الكتاب: قاعدة القرعة
المؤلف: حسين كريمي
الجزء:
الوفاة: معاصر
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق: مركز فقه الأئمة الأطهار عليهم السلام
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: رمضان ١٤٢٠
المطبعة: اعتماد - قم
الناشر: مركز فقه الأئمة الأطهار عليهم السلام
ردمك: ٩٦٤-٩٢٣٠٩-٠-٤
ملاحظات:

قاعدة
القرعة
تأليف: حجة الاسلام والمسلمين
الشيخ حسين الكريمي القمي
تحقيق ونشر: مركز فقه الأئمة الأطهار (عليهم السلام)
1

اسم الكتاب:... قاعدة القرعة
تأليف:... الأستاذ الشيخ حسين الكريمي القمي
الناشر:... المؤلف
تنضيد الحروف والإخراج الفني:... مركز فقه الأئمة الأطهار (عليهم السلام)
المطبعة:... اعتماد - قم
الطبعة:... الأولى - رمضان 1420 ه‍
الكمية:... 2000 نسخة
السعر:... 500 تومان
شابك: 4 - 0 - 92309 - 964 4 - 0 - 92309 - 964: ISBN
2

بسم الله الرحمن الرحيم
3

بسم الله الرحمن الرحيم
نحمد الله على آلائه ونعمه، ونشكره على كرمه ومننه، فقد من
علينا بالهداية والتوفيق لدراسة أحكام الشريعة وتعليمها والوصول إلى
قواعدها وأصولها، ومعرفة ما يحتاج إليه الفقيه في استنباط الأحكام
الشرعية الإلهية، ونصلي ونسلم على أشرف بريته محمد وآله الطاهرين.
ثم إنه غير خفي على البصير أن الحوزات العلمية المقدسة هي من
أشرف نعم الله تعالى علينا، فلا بد لنا من تقويتها واستمرارها وإفاضتها
في جميع الأبعاد التي يحتاج إليها الناس، ومن أهم المسؤوليات الملقاة
على عاتقها في هذا العصر الجديد - الذي أصبحت فيه الشريعة الغراء
موردا للشبهات الكثيرة التي يثيرها أعداء الدين، وساحة لما يستجد
من أبحاث جديدة - التصدي لدرء الشبهات وللدفاع عن كيان الدين
ومؤسساته، ولا يتحقق هذا الأمر إلا بالاطلاع على المسائل الموجودة
في العالم حول الدين والفقه، والتفوق عليها حسب مرور الزمان
ومقتضياته. ولا بد في هذا العصر من الاستفادة الكاملة والمفيدة من
طلاب العلم والفضلاء في الحوزة، وإحداث أطروحات جديدة للوصول
إلى الغاية الأساسية وهي الاجتهاد في كل شعبة من العلوم الحوزوية من
5

الفقه والكلام والتفسير والأصول وغيرها، ولا شك أن هذا الأمر يحتاج
إلى التنظيم والتنسيق الخاص بشكل عام وواسع، وفي هذا المسير المهم
لأول مرة في الحوزة المقدسة أسس المركز الفقهي للأئمة الأطهار (عليهم السلام)
بأمر والدي الأعز المرجع الديني الكبير آية الله العظمى الشيخ محمد
الفاضل اللنكراني (مد ظله العالي) للتركيز والتمحض في خصوص الفقه
والأصول. والغاية القصوى من تأسيس هذا المركز، الترغيب والتشويق
بالنسبة إلى من يكون عنده مراتب من العلوم الحوزوية، وتهيئته
لارتقائه إلى ذروتها القصوى وهي الاجتهاد بما له من العرض العريض
ونطاقه الرفيع، ففي هذا المركز الفقهي العظيم مهدت الوسائل
والإمكانات الجديدة لأن يستفيد الفضلاء من منابع الاستنباط أكثر
فأكثر، وأيضا قد أسست اللجان الفقهية والأصولية كل منها تحت هداية
أستاذ مبرز من الأساتذة، وبحمد الله بعد مرور مدة قليلة من هذه
التجربة الجديدة قد وصلنا إلى نتائج طيبة، ورأينا أن هذا الطريق هو
السبيل للوصول إلى الهدف الأساسي من الفقه والفقاهة.
وفي جنب هذه اللجان شرعنا في تحقيق بعض البحوث
والموضوعات الفقهية المهمة، التي لها دخل أساسي في الاستنباط،
بجهود جمع من الفضلاء والمحققين، آملين أن نصل إن شاء الله تعالى إلى
النتيجة المرتقبة المطلوبة.
والرسالة التي بين يديك أيها القارئ العزيز قاعدة من القواعد
الفقهية، وهي قاعدة القرعة التي هي من المباحث الأساسية للفقه، وهي
مرجع للحكم في كثير من الفروع الفقهية، ألفها المحقق العلامة الحجة
الأستاذ الشيخ حسين الكريمي حفظه الله تعالى، بعد أن ألقاها لجمع من
6

الفضلاء الموجودين في المركز، وقد جعل محور البحث في هذه القاعدة
ما ذكره المرجع المعظم المؤسس لهذا المركز في كتابه المسمى بالقواعد
الفقهية مع مقدمات وتحقيقات جديدة وتوضيحات وتنبيهات نافعة
حاوية لذكر آراء العامة والخاصة واستقصاء الروايات ودفع الشبهات
فصار بحمد الله كتابا جامعا في موضوعه وسفرا قيما في أسلوبه.
ونحن نشكر سماحة المؤلف على مشاركته ومساهمته في هذا الأمر
المبارك، ولله تبارك وتعالى دره وعليه أجره. نسأل الله تبارك وتعالى أن
يوفقنا جميعا في هذا الأمر العظيم تحت راية ورعاية مولانا صاحب
العصر والزمان أرواحنا له الفداء.
وفي الختام نشكر الفضلاء الأماجد في مركز فقه الأئمة
الأطهار (عليهم السلام) الذين تعاونوا في إخراج هذا الكتاب.
1 - حجة الإسلام والمسلمين الشيخ حسين الواثقي، لإشرافه على
مراحل التنسيق والتصحيح والطبع.
2 - الأستاذ محسن الأسدي: مراجعة الكتاب وتنسيق بحوثه.
3 - حجة الإسلام الشيخ عباد الله سرشار الطهراني الميانجي،
والأخ الفاضل محمد مهدي مقدادي لاشتراكهما في المقابلة والمراجعة.
محمد جواد الفاضل اللنكراني
5 شهر رمضان المبارك 1420
7

بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين سيما بقية
الله في الأرضين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين.
من الأمور التي لا ريب فيها ولا شك يعتريها، أن لكل عصر ميزات
خاصة ومقتضيات حافة به، وأن عصرنا من أكثر الأعصار ميزة وأشد
الأزمان إشكالا بسبب ارتباطات الدول، واختلاط الأمم والملل،
والتغييرات الصناعية، والاكتشافات البحرية والبرية، والاختراعات
العجيبة والتسخيرات البديعة، والتحولات العديدة في شتى الجهات، ونفوذ
سلطة العلم والصنعة إلى أقصى مراحل الأنفس والآفاق، والشبهات الناشئة
من تلك التغييرات والتحولات. كل ذلك يقتضي تحولا فقهيا تحل به
المعضلات وتيسر به المشاكل، وتتبين به أحكام الموضوعات المستحدثة.
وهذا هو الذي يستدعي قيام الحوزات العلمية والمراكز الثقافية باستفراغ
وسعها لحل المشكلات العلمية، ودفع الشبهات الشيطانية، وتلبية الحاجات
الدينية. وإلا ينتهي الأمر إلى من لا يكون أهلا لها، وإلى من لا نصيب له من
الاجتهاد، ولا يكون من أهل الصلاح والسداد فيفتي الناس، ويصل أمر
الدين إلى ما نراه في المؤتمرات ونشاهده في المقالات من إنكار الضروريات
والتشكيك في المسلمات.
ولما انتهى أمر الزعامة الدينية إلى مشايخنا الكرام وأساتذتنا العظام - كثر
الله أمثالهم - فكان منهم العلم العلام وأستاذنا الفهام المرجع الديني
9

آية الله الحاج الشيخ محمد الفاضل اللنكراني، متعنا الله تعالى بطول بقائه
الشريف. طلبت منه مرارا وراجعته مكررا أن يؤسس كلية فقهية لجذب
النفوس المستعدة وذوي الهمم العالية للتفقه في الدين حتى يصلوا إلى أقصى
مراتب الاجتهاد النافع، وأعلى مراتب الفقه الناجح، بهم يدفع إفراط الغالين
وتحريفات الضالين وبدع المضلين، ليكونوا دعاة إلى الدين، وحماة عن حريم
أئمتنا المعصومين سلام الله عليهم أجمعين.
فأجابني أيده الله إلى ما طلبته، وأقامني لتأسيس ما رجوته، فأسسنا
بأمره مع جماعة من الإخوان منهم: نجله الشريف الزكي والعالم الحفي الشيخ
محمد جواد الفاضل سلمه الله تعالى، مركزا فقهيا وجامعا دينيا.
وكنت أدرس في لجنة القضاء الإسلامي، فقصدت إلى تدوين ما ألقيت
من المباحث في شهر رمضان 1419 حول قاعدة القرعة. ولما كان محور تدريسنا
ما ألفه المؤسس المعظم شيخنا الأستاذ آية الله الفاضل حول قاعدة القرعة،
المطبوع في كتابه القواعد الفقهية، فجعلت كتابي هذا على ثلاثة أبواب:
الباب الأول: فيما كان قبل كلام الأستاذ، وفيه كليات نافعة ومقدمات ناجحة.
الباب الثاني: فيما يكون مع كلام الأستاذ، وفيه بعض التوضيحات
والتعليقات.
الباب الثالث: فيما يكون بعد كلام الأستاذ، وفيه ما نذكره بعنوان التنبيهات
فيما بقي من الأبحاث اللازمة.
فصار بحمد الله كتابا وافيا ومقالا شافيا، نرجو من الله القبول، وأهدي
ثوابه إلى مولانا وسيدنا خاتم الأوصياء وبقية الأصفياء الحجة ابن الحسن
العسكري أرواحنا فداه.
" اللهم عجل فرجه وسهل مخرجه واجعلنا من أعوانه وأنصاره "
قم المقدسة
حسين الكريمي القمي - شوال 1419
10

الباب الأول: وفيه أمور نافعة
1 - تعريف قاعدة " القرعة "
من جملة الأصول المتلقاة من الشريعة إعمال قاعدة القرعة في
الأمور المجهولة المشكلة، ولم أر من تعرض لتعريفها وبيان حقيقتها. نعم
قال المحقق النراقي في عوائده: " اعلم أن القرعة مأخوذة من قارعة
القلوب أي: ما يخوفها، لأن قلب كل من المتقارعين في الشدة والمخافة
حتى يخرج سهمه، أو من القرع بمعنى الضرب حيث إنه يضرب
بالعلامة على الحصة، وفي عرف المتشرعة عبارة عن العمل المعهود " (1).
وأنت خبير أنه أحال معناها العرفي المتشرعي إلى وضوح الأمر
عندهم، وهذا المقدار من المعرفة لا يكفي في ترتيب آثار القاعدة.
والذي حصل لي بعد الغور في الكتاب والسنة وأقوال العلماء
وأصحاب اللغة أنها عبارة عن الاستهداء من الله تبارك وتعالى على

(1) عوائد الأيام: 668.
11

وجه مخصوص عند التحير واليأس من الاهتداء بطرق عقلية أو
شرعية كما في الاستخارة، بل الاستخارة نوع منها كما يأتي إن
شاء الله (1).
وعلى هذا تخرج الشبهات الحكمية من القرعة تخصصا، وذلك
لوجود البيان من الشرع والعقل. ففي الشبهة البدوية المقرونة بالحالة
السابقة ترتفع الحيرة بالاستصحاب، وفي غيرها بالبراءة وقاعدة
الإباحة، وفي الشبهة المقرونة بالعلم الإجمالي تجري البراءة من
الخصوصية، ويحكم بالتخيير عقلا وشرعا إذا لم يمكن الاحتياط، وفيما
يمكن الاحتياط لا بد من الاشتغال عقلا ونقلا، وهكذا في الشبهات
الموضوعية المفهومية ترجع في الزائد على المتيقن إلى البراءة إذا دار
أمرها بين الأقل والأكثر وإلى الاحتياط في المتباينين، وهكذا في
الشبهات الموضوعية المصداقية إذا لم تكن مقرونة بالعلم الإجمالي، كان
الحكم الظاهري هو البراءة عند فقد البينة والاستصحاب وسائر القواعد
الجارية في الموضوعات، مثل قاعدة اليد وأصالة الصحة وقاعدة
الإحسان وغير ذلك من القواعد الفقهية.
فينحصر مورد القرعة في موردين:
ألف: فيما كان كل من حكمه الواقعي والظاهري مجهولا، مما فيه
واقع معين، كما في الخنثى المشكل، وموارد تعارض البينات عند

(1) وفي كتاب الموسوعة الفقهية من منشورات وزارة أوقاف الكويت: 33 / 136: القرعة
في اللغة: السهم والنصيب... ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغوي...
وإلقاء القرعة: حيلة يتعين بها سهم الانسان ".
12

التساوي من جميع الجهات ويسمونه بالمجهول.
ب: فيما لا يكون له واقع معين، وهو الذي يسمونه بالمشكل
والمعضل، كما لو أوصى بعتق أحد عبيده، أو أراد أن يسافر بإحدى
زوجاته، كما يأتي ذلك مفصلا إن شاء الله.
2 - القرعة مشروعة في الأديان السابقة
دل الكتاب والسنة والتواريخ المعتبرة على مشروعية القرعة في
الأديان السابقة. أما الكتاب فقوله تعالى في قصة تكفل مريم: {وما
كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم} (1) وقوله تعالى في
قصة يونس: {فساهم فكان من المدحضين} (2). ويأتي تفسيرهما في
كلام شيخنا الأستاذ (دام ظله).
وأما السنة فكثيرة:
منها: ما رواه الصدوق باسناده عن حماد بن عيسى، عمن أخبره،
عن حريز، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: أول من سوهم عليه مريم بنت
عمران وهو قول الله عز وجل: {وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم
أيهم يكفل مريم} والسهام ستة. ثم استهموا في يونس (عليه السلام) لما ركب مع
القوم، فوقفت السفينة في اللجة، فاستهموا فوقع السهم على يونس
ثلاث مرات، قال: فمضى يونس (عليه السلام) إلى صدر السفينة فإذا الحوت فاتح
فاه فرمى نفسه.

(1) آل عمران: 44.
(2) الصافات: 141.
13

ثم كان عبد المطلب قد ولد له تسعة بنين، فنذر في العاشر إن رزقه
الله غلاما أن يذبحه. فلما ولد عبد الله لم يكن يقدر أن يذبحه
ورسول الله (صلى الله عليه وآله) في صلبه، فجاء بعشر من الإبل فساهم عليها وعلى
عبد الله، فخرجت السهام على عبد الله فزاد عشرا، فلم تزل السهام
تخرج على عبد الله ويزيد عشرا، فلما أن خرجت مائة خرجت السهام
على الإبل، فقال عبد المطلب: ما أنصفت ربي، فأعاد السهام ثلاثا،
فخرجت على الإبل، فقال: الآن علمت أن ربي رضي فنحرها.
ورواها في الخصال عن أحمد بن هارون، وجعفر بن محمد بن
مسرور جميعا عن ابن بطة، عن الصفار، عن العباس بن معروف، عن
حماد بن عيسى (1).
ورواها الطبرسي في مجمع البيان مرسلا (2).
وقال المجلسي الأول في قوله " والسهام الستة " ويمكن أن يقرأ
بالنون أي السهام بالقرعة سنة ماضية من الأنبياء (3).
أقول: سياق الحديث يدل على بقاء مشروعية القرعة في الإسلام،
ولا سيما إذا لاحظنا ما رواه في الخصال: في وصية النبي (صلى الله عليه وآله): يا علي إن
عبد المطلب سن في الجاهلية خمس سنن، أجراها الله له في الإسلام،
وعد منها ما ورد في جعله الدية مائة من الإبل بسبب القرعة في

(1) الفقيه: 3 / 89 ح 3388، الخصال: 156 ح 198 من باب الثلاثة، وسائل الشيعة: 18 /
189، ب 13 من أبواب كيفية الحكم ح 12.
(2) مجمع البيان: 2 / 291.
(3) روضة المتقين: 6 / 214. وفي تفسير البرهان: 1 / 282 ذ ح 3 " والسهام ستة في ستة ".
14

قصة عبد الله (1).
ومع ذلك الخبر وأمثاله لا نحتاج إلى استصحاب مشروعيتها وإلقاء
أنفسنا في دفع الشبهات، مع أن الأقوى عدم جريان استصحاب حكم
قوم لقوم آخرين كما لا يخفى.
وأورد بعض الأعلام أن ظاهر الرواية كون مريم أول من سوهم
عليها واقترع في حقها. وكون مساهمة يونس بعدها، مع أن يونس بن
متى كما تشهد به التواريخ كان قبل مريم بمئات من السنين، ففي بعض
التواريخ كان قبل ميلاد عيسى ب‍ 825 سنة...
وأجاب بقوله: وغاية ما يمكن أن يقال في حل هذا الإشكال أن
المراد بالأولية تقدم ذكرها في القرآن الكريم، فإن قضية مساهمة مريم
واردة في سورة آل عمران، ومساهمة يونس في سورة الصافات،
فتأمل (2).
أقول: ولولا أمره بالتأمل لقلنا: إن هذا الجواب لا يليق بشأنه كما
لا يخفى.
فالحق في الجواب: أن ما ذكروه في تواريخ الأنبياء مأخوذ من
تاريخ اليهود الكذابين وقد صرح بذلك العلامة المجلسي (قدس سره) في شرح
الحديث (3). والصحيح على ما في هذا الحديث الشريف وغيره ما ذكره
المؤرخ الشهير الخاتون آبادي من أن يونس كان معاصرا لشعيا

(1) الخصال: 312 ح 90 من باب الخمسة.
(2) القواعد الفقهية لآية الله مكارم الشيرازي: 1 / 348 - 349.
(3) روضة المتقين: 6 / 214.
15

وزكريا (1).
ويمكن أن يكون يونس الذي كان عصره 825 سنة قبل الميلاد
غير ما ذكره القرآن، ويؤيد ذلك تعدد مقابر يونس في ناحية الموصل،
وفي الكوفة، وفي بيت المقدس، والكل يسمى مدفن يونس، وكثير من
الإشكالات التاريخية ناشئة من الاشتراك في الأسماء، كما لا يخفى على
من أمعن النظر في التاريخ وقصص الأعيان.
وهم ودفع
يمكن أن يقال: إن حديث حماد مرسل لقوله (عمن أخبره).
والجواب أن الإرسال المذكور لا يضر بصحة السند، لأن حماد بن عيسى
من أصحاب الإجماع، مضافا إلى أن الحديث منقول من كتاب حريز،
وللصدوق إلى حريز طرق كثيرة ترتقي إلى خمس وعشرين صحيحة
وأربع حسنة (2).
منها: ما صرح به في المشيخة " وما كان فيه عن حريز بن عبد الله،
فقد رويته عن أبي رضي الله عنهما، عن عبد الله بن جعفر الحميري، عن
محمد بن عيسى بن عبيد، والحسن بن ظريف، وعلي بن إسماعيل كلهم،
عن حماد بن عيسى، عن حريز بن عبد الله (3).
ومن الأخبار الواردة في إعمال القرعة في الأمم السابقة ما رواه في

(1) وقائع السنين والأعوام للسيد عبد الحسين الخاتون آبادي: 12.
(2) روضة المتقين: 14 / 88.
(3) الفقيه: 4 / 425 و 443 المشيخة.
16

البحار عن ابن عباس في قصة يوسف بعد مجئ إخوته إليه، وهم له
منكرون إلى أن انجر الأمر إلى إقراعهم، لأن يعين أحدهم للحبس عند
يوسف، كي يرجعوا ويأتوا بأبيهم، فخرجت القرعة على شمعون " (1).
ومنها: ما رواه أيضا في استخراج موسى (عليه السلام) النمام الذي كان في
أصحابه بالقرعة.
3 - عدم الاحتياج إلى الحقيقة الشرعية
بعد ما ثبت من رواج إعمال القرعة في الأمم السابقة والأديان
الماضية بما يقرب ما كان مشروعا عندنا لا وجه للقول بالحقيقة
الشرعية لمفهوم القرعة، لعدم الاحتياج إلى جعل جديد وأساس بديع،
فيحمل ما ورد في شرعنا إلى معناها المعهود عند العامة، وبعبارة أخرى
أن القرعة في شرعنا كانت من القواعد الإمضائية وليست تأسيسية،
نظير غالب المعاملات الدائرة عند العقلاء.
وكون القاعدة إمضائية لا ينافي دخالة الشارع في بعض
خصوصياتها بأن يضيف إلى شروطها شيئا أو ينقص منها شيئا آخر،
فعلى هذا إن كان لدليل الإمضاء عموم وإطلاق نتمسك بهما في موارد
الشك، وإن لم يعمل بها العقلاء قبل ورود الشرع في تلك الموارد.
4 - القرعة في المذاهب الأربعة
المستفاد من كتاب الخلاف والتذكرة في موارد عديدة مشروعية

(1) بحار الأنوار: 12 / 257.
17

القرعة عند الشافعي ومالك وابن حنبل، وأما أبو حنيفة فأنكرها وقال:
القرعة قمار (1).
وشنع ابن حزم في كتابه المحلى على الحنفية حيث لم يجوزوا القرعة
فيمن أوصى بعتق رقيق لا يملك غيرهم استنادا إلى أنها قمار وميسر،
مع ما ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) العمل بها (2).
وفي كتاب الفقه على المذاهب الأربعة في مبحث حق القسم
للزوجات ما يظهر فيه استحباب الاقراع للزوج، إذا أراد السفر بإحدى
زوجاته تطييبا لخاطرهن. وأما المالكية والشافعية والحنابلة فقالوا:
بوجوبه في الجملة (3).
وفي الموسوعة الفقهية الكويتية: " القرعة مشروعة باتفاق الفقهاء،
وقد تكون مباحة أو مندوبة أو واجبة أو محرمة في أحوال سيأتي بيانها... ".
ثم استدلوا لمشروعيتها بالكتاب والسنة: أما الكتاب فبقوله تعالى
بما مر في قصة مريم ويونس. وأما السنة فبما رواه أبو هريرة: " عرض
النبي (صلى الله عليه وآله) على قوم اليمين فأسرعوا، فأمر أن يسهم بينهم في اليمين أيهم
يحلف ". وبما روي عن عائشة: " كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا أراد سفرا أقرع
بين نسائه " (4).
أقول: لا تنافي بين ما ذكرناه سابقا من عباراتهم الدالة على إنكار
أبي حنيفة وبين ما في الفقه على المذاهب الأربعة، وهكذا الموسوعة

(1) ربيع الأبرار: 3 / 198.
(2) المحلى بالآثار: 8 / 394 - 397.
(3) الفقه على المذاهب الأربعة: 4 / 248.
(4) الموسوعة الفقهية: 33 / 137.
18

الكويتية الدالة على المشروعية عند الحنفية، فإن ما ذكرناه سابقا رأي
أبي حنيفة نفسه، وهذه ناظرة إلى رأي الطائفة الحنفية.
وفي نيل الأوطار للشوكاني، في شرح حديث عائشة: " استدل
بذلك على مشروعية القرعة بين الشركاء وغير ذلك، والمشهور عن
الحنفية والمالكية عدم اعتبار القرعة " (1).
وصرح الترمذي في الجامع الصحيح بعد نقله رواية عمران بن
حصين في عتق الأنصاري: والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من
أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) وغيرهم. وهو قول مالك والشافعي وأحمد
وإسحاق، يرون استعمال القرعة في هذا وفي غيره. وأما بعض أهل العلم
من أهل الكوفة وغيرهم فلم يروا القرعة (2).
5 - مسلكنا في نقل آراء العامة ورواياتهم
اعلم أنا ننقل آراء العامة ورواياتهم حتى يتبين المقصود من أخبار
أئمتنا حيث إنهم (عليهم السلام) ابتلوا بهم، وكان كلامهم ناظرا إلى آرائهم ردا أو
إثباتا، وإلا نحن بحمد الله في غنى عنهم وعن أحاديثهم، فإن أحاديثنا
الفقهية في خصوص كتاب وسائل الشيعة ما يزيد على ستة وثلاثين
ألف حديث، بينما أحاديثهم الفقهية في صحاحهم الستة، لا تزيد على
أكثر من خمسمائة حديث على ما ادعاه بعض علمائنا عنهم (3).

(1) نيل الأوطار: 6 / 218.
(2) الجامع الصحيح: 3 / 645 - 646.
(3) زهر الربيع: 308.
19

6 - كلام لصاحب العناوين حول عمل الفقهاء بالقرعة واستقصاء
مواردها
قال: ورابعها: الإجماع المحصل من تتبع الفتاوى، بحيث لا يبقى فيه
شك للفقيه في كون العمل بالقرعة من الأصول الشرعية في المجهولات
في الجملة، بل مطلقا.
ولنذكر الموارد التي عملوا فيها بالقرعة باتفاق منهم أو خلاف،
حتى ينكشف الأمر غاية الانكشاف:
فنقول: عمل بها الأصحاب:
- في أئمة الجماعة مع عدم المرجح.
- وفي اشتباه القبلة عند ابن طاووس (1).
- وفي قصور المال عن الحجتين الإسلامية والنذرية.
- وفي إخراج الواحد من المحرمين للحج نيابة.
- وفي اختلاف الموتى في الجهاد.
- وفي تزاحم الطلبة عند المدرس والمستفتي، أو المترافعين إلى
المجتهد مع عدم السابق.
- وفي القسمة.
- وفي التزاحم على مباح أو مشترك - كمعدن ورباط - مع عدم
قبوله القسمة.
- وفي المأذونين في شراء كل منهما صاحبه.
- وفي صورة تساوي بينتي الخارجين.

(1) الأمان من أخطار الأسفار والأزمان: 93 - 95.
20

- وفي تلف واحد من دراهم أحدهما لواحد والباقي للآخر وديعة.
- وفي تنازع صاحب العلو والسفل في السقف المتوسط وفي الخزانة
تحت الدرج.
- وفي بينتي المتزارعين إذا تعارضتا في المدة والحصة.
- وفي الوصية بالمشترك اللفظي، وبالثلث من العبيد أو العدد المبهم.
- وفي الوصية بما لا يسعه الثلث مع العلم بالترتيب والشك في
السابق، أو مع الشك في السبق والاقتران.
- وفي ابتداء قسمة الزوجات.
- وفي حق الحضانة.
- وفي عوز النفقة على المنفق عليهم.
- وفي إخراج المطلقة.
- وفي إخراج المشتبه مطلقا أو إذا مات ولم يعين.
- وفي إخراج المنذور عتقه بقوله: " أول ما تلده " فولدت جماعة.
- وفي إخراج مقدار الثلث مع تعدد المدبر.
- وفي المتداعيين في الالتقاط أو في بنوة اللقيط، أو في الإقرار.
- وفي تساوي البينتين في اللقطة.
- وفي اشتباه موطوء الانسان.
- وفي تعدد السيف والمصحف في الحبوة.
- وفي ميراث الخامسة مع المشتبهة بالمطلقة.
- وفي ميراث الخنثى في قول، ومن ليس له فرج على الأشهر.
21

وغير ذلك مما يطلع عليه المتتبع (1). ولا يبقى مع ذلك شك في
كونها متفقا عليه في الجملة، وإنما البحث في عموم حجيتها وضبط
موردها (2).
7 - أقوال فقهائنا الإمامية (قدس سرهم)
قد مر مشروعية القرعة عندنا وأنها من الأصول المتلقاة، ولم
يخالف فيها أحد من الأصحاب، وإنما الاختلاف وقع في جزئيات
المسألة، والمقصود من هذه المقدمة بيان مرامهم وتفصيل كلامهم بمقدار
المجال وما يقتضيه الحال.
قد صرح بذلك شيخ الطائفة المحقة أبو جعفر الطوسي في كتاب
النهاية والمبسوط، وفي كتاب العتق من الخلاف، وغير ذلك من أبواب
كتبه الفقهية.
وقد صرح بإجراء القرعة عند تعارض البينات وتعادلها.
وبالرجوع إليها العلامة في كتاب التذكرة وغيرها في مواضع عديدة.
وهكذا ابن إدريس صرح بإجراء القرعة عند تعارض البينات
مدعيا إجماع الأصحاب " على أن كل أمر مشكل فيه القرعة ".
ولكن أول من عنونها بعنوان قاعدة فقهية فيما رأيناه محمد بن
مكي الملقب بالشهيد الأول المستشهد (786 ه‍) في قواعده، والمستفاد

(1) وفي كتاب جواهر الكلام على ما أحصاه الكمبيوتر أزيد من مائة مورد وقع البحث
فيها بالرجوع إلى القرعة (المعجم الفقهي لآية الله الگلپايگاني).
(2) العناوين: 1 / 349 - 350.
22

من كلامه عدم جريان القرعة في الإمامة الكبرى، وجريانها في تساوي
الحقوق والمصالح، ومنها إخراج المعتق إذا لم يسع العتق تمامهم، ورد على
من زعم كون القرعة من القمار، لإقراع النبي (صلى الله عليه وآله) بين أزواجه، واستعمالها
في الشرايع السالفة (1).
وتبعه على ذلك الفاضل المقداد السيوري (م 826) في كتاب نضد
القواعد، وفسر كلامه بقوله: وإنما مواردها في غير الإمامة الكبرى،
وهي أنواع:
1 - [بين] أئمة الصلاة عند الاستواء في المرجحات.
2 - بين أولياء الميت في تجهيزه مع الاستواء.
3 - بين الموتى في الصلاة والدفن مع الاستواء في الأفضلية
وعدمها.
4 - بين المزدحمين في الصف الأول مع استوائهم في الورود.
5 - في القعود في المسجد أو الموضع المباح.
6 - في الحيازة وإحياء الموات.
7 - في التقديم في الدعاوى والدروس إلا أن يكون فيهم مضطر
بسفر وأمر.
8 - بين الزوجات في السفر، وابتداء القسمة لو سبق إليه الزوجات
دفعة.

(1) القواعد والفوائد: 2 / 183 - 188 قاعدة 213.
أقول: تبين لي بعد الفحص أن العلامة (أعلى الله مقامه) قد بحث عن القرعة في
كتاب القواعد أربعين موردا.
23

9 - بين الموصى بعتقهم أو المنجز من غير ترتيب.
10 - عند تعارض البينتين.
11 - تعارض الدعويين.
12 - تخصيص الحصة بعد القسمة.
ثم قال: ولا يستعمل في العبادات في غير ما ذكرناه، ولا في
الفتاوى والأحكام المشتبهة إجماعا (1).
مختار الشهيد الثاني
قال فخر الشهداء زين الدين بن علي العاملي المستشهد (965 ه‍) في
كتاب تمهيد القواعد بذهاب السيد رضي الدين بن طاووس إلى الرجوع
إلى القرعة عند التحير في القبلة استضعافا لمستند وجوب الصلاة إلى
الأربع، ثم قال: وهو حسن حيث لا يمكن فعل المجموع، كما ذكر لتعذر
الصلاة إلى القبلة وما في حكمها يقينا، فيرجع إلى القرعة الواردة لكل
أمر مشتبه... (2).
أقول: وارتضاه صاحب العروة بقوله: لأنها أحوط (3) وأول من
فصل المقال في هذا المجال فيما رأيناه السيد المحقق المدقق مير
عبد الفتاح الحسيني المراغي (م 1250) في كتاب " العناوين ". والمستفاد
من كلامه شمول القاعدة لما له تعين في الواقع كما في المعلوم بالإجمال،

(1) نضد القواعد الفقهية: 534.
(2) تمهيد القواعد: 283.
(3) العروة الوثقى: 1 / 411.
24

أو لا يكون له تعين كما في صور التزاحم على المباحات
والمشتركات مشروطا بعدم طريق معتبر، لرفع الإشكال والإعضال.
وعليه تخرج عنها الشبهات الحكمية لوجود الأصول العملية، وهكذا
الشبهات الموضوعية المصداقية، التي قامت عليها الطرق المعتبرة
والقواعد الشرعية، فينحصر موردها بالشبهات الموضوعية المفهومية
والمصداقية، إذا لم يتضح الحال، ولم تقم عليها أمارة من
الأمارات المعتبرة، وقاعدة من القواعد المعتمدة من دون اختصاصها
بمورد تزاحم الحقوق ودعاوى الخصوم (1). وكذلك المحقق البارع
والفاضل الكامل المولى أحمد بن مهدي النراقي (م 1245) في كتاب
عوائد الأيام (2).
وكلامه أعم من كلام المراغي، لأنه جعل القرعة واردة على أصل
التخيير والاحتياط العقليين، وهو مختارنا كما يأتي إن شاء الله.
مختار المحقق الأنصاري
قال المحقق المتفكر والمتدبر المبتكر الشيخ الأعظم الأنصاري عند
تعارض الاستصحاب مع القرعة: " القرعة واردة على أصالة التخيير،
وأصالتي الإباحة والاحتياط، إذا كان مدركهما العقل، وإن كان مدركهما
تعبد الشارع بهما في مواردهما، فدليل القرعة حاكم عليهما كما لا يخفى،
لكن ذكر في محله أن دليل القرعة لا يعمل بها بدون جبر عمومها بعمل

(1) العناوين: 1 / 355 - 357.
(2) عوائد الأيام: 663.
25

الأصحاب أو جماعة منهم (1).
أقول: ما ذكره من ورود القرعة على أصالتي التخيير والاحتياط
العقليين حسن كما يأتي، وأما ما ذكره من حكومتها عليهما إذا كانا
شرعيين فلا يمكن المساعدة عليه، لعدم صدق الإشكال والإعضال مع
دليل شرعي على الاحتياط والتخيير، وإطلاق كلامه يشمل التخيير
العقلي في الشبهات الحكمية والموضوعية على وجه الإطلاق.
مختار صاحب الكفاية
قال المحقق الخراساني عند تعارض الاستصحاب مع القرعة: يقدم
الاستصحاب على القرعة، لأخصية دليله من دليلها، لاعتبار سبق
الحالة السابقة فيه دونها. واختصاصها بغير الأحكام إجماعا لا يوجب
الخصوصية في دليلها بعد عموم لفظها لها، هذا مضافا إلى وهن دليلها
بكثرة تخصيصه حتى صار العمل به في مورد محتاجا إلى الجبر
بعمل المعظم، كما قيل... إلى أن قال: الظاهر من دليل القرعة أن
يكون موردها من المشكل والمجهول والمشتبه بقول مطلق لا في
الجملة (2).
مختار المحقق النائيني
صرح المحقق النائيني - على ما في كلام مقرر درسه -: بأنه يختص

(1) فرائد الأصول: 422.
(2) كفاية الأصول: 2 / 493 - 494.
26

مورد القرعة بأطراف العلم الإجمالي، ولا تجري في الشبهات البدوية،
لانصراف عنوان القرعة بذلك (1).
مختار سيد مشايخنا الخوئي
ذهب السيد الخوئي (أعلى الله مقامه) إلى أن المستفاد من الروايات
اختصاص القرعة بما لم يعلم حكمه الشرعي واقعا وظاهرا، فالشبهات
الحكمية خارجة تخصصا، لأن المرجع فيها الأصول العملية. فالمورد
الوحيد للقرعة الشبهات الموضوعية، التي لا يعلم حكمها الواقعي، ولا
تجري فيها قاعدة من القواعد الظاهرية، كما إذا تداعى الاثنان في مال
عند ثالث معترف بأنه ليس له، ولم يكن له حالة سابقة، ومع ذلك لا بد
أن يكون له تعين في الواقع، فلا يرجع إلى القرعة فيما لا تعين له إلا ما
قام الدليل على جريانه (2).
مختار سيد الأحرار ومحقق الأبرار الإمام الراحل
وأما سيد أساتذتنا الإمام الخميني (قدس سره)، فقد صرح بانحصار القرعة
فيما يرجع إلى تزاحم الحقوق في خصوص الموضوعات، بلا فرق بين أن
يكون لها واقع معين أم لا يكون كذلك (3)، وهو مختار شيخنا الأستاذ
آية الله الفاضل مع توسعة نظره لما لا يكون له واقع معين (4) ويأتي

(1) فوائد الأصول: 3 / 343.
(2) مصباح الأصول: 3 / 343.
(3) الرسائل: 2 / 346 و 352.
(4) القواعد الفقهية: 429.
27

ذلك فانتظر.
مختار شيخنا الحائري
المستفاد من مكتوباتنا من محاضراته في بحث الخمس، ورود أكثر
أدلة القرعة في موارد تزاحم الحقوق مع تقيدها بصورة الجهل مما له
تعين في الواقع، إلا أنها تقدم على قاعدة العدل والإنصاف، لكونها
أعدل من قاعدة العدل والإنصاف.
8 - تدوين كتب القواعد الفقهية في مذهب الإمامية
لا ريب في تقدم الشيعة في تأسيس أكثر فنون الإسلام وتدوين
قواعدها وهذا أمر تقتضيه طبيعة الحال، لأنهم أتباع مولى كل مسلم
ومسلمة، وأتباع من قال في حقه النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله): " أنا مدينة العلم
وعلي بابها " وهو أمير المؤمنين، إمام المتقين، يعسوب الدين علي بن
أبي طالب (عليه السلام) الذي قال الله - تعالى شأنه - في حقه:
{قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب} (1).
وقال أيضا خطابا لبعض أزواجه (عايشة وحفصة):
{إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإن الله هو
موليه وجبريل وصالح المؤمنين} (2).
وقال النبي (صلى الله عليه وآله) في حقه أيضا: " أقضاكم علي بن

(1) الرعد: 43.
(2) التحريم: 4.
28

أبي طالب (عليه السلام) " (1).. و " أنا دار الحكمة وعلي بابها " (2).
وقال أيضا: " من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في
تقواه، وإلى إبراهيم في حلمه، وإلى موسى في هيبته، وإلى عيسى في
عبادته، فلينظر إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) (3).
وهو الذي اعترف الموافق والمخالف بغزارة علمه وكمال فضله،
فالمروي عن عمر أنه قال مرات: " لولا علي لهلك عمر " وقال الواقدي:
إن عليا (عليه السلام) كان من معجزات النبي (صلى الله عليه وآله). وصرح ابن أبي الحديد: أنه
مصدر العلوم، لأن جميع العلوم مستند إليه، ففي الفقه جميع الفقهاء
يرجعون إليه، أما الإمامية فظاهر، وأما الحنفية فإن أصحاب أبي حنيفة
أخذوا عنه وهو تلميذ الصادق (عليه السلام)، وأما الشافعية فأخذوا عن الشافعي
وهو قرأ على محمد بن الحسن تلميذ أبي حنيفة وعلى مالك فرجع فقهه
إليهما، وأما أحمد بن حنبل فهو قرأ على الشافعي، وأما مالك فقرأ على
ربيعة الرأي، وهو تلميذ عكرمة، وهو تلميذ ابن عباس، وهو تلميذ
علي، وقرأ أيضا على الصادق (عليه السلام)، والكل ينتهي إلى مولانا أمير
المؤمنين (عليه السلام) (4).
ثم الذي ينبغي أن يلتفت إليه، أن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) أعطوا
أصحابهم أصولا كلية، وقواعد أصلية، وشوقوهم إلى تفريع الفروع
وتكثير الغصون. كما روى البزنطي عن هشام بن سالم، عن أبي
عبد الله (عليه السلام) قال: " إنما علينا أن نلقي عليكم الأصول وعليكم أن
تفرعوا "، وعن أبي الحسن الرضا (عليه السلام): " علينا إلقاء الأصول وعليكم

(1 - 4) نهج الحق: 236 - 238.
29

التفريع " (1). وأمثال ذلك.
وعلى ذلك المنوال قد أملوا على أصحابهم قواعد الفقه وأصوله
بما لا مزيد عليه مثل ما صدر عنهم من أخبار الاستصحاب
وقاعدة الطهارة والحلية وحديث الرفع، وما ورد عنهم في الضرر
والحرج وسوق المسلمين ويدهم، وحمل عملهم وقولهم على الصحة،
وما ورد في التجاوز والفراغ والضمانات والاتلافات مما يسمونه بالقواعد
الفقهية.
وقد جمعها بعض المتأخرين وهو السيد الشريف هاشم بن زين
العابدين الموسوي الخوانساري - المعروف به چهار سوقي - وسماها
ب‍ " أصول آل الرسول "، في أربعة أجزاء، وصرح بأن عدد أحاديثها
يزيد على أربعة آلاف (2). قال صاحب تأسيس الشيعة في حق هذا
الكتاب: هو أحسن ما دون في قواعد الفقه وأصوله (3).
وصنف على المنوال نفسه الشيخ الجليل محمد بن الحسن الحر
العاملي كتاب الفصول المهمة في أصول الأئمة، ونظيره ما صنفه السيد
الخبير العلامة السيد عبد الله الشبر وسماه الأصول الأصلية، وألف على
ذلك النهج المحقق الفيض الكاشاني كتاب الأصول الأصيلة، فجزاهم الله
خير الجزاء.
فعلى هذا ظهر أن أول من رام ذلك المضمار الأئمة الأطهار (عليهم السلام)،

(1) الأصول الأصيلة للفيض الكاشاني (قدس الله سره): 66، الوسائل: 18 / 41 باب 4 من
أبواب صفات القاضي ح 51 و 52.
(2) الذريعة: 2 / 177.
(3) تأسيس الشيعة: 310 وكذا في ريحانة الأدب: 2 / 192.
30

نعم تدوين تلك القواعد بأسلوب صناعي وتسميته بالقواعد الفقهية
عند أصحابنا الإمامية مما ابتكره - على ما بأيدينا - محمد بن
مكي " الشهيد الأول " وبعده تلميذه الفاضل المقداد بن عبد الله
السيوري وسماه نضد القواعد الفقهية على مذهب الإمامية وهو تحرير
قواعد الشهيد، وبعده الشهيد الثاني ألف كتابه تمهيد القواعد. وبعدهما
جاء على ذلك المنوال جمع من مشايخنا العظام مثل كتاب العناوين
للسيد المحقق المير عبد الفتاح المراغي (م 1250) والمحقق
النراقي (م 1245).
وأدرج جمعا منها الشيخ الكبير النجفي كاشف الغطاء في الفصل
الثاني من كشف الغطاء.
وألف السيد النبيل السيد حسن البجنوردي كتابا في القواعد
الفقهية في سبعة أجزاء مجموعها سبعون قاعدة، وألف شيخنا الأستاذ
آية الله الفاضل اللنكراني كتابا كبيرا في عشرين قاعدة منها، ودون آية
الله المكارم كتابه القواعد الفقهية في ثلاثين قاعدة، وغيرهم من الأعلام
وفقهم الله لإعلاء كلمة الإسلام.
9 - نظرة إجمالية حول الروايات الواردة في القرعة
قال المحقق النراقي: وأما السنة فكثيرة جدا مذكورة في أبواب
متفرقة بل بالغة حد التواتر معنى، ثم أورد ستة وأربعين حديثا (1).

(1) عوائد الأيام: 640 - 651.
31

أقول: أورد صاحب الوسائل ما يقرب من 63 حديثا (1).
وأورد صاحب مستدرك الوسائل في خصوص باب 12 من
أبواب كيفية الحكم 15 حديثا.
فالمجموع ما يقرب 78 حديثا (2).
وأورد البخاري في كتابه الصحيح 7 أحاديث.
وأورد أحمد بن حنبل في مسنده ما رواه البخاري مع روايات
أخرى سيأتي ذكرها إن شاء الله.
10 - ما ورد في الروايات من العناوين الكلية
أقول: ورد في بعض الروايات عنوان: القرعة في كل أمر مجهول.
وفي بعضها عنوان: القرعة لكل أمر مشكل.
وفي بعضها عنوان: القرعة سنة.
وفي بعضها عنوان: وتلك من المعضلات.
وفي بعضها عنوان: المشتبه والملتبس.
ثم خص بعض المحققين عنوان المجهول فيما كان له واقع معين كما في
الغنم الموطوءة. والمشكل فيما لم يكن له واقع معين، وحيث ادعى عدم
الظفر برواية " القرعة لكل أمر مشكل " خصها بما يكون له واقع
معين (3).

(1) يأتي تفصيله في الصفحة 37.
(2) هذا مع قطع النظر عن أحاديث الاستخارة، ومع النظر إليها يزيد العدد كثيرا.
(3) راجع مصباح الأصول بحث تقدم الاستصحاب على القرعة.
32

والحق عدم الدليل على ذلك الاصطلاح، ولذلك ترى قدماء
الأصحاب يطلقون المجهول على ما لا واقع معين له، والمشكل على ما له
واقع معين، فهذا شيخ الطائفة في كتاب الخلاف (1) فيما اشتبه المكاتب
المؤدي مال الكتابة بمن لا يؤدي شيئا منه، يقول باستخراج المؤدي
بالقرعة، لأنها لكل أمر مشكل. وهذا الشهيد الأول يصرح في القواعد
باستخراج المعتق بالقرعة عند الوصية بكل مماليكه، لأنها لكل أمر
مجهول (2).
فالمراد من المشكل والمجهول والمشتبه والمعضل والملتبس واحد،
وهو كل ما كان فيه تحير مستقر وتردد مستمر، ولا سبيل إلى رفعها من
الشرع والعقل كان له واقع معين أم لا (3). صرح بما ذكرناه الفاضل
المراغي وغيره من الأعيان.
وقول ابن إدريس في السرائر تبعا للشيخ في النهاية: " وكل أمر
مشكل مجهول يشتبه الحكم فيه ففيه القرعة ".
لعله ناظر إلى ذلك حيث جمع بين العناوين الواردة وجعل كلا منها
توضيحا للآخر كما هو ظاهر الكلام.
والمراد بقوله (عليه السلام) في بعض الروايات: " إن القرعة سنة " هي

(1) الخلاف: 6 / 399 مسألة 24.
(2) القواعد والفوائد: 183 قاعدة 213.
(3) أقول: الحق تعلق الجهل في تمام الموارد، وذلك لأن متعلق الجهل قد يكون عنوانا
فقهيا. كالغنم الموطوءة ومالك الأموال، وقد يكون أمرا آخر وهو الأحق بالمال
والأصلح في الأفعال، كموارد القسمة ونحوها مما لا يكون لها واقع فقهي، فالمجهول
فيها إنما يكون الأحق والأصلح، وهو ثابت معين عند الله.
33

الطريقة الثابتة والقانون الراسخ، وهي في معنى العموم ويتمسك
بها في موارد الشك كما اختاره بعض مشايخنا العظام في الدرس.
11 - حول حديث " القرعة لكل أمر مشكل "
قال بعض الأعاظم: الحق أنه ليس في عناوين الأدلة من عنوان
" المشكل " عين وأثر (1).
أقول: وهو منه عجيب. فاسمع لما أذكره:
1 - قال الشيخ الطوسي في كتاب الخلاف: إذا كان له مكاتبان
كاتبهما بقيمة واحدة فأدى أحدهما ألفا ثم أشكل عليه عين المؤدى منها
أقرع بينهما، فمن خرجت قرعته حكم له بالأداء وبقي الآخر مكاتبا...
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم على أن كل مشكل فيه قرعة، وهذا من
جملة ذلك (2).
2 - قال العلامة حسن بن يوسف بن مطهر الحلي في كتاب تذكرة
الفقهاء في مسألة ازدحام الاثنين على لقيط واحد: وإن تشاحا أقرع
بينهما، لأنه أمر مشكل، لعدم إمكان الجمع بينهما وعدم أولوية أحدهما،
وكل مشكل ففيه القرعة بالنص عن أهل البيت (عليهم السلام) (3).
3 - وقال المولى محمد تقي المجلسي في روضة المتقين: وروي
مستفيضا عن النبي (صلى الله عليه وآله): أن كل مشكل فيه القرعة (4).

(1) القواعد الفقهية لآية الله مكارم: 1 / 357.
(2) الخلاف: 6 / 399 مسألة 24.
(3) تذكرة الفقهاء: 3 / 271.
(4) روضة المتقين: 6 / 215.
34

4 - وفي المستدرك عن الدعائم، عن أمير المؤمنين وأبي جعفر وأبي
عبد الله (عليهم السلام) أنهم أوجبوا الحكم بالقرعة فيما أشكل (1).
وقال أبو عبد الله (عليه السلام): أي حكم في الملتبس أثبت من القرعة (2)؟
وقال الشيخ في النهاية: وكل أمر مشكل مجهول يشتبه الحكم فيه،
فينبغي أن تستعمل فيه القرعة (3).
أقول: الظاهر كونه رواية أفتى بمضمونها، فإن الأحكام المذكورة
في النهاية من الأصول المتلقاة عن المعصومين (عليهم السلام).
وقال صاحب العناوين: ويدل على ذلك ما ينقلونه بطريق العامة:
" وأن القرعة لكل أمر مشتبه " كما في رواية، أو " لكل أمر مشكل " كما
في أخرى (4).
وعنون البخاري بابها " القرعة في المشكلات " (5).
وقال ابن إدريس في السرائر: وكل أمر مشكل مجهول يشتبه
الحكم فيه، فينبغي أن يستعمل فيه القرعة، لما روي عن
الأئمة الأطهار (عليهم السلام) وتواترت به الآثار، وأجمعت عليه الشيعة
الإمامية (6).

(1) مستدرك الوسائل: 17 / 373، أبواب كيفية الحكم، ب 11 ح 1.
(2) مستدرك الوسائل: 17 / 374، أبواب كيفية الحكم، ب 11 ح 2.
(3) النهاية: 345 - 346.
(4) العناوين: 1 / 351.
(5) صحيح البخاري: 3 / 218.
(6) السرائر: 2 / 173.
35

12 - روايات القرعة في صحيح البخاري
نحن نذكر ما أورد البخاري في صحيحه بحذف الإسناد قال
البخاري في كتاب الشهادات باب القرعة في المشكلات (1):
1 - قال أبو هريرة: عرض النبي (صلى الله عليه وآله) على قوم اليمين فأسرعوا،
فأمر أن يسهم بينهم في اليمين أيهم يحلف.
2 - قال النبي (صلى الله عليه وآله): مثل المدهن في حدود الله والواقع فيها
مثل قوم استهموا سفينة فصار بعضهم في أسفلها وصار بعضهم في
أعلاها، فكان الذي في أسفلها يمرون بالماء على الذين في
أعلاها...
3 - عن أم العلاء من نساء الأنصار أن عثمان بن مظعون طار له
سهمه في السكنى حين أقرعت الأنصار سكنى المهاجرين...
4 - بإسناده عن عائشة: أن النبي (صلى الله عليه وآله) إذا أراد سفرا أقرع بين
نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه...
5 - بإسناده عن أبي هريرة: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: لو يعلم الناس
ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه
لاستهموا... (2).
6 - وقال في كتاب الصلاة: ويذكرون أن أقواما اختلفوا في
الأذان، فأقرع بينهم سعد (3).

(1) عقد الباب بما ذكر، ولكن الروايات الواردة في الباب لا تكون بعنوان المشكل كما ترى.
(2) صحيح البخاري: 3 / 218 - 219.
(3) صحيح البخاري: 1 / 172 باب الاستهام في الأذان.
36

13 - روايات القرعة في مسند أحمد بن حنبل
7 - حديث عمران بن حصين، وفيه أن رجلا أعتق ستة مملوكين
له عند موته، ولم يكن له مال غيرهم، فدعا بهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) فجزأهم
أثلاثا، ثم أقرع بينهم، فأعتق اثنين وأرق أربعة (1).
8 - حديث زيد بن أرقم: كان علي (عليه السلام) باليمن، فأتي بامرأة وطأها
ثلاثة نفر... فألزم الولد الذي خرجت عليه القرعة.
9 - لما قدم رسول الله (صلى الله عليه وآله) المدينة، اقترع الأنصار أيهم يأوي
رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقرعهم أبو أيوب، فآوى رسول الله (صلى الله عليه وآله) (2).
10 - عن الزبير في غزوة أحد، جاءت أمي صفية بكفنين لأخيها
حمزة، فإذا قتيل في جنبه قد فعل به ما فعل بحمزة، فوجدنا غضاضة
وحياء أن نكفن حمزة في ثوبين والأنصاري لا كفن له، فقلنا: لحمزة
ثوب وللأنصاري ثوب، فلما كان أحد الكفنين أكبر من الآخر،
فاقترعنا بينهما، فكفنا كل واحد في الثوب الذي صار له (3).
14 - فهرس روايات القرعة في كتاب وسائل الشيعة
1 - ج 2 ص 589، أبواب الحيض الباب 41 الحديث 5.
2 - ج 3 ص 265، أبواب لباس المصلي ب 10 ح 12.

(1) مسند أحمد: 4 / 431. ورواه الترمذي في الجامع الصحيح: 3 / 645 ح 1368 نحوه.
وقال: إنه قول مالك والشافعي وأحمد.
(2) مسند أحمد: 5 / 414.
(3) مسند أحمد: 1 / 165. أقول: ويأتي نظيره في نقل ابن طاووس في كتاب الأمان من
أخطار الأسفار والأزمان: 95 - 96.
37

3 - ج 3 ص 399، أبواب أحكام الملابس ب 51 ح 2.
4 - ج 5 ص 220، أبواب بقية الصلوات المندوبة ب 11 ح 1.
5 - ج 8 ص 617، أبواب أحكام العشرة ب 164 ح 5.
6 - ج 9 ص 330، أبواب مقدمات الطواف ب 11 ح 11.
7 - ج 11 ص 87، أبواب جهاد العدو ب 41 ح 13.
8 - ج 11 ص 88، أبواب جهاد العدو ب 41 ح 14.
9 - ج 13 ص 46، أبواب بيع الحيوان ب 18 ح 2.
10 - ج 13 ص 427، كتاب الوصايا ب 43 ح 1.
11 - ج 13 ص 464، كتاب الوصايا ب 75 ح 1.
12 - ج 14 ص 566 - 567 ب 57، خمسة أحاديث ح 1 - 5.
13 - ج 16 ص 37، كتاب العتق ب 34 ح 1.
14 - ج 16 ص 58 - 59، كتاب العتق ب 57، ثلاثة
أحاديث ح 1 - 3.
15 - ج 16 ص 65، كتاب العتق ب 65 ح 1 و 2.
16 - ج 16 ص 358، كتاب الأطعمة والأشربة ب 30 ح 1.
17 - ج 16 ص 359، كتاب الأطعمة والأشربة ب 30 ح 4.
18 - ج 17 ص 471، أبواب ميراث الأبوين والأولاد ب 20 ح 7.
و ج 17 ص 498، أبواب ميراث الإخوة والأجداد ب 9 ح 4.
19 - ج 17 ص 571، أبواب ميراث ولد الملاعنة ب 10 ح 1.
20 - ج 17 ص 579 - 581، أبواب ميراث الخنثى ب 4، خمسة
أحاديث ح 1 - 5.
21 - ج 17 ص 592 - 594، أبواب ميراث الغرقى والمهدوم
38

عليهم ب 4، خمسة أحاديث ح 1 - 5.
22 - ج 18 ص 183 - 187، أبواب كيفية الحكم ب 12، سبعة
أحاديث [ح 5 و 6 و 7 و 8 و 11 و 12 و 15].
23 - ج 18 ص 187 - 192، أبواب كيفية الحكم ب 13، اثنان
وعشرون حديثا ح 1 - 22.
ثم ظفرنا بما رواه العلامة في كتابه " نهج الحق " فجعلته في خاتمة
الروايات.
قال في شأن نزول سورة " العاديات ": أقسم الله تعالى بخيل جهاده
في غزوة السلسلة لما جاء جماعة من العرب، واجتمعوا على وادي
الرملة، ليبيتوا على النبي (صلى الله عليه وآله) بالمدينة، فقال النبي (صلى الله عليه وآله) لأصحابه: من
لهؤلاء؟ فقام جماعة من أهل الصفة، فقالوا: نحن، فول علينا من شئت.
فأقرع بينهم، فخرجت القرعة على ثمانين رجلا منهم - إلى أن قال - ثم
طلب أمير المؤمنين (عليه السلام)، وبعثه إليهم ودعا له وشيعه إلى مسجد
الأحزاب، وأنفذ معه جماعة منهم أبو بكر وعمر وعمرو بن العاص إلى
أن قال: وكبس على القوم الفجر فأخذهم، فأنزل الله تعالى {والعاديات
ضبحا} (1).
أقول: نزول سورة " العاديات " في شأن مولانا أمير المؤمنين مما
صرح به أصحاب الآثار ورواه نقلة الأخبار.

(1) نهج الحق: 193 - 194، ورواه شرف الدين الاسترآبادي في تأويل الآيات الظاهرة:
809 - 810.
39

قال الشيخ الجليل الأقدم محمد بن محمد بن النعمان المفيد: وقد
ذكر كثير من أصحاب السير أن في هذه الغزوة - أي غزوة السلسلة -
نزل على النبي (صلى الله عليه وآله)، {والعاديات ضبحا} (1).
وأورد أصحابنا الإمامية روايات كثيرة كلها تدل على ذلك،
فراجع تفسير البرهان وتفسير الصافي وبحار الأنوار وكتاب تأويل
الآيات وتفسير القمي حتى يتبين لك الحق.
وفي زيارته الواردة في مولد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، التي رواها المفيد
والشهيد والسيد عن الصادق (عليه السلام): " السلام عليك يا من نزلت في
فضله سورة العاديات ".
والعجب بعد ذلك من بعض المعاصرين، حيث قال تبعا لأهل
الخلاف واعتمادا لبعض الأخبار المجعولة بأن السورة مكية (2)، ولم يتفطن
أن فيه إنكار منقبة عظيمة لمولانا أمير المؤمنين (عليه السلام).

(1) الإرشاد: 1 / 113 و 117 وكذا قال الأربلي في كشف الغمة: 1 / 230.
(2) التمهيد: 1 / 128، نقلا عن الدر المنثور وتفسير الطبري.
40

الباب الثاني: قاعدة القرعة
بقلم الأستاذ سماحة آية الله العظمى الشيخ محمد
الفاضل اللنكراني (دام بقاؤه) مع تذييلات منا
قال مد ظله العالي:
قاعدة القرعة، وهي أيضا من القواعد الفقهية المشهورة،
التي تترتب عليها ثمرات كثيرة، وقد وقع الإشكال والخلاف
في سعة دائرتها وضيقها، ومنشؤه الإشكال فيما يستفاد من
الأدلة الواردة فيها، وتحقيق البحث في هذه القاعدة يستدعي
التكلم في مقامات:
المقام الأول: في مدركها ومستندها، وهو أمور:
الأول: الكتاب، فقد ورد فيه حكاية المساهمة في موردين:
أحدهما: ما ورد في قصة النبي يونس من قوله تعالى:
41

{فساهم فكان من المدحضين} (1)، وقد ورد في الأخبار الاحتجاج
على شرعية القرعة بهذه الآية، والمراد بالمساهمة: المقارعة،
وبكونه من المدحضين صيرورته معلوما بالقرعة ممتازا عن
غيره، وأصل الدحض: الزلق، والإدحاض: الإزالة والإبطال،
وأصل المعنى كما عن المجمع (2): صار من المقروعين
المغلوبين المقهورين.
وكيفية الواقعة على ما في الخبر أنه لما وعد قومه
بالعذاب، خرج من بينهم قبل أن يأمره الله تعالى به، فركب في
السفينة، فوقفت السفينة، فقالوا: هنا عبد آبق من مولاه،
فأقرعوا، فخرجت القرعة على يونس، فرمى بنفسه في الماء،
فالتقمه الحوت.
ودعوى أنه لا دلالة للآية على المشروعية، فإن غاية
مفادها الحكاية، وهي أعم من المشروعية، مدفوعة - مضافا
إلى ما عرفت من أنه ورد في الأخبار الاحتجاج على شرعية
القرعة بهذه الآية - بأنه لا مجال للمناقشة في دلالة الآية على
قبول يونس للمقارعة، لو لم نقل بأن ظاهرها تصدى نفسه
لها، والقبول إن كان منشؤه كونه أمرا تعبديا جاء به يونس،
فمقتضى الاستصحاب عند الشك في البقاء بقاؤه في هذه

(1) سورة الصافات: 141.
(2) مجمع البيان: 8 / 293.
42

الشريعة، لما تقرر في محله من جريان استصحاب أحكام
الشرائع السابقة، وإن كان منشؤه كونه أمرا عقلائيا كما هو
الظاهر، وقد أمضاه النبي يونس، فاللازم ثبوته في هذه
الشريعة لهذه الجهة، كما لا يخفى.
ثانيهما: ما ورد في قصة التخاصم في تكفل مريم
واقتراعهم على ذلك من قوله تعالى: {وما كنت لديهم إذ يلقون
أقلامهم أيهم يكفل مريم} (1).
وكيفية الواقعة أن زكريا (عليه السلام) قال لهم: أنا أحق بمريم، أي
من جهة التكفل، لأن عندي خالتها، قالوا: لا، حتى نقرع عليها،
فانطلقوا إلى نهر الأردن، فألقوا فيه أقلامهم، التي كانوا
يكتبون بها الوحي، على أن من ارتفع قلمه فوق الماء فهو أحق
بها، وقيل: إن أقلامهم كانت من الحديد، فألقوا أقلامهم ثلاث
مرات، وفي كل مرة يرتفع قلم زكريا وترسب أقلامهم،
والمناقشة في دلالة الآية على المشروعية مدفوعة بما عرفت
في الآية الأولى.
الثاني: الروايات، وهي على ثلاث طوائف:
الطائفة الأولى: ما يستفاد منها العموم في جميع الموارد،
مثل ما رواه الشيخ عن محمد بن حكيم (2)، قال: سألت

(1) سورة آل عمران: 44.
(2) قوله - دام ظله - عن محمد بن حكيم، أقول: في الوسائل بعد قوله: عن محمد بن
حكيم (محمد بن حكم) الدال على اختلاف النسخة هذه، ولما كان محمد بن حكم
مجهولا حاله، يصير الحديث مرددا بين المعتبر والضعيف، ولكن صاحب الوافي نقل
الحديث عن التهذيب والفقيه عن محمد بن حكيم من دون الإشارة إلى الاختلاف
فيرفع الإجمال، فيكون الحديث قويا يصلح للاستدلال.
43

أبا الحسن (عليه السلام) عن شئ، فقال لي: كل مجهول ففيه القرعة،
قلت له: إن القرعة تخطئ وتصيب، قال: ما حكم الله به فليس
بمخطئ (1). ورواه الصدوق بطريقين صحيحين عنه (2).
ويظهر من الشيخ في كتاب النهاية (3) الاعتماد على هذه
الرواية، بل وصدور مضمونها من غير أبي الحسن (عليه السلام)، أيضا،
وكذا يظهر منه الاعتماد عليها في كتاب الخلاف (4)، وكذا من
الحلي في السرائر (5) والشهيد في القواعد (6) مع اختلاف في
التعبير، مضافا إلى أن الظاهر أن محمد بن حكيم هو
الخثعمي، الذي لا تبعد دعوى وثاقته، لكونه صاحب الأصل،
ولكثرة نقل المشايخ، بل أصحاب الإجماع عنه، ولو كان
في الرواية ضعف، فهو منجبر بعمل الأصحاب واعتمادهم
عليها، وليس في طرقنا ما يستفاد منه العموم غير هذه

(1) الوسائل: 18 / 189 ب 13 من أبواب كيفية الحكم ح 11.
(2) الفقيه: 3 / 92 ح 3389.
(3) النهاية: 346.
(4) الخلاف: 6 / 338 مسألة 10.
(5) السرائر: 2 / 173.
(6) القواعد والفوائد: 2 / 183.
44

الرواية (1)، لكن سيأتي التحقيق في مفادها فانتظر.
وكالروايتين العاميتين: " القرعة لكل أمر مشكل "
و " القرعة لكل أمر مشتبه "، وعن الحلي دعوى الإجماع على أن
كل مشكل فيه القرعة، ونقل عنه أيضا أنه قال في باب سماع
البينات: " وكل أمر مشكل يشتبه فيه الحكم، فينبغي أن
يستعمل فيه القرعة، لما روي عن الأئمة (عليهم السلام) وتواترت
به الآثار، وأجمعت به الشيعة الإمامية " (2).
وما رواه في المستدرك عن دعائم الإسلام، عن أمير

(1) قوله: وليس في طرقنا ما يستفاد منه العموم غير هذه الرواية.
أقول: ليس الأمر على ما ذكره، وذلك لما ذكره العلامة في التذكرة: وقد روى
علماؤنا عن أهل البيت (عليهم السلام): " كل أمر مشكل ففيه القرعة " (تذكرة الفقهاء كتاب
اللقطة). وفي عوالي اللئالي نقل عن أهل البيت: " كل أمر مشكل فيه القرعة " (عوالي
اللئالي: 2 / 112). وفي كتاب روضة المتقين: 6 / 215. روي مستفيضا عن النبي (صلى الله عليه وآله):
" إن كل مشكل فيه القرعة ".
ويدل على البحث أيضا: صحيحة سيابة وإبراهيم بن عمر عن أبي عبد الله (عليه السلام) في
رجل قال: أول مملوك أملكه فهو حر، فورث ثلاثة، قال: يقرع بينهم فمن أصابه
القرعة أعتق، قال: والقرعة سنة (وسائل الشيعة: 18 / 187 باب 13 من أبواب كيفية
الحكم ح 2). والسنة في هذه الرواية كما صرحوا القانون العام. ومثلها في الدلالة على
العموم ما يأتي عن الاختصاص من قوله (عليه السلام): " وتلك من المعضلات " فإنه يدل على أن
القرعة تجري في كل معضل.
قوله: وكالروايتين العاميتين، أقول: الظاهر كون هذا الكلام اشتباه، وذلك لعدم
العثور على ذلك في كلمات العامة.
(2) السرائر: 2 / 170 و 173.
45

المؤمنين وأبي جعفر وأبي عبد الله (عليهم السلام) أنهم أوجبوا الحكم
بالقرعة فيما أشكل، قال أبو عبد الله (عليه السلام): " وأي حكم في الملتبس
أثبت من القرعة؟ أليس هو التفويض إلى الله جل ذكره؟ " ثم
ذكر قصة يونس ومريم وعبد المطلب " (1).
وما رواه فيه أيضا عن الشيخ المفيد (قدس سره) في الاختصاص
عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد ومحمد
ابن خالد البرقي، عن النضر بن سويد، عن عيسى بن عمران
الحلبي، عن عبد الله بن مسكان، عن عبد الرحيم، قال: سمعت أبا
جعفر (عليه السلام) يقول: إن عليا (عليه السلام) كان إذا ورد عليه أمر لم يجئ فيه
كتاب ولم تجئ به سنة، رجم فيه - يعني ساهم - فأصاب، ثم
قال: يا عبد الرحيم وتلك من المعضلات (2).
الطائفة الثانية: ما يستفاد منه العموم في الجملة (3)، ككثير

(1) مستدرك الوسائل: 17 / 373 - 374 ب 11 من أبواب كيفية الحكم ح 1.
(2) الاختصاص: 310.
(3) قوله: في الجملة، أقول: هذه الروايات واردة لبيان أهمية القرعة، وأما تعيين موردها
فليست بصدد بيانه كما لا يخفى، وفيه ما يأتي في ص 425:
ثم يمكن الاستدلال لعموم قاعدة لكل أمر مشكل سواء كان له واقع مجهول أم لا
بوجوه:
منها: قوله في معتبرة محمد بن حكيم " كل مجهول ففيه القرعة " لأن الرواية تشمل
كلا منهما، أما الأول فواضح، وأما الثاني فلأن ما لا واقع له من حيث العنوان وإن لم يكن
مجهولا من هذه الجهة، ولكنه مجهول من حيث المصلحة والاستحقاق والأولوية، كما
في الاستخارات، ففي تقسيم المشترك نطلب الأولوية والاستحقاق، وهما معلومتان
عند الله ومجهولتان لنا، وهكذا في إعطاء الجوائز ونحوها.
ومنها: ما مر من قول أهل البيت (عليهم السلام) من أن القرعة لكل مشكل.
ومنها: ما مر من قول الصادق (عليه السلام) من كون " القرعة سنة ".
ومنها: الموارد العديدة المتفرقة في الأبواب المختلفة، كما يأتي ذكرها في المتن،
فإنها تدل على أن القرعة أصل، وضابطة لكل مشكل ومعضل، كان لها واقع أم لا.
ومنها: بناء العقلاء على إجراء القرعة في كل منهما، وعدم ردع الشارع عن شئ
منها الكاشف عن إمضائها.
ومنها: ما يدل على أن المدار كون المورد من المعضلات. إلى غير ذلك من الوجوه
العامة.
46

من الروايات الواردة في القرعة، التي نقل أكثرها في الوسائل
في الباب (12 و 13) من أبواب كيفية الحكم، وفي المستدرك
في الباب (11) من تلك الأبواب، مثل ما ورد في ذيل صحيحة
أبي بصير برواية الصدوق من قول النبي (صلى الله عليه وآله): ليس من قوم
تقارعوا ثم فوضوا أمرهم إلى الله عز وجل إلا خرج سهم
المحق (1)، وقريب منه ما عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في ذيل رواية

(1) الوسائل: 18 / 188 ب 13 من أبواب كيفية الحكم ح 6.
قوله: ليس من قوم تقارعوا... الانصاف استفادة العموم من هذه الروايات، وذلك
لاشتمالها على أداة العموم من وقوع النكرة في سياق النفي، ولفظ أي وأمثالهما وما
ذكرناه سابقا من سوق الروايات لبيان أهمية القرعة، فلا يكون ناظرا إلى مواردها، فلا
يكون لها عموم وشمول مختص بالمطلقات، ولا يشمل العمومات كما لا يخفى. نعم
مقتضى قولهم (عليهم السلام): " أي قضية أعدل من القرعة؟ " وقولهم " أيما قوم تقارعوا "
اختصاصها بباب الدعاوى وتزاحم الحقوق، ولعل كلام شيخنا الأستاذ (مد ظله) ناظر
إلى هذا الوجه كما لا يخفى.
47

العباس بن هلال (1) ومرسلة الصدوق عن الصادق (عليه السلام) (2)
ومرسلة فقه الرضا عنه (3) (عليه السلام) قال: أي قضية أعدل من القرعة،
إذا فوض الأمر إلى الله؟ أليس الله يقول: {فساهم فكان من
المدحضين}؟ وكذا رواية البرقي (4).
الطائفة الثالثة: الروايات الواردة في موارد خاصة، وهي
كثيرة:
منها: ما إذا تعارضت البينتان وكان المرجح مفقودا، ففي
صحيحة داود بن سرحان برواية الصدوق عن أبي عبد الله (عليه السلام)
في شاهدين شهدا على أمر واحد، وجاء آخران فشهدا على غير
الذي شهدا عليه، واختلفوا. قال: يقرع بينهم، فأيهم قرع عليه
اليمين، وهو أولى بالقضاء (5). وفي صحيحة الحلبي قريب
منها، إلا أن في آخرها بدل و " هو أولى بالقضاء ": فهو أولى
بالحق (6)، وفي صحيحة البصري بروايته أيضا عن أبي
عبد الله (عليه السلام) قال: كان علي (عليه السلام) إذا أتاه رجلان بشهود عدلهم سواء
وعددهم، أقرع بينهما على أيهما تصير اليمين (7).

(1) الوسائل: 17 / 593 ب 4 من أبواب ميراث الغرقى ح 4.
(2) الفقيه 3: 92 ح 3391، الوسائل: 18 / 190 ب 13 من أبواب كيفية الحكم ح 13.
(3) مستدرك الوسائل: 17 / 374 ب 11 من أبواب كيفية الحكم ح 4.
(4) الوسائل: 18 / 191 ب 13 من أبواب كيفية الحكم ح 17.
(5) الوسائل: 18 / 183 ب 12 من أبواب كيفية الحكم ح 6.
(6) الوسائل: 18 / 185 ب 12 من أبواب كيفية الحكم ح 11.
(7) الوسائل: 18 / 183 ب 12 من أبواب كيفية الحكم ح 5.
48

ومنها: الإشهاد على الدابة، ففي موثقة سماعة عن أبي
عبد الله (عليه السلام) قال: إن رجلين اختصما إلى علي (عليه السلام) في دابة، فزعم
كل واحد منهما أنها نتجت على مذوده (معتلف الدواب)، وأقام
كل واحد منهما بينة سواء في العدد، فأقرع بينهما سهمين (1).
ومنها: الإشهاد بالإيداع على الظاهر، ففي رواية زرارة عن
أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت له: رجل شهد له رجلان بأن له عند رجل
خمسين درهما، وجاء آخران فشهدا بأن له عنده مائة درهم،
كلهم شهدوا في موقف، قال: أقرع بينهم، ثم استحلف الذين
أصابهم القرع (2).
ومنها: مورد اشتباه الولد بين العبد والحر والمشرك،
ففي صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا وقع الحر
والعبد والمشرك على امرأة في طهر واحد، وادعوا الولد، أقرع
بينهم، وكان الولد للذي يقرع (3).
ومنها: الإشهاد على الزوجية (4).
ومنها: قضية الشاب الذي خرج أبوه مع جماعة، ثم جاؤوا
وشهدوا بموته (5).

(1) الوسائل: 18 / 185 ب 12 من أبواب كيفية الحكم ح 12.
(2) الوسائل: 18 / 183 ب 12 من أبواب كيفية الحكم ح 7.
(3) الوسائل: 18 / 187 ب 12 من أبواب كيفية الحكم ح 1.
(4) الوسائل: 18 / 184 ب 12 من أبواب كيفية الحكم ح 8.
(5) مرآة العقول: 24 / 206.
49

ومنها: قضية الوصية بعتق ثلث العبيد (1).
ومنها: عتق ثلثهم (2).
ومنها: الاشتباه بين الولد والعبد المحرر (3).
ومنها: الاشتباه بين صبيين أحدهما حر والآخر
مملوك (4).
ومنها: الخنثى المشكل (5).
ومنها: مورد عتق أول مملوك (6).
ومنها: مورد اشتباه المعتق بغيره (7).
ومنها: مورد عتق العبيد في مرض الموت، ولا مال له
سواهم (8).
ومنها: مورد اشتباه الغنم الموطوءة (9).
ومنها: مورد قسمة أمير المؤمنين (عليه السلام) المال الذي أتى من

(1) الوسائل: 16 / 77 ب 65 من أبواب العتق ح 1.
(2) الوسائل: 13 / 464 ب 75 من أبواب الوصايا ح 1.
(3) الوسائل: 13 / 427 ب 43 من أحكام الوصايا ح 1.
(4) الوسائل: 18 / 188 ب 13 من أبواب كيفية الحكم ح 7.
(5) الوسائل: 17 / 580 ب 4 من أبواب ميراث الخنثى ح 2، وروايات أخرى من هذا الباب.
(6) الوسائل: 16 / 69 ب 57 من أبواب العتق ح 1 و 2.
(7) الوسائل: 16 / 44 ب 34 من أبواب العتق ح 1.
(8) لم نعثر على ذلك، ولكن أوردها المحقق النراقي في عوائده (عوائد الأيام: 651).
(9) الوسائل: 16 / 436 ب 30 من أبواب الأطعمة المحرمة ح 1 - 4.
50

أصفهان، المذكورة في كتاب الجهاد (1).
ومنها: قضية مساهمة رسول الله (صلى الله عليه وآله) قريشا في بناء
البيت (2).
ومنها: استعلام موسى (عليه السلام) النمام بالقرعة بتعليم الله
تعالى (3).
ومنها: مساهمة رسول الله (صلى الله عليه وآله) بين أزواجه إذا أراد سفرا (4).
ومنها: اقتراعه (صلى الله عليه وآله) بين أهل الصفة للبعث إلى غزوة ذات
السلاسل (5).
ومنها: اقتراعه (صلى الله عليه وآله) في غنائم حنين (6).
ومنها: اقتراع بني يعقوب ليخرج على واحد، فيحبسه
يوسف عنده (7).
هذه هي الموارد التي تتبعها سيدنا الأستاذ الأعظم
الخميني دام ظله العالي (8) ولعل المتتبع أزيد من ذلك يجد (9)

(1) الوسائل: 11 / 87 ب 41 من أبواب جهاد العدو ح 13.
(2) مستدرك الوسائل: 17 / 376 ب 11 من أبواب كيفية الحكم ح 10.
(3) مستدرك الوسائل: 17 / 375 ب 11 من أبواب كيفية الحكم ح 5.
(4) مستدرك الوسائل: 17 / 377 ب 11 من أبواب كيفية الحكم ح 13. وفي البحار: 6 / 551.
(5) البحار: 21 / 77.
(6) البحار: 21 / 173.
(7) البحار: 12 / 257.
(8) الرسائل: 1 / 340 - 345.
(9) قوله: " ولعل المتتبع أزيد من ذلك يجد ".
أقول:
منها: ما ورد من أن عبد المطلب جعل الدية بالقرعة مائة من الإبل، وجرى ذلك في
الإسلام، كما في الخصال الخمسة رقم 83، وما ورد فيه أيضا من فخر النبي (صلى الله عليه وآله) بقوله:
" أنا ابن الذبيحين " إسماعيل و عبد الله، ثم بيان الإمام قصة نذر عبد المطلب، فإن الفخر به
لا ينفك عن حسن عمل عبد المطلب كما لا يخفى.
ومنها: القرعة عند التزاحم في الصف الأول، رواه البخاري في كتاب الصلاة، باب
الأذان.
ومنها: القرعة للأذان (المدرك).
ومنها: القرعة لسكني المهاجرين في بيوت الأنصار، رواه البخاري في كتاب
الشهادات، باب القرعة في المشكلات.
ومنها: ما ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) - في حكم من طلق إحدى زوجاته بدون
التعيين - من إعمال القرعة لتعينها (الموسوعة الفقهية الكويتية 33 / 141).
51

موارد أخرى أيضا.
وقد ظهر من جميع ذلك دلالة الروايات المتكثرة على
مشروعية القرعة في الجملة (1)، وإن كانت مختلفة بحسب
الظاهر، من حيث السعة والضيق، وسيأتي التحقيق في
مفادها إن شاء الله تعالى.
الثالث: الإجماع المنقول، بل المحصل من تتبع الفتاوى
والكلمات، فإن الظاهر أنه لم ينقل عن أحد من الأصحاب إنكار

(1) قوله: " في الجملة ".
أقول: بل يدل على كون القرعة للمشكلات " أصل وقاعدة "، ولا تكون لخصوصية
المورد، فإن الاستدلال للمشابهات في الموارد الكثيرة موجب لإلغاء الخصوصيات
عرفا، وإن الموضوع هي الجهة المشتركة بينها، كما لا يخفى على الذوق السليم
والدرك المستقيم.
52

مشروعية القرعة بنحو الإطلاق، وإن وقع بينهم الاختلاف في
موارد متعددة، لكن أصل اعتبار القرعة بنحو الإجمال لم يقع
موردا للإنكار والخلاف بوجه، ولكن الظاهر أنه بعد دلالة
الكتاب والسنة المستفيضة بل المتواترة إجمالا على
مشروعية القرعة، لا يبقى للإجماع أصالة، ولا يكون دليلا
مستقلا في عرض الكتاب والسنة، لأنه من المحتمل بل
المقطوع أن يكون مستند المجمعين الكتاب والسنة، فالإجماع
حينئذ لا يكون حجة برأسه.
الرابع: بناء العقلاء على الرجوع إلى القرعة في بعض
الموارد، وقد أشرنا إلى أن المساهمة المحكية في الكتاب في
موردين، لعلها كانت هي المساهمة العقلائية الجارية في مثل
الموردين، من اشتباه العبد الآبق على نقل، أو إشرافهم على
الغرق، فرأوا طرح واحد منهم لنجاة الباقين على نقل آخر،
ومن يتكفل مريم من الأشخاص المتعددين، فالظاهر ثبوت
هذا البناء وعدم الردع عنه في الشريعة، بل تحقق الإمضاء
بمقتضى الكتاب والسنة، لكن الكلام في ضابط المورد الذي
يرجع فيه العقلاء إلى القرعة، وسيأتي بيان الضابط في
تحقيق مفاد الروايات (1).

(1) أقول: ويمكن الاستدلال بالعقل كما عن الشهيد في قواعده، حيث قال: لأن في
القرعة عند تساوي الحقوق والمصالح ووقوع التنازع، دفعا - أي في إعمال القرعة -
للضغائن والأحقاد، والرضا بما جرت به الأقدار وقضاء الملك الجبار.
ففيها من المصلحة الملزمة بما لا يجوز للحكيم إهمالها وعدم التوجه بها، فلا بد من
تشريعها.
وقال صاحب العناوين عند الشك في الموضوع وفقد المرجح وصيرورته مشكلا،
يلزم من عدم امتيازه (أي الموضوع) اختلال النظام والهرج والمرج... وإثارة الفتنة...
فهذا هو " الأمر المشكل " الذي يتبع فيه القرعة... وجعل هذه الطريقة لطف عظيم
حاسم لمادة الجدال والنزاع من أصله، إذ لا يرد في ذلك شئ... (العناوين: 1 / 359).
53

المقام الثاني: في بيان مقدار دلالة الأدلة الواردة في
مشروعيتها، سيما مفاد الطوائف الثلاث من الروايات الواردة
فيها.
فنقول: إن الذي يظهر - بعد التتبع والتأمل في غير
الطائفة الأولى من الطائفتين الأخيرتين - أن مورد القرعة
ومحل جريانها هو موارد تزاحم الحقوق، وعدم ثبوت المرجح
لأحدها على الآخر، وهذا هو الجامع بين جميع الموارد التي
حكم فيها بالقرعة بينهما، نعم مورد التخلف فيما ذكرنا إنما
هي مسألة الغنم الموطوءة التي حكم فيها بالقرعة، مع عدم
تحقق الجامع المذكور فيها.
ولكن يمكن الجواب عنه - مضافا إلى أنه يمكن فرض
تزاحم الحقوق فيها أيضا (1) - بأن كان القطيع مركبا من أغنام
أزيد من مالك واحد، كما كان هو الشائع في تلك الأزمنة، بل في

(1) وفيه: مع ظهور الدليل على خلافه، أن ترك الاستفصال لا يبقي مجالا لذاك المقال كما
لا يخفى.
54

زماننا هذا أيضا - بأن يقال: إن الرواية الدالة على ثبوت
القرعة في المورد المفروض مشعرة بكون هذا المورد أيضا
من موارد تزاحم الحقوق، لأنه قد عبر فيها بعد الحكم بالقرعة
واستخراج الموطوءة بها، بأنه قد نجت سائرها، فإن نجاة
السائر إنما هي مع التزاحم كما لا يخفى (1).
نعم لا بد من ملاحظة الطائفة الأولى الدالة بظاهرها على
أن كل مجهول ففيه القرعة، ونقول: إن عمدة ما يمكن أن يكون
مستندا للعموم هي رواية محمد بن حكيم المتقدمة (2)، وحيث
إن السؤال فيها ناقص، ضرورة أن السؤال عن الشئ
لا ينطبق عليه الجواب (3) بثبوت القرعة لكل أمر مجهول، بل
نفس هذا السؤال لا يكاد يصدر من عاقل، فهذا يكشف عن أن
السؤال كان عن أمر لم ينقل لنا، وحينئذ يبقى احتمال أنه لو
كان السؤال مذكورا لنا، لكان من الممكن أن يكون قرينة على
عدم شمول الجواب لجميع الموارد، هذا مع أنه لو أغمض
النظر عن ذلك نقول: قد عرفت أن القرعة ليست أمرا شرعيا
اخترعه الشارع، بل كانت معمولا بها عند العقلاء قبل الشرع

(1) وفيه: أن التعبير بذلك بلحاظ كون الأغنام ذوات النفوس الحيوانية، لا بلحاظ تزاحم
الحقوق لأربابها.
(2) تقدمت في ص 43 - 44.
(3) وفيه: أن مجرد ذلك لا يضر بالعموم، وإلا يسقط الحديث عن قابلية الاستدلال
بالمرة، لاحتمال أن يكون مراد الراوي من الشئ أمرا مباينا لما له واقع معلوم.
55

أيضا، وقد عرفت أن المساهمة المحكية في الكتاب في
موردين كانت هي المساهمة العقلائية ظاهرا، ومن المعلوم
أن مورد إجراء القرعة ومحلها عند العقلاء لا يكون عاما شاملا
لجميع موارد الاشتباه والجهل (1)، بل العقلاء يعملون بها في
موارد مخصوصة، والظاهر أن ضابطها تزاحم الحقوق. وبعد
ثبوت هذا البناء لا يكاد يفهم من مثل رواية محمد بن حكيم
العموم لغير تلك الموارد.
ويؤيد ما ذكرنا أنه مع كون هذه الرواية بمرأى ومسمع
من الأصحاب، بل ادعي الإجماع على صدور مضمونها من
الشيخ والشهيد وغيرهما، وتمسكوا بها في غير مورد من
مسائل القضاء وأشباهها، ولم يظهر من أحد منهم التمسك
بها، والفتوى بمضمونها في غير موارد تزاحم الحقوق، نعم
حكي عن ابن طاووس (2) الفتوى بالقرعة في مورد اشتباه
القبلة (3). ولكنه من الشذوذ بمكان (4)، مضافا إلى كونه مخالفا

(1) هذا أول الكلام، بل عمل الاستخارة من المسلمين، وإعمال ما يشبهها من غيرهم يدل
على العموم كما لا يخفى.
(2) وهو قدوة العارفين، رضي الدين علي بن موسى بن جعفر بن طاووس الذي قال
العلامة في حقه: " كان أعبد من رأيناه من أهل زمانه، وكانت وفاته عام 664 ".
(3) الأمان من أخطار الأسفار والأزمان: 93 - 94.
(4) قوله: من الشذوذ بمكان.
أقول: نسب هذا القول إليه زين الدين الشهيد الثاني في كتاب تمهيد القواعد في
بحث التعادل والتراجيح: ص 283 وارتضاه عند ضيق الوقت وجعله في العروة: 1 / 411
أحوط، ويأتي دلالة أدلتها على ذلك لو لم يخالف الإجماع، ولم يدل عليه دليل خاص.
56

للنص الوارد في تلك المسألة.
ويؤيد بل يدل على ما ذكرنا ما دل على أن أصل القرعة
من الكتاب، لأنه ليس المراد دلالة الكتاب على شرعية القرعة،
لأنه لم يرد فيه كما عرفت إلا حكاية المساهمة في موردين،
والحكاية أعم، بل المراد دلالة الكتاب على وجود هذا الأمر
وثبوته بين العقلاء، فلا بد في تشخيص مورده ومجراه من
الرجوع إليهم كما لا يخفى.
وأما قولهم في مطاوي كتبهم الفقهية: " القرعة لكل أمر
مجهول أو مشتبه " فالظاهر أن المراد بالأمر فيه هو الأمر الذي
يرجع إلى الحاكم، على ما يشهد به استعمال هذه الكلمة في
باب القضاء، فإنه حيثما يطلق في كتاب القضاء لا يراد منه إلا
ذلك، كلفظ الحكم المعبر به في ذلك الكتاب، ومن هنا يظهر سر
تقييد الحلي في السرائر (1) مورد القرعة بما إذا كان الأمر
المجهول مشتبه الحكم، فإن مراده من الأمر المجهول هو الأمر
الذي يرجع إلى الحاكم، ومن الحكم المشتبه هو الحكم الذي
هو وظيفة القاضي لا الحكم الشرعي الكلي (2).

(1) السرائر: 2 / 173.
(2) بعد وجود ما يدل على أن " القرعة لكل أمر مجهول " وقولهم: " القرعة لكل أمر
مشكل "، ولأن القرعة سنة وموردها المعضلات، لا يضر بشمولها لغير مورد الدعاوى
وتزاحم الحقوق مجرد ورودها في الموارد الخاصة بالدعاوي، فالأقوى شمولها لكل
مجهول ومعضل ولو غير تزاحم الحقوق، وذلك لوجود العموم والإطلاق.
نعم لا بد من صدق الجهل بجميع الجهات والأشكال من جميع الأبعاد، بأن لم يكن
طريق شرعي لرفع التحير، وعليه يخرج عن نطاق أدلتها موارد الأخبار والطرق
المعتبرة، كما يخرج عنه موارد قيام البينة والأمارات المعتبرة القائمة على الموضوعات
المشتبهة، وهكذا مورد الاستصحاب وأدلة البراءة الشرعية، وهكذا يخرج عن نطاق
أدلتها موارد العلم الإجمالي المحكومة بالاحتياط شرعا، إذا لم يكن فيه ضرر وحرج،
وأما في صورة الضرر والحرج فالحق شمول أدلتها، وعلى هذا كان الغنم الموطوءة
على طبق القاعدة، لوجود ضرر عظيم في الأخذ بالاحتياط، وأما موارد التخيير العقلي
بأن يدور الأمر بين المحذورين، فالحق جريانها ولو كانت الشبهة حكمية، كما أمر
الوالد بالسفر والوالدة بالمقام والحضر، ولم يدل دليل على ترجيح أمر أحدهما، فيقرع
بينهما.
وأما القول بلزوم اتباع الأصحاب في العمل بها فهو ناشئ عن تخيل تخصيصات
كثيرة، وهو مردود بما عرفت في تعريفها، وحصر موردها في ا لتحير من جميع
الجهات، والجهل بالحكم الشرعي ولو في الظاهر. وعليه يكون الخروج في الأكثر
تخصصا.
57

ويؤيد أيضا ما ذكرنا، ما ورد مما يدل على عدم جواز
استخراج المجهول بالقرعة لغير الإمام، الذي يعني به من
يجوز له التصدي للقضاء، فإن تخصيص جواز الاستخراج به
لا يلائم ثبوت القرعة في جميع الأمور المشتبهة، بل المناسب
له هو اختصاص موردها بموارد تزاحم الحقوق، التي لا بد
فيها من الرجوع إلى الحاكم الشرعي لفصل الخصومة، ويؤيد
ما ذكرنا أيضا عدم خروج الموارد الخاصة الواردة فيها
58

القرعة عن الضابطة المذكورة.
وقد انقدح مما حققناه تمييز موارد القرعة عن غيرها،
وحينئذ يظهر لك أنه لا يكون لعمومها بالنسبة إلى مواردها
تخصيصات كثيرة، حتى يلزم الاستهجان، ويحتاج في العمل
بها إلى عمل الأصحاب كما هو المشهور بين المعاصرين
وغيرهم، بل لا يكون لعمومها تخصيص إلا في مسألة درهم
الودعي، حيث إن مقتضى القاعدة القرعة فيها، ولكن النص
الخاص قد حكم بالتنصيف.
ثم إنه لو أبيت عما ذكرنا من كون المراد بالأمر في
الرواية النبوية وفي قولهم: " كل أمر مجهول ففيه القرعة "،
هو الأمر الذي يرجع فيه إلى الحاكم، نظرا إلى إطلاق لفظ
الأمر في الرواية والفتوى، نقول: إن المراد بالأمر هل هو
الحكم أو الموضوع؟ وتوصيفه بكونه مجهولا هل يراد به
الشبهة الحكمية أو الشبهة الموضوعية؟ لا مجال للأول، لأن
الشبهات الحكمية وإن كانت في بادئ النظر متصفة بالجهل
والاشتباه، إلا أنها بلحاظ تبين حكمها في لسان الشارع
وبيان الوظيفة الشرعية فيها، لا تتصف بالجهالة والاشتباه،
فإن شرب التتن الذي يجري فيه احتمال الحرمة لا يكون
مجهولا، لأنه قد حكم الشارع بحليته بمقتضى أصالة الحلية
الجارية في مثله، وكذا صلاة الجمعة التي يجري فيها
استصحاب الوجوب فرضا بمقتضى قوله (عليه السلام): " لا تنقض
59

اليقين بالشك " (1) لا تكون مشتبهة بوجه، وهكذا.
وإن شئت قلت: إن الجهل في المثالين إنما هو بالإضافة
إلى الحكم الواقعي، وأما بلحاظ الوظيفة الشرعية، فالحكم
معلوم لا يجري فيه جهالة، ولا مجال لدعوى كون المراد من
الجهل في الرواية النبوية وفي الفتاوى هو الجهل بالحكم
الواقعي بعد إطلاق الجهل وعدم تقييده به، ويؤيد ما ذكرنا
التعبير بالإعضال في بعض الروايات، الذي لا يبقى له مجال
مع وضوح الوظيفة الشرعية ولو بحسب الحكم الظاهري،
فالشبهة الحكمية خارجة عن مفاد العبارة (2).
وأما الشبهة الموضوعية، فإن كانت بدوية، فالحكم فيها
معلوم غير مجهول أيضا، سواء كان هي البراءة أو الاحتياط،
وإن كانت مقرونة بالعلم الإجمالي، فهي أيضا حكمها معلوم،
سواء كانت الشبهة محصورة أم غير محصورة، لأن الحكم في
الأول هو الاحتياط على ما هو المشهور، والبراءة على غيره،
وفي الثاني هو البراءة على المشهور أيضا، فلم يبق لنا إلا
موارد تزاحم الحقوق في الشبهة الموضوعية التي لم يبين
حكمها في الشريعة، فإذا دار أمر " مال " بين أن يكون لزيد أو

(1) وسائل الشيعة: 1 / 174، الباب 1 من أبواب نواقض الوضوء ح 1.
(2) وقد عرفت جريانها في الدوران بين المحذورين ولو كانت الشبهة حكمية، وذلك
لأن حكم العقل بالتخيير تعليقي لا تنجيزي، أي ما دام لم يرد من الشارع بيان لرفع
الإعضال، والقرعة بيان كما لا يخفى.
60

لعمرو، وأقام كل واحد منهما بينة على مدعاه، فهذا هو الأمر
المجهول والمشتبه والمعضل، الذي لا محيص فيه عن إعمال
القرعة والرجوع إليها، لعدم بيان حكمه في شئ من أدلة
الأمارات الشرعية والأصول المعتبرة بوجه.
نعم، لا يختص إعمال القرعة بما كان له واقع، غاية الأمر
كونه مجهولا عندنا، بل يعم ما لم يكن له واقع أصلا، غاية
الأمر الإعضال لأجل أنه لا ترجيح في البين أصلا.
المقام الثالث: في أن القرعة هل تكون أمارة أو أصلا؟ فيه
وجهان، والظاهر هو الوجه الثاني.
أما أولا، فلأن موارد ثبوت القرعة عند العقلاء على
قسمين: قسم يكون للمجهول المشتبه واقع معلوم عند الله
وغير معلوم عندنا، كالمساهمة في قصة يونس (1)، بناء على
كونها لأجل تشخيص العبد الآبق كما في أحد النقلين، وقسم لا
يكون له واقع معين، كالمساهمة في قصة تكفل مريم الواقعة
في الكتاب العزيز (2)، ومن المعلوم أنه لا تعقل الأمارية في
القسم الثاني (3)، لعدم ثبوت واقع حتى تكون القرعة أمارة

(1) سورة الصافات: 141.
(2) سورة آل عمران: 44.
(3) قوله: " لا تعقل الأمارية في القسم الثاني " أقول: الحق صدق المجهول في جميع موارد
القرعة كما سبق منا.
وقال صاحب العناوين: إن قلت: ظاهر ما ورد في الأخبار أنه " ما من قوم فوضوا
أمرهم إلى الله ثم أقرعوا إلا خرج سهم المحق " كون ذلك معينا في الواقع، إذ لا يصدق
المحق إلا بذلك.
قلت: أولا أن المحق من اختاره الله لذلك وجعل له الحق، وذلك يوجد في المشتبه
واقعا، كما في المتزاحمين في مباح ونظائره، ويكون معنى المحق هنا أولويته في
الواقع على هذا الأمر، والكاشف عن هذه الأولوية خروج القرعة واستحالة الترجيح
بلا مرجح على الله تعالى... (العناوين: 1 / 363).
61

له، والظاهر أنه لا فرق بين هذا القسم والقسم الأول
العقلاء.
وأما ثانيا، فلأنا لو قلنا: إن الطريقية والأمارية قابلة
لتعلق الجعل بها - على خلاف ما حققناه في محله - ولكن
مورده ما إذا كان المحل قابلا لذلك الجعل، من جهة كونه واجدا
لوصف الطريقية تكوينا، ضرورة أنه لا يعقل جعل الطريقية
للشك مثلا، ومن المعلوم أن القرعة بالكيفية المتداولة لا
يكون فيها جهة كشف وإراءة أصلا، ضرورة أن إجالة السهام
ثم إخراج واحد منها لا يكون فيها كشف وطريقية، وليس مثل
خبر الثقة وشهادة عدلين، الذي يكون مشتملا على الكشف
والإراءة في نفسه، وحينئذ فكيف يمكن جعل الحجية لها كما
لا يخفى؟
وأما ثالثا، فلأنه حيث يكون موضوع القرعة هو المجهول
بما أنه مجهول، نظير سائر الأصول التي موردها خصوص
62

صورة الشك، كأصالة الحلية والاستصحاب، فلا بد من
الالتزام بكونها مثلهما في ذلك، أي في عدم كونها أمارة.
ودعوى أن ظاهر قول أمير المؤمنين (عليه السلام): " ما من قوم
فوضوا أمرهم إلى الله عز وجل وألقوا سهامهم، إلا خرج السهم
الأصوب " (1). أن القرعة لا تخطئ أصلا، بل الخارج سهم المحق
دائما، كما في مرسلة الفقيه عن الصادق (عليه السلام) أيضا قال: " ما
يقارع قوم فوضوا أمرهم إلى الله إلا خرج سهم المحق " (2) وهو
معنى الأمارية بل هي الأمارة الدائمة المطابقة.
مدفوعة بأن غاية ما يدل عليه مثل هذا التعبير هو مجرد
تطبيق الله تعالى السهم الخارج على الواقع دائما، لأجل
تفويض الأمر إليه وجعله هو الحكم، وهذا يغاير معنى
الأمارية، فإنها متقومة بحيثية الكشف والإراءة، والقرعة
فاقدة لها، بل تكون القرعة على هذا نظير الاستخارة التي
ليست بأمارة قطعا. ومن ذلك يظهر الخلل فيما أفاده المحقق
البجنوردي (3) من جعل القرعة والاستخارة من الأمارات (4)،

(1) الوسائل: 17 / 593 ب 4 من أبواب ميراث الغرقى ح 4.
(2) الفقيه: 3 / 92 ح 3390.
(3) القواعد الفقهية: 1 / 55.
(4) أقول: بناء على ما ذكرناه سابقا - من أن المطلوب في الاستخارة ونحوها من موارد
القرعة، التي لا تعين لها من حيث الحكم الشرعي، هو استكشاف ما فيه الخير
والاستحقاق الواقعي - تكون القرعة في جميع الموارد كاشفة عن واقع معين، غاية
الأمر في أطراف العلم الإجمالي كان الواقع هو الحكم الواقعي التكليفي أو الوضعي أو
موضوعهما، وفي غيرها يكون الواقع جهة الخير والصلاح وموارد الأولوية
والاستحقاق، ويحكم بكونها كاشفة كما هو ظاهر أكثر أدلتها. إلا أن الإصابة والكشف
تابعان في القوة والضعف مراتب التفويض والإخلاص حتى يصل إلى مرحلة الأكمل
والأوفى، وهي مرحلة تفويض المعصوم (عليه السلام)، وفيها كانت الإصابة قطعية وجهة
الكشف حتمية كما قال الله تبارك وتعالى: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا}
فافهم وتدبر فإنه لطيف جدا.
63

نظرا إلى وجود جهة الكشف فيهما والظن بإصابة الواقع
ودلالة الدليل على حجية هذه الجهة، مثل قول أبي الحسن
موسى (عليه السلام): " كل ما حكم الله به فليس بمخطئ (1) " (2).
وجه الخلل ما عرفت من أن جهة الكاشفية والطريقية
التي هي أمر تكويني متقوم بالطريق أمر، وتطبيق الله تعالى
السهم الخارج على الواقع غالبا أو دائما أمر آخر لا ارتباط
بينهما، والدليل إنما يدل على الثاني، وأما الأول فهو مفقود في
القرعة والاستخارة كليهما (3).

(1) الوسائل: 18 / 189 ب 13 من أبواب كيفية الحكم ح 11.
(2) ثمرة البحث عن كونها أمارة أو أصلا، ترتب اللوازم العقلية على القول بكونها أمارة،
وعدمه على القول بكونها أصلا كما هو المشهور، وعليه ينحل العلم الإجمالي بإصابة
القرعة لأحد الأطراف كما في فرض إقامة البينة، وهذا بخلاف كونها أصلا، حيث
يحتاج خروج سائر الأطراف عن لزوم رعاية الاحتياط إلى إجراء قاعدة أخرى كأصل
البراءة والاستصحاب، وحيث يستفاد من أدلتها وقيام سيرة المتشرعة عدم الاحتياج
إلى ذلك، نستكشف عن كونها أمارة لا أصلا.
(3) وفيه: أن جهة الكشف موجودة في ظرف تفويض الأمر، وإيكال القضية
إلى الله - تبارك وتعالى - كما دل عليه قوله (عليه السلام): " أي قضية أعدل من القرعة إذا فوضوا
أمرهم إلى الله؟ "، وبالجملة إنا نسلم على عدم جهة الكشف فيها ذاتا، كما نسلم
وجودها فيها عند التسليم وتفويض الأمر إليه - تبارك وتعالى - وبهذا يرتفع النزاع
ويجمع بين الكلمات.
64

فالإنصاف أنه لا مجال لدعوى الأمارية في القرعة، بل هي
أصل عند العقلاء وعند الشارع، يرجع إليه فيما لم يكن مرجح
في البين، ولم يكن هناك أصل أو أمارة أصلا.
المقام الرابع: في تعارض القرعة مع الاستصحاب،
ونقول: إن النسبة بينهما وإن كانت عموما من وجه، لأن مورد
الاستصحاب هو الشك مع لحاظ الحالة السابقة، سواء كان
في مورد تزاحم الحقوق أو غيره، ومورد القرعة هو الشك في
مورد تزاحم الحقوق، سواء كان مع لحاظ الحالة السابقة أم لا،
إلا أنك عرفت في المقام الثاني أن دليل الاستصحاب حاكم
على دليل القرعة، لأن مورد أدلة القرعة إنما هو الأمر المشكل
الذي وقع التعبير به في كثير من الفتاوى تبعا لجملة من
النصوص، أو مطلق المجهول الذي وقع التعبير به في رواية
محمد بن حكيم المتقدمة (1)، ومن المعلوم أن الأمر المشكل
معناه هو الأمر الذي أشكل رفع التحير عنه أو الحكم فيه، لأن
مورد استعماله يغاير مورد استعمال كلمة المجهول، فإنه لا

(1) تقدمت في ص 43 - 44.
65

تستعمل كلمة المجهول غالبا إلا فيما كان له واقع معين
عند الله مجهول عند الناس، والمشكل هو ما يصعب رفع
التحير بالنسبة إليه، والدليل على اختلافهما أنه يمكن
توصيف الواقع بأنه مجهول، ولا يمكن توصيفه بأنه مشكل،
فقد ظهر أن المشكل يتقوم بالتحير، ومن المعلوم أنه مع
جريان الاستصحاب لا تحير في البين أصلا.
وأما ما وقع فيه التعبير بعنوان المجهول، فقد عرفت أن
الجواب فيه وإن كان عاما، إلا أن السؤال حيث لا يكون تاما، بل
كان من المعلوم وجود شئ آخر، لأن السؤال عن نفس الشئ
لا معنى له، فلا مجال للاستدلال بعموم الجواب، وليس ذلك من
باب الشك في وجود القرينة الذي يكون بناء العقلاء على عدم
الاعتناء به كما لا يخفى (1).
هذا مضافا إلى ما عرفت من أن المراد بالمجهول المطلق
هو ما كان مطلق حكمه مجهولا، سواء كان واقعيا أو ظاهريا،
ومن المعلوم أنه مع جريان الاستصحاب لا يبقى حينئذ مجال
للرجوع إلى القرعة بعد تبين الحكم الظاهري بالاستصحاب.
ثم إنه استظهر المحقق النائيني (قدس سره): أنه لا يمكن اجتماع
القرعة مع سائر الوظائف المقررة للجاهل حتى تلاحظ

(1) قوله: وليس ذلك من باب الشك في وجود القرينة. أقول: بل يكون منها، خصوصا
إذا صدر العموم عن مصادر التعليم والتشريع القائلين بأنا نلقي عليكم الأصول وعليكم
بالتفريع.
66

النسبة بينهما، لأن التعبد بالقرعة إنما يكون في مورد اشتباه
موضوع التكليف وتردده بين الأمور المتباينة، ولا محل
للقرعة في الشبهات البدوية، سواء كانت الشبهة من مجاري
أصالة البراءة والحل، أو من مجاري الاستصحاب، لأن
المستفاد من قوله (صلى الله عليه وآله): " القرعة لكل مشتبه " أو " مجهول " هو
مورد اشتباه الموضوع بين الشيئين أو الأشياء، فيقرع
بينهما لإخراج موضوع التكليف، ولا معنى للقرعة في
الشبهات البدوية، فإنه ليس فيها إلا الاحتمالين، والقرعة بين
الاحتمالين خارجة عن مورد التعبد بالقرعة، فموارد البراءة
والاستصحاب خارجة عن عموم أخبار القرعة بالتخصص لا
بالتخصيص، كما يظهر من كلام الشيخ (قدس سره) (1).
ويرد عليه: أنه بعد عدم اختصاص أدلة الاستصحاب
بالشبهات البدوية، تكون موارد اجتماع الاستصحاب
والقرعة كثيرة جدا، خصوصا في موارد الجهل بتاريخ أحد
الحادثين، كما لو عقد الوكيلان المرأة للرجلين، وجهل بتاريخ
أحدهما، فبناء على تقدم الاستصحاب على القرعة يحكم
بصحة عقد معلوم التاريخ، كما أفتى به وبنظائره هذا
المحقق في حواشيه على العروة، وأما لو قيل بعدم تقدمه
عليها يكون من موارد القرعة، وله أمثال كثيرة في باب

(1) فوائد الأصول 4: 678.
67

التنازع والقضاء.
كما أنه ظهر مما ذكرنا أنه لا وجه لما أفاده الشيخ
الأعظم (1) وتبعه المحقق الخراساني (2) من خروج
الاستصحاب عن عموم أدلة القرعة بالتخصيص، وذلك لما
عرفت من عدم شمول أدلة القرعة لمورد الاستصحاب بوجه.
المقام الخامس: في أن القرعة هل هي وظيفة الإمام أو من
بحكمه خاصة، أو يعمل بها كل أحد؟ فيه وجهان، قال صاحب
العناوين: " والذي يقوى في النظر القاصر بعد ملاحظة
الروايات اختصاص أمر القرعة بالوالي، فإن كان يمكن
الرجوع فيه إلى إمام الأصل اختص به، لأنه مورد أكثر الأخبار،
وأنها وإن لم تدل على الاختصاص، لكنها لا تدل على العموم
أيضا، فيقتصر على المتيقن، ولما في مرسلة ثعلبة في
الممسوح قال: " يجلس الإمام ويجلس عنده ناس " (3)، وفي
موثقة ابن مسكان (4)، وروايتي إسحاق (5) والسكوني كذلك.

(1) فرائد الأصول 2: 733.
(2) كفاية الأصول 2: 360.
(3) الوسائل: 17 / 580 ب 4 من أبواب ميراث الخنثى ح 3.
(4) مستدرك الوسائل: 17 / 378 ب 11 من أبواب كيفية الحكم ح 14.
(5) الكافي: 6 / 197 ح 14، الوسائل: 16 / 37 ب 34 من كتاب العتق ح 1.
68

وما في صحيحة معاوية بن عمار قال: " أقرع الوالي بينهم " (1)
وما في صريح رواية يونس: ولا يجوز أن يستخرجه أحد إلا
الإمام، فإن له كلاما وقت القرعة ودعاء لا يعلمه سواه، ولا
يقتدر عليه غيره (2)، وما في صريح مرسلة حماد (3): القرعة لا
تكون إلا للإمام. مضافا إلى أن إطلاق ما مر من الروايات - يعني
مثل رواية محمد بن حكيم - موهون بما مر من أنه مسوق
لبيان المشروعية ونحوه، ولو فرض فيه إطلاق، تقيده هذه
الروايات، وفيها الصحيح والموثق وغيره.
ودعوى: أن الصحيح غير صريح الدلالة، والموثقة
أيضا غير ناف لغير الوالي، والروايات الصريحة خالية عن
الجابر، إذ لم يعهد من الأصحاب اشتراط القرعة بالإمام حتى
ينجبر، مدفوعة:
أولا: بأن هذه النصوص وإن لم تكن صالحة للتقييد،
لكنها كافية في إفادة التشكيك والوهن في الإطلاق، والأصل
الأولي كاف في المنع عن غير المتيقن.
وثانيا: أن دلالة الصحيحة والموثقة على التقييد
والاختصاص ليست بأضعف من تلك الإطلاقات في التعميم.
وثالثا: أن هذه الروايات مروية في الكافي والتهذيب

(1) الفقيه: 3 / 92 ح 3392، الوسائل 18: 190 ب 13 من أبواب كيفية الحكم ح 14.
(2) الوسائل: 16 / 44 ب 34 من أبواب العتق ح 1.
(3) التهذيب: 6 / 240 ح 592.
69

معللة بما علل، معمول بها في أصل الحكم، فراجعها.
وهذا القدر كاف في الظن بالصدور، وهو المعتمد في
العمل، وتحقيق ذلك موكول إلى محله.
مضافا إلى أن القرعة في هذه المقامات مثبتة للموضوع،
مستلزمة لترتب أحكام مخالفة للأصل، والأصل عدم لحوقها
إلا بالمتيقن، مع أن الغالب في المثبتات - كالبينة واليمين
ونحو ذلك من الشياع ونحوه - عند الحاكم فكذلك القرعة.
وبالجملة: من أعطى النظر حقه في هذا المقام لا يشك في
الاختصاص. والذي أراه أن الظاهر من الأصحاب أيضا ذلك، إذ
لم يعهد منهم تعميم القرعة.
نعم كلامهم أيضا غير مقيد بخصوص الوالي في الموارد
التي نقلناها عنهم، ومن هنا قد يتوهم الإطلاق، لكنه غير دال
على ذلك، إذ الغالب في تلك الموارد المذكورة كونها عند
الحاكم، إذ الغالب أنها في باب التنازع والتداعي، ولا يحتاج
في ذلك إلى تقييدهم بكونه عند الإمام.
وبالجملة التأمل في النص والفتوى يقضي
بالاختصاص " (1).
أقول: إن قلنا باختصاص مورد القرعة بباب القضاء
والحكومة، غاية الأمر كونها أعم من قضاء القاضي في باب

(1) العناوين: 1 / 365 - 367.
70

الدعاوي والخصومات، وحكومة الوالي في المنازعات
المرتبطة به، فلا إشكال في اختصاص القرعة بالقاضي
والوالي، وإن لم نقل به (1)، فالظاهر أنه بعد عدم ثبوت إطلاق
يعتد به (2) أن القدر المتيقن هو الرجوع إليهما، للشك في ترتب
الآثار مع عدم الرجوع، نعم لا تنبغي المناقشة في جواز
التراضي بالقرعة في بعض الموارد، كباب القسمة، والتزاحم
في المشتركات ونحوهما، كما أنه لا مجال لتوهم الاختصاص
بإمام الأصل، وعدم الجواز للنائب العام، وإن كان بعض
التعليلات في الروايات توهم الاختصاص فتدبر.
المقام السادس: الظاهر أنه ليس للقرعة كيفية خاصة
وطريق مخصوص، بل هي العمل الذي تمتاز به الحقوق،
ويكشف به عن الواقع، أو يتعين به أحد الأمور، ويدل
عليه - مضافا إلى الإطلاقات الكثيرة - أنه قد ورد في الكتاب

(1) كما هو المختار.
(2) وفيه: أنه مجرد الادعاء، فالأقوى جريان مقدمات الحكمة، كما في سائر موارد
الإطلاق، والحق هو التفصيل بين موارد التزاحم والترافع، فلا بد من الرجوع إلى
الإمام (عليه السلام) أو نائبه الخاص أو العام، وبين غيرها فيرجع إلى العمومات والإطلاقات،
وبعد تمامية الإطلاق لا وجه للأخذ بالقدر المتيقن، ولو لم يكن في مقام التخاطب كما
لا يخفى. ويؤيد ما ذكرناه ما ورد في الاستخارات بناء على كونها من القرعة، وهكذا
في ابتداء التقسيم في الزوجات وإخراج الأولى والأحق في تقدم أحد المترافعين في
باب القضاء، والمتعلمين في باب التعليم والتعلم، وغير ذلك.
71

العزيز بإلقاء الأقلام، وفي النصوص بأنواع مختلفة، مثل
الكتابة على السهم والخواتيم من الشركاء ومن الحاكم،
والكتابة على الرقاع والنوى، وغير ذلك، وهو يكشف عن عدم
تعين طريق خاص (1) وكيفية مخصوصة كما هو ظاهر.
المقام السابع: ربما يستظهر اعتبار تفويض الأمر إلى
الله تعالى في صحة القرعة، بمعنى أن يوطن المقترعون
أنفسهم على التسليم لما أمر به الله وإطاعته متى ينكشف
لهم، فلو اتفق ذلك منهم تجربة، أو من دون التفات إلى الله
تعالى بطلب البيان فلا عبرة بذلك.
أقول: الأصل في ذلك صحيحة جميل المروية في التهذيب
قال: قال الطيار لزرارة: ما تقول في المساهمة أليس حقا؟ فقال
زرارة: بلى هي حق، وقال الطيار: أليس قد ورد أنه يخرج سهم
المحق؟ قال: بلى، قال: فتعال حتى أدعي أنا وأنت شيئا ثم
نساهم عليه وننظر هكذا هو؟ فقال له زرارة: إنما جاء الحديث
بأنه ليس من قوم فوضوا أمرهم إلى الله ثم اقترعوا إلا خرج
سهم المحق، فأما على التجارب فلم يوضع على التجارب،
فقال الطيار: أرأيت إن كانا جميعا مدعيين ادعيا ما ليس لهما

(1) قوله: " وهو يكشف عن عدم تعين طريق خاص ". أقول: ويؤيده سيرة المتشرعة
على إجرائها بدون كيفية خاصة، نعم الأولى رعاية ما ورد فيها من الآداب.
72

من أين يخرج سهم أحدهما؟ فقال زرارة: إذا كان ذلك جعل
معه سهم مبيح - ويحتمل أن يكون منيح بالنون وهو أحد
سهام الميسرة العشرة مما لا نصيب له - فإن كانا ادعيا ما
ليس لهما خرج سهم المبيح (1).
وهذه الرواية وإن كان فيها إشكال من جهة ظهورها في
التسالم بين زرارة والطيار على أن مورد القرعة ما إذا كان
هناك محق واقعا، مع أنك قد عرفت عدم الاختصاص به، إلا أن
ظهورها في أنه لم توضع القرعة على التجارب، بل إنما هي
فيما فوضوا أمرهم إلى الله تعالى، لا ينبغي أن ينكر.
ويستفاد من بعض الروايات المتقدمة اعتبار التفويض
قبل القرعة، ومن بعضها اعتباره بعدها، ومن بعضها أن
القرعة هي نفس التفويض إلى الله تعالى، والمستفاد من
المجموع بعد التأمل أن مورد القرعة ما إذا كان المراد الكشف
عن الواقع، أو تعين أحد الأمور، وأما إذا كان المراد بها التجربة
ونحوها، فلا مجال لها، والظاهر أنه ليس المراد لزوم التوجه
إلى الله تعالى وطلب البيان منه (2)، حتى يكون فيه شائبة
العبادية، بل المراد كون إعمالها لغرض جدي ومقصود
أصلي، وهو ما ذكرنا.

(1) التهذيب 6: 238 ح 584، الوسائل 18: 188 ب 13 من أبواب كيفية الحكم ح 4.
(2) ظاهر النصوص ذلك، فلا يكفي مجرد الجد وعدم الاستهزاء من الله.
73

ثم إن الظاهر عدم اعتبار الدعاء، فضلا عن الدعاء
المخصوص المشتمل عليه بعض الروايات في صحة القرعة،
وإن كان ظاهر بعض الروايات اعتباره، بل جعل ذلك علة لعدم
إقراع غير الإمام كما عرفت، إلا أن الظاهر من اختلاف
النصوص في أصل الدعاء، وفي خصوصيته، الحمل على عدم
الوجوب كما لا يخفى.
هذا تمام الكلام في قاعدة القرعة (1).

(1) أقول: هنا تم كلام شيخنا الأستاذ (مد ظله العالي)، القواعد الفقهية: 421 - 442.
74

الباب الثالث
وهو مشتمل على التنبيهات النافعة
التنبيه الأول: هل القرعة عزيمة أو رخصة؟
قال المحقق النراقي: كل مورد يثبت أمر من الشارع فيه بخصوصه
بالقرعة، فلا كلام في كونه عزيمة فيه كمسألة الشاة المنكوحة. وما لا
أمر له بخصوصه فإن كان من القسم الأول [أي: كل أمر معين في
الواقع] فيجب أن ينظر فيه، فإن وجب تعيين المعين في الواقع، في الظاهر
أيضا وتحتم العمل بواحد معين بدليل، موجب لذلك، ولو كان رفع
التنازع الواجب أو دفع الضرر كذلك أو دفع كسر قلب محرم أو غير
ذلك، ولم يكن طريق آخر إلى التعيين سوى القرعة، يجب فيه القرعة
لتوقف الواجب عليه... وإن كان من القسم الثاني [أي: ما لا تعين له في
الواقع] فإن وجب فيه التعيين ولم يكن مناص منه، كأن يوصي أحد
بعتق أربع رقاب من عشرين عبدا من عبيده... فإن دل دليل شرعي
على تخيير أحد في التعيين، كأن ينص الموصي على التخيير، فيتخير هو
75

بين تعيينه بالاختيار وبالقرعة. وإن لم يدل دليل على كونه مختارا في
التعيين تتعين القرعة...
هذا كله إذا وجب التعيين شرعا، وإن لم يجب، كتقديم أحد
المتعلمين في العلم الغير الواجب... فلا تجب القرعة لا معينا ولا مخيرا،
بل يجوز له الأمران كما يجوز له تركهما (1). انتهى ملخصا.
التنبيه الثاني: في بيان لزوم العمل بالقرعة وعدمه
قال المحقق النراقي: إعلم أن ما كان من القسم الأول [ما يكون
معينا في الواقع] فلا ينبغي الريب في كونها لازمة لا يجوز التخلف عنه
عن مقتضاها بعد وقوعها، لدلالة الأخبار المستفيضة على أن ما
يستخرج بالقرعة هو الحق، فكيف يجوز ترك الحق؟ بل منها ما لا يجوز
العدول عن مقتضاها ولو بعد تراضي المتقارعين، كما إذا كان الدعوى في
الولد.
وأما ما كان من القسم الثاني [ما لا يكون له واقع معين] فيمكن
أن يقال: إن بعد إقراع الحاكم أو من تجوز قرعته، فلا شك في تعلق حق
المحكوم له بما حكم له وصيرورته حقا له، بل يمكن إثبات اللزوم
بمقتضى الاستصحاب بعد القرعة وقبل حكم الحاكم (2). انتهى ملخصا.
وقال صاحب العناوين: إعمال القرعة في المشكلات، فالأقوى

(1) عوائد الأيام: 663 - 665.
(2) عوائد الأيام: 667.
76

لزوم القرعة وأنها عزيمة، ولا مناص على لزوم العمل بها. وأما
وجوب العمل بعد إعمالها فرع وجوب الإعمال، وإلا كان التخيير
باقيا (1).
التنبيه الثالث: في ذكر قاعدة خيالية وهي ما
يسمونها " قاعدة العدل والإنصاف "
من المشهورات التي لا أصل لها قاعدة يسمونها قاعدة العدل
والإنصاف ثم يقدمونها على قاعدة القرعة، ويقولون: فيما لو تداعا
شخصان مالا وأقام كل منهما البينة أنه له، فإن حلفا أو نكلا، قسم
بينهما نصفين، لقاعدة العدل والإنصاف.
أقول: لم تثبت هذه القاعدة لا في الكتاب ولا في السنة، ولذا قال
سيدنا المحقق الخوئي على ما في مستند العروة: إن القاعدة غير تامة، إذ لم
يثبت بناء ولا سيرة من العقلاء على ذلك حتى تكون ممضاة لدى
الشارع، اللهم إلا إذا تصالحا وتراضيا على التقسيم على وجه التنصيف
فإنه أمر آخر. وأما الروايات الدالة على التنصيف فهي واردة في موارد
خاصة من التداعي أو الودعي ونحوهما، فالتعدي عن ذلك ودعوى أن
كل مورد تردد المال بين شخصين يقسم نصفين مشكل جدا (2).
ثم قال في كلام له: فإذا لم تتم قاعدة العدل والإنصاف كما عرفت،

(1) العناوين: 1 / 369.
(2) مستند العروة، كتاب الخمس: 147 - 148.
77

لم يكن مناص من العمل بالقرعة من غير توقف على عمل المشهور (1).
وقال في مباني تكملة المنهاج: قاعدة العدل والإنصاف لم تثبت
مطلقا (2).
قال شيخنا المحقق الحائري (قدس سره): مستند ما يسمونه قاعدة العدل
والانصاف ما أورده صاحب الوسائل في كتاب الصلح.
منها: ما رواه عن محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن السكوني،
عن الصادق (عليه السلام)، عن أبيه (عليه السلام) في رجل استودع رجلا دينارين،
فاستودعه آخر دينارا، فضاع دينار منها، قال: يعطى صاحب
الدينارين دينارا، ويقسم الآخر بينهما نصفين (3).
ومنها: رواية ابن طرفة: أن رجلين ادعيا بعيرا، فأقام كل منهما
بينة، فجعله علي (عليه السلام) بينهما (4).
ثم قال: لا يمكن استفادة القاعدة الكلية منهما (5).
أقول: الرواية الثانية مع ضعف سندها، ومعارضتها بغيرها من
الروايات الدالة على لزوم العمل بالقرعة، يمكن أن يقال: إنه (عليه السلام)
أصلح بينهما على التنصيف. والرواية الأولى على فرض اعتبار
سندها، وعدم حملها على التقية مختصة بموردها، ولا وجه للتعدي عن
موردها.

(1) مستند العروة، كتاب الخمس: 148.
(2) مباني تكملة المنهاج: 1 / 56.
(3) وسائل الشيعة: 13 / 171، كتاب الصلح الباب 12 الحديث 1.
(4) وسائل الشيعة: 13 / 170، كتاب الصلح الباب 10 الحديث 1.
(5) تقريرات درس المحقق الحائري المخطوط، للمؤلف.
78

وبالجملة بعد استقرار رأي أبي حنيفة على التنصيف في التداعي
والودعي يشكل الاعتماد بهما في موردهما فضلا عن سائر الموارد، فما
يسمونه قاعدة العدل والإنصاف لا أساس له كي يبحث عن تقدمها
على قاعدة القرعة كما لا يخفى، وممن صرح بذلك الشهيد الثاني في كتاب
الصلح من الروضة (1)
التنبيه الرابع: في الاستخارة
الظاهر أن الاستخارة بالرقاع والسبحة وما شاكلهما نوع من
القرعة، ويختص موردها بما كان العمل مباحا شرعا جزئيا كان أو
كليا، ففي الأول كأن التحير بلحاظ الفعل والترك، وفي الثاني
بلحاظ اختيار هذا المصداق أو ذاك، فالمريد لسفر خاص يستخير،
لاستكشاف أيهما كان صلاحا، وفي الثاني أي الأفراد كان فيه خير كمن
أراد نكاح إحدى المرأتين فيستخير الله للاهتداء إلى أصلحهما، كما
لا يخفى، فعلى هذا لا نحتاج إلى دليل خاص، وشرطها التردد والتحير
بعد التدبر والتأمل، ومشورة أهل الصلاح والسداد العارفين بالأوضاع
والأحوال.
استخارة ذات الرقاع
وأما استخارة ذات الرقاع، فكونها من مصاديق القرعة مما لا شك

(1) الروضة البهية: 4 / 184.
79

فيه ولا ارتياب. وفي الوسائل ج 5 باب 2 من أبواب صلاة
الاستخارة روايات:
منها: ما رواه الكليني عن هارون بن خارجة، عن أبي عبد الله (عليه السلام):
إذا أردت أمرا فخذ ست رقاع فاكتب في ثلاث منها: بسم الله الرحمن
الرحيم، خيرة من الله العزيز الحكيم لفلان بن فلانة افعل، وفي ثلاث
منها: بسم الله الرحمن الرحيم خيرة من الله العزيز الحكيم لفلان بن فلانة
لا تفعل، ثم ضعها تحت مصلاك، ثم صل ركعتين، فإذا فرغت فاسجد
سجدة وقل فيها مائة مرة: أستخير الله برحمته خيرة في عافية، ثم استو
جالسا وقل: اللهم خر لي واختر لي في جميع أموري في يسر منك
وعافية، ثم اضرب بيدك إلى الرقاع فشوشها، وأخرج واحدة واحدة،
فإن خرج ثلاث متواليات افعل، فافعل الأمر الذي تريده، وإن خرج
ثلاث متواليات لا تفعل، فلا تفعله، وإن خرجت واحدة افعل والأخرى
لا تفعل، فاخرج من الرقاع إلى خمس، فانظر أكثرها فاعمل به، ودع
السادسة لا تحتاج إليها (1).
نعم في رسالة الاستخارة لأبي المعالي الكلباسي (المتوفى 1315 ه‍):
أنكر ابن إدريس على ما حكى في " الذخيرة " الاستخارة بالرقاع
والقرعة والسبحة والحصى، بدعوى إسنادها إلى الأخبار الآحاد (2).
أقول: وهو مبني على عدم حجية الخبر الواحد - وهو مختاره -
وقد أثبت أصحابنا المحققون حجيته بما لا مزيد عليه. ويأتي ذلك في

(1) وسائل الشيعة: 5 / 201، ب 2 من أبواب صلاة الاستخارة ح 1.
(2) كتاب الاستخارة ص 1.
80

التنبيه الخامس عشر.
الاستخارة بالقرآن
وأما الاستخارة بالقرآن فيدل على مشروعيتها - بعد عمومات
الدعاء، وما ورد فيها من الأدلة الخاصة - سيرة الأعاظم وبناء
فحول الفقهاء من غير إنكار عليهم، ويؤيده ما حكي من الحكايات
العجيبة والأمور الغريبة الدالة على إعجاز القرآن في هداية الحيران،
إلا أن مباشر تلك الاستخارة لا بد أن يكون عارفا بالكتاب، ومجنبا
عن رجس المعصية وقذارة حب الدنيا، لكي ينقدح في ذهنه ما يليق
بشأنه.
وبالجملة هداية القرآن في مورد الاستخارة أمر ثابت فيما
وصل إلينا من الحكايات والتجارب ما يشفي الصدور ويهدي
العقول.
التنبيه الخامس: حول الدفاع عن المحقق الأردبيلي
قال المحقق البجنوردي (قدس سره) في قواعده الفقهية ما هذا نصه: " ومما
ذكرنا يظهر لك عدم صحة ما ذكره المقدس الأردبيلي (قدس سره) في آيات
أحكامه في تفسير قوله تعالى: {وأن تستقسموا بالأزلام} (1) وعلى هذا
يفهم منه تحريم الاستخارة المشهورة، التي قال الأكثر بجوازها، بل

(1) سورة المائدة: 3.
81

باستحبابها، ويدل عليه الروايات، ثم أخذ في رده بقوله: وكيف يمكن
أن يكون طلب الخير من الله - جل جلاله - الذي هو حقيقة الاستخارة
من مصاديق الاستقسام بالأزلام، فالأول عبادة وإيكال أمره وتفويضه
إلى الله، والثاني شرك، وطلب الخير من هبل أو الأزلام (1). انتهى كلام
المحقق البجنوردي.
أقول: بالرجوع إلى كتاب زبدة البيان في أحكام القرآن ينكشف
عدم صحة ما ذكره، فإنه بعد ذكر الاحتمالات الثلاثة عن مجمع البيان،
في المقصود من " الاستقسام بالأزلام " وهي:
الأول: استخراج النصيب من القرباني بالقرعة.
الثاني: كعاب فارس والروم.
الثالث: الشطرنج.
قال في رد الاحتمال الأول وبطلانه بأنه يفهم منه تحريم الاستخارة
المشهورة، التي قال الأكثر بجوازها، بل باستحبابها، ويدل عليه
الروايات (2).
أقول: كلامه صريح في جواز الاستخارة بل استحبابها، وأن
تفسير " الاستقسام بالأزلام " بها باطل جدا. والعجب كيف خفي هذا
الأمر على المحقق البجنوردي! ولعل ذلك من التحريفات المطبعية.
فتأمل.

(1) القواعد الفقهية: 1 / 59 - 60.
(2) زبدة البيان في أحكام القرآن: 626 كتاب المطاعم والمشارب.
82

التنبيه السادس: تفصيل آراء العامة نقلا عن
الموسوعة الفقهية الكويتية بعين عباراتها
التعريف:
1 - القرعة في اللغة: السهمة والنصيب، والمقارعة: المساهمة،
وأقرعت بين الشركاء في شئ يقسمونه، ويقال: كانت له القرعة، إذا
قرع أصحابه، وقارعه فقرعه يقرعه: أي أصابته القرعة دونه،
وتستعمل في معان أخرى غير ما تقدم (1).
ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغوي، قال البركتي:
القرعة السهم والنصيب، وإلقاء القرعة: حيلة يتعين بها سهم الإنسان
أي نصيبه.
الألفاظ ذات الصلة:
القسمة
2 - القسمة في اللغة من قسمته قسما أي فرزته أجزاء (2).
واصطلاحا: تمييز الحصص بعضها من بعض (3).
والصلة بين القسمة والقرعة أن القرعة طريق من طرق القسمة،

(1) لسان العرب لابن منظور، ومعجم مقاييس اللغة لابن زكريا، والمعجم الوسيط.
(2) المصباح المنير مادة قسم.
(3) نهاية المحتاج: 8 / 269.
83

والقرعة نوع من أنواع القسمة عند المالكية (1).
الحكم التكليفي
3 - القرعة مشروعة باتفاق الفقهاء، وقد تكون مباحة أو مندوبة
أو واجبة أو مكروهة أو محرمة في أحوال سيأتي بيانها.
ودليل مشروعيتها الكتاب والسنة.
فأما مشروعيتها من القرآن الكريم فقوله تعالى: {وما كنت لديهم
إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم} (2)، أي يحضنها، فاقترعوا عليها.
وقال تعالى: {وإن يونس لمن المرسلين * إذ أبق إلى الفلك
المشحون * فساهم فكان من المدحضين} (3).
عن ابن عباس... قوله: * (فساهم) * يقول: " أقرع " (4).
وأما مشروعيتها من السنة المطهرة، فحديث أبي هريرة...:
" عرض النبي (صلى الله عليه وآله) على قوم اليمين فأسرعوا، فأمر أن يسهم بينهم في
اليمين أيهم يحلف " (5).
وعن عائشة... قالت: " كان رسول (صلى الله عليه وآله) إذا أراد سفرا أقرع بين

(1) الشرح الكبير: 3 / 498.
(2) سورة آل عمران: 44.
(3) سورة الصافات: 139 - 141.
(4) تفسير الطبري: 22 / 63.
(5) حديث أبي هريرة: " عرض النبي (صلى الله عليه وآله) على قوم اليمين... " أخرجه البخاري (فتح
الباري 5 / 285).
84

نسائه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه " (1).
الحكمة من مشروعيتها
4 - قال المرغيناني: القرعة لتطييب القلوب، وإزاحة تهمة الميل
حتى لو عين القاضي لكل منهم نصيبا من غير إقراع جاز، لأنه في
القضاء فيملك الإلزام (2).
وجاء في تكملة فتح القدير: " ألا يرى أن يونس (عليه السلام) في مثل هذا
استعمل القرعة مع أصحاب السفينة، كما قال الله تعالى: {فساهم فكان
من المدحضين} (3)؟ وذلك لأنه علم أنه هو المقصود، ولكن لو ألقى
بنفسه في الماء ربما نسب إلى ما لا يليق بالأنبياء، فاستعمل القرعة
لذلك، وكذلك زكريا (عليه السلام) استعمل القرعة مع الأحبار في ضم مريم إلى
نفسه مع علمه بكونه أحق بها منهم، لكون خالتها عنده تطييبا
لقلوبهم، كما قال تعالى: {إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم} (4).
وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقرع بين نسائه إذا أراد سفرا تطييبا
لقلوبهن (5).

(1) حديث عائشة: " كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا أراد سفرا... " أخرجه البخاري (فتح الباري
5 / 218).
(2) الهداية مع شرحها تكملة فتح القدير: 8 / 363.
(3) سورة الصافات: 141.
(4) سورة آل عمران: 44.
(5) تكملة فتح القدير 8 / 364 - 365.
85

كيفية إجراء القرعة
5 - للقرعة عند الفقهاء طريقتان:
الأولى: كتابة أسماء الشركاء في رقاع.
والثانية: كتابة أجزاء المقسوم في رقاع، وقد شرط المالكية
لإجراء الطريقة الثانية أن تكون الأنصباء متساوية، فإن اختلفت،
فتجوز في العروض خاصة (1).
وقد أجاز كل من الشافعية والحنابلة إجراءها في الصورتين، إلا
أن طريقة كتابة الأسماء أولى عند الشافعية (2).
ما تجرى فيه القرعة
6 - تجري القرعة في مواضع منها:
الأول: في تمييز المستحق إذا ثبت الاستحقاق ابتداء لمبهم غير معين
عند تساوي المستحقين، كمن أوصى بعتق عدة أعبد من ماله، ولم يسع
ثلثه عتق جميعهم، وفي الحاضنات إذا كن في درجة واحدة، وكذا في
ابتداء القسم بين الزوجات عند من يقول به لاستوائهن في الحق
فوجبت القرعة، لأنها مرجحة.
الثاني: في تمييز المستحق المعين في نفس الأمر عند اشتباهه،
والعجز عن الاطلاع عليه، سواء في ذلك الأموال والأبضاع عند من

(1) الشرح الكبير لدردير: 3 / 511.
(2) شرح الجلال المحلي على المنهاج: 4 / 316، ومغني المحتاج: 4 / 422، وكشاف
القناع: 6 / 380 - 381.
86

يقول بجريان القرعة في الأبضاع.
الثالث: في تمييز الأملاك.
وقيل: إنه لم يأت إلا في ثلاث صور:
أحدها: الإقراع بين العبيد إذا لم يف الثلث بهم.
وثانيها: الإقراع بين الشركاء عند تعديل السهام في القسمة.
وثالثها: عند تعارض البينتين عند من يقول بذلك.
الرابع: في حقوق الاختصاصات كالتزاحم على الصف الأول، وفي
إحياء الموات.
الخامس: في حقوق الولايات كما إذا تنازع الإمامة العظمى اثنان
وتكافئا في صفات الترجيح قدم أحدهما بالقرعة، وكاجتماع الأولياء في
النكاح، والورثة في استيفاء القصاص، فتجري بينهم القرعة لترجيح
أحدهم (1).
ما لا تجري فيه القرعة
7 - إذا تعينت المصلحة أو الحق في جهة، فلا يجوز الإقراع بينه
وبين غيره، لأن القرعة ضياع ذلك الحق المعين والمصلحة المتعينة، وعلى
ذلك فلا تجري القرعة فيما يكال أو يوزن واتفقت صفته، وإنما يقسم كيلا
أو وزنا لا قرعة، لأنه إذا كيل أو وزن فقد استغني عن القرعة، فلا وجه

(1) تبصرة الحكام بهامش فتح العلي المالك: 2 / 106، والمنثور في القواعد للزركشي:
3 / 62 وما بعدها، والفروق للقرافي 4 / 111 (الفرق 240)، والقواعد لابن الجصاص:
348 وما بعدها (القاعدة 160)، وحاشية ابن عابدين: 1 / 375 و 2 / 401.
87

لدخولها فيهما، وهذا ما ذهب إليه المالكية (1)، خلافا للشافعية
والحنابلة (2).
ومما لا تجري فيه القرعة الأبضاع عند الشافعية وقول عند
الحنابلة، ولا في لحاق النسب عند الاشتباه عند الحنفية والمالكية
والشافعية، والظاهر من مذهب الحنابلة، ولا في تعيين الواجب المبهم
من العبادات ونحوها ابتداء عند الشافعية والحنابلة، ولا في الطلاق عند
الشافعية (3).
إجبار الشركاء على قسمة القرعة
8 - ذهب الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أن القسمة إذا تمت عن
طريق قاسم من قبل القاضي بالقرعة كانت ملزمة، وليس لبعضهم
الإباء بعد خروج بعض السهام.
وعند الحنابلة وهو مقابل الأظهر عند الشافعية أنه إن كان القاسم
مختارا من جهتهم، فإن كان عدلا كان كقاسم الحاكم في لزوم قسمته
بالقرعة، وإن لم يكن عدلا لم تلزم قسمته إلا بتراضيهما، والأظهر عند
الشافعية أنه يشترط رضا المتقاسمين بعد خروج القرعة في حالة ما إذا
كان القاسم مختارا من قبلهما وهو المعتمد (4).

(1) حاشية الدسوقي: 3 / 501.
(2) القليوبي وعميرة: 4 / 316، كشاف القناع: 6 / 379.
(3) المنثور في القواعد للزركشي: 3 / 64، وقواعد ابن رجب: 348.
(4) حاشية ابن عابدين: 6 / 255 و 263، والقليوبي وعميرة: 4 / 316 - 317، وكشاف
القناع: 6 / 378.
88

وذهب المالكية إلى أن قسمة القرعة يجبر عليها كل من الشركاء
الآبين إذا طلبها البعض إن انتفع كل من الآبين وغيرهم انتفاعا تاما
عرفا بما يراد له كبيت السكنى، ومفهوم الشرط أنه إذا لم ينتفع كل
انتفاعا تاما لا يجبر (1).
القرعة في معرفة الأحق بغسل الميت
9 - ذهب الشافعية والحنابلة إلى أن الأحق في غسل الميت
أقاربه، فإن استووا كالأخوة والأعمام المستوين والزوجات ولا مرجح
بينهم فالتقديم بقرعة، فمن خرجت له القرعة قدم لعدم المرجح
سواها (2).
القرعة في تقديم الأحق بالإمامة في الصلوات وصلاة الجنازة
10 - ذهب الفقهاء على أنه إذا استوى اثنان فأكثر في الصفات التي
يقدم بها للإمامة، أقرع بينهم عند التنازع.
والتفاضل بينهم ينظر في مصطلح (إمامة الصلاة ف 14 - 18)
وانظر مصطلح (جنائز ف 41).
القرعة بين الزوجات في السفر
11 - ذهب الحنفية والمالكية في قول إلى أنه إذا أراد الزوج السفر،

(1) حاشية الدسوقي: 3 / 512.
(2) كشاف القناع: 2 / 90، والقليوبي وعميرة: 1 / 345.
89

فله اختيار من يشاء من زوجاته، ولا تجب عليه القرعة، إلا أن الحنفية
استحبوا القرعة تطييبا لقلوبهن.
وأوجب المالكية القرعة بين الزوجات في سفر القربة كالغزو
والحج في المشهور عندهم، لأن المشاحة تعظم في سفر القربة.
وفي قول آخر عند المالكية أن القرعة تجب مطلقا (1).
وذهب الشافعية والحنابلة إلى أن القرعة في السفر بين الزوجات
واجبة سواء أكان السفر طويلا أم قصيرا، وفي قول للشافعية إذا كان
السفر قصيرا فلا تجب ولا يستصحب لأنه كالإقامة.
وللتفصيل انظر مصطلح (قسم بين الزوجات).
وقال الشافعية: إن الزوج إذا سافر لنقلة حرم أن يستصحب بعض
زوجاته بقرعة أو بدونها، وأن يخلفهن حذرا من الإضرار بهن، بل
ينقلهن أو يطلقهن (2).
القرعة بين الزوجات في ابتداء المبيت
12 - ذهب الشافعية والحنابلة والمالكية في قول إلى وجوب
القرعة بين الزوجات في ابتداء المبيت، لأن البداءة بإحداهن تفضيل لها،
والتسوية واجبة.
وذهب ابن المواز من المالكية إلى استحباب القرعة بينهن في
الابتداء.

(1) حاشية ابن عابدين: 3 / 206، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير: 2 / 343.
(2) القليوبي: 3 / 304 - 305، وكشاف القناع: 5 / 199.
90

وأما الحنفية ومالك فلا يرون القرعة، وللزوج أن يختار من
يبتدئ بها (1).
والتفصيل في مصطلح (قسم بين الزوجات).
القرعة في الطلاق
13 - إذا كان لشخص أكثر من زوجة، فطلق واحدة لا بعينها، بأن
قال: إحداكن طالق، فإن نوى واحدة بعينها تعينت باتفاق الفقهاء. وإن
لم ينو واحدة بعينها، فذهب الحنفية والمالكية في قول إلى أنه يصرف
الطلاق إلى أيتهن شاء.
وذهب المالكية في القول الثاني إلى طلاق الجميع، وقال الشافعية:
يلزمه التعيين، فإن امتنع حبس وعزر، وقال الحنابلة، يقرع بينهن (2).
واستدل الحنفية والشافعية بأن الزوج يملك إيقاع الطلاق ابتداء
وتعيينه، فإذا أوقعه ولم يعين، ملك تعيينه لأنه استيفاء ما ملك.
واستدل الحنابلة بما روي عن علي (عليه السلام) وابن عباس... من قولهما في
القرعة، ولا مخالف لهما من الصحابة، ولأن الطلاق إزالة ملك بني على
التغليب والسراية فتدخله القرعة كالعتق، وقد ثبت الأصل بكون
النبي (صلى الله عليه وآله) أقرع بين العبيد الستة، كما في حديث عمران بن
حصين رضي الله عنه: " أن رجلا أعتق ستة مملوكين له عند موته،

(1) شرح الجلال المحلي: 3 / 302 وما بعدها، وجواهر الإكليل: 1 / 327، وحاشية
الدسوقي: 2 / 341، وكشاف القناع 5 / 199 وما بعدها، وحاشية ابن عابدين 3 / 208.
(2) حاشية ابن عابدين: 3 / 291 طبعة الحلبي، الطبعة الثالثة، ومواهب الجليل: 4 / 87،
وروضة الطالبين: 8 / 103، والمغني: 7 / 251.
91

لم يكن له مال غيرهم، فدعا بهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) فجزأهم أثلاثا، ثم أقرع
بينهم، فأعتق اثنين وأرق أربعة، وقال له قولا شديدا (1).
ولأن الحق لواحد غير معين فوجب تعيينه بالقرعة.
وإذا مات الزوج قبل القرعة والتعيين، أقرع الورثة بينهن، فمن
وقعت عليها قرعة الطلاق، فحكمها في الميراث حكم ما لو عينها
بالتطليق (2).
وإذا طلق واحدة من نسائه وأنسيها، تخرج بالقرعة عند الحنابلة،
أما عند جمهور الفقهاء فعلى التفصيل السابق ذكره (3).
القرعة في الحضانة
14 - ذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى أنه إذا تساوى اثنان
فأكثر في استحقاق الحضانة، أقرع بينهم على اختلاف وتفصيل. ينظر
في مصطلح (حضانة ف 10 - 14).
القرعة في الموصى بعتقهم
15 - ذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن من أعتق في
مرض موته عبيدا، أو أوصى بعتقهم، ولم يجز الورثة ذلك، ولم يتسع

(1) حديث عمران بن حصين (أن رجلا أعتق ستة مملوكين...) أخرجه مسلم (3 /
1288).
(2) المغني: 7 / 251 - 252.
(3) المراجع السابقة.
92

الثلث لعتقهم أقرع بينهم، واعتق منهم ما يخرج من الثلث (1)، وذلك
لحديث عمران بن حصين.
القرعة في العطاء والغنيمة
16 - نص الشافعية على القرعة في الغنيمة في مواضع منها:
أ - ما نقله النووي عن الماوردي فيمن يقدم - عند العطاء - فقال:
يقدم بالسابقة في الإسلام، فإن تقاربا فيه قدم بالدين، فإن تقاربا فيه
قدم بالسن، فإن تقاربا فيه قدم بالشجاعة، فإن تقاربا فيه فولي الأمر
بالخيار بين أن يرتبهم بالقرعة، أو برأيهم أو اجتهاده.
ب - وفي قسمة الغنيمة حيث يخرج منها السلب، والمؤن اللازمة
للأجور والحفظ وغيرها، ثم يجعل الباقي خمسة أقسام متساوية، يجري
فيها القرعة لإخراج سهم لله تعالى أو المصالح (2).
القرعة عند تعارض البينتين
17 - تعارض البينتين له صور عديدة كما يلي:
أولا: إذا ادعى شخصان عينا بيد ثالث، وأقام كل منهما بينة على
دعواه، مطلقتي التاريخ أو متفقتين، أو إحداهما مطلقة والأخرى
مؤرخة، والحال أن الحائز للعين لم يقر بها لواحد منهما، فللفقهاء أقوال:

(1) الشرح الكبير: 4 / 378 - 379، مغني المحتاج: 4 / 502 - 503، المغني لابن قدامة:
9 / 358 - 359 و 363.
(2) روضة الطالبين: 6 / 362، 376، ونهاية المحتاج: 6 / 144.
93

فذهب الحنفية والمالكية إلى أن هذه العين تقسم بين المدعيين، إلا
أنها تقسم نصفين عند الحنفية وأشهب من المالكية، وهو أحد الأقوال
المبنية على رأي ضعيف عند الشافعية، وتقسم على قدر الدعوى - لا
نصفين - على الراجح من مذهب المالكية، وهو رأي ابن القاسم (1).
وذهب الشافعية وهو المذهب عندهم إلى أن البينتين سقطتا
ويصار إلى التحالف، فيحلف كل منهما يمينا، فإن رضيا بيمين واحد
فالأصح المنع خلافا لجزم الإمام بالجواز، وإن رجحه السبكي (2).
وذهب الشافعية في القول الثاني وهو رواية عند الحنابلة إلى أن
البينتين تستعملان صيانة لهما عن الإلغاء بقدر الإمكان، وينبني على
الاستعمال ثلاثة أقوال عند الشافعية، وروايتان عند الحنابلة إجمالها فيما
يلي:
أ - تقسم العين بينهما نصفين، وهو إحدى الروايتين عند الحنابلة،
وأحد الأقوال الثلاثة السابقة عند الشافعية، وهو قول الحارث العكلي،
وقتادة، وابن شبرمة، وحماد (3).
ب - أنه يقرع بين المدعيين، وترجح من خرجت قرعته، وهذا
ثاني الأقوال الثلاثة المبنية على الاستعمال عند الشافعية، وكذلك الرواية
الثانية المبنية على رواية الاستعمال عند الحنابلة، وهل يحتاج معها إلى

(1) مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر: 2 / 272، ورد المحتار: 8 / 22، وشرح الزرقاني على
مختصر خليل: 7 / 212، وما بعدها (ط. دار الفكر)، ومغني المحتاج: 4 / 480 وروضة
الطالبين: 12 / 51.
(2) مغني المحتاج: 4 / 480، وانظر روضة الطالبين: 12 / 51.
(3) مغني المحتاج: 4 / 480، والمغني: 9 / 288.
94

يمين؟ قولان، أحدهما: لا، والقرعة مرجحة لبينته، والثاني: نعم،
والقرعة تجعل أحدهما أحق باليمين، فعلى هذا يحلف من خرجت قرعته
أن شهوده شهدوا بالحق ثم يقضى له (1).
ج - توقف العين بينهما حتى يتبين الأمر فيها أو يصطلحا على
شئ، وهو ثالث الأقوال المبنية على الاستعمال عند الشافعية، وهو
قول أبي ثور، لأنه أشكل الحال بينهما فيما يرجى انكشافه فيوقف، كما لو
طلق إحدى امرأتيه ومات قبل البيان فإنه يوقف الميراث، ولم يرجح
النووي شيئا، ولكن قضية كلام الجمهور ترجيح الوقف (2).
وذهب الحنابلة في إحدى الروايتين إلى سقوط البينتين ويقترع
المدعيان على اليمين كما لو لم تكن بينة، وهذا ما ذكره القاضي وهو ظاهر
كلام الخرقي، وقد روي هذا عن ابن عمر، وابن الزبير... وبه قال
إسحاق وأبو عبيد (3).
ثانيا: وإن كانت العين بيدهما وأقام كل بينة على ملكيته لها،
وتساوت البينتان فالحنفية والمالكية يجعلون هذه الصورة كالصورة
السابقة (4)، وكذلك الشافعية ما عدا قولي الوقف والقرعة، إذ يرون بقاء
يد كل على ما تحت يده من العين بعد تساقط البينتين، ولا يجئ الوقف،
إذ لا معنى له، وفي القرعة وجهان (5).

(1) المغني: 9 / 288، ومغني المحتاج: 4 / 480، وروضة الطالبين: 12 / 51.
(2) مغني المحتاج: 4 / 480.
(3) المغني: 9 / 287 - 288.
(4) شرح الزرقاني على المختصر: 7 / 212، رد المحتار: 8 / 22، 30.
(5) مغني المحتاج: 4 / 480، وانظر روضة الطالبين: 12 / 52.
95

وكذلك الحنابلة في الرواية الراجحة عندهم مع زيادة أن لكل
واحد منهما اليمين على صاحبه في النصف المحكوم له به (1).
وذكر أبو الخطاب في المسألة رواية أخرى أنه يقرع بينهما، فمن
خرجت قرعته حلف أنها لاحق للآخر فيها، وكانت اليمين له كما لو
كانت في يد غيرهما، وقال: والأول أصح للخبر (2)... (3)
البداءة بالقرعة عند التحالف
18 - لا يحتاج إلى استخدام القرعة عند البداءة بالتحالف عند
الحنفية، بل القاعدة هي: تخير القاضي في البدء بتحليف أحد المدعيين
حسب ما يترجح لديه من هو أقوى المدعيين إنكارا إلا في صورتين:
الأولى في البيع: إذا كان الاختلاف في قدر الثمن أو المثمن أو فيهما
فيبدأ بتحليف المشتري، وقيل: يقرع بينهما، هذا إذا كان بيع عين بدين،
وإن كان بيع عين بعين أو ثمن بمثمن فالقاضي مخير للاستواء (4).
الثانية: إذا اختلف المؤجر والمستأجر في المنفعة والأجرة، وادعيا
معا يحلف من شاء، وإن شاء أقرع بينهما، كما في البيع (5)، بينما لم يشر
المالكية والحنابلة إلى الحاجة إلى الاقتراع لمعرفة من يبدأ من المتحالفين
باليمين، وذلك في اختلاف البائع والمشتري أو المؤجر والمستأجر، بل

(1) المغني: 9 / 280 - 281.
(2) المغني: 9 / 281، وقد أسقطنا هنا كيفية استدلال المذاهب للاختصار.
(3) الموسوعة الفقهية الكويتية: 33 / 136 - 143.
(4) مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر: 2 / 293.
(5) مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر: 2 / 267.
96

يجعلان الخيار في ذلك للقاضي في بعض الصور، وفي بعضها الآخر يبدأ
بتحليف المنكر، أو الأقوى إنكارا من المدعيين (1).
وعند الشافعية: على المذهب يتخير الحاكم فيمن يبدأ به منهما،
وقيل: يقرع بينهما فيبدأ بمن خرجت القرعة له، والخلاف جميعه في
الاستحباب دون الاشتراط (2).
استعمال القرعة في إثبات نسب اللقيط
19 - يتفق الحنفية والمالكية وهو المذهب عند كل من الشافعية
والحنابلة، على عدم استعمال القرعة في إثبات نسب اللقيط إلى أحد
مدعي نسبه (3).
قال الشافعية: ولو أقاما بينتين متعارضتين بنسبه سقطتا في
الأظهر، ويرجع إلى قول القائف، والثاني: لا تسقطان، وترجح
إحداهما الموافق لها قول القائف بقوله، فمآل الاثنين واحد، وهما وجهان
مفرعان على قول التساقط في التعارض في الأموال، ولا يأتي هنا ما
فرع على مقابله من أقوال: الوقف والقسمة والقرعة، وقيل: تأتي
القرعة هنا (4).

(1) الشرح الكبير: 3 / 188 - 195، وجواهر الإكليل: 2 / 64 - 66، دار إحياء الكتب العربية،
والمغني: 4 / 211 - 221.
(2) شرح الجلال المحلي على المنهاج: 2 / 239.
(3) جواهر الإكليل: 2 / 220، والزرقاني: 7 / 120، والدر المختار مع رد المحتار: 4 / 272،
وشرح الجلال المحلي: 3 / 130 والمغني: 5 / 766.
(4) شرح الجلال المحلي: 3 / 130.
97

وقال ابن قدامة: إذا ادعاه اثنان فكان لأحدهما به بينة فهو ابنه،
وإن أقاما بينتين تعارضتا وسقطتا، ولا يمكن استعمالهما ههنا، لأن
استعمالهما في المال، إما بقسمته بين المتداعيين ولا سبيل إليه ههنا، وإما
بالإقراع بينهما، والقرعة لا يثبت بها النسب، فإن قيل: إن ثبوته ههنا
يكون بالبينة لا بالقرعة، وإنما القرعة مرجحة، قلنا: يلزم أنه إذا اشترك
رجلان في وطء امرأة فأتت بولد، يقرع بينهما ويكون لحوقه بالوطء لا
بالقرعة (1).
استعمال القرعة في إثبات أحقية حضانة اللقيط
20 - يذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة
إلى مشروعية استعمال القرعة لإثبات أحقية أحد المدعيين أخذ
اللقيط بقصد حضانته، أو صلاحيته للحضانة إذا كان المدعي أكثر من
واحد، ولم يسبق أحدهم، وكل منهم صالح لذلك واستويا في
الصفات (2).
القرعة عند تنازع أولياء الدماء على استيفاء القصاص
21 - من قتل جمعا مرتبا قتل بأولهم، أو معا بأن ماتوا في وقت
واحد، أو أشكل الحال بين الترتيب والمعية فبالقرعة بين القتلى، فمن

(1) المغني: 5 / 766.
(2) جواهر الإكليل: 2 / 220، والزرقاني: 7 / 120، وشرح الجلال المحلي: 3 / 124،
والمغني: 5 / 761.
98

خرجت قرعته قتل به وللباقين الديات (1).
وهناك فروع كثيرة في استيفاء القصاص، وفي استعمال القرعة في
تمكين المستحق للقصاص من التنفيذ، وفي تمكين أحد الورثة المستوين
من تنفيذ القصاص عند التنازع تنظر في مصطلح (قصاص).
القرعة في المسابقة
22 - ذهب الشافعية والحنابلة إلى استعمال القرعة في المسابقة في
بعض المواضع.
فالشافعية في مقابل الأظهر يقولون: لا يشترط بيان البادئ
بالرمي، ويقرع بينهما إن لم يبين في العقد، والأظهر اشتراط بيان البادئ
بالرمي حذرا من اشتباه المصيب بالمخطئ لو رميا معا (2).
ويذهب الحنابلة إلى استخدام القرعة في المسابقة في اختيار
من يبدأ الرمي من المتسابقين، فإذا تشاحا أقرع بينهما، وأيهما
كان أحق بالتقديم فبدره الآخر فرمى، لم يعتد له بسهمه أصاب
أم أخطأ (3).
الحاجة إلى القرعة في التبدئة بالشرب
23 - أشار المالكية إلى استخدام القرعة في حالة ما إذا ملك جماعة

(1) شرح الجلال المحلي وحاشية القليوبي وعميرة عليه: 4 / 110
(2) شرح الجلال المحلي: 4 / 269.
(3) المغني: 8 / 666 - 669.
99

ماء بأرض مباحة أو أرضهم المشتركة بينهم، أو على حفر بئر أو عين،
قسم بينهم على حسب أعمالهم، فإذا تشاحوا في التبدئة بأن طلبها كل
منهم فالقرعة (1).
ويقول الشافعية: يأخذ كل منهم ما يشاء أي إن اتسع وكفى
الجميع وإلا قدم عطشان ولو مسبوقا على غيره، وآدمي على غيره،
وسابق على غيره، فإن استووا أقرع لحاجة أنفسهم ثم لحاجة دوابهم،
ولا تدخل دوابهم في قرعتهم.
كما قالوا في سقي الأرض: يقدم الأقرب إلى الماء فالأقرب، وهذا
إن علم تقديم الأقرب أو جهل الحال، فإن سبق الأبعد قدم، فإن
استووا وجهل الأسبق وأحيوا معا أقرع وجوبا، وللأبعد منع من يريد
إحياء موات أقرب منه خشية إثبات حق سبقه (2).
وقال الحنابلة: إن استوى اثنان في القرب من أول النهر اقتسما الماء
بينهما إن أمكن، وإن لم يمكن أقرع بينهما، فقدم من تقع له القرعة، فإن
كان الماء لا يفضل عن أحدهما سقى من تقع له القرعة بقدر حقه من
الماء، ثم تركه للآخر، وليس له أن يسقي بجميع الماء، لأن الآخر يساويه
في استحقاق الماء، وإنما القرعة للتقديم في استيفاء الحق لا في أصل
الحق، بخلاف الأعلى مع الأسفل، فإنه ليس للأسفل حق إلا فيما فضل
عن الأعلى (3). (4)

(1) الشرح الكبير: / 4 / 74.
(2) شرح الجلال المحلي مع حاشية القليوبي وعميرة: 3 / 96.
(3) المغني: 5 / 584 - 585، وشرح الجلال المحلي: 4 / 318.
(4) الموسوعة الفقهية الكويتية: 33 / 136 - 150. ذكرنا بطوله إتماما للفائدة.
100

التنبيه السابع: في نظرات أبي حنيفة حول
القرعة وغيرها
يستفاد من الموسوعة الكويتية أن أبا حنفية قائل بالقرعة في
الجملة، وهو ينافي ما ذكره أعلامهم. ففي باب العلم من كتاب ربيع
الأبرار للزمخشري (467 - 538 ه‍) قال يوسف بن أسباط: رد أبو
حنيفة على رسول الله (صلى الله عليه وآله) أربعمائة حديث أو أكثر، قيل: مثل ماذا؟
قال: قال رسول (صلى الله عليه وآله): للفرس سهمان وللرجل سهم واحد. قال أبو
حنيفة: لا أجعل سهم بهيمة أكثر من سهم المؤمن.
وأشعر رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأصحابه البدن. وقال أبو حنيفة: الإشعار
مثلة.
وقال (صلى الله عليه وآله): البيعان بالخيار ما لم يفترقا. وقال أبو حنيفة: إذا وجب
البيع فلا خيار.
وكان (عليه السلام) يقرع بين نسائه إذا أراد سفرا. وأقرع بين أصحابه.
وقال أبو حنيفة: القرعة قمار (1).
ونقل عن تاريخ بغداد نحو ذلك، وزاد أنه قال: لو أدركني النبي (صلى الله عليه وآله)
وأدركته لأخذ بقولي.
أقول: وهو نعمان بن ثابت (80 - 150 ه‍) أحد الأئمة الأربعة، كان
أصله من كابل، وهو الذي أحكم الرأي والقياس، وصدر منه فتاوى

(1) ربيع الأبرار: 3 / 198.
101

غريبة وآراء عجيبة.
وعن الشافعي: نظرت في كتب أصحاب أبي حنيفة، فإذا فيها مائة
وثلاثون ورقة خلاف الكتاب والسنة. وعن سفيان ومالك وحماد
والأوزاعي والشافعي: ما ولد في الإسلام أشأم من أبي حنيفة، وقال
مالك: كانت فتنة أبي حنيفة أضر على الأمة من فتنة إبليس (1).
وعن الغزالي في كتاب (المنخول في علم الأصول): فأما أبو حنيفة
فقد قلب الشريعة ظهر البطن وشوش مسلكها (2).
أقول: من فتاواه لو أن رجلا عقد على أمه، وهو يعلم أنها أمه،
يسقط عنه الحد، ولحق به الولد وكذا في أخته وبنته.
ومنها: أن الرجل إذا تلوط بغلام فأوقبه، لم يجب عليه الحد،
ولكن يردع.
ومنها: إذا لف الرجل على إحليله حريرا، ثم أولجه في قبل امرأة لم
يكن زانيا، ولا يجب عليه الحد (3).
إذا انتهى الكلام إلى هذا المقام يليق أن نذكر أسامي سائر أئمتهم في
الفقه وهم:
مالك بن أنس (95 - 179) (4).
ومحمد بن إدريس بن عباس بن عثمان بن شافع (150 - 204) (5).

(1) روضات الجنات: 8 / 172 - 173.
(2) روضات الجنات: 8 / 174 - 175.
(3) روضات الجنات: 8 / 169 - 170.
(4) أدوار فقه للأستاذ محمود الشهابي: 3 / 728.
(5) أدوار فقه: 3 / 739.
102

وأحمد بن محمد بن حنبل (164 - 241) (1).
التنبيه الثامن: أصناف المجتهدين من العامة
قال الشهرستاني (479 - 548): ثم المجتهدون من أئمة الأمة
محصورون في صنفين لا يعدون إلى ثالث:
أصحاب الحديث وأصحاب الرأي
أصحاب الحديث:
وهم أهل الحجاز، هم أصحاب مالك بن أنس وأصحاب محمد
ابن إدريس الشافعي وأصحاب سفيان الثوري وأصحاب أحمد بن
حنبل وأصحاب داود بن علي بن محمد الأصفهاني، وإنما سموا أصحاب
الحديث، لأن عنايتهم بتحصيل الأحاديث ونقل الأخبار وبناء الأحكام
على النصوص، ولا يرجعون إلى القياس الجلي والخفي ما وجدوا خبرا
أو أثرا...
أصحاب الرأي
وهم أهل العراق، هم أصحاب أبي حنيفة النعمان بن ثابت، ومن
أصحابه محمد بن الحسن وأبو يوسف يعقوب بن إبراهيم بن محمد
القاضي وزفر بن الهذيل... وإنما سموا أصحاب الرأي، لأن أكثر عنايتهم

(1) أدوار فقه: 3 / 758.
103

بتحصيل وجه القياس، والمعنى المستنبط من الأحكام وبناء الحوادث
عليها، وربما يقدمون القياس الجلي على آحاد الأخبار، وقد قال أبو
حنيفة: علمنا هذا رأي وهو أحسن ما قدرنا عليه... (1).
ونقل عن داود الأصفهاني الأصول هي الكتاب والسنة والإجماع
فقط، ومنع أن يكون القياس أصلا من الأصول، وقال: إن أول من
قاس إبليس (2).
وقال المحقق الأنصاري: " فقد حكي عن تواريخهم أن عامة أهل
الكوفة كان عملهم على فتوى أبي حنيفة وسفيان الثوري ورجل آخر،
وأهل مكة على فتاوى ابن جريج، وأهل المدينة على فتاوى مالك،
وأهل البصرة على فتاوى عثمان وسواده. وأهل الشام على فتاوى
الأوزاعي والوليد، وأهل المصر على فتاوى الليث بن سعيد، وأهل
خراسان على فتاوى عبد الله بن المبارك الزهري. وكان فيهم أهل
الفتاوى غير هؤلاء كسعيد بن المسيب وعكرمة وربيعة الرأي ومحمد
ابن شهاب الزهري إلى أن استقر رأيهم بحصر المذاهب في الأربعة سنة
خمس وستين وثلاثمائة كما حكي (3).
أقول: ما ذكره من حصر المذاهب في الأربعة عام (365) موافق
لما ذكره صاحب الروضات (4) وفي حاشية أوثق الوسائل عن شرحي

(1) الملل والنحل: 1 / 187 - 188.
(2) الملل والنحل: 1 / 186 - 187.
(3) فرائد الأصول المحشى بحاشية " رحمة الله " ص 468.
(4) روضات الجنات: 1 / 191 ذيل ترجمة أحمد بن حنبل.
104

الوافية للسيد الصدر والفاضل الكاظمي كان ذلك في سنة (665) (1).
ونقل العلامة الطهراني عن ابن الفوطي: إن رسمية مجموع
المذاهب الأربعة في بغداد كانت من سنة 631 التي افتتحت فيها المدرسة
المستنصرية، وقسمت أربعة أقسام لأهل المذاهب الأربعة
إلى سنة (645) التي التزم فيها المدرسون بأن لا يتجاوز عن قول
المشايخ القدماء وآرائهم حفظا لحرمتهم وتبركا بسابقتهم في العلم
والدين (2).
ونقل عن المقريزي أن ذلك في خصوص مصر كان في سنة
(665) (3).
أقول: ويمكن الجمع بأن حدوث فكرة الحصر كان في القرن الرابع،
وأما تسجيل ذلك ورسمية الحصر في تمام البلاد الإسلامية كان في
سنة (665).
التنبيه التاسع: مختار الشيخ الطوسي وصاحب
الوسائل في تعارض البينات
في كتاب وسائل الشيعة قال الشيخ: الذي أعتمده في الجمع بين
هذه الأخبار هو أن البينتين إذا تقابلتا فلا تخلو أن تكون مع إحداهما يد

(1) أوثق الوسائل: 629.
(2) تاريخ حصر الاجتهاد للعلامة الطهراني (الشيخ آغا بزرگ): 107.
(3) المصدر نفسه.
105

متصرفة أو لم تكن، فإن لم تكن يد متصرفة وكانتا خارجتين، فينبغي
أن يحكم لأعدلهما شهودا ويبطل الآخر، فإن تساويا في العدالة حلف
أكثرهما شهودا، وهو الذي تضمنه خبر أبي بصير.
وما رواه السكوني من القسمة على عدد الشهود، فإنما هو على
وجه المصالحة والوساطة بينهما دون مر الحكم، وإن تساوى عدد
الشهود أقرع بينهم، فمن خرج اسمه حلف بأن الحق حقه. وإن كان
مع إحدى البينتين يد متصرفة، فإن كانت البينة إنما تشهد له بالملك
فقط دون سببه، انتزع من يده وأعطي اليد الخارجة، وإن كانت بينته
بسبب الملك إما بشرائه وإما نتاج الدابة إن كانت دابة أو غير ذلك،
وكانت البينة الأخرى مثلها، كانت البينة التي مع اليد المتصرفة أولى.
فأما خبر إسحاق بن عمار: أن من حلف كان الحق له، وإن حلفا
كان الحق بينهما نصفين، فمحمول على أنه إذا اصطلحا على ذلك. لأنا
بينا الترجيح بكثرة الشهود أو القرعة، ويمكن أن يكون الإمام مخيرا
بين الإحلاف والقرعة، وهذه الطريقة تأتي على جميع الأخبار من غير
إطراح شئ منها وتسلم بأجمعها، وأنت إذا فكرت فيها رأيتها على ما
ذكرت لك إن شاء الله، انتهى (1).
أقول: ويأتي ما يدل على بعض المقصود، ولعل ما خالف قول
الشيخ محمول على التقية (2).

(1) التهذيب: 6 / 237 - 238. الإستبصار: 3 / 42 - 43. أقول: قد فصل الشيخ في كتاب
الخلاف، وأطنب بما لا مزيد عليه في عدة صفحات، الخلاف: 6 / 337 - 348.
(2) وسائل الشيعة: 18 / 186 - 187.
106

التنبيه العاشر: مختار العلامة المجلسي في
تعارض البينات
قال في مقام نقل الأقوال في تعارض البينات: الرابع ترجيح
الأعدل من البينتين أو الأكثر عددا مع تساويهما في العدالة مع اليمين،
ومع التساوي يقضى للخارج، وهو قول المفيد، وقريب منه قول الصدوق.
والترجيح بهاتين الصفتين عمل بها المتأخرون على تقدير كون العين في
يد ثالث، ولو كانت في يد ثالث فالمشهور الحكم لأعدل البينتين، فإن
تساويا فلأكثرهما، ومع التساوي عددا وعدالة يقرع بينهما، فمن خرج
اسمه أحلف وقضي له، ولو امتنع أحلف الآخر وقضي له، فإن نكلا
قضي بينهما بالسوية، وقال الشيخ في المبسوط: يقضى بالقرعة إن
شهدتا بالملك المطلق، ويقسم بينهما إن شهدتا بالملك المقيد، ولو
اختصت إحداهما بالتقييد قضي بها دون الأخرى، وذهب جماعة من
المتقدمين إلى الترجيح بالعدالة والكثرة في جميع الأقسام وهو أنسب (1).
التنبيه الحادي عشر: كلام لابن إدريس
إذا ضرب بطنها (أي بطن المرأة الحامل) فألقت جنينا... فإن
مات الولد في بطنها وكان تاما حيا قد علم تحقق حياته، روي في بعض

(1) مرآة العقول: 24 / 287.
107

الأخبار أن ديته نصف دية الذكر ونصف دية الأنثى، والذي يقتضيه
أصول مذهبنا استعمال القرعة، ولا يلتفت إلى أخبار الآحاد، لأنها
لا توجب علما ولا عملا، والقرعة مجمع عليها أنها تستعمل في كل أمر
مشكل، وهذا من ذاك (1).
وقال في كلام آخر: وروي أنه إذا قتلت المرأة وهي حامل متمم،
ومات الولد في بطنها ولا يعلم أذكر هو أم أنثى، حكم فيه بديتها كاملة
مع التراضي، وفي ولدها بنصف دية الرجل ونصف دية المرأة، والأولى
استعمال القرعة في ذلك... لأن القرعة مجمع عليها في كل أمر مشكل
وهذا من ذلك (2).
ورده العلامة في المختلف: إذا كانت الروايات متطابقة على هذا
الحكم، وأكثر الأصحاب قد صاروا إليها، فأي مشكل بعد ذلك في هذا
الحكم حتى يرجع إليها، ويعدل عن النقل وعمل الأصحاب؟
ولو استعملت القرعة في ذلك استعملت في جميع الأحكام، لأنا إذا تركنا
النصوص بقيت مشكلة... وهذا في غاية السقوط (3). ورده في المسالك
بأن عذر ابن إدريس على مبناه في الخبر الواحد في العدول إلى القرعة
واضح (4).
أقول: به يستفاد من كلامه أمور:
ألف: أن القرعة قاعدة إجماعية.

(1) السرائر: 3 / 400 - 401.
(2) السرائر: 3 / 417.
(3) مختلف الشيعة: 9 / 426 مسألة 94.
(4) مسالك الأفهام: 15 / 483.
108

ب: انطباق عنوان المشكل على ما كان له واقع معين كما في الخنثى.
ج: تقدم القرعة على الأمارات الظنية غير المعتبرة.
التنبيه الثاني عشر: فيما ذكره رضي الدين جمال
السالكين السيد علي بن موسى بن طاووس في
كتاب الأمان من أخطار الأسفار والأزمان
قال: الفصل التاسع: فيما نذكره مما يحتاج إليه المسافر من معرفة
القبلة للصلوات، نذكر منها ما يختص بأهل العراق، فإننا الآن ساكنون
بهذه الجهات.
فنقول: إن كان الإنسان يريد معرفة القبلة لصلاة الصبح، فيجعل
مطلع الفجر في الزمان المعتدل عن يساره، فتكون القبلة بين يديه، وإن
كان يريد القبلة لصلاة الظهر أو صلاة غيرها، فإذا عرف الأفق الذي
طلعت منه الشمس فيجعله عن يساره، ويستقبل وسط السماء، فإذا
رأى عين الشمس على طرف حاجبه الأيمن من جانب أنفه الأيمن، فقد
دخل وقت الصلاة لفريضة الظهر، وإن أراد معرفة القبلة لصلاة العشاء،
فيجعل غروب الشمس عن يمينه في الزمان المعتدل ويصلي، فإنه يكون
متوجها إلى القبلة، وإن كان قد بان له الكوكب المسمى بالجدي،
فيجعله وراء ظهره من جانبه الأيمن، ويكون مستقبل القبلة. وكذا متى
أراد معرفة القبلة لصلاة الليل فيعتبر ذلك بالجدي كما ذكرناه.
الفصل العاشر: فيما نذكر إذا اشتبه مطلع الشمس عليه، إن كان
109

غيما أو وجد مانعا لا يعرف سمت القبلة ليتوجه إليه.
نقول: إذا اشتبه مطلع الشمس عليه، ولم يكن معه من الآلات التي
ذكرها أهل العلم بذلك ما يعتمد عليه، فيأخذ عودا مقوما يقيمه في
الأرض المستوية، فإذا زاد الفئ فهو قبل الزوال، وإذا شرع الفئ في
النقصان فقد زالت الشمس ودخل وقت الصلاة لفريضة الظهر، وإن كان
الوقت غيما أو غيره مما يمنع من معرفة القبلة بالكلية، وكان عنده ظن
أو أمارة بجهة القبلة فيعمل عليه، فإن تعذر ذلك فيعمد على القرعة
الشرعية، ولا حاجة إلى أن يصلي إلى أربع جهات، فإننا وجدنا القرعة
أصلا شرعيا معولا عليه في الروايات، فإن لم يحصل له بها علم اليقين،
فلا بد أن يحصل له بها ظن، وهو كاف في معرفة القبلة لمن اشتبهت عليه
من المصلين، وإن قدر أن يصحب المسافر معه كتاب " دلائل القبلة "
لأحمد بن أبي أحمد الفقيه، فإنه شامل للتعريف والتنبية لمعرفة القبلة من
سائر الجهات، وفيه كثير من المهمات.
أقول: وعسى يقول قائل: إذا جاز أن يعمل بالقرعة عند اشتباه
القبلة، فلا يبقى معنى للفتوى بالصلاة عند الاشتباه إلى أربع جهات.
والجواب: لعل الصلاة إلى أربع جهات لمن لم يقدر على القرعة
الشرعية ولا يحفظ كيفيتها، فيكون حاله كمن عدم الدلالات
والأمارات على معرفة القبلة.
ومن الجواب: أنه إذا لم يكن للمفتي بالأربع جهات حجة إلا
الحديثين المقطوعين عن الإسناد، اللذين رواهما جدي الطوسي في
تهذيب الأحكام، فإن أحاديث العمل بالقرعة أرجح منهما وأحق
بالتقديم عليهما.
110

ومن الجواب: أننا اعتبرنا ما حضرنا من الروايات، فلم نجد في
الحال الحاضرة إلا الحديثين المشار إليهما، وهذا لفظهما:
الحديث الأول: محمد بن علي بن محبوب، عن العباس، عن عبد الله
ابن المغيرة، عن إسماعيل بن عباد، عن خراش، عن بعض أصحابنا،
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: جعلت فداك، إن هؤلاء المخالفين علينا
يقولون: إذا أطبقت علينا أو أظلمت فلم نعرف السماء، كنا وأنتم سواء
في الاجتهاد، فقال: ليس كما يقولون، إذا كان ذلك فليصل لأربع
وجوه (1).
الحديث الثاني: وروى الحسين بن سعيد، عن إسماعيل بن عباد،
عن خراش، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله (عليه السلام) مثله (2).
أقول: فهذان الحديثان كما ترى عن طريق واحدة، وهي إسماعيل
ابن عباد، عن خراش، عن بعض أصحابنا، مقطوعي الإسناد.
أقول: وقد روى جدي الطوسي (قدس سره) في تحري القبلة عند الاشتباه،
ما هو أرجح من هذين الحديثين، وعسى أن يكون له عذر في ترجيح
حديث الأربع جهات مع ضعفه وانقطاع سنده، وظهور قوة أخبار
القرعة من عدة جهات، ونحن عاملون بما عرفناه، ولا نكلف أحدا أن
يقلدنا، وربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا.
الفصل الحادي عشر: فيما نذكره من الأخبار المروية بالعمل على
القرعة الشرعية.

(1، 2) التهذيب: 2 / 45 ح 144 و 145، الإستبصار: 1 / 295 ح 1085 و 1086، الوسائل: 3 /
226 ب 8 من أبواب القبلة ح 5.
111

فمن ذلك ما رويناه بإسنادنا إلى الثقة الصالح علي بن إبراهيم بن
هاشم القمي (رضي الله عنه) في كتابه " كتاب المبعث " من نسخة تاريخها سنة
أربعمائة من الهجرة النبوية، فيما ذكره في سرية عبد الله بن عتيك، وقد
نفذهم النبي - صلوات الله عليه وآله - لقتل أبي رافع، فقال في حديثه ما
هذا لفظه: وكانوا قبل أن يدخلوا قد تشاوروا فيمن يقتله، ومن يقوم
على أهل الدار بالسيف، فوقعت القرعة على عبد الله بن أنيس.
أقول: فهذا ما أردنا ذكره من الحديث قد تضمن عملهم على
القرعة في حياة النبي (صلى الله عليه وآله) في مثل هذا المهم العظيم، فلولا علمهم أن
القرعة من شريعته، وأنها تدل على المراد بها على حقيقته، كيف كانوا
يعتمدون عليها ويخاطرون بنفوسهم في الرجوع إليها؟!
ومن الأحاديث في العمل بالقرعة، ما رويناه بعدة طرق إلى
الحسن بن محبوب، من كتاب " المشيخة " من مسند جميل، عن منصور
ابن حازم قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول - وسأله بعض أصحابنا عن
مسألة: فقال - " هذه تخرج في القرعة "، ثم قال: " وأي قضية أعدل من
القرعة إذا فوض الأمر إلى الله - عز وجل -؟ أليس الله - عز وجل -
يقول: {فساهم فكان من المدحضين} (1)؟
ومن الأحاديث في العمل بالقرعة ما رويته بعدة طرق أيضا إلى
جدي أبي جعفر الطوسي، فيما ذكره في كتاب " النهاية " فقال: روي عن
أبي الحسن موسى (عليه السلام)، وعن غيره من آبائه وأبنائه - صلوات الله
عليهم - من قولهم: " كل مجهول ففيه القرعة " قلت له: إن القرعة تخطئ

(1) الصافات: 141.
112

وتصيب، فقال: " كل ما حكم الله به فليس بمخطئ ".
أقول: فهذا يكشف أن كل مجهول ففيه القرعة، وإذا اشتبهت جهة
القبلة فهو أمر مجهول، فينبغي أن تكون فيه القرعة، وسوف نذكر من
صفة القرعة بعض ما رويناه.
فصل: وقد رويت أيضا من حديث القرعة، ما ذكره أبو نعيم
الحافظ في المجلدة الأخيرة من كتاب " حلية الأولياء " ما هذا لفظه:
حدثنا أبو إسحاق بن حمزة، قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن
محمد بن مسروق الصوفي قال: حدثنا عبد الأعلى قال: حدثنا حماد
ابن سلمة، عن عطاء الخراساني، عن سعيد بن المسيب وأيوب، عن
محمد بن سيرين، عن عمران بن حصين. وقتادة وحميد، عن الحسن،
عن عمران: أن رجلا أعتق ستة مملوكين عند موته، ليس له مال
غيرهم، فأقرع رسول الله (صلى الله عليه وآله) بينهم، فأعتق اثنين ورد أربعة في
الرق (1).
أقول: فهذا يقتضي تحقيق العمل بالقرعة في حياة النبي (صلى الله عليه وآله)، وأنه
مروي من طريقنا وطريق الجمهور، فصار كالإجماع فيما أشرنا إليه.
فصل: ورأيت في كتاب عتيق، تسميته كتاب " الأبواب الدامغة "
تأليف أبي بشر أحمد بن إبراهيم بن أحمد العمي ما هذا لفظه: قالت
فاطمة بنت أسد: فلما أملق أبو طالب جاءه رسول الله (صلى الله عليه وآله) والعباس،
فأخذا من عياله اثنين بالقرعة، فطار (فصار) سهم رسول الله (صلى الله عليه وآله)
بعلي (عليه السلام)، فصار معه وله، وأنشأه ورباه، فأخذ علي (عليه السلام) بخلق

(1) حلية الأولياء: 10 / 215.
113

رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهديه وسيرته، وكان أول من آمن به وصدقه.
تم الحديث.
الفصل الثاني عشر: فيما نذكره من روايات في صفة القرعة
الشرعية، كنا ذكرناها في كتاب " فتح الأبواب بين ذوي الألباب ورب
الأرباب ".
منها: ما رويناه بإسنادنا إلى الحسن بن محبوب، عن علي بن
رئاب، عن عبد الرحمن بن سيابة قال: خرجت إلى مكة ومعي متاع
كثير فكسد علينا، فقال بعض أصحابنا: ابعث به إلى اليمن، فذكرت
ذلك لأبي عبد الله (عليه السلام)، فقال لي: " ساهم بين مصر واليمن، ثم فوض أمرك
إلى الله، فأي البلدين خرج اسمه في السهم فابعث إليه متاعك "، فقلت:
كيف أساهم؟ فقال: " اكتب في رقعة: بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم إنه
لا إله إلا أنت عالم الغيب والشهادة، أنت العالم وأنا المتعلم، فانظر في أي
الأمرين خيرا لي، حتى أتوكل عليك وأعمل به. ثم اكتب: مصر إن
شاء الله، ثم اكتب في رقعة أخرى مثل ذلك، ثم اكتب: اليمن إن شاء الله،
ثم اكتب في رقعة أخرى مثل ذلك، ثم اكتب: يحبس إن شاء الله، ولا
يبعث به إلى بلدة منهما، ثم أجمع الرقاع فادفعها إلى من يسترها عنك، ثم
أدخل يدك فخذ رقعة من الثلاث رقاع، فأيها وقعت في يدك فتوكل
على الله، واعمل بما فيها إن شاء الله ".
أقول: ورويت صفة مساهمة برواية أخرى بإسنادنا إلى عمرو بن
أبي المقدام، عن أحدهما (عليهما السلام) في المساهمة تكتب: " بسم الله الرحمن
الرحيم، اللهم فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة الرحمن
الرحيم، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، أسألك بحق محمد
114

وآل محمد أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن تخرج لي خير السهمين
في ديني ودنياي وعاقبة أمري وعاجله، إنك على كل شئ قدير، ما
شاء الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، صلى الله على محمد وآله وسلم. ثم
تكتب ما تريد في رقعتين، ويكون الثالث غفلا، ثم تجيل السهام، فأيها
خرج عملت عليه. ولا تخالف، فمن خالف لم يصنع له، وإن خرج الغفل
رميت به ".
أقول: صفة رواية أخرى في القرعة عن الصادق (عليه السلام)، أنه قال: " من
أراد أن يستخير الله - تعالى - فليقرأ الحمد عشر مرات، وإنا أنزلناه
عشر مرات، ثم يقول: اللهم إني أستخيرك لعلمك بعواقب الأمور،
وأستشيرك لحسن ظني بك في المأمون (المأمول خ. ل) والمحذور، اللهم
إن كان أمري هذا مما قد نيطت بالبركة أعجازه وبواديه، وحفت
بالكرامة أيامه ولياليه، فخر لي فيه بخيرة ترد شموسه ذلولا، وتقعض (1)
أيامه سرورا، يا الله إما أمر فأئتمر، وإما نهي فأنتهي، اللهم خر لي
برحمتك خيرة في عافية - ثلاث مرات - ثم تأخذ كفا من الحصى أو
سبحتك " (2).
أقول: لعل معناه أن يجعل الكف من الحصى أو السبحة في مقام
رجل آخر يقارع معه، ويعزم على ما وقعت القرعة فيعمل عليه.
وفي رواية أخرى: يقرأ الحمد مرة، وإنا أنزلناه إحدى عشرة مرة،
ثم يدعو الدعاء الذي ذكرناه ويقارع هو وآخر، ويكون قصده أنني

(1) قعضه: عطفه. " الصحاح - قعض 3: 1103 ".
(2) فتح الأبواب: 53.
115

متى وقعت القرعة على أحدهما أعمل عليه (1). (2)
التنبيه الثالث عشر: في نتائج الأبحاث
تحصل من جميع ما ذكرنا:
أ: أن عمومات القرعة وإطلاقاتها صالحة للاستدلال كسائر
العمومات والإطلاقات، والقول بوهنها من ناحية كثرة التخصيص
والتقييد، وعليه لا بد من الاقتصار بما عمل بها الأصحاب مما
لا أساس له.
ب: اطلاقاتها وعموم أدلتها تشمل جميع الموضوعات المشكلة،
كان لها واقع معين أم لا، بلا فرق بين موارد تزاحم الحقوق وغيرها.
ج: تبين أن ما يسمونه بقاعدة العدل والإنصاف وتقديمها على
قاعدة القرعة، لا واقعية له ولا دليل عليه.
د: أن النقل والعقل وإن كانا دالين على لزوم الاحتياط في الشبهات
المحصورة المقرونة بالعلم الإجمالي، إلا أنهما كسائر الأدلة قاصران عن
موارد الضرر والحرج.
فعلى هذا يستدل بها في جميع الشبهات الموضوعية، التي لا دليل
عليها من العقل والنقل، أو كان شمول الدليل مقرونا بالضرر والحرج،
إلا أن يقوم الإجماع على خلافها.

(1) فتح الأبواب: 53.
(2) الأمان من أخطار الأسفار والأزمان: 93 - 98.
116

التنبيه الرابع عشر: في بعض الفروع المهمة
ولنذكر بعض الموارد المهمة تتميما للفائدة وتكميلا للقاعدة:
منها: الرجوع إليها في مورد الجهل بالقبلة مطلقا، كما اختاره جمال
السالكين رضي الدين علي بن موسى بن طاووس، أو في خصوص
صورة ضيق الوقت، كما اختاره الشهيد الثاني في تمهيد القواعد، أو فيما لا
يمكن فيه التكرار، كما صرح بكونه الأحوط السيد الطباطبائي في كتاب
العروة الوثقى.
ومنها: تعيين الدائن المردد بين الاثنين أو الأكثر، كما اختاره سيدنا
المحقق القائد في كتاب تحرير الوسيلة (1).
ومنها: تعيين القاتل المردد بين الاثنين أو الأكثر، كما اختاره السيد
القائد في بعض الاستفتاءات (2) ودل عليه قانون المجازات الإسلامية
المصوب عام (1370 الشمسية) (3).

(1) تحرير الوسيلة: 1 / 332 بحث خمس الحلال المختلط بالحرام.
(2) كتاب موازين قضائي از ديدگاه إمام: 163 و 170.
(3) مادة (315) من قانون المجازات الإسلامية.
واختلف كلام الأعلام في هذه المسألة، ففي كتاب جامع الشتات يعمل فيها كسائر
الدعاوى، فإن حلفوا جميعا على عدم ارتكابهم القتل يحكم ببراءة الجميع. وعن
سيدنا المرحوم المحقق الگلپايگاني، وشيخنا المرحوم المحقق الأراكي: توزيع الدية
على المتهمين. ومما ذكرنا سابقا يظهر لزوم الرجوع إلى القرعة كما لا يخفى.
ثم اعلم إن كان القتل عمديا لا يحكم بالقصاص لمن عين بالقرعة، وذلك لقاعدة
" الحدود تدرأ بالشبهات ".
والقول بأن المراد بالحدود ما يسمى في الفقه بالحدود والقصاص لا يكون حدا
فقيها، فلا تشمله قاعدة الدرء، مندفع بإطلاق الحد عليه في بعض النصوص، ولا أقل
من الشبهة في ذلك، فتشمله القاعدة لإطلاق الشبهة وشمولها عند الشبهة في شمول
القاعدة وعدمه، وبعبارة أخرى الشبهة في شمول قاعدة الدرء تدخل في نطاق القاعدة،
فتأمل.
117

ومنها: تعين الجارح المردد بين الاثنين أو الأكثر، فإن الأقوى
الرجوع فيها إلى القرعة.
ومنها: تعيين متولي الوقف المردد بين الاثنين والأكثر، وهكذا
تعيين الناظر والوصي عند التردد، وغير ذلك من موارد تزاحم الحقوق
والتكاليف مما عليه بناء العقلاء والمتشرعة، وهي خارجة عن حد
الإحصاء كما لا يخفى.
التنبيه الخامس عشر: النقد العلمي لكلام ابن
إدريس الحلي
قد مر في التنبيه الرابع أن الاستخارة نوع من القرعة، وقسم من
المواضعة مع الله في إراءة الخير والصلاح بالسبحة أو الرقاع أو القرآن
الكريم على ما هو المتعارف بين الأعيان من المشايخ العظام، ويدل على
مشروعيته مضافا إلى عمومات الدعاء، الأخبار الكثيرة والشهرة
القطعية، ولم يخالف فيها - أي الاستخارة بالرقاع - إلا ابن إدريس، وهو
مبني على مختاره من عدم حجية الخبر الواحد، وإسناد المخالفة إلى
118

المحقق الأردبيلي ناشئ من عدم التأمل في كلامه كما ذكرناه، نعم تبعه
المحقق في المعتبر في الجملة، وحيث تمسك بعض المؤلفين بكلام ابن
إدريس، رأيت الصلاح في طرح كلامه مع ما أورد عليه أساطين الدين
وعلماؤنا العاملون، حتى يتبين الحق وينسد طريق الإضلال على من في
قلبه الزيغ ويميل إلى إلقاء الريب، فنقول مستعينا بالله تبارك وتعالى:
قال في السرائر: وإذا أراد الإنسان أمرا من الأمور لدينه أو دنياه،
يستحب له أن يصلي ركعتين، يقرأ فيهما ما شاء، ويقنت في الثانية، فإذا
سلم، دعا بما أراد ثم ليسجد، وليستخر الله في سجوده مائة مرة، يقول:
أستخير الله في جميع أموري خيرة في عافية، ثم يفعل ما يقع في قلبه،
والروايات في هذا الباب كثيرة (1)، والأمر فيها واسع، والأولى ما
ذكرناه.
فأما الرقاع، والبنادق، والقرعة، فمن أضعف أخبار الآحاد،
وشواذ الأخبار، لأن رواتها فطحية ملعونون، مثل: زرعة ورفاعة
وغيرهما، فلا يلتفت إلى ما اختصا بروايته، ولا يعرج عليه.
والمحصلون من أصحابنا ما يختارون في كتب الفقه، إلا ما اخترناه،
ولا يذكرون البنادق، والرقاع، والقرعة، إلا في كتب العبادات، دون
كتب الفقه. فشيخنا أبو جعفر الطوسي (رحمه الله) لم يذكر في نهايته ومبسوطه
واقتصاده (2) إلا ما ذكرناه واخترناه، ولم يتعرض للبنادق، وكذا شيخنا

(1) الوسائل: الباب 28 من أبواب بقية الصلوات المندوبة.
(2) النهاية: 142 باب نوافل شهر رمضان وغيرها من الصلوات المرغب فيها، المبسوط:
1 / 133 في ذكر النوافل من الصلاة، الاقتصاد: 274 فصل في ذكر نوافل شهر رمضان
وجملة من الصلوات المرغبة فيها.
119

المفيد في رسالته إلى ولده (1) لم يتعرض للرقاع ولا للبنادق، بل أورد
روايات كثيرة فيها صلوات وأدعية، ولم يتعرض لشئ من الرقاع،
والفقيه عبد العزيز بن البراج (رحمه الله) أورد ما اخترناه، فقال: وقد ورد في
الاستخارة وجوه عدة، وأحسنها ما ذكرناه (2).
ويرد عليه:
أ: ما ذكره العلامة في المختلف بقوله: " وأي فارق بين ذكره في كتب
الفقه وكتب العبادات؟ فإن كتب العبادات هي المختصة به، ومع ذلك
ذكره المفيد في المقنعة وهي كتاب فقه وفتوى، وذكره الشيخ في التهذيب
وهو أصل الفقه، وأي محصل أعظم من هذين المفيد والشيخ؟ وهل
استفيد الفقه إلا منهما؟
ب: ما ذكره العلامة فيه أيضا بقوله: " وأما نسبة الرواية إلى زرعة
فخطأ فإن المنقول فيه روايتان إحداهما رواها هارون بن خارجة عن
الصادق (عليه السلام) والثانية رواها محمد بن يعقوب الكليني عن علي بن
محمد - رفعه - عنهم (عليهم السلام) وليس في طريق الروايتين زرعة ولا رفاعة ".
ج: ما ذكره أيضا بقوله: " وأما نسبة زرعة ورفاعة إلى الفطحية
فخطأ، أما زرعة فإنه واقفي، وكان ثقة، وأما رفاعة فإنه ثقة صحيح
المذهب " ثم قال: " وهذا كله يدل على قلة معرفته بالروايات والرجال...
وهلا استبعد القرعة وهي مشروعة إجماعا في حق الأحكام الشرعية
والقضايا بين الناس وشرعها دائم في حق جميع المكلفين، وأمر

(1) رسالة الشيخ المفيد: لم نعثر عليها.
(2) السرائر: 1 / 313 - 314.
120

الاستخارة سهل يستخرج منه الإنسان معرفة ما فيه الخيرة في بعض
أفعاله المباحة المشتبهة عليه منافعها ومضارها الدنيوية " (1).
أقول: رفاعة هو رفاعة بن موسى النخاس، وثقه الشيخ وعده من
أصحاب الصادق (عليه السلام)، وقال النجاشي في حقه: " كان ثقة في حديثه
مسكونا إلى روايته لا يعترض عليه شئ من الغمز حسن الطريقة " (2).
د: قوله: " وكذا شيخنا المفيد في رسالته إلى ولده " اشتباه جدا، فإن
المفيد لم يذكر في مؤلفاته رسالة إلى ولده (3) ولم يكن ذكر من ولده في عد
تلامذته، ولعله أراد به رسالة علي بن بابويه إلى ولده الصدوق.
ه‍: ما ذكره في نفي ثبوت القرعة مخالف لما ذكره في كتاب
الشهادات بقوله: " وكل أمر مشكل مجهول يشتبه الحكم فيه، فينبغي أن
يستعمل فيه القرعة، لما روي عن الأئمة الأطهار (عليهم السلام) وتواترت به
الآثار، وأجمعت عليه الشيعة الإمامية " (4) إلا أن يراد بكلامه نفي ثبوت
القرعة بعد صلاة الاستخارة.
و: ما أورد عليه الشهيد في الذكرى - بعد استعجابه من عد ما دل
عليه من شواذ الأخبار -: " وكيف تكون شاذة وقد دونها المحدثون في
كتبهم، والمصنفون في مصنفاتهم، وقد صنف السيد السعيد العالم العابد
صاحب الكرامات الظاهرة والمآثر الباهرة أبو الحسن علي بن طاووس
الحسني كتابا ضخما في الاستخارات، واعتمد فيه على روايات الرقاع،

(1) مختلف الشيعة: 2 / 356 - 357 مسألة 256 في باقي النوافل.
(2) تنقيح المقال: 1 / 433.
(3) راجع ريحانة الأدب.
(4) السرائر: 2 / 173.
121

وذكر من آثارها عجائب وغرائب أراه الله تعالى إياها وقال: إذا توالى
الأمر في الرقاع فهو خير محض، وإن توالى النهي فهو شر محض، وإن
تفرقت اعتمد الخير والشر موزعا بحسب تفرقها على أزمنة ذلك الأمر
بحسب ترتبها " (1).
أقول: وتبعه أي صاحب السرائر - المحقق في المعتبر بقوله: " وأما
الرقاع فيتضمن افعل ولا تفعل، وفي خبر الشذوذ فلا عبرة بها " (2).
وفي الجواهر عن بعض نسخ المقنعة: " أن هذه الرواية مشيرا به
إلى رواية الرقاع شاذة ليست كالذي تقدم " لكنه عن ابن طاووس: أن
النسخ الصحيحة العتيقة لم توجد فيها هذه الزيادة، ولم يتعرض الشيخ
في التهذيب لها، وقال: إني قد اعتبرت كل ما قدرت عليه من كتب
أصحابنا المتقدمين والمتأخرين فما وجدت ولا سمعت أن أحدا أبطل
هذه الاستخارة (3).
وفي البحار إلحاقا بكلام ابن طاووس: ولعل هذه الزيادة من
كلام غير المفيد على حاشية المقنعة، فنقلها بعض الناسخين،
فصارت في الأصل، ثم أولها على تقدير كونها من الشيخ بتأويلات
كثيرة (4).
ونقل صاحب الجواهر عن مفتاح الكرامة: " أن ابن طاووس قد
ادعى الإجماع على الاستخارة بالرقاع ممن روى ذلك من أصحابنا ومن

(1) ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة: 4 / 267.
(2) المعتبر في شرح المختصر: 2 / 376 وفي نقل الجواهر والبحار ففي حيز الشذوذ.
(3) جواهر الكلام: 12 / 166 - 167.
(4) بحار الأنوار: 88 / 288.
122

الجمهور، إلى أن قال: - أي صاحب الجواهر -: هذا كله مضافا إلى ما
سمعته سابقا من التسامح في أدلة الاستخارة، كما أومأ إليه في المختلف،
تعرف وجوه النظر فيما سمعته من السرائر (1).
ما يرد على صاحب كتاب القرعة والاستخارة
صرح بعض المعاصرين في كتاب سماه بالقرعة والاستخارة
بقوله: " إن روايات ذات الرقاع والسبحة كانت تتحرك في الدائرة
الشعبية التي لا تتداول المسائل بالمنحى العلمي النقدي، بل تتعاطى مع
هكذا أمور، خصوصا التي تتعلق بأمور المستقبل بطريقة أسطورية،
وفيها شئ من التسليم للخرافة " (2).
والجواب: أن محل البحث نفيا وإثباتا خصوص صلاة استخارة
ذات الرقاع المروية في الكافي وغيره، ومجموع العمل مركب من الصلاة
والدعاء والقرعة بكيفية خاصة. أما الصلاة والدعاء فهما موردا قبول
الكل حتى الرجل، وأما القرعة فهي ما تواترت به الأخبار والآثار كما
صرح به في فصل مشروعية القرعة من كتابه (3).
فأين التحير والتردد في الاستنتاج؟! ومن أين عدت في الخرافة؟!
عصمنا الله من سبات العقل وقبح الزلل، وحفظنا من الجرأة على
أساطين الدين وفقهائنا الشامخين وساداتنا العارفين السالكين.

(1) جواهر الكلام: 12 / 168.
(2) القرعة والاستخارة: 110.
(3) المصدر نفسه ص 29.
123

الفرق بين القرعة وبين الاستقسام بالأزلام
الفرق بينهما هو الفرق بين التوحيد وبين الشرك، ثم اعلم أنه يمكن
أن يتوهم من لا نصيب له في الفقه أن القرعة نوع من الاستقسام
بالأزلام، بدعوى أن الأزلام هي السهام عند الأصنام فيما يهمون به من
الأمور العظام، مثل التزويج أو السفر، كتب على وجهي القدح: اخرج،
لا تخرج، تزوج، لا تتزوج، فأي الوجهين خرج فعل راضيا به، وهذا
بعينه ما نسميه بالقرعة.
أقول: هذا التوهم في غاية الفساد، فإن أهل الجاهلية كما صرح به
الخليل في كتاب العين يرجعون إلى الصنم بكفرهم يسألون منه أن أي
الأمرين كان خيرا لهم أن يأذن لهم فيه من الطريقة المذكورة (1).
وعليه كان عملهم نوع عبادة للصنم ونحو لجوء وعكوف إلى
آلهتهم، نظير سائر عباداتهم لأصنامهم، وأين هذا من تفويض الأمر إلى
الله الواحد الحي القيوم، واستدعاء الهداية منه تبارك وتعالى؟
نعم صورة العمل تشبه بعضها بعضا، إلا أن الأول شرك وضلال،
والثاني توحيد وهداية، نظير السجدة، فإنها إن وقعت لله تعد عبادة،
وإن وقعت للصنم وقعت شركا وغواية، فأين إحداهما من الأخرى؟!
والحمد لله رب العالمين.

(1) ترتيب العين: 664.
124

فهرس أهم المصادر
القرآن الكريم
آلاء الرحمان في تفسير القرآن، لآية الله الشيخ محمد جواد البلاغي، ط / مكتبة
الوجداني، قم.
الاحتجاج، لأبي منصور أحمد بن أبي طالب الطبرسي، ط / دار النعمان، نجف،
1386 ه‍.
الاختصاص، للشيخ المفيد أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبري
البغدادي، ط / دار المفيد، بيروت.
أدوار فقه، للأستاذ محمود الشهابي، ط / وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي،
طهران، الطبعة الخامسة، 1375 ه‍. ش.
الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، لأبي عبد الله محمد بن محمد بن
النعمان العكبري البغدادي المعروف بالشيخ المفيد، ط / دار المفيد، بيروت،
الطبعة الثانية، 1414 ه‍.
الإستبصار، لشيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي، ط / دار الكتب
الإسلامية، طهران.
الاستخارة من القرآن المجيد والفرقان الحميد، لأبي المعالي الكلباسي، ط /
مؤسسة الإمام المهدي (عليه السلام) - الطبعة الأولى، 1411 ه‍.
125

الأصول الأصلية، لآية الله السيد عبد الله الشبر، ط / مكتبة المفيد، قم، 1404 ه‍.
الأصول الأصيلة، للمولى محمد محسن الفيض الكاشاني، ط / دار إحياء
الاحياء، قم، 1412 ه‍.
الاقتصاد فيما يتعلق بالاعتقاد، لشيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي، ط /
دار الأضواء، بيروت، 1406 ه‍.
الأمان من أخطار الأسفار والأزمان، لرضي الدين السيد علي بن موسى بن
طاووس، ط / مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، قم، الطبعة الثانية، 1409 ه‍.
الإنتصار، للسيد علم الهدى أبي القاسم علي بن الحسين الموسوي، ط /
المطبعة الحيدرية، نجف، 1391 ه‍.
بحار الأنوار، للعلامة المولى محمد باقر المجلسي، ط / دار الكتب الإسلامية،
طهران، الطبعة الثانية.
بداية المجتهد ونهاية المقتصد، لمحمد بن أحمد بن محمد بن أحمد ابن رشد
القرطبي، ط / دار الفكر، بيروت.
البرهان في تفسير القرآن، للمحدث الخبير السيد هاشم البحراني، ط / المطبعة
آفتاب، 1375 ه‍.
تاريخ حصر الاجتهاد، للعلامة الشيخ محمد محسن الطهراني، قم، 1401.
تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام، لآية الله السيد حسن الصدر، ط / منشورات
الأعلمي، طهران.
تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة، للسيد شرف الدين علي
الحسيني الاسترآبادي الغروي، ط / مؤسسة نشر الإسلامي التابعة لجماعة
المدرسين، قم، الطبعة الأولى، 1419 ه‍.
التبيان في تفسير القرآن، لشيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن بن علي
الطوسي، ط / المطبعة الحيدرية، نجف، 1409 ه‍.
126

تحرير الوسيلة، لآية الله السيد روح الله الموسوي الإمام الخميني، ط / مؤسسة
النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم.
تذكرة الفقهاء، لحسن بن يوسف بن المطهر المعروف بالعلامة الحلي،
ط / المكتبة المرتضوية، طهران.
التفسير الكبير، لأبي عبد الله فخر الدين الرازي، عنى بنشره محمد بن عبد
الرحمان، القاهرة.
تفسير نمونه، لآية الله مكارم الشيرازي، دار الكتب الإسلامية، قم.
تقريرات دراسات آية الله الشيخ مرتضى الحائري، بقلم المؤلف، مخطوط.
تهذيب الأحكام في شرح المقنعة، لشيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن
ابن علي الطوسي، ط / مكتبة الصدوق، طهران، 1418 ه‍.
الجامع الصحيح [سنن الترمذي]، لأبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة،
ط / دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1415 ه‍.
جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، للشيخ محمد حسن النجفي، ط / دار
الكتب الإسلامية، طهران.
حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، لأبي نعيم أحمد بن عبد الله الإصفهاني،
ط / دار الكتب العلمية، بيروت.
الخصال، لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي المعروف
بالشيخ الصدوق، ط / مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم،
الطبعة الخامسة، 1416 ه‍.
الخلاف، لشيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي، ط / مؤسسة النشر
الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم، الطبعة الأولى 1417 ه‍.
الذريعة إلى تصانيف الشيعة، للعلامة الشيخ محمد محسن الطهراني، ط / دار
الأضواء، بيروت، الطبعة الثالثة.
127

ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة، لأبي عبد الله محمد بن مكي العاملي
المعروف بالشهيد الأول، ط / مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، قم، الطبعة
الأولى، 1419 ه‍.
ربيع الأبرار، لمحمود بن عمر الزمخشري، من منشورات الرضي، قم، 1410 ه‍.
الرسائل، لآية الله العظمى السيد روح الله الموسوي الإمام الخميني، ط / مؤسسة
إسماعيليان، قم، الطبعة الثالثة، 1410 ه‍.
روضات الجنات في أحوال العلماء والسادات، للسيد مير محمد باقر
الموسوي الخوانساري، ط / مؤسسة إسماعيليان، قم، الطبعة الأولى، 1390 ه‍.
الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية، لزين الدين الجبعي العاملي
المعروف بالشهيد الثاني، ط / دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الثانية،
1403 ه‍.
روض الجنان وروح الجنان في تفسير القرآن، لأبي الفتوح الرازي، الطبعة
الحجرية، 1323 ه‍.
روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه، للعلامة المولى محمد تقي
المجلسي، ط / المطبعة العلمية، قم.
ريحانة الأدب، للميرزا محمد علي بن محمد طاهر التبريزي المعروف
بالمدرس، ط / مكتبة خيام، الطبعة الثالثة، 1369 ه‍. ش.
زبدة البيان في أحكام القرآن، لأحمد بن محمد الشهير بالمقدس الأردبيلي،
ط / المكتبة المرتضوية، طهران.
زهر الربيع في الطرائف والملح والمقال البديع، للسيد المحدث نعمة الله
الموسوي الجزائري، ط / دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1401 ه‍.
السرائر، لأبي جعفر محمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلي، ط / مؤسسة
النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم، الطبعة الثانية، 1410 ه‍.
128

سفينة البحار ومدينة الحكم والآثار، للمحدث الشيخ عباس القمي،
ط / المطبعة العلمية، قم.
شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام، لأبي القاسم نجم الدين جعفر بن
الحسن الشهير بالمحقق الحلي، الطبعة الحجرية، طهران، 1320.
الصافي في تفسير القرآن، لمحمد بن المرتضى المدعو بالمحسن الملقب
بالفيض الكاشاني، الطبعة الحجرية، طهران، 1334.
صحيح البخاري، لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري الجعفي، ط / دار
الفكر، بيروت، 1419 ه‍.
صحيح مسلم، لأبي زكريا يحيى بن شرف النووي الدمشقي، ط / دار الكتاب
العربي، 1407 ه‍.
العروة الوثقى، لآية الله السيد محمد كاظم اليزدي، ط / مؤسسة إسماعيليان،
قم، الطبعة الثالثة، 1416 ه‍.
العناوين، للسيد مير عبد الفتاح الحسيني المراغي، ط / مؤسسة النشر
الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم، الطبعة الأولى، 1417 ه‍.
عوائد الأيام، للمولى أحمد النراقي، ط / مكتب الإعلام الإسلامي، الطبعة
الأولى، 1417 ه‍.
عوالي اللئالي العزيزية في الأحاديث الدينية، لمحمد بن علي بن إبراهيم
الأحسائي المعروف بابن أبي جمهور، ط / مطبعة سيد الشهداء، قم، 1403 ه‍.
قواعد الأحكام، لحسن بن يوسف بن المطهر المعروف بالعلامة الحلي، من
منشورات الرضي، قم، الطبعة الحجرية.
القواعد الفقهية، لآية الله السيد حسن الموسوي البجنوردي، ط / دار الكتب
العلمية، قم.
القواعد الفقهية، لآية الله الشيخ محمد الفاضل اللنكراني، ط / المطبعة مهر، قم،
129

الطبعة الأولى، 1416.
القواعد الفقهية، لآية الله الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، ط / مدرسة الإمام أمير
المؤمنين (عليه السلام)، قم، الطبعة الثانية، 1410 ه‍.
القواعد والفوائد في الفقه والأصول والعربية، لأبي عبد الله محمد بن مكي
العاملي المعروف بالشهيد الأول، من منشورات مكتبة المفيد، قم.
الكافي، لثقة الإسلام أبي جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي،
ط / دار الكتب الإسلامية، طهران، الطبعة الثانية، 1362 ه‍. ش.
كامل البهائي، للشيخ عماد الدين الحسن بن علي بن محمد الطبري، من
منشورات المكتبة المرتضوية، طهران.
الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل، لمحمود بن عمر الزمخشري، ط / نشر
أدب الحوزة.
كشف الغمة في معرفة الأمة، للعلامة أبي الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح
الأربلي، ط / المطبعة العلمية، قم، 1381 ه‍.
كفاية الأصول، للعلامة الشيخ محمد كاظم الخراساني الشهير بالآخوند، ط /
مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم، الطبعة الرابعة، 1418 ه‍.
كنز العرفان في فقه القرآن، للشيخ جمال الدين المقداد بن عبد الله السيوري
المعروف بالفاضل المقداد، ط / المكتبة المرتضوية، طهران.
مباني تكملة المنهاج، لآية الله السيد أبي القاسم الموسوي الخوئي، ط / مطبعة
الآداب، النجف.
المبسوط في فقه الإمامية، لشيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي، ط / المكتبة
المرتضوية، طهران.
مجمع البحرين، للشيخ فخر الدين الطريحي، ط / المكتبة الرضوية لإحياء
الآثار الجعفرية، 1365 ه‍. ش.
130

مجمع البيان في تفسير القرآن، للشيخ أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي،
ط / دار الفكر، بيروت.
مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان، للمولى أحمد المقدس
الأردبيلي، ط / مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم.
المحلى بالآثار، لأبي محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي، ط / دار
الكتب العلمية، بيروت، 1408 ه‍.
مختلف الشيعة في أحكام الشريعة، للعلامة حسن بن يوسف بن مطهر الحلي،
ط / مكتب الإعلام الإسلامي، الطبعة الأولى، 1414 ه‍.
مستدرك الوسائل ومستنبط السائل، للمحدث الحاج ميرزا حسين النوري
الطبرسي، ط / مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، الطبعة الثانية، 1409 ه‍.
مستند العروة الوثقى (محاضرات آية الله السيد أبو القاسم الموسوي
الخوئي)، لآية الله الشيخ مرتضى البروجردي، ط / المطبعة العلمية، قم.
مستمسك العروة الوثقى، لآية الله السيد محسن الطباطبائي الحكيم، ط / مطبعة
النجف.
المسند، لأحمد بن حنبل، ط / دار الفكر، بيروت.
مصباح الأصول تقريرات دراسات آية الله السيد أبو القاسم الموسوي
الخوئي، ط / مطبعة النجف.
مفاتح الغيب في آداب الاستخارة، للعلامة المولى محمد باقر المجلسي، ط /
آستان قدس رضوي، 1367 ه‍. ش.
مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلامة، للسيد محمد جواد الحسيني العاملي،
ط / مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، قم.
المغني، لابن قدامة المقدسي، ط / دار الكتب العلمية، بيروت.
الملل والنحل، لأبي الفتح محمد بن عبد الكريم الشهرستاني، من منشورات
131

الشريف الرضي، قم، الطبعة الثانية، 1367 ه‍. ش.
من لا يحضره الفقيه، لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي
المعروف بالشيخ الصدوق، من منشورات جماعة المدرسين، قم، الطبعة
الثانية، 1404 ه‍.
الموسوعة الفقهية، لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت، الطبعة
الرابعة، 1414 ه‍.
الميزان في تفسير القرآن، للعلامة السيد محمد حسين الطباطبائي، ط / المطبعة
التجارية، بيروت.
النهاية في مجرد الفقه والفتاوى، لشيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن
الطوسي، ط / دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الأولى، 1390 ه‍.
نهج الحق وكشف الصدق، للعلامة حسن بن يوسف المطهر الحلي،
ط / مؤسسة دار الهجرة، قم، 1407 ه‍.
وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، للمحدث الشيخ محمد بن الحسن
الحر العاملي، ط / المكتبة الإسلامية، طهران.
وقايع الأيام والسنين والأعوام، لسيد عبد الحسين الخاتون آبادي، ط / المكتبة
الإسلامية، طهران، 1352 ه‍.
ينابيع المودة، لسليمان بن إبراهيم القندوزي، ط / مكتبة المهدي، قم.
132