصاف الراجعة
إلى السلامة من العيوب في بيع الأعيان الشخصية.
229

ويمكن أن يقال - بعد منع جريان أصالة السلامة في الأعيان، لعدم الدليل عليها، لا من بناء
العقلاء (10) الا فيما إذا كان الشك في طرو المفسد، (11)
230

مع أن الكلام في كفاية أصالة السلامة عن ذكر الأوصاف أعم، ولا من الشرع، لعدم
الدليل عليه -: إن السلامة من العيب الخاص متي ما كانت مقصودة على جهة الركنية
للمال - كالحلاوة في الدبس، والرائحة في الجلاب، والحموضة في الخل، وغير ذلك مما
يذهب بذهابه معظم المالية - (12)
231

فلا بد في دفع الغرر من إحراز السلامة من هذا العيب الناشئ من عدم هذه
الصفات، (13) وحيث فرض عدم اعتبار أصالة السلامة، فلا بد من الاختبار أو
الوصف أو الاعتقاد بوجودها لامارة عرفية مغنية عن الاختبار والوصف ومتي ما كانت مقصودة لا
على هذا الوجه لم يجب إحرازها.
نعم، لما كان الاطلاق منصرفا إلى الصحيح جاء الخيار عند تبين العيب، فالخيار من جهة
الانصراف نظير انصراف الاطلاق إلى النقد لا النسيئة، وانصراف إطلاق الملك في المبيع إلى
غير مسلوب المنفعة مدة يعتد بها، لا من جهة الاعتماد في إحراز الصحة والبناء عليها على
أصالة السلامة (14)
233

وبعبارة أخرى: الشك في بعض العيوب قد لا يستلزم الغرر، ككون الجارية ممن لا تحيض
في سن الحيض، ومثل هذا لا يعتبر إحراز السلامة عنه وقد يستلزمه، ككون الجارية
خنثى وكون الدابة لا تستطيع المشي أو الركوب والحمل عليها، وهذه مما يعتبر إحراز
السلامة عنها، وحيث فرض عدم إحرازها بالأصل، فلا بد من الاختبار أو الوصف.
هذا، ويؤيد ما ذكرنا من التفصيل: أن بعضهم - كالمحقق في النافع والعلامة في القواعد -
عنون المسألة بما كان المراد طعمه أو ريحه. (15)
234

هذا، ولكن الانصاف أن مطلق العيب إذا التفت إليه المشتري وشك فيه، فلا بد في رفع
الغرر من إحراز السلامة عنه إما بالاختبار، وإما بالوصف، وإما بالاطلاق إذا فرض
قيامه مقام الوصف إما لاجل الانصراف وإما لأصالة السلامة، من غير تفرقة بين العيوب
أصلا
فلا بد إما من كفاية الاطلاق في الكل، للأصل والانصراف، وإما من عدم كفايته في الكل،
نظرا إلى أنه لا يندفع به الغرر الا إذا حصل منه الوثوق، حتى أنه لو شك في أن هذا
العبد صحيح أو أنه أجذم لم يجز البناء على أصالة السلامة إذا لم يفد الوثوق، بل لا بد من
الاختبار أو وصف كونه غير أجذم. (16)
وهذا وإن كان لا يخلو عن وجه، إلا أنه مخالف لما يستفاد من كلماتهم - في غير موضع -:
من عدم وجوب اختبار غير ما يراد طعمه أو ريحه من حيث سلامته من العيوب وعدمها
235

مسألة يجوز ابتياع ما يفسده الاختبار من دون اختبار إجماعا على الظاهر، والأقوى عدم اعتبار
اشتراط الصحة في العقد وكفاية الاعتماد على أصالة السلامة كما فيما لا يفسده الاختبار
خلافا لظاهر جماعة تقدم ذكرهم من اعتبار اشتراط الصحة أو البراءة من العيوب
أو خصوص أحدهما. (1)
وقد عرفت تأويل العلامة في المختلف لعبارتي المقنعة والنهاية الظاهرتين في ذلك
وإرجاعهما إلى ما أراده من قوله في القواعد: جاز بيعه بشرط الصحة: من أنه مع الصحة
يمضي البيع، ولا معها يتخير المشتري وعرفت أن هذا التأويل مخالف للظاهر، حتى أن قوله
في القواعد ظاهر في اعتبار شرط الصحة، ولذا قال في جامع المقاصد: وكما يجوز بيعه
بشرط الصحة يجوز بيعه مطلقا.
237

وكيف كان، فإذا تبين فساد المبيع، فإن كان قبل التصرف فيه بالكسر ونحوه، فإن كان
لفاسده قيمة - كبيض النعامة والجوز - تخير بين الرد والأرش ولو فرض بلوغ الفساد إلى
حيث لا يعد الفاسد من أفراد ذلك الجنس عرفا - كالجوز الأجوف الذي لا يصلح الا
للاحراق - فيحتمل قويا بطلان البيع وإن لم يكن لفاسده قيمة تبين بطلان البيع، لوقوعه
على ما ليس بمتمول وإن كان تبين الفساد بعد الكسر، ففي الأول يتعين الأرش خاصة،
لمكان التصرف ويظهر من المبسوط قول بأنه لو كان تصرفه على قدر يستعلم به فساد
المبيع لم يسقط الرد، والمراد بالأرش: تفاوت ما بين صحيحه وفاسده الغير المكسور، لان
الكسر نقص حصل في يد المشتري. (2)
239

ومنه يعلم ثبوت الأرش أيضا ولو لم يكن لمكسوره قيمة، لان العبرة في التمول بالفاسد
الغير المكسور، ولا عبرة بخروجه بالكسر عن التمول ويبطل البيع في الثاني - أعني ما لم
يكن لفاسده قيمة - وفاقا للمبسوط والسرائر، وظاهر من تأخر عنهما وظاهرهم بطلان
البيع من رأس، كما صرح به الشيخ والحلي والعلامة في التذكرة، مستدلين بوقوعه على
ما لا قيمة له، كالحشرات وهو صريح جملة ممن تأخر عنهم وظاهر آخرين عدا الشهيد في
الدروس، فإن ظاهره انفساخ البيع من حين تبين الفساد لا من أصله، وجعل الثاني احتمالا
ونسبه إلى ظاهر الجماعة ولم يعلم وجه ما اختاره، ولذا نسب في الروضة خلافه إلى
الوضوح وهو كذلك، فإن الفاسد الواقعي إن لم يكن من الأموال الواقعية كان العقد عليه
فاسدا، (3)
241

لان اشتراط تمول العوضين واقعي لا علمي وإن كان من الأموال الواقعية، فإن لم يكن
بينه وبين الصحيح تفاوت في القيمة لم يكن هنا أرش ولا رد، بل كان البيع لازما وقد
تلف المبيع بعد قبضه وإن كان بينه وبين الصحيح الواقعي تفاوت، فاللازم هو استرجاع
نسبة تفاوت ما بين الصحيح والفاسد من الثمن لا جميع الثمن. (4)
اللهم إلا أن يقال: إنه مال واقعي إلى حين تبين الفساد، فإذا سقط عن المالية لامر سابق
على العقد - وهو فساده واقعا - كان في ضمان البائع، فينفسخ البيع حينئذ بل يمكن أن
يقال بعدم الانفساخ، فيجوز له الامضاء فيكون المكسور ملكا له وإن خرج عن المالية
بالكسر، (5)
245

وحيث إن خروجه عن المالية لامر سابق على العقد كان مضمونا على البائع، وتدارك هذا
العيب - أعني فوات المالية - لا يكون الا بدفع تمام الثمن لكن سيجئ ما فيه من مخالفة
القواعد والفتاوي (6)
وفيه: وضوح كون ماليته عرفا وشرعا من حيث الظاهر، وأما إذا انكشف الفساد حكم
بعدم المالية الواقعية من أول الامر (7)، مع أنه لو كان مالا واقعا فالعيب حادث في ملك
المشتري (8)، فإن العلم مخرج له عن المالية، لا كاشف، فليس هذا عيبا مجهولا،
246

ولو سلم فهو كالأرمد يعمي بعد الاشتراء والمريض يموت (9)،
247

مع أن فوات المالية يعد تلفا، لا عيبا ". (10)
ثم إن فائدة الخلاف تظهر في ترتب آثار مالكية المشتري الثمن إلى حين تبين الفساد
وعن الدروس واللمعة: أنها تظهر في مؤونة نقله عن الموضع الذي اشتراه فيه إلى موضع
اختباره، فعلي الأول على البائع، وعلي الثاني على المشتري، لوقوعه في ملكه (11)
248

وفي جامع المقاصد: الذي يقتضيه النظر أنه ليس له رجوع على البائع بها، لانتفاء المقتضي
وتبعه الشهيد الثاني، قال: لأنه نقله بغير أمره، فلا يتجه الرجوع عليه بها، وكون
المشتري هنا كجاهل استحقاق المبيع حيث يرجع بما غرم، إنما يتجه مع الغرور، وهو منفي
هنا، لاشتراكهما في الجهل، انتهي
واعترض عليه: بأن الغرور لا يختص بصورة علم الغار وهنا قول ثالث نفي عنه البعد
بعض الأساطين، وهو: كونه على البائع على التقديرين وهو بعيد على تقدير الفسخ من
حين تبين الفساد هذا كله في مؤونة النقل من موضع الاشتراء إلى موضع الكسر. (12)
وأما مؤونة نقله من موضع الكسر لو وجب تفريغه منه - لمطالبة مالكه أو لكونه مسجدا
أو مشهدا - فإن كان المكسور مع عدم تموله ملكا نظير حبة الحنطة، فالظاهر أنه على
البائع على التقديرين، لأنه بعد الفسخ ملكه، (13)
250

وأما لو لم يكن قابلا للتملك، فلا يبعد مؤاخذة المشتري به وفي رجوعه على البائع ما
تقدم في مؤونة نقله إلى موضع الكسر (14)
ثم إن المحكي في الدروس عن الشيخ وأتباعه: أنه لو تبرأ البائع من العيب فيما لا قيمة
لمكسوره صح، قال: ويشكل: أنه أكل مال بالباطل وتبعه الشهيد والمحقق الثانيان (15)
251

وقد تصدي بعض لتوجيه صحة اشتراط البراءة بما حاصله: منع بطلان البيع وإن استحق
المشتري مجموع الثمن من باب الأرش المستوعب، فإن الأرش غرامة أوجبها الشارع
بسبب العيب، لا أنه جزء من الثمن استحق بسبب فوات ما قابله من المثمن، ولذا يسقط
بالاسقاط، ولا يتعين على البائع الاعطاء من نفس الثمن، ويسقط بالتبري وليس هذا
كاشتراط عدم المبيع في عقد البيع، إذ المثمن متحقق على حسب معاملة العقلاء، ولم يعلم
اعتبار أزيد من ذلك في صحة البيع، فمع فرض رضاه بذلك يكون قادما على بذل ماله
على هذا النحو. (16)
نعم، لو لم يشترط استحق الرجوع بالأرش المستوعب ولعله لذا لم يعبروا بالبطلان وإن
ذكر المحقق وغيره الرجوع بالثمن وفهم منه جماعة بطلان البيع لكنه قد يمنع بعدم خروجه
عن المالية وإن لم يكن له قيمة، وهو أعم من بطلان البيع، انتهي محصله.
255

ولا يخفى فيه مواقع النظر، فإن المتعرضين للمسألة بين مصرح ببطلان البيع - كالشيخ في
المبسوط، والحلي في السرائر، والعلامة في التذكرة، معللين ذلك بأنه لا يجوز بيع ما لا
قيمة له - وبين من صرح برجوع المشتري بتمام الثمن، الظاهر في البطلان، فإن الرجوع
بعين الثمن لا يعقل من دون البطلان ويكفي في ذلك ما تقدم من الدروس: من أن ظاهر
الجماعة البطلان من أول الامر، واختياره قدس سره الانفساخ من حيث تبين الفساد فعلم أن
لا قول بالصحة مع الأرش، بل ظاهر العلامة رحمه الله في التذكرة عدم هذا القول بين
المسلمين، حيث إنه - بعد حكمه بفساد البيع، معللا بوقوع العقد على ما لا قيمة له، وحكاية
ذلك عن بعض الشافعية - قال: وقال بعضهم بفساد البيع لا لهذه العلة، بل لان الرد ثبت
على سبيل استدراك الظلامة، وكما يرجع بجزء من الثمن عند انتقاص جزء من المبيع،
كذلك يرجع بكل الثمن عند فوات كل المبيع ويظهر فائدة الخلاف في أن القشور الباقية بمن
تختص حتى يجب عليه تطهير الموضع عنها، انتهي (17)
256

هذا، مع أنه لا مجال للتأمل في البطلان (18)، بناء على ما ذكرنا من القطع بأن الحكم بمالية
المبيع هنا شرعا وعرفا حكم ظاهري (19)، وتمول العوضين واقعا شرط واقعي لا علمي، ولذا
لم يتأمل ذو مسكة في بطلان بيع من بان حرا أو ما بان خمرا، وغير ذلك، إذ انكشاف
فقد العوض مشترك بينهما (20)
257

ثم إن الجمع بين عدم خروجه عن المالية، وبين عدم القيمة لمكسوره مما لم يفهم، فلعله أراد
الملكية (21) مضافا إلى أن الأرش المستوعب للثمن لا يخلو تصوره عن إشكال، لان الأرش -
كما صرحوا به - تفاوت ما بين قيمتي الصحيح والمعيب. (22)
258

نعم، ذكر العلامة في التذكرة والتحرير والقواعد: أن المشتري للعبد الجاني عمدا، يتخير مع
الجهل بين الفسخ فيسترد الثمن، أو طلب الأرش، فإن استوعب الجناية القيمة كان الأرش
جميع الثمن أيضا "
وقد تصدي جامع المقاصد لتوجيه عبارة القواعد في هذا المقام بما لا يخلو عن بعد، فراجع
(23)
259

وكيف كان، فلا أجد وجها لما ذكره وأضعف من ذلك ما ذكره بعض آخر: من منع حكم
الشيخ وأتباعه بصحة البيع، واشتراط البائع على المشتري البراءة من العيوب، وزعم:
أن معني اشتراط البراءة في كلامهم: اشتراط المشتري على البائع البراءة من العيوب،
فيكون مرادفا لاشتراط الصحة. وأنت خبير بفساد ذلك بعد ملاحظة عبارة الشيخ والاتباع،
فإن كلامهم ظاهر أو صريح في أن المراد براءة البائع من العيوب، لا المشتري.
نعم، لم أجد في كلام الشيخين والمحكي عن غيرهما تعرض لذكر هذا الشرط في خصوص
ما لا قيمة لمكسوره.
ثم إنه ربما يستشكل في جواز اشتراط البراءة من العيوب الغير المخرجة عن المالية أيضا
بلزوم الغرر، فإن بيع ما لا يعلم صحته وفساده لا يجوز الا بناء على أصالة الصحة، فإذا
اشترط البراءة كان بمنزلة البيع من غير اعتداد بوجود العيوب وعدمها وقد صرح
العلامة وجماعة بفساد العقد لو اشترط سقوط خيار الرؤية في العين الغائبة وسيجئ
توضيحه في باب الخيارات إن شاء الله تعالي (24)
261

مسألة
المشهور - من غير خلاف يذكر - جواز بيع المسك في فأره والفأر - بالهمزة - قيل: جمع
فأرة، كتمر وتمرة وعن النهاية: أنه قد لا يهمز تخفيفا ومستند الحكم: العمومات الغير
المزاحمة بما يصلح للتخصيص، عدا توهم النجاسة المندفع - في باب النجاسات - بالنص
والاجماع، أو توهم جهالته، بناء على ما تقدم من احتمال عدم العبرة بأصالة الصحة في
دفع الغرر. (1)
263

ويندفع بما تقدم: من بناء العرف على الأصل في نفي الفساد، وبناء الأصحاب على عدم
التزام الاختبار في الأوصاف التي تدور معها الصحة لكنك خبير بأن هذا كله حسن لدفع
الغرر الحاصل من احتمال الفساد وأما الغرر من جهة تفاوت أفراد الصحيح الذي لا يعلم
الا بالاختبار، فلا رافع له. (2)
نعم، قد روي في التذكرة مرسلا عن الصادق عليه السلام جواز بيعه لكن لم يعلم إرادة ما
في الفأرة.
وكيف كان، فإذا فرض أنه ليس له أوصاف خارجية يعرف بها الوصف الذي له دخل في
القيمة، فالأحوط ما ذكروه من فتقه بإدخال خيط فيها بإبرة، ثم اخراجه وشمه ثم لو شمه
ولم يرض به فهل يضمن هذا النقص الداخل عليه من جهة الفتق لو فرض
حصوله فيه ولو بكونه جزءا أخيرا لسبب النقص، بأن فتق قبله بإدخال الخيط والإبرة
مرارا؟ وجه مبني على ضمان النقص في المقبوض بالسوم، فالأولى أن يباشر البائع ذلك
فيشم المشتري الخيط. (3)
264

ثم إن الظاهر من العلامة عدم جواز بيع اللؤلؤ في الصدف، وهو كذلك وصرح بعدم
جواز بيع البيض في بطن الدجاج للجهالة، وهو حسن إذا لم يعرف لذلك الدجاج فرد معتاد
من البيض من حيث الكبر والصغر (4)
265

مسألة
لا فرق في عدم جواز بيع المجهول بين ضم معلوم إليه وعدمه، لان ضم المعلوم إليه لا
يخرجه عن الجهالة فيكون المجموع مجهولا، إذ لا يعني بالمجهول ما كان كل جزء جزء منه
مجهولا ويتفرع على ذلك: أنه لا يجوز بيع سمك الآجام ولو كان مملوكا، لجهالته وإن ضم
إليه القصب أو غيره ولا اللبن في الضرع ولو ضم إليه ما يحلب منه، أو غيره، على المشهور
كما في الروضة وعن الحدائق. (1)
267

وخص المنع جماعة بما إذا كان المجهول مقصودا بالاستقلال أو منضما إلى المعلوم، وجوزوا
بيعه إذا كان تابعا للمعلوم، وهو المحكي عن المختلف وشرح الارشاد لفخر الاسلام
والمقتصر، واستحسنه المحقق والشهيد الثانيان ولعل المانعين لا يريدون الا ذلك، نظرا إلى
أن جهالة التابع لا توجب الغرر ولا صدق اسم المجهول على المبيع عرفا حتى يندرج في
إطلاق ما دل من الاجماع على عدم جواز بيع المجهول، فإن أكثر المعلومات بعض أجزائها
مجهول خلافا للشيخ في النهاية وابن حمزة في الوسيلة (2)
270

والمحكي عن الإسكافي والقاضي، بل في مفتاح الكرامة: أن الحاصل من التتبع أن المشهور
بين المتقدمين هو الصحة، بل عن الخلاف والغنية: الاجماع في مسألة السمك واختاره من
المتأخرين المحقق الأردبيلي وصاحب الكفاية والمحدث العاملي والمحدث الكاشاني، وحكي
عن ظاهر غاية المراد،
وصريح حواشيه على القواعد وحجتهم على ذلك الأخبار المستفيضة الواردة في مسألتي
السمك واللبن وغيرهما
ففي مرسلة البزنطي - التي إرسالها، كوجود سهل فيها، سهل ج عن أبي عبد الله عليه السلام،
قال: إذا كانت أجمة ليس فيها قصب، أخرج شيئا من سمك فباع وما في الأجمة (3)
272

ورواية معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام: لا بأس بأن يشتري الآجام إذا كان
فيها قصب والمراد شراء ما فيها بقرينة الرواية السابقة واللاحقة (4)
ورواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام في شراء الأجمة ليس فيها قصب إنما هي ماء،
قال: تصيد كفا من سمك تقول: أشتري منك هذا السمك وما في هذه الأجمة بكذا وكذا
وموثقة سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام - كما في الفقيه - قال: سألته عن اللبن يشتري
وهو في الضرع؟ قال: لا، إلا أن يحلب سكرجة، فيقول: اشتر مني هذا اللبن الذي في
السكرجة وما في ضروعها بثمن مسمي، فإن لم يكن في الضرع شئ كان ما في السكرجة
وعليها تحمل صحيحة العيص بن القاسم قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل له
نعم يبيع ألبانها بغير كيل؟ قال: نعم، حتى تنقطع أو شئ منها، بناء على أن المراد: بيع
اللبن الذي في الضرع بتمامه، أو بيع شئ منه محلوب في الخارج وما بقي في الضرع بعد
حلب شئ منه (5)
273

وفي الصحيح إلى ابن محبوب، عن إبراهيم الكرخي قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: ما
تقول في رجل اشتري من رجل أصواف مائة نعجة وما في بطونها من حمل بكذا وكذا
درهما؟ قال: لا بأس، إن لم يكن في بطونها حمل كان رأس ماله في الصوف وموثقة
إسماعيل بن الفضل الهاشمي عن أبي عبد الله عليه السلام: في الرجل يتقبل بخراج الرجال
وجزية رؤوسهم وخراج النخل والشجر والآجام والمصائد والسمك والطير، وهو لا يدري
لعله لا يكون شئ من هذا أبدا أو يكون، أيشتريه؟ وفي أي زمان يشتريه ويتقبل به؟
قال عليه السلام: إذا علمت من ذلك شيئا واحدا أنه قد أدرك فاشتره وتقبل به وظاهر
الأخيرين ج كموثقة سماعة ج أن الضميمة المعلومة إنما تنفع من حيث عدم الوثوق بحصول
المبيع، لا من حيث جهالته، فإن ما في السكرجة غير معلوم بالوزن والكيل، وكذا المعلوم
الحصول من الأشياء المذكورة في رواية الهاشمي (6)
274

مع أن المشهور - كما عن الحدائق - المنع عن بيع الأصواف على ظهور الغنم، بل عن الخلاف
عليه الاجماع والقائلون بجوازه استدلوا برواية الكرخي مع منعهم عن مضمونها من حيث
ضم ما في البطون إلى الأصواف فتبين أن الرواية لم يقل أحد بظاهرها ومثلها في الخروج
عن مسألة ضم المعلوم إلى المجهول روايتا أبي بصير والبزنطي، فإن الكف من السمك لا
يجوز بيعه، لكونه من الموزون، ولذا جعلوه من الربويات، ولا ينافي ذلك تجويز بيع سمك
الآجام إذا كانت مشاهدة، لاحتمال أن لا يعتبر الوزن في بيع الكثير منه، كالذي لا يدخل
في الوزن لكثرته كزبرة الحديد، بخلاف القليل منه.
وأما رواية معاوية بن عمار، فلا دلالة فيها على بيع السمك، الا بقرينة روايتي أبي بصير
والبزنطي اللتين عرفت حالهما (7)،
276

فتأمل (8)
278

ثم على تقدير الدلالة: إن أريد انتزاع قاعدة منها - وهي جواز ضم المجهول إلى المعلوم
وإن كان المعلوم غير مقصود بالبيع الا حيلة لجواز نقل المجهول - فلا دلالة فيها على ذلك،
ولم يظهر من العاملين بها التزام هذه القاعدة، بل المعلوم من بعضهم، بل كلهم خلافه،
فإنا نعلم من فتاويهم عدم التزامهم لجواز بيع كل مجهول من حيث الوصف أو التقدير
بمجرد ضم شئ معلوم إليه، كما يشهد به تتبع كلماتهم وإن أريد الاقتصار على مورد
النصوص - وهو بيع سمك الآجام، ولبن الضرع، وما في البطون مع الأصواف - فالأمر سهل
على تقدير الاغماض عن مخالفة هذه النصوص للقاعدة المجمع عليها بين الكل: من
عدم جواز بيع المجهول مطلقا بقي الكلام في توضيح التفصيل المتقدم، وأصله من العلامة:
قال في القواعد في باب شرط العوضين: كل مجهول مقصود بالبيع لا يصح بيعه وإن انضم
إلى معلوم، ويجوز مع الانضمام إلى معلوم إذا كان تابعا، انتهي.
وارتضى هذا التفصيل جماعة ممن تأخر عنه، إلا أن مرادهم من المقصود والتابع غير واضح
والذي يظهر من مواضع من القواعد والتذكرة: أن مراده بالتابع: ما يشترط دخوله في
البيع، وبالمقصود: ما كان جزءا قال في القواعد في باب الشرط في ضمن البيع: لو شرط أن
الأمة حامل أو الدابة كذلك صح أما لو باع الدابة وحملها أو الجارية وحملها بطل، لان كل
ما لا يصح بيعه منفردا لا يصح جزء من المقصود، ويصح تابعا، انتهي.
وفي باب ما يندرج في المبيع قال: السادس: العبد، ولا يتناول ماله الذي ملكه مولاه،
إلا أن يستثنيه المشتري إن قلنا: إن العبد يملك، فينتقل إلى المشتري مع العبد، وكان جعله
للمشتري إبقاء له على العبد، فيجوز أن يكون مجهولا أو غائبا أما إذا أحلنا تملكه وما
معه صار جزءا من المبيع، فيعتبر فيه شرائط البيع، انتهي وبمثل ذلك في الفرق بين جعل
المال شرطا وبين جعله جزء صرح في التذكرة في فروع مسألة تملك العبد وعدمه، معللا
بكونه مع الشرط كماء الابار وأخشاب السقوف
279

وقال في التذكرة أيضا في باب شروط العوضين: لو باع الحمل مع أمه جاز إجماعا وفي
موضع من باب الشروط في العقد: لو قال: بعتك هذه الدابة وحملها لم يصح عندنا، لما
تقدم من أن الحمل لا يصح جعله مستقلا بالشراء ولا جزءا وقال أيضا: ولو باع الحامل
وشرط للمشتري الحمل صح، لأنه تابع، كأساس الحيطان وإن لم يصح ضمه في البيع مع
الأم، للفرق بين الجزء والتابع وقال في موضع آخر: لو قال: بعتك هذه الشياه وما في
ضرعها من اللبن، لم يجز عندنا وقال في موضع آخر: لو باع دجاجة ذات بيضة وشرطها
صح، وإن جعلها جزءا من المبيع لم يصح وهذه كلها صريحة في عدم جواز ضم المجهول
على وجه الجزئية، من غير فرق بين تعلق الغرض الداعي بالمعلوم أو المجهول وقد ذكر
هذا، المحقق الثاني في جامع المقاصد في مسألة اشتراط دخول الزرع في بيع الأرض، قال:
وما قد يوجد في بعض الكلام، من أن المجهول إن جعل جزءا من المبيع لا يصح، وإن
اشترط صح - ونحو ذلك - فليس بشئ، لان العبارة لا أثر لها، والمشروط محسوب من
جملة المبيع، ولأنه لو باع الحمل والأم صح البيع ولا يتوقف على بيعها واشتراطه، انتهي
وهو الظاهر من الشهيدين (9) - في اللمعة والروضة - حيث اشترطا في مال العبد المشروط
دخوله في بيعه استجماعه لشروط البيع وقد صرح الشيخ - في مسألة اشتراط مال العبد -
باعتبار العلم بمقدار المال وعن الشهيد: لو اشتراه وماله صح، ولم يشترط علمه ولا التفصي
من الربا إن قلنا: إنه يملك، وإن أحلنا ملكه اشترط قال في الدروس: لو جعل الحمل
جزءا من المبيع فالأقوى الصحة، لأنه بمنزلة الاشتراط، ولا يضر الجهالة، لأنه تابع، انتهي
واختاره جامع المقاصد
280

ثم التابع في كلام هؤلاء يحتمل أن يراد به: ما يعد في العرف تابعا كالحمل مع الأم،
واللبن مع الشاة، والبيض مع الدجاج، ومال العبد معه، والباغ في الدار، والقصر في
البستان، ونحو ذلك مما نسب البيع عرفا إلى المتبوع لا إليهما معا، وإن فرض تعلق الغرض
الشخصي بكليهما في بعض الأحيان، بل بالتابع خاصة، كما قد يتفق في حمل بعض أفراد
الخيل (10).
وهذا هو الظاهر من كلماتهم في بعض المقامات كما تقدم عن الدروس وجامع المقاصد من
صحة بيع الأم وحملها، لان الحمل تابع قال في جامع المقاصد - في شرح قوله المتقدم في
القواعد: ويجوز مع الانضمام إلى معلوم إذا كان تابعا -: إن إطلاق العبارة يشمل ما إذا
شرط حمل دابة في بيع دابة أخرى، إلا أن يقال: التبعية إنما تتحقق مع الأم، لأنه حينئذ
بمنزلة بعض أجزائها، ومثله زخرفة جدران البيت، انتهي وفي التمثيل نظر، لخروج زخرفة
الجدران من محل الكلام في المقام، إلا أن يريد مثال الاجزاء، لا مثال التابع، لكن هذا ينافي
ما تقدم من اعتبارهم العلم في مال العبد - وفاقا للشيخ قدس سره - مع أن مال العبد تابع
عرفي، كما صرح به في المختلف في مسألة بيع العبد واشتراط ماله. (11)
281

ويحتمل أن يكون مرادهم: التابع بحسب قصد المتبايعين، وهو ما يكون المقصود بالبيع
غيره وإن لم يكن تابعا عرفيا كمن اشتري قصب الآجام وكان فيها قليل من السمك، أو
اشتري سمك الآجام وكان فيها قليل من القصب، وهذا أيضا قد يكون كذلك بحسب النوع،
وقد يكون كذلك بحسب الشخص، كمن أراد السمك القليل لاجل حاجة، لكن لم يتهيأ له
شراؤه الا في ضمن قصب الأجمة والأول هو الظاهر من مواضع من المختلف،
منها: في بيع اللبن في الضرع مع المحلوب منه، حيث حمل رواية سماعة المتقدمة على ما إذا
كان المحلوب يقارب الثمن ويصير أصلا، والذي في الضرع تابعا " وقال في مسألة بيع ما في
بطون الانعام مع الضميمة: والمعتمد أن نقول: إن كان الحمل تابعا صح البيع، كما لو باعه
الأم وحملها أو باعه ما يقصد مثله بمثل الثمن وضم الحمل، فهذا لا بأس به، والا كان
باطلا " وأما الاحتمال الثاني - أعني مراعاة الغرض الشخصي للمتبايعين - فلم نجد عليه
شاهدا، الا ثبوت الغرر على تقدير تعلق الغرض الشخصي بالمجهول، وانتفاءه على تقدير
تعلقه بالمعلوم ويمكن تنزيل إطلاقات عبارات المختلف عليه، كما لا يخفى وربما احتمل
بعض، بل استظهر أن مرادهم بكون المعلوم مقصودا والمجهول تابعا: كون المقصود بالبيع
ذلك المعلوم، بمعنى الاقدام منهما - ولو لتصحيح البيع - على أن المبيع المقابل بالثمن هذا
المعلوم الذي هو وإن سمي ضميمة لكنه المقصود في تصحيح البيع، قال: ولا ينافيه كون
المقصود بالنسبة إلى الغرض ما فيه الغرر، (12)
283

ولا يخفى أنه لم توجد عبارة من عبائرهم تقبل هذا الحمل، إلا أن يريد ب‍ التابع جعل
المجهول شرطا والمعلوم مشروطا، فيريد ما تقدم عن القواعد والتذكرة، ولا أظن إرادة
ذلك من كلامه، بقرينة استشهاده بأخبار الضميمة في الموارد المتفرقة والأوفق بالقواعد أن
يقال: أما الشرط والجزء، فلا فرق بينهما من حيث لزوم الغرر بالجهالة. (14)
وأما قصد المتبايعين بحسب الشخص، فالظاهر أنه غير مؤثر في الغرر وجودا وعدما، لان
الظاهر من حديث الغرر من كلماتهم: عدم مدخلية قصد المتبايعين في الموارد الشخصية،
بل وكذلك قصدهما بحسب النوع على الوجه الذي ذكره في المختلف: من كون قيمة المعلوم
تقارب الثمن المدفوع له وللمجهول.
وأما التابع العرفي، فالمجهول منه وإن خرج عن الغرر عرفا، إلا أن المجهول منه جزءا داخل
ظاهرا في معقد الاجماع على اشتراط العلم بالمبيع المتوقف على العلم بالمجموع.
نعم، لو كان الشرط تابعا عرفيا خرج عن بيع الغرر وعن معقد الاجماع على اشتراط كون المبيع معلوما فيقتصر عليه. (15)
285

هذا كله في التابع من حيث جعل المتبايعين وأما التابع للمبيع الذي يندرج في المبيع وإن لم
ينضم إليه حين العقد ولم يخطر ببال المتبايعين، فالظاهر عدم الخلاف والاشكال في عدم
اعتبار العلم به، الا إذا استلزم غررا في نفس المبيع، إذ الكلام في مسألة الضميمة من
حيث الغرر الحاصل في المجموع، لا الساري من المجهول إلى المعلوم، فافهم (16)
287

مسألة
يجوز أن يندر لظرف ما يوزن مع ظرفه مقدار يحتمل الزيادة والنقيصة على المشهور، بل
لا خلاف فيه في الجملة، بل عن فخر الاسلام التصريح بدعوى الاجماع، قال فيما حكي
عنه: نص الأصحاب على أنه يجوز الاندار للظروف بما يحتمل الزيادة والنقيصة، فقد استثني
من المبيع أمر مجهول، واستثناء المجهول مبطل للبيع، الا في هذه الصورة، فإنه لا يبطل
إجماعا، انتهي والظاهر أن إطلاق الاستثناء باعتبار خروجه عن المبيع ولو من أول الامر،
بل الاستثناء الحقيقي من المبيع يرجع إلى هذا أيضا ". (1)
289

ثم إن الأقوال في تفصيل المسألة ستة: الأول: جواز الاندار بشرطين: كون المندر متعارف
الاندار عند التجار، وعدم العلم بزيادة ما يندره وهو للنهاية والوسيلة وعن غيرهما.
الثاني: عطف النقيصة على الزيادة في اعتبار عدم العلم بها وهو للتحرير.
الثالث: اعتبار العادة مطلقا ولو علم الزيادة أو النقيصة، ومع عدم العادة فيما يحتملهما
وهو لظاهر اللمعة وصريح الروضة.
الرابع: التفصيل بين ما يحتمل الزيادة والنقيصة فيجوز مطلقا، وما علم الزيادة فالجواز
بشرط التراضي. (2)
الخامس: عطف العلم بالنقيصة على الزيادة، وهو للمحقق الثاني ناسبا له إلى كل من لم
يذكر النقيصة السادس: إناطة الحكم بالغرر.
291

ثم إن صورة المسألة: أن يوزن مظروف مع ظرفه فيعلم أنه عشرة أرطال، فإذا أريد بيع
المظروف فقط - كما هو المفروض - وقلنا بكفاية العلم بوزن المجموع وعدم اعتبار العلم
بوزن المبيع منفردا، على ما هو مفروض المسألة ومعقد الاجماع المتقدم: فتارة: يباع
المظروف المذكور جملة بكذا، وحينئذ فلا يحتاج إلى الاندار، لان الثمن والمثمن معلومان
بالفرض وأخرى: يباع على وجه التسعير بأن يقول: بعتكه كل رطل بدرهم فيجئ
مسألة الاندار، للحاجة إلى تعيين ما يستحقه البائع من الدراهم (2)
294

ويمكن أن تحرر المسألة على وجه آخر، وهو: أنه بعد ما علم وزن الظرف والمظروف،
وقلنا بعدم لزوم العلم بوزن المظروف منفردا فإن دار أي مقدار للظرف يجعل وزن المظروف
في حكم المعلوم، وهل هو منوط بالمعتاد بين التجار، أو التراضي، أو بغير ذلك؟
فالكلام في تعيين المقدار المندر لاجل إحراز شرط صحة بيع المظروف، بعد قيام الاجماع
على عدم لزوم العلم بوزنه بالتقدير أو بإخبار البائع.
وإلي هذا الوجه ينظر بعض الأساطين، حيث أناط المقدار المندر بما لا يحصل معه غرر،
واعترض على ما في القواعد ومثلها: من اعتبار التراضي في جواز إندار ما يعلم زيادته
بأن التراضي لا يدفع غررا ولا يصحح عقدا وتبعه في ذلك بعض أتباعه (3)
299

أن يستظهر هذا الوجه من عبارة الفخر - المتقدمة - حيث فرع استثناء المجهول من المبيع
على جواز الاندار، إذ على الوجه الأول يكون استثناء المجهول متفرعا على جواز بيع
المظروف بدون الظرف المجهول، لا على جواز إندار مقدار معين، إذ الاندار حينئذ لتعيين
الثمن، فتأمل (4)
300

وكيف كان، فهذا الوجه مخالف لظاهر كلمات الباقين، فإن جماعة منهم - كما عرفت من
الفاضلين وغيرهما - خصوا اعتبار التراضي بصورة العلم بالمخالفة، فلو كان الاندار لاحراز
وزن المبيع وتصحيح العقد لكان معتبرا مطلقا، إذ لا معني لايقاع العقد على وزن مخصوص بثمن مخصوص
من دون تراض وقد صرح المحقق والشهيد الثانيان في وجه اعتبار التراضي
مع العلم بالزيادة أو النقيصة بأن في الاندار من دون التراضي تضييعا لمال أحدهما.
ولا يخفى أنه لو كان اعتبار الاندار قبل العقد لتصحيحه لم يتحقق تضييع المال، لان الثمن
وقع في العقد في مقابل المظروف، سواء فرض زائدا أو ناقصا.
هذا، مع أنه إذا فرض كون استقرار العادة على إندار مقدار معين يحتمل الزيادة
والنقيصة، فالتراضي على الزائد عليه أو الناقص عنه يقينا لا يوجب غررا، بل يكون
كاشتراط زيادة مقدار على المقدار المعلوم غير قادح في صحة البيع مثلا: لو كان المجموع
عشرة أرطال وكان المعتاد اسقاط رطل للظرف، فإذا تراضيا على أن يندر للظرف
رطلان، فكأنه شرط للمشتري أن لا يحسب عليه رطلا ولو تراضيا على إندار نصف
رطل فقد اشترط المشتري جعل ثمن تسعة أرطال ونصف ثمنا للتسعة، فلا معني للاعتراض
على من قال باعتبار التراضي في إندار ما علم زيادته أو نقيصته: بأن التراضي لا يدفع
غررا ولا يصحح عقدا. (5)
302

وكيف كان، فالأظهر هو الوجه الأول، فيكون دخول هذه المسألة في فروع مسألة تعيين
العوضين من حيث تجويز بيع المظروف بدون ظرفه المجهول - (6) كما عنون المسألة بذلك في
اللمعة، بل نسبه في الحدائق إليهم - لا من حيث إندار مقدار معين للظرف المجهول وقت
العقد، والتواطؤ على إيقاع العقد على الباقي بعد الاندار.
303

وذكر المحقق الأردبيلي رحمه الله في تفسير عنوان المسألة: أن المراد أنه يجوز بيع الموزون بأن
يوزن مع ظرفه ثم يسقط من المجموع مقدار الظرف تخمينا بحيث يحتمل كونه مقدار
الظرف لا أزيد ولا أنقص، بل وإن تفاوت لا يكون الا بشئ يسير يتساهل به عادة، ثم
دفع ثمن الباقي مع الظرف إلى البائع، انتهي فظاهره الوجه الأول الذي ذكرنا، حيث جوز
البيع بمجرد وزن المظروف مع الظرف، وجعل الاندار لاجل تعيين الباقي الذي يجب عليه
دفع ثمنه وفي الحدائق - في مقام الرد على من ألحق النقيصة بالزيادة في اعتبار عدم العلم
بها - قال: إن الاندار حق للمشتري، لأنه قد اشتري - مثلا " - مائة من من السمن في هذه
الظروف، فالواجب قيمة المائة المذكورة، وله اسقاط ما يقابل الظروف من هذا الوزن،
انتهي (7)
304

وهذا الكلام وإن كان مؤيدا لما استقربناه في تحرير المسألة، (8) إلا أن جعل الاندار حقا
للمشتري والتمثيل بما ذكره لا يخلو عن نظر، فإن المشتري لم يشتر مائة من من السمن في
هذه الظروف، لان التعبير بهذا مع العلم بعدم كون ما في هذه الظروف مائة من لغو، بل
المبيع في الحقيقة ما في هذه الظروف التي هي مع المظروف مائة من، فإن باعه بثمن معين
فلا حاجة إلى الاندار، ولا حق للمشتري وإن اشتراه على وجه التسعير بقوله: كل من
بكذا فالاندار: إنما يحتاج إليه لتعيين ما يستحقه البائع على المشتري من الثمن، فكيف
يكون الواجب قيمة المائة كما ذكره المحدث؟!
وقد علم مما ذكرنا: أن الاندار - الذي هو عبارة عن تخمين الظرف الخارج عن المبيع بوزن -
إنما هو لتعيين حق البائع، وليس حقا للمشتري. (9)
وأما الاخبار: فمنها موثقة حنان قال: سمعت معمر الزيات قال لابي عبد الله عليه السلام: إنا
نشتري الزيت في زقاقه، فيحسب لنا النقصان لمكان الزقاق؟ فقال له: إن كان يزيد وينقص
فلا بأس، (10)
305

وإن كان يزيد ولا ينقص فلا تقربه قيل: وظاهره عدم اعتبار التراضي. أقول: المفروض في السؤال هو التراضي،
لان الحاسب هو البائع أو وكيله وهما مختاران،
والمحسوب له هو المشتري. (11)
والتحقيق: أن مورد السؤال صحة الاندار مع إبقاء الزقاق للمشتري بلا ثمن أو بثمن مغاير
للمظروف، أو مع ردها إلى البائع من دون وزن لها، فإن السؤال عن صحة جميع ذلك بعد
الفراغ عن تراضي المتبايعين عليه، فلا إطلاق فيه يعم صورة عدم التراضي.
ويؤيده النهي عن ارتكابه مع العلم بالزيادة، فإن النهي عنه ليس عن ارتكابه بغير تراض،
فافهم.
307

فحينئذ لا يعارضها ما دل على صحة ذلك مع التراضي، مثل رواية علي بن أبي حمزة،
قال: سمعت معمر الزيات يسأل أبا عبد الله عليه السلام، قال: جعلت فداك! نطرح ظروف
السمن والزيت كل ظرف كذا وكذا رطلا فربما زاد وربما نقص؟ قال: إذا كان ذلك عن
تراض منكم فلا بأس. (12)
فإن الشرط فيه مسوق لبيان كفاية التراضي في ذلك وعدم المانع منه شرعا، فيشبه
التراضي العلة التامة الغير المتوقفة على شئ. (13)
309

ونحوه اشتراط التراضي في خبر علي بن جعفر المحكي عن قرب الإسناد عن أخيه موسى
عليه السلام: عن الرجل يشتري المتاع وزنا في الناسية والجوالق، فيقول: ادفع للناسية رطلا
أو أكثر من ذلك، أيحل ذلك البيع؟ قال: إذا لم يعلم وزن الناسية والجوالق فلا بأس إذا
تراضيا. (14)
310

ثم إن قوله: إن كان يزيد وينقص في الرواية الأولى، يحتمل أن يراد به: الزيادة والنقيصة
في هذا المقدار المندر في شخص المعاملة، بمعنى زيادة مجموع ما أندر لمجموع الزقاق أو
نقصانه عنه. (15) أو بمعنى: أنه يزيد في بعض الزقاق، وينقص في بعض آخر وأن يراد به:
الزيادة والنقيصة في نوع المقدار المندر في نوع هذه المعاملة بحيث قد يتفق في بعض
المعاملات الزيادة وفي بعض أخرى النقيصة (16)
311

وهذا هو الذي فهمه في النهاية حيث اعتبر أن يكون ما يندر للظروف مما يزيد تارة
وينقص أخرى، ونحوه في الوسيلة ويشهد للاحتمال الأول رجوع ضمير يزيد وينقص
إلى مجموع النقصان المحسوب لمكان الزقاق، وللثاني عطف النقيصة على الزيادة بالواو
الظاهر في اجتماع نفس المتعاطفين لا احتمالهما، وللثالث ما ورد في بعض الروايات: من أنه
ربما يشتري الطعام من أهل السفينة ثم يكيله فيزيد؟ قال عليه السلام: وربما نقص؟ قلت:
وربما نقص قال: فإذا نقص ردوا عليكم؟ قلت: لا قال: لا بأس. (17)
فيكون معني الرواية: أنه إذا كان الذي يحسب لكم زائدا مرة وناقصا أخرى، فلا بأس بما
يحسب وإن بلغ ما بلغ، وإن زاد دائما، فلا يجوز الا بهبة أو إبراء من الثمن أو مع
التراضي، بناء على عدم توقف الشق الأول عليه، ووقوع المحاسبة من السمسار بمقتضي
العادة من غير اطلاع صاحب الزيت. وكيف كان، فالذي يقوي في النظر، هو المشهور بين
المتأخرين: من جواز إندار ما يحتمل الزيادة والنقيصة، لأصالة عدم زيادة المبيع عليه
وعدم استحقاق البائع أزيد مما يعطيه المشتري من الثمن. (18)
312

لكن العمل بالأصل لا يوجب ذهاب حق أحدهما عند انكشاف الحال وأما مع العلم
بالزيادة أو النقيصة، فإن كان هنا عادة تقتضيه، كان العقد واقعا عليها مع علم المتبايعين
بها ولعله مراد من لم يقيد بالعلم ومع الجهل بها أو عدمها فلا يجوز الا مع التراضي
لسقوط حق من له الحق، سواء تواطئا على ذلك في متن العقد، بأن قال: بعتك ما في هذه
الظروف كل رطل بدرهم على أن يسقط لكل ظرف كذا فهو هبة له، أو تراضيا عليه
بعده بإسقاط من الذمة أو هبة للعين. (19)
315

هذا كله مع قطع النظر عن النصوص، وأما مع ملاحظتها فالمعول عليه رواية حنان
المتقدمة الظاهرة في اعتبار الاعتياد، من حيث ظهورها في كون حساب المقدار الخاص
متعارفا، واعتبار عدم العلم بزيادة المحسوب عن الظروف بما لا يتسامح به في بيع كل
مظروف بحسب حاله وكأن الشيخ رحمه الله في النهاية فهم ذلك من الرواية فعبر بمضمونها
كما هو دأبه في ذلك الكتاب (20)
316

وحيث إن ظاهر الرواية جواز الاندار واقعا، بمعنى عدم وقوعه مراعي بانكشاف الزيادة
والنقيصة، عملنا بها كذلك، فيكون مرجع النهي عن ارتكاب ما علم بزيادته نظير ما
ورد من النهي عن الشراء بالموازين الزائدة عما يتسامح به، فإن ذلك يحتاج إلى هبة
جديدة، ولا يكفي إقباضها من حيث كونها حقا للمشتري هذا كله مع تعارف إندار ذلك
المقدار وعدم العلم بالزيادة وأما مع عدم القيدين، فمع الشك في الزيادة والنقيصة وعدم العادة
يجوز الاندار، لكن مراعي بعدم انكشاف أحد الامرين ومعها يجوز بناء على
انصراف العقد إليها لكن فيه تأمل لو لم يبلغ حدا يكون كالشرط في ضمن العقد، لان هذا
ليس من أفراد المطلق حتى ينصرف بكون العادة صارفة له. (21)
318

ثم الظاهر: أن الحكم المذكور غير مختص بظروف السمن والزيت، بل يعم كل ظرف، كما
هو ظاهر معقد الاجماع المتقدم عن فخر الدين رحمه الله وعبارة النهاية والوسيلة والفاضلين
والشهيدين والمحقق الثاني رحمهم الله (22)
319

مسألة
يجوز بيع المظروف مع ظرفه الموزون معه وإن لم يعلم الا بوزن المجموع، على المشهور،
بل لم يوجد قائل بخلافه من الخاصة الا ما أرسله في الروضة، ونسب في التذكرة إلى بعض
العامة، استنادا إلى أن وزن ما يباع وزنا غير معلوم، والظرف لا يباع وزنا، بل لو كان
موزونا لم ينفع مع جهالة وزن كل واحد واختلاف قيمتهما، فالغرر الحاصل في بيع الجزاف
حاصل هنا.
والذي يقتضيه النظر: أما فيما نحن فيه - مما جوز شرعا بيعه منفردا عن الظرف مع جهالة
وزنه - (1)
321

فالقطع بالجواز منضما، إذ لم يحصل بالانضمام مانع، ولا ارتفع شرط (2)
322

وأما في غيره من أحد المنضمين اللذين لا يكفي في بيعه منفردا " معرفة وزن المجموع،
فالقطع بالمنع مع لزوم الغرر الشخصي، كما لو باع سبيكة من ذهب مردد بين مائة مثقال
وألف مع وصلة من رصاص قد بلغ وزنهما ألفي مثقال، فإن الاقدام على هذا البيع إقدام
على ما فيه خطر يستحق لاجله اللوم من العقلاء. (3)
وأما مع انتفاء الغرر الشخصي وانحصار المانع في النص الدال على لزوم الاعتبار بالكيل
والوزن والاجماع المنعقد على بطلان البيع إذا كان المبيع مجهول المقدار في المكيل والموزن،
فالقطع بالجواز، لان النص والاجماع إنما دلا على لزوم اعتبار المبيع، لا كل جزء منه ولو
كان أحد الموزونين يجوز بيعه منفردا مع معرفة وزن المجموع دون الاخر، كما لو فرضنا
جواز بيع الفضة المحشي بالشمع وعدم جواز بيع الشمع كذلك، فإن فرضنا الشمع تابعا لا
يضر جهالته، وإلا فلا
324

ثم إن بيع المظروف مع الظرف يتصور على صور: إحداها: أن يبيعه مع ظرفه بعشرة مثلا،
فيقسط الثمن على قيمتي كل من المظروف والظرف لو احتيج إلى التقسيط، فإذا قيل: قيمة
الظرف درهم وقيمة المظروف تسعة، كان للظرف عشر الثمن. (4)
الثانية: أن يبيعه مع ظرفه بكذا على أن كل رطل من المظروف بكذا، فيحتاج إلى إندار
مقدار للظرف، ويكون قيمة الظرف ما بقي بعد ذلك وهذا في معني بيع كل منهما منفردا. (5)
325

الثالثة: أن يبيعه مع الظرف كل رطل بكذا على أن يكون التسعير للظرف والمظروف
وطريقة التقسيط لو احتيج إليه - كما في المسالك -: أن يوزن الظرف منفردا وينسب إلى
الجملة ويؤخذ له من الثمن بتلك النسبة، وتبعه على هذا غير واحد ومقتضاه: أنه لو كان
الظرف رطلين والمجموع عشرة اخذ له خمس الثمن. (6)
326

والوجه في ذلك: ملاحظة الظرف والمظروف شيئا واحدا، حتى أنه يجوز أن يفرض تمام
الظرف كسرا مشاعا من المجموع ليساوي ثمنه ثمن المظروف فالمبيع كل رطل من هذا
المجموع، لا من المركب من الظرف والمظروف، لأنه إذا باع كل رطل من الظرف
والمظروف بدرهم مثلا وزع الدرهم على الرطل والمظروف بحسب قيمة مثلهما فإذا كان
قيمة خمس الرطل المذكور - الذي هو وزن الظرف الموجود فيه - مساويا لقيمة أربعة
الأخماس التي هي مقدار المظروف الموجود، فكيف يقسط الثمن عليه أخماسا؟ (7)
327

مسائل شتى
331

مسألة
المعروف بين الأصحاب - تبعا لظاهر تعبير الشيخ بلفظ ينبغي -: استحباب التفقه في
مسائل الحلال والحرام المتعلقة بالتجارات، ليعرف صحيح العقد من فاسده ويسلم من الربا
وعن إيضاح النافع: أنه قد يجب وهو ظاهر عبارة الحدائق أيضا وكلام المفيد رحمه الله في
المقنعة أيضا لا يأبى الوجوب، لأنه ج بعد ذكر قوله تعالي: لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل
إلا أن تكون تجارة عن تراض، وقوله تعالي: أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا
لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون - قال: فندب إلى الانفاق من طيب
الاكتساب، ونهي عن طلب الخبيث للمعيشة والانفاق، فمن لم يعرف فرق ما بين الحلال
من المكتسب والحرام لم يكن مجتنبا للخبيث من الاعمال، ولا كان على ثقة في تفقه من
طيب الاكتساب،
وقال تعالي أيضا: ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا،
فينبغي أن يعرف البيع المخالف للربا ليعلم بذلك ما أحل الله وحرم من المتاجر والاكتساب
وجاءت الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه كان يقول: من اتجر بغير علم فقد ارتطم
في الربا، ثم ارتطم ثم قال: قال الصادق عليه السلام: من أراد التجارة فليتفقه في دينه،
ليعلم بذلك ما يحل له مما يحرم عليه، ومن لم يتفقه في دينه ثم اتجر تورط في الشبهات،
انتهي
333

أقول: ظاهر كلامه رحمه الله الوجوب، إلا أن تعبيره بلفظ ينبغي ربما يدعي ظهوره في
الاستحباب، إلا أن الانصاف أن ظهوره ليس بحيث يعارض ظهور ما في كلامه في
الوجوب من باب المقدمة، فإن معرفة الحلال والحرام واجبة على كل أحد بالنظر إلى ما
يبتلي به من الأمور وليس معرفة جميعها مما يتعلق بالإنسان وجوبها فورا دفعة، (1)
334

بل عند الالتفات إلى احتمال الحرمة في فعل يريد أن يفعله، أو عند إرادة الاقدام على
أفعال يعلم بوجود الحرام بينها، فإنه معاقب على ما يفعله من الحرام لو ترك التعلم وإن لم
يلتفت عند فعله إلى احتمال تحريمه، فإن التفاته السابق وعلمه بعدم خلو ما يريد مزاولتها
من الأفعال من الحرام كاف في حسن العقاب، والا لم يعاقب أكثر الجهال على أكثر
المحرمات، لأنهم يفعلونها وهم غير ملتفتين إلى احتمال حرمتها عند الارتكاب ولذا أجمعنا
على أن الكفار يعاقبون على الفروع وقد ورد ذم الغافل المقصر في معصيته، في غير واحد
من الاخبار.
ثم لو قلنا بعدم العقاب على فعل المحرم الواقعي الذي يفعله من غير شعور كما هو ظاهر
جماعة - تبعا للأردبيلي رحمه الله -: من عدم العقاب على الحرام المجهول حرمته عن تقصير،
لقبح خطاب الغافل، فيقبح عقابه لكن تحصيل العلم وإزالة الجهل واجب على هذا القول
، كما اعترفوا به (2)
336

والحاصل: أن التزام عدم عقاب الجاهل المقصر لا على فعل الحرام، ولا على ترك التعلم الا
إذا كان حين الفعل ملتفتا إلى احتمال تحريمه لا يوجد له وجه، بعد ثبوت أدلة التحريم،
ووجوب طلب العلم على كل مسلم، وعدم تقبيح عقاب من التفت إلى وجود الحرام في
أفراد البيع التي يزاولها تدريجا على ارتكاب الحرام في هذا الأثناء وإن لم يلتفت حين إرادة
ذلك الحرام (3)
337

ثم إن المقام يزيد على غيره بأن الأصل في المعاملات الفساد، فالمكلف إذا أراد التجارة وبني
على التصرف فيما يحصل في يده من أموال الناس على وجه العوضية يحرم عليه ظاهرا
الاقدام على كل تصرف منها بمقتضي أصالة عدم انتقاله إليه الا مع العلم بإمضاء الشارع
لتلك المعاملة، (4)
338

ويمكن أن يكون في قوله عليه السلام: التاجر فاجر، والفاجر في النار الا من أخذ الحق
وأعطي الحق إشارة إلى هذا المعني، بناء على أن الخارج من العموم ليس إلا من علم
بإعطاء الحق وأخذ الحق فوجوب معرفة المعاملة الصحيحة في هذا المقام شرعي، لنهي
الشارع عن التصرف في مال لم يعلم انتقاله إليه، بناء على أصالة عدم انتقاله إليه وفي غير
هذا المقام عقلي مقدمي لئلا يقع في الحرام وكيف كان، فالحكم باستحباب التفقه للتاجر محل
نظر، بل الأولى وجوبه عليه عقلا وشرعا، وإن كان وجوب معرفة باقي المحرمات من باب العقل فقط. (5)
339

ويمكن توجيه كلامهم بإرادة التفقه الكامل ليطلع على مسائل الربا الدقيقة والمعاملات
الفاسدة كذلك، ويطلع على موارد الشبهة والمعاملات الغير الواضحة الصحة فيجتنب
عنها في العمل، فإن القدر الواجب هو معرفة المسائل العامة البلوي، لا الفروع الفقهية
المذكورة في المعاملات ويشهد للغاية الأولى قوله عليه السلام في مقام تعليل وجوب التفقه:
إن الربا أخفي من دبيب النملة على الصفا، وللغاية الثانية قول الصادق عليه السلام في
الرواية المتقدمة: من لم يتفقه ثم اتجر تورط في الشبهات، لكن ظاهر صدره الوجوب،
فلاحظ وقد حكي توجيه كلامهم بما ذكرنا عن غير واحد ولا يخلو عن وجه في مقام
التوجيه
ثم إن التفقه في مسائل التجارة لما كان مطلوبا للتخلص عن المعاملات الفاسدة التي أهمها
الربا - الجامعة بين أكل المال بالباطل وارتكاب الموبقة الكذائية - لم يعتبر فيه كونه عن
اجتهاد، بل يكفي فيه التقليد الصحيح، فلا تعارض بين أدلة التفقه هنا، وأدلة تحصيل
المعاش.
نعم، ربما أورد في هذا المقام - وإن كان خارجا عنه ج التعارض بين أدلة طلب مطلق العلم،
الشامل لمعرفة مسائل العبادات وأنواع المعاملات المتوقف على الاجتهاد، وبين أدلة طلب
الاكتساب والاشتغال في تحصيل المال لاجل الانفاق على من ينبغي أن ينفق عليه، وترك
إلقاء كله على الناس الموجب لاستحقاق اللعن، فإن الاخبار من الطرفين كثيرة يكفي في
طلب الاكتساب ما ورد: من أنه أوحي الله تعالي إلى داود على نبينا وآله وعليه السلام: يا
داود إنك نعم العبد لولا أنك تأكل من بيت المال ولا تعمل بيدك شيئا فبكي عليه السلام
أربعين صباحا "
ثم الآن الله تعالي له الحديد، وكان يعمل كل يوم درعا ويبيعه بألف درهم، فعمل ثلاثمائة
وستين درعا فباعها واستغني عن بيت المال الحديث
340

وما أرسله في الفقيه عن الصادق عليه السلام: ليس منا من ترك دنياه لاخرته، أو آخرته
لدنياه، وأن العبادة سبعون جزء أفضلها طلب الحلال.
وأما الاخبار في طلب العلم وفضله فهي أكثر من أن تذكر، وأوضح من أن تحتاج إلى
الذكر وذكر في الحدائق: أن الجمع بينهما بأحد وجهين:
أحدهما - وهو الأظهر بين علمائنا -: تخصيص أخبار وجوب طلب الرزق بأخبار وجوب
طلب العلم، ويقال بوجوب ذلك على غير طالب العلم المشتغل بتحصيله واستفادته
وتعليمه وإفادته قال: وبهذا الوجه صرح الشهيد الثاني رحمه الله في رسالته المسماة ب‍ منية
المريد في آداب المفيد والمستفيد حيث قال في جملة شرائط العلم: وأن يتوكل على الله
ويفوض أمره إليه، ولا يعتمد على الأسباب فيوكل إليها وتكون وبالا عليه، ولا على
أحد من خلق الله تعالي، بل يلقي مقاليد أمره إلى الله تعالي، يظهر له من نفحات قدسه
ولحظات انسه ما به يحصل مطلوبه ويصلح به مراده.
وقد ورد في الحديث عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم أن الله تعالي قد تكفل لطالب العلم
برزقه عما ضمنه لغيره بمعنى: أن غيره يحتاج إلى السعي على الرزق حتى يحصل له،
وطالب العلم لا يكلف بذلك بل بالطلب، وكفاه مؤونة الرزق إن أحسن النية، وأخلص
القربة وعندي في ذلك من الوقائع ما لو جمعته بلغ ما لا يعلمه الا الله من حسن صنع الله
تعالي وجميل معونته منذ ما اشتغلت بالعلم، وهو مبادئ عشر الثلاثين وتسعمائة إلى يومنا
هذا، وهو منتصف شهر رمضان سنة ثلاث وخمسين وتسعمائة. (6)
341

وبالجملة: ليس الخبر كالعيان وروي شيخنا المقدم محمد بن يعقوب الكليني قدس سره بإسناده
إلى الحسين بن علوان، قال: كنا في مجلس نطلب فيه العلم، وقد نفدت نفقتي في بعض
الاسفار، فقال لي بعض أصحابي: من تؤمل لما قد نزل بك؟ فقلت: فلانا، فقال: إذا والله
لا تسعف بحاجتك ولا تبلغ أملك ولا تنجح طلبتك! قلت: وما علمك رحمك الله؟ قال: إن
أبا عبد الله عليه السلام حدثني: أنه قرأ في بعض كتبه: إن الله تبارك وتعالي يقول: وعزتي
وجلالي ومجدي وارتفاعي على عرشي لأقطعن أمل كل مؤمل غيري باليأس، ولأكسونه
ثوب المذلة عند الناس، ولأنحينه من قربي، ولأبعدنه من وصلي، أيؤمل غيري في
الشدائد والشدائد بيدي؟! ويرجو غيري ويقرع باب غيري وبيدي مفاتيح الأبواب وهي
مغلقة، وبابي مفتوح لمن دعاني، فمن ذا الذي أملني لنوائبه فقطعته دونها؟ ومن ذا الذي
رجاني لعظيمة فقطعت رجاءه مني؟ جعلت آمال عبادي عندي محفوظة، فلم يرضوا بحفظي،
وملأت سماواتي ممن لا يمل من تسبيحي، وأمرتهم أن لا يغلقوا الأبواب بيني وبين عبادي،
فلم يثقوا بقولي ألم يعلم من طرقته نائبة من نوائبي أنه لا يملك كشفها أحد غيري الا من
بعد إذني، فما لي أراه لاهي أعني؟ أعطيته بجودي ما لم يسألني، ثم انتزعته عنه فلم
يسألني رده وسأل غيري، أفتراني أبدأ بالعطايا قبل المسألة ثم اسأل فلا أجيب سائلي؟
أبخيل أنا فيبخلني عبدي؟ أو ليس الجود والكرم لي؟ أو ليس العفو والرحمة بيدي؟ أو
ليس أنا محل الآمال، فمن يقطعها دوني؟
أفلا يخشي المؤملون أن يؤملوا غيري؟ فلو أن أهل سماواتي وأهل أرضي أملوا جميعا ثم
أعطيت كل واحد منهم مثل ما أمل الجميع ما انتقص من ملكي مثل عضو ذرة، وكيف
ينقص ملك أنا قيمه؟
فيا بؤسا للقانطين من رحمتي! ويا بؤسا " لمن عصاني ولم يراقبني! انتهي الحديث الشريف،
وانتهى كلام شيخنا الشهيد رحمه الله
343

قال في الحدائق: ويدل على ذلك بأصرح دلالة ما رواه في الكافي بإسناده إلى أبي إسحاق
السبيعي عمن حدثه، قال: سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول: أيها الناس، إن كمال
الدين طلب العلم والعمل به، ألا وإن طلب العلم أوجب عليكم من طلب المال، إن المال
مقسوم مضمون لكم قد قسمه عادل بينكم وضمنه لكم، وسيفي لكم، والعلم مخزون عند
أهله، وقد أمرتم بطلبه من أهله فاطلبوه الخبر
قال: ويؤكده ما رواه في الكافي بسنده عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلي
الله عليه وآله وسلم: يقول الله عز وجل: وعزتي وجلالي وكبريائي ونوري، وعظمتي وعلوي
وارتفاع مكاني لا يؤثر عبد هواي على هواه الا استحفظته ملائكتي، وكفلت السماوات
والأرضين رزقه، وكنت له من وراء تجارة كل تاجر، فتأتيه الدنيا وهي راغمة انتهي
كلامه.
وأنت خبير بأن ما ذكره من كلام الشهيد رحمه الله وما ذكره من الحديث القدسي لا ارتباط
له بما ذكر من دفع التنافي بين أدلة الطرفين، لان ما ذكر من التوكل على الله وعدم ربط
القلب بغيره لا ينافي الاشتغال بالاكتساب، ولذا كان أمير المؤمنين - صلوات الله عليه وعلي
أخيه وزوجته وولديه وذريته - جامعا بين أعلي مراتب التوكل وأشد مشاق الاكتساب، وهو
الاستقاء لحائط اليهودي، وليس الشهيد أيضا " في مقام أن طلب العلم أفضل من التكسب
وإن كان أفضل، بل في مقام أن طالب العلم إذا اشتغل بتحصيل العلم فليكن منقطعا عن
الأسباب الظاهرة الموجودة غالبا لطلاب العلوم من الوظائف المستمرة من السلاطين،
والحاصلة من الموقوفات للمدارس وأهل العلم، والموجودة الحاصلة غالبا للعلماء والمشتغلين
من معاشرة السلطان وأتباعه والمراودة مع التجار والأغنياء والعلماء الذين لا ينتفع منهم
الا بما في أيديهم من وجوه الزكوات ورد المظالم والأخماس وشبه ذلك، كما كان ذلك
متعارفا في ذلك الزمان بل في كل زمان،
344

فربما جعل الاشتغال بالعلم بنفسه سببا للمعيشة من الجهات التي ذكرناها.
وبالجملة: فلا شهادة فيما ذكر من كلام الشهيد رحمه الله - من أوله إلى آخره - وما أضاف
إليه من الروايات في الجمع المذكور، أعني: تخصيص أدلة طلب الحلال بغير طالب العلم ثم
إنه لا إشكال في أن كلا من طلب العلم وطلب الرزق ينقسم إلى الاحكام الأربعة أو
الخمسة ولا ريب أن المستحب من أحدهما لا يزاحم الواجب، ولا الواجب الكفائي الواجب
العيني ولا إشكال أيضا في أن الأهم من الواجبين العينيين مقدم على غيره، وكذا الحكم
في الواجبين الكفائيين مع ظن قيام الغير به وقد يكون كسب الكاسب مقدمة لاشتغال
غيره بالعلم، فيجب أو يستحب مقدمة.
بقي الكلام في المستحب من الامرين عند فرض عدم إمكان الجمع بينهما، ولا ريب في تفاوت
الحكم بالترجيح باختلاف الفوائد المرتبة على الامرين فرب من لا يحصل له
باشتغاله بالعلم الا شئ قليل لا يترتب عليه كثير فائدة،
ويترتب على اشتغاله بالتجارة فوائد كثيرة، منها: تكفل أحوال المشتغلين من ماله أو مال
أقرانه من التجار المخالطين معه على وجه الصلة أو الصدقة الواجبة والمستحبة، فيحصل
بذلك ثواب الصدقة وثواب الإعانة الواجبة أو المستحبة على تحصيل العلم ورب من
يحصل بالاشتغال مرتبة عالية من العلم يحيي بها فنون علم الدين، فلا يحصل له من كسبه
الا قليل من الرزق، فإنه لا إشكال في أن اشتغاله بالعلم والأكل من وجوه الصدقات
أرجح.
345

وما ذكر من حديث داود على نبينا وآله وعليه السلام فإنما هو لعدم مزاحمة اشتغاله بالكسب
لشئ من وظائف النبوة والرئاسة العلمية وبالجملة، فطلب كل من العلم والرزق إذا
لوحظ المستحب منهما من حيث النفع العائد إلى نفس الطالب كان طلب العلم أرجح،
وإذا لوحظ من جهة النفع الواصل إلى الغير كان اللازم ملاحظة مقدار النفع الواصل
فثبت من ذلك كله: أن تزاحم هذين المستحبين كتزاحم سائر المستحبات المتنافية
، كالاشتغال بالاكتساب أو طلب العلم الغير الواجبين مع المسير إلى الحج أو إلى مشاهد
الأئمة عليهم السلام، أو مع السعي في قضاء حوائج الاخوان الذي لا يجامع طلب العلم أو
المال الحلال، إلى غير ذلك، مما لا يحصي
346

مسألة
لا خلاف في مرجوحية تلقي الركبان بالشروط الآتية، واختلفوا في حرمته وكراهته، فعن
التقي والقاضي والحلي والعلامة في المنتهي: الحرمة، وهو المحكي عن ظاهر الدروس
وحواشي المحقق الثاني وعن الشيخ وابن زهرة: لا يجوز وأول في المختلف عبارة الشيخ
بالكراهة وهي - أي الكراهة - مذهب الأكثر، بل عن إيضاح النافع: أن الشيخ ادعي
الاجماع على عدم التحريم وعن نهاية الاحكام: تلقي الركبان مكروه عند أكثر علمائنا،
وليس حراما إجماعا " ومستند التحريم ظواهر الاخبار: منها: ما عن منهال القصاب، قال:
قال أبو عبد الله عليه السلام: لا تلق، فإن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم نهي عن التلقي
قلت: وما حد التلقي؟ قال: ما دون غدوة أو روحة، قلت: وكم الغدوة والروحة؟
قال: أربعة فراسخ قال ابن أبي عمير: وما فوق ذلك فليس بتلق وفي خبر عروة: لا يتلقي
أحدكم تجارة خارجا من المصر، ولا يبيع حاضر لباد، والمسلمون يرزق الله بعضهم من
بعض. (1)
347

وفي رواية أخرى: لا تلق ولا تشتر ما يتلقي ولا تأكل منه وظاهر النهي عن الأكل كونه لفساد المعاملة، فيكون
أكلا بالباطل، ولم يقل به الا الإسكافي.
وعن ظاهر المنتهي: الاتفاق على خلافه، فتكون الرواية - مع ضعفها - مخالفة لعمل
الأصحاب، فتقصر عن إفادة الحرمة والفساد. نعم لا بأس بحملها على الكراهة لو وجد
القول بكراهة الأكل مما يشتري من المتلقي، ولا بأس به حسما لمادة التلقي. (2)
349

ومما ذكرنا يعلم: أن النهي في سائر الاخبار أيضا محمول على الكراهة، الموافقة للأصل (3)
مع ضعف الخبر ومخالفته للمشهور. (4)
350

ثم إن حد التلقي أربعة فراسخ، كما في كلام بعض والظاهر أن مرادهم خروج الحد عن
المحدود، لان الظاهر زوال المرجوحية إذا كان أربعة فراسخ وقد تبعوا بذلك مرسلة الفقيه (5)
وروي: أن حد التلقي روحة، فإذا بلغ إلى أربعة فراسخ فهو جلب، فإن الجمع بين
صدرها وذيلها لا يكون الا بإرادة خروج الحد عن المحدود كما أن ما في الرواية السابقة:
أن حده ما دون غدوة أو روحة محمول على دخول الحد في المحدود لكن قال في المنتهي:
حد علماؤنا التلقي بأربعة فراسخ، فكرهوا التلقي إلى ذلك الحد، فإن زاد على ذلك كان
تجارة وجلبا، وهو ظاهر، لان بمضيه ورجوعه يكون مسافرا، ويجب عليه القصر فيكون
سفرا حقيقيا - إلى أن قال: - ولا نعرف بين علمائنا خلافا فيه، انتهي قيل والتعليل بحصول
السفر الحقيقي يدل على مسامحة في التعبير، ولعل الوجه في التحديد بالأربعة: أن الحصول
على الأربعة بلا زيادة ونقيصة نادر، فلا يصلح أن يكون ضابطا لرفع الكراهة، إذ لا يقال:
إنه وصل إلى الأربعة الا إذا تجاوز عنها ولو يسيرا فالظاهر أنه لا إشكال في أصل الحكم
وإن وقع اختلاف في التعبير في النصوص والفتاوي. ثم إنه لا إشكال في اعتبار القصد، إذ
بدونه لا يصدق عنوان التلقي، فلو تلقي الركب في طريقه ذاهبا أو جائيا لم يكره المعاملة
معهم وكذا في اعتبار قصد المعاملة من المتلقي، فلا يكره لغرض آخر ولو اتفقت المعاملة
قيل: ظاهر التعليل في رواية عروة المتقدمة اعتبار جهل الركب بسعر البلد (6)
353

وفيه: أنه مبني على عدم اختصاص القيد بالحكم الأخير، فيحتمل أن تكون العلة في
كراهة التلقي مسامحة الركب في الميزان بما لا يتسامح به المتلقي، أو مظنة حبس المتلقين ما
اشتروه، أو ادخاره عن أعين الناس وبيعه تدريجا بخلاف ما إذا أتي الركب وطرحوا
أمتعتهم في الخانات والأسواق، فإن له أثرا بينا في امتلاء أعين الناس - خصوصا " الفقراء -
وقت الغلاء إذا اتي بالطعام وكيف كان، فاشتراط الكراهة بجهلهم بسعر البلد محل
مناقشة.
ثم إنه لا فرق بين أخذ المتلقي بصيغة البيع أو الصلح أو غيرهما نعم، لا بأس باستيهابهم
ولو بإهداء شئ إليهم ولو تلقاهم لمعاملات اخر غير شراء متاعهم، فظاهر الروايات عدم
المرجوحية. (7)
355

نعم، لو جعلنا المناط ما يقرب من قوله عليه السلام: المسلمون يرزق الله بعضهم من بعض
قوي سراية الحكم إلى بيع شئ منهم وايجارهم المساكن والخانات كما أنه إذا جعلنا المناط
في الكراهة كراهة غبن الجاهل، كما يدل عليه النبوي العامي: لا تلقوا الجلب، فمن تلقاه
واشتري منه فإذا أتي السوق فهو بالخيار قوي سراية الحكم إلى كل معاملة توجب غبنهم،
كالبيع والشراء منهم متلقيا، وشبه ذلك.
لكن الأظهر هو الأول وكيف كان، فإذا فرض جهلهم بالسعر فثبت لهم الغبن الفاحش
كان لهم الخيار وقد يحكى عن الحلي ثبوت الخيار وإن لم يكن غبن، ولعله لاطلاق النبوي
المتقدم المحمول على صورة تبين الغبن بدخول السوق والاطلاع على القيمة واختلفوا في
كون هذا الخيار على الفور أو التراخي على قولين، سيجئ ذكر الأقوى منهما في مسألة
خيار الغبن إن شاء الله. (8)
356

مسألة
يحرم النجش على المشهور، كما في الحدائق، بل عن المنتهي وجامع المقاصد: أنه محرم
إجماعا " لرواية ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله
وسلم: الواشمة والمؤتشمة والناجش والمنجوش ملعونون على لسان محمد صلي الله عليه وآله
وسلم.
وفي النبوي المحكي عن معاني الاخبار: لا تناجشوا ولا تدابروا، قال: ومعناه: أن يزيد
الرجل في ثمن السلعة وهو لا يريد شراءها، ليسمع غيره فيزيد بزيادته، والناجش خائن،
والتدابر: الهجران، انتهي كلام الصدوق والظاهر أن المراد بزيادة الناجش: مواطاة البائع
المنجوش له
357

مسألة إذا دفع انسان إلى غيره مالا ليصرفه في قبيل يكون المدفوع إليه منهم، ولم يحصل للمدفوع
إليه ولاية على ذلك المال (1) من دون الدافع - ك‍: مال الامام، أو رد المظالم المدفوع إلى
الحاكم ج فله صور: إحداها: أن تظهر قرينة على عدم جواز رضاه بالأخذ منه، كما إذا
عين له منه مقدارا قبل الدفع أو بعده ولا إشكال في عدم الجواز، لحرمة التصرف في مال
الناس على غير الوجه المأذون فيه.
الثانية: أن تظهر قرينة حالية أو مقالية على جواز أخذه منه مقدارا مساويا لما يدفع إلى
غيره أو أنقص أو أزيد ولا إشكال في الجواز حينئذ إلا أنه قد يشكل الامر فيما لو اختلف
مقدار المدفوع إلى الأصناف المختلفة، كأن عين للمجتهدين مقدارا، وللمشتغلين مقدارا،
واعتقده الدافع بعنوان يخالف معتقد المدفوع إليه. (2)
359

والتحقيق هنا: مراعاة معتقد المدفوع إليه إن كان عنوان الصنف على وجه الموضوعية، كأن يقول: ادفع إلى كل مشتغل كذا وإلي كل مجتهد كذا، وخذ أنت ما يخصك وإن كان
على وجه الداعي بأن كان عنوان الصنف داعيا إلى تعيين ذلك المقدار، كان المتبع اعتقاد
الدافع، لان الداعي إنما يتفرع على الاعتقاد لا الواقع.
الثالثة: أن لا تقوم قرينة على أحد الامرين، ويطلق المتكلم. (3)
360

والرواية معارضة بروايات اخر، مثل: ما عن الكافي - في الصحيح - عن سعيد بن يسار،
قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: الرجل يعطي الزكاة يقسمها في أصحابه، أيأخذ منها
شيئا؟ قال: نعم.
وعن الحسين بن عثمان - في الصحيح أو الحسن بابن هاشم -: في رجل أعطي مالا يفرقه في
من يحل له، أيأخذ منه شيئا لنفسه وإن لم يسم له؟ قال: يأخذ منه لنفسه مثل ما يعطي
غيره. وصحيحة ابن الحجاج، قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يعطي الرجل
الدراهم يقسمها ويضعها في مواضعها وهو ممن تحل له الصدقة؟ قال: لا بأس أن يأخذ
لنفسه كما يعطي غيره، ولا يجوز له أن يأخذ إذا أمره أن يضعها في مواضع مسماة الا
بإذنه (4) والذي ينبغي أن يقال: أما من حيث دلالة اللفظ الدال على الاذن في الدفع
والصرف، فإن المتبع الظهور العرفي وإن كان ظاهرا بحسب الوضع اللغوي في غيره، كما
أن الظهور الخارجي الذي يستفاد من القرائن الخارجية مقدم على الظهور العرفي الثابت
للفظ المجرد عن تلك القرائن. (5)
363

ثم إن التعبد في حكم هذه المسألة لا يخلو عن بعد، فالأولى حمل الاخبار المجوزة على ما إذا
كان غرض المتكلم صرف المدفوع في العنوان المرسوم له من غير تعلق الغرض بخصوص
فرد دون آخر. وحمل الصحيحة المانعة على ما إذا لم يعلم الامر بفقر المأمور فأمره بالدفع
إلى مساكين على وجه تكون المسكنة داعيا إلى الدفع لا موضوعا، ولما لم يعلم المسكنة في
المأمور لم يحصل داع على الرضا بوصول شئ من المال إليه. (6)
ثم على تقدير المعارضة، فالواجب الرجوع إلى ظاهر اللفظ، لان الشك بعد تكافؤ الاخبار
في الصارف الشرعي عن الظهور العرفي ولو لم يكن للفظ ظهور فالواجب بعد التكافؤ
الرجوع إلى المنع، إذ لا يجوز التصرف في مال الغير الا بإذن من المالك أو الشارع. (7)
364

مسألة
احتكار الطعام - وهو كما في الصحاح وعن المصباح: جمع الطعام وحبسه يتربص به
الغلاء - لا خلاف في مرجوحيته وقد اختلف في حرمته، فعن المبسوط والمقنعة والحلبي -
في كتاب المكاسب - والشرائع والمختلف: الكراهة (1)
365

وصحيحة الحلبي، قال: سألته عليه السلام عمن يحتكر الطعام ويتربص به، هل يصلح ذلك؟
قال: إن كان الطعام كثيرا يسع الناس فلا بأس به، وإن كان الطعام قليلا لا يسع الناس
فإنه يكره أن يحتكر ويترك الناس ليس لهم طعام فإن الكراهة في كلامهم عليهم السلام وإن
كان يستعمل في المكروه والحرام، إلا أن في تقييدها بصورة عدم باذل غيره مع ما دل على
كراهة الاحتكار مطلقا، قرينة على إرادة التحريم (3) وحمله على تأكد الكراهة أيضا مخالف
لظاهر يكره كما لا يخفى. (4) وإن شئت قلت: إن المراد ب‍ البأس في الشرطية الأولى
التحريم، لان الكراهة ثابتة في هذه الصورة أيضا، فالشرطية الثانية كالمفهوم لها.
(3)
369

ويؤيد التحريم: ما عن المجالس بسنده عن أبي مريم الأنصاري عن أبي جعفر، قال: قال
رسول الله: أيما رجل اشتري طعاما فحبسه أربعين صباحا يريد به الغلاء للمسلمين، ثم باعه
وتصدق بثمنه لم يكن كفارة لما صنع وفي السند بعض بني فضال، والظاهر أن الرواية
مأخوذة من كتبهم التي قال العسكري عند سؤاله عنها: خذوا بما رووا وذروا ما رأوا، ففيه
دليل على اعتبار ما في كتبهم، فيستغني بذلك عن ملاحظة من قبلهم في السند، وقد ذكرنا:
أن هذا الحديث أولي بالدلالة على عدم وجوب الفحص عما قبل هؤلاء من الاجماع الذي
ادعاه الكشي على تصحيح ما يصح عن جماعة. ويؤيده أيضا ما عن الشيخ الجليل الشيخ
ورام: من أنه أرسل عن النبي عن جبرئيل، قال: اطلعت على النار فرأيت في جهنم واديا
فقلت: يا مالك لمن هذا؟ قال: لثلاثة: المحتكرين، والمدمنين للخمر، والقوادين.
ومما يؤيد التحريم: ما دل على وجوب البيع عليه، فإن إلزامه بذلك ظاهر في كون الحبس محرما
إذ الالزام على ترك المكروه خلاف الظاهر وخلاف قاعدة سلطنة الناس على أموالهم. (6)
370

ثم إن كشف الابهام عن أطراف المسألة يتم ببيان أمور:
الأول: في مورد الاحتكار، فإن ظاهر التفسير المتقدم عن أهل اللغة وبعض الاخبار
المتقدمة: اختصاصه بالطعام وفي رواية غياث بن إبراهيم: ليس الحكرة الا في الحنطة،
والشعير، والتمر، والزبيب وعن الفقيه: زيادة: الزيت، وقد تقدم في بعض الاخبار المتقدمة
دخول الزيت أيضا " وفي المحكي عن قرب الإسناد - برواية أبي البختري - عن علي عليه
السلام: قال: ليس الحكرة الا في الحنطة والشعير والتمر والزبيب والسمن.
وعن الخصال في رواية السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم السلام: قال: قال رسول
الله صلي الله عليه وآله وسلم: الحكرة في ستة أقسام الحنطة، والشعير، والتمر، والزيت،
والزبيب، والسمن.
ثم إن ثبوته في الغلات الأربع بزيادة السمن لا خلاف فيه ظاهرا، وعن كشف الرموز
وظاهر السرائر: دعوى الاتفاق عليه، وعن مجمع الفائدة: نفي الخلاف فيه.
وأما الزيت: فقد تقدم في غير واحد من الاخبار، ولذا اختاره الصدوق والعلامة في
التحرير - حيث ذكر أن به رواية حسنة - والشهيدان والمحقق الثاني، وعن إيضاح النافع:
أن عليه الفتوى.
وأما الملح: فقد ألحقه بها في المبسوط والوسيلة والتذكرة ونهاية الاحكام والدروس
والمسالك، ولعله لفحوى التعليل الوارد في بعض الاخبار: من حاجة الناس الثاني: روي
السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام: إن الحكرة في الخصب أربعون يوما، وفي الغلاء
والشدة ثلاثة أيام، فما زاد على الأربعين يوما في الخصب، فصاحبه ملعون، وما زاد في
العسرة على ثلاثة أيام فصاحبه ملعون.
371

ويؤيدها ظاهر رواية المجالس - المتقدمة - وحكي عن الشيخ ومحكي القاضي والوسيلة
العمل بها، وعن الدروس: أن الأظهر تحريمه مع حاجة الناس ومظنتها الزيادة على
ثلاثة أيام في الغلاء وأربعين في الرخص، للرواية، انتهى
أما تحديده ب‍ حاجة الناس فهو حسن، كما عن المقنعة وغيرها، ويظهر من الاخبار المتقدمة
وأما ما ذكره من حمل رواية السكوني على بيان مظنة الحاجة، فهو جيد ومنه يظهر عدم
دلالتها على التحديد بالعددين تعبدا.
الثالث: مقتضى ظاهر صحيحة الحلبي المتقدمة في بادي النظر حصر الاحتكار في شراء
الطعام لكن الأقوى التعميم بقرينة تفريع قوله: فإن كان في المصر طعام.
ويؤيد ذلك: ما تقدم من تفسير الاحتكار في كلام أهل اللغة بمطلق جمع الطعام وحبسه،
سواء كان بالاشتراء أو بالزرع والحصاد والاحراز، إلا أن يراد جمعه في ملكه.
ويؤيد التعميم تعليل الحكم في بعض الاخبار ب‍ أن يترك الناس ليس لهم طعام، وعليه فلا
فرق بين أن يكون ذلك من زرعه أو من ميراث أو يكون موهوبا له، أو كان قد اشتراه
لحاجة فانقضت الحاجة وبقي الطعام لا يحتاج إليه المالك، فحبسه متربصا للغلاء.
الرابع: أقسام حبس الطعام كثيرة، لان الشخص إما أن يكون قد حصل الطعام لحبسه أو
لغرض آخر، أو حصل له من دون تحصيل له والحبس، إما أن يراد منه نفس تقليل
الطعام إضرارا بالناس في أنفسهم، أو يريد به الغلاء وهو إضرارهم من حيث المال، أو
يريد به عدم الخسارة من رأس ماله وإن حصل ذلك لغلاء عارضي لا يتضرر به أهل البلد،
كما قد يتفق ورود عسكر أو زوار في البلاد وتوقفهم يومين أو ثلاثة، فيحدث للطعام
عزة لا يضر بأكثر أهل البلد، وقد يريد ب‍ الحبس لغرض آخر المستلزم للغلاء غرضا آخر
372

هذا كله مع حصول الغلاء بحبسه، وقد يحبس انتظارا لأيام الغلاء
من دون حصول الغلاء بحبسه، بل لقلة الطعام آخر السنة، أو لورود عسكر أو زوار ينفد الطعام ثم حبسه
لانتظار أيام الغلاء، قد يكون للبيع بأزيد من قيمة الحال، وقد يكون لحب إعانة
المضطرين ولو بالبيع عليهم والارفاق بهم.
ثم حاجة الناس قد يكون لأكلهم، وقد يكون للبذر أو علف الدواب، أو الاسترباح
بالثمن وعليك باستخراج أحكام هذه الأقسام وتمييز المباح والمكروه والمستحب من الحرام
الخامس: الظاهر عدم الخلاف - كما قيل - في إجبار المحتكر على البيع، حتى على القول
بالكراهة، بل عن المهذب البارع: الاجماع، وعن التنقيح - كما عن الحدائق -: عدم الخلاف
فيه، وهو الدليل المخرج عن قاعدة عدم الاجبار لغير الواجب، ولذا ذكرنا: أن ظاهر أدلة
الاجبار تدل على التحريم، لان إلزام غير اللازم خلاف القاعدة.
نعم لا يسعر عليه إجماعا، كما عن السرائر، وزاد وجود الأخبار المتواترة، وعن المبسوط:
عدم الخلاف فيه لكن عن المقنعة: أنه يسعر عليه بما يراه الحاكم وعن جماعة - منهم العلامة
وولده والشهيد -: أنه يسعر عليه إن أجحف بالثمن، لنفي الضرر، وعن الميسي والشهيد
الثاني: أنه يؤمر بالنزول من دون تسعير، جمعا بين النهي عن التسعير، والجبر بنفي
الاضرار. (7)
373

خاتمة
ومن أهم آداب التجارة الاجمال في الطلب والاقتصاد فيه، ففي مرسلة ابن فضال عن رجل
عن أبي عبد الله عليه السلام: ليكن طلبك للمعيشة فوق كسب المضيع ودون طلب الحريص
الراضي بدنياه المطمئن إليها، ولكن أنزل نفسك من ذلك منزلة المنصف المتعفف، ترفع
نفسك عن منزلة الواهن الضعيف وتكسب ما لا بد للمؤمن منه، إن الذين أعطوا المال ثم
لم يشكروا، لا مال لهم.
وفي صحيحة الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم في
حجة الوداع: الا إن الروح الأمين نفث في روعي: أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها،
فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملنكم استبطاء شئ من الرزق أن تطلبوه بشئ من
معصية الله، فإن الله تبارك وتعالي قسم الارزاق في خلقه حلالا ولم يقسمها حراما، فمن
اتقي الله وصبر آتاه الله برزقه من حله، ومن هتك حجاب الستر وعجل فأخذه من غير
حله قص به من رزقه الحلال وحوسب عليه يوم القيامة.
عن أبي عبد الله عليه السلام: أنه كان أمير المؤمنين عليه السلام - كثيرا ما يقول -: اعلموا علما
يقينا أن الله عز وجل لم يجعل للعبد وإن اشتد جهده وعظمت حيلته وكثرت مكائدته أن
يسبق ما سمي له في الذكر الحكيم، ولم يحل بين العبد في ضعفه وقلة حيلته أن يبلغ ما سمي
له في الذكر الحكيم،
375

أيها الناس، إنه لن يزداد امرؤ نقيرا لحذقه، ولم ينقص امرؤ نقيرا لحمقه، فالعالم بهذا
العامل به أعظم الناس راحة في منفعته، والعالم بهذا التارك له أعظم الناس شغلا في
مضرته، ورب منعم عليه مستدرج بالاحسان إليه، ورب مغرور في الناس مصنوع له،
فأبق أيها الساعي من سعيك، وأقصر من عجلتك، وانتبه من سنة غفلتك، وتفكر فيما
جاء عن الله عز وجل على لسان نبيه صلي الله عليه وآله وسلم
وفي رواية عبد الله بن سليمان، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن الله عز وجل
وسع في أرزاق الحمقى ليعتبر العقلاء، ويعلموا أن الدنيا ليس ينال ما فيها بعمل ولا حيلة
وفي مرفوعة سهل بن زياد أنه قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: كم من متعب نفسه
مقتر عليه، وكم من مقتصد في الطلب قد ساعدته المقادير.
وفي رواية علي بن عبد العزيز قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: ما فعل عمر بن مسلم
؟ قلت: جعلت فداك! أقبل على العبادة وترك التجارة، فقال: ويحه! أما علم أن تارك
الطلب لا تستجاب له دعوته؟ إن قوما من أصحاب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم لما
نزل قوله تعالي: ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب أغلقوا الأبواب
وأقبلوا على العبادة وقالوا: قد كفينا! فبلغ ذلك النبي صلي الله عليه وآله وسلم فأرسل إليهم،
فقال لهم: ما دعاكم إلى ما صنعتم؟ فقالوا: يا رسول الله تكفل الله تعالي لنا بأرزاقنا
فأقبلنا على العبادة فقال صلي الله عليه وآله وسلم: إنه من فعل ذلك لم يستجب له، عليكم
بالطلب. وقد تقدم رواية أنه: ليس منا من ترك آخرته لدنياه، ولا من ترك دنياه لاخرته
وتقدم أيضا حديث داود على نبينا وآله وعليه السلام وعلي جميع أنبيائه الصلاة والسلام، بعد الحمد
لله الملك العلام، على ما أنعم علينا بالنعم الجسام التي من أعظمها الاشتغال بمطالعة وكتابة
كلمات أوليائه الكرام التي هي مصابيح الظلام للخاص والعام
376