الكتاب: الينابيع الفقهية
المؤلف: علي أصغر مرواريد
الجزء: ٤٠ق١
الوفاة: معاصر
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤١٣ - ١٩٩٣ م
المطبعة:
الناشر: مؤسسة فقه الشيعة - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: أشرف على جمع أصولها الخطية وترتيبها حسب التسلسل الزمني وعلى تحقيقها وإخراجها وعمل قواميسها علي أصغر مرواريد

الينابيع الفقهية
الحدود
القصاص والديات
تعريف الكتاب 1

حقوق الطبع محفوظة للمؤلف
الطبعة الأولى
1413 ه - 1993 م
مؤسسة فقه الشيعة
بيروت - لبنان
حارة حريك - شارع دكاش - بناية كليوباترا
ص. ب 209 / 25 - تلفون:: 836763 - فاكس 04625848 - 357
تعريف الكتاب 2

سلسلة الينابيع الفقهية
الحدود
القصاص والديات
أشرف على جمع أصولها الخطية وترتيبها حب التسلسل
الزمني وعلى تحقيقها واخراجها وعمل قواميسها
علي أصغر مرواريد
تعريف الكتاب 3

الفهرست الإجمالي للمتون
الإشراف
الخلاف
نزهة الناظر
إرشاد الأذهان
الرسالة الفخرية
البيان
النفلية
الموجز الحاوي
الإقتصاد
المبسوط
تبصرة المتعلمين
تلخيص المرام
الدروس الشرعية
الألفية
المحرر
مسائل ابن طي
تعريف الكتاب 4

التعريف
سلسلة الينابيع
موسوعة الفقهية متكاملة جمعت بين دفتيها أهم المتون الفقهية
الأصيلة بتحقيق رائع وتنقيح أكاديمي، ومن أحدث المناهج
العلمية لفن التحقيق.
تعنى الموسوعة بالتقسيم الموضوعي لأبواب الفقه الإسلامي -
كافة أبوابه - وبذلك تهئ للباحث والمحقق والأستاذ أسهل
الطرق الاستنباط ما يحتاجه، واستخلاص ما يبتغيه، بعيدا
عن عناء الاستقصاء والبحث.
تميزت هذه الدورة باعتمادها الأصول الخطية
الأصيلة لكل المتون الفقهية بمثابة الأصول الأساسية لتحقيق
النصوص التي بقيت لفترة ليست بالقصيرة أسيرة الطبعات السقيمة.
بالإضافة إلى احتوائها النصوص التي تطبع لأول مرة، موزعة
حسب الأبواب الفقهية.
تفيد المتخصصين بدراسة الفقه المقارن واختلاف الفتاوى
على مدى عشرة قرون.
مقدمة المشرف 5

إهداء وشكر...
إلى..
كل انسان يؤمن بأن الشريعة السمحاء أساس جميع القوانين في العالم...
وإلى...
الذين يهتمون بشؤون المجتمعات البشرية ويسعون إلى إصلاحها عن طريق
القسم الإسلامية.
وإلى...
كل الذين يعشقون الفقه الإسلامي باعتباره أفضل السبل وأنجح القوانين
المستمدة أصول القرآن للوصول إلى الكمال الإنسان من الجوانب
المادية والروحية.
أقدم هذا الجهد المتواضع...
ولا يسعني في غمرة سعادتي وسروري وأنا أرى سلسلة الينابيع
الفقهية هذه قد عانقت النور - إلا أن أتقدم بجزيل شكري وعظيم
امتناني لكل الذين ساهموا قريب أو بعيد بإنجاز هذا العمل الجليل
من العلماء والفضلاء الذين قدموا لنا مساعدتهم ومشورتهم الخالصة،
ومن الأخوة العاملين والمحققين معنا... واعيا اللهم لهم جميعا التوفيق
والسداد وأن يجزل لهم الثواب وحسن العاقبة...
إن سميع مجيب.
علي أصغر مرواريد
مقدمة المشرف 6

الفهرست الإجمالي للمتون
كتاب الحدود
الاشراف
الخلاف 1
نزهة الناظر 147
إرشاد الأذهان 172
الرسالة الفخرية
البيان
النفلية
الموجز الحاوي
الإقتصاد
المبسوط 72
تبصرة المتعلمين 162
تلخيص المرام 195
الدروس الشرعية
الألفية
المحرر
مسائل ابن طي
الفهرست الإجمالي للمتون
كتاب القصاص والديات
الإشراف
الخلاف 1
نزهة الناظر 289
إرشاد الأذهان 425
الرسالة الفخرية
البيان
النفلية
الموجز الحاوي
الإقتصاد
المبسوط 145
تبصرة المتعلمين 409
تلخيص المرام 465
الدروس الشرعية
الألفية
المحرر
مسائل ابن طي
مقدمة المشرف 7

بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المشرف 8

الخلاف
تأليف شيخ الطائفة
أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (قدس سره)
385 - 460
1

كتاب الحدود
مسألة 1: يجب على الثيب الرجم، وبه قال جميع الفقهاء، وحكي عن
الخوارج أنهم قالوا: لا رجم في شرعنا لأنه ليس في ظاهر القرآن ولا في السنة
المتواترة.
دليلنا: إجماع الفرقة.
وأيضا روى عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وآله قال: خذوا عني
قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلدة
مائة والرجم، وزنى ما عز فرجمه رسول الله صلى الله عليه وآله ورجم العامرية،
وعليه إجماع الصحابة.
وروي عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله رجم يهوديين
زنيا.
وروي عن عمر أنه قال: لولا أنني أخشى أن يقال زاد عمر في القرآن لكتبت
آية الرجم في حاشية المصحف " الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا
من الله ".
وروي أن عليا عليه الصلاة والسلام جلد سراجة يوم الخميس ورجمها يوم
الجمعة، وقال جلدتها بكتاب الله ورجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وآله،
فقد ثبت ذلك بالسنة وإجماع الصحابة.
3

مسألة 2: المحصن إذا كان شيخا أو شيخة فعليهما الجلد والرجم، وإن كانا
شابين فعليهما الرجم بلا جلد، وقال داود وأهل الظاهر: عليهما الجلد والرجم،
ولم يفصلا، وبه قال جماعة من أصحابنا، وقال جميع الفقهاء: ليس عليهما إلا
الرجم دون الجلد.
دليلنا: قوله تعالى: الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة، ولم
يفصل، وروى عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: خذوا
عني قد جعل الله لهن سبيلا، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب
جلد مائة والرجم، وفيه إجماع الصحابة، وروي أيضا أن عليا عليه السلام جلد
سراجة يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة فقيل: لم تحدها حدين؟ فقال حددتها
بكتاب الله، ورجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وآله.
مسألة 3: البكر عبارة عن غير المحصن فإذا زنى البكر جلد مائة وغرب
عاما كل واحد
منهما حد إن كان ذكرا، وإن كان أنثى لم يكن عليها تغريب، وبه
قال مالك، وقال قوم: هما سواء، ذهب إليه الأوزاعي والثوري وابن أبي ليلى
وأحمد والشافعي.
وقال أبو حنيفة: الحد هو الجلد فقط، والتغريب ليس بحد، وإنما هو تعزير
إلى اجتهاد الإمام، وليس بمقدر فإن رأى الحبس فعل، وإن رأى التغريب إلى بلد
آخر فعل من غير تقدير، وسواء كان ذكرا أو أنثى.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا الأصل براءة الذمة في المرأة فمن
أوجب عليها التغريب فعليه الدليل والجلد لا خلاف أنه عليها، وأيضا قوله تعالى:
فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب، فلو كانت المرأة الحرة يجب عليها
التغريب لكان على الأمة نصفها، وقد أجمعنا على أنه لا تغريب على الأمة لقوله
عليه السلام: إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها، فكان هذا كل الواجب.
وأما الدليل على أنهما حدان ظاهر الخبر وأن النبي صلى الله عليه وآله فعل
4

ذلك، وأمر به، فمن حمل ذلك على التعزير أو جعله إلى اجتهاد الإمام فعليه
الدليل، وهذا إجماع الصحابة.
وروي عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله جلد وغرب وأن أبا بكر
جلد وغرب وعمر جلد وغرب، وروي عن علي عليه السلام وعثمان أنهما فعلا
ذلك وروي عن أبي وأبي وابن مسعود مثل ذلك فغرب أبو بكر وعمر إلى الشام،
وعثمان إلى مصر وعلي عليه السلام إلى الروم ولا مخالف لهم.
وما روي عن عمر أنه قال: والله لا غربت بعدها أبدا، وروي عن علي عليه
السلام أنه قال: التغريب فتنة، الوجه فيه أن عمر نفي شارب الخمر فلحق بالروم،
فلهذا حلف، وقول علي عليه السلام أراد أن نفي عمر فتنة، وهذا الذي حكيناه.
مسألة 4: لا نفي على العبد، ولا على الأمة، وبه قال مالك وأحمد،
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه، والثاني أن عليهما النفي، وكم النفي؟
فيه قولان: أحدهما سنة مثل الحر والآخر نصف سنة.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، وشغلها يحتاج إلى دليل.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها،
فإن زنت فليجلدها، ولم يذكر التغريب.
مسألة 5: الإحصان لا يثبت إلا بأن يكون للرجل الحر فرج يغدو إليه
ويروح متمكنا من وطئه سواء كانت زوجته حرة أو أمة أو ملك يمين، ومتى لم
يكن متمكنا منه لم يكن محصنا، وذلك بأن يكون مسافرا عنها أو محبوسا أو لا
يكون مخلي بينه وبينها، وكذلك الحكم فيها سواء.
ومتى تزوج الرجل ودخل بها ثم طلقها وبانت منه بطل الإحصان بينهما،
وقال الفقهاء كلهم: خلاف ذلك في الحرة أنه متى عقد عليها ودخل بها ثم طلقها
أنه يثبت الإحصان بينهما، وإن فارقها بموت أو طلاق، ولم يراعوا التمكن من
5

وطئها.
فأما الأمة فقال الشافعي: إذا أصاب أمة بنكاح صحيح أو العبد حرة يثبت
الإحصان للحر دون المملوك، وهو قول مالك، وقال أبو حنيفة: لا يثبت
الإحصان لأحدهما، وهكذا الصغير إذا أصاب كبيرة أو الكبير الصغيرة ثبت
الإحصان للكبير عند الشافعي، وقال مالك وأبو حنيفة: لا يثبت الإحصان
لأحدهما، ويحكى عن الشافعي هذا في القديم.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم والأصل براءة الذمة، والإحصان الذي
راعيناه مجمع عليه في الحرة، وما ادعوه ليس عليه دليل فوجب نفيه.
مسألة 6: إذا مكنت العاقلة المجنون من نفسها ووطئها لزمه الحد، وإن
وطئ المجنونة عاقل لزمه الحد، ولم يلزمها الحد.
وقال الشافعي: يلزم الحد العاقل دون من ليس بعاقل في الموضعين.
وقال أبو حنيفة: لا يجب على العاقلة الحد إذا وطئها المجنون، وإن وطئ
عاقل مجنونة لزمه الحد.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا قوله تعالى: الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد
منهما مائة جلدة، ولم يفصل فهو على عمومه.
مسألة 7: إذا وطئ بهيمة فإن كانت مأكولة اللحم ذبحت وأحرق لحمها
ولا يؤكل، وإن كان لغير الواطئ غرم قيمتها، وإن كانت غير مأكولة اللحم
حملت إلى بلد آخر وبيعت ولم تذبح.
وقال الشافعي: إن كانت مأكولة ذبحت، وهل يؤكل لحمها؟ فيه وجهان:
أحدهما لا يؤكل، والآخر يؤكل، وإن كانت غير مأكولة فهل تذبح أم لا؟ فيه
وجهان: أحدهما لا تذبح، والثاني تذبح.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
6

مسألة 8: لا تثبت الشهادة على اللواط إلا بأربعة رجال، ويثبت إتيان البهيمة
بشهادة شاهدين.
وقال الشافعي: إن قلنا أنه كالزنا لم يثبت إلا بشهادة أربعة ذكور عدول،
وكذلك إن قال أنه أغلظ، وأما إتيان البهائم فإن قلنا أنه كاللواط أو كالزنا لا يثبت
إلا بأربعة ذكور، وإن قلنا فيه تعزير فالمنصوص أنه لا يثبت إلا بأربعة، وقال ابن
خيران: يثبت بشهادة شاهدين، وقال أبو حنيفة: يثبت جميع ذلك بشهادة
شاهدين.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 9: روى أصحابنا في الرجل إذا وجد مع امرأة أجنبية يقبلها ويعانقها
في فراش واحد أن عليهما مائة جلدة، وروي ذلك عن علي عليه السلام، وقد
روي أن عليهما أقل من الحد، وقال جميع الفقهاء: عليه التعزير.
دليلنا: أخبار الطائفة، وقد ذكرناها، وقد روت العامة ذلك عن علي عليه
السلام.
مسألة 10: إذا وجدت امرأة حبلى ولا زوج لها وأنكرت أن يكون من زنا،
لا حد عليها، وبه قال أبو حنيفة والشافعي، وقال مالك: عليها الحد.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، وإيجاب الحد يحتاج إلى دليل، وأيضا فإنه
يحتمل أن يكون من زنا ويحتمل أن يكون من وطء شبهة ويحتمل أن تكون
مكرهة، ولا حد مع الشبهة.
مسألة 11: يستحب أن يحضر عند إقامة الحد على الزاني طائفة من المؤمنين
بلا خلاف لقوله تعالى: وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين، وأقل ذلك عشرة،
وبه قال الحسن البصري، وقال ابن عباس: أقله واحد، وقد روى ذلك أصحابنا
7

أيضا، وقال عكرمة: اثنان، وقال الزهري: ثلاثة، وقال الشافعي: أربعة.
دليلنا: طريقة الاحتياط لأنه إذا حضر عشرة دخل الأقل فيه، ولو قلناه
بأحد ما قالوه لكان قويا لأن لفظ الطائفة يقع على جميع ذلك.
مسألة 12: يفرق حد الزاني على جميع البدن إلا الوجه والفرج، وبه قال
الشافعي، وقال أبو حنيفة: إلا الوجه والفرج والرأس.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 13: إذا اشترى ذات محرم كالأم والبنت والأخت والعمة والخالة
من النسب والرضاع فوطئها مع العلم بالتحريم كان عليه الحد، وقال الشافعي
في الأخت والعمة والخالة والأم من النسب أو الرضاع فيه قولان: أحدهما عليه
الحد والثاني لا حد عليه، وبه قال أبو حنيفة.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم على أن هؤلاء ينعتقون، فإذا وطئها وطئ
حرة ذات محرم فكان عليه الحد بلا خلاف بين أصحابنا.
فإن قيل: هذا وطء صادف ملكا وكان شبهة، قلنا: لا نسلم ذلك، فإنه متى
ملكها انعتقت في الحال، ولا تستقر حتى يطأها بعد ذلك في الملك.
مسألة 14: إذا ثبت الزنى بالبينة لم يجب على الشهود حضور موضع
الرجم، وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: يلزمهم ذلك.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، وإيجاب الحضور عليهم يحتاج إلى دليل،
وقد روى أصحابنا أنه إذا وجب الرجم بالبينة فأول من يرجمه الشهود ثم الإمام،
وإن كان مقرا على نفسه كان أول من يرجمه الإمام، فعلى هذا يلزمهم الحضور.
مسألة 15: إذا حضر الإمام والشهود موضع الرجم فإن كان الحد ثبت
8

بالإقرار وجب على الإمام البدأة به ثم يتبعه الناس، وإن كان ثبت بالبينة بدأ أولا
الشهود ثم الإمام ثم الناس، وقال أبو حنيفة مثل ذلك، وقال الشافعي: لا يجب
على واحد منهم البدأة بالرجم.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وطريقة الاحتياط، وأيضا فإنهم إذا فعلوا ما
قلناه لم يستحقوا الذم بلا خلاف وإذا لم يفعلوا ففي استحقاق ذلك خلاف.
مسألة 16: لا يجب الحد بالزنى إلا بإقرار أربع مرات في أربعة مجالس فأما
دفعة واحدة فلا يثبت به على حال، وقال به أبو حنيفة.
وقال الشافعي: إذا أقر دفعة واحدة لزمه الحد بكرا كان أو ثيبا، وبه قال في
الصحابة أبو بكر وعمر، وفي الفقهاء حماد بن أبي سليمان ومالك.
وقال ابن أبي ليلى: لا يثبت إلا بأن يعترف أربع مرات، سواء كان في أربع
مجالس أو مجلس واحد.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا الأصل براءة الذمة، وإذا أقر أربع
مرات على ما بيناه لزمه الحد بلا خلاف، ولا دليل على استحقاقه بإقراره مرة
واحدة.
وروي عن ابن عباس أن ماعزا أقر عند النبي صلى الله عليه وآله مرتين
فأعرض ثم أقر مرتين فأمر برجمه، وروي عن أبا بكر قال لما عز: إن أقررت أربع
مرات رجمك رسول الله صلى الله عليه وآله.
مسألة 17: إذا أقر بحد ثم رجع عنه سقط الحد، وهو قول أبي حنيفة
والشافعي وإحدى الروايتين عن مالك، وعنه روايات أخرى أنه لا يسقط، وبه
قال الحسن البصري وسعيد بن جبير وداود.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا فإن ماعزا أقر عند النبي صلى الله عليه وآله
بالزنا فأعرض عنه مرتين أو ثلاثا ثم قال: لعلك لمست لعلك قبلت، فعرض له
9

بالرجوع حين أعرض عند إقراره وصرح له بذلك في قوله " لعلك لمست
لعلك قبلت " ولولا أن ذلك يقبل منه لم يكن له فائدة.
مسألة 18: المريض المأيوس منه إذا زنى وهو بكر أخذ عذق فيه مائة
شمراخ أو مائة عود يشد بعضه إلى بعض، ويضرب به ضربة واحدة على وجه لا
يؤدى إلى التلف.
وقال أبو حنيفة: يضرب مجتمعا ومنفردا ضربا مؤلما، وقال مالك: يضرب
بالسياط مجتمعا ضربا مؤلما، وقال الشافعي: يضرب مائة بأطراف الثياب
والنعال ضربا لا يؤلم ألما شديدا.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا قوله تعالى: وخذ بيدك ضغثا
فاضرب به ولا تحنث، وهذه قصة لأيوب عليه السلام معروفة، وروي أن مقعدا
أقر عند النبي صلى الله عليه وآله بالزنى فأمر أن يضرب مائة بإنكال النخل.
مسألة 19: إذا شهد عليه أربع شهود بالزنى فكذبهم أقيم عليه الحد بلا
خلاف، وإن صدقهم أقيم عليه الحد، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: لا يقام عليه الحد لأنه يسقط حكم الشهادة مع الاعتراف،
وبالاعتراف دفعة واحدة لا يقام عليه الحد.
دليلنا: عموم الأخبار التي وردت في وجوب إقامة الحد إذا قامت عليه البينة
أربعة ولم يفصلوا.
مسألة 20: إذا وجد الرجل على فراشه امرأة فظنها زوجته فوطئها لم يكن
عليه الحد، وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: عليه الحد، وقد روى ذلك
أصحابنا.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، وشغلها يحتاج إلى دليل.
10

مسألة 21: إذا أقر الأخرس بالزنى بإشارة مقبولة لزمه الحد، وكذلك إذا أقر
بقتل العمد لزمه القود، وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: لا يلزمه الحد ولا القتل.
دليلنا: عموم الأخبار الواردة في أن المقر بالزنى وبالقتل يجب عليه الحد
والقود، والأخرس إذا أقر بالإشارة سمي ذلك إقرارا، ألا ترى أنه لو أقر بمال لغيره
لزمه ذلك بلا خلاف، ولا خلاف أيضا أنه يصح طلاقه.
مسألة 22: إذا لاط الرجل فأوقب وجب عليه القتل، والإمام مخير بين أن
يقتله بالسيف أو يرمى عليه حائطا أو يرمى به من موضع عال، وإن كان دون
الإيقاب فإن كان محصنا وجب عليه الرجم، وإن كان بكرا وجب عليه مائة
جلدة.
وقال الشافعي في أحد قوليه أن حكمه حكم الزاني يجلد إن كان بكرا،
ويرجم إن كان ثيبا، وبه قال الزهري والحسن البصري وأبو يوسف ومحمد،
والقول الآخر أنه يقتل بكل حال كما قلناه، وبه قال مالك وأحمد وإسحاق إلا
أنهم لم يفصلوا، وقال أبو حنيفة: لا يجب به الحد وإنما يجب به التعزير.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: من عمل عمل قوم لوط فاقتلوا
الفاعل والمفعول به، وروي ذلك عن أبي بكر وابن عباس، وروي مثل ذلك
عن علي عليه السلام، ولا مخالف لهم فيه.
مسألة 23: إذا أتى بهيمة كان عليه التعزير دون الحد، وبه قال مالك
والثوري وأبو حنيفة، وللشافعي فيه ثلاثة أقوال: أحدها مثل ما قلناه، والثاني مثل
الزنى، والثالث مثل اللواط.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا الأصل براءة الذمة، وليس على ما قالوه
دليل.
11

مسألة 24: إذا شهد أربعة شهود على رجل بالزنى بامرأة فشهد اثنان أنه
أكرهها وآخران أنها طاوعته، قال الشافعي: إنه لا يجب عليه الحد، وهو الأقوى
عندي، وقال أبو حنيفة: عليه الحد، وبه قال ابن عباس.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، وإيجاب الحد يحتاج إلى دليل، وأيضا،
الشهادة لم تكمل بفعل واحد، وإنما شهادة على فعلين لأن الزنى طوعا غير الزنى
كرها.
مسألة 25: إذا ملك الرجل ذات محرم له بنسب أو رضاع فوطئها مع
العلم بتحريم الوطء عليه، لزمه القتل على كل حال، وقال الشافعي: لزمه الحد
في أحد القولين وأصحهما، والقول الآخر لا حد عليه، وبه قال أبو حنيفة.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم. فإن قيل: هذا وطء صادف ملكا فكان
شبهة، قلنا: لا نسلم ذلك لأنه متى ملكها انعتقت في الحال ولم يستقر حتى يطأها
بعد ذلك في الملك.
مسألة 26: إذا استأجر امرأة للوطء فوطئها لزمه الحد، وبه قال الشافعي،
وقال أبو حنيفة: لا حد عليه.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا قوله تعالى: إلا على أزواجهم أو ما
ملكت أيمانهم، وهذه ليست واحدة منهما.
مسألة 27: إذا كان الزانيان كاملين بأن يكونا حرين بالغين عاقلين فقد
أحصنا، وإن كانا ناقصين بأن تفقد الشرائط فيهما لم يحصنا بلا خلاف، وإن كان
أحدهما كاملا والآخر ناقصا، فإن كان النقص بالرق فالكامل قد أحصن دون
الناقص، وإن كان بالصغر لا يثبت فيهما الإحصان، وبه قال أبو حنيفة.
وقال مالك: إن كان النقص رقا لم يثبت الإحصان لأحدهما، وإن كان
12

صغرا أحصن الكامل.
وقال الشافعي: إن كان النقص بالرق فالكامل قد أحصن دون الناقص،
بلا خلاف على مذاهبهم، وإن كان النقص بالصغر ففيه قولان: قال في الأم:
الكامل محصن، وقال في الإملاء: لا يثبت الإحصان لأحدهما، والمذهب الأول.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا الأصل براءة الذمة، وثبوت
الإحصان وإيجاب الرجم على ما قالوه يحتاج إلى دليل.
مسألة 28: من وجب عليه الرجم يؤمر بالاغتسال أولا، والتكفين ثم
يرجم، ويدفن بعد ذلك بعد أن يصلى عليه، ولا يغتسل بعد قتله، وقال جميع
الفقهاء: إنه يغسل بعد موته ويصلى عليه.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم لا يختلفون فيه.
مسألة 29: إذا عقد النكاح على ذات محرم له كأمه وبنته وأخته وخالته
وعمته من نسب أو رضاع أو امرأة ابنه أو أبيه أو تزوج بخامسة أو امرأة لها زوج
ووطئها أو وطئ امرأة بعد أن بانت باللعان أو بالطلاق الثلاث - مع العلم
بالتحريم - فعليه القتل في وطء ذات محرم، والحد في وطء الأجنبية، وبه قال
الشافعي، إلا أنه لا يفصل.
وقال أبو حنيفة: لا حد في شئ من هذا، حتى قال: لو استأجر امرأة ليزني
بها فزنى بها لا حد عليه، فإن استأجرها للخدمة فوطئها فعليه الحد.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا قال الله تعالى: إلا على أزواجهم أو
ما ملكت أيمانهم ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف إنه كان
فاحشة، فسماه فاحشة، فإذا ثبت أنه فاحشة فقد أمر الله تعالى بحبس من أتاها
فقال تعالى: واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم، إلى قوله: ويجعل الله لهن سبيلا،
ثم بين النبي صلى الله عليه وآله فقال: خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر
13

بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم ثبت أن هذا حكم
الفاحشة.
وروى عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله قال: من وقع
على ذات رحم فاقتلوه، وهذا وقع عليها.
وروى البراء بن عازب قال: بينا أنا أطوف على إبل لي تحفلت إذ أقبل
ركب أو فوارس معهم لواء فجعل الأعراب يطيفون بي لمنزلتي من النبي صلى الله
عليه وآله إذ أتوا فئة فاستخرجوا منها رجلا فضربوا عنقه، فسألت عنه فذكروا أنه
أعرس بامرأة أبيه، وما فعل القوم هكذا إلا وكان أمر النبي صلى الله عليه وآله أو
بعلمه فأقرهم عليه.
مسألة 30: إذا تكاملت شهود الزنى أربعة شهدوا به ثم ماتوا أو غابوا جاز
للحاكم أن يحكم بشهادتهم، ويقيم الحد على الشهود عليه، وبه قال الشافعي،
وقال أبو حنيفة: متى غابوا أو ماتوا لم يجز للحاكم أن يحكم بشهادتهم.
دليلنا: أنه إذا ثبت الحكم بشهادة جاز تنفيذه مع غيبة الشهود كسائر
الشهادات، ومن قال يسقط فعليه الدلالة، وأيضا قوله تعالى: الزانية والزاني
فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة.
مسألة 31: إذا تكامل شهود الزنى فقد ثبت الحكم بشهادتهم، سواء شهدوا
في مجلس واحد أو في مجالس، وشهادتهم مفترقين أحوط، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: إن كانوا شهدوا في مجلس واحد ثبت الحد بشهادتهم، وإن
كانوا شهدوا في مجالس فهم قذفة يحدون.
والمجلس عنده مجلس الحكم فإن جلس بكرة ولم يقم إلى العشي فهو
مجلس واحد، فإن شهد اثنان فيه بكرة وآخران عشية ثبت الحد، ولو جلس
لحظة وانصرف فعاد فهما مجلسان.
14

دليلنا: كل ظاهر ورد بأنه إذا شهد أربعة شهود وجب الحد يتناول هذا
الموضع، فإنه لم يفصل وأيضا قوله تعالى: والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا
بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة، ولم يفصل، وأيضا فإذا شهد واحد أولا لم
يخل من أحد أمرين: إما أن يكون شاهدا أو قاذفا فبطل أن يكون قاذفا لأنه لو
كان قاذفا لم يصر شاهدا بإضافة شهادة غيره إليه، فإذا ثبت أنه ليس بقاذف ثبت
أن يكون شاهدا، وإذا كان شاهدا لم يكن قاذفا بتأخر شهادة غيره من مجلس إلى
مجلس آخر.
مسألة 32: إذا حضر أربعة ليشهدوا بالزنى فشد واحد أو ثلاثة ولم يشهد
الرابع لم يثبت على المشهود عليه بالزنى لأن الشهادة ما تكاملت بلا خلاف، ومن
لم يشهد لا شئ عليه أيضا بلا خلاف، ومن شهد فعليه حد القذف، وبه قال
أبو حنيفة وأصحابه، والشافعي في أحد قوليه في القديم والجديد، وقال في
الشهادات: لا يجب الحد، وهي المشهورة بالقولين، والأول أظهر في الآية، والثاني
أقيس.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا ففيه إجماع الصحابة، روي ذلك
عن علي عليه السلام وعمر ولا مخالف لهما.
أما علي عليه السلام فروي أن أربعة أتوه ليشهدوا على رجل بالزنى فصرح
ثلاثة وقال الرابع: رأيتهما تحت ثوب، فإن كان ذلك زنا فهو ذلك.
وأما عمر فالقصة مشهورة وهو أنه استخلف المغيرة بن شعبة على البصرة
وكان نازلا في أسفل الدار ونافع وأبو بكرة وشبل بن معبد وزياد في علوها فهبت
ريح ففتحت باب البيت ورفعت الستر فرأوا المغيرة بين رجلي امرأة فلما أصبحوا
تقدم المغيرة ليصلي فقال له أبو بكرة: تنح عن مصلانا، فبلغ ذلك عمر فكتب أن
يرفعوا إليه، وكتب إلى المغيرة قد يحدث عنك بما إن كان صدقا فلو كنت مت
من قبله لكان خيرا لك، فأشخصوا إلى المدينة فشهد نافع وأبو بكرة وشبل بن
15

معبد فقال عمر: أو ذا المغيرة الأربعة، فجاء زياد ليشهد، فقال عمر: هذا رجل لا
يشهد إلا بالحق إن شاء الله فقال: أما بالزنى فلا أشهد ولكني رأيت أمرا قبيحا،
فقال عمر: الله أكبر، وجلد الثلاثة، فلما جلد أبو بكرة قال: أشهد أن المغيرة زنى،
فهم عمر بجلده فقال له علي عليه السلام: إن جلدته فارجم صاحبك - يعني
المغيرة -.
فموضع الدلالة أن هذه قصة ظهرت واشتهرت ولم ينكر ذلك أحد، وقيل
في تأويل قول علي عليه السلام لعمر: إن جلدت أبا بكرة ثانيا فارجم صاحبك،
يعني إنما أعاد ما شهد به فلا تجلده بإعادته، والثاني معناه أن جلده لا يجوز كما
أن رجم المغيرة لا يجوز، فإن جلدته - وجلده لا يجوز - فارجم صاحبك.
والأول أصح، فإن الساجي نقل القصة وقال: قال علي عليه السلام " إن
جعلت شهادته بمنزلة شهادة رجلين فارجم صاحبك " ومن قال لا حد عليهم
استدل بقوله تعالى: والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء
فاجلدوهم ثمانين جلدة، فأخبر أن القاذف من إذا لم يأت بأربعة شهداء حد، وهذا
ليس منهم فإنه لا يحد إذا أتى بأقل منهم، وهو إذا شهد معه ثلاثة، فكل من خرج
من قذفه بأقل من أربعة شهود لم يكن قاذفا.
مسألة 33: إذا شهد الأربعة على رجل بالزنى فردت شهادة واحد منهم،
فإن ردت بأمر ظاهر لا يخفى على أحد فإنه يجب على الأربعة حد القاذف، وإن
ردت بأمر خفي لا يقف عليه إلا آحادهم فإنه يقام على مردود الشهادة الحد
والثلاثة لا يقام الحد عليهم.
وقال الشافعي: إن ردت شهادته بأمر ظاهر فعلى قولين في الأربعة: أحدهما
يقام عليهم الحد، والثاني لا يقام عليهم الحد، وإن ردت شهادته بأمر خفي
فالمردود الشهادة لا حد عليه، وهو المذهب، والثلاثة فالمذهب أنه لا حد عليهم،
ومن أصحابه من قال: على قولين.
16

دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، ولا دليل على أنه يجب على هؤلاء الحد،
وأيضا فإنهم غير مفرطين في إقامة الشهادة، فإن أحدا لا يقف على بواطن الناس،
فكان عذرا في إقامتها، فلهذا لا حد.
ويفارق إذا كان الرد بأمر ظاهر لأن التفريط كان منهم، فلهذا حدوا،
والدليل على أن مع الرد بأمر ظاهر يجب الحد قوله تعالى: والذين يرمون
المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة، وهذا ما أتى بأربعة
شهداء لأن من كان ظاهره ما يوجب الرد لا يكون شاهدا.
مسألة 34: إذا شهد أربعة ثم رجع واحد منهم فلا حد على المشهود عليه
بلا خلاف، وعلى الراجع الحد أيضا بلا خلاف، وأما الثلاثة فلا حد عليهم،
وللشافعي فيه قولان: المنصوص عليه مثل ما قلناه، وقال بعض أصحابه: هذه
أيضا على قولين، وقال أبو حنيفة: عليهم الحد.
دليلنا: قوله تعالى: والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء،
وهذا أتى بأربعة شهداء، ورجوع واحد منهم لا يؤثر فيما ثبت وأيضا الأصل براءة
الذمة، فمن أوجب عليهم الحد فعليه الدلالة.
مسألة 35: إذا شهد أربعة فرجم المشهود عليه ثم رجع واحد أو الأربعة
وقال الراجع: عمدت قتله، كان عليه الحد والقود، وبه قال الشافعي، وقال
أبو حنيفة: لا قود عليه.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
وأيضا روي عن علي عليه السلام أنه شهد عنده شاهدان على رجل أنه سرق
فقطعه فأتياه بآخر، وقالا: هذا الذي سرق وأخطأنا على الأول، فقال علي عليه
السلام: لو علمت أنكما تعمدتما لقطعتكما، ولم ينكر عليه أحد ذلك ثبت أنه
إجماع.
17

مسألة 36: إذا استكره امرأة على الزنى فلا حد عليها بلا خلاف، وعليه
الحد ولا مهر لها، وبه قال أبو حنيفة، وقال الشافعي: لها مهر مثلها.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا أن الأصل براءة الذمة فمن شغلها
فعليه الدلالة.
وروى الحجاج بن أرطاة عن عبد الرحمان بن وائل بن حجر عن أبيه أن
امرأة استكرهت على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله فدرأ النبي صلى الله عليه
وآله عنها الحد، وحد الذي أصابها، ولم ينقل أنه جعل لها مهرا فلو كان واجبا
أوجبه لها، وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه نهى عن مهر البغي، وروي البغاء،
فالبغاء الزنى، والبغي الزانية.
مسألة 37: إذا زنى العبد أو الأمة فعلى كل واحد منهما نصف ما على
الحر خمسون جلدة، تزوجا أو لم يتزوجا، وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي.
وقال ابن عباس: إن كانا قد تزوجا فعلى كل واحد منهما نصف الحد، وإن
لم يكونا تزوجا فلا شئ عليهما، ومن الناس من قال: العبد كالحر يرجم إن كان
ثيبا، ويجلد مائة إن كان بكرا.
وقال داود: أما العبد فيجلد مائة وأما الأمة فإن كانت تزوجت فعليها نصف
الحد خمسون، وإن لم تكن تزوجت ففيه روايتان: إحديهما تجلد مائة، والثانية لا
تجلد أصلا وإنما اختلفت الرواية عنه هاهنا لأن قوله: فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة
فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب، يعني إذا تزوجن.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا الأصل براءة الذمة فمن أوجب
أكثر مما قلناه فعليه الدلالة وأيضا قوله تعالى: فإذا أحصن - بفتح الألف - فعليهن
نصف ما على المحصنات من العذاب، معناه أسلمن.
فإذا قالوا: قد قرئت الآية بضم الألف " أحصن يعني تزوجن " دل على أنه إذا
لم يتزوجن لا شئ عليهن.
18

قلنا: هذا دليل الخطاب ولا نقول به، ولو سلمنا لجمعنا بينهما فقلنا " إذا
أحصن " يعني أسلمن فعليهن ذلك، وإذا أحصن أيضا فعليهن مثل ذلك فلا تنافي
بينهما.
وروى أبو هريرة وزيد بن خالد الجهني أن النبي صلى الله عليه وآله سئل عن
أمة زنت ولم تحصن فقال: إن زنت فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها ثم إن زنت
فاجلدوها، ثم إن زنت فبيعوها ولو بظفير، قال الزهري: ولا أدري قال " بيعوها "
بعد الثالثة أو الرابعة، والظفير الحبل.
مسألة 38: السيد يقيم الحد على ما ملكت يمينه بغير إذن الإمام سواء كان
عبدا أو أمة، مزوجة كانت الأمة أو غير مزوجة، وبه قال ابن مسعود وابن عمر
وأبو بردة وفاطمة وعائشة وحفصة، وفي التابعين الحسن البصري وعلقمة
والأسود، وفي الفقهاء الأوزاعي والثوري والشافعي وأحمد وإسحاق.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: ليس له ذلك، والإقامة إلى الأئمة فقط، وقال
مالك: إن كان عبدا أقام عليه السيد الحد، وإن كانت أمة ليس لها زوج فمثل
ذلك، وإن كان لها زوج لم يقم عليها الحد لأنه لا يد له عليها.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
وأيضا روي عن علي بن أبي طالب عليه السلام أن النبي صلى الله عليه وآله
قال: أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم.
وروى سعيد بن أبي سعيد المقري عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله
عليه وآله قال: إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها فإن زنت فليجلدها، فإن زنت فليبعها
ولو بظفير، وروي عن ابن مسعود أن رجلا سأله عن عبد له زنى فقال: اجلده،
وروي عن ابن عمر أن أمة له زنت فجلدها ونفاها إلى فدك، وروي أن عبدا لابن
عمر سرق فأبق فسأل الوالي أن يقطعه فلم يفعل فقطعه هو، وأبو هريرة جلد وليدة
له زنت، وفاطمة عليها السلام جلدت أمة لها، وعن عائشة أن أمة لها سرقت
19

فقطعتها، وعن حفصة أنها قتلت مهيرة لها سحرتها وهو قول هؤلاء الستة، ولا
مخالف لهم في الصحابة.
مسألة 39: له إقامة الحد على مملوكه في شرب الخمر وله أن يقطعه في
السرقة، ويقتله بالردة، ووافقنا الشافعي في شرب الخمر قولا واحدا، وفي القطع
في السرقة قولان أصحهما مثل ما قلناه، وفي القتل بالردة على وجهين.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم وعموم قوله عليه السلام: أقيموا الحدود
على ما ملكت أيمانكم، وإجماع الصحابة قد قدمناه في ذلك.
مسألة 40: يقيم السيد الحد على مملوكه باعترافه، وبالبينة وبعلمه، ووافقنا
الشافعي في الاعتراف قولا واحدا، وفي البينة على قولين وكذلك في العلم.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا عموم الأخبار التي وردت بإقامة
الحد على المماليك يتناول كل وجه يثبت به ذلك.
مسألة 41: إذا كان السيد فاسقا أو مكاتبا أو امرأة كان له إقامة الحد على
مملوكه، وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه، والثاني ليس له ذلك لأن
الفسوق يمنع منه.
دليلنا: عموم الأخبار التي وردت بإقامة السيد الحد على مملوكه ولم
يفصل.
مسألة 42: إذا وجد رجل قتيلا في دار لرجل فقال صاحب الدار: وجدته
يزني بامرأتي، فإن كان معه بينة لم يجب عليه القود، وإن لم يكن معه بينة فالقول
قول ولي الدم سواء كان الرجل معروفا بذلك أو لم يكن معروفا به بلا خلاف،
وإن قال صاحب الدار: قتلته دفعا عن نفسي ومالي لأنه دخل لصا ليسرق المتاع،
20

فإن كان معه بينة وإلا فالقول قول ولي الدم سواء كان الرجل معروفا باللصوصية
أو لم يكن، وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: إن كان معروفا باللصوصية فالقول
قول القاتل لأن الظاهر معه.
دليلنا: ما رواه ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: البينة على
المدعي واليمين على المدعى عليه، وفي بعضها " على من أنكر ".
مسألة 43: إذا شهد اثنان أنه زنى بالبصرة، واثنان أنه زنى بالكوفة فلا حد
على المشهود عليه بلا خلاف، وعلى الشهود الحد، وللشافعي فيه قولان: أحدهما
مثل ما قلناه، والثاني لا يحدون، وبه قال أبو حنيفة.
دليلنا: قوله تعالى: والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء
فاجلدوهم ثمانين جلدة، وهؤلاء لم يأتوا بأربعة شهداء لأن كل اثنين يشهدان على
فعل غير الفعل الذي شهد الآخران عليه.
مسألة 44: إذا شهد أربعة على رجل أنه زنى بها في هذا البيت وأضاف كل
واحد منهم شهادته إلى زاوية منه مخالفة للأخرى فإنه لا حد على المشهود عليه،
ويحدون، وكذلك إن شهد اثنان على زاوية وآخران يشهدان على زاوية أخرى لا
يختلف الحكم فيه، ووافقنا الشافعي في سقوط الحد عن المشهود عليه، وقال في
الحد عليهم قولان، وقال أبو حنيفة: القياس أنه لا حد على المشهود عليه لكن
أجلده مائة إن كان بكرا وأرجمه إن كان ثيبا استحسانا.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء من أن الشهادة ما اتفقت على فعل
واحد لأن الفعل في زاوية مضاد للفعل في زاوية أخرى، فإذا اختلفت الشهادة لا
يجب الحكم بها، وقولهم " أنه يمكن أن تلفق شهادتهم لأنه يحتمل أن يكونا تقلبا
على ذلك الفعل مرة من زاوية إلى أخرى حتى دارا في زوايا البيت في كل
البيت "، فكل شاهد شاهدهما في زاوية باطل بمسألتين: إحديهما إذا شهد اثنان أنه
21

زنى بها في الصفة، وآخران أنه زنى بها في صحن الدار فإنه يمكن حملها على ما
قالوه، ومع هذا فلا خلاف في أنها لا تلفق، والأخرى إذا شهد اثنان أنه زنى بها
في وقت الظهر، وآخران أنه زنى بها في وقت العصر فإنه يمكن حملها على
الإلفاق، وقد اتفقنا على أنه يجب ذلك.
والقول في أنهما إذا شهدا على أنه زنا بها وعليه جبة وآخران شهدا أنه زنا بها
وعليه قميص مثل ما قلناه سواء.
مسألة 45: إذا شهد أربعة بالزنى قبلت شهادتهم سواء تقادم الزنى أو لم
يتقادم، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: إذا شهدوا بزنى قديم لم تقبل شهادتهم، وقال
أبو يوسف: جهدنا بأبي حنيفة أن يوقت في التقادم شيئا فأبى، وحكى الحسن بن
زياد ومحمد عن أبي حنيفة أنهم إذا شهدوا بعد سنة لم تجز، وقال أبو يوسف
ومحمد: إذا شهدوا بعد شهرين من حين المعاينة لم يجز.
وفي الجملة إذا لم يقيموها عقيب تحملها لم تقبل.
دليلنا: قوله تعالى: الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة،
وأيضا قوله تعالى: والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم
ثمانين جلدة، ولم يفصل بين الفور والتراخي دل على أنهم إذا أتوا بالشهود لم
يجب عليهم الحد، وإذا لم يجب عليهم الحد وجب الحكم بشهادتهم لأن أحدا لا
يفرق.
مسألة 46: ليس من شرط إحصان الرجم الإسلام بل شرطه الحرية
والبلوغ، وكمال العقل والوطء في نكاح صحيح، فإذا وجدت هذه الشرائط فقد
أحصن إحصان رجم، وهكذا إذا وطئ المسلم امرأة كافرة فقد أحصنها، وبه قال
الشافعي.
22

وقال مالك: إن كانا كافرين لم يحصن واحد منهما صاحبه، لأن أنكحة
المشركين فاسدة عنده، وإن كان مسلما وهي كافرة فقد أحصنا معا لأن هذا
النكاح صحيح.
وقال أبو حنيفة: الإسلام شرط في إحصان الرجم، فإن كانا كافرين لم
يحصنا، وإن كان مسلما وطئ زوجته الكافرة لم يحصنا معا ولم يجب عليهما
الرجم بالزنى، فالكلام معه في فصلين، هل يجب الرجم على المشركين أم لا؟ وفي
الإسلام هل هو شرط في الإحصان أم لا؟
دليلنا على بطلان مذهب مالك: قوله تعالى: تبت يدا أبي لهب وتب، إلى
قوله: وامرأته حمالة الحطب، فأضافها الله إليه بالزوجية، وأيضا عليه إجماع الفرقة
وقد مضت.
وأما الدليل على وجوب الرجم: إجماع الفرقة وأخبارهم وأيضا روى عبادة
بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وآله قال: خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا
البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم، ولم يفصل
بين مسلم ومشرك.
وروى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله رجم يهوديين زنيا وفيه دليلان:
أحدهما رجم اليهودي، وعند أبي حنيفة لا يرجم يهودي، والثاني لما رجمها دل
على أنهما قد أحصنا فإنه لا يرجم إلا محصنا، وروى ابن المسيب عن أبي هريرة أن
يهوديين أقرا عند رسول الله صلى الله عليه وآله بالزنى وكانا قد أحصنا فرجمهما،
وهذا صريح في الرجم والإحصان.
مسائل حد القذف
مسألة 47: إذا قذف العبد محصنا وجب عليه الحد ثمانون جلدة مثل حد
الحر سواء، وبه قال عمر بن عبد العزيز والزهري، وقال جميع الفقهاء: حده
أربعون جلدة، ورووا ذلك عن أبي بكر وعمر.
23

دليلنا: قوله تعالى: والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء
فاجلدوهم ثمانين جلدة، ولم يفرق وعليه إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 48: إذا قذف جماعة واحدا بعد واحد كل واحد بكلمة مفردة فعليه
لكل واحد منهم الحد، وبه قال الشافعي قولا واحدا.
وإن قذفهم بكلمة واحدة فقال: زنيتم أو أنتم زناة، روى أصحابنا أنهم إن
جاؤوا به مجتمعين فعليه حد واحد لجميعهم، وإن جاؤوا به متفرقين كان لكل
واحد منهم حد كامل.
وللشافعي فيه قولان: قال في القديم: عليه حد واحد لجماعتهم، وقال في
الجديد: عليه لكل واحد حد كامل، ولم يفصل.
وقال أبو حنيفة: عليه لجماعتهم حد واحد سواء قذفهم بكلمة واحدة أو أفرد
كل واحد منهم بكلمة القذف.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم فإن قالوا: قال الله تعالى: والذين يرمون
المحصنات، ثم قال: فاجلدوهم ثمانين جلدة، فأوجب بقذف جماعة المحصنات
ثمانين جلدة، قلنا: لا دلالة فيها لأن المراد بذلك كل واحدة من المحصنات، ألا
ترى أنه قال: الذين يرمون المحصنات، فجمع لفظ القاذف، والمراد به كل واحد
منهم فكذلك القول في المقذوف.
مسألة 49: إذا قال: زنيت بفلانة، أو قال: زنى بك فلان، وجب عليه
حدان، وقال أبو حنيفة: يجب عليه حد واحد، وبه قال الشافعي في القديم، وقال
في الجديد: فيها قولان: أحدهما حدان كما قلناه كما لو قال زنيتما، والآخر حد
واحد.
مسألة 50: إذا قال لرجل: يا ابن الزانيين، وجب عليه حدان لأبويه فإن كانا
24

حيين استوفيا، وإن كانا ميتين استوفاه ورثتهما، وقال أبو حنيفة: عليه حد واحد،
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه، وهو قوله في الجديد، والثاني حد
واحد قاله في القديم.
دليلنا: أنه نسب كل واحد من الأبوين إلى الزنى فوجب لكل واحد منهما
الحد كاملا كما لو أفرد كل واحد منهما، وعليه إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 51: حد القذف موروث يرثه كل من يرث المال من ذوي الأنساب
دون ذوي الأسباب عند الاجتماع والانفراد.
وقال أبو حنيفة: حد القذف لا يورث.
وقال الشافعي: هو موروث مثل ما قلناه، ومن يرثه فيه ثلاثة أوجه: أحدها
مثل ما قلناه، والثاني يرثه العصبات من الرجال فقط، والثالث - وهو المذهب -
أنه يرثه كل من يرث المال من النساء والرجال من ذوي الأنساب والأسباب
يعني الزوجة.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وقد مضت في اللعان.
مسألة 52: إذا قذف رجلا ثم اختلفا فقال المقذوف: أنا حر فعليك الحد،
وقال القاذف: أنت عبد فعلى التعزير، كان القول قول القاذف، وقال الشافعي في
كتبه مثل ما قلناه في القاذف، وقال في الجنايات: القول قول المجني عليه،
واختلف أصحابه على طريقين: منهم من قال: المسألتان على قولين: أحدهما
القول قول القاذف، والثاني القول قول المجني عليه وهو المقذوف، ومنهم من
قال: القول قول القاذف في القذف، والقول قول المجني عليه في الجناية.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة للقاذف، ولا تشغل ولا يوجب عليها شئ
إلا بدليل.
25

مسألة 53: من لم تكمل فيه الحرية متى قذفه قاذف جلد بحساب الحرية
ويعزر بحساب الرق، وقال الشافعي: عليه التعزير لا غير.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 54: التعريض بالقذف ليس بقذف سواء كان حال الرضا أو حال
الغضب، وبه قال أبو حنيفة والشافعي، وقال مالك: هو قذف حال الغضب
وليس بقذف حال الرضا.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا الأصل براءة ذمة القاذف، فمن شغلها فعليه
الدلالة.
مسألة 55: إذا جلد الزاني الحر البكر أربع مرات قتل في الخامسة،
وكذلك في القذف يقتل في الخامسة والعبد يقتل في الثامنة، وقد روي أن الحر
يقتل في الرابعة، وخالف جميع الفقهاء في ذلك وقالوا: عليه الحد بالغا ما بلغ.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
26

كتاب السرقة
مسألة 1: النصاب الذي يقطع به ربع دينار فصاعدا أو ما قيمته ربع دينار
سواء كان درهما أو غيره من المتاع، وبه قال في الصحابة علي عليه السلام
وأبو بكر وعمر وعثمان وابن عمر وعائشة، وفي الفقهاء الأوزاعي وأحمد وإسحاق
وهو مذهب الشافعي.
وقال داود وأهل الظاهر: يقطع بقليل الشئ وكثيره، وليس لأقله حد، وبه
قال الخوارج.
وقال الحسن البصري: القطع في نصف دينار فصاعدا، وبه قال ابن الزبير،
وقال عثمان البتي: القطع في درهم واحد فصاعدا، وقال زيد بن أبي زياد: القطع
في درهمين فصاعدا.
وقال مالك: النصاب الذي يقطع به أصلان، الذهب والفضة، فنصاب
الذهب ربع دينار، ونصاب الفضة ثلاثة دراهم أيهما سرق قطع من غير تقويم،
وإن سرق غيرهما قوم بالدراهم، فإن بلغ ثلاثة دراهم قطع، فخالفنا في فصلين:
جعل أصلين، وقوم بالدراهم، وقال أبو هريرة وأبو سعيد الخدري: القطع في أربعة
دراهم فصاعدا، وقال النخعي: القطع في خمسة دراهم فصاعدا، وهو إحدى
الروايتين عن عمر.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: القطع في عشرة دراهم فصاعدا فإن سرق غيرها
27

قوم بها فخالفنا في فصلين: في أصل النصاب وفيما يقوم به.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
وروى سفيان بن عيينة عن الزهري عن عمرة بنت عبد الرحمان عن عائشة
أن النبي صلى الله عليه وآله قال: القطع في ربع دينار فصاعدا.
ودليلنا على أبي حنيفة: قوله تعالى: والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما،
والظاهر من هذا يقتضي أن من يقع عليه اسم السرقة يجب عليه القطع إلا ما
أخرجه الدليل، فإن استدلوا بما روي أن النبي صلى الله عليه وآله قطع من سرق
مجنا قيمته عشرة دراهم عورضوا بما روي أنه كان قيمته ثلاثة دراهم، فإذا تعارضا
سقطا على أنا لو سلمنا الخبر لما نافى ما قلناه لأن من يقول يقطع بربع دينار أو
ثلاثة دراهم يقول يقطع بعشرة دراهم، والخبر تضمن أن المجن كان قيمته عشرة
دراهم فليس فيه أنه لا يقطع بأقل منها.
مسألة 2: إذا سرق ربع دينار من هذه الدنانير المعروفة المنقوشة وجب
القطع بلا خلاف بيننا وبين الشافعي، وإن كان تبرأ من ذهب المعادن الذي
يحتاج إلى سبك وعلاج فلا قطع، وإن كان ذهبا خالصا غير مضروب يقطع
عندنا، وعنده على وجهين:
المذهب أنه يقطع، وقال أبو سعيد الإصطخري: لا يقطع لأن إطلاق الدينار
لا يصرف إليه حتى يكون مضروبا، ولأن التقويم لا يقع به.
دليلنا: عموم الأخبار التي وردت في أن القطع في ربع دينار ولم يفصل،
وما قاله الشافعي من القول الآخر قوي، ويقويه أن الأصل براءة الذمة والأول
يقويه ظاهر الآية، وقول أن " إطلاق ذلك لا يصرف إلا إلى المضروب " غير
مسلم.
مسألة 3: إذا سرق ما قيمته ربع دينار وجب القطع سواء كان مما هو
28

محرز بنفسه كالباب والأثمار والحبوب اليابسة ونحوها أو غير محرز بنفسه، وهو
ما إذا ترك فسد كالفواكه الرطبة كلها من الثمار والخضراوات والقثاء والخيار
والبطيخ والبقل والباذنجان ونحو ذلك، أو كان طبيخا أو لحما طريا أو مشويا
الباب واحد، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: إنما يجب القطع فيما كان محرزا بنفسه فأما الأشياء الرطبة
والبطيخ فلا قطع فيه بحال.
دليلنا: عموم الأخبار التي وردت أن القطع فيما كان قيمته ربع دينار.
وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله
عليه وآله سئل عن التمر المعلق فقال: من سرق منه شيئا بعد أن يؤويه الجريد
وبلغ ثمن المجن ففيه القطع، فأوجب على من سرق من التمر نصابا فيه القطع،
وفيه إجماع الصحابة.
وروي أن سارقا سرق أترجة في عهد عثمان فأمر بها عثمان فقومت بثلاثة
دراهم من ضرب اثني عشر درهما بدينار فقطع عثمان يده، قال مالك: هي
الأترجة التي يأكلها الناس، وعن ابن عمر أنه قال: لا قطع في تمر حتى يؤويه
الحرز، ولا مخالف لهما، فإن عارضونا بقوله عليه السلام لا قطع في تمر ولا كثر،
" والكثر الجمار " قلنا: يحمل ذلك على أنه إذا لم يكن في حرز بدليل ما تقدم.
مسألة 4: كل جنس يتمول في العادة فيه القطع، سواء كان أصله الإباحة
أو غير الإباحة، فما لم يكن على الإباحة كالثياب والأثاث والحبوب، وما أصله
الإباحة من ذلك الصيود على اختلافها إذا كانت مباحة، وكذلك الجوارح
المعلمة، وكذلك الخشب كله الحطب وغيره الساج وغيره الباب واحد،
وكذلك الطين وجميع ما يعمل منه من الخزف والظروف والأواني والزجاج
وجميع ما يعمل منه، والحجر وجميع ما يعمل منه من القدور، وكذلك كل ما
يستخرج من المعادن كالقير والنفط والموميائي والملح وجميع الجواهر من
29

الياقوت وغيرها، وكذلك الذهب والفضة كل هذا فيه القطع، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: ما لم يكن أصله الإباحة، مثل قولنا، وما كان أصله الإباحة
في دار الإسلام فلا قطع فيه، وقال: لا قطع في الصيود كلها، والجوارح بأسرها المعلمة وغير
المعلمة، والخشب جميعه لا قطع فيه إلا ما يعمل منه آنية كالجفان
والقصاع والأبواب، فيكون في معموله القطع إلا الساج فإن فيه القطع معموله
وغير معموله لأنه ليس من دار الإسلام، وعنه في الزجاج روايتان: إحديهما لا
قطع فيه كالخشب والقصب، والثانية فيه القطع كالساج، وكلما يعمل من
الطين من الخزف والفخار والقدور وغيرها من الأواني لا قطع فيه، وهكذا كلما
كان من المعادن من الملح والكحل والزرنيخ والقير والنفط والموميائي كله لا
يقطع فيه إلا الذهب والفضة والياقوت والفيروزج فإن فيها القطع، قال: لأن
جميع ذلك على الإباحة في دار الإسلام فلا يجب فيه القطع كالماء.
دليلنا: قوله تعالى: والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما، ولم يفرق، وروت
عائشة أن النبي صلى الله عليه وآله قال: القطع في ربع دينار فصاعدا، وإنما أراد
قيمته بلا خلاف.
مسألة 5: لا قطع إلا على من سرق من حرز فيحتاج إلى الشرطين:
السرقة، والحرز، فإن سرق من غير حرز فلا قطع، ولو انتهب من حرز فلا قطع
عليه، وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي، وقال داود: لا اعتبار بالحرز فمتى
سرق من أي موضع كان فعليه القطع، فأسقط اعتبار النصاب والحرز، وقال
أحمد: إذا سرق فعليه القطع وكذلك المنتهب والمختلس والخائن في وديعة أو
عارية وهو أن يجحد تلك فعليه القطع.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا الأصل براءة الذمة، وما اعتبرناه
مجمع على وجوب القطع به، وما قالوه ليس عليه دليل.
وروى جابر أن النبي صلى الله عليه وآله قال: ليس على المنتهب ولا على
30

المختلس ولا على الخائن قطع، وهذا نص على أحمد.
وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: سئل رسول الله صلى الله
عليه وآله عن حريسة الخيل قال: ليس في الماشية قطع إلا أن يؤويها المراح ولا
في التمر قطع إلا أن يؤويه الجريد، فأسقط النبي صلى الله عليه وآله القطع في
الماشية قبل المراح وأثبت فيها بعد المراح، وعند داود لا يختلف الحال فيه،
واختلف في تأويل الحريسة، منهم من قال: حريسة الخيل معناه سرقة الخيل
يقال حرس إذا سرق، وسمي السارق حرسا، ومنهم من قال: محروسة الخيل،
يقال محروسة وحريسة كما يقال مقتولة وقتيلة.
مسألة 6: كل موضع كان حرزا لشئ من الأشياء فهو حرز لجميع
الأشياء، وبه قال أبو حنيفة.
وقال الشافعي: يختلف ذلك باختلاف الأشياء، فحرز البقل وما أشبه من
دكاكين البقالين تحت الشريحة المقفلة، وحرز الذهب والفضة والثياب وغيرها
المواضع الحريزة من البيوت والدور إذا كانت عليه أقفال وثيقة، فمن ترك
الجواهر أو الذهب أو الفضة في دكان البقل فإنه قد ضيع ماله لأنه ليس في حرز
مثله.
دليلنا: قوله تعالى: والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما، وظاهره يقتضي
قطع كل سارق إلا ما أخرجه الدليل، وأيضا النبي صلى الله عليه وآله قطع من
سرق رداء صفوان من تحت رأسه في المسجد، وإن كان المسجد ليس بحرز
وهذا الموضع أحرز منه.
مسألة 7: الإبل إذا كانت مقطرة وكان سائقا لها فهي في حرز بلا خلاف،
وإن كان قائدا لها فلا تكون في حرز إلا الذي زمامه بيده، وبه قال أبو حنيفة.
وقال الشافعي: تكون في حرز بشرطين: أحدهما أن تكون بحيث إذا التفت
31

إليها شاهدها كلها، والثاني أن يكون مع الالتفات إليها مراعيا لها.
دليلنا: إن كون ذلك حرزا يحتاج إلى دليل، ولا دليل على ذلك.
مسألة 8: إذا نقب ثلاثة ودخلوا وأخرجوا بأجمعهم متاعا فبلغ نصيب كل
واحد منهم نصابا قطعناهم بلا خلاف، وإن كان أقل من نصاب فلا قطع، سواء
كانت السرقة ثقيلة أو خفيفة، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه والشافعي.
وقال مالك: إن كانت السرقة ثقيلة فبلغت قيمتها نصابا قطعناهم كلهم،
وإن كانت خفيفة ففيه روايتان: إحديهما كقولنا، والثانية كقوله في الثقيلة، وروى
أصحابنا أنه إذا بلغت السرقة نصابا فأخرجوه بأجمعهم وجب عليهم القطع ولم
يفصلوا، والأول أحوط.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا فما اعتبرناه مجمع على وجوب
القطع به، وما ذكروه ليس عليه دليل، والأصل براءة الذمة.
مسألة 9: إذا نقب ثلاثة وأخرج كل واحد منهم شيئا، قوم فإن بلغ قيمته
نصابا وجب قطعه، وإن نقص لم يقطع، وبه قال الشافعي ومالك.
وقال أبو حنيفة: أجمع ما أخرجوه وأقومه ثم أفض على الجميع، فإن أصاب
كل واحد منهم نصابا قطعته، وإن نقص لم أقطعه.
دليلنا: أن ما ذكرناه مجمع عليه، وما قالوه ليس عليه دليل، والأصل
براءة الذمة.
مسألة 10: إذا نقب ثلاثة وكوروا المتاع وأخرج واحد منهم دون الباقين
فالقطع على من أخرج المتاع دون من لم يخرج، وبه قال مالك والشافعي.
وقال أبو حنيفة: أفض السرقة على الجماعة فإن بلغت حصة كل واحد نصابا
قطعت الكل وإن نقصت عن نصاب القطع لم أقطع واحدا منهم.
32

دليلنا: إن ما اعتبرناه مجمع على قطعه لأنه أخرج نصابا كاملا وما قالوه
ليس عليه دليل والأصل براءة الذمة.
مسألة 11: إذا نقبا معا فدخل أحدهما فأخذ نصابا فأخرجه بيده إلى رفيقه
فأخذه رفيقه من خارج أو أخرج يده إلى خارج الحرز والسرقة فيها ثم رده إلى
الحرز فالقطع في هذه المسائل الثلاثة على الداخل دون الخارج، وبه قال
الشافعي، وقال أبو حنيفة: لا يقطع واحد منهما.
دليلنا: قوله تعالى: والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما، وهو على عمومه إلا
ما أخرجه الدليل.
مسألة 12: إذا نقبا معا ودخل أحدهما فقدم المتاع إلى باب النقب من
داخل فأدخل الخارج يده وأخذه من جوف الحرز فعليه القطع دون الداخل،
وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: لا قطع على واحد منهما.
دليلنا: الآية وهي على عمومها إلا ما أخرجه الدليل، وأيضا فإنه أخذ متاعا
من حرز وشارك غيره في هتكه فكان عليه القطع كما لو دخل فأخرجه.
مسألة 13: إذا نقب وحده ودخل فأخرج ثمن دينار ثم عاد من ليلته أو من
الليلة الثانية فأخرج ثمن دينار آخر فكمل النصاب فلا قطع عليه، وبه قال
أبو إسحاق المروزي، وقال ابن سريح: عليه القطع، وقال ابن خيران: إن عاد بعد
أن اشتهر في الناس هتك الحرز فلا قطع، فإن عاد قبل أن يشتهر هتكه فعليه
القطع.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، وأيضا فإن هذا لما هتك الحرز أخرج أقل
من النصاب فلم يجب عليه القطع بلا خلاف، فلما عاد ثانيا لم يخرج من الحرز
لأنه كان مهتوكا بالفعل الأول فلم يكن سارقا من الحرز نصابا فلم يجب عليه
33

القطع، ولو لم نقل هذا للزم لو أخرجه حبة حبة في كل ليلة حتى كمل النصاب
أن يجب عليه القطع، وهذا بعيد، ولو قلنا أنه يجب عليه القطع لأن النبي صلى
الله عليه وآله قال: من سرق ربع دينار فعليه القطع، ولم يفصل، كان قويا.
مسألة 14: إذا نقب ودخل الحرز وذبح شاة فعليه ما بين قيمتها حية
ومذبوحة، فإن أخرجها بعد الذبح فإن كانت قيمتها نصابا فعليه القطع، وإن
كانت أقل من نصاب فلا قطع عليه، وبه قال الشافعي وأبو يوسف، وقال
أبو حنيفة ومحمد: لا قطع عليه بناء على أصلهما في الأشياء الرطبة أنه لا يقطع
فيها.
دليلنا: قوله تعالى: والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما، ولم يفصل، وأيضا
قول النبي صلى الله عليه وآله: من سرق ربع دينار فعليه القطع، وإنما أراد ما
قيمته ربع دينار بلا خلاف.
مسألة 15: إذا نقب بيتا ودخل الحرز فأخذ ثوبا فشقه فعليه ما نقص
بالخرق، فإن أخرجه فإن بلغ قيمته نصابا فعليه القطع وإلا فلا قطع عليه، وبه
قال أبو يوسف ومحمد والشافعي.
وقال أبو حنيفة: إذا شققه بحيث صار كالمستهلك فالمالك بالخيار بين
أخذه وأرش النقص وبين تركه عليه وأخذ كمال قيمته بناء على أصله في
الغاصب إذا فعل بالغصب هكذا فإن اختار أخذ قيمة الكل فلا قطع لأنه إذا أخذ
القيمة فقد ملكه قبل إخراجه من الحرز، وإن اختار أخذ الثوب والأرش وكانت
قيمة الثوب نصابا فعليه القطع.
دليلنا: ما ذكرناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 16: إذا سرق ما قيمته نصاب فلم يقطع حتى نقصت قيمته لنقصان
34

السوق فصارت القيمة أقل من نصاب فعليه القطع، وبه قال الشافعي، وقال
أبو حنيفة: لا قطع عليه.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 17: إذا سرق عينا يجب فيها القطع فلم يقطع عن ملك السرقة بهبة
أو شراء لم يسقط القطع عنه سواء ملكها بعد أن ترافعا إلى الحاكم أو قبله، بلى إن
كان ملكها قبل الترافع لم يقطع، لا لأن القطع مشروط لكن لأنه لا مطالب له
بها، ولا قطع بغير مطالب بالسرقة، وبه قال الشافعي ومالك وأبو ثور، وقال
أبو حنيفة ومحمد: متى ملكها سقط القطع، سواء ملكها قبل الترافع أو بعده، وعن
أبي يوسف روايتان كقولنا وكقولهم.
وقال قوم من أصحاب الحديث: إن ملكها قبل الترافع سقط القطع، وإن
ملكها بعده قطعناه.
دليلنا: قوله تعالى: والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما، ولم يفصل، وقوله
صلى الله عليه وآله: من سرق ربع دينار فعليه القطع، ولم يفصل.
وأيضا ما رواه صفوان بن عبد الله بن صفوان أن صفوان بن أمية قيل له: من
لم يهاجر هلك، فقدم صفوان المدينة ونام في المسجد وتوسد رداءه فجاء سارق
وأخذ رداءه من تحت رأسه فجاء به صفوان بن أمية إلى النبي صلى الله عليه وآله
فأمر به رسول الله صلى الله عليه وآله أن تقطع يده فقال صفوان: إني لم أرد هذا
هو عليه صدقة، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: فهلا قبل أن تأتيني به؟
فموضع الدلالة أن صفوان تصدق بالرداء عليه وملكه إياه، فأخبر النبي صلى الله
عليه وآله أن هذا لا ينفع بعد أن حضرتما عندي، ثبت أن ملك السرقة لا ينفع.
مسألة 18: إذا سرق عبدا صغيرا لا يعقل أنه لا ينبغي أن يقبل إلا من سيده
وجب عليه القطع، وبه قال أبو حنيفة ومحمد والشافعي، وقال أبو يوسف: لا قطع
35

عليه كالكبير.
دليلنا: قوله تعالى: والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما، ولم يفرق، وقول
النبي صلى الله عليه وآله: القطع في ربع دينار، ولم يفصل لأنه أراد ما قيمته ربع
دينار بلا خلاف، وهذا يساوى أكثر من ربع دينار.
مسألة 19: إذا سرق حرا صغيرا فلا قطع عليه، وبه قال أبو حنيفة
والشافعي، وقال مالك: عليه القطع، وقد روى ذلك أصحابنا.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم على أن القطع لا يجب إلا في ربع دينار
فصاعدا والحر لا قيمة له بحال، وقول النبي صلى الله عليه وآله: القطع في ربع
دينار، يدل على ذلك أيضا لأنه أراد ما قيمته ربع دينار، وهذا لا قيمة له.
مسألة 20: إذا سرق الدفاتر أو المصاحف أو كتب الأدب أو كتب الفقه أو
الأشعار أو غير ذلك، وكان قيمته نصابا وجب فيه القطع، وبه قال الشافعي،
وقال أبو حنيفة: لا قطع في شئ من ذلك.
دليلنا: قوله تعالى: والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما، ولم يفرق، وقول
النبي صلى الله عليه وآله: القطع في ربع دينار، أي فيما قيمته ربع دينار ولم
يفصل.
مسألة 21: إذا سرق ما فيه القطع مع ما لا يجب فيه القطع وجب قطعه
إذا كان قدر نصاب، مثل أن سرق إبريق ذهب فيه ماء أو قدرا ثمينة فيها طبيخ أو
مصحفا وعليه حلي وفضة وجلده وورقة يساوى نصابا، وبه قال الشافعي، وقال
أبو حنيفة: لا قطع في جميع ذلك.
دليلنا: الآية وعموم الخبر ولم يفصل.
36

مسألة 22: من سرق من ستارة الكعبة ما قيمته ربع دينار وجب قطعه، وبه
قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: لا قطع عليه.
دليلنا: الآية والخبر وهما على عمومهما، وروى أصحابنا أن القائم إذا قام
قطع أيدي بني شيبة وعلق أيديهم على البيت ونادى مناديا هؤلاء سراق الله ولا
يختلفون في ذلك، وروي أن سارقا سرق قبطية من منبر رسول الله صلى الله عليه
وآله فقطعه عثمان ولم ينكر ذلك أحد.
مسألة 23: إذا استعار بيتا فجعل متاعه فيه ثم أن المعير نقب البيت وسرق
المتاع وجب قطعه، وبه قال الشافعي وأصحابه، وقال بعض أصحابه: لا قطع
عليه، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه.
دليلنا: الآية وعموم الخبر ولم يفصلا.
مسألة 24: إذا اكترى دارا وجعل متاعه فيها فنقب المكري وسرق المتاع
فعليه القطع، وبه قال الشافعي وأصحابه وأبو حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد: لا
قطع عليه لأن القطع بهتك حرز وأخذ نصاب ثم أنه لو كان له في النصاب
شبهة لا قطع كذلك إذا كان في الحرز.
دليلنا: الآية والخبر ولم يفصلا.
مسألة 25: إن نقب المراح ودخل وحلب من الغنم ما قيمته ربع دينار
وأخرجه وجب قطعه، وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: لا قطع عليه بناء على
أصله في الأشياء الرطبة.
دليلنا: الآية والخبر ولم يفصلا.
مسألة 26: إذا سرق العبد كان عليه القطع مثل الحر سواء كان آبقا أو
37

غير آبق، وعليه إجماع الصحابة روي ذلك عن عمر وابن عمر وعائشة، وبه قال
الشافعي.
وقال أبو حنيفة: لا قطع عليه إن كان آبقا، فأبو حنيفة بناه على أصله في
القضاء على الغائب فقال: إذا كان آبقا كان قطعه قضاء على سيده في ملكه
والسيد غائب فلا قطع عليه.
دليلنا: الآية والخبر ولم يفصلا.
وروى مالك عن نافع أن عبدا لابن عمر أبق فسرق فبعث به إلى سعيد بن
العاص، وكان أمير المدينة ليقطعه فأبى، فقال ابن عمر: في أي كتاب الله وجدت
أن الآبق لا يقطع؟ ثم أمر به ابن عمر فقطع.
مسألة 27: روى أصحابنا أن السارق إذا سرق عام المجاعة لا قطع عليه
ولم يفصلوا.
وقال الشافعي: إن كان الطعام موجودا مقدورا عليه ولكن بالثمن الغالي
فعليه القطع، وإن كان القوت متعذرا لا يقدر عليه فسرق سارق طعاما فلا قطع
عليه.
دليلنا: ما رواه أصحابنا عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: لا قطع في
عام مجاعة، وروي ذلك عن عمر أنه قال: لا قطع في عام مجاعة لا قطع في عام
السنة، ولم يفصلوا.
مسألة 28: النباش يقطع إذا أخرج الكفن من القبر إلى وجه الأرض، وبه
قال ابن الزبير وعائشة وعمر بن عبد العزيز والحسن البصري وإبراهيم النخعي،
وإليه ذهب حماد بن أبي سليمان وربيعة ومالك والشافعي وعثمان البتي
وأبو يوسف وأحمد وإسحاق.
وقال الأوزاعي والثوري وأبو حنيفة ومحمد: لا يقطع النباش لأن القبر ليس
38

بحرز لأنه لو كان حرز الشئ لكان حرزا لمثله كالخزائن الوثيقة.
دليلنا: قوله تعالى: والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما، وهذا سارق.
فإن قالوا: لا نسلم أنه سارق.
قلنا: السارق هو من أخذ شيئا مستخفيا متفزعا، قال الله تعالى: إلا من
استرق السمع، وقالت عائشة: سارق موتانا كسارق أحيائنا، وقال صلى الله عليه
وآله: القطع في ربع دينار، ولم يفصل، وعليه إجماع الفرقة، وقال عمر بن
عبد العزيز: يقطع سارق موتانا كما يقطع سارق أحيائنا، فسموا هؤلاء كلهم
النباش سارقا وهم من أهل اللسان.
وتسمية أهل اللغة النباش بالمختفي لا تمنع من تسميته سارقا لأنه لا تنافي
بينهما، وإنما قلنا ذلك لأن اسم السرقة اسم عام لكل من تناول الشئ مستخفيا
متفزعا، وهو مشتمل على أنواع كثيرة، فالذي يهتك الحرز وينقب يسمى نقابا،
والذي يفتح الأقفال يسمى فتاشا، والذي يبط الجيب يسمى طرارا، والذي يأخذ
الأكفان يسمى نباشا مختفيا، فإذا كان هذا عاما يشتمل على أنواع دخل تحته
النباش كما أن قولنا رطب اسم عام يدخل تحته أنواع كثيرة، وقد روينا عن
عائشة وابن الزبير أنهما قالا: سارق موتانا كسارق أحيائنا، ولم ينكر عليهما فدل
أنه إجماع.
فإن قالوا: القبر ليس بحرز.
قلنا: عندنا أنه حرز مثله، ولو فرضنا أن القبر في بيت مقفل عليه وسرق
الكفن منه لما وجب عليه القطع عندهم، وإن سرق من الحرز فبطل اعتبارهم
الحرز.
فإن قالوا: الكفن ليس بملك لأحد فكيف يقطع فيما ليس بملك؟ قيل:
في ذلك ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه على حكم ملك الميت ولا يمتنع أن يكون ملكا له في حياته،
وفي حكم ملكه بعد وفاته، ألا ترى أن الدين في ذمته في حياته، وفي حكم الثابت
39

في ذمته بعد وفاته فكذلك الكفن.
والوجه الثاني: ملك الوارث، والميت أحق به، ولا يمتنع أن يكون الملك
لهم، والميت أحق به كما لو خلف تركة وعليه دين، فإن التركة ملك للوارث
والميت أحق بها لقضاء دينه، ولهذا قلنا: لو أن سبعا أكل الميت كان كفنه
لوارثه.
والثالث: ليس بملك لأحد ولا يمتنع أن لا يكون ملكا لأحد، ويتعلق به
القطع كستارة الكعبة وبواري المساجد، فإذا قيل: ملك للوارث أو في حكم
ملك الميت، كان المطالب به هو الوارث، ويقطع النباش، وإذا قلنا: لا مالك
له، كان المطالب هو الحاكم يطالب به، ويقطع.
مسألة 29: إذا سرق نصابا من حرز وجب قطع يده اليمنى فإن عاد ثانيا
قطعت رجله اليسرى، وبه قال جميع الفقهاء إلا عطاء فإنه قال: تقطع يده
اليسرى.
دليلنا: إجماع الفرقة وأيضا روى أبو هريرة وجابر أن النبي صلى الله عليه
وآله أتى بسارق فقطع يده ثم أتى به وقد سرق فقطع رجله.
وكتب نجدة الحروري إلى عبد الله بن عمر قطع رسول الله صلى الله عليه
وآله يد السارق بعد اليد أو رجله بعد اليد؟ فقال عبد الله: قطع رجله بعد اليد،
وهو إجماع الصحابة، روي ذلك عن أبي بكر وعمر، ولا مخالف لهما.
مسألة 30: إذا سرق السارق بعد قطع اليد اليمنى والرجل اليسرى في
الثالثة خلد الحبس ولا قطع عليه، فإن سرق في الحبس من حرز وجب عليه
القتل.
وقال الشافعي: تقطع يده اليسرى في الثالثة ورجله اليمنى في الرابعة، وبه
قال مالك وإسحاق، وقال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه وأحمد: لا يقطع في
40

الثالثة، مثل ما قلناه غير أنهم لم يقولوا بتخليد الحبس.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا روي في قراءة ابن مسعود:
والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما، وروي عن علي عليه السلام أنه أتى بسارق
مقطوع اليد والرجل فقال: إني لأستحيي من الله أن لا أترك له ما يأكل به
ويستنجي به، وأيضا الأصل براءة الذمة.
مسألة 31: موضع القطع في اليد من أصول الأصابع دون الكف
ويترك له الإبهام ومن الرجل عند معقد الشراك من عند الناتئ على ظهر القدم
يترك له ما يمشي عليه، وهو المروي عن علي عليه السلام وجماعة من السلف.
وقال جماعة الفقهاء وأبو حنيفة وأصحابه ومالك والشافعي: القطع في اليد
من الكوع وهو المفصل الذي بين الكف والذراع، وكذلك تقطع الرجل من
المفصل بين الساق والقدم.
وقالت الخوارج: يقطع من المنكب لأن اسم اليد يقع على هذا.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا قوله تعالى: فويل للذين يكتبون
الكتاب بأيديهم، ومعلوم أنهم يكتبون بأصابعهم دون الساعد والكف، وأيضا ما
قلناه مجمع على وجوب قطعه، وما قالوه ليس عليه دليل.
مسألة 32: قد بينا أن السارق إذا سرق رابعا قتل في الرابعة ولا يتقدر فيما
زاد حكم، وقال جميع الفقهاء: بعد الرابعة لا قطع وإنما يعزر.
وقال عثمان بن عفان وعبد الله بن عمرو بن العاص أنه يقتل في الخامسة،
وبه قال عمر بن عبد العزيز.
دليلنا: ما قدمنا من إجماع الفرقة، وروى جابر أن النبي صلى الله عليه وآله
أتى برجل سرق في الخامسة فقتله، وفي بعضها فأمر بقتله قال جابر: فإن طلقنا به
وقتلناه ثم جررناه وألقيناه في بئر، ورمينا عليه الحجارة.
41

مسألة 33: الذمي إذا شرب الخمر متظاهرا به وجب عليه الحد، وإن استتر
به لم يجب عليه، وقال الشافعي: لا حد عليه، ولم يفصل.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم وعموم كل خبر ورد بأن شارب الخمر
يجب عليه الحد، وجب حملها على عمومها.
مسألة 34: المستأمن إذا دخل دار الإسلام فتظاهر بشرب الخمر وجب
عليه الحد، وإن زنى بمشركة وجب عليه الجلد إن كان بكرا والرجم إن كان
محصنا، وإن زنى بمسلمة كان عليه القتل محصنا كان أو غير محصن.
وإن سرق نصابا من حرز وجب عليه القطع.
وقال الشافعي: لا حد عليه في شرب الخمر، ولا في الزنى بمشركة، وله في
السرقة قولان: أحدهما مثل ما قلناه، والثاني وهو الصحيح عندهم أنه لا قطع عليه
فأما الغرم فإنه يلزمه بلا خلاف.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وعموم الآيات والأخبار التي تتضمن إقامة
الحدود في الزنى والسرقة وشرب الخمر فيجب أن تحمل على ظاهرها.
مسألة 35: إذا سرق شيئا موقوفا مثل دفتر أو ثوب وما أشبههما وكان
نصابا من حرز وجب عليه القطع، وللشافعي فيه قولان مبنيان على انتقال الوقف
وله فيه قولان: أحدهما: أنه ينتقل إلى الله تعالى، فعلى هذا في القطع وجهان:
أحدهما يقطع كما يقطع في ستارة الكعبة وبواري المسجد، والثاني لا
يقطع كالصيود
والأحطاب.
والقول الثاني: أن الوقف ينتقل إلى ملك الموقوف عليه، فعلى هذا في
السرقة وجهان أيضا: أحدهما يقطع لأنه سرق ما هو ملك، وهو الصحيح
عندهم، والثاني لا يقطع لأنه ملك ناقص.
42

دليلنا: الآية والخبر، وهما على عمومهما.
مسألة 36: إذا سرق دفعة بعد أخرى وطولب دفعة واحدة بالقطع لم
يجب عليه إلا قطع يده فحسب بلا خلاف.
فإن سبق بعضهم وطالب بالقطع فقطع مرة واحدة ثم طالب الباقون،
روى أصحابنا أنه يقطع للآخرين أيضا، وقال الشافعي وجميع الفقهاء: لا يقطع
للآخرين لأنه إذا قطع بالسرقة فلا يقطع دفعة أخرى قبل أن يسرق، وهذا أقوى
غير أن الرواية ما قلناه.
دليلنا على ذلك: الآية والخبر وإجماع الفرقة.
مسألة 37: إذا كانت يمينه ناقصة الأصابع ولم يبق إلا واحدة قطعت بلا
خلاف، وإن لم يكن فيها إصبع قطع الكف، وإن كانت شلاء روى أصحابنا
أنها تقطع ولم يفصلوا، وللشافعي فيها قولان: الأظهر مثل ما قلناه وفي أصحابه
من قال: لا تقطع لأنه لا منفعة فيها ولا جمال، وإن كانت شلاء رجع إلى أهل
المعرفة بالطب فإن قالوا: إذا قطعت اندملت، قطعت، وإن قالوا: تبقى أفواه
العروق مفتحة، لم تقطع.
دليلنا: قوله تعالى: والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما، وإنما أراد أيمانهما
بلا خلاف ولم يفصل، والخبر مثل ذلك، وإجماع الفرقة على ما قلناه دليل في
هذه المسألة.
مسألة 38: إذا سرق ويساره مفقودة أو ناقصة قطعت يمينه، وبه قال
الشافعي، وقال أبو حنيفة: إن كانت يساره مفقودة أو ناقصة نقصانا ذهب به معظم
المنفعة كنقصان إبهام أو إصبعين لم تقطع يمينه، وإن كانت ناقصة إصبع واحدة
قطعنا يمينه، وهكذا قوله إذا كانت رجله اليمنى لا يطيق المشي عليها لم تقطع
43

رجله اليسرى.
دليلنا: الظواهر كلها ولم يفصل فيها.
مسألة 39: كل عين قطع السارق بها مرة فإنه إذا سرقها مرة أخرى
قطعناه، حتى لو تكرر ذلك منه أربع مرات قتلناه في الرابعة، وبه قال الشافعي
غير أنه لم يعتبر القتل على أصله سواء سرقها من الذي سرقها منه أولا أو من غيره.
وقال أبو حنيفة: إذا قطع السارق بالعين مرة لم يقطع بسرقتها مرة أخرى،
فلو سرقها بعد ذلك فلا قطع سواء سرقها من الأول أو من غيره إلا في مسألة
واحدة فإنه قال: إن كانت العين غزلا فقطع بها ثم نسج ثوبا ثم سرق الثوب
قطعناه.
دليلنا: الآية وعموم الظواهر ولم يفصلوا.
مسألة 40: لا يثبت الحكم بالسرقة ووجوب القطع بالإقرار مرة واحدة،
ويحتاج أن يقر مرتين حتى يحكم عليه بالسرقة، وبه قال ابن أبي ليلى وابن شبرمة
وأبو يوسف وزفر وأحمد وإسحاق.
وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي: إنه يثبت بإقراره مرة واحدة ويغرم
ويقطع.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، ولأن ما اعتبرناه مجمع على وجوب
القطع به، وليس على ما قالوه دليل، وروي أن سارقا أقر عند علي عليه السلام
بالسرقة فانتهره فأقر ثانيا فقال: الآن أقررت مرتين، وقطعه ولا مخالف له.
مسألة 41: إذا ثبت القطع باعترافه ثم رجع عنه سقط برجوعه، وبه قال
جماعة إلا ابن أبي ليلى فإنه قال: لا يسقط برجوعه.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
44

وروى أبو أمية المخزومي أن النبي صلى الله عليه وآله أتى بلص قد اعترف
اعترافا ولم يوجد عنده متاع فقال النبي صلى الله عليه وآله: ما أخالك سرقت؟
قال: بلى، فأعاد عليه مرتين أو ثلاثا فأمر به قطع وجئ به فقال له: استغفر الله
وتب إليه، فقال: أستغفر الله وأتوب إليه، فقال النبي صلى الله عليه وآله: اللهم تب
عليه، ثلاثا، فوجه الدلالة أن النبي صلى الله عليه وآله عرض له بالرجوع، فلو لا
أنه كان يسقط به لما عرض له فيه، وقد روينا أن عليا عليه السلام انتهره، وهو
مروي عن أبي بكر وابن مسعود، ولا مخالف لهما.
مسألة 42: إذا قامت عليه البينة بأنه سرق نصابا من حرز لغائب وليس
للغائب وكيل بذلك لم يقطع حتى يحضر الغائب، وكذلك لو قامت البينة أنه
زنى بأمة غائب لم يقم عليه الحد حتى يحضر، وإن أقر بالسرقة أو بالزنى أقيم عليه
الحد فيهما.
وقال الشافعي: أنه لا يقطع في السرقة ويحد في الزنى، واختلف أصحابه
على ثلاث طرق: فقال أبو العباس: لا يحد ولا يقطع، وقال أبو إسحاق: المسألة
على قولين فيهما أحدهما يقطع ويحد، والثاني لا يقطع ولا يحد، وقال أبو الطيب
بن سلمة وأبو جعفر بن حفص الوكيل: لا يقطع في السرقة ويحد في الزنى.
دليلنا على أنه لا يقطع ولا يحد في السرقة والزنى: أنه يجوز أن يكون
الغائب أباح له العين المسروقة أو ملكه إياها أو وقفها عليه أو كانت ملكا للسارق
عنده غصب من أبيه أو وديعة أو غير ذلك أو أباح له وطء الأمة أو متعه بها، وإذا
احتمل ذلك لم يقطع ولم يحد للشبهة، وأما مع الإقرار فإنه يقام عليه الحد
والقطع لأنه يثبت عليه القطع بإقراره، والحد بالزنى بإقراره، وهما من حقوق الله
تعالى فلا يقف على حضور الغائب، والظاهر يوجب القطع وإقامة الحد عليه،
وهو قوله تعالى: فاقطعوا أيديهما، وقوله: فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة.
45

مسألة 43: إذا سرق عينا يقطع في مثلها قطعناه فإن كانت العين باقية
ردها بلا خلاف، وإن كانت تالفة غرم قيمتها، وبه قال الحسن البصري والنخعي
والزهري والأوزاعي والليث بن سعد وابن شبرمة والشافعي وأحمد بن حنبل،
سواء كان السارق غنيا أو فقيرا.
وقال أبو حنيفة: لا أجمع بين الغرم والقطع، فإذا طالب المسروق منه
بالسرقة ورفعه إلى السلطان، فإن غرم له ما سقط القطع، وإن سكت حتى قطعه
الإمام سقط الغرم عنه وكان صبره وسكوته حتى قطعه رضا منه بالقطع عن
الغرم.
وقال مالك: يغرم إن كان موسرا، وإن كان فقيرا لا يغرم.
ولأبي حنيفة تفصيل قال: إذا سرق حديدا فجعله كوزا فقطع لم يرد الكوز
لأن الكوز كالعين الأخرى فلو كانت السرقة ثوبا فصبغه أسود فقطع لم يرد
الثوب لأن السواد جعله كالمستهلك، وإن صبغه أحمر كان عليه رده لأن الحمرة
لا تجعله كالمستهلك.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا قوله تعالى: والسارق والسارقة
فاقطعوا أيديهما، فأوجب القطع سواء غرم أو لم يغرم، فمن قال: إذا غرم سقط
قطعه، فعليه الدلالة، وأيضا فالآية توجب القطع من غير تخيير، وعندهم أن
المسروق منه بالخيار بين المطالبة بالغرم فيسقط القطع، وإن سكت حتى يقطع
سقط غرمه.
مسألة 44: إذا سرق العبد من مال مولاه لا قطع عليه، وبه قال جميع
الفقهاء، وقال داود: عليه القطع.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا الأصل براءة الذمة.
مسألة 45: إذا سرق الرجل من مال ولده فلا قطع عليه بلا خلاف إلا
46

داود، وإن سرق الولد من مال والديه أو واحد منهما أو جده أو جدته أو جدهما أو
أجداده من قبل أمه وإن علوا كان عليه القطع، وقال جميع الفقهاء: لا قطع عليه،
وروي عن علي عليه السلام بأن عليه القطع.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا الآية والخبر ولم يفرقا.
مسألة 46: إذا سرق أحد الزوجين من الآخر من غير حرز فلا قطع عليه بلا
خلاف، وإن سرقه من حرز فعليه القطع، وبه قال مالك.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه وهو اختيار المزني وأبي حامد،
والقول الثاني لا قطع عليه، وبه قال أبو حنيفة، وهكذا الخلاف في عبد كل واحد
منهما إذا سرق من مال مولى الآخر فكل عبد بمنزلة سيده سواء والخلاف واحد.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا قوله تعالى: فاقطعوا أيديهما، والخبر يدلان
عليهما لأنهما على عمومهما إلا من أخرجه الدليل.
مسألة 47: إذا سرقت الأم من مال ولدها وجب عليها القطع، وبه قال
داود، وقال جميع الفقهاء: لا قطع عليها.
دليلنا: الآية والخبر وهما على عمومهما.
مسألة 48: من خرج عن عمود الوالدين والولد من ذوي القرابة والأرحام
إذا سرق من الآخر فهو كالأجنبي يجب عليه القطع، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: كل شخصين بينهما رحم محرم بالنسب فالقطع ساقط كما
يسقط بين الوالد وولده مثل الإخوة والأخوات والأعمام والعمات والأخوال
والخالات.
دليلنا: الآية والخبر وهما على عمومهما، وأيضا عليه إجماع الفرقة.
47

مسألة 49: روى أصحابنا أنه إذا سرق الرجل من بيت المال إذا كان ممن
له سهم فيه أكثر مما يصيبه بمقدار النصاب كان عليه القطع، وكذلك إذا سرق
من الغنيمة، وقال جميع الفقهاء: لا قطع عليه بلا تفصيل.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، والآية والخبر يدلان عليه لأنهما على
عمومهما.
مسألة 50: من سرق شيئا من الملاهي من العيدان والطنابير وغيرهما وعليه
حلي قيمته نصاب ربع دينار وجب عليه القطع، وبه قال الشافعي، وقال
أبو حنيفة: لا قطع عليه، بناء على أصله أنه إذا سرق ما فيه
القطع مع ما ليس فيه القطع لا قطع عليه.
دليلنا: الآية والخبر، وقد بينا فساد ما ذهب إليه في ذلك فيما مضى.
مسألة 51: من سرق من جيب غيره وكان باطنا بأن يكون فوقه قميص
آخر أو من كمه، وكان كذلك كان عليه القطع، وإن سرق من الكم الأعلى أو
الجيب الأعلى فلا قطع عليه، سواء شده في الكم من داخل أو من خارج.
وقال جميع الفقهاء: عليه القطع، ولم يعتبروا قميصا فوق قميص إلا أن
أبا حنيفة قال: إذا شده في كمه فإن شده من داخل وتركه من خارج فلا قطع
عليه، وإن شده من خارج وتركه من داخل فعليه القطع، والشافعي لم يفصل.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم وأيضا الأصل براءة الذمة، وأيضا ما
اعتبرناه مجمع على وجوب القطع فيه، وما ذكروه ليس عليه دليل.
مسألة 52: إذا ترك الجمال والأحمال في مكان وانصرف في حاجة
وكانت الجمال في غير حرز هي وكل ما معها من متاع وغيره فلا قطع فيها، ولا
في شئ منها، وبه قال الشافعي.
48

وقال أبو حنيفة: إن أخذ اللص الزاملة بما فيها فلا قطع عليه لأنه أخذ الحرز،
وإن شق الزاملة وأخذ المتاع من جوفها فعليه القطع.
دليلنا: أن الحرز المرجع فيه إلى العادة، وما ذكرناه لا يعده أحد حرزا،
بل من ترك أحماله كذلك، قيل: أنه ضيعه، فمن جعله حرزا فعليه الدلالة وأيضا
الأصل براءة الذمة، وشغلها يحتاج إلى دليل.
مسألة 53: من سرق باب دار رجل قلعه وأخذه أو هدم من حائطه آجرا
وبلغ قيمته نصابا كان عليه القطع، وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: لا قطع
عليه لأنه ما سرق وإنما هدم.
دليلنا: قوله تعالى: والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما، والخبر، وأيضا فإن
الباب والآجر في الحائط في حرز، فإذا كان حرزا له فإذا أخذه من الحرز قطعناه.
مسألة 54: إذا أقر العبد على نفسه بالسرقة لا يقبل إقراره، وقال جميع
الفقهاء أنه يقبل إقراره ويقطع.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا فإن إقراره إقرار في مال الغير لأنه لا يملك
نفسه وهو ملك لغيره فلا يقبل إقراره على غيره.
مسألة 55: إذا قصده رجل فقتله دفعا عن نفسه فلا ضمان عليه، سواء قتله
بالسيف أو بالمثقل ليلا كان القتل أو نهارا، وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: إن
كان بالسيف كما قلناه، وإن كان بالمثقل وكان ليلا فكذلك، وإن كان نهارا
فعليه الضمان.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، وشغلها يحتاج إلى دليل.
مسألة 56: إذا سرق الغانم من أربعة أخماس الغنيمة ما يزيد على مقدار
49

نصيبه نصابا وجب قطعه، وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه، والآخر لا
قطع عليه لأن له في كل جزء نصيبا.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
50

كتاب قطاع الطريق
مسألة 1: المحارب الذي ذكره الله تعالى في آية المحاربة هم قطاع
الطريق الذين يشهرون السلاح ويخيفون السبيل، وبه قال ابن عباس وجماعة
الفقهاء.
وقال قوم: هم أهل الذمة إذا نقضوا العهد ولحقوا بدار الحرب وحاربوا
المسلمين.
وقال ابن عمر: المراد بالآية المرتدون لأنها نزلت في العرنيين.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا قوله تعالى في سياق الآية: إلا الذين
تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم، فأخبر أن العقوبة تسقط
بالتوبة قبل القدرة عليه، ولو كان المراد بها أهل الذمة وأهل الردة كانت التوبة
منهم قبل القدرة وبعد القدرة سواء، فلما خص بالذكر التوبة قبل القدرة وأفردها
بالحكم دلت الآية على ما قلناه.
مسألة 2: إذا شهر السلاح وأخاف السبيل لقطع الطريق كان حكمه متى
ظفر به الإمام التعزير، وتعزيره أن ينفيه من البلد وإن قتل ولم يأخذ المال قتل،
والقتل متحتم عليه لا يجوز العفو عنه، وإن قتل وأخذ المال قتل وصلب، وإن أخذ
المال ولم يقتل قطعت يده ورجله من خلاف، وينفى من الأرض متى ارتكب شيئا
51

من هذا، ويتبعهم أينما حلوا في طلبهم، وإذا قدر عليهم أقام عليهم هذه الحدود،
وبه قال في الصحابة عبد الله بن عباس، وفي الفقهاء حماد والليث بن سعد ومحمد
بن الحسن والشافعي.
ونحو هذا قول أبو حنيفة وإنما خالف في فصلين قال: إذا قتل وأخذ المال
قطع وقتل، وعندنا يصلب، والثاني أن النفي عندنا ما قلناه وعنده النفي هو
الحبس، وحكى الطحاوي عن أبي حنيفة مثل مذهبنا وليس كما حكاه وإنما
ذلك مذهب محمد بن الحسن، فأما مذهبه فما حكاه الكرخي في الجامع الصغير
أن الإمام مخير بين أربعة أشياء: بين أن يقطع من خلاف ويقتل أو يقطع من
خلاف ويصلب، وإن شاء قتل ولم يقطع وإن شاء صلب ولم يقطع، والكلام
عليه يأتي.
وقال مالك: الآية مرتبة على صفة قاطع الطريق وهو إذا شهر السلاح
وأخاف السبيل لقطع الطريق كانت عقوبته مرتبة على صفته، فإن كان من أهل
الرأي والتدبير قتله، وإن كان من أهل القتال دون التدبير قطعه من خلاف، وإن
لم يكن واحدا منهما لا تدبير ولا بطش نفاه من الأرض، ونفيه أن يخرجه إلى بلد
آخر فيحبسه فيه.
وذهب قوم إلى أن أحكامها على التخيير فمتى شهر السلاح وأخاف السبيل
لقطع الطريق كان الإمام مخيرا بين أربعة أشياء: القتل، والقطع، والصلب،
والنفي من الأرض، ذهب إليه ابن المسيب والحسن البصري وعطاء ومجاهد،
فخرج من هذا مذهبان: التخيير عند التابعين والترتيب عند الفقهاء.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
فأيضا روي عن ابن عباس أنه قال: أن يقتلوا إن قتلوا أو يصلبوا إن قتلوا أو
أخذوا المال أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف إن أخذوا المال ولم يقتلوا أو
ينفوا من الأرض، على ما فسرناه، فإما أن يكون قوله توقيفا أو لغة، فأيهما كان
صح ما قلناه.
52

وأيضا إذا حملناها على هذا الترتيب أعطينا كل لفظة فائدة جديدة، وعلى ما
قالوه لا يفيد ذلك فكان ما قلناه أولى.
والثالث: علق الله هذه الأحكام على من حارب الله ورسوله صلى الله عليه
وآله ومعلوم أن محاربة الله لا تمكن، ثبت أن المراد من حارب أهل دين الله
ودين رسوله صلى الله عليه وآله، فاقتضى وجود المحاربة منهم فمن علق هذه
الأحكام عليهم قبل المحاربة فقد ترك الظاهر.
والرابع: أن الله تعالى ذكر هذه الأحكام فابتدأ بالأغلظ فالأغلظ، وكل
موضع ذكر الله أحكاما فبدأ بالأغلظ كانت على الترتيب ككفارة الظهار والقتل،
وكل موضع كانت على التخيير بدأ بالأخف ككفارة الإيمان، وأيضا روى
عثمان بن عفان أن النبي صلى الله عليه وآله قال: لا يحل دم امرئ مسلم إلا
بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان، أو زنا بعد إحصان أو قتل نفس بغير نفس، وهذا
ما فعل شيئا من ذلك فوجب أن لا يقتل.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: القطع في ربع دينار فصاعدا،
وفي بعضها لا قطع إلا في ربع دينار ومن قطع قبل أخذ المال فقد ترك الخبر.
مسألة 3: قد بينا أن نفيه عن الأرض أن يخرج من بلده، ولا يترك أن
يستقر في بلد حتى يتوب فإن قصد بلد الشرك منع من دخوله، وقوتلوا على
تمكينهم من دخوله إليهم، وقال أبو حنيفة: نفيه أن يحبس في بلده، وقال
أبو العباس بن سريج: يحبس في غير بلده.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 4: إذا قتل المحارب انحتم القتل عليه ولم يجز العفو عنه لأحد، وبه
قال الشافعي، وقال بعض الناس: على التخيير، وحكي عن أبي حنيفة أنه قال: إن
قتل وأخذ المال انحتم قتله وإن قتل ولم يأخذ المال كان الولي بالخيار بين
53

القصاص والعفو لما روي عن النبي صلى الله عليه وآله من قوله: ثم أنتم يا خزاعة
بين خيرتين... تمام الخبر.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم ولأن وجوب القتل مجمع عليه والتخيير
يحتاج إلى دليل، والآية تدل على ما قلناه إن الله تعالى أوجب القتل ولم يذكر
التخيير.
مسألة 5: الصلب لا يكون إلا بعد أن يقتل ثم يصلب وينزل بعد ثلاثة أيام،
وقال الشافعي مثل ذلك.
وقال ابن أبي هريرة: لا ينزل بعد ثلاثة أيام بل يترك حتى يسيل صديدا،
وقال قوم من أصحابه: يصلب حيا ويترك حتى يموت، وعن أبي يوسف
روايتان: إحديهما مثل ما قلناه، والثانية أن يصلب حيا ويبعج بطنه بالرمح حتى
يموت.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 6: إذا قتل المحارب ولدا أو عبدا مملوكا أو كان مسلما قتل ذميا
فإنه يقتل وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه، والثاني - وهو أصحهما
عندهم - لا يقتل.
دليلنا: قوله تعالى: أن يقتلوا، وقد بينا أن معناه أن يقتلوا إن قتلوا ولم
يفصل، وتخصيصه يحتاج إلى دليل، والقول الثاني قوي أيضا لقوله عليه السلام:
لا يقتل والد بولده، ولا يقتل مؤمن بكافر، إلا أن المحارب ينحتم عليه القتل
لكونه محاربا ألا ترى أنه لو عفا الولي عنه لوجب قتله فلا يمتنع على هذا أن يجب
قتله، وإن كان قتل ولده أو ذميا لكونه محاربا.
مسألة 7: قد قلنا أن المحارب إذا أخذ المال قطع، ولا يجب قطعه حتى
54

يأخذ نصابا يجب فيه القطع في السرقة، وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما
قلناه، وعليه عامة أصحابه وقال بعضهم: يقطع في قليل المال وكثيره، وهو قوي
أيضا لأن الأخبار وردت أنه إذا أخذ المال قطعه ولم يقيدوا، فوجب حملها على
عمومها.
دليلنا: أن ما اعتبرناه مجمع على وجوب القطع به، وما قالوه ليس عليه
دليل، وأيضا قوله صلى الله عليه وآله: القطع في ربع دينار.
في حكم قطاع الطريق
مسألة 8: حكم قطاع الطريق في البلد والبادية سواء مثل أن يحاصروا
قرية ويفتحوها، ويغلبوا أهلها ويفعلوا مثل هذا في بلد صغير أو طرف من أطراف
البلد أو كان بهم كثرة فأحاطوا ببلد كبير واستولوا عليهم، الحكم فيهم واحد،
وهكذا القول في دعار البلد إذا استولوا على أهله، وأخذوا أموالهم على صفة لا
غوث لهم الباب واحد، وبه قال الشافعي وأبو يوسف.
وقال مالك: قطاع الطريق من كان في البلد على مسافة ثلاثة أميال، فإن
كان دون ذلك فليسوا قطاع الطريق، وقال أبو حنيفة ومحمد: إذا كانوا في البلد
أو في القرب منه مثل ما بين الحيرة والكوفة أو بين قريتين لم يكونوا قطاع
الطريق.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا قوله تعالى: إنما جزاء الذين
يحاربون الله ورسوله... إلى آخر الآية، ولم يفصل بين أن يكونوا في البلد وغير
البلد.
مسألة 9: لا تجب أحكام المحاربين على الطليع والردء، وإنما تجب على
من يباشر القتل أو يأخذ المال أو يجمع بينهما، وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة:
الحكم يتعلق بهم كلهم فلو أخذ واحد المال قطعوا كلهم، ولو قتل واحد قتلوا
55

كلهم.
دليلنا: إن الأصل براءة الذمة، وإثبات القتل أو القطع على من لم يباشر
شيئا يحتاج إلى دليل، وما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: لا يحل دم
امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان، أو زنا بعد إحصان أو قتل نفس
بغير نفس يدل على ذلك لأنه ليس بواحد منهم.
مسألة 10: إذا جرح المحارب جرحا يجب فيه القصاص في غير حد
المحاربة مثل قطع اليد أو الرجل أو قلع العين وغير ذلك وجب عليه القصاص
بلا خلاف، ولا ينحتم، بل للمجروح العفو، وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما
قلناه والآخر أنه ينحتم مثل النفس.
دليلنا: أن الأصل جواز العفو، وانحتامه يحتاج إلى دليل.
مسألة 11: إذا قطع المحارب يد رجل وقتله في المحاربة قطع ثم قتل،
وهكذا لو وجب عليه القصاص فيما دون النفس ثم أخذ المال اقتص منه ثم قطع
من خلاف بأخذ المال، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: إذا قطع ثم قتل قتل ولم يقطع، وإن قطع يسار رجل ثم
أخذ المال في المحاربة سقط القطع قصاصا، وقطع بأخذ المال.
دليلنا: إن القصاص حق لآدمي، والقتل في المحاربة حق لله، ودخول
أحد الحقين في الآخر يحتاج إلى دليل، وأيضا قوله تعالى: وكتبنا عليهم فيها أن
النفس بالنفس... الآية، وفيها دليلان: أحدهما قوله: والعين بالعين، ولم يفصل
بين أن يكون أخذ المال أو لم يأخذه، والثاني قوله عز وجل: والجروح قصاص،
وهذا جرح، وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: وفي اليد خمسون من
الإبل، ولم يفصل.
56

مسألة 12: المحارب إذا وجب عليه حد من حدود الله لأجل المحاربة مثل
انحتام القتل أو قطع اليد والرجل من خلاف أو الصلب ثم تاب قبل أن يقام عليه
الحد سقط بلا خلاف، وإن تاب بعد القدرة عليه لا يسقط بلا خلاف، ولا يجب
عليه من حدود الآدميين فلا يسقط كالقصاص والقذف، وضمان الأموال وما
يجب عليه من حدود الله التي لا تختص بالمحاربة كحد الزنى والشرب واللواط،
فإنها تسقط عنه بالتوبة قبل القدرة عليه، وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما
قلناه، والثاني لا تسقط.
دليلنا: إجماع الفرقة على أن التائب قبل إقامة الحد عليه يسقط حده،
وأيضا قوله تعالى: إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم.
مسألة 13: كل من وجب عليه حد من حدود الله من شرب الخمر أو الزنى
أو السرقة من غير المحاربين ثم تاب من قبل قيام البينة عليه بذلك فإنها بالتوبة
تسقط، وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه، والثاني لا تسقط.
دليلنا: إجماع الفرقة على ذلك على ما قدمناه، وأخبارهم، وأيضا قوله
تعالى: والسارق والسارقة، إلى قوله: فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله
يتوب عليه إن الله غفور رحيم، فأمر بقطع السارق قبل التوبة ثم بين أن من تاب
منهم وأصلح عمله فإن الله يغفر له، ثبت أنه يسقط عنه.
فإن قيل: المراد غفران المأثم.
قلنا: أن ما تقدم ذكره هو القطع فعادت الكناية إليه، والثاني يحمل عليهما
وأنه إذا شرط فيه إصلاح العمل والمأثم تسقط بمجرد التوبة، ثبت أن المراد به ما
ذكرناه، وأيضا روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: الإسلام يجب ما قبله،
وفي بعضها التوبة تجب ما قبلها، وروي أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وآله
فقال: إني أصبت حدا فأقمه على، فقال: أليس قد توضأت؟ قال: بلى، قال: أليس
قد صليت؟ قال: بلى، فقال: سقط عنك.
57

مسألة 14: إذا اجتمع حد القذف وحد الزنى وحد السرقة ووجوب القطع -
قطع اليد والرجل بالمحاربة أو أخذ المال فيها - ووجب عليه القود بقتل في
غير المحاربة فاجتمع حدان عليه، وقطعان، وقتل، فإنه تستوفى منه الحدود كلها
ثم يقتل، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: تسقط كلها ويقتل فإن القتل يأتي على الكل، وروي ذلك
عن ابن مسعود وهو قول النخعي، ولأبي حنيفة تفصيل قال: يقتل بغير حد إلا حد
القذف، فإنه يقام عليه الحد ثم يقتل.
دليلنا: قوله تعالى: الزانية والزاني فاجلدوا... الآية، وقوله عز وجل:
والذين يرمون المحصنات، إلى قوله: فاجلدوهم، وقوله: والسارق والسارقة
فاقطعوا أيديهما، وقوله: إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله، إلى قوله: أن يقتلوا
أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، وقوله: النفس بالنفس، ولم
يفصل، فوجب إقامة هذه الحدود كلها لهذه الظواهر، ومن ادعى تداخلها فعليه
الدلالة.
مسألة 15: أحكام المحاربين تتعلق بالرجال والنساء سواء على ما فصلناه
في العقوبات، وبه قال الشافعي.
وقال مالك: لا تتعلق أحكام المحاربين بالنساء.
وقال أبو حنيفة: إذا كان معهم نساء فإن كن ردءا والمباشر للقتل الرجال لم
تقتل النساء هنا لأنه يقتل الردء إذا كان رجلا، وإن كان المباشر للقتل النساء
دون الرجال فظاهر قوله أنه لا قتل لا على الرجال، ولا على النساء.
دليلنا: قوله تعالى: إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله... الآية، ولم
يفصل بين النساء والرجال، فوجب حملها على العموم.
58

كتاب الأطعمة والأشربة
مسألة 1: من شرب الخمر وجب عليه الحد إذا كان مكلفا بلا خلاف، فإن
تكرر ذلك منه وكثر قبل أن يقام عليه الحد أقيم عليه حد واحد بلا خلاف، فإن
شرب فحد، ثم شرب فحد ثم شرب فحد، ثم شرب رابعا قتل عندنا، وقال جميع
الفقهاء: لا قتل عليه، وإنما يقام عليه الحد بالغا ما بلغ.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وروى أبو هريرة وغيره أن النبي صلى الله
عليه وآله قال: من شرب الخمر فاجلدوه، ثم إن شرب فاجلدوه، ثم إن شرب
فاجلدوه، ثم إن شرب فاقتلوه، وفي بعضها فقتلناه واحترزناه، ومن ادعى نسخ
هذا الخبر فعليه الدلالة.
وروى سفيان عن الزهري عن قبيصة بن ذؤيب أن النبي صلى الله عليه وآله
قال: إن شرب فاجلدوه ثم إن شرب فاجلدوه، ثم إن شرب فاجلدوه، ثم إن شرب
فاقتلوه، وروي مثل ذلك عن جابر رواه محمد بن إسحاق بن خزيمة عن محمد
بن المنكدر عن جابر أن النبي صلى الله عليه وآله قال: من شرب الخمر فاجلدوه،
ثم إن شرب فاجلدوه، ثم إن شرب فاجلدوه، ثم إن شرب فاقتلوه.
مسألة 2: الخمر المجمع على تحريمها هي عصير العنب الذي اشتد وأسكر،
وبه قال أبو يوسف ومحمد والشافعي، وقال أبو حنيفة: اشتد وأسكر وأزبد، فاعتبر
59

أن يزبد فهذه حرام نجسة يحد شاربها سكر أو لم يسكر بلا خلاف.
دليلنا على أنه لا تعتبر الأزباد: إجماع الفرقة، والظواهر كلها تتناوله لأن
أهل اللغة يسمونه الخمر إذا أسكر واشتد وإن لم يزبد، فمن اعتبر ذلك فعليه
الدلالة.
مسألة 3: كل شراب أسكر كثيره فقليله وكثيره حرام، وكله خمر حرام
نجس يحد شاربه سكر أو لم يسكر كالخمر سواء عمل من تمر أو زبيب أو عسل
أو حنطة أو شعير أو ذرة الكل واحد نقيعه ومطبوخه سواء، وبه قال في الصحابة
علي عليه السلام، وابن عمر وابن عباس وسعد بن أبي وقاص وعائشة، وفي
الفقهاء أهل الحجاز ومالك والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق.
وقال أبو حنيفة: أما عصير العنب إذا مسه طبخ نظرت: فإن ذهب ثلثاه فهو
حلال ولا حد حتى يسكر، فإن ذهب أقل من الثلثين فهو حرام ولا حد حتى
يسكر، وما عمل من التمر والزبيب نظرت: فإن مسه طبخ وهو النبيذ فهو مباح
ولا حد حتى يسكر، وإن لم يمسه طبخ فهو حرام ولا حد حتى يسكر، وأما ما
عمل من غير هاتين الشجرتين النخل والكرم مثل العسل والشعير والحنطة
والذرة فكله مباح ولا حد فيه أسكر أم لم يسكر، قال محمد في كتاب الأشربة:
قال أبو حنيفة الشراب المحرم أربعة نقيع العنب الذي اشتد وأسكر، ومطبوخ
العنب إذا ذهب منه ثلثه، ونقيع التمر والزبيب، وما عدا هذا حلال كله.
وممن قال: النبيذ حلال، الثوري وأبو حنيفة وأصحابه، وفي الصحابة يروونه
عن عمر وعلى وابن مسعود، فالكلام معه في أربعة فصول: فكل شراب مسكر
فهو خمر وعنده ليس بخمر، وهو حرام وعنده ليس بحرام إلا ما يعقبه السكر فإنه
متى شرب فسكر عقيبها فالعاشر حرام، وما قبله حلال، وهو نجس، وعنده طاهر،
وشاربه يحد عندنا، وعنده لا يحد ما لم يسكر.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، والدليل على ما قلناه أيضا في فصل فصل
60

سنذكره.
أما ما يدل على أن هذه الأشربة تسمى خمرا السنة وإجماع الصحابة، فالسنة
ما رواه الشعبي عن النعمان بن بشير أن النبي صلى الله عليه وآله قال: إن من
العنب خمرا وإن من التمر خمرا وإن من العسل خمرا وإن من البر خمرا وإن من
الشعير خمرا وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله قال: الخمر من هاتين
الشجرتين النخلة والعنب، هذان في سنن أبي داود، وروى طاووس عن ابن عباس
أن النبي صلى الله عليه وآله قال: كل مخمر خمر، وكل مسكر حرام، وروى
نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله قال: كل مسكر خمر، وكل خمر
حرام، فدل ذلك كله على تسميته خمرا، وأما الإجماع فروى الشعبي عن ابن
عمر قال: صعد عمر المنبر فخطب، وفي بعضها سمعت عمر بن الخطاب يخطب
على منبر رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: ما نزل تحريم الخمر يوم نزل، وهي
يومئذ من خمسة العنب، والتمر والعسل، والحنطة، والشعير.
والخمر ما خامر العقل، وروي مثل هذا عن أبي موسى الأشعري غير أنه
ليس فيه والخمر ما خامر العقل.
وروى الشافعي في الأشربة في الأم عن مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي
طلحة عن أنس بن مالك قال: كنت أسقي أبا عبيدة بن الجراح وأبا طلحة
الأنصاري وأبي بن كعب شرابا من فضيخ تمر فجاءهم آت فقال: إن الخمر
حرمت، فقال أبو طلحة: يا أنس قم إلى هذه الجرار فكسرها، قال أنس: فقمت إلى
مهراس لنا فضربتها بأسفلها حتى تكسرت - الفضيخ ما عمل من تمر وبسر،
ويقال هو أسرع إدراكا، وكذلك كلما عمل من لونين، والمهراس الفأس -
فالنبي صلى الله عليه وآله سماها خمرا والصحابة من بعد، عمر، وأبو موسى
الأشعري، وهؤلاء الأنصار وغيرهم، وأبو عبيدة بن الجراح وأبو طلحة وأبي بن
كعب كل هؤلاء قد سموه خمرا، فإذا ثبت أنه خمر فقال الله تعالى: يا أيها الذين
آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه،
61

فأمر باجتناب المسكرات كلها.
وأما الكلام على الفصل الآخر وهو أن هذه الأشربة حرام، فالدليل عليه
السنة والإجماع، فالسنة ما رواه مالك عن الزهري عن أبي سلمة عن عائشة أن
النبي صلى الله عليه وآله سئل عن التبع، فقال: كل شراب يسكر فهو حرام،
وروى أبو بردة عن أبي موسى الأشعري قال: سألت النبي صلى الله عليه وآله عن
شراب العسل، فقال: ذاك التبع، فقلت: إنهم ينبذون من الذرة، فقال: ذلك
المزر أخبر قومك أن كل مسكر حرام، وممن روى عن كل مسكر حرام عمر بن
الخطاب وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس وعبد الله بن
عمرو بن العاص وأبو سعيد الخدري والمغيرة بن شعبة وأم سلمة وصفية بنت حي
هؤلاء تسعة: سبعة رجال، وامرأتان، وقد روينا عن عائشة وأبي موسى فصاروا
أحد عشر راويا ثمانية رجال وثلاث نسوة كل واحد روي منفردا عن النبي صلى
الله عليه وآله كل مسكر حرام ولم يفرق.
فإن قالوا: نحن نقول به لأن المسكر القدح العاشر، وذلك حرام لأنه هو
المسكر.
قيل: عن هذا جوابان:
أحدهما: قوله كل مسكر عبارة من الجنس كقولك كل خبز مشبع فإنه
عبارة عن الجنس لا عن اللقمة التي يقع الشبع عقيبها، فالجنس كله حرام، وهو
إذا شرب العاشر فسكر فالكل أسكره، والعاشر معا لا أنه سكر من العاشر وحده
ألا ترى أنه لو شربه وحده لم يسكر.
والجواب الثاني: أن النبي صلى الله عليه وآله وصف الشراب فقال: كل
مسكر حرام، وما من جزء يشار إليه من العشرة إلا ويمكن أن يكون السكر به
وهو أن يتأخر فيكون هو العاشر فلا قدح واحد من الجملة إلا ويمكن أن يكون
ذلك العاشر إذا سبقه تسعة كذلك نقول.
وأيضا روي عن علي عليه السلام وعمر وابن عمر وجابر أن النبي صلى الله
62

عليه وآله قال: ما أسكر كثيره فقليله حرام، وروى سعد بن أبي وقاص وخباب
بن الأرت أن النبي صلى الله عليه وآله قال: أنهاكم عن قليل ما أسكر كثيره، فقد
نقل هذا ستة نفر أن ما أسكر كثيره فقليله حرام. قالوا نقول به، وهو القدح العاشر
فقليل ذاك العاشر حرام لأن كثيره يسكر، فيه جوابان: أحدهما أراد الجنس
والثاني حمله على العاشر لا يمكن لأن قليل العاشر عندهم ليس بحرام، فإن
السكر ما وقع به فقليل العاشر كالتاسع عندهم حتى يستوفيه كله.
وأيضا روى القاسم بن محمد عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وآله قال: ما
يسكر الفرق فملء الكف منه حرام، وفي بعضها فالحسوة منه حرام.
قال القتيبي: الفرق بسكون الراء فرق الدبس وذلك مائة وعشرون رطلا،
وأما الفرق بفتح الراء فهو أحد مكاييل العرب وهو ستة عشر رطلا فإن العرب
كان لها أربعة مكاييل، المد والصاع والفرق، فالمد معروف على اختلاف في
وزنه فالقسط ضعف المد، والصاع ضعف القسط، والفرق ثلاثة أضعاف الصاع
ثلاثة أصوع.
وروى أسلم الحميري قال: قلت: يا رسول الله إنا في أرض باردة نعالج
عملا شديدا، وإنا نتخذ من هذا القمح شرابا نتقوى به على أعمالنا وبرد بلادنا،
فقال صلى الله عليه وآله: أيسكر؟ قلت: نعم، قال اجتنبوه، فقلت: إن الناس غير
تاركيه، فقال: اقتلوهم - معناه قاتلوهم -، وهذا عند أبي حنيفة لا يجتنب.
وأما إجماع الصحابة فروى ذلك عن علي عليه السلام، وعمر، وابن عمر و
ابن عباس وأبي موسى الأشعري وأبي هريرة وسعد بن أبي وقاص ولا مخالف
لهم.
وروى جعفر بن محمد عن أبيه أن عليا عليه السلام قال: لا أوتي بشارب
خمر أو نبيذ إلا حددته.
وروي عن عمر أنه خرج فصلى على جنازة فشم من عبيد الله بن عمر - ابنه -
ريح الشراب فسأله فقال: إني شربت الطلاء، فقال: إن عبيد الله ابني شرب شرابا،
63

وإني سائل عنه، فإن كان مسكرا حددته، فسأله فكان مسكرا فحده بشراب ليس
بخمر.
فأما استدلالهم بأن الأصل الإباحة في هذه الأشربة، وإنما تركنا الخمر
لدليل، وبقى الباقي على أصلها فليس بصحيح لأنا قد دللنا أيضا على أن باقي
المسكرات محرم فيجب أن يترك الأصل وينتقل إليه، وقولهم هذا مما تعم
البلوى به يجب أن يكون معلوما فقد بينا أنه معلوم بإجماع الفرقة، والظاهر من
القرآن واستدلالهم بقوله تعالى: تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا.
وقولهم: إن ابن عباس قال: السكر النبيذ، وقد روي عن ابن عباس
روايتان: إحديهما السكر الخمر، وكان هذا قبل تحريم الخمر، وتابعه على هذا
الحسن البصري وعطاء ومجاهد وقتادة وإبراهيم النخعي وأبو رزين العطاردي.
والرواية الثانية: أن السكر الحرام فيكون معنى الآية تتخذون منه حلالا و
حراما، وقال الشعبي: السكر ما طاب منها وهو الطلاء والرب، وروي هذا عن
مجاهد أيضا.
وأما أهل اللغة فقد قال أبو عبيدة معمر بن المثنى أستاذ أبي عبيد: السكر
الخمر، قال: وقيل السكر الطعم، ومنه يقال " سكر بني فلان أي طعمهم "
وكذلك قول الشاعر " جعلت عيب الأكرمين سكرا " يعني جعلت تعيب
الأكرمين حتى جعلت عيبهم طعما لك، وقال الفراء: السكر الخمر قبل أن يحرم
على أن السكر عند أبي حنيفة نقيع التمر والزبيب - هكذا نقل عنه الحسن بن زياد
اللؤلؤي -، وهذا حرام بلا خلاف على قولهم، ولو سلمنا أن السكر من الأسماء
المشتركة لوقف الكلام فيها على البيان.
ورووا عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: حرمت الخمر بعينها، والسكر
من كل شراب.
والجواب أنه روي هذا الخبر موقوفا على ابن عباس فلا حجة في ذلك، ولو
كان مسندا لكان قوله حرمت الخمر بعينها لا دلالة فيه لأنهم لا يقولون بدليل
64

الخطاب، ومن يقول به لا يقول إذا علق الحكم بالاسم كان ما عداه بخلافه،
وهاهنا تعلق الحكم بالاسم، وأما قوله " والسكر من كل شراب " فمعناه المسكر
من كل شراب، وقد روي في بعض الألفاظ ذلك، ولو لم يكن مرويا لكان
معلوما لأن السكر لا يصح النهي عنه لأنه من فعل الله تعالى فينا كالجنون
والمرض، ووصفه بالتحريم لا يجوز، ثبت أنه أراد المسكر.
فإن قيل: فما الفائدة في الخبر والتفرقة بين السكر والخمر إذا كان الكل
واحدا؟
قلنا: له فائدتان: إحديهما أن الله تعالى حرم الخمر بنص الكتاب، وحرم
رسول الله صلى الله عليه وآله ما عداها من المسكرات، فكان معناه حرمت الخمر
نفسها بالقرآن والمسكر بالسنة، والثانية أراد به تغليظ النهي في المسكرات
فذكرها في الجملة ثم أفردها بالذكر فقوله الخمر كناية عن المسكرات كلها ثم
أفردها بالذكر تأكيدا للنهي كقوله: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى.
وما رووه عن أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وآله قال: اشربوا ولا
تسكروا، فالجواب عنه أنا نقلنا عنه أنه قال: سألت النبي صلى الله عليه وآله عن
شراب العسل فقال: ذلك التبع، فقلت: إنهم ينبذون من الذرة، فقال: ذلك
المزر أخبر قومك أن كل مسكر حرام، فإذا ثبت هذا يكون قوله " اشربوا ولا
تسكروا " معناه ولا تشربوا المسكر بدليل ما رواه في الخبر الآخر، وبدليل أن
السكر لا ينهى عنه على ما مضى.
وما رووه عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وآله أتى نبيذ السقاية فشمه
وقطب واستدعى ذنوبا من ماء زمزم فصبه فيه وقال: إذا اعتملت عليكم هذه
الأنبذة فاكسروها بالماء.
فالجواب عنه أن نبيذ السقاية ما كان مسكرا لأن القوم كانوا ينبذون للحاج
ليشربوا إذا صدروا من منى ينبذ لهم ليلة العاشر، فيبقي يومين أو ثلاثة ثم يردون
مكة فيشربون منه وهو غير مسكر، فإذا ثبت هذا فما ليس بمسكر ليس بحرام،
65

والنبي صلى الله عليه وآله كان يشربه، وروي عن عائشة أنها قالت: كنا ننبذ
لرسول الله صلى الله عليه وآله على غدائه فيشربه على عشائه، وننبذ على عشائه
فيشربه على غذائه، وقال ابن عباس: كان التمر يمرس لرسول الله صلى الله عليه
وآله فيشرب منه يومين أو ثلاثة، وإذا كان في الثالث أمر به أن يسقي الخدم أو
يراق، وإنما صب النبي صلى الله عليه وآله الماء عليه لثخانته لا لشدته، قال
مالك: خاثرا كان فصب عليه الماء حتى يرق، وقولهم قطب، قال الأوزاعي: إنما
فعل ذلك لأنه كان حمض لا أنه كان اشتد لأنه لو كان للشدة كان حراما
عندكم لأنه نقيع غير مطبوخ فكيف كان النبي صلى الله عليه وآله يكسره
بالماء.
والحديث الآخر لابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وآله سئل عن النبيذ
أحلال هو أم حرام؟ فقال: حلال، فإنه ضعيف، وروى عبد العزيز بن أبان عن
الثوري رفعه قالوا: وعبد العزيز بن أبان ضعيف، على أنه يجوز أن يحمل ذلك
على النبيذ الذي لا يسكر لأنه يحتمل ذلك.
فإن قالوا: الخبر الذي رويتم قوله كل مسكر حرام، فالراوي لا يعرفه أهل
النقل، بل هو مضطرب لكثرة من رواه.
قلنا هذا باطل، فإن البخاري نقل أربعة منها ومسلم بن الحجاج بعضها،
ثبت أنها في الصحيح، وليس شئ من أخبارهم مثبتا في الصحيح.
مسألة 4: تحريم الخمر غير معلل، وإنما تحرم سائر المسكرات لاشتراكها
في الاسم أو لدليل آخر.
وقال الشافعي: هو معلل، وعلتها الشدة المطربة وسائر المسكرات مقيس
عليها.
وقال أبو حنيفة: هي محرمة بعينها غير معللة، وإنما حرم نقيع التمر والزبيب
بدليل آخر ولا نقيس عليها شيئا من المسكرات.
66

دليلنا: إن هذا الفرع ساقط عنا لأنا لا نقول بالقياس أصلا في الشرع،
والكلام في كونها معللة أو غير معللة فرع على القول بالقياس، فمن يمنع من
العمل به لا يلزمه الكلام في هذه المسألة، وليس هاهنا موضع الكلام في تحريم
القياس.
مسألة 5: نبيذ الخليطين وهو ما عمل من نوعين تمر وزبيب أو تمر وبسر إذا
كان حلوا غير مسكر غير مكروه، وبه قال أبو حنيفة، وقال الشافعي: هو مكروه
غير محظور.
دليلنا: أن الأصل الإباحة، ولأن أصحابنا نصوا عليه، وقالوا لا بأس بشربه
إذا لم يكن مسكرا، ونهى النبي صلى الله عليه وآله على الخليطين نحمله على أنه
إذا كان مسكرا ويكون نهي تحريم.
مسألة 6: الفقاع حرام لا يجوز شربه بحال، وقال أحمد بن حنبل: كان
مالك يكرهه وكره أن يباع في الأسواق، وقال أحمد حدثنا عبد الجبار بن محمد
الخطابي عن صخرة قال: الغبير التي نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عنها هي
ألا سكر له خمر الحبشة، وعبد الله الأشجعي يكرهه.
وروى أبو عبيد عن ابن أبي مريم عن محمد بن جعفر عن زيد بن أسلم عن
عطاء بن يسار أن النبي صلى الله عليه وآله سئل عن الغبير أفنهي عنها؟ قال: لا
خير فيها، قال: وقال زيد بن أسلم: ألا سكر له؟ هي اسم يختص الفقاع، وروى
أصحابنا أن على شاربه الحد كما يجب على شارب الخمر سواء وأنه يجلد بعد
التعزير، وخالف جميع الفقهاء في ذلك وقالوا هو مباح.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وطريقة الاحتياط تقتضي تجنبه لأنه إذا
تجنب برئت ذمته بلا خلاف، وإذا شربه أو عمله أو باعه ففيه خلاف، والأمر
بالاحتياط.
67

مسألة 7: حد شارب الخمر ثمانون جلدة، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه
والثوري ومالك، لا يزاد عليه ولا ينقص منه.
وقال الشافعي: حده أربعون، فإن رأى الإمام أن يزيد عليها أربعين تعزيرا
ليكون التعزير والحد ثمانين فعل.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا روى شعبة عن قتادة عن أنس بن
مالك أن النبي صلى الله عليه وآله جلد شارب الخمر بجريدتين نحو أربعين، وإذا
كان أربعون بجريدتين كان ثمانون بواحدة، وروى منبه بن وهب عن محمد بن
علي عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وآله جلد شارب الخمر ثمانين، وهذا نص
وهو إجماع الصحابة.
وروي أن عمر استشار الصحابة فقال: إن الناس قد تبايعوا في شرب الخمر
واستحقروا حدها فما ترون؟ فقال علي عليه السلام: إنه إذا شرب سكر فإذا سكر
هذى فإذا هذى افترى فيحد به حد المفتري، وقال عبد الرحمان بن عوف: أرى
أن تحده كامل الحدود ثمانين، فثبت بذلك أنهم أجمعوا على الثمانين.
مسألة 8: إذا تقيا خمرا أقيم عليه الحد، وبه قال في الصحابة عثمان،
ورويناه عن علي عليه السلام، فأما الرائحة فلا يقام عليه الحد، وقال ابن مسعود:
يقام عليه الحد بها، وقال الشافعي وجميع الفقهاء: أنه لا يقام عليه الحد بالقئ
والرائحة.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وروي أن حمران ورجلا آخر شهدا عند
عثمان على رجل شهد أحدهما أنه شربها وشهد الآخر أنه تقيأها فقال عثمان: ما
تقيأها حتى شربها، وقال لعلي عليه السلام: أقم عليه الحد، وروي مثل هذا عن
أمير المؤمنين علي عليه الصلاة والسلام.
مسألة 9: إذا ضرب الإمام شارب الخمر ثمانين فمات لم يكن عليه شئ،
68

وقال الشافعي: يلزمه نصف الدية.
دليلنا: أنا قد بينا أن الحد ثمانون، والشافعي بنى هذا على أن الحد أربعون
فلأجل هذا ضمنه ديته على بيت المال.
مسألة 10: إذا عزر الإمام من يجب تعزيره أو من يجوز تعزيره وإن لم يجب
فمات منه لم يكن عليه شئ، وبه قال أبو حنيفة، وقال الشافعي: يلزمه ديته وأين
تجب؟ فيه قولان: أحدهما وهو الصحيح عندهم على عاقلته، والثاني في بيت
المال.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، وشغلها يحتاج إلى دليل، وأيضا التعزير
حد من حدود الله، وقد روي عنهم عليهم السلام أن من حددناه حدا من حدود
الله فمات فلا شئ له ومن ضربناه حدا من حدود الآدميين فمات كان علينا
ضمانه، والتعزير من حدود الله.
مسألة الاختتان وتفصيلها
مسألة 11: روى أصحابنا أن الختان سنة في الرجال، ومكرمة في النساء إلا
أنهم لا يجيزون تركه في الرجال، فإنهم قالوا: إنه لو أسلم وهو شيخ فعليه أن
يختتن، وقالوا أيضا: لا يتم الحج إلا به لأنه لا يجوز أن يطوف بالبيت إلا مختتنا،
وهذا معنى الفرض على هذا التفصيل.
وقال أبو حنيفة: سنة يأثم بتركها، هذا قول البغداديين من أصحابه، وقال
أهل خراسان منهم: هو واجب مثل الوتر والأضحية وليس بفرض، وقال
الشافعي: هو فرض على الرجال والنساء.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه
قال: الختان سنة في الرجال ومكرمة في النساء، وروي عنه صلى الله عليه وآله
69

أنه قال: عشرة من الفطرة خمس في الرأس خمس في الجسد، فذكر الختان منها،
وفيه دليلان: أحدهما أنه من الفطرة ومعناه من السنة، والثاني أنه قرن بينه وبين ما
هو سنة غير واجب ولا مفروض ثبت أنه غير مفروض، واستدل على وجوبه بقوله
تعالى: ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا، فأمر باتباع ملته، والتمسك
بشريعته، وكان من شرعه الختان، قالوا: ختن نفسه بالقدوم، وقالوا: القدوم اسم
المكان الذي ختن نفسه فيه، وقيل: أنه الفأس الذي له رأس واحد وهو فأس
النجار، وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال لرجل أسلم: ألق عنك شعر
الكفر واختتن، وهذا أمر فيقتضي الوجوب.
مسألة 12: الحد الذي نقيمه بالسوط حد الزنى، وحد القذف بلا خلاف،
وحد شرب الخمر عندنا مثل ذلك، وللشافعي فيه قولان: قال أبو العباس
وأبو إسحاق مثل ما قلناه، والمنصوص له أنه يقام بالأيدي والنعال، وأطراف
الثياب لا بالسوط.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا روي عن النبي صلى الله عليه وآله
أنه قال: من شرب الخمر فاجلدوه، وإنما يكون الجلد بالسوط، وعليه إجماع
الصحابة.
وروى أبو ساسان حصين بن المنذر الرقاشي أن عثمان قال لعلي عليه
السلام: أقم الحد على الوليد بن عقبة، فقال على للحسن: أقم عليه الحد، فقال
الحسن: ول فأرها من تولى جارها، فقال على لعبد الله بن جعفر: أقم عليه الحد،
فضربه بالسوط وعلى يعده، وروي عن عمر أنه ضرب ابنه بالسوط لما شرب
المسكر فثبت أنه إجماع.
مسألة 13: التعزير إلى الإمام بلا خلاف إلا أنه إذا علم أنه لا يردعه إلا
التعزير لم يجز له تركه، وإن علم أن غيره يقوم مقامه من الكلام والتعنيف كان له
70

أن يعدل إليه، ويجوز له تعزيره، وبه قال أبو حنيفة، وقال الشافعي: هو بالخيار في
جميع الأحوال.
دليلنا: ظواهر الأخبار، وتناولها الأمر بالتعزير، وذلك يقتضي الإيجاب.
مسألة 14: لا يبلغ بالتعزير حد كامل بل يكون دونه وأدنى الحدود في
جنبة الأحرار ثمانون، فالتعزير فيهم تسعة وسبعون جلدة وأدنى الحدود في
المماليك أربعون، والتعزير فيهم تسعة وثلاثون.
وقال الشافعي: أدنى الحدود في الأحرار أربعون حد الخمر، ولا يبلغ بتعزير
حر أكثر من تسعة وثلاثين جلدة، وأدنى الحدود في العبيد عشرون في الخمر، ولا
يبلغ تعزيرهم أكثر من تسعة عشر.
وقال أبو حنيفة: لا يبلغ بالتعزير أدنى الحدود، وأدناها عنده أربعون في حد
العبيد في القذف وفي شرب الخمر، فلا يبلغ بالتعزير أبدا أربعين.
وقال ابن أبي ليلى وأبو يوسف: أدنى الحدود ثمانون فلا يبلغ به الحد وأكثر
ما يبلغ تسعة وسبعون، وهذا مثل ما قلناه.
وقال مالك والأوزاعي: هو إلى اجتهاد الإمام، فإن رأى أن يضربه ثلاثمائة
وأكثر فعل كما فعل عمر بن زور عليه الكتاب فضربه ثلاثمائة.
مسألة 15: لا تقام الحدود في المساجد، وبه قال جميع الفقهاء، وقال ابن
أبي ليلى: تقام فيها.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وقوله عليه السلام لا تقام الحدود في
المساجد.
71

المبسوط
في فقه الإمامية
تأليف شيخ الطائفة
أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (قدس سره)
385 - 460 ه‍. ق
73

كتاب الحدود
شرع في صدر الإسلام: إذا زنت الثيب أن تحبس حتى تموت، والبكر أن تؤذي
وتوبخ حتى تتوب، قال الله تعالى: واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم، إلى قوله
" فأعرضوا عنهما " ثم نسخ هذا الحكم فأوجب على الثيب الرجم وعلى البكر جلد
مائة وتغريب عام.
روى عبادة بن الصامت أن النبي عليه السلام قال: خذوا عني قد جعل الله لهن
سبيلا، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم.
وقد قيل: إن المراد بالآية الأولى الثيب وبالثانية البكر، بدلالة أنه أضاف النساء
إلينا في الأولى فقال: " واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم " فكانت إضافة زوجية
لأنه لو أراد غير الزوجات لقال: من النساء، ولا فائدة للزوجية في هذا المكان
إلا أنها ثيب.
الثيب يجب عليه الرجم بلا خلاف إلا الخوارج، فإنهم قالوا: لا رجم في
الشرع.
والكلام في حد الزاني في فصلين: حد الثيب، وحد البكر، فأما حد البكر
فسيأتي بيانه.
75

وأما حد الثيب وهو المحصن، من أصحابنا من قال: يجب عليه الجلد ثم
الرجم، ومنهم من قال: إنما يجب ذلك إذا كانا شيخين، فإن كانا شابين فعليهما
الرجم لا غير، وعند المخالف يجب الرجم بلا تفصيل، وقال بعضهم: يجمع
بينهما بلا تفصيل.
والبكر هو الذي ليس بمحصن، فإنه إذا زنا وجب عليه جلد مائة ونفي سنة إلى
بلد آخر إذا كان رجلا، ولا نفي عندنا على المرأة، وفيهم من قال: يجب عليها
النفي أيضا.
والنفي واجب عندنا وليس بمستحب، وقال بعضهم: هو مستحب موكول إلى
اختيار الإمام إن رأى نفى وإن رأى حبس.
وحد التغريب أن يخرجه من بلده أو قريته إلى بلد آخر، وليس ذلك بمحدود
بل على حسب ما يراه الإمام، وقال قوم: ينفيه إلى موضع يقصر فيه الصلاة حتى
يكون في حكم المسافر عن البلد، فإن كان الزاني غريبا نفاه إلى بلد آخر غير البلد
الذي زنا فيه.
والبكر من لم يحصن، والثيب من أحصن، وحد الإحصان عندنا هو كل حر
بالغ كامل العقل كان له فرج يغدو إليه ويروح على جهة الدوام، متمكنا من وطئه سواء
كان ذلك بعقد الزوجية، أو بملك اليمين ويكون قد وطئ.
وقال بعضهم: شروط الإحصان أربعة: الحرية والبلوغ والعقل والوطء في نكاح
صحيح بعد وجود هذه الشرائط، وفيهم من قال: شرط الإحصان واحد، وهو الوطء
في نكاح صحيح، سواء كان من عبد أو صبي أو مجنون، فأما البلوغ والعقل
والحرية فإنها من شرائط وجوب الرجم.
وفائدة هذا الخلاف هو إذا وطئ في نكاح صحيح وهو صغير ثم بلغ أو أعتق
وهو عاقل ثم زنا فلا رجم عليه على القول الأول، وعلى القول الثاني يجب عليه
الرجم، وعلى مذهبنا لا يحتاج إليه لأنا لا نراعي الشروط حين الزنى، والاعتبار
بما قبل ذلك، وأصحابنا لم يراعوا كمال العقل لأنهم رووا أن المجنون إذا زنا وجب
76

عليه الرجم أو الجلد.
فمن قال بمذهب المخالف قال: إذا وجد الوطء في نكاح صحيح فإن كانا
كاملين بأن يكونا حرين عاقلين فقد أحصنا، وإن كانا ناقصين بأن يفقد فيهما أحد
الشرائط التي ذكرناها لم يحصنا، وإن كان أحدهما كاملا والآخر ناقصا، فإن كان
النقص بالرق فالكامل قد أحصن دون الناقص، وإن كان النقص بالصغر قال قوم:
الكامل منهما محصن، وقال آخرون: لا يثبت الإحصان لأحدهما في الموضعين،
وقال بعضهم: إن كان النقص رقا لم يثبت الإحصان لأحدهما، وإن كان صغرا أحصن
الكامل، وعلى ما عقدناه لا يحتاج إلى هذا الشرط والتفصيل. إذا زنا عاقل بمجنونة فعليه الحد دونها، وإن كان الرجل مجنونا وهي عاقلة
فمكنته عن نفسها، فعليها الحد عند قوم دونه، وقال قوم: لا حد على واحد منهما،
وعندنا يجب عليهما الحد على ما مضى شرحه.
إذا رجم غسل وصلي عليه، وحكمه بعد الرجم حكم المسلم إذا مات،
وحكم من يقتل قصاصا يغسل ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين بلا خلاف،
وروى أصحابنا أنه يؤمر بالاغتسال قبل الرجم والتحنيط وكذلك من وجب عليه
القصاص، فإذا قتل صلي عليه ودفن.
يجوز للإمام أن يحضر عند من وجب عليه الحد وليس من شرط استيفائه
حضور شاهد الإمام، ولا الإمام، لأن النبي عليه السلام رجم ماعزا واليهوديين ولم
يحضرهم، هذا إذا ثبت باعترافه.
وأما إذا ثبت بالبينة فليس من شرطه حضور الشهود، وروى أصحابنا أنه يبدأ
الشهود بالرجم إن ثبت بالبينة ثم الإمام ثم الناس، وإن ثبت باعترافه بدأ برجمه الإمام
ثم الناس، وهذا يدل على أن من شرطه حضور الإمام والشهود، وبه قال جماعة.
لا يثبت حد الزنى إلا بالإقرار أربع مرات من الزاني في أربع مجالس متفرقة وبه
قال جماعة، وقال قوم: يثبت بإقراره دفعة واحدة كسائر الإقرارات، واعتبر قوم أربع
مرات، سواء كان في مجلس واحد أو مجالس متفرقة.
77

إذا اعترف الرجل بالزنى فلزمه الحد ثم رجع بعد ذلك وقال: ما كنت زنيت فإنه
يسقط الحد عنه، وكذلك كل حق لله خالص، كحد الخمر والقتل بالردة والقطع
في السرقة، والذي رواه أصحابنا في الاعتراف الذي يوجب الرجم إذا رجع عنه فإنه
يسقط فأما فيما عدا ذلك أو الزنى الذي يوجب الحد فلا يسقط بالرجوع.
فأما ما كان حقا لآدمي كحد القذف وغيره فلا يسقط بالرجوع، وقال جماعة:
إنه يسقط، ومذهبنا الأول.
ومن وجب عليه الحد لا يخلو من أن يكون بكرا أو محصنا.
فإن كان بكرا وكان سليما لا مرض به ولا ضعف خلقة، فإن كان الهواء معتدلا
لا حر شديد ولا برد شديد جلد، رجلا كان أو امرأة، وأما إن كان الهواء غير معتدل إما
لشدة حر أو برد أخر الجلد إلى اعتدال الهواء، فإذا أقيم الحد في شدة الحر أو البرد،
ربما أدى إلى تلفه.
وأما إذا كان عليلا لم يخل أن تكون العلة مما يرجى زوالها أو لا يرجى، فإن
كان يرجى ذلك كالمرض الخفيف والصداع لم يقم عليه الحد حتى يبرأ من مرضه و
كذلك إن كان عليه حد أن لا يوالي بينهما بل يقام أحدهما ويترك الآخر حتى يبرأ، ثم
يقام عليه، فأما إذا كان مرضه مما لا يرجى زواله كالسل والزمانة وكان نضو الخلقة
فإنه يضرب بأطراف الثياب وأنكال النخل وقال بعضهم: يضرب بالسياط ويجلد،
وروى أصحابنا أنه يضرب بضغث فيه مائة شمراخ.
فإن وجب على امرأة حامل الحد فإنه لا يقام عليها حتى تضع لأنها ربما
أسقطت، فإذا وضعت فإن لم يكن بها ضعف أقيم عليها الحد في نفاسها، وإن
كانت ضعيفة لم يقم عليها حتى تبرأ كالمريض.
وكل موضع قلنا: لا يقام عليها الحد لعذر من شدة حر أو برد فهلك فلا ضمان
وقال قوم: يضمن، وإن كان حملا فعليه ضمان الحمل.
وإن كان أغلف فختنه الإمام في شدة حر أو برد فتلف، قال قوم: هو ضامن، و
قال آخرون: لا ضمان عليه، والأقوى عندي أنه لا ضمان عليه في الموضعين، لأنه لا
78

دلالة عليه والأصل براءة الذمة.
فأما المحصن إذا وجب عليه الرجم، فإن كان امرأة حائلا أو رجلا صحيحا
والزمان معتدل فإنه يرجم في الحال، وإن كان هناك مرض أو كان الزمان غير معتدل،
فإن كان الرجم ثبت بالبينة أقيم في الحال ولم يؤخر لأن القصد قتله، وإن كان ثبت
بالاعتراف أخر إلى اعتدال الزمان لأنه ربما مسته الحجارة فيرجع، فيعين الزمان على
قتله، وفيهم من قال: يقام عليه الحد لأن القصد القتل، وروى أصحابنا أن الرجم
يقام عليه ولم يفصلوا، فأما إن كانت امرأة حاملا فإنها لا ترجم حتى تضع لئلا يتلف
الولد.
إذا وجب على الزاني الرجم فلما أخذ ورجم هرب، فإن كان ثبت باعترافه ترك
وإن كان ثبت عليه بالبينة رد وأقيم عليه، هذا عندنا، وقال المخالف: يترك، ولم
يفصلوا لما روي أن ماعزا لما مسه حر الحجارة أخذ يشتد، فلقيه عبد الله بن أنس وقد
عجز أصحابه فرماه بطرف بعير فقتله، فذكروا ذلك لرسول الله فقال: هلا تركتموه لعله
أن يتوب فيتوب الله عليه، وهذا عندنا لأنه كان اعترف به.
فإذا ثبت أنه لا يتبع فإن هرب ثم قدر عليه من بعد، فإن كان مقيما على
الاعتراف رجم وإن رجع عنه ترك.
فأما الحفر فإنه إن ثبت الحد بالاعتراف لم يحفر له لأن النبي صلى الله عليه
وآله لم يحفر لما عز، وإن ثبت بالبينة، فإن كان رجلا لم يحفر له لأنه ليس بعورة،
وإن كانت امرأة حفر لها لأن النبي عليه السلام حفر للعامرية إلى الصدر، وروى
أصحابنا أنه يحفر لمن يجب عليه الرجم ولم يفصلوا.
حكي عن بعضهم أنه قال: إذا شهد أربعة من الشهود على رجل بالزنى فإن
كذبهم أقيم عليه الحد، وإن صدقهم لم يقم عليه لأنه إذا صدقهم سقط حكم
الشهادة وصار الحد ثابتا باعترافه، وباعترافه مرة لا يثبت الحد على قوله.
ونحن وإن وافقناه في أن الزنى باعترافه مرة لا يثبت، لا نقول إن حكم البينة
يسقط هاهنا لأنه لا دليل عليه.
79

إذا وجد على فراشه امرأة فوطئها يعتقدها زوجته أو أمته فبانت أجنبية فلا حد
عليه، وقال قوم: عليه الحد، وروى أصحابنا أنه يقام عليه الحد سرا وعليها جهرا
إن تعمدت ذلك، فأما الموطوءة فإن كانت معتقدة أنه زوجها فلا حد عليها وإن
علمت أنه أجنبي فسكتت فعليها الحد.
الأخرس إذا كان له إشارة مفهومة أو كناية معلومة فأقر بالزنى لزمه الحد، وقال
قوم: لا حد عليه، والأول يقتضيه مذهبنا.
الزنى واللواط وإتيان البهائم لا يثبت بأقل من أربعة شهود ذكور، وقد حكينا أن
أصحابنا رووا أنه يثبت بثلاثة رجال وامرأتين.
المتلوط بالذكران أو بالمرأة الأجنبية، إن أوقب يجب عليه القتل عندنا والإمام
مخير بين أن يضرب رقبته أو يرمى به من حائط عال أو يرمي عليه جدارا أو يرجمه أو
يحرقه بالنار، وإن كان الفجور بالذكور وكان دون الإيقاب فإن كان محصنا رجم وإن
كان بكرا جلد الحد، وقال بعض المخالفين: متى وطئ في الدبر ذكرا أو أجنبية
رجم كان محصنا أو بكرا، وقال بعضهم: هو كالزنا يرجم إن كان ثيبا ويجلد إن كان
بكرا، وقال بعضهم: لا حد عليه لكن يعزر ويحبس حتى يتوب.
من أتى بهيمة كان عليه التعزير عندنا دون الحد، وقال بعضهم: هو كاللواط و
فيه قولان: أحدهما يقتل، والآخر هو كالزنا، وقال بعضهم: يعزر وهو مثل ما قلناه.
فأما البهيمة فإن كانت مأكولة اللحم وجب ذبحها عندنا وعند جماعة لئلا يغتر
بها أصحابها، وقال بعضهم: لئلا يأتي بخلقة مشوهة، وهذا غير بين لأنه ما جرت
العادة بهذا، وينبغي أن يقول هذا عادة، فإذا ذبحت فلا يحل أكلها عندنا بل تحرق
بالنار، وقال بعضهم: لا تؤكل، ولم يذكر الإحراق، وقال غيره: تؤكل، وإن كانت
غير مأكولة فلا تذبح عندنا بل يخرج من ذلك البلد إلى بلد آخر، وقال بعضهم:
تذبح وإن كانت البهيمة لغيره غرم ثمنها عندنا.
فأما الشهادة عليه فلا تقبل إلا أربعة رجال وكذلك اللواط والزنى، وقال
بعضهم مثل ذلك، ومن قال يوجب التعزير، منهم من قال مثل ما قلناه ومنهم من
80

قال: يثبت بشهادة رجلين وكذلك اللواط.
إذا وجد رجل مع امرأة في فراش واحد يقبلها أو يعانقها فلا حد عليه وعليه
التعزير، وروي في بعض أخبارنا أنه يجلد كل واحد منهما مائة جلدة، وكذلك روى
المخالف ذلك عن علي عليه السلام، وقال بعضهم: خمسين، وقال الباقون:
يعزر.
إذا وجدت امرأة حامل ولا زوج لها فإنها تسأل عن ذلك، فإن قالت: من زنا،
فعليها الحد، وإن قالت: من غير زنا، فلا حد عليها، وقال بعضهم: عليها الحد،
والأول أقوى لأن الأصل براءة الذمة لأنه يحتمل أن يكون من زنا أو من وطء بشبهة أو
مكرهة والحد يدرأ بالشبهة.
إذا وجب الحد على الزاني يستحب أن يحضر إقامته طائفة لقوله تعالى: "
وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين "، وقال ابن عباس: الطائفة يكون واحدا،
وقال عكرمة: اثنان، وقال الزهري: ثلاثة، وقال بعضهم: أربعة وقال بعضهم:
عشرة.
إذا أقيم الحد على الزاني فرق الضرب على بدنه ويتقى الوجه والفرج، وقال
بعضهم: إلا الوجه والفرج والرأس.
إذا شهد اثنان أنه أكرهها وقال آخرون: أنها طاوعته، فلا حد عليها، لأن
الشهادة لم تكمل والرجل لا حد عليه أيضا، وقال بعضهم: إن عليه الحد، وهو
الأقوى عندي لأن الشهادة قد كملت في حقه على الزنى لأنه زان في الحالين، ومن
قال بالأول، قال: لأن الشهادة لم تكمل على فعل واحد فإن الإكراه غير المطاوعة.
إذا ابتاع رجل ذات محرم له كالأخت والخالة والعمة من نسب أو رضاع أو الأم
والبنت من الرضاع فإنه يحرم عليه وطؤها، فإن خالف ووطئ مع العلم بالتحريم
وجب عليه القتل عندنا، وكذلك إذا وطئ ذات محرم له وإن لم يشترها، سواء كان
محصنا أو غير محصن، وقال قوم: عليه الحد، وقال آخرون: لا حد عليه لأنه وطء
صادف مملوكته فلم يجب عليه الحد كما لو كانت زوجته أو أمته حائضا، ويلحقه
81

النسب عندهم، لأن الحد إذا سقط صار شبهة يلحق به النسب، وعندنا لا يلحقه
النسب، على أنه عندنا إذا اشترى واحدة منهن فإنهن ينعتقن عليه فلا يصادف الوطء
الملك بحال.
إذا استأجر امرأة للخدمة فوطئها فعليه الحد بلا خلاف، وإن استأجرها للزنا فزنى
بها فعليه أيضا الحد، وقال بعضهم: لا حد عليه لشبهة العقد.
إذا عقد على ذات محرم كأمه وبنته وعمته أو امرأة أبيه أو ابنه أو تزوج بامرأة لها
زوج أو وطئ امرأة بعد أن بانت باللعان أو بالطلاق الثلاث مع العلم بالتحريم فعليه
الحد عندنا، وقال قوم: لا حد عليه في شئ من هذا.
إذا تكامل شهود الزنى أربعة ثم شهدوا به ثم ماتوا أو غابوا جاز للحاكم أن يحكم
بشهادتهم ويقيم الحد على المشهود عليه، وقال قوم: لا يجوز، وهذا هو الذي
يقتضيه مذهبنا لأنا قد بينا أن البينة تبدأ برجمه، وإن كان ما يوجب الحد فالأول
أقوى.
إذا كمل شهود الزنى أربعة ثبت الحد بشهادتهم سواء شهدوا في مجلس واحد أو
في مجالس، وتفريقهم أحوط عندنا، وقال بعضهم: إن شهدوا في مجلس واحد
ثبت الحد وإن كانوا في مجالس فهم قذفة يحدون.
إذا حضر أربعة ليشهدوا بالزنى فشهد واحد أو ثلاثة الباب واحد لم يثبت الزنى
على المشهود عليه لأن الشهادة ما تكاملت، أما من لم يشهد فلا شئ عليه، وأما
الذين شهدوا فهل عليهم الحد أم لا؟ قال قوم: عليهم الحد، وقال بعضهم: لا حد
عليهم، والأول أظهر عندهم، والثاني أقيس، والذي يقتضيه مذهبنا أن عليهم
الحد، وعلى ما يحكون أصحابنا في قضية المغيرة لا حد عليهم.
فأما إن شهد الأربعة لكن ردت شهادة واحد منهم لم يخل من أحد أمرين: إما
أن ترد بأمر ظاهر، أو خفي.
فإن ردت بأمر ظاهر مثل أن كان مملوكا أو امرأة أو كافرا أو ظاهر الفسق فإن
حكم المردود شهادته قال قوم: يجب عليه الحد، وقال آخرون: لا يجب، وكذلك
82

اختلفوا في الثلاثة إذ لا فصل بين أن لا يشهد الرابع وبين أن ترد شهادته بأمر ظاهر لا
يخفى على الثلاثة، والأقوى عندي أن عليهم الحد وإن كان الرد بأمر خفي مثل أن
بحث الحاكم عن حاله، فوقف على باطن يرد به الشهادة، فالمردود الشهادة قال
قوم: لا حد عليه وهو الأقوى، والثلاثة قال قوم: لا حد عليهم أيضا، وهو الأقوى
عندي ومنهم من قال: عليهم الحد لأن نقصان العدالة كنقصان العدد، والأول
أقوى لأنهم غير مفرطين في إقامتها فإن أحدا لا يقف على بواطن الناس، فكان عذرا
في إقامتها فلهذا لا حد.
ويفارق هذا إذا كان الرد بأمر ظاهر لأن التفريط كان منهم فلهذا حدوا عند من
قال بذلك على ما اخترناه، فبان الفصل بينهما.
إذا شهد الأربعة أجمع على رجل بالزنى ثم رجع واحد منهم فلا حد على المشهود
عليه، وعلى الراجع الحد لأنه إما أن يقول: عمدت أو أخطات، وأيهما كان فهو
قاذف، وأما الثلاثة فإنه لا حد عليهم عندنا، وقال بعضهم: عليهم الحد.
إذا رجم المشهود عليه بشهادتهم ثم رجعوا.
فإن قالوا: أخطأنا في ذلك، فعليهم الحد بالرجوع والدية مخففة.
وإن قالوا: عمدنا غير أنا ما علمنا أن شهادتنا تقبل، أو قالوا: علمنا أن
شهادتنا تقبل وما علمنا أنه يقتل بذلك، فهذا القتل عمد الخطأ فعليهم الدية أرباعا
على كل واحد ربع الدية.
وإن قالوا: عمدنا وقصدنا قتله، فعليهم الحد والقود عندنا، لما روي أن
شاهدين شهدا عند علي عليه السلام على رجل سرق فقطعه فأتياه بآخر وقالا: هذا
الذي سرق وأخطأنا على الأول، فقال علي عليه السلام: لو علمت أنكما تعمدتما
لقطعتكما، وروايات أصحابنا في ذلك مصرحة، وقال قوم: لا قود عليهم.
وإذا رجع واحد منهم وقال: عمدت وعمد أصحابي، فعليه الحد والقصاص
معا، وإن قال: عمدت وأخطأ أصحابي، فلا قود عليه وعليه ربع الدية مغلظة،
وإن قال: أخطات وأخطأ أصحابي أو أخطات وعمد أصحابي، فلا قود عليه وعليه
83

الحد وربع الدية مخففة.
إذا شهد عليها أربعة بالزنى وشهد أربع نسوة عدول أنها عذراء فلا حد عليها لأن
الظاهر أنها ما زنت لبقاء العذرة ووجود البكارة، وإن احتمل أن تكون العذرة عادت
بعد زوالها عند الفقهاء فلا يوجب الحد عليها بالشك، وأما الشهود فلا حد عليهم
لأن الظاهر أن شهادتهم صحيحة، ويحتمل أن تكون العذرة عادت بعد زوالها فلا
يوجب الحد عليهم بالشك كما لا يوجب عليها بالشك.
إذا استكره امرأة على الزنى فلا حد عليها لأنها ليست بزانية وعليه الحد لأنه زان،
فأما المهر فلها مهر مثلها عند قوم، وقال آخرون: لا مهر لها، وهو مذهبنا لأن
الأصل براءة الذمة.
والأحكام التي تتعلق بالوطئ على ثلاثة أضرب: أحدها معتبر بهما وهو
الغسل، فالغسل يجب على كل واحد منهما، والحد بكل واحد منهما، فإن كانا
زانيين فعلى كل واحد منهما الحد، وإن كان أحدهما زانيا فعليه الحد دون الآخر،
وأما المهر فمعتبر بها فمتى حدت فلا مهر وإذا سقط الحد وجب لها المهر، وأما
النسب فمعتبر به فمتى سقط عنه، الحد لحقه النسب، والعدة تتبع النسب متى
لحق النسب تثبت العدة.
وليس هاهنا نسب مع حد إلا في مسألة وهي: إذا وطئ أخته من رضاع أو
نسب في ملك يمين، قال قوم: يجب الحد ويلحق النسب، وعندنا لا يلحق
النسب هاهنا ويجب الحد.
إذا زنا العبد بالأمة فعلى كل واحد منهما نصف الحد خمسون جلدة أحصنا أو
لم يحصنا - ونريد بذلك التزويج وفيه خلاف - وأما التغريب قال قوم: يغربان،
وقال قوم: لا تغريب عليهما وهو مذهبنا، فمن قال: لا تغريب، فلا كلام، ومن
قال: عليهما التغريب، منهم من قال: سنة، ومنهم من قال: نصف سنة.
من أقيم عليه حد الزنى ثلاث مرات قتل في الرابعة إن كان حرا وإن كان مملوكا
قتل في الثامنة، ولم يقل بذلك أحد منهم.
84

للسيد أن يقيم الحد على ما ملكت يمينه بغير إذن الإمام عبدا كان أو أمة مزوجة
كانت الأمة أو غير مزوجة عندنا وعند جماعة، وقال قوم: ليس له ذلك، ومن
قال: له ذلك، فمنهم من قال: له التغريب أيضا وهو الأصح، ومنهم من قال:
ليس له ذلك.
وأما الحد لشرب الخمر فله أيضا إقامته عليهم عندنا لما رواه علي عليه السلام
أن النبي صلى الله عليه وآله قل: أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم، وهذا عام.
وأما القطع بالسرقة فالأولى أن نقول له ذلك لعموم الأخبار، وقال بعضهم:
ليس له ذلك.
فأما القتل بالردة فله أيضا ذلك لما قدمناه، ومنهم من قال: ليس له ذلك،
والقول الأول أصح عندنا. ومن قال: للسيد إقامته عليهم، أجراه مجرى الحاكم
والإمام، وكل شئ للإمام أو الحاكم إقامة الحد به من إقرار وبينة وعلم فللسيد مثله،
ومنهم من قال:
ليس له أن يسمع البينة لأن ذلك يتعلق به الجرح والتعديل، وذلك من فروض الأئمة
والأول أصح عندنا.
فإذا ثبت أنه يسمع البينة وإليه الجرح والتعديل كالإمام فمتى ثبت عنده ذلك
عمل به.
ومن قال: ليس له ذلك، قال: الإمام يسمع البينة ويبحث عنها فإذا صحت
عنده حكم بها وكانت الإقامة إلى السيد وكان للإمام ما إليه وللسيد ما إليه.
وأما إقامته بعلمه فقد ثبت عندنا أن للحاكم أن يحكم بعلمه فيما عدا الحدود
وفي أصحابنا من قال: وكذلك في الحدود، وفي الناس من قال مثل ذلك على
قولين.
فأما الكلام في صفة السيد الذي له إقامة الحدود فجملته أنه لا بد أن يكون ثقة
من أهل العلم بقدر الحدود باطشا في نفسه، فإذا كان كذلك فله إقامته بنفسه، وإن
كان ضعيفا في نفسه وكل من يقيمه عليه، وإن كان فاسقا أو مكاتبا قال بعضهم:
85

ليس له ذلك لأنها ولاية والفسق والرق ينافيان الولاية، وقال آخرون: له ذلك لأنه
يستحق ذلك بحق الملك فلا يؤثر الفسق كالتزويج فإن للسيد أن يزوج أمته وإن كان
فاسقا، وهذا هو الأقوى عندي لعموم الأخبار التي وردت لنا في ذلك.
فإن كان السيد امرأة، قال قوم: لها ذلك، وهو الأصح عندي، وقال آخرون:
ليس لها ذلك كالفاسق والمكاتب، فمن قال: لها ذلك، أقامته بنفسها، ومن
قال: ليس لها ذلك، منهم من قال: يقيمه الإمام، وقال بعضهم: يقيمه وليها الذي
يزوجها كما أن إليه تزويج رقيقها.
إذا وجد الرجل قتيلا في دار رجل وادعى أنه قتله لأنه وجده يزني بامرأته، فإن
كان مع القاتل بينة بذلك فلا قود عليه وإن لم يكن معه بينة فالقول قول ولي المقتول،
ويقتل القاتل سواء كان المقتول معروفا بالتخطي إلى منازل الناس لهذا الشأن أو غير
معروف به.
وإن قال صاحب الدار: قتلته دفعا عن نفسي ومالي فإنه دخل لصا يسرق
المتاع، فإن كان معه بينة وإلا فالقول قول ولي المقتول أيضا، سواء كان المقتول
معروفا باللصوصية أو غير معروف بها، وقال بعضهم: إن كان معروفا باللصوصية
فالقول قول القاتل لأن الظاهر معه.
إذا شهد اثنان أنه زنا بها بالبصرة، والآخران أنه زنا بها بالكوفة، فلا حد على
المشهود عليه لأن الشهادة لم تكمل على فعل واحد، وأما الشهود قال قوم:
يحدون، وهو مذهبنا، وقال آخرون: لا يحدون.
إذا شهد أربعة على رجل بالزنى بها في هذا البيت، وأضاف كل واحد منهم
شهادته إلى زاوية منه مخالف للزاوية الأخرى، فلا حد على المشهود عليه، لأن
الشهادة لم تكمل، وقال بعضهم: يحد الشهود، وقال بعضهم: لا يحدون،
والأول أقوى.
إذا شهد اثنان أنه زنا في هذه الزاوية وآخران في زاوية أخرى، كان مثل الأول
سواء، وقال قوم: القياس أنه لا حد على المشهود عليه، لكن أجلده إن كان بكرا و
86

أرجمه إن كان ثيبا استحسانا، والأول مذهبنا لأن الأصل براءة الذمة.
إذا شهد أربعة بالزنى قبلت شهادتهم، سواء تقادم الزنى أو لم يتقادم وفيه
خلاف، وروي في بعض أخبارنا أنهم إن شهدوا بعد ستة أشهر لم يسمع، وإن كان
لأقل قبلت. إذا تحاكم أهل الذمة إلى حاكم المسلمين، قال قوم: هو بالخيار بين أن يحكم
بينهم أو يدع، وهو الظاهر في رواياتنا، ولقوله تعالى: فاحكم بينهم أو أعرض عنهم،
وقال آخرون: عليه أن يحكم بينهم لقوله تعالى: وأن احكم بينهم بما أنزل الله.
قد بينا شرائط الإحصان عندنا، وأنها أربعة أشياء: أن يكون بالغا عاقلا حرا له
فرج يغدو إليه ويروح، ويكون قد دخل بها، وعندهم أن يطأ وهو حر بالغ في نكاح
صحيح، ولا يعتبر الإسلام عندنا وعندهم، فإذا وجدت هذه الشرائط من مشرك فقد
أحصن إحصان رجم، وهكذا إذا وطئ المسلم امرأته الكافرة فقد أحصنها.
وقال بعضهم: إن كانا كافرين لم يحصن واحد منهما صاحبه وإن كان مسلما
وهي كافرة فقد أحصنا معا، لأن عنده أن أنكحة المشركين فاسدة، وعندنا أن
أنكحتهم صحيحة وبه قال الأكثر، والوطء في النكاح الفاسد لا يحصن، فأما وطء
المسلم زوجته المشركة فهو إحصان لهما، وقال بعضهم: من شرط الإحصان
والرجم الإسلام.
فصل: في حد القذف:
قال الله تعالى: إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا
والآخرة ولهم عذاب عظيم، وروى حذيفة أن النبي عليه وآله السلام قال: قذف
محصنة يحبط عمل مائة سنة، وروي أن النبي عليه وآله السلام قال: من أقام الصلوات
الخمس واجتنب الكبائر السبع نودي يوم القيامة: يدخل الجنة من أي باب شاء،
فقال رجل للراوي: الكبائر السبع سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وآله؟ قال:
نعم، الشرك بالله، وعقوق الوالدين وقذف المحصنات، والقتل، والفرار من
87

الزحف، وأكل مال اليتيم، والربا.
ولا خلاف بين الأمة أن القذف محرم، فإن قذف وجب عليه الجلد لقوله تعالى:
والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة، وروي
أن النبي عليه السلام لما نزل براءة ساحة عائشة صعد المنبر وتلا الآيات ثم نزل فأمر
بجلد الرجلين والمرأة، فالرجلان حسان بن ثابت ومسطح بن أثاثة، والمرأة حمنة
بنت جحش، وروي عن علي عليه السلام أنه قال: لا أوتي برجل يذكر أن داود
صادف المرأة إلا جلدته مائة وستين، فإن جلد الناس ثمانون وجلد الأنبياء مائة
وستون.
فإذا ثبت أن موجب القذف الجلد فإنما يجب ذلك بقذف محصنة أو محصن
لقوله تعالى: والذين يرمون المحصنات.
وشرائط الإحصان خمسة: أن يكون المقذوف حرا بالغا عاقلا مسلما عفيفا عن
الزنى، فإذا وجدت هذه الخصال فهو المحصن الذي يجلد قاذفه، وهذه الشروط
معتبرة بالمقذوف لا بالقاذف لقوله تعالى: والذين يرمون المحصنات، فوصف
المقذوف بالإحصان، فمتى وجدت هذه الشرائط وجب له الجلد على قاذفه، فمتى
اختلت أو واحدة منها فلا حد على قاذفه، واختلالها بالزنى أو بالوطئ الحرام على ما
يأتي شرحه.
وأما القاذف فلا يعتبر فيه الحصانة وإنما الاعتبار بأن يكون حرا بالغا عاقلا، فإذا
كان بهذه الصفة فعليه بالقذف جلد كامل، فإن كان عبدا فنصف الجلد وفيه
خلاف، وقد روى أصحابنا أن عليه الجلد كاملا هاهنا وفي شرب الخمر.
إذا قذف جماعة نظرت: فإن قذف واحدا بعد واحد بكلمة مفردة، فعليه لكل
واحدة منهم حد وإن قذفهم بكلمة واحدة فقال: زنيتم أنتم زناة، قال قوم: عليه حد
واحد لجماعتهم، وقال آخرون: عليه لكل واحد منهم حد كامل، وقال بعضهم:
عليه لجماعتهم حد واحد، سواء قذفهم بلفظ واحد أو أفرد كل واحد منهم بلفظ
القذف، وروى أصحابنا أنهم إن جاؤوا متفرقين كان لكل واحد منهم حد وإن جاؤوا
88

مجتمعين كان عليه حد واحد.
إذا قال: زنيت بفلانة، أو قال لها: زنا بك فلان، كان عليه حدان حد له وحد
لها، وقال بعضهم: عليه حد واحد، والفرق بين هذا وبين أن يقول لهما زنيتما أن
هذا خبر واحد متى صدق في أحدهما صدق في الآخر، وإن كذب في أحدهما
كذب في الآخر، وليس إذا قال: زنيتما، كذلك لأنه أضاف إليهما فعلين يجوز أن
يكون صادقا فيهما، أو كاذبا فيهما أو صادقا في أحدهما كاذبا في الآخر.
إذا قال لرجل: يا بن الزانيين، فقد قذف أباه وأمه لأنه ابنهما، فإذا ثبت أنه
قذفهما نظرت: فإن لم يكونا محصنين فلا حد عليه وعليه التعزير، وإن كانا
محصنين فعليه حدان إن أتيا به متفرقين، وإن أتيا به مجتمعين فعليه حد واحد، هذا
إذا كان بلفظ واحد وإن كان بلفظين فعليه حدان.
ثم ينظر فإن كانا حيين استوفيا لأنفسهما وإن كانا ميتين وجب لوارثهما، وإن
كانا حيين فماتا قبل الاستيفاء فإنه يورث عنهما، وقال بعضهم: حد القذف لا
يورث، فإذا ثبت أنه يورث فمن الذي يرثه؟ قيل: فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: - وهو الصحيح - أنه يرثه من يرث المال الرجال والنساء من ذوي
الأنساب، فأما ذوو الأسباب فلا يرثون.
الثاني: قال قوم: يرث أيضا ذوو الأسباب من الزوج والزوجة.
والثالث: يرثه عصبات القرابة، ومذهبنا الأول.
فإذا ثبت ذلك فإنهم يستوجبونه ويستحقونه وكل واحد منهم حتى لو عفا الكل
أو ماتوا إلا واحدا كان لذلك الواحد أن يستوفيه فهو بمنزلة الولاية في النكاح عندهم،
فهو لكل الأولياء ولكل واحد منهم.
إذا قذف رجلا ثم اختلفا، فقال القاذف: أنت عبد فلا حد علي، وقال
المقذوف: أنا حر فعليك الحد، فلم يخل المقذوف من ثلاثة أحوال: إما أن يعلم
أنه حر أو عبد أو يشك فيه، فإن عرف أنه حر مثل أن عرف أن أحد أبويه حر عندنا أو
يعلم أن أمه حرة عندهم، أو كان عبدا فأعتق فعلى القاذف الحد، وإن عرف أنه
89

مملوك فلا حد على القاذف وعليه التعزير، وأن أشكل الأمر كالرجل الغريب لا
يعرف ولا يخبر وكاللقيط قال قوم: القول قول القاذف.
وكذلك إذا جنى عليه ثم اختلفا، فقال الجاني: أنت عبد فعلي القيمة، وقال
المجني عليه: أنا حر فعليك القصاص، لأن الأصل براءة ذمتهما، وقال آخرون:
القول قول المقذوف والمجني عليه لأن الأصل الحرية فيهما حتى يعلم غيرهما
وجميعا قويان، وقال قوم: القول قول القاذف في القذف والقول قول المجني في
الجناية، وفصل بينهما بأن القصد من الجلد الزجر والردع، فإذا لم نجلده عزرناه
فكان فيه زجر وردع، وليس كذلك القصاص، لأنه وإن كان يراد الزجر فإذا عدلنا عنه
إلى المال زال معناه، فإن الزجر لا يعفى لغرامة المال، ولأنا إذا جعلنا القول قول
القاذف عدلنا عن ظاهر الحد إلى اليقين وهو التعزير، وإقامته بيقين إما أن يكون
تعزيرا أو بعض الحد وأيهما كان فقد أقيم على يقين، وليس كذلك القصاص، لأن
الظاهر وجوبه، فإذا عدلنا عنه إلى المال تركنا الظاهر إلى مشكوك فيه وهو تلك
القيمة التي لا يدرى هل هي الواجبة أم لا، فبان الفصل بينهما.
إذا قال لعربي: يا نبطي، لم يجب عليه الحد بهذا الإطلاق لأنه يحتمل النفي
فيكون قذفا، ويحتمل أن يريد نبطي الدار واللسان فلا يكون قذفا، لكن يرجع إليه.
فإن قال: ما نفيته عن العرب، وإنما أردت نبطي اللسان لأنه يتكلم بلغة النبط،
أو قال: نبطي الدار لأنه ولد في بلاد النبط، فالقول قوله مع يمينه، ولا حد عليه،
وعليه التعزير، لأنه آذاه بالكلام.
وإن قال: أردت به أن جدته أم أبيه زنت بنبطي وأنت ولد ذلك النبطي من
الزنى، فقد قذف جدته لأنه أضاف الزنى إليها، فإن كانت جاهلية فلا حد عليه، لأنها
كافرة وعليه التعزير، وإن قال: أردت أنك نبطي فإن أمك زنت بنبطي فأنت ولد ذلك
الزاني، فقد قذف أمه، فإن كانت أمه محصنة فعليه لها الحد.
إذا قذف امرأة وطئت وطء حراما وقد قسمناه على أربعة أضرب في اللعان.
من لم تكمل فيه الحرية حكمه حكم العبد القن فلا حد على قاذفه، وعليه
90

التعزير كالقن سواء، وعندنا يحد قاذفه بحساب ما تحرر منه حد الحر ويعزر فيما
عداه.
التعريض بالقذف ليس بقذف، مثل أن يقول: لست بزان ولا أمي زانية، و
كقوله: يا حلال بن الحلال، ونحو هذا كله، ليس بقذف، سواء كان هذا في حال
الرضا أو في حال الغضب، وحكي عن بعضهم أنه قال: ذلك قذف حال الغضب و
ليس بقذف حال الرضا.
91

كتاب السرقة
قال الله تعالى: والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما، وروي عن ابن مسعود أنه كان
يقرأ: فاقطعوا أيمانهما، وروى الزهري عن صفوان بن عبد الله بن صفوان أن
صفوان بن أمية قيل له إنه من لم يهاجر هلك، فقدم صفوان المدينة فنام في المسجد
وتوسد رداءه، فجاء سارق فأخذ رداءه من تحت رأسه فأخذ صفوان السارق فجاء به
إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأمر به أن تقطع يده، فقال صفوان: لم أرد
هذا، هو عليه صدقة، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: فهلا قبل أن تأتيني
به؟ ومع هذا فلا خلاف.
القدر الذي يقطع به السارق عندنا ربع دينار أو ما قيمته ربع دينار، من أي
جنس كان، فإن كان من هذا المضروب المنقوش قطعناه به، وإن كان ذهب المعادن
الذي يحتاج إلى علاج وسبك فلا قطع عندنا وعند قوم، وإن كان ذهبا خالصا
غير مضروب فالأقوى عندي أنه يقطع به للخبر، وقال بعضهم: لا يقطع، لأن إطلاق
الدينار لا ينصرف إليه حتى يكون مضروبا، ألا ترى أن التقويم لا يقع إلا به.
فإذا ثبت أن النصاب ربع دينار أو ما قيمته ربع دينار، فالكلام بعد هذا في
الأشياء التي يقطع بها ولا يقطع، وجملته متى سرق ما قيمته ربع دينار فعليه القطع
93

سواء سرق ما هو محرز بنفسه كالثياب والأثمار والحبوب اليابسة ونحوها، أو غير
محرز بنفسه وهو ما إذا ترك فسد كالفواكه الرطبة كلها من الثمار والخضراوات
كالقثاء والبطيخ والبقل والباذنجان ونحو ذلك، أو كان من الطبيخ كالهريسة
وسائر الطبائخ، أو كان لحما طريا أو مشويا الباب واحد، هذا عندنا وعند جماعة.
وقال قوم: إنما يجب القطع فيما كان محرزا بنفسه فأما ما لم يكن محرزا بنفسه
وهو الأشياء الرطبة والطبيخ فلا قطع فيه بحال.
وأما الكلام فيما كان أصله الإباحة أو غير الإباحة فجملته أن كل جنس يتمول
في العادة ففيه القطع، سواء كان أصله الإباحة أو غير الإباحة.
فما لم يكن على الإباحة كالثياب والأثاث والحبوب ففي كل هذا القطع.
وأما ما أصله الإباحة فكذلك أيضا عندنا، فمن ذلك الصيود كلها الظباء وحمر
الوحش وبقر الوحش، وكذلك الجوارح المعلمة، كالبازي والصقر والباشق
والعقاب والشاهين، وكذلك الخشب كله والحطب وغير الحطب والساج وغيره،
وكذلك الطين وجميع ما يعمل منه الخزف والفخار والقدور والغضار وجميع
الأواني، وكذلك الزجاج وجميع ما يعمل منه، وكذلك الحجر وجميع ما يعمل منه
من القدور والبرام، وكذلك كل ما يستخرج من المعادن كالقير والنفط والموميائي
والملح وجميع الجواهر من اليواقيت وغيرها، وكذلك الذهب والفضة، كل هذا فيه
القطع عندنا وعند جماعة.
وقال بعضهم: ما لم يكن أصله الإباحة كالثياب والأثاث والحبوب مثل
قولنا، وما كان أصله الإباحة في دار الإسلام فلا قطع فيه بحال، فلا قطع في الصيود
كلها وجوارح الطير المعلمة وغير المعلمة وكذلك الخشب إلا أن يعمل منه آنية
كالجفان والقصاع والأبواب، فيكون في معموله القطع إلا الساج، فإن في معموله
وغير معموله القطع، لأنه ليس من دار الإسلام، وفي الرماح روايتان: إحديهما: لا قطع
فيه كالخشب والقصب، والثانية: فيها القطع كالساج، وهكذا كل ما كان من
المعادن كالملح والكحل والزرنيخ وكذلك القير والنفط والموميائي كله فلا قطع
94

فيه إلا الذهب والفضة والياقوت والفيروزج فإن فيه القطع قال: لأن جميع هذه
الأشياء على الإباحة في دار الإسلام فلا قطع فيه كالماء.
قد ذكرنا أن النصاب الذي يتعلق به القطع ربع دينار، والمراد بالدينار وهو
المثقال الذي في أيدي الناس، وهو الذي كل سبعة منها عشرة دراهم من دراهم
الإسلام، لأن كل موضع أطلق الدينار في الشرع فالمراد به المثقال بدلالة ما روي عن
النبي عليه السلام أنه قال: إذا بلغ الذهب عشرين دينارا ففيه نصف دينار، وأراد
عشرين مثقالا، وقد روي في بعضها عشرون مثقالا ففيه نصف مثقال.
فإذا ثبت هذا فإن المثقال لم يزل على ما هو عليه على آباد الدهر قبل الإسلام و
بعده، وإنما الدراهم كانت مختلفة، وكانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم على ضربين الدرهم الأسود البغلي - وهو الكبير الذي كان فيه درهم ودانقان -
والآخر درهم صغير طبري من طبرية الشام كان فيه أربعة دوانيق فكانت الزكاة تؤخذ
من كل مائتين منهما، فلما كانت أيام بني أمية طرحوا الصغير على الكبير وقسموا
ذلك نصفين فكان كل نصف ستة دوانيق وهو الذي في أيدي الناس.
فإذا ثبت هذا فمتى سرق ربع دينار وهو دينار وهو خمسة قراريط أو ما قيمته
هذا القدر فهو الذي قال عليه السلام: القطع في ربع دينار.
لا قطع إلا على مكلف، وهو البالغ العاقل، فأما غير المكلف وهو الصبي أو
المجنون فلا قطع على واحد منهما لقوله تعالى: " فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا
نكالا من الله " وإنما يعاقب من كان عاقلا.
وروي عن علي عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: رفع
القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يبلغ وعن المجنون حتى يفيق، وعن النائم حتى
ينتبه، وهو إجماع فإن كان السارق مجنونا فلا قطع، وإن كان غير بالغ فلا قطع.
وبما ذا يكون بالغا قد ذكرناه في الصلاة والحجر، وجملته متى بلغ الغلام أو
الجارية خمس عشرة سنة فقد بلغ سواء أنزل أو لم ينزل وأيهما أنزل الماء الدافق
95

بجماع أو احتلام أو بغير ذلك وظهر منهما المني فقد بلغا وأما الإنبات فهو أن ينبت
الغلام أو الجارية الشعر الخشن حول فرجه، فإن كان مشركا حكمنا أنه بالغ وعندنا
أنه بلوغ، وقال قوم: دلالة على البلوغ.
فمن قال: بلوغ في المشركين، قال: هو بلوغ في المسلمين لأن البلوغ لا
يختلف كالسن، ومن قال: دلالة على البلوغ، فهل يكون دلالة على البلوغ في
المسلمين أم لا؟ قال بعضهم: يكون دلالة، وقال غيره: لا يكون دلالة، هذا ما
يشترك فيه الجارية والغلام، وأما ما تختص به الجارية، فالحيض فمتى حاضت
فقد بلغت، وإن حملت لم يكن الحمل بلوغا لكنه دلالة على البلوغ فإن الحمل لا
يكون إلا عن إنزال الماء الدافق، وهو بلوغ.
ولا قطع إلا على من سرق من حرز فالسرقة أخذ الشئ على سبيل الاستخفاء
فأما المنتهب والمختلس والخائن في عارية أو وديعة فلا قطع عليه.
وأما الحرز فإن يأخذه من حرز مثله، فإن من سرق من غير حرز أو انتهب من
حرز فلا قطع عليه فلا بد من شرطين: سرقة، ومن حرز، وفيه خلاف.
فإذا ثبت أنه لا قطع إلا على من سرق من حرز احتجنا إلى تبيين الحرز ومعرفته
مأخوذة من العرف، فما كان حرزا لمثله في العرف ففيه القطع، وما لم يكن حرزا
لمثله في العرف فلا قطع، لأنه ليس بحرز.
فحرز البقل والخضراوات في دكاكين من وراء شريجة تغلق أو يقفل عليها، و
حرز الذهب والفضة والجوهر والثياب في الأماكن الحريزة في الدور الحريزة و
تحت الأغلاق الوثيقة، وكذلك الدكاكين والخانات الحريزة، فمن جعل الجوهر
في دكاكين البقل تحت شريجة قصب فقد ضيع ماله.
والحرز يختلف باختلاف المحرز فيه، وقال قوم: إذا كان الموضع حرزا لشئ
فهو حرز لسائر الأشياء، ولا يكون المكان حرزا لشئ دون شئ وهو الذي يقوى
في نفسي، لأن أصحابنا قالوا: إن الحرز هو كل موضع ليس لغير المالك أو
96

المتصرف فيه دخوله إلا باذنه.
فإذا ثبت هذا فالمتاع ضربان: خفيف وثقيل.
فالخفيف كالأثمان والثياب والصفر والنحاس والرصاص ونحو هذا فحرز
هذا في الحرائز الوثيقة والأغلاق الوثيقة والأبواب الجيدة في الدور والدكاكين و
الخانات.
وأما الثقيل كالخشب والحطب والطعام.
فإن حرز الحطب أن يعبأ بعضه على بعض ويشد من فوقه بحبل حتى إذا أراد أن
يأخذ منها خشبة يعسر ذلك عليه، وفيهم من قال: هذا حرزها نهارا فأما ليلا فلا بد
من باب تغلق دونها، وليس بجيد عندهم.
وأما الطعام فحرزها أن يجعل في غرائر ويخيط ويجمع ويشد بعضها إلى
بعض فإذا كان كذلك فهو حرز له، وقال بعضهم: لا بد أن يكون من وراء باب تغلق
ويقفل عليه، وهو الأقوى عندي.
والإبل على ثلاثة أضرب: راعية وباركة ومقطرة.
فإن كانت راعية فحرزها أن ينظر الراعي إليها مراعيا لها، فإن كان ينظر إلى
جميعها مثل أن كان على نشز أو مستوي من الأرض فهي في حرز، لأن الناس هكذا
يحرزون أموالهم عند الراعي، وإن كان لا ينظر إليها مثل أن كان خلف جبل أو نشز
من الأرض، أو كانت في وهدة من الأرض لا ينظر إليها، أو كان ينظر إليها فنام عنها
فليست في حرز، وإن كان ينظر إلى بعضها دون بعض فالتي ينظر إليها في حرز و
التي لا ينظر إليها في غير حرز.
وأما إن كانت باركة، فإن كان ينظر إليها فهي في حرز، وإن كان لا ينظر إليها
فإنما تكون في حرز بشرطين: أحدهما: أن تكون معقولة، والثاني: أن يكون معها
نائما أو غير نائم، لأن الإبل الباركة هكذا حرزها، فإن اختل الشرطان أو أحدهما مثل
أن لم تكن معقولة، أو كانت معقولة ولم يكن معها، أو نام عندها ولم تكن معقولة،
فكل هذا ليس بحرز.
97

وأما إن كانت مقطرة فإن كان سائقا ينظر إليها فهي في حرز، وإن كان قائدا
فإنما يكون في حرز بشرطين: أحدهما: أن يكون بحيث إذا التفت إليها شاهدها
كلها، والثاني: أن يكثر الالتفات إليها مراعيا لها فكلها في حرز، وفيه خلاف.
فإذا ثبت ذلك فكل موضع قلنا هي في حرز فإن كان عليها متاع فهي والمتاع
في حرز، فإن سرق سارق حملا منها مع المتاع قطع، وإن كان صاحبها قائما عليها
فلا قطع عليه، لأنه لم يخرج المتاع عن يد صاحبه، وما كانت يد صاحبه عليه فلا
قطع عليه.
وأما الكلام في البغال والحمير والخيل والغنم والبقر، فإذا كانت راعية
فالحكم فيها كالإبل سواء، وقد فصلناه، وأما باركة فلا يكون، وإن كان يسوقها أو
يقودها فالحكم على ما مضى، فإذا آوت إلى حظيرة كالمراح والمربد والإصطبل،
فإن كان هذا في البر دون البلد فما لم يكن صاحبها معها في المكان ليس بحرز، وإن
كان صاحبها معها فيه فهو حرز إلا أنه إن كان الباب مفتوحا لم يكن حرزا حتى يكون
الذي معها مراعيا لها غير نائم، وإن كان الباب مغلقا فهو حرز نائما كان أو غير نائم،
فإن كانت الحظيرة في جوف البلد فالحرز أن يغلق الباب سواء كان صاحبها معها أو
لم يكن معها.
وإن كان معه ثوب ففرشه ونام عليه، أو اتكأ عليه أو نام وتوسده فهو في حرز
في أي موضع كان في البلد أو البادية لأن النبي عليه السلام قطع سارق رداء صفوان
وكان سرقه من تحت رأسه في المسجد لأنه كان متوسدا له، فإن تدحرج عن الثوب
زال الحرز.
فإن كان بين يديه متاع كالميزان بين يدي الخبازين، والثياب بين يدي
البزازين، فحرز ذلك نظره إليه، فإن سرق من بين يديه وهو ينظر إليه ففيه القطع،
وإن سها أو نام عنه زال الحرز وسقط القطع.
إذا ضرب فسطاطا أو خيمة وشد الأطناب ونصبها وجعل متاعه فيها، نظرت:
فإن لم يكن معها فليست في حرز، وإن كان معها نائما أو غير نائم فهو وما فيها في
98

حرز، فإن سرق سارق قطعة منها فبلغ نصابا أو من جوفها ففيه القطع، لأن الخيمة
حرز لما فيها، وكل ما كان حرزا لما فيه فهو حرز في نفسه.
لا تخلو البيوت من أحد أمرين: إما أن تكون في البلد أو في البر.
فإن كانت في برية أو كانت في البساتين أو الرباطات في الطرق فليست بحرز
ما لم يكن صاحبها فيها سواء أغلقت أبوابها أو لم تغلق، لأن من جعل متاعه في مثل
هذه المواضع وغاب عنه فكل أحد يقول هو الذي ضيع متاعه، وإن كان صاحبها
فيها وأغلق الباب فهي حرز نام فيها أو كان منتبها.
وإن كانت البيوت في جوف البلد فالحكم في البلدان والقرى واحد متى جعل
متاعه فيها وأغلق الباب كهذه الدكاكين التي في الأسواق والخانات والمنازل فهو
حرز لما فيها سواء كان صاحبها فيها أو لم يكن، لأن عادة إحراز الناس هكذا، فإن
أحدا لا يقول: إني أنام في الدكان، ولا إذا غاب عن داره رتب فيها حافظا لها،
فلهذا كانت حرزا.
فأما الدور والمنازل التي للناس، فإن كان باب الدار مغلقا فكل ما فيها وفي
خزائنها في حرز، وإن كان باب الدار مفتوحا وأبواب الخزائن مفتوحة، فليس شئ
منها في حرز، فإن كان باب الدار مفتوحا وأبواب الخزائن مغلقة، فما في الخزائن في
حرز وما في جوف الدار في غير حرز، هذا كله إذا لم يكن صاحبها فيها.
وإن كان صاحبها فيها والأبواب مفتحة فليس شئ في حرز إلا ما يراعيه ببصره،
فيكون الحكم فيه كما قلنا في الحكم فيما بين يديه، فما ينظر إليه في حرز وما لا
ينظر إليه فليس في حرز.
فأما حائط الدار فالآجر الذي فيه في حرز، لأن كل ما كان حرزا لغيره فهو في
نفسه حرز، فإن هدم هادم من آجر الحائط ما فيه نصاب فعليه القطع، وأما باب
الدار فمتى نصب وكان في مكانه فهو في حرز سواء كان مغلقا أو مفتوحا، هذا
الحكم في باب الدار.
فأما أبواب الخزائن التي فيها فهي كالمتاع في الدار، فإن كانت هذه الأبواب
99

مغلقة فهي في حرز، وإن كان غير مغلقة فإن كانت باب الدار مفتوحا فهي في غير
حرز، وإن كان باب الدار مغلقا فهي في حرز، فأما حلقة باب الدار فهي في حرز لأن
الحلقة هكذا تحرز - بأن تسمر في الباب على ما جرت به العادة - فإن قلعها قالع و
بلغت نصابا ففيه القطع.
إذا أخرج السارق المتاع من البيت إلى صحن الدار لم تخل الدار من أحد
أمرين: إما تكون من هذه الخانات أو من دار ينفرد بها ساكنها.
فإن كانت من هذه الخانات التي لكل واحد من الجماعة بيت مقفل فيها
والصحن مشترك يدخله كل أحد، فكل بيت فيها حرز لما فيه، فإن نقب أو نفش
القفل فأخرج منه نصابا إلى جوف الصحن فعليه القطع لأنه أخرجه من حرزه إلى
غير حرز، وذلك أن هذه الخانات تجري مجرى الدرب الذي فيه حجر، فإن الحجر
منه حرز لما فيها، فمتى أخرج من الحجرة شيئا إلى الدرب فقد أخرجه من حرزه إلى
غير حرزه، فكان عليه القطع كذلك هاهنا، وسواء كان باب الخان مغلقا أو مفتوحا،
لأن هذا الصحن مشترك بين الناس فلا فرق بين أن يكون باب الخان مغلقا أو مفتوحا.
وإن كانت الدار دارا ينفرد بها ساكنها مثل هذه الدور التي ليست بخانات، فإذا
أخرج السارق من بيت شيئا منها إلى صحنها فهل عليه القطع أم لا؟ فيها أربع
مسائل: إما أن يكون باب البيت مفتوحا وباب الدار مفتوحا، أو باب الدار مغلقا
وباب البيت مفتوحا، أو باب البيت مغلقا وباب الدار مفتوحا، أو مغلقين.
فإن كانا مفتوحين فلا قطع على السارق، لأن الأبواب إذا كانت مفتحة فليست
الدار ولا بيت منها حرزا.
وإن كان باب الدار مفتوحا وباب البيت مغلقا فالبيت حرز لما فيه، فإذا أخرجه
إلى صحن الدار فعليه القطع، لأنه أخرجه من حرز إلى غير حرز، فإن الصحن ليس
بحرز إذا كان باب الدار مفتوحا.
وإن كان باب الدار مغلقا وباب البيت مفتوحا، فإذا أخرجه
إلى صحن الدار فعليه القطع، لأنه أخرجه من حرز إلى غير حرز، فإن الصحن ليس
بحرز إذا كان باب الدار مفتوحا.
وإن كان باب الدار مغلقا وباب البيت مفتوحا، فإذا أخرجه إلى الصحن فلا
قطع لأن البيت إذا كان مفتوحا لم يكن حرزا فإذا أخرجه إلى الصحن فقد أخرجه من
100

غير حرز إلى ما هو حرز فلهذا لا قطع عليه.
فأما إذا كانا مغلقين، فإذا أخرجه من البيت إلى الصحن قال قوم: عليه القطع
لأنه أخرجه من حرزه فإن البيت إذا كان مغلقا كان حرزا لما فيه، فإذا أخرجه من حرزه
فعليه القطع، كما لو أخرجه إلى خارج الدار، وقال آخرون: ليس عليه القطع، وهو
الصحيح عندي، لأنه أخرجه من حرز إلى ما هو حرز، فلا قطع عليه كما لو كان في
البيت صندوق مقفل فأخرجه من الصندوق إلى البيت فإنه لا قطع كذلك البيت مثله،
وما قالوه باطل لمسألة الصندوق.
وإذا نقبا معا ودخل أحدهما فوضع السرقة في بعض النقب فأخذها الخارج،
قال قوم: لا قطع على واحد منهما، وقال آخرون: عليهما القطع، لأنهما اشتركا في
النقب والإخراج معا، فكانا كالواحد المنفرد بذلك، بدليل أنهما لو نقبا معا ودخلا
فأخرجا معا كان عليهما الحد كالواحد، ولأنا لو قلنا: لا قطع، كان ذريعة إلى سقوط
القطع بالسرقة، لأنه لا يشاء شيئا إلا شارك غيره فسرقا هكذا فلا قطع، والأول أصح
لأن كل واحد منهما لم يخرجه من كمال الحرز، فهو كما لو وضعه الداخل في بعض
النقب، واجتاز مجتاز فأخذه من النقب فإنه لا قطع على واحد منهما.
فأما إن نقب أحدهما ودخل الآخر فأخرج نصابا، منهم من قال: لا قطع
عليهما، وهو الصحيح، وقال قوم: عليهما القطع.
إذا نقب واحد وحده فدخل الحرز فأخذ المتاع فرمى به من جوف الحرز إلى
خارج الحرز أو رمى به من فوق الحرز أو شده بحبل ثم خرج عن الحرز فجره وأخرجه
أو أدخل خشبة معوجة من خارج الحرز فأخرج المتاع، فعليه القطع في كل هذا لأنه
أخرجه من الحرز وإن كان بآلة.
فإن كان في الحرز ماء يجري فجعله في الماء فخرج مع الماء، فعليه القطع لأنه
قد أخرجه بآلة فهو كما لو رمى به، وإن كان معه دابة فوضع المتاع عليها وساقها
أو قادها فأخرجها فعليه القطع في كل هذا لأنه أخرجه بآلة، فإن وضعه على الدابة
101

فسارت بنفسها من غير أن يسوقها ولا يقودها، قال قوم: لا قطع، وقال آخرون: عليه
القطع، وهو الأقوى، لأنها خرجت بفعله وهو نقل المتاع عليها، ومن قال: لا قطع،
قال: لأن للدابة قصدا وإرادة واختيارا فإذا خرجت كان خروجها بغير فعله فلا قطع،
وهذا كما يقول إذا فتح قفصا عن طائر فإن هيجه حتى طار فعليه الضمان، وإن طار
بنفسه عقيب الفتح من غير تهييج فعلى قولين كذلك هاهنا.
وإن كان في الحرز ماء راكد فجعل المتاع فيه فانفجر وخرج الماء فخرج
المتاع معه، قال قوم: عليه القطع لأنه بسبب كان منه، وقال آخرون: لا قطع لأنه
خرج بغير قصده، فهو كالدابة سواء، وهو الأقوى في نفسي.
فأما إن أخذه فرمى به إلى خارج الحرز فطيرته الريح وأعانته حتى خرج ولولا
الريح ما كان يخرج فعليه القطع، لأن الاعتبار بابتداء فعله ولا اعتبار بمعاونة الريح
على فعله، كما قلنا: إذا رمى سهما في الغرض فأطارته الريح فأصاب الغرض كانت
له إصابة اعتبارا بابتداء فعله ولا اعتبار بمعاونة الريح.
فأما إن دخل فأخذ جوهرة فابتلعها ثم خرج وهي في جوفه.
فإن لم تخرج منه فعليه ضمانها ولا قطع عليه لأنه أتلفها في جوف الحرز بدليل
أن عليه ضمانها كما لو كان شيئا فأكله وخرج فإنه لا قطع، كذلك هاهنا.
وإن خرجت الجوهرة قال قوم: عليه القطع لأنه أخرجها في وعاء فهو كما لو
جعلها في جراب أو جيب، وقال آخرون: لا قطع عليه لأنه قد ضمنها بقيمتها
بابتلاعها، فهو كما لو أتلف شيئا في جوف الحرز ثم خرج ولأنه أخرجها معه مكرها
على إخراجها بدليل أنه ما كان يمكنه تركها والخروج دونها، فهو كما لو نقب وأكره
على إخراج المتاع، فإنه لا قطع عليه كذلك هاهنا، والأول أقوى وإن كان الثاني
قويا أيضا.
فإن كان في الحرز شاة قيمتها ربع دينار فذبحها فنقصت قيمتها ثم أخرجها
فلا قطع عليه، لأن القطع على من يخرج من الحرز نصابا كاملا وهذا ما أخرج
النصاب فلهذا لم نقطعه.
102

إذا كانوا ثلاثة فنقبوا ودخلوا الحرز معا ففيه ثلاث مسائل: إحداها إذا أخرجوا
كلهم مشتركين، الثانية: إذا انفرد كل واحد بإخراج شئ منه، الثالثة: إذا كوروا وانفرد
واحد بإخراجه دون الباقين.
فأما الأولى: إذا اشتركوا في إخراجه، مثل أن حملوه معا فأخرجوه نظرت: فإن
بلغت حصة كل واحد نصابا قطعناهم، وإن كانت أقل من نصاب فلا قطع، سواء
كانت السرقة من الأشياء الثقيلة كالخشب والحديد أو الخفيفة كالحبل والتكة
والثوب.
وقال بعضهم: إن كانت السرقة من الأشياء الثقيلة فبلغت قيمته نصابا قطعوا
وإن كان نصيب كل واحد منهم أقل من نصاب، وإن كان من الأشياء الخفيفة ففي
هذا القائل روايتان: إحديهما: مثل قول من تقدم، والثانية كقوله في الثقيل، وقال
قوم من أصحابنا: إذا اشترك جماعة في سرقة نصاب قطعوا كلهم.
الثانية: إذا انفرد كل واحد منهم بإخراج شئ، اعتبر ما انفرد بإخراجه، فإن كان
نصابا قطع، وإن كان أقل من نصاب لم يقطع، وقال قوم: أجمع ما أخرجوه وأفضه
على الجماعة فإن خص كل واحد نصابا قطعناه، وإن نقص لم نقطع.
الثالثة: إذا نقبوا بأجمعهم ودخلوا وكوروا وأخرج واحد منهم دون الباقين،
فالقطع على من أخرجه دون من لم يخرجه إذا بلغ نصابا، وقال بعضهم: أقومه
وأفضه على الجميع فإن بلغت حصة كل واحد نصابا قطعت الكل، وإن نقصت لم
أقطع واحدا منهم، وهكذا قوله في قطاع الطريق يوجب العقوبة على من باشر القتل
وأخذ المال، وعلى من كان ردءا ومعاونا بالسرقة.
فإن نقبا معا فدخل أحدهما فأخذ نصابا فأخرجه بيده إلى رفيقه وأخذه رفيقه
ولم يخرج هو من الحرز، كان القطع على الداخل دون الخارج، وهكذا إذا رمى به
من داخل فأخذه رفيقه من خارج، وهكذا لو أخرج يده إلى خارج الحرز والسرقة
منها ثم رده إلى الحرز، فالقطع في هذه المسائل الثلاث على الداخل دون الخارج،
وقال قوم: لا قطع على واحد منهما، والأول أصح.
103

إذا نقبا معا ودخل أحدهما فقرب المتاع إلى باب النقب من داخل، فأدخل
الخارج يده فأخذه من جوف الحرز، فعليه القطع دون الداخل عندنا، وقال قوم:
لا قطع على واحد منهما، فإن نقب واحد وهتك وانصرف واجتاز رجل فأصاب
الحرز مهتوكا فدخل وأخذ، فلا قطع على واحد منهما، لأن الأول نقب ولم يأخذ،
والثاني أخذ من حرز مهتوك.
فإن نقب وحده ودخل فأخرج ثمن دينار وانصرف ثم عاد من ليلته فأخرج ثمن
دينار فتكاملت نصابا قال بعضهم: لا قطع عليه لأنه لم يخرج في المرة الأولى نصابا
وأخذ الثاني من حرز مهتوك، وقال بعضهم: عليه القطع لأنه سرق نصابا من حرز
هتكه، وهو الأقوى.
فإن كانت بحالها فأخذ أولا ثمن دينار ثم عاد في الليلة الثانية فأخذ ثمن دينار
فتكامل نصابا، قال قوم: لا قطع لأنه لو عاد من ليلته لا قطع عليه، وقال قوم: عليه
القطع كما لو عاد من ليلته، وهو الأقوى عندي، وقال قوم: فإن عاد قبل أن يشتهر
في الناس هتك الحرز فعليه القطع، وإن عاد بعد اشتهاره في الناس هتكه فلا قطع
عليه لأنه إنما يهتك بأن يشتهر هتكه ثم يترك على حالته.
إذا نقب ودخل الحرز فذبح شاة فعليه ما بين قيمتها حية ومذبوحة، فإن
أخرجها بعد الذبح فإن كانت نصابا قيمتها فعليه القطع، وإن كان أقل من نصاب
فلا قطع، وقال قوم: لا قطع عليه بناء على أصلها في الأشياء الرطبة أنه لا قطع فيها،
والأول مذهبنا.
فإن كانت بحالها فأخذ ثوبا فشققه فعليه ما نقص بالخرق، فإذا أخرجه فإن
بلغت قيمته نصابا فعليه القطع وإلا فلا قطع، وقال قوم: لا قطع عليه، والأول
مذهبنا.
إذا سرق ما قيمته نصاب فلم يقطع حتى نقصت قيمته لنقصان السوق فصارت
السوق أقل من النصاب قطع، وقال أبو حنيفة: لا يقطع إذا نقص لنقصان السوق.
104

إذا سرق عينا يجب فيها القطع فلم يقطع حتى ملك السرقة بهبة أو شراء لم
يسقط القطع عنه، سواء ملكها قبل الرفع إلى الحاكم أو بعده إلا أنه إن ملكها قبل
الترافع لم يقطع، لا لأن القطع سقط لكن لأنه لا مطالب له بها ولا قطع بغير مطالبة
بالسرقة وفيه خلاف.
إذا كان العبد صغيرا لا يعقل - ومعناه لا يعقل أنه لا يقبل إلا من سيده، ولسنا
نريد به المجنون - فإذا كان كذلك فسرقه سارق قطعناه، وقال بعضهم: لا يقطع لأنه
لما لم يقطع بسرقته إذا كان كبيرا فكذلك إذا كان صغيرا كالحر، والأول مذهبنا، وأما
الكبير فينظر فيه: فإن كان مجنونا أو نائما أو أعجميا لا يعقل الأشياء وأنه يقبل من
كل أحد فمثل الصغير، فمن سرقه فعليه القطع، وإن كان مميزا عاقلا فلا قطع.
والفصل بينهما أن الصغير يسرق والكبير يخدع والخداع ليس بسرقة فلا يجب
به القطع.
فإن نقب ومعه صبي صغير لا تميز له فأمره أن يدخل الحرز ويخرج المتاع
فقبل فالقطع على الآمر لأنه كالآلة، فهو كما لو أدخل خشبة أو شيئا فأخذ به المتاع
فإن عليه القطع، ولهذا المعنى قلنا: لو أمره بقتل رجل فقتله كان القود على الآمر
لأنه كالآلة كذلك هاهنا.
إن سرق حرا صغيرا روى أصحابنا أن عليه القطع، وبه قال قوم، وقال أكثرهم:
لا يقطع، ونصرة الأول قوله " والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما " ولم يفرق، فإن
سرق حرا صغيرا وعليه ثياب وحلي ثقيل، والكل للصبي فلا قطع على من سرقه
لأن يد الصبي على ملكه، ولهذا المعنى قلنا في اللقيط إذا وجد ومعه مال كان المال
له لأن يده عليه فإذا كانت يده على ملكه فلا قطع لأنه لم يخرج عن ملكه، هذا عند
من قال إذا سرقه لا يقطع، فأما على ما قلناه فعليه القطع.
وإن كان نائما على متاع فسرق هو والمتاع معا فلا قطع لأن يد مالكه عليه وقد
ذكرنا أنه إذا كان نائما على جمل فسرق الجمل وهو عليه أنه لا قطع لهذا المعنى، فإن
كان النائم على المتاع عبدا فسرقه والمتاع معا فعليه القطع لأن العبد مال، وهو لو
105

سرق العبد وحده قطعناه فبأن نقطعه هاهنا أولى.
فإن كان لرجل عند رجل مال وديعة أو قراض أو عارية فجعلها من هي في يده
في، حرز فجاء أجنبي فهتك الحرز وسرق هذا المتاع فعليه القطع لأن صاحبه قد رضي
بهذا المكان لماله حرزا، وهكذا لو كان لرجل في يد وكيله مال فنقب وسرقه من
الوكيل كان عليه القطع.
فإن كان له قبل رجل دين فنقب صاحب الدين وسرق من مال من عليه الدين
قدر دينه، فإن كان من عليه مانعا له من ذلك فلا قطع عليه، وإن كان باذلا له غير
مانع فعليه القطع.
فإن قامت البينة على رجل أنه قد سرق من حرز رجل نصابا، فقال السارق:
المال لي وملكي، فيكون القول قول رب الحرز أن المال له لأنه قد ثبت أنه أخذه
منه، وإذا حلف فلا قطع على السارق لأنه صار خصما وصار شبهة لوقوع التنازع في
المال، والحد لا يجب مع الشبهة، وهكذا لو وجد مع امرأة فادعى أنه زوجها
فأنكرت وحلفت لا حد عليه لأنه صار منازعا فيه فكان شبهة في سقوط الحد فلهذا لم
يقطع.
فإن غصب من رجل ما لا فجعله في حرز فنقب المغصوب عنه الحرز وأخذ مالا
فإن لم يأخذ غير ماله فلا شئ عليه لأنه أخذ مال نفسه، فإذا أخذ معه غيره من مال
الغاصب.
فإن لم يكن متميزا كالطعام والشراب والأدهان فلا قطع أيضا بوجه لأنه مال
مشترك فهو كالمال بين شريكين، ولا قطع في مال الشركة.
وإن كان مال الغاصب متميزا عن الغصب، فإن كان مال الغاصب أقل من
نصاب فلا قطع على السارق لأنه ما سرق نصابا، وإن كان مال الغاصب نصابا قال
قوم: لا قطع عليه لأنه إنما هتك الحرز لأخذ ماله لا لسرقة مال الغاصب فإذا سرق بعد
هتك الحرز فقد سرق من حرز هتكه لغير السرقة، فلا قطع، وقال آخرون: عليه القطع
106

لأنه لما سرق مال الغاصب مع مال نفسه كان الظاهر أنه نقب للسرقة، فلهذا قطعناه،
وهذا الذي تقتضيه رواياتنا.
فإن سرق رجل نصابا من حرز لرجل ثم أحرزه في حرز آخر فنقب سارق آخر
الحرز فسرق تلك السرقة، فعلى السارق الأول القطع لأنه سرق نصابا من حرز مثله
لا شبهة له فيه، وأما السارق الثاني فقال قوم: لا قطع عليه لأن صاحب المال لم
يرض بأن يكون هذا الحرز حرزا لماله، فكأنه سرقه من غير حرز، وقال آخرون: عليه
القطع لأنه سرق من حرز مثله.
فأما إن غصب من رجل مالا وأحرزه ثم سرق سارق تلك العين المغصوبة، قال
قوم: عليه القطع، وقال آخرون: لا قطع مثل المسألة الأولى سواء والخصم في
المسألتين معا مالك الشئ دون غاصبه وسارقه، وقال قوم في السرقة مثل قولنا و
في الغاصب إن الخصم فيه الغاصب.
قد ذكرنا أن القطع يجب بكل ما يتمول في العادة، فمن ذلك الدفاتر بأسرها و
المصاحف وكتب الفقه والأدب والأشعار والأسمار ونحو ذلك، كل هذا يجب
فيه القطع عندنا وقال قوم: لا قطع في شئ من هذه الدفاتر.
إذا سرق ما يجب فيه القطع مع ما لا يجب فيه القطع وجب قطعه عندنا إذا كان
نصابا، مثل أن يسرق إبريقا من ذهب فيه ماء أو قدرا ثمينة فيها طبيخ وما أشبه
ذلك، وقال قوم: لا قطع عليه والأول الصحيح للآية والخبر.
من سرق من ستارة الكعبة ما قيمته ربع دينار كان عليه القطع عندنا إذا كانت
مخيطة على الكعبة، وقال قوم: لا قطع في ستارة الكعبة، وروى أصحابنا أن القائم
عليه السلام إذا قام قطع بني شيبة، وقال: هؤلاء سراق الله، فدل ذلك على أن فيه
القطع.
إذا استعار بيت وجعل متاعه فيه، ثم إن المعير نقب البيت وسرق المتاع قطعناه
وقال قوم: لا قطع عليه، والأول أصح.
إذا اكترى دارا وجعل متاعه فيها فنقب المكري وسرق فعليه القطع عندنا وعند
107

الأكثر، وقال قوم: لا قطع، فإن غصب بيتا من رجل وجعل متاعه فيه فنقبه أجنبي
وسرق منه نصابا لا قطع عليه لأنه في يده بغير حق فلا يكون حرزا كالطريق فإن نقب
المراح ودخل فحلب من الغنم ما فيه نصاب وأخرجه قطعناه، وقال قوم: لا قطع
بناء على أصله في الأشياء الرطبة.
فإن نزل برجل ضيف فسرق الضيف شيئا من مال صاحب المنزل، فإن كان من
البيت الذي نزل فيه فلا قطع، وإن كان من بيت غيره من دون غلق وقفل ونحو ذلك
فعليه القطع، وقال قوم: لا قطع على هذا الضيف، وروى أصحابنا أنه لا قطع على
الضيف ولم يفصلوا، وينبغي أن يفصل مثل هذا، فإن أضاف هذا الضيف ضيفا آخر
بغير إذن صاحب الدار، فسرق الثاني كان عليه القطع على كل حال، ولم يذكر هذه
أحد من الفقهاء.
إذا سرق العبد فعليه القطع كالحر سواء كان آبقا أو غير آبق عندنا، وقال قوم:
إن كان آبقا لا قطع عليه.
إن سرق في عام مجاعة وقحط، فإن كان الطعام موجودا والقوت مقدور عليه
لكن بالأثمان الغالية فعليه القطع، وإن كان القوت متعذرا لا يقدر عليه فسرق سارق
فأخذ الطعام فلا قطع عليه، وروي عن علي عليه السلام أنه قال: لا قطع في عام
المجاعة وروي لا قطع في عام السنة.
النباش يقطع عندنا إذا أخرج الكفن عن جميع القبر إلى وجه الأرض، فأما إن
أخرجه من اللحد إلى بعض القبر فلا قطع كما لو أخذ المتاع من جوف الحرز فنقله من
مكان إلى مكان، فالقبر كالبيت إن أخرجه من جميع البيت قطع وإلا لم يقطع، و
قال قوم: لا قطع على النباش، والأول مذهبنا.
ومن المطالب بهذا القطع؟ مبني على أمر المالك للكفن وقيل فيه ثلاثة
أقوال: أحدها للوارث، والثاني في حكم ملك الميت، والثالث لا مالك له كستارة
الكعبة.
فمن قال: للورثة أو في حكم الملك للميت، قال: المطالب بالقطع الوارث،
108

وهو الذي يقتضيه مذهبنا.
ومن قال: لا مالك له، قال: المطالب بالقطع الحاكم، وإن كان الميت عبدا
كان الكفن عند الأولين للسيد وعند الباقين لا مالك له والقطع على ما مضى، ولا
يجئ أنه على حكم ملك العبد لأنه لا يملك به.
فإن كان الميت لم يخلف شيئا وكفنه الإمام من بيت المال، يقطع بلا خلاف،
لأن لكل أحد في بيت المال حقا مشتركا فإذا حضر الإمام كان أحق به من غيره وزال
الاشتراك فيه فلو سرق سارق منه في حياته قطع كذلك الكفن مثله.
فإذا ثبت أنه يقطع النباش إنما يقطع بالكفن الذي هو السنة، وهو خمسة
أثواب فإن زاد عليها شيئا أو دفن في تابوت فالقبر حرز للكفن دون ما عداه.
فصل: في قطع اليد والرجل في السرقة:
إذا سرق السارق وجب قطعه بالسرقة لقوله تعالى " فاقطعوا أيديهما " ويجب
قطع اليمنى، وفي قراءة ابن مسعود " فاقطعوا أيمانهما " ولا خلاف في ذلك أيضا،
فإذا سرق ثانيا قطعت رجله اليسرى إجماعا إلا عطاء فإنه قال: تقطع يده اليسرى،
وإن سرق ثالثا قطعت يده اليسرى عند قوم، وعندنا يخلد الحبس، وإن سرق رابعا
قتل عندنا وعندهم قطعت رجله اليمنى وفيه خلاف.
فإذا تقرر وجوب القطع فإن القطع عندنا من أصول الأصابع في اليد وفي الرجل
من عند معقد الشراك من عند الناتئ على ظهر القدم ويترك له ما يمشي عليه، و
عندهم من الكوع - وهو المفصل الذي بين الكف والذراع والمفصل الذي بين
الساق والقدم -، وقالت الخوارج يقطع من المنكب، إذا سرق رابعا، وقد بينا أنه
يقتل فلا يتقدر الخامسة، ومن قال لا يقتل قال: يعزر، وقال قوم: يقتل في
الخامسة.
فإذا قدم السارق للقطع أجلس ولا يقطع قائما لأنه أمكن له وضبط حتى
لا يتحرك فيجني على نفسه، وتشديده بحبل وتمد حتى يتبين المفصل وتوضع على
109

شئ لوح أو نحوه فإنه أسهل وأعجل لقطعه، ثم يوضع على المفصل سكين حادة
ويدق من فوقه دقة واحدة حتى تنقطع اليد بأعجل ما يمكن، وعندنا يفعل مثل ذلك
بأصول الأصابع إن أمكن، أو يوضع على الموضع شئ حاد ويمد عليه مدة واحدة ولا
يكرر القطع فيعذبه لأن الغرض إقامة الحد من غير تعذيب، فإن علم قطع أعجل من
هذا قطع به.
فإذا قطعت اليد حسمت، والحسم أن يغلي الزيت حتى إذا قطعت اليد جعل
موضع القطع في الزيت المغلى حتى ينسد أفواه العروق وينحسم خروج الدم منها
لما روي أن النبي عليه وآله السلام أتي برجل قد سرق فقال: اذهبوا فاقطعوه ثم
احسموه، وكان علي إذا قطع سارقا حسمه بالزيت.
وأجرة القاطع من بيت المال وإن لم يفعل الإمام ذلك لم يكن عليه شئ لأن
الذي عليه إقامة الحد لا مداواة المحدود، فإن لم يفعل فالمستحب للمقطوع أن
يفعل، فإن لم يفعل فلا شئ عليه، كالمريض إن داوى فذاك وإلا فلا شئ عليه فإذا
حسمت يده فالسنة أن تعلق اليد التي قطعت في عنقه ساعة، لما روي أن النبي عليه
السلام أتي بسارق فقطعه ثم أمر بها فعلقت في عنقه، ولأن هذا أردع وأزجر.
فصل: في من لا يقام عليه الحد:
منهم الحامل فلا يقام عليها حد قذف ولا حد زنا ولا حد سرقة لأنه لا سبيل على
ما في بطنها، فإذا وضعت فلا يقام عليها وهي نفساء حتى تخرج من النفاس وألا
يقام في شدة حر ولا برد لأنه يؤدي إلى التلف، ولا على مريض بين المرض لأن
المرض الظاهر أشد من الحر والبرد، ولا يقام أيضا على من به سبب من أسباب
التلف كقطع اليد في قصاص أو سرقة لأنه لا يؤمن التلف.
إذا دخل الرجل الحمام ونزع ثيابه فسرقت، فإن سلمها إلى الحمامي أو
استحفظه إياها فقال: احفظ ثيابي، فالحمامي مودع فينظر فيه:
فإن راعاها حق مراعاتها وهو أنه لا يزال ينظر إليها محتاطا في حفظها فسرقت
110

بحيث لا يعلم فلا شئ عليه وعلى السارق القطع.
وإن توانى في بابها، فإن نام عن حفظها أو أعرض عنها متشاغلا بحديث أو
غيره أو جعل الثياب خلفه فسرقت، فعلى الحمامي الضمان لأنه فرط في حفظها و
على السارق الغرم دون القطع لأنه ما سرقها من حرزها، وهكذا حكم أصحاب الباعة
على الطريق حرز ما بين أيديهم المراعاة والنظر إليها، فإن سرق منهم شئ مع وجود
المراعاة فعلى من سرق القطع، وإن توانى عنها وتغافل أوسها لم يكن ما بين يديه في
حرز فإن سرقه سارق فعليه الضمان دون القطع.
فأما إن دخل الحمام فنزع ثيابه على حصير أو وتد على ما جرت به العادة ولم
يسلمها إلى الحمامي ولا استحفظه إياها فالحمامي غير مودع، وثياب هذا في غير
حرز، فإن سرقت فلا قطع على سارقها لأنه تناولها من غير حرز، فإن المكان مأذون
في استطراقه والدخول إليه، فما وضع فيه هكذا فليس في حرز.
المقيم في دار الإسلام على ثلاثة أضرب: مسلم وذمي ومستأمن.
فأما المسلم فعلى الإمام نصرته والذب عنه كل من يقصده بغير حق مسلما كان
أو مشركا، ومتى وجب له حق استوفاه له سواء كان من حقوق الله أو حقوق الآدميين.
وإن كان من أهل الذمة كان حكمه في هذا كله حكم المسلم في نصرته والذب
عنه، غير أنه إن شرب الخمر فلا حد عليه، وإن كان مجوسيا فنكح أمه فلا حد عليه
عندهم على كل حال، وعندنا ما لم يتظاهر به، لأنه بذل الجزية على مقامه في دينه
واعتقاده، فإذا كان هذا من دينه فلا اعتراض عليه فيه.
فأما المستأمن فعلى الإمام أن يذب عنه من للإمام به علقة، وهم المسلمون
وأهل الذمة، فأما إن قصدهم أهل الحرب أو اقتتلوا بعضهم في بعض لم يتعرض
الإمام لهم ولا عليهم بمعونة.
وأما استيفاء الحقوق منهم، فالحقوق على ثلاثة أضرب: حق لله محض،
وحق لآدمي، وحق لله ويتعلق بحق الآدميين.
فأما حقوق الله كحد الخمر والزنى وهو إذا زنا بمشركة فلا يستوفى منه عندهم
111

لأنه دخل على هذا فلا يعترض عليه، وعندنا ما لم يتظاهر به كذلك، فإن تظاهر به
استوفي منه الحد، فأما إن زنا بمسلمة فله حكم آخر نذكره، وعندنا عليه القتل على
كل حال.
وأما حق الآدميين كالأموال وحد القذف فهذه تستوفى منه لأنه على الكف عن
أموالنا وأنفسنا وأعراضنا فإذا لم نكن منه في أمان كان عليه الضمان.
وأما حق الله الذي يتعلق بحق الآدمي فهو القطع في السرقة، فمن فعل هذا
فعليه الغرم، وأما القطع فإنه يجب عليه عندنا، وقال قوم: لا يجب.
إذا وقف الإنسان شيئا ينقل ويحول كالثياب والسلاح والحيوان، فسرقه سارق
وكان نصابا من حرزه:
فمن قال: الوقف ينتقل إلى الله لا إلى مالك سواه، قال: لا قطع عليه، ومنهم
من قال: عليه القطع، ومن قال: ينتقل إلى الموقوف عليه، فمنهم من قال: لا قطع
عليه، ومنهم من قال: عليه القطع، وهو أصح عندي.
فأما أم الولد إذا كانت نائمة فسرقها إنسان فعليه القطع عندنا، وقال قوم:
لا قطع عليه هذا الكلام في رقبة الوقف.
فأما الكلام في النماء كالثمرة والزرع ونحو ذلك، فإذا سرق منه سارق، فإذا
كان من أهل الوقف فلا قطع، لأن له فيه حقا كما لو سرق من بيت المال، وإن كان
السارق أجنبيا فعليه القطع لأنه لا شبهة فيه.
إذا تكررت منه السرقة فسرق مرارا من واحد أو من جماعة ولما قطع، فالقطع
مرة واحدة لأنه حد من حدود الله فإذا ترادفت تداخلت كحد الزنى وشرب الخمر.
فإذا ثبت أن القطع واحد نظرت: فإن اجتمع المسروق منهم وطالبوه بأجمعهم
قطعناه وغرم لهم، وإن سبق واحد منهم فطالب بما سرق منه وكان نصابا غرم
وقطع، ثم كل من جاء بعده من القوم فطالب بما سرق منه غرمناه ولم نقطعه لأنا قد
قطعناه بالسرقة فلا يقطع مثل أن يسرق مرة أخرى.
112

إذا سرق وله يمين كاملة أو ناقصة وقد ذهبت أصابعها إلا واحدة قطعنا يمينه
الكاملة أو الناقصة للآية والخبر، وإن لم يكن فيها إصبع وإنما بقي منها الكف
وحدها أو بعض الكف، قال قوم: يقطع، وقال آخرون: لا يقطع، وتكون كالمعدومة
فيحول القطع إلى رجله اليسرى لأنه لا منفعة فيما بقي منها ولا جمال، ومن قال:
يقطع قال: للآية والخبر، وعندنا لا يقطع لأن القطع عندنا لا يتعلق إلا بالأصابع،
فمن ليس له أصابع لم يجب قطع غيرها إلا بدليل.
فأما إن كانت شلاء، فإن قال أهل العلم بالطب: إن الشلاء متى قطعت بقيت
أفواه العروق مفتحة كانت كالمعدومة، وإن قالوا: يندمل، قطعت الشلاء.
فإن سرق ويمينه كاملة تامة فذهبت يمينه قبل أن يقطع بالسرقة بمرض أو آكلة
أو آفة أو سبب سقط القطع عنه، لأن القطع تعلق بها واختص بها، فإذا ذهبت سقط
القطع، كالعبد إذا جنى فتعلقت الجناية برقبته فهلك سقط أرشها.
وإن سرق وليس له يمين قطعت يساره عندهم، وعندنا ينقل القطع إلى
الرجل، وإن كان الأول قد روي أيضا.
إذا سرق ويساره مفقودة أو ناقصة قطعت يمينه، وقال قوم: إن كانت اليسار
مفقودة أو ناقصة نقصانا ذهب به معظم المنفعة كنقصان إبهام أو إصبعين لم يقطع،
وإن كانت ناقصة إصبع واحدة قطعنا يمينه، وهكذا قوله: إذا كانت رجله اليمنى لا
يطيق المشي عليها لم تقطع رجله اليسرى.
إذا وجب قطع يمين السارق فأخرج إلى القاطع يساره فقطعها، قال قوم: إن
قطعها القاطع مع العلم بأنها يساره وأنه لا يجوز قطعها مكان يمينه، فإن القطع عن
يمينه لا يسقط بقطعها وعلى القاطع القود، ويقطع يمين السارق لأن يساره قد
ذهبت في غير القطع بالسرقة.
فإن قال القاطع: دهشت وما علمت أنها يساره أو علمتها يساره لكني ظننت
أن قطعها يقوم مقام اليمين، فلا قود على القاطع، وعليه الدية، وتقطع يمين
السارق، وقال قوم: لا تقطع، والأول أقوى لأن يساره ذهبت بعد وجوب القطع في
113

يمينه كما لو ذهبت قصاصا، ومن قال: يسقط القطع عن يمينه قال: لأن اعتقاد
القاطع أنه يقطعها بالسرقة مكان يمينه شبهة يسقط القطع عن يمينه.
فأما إن ذهبت يساره بغير لقطع في السرقة كالآكلة ونحو ذلك، قال قوم:
يسقط القطع عن يمينه، وقال آخرون: لا يسقط، وهو الأقوى لأن الآكلة والعلة
ما قطعت يساره بالشبهة عن السرقة.
كل عين قطع السارق بها مرة فإذا سرقها مرة أخرى قطعناه حتى لو تكررت منه
أربع مرات قطعناه أربع مرات، سواء سرقها من الأول أو من الثاني، وقال قوم: إذا
قطع بالعين مرة لم يقطع بسرقتها مرة أخرى إلا في الغزل إذا سرقه فقطع به ثم نسجه
ثوبا فسرق فإنه يقطع ثانيا، وعندنا يقطع ثانيا به وثالثا يحبس ورابعا يقتل على ما
بيناه لأن عموم الآية والأخبار يقتضيه.
إذا ادعي على رجل أنه سرق منه نصابا من حرز مثله، وذكر النصاب لم يخل
من أحد أمرين: إما أن يعترف أو ينكر.
فإن اعترف المدعى عليه بذلك مرتين عندنا ثبت إقراره وقطع، وعند قوم لو
أقر مرة ثبت وقطع، ومتى رجع من اعترافه سقط برجوعه عندهم، إلا ابن أبي ليلى
فإنه قال: لا يسقط برجوعه، وهو الذي يقتضيه مذهبنا، وحمله على الزنى قياس لا
نقول به.
فمن قال: سقط برجوعه، فإن لم يرجع حتى قطع لم ينفعه رجوعه وإن رجع
قبل الأخذ في القطع لم يقطع، وإن كان بعد أن حصل هناك قطع، فإن لم يفصل
اليد عن الزند ترك حتى يداوي نفسه وإن كان بعد أن فصل بين الكف والزند وبقى
هناك جليد فقد رجع بعد وقوع القطع، فإن قال المقطوع للقاطع: ابنها، لم يجب
عليه أن يفعل لأن الرجوع قد حصل وقطع ما بقي مداواة والقاطع بالخيار بين
المداواة وتركها فإن قطعها فلا كلام وإن لم يقطع كان ذلك إلى المقطوع إن شاء
داواه، وإن شاء تركه.
114

وإن كان المقر اثنين فأقام أحدهما على الإقرار ورجع الآخر عنه، أقمنا الحد
على من لم يرجع ولم نقمه على من قد رجع.
فإذا ثبت هذا فمتى أتى ما يوجب حد الله كالقطع في السرقة والحد بالزنى وشرب
الخمر.
فإن كان من وجب عليه الحد غير معروف به ولا معلوم منه، لكنه يسره ويخفيه
فالمستحب له أن يتوب عنه ولا يقر به، وعليه رد السرقة لقوله عليه وآله السلام: من
أتى من هذه القاذورات شيئا فليستره بستر الله فإن من أبدى لنا صفحته أقمنا عليه
حد الله.
وإن كان قد اشتهر بذلك وشاع وذاع عنه، فالمستحب له أن يحضر
عند الحاكم فيعترف به لأنه إذا كان مشهورا بذلك واعترف به أقمنا عليه الحد وكان
كفارة له، لأن الحدود كفارات لأهلها، ويقوى في نفسي أن يتوب سرا ولا يعترف
أصلا لعموم الخبر.
فأما إن جحد وأنكر فأقام المدعي بينة لم يقبل منه إلا شاهدين ذكرين لأنه
كالقصاص.
وكيفية إقامتها هو أن يقول الشاهدان بمحضر من السارق والمسروق منه: هذا
سرق من هذا نصابا، ولا بد من صفة الحرز، وذكر جنس النصاب وقدره، لأن
النصاب مختلف فيه، فلم يكن بد من ذكر النصاب بعينه كي لا يقطع بما يعتقد
مذهبا له ثم يبين غيره، وكذلك الحرز لأنه مختلف فيه، فإذا قامت البينة هكذا قطع.
وإن كان المسروق منه غائبا وله وكيل حاضر يطالب له بماله لم تقبل الشهادة
حتى يقول: هذا سرق من حرز فلان بن فلان - ويرفع في نسبه إلى حيث لا يشاركه
غيره فيه - وإن هذا وكيل الغائب، فإذا قامت هكذا وطالب الوكيل بالسرقة قطع
وأغرم.
فأما إن قامت البينة ابتداء عليه وليس للغائب وكيل بذلك، وقامت على ما
فصلناه بالسرقة أو بأنه زنا بأخته، قال قوم: لا يقطع ولا يحد معا، وقال آخرون:
115

يحد ويقطع، وقال آخرون: يحد الزاني ولا يقطع السارق، والأقوى عندي أنه لا
يحد في الزنى ولا يقطع في السرقة إن كان المسروق منه غائبا أو صاحب الأمة، لأن
السلعة تستباح بالإباحة فيمكن أن يكون أباحها، وكذلك الجارية عندنا يجوز أن
يكون أحلها له هذا إذا كان ثبوته بالبينة.
فأما إن كان ثبوته بالاعتراف، فأقر بسرقة نصاب من الغائب من الحرز، أو زنا
بجاريته، ففيه الثلاث أقاويل بأعيانها، والأقوى عندي هاهنا أن يقام عليه الحد
فيهما للآية والخبر.
فمن قال: يقطع فلا كلام، ومن قال: لا يقطع.
منهم من قال: يحبس حتى يحضر الغائب بكل حال، سواء كانت العين التي
سرقها موجودة أو مفقودة، فإن كانت مفقودة ففي ذمته حق قد ثبت لغائب، فيحبس
حتى يحضر، وإن كانت العين قائمة أخذت منه وحبس في القطع.
ومنهم من قال: إن كانت العين تالفة حبس لأجل ما في ذمته، وإن كانت
قائمة أخذت منه ونظرت في مسافة الغائب: فإن كانت قريبة حبس، وإن كانت
بعيدة أطلق لئلا يطول حبسه فيعظم الإضرار به.
إذا ادعي على رجل أنه سرق من حرزه نصابا ربع دينار فصاعدا وأقام بذلك
شاهدين عدلين.
فإن قال المشهود عليه: ما سرقت، لم يلتفت إلى قوله لأنه يكذب الشهود،
وإذا كذبهم سقط تكذيبه، واستوفى الحق منه.
فإن قال: فأحلفوا لي المدعي أني سرقت منه، لم يلتفت إليه، لأن
الشهود قد شهدوا للمدعي بأنه سرق، وقوله: أحلفوا لي، مع شهوده قدح في الشهود، وطعن
فيهم فلا يلتفت إليه.
فإن قال: صدق الشهود في السرقة، وقد أخذت هذا من حرزه على سبيل
الاستخفاء غير أني أخذته بحق لي فإن هذه العين غصبنيها أو باعنيها وسلمت ثمنها
فمنعني أو وهبها مني وأذن لي في قبضها فسرقتها منه، قلنا: هذه دعوى مستأنفة
116

على المسروق منه، فيكون القول قول المسروق منه مع يمينه، لأن السارق قد اعترف له
باليد وأنه أخذ المال من حرزه، فإذا اعترف له باليد فالظاهر أنه ملكه فالقول قول
صاحب اليد، وإنما لزمه اليمين لأن السارق ما كذب الشهود ولا قدح في
شهادتهم.
فإذا ثبت أن القول قول المسروق منه، لم يخل من أحد أمرين: إما أن يحلف أو
ينكل.
فإن حلف فعلى السارق الضمان، إن كانت العين قائمة ردها، وإن كانت تالفة
فعليه بدلها مثلها إن كان لها مثل، أو قيمتها إن لم يكن لها مثل، وأما القطع
فلا يجب عليه لأنه صار خصما، وقال بعضهم: يقطع لأنا حكمنا بتكذيبه وأغرمناه
فوجب أن نقطعه ولأنا لو قلنا لا نقطعه أفضي إلى سقوط القطع في السرقة أصلا، لأنه
ما من لص إلا ويدعي هذه الدعوى، فيسقط القطع عنه، وما أفضي إلى سقوط حد
من حدود الله يسقط في نفسه.
والأول أقوى عندي، لأنه إذا ادعى العين لنفسه، أوقع شبهة ملك له فيها بدليل
أنا نستحلف له المسروق منه، فإذا أوقع فيها شبهة ملك سقط الحد بالشبهة لقوله عليه
وآله السلام: ادرأوا الحدود بالشبهات، هذا إذا حلف المسروق منه.
فإن لم يحلف رددنا اليمين على السارق، فإذا حلف سقط الضمان عنه، فإن
كانت العين قائمة حكمنا له بها، وإن كانت تالفة حكمنا بسقوط الغرم عنه، لأن
يمين المدعي مع نكول المدعى عليه يحل محل الإقرار من المدعى عليه أو قيام
البينة عليه، وأيهما كان قضينا به للسارق.
قالوا: هذا يصح فيه إذا ادعى على المسروق منه أن العين له غصبه عليها أو
باعها إياه، فأما إذا قال: وهبنيها وأذن لي في قبضها لا يصح لأنه إذا قال: العين
لي، فقد رجع في إذنه بقبضها، قلنا: هذا الاختلاف وقع بعد حصول القبض من
السارق، والعين إذا كانت في يده لم يصح الرجوع منه في المنع من قبضها فسقط
هذا إذا ادعى أنه سرق من حرز له نصابا وأقام بذلك شاهدين.
117

وأما إذا أقام بذلك شاهدا وامرأتين أو شاهدا واحدا وحلف معه، حكمنا له
بذلك وقضينا على السارق بالضمان فإن كانت العين قائمة ردها وإن كانت تالفة رد
بدلها ولم يقطع لأن هذه البينة ثبت بها الغرم دون الحد فاستوفينا بها ما يثبت بها.
إذا سرق عينا يقطع في مثلها وقطع، فإن كانت العين قائمة ردها بلا خلاف وإن
كانت تالفة غرمها عندنا، وقال قوم: لا غرم عليه إذا قطع.
فصل: فيما لا قطع فيه:
لا قطع على من سرق من غير حرز، خلافا لداود، ومن أخذ شيئا على وجه
الخلسة أو النهبة أو خان في وديعة أو أمانة فلا قطع، روي عن جابر عن النبي عليه و
آله السلام أنه قال: لا قطع على المختلس، ولا على المنتهب، ولا على الخائن.
وإذا سرق العبد من متاع مولاه فلا قطع عليه بلا خلاف، إلا حكاية عن داود
روي أن النبي عليه وآله السلام قال: إذا سرق المملوك فبعه، ولو بنش - والنش
نصف أوقية عشرون درهما -، وهو إجماع.
إذا سرق أحد الزوجين من صاحبه، فإن سرقه من غير حرز فلا قطع عليه
بلا خلاف، وإن سرقه من حرز فعليه القطع عندنا، وقال قوم: لا قطع عليه، وهكذا
الخلاف فيه إذا سرق عبد كل واحد من الزوجين من مال مولى الآخر، فكل عبد منهما
بمنزلة سيده، والخلاف فيهما واحد، وعندنا عليه القطع.
إذا سرق من مال أبيه أو مال جده وأجداده وإن علوا، أو من مال أمه وجدته
وجداتها وإن علون، فلا قطع عليه عند الفقهاء، وعندنا عليه القطع إذا كان نصابا من
حرز، وإن سرق من مال ابنه أو ابنته أو أولادهما وإن نزلوا لم يكن عليه القطع
بلا خلاف إلا داود، فإنه قال: عليه القطع.
فأما من خرج عن العمودين من العمومة والعمات والخؤولة والخالات، فهم
كالأجانب سواء عندنا وعند جماعة، وقال قوم: كل شخصين بينهما رحم محرم
بالنسب فالقطع ساقط بينهم كما يسقط بين الوالد والولد، مثل الإخوة والأخوات و
118

الأعمام والعمات والأخوال والخالات.
وإذا سرق من بيت المال أو الغنيمة فلا قطع عليه عند الفقهاء، وعندنا إن كان
ما سرقه يزيد على ماله فيه من العطاء والاستحقاق بنصاب وجب عليه القطع،
وكذلك نقول في المال المشترك.
الكلب والخنزير لا قطع في شئ منهما، لأنهما حرام وحرام ثمنهما.
وإذا سرق شيئا من هذه الملاهي كالمزامير والأوتار والطنبور والعود وغير ذلك.
فإن كان عليه حلية قيمتها ربع دينار فصاعدا قطع، وقال بعضهم: لا قطع
عليه بناء على أصله إذا سرق ما فيه القطع مع ما لا قطع فيه يسقط القطع، والأول
مذهبنا.
وأما إن كان بغير حلية فإن كان إذا فصل تفصيلا لا يصلح للضرب يساوي ربع
دينار قطعناه، وإن كان أقل من ذلك لم يقطع، وقال قوم: لست افصل شيئا منه
عليه ولا قطع فيه بحال لأنه ممنوع من إمساكه ولا يقر عليه فهو كالعين المغصوبة،
والأول أقوى عندنا، لأنه سرق نصابا من حرز مثله لا شبهة له فيه.
جيب الإنسان إن كان باطنا فهو حرز لما فيه، وكذلك الكم عندنا وإن كان
ظاهرا فليس بحرز، وقال قوم: الجيب حرز لما يوضع فيه في العادة، ولم يفصلوا،
فإذا أدخل الطرار يده في جيبه فأخذه أوبط الجيب أوبط الجيب والصرة معا فأخذه
فعليه في كل هذا القطع، والكم مثله على ما قلناه إن أدخل يده فيه فأخذه أو خرق
الكم أو بطه فأخذه أو بط الكم والخرقة فأخذه فعليه القطع.
وأما إن شده في كمه كالصرة ففيه القطع عند قوم، سواء جعله في جوف كمه
وشده كالصرة من خارج الكم، أو جعله من خارج الكم وشده من داخل حتى
صارت الصرة في جوف كمه، وقال قوم: إن جعلها في جوف الكم وشدها من
خارج فعليه القطع وإن جعلها من خارج وشدها من داخل فلا قطع، وهو الذي
يقتضيه مذهبنا.
وإن كان يسوق قطارا من الإبل أو يقودها ويكثر الالتفات إليها فكلها في حرز،
119

وقال قوم: إن الذي زمامه في يده في حرز دون الذي بعده، والأول أصح عندنا.
فأما إن ترك الجمال والأحمال في مكان وانصرف لحاجة كانت وكل ما معها
من متاع وغيره في غير حرز فلا قطع فيها، ولا في شئ منها، وقال قوم: إن أخذ
اللص الزاملة بما فيها فلا قطع عليه لأنه أخذ الحرز، وإن شق الزاملة وأخذ المتاع
من جوفها فعليه القطع، لأنه إذا أخذها بما فيها فما سرقه من حرز، وإنما سرق الحرز
والأول أقوى عندي، والثاني أيضا قوي للآية.
من سرق باب دار رجل قلعه وأخذه أو هدم من حائط آجرا قيمته نصاب وأخذ
فعليه القطع، وقال قوم: لا قطع لأنه ما سرق وإنما هدم من الحائط والأول أقوى.
إذا شهد رجلان على رجلين أنهما سرقا دينارا من حرز قطعناهما، فإن كان
أحدهما غائبا قطعنا الحاضر وانتظرنا الغائب، وإن كانا حاضرين وادعى أحدهما
أنه إنما أخذ مال نفسه فحكمه ما تقدم لم يقطع وقطع الآخر وإن كان أحدهما أبا
المسروق منه قطعنا الأجنبي دون الأب، وعندهم، لو كان بدله الابن كان مثل ذلك.
وإن أقرا بالسرقة قطعناهما، فإن رجع أحدهما وأقام الآخر على إقراره قطعنا
الاثنين، وعند قوم: يقطع الذي لم يرجع دون الراجع، لأن كل واحد منهما يعتبر
بنفسه دون غيره.
وإن قصده رجل فدفعه عن نفسه فقتله فلا ضمان عليه، سواء قتله بالسيف أو
بالمثقل ليلا كان أو نهارا، وقال قوم: إن كان القتل بالسيف كما قلنا، وإن كان
بالمثقل فإن كان ليلا كما قلنا، وإن كان نهارا فعليه الضمان، والأول مذهبنا.
120

كتاب قطاع الطريق
قال الله تعالى: " إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض
فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض "
واختلف الناس في المراد بهذه الآية.
فقال قوم: المراد بها أهل الذمة إذا نقضوا العهد ولحقوا بدار الحرب وحاربوا
المسلمين، فهؤلاء المحاربون الذين ذكرهم الله في هذه الآية، وحكمهم فيما ارتكبوه
من المعصية هذه العقوبة التي ذكرناها.
وقال قوم: المراد بها المرتدون عن الإسلام إذا ظفر بهم الإمام عاقبهم بهذه
العقوبة، لأن الآية نزلت في العرينيين، لأنهم دخلوا المدينة فاستوخموها فانتفخت
أجوافهم واصفرت ألوانهم فأمرهم النبي عليه وآله السلام أن يخرجوا إلى لقاح إبل
الصدقة فيشربوا من ألبانها وأبوالها، ففعلوا ذلك فصحوا فقتلوا الراعي وارتدوا
واستاقوا الإبل فبعث النبي عليه وآله السلام في طلبهم فأخذهم وقطع أيديهم
وأرجلهم وسمل أعينهم وطرحهم في الحرة حتى ماتوا، فالآية نزلت فيهم.
وقال جميع الفقهاء: إن المراد بها قطاع الطريق، وهو من شهر السلاح
121

وأخاف السبيل لقطع الطريق، والذي رواه أصحابنا أن المراد بها كل من شهر السلاح
وأخاف الناس في بر كانوا أو في بحر، وفي البنيان أو في الصحراء، ورووا أن اللص
أيضا محارب، وفي بعض رواياتنا أن المراد بها قطاع الطريق كما قال الفقهاء.
فمن قال المراد بها قطاع الطريق، اختلفوا في أحكامهم وكيفية عقوبتهم.
فقال قوم: إذا شهر السلاح وأخاف السبيل لقطع الطريق، كان حكمه متى
ظفر به الإمام التعزير، وهو أن ينفى عن بلده ويحبس في غيره، وفيهم من قال:
يحبس في غيره، وهذا مذهبنا، غير أن أصحابنا رووا أنه لا يقر في بلده وينفى عن
بلاد الإسلام كلها فإن قصد بلاد الشرك قيل لهم لا تمكنوه، فإن مكنوه قوتلوا عليه
حتى يستوحش فيتوب.
وإن قتلوا ولم يأخذوا المال قتلوا، والقتل يتحتم عليهم، ولا يجوز العفو
عنهم وإنما يكون متحتما إذا كان قصده من القتل أخذ المال، وأما إن قتل رجلا
لغير هذا فالقود واجب غير متحتم، وإن قتل وأخذ المال قتل وصلب، وإن أخذ
المال ولم يقتل قطعت يده ورجله من خلاف.
فمتى ارتكبوا شيئا من هذا نفوا من الأرض، ونفيهم أن يتبعهم أينما حلوا كان في
طلبهم، فإذا قدر عليهم أقام عليهم الحدود التي ذكرناها، وقال قوم: الإمام مخير
فيه بين أربعة أشياء: بين أن يقطع يده، ورجله من خلاف، ويقتل أو يقطع من
خلاف ويصلب، وإن شاء قتل ولم يقطع، وإن شاء صلب ولم يقطع، والأول
مذهبنا، ونشرحه:
فصل شرحه:
وجملته أن من شهر السلاح وأخاف السبيل لقطع الطريق، فإنه يعزر لذلك
على ما قلناه، وإذا قتل غسل وكفن وصلي عليه كسائر الأموات.
فأما الصلب فإنه تضرب رقبته أولا ثم يصلب ثلاثا لا أكثر منه، وينزل ويغسل
ويكفن ويصلى عليه، وقال بعض الصحابة: لا ينزل ويترك حتى يسيل صديدا، و
قال بعضهم: يصلب حيا ويترك حتى يموت، ومنهم من قال: يصلب حيا ويبعج
122

بطنه برمح، وهذا أغلظ في الزجر.
وأما قطع يديه ورجليه من خلاف، تقطع يده اليمنى أولا وتحسم بالنار، ثم
تقطع الرجل بعدها، ويوالي بين القطعين، ولا يؤخر ذلك لأنه حد واحد، فلا يفرق
في وقتين كحد الزنى.
وأما قوله " أو ينفوا من الأرض " معناه إذا وقع منهم في المحاربة ما يوجب شيئا
من هذه العقوبات يتبعهم الإمام أبدا حتى يجده، ولا يدعه يقر في مكان، هذا هو
النفي من الأرض عندنا، وعند قوم المنفي من قدر عليه بعد أن يشهر السلاح وقبل
أن يعمل شيئا، والنفي عنده الحبس، والأول مذهبنا.
قد ذكرنا أن من قتل في المحاربة ولم يأخذ المال تحتم قتله، فإذا ثبت هذا
فإنما يتحتم قتله إذا كان المقتول مكافئا لدم القاتل، فإن لم يكن مكافئا مثل أن يكون
حرا قتل عبدا أو مسلما قتل ذميا أو والدا قتل ولدا قال قوم: يقتل به ولا يعتبر
التكافؤ، وقال آخرون: لا يقتل، والأول تقتضيه عموم الأخبار في ذلك وعموم
الآية، ومن منع فلقوله عليه وآله السلام: لا يقتل مؤمن بكافر.
وأما إذا أخذوا المال ولم يقتلوا، فقد قلنا: تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف،
وهو أنا نقطع يده اليمنى ورجله اليسرى للآية، وذكرنا أنه تقطع الرجل عقيب اليد،
ويوالي بينهما بعد أن يحسم الأول، وقال قوم: لا يقطع حتى يأخذ نصابا يقطع به
السارق، وقال بعضهم: يقطع في القليل والكثير، وهو الأقوى عندي، وقال
بعضهم: يعتبر فيه الحرز ولا يقطع حتى يأخذ المال من الحرز، وحرزه يد صاحبه
ومحافظة صاحبه.
وأما إن ساق قطارا وأصحابه ركابه، أو ساق قطارا ليس صاحبه معه فلا قطع
عليه عندهم، كالسارق سواء، ويقوى في نفسي أنه لا يعتبر ذلك، ويعتبر في
المحاربة أخذ المال على وجه لا يتمكن المالك من الاحتراز منه، محاصرة بالسيف
على وجه لا يلحقه الغوث كالسرقة، ويعتبر فيها الأخذ على سبيل الاستخفاء، ويقوى
123

في نفسي أنه لا يعتبر ذلك لأنه لا دليل عليه.
فإذا تقرر اعتبار النصاب فإذا أخذه نظرت: فإن كانت الأطراف كاملة قطعنا يده
اليمنى ورجله اليسرى، وإن كان هذان الطرفان معدومين قطعنا يده اليسرى ورجله
اليمنى، وإن كان أحدهما معدوما والآخر موجودا مثل أن كانت يده اليمنى موجودة
ورجله اليسرى مفقودة أو رجله اليسرى موجودة ويده اليمنى مفقودة قطعنا الموجودة
منهما وحدها، ولم ينتقل إلى غيرها لأن العضوين كالواحد بدليل أنهما يقطعان معا
بأخذ المال.
حكم قطاع الطريق في البلد والبادية سواء، وقد قلنا: إذا كانوا في بادية فقهروا
قافلة وأخذوا مالها، وكان أهل القافلة على صفة لا يلحقهم الغوث فهم قطاع
الطريق، فمتى وجد هذا منهم في الحضر كان الحكم فيهم واحدا، مثل أن حاصروا
قرية وفتحوها وغلبوا أهلها وسبوهم، أو فعلوا هذا في بلد صغير أو في طرف من
أطراف البلد كقطيعة الرقيق من بغداد، وكانوا على صفة لا يلحقهم الغوث، أو كان
بهم كثرة فأحاطوا ببلد كبير فاستولوا عليه هكذا، فالحكم واحد، وهكذا لو فعل هذا
دعا البلد استولوا على أهله وغلبوهم وأخذوا أموالهم على صفة لا غوث لهم
الباب واحد.
فأما إن كبسوا دارا في جوف البلد، وقهروا أهلها، ومنعهم الصياح ولو صاحوا
لحقهم الغوث، فليسوا قطاع الطريق ولا يتعلق بهم حكم قطاع الطريق، وقال
قوم: قطاع الطريق من كان من البلد على مسافة ثلاثة أميال، وقال آخرون: إذا
كانوا في البلد أو بالقرب منه، مثل أن كانوا ما بين الحيرة والكوفة، أو بين قريتين
لم يكونوا قطاع الطريق، وإنما يكونون قطاع الطريق إذا كانوا في موضع لا
يلحقهم الغوث.
وقد بينا أن عموم أخبارنا أن من أشهر السلاح وأخاف الناس في بلد كانوا
أو في بر وعلى أي وجه كانوا فهم محاربون، حتى رووا أن اللص محارب فلا
124

اعتبار بما قالوه.
من أتى من المحاربين ما يوجب حدا حددناه بحسب جرمه، فمن قتل قتل،
ومن أخذ المال وقتل صلب، ومن أخذ المال ولم يقتل يقطع من خلاف، ومن
شهر السلاح لقطع الطريق وخوف وهيب ولم يفعل غير هذا عزر.
فإذا ثبت أنا نقيم على كل واحد منهم الحد الذي وجد سببه، فإنما يقام ذلك
على من باشر الفعل فقتل، أو قتل وأخذ المال أو أخذ المال ولم يقتل، وأما من
لم يباشر شيئا من هذا، مثل أن كثر أو هيب أو كان ردءا أو معاونا فإنما يعزر
ويحبس، ولا تقام عليه الحدود، وقال قوم: الحكم يتعلق بالمباشرة وبغيره، فمن
كان عونا أو ردءا أو طليعة على حد واحد، فلو أخذ واحد المال قطعوا كلهم، ولو قتل
واحد قتلوا كلهم، والأول يقتضيه مذهبنا.
قد ذكرنا أن من قتل في المحاربة قتل قصاصا، وكان القتل متحتما، وقال
بعضهم: إن قتل وأخذ المال تحتم قتله وإن لم يأخذ المال كان القتل على التخيير
ولا يتحتم قتله، والأول يقتضيه مذهبنا.
فأما إن كان الجرح دون النفس نظرت: فإن كان مما لا يوجب القود في غير
المحاربة لم يجب به في المحاربة وإن كان مما يوجب القصاص في غير المحاربة
كاليد والرجل والأذن والعين وجب القصاص في المحاربة، لكن هل يتحتم أم لا؟
قال قوم: لا يتحتم، وقال آخرون: يتحتم، وهو الأقوى، هذا إذا قطع ولم يقتل أو
قتل ولم يقطع.
فأما إن جمع بين الأمرين معا قطع يد واحد وقتل آخر، فإنه يستوفى منه الأمران
وخالف فيه بعضهم.
فإذا ثبت هذا في المحاربة فالذي يقتضيه شرح المذهب، فإذا قطع يدا في غير
المحاربة، وقتل في المحاربة كان المقطوع بالخيار بين القصاص والعفو، فإن عفا
على مال ثبت له، وقتل في المحاربة، وإن اختار القصاص قطع يده قصاصا وقتل
125

في المحاربة، هذا إذا كان القطع في غير المحاربة والقتل في المحاربة، فأما إن
كانا في المحاربة، فإذا قيل: لا يتحتم القصاص فيما دون النفس، فالحكم كما
لو قطع في غير المحاربة وقتل في المحاربة وقد مضى، وإذا قيل: يتحتم
فالحكم فيه كما لو كان القطع في غير المحاربة والقتل في المحاربة واختار
المقطوع القصاص وقد مضى، وعلى كل حال فإنا نقطع ثم نقتل، سواء تقدم القطع
منه أو القتل.
فأما الكلام في القطع إذا وجب من وجهين قصاصا وبأخذ المال في
المحاربة.
فإن قطع في غير المحاربة وأخذ المال في المحاربة فالمجني عليه بالخيار بين
أن يعفو أو يقطع، فإن عفا على مال ثبت له، وكان كأنه لم يفعل غير أخذ المال في
المحاربة فيقطع من خلاف.
وإن اختار المجني عليه القصاص لم يخل من أحد أمرين: إما أن يجب عليه
القصاص في يساره أو في يمينه.
فإن وجب القصاص في يساره قطع يساره، ولم يقطع يمينه ورجله اليسرى بأخذ
المال في المحاربة، حتى يندمل اليسار لأنهما حدان فلا يوالي بينهما بين القطعين
فإذا اندمل قطعنا يمينه ورجله اليسرى بالمحاربة.
وإن كان القصاص وجب على يمينه قطعنا يمينه قصاصا، وسقط قطعها
بالمحاربة وتقطع رجله اليسرى كما لو ذهبت يده باكلة سقط قطعها بالمحاربة و
قطعنا رجله اليسرى، وكذلك إذا قطعت يده قصاصا، هذا إذا كان القطع في غير
المحاربة.
فأما إن كان القطع في المحاربة وأخذ المال فيها، فمن قال: لا يتحتم الجراح
فيما دون النفس في المحاربة، قال: الحكم فيه كما لو كان القطع في غير المحاربة
وقد مضى، ومن قال: يتحتم القطع، فالحكم فيه كما لو قطع في غير المحاربة
واختار المجني عليه القصاص، إذ لا فرق بين أن يتحتم القطع حكما وبين أن يتحتم
126

لأن الولي اختار ذلك، فيقدم القطع في حق الآدميين أبدا كرجل قطع يد رجل وسرق،
فإنا نقدم القصاص على القطع في السرقة كذلك هاهنا.
إذا قطع يد رجل وقتله في المحاربة، قطع ثم قتل، وهكذا لو وجب عليه
قصاص فيما دون النفس ثم أخذ المال، اقتص منه ثم قطع من خلاف بأخذ المال،
وقال قوم: إذا قطع ثم قتل قتل ولم يقطع، وإن قطع يسار رجل ثم أخذ المال في
المحاربة سقط القطع قصاصا وقطع بأخذ المال والصحيح الأول.
إذا مات قطاع الطريق قبل إقامة الحد عليهم لا يصلبون لأنه قد فات بالموت و
لله فيه المشيئة في الآخرة إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه، وقيل: إن الذي فعله النبي
عليه وآله السلام بالعرنيين من قطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم وتركهم في
الحرة حتى ماتوا منسوخ، وأن الآية نزلت بعد قصة العرنيين، فحكم الله في قطاع
الطريق بما ذكرناه، فبطل قول من قال: المراد بها المرتدون.
الحقوق التي تجب على المحارب على ثلاثة أضرب: حق يختص بالمحاربة،
وحق لا يختص بها، ومختلف فيها.
فأما ما يختص به، تحتم القتل والصلب وقطع الرجل.
وما لا يختص به فعلى ضربين: حق لله تعالى كحد الشراب واللواط والزنى،
وحق الآدمي كالقصاص وحد القذف وإتلاف الأموال.
وما اختلف فيه فهو قطع اليد قيل فيه قطعها من الأحكام المختصة بالمحاربة
لقوله تعالى: " إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله " إلى قوله " من خلاف " فوصفهم
بالمحاربة وأمر بقطعهم من خلاف، وقال بعضهم: إن قطع اليد من الحدود التي
لا تجب لأجل المحاربة، والأول أقوى عندنا لظاهر الآية.
فإذا تقررت أقسام الحقوق فالكلام بعد هذا فيما يسقط منها، وما لا يقسط،
وجملته أنه لا يخلو من أحد أمرين: إما أن يقدر عليه قبل التوبة أو بعدها.
فإن قدر عليه قبل التوبة لم يسقط شئ منها بحال، لقوله: " إلا الذين تابوا من
127

قبل أن تقدروا عليهم " فجعل من شرط سقوطها التوبة قبل القدرة، فلم يوجد الشرط.
وأما إن قدر عليه بعد التوبة فكل حق وجب لأجل المحاربة سقط بمجرد التوبة
وهو انحتام القتل والصلب وقطع الرجل لقوله: " إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا
عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم " وهؤلاء تابوا قبل القدرة وأما حقوق الآدميين فلا
تسقط وضمان الأموال ليست بآثام.
وأما الحدود الواجبة عليه لا لأجل المحاربة، كحد الزنى والشرب واللواط،
فهل تسقط بمجرد التوبة أم لا؟ قال قوم: تسقط بمجرد التوبة، كانحتام القتل
والصلب وقطع الرجل، وقال آخرون: لا تسقط بمجرد التوبة كالقصاص وحد
القذف والأول يقتضيه مذهبنا.
وأما قطع اليد، فمن قال: من حدود المحاربة، قال: يسقط بمجرد التوبة وهو
الذي اخترناه، ومن قال: هو كالقطع بالسرقة فهل يسقط بمجرد التوبة؟ على ما
مضى قال قوم: يسقط، وقال آخرون: لا يسقط، فأما غيرهم فكل من أتى ما يوجب
الحد ثم تاب وصلح عمله، فظاهر رواياتنا تدل على أنه يسقط، وقال قوم: لا
يسقط.
إذا شهد شاهدان أن هؤلاء قطعوا الطريق علينا وعلى القافلة قاتلونا وأخذوا
متاعنا، لم تقبل هذه الشهادة في حق أنفسهما لأنهما شهدا لأنفسهما، ولا تقبل
شهادة الإنسان لنفسه، ولا تقبل شهادتهما للقافلة أيضا لأنهما قد أبانا عن العداوة،
وشهادة العدو لا تقبل على عدوه.
وهكذا لو شهدا على رجل فقالا: هذا قذفنا وقذف زيدا، لم تقبل شهادتهما
لأنفسهما، ولا لزيد لما مضى، فإن شهدا بأن هؤلاء قطعوا الطريق على هؤلاء وهذا
قذف زيدا، قبلت الشهادة لأنهما شهدا بالحق مطلقا على وجه لا ترد به شهادتهما،
وليس للحاكم أن يسأل الشهود هل قطعوا الطريق عليكم مع هؤلاء أم لا؟ وهل
قذفكما هذا مع قذفه زيدا أم لا؟ لأن الحاكم لا يبحث عن شئ مما يشهد به
128

الشهود، فلم يكن له المسألة عن هذا.
فإن شهدا بأن هذا قذف آمنا وزيدا، لم تقبل شهادتهما لأمهما، لأجل التهمة
لأنهما يجران بها إلى أمهما، وهل تقبل لزيد أم لا؟ قال قوم: تقبل، وقال آخرون:
لا تقبل لأنها شهادة ردت في بعض ما شهدت به.
وجملته أن كل شهادة كان بأمرين فردت في أحدهما هل ترد في الآخر، أم لا؟
نظرت: فإن كان الرد لأجل العداوة ردت في الآخر، وإن كانت لأجل التهمة فهل ترد
في الآخر؟ قال قوم: ترد، وقال آخرون: لا ترد، وهو الأقوى عندنا، لأن التهمة
موجودة في حق نفسه دون حق غيره، والعداوة في الشهادتين حاصلة، فبان الفصل
بينهما.
فإن شهدا فقالا: هؤلاء عرضوا لنا وقطعوا الطريق على غيرنا، قبلت الشهادة
لأن العداوة ما ظهرت بالتعرض لهم، فلهذا سمعت وعمل بها.
إذا اجتمعت أجناس من حدود مثل حد القذف وحد الزنى وحد القطع في
السرقة وقطع اليد والرجل في المحاربة بأخذ المال، ووجب عليه القتل في غير
المحاربة فوجب قتله قودا، حدان وقطعان وقتل في غير المحاربة، فإن هذه
الحدود تستوفى كلها منه ثم يقتل عندنا وعند جماعة، وقال قوم: تسقط كلها منه
ويقتل، فإن القتل يأتي على الكل.
فإذا ثبت أنها لا تتداخل فكيفية استيفائها جملتها أنه يبدأ بالأخف فالأخف
فيستوفى، ولا ينظر إلى السابق منها، يبدأ بحد القذف، فإذا برئ جلده حد الزنى فإذا برئ
قطعت يمينه بالسرقة وأخذ المال في المحاربة معا، وقطعت رجله اليسرى لأجل
المال عن المحاربة، ويوالي بين القطعين لأنهما حد واحد، فإذا قطعناه قتلناه قودا
إن اختار الولي القصاص، وإن اختار العفو كانت له الدية.
فإن انضاف إليها شرب الخمر، قال قوم: يقدم عليه حد القذف لأنه من حقوق
الآدميين ولأنه أخف، وهو الأقوى، وقال قوم: يقدم حد الشرب، لأنه أخف فإنه
129

أربعون عنده، والأول مذهبنا ولا يوالي بين الحدين على ما فصلناه.
فإن كانت بحالها، وكان مكان القتل في غير المحاربة، قتل في المحاربة و
تحتم قتله، والكلام في التقديم والتأخير على ما فصلناه، وهل يوالي بين الحدين؟
قيل فيه وجهان:
أحدهما: يوالي بينهما، ولا يؤخر حتى يبرأ ثم يقام ما بعده، لأنه لا فائدة فيه
فإن قتله متحتم، فلا فائدة في تأخيره، وهو الأقوى عندي.
والثاني: قال بعضهم: لا يوالي، كما لو كان القتل في غير المحاربة.
وأما إن اجتمع مع هذه الحدود قتلان قتل في غير المحاربة، وقتل في
المحاربة، فالحكم فيما عدا القتل على ما فصلناه هل يوالي أم لا؟ على وجهين،
وبقى الكلام في القتلين والحكم فيهما إنا نقدم السابق منهما، فإن كان قتل
غير المحاربة فالولي بالخيار بين العفو والقتل فإن عفا قتل في المحاربة، وصلب،
وإن اختار القود قتلناه له، ولم يصلب كما لو مات، ويكون لولي القتل في غير
المحاربة الدية لأنه إذا هلك القاتل سقط حق الله وهو انحتام القتل، وبقى حق
الولي كما لو مات قبل القدرة عليه سقط الانحتام عليه والولي بالخيار بين القود
والعفو، وإن سبق القتل في المحاربة قتل وصلب، وكان لولي القتل في غير
المحاربة الدية.
فإذا ثبت أنا نستوفي منه الحدود، فإن لم يمت استوفيت كلها وإن مات قبل
استيفائها كلها أو بعضها، فما كان لله سقط، وحسابه على الله وما كان للآدميين
فما يوجب المال سقط إلى مال، وهو القتل في غير المحاربة، أو فيها على ما مضى،
وسواء كان القتال مع قاطع الطريق بمثقل أو بغيره الباب واحد، ومن قال:
لا قود في القتل بالمثقل، قال: هاهنا يقتل، واعتذر بأن هذا حد، وليس بقود، وهذا ليس
بشئ لأن هذا القتل يستوفى قودا وإنما الانحتام بحق الله، ألا تراه لو تاب قبل القدرة
عليه سقط الانحتام، وكان لولي القتل القصاص فإذا كان له القصاص ثبت أنه قود.
النساء والرجال في أحكام المحاربين سواء على ما فصلناه في العقوبة، وقال
130

بعضهم: لا تتعلق أحكام المحاربين بالنساء، وقال قوم: إن كان معهم نساء فإن كن
ردءا والمباشر للقتل الرجال لم تقتل النساء هاهنا، وهل يقتل الرجال إذا كانوا ردءا؟
قال: وإن كان المباشر للقتل النساء دون الرجال فظاهر قوله أنه لا قتل على الرجال
ولا على النساء، والأول مذهبنا لعموم الآية، والأخبار الواردة في هذا المعنى.
131

كتاب الأطعمة والأشربة
الخمر، محرمة بالكتاب والسنة والإجماع، قال الله تعالى: " يسألونك عن
الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما " فأخبر
أن في الخمر إثما كبيرا وأخبر أن فيها منافع للناس، ثم قال: " وإثمهما أكبر من
نفعهما " فثبت أنهما محرمان.
وقال تعالى: " قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم "
والإثم المراد به الخمر، قال الشاعر:
شربت الإثم حتى ضل عقلي كذاك الإثم يذهب بالعقول
وقال تعالى: " يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام
رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه " إلى آخر الآيتين وفيهما أدلة.
أولها أن الله تعالى افتتح الأشياء المحرمات فذكر الخمر والميسر - وهو القمار
والأنصاب -، وهي الأصنام -، والأزلام - وهي القداح التي كانوا يجيلونها بين يدي
الأصنام -، فلما ذكرها مع المحرمات وافتتح المحرمات بها ثبت أنها آكد
المحرمات، ثم قال: " رجس من عمل الشيطان " فسماها رجسا - والرجس الخبيث
والرجس النجس والحرام - ثبت أن الكل حرام.
133

قال: " من عمل الشيطان " وعمل الشيطان حرام.
ثم قال: " فاجتنبوه " فأمر باجتنابه والأمر يقتضي الوجوب.
ثم قال: " لعلكم تفلحون " يعني باجتنابها، وضد الفلاح الفساد.
ثم قال: " إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر
والميسر " وما يوقع العداوة والبغضاء حرام.
ثم قال: " ويصدكم عن ذكر الله " وعن الصلاة وما يصد عنهما حرام.
ثم قال: " فهل أنتم منتهون " وهذا نهي ومنع منها، لأنه يقال: أبلغ كلمة في
النهي أن يقول: هل أنت منته؟ لأنه يضمن معنى التهديد إن لم ينته عنه، ففي الآية
عشرة أدلة على ما ترى.
وروي عن النبي عليه السلام أنه قال: كل شراب أسكر فهو حرام.
وروي عنه عليه وآله السلام أنه قال: الخمر شر الخبائث من شربها لم يقبل الله
له صلاة أربعين يوما فإن مات وهي في بطنه مات ميتة جاهلية.
وروي عنه عليه وآله السلام أنه قال: لعن الله الخمر وعاصرها ومعتصرها و
بائعها ومشتريها وحاملها والمحمولة إليه وساقيها وشاربها وآكل ثمنها.
واختلف في سبب تحريمها.
فقيل: أن رجلا دعا سعد بن أبي وقاص وشوى له رأس بعير فأكل وشرب و
رمى بلحي بعير فشج أنفه فنزل تحريم الخمر.
وقيل: السبب فيه أن عمر بن الخطاب قال: لا ننتهي عن الخمر حتى يأتي
أحدنا وقد ضرب أو كلم أو شج، فنزل قوله تعالى: " يسألونك عن الخمر والميسر "...
الآية، فقرئت عليه فقال: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا، فنزل قوله: " يا أيها
الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون " فقرئت عليه فقال:
اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا، فنزل قوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر
والميسر " إلى قوله " فهل أنتم منتهون " فقرئت عليه فقال: نعم انتهينا.
وقد روى أصحابنا في سبب تحريمها خبرا معروفا لا أحتاج إلى ذكره، وعليه
134

إجماع الأمة.
وروي عن عمرو بن معديكرب في قوله " فهل أنتم منتهون " قلنا: لا، فسكت
وسكتنا فأنكر عليه فرجع عنه.
وروي عن قدامة بن مظعون أنه قال: قال الله تعالى: " ليس على الذين آمنوا
وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات "، قال:
فأنا أطعمها وأعمل صالحا، فأنكر عليه فرجع عنه.
وقيل في قوله " فيما طعموا " تأويلان: أحدهما أراد الخمر لكنه رفع تلك
الإباحة ونسخت، وقيل طعموا يعني الطيبات من الرزق الحلال.
فإذا ثبت تحريمها فمن شربها كان عليه الحد قليلا شرب أو كثيرا لقوله عليه
السلام: إذا شرب الخمر فاجلدوه، فإذا ثبت هذا فإن شرب ثم شرب فتكرر هذا منه،
وكثر قبل أن يقام عليه الحد، حد للكل حدا واحدا لأن حدود الله إذا توالت تداخلت،
وإن شرب فحد ثم شرب فحد ثم شرب فحد ثم شرب رابعا قتل في الرابعة
عندنا، وعندهم يضرب أبدا الحد.
فأما بيان الأشربة المسكرة وأنواعها:
فالخمر مجمع على تحريمها - وهو عصير العنب الذي اشتد وأسكر -،
ومنهم من قال: إذا اشتد وأسكر وأزبد، فاعتبر أن يزبد، والأول مذهبنا فهذا حرام
نجس يحد شاربها سكر أم لم يسكر بلا خلاف.
وأما ما عداها من الأشربة - وهو ما عمل من العنب فمسته النار والطبخ أو من
غير العنب مسه طبخ أم لم يمسه - فكل شراب أسكر كثيره فقليله وكثيره حرام، وكل
عندنا خمر حرام نجس يحد شاربه سكر أو لم يسكر، كالخمر سواء، وسواء عمل
من تمر أو زبيب أو عسل أو حنطة أو شعير أو ذرة، فالكل واحد نقيعه ومطبوخه،
هذا عندنا وعند جماعة وفيه خلاف.
فإذا ثبت أن كل مسكر حرام فإنها غير معللة عندنا بل محرمة بالنص لأن التعليل
135

للقياس عليه، وذلك عندنا باطل، ومن وافقنا في تحريمها عللها فقال قوم: العلة
هي الشدة المضطربة، ومعناه شراب مسكر، وقال قوم: حرمت بعينها لا لعلة،
فالتحريم تعلق عنده بالتسمية لا لمعنى سواه.
وفائدة الخلاف أنه إذا عرف معناها قيس عليها سائر المسكرات ومن لا يعللها
لم يقس عليها، غير أنهم قالوا: نقيع التمر والزبيب حرام، لعلة أخرى عندهم،
وقد بينا أنا لا نحتاج إلى ذلك لأنا نحرم الجميع بالنص.
ونهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الخليطين، - والخليطان نبيذ
يعمل من لونين تمر وزبيب، تمر وبسر ونحو هذا - فكل ما يعمل من شيئين يسمى
خليطين، والنهي عن ذلك نهي كراهة إذا كان حلوا عند قوم، وعند آخرين لا بأس
بشرب الخليطين، وهو الصحيح عندنا إذا كان حلوا.
وأما النبيذ في الأوعية فجائز في أي وعاء كان إذا كان زمانا لا تظهر الشدة فيه.
ونهى النبي عليه السلام عن الدباء والحنتم والنقير والمزفت وقال: انبذوا في
الأدم فإنها توكأ وتعلق - أما الدباء فالقرع متى قطع رأسها بقيت كالجرة ينبذ فيها، وأما
الحنتم فالجرة الصغيرة، والنقير خشبة تنقر وتخرط كالبرنية، والمزفت ما قير بالزفت،
كل هذا النهي عنه لأجل الظروف، فإنها تكون في الأرض وتسرع الشدة إليها.
ثم أباح هذا كله بما روي عن أبي بريدة عن أبيه أن النبي عليه وآله السلام قال:
نهيتكم عن ثلاث وأنا آمركم بهن، نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإن زيارتها
تذكرة، ونهيتكم عن الأشربة أن تشربوا إلا في ظرف الأدم فاشربوا في كل وعاء غير
أن لا تشربوا مسكرا، ونهيتكم عن لحوم الأضاحي أن تأكلوها بعد ثلاث فكلوا
واستمتعوا.
وهذا الخبر يستدل به من يقول بتحليل النبيذ، ويقول: نهى النبي عليه السلام
عنها ومعلوم أنه ما نهى وهي حلوة، ثبت أنه إنما نهى وهي شديدة، ثم أباح بعد
ذلك.
والجواب أنه عليه وآله السلام إنما نهى عن الظروف دون ما فيها، لأنه قال:
136

الأوعية لا تحرم شيئا، وكان المعنى أن هذه الأوعية متى نبذ فيها لسارعت الشدة
إليه، ثم أذن في ذلك لأن الزمان الذي يبقى فيها النبيذ لا يتغير ولا يشتد لقلته، على
أنه بين في آخر ذلك بقوله: غير أن لا تشربوا مسكرا.
حد الخمر عندنا ثمانون، وقال بعضهم: أربعون فإن رأى الإمام أن يضيف إليه
أربعين تعزيرا جاز.
والذي يثبت به الشرب الموجب للحد وجوه:
أحدها: أن يقر بذلك.
والثاني: أن تقوم عليه به بينة أو يشرب شرابا فسكر غيره منه إن اعترف بذلك
ثبت عليه بالاعتراف، غير أن عندنا يحتاج أن يعترف دفعتين، وإن شهد شاهدان عليه
ثبت بشهادتهما.
وإذا شهد أنه شرب مسكرا سمعها الحاكم وحكم بها ولم يستفسر عما شرب،
وإذا شرب شرابا يسكر غيره منه ثبت أيضا وحد، فأما إن لم يثبت شئ من هذا لكنه
وجد وهو سكران أو تقيا خمرا أو شم منه رائحة الخمر، فلا حد عليه عندهم، وعندنا
إذا تقيا ذلك أقيم عليه الحد به، لأنه روي عنهم عليهم السلام أنهم قالوا: ما تقيأها
حتى شربها.
إذا ثبت عليه الحد وجب على الإمام إقامته ثمانون على ما بيناه، فإن مات من
ذلك لم يلزم الإمام ضمانه، ومن قال: الحد أربعون، فإن جلده فمات من الأربعين
لم يضمن، وإن أراد الزيادة زاد إلى الثمانين ولا يزيد عليها، فإن مات من الزيادة
ولو من واحد فإنه مضمون عندهم، ولم يجب فيه كمال الدية، قالوا: لأنه مات من
فعل مضمون فلم يجب منه كمال الدية، كما لو جرح نفسه وجرحه غيره أو جرح وهو
مرتد فأسلم ثم جرح وهو مسلم، فإنه لا يجب فيه كمال الدية.
وكم الواجب؟ قال قوم: فيه نصف الدية لأنه مات مع ضربين مضمون وغير
مضمون، وقال آخرون: يجب عليه بالحصة على العدد، فإن مات من واحد
137

وأربعين لزمه جزء من أحد وأربعين جزء من الدية، وسواء وجب نصف الدية أو جزء
فأين يجب؟ قال قوم: على عاقلة الإمام، وقال آخرون: في بيت المال.
فأما الجلاد فلا شئ عليه لأنه آلة الإمام، هذا إذا أمره أن يجلد واحدا وأربعين
جلدة.
فأما إن قال له: اجلد وأنا أعد، فلم يزل يضرب حتى ضرب واحدا وأربعين،
فقال: حسبك، فمات المجلود فالحكم كما لو أمره بذلك، وقد مضى.
فأما إن أمره أن يضرب أربعين فقط فضربه الجلاد واحدا وأربعين كان الضمان
على الجلاد، وكم يضمن؟ عند قوم نصف الدية، وعند آخرين على العدد،
ويجب على عاقلته لأنه هو الجاني.
وأما إن قال له: اضربه ثمانين، أربعين جلدة حدا وأربعين تعزيرا، فجلده
الجلاد واحدا وثمانين.
فمن قال: الدية تقسط على الضرب، فما زاد على الجناية على الإمام أربعون
سهما من واحد وثمانين سهما، وعلى الجلاد سهم واحد من واحد وثمانين سهما
من الدية ويسقط منها أربعون سهما في مقابلة الجلد الذي هو قدر الحد.
ومن قال: الاعتبار بعدد الجناية لا بالضرب، فعلى هذا منهم من قال: يجب
نصف الدية ويسقط نصفها في مقابلة الحد، وإذا سقط النصف بقي نصف يقسط
على الإمام والجلاد نصفين، لأنه مات من فرضين، ضربين مباح ومحظور فيكون
على الإمام الربع وعلى الجلاد الربع، وفيهم من قال: تقسط الدية أثلاثا لأن
الموت كان من ثلاثة أنواع: من ضرب الحد، ومباح، ومحظور، فيسقط الثلث
منها بالحد ويبقى ثلثان، الثلث على الإمام والثلث على الجلاد، ومن يتحمل؟
على ما مضى.
فأما إن قال له: اضربه ثمانين فضربه ثمانين، فمات فعلى الإمام نصف الدية
هاهنا لأنه إن قيل: الاعتبار بعدد الضرب، ففيه النصف لأن نصف الضرب مضمون،
وإن قيل: الاعتبار بأنواع الضرب، فالضرب نوعان، فيلزم نصف الدية، والذي
138

يقتضيه مذهبنا أنه إن مات من الثمانين فلا ضمان أصلا.
وإن كان المقيم للحد الحاكم فأمر بضرب أكثر من ثمانين كان ضامنا، ويلزمه
نصف الدية في ماله خاصة دون بيت المال، لأنه شبه العمد، وإن كان الجلاد فعل
ذلك عمدا لزمه ذلك في ماله خاصة، وإن فعله خطأ بأن غلط في العدد كان الضمان
على عاقلته، وقد روي في أحاديثنا أن ما أخطات القضاة ففي بيت المال، فعلى هذا
الدية من بيت المال.
إذا عزر الإمام رجلا فمات من الضرب ففيه كمال الدية، لأنه ضرب تأديب،
وأين تجب الدية؟ قال قوم: في بيت المال، وهو الذي يقتضيه مذهبنا، وقال قوم:
هو على عاقلته، وهو أصحهما عندهم، وإن قلنا نحن: لا ضمان عليه أصلا، كان
قويا لما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: من أقمنا عليه حدا من حدود الله
فمات فلا ضمان، وهذا حد وإن كان غير معين، والذي قلناه أحوط.
فمن قال: الدية على العاقلة قال: الكفارة في ماله، ومن قال: في
بيت المال، منهم من قال: في ماله لأنه قاتل خطأ، وقال آخرون: على بيت المال
لأن خطأه يكثر فيذهب ماله بالكفارات، وهو الذي يقتضيه مذهبنا.
إذا وجب الحد على حامل لم يكن للإمام إقامته عليها، لأنها الجانية دون
ولدها، فلو أقيم عليها ربما تلف، فإن خالف وفعل فألقته ميتا فعليه الضمان وهو
ما بيناه من دية الجنين، وإن ألقته حيا فلم يزل ضمنا حتى مات فالضمان هاهنا دية
كاملة، وأين تجب؟ فإن كان الإمام جاهلا بالحمل فهذا من خطأ الإمام، وأين
تجب الدية أو الغرة؟ منهم من قال: في بيت المال، وقال آخرون: على عاقلته،
والكفارة على ما مضى.
وأما الأم فإن ماتت قبل الوضع والإسقاط، فالحد قتلها فلا شئ فيها، وإن
ماتت بعد الإسقاط نظرت: فإن قيل الحد قتلها فلا شئ فيها وإن قيل الإسقاط قتلها
فالدية واجبة هاهنا، وأين تجب؟ على ما مضى من الخلاف، لأنه من خطأ الإمام،
وإن قيل: ماتت من الحد والإسقاط معا، فالواجب نصف الدية، لأنها تلفت من
139

حد وغيره، فكان فيها نصف الدية، وأين تجب؟ على ما مضى، وإن كان عالما به
فعندنا لا يقع منه، ولكن نفرضها في الحاكم فإن الخلاف واحد ويكون عمد
الخطأ، ويكون على الحاكم في ماله، وقال قوم: على عاقلته، وقال قوم: في بيت
المال، والأول أقوى عندنا.
فإن قالوا: العمد لا يتصور في الجنين، قلنا: يتصور عندنا فسقط ما قالوه، على أن
عمد الخطأ عندنا يلزم في ماله.
فأما إن وجب الحد على شخص فأقامه الإمام أو الحاكم في شدة حر أو برد،
قال قوم: الدية على الإمام، وقال قوم: لا ضمان عليه بحال وهو مذهبنا لأن ذلك
مستحب دون أن يكون ممنوعا منه بكل حال.
إذا أقام الحد عليه بشاهدين فمات وبان أنهما عبدان أو كافران أو فاسقان،
فالضمان على الحاكم، لأن عليه البحث عن حال الشهود، فإذا لم يفعل فقد فرط
فعليه الضمان، وأين يضمن؟ على ما مضى، لأنه من خطأه، عندنا في
بيت المال، وقال قوم: على عاقلته، وكذلك إن شهدا على رجل بالقذف فحده
الإمام ثم بان أنهما كافران أو فاسقان، ومات المجلود كان على الإمام الضمان دون
المقذوف، لأن الإمام أو الحاكم هو المفرط في ترك البحث عنهما.
إذا ذكرت عند الإمام امرأة فأرسل إليها فأسقطت - أي أجهضت - ما في بطنها
فزعا منه، فخرج الجنين ميتا فعلى الإمام الضمان، لما روي من قصة المجهضة وأين
يكون؟ على ما مضى.
وأما إن أرسل إليها فماتت هي حائلا كانت أو حاملا ولم تسقط، فلا ضمان
عليه، لأن الكبير لا يموت من مثل هذا في العادة، والإسقاط يكون من الفزع، ولهذا
قلنا: إذا صاح على صبي على طرف سطح ففزع فمات كان الضمان على الصائح،
ولو كان الذي صيح به كبيرا فوقع فلا ضمان لأن الصبي يفزع من مثل هذا والكبير
لا يفزع.
140

وأما إن أرسل إليها رجلا من قبل نفسه وقال لها: الإمام يدعوك، ففزعت
فأسقطت، فالضمان على الرسول لأن الإسقاط بسبب كان منه لا صنع للإمام فيه،
فيكون الدية على عاقلته.
إذا أمره الإمام بقتل رجل لا يجوز قتله عند المأمور، ويجوز عند الإمام، مثل أن
كان الإمام حنفيا فأمر شافعيا بقتل مؤمن بكافر أو حر بعبد أو زان بشهادة الزوايا
فقتله، يعتقد أن الإمام يذهب إلى جواز قتله - وإن كنت أنا لا أجيزه -، فإذا أقدم على
هذا فقتله بغير إكراه فالضمان على المأمور لأنه إنما يلزمه القبول من إمامه فيما عرف
أنه حق أو خفي سببه عليه، فأما ما يعتقده حراما فلا يسوع له قبوله منه، فإذا فعل
فعليه الضمان.
وعندنا وإن لم تتقدر هذه المسألة فقد تتقدر في غيرها، في غيرها مثل أن
يأمره الإمام بقتل من زنا بذي محرم له ولا يكون محصنا أو بقتل ذمي إذا فجر
بمسلمة، وإن لم يكن محصنا، ويكون المأمور لا يعتقد ذلك، فالحكم فيه أنه
مخطئ في الاعتقاد عندنا، لأنا لا نقول كل مجتهد مصيب، لكنه لا يلزمه الضمان
لأن القتل وقع موقعه.
إذا أمره الإمام بجلد القاذف ثمانين فزاد الجلاد سوطا فمات المحدود، فعلى
الجلاد الضمان، وكم يضمن؟ قال قوم: نصف الدية، وهو الذي يقوى في نفسي،
وقال آخرون: جزء واحد من واحد وثمانين، جزءا من الدية لأنها تقسط على عدد
الضرب.
فإن أمر الإمام الجلاد أن يضرب ثمانين، فقال: اضرب وأنا أعد، فضربه
والإمام يعد، فغلط الإمام فزاد واحدا على ثمانين فالضمان على الإمام لأنه زاد واحدا،
وأين يضمن؟ على ما مضى، وإن قال: اضرب ما شئت فليس له الزيادة على
الحد، فإن زاد فالضمان عليه وحده دون الإمام.
فإن أمر الإمام رجلا بصعود نخل أو نزول بئر فوقع فمات، فالضمان على
الإمام لأنه ألجأه إليه لأنه قبل منه معتقدا أنه يطيع إمامه، ثم ينظر فيه: فإن
141

أمره بذلك في خاص نفسه فالدية على العاقلة، وإن كان أمره للمسلمين فهو من
خطأ الإمام والضمان على ما مضى من القولين، ويقوى في نفسي أن
لا ضمان أصلا إذا لم يكرهه على الصعود والنزول، فإن أكرهه على ذلك
فالحكم على ما مضى.
وأما إذا أمره بذلك بعض الرعية ففعل فوقع فهلك فلا ضمان على من
أمره لأنه متبرع بذلك فإنه لا طاعة لأحد عليه، ويفارق الإمام لأنه يطيعه فيما
يأمره به شرعا.
إذا نشزت امرأة الرجل وأقامت على النشوز كان له ضربها على ذلك ضربا لا
يبلغ به أدنى الحدود تأديبا لها وزجرا لها عما هي عليه، وعندنا يضربها ضربا خفيفا
حتى روى أصحابنا أنه يضربها بالسواك، فإذا فعل بها هذا فماتت منه فالدية عليه في
ماله وعندهم على عاقلته.
إذا فعل إنسان ما يستحق به التعزير مثل أن قبل امرأة حراما أو أتاها فيما دون
الفرج، أو أتى غلاما بين فخذيه عندهم، - لأن عندنا ذلك لواط -، أو ضرب إنسانا
أو شتمه بغير حق فللإمام تأديبه، فإن رأى أن يوبخه على ذلك ويبكته أو يحبسه
فعل، وإن رأى أن يعزره فيضربه ضربا لا يبلغ به أدنى الحدود، - وأدناها أربعون
جلدة -، فعل. فإذا فعل فإن سلم منه فلا كلام، وإن تلف منه كان مضمونا عند قوم، و
قال قوم: إن علم الإمام أنه لا يردعه إلا التعزير وجب عليه أن يعزره، وإن رأى
أنه يرتدع بغيره كان التعزير إليه إن شاء عزره، وإن شاء تركه، فإن فعل ذلك
فلا ضمان على الإمام، سواء عزره تعزيرا واجبا أو مباحا، وهو الذي يقتضيه
مذهبنا، فمن قال: مضمون، أين يضمنه؟ على ما مضى، عند قوم في بيت المال، و
عند آخرين على عاقلته، وفيه الكفارة على ما مضى القول فيه.
فأما إن ضرب الأب أو الجد الصبي تأديبا فهلك أو ضربه الإمام أو الحاكم
142

أو أمين الحاكم أو الوصي أو ضربه المعلم تأديبا فهلك منه فهو مضمون، لأنه إنما
أبيح بشرط السلامة ويلزم عندنا في ماله، وعندهم على عاقلته.
السلعة - بكسر السين - هي العقدة تكون في الرأس كالجوزة، وقد تكون في
البدن والسلعة - بفتح السين - الشجة، فإذا كانت بالإنسان فقطعت لم يخل من أحد
أمرين: إما أن يكون مولى عليه أولا مولى عليه.
فإن كان ممن لا يولي عليه، نظرت: فإن قطعت باذنه فمات فلا ضمان على
أحد، لأن له التصرف في نفسه، فإذا قطعت باذنه فلا ضمان، وإن قطعها الإمام أو
غيره بغير إذنه، فمات، فعلى من قطعها القود، لأن في قطعها غررا ولا غرر في
تبقيتها، فإذا قطع فقد جنى عليه بالجرح فعليه القود إذا هلك.
وإن كانت السلعة بمن يولي عليه كالصبي والمجنون نظرت في القاطع: فإن
كان هو الأب أو الجد فلا قود، لأنه لا يجب عليه بقتله القود، وأما الدية فإنها تجب
مغلظة، وأما إن قطعها السلطان أو غيره من قرابته أو أجنبي فهل عليه قود أم لا؟ قال
قوم: يجب عليه القود، وقال آخرون: لا يجب، وهكذا لو كان به آكلة أو خبيثة
فهلك فعلى القولين، كالسلعة سواء، ويقوى في نفسي أن لا قود في ذلك.
الختان فرض عند جماعة في حق الرجال والنساء، وقال قوم: هو سنة يأثم
بتركها، وقال بعضهم: واجب وليس بفرض، وعندنا أنه واجب في الرجال،
ومكرمة في النساء.
فإذا ثبت أنه واجب فالكلام في قدر الواجب منه.
فالواجب في الرجال أن يقطع الجلدة التي تستر الحشفة حتى تنكشف الحشفة
فلا يبقى منها ما كان مستورا، ويقال لمن لم يختتن الأغلف والأعذر والأرغل
والأغرم، ويقال: عذر الرجل فهو معذور وأعذر فهو معذر.
وأما المرأة فيقال خفضت فهي مخفوضة - والخافضة الخاتنة والخفض
الختان -، والمرأة لها عذرتان، والرجل له عذرة واحدة، فعذرة الرجل الغلفة التي
143

على الحشفة وعذرة المرأة البكارة، والجلدة التي تقطع في الختان، وهي تلك
الجلدة التي كعرف الديك بين الشفرين في أعلى الفرج فوق مدخل الذكر وفوق
مخرج البول أيضا، وتلك الجلدة إذا قطعت يبقى أصلها كالنواة ترى وتشاهد إذا
هزلت المرأة ويسترها اللحم إذا سمنت.
فإذا ثبت ذلك فيجب على الإنسان أن يفعله بنفسه بعد بلوغه إن لم يكن
قد ختن، فإن لم يفعل أمره السلطان به فإن فعل وإلا أجبره على فعله وفعله
السلطان، فإن فعل ذلك به فمات نظرت:
فإن كان الزمان معتدلا فلا ضمان على السلطان، لأنه مات من قطع واجب
كقطع السرقة، وإن كان في شدة حر أو برد مفرط قال قوم: يكون مضمونا، وقال
قوم: لا يكون مضمونا، والأول أقوى عندي، وكذلك الخلاف في نضو الخلقة إذا
أقيم عليه الحد بإنكال النخل، وكذلك إن قطع بالسرقة في شدة حر أو برد، وكذلك
في حد الزنى، والأقوى عندي في الجميع أن لا ضمان.
فمن قال: لا ضمان، فلا كلام، ومن قال: مضمون، بكم يضمن؟ قال قوم:
كمال الدية، ومنهم من قال: نصف الدية، وأين يضمن؟ قال بعضهم: في بيت
المال، وقال آخرون: على عاقلته.
فأما صفة السوط الذي تقام به الحدود فالحد الذي يقام بالسوط حد الزنى وحد
القذف، وكذلك حد الخمر عندنا، وقال بعضهم: بالأيدي والنعال وأطراف
الثياب لا بالسوط.
فإذا ثبت هذا فجلده الإمام فمات من الجلد، فإن كان جلده بالسوط في الزنى أو
القذف أو شرب الخمر فلا ضمان عليه.
ومن قال: حد الخمر بالأيدي والنعال، فحده بالسوط، منهم من قال: عليه
الضمان، ومنهم من قال: لا ضمان عليه، فمن قال: لا ضمان فلا كلام، ومن قال:
يضمن فكم يضمن؟ منهم من قال: كمال الدية، ومنهم من قال: نصف الدية، وأين
يضمنها؟ على ما مضى عند قوم في بيت المال وعند آخرين على عاقلته.
144

فإذا تقرر ما يقام بالسوط فالكلام في ثلاثة فصول: صفة السوط، وصفة الضرب
وصفة المضروب.
أما صفة السوط فسوط بين السوطين لا جديد فيجرح ولا خلق فلا يؤلم، روي
عن زيد بن أسلم أن رجلا اعترف عند النبي عليه وآله السلام بالزنى فدعا له رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم بسوط فأتي بسوط مكسور فقال: غير هذا، فأتي بسوط
جديد لم يقطع ثمرته فقال: بين هذين، فأتي بسوط قد ركب به ولان قال: فأمر به
فجلد، هذا لفظ الحديث.
وعن علي عليه السلام أنه قال: ضرب بين ضربين، وسوط بين سوطين.
وأما صفة الضرب فإنه ضرب بين ضربين لا شديدا فيقتل ولا ضعيفا فلا يردع،
ولا يرفع له باعه فينزل من عل ولا يخفض له ذراعه حتى لا يكون له ألم لقول علي
عليه السلام: ضرب بين ضربين وسوط بين سوطين، وروي عن علي عليه السلام
وابن مسعود وغيرهما أنهم قالوا: لا يرفع يده في الضرب حتى يرى بياض إبطه.
وأما صفة المضروب:
فإن كان رجلا ضرب قائما ويفرق الضرب على جميع بدنه ولا يجرد عن ثيابه،
لأن النبي عليه وآله السلام أمر بالضرب ولم يأمر بالتجريد.
وروى أصحابنا أن في الزنى يقام عليه الحد على الصفة التي وجد عليها إن كان
عريانا فعريانا وإن كان عليه ثيابه ضرب وعليه ثيابه، فإن كان عليه ما يمنع ألم
الضرب كالفروة والجبة المحشوة نزعها وترك بقميص أو قميصين، ولا يشد ولا يمد
ولا يقيد وتترك يداه يتقي بهما، لأن النبي عليه وآله السلام لم يأمر بذلك.
وأما جلد المرأة فإنها تجلد جالسة لأنها عورة، ويشد عليها ثيابها جيدا
لئلا تنكشف، ويلي شد الثياب عليها امرأة، وتضرب ضربا رفيقا لا يجرح ولا ينهر
الدم، ويفرق الضرب على بدنها ويتقى الوجه والفرج لقوله عليه السلام: إذا جلد
أحدكم فليتق الوجه والفرج.
وعن علي عليه السلام أنه قال للجلاد: اضرب وأوجع واتق الرأس والفرج.
145

كل من أتى معصية لا يجب بها الحد فإنه يعزر مثل أن سرق نصابا من غير حرز أو
أقل من نصاب من حرز أو وطئ أجنبية فيما دون الفرج أو قبلها أو شتم إنسانا أو ضربه
فإن الإمام يعزره، وهكذا إذا نشزت امرأة فله ضربها تأديبا لا تعزيرا، وهكذا يضرب
الرجل ولده وكذلك الجد وأمين الحاكم، والوصي يؤدب اليتيم، وكذلك المعلم
يؤدب الصبيان إجماعا ويكون التعزير بما دون الحد.
وروى أبو بردة بن نهار أن النبي عليه وآله السلام قال: لا يجلد فوق عشر
جلدات إلا في حد من حدود الله.
والتعزير موكول إلى الإمام لا يجب عليه ذلك، فإن رأى التعزير فعل وإن رأى
تركه فعل سواء كان عنده أنه لا يردعه غير التعزير أو كان يرتدع بغير تعزير، وقال
بعضهم: متى كان عنده أنه يرتدع بغيره فهو بالخيار بين إقامته وتركه، وإن كان عنده
أنه لا يردعه إلا التعزير فعليه التعزير، وهو الأحوط.
التعزير لا يبلغ به أدنى الحدود عندنا وعند جماعة، وأدناها تسعة وسبعون
في حق الأحرار، وعند قوم تسعة وثلاثون لأن حد الشرب أربعون عنده وأدناها في
حق العبد عندنا خمسون إلا واحدا وهو حد الزاني، فأما الشرب والقذف فقد روى
أصحابنا أن حد العبد مثل حد الحر سواء، وروي أنه على النصف، فعلى هذا يكون
تعزيره تسعة وثلاثين، وقال بعضهم: أدنى حد العبد عشرون في الشرب فعلى هذا
يضرب في التعزير إلى تسعة عشر سوطا، وفيه خلاف كثير ذكرناه في الخلاف.
ولا يجوز إقامة الحدود في المساجد إعظاما لها وتنزيها، لما روي أن النبي
عليه وآله السلام نهى أن يستقاد في المساجد وأن تنشد فيها الأشعار، وأن تقام فيها
الحدود، وروي عنه عليه وآله السلام أنه قال: لا تقام الحدود في المساجد ولا
يقاد بالولد الوالد، وقال علي عليه السلام: جنبوا مساجدكم الصبيان والمجانين، و
روي أنه سمع رجلا ينشد ضالة في المسجد فقال: لا وجدتها إنما بنيت المساجد
لذكر الله والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
146

نزهة الناظر
في الجمع بين الأشباه والنظائر
تأليف
المحقق يحيى بن سعيد الحلي
147

فصل
[الذين يضيق عليهم في المطعم والمشرب]
يضيق في المطعم والمشرب على ثمانية:
المظاهر بعد ثلاثة أشهر من حين المرافعة إلى الحاكم إذا امتنع من الطلاق
أو الكفارة مع القدرة عليها، والمولى بعد أربعة أشهر من حين رفعته زوجته إلى
الحاكم إذا امتنع من الكفارة مع القدرة عليها أو الطلاق، ومن قتل أو فعل فعلا
يوجب الحد أو التعزير والتجأ إلى الحرم يضيق عليه في المطعم والمشرب حتى
يخرج فيقاد منه أو يقام عليه الحد أو التعزير، ومن أسلم وله أكثر من أربع
زوجات أمر بأن يختار منهن أربعا فإن لم يفعل ضيق عليه في المطعم والمشرب
حتى يختار منهن أربعا، ومن أقر لإنسان بشئ ولم يبينه وأصر على ذلك عزر
وضيق عليه في المطعم والمشرب حتى يبينه، ومن ادعى على غيره بشئ فسكت
ولم يقر به ولم ينكر عزر وضيق عليه في المطعم والمشرب حتى يقر أو ينكر.
والمحارب إذا لم يقتل ولم يأخذ المال فإنه ينفى عن البلد أو يضيق عليه في
المطعم والمشرب حتى يتوب، على ما ذهب إليه الشيخ أبو جعفر في النهاية
والمبسوط ومسائل الخلاف، وجاءت به أحاديث ضعيفة من جملتها حديث رواه
محمد بن سليمان الديلمي وهو غال، وروي من طريق العدول أحاديث تعارضها،
149

وذهب الشيخ المفيد قدس الله روحه إلى أن الإمام مخير في قتله أو صلبه أو قطع
يديه أو نفيه، وهو الصحيح لأن الآية تقتضي التخيير.
والمرتدة تخلد في السجن وتضرب أوقات الصلاة ويضيق عليها في المطعم و
المشرب، وروى محمد بن علي بن محبوب عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير
عن حماد عن أبي عبد الله عليه السلام: في المرتدة عن الإسلام؟ قال: لا تقتل
وتستخدم خدمة شديدة وتمنع الطعام والشراب إلا ما يمسك نفسها وتلبس
خشن الثياب وتضرب على الصلوات، فأما إن تابت فإنها يقبل توبتها وتخرج من
السجن سواء ارتدت عن فطرة أو غير فطرة. وهو الذي يقوى في نفسي لأنه قد
جاء بالتوبة الخبر مطلقا، وهو قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: التوبة تجب ما
قبلها.
وروى الحسن بن محبوب، عن غير واحد من أصحابنا، عن أبي جعفر وأبي
عبد الله عليهما السلام: في المرأة إذا ارتدت استتيبت فإن تابت فرجعت وإلا
خلدت السجن.
وعنه عن عباد بن صهيب، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: المرتد يستتاب
فإن تاب وإلا قتل. قال: والمرأة تستتاب فإن تابت وإلا حبست في السجن،
وهذان الخبران مطلقان أيضا.
وقد روى الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن عاصم بن حميد، عن
محمد بن قيس، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قضى أمير المؤمنين عليه السلام في
وليدة كانت نصرانية فأسلمت وولدت لسيدها، ثم إن سيدها مات وأوصى بها
عتاقة السرية على عهد عمر فنكحت نصرانيا ديرانيا فتنصرت فولدت منه ولدين
وحبلت بالثالث؟ قال: قضى أن يعرض عليها الإسلام، فعرض عليها فأبت، فقال:
ما ولدت من ولد نصراني فهم عبيد لأخيهم الذي ولدت لسيدها الأول وأنا
أحبسها حتى تضع ولدها الذي في بطنها، فإذا ولدت قتلتها.
وروى علي بن الحسن بن فضال ما يقارب معناه.
150

قال الشيخ في النهاية: هذا الحكم مقصور على هذه القضية.
فصل
[المخلدون في السجن]
الذين يخلدون في السجن خمسة:
المرتدة وقد تقدم الحكم فيها، ومن أمسك إنسانا حتى قتله غيره، ومن أمر
غيره بقتل إنسان فقتله المأمور، ومن سرق من حرز ربع دينار قطعت يده اليمنى
من أصول الأصابع الأربعة ويترك له الراحة والإبهام، فإن سرق ثانية قطعت
رجله اليسرى من الكعب ويترك له من قدمه ما يقوم عليه، فإن سرق ثالثة وجب
أن يخلد في السجن مخلدا أبدا، فإن سرق رابعة في السجن وجب قتله، روى
ذلك سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام وروي هذه الأحكام من غير ذكر القتل،
الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد عن أبي القاسم عن أبي عبد الله عليه السلام.
ومما رواه الطوسي في باب حدود الزنى مرسلا وروى الشيخ أبو جعفر ابن
بابويه في كتاب من لا يحضره الفقيه في أبواب القضايا والأحكام بحذف الإسناد
قال: روى صفوان بن مهران، عن عمرو بن السمط، عن علي بن الحسين عليه
السلام: في الرجل يقع على أخته؟ فقال: ضرب ضربة بالسيف بلغت منه ما
بلغت، فإن عاش خلد في السجن حتى يموت.
ومما رواه الطوسي في الاستبصار في باب من أمر غيره بقتل إنسان فقتله
وأبو جعفر بن بابويه في من لا يحضره الفقيه في باب الحبس بتوجه الأحكام عن
السكوني بإسناده: أن أمير المؤمنين عليه السلام قال في رجل أمر عبده أن يقتل
رجلا فقتله قال: هل عبد الرجل إلا كسوطه وسيفه، فقتل السيد واستودع العبد السجن.
151

فصل
[في الذين يقتلون بعد الحد والتعزير مرتين]
يقتل في الثالثة بعد قيام الحد والتعزير عليه مرتين سنة:
شارب الخمر، جاءت به أحاديث صحيحة وبه قال أكثر أصحابنا، وإليه
ذهب سيدنا المرتضى في الانتصار والشيخ أبو جعفر ابن بابويه في كتاب من لا
يحضره الفقيه والشيخ المفيد في المقنعة والشيخ أبو جعفر في الاستبصار والنهاية،
وقال في المبسوط والخلاف: يقتل في الرابعة، فإن استحل ذلك وجب عليه
القتل أول مرة.
وشارب النبيذ أيضا يقتل في الثالثة، وبه قال الشيخ في النهاية والاستبصار
والشيخ أبو جعفر ابن بابويه في كتاب من لا يحضره الفقيه وأبو الصلاح، ورواه
الحسين بن سعيد عن محمد بن الفضيل عن أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله
عليه السلام عن أمير المؤمنين عليه السلام: ورواه يونس أيضا في الاستبصار عن
ابن مسكان عن سليمان بن خالد عن أمير المؤمنين عليه السلام.
وشارب الفقاع، وبه قال السيد المرتضى في الانتصار وأبو الصلاح، ورواه
محمد بن الحسن الصفار عن محمد بن الحسين عن محمد بن إسماعيل بن بزيع
عن أبي الحسن عليه السلام.
وآكل الربا، على ما ذكره الشيخ في النهاية ورواه أبو بصير غير مسند إلى
أحد من الأئمة عليهم السلام، فإن استحل ذلك وجب عليه القتل أول مرة.
ومن أفطر متعمدا في شهر رمضان، رواه سماعة غير مسند إلى أحد منهم
عليهم السلام، ورواه في التهذيب في كتاب الحدود في باب المرتد عن علي بن
إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: من أخذ في شهر رمضان وقد أفطر فرفع إلى الإمام يقتل في الثالثة، فإن
استحل ذلك وجب عليه القتل أول مرة، ورواه عن الحسن بن محبوب عن هشام
بن سالم عن بريد العجلي عن أبي جعفر عليه السلام.
152

والمساحقة، رواه محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن عبد الرحمن ابن
أبي هاشم عن أبي خديجة عن أبي عبد الله عليه السلام، فإن كانت محصنة قتلت
أول مرة، وذهب المفيد في المقنعة والمرتضى في الانتصار وأبو الصلاح في الكافي
إلى: أن عليها مائة جلدة سوط سواء كانت محصنة أو غير محصنة، وهو اختيار
ابن إدريس في كتاب السرائر، وقال أيضا في السرائر في باب وطء الأموات
والبهائم: ومتى تكرر وطء البهيمة أو الميتة وكان قد أدب وحد وجب عليه القتل
في الثالثة لأنا قد أجمعنا على أن صاحب الكبيرة يقتل في الثالثة.
أقول: إن الإجماع على ما ذكره متعذر، بل الأولى أن يستدل على ذلك بما
رواه في التهذيب في باب الحد في نكاح البهائم والأموات يونس ابن عبد الرحمن
عن أبي الحسن الماضي عليه السلام قال: أصحاب الكبائر كلها إذا أقيم عليهم الحد
مرتين قتلوا في الثالثة.
رواه الشيخ أبو جعفر ابن بابويه في كتاب من لا يحضره الفقيه في باب
نوادر الحدود عن صفوان بن يحيى عن يونس عن أبي الحسن الماضي عليه
السلام.
فصل
[مواضع يجب فيها قتل المرأة]
يجب قتل المرأة في خمسة عشر موضعا:
في الزنى إذا كانت محصنة قتلت في المرة الأولى وإن لم تكن محصنة قتلت
في الرابعة إذا حدت ثلاث مرات، وفي السحق على ما تقدم، وفي أكل الربا
وشرب الخمر، وفي الإفطار في شهر رمضان على ما تقدم، وفي فعل السحر، وفي
سب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو أحد من الأئمة عليهم السلام، وإذا
أحدثت حدثا في الكعبة، على ما رواه علي بن إبراهيم عن أبيه عن بعض أصحابه
عن أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: من أحدث حدثا في
153

الكعبة قتل.
وإذا قتلت حرا أو حرة، وإذا طلبت قتل الإنسان أو أخذ ماله ولم تنزجر إلا
بالقتل، وإذا اطلعت على عورات قوم ولم تنزجر إلا بالقتل، وإذا قذفت أو فعلت
فعلا يوجب التعزير وحدت أو عزرت ثلاث مرات وجب قتلها في الرابعة
كالرجل، وإذا سرقت فعل بها كما يفعل بالرجل في الأولى والثانية والثالثة
وتقتل في الرابعة على ما تقدم، وإذا رمت في دار قوم نارا فاحترقت أو أحرقت فيها
وجب قتلها كالرجل، وإذا تترس بها المشركون ولم يك للمسلمين بد من قتلها.
فصل
[مواضع لا تقطع فيها يد السارق]
لا يجب قطع السارق في ستة وعشرين موضعا:
من سرق أقل من ربع دينار، ومن سرق من غير حرز سواء بلغ ربع دينار
أو لم يبلغ، ومن سرق من الحمامات أو الخانات أو المساجد أو الأرحية إلا أن
يكون الشئ مدفونا فيها أو مغلقا عليه أو مقفلا، ومن نقب وجمع المتاع وكوره
ولم يخرجه، ومن أخرج المال من الحرز وادعى أن مالكه أعطاه إياه ولم تقم عليه
بينة عادلة بأنه سرقه، جاء به خبر صحيح.
ومن كان شريكا في المال فأخذ منه قدر نصيبه، فإن زاد على نصيبه ربع
دينار وجب قطعه، والصبي إذا كان له سبع سنين وسرق عفي عنه أول مرة، فإن
سرق ثانية عزر، فإن سرق ثالثة حكت أصابعه حتى تدمى، فإن سرق رابعة
قطعت أنامله التي هي رؤوس الأصابع الأربعة دون الإبهام، فإن سرق خامسة
وقد بلغ تسع سنين وجب قطع أصابع يمينه الأربع ويترك له الراحة والإبهام
كما يقطع الرجل، واعتبرنا السبع والتسع سنين لأنه قد جاء به خبر صحيح،
وقال أبو الصلاح: إذا سرق الصبي هدد في الأولى وحكت أصابعه في الثانية
بالأرض حتى تدمى وقطعت أطراف أنامله الأربع من المفصل الأول في الثالثة
154

ومن المفصل الثاني في الرابعة ومن أصول الأصابع في الخامسة.
والعبد إذا سرق من مال سيده لا يجب عليه القطع، وكذلك إذا أقر بأنه
سرق من غير سيده، فإن قامت عليه البينة بأنه سرق من غير سيده وجب عليه
القطع.
والأب إذا سرق من مال ولده سواء كان في حرز أو غير حرز، والزوج إذا
سرق من مال زوجته إذا لم يكن المال محرزا دونه، فإن كان محرزا دونه وجب
عليه القطع، والزوجة حكمها حكم الزوج في ذلك، والأجير إذا سرق من مال
المستأجر سواء كان محرزا أو غير محرز، والضيف إذا سرق من مال مضيفه
كذلك، جاء به خبر صحيح مطلقا، وقال الشيخ أبو جعفر في مسائل الخلاف
والمبسوط: إن كان محرزا دونهما وجب عليهما القطع.
وعبد الغنيمة إذا سرق من مال الغنيمة، ومن سرق وليس له يد ولا رجل،
ومن أقر مرة أو مرتين ثم رجع عن إقراره ألزم بالسرقة ولا قطع عليه، وقد روى
أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن أبان عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: إذا أقر نفسه عند الإمام أنه سرق ثم جحد قطعت يده وإن رغم أنفه.
وروى الحسين بن سعيد بن ابن أبي عمير عن حماد عن الحلبي، ومحمد ابن
الفضيل عن الكناني، وفضالة عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام
مثله.
وعنه عن ابن محبوب عن أبي أيوب عن الفضيل عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: إذا أقر الحر على نفسه بالسرقة عند الإمام مرة واحدة قطع، ومن أشهد عليه
شاهد واحد بالسرقة لا يقطع، ومن سرق وتاب قبل قيام البينة عليه بالسرقة.
ومن أقر على نفسه بالسرقة عند الإمام مرة ثانية في الإقرار لا يتحتم عليه
القطع بل الإمام مخير فيه إن شاء عفا عنه وإن شاء قطع، ومن سرق شيئا من
كم إنسان أو جيبه الظاهرين لا قطع عليه، رواه سهل بن زياد عن محمد بن
الحسن بن شمون عن عبد الله بن عبد الرحمن عن مسمع أبي سيار عن أبي عبد الله
155

عليه السلام.
ومن أقر تحت الضرب أو في الحبس أو أقر بالتخويف فلا قطع عليه، فإن
جاء بالسرقة بعينها وجب عليه القطع، وبه قال الشيخ في النهاية ورواه علي بن
إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن سليمان بن خالد عن أبي
عبد الله عليه السلام، وقال ابن إدريس: لا يجب عليه القطع.
وإذا شهد شاهدان على رجل بسرقة بعينها فقطع ثم أتيا بعد بآخر وقالا: هذا
الذي سرق وإنما وهمنا في حق الأول، لم تقبل شهادتهما على الثاني وغرما دية يد
الأول، فإن قالا: تعمدنا، وجب عليهما قطع أيديهما إن اختار ذلك المقطوع
ويؤدي إليهما دية واحدة، وإن اختار يد أحدهما كان له ذلك ويؤدي الشاهد
الآخر إلى المقطوع الثاني نصف دية يده.
ومن سرق شيئا من التمر أو الكرم وهو بعد في الشجر فلا قطع عليه، ومن
سرق شيئا من حجارة الرخام على ما رواه السكوني.
ومن سرق شيئا من الطير، على ما رواه محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد
بن عيسى عن محمد بن يحيى الخزاز عن غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله عليه
السلام: أن عليا عليه السلام أتي بالكوفة برجل سرق حماما فلم يقتله وقال: لا
قطع في الطير.
ومن سرق شيئا من المأكول في عام مجاعة: على ما رواه محمد بن يحيى
وغيره عن محمد بن أحمد عن محمد بن عيسى بن عبيد عن زياد القندي عمن
ذكره عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا يقطع السارق في سنة المحل في كل
شئ يؤكل من اللحم أو الخبز وأشباه ذلك.
فصل
[أقسام القتل وأحكامه]
القتل على ثلاثة أضرب: عمد محض، وخطأ محض، وخطأ شبيه بالعمد.
156

فالعمد المحض هو أن يقصد العاقل الكامل قتل غيره بما جرت به العادة
حصول الموت، فيجب القود على القاتل أو الدية بما رضي به أولياء المقتول
وبذلها القاتل.
وأما الخطأ المحض هو أن يرمي الإنسان شيئا فيصيب به غيره، فيجب فيه
الدية على العاقلة، وقال الشيخ المفيد في المقنعة يرجع العاقلة بها على القاتل إن
كان له مال فإن لم يكن له مال فلا شئ عليه. وقال سلار: ويرجع العاقلة بها
على مال القاتل، ولم يتعرض لكونه إذا لم يكن له مال فلا شئ عليه، والذي
ذكراه خلاف الإجماع.
وأما الخطأ شبيه بالعمد فهو أن يقصد الإنسان تأديب من له تأديبه بما جرت
به العادة في التأديب فيموت، أو يعالج الطبيب غيره بما جرت به العادة بحصول
النفع عنده فيموت، فحينئذ يجب فيه الدية على القاتل في ماله خاصة، وذهب
أبو الصلاح إلى أنها على العاقلة أيضا، وهو خلاف إجماع الإمامية.
وأما العاقلة فقد اختلف فيها، فقال ابن فارس في كتاب مجمل اللغة: العاقلة
هو بنو عم القاتل الأدنون. وقال الشيخ في مسائل الخلاف والمبسوط: العاقلة
كل عصبة خرجت من الوالدين والمولودين، وهم الإخوة وأبناؤهم إذا كانوا من
جهة أب وأم أو من جهة أب، والأعمام وأبناؤهم وأعمام الأب وأبناؤهم والموالي،
وبه قال الشافعي وجماعة أهل العلم. وقال الشيخ في النهاية: دية قتل الخطأ تلزم
العاقلة وهم الذين يرثون دية القاتل لو قتل ولا تلزم من لا يرث من ديته شيئا على
حال سواء، وهو اختيار ابن إدريس. وقال مصنف الوسيلة: العاقلة من يرث الدية
سوى الوالدين والزوج والزوجة.
والذي وقفت عليه من الأخبار مما يمكن أن يستدل به، ما رواه ابن محبوب
عن مالك بن عطية عن أبيه عن سلمة بن كهيل ما معناه: إن أمير المؤمنين عليه
السلام أتي برجل قتل رجلا خطأ وذكر أنه من أهل الموصل، فكتب إلى عامله
بالموصل أن يلزم بالدية من قرابة الرجل المسلم الذي له سهم في الكتاب من لا
157

يحجبه عن ميراثه أخذا نجوما في ثلاث سنين، فإن لم يكن كذلك وكان له قرابة
من قبل أبيه وقرابة من قبل أمه في النسب سواء أنه تلزم الرجال المذكورين من
قبل أبيه ثلثي الدية والرجال المذكورين من قبل أمه ثلث الدية، فإن لم يكن له إلا
قرابة من قبل أمه ألزم الرجال المذكورين منهم الدية في ثلاث سنين، وإن لم يكن
له قرابة ألزم أهل الموصل ممن ولد بها دون غيرها الدية وتستأدى في ثلاث
سنين، وإن لم يكن من أهل الموصل فرده إلي فأنا وليه والمؤدي عنه.
وروى الحسن بن محبوب عن هشام بن سالم عن زياد بن سوقة عن الحكم
عن عتيبة عن أبي جعفر عليه السلام... قال: يا حكم إذا كان الخطأ من القاتل
والخطأ من الجارح وكان بدويا فدية ما جنى البدوي من الخطأ على أوليائه من
البدويين، قال: وإذا كان القاتل أو الجارح قرويا فإن دية ما جنى من الخطأ على
أوليائه من القرويين.
روى محمد بن علي بن محبوب عن العلاء عن أحمد بن محمد عن ابن
أبي نصر عن أبي جعفر عليه السلام: في رجل قتل رجلا عمدا ثم فر فلم يقدر عليه
حتى مات؟ قال: إن كان له مال أخذ منه وإلا أخذ من الأقرب فالأقرب.
وروى الحسن بن محمد بن سماعة عن أحمد بن الحسن الميثمي عن أبان بن
عثمان عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل قتل رجلا
متعمدا ثم هرب القاتل فلم يقدر عليه؟ قال: إن كان له مال أخذت الدية من ماله
وإلا فمن الأقرب فالأقرب فإنه لا يبطل دم امرئ مسلم.
وروى يونس بن عبد الرحمن عمن رواه عن أحدهما عليهما السلام أنه قال في
الرجل إذا قتل رجلا خطأ فمات قبل أن يخرج إلى أولياء المقتول من الدية: إن
الدية على ورثته، فإن لم يكن له عاقلة فعلى الوالي من بيت المال.
ومن باب العتق ما رواه الحسين بن سعيد عن النضر عن عاصم عن محمد
بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال: قضى أمير المؤمنين عليه السلام في امرأة
أعتقت رجلا واشترطت ولاءه ولها ابن فألحق ولاؤه بعصبتها الذين يعقلون عنها
158

دون ولدها.
وعنه عن النضر عن عاصم بن حميد عن محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه
السلام قال: قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل حرر رجلا فاشترط ولاءه
فتوفي الذي أعتق وليس له ولد إلا النساء ثم توفي المولى وترك مالا وله عصبة
فاحتق في ميراثه بنات مولاه والعصبة، فقضى بميراثه للعصبة الذين يعقلون عنه إذا
أحدث حدا يكون فيه عقل.
وأما الدية في جميع أنواع القتل المذكورة فألف دينار أو عشرة آلاف
درهم أو مائتا حلة أو مائتا بقرة أو ألف من الشياه أو مائة من الإبل، وتختلف
أسنان الإبل باختلاف أنواع القتل، فإن كان القتل عمدا محضا فمائة من مسان
الإبل، وإن كان خطأ محضا فعشرون بنت مخاض وعشرون ابن لبون ذكر
وثلاث بنت لبون وثلاثون حقة، وبه قال الشيخ المفيد في المقنعة والشيخ
أبو جعفر في النهاية ومسائل الخلاف وأبو الصلاح في الكافي وسلار في رسالته.
وجاء به حديث صحيح رواه علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن
بعض أصحابنا عن عبد الله بن سنان، والحسين بن سعيد عن عبد الله بن المغيرة
والنضر بن سويد جميعا عن ابن سنان قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:
قال أمير المؤمنين عليه السلام في الخطأ شبه العمد أن يقتل بالسوط أو بالعصا أو
الحجر أن دية ذلك تغلظ وهي مائة من الإبل منها أربعون خلفة بين ثنية إلى بازل
عامها وثلاثون حقة وثلاثون بنت لبون، والخطأ يكون فيه ثلاثون حقة وثلاثون
بنت لبون وعشرون بنت مخاض وعشرون ابن لبون ذكر من الإبل، وقيمة كل
بعير مائة وعشرون درهما أو عشرة دنانير، ومن الغنم قيمة كل ناب من الإبل
عشرون شاة.
وروى علي عن محمد بن عيسى عن يونس عن محمد بن سنان عن العلاء بن
الفضيل عن أبي عبد الله عليه السلام: أنها خمس وعشرون بنت مخاض وخمس
وعشرون بنت لبون وخمس وعشرون حقة وخمس وعشرون جذعة...
159

وإلى ما تضمنه هذا الخبر ذهب مصنف الوسيلة، والعمل بالخبر الأول أولى
لأن محمد بن عيسى ومحمد بن سنان ضعيفان، وأيضا فالخبر الأول يعضده عمل
الجماعة.
وإن كان القتل خطأ شبيه العمد ففيه أربعون حقة ثنية إلى بازل عامها وثلاثون حقة
وثلاثون بنت لبون، على ما رواه عبد الله بن المغيرة والنضر بن سويد
عن ابن سنان في الحديث الذي تقدم. وروى أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن علي بن أبي حمزة
عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام أنها ثلاثة وثلاثون
حقة وثلاثة وثلاثون جذعة وأربع وثلاثون ثنية كلها طروقة الفحل.
وروى علي عن محمد بن عيسى عن يونس عن محمد بن سنان عن العلاء بن
الفضيل عن أبي عبد الله عليه السلام أنها ثلاث وثلاثون حقة وثلاث وثلاثون
جذعة وأربع وثلاثون خلفة كلها طروقة الفحل.
ورواه أيضا محمد بن سنان عن العلاء بن الفضيل في باب الديات وأربع و
ثلاثون ثنية كلها طروقة الفحل.
وقال الشيخ المفيد وأبو الصلاح وسلار: دية العمد شبيه الخطأ ثلاث
وثلاثون حقة وثلاث وثلاثون جذعة وأربع وثلاثون ثنية كلها طروقة الفحل،
وهو المذكور في خبر أبي بصير وخبر العلاء بن الفضيل.
وقال الشيخ أبو جعفر في النهاية ومسائل الخلاف: ثلاث وثلاثون بنت
لبون وثلاث وثلاثون حقة وأربع وثلاثون خلفة طروقة الفحل، وقال في الكتابين
المذكورين: وقد روي أنها ثلاثون بنت مخاض وثلاثون بنت لبون وأربعون
خلفة، ولم أقف في التهذيب ولا في الاستبصار على حديث بما ذكره في النهاية
ومسائل الخلاف في الخطأ شبيه العمد.
وتستأدى دية العمد المحض في سنة واحدة، ودية الخطأ المحض في ثلاث
سنين، فأما دية الخطأ شبيه العمد، فقد ذهب الشيخ أبو جعفر في مسائل الخلاف
إلى أنها تستأدى في سنة واحدة، وقال في المبسوط: تستأدى في سنين، وهو
160

مذهب الشيخ المفيد في المقنعة. وقال صاحب الوسيلة: تستأدى في سنة واحدة
إن كان غنيا وتستأدى في سنتين إن لم يكن كذلك، والصحيح أنها تستأدى في
سنة واحدة سواء كان غنيا أو غير غني، يدل على ذلك أن الأصل عدم التأخير
في الحقوق، ويدل عليه أيضا ما رواه الحسن بن محبوب عن أبي ولاد عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: كان علي عليه السلام يقول: تستأدى دية الخطأ في
ثلاث سنين وتستأدى دية العمد في سنة.
161

تبصرة المتعلمين
في أحكام الدين
للشيخ جمال الدين أبي منصور الحسن بن سديد الدين
يوسف بن زين الدين علي بن محمد مطهر الحلي المشتهر بالعلامة الحلي
والعلامة على الإطلاق
647 - 726 ه‍. ق
163

الفصل السابع: في حد الزنى:
وهو يثبت بإيلاج فرجه في فرج امرأة، حتى تغيب الحشفة، قبلا أو دبرا،
من غير عقد ولا شبهة عقد ولا ملك، بشرط بلوغه وعقله وعلمه بالتحريم
واختياره، ولو علم التحريم وعقد على المحرم ثبت الحد، ولو تشبهت الأجنبية
عليه حدت دونه، ولو ادعى الزوجية أو ما يصلح شبهة سقط الحد.
ولو تزوج المعتدة عالما حد مع الدخول، وكذا المرأة، ولو ادعى أحدهما
الجهالة المحتملة قبل، ويحد الأعمى مع انتفاء الشبهة المحتملة لا معها.
ويثبت بالإقرار من أهله أربع مرات، أو بشهادة أربعة رجال عدول أو ثلاثة
وامرأتين، ولو شهد رجلان وأربع نسوة ثبت الجلد دون الرجم، ولا يقبل رجل
واحد مع النساء وإن كثرن، ولو شهد أقل من أربعة حدوا للفرية.
ويشترط في الشهادة اتفاقها من كل وجه والمشاهدة عيانا كالميل في
المكحلة، ولو شهدوا بالمضاجعة والمعانقة والتقبيل والتفخيذ ثبت التعزير.
ولو أقر بما يوجب الرجم ثم أنكر سقط، ولو كان بحد لم يسقط، ولو أقر ثم
تاب تخير الإمام، ولو تاب بعد البينة تحتمت الإقامة، ولو كان قبلها سقط الحد.
ويقتل الزاني بأمه أو بإحدى المحرمات نسبا أو رضاعا أو بامرأة الأب، أو
بالمسلمة إذا كان ذميا، أو بمن أكرهها عليه، محصنا كان أو غير محصن عبدا أو
165

حرا مسلما أو كافرا.
أما الزاني بغير المحرمات نسبا أو رضاعا، فإن كان محصنا - وهو الذي له
فرج مملوك بالعقد الدائم أو الملك يغدو إليه ويروح - ويكون عاقلا، جلد
مائة، ثم رجم إن زنى ببالغة عاقلة، وإن كان بصغيرة أو مجنونة جلد خاصة،
وكذا المرأة المحصنة ترجم بعد الحد، وإحصانها كإحصان الرجل.
ولو راجع المخالع لم يرجع حتى يطأ، وكذا العبد إذا أعتق، والمكاتب إذا
تحرر، ولو زنت المحصنة بصغير حدت، ولو كان بمجنون رجمت، وإن كان غير
محصن جلد مائة سوط وحلق رأسه وغرب عن البلد، وليس على المرأة
والمملوك جز ولا تغريب.
فإن زنى بعد الحد ثانية تكرر الحد، وإن لم يحد كفى حد واحد، فإن زنى
ثالثة بعد الحدين قتل، وقيل في الرابعة، وكذا المرأة.
أما المملوك فيجلد خمسين محصنا كان أو غيره، وكذا المملوكة، ويقتل
في الثامنة أو التاسعة مع تكرار الحد في كل مرة.
مسائل:
الأولى: للحاكم إقامة الحد على أهل الذمة، ورفعه إلى أهل ملته ليقيموه عليه.
الثانية: لا يقام الحد على حامل حتى تضع، ويستغني الولد، ولا المريض ولا
المستحاضة وترجمان، ولو اقتضت المصلحة تقديم حد المريض ضرب بضغث
فيه مائة سوط دفعة.
ولا يقام في شدة الحر ولا البرد، ولا في أرض العدو، ولا على الملتجئ إلى
الحرم، ويضيق عليه في المطعم والمشرب حتى يخرج فيقام عليه الحد، ولو زنى
في الحرم حد فيه.
الثالثة: لو اجتمع الجلد والرجم بدئ بالجلد، ويدفن المرجوم إلى حقويه
والمرأة إلى صدرها، فإن فر أحدهما وقد ثبت بالبينة أعيد، وإن كان بالإقرار لم
166

يعد مع إصابة الحجر، ويبدأ الشهود بالرجم، وفي الإقرار الإمام.
الرابعة: يجرد للجلد، ويضرب أشد الضرب، ويتقى وجهه، وتضرب المرأة
جالسة وقد ربطت عليها ثيابها.
الخامسة: من تزوج بأمة على حرة مسلمة فوطئها قبل الإذن كان عليه ثمن
حد الزاني، ومن زنى في زمان شريف أو مكان شريف ضرب زيادة على الجلد.
الفصل الثامن: في اللواط والسحق والقيادة:
يثبت اللواط بما يثبت به الزنى إن أوقب قتل أو رجم أو ألقي من شاهق أو
أحرق، وللإمام إحراقه أو قتله بغيره وإن كان بصغير أو مجنون، ولو لاط
المجنون أو الصغير بعاقل أدبا، وقتل العاقل، ولو ادعى العبد إكراه مولاه قبل
وإلا قتل. ولو لاط الذمي بمسلم قتل وإن لم يوقب.
يقتل المفعول مع الإيقاب، ولو لم يوقب جلد مائة، حرا كان أو عبدا، فاعلا
أو مفعولا، ولو تكرر الحد قتل في الرابعة، ويعزر الأجنبيان المجتمعان في إزار
واحد مجردين من ثلاثين إلى تسعة وتسعين، ولو تكرر التعزير حد في الثالثة،
ويعزر من قبل غلاما بشهوة.
ويثبت السحق بما يثبت به الزنى، ويجب فيه جلد مائة على الفاعلة والمفعولة
الحرة والأمة سواء، ولو تكرر الحد قتلت في الرابعة، ويسقط الحد بالتوبة قبل
البينة كاللواط ولا يسقط بعدها.
وتعزر المجتمعتان تحت إزار واحد مجردتين، وتحدان لو تكرر التعزير
مرتين.
ويحد القواد خمسا وسبعين جلدة ويحلق رأسه ويشهر وينفى، حرا كان أو
عبدا مسلما أو كافرا، ولا جز على المرأة ولا نفي، ويثبت بشاهدين أو الإقرار
مرتين.
167

الفصل التاسع: في حد القذف:
من قال من المكلفين للبالغ العاقل الحر المسلم المحصن " يا زان " أو
" يا لائط " أو " يا منكوحا في دبره " أو " أنت زان " أو " لائط "، بأي لغة كانت،
مع معرفة القائل بالفائدة حد ثمانين جلدة، حرا كان أو عبدا.
ولو قال لمن اعترفه ببنوته " لست بولدي " أو قال لغيره " لست لأبيك "
وجب الحد، ولو قال: " يا بن الزاني أو الزانية " أو " يا بن الزانيين " فالحد للأبوين
إذا كانا مسلمين ولو كان المواجه كافرا، ويعزر لو قال للمسلم: " ابن الكافرة " أو "
أمك زانية "، ولو قال: " يا زوج الزانية " أو " يا أخ الزانية " أو " يا أب الزانية "
فالحد للمنسوبة إلى الزنى دون المخاطب، ولو قال: " زنيت بفلانة " أو " لاط بك
فلان " أو " لطت به " وجب حدان.
ويعزر في كل قول موجب للاستخفاف، كقوله لامرأته " لم أجدك
عذراء " أو " احتملت بأمك البارحة " أو " يا فاسق " أو " يا شارب الخمر " إذا لم
يكن المقول له متظاهرا.
وكذا يعزر قاذف الصبي والمجنون والكافر والمملوك والمتظاهر بالزنى.
والأب إذا قذف ولده، ولو قذف جماعة، فإن جاؤوا به مجتمعين فعليه حد
واحد، وإن جاؤوا متفرقين فلكل واحد حد.
ويثبت القذف بالإقرار مرتين من المكلف أو بشهادة عدلين، ويعزر الصبي
والمجنون إذا قذفا، والحد موروث كالمال، ولا ميراث للزوجين، ولو عفي أحد
الوراث كان للباقي الاستيفاء على التمام، ولو تكرر الحد ثلاثا قتل في الرابعة، ولو
تقاذف اثنان عزرا.
ويقتل من سب النبي عليه السلام أو واحدا من الأئمة عليهم السلام، ويحل
لكل سامع قتله مع أمن الضرر، وكذا يقتل مدعي النبوة ومن قال: لا أدري
صدق محمد عليه السلام وكذبه مع تظاهره بالإسلام أولا، والساحر إذا كان
مسلما، ويعزر الكافر.
168

الفصل العاشر: في حد المسكر:
من تناول مسكرا وفقاعا أو عصيرا قد غلا قبل ذهاب ثلثيه اختيارا مع العلم
بالتحريم والتكليف حد ثمانين جلدة عاريا على ظهره وكتفه، ويتقي وجهه
وفرجه، بعد الإفاقة، حرا كان أو عبدا أو كافرا متظاهرا، ولو تكرر الحد ثلاثا قتل
في الرابعة.
ولو شرب الخمر مستحلا فهو مرتد ويحد مستحل غيره، ولو باع الخمر
مستحلا استتيب، فإن تاب وإلا قتل، ويعزر بائع غيره، ولو تاب قبل قيام البينة
سقط الحد، ولا يسقط بعدها، ولو أقر ثم تاب تخير الإمام.
ويثبت بشهادة عدلين، أو الإقرار مرتين من أهله.
ولو شرب المسكر جاهلا به أو بالتحريم سقط الحد، ومن استحل ما أجمع
على تحريمه كالميتة قتل، ولو تناوله محرما عزر، ولا دية لمقتول الحد أو التعزير،
ولو بان فسق الشهود فالدية في بيت المال.
الفصل الحادي عشر: في حد السرقة:
ويشترط في قطع السارق: التكليف، وانتفاء الشبهة، وهتك الحرز - وهو
المستور بقفل أو غلق أو دفن - وإخراج النصاب - وهو ما قيمته ربع دينار ذهبا
خالصا مضروبا بسكة المعاملة - بنفسه سرا.
ومع الشرائط تقطع أصابعه الأربع من يده اليمنى، فإن عاد قطعت رجله
اليسرى من مفصل القدم ويترك له العقب، فإن عاد ثالثا خلد السجن، فإن سرق
فيه قتل، ولو تكررت السرقة من غير حد كفى حد واحد.
ولو سرق الطفل أو المجنون عزرا، ولا يقطع العبد بسرقة مال السيد،
ويقطع الأجير والزوج والزوجة والضيف مع الإحراز دونهم، ويستعاد المال من
السارق.
ولا يقطع السارق من المواضع المنتابة كالحمامات والمساجد، ولا من
169

الجيب والكم الظاهرين، ولو كانا باطنين قطع.
ويقطع سارق الكفن، وبائع المملوك والحر، ولو نبش ولم يأخذ عزر،
فإن تكرر وفات السلطان قتله.
ويثبت بشهادة عدلين أو الإقرار مرتين من أهله، ويكفي في غرم المال المرة
وشهادة الواحد مع اليمين، ولو تاب قبل البينة سقط الحد لا بعدها، ولو تاب بعد
الإقرار تخير الإمام.
مسائل:
الأولى: لو سرق اثنان نصابا فالأقوى سقوط الحد عنهما حتى يبلغ نصيب
كل واحد النصاب.
الثانية: قطع السارق موقوف على المرافعة، فلو لم يرافعه المسروق منه لم
يقطع الإمام، ولو وهبه أو عفا عن القطع سقط إن كان قبل المرافعة وإلا فلا.
الثالثة: لو أخرج النصاب دفعة وجب القطع، وكذا لو أخرجه مرارا على
الأقوى.
الرابعة: لو سرق الوالد من مال ولده لم يقطع، ولو سرق الولد قطع.
الخامسة: يقطع اليمين وإن كانت إحدى يديه أو هما شلاوين أو لم يكن له
يسار، ولو لم يكن له يمين قطعت يساره، وقيل رجله اليسرى.
الفصل الثاني عشر: في حد المحارب وغيره:
كل من جرد السلاح للإخافة في بر أو بحر ليلا أو نهارا، تخير الإمام بين
قتله وصلبه وقطعه مخالفا ونفيه. ولو تاب قبل القدرة عليه سقط الحد دون حقوق
الناس، ولو تاب بعدها لم يسقط، وإذا نفي كتب إلى كل بلد بالمنع من معاملته
ومؤاكلته ومجالسته إلى أن يتوب.
واللص محارب يدفع مع غلبة السلامة، فإن قتل فهدر، ومن كابر امرأة
170

على فرجها أو غلاما فلهما دفعه فإن قتلاه فهدر، ومن دخل دار قوم فزجروه فلم
ينزجر لم يضمنوا تلفه أو تلف بعض أعضائه، ويعزر المختلس والمستلب،
والمحتال بشهادة الزور وغيرها، والمبنج بما يرتدع غيره به ويستعاد منه ما
أخذه.
مسائل:
الأولى: إذا وطأ البالغ العاقل بهيمة عزر، ثم إن كانت مأكولة
اللحم حرم لحمها ولحم نسلها، وتذبح وتحرق ويغرم قيمتها لصاحبها، ولو اشتبهت قسم
القطيع نصفين ثم أقرع ثم قسم الخارج بالقرعة إلى أن يقع إلى واحدة.
ولو كانت غير مأكولة أخرجت من البلد وبيعت في غيره، ويغرم قيمتها
لصاحبها إن لم يكن له، ويتصدق بالثمن على رأي.
ويثبت بشهادة عدلين أو الإقرار مرتين، ولو تكرر التعزير قتل في الرابعة.
الثانية: من زنى بميتة فهو كمن زنى بحية في الحد واعتبار الإحصان، ويغلظ
هاهنا العقوبة، ولو كانت الميتة زوجة عزر، ويثبت بأربعة، وحكم اللائط بالميت
حكم اللائط بالحي ويغلظ عقوبته.
الثالثة: من استمنى بيده عزر، ويثبت بشهادة عدلين والإقرار مرة.
الرابعة: للإنسان الدفع عن نفسه وحريمه وماله ما استطاع، ويجب الأسهل،
فإن لم يندفع به انتقل إلى الأصعب، ومن اطلع على قوم فزجروه فلم ينزجر
فرموه بحصاة أو عود فجني عليه فهدر.
171

إرشاد الأذهان
للشيخ جمال الدين أبي منصور الحسن بن سديد الدين يوسف بن زين الدين
علي بن محمد مطهر الحلي المشتهر بالعلامة الحلي والعلامة على الإطلاق
647 - 726 ه‍. ق
173

كتاب الحدود
وفيه مقاصد:
الأول: في الزنى:
وفيه فصول:
الأول:
الزنى: إيلاج ذكر الإنسان حتى تغيب الحشفة في فرج امرأة - قبل أو دبر -
محرمة، من غير سبب مبيح ولا شبهة.
ويشترط في الحد: العلم بالتحريم والبلوغ والاختيار، فلو توهم العقد على
المحرمات المؤبدة صحيحا سقط، ولا يسقط الحد بالعقد مع العلم بفساده، ولا
باستئجارها معه للوطء، ولو توهم الحل به أو بغيره كالإباحة فلا حد، ولو
تشبهت عليه حدت هي دونه، ولو أكرها أو أحدهما فلا حد أو ادعيا الزوجية، ولو
ادعاها أحدهما سقط عنه وإن كذبه الآخر من غير بينة ولا يمين أو ادعى الشبهة،
ولو زنى المجنون بعاقلة حدت دونه، وبالعكس، ولو كانا مجنونين فلا حد،
ويحد الأعمى، إلا مع الشبهة ويصدق، ولو عقد فاسدا توهم الحل به فلا حد، ولا
حد في التحريم العارض كالحيض والإحرام والصوم.
ويشترط في الرجم مع الشروط السابقة الإحصان، وهو: التكليف والحرية
والإصابة في فرج مملوك بعقد دائم أو ملك يمين متمكن منه يغدو عليه
175

ويروح، والمرأة كالرجل، والفاسد والشبهة لا يحصنان، ولا تخرج المطلقة
رجعية عن الإحصان وتخرج بالبائن، ولو تزوجت الرجعية عالمة بالتحريم
رجمت، ويحد الزوج مع علمه بالتحريم والعدة، ولو جهل أحدهما فلا حد، ولو
علم أحد الزوجين اختص بالحد التام، ويقبل ادعاء الجهل من المحتمل في حقه،
ولا يشترط الإحصان في الواطئين، بل لو كان أحدهما محصنا رجم وجلد الآخر،
ويشترط في إحصان الرجل عقل المرأة وبلوغها، فلو زنى المحصن بمجنونة أو
صغيرة فلا رجم، وفي إحصان المرأة بلوغ الرجل خاصة، فلو زنت المحصنة
بصغير فلا رجم، ولو زنت بمجنون رجمت، ويشترط وقوع الإصابة بعد الحرية
والتكليف ورجعة المخالع.
الفصل الثاني: في ثبوته:
وإنما يثبت بأحد أمرين:
الأول: الإقرار:
ويشترط فيه العدد - وهو أربع مرات، فلو أقر أقل فلا حد وعزر - وبلوغ
المقر وعقله واختياره وحريته سواء الذكر والأنثى، وفي اشتراط إيقاع كل إقرار
في مجلس قولان، ويقبل إقرار الأخرس بالإشارة، ولو نسبه لم يثبت في حقه إلا
بأربع، وتحد بالمرة للقذف على إشكال، ولو لم يبين الحد المقر به ضرب حتى
ينهى أو يبلغ مائة، ولو أنكر إقرار الرجم سقط الحد، ولا يسقط بإنكار غيره، ولو
تاب تخير الإمام في الإقامة وعدمها جلدا ورجما، والحمل من الخالية عن بعل لا
يوجب الزنى، ولا يقوم التماس ترك الحد والهرب والامتناع من التمكين مقام
الرجوع.
الثاني: البينة:
ويشترط: العدد، وهو أربعة رجال عدول، أو ثلاثة وامرأتان، ولو شهد
176

رجلان وأربع نساء ثبت الجلد دون الرجم، ولا يقبل دون ذلك، بل يحد
الشهود للفرية، ولو كان الزوج أحدهم فالأقرب حدهم للفرية والمعاينة للإيلاج،
فلو شهدوا بالزنى من دونها حدوا للفرية، ويكفي أن يقولوا: لا نعلم سبب التحليل.
والاتفاق في جميع الصفات، فلو شهد بعض بالمعاينة والباقي بدونها، أو
بعض في زمان أو زاوية والباقي في غير ذلك حدوا للفرية، ولو شهد اثنان
بالإكراه واثنان بالمطاوعة حد الشهود على رأي، والزاني على رأي، ولا حد
عليها، ولو سبق أحدهم بالإقامة حد للقذف، ولم يرتقب إتمام الشهادة، ولو
شهدوا بزنى قديم سمعت، وكذا لو شهدوا على أكثر من اثنين.
وينبغي تفريق الشهود في الإقامة بعد الاجتماع، ولو شهد أربعة بالزنى فشهد
أربع نساء بالبكارة فلا حد، ولا على الشهود على رأي، ويسقط بالتوبة قبل البينة
لا بعدها، ويحكم الحاكم بعلمه، ولو شهد بعض وردت شهادة الباقين حد
الجميع وإن ردت بخفي على رأي.
الفصل الثالث: في العقوبة:
وهي أربعة:
الأول: القتل:
ويجب على الزاني بالمحرمات نسبا كالأم وبامرأة الأب، وعلى المكره
للمرأة، وعلى الذمي بالمسلمة سواء الشيخ والشاب والحر والعبد والمحصن
وغيره والمسلم والكافر.
الثاني: الرجم والجلد:
ويجبان على المحصن والمحصنة، واشترط الشيخ في الجميع الشيخوخة،
وأوجب على الشاب الرجم خاصة، ويبدأ بالجلد، وكذا لو اجتمعت الحدود بدئ
بما لا يفوت معه الآخر، ولا يتوقع برء جلده، ويدفن المرجوم إلى حقويه والمرأة
177

إلى صدرها، فإن فر أعيد إن ثبت بالبينة وإلا لم يعد، وقيل: يشترط إصابة
الحجارة، ويبدأ الشهود بالرجم وجوبا، وفي المقر يبدأ الإمام، ويستحب الإشعار،
وإحضار طائفة وأقلها واحد في الحد، وصغر الحجارة، ولا يرجمه من عليه حد،
ثم يدفن بعد رجمه، ولو غاب الشهود أو ماتوا لم يسقط الحد، ويرجم المريض
والمستحاضة.
الثالث: الجلد والجز والتغريب:
وهو واجب على الذكر الحر غير المحصن، وهل يشترط أن يكون مملكا؟
قولان، ويجلد مائة ويجز رأسه ويغرب عن مصره سنة، ويجلد مجردا قائما أشد
الضرب، ويفرق على جسده، ويتقى وجهه ورأسه وفرجه، والمرأة تضرب جالسة
قد ربطت عليها ثيابها، ولا يقام في شدة الحر والبرد - بل ينتظر التوسط، ففي نهار
الصيف طرفاه، وفي الشتاء أوسطه - ولا في أرض العدو، ولا في الحرم للملتجئ،
بل يضيق عليه في المطعم والمشرب، ولو جنى فيه حد، ولا يسقط باعتراض
الجنون ولا الارتداد، ولا تؤخر الحائض، ويؤخر المريض والمستحاضة إلى
البرء، فإن اقتضت المصلحة التقديم ضرب بالضغث المشتمل على العدد، ولا
يشترط وصول كل شمراخ إلى جسده، وتؤخر الحامل في الجلد والرجم حتى
تضع وترضع إن فقد الكافل، ولو زنى في زمان شريف أو مكان شريف عوقب
زيادة يراها الحاكم.
الرابع: الجلد خاصة:
وهو ثابت في حق المرأة وغير المملك على رأي والعبد، ويجلد الحر
والحرة مائة، والعبد والأمة خمسين وإن كانا محصنين، ولو تكرر من الحر الزنى
ثلاثا قتل في الرابعة أو الثالثة على خلاف، ومن المملوك ثماني قتل في التاسعة،
ولو تكرر من غير حد فواحد، ويتخير الإمام في رفع الذمي الزاني بذمية إلى
178

حاكمهم، والحكم بينهم بشرع الإسلام، ومن وجد مع زوجته رجلا يزني بها فله
قتلهما، ولا يصدق إلا بالبينة أو تصديق وليهما، ومن افتض بكرا بإصبعه فعليه مهر
نسائها، ولو كانت أمة فعشر قيمتها، ومن تزوج أمة على حرة مسلمة ووطأ قبل
الإذن فعليه ثمن حد الزاني.
المقصد الثاني: اللواط:
وهو وطء الذكران، فإن أوقب قتلا معا إن كانا بالغين عاقلين حرين كانا أو
عبدين، مسلمين أو كافرين، محصنين أو غيرهما أو بالتفريق، ولو ادعى المملوك
إكراه مولاه صدق، ولو لاط بصبي أو مجنون قتل وأدب الصبي، ولو لاط مجنون
بعاقل قتل العاقل وأدب المجنون.
ويتخير الإمام في القتل بين ضربه بالسيف والتحريق والرجم والإلقاء من
شاهق وإلقاء جدار عليه، والجمع بين أحدها مع الإحراق.
وإن لم يوقب جلدا مائة، حرين كانا أو عبدين مسلمين أو كافرين محصنين
أو غيرهما، أو بالتفريق على رأي، إلا الذمي إذا لاط بمسلم فإنه يقتل، ولو لاط بمثله
تخير الحاكم بين رفعه إلى أهل نحلته، وبين إقامة الحد بشرعنا، ولو تكرر الجلد
قتل في الرابعة أو الثالثة على خلاف.
ويثبت: بالإقرار أربع مرات من البالغ العاقل الحر المختار، وبشهادة أربعة
رجال بالمعاينة، فلو أقر دون الأربع عزر، ولو شهد دونها حدوا للفرية.
ويحكم الحاكم بعلمه، والمجتمعان في إزار واحد مجردين ولا رحم يعزران
من ثلاثين إلى تسعة وتسعين، فإن فعل بهما ذلك مرتين حدا في الثالثة، ويعزر
من قبل غلاما أجنبيا بشهوة.
والتوبة قبل البينة تسقط الحد لا بعدها، وبعد الإقرار يتخير الإمام.
179

المقصد الثالث: في السحق والقيادة:
تجلد المساحقة البالغة العاقلة مائة جلدة، حرة كانت أو أمة، مسلمة أو
كافرة، فاعله أو مفعولة، محصنة أو غيرها على رأي، فإن تكرر الحد ثلاثا قتلت في
الرابعة.
والتوبة تسقط الحد قبل البينة لا بعدها، ويتخير الإمام لو تابت بعد الإقرار.
وتعزر الأجنبيتان المجتمعتان في إزار مجردتين، فإن تكرر التعزير مرتين
حدتا في الثالثة.
ولو ألقت ماء الرجل في رحم البكر، جلدتا وغرمت مهر مثل البكر لها،
ولحق الولد بالرجل.
ويجلد القواد - وهو الجامع بين الرجال أمثالهم للواط، وبينهم وبين النساء
للزنا - خمسا وسبعين جلدة، ويحلق رأسه ويشهر وينفى، سواء الحر والعبد،
والمسلم والكافر والرجل والمرأة إلا في الجز والشهرة والنفي فيسقط عنها.
وتثبت بالإقرار مرتين من البالغ العاقل الحر المختار، وبشهادة عدلين.
المقصد الرابع: في حد القذف:
وفيه مطلبان:
الأول: في أركانه:
وهي ثلاثة:
الأول: الصيغة:
وهي: الرمي بالزنى أو اللواط، مثل: أنت زان أو لائط أو منكوح في دبره، أو
زنيت أو لطت، أو يا زان أو يا لائط، أو أنت زانية أو زنى بك وما أشبه ذلك، بأي
لغة كان مع معرفته، وكذا: لست بولدي لمن اعترف به، أو لست لأبيك، ولو
قال: زنت بك أمك أو يا بن الزانية فقذف للأم، وزنى بك أبوك أو يا بن الزاني
فقذف للأب، ويا بن الزانيين وزنى بك أبواك فلهما، وولدتك أمك من الزنى
180

قذف للأم، وولدت من الزنى قذف لهما على إشكال، ويا زوج الزانية أو يا أبا
الزانية أو يا بن الزانية أو أخا الزانية قذف للمنسوب إليه دون المواجه، وزنيت
بفلانة أو لطت بفلان قذف للمواجه والمنسوب على إشكال، ولو قال: يا ديوث أو
يا كشحان أو يا قرنان، وفهم إرادة الرمي للأخت والأم والزوجة حد، وإلا عزر إن
أفادت الشتم، وإلا فلا.
الثاني: القاذف:
ويشترط فيه: البلوغ والعقل سواء الذكر والأنثى، فيعزر الصبي والمجنون
وإن قذفا كاملا، وفي المملوك قولان: أحدهما أنه كالحر، والآخر أن عليه
النصف، وكذا الخلاف في الأمة، فلو ادعاها صدق مع الجهل، وعلى مدعي
الحرية البينة.
الثالث: المقذوف:
ويشترط فيه: البلوغ والعقل والحرية والإسلام والعفة، فلو قذف صبيا أو
عبدا أو مجنونا أو كافرا أو متظاهرا بالزنى عزر، ولو قال لمسلم حر: يا بن الزانية،
وكانت كافرة أو أمة عزر على رأي، ولو قال للكافر وأمه مسلمة حرة حد، ولو
قال لابن الملاعنة أو لابن المحدودة بعد التوبة حد لا قبلها، ويعزر الأب لو قذف
ولده أو زوجته الميتة إذا كان هو الوارث، ولو كان غيره حد له تاما، ويحد الولد
بقذف الوالد والأم بقذف الولد وبالعكس.
المطلب الثاني: في الأحكام:
يجب بالقذف مع الشرائط ثمانون جلدة متوسطا بثيابه، ويشهر لتجتنب
شهادته، ويثبت بإقرار المكلف الحر المختار مرتين، وبشهادة عدلين، ولو تقاذفا
عزرا، ولا يسقط الحد إلا بالبينة المصدقة أو تصديق المقذوف أو العفو، ويسقط
181

بذلك وباللعان في الزوجة.
وكل تعريض بما يكرهه المواجه يوجب التعزير: كانت ولد حرام، أو
حملت بك أمك في حيضها، أو لم أجدك عذراء، أو احتملت بأمك البارحة، أو
يا فاسق، أو يا كافر، أو يا خنزير، أو يا حقير، أو يا وضيع، أو يا أجذم، أو
يا أبرص.
ولو كان المقول له مستحقا فلا تعزير، ولو قذف جماعة بلفظ واحد وجاؤوا
به مجتمعين فحد واحد، وإن تفرقوا به فلكل حد، ولو قذفهم على التعاقب فلكل
حد.
ويرث حد القذف وارث المال عن الذكر والأنثى عد الزوج والزوجة، ولو
ورثه جماعة فعفا أحدهم كان للباقي الجميع وإن كان واحدا، وللمستحق العفو
قبل الثبوت وبعده، ولا يقيمه الحاكم إلا بعد مطالبته، ولا يطالب الأب لو قذف
الولد البالغ الرشيد.
ولو تكرر الحد ثلاثا قتل الرابعة، ولو قذف فحد فقال: الذي قلت كان
صحيحا عزر، ولو كرر القذف فحد واحد، ولو تخلل الحد تعدد، ولو تنابز
الكفار عزروا إن خشي الفتنة.
وساب النبي وأحد الأئمة عليهم السلام يقتله السامع مع أمن الضرر.
ومدعي النبوة، والشاك في نبوة نبينا عليه السلام ممن ظاهره الإسلام،
وعامل السحر المسلم يقتلون، ولو عمله الكافر أدب.
وكل من فعل محرما أو ترك واجبا عزره الإمام بما يراه، ولا يبلغ حد
الأحرار إن كان حرا، وحد العبيد إن كان عبدا، ولا يؤدب الصبي والمملوك
بأزيد من عشرة أسواط، ويستحب لمن ضرب عبدا حدا في غيره عتقه.
وكل ما يجب به التعزير لله تعالى يثبت بشاهدين أو بالإقرار من أهله مرتين،
ويعزر من قذف أمته أو عبده، ولا يسقط الحد بإباحة القذف، لما فيه من مشابهة
حق الله تعالى، ولا يقع موقعه لو استوفاه المقذوف، لكن الأغلب حق الآدمي
182

لسقوطه بعفوه وانتقاله بالإرث.
وإنما يجب الحد بقذف ليس على صورة الشهادة، ولو شهد الفاسق حد،
ولو رد القاضي شهادة الأربعة لأداء اجتهاده إلى تفسيقهم فلا حد، والشهادة هي
التي تؤدي في مجلس القضاء بلفظ الشهادة مع الشرائط، وما عداه قذف.
المقصد الخامس: في حد الشرب:
وفيه مطلبان:
الأول: في الأركان:
وهي اثنان:
الشارب: والمراد به المتناول بشرب وأكل، صرفا وممتزجا بالأغذية
والأدوية، وشرطه: البلوغ والعقل والإسلام والاختيار والعلم، فلا حد على الصبي
بل يعزر، ولا المجنون، ولا الحربي، ولا الذمي مع الاستتار - فإن ظهر بها حد -
ولا على المكره، ولا من اضطره بالعطش أو إساغة اللقمة، ولا على جاهل
التحريم، ولا جاهل المشروب، ويثبت على العالم بهما وإن جهل وجوب الحد.
الثاني: المشروب، وهو كل ما من شأنه أن يسكر وإن لم يبلغ حد الإسكار،
سواء كان خمرا أو نبيذا أو بتعا أو نقيعا أو مزرا أو غيرها من المسكرات، والفقاع
حكمه حكم المسكر، والعصير إذا غلى واشتد وإن لم يقذف بالزبد ولا أسكر، إلا
أن يذهب ثلثاه أو ينقلب خلا، ولو غلى التمر أو الزبيب ولم يسكر فلا تحريم.
المطلب الثاني: في الأحكام:
ويجب الحد ثمانون جلدة - رجلا كان أو امرأة، حرا أو عبدا - عاريا على
ظهره وكتفيه بعد إفاقته، ولو حد ثلاثا قتل في الرابعة، ولو تكرر الشرب من غير
حد فواحد.
ويثبت الشرب بشهادة عدلين ذكرين، وبالإقرار مرتين من أهله، ولو شهد
183

أحدهما بالشرب والآخر بالقئ حد، ويلزم منه الحد لو شهدا بالقئ، ولا يعول
الحاكم على النكهة والرائحة، ويكفي أن يقول الشاهد: شرب مسكرا، أو ما شرب
غيره فسكر، والأقوى الحكم بارتداد من استحل شرب الخمر، فيقتل من غير توبة
إن كان عن فطرة، ولا يقتل مستحل غيره بل يحد.
وبائع الخمر مستحلا يستتاب، فإن رجع وإلا قتل، ويعزر لو لم يستحل،
وما عداه يعزر وإن استحله ولم يتب، والتوبة قبل البينة تسقط الحد لا بعدها،
وبعد الإقرار قيل: يتخير الإمام، وقيل: يجب الحد هنا.
ومن استحل المحرمات المجمع عليها - كالميتة والخمر ولحم الخنزير
والربا - ممن ولد على الفطرة يقتل، فإن فعله محرما عزر.
المقصد السادس: في السرقة:
وفيه مطالب:
الأول: السارق:
وشرطه: البلوغ فالصبي يؤدب وإن تكرر منه، والعقل فلا حد على
المجنون، وارتفاع الشبهة، فلو توهم الملك فبان الخلاف، أو سرق من
المشترك ما يظنه نصيبه فزاد فلا قطع، وكذا الغنيمة، أو سرق ملك نفسه من
المستأجر والمرتهن.
وهتك الحرز منفردا أو مشاركا، فلو هتك غيره وأخرج هو فلا قطع.
وإخراج المتاع بنفسه أو بالشركة، إما بالمباشرة أو بالسبب، كوضعه على
دابة أو جناح طائر أو على وجه الماء أو أمره للصبي بإخراجه.
ولو نقب وأخرج في ليلة أخرى قطع إلا مع إهمال المالك بعد اطلاعه،
ولو اشتركا في النقب والإخراج قطعا إن بلغ نصيب كل واحد نصابا، ولو
اشتركا في النقب وأخرج أحدهما اختص بالقطع، ولو أخرجه أحدهما إلى حد
النقب فأدخل الآخر يده فأخرجه قطع خاصة، ولو أخرجه الأول إلى ظاهر النقب
184

فأخذه الآخر قطع الأول خاصة، ولو جعله في وسط النقب فأخذه آخر فالأقرب
سقوط القطع عنهما، إذ لم يخرجه كل منهما عن كمال الحرز، ولو أكل في
الحرز أو ابتلع جوهره ولم يقصد الانفصال عنه فلا قطع، ولو قصد قطع.
ويشترط أن لا يكون والدا من ولده فإنه لا قطع، وبالعكس يقطع، وكذا
تقطع الأم لو سرقت مال الولد.
وأن يأخذ سرا، فلو أخذه قهرا أو بالخيانة لوديعته فلا قطع.
ولا فرق بين المسلم والكافر والحر والذكر وغيرهم، ولا يقطع عبد
المسروق منه وإن كان للغنيمة، بل يؤدب، ويقطع الأجير لو أحرز من دونه،
والضيف كذلك والزوج والزوجة، ولو ادعى السارق الهبة أو الإذن أو الملكية
قدم قول المالك ولا قطع.
المطلب الثاني: المسروق:
وشرطه: أن يبلغ قيمته ربع دينار ذهبا خالصا مضروبا بسكة المعاملة قطعا
لا باجتهاد المقوم من أي نوع كان المال، ويقطع في خاتم وزنه سدس وقيمته
ربع، ولو ظن الدنانير فلوسا لا تبلغ نصابا قطع، ولو سرق قميصا وقيمته أقل
وفيه نصاب لا يعلمه ففي القطع إشكال، ولو أخرج نصف الثوب من النقب فلا
قطع وإن كان المخرج أكثر من نصاب، ولو أخرج نصابا من حرزين فلا قطع.
وأن يكون محرزا بقفل أو غلق أو دفن، فلا قطع في المأخوذ من غير حرز
كالحمامات والمساجد وإن راعاه المالك، ولا في سارق ستارة الكعبة على رأي،
ولا في السارق من الجيب والكم الظاهرين، بل يقطع من الباطنين، ولا في ثمرة
الشجرة عليها بل محرزة، ولا على من سرق مأكولا عام مجاعة، ولا على سارق
الجمال والغنم في الصحراء مع إشراف المالك عليها.
ويقطع سارق الصغير المملوك حدا والحر مع بيعه حدا دفعا لفساده، ولو
نقب بيته وأخرج مال المستأجر أو المستعير قطع لا مال الغاصب، ومن سرق
185

الوقف مع مطالبة الموقوف عليه، أو باب الحرز على رأي والمال من الباب
المفتوح مع حراسة المالك على إشكال، وسارق الكفن وإن لم يكن نصابا على
رأي، ولو نبش ولم يأخذ عزر، فإن تكرر وفات السلطان قتل.
ولو سرق اثنان نصابا قطعا على رأي، وسقط عنهما على رأي، ولو أخرج
النصاب في دفعتين وجب القطع، ولو أحدث ما ينقصه عن النصاب - كقطع
الثوب قبل الإخراج - فلا قطع، أما لو نقصت قيمته بعده قبل المرافعة ثبت
القطع.
ولو قال المسروق منه: هو لك، فأنكر فلا قطع، ولو قال السارق: هو
ملك شريكي في السرقة، فلا قطع، فإن أنكر شريكه لم يقطع المدعي، وفي
المنكر إشكال، ولو قال العبد: هو ملك سيدي، فلا قطع وإن كذبه السيد.
ولو سرق مستحق الدين عن غريمه المماطل فلا قطع، ولا على مستحق
النفقة، ويقطع لو سرق من الودعي والوكيل والمرتهن، وبسرقة مباح الأصل
كالماء والحطب بعد الإحراز.
المطلب الثالث: في الحد:
ويجب بأول مرة قطع الأصابع الأربع من اليد اليمنى، وتترك الراحة
والإبهام وإن كانت شلاء أو كانت يداه شلاوين، فإن سرق ثانيا قطعت رجله
اليسرى من مفصل القدم ويترك عقبه، فإن سرق ثالثا خلد في الحبس، فإن
سرق فيه قتل، ولو تكررت السرقة من غير حد فواحد، ولو كانت له إصبع زائدة
في إحدى الأربع قطعت إن لم يمكن قطعها منفردة، ولو قطع الحداد اليسار
قصدا اقتص منه ولم يسقط قطع اليمنى، ولو ظنها اليمنى فالدية عليه ولا يسقط
القطع، ولو لم يكن له يمين قيل: تقطع اليسرى، وقيل: الرجل، ولو لم تكن له
يسار قطعت يمينه، ولو كانت له يمين فذهبت قبل القطع لم تقطع يساره، ولو
سرق ولا يد له ولا رجل حبس، ولو كان له كفان قطعت أصابع الأصلية.
186

وتثبت بشهادة عدلين أو الإقرار مرتين من أهله، وبالمرة يثبت الغرم خاصة،
ولو رد المكره على الإقرار السرقة لم يقطع على رأي، ولو رجع بعد الإقرار
مرتين لم يسقط القطع، ولو تاب قبل الثبوت سقط لا بعده.
ويستحب الحسم بالزيت، ويجب رد العين، فإن تعذر غرم المثل، أو القيمة
إن تعذر المثل أو لم يكن مثليا، ولو تعيب ضمن، ولو مات المالك فإلى الورثة،
فإن فقدوا فللإمام.
مسائل من هذا الباب:
لو شهد رجل وامرأتان ثبت الغرم خاصة، ويشترط في الشهادة التفصيل،
ولو سرق ولم يقدر عليه فسرق ثانيا غرم المالان وقطع بالأولى خاصة، ولو
شهدت البينة فقطع ثم شهدت بعده بأخرى، قيل: تقطع رجله اليسرى، ولا
تقطع إلا بعد مطالبة المالك وإن قامت البينة أو أقر، ولو وهبه المال أو عفا عن
القطع سقط إن كان قبل المرافعة لا بعدها، ولو ملكه بعد المرافعة لم يسقط، ولو
أعاده إلى الحرز، قيل: لا يسقط، ويشكل من حيث توقفه على المرافعة، ولو
كذب الشاهد لم يسقط، أما لو ادعى ما يخفى عنه - كالاتهاب من المالك، أو
نفي الملك عن المالك - سقط، ولا يقبل إقرار العبد في القطع ولا الغرم ولا
السيد عليه، ولو اتفقا قطع، ويستحب للحاكم التعريض بالإنكار، مثل: ما
أظنك سرقت، ويستوي في القطع الذكر والأنثى والحر والعبد والمسلم
والكافر، ولو قصد بسرقة آنية الذهب الكسر فلا تقطع، ولو سرق ما وضع في
القبر أو ما لبس للميت به غير الكفن فلا قطع.
187

المقصد السابع: في المحارب:
وفيه بحثان:
الأول: في ماهيته:
وهو: كل من جرد السلاح لإخافة الناس، في بر أو بحر، ليلا أو نهارا، في
مصر وغيره، ذكرا وأنثى، ولو أخذ في بلد مالا بالمقاهرة فهو محارب، وتثبت
المحاربة بشاهدين عدلين وبالإقرار مرة من أهله، ولو شهد بعض اللصوص على
بعض أو بعض المأخوذين لبعض لم تقبل.
واللص محارب، فإذا دخل دارا متغلبا فلصاحبها المحاربة، فإن قتل فهدر،
ويضمن لو جنى، ويجوز الكف عنه إلا أن يطلب النفس ولا مهرب، فيحرم
الاستسلام، ولو عجز عن المقاومة وأمكن الهرب وجب، والأقرب عدم اشتراط
كونه من أهل الريبة، وعدم اشتراط قوته، فلو ضعف عن الإخافة وقصدها
فمحارب على إشكال.
والطليع ليس بمحارب، والمستلب والمختلس والمحتال بالتزوير والرسائل
الكاذبة والمبنج وساقي المرقد لا قطع عليهم بل التعزير وإعادة المال وضمان
الجناية إن وقعت.
البحث الثاني: في الحد:
وفيه قولان: التخيير بين القت والصلب وقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى،
والنفي عن بلده ثم يكتب إلى كل بلد يقصده بالمنع من مواكلته ومشاربته
ومعاملته ومجالسته إلى أن يتوب، ويمنع من بلاد الحرب، ويقاتلون لو أدخلوه.
والترتيب، فيقتل إن قتل ولو عفا الولي قتل حدا، ويقتل إن أخذ المال بعد
استعادته وقطع يده اليمنى ورجله اليسرى، ثم يصلب بعد قتله، وإن أخذ المال
خاصة قطع مخالفا ونفي، وإن جرح خاصة اقتص منه ونفي، وإن أشهر السلاح
خاصة نفي.
189

ولو تاب قبل القدرة عليه سقط الحد دون المال والقصاص، ولو تاب بعدها
لم يسقط، ولا يعتبر في قطعه أخذ النصاب ولا الحرز، ولو فقد أحد العضوين
اقتصر على الآخر.
ولو قتل للمال اقتص إن كان المقتول كفؤا، ولو عفا الولي قتل حدا وإن
لم يكن كفؤا، ولو قتل لا له فهو عامد أمره إلى الولي، ولو جرح للمال اقتص
الولي، فإن عفا سقط.
خاتمة:
وللإنسان أن يدفع عن نفسه وماله وحريمه بقدر المكنة، ولا يجوز التخطي
إلى الأشق مع إفادة الأسهل، فيقتصر على الصياح إن أفاد، وإلا فالضرب باليد أو
العصا أو السلاح مع الحاجة، والمدفوع هدر والدافع شهيد مضمون.
ولا يبدأ الدافع إلا مع القصد، فإن أدبر كف عنه، فإن عطله قاصدا لم
يذفف، ولو قطع يده مقبلا فلا قصاص وإن سرت، فلو ضربه أخرى مدبرا ضمن،
وإن سرتا اقتص بعد رد نصف الدية، وإن سرت الأولى ثبت قصاص الثانية
خاصة، وإن سرت الثانية ثبت قصاص النفس، فإن قطع يده مقبلا ثم رجله مدبرا
ثم يده مقبلا وسرى الجميع، أو يديه مقبلا ورجله مدبرا فالنصف فيهما على رأي.
ولو وجد مع زوجته أو غلامه أو جاريته من ينال دون الجماع، فهو هدر إن
لم يندفع بالدفاع.
وله زجر المطلع، فإن أصر فرماه بحصاة أو عود فهدر، ولو بادر من غير
زجر ضمن أو رمى ذا الرحم بعد الزجر، إلا أن تكون المرأة مجردة.
ولو تلفت الدابة الصائلة بالدفع فلا ضمان.
ولو انتزع يده فسقطت أسنان العاض فلا ضمان، وإن افتقر إلى الجرح
بالسكين أو اللكم جاز، ويعتمد الأسهل وجوبا مع الامتناع به، فيضمن لو
تخطأه.
190

ويضمن الزحفان العاديان، فإن كف أحدهما وصال الآخر ضمن، ولو دفعه
الممسك فلا ضمان إن أدى الدفع إلى جناية، ولو تجارحا وادعى كل الدفع
تحالفا وضمنا.
ولو أكرهه الإمام بالصعود إلى نخلة أو النزول في بئر فالضمان على بيت
المال إن كان لمصلحة عامة، ولو لم يكرهه فلا دية.
ولو أدب زوجته أو ولده ضمن الجناية.
ولا ضمان على المأمور بقطع السلعة، ولو قطعها الأب أو الجد أو الأجنبي
عن الصغير والمجنون ضمنوا الدية.
ولو ادعى القاتل إرادة نفسه أو ماله، وأقام البينة بدخوله مع سيف مشهر
مقبلا على صاحب المنزل، فلا ضمان.
المقصد الثامن: في الارتداد:
وهو: قطع الإسلام من مكلف، إما بفعل: كالسجود للصنم، وعبادة
الشمس، وإلقاء المصحف في القاذورات، وشبه ذلك مما يدل على الاستهزاء.
وإما بقول: عنادا، أو استهزاء، أو اعتقادا، ولا عبرة بردة الصبي والمجنون
والمكره والسكران.
ولو كذب الشاهدين بالردة لم يقبل، ولو ادعى الإكراه قبل مع الأمارة،
ولو نقل الشاهد لفظه فصدقه وادعى الإكراه قبل، إذ لا تكذيب فيه، بخلاف
الشهادة بالردة، فإن الإكراه ينفي الردة دون اللفظ، ولا تسمع الشهادة إلا مفصلة،
ولو أكره الكافر على الإسلام قبل منه إن لم يكن ممن يقر على دينه وإلا فلا، ولو
صلى بعد ارتداده لم يحكم بإسلامه.
والمرتد إما عن فطرة، وهو المولود على الإسلام، فهذا يجب قتله، ولا تقبل
توبته وتعتد في الحال زوجته عدة الوفاة، وتنتقل تركته إلى ورثته.
وإما عن غير فطرة، وهو: من أسلم عن كفر ثم ارتد، فيستتاب ثلاثة أيام، فإن
191

تاب قبلت توبته ولا تزول أملاكه، بل هي باقية عليه إلى أن يقتل أو يتوب، وتعتد
زوجته في الحال عدة الطلاق، فإن رجع في العدة فهو أملك بها، وإلا بانت،
وتؤدي من أمواله ديونه وما عليه من النفقات ما دام حيا، ولو قتل أو مات فميراثه
لورثته المسلمين، فإن لم يوجد مسلم فللإمام.
وولد المرتد بحكم المسلم، فإن بلغ مسلما وإلا استتيب، فإن تاب وإلا قتل،
ولو قتله قاتل قبل وصفه بالكفر قتل به، سواء قتله بعد بلوغه أو قبله، ولو ولد بعد
الردة من مسلمة فهو بحكم المسلم وإن كانت مرتدة، والحمل بعد ارتدادهما
فحكمه حكمهما لا يقتل المسلم بقتله، وفي استرقاقه إشكال.
ويحجر الحاكم على أموال المرتد لئلا يتلفها، فإن عاد فهو أولى بها، وإن
التحق بدار الحرب احتفظت.
والمرأة المرتدة لا تقتل وإن كانت عن فطرة، بل تحبس دائما وتضرب
أوقات الصلوات، ولو تكرر الارتداد قتلت في الرابعة.
وما يتلفه المرتد على المسلم في الدارين يضمنه قبل انقضاء الحرب وبعده،
بخلاف الحربي على إشكال.
ولو جن بعد الردة عن غير فطرة لم يقتل، ولو تزوج بمسلمة أو كافرة لم
يصح.
وكلمة الإسلام: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ولو جحد عموم
نبوته عليه السلام أو وجوده نبه على ذلك.
ولو قتل المرتد مسلما عمدا قتل به، فإن عفا الولي قتل حدا، وإن قتل خطأ
فالدية في ماله مخففة، وتحل بقتله أو موته، ولو قتله من يعتقد بقاءه بعد توبته ففي
القصاص إشكال.
ولو طلب الاسترشاد احتمل عدم الإجابة، بل يكلف الإسلام ثم يستكشف.
ويملك ما يكتسبه حال ردته عن غير فطرة، وعنها إشكال.
192

المقصد التاسع: في وطء البهائم والأموات:
من وطأ من العقلاء البالغين دابة مأكولة اللحم عزر وغرم قيمتها إن لم تكن
له، وحرمت ونسلها المتجدد ولبنها وذبحت وأحرقت، وإن كانت غير مأكولة
اللحم كالخيل والبغال والحمير أخرجت من البلد وبيعت في غيره، وأغرم ثمنها
لمالكها، ويتصدق بما يباع به على رأي، ودفع إليه على رأي.
ويثبت بعدلين وبالإقرار مرة إن كانت ملكه، وإلا ثبت التعزير، ويقتل مع
تخلل التعزير ثلاثا.
ووطء الميتة كالحية، بل يغلظ في العقوبة في غير المحصن، ولو كانت
زوجة عزر، ويثبت بما يثبت به الزنى على رأي، وبعدلين أو الإقرار مرتين على
رأي.
واللائط بالميت كالحي، ويغلظ لو لم يوقب.
ويعزر المستمني بيده، ويثبت بعدلين أو الإقرار مرة.
تتمة:
لا كفالة في حد ولا شفاعة في إسقاطه، ولا تأخير مع الإمكان، ولا دية
لمقتول الحد أو التعزير على رأي، وعلى بيت المال على رأي.
ولو ظهر فسق الشاهدين بعد الحد فالدية في بيت المال، ولو أنفذ الحاكم
إلى حامل لإقامة الحد فأجهضت خوفا فدية الجنين في بيت المال.
ولو أمر الحاكم بالضرب أزيد من الحد فمات ضمن نصف الدية في ماله إن
لم يعلم الحداد، ولو كان سهوا فالنصف على بيت المال، ولو زاد الحداد عمدا
مع أمر الحاكم بالاقتصار على الواجب فالنصف عليه في ماله، وإن كان سهوا
فعلى عاقلته، وسراية الحد غير مضمونة وإن أقيم في حر أو برد.
193

تلخيص المرام
في معرفة الأحكام
للشيخ جمال الدين أبي منصور الحسن بن سديد الدين
يوسف بن زين الدين علي بن محمد مطهر الحلي المشتهر بالعلامة الحلي
والعلامة على الإطلاق
647 - 726 ه‍. ق
195

كتاب الحدود
وفيه فصول:
الأول:
يجب بإيلاج الإنسان ذكره في فرج امرأة محرمة من غير عقد ولا شبهة
ولا ملك حتى تغيب الحشفة، قبلا أو دبرا، بشرط العلم بالتحريم والاختيار
والبلوغ الحد، وفي الرجم زيادة الإحصان وهو أن يكون للبالغ الحر فرج
مملوك بالدائم أو الملك متمكن منه يغدو عليه ويروح موطوء.
ولا يشترط الإسلام قيل: ولا العقل فيحد المجنون أو يرجم، والمرأة
كالرجل إلا العقل فإنه يشترط إجماعا، ولو زنا العاقل ولو عقد على إحدى
المحرمات نسبا أو رضاعا جاهلا فلا حد، ويثبت مع العلم، وإن استأجرها للوطء
أو غيره إلا مع توهم الحل به، وكذا كل موضع متوهم، والمتشبهة تحد دونه.
وروي حده سرا وحدها جهرا، ولا حد مع إكراه المرأة قطعا والرجل على
الأولى، ويثبت للمكرهة على الواطئ مهر المثل، ولا مع ادعاء الزوجية ولا تكلف
البينة واليمين ولا مع ادعاء ما يصلح شبهة.
والرجعي لا يخرج عن الإحصان فلو تزوجت عالمة حدت مع الزوج إن
علم التحريم والعدة وإلا فلا، ويختص مع الاختصاص، ويقبل من مدعي الجهالة
مع الإمكان، ويخرج بالبائن فلو راجع المخالع فلا رجم إلا بعد الوطء، وكذا
197

العبد لو أعتق والمكاتب لو تحرر، ويحد الأعمى ويصدق مع ادعاء الاشتباه
المحتمل على رأي.
ويثبت الزنى بإقرار البالغ المختار الحر أربعا في أربعة مجالس إجماعا، ولو
اتحدت فإشكال، ويثبت التعزير بالأقل وبالتقبيل والمضاجعة والمعانقة،
ويشترك الرجل والأنثى، وتقبل إشارة الأخرس ولو نسبه ثبت في حقه بأربع،
وفي القذف نظر، ولو لم يبين الحد المقر به لم يكلف وضرب حتى ينهى، ولو
أنكر إقرارا يوجب الرجم سقط دون غيره على رأي، ولو أقر بحد ثم تاب تخير
الإمام.
ولو حملت ولا بعل فلا حد إلا أن تقر أربعا وبشهادة أربعة رجال وإن كان
الزوج أحدهم خاصة على رأي، ولو شهد الأقل حد للقذف، ولو شهد أربع
نسوة بالبكارة فلا حد، وفي حد الشهود نظر.
ولو شهد الأربعة وردت شهادة البعض قيل: إن ردت بأمر ظاهر حد
الجميع وإلا المردود، ولو رجع أحدهم بعد الإقامة حد خاصة، ولا بد في
شهادتهم من ذكر مشاهدة الإيلاج كالميل في المكحلة، من غير عقد ولا شبهة،
ويكفي العلم بسبب التحليل، ولو لم يشهدوا بالمعاينة حدوا إلا مع عدم القذف
فيعزروا من اتحادهم معنى فيحدون لو شهد البعض بالمعاينة أو في زاوية أو في
يوم معين، والباقي بالخلاف، ولو اختلفوا بالإكراه والمطاوعة، فوجهان، أقربهما
السقوط، ولو أقام البعض في وقت حدوا ولا ينتظر الإتمام، ولو شهدوا بالقديم
قبلت، وتقبل الأربعة على اثنين فزائدا والاحتياط التفريق بعد الاجتماع، ولا تسقط
الشهادة بتصديق المشهود عليه ولا بتكذيبه، والتائب قبل قيام البينة يسقط عنه
لا بعده، حدا أو رجما.
ويقتل الزاني بذات محرم، والمكره والذمي بالمسلمة مطلقا، وألحق الزاني
بامرأة أبيه، ويقتصر على القتل بالسيف على رأي.
ويرجم المحصن الزاني بالبالغة العاقلة ويقدم الجلد إن كان شيخا أو شيخة،
198

وفي الشاب قولان، وبالصبية والمجنونة يجلد، وكذا المرأة إذا زنا بها طفل ولو
كان مجنونا حدت تاما، وفي المجنون نظر.
ويجلد الحر غير المحصن مائة جلدة ويحلق رأسه ويغرب سنة من مصره
وجوبا ومن بلد الزنى للغريب، واشترط قوم الأملاك في التغريب، وتجلد المرأة
مائة ولا ج ولا تغريب، والمملوك خمسين وإن كان محصنا ذكرا أو أنثى ولا جز
ولا تغريب.
ويقتل الحر بعد الحد مرتين، وقيل: ثلاثا، والمملوك في الثامنة، وقيل: في
التاسعة، وفي المتكرر واحد وإن كثر، اتحدن أو تكثرن. ويتخير الإمام في أهل
الذمة بأمثالهم بين الإقامة والرد إلى أهلهم.
وتؤخر الحامل حتى تخرج من النفاس وترضع إن لم يوجد مرضع وإلا
أقيم في الحد والرجم، قيل: ويؤخر من ثبت رجمه بالإقرار مريضا، ويرجم
المريض والمستحاضة ولا يجلدان مع عدم وجوب القتل والرجم حتى يبرءا، ولو
عجل لمصلحة فبالضغث ولا يشترط وصول كل شمراخ إلى جسده، ولا تؤخر
الحائض ولا يسقط بالجنون المتجدد والارتداد، ولا يقام في شدة البرد والحر
ولا أرض العدو ولا الحرم للملتجئ بل يضيق عليه إلا أن يحدث فيه الموجب، وإذا
اجتمعت الحدود بدئ بما لا يفوت به الآخر، وقيل: يتوقع البرء.
ويدفن المرجوم إلى حقويه والمرأة إلى صدرها ويعادان إن فرا، ويثبت
بالبينة وإلا فلا، إلا أن يقيما على الاعتراف، واشترط إصابة الحجر، ويبدأ الشهود
بالرجم وجوبا، ولا يشترط حضورهم فلو ماتوا أو غابوا، لا فرارا حدوا، وقيل:
لا يجب عليهم الحضور موضع الرجم، والإمام في المقر، وينبغي الإشعار وحضور
طائفة، وقيل: يجب، وأقلها واحد، وأن تكون الأحجار صغارا، ولا يرجمه من عليه
حد لله، ويدفن بعده ويحرم إهماله.
ويجلد الزاني على حالته قائما أشد الضرب ويفرق ويتقى وجهه ورأسه
وفرجه، والمرأة جالسة وتربط ثيابها.
199

ويقيم الحاكم حدوده تعالى بعلمه ويقف غيره على المطالبة.
ولو وجد رجلا يزني بامرأته فلا إثم عليه لو قتلهما، ويقاد إلا مع البينة أو
التصديق، ومن افتض بكرا بإصبعه فعليه مهر نسائها، وفي الأمة عشر القيمة.
ولو تزوج أمة على حرة فوطئ بغير إذن، فعليه ثمن حد الزاني.
ويعاقب الزاني في رمضان ليلا ونهارا أو في مكان شريف أو زمان شريف
زيادة على الحد، وللسيد إقامة الحد على العبد والأمة المزوجة وغيرها بغير إذن
الإمام في الزنى والشرب، والأولى أن السرقة، وقيل: الردة كذلك، بعلمه وبالبينة
والإقرار، وله الجرح والتعديل، بشرط أن يكون عالما بقدر الحدود، قيل:
وللفاسق والمكاتب الإقامة، والأصح في المرأة الإقامة.
ويجب في اللواط الموقب القتل عليهما إن كانا عاقلين بالغين حرين كانا أو
عبدين مسلمين أو كافرين محصنين أو غير محصنين أو بالتفريق، ويقتل البالغ
العاقل الموقب ويؤدب الصبي والمجنون، ولو لاط الصبي بالبالغ حد البالغ تاما
دون الصبي، ولو لاط بمثله أدبا، ولو لاط بعبده قتلا، ولو ادعى العبد الإكراه درئ
عنه خاصة، ويحد العاقل لو لاط به مجنون وفي اللائط قولان، ويقتل الذمي
اللائط بالمسلم وإن لم يوقب، وبمثله يتخير الإمام في الإقامة والرفع، ويتخير في
القتل بين الضرب بالسيف والإحراق والرجم والإلقاء من شاهق وإلقاء جدار
عليه، ويجوز الجمع بين الإحراق وغيره، وبغير الموقب، كالتفخيذ بين الأليتين،
الرجم مع الإحصان وجلد مائة لا معه على قول، ولو تكرر وتخلل الحد قتل في
الرابعة على رأي.
والمجتمعان في إزار واحد مجردين ولا رحم يعزران من ثلاثين إلى تسعة
وتسعين، ولو تكرر وتخلل حدا في الثالثة، ويعزر من قبل غلاما ليس بمحرم
بشهوة، والتائب قبل قيام البينة يسقط عنه لا بعده، ولو أقر تخير الإمام، ويثبتان
بإقرار البالغ العاقل الحر المختار فاعلا أو مفعولا أربعا أو بشهادة أربعة رجال
بالمعاينة، ولو أقر دون أربع عزر، ولو شهد دون أربعة حدوا.
200

وتجلد المساحقة مائة جلدة فاعلة كانت أو مفعولة إن كانت غير محصنة،
وإلا رجمت على رأي، ومع التكرار والإقامة تقتل في الرابعة على رأي، ويسقط
بالتوبة قبل البينة - وهي أربعة رجال - لا بعدها، ومع - الإقرار وهو أربع مرات -
والتوبة التخيير.
ولو وجدت الأجنبيتان مجردتين عزرتا دون الحد فإن تكرر مع التعزير أقيم
الحد في الثالثة، فإن عادتا قيل: قتلتا، ويدرأ عن المملوكة إن ادعت الإكراه
خاصة، وقيل: تحد المجنونة إذا فعلته وإذا فعل بها فلا حد، ولو ساحقت المسلمة
الكافرة حدتا ويتخير الإمام في الكافرة، وتحد البالغة وتؤدب الصبية، ولو
تساحقت الصبيتان أدبتا.
ولو ساحقت بكرا فألقت ماء الرجل في رحمها وحملت رجمت المرأة
وجلدت الصبية مائة بعد الوضع ويلحق الولد بالزوج وعلى المرأة المهر، ولو
افتضتها بإصبعها فذهبت العذرة ألزمت مهرها وعزرت مغلظا، ولا كفالة في حد
ولا تأخير فيه إلا مع الضرورة ولا شفاعة في إسقاطه.
ويجلد القواد، وهو الجامع بين الرجال وأمثالهم أو بينهم وبين النساء، رجلا
كان أو امرأة حرا أو عبدا مسلما أو كافرا، خمسا وسبعين جلدة بعد ثبوته
بشاهدين أو بالإقرار مرتين من أهله، ويختص الرجل بحلق الرأس والإشهار في
البلد والنفي، وقيل: لا ينفى إلا في الثانية.
ويجب على المتناول شربا واصطباغا صرفا وممتزجا بالأغذية والأدوية
للمسكر أو الفقاع أو العصير إذا غلى واشتد قبل ذهاب ثلثيه أو الانقلاب خلا وإن
قل، عاقلا مختارا بالغا عالما بالتحريم والمتناول، ثمانون جلدة، رجلا أو امرأة
حرا أو عبدا مسلما أو كافرا، متظاهرا عريانا على ظهره وكتفيه ويتقى وجهه
وفرجه، ويترك حتى يفيق، ويقتل في الثالثة، وقيل: في الرابعة بعد تكراره، ولو
تعدد ولم يحد كفى حد واحد، والأولى في التمر إذا غلى ولم يبلغ الإسكار
والزبيب المنقوع إذا غلى من نفسه أو بالنار، التحليل مع عدم البلوغ.
201

ويثبت بشهادة عدلين بالشرب، وقيل: به وبالقئ على التفريق إلا مع ادعاء
الإكراه، وبالإقرار دفعتين ممن ذكرنا بشرط الحرية، ويسقط عن الكافر المستتر
وجاهل التحريم أو المشروب والمكره وغير المكلف والتائب قبل قيام البينة
لا بعدها، ولو أقر قيل: تتحتم الإقامة، وقيل: يتخير.
ويقتل شارب الخمر مستحلا، وقيل: يستتاب، فإن تاب حد وإلا قتل،
وباقي المسكرات يحد وإن استحل، ولو باع الخمر مستحلا استتيب، فإن تاب
عزر وإلا قتل، وإن لم يستحل عزر وغيره يؤدب إن لم يتب.
ويقتل المستحل للمحرمات المجمع عليها كالميتة من المولودين على الفطرة
ويعزر لو لم يستحل.
ويقتل مدعي النبوة والشاك في نبوة محمد صلى الله عليه وآله، إذا كان
على ظاهر الإسلام، ومن عمل السحر مسلما ويؤدب كافرا، وساب النبي صلى الله
عليه وآله أو أحد الأئمة عليهم السلام، ويجوز للسامع قتله ما لم يخف ضررا عليه
أو على ماله أو مؤمن.
وتكره الزيادة على عشرة أسواط في تأديب الصبي والمملوك، ولو ضربه
حدا في غيره لزمه الإعتاق على قول.
ومن عمل محرما أو ترك واجبا أو قذف عبده أو أمته، فللإمام تعزيره
بما لا يبلغ حد الحر فيه والعبد فيه.
والتعزير إلى الإمام، ولا دية لمقتول الحد والتعزير، وقيل: في بيت المال،
ولا يحد الإمام في شدة حر أو برد، ولو بان فسوق الشاهدين بعد القتل أو بعد
الموت بالحد وإن كان للقذف، والدية في بيت المال.
ولو أنفذ إلى حامل لإقامة الحد فأسقطت خوفا فدية الجنين في بيت المال،
وكذا لو أقامه على الحامل فألقته ميتا أو مات بعده به جاهلا، ولو كان عالما فديته
في ماله، ولو ماتت الأم قبل الوضع والإسقاط بالحد فلا دية، ولو ماتت بعد
الإسقاط بالحد فكذلك، ولو ماتت بالإسقاط، فالدية في ماله مع العلم وفي بيت
202

المال مع الجهل، وإن ماتت بهما فنصف الدية، ولو أرسل رجل من قبل نفسه
فقال: الإمام يدعوك، فأسقطت خوفا فالدية على عاقلة الرسول، ولو أمر بالضرب
زيادة على الحد فمات، فعليه نصف الدية في ماله إن لم يعلم الحداد، ولو كان
سهوا فعلى بيت المال، ولو أمر بالاقتصار على الحد فزاد الحداد عمدا فالنصف
على الحداد في ماله أو القصاص بعد الرد، وسهوا على عاقلته.
الثاني:
من قال من العقلاء البالغين الأحرار على رأي، لمن هو كذلك من المسلمين
العفيفين: يا زان أو لائط أو زنيت أو لطت أو ليط بك، أو أنت زان أو لائط أو
منكوح في دبره، أو ما أدى معناه صريحا مع العرفان بموضوع اللفظ، بأي لغة
كان، أو لست لأبيك أو لست بولدي مع سبق الإقرار، وجب عليه ثمانون بثيابه
متوسطا ويشهر.
ولو قال: زنت بك أمك أو يا بن الزانية فقذف للأم، ولو قال: يا بن الزاني
أو زنا بك أبوك فهو للأب، ولو قال: يا بن الزانيين فهو لهما، ويثبت الحد وإن
كان المواجه كافرا أو عبدا إذا كان المقذوف محصنا، وقيل: لو قال: ولدت من
الزنى أو ولدتك أمك من الزنى فهو قذف للأم، ولو قال: يا زوج الزانية أو يا أبا
الزانية أو يا أخا الزانية فالقذف للمنسوب لا للمواجه، ولو قال: زنيت بفلانة أو
لطت بفلان فهو قذف للمواجه، وفي الآخر نظر.
ولو قال: يا بن الملاعنة، فعليه الحد دون المحدودة قبل التوبة وبعدها الحد،
ولو قال لزوجته: زنيت بك، ففي الحد نظر، ولو قال: يا ديوث أو قرنان أو
كشحان أو شبهها عارفا حد، وإلا عزر إن أفاد عنده الأذى.
ويعزر في كل تعريض يكرهه المواجه مما ليس بقذف لغة ولا عرفا، إلا أن
يكون المقول مستحقا، وكذا المعنى ببلائه تعالى.
وقيل: حد العبد أربعون فلو أنكر الحرية فالقول قوله، ولو قذف الصبي أو
203

المجنون مطلقا أو من ذكرناه غير محصن، أو قال بعد القذف والحد: الذي قلته
صحيح، أو قال المسلم: يا بن الزانية أو أمك زانية، وهي كافرة أو أمة على رأي،
أو قذف ولده أو مورثه أو تقاذف اثنان فالتعزير، ولو كان وارث غير الولد فله
الحد تاما، ويحد الولد بقذف الأم والعكس، وكذا الأقارب، ولو قذف جماعة
على التفصيل فلكل حد، ولو كان بلفظ واحد فكذلك إن جاؤوا به متفرقين وإلا
فواحد، وقيل: في التعزير، وكذا لو قال: يا بن الزانيين، فواحد مع الاجتماع
واثنان لا معه.
ويرث حد القذف وارث المال عدا الزوج والزوجة، ولا يسقط بعضه بعفو
البعض، ولو نسب إلى ابنه وبنته فالحد لهما لا للمواجه، فإن سبقا فلهما وإن سبق
الأب فله على رأي، وللمستحق العفو قبل الثبوت وبعده، ولا يعترضه الحاكم
ولا يقام إلا مع المطالبة.
ويقتل في الرابعة مع تكرار الحد، وللمتكرر واحد ولا يسقط إلا بالبينة
المصدقة أو التصديق أو العفو أو باللعان في الزوجة، ويثبت بشهادة عدلين أو
إقرار العاقل الحر المختار مرتين قيل: ولا يعزر الكفار لو تنابزوا بالألقاب إلا مع
خوف الفتنة.
ويجب على المكلف مع ارتفاع الشبهة وهتك الحرز سرا، منفردا أو
مشاركا، ويختص بالمخرج وإن قربه غيره، وإخراج ما قيمته ربع دينار خالصا
منقوشا، وإن كانت دفاتر أو منضما إلى ما لا قطع فيه مختص بالغير مباشرة أو
تسبيبا ولو بالصبي غير المميز دفعة أو أكثر في ليلة أو أكثر، قطع أصابع اليد
اليمنى الأربع وإن لم يكن له يسار، ويؤدب الصبي وإن كرر، وقيل: يعفى أولا
ويؤدب ثانيا وتحك أنامله حتى تدمى ثالثا ويقطع رابعا وكالرجل خامسا،
ويؤدب المجنون وإن كرر.
ولو توهم الملك أو أخذ النصيب في المشترك فبان الخلاف، أو سرق مال
الغنيمة على رواية، أو المشترك إلا إذا زاد نصيبه بقدر النصاب أو أخرج بعد
204

هتك الغير أو هتك ظاهرا قهرا أو كان أمينا فخان، أو والدا لذي المال بخلاف
العكس، والأم والأقارب أو راهنا له أو مؤجرا أو عبدا من سيدة أو عبد الغنيمة
منها، بل يؤدب، أو ضيفا مع الإحراز دونه على رأي، أو ادعى هبة ما أخرجه أو
ملكيته أو إذن المالك، ويحلف المالك فيهما للمال، أو كان غير محرز بقفل أو
غلق أو دفن كالأرحية وشبهها، إلا ستارة الكعبة، أو مع المراعاة على رأي فيهما،
أو ثقب البيت المغصوب من الغير وسرق مال الغاصب أو كان مأكولا في عام
مجاعة أو كان ثمرة على شجرها، بخلاف ما لو سرقت بعد الإحراز، أو سرق من
الجيب والكم الظاهرين أو وضعه في الماء الواقف فانفجر على رأي، أو أقر
مكرها.
وإن رد السرقة أو سرق الاثنان نصابا على رأي فيهما، أو وهبه المالك أو عفا
عن القطع قبل المرافعة أو ملك المسروق قبلها لا بعدها، ولا إذا نقص عن
النصاب قبلها لنقصانه وللسوق أو وضعه الداخل في وسط النقب وأخرجه
الخارج على رأي، أو أخرجه بعد أن أحدث فيه ما ينقصه عن النصاب أو ابتلعه في
الحرز وتعذر الإخراج، وإن خرج أو سرق حملا صاحبه نائم عليه أو متاعا
وصاحبه النائم عليه، إلا إذا كان النائم عبدا، أو سرق المدين مقدار دينه من مال
المدين المدافع فلا قطع.
ويقطع الذمي كالمسلم والمملوك مع البينة وإن كان آبقا، ويستوي الذكر
والأنثى والأجير إذا أحرز من دونه وأحد الزوجين من صاحبه مع الإحراز.
وسارق الصغير المملوك والحر قيل: يقطع للفساد، والمعير والمؤجر
للبيت إذا نقب وسرق مال المستعير والمستأجر، وضيف الضيف وسارق الوقف
مع مطالبة الموقوف وباب الحرز وأبنيته على رأي، ومن الباطنين ومن الدار
المفتوحة الباب مع مراعاة صاحبها على رأي، وسارق الكفن وفي اشتراط
النصاب خلاف، ويعزر لو نبش من غير أخذ أو أخرجه من اللحد إلى القبر،
والأولى أن المطالبة للورثة، والسيد إن كان عبدا، ولو كفنه الحاكم من بيت المال
205

ففي القطع نظر.
وإنما يتعلق القطع بسرقة خمسة الأثواب دون غيرها، ولو تكرر منه الفعل و
فات السلطان فله قتله، ويقطع لو أخرج من البيت المغلق إلى الدار المفتوحة
دون الصور الثلاث، أو سرق من مال الغاصب مع ماله وإن اشترك على رأي،
أو سرق آلات الله ومنه إذا بلغت النصاب بعد الإزالة عن الصفة، ولو أحرزها
السارق أو الغاصب فسرقها آخر ففي قطع الثاني نظر.
ويثبت بشهادة شاهدين مفصلة في الحرز والنصاب والمالك والإقرار من
أهله مرتين، ولو رجع لم يسقط، وفي المرة الغرم ولو تاب قبل البينة سقط ويجب
بعدها وبعد الإقرار خلاف، ولا يقبل إقرار العبد فيهما.
ولو قطع وعاد قطعت رجله اليسرى من عند معقد الشراك الثاني على
ظهر القدم، فإن عاد حبس حتى يموت، فإن عاد في السجن قتل، وإن اتحدت
العين المسروقة ولو لم تتخلل العقوبة في المتكرر كفى الواحد عن الأول ويغرم
المال قيل: ولو شهدت فقطع ثم شهد بأخرى بعد الإمساك قطعت رجله،
ولا تقطع اليسار مع وجود اليمنى وإن كانت شلاء، أو اليسار أو هما، ولو فقدت
اليمنى حين القطع لم تقطع اليسار، ولو فقدت حين السرقة قيل: تقطع اليسرى
فإن لم تكن فالرجل اليسرى، وقيل: الرجل، ولو فقدت اليدان والرجلان قيل
يحبس، ولو قطع الحداد يساره مع العلم لم يسقط واقتص، ولو ظنها اليمنى
فالدية عليه ولا سقوط.
ويستحب حسمه بالزيت ولا يضمن سراية الحد وإن أقيم في حر أو برد.
ويجب رد العين ومع التلف المثل وإلا فالقيمة وأرش النقصان إلى صاحبها
ومع العدم الورثة ولو لم يكن وارث فالإمام.
والقطع موقوف على المرافعة، فلا يرفعه الإمام وإن قامت البينة قيل:
ولا يسقط لو أعاده إلى الحرز، ويؤخر المريض والنفساء والوالدة.
206

الثالث:
من جرد السلاح لإخافة الناس برا أو بحرا ليلا أو نهارا في مصر أو غيره من
أهل الريبة أو غيرها، ذكرا أو أنثى ضعف عن الإخافة أو لا على إشكال، فهو
محارب دون الطليع والردء، فيقتل إن قتل كفؤا قودا، وإن عفا الولي أو لم يكن
كفؤا حد، ولو أخذ المال معه استعيد ثم قطعت يده اليمنى ورجله اليسرى ثم قتل
ثم صلب، ولا معه يقطع مخالفا وتحسم يمناه ثم اليسرى بعد قطعها استحبابا، ولا
تؤخر إحديهما عن الأخرى، ولو فقدت إحديهما اقتصر على الأخرى، ولو فقدتا
قطعت يده اليسرى ورجله اليمنى وينفى ولو جرح ولم يأخذ اقتص ونفي، ولو
أشهر وأخاف لا غير نفي، وقيل: بالتخيير.
وإذا قتل لا لمال فهو قاتل عمد أمره إلى المولى، ولو جرح له فالقصاص
للمولى، ولا يتحتم الاقتصاص مع العفو وإن كان مما يقتص فيه على رأي، ولو
قطع يمينا وأخذ قطعت قصاصا ورجله اليسرى بالمحاربة ولو قطع يسارا قطعت
يسراه قصاصا ويداه اليمنى ورجله بالمحاربة ولا توالي بين القطعين، ولو تاب
قبل القدرة فلا حد وتثبت حقوق الناس ولو تاب بعدها فلا سقوط لشئ، ولو
مات قبل الحد سقط الصلب بالموت.
واللص محارب، فإذا دخل متغلبا فلصاحب الدار المحاربة، فإن قتل
فلا ضمان على الدافع، ولو جنى اللص ضمن، ويجوز الكف عنه، إلا أن يريد
القتل فلا يجوز الاستسلام، ولو عجز عن المقاومة وجب الهرب.
وإذا نفي كتب إلى كل بلد بالمنع من المؤاكلة والمخالطة والمعاملة، ولو
قصد بلاد الشرك منع، ولو مكنوه قوتلوا حتى يخرج ولا يعتبر في قطعه
النصاب على رأي، ولا انتزاعه من حرز.
ويعزر المستلب، والمختلس، والمبنج، وساقي المرقد، والمحتال بالتزوير
والرسائل الكاذبة، ويضمن ما يجنيه الشرب ولا يقطع، ويثبت بعدلين والإقرار من
أهله ولو مرة، ولا تقبل شهادة النساء لا منفردات ولا منضمات، ولا بعض
207

اللصوص على بعض ولا بعض المأخوذين لبعض، ولو قالوا: عرضوا لنا وأخذوا
أولئك قبل.
ويقتل المرتد عن فطرة واجبا، بشرط التكليف وإن تاب، ولو التحق بدار
الحرب أو اعتصم، ولو أكره فلغو، ولو ادعاه مع الأمارة قبل، ولا تقتل المرأة وإن
كانت عن فطرة بل تحبس دائما وتضرب أوقات الصلوات، فإن لحقت بدار
الحرب سبيت واسترقت.
والمرتد عن إسلام عقيب كفر يستتاب وجوبا قبل ثلاثة أيام فإن امتنع قتل،
ولو جن لم يقتل، وأمواله باقية يقضى منها ديونه وما عليه من الحقوق الواجبة دون
نفقة الأقارب ويحجر عليه، فإن تاب فهو أحق، ولو التحق بدار الكفر احتفظت له
ويرثه المسلمون فإن لم يكن فالإمام، وولده بحكم المسلم فإن بلغ واختار الكفر
استتيب فإن امتنع قتل، ولو قتله قاتل قبل وصفه بالكفر قبل البلوغ أو بعده قتل
به، وكذا لو ولد من مسلمة بعد الردة، ولو حملت بعد ارتدادهما فهو بحكمهما
لا يقتل به المسلم وفي استرقاقه خلاف، ولو تكرر قتل في الرابعة وروي في
الثالثة.
ولو أكره من يقر على دينه على الإسلام فليس بمسلم بخلاف من لا يقر، ولو
صلى بعد ارتداده في دار الإسلام أو الحرب لم يحكم بالعود قيل: ويحكم بإسلام
السكران وارتداده.
ويضمن المرتد ما يتلفه على المسلم في دار الإسلام أو الحرب حالة الحرب
وبعدها بخلاف الحربي، ولو تزوج بمسلمة أو كافرة أو زوج بنته المسلمة لم
يصح وفي الأمة إشكال، ولو طلق فإن تاب في العدة ظهر أن الطلاق وقع في
وقته وإلا فلا، ولا تحل ذبيحته، فإن ذبح شاة لغيره ضمنها إلا أن يأذن له وإن لم
يعلمه مرتدا.
وكلمة الإسلام " أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله "، ولو اعترف
به وأنكر العموم أو الوجود افتقر إلى الإبراء من كل دين غير الإسلام ويبين له.
208

ويتولى قتل المرتد الإمام، فيعزر غيره لو قتله والأقرب سقوط الدية، ولو قتل
مسلما عمدا قتل قودا، ولو عفا الولي قتل بالردة، ولو قتل خطأ فالدية في ماله
مخففة مؤجلة وتحل لو مات، ولو قتل ذميا فالوجه القصاص، أما لو رجع فلا
قود وعليه دية الذمي، ولو قتله ذمي اقتص، ولو تاب فقتله معتقدا البقاء قيل:
يقتل، ولو جرحه مرتدا فأسلم فسرت فلا ضمان.
ولو نقض الذمي العهد ولحق بدار الحرب فأمان أمواله باق، فإن مات أو
قتل ورثه الذمي والحربي فيزول الأمان لو ورثه الحربي والأصاغر باقون على
الذمة ويخيرون بين عقد الجزية والمضي إلى مأمنهم بعد البلوغ، ويبدأ الإمام بقتل
المرتدين قبل الكفار.
ويعزر واطئ البهيمة إن كان عاقلا بالغا، فالمأكولة تحرم هي ونسلها ولبنها
ويجب ذبحها وإحراقها، وغرامة ثمنها إن لم تكن له، وغير المأكولة تباع في غير
البلد قيل: ويتصدق به، وقيل: يعاد على الغارم وإن كانت له دفع إليه.
ويثبت بعدلين خاصة أو الإقرار مرة، ويثبت بالأخير التعزير، ويقتل في
الرابعة مع تكرير التعزير.
ووطء ميت الآدمي زنا أو لواطا، كالحي في الإثم والحد والإحصان، وتغلظ
عقوبته ويؤدب إن كانت زوجته قيل: ويثبت بشاهدين، وقيل بأربع والإقرار
تابع.
ويعزر المستمني بيده، وروي أن عليا عليه السلام ضرب يده حتى احمرت و
زوجه من بيت المال، ويثبت بعدلين والإقرار مرة.
ولو وجد مع زوجته أو مملوكته من ينال دون الجماع فله الدفع فإن أبي
فهو هدر، ولو اطلع غير الرحم فلهم زجره فإن أصر فرموه فهو هدر، ولو رمى من
غير زجر ضمن، والرحم يقتصر على زجره فإن رماه ضمنه، ولو كانت مجردة
فكالأجنبي.
ولو قتله في منزله فادعى أنه أراده أو ماله وأقام البينة بشهره سيفه وإقباله عليه
209

فلا ضمان، وله أن يدفع الدابة الصائلة فلا ضمان، ولو انتزع المعضوض يده
فسقطت الأسنان فلا ضمان، وله التخلص باللكم والجرح ويضمن لو تخطى إلى
الأشق مع التخلص بالأسهل، ولو ادعى كل من المتجارحين قصد الدفع، حلف
المنكر وغرم، ويضمن الزحفان العاديان ما يجنياه، ولو كف أحدهما فصال الآخر
ضمن، ولا يضمن الكافر إن قصد الدفع واقتصر على ما يحصل به.
قيل: إذا أمر الإمام بالصعود إلى نخلة أو النزول إلى بئر فمات، فإن كان
أكرهه وكان لمصلحة عامة كانت الدية في بيت المال، وإن لم يكرهه فلا دية،
وإن كانت لخاصه فالدية عليه مع الإكراه، ولو أمر غيره فلا دية إلا مع الإكراه.
وقيل: لو أدب زوجته بالمشروع فماتت ضمن، ولو أدب الأب أو الجد له
الصبي فمات فعليه الدية في ماله، ولو أمره بقطع السلعة فمات فلا دية إلا أن
يكون مولى عليه فالدية في ماله.
وله أن يدفع عن نفسه وماله وحريمه ما استطاع ولو قتل كان شهيدا، و
لا يبدأ ما لم يتحقق القصد إليه، وله دفعه مقبلا، ويكف مدبرا، ولو ضربه فعطله
لم يتمم عليه، ولو قطع يده مقبلا فلا ضمان ولا في السراية، ولو ضربه أخرى
مدبرا فالقصاص فيها إن اندملت، وإن سرت واندملت الأولى فالقود، ولو سرتا
فالقود بعد رد نصف الدية، ولو قطع يده مقبلا ورجله مدبرا ويده مقبلا وسرى
الجميع قيل: عليه ثلث الدية مع التراضي والقصاص بعد رد الثلثين، ولو قطع
يده ورجله مقبلا ويده مدبرا وسرى الجميع فنصف الدية أو القصاص بعد رد
النصف.
210