الكتاب: محصل المطالب في تعليقات المكاسب
المؤلف: الشيخ صادق الطهوري
الجزء: ٢
الوفاة: معاصر
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤٢٠ - ١٣٧٨ ش
المطبعة: بهمن
الناشر: انتشارات كليدر
ردمك: ٩٦٤-٩٢٥٠٦-٠-٣VOL.٢
ملاحظات: موسوعة فقهية تشتمل على متن المكاسب وتعليقات هامة رشيقة للعلماء الأعاظم ( الآخوند الخراساني ، الطباطبائي اليزدي ، الإيرواني ، النائيني ، الإصفهاني)

محصل المطالب
في
تعليقات المكاسب
الجزء الثاني
موسوعة فقهية تشتمل على متن المكاسب
وتعليقات هامة رشيقة للعلماء الأعاظم
(الآخوند الخراساني. الطباطبائي اليزدي
الإيرواني. النائيني. الإصفهاني)
صادق الطهوري
تعريف الكتاب 1

فهرست نويسى پيش از انتشار:
طهوري (نوروزي)، صادق، 1344 - گرد آورنده
محصل المطالب في تعليقات المكاسب: موسوعة فقهية تشتمل على
متن المطالب وتعليقات هامة.... الآخوند الخراساني / صادق
الطهوري (نوروزى). قم: كليدر، 1420 ق = 1378.
ج.
شابك: 3 - 92506 - 964 (جلد دوم)
ISBN: 964 - 92506 - 3 (VOL 2)
عربي
كتابنامه
1. أنصاري، مرتضى بن محمد أمين، 1214 - 1281 ق. - المكاسب -
نقد وتفسير 2. معاملات (فقه) ألف. أنصاري، مرتضى بن محمد أمين، 1214 - 1218 ق.
المكاسب. شرح ب. آخوند خراساني، محمد كاظم بن حسين، 1255 - 1329 ق. شارع
ج. عنوان. د. عنوان: المكاسب = مكاسب. شرح
7062 م ألف / 1 / bp 190
ط ش / 8852 ألف / 32 / 297
تعاوني توليد كتاب حنيف
انتشارات كليدر
محصل المطالب في تعليقات المكاسب / ج 2
المؤلف: صادق الطهوري (نوروزي)
المطبعة: بهمن
الطبعة: الأولى / 1420 ق / 1378 ش
حق الطبع محفوظ للناشر
العنوان: قم، شارع الشهداء (صفائية) الرقم 694
الهاتف: 741999
تعريف الكتاب 2

مقدمة الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه وأفضل بريته المبعوث رحمة للعالمين و
الناسخ بشريعته السمحاء شرايع الأولين، وعلى عترته الذين فيهم كرائم القرآن وهم كنوز الرحمن
وعيبات علم الملك العلام، أساس الدين وعماد اليقين، فسعد من اهتدى بهداهم وشقي من تنكب
عن سبلهم.
أما بعد، فنشكر الله تبارك وتعالى على أن وفقنا لتقديم هذا الجزء، وهو الجزء الثاني من موسوعتنا،
إجابة " لأهل العلم والفضل، مع كثرة الموانع وصعوبة هذا التحقيق الابداعي وعدم مثيل ونموذج
لكي نستمد منه، وما يسر لنا الاجتياز من العوائق والموانع مع كثرتها، والتفوق عليها، إلا فضله
ورحمته جل جلاله وعظم شأنه، وما بكم من نعمة فمن الله.
ويجب التأكيد (كما أشرنا في مقدمة الجزء الأول) على أن الهدف الأساسي الاتيان بآراء المحشين
ونظرياتهم قدس الله أسرارهم بصورة تعاليق على متن المكاسب (الذي له دور جاد في الاجتهاد
والفقاهة) في المواضع التي تناسبها وإن كان في الكتاب المأخذ تحت عنوان آخر، وإن كان
أيضا " يوجب كثيرا " ما البينونة والتفكيك حتى بين عبائرهم أو أدلتهم المتتابعة المأتية بها في طي كلام
واحد، ولكن هذا كله مع رعاية جانب التحفظ والاحتياط، بحيث لا يخل بالمقصود ولا يضر بالمرام.
مقدمة الكتاب 3

وهذا، هو بحمد الله من الفوائد المهمة التي امتازت بها موسوعتنا الاقتراحية الابداعية، يعني: الاتيان
بآرائهم ولو مع التفكيك بين عبارة وعبارة، كلها في موضع مناسب، وترتيبها وتنظيمها بصورة
رائعة ممتعة، بحيث يتم ويستكمل الإفادة ويسهل ويسير الاستفادة.
وأيضا جئنا بمطالبهم التي لم يتعرض بأصلها الشيخ الأعظم الأنصاري قدس سره في المتن المكاسب
ولكن فيها فائدة علمية وربط وثيق بالمطلب المذكور في المتن (المكاسب) في كل مبحث، تحت
عنوان استطراد أو تكملة وهكذا.
وعلى أي، كان جهدنا وجدنا أن لا نغمض من أفكارهم وآرائهم قدس الله أسرارهم قدر ما
نستطيع، ونرتب وننظم مطالبهم قدر ما يمكن والعصمة لله تبارك وتعالى.
وجدير بالذكر، إن من أول مبحث بيع الفضولي عنونا بالطبعة السابقة الحجرية لكتاب منية الطالب
(التي طبعت في المطبعة الحيدرية في طهران) لأنها (من هذا المبحث) لم تطبع بصورة جديدة.
ونرجو من الأساتذة العظام أن يمنوا علينا بارشاداتهم المفيدة.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
قم المقدسة شعبان المعظم - سنة 1420 ه‍. ق
المحتاج إلى رحمة ربه: صادق الطهوري (نوروزي)
مقدمة الكتاب 4

الكلام في شروط المتعاقدين
* البلوغ *
1

مسألة (1)
المشهور - كما عن الدروس والكفاية -: بطلان عقد الصبي. (2)
3

بل عن الغنية: الاجماع عليه وإن أجاز الولي. (3)
4

وفي كنز العرفان: نسبة عدم صحة عقد الصبي إلى أصحابنا، وظاهره إرادة التعميم لصورة
إذن الولي. وعن التذكرة أن الصغير محجور عليه بالنص والاجماع - سواء كان مميزا " أولا - في
جميع التصرفات إلا ما استثني، كعباداته وإسلامه وإحرامه وتدبيره ووصيته وإيصال الهدية
وإذنه في الدخول، (4) على خلاف في ذلك، انتهى.
8

واستثناء إيصال الهدية وإذنه في دخول الدار، يكشف بفحواه عن شمول المستثنى منه لمطلق
أفعاله، لأن الايصال والإذن ليسا من التصرفات القولية والفعلية، وإنما الأول آلة في إيصال
الملك، كما لو حملها على حيوان أو أرسلها، والثاني كاشف عن موضوع تعلق عليه إباحة الدخول، وهو رضا المالك. (5)
9

واحتج على الحكم في الغنية بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي
حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ.)، وقد سبقه في ذلك الشيخ
في المبسوط في مسألة الاقرار، وقال: إن مقتضى رفع القلم أن لا يكون لكلامه حكم.،
ونحوه الحلي في السرائر في مسألة عدم جواز وصية البالغ عشرا "، وتبعهم في الاستدلال به
جماعة، كالعلامة وغيره.
واستدلوا أيضا " بخبر حمزة بن حمران عن مولانا الباقر عليه السلام: (إن الجارية إذا زوجت
ودخل بها ولها تسع سنين ذهب عنها اليتم، ودفع إليها مالها، وجاز أمرها في الشراء، والغلام
لا يجوز أمره في البيع والشراء ولا يخرج عن اليتم حتى يبلغ خمس عشرة سنة..... الحديث)
وفي رواية ابن سنان: (متى يجوز أمر اليتيم؟ قال: حتى يبلغ أشده. قال: ما أشده؟
قال: احتلامه.) وفي معناها روايات آخر. (6)
11

لكن الانصاف: أن جواز الأمر في هذه الروايات ظاهر في استقلاله في التصرف، لأن
الجواز مرادف للمضي، فلا ينافي عدمه ثبوت الوقوف على الإجازة، كما يقال: بيع الفضولي
غير ماض، بل موقوف. (7)
12

ويشهد له الاستثناء في بعض تلك الأخبار بقوله: (إلا أن يكون سفيها ")، فلا دلالة لها
حينئذ على سلب عبارته، وأنه إذا ساوم وليه متاعا " وعين له قيمته وأمر الصبي بمجرد إيقاع
العقد مع الطرف الآخر كان باطلا "، وكذا لو أوقع إيجاب النكاح أو قبوله لغيره بإذن وليه. (8)
13

وأما حديث رفع القلم، (9)
14

ففيه: أولا: إن الظاهر منه قلم المؤاخذة، (10) لا قلم جعل الأحكام، ولذا بنينا - كالمشهور - على
شرعية عبادات الصبي. (11)
15

وثانيا ": أن المشهور على الألسنة أن الأحكام الوضعية ليست مختصة بالبالغين، (12)
17

فلا مانع من أن يكون عقده سببا " لوجوب الوفاء بعد البلوغ، أو على الولي إذا وقع بإذنه
أو إجازته، (13) كما يكون جنابته سببا " لوجوب غسله بعد البلوغ وحرمة تمكينه من مس
المصحف. (14)
18

وثالثا ": لو سلمنا اختصاص الأحكام حتى الوضعية بالبالغين، لكن لا مانع من كون فعل غير
البالغ موضوعا " للأحكام المجعولة في حق البالغين، فيكون الفاعل - كسائر غير البالغين
خارجا " عن ذلك الحكم إلى وقت البلوغ. (15)
19

وبالجملة: فالتمسك بالرواية ينافي ما اشتهر بينهم من شرعية عبادة الصبي وما اشتهر بينهم
من عدم اختصاص الأحكام الوضعية بالبالغين. (16)
20

فالعمدة في سلب عبارة الصبي هو الاجماع المحكى، المعتضد بالشهرة العظيمة، (17) وإلا فالمسألة
محل إشكال، ولذا تردد المحقق في الشرائع في إجارة المميز بإذن الولي بعد ما جزم بالصحة في
العارية، واستشكل فيها في القواعد والتحرير. وقال في القواعد: وفي صحة بيع المميز بإذن
الولي نظر، بل عن الفخر في شرحه: أن الأقوى الصحة، مستدلا " بأن العقد إذا وقع بإذن الولي
كان كما لو صدر عنه - ولكن لم أجده فيه - وقواه المحقق الأردبيلي على ما حكي عنه.
ويظهر من التذكرة عدم ثبوت الاجماع عنده، حيث قال: وهل يصح بيع المميز وشراؤه؟
الوجه عندي: أنه لا يصح. واختار في التحرير: صحة بيع الصبي في مقام اختبار رشده.
وذكر المحقق الثاني: أنه لا يبعد بناء المسألة على أن أفعال الصبي وأقواله شرعية أم لا، ثم حكم
بأنها غير شرعية، وأن الأصح بطلان العقد. وعن المختلف: أنه حكى - في باب المزارعة - عن
القاضي كلاما " يدل على صحة بيع الصبي.
وبالجملة: فالمسألة لا تخلو عن إشكال، وإن أطنب بعض المعاصرين في توضيحه حتى ألحقه
بالبديهيات في ظاهر كلامه.
21

فالانصاف: أن الحجة في المسألة هي الشهرة المحققة والاجماع المحكى عن التذكرة: بناء على
أن استثناء الاحرام - الذي لا يجوز إلا بإذن الولي - شاهد على أن مراده بالحجر ما يشمل
سلب العبارة، لا نفي الاستقلال في التصرف، وكذا إجماع الغنية، بناء على أن استدلاله بعد
الاجماع بحديث (رفع القلم) دليل على شمول معقده للبيع بإذن الولي. وليس المراد نفي صحة
البيع المتعقب بالإجازة، حتى يقال: إن الإجازة عند السيد غير مجدية في تصحيح مطلق العقد
الصادر من غير المستقل ولو كان غير مسلوب، العبارة كالبائع الفضولي.
ويؤيد الاجماعين ما تقدم عن كنز العرفان.
نعم، لقائل أن يقول: إن ما عرفت من المحقق والعلامة وولده والقاضي وغيرهم خصوصا "
المحقق الثاني - الذي بنى المسألة على شرعية أفعال الصبي - يدل على عدم تحقق الاجماع.
(18) وكيف كان فالعمل على المشهور. ويمكن أن يستأنس له أيضا " بما ورد في الأخبار المستفيضة من أن (عمد الصبي وخطأه واحد)، كما في صحيحة ابن مسلم وغيرها، (19)
23

والأصحاب وإن ذكروها في باب الجنايات، إلا أنه لا إشعار في نفس الصحيحة - بل
وغيرها - بالاختصاص بالجنايات، (20) ولذا تمسك بها الشيخ في المبسوط والحلي في
السرائر على أن إخلال الصبي المحرم بمحظورات الاحرام - التي يختص الكفارة فيها بحال
التعمد - لا يوجب كفارة على الصبي ولا على الولي، لأن عمده خطأ.
وحينئذ فكل حكم شرعي تعلق بالأفعال التي يعتبر في ترتب الحكم الشرعي عليها القصد -
بحيث لا عبرة بها إذا وقعت بغير القصد - فما يصدر منها عن الصبي قصدا " بمنزلة الصادر
عن غيره بلا قصد، فعقد الصبي وإيقاعه مع القصد كعقد الهازل والغالط والخاطئ
وإيقاعاتهم.
29

بل يمكن بملاحظة بعض ما ورد من هذه الأخبار في قتل المجنون والصبي استظهار المطلب من
حديث (رفع القلم) وهو ما عن قرب الإسناد بسنده عن أبي البختري، عن جعفر، عن أبيه، عن
علي عليه السلام، أنه كان يقول المجنون والمعتوه الذي لا يفيق، والصبي الذي لم يبلغ (عمدهما خطأ
تحمله العاقلة وقد رفع عنهما القلم)، فإن ذكر (رفع القلم) في الذيل ليس وجه ارتباط إلا
بأن تكون علة لأصل الحكم، وهو ثبوت له الدية على العاقلة أو بأن تكون معلولة
لقوله (عمدهما خطأ)، يعني أنه لما كان قصدهما بمنزلة العدم في نظر الشارع وفي الواقع رفع
القلم عنهما. (21)
31

ولا يخفى أن ارتباطها بالكلام على وجه العلية والمعلولية (22) للحكم المذكور في
الرواية - أعني عدم مؤاخذة الصبي والمجنون - بمقتضى جناية العمد وهو القصاص، ولا بمقتضى
شبه العمد - وهو الدية في مالهما.
35

لا يستقيم إلا بأن يراد من (رفع القلم) ارتفاع المؤاخذة عنهما شرعا " من حيث العقوبة
الأخروية والدنيوية المتعلقة بالنفس - كالقصاص - أو المال - كغرامة الدية - وعدم ترتب ذلك
أفعالهما المقصودة المتعمد إليها مما لو وقع من غيرهما مع القصد والتعمد لترتب عليه غرامة
أخروية أو دنيوية.
وعلى هذا، فإذا التزم على نفسه مالا " بإقرار أو معاوضة " ولو بإذن الولي، فلا أثر له في
إلزامه بالمال ومؤاخذته به ولو بعد البلوغ. فإذا لم يلزمه شئ بالتزاماته ولو كانت بإذن
الولي، فليس ذلك إلا لسلب قصده وعدم العبرة بإنشائه، إذ لو كان ذلك لأجل عدم
استقلاله وحجره عن الالتزامات على نفسه، لم يكن عدم المؤاخذة شاملا " لصورة إذن الولي،
وقد فرضنا الحكم مطلقا "، فيدل بالالتزام على كون قصده في إنشاءاته وإخباراته مسلوب
الأثر. (23)
36

ثم إن مقتضى عموم هذه الفقرة - بناء على كونها علة للحكم -: عدم مؤاخذتهما بالاتلاف
الحاصل منهما، كما هو ظاهر المحكي عن بعض. (24) إلا أن يلتزم بخروج ذلك عن عموم رفع
القلم ولا يخلو من بعد. (25)
38

لما عرفت من احتمال كونه معلولا " لسلب اعتبار قصد الصبي والمجنون، فيختص رفع قلم
المؤاخذة بالأفعال التي يعتبر في المؤاخذة عليها قصد الفاعل فيخرج مثل الاتلاف، فافهم واغتنم.
ثم، إن القلم المرفوع هو قلم المؤاخذة الموضوع على البالغين، فلا ينافي ثبوت بعض العقوبات
للصبي، كالتعزير. والحاصل: إن مقتضى ما تقدم من الاجماع المحكي في البيع وغيره من
العقود، والأخبار المتقدمة - بعد انضمام بعضها إلى بعض -: عدم الاعتبار بما يصدر من
الصبي من الأفعال المعتبر فيها القصد إلى مقتضاها، (26)
39

كإنشاء العقود أصالة ووكالة، والقبض والاقباض، (27) وكل التزام على نفسه من ضمان أو
إقرار أو نذر أو إيجار.
40

قال في التذكرة: وكما لا يصح تصرفاته اللفظية، كذا لا يصح قبضه، ولا يفيد حصول الملك
في الهبة وإن اتهب له الولي، ولا لغيره وإن إذن الموهوب له بالقبض، ولو قال مستحق الدين
للمديون: سلم حقي إلى هذا الصبي، فسلم مقدار حقه إليه، لم يبرأ عن الدين وبقي المقبوض
على ملكه، (28) ولا ضمان على الصبي، لأن المالك ضيعه حيث دفعه إليه، وبقي الدين لأنه
في الذمة ولا يتعين إلا بقبض صحيح، كما لو قال: إرم حقي في البحر، فرمى مقدار حقه،
بخلاف ما لو قال للمستودع: سلم مالي إلى الصبي أو ألقه في البحر، لأنه امتثل أمره في حقه
المعين، ولو كانت الوديعة للصبي فسلمها إليه ضمن وإن كان بإذن الولي، إذ ليس له
تضييعها بإذن الولي. (29)
41

وقال أيضا ": لو عرض الصبي دينارا " على الناقد لينقده أو متاعا " إلى مقوم ليقومه فأخذه، لم
يجز له رده إلى الصبي، بل إلى وليه إن كان. فلو أمره الولي بالدفع إليه فدفعه إليه، برئ من
ضمانه إن كان المال للولي، وإن كان للصبي فلا، كما لو أمره بإلقاء مال الصبي في البحر،
فإنه يلزمه ضمانه. وإذا تبايع الصبيان وتقابضا وأتلف كل واحد منهما ما قبضه، فإن جري
بإذن الوليين (30) فالضمان عليهما، وإلا فلا ضمن عليهما، بل على الصبيين. ويأتي في باب
الحجر تمام الكلام.
ولو فتح الصبي الباب وأذن في الدخول على أهل الدار، أو أدخل الهدية إلى إنسان عن إذن
المهدي، فالأقرب الاعتماد، لتسامح السلف فيه، إنتهي كلامه رفع مقامه.
ثم، إنه ظهر مما ذكرنا: أنه لا فرق في معاملة الصبي بين أن يكون في الأشياء اليسيرة
أو الخطيرة، لما عرفت من عموم النص والفتوى (31) حتى أن العلامة في التذكرة لما ذكر
حكاية (أن أبا الدرداء اشترى عصفورا " من صبي فأرسله)، ردها بعدم الثبوت وعدم
الحجية، وتوجيهه بما يخرجه عن محل الكلام. وبه يظهر ضعف ما عن المحدث الكاشاني
من: أن الأظهر جواز بيعه وشرائه فيما جرت العادة به من الأشياء اليسيرة، دفعا "
للحرج، إنتهي. فإن الحرج ممنوع، سواء أراد أن الحرج يلزم من منعهم عن المعاملة في المحقرات
والتزام مباشرة البالغين لشرائها، أم أراد أنه يلزم من التجنب عن معاملتهم بعد بناء الناس
على نصب الصبيان للبيع والشراء في الأشياء الحقيرة.
42

ثم، لو أراد استقلاله في البيع والشراء لنفسه بماله من دون إذن الولي ليكون حاصله أنه غير
محجور عليه في الأشياء اليسيرة، فالظاهر كونه مخالفا " للاجماع.
أما ما ورد في رواية السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (ونهي النبي صلى الله عليه وآله
وسلم عن كسب الغلام الصغير الذي لا يحسن صناعة بيده، معللا " بأنه إن لم يجد سرق)، (32)
44

فمحمول على عوض كسبه من التقاط، أو أجرة عن إجارة أوقعها
الولي أو الصبي بغير إذن الولي، أو عن عمل أمر به من دون إجارة فأعطاه المستأجر أو الآمر أجرة المثل، فإن هذه كلها
مما يملكه الصبي. (33)
لكن يستحب للولي وغيره اجتنابها إذا لم يعلم صدق دعوى الصبي فيها، لاحتمال كونها من
الوجوه المحرمة، نظير رجحان الاجتناب عن أموال غيره ممن لا يبالي بالمحرمات.
وكيف كان، فالقول المذكور في غاية الضعف.
45

نعم، ربما صحح سيد مشايخنا في الرياض هذه المعاملات إذا كان الصبي بمنزلة الآلة لمن له
أهلية التصرف، من جهة استقرار السيرة واستمرارها على ذلك. (34) وفيه إشكال، من جهة
قوة احتمال كون السيرة ناشئة من عدم المبالاة في الدين، كما في سيرهم الفاسدة،
46

ويؤيد ذلك: ما يري من استمرار سيرتهم على عدم الفرق بين المميزين وغيرهم، (35) ولا
بينهم وبين المجانين، ولا بين معاملتهم لأنفسهم بالاستقلال بحيث لا يعلم الولي أصلا "،
ومعاملتهم لأوليائهم على سبيل الإلية، مع أن هذا مما لا ينبغي الشك في فسادها، خصوصا "
الأخير.
47

مع أن الإحالة على ما جرت العادة به كالإحالة على المجهول، فإن الذي جرت عليه السيرة
هو الوكول إلى كل صبي ما هو فطن فيه، بحيث لا يغلب في المساومة عليه فيكلون إلى من
بلغ ست سنين شراء باقة بقل، أو بيع بيضة دجاج بفلس، وإلى من بلغ ثمانية سنين اشتراء
اللحم والخبز ونحوهما، وإلى من بلغ أربعة عشر سنة شراء الثياب، بل الحيوان، بل يكلون
إليه أمور التجارة في الأسواق والبلدان، ولا يفرقون بينه وبين من أكمل خمس عشرة سنة،
ولا يكلون إليه شراء مثل القري والبساتين
وبيعها إلا بعد أن يحصل له التجارب، ولا أظن
أن القائل بالصحة يلتزم العمل بالسيرة على هذا التفصيل. (36)
وكيف كان، فالظاهر: أن هذا القول أيضا " مخالف لما يظهر منهم. (37)
وقد عرفت حكم العلامة في التذكرة بعدم جواز رد المال إلى الصبي إذا دفعه إلى الناقد
لينقده، أو المتاع الذي دفعه إلى المقوم ليقومه، مع كونه غالبا " في هذه المقامات بمنزلة الآلة
للولي، وكذا حكمه بالمنع من رد مال الطفل إليه بإذن الولي، مع أنه بمنزلة الآلة في ذلك
غالبا ".
48

وقال كاشف الغطاء رحمه الله - بعد المنع عن صحة عقد الصبي أصالة ووكالة - ما لفظه: نعم،
ثبت الإباحة في معاملة المميزين إذا جلسوا مقام أوليائهم، أو تظاهروا على رؤوس الأشهاد
حتى يظن أن ذلك من إذن الأولياء خصوصا " في المحقرات. (38)
ثم قال: ولو قيل بتملك الآخذ منهم لدلالة مأذونيته في جميع التصرفات فيكون موجبا "،
قابلا " لم يكن بعيدا "، إنتهي.
أقول: أما التصرف والمعاملة بإذن الأولياء - سواء كان على وجه البيع أو المعاطاة - فهو
الذي قد عرفت أنه خلاف المشهور والمعروف حتى لو قلنا: بعدم اشتراط شروط البيع في
المعاطاة، لأنها تصرف لا محالة وإن لم يكن بيعا "، بل ولا معارضة.
وإن أراد بذلك أن إذن الولي ورضاه المنكشف بمعاملة الصبي هو المفيد للإباحة، لا نفس
المعاملة - كما ذكره بعضهم في إذن الولي في إعارة الصبي -
فتوضيحه: ما ذكره بعض المحققين من تلامذته، وهو: إنه لما كان بناء المعاطاة على حصول
المراضاة كيف اتفق وكانت مفيدة لإباحة التصرف خاصة - كما هو المشهور - وجرت عادة
الناس بالتسامح في الأشياء اليسيرة والرضا باعتماد غيرهم في التصرف فيها على الأمارات
المفيدة للظن بالرضا في المعاوضات، وكان الغالب في الأشياء التي يعتمد فيها على قول الصبي
تعيين القيمة، أو الاختلاف الذي يتسامح به في العادة، فلأجل ذلك صح القول بالاعتماد
على ما يصدر من الصبي من صورة البيع والشراء مع الشروط المذكورة، كما يعتمد عليه
في الإذن في دخول الدار وفي إيصال الهدية إذا ظهرت أمارات الصدق، بل ما ذكرنا أولى
بالجواز من الهدية من وجوه، وقد استند فيه في التذكرة إلى تسامح السلف.
49

وبالجملة: فالاعتماد في الحقيقة على الإذن المستفاد من حال المالك في الأخذ والاعطاء، مع
البناء على ما هو الغالب من كونه صحيح التصرف لا على قول الصبي ومعاملته من حيث إنه كذلك، وكثيرا " ما يعتمد الناس على الإذن المستفاد، من غير وجود ذي يد أصلا "، مع
شهادة الحال بذلك، كما في دخول الحمام ووضع الأجرة وعوض الماء التالف في الصندوق،
وكما في أخذ الخضر الموضوعة للبيع، وشرب ماء السقائين، ووضع القيمة المتعارفة في
الموضع المعد لها، وغير ذلك من الأمور التي جرت العادة بها، كما يعتمد على مثل ذلك في
غير المعاوضات من أنواع التصرفات.
فالتحقيق: إن هذا ليس مستثنى من كلام الأصحاب ولا منافيا " له ولا يعتمد على ذلك
أيضا " في مقام الدعوى، ولا فيما إذا طالب المالك بحقه وأظهر عدم الرضا، إنتهي.
50

وحاصله: أن مناط الإباحة ومدارها في المعاطاة ليس على وجود تعاط قائم بشخصين، أو
بشخص منزل منزلة شخصين، بل على تحقق الرضا من كل منهما بتصرف صاحبه في ماله،
حتى لو فرضنا أنه حصل مال كل منهما عند صاحبه باتفاق - كإطارة الريح ونحوها -
فتراضيا على التصرف بأخبار صبي أو بغيره من الأمارات - كالكتابة ونحوها - كان هذه
معاطاة أيضا "، ولذا يكون وصول الهدية إلى المهدى إليه على يد الطفل - الكاشف إيصاله
عن رضى المهدي بالتصرف بل التملك - كافيا " في إباحة الهدية، بل في تملكها.
وفيه: إن ذلك حسن، إلا أنه موقوف أولا " على ثبوت حكم المعاطاة من دون إنشاء إباحة
وتمليك، والاكتفاء فيها بمجرد الرضا.
ودعوى: حصول الإنشاء بدفع الولي المال إلى الصبي، مدفوعة: بأنه إنشاء إباحة لشخص
غير معلوم، ومثله غير معلوم الدخول في حكم المعاطاة، مع العلم بخروجه عن موضوعها.
وبه يفرق بين ما نحن فيه ومسألة إيصال الهدية بيد الطفل، فإنه يمكن فيه دعوى كون
دفعها إليه للايصال إباحة أو تمليكا " - كما ذكر أن إذن الولي للصبي في الإعارة إذن في
انتفاع المستعير -
وأما دخول الحمام وشرب الماء ووضع الأجرة والقيمة، فلو حكم بصحتهما - بناء على ما
ذكرنا من حصول المعاطاة بمجرد المراضاة الخالية عن الإنشاء - انحصرت صحة وساطة
الصبي فيما يكتفى فيه مجرد وصول العوضين، دون ما لا يكتفى فيه.
والحاصل: أن دفع الصبي وقبضه بحكم العدم، فكل ما يكتفى فيه بوصول كل من العوضين
إلى صاحب الآخر بأي وجه اتفق فلا يضر مباشرة الصبي لمقدمات الوصول. ثم، إن ما ذكر
مختص بما إذا علم إذن شخص بالغ عاقل للصبي وليا " كان أم غيره.
51

وأما ما ذكره كاشف الغطاء أخيرا " من: صيرورة الشخص موجبا " قابلا "، ففيه: أولا ": إن
تولى وظيفة الغائب - وهو من أذن للصغير - إن كان بإذن منه، فالمفروض انتفاؤه (39) و
إن كان بمجرد العلم برضاه فالاكتفاء به في الخروج عن موضوع الفضولي مشكل، بل ممنوع.
وثانيا ": إن المحسوس بالوجدان عدم قصد من يعامل مع الأطفال النيابة عمن إذن للصبي.
ثم، إنه لا وجه لاختصاص ما ذكروه من الآلية بالصبي ولا بالأشياء الحقيرة، بل هو جار في
المجنون والسكران بل البهائم، وفي الأمور الخطيرة، إذ المعاملة إذا كانت في الحقيقة بين الكبار
وكان الصغير آلة، فلا فرق في الآلية بينه وبين غيره.
نعم، من تمسك في ذلك بالسيرة من غير أن يتجشم لادخال ذلك تحت القاعدة، فله تخصيص
ذلك الصبي، لأنه المتيقن من موردها، كما أن ذلك مختص بالمحقرات.
52

الكلام في شروط المتعاقدين
* القصد *
53

مسألة
ومن جملة شرائط المتعاقدين قصدهما لمدلول العقد الذي يتلفظان به. (1)
55

واشتراط القصد بهذا المعنى في صحة العقد، بل في تحقق مفهومه مما لا خلاف فيه ولا إشكال،
فلا يقع من دون قصد إلى اللفظ، كما في الغالط أو إلى المعنى لا بمعنى عدم استعمال اللفظ
فيه، بل بمعنى عدم تعلق إرادته (2) وإن أوجد مدلوله بالإنشاء، كما في الأمر الصوري فهو
شبيه الكذب في الاخبار، كما في الهازل. (3)
59

أو قصد معنى يغاير مدلول العقد بأن قصد الاخبار أو الاستفهام أو إنشاء معنى غير البيع
مجازا " أو غلطا "، فلا يقع البيع لعدم القصد إليه ولا المقصود إذا اشترط فيه عبارة خاصة. (4)
60

ثم، إنه ربما يقال بعدم تحقق القصد في عقد الفضولي والمكره كما صرح به في المسالك، حيث
قال: إنهما قاصدان إلى اللفظ دون مدلوله. (5)
61

وفيه: أنه لا دليل على اشتراط أزيد من القصد المتحقق في صدق مفهوم العقد. (6)
مضافا ": إلى ما سيجئ في أدلة الفضولي، وأما معنى ما في المسالك فسيأتي في اشتراط
الاختيار.
واعلم: أنه ذكر بعض المحققين ممن عاصرناه كلاما " في هذا المقام، في أنه هل يعتبر تعيين
المالكين اللذين يتحقق النقل والانتقال بالنسبة إليهما، أم لا؟ وذكر أن في المسألة أوجها "
وأقوالا "، وإن المسألة في غاية الإشكال، وأنه قد اضطربت فيها كلمات الأصحاب قدس الله
أرواحهم في تضاعيف أبواب الفقه.
62

ثم قال: وتحقيق المسألة: أنه إن توقف تعين المالك على التعيين حال العقد، لتعدد
وجه وقوعه الممكن شرعا "، اعتبر تعيينه في النية، أو مع اللفظ به أيضا " كبيع الوكيل والولي
العاقد عن اثنين في بيع واحد، والوكيل عنهما والولي عليهما في البيوع المتعددة، فيجب أن
يعين من يقع له البيع أو الشراء، من نفسه أو غيره، وأن يميز البائع من المشتري إذا أمكن
الوصفان في كل منهما. فإذا عين جهة خاصة تعينت، وإن أطلق، فإن كان هناك جهة
يصرف إليها الاطلاق كان كالتعيين -، كما لو دار الأمر بين نفسه وغيره إذا لم يقصد الابهام
والتعيين بعد العقد - وإلا وقع لاغيا "، وهذا جار في سائر العقود من النكاح وغيره.
والدليل على اشتراط التعيين ولزوم متابعته في هذا القسم: إنه لولا ذلك لزم بقاء الملك بلا
مالك معين في نفس الأمر، (7) وأن لا يحصل الجزم بشئ من العقود التي لم يتعين فيها
العوضان، ولا بشئ من الأحكام والآثار المترتبة على ذلك، وفساد ذلك ظاهر. (8)
63

ولا دليل على تأثير التعيين المتعقب، ولا على صحة العقد المبهم، لانصراف الأدلة إلى الشائع
المعهود من الشريعة والعادة، فوجب الحكم بعدمه. (9)
64

وعلى هذا، فلو شرى الفضولي لغيره في الذمة، فإن عين ذلك الغير تعين ووقف على إجازته،
سواء تلفظ بذلك أم نواه، وإن أبهم مع قصد الغير بطل، ولا يوقف إلى أن يوجد له
مجيز. (10) - إلى أن قال -: وإن لم يتوقف تعين المالك على التعيين حال العقد بأن يكون
العوضان معينين ولا يقع العقد فيهما على وجه لا يصح إلا لمالكهما، ففي وجوب التعيين أو
الاطلاق المنصرف إليه، أو عدمه مطلقا "، أو التفصيل بين التصريح بالخلاف، فيبطل، وعدمه
فيصح، أوجه، أقواها الأخير، وأوسطها الوسط، (11)
وأشبههما للأصول الأول. (12)
65

وفي حكم التعيين ما إذا عين المال بكونه في ذمة زيد مثلا ". وعلى الأوسط لو باع مال نفسه
عن الغير، وقع عنه ولغى قصد كونه عن الغير. (13) ولو باع مال زيد عن عمرو، فإن كان
وكيلا " عن زيد صح عنه، وإلا وقف على إجازته ولو اشترى لنفسه بمال في ذمة زيد فإن
لم يكن وكيلا " عن زيد وقع عنه، وتعلق المال بذمته، لا عن زيد، (14) ليقف على إجازته.
66

وإن كان وكيلا " فالمقتضى لكل من العقدين منفردا " موجود، والجمع بينهما يقتضي إلغاء
أحدهما، ولما لم يتعين احتمل البطلان، للتدافع، وصحته عن نفسه لعدم تعلق الوكالة بمثل هذا
الشراء وترجيح جانب الأصالة. وعن الموكل لتعين العوض في ذمة الموكل، فقصد كون
الشراء لنفسه لغو، كما في المعين. (15) ولو اشترى عن زيد بشئ في ذمته فضولا " ولم يجز،
فأجاز عمرو، لم يصح عن أحدهما. (16)
67

وقس على ما ذكر حال ما يرد من هذا الباب، ولا فرق على الأوسط - في الأحكام المذكورة - بين النية المخالفة والتسمية، ويفرق بينهما على الأخير، ويبطل الجميع على
الأول، إنتهى كلامه رحمه الله.
أقول: مقتضى المعاوضة والمبادلة دخول كل من العوضين في ملك مالك الآخر، وإلا لم يكن
كل منهما عوضا " وبدلا ". (17)
68

وعلى هذا، فالقصد إلى العوض وتعيينه يغني عن تعيين المالك،
إلا أن ملكية العوض وترتب آثار الملك عليه قد يتوقف على تعيين المالك، فإن من
الأعواض ما يكون متشخصا " بنفسه في الخارج كالأعيان. ومنها ما لا يتشخص إلا بإضافته
إلى مالك، كما في الذمم، لأن ملكية الكلي لا يكون إلا مضافا " إلى ذمة، وإجراء أحكام الملك
على ما في ذمة الواحد المردد بين شخصين فصاعدا " غير معهود. (18)
70

فتعيين الشخص في الكلي إنما يحتاج إليه لتوقف اعتبار ملكية ما في الذمم على تعيين
صاحب الذمة. فصح على ما ذكرنا أن تعيين المالك مطلقا " غير معتبر سواء في العوض
المعين أو في الكلي، (19)
71

وأن اعتبار التعيين فيما ذكره من الأمثلة في الشق الأول من تفصيله إنما هو لتصحيح ملكية
العوض بتعيين من يضاف الملك إليه، لا لتوقف المعاملة على تعيين ذلك الشخص بعد
فرض كونه مالكا "، فإن من اشترى لغيره في الذمة إذا لم يعين الغير لم يكن الثمن ملكا "،
لأن ما في الذمة ما لم يضف إلى شخص معين لم يترتب عليه أحكام المال: من جعله ثمنا " أو
مثمنا "، وكذا الوكيل أو الولي العاقد عن اثنين، فإنه إذا جعل العوضين في الذمة بأن قال:
(بعت عبدا " بألف)، ثم قال: (قبلت) فلا يصير العبد قابلا " للبيع ولا الألف قابلا " للاشتراء
به حتى يسند كلا " منهما إلى معين، أو إلى نفسه من حيث إنه نائب عن ذلك المعين،
فيقول: (بعت عبدا " من مال فلان بألف من مال فلان)، فيمتاز البائع عن المشتري. (20)
77

وأما ما ذكره من الوجوه الثلاثة فيما إذا كان العوضان معينين. (21)
78

فالمقصود إذا كان هي المعاوضة الحقيقية التي قد عرفت أن من لوازمها العقلية دخول العوض
في ملك مالك المعوض تحقيقا لمفهوم العوضية والبدلية، فلا حاجة إلى تعيين من ينقل عنهما
وإليهما العوضان، وإذا لم يقصد المعاوضة الحقيقية فالبيع غير منعقد، فإن جعل العوض من
عين مال غير المخاطب الذي ملكه المعوض، فقال: (ملكتك فرسي هذا بحمار عمرو)، فقال
المخاطب: (قبلت)، لم يقع البيع لخصوص لمخاطب، لعدم مفهوم المعاوضة معه، وفي وقوعه اشتراء فضوليا " لعمرو كلام يأتي.
79

وأما ما ذكره من مثال (من باع مال نفسه عن غيره)، فلا إشكال في عدم وقوعه عن
غيره، والظاهر وقوعه عن البائع ولغوية قصده عن الغير، لأنه أمر غير معقول لا يتحقق
القصد إليه حقيقة، وهو معنى لغويته، ولذا لو باع مال غيره عن نفسه وقع للغير مع
إجازته -، كما سيجئ - ولا يقع عن نفسه أبدا ". (23)
80

نعم، لو ملكه فأجاز، قيل بوقوعه له لكن لا من حيث إيقاعه أولا " لنفسه، فإن القائل به لا
يفرق حينئذ بين بيعه عن نفسه أو عن مالكه، فقصد وقوعه عن نفسه لغو دائما " ووجوده
كعدمه.
إلا أن يقال: إن وقوع بيع مال نفسه لغيره إنما لا يعقل إذا فرض قصده للمعاوضة الحقيقية، لم
لا يجعل هذا قرينة على عدم إرادته من البيع المبادلة الحقيقية، أو على تنزيل الغير
منزلة نفسه في مالكية المبيع - كما سيأتي أن المعاوضة الحقيقية في بيع الغاصب لنفسه لا يتصور إلا
على هذا الوجه - وحينئذ فيحكم ببطلان المعاملة، لعدم قصد المعاوضة الحقيقية مع المالك
الحقيقي. (24)
81

ومن هنا ذكر العلامة وغيره في عكس المثال المذكور: أنه لو قال المالك للمرتهن: (بعه
لنفسك) بطل، وكذا لو دفع مالا " إلى من يطلبه الطعام وقال: (اشتر به لنفسك طعاما ").
هذا، ولكن الأقوى صحة المعاملة المذكورة ولغوية القصد المذكور، لأنه راجع إلى إرادة
إرجاع فائدة البيع إلى الغير، لا جعله أحد ركني المعاوضة. (25)
وأما حكمهم ببطلان البيع في مثال الرهن واشتراء الطعام، فمرادهم عدم وقوعه للمخاطب،
لا أن المخاطب إذا قال: (بعته لنفسي)، أو (اشتريته لنفسي)، لم يقع لمالكه إذا أجازه.
83

وبالجملة: فحكمهم بصحة بيع الفضولي وشرائه لنفسه، ووقوعه للمالك، يدل على عدم
تأثير قصد وقوع البيع لغير المالك. (26)
ثم، إن ما ذكرنا كله حكم وجوب تعيين كل من البائع والمشتري من يبيع له ويشتري له (27)
84

وأما تعيين الموجب لخصوص المشتري المخاطب والقابل لخصوص البائع، (28)
86

فيحتمل اعتباره، إلا فيما علم من الخارج عدم إرادة خصوص المخاطب لكل من المتخاطبين -
كما في غالب البيوع والإجارات - فحينئذ يراد من ضمير المخاطب في قوله: (ملكتك
كذا - أو منفعة كذا - بكذا) هو المخاطب بالاعتبار الأعم من كونه مالكا " حقيقيا " أو
جعليا " - كالمشتري الغاصب - أو من هو بمنزلة المالك بإذن أو ولاية. (29)
ويحتمل عدم اعتباره إلا فيما علم من الخارج إرادة خصوص الطرفين، كما في النكاح،
والوقف الخاص، والهبة، والوكالة، والوصية.
والأقوى هو الأول، عملا " بظاهر الكلام الدال على قصد الخصوصية، وتبعية العقود
للقصود. وعلى فرض القول بالثاني فلو صرح بإرادة خصوص المخاطب اتبع قصده،
فلا يجوز للقابل أن يقبل عن غيره.
87

قال في التذكرة: لو باع الفضولي أو اشترى مع جهل الآخر، فإشكال، ينشأ من أن الآخر إنما
قصد تمليك العاقد. وهذا الإشكال وإن كان ضعيفا " مخالفا " للاجماع والسيرة، إلا أنه مبني
على ما ذكرنا من مراعاة ظاهر الكلام.
وقد يقال في الفرق بين البيع وشبهه وبين النكاح: إن الزوجين في النكاح كالعوضين في سائر
العقود، ويختلف الأغراض باختلافهما، فلا بد من التعيين وتوارد الايجاب والقبول على
أمر واحد، (30)
90

ولأن معنى قوله: (بعتك كذا بكذا) رضاه بكونه مشتريا " للمال المبيع، والمشتري يطلق على
المالك ووكيله، (31) ومعنى قولها: (زوجتك نفسي) رضاها بكونه زوجا "، والزوج لا يطلق
على الوكيل، إنتهى.
ويرد على الوجه الأول من وجهي الفرق: أن كون الزوجين كالعوضين إنما يصح وجها "
لوجوب التعيين في النكاح، لا لعدم وجوبه في البيع، مع أن الظاهر إن ما ذكرنا من الوقف
وإخوته كالنكاح في عدم جواز قصد القابل القبول فيها على وجه النيابة أو الفضولي، فلا بد
من وجه مطرد في الكل. (32)
وعلى الوجه الثاني: إن معنى (بعتك) في لغة العرب - كما نص عليه فخر المحققين وغيره -
هو ملكتك بعوض، ومعناه جعل المخاطب مالكا "، ومن المعلوم أن المالك لا يصدق على
الولي والوكيل والفضولي. (33)
91

فالأولى في الفرق: ما ذكرنا من أن الغالب في البيع والإجارة هو قصد المخاطب لا من حيث
هو، بل بالاعتبار الأعم من كونه أصالة أو عن الغير، (34)
ولا ينافي ذلك عدم سماع قول المشتري في دعوى كونه غير أصيل فتأمل. (35)
92

بخلاف النكاح وما أشبهه، فإن الغالب قصد المتكلم للمخاطب من حيث إنه ركن للعقد،
بل ربما يستشكل في صحة أن يراد من القرينة المخاطب من حيث قيامه مقام الأصيل، كما
لو قال: (زوجتك) مريدا " له باعتبار كونه وكيلا " عن الزوج، وكذا قوله: (وقفت عليك)
و (أوصيت لك) و (وكلتك).
ولعل الوجه عدم تعارف صدق هذه العنوانات على الوكيل فيها، فلا يقال للوكيل: الزوج،
ولا الموقوف عليه، ولا الموصى له، ولا الوكيل، بخلاف البائع والمستأجر، فتأمل، حتى لا
يتوهم رجوعه إلى ما ذكرنا سابقا " واعترضنا عليه. (36)
94

الكلام في شروط المتعاقدين
* الاختيار *
97

مسألة
ومن شرائط المتعاقدين: الاختيار، (1)
والمراد به القصد، (2)
99

إلى وقوع مضمون العقد عن طيب نفس، (3)
103

في مقابل الكراهة وعدم طيب النفس، لا الاختيار في مقابل الجبر. (4)
ويدل عليه قبل الاجماع قوله تعالى: (إلا أن تكون تجارة عن تراض). (5)
104

وقوله عليه السلام: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفسه.) (6)
105

وقوله صلى الله عليه والسلام في الخبر المتفق عليه بين المسلمين: (رفع - أو وضع - عن أمتي تسعة
أشياء - أو ستة -... ومنها: ما أكرهوا عليه.) (7)
106

وظاهره وإن كان رفع المؤاخذة، إلا أن استشهاد الإمام عليه السلام به في رفع بعض الأحكام
الوضعية يشهد لعموم المؤاخذة فيه لمطلق الالزام عليه بشئ.
ففي صحيحة البزنطي، عن أبي الحسن عليه السلام (في الرجل يستكره على اليمين)، فيحلف
بالطلاق والعتاق وصدقه ما يملك، أيلزمه ذلك؟ فقال عليه السلام: لا، قال رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم: (وضع عن أمتي ما أكرهوا عليه، وما لم يطيقوا، وما أخطأوا.) والحلف
بالطلاق والعتاق وإن لم يكن صحيحا " عندنا من دون الاكراه أيضا "، إلا أن مجرد استشهاد
الإمام عليه السلام في عدم وقوع آثار ما حلف به بوضع ما أكرهوا عليه، يدل على أن المراد
بالنبوي ليس رفع خصوص المؤاخذة
والعقاب الأخروي. (8)
109

هذا كله، مضافا " إلى الأخبار الواردة في طلاق المكره بضميمة عدم الفرق. (9)
ثم إنه يظهر من جماعة - منهم الشهيدان - أن المكره قاصد إلى اللفظ غير قاصد إلى مدلوله،
بل يظهر ذلك من بعض كلمات العلامة. (10) وليس مرادهم أنه لا قصد له إلا إلى مجرد
التكلم كيف! والهازل - الذي هو دونه في القصد - قاصد للمعنى قصدا " صوريا "، والخالي عن
القصد إلى غير التكلم هو من يتكلم تقليدا " أو تلقينا "، كالطفل الجاهل بالمعاني.
112

فالمراد بعدم قصد المكره: عدم القصد إلى وقوع مضمون العقد في الخارج، وأن الداعي له إلى
الإنشاء ليس قصد وقوع مضمونه في الخارج، لا أن كلامه الانشائي مجرد عن المدلول،
كيف! وهو معلول للكلام الانشائي إذا كان مستعملا " غير مهمل. (11)
ما ورد في من طلق مداراة بأهله، إلى غير ذلك، وفي أن مخالفة بعض العامة في وقوع
الطلاق إكراها "، لا ينبغي أن تحمل على الكلام المجرد عن قصد المفهوم، الذي لا يسمى خبرا "
ولا إنشاء " وغير ذلك، مما يوجب القطع بأن المراد بالقصد المفقود في المكره هو: القصد إلى
وقوع أثر العقد ومضمونه في الواقع وعدم طيب النفس به، لا عدم إرادة المعنى من الكلام.
ويكفي في ذلك ما ذكره الشهيد الثاني: من أن المكره والفضولي قاصدان إلى اللفظ دون
مدلوله، نعم ذكر في التحرير والمسالك في فروع المسألة ما يوهم ذلك، قال في التحرير: لو
أكره على الطلاق فطلق ناويا "، فالأقرب وقوع الطلاق، إذ لا إكراه على القصد، إنتهى. (12)
113

وهذا الذي ذكرنا لا يكاد يخفى على من له أدنى تأمل في معنى الاكراه لغة وعرفا وأدنى
تتبع فيما ذكره الأصحاب في فروع الاكراه - التي لا يستقيم مع ما توهمه، من خلو المكره
عن قصد مفهوم اللفظ - وجعله مقابلا " للقصد، وحكمهم بعدم وجوب التورية في التفصي
عن الاكراه وصحة بيعه بعد الرضا، واستدلالهم له بالأخبار الواردة في طلاق المكره وأنه لا
طلاق إلا مع إرادة الطلاق، حيث إن المنفى صحة الطلاق، لا تحقق مفهومه لغة وعرفا "، وفي
وبعض المعاصرين بنى هذا الفرع على تفسير القصد بما ذكرنا من متوهم كلامهم، فرد عليهم
فساد المبنى، وعدم وقوع الطلاق في الفرض المزبور، لكن المتأمل يقطع بعدم إرادتهم لذلك،
وسيأتي ما يمكن توجيه الفرع المزبور به.
ثم إن حقيقة الاكراه لغة وعرفا: حمل الغير على ما يكرهه، (13)
115

ويعتبر في وقوع الفعل عن ذلك الحمل: اقترانه بوعيد منه مظنون الترتب على ترك ذلك
الفعل، مضر بحال الفاعل أو متعلقه نفسا " أو عرضا " أو مالا ". (14)
فظهر من ذلك: أن مجرد الفعل لدفع الضرر المترتب على تركه لا يدخله في المكره عليه،
كيف! والأفعال الصادرة من العقلاء كلها أو جلها ناشئة عن دفع الضرر، وليس دفع مطلق
الضرر الحاصل من إيعاد شخص يوجب صدق المكره عليه، فإن من أكره على دفع مال
وتوقف على بيع بعض أمواله، فالبيع الواقع منه لبعض أمواله وإن كان لدفع الضرر
المتوعد به على عدم دفع ذلك المال - ولذا يرتفع التحريم عنه لو فرض حرمته عليه لحلف
أو شبهه -، إلا أنه ليس مكرها " عليه،
116

فالمعيار في وقوع الفعل مكرها " عليه: (15) سقوط الفاعل - من أجل الاكراه المقترن بإيعاد
الضرر - عن الاستقلال في التصرف، بحيث لا يطيب نفسه بما يصدر منه ولا يتعمد إليه عن
رضا وإن كان يختاره لاستقلال العقل بوجوب اختياره، دفعا " للضرر أو ترجيحا " لأقل
الضررين، إلا أن هذا المقدار لا يوجب طيب نفسه به، فإن النفس مجبولة على كراهة ما
يحمله غيره عليه مع الايعاد عليه بما يشق تحمله
والحاصل: أن الفاعل قد يفعل لدفع الضرر، لكنه مستقل في فعله ومخلى وطبعه فيه بحيث
يطيب نفسه بفعله وإن كان من باب علاج الضرر، وقد يفعل لدفع ضرر إيعاد الغير على
تركه، وهذا مما لا يطيب النفس به، وذلك معلوم بالوجدان.
117

يعتبر في موضوع الاكراه أو حكمه عدم إمكان التفصي عن الضرر المتوعد به بما
لا يوجب ضررا " آخر - كما حكي عن جماعة - أم لا؟ (16)
118

الذي يظهر من النصوص والفتاوى عدم اعتبار العجز عن التورية، لأن حمل عموم رفع
الاكراه وخصوص النصوص الواردة في طلاق المكره وعتقه ومعاقد الاجماعات والشهرات
المدعاة في حكم المكره على صورة العجز عن التورية لجهل أو دهشة، بعيد جدا "،
بل غير صحيح في بعضها من جهة المورد، كما لا يخفى على من راجعها، مع أن القدرة على
التورية لا يخرج الكلام عن حيز الاكراه عرفا ". (17) هذا، وربما يستظهر من بعض الأخبار
عدم اعتبار العجز عن التفصي بوجه آخر غير التورية أيضا " في صدق الاكراه، مثل رواية
ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لا يمين في قطيعة رحم، ولا في جبر، ولا في إكراه،
قلت: أصلحك الله! وما الفرق بين الجبر والاكراه؟ قال: الجبر من السلطان، ويكون الاكراه من
الزوجة والأم والأب، وليس ذلك بشئ.) (18)
120

ويؤيده أنه لو خرج عن الاكراه عرفا " بالقدرة على التفصي بغير التورية خرج عنه بالقدرة
عليها، لأن المناط حينئذ انحصار التخلص عن الضرر المتوعد في فعل المكره عليه، فلا فرق
بين أن يتخلص بكلام آخر أو فعل آخر، أو بهذا الكلام مع قصد معنى آخر.
ودعوى: أن جريان حكم الاكراه مع القدرة على التورية تعبدي، لا من جهة صدق حقيقة
الاكراه، كما ترى!
لكن الانصاف: أن وقوع الفعل عن الاكراه لا يتحقق إلا مع العجز عن التفصي بغير التورية،
لأنه يعتبر فيه أن يكون الداعي عليه هو خوف ترتب الضرر المتوعد به على الترك، ومع
القدرة على التفصي لا يكون الضرر مترتبا " على ترك المكره عليه، بل على تركه وترك
التفصي معا "، فدفع الضرر يحصل بأحد الأمرين: من فعل المكره عليه والتفصي، فهو مختار في
كل منهما، ولا يصدر كل منهما إلا باختياره، فلا إكراه. (19)
122

وليس التفصي من الضرر أحد فردي المكره عليه، حتى لا يوجب تخيير الفاعل فيهما سلب
الاكراه عنهما، كما لو أكرهه على أحد الأمرين، حيث يقع كل منهما حينئذ مكرها "، لأن
الفعل المتفصى به مسقط عن المكره عليه، لا بدل له، ولذا لا يجرى عليه أحكام المكره عليه
إجماعا "، فلا يفسد إذا كان عقدا ". وما ذكرناه وإن كان جاريا " في التورية، إلا أن الشارع
رخص في ترك التورية بعد عدم إمكان التفصي بوجه آخر، لما ذكرنا من ظهور النصوص
والفتاوى، وبعد حملها على صورة العجز عن التورية.
(20) مع أن العجز عنها لو كان معتبرا " لأشير إليها في تلك الأخبار الكثيرة المجوزة للحلف
كاذبا " عند الخوف والاكراه، خصوصا " في قضية عمار وأبويه، حيث أكرهوا على الكفر،
فأبى أبواه فقتلا، وأظهر لهم عمار ما أرادوا، فجاء باكيا " إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
فنزلت الآية: (من كفر بالله من بعد إيمانه، إلا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان) فقال له
رسول الله صلى الله عليه والسلام: (إن عادوا عليك فعد) ولم ينبهه على التورية، فإن التنبيه في
المقام وإن
لم يكن واجبا "، إلا أنه لا شك في رجحانه، خصوصا " من النبي صلى الله عليه وآله
وسلم باعتبار شفقته على عمار، وعلمه بكراهة تكلم عمار بألفاظ الكفر من دون تورية، كما
لا يخفى. (21)
123

هذا، ولكن الأولى: أن يفرق بين إمكان التفصي بالتورية وإمكانه بغيرها، بتحقق الموضوع
في الأول دون الثاني، لأن الأصحاب - وفاقا " للشيخ في المبسوط - ذكروا من شروط تحقق
الاكراه: أن يعلم أو يظن المكره - بالفتح - إنه لو امتنع مما أكره عليه وقع فيما توعد عليه،
ومعلوم أن المراد ليس امتناعه عنه في الواقع ولو مع اعتقاد المكره - بالكسر - عدم الامتناع،
بل المعيار في وقوع الضرر: اعتقاد المكره لامتناع المكره، وهذا المعنى يصدق مع إمكان
التورية، ولا يصدق مع التمكن
من التفصي بغيرها، لأن المفروض تمكنه من الامتناع مع
اطلاع المكره عليه وعدم وقوع الضرر عليه.
والحاصل: أن التلازم بين امتناعه ووقوع الضرر الذي هو المعتبر في صدق الاكراه موجود
مع التمكن بالتورية، لامع التمكن بغيرها، فافهم. (22)
ثم إن ما ذكرنا من اعتبار العجز عن التفصي إنما هو في الاكراه المسوغ للمحرمات، ومناطه
توقف دفع ضرر المكره على ارتكاب المكره عليه،
126

وأما الاكراه الرافع لأثر المعاملات، فالظاهر: أن المناط فيه عدم طيب النفس بالمعاملة، وقد
يتحقق مع إمكان التفصي، مثلا " من كان قاعدا " في مكان خاص خال عن الغير متفرغا "
لعبادة أو مطالعة، فجاءه من أكرهه على بيع شئ مما عنده وهو في هذه الحال غير قادر
على دفع ضرره وهو كاره للخروج عن ذلك المكان لكن لو خرج كان له في الخارج خدم
يكفونه شر المكره، فالظاهر: صدق الاكراه حينئذ، بمعنى عدم طيب النفس لو باع ذلك الشئ،
بخلاف من كان خدمه حاضرين عنده، وتوقف دفع ضرر إكراه الشخص على أمر خدمه
بدفعه وطرده، فإن هذا لا يتحقق في حقه الاكراه، ويكذب لو ادعاه، بخلاف الأول إذا اعتذر
بكراهة الخروج عن ذلك المنزل. (23) ولو فرض في ذلك المثال إكراهه على محرم لم يعذر فيه
بمجرد كراهة الخروج عن ذلك المنزل، وقد تقدم الفرق بين الجبر والاكراه في رواية ابن
سنان. فالاكراه المعتبر في تسويغ المحظورات، هو: الاكراه بمعنى الجبر المذكور في الرواية،
والرافع لأثر المعاملات هو: الاكراه الذي ذكر فيها أنه قد يكون من الأب والولد والمرأة،
والمعيار
فيه: عدم طيب النفس فيها، لا الضرورة والالجاء وإن كان هو المتبادر من لفظ
الاكراه، (24) ولذا يحمل الاكراه في حديث الرفع عليه، فيكون الفرق بينه وبين
الاضطرار - المعطوف عليه في ذلك الحديث - اختصاص الاضطرار بالحاصل لا من فعل الغير
كالجوع والعطش والمرض،
129

لكن الداعي على اعتبار ما ذكرنا في المعاملات هو أن العبرة فيها بالقصد الحاصل عن طيب
النفس، حيث استدلوا على ذلك بقوله تعالى: (تجارة عن تراض). (25)
131

و (لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفسه)، وعموم اعتبار الإرادة في صحة الطلاق،
وخصوص ما ورد في فساد طلاق من طلق للمداراة مع عياله. (26)
فقد تلخص مما ذكرنا: أن الاكراه الرافع لأثر الحكم التكليفي أخص من الرافع لأثر الحكم
الوضعي.
ولو لوحظ ما هو المناط في رفع كل منهما، من دون ملاحظة عنوان الاكراه كانت النسبة
بينهما العموم من وجه، لأن المناط في رفع الحكم التكليفي هو دفع الضرر، وفي رفع الحكم
الوضعي هو عدم الإرادة وطيب النفس. (27)
132

ومن هنا لم يتأمل أحد في أنه إذا أكره الشخص على أحد الأمرين المحرمين لا بعينه، فكل
منهما وقع في الخارج لا يتصف بالتحريم، لأن المعيار في دفع الحرمة دفع الضرر المتوقف على
فعل أحدهما، (28)
أما لو كانا عقدين أو إيقاعين كما لو أكره على طلاق إحدى زوجتيه، فقد استشكل غير
واحد في أن ما يختاره من الخصوصيتين بطيب نفسه ويرجحه على الآخر بدواعيه النفسانية
الخارجة عن الاكراه، مكره عليه باعتبار جنسه، أم لا؟ (29)
133

بل أفتى في القواعد بوقوع الطلاق وعدم الاكراه وإن حمله بعضهم على ما إذا قنع المكره
بطلاق إحديهما مبهمة.
لكن المسألة عندهم غير صافية عن الإشكال، من جهة مدخلية طيب النفس في اختيار
الخصوصية وإن كان الأقوى - وفاقا " لكل من تعرض للمسألة - تحقق الاكراه لغة "
وعرفا "، مع أنه لو لم يكن هذا مكرها " عليه لم يتحقق الاكراه أصلا "، إذ الموجود في الخارج
دائما " إحدى خصوصيات المكره عليه، إذ لا يكاد يتفق الاكراه بجزئي حقيقي من جميع
الجهات. (30)
نعم، هذا الفرد مختار فيه من حيث الخصوصية، وإن كان مكرها " عليه من حيث
القدر المشترك، بمعنى أن وجوده الخارجي ناش عن إكراه واختيار، ولذا لا يستحق المدح
أو الذم باعتبار أصل الفعل، ويستحقه باعتبار الخصوصية. (31)
136

وتظهر الثمرة فيما لو ترتب أثر على خصوصية المعاملة الموجودة، فإنه لا يرتفع بالاكراه على
القدر المشترك، مثلا " لو أكرهه على شرب الماء أو شرب الخمر، لم يرتفع تحريم الخمر، لأنه
مختار فيه، وإن كان مكرها " في أصل الشرب،
وكذا لو أكرهه على بيع صحيح أو فاسد، فإنه لا يرتفع أثر الصحيح، لأنه مختار فيه وإن
كان مكرها " في جنس البيع، لكنه لا يترتب على الجنس أثر يرتفع بالاكراه. (32)
137

ومن هنا يعلم أنه لو أكره على بيع مال أو إيفاء مال مستحق لم يكن إكراها "، (33) لأن
القدر المشترك بين الحق وغيره إذا أكره عليه لم يقع باطلا "، وإلا لوقع الايفاء أيضا " باطلا "،
فإذا اختار البيع صح، لأن الخصوصية غير مكره عليها، والمكره عليه، - وهو القدر
المشترك - غير مرتفع الأثر.
ولو أكرهه على بيع مال أو أداء مال غير مستحق، كان إكراها "، لأنه لا يفعل البيع إلا فرارا "
من بدله أو وعيده المضرين، كما لو أكرهه على بيع داره أو شرب الخمر، فإن ارتكاب البيع
للفرار عن الضرر الأخروي ببدله أو التضرر الدنيوي بوعيده.
ثم إن إكراه أحد الشخصين على فعل واحد - بمعنى إلزامه عليهما كفاية وايعادهما على
تركه - كإكراه شخص واحد على أحد الفعلين، في كون كل منهما مكرها ". (34)
139

واعلم أن الاكراه: قد يتعلق بالمالك والعاقد، كما تقدم، وقد يتعلق بالمالك دون العاقد، كما
لو أكره على التوكيل في بيع ماله، فإن العاقد قاصد مختار، والمالك مجبور، وهو داخل في العقد
الفضولي بعد ملاحظة عدم تحقق الوكالة مع الاكراه، (35)
140

وقد ينعكس، كما لو قال: (بع مالي - أو طلق زوجتي - وإلا قتلتك)، والأقوى هنا الصحة، لأن العقد هنا من حيث إنه عقد لا يعتبر فيه سوى القصد الموجود في المكره إذا كان عاقدا "،
والرضا المعتبر من المالك موجود بالفرض، فهذا أولى من المالك المكره على العقد إذا رضى
لاحقا ".
واحتمل في المسالك عدم الصحة، نظرا " إلى أن الاكراه يسقط حكم اللفظ، (36) كما
لو أمر المجنون بالطلاق فطلقها.
ثم قال: والفرق بينهما أن عبارة المجنون مسلوبة، بخلاف المكره، فإن عبارته مسلوبة لعارض
تخلف القصد، فإذا كان الأمر قاصدا " لم يقدح إكراه المأمور، إنتهى. وهو حسن.
وقال أيضا ": لو أكره الوكيل على الطلاق دون الموكل، ففي صحته وجهان أيضا ": من تحقق
الاختيار في الموكل المالك، ومن سلب عبارة المباشر، إنتهى.
وربما يستدل على فساد العقد في هذين الفرعين بما دل على رفع حكم الاكراه.
وفيه: ما سيجئ من أنه إنما يرفع حينئذ حكما ثابتا " على المكره لولا الاكراه، ولا أثر للعقد
هنا بالنسبة إلى المتكلم به لولا الاكراه. (37)
141

ومما يؤيد ما ذكرنا: حكم المشهور بصحة بيع المكره بعد لحوق الرضا، ومن المعلوم أنه إنما
يتعلق بحاصل العقد الذي هو أمر مستمر وهو النقل والانتقال، وأما التلفظ بالكلام الذي
صدر مكرها " فلا معنى للحوق الرضا به، لأن ما مضى وانقطع لا يتغير عما وقع عليه ولا
ينقلب. (38)
143

نعم، ربما يستشكل هنا في الحكم المذكور: بأن القصد إلى المعنى - ولو على وجه الاكراه -
شرط في الاعتناء بعبارة العقد، ولا يعرف إلا من قبل العاقد، فإذا كان مختارا " أمكن إحرازه
بأصالة القصد في أفعال العقلاء الاختيارية، دون المكره عليها.
اللهم إلا أن يقال: إن الكلام بعد إحراز القصد وعدم تكلم العاقد لاغيا " أو موريا " ولو كان
مكرها "، مع أنه يمكن إجراء أصالة القصد هنا أيضا "، فتأمل. (39)
144

فروع (40)
ولو أكرهه على بيع واحد غير معين من عبدين فباعهما أو باع نصف أحدهما، ففي التذكرة
إشكال.
أقول: أما بيع العبدين، فإن كان تدريجا "، فالظاهر وقوع الأول مكرها " دون الثاني، (41)
146

(ص 124) * (ج 2 ص 53)
148

مع احتمال الرجوع إليه في التعيين، سواء ادعى العكس، أم لا. (42)
ولو باعهما دفعة، احتمل صحة الجميع، لأنه خلاف المكره عليه، (43) والظاهر أنه لم يقع شئ
منهما عن إكراه،
149

وبطلان الجميع، لوقوع أحدهما مكرها " عليه ولا ترجيح، (44)
150

والأول أقوى. (45)
151

ولو أكره على بيع معين، فضم إليه غيره وباعهما دفعة، فالأقوى الصحة في غير ما أكره
153

وأما مسألة النصف، فإن باع النصف بقصد بيع النصف الآخر امتثالا " للمكره - بناء على
شمول الاكراه لبيع المجموع دفعتين - فلا إشكال في وقوعه مكرها " عليه، (47)
154

وإن كان لرجاء أن يقنع المكره بالنصف، كان أيضا " إكراها "، (48)
155

لكن في سماع دعوى البائع ذلك مع عدم الأمارات نظر. (49)
156

بقي الكلام فيما وعدنا ذكره من الفرع المذكور في التحرير، قال في التحرير (لو أكره على
الطلاق فطلق ناويا "، فالأقرب وقوع الطلاق، إنتهى.)
ونحوه في المسالك بزيادة احتمال عدم الوقوع، لأن الاكراه أسقط أثر اللفظ، ومجرد النية لا
حكم لها.
وحكي عن سبطه في نهاية المرام: أنه نقله قولا "، واستدل عليه بعموم ما دل من النص
والاجماع على بطلان عقد المكره - والاكراه يتحقق هنا، إذ المفروض أنه لولاه لما فعله - ثم
قال: والمسألة محل إشكال إنتهى.)
وعن بعض الأجلة: (أنه لو علم أنه لا يلزمه إلا اللفظ وله تجريده عن القصد، فلا شبهة في
عدم الاكراه وإنما يحتمل الاكراه مع عدم العلم بذلك، سواء ظن لزوم القصد وإن لم يرده
المكره، أم لا، إنتهى.)
ثم إن بعض المعاصرين ذكر الفرع عن المسالك، وبناه على أن المكره لا قصد له أصلا "،
فرده بثبوت القصد للمكره، وجزم بوقوع الطلاق المذكور مكرها " عليه.
وفيه: ما عرفت سابقا ": من أنه لم يقل أحد بخلو المكره عن قصد معنى اللفظ، وليس هذا
مرادا " من قولهم: إن المكره غير قاصد إلى مدلول اللفظ، ولذا شرك الشهيد الثاني بين المكره
والفضولي في ذلك كما عرفت سابقا "، فبناء هذا الحكم في هذا الفرع على ما ذكر ضعيف
جدا ". وكذا ما تقدم عن بعض الأجلة: من أنه إن علم بكفاية مجرد اللفظ المجرد عن النية
فنوى اختيارا صح، لأن مرجع ذلك إلى وجوب التورية على العارف بها المتفطن لها، إذ لا
فرق بين التخلص بالتورية بين تجريد
اللفظ عن قصد المعنى بحيث يتكلم به لاغيا "، وقد
عرفت: أن ظاهر الأدلة والأخبار الواردة في طلاق المكره وعتقه: عدم اعتبار العجز عن
التورية.
157

وتوضيح الأقسام المتصورة في الفرع المذكور: أن الاكراه الملحوق بوقوع الطلاق قصدا إليه
راضيا "، به إما أن لا يكون له دخل في الفعل أصلا "، بأن يوقع الطلاق قصدا " إليه عن
طيب النفس، بحيث لا يكون الداعي إليه هو الاكراه، لبنائه على تحمل الضرر المتوعد
به، (50)
ولا يخفى بداهة وقوع الطلاق هنا وعدم جواز حمل الفرع المذكور عليه. (51)
158

فلا معنى لجعله في التحرير أقرب. (52) وذكر احتمال عدم الوقوع في المسالك، وجعله قولا "
في نهاية المرام واستشكاله فيه، لعموم النص والاجماع.
وكذا لا ينبغي التأمل في وقوع الطلاق لو لم يكن الاكراه مستقلا " في داعي الوقوع، بل هو
بضميمة شئ اختياري للفاعل. (53)
159

وإن كان الداعي هو الاكراه، فإما أن يكون الفعل لا من جهة التخلص عن الضرر المتوعد
به، بل من جهة دفع الضرر اللاحق للمكره - بالكسر - (54)
160

كمن قال له ولده: (طلق زوجتك وإلا قتلتك أو قتلت نفسي) فطلق الوالد خوفا " من قتل
الولد نفسه، أو قتل الغير له إذا تعرض لقتل والده أو كان الداعي على الفعل شفقة دينية
على المكره - بالكسر - أو على المطلقة، أو على غيرهما ممن يريد نكاح الزوجة لئلا يقع
الناس في محرم. والحكم في الصورتين لا يخلو عن إشكال. (55)
161

وإن كان الفعل لداعي التخلص من الضرر، فقد يكون قصد الفعل لأجل اعتقاد المكره إن
الحذر لا يتحقق إلا بإيقاع الطلاق حقيقة، لغفلته عن أن التخلص غير متوقف على القصد
إلى وقوع أثر الطلاق وحصول البينونة، فيوطن نفسه على رفع اليد عن الزوجة والاعراض
عنها، فيوقع الطلاق قاصدا "، وهذا كثيرا ما يتفق للعوام.
وقد يكون هذا التوطين والاعراض من جهة جهله بالحكم الشرعي أو كونه رأي مذهب
بعض العامة فزعم أن الطلاق يقع مع الاكراه، فإذا أكره على الطلاق طلق قاصدا " لوقوعه،
لأن القصد إلى اللفظ المكره عليه بعد اعتقاد كونه سببا " مستقلا " في وقوع البينونة يستلزم
القصد إلى وقوعها، فيرضى نفسه بذلك ويوطنها عليه، وهذا أيضا " كثيرا " ما يتفق للعوام
والحكم في هاتين الصورتين لا يخلو عن إشكال إلا أن تحقق الاكراه أقرب. (56)
163

ثم المشهور بين المتأخرين: أنه لو رضي المكره بما فعله صح العقد، بل عن الرياض تبعا "
للحدائق أن عليه اتفاقهم، لأنه عقد حقيقي، فيؤثر أثره مع اجتماع باقي شرائط البيع - وهو
طيب النفس - (57)
164

ودعوى: اعتبار مقارنة طيب النفس للعقد، خالية عن الشاهد، (58)
166

مدفوعة بالاطلاقات (59)
167

وأضعف منها: دعوى اعتبارها في مفهوم العقد اللازم منه عدم كون عقد الفضولي
عقدا " حقيقة. (60)
168

وأضعف من الكل دعوى اعتبار طيب نفس العاقد في تأثير عقده اللازم منه عدم صحة بيع
المكره بحق وكون إكراهه على العقد تعبديا لا لتأثير فيه. (61)
169

ويؤيده فحوى صحة عقد الفضولي، حيث إن المالك طيب النفس بوقوع أثر العقد وغير
منشئ للنقل بكلامه، وإمضاء إنشاء الغير ليس إلا طيب النفس بمضمونه، وليس إنشاء
مستأنفا "، مع أنه لو كان فهو موجود هنا، فلم يصدر من المالك هنالك إلا طيب النفس
بانتقاله متأخرا عن إنشاء العقد، وهذا موجود فيما نحن فيه مع زائد، وهو إنشائه للنقل
المدلول عليه بلفظ العقد، لما عرفت من أن عقده إنشاء حقيقي. (62)
171

وتوهم: أن عقد الفضولي واجد لما هو مفقود هنا - وهو طيب نفس العاقد بما ينشئه -
مدفوع: بالقطع بأن طيب النفس لا أثر له، لا في صدق العقدية، إذ يكفي فيه مجرد قصد
الإنشاء المدلول عليه باللفظ المستعمل فيه، ولا في النقل (63) والانتقال، لعدم مدخلية يد
المالك فيه.
172

نعم، لو صح ما ذكر سابقا ": من توهم أن المكره لا قصد له إلى مدلول اللفظ أصلا "، وأنه
قاصد نفس اللفظ الذي هو بمعنى الصوت - كما صرح به بعض - صح أنه لا يجدي تعقب
الرضا، إذ لا عقد حينئذ لكن عرفت سابقا " أنه خلاف المقطوع من النصوص والفتاوى،
فراجع. (64)
173

فظهر مما ذكرنا ضعف وجه التأمل في المسألة، كما عن الكفاية ومجمع الفائدة تبعا " للمحقق
الثاني في جامع المقاصد (65) وإن انتصر لهم بعض من تأخر عنهم بقوله تعالى: (إلا أن تكون
تجارة عن تراض) الدال على اعتبار كون العقد عن التراضي. (66)
174

مضافا ": إلى النبوي المشهور الدال على رفع حكم الاكراه مؤيدا " بالنقض بالهازل مع أنهم لم
يقولوا بصحته بعد لحوق الرضا. (67)
178

والكل، كما ترى لأن دلالة الآية على اعتبار وقوع العقد عن التراضي إما بمفهوم الحصر
وإما بمفهوم الوصف، ولا حصر كما لا يخفى لأن الاستثناء منقطع غير مفرغ. (68)
ومفهوم الوصف - على القول به - مقيد بعدم ورود الوصف مورد الغالب، كما في (ربائبكم
اللاتي في حجوركم) ودعوى: وقوعه هنا مقام الاحتراز ممنوعة.
وسيجئ زيادة توضيح لعدم دلالة الآية على اعتبار سبق التراضي في بيع الفضولي.
179

وأما حديث الرفع (69)
183

ففيه: أولا ": أن المرفوع فيه هي المؤاخذة والأحكام المتضمنة لمؤاخذة المكره وإلزامه بشئ،
والحكم بوقوف عقده على رضاه راجع إلى أن له أن يرضى بذلك، وهذا حق له لا عليه. (70)
184

نعم، قد يلزم الطرف الآخر بعدم الفسخ حتى يرضى المكره أو يفسخ وهذا إلزام لغيره. (71)
188

والحديث لا يرفع المؤاخذة والالزام عن غير المكره، كما تقدم، وأما الزامه بعد طول المدة
باختيار البيع أو فسخه، فهو من توابع الحق الثابت له بالاكراه، (72) لا من أحكام الفعل
المتحقق على وجه الاكراه.
189

ثم إن ما ذكرنا واضح على القول بكون الرضا ناقلا " وكذلك على القول بالكشف بعد
التأمل. (73)
وثانيا ": أنه يدل على أن الحكم الثابت للفعل المكره عليه لولا الاكراه يرتفع عنه إذا وقع
مكرها عليه - كما هو معنى رفع الخطأ والنسيان أيضا " - وهذا المعنى موجود فيما نحن فيه،
لأن أثر العقد الصادر من المالك مع قطع النظر عن اعتبار عدم الاكراه، السببية المستقلة لنقل
المال، (74)
190

ومن المعلوم انتفاء هذا الأثر بسبب الاكراه، وهذا الأثر الناقص المترتب عليه مع الاكراه
حيث إنه جزء العلة التامة للملكية، لم يكن ثابتا " للفعل مع قطع النظر عن الاكراه ليرتفع به،
إذ المفروض أن الجزئية ثابتة له بوصف الاكراه، فكيف يعقل ارتفاعه بالاكراه!
وبعبارة أخرى: اللزوم الثابت للعقد مع قطع النظر عن اعتبار عدم الاكراه هو اللزوم المنفى
بهذا الحديث، والمدعى ثبوته للعقد بوصف الاكراه هو وقوفه على رضا المالك، وهذا غير
مرتفع بالاكراه.
لكن يرد على هذا: أن مقتضى حكومة الحديث على الاطلاقات هو تقيدها بالمسبوقية بطيب
النفس، فلا يجوز الاستناد إليها الصحة بيع المكره ووقوفه على الرضا اللاحق، فلا يبقى
دليل على صحة بيع المكره، فيرجع إلى أصالة الفساد. (75)
192

وبعبارة أخرى: أدلة صحة البيع تدل على سببية مستقلة، فإذا قيدت بغير المكره لم يبق لها
دلالة على حكم المكره، بل لو كان هنا ما يدل على صحة البيع بالمعنى الأعم من السببية
المستقلة كان دليل الاكراه حاكما " عليه مقيدا " له فلا ينفع.
اللهم إلا أن يقال: إن الاطلاقات المفيدة للسببية المستقلة مقيدة بحكم الأدلة
الأربعة - المقتضية لحرمة أكل المال بالباطل ومع عدم طيب النفس - بالبيع المرضى به، سبقه
الرضا أو لحقه، ومع ذلك فلا حكومة للحديث عليها، إذ البيع المرضي به سابقا " لا يعقل
عروض الاكراه له.
وأما المرضي به بالرضا اللاحق، فإنما يعرضه الاكراه من حيث ذات الموصوف، وهو أصل
البيع، ولا نقول بتأثيره، بل مقتضى الأدلة الأربعة مدخلية الرضا في تأثيره ووجوب الوفاء
به.
193

فالاطلاقات بعد التقييد تثبت التأثير التام لمجموع العقد المكره عليه والرضا به
لاحقا "، ولازمه بحكم العقل كون العقد المكره عليه بعض المؤثر التام، وهذا أمر عقلي غير مجعول
لا يرتفع بالاكراه، لأن الاكراه مأخوذ فيه بالفرض، (76)
194

إلا أن يقال: إن أدلة الاكراه، كما ترفع السببية المستقلة (77) التي أفادتها الاطلاقات قبل
التقييد، ترفع مطلق الأثر عن العقد المكره عليه، لأن التأثير الناقص أيضا " استفيد من الاطلاقات
بعد تقييدها بالرضا الأعم من اللاحق،
وهذا لا يفرق فيه أيضا " بين جعل الرضا ناقلا " أو كاشفا "، إذ على الأول يكون تمام المؤثر
نفسه، وعلى الثاني يكون الأمر المنتزع منه العارض للعقد وهو تعقبه للرضا.
195

وكيف كان، فذات العقد المكره عليه مع قطع النظر عن الرضا أو تعقبه له لا يترتب عليه إلا
كونه جزء المؤثر التام، وهذا أمر عقلي قهري يحصل له بعد حكم الشارع بكون المؤثر التام
هو المجموع منه ومن الرضا أو وصف تعقبه له، فتأمل. (78)
197

بقي الكلام في: أن الرضا المتأخر ناقل أو كاشف؟
مقتضى الأصل وعدم حدوث حل مال الغير إلا عن طيب نفسه هو الأول، إلا أن الأقوى
بحسب الأدلة النقلية هو الثاني، كما سيجئ في مسألة الفضولي. (79)
198

وربما يدعى: أن مقتضى الأصل هنا وفي الفضولي هو الكشف، لأن مقتضى الرضا بالعقد
السابق هو الرضا بما أفاده من نقل الملك حين صدوره، فإمضاء الشارع للرضا بهذا المعنى -
وهو النقل من حين العقد - وترتب الآثار عليه لا يكون إلا بالحكم بحصول الملك في زمان
النقل. (80)
199

هذا مع أنه لا دليل يدل على إمضاء الشارع لإجازة المكره حتى يتم القول بالكشف بعد
تينك المقدمتين وإنما قلنا بذلك تمسكا " باطلاقات المعاملات بعد كون المتيقن من التخصيص
هو عقد لم يقارنه الرضا ولا لحقه، فإن كان المراد من دليل إمضاء الشارع لإجازة المذكورة هو
هذه الاطلاقات فيرجع إلى التمسك بالاطلاقات الذي ذكره ولا يكون وجها " على
حدة، ومعلوم أن الاطلاقات مقتضاها الكشف بلا توقف على تينك المقدمتين.
وفيه: أن مفاد العقد السابق ليس النقل من حينه بل نفس النقل إلا أن إنشائه لما كان في
زمان التكلم، فإن كان ذلك الإنشاء مؤثرا " في نظر الشارع في زمان التكلم حدث الأثر فيه،
وإن كان مؤثرا " بعد حصول أمر حدث الأثر بعده. (81)
200

فحصول النقل في نظر الشارع يتبع زمان حكمه الناشئ من اجتماع ما يعتبر في الحكم،
ولذلك كان الحكم بتحقق الملك بعد القبول أو بعد القبض في الصرف والسلم والهبة، أو بعد
انقضاء زمان الخيار - على مذهب الشيخ - غير مناف لمقتضى الايجاب، ولم يكن تبعيضا " في
مقتضاه بالنسبة إلى الأزمنة. فإن قلت: حكم الشارع بثبوت الملك وإن كان بعد الرضا، إلا أن
حكمه بذلك لما كان من جهة إمضائه للرضا بما وقع فكأنه حكم بعد الرضا بثبوت الملك
قبله. قلت: المراد هو الملك شرعا "، ولا معنى
لتخلف زمانه عن زمان الحكم الشرعي بالملك،
وسيأتي توضيح ذلك في بيع الفضولي إن شاء الله. (82)
201

وإن شئت توضيح ما ذكرنا، فلاحظ مقتضى فسخ العقد، فإنه وإن كان حلا " للعقد السابق
وجعله كأن لم يكن، إلا أنه لا يرتفع به الملكية السابقة على الفسخ، لأن العبرة بزمان حدوثه
لا بزمان متعلقه. (83)
202

ثم على القول بالكشف، هل للطرف الغير المكره أن يفسخ قبل رضا المكره، أم لا؟ يأتي
بيانه في الفضولي إن شاء الله. (84)
203

الكلام في شروط المتعاقدين
* إذن السيد لو كان العاقد عبدا " *
205

مسألة
ومن شروط المتعاقدين: إذن السيد لو كان العاقد عبدا "، فلا يجوز للمملوك أن يوقع عقدا "
إلا بإذن سيده، سواء كان لنفسه في ذمته أو بما في يده، أم لغيره، لعموم أدلة عدم استقلاله
في أموره. (1)
207

قال الله تعالى: (ضرب الله مثلا " عبدا " مملوكا " لا يقدر على شئ.) (2)
208

وعن الفقيه بسنده إلى زرارة عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام قالا: (المملوك لا يجوز
نكاحه ولا طلاقه إلا بإذن سيده.
قلت: فإن كان السيد زوجه بيد من الطلاق؟ قال بيد السيد (ضرب الله مثلا " عبدا " مملوكا "
لا يقدر على شئ) أفشئ الطلاق؟)
والظاهر من القدرة - خصوصا " بقرينة الرواية - هو الاستقلال، إذ المحتاج إلى غيره في فعل
غير قادر عليه، فيعلم عدم استقلاله فيما يصدق عليه أنه شئ، فكل ما صدر عنه من دون
مدخلية المولى فهو شرعا بمنزلة العدم، لا يترتب عليه الأثر المقصود منه، لا أنه لا يترتب
عليه حكم شرعي أصلا "، كيف؟! وأفعال العبيد موضوعات لأحكام كثيرة كالأحرار. (3)
216

وكيف كان، فإنشائات العبد لا يترتب عليها آثارها من دون إذن المولى، أما مع الإذن السابق فلا إشكال، وأما مع الإجازة اللاحقة فيحتمل عدم الوقوع، لأن المنع فيه ليس من
جهة العوضين اللذين يتعلق بهما حق المجيز، فله أن يرضى بما وقع على ماله من التصرف
في السابق وأن لا يرضى، بل المنع من جهة راجعة إلى نفس الإنشاء الصادر، وما صدر على
وجه لا يتغير منه بعده. (4)
217

وبتقرير آخر: إن الإجازة إنما تتعلق بمضمون العقد وحاصله - أعني: انتقال المال بعوض -
وهذا فيما نحن فيه ليس منوطا " برضا المولى قطعا "، إذ المفروض أنه أجنبي عن العوضين،
وإنما له حق في كون إنشاء هذا المضمون قائما " بعبده، فإذا وقع على وجه يستقل به العبد
فلحوق الإجازة لا يخرجه عن الاستقلال الواقع عليه قطعا ".
218

إلا أن الأقوى هو لحوق إجازة المولى، لعموم أدلة الوفاء بالعقود، (5) والمخصص إنما دل
على عدم ترتب الأثر على عقد العبد من دون مدخلية المولى أصلا " - سابقا " ولاحقا " -
لا مدخلية إذنه السابق، ولو شك أيضا " وجب الأخذ بالعموم في مورد الشك. (6)
219

ويؤيد إرادة الأعم من الإجازة: الصحيحة السابقة، فإن جواز النكاح يكفيه لحوق الإجازة
، فالمراد بالإذن هو الأعم، إلا أنه خرج الطلاق بالدليل، ولا يلزم تأخير البيان، لأن الكلام
المذكور مسوق لبيان نفي استقلال العبد في الطلاق بحيث لا يحتاج إلى رضا المولي أصلا "،
بل ومع كراهة المولى كما يرشد إليه التعبير عن السؤال بقوله: (بيد من الطلاق؟) (7)
222

ويؤيد المختار - بل يدل عليه -: ما ورد في صحة نكاح العبد الواقع بغير إذن المولى إذا
أجازه، معللا " ب: (أنه لم يعص الله تعالى وإنما عصى سيده، فإذا أجاز جاز.) بتقريب أن
الرواية يشتمل ما لو كان العبد هو العاقد على نفسه وحمله على ما إذا عقد الغير له مناف
لترك الاستفصال. (8)
224

مع أن تعليل الصحة بأنه لم يعص الله تعالى... الخ في قوة أن يقال: إنه إذا عصى الله بعقد
كالعقد على ما حرم الله تعالى (9) - على ما مثل به الإمام عليه السلام في روايات أخر واردة في
هذه المسألة - كان العقد باطلا "
225

لعدم تصور رضا الله تعالى بما سبق من معصيته. (10)
226

أما إذا لم يعص الله وعصى سيده أمكن رضا سيده فيما بعد بما لم يرض به سابقا "، فإذا
رضي به وأجاز صح.
فيكون: الحاصل إن معيار الصحة في معاملة العبد - بعد كون المعاملة في نفسها مما لم ينه عنه
الشارع - هو رضا سيده، بوقوعه سابقا " أو لاحقا " وإنه إذا عصى سيده بمعاملة ثم رضي
السيد بها صح وأن ما قاله المخالف: من أن معصية السيد لا يزول حكمها برضاه بعده، وإنه
لا ينفع الرضا اللاحق - كما نقله السائل عن طائفة من العامة - غير صحيح، فافهم واغتنم. (11)
ومن ذلك يعرف: أن استشهاد بعض بهذه الروايات على صحة عقد العبد وإن لم يسبقه
إذن ولم يلحقه إجازة، بل ومع سبق النهي أيضا " - لأن غاية الأمر هو عصيان العبد وإثمه
في إيقاع العبد والتصرف في لسانه الذي هو ملك للمولى، لكن النهي مطلقا " لا يوجب
الفساد خصوصا النهي الناشئ عن معصية السيد كما يومئ إليه هذه الأخبار الدالة على أن
معصية السيد لا يقدح بصحة العقد - في غير محله بل الروايات ناطقة - كما عرفت - بأن
الصحة من جهة ارتفاع كراهة المولى وتبدله له بالرضا بما فعله العبد، وليس ككراهة الله
عز وجل بحيث يستحيل رضاه بعد ذلك بوقوعه السابق، فكأنه قال: (لم يعص الله حتى
يستحيل تعقبه للإجازة والرضا وإنما عصى سيده فإذا أجاز جاز) فقد علق الجواز صريحا "
على الإجازة.
227

ودعوى أن تعليق الصحة على إجازة من جهة مضمون العقد وهو التزويج المحتاج إلى
إجازة السيد إجماعا "، لا نفس إنشاء العقد حتى لو فرضناه للغير يكون محتاجا " إلى إجازة
مولى العاقد،
مدفوعة: بأن المنساق من الرواية إعطاء قاعدة كلية: بأن رضا المولى بفعل العبد بعد
وقوعه يكفي في كل ما يتوقف على مراجعة السيد وكان فعله من دون مراجعة أو مع
النهي عنه معصية له، والمفروض إن نفس العقد من هذا القبيل. (12)
ثم إن ما ذكره من عصيان العبد بتصرفه في لسانه وإنه لا يقتضي الفساد، يشعر بزعم أن
المستند في بطلان عقد العبد لغيره هو حرمة تلفظه بألفاظ العقد من دون رضا المولى.
وفيه: أولا ": منع حرمة هذه التصرفات الجزئية، للسيرة المستمرة على مكالمة العبيد ونحو
ذلك من المشاغل الجزئية.
وثانيا ": بداهة أن الحرمة في مثل هذه لا توجب الفساد، فلا يظن استناد العلماء في الفساد
إلى الحرمة.
وثالثا ": أن الاستشهاد بالرواية لعدم كون معصية السيد بالتكلم بألفاظ العقد والتصرف
في لسانه قادحا في صحة العقد، غير صحيح، لأن مقتضاه إن التكلم إن كان معصية لله تعالى
يكون مفسدا "، مع أنه لا يقول به أحد، فإن حرمة العقد من حيث إنه تحريك اللسان - كما
في الصلاة والقراءة المضيقة ونحوهما - لا يوجب فساد العقد إجماعا ".
231

فالتحقيق: أن المستند في الفساد هو الآية المتقدمة، والروايات الواردة في عدم جواز أمر العبد
ومضيه مستقلا "، وإنه ليس له من الأمر شئ. (13)
232

فرع
لو أمر العبد آمر أن يشتري نفسه من مولاه فباعه مولاه صح ولزم، بناء على كفاية
رضا المولى الحاصل من تعريضه للبيع من إذنه الصريح، بل يمكن جعل نفس الايجاب
موجبا " للإذن الضمني. (14) ولا يقدح عدم قابلية المشتري للقبول في زمان الايجاب، (15)
233

لأن هذا الشرط ليس على حد غيره من الشروط المعتبرة في كل من المتعاقدين من أول
الايجاب إلى آخر القبول، بل هو نظير إذن مالك الثمن في الاشتراء، حيث يكفي تحققه بعد
الايجاب وقبل القبول الذي بنى المشتري على إنشائه فضولا ". (16)
وعن القاضي: البطلان في المسألة، مستدلا " عليه باتحاد عبارته مع عبارة السيد فيتحد
الموجب والقابل. (17)
234

وفيه: - مع اقتضائه المنع لو إذن له السيد سابقا " -: منع الاتحاد أولا "، ومنع قدحه
ثانيا ". (18)
هذا إذا أمره الآمر بالاشتراء من مولاه، فإن أمره بالاشتراء من وكيل المولى، فعن
جماعة - منهم المحقق والشهيد الثانيان -: أنه لا يصح، لعدم الإذن من المولى. (19)
235

وربما قيل بالجواز حينئذ أيضا "، بناء على ما سبق منه من أن المنع لأجل النهي وهو لا
يستلزم الفساد.
وفيه: ما عرفت من أن وجه المنع أدلة عدم استقلال العبد في شئ، لا منعه عن التصرف
في لسانه، فراجع ما تقدم، والله أعلم. (20)
236

الكلام في شروط المتعاقدين
* بيع الفضولي *
237

مسألة
ومن شروط المتعاقدين أن يكونا مالكين (1) أو مأذونين من المالك أو الشارع.
فعقد الفضولي لا يصح، أي لا يترتب عليه ما يترتب على عقد غيره من اللزوم.
وهذا مراد من جعل الملك وما في حكمه شرطا "، (2) ثم فرع عليه أن بيع الفضولي موقوف
على الإجازة، كما في القواعد، فاعترض جامع المقاصد: عليه بأن التفريع في غير محله، لعله
في غير محله. وكيف كان، فالمهم التعرض لمسألة عقد الفضولي التي هي من أهم المسائل،
فنقول: اختلف الأصحاب وغيرهم في بيع الفضولي، بل مطلق عقده. بعد اتفاقهم على بطلان
إيقاعه، كما في غاية المراد على أقوال. (3)
239

والمراد بالفضولي - كما ذكره الشهيد -: هو الكامل الغير المالك للتصرف ولو كان غاصبا ".
وفي كلام بعض العامة: إنه العاقد بلا إذن من يحتاج إلى إذنه. وقد يوصف به نفس العقد،
ولعله تسامح. (4)
وكيف كان، فيشمل العقد الصادر من الباكرة الرشيدة بدون إذن الولي، ومن المالك إذا لم
يملك التصرف، لتعلق حق الغير بالمال، كما يومئ إليه استدلالهم لفساد الفضولي بما دل على
المنع من نكاح الباكرة بغير إذنه وليها، وحينئذ فيشمل بيع الراهن والسفيه ونحوهما، وبيع
العبد بدون إذن السيد.
242

وكيف كان، فالظاهر شموله لما إذا تحقق رضا المالك للتصرف باطنا "، وطيب نفسه بالعقد من
دون حصول إذن منه صريحا " أو فحوى " (5)، لأن العاقد لا يصير مالكا " للتصرف ومسلطا "
عليه بمجرد علمه برضا المالك.
243

ويؤيده: - أيضا " -: استدلالهم على صحة الفضولي بحديث عروة البارقي، مع أن الظاهر
علمه برضا النبي صلى الله عليه وآله وسلم بما يفعله، وإن كان الذي يقوى في النفس - لولا خروجه
عن ظاهر الأصحاب - عدم توقفه على الإجازة اللاحقة. (6)
245

بل يكفي فيه رضا المالك المقرون بالعقد، سواء علم به العاقد، أو انكشف بعد العقد حصوله
حينه، أو لم ينكشف أصلا "، فيجب على المالك فيما بينه وبين الله تعالى إمضاء ما رضي به
وترتيب الآثار عليه، لعموم وجوب الوفاء بالعقود. (7)
246

وقوله تعالى: (إلا أن تكون تجارة عن تراض) (8) (ولا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب
نفسه.) (9)،
249

وما دل على أن علم المولى بنكاح العبد وسكوته إقرار منه. (10)
251

ورواية عروة البارقي الآتية، حيث أقبض المبيع وقبض الدينار لعلمه برضا النبي صلى الله عليه
وآله وسلم ولو كان فضوليا " موقوفا " على الإجازة لم يجز التصرف في المعوض والعوض بالقبض
والاقباض، وتقرير النبي صلى الله عليه وآله وسلم له على ما فعل دليل على جوازه. (11)
252

هذا، مع أن كلمات الأصحاب في بعض المقامات يظهر منها خروج هذا الفرض عن الفضولي
وعدم وقوفه على الإجازة، مثل قولهم في الاستدلال على الصحة: (إن الشرائط كلها
حاصلة إلا رضا المالك)، (12)
وقولهم: (إن الإجازة لا يكفي فيها السكوت، لأنه أعم من الرضا)، ونحو ذلك. (13)
253

ثم، لو سلم كونه فضوليا "، لكن ليس كل فضولي يتوقف لزومه على الإجازة، لأنه لا دليل
على توقفه مطلقا " على الإجازة اللاحقة، كما هو أحد الاحتمالات في من باع ملك غيره ثم
ملكه. (14)
مع أنه يمكن الاكتفاء في الإجازة بالرضا الحاصل بعد البيع المذكور آنا " ما، إذ وقوعه برضاه
لا ينفك عن ذلك مع الالتفات. (15)
254

ثم، إنه لو أشكل في عقود غير المالك، فلا ينبغي الإشكال في عقد العبد - نكاحا " أو بيعا " - مع
العلم برضا السيد ولو لم يأذن له، لعدم تحقق المعصية التي هي مناط المنع في الأخبار، وعدم
منافاته لعدم استقلال العبد في التصرف. (16)
255

ثم، إعلم: أن الفضولي قد يبيع للمالك، وقد يبيع لنفسه، وعلى الأول فقد لا يسبقه منع من
المالك، (17) وقد يسبقه المنع، فهنا مسائل ثلاث،
256

الأولى
أن يبيع للمالك مع عدم سبق منع من المالك، وهذا هو المتيقن من عقد الفضولي.
والمشهور: الصحة بل في التذكرة نسبه إلى علمائنا، تارة " صريحا "، وأخرى ظاهرا " بقوله:
(عندنا)، إلا أنه ذكر عقيب ذلك: أن لنا فيه قولا " بالبطلان. (18)
وفي غاية المراد: حكي الصحة عن العماني والمفيد والمرتضى والشيخ - في النهاية - وسلار
والحلبي والقاضي وابن حمزة.
وحكي عن الإسكافي، واستقر عليه رأي من تأخر عدا فخر الدين وبعض متأخري المتأخرين،
كالأردبيلي والسيد الداماد وبعض متأخري المحدثين، لعموم أدلة البيع والعقود، لأن خلوه
عن إذن المالك لا يوجب سلب اسم العقد والبيع عنه، واشتراط ترتب الأثر بالرضا وتوقفه
عليه أيضا " لا مجال لانكاره، فلم يبق الكلام إلا في اشتراط سبق الإذن، وحيث لا دليل عليه
فمقتضى الاطلاقات عدمه، ومرجع ذلك كله إلى عموم (حل البيع) و (وجوب الوفاء بالعقد)،
خرج منه العاري عن الإذن والإجازة معا "، ولم
يعلم خروج ما فقد الإذن ولحقه الإجازة. (19)
257

وإلى ما ذكرنا يرجع استدلالهم: بأنه عقد صدر عن أهله في محله. (20) فما ذكره في غاية
المراد: من أنه من باب المصادرات، لم أتحقق وجهه، لأن كون العاقد أهلا " للعقد من حيث إنه
بالغ عاقل لا كلام فيه، وكذا كون المبيع قابلا " للبيع، فليس محل الكلام إلا خلو العقد عن
مقارنة إذن المالك، وهو مدفوع بالأصل.
267

ولعل مراد الشهيد: أن الكلام في أهلية العاقد، ويكفي في إثباتها العموم المتقدم. (21)
وقد اشتهر الاستدلال عليه بقضية عروة البارقي، حيث دفع إليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم
دينارا "، وقال له: (اشتر لنا به شاة للأضحية) فاشترى به شاتين، ثم باع أحدهما في الطريق
بدينار، فأتى النبي صلى الله عليه وآله
وسلم بالشاة والدينار، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (بارك الله لك في صفقة يمينك)، فإن بيعه وقع فضولا ". (22)
268

وإن وجهنا شرائه على وجه يخرج عن الفضولي. (23)
269

هذا، ولكن لا يخفى أن الاستدلال بها يتوقف على دخول المعاملة المقرونة برضا المالك في بيع
الفضولي. (24)
270

توضيح ذلك: إن الظاهر علم عروة برضا النبي صلى الله عليه وآله وسلم بما يفعل، وقد أقبض المبيع
وقبض الثمن، ولا ريب أن الاقباض والقبض في بيع الفضولي حرام، لكونه تصرفا " في مال
الغير، (25) فلا بد: إما من التزام أن عروة فعل الحرام في القبض والاقباض، وهو مناف لتقرير
النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وإما من القول بأن البيع الذي يعلم بتعقبه للإجازة يجوز التصرف فيه قبل الإجازة، بناء
على كون الإجازة كاشفة، وسيجئ ضعفه.
فيدور الأمر بين ثالث، وهو جعل هذا الفرد من البيع - وهو المقرون برضا المالك - خارجا "
عن الفضولي، كما قلناه.
ورابع، هو علم عروة برضا النبي صلى الله عليه وآله وسلم بإقباض ماله للمشتري حتى يستأذن،
وعلم المشتري بكون البيع فضوليا " حتى يكون دفعه للثمن بيد البائع على وجه الأمانة،
271

وإلا فالفضولي ليس مالكا " ولا وكيلا "، فلا يستحق قبض المال، فلو كان المشتري عالما " فله أن
يستأمنه على الثمن حتى ينكشف الحال، بخلاف ما لو كان جاهلا ". (26)
ولكن الظاهر هو أول الوجهين، كما لا يخفى. (27)
273

خصوصا " بملاحظة أن الظاهر وقوع تلك المعاملة على جهة المعاطاة،
ثم، وصل كل من العوضين إلى صاحب الآخر وعلم برضا صاحبه، كفى في صحة التصرف.
وليس هذا من معاملة الفضولي، لأن الفضولي صار آلة في الايصال، والعبرة برضا المالك
المقرون به. وقد تقدم أن المناط فيها مجرد المراضاة ووصول كل من العوضين إلى صاحب
الآخر وحصوله عنده بإقباض المالك أو غيره ولو كان صبيا أو حيوانا، فإذا حصل التقابض
بين فضوليين أو فضولي وغيره مقرونا برضا المالكين. (28)
274

واستدل له أيضا " - تبعا " للشهيد في الدروس - بصحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر
الباقر عليه السلام قال: (قضى أمير المؤمنين عليه السلام في وليدة باعها ابن سيدها وأبوه غائب،
فاستولدها الذي إشتراها فولدت منه، فجاء سيدها فخاصم سيدها الآخر، فقال: وليدتي باعها
ابني بغير إذني.
فقال عليه السلام: الحكم أن يأخذ وليدته وابنها. فناشده الذي إشتراها، فقال له: خذ ابنه
الذي باعك الوليدة حتى ينفذ البيع لك. فلما رآه أبوه قال له: أرسل ابني. قال: لا والله!
لا أرسل ابنك حتى ترسل ابني، فلما رأى ذلك سيد الوليدة أجاز بيع ابنه.... الحديث).
قال في الدروس: وفيها دلالة على صحة الفضولي وإن الإجازة كاشفة. ولا يرد عليها: شئ
مما يوهن الاستدلال بها، فضلا " عن أن يسقطه. وجميع ما ذكر فيها من الموهنات موهونة. (29)
276

إلا ظهور الرواية في تأثير الإجازة المسبوقة بالرد، من جهة ظهور المخاصمة في ذلك، وإطلاق
حكم الإمام عليه السلام بتعين أخذ الجارية وأنها من المالك - بناء على أنه لو لم يرد البيع
وجب تقييد الأخذ بصورة اختيار الرد - ومناشدة المشتري للإمام عليه السلام والحاحه عليه في
علاج فكاك ولده، وقوله: (حتى ترسل ابني) الظاهر في أنه حبس الولد ولو على قيمته يوم
الولادة. (30)
282

وحمل إمساكه الوليدة على حبسها لأجل ثمنها - كحبس ولدها على القيمة - ينافيه قوله عليه
السلام: (فلما رأى ذلك سيد الوليدة أجاز بيع الولد) (31)
والحاصل: إن ظهور الرواية في رد البيع أولا مما لا ينكره المنصف، إلا أن
الانصاف: أن ظهور الرواية في أن أصل الإجازة مجدية في الفضولي - مع قطع النظر عن الإجازة الشخصية
في مورد الرواية - غير قابل للانكار، فلا بد من تأويل ذلك الظاهر، لقيام القرينة - وهي
الاجماع - على اشتراط الإجازة بعدم سبق الرد. (32)
283

والحاصل: أن مناط الاستدلال لو كان نفس القضية الشخصية من جهة اشتمالها على تصحيح
بيع الفضولي بالإجازة - بناء على قاعدة اشتراك جميع القضايا المتحدة نوعا " في الحكم
الشرعي - كان ظهورها في كون الإجازة الشخصية في تلك القضية مسبوقة بالرد مانعا " عن
الاستدلال بها، موجبا " للاقتصار على موردها، لوجه علمه الإمام عليه السلام مثل كون مالك
الوليدة كاذبا في دعوى عدم الإذن للولد فاحتال عليه السلام حيلة يصل بها الحق إلى صاحبه
أما لو كان مناط الاستدلال ظهور سياق كلام الأمير عليه السلام في قوله (خذ ابنه حتى ينفذ لك
البيع) وقول الباقر عليه السلام في مقام الحكاية (فلما رأى ذلك سيد الوليدة أجاز بيع ابنه) في
أن للمالك أن يجيز العقد الواقع على ملكه، وينفذه لم يقدح في ذلك ظهور الإجازة الشخصية
في وقوعها بعد الرد، فيؤول ما يظهر منه الرد بإرادة عدم الجزم بالإجازة والرد، أو كون حبس
الوليدة على الثمن، أو نحو ذلك. (33)
285

وكأنه قد اشتبه مناط الاستدلال على من لم يستدل بها في مسألة الفضولي، أو يكون الوجه
في الاغماض عنها ضعف الدلالة المذكورة، فإنها لا تزيد على الاشعار، ولذا لم يذكرها في
الدروس في مسألة الفضولي، بل ذكرها في موضع آخر. (34)
287

لكن الفقيه في غنى " منه بعد العمومات المتقدمة.
وربما يستدل أيضا ": بفحوى صحة عقد النكاح من الفضولي في الحر والعبد، (35) الثابتة بالنص
والاجماعات المحكية، فإن تمليك بضع الغير إذا لزم بالإجازة كان تمليك ماله أولى بذلك،
مضافا " إلى ما علم من شدة الاهتمام في عقد النكاح، لأنه يكون منه الولد، كما في بعض الأخبار.
288

وقد أشار إلى هذه الفحوى في غاية المراد واستدل بها في الرياض، بل قال إنه لولاها أشكل
الحكم من جهة الاجماعات المحكية على المنع. وهو حسن، إلا أنها ربما توهن بالنص الوارد في
الرد على العامة الفارقين بين تزويج الوكيل المعزول مع جهله بالعزل وبين بيعه، بالصحة في
الثاني، لأن المال له عوض، والبطلان في الأول، لأن البضع ليس له عوض، حيث قال الإمام عليه السلام - في مقام ردهم واشتباههم في وجه الفرق - (سبحان الله! ما أجور هذا الحكم
وأفسده، فإن النكاح أولى وأجدر أن يحتاط فيه، لأنه الفرج، ومنه يكون الولد.... الخبر.)
وحاصله: أن مقتضى الاحتياط كون النكاح الواقع أولى بالصحة من البيع، من حيث
الاحتياط المتأكد في النكاح دون غيره، فدل على أن صحة البيع يستلزم صحة النكاح
بطريق أولى، خلافا " للعامة حيث عكسوا وحكموا بصحة البيع دون النكاح، فمقتضى حكم
الإمام عليه السلام: أن صحة المعاملة المالية الواقعة في كل مقام تستلزم صحة النكاح الواقع
بطريق أولى، وحينئذ فلا يجوز التعدي من صحة النكاح في مسألة الفضولي إلى صحة البيع،
لأن الحكم في الفرع لا يستلزم الحكم في الأصل في باب الأولوية، وإلا لم يتحقق الأولوية،
كما لا يخفى. (36)
292

فالاستدلال بصحة النكاح على صحة البيع مطابق لحكم العامة من كون النكاح أولى
بالبطلان من جهة أن البضع غير قابل للتدارك بالعوض. (37)
بقي الكلام في وجه جعل الإمام عليه السلام الاحتياط في النكاح هو إبقاؤه دون إبطاله
، مستدلا " بأنه يكون منه الولد، مع أن الأمر في الفروج كالأموال دائر بين محذورين
، ولا احتياط في البين. ويمكن أن يكون الوجه في ذلك: أن إبطال النكاح في مقام الإشكال
والاشتباه يستلزم التفريق بين الزوجين على تقدير الصحة واقعا " فيتزوج المرأة ويحصل الزنا
بذات البعل بخلاف إبقائه، فإنه على تقدير بطلان النكاح لا يلزم منه إلا وطء المرأة الخالية
عن المانع، وهذا أهون من وطء ذات البعل.
فالمراد بالأحوط هو الأشد احتياطا ". (38)
وكيف كان، فمقتضى هذه الصحيحة: أنه إذا حكم بصحة النكاح الواقع من الفضولي، لم
يوجب ذلك التعدي إلى الحكم بصحة بيع الفضولي. نعم، لو ورد الحكم بصحة البيع أمكن
الحكم بصحة النكاح، لأن النكاح أولى بعدم الابطال، كما هو نص الرواية.
ثم إن الرواية وإن لم يكن لها دخل بمسألة الفضولي، إلا أن المستفاد منها قاعدة كلية، هي: إن
إمضاء العقود المالية يستلزم إمضاء النكاح، من دون العكس الذي هو مبنى الاستدلال في
مسألة الفضولي.
297

هذا، ثم إنه ربما يؤيد صحة الفضولي، بل يستدل عليها: بروايات كثيرة وردت في مقامات
خاصة، مثل موثقة جميل عن أبي عبد الله عليه السلام: (في رجل دفع إلى رجل مالا " ليشتري به
ضربا " من المتاع مضاربة، فاشترى غير الذي أمره، قال هو ضامن والربح بينهما على ما
شرطه) ونحوها غيرها الواردة في هذا الباب. (39)
298

فإنها إن أبقيت على ظاهرها من عدم توقف ملك الربح على الإجازة - كما نسب إلى ظاهر
الأصحاب، وعد هذا خارجا " عن بيع الفضولي بالنص، كما في المسالك وغيره (40) -
كان فيها استيناس لحكم المسألة، من حيث عدم اعتبار إذن المالك سابقا " في نقل مال المالك
إلى غيره. (41) الإذن
302

وإن حملناها على صورة رضا المالك بالمعاملة بعد ظهور الربح - كما هو الغالب، ومقتضى
الجمع بين هذه الأخبار، وبين ما دل على اعتبار رضا المالك في نقل ماله والنهي عن أكل
المال بالباطل - اندرجت المعاملة في الفضولي. (42) وصحتها في خصوص المورد وإن احتمل
كونها للنص الخاص، إلا أنها لا تخلو عن تأييد للمطلب.
ومن هذا القبيل: الأخبار الواردة في اتجار غير الولي في مال اليتيم، وإن الربح لليتيم، فإنها
إن حملت على صورة إجازة الولي - كما هو صريح جماعة تبعا " للشهيد - كان من أفراد
المسألة، وإن عمل بإطلاقها - كما عن جماعة ممن تقدمهم - خرجت عن مسألة الفضولي،
لكن يستأنس بها لها بالتقريب المتقدم. (43)
304

وربما احتمل دخولها في المسألة من حيث إن الحكم بالمضي إجازة إلهية لاحقة للمعاملة،
فتأمل. (44)
308

وربما يؤيد المطلب - أيضا " -: برواية ابن أشيم الواردة في العبد المأذون الذي دفع إليه مال
ليشتري به نسمة ويعتقها، ويحجه عن أبيه، فاشترى أباه وأعتقه، ثم تنازع مولى المأذون
ومولى الأب وورثة الدافع، وادعى كل منهم أنه اشتراه بماله، فقال أبو جعفر عليه السلام: (يرد
المملوك رقا " لمولاه، وأي الفريقين أقاموا البينة بعد ذلك على أنه اشتراه بماله كان رقا " له
.... الخبر)، بناء على أنه لولا كفاية الاشتراء بعين المال في تملك المبيع. (45) بعد مطالبته
المتضمنة
لإجازة البيع، لم يكن مجرد دعوى الشراء بالمال ولا إقامة البينة عليها كافية في
تملك المبيع.
309

ومما يؤيد المطلب أيضا ": صحيحة الحلبي عن الرجل يشتري ثوبا " ولم يشترط على صاحبه
شيئا "، فكرهه ثم رده على صاحبه، فأبى أن يقبله إلا بوضيعة، قال: (لا يصلح له أن يأخذ
بوضيعة، فإن جهل فأخذه فباعه بأكثر من ثمنه، رد على صاحبه الأول ما زاد)، فإن الحكم
برد ما زاد لا ينطبق بظاهره إلا على صحة بيع الفضولي لنفسه. (46)
313

ويمكن التأييد له - أيضا " - بموثقة عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام: (عن السمسار يشترى
بالأجر فيدفع إليه الورق، فيشترط عليه إنك تأتي بما تشترى فما شئت أخذته وما شئت
تركته، فيذهب فيشترى ثم يأتي بالمتاع، فيقول: خذ ما رضيت ودع ما كرهت.
قال: لا بأس.... الخبر.) (47)
315

بناء على أن الاشتراء من السمسار يحتمل أن يكون لنفسه، ليكون الورق عليه قرضا "
فيبيع على صاحب الورق ما رضيه من الأمتعة، ويوفيه دينه. ولا ينافي في هذا الاحتمال
فرض السمسار في الرواية ممن يشتري بالأجر، لأن توصيفه بذلك باعتبار أصل حرفته
وشغله، لا بملاحظة هذه القضية الشخصية. ويحتمل أن يكون لصاحب الورق بإذنه مع جعل
خيار له على بائع الأمتعة فيلتزم بالبيع فيما رضي ويفسخه فيما كره.
ويحتمل أن يكون فضوليا " عن صاحب الورق، فيتخير ما يريد ويرد ما يكره. (48)
316

وليس في مورد الرواية ظهور في إذن صاحب الورق للسمسار على وجه ينافي كونه
فضوليا "، كما لا يخفى. (49) فإذا احتمل مورد السؤال لهذه الوجوه وحكم الإمام عليه السلام
بعدم البأس - من دون استفصال عن المحتملات - أفاد ثبوت الحكم على جميع الاحتمالات.
317

وربما يؤيد المطلب بالأخبار الدالة على عدم فساد نكاح العبد بدون إذن مولاه، معللا بأنه لم
يعص الله وإنما عصى سيده. (50)
وحاصله: أن المانع من صحة العقد إذا كان لا يرجى زواله فهو الموجب لوقوع العقد
باطلا "، وهو عصيان الله تعالى، وأما المانع الذي يرجى زواله - كعصيان السيد - فبزواله
يصح العقد، ورضا المالك من هذا القبيل، فإنه لا يرضى أولا " ويرضى ثانيا "، بخلاف سخط
الله عز وجل بفعل، فإنه يستحيل رضاه.
318

هذا غاية ما يمكن أن يحتج ويستشهد به للقول بالصحة، وبعضها وإن كان مما يمكن الخدشة
فيه، إلا أن في بعضها الآخر غنى " وكفاية. (53)
321

واحتج للبطلان بالأدلة الأربعة:
أما الكتاب، فقوله تعالى: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن
تراض). دل بمفهوم الحصر أو سياق التحديد على أن غير التجارة عن تراض أو التجارة لا
عن تراض غير مبيح لأكل مال الغير وإن لحقها الرضا، ومن المعلوم أن الفضولي غير داخل
في المستثنى. وفيه: أن دلالته على الحصر ممنوعة، لانقطاع الاستثناء، - كما هو ظاهر اللفظ
وصريح المحكي عن جماعة من المفسرين - ضرورة عدم كون التجارة عن تراض فردا " من
الباطل خارجا " عن حكمه. (54)
322

وأما سياق التحديد الموجب لثبوت مفهوم القيد، فهو - مع تسليمه - مخصوص بما إذا لم يكن
للقيد فائدة أخرى، ككونه واردا " مورد الغالب، كما فيما نحن فيه وفي قوله تعالى: (وربائبكم
اللاتي في حجوركم) (55)
مع احتمال أن يكون (عن تراض) خبرا " بعد خبر لتكون على قراءة نصب (التجارة) - لا
قيدا " لها - (56) وإن كان غلبة توصيف النكرة تؤيد التقييد - فيكون المعنى: إلا أن يكون سبب
الأكل (تجارة) وتكون (عن تراض)
ومن المعلوم: أن السبب الموجب لحل الأكل في الفضولي إنما نشأ عن التراضي، (57)
327

مع أن الخطاب لملاك الأموال، والتجارة في الفضولي إنما تصير تجارة المالك بعد الإجازة،
فتجارته عن تراض. (58)
329

وقد حكي عن المجمع: أن مذهب الإمامية والشافعية وغيرهم أن معنى التراضي بالتجارة
إمضاء البيع بالتفرق أو التخاير بعد العقد.
ولعله يناسب ما ذكرنا من كون الظرف خبرا " بعد خبر. (59)
وأما السنة، فهي أخبار: منها: النبوي المستفيض، وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم لحكيم بن
حزام: (لا تبع ما ليس عندك) (60) فإن عدم حضوره عنده كناية عن عدم تسلطه على
تسليمه، لعدم تملكه.
331

فيكون مساوقا للنبوي الآخر: (لا بيع إلا فيما يملك) بعد قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (لاطلاق
إلا فيما يملك، ولا عتق إلا فيما يملك) ولما ورد في توقيع العسكري صلوات الله عليه إلى الصفار:
(لا يجوز بيع ما ليس يملك). (61)
وما عن الحميري إن مولانا عجل الله فرجه كتب في جواب بعض مسائله: (إن الضيعة لا يجوز
ابتياعها إلا عن مالكها أو بأمره أو رضا " منه). (62)
332

وما في الصحيح عن محمد بن مسلم الوارد في أرض بفم النيل إشتراها رجل، وأهل الأرض
يقولون: هي أرضنا، وأهل الأسياف يقولون: هي من أرضنا. فقال: (لا تشترها إلا برضا
أهلها). (63)
333

وما في الصحيح عن محمد بن القاسم بن الفضل في رجل اشترى من امرأة من آل فلان
بعض قطائعهم، فكتب عليها كتابا " إنها قد قبضت المال ولم تقبضه، فيعطيها المال أم يمنعها؟
قال: قل له: يمنعها أشد المنع، فإنها باعت ما لم تملكه). (64) والجواب عن النبوي أولا ": أن
الظاهر من الموصول هي العين الشخصية، للاجماع والنص على جواز بيع الكلي، ومن البيع
البيع لنفسه، لا عن مالك العين، وحينئذ فإما أن يراد بالبيع مجرد الإنشاء، فيكون دليلا " على
عدم جواز بيع الفضولي لنفسه، فلا يقع له ولا للمالك بعد إجازته. وإما أن يراد ما عن
التذكرة من أن يبيع عن نفسه ثم يمضي ليشتريه من مالكه، قال: لأنه صلى الله عليه وآله وسلم
ذكره جوابا " لحكيم بن حزام، حيث سأله عن أن يبيع الشئ فيمضي ويشتريه ويسلمه، فإن
هذا البيع غير جائز، ولا نعلم فيه خلافا "، للنهي المذكور وللغرر، لأن صاحبها قد لا يبيعها، إنتهى.
وهذا المعنى يرجع إلى المراد من روايتي خالد ويحيى الآتيتين في بيع الفضولي لنفسه، ويكون
بطلان البيع بمعنى عدم وقوع البيع للبائع بمجرد انتقاله إليه بالشراء، فلا ينافي أهليته لتعقب
الإجازة من المالك. وبعبارة أخرى: نهى المخاطب عن البيع دليل على عدم وقوعه مؤثرا " في
حقه، فلا يدل على إلغائه بالنسبة إلى المالك حتى لا تنفعه إجازة المالك في وقوعه له (65)
334

وهذا المعنى أظهر من الأول ونحن نقول به، كما سيجئ. (66)
وثانيا ": سلمنا دلالة النبوي على المنع، لكنها بالعموم، فيجب تخصيصه بما تقدم من الأدلة
الدالة على تصحيح بيع ما ليس عند العاقد لمالكه إذا أجاز. (67)
337

وبما ذكرناه من الجوابين يظهر الجواب عن دلالة قوله: (لا بيع إلا في ملك)، فإن الظاهر منه
كون المنفى هو البيع لنفسه، وأن النفي راجع إلى نفي الصحة في حقه لا في حق المالك، مع
أن العموم - لو سلم - وجب تخصيصه بما دل على وقوع البيع للمالك إذا أجاز. (68)
339

وأما الروايتان، فدلالتهما على ما حملنا عليه السابقتين أوضح، وليس فيهما ما يدل - ولو
بالعموم - على عدم وقوع البيع الواقع من غير المالك له إذا أجاز. (69)
وأما الحصر في صحيحة ابن مسلم والتوقيع، فإنما هو في مقابلة عدم رضا أهل الأرض
والضيعة رأسا " على ما يقتضيه السؤال فيهما. (70)
وتوضيحه: إن النهي في مثل المقام وإن كان يقتضي الفساد، إلا أنه بمعنى عدم ترتب الأثر
المقصود من المعاملة عليه. ومن المعلوم: إن عقد الفضولي لا يترتب عليه بنفسه الملك
المقصود منه، ولذا يطلق عليه الباطل في عباراتهم كثيرا "، ولذا عد في الشرايع والقواعد
من شروط المتعاقدين - أعني: شروط الصحة -: كون العاقد مالكا " أو قائما " مقامه.
342

وإن أبيت إلا عن ظهور الروايتين في لغوية عند الفضولي رأسا "، وجب تخصيصها بما تقدم
من أدلة الصحة. (71) وأما رواية القاسم بن فضل، فلا دلالة فيها إلا على عدم جواز إعطاء
الثمن للفضولي، لأنه باع ما لا يملك، وهذا حق لا ينافي صحة الفضولي. (72)
وأما توقيع الصفار، فالظاهر منه نفي جواز البيع فيما لا يملك بمعنى وقوعه للبائع على جهة
الوجوب واللزوم، ويؤيده: تصريحه عليه السلام بعد تلك الفقرة بوجوب البيع فيما يملك، فلا
دلالة على عدم وقوعه لمالكه إذا أجاز. وبالجملة: فالانصاف أنه لا دلالة في تلك الأخبار
بأسرها على عدم وقوع بيع غير المالك للمالك إذا أجاز، ولا تعرض فيها إلا لنفي وقوعه
للعاقد.
الثالث: الاجماع على البطلان، ادعاه الشيخ في الخلاف معترفا " بأن الصحة مذهب قوم من
أصحابنا، معتذرا " عن ذلك بعدم الاعتداد بخلافهم، وادعاه ابن زهرة أيضا في الغنية، وادعى
الحلي في باب المضاربة عدم الخلاف في بطلان شراء الغاصب إذا اشترى بعين المغصوب.
والجواب: عدم الظن بالاجماع، بل الظن بعدمه، (73) بعد ذهاب معظم القدماء - كالقديمين
والمفيد والمرتضي والشيخ بنفسه في النهاية التي هي آخر مصنفاته على ما قيل وأتباعهم -
على الصحة، واطباق المتأخرين عليه، عدا فخر الدين وبعض متأخري المتأخرين.
343

الرابع: ما دل من العقل والنقل (74) على عدم جواز التصرف في مال الغير إلا بإذنه، فإن
الرضا اللاحق لا ينفع في رفع القبح الثابت حال التصرف، ففي التوقيع المروى في
الاحتجاج: (لا يجوز لأحد أن يتصرف في مال غيره إلا بإذنه)، ولا ريب أن بيع مال الغير
تصرف فيه عرفا ".
344

والجواب: أن العقد على مال الغير متوقعا " لإجازته غير قاصد لترتيب الآثار عليها ليس
تصرفا " فيه. (75) نعم، لو فرض كون العقد علة " تامة " ولو عرفا " لحصول الآثار - في بيع
المالك أو الغاصب المستقل - كان حكم العقد جوازا " ومنعا " حكم معلولة المترتب عليه. (76)
ثم لو فرض كونه تصرفا "، فمما استقل العقل بجوازه مثل الاستضائة والاصطلاء بنور الغير
وناره، (77)
346

مع أنه قد يفرض الكلام فيما إذا علم الإذن في هذا من المقال أو الحال، بناء " على أن ذلك لا
يخرجه عن الفضولي (78)، مع أن تحريمه لا يدل على الفساد، (79)
347

مع أنه لو دل لدل على بطلان البيع بمعنى عدم ترتب الأثر عليه وعدم استقلاله في ذلك،
ولا ينكره القائل بالصحة، خصوصا " إذا كانت الإجازة ناقلة. (80)
349

ومما ذكرنا ظهر الجواب عما لو وقع العقد من الفضولي قاصدا " لترتيب الأثر من دون
مراجعة المشتري، بناء على أن العقد المقرون بهذا القصد قبيح محرم لا نفس القصد المقرون
بهذا العقد. (81)
350

وقد يستدل للمنع بوجوه آخر ضعيفة، أقواها: أن القدرة على التسليم معتبرة في صحة البيع،
والفضولي غير قادر (82)، وأن الفضولي غير قاصد حقيقة إلى مدلول اللفظ كالمكره، كما صرح
في المسالك. (83)
351

ويضعف الأول - مضافا " إلى إن الفضولي قد يكون قادرا " على ارضاء المالك - بأن هذا
الشرط غير معتبر في العاقد قطعا "، بل يكفي تحققه في المالك، فحينئذ يشترط في صحة العقد
مع الإجازة قدرة المجيز على تسليمه وقدرة المشتري على تسلمه على ما سيجئ. (84)
352

ويضعف الثاني: بأن المعتبر في العقد هو هذا القدر من القصد الموجود في الفضولي والمكره، لا
أزيد منه، بدليل الاجماع على صحة نكاح الفضولي وبيع المكره بحق، فإن دعوى عدم
اعتبار القصد في ذلك للاجماع، كما ترى! (85)
353

المسألة الثانية
أن يسبقه منع المالك، والمشهور أيضا " صحته. (86)
354

وحكي عن فخر الدين: أن بعض المجوزين للفضولي اعتبر عدم سبق نهي المالك.
ويلوح إليه ما عن التذكرة - في باب النكاح - من حمل النبوي (أيما عبد تزوج بغير إذن مولاه
فهو عاهر) - بعد تضعيف السند - على أنه نكح بعد منع مولاه وكراهته فإنه يقع باطلا ". (87)
والظاهر: أنه لا يفرق بين النكاح وغيره، ويظهر من المحقق الثاني، حيث احتمل فساد بيع
الغاصب، نظرا " إلى القرينة الدالة على عدم الرضا وهي الغصب.
355

وكيف كان، فهذا القول لا وجه له ظاهرا "، عدا تخيل: إن المستند في عقد الفضولي هي رواية
عروة المختصة بغير المقام، وإن العقد إذا وقع منهيا " عنه فالمنع الموجود بعد العقد - ولو آنا "
ما - كاف في الرد، فلا ينفع الإجازة اللاحقة. (88)
356

بناء على أنه لا يعتبر في الرد سوى عدم الرضا الباطني بالعقد. (89) على ما يقتضيه حكم
بعضهم بأنه إذا حلف الموكل على نفي الإذن في اشتراء الوكيل انفسخ العقد، لأن الحلف
عليه أمارة عدم الرضا. (90)
357

هذا، ولكن الأقوى عدم الفرق، لعدم انحصار المستند حينئذ في رواية عروة، وكفاية
العمومات، (91) مضافا " إلى ترك الاستفصال في صحيحة محمد بن قيس، (92)
358

وجريان فحوى أدلة نكاح العبد بدون إذن مولاه. (93) مع ظهور المنع فيها ولو بشاهد
الحال بين الموالي والعبيد (94)، مع أن رواية إجازته صريحة في عدم قدح معصية السيد. (95)
359

مع جريان المؤيدات المتقدمة له: من بيع مال اليتيم (96) والمغصوب، ومخالفة العامل لما اشترط
عليه رب المال، الصريح في منعه عما عداه. (97)
360

وأما ما ذكره من المنع الباقي بعد العقد ولو آنا " ما، فلم يدل دليل على كونه فسخا " لا ينفع
بعده الإجازة. (98)
وما ذكره في حلف الموكل غير مسلم، ولو سلم فمن جهة ظهور الاقدام على الحلف على ما
أنكره في رد البيع وعدم تسليمه له. (99)
ومما ذكرنا يظهر وجه صحة عقد المكره بعد الرضا، وإن كراهة المالك حال العقد وبعد العقد
لا يقدح في صحته إذا لحقه الإجازة.
361

المسألة الثالثة
أن يبيع الفضولي لنفسه، وهذا غالبا " يكون في بيع الغاصب، وقد يتفق من غيره بزعم ملكية
المبيع. (100) كما في مورد صحيحة الحلبي المتقدمة في الإقالة بوضيعة.
والأقوى فيه: الصحة وفاقا " للمشهور، للعمومات المتقدمة بالتقريب المتقدم. (101)
363

وفحوى الصحة في النكاح (102)
364

وأكثر ما تقدم من المؤيدات، مع ظهور صحيحة ابن قيس المتقدمة. (103)
ولا وجه للفرق بينه وبين ما تقدم من بيع الفضولي للمالك إلا وجوه يظهر من كلمات جماعة،
بعضها مختص ببيع الغاصب، وبعضها مشترك بين جميع صور المسألة:
منها: إطلاق ما تقدم من النبويين: (لا تبع ما ليس عندك) و (لا بيع إلا في ملك) وغير هما (104)
، بناء على اختصاص مورد الجميع ببيع الفضولي لنفسه. (105) -
365

والجواب عنها: يعرف مما تقدم، من أن مضمونها عدم وقوع بيع غير المالك لبائعه الغير
المالك، بلا تعرض فيها لوقوعه وعدمه بالنسبة إلى المالك إذا أجاز. (106)
ومنها: بناء المسألة على ما سبق من اعتبار عدم سبق منع المالك، وهذا غالبا " مفقود في
المغصوب، وقد تقدم عن المحقق الكركي أن الغصب قرينة عدم الرضا. (107)
وفيه: أولا " أن الكلام في الأعم من بيع الغاصب.
وثانيا ": أن الغصب أمارة عدم الرضا بالبيع للغاصب لا مطلقا "، فقد يرضى المالك ببيع
الغاصب لتوقع الإجازة وتملك الثمن، فليس في الغصب دلالة على عدم الرضا بأصل البيع،
بل الغاصب وغيره من هذه الجهة سواء.
وثالثا ": قد عرفت أن سبق منع المالك غير مؤثر.
366

ومنها: أن الفضولي إذا قصد إلى بيع مال الغير لنفسه، لم يقصد حقيقة المعاوضة، إذ لا يعقل
دخول أحد العوضين في ملك من لم يخرج عن ملكه الآخر، فالمعاوضة الحقيقية غير متصورة
، فحقيقته يرجع إلى إعطاء المبيع وأخذ الثمن لنفسه، وهذا ليس بيعا ". (108)
368

والجواب من ذلك - مع اختصاصه ببيع الغاصب -: إن قصد المعاوضة الحقيقية مبني على
جعل الغاصب نفسه مالكا " حقيقيا ". (109)
372

وإن كان هذا الجعل لا حقيقة له، لكن المعاوضة المبنية على هذا الأمر الغير الحقيقي حقيقية،
نظير المجاز الادعائي في الأصول. (110)
نعم، لو باع لنفسه من دون بناء على ملكية المثمن ولا اعتقاد له، كانت المعاملة باطلة غير
واقعة له ولا للمالك، لعدم تحقق معنى المعاوضة، ولذا ذكروا أنه لو اشترى بماله لغيره شيئا "
بطل، ولم يقع له ولا لغيره، والمراد ما لو قصد تملك الغير للمبيع بإزاء مال نفسه.
وقد تخيل بعض المحققين: إن البطلان هنا يستلزم البطلان للمقام، وهو ما لو باع مال غيره
لنفسه، لأنه عكسه، وقد عرفت: إن عكسه هو ما إذا قصد تملك الثمن من دون بناء ولا
اعتقاد لتملك المثمن، لأن المفروض الكلام في وقوع المعاملة للمالك إذا أجاز. (111)
378

ومنها: أن الفضولي إذا قصد البيع لنفسه، فإن تعلقت إجازة المالك بهذا الذي قصده البائع
كان منافيا " لصحة العقد (112) لأن معناها هو صيرورة الثمن لمالك المثمن بإجازته، وإن تعلقت
بغير المقصود كانت بعقد مستأنف، لا إمضاء لنقل الفضولي، فيكون النقل من المنشئ غير مجاز،
والمجاز غير منشأ.
وقد أجاب المحقق القمي رحمه الله عن هذا - في بعض أجوبة مسائله - بأن الإجازة في هذه
الصورة مصححة للبيع، لا بمعنى لحوق الإجازة لنفس العقد، - كما في الفضولي المعهود - بل
بمعنى تبديل رضا الغاصب وبيعه لنفسه برضى المالك ووقوع البيع عنه، وقال نظير ذلك فيما
لو باع شيئا " ثم ملكه. (113)
وقد صرح في موضع آخر: بأن حاصل الإجازة يرجع إلى أن العقد الذي قصد إلى كونه
واقعا " على المال المعين لنفس البائع الغاصب والمشتري العالم قد بدلته بكونه على هذا الملك
بعينه لنفسي، فيكون عقدا " جديدا "، كما هو أحد الأقوال في الإجازة.
379

وفيه: أن الإجازة على هذا تصير - كما اعترف - معاوضة جديدة من طرف المجيز والمشتري،
لأن المفروض عدم رضا المشتري ثانيا " بالتبديل المذكور، لأن قصد البائع البيع لنفسه إذا
فرض تأثيره في مغايرة العقد الواقع للعقد المجاز، فالمشتري إنما رضي بذلك الايجاب المغاير
لمؤدى الإجازة، فإذا التزم يكون مرجع الإجازة إلى تبديل عقد بعقد، وبعدم الحاجة إلى قبول
المشتري ثانيا "، فقد قامت الإجازة من المالك مقام إيجابه وقبول المشتري، وهذا خلاف
الاجماع والعقل. (114)
وأما القول بكون الإجازة عقدا " مستأنفا " فلم يعهد من أحد من العلماء وغيرهم.
وإنما حكى كاشف الرموز عن شيخه: أن الإجازة من مالك المبيع بيع مستقل فهو بغير لفظ
البيع قائم مقام إيجاب البائع، وينضم إليه القبول المتقدم من المشتري.
وهذا لا يجري فيما نحن فيه، لأنه إذا قصد البائع البيع لنفسه فقد قصد المشتري تمليك
الثمن للبائع وتملك المبيع منه، فإذا بنى على كون وقوع البيع للمالك مغايرا " لما وقع، فلا بد
له من قبول آخر، فالاكتفاء عنه بمجرد إجازة البائع الراجعة إلى تبديل البيع للغاصب بالبيع
لنفسه، التزام بكفاية رضا البائع وإنشائه عن رضا المشتري وإنشائه، وهذا ما ذكرنا أنه
خلاف الاجماع والعقل. (115)
381

فالأولى في الجواب: منع مغايرة ما وقع لما أجيز، وتوضيحه: أن البائع الفضولي إنما قصد
تمليك المثمن للمشتري بإزاء الثمن، وأما كون الثمن مالا " له أو لغيره، فإيجاب البيع ساكت
عنه، (116) فيرجع فيه إلى ما يقتضيه مفهوم المعاوضة من دخول العوض في ملك مالك
المعوض تحقيقا "، لمعنى المعاوضة والمبادلة، وحيث أن البائع يملك المثمن بانيا " على
تملكه له وتسلطه عليه عدوانا " أو اعتقادا "، لزم من ذلك بنائه على تملك الثمن والتسلط
عليه، وهذا معنى قصد بيعه لنفسه، وحيث إن المثمن ملك لمالكه واقعا " فإذا أجاز المعاوضة
انتقل عوضه إليه، فعلم من ذلك أن قصد البائع البيع لنفسه غير مأخوذ في مفهوم الايجاب
حتى يتردد الأمر في هذا المقام بين المحذورين المذكورين، بل مفهوم الايجاب هو تمليك المثمن
بعوض من دون تعرض فيه لمن يرجع إليه العوض، إلا باقتضاء المعاوضة لذلك.
382

ولكن يشكل فيما إذا فرضنا الفضولي مشتريا " لنفسه بمال الغير فقال للبائع الأصيل: تملكت
منك - أو ملكت - هذا الثوب بهذه الدراهم، فإن مفهوم هذا الإنشاء هو تملك الفضولي للثوب،
فلا مورد لإجازة مالك الدراهم على وجه ينتقل الثوب إليه، (117) فلا بد من التزام كون
الإجازة نقلا " مستأنفا " غير ما أنشأه الفضولي الغاصب.
383

وبالجملة: فنسبة المتكلم الفضولي بتملك المثمن إلى نفسه بقوله: ملكت أو تملكت، كإيقاع
المتكلم الأصلي التمليك على المخاطب الفضولي بقوله: ملكتك هذا الثوب بهذه الدراهم مع
علمه بكون الدراهم لغيره أو جهله بذلك. وبهذا استشكل العلامة رحمه الله في التذكرة، حيث
قال: لو باع الفضولي مع جهل الآخر فإشكال، من أن الآخر إنما قصد تمليك العاقد.
ولا ينتقض بما لو جهل الآخر وكالة العاقد أو ولايته، لأنه حينئذ إنما يقصد به المخاطب
بعنوانه الأعم من كونه أصليا " أو نائبا "، ولذا يجوز مخاطبته وإسناد الملك إليه مع علمه
بكونه نائبا "، وليس إلا بملاحظة المخاطب باعتبار كونه نائبا "، فإذا صح اعتباره نائبا " صح
اعتباره على الوجه الأعم من كونه نائبا " أو أصليا ". أما الفضولي فهو أجنبي عن المالك
لا يمكن فيه ذلك الاعتبار. (118)
386

وقد تفطن بعض المعاصرين لهذا الإشكال في بعض كلماته، فالتزم تارة ببطلان شراء الغاصب
لنفسه، مع أنه لا يخفى مخالفته للفتاوى وأكثر النصوص المتقدمة في المسألة كما اعترف به
أخيرا "، (119) وأخرى بأن الإجازة إنما تتعلق بنفس مبادلة العوضين وإن كانت خصوصية
ملك المشتري الغاصب للمثمن مأخوذة فيها. وفيه: أن حقيقة العقد في العبارة التي ذكرناها
في الإشكال - أعني: قول المشتري الغاصب: تملكت أو ملكت هذا منك بهذه الدراهم - ليس
إلا إنشاء تملكه للمبيع، فإجازة هذا الإنشاء لا يحصل بها تملك المالك الأصلي له، بل يتوقف
على نقل مستأنف. (120)
فالأنسب في التفصي أن يقال: إن نسبة الملك إلى الفضولي العاقد لنفسه في قوله: (تملكت
منك)، أو قول غيره له: (ملكتك) ليس من حيث هو، بل من حيث جعل نفسه مالكا " للثمن
اعتقادا " أو عدوانا "، ولذا لو عقد لنفسه من دون البناء على مالكيته للثمن التزمنا بلغويته،
ضرورة عدم تحقق مفهوم المبادلة بتملك شخص المال بإزاء مال غيره، فالمبادلة الحقيقية من
العاقد لنفسه لا يكون إلا إذا كان مالكا " حقيقيا " أو ادعائيا ". (121)
387

فلو لم يكن أحدهما وعقد لنفسه لم يتحقق المعاوضة والمبادلة حقيقة، فإذا قال الفضولي
الغاصب المشتري لنفسه: (تملكت منك كذا بكذا) فالمنسوب إليه التملك إنما هو المتكلم لا من
حيث هو، بل من حيث عد نفسه مالكا " اعتقادا " أو عدوانا "، وحيث إن الثابت للشئ من
حيثية تقييدية ثابت لنفس تلك الحيثية، فالمسند إليه التملك حقيقة هو المالك للثمن، إلا أن
الفضولي لما بنى على أنه المالك المسلط على الثمن أسند ملك المثمن الذي هو بدل الثمن
إلى نفسه، فالإجازة الحاصلة من المالك
متعلقة بإنشاء الفضولي وهو التملك المسند إلى مالك
الثمن، وهو حقيقة نفس المجيز، فيلزم من ذلك انتقال المثمن إليه. (122)
388

هذا مع أنه ربما يلتزم صحة أن يكون الإجازة لعقد الفضولي موجبة لصيرورة العوض ملكا "
للفضولي ذكره شيخ مشايخنا في شرحه على القواعد وتبعه غير واحد من أجلاء
تلامذته (123)
390

وذكر بعضهم في ذلك وجهين:
أحدهما: أن قضية بيع مال الغير عن نفسه والشراء بمال الغير لنفسه، جعل ذلك المال له
ضمنا "، حتى أنه على فرض صحة ذلك البيع والشراء تملكه قبل آن انتقاله إلى غيره، ليكون
انتقاله إليه عن ملكه، نظير ما إذا قال: (أعتق عبدك عني) أو قال: (بع مالي عنك) أو
(اشتر لك بمالي كذا) فهو تمليك ضمني حاصل ببيعه أو الشراء.
ونقول في المقام أيضا ": إذا أجاز المالك صح البيع أو الشراء، وصحته تتضمن انتقاله إليه
حين البيع أو الشراء، فكما أن الإجازة المذكورة تصحح البيع أو الشراء، كذلك تقضي
بحصول الانتقال الذي يتضمنه البيع الصحيح، فتلك الإجازة اللاحقة قائمة مقام الإذن السابق، قاضية بتمليكه المبيع، ليقع البيع في ملكه، ولا مانع منه.
الثاني: إنه لا دليل على اشتراط كون أحد العوضين ملكا " للعاقد في انتقال بدله إليه، بل
يكفي أن يكون مأذونا " في بيعه لنفسه أو الشراء به، (124) فلو قال: (بع هذا لنفسك) أو
(اشتر لك بهذا) ملك الثمن في الصورة الأولى بانتقال المبيع عن مالكه إلى المشتري، وكذا
ملك المثمن في الصورة الثانية. ويتفرع عليه: أنه لو اتفق بعد ذلك فسخ المعاوضة رجع
الملك إلى مالكه دون العاقد. (125)
393

أقول: وفي كلا الوجهين نظر: أما الأول، فلأن صحة الإذن في بيع المال لنفسه أو الشراء
لنفسه ممنوعة، كما تقدم في بعض فروع المعاطاة، مع أن قياس الإجازة على الإذن قياس مع
الفارق، لأن الإذن في البيع يحتمل فيه أن يوجب - من باب الاقتضاء - تقدير الملك آنا " ما،
قبل البيع بخلاف الإجازة، فإنها لا تتعلق إلا بما وقع سابقا "، والمفروض أنه لم يقع إلا مبادلة
مال الغير بمال آخر. (126)
394

نعم، لما بنى هو على ملكية ذلك المال عدوانا " أو اعتقادا قصد بالمعاوضة رجوع البدل إليه،
فالإجازة من المالك إن رجعت إلى نفس المبادلة أفادت دخول البدل في ملك المجيز، وإن
رجعت إلى المبادلة منضمة إلى بناء العاقد على تملك المال، فهي وإن أفادت دخول البدل في
ملك العاقد، إلا أن مرجع هذا إلى إجازة ما بنى عليه العاقد من التملك وإمضائه له، إذ بعد
إمضائه يقع البيع في ملك العاقد فيملك البدل، إلا أن من المعلوم عدم الدليل على تأثير
الإجازة في تأثير ذلك البناء في تحقق متعلقه شرعا "، بل الدليل على عدمه، لأن هذا مما لا يؤثر
فيه الإذن، لأن الإذن في التملك لا يؤثر التملك فكيف إجازته!
وأما الثاني فلما عرفت من منافاته لحقيقة البيع التي هي المبادلة. (128)
ولذا صرح العلامة رحمه الله - في غير موضع من كتبه - تارة بأنه لا يتصور، وأخرى بأنه لا
يعقل أن يشتري الانسان لنفسه بمال غيره شيئا "، بل ادعى بعضهم في مسألة قبض المبيع:
عدم الخلاف في بطلان مالك الثمن: (اشتر لنفسك به طعاما ") وقد صرح به الشيخ والمحقق
وغيرهما. نعم، سيأتي في مسألة جواز تتبع العقود للمالك مع علم المشتري بالغصب، إن ظاهر
جماعة - كقطب الدين والشهيد وغيرهما -: أن الغاصب مسلط على الثمن وإن لم يملكه،
فإذا اشترى به شيئا " ملكه، وظاهر هذا إمكان أن لا يملك الثمن ويملك المثمن المشتري، إلا أن
يحمل ذلك منهم على التزام تملك البائع الغاصب للمثمن مطلقا "، كما نسبه الفخر رحمه الله
إلى الأصحاب، أو آنا " ما قبل أن يشتري به شيئا "، تصحيحا " للشراء.
وكيف كان، فالأولى في التفصي عن الإشكال المذكور في البيع لنفسه ما ذكرنا.
399

ثم إن مما ذكرنا - من أن نسبة ملك العوض حقيقة إنما هو إلى مالك المعوض لكنه بحسب
بناء الطرفين على مالكية الغاصب للعوض منسوب إليه - يظهر اندفاع إشكال آخر في صحة
البيع لنفسه، مختص بصورة علم المشتري، وهو: أن المشتري الأصيل إذا كان عالما " بكون
البائع لنفسه غاصبا " فقد حكم الأصحاب - على ما حكي عنهم - بأن المالك لو رد فليس
للمشتري الرجوع على البائع بالثمن، وهذا كاشف عن عدم تحقق المعاوضة الحقيقية، وإلا
لكان ردها موجبا " لرجوع كل عوض إلى مالكه، وحينئذ فإذا أجاز المالك لم يملك الثمن،
لسبق اختصاص الغاصب به، فيكون البيع بلا ثمن. (129)
401

ولعل هذا هو الوجه في إشكال العلامة في التذكرة، حيث قال - بعد الإشكال في صحة بيع الفضولي
مع جهل المشتري -: إن الحكم في الغاصب مع علم المشتري أشكل إنتهى.
أقول: هذا الإشكال - بناء على تسليم ما نقل عن الأصحاب من أنه ليس للمشتري استرداد
الثمن مع رد المالك وبقائه، وبعد تسليم إن الوجه في حكمهم ذلك هو مطلق التسليط على تقديري
الرد والإجازة، لا التسليط المراعى بعدم إجازة البيع - إنما يتوجه على القول بالنقل، حيث إن تسليط
المشتري للبائع على الثمن قبل انتقاله إلى مالك المبيع بالإجازة فلا يبقى مورد للإجازة. (130)
وأما على القول بالكشف، فلا يتوجه إشكال أصلا "، لأن الرد كاشف عن كون تسليط
المشتري تسليطا " له على مال نفسه، والإجازة كاشفة عن كونه تسليطا " له على ما يملكه
غيره بالعقد السابق على التسليط الحاصل بالاقباض، ولذا لو لم يقبضه الثمن حتى أجاز
المالك أو رد، لم يكن للغاصب انتزاعه من يد المشتري أو المالك،
وسيأتي في مسألة جواز تتبع العقود للمالك تتمة لذلك، فانتظر.
406

ثم اعلم: أن الكلام في صحة بيع الفضولي لنفسه - غاصبا " كان أو غيره - إنما هو في وقوعه
للمالك إذا أجاز، وهو الذي لم يفرق المشهور بينه وبين الفضولي البائع للمالك، لا لنفسه.
وأما الكلام في صحة بيع الفضولي ووقوعه لنفسه إذا صار مالكا " للمبيع وأجاز - سواء باع
لنفسه أو المالك - فلا دخل له بما نحن فيه، لأن الكلام هنا في وقوع البيع للمالك، وهناك في
وقوعه للعاقد إذا ملك.
من هنا يعلم: أن ما ذكره في الرياض من أن بيع الفضولي لنفسه باطل ونسب إلى التذكرة
نفي الخلاف فيه في غير محله، إلا أن يريد ما ذكرناه، وهو خلاف ظاهر كلامه. (131)
409

بقي هنا أمران:
الأول: أنه لا فرق على القول بصحة بيع الفضولي بين كون مال الغير عينا " أو دينا " في ذمة
الغير. ومنه جعل العوض ثمنا " أو مثمنا " في ذمة الغير. (132)
412

ثم إن تشخيص ما في الذمة - الذي يعقد عليه الفضولي - إما بإضافة الذمة إلى الغير، بأن
يقول: (بعت كرا " من طعام في ذمة فلان بكذا) أو (بعت هذا بكذا في ذمة فلان) وحكمه:
أنه لو أجاز فلان يقع العقد له، وإن رد بطل رأسا ". وإما بقصده العقد له، فإنه إذا قصده في
العقد تعين كونه صاحب الذمة، لما عرفت من استحالة دخول أحد العوضين في ملك غير من
خرج عنه الآخر إلا على احتمال ضعيف تقدم عن بعض.
فكما أن تعيين العوض في الخارج يغني عن قصد من وقع له
العقد، فكذا قصد من وقع له العقد يغني عن تعيين الثمن الكلي بإضافته إلى ذمة شخص خاص. (133)
413

وحينئذ فإن أجاز من قصد مالكيته وقع العقد، وإن رد فمقتضى القاعدة بطلان العقد واقعا "،
لأن مقتضى رد العقد بقاء كل عوض على ملك صاحبه، إذ المال مردد في باب الفضولي بين
مالكه الأصلي ومن وقع له العقد، فلا معنى لخروجه عن ملك مالكه وتردده بين الفضولي
ومن وقع له العقد، إذ لو صح وقوعه للفضولي لم يحتج إلى إجازة ووقع له،
إلا أن الطرف
الآخر لو لم يصدقه على هذا القصد وحلف على نفي العلم حكم له على الفضولي، لوقوع
العقد له ظاهرا "، كما عن المحقق وفخر الاسلام والمحقق الكركي والسيوري والشهيد الثاني.
وقد يظهر من إطلاق بعض الكلمات - كالقواعد والمبسوط - (134) وقوع العقد له واقعا "، وقد
نسب ذلك إلى جماعة في بعض فروع المضاربة. (135)
415

وحيث عرفت أن لازم قصد البيع للغير أو إضافته إليه في اللفظ يوجب صرف الكلي إلى
ذمة ذلك الغير. (136) كما أن إضافة الكلي إليه يوجب صرف البيع أو الشراء إليه وإن لم
يقصده أو لم يضفه إليه، ظهر من ذلك التنافي بين إضافة البيع إلى غيره. وإضافة الكلي إلى
نفسه أو قصده من غير إضافة، وكذا بين إضافة البيع إلى نفسه وإضافة الكلي إلى
غيره (137)
418

فلو جمع بين المتنافيين بأن قال: (اشتريت هذا لفلان بدرهم في ذمتي) أو (اشتريت هذا
لنفسي بدرهم في ذمة فلان) ففي الأول يحتمل البطلان، لأنه في حكم شراء شئ للغير بعين
ماله، ويحتمل إلغاء أحد القيدين وتصحيح المعاملة لنفسه أو للغير، وفي الثاني يحتمل كونه
من قبيل شرائه
لنفسه بعين مال الغير، فيقع للغير بعد إجازته، لكن بعد تصحيح المعاوضة
بالبناء على التملك في ذمة الغير اعتقادا " (138)
419

ويحتمل الصحة بإلغاء قيد (ذمة الغير)، لأن تقييد الشراء أولا " بكونه لنفسه يوجب إلغاء ما
ينافيه من إضافة الذمة إلى الغير، والمسألة تحتاج إلى تأمل. (139)
421

ثم إنه قال في التذكرة: (لو اشترى فضوليا " فإن كان بعين مال الغير، فالخلاف في البطلان
والوقف على الإجازة، إلا أن أبا حنيفة قال: يقع للمشتري بكل حال. وإن كان في الذمة لغيره
وأطلق اللفظ، قال علمائنا: يقف على الإجازة، فإن أجاز صح ولزمه أداء الثمن وإن رد نفذ
عن المباشر وبه قال الشافعي في القديم وأحمد.
وإنما يصح الشراء، لأنه تصرف في ذمته لا في مال غيره، وإنما وقف على الإجازة، لأنه عقد
الشراء له، فإن إجازة لزمه، وإن رده لزم من اشتراه، ولا فرق بين أن ينقد من مال الغير أولا.
وقال أبو حنيفة: يقع عن المباشر وهو جديد للشافعي، إنتهى. (140) وظاهره الاتفاق على
وقوع الشراء مع الرد للمشتري واقعا "، كما يشعر به تعليله بقوله: (لأنه تصرف في ذمته
لا في مال الغير)
422

لكن أشرنا سابقا " إجمالا " إلى أن تطبيق هذا على القواعد مشكل، لأنه إن جعل المال في ذمته
بالأصالة، فيكون ما في ذمته كعين ماله، فيكون كما لو باع عين ماله لغيره. (141)
والأوفق بالقواعد في مثل هذا: إما البطلان لو عمل بالنية، بناء على أنه لا يعقل في المعاوضة
دخول عوض مال الغير في ملك غيره قهرا "، وأما صحته ووقوعه لنفسه لو ألغى النية، بناء
على انصراف المعاملة إلى مالك العين قهرا " وإن نوى خلافه. (142)
424

وإن جعل المال في ذمته، لا من حيث الأصالة، بل من حيث جعل نفسه نائبا " عن الغير
فضولا "، ففيه: - مع الإشكال في صحة هذا لو لم يرجع إلى الشراء في ذمة الغير -: أن اللازم
من هذا أن الغير إذا رد هذه المعاملة وهذه النيابة تقع فاسدة من أصلها، لا أنها تقع
للمباشر. (143)
425

وكيف كان، فوقوع المعاملة في الواقع مرددة بين المباشر والمنوى، دون التزامه خرط القتاد.!
ويمكن تنزيل العبارة على الوقوع للمباشر ظاهرا "، لكنه بعيد. (144)
نعم، إذا عجز المباشر من إثبات ذلك على البائع لزمه ذلك في ظاهر الشريعة، كما ذكرنا
سابقا " ونص عليه جماعة في باب التوكيل.
427

الثاني: الظاهر أنه لا فرق فيما ذكرنا من أقسام بيع الفضولي بين البيع العقدي والمعاطاة. (145)
بناء على إفادتها للملك، (146)
428

إذ لا فارق بينها وبين العقد، فإن التقابض بين الفضوليين أو فضولي وأصيل إذا وقع بنية
التمليك والتملك فأجازه المالك، فلا مانع من وقوع المجاز من حينه أو من حين الإجازة،
فعموم مثل قوله تعالى: (أحل الله البيع) شامل له.
ويؤيده رواية عروة البارقي، حيث إن الظاهر وقوع المعاملة بالمعاطاة. (147)
429

وتوهم الإشكال فيه: من حيث أن الاقباض الذي يحصل به التمليك محرم، لكونه تصرفا " في
مال الغير (148) فلا يترتب عليه أثر، في غير محله، إذ قد لا يحتاج إلى إقباض مال الغير، كما
لو اشترى الفضولي لغيره في الذمة (149). مع أنه قد يقع الاقباض مقرونا " برضا المالك، بناء
على ظاهر كلامهم من أن العلم بالرضا لا يخرج المعاملة عن معاملة الفضولي. (150)
430

مع أن النهي لا يدل على الفساد. (151) مع أنه لو دل لدل على عدم ترتب الأثر المقصود وهو
استقلال الاقباض في السببية، فلا ينافي كونه جزء سبب. (152)
431

وربما يستدل على ذلك بأن المعاطاة منوطة بالتراضي وقصد الإباحة أو التمليك، وهما من
وظائف المالك، ولا يتصور صدورهما من غيره. - ولذا ذكر الشهيد الثاني: أن المكره والفضولي
قاصدان للفظ دون المدلول، وذكر: أن قصد المدلول لا يتحقق من غير المالك - ومشروطة
أيضا " بالقبض والاقباض من الطرفين أو من أحدهما مقارنا " للأمرين، ولا أثر له إلا إذا
صدر من المالك أو بإذنه. (153)
432

وفيه: أن اعتبار الاقباض والقبض في المعاطاة عند من اعتبره فيها إنما هو لحصول إنشاء
التمليك أو الإباحة، فهو عندهم من الأسباب الفعلية، - كما صرح الشهيد في قواعده - و
المعاطاة عندهم عقد فعلي، ولذا ذكر بعض الحنفية القائلين بلزومها: أن البيع ينعقد بالايجاب
والقبول وبالتعاطي، وحينئذ فلا مانع من أن يقصد الفضولي بإقباضه: المعنى القائم بنفسه،
المقصود من قوله: (ملكتك).
واعتبار مقارنة الرضا من المالك للإنشاء الفعلي دون القولي - مع اتحاد أدلة اعتبار الرضا
وطيب النفس في حل مال الغير - لا يخلو عن تحكم.
وما ذكره من الشهيد من الثاني لا يجدي فيما نحن فيه، لأنا لا نعتبر في فعل الفضولي أزيد من
القصد الموجود في قوله: (لعدم الدليل) ولو ثبت لثبت منه اعتبار المقارنة في العقد القولي
أيضا "، إلا أن يقال: إن مقتضى الدليل ذلك، خرج عنه بالدليل معاملة الفضولي إذا وقعت
بالقول، لكنك قد عرفت: أن العقد الفضولي ليس على خلاف القاعدة. (154)
434

نعم، لو قلنا: أن المعاطاة لا يعتبر فيها قبض ولو اتفق معها، بل السبب المستقل هو تراضي
المالكين بملكية كل منهما لمال صاحبه مطلقا " أو مع وصولهما أو وصول أحدهما، لم يعقل
وقوعها من الفضولي. (155)
436

نعم، الواقع منه إيصال المال، والمفروض أنه لا مدخل له في المعاملة، فإذا رضي المالك بمالكية
من وصل إليه المال تحققت المعاطاة من حين الرضا ولم يكن إجازة المعاطاة سابقة،
لكن الانصاف: أن هذا المعنى غير مقصود للعلماء في عنوان المعاطاة وإنما قصدهم إلى العقد
الفعلي. هذا كله على القول بالملك.
وأما على القول بالإباحة، فيمكن القول ببطلان الفضولي. (156)
437

لأن إفادة المعاملة المقصود بها الملك للإباحة خلاف القاعدة فيقتصر فيها على صورة تعاطي
المالكين مع أن حصول الإباحة قبل الإجازة غير ممكن. (157) والآثار الآخر مثل بيع المال على
القول بجواز مثل هذا التصرف إذا وقعت في غير زمان الإباحة الفعلية لم تؤثر أثرا " فإذا
أجاز حدث الإباحة من حين الإجازة اللهم إلا أن يقال بكفاية وقوعها مع الإباحة الواقعية
إذا كشف عنها الإجازة، فافهم. (158)
438

القول في الإجازة والرد
أما الكلام في الإجازة: فيقع تارة في حكمها وشروطها وأخرى في المجيز، وثالثة في المجاز.
أما حكمها، فقد اختلف القائلون بصحة الفضولي - بعد اتفاقهم على توقفها على الإجازة.
- في كونها كاشفة بمعنى أنه يحكم بعد الإجازة بحصول آثار العقد من حين وقوعه حتى كان
الإجازة وقعت مقارنة للعقد أو ناقلة بمعنى ترتب آثار العقد من حينها حتى كأن العقد وقع
حال الإجازة (1) على قولين، فالأكثر على الأول، (2)
441

واستدل عليه - كما عن جامع المقاصد والروضة - بأن العقد سبب تام في الملك، لعموم قوله
تعالى: (أوفوا بالعقود)، وتمامه في الفضولي إنما يعلم بالإجازة، فإذا أجاز تبين كونه تاما "
فوجب ترتب الملك عليه، وإلا لزم أن لا يكون الوفاء بالعقد، خاصة بل به مع شئ آخر. (3)
442

وبأن الإجازة متعلقة بالعقد، فهي رضا بمضمونه، وليس إلا نقل العوضين من حينه. (4)
445

وعن فخر الدين في الايضاح: الاحتجاج لهم بأنها لو لم تكن كاشفة لزم تأثير المعدوم في
الموجود، لأن العقد حالها عدم، إنتهى. (5)
447

ويرد على الوجه الأول: إنه إن أريد بكون العقد سببا " تاما " كونه علة تامة للنقل إذ صدر
عن رضا المالك، فهو مسلم، (6) إلا أن بالإجازة لا يعلم تمام ذلك السبب، ولا يتبين كونه
تاما "، إذ الإجازة لا تكشف عن مقارنة الرضا، غاية الأمر: أن لازم صحة عقد الفضولي كونها
قائمة مقام الرضا المقارن، فيكون لها مدخل في تمامية السبب كالرضا المقارن، فلا معنى لحصول
الأثر قبلها.
ومنه يظهر: فساد تقرير الدليل بأن العقد الواقع جامع لجميع الشروط، وكلها حاصلة إلا
رضا المالك، فإذا حصل بالإجازة عمل السبب عمله. فإنه إذا اعترف أن رضا المالك من جملة
الشروط، فكيف يكون كاشفا " عن وجود المشروط قبله؟!
ودعوى: أن الشروط الشرعية ليست كالعقلية، بل هي بحسب ما يقتضيه جعل الشارع، فقد
يجعل الشارع ما يشبه تقديم المسبب على السبب - كغسل الجمعة يوم الخميس وإعطاء
الفطرة قبل وقته - (7)
فضلا " عن تقدم المشروط على الشرط - كغسل الفجر بعد الفجر للمستحاضة الصائمة،
وكغسل العشائين لصوم اليوم الماضي على القول به -
مدفوعة: بأنه لا فرق فيما فرض شرطا " أو سببا " بين الشرعي وغيره، وتكثير الأمثلة لا
يوجب وقوع المحال العقلي، فهي كدعوى أن التناقض الشرعي بين الشيئين لا يمنع عن
اجتماعهما، لأن النقيض الشرعي غير العقلي. (8)
453

فجميع ما ورد مما يوهم ذلك إنه لا بد فيه من التزام أن المتأخر ليس سببا " أو شرطا "، بل
السبب والشرط: الأمر المنتزع من ذلك. (9) لكن ذلك لا يمكن في ما نحن فيه، بأن يقال: إن
الشرط تعقب إلا جاز ولحوقها بالعقد، وهذا أمر مقارن للعقد على تقدير الإجازة، لمخالفة
الأدلة،
456

اللهم إلا أن يكون مراده بالشرط ما يتوقف تأثير السبب المتقدم في زمانه على لحوقه.
وهذا، مع أنه لا يستحق إطلاق الشرط عليه، غير صادق على الرضا، لأن المستفاد من العقل
والنقل اعتبار رضا المالك في انتقال ماله، وأنه لا يحل لغيره بدون طيب النفس، وأنه
لا ينفع لحوقه في حل تصرف الغير وانقطاع سلطنة المالك. (10)
458

ومما ذكرنا يظهر ضعف ما احتمله في المقام بعض الأعلام - بل التزم به غير واحد من
المعاصرين - من أن معنى شرطية الإجازة مع كونها كاشفة: شرطية الوصف المنتزع منها،
وهو كونها لاحقة للعقد في المستقبل، فالعلة التامة: العقد الملحوق بالإجازة، وهذه صفة
مقارنة للعقد وإن كان نفس الإجازة متأخرة عنه. (11)
460

وقد التزم بعضهم بما يتفرع على هذا، من أنه إذا علم المشتري أن المالك للمبيع سيجيز
العقد، حل له التصرف فيه بمجرد العقد، وفيه ما لا يخفى من المخالفة للأدلة. (12)
463

ويرد على الوجه الثاني:
أولا ": أن الإجازة وإن كانت رضا " بمضمون العقد، إلا أن مضمون العقد ليس هو النقل من
حينه حتى يتعلق الإجازة والرضا بذلك النقل المقيد بكونه في ذلك الحال، بل هو نفس النقل
مجردا " عن ملاحظة وقوعه في زمان، وإنما الزمان من ضروريات إنشائه فإن قول
العاقد: (بعت) ليس (نقلت من هذا الحين) وإن كان النقل المنشأ به واقعا " في ذلك الحين،
فالزمان ظرف للنقل لا قيد له، فكما أن إنشاء مجرد النقل الذي هو مضمون العقد في زمان
يوجب وقوعه من المنشئ في ذلك الزمان، فكذلك إجازة
ذلك النقل في زمان يوجب وقوعه
من المجيز في زمان الإجازة وكما أن الشارع إذا أمضى نفس العقد وقع النقل من زمانه
فكذلك إذا أمضى إجازة المالك وقع النقل من زمان الإجازة. (13)
464

ولأجل ما ذكرنا لم يكن مقتضى القبول وقوع الملك من زمان الايجاب، مع أنه ليس إلا رضا
بمضمون الايجاب، فلو كان مضمون الايجاب النقل من حينه وكان القبول رضا بذلك، كان
معنى إمضاء الشارع للعقد الحكم بترتب الأثر من حين الايجاب، لأن الموجب ينقل من حينه،
والقابل يتقبل ذلك ويرضى به. (14)
ودعوى: أن العقد سبب للملك فلا يتقدم عليه، مدفوعة: بأن سببيته للملك ليست إلا بمعنى
إمضاء الشارع لمقتضاه، فإذا فرض مقتضاه مركبا " من نقل في زمان ورضا بذلك النقل، كان
مقتضى العقد الملك بعد الايجاب.
ولأجل ما ذكرنا أيضا " لا يكون فسخ العقد إلا انحلاله من زمانه، لا من زمان العقد، فإن
الفسخ نظير الإجازة والرد لا يتعلق إلا بمضمون العقد وهو النقل من حينه، فلو كان زمان
وقوع النقل مأخوذا " في العقد على وجه القيدية لكان رده وحله موجبا " للحكم بعدم الآثار
من حين العقد. (15)
466

والسر في جميع ذلك ما ذكرنا: من عدم كون زمان النقل إلا ظرفا "، فجميع ما يتعلق بالعقد
من الامضاء والرد والفسخ، إنما يتعلق بنفس المضمون، دون المقيد بذلك الزمان. (16)
467

والحاصل: أنه لا إشكال في حصول الإجازة بقول المالك: (رضيت بكون مالي لزيد بإزاء
ماله) أو (رضيت بانتقال مالي إلى زيد) وغير ذلك من الألفاظ التي لا تعرض فيها لإنشاء
الفضولي فضلا " عن زمانه. (17)
469

كيف! وقد جعلوا تمكين الزوجة بالدخول عليها إجازة منها، ونحو ذلك، ومن المعلوم: إن
الرضا يتعلق بنفس نتيجة العقد، من غير ملاحظة زمان نقل الفضولي. (18)
471

وبتقرير آخر: أن الإجازة من المالك قائمة مقام رضاه وإذنه المقرون بإنشاء الفضولي أو مقام
نفس إنشائه، فلا يصير المالك بمنزلة العاقد إلا بعد الإجازة، فهي إما شرط أو جزء سبب
للملك. (19) وبعبارة أخرى: المؤثر هو العقد المرضي به، والمقيد من حيث أنه مقيد لا يوجد
إلا بعد القيد، ولا يكفي في التأثير وجود ذات المقيد المجردة عن القيد. (20)
472

وثانيا ": إنا لو سلمنا عدم كون الإجازة شرطا " اصطلاحيا " ليؤخذ فيه تقدمه على المشروط،
ولا جزء سبب، وإنما هي من المالك محدثة للتأثير في العقد السابق وجاعلة له سببا " تاما "
حتى كأنه وقع مؤثرا "، (21)
473

فيتفرع عليه أن مجرد رضا المالك بنتيجة العقد - أعني: محض الملكية من غير التفات إلى وقوع
عقد سابق - ليس بإجازة، لأن معنى (إجازة العقد): جعله جائزا " نافذا " ماضيا "، (22)
لكن نقول: لم يدل دليل على إمضاء الشارع لإجازة المالك على هذا الوجه، لأن وجوب
الوفاء بالعقد تكليف يتوجه إلى العاقدين - كوجوب الوفاء بالعهد والنذر - ومن المعلوم: أن
المالك لا يصير عاقدا " أو بمنزلته إلا بعد الإجازة فلا يجب الوفاء إلا بعدها، ومن المعلوم: إن
الملك الشرعي يتبع الحكم الشرعي، فما لم يجب الوفاء فلا ملك. (23)
474

ومما ذكرنا يعلم: عدم صحة الاستدلال للكشف بدليل وجوب الوفاء بالعقود، بدعوى: أن
الوفاء بالعقد والعمل بمقتضاه هو الالتزام بالنقل من حين العقد، وقس على ذلك ما لو كان
دليل الملك عموم (أحل الله البيع)، فإن الملك ملزوم لحلية التصرف، وقبل الإجازة لا يحل
التصرف، خصوصا " إذا علم عدم رضا المالك باطنا " أو تردده في الفسخ والامضاء. (24)
475

وثالثا ": سلمنا دلالة الدليل على إمضاء الشارع لإجازة المالك على طبق مفهومها اللغوي
والعرفي - أعني: جعل العقد السابق جائزا " ماضيا " - بتقريب أن يقال: إن معنى الوفاء بالعقد:
العمل بمقتضاه ومؤداه العرفي، فإذا صار العقد بالإجازة فكأنه وقع مؤثرا " ماضيا "، كان
مقتضى العقد المجاز عرفا " ترتب الآثار من حينه، فيجب شرعا " العمل به على هذا الوجه. (25)
476

لكن نقول - بعد الاغماض عن أن مجرد كون الإجازة بمعنى جعل العقد السابق جائزا " نافذا "،
لا يوجب كون مقتضى العقد ومؤداه العرفي ترتب الأثر من حين العقد. كما أن كون مفهوم
القبول رضا بمفهوم الايجاب وإمضاء " له لا يوجب ذلك، حتى يكون مقتضى الوفاء بالعقد
ترتيب الآثار من حين الايجاب، فتأمل -: (26)
إن هذا المعنى على حقيقته غير معقول، لأن العقد الموجود على صفة عدم التأثير يستحيل
لحوق صفة التأثير له، لاستحالة خروج الشئ عما وقع عليه، فإذا دل الدليل الشرعي على
إمضاء الإجازة على هذا الوجه الغير المعقول، فلا بد من صرفه بدلالة الاقتضاء إلى إرادة
معاملة العقد بعد الإجازة معاملة العقد الواقع مؤثرا " من حيث ترتب الآثار الممكنة، فإذا
أجاز المالك حكمنا بانتقال نماء المبيع بعد العقد إلى المشتري وإن كان أصل الملك قبل
الإجازة للمالك ووقع النماء في ملكه. (27)
477

والحاصل: أنه يعامل بعد الإجازة معاملة العقد الواقع مؤثرا " من حينه بالنسبة إلى ما أمكن
من الآثار، وهذا نقل حقيقي في حكم الكشف من بعض الجهات، وسيأتي الثمرة بينه وبين
الكشف الحقيقي. (28) ولم أعرف من قال بهذا الوجه من الكشف إلا الأستاذ شريف
العلماء قدس سره فيما عثرت عليه من بعض تحقيقاته وإلا فظاهر كلام القائلين بالكشف: إن
الانتقال في زمان العقد، ولذا عنون العلامة رحمه الله في القواعد مسألة الكشف والنقل بقوله:
(وفي زمان الانتقال إشكال)، فجعل النزاع في هذه المسألة نزاعا " في زمان الانتقال.
وقد تحصل مما ذكرنا: أن كاشفية الإجازة على وجوه ثلاثة، قال بكل منها قائل: أحدها -
وهو المشهور -: الكشف الحقيقي والتزام كون الإجازة فيها شرطا " متأخرا "، ولذا اعترضهم
جمال المحققين في حاشيته على الروضة: (بأن الشرط لا يتأخر). (29)
479

والثاني: الكشف الحقيقي والتزام كون الشرط تعقب العقد بالإجازة لا نفس الإجازة، فرارا "
عن لزوم تأخر الشرط عن المشروط. (30) والتزم بعضهم بجواز التصرف قبل الإجازة لو علم
تحققها فيما بعد.
480

الثالث: الكشف الحكمي، وهو إجراء أحكام الكشف بقدر الامكان مع عدم تحقق الملك في
الواقع إلا بعد الإجازة. (31)
481

* تتميم *
(آتينا بعبارات الطباطبائي كالمتن وبعبارات النائيني كالتعليقة عليها)
الطباطبائي: (أن القول بالكشف يتصور على وجهين آخرين أيضا " لم يذكر هما المصنف)
الأول: الكشف الحقيقي، بمعنى كون نفس الإجازة المتأخرة شرطا " فيكون الشرط وجودها في
المستقبل (كما مر تحت الرقم 29) مع ادعاء أن الشرط هو الوجود الدهري للإجازة، وأنه وإن
كان بحسب الزمان متأخرا " إلا أنه بحسب وعائه الدهري مقارن ويمكن ارجاعه إلى السابق.
(ص 148)
486

الثاني: الكشف الحقيقي الصرف بمعنى عدم مدخلية للإجازة في التأثير أصلا " بل كونه
كاشفا " صرفا " وهو أيضا " يتصور على وجوه،
أحدها: أن يكون العقد مشروطا " بالرضا المقارن الأعم من الفعلي والتقديري، بمعنى كون
المالك راضيا " على فرض التفاته إليه وإلى ما فيه من المصلحة وإن لم يكن بالفعل راضيا " بل
كان كارها " من جهة غفلته أو جهله بالمصلحة فالإجازة الآتية في المستقبل كاشفة عن حصول
الشرط حين العقد ولا مدخلية لها في التأثير أصلا " وهذا الوجه مختار بعض الأفاضل من
المعاصرين. لكن أنه لا ينبغي التأمل في بطلان (هذا الوجه من الوجوه المتصورة في) تصوير
الكشف الحقيقي الصرف، لما عرفت سابقا " من أنه لا معنى
لكفاية الرضا التقديري، مع أنه قد
ينقلب المفسدة مصلحة فلا معنى للكشف عن الرضا حين العقد وأيضا " لازمه جواز التصرف
مع العلم بالمصلحة للمالك وإن لم يعلم بها ولم يجز إلى الأبد ولا يمكن الالتزام به. (ص 148 و 149)
487

ثانيها: أن يكون مشروطا " بأمر واقعي لا نعرفه ويكون ذلك الأمر ملازما " للإجازة
الاستقبالية فتكون كاشفة عن حصول ذلك الشرط من غير أن يكون لها دخل في التأثير،
وذلك الأمر المكشوف عنه مقارن للعقد، وهذا الوجه غاية ما يمكن أن يقال في مقام توجيه
الشروط المتأخرة في الموارد المواردة في الشريعة، فيقال في جميعها إن الشرط أمر واقعي وهذا
المتأخر كاشف عنه.
لكن أنه لا ينبغي التأمل في بطلان (هذا الوجه من الوجوه المتصورة في) تصوير الكشف
الحقيقي الصرف، لأن دعوى أن الشرط أمر آخر مجهول لنا مقارن للعقد رجم بالغيب، مع أنه
خلاف ظاهر الأدلة، فإنها ظاهرة بل صريحة في شرطية نفس الرضا. (ص 148 و 149)
488

ثالثها: أن لا يكون هناك شرط للعقد أصلا " لا الرضا ولا الإجازة ولا شئ آخر.
نعم الشارع رتب الأثر على هذا القسم من العقد لا على القسم الآخر، فالعقد الذي يتعقبه
الرضا في علم الله صحيح من أول الأمر لا لحصول الرضا بل لجعل الشارع والذي لم يتعقبه
لم يجعل مؤثرا "، ولعل هذا مراد صاحب الجواهر من الوجه الأول من الوجوه الثلاثة التي
ذكرها للقول بالكشف، حيث قال: (وحاصل الكلام: إن الوجه في الكشف أحد أمور،
الأول: إنه من قبيل الأوضاع الشرعية على معنى أن الشارع، قد جعل نقل المال في الزمان
السابق عند حصول الرضا في المستقبل.)
لكن لا ينبغي التأمل في بطلان (هذا الوجه من الوجوه المتصورة في) تصوير الكشف الحقيقي
الصرف وأنه لما مر في الوجه الثاني، بل في الجواهر أنه مستلزم لمخالفة كثيرة من القواعد،
ولعل مراده منها، قاعدة عدم حل التصرف في مال الغير بدون طيب نفسه وقاعدة شرطية
الرضا في العقود وقاعدة تسلط الناس على أموالهم فتدبر. (ص 148 و 149)
489

وقد تبين من تضاعيف كلماتنا: أن الأنسب بالقواعد والعمومات هو النقل، ثم بعده الكشف
الحكمي، (32)
490

وأما الكشف الحقيقي مع كون نفس الإجازة من الشروط، فإتمامه بالقواعد في غاية
الإشكال (33)، ولذا استشكل فيه العلامة في القواعد ولم يرجحه المحقق الثاني في حاشية
الارشاد بل عن الايضاح اختيار خلافه، تبعا " للمحكى عن كاشف الرموز وقواه في مجمع
البرهان، وتبعهم كاشف اللثام في النكاح. هذا بحسب القواعد والعمومات،
وأما الأخبار، فالظاهر من صحيحة محمد بن قيس: الكشف - كما صرح به في الدروس -
وكذا الأخبار التي بعدها لكن لا ظهور فيها للكشف بالمعنى المشهور، فيحتمل الكشف
الحكمي. (34)
491

نعم، صحيحة أبي عبيدة - الواردة في تزويج الصغيرين فضولا "، الآمرة بعزل الميراث من
الزوج المدرك الذي أجاز فمات، للزوجة الغير المدركة حتى تدرك وتحلف - ظاهرة في قول
الكشف، إذ لو كان مال الميت قبل إجازة الزوجة باقية على ملك سائر الورثة، كان العزل
مخالفا " لقاعدة (تسلط الناس على أموالهم). (35)
492

فإطلاق الحكم بالعزل منضما " إلى عموم (الناس مسلطون على أموالهم) يفيد أن العزل
لاحتمال كون الزوجة الغير المدركة وارثة في الواقع، فكأنه احتياط في الأموال قد غلبه
الشارع على أصالة عدم الإجازة، كعزل نصيب الحمل وجعله أكثر ما يحتمل. (36)
494

بقي الكلام في بيان الثمرة بين الكشف - باحتمالاته - والنقل. (37)
495

فنقول: أما الثمرة على الكشف الحقيقي، بين كون نفس الإجازة شرطا "، وكون الشرط تعقب
العقد بها ولحوقها له، فقد يظهر في جواز تصرف كل منهما فيما انتقل إليه بإنشاء الفضولي
إذا علم إجازة المالك فيما بعد. (38)
496

وأما الثمرة بين الكشف الحقيقي والحكمي مع كون نفس الإجازة شرطا "، (39)
498

يظهر في مثل ما إذا وطئ المشتري الجارية قبل إجازة مالكها فأجاز، فإن الوطء على
الكشف الحقيقي حرام ظاهرا "، لأصالة عدم الإجازة، حلال واقعا "، لكشف الإجازة عن
وقوعه في ملكه. (40)
499

ولو أولدها صارت أم ولد على الكشف الحقيقي والحكمي، لأن مقتضى جعل العقد الواقع
ماضيا ": ترتب حكم وقوع الوطء في الملك، ويحتمل عدم تحقق الاستيلاد على الحكمي، لعدم
تحقق حدوث الولد في الملك وإن حكم بملكيته للمشتري بعد ذلك. (41)
501

ولو نقل المالك أم الولد عن ملكه قبل الإجازة فأجاز، بطل النقل على الكشف الحقيقي،
لانكشاف وقوعه في ملك الغير (42)
504

- مع احتمال كون النقل بمنزلة الرد - وبقي صحيحا " على الكشف الحكمي، (43)
506

وعلى المجيز قيمتها، لأنه مقتضى الجمع بين جعل العقد ماضيا " من حين وقوعه ومقتضى
صحة النقل الواقع قبل حكم الشارع بهذا الجعل، كما في الفسخ بالخيار مع انتقال متعلقه بنقل
لازم. (44)
507

وضابط الكشف الحكمي: الحكم بعد الإجازة بترتب آثار ملكية المشتري من حين العقد فإن
ترتب شئ من آثار ملكية المالك قبل إجازته - كإتلاف النماء ونقله - (45) ولم يناف
الإجازة، جمع بينه وبين مقتضى الإجازة بالرجوع إلى البدل،
511

وإن نافى الإجازة كإتلاف العين عقلا " أو شرعا " - كالعتق - فات محلها، مع احتمال الرجوع
إلى البدل وسيجئ. (46)
515

ثم إنهم ذكروا للثمرة بين الكشف والنقل مواضع:
منها: النماء، فإنه على الكشف بقول مطلق لمن انتقل إليه العين، وعلى النقل لمن انتقلت
عنه، (47) وللشهيد الثاني في الروضة عبارة، توجيه المراد منها - كما فعله بعض - أولى من
توجيه حكم ظاهرها كما تكلفه آخر. (48)
517

ومنها: أن فسخ الأصيل لانشائه قبل إجازة الآخر مبطل له على القول بالنقل، دون الكشف
بمعنى أنه لو جعلناها ناقلة كان فسخ الأصيل كفسخ الموجب قبل قبول القائل في كونه ملغيا "
لانشائه السابق، (49)
518

بخلاف ما لو جعلت كاشفة، فإن العقد تام من طرف الأصيل، غاية الأمر تسلط الآخر على
فسخه، (50) وهذا مبني على ما تسالموا عليه من جواز إبطال أحد المتعاقدين لانشائه قبل
إنشاء صاحبه، بل قبل تحقق شرط صحة العقد - كالقبض في الهبة والوقف والصدقة - (51)
520

فلا يرد ما اعترضه بعض: من منع جواز الابطال على القول بالنقل، معللا " بأن ترتب الأثر
على جزء السبب بعد انضمام الجزء الآخر من أحكام الوضع لا مدخل لاختيار المشتري فيه.
وفيه: أن الكلام في أن عدم تخلل الفسخ بين جزئي السبب شرط، فانضمام الجزء الآخر من
دون تحقق الشرط غير مجد في وجود المسبب، فالأولى في سند المنع دفع احتمال اشتراط عدم
تخلل الفسخ بإطلاقات صحة العقود ولزومها، (52)
521

ولا يخلو عن إشكال. (53)
522

ومنها: جواز تصرف الأصيل فيما انتقل عنه بناء على النقل، وإن قلنا: بأن فسخه غير مبطل
لانشائه، فلو باع جارية من فضولي جاز له وطؤها وإن استولدها صارت أم ولد، لأنها
ملكه وكذا لو زوجت نفسها من فضولي أجاز لها التزويج من الغير، فلو حصل الإجازة في
المثالين لغت، لعدم بقاء المحل قابلا ". (54)
523

والحاصل: أن الفسخ القولي وإن قلنا: إنه غير مبطل لإنشاء الأصيل، إلا أن له فعل ما ينافي
انتقال المال عنه على وجه يفوت محل الإجازة، فينفسخ العقد بنفسه بذلك. (55)
وربما احتمل عدم جواز التصرف على هذا القول أيضا " ولعله لجريان عموم وجوب الوفاء
بالعقد في حق الأصيل وإن لم يجب في الطرف الآخر، وهو الذي يظهر من المحقق الثاني في
مسألة شراء الغاصب بعين المال المغصوب، حيث قال: لا يجوز للبائع ولا للغاصب التصرف
في العين لامكان الإجازة، سيما على القول بالكشف، إنتهى.
وفيه: أن الإجازة على القول بالنقل له مدخل في العقد شرطا " أو شطرا "، فما لم يتحقق الشرط
أو الجزء لم يجب الوفاء على أحد من المتعاقدين، لأن المأمور بالوفاء به هو العقد المقيد الذي
لا يوجد إلا بعد القيد. هذا كله على النقل.
531

وأما على القول بالكشف، فلا يجوز التصرف فيه، على ما يستفاد من كلمات جماعة،
كالعلامة والسيد العميدي والمحقق الثاني وظاهر غيرهم.
وربما اعترض عليه بعدم المانع له من التصرف، لأن مجرد احتمال انتقال المال عنه في الواقع،
لا يقدح في السلطنة الثابتة له، ولذا صرح بعض المعاصرين بجواز التصرف مطلقا ".
نعم، إذا حصلت الإجازة كشفت عن بطلان كل تصرف مناف لانتقال المال إلى المجيز، فيأخذ
المال مع بقائه وبدله مع تلفه.
قال: نعم لو علم بإجازة المالك لم يجز له التصرف، إنتهى.
أقول: مقتضى عموم وجوب الوفاء: وجوبه على الأصيل ولزوم العقد وحرمته نقضه من
جانبه، ووجوب الوفاء عليه ليس مراعى بإجازة المالك، بل مقتضى العموم وجوبه حتى مع
العلم بعدم إجازة المالك، (56)
532

ومن هنا يظهر أنه لا فائدة في أصالة عدم الإجازة.
لكن ما ذكره البعض المعاصر صحيح على مذهبه في الكشف: من كون العقد مشروطا " بتعقبه
بالإجازة، لعدم إحراز الشرط مع الشك فلا يجب الوفاء به على أحد من المتعاقدين.
وأما على المشهور في معنى الكشف من كون نفس الإجازة المتأخرة شرطا " لكون العقد
السابق بنفسه مؤثرا " تاما "، (57)
533

فالذي يجب الوفاء به هو نفس العقد من غير تقييد، وقد تحقق، فيجب على الأصيل الالتزام
به وعدم نقضه إلى أن ينقض، فإن رد المالك فسخ للعقد من طرف الأصيل، كما أن إجازته
إمضاء له من طرف الفضولي. (58)
535

والحاصل: أنه إذا تحقق العقد، فمقتضى العموم - على القول بالكشف، المبنى على كون ما يجب
الوفاء به هو العقد من دون ضميمة شئ شرطا " أو شطرا " - حرمة نقضه على الأصيل مطلقا "،
فكل تصرف يعد نقضا " لعقد المبادلة - بمعنى عدم اجتماعه مع صحة العقد فهو غير جائز. (59)
536

ومن هنا تبين فساد توهم: أن العمل بمقتضى العقد كما يوجب حرمة تصرف الأصيل فيما
انتقل عنه، كذلك توجب جواز تصرفه فيما انتقل إليه، لأن مقتضى العقد مبادلة المالين
فحرمة التصرف في ماله مع حرمة التصرف في عوضه ينافي مقتضى العقد، أعني: المبادلة. (60)
537

توضيح الفساد: أن الثابت من وجوب وفاء العاقد بما التزم على نفسه من المبادلة: حرمة
نقضه والتخطي عنه، وهذا لا يدل إلا على حرمة التصرف في ماله، حيث التزم بخروجه
عن ملكه ولو بالبدل، وأما دخول البدل في ملكه فليس مما التزمه على نفسه، بل مما جعله
لنفسه، ومقتضى الوفاء بالعقد حرمة رفع اليد عما التزم على نفسه، (61)
وأما قيد كونه (بإزاء مال) فهو خارج عن الالتزام على نفسه وإن كان داخلا " في مفهوم
المبادلة، فلو لم يتصرف في مال صاحبه لم يكن ذلك نقضا " للمبادلة، فالمرجع في هذا التصرف
فعلا " وتركا " إلى ما يقتضيه الأصل، وهي أصالة عدم الانتقال. (62)
538

ودعوى: أن الالتزام المذكور إنما هو على تقدير الإجازة ودخول البدل في ملكه، فالالتزام
معلق على تقدير لم يعلم تحققه، فهو كالنذر المعلق على شرط، (63)
539

حيث حكم جماعة بجواز التصرف في المال المنذور قبل تحقق الشرط إذا لم يعلم بتحققه، فكما
أن التصرف حينئذ لا يعد حنثا "، فكذا التصرف فيما نحن فيه قبل العلم بتحقق الإجازة لا يعد
نقضا " لما التزمه، إذ لم يلتزمه في الحقيقة إلا معلقا ".
مدفوعة - بعد تسليم جواز التصرف في مسألة النذر المشهورة بالإشكال - (64)
540

بان الفرق بينهما إن الالتزام هنا غير معلق على الإجازة، وإنما التزم المبادلة متوقعا " للإجازة،
فيجب عليه الوفاء به، ويحرم عليه نقضه إلى أن يحصل ما يتوقعه من الإجازة، أو ينتقض
التزامه برد المالك.
ولأجل ما ذكرنا - من اختصاص حرمة النقض بما يعد من التصرفات منافيا " لما التزمه
الأصيل على نفسه، دون غيرها - قال في القواعد في باب النكاح: ولو تولى الفضولي أحد
طرفي العقد ثبت في حق المباشر تحريم المصاهرة، (65)
543

فإن كان زوجا " حرمت عليه الخامسة والأخت والأم والبنت، (66)
544

إلا إذا فسخت، على إشكال في الأم، (68) وفي الطلاق نظر، (69) لترتبه على عقد لازم،
فلا يبيح المصاهرة، وإن كانت زوجة لم يحل لها نكاح غيره إلا إذا فسخ، والطلاق هنا معتبر،
إنتهى. (70)
546

وعن كشف اللثام نفي الإشكال، وقد صرح أيضا " جماعة بلزوم النكاح المذكور من طرف
الأصيل، وفرعوا عليه تحريم المصاهرة وأما مثل النظر إلى المزوجة فضولا " وإلى أمها - مثلا " -
وغيره مما لا يعد تركه نقضا " لما التزم العاقد على نفسه، فهو باق تحت الأصول، لأن ذلك
من لوازم علاقة الزوجية الغير الثابتة، بل المنفية بالأصل، فحرمة نقض العاقد لما عقد على
نفسه لا يتوقف على ثبوت نتيجة العقد (71) - أعني علاقة الملك أو الزوجية - بل ثبوت
النتيجة تابع لثبوت حرمة النقض من الطرفين. (72)
547

ثم إن بعض متأخري المتأخرين ذكر ثمرات آخر لا بأس بذكرها للتنبه بها وبما يمكن أن يقال
عليها:
منها: ما لو انسلخت قابلية الملك عن أحد المتبايعين بموته قبل إجازة الآخر. (73)
548

أو بعروض كفر بارتداد فطري أو غيره
مع كون المبيع عبدا " مسلما " أو مصحفا "، فيصح حينئذ على الكشف دون النقل. (74)
549

وكذا لو انسلخت قابلية المنقول بتلف أو عروض نجاسة له مع ميعانه... إلى غير ذلك. (75)
550

وفي مقابله ما لو تجددت القابلية قبل الإجازة بعد انعدامها حال العقد، كما لو تجددت الثمرة
وبدا صلاحها بعد العقد قبل الإجازة، وفيما قارن العقد فقد الشروط ثم حصلت وبالعكس.
وربما يعترض على الأول: بإمكان دعوى ظهور الأدلة في اعتبار استمرار القابلية إلى حين
الإجازة على الكشف، فيكشف الإجازة عن حدوث الملك من حين العقد مستمرا " إلى حين
الإجازة. (76)
553

وفيه: أنه لا وجه لاعتبار استمرار القابلية، ولا استمرار التملك المكشوف عنه بالإجازة.
إلى حينها، كما لو وقعت بيوع متعددة على ماله، فإنهم صرحوا بأن إجازة الأول توجب
صحة الجميع، مع عدم بقاء مالكية الأول مستمرا "، وكما يشعر بعض أخبار المسألة المتقدمة،
حيث إن ظاهر بعضها وصريح الآخر عدم اعتبار حياة المتعاقدين حال الإجازة، مضافا " إلى
فحوى خبر تزويج الصغيرين الذي يصلح ردا " لما ذكر في الثمرة الثانية - أعني: خروج المنقول
عن قابلية تعلق إنشاء عقد أو إجازة به، لتلف وشبهه - فإن موت أحد الزوجين كتلف أحد
العوضين في فوات أحد ركني العقد، (77)
554

مضافا " إلى إطلاق رواية عروة، حيث لم يستفصل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن موت الشاة
أو ذبحه (78) وإتلافه. نعم، ما ذكره أخيرا " من تجدد القابلية بعد العقد حال الإجازة لا يصلح
ثمرة للمسألة، لبطلان العقد ظاهرا على القولين، وكذا فيما لو قارن العقد فقد الشرط. (79)
وبالجملة: فباب المناقشة وإن كان واسعا "، إلا أن الأرجح في النظر ما ذكرناه.
558

وربما يقال بظهور الثمرة في تعلق الخيارات (80)
559

وحق الشفعة (81) واحتساب مبدأ الخيارات (82)
560

ومعرفة مجلس الصرف (83)
561

والسلم والأيمان والنذور المتعلقة بمال البائع أو المشتري، (84) وتظهر الثمرة أيضا " في العقود
المترتبة على الثمن أو المثمن، (85) وسيأتي إن شاء الله.
562

* تكملتان *
563

وينبغي التنبيه على أمور:
الأول
أن الخلاف في كون الإجازة كاشفة أو ناقلة ليس في مفهومها اللغوي ومعنى الإجازة وضعا "
أو انصرافا "، (1)
564

بل في حكمها الشرعي بحسب ملاحظة اعتبار رضا المالك وأدلة وجوب الوفاء بالعقود
وغيرهما من الأدلة الخارجية،
فلو قصد المجيز الامضاء من حين الإجازة على القول بالكشف، أو الامضاء من حين العقد
على القول بالنقل، (2)
565

ففي صحتها وجهان. (3)
567

الثاني
إنه يشترط في الإجازة أن يكون باللفظ الدال عليه على وجه الصراحة العرفية، كقوله:
(أمضيت) و (أجزت) و (أنفذت) و (رضيت) وشبه ذلك. (4)
570

وظاهر رواية البارقي وقوعها بالكناية، وليس ببعيد إذا اتكل عليه عرفا ". (5)
578

والظاهر أن الفعل الكاشف عرفا " عن الرضا بالعقد كاف، كالتصرف في الثمن، (6)
ومنه إجازة البيع الواقع عليه - كما سيجئ - وكتمكين الزوجة من الدخول بها إذا زوجت
فضولا "، كما صرح به العلامة قدس سره.
وربما يحكى عن بعض اعتبار اللفظ، بل نسب إلى صريح جماعة وظاهر آخرين، وفي النسبة نظر.
واستدل عليه بعضهم: من أنه كالبيع في استقرار الملك، وهو يشبه المصادرة.
ويمكن أن يوجه: بأن الاستقرار في النواقل الاختيارية اللازمة - كالبيع وشبهه - يقتضي
اعتبار اللفظ، ومن المعلوم أن النقل الحقيقي العرفي من المالك يحصل بتأثير الإجازة.
وفيه نظر، (7)
580

بل لولا شبهة الاجماع الحاصلة عن عبارة جماعة من المعاصرين تعين القول بكفاية نفس
الرضا إذا علم حصوله من أي طريق، كما يستظهر من كثير من الفتاوى والنصوص. (8)
581

فقد علل جماعة عدم كفاية السكوت في الإجازة بكونه أعم من الرضا فلا يدل عليه، فالعدول
عن التعليل بعدم اللفظ إلى عدم الدلالة كالصريح فيما ذكرنا. (9)
وحكي عن آخرين أنه إذا أنكر الموكل الإذن فيما أوقعه الوكيل من المعاملة فحلف
إنفسخت، لأن الحلف يدل على كراهتها. وذكر بعض: أنه يكفي في إجازة البكر للعقد الواقع
عليها فضولا " سكوتها. ومن المعلوم: أن ليس المراد من ذلك أنه لا يحتاج إلى إجازتها، بل
المراد كفاية السكوت الظاهر في الرضا وإن لم يفد القطع دفعا "، للحرج عليها وعلينا.
582

ثم إن الظاهر أن كل من قال بكفاية الفعل الكاشف عن الرضا - كأكل الثمن وتمكين
الزوجة - اكتفى به من جهة الرضا المدلول عليه به، لا من جهة سببية الفعل تعبدا ".
وقد صرح غير واحد بأنه لو رضي المكره بما فعله صح، ولم يعبروا بالإجازة. (10)
وقد ورد فيمن زوجت نفسها في حال السكر: أنها إذا أقامت معه بعدما أفاقت فذلك
رضا " منها. (11)
583

وعرفت أيضا " استدلالهم على كون الإجازة كاشفة بأن العقد مستجمع للشرائط عدا رضا
المالك، فإذا حصل عمل السبب التام عمله. (12)
وبالجملة: فدعوى الاجماع في المسألة دونها خرط القتاد! وحينئذ فالعمومات المتمسك بها
لصحة الفضولي - السالمة عن ورود مخصص عليها، عدا ما دل على اعتبار رضا المالك في حل
ماله وانتقاله إلى الغير ورفع سلطنته عنه - أقوى حجة في المقام. (13)
584

مضافا " إلى ما ورد في عدة أخبار من أن سكوت المولى بعد علمه بتزويج عبده إقرار منه
له عليه، (14)
585

وما دل على أن قول المولى لعبده المتزوج بغير إذنه -: (طلق)، يدل على الرضا بالنكاح
فيصير إجازة، (15) وعلى أن المانع من لزوم نكاح العبد بدون إذن مولاه معصية المولى التي
ترتفع بالرضا، (16) وما دل على أن التصرف من ذي الخيار رضا " منه، وغير ذلك. (17)
586

بقي في المقام: أنه إذا قلنا بعدم اعتبار إنشاء الإجازة باللفظ، وكفاية مطلق الرضا أو الفعل
الدال عليه، فينبغي أن يقال بكفاية وقوع مثل ذلك مقارنا " للعقد أو سابقا "، فإذا فرضنا أنه
علم رضا المالك بقول أو فعل يدل على رضاه ببيع ماله كفى في اللزوم، لأن ما يؤثر بلحوقه يؤثر
بمقارنته بطريق أولى. والظاهر أن الأصحاب لا يلتزمون بذلك، فمقتضى ذلك:
أن لا يصح الإجازة إلا بما لو وقع قبل العقد كان إذنا " مخرجا " للبيع عن بيع الفضولي. (18)
ويؤيد ذلك: أنه لو كان مجرد الرضا ملزما "، كان مجرد الكراهة فسخا "، فيلزم عدم وقوع بيع
الفضولي مع نهي المالك، لأن الكراهة الحاصلة حينه وبعده - ولو آنا " ما - تكفي في الفسخ، بل
يلزم عدم وقوع بيع المكره أصلا "، إلا أن يلتزم بعدم كون مجرد الكراهة فسخا " وإن كان مجرد
الرضا إجازة. (19)
587

الثالث
من شروط الإجازة أن لا يسبقها الرد، إذ مع الرد ينفسخ العقد، فلا يبقى ما يلحقه الإجازة. (20)
589

والدليل عليه - بعد ظهور الاجماع، (21) بل التصريح به في كلام بعض مشايخنا -: أن الإجازة
إنما تجعل المجيز أحد طرفي العقد، (22)
590

وإلا لم يكن مكلفا " بالوفاء بالعقد، لما عرفت من أن وجوب الوفاء إنما هو في حق العاقدين
أو من قام مقامهما، وقد تقرر: أن من شروط الصيغة أن لا يحصل بين طرفي العقد ما
يسقطهما عن صدق العقد الذي هو في معنى المعاهدة. (23)
591

هذا، مع أن مقتضى سلطنة الناس على أموالهم تأثير الرد في قطع علاقة الطرف الآخر عن
ملكه، فلا يبقى ما يلحقه الإجازة، فتأمل. (24)
593

نعم، الصحيحة الواردة في بيع الوليدة ظاهرة في صحة الإجازة بعد الرد، (24) اللهم إلا أن يقال:
أن الرد الفعلي - كأخذ المبيع مثلا " - غير كاف، بل لا بد من إنشاء الفسخ. (25)
597

ودعوى: أن الفسخ هنا ليس بأولى من الفسخ في العقود اللازمة وقد صرحوا بحصوله
بالفعل.
يدفعها: إن الفعل الذي يحصل به الفسخ هو فعل لوازم ملك المبيع كالوطء والعتق ونحوهما،
لا مثل أخذ المبيع. (26)
وبالجملة: فالظاهر هنا وفي جميع الالتزامات: عدم الاعتبار بالإجازة الواقعة عقيب الفسخ،
فإن سلم ظهور الرواية في خلافه فليطرح أو يؤول.
598

الرابع
الإجازة أثر من آثار سلطنة المالك على ماله، (27) فموضوعها المالك، فقولنا: (له أن يجيز) مثل
قولنا: (له أن يبيع)، والكل راجع إلى أن له أن يتصرف. فلو مات المالك لم يورث الإجازة،
وإنما يورث المال الذي عقد عليه الفضولي، (28) فله الإجازة، بناء على ما سيجئ من جواز
مغايرة المجيز والمالك حال العقد - في من باع مال أبيه فبان ميتا " -
599

والفرق بين إرث الإجازة وإرث المال يظهر بالتأمل. (29)
600

الخامس
إجازة البيع ليست إجازة لقبض الثمن، ولا لاقباض المبيع، (30)
601

ولو أجازهما صريحا " أو فهم إجازتهما من إجازة البيع مضت الإجازة، (31)
602

لأن مرجع إجازة القبض إلى إسقاط ضمان الثمن عن عهدة المشتري، (32)
603

ومرجع إجازة الاقباض إلى حصول المبيع في يد المشتري برضا البايع، فيترتب عليه جميع
الآثار المترتبة على قبض المبيع. (33) لكن ما ذكرنا إنما يصح في قبض الثمن المعين،
607

وأما قبض الكلي وتشخصه به فوقوعه من الفضولي على وجه تصححه الإجازة يحتاج إلى
دليل معمم لحكم عقد الفضولي لمثل القبض والاقباض، وإتمام الدليل على ذلك لا يخلو عن
صعوبة. (34)
608

وعن المختلف: أنه حكي عن الشيخ: أنه لو أجاز المالك بيع الغاصب لم يطالب المشتري
بالثمن، ثم ضعفه بعدم استلزام إجازة العقد لإجازة القبض. وعلى أي حال، فلو كان إجازة
العقد دون القبض - لغوا " كما في الصرف والسلم بعد قبض الفضولي والتفرق - كان إجازة
العقد إجازة للقبض، صونا " للإجازة عن اللغوية. (35)
610

ولو قال: أجزت العقد دون القبض، ففي بطلان العقد أو بطلان رد القبض وجهان. (36)
612

السادس
الإجازة ليست على الفور، للعمومات ولصحيحة محمد بن قيس وأكثر المؤيدات المذكورة
بعدها، (37) ولو لم يجز المالك ولم يرد حتى لزم تضرر الأصيل بعدم تصرفه فيما انتقل عنه
وإليه - على القول بالكشف (38) - فالأقوى تداركه بالخيار أو إجبار المالك على
أحد الأمرين (39)
616

السابع
هل يعتبر في صحة الإجازة مطابقتها للعقد الواقع عموما " أو خصوصا "، أم لا وجهان،
الأقوى: التفصيل (40)
621

فلو أوقع العقد على صفقة فأجاز المالك بيع بعضها، فالأقوى الجواز (41)، كما لو كانت الصفقة
بين مالكين فأجاز أحدهما، وضرر التبعض على المشتري يجبر بالخيار. (42)
ولو أوقع العقد على شرط فأجازه المالك مجردا " عن الشرط، فالأقوى: عدم الجواز، بناء على
عدم قابلية العقد للتبعيض من حيث الشرط وإن كان قابلا " للتبعيض من حيث الجزء، ولذا
لا يؤثر بطلان الجزء بخلاف بطلان الشرط. (43)
626

ولو انعكس الأمر، بأن عقد الفضولي مجردا " عن الشرط وأجاز المالك مشروطا "، ففي
صحة الإجازة مع الشرط إذا رضي به الأصيل - فيكون نظير الشرط الواقع في ضمن القبول
إذا رضي به الموجب - أو بدون الشرط، لعدم وجوب الوفاء بالشرط إلا إذا وقع في حيز
العقد، - فلا يجدي وقوعه في حيز القبول إلا إذا تقدم على الايجاب، ليرد الايجاب عليه
أيضا " - أو بطلانها، (44) لأنه إذا لغي الشرط لغي المشروط، لكون المجموع التزاما " واحدا "،
وجوه، أقواها: الأخير. (45)
630