الكتاب: الينابيع الفقهية
المؤلف: علي أصغر مرواريد
الجزء: ٣٩
الوفاة: معاصر
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤١٣ - ١٩٩٣ م
المطبعة:
الناشر: مؤسسة فقه الشيعة - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: أشرف على جمع أصولها الخطية وترتيبها حسب التسلسل الزمني وعلى تحقيقها وإخراجها وعمل قواميسها علي أصغر مرواريد

الينابيع الفقهية 2
الطلاق
تعريف الكتاب 1

حقوق الطبع المحفوظة للمؤلف
الطبعة الأولى
1413 ه‍ - 1993 م
مؤسسة فقه الشيعة
بيروت - لبنان
حارة حريك - شارع دكاش - بناية كليوباترا
ص، ب 209 / 25 - تلفون: 836763 - فاكس 04625848 - 357
تعريف الكتاب 2

سلسلة الينابيع الفقهية 2
الطلاق
أشرف على جمع أصولها الخطية وترتيبها حسب التسلسل
الزمني وعلى تحقيقها واخراجها وعمل قواميسها
علي أصغر مرواريد
تعريف الكتاب 3

الفهرست الإجمالي للمتون
الإشراف
الخلاف
نزهة الناظر
إرشاد الأذهان
الرسالة الفخرية
البيان
النفلية
الموجز الحاوي
الإقتصاد
المبسوط
تبصرة المتعلمين
تلخيص المرام
الدروس الشرعية
الألفية
المحرر
مسائل ابن طي
تعريف الكتاب 4

التعريف
سلسلة الينابيع الفقهية
موسوعة فقهية متكاملة جمعت بين دفتيها أهم المتون الفقهية
الأصيلة بتحقيق رائع وتنقيح أكاد يمي، ومن أحدث المناهج
العلمية لفن التحقيق.
تعنى الموسوعة بالتقسيم الموضوعي لأبواب الفقه الإسلامي -
كافة أبوابه - وبذلك تهئ للباحث والمحقق والأستاذ أسهل
الطرق الاستنباط ما يحتاجه، واستخلاص ما يبتغيه، بعيدا
عن عناء الاستقصاء والبحث.
تميزت هذه الدورة الكبرى باعتمادها الأصول الخطية
الأصيلة لكل المتون الفقهية بمثابة الأصول الأساسية لتحقيق
النصوص التي بقيت لفترة ليست بالقصيرة أسيرة الطبعات السقيمة.
بالإضافة إلى احتوائها النصوص التي تطبع لأول مرة، موزعة
حسب الأبواب الفقهية.
تفيد المتخصصين بدراسة الفقه المقارن واختلاف الفتاوى
على مدى عشرة قرون.
مقدمة المشرف 5

الإهداء وشكر...
إلى
كل إنسان يؤمن بأن والشريعة السمحاء أساس جميع القوانين في العالم...
وإلى...
الذين يهمون بشؤون المجتمعات البشرية وتسعون إلى إصلاحها عن طريق
القسم الإسلامية.
وإلى...
كل الذين يعشقون الفقه الإسلامي باعتباره أفضل السبل وأنجح القوانين
المستمدة من أصول القرآن للوصول إلى الكمال الإنساني من الجوانب
المادية والروحية...
أقدم هذا الجهد المتواضع...
ولا يسعني - في غمرة سعادتي وسروري وأنا أرى سلسلة الينابيع
الفقهية هذه قد عانقت النور - إلا أن أتقدم بجزيل شكري وعظيم
امتناني لكل الذين ساهموا من قريب أو بعيد بإنجاز هذا العمل الجليل
من العلماء والفضلاء الذين قدموا لنا مساعدتهم ومشورتهم الخالصة،
ومن الأخوة العاملين والمحققين معنا... ولعبا الله لهم جميعا التوفيق
والسداد وأن يجزل لهم الثواب وحسن العاقبة...
إنه سميع مجيب.
علي أصغر مرواريد
مقدمة المشرف 6

الفهرست الإجمالي للمتون
كتاب الطلاق
الإشراف
الخلاف 1
نزهة الناظر 614
إرشاد الأذهان 477
الرسالة الفخرية
البيان
النفلية
الموجز الحاوي
الإقتصاد
المبسوط 139
تبصرة المتعلمين 469
تلخيص المرام 479
الدروس الشرعية
الألفية
المحرر
مسائل ابن طي
مقدمة المشرف 7

بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المشرف 8

الخلاف
تأليف شيخ الطائفة
أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (قدس سره)
385 - 460 ه‍. ق
1

كتاب الطلاق
مسألة 1: الطلقة الثالثة هي المذكورة بعد قوله تعالى: الطلاق مرتان... إلى
آخره، وبعدها قوله تعالى: فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا
غيره، دون قوله تعالى: فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، وبه قال جماعة
من التابعين، وحكي ذلك عن الشافعي.
وروي عن ابن عباس أنه قال: أو تسريح بإحسان الطلقة الثالثة، وهو الذي
اختاره الشافعي وأصحابه.
دليلنا: أنه ليس في قوله تعالى: أو تسريح بإحسان، صريح الطلاق،
ونحن لا نقول بالكنايات، وقوله تعالى بعد ذلك: فإن طلقها فلا تحل له من بعد
حتى تنكح زوجا غيره، صريح في الطلاق فوجب حمله عليه.
وأيضا متى حملنا قوله: أو تسريح بإحسان، على الطلقة الثالثة كان قوله:
فإن طلقها، بعد ذلك تكرارا لا فائدة فيه، وأما قوله تعالى: أو تسريح بإحسان،
فمعناه إذا طلقها طلقتين فالتسريح بالإحسان الترك حتى تنقضي عدتها، وقوله:
فإمساك بمعروف، يعني الرجعة بلا خلاف.
مسألة 2: الطلاق المحرم هو أن يطلق مدخولا بها غير غائب عنها غيبة
مخصوصة في حال الحيض أو في طهر جامعها فيه، فما هذا حكمه فإنه لا يقع
3

عندنا، والعقد ثابت بحاله، وبه قال ابن علية.
وقال جميع الفقهاء: أنه يقع وإن كان محظورا، ذهب إليه أبو حنيفة
وأصحابه ومالك والأوزاعي والثوري والشافعي.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا الأصل بقاء العقد، ووقوع الطلاق يحتاج
إلى دليل شرعي.
وأيضا قوله تعالى: فطلقوهن لعدتهن، وقد روي لقبل عدتهن، ولا خلاف أنه
أراد ذلك - وإن لم تصح القراءة به -.
فإذا ثبت ذلك دل على أن الطلاق إذا كان من غير الطهر كان محرما منهيا
عنه، والنهي يدل على فساد المنهي عنه.
وأيضا روى ابن جريح قال: أخبرني أبو الزبير أنه سمع عبد الرحمان بن
الأعز مولى عذرة يسأل ابن عمر، وأبو الزبير يسمع: كيف ترى في رجل طلق
امرأته حائضا؟ قال: طلق عبد الله بن عمر امرأته وهي حائض على عهد رسول الله
صلى الله عليه وآله، وروى ابن سيرين قال: حدثني من لا أتهم أن ابن عمر طلق
امرأته ثلاثا وهي حائض فأمره النبي صلى الله عليه وآله أن يراجعها، قال عبد الله:
فردها على ولم يرها شيئا.
فأما استدلالهم على صحة ما يذهبون إليه بما رواه نافع، عن ابن عمر أنه
طلق امرأته وهي حائض في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله: قال عمر:
فسألت رسول الله صلى الله عليه وآله عن ذلك فقال: مره فليراجعها ثم ليمسكها
حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر، فإن شاء أمسكها، وإن شاء طلقها، وبما رواه ابن
سيرين عن يونس بن جبير قال: سألت عبد الله بن عمر قلت له: رجل طلق امرأته
وهي حائض؟ قال فقال: تعرف عبد الله بن عمر؟ قلت: نعم، قال: فإن عبد الله
بن عمر طلق امرأته وهي حائض، فأتى عمر النبي صلى الله عليه وآله فسأله فقال:
مره فليراجعها ثم يطلقها قبل عدتها، قال: قلت: فتعتد؟ فقال: فمه أرأيت إن عجز
واستحمق؟ قالوا: وفيه دليلان:
4

أحدهما: قوله: مره فليراجعها، ثبت أن الطلاق كان واقعا.
والثاني: قوله لابن عمر: فتعتد بذلك، فأنكر عليه فقال: فمه - أي اسكت -
أرأيت إن عجز ابن عمر عن العلم بأنه واقع، واستحمق، أما كان الطلاق واقعا؟
وروى الحسن عن ابن عمر قال: طلقت زوجتي طلقة واحدة وهي حائض
فأردت أن أتبعها بالطلقتين الأخريين، فسألت النبي صلى الله عليه وآله عن ذلك
فأمرني أن أراجعها، فقلت: يا رسول الله صلى الله عليه وآله أرأيت لو طلقها ثلاثا؟
فقال: بانت امرأتك وعصيت ربك، قالوا: وفيه دليلان:
أحدهما: إنه أمره بالرجعة وقد طلق واحدة.
والثاني: قول النبي صلى الله عليه وآله: بانت امرأتك وعصيت ربك، فلولا
أنه كان يقع وإلا لم تبن به أصلا.
والجواب أن هذه الأخبار كلها أخبار آحاد، ونحن لا نعمل بها، ثم مع
ذلك هي مخالفة للكتاب والسنة على ما بيناه، وما خالف الكتاب لا يجب العمل
به.
وأيضا فإنها معارضة بالخبر الذي قدمناه، وبأخبار عن أئمتنا عليه السلام
عن النبي صلى الله عليه وآله، ثم لو سلمناها على ما بها كان لنا أن نحملها على أنه
أراد بالمراجعة التمسك بالزوجية، لأن الطلاق غير واقع، فدل على ذلك أنه
أمره بذلك، وأمر النبي صلى الله عليه وآله على الوجوب.
فلو كان المراد ما قالوه من أنه قد وقع الطلاق، وإنما أراد المراجعة لها لما
كان النبي صلى الله عليه وآله أمره بذلك لأنه غير واجب، فإن حملوا المراجعة
على الاستحباب أو الإباحة كان ذلك تركا للظاهر.
وليس لهم أن يقولوا: الظاهر من المراجعة إعادة المرأة إلى الزوجية بعد
وقوع الطلاق لا التمسك بالزوجية.
قيل: لا نسلم ذلك لأن ما يجب العمل به قد يقال فيه المراجعة. ألا ترى أنه
قد يقال في من ترك القسم بين الزوجات والنفقة عليهن: راجع أزواجك وأنفق
5

عليهن، وإن كان العقد باقيا، ولو كان الظاهر ما قالوه لتركنا ذلك للأدلة التي
تقدمت.
ولقول النبي صلى الله عليه وآله وأمره بالمراجعة الذي يقتضي الوجوب،
وليس ترك أمر النبي صلى الله عليه وآله وحمله على الإباحة الاستحباب ليسلم
ظاهر المراجعة بأولى من حمل المراجعة على التمسك بالعقد ليسلم ظاهر الأمر
بالوجوب، وإذا تساويا سقط الاحتجاج بالأخبار.
فأما قول النبي صلى الله عليه وآله حين سأله: لو طلقتها ثلاثا؟ قال: بانت
امرأتك وعصيت ربك، ليس في ظاهره أنه قال " لو طلقها ثلاثا وهي حائض "
بل لا يمتنع أنه أراد لو طلقها ثلاثا للسنة بانت منه وعصى ربه إذا كان الطلاق
مكروها بأن تكون الحال حال سلامة، وارتكاب المكروه يقال فيه أنه عصى ربه
كما بين في غير موضع.
فأما قول عبد الله بن عمر حين قال له: فتعتد بها، قال: فمه، فيه دليل لنا لأنه
إنما أسكته لأنه أخبره عن النبي صلى الله عليه وآله أنه أمره بالتمسك بالعقد،
فكيف تعتد بذلك مع أمر النبي صلى الله عليه وآله بخلافه؟.
مسألة 3: إذا طلقها ثلاثا بلفظ واحد كان مبدعا ووقعت واحدة عند
تكامل الشروط عند أكثر أصحابنا، وفيهم من قال: لا يقع شئ أصلا، وبه قال
علي عليه السلام وأهل الظاهر، وحكى الطحاوي عن محمد بن إسحاق أنه قال:
تقع واحدة كما قلناه، وروي أن ابن عباس وطاووسا كانا يذهبان إلى ما يقوله
الإمامية.
وقال الشافعي: المستحب أن يطلقها طلقة ليكون خاطبا من الخطاب قبل
الدخول ومراجعا لها بعد الدخول، فإن طلقها ثنتين أو ثلاثا في طهر لم يجامعها
فيه دفعة أو متفرقة كان ذلك مباحا غير محظور ووقع، وبه قال في الصحابة
عبد الرحمان بن عوف، ورووه عن الحسن بن علي عليه السلام، وفي التابعين
6

ابن سيرين، وفي الفقهاء، أحمد وإسحاق وأبو ثور.
وقال قوم: إذا طلقها في طهر واحد ثنتين أو ثلاثا دفعة واحدة أو متفرقة فعل
محرما وعصى وأثم، ذهب إليه في الصحابة علي عليه السلام وعمر وابن عمر وابن
مسعود وابن عباس، وفي الفقهاء أبو حنيفة وأصحابه ومالك قالوا: إلا أن ذلك
واقع.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى من إجماع الفرقة وأن الأصل بقاء العقد،
وقال تعالى: إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة، فأمر بإحصاء
العدة، ثبت أنه أراد في كل قرء تطليقة لأنه لو أمكن الجمع بين الثلاث لما احتاج
إلى إحصاء العدة في غير المدخول بها، وذلك خلاف الظاهر، وقال تعالى:
الطلاق مرتان، يعني دفعتان.
ثم قال بعد ذلك: فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره،
ومن جمع ما بين الثلاث ما طلق مرتين ولا الثالثة، وذلك خلاف الظاهر.
فإن قيل: العدد إذا ذكر عقيب الاسم لم يقتض التفريق، مثاله: إذا قال: له
على مائة درهم مرتان، وإذا ذكر عقيب فعل اقتضى التفريق، مثاله: أدخل الدار
مرتين أو ضربت مرتين، والعدد في الآية عقيب الاسم لا الفعل.
قلنا: قوله تعالى: الطلاق مرتان، معناه طلقوا مرتين، لأنه لو كان خبرا لكان
كذبا، فالعدد مذكور عقيب فعل لا اسم، وليس لأحد أن يقول لا فرق بين أن
يكون التفريق في طهر أو طهرين، وذلك أنه إذا ثبت وجوب التفريق وجب على
ما قلناه لأن أحدا لا يفرق.
وروى ابن عمر قال: طلقت زوجتي وهي حائض، فقال لي النبي
صلى الله عليه وآله: ما هكذا أمرك ربك إنما السنة أن تستقبل بها الطهر فتطلقها في كل
قرء تطليقة فثبت أن ذلك بدعة.
وفي الخبر المتقدم حين سأل ابن عمر النبي صلى الله عليه وآله: لو طلقتها
ثلاثا؟ فقال: عصيت ربك، فدل على أنه بدعة ومحرم، ولأنه إجماع الصحابة،
7

روي ذلك عمن تقدم ذكره من الصحابة ولا مخالف لهم، فدل على أنه إجماع.
وروى ابن عباس قال: كان الطلاق على عهد رسول الله، وأبي بكر وسنتين
من خلافة عمر الثلاث واحدة، فقال عمر: إن الناس قد استعملوا أمرا كان لهم فيه
أناة فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم - هذا لفظ الحديث - وفي بعضها " فألزمهم
عمر الثلاث "، وروي أن ابن عمر طلق زوجته وهي حائض ثلاثا فأمره رسول الله
صلى الله عليه وآله أن يراجعها، وهذا نص لأن الثلاث لو وقعت لما كان له
المراجعة.
وروى عكرمة عن ابن عباس قال: طلق ركانة بن عبد يزيد امرأته ثلاثا في
مجلس واحد فحزن عليها حزنا شديدا فسأله رسول الله صلى الله عليه وآله:
كيف طلقتها؟ قال: طلقتها ثلاثا، قال: في مجلس واحد؟ قال: نعم، فقال
صلى الله عليه وآله: إنما تلك واحدة فراجعها إن شئت، قال: فراجعها وهذا نص.
مسألة 4: قد بينا أنه إذا طلقها في حال الحيض إنه لا يقع منه شئ واحدا
كان أو ثلاثا.
وقال أبو حنيفة والشافعي: إن كان طلقها واحدا أو اثنتين يستحب له
مراجعتها بحديث ابن عمر.
دليلنا: ما قدمناه من أن طلاق الحائض غير واقع فإذا ثبت ذلك فهذا
الفرع ساقط عنا.
مسألة 5: كل طلاق لم يحضره شاهدان مسلمان عدلان، وإن تكاملت
سائر شروطه فإنه لا يقع، وخالف جميع الفقهاء في ذلك، ولم يعتبر أحد منهم
الشهادة.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا الأصل بقاء العقد والفرقة تحتاج
إلى دليل، وأيضا قوله تعالى عقيب قوله: يا أيها النبي إذا طلقتم النساء، إلى قوله:
8

وأشهدوا ذوي عدل منكم، وذلك صريح لأنه أمر وهو يقتضي الوجوب.
فإن قالوا: ذلك يرجع إلى المراجعة.
قلنا لا يصح لأن الفراق أقرب إليه لأنه قال: فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن
بمعروف أو فارقوهن بمعروف، يعني الطلاق، على أن لنا أن نحمل ذلك على
الجميع، وأيضا فإن الإشهاد على المراجعة لا يجب ولا هو شرط في صحتها،
وذلك شرط في إيقاع الطلاق، فحمله عليه أولى.
مسألة 6: طلاق الحامل المستبين حملها يقع على كل حال بلا خلاف
سواء كانت حائضا أو طاهر لا يختلف أصحابنا في ذلك على خلاف بينهم في
أن الحامل هل تحيض أم لا؟ ولا بدعة في طلاق الحامل عندنا.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه، وعليه عامة أصحابه، وفي
أصحابه من قال على القول الذي يقوله إنها تحيض: إن في طلاقها سنة وبدعة.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم وهي مطلقة.
مسألة 7: إذا قال لحائض: أنت طالق طلاق السنة لا يقع طلاقه.
وقال الشافعي: لا يقع الطلاق في الحال فإذا طهرت وقع قبل الغسل
وبعده سواء، وقال أبو حنيفة: إن انقطع لأكثر الحيض - كما قال الشافعي - وإن
كان لأقل من ذلك لم تطلق حتى تغتسل.
دليلنا: إنا قد بينا أن طلاق الحائض لا يقع في الحال، والطلاق بشرط لا
يقع أيضا على ما نبينه فسقط عنا هذا الفرع.
مسألة 8: إذا قال لها في طهر لم يجامعها فيه: أنت طالق للبدعة، وقع
طلاقه في الحال، وقوله للبدعة لغو إلا أن ينوي أنها طالق إذا حاضت فإنه لا يقع
أصلا لأنه علقه بشرط.
9

وقال جميع الفقهاء: لا يقع طلاقه في الحال فإن حاضت بعدها أو نفست
وقع الطلاق لأنه زمان البدعة.
دليلنا: إن قوله " أنت طالق " إيقاع، وقوله " للبدعة " لغو لأنه كذب، هذا
إذا نوى الإيقاع في الحال، وإن قال: نويت إيقاع الطلاق إذا حاضت لم يقع لأنه
طلاق بشرط ولأنه طلاق محرم، فعلى الوجهين معا لا يقع.
مسألة 9: إذا قال لها في طهر ما قربها فيه: أنت طالق ثلاثا للسنة، وقعت
واحدة وبطل حكم ما زاد عليها.
وقال الشافعي: تقع الثلاث في الحال، وقال أبو حنيفة: تقع في كل قرء
واحدة.
دليلنا: ما تقدم من أن التلفظ بالطلاق الثلاث بدعة وأنه لا يقع من ذلك
إلا واحدة، على ما مضى القول فيه فأغنى عن الإعادة.
مسألة 10: إذا قال لمن طلاقها سنة وبدعة في طهر قربها فيه أو في حال
الحيض: أنت طالق ثلاثا للسنة، فإنه لا يقع منه شئ أصلا.
وقال الشافعي: إنه لا يقع في الحال شئ فإذا طهرت من هذه الحيضة أو
تحيضت بعد هذا الوطء ثم تطهر يقع بها في أول جزء من أجزاء الطهر، لأن
الصفة قد وجدت.
دليلنا: إنا قد بينا أن الطلاق بشرط لا يقع وعليه إجماع الفرقة، وهذا
طلاق بشرط لأن حال الإيقاع ليست بحال زمن طلاق السنة.
مسألة 11: إذا قال لها: أنت طالق أكمل طلاق أو أكثر طلاق أو أتم
طلاق، وقعت واحدة وكانت رجعية، وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: في أتم
طلاق، مثل ما قلناه وفي أكمل وأكثر إنها تقع بائنا.
10

دليلنا: أن وقوعها مجمع عليه وكونها بائنا يحتاج إلى دليل، على أن عندنا
ليست هاهنا تطليقة بائنة إلا إذا كانت بعوض، وهذه ليست بعوض فيجب أن
تكون رجعيا.
مسألة 12: إذا قال: أنت طالق أقصر طلاق أو أطول طلاق أو أعرض
طلاق طلقت واحدة رجعية، وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: تقع بائنة.
دليلنا: ما قدمناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 13: إذا قال لها: أنت طالق إذا قدم فلان، فقدم فلان لا يقع طلاقه،
وكذلك إن علقه بشرط من الشروط أو بصفة من الصفات المستقبلة فإنه لا يقع
أصلا لا في الحال ولا في المستقبل حين حصول الشرط والصفة، وقال جميع
الفقهاء: إنه يقع إذا حصل بقاء الشرط.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم فإنهم لا يختلفون في ذلك، وأيضا الأصل
بقاء العقد وإيقاع هذا الضرب من الطلاق يحتاج إلى دليل، والشرع خال من
ذلك.
مسألة 14: إذا قال لها: أنت طالق، ولم ينو البينونة لم يقع طلاقه، ومتى
قال: أردت غير الظاهر، قبل ذلك منه في الحكم وفيما بينه وبين الله ما لم تخرج
من العدة، فإن خرجت من العدة لم يقبل ذلك منه في الحكم، وقال جميع
الفقهاء: أنه لا يقبل ذلك منه في الحكم.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم وأيضا الأصل بقاء العقد وإيقاع الطلاق
بلا نية يحتاج إلى دليل، وأيضا قول النبي صلى الله عليه وآله: إنما الأعمال
بالنيات وإنما لامرئ ما نوى، دل على أن ما لم ينو ليس له وهذا لم ينو.
11

مسألة 15: إذا قال لها: أنت طالق طلاق الحرج، فإنه لا يقع به فرقة.
وحكى ابن المنذر عن علي عليه الصلاة والسلام إنه قال: يقع ثلاث
تطليقات.
وقال أصحاب الشافعي: ليس لنا فيها نص، والذي يجئ على مذهبنا أنه
عبارة عن طلاق البدعة لأن الحرج عبارة من الإثم.
دليلنا: أن قوله حرج يعني إثما، والطلاق المسنون لا يكون فيه إثم فإذا
أثبت فيه إثما كان مبدعا، وطلاق البدعة لا يقع عندنا على ما مضى القول فيه.
مسألة 16: إذا سألته بعض نسائه أن يطلقها فقال: نسائي طوالق، ولم ينو
أصلا فإنه لا تطلق واحدة منهن، وإن نوى بعضهن فعلى ما نوى.
وقال أصحاب الشافعي: تطلق كل امرأة له نوى أو لم ينو، إلا ابن الوكيل
فإنه قال: إذا لم ينو السائلة فإنها لا تطلق.
وقال مالك: يطلق جميعهن إلا التي سألته لأنه عدل عن المواجهة إلى
الكناية فعلم أنه قصد غيرها.
دليلنا: إجماع الفرقة على أن الطلاق يحتاج إلى نية، وهذا قد خلا من نية
فيجب أن لا يقع، وأيضا الأصل بقاء العقد والبينونة تحتاج إلى دليل، ولو كنا
ممن لا يعتبر النية لكان قول الشافعي أولى لعموم قوله نسائي طوالق.
مسألة 17: صريح الطلاق لفظ واحد، وهو قوله: أنت طالق أو هي طالق
أو فلانة طالق، مع مقارنة النية له فإن تجرد عن النية لم يقع به شئ، والكنايات
لا يقع بها شئ قارنتها نية أو لم تقارنها.
وقال الفقهاء: الصريح ما يقع به الطلاق من غير نية، والكنايات ما يحتاج
إلى نية، فالصريح عند الشافعي على قوله الجديد ثلاثة ألفاظ " الطلاق والفراق،
والسراح " وقال مالك: صريح الطلاق كثير " الطلاق، والفراق، والسراح
12

وخلية وبرية وبتة وبتلة وبائن " وغير ذلك مما يذكره، وقال أبو حنيفة: صريح
الطلاق لفظ واحد وهو " الطلاق " على ما قلناه غير أنه لم يراع النية، وقال
أبو حنيفة: إن قال حال الغضب: فارقتك أو سرحتك، كان صريحا، فأما غير
هذه اللفظة فكلها كنايات، وعلق الشافعي القول في القديم فأومأ إلى قول
أبي حنيفة وأخذ يدل عليه وينصره وهو قول معروف.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، ولأن الطلاق حكم شرعي يحتاج إلى
دلالة شرعية في كونه صريحا، وليس في الشرع ما يدل على ما قالوه.
وأيضا فإن المرجع في ذلك إلى ما يتعارفه الناس ولا يتعارف إلا في لفظ
الطلاق.
وأيضا فالصريح ما لا يحتمل إلا معنى واحدا أو يحتمل معنيين: أحدهما
أظهر منه وأولى به، وجميع ما عدا لفظ الطلاق يحتمل أمرين فصاعدا على حد
واحد، وأيضا فالصريح ما كان صريحا في اللغة أو في العرف أو في الشرع
وليس شئ مما قالوه صريحا في واحد من ذلك فوجب أن لا يكون صريحا.
مسألة 18: إذا قال لها: أنت مطلقة، لم يكن ذلك صريحا في الطلاق، وإن
قصد بذلك أنها مطلقة إلا أن ينوي وإن لم ينو لم يكن شيئا.
وقال الشافعي: هو صريح فيه، وقال أبو حنيفة هو كناية لأنه إخبار.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء فلا وجه لإعادته، وأيضا قوله: أنت
مطلقة، إخبار عن وقوع طلاق بها فينبغي أن يرجع إلى غير ذلك في وقوع
الطلاق حتى يكون هذا خبرا عنه.
مسألة 19: لو قال لها: أنت طالق، ثم قال: أردت أن أقول أنت طاهر أو
أنت فاضلة، أو قال: طلقتك، ثم قال: أردت أن أقول أمسكتك فسبق لساني
فقلت طلقتك، قبل منه في الحكم وفيما بينه وبين الله.
13

وقال الشافعي وأبو حنيفة ومالك وجميع الفقهاء: لا يقبل منه في الحكم
الظاهر ويقبل منه فيما بينه وبين الله.
دليلنا: إجماع الفرقة وأيضا فإن اللفظ إنما يكون مفيدا لما وضع له في
اللغة بالقصد والنية فإذا قال: لو نواه قبل قوله، ورجع إليه لأنه ليس على وجوب
إنفاذه دليل، وأيضا قوله صلى الله عليه وآله: الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ
ما نوى دليل على ذلك.
مسألة 20: كنايات الطلاق لا يقع بها شئ من الطلاق سواء كانت
ظاهرة أو خفية نوى بها الفرقة أو لم ينو ذلك، وعلى كل حال لا واحدة ولا
ما زاد عليها.
وقال الشافعي: الكنايات على ضربين: ظاهرة وباطنة فالظاهر خلية وبرية
بتة وبتلة وبائن وحرام، والخفية كثيرة منها اعتدي واستبرئي رحمك وتجرعي
وتقنعي واذهبي واعزبي وألحقي بأهلك وحبلك على غاربك، وجميعها يحتاج
إلى نية يقارن التلفظ بها، ويقع به ما نوى سواء نوى واحدة أو ثنتين أو ثلاثا، فإن
نوى واحدة أو ثنتين كانا رجعيين، وسواء كان ذلك في المدخول بها أو غير
المدخول بها وسواء كان في حال الرضا أو في حال الغضب.
وقال مالك: الكنايات الظاهرة صريح في الثلاث، فإن ذكر أنه نوى دونها
قبل منه في غير المدخول بها ولم يقبل في المدخول بها، وأما الخفية فقوله:
اعتدي واستبرئي رحمك فهو صريح في واحدة رجعية، وإن نوى أكثر من ذلك
وقع ما نوى.
وأما أبو حنيفة فإنه قال: لا تخلو الكنايات من أحد أمرين: إما أن يكون معها
قرينة أو لا قرينة معها.
فإن لم يكن معها قرينة لم يقع بها طلاق بحال.
وإن كان معها قرينة فالقرينة على أربعة أضرب: عوض أو نية أو ذكر طلاق
14

أو غضب، فإن كانت القرينة عوضا كان ذلك صريحا في الطلاق، وإن كانت
النية وقع الطلاق بها كلها، وإن كانت القرينة ذكر الطلاق أو غضب دون النية
لم يقع الطلاق بشئ منها إلا في ثمان كنايات " خلية وبرية وبتة وبائن، وحرام
واعتدي واختاري وأمرك بيدك " فإن الطلاق بشاهد الحال يقع بكل واحدة
من هذه، فإن قال: لم أرد طلاقا، فهل يقبل منه أو لا؟ نظرت: فإن كانت القرينة
ذكر الطلاق قبل منه فيما بينه وبين الله ولم يقبل منه في الحكم، وإن كانت
القرينة حال الغضب قبل منه فيما بينه وبين الله تعالى، ولم يقبل منه في الحكم في
ثلاث كنايات " اعتدي، واختاري وأمرك بيدك " وأما الخمس البواقي فيقبل
منه فيما بينه وبين الله، وفي الحكم معا.
هذا لا يختلفون فيه بوجه، وهو قول من تقدم ومن تأخر، وألحق المتأخرون
بالخمس كناية سادسة فقالوا: بتلة، كقول الشافعي " بتة وبائن " هذا تفصيلهم في
الثماني وما عداهن فالحكم فيهن كلهن واحد، وهو ما ذكرناه إن كان هناك نية
وإلا فلا طلاق هذا الكلام في وقوع الطلاق بها.
فأما الكلام في حكمه فهل يقع بائنا؟ وما يقع من العدد؟ قالوا: كل
الكنايات على ثلاثة أضرب:
أحدها: ما ألحق بالصريح، ومعناه أنها كقوله: أنت طالق، يقع بها عندهم
واحدة رجعية ولا يقع أكثر من ذلك، وإن نوى زيادة عليها، وهي ثلاثة ألفاظ:
اعتدي واستبرئي رحمك، وأنت واحدة.
والضرب الثاني: ما يقع بها واحدة بائنة، ولا يقع بها سواها ولو نوى
الزيادة، وهي كناية واحدة " اختاري " ونوى الطلاق، فاختارته ونوت قالوا: لا
يقع بها بحال إلا واحدة بائنة، ولو نوى ثلاثا.
الضرب الثالث: ما يقع بها واحدة بائنة، ويقع ثلاث تطليقات ولا يقع بها
طلقتان على حرة سواء كان زوجها حرا أو عبدا لأن الطلاق عندهم بالنساء ولا
يقع عندهم بالكناية مع النية طلقتان على حرة دفعة واحدة، فإن كان قدر ما
15

يملكه منها طلقتين فنواهما وقعتا وهي الأمة حرا كان زوجها أو عبدا.
فالكلام معهم في خمسة فصول على القول على ما فصلناه في الثماني: الأول
هل يقع الطلاق بهن بغير قرينة أم لا؟ والثاني في الملحقة بالصريح اعتدي
واستبرئي رحمك وأنت واحدة هل يقع بهن ثلاث طلقات أم لا؟ والثالث
اختاري، هل يقع بها طلقة رجعية أم لا؟ والرابع فيما عدا هذه هل يقع بهن طلقة
رجعية أم لا؟ والخامس هل يقع في ما عدا هذه الكنايات الأربع طلقتان على
حرة أم لا؟.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، ولأن الأصل بقاء العقد، وإيجاب الفرقة
بما ذكرناه يحتاج إلى دليل شرعي.
مسألة 21: إذا قال لها: أنت الطلاق، لم يكن صريحا في الطلاق ولا
كناية، وللشافعي فيه وجهان: أحدهما إنه صريح وبه قال أبو حنيفة، والآخر إنه
كناية.
دليلنا: أن كون ذلك طلاقا يحتاج إلى شرع، وأيضا الأصل بقاء العقد،
وأيضا قوله طلاق مصدر، ووصف الطلاق بالمصدر مجاز، وما يكون مجازا لا
يكون صريحا ونحن لا نقول بالكنايات على ما بيناه.
مسألة 22: إذا قال لها: أنت حرة أو أعتقتك، ونوى الطلاق لم يكن
طلاقا، وقال جميع الفقهاء: إنه يكون طلاقا مع النية.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا الأصل بقاء العقد، وكون هذين اللفظين
طلاقا يحتاج إلى دليل.
مسألة 23: ما هو صريح في الطلاق ليس بكناية في الإعتاق، ولا يقع
العتق إلا بقوله: أنت حرة وأعتقتك، وما عدا ذلك لا يقع به عتق.
16

وقال الشافعي: كل ما كان صريحا في الطلاق وهي ثلاثة ألفاظ قوله:
طلقتك أو فارقتك أو سرحتك، أو كان كناية فيه وهو ما تقدم ذكره، فهو كناية
في الإعتاق.
وقال أبو حنيفة: كل ما كان صريحا في الطلاق أو كناية فيه فليس بكناية
في الإعتاق إلا كلمتان " لا ملك لي عليك، ولا سلطان لي عليك " هاتان
كنايتان في الطلاق وفي العتق معا، فالعتق لا يقع عنده إلا بصريح وكناية،
فالصريح أنت حرة وأعتقتك، والكناية لا ملك لي عليك ولا سلطان لي عليك.
دليلنا: إن الأصل بقاء الملك فمن أوقع الحرية بما ذكروه فعليه الدلالة.
مسألة 24: إذا قال لزوجته: أنا منك طالق، لم يكن ذلك شيئا لا صريحا
ولا كناية، ولو نوى ما نوى، وبه قال أبو حنيفة، وقال الشافعي: يكون ذلك
كناية، فإن نوى به البينونة وقع ما نوى.
دليلنا: أن الأصل بقاء العقد، وإيقاع الطلاق بهذا اللفظ يحتاج إلى دلالة
سواء ادعوه صريحا أو كناية، فإن استدلوا بقوله عليه السلام: الأعمال بالنيات،
وإنما لامرئ ما نوى، قيل: لا دلالة في ذلك لأن النبي صلى الله عليه وآله إنما
أراد بذلك العبادات بدلالة أنه أثبت الفعل له بعد حصول النية، وذلك لا يليق
بالطلاق لأنه بعد وقوعه لا يكون له، وإنما يكون عليه، فعلم أنه أراد ما يكون له
من العبادات التي يستحق بها الثواب.
مسألة 25: إذا قال: أنا منك معتد لم يكن ذلك ذلك شيئا، وبه قال
أبو حنيفة، وقال الشافعي: هو كناية.
دليلنا: ما قدمناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 26: إذا قال: أنا منك بائن أو حرام، لم يكن ذلك شيئا، وقال
17

أبو حنيفة والشافعي: إن ذلك كناية عن الطلاق.
دليلنا: ما قدمناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 27: إذا قال لها: أنت طالق، لم يصح أن ينوي بها أكثر من طلقة
واحدة، ومتى نوى أكثر من ذلك لم تقع إلا واحدة.
وقال الشافعي: إن لم ينو شيئا كانت طلقة رجعية وإن نوى كانت بحسب
ما نوى طلقة أو طلقتين أو ثلاثة، وهكذا كل الكنايات يقع بها ما نوى، وبه قال
مالك.
وقال أبو حنيفة: أما صريح الطلاق " أنت طالق وطلقتك " فلا يقع بها
أكثر من واحدة، وبه قال الأوزاعي والثوري، وقال أبو حنيفة: وكذلك اعتدي
واستبرئي رحمك وأنت واحدة واختاري، لا يقع بهن إلا طلقة واحدة بحال.
دليلنا: إجماع الفرقة، ولأن الأصل بقاء العقد، ووقوع الواحدة بصريح
الطلاق مع النية مجمع عليه، وما زاد عليه بغير الصريح لا دلالة عليه.
مسألة 28: إذا قال: أنت الطلاق أو أنت طلاق أو أنت طالق طلاقا أو أنت
طالق لا الطلاق، لا يقع به شئ نوى أو لم ينو، إلا بقوله: أنت طالق طلاقا
وينوي، فإنه يقع به واحدة لا أكثر منه، وقال أبو حنيفة: بجميع ذلك يقع ما
نوى واحدة كانت أو ثنتين أو ثلاثا، وبه قال الشافعي.
دليلنا: أن الأصل بقاء العقد، وإيقاع الفرقة بما ذكروه ليس عليه دليل، و
أيضا فما ذكرناه مجمع على وقوع الفرقة به، وما قالوه ليس عليه دليل.
مسألة 29: إذا كتب بطلاق زوجته ولم يقصد بذلك الطلاق لا يقع بلا
خلاف، وإن قصد به الطلاق فعندنا أنه لا يقع به شئ، وللشافعي فيه قولان:
أحدهما يقع على كل حال، وبه قال أبو حنيفة، والآخر لا يقع وهو مثل ما قلناه.
18

دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا الأصل بقاء العقد، ولا دليل على وقوع
الطلاق بالكتابة.
مسألة 30: إذا خير زوجته فاختارته لم يقع بذلك فرقة، وبه قال ابن عمر وابن عباس
وابن مسعود وعائشة والشافعي.
وروي عن علي عليه الصلاة والسلام وزيد بن ثابت روايتان: إحديهما مثل
ما قلناه، والثانية أنه يقع به طلقة واحدة رجعية، وهو قول الحسن البصري.
دليلنا: إجماع الفرقة ولأن الأصل بقاء العقد وإيقاع الفرقة بذلك يحتاج
إلى دلالة، وروى الأسود قال: سألت عائشة عن رجل خير زوجته فاختارته،
فقالت: خير رسول الله صلى الله عليه وآله نسائه فاخترنه، أكان ذلك طلاقا؟.
مسألة 31: إذا خيرها فاختارت نفسها لم يقع الطلاق نويا أو لم ينويا أو
نوى أحدهما، وقال قوم من أصحابنا: إذا نويا وقع الطلاق، ثم اختلفوا فمنهم من
قال: يقع واحدة رجعية، ومنهم من قال: بائنة.
وقال الشافعي: هو كناية من الطرفين يفتقر إلى نية الزوجين معا.
وقال مالك: يقع به الطلاق الثلاث من غير نية لأن عنده أن هذه اللفظة
صريحة في الطلاق الثلاث كما يقول في الكنايات الظاهرة، ومتى نويا الطلاق
ولم ينويا عددا وقعت طلقة رجعية عند الشافعي.
وعند أبي حنيفة بائنة وإن نويا عددا فإن اتفقت نيتاهما على عدد وقع ما اتفقا
عليه واحدا كان أو ثنتين، أو ثلاثا عند الشافعي، وعند أبي حنيفة إن نويا طلقتين لم
تقع إلا واحدة، كما يقول في الكنايات الظاهرة، وإن اختلفت نيتاهما في العدد
وقع الأقل لأنه متيقن مأذون فيه، وما زاد عليه مختلف فيه.
دليلنا: أن الأصل بقاء العقد ولم يدل دليل على أن بهذه اللفظة تحصل
الفرقة، وأيضا إجماع الفرقة وأخبارهم على هذا، وقد ذكرناها في الكتابين المقدم
19

ذكرهما وبينا الوجه في الأخبار المخالفة لها، ومن خالف في ذلك لا يعتد به لأنه
شاذ متهم.
مسألة 32: إذا خيرها ثم رجع عن ذلك قبل أن تختار نفسها صح
رجوعه عند جميع أصحاب الشافعي إلا ابن خيران فإنه قال: لا يصح، وبه قال
أبو حنيفة، وهذا يسقط عنا لأنا بينا أن التخيير غير صحيح ولا معمول به.
مسألة 33: إذا قال لها: طلقي نفسك ثلاثا، فطلقت واحدة وقع عند
الشافعي وعند أبي حنيفة لا يقع أصلا، وهو مذهبنا، وإن اختلفا في العلة.
دليلنا: ما تقدم في المسألة الأولى سواء.
مسألة 34: إذا قال لها: طلقي نفسك واحدة، فطلقت ثلاثا وقعت عند
الشافعي واحدة، وعند أبي حنيفة لا يقع، وهو مذهبنا وإن اختلفا في العلة.
دليلنا: ما تقدم ذكره في المسألة الأولى سواء.
مسألة 35: إذا قال لزوجته الحرة أو الأمة أو أمته: أنت علي حرام، لم
يتعلق به حكم لا طلاق ولا عتاق ولا ظهار، نوى أو لم ينو، ولا يمين ولا وجوب
كفارة.
وقال الشافعي: إن نوى طلاقا في الزوجة كان طلاقا، فإن لم ينو عددا وقع
طلقة رجعية، وإن نوى عددا كان على ما نواه، وإن نوى ظهارا كان ظهارا، وإن
نوى تحريم عينها لم تحرم ويلزمه كفارة يمين، ولا يكون يمينا لكن يجب به
كفارة يمين، وإن أطلق ففيه قولان: الأول أنه يجب به كفارة ويكون صريحا في
إيجاب الكفارة، والثاني أنه لا يجب به شئ فيكون كناية.
وإن قال ذلك لأمته قال: إنه لا يكون فيها طلاق ولا ظهار لكنه إن نوى
20

عتقها عتقت، وإن نوى تحريم عينها لم تحرم، ويلزمه كفارة يمين، وإن أطلق فعلى
قولين كالحرة سواء.
واختلف الصحابة ومن بعدهم في حكم هذه اللفظة حال الإطلاق، فروي
عن أبي بكر أنه قال: يكون يمينا يجب به كفارة يمين، وهو قول عائشة والأوزاعي،
وروي عن ابن عمر أنه قال: يقع طلقة رجعية وهو قول الزهري، وروي عن
عثمان أنه قال: يكون ظهارا، وهو قول أحمد بن حنبل، وعن علي عليه الصلاة
والسلام أنه قال: يقع به ثلاث تطليقات، وهو قول أبي هريرة وزيد بن ثابت، وعن
ابن مسعود أنه قال: يجب به كفارة يمين وليس بيمين، وهو أحد قولي الشافعي،
وإحدى الروايتين عن ابن عباس.
واختلف التابعون في ذلك، فروي عن ابن أبي سلمة ومسروق أنهما قالا: لا
يلزمه بها شئ ولا يتعلق بها حكم كما قلناه، وعن حماد أنه قال: يقع بها طلقة
بائنة.
وقال أبو حنيفة: إن خاطب بها الزوجة ونوى ظهارا كان ظهارا، وإن نوى طلاقا كان
طلاقا، فإن لم ينو عددا وقعت طلقة بائنة، وإن نوى عددا فإن نوى واحدة وقعت
واحدة بائنة، وإن نوى ثنتين وقعت واحدة بائنة، وإن نوى الثلاث
وقعت الثلاث كما يقول في الكنايات الظاهرة، وإن أطلق كان مؤليا فإن وطئها
قبل انقضاء الأربعة أشهر حنث ولزمته كفارة، وإن لم يطأ حتى انقضت المدة
بانت بطلقة كما يقول في المولى عليها إنها تبين بطلقة.
وأما إذا قال ذلك للأمة فإنه يكون بمنزلة من يحلف أنه لا يصيبها فإن حنث
فلزمته الكفارة، وإن لم يصبها فلا شئ عليه.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا فإن الأصل بقاء العقد وبراءة
الذمة، فمن أوقع الطلاق أو ألزم الكفارة أو الظهار كان عليه الدلالة.
مسألة 36: إذا قال: كلما أملك علي حرام، لم يتعلق به حكم سواء كان
21

له زوجات وإماء وأموال أو لم يكن له شئ من ذلك نوى أو لم ينو.
وقال الشافعي: إن لم يكن له زوجات ولا إماء وله أموال مثل ما قلناه، وإن
كان له زوجة واحدة فعلى ما مضى، وإن كان له زوجات فعلى قولين: أحدهما
يتعلق به كفارة واحدة، والثاني يتعلق بكل واحدة كفارة، وقال أبو حنيفة: ذلك
بمنزلة قوله: والله لا انتفعت بشئ من مالي، فمتى انتفع بشئ من ماله حنث
ولزمته الكفارة بناء على أصله إن ذلك عين.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 37: إذا قال: كلي واشربي، ونوى به الطلاق لم يقع به الطلاق،
وبه قال أبو إسحاق المروزي، وقال أبو حامد: المذهب أنه يقع الطلاق لأن معناه
اشربي غصص الفرقة وطعمها.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 38: إذا قال لغير المدخول بها: أنت طالق ثلاثا، وقعت واحدة،
وخالف جميع الفقهاء وقالوا: تقع الثلاث.
دليلنا: إجماع الفرقة، وما قدمنا في المسائل المقدم ذكرها ولأنا قد بينا أنه
لو قال ذلك للمدخول بها لا يقع إلا واحدة، كذلك غير المدخول بها لأن أحدا
لم يفرق بينهما.
مسألة 39: إذا قال لغير المدخول بها: أنت طالق أنت طالق أنت طالق،
بانت بالأولة ولا يلحقها الثانية ولا الثالثة، وبه قال جميع الفقهاء، وقال قوم: تبين
بالثلاث.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
22

مسألة 40: من قال: إن الطلاق بشرط يقع، أجمعوا على أن الشرط إذا كان
جائزا حصوله وإن لم يحصل فإنه لا يقع الطلاق حتى يحصل الشرط، وذلك
مثل قوله: إن دخلت الدار أو كلمت زيدا فأنت طالق، وإن كان شرطا يجب
حصوله مثل قوله: إذا جاء رأس الشهر وإذا طلعت الشمس وإذا دخلت السنة
الفلانية، فقال أبو حنيفة وأصحابه، والشافعي: لا يقع الطلاق قبل حصول شرطه،
وقال مالك: يقع الطلاق في الحال، وهذا يسقط عنا لأن الطلاق بشرط لا يقع
عندنا، وقد دللنا على ذلك فقد بطل هذا الفرع.
مسألة 41: إذا قال: أنت طالق في شهر رمضان، فإنها تطلق عند الشافعي
عند أول جزء من ليلته الأولة، وقال أبو ثور: تطلق عند انقضاء آخر جزء منها،
وهذا يسقط عنا لما قدمناه في المسألة الأولى، ودللنا عليه.
مسألة 42: إذا قال لها: إذا رأيت هلال رمضان فأنت طالق، فرآه بنفسه
طلقت بلا خلاف بينهم، وإن رآه غيره وأخبره به لم تطلق عند أبي حنيفة، وطلقت عند الشافعي،
وهذا يسقط عنا لما قدمناه.
مسألة 43: اختلفوا في من قال: إن لم تدخلي الدار أو إذا لم تدخلي الدار
فأنت طالق، هل هما على الفور أو على التراخي؟ فقال الشافعي: فيه قولان:
أحدهما على الفور في قوله: إن لم تدخلي الدار، والثاني على الفور فيهما، وبه قال
أبو حنيفة، وفي أصحابه من فرق بينهما فقال: إن لم، يكونا على التراخي، وإذا لم،
على الفور، وبه قال أبو يوسف ومحمد، وهذا يسقط عنا لما أفسدناه من تعليق
الطلاق بشرط فما يبني عليه لا يصح على مذهبنا.
مسألة 44: طلاق المكره وعتقه وسائر العقود التي يكره عليها لا يقع منه،
23

وبه قال الشافعي ومالك والأوزاعي.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: طلاق المكره وعتاقه واقع وكذلك كل عقد
يلحقه فسخ فأما مالا يلحقه فسخ مثل البيع والصلح والإجارة فإنه إذا أكره عليه
ينعقد عقدا موقوفا فإن أجازها وإلا بطلت.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا الأصل براءة الذمة، وبقاء العقد،
وزوال العقد وشغل الذمة يحتاج إلى دليل، ولا دليل في الشرع على وقوع هذا
النوع من الطلاق، وأيضا روى ابن عباس إن النبي صلى الله عليه وآله قال: رفع
عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه، ومعلوم أنه لم يرد رفع ما وقع عليه
من الخطأ لأن ما وقع لا يمكن رفعه، ثبت أنه أراد حكم الخطأ.
وروي عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وآله قال: لا طلاق ولا إعتاق في
إعلاق، وقال أبو عبيد: الإعلاق الإكراه، فكأنه قال: لا طلاق في إكراه، وما قلناه
مروي عن علي عليه الصلاة والسلام وعمر وابن عباس وابن عمر وابن الزبير، ولا
مخالف لهم، فدل على أنه إجماع.
مسألة 45: طلاق السكران غير واقع عندنا، وللشافعي فيه قولان: أحدهما -
وهو الأظهر - إنه يقع، وبه قال مالك والأوزاعي وأبو حنيفة وأصحابه، والقول
الثاني إنه لا يقع كما قلناه، وبه قال ربيعة والليث بن سعد والمزني وداود وأبو ثور
والطحاوي من أصحاب أبي حنيفة والكرخي.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا الأصل بقاء العقد، ووقوع الطلاق يحتاج
إلى دليل.
مسألة 46: إذا زال عقله بشرب البنج والأشياء المرقدة والمجنة لا
يقع طلاقه، وبه قال أبو حنيفة، وقال الشافعي: إن كان شربه للتداوي فزال عقله لا يقع
طلاقه، وإن شربه للعب أو غير الحاجة وقع طلاقه.
24

دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 47: إذا قال له رجل: ألك زوجة؟ فقال: لا، لم يكن ذلك طلاقا،
وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: يكون طلقة.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء، وأيضا قوله: لا، جواب للسائل
فكأنه قال: ليس لي زوجة، ولو صرح بذلك لكان كذبا ولم يكن طلاقا بلا
خلاف.
مسألة 48: إذا قال: أنت طالق واحدة في اثنتين، وقال: أردت في طلقتين
لي غير واقعتين عليك، قال أصحاب الشافعي: قبل منه، والمنصوص إنها طلقة،
وبه قال أبو حنيفة، وقال أبو إسحاق: طلقتان، وهذا الفرع يسقط عنا لأن عندنا أنه
لو صرح أنه طلق ثلاثا لم يقع إلا واحدة فكيف بالمحتمل؟.
مسألة 49: إذا قال: أنت طالق واحدة لا تقع، لم يقع بها شئ، وكذلك
لو قال: أنت طالق لا، لم يقع شئ، وقال الشافعي: يقع بها طلقة.
دليلنا: إنا دللنا على أن الطلاق يحتاج إلى نية، فإذا قصد بهذا لا يقع
فيجب أن لا يقع به شئ لفقد النية للإيقاع.
مسألة 50: إذا قال لها: رأسك أو جبهتك طالق، لم يقع به طلاق، وقال
جميع الفقهاء: إنه يقع به الطلاق.
دليلنا: أن الطلاق حكم شرعي والألفاظ التي يقع بها الطلاق تحتاج إلى
دلالة شرعية ولا دلالة في الشرع على أن هذه الألفاظ تقع بها الفرقة، والأصل
بقاء العقد إلى أن يقوم دليل.
25

مسألة 51: إذا قال: يدك أو رجلك أو شعرك أو أذنك طالق، لا يقع
به شئ من الطلاق، وبه قال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد، وقال زفر والشافعي:
يقع بذلك كله الطلاق.
دليلنا: ما قلناها في المسألة الأولى سواء، وأيضا قوله عز وجل: فإن طلقها
فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره، وهذا ما طلقها، وإنما طلق شعرها
ويدها ورجلها.
مسألة 52: إذا قال لها: أنت طالق نصف تطليقة، لم يقع شئ أصلا، وبه
قال داود، وقال جميع الفقهاء: إنه يقع طلقة.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 53: الاستثناء بمشيئة الله تعالى يدخل في الطلاق والعتاق سواء
كانا مباشرين أو معلقين بصفة، وفي اليمين بهما وفي الإقرار وفي اليمين بالله
فيوقف الكلام ومن خالفه لم يلزمه حكم ذلك، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه
والشافعي وطاووس والحكم.
وقال مالك والليث بن سعد: لا يدخل في غير اليمين بالله وهو ما ينحل
بالكفارة وهو اليمين بالله فقط، وبه قال الزهري.
وذهب الأوزاعي وابن أبي ليلى إلى أنه يدخل فيما كان يمينا بالطلاق أو بالله
ففي الطلاق يدخل فيما كان يمينا به فأما إن كان طلاقا أو متجردا أو معلقا بصفة
فلا يدخله الاستثناء.
وقال أحمد بن حنبل: يدخل في الطلاق دون العتاق، فقال: إذا قال أنت
طالق إن شاء الله لم تطلق، ولو قال: أنت حر إن شاء الله، عتق وفرق بينهم بأن
الله تعالى لا يشاء الطلاق ويشاء العتق لقوله صلى الله عليه وآله إن أبغض
الأشياء إلى الله تعالى الطلاق.
26

دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، وثبوت العقد، وإذا أعقب كلامه بلفظة إن
شاء الله في هذه المواضع فلا دليل على زوال العقد في النكاح أو العتق ولا على
تعلق حكم بذمته، فمن ادعى خلافه فعليه الدلالة.
وروى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله قال: من حلف على يمين وقال
في إثرها " إن شاء الله " لم يحنث فيما حلف عليه، فهو على العموم في كل الأيمان
بالله وبغيره.
طلاق المريض
مسألة 54: المريض إذا طلقها طلقة لا يملك رجعتها، فإن ماتت لم يرثها
بلا خلاف، وإن مات هو من ذلك المرض ورثته ما بينها وبين سنة ما لم تتزوج
فإن تزوجت بعد انقضاء عدتها لم ترثه، وإن زاد على السنة يوم واحد لم ترثه.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما: " لا ترثه " وهو أصح القولين عندهم،
واختاره في الإملاء، وبه قال ابن الزبير، وهو اختيار المزني.
والقول الثاني: ترثه كما قلناه، وبه قال في الصحابة علي عليه السلام وعمر
وعثمان، وفي الفقهاء ربيعة ومالك والأوزاعي والليث بن سعد وابن أبي ليلى
والثوري وأبو حنيفة وأصحابه وأحمد بن حنبل، ولهم تفصيل، فأبو حنيفة لا يورثها
بعد خروجها من العدة، وكذلك أصحابه والأوزاعي والليث بن سعد والثوري
وأحد الأقوال الثلاثة للشافعي على قوله الثاني إنها ترثه - والقول الثاني للشافعي
على هذا القول أنها ترثه ما لم تتزوج - وبه قال ابن أبي ليلى وأحمد ولم يعتبروه
بسنة كما قلناه.
والقول الثالث للشافعي على هذا القول: إنها ترثه أبدا، ولو تزوجت ما
تزوجت، وبه قال ربيعة، وقال ربيعة: لو تزوجت عشرة أزواج ورثتها، فعلى هذا
يجئ أن ترث في واحد ميراث خلق من الأزواج، وهو أن يتزوجها فيطلقها في
مرضه ثم يتزوجها آخر فيطلقها كذلك فتتزوج فيقضي أن يموتوا كلهم دفعة
27

واحدة فتأخذ إرثها من الجماعة.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم ولأنه إجماع الصحابة روي عن من
ذكرناه ولا يعرف لهم مخالف.
وروي عن عمر أنه قال: المبتوتة ترث، وروي أن عبد الرحمان ابن عوف
طلق زوجته تماضر بنت أسبع الكلبية في مرضه فأبت طلاقها، فترافعوا إلى عثمان
فورثها منه، وروي أن عثمان طلق بعض نسائه وهو محضور فورثها منه علي
عليه السلام.
مسألة 55: إذا سألته أن يطلقها في مرضه فطلقها لم يقطع ذلك الميراث
منه، وبه قال ابن أبي هريرة من أصحاب الشافعي على قوله أنها ترث، وقال الباقون
من أصحابه: إنها لا ترثه، وبه قال أبو حنيفة قالوا: لأنه زالت الشبهة.
دليلنا: عموم الأخبار الواردة بأنها ترثه إذا طلقها في المرض ولم يفصلوا،
فوجب حملها على عمومها.
مسألة 56: إذا قال: أنت طالق قبل قدوم زيد بشهر، فإن قدم قبل مضي
الشهر لم يقع الطلاق، وإن قدم مع انقضاء الشهر مثل ذلك، وإن قدم بعد شهر
ولحظة من حين عقد الصفة وقع الطلاق عقيب عقد الصفة - وهو الزمان الذي
هو عقيب عقد الصفة وقبل أول الشهر - هذا قول الشافعي على ما فرعه
أبو العباس، وبه قال زفر، وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد: أي وقت قدم وقع
الطلاق بقدومه حين قدومه، وهذا الفرع ساقط عنا لأنا قد بينا أن الطلاق بالشرط
غير واقع، فما يتفرع عليه يسقط عليه كل حال.
مسألة 57: إذا شك هل طلق أم لا؟ لا يلزمه الطلاق لا وجوبا ولا
استحبابا لا واحدة ولا ثلاثا، والأصل بقاء الزوجية.
28

وقال الشافعي: يستحب له أن يلزم نفسه واحدة ويراجعها ليزول الشك،
وإن كان ممن إذا أوقع الطلاق أوقع ثلاثا فيقتضي التبرع والعفة أن يطلقها ثلاثا
لتحل لغيره ظاهرا وباطنا.
دليلنا: أن الأصل بقاء الزوجية وليس على وقوع الطلاق ولا استحبابه
دليل لمكان الشك.
مسألة 58: إذا علم أنه طلق وشك هل طلق واحدة أو ثنتين، بنى على
واحدة، وإن شك بين الثنتين والثلاث بنى على الثنتين، وبه قال الشافعي
وأبو حنيفة ومحمد.
وقال مالك وأبو يوسف: عليه الأخذ بالأكثر لأن الحظر والإباحة إذا اجتمعا
غلبنا حكم الحظر، كما لو نجس موضع من ثوبه وجهل مكانه غلب الأخذ
بالأحوط وغسل جميعه، وكذلك لو اختلطت أخته بأجنبية غلبنا الحظر.
دليلنا: أن الأصل بقاء العقد، والمحقق وقوع واحدة من التطليقات وما
زاد عليه ليس عليه دليل، وما قالوه من الثوب حجة لنا لأنه لما لم يكن جزء منه
إلا وشك في طهارته بنى على اليقين في غسله كله، وليس كذلك هاهنا لأنه قد
تيقن التطليقة وشك فيما عداها بنى على اليقين.
ووزان هذا من مسألتنا أن تتحقق النجاسة في أحد الكمين من القميص
ويشك فيما عداها فإنه يغسل الكم وحدها، وهكذا الجواب عنه إذا اختلطت
أخته بأجنبية وهو أن الشك وقع في حل الشئ في كل واحدة منهما فلهذا
تركهما معا تغليبا للتحريم وليس كذلك في مسألتنا لأن اليقين في الواحدة
والشك في الزيادة، فلهذا أخذنا باليقين وطرحنا الشك.
مسألة 59: الظاهر من روايات أصحابنا والأكثرين أن الزوج الثاني إذا
دخل بها يهدم ما دون الثلاث من الطلقة والطلقتين، وبه قال أبو حنيفة وأبو
29

يوسف، وفي الصحابة ابن عمر وابن عباس.
وقد روى أصحابنا في بعض الروايات أنه لا يهدم إلا الثلاث فإذا كان دون
ذلك فلا يهدم، فمتى تزوجها الزوج الأول كانت معه على ما بقي من الطلاق،
وبه قال في الصحابة على ما حكوه علي عليه السلام وعمر وأبو هريرة، وفي الفقهاء
مالك والشافعي والأوزاعي وابن أبي ليلى ومحمد وزفر، وقال الشافعي: رجع
محمد ابن الحسن في هذه المسألة إلى قولنا.
دليلنا: على القول الأول قوله جل من قائل: الطلاق مرتان فإمساك
بمعروف أو تسريح بإحسان، فأخبر أن من طلق طلقتين كان له إمساكها بعد
هاتين الطلقتين إلا ما قام عليه الدليل، والمعتمد في ذلك الأخبار التي ذكرناها في
الكتاب الكبير من طرق أصحابنا صريحة بذلك فمن أرادها وقف عليها من
هناك.
ونصرة الرواية الأخرى قوله: الطلاق مرتان، إلى قوله: فإن طلقها فلا تحل
له من بعد حتى تنكح زوجا غيره، فأخبر أن من طلق طلقة بعد طلقتين فلا تحل
له إلا بعد زوج، ولم يفرق بين أن تكون هذه الثالثة بعد طلقتين وزوج أو بعد
طلقتين بلا زوج، فمن قال: إذا طلقها واحدة حلت له قبل زوج غيره، فقد ترك
الآية.
في جواز الحيلة في الأحكام
مسألة 60: الحيل في الأحكام جائزة، وبه قال جميع أهل العلم أبو حنيفة
وأصحابه والشافعي ومالك وغيرهم، وفي التابعين من منع الحيل بكل حال.
دليلنا على جوازها: قوله تعالى في قصة إبراهيم عليه السلام: قالوا من فعل
هذا بآلهتنا يا إبراهيم قال بل فعله كبيرهم هذا فاسئلوهم إن كانوا ينطقون،
فأضاف كسر الأصنام إلى الصنم الأكبر، وإنما قال هذا على تأويل صحيح بأن
قال: إن كانوا ينطقون، فقد فعله كبيرهم فإذا لم ينطقوا فاعلموا أنهم ما؟ فعلوا تنبيها
30

على أن من لا ينطق ولا يفعل لا يستحق العبادة والإلهية، وخرج الكلام مخرجا
ظاهره بخلافه.
وقال في قصة أيوب عليه السلام: وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث،
فجعل الله لأيوب مخرجا مما حلف عليه.
وروى سويد بن حنظلة قال: خرجنا ومعنا وائل بن حجر نريد النبي
صلى الله عليه وآله فأخذه أعداء له وتحرج القوم أن يحلفوا فحلفت بالله أنه أخي فخلى
عنه العدو، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وآله فقال: صدقت المسلم أخو
المسلم، فالنبي صلى الله عليه وآله أجاز ما فعل سويد وبين له صواب قوله فيما
احتال به ليكون صادقا في يمينه فدل على ما قلناه.
مسألة 61: إذا ثبت جواز الحيلة فإنما يجوز من الحيلة ما يكون مباحا
يتوصل به إلى مباح، فأما مثل محظور يتوصل به إلى المباح فلا يجوز، وبه قال
الشافعي.
وأجاز أصحاب أبي حنيفة الحيلة المحظورة ليصل بها إلى المباح.
قال أبو بكر الصيرفي: نظرت في كتاب الحيل لأهل العراق فوجدته على
ثلاثة أنحاء: أحدها ما لا يحل فعله، والثاني ما يحل على أصولهم، والثالث ما
يجوز على قول من أحال الحيلة.
فالمحظور مثل ما روى ابن المبارك عن أبي حنيفة أن امرأة شكت إليه
زوجها فأثرت فراقه، فقال لها: ارتدي فيزول النكاح وإن كان بعد النكاح،
وروي عن أبي حنيفة فيما رواه عنه سليمان بن منصور عن علي بن عاصم في قصة
معروفة أنه قال لزوج المرأة: قبل أمها بشهوة فإن نكاح زوجتك ينفسخ.
وقال النضر بن شميل في كتاب الحيل: ثلاثمائة وعشرون أو ثلاثون مسألة
كلها كفر - يعني من استباح ذلك كفر -.
والدليل على أن مثل هذا لا يجوز إن الله تعالى عاقب من احتال حيلة
31

محظورة عقوبة شديدة حتى مسخ من فعله قردة وخنازير، فقال تعالى: واسألهم
عن القرية التي كانت حاضرة البحر، القصة: كان الله تعالى حرم عليهم صيد
السمك يوم السبت فاحتالوا على السمك فوضعوا الشباك يوم الجمعة فدخل
السمك يوم السبت وأخذوا السمك يوم الأحد، فقال تعالى: فلما عتوا عما نهوا
عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين.
وقال النبي صلى الله عليه وآله: لعن الله اليهود حرم عليهم الشحوم فباعوها
وأكلوا أثمانها، فلما نظر محمد بن الحسن إلى هذا قال: ينبغي أن لا يتوصل إلى
المباح بالمعاصي، ثم نقض هذا فقال: لو أن رجلا حضر عند الحاكم فادعى أن
فلانة زوجتي وهو يعلم أنه كاذب وشهد له بذلك شاهدان زورا وهما يعلمان
ذلك، فحكم له الحاكم بذلك حلت له ظاهرا وباطنا.
وكذلك على قولهم لو أن رجلا تزوج بامرأة جميلة فرغب فيها أجنبي قبل
دخول زوجها بها، فأتى هذا الأجنبي الحاكم فادعى أنها زوجته، وأن زوجها طلقها
قبل الدخول بها، وتزوج بها، شهد له بذلك شاهدا زور فحكم الحاكم بذلك،
نفذ حكمه وحرمت على الأول ظاهرا وباطنا وحلت للمحتال ظاهرا وباطنا، هذا
حكم مذهبهم لا يختلفون فيه، وفيما ذكرناه دليل على بطلان فعل هذا أجمع.
32

كتاب الخلع
مسألة 1: إذا كانت الحال بين الزوجين عامرة والأخلاق ملتئمة واتفقا على
الخلع فبذلت له شيئا حتى يطلقها لم يحل ذلك وكان محظورا، وبه قال عطاء
والزهري والنخعي وداود وأهل الظاهر، وقال أبو حنيفة والشافعي ومالك
والأوزاعي والثوري: إن ذلك مباح.
دليلنا: إجماع الفرقة على أنه لا يجوز له خلعها إلا بعد أن يسمع منها ما لا
يحل ذكره من قولها: لا أغتسل لك من جنابة ولا أقيم لك حدا ولأوطئن
فراشك من تكرهه، أو يعلم ذلك منها، وهذا مقصود هاهنا فيجب أن لا يجوز
الخلع.
وأيضا قوله تعالى: فلا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا ألا أن يخافا
ألا يقيما حدود الله، وهذا نص فإنه حرم الأخذ منها إلا عند الخوف من أن لا يقيما
حدود الله، وقال تعالى: فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما
افتدت به، فدل ذلك على أنه متى ارتفع الخوف وقع الجناح.
مسألة 2: لا يصح الخلع إلا في طهر لم يقربها فيه بجماع، إذا كان دخل
بها، وخالف جميع الفقهاء في ذلك، وقالوا: يجوز في حال الحيض، وفي طهر
قربها فيه بجماع.
33

دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا فإنه إذا خالعها على ما وصفته صح
الخلع بلا خلاف، وليس على صحة ما قالوه دليل.
مسألة 3: الصحيح من مذهب أصحابنا أن الخلع بمجرده لا يقع ولا بد
معه من التلفظ بالطلاق، وفي أصحابنا من قال: لا يحتاج معه إلى ذلك بل نفس
الخلع كاف، إلا أنهم لم يبينوا أنه طلاق أو فسخ.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما أن الخلع طلاق، ذكره في الإملاء، وأحكام
القرآن، وبه قال عثمان بن عفان، ورووه عن علي عليه السلام وعبد الله بن
مسعود، وبه قال مالك والأوزاعي وأبو حنيفة وأصحابه، وقال في القديم: الخلع
فسخ وهو اختيار الإسفرايني، وبه قال ابن عباس وصاحباه عكرمة وطاووس،
وفي الفقهاء أحمد وإسحاق وأبو ثور.
دليلنا: أن ما اعتبرناه مجمع على وقوع الفرقة به، وما قالوه ليس عليه
دليل، ومن لم يعتبر من أصحابنا التلفظ بالطلاق الأولى أن يقول إنه فسخ وليس
بطلاق، لأنه ليس على كونه طلاقا دليل، ويدل عليه قوله تعالى: الطلاق مرتان
فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، ثم ذكر الفرقة بعد هذا ثم ذكر الطلقة
الثالثة فقال: فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره، فذكر الطلاق
ثلاثا وذكر الفرقة في أثنائه، فلو كان طلاقا كان الطلاق أربعا وهذا باطل
بالاتفاق.
مسألة 4: الخلع جائز بين الزوجين ولا يفتقر إلى حاكم، وبه قال أبو حنيفة
وأصحابه ومالك والشافعي والأوزاعي والثوري، وقال الحسن البصري وابن
سيرين: لا يصح إلا بحاكم.
دليلنا: إجماع الفرقة وقوله تعالى: فلا جناح عليهما فيما افتدت به، ولم
يشرط الحاكم.
34

وروى عبد الله بن سهل أن امرأة اختلعت نفسها من زوجها بألف درهم
فرفع ذلك إلى عمر فأجازه، وروي مثل ذلك في أيام عثمان، ولم ينكر أحد من
الصحابة ولا خالف فيه.
مسألة 5: البذل في الخلع غير مقدر، إن شاءا اختلعا بقدر المهر أو بأكثر أو
بأقل، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه ومالك والشافعي والأوزاعي والثوري، وذهب
الزهري إلى أنه جائز بقدر المهر الذي تزوجها عليه ولا يجوز بأكثر منه، وبه قال
أحمد وإسحاق.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا قوله تعالى: فلا جناح عليهما فيما افتدت به،
وذلك عام.
مسألة 6: الخلع إذا وقع صحيحا سقطت الرجعة، ولا يملك الزوج
الرجعة والبذل أبدا سواء كان الخلع بلفظ الفسخ أو بلفظ الطلاق، وبه قال في
التابعين الحسن البصري والنخعي، وفي الفقهاء أبو حنيفة وأصحابه ومالك
والأوزاعي والشافعي والثوري.
وقال سعيد بن المسيب والزهري: الزوج بالخيار بين أن يملك العوض ولا
رجعة وبين أن يرد العوض وله الرجعة ما دامت في العدة، فأما بعد انقضائها فلا
يمكن أن يثبت له رجعة.
وقال أبو ثور: إن كان بلفظ الخلع فلا رجعة وإن كان بلفظ الطلاق ملك
العوض وله الرجعة، وقال أبو حامد: هذا التفصيل ما يعرفه أصحابه وإنما نقلته من
كتابه، وأبو ثور خالف الإجماع في هذا فإنه انعقد الإجماع قبله على خلاف قوله.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا قوله تعالى: فلا جناح عليهما فيما
افتدت به، وحقيقة الافتداء الاستنقاذ والاستخلاص كافتداء الأسير بالبذل، فلو
أثبتنا الرجعة لم نحمل الافتداء على حقيقته.
35

مسألة 7: إذا وقع الخلع على بذل فاسد مثل الخمر والخنزير وما أشبه
ذلك مما لا يصح تملكه، لم يصح خلعه.
وخالف جميع الفقهاء في ذلك وقالوا: يصح الخلع، ثم اختلفوا، فقال
أبو حنيفة: يكون تطليقة رجعة، وقال الشافعي: الخلع صحيح، والبذل فاسد
ويجب له مهر مثلها.
دليلنا: أن الأصل بقاء العقد ومن أوقع الخلع ببذل فاسد فعليه الدلالة،
ولا دليل على ذلك.
مسألة 8: إذا طلقها طلقة على دينار بشرط أن له الرجعة لم يصح الطلاق.
وقال المزني فيما نقله عن الشافعي: إن الخلع باطل ويثبت له الرجعة
ويسقط البذل لأنه جمع بين أمرين متنافيين، ثبوت الرجعة مع ملك العوض
فبطل وثبتت الرجعة، ثم قال المزني: الخلع عندي صحيح والشرط فاسد ويجب
عليها مهر المثل وتسقط الرجعة، ونقل الربيع هذه المسألة عن الشافعي مثل
ما نقلها المزني وأن الرجعة ثابتة والدينار مردود، ثم قال: وفيها قول آخر أن
الخلع صحيح ويسقط الشرط وتنقطع الرجعة ويجب له عليها مهر مثلها، قال أبو
حامد: والمذهب ما نقله وحكاه عن الشافعي.
دليلنا: أن الأصل بقاء العقد، وإيقاع الطلاق أو الخلع بهذا النوع يحتاج
إلى دليل.
مسألة 9: إذا اختلعت نفسها من زوجها بألف على أنها متى طلبتها استردتها
وتحل له الرجعة، صح الخلع وثبت الشرط، وقال أكثر أصحاب الشافعي: إن
الخلع صحيح وكان عليها مهر المثل، وله قول آخر أن الخلع يبطل وتثبت
الرجعة.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم ولأن النبي صلى الله عليه وآله قال:
36

المؤمنون عند شروطهم.
مسألة 10: المختلعة لا يلحقها الطلاق، ومعناه أن الرجل إذا خالع زوجته
خلعا صحيحا ملك به العوض وسقطت به الرجعة ثم طلقها لم يلحقها طلاقه
سواء كان بصريح اللفظ أو بالكناية في العدة كان أو بعد انقضائها، بالقرب من
الخلع أو بعد التراخي عنه، وبه قال ابن عباس وابن الزبير وعروة بن الزبير، وفي
الفقهاء الشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق.
وذهب الزهري والنخعي والثوري وأبو حنيفة وأصحابه إلى أن يلحقه طلاقها
قبل انقضاء العدة ولا يلحقها بعد انقضائها.
وانفرد أبو حنيفة بأن قال: يلحقها الطلاق بصريح اللفظ ولا يلحقها بالكناية
مع النية.
وذهبت طائفة إلى أنه يلحقها بالقرب من الخلع ولا يلحقها بالبعد منه، ذهب
إليه مالك والحسن البصري، ثم اختلفا في القرب، فقال مالك: أن يتبع الخلع
بالطلاق فتقول له: خالعني بألف، فقال: خالعتك بألف أنت طالق، وقال
الحسن البصري: القرب أن يطلقها في مجلس الخلع والبعد بعد التفرق عن
مجلس الخلع.
دليلنا: أنا قد بينا أن الخلع بمجرده لا يقع، وإنما يحتاج إلى التلفظ
بالطلاق، فإذا تلفظ به فلا يمكنه أن يطلقها ثانيا إلا بعد المراجعة، على ما نبينه في
كتاب الطلاق، وهذه لا يمكن فيها المراجعة، ومن قال من أصحابنا: إنه لا يحتاج
إلى لفظ الطلاق، فلا يمكنه أيضا أن يقول باتباع الطلاق لأنه لا رجعة فيها فلا
يمكنه إيقاع الطلاق لأنها قد بانت بنفس الخلع.
وأيضا قوله تعالى: الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان،
فلما قال: الطلاق مرتان، قيل: ثم ما ذا يا رسول الله؟ فقال: أو تسريح بإحسان،
فموضع الدلالة هو أنه جعل التسريح إلى من إليه الإمساك، فلما ثبت أنه بعد
37

الخلع لا يملك إمساكها دل على أنه لا يملك تسريحها، وعليه إجماع الصحابة،
روي ذلك عن ابن عباس وابن الزبير رواه الشافعي عنهما، ولا مخالف لهما في
الصحابة.
مسألة 11: إذا قال لها: إن دخلت الدار فأنت طالق ثلاثا أو إن كلمت أمك
فأنت طالق ثلاثا، فعندنا أن هذا باطل لأنه تعليق الطلاق بشرط، وذلك لا
يصح.
وقال جميع الفقهاء: إن هذه يمين صحيحة فإذا أرادت أن تكلم أمها ولا يقع
الطلاق فالحيلة أن يخالعها فتبين بالخلع ثم تكلم أمها وهي بائن، فينحل اليمين ثم
يتزوج بها مرة بعد هذا، ثم تكلم أمها فلا يقع الطلاق - هذا قول الشافعي - أن
اليمين تنحل بوجود العقد وهي بائن منه.
وقال مالك وأحمد بن حنبل: لا تنحل اليمين بوجود الصفة وهي بائن،
فمتى تزوجها بعد هذا ثم وجدت الصفة وقع الطلاق، وبه قال الإصطخري من
أصحاب الشافعي.
دليلنا: إجماع الفرقة وأيضا فالعقد صحيح، وإيقاع الطلاق بشرط يحتاج
إلى دليل وليس في الشرع ما يدل على صحته.
مسألة 12: إذا قال لزوجته: أنت طالق كل سنة تطليقة، ثم بانت منه في
السنة الأولى، ثم تزوج بها فجاءت السنة الثانية وهي زوجته بنكاح جديد غير
الأول، مثل أن بانت بواحدة ثم تزوج أو بالثلاث فنكحت زوجا غيره ثم بانت
منه فتزوجها ثانيا، فهل يعود حكم اليمين في النكاح الثاني إذا لم توجد الصفة
وهي بائن؟ فللشافعي فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: لا يعود بحال سواء بانت بالثلاث أو بما دونها، وبه قال المزني.
والثاني: يعود بكل حال، وهو أحد قوليه في القديم.
38

والثالث: إن كان الطلاق ثلاثا لم يعد، وإن كان دونها عادت الصفة، وبه
قال أبو حنيفة، وهذا لا يصح على أصلنا لأن عندنا أن الطلاق بشرط أو بالصفة لا
يقع، فهذا الفرع ساقط عنا، ونحن ندل على ذلك فيما بعد إن شاء الله.
مسألة 13: لا ينعقد الطلاق قبل النكاح ولا يتعلق به حكم سواء عقده في
عموم النساء أو خصوصهن أو أعيانهن، وسواء كانت الصفة مطلقة أو مضافة إلى
ملك، فالعموم أن يقول: كل امرأة أتزوجها فهي طالق، والخصوص: كل امرأة
أتزوج بها من القبيلة الفلانية فهي طالق، والأعيان: أن أتزوج بفلانة فهي طالق،
والصفة المطلقة أن يقول لأجنبية: إن دخلت الدار فأنت طالق، والصفة المقيدة إذا
قال لأجنبية: إن دخلت الدار وأنت زوجتي فأنت طالق، وهكذا الحكم في العتق
على هذا الترتيب حرفا بحرف، وبه قال في الصحابة علي عليه السلام وابن عباس
وعائشة، وفي الفقهاء الشافعي وأحمد وإسحاق.
ذهبت طائفة إلى أنه ينعقد قبل النكاح في عموم النساء وخصوصهن وفي
أعيانهن، ذهب إليه الشعبي والنخعي وأبو حنيفة وأصحابه، وأما الصفة فقال
أبو حنيفة: لا تنعقد الصفة المطلقة وهي إذا قال لأجنبية: إذا دخلت الدار فأنت
طالق، ثم تزوجها فدخلت قال: لا تطلق، فإن أضافها إلى ملك العقد وهو قوله
لأجنبية: إن دخلت الدار وأنت زوجتي فأنت طالق، انعقد وهكذا مذهبه في العتق
على تفصيل الطلاق، فكل منا أجرى الإعتاق مجرى الطلاق.
وقال قوم: إن عقده في عموم النساء لم ينعقد، وإن عقده في خصوصهن
وأعيانهن انعقد، ذهب إليه ربيعة ومالك والأوزاعي قالوا: لأنه إذا عقده في عموم
النساء لم يكن له سبيل إلى النكاح فيبقي مبتلى ولا زوج له فلم ينعقد، وليس
كذلك الخصوص والأعيان لأن له سبيلا إلى غيرهن.
دليلنا: إجماع الفرقة على أن الطلاق بشرط لا يقع، وأن الطلاق قبل
النكاح لا يقع، وهذا موضع قد جمع الأمرين فوجب بطلانه.
39

وروى ابن عباس وجابر وعائشة أن النبي صلى الله عليه وآله قال: لا طلاق
قبل نكاح، وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وآله
قال: لا طلاق فيما لا يملك، ولا بيع فيما لا يملك.
مسألة 14: الخلع لا يقع عندنا - على الصحيح من المذهب - إلا أن يتلفظ
بالطلاق ولا يقع بشئ من غير هذا اللفظ.
وقال الشافعي: يقع بصريح ألفاظ الطلاق وبكناياته، فالصريح عنده ثلاثة
ألفاظ " طلقتك، وسرحتك، وفارقتك " والكنايات " فاديتك، أو خالعتك، أو
بارئتك، أو أبنتك أو برئت منك أو حرمتك " ونحو ذلك فكل ذلك يقع به
الخلع إلا أنه لا يراعى في الألفاظ الصريحة النية فيوقع الخلع بالتلفظ به، ويعتبر
النية في الكنايات بينهما جميعا، قال: فإن لم ينويا لم يقع الخلع، وكذلك إن
نوى أحدهما دون صاحبه لم يكن شيئا.
دليلنا: أن ما ذكرناه مجمع على وقوع الخلع به، وليس على ما قالوه
دليل، والأصل بقاء العقد والبينونة، وانعقاد الخلع يحتاج إلى دليل.
مسألة 15: إذا اختلعا على ألف ولم يريدا ب‍ (ألف) جنسا من الأجناس ولا
إرادة لم يصح الخلع والعقد باق على ما كان، وقال الشافعي: الخلع صحيح
والعوض باطل ويجب مهر المثل وانقطعت العصمة.
دليلنا: أن الأصل بقاء العقد ولا دليل على وقوع هذا الخلع.
مسألة 16: متى اختلفا في النقد واتفقا في القدر والجنس أو اختلفا في تعيين
النقد وإطلاق اللفظ أو اختلفا في الإرادة بلفظ القدر من الجنس والنقد فعلى الرجال
البينة، فإذا عدمها كان عليها اليمين، وقال الشافعي في جميع ذلك: يتحالفان
ويجب مهر المثل.
40

دليلنا: قوله عليه السلام: البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه،
وهاهنا الزوج هو المدعي لأنه يدعي ما تنكره المرأة فكان عليه البينة وعليها
اليمين.
مسألة 17: إذا قال: خالعتك على ألف في ذمتك، قالت: على ألف في
ذمة زيد، كان القول قولها مع يمينها أنه لا يتعلق بذمتها، فأما إقرارها أنه ثابت في
ذمة زيد فلا يلتفت إليه.
وقال الشافعي فيه وجهان: أحدهما لا يتحالفان ويجب مهر المثل، والثاني -
وهو المذهب - أنهما يتحالفان ويجب مهر المثل.
دليلنا: قوله عليه السلام: البينة على المدعى عليه، والرجل يدعي في ذمتها
ألفا وهي تنكره فعليه البينة وعليها اليمين.
مسألة 18: لا يقع الخلع بشرط ولا صفة، وقال جميع الفقهاء: أنه يقع.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا الأصل بقاء العقد، فمن أوقع هذا الجنس من
الفرقة فعليه الدلالة.
مسألة 19: إذا قال لها: إن أعطيتني ألفا فأنت طالق، أو إذا أعطيتني أو متى
أعطيتني ألفا أو متى ما أو أي حين وغير ذلك من ألفاظ الزمان فإنه لا ينعقد
الخلع، وعند جميع الفقهاء أنه ينعقد، فإن كان اللفظ " إن وإذا " اقتضى العطية
على الفور وإلا بطل العقد، وإن كان لفظ زمان فأي وقت أعطته وقع الطلاق.
دليلنا: إجماع الفرقة على أن الطلاق بشرط لا يقع ولم يفصلوا وهذه كلها
شروط.
مسألة 20: إذا قال لها: إن أعطيتني عبدا فأنت طالق، لم يقع الخلع لأنه
41

طلاق بشرط فلا يصح.
وقال أبو حنيفة: متى أعطته عبدا وقع الطلاق أي عبد كان ويملكه الزوج،
وقال الشافعي: متى أعطته العبد وقع الطلاق ولا يملكه الزوج لأنه مجهول وعليها
مهر مثلها.
دليلنا: ما تقدم من الدلالة على أن الخلع لا يقع بشرط من إجماع الفرقة،
ولأن الأصل بقاء العقد، ووقوعه يحتاج إلى دليل.
مسألة 21: إذا قال: خالعتك على ما في هذه الجرة من الخل، فبان خمرا
كان له مثل ذلك من الخل وكان الخلع صحيحا، وبه قال الشافعي في القديم،
وقال في الجديد هو وأبو حنيفة: الخلع صحيح والبذل فاسد، ويجب عليهما مهر
المثل.
دليلنا: الأصل براءة الذمة، وإيجاب مهر المثل عليهما يحتاج إلى دليل،
والبذل وقع معينا موصوفا فإذا خالف الوصف وجب مثله إذا كان له مثل لأن
الانتقال عنه إلى غيره يحتاج إلى دليل.
مسألة 22: إذا قالت له: طلقني ثلاثا بألف، فإن طلقها ثلاثا فعليها ألف وإن
طلقها واحدة أو اثنتين فعليها بالحصة من الألف بلا خلاف بينهم، وإن قالت:
طلقني ثلاثا على ألف، فالحكم فيه مثل ذلك عند أصحاب الشافعي.
وقال أبو حنيفة: إن طلقها ثلاثا فله ألف، وإن طلقها أقل من الثلاث وقع
الطلاق ولم يجب عليها شئ.
وعندنا المسألتان لا تصحان على أصلنا لأن طلاق الثلاث لا يصح، ولا يصح
أن يوقع أكثر من واحدة أو تلفظ بالثلاث ووقعت واحدة استحق ثلث الألف.
دليلنا: إجماع الفرقة على أن طلاق الثلاث باطل، وإنما قلنا يستحق ثلث
الألف إذا وقعت واحدة لأنها بذلت الألف على الثلاث فيكون حصة كل واحدة
42

ثلث الألف.
مسألة 23: إذا قال: خالعتك على حمل هذه الجارية، فطلقها على ذلك
لم يقع الطلاق ولم يصح الخلع.
وقال الشافعي: يصح الخلع والطلاق ويسقط المسمى ويجب مهر المثل
سواء خرج الولد سليما أو لم يخرج، وقال أبو حنيفة: إن لم يخرج الولد سليما
فله مهر المثل، وإن خرج سليما فهو له وصح العوض.
دليلنا: أن هذا عوض مجهول لا يصح إيقاع الطلاق به، وإيجاب مهر
المثل لا دليل عليه، ووقوع الطلاق أيضا لا دليل عليه، وأيضا فالأصل براءة
الذمة وثبات العقد.
مسألة 24: إذا كان الخلع بلفظ المباراة أو بلفظ الخلع ملك عليها البذل،
فإن كان قبل الدخول فلها نصف الصداق، وإن كان قبل القبض فعليه نصفه،
وإن كان بعد القبض ردت النصف، فإن كان بعد الدخول فقد استقر المسمى،
فإن كان قبل القبض فعليه الإقباض، هذا قول الشافعي، وبه قال محمد بن
الحسن.
وقال أبو حنيفة: فعليه المسمى في الخلع ويبرأ كل واحد منهما من حقوق
الزوجية من الأموال، فإن كان قبل الدخول وكان قبل القبض برئ الزوج من
جميع المهر، وإن كان بعد القبض لم ترد عليه شيئا، وإن كان بعد الدخول
وقبل القبض برئ ولا يجب عليه إقباض شئ بحال، فأما ما عدا هذا من الديون
فهل يبرأ كل واحد منهما؟ فيه روايتان: روى محمد عن أبي حنيفة أنه يبرأ
والمشهور أنه لا يبرأ، ولا فرق بين أن يقع ذلك بينهما بعوض أو بغير عوض،
قالوا: فإن كان بغير عوض ولم ينو الطلاق لم يبرأ كل واحد منهما عن شئ
بحال، وقال أبو يوسف يقول أبو حنيفة: إذا كان بلفظ المباراة، ويقول الشافعي:
43

إذا كان بلفظ الخلع.
الذي نقوله: إن مذهبنا أنه إذا كان الطلاق بلفظ الخلع يجب العوض
ما يستقر عليه عقد الخلع كائنا ما كان قليلا كان أو كثيرا، وإن كان بلفظ المباراة
استحق العوض إذا كان دون المهر، فإن كان مثل المهر أو أكثر منه فلا يصح،
واستحقاق الصداق على ما مضى إن كان بعد الدخول فكل المسمى، وإن كان
قبله فنصفه ويقاص ذلك من الذي يقع عليه عقد الخلع والمباراة.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم فإنهم لا يختلفون في ذلك.
مسألة 25: فرق أصحابنا بين لفظ الخلع والمباراة في الطلاق بعوض،
فأجازوا في لفظ الخلع من العوض ما يتراضيان عليه قليلا كان أو كثيرا ولم
يجيزوا في لفظ المباراة إلا دون المهر ولم يفصل أحد من الفقهاء بين اللفظتين.
دليلنا: إجماع الفرقة.
مسألة 26: إذا اختلعها أجنبي من زوجها بعوض بغير إذنها لم يصح
ذلك، وبه قال أبو ثور، وقال جميع الفقهاء: يصح ذلك.
دليلنا: قوله تعالى: " فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما
افتدت به " فأضاف الفداء إليها فدل على أنه إذا فدى غيرها لا يجوز، وأيضا
الأصل بقاء العقد، وإجازة ذلك من أجنبي يحتاج إلى دليل، وليس في الشرع
ما يدل عليه.
مسألة 27: إذا اختلف المختلعان في جنس العوض أو قدره أو تأجيله أو
تعجيله أو في عدد الطلاق، كان القول قول المرأة في قدر الذي وقع عليه الخلع،
وعلى الزوج البينة، وقول الزوج في عدد الطلاق، فإنه لا يصح أن يختلعها على
أكثر من طلقة واحدة، وقال أبو حنيفة: القول قولها في جميع ذلك وعليه البينة،
44

وقال الشافعي: يتحالفان.
دليلنا: هو أنهما اتفقا على وقوع الفرقة وأنها قد ملكت نفسها، وإنما اختلفا
فيما لزمها، فالزوج يدعي زيادة تجحدها المرأة، فصار الزوج مدعيا وهي منكرة
فعليه البينة وعليها اليمين.
مسألة 28: إذا خالعت المرأة في مرضها بأكثر من مهر مثلها كان الكل من
صلب مالها.
وقال الشافعي: مهر المثل من صلب مالها والفاضل من الثلث، وقال أبو
حنيفة: الكل من الثلث.
دليلنا: قوله تعالى: " فلا جناح عليهما فيما افتدت به " ولم يفرق بين حال
الصحة والمرض، فوجب حمله على عمومه إلا أن يقوم دليل.
مسألة 29: ليس للولي أن يطلق عمن له عليه ولاية لا بعوض ولا بغير
عوض، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة وأكثر الفقهاء.
وقال الحسن البصري وعطاء: يصح بعوض وغير عوض، وقال الزهري
ومالك: يصح بعوض ولا يصح بغير عوض لأن الخلع كالبيع والطلاق
كالهبة والبيع يصح منه دون الهبة.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا الأصل بقاء العقد وصحته، وثبوت الخلع
للولي يحتاج إلى دليل وما ذكروه لا دليل عليه، وأيضا قوله
صلى الله عليه وآله: الطلاق لمن أخذ بالساق، والزوج هو الذي له ذلك دون غيره.
45

كتاب الرجعة
مسألة 1: اعتبار الطلاق بالزوجة إن كانت حرة فطلاقها ثلاث سواء كانت
تحت حر أو عبد، وإن كانت أمة فطلاقها اثنتان سواء كانت تحت حر أو عبد.
وبه قال علي عليه السلام في الصحابة، وفي الفقهاء أبو حنيفة وأصحابه
والثوري.
وقال الشافعي: الاعتبار بالزوج إن كان حرا فثلاث تطليقات، وإن كان
مملوكا فتطليقتان سواء كان تحته حرة أو أمة، وبه قال ابن عمر وابن عباس
ومالك.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم وأيضا قوله تعالى: الطلاق مرتان فإمساك
بمعروف أو تسريح بإحسان، فجعل للزوج الطلقة الثالثة بهذه الآية وردت في
الحرة بدلالة قوله: فلا جناح عليهما فيما افتدت، والحرة هي التي تفتدي، وأما
الأمة فلا لأنها لا تملك.
ومن السنة ما بين ابن جريح عن مظاهر بن أسلم عن القاسم بن محمد عن
عائشة: إن النبي صلى الله عليه وآله قال: طلاق الأمة طلقتان، وعدتها حيضتان،
ولم يفرق بين أن يكون زوجها حرا أو عبدا، وروى هذا الحديث أيضا عطية
العوفي عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله.
47

مسألة 2: أقل ما يمكن أن ينقضي به عدة الحرة ستة وعشرون يوما
ولحظتان، وعدة الأمة ثلاثة عشر يوما ولحظتان، وعند الشافعي أقل ذلك في
الحرة اثنان وثلاثون يوما ولحظتان، والأمة ستة عشر يوما ولحظتان.
دليلنا: إنا قد دللنا في كتاب الحيض على أن أقل الحيض ثلاثة أيام وأقل
الطهر عشرة أيام، فإذا ثبت ذلك ثبت ما قلناه لأن الشافعي إنما خالف في أقل
الحيض فقال: يوم وليلة، وقال في أقل الطهر: إنه خمسة عشر يوما، فإذا ثبت ما
قلناه بأن ما قدرناه، ويكون التقدير أن يطلقها في آخر جزء من طهرها ثم ترى
الدم بعد لحظة فيحصل لها قرء واحد فترى الدم ثلاثة أيام ثم ترى الطهر عشرة
أيام ثم ترى الدم ثلاثة أيام، ثم الطهر عشرة أيام ثم ترى الدم لحظة، فقد مضى بها
ستة وعشرون يوما ولحظتان وقد انقضت عدتها، وفي الأمة إذا طلقها في آخر
طهرها ثم ترى الدم ثلاثة أيام ثم الطهر عشرة أيام ثم ترى الدم لحظة فقد انقضت
عدتها في ثلاثة عشر يوما ولحظتين.
مسألة 3: المطلقة الرجعية لا يحرم وطؤها، ولا تقبيلها، بل هي باقية على
الإباحة، ومتى وطئها أو قبلها بشهوة كان ذلك رجعة، وبه قال أبو حنيفة
وأصحابه والأوزاعي والثوري وابن أبي ليلى.
وقال الشافعي: هي محرمة كالمبتوتة ولا يحل له وطؤها ولا أن يستمتع بها
بوجه من الوجوه إلا بعد أن يراجعها، والرجعة عنده تحتاج إلى قول بأن يقول:
راجعتك، مع القدرة، ومع العجز بالخرس بالإشارة والإيماء كالنكاح سواء،
وبه قال أبو قلابة.
وقال مالك: إن وطئها ونوى الرجعة كان رجعة، وإن لم ينو الرجعة لم
يكن رجعة، وبه قال عطاء وأبو ثور، وروي ذلك عن ابن عمر.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا قوله تعالى: وبعولتهن أحق
بردهن، فسمي المطلق طلاقا رجعيا بعلا، وإذا كان هو بعلا فهي بعلة فثبت بذلك
48

الزوجية بينهما، والإباحة تابعة للزوجية.
مسألة 4: يستحب الإشهاد على الرجعة، وليس ذلك بواجب، وبه قال
أبو حنيفة والشافعي في القديم والجديد وهو الصحيح عندهم، وقال في الإملاء:
الإشهاد واجب، وبه قال مالك.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا قوله تعالى: وبعولتهن أحق
بردهن، ولم يشرط الإشهاد، وقوله: فأشهدوا ذوي عدل منكم، المراد به على
الطلاق على ما بيناه فيما مضى لأنه قال ذلك في عقيب قوله: أو فارقوهن
بمعروف، يعني بذلك الطلاق، وهو أقرب من قوله: فأمسكوهن بمعروف أو
فارقوهن بمعروف.
مسألة 5: إذا راجعها قبل أن تخرج من عدتها ولم تعلم الزوجة بذلك
فاعتدت وتزوجت ثم جاء الزوج الأول وأقام البينة بأنه كان راجعها في العدة
فإنه يبطل النكاح الثاني وترد إلى الأول سواء كان دخل بها الثاني أو لم يدخل،
وبه قال علي عليه الصلاة والسلام وأهل العراق، والشافعي.
وروي عن عمر بن الخطاب أنه قال: إن لم يكن الثاني دخل بها فالأول
أحق بها فإذا كان دخل بها فهو أحق بها، وبه قال مالك.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم وأيضا فإنه إذا راجعها فالرجعة صحيحة
بدلالة أنه لو لم يدخل بها الثاني ردت إلى الأول بلا خلاف، وإذا
ثبت له الرجعة ثبت له الزوجية وبطل عقد الثاني لأنه عقد على امرأة لها زوج، وذلك محرم بلا
خلاف ولقوله: والمحصنات من النساء، بعد ذكر المحرمات، يعني ذوات
الأزواج.
مسألة 6: إذا طلقها ثلاثا على الوجه الذي يقع الثلاث على الخلاف فيه فلا
49

تحل له حتى تنكح زوجا غيره فيطأها فالوطء من الثاني يشترط لتحل للأول،
وبه قال علي عليه الصلاة والسلام وابن عمر وجابر وعائشة وجميع الفقهاء إلا
سعيد بن المسيب فإنه لم يعتبر الوطء، وإنما اعتبر النكاح الذي هو العقد.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا فالتحريم حاصل بلا خلاف ولم يدل دليل
على رفع التحريم بمجرد العقد، فمن ادعى ذلك فعليه الدلالة.
وروى سفيان بن عيينة عن الزهري عن عروة عن عائشة أنها قالت: أتت
زوجة رفاعة بن مالك إلى النبي صلى الله عليه وآله فقالت: طلقني رفاعة وبت
طلاقي وتزوجت بعبد الرحمن بن الزبير وإنما معه مثل هدبة الثوب، فقال النبي
صلى الله عليه وآله: أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة أم لا؟ فقالت: نعم، فقال: لا
حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك.
وروى سعيد بن المسيب، عن عبد الله بن عمر أنه قال: سئل النبي
صلى الله عليه وآله عن امرأة طلقها زوجها ثلاثا ثم تزوجت بآخر لم يصبها فطلقها أفتحل
للأول؟ فقال صلى الله عليه وآله: لا حتى تذوق العسيلة.
مسألة 7: إذا نكحت نكاحا فاسدا ودخل بها الزوج الثاني لا تحل به
للأول، وللشافعي فيه قولان: قال في الجديد مثل ما قلناه، وبه قال مالك، وقال
في القديم: إنها تحل.
دليلنا: قوله تعالى: فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره، وإطلاق
النكاح الذي أمر الله تعالى به وإباحة النكاح الصحيح دون النكاح الفاسد فمن
ألحق الفاسد به فعليه الدلالة.
مسألة 8: إذا تزوجت بمراهق قرب من البلوغ وينتشر عليه ويعرف لذة
الجماع ودخل بها فإنها تحل للأول، وبه قال الشافعي، وقال مالك: لا تحل
للأول.
50

دليلنا: قوله تعالى: لا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره، ولم يفصل
وأيضا قوله صلى الله عليه وآله: حتى يذوق عسيلتها، وهذا قد ذاق ولا يلزم عليه
غير المراهق لأنه لا يعرف العسيلة.
مسألة 9: إذا وطئها الزوج الثاني في حال يحرم وطؤها بأن يكون محرما
أو هي محرمة أو كان صائما أو هي صائمة أو كانت حائضا أو نفساء فإنها لا تحل
للأول، وبه قال مالك، وقال الشافعي وجميع الفقهاء: أنها تحل للأول، وهو
قوي.
دليلنا: أن التحريم معلوم ولا دليل على أن هذا الوطء محلل، وقول النبي
صلى الله عليه وآله حتى يذوق عسيلتها، يدل عليه لأنه إنما أراد بذلك ذوقا مباحا
لأن النبي صلى الله عليه وآله لا يبيح المحرم، وأيضا فإنه محرم عليه هذا الوطء
ومنهي، والنهي يدل على فساد المنهي عنه ولأن الإباحة تعلقت بشرطين، بالنكاح
والوطء، ثم إن النكاح إذا كان محرما لا تحل للأول فكذلك الوطء.
مسألة 10: إذا كان عنده زوجة ذمية فطلقها ثلاثا وتزوجت بذمي بنكاح
صحيح ووطئها فإنها تحل للأول عند من أجاز من أصحابنا العقد عليهن، وبه قال
أبو حنيفة وأهل العراق والشافعي.
وقال مالك: لا يبيحها للأول، بناه على أصله إن أنكحة أهل الذمة عنده
فاسدة، والوطء في النكاح الفاسد لا يبيحها للأول.
دليلنا: قوله تعالى: حتى تنكح زوجا غيره، ولم يفرق، وأيضا فإن أنكحة
أهل الكفر صحيحة عندنا يدل عليه قوله تعالى: وامرأته حمالة الحطب، فأضاف
المرأة إلى أبي لهب، وهذه الإضافة تقتضي الزوجية، ولأن النبي صلى الله عليه وآله
رجم يهوديين زنيا فلو لا أنها كانت موطوءة بنكاح صحيح لما رجمهما لأنهما لا
يكونان محصنين إلا بنكاح صحيح.
51

مسألة 11: إذا قال لامرأته: أنت طالق، ظنا منه أنها أجنبية أو نسي أن له
امرأة فقال: كل امرأة لي طالق، فإنه لا يلزمه الطلاق، وقال الشافعي: يلزمه.
دليلنا: ما قدمناه من أن الطلاق يحتاج إلى النية فإذا ثبت ذلك فهذا لم
يقصد الإيقاع، وإنما قصد إلى اللفظ، وذلك لا اعتبار به عندنا.
مسألة 12: إذا راجعها بلفظ النكاح مثل أن يقول: تزوجتك، أو يقول:
نكحتك، وقصد المراجعة كانت رجعية صحيحة، وللشافعي فيه وجهان: أحدهما
مثل ما قلناه وهو المذهب عندهم، والثاني أنه لا يصح.
دليلنا: ما قدمناه من أن الرجعة لا تفتقر إلى القول وأنه يكفي إنكار الطلاق
أو الوطء أو التقبيل وهذا أولى من جميع ذلك.
52

كتاب الإيلاء
مسألة 1: الإيلاء الشرعي أن يحلف أن لا يطأ زوجته أكثر من أربعة أشهر،
فإن حلف على أربعة لم يكن موليا، وبه قال مالك والشافعي وأحمد وإسحاق.
وحكي عن ابن عباس أنه قال: الإيلاء أن يحلف أن لا يطأها على التأبيد،
فإن أطلق فقد أبد، وإن قال: على التأبيد، فقد أكد.
وقال أبو حنيفة والثوري: إذا حلف لا يطأها أربعة أشهر كان موليا يوقف،
وإن كان أقل لم يكن موليا، وقال الحسن البصري وابن أبي ليلى: إذا حلف لا
يطأها كان موليا يوقف، ولو أنه حلف لا وطئها يوما.
دليلنا: قوله تعالى: للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر، ثبت أن
الآية تناولت مدة تجاوز ذلك، وأيضا إجماع الفرقة وأخبارهم تدل على ذلك.
مسألة 2: حكم الإيلاء الشرعي أن له التربص أربعة أشهر فإذا انقضت
توجهت عليه المطالبة بالفئة أو الطلاق، فمحل الفئة بعد انقضاء المدة، وهو محل
الطلاق، فأما قبل انقضائها فليس بمحل الفئة والمدة حق له، فإن فاء فيها فقد
عجل الحق لها قبل محله عليه، وبه قال في الصحابة علي عليه السلام وعمر
وعثمان وابن عمر وعائشة، وفي التابعين عطاء ومجاهد وسليمان بن يسار، وفي
الفقهاء مالك والشافعي وأحمد وأبو ثور.
53

وذهبت طائفة إلى أنه يتربص أربعة أشهر فإذا انقضت وقع بانقضائها طلقة
بائنة ووقعت الفئة بالمدة فإن فاء فيها فقد وفاها حقها في وقته، وإن ترك الجماع
وقعت الطلقة بانقضاء المدة، ذهب إليه الثوري وابن أبي ليلى، وأبو حنيفة
وأصحابه، ويروى ذلك عن ابن مسعود وابن عباس، وقد طعن في هذه الرواية
عن ابن عباس لأنه كان يذهب إلى أن الإيلاء على التأبيد وهو أصح.
وذهبت طائفة إلى أنه يقع الطلاق بانقضاء المدة، ولكن لا تكون طلقة
بائنة، ذهب إليه الزهري وسعيد بن جبير.
دليلنا: قوله تعالى: للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاءوا
فإن الله غفور رحيم وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم، وفيها أدلة أربعة:
أحدها: إن الله تعالى أضاف المدة إلى المولى بلام التمليك فقال: للذين
يؤلون من نسائهم، فإذا كانت حقا له لم يصح أن يكون الأجل المضروب له
محلا لحق غيره فيه، كما تقول في من عليه دين إلى سنة أن لا يوفي إلى سنة، فالسنة
ليست محلا لحق غيره فيها.
والثانية: جعل له التربص وأخبر أن له الفئة بعدها فقال له: تربص أربعة
أشهر فإن فاءوا - " والفاء " للتعقيب - ثبت أن وقت الفئة بعد التربص.
والثالثة: إن الله تعالى قال " فإن فاءوا " يعني " جامعوا " فأضاف ذلك إلى
المولى، وقال: وإن عزموا الطلاق، فأضاف الطلاق عليه أيضا وهو إلى عزمه
وإيقاعه ثبت أن الطلاق يقع بفعله كما تقع الفئة بفعله، وعندهم لا فعل له في
الطلاق.
والرابعة: إن الله تعالى قال: فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم، فوصف نفسه
بالغفران إذا هو فاء، وهو وإن لم يكن مأثوما بالفئة فهو في صورة من يفتقر إلى
غفران لأنه حنث وهتك حرمة الاسم، فلما كان في صورة من يغفر له وصف الله
نفسه بالغفران له، ولما قال: وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم، أفاد أن
هناك ما يسمع ويقال إذ لو لم يكن كذلك لما وصف نفسه بأنه يسمع ذلك.
54

ثبت أن الطلاق يسمع، فمن قال: يقع بانقضاء المدة، فليس هناك ما يقال
ولا يسمع، وأيضا فالأصل بقاء العقد، فمن قال: إن انقضاء المدة طلقة بائنة أو
رجعية، فعليه الدلالة.
مسألة 3: لا يكون موليا إلا بأن يحلف بالله أو اسم من أسمائه، فأما اليمين
بالطلاق والعتاق والصدقة والنذر، وإيجاب العبادات على نفسه فلا يكون موليا
بها، وبه قال الشافعي في القديم، وقال في الجديد: يكون موليا بجميع ذلك، وبه
قال أبو حنيفة وأصحابه.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا الأصل براءة الذمة، واشتغالها
باليمين بغير الله يحتاج إلى دليل، وأيضا قوله تعالى: للذين يؤلون من نسائهم
تربص أربعة أشهر، وأراد اليمين بالله بدلالة ثلاثة أشياء: أحدها إطلاق اليمين
فينصرف إلى اليمين بالله وقد أطلقه في الآية، والثاني قال: فإن الله غفور رحيم،
فأخبر أنه لا شئ عليه بالفئة وإنما لا يكون عليه شئ إذا كانت اليمين بالله فقط،
والثالث قول النبي صلى الله عليه وآله: من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت،
ثبت أنه لا يمين في الشرع بغير الله، فإذا ثبت هذا علم أنه لا إيلاء بغير اليمين
بالله.
مسألة 4: لا ينعقد الإيلاء إلا بالنية إذا كان بألفاظ مخصوصة وهي أن يقول:
لا أنيكك لا أدخل ذكري في فرجك، لا أغيب ذكري في فرجك.
وقال الشافعي: هذه الألفاظ صريحة في الإيلاء، ولا يحتاج معها إلى النية
فمتى لم ينو بها الإيلاء حكم عليه بها وإن لم ينعقد فيما بينه وبين الله، وزاد في
البكر " والله لا أفتضك " وهذا لا يجوز عندنا لأن الإيلاء لا يكون إلا بعد الدخول
بها.
دليلنا: إجماع الفرقة وأيضا فالأصل براءة الذمة، ومع إطلاق ذلك
55

وارتفاع النية يحتاج إلى دليل في انعقاد يمينه، ولا دليل.
مسألة 5: إذا قال: والله لا جامعتك لا أصبتك لا وطئتك، وقصد به الإيلاء كان
إيلاء، وإن لم يقصد لم يكن بها موليا، وهي حقيقة في العرف في
الكناية عن الجماع.
وقال الشافعي: هذه صريحة في الحكم لكنه يدين فيما بينه وبين الله، وثبت
أنها بالعرف عبارة عن النيك مثل ما قلناه، فإذا أطلق وجب حملها على ذلك
مثل الصريحة.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 6: إذا قال: والله لا باشرتك لا لامستك لا باضعتك، وقصد بها
الإيلاء والعبارة عن الوطء كان موليا، وإن لم يقصد لم يكن بها موليا.
وللشافعي فيها قولان، قال في القديم: صريح في الإيلاء، وقال في الجديد:
كناية، فيخرج من ذلك إن نوى الإيلاء كان موليا، وإن لم ينو لم يكن موليا،
وإن أطلق فعلى قولين.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 7: إذا قال: والله لا جمع رأسي ورأسك شئ، لا ساقف رأسي رأسك، لا جمع
رأسي ورأسك مخدة، والله لأسوءنك، والله لأطيلن غيبتي
عنك، كل هذه لا ينعقد بها الإيلاء.
وقال الشافعي: هذه كنايات الإيلاء فإن كانت له نية فهو على ما نوى وإن
لم يكن له نية سقط قوله ولم يتعلق به حكم، كقوله خلية أو برية في الطلاق.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة وثبوت اليمين بهذه الألفاظ يحتاج إلى دليل،
ولا دليل على ذلك.
56

مسألة 8: إذا امتنع بعد الأربعة أشهر من الفئة والطلاق وماطل ودافع لا
يجوز أن يطلق عليه لكنه يضيق عليه ويحبس ويلزم إما أن يطلق أو يفئ وليس
للسلطان أن يطلق عليه، وللشافعي في القديم قولان: أحدهما مثل ما قلنا، والثاني أن له
أن يطلق عليه، وبه قال في الجديد ونقله المزني، وعند أبي حنيفة يقع
الطلاق بانقضاء المدة، فليس له في المسألة تعلق.
دليلنا: قوله تعالى: للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاءوا
فإن الله غفور رحيم وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم، فأخبر أن عزم
الطلاق إليه ثبت أنه مقصور عليه، وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال:
الطلاق لمن أخذ بالساق، وعليه إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 9: إذا طلق المولى طلقة كانت رجعية، وبه قال الشافعي إذا كان في
المدخول بها، وقال أبو ثور: تكون بائنة على كل حال.
دليلنا: أن الأصل في الطلقة الواحدة أن تكون رجعية، وكونها بائنة يحتاج
إلى شرع، وأيضا قوله تعالى: وبعولتهن أحق بردهن، وهذا نص ولم يفرق.
مسألة 10: إذا قال: إن أصبتك فأنت على حرام، لم يكن موليا ولم يتعلق
به حكم.
وقال الشافعي: إن قلنا أنه كناية وليس بصريح في شئ ولم يكن له نية لم
يتعلق بهذا اللفظ حكم، وإن قلنا صريح في إيجاب الكفارة أو قلنا كناية فنوى
تحريم عينها كان موليا على قوله الجديد، ولا يكون موليا على قوله القديم لأنها
يمين بغير الله.
دليلنا: ما قدمناه من إجماع الفرقة وغيره من أن اليمين لا تنعقد في الإيلاء
إلا باسم من أسماء الله، وهذا ليس من ذلك، وأيضا فالأصل براءة الذمة فمن علق
عليها شيئا فعليه الدلالة.
57

مسألة 11: إذا قال: إن أصبتك فلله على أن أعتق عبدي، لا يكون موليا،
وللشافعي فيه قولان: قال في القديم مثل ما قلناه، والثاني قاله في الجديد: يكون
موليا.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 12: الإيلاء لا يقع بشرط، وخالف جميع الفقهاء في ذلك.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا الأصل براءة الذمة، وثبوت الإيلاء
بشرط يحتاج إلى دلالة شرعية ولا دليل في الشرع.
مسألة 13: لا حكم للإيلاء قبل الدخول، وخالف جميع الفقهاء في
ذلك.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا الأصل براءة الذمة وتعليق حكم
الإيلاء عليها قبل الدخول يحتاج إلى دليل، ولا دليل في الشرع يدل على ذلك.
مسألة 14: الإيلاء في الرضا والغصب سواء إذا قصد به الإيلاء، وبه قال
أبو حنيفة والشافعي وإن لم يعتبر النية، وقال مالك: إذا آلى حال الغضب يكون
موليا وإن آلى في حال الرضا لم يكن موليا.
دليلنا: قوله تعالى: للذين يؤلون من نسائهم، ولم يفرق، والأخبار الواردة
مطلقة فمن خصها فعليه الدلالة.
مسألة 15: إذا كانت له امرأتين زينب وعمرة فقال: إن وطئت زينب فعمرة
طالق، كان هذا إيلاء عند الفقهاء، فإذا مضت المدة وطلق زينب طلاقا بائنا ثم
تزوجها بعقد آخر، فهل يعود حكم الإيلاء أم لا؟ للشافعي فيه ثلاثة أقوال: أحدها
أنه يعود بكل حال، والثاني لا يعود بكل حال، والثالث ينظر فيه: فإن كانت
58

البينونة بدون الثلاث عاد، وإن كانت بالثلاث لم يعد، وبه قال أبو حنيفة، وهكذا
الخلاف في صورة طلاق عمرة سواء.
وهذا الفرع يسقط عنا لأن عندنا أن الإيلاء لا يكون إلا بالله، وأيضا فإن
الطلاق لا يقع بشرط ولا ينعقد اليمين به فهو باطل من كل وجه.
مسألة 16: إذا آلى من زوجته تربص أربعة أشهر سواء كان الزوج حرا أو
عبدا وسواء كانت عنده حرة أو أمة لا يختلف الحكم فيه، وبه قال الشافعي.
وقال مالك: الاعتبار بالرجل، فإن كان عبدا فالمدة شهران، وإن كان حرا
أربعة أشهر، وقال أبو حنيفة الاعتبار بها فإن كانت حرة فالمدة أربعة أشهر، وإن
كانت أمة شهران.
دليلنا: قوله تعالى: للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر، ولم
يفصل، والأخبار أيضا مطلقة غير مفصلة.
مسألة 17: قال الشافعي: إن اختلفا في انقضاء المدة أو ابتداء اليمين كان
القول قوله مع يمينه، وهذا لا يصح على مذهبنا لأن المدة معتبرة عندنا من عند
الترافع إلى الحاكم لا من وقت اليمين.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم وقد ذكرناها في الكتاب الكبير.
مسألة 18: إذا آلى منها ثم وطئها كان عليه الكفارة سواء كان الوطء في
المدة أو بعدها، وللشافعي فيه قولان: أحدهما - وهو المذهب - مثل ما قلناه،
والثاني أنه لا كفارة عليه، وفي أصحابه من قال: إن كان الوطء في المدة فعليه
الكفارة قولا واحدا، وإن كان بعدها فلا كفارة عليه على قولين.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا قوله تعالى: ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم،
ولم يفصل، وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: من حلف على يمين
59

فرأى غيرها خيرا فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه، ولم يفصل.
مسألة 19: الإيلاء يقع بالرجعية بلا خلاف، ويحتسب من مدتها زمان
العدة، وبه قال أبو حنيفة، وقال الشافعي: لا يحتسب عليه زمان العدة.
دليلنا: ما بيناه في كتاب الرجعة أن الطلقة الرجعية لا تحرم الوطء، فإذا
ثبت ذلك فكل من قال بذلك قال بهذا.
مسألة 20: يصح الإيلاء من الذمي كما يصح من المسلم، وبه قال أبو حنيفة
والشافعي، وقال أبو يوسف ومحمد: لا يصح الإيلاء من الذمي.
دليلنا: قوله تعالى: للذين يؤلون من نسائهم، وذلك عام في المسلم
والذمي.
مسألة 21: إذا آلى لمصلحة ولده خوفا من الحمل فيضر ذلك بولده
المرتضع، فلا حكم له ولا يتعلق بذلك حنث ولا يوقف أصلا، وخالف جميع
الفقهاء في ذلك.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا الأصل براءة الذمة، فمن ادعى
شغلها فعليه الدلالة.
60

كتاب الظهار
مسألة 1: ظهار العبد المسلم صحيح، وبه قال جميع الفقهاء، وحكي عن
بعضهم ولم يسموه أنه قال: لا يصح ظهار العبد.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا قوله تعالى: والذين يظاهرون من نسائهم،
ولم يفرق، وكون العبد ممن لا يملك فيجب عليه العتق أو الإطعام لا يمنع من
وجوب ما يصح منه الصوم.
مسألة 2: لا يصح من الكافر الظهار ولا التكفير، وبه قال أبو حنيفة، وقال
الشافعي: يصح منه الظهار والكفارة بالعتق والإطعام فأما الصوم فلا يصح منه.
دليلنا: إن الظهار حكم شرعي لا يصح ممن لا يقر بالشرع كما لا تصح
منه الصلاة وغيرها، وأيضا فإن الكفارة منه لا تصح لأنها تحتاج إلى نية القربة ولا
يصح ذلك مع الكفر، وإذا لم تصح منه الكفارة لم يصح منه الظهار لأن أحدا
لا يفرق بينهما.
مسألة 3: لا يصح الظهار قبل الدخول بالمرأة، وخالف جميع الفقهاء في ذلك.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا الأصل براءة الذمة وثبوت العقد
61

وجواز الوطء من غير شرط، ومن يمنع من جميع ذلك يحتاج إلى دليل شرعي
ولا دليل.
مسألة 4: إذا ظاهر من امرأته ثم طلقها طلقة رجعية حكم بصحة الظهار
وسقطت عنه كفارة الظهار، فإن راجعها عادت الزوجية ووجبت الكفارة،
وللشافعي فيه قولان: أحدهما إذا قال: الرجعة تكون عودا، فإذا راجعها، ثم أتبع
الرجعة طلاقا لزمته كفارة، وإذا قال: لا يكون عودا، فإنه إذا طلقها عقيب الرجعة
لم تلزمه الكفارة حتى يمضى بعد الرجعة زمان يمكنه فيه الطلاق.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا عموم الآية قوله تعالى: والذين يظاهرون من نسائهم، وهذه من
نسائه، فمن خصها فعليه الدلالة.
مسألة 5: إذا تظاهر منها ثم أبانها بأن طلقها تطليقة بائنة أو طلقها وخرجت
من عدتها ثم عقد عليه عقدا آخر فإنه لا يعود حكم الظهار.
وقال الشافعي: إن أبانها بدون الثلاث ثم تزوجها - على قوله القديم - يعود،
قولا واحدا، - وعلى قوله الجديد - على قولين، وإن أبانها بالثلاث ثم تزوجها،
- على قوله القديم - يعود على قولين، - وعلى الجديد - لا يعود قولا واحدا.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا الأصل براءة الذمة، فسقوط
الكفارة بانقضاء العدة وعودها بعد التزويج يحتاج إلى دليل.
مسألة 6: ظهار السكران غير واقع، وروي ذلك عن عثمان وابن عباس، وبه
قال الليث بن سعد والمزني وداود.
وقال كافة الفقهاء كأبي حنيفة وأصحابه والشافعي ومالك والثوري: إنه
يصح كالصاحي، ورووا ذلك عن علي عليه السلام وعمر بن الخطاب.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا الأصل براءة الذمة، وتعليق الحكم
62

عليها يحتاج إلى دليل.
مسألة 7: إذا تظاهر وعاد لزمته الكفارة ويحرم عليه وطؤها حتى يكفر فإن
ترك العود والتكفير أجل ثلاثة أشهر ثم يطالب بالتكفير أو الطلاق، مثل المولى
بعد أربعة أشهر.
وقال مالك: يصير موليا بعد أربعة أشهر يتعلق عليه حكم الفئة والطلاق.
وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والشافعي: إنه لا يلزمه شئ من ذلك ولا
يصير موليا.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وقد ذكرناها في الكتاب الكبير.
مسألة 8: الظهار يقع بالأمة المملوكة والمدبرة وأم الولد مثل ما يقع
بالزوجة سواء، وبه قال علي عليه السلام في الصحابة، والثوري ومالك في
الفقهاء.
وقال أبو حنيفة وأصحابه والشافعي والأوزاعي: أنه لا يقع الظهار إلا
بالزوجات، وروي ذلك عن ابن عمر.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا قوله تعالى: الذين يظاهرون من
نسائهم، ولم يفرق.
مسألة 9: إذا قال: أنت على كيد أمي أو رجلها، ونوى به الظهار كان
مظاهرا، وللشافعي في القديم فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه، وبه قال في الجديد
وهو الأصح عندهم، والقول الثاني لا يكون مظاهرا، وبه قال أبو حنيفة إذا علق
بالرأس والفرج وجزء من الأجزاء المشاعة، وإذا علق باليد والرجل لم يكن
مظاهرا.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، ولأنه إذا قال ما قلناه وفعل ما يجب على
63

المظاهر كان أحوط في استباحة الوطء، وإذا لم يفعل كان مفرطا.
مسألة 10: إذا قال لها: أنت على كظهر بنتي أو بنت بنتي أو أختي أو بنتها أو
عمتي أو خالتي، اختلف أخبار أصحابنا في ذلك، فالظاهر الأشهر الأكثر أنه
يكون مظاهرا، وبه قال الشافعي في الجديد، وقد رووا أنه لا يكون مظاهرا إلا إذا
شبهها بأمه، وقال الشافعي في القديم فيه قولان: أحدهما مثل الأول، والثاني مثل
هذا.
دليلنا: على الأول: قوله تعالى: وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا،
وذلك موجود في غير الأمهات، ودليل الثاني قوله عز وجل: ما هن
أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم، فأنكر عليهم تشبيه المرأة بالأم ولم يذكر غيرها فوجب
تعليق الحكم بها دون غيرها.
مسألة 11: لا يصح الظهار قبل التزويج، وبه قال الشافعي، وقال مالك
وأبو حنيفة: يصح.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا قوله تعالى: الذين يظاهرون من
نسائهم، وهذه ليست من نسائه، وأيضا الأصل براءة الذمة وشغلها يحتاج إلى
دليل.
مسألة 12: إذا قال لها: متى تزوجتك فأنت طالق وأنت على كظهر أمي أو
متى تزوجتك فأنت على كظهر أمي وأنت طالق، لم ينعقد بذلك ظهار ولا
طلاق، وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: يقع الطلاق ولا يقع الظهار، وقال
مالك: يقعان معا، وهذا الفرع يسقط عنا لما دللنا عليه في المسألة الأولى فإنها
فرع عليها.
64

مسألة 13: إذا قال: أنت على كظهر أمي، ولم ينو الظهار، لم يقع الظهار،
وخالف جميع الفقهاء في ذلك وقالوا: هو صريح في الظهار ولا تعتبر فيه النية.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا براءة الذمة، وشغلها يحتاج إلى دليل.
مسألة 14: إذا قال: أنت على كظهر أمي، ونوى به الطلاق لم يكن طلاقا
ولا ظهارا، وقال أكثر أصحاب الشافعي - وعليه نص في أكثر كتبه -: إنه يكون
طلاقا، ونقل المزني في بعض النسخ ذهب إليه بعض أصحابه أنه يكون ظهارا.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا الأصل بقاء العقد وبراءة الذمة، وقد بينا أن
الطلاق لا يقع بشئ من الكنايات فكذلك الظهار لا يقع إذا لم يقصد به الظهار،
فمن ادعى خلافه فعليه الدلالة.
مسألة 15: الظهار لا يقع إلا إذا كانت طاهرا طهرا لم يقربها فيه بجماع،
ويحضر شاهدان مثل الطلاق، ولم يعتبر أحد من الفقهاء ذلك.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا الأصل براءة الذمة وشغلها يحتاج
إلى دليل.
مسألة 16: إذا قال: أنت على حرام كظهر أمي، لم يكن ظهارا ولا طلاقا
نوى ذلك أو لم ينو.
وقال الشافعي: فيه خمس مسائل: إحداها أن ينوي الطلاق، والثانية أن
ينوي الظهار، والثالثة يطلق ولا ينوي شيئا، والرابعة ينوي الطلاق والظهار،
والخامسة ينوي تحريم عينها، فقال في هذه المسائل: إذا أطلق كان
ظهارا، وإذا نوى غير ظهار قبل منه نوى الطلاق أو غيره، وعلى قول
بعض أصحابه: يلزمه الظهار ولا تقبل نيته في الطلاق ولا غيره.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
65

مسألة 17: إذا كان له زوجتان فقال لإحداهما: أنت على كظهر أمي، ثم
قال للأخرى: أشركتك معها، فإنه لا يقع بالثانية حكم، نوى الظهار أو لم ينو.
وقال الشافعي: إن ذلك كناية فإن نوى أنه مظاهر كان كذلك، وإن لم
ينو وأطلق لم يكن شيئا.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 18: إذا تظاهر من أربع نسوة له لم يخل إما أن يكون قد تظاهر
بكلمة واحدة أو يتظاهر من كل واحدة بكلمة مفردة، فإن تظاهر من كل واحدة
بكلمة مفردة لزمته لكل واحدة كفارة بلا خلاف، وإن تظاهر منهن كلهن بكلمة
واحدة بأن يقول: أنتن على كظهر أمي، لزمته عن كل واحدة كفارة.
وللشافعي فيه قولان: قال في الجديد مثل ما قلناه، وهو أصح القولين، وبه
قال أبو حنيفة، وقال في القديم: عليه كفارة واحدة.
دليلنا: إجماع الفرقة وطريقة الاحتياط.
مسألة 19: إذا قال لزوجته: أنت على كظهر أمي أنت على كظهر أمي أنت
على كظهر أمي، ونوى بكل واحدة ظهارا مستأنفا لزمته عن كل واحدة كفارة،
وبه قال الشافعي في الجديد، وقال في القديم: عليه كفارة واحدة.
دليلنا: إجماع الفرقة وطريقة الاحتياط وعموم الآية.
مسألة 20: الظهار على ضربين: أحدهما أن يكون مطلقا فإنه يجب به
الكفارة متى أراد الوطء، والآخر أن يكون مشروطا فلا تجب الكفارة إلا بعد
حصول شرطه، فإن كان مطلقا لزمته الكفارة قبل الوطء، فإن وطئ قبل أن
يكفر لزمته كفارتان، وكلما وطئ لزمته كفارة أخرى، وإن كان مشروطا
وحصل شرطه لزمته كفارة، فإن وطئ قبل أن يكفر لزمته كفارتان، وفي
66

أصحابنا من قال: إنه إذا كان بشرط لا يقع مثل الطلاق.
واختلف الناس في السبب الذي يجب به كفارة الظهار على ثلاثة مذاهب:
فذهبت طائفة إلى أنها تجب بنفس التلفظ بالظهار ولا يعتبر فيها أمر آخر،
ذهب إليه مجاهد والثوري.
وذهبت طائفة إلى أنها تجب بظهار وعود ثم اختلفوا في العود ما هو؟ على
أربعة مذاهب: فذهب الشافعي إلى أن العود أن يمسكها زوجة بعد الظهار مع
قدرته على الطلاق، فإذا وجد ذلك كان عائدا ولزمته الكفارة، وذهبت طائفة إلى
أن العود هو العزم على الوطء، ذهب إليه مالك وأحمد بن حنبل، وذهبت طائفة
إلى أن العود هو الوطء، ذهب إليه الحسن وطاووس والزهري، وذهبت طائفة إلى
أن العود هو تكرار لفظ الظهار وإعادته، ذهب إليه داود وأهل الظاهر.
وذهبت طائفة ثالثة إلى أن الكفارة في الظهار لا تستقر في الذمة بحال، وإنما
يراد استباحة الوطء، ذهب إليه أبو حنيفة وأصحابه فيقال للمظاهر عند إرادة
الوطء: إذا أردت أن يحل لك الوطء فكفر، وإن لم ترد استباحة الوطء فلا تكفر،
كما يقال لمن أراد أن يصلى صلاة تطوع: إن أردت أن تستبيح الصلاة فتطهر،
وإن لم ترد استباحتها لم تلزمك الطهارة.
وقال الطحاوي: مذهب أبي حنيفة أن الكفارة في الظهار تراد لاستباحة
الوطء ولا يستقر وجوبها في الذمة، فإن وطئ المظاهر قبل التفكير فقد وطئ
وطء محرما ولا يلزمه التكفير، بل يقال له عند إرادة الوطء الثاني والثالث: إذا
أردت أن يحل لك الوطء فكفر، وعلى هذا أبدا.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وقد ذكرناها في الكتاب الكبير في أنه لا
تلزمه الكفارة بمجرد اللفظ إلا بعد العزم على الوطء والعود، ولأنه لا خلاف بينهم
أنه لو طلقها بعد الظهار قبل أن يطأها فإنه لا يجب عليه شئ، فدل ذلك على أنه
لا يجب عليه بنفس الظهار، وأيضا قوله تعالى: والذين يظاهرون من نسائهم ثم
يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا، فأوجب الكفارة بمجموع
67

شيئين: أحدهما التلفظ بالظهار، والثاني أن يعود فما لم يوجد الشرطان لا تجب
الكفارة، كما إذا قال: من دخل الدار وأكل فله درهم، فما لم يوجد الشرطان لم
يستحق الدرهم.
وأما الخلاف الذي بين أصحابنا في وقوع الظهار بشرط، فالمرجع فيه إلى
الأخبار الواردة فيه، ووجب الجمع بينهما وأن لا يطرح شئ منها، ويقوى ما
اخترناه قوله تعالى: والذين يظاهرون من نسائهم... الآية، ولم يفرق، وطريقة
الاحتياط أيضا تقتضيه لأنه إذا كفر كان وطؤه مباحا بيقين، وإذا لم يكفر ففيه
الخلاف.
مسألة 21: إذا تظاهر من امرأته وأمسكها زوجة ولم يطأها ثم طلقها أو مات
عنها أو ماتت لم تلزمه الكفارة، وقال الشافعي: تلزمه الكفارة.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا الأصل براءة الذمة فمن علق عليها
شيئا كان عليه الدلالة.
مسألة 22: إذا ثبت الظهار حرم الوطء فيما دون الفرج وكذلك القبلة
والتلذذ، وللشافعي فيه قولان: أحدهما - وهو الأصح - مثل ما قلناه، والثاني لا
يحرم غير الوطء في الفرج.
دليلنا: قوله تعالى: من قبل أن يتماسا، فأوجب الكفارة من قبل التماس،
واسم المسيس يقع على الوطء وما دونه، فتناوله الظاهر.
مسألة 23: إذا تظاهر وأمسك ووجبت عليه الكفارة فمن حين الظهار إلى
أن يطأ زمان أداء الكفارة، فإن وطئ قبل التكفير لزمه كفارتان - إحداها نصا
والأخرى عقوبة بالوطئ - وبه قال مجاهد.
وقال الشافعي: إذا وطئ قبل الكفارة فقد فات زمان الأداء ولا يلزمه بهذا
68

الوطء كفارة، ولا تسقط عنه كفارة الظهار التي كانت عليه، ومن الناس من قال:
إنه تسقط عنه الكفارة التي كانت عليه.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وطريقة الاحتياط تقتضي ذلك أيضا.
مسألة 24: المكفر بالصوم إذا وطئ زوجته التي ظاهر منها في حال
الصوم عامدا نهارا كان أو ليلا بطل صومه، وعليه استئناف الكفارتين، فإن كان
وطؤه ناسيا مضى في صومه ولم يلزمه شئ.
وقال الشافعي: إن وطئ بالليل لم يؤثر ذلك الوطء في الصوم، ولا في
التتابع عامدا كان أو ناسيا، وإن وطئ بالنهار فإن كان ذاكرا لصومه متعمدا
للوطء فسد صومه وانقطع تتابعه، وعليه استئناف الشهرين، وإن وطئ ناسيا لم
يؤثر ذلك في الصوم ولا في التتابع فيمضي في صوم الشهرين ويبني عليه.
وذهب مالك وأبو حنيفة إلى أنه إذا وطئ في أثناء الشهرين عامدا أو ناسيا
بالليل أو بالنهار فإن التتابع ينقطع ويلزمه الاستئناف، فإن كان الوطء بالليل لا
يؤثر في الصوم لكنه يقطع التتابع، وإن كان بالنهار عامدا فسد الصوم وانقطع
التتابع، وإن كان بالنهار ناسيا فعلى قول أبي حنيفة لا يفسد الصوم وينقطع
التتابع، وعلى قول مالك يفسد الصوم وينقطع التتابع، لأن عنده أن الوطء
ناسيا يفسد الصوم.
دليلنا: إجماع الفرقة وطريقة الاحتياط، وأيضا قال الله تعالى: فصيام
شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا، وهذا قد وطئ قبل الشهرين فيلزمه كفارتان
على ما مضى القول فيه.
مسألة 25: إذا وطئ غير زوجته في حال الصوم ليلا لم يقطع التتابع ولا
الصوم، وإن وطئ نهارا ناسيا فمثل ذلك، وإن وطئ نهارا عامدا قبل أن يصوم
من الشهر الثاني شيئا قطع التتابع، وإن كان بعد أن صام من الثاني شيئا كان
69

مخطئا ولم يقطع التتابع بل يبني عليه، وقال الفقهاء: إن كان وطؤه ليلا مثل ما
قلناه، وإن كان نهارا قطع التتابع ووجب الاستئناف.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 26: إذا تظاهر من زوجته مدة مثل أن يقول: أنت على كظهر أمي
يوما أو شهرا أو سنة، لم يكن ذلك ظهارا.
وللشافعي فيه قولان: قال في الأم: يكون مظاهرا، وهو اختيار المزني
والأصح عندهم وهو قول أبي حنيفة، وقال في اختلاف ابن أبي ليلى وأبي حنيفة:
لا يكون مظاهرا، وهو قول مالك والليث بن سعد وابن أبي ليلى.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، وشغلها يحتاج إلى دليل، والأصل إباحة
الوطء، والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 27: إذا وجبت عليه الكفارة بعتق رقبة في كفارة ظهار أو قتل أو
جماع أو يمين أو يكون قد نذر عتق رقبة مطلقة فإنه يجزئ في جميع ذلك أن لا
تكون مؤمنة إلا في القتل خاصة، وبه قال عطاء والنخعي والثوري وأبو حنيفة
وأصحابه، إلا أنهم أجازوا أن تكون كافرة، وعندنا أن ذلك مكروه وإن أجزأ،
وقال الشافعي: لا يجوز في جميع ذلك إلا المؤمنة، وبه قال مالك والأوزاعي
وأحمد وإسحاق.
دليلنا: أن الله تعالى ذكر هذه الكفارات ولم يشترط فيها الإيمان بل أطلق
الرقبة، وإنما قيدها بالإيمان في قتل الخطأ خاصة فحمل غيرها عليها يحتاج إلى
دليل ولا دليل في الشرع يوجب ذلك.
مسألة 28: الموضع الذي يعتبر فيه الإيمان في الرقبة فإنه يجزئ إذا كان
محكوما بإيمانه وإن كان صغيرا، وبه قال أبو حنيفة والشافعي، فإنه قال: لو كان
70

ابن يومه أجزأ، وقال: أحب أن لا يعتق عن الكفارة إلا بالغا، وقال أحمد: يعجبني
أن لا يعتق إلا من بلغ حدا يتكلم عن نفسه ويعبر عن الإسلام ويفعل أفعال
المسلمين لأن الإيمان قول وعمل، وفي الناس من قال: إنه لا يجزئ إعتاق الصغير
عن الكفارة.
دليلنا: قوله تعالى: فتحرير رقبة مؤمنة، وهذا يطلق عليه اسم الرقبة، وفي
الموضع الذي قال " مؤمنة " يطلق عليه أيضا لأنها محكوم بإيمانها.
مسألة 29: عتق المكاتب لا يجزئ في الكفارة سواء أدى من مكاتبته شيئا
أو لم يؤد، وبه قال مالك والشافعي والأوزاعي والثوري، وقال أبو حنيفة
وأصحابه: إن أدى شيئا من نجومه لم يجز إعتاقه وإن لم يتأد شيئا منها أجزأه.
دليلنا: أن عتق غير المكاتب مجزئ بلا خلاف ولا دلالة على أن عتق
المكاتب مجزئ والأصل شغل الذمة بكفارة الرقبة، وأيضا فإن المكاتب عندنا
على ضربين: مشروط عليه، وغير مشروط، فالمشروط عليه وإن كان بحكم العبيد
فليس له رده قبل العجز، وإذا لم يرده لم يصح منه عتقه في الكفارة، وإن كان
مطلقا فليس له أن يرده في الرق على حال.
مسألة 30: عتق أم الولد جائز في الكفارات، وخالف جميع الفقهاء في ذلك
الذين لم يجيزوا بيع أمهات الأولاد.
دليلنا: أنه قد ثبت عندنا جواز بيعها على ما ندل عليه فيما بعد، فإذا ثبت
جواز عتقها في الكفارة لأن أحدا لم يفرق.
مسألة 31: عتق المدبر جائز في الكفارة، وبه قال الشافعي، وقال
أبو حنيفة: لا يجوز.
دليلنا: قوله تعالى: فتحرير رقبة، وذلك عام، وعليه إجماع الفرقة، وأيضا
71

ثبت عندنا أنه يجوز بيع المدبر على ما نبينه، فإذا ثبت جواز بيعه ثبت جواز إعتاقه
لأن أحدا لا يفرق.
مسألة 32: إذا أعتق عبدا مرهونا وكان موسرا أجزأه، وإن كان معسرا لا
يجزئه، وللشافعي فيه قولان في الموسر والمعسر: أحدهما أنه يجوز، والآخر أنه لا
يجوز، والصحيح في الموسر أنه يجزئ، وفي المعسر أنه لا يجزئ مثل ما قلناه.
دليلنا: على أن عتق الموسر جائز قوله تعالى: فتحرير رقبة، ولم يفصل،
وعلى أن عتق المعسر لا يجزئ إن ذلك يؤدى إلى إبطال حق الغير فلا يجوز
ذلك، وعليه إجماع الفرقة لأنهم أجمعوا على أنه لا يجوز من الراهن التصرف في
الرهن، وذلك عام في جميع ذلك إلا ما أخرجه الدليل.
مسألة 33: إذا كان له عبد قد جنى جناية عمل فإنه لا يجزئ إعتاقه في
الكفارة وإن خطأ جاز ذلك.
وللشافعي وأصحابه فيه ثلاث طرق: أحدها إن كان عمدا نفذ العتق فيه قولا
واحدا، وإن كان خطأ فعلى قولين، ومنهم من عكس ذلك فقال: إن كان خطأ
لم ينفذ العتق قولا واحدا، وإن كان عمدا فعلى قولين.
وقال أبو إسحاق: لا فرق بين العمد والخطأ فيهما قولان، وهو الصحيح
عندهم.
دليلنا: إجماع الفرقة لأنه لا خلاف بينهم أنه إذا كانت جناية عمدا أنه
ينتقل ملكه إلى المجني عليه، وإن كانت خطأ فدية ما يجنى به على مولاه لأنه
عاقلة، وعلى هذا لا بد مما قلناه.
مسألة 34: إذا كان له عبد غائب يعرف خبره وحياته فإن إعتاقه جائز في
الكفارة بلا خلاف، وإن لم يعرف خبره ولا حياته لا يجزئه، وللشافعي فيه
72

قولان: أحدهما مثل ما قلناه، والثاني أنه يجزئ.
دليلنا: أن الكفارة متيقن وجوبها وحياة العبد مشكوك فيها فلم يسقط
المتيقن بالشك.
مسألة 35: إذا اشترى من يعتق عليه من آبائه وأمهاته وأولاده وأولاد
أولاده، فإن لم ينو عتقهم من الكفارة عتقوا بحكم القرابة، وإذا نوى أن يقع عتقهم
عن الكفارة لم يجزئه ذلك عنها وينعتقون بحكم القرابة وبقيت الكفارة عليه، وبه
قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: يقع عتقهم عن الكفارة.
دليلنا: أن عندنا أن العتق لا يصح قبل الملك ولا تصح النية قبل الملك
وإنما تؤثر النية في الملك، وهذا لا يصح هاهنا لأنه إذا ملك انعتق حال الملك
ولا يستقر، فلا يمكن أن يتعقب الملك النية، وأيضا قوله تعالى: فتحرير رقبة،
والتحرير يحصل بفعل المحرر وإعتاقه لأنه مثل التفعيل، وهذا العبد إذا ملكه
تحرر عليه لا بفعله ولا يطلق على ذلك اسم التحرير فلم يجزئه عن التحرير المأمور
به.
مسألة 36: إذا وجب عليه عتق رقبة فأعتق عنه رجل آخر عبدا باذنه،
وقع العتق عن المعتق عنه ولا يكون ولاؤه له بل يكون سائبة، وبه قال الشافعي
إلا أنه قال: ولاؤه له وسواء أعتق عنه تطوعا أو عن واجب بجعل وغير جعل،
فإن أعتق بجعل فهو كالبيع، وإن أعتق بغير جعل فهو كالهبة، وقال أبو حنيفة:
إن أعتق بجعل جاز، وإن أعتق بغير جعل لم يجز، وقال مالك: لا يجوز ذلك
بحال.
دليلنا: أنه إذا أعتق عنه باذنه فالمعتق يقع عنه لأنه كذلك قصد ونوى،
والنبي صلى الله عليه وآله قال: الأعمال بالنيات، والنية وقعت عن الغير فوجب
أن يقع العتق عنه.
73

مسألة 37: إذا أعتق عنه بغير إذنه فإن العتق يقع عن المعتق دون المعتق
عنه سواء أعتقه عن واجب أو عن تطوع، وبه قال أبو حنيفة والشافعي.
وقال مالك: إن أعتقه عن تطوع وقع العتق عنه كقولنا، وإن أعتقه عن
واجب عليه وقع ذلك عن العتق عنه وأجزأه.
دليلنا: قوله عليه السلام: الولاء لمن أعتق، والمعتق هو المباشر للعتق
فكان الولاء له دون المعتق عنه، وعند مالك الولاء لمن أعتق عنه.
مسألة 38: إذا ملك الرجل نصف عبدين وباقيهما ملك لغيره أو باقيهما
حر فأعتقهما عن كفارته لم يجزئه ولأصحاب الشافعي فيه ثلاثة أوجه: فقال
أبو العباس مثل ما قلناه لأنه لم يعتق عبدا كاملا، وقال غيره: يجزئه ذلك، ومنهم
من قال: إن كان باقيه مملوكا لم يجزئه، وإن كان باقيه حرا أجزأه.
دليلنا: قوله تعالى: فتحرير رقبة، وهذا ما أعتق رقبة، وأيضا فقد ثبت شغل
الذمة بوجوب كفارة تحرير رقبة ولم يقم دليل على أنها تبرأ بهذا فالاحتياط
يقتضي عتق رقبة مفردة.
مسألة 39: إذا كان عليه كفارات من جنس واحد فأعتق عنها أو صام بنية
التكفير دون التعيين أجزأه بلا خلاف، وإن كانت من أجناس مختلفة مثل كفارة
الظهار وكفارة القتل فلا بد فيها من نية التعيين عن كل كفارة، فإن لم يعين لم
يجزئه، وبه قال أبو حنيفة، وقال الشافعي: يجزئه وإن لم ينو التعيين.
دليلنا: قوله صلى الله عليه وآله: الأعمال بالنيات، فوجب ما لم تحصل فيه
النية ألا يجزئ، ولأن الأصل شغل الذمة فلا خلاف إذا عين النية أنه يجزئه ولم
يدل دليل على إجزائه إذا لم يعين، فالاحتياط يقتضي ما قلناه.
مسألة 40: إذا كان عليه كفارة عتق رقبة فشك هل هي عليه من كفارة
74

ظهار له أو قتل أو جماع أو يمين أو عن نذر؟ فأعتق بنية ما يجب عليه مجملا
أجزأه، وقال الشافعي: إن كان الذي وجب عليه عن كفارة أيها كانت أجزأه،
وإن كان عن نذر لم يجزئه لأنه يحتاج إلى نية التعيين.
دليلنا: قوله تعالى: فتحرير رقبة، ولم يشرط نية التعيين، وأيضا فإن نية
التعيين قد تكون مجملة، وقد تكون مفصلة وهذا أتى بنية التعيين مجملة.
مسألة 41: نية الإعتاق يجب أن تقارن حال الإعتاق فلا يجوز أن تتقدمها،
وللشافعي فيه طريقان: أحدهما مثل ما قلناه كالصلاة، والثاني أنه يجوز في العتق
تقدمها.
دليلنا: أن العتق في حال يجوز أن يقع في كفارة وغير كفارة فلا بد من
مقارنة النية له كسائر ما تؤثر فيه النية، وأيضا فالأصل شغل الذمة، ولا دليل على
براءتها إذا تقدمت النية فيجب مقارنتها لأن ذلك مجزئ بلا خلاف.
مسألة 42: إذا وجبت عليه كفارة بعتق أو إطعام أو صوم فارتد لم تصح
منه الكفارة بالعتق ولا بالإطعام ولا بالصوم.
ووافقنا الشافعي في الصوم وليس فيه خلاف، وله في العتق والإطعام ثلاثة
أقوال مبنية على حكم ملكه وتصرفه: أحدها أن ملكه صحيح وتصرفه إلى أن يقتل
أو يموت فعلى هذا يصح منه الإعتاق والإطعام، وبه قال أبو يوسف ومحمد،
والثاني أنه باطل فعلى هذا لا يجزئه العتق ولا الإطعام، والثالث أنه مراعى فإن
عاد إلى الإسلام حكم بإجزائه وإن لم يعد حكمنا بأنه لم يجزئه، وبه قال
أبو حنيفة.
دليلنا: أن الأصل شغل الذمة، وبراءتها تحتاج إلى دليل، وأيضا فالعتق
والإطعام يحتاج إلى نية القربة ولا يصح ذلك من المرتد.
75

مسألة 43: في الرقاب ما يجزئ، وفيها ما لا يجزئ، وبه قال جميع الفقهاء
إلا داود فإنه قال: الجميع يجزئ.
دليلنا: الإجماع وداود سبقه الإجماع ولأن الأصل شغل الذمة فلا يجوز
إبراؤها بكل رقبة إلا بدليل قاطع.
مسألة 44: الأعمى لا يجزئ بلا خلاف بين الفقهاء، والأعور يجزئ بلا
خلاف، والمقطوع اليدين والرجلين أو اليدين أو الرجلين أو يد واحدة ورجل
واحدة من خلاف عند الشافعي لا يجزئ، وعند أبي حنيفة يجزئ وبه نقول.
دليلنا: قوله تعالى: فتحرير رقبة، ولم يفصل.
مسألة 45: المملوك إذا كان مولودا من زنا فإنه يجزئ في الكفارة، وبه
قال جميع الفقهاء إلا الزهري والأوزاعي فإنهما قالا: لا يجزئ.
دليلنا: قوله تعالى: فتحرير رقبة، ولم يفصل.
مسألة 46: إذا وجد رقبة وهو محتاج إليها لخدمة أو وجد ثمنها وهو
محتاج إليه لنفقته أو كسوته أو سكناه لا يلزمه الرقبة ويجوز له الصوم، وبه قال
الشافعي.
وقال مالك والأوزاعي: يلزمه العتق في الموضعين معا، وقال أبو حنيفة: إذا
كان واجدا للرقبة وهو محتاج إليها لزمه إعتاقها، ولا يجوز له الصوم، وإذا وجد
الثمن وهو محتاج إليه لا يلزمه الإعتاق ويجوز له الصوم.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا الأصل براءة الذمة، وأيضا قوله تعالى: ما
جعل عليكم في الدين من حرج.
مسألة 47: إذا انتقل عند العجز إلى الصوم فالواجب أن يصوم شهرين
76

متتابعين بلا خلاف، فإن أفطر في خلال ذلك لغير عذر في الشهر الأول أو قبل
أن يصوم من الثاني شيئا وجب استئنافه بلا خلاف، وإن كان إفطاره بعد أن صام
من الثاني شيئا ولو يوما واحدا جاز له البناء عليه، ولا يلزمه الاستئناف، وخالف
جميع الفقهاء في ذلك، وقالوا: يجب عليه الاستئناف.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وقد ذكرناها في الكتاب الكبير، ويمكن
أن يقال: قوله تعالى: فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، يتناول ذلك لأنه تابع
بين الشهرين الأول والثاني وإن صام منه شيئا، وليس في الآية أنه يجب عليه أن
يتابع بين أيام الشهر كله، والمعتمد الأول.
مسألة 48: إذا أفطر في خلال الشهرين لمرض يوجب ذلك لم ينقطع
التتابع، وجاز له البناء، وهو قول الشافعي في القديم واختاره المزني، وقال في
الجديد: ينقطع ويجب الاستئناف.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم ولأن إيجاب الاستئناف إنما وجب على من
يفطر لضرب من العقوبة لتهاونه بما يجب عليه، وهذا أمر غلب عليه من فعل الله لا
صنع له فيه فجرى مجرى الحيض، ولأنا إذا أوجبنا عليه الاستئناف لم يأمن إذا
استأنف أن يمرض ثانيا، وكذلك كل مرة فيؤدى إلى أن لا ينفك من الصوم
وأن يصوم لا إلى نهاية فعفي عن ذلك لما قلناه.
مسألة 49: إذا سافر في الشهر الأول فأفطر قطع التتابع ووجب عليه
الاستئناف، وعند الشافعي أن ذلك مبني على قولين في المرض، فإن قال: إن
المرض يقطع التتابع، فهذا أولى، وإذا قال: لا يقطع التتابع، ففي هذا قولان:
أحدهما مثل ما قلناه، والثاني لا ينقطع.
دليلنا: قوله تعالى: فصيام شهرين متتابعين، وهذا ما تابع، وأيضا فالسفر
باختياره فلا يجوز له الإفطار كالحضر.
77

مسألة 50: الحامل والمرضع إذا أفطرتا في الشهر الأول فحكمهما حكم
المريض بلا خلاف، وإن أفطرتا خوفا على ولدهما لم يقطع التتابع عندنا وجاز
البناء، واختلف أصحاب الشافعي فيه فقال بعضهم: هو بمنزلة المفطر في المرض
فإنه عذر كالمرض، ومنهم من قال: إن التتابع ينقطع قولا واحدا.
دليلنا: أن ذلك عذر أوجب الله تعالى فيه الإفطار عندنا، وما يكون
كذلك لا يجب به الاستئناف كالحيض والمرض.
مسألة 51: إذا أدخل الطعام أو الشراب في حلقه بالإكراه لم يفطر بلا
خلاف، وإن ضرب حتى أكل أو شرب، فعندنا لا يفطر ولا يقطع التتابع،
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه، والثاني يفطر ويقطع التتابع.
دليلنا: إجماع الفرقة على أنه لا يفطر، فإذا ثبت ذلك لا يقطع التتابع بلا
خلاف.
مسألة 52: إذا قتل متعمدا في أشهر الحرم وجب عليه الكفارة بصوم
شهرين متتابعين من أشهر الحرم، وإن دخل فيهما الأضحى وأيام التشريق،
وخالف جميع الفقهاء في ذلك فقالوا: ذلك لا يجوز.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 53: إذا ابتدأ بصوم أيام التشريق في الكفارة صح صومه، وكذلك
يجوز التنفل به في الأمصار، فأما بمنى فلا يجوز على حال، وللشافعي فيه قولان:
أحدهما يجوز في الكفارة دون التطوع، والثاني أنه لا يجوز على حال بناء على
جواز صوم المتمتع هذه الأيام لأن له في ذلك قولين.
دليلنا: قوله تعالى: فصيام شهرين متتابعين، ولم يعين، وإنما أخرجنا
بعضها بدليل الإجماع مثل الفطر والأضحى وغيرهما.
78

مسألة 54: لا يلزمه أن ينوي التتابع في الصوم بل تكفيه نية الصوم
فحسب، وللشافعي فيه ثلاثة أوجه: أحدها مثل ما قلناه، والثاني أنه يحتاج أن
ينوي ذلك أول ليلته، والثالث أن ينوي ذلك كل ليلة.
دليلنا: قوله تعالى: فصيام شهرين متتابعين، ولم يذكر إيجاب النية
للتعيين، وأيضا الأصل براءة الذمة، وشغلها يحتاج إلى دليل.
مسألة 55: إذا صام شعبان وشهر رمضان عن الشهرين المتتابعين لم
يجزئ عنهما بلا خلاف، وصوم شهر رمضان صحيح لا يجب عليه القضاء عندنا،
وبه قال أبو حنيفة، وقال الشافعي: يجب عليه قضاء شهر رمضان لأنه ما عين النية.
دليلنا: ما ذكرناه في كتاب الصوم أن تعيين النية في صوم شهر رمضان
ليس بواجب، فإذا ثبت ذلك فلا قضاء عليه بلا خلاف.
مسألة 56: الاعتبار في وجوب الكفارات المرتبة حال الأداء دون حال
الوجوب فمن قدر حال الأداء على الإعتاق لم يجزئه الصوم وإن كان غير واجد
لها حين الوجوب.
وللشافعي فيه ثلاثة أقوال: أحدها وهو الأشبه عندهم مثل ما قلناه، والثاني أن
الاعتبار بحال الوجوب دون حال الأداء، وبه قال أبو حنيفة، والثالث أن الاعتبار
بأغلظ الحالين من حين الوجوب إلى حال الأداء.
دليلنا: قوله تعالى: فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، وهذا واجد عند
الشروع في الصوم للرقبة فوجب أن لا يجزئه، وأيضا الاعتبار بحال الأداء دون
حال الوجوب في سائر الواجبات، مثل من دخل عليه وقت الصلاة وهو فاقد
للماء ووجد الماء في آخر الوقت فإن فرضه الوضوء بلا خلاف، وهذا لا نعتمده
لأنه قياس غير أنه يلزم المخالف المصير إليه.
79

مسألة 57: إذا عدم المكفر الرقبة فدخل في الصوم ثم قدر على الرقبة فإنه
لا يلزمه الإعتاق، ويستحب له ذلك، وهكذا المتمتع إذا عدم الهدي فصام ثم قدر
على الهدي، والمتيمم إذا دخل في الصلاة ثم وجد الماء لا يلزمه الانتقال، وبه قال
الشافعي ومالك والأوزاعي وأحمد وإسحاق.
وذهب الثوري وأبو حنيفة وأصحابه إلى أنه يلزمه الرجوع إلى الأصل في
هذه المواضع كلها إلا أنه فصل في المتمتع فقال: إن وجده في صوم الثلاثة
انتقل إليه، وإن وجده في صوم السبع لم ينتقل لأن عنده البدل صوم الثلاث
دون السبع، وقال المزني: يلزمه الانتقال إلى الأصل في المواضع كلها.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم ولأن دخوله في الصوم واجب بالإجماع،
والانتقال منه يحتاج إلى دليل ولا دليل.
مسألة 58: إذا ظاهر فأعتق قبل العود لم يجزئ، وقال الشافعي: يجزئ.
دليلنا: أن العتق إنما يجب عليه إذا أراد استباحة الوطء وعنده إذا عاد،
وقبل ذلك لم يجب فلا يجزئ ما يعتقه في الحال عما يجب عليه في المستقبل،
كالزكاة قبل النصاب وكفارة اليمين قبل عقد اليمين، وأيضا عليه إجماع الفرقة
وأخبارهم قد ذكرناها في الكتاب الكبير.
مسألة 59: يجب أن يدفع الطعام إلى ستين مسكينا، ولا يجوز أن يدفع
حق مسكينين إلى مسكين لا في يوم واحد ولا في يومين، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: إن أعطى مسكينا واحدا كل يوم حق مسكين في ستين يوما
حق ستين مسكينا أجزأه، وإن أعطى في يوم واحد حق مسكين لواحد لم يجزئه،
وعندنا يجوز هذا مع عدم المسكين.
دليلنا: إجماع الفرقة وقوله: فإطعام ستين مسكينا، وقال في كفارة اليمين:
فإطعام عشرة مساكين، فاعتبر تعالى العدد، فلا يجوز الإخلال به كما لا يجوز
80

الإخلال بالإطعام، وأيضا طريقة الاحتياط تقتضي ذلك لأن ما اعتبرناه مجمع
على جوازه، وما قاله أبو حنيفة لا دليل على جوازه.
مسألة 60: لا يجوز إعطاء الكفارة للمكاتب، وبه قال الشافعي، وقال
أبو حنيفة: يجوز.
دليلنا: طريقة الاحتياط.
مسألة 61: لا يجوز دفع الكفارة إلى الكافر، وبه قال الشافعي، وقال
أبو حنيفة: يجوز.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى من طريقة الاحتياط فإن إعطاءه لمسلم
مجمع على جوازه، وإعطاؤه لكافر ليس على جوازه دليل.
مسألة 62: يجب أن يدفع إلى كل مسكين مدان - والمد رطلان وربع
بالعراقي - في سائر الكفارات.
وقال الشافعي: مد في جميع ذلك - وهو رطل وثلث - إلا فدية الأذى
خاصة فإنها مدان، وبه قال ابن عمر وابن عباس وأبو هريرة.
وقال أبو حنيفة: إن أخرج تمرا أو شعيرا فإنه يدفع صاعا - وهو أربعة أمداد،
والمد رطلان - وإن أخرج طعاما فنصف صاع، وفي الزبيب روايتان: أحدهما
صاع، والأخرى نصف صاع.
وقال مالك مثل قول الشافعي إلا كفارة الظهار فإنه قال: يدفع إلى كل
مسكين مدا بالمد الحجازي وهو مد وثلث بمد النبي صلى الله عليه وآله.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم وطريقة الاحتياط.
مسألة 63: يجب أن يطعم ما يغلب على قوته وقوت أهله، وقال الشافعي:
81

يجب أن يطعم من غالب قوت البلد، وقال أبو سفيان بن حرب مثل ما قلناه.
دليلنا: قوله تعالى: من أوسط ما تطعمون أهليكم، فأوجب من أوسط ما
نطعم أهلينا دون أهل البلد.
مسألة 64: إذا كان قوت أهل بلده اللحم أو اللبن أو الأقط، وهو قوته، جاز
أن يخرج منه، وللشافعي في الأقط قولان، وفي اللحم واللبن طريقان: منهم من
قال: على قولين كالأقط، ومنهم من قال: لا يجوز قولا واحدا.
دليلنا: قوله تعالى: من أوسط ما تطعمون أهليكم، ولم يفصل.
مسألة 65: إذا أحضر ستين مسكينا فأعطاهم ما يجب لهم من الطعام أو
أطعمهم إياه سواء قال ملكتم أو أعطيتكم فإنه يكون جائزا على كل حال إذا كانوا
بالغين، وبه قال أهل العراق.
وقال الشافعي: إن أطعمهم لا يجزئه لأنه لم يملكهم ولأن أكلهم يزيد
وينقص، وإن قال: أعطيتكم أو خذوه، لا يجزئ لأنه ما ملكهم، وإن قال:
ملكتكم بالسوية، ففيه وجهان.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا قوله تعالى: فإطعام ستين مسكينا، وهذا قد
أطعم ستين ولم يفصل.
مسألة 66: كل ما يسمى طعاما يجوز إخراجه في الكفارة، وروى أصحابنا
أن أفضله الخبز واللحم، وأوسطه الخبز والزيت، وأدونه الخبز والملح.
وقال الشافعي: لا يجوز إلا الحب، فأما الدقيق والسويق والخبز فإنه لا
يجزئ، وقال الأنماطي من أصحابه: إنه يجزئ الدقيق، وكذلك الخلاف في
الفطرة قالوا: لأن النبي صلى الله عليه وآله أوجب صاعا من تمر أو شعير أو طعام
ولم يذكر الدقيق ولا الخبز.
82

دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا قوله تعالى: فإطعام ستين مسكينا، وكل
ذلك يسمى طعاما في اللغة فوجب أن يجزئ بحكم الظاهر.
مسألة 67: إذا أطعم خمسا وكسا خمسا في كفارة اليمين لم يجزئه، وبه
قال الشافعي، وقال مالك: يجزئه، وقال أبو حنيفة: إذا أطعم خمسا وكسا خمسا
بقيمة إطعام خمس لم يجزئه، وإن كسا خمسا وأطعم خمسا بقيمة كسوة خمس
أجزأه.
دليلنا: قوله تعالى: فإطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو
كسوتهم، فخير بين إطعام عشرة أو كسوة عشرة، فمن كسا خمسا وأطعم خمسا
لم يمتثل الظاهر بل خالف.
مسألة 68: يجوز صرف الكفارة إلى الصغار والكبار إذا كانوا فقراء بلا
خلاف، وعندنا يجوز أن يطعمهم إياه، ويعد صغيرين بكبير، ووافقنا مالك في
عد صغيرين بكبير.
وقال الشافعي وأبو حنيفة: لا يصح أن يقبضهم إياه بل يحتاج أن يعطي وليه
ليصرفه في مؤونته.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا قوله تعالى: فإطعام ستين مسكينا، ولم يشرط
تقبيض الولي.
مسألة 69: إذا أعطى كفارته لمن ظاهره الفقر ثم بان له أنه غنى أجزأه، وبه
قال أبو حنيفة ومحمد ومالك والشافعي في القديم، وقال في الجديد: لا يجزئ،
وهو الأصح عندهم، وبه قال أبو يوسف.
دليلنا: قوله تعالى: فإطعام ستين مسكينا، ونحن نعلم أنه أراد من كان
ظاهره كذلك لا الباطن لأن الباطن لا طريق لنا إليه، وهذا قد أعطى من ظاهره
83

كذلك فوجب أن يكون مجزئا.
مسألة 70: إذا وجبت عليه الكفارة في الظهار فأراد أن يكفر بالإعتاق أو
الصوم يلزمه تقديم ذلك على المسكين بلا خلاف، وإن أراد أن يكفر بالإطعام
مع العجز عنهما فكذلك لا يحل له الوطء قبل الإطعام، وبه قال أبو حنيفة
وأصحابه والشافعي، وقال مالك: يحل له الوطء قبل الإطعام.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم وطريقة الاحتياط.
مسألة 71: لا يجوز إخراج القيمة في الكفارات، وبه قال الشافعي، وقال
أهل العراق: يجوز إلا في العتق مثل الزكاة.
دليلنا: طريقة الاحتياط لأنه إذا أخرج المنصوص أجزأه بلا خلاف، وإذا
أخرج القيمة فليس على إجزائه دليل.
مسألة 72: إذا قالت المرأة لزوجها: أنت على كظهر أمي، لم يتعلق به
حكم، وبه قال أبو حنيفة ومحمد والشافعي.
وقال ابن أبي ليلى والحسن البصري: يلزمها كفارة الظهار، وقال أبو يوسف:
يلزمها كفارة اليمين، وحكى أن رجلا سأل ابن أبي ليلى عن هذه المسألة فقال:
يلزمها كفارة الظهار، فسأل محمدا فقال: لا شئ عليها، ثم سأل أبا يوسف وأخبره
بما قالا، فقال: سبحان الله شيخان من مشايخ المسلمين غلطا، عليها كفارة يمين.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة ولم يقم دليل على لزوم المرأة بهذا القول
شئ، وأيضا قوله تعالى: والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا، فعلق
الحكم على من ظاهر من نسائه، وهذا صفة الرجال فلا تدخل فيه النساء ثم
أوجب الكفارة بالعود - والعود العزم على الوطء أو إمساكها زوجة مع القدرة
على الطلاق - وهذا لا يوجد في المرأة.
84

مسألة 73: يجوز للمرأة أن تعطي الكفارة لزوجها إذا كان فقيرا، وبه قال
الشافعي، وقال أبو حنيفة: لا يجوز.
دليلنا: قوله تعالى: فإطعام عشرة مساكين، ولم يفرق، وهذا مسكين.
85

كتاب اللعان
مسألة 1: موجب القذف عندنا في حق الزوج الحد، وله إسقاطه باللعان،
وموجب اللعان في حق المرأة الحد ولها إسقاطه باللعان، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: موجب القذف في حق الزوج اللعان، فإذا قذف زوجته
لزمه اللعان فإن امتنع من اللعان حبس حتى يلاعن، فإذا لاعن وجب على المرأة
اللعان، فإذا امتنعت حبست حتى تلاعن.
وقال أبو يوسف: الحد يجب بالقذف على الرجل، وأما المرأة فإذا امتنعت
من اللعان لم يلزمها الحد لأنه يكون حكما بالنكول، والحد لا يجب بالنكول.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا قوله تعالى: والذين يرمون
المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة، ولم يفرق بين
الأجنبي والزوج.
فإن قيل: الآية لا تتناول الزوج لأنه أوجب الحد على القاذف إذا لم يقم
البينة، وهذه صفة الأجنبي لأن الزوج إذا لم يقم البينة لاعن.
قلنا: الآية تقتضي عمومها أن من لم يقم بينة وجب عليه الحد، فدل الدليل
على أن الزوج إذا لاعن سقط عنه الحد خصصناه وبقى الباقي على عمومه.
وروي عن هلال بن أمية قذف زوجته بشريك بن السحماء، فقال له النبي
صلى الله عليه وآله: البينة وإلا فحد في ظهرك، فقال: يا رسول الله أيجد أحدنا
87

مع امرأته رجلا يلتمس البينة فجعل النبي صلى الله عليه وآله يقول: البينة وإلا
فحد في ظهرك، فأخبر أن الحد واجب عليه حتى يقيم البينة، ثبت أن قذف
الزوج لزوجته موجب للحد.
وأيضا لا خلاف أنه إذا كذب نفسه يجب عليه الحد فلو لم يجب بالقذف
الحد لما وجب بالإكذاب.
مسألة 2: اللعان يصح بين كل زوجين مكلفين من أهل الطلاق، سواء
كانا من أهل الشهادة أو لم يكونا من أهلها فيصح القذف واللعان في حق
الزوجين المسلمين والكافرين وأحدهما مسلم والآخر كافر، وكذلك بين الحرين
والمملوكين وأحدهما حر والآخر مملوك، وكذلك إذا كانا محدودين في قذف
أو أحدهما كذلك، وبه قال سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار، والحسن
البصري، ومالك، والشافعي، وربيعة، والليث بن سعد، وابن شبرمة والثوري
وأحمد وإسحاق.
وذهب قوم إلى أن اللعان إنما يصح بين الزوجين إذا كانا من أهل الشهادة،
فإن لم يكونا كذلك أو لم يكن أحدهما فلا يصح بينهما اللعان، فعلى هذا لا
لعان بين الكافرين ولا إذا كان أحدهما كافرا، ولا بين المملوكين ولا إذا كان
أحدهما مملوكا ولا بين المحدودين في القذف أو أحدهما، ذهب إليه الزهري
والأوزاعي وحماد بن أبي سليمان وأبو حنيفة وأصحابه، والخلاف في فصلين:
أحدهما أن اللعان يصح بين هؤلاء، والثاني أن اللعان هل هو يمين أو شهادة؟
فعندنا يمين يصح منهم، وعندهم شهادة لا تصح منهم.
دليلنا: قوله تعالى: والذين يرمون أزواجهم... الآية، ولم يفرق، والأخبار
المتضمنة لوجوب اللعان أيضا عامة.
وأما الدلالة على أنه يمين ما رواه عكرمة عن ابن عباس أن النبي
صلى الله عليه وآله لما لاعن بين هلال بن أمية وزوجته قال: إن أتت به على نعت كذا وكذا
88

فما أراه إلا وقد كذب عليها، وإن أتت به على نعت كذا وكذا فما أراه إلا من
شريك بن السحماء، قال: فاتت به على النعت المكروه، فقال النبي
صلى الله عليه وآله: لولا الأيمان لكان لي ولها شأن، فسمي اللعان يمينا، ولأنه لو كان شهادة لما
جاز من الأعمى لأن شهادة الأعمى لا تقبل عند أبي حنيفة، وأيضا فلو كان شهادة
لما تكررت لأن الشهادة لا تكرار فيها، وأيضا فلو كان شهادة لما كان في حيز
المرأة لأن شهادتهما لا تقبل في القذف ولما صح أيضا من الفاسق لأن شهادة
الفاسق لا تقبل.
مسألة 3: إذا كان مع الزوج بينة كان له أن يلاعن أيضا ويعدل عن
البينة، وبه قال كافة أهل العلم، وقال بعضهم: لا يجوز أن يلاعن مع قدرته على
البينة لشرط الآية.
دليلنا: أن النبي صلى الله عليه وآله لاعن بين العجلاني وزوجته ولم يسأل
هل لهما بينة أم لا.
مسألة 4: حد القذف من حقوق الآدميين لا يستوفى إلا بمطالبة آدمي،
ويورث كما تورث حقوق الآدميين ويدخله العفو والإبراء كما يدخل في حقوق
الآدميين، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: هو من حقوق الله تعالى متعلق بحق الآدمي ولا يورث ولا
يدخله العفو والإبراء، ووافق في أنه لا يستوفى إلا بطلب آدمي.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا قول النبي صلى الله عليه وآله يوم
فتح مكة: ألا أن أعراضكم ودماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة بلدكم هذا
في شهركم هذا، فأضاف الأعراض إلينا كإضافة الدماء والأموال، فكان ما يجب
باستباحة ذلك حقا لنا كما أن ما يجب باستباحة الدم والمال حق لنا.
89

مسألة 5: إذا قذف زوجته بزنى أضافه إلى مشاهدة أو انتفى من حمل كان
له أن يلاعن، وإن لم يضفه إلى مشاهدة بأن قذفها مطلقا وليس هناك حمل لم
يجز له اللعان، وبه قال مالك، وقال أبو حنيفة والشافعي: له أن يلاعن بالزنى
المطلق.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، ولأن القذف قد ثبت بلا خلاف، فما
يثبت به موجبه من اللعان يحتاج إلى دليل، وأيضا فالأصل في اللعان نزل في
شأن هلال بن أمية وكان قذف زوجته بزنى أضافه إلى مشاهدة.
وروي عن ابن عباس أن هلال بن أمية رجع من أرض عشاء فوجد عند أهله
رجلا فسمع باذنه ورأى بعينه فلم يهجد تلك الليلة - يعني لم ينم - ثم غدا على
رسول الله صلى الله عليه وآله فأخبره بذلك فقال: يا رسول الله إني أتيت أهلي
عشاء فسمعت بأذني ورأيت بعيني، فكره رسول الله ما قاله واشتد عليه فنزلت آية
اللعان، والآية إذا نزلت في سبب وجب قصره عليه عند مالك والمعتمد الأول.
مسألة 6: إذا أخبر ثقة أنها زنت أو استفاض في البلدان فلانا زنا بفلانة،
ووجد الرجل عندها ولم ير شيئا لا يجوز له ملاعنتها، وقال الشافعي: يجوز له
لعانها في الموضعين.
دليلنا: ما قلناه من أنه لا يجوز لعانها إلا بعد أن يدعي المشاهدة، وهذا ليس
بمشاهدة فلا يجوز له اللعان.
مسألة 7: إذا كانا أبيضين فجاء الولد أسودا، أو كانا أسودين فجاءت
بأبيض لم يجز له نفيه ولا لعان المرأة، وللشافعي فيه وجهان: أحدهما مثل ما
قلناه، والآخر أنه يجوز له ذلك.
دليلنا: ما قدمناه من أنه لا يجوز له اللعان إلا بعد المشاهدة، ومع العلم
بنفي الولد، وهذا مفقود هاهنا.
90

وأيضا روي أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا رسول الله إن
امرأتي أتت بولد أسود، فقال: هل لك من إبل؟ فقال: نعم، فقال: ما ألوانها؟
قال: حمر، فقال: فهل فيها من أزرق؟ فقال: نعم، فقال: أنى ذلك؟ فقال: لعل
أن يكون عرقا نزع، قال: وكذلك هذا لعل أن يكون عرقا نزع.
مسألة 8: الأخرس إذا كانت له إشارة معقولة أو كتابة مفهمة يصح قذفه
ولعانه ونكاحه وطلاقه ويمينه وسائر عقوده، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: لا يصح قذفه ولا لعانه، وهكذا يقولون إذا قذف في حال
انطلاق لسانه ثم خرس فلا يصح منه اللعان، ووافقنا في أنه يصح طلاقه ونكاحه
ويمينه وعقوده.
دليلنا: قوله تعالى: والذين يرمون أزواجهم... الآية، ولم يفرق، وأيضا
إجماع الفرقة وأخبارهم على ذلك.
مسألة 9: إذا قذف زوجته وهي خرساء أو صماء فرق بينهما ولم تحل له
أبدا.
وقال الشافعي: إن كان للخرساء إشارة معقولة أو كناية مفهومة فهي
كالناطقة سواء، وإن لم يكن لها ذلك فهي بمنزلة المجنونة.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم فإنهم لا يختلفون في ذلك.
مسألة 10: إذا قذف الرجل زوجته ووجب عليه الحد فأراد اللعان فماتت
المقذوفة انتقل ما كان لها من المطالبة بالحد إلى ورثتها ويقومون مقامها في
المطالبة، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: ليس لهم ذلك بناء على أصله أن ذلك من حقوق الله دون
الآدميين.
91

دليلنا: ما تقدم من أن ذلك من حقوق الآدميين فإذا ثبت ذلك فكل من
قال بذلك قال بهذا ولم يفرق.
مسألة 11: إذا ثبت أن هذا الحد موروث فعندنا يرثه المناسبون جميعهم
ذكرهم وأنثاهم دون ذوي الأسباب، وللشافعي فيه ثلاثة أقوال: أحدها مثل ما
قلناه، والثاني يشترك معهم ذوو الأسباب، والثالث يختص به العصبات.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم وقد ذكرناها.
مسألة 12: إذا لاعن الرجل الحرة المسلمة وامتنعت من اللعان وجب عليها
الحد، وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: يجب عليها اللعان فإن امتنعت حبست
حتى تلاعن.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا قوله تعالى: ويدرأ عنها العذاب أن
تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين، فذكر الله تعالى لعان الزوج ثم أخبر
أن المرأة تدرأ عن نفسها العذاب بلعانها، فثبت أنها لزمها عذاب بلعان الزوج
وذلك هو الحد بدلالة قوله تعالى: وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين، يعني
الحد، وقال عز وجل: فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب، يعني من
الحد.
مسألة 13: إذا قذف زوجته فلاعنها وبانت منه فقذفها أجنبي بذلك الزنى،
فعليه الحد سواء كان الزوج نفى نسب ولدها أو لم ينف، وكان الولد باقيا أو قد
مات أو لم يكن لها ولد، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: إن نفى نفى نسب الولد لكن مات الولد فلا حد على القاذف،
وإن لم ينف نسب الولد أو كان الولد باقيا فعلى القاذف الحد.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وروى عكرمة عن ابن عباس قال: فرق
92

رسول الله صلى الله عليه وآله بين المتلاعنين وقضى أن لا يدعى الولد لأب وأن لا
ترمى ولا ولدها فمن رماها أو رمى ولدها فعليه الحد، ولم يفرق بين أن يكون
الولد باقيا أو قد مات.
مسألة 14: إذا قذف أجنبي أجنبية ولم يقم البينة فحد ثم أعاد ذلك القذف
بذلك الزنى فإنه لا يلزمه حد آخر، وبه قال عامة الفقهاء، وحكي عن بعض الناس
أنه قال: يلزمه حد آخر.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا عليه إجماع الصحابة فإن أبا بكرة
ونافعا ونقيعا شهدوا على المغيرة بالزنى وصرحوا بالشهادة وشهد عليه زياد ولم
يصرح بل كنى في شهادته فجلد عمر الثلاثة وجعلهم بمنزلة القذفة، فقال أبو بكرة
بعد ما جلده عمر: أشهد أنه زنى، فهم عمر بجلده، فقال علي عليه الصلاة والسلام:
إن جلدته فارجم صاحبك - يعني المغيرة -، وأراد بذلك أنه إن كانت هذه
شهادة مجددة فقد شهد أربعا فارجم صاحبك، وإن كان ذلك إعادة لتلك
الشهادة فقد جلدته فيها دفعة فلا معنى لجلده ثانيا، فتركه عمر، وكان هذا بمحضر
من الصحابة فلم ينكروه، فعلم أنهم أجمعوا على أن من جلد في قذف أو ما جرى
مجراه ثم أعاد ثانيا لم يجلد دفعة أخرى.
مسألة 15: إذا تزوج رجل بامرأة وقذفها بزنى أضافه إلى ما قبل الزوجية
وجب عليه الحد وليس له أن يلاعن لإسقاطه، وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة:
له إسقاطه باللعان، فالاعتبار عندنا بالحالة التي يضاف إليها الزنى، وعنده بحالة
وجود القذف.
دليلنا: قوله تعالى: والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء
فاجلدوهم ثمانين جلدة.
فإن عارضونا بقوله " والذين يرمون أزواجهم " وخصوا به " آيتنا " قلنا لا
93

نسلم له أن الآية التي ذكروها تناولت هذا القاذف فإنها واردة في من قذف زوجته،
وهذا لا يقال أنه قذف زوجته فإنه أضاف القذف إلى حالة كونها أجنبية والاعتبار
بحالة إضافة القذف، ألا ترى أن من قذف حرا بزنى أضافه إلى حال كونه عبدا لا
يقال أنه قذف حرا، ومن قذف مسلمة بزنى أضافه إلى حال كونها كافرة لا يقال
أنه قذف مسلمة، فكذلك هاهنا.
مسألة 16: إذا أبان الرجل زوجته بطلاق ثلاث أو فسخ أو خلع ثم قذف
بزنى أضافه إلى حال الزوجية فالحد يلزمه بلا خلاف، وهل له إسقاطه؟ فيه ثلاثة
مذاهب:
فمذهبنا ومذهب الشافعي أنه إن لم يكن هناك نسب لم يكن له أن يلاعن،
فإن كان هناك نسب كان له أن يلاعن لنفيه.
وذهب عثمان البتي إلى أن له اللعان سواء كان له نسب أو لم يكن.
وذهب الأوزاعي وأبو حنيفة وأحمد إلى أنه لا يلاعن سواء كان هناك نسب
أو لم يكن، ويلزمه الحد، وإن أتت بولد لحقه نسبه ولم يكن له نفيه باللعان.
دليلنا: قوله تعالى: والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء
فاجلدوهم ثمانين جلدة، فأوجب الجلد على من قذف محصنة ولم يأت بالبينة،
وهذا قد قذف محصنة ولم يأت بالبينة فوجب عليه الحد بظاهر الآية.
مسألة 17: إذا قذف زوجته وهي حامل لزمه الحد، وله إسقاطه باللعان
وبنفي النسب، فإن اختار أن يؤخر حتى ينفصل الولد فيلاعن لنفيه كان له، وإن
اختار أن يلاعن في الحال وينفي النسب كان له، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: ليس له أن ينفي نسب الحمل قبل انفصاله وإن لاعن فقد أتى
باللعان الواجب عليه، فإن حكم الحاكم بالفرقة بانت الزوجة منه، وليس له بعد
ذلك أن يلاعن لنفي النسب بل يلزمه النسب، لأن عنده اللعان كالطلاق لا
94

يصح إلا في زوجته.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا قوله تعالى: والذين يرمون
أزواجهم، ولم يفصل.
وروى عكرمة عن ابن عباس قال: لاعن رسول الله بين هلال بن أمية وبين
زوجته، وذكر الخبر والمرأة كانت حاملا ولاعن بينهما قبل انفصال الولد بدلالة
ما روي في الخبر أنه قال: إن أتت به على نعت كذا وكذا فما أراه إلا وقد كذب
عليها، وإن أتت به على نعت كذا وكذا فما أراه إلا من شريك بن السحماء، ولو
كان الولد قد انفصل لما قال " إن أتت به " فثبت أنه كان حملا لم ينفصل، وروي
في آخر الخبر " وفرق رسول الله صلى الله عليه وآله بين المتلاعنين وقضى أن لا
يدعى الولد لأب ".
مسألة 18: إذا قذف زوجته بأن رجلا أصابها في دبرها حراما لزمه الحد
بذلك وله إسقاطه باللعان، وإذا قذف أجنبية أو أجنبيا بالفاحشة في هذا
الموضوع لزمه الحد وله إسقاطه بالبينة، فلا فرق بين الرمي بالفاحشة في هذا
الموضوع وبين الرمي في الفرج، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: لا يجب الحد بالرمي بالإصابة في هذا الموضع بناه على
أصله في أن الحد لا يجب بهذا الفعل.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا قوله تعالى: والذين يرمون
أزواجهم، وقوله تعالى: والذين يرمون المحصنات، ولم يفصل، ولأنا ندل فيما
بعد على أن هذا الفعل يوجب الحد، وكل من أوجب الحد به أوجب الحد
بالقذف فيه.
مسألة 19: إذا قذف زوجته وأمها بأن قال: يا زانية بنت الزانية، لزمه لكل
واحدة منهما الحد وله الخروج عن حد الأم بالبينة، وعن حد البنت بالبينة
95

واللعان ولا يدخل حق إحديهما في حق الأخرى، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: يجب عليه الحد للأم واللعان للبنت، فإن لاعن البنت لم
يسقط حق الأم بل لها المطالبة، فإن حقق القذف بالبينة وإلا حد، وإن حد للأم
حكى الطحاوي عن أبي حنيفة أنه قال: يلاعن البنت، وقال الرازي: هذا لا يجئ
على مذهب أبي حنيفة لأن عنده أن المحدود في القذف لا يلاعن، وهو صحيح
على ما قاله الرازي، مذهبهم أنه لا يلاعن البنت بناء على أصله في أن المحدود في
القذف لا تقبل شهادته، ومن لا تقبل شهادته لا لعان له، وقد مضى الكلام عليه في
هذا الأصل وبينا أن اللعان ليس بشهادة بل هو يمين.
مسألة 20: إذا نكح رجل امرأة نكاحا فاسدا وقذفها فإنه إن لم يكن هناك
نسب لزمه الحد وليس له إسقاطه باللعان بلا خلاف، وإن كان هناك نسب لم
يكن له أن ينفيه باللعان، وبه قال أبو حنيفة، وقال الشافعي: له أن يلاعن ويسقط
الحد.
دليلنا: قوله تعالى: والذين يرمون المحصنات... الآية، وقوله عز وجل:
والذين يرمون أزواجهم، فأوجب اللعان لمن رمى زوجته وهذه ليست زوجته.
مسألة 21: يغلظ اللعان باللفظ والوقت والموضع والجمع، وبه قال
الشافعي، وقال أبو حنيفة: لا يغلظ بالمكان ولا بالوقت ولا بالجمع.
دليلنا: أن ذلك أردع وأخوف وقد قال الله تعالى: وليشهد عذابهما طائفة
من المؤمنين.
مسألة 22: ألفاظ اللعان معتبرة فإن نقص شيئا منها لم يعتد باللعان، وإن
حكم الحاكم بينهما بالفرقة لم ينفذ الحكم، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: إذا أتى بالأكثر وترك الأقل وحكم الحاكم بينهما بالفرقة
96

نفذ الحكم، وإن لم يحكم به حاكم لم يتعلق به حكم اللعان، ولا يجوز عنده
للحاكم أن يحكم بذلك.
دليلنا: إجماع الفرقة وقوله تعالى: فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله،
ومن نقص منه خالف النص، والخبر أيضا دال عليه لأن النبي صلى الله عليه وآله
كذلك فعل، فمن خالف وجب أن لا يجزئه.
مسألة 23: الترتيب واجب في اللعان بلا خلاف، يبدأ بلعان الرجل ثم
بلعان المرأة، فإن خالف الحاكم ولاعن المرأة أولا وحكم بالتفريق لم يعتد به
ولم تحصل الفرقة، وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة ومالك: ينفذ حكمه ويعتد
به.
دليلنا: أن ما قلناه مجمع عليه وليس على ما قالوه دليل، وأيضا فهو خلاف
الآية فوجب أن لا يجزئه، وأيضا قوله تعالى: ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع
شهادات، فأخبر أنها تدرأ عن نفسها العذاب بلعانها، والمراد بالعذاب عندنا الحد،
وعند أبي حنيفة الحبس، وكل واحد منهما إنما يثبت بعد لعان الزوج.
في عدم دخول الكفار في مطلق المساجد مطلقا
مسألة 24: لا يجوز دخول الكفار المساجد، لا بإذن ولا بغير إذن أي
مسجد كان، وبه قال مالك.
وقال الشافعي: يجوز دخول الكفار سائر المساجد بالإذن إلا المسجد
الحرام والحرم ومساجد الحرم فإنه لا يجوز دخولهم شيئا منها بحال.
وقال أبو حنيفة: يجوز لهم دخول سائر المساجد الحرم وغيرها.
دليلنا: قوله تعالى: إنما المشركون نجس، فحكم عليهم بالنجاسة، وإذا
ثبتت نجاستهم فلا يجوز دخولهم شيئا من المساجد لأن النجاسات لا يجوز
إدخالها المساجد بلا خلاف.
97

مسألة 25: إذا لاعن الزوج تعلق بلعانه سقوط الحد عنه وانتفى النسب
وزال الفراش وحرمت المرأة على التأبيد، ويجب على المرأة الحد، ولعان المرأة لا
يتعلق به أكثر من سقوط حد الزنى عنها، وحكم الحاكم لا تأثير له في إيجاب شئ
من هذه الأحكام فإذا حكم بالفرقة فإنما تنفذ الفرقة التي كانت وقعت بلعان
الزوج لا أنه يبتدئ إيقاع فرقة، وبه قال الشافعي.
وذهبت طائفة إلى أن هذه الأحكام تتعلق بلعان الزوجين معا فما لم يوجد
اللعان بينهما لم يثبت شئ منها، ذهب إليه مالك وأحمد وداود، وهو الذي
يقتضيه مذهبنا.
وذهب أبو حنيفة إلى أن أحكام اللعان تتعلق بلعان الزوجين وحكم الحاكم،
فما لم يوجد حكم الحاكم لا ينتفي النسب، ولا يزول الفراش حتى أن الزوج إن
طلقها بعد اللعان نفذ طلاقه ولكن لعان الزوج يوجب زوال الفراش ويلزم
الزوج إيقاع الفرقة، فإن أراد الزوجان أن يتقارا على الزوجية وتراضيا بذلك لم
يجز ووجب على الحاكم إيقاع الفرقة بينهما.
فالذي يتعلق باللعان، على قول أبي حنيفة حكمان: انتفاء النسب، وزوال
الفراش، ويتعلق هذان الحكمان بلعانهما وحكم الحاكم، وأما الحد فإنه لا يجب
عنده على الزوج بالقذف حتى يسقطه باللعان، والتحريم على التأبيد لا يثبت فإن
الزوج متى أكذب نفسه حلت له الزوجة.
وذهب عثمان البتي إلى أن اللعان إنما ينفي النسب فحسب، وأما الزوجية
فإنها لا تزول ولا يتعلق به تحريم بل يكونان على الزوجية كما كانا.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم فإنها دالة على ما قلناه.
وروى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله قال: المتلاعنان لا يجتمعان أبدا.
مسألة 26: فرقة اللعان على مذهبنا فسخ وليس بطلاق، وبه قال الشافعي،
98

وقال أبو حنيفة: هي طلقة بائنة.
فعلى قولنا يتعلق به تحريم مؤبد ولا يرتفع بحال، وعلى قول أبي حنيفة
يحرم العقد في الحال فإذا أكذب نفسه أو جلد في حد زال التحريم.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وروى ابن عباس أن النبي
صلى الله عليه وآله قال: المتلاعنان لا يجتمعان أبدا.
مسألة 27: إذا أخل بترتيب الشهادة فأتى بلفظ اللعن في خلال الشهادات
أو قبلها لم يصح ذلك رجلا كان أو امرأة، وللشافعي فيه وجهان: أحدهما مثل
ما قلناه، والآخر يجزئ، والأول أصح عندهم.
دليلنا: أن ما قلناه مجمع على إجزائه وليس على ما قالوه دليل، وأيضا
قوله: والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، فشرط أن يأتي باللعن في
الخامسة، فإذا أتى به قبل ذلك لا يعتد به.
مسألة 28: إذا أتى بدل لفظ الشهادة بلفظ اليمين فقال: أحلف بالله أو أقسم
بالله أولى بالله، لم يجزئه.
وللشافعي فيه وجهان: أحدهما مثل ما قلناه، والآخر أنه يجزئ لأنه يمين
فما كان يمينا قام مقامه.
دليلنا: أن ما قلناه مجمع عليه، ولأنه موافق للنص، وما قالوه ليس عليه
دليل.
مسألة 29: إذا قذف زوجته برجل بعينه وجب عليه حدان، حق للزوجة
وحق للأجنبي، فإذا لاعن سقط حق الزوجة ولم يسقط حق الأجنبي، وبه قال
أبو حنيفة، وقال الشافعي: يسقط باللعان الحدان معا.
دليلنا: أن حق الأجنبي ثابت بالقذف إجماعا، وإسقاطه باللعان يحتاج إلى
دليل.
99

مسألة 30: إذا حد للأجنبي كان له أن يلاعن في حق الزوجة ولم يسقط
عندنا وعند الشافعي، وقال أبو حنيفة: لا يلاعن لأن المحدود في القذف عنده لا
يلاعن.
دليلنا: الآية وعمومها لأنه لم يفرق بين من حد ومن لم يحد لأنه قال:
والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع
شهادات بالله أنه لمن الصادقين.
مسألة 31: إذا أكذب الزوج نفسه بعد اللعان أقيم عليه الحد وألحق به
النسب يرثه الابن ولا يرثه الأب ولا يزول التحريم ولا يعود الفراش، وبه قال
الشافعي إلا أنه قال: يعود النسب مطلقا، وبه قال الزهري والأوزاعي والثوري
ومالك وأبو يوسف وأحمد وإسحاق.
وذهب أبو حنيفة ومحمد إلى أن التحريم يزول فيحل له التزويج بالمرأة،
وهكذا عنده الزوج إذا حلف في قذف فإن التحريم يزول، وبه قال سعيد بن
المسيب.
وذهب سعيد بن جبير إلى أنها تعود زوجة له كما كانت.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وروى سهل بن سعد الساعدي أن النبي
صلى الله عليه وآله قال: المتلاعنان لا يجتمعان أبدا.
مسألة 32: إذا اعترفت المرأة بالزنى قبل الشروع في اللعان سقط عن
الزوج حد القذف عندنا وعند الشافعي، وإن أقرت أربع دفعات وجب عليها حد
الزنى.
ولم يعتبر الشافعي العدد فإن لم يكن هناك نسب لم يكن للزوج أن
يلاعن عندنا وعنده على الصحيح من المذهب، لأن اللعان يكون لإسقاط الحد أو
نفي النسب وليس هاهنا نسب، وإن كان هناك نسب كان له أن يلاعن لنفيه
100

عندنا وعنده على الصحيح لأن النسب لم ينتف باعترافها بالزنى بل هو لاحق به
بالفراش فاحتاج في نفيه إلى اللعان.
وخالف أبو حنيفة في ثلاثة أحكام فقال: إذا اعترفت المرأة بالزنى لم يتعلق
باعترافها سقوط الحد، لأن عنده أن الحد لم يجب على الزوج بقذفه حتى يسقط،
وإنما وجب عليه اللعان ويسقط ذلك باعترافها، وأما حد الزنى فلا يجب عليها
باعترافها لأن عنده أن حد الزنى لا يجب بإقرارها دفعة واحدة كما قلناه، واللعان
لنفي النسب لا يجب أيضا لأن عنده أن اللعان لا يجوز على نفي النسب المجرد،
ولهذا لا يجيزه بعد وقوع الفرقة بين المرأة والزوج، وإنما يجوز على نفي الفراش
ثم يتبعه انتفاء النسب، واللعان هاهنا منفرد بنفي النسب فلم يكن ذلك للزوج.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، ويدل على أن للزوج اللعان لنفي النسب
قوله تعالى: والذين يرمون أزواجهم... الآية، ولم يفصل بين أن تعترف المرأة
بالزنى أو تنكره.
مسألة 33: إذا ماتت المرأة قبل حصول اللعان كان له أن يلاعن وليها،
فإذا فعل ذلك لم يرثها، وإن لم يلاعن ورثها، وكان عليه الحد.
وقال الشافعي: إذا ماتت قبل اللعان ماتت على حكم الزوجية وورثها،
والحد واجب لورثتها وله إسقاطه باللعان.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 34: إذا قذف زوجته وهي حامل بنفي النسب، فإن لاعن ونفى
النسب انتفى عنه، وإن أخر ذلك إلى أن تضع الولد لم يبطل حقه من النفي، فإذا
وضعته كان له أن يلاعن في الحال، فإن لاعن وإلا بطل حقه من اللعان ولحق به
النسب، وبهذا قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: ليس له أن يلاعن ما دامت حاملا فإن وضعت فحقه من
101

اللعان يثبت على الفور فإن أخره بطل، وبه قال محمد بن الحسن قالا: إنا استحسنا
جواز تأخير ذلك يوما أو يومين، وقال أبو يوسف: له أن يلاعن مدة النفاس
أربعين يوما لا أكثر منه، وقال عطاء ومجاهد: له أن يلاعن أبدا، وهو الذي يقتضيه
مذهبنا.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم على أن له أن يلاعن، وإبطال ذلك
وتخصيصها بوقت دون وقت يحتاج إلى دليل، وأيضا قوله تعالى: والذين يرمون
أزواجهم... الآية، ولم يخصص.
مسألة 35: إذا انتفى من ولد زوجة له ولم يقذفها بل قال: وطئك رجل
مكرها فلست بزانية والولد منه، وجب عليه اللعان.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما وهو الأصح عندهم مثل ما قلناه، والثاني ليس
له أن يلاعن لقول النبي صلى الله عليه وآله: الولد للفراش، ولقوله تعالى: والذين
يرمون أزواجهم، وهذا ما رمى.
دليلنا: ظواهر عموم الأخبار التي وردت في الانتفاء من الولد، وأنه يوجب
اللعان.
مسألة 36: إذا أقر الرجل بولده بعد اللعان فقال له أجنبي: لست بابن
فلان، فإنه يكون قاذفا يجب عليه الحد، وإن قال له الأب ذلك لم يجب عليه
الحد.
وللشافعي فيه قولان، ولأصحابه ثلاث طرق:
أحدها: مثل ما قلناه.
والآخر: أن المسألتين على قولين: أحدهما يكون قاذفا فيهما، والثاني لا
يكون قاذفا.
والثالث: أنه على اختلاف الحالين: الأول إن قال الأجنبي أو الأب ذلك
102

بعد استقرار نسبه بإقراره يكون قاذفا، والثاني أن يكون ذلك قبل استقرار نسبه
بأن يقول ذلك عقيب الولادة قبل الإقرار والنفي فإنه لا يكون قاذفا.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم ولأن بعد إقراره ثبت نسبه شرعا، فمن
أخرجه منه يكون قاذفا.
مسألة 37: إذا أتت المرأة بولدين توأمين ونفاهما الزوج باللعان فإن إرث
أحدهما من الآخر يكون من جهة الأم، ولا يتوارثان بالأب.
وعلى مذهب الشافعي يتوارثان من جهة الأم كما قلناه، وهل يتوارثان
بالأب؟ على وجهين: أحدهما يتوارثان لأن اللعان إنما يؤثر في حق الزوج
والزوجة ولا يتعداهما، والآخر - وهو الأصح عندهم - أنهما لا يتوارثان به.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا نسبهما من جهة الأب منتف بلا
خلاف فكيف يصح أن يرثاه؟
مسألة 38: إذا أبانها باللعان وفرق بينهما لم يجب لها السكنى، وقال
الشافعي: يجب لها السكنى.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم في أن من بانت وانقطعت العصمة بينهما لا
تستحق النفقة والسكنى، ولأن الأصل براءة الذمة.
مسألة 39: إذا أتت المرأة بولدين توأمين فمات أحدهما وبقى الآخر فللأب
أن ينفي نسب الحي والميت معا، وكذلك إن كان الولد واحدا فمات كان له نفيه
باللعان، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: لا يجوز نفي نسب الميت فإذا لم يصح نفي نسب الميت لم
يصح نفي نسب الحي لأنهما حمل واحد.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم على أن له أن ينفي الولد ولم يفصلوا بين
103

الواحد والاثنين وبين أن يكون حيا أو ميتا.
مسألة 40: إذا أتت المرأة الرجل بولد فنفاه باللعان ثم مات الولد فرجع
الزوج فأقر بنسبه، فإنه لا يلحقه ولا يرثه الأب سواء خلف الولد ولدا أو لم
يخلف، ولو أقر به ثم مات الأب قبل الابن ورثه الابن.
وقال الشافعي: يرثه على كل حال ويلحق به.
وقال أبو حنيفة: إن كان الولد خلف ولدا لحقه نسبه ونسب والد الولد
وثبت الإرث بينهما، وإن لم يكن خلف ولدا لم يلحقه النسب سواء مات موسرا أو
معسرا، ولا خلاف بينهم أنه لو أقر به قبل موته لحقه وثبت النسب وتوارثا.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا فإن نسبه منقطع باللعان بلا
خلاف، وإعادته تحتاج إلى دليل.
مسألة 41: إذا قال رجل لامرأته: يا زان - بلا هاء التأنيث -، كان قاذفا لها
عند جميع الفقهاء إلا داود، وإن قالت المرأة للرجل: يا زانية، كانت قاذفة عند
محمد والشافعي، وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: ليس ذلك بقذف ولا حد فيه.
والذي يقتضيه مذهبنا أن نقول: إن علم من قصدهما القذف كانا قاذفين،
وإن لم يعلم رجع إليهما في ذلك.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، وإيجاب حكم القذف عليهما يحتاج إلى
دليل.
مسألة 42: إذا قال رجل لرجل: زنأت في الجبل، فظاهر هذا أنه أراد
" صعدت في الجبل " ولا يكون صريحا في القذف بل يحمل على الصعود، فإن
ادعى عليه القذف كان القول قوله مع يمينه، فإن نكل ردت على المقذوف فإن
حلف حد، وبه قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد، وقال أبو حنيفة: هو قذف
104

بظاهره يجب به الحد.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، وشغلها يحتاج إلى دليل.
وأيضا قوله: زنأت في الجبل، حقيقة في الصعود فأما الرمي بالزنى فإنما يقال
فيه زنيت ولا يقال زنأت، ألا ترى أن القائل يقول " زنأت أزنؤ زناء " يعني
صعدت و " زنيت أزنى زناء " وزناء بالمد والقصر لغتان يعني فعلت الزنى،
فإحدى الصيغتين تخالف الأخرى، وقال الشاعر - وهي امرأة -:
أشبه أبا أمك أو أشبه عمل ولا تكونن كهلوف وكل
يصيح في مضجعة قد انجدل وارق إلى الخيرات زنا في الجبل
وأيضا لو كانت هذه اللفظة تحتمل لوجب أن لا تحمل على القذف
بالمحتمل لأن الحدود موضوعة على أنها تدرأ بالشبهات.
مسألة 43: إذا قذفها بالزنى فأقيم عليه الحد ثم قذفها بذلك الزنى، لم يكن
قذفا بلا خلاف ولا يجب عليه حد القذف، فإن قذفها بزنى آخر وجب عليه حد
القذف، وللشافعي فيه وجهان: أحدهما مثل ما قلناه، والثاني لا حد عليه.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وقوله تعالى: والذين يرمون
المحصنات... الآية.
مسألة 44: إذا قذفها قبل إقامة الحد ثم أعاد قذفها به أولا فإن عليه حدا
واحدا، وإن قذفها قذفا مجددا كان عليه حد واحد أيضا، وبه قال الشافعي في
القديم والجديد إلا أنه قال في القديم: ولو قيل أن عليه حدين كان مذهبا،
فالمسألة قولين أصحهما مثل ما قلناه.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، وأيضا قوله تعالى: والذين يرمون
المحصنات، إلى قوله: فاجلدوهم ثمانين جلدة، ولم يفرق بين أن يكون دفعة أو
دفعتين.
105

مسألة 45: إذا قذف امرأة أجنبية ثم تزوجها وقذفها بعد التزويج ولم يقم
البينة على القذف الأول والثاني ولا لاعن عن الثاني وطالبت المرأة بالقذفين بدأت
فطالبت بالثاني ثم بالأول وجب عليه الحدان، وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل
ما قلناه، والثاني أنهما يتداخلان.
دليلنا: أنه قد ثبت عليه الحدان، وتداخلهما يحتاج إلى دليل.
مسألة 46: إذا قذف زوجته فقبل أن يلاعنها قذفها قذفا آخر، وجب عليه
حد واحد.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه، والثاني أنه يجب عليه حدان، ولا
خلاف أن له إسقاطهما باللعان الواحد.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا الأصل براءة الذمة وأيضا قوله
تعالى: والذين يرمون المحصنات... الآية، ولم يفرق بين دفعة ودفعتين فيجب أن
يتعلق وجوب الحد بوجوب الرمي دفعة كانت أو دفعتين.
مسألة 47: إذا قذف زوجته ولاعنها وبانت باللعان ثم قذفها بزنى أضافه إلى
ما قبل اللعان فعليه الحد بهذا القذف، وللشافعي فيه وجهان: أحدهما مثل ما
قلناه، والثاني لا حد عليه لأن حصانتها تسقط باللعان.
دليلنا: قوله تعالى: والذين يرمون المحصنات... الآية، فمن أسقط ذلك
فعليه الدلالة.
مسألة 48: إذا قذف الرجل زوجته بالزنى فقال لها: يا زانية، فقالت: بل
أنت يا زاني، سقط عنهما الحد ووجب التعزير على كل واحد منهما.
وقال الشافعي: يجب على كل واحد منهما الحد، وللزوج إسقاطه باللعان
أو البينة، وللمرأة إسقاط حد القذف بالبينة، وإسقاط حد الزنى إن لاعن الزوج
106

باللعان، وإن أقام البينة فليس لها إسقاطه.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم في أن نفسين إذا تقاذفا سقط عنهما الحد.
وعزرا، وهي عامة، وأيضا الأصل براءة الذمة.
مسألة 49: إذا قذف زوجته وأجنبية فقال: زنيتما وأنتما زانيان، فهو قاذف
لهما، ويجب عليه حدان وله إسقاط حد زوجته بالبينة أو باللعان، وإسقاط حد
الأجنبية بالبينة لا غير، وبه قال الشافعي إلا أنه قال: إذا لم يقم البينة أو يلاعن في
حق الزوجة هل يجب عليه حد أو حدان؟ فيه قولان: أحدهما وهو الأظهر مثل ما
قلناه، والآخر حد واحد.
دليلنا: قوله تعالى: والذين يرمون المحصنات، وذلك عام في حق كل
واحدة من النساء بلا خلاف.
مسألة 50: إذا قذف الرجل أربع نسوة أجنبيات بكلمة واحدة أو قذف
أربعة رجال أجانب أو قذف أربع نسوة فالحكم في الجميع واحد، وهل يجب
عليه حد واحد للجميع أو يجب عليه حد كامل لكل واحدة من المقذوفات؟
عندنا أنهم إن جاؤوا به متفرقين كان لكل واحد منهم حد كامل، وإن
جاؤوا به مجتمعين كان عليه لجميعهم حد واحد.
وللشافعي فيه قولان: قال في الجديد: عليه لكل واحد حد كامل، وهو
الأصح، وقال في القديم: يجب لجميعهم حد واحد.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا قوله تعالى: والذين يرمون
المحصنات، والمراد به كل واحد من الرامين والمحصنات فأوجب الحد لكل
واحدة منهن فمن ادعى تداخله فعليه الدلالة، فأما إذا جاؤوا به مجتمعين فإنا أوجبنا
عليه حدا واحدا لإجماع الفرقة عليه.
107

مسألة 51: إذا قذف زوجته وهي حامل فله أن يلاعنها وينفي نسب الولد
سواء كان جامعها في الطهر الذي قذفها فيه بالزنى أو لم يجامعها وسواء جامعها
قبل القذف أو بعده، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه والشافعي وعطاء.
وذهب مالك إلى أنه إن أضاف الزنى إلى طهر لم يجامعها فيه كان له أن
يلاعن وينفي النسب، وإن أضافه إلى طهر جامعها فيه لم يكن له أن يلاعن لنفي
النسب لكن يلاعن لإسقاط الحد.
دليلنا: إجماع الفرقة على أن له أن يلاعن ولم يفصلوا، وقوله تعالى:
والذين يرمون أزواجهم... الآية، ولم يفصل.
مسألة 52: إذا قذف أجنبيا أو أجنبية أو زوجة وكان المقذوف محصنا
فلزمه الحد فقبل أن يقيم عليه الحد ثبت أن المقذوف زنى إما ببينة أو بإقراره، فإن
الحد لا يسقط عن القاذف، وبه قال المزني وأبو ثور.
وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي وعامة الفقهاء: أنه يسقط الحد عن القاذف
ووجب على المقذوف حد الزنى.
دليلنا: أنه ثبت وجوب الحد عليه بالإجماع، وإسقاطه يحتاج إلى دليل،
وأيضا قوله تعالى: والذين يرمون المحصنات، والاعتبار بوجود الإحصان حال
القذف، وقد وجد ذلك وما تجدد من الزنى لم يرفع الإحصان الذي كان
موجودا حال القذف فلم يسقط به الحد.
مسألة 53: إذا قذف زوجته بالزنى ولم يلاعن فحد ثم قذفها ثانيا بذلك
الزنى فإنه يجب عليه الحد ثانيا وإن قذفها ولاعنها ثم عاد فقذفها ثانيا بذلك الزنى
فلا حد عليه.
وقال الشافعي: لا حد عليه في الموضعين لأنه في الأول محكوم بكذبه، وفي
الثاني محكوم بصدقه، والقذف يكون بما يحتمل الصدق والكذب.
108

دليلنا: قوله تعالى: والذين يرمون المحصنات... الآية، ولم يفرق بين أن
يكون قد حد أو لم يحد، وعليه إجماع الفرقة وأخبارهم تدل عليه.
مسألة 54: إذا قذفها ولاعنها فامتنعت من اللعان فحدت ثم قذفها أجنبي
بذلك الزنى لم يجب عليه الحد، وبه قال أبو إسحاق، وقال أبو العباس بن سريج:
يجب عليه الحد.
دليلنا: قوله تعالى: والذين يرمون المحصنات، وهذا ما رمى محصنة لأن
اللعان وإقامة الحد عليها يسقط حصانتها.
مسألة 55: لا خلاف أن الكفالة في حدود الله لا تصح مثل حد الزنى
وشرب الخمر وقطع الطرق، وكفالة من عليه مال تصح عندنا، وكفالة من عليه
حد القذف لا تصح، وللشافعي في كل واحد منهما قولان.
دليلنا: إجماع الفرقة على أن كفالة من عليه حد لا تصح ولم يفصلوا، ولا
خلاف بينهم أن كفالة من عليه مال تصح وهو أحد قولي الشافعي.
مسألة 56: إذا قال: زنت يدك أو رجلك، لا يكون قاذفا صريحا، وبه
قال أبو حنيفة، وأصح قولي الشافعي، والقول الآخر نقله المزني أنه صريح.
دليلنا: أن إثبات القذف يحتاج إلى دليل شرعي، ولا دليل فيه على أن
هذه الألفاظ صريحة في القذف، والأصل براءة الذمة.
مسألة 57: إذا قال: زنى بدنك، كان صريحا في القذف، وبه قال
أبو حنيفة وأصحابه والشافعي والمزني وأبو العباس، وقال في القديم: لا يكون
قاذفا.
دليلنا: أنه صريح بالزنى وأضافه إلى بدنها الذي هو جملته فيجب أن يكون
109

قذفا.
مسألة 58: كنايات القذف مثل قوله: " يا حلال بن الحلال أو ما أمي زانية
أو لست بزان " لا تكون قذفا بظاهرها إلا أن ينوي بذلك القذف سواء كان
ذلك حال الغضب أو حال الرضا، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابه
والثوري.
وقال مالك: إن كان ذلك حال الرضا لم يكن قذفا، وإن كان حال
الغضب كان قذفا.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، وإثبات ألفاظ القذف وكناياته وما يكون به
قاذفا يحتاج إلى دليل.
وروي أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا رسول الله إن امرأتي لا
تكف يد لامس، فقال: طلقها، فقال: إني أحبها، فقال: أمسكها، فوجه الدلالة أنه
عرض بزوجته ونسبها إلى الفجور، وأنها لا ترد من يطلب الفجور فلم يجعله النبي
صلى الله عليه وآله قاذفا.
مسألة 59: إذا أشهد الزوج ابتداء من غير أن يتقدم منه القذف مع ثلاثة على
المرأة بالزنى قبلت شهادتهم ووجب على المرأة الحد، وهو الظاهر من أحاديث
أصحابنا، وبه قال أبو حنيفة.
وقد روي أيضا أن الثلاثة يحدون ويلاعن الزوج.
وقال الشافعي: لا تقبل شهادة الزوج، والثلاثة الأخر هل يحدون أم لا؟
على قولين.
وأما الزوج فقال أبو إسحاق: يكون قاذفا وعليه الحد قولا واحدا، وذكر أنه
قول الشافعي.
وقال ابن أبي هريرة: حكمه حكم الشهود إن قلنا يجب عليهم الحد وجب
110

عليه، وإن قلنا لا حد عليهم لا حد عليه.
دليلنا على ذلك: أحاديث أصحابنا التي ذكرناها، وأيضا قوله تعالى:
واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم، ولم يفرق بين
أن يكون الزوج واحدا منهم أو لم يكن، وقوله تعالى: والذين يرمون أزواجهم
ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم، وهذا قد أتى بالشهداء، وقوله تعالى: والذين
يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدهم ثمانين جلدة، وهذا قد أتى
بأربعة شهداء.
مسألة 60: إذا انتفى من نسب حمل بزوجته جاز له أن يلاعن في الحال
قبل الوضع.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه، والثاني وهو اختيار أبي إسحاق
أنه لا يلاعن إلا بعد الوضع، وهو أصحهما عندهم، وبه قال أبو حنيفة.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، والآية أيضا تدل عليه لأنه لم يستثن فيها
الحامل ولم يفرق.
مسألة 61: إذا قذف زوجته وادعى أنها أقرت بالزنى وأقام شاهدين على
إقرارها لم يثبت إقرارها إلا بأربعة شهود.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه، والثاني - وهو أصحهما عندهم -
أنه يثبت بشاهدين.
دليلنا: أن ما اعتبرناه مجمع على ثبوت الإقرار به، وما ذكروه ليس عليه
دليل، ولأن الأصل براءة الذمة، ولا يجوز إيجاب الزنى عليها إلا بدليل.
مسألة 62: إذا قذف امرأة وادعى أنها كانت أمة أو مشركة حال القذف
وقالت: ما كنت قط إلا مسلمة حرة، فالقول قوله مع يمينه، وللشافعي فيه قولان:
111

أحدهما مثل ما قلناه، والثاني أن القول قولها.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة والدار تجمع المسلمين والمشركين والعبيد
والأحرار فلا ظاهر يحكم به ولا يعلق على الذمة إلا ما دل عليه الدليل، ولو قلنا أن
الظاهر في دار الإسلام والأصل فيه الإسلام، وحكمنا بأن القول قولها مع يمينها
لكان قويا.
مسألة 63: إذا قذف امرأة فطالبته بالحد، فقال: لي بينة غائبة أمهلوني حتى
تحضر، لا يمهل فيه ويقام عليه الحد، وقال الشافعي: يؤجل يوما أو يومين، وقال
أصحابه: يؤجل ثلاثة أيام.
دليلنا: إن الحد قد وجب لها، ووجوب التأجيل يحتاج إلى دليل.
وأيضا روى أصحابنا أنه إذا حضر الشهود على الزنى وقالوا: الآن يجئ
الباقون، لم يمهلوا وأقيم عليهم الحد، قالوا: لأنه ليس في إقامة الحد تأخير.
في أن الشهادة على الشهادة لا تقبل في شئ من الحدود
مسألة 64: لا يثبت حد القذف بشهادة على شهادة ولا بكتاب قاض إلى
قاض، وبه قال أبو حنيفة، وقال الشافعي: يثبت بهما.
دليلنا: إجماع الفرقة على أن الشهادة على الشهادة لا تقبل في شئ من
الحدود فأما كتاب قاض إلى قاض فإنه لا يقبل في شئ من الأحكام عندنا،
وأيضا فإن الحكم بهما يحتاج إلى شرع ولا شرع يدل على ذلك.
مسألة 65: التوكيل في استيفاء حدود الآدميين مع حضور من له الحد
يجوز بلا خلاف، فأما مع غيبته فإنه يجوز أيضا عندنا، ولأصحاب الشافعي فيه
ثلاث طرق: منهم من قال المسألة على قولين: أحدهما يجوز والآخر لا يجوز،
والثاني أنه يجوز التوكيل قولا واحدا، والثالث أنه لا يجوز قولا واحدا.
112

دليلنا: الأصل جواز ذلك، والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 66: إذا ولد له ولد وهنئ به فقال له المهنئ: بارك الله لك في
مولودك جعله الله خلفا لك، فقال: آمين أو أجاب الله دعائك، فإنه يكون
ذلك إقرارا يبطل به النفي، وإن قال في الجواب: بارك الله عليك أو أحسن الله
جزاءك لم يبطل النفي عند الشافعي، وهو الذي يقوى عندي، وقال أبو حنيفة:
يبطل فيهما.
دليلنا: أن ذلك محتمل للرضا بالولد، ويحتمل المقابلة والمكافاة للدعاء
بالدعاء من غير رضا بالولد، ويخالف المسألة الأولى لأن الدعاء فيها كان بالولد
فإجابته على الدعاء به رضا بالولد، وهاهنا يكون اقتداء بقوله تعالى: وإذا حييتم
بتحية فحيوا بأحسن... الآية.
مسألة 67: الظاهر من روايات أصحابنا أن الأمة لا تصير فراشا بالوطئ ولا
يلحق به الولد إلزاما بل الأمر إليه إن شاء أقر به، وإن لم يشأ لم يقر به.
وقال الشافعي: إذا وطئها ثم جاءت بعد ذلك بولد لوقت يمكن أن يكون
منه بأن يمضى عليه ستة أشهر فصاعدا لزمه الولد فإنها تصير فراشا بالوطئ، لكن
متى ما ملك الرجل أمة ووطئها سنين ثم جاءت بولد فإنه يكون مملوكا له لا
يثبت نسبه منه إلا بعد أن يقر بالولد فيقول: هذا الولد مني، فحينئذ يصير ولده
باعترافه، فإذا اعترف بالولد ولحقه نسبه صارت الأمة فراشا له، فإذا أتت بعد
ذلك بولد لحقه.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا الأصل عدم النسب وفقد الفراش،
وإثبات ذلك يحتاج إلى دليل.
مسألة 68: لا خلاف بين المحصلين أنه لا يثبت اللعان بين الرجل وبين
113

أمته ولا ينفي ولدها باللعان، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه والشافعي ومالك
وغيرهم.
وحكى أحمد بن حنبل عن أبي عبد الله - يعني الشافعي - أنه رأى نفي ولد
الأمة باللعان، وجعل أبو العباس هذا قولا له آخر، ودفع أصحابه هذه الحكاية،
وقالوا: ليس هذا المذهب بل المذهب أنه ينتفي من ولدها بادعاء الاستبراء
واليمين عليه.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا قوله تعالى: والذين يرمون
أزواجهم ولم يكن لهم شهداء... الآية، فأثبت اللعان بين الأزواج دون المماليك،
فمن أثبت بينهم لعانا فقد خالف النص.
مسألة 69: لا يثبت اللعان بين الزوجين قبل الدخول، وخالف جميع
الفقهاء في ذلك.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم إلا أنه إن حصل هناك إمكان وطء
وتمكين منه يثبت بينهما اللعان.
مسألة 70: يعتبر في باب لحوق الأولاد إمكان الوطء ولا يكفي التمكين
فقط وقدرته، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: المعتبر قدرته وتمكينه من الوطء دون إمكان الوطء، وعلى
هذا حكى الشافعي عنه ثلاث مسائل في القديم:
إحداها: إذا نكح رجل امرأة بحضرة القاضي فطلقها في الحال ثلاثا ثم أتت
بولد من حين العقد لستة أشهر فإن الولد يلحقه ولا يمكنه نفيه باللعان.
والثانية: قال: لو تزوج مشرقي بمغربية ثم أتت بولد من حين العقد لستة
أشهر فإنه يلحقه، وإن كان العلم حاصلا أنه لا يمكن وطؤها بعد العقد بحال.
والثالثة: إذا تزوج رجل امرأة ثم غاب عنها وانقطع خبره فقيل لامرأته أنه
114

قد مات، فاعتدت وانقضت عدتها وتزوجت برجل فأولدها أولادا ثم عاد الزوج
الأول، قال: هؤلاء الأولاد كلهم للأول ولا شئ للثاني.
دليلنا: أن العلم حاصل بأن الولد لا يمكن أن يكون منه فلا يجوز إلحاقه
به، ونحن ننفي عنه الولد بوجود اللعان من جهته وإن جوزنا أن يكون منه لغلبة
الظن أن لا يكون منه، فمع العلم بأنه ليس منه أولى.
115

كتاب العدة
مسألة 1: الأظهر من روايات أصحابنا أن التي لم تحض ومثلها لا تحيض
والآيسة من المحيض ومثلها لا تحيض لا عدة عليهما من طلاق وإن كانت
مدخولا بها، وخالف جميع الفقهاء في ذلك وقالوا: يجب عليهما العدة بالشهور،
وبه قال قوم من أصحابنا.
دليلنا: روايات أصحابنا وأخبارهم ذكرناها، وأيضا قوله تعالى: واللائي
يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر، فشرط في إيجاب
العدة ثلاثة أشهر إن ارتابت، والريبة لا تكون إلا في من تحيض مثلها، وأما من لا
تحيض مثلها فلا ريبة عليها.
في أن القرء هل هو الطهر أو الحيض
مسألة 2: الأقراء هي الأطهار، وبه قال عبد الله بن عمر وزيد بن ثابت
وعائشة، وبه قال الفقهاء السبعة، وفي التابعين الزهري وربيعة، وبه قال مالك
وابن أبي ليلى والشافعي وأبو ثور وغيرهم.
وقال قوم: الأقراء هي الحيض، ذهب إليه على ما رووه علي عليه السلام
وعمر وابن مسعود وابن عباس وأبو موسى، وبه قال أهل البصرة الحسن البصري
وعبد الله بن الحسن العنبري، وبه قال الأوزاعي وأهل الكوفة والثوري وابن
117

شبرمة وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وإسحاق.
وحكي عن أحمد أنه قال: الأظهر عندي قول زيد بن ثابت أنها الأطهار،
وروي أنه قال: لا أحسن أن أفتى في هذه المسألة بشئ مع اختلاف الصحابة
فيها.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
وأما القرء فهو يشترك بين الطهر والحيض في اللغة، وفي الناس من قال:
هو عبارة عن جمع الدم بين الحيضتين مأخوذ من " قرأت الماء في الحوض إذا
جمعته "، وفيهم من قال: هو اسم لإقبال ما كان إقباله معتادا وإدبار ما كان إدباره
معتادا، يقال: " أقرأ النجم " إذا طلع لأن طلوعه معتاد " وأقرأ النجم " إذا غاب
لأن غيبوبته معتادة، فسمي الطهر والحيض قرءا لأن غيبتهما معتادة، وإذا كان
ذلك مشتركا رجعنا في البيان إلى الشرع.
وروي أن النبي صلى الله عليه وآله قال لفاطمة بنت أبي حبيش: صلى أيام
أقرائك، يعني أيام طهرك، وروي أنه قال لعبد الله بن عمر حيث طلق امرأته
وهي حائض: هكذا أمرك ربك إنما السنة أن تستقبل بها ثم تطلقها في كل قرء
طلقة - يعني في كل طهر - والمعول على ما قلناه.
مسألة 3: إذا رأت الدم من الحيضة الثالثة فقد انقضت عدتها.
وللشافعي فيه وجهان: أحدهما مثل ما قلناه، والثاني لا تنقضي حتى يمضى
الدم يوما وليلة، وفي أصحابه من قال ذلك على اختلاف الحالين: إن كان لها
عادة فرأت في وقت العادة تنقضي عدتها عند رؤية الدم، وإن كان قبل العادة
حتى يمضى يوم وليلة ليتحقق أنه دم حيض دون دم فساد.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا قوله تعالى: والمطلقات يتربصن
بأنفسهن ثلاثة قروء، وهذه عند رؤية الدم من الثالث قد اعتدت بثلاثة أقراء التي
هي الأطهار.
118

في أقل ما يمكن أن تخرج المرأة من العدة
مسألة 4: أقل ما يمكن أن ينقضي به عدد ذوات الأقراء ستة وعشرون يوما
ولحظتان.
وقال الشافعي: أقل ما يمكن ذلك اثنان وثلاثون يوما ولحظتان.
وقال أبو يوسف ومحمد: أقل ما يمكن أن تنقضي به تسعة وثلاثون يوما لأن
أقل الحيض عنده ثلاثة أيام وأقل الطهر عنده خمسة عشر يوما، والأقراء
الحيض.
وقال أبو حنيفة: أقله ستون يوما ولحظة لأنه يعتبر أكثر الحيض، وأقل الطهر
وأكثر الحيض عنده عشرة أيام، وأقل الطهر خمسة عشر يوما.
دليلنا: ما دللنا عليه من أن الأقراء هي الأطهار، وأن أقل الحيض ثلاثة أيام،
وأقل الطهر عشرة أيام فإذا ثبت ذلك فإذا طلقها قبل حيضها بلحظة ثم حاضت
بعده ثلاثة أيام ثم طهرت عشرة أيام ثم حاضت ثلاثة أيام ثم طهرت عشرة أيام
ثم رأت الدم لحظة، فقد مضى بها ثلاثة أقراء.
مسألة 5: الذي عليه أصحابنا ورواياتهم به أن المطلقة إذا مرت بها ثلاثة
أشهر بيض لا ترى فيها الدم فقد انقضت عدتها بالشهور، فإن رأت الدم قبل
ذلك ثم انقطع دمها صبرت تسعة أشهر ثم تستأنف العدة ثلاثة أشهر، وإن رأت
الدم الثاني قبل ذلك صبرت تمام السنة ثم تعتد بعده بثلاثة أشهر.
وقال الشافعي: إن ارتفع حيضها بعارض من مرض أو رضاع لا تعتد
بالشهور بل تعتد بالأقراء وإن طالت، وقالوا: هذا إجماع.
وإن ارتفع حيضها بغير عارض قال في القديم: تتربص إلى أن تعلم براءة
رحمها ثم تعتد عدة الآيسات، وروي هذا عن عمر بن الخطاب، وبه قال مالك
بن أنس، وقال في الجديد: تصبر أبدا حتى تأيس من الحيض ثم تعتد بالشهور
وهو الصحيح عندهم.
119

قال المزني: رجع الشافعي عن القول القديم إلى الجديد، وروي ذلك عن
ابن مسعود، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه واختاره المزني.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا قوله تعالى: واللائي يئسن من
المحيض من نسائكم إن ارتبتم، وروى أصحابنا أن معنى قوله " إن ارتبتم " يعني
إن شككتم في ارتفاع الدم.
مسألة 6: إذا زوج صبي صغير امرأة فمات عنها لزمها عدة الوفاة أربعة
أشهر وعشرا، سواء كانت حاملا أو حائلا، وسواء ظهر بها الحمل بعد وفاة
الزوج أو كان موجودا حال وفاته، وبه قال مالك بن أنس والشافعي.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: إن ظهر الحمل بعد الوفاة اعتدت بالشهور
- كقولنا - وإن كان موجودا حال الوفاة اعتدت عنه بوضعه.
دليلنا: أن عدة المتوفى عنها زوجها عندنا أبعد الأجلين إذا كانت حاملا من
الشهور أو وضع الحمل فإن وضعت قبل الأربعة أشهر لم تنقض عدتها، وهذا
الفرع يسقط عنا لأنه خلاف من اعتبر في انقضاء عدتها الوضع، وأيضا قوله
تعالى: والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر، ولم
يفصل.
مسألة 7: المعتدة بالأشهر إذا طلقت في آخر الشهر اعتدت بالأهلة بلا
خلاف، وإن طلقت في وسط الشهر سقط اعتبار الهلال في هذا الشهر واحتسبت
بالعدد، فتنظر قدر ما بقي من الشهر وتعتبر بعده هلالين، ثم تتم من الشهر الرابع
ثلاثين وتلفق الساعات والأنصاف، وبه قال الشافعي.
وقال مالك: تلفق الأيام التامة، ولا تلفق الأنصاف والساعات.
وقال أبو حنيفة: تقضى ما فاتها من الشهر، فيحصل الخلاف بيننا وبينه إذا
كان الشهر ناقصا ومضى عشرون يوما، عندنا أنها تحتسب ما بقي وهو تسعة
120

وتضم إليه أحد وعشرين، وعنده تقضى ما مضى وهو عشرون يوما.
وقال أبو محمد ابن بنت الشافعي: إذا مضى بعض الشهر سقط اعتبار الأهلة
في الشهور كلها، وتحتسب جميع العدة بالعدد تسعون يوما.
دليلنا: قوله تعالى: يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج،
وهذا يدل على بطلان قول من اعتبر العدد في الجميع، وأما من اعتبر الهلال في
الأول فقوله قوي لظاهر الآية، لكن اعتبرنا في الشهر الأول والعدد لطريقة
الاحتياط والخروج من العدة باليقين.
مسألة 8: إذا طلقها وهي حامل فولدت توأمين بينهما أقل من ستة أشهر فإن
عدتها لا تنقضي حتى تضع الثاني منهما، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه ومالك
والشافعي وعامة أهل العلم، وقال عكرمة: تنقضي عدتها بوضع الأول، وقد روى
أصحابنا أنها تبين بوضع الأول، غير أنها لا تحل للأزواج حتى تضع الثاني،
والمعتقد الأول.
دليلنا: قوله تعالى: وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن، وهذه ما
وضعت حملها.
مسألة 9: إذا طلقها فاعتدت ثم أتت بولد لأكثر من ستة أشهر من وقت
انقضاء العدة لم يلحقه، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه وأبو العباس بن سريج.
وقال باقي أصحاب الشافعي: إذا أتت به لأقل من أربع سنين وأكثر من ستة
أشهر من وقت الطلاق لحق به.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا فإنا قد دللنا على أن زمان الحمل لا يكون
أكثر من تسعة أشهر، وكل من قال بذلك قال بما قلناه، والفرق بينهما خلاف
الإجماع.
121

مسألة: 10: إذا خلا بها ولم يدخل لم تجب عليها العدة، ولا يجب لها المهر،
على أكثر روايات أصحابنا إن كان هناك ما يعتبر به عدم الوطء بأن تكون
المرأة بكرا فتوجد كهى فلا يحكم به، وإن كانت ثيبا حكم في الظاهر بالإصابة
ولا يحل لها جميع الصداق إلا بالوطئ.
وقال أبو حنيفة: الخلوة كالإصابة على كل حال.
وقال مالك: الخلوة التامة يرجح بها قول مدعي الإصابة من الزوجين، وهي
ما تكون في بيت الرجل، وما لم تكن تامة لا يحكم به وهي ما كانت في بيت
المرأة.
وللشافعي في ذلك قولان، فقال في القديم: للخلوة تأثير، واختلف أصحابه
في معناه فقال بعضهم: أراد به أنها بمنزلة الإصابة مثل قول أبي حنيفة، وقال
بعضهم: أراد بذلك ما قال مالك في أنه يرجح بها قول المدعي للإصابة، وقال
في الجديد: لا تأثير للخلوة لا يرجح بها قول المدعي للإصابة ولا يستقر المهر بها،
وهو المذهب عندهم.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا الأصل براءة الذمة من المهر والعدة وشغلها
يحتاج إلى دليل، وما اعتبرناه مجمع عليه، وما ادعوه ليس عليه دليل.
في عدة من يموت عنها زوجها غائبا وعدة من يطلقها زوجها وهو
غائب
مسألة 11: إذا مات عنها وهو غائب عنها وبلغها الخبر فعليها العدة من يوم
يبلغها، وبه قال علي عليه السلام.
وذهب قوم إلى أن عدتها من يوم مات سواء بلغها بخبر واحد أو متواتر، وبه
قال ابن عباس وابن عمر وابن مسعود وابن الزبير والزهري والثوري ومالك
وأبو حنيفة وأصحابه وعامة الفقهاء والشافعي وغيره.
وقال عمر بن عبد العزيز: إن ثبت ذلك بالبينة فالعدة من حين الموت، وإن
122

لم يثبت بالبينة بل بالخبر والسماع فمن حين الخبر.
دليلنا: إجماع الفرقة وطريقة الاحتياط.
وأما إذا طلقها وهو غائب فإن عدتها من يوم طلقها لا من يوم يبلغها،
والخلاف بين الفقهاء فيها مثل الخلاف في المسألة الأولى.
مسألة 12: الأمة إذا طلقت ولم تكن حاملا عدتها قرءان، وبه قال جميع
الفقهاء وهو المروي عن علي عليه السلام وعمر وابن عمر، وقال داود: عدتها ثلاثة
أقراء.
دليلنا: إجماع الفرقة وأيضا ما اعتبرناه مجمع عليه، وما ذكره ليس عليه
دليل والأصل براءة الذمة.
وروى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله قال: عدة الأمة حيضتان.
مسألة 13: إذا كانت الأمة من ذوات الشهور فعدتها خمسة وأربعون يوما.
وللشافعي فيه ثلاثة أقوال: أحدها مثل ما قلناه، والثاني أن عدتها شهران في
مقابلة حيضتين، والثالث - وهو الصحيح عندهم - أن عدتها ثلاثة أشهر لأن براءة
الرحم لا تعلم بأقل من ذلك.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا فما اعتبرناه مجمع على وجوبه
عليها، والزيادة ليس عليها دليل، والأصل براءة الذمة.
مسألة 14: الأمة إذا طلقت ثم أعتقت وهي في عدتها قبل أن يمضى لها
قرءان، فإن كان الطلاق رجعيا أكملت عدة الحرة، وإن كان بائنا أكملت عدة
الأمة قرءين.
وللشافعي فيه قولان: قال في الجديد: إن كان رجعيا أكملت عدة حرة،
وإن كان بائنا فعلى قولين، وقال في القديم: إن كان بائنا أكملت عدة أمة، وإن
123

كان رجعيا فعلى قولين.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 15: الأمة إذا كانت تحت عبد وطلقها طلقة ثم أعتقت ثبت له عليها
رجعة بلا خلاف، ولها اختيار الفسخ فإن اختارت الفسخ بطل حق الرجعة بلا
خلاف، وعندنا أنها تتم عدة الحرة ثلاثة أقراء، واختلف أصحاب الشافعي فقال
أبو إسحاق مثل ما قلناه، ومن أصحابه من قال فيه قولان: أحدهما تستأنف عدة
الحرة، والآخر أنها تبني، وعلى كم تبنى؟ فيه قولان: أحدهما على عدة الأمة،
والآخر على عدة الحرة.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم على ما تقدم.
مسألة 16: إذا تزوج امرأة ثم خالعها ثم تزوجها وطلقها قبل الدخول بها لا
عدة عليها، وبه قال داود، فلها أن تتزوج في الحال، وقال جميع الفقهاء: عليها
العدة.
دليلنا: قوله تعالى: وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من
عدة، وهذه طلقها قبل المساس.
مسألة 17: إذا طلقها طلقة رجعية ثم راجعها ثم طلقها بعد الدخول بها
فعليها استئناف العدة بلا خلاف، وإن طلقها ثانيا قبل الدخول فعليها استئناف
العدة لأن العدة الأولى قد انقضت بالرجعة.
وقال الشافعي: إن لم يكن دخل بها، على قولين، قال في القديم: تبني، وهو
قول مالك، وقال في الجديد: تستأنف، وهو قول أبي حنيفة واختيار المزني،
وأصح القولين عندهم، فأما إذا خالعها ثم طلقها فإنها تبني على العدة الأولة، قولا
واحدا وهو قول محمد بن الحسن، وعند أبي حنيفة أنها تستأنف العدة، وقال
124

داود: لا تجب عليها عدة أصلا لا تستأنف ولا تبني.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا قوله تعالى: والمطلقات يتربصن
بأنفسهن ثلاثة قروء، ولم يفرق.
مسألة 18: عدة المتوفى عنها زوجها إذا كانت حائلا أربعة أشهر وعشرة
أيام بلا خلاف، والاعتبار بالأيام دون الليالي عندنا، فإذا غربت الشمس من اليوم
العاشر انقضت العدة، وبه قال جميع الفقهاء إلا الأوزاعي فإنه قال: تنقضي العدة
بطلوع الفجر من اليوم العاشر.
دليلنا: ما اعتبرناه مجمع على انقضاء عدتها به، وما ذكروه ليس عليه
دليل، وأيضا فالليالي إذا أطلقت فإنما يراد بها ليالي أيامها، فحمل الكلام على
ذلك هو الواجب.
مسألة 19: عدة المتوفى عنها زوجها إذا كانت حاملا أبعد الأجلين من
وضع الحمل أو الأربعة أشهر وعشرة أيام، وبه قال علي عليه السلام وابن عباس.
وقال جميع الفقهاء أبو حنيفة وأصحابه ومالك والشافعي والأوزاعي والليث
بن سعد: عدتها وضع الحمل، وهو المروي عن عمر وابن مسعود وأبي هريرة.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا إن ما اعتبرناه مجمع على انقضاء العدة به،
وليس على ما ذكروه دليل، وأيضا قوله تعالى: والذين يتوفون منكم، إلى قوله:
وعشرا، ولم يفصل، فإذا وضعت قبل ذلك وجب عليها تمام ذلك بحكم الآية
فإذا ثبت ذلك فتثبت المسألة الأخرى بأنها مجمع عليها، وهو إذا مضت الأربعة
أشهر وعشرة أيام وجب عليها أن تنتظر وضع الحمل، وأيضا فإن أحدا لا يفرق
بين المسألتين، وقوله عز وجل: وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن،
مخصوصة بالمطلقات لأنها وردت عقيب ذكر المطلقات، ولم يجر للمتوفى عنها
زوجها ذكرا.
125

مسألة 20: المتوفى عنها زوجها لا نفقة لها على كل حال حاملا كانت أو
حائلا بلا خلاف، إلا أن أصحابنا رووا أنها إذا كانت حاملا أنفق عليها من نصيب
ولدها الذي في جوفها، ولم يذكر الفقهاء ذلك، وروي عن بعض الصحابة أنه
قال أن لها النفقة ولم يفصل.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا الأصل براءة الذمة.
مسألة 21: المتوفى عنها زوجها تعتد أربعة أشهر وعشرا حاضت فيها ثلاثة
أقراء أو لم تحض، وبه قال أبو حنيفة والشافعي.
وقال مالك: إن كانت عادتها أن تحيض كل خمسة أشهر دفعة فإنها تعتد
بالشهور، ولا يراعى الحيض، وإن كانت عادتها أن تحيض في كل شهر مرة أو
في كل شهرين مرة واحتبس حيضها لم تنقض عدتها بالشهور حتى يستبين
أمرها.
دليلنا: قوله تعالى: والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن
أربعة أشهر وعشرا، ولم يفرق.
مسألة 22: المطلقة البائنة لا تستحق النفقة ولا السكنى عندنا إلا أن تكون
حاملا وبه قال عبد الله بن عباس وجابر، وفي الفقهاء أحمد بن حنبل.
وقال الشافعي: لا تستحق النفقة وتستحق السكنى، وبه قال عبد الله بن عمر
وعبد الله بن مسعود وعائشة، وبه قال الفقهاء السبعة وفقهاء الأمصار بأسرهم
مالك والثوري والأوزاعي والليث بن سعد.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: تستحق النفقة والسكنى معا.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا الأصل براءة الذمة، وشغلها
يحتاج إلى دليل.
126

معنى الفاحشة المجوزة لإخراج المطلقة من بيت زوجها
مسألة 23: الفاحشة التي تحل إخراج المطلقة من بيت زوجها أن تشتم
أهل الرجل تؤذيهم وتبدو عليهم، وبه قال ابن عباس، وإليه ذهب الشافعي.
وقال ابن مسعود: الفاحشة أن تزني فتخرج وتحد ثم ترد إلى موضعها، وبه
قال الحسن البصري.
دليلنا: عموم الآية وإجماع الفرقة، وأيضا فإن النبي صلى الله عليه وآله
أخرج فاطمة بنت قيس لما بدت على بيت أحمائها وشتمتهم فثبت أن الآية واردة
في هذا.
مسألة 24: المتوفى عنها زوجها لا تستحق النفقة بلا خلاف، وعندنا لا
تستحق السكنى أيضا، روي ذلك عن علي بن أبي طالب عليه السلام
وعبد الله بن عباس وعائشة، ومن الفقهاء أبي حنيفة وأصحابه وأحد قولي الشافعي
واختيار المزني.
والقول الآخر إنها تستحق السكنى، وروي ذلك عن عمر بن الخطاب
وعثمان بن عفان وعبد الله بن عمر وعبد الله بن مسعود وأم سلمة، وهو قول مالك
وعامة أهل العلم، وهو أصح القولين عندهم.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا الأصل براءة الذمة وشغلها يحتاج
إلى دليل.
مسألة 25: إذا أحرمت المرأة بالحج ثم طلقها زوجها ووجب عليها العدة
فإن كان الوقت ضيقا بحيث تخاف فوات الحج إن أقامت فإنها تخرج وتقضي
حجها وتعود فتقضي باقي العدة إن بقي عليها وقت، وإن كان الوقت واسعا أو
كانت محرمة بعمرة فإنها تقيم وتقضي عدتها ثم تحج وتعتمر، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: عليها أن تقيم وتعتد ولا يجوز لها الخروج سواء كان الوقت
127

ضيقا أو واسعا.
دليلنا: قوله تعالى: وأتموا الحج والعمرة لله، ولم يفصل.
في الحداد
مسألة 26: المتوفى عنها زوجها عليها الحداد طول العدة، وبه قال جميع
الفقهاء وأهل العلم إلا الشعبي والحسن البصري فإنهما قالا: لا يلزمها الحداد في
جميع العدة، وإنما يلزمها في بعض العدة.
دليلنا: إجماع الفرقة وطريقة الاحتياط، وروي عن علي
عليه السلام أنه قال: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق
ثلاث ليال إلا على الزوج أربعة أشهر وعشرا.
مسألة 27: المطلقة البائن إما بطلاق ثلاث أو خلع أو فسخ لا تجب عليها
الإحداد عندنا.
وللشافعي فيه قولان: قال في القديم: تجب عليها الإحداد، وبه قال سعيد بن
المسيب وأبو حنيفة وأصحابه، وعلق القول في الجديد إلا أن الظاهر منه أنه لم
يوجب الإحداد وإنما استحبه، وبه قال عطاء ومالك.
دليلنا: إجماع الفرقة، ولأن الأصل براءة الذمة، وأيضا فاستعمال الزينة
والطيب الأصل فيه الإباحة، والمنع يحتاج إلى دليل، وقوله تعالى: قل من حرم
زينة الله التي أخرج لعباده، يدل عليه أيضا.
مسألة 28: المتوفى عنها زوجها إذا كانت صغيرة عليها الحداد بلا
خلاف، وينبغي لوليها أن يجنبها ما على الكبيرة اجتنابه من الإحداد، وبه قال
الشافعي، وقال أبو حنيفة: لا حداد عليها.
دليلنا: عموم الخبر وطريقة الاحتياط، وروي أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وآله
128

فقالت: يا رسول الله إن ابنتي توفي زوجها وقد اشتكت عينها أفأكحلها؟
فقال لا، ولم يسأل هل هي صغيرة أم كبيرة، فدل على أن الحكم لا يختلف.
مسألة 29: الذمية إذا كانت تحت مسلم فمات عنها وجب عليها عدة الوفاة
بلا خلاف ويلزمها الحداد عندنا وعند الشافعي، وقال أبو حنيفة: لا حداد عليها.
دليلنا: عموم الأخبار وقول النبي صلى الله عليه وآله: المتوفى عنها زوجها
لا تختضب ولا تكتحل، وهو عام.
مسألة 30: الكافرة إذا كانت تحت كافر فمات عنها وجب عليها العدة
والإحداد معا، وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: لا عدة عليها ولا حداد.
دليلنا: عموم الأخبار وطريقة الاحتياط.
مسألة 31: كل موضع تجتمع على المرأة عدتان فإنهما لا تتداخلان بل
تأتي بكل واحدة منهما على الكمال، وروي ذلك عن علي عليه السلام وعمر
وعمر بن عبد العزيز، وبه قال الشافعي، وذهب مالك وأبو حنيفة وأصحابه إلى
أنهما تتداخلان وتعتد عدة واحدة منهما معا.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا فقد ثبت وجوب العدتين عليها، وتداخلهما
يحتاج إلى دليل.
وروى سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار أن طلحة كانت تحت رشيد
النخعي فطلقها البتة فنكحت في آخر عدتها ففرق عمر بينهما فضربها بالمخففة
ضربات وزوجها ثم قال: أيما رجل يتزوج امرأة في عدتها، فإن لم يكن دخل بها
زوجها الذي تزوجها فرق بينهما وتأتي ببقية عدة الأول ثم تستأنف عدة الثاني لا
تحل له أبدا، وعن علي عليه السلام نحو ذلك، ولا مخالف لهما في الصحابة.
129

مسألة 32: إذا نكحت المعتدة ووطئها الناكح وهما جاهلان بتحريم
الوطء أو كان الواطئ جاهلا والمرأة عالمة فلا حد على الواطئ ويلحقه النسب
وتحرم على التأبيد، وروي ذلك عن عمر، وبه قال مالك والشافعي في القديم،
وقال في الجديد: تحل له بعد انقضاء العدة، وبه قال أهل العراق، ورووه عن
علي عليه السلام، وهكذا حكم كل وطء بشبهة يتعلق به فساد النسب كالرجل
يطأ زوجته غيره بشبهة أو أمته.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وروي ذلك عن عمر ولا مخالف له في
الصحابة.
المرأة المفقود زوجها
مسألة 33: امرأة المفقود الذي لا يعرف خبره ولا يعلم أحي هو أم ميت
تصبر أربع سنين ثم ترفع خبرها إلى السلطان لينفذ من يتعرف خبر زوجها في
الآفاق، فإن عرف له خبر لم يكن لها طريق إلى التزويج، وإن لم يعرف له خبر
أمر وليه أن ينفق عليها فلا طريق لها إلى التزويج، وإن لم يكن له ولي أمرها أن
تعتد عدة المتوفى عنها زوجها، فإذا اعتدت ذلك حلت للأزواج.
وللشافعي فيه قولان:
قال في القديم: تصبر أربع سنين ثم ترفع أمرها إلى الحاكم حتى يفرق
بينهما ثم تعتد للوفاة وتحل للأزواج، وروي ذلك عن عمر وابن عمر وابن عباس
ومالك وأحمد وإسحاق، وظاهر كلام الشافعي يدل على أن مدة التربص تكون
من حين الفقد والغيبة، وأصحابه يقولون: إن ذلك يكون من وقت ما ترفع أمرها
إلى الحاكم ويضرب لها المدة.
وقال في الجديد: إنها تكون على الزوجية أبدا لا تحل للأزواج إلى أن يتيقن
وفاته، وهو أصح القولين عندهم، وروي ذلك عن علي عليه السلام، وبه قال
أبو حنيفة وأصحابه وأهل الكوفة بأسرهم ابن أبي ليلى وابن شبرمة والثوري
130

وغيرهم.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
امرأة المفقود إذا تزوجت ثم جاء زوجها الأول
مسألة 34: امرأة المفقود إذا اعتدت وتزوجت ثم جاء الزوج الأول فإنه لا
سبيل له عليها، وإن لم تكن تزوجت بعد أن خرجت من العدة فهو أولى بها وهي
زوجته، وبه قال قوم من أصحاب الشافعي إذ نصروا قوله في القديم.
والذي عليه عامة أصحابه، وهو قوله على القديم، إذا قال: حكم الحاكم ينفذ
في الظاهر والباطن أنها بانقضاء العدة ملكت نفسها فلا سبيل للزوج عليها، وإن
كانت تزوجت فالثاني أولى بها وهي زوجته، وإذا قال بالقول الجديد أو بالقول
القديم وأن الحكم هو الظاهر فإنها ترد إلى الأول على كل حال.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، ولأن الأصل بقاء الزوجية من الزوج
الثاني، لأنا قد حكمنا بزوال زوجية الأول، وخروجها من العدة والبينونة يحتاج
إلى دليل.
مسألة 35: المدبرة إذا مات عنها سيدها اعتدت أربعة أشهر وعشرة أيام،
وإن أعتقها في حال حياته ثم مات عنها اعتدت ثلاثة أقراء، وبه قال عمرو بن
العاص.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: إن المدبرة لا عدة عليها بموت سيدها ولا استبراء،
وأما أم الولد فإنها تعتد ثلاثة أقراء سواء مات عنها سيدها أو أعتقها في حال حياته
ولا تجب عليها عدة الوفاة، وقال الشافعي: المدبرة وأم الولد والمعتقة في حال
الحياة إذا مات عنها سيدها استبرأت بقرء واحد.
دليلنا: إجماع الفرقة، وطريقة الاحتياط تقتضيه.
131

مسألة 36: الأمة المشتراة والمسبية تعتدان بقرءين، وهما طهران، وروي
حيضة بين الطهرين، والمعنى متقارب، وقال الشافعي: تستبرئان بقرء واحد،
وهل هو طهر أو حيض؟ على قولين.
دليلنا: إجماع الفرقة وطريقة الاحتياط.
مسألة 37: إذا كانت الأمة المسبية أو المشتراة من ذوات الشهور استبرأت
بخمسة وأربعين يوما، وللشافعي فيه قولان: أحدهما تستبرئ بشهر واحد، والثاني
- وهو الأظهر عندهم - تستبرئ بثلاثة أقراء.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 38: أم الولد إذا زوجها سيدها من غيره ثم مات زوجها وجب عليها
أن تعتد أربعة أشهر وعشرة أيام سواء مات سيدها في أثناء تلك العدة أو لم يمت.
وقال الشافعي: عدتها شهران وخمس ليالي فإن مات سيدها في أثناء العدة
فهل تكمل عدة الحرة؟ على قولين.
دليلنا: إجماع الفرقة وطريقة الاحتياط، وأيضا قوله تعالى: والذين يتوفون
منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا، ولم يفصل.
مسألة 39: إذا ملك أمة بابتياع فإن كان وطئها البائع فلا يحل للمشتري
وطؤها إلا بعد الاستبراء إجماعا، وهكذا إذا أراد المشتري تزويجها فلا يجوز له
ذلك إلا بعد الاستبراء، وكذلك إذا أراد أن يعتقها ثم يتزوجها قبل الاستبراء لم
يكن له ذلك، وهكذا إذا استبرأها ووطئها ثم أراد تزويجها قبل الاستبراء لم يجز
له ذلك، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: يجوز له أن يزوجها قبل الاستبراء، ويجوز أن يعتقها
ويتزوجها.
132

دليلنا: إجماع الفرقة وطريقة الاحتياط، وروى أبو سعيد الخدري أن النبي
صلى الله عليه وآله قال: لا توطأ حامل حتى تضع، ولا حائل حتى تحيض، ولم
يفرق.
مسألة 40: إذا اشترى أمة ممن لا يطأها إما من امرأة أو ممن لا يجامع مثله أو
عنين أو رجل وطئها ثم استبرأها، وروى أصحابنا جواز وطئها قبل الاستبراء،
ورووا أنه لا يجوز ذلك إلا بعد الاستبراء وهو الأحوط، وبه قال الشافعي، فأما
جواز تزويجها فإنه يجوز قبل الاستبراء إجماعا.
دليلنا: على الأول: أخبار أصحابنا ورواياتهم، وأيضا الأصل الإباحة،
والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 41: إذا ملك أمة بابتياع أو هبة أو إرث أو استغنام فلا يجوز له
وطؤها إلا بعد الاستبراء صغيرة كانت أو كبيرة، بكرا كانت أو ثيبا،
تحبل أو لا تحبل فلا يختلف الحال في ذلك إلا إذا كانت في سن من لا تحيض مثلها من
صغر أو كبر، وبه قال الشافعي إلا أنه لم يستثن ما استثنيناه، وبقول الشافعي قال
عمر وعثمان وابن مسعود، وحكي قريب منه عن أبي حنيفة.
وذهب مالك إلى أنها إن كانت ممن توطأ مثلها يجب الاستبراء وإن كانت
ممن لا توطأ مثلها فلا استبراء.
وذهب الليث بن سعد إلى أنها إن كانت لا تحبل مثلها فلا استبراء، وإن كان
مثلها تحبل وجب الاستبراء، وهذا مثل ما قلناه.
وذهب داود وأهل الظاهر إلى أنها إن كانت ثيبا وجب الاستبراء، وإن
كانت بكرا فلا استبراء، وروي هذا عن ابن عمر.
دليلنا: إجماع الفرقة، والظاهر من أخبارهم، وعموم الخبر الذي قدمناه
يدل عليه، وإنما خصصنا من لا تحيض مثلها بدليل أخبارنا.
133

مسألة 42: إذا باع جارية من غيره ثم استقال المشتري فأقاله، فإن كان قد
قبضها إياه وجب عليه الاستبراء، وإن لم يكن قبض لم يجب عليه الاستبراء، وبه
قال أبو يوسف إلا أنه قال: ذلك استحسانا والقياس يقتضي أن عليه الاستبراء على
كل حال، وقال الشافعي: يجب عليه الاستبراء على كل حال قبض أو لم
يقبض.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة وأيضا فالاستبراء يحتاج إليه لبراءة رحمها،
وهذه ما خرجت من يده فلا يجب استبراؤها.
مسألة 43: الاستبراء واجب على البائع والمشتري على ظاهر روايات
أصحابنا، وبه قال النخعي والثوري، وقال الشافعي: هو واجب على المشتري
ويستحب للبائع، وبه قال مالك وأبو حنيفة، وقال عثمان البتي: يجب على البائع
دون المشتري.
دليلنا: ظاهر الأخبار وما تضمنه من الأمرين وهو يقتضي الوجوب، وطريقة
الاحتياط تقتضيه.
مسألة 44: إذا ثبت وجوب الاستبراء على المشتري فمتى قبضها استبرأها في
يده حسناء كانت أو شوهاء، وبه قال أبو حنيفة والشافعي.
وقال مالك: إن كانت وحشة استبرأها في يده، وإن كانت فائقة استبرأها
في يد عدل ثم تسلم إليه.
دليلنا: أنه ملكها فجاز أن يستبرئها في يده، ووجوب تركها في يد عدل
يحتاج إلى دليل، وأيضا عموم الخبر الذي رواه أبو سعيد الخدري يدل عليه.
مسألة 45: إذا ملكها جاز له التلذذ بها ومباشرتها ووطؤها فيما دون الفرج
سواء كانت مشتراة أو مسبية.
134

وقال الشافعي: إن كانت مشتراة فلا يجوز شئ من ذلك على حال لأنه لا
يأمن أن تكون حاملا فتكون أم ولد غيره، وإن كانت مسبية ففيه وجهان: أحدهما
لا يجوز، والثاني - وهو المذهب - أنه يجوز التلذذ والنظر بشهوة دون الوطء.
دليلنا: الأصل جوازه، والمنع منه يحتاج إلى دليل، وإجماع الفرقة أيضا
على ذلك وأخبارهم غير مختلفة فيه، وقوله تعالى: والذين هم لفروجهم حافظون
إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم، وهذه ملك يمين.
مسألة 46: إذا اشترى أمة حاملا كره له وطؤها قبل أن يسير لها أربعة أشهر
فإذا مضت لها ذلك لم يكره وطؤها في الفرج.
وقال الشافعي وغيره: لا يجوز له وطؤها حتى تضع.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، والأصل الإباحة في ظاهر الآية وعدم
المانع.
مسألة 47: إذا عجزت المكاتبة عن أداء ثمنها وفسخ السيد العقد عادت
إلى ملكه وحل وطؤها بغير استبراء، وكذلك إذا ارتد السيد أو الأمة فإنها تحرم
عليه فإن عاد إلى الإسلام حلت له بلا استبراء وأما إذا زوجها من غير فطلقها
الزوج قبل الدخول بها حلت له بلا استبراء، وإن طلقها بعد الدخول لم تحل له
إلا بعد الاستبراء بعدة، وبه قال أبو حنيفة إلا أنه قال في المتزوجة: تحل له بلا
استبراء، ولم يفصل.
وقال الشافعي: لا تحل في هذه المواضع كلها إلا بعد الاستبراء.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم وأيضا قوله تعالى: أو ما ملكت أيمانكم،
وهذه منهن ولم يفرق.
مسألة 47: إذا طلقت الأمة المزوجة بعد الدخول بها لزمها عدة الزوجية،
135

وأغنى ذلك عن استبراء ثان، وللشافعي فيه وجهان: أحدهما مثل ما قلناه،
والثاني لا بد من استبراء مفرد.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، وشغلها يحتاج إلى دليل.
مسألة 49: إذا اشترى أمة مجوسية فاستبرأها ثم أسلمت اعتدت بذلك
الاستبراء، وقال الشافعي: عليه الاستبراء ثانيا ولا تعتد به.
دليلنا: قوله تعالى: أو ما ملكت أيمانكم، وقوله عليه السلام: لا توطأ
الحامل حتى تضع، والحائل حتى تستبرأ، ولم يفصل.
مسألة 50: العبد المأذون له في التجارة إذا اشترى أمة صح له شراؤه بلا
خلاف، فإن استبرأت الجارية في يد العبد جاز للمولى وطؤها سواء كان العبد
دين أو لم يكن إذا قضى دين الغرماء.
وقال الشافعي: إن كان على العبد دين لم يجز له وطؤها، وإن قضى حق
الغرماء فلا بد من استبراء ثان.
دليلنا: قوله تعالى: أو ما ملكت أيمانكم، وهذه منهن، ولأن الأصل
الإباحة، والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 51: إذا باع جارية فظهر بها حمل فادعى البائع أنه منه ولم يكن أقر
بوطئها عند البيع ولم يصدقه المشتري لا خلاف أن إقراره لا يقبل فيما يؤدى إلى
فساد البيع، فهل يقبل إقراره في إلحاق هذا النسب؟ عندنا أنه يقبل، وللشافعي
فيه قولان: قال في القديم والإملاء مثل ما قلناه، وقال في البويطي: لا يلحقه.
دليلنا: ما ثبت من جواز إقرار العاقل على نفسه ما لم يؤد إلى ضرر على
غيره وليس في هذا ضرر على غيره، فوجب جوازه.
136

في أقل الحمل وأكثره
مسألة 52: أقل الحمل ستة أشهر بلا خلاف وأكثره عندنا تسعة أشهر، وقد
روي في بعض الأخبار سنة.
وقال الشافعي: أكثره أربع سنين، وذهب الزهري والليث بن سعد إلى أن
أكثره سبع سنين.
وعن مالك روايات، المشهور منها ثلاث إحداها مثل قول الشافعي أربع
سنين والأخرى خمس سنين، والثالثة سبع سنين.
وذهب الثوري وأبو حنيفة وأصحابه إلى أن أكثر مدة الحمل سنتان، وهو
اختيار المزني.
دليلنا: إجماع الفرقة والعادة، وما رأينا ولا سمعنا في زماننا هذا ولا قبله
بسنين من ولد لأربع سنين أو سبع سنين، وما يدعونه من الروايات الشاذة لا
يلتفت إليها لأنها غير مقطوع بها، وما ذكرناه مقطوع به بلا خلاف.
137

المبسوط
في فقه الإمامية
تأليف شيخ الطائفة
أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (قدس سره)
385 - 460 ه‍. ق
139

كتاب الطلاق
الطلاق جائز لقوله تعالى " الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان "
فأبان بها عدد الطلاق لأنه كان في صدر الإسلام بغير عدد.
روى عروة عن قتادة قال: كان الرجل في صدر الإسلام يطلق امرأته ما شاء من
واحد إلى عشرة، ويراجعها في العدة، فنزل قوله " الطلاق مرتان فإمساك بمعروف
أو تسريح بإحسان " فبين أن عدد الطلاق ثلاث، فقوله مرتان إخبار عن طلقتين
بلا خلاف، واختلفوا في الثالثة فقال ابن عباس: " أو تسريح بإحسان " الثالثة، وقال
قوم من التابعين: " فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره " الثالثة، و
هو الأقوى.
وقال الله تعالى " يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن " معناه لقبل
عدتهن في طهر لم يجامعها فيه إذا كانت مدخولا بها، بلا خلاف، وروي أن النبي
صلى الله عليه وآله طلق زوجته حفصة ثم راجعها، وقال ابن عمر: كان لي زوجة
فأمرني النبي صلى الله عليه وآله أن أطلقها فطلقتها.
فإذا ثبت جواز الطلاق فإنه يجوز طلاق الصغيرة التي لم تحض، والكبيرة التي
يئست من المحيض، والحائل والحامل، والمدخول بها وغير المدخول بها بلا خلاف
141

لعموم الآيات.
والطلاق على أربعة أضرب: واجب ومحظور ومندوب ومكروه.
فالواجب طلاق المولى بعد التربص، لأن عليه أن يفئ أو يطلق أيهما فعل فهو
واجب، وإن امتنع منهما حبسه الإمام وعند بعضهم طلق عنه.
والمحظور طلاق الحائض بعد الدخول أو في طهر قربها فيه، قبل أن يظهر بها
حمل بلا خلاف، وإنما الخلاف في وقوعه.
وأما المكروه فهو إذا كانت الحال بينهما عامرة وكل واحد منهما قيم بحق
صاحبه، روى ثوبان عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: أيما امرأة سألت زوجها
الطلاق من غير بأس لم ترح رائحة الجنة.
وأما المندوب فإذا كانت الحال بينهما فاسدة بالشقاق، وتعذر الإنفاق، و
كل واحد منهما يعجز عن القيام بما يجب عليه، فالمستحب الفرقة فهذه أقسام
الطلاق.
فأما أقسام النكاح فثلاثة: محظور ومستحب ومكروه، لأنه لا واجب فيه على
ما مضى شرحه، فالمحظور حال العدة والردة والإحرام، والمستحب إذا كان به إليه
حاجة، وله ما ينفق عليها، والمكروه إذا لم يكن به إليه حاجة ولا معه ما ينفق عليها
خوفا من الإثم.
فإذا تقرر أقسام الطلاق فكل طلاق واقع يوجب تحريما ويزول ذلك التحريم
بثلاثة أشياء: مراجعة، ونكاح قبل زوج، ونكاح بعد زوج، فالرجعة إذا طلقها بعد
الدخول دون الثلاث، بغير عوض، والمراجعة أن يقول: راجعتك، ولا يفتقر إلى
رضاها ولا إلى ولي بلا خلاف، ولا إلى إشهاد عندنا، وفيه خلاف، وزواله بنكاح من
غير زوج، فإذا بانت منه بأقل من ثلاث وهو أن يطلقها طلقة أو طلقتين قبل الدخول
أو بعده بعوض أو بغير عوض وصبرت حتى انقضت عدتها وكذلك إذا زال النكاح
بالفسخ حلت له قبل زوج غيره.
وأما التحريم الذي لا يزول إلا بزوج ونكاح جديد، فإن تبين بالثلاث مدخولا
142

بها أو غير مدخول بها، فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره.
فصل: في طلاق المدخول بها:
طلاق المدخول بها إذا كانت من ذوات الأقراء له حالان: محظور ومباح،
فالمحظور أن يطلقها في حال حيضها أو في طهر جامعها فيه قبل ظهور الحمل،
والمباح أن يطلقها في طهر لم يجامعها فيه أو وهي حامل بلا خلاف لقوله تعالى
" فطلقوهن لعدتهن " يعني أي لقبل عدتهن بلا خلاف، وقد قرئت كذلك.
فإذا ثبت ذلك فالمحرم عندنا غير واقع، وعند المخالف يقع، والطلاق الثلاث
بلفظ واحد أو في طهر واحد متفرقا لا يقع عندنا إلا واحدة وعندهم يقع الجميع وقال
بعضهم: هو بدعة، وقال آخرون: ليس ببدعة.
كل طلاق لم يحضره شاهدان مسلمان عدلان لا يقع عندنا، وعند المخالف
يقع، وقد بينا أن الطلاق المحظور لا يقع، وأن عندهم يقع لكنه يستحب فيه
المراجعة، وقال بعضهم: يجب فيه المراجعة، وطلاق الحامل جائز بلا خلاف.
النساء ضربان: ضرب ليس لطلاقها سنة ولا بدعة، والآخر لطلاقها سنة وبدعة.
فالتي لا سنة لطلاقها ولا بدعة، بل يقع مباحا أربعة أصناف: من لا تحيض
لصغر أو كبر، والحامل، وغير المدخول بها، والتي لطلاقها سنة وبدعة هي
المدخول بها لا غير إذا كانت حائلا من ذوات الأقراء فطلاقها للسنة في طهر ما
جامعها، والبدعة حال حيضها أو في طهر جامعها فيه بلا خلاف، وعندنا أنها إذا لم
يكن زوجها غائبا شهرا فصاعدا.
ومن ليس لطلاقها سنة ولا بدعة وهي غير المدخول بها أو المدخول بها إذا
كانت حاملا أو لا تحيض لصغر أو كبر، فإذا طلق واحدة منهن طلقة أو ثلاثا الباب
واحد عندهم، وعندنا لا يقع إلا واحدة، وعندهم يقع ما أوقع.
143

فإذا طلقها طلقة نظرت: فإن أطلق فقال: أنت طالق، طلقت في الحال، و
هكذا لو قيد فقال: أنت طالق للسنة أو أنت طالق للبدعة، لأن قوله أنت طالق إيقاع
وقوله بعد هذا للسنة أو البدعة، وصف للطلقة بما لا يتصف به، فلغت الصفة ووقع
الطلاق.
فإن قال: أنت طالق لا للسنة ولا للبدعة وقع في الحال، لأنه قد وصفها
بصفتها.
فإذا قال: أنت طالق طلقة للسنة والبدعة معا وقع في الحال ولغت الصفة لما
مضى، وهكذا لو قال: أنت طالق طلقة للسنة أو البدعة وقع في الحال.
فإذا ثبت هذا فقال للصغيرة: أنت طالق للبدعة، فقد قلنا إنه يقع في الحال،
فإن قال: نويت بقولي للبدعة زمان طلاق البدعة - وهو أن يقع عليها إذا حاضت -،
عندنا يقبل منه، لأن نيته معتبرة، ولا طريق إليها إلا من جهته، وعندهم لا يقبل منه
لأنه خلاف الظاهر لكنه يدين فيما بينه وبين الله لأنه محتمل، وهذا أصل في
الطلاق كقوله: أنت طالق، فالظاهر أنه وقع.
فإن قال: نويت إن دخلت الدار، عندنا يقبل وعندهم لا يقبل منه في ظاهر
الحكم وقبل فيما بينه وبين الله فيكون طلاقا في الظاهر زوجته في الباطن، حتى إذا
وجدت الصفة طلقت بوجودها عندهم، وعندنا لا يقع لأنه طلاق بشرط.
فإن كانت الحامل ترى على هيئة الحيض صفة وقدرا فقال لها: أنت طالق
للسنة في زمان الدم، وقع عندنا، وعندهم إن حكم بأن ذلك دم فساد وقع، وإن
قيل إنه دم حيض فعلى وجهين: أحدهما لا يقع في الحال، لأنه حيض صحيح في
مدخول بها كالحائل، ومنهم من قال: يقع في الحال لأنه إنما حرم ذلك في الحائل
المدخول بها لئلا تطول العدة.
وأما من في طلاقها سنة وبدعة فلا يخلو من أحد أمرين: إما أن يطلقها للسنة
أو البدعة.
فإن طلقها للسنة نظرت: فإن كانت في طهر ما جامعها فيه وقع في الحال لأنه
144

وصفها بصفتها، وإن كانت في طهر قد جامعها فيه لم يقع في الحال، لأن الصفة ما
وجدت، فإذا حاضت لم يقع أيضا لأن الصفة ما وجدت، وعندنا لا يقع، لأن
الطلاق بشرط لا يقع، والصفة ينبغي أن تكون حاصلة في حال إيقاع الطلاق لا فيما
بعد.
وإن أولج عند آخر جزء من زمان الحيض واتصل بأول الطهر، أو أولج مع أول
الطهر فإن الطلاق لا يقع عندهم أيضا، لأنه طهر جامعها فيه، فإن قال لها وهي
حائض: أنت طالق للسنة، لم يقع عندنا لا في الحال ولا إذا طهرت لما بيناه،
وعندهم يقع إذا طهرت قبل الغسل وبعده سواء.
فإن طلقها للبدعة فقال: أنت طالق للبدعة، فإن كانت في طهر ما جامعها فيه
لم يقع الطلاق بلا خلاف، لأن الصفة لم توجد، فإن حاضت من بعد أو نفست،
فعندنا لا يقع لأنه معلق بشرط، وعندهم يقع لأن الشرط قد وجد.
فإن أولج بعد هذا الطلاق في هذا الطهر وقع الطلاق عندهم بالتقاء الختانين
لأنه زمان البدعة، وهو طهر جامعها فيه، فإن نزع نزعة فلا شئ عليه، وإن عزل أو
نزع بعد وقوع الطلاق بها ثم أولج فقد وطئ غير زوجته بشبهة، أو وطئها رجعية فيكون
لها مهر مثلها، وهذا يسقط عنا لما بيناه.
إذا قال لها: أنت طالق طلقتين طلقة للسنة وطلقة للبدعة.
فإن كانت لا سنة في طلاقها ولا بدعة، وهي غير المدخول بها، والحامل
والصغيرة التي لا تحيض وكذلك الكبيرة فعندهم طلقت طلقتين في الحال، لأنه
وصف الطلقتين بما لا يتصفان به، فلغت الصفة ووقعت الطلقتان، وعندنا تقع
واحدة ولغت الصفة إذا نوى الإيقاع.
وإن كانت ممن لطلاقها سنة وبدعة وهي الحائل المدخول بها من ذوات
الأقراء، فعندنا إن كانت طاهرا وقعت واحدة ولا يقع فيما بعد شئ، وإن كانت
حائضا فلا يقع شئ على حال، وعندهم تقع واحدة في الحال، والأخرى في
زمانها، وإن كانت طاهرا وقعت للسنة أولا وتأخرت البدعة، وكذلك إن كانت
145

بالعكس.
إذا قال لها: أنت طالق ثلاثا للسنة وثلاثا للبدعة، فإن كانت طاهرا طهرا لم
يقربها فيه بجماع، وقعت واحدة، ولا يقع فيما بعد شئ، وإن كانت حائضا لا يقع
شئ على حال، وعندهم تقع الثلاث على كل حال في الحال، لأنه إن كان زمان
البدعة وقعت، وإن كان زمان السنة فكذلك، يقع الثلاث عند بعضهم، وعند
آخرين في كل طهر واحدة.
إذا قال لمن لطلاقها سنة وبدعة: أنت طالق ثلاثا للسنة.
فإن كان في زمان البدعة لم يقع الطلاق عندنا لا في الحال ولا في المستقبل، و
عندهم لا يقع في الحال، فإن قال: نويت إيقاع الثلاث في الحال، وقولي للسنة ما
قصدته، وإنما سبق لساني إليه، عندنا لا يلزمه شئ، وعندهم يلزمه الثلاث.
وإن كان الزمان زمان السنة وقعت عندنا واحدة، وعند بعضهم يقع في الحال
الثلاث، وعند آخرين في كل طهر.
فإن قال: أردت في كل طهر، فعند من قال يقع في الحال الثلاث لم يقبل منه
في حكم الظاهر، ويقبل فيما بينه وبين الله تعالى، ويقال له: منك الطلبة وعليها
الهرب، وأما فيما بينه وبين الله تعالى فكأنه قال: أنت طالق في كل قرء طلقة و
يكون وقعت واحدة، وله أن يراجعها فيما بينه وبين الله، ولا يحل له أن يطأها قبل
المراجعة.
فإن لم يراجع فإذا طهرت من الحيض طلقت أخرى فإذا حاضت الثالثة ثم طهرت
طلقت الثالثة وبانت، فإذا رأت الدم من الحيضة الثالثة انقضت عدتها لأنها
قد اعتدت ثلاثة أقراء.
فإن راجعها حل له وطؤها فيما بينه وبين الله، وعليها الهرب، ويقع بها في كل
طهر طلقة، سواء راجع أو لم يراجع، وقد سقطت عنا هذه المسألة لما بيناه من أن
الطلاق بشرط لا يقع.
وأما الكلام في العدة، فعندنا تعتد من حين حكمنا بوقوع الطلقة، وعندهم إن
146

راجعها ووطئها استأنفت العدة من حين وقعت بها الثالثة، فإن لم يكن وطئها بعد
المراجعة فعلى قولين: أحدهما تبني، والثاني تستأنف.
إذا قال لها: أنت طالق في كل قرء طلقة، أو قال ثلاثا في كل قرء طلقة، لم
يخل من أحد أمرين: إما يكون لطلاقها سنة وبدعة، أو لا يكون ذلك لها.
فإن لم يكن ذلك لطلاقها، فإن كانت حاملا وقع بها طلقة واحدة بلا خلاف،
لأن زمان الحمل قرء واحد بدليل أن عدتها تنقضي به، وكل طهر يقع الاعتداد به فهو
قرء، فإذا ثبت هذا لم يقع إلا طلقة واحدة سواء حاضت على الحمل أو لم تحض،
وسواء قيل إنه دم حيض أو دم فساد، لأن الكل قرء واحد بلا خلاف.
فرع هذه:
إذا قال للحامل: أنت طالق في كل طهر طلقة، فهاهنا تطلق عندنا طلقة
واحدة، وعندهم تطلق كلما طهرت، لأن الصفة قد وجدت، لأنه علق الطلاق
بالطهر، وكل قرء طهر وليس كل طهر قرءا.
فإذا ثبت أنه يقع بها في كل قرء طلقة فهي رجعية، وهو بالخيار بين أن يراجع أو
يدع، فإن لم يراجع حتى وضعت بانت بالوضع، لانقضاء عدتها والرجعية تبين
بانقضاء عدتها، فإذا بانت ثم طهرت من النفاس لم تطلق أخرى لأن البائن لا يلحقها
طلاق وإن راجعها فهي زوجه، فإذا وضعت لم تطلق لأنها زوجة، لكن إذا طهرت من
النفاس طلقت أخرى، فإذا حاضت ثم طهرت من الحيض طلقت الثالثة وبانت
والعدة على ما مضى، إن كان وطئها بعد أن راجعها استأنفت العدة، وإن لم يكن
وطئها بعد المراجعة فعلى ما مضى من القولين.
فأما الحائل فلا تخلو: أن تكون مدخولا بها أو غير مدخول بها، فإن كانت غير
مدخول بها، وقع الطلاق بها في الحال، لأن ما قبل الدخول كله قرء واحد، فوقع فيه
طلقة فبانت ولا رجعة عليها بلا خلاف، وإن كانت مدخولا بها وكانت لا تحيض
لصغر أو كبر فالحكم فيهما واحد، فإن كانت صغيرة فإنها تطلق طلقة واحدة، و
عندنا قد بانت منه، وعند بعض أصحابنا يملك رجعتها وهو قول المخالف، فعلى
147

هذا إن راجعها متى حاضت ثم طهرت طلقت طلقة أخرى عند المخالف لأن الصفة
وجدت فإن راجعها أيضا ثم حاضت ثم طهرت طلقت الثالثة، هذا إذا راجعها.
فإن لم يراجعها لم يخل من أحد أمرين: إما أن تحيض قبل انقضاء ثلاثة أشهر
أو بعدها، فإن حاضت قبل انقضاء ذلك ثم طهرت طلقت أخرى لأنها رجعية، وإذا
حاضت أخرى ثم طهرت طلقت الثالثة وبانت، وانقضت عدتها بالدخول في
الحيضة الثالثة، وإن حاضت بعد مضي ثلاثة أشهر ثم طهرت لا يقع بها طلاق،
لأنها بانت بعدة الشهور.
وهكذا حكم الآيسة، هي رجعية فإن راجعها فهي زوجة، فإن عاودها حيض
صحيح طلقت كل طهر طلقة، وإن لم يراجعها فإما أن يعاودها الحيض قبل مضي
ثلاثة أشهر أو بعدها، فإن عاودها قبلها طلقت كل قرء طلقة، وإن عاودها بعد مضي
ثلاثة أشهر لم يعتد بذلك، لأنها بانت قبل أن يعاودها الدم.
فأما التي لطلاقها سنة وبدعة، فإذا قال لها: أنت طالق في كل قرء طلقة، فإن
كانت حائضا لم يقع الطلاق بها في الحال عندنا وعند من قال القرء هو الطهر فإذا
طهرت منه لم تطلق عندنا، وعندهم تطلق طلقة، فإن حاضت ثم طهرت طلقت
أخرى، فإذا حاضت ثم طلقت الثالثة وبانت بها، فإذا دخلت في الحيضة الرابعة
انقضت عدتها، وهذا إذا لم يراجعها.
فإن راجعها ووطئها بعد الرجعة استأنفت العدة، وإن لم يكن وطئها فهل لها أن
تبني أو تستأنف؟ على قولين، هذا إذا كانت حائضا.
فأما إن كانت طاهرا وقع الطلاق في الحال، سواء كانت في طهر جامعها فيه أو
لم يجامعها فيه، لأن الصفة وقوع الطلاق في القرء، وهذا قرء، وإن كان جامعها فيه
بدليل أنها تعتد به قرءا.
فإذا ثبت هذا فإما أن يراجع أو لا يراجع، فإن لم يراجع فكلما حاضت ثم
طهرت طلقت طلقة، فإذا دخلت في الحيضة الثالثة انقضت عدتها، وإن كان قد
راجعها فإن كان وطئها عقيب كل رجعة استأنفت العدة، وإن لم يكن وطئها بعد
148

المراجعة فعلى قولين.
ثم ينظر في الطلقة الأولى، فإن كانت في طهر جامعها فيه، وقعت الطلقة
للبدعة وإن لم يكن جامعها فيه وقعت للسنة، وعندنا إن كانت طاهرا طهرا لم يقربها
فيه وقعت واحدة، ولا يقع فيما بعد شئ، سواء راجعها أو لم يراجعها، فإن كانت
حائضا لم يقع بها شئ، لا في الحال ولا فيما بعد، وكذلك إن كانت طاهرا قربها
فيه بجماع.
إذا قال: أنت طالق ثلاثا بعضهن للسنة وبعضهن للبدعة، لم يخل من ثلاثة
أحوال: إما أن يطلق أو يقيد البعض بلفظ أو نية.
فإن أطلق من غير تقييد طلقت في الحال طلقتين وتأخرت الأخرى إلى الحالة
الأخرى، فإن كان الزمان زمان السنة طلقت طلقتين للسنة، وتأخرت الأخرى إلى
زمان البدعة، وإن كان الزمان زمان البدعة طلقت طلقتين للبدعة وتأخرت الأخرى
إلى زمان السنة، لأن الظاهر أن الثلاث بينهما نصفين، والطلاق لا ينتصف فأوقع
الثنتين وتأخرت الأخرى إلى الحالة الأخرى.
فأما إن قيد هذا بلفظ، فقال: السنة طلقة ونصف وللبدعة طلقة ونصف، وقع
في الحال طلقتان، وتأخرت الأخرى إلى الحالة الأخرى، لأنه صرح بما اقتضاه
اللفظ، وإن قال: طلقتان للبدعة وطلقة للسنة، كان على ما قيده.
فإن كان التقييد بالنية ففيه ثلاث مسائل:
إن قال: نويت طلقة ونصفا للسنة وطلقة ونصفا للبدعة، كان على ما نواه.
وإن قال نويت واحدة للسنة وثنتين للبدعة، فإن كان قد غلظ على نفسه وهو
إن كان الزمان للبدعة وقع طلقتان في الحال لأنه نوى ما يوجبه ظاهر الحكم.
وإن قال: نويت طلقة في الحال وطلقتين في زمان البدعة، كان على ما نواه،
وفيهم من قال: لا يقبل منه في الحكم ويقبل منه فيما بينه وبين الله تعالى، فأوقع
في الحال طلقتين في الحكم، وطلقة فيما بينه وبين الله.
والذي نقوله في هذه المسألة أنه: إن كانت طاهرا طهرا لم يجامعها فيه وقعت
149

واحدة، ولا يقع فيما بعد شئ على حال، وإن كان قد جامعها فيه أو كانت حائضا
لم يقع شئ في الحال ولا في المستقبل.
إذا قال: أنت طالق أعدل طلاق أو أحسن طلاق أو أكمل طلاق أو أفضل طلاق أو أتم
طلاق، ونوى الإيقاع، وقعت واحدة لا غير، إذا كانت طاهرا طهرا لم
يجامعها فيه، ولا يقع فيما بعد شئ على حال، وإن كانت حائضا أو قربها فيه
بجماع لم يقع شئ لا في الحال ولا فيما بعد، سواء نوى إيقاع واحدة أو أكثر.
وعند المخالف لا يخلو من أحد أمرين: إما أن يكون له نية أو لا نية.
فإن لم يكن له نية كان عبارة عن طلاق السنة، لأنه هو الأعدل والأحسن،
وينظر فيه فإن كان زمان السنة وقع في الحال، وإن كان زمان البدعة لم يقع بها شئ
إلى زمان السنة.
وإن نوى نظرت: فإن نوى مقتضى اللفظ فلا كلام، لأنه أكد المقتضي بالنية،
وإن نوى خلاف الظاهر، فإما أن يغلظ على نفسه أو يخفف.
فإن غلظ عليها مثل أن كان في زمان البدعة فقال: نويت البدعة ووقع قولي
أعدل طلاق معناه هو أعدله لمثلك أن يقع عليك حال البدعة لقبح عشرتك وسوء
خلقك، فقصدت صفة الطلاق، قبل منه في الحكم، وفيما بينه وبين الله.
وإن نوى ما فيه تخفيف على نفسه مثل أن كان زمان السنة فقال: نويت
بالأعدل أن يقع عليها حال حيضها وفي زمان البدعة لأنه أشبه الطلاق بها لقبح
عشرتها ولم أرد الوقت، قبل منه فيما بينه وبين الله، ولم يقبل منه حكما لأنه عدل عن
الظاهر.
فإن قال: أنت طالق أقبح طلاق أو أسمج طلاق أو أفحش طلاق أو أردى
طلاق، سئل عن نيته، وكان الحكم فيها عكس الحكم في التي قبلها، والفقه واحد
فإن لم يكن له نية فعندنا لا يقع شئ لا في الحال ولا بعد، وعندهم يقع طلاق
البدعة، فإن كان زمان البدعة، طلقت في الحال، وإن كان زمان السنة تأخر إلى
زمان البدعة.
150

وإن كانت له نية فإن كانت على مقتضى الكلام كانت تأكيدا وإن نوى خلاف
ذلك فإما أن يغلظ على نفسه أو يخفف عليها، فإن كان زمان السنة فقال: قولي أقبح
طلاق، معناه الطلاق بها أقبح شئ لحسن عشرتها وأدبها ودينها، وقصدت التعجيل
ولم أقصد سنة ولا بدعة، وقع في الحال عندهم، وإن كان عدولا عن الظاهر، وعندنا
يقبل منه، وإن خفف عن نفسه، فإن كان زمان بدعة فقال: ما أردت بقولي أقبح
طلاق وقوع طلاق البدعة عليها وإنما قصدت وقوع الطلاق في زمان السنة، وقولي
أقبح طلاق معناه الطلاق بمثلها قبيح لحسن عشرتها ودينها، قبل منه فيما بينه
وبين الله، ولم يقبل منه في الظاهر.
وجملة ما عندنا في هذه المسألة أنه ما لم يكن له نية لم يقع شئ أصلا لا في
الحال ولا فيما بعد، وإن كانت له نية وكان الزمان زمان السنة فنوى الإيقاع في الحال
وقع، وإن قصد في المستقبل أو كان زمان البدعة فأوقع في الحال لم يقع منه شئ
على حال.
إذا قال: أنت طالق طلقة حسنة فاحشة أو جميلة قبيحة أو تامة ناقصة،
فعندهم تطلق في الحال لأنه إذا كان زمان بدعة فقد وصفها بأنها قبيحة، وإن كان
زمان سنة فقد وصفها بأنها جميلة، وأيهما كان فقد وجد في وقته، ولأنه وصفها
بصفتين متضادتين لا يجتمعان فسقطتا وكان كأنه قال أنت طالق ولم يزد فيها.
والذي نقوله في هذه المسألة هو أنه إن كانت له نية مطابقة بأن تكون طاهرا طهرا
لم يقربها فيه بجماع ونوى الإيقاع، وقعت واحدة في الحال ولم يقع فيما بعد شئ،
وإن كانت النية بخلاف ذلك على كل حال أو كان الزمان زمان حيض لم يقع شئ
على حال.
إذا قال: أنت طالق الآن أو في هذا الحين أو في هذا الوقت أو في هذه الساعة
إن كان الطلاق يقع عليك للسنة، نظرت:
فإن كان الحال زمان السنة وقع الطلاق، ويقوى في نفسي أنه لا يقع لأنه معلق
بشرط.
151

وإن كان الزمان زمان البدعة لم يقع الطلاق عندنا، وعندهم لأن الشرط ما
وجد، وإذا لم يقع الطلاق انحلت اليمين، ولا يقع بعد هذا وإن طهرت، لأنه شرط
أن يقع الآن على صفة، فإذا لم يقع انحلت اليمين.
وإذا كانت بالضد من هذه فقال لها: أنت طالق الآن أو في هذا الحين أو في
هذا الوقت أو في هذه الساعة إن كان الطلاق يقع عليك للبدعة، فعندنا لا يقع
أصلا، وعندهم إن كان الزمان زمان البدعة وقع وإن كان زمان السنة لم يقع في الحال
ولا فيما بعد من زمان البدعة لما مضى من التعليل.
إذا قال إحدى هاتين المسألتين لمن ليس لطلاقها سنة ولا بدعة، فعندنا لا يقع
شئ لما قلناه من أنه معلق بشرط، وعندهم يقع في الحال، لأنه وصفها بصفة محال
لأنها ليست بواحدة من السنة والبدعة، فكانت الصفة لغوا ووقع الطلاق وقال
بعضهم: لا يقع لأن الصفة لم توجد كما لو قال: إن كنت علوية أو هاشمية فأنت
طالق، فلم يكن واحدة منهما لم يقع الطلاق.
إذا قال: أنت طالق ملء مكة أو المدينة أو الحجاز أو الدنيا، وكانت له نية إما
إيقاع واحدة أو ما زاد عليها، وقعت واحدة عندنا لا غير إذا كانت على صفة يقع
الطلاق، وإن لم تكن له نية لم يقع شئ أصلا، وعندهم تقع واحدة، لأن الطلاق لا
يشغل حيزا من المكان، لأنه حكم وليس بجسم، وإنما قصد أنها يملأ مكة بالذكر
ويشيع فيها ما وقع، فوقع الطلاق، ويكون طلقة رجعية.
ولو قال: أنت طالق أكثر الطلاق عددا أو أكثر الطلاق، كان عندنا مثل الأولى
سواء، وعندهم تطلق بالثلاث لأن أقله واحدة وأكثره ثلاث، فإن قال: أكمل
الطلاق، وقعت واحدة عندنا وعندهم، لأنه لا يتضمن عددا، وهكذا لو قال: أتم
طلاق وأكبر طلاق، وتكون رجعية، وقال بعضهم تكون بائنا في أكمل وأكبر ورجعية
في أتم.
فإن قال: أقصر طلاق أو أطول طلاق أو أعرض طلاق، طلقت واحدة بلا
خلاف لأنها صفة لا تتضمن عددا وتكون رجعية عندنا وعند بعضهم تكون بائنا.
152

فإن قال لها: يا مائة طالق أو أنت مائة طالق، طلقت عندنا بواحدة مع النية،
وعندهم بالثلاث كما لو قال: أنت طالق مائة طلقة.
فإن قال لها: إن بدأتك بالكلام فأنت طالق، فقالت له: إن بدأتك بالكلام
فعبدي حر، فإن كلمها بعد هذه الجملة لم تطلق زوجته، لأن يمينه انحلت بقولها
له: إن بدأتك بالكلام فعبدي حر، لأنه صار بحيث لا يمكنه أن يبدأها بالكلام، وعندنا
أيضا كذلك لهذا، ولأنه طلاق بشرط، وأما يمينها فقائمة ما انحلت، لأنه
يمكنها أن تبدأه بالكلام، فمتى بدأته به عتق عبدها، فإن كلمها بعد قولها فعبدي حر
انحلت يمينها أيضا لأنه منعها أن تبدأه بالكلام، وعندنا لا ينعتق العبد على حال لأنه
عتق بشرط.
فإن كانت واقفة في ماء جار فقال لها: إن خرجت من هذا الماء فأنت طالق
وإن أقمت فيه فأنت طالق، لم تطلق سواء خرجت أو أقامت لا عندنا ولا عندهم،
فعندنا لأنه طلاق بشرط، وعندهم لأن ذلك الماء الذي كانت فيه قد جرى وزال
عنها، فما وقفت في ذلك الماء الذي حلف عليه ولا خرجت منه.
ولو كان في فمها تمرة فقال لها: إن أكلتها فأنت طالق وإن لم تأكليها فأنت
طالق، فعندنا لا حكم له، لأنه طلاق بشرط، وعندهم الوجه فيه أن تأكل البعض
وتدع الباقي، ولا تطلق، لأنها ما أكلتها ولا تركتها.
إذا قال: إذا قدم فلان فأنت طالق، فإذا قدم فلان لا يقع الطلاق، لأنه طلاق
بشرط.
وإذا ثبت هذا سقط جميع فروع الطلاق المعلق بالشرط عنا، وإنما نذكر أعيان
المسائل ليعرف مذهب المخالف فيه، ولأنا لو نقلنا أحكام ذلك إلى النذور لكانت
لازمة بحسب ما يوجبونه من الطلاق، فلهذا نذكره.
وقال المخالف في المسألة التي ذكرناها: إذا قدم وقعت الطلقة حائضا كانت أو
طاهرا لأن الصفة وجدت، ثم ينظر في زمان قدومه: فإن كان زمان السنة وقع طلاق
السنة وإن كان زمان البدعة وقع بها طلاق البدعة ولا إثم عليه، لأنه لم يقصده كمن
153

وطئ بشبهة من كان حراما ولا إثم عليه، لأنه لم يقصده.
وإذا قال: أنت طالق للسنة إذا قدم فلان، فإذا قدم فإن كانت من أهل السنة
وقع في الحال، وإن كان زمان البدعة لم يقع في الحال، وتأخر إلى زمان السنة.
ولو قال لها: أنت طالق إن كان طلاقي الآن يقع عليك للسنة، فإن كانت من
أهل السنة طلقت وإن لم تكن من أهل السنة انحلت اليمين، ولم يقع الطلاق بعد
هذا في زمان السنة، لأنه علق طلاقها بصفة أن تكون من أهل السنة، فإذا لم تكن
انحلت كقوله: إن كنت طاهرا فأنت طالق، فكانت حائضا انحلت اليمين.
إذا قال لغير المدخول بها: أنت طالق إذا قدم فلان للسنة، ثم دخل بها ثم قدم
فقد علق الطلاق حين عقده عليها وليس لطلاقها سنة، فصار له سنة ثم وجدت
الصفة فينظر فيها حين قدم: فإن كان زمان السنة وقع الطلاق، وإن كان زمان البدعة
لم يقع في الحال، وتأخر إلى زمان السنة.
فإن قال: لم أرد بقولي للسنة زمان السنة وإنما أردت به سنة طلاقها قبل الدخول
بها، قلنا: إذا أردت هذا فليس لها زمان سنة ولا بدعة، فإذا قدم فلان وقع الطلاق بها
طاهرا كانت أو حائضا لأنه نوى أن يقع عليها الطلاق بكل حال، وهو طلاق من ليس
في طلاقها سنة ولا بدعة، وهي صفتها حين عقده عليها.
إذا قال: أنت طالق لفلان أو لرضا فلان، لم يخل من أحد أمرين: إما أن تكون
له نية أو لا نية له.
فإن لم يكن له نية فعندنا لا يقع، وعندهم يقع في الحال لأن ظاهر الأمر أنه
طلقها بهذه العلة كقوله: أنت حرة لوجه الله.
وإن كانت له نية فقال: نويت أنت طالق إن رضي فلان، فقد عدل بالعلة إلى
الشرط، فهل يقبل منه أم لا؟ على وجهين، أحدهما يقبل منه فيما بينه وبين الله دون
الظاهر لأن الظاهر التعليل، ومنهم من قال: يقبل منه في الحكم وفيما بينه وبين الله،
وهو الصحيح عندنا لأن قوله لرضا فلان يحتمل العلة والشرط، فإن كانت العلة أظهر
فالشرط محتمل وعندنا إنما قبل لأن المراعي نيته، هذا إذا قال وفسر قبل خروجها
154

من العدة، فإن خرجت من العدة وقال: أردت الشرط ليبطل الطلاق على مذهبنا، لم
يقبل منه في الظاهر لأن الظاهر التعليل.
إذا قال لها: أنت طالق طلاق الحرج، قال قوم: هو عبارة عن طلاق البدعة،
ومضى طلاق البدعة، وحكي عن بعض الصحابة أنه قال: يقع الثلاث، وعندنا إن
كانت له نية حكم بها، وإن لم تكن له نية لم يكن له حكم أصلا.
فإن قال: أنت طالق طلاق الحرج والسنة، فعندنا مثل الأولى سواء، وعندهم
تطلق بواحدة على كل حال.
فإن قال: أنت طالق إن شئت، فقالت شئت إن شئت، فقال: قد شئت، لا
يقع الطلاق عندنا وعندهم لأمرين:
أحدهما: علق طلاقها بصفة وهي مشيئتها، فعلقت هي مشيئتها بالصفة،
وتلك الصفة مشيئته، والمشيئة إضمار في القلب واعتقاد فلا يتعلق بالصفات،
كقوله: إذا طلعت الشمس قد شئت، لم يصح، لأن طلوعها لا يكون صفة للمشيئة،
فإذا ثبت هذا فلم توجد مشيئتها، فلم يقع الطلاق.
والثاني: إذا علق الكلام بالمشيئة اقتضى أن تكون المشيئة جوابا لكلامه، فإذا
تراخي عن هذه الحال بطل، فإذا لم تشأ وعلقت مشيئتها بصفة تأخرت مشيئتها
فانحلت اليمين، ولم يقع الطلاق.
فإن قال: أنت طالق إن شئت وشاء أبوك، فإن شاءا معا بحيث كان جوابا
لكلامه طلقت، وإن لم يشأ واحد منهما انحلت اليمين، وإن شاء أحدهما دون
الآخر فكذلك أيضا انحلت اليمين، وإن شاء أحدهما على الفور والآخر على
التراخي أو بعد ساعة انحلت اليمين أيضا، وإن قالت: قد شئت إن شاء أبي، فقال
أبوها: قد شئت، لم يقع الطلاق لأنه ما شاء واحد منهما، أما هي فعلقت مشيئتها،
وأما هو فتراخت مشيئته عن زمان الجواب فبطلت.
فإن قال: أنت طالق واحدة إلا أن يشاء أبوك ثلاثا، فقال أبوها: قد شئت ثلاثا،
لم يقع بها طلاق أصلا لأنه إنما أوقع الطلقة بشرط أن لا يشاء أبوها ثلاثا، فإذا شاء
155

أبوها ثلاثا لم يوجد شرط الوقوع فلم يقع.
ولو قال: أنت طالق ثلاثا إلا أن يشاء أبوك واحدة، فإذا شاء أبوها واحدة لم يقع
الطلاق لأن الصفة ما وجدت.
إذا قال لزوجته: إن لم تكوني حاملا فأنت طالق، معناه إن كنت حائلا فأنت
طالق، فعبر عن الحائل بقوله " إن لم تكوني حاملا " فإن كانت حاملا لم يقع الطلاق
وإن كانت حائلا وقع الطلاق لوجود الصفة، وإنما يعلم كونها حاملا أو حائلا
بالاستبراء، ثم لا يخلو من أحد أمرين: إما أن يكون استبرأها قبل يمينه أو لم
يستبرئها.
فإن لم يكن استبرأها مثل أن وطئها ثم حلف، فعليه أن يستبرئها في المستقبل،
ليعلم حائل أو حامل، ولا يحل له وطؤها حتى يستبرئها، لأن الظاهر وقوع الطلاق
لأن الأصل أنها حائل، ولأنه محتمل لكونها حائلا وحاملا فغلب حكم التحريم.
وبما ذا يستبرئها؟ على وجهين: أحدهما ثلاثة أقراء، والثاني بقرء واحد، والأول
أحوط.
فمن قال: بثلاثة أقراء، قال: بثلاثة أطهار، ومن قال بقرء واحد فما هو؟ على
وجهين أحدهما طهر، والثاني حيضة، وهكذا الوجهان في الأمة المشتراة والمسبية
وكلاهما رواه أصحابنا.
فمن قال: القرء طهر، فإن كانت حائضا وقت اليمين لم يعتد ببقية الحيضة
حتى تطهر، فإذا طهرت دخلت في القرء، فإذا رأت الدم من الحيض بعده وقع
الاستبراء وإن كانت حين اليمين طاهرا لم يعتد ببقية هذا الطهر قرءا حتى تحيض بعده
حيضة فإذا طهرت منها فقد استبرأت.
ومن قال: القرء حيضة، فإن كانت طاهرا حين يمينه فالقرء هو الحيضة بعده
وإن كانت حائضا حين يمينه لم يعتد ببقية هذه الحيضة، ولا بالطهر بعدها، فإذا
دخلت في الحيضة الثانية دخلت في القرء، فإذا طهرت وقع الاستبراء.
فإذا وقع الاستبراء بما قلناه لم يخل من أحد أمرين: إما أن تظهر أمارات الحمل
156

أو لا تظهر، فإن لم تظهر حكمنا بوقوع الطلاق لأنها كانت حائلا حين اليمين، فإن
كان الاستبراء بالأقراء فقد انقضت عدتها، وإن كان بقرء واحد أضافت إليه قرءين
آخرين، فإن ظهرت أماراته وعلاماته في مدة الاستبراء أو بعده وقبل حكم الحاكم
بطلاقها، توقفناه في طلاقها حتى يتبين الأمر.
فإن كانت حائلا حكمنا بوقوع الطلاق، وإن وضعت نظرت: فإن كان لأقل من
ستة أشهر من حين اليمين لم يقع الطلاق، لأنها بانت حاملا حين يمينه، وإن
وضعت لأكثر من تسعة أشهر عندنا، وعند قوم أربع سنين من حين يمينه وقع الطلاق
لأنه أكثر مدة الحمل، وبان أنها حملت بعد اليمين فوقع الطلاق.
وإن أتت به لتمام أكثر المدة من حين اليمين، نظرت: فإن لم يكن وطئها بعد
اليمين فلا طلاق، لأن الظاهر أنها حامل حين اليمين، وإن كان وطئها فاتت بولد
بعد الوطء، فإن كان لأقل من ستة أشهر من حين الوطء، فالحكم كما لو لم يطأها
لأنه لا يمكن حدوثه من هذا الوطء، وإن كان لستة أشهر من حين الوطء ففيها
وجهان: أحدهما يقع الطلاق لأن الظاهر حدوثه من الوطء، والثاني لا يقع لأنه
يحتمل حدوثه فيقع الطلاق، ويحتمل كونه حين اليمين فلا يقع، ولا يوقع الطلاق
بالشك، هذا إذا حلف قبل أن يستبرئها.
فأما إن كانت يمينه بعد أن يستبرئها، أو لم يكن وطئها فهل يعتد بما سلف من
الاستبراء؟ فيه وجهان: أحدهما يعتد به وهو الأقوى، والثاني لا يعتد به.
فإذا قيل: لا يعتد به، فهو كما لو حلف قبل أن يستبرئها وقد مضى، وإذا قيل: يعتد بذلك
الاستبراء، فالحكم فيما بعد يمينه كالحكم في المسألة الأولى بعد حصول الاستبراء حرفا بحرف.
وإن قال عكس ذلك: إن كنت حاملا فأنت طالق، فإن كانت حاملا وقع
الطلاق، وإن كانت حائلا لم يقع ويعلم ذلك بالاستبراء، فلا يخلو من أحد أمرين:
إما أن يحلف قبل أن يستبرئها أو بعده.
فإن حلف قبل الاستبراء فإنه يستبرئها، وبما ذا يستبرئها؟ على ما مضى من ثلاثة
157

أقراء أو قرء واحد فيه قولان أحدهما حيض، والآخر طهر على ما مضى، وأما الوطء
بعد اليمين وقبل الاستبراء فإنه يحرم لتجويز الأمرين.
فإذا استبرأها وكانت حائلا لم يقع الطلاق، وإن بانت حاملا صبر حتى تضع،
فإن وضعت لأقل من ستة أشهر من حين اليمين وقع الطلاق لأنها حامل حين
اليمين، وإن وضعت لأكثر من تسعة أشهر أو أكثر من أربع سنين من حين اليمين
على الخلاف، لم يقع لأنها حائل حين اليمين.
وإن وضعت لستة أشهر إلى تمام تسعة أشهر أو أربع سنين، فالظاهر أنها حامل
حين عقد اليمين، فهل يقع أم لا؟ لا يخلو الزوج من أحد أمرين:
إما أن يكون وطئها أو لم يطأها.
فإن لم يكن وطئها فهل يقع الطلاق أم لا؟ على وجهين: أحدهما يقع، لأن
الظاهر أنها حائل، والثاني لا يقع لاحتمال الأمرين.
وإن كان وطئها فإن أتت به لأقل من ستة أشهر من حين اليمين كان وجود الوطء
وعدمه سواء، لأنه لا يمكن حدوثه من هذا الوطء، وإن أتت به لستة أشهر من حين
الوطء، قال قوم: لا يقع، لأن الظاهر حدوثه منه، ولأنه محتمل، فلا يوقع الطلاق
بالشك ولا يلحق الولد بالشك.
فأما إن حلف بعد الاستبراء فهل يعتد به أم لا؟ على وجهين على ما مضى
لو حلف قبل الاستبراء، إلا في فصل وهو أن الوطء بعد عقد اليمين كما يحكم بعد
عقد اليمين وقبل الاستبراء، لأن الاستبراء قد وقع، وكان الظاهر أنها حائل، فالحكم
على ما مضى.
وإن قلنا: يعتد بذلك الاستبراء، فالحكم فيه بعد عقد اليمين كما يحكم بعد
عقد اليمين وبعد الاستبراء، إذا لم يكن استبرأها وقد مضى.
ولو أعطته زوجته مائة دينار على أنها طالق إن كانت حاملا فإن كانت حائلا لم
يقع الطلاق، والمائة لها، لأن الصفة ما وجدت، وإن كانت حاملا حين الطلاق وقع
الطلاق لوجود الصفة، وسقط المسمى ووجب مهر المثل، لأنه طلقها على مائة
158

وعلى أنها حامل، فكان لكونها حاملا قسط من العوض، فسقط ذلك القسط وصار
العوض مجهولا، وعندنا لا يقع أصلا والمائة لها لأنه معلق بشرط.
إذا قالت له واحدة من نسائه: طلقني، فقال نسائي طوالق، فلا يخلو من أحد
أمرين: إما أن يكون له نية أو لا نية له.
فإن لم تكن له نية فعندنا لا يقع شئ أصلا، وعندهم تطلق كل امرأة له والسائلة
معه، وقال بعضهم: يطلقن جميعهن إلا السائلة لأنها طلبت الطلاق فعدل عن
المواجهة إلى الكناية فعلم أنه قصد طلاق غيرها.
وإن كانت له نية فإن أخرج السائلة عن الجملة فإنها لا تطلق عندنا، وقال
بعضهم: تطلق، وقال بعضهم: لا تطلق فيما بينه وبين الله تعالى، وقال بعضهم:
إنها لا تطلق أصلا كما قلناه.
إذا قال لها: إن حضت فأنت طالق، عندنا لا يقع لأنه معلق بشرط، وعندهم
إذا رأت الدم في وقت يجوز أن يكون حيضا وقع الطلاق في الظاهر، كما حكم
بالحيض في منع الصلاة والصوم والوطء، فإن اتصل بها أقل أيام الحيض على
الخلاف فيه فقد استقر وقوعه، وإن انقطع لأقل من ذلك واتصل الانقطاع خمسة
عشر يوما لم يقع.
فإن قال لها: إن حضت حيضة فأنت طالق، فعندنا مثل الأولى لا يقع،
وعندهم علق طلاقها بوجود كل الحيضة، فإذا رأت الدم لم تطلق حتى تطهر عنه،
فإذا طهرت طلقت لأنها حاضت حيضة ووقع الطلاق مباحا لأنه في طهر ما جامعها
فيه، وفي الأولى وقع محرما لأنه في زمان الحيض.
وإن قال: كلما حضت فأنت طالق، فعندنا لا يقع شئ أصلا، وعندهم إذا
رأت الدم من الحيضة طلقت طلقة، فإذا طهرت ثم رأت الدم في الثانية طلقت أخرى
فإذا طهرت ثم رأت الدم من الحيضة الثالثة طلقت وبانت، وبقى لها من العدة قرء
تأتي به، وقد انقضت عدتها، وهو أن ترى الدم من الحيضة الرابعة.
فإن قال لها: كلما حضت حيضة فأنت طالق، فعندنا لا يقع لما قلناه،
159

وعندهم إذا حاضت وطهرت طلقت واحدة، وكذلك في الثانية والثالثة، ويبقى لها
قرء من عدتها تأتي به وقد انقضت عدتها مثل ما تقدم ذكره، فالعدة في المسألتين
واحدة، والخلاف في حكم الطلاق، فإن الطلاق في هذه مباح وفي الأولى محظور.
فإن قال لها: إن حضت حيضة فأنت طالق فإذا حضت حيضتين فأنت طالق،
فإذا حاضت حيضة فقد طلقت طلقة، وإن حاضت أخرى طلقت أخرى لأن هذه
والأولى حيضتان، وعندنا أنها لا تقع أصلا لما مضى.
فإن قال: إذا حضت حيضة فأنت طالق، ثم إذا حضت حيضتين فأنت طالق،
فإذا حاضت حيضة طلقت طلقة لوجود الصفة، فإذا حاضت أخرى لم تطلق لأنه
علق الثانية بوجود حيضتين بعد الحيضة الأولى فلا تطلق الثانية حتى تحيض
حيضتين بعد الحيضة الأولى، فإذا حاضت الثالثة طلقت الثانية.
إذا قال لها: إذا حضت فأنت طالق، ثم قالت: قد حضت، فعندنا لا يقع
أصلا لما تقدم، وعندهم إن صدقها طلقت، وإن كذبها فالقول قولها مع يمينها لأن
الحيض لا يعلم إلا من جهتها.
ولو قال لها: إذا ولدت فأنت طالق، وإذا دخلت الدار فأنت طالق، فقالت:
قد ولدت، وأنكر الزوج، كان القول قوله، لأن وجود الولادة يتوصل إلى ثبوته من
غيرها لأنه يمكن إقامة البينة عليه، وكذلك دخول الدار، وكذلك إن قال: إن عزمت
على الحج أو نويت سفرا فأنت طالق، فقالت: قد نويت سفرا، فأنكر كان القول
قولها، لأن الغرم والنية لا يتوصل إليهما إلا من جهتها كالحيض وعندنا هذه والأولى
لا يقع أصلا لما تقدم.
إذا كان له زوجتان حفصة وعمرة، فقال لحفصة: إن حضت فعمرة طالق،
فقالت حفصة: قد حضت، فإن صدقها طلقت عمرة، وإن كذبها لم يقبل قولها
عليه في وقوع طلاق عمرة لأنه لا يقبل قولها في وقوع طلاق غيرها، ولا تستحلف على
ذلك، لأنه لا حق لها في طلاق عمرة ولا يستحلف الغير في إثبات حق على غيره،
160

وبقى النزاع بين عمرة وزوجها فعمرة تقول: حاضت حفصة وطلقت، وقال الزوج:
ما حاضت ولا طلقت، فالقول قول الزوج لأن الأصل بقاء الزوجية، وعلى هذا كل ما
يرد من هذه المسائل.
إذا قال لحفصة: إن حضت فأنت وعمرة طالق، ثم قالت حفصة: قد حضت،
فإن صدقها طلقت هي وعمرة، وإن كذبها فالقول قولها، فإذا حلفت طلقت هي،
وأما عمرة فلا تطلق لأنا نقبل قولها في حيض نفسها ولا نقبل في حيض غيرها.
قال لحفصة والعمرة: إن حضتما فأنتما طالقتان، ثم قالتا: قد حضنا، فإن
صدقهما طلقتا، لأنه قد وجد الشرطان في حق كل واحد منهما بإقرارهما وتصديقه،
وإن كذبهما لم تطلق واحدة منهما، لأن قول كل واحدة منهما يقبل في حيضها في
طلاق نفسها، ولا يقبل في طلاق غيرها، فوجد في كل واحدة منهما شرط واحد فلم
تطلق.
وإن كذب إحديهما وصدق الأخرى طلقت التي كذبها، لأنه قد وجد الشرطان
في طلاقها، فإنا قبلنا قولها في حيضها في طلاق نفسها، فثبت شرط، وقبلنا قوله في
حيض الأخرى في طلاق التي كذبها فوجد الشرط الثاني فطلقت.
وأما التي صدقتها فلا تطلق، لأنه إنما وجد شرط واحد في طلاقها، وهو
قبول قولها في حيضها في طلاق نفسها، ولم يوجد الشرط الثاني، لأنا لا نقبل قول
التي كذبها في حيضها في طلاق غيرها، فلهذا طلقت التي كذبها دون التي
صدقها.
وعندنا أنه لا يقع الطلاق بواحدة منهما على حال، صدقهما أو كذبهما، أو
صدق إحديهما وكذب الأخرى، لأنه معلق بشرط.
إذا قال لهما: إن حضتما حيضة فأنتما طالقتان، قيل فيها وجهان: أحدهما لا
تطلقان لأنه علق طلاقهما بصفة محال لأن من المحال أن تحيضا معا حيضة
واحدة، والثاني سقط قوله حيضة، ويكون كقوله إن حضتما فأنتما طالقتان، لأن قوله
إن حضتما تعليق الطلاق بحيضهما، وقوله بعد هذا حيضة محال فيلغو قوله حيضة
161

ويبقى قوله إن حضتما فأنتما طالقتان، وقد مضى القول فيه، وعندنا هذه المسألة
مثل الأولى في أنه لا يقع لما تقدم.
إذا كان له أربع نسوة فقال: إن حضتن فأنتن طوالق، فقد علق طلاق كل واحدة
منهن بأربع شرائط: حيضتها وحيض صواحبها، ثم قلن: قد حضنا، فعندنا لا يقع
الطلاق بواحدة منهن لما تقدم، وعندهم إن كذبهن لم تطلق واحدة منهن، لأن قول
كل واحدة منهن يقبل في طلاقها في حيض نفسها، ولا يقبل على غيرها، فوجد في
كل واحدة منهن شرط واحد فلم يقع الطلاق.
فإن صدق واحدة وكذب البواقي لم تطلق واحدة منهن أيضا لأن التي صدقها
وجد في حقها شرط واحد، وهو قبول قولها في حيضها في طلاق نفسها، ولم توجد
الشروط الأخر، لأنه كذب البواقي، وأما اللواتي كذبهن فوجد في كل واحدة منهن
شرطان قبول قولها في حيضها في طلاق نفسها، وثبوت حيض التي صدقها في
حقهن.
فإن صدق اثنتين وكذب اثنتين لم تطلق واحدة منهن أيضا، لأن الاثنتين اللتين
صدقهما وجد في طلاق كل واحدة منهما شرطان، قبول قولها في حيضها في طلاق
نفسها وثبوت حيضها في حق صاحبتها باعترافه، وأما اللتان كذبهما فقد وجد في
طلاق كل واحدة منهما ثلاثة شروط قبول قولها في حيضها في حق نفسها، ولكل
واحدة منهما صاحبتان صدقهما الزوج في حيضهما، فوجد في حق كل واحدة منهن
ثلاثة شروط.
فإن صدق ثلاثا وكذبت واحدة لم تطلق واحدة من المصدقات، لأنه إنما وجد
ثلاثة شروط في حق كل واحدة منهن، وهو قبول قولها في حيضها في طلاق نفسها
ولكل واحدة منهن صاحبتان قد اعترف الزوج بحيضهما، فوجدت ثلاثة شروط فلم
تطلق واحدة منهن وطلقت التي كذبها، لأنه وجد في طلاقها كل الشرائط وهي قبول
قولها في حيضها في طلاق نفسها، ولها ثلاث صواحبات قد صدقهن الزوج فلهذا
طلقت.
162

فإن صدقهن كلهن طلقن كلهن لأنه قد وجدت الشرائط الأربعة في حق كل
واحدة منهن، قبول قولها في حيضها في طلاقها، ولكل واحدة منهن ثلاث
صواحبات قد صدقهن الزوج.
إذا كان له أربع نسوة قال لهن: أيتكن حاضت فصواحباتها طوالق، ثم قلن: قد
حضنا، فإن كذبهن لم تطلق واحدة منهن، لأنا لا نقبل قولها في حيضها في طلاق
غيرها كما قلنا في المسألة الأولى.
فإن صدق واحدة وكذب البواقي لم تطلق التي صدقها لأنا لا نقبل قول غيرها في
حيضها في طلاقها، وطلقن المكذبات طلقة، لأنه قد ثبت حيض المصدقة
باعترافه.
فإن صدق اثنتين وكذب اثنتين طلق كل واحدة من المصدقتين طلقة طلقة لأن
لكل واحدة منهما صاحبة قد صدقها الزوج في الحيض، وطلقت كل واحدة من
المكذبتين طلقتين، لأن لكل واحدة منهما صاحبتين قد صدقهما الزوج في
الحيض.
فإن صدق ثلاثا وكذب واحدة طلقت كل واحدة من المصدقات طلقتين، لأن
لكل واحدة منهن صاحبتين قد صدقهما الزوج، وطلقت المكذبة ثلاثا لأن لها ثلاث
صواحبات قد حضن.
فإن صدقهن كلهن طلقن ثلاثا ثلاثا لأن لكل واحدة ثلاث صواحبات قد
صدقهن الزوج.
وعندنا أن هذه مثل الأولى في أنه لا تطلق واحدة منهن بحال لأنه معلق بشرط.
له ثلاث زوجات قال لهن: أيتكن حاضت فصواحباتها طوالق، فالحكم فيها
كالحكم في التي قبلها سواء، إن كذبهن لم تطلق واحدة منهن، وإن صدق واحدة لم
تطلق وطلقت المكذبتان طلقة طلقة، وإن صدق اثنتين طلقت
كل واحدة منهما طلقة، والمكذبة طلقتين، فإن صدقهن كلهن طلقت كل واحدة منهن طلقتين، لأن
لكل واحدة منهن صاحبتين قد صدقهما الزوج، وعندنا هذه مثل التي تقدم سواء
163

لا يقع بواحدة منهن الطلاق بحال لما تقدم.
فصل: فيما يقع به الطلاق وما لا يقع:
صريح الطلاق عندنا لفظة واحدة وهو قوله: " أنت طالق أو هي طالق أو فلانة
طالق " ويحتاج إلى مقارنة النية له، فإن تجرد عن النية لم يقع به شئ، ولا يقع بشئ
من الكنايات طلاق نوى أو لم ينو بحال.
وقال بعضهم: صريح الطلاق ما وقع الطلاق بمجرده من غير نية، والكناية
ما لا يقع الطلاق به إلا بنية، فإذا قال: سرحتك أو أنت مسرحة أو فارقتك أو أنت
مفارقة أو طلقتك أو أنت طالقة أو مطلقة، كل ذلك صريح، وعندنا أن قوله " أنت
مطلقة " إخبار عما مضى فقط، فإن نوى به الإيقاع في الحال فالأقوى أن نقول إنه يقع
به.
وقال بعضهم: هو كناية، وقال بعضهم: إذا قال: طلقتك من وثاقك أو
سرحتك إلى أهلك أو فارقتك مسافرا إلى كذا وكذا، لم يقع الطلاق في الحكم، ولا
فيما بينه وبين الله، لأن صريح الطلاق ما تجرد عن قرينة.
وجملة ذلك إذا قال: طلقتك، نظرت:
فإن قال: نويت بها الطلاق، وقع عندنا به الطلاق، وعندهم يكون ذكر النية
تأكيدا فإن قال: نويت بها الطلاق، كان صريحا.
وإن قال: نويت من وثاق، قبل عندنا على كل حال ظاهرا وباطنا، وعندهم
قبل فيما بينه وبين الله، ولا يقبل في الظاهر، وهكذا لو قال: أنت طالق، ثم قال
أردت أقول طاهر أو أنت فاضلة، أو قال: طلقتك، ثم قال: أردت أن أقول أمسكتك
فسبق لساني فقلت طلقتك، قبل منه عندنا على كل حال إذا قال ذلك عقيب الطلاق
أو في زمان العدة، فإن قال ذلك بعد خروجها من العدة لم يقبل في الظاهر وقبلناه
فيما بينه وبين الله، وعندهم يقبل فيما بينه وبين الله على كل حال ولا يقبل ظاهرا
بحال، لأنه يخالف الظاهر.
164

قد بينا أن كنايات الطلاق لا تقع بها فرقة، نوى أو لم ينو، ظاهرة كانت أو
باطنة بحال.
وقال بعضهم: الكنايات على ضربين، ظاهرة وباطنة، فالظاهرة " خلية وبرية
وبتلة وبائن وحرام " والخفية كثيرة منها " اعتدي واستبرئي رحمك - معناه حدث ما
يوجب براءة الرحم وهو الطلاق - وتقنعي - معناه حرم علي النظر إليك - وتجرعي
واذهبي واعزبي والحقي بأهلك، وحبلك على غاربك - ومعناه اذهبي فلست ممسكا
لك، مشتقا من طرح زمام الناقة على غاربها، وهو العنق لتذهب بغير قائد -. " فكل
هذه كنايات لا يقع الطلاق بمجردها من غير نية، سواء كان عقيب ذكر الطلاق أو لم
يكن عقيب ذكره، وسواء كان حال الرضا أو حال الغضب.
فإن نوى نظرت:
فإن تقدمت النية على لفظه أو تأخرت عنه لم يقع الطلاق وإنما يقع الطلاق إذا
قارنت النية لفظ الكناية، ويقع ما نوى سواء نوى واحدة أو اثنتين وكان رجعيا، وإن
نوى ثلاثا وقع ثلاثا، والمدخول بها وغير المدخول بها سواء.
وإذا قال: أنت واحدة، فيه وجهان: أحدهما تقع الثلاث والثاني تقع واحدة،
والأول عندهم هو الصحيح.
فإن قال: أنت الطلاق، فعندنا ليس بصريح والكناية لا نقول بها، وعندهم
على وجهين منهم من قال: هو صريح، ومنهم من قال: كناية.
وإذا قارنت النية شطر لفظ الكناية، الشطر الأول أو الثاني مثل أن يقول: أنت
بتة فقارنت النية الأول فيه وجهان: أحدهما يقع إذا بقي حكمها، وهو الأظهر، والآخر
لا يقع إلا بمقارنة النية لجميعه، وكذلك في الشطر الآخر، والذي يجب أن يقال على
هذا المذهب أن النية متى لم تقارن أول جزء من اللفظ فلا حكم لها ولا يجب مقارنتها
لجميع اللفظ.
إذا قال لها: كلما أكلت نصف رمانة فأنت طالق وكلما أكلت رمانة فأنت
طالق، فأكلت رمانة طلقت ثلاثا عندهم، لأنه علق الطلاق بصفتين، نصف الرمانة
165

على التكرار وكل الرمانة، فإذا أكلتها تكرر منها أكل النصف لأنه أكل نصفها ونصفها
الثاني فطلقت طلقتين، وبأكل النصفين أكل كلها فوقعت الثالثة، وعندنا لا يقع منه
به شئ أصلا لأنه معلق بشرط.
فإن جعل ذلك نذرا فقال: لله علي عتق رقبة كلما أكلت نصف رمانة، وكلما
أكلت رمانة عتق رقبة، فإنه يلزمه ثلاث رقبات لما مضى.
فإن لم يقل " كلما "، بل قال: إذا أكلت نصف رمانة فأنت طالق، فأكلت رمانة
طلقت طلقتين: طلقة بأكل النصف الأول، وطلقة بأكل كلها، لأنه لم يعلقه بلفظ
يقتضي التكرار، كقوله: إذا دخلت الدار فأنت طالق، فإذا دخلت طلقت واحدة،
فإن دخلت مرة أخرى لم يقع، لأن الصفة لم تكن على التكرار، والأول فيه لفظة كلما
وهو يقتضي التكرار، فلأجل ذلك تكرر الطلاق وهكذا نقول في العتق وفي النذر وإن
لم نقل به في الطلاق لما مضى.
إن قال: إن كلمت رجلا فأنت طالق، وإن كلمت زيدا فأنت طالق، وإن
كلمت فقيها فأنت طالق، فكلمت زيدا الفقيه طلقت ثلاثا لأن الصفات كلها
قد وجدت، وهكذا لو قال: إن دخلت دارا فأنت طالق، وإن دخلت دار زيد
فأنت طالق وإن دخلت دار الفقيه فأنت طالق، فدخلت دار زيد الفقيه
طلقت ثلاثا.
والأصل فيه كلما علق الطلاق بصفات متفرقة فإذا وجد شخص يشتمل عليها
كلها وقع بكل صفة فيه طلقة، فإذا كانت فيه ثلاث صفات وقع ثلاث طلقات، وهذا
أصل، وهكذا يجب أن نقول في النذر سواء.
إذا قال لها: أنت حرة أو أعتقتك، ونوى الطلاق، كان طلاقا عندهم، وعندنا
ليس بشئ.
كل ما كان صريحا في الطلاق فهو كناية في الإعتاق، وكل ما كان كناية في
الطلاق فهو كناية في العتق، وفيه خلاف، وعندنا أن جميع ذلك ليس بشئ، والعتق
لا يقع أيضا إلا بصريح لفظ على ما نبينه، ولا يقع بشئ من الكنايات.
166

إذا قال لزوجته: أنا منك طالق، عندنا لا يقع به شئ، وقال بعضهم: يكون
ذلك كناية يقع به ما نوى من واحدة أو ثنتين أو ثلاث، وقال بعضهم: ليس هذا كناية
أصلا وإن نوى ما نوى، وأما قوله: أنا منك بائن أو حرام فلا خلاف بينهم أنه كناية.
وإذا قال: أنا منك معتد، كان كناية عند بعضهم، ولا يكون عند غيرهم،
وعندنا أن جميع لك ليس بشئ.
إذا قال: أنت طالق، فهو صريح، ولا يصح أن ينوي به أكثر من طلقة واحدة،
فإن نوى أكثر وقعت واحدة عندنا، وقال بعضهم: إن لم يكن له نية وقعت واحدة،
وإن كانت له نية وقع ما نوى، وهكذا كل الكنايات يقع ما نوى وفيه خلاف.
إذا قال: أنت طالق طلاقا أو أنت الطلاق أو أنت طالق الطلاق، فعندهم أنها
كنايات يقع به ما نوى، وعندنا لا يقع به شئ إلا بقوله أنت طالق طلاقا، إذا نوى،
ويكون قوله طلاقا تأكيدا.
إذا كتب بطلاقها ولا يتلفظ ولا ينويه فلا يقع به شئ بلا خلاف، وإذا تلفظ به
وكتبه وقع باللفظ، فإذا كتب ونوى ولم يتلفظ به فعندنا لا يقع به شئ إذا
كان قادرا على اللفظ فإن لم يكن قادرا وقع واحدة إذا نواها لا أكثر منه، ولهم فيه قولان:
أحدهما يقع، والثاني أنه لا يقع، وروى أصحابنا أنه إن كان مع الغيبة فإنه يقع، وإن
كان مع الحضور فلا يقع، وإذا قيل لا يقع، فلا تفريع، فإن قيل يقع فيه ثلاث
مسائل.
أولاها: إذا كتب إذا أتاك كتابي فأنت طالق، فقد علق الطلاق بوصول الكتاب
إليها، فإن ضاع في الطريق لم يقع، لأن الشرط لم يوجد، وإن وصل الكتاب سليما
وقع، وإن ذهبت حواشيه وبقى المكتوب وقع، لأن الكتاب وصل، وإنما ذهب
البياض، وإن امتحت الكتابة ووصل الكتاب أبيض لم يقع، لأنه إنما وصل قرطاس
لا كتاب، وإن امتحت بعض الكتابة فإن كان امتحى موضع الطلاق لم يقع، لأن
المقصود لم يصل، وإن امتحى غير موضع الطلاق وبقى موضع الطلاق بحاله فيه
وجهان: أحدهما يقع لأن المقصود قد وصل، والآخر إن كان كتب إذا أتاك كتابي
167

فأنت طالق، وقع، وإن كتب إذا أتاك كتابي هذا فأنت طالق لم يقع، لأنه يقتضي
وصول جميع الكتاب، وما وصل، ويجب أن نقول بجميع ذلك إذا كان نذرا في
عتق.
فرع:
إذا قال لها: إذا وصل إليك طلاقي فأنت طالق، وكتب إليها بالطلاق وقرأه أو
نواه على أحد القولين، فإذا وصل الكتاب إليها طلقت طلقتين، لأنه علق طلقة
بوصول الطلاق، وطلقة بوصول الكتاب، وقد اجتمعا.
الثانية: أن يكتب أما بعد فأنت طالق، وقرأه ونواه على أحد القولين فقد نجز
الطلاق، وإنما يقصد بالكتاب إعلامها وقوع الطلاق، فإذا وصل الكتاب حكم بأن
الطلاق وقع من حين اللفظ، والعدة من ذلك الوقت، وإن ضاع الكتاب في الطريق
فأخبرها به مخبر وثبت عندها صحته طلقت لأن الطلاق قد تنجز وإنما يحتاج أن
يثبت صحته عندها.
الثالثة: إذا شهد شاهدان عليه بأن هذا خطه فلا يصح منهما أن يشهدا حتى
شاهداه وقد كتب، ولا يغيب عنهما حتى يشهدا به، لأن الخط يشبه الخط ويختلط،
ولا يجوز الشهادة مع الاحتمال، فإذا شهدا عند الحاكم وثبت أنه خطه لم يلزمه
الطلاق حتى يقرأ بأنه نواه أو تلفظ به، لأنه لو أقر بأنه خطه لم يقع به الطلاق حتى يقر
بأنه نواه أو تلفظ به.
إذا أراد الرجل أن يطلق زوجته فهو بالخيار بين ثلاثة أشياء: إن شاء طلقها
بنفسه، وإن شاء وكل في طلاقها، وإن شاء جعل الأمر إليها حتى تطلق نفسها، هذا
عند المخالف.
فإذا باشر الطلاق فقد ذكرنا حكمه، وإن وكل فالحكم فيه ظاهر، وإن أراد أن
يجعل الأمر إليها فعندنا لا يجوز على الصحيح من المذهب، وفي أصحابنا من
أجازه، وعند المخالف يجوز ذلك بالصريح والكناية، فيقول لها: طلقي نفسك،
168

أو جعلت أمرك إليك، أو أمرك بيدك، فتملك بهذا تطليق نفسها، ويتعلق به
حكم.
فإذا خير زوجته فلا يخلو: إما أن تختار الزوج أو تختار نفسها، فإن اختارت
الزوج لم يقع بذلك فرقة بلا خلاف، وإن اختارت نفسها فلا يقع عندنا به طلاق نويا
أو لم ينويا، وعلى ما حكيناه عن بعض أصحابنا يقع إذا نويا ذلك، وعند بعض
المخالفين أنه كناية من الطرفين يفتقر إلى نية الزوجين، وفيه خلاف.
فإن عدمت النية منهما أو من أحدهما لم يقع عند بعضهم، فإن نويا معا
الطلاق ولم ينويا عددا وقع طلقة رجعية، وعند بعضهم بائنة.
وإن نويا عددا واتفقا على ذلك وقع ما اتفقا عليه من واحدة أو ثنتين أو ثلاثا،
وعند بعضهم لا يقع إلا واحدة مثل سائر الكنايات على مذهبه، وإن اختلفت نيتهما
في العدد وقع الأقل، لأنه متيقن مأذون فيه، وما زاد عليه مختلف فيه، هذا إذا جعل
الطلاق إليها بالكناية.
فأما إذا جعل إليها بالصريح، فإن ذلك لا يفتقر إلى النية.
وجملته أن الزوج إذا جعل الطلاق إلى زوجته وفوض ذلك إليها فلا يخلو من
ثلاثة أحوال: إما أن يوجد صريح الطلاق منهما، أو الكناية أو يوجد من أحدهما
الصريح ومن الآخر الكناية.
فإن وجد الصريح منهما وقع الطلاق ولم يفتقر إلى النية، وإن وجدت الكناية
منهما فلا بد من النية من الطرفين، فإن عدمت منهما أو من أحدهما لم يقع، وإن
وجد الصريح من أحد الطرفين والكناية من الآخر فالذي وجد منه الصريح لا يحتاج
إلى النية، وصاحب الكناية يحتاج إليها.
إذا قال لها: طلقي نفسك، فقالت: اخترت نفسي، ونوت به الطلاق وقع بها
الطلاق على قول أكثرهم، وقال بعضهم: لا يقع به لأنه جعل إليها صريح الطلاق
فإذا طلقت بالكناية لم يقع، والأول عندهم هو الصحيح.
إذا قال لها: طلقي نفسك، فإنه يصح أن تطلق نفسها ما دامت في المجلس
169

ولم يحدث أمر آخر، وقال بعضهم: يحتاج أن تطلق نفسها بحيث يكون ذلك جوابا
لكلامه، فإن أخرته لم يصح.
إذا خيرها ثم رجع قبل أن تختار صح رجوعه، وقال بعضهم: لا يصح.
إذا خيرها ثم اختلفا فقالت: اخترت، وقال: ما اخترته، فالقول قول الزوج حتى
تقيم المرأة البينة لأنه يمكن إقامة البينة عليه فلم يقبل قولها فيه.
وأما إذا اختلفا في النية فقال الزوج: ما نويت، وقالت: نويت، فالقول قولها
كالحيض، وقال بعضهم: القول قوله.
الوكالة في الطلاق صحيحة غير أن أصحابنا أجازوها مع الغيبة دون الحضور
فإذا وكل في طلاق زوجته فللوكيل أن يطلق في الحال، وله أن يؤخر كالبيع، ويفارق
التخيير فإن ذلك تمليك كالبيع.
المرأة إذا قالت: طلقتك أو طلقت نفسي، وقع الطلاق بهما عند المخالف، إلا
أن أحدهما صريح وهو قولها " طلقت نفسي " والآخر كناية وهو قولها " طلقتك ".
إذا قال لها: طلقي نفسك ثلاثا، فطلقت نفسها واحدة وقعت عند بعضهم،
وعند قوم لا تقع، وإن قال: طلقي نفسك واحدة، فطلقت ثلاثا وقعت، وقال
بعضهم: لا تقع.
فصل:
في ذكر القرائن والصلات والاستثناءات التي تتصل بالطلاق:
وهذه الأشياء على ثلاثة أضرب: أحدها لا يقبل في الظاهر ولا في الباطن،
والثاني يقبل في الظاهر والباطن، والثالث يقبل في الظاهر ولا يقبل في الباطن.
فأما الذي لا يقبل في الظاهر ولا الباطن، فهو ما يرفع الطلاق ويسقطه على ما
لا يمكن بناؤه عليه، مثل أن يقول: أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا، أو أنت طالق واحدة إلا
واحدة أو أنت طالق لست بطالق، فهذا إذا تلفظ به لم يقبل ولم يبن عليه الكلام
بلا خلاف، وإن نواه بقلبه قبل عندنا، ولم يقبل عندهم، لأن الاستثناء هو الذي يبين
170

المراد باللفظ مما ليس بمراد فيخرج بعض ما تناوله اللفظ، وهذا يرفع كل الطلاق فلم
يصح.
وهكذا حكم الإقرار لأنه إذا قال: لفلان علي عشرة إلا عشرة، لم يقبل
بلا خلاف، ولو قال عشرة إلا خمسة، قبل.
وأما الضرب الثاني الذي يقبل في الظاهر والباطن، فهو ما ينقل الطلاق من
حالة إلى حالة ووقت إلى وقت، مثل قوله: أنت طالق إذا دخلت الدار، أو أنت
طالق إذا جاء رأس الشهر، أو طالق من وثاق، فهذا إذا تلفظ به قبل، وإذا نواه قبل
عندنا، وعندهم يقبل فيما بينه وبين الله، لأنه ليس يرفع كله بوقوع غيره، وإنما ينقله
من وقت إلى وقت، وحالة إلى حالة، واللفظ محتمل.
وأما الضرب الثالث وهو الذي يقبل في الظاهر إذا تلفظ به، ولا يقبل في الباطن
إذا نواه، فهو أن يقول: أنت طالق إن شاء الله، أو أنت طالق ثلاثا الاثنتين، وإلا
واحدة، فهذا إذا تلفظ به وأظهره قبل بلا خلاف، وإذا نواه بقلبه قبل عندنا، وعندهم
لا يقبل لأن اللفظ أقوى من النية.
ويتفرع على هذا إذا كان له أربع نسوة فقال: أنتن طوالق، أو قال: طلقت
نسائي، ثم قال: أردت بعضهن، قبل ذلك منه لأنه وإن كان له لفظ عام فإنه يصلح
للخصوص، وإن قال: أربعتكن طوالق، ثم قال: أردت بعضهن لم يقبل لما قلناه.
وإذا قال: كلما طلقتك طلاقا أملك فيه الرجعة، فأنت طالق قبله ثلاثا، فإنه إن
طلقها طلقة أو طلقتين وهي مدخول بها لم تطلق عندهم، لأنه متى وقع عليها الطلاق
اقتضى أن تثبت فيه الرجعة، وإذا ثبتت فيه الرجعة، وقع الثلاث وإذا وقع الثلاث، لم
تثبت الرجعة، وإذا لم تثبت الرجعة لم تقع الثلاث، فوقوع أحدهما ينافي الآخر، فلم
يقع.
والذي يقتضيه مذهبنا أنه يقع ما يباشرها وهي طلقة واحدة، ويثبت له الرجعة
فلا يقع الثلاث قبلها، لأنها معلقة بشرط فيبطل، فأما إن طلقها طلقة أو طلقتين وهي
غير مدخول بها أو طلقها ثلاثا أو خالعها، فإن ذلك يقع عندهم لأنه لا يثبت به
171

رجعة.
وعلى هذا قالوا: إذا أراد الرجل أن لا يقع طلاقه على زوجته فالحيلة فيه أن
يقول لها: كلما وقع عليك طلاق فأنت طالق قبله ثلاثا، فإنه متى طلقها لم يقع عليها
الطلاق، لأن وقوع الطلاق عليها يقتضي أن يقع قبله ثلاثا وإذا وقع قبله ثلاثا لم يقع
هذا، لأن هذا يصادف أجنبية، فإذا لم يقع هذا لم تقع الثلاث، فيتنافى ذلك فلم
يقع عليها الطلاق، وهذه الحيلة لا تنفع على مذهبنا، لأن ما يوقعه في المستقبل يقع
ولا يجب أن يقع قبله ما شرطه، لأنه معلق بشرط، وذلك لا يصح.
إذا قال لزوجته حرة كانت أو أمة: أنت علي حرام، فإنه لا يؤثر شيئا سواء نوى
طلاقا أو تحريما أو يمينا، وعلى كل حال، وقال بعضهم: إن نوى طلاقا كان طلاقا
فإن لم ينو عددا وقعت طلقة رجعية، وإن نوى عددا كان على ما نواه، وإن نوى
ظهارا كان ظهارا، وإن نوى تحريم عينها لم تحرم ويلزمه كفارة يمين، ولا يكون ذلك
يمينا لكن يجب به كفارة يمين، وإن أطلق ففيه قولان: أحدهما أنه يجب به كفارة
ويكون صريحا في إيجاب الكفارة، والثاني لا يجب به شئ.
فإن قال ذلك لأمته ونوى عتقها، عندنا لا تنعتق به، وعندهم تنعتق، وإن نوى
تحريم عينها لم تحرم، ولا يلزمه كفارة عندنا وعندهم يلزمه، وإن أطلق فعلى قولين
كالحرة وفيه خلاف.
إذا قال: كل ما أملك علي حرام، فعندنا لا حكم له أصلا، ولا يتعلق به حكم
ولا كفارة، وعندهم لا يخلو: إما لا يكون له إلا المال فحسب أو كان يملك المال وله
زوجات وإماء.
فإن لم يكن له إلا المال فإنه لا يتعلق به حكم عند بعضهم مثل ما قلناه، وقال
قوم: هو يمين فمتى انتفع بشئ من ماله لزمته كفارة يمين.
وإن كان له مال وله زوجات، لم يتعلق عندنا أيضا به حكم ووافقنا في المال من
تقدم ذكره، وقال قوم: حكم الزوجات والإماء على ما مضى.
فإن لم يملك إلا امرأة واحدة، فإن نوى بذلك طلاقا كان طلاقا عنده، وإن نوى
172

ظهارا كان ظهارا، وإن نوى تحريم العين لم تحرم، ويلزمه كفارة يمين، وإن أطلق
فعلى قولين على ما مضى.
وإن كانت له زوجات جماعة وإماء فعندنا مثل ما تقدم ذكره، وعند بعضهم فيه
قولان كما لو ظاهر من جماعة نسوة بكلمة واحدة، فإن فيه قولين: أحدهما يلزمه
كفارة واحدة كاليمين إذا تعلق بجماعة وحنث، والثاني يجب به كفارة لكل واحدة.
إذا قال لزوجته: إصابتك علي حرام أو فرجك علي حرام أو أنت علي حرام،
فالحكم واحد عندنا، وعندهم على ما مضى من الخلاف.
إذا قال: أنت علي حرام، ثم قال: أردت إن أصبتك فأنت علي حرام، يريد أن
يؤخر الكفارة عن الحال إلى ما بعد، فلا يقبل منه في ظاهر الحكم، لكنه يدين فيما
بينه وبين الله، وعندنا يقبل منه، لأنه لو أراد التحريم لم يكن له حكم، وإن قال:
كالميتة والدم فهو كالحرام وقد مضى حكمه.
ألفاظ الطلاق على ثلاثة أضرب: أحدها صريح وقد مضى، وثانيها كناية وقد
مضى أيضا ذكرها، والثالث ليس بصريح ولا كناية، وهو ما لا يصلح للفرقة مثل قوله
" بارك الله فيك " و " اسقني ماء " و " ما أحسن وجهك " وما أشبه ذلك، فهذا لا يقع به
طلاق نوى أو لم ينو بلا خلاف.
إذا قال: كلي واشربي، ونوى به طلاقا لم يكن شيئا عندنا، وعند كثير منهم،
وقال بعض المتأخرين: يقع به الطلاق لأن معناه اشربي غصص الفرقة وطعمها.
إذا قال لغير المدخول بها: أنت طالق ثلاثا، وقعت عندنا واحدة بائنة،
وعندهم تقع الثلاث، وبمذهبنا قال داود.
إذا قال لغير المدخول بها: أنت طالق أنت طالق أنت طالق، فإنها تطلق بالأولة
وتبين ولا يلحقها طلقة ثانية ولا ثالثة بلا خلاف.
قد بينا أن الطلاق بشرط لا يقع أي شرط كان واجبا أو جائزا، وقال بعضهم: إذا
علق الطلاق بصفة لا يقع إلا بعد حصول الصفة، والصفة صفتان: صفة يجوز أن
173

تأتي ويجوز أن لا تأتي، وصفة تأتي لا محالة.
فالأولة مثل أن يقول: إن دخلت الدار فأنت طالق إذا كلمت زيدا، فلا يقع
الطلاق قبل وجود تلك الصفة بلا خلاف بينهم، وأما الصفة الواجبة فهو أن يقول: إذا
جاء رأس الشهر فأنت طالق، وإذا طلعت الشمس وإذا جاء السنة الفلانية وما أشبه
ذلك، قال قوم: لا يقع قبل وجود تلك الصفة، وقال بعضهم: يقع في الحال.
إذا قال لزوجته: إذا جاء رأس الشهر فأنت طالق، ثم قال لها: عجلت لك
الطلقة التي طلقتها، قال قوم: إن أراد تعجيل تلك الطلقة لم يقع ولا يتعجل في
الحال بل تطلق عند مجئ الشهر وإن لم يرد التعجيل وإن ما أوقع في الحال وقع في
الحال طلقة وفي الرأس طلقة أخرى، وعندنا يقع في الحال واحدة إذا قصدها، ولا
يقع رأس الشهر لما مضى.
إذا قال: أنت طالق في شهر كذا وكذا، فإنها تطلق عند دخول أول جزء منه وهو
أول جزء من ليلته عند قوم، وقال بعضهم: تطلق عند انقضائه وخروجه في آخر جزء
منه، فإن قال: أردت أن الطلاق يقع في اليوم أو في النصف الأخير من الشهر، لم
يقبل منه في ظاهر الحكم، ويقبل منه فيما بينه وبين الله تعالى.
وأما إذا قال: أنت طالق في غرة رمضان، أو قال: هلال رمضان أو في أول
رمضان أو في ابتداء رمضان أو استهلال رمضان، فإنها تطلق في أول جزء منه، فإن
قال: أردت أن الطلاق يقع عليها في النصف الأخير من الشهر، لم يقبل منه أصلا،
لكن إن قال: أردت إيقاع الطلاق في الأيام الثلاثة الأولة من الشهر، قبل لأن اسم
الغرة يقع على الثلاثة الأولة، فجاز حمله عليه، وعندنا أن جميع ذلك لا يقع فيه
الطلاق، لأنه معلق بشرط.
وإن جعل ذلك نذرا على نفسه وجب عليه الوفاء به، على ما مضى، أو قال:
في شهر كذا، لزمه عند دخول أول جزء منه من ليلته، وإن نوى خلاف ذلك كان على
ما نواه، وحكم الغرة وباقي الألفاظ على ما مضى سواء.
إذا قال: أنت طالق في آخر الشهر أو انسلاخ الشهر أو في خروج الشهر أو
174

انقضاء الشهر أو انتهائه، طلقت في آخر جزء من آخر الشهر، لأن ذلك هو آخر
الشهر وعندنا أن ذلك باطل في الطلاق لما مضى، وواجب في النذر عند ذلك.
إذا قال: أنت طالق في أول آخر رمضان، ففيه وجهان: أحدهما تطلق في أول
ليلة السادس عشرة فإن النصف الأخير هو آخر الشهر، وهذا أوله، والثاني أنها تطلق
في أول اليوم الأخير من الشهر، فإن كان تاما طلقت في أول يوم الثلاثين، وإن كان
ناقصا في أول يوم التاسع والعشرين، وهو الأقوى عندنا إذا اعتبرناه في النذر.
فإن كان بالعكس من هذا، فقال: أنت طالق في آخر أول رمضان، فمن قال:
إن آخر رمضان هو النصف الأخير، يقول: أوله النصف الأول، فتطلق في آخره وهو
آخر اليوم الخامس عشر، ومن قال: آخره اليوم الأخير، يقول: أوله اليوم الأول تطلق
في آخر هذا اليوم، وهو الأقوى عندنا إذا اعتبرناه في النذر.
فأما إن قال: أنت طالق في آخر أول آخر رمضان، فمن قال: إن الآخر هو
النصف الثاني يقول: أوله ليلة السادس عشر، فتطلق في آخر هذه الليلة، ومن قال:
هو اليوم الآخر، يقول تطلق في آخر هذا اليوم، وهو الأقوى عندنا في النذر وهكذا
ينبغي أن يحكم به في الإقرار بحق سواء.
إذا قال: إذا رأيت هلال رمضان فأنت طالق، فإذا رآه بنفسه طلقت، وإذا رآه
غيره، وأخبره بذلك الطلاق، يقع على قول بعضهم، وعلى قول الباقين لا يقع وهو
الأقوى إذا اعتبرنا ذلك في النذر أو الإقرار فينبغي أن نقول هما سواء، فإن قال: أردت
بذلك رؤيتي بنفسي، لم يقبل منه في الحكم عند من قال بالأول في الظاهر، ويقبل
فيما بينه وبين الله، فإن رأى الهلال بالنهار لم تطلق لأن هلال الشهر هو الذي يرى
في الليل، فأما ما يرى قبله فلا يكون هلال الشهر وهو الأقوى إذا اعتبرناه في النذر
والإقرار معا، وإن خرج الشهر وعد ثلاثين ولم ير الهلال لأجل غيم أو عارض وقع
الطلاق لأنه قد علم أن الهلال قد كان وإن لم ير.
إذا قال لامرأته: إذا مضت سنة فأنت طالق، فإنه يعتبر سنة هلالية اثني عشر
شهرا لأنها السنة الشرعية، ثم ينظر: فإن كان هذا القول قبل أن يمضي من الشهر
175

شئ فإنه يعتبر مضي اثنى عشر شهرا بالأهلة، وإن كان مضى من الشهر بعضه فإنه
يحسب ما بقي من الشهر، ويحسب بعد ذلك أحد عشر شهرا ثم يكمل على تلك
البقية ثلاثين يوما لأنه إذا مضى بعض الشهر بطل اعتبار الهلال واعتبر العدد، وهكذا
نقول في النذور والإقرار.
إذا قال: أنت طالق في الشهر الماضي، وقال: أردت إيقاع الطلاق الآن في
الشهر الماضي فعندنا قبل قوله، ولا يقع لأنه محال، وعندهم يقع في الحال وتلغو
الصفة، وقال بعضهم: لا يقع، مثل ما قلناه.
وأما إذا قال: أنت طالق إن طرت إلى السماء أو صعدت إليه، فعندنا لا يطلق
بحال وعندهم يقع إلا بعضهم، فإنه قال: لا يقع مثل الأولى، ومن فرق بينهما قال:
الأولى محال، والثاني مقدور لله تعالى، فجاز أن يقف وقوع الطلاق على الطيران
والصعود، وفي الأولى محال فوقع في الحال.
ومتى قال في هذه المسألة: لم يكن لي نية، عندنا لا يقع وعندهم يقع في
الحال، وإن فقد نيته إما بأن يخرس أو يجن أو يغيب، فعندنا لا يقع وعندهم يقع لما
مضى، وإن قال: أردت به أنه كان طلقها زوج غيري في الشهر الماضي أو أني كنت
طلقتها في الشهر الماضي في زوجية أخرى، عندنا قبل قوله، وعندهم ينظر في
المرأة: فإن صدقته فالقول قوله بلا يمين، وإن صدقته على أن الطلاق كان لكن قال
لم يرد هذا الطلاق بل أراد الطلاق الآخر، فالقول قول الرجل مع يمينه، وإن قالت:
لم يكن شئ من الطلاق الذي ادعاه، احتاج أن يقيم الزوج البينة على ذلك، فإن
أقامها كان القول قوله مع يمينه في أنه أراد ذلك الطلاق.
وإن قال: أردت أني كنت طلقتها في الشهر الماضي طلقة في هذه الزوجية،
فإن صدقته المرأة على ذلك قبل قوله بلا يمين، وإن كذبته فالقول قول الزوج.
إذا قال لزوجته: إذا طلقتك فأنت طالق، فلا تطلق عندنا في الحال ولا في
المستقبل بهذا القول، وعندهم لا تطلق في الحال، فإذا قال فيما بعد: أنت طالق،
طلقت طلقة عندنا بالمباشرة، وعندهم طلقتين، طلقة بالمباشرة وأخرى بالصفة،
176

وهكذا إذا علق ذلك بصفة أخرى.
فإن قال لها: إذا طلقتك فأنت طالق، ثم قال: أردت بقولي إذا طلقتك فأنت
طالق أن الطلاق يقع عليك إذا قلت أنت طالق ولم أرد به عقد صفة، فكأنه يريد أن
يوقع عليها طلقة واحدة بالمباشرة، عندنا يقبل منه، وعندهم لا يقبل في الظاهر،
ويقبل فيما بينه وبين الله.
فأما إذا قال لها: إن دخلت الدار فأنت طالق، ثم قال لها: إذا طلقتك فأنت
طالق، ثم دخلت الدار، فإنها تطلق طلقة بدخول الدار، ولا يقع عليها طلقة أخرى
بقوله أنت طالق، لأن قوله إذا طلقتك فأنت طالق تقديره إذا أحدثت عليك الطلاق
بعد هذا القول فأنت طالق، فإذا قال بعد ذلك: إذا دخلت الدار فأنت طالق، ثم
دخلت الدار فإن الطلاق يقع عليها بالصفة التي تقدمت هذه الصفة، فلم يكن
الطلاق حادثا عليها بعد عقد الصفة فلم يقع بها طلقة ثانية، وعندنا أنه لا يقع بذلك
شئ أصلا لأنه شرط بعد شرط فلا يقع به الطلاق.
فأما إذا قال: كلما طلقتك فأنت طالق، ثم قال لها: أنت طالق، فعندنا
وعندهم تطلق لقوله: أنت طالق، بالمباشرة، ولا يقع عندنا بالصفة شئ، وعندهم
تقع أخرى بالصفة ولا تقع طلقة ثالثة بوقوع الصفة الثانية عليها، لأنا بينا أن معناه إذا
أحدثت عليك الطلاق بعد هذا القول، والطلقة الثانية تقع بقوله كلما طلقتك فأنت
طالق، فلا يكون طلاقا حادثا بعد هذا القول بل يكون واقعا به.
إذا كان له زوجتان حفصة وعمرة، فقال: يا عمرة إذا طلقت حفصة فأنت
طالق، وقال: يا حفصة إذا طلقت عمرة فأنت طالق، فقد علق طلاق كل واحدة
منهما بطلاق صاحبتها إلا أنه عقد الصفة لعمرة قبل حفصة.
فإن بدأ فطلق عمرة طلقت طلقة بالمباشرة، وتطلق حفصة طلقة بالصفة، وهو
وقوع الطلاق على عمرة، ويعود الطلاق على عمرة فتطلق طلقة أخرى، لأن حفصة
طلقت بصفة تأخرت عن عقد صفة عمرة، فهو محدث الطلاق عليها بعد عقده
الصفة لعمرة فطلقت بذلك.
177

وإن بدأ فطلق حفصة طلقت طلقة بالمباشرة، وتطلق عمرة طلقة بالصفة، وهو
وقوع الطلاق على حفصة ولا يعود الطلاق على حفصة، لأن عمرة طلقت بصفة
تقدمت عقد الصفة لحفصة، فليس هو بمحدث الطلاق عليها بعد تطليقة حفصة،
فلم يقع عليها بذلك طلاق، وعندنا أنه يقع طلاق التي تباشر طلاقها، ولا يقع ما
علقه بصفة أصلا.
وإن كانت المسألة بعكس هذا، فقال لعمرة: إذا طلقتك فحفصة طالق، وقال
لحفصة: إذا طلقتك فعمرة طالق، فقد عقد الصفة لكل واحدة منهما وعلق طلاقها
بطلاق صاحبتها، إلا أنه عقد الصفة لحفصة قبل عمرة.
فإن بدأ فطلق حفصة، طلقت طلقة بالمباشرة، وتطلق عمرة طلقة بالصفة،
وهو وقوع الطلاق على حفصة ويعود الطلاق على حفصة، وإن بدأ فطلق عمرة
طلقت بالمباشرة وتطلق حفصة طلقة بالصفة ولا يعود الطلاق على عمرة لما مضى،
وعندنا أنها مثل الأولى سواء.
فإذا قال: كلما وقع عليك طلاقي فأنت طالق، ثم قالها " أنت طالق " فإنها
تطلق عندنا واحدة بالمباشرة لا غير، وعندهم تطلق ثلاثا طلقة بالمباشرة، وطلقة بوقوع
هذه الطلقة عليها، وطلقة بوقوع الثانية، ولو كان يملك مائة طلقة طلقت جميعا.
وهكذا إذا قال لها: كلما وقع عليك طلاقي فأنت طالق، ثم قال لها: إذا
دخلت الدار فأنت طالق، ثم دخلت الدار فإنها تطلق ثلاثا طلقة بالدخول وطلقة
بوقوع الطلقة عليها، وطلقة بوقوع الثانية.
وكذلك لو قال ابتداءا: إذا دخلت الدار فأنت طالق، ثم قال لها: كلما وقع
عليك طلاقي فأنت طالق، ثم دخلت الدار فإنها تطلق ثلاثا لأن الطلاق يقع عليها
بدخول الدار، وإن كان بصفة متقدمة، وعندنا لا يقع من جميع ذلك إلا ما باشره،
فأما ما علقه بصفة فإنه لا يقع على حال.
إذا قال لها: إذا وقع عليك طلاقي فأنت طالق، فهذه الصفة كالتي قبلها، غير
أنها لغير التكرار، والتي قبلها للتكرار، وفيها المسائل الثلاث.
178

إذا قال: إذا وقع عليك طلاقي فأنت طالق، فإن طلقها طلقت واحدة عندنا
بالمباشرة لا غير، وعندهم طلقت طلقتين إحديهما بالمباشرة وأخرى بالصفة، ولا
تقع الثالثة لأن الصفة انحلت بوقوع الطلاق عليها.
فإن قال: إذا وقع عليك طلاقي فأنت طالق، ثم قال: إذا دخلت الدار فأنت
طالق، فدخلت الدار طلقت طلقتين طلقة بالدخول وأخرى بوقوع الطلاق.
فإن كانت بحالها فقال: إذا دخلت الدار فأنت طالق، ثم قال: إذا وقع عليك
طلاقي فأنت طالق، فدخلت الدار وقع طلاقه عليها طلقة بدخولها، ووقع أخرى
بوقوع هذه، ولا تقع الثالثة لأن الصفة لطلقة واحدة والأولى للتكرار، وعندنا لا يقع
شئ أصلا.
وإن قال: إذا طلقتك فأنت طالق وإذا وقع عليك طلاقي فأنت طالق، فإذا قال
لها: أنت طالق، طلقت ثلاثا لأن بقوله " أنت طالق " وجدت الصفتان معا، وطلقت
طلقتين وتقع الثالثة بوقوع طلاقه عليها.
فإذا قال لها: كلما أوقعت عليك طلاقي فأنت طالق، فهذه صفة للتكرار، لكن
يقتضي أن يوقع هذا الطلاق عليها، وهو أن يباشرها بالطلاق، فأما إن وقع عليها
طلاقه بالصفة فقد وقع لكنه ما أوقعه وفيه ثلاث مسائل أيضا.
إذا قال: كلما أوقعت عليك طلاقي فأنت طالق، ثم قال لها: أنت طالق،
وقعت واحدة بإيقاعه عندنا وعندهم، وتقع عندهم الثانية بإيقاعه الأولى، ولا تقع
الثالثة لأنها وقعت بها، وما أوقعها هو.
فإن قال: إذا أوقعت طلاقي عليك فأنت طالق، ثم قال: إذا دخلت الدار فأنت
طالق، فدخلت الدار طلقت واحدة، ولا تطلق أخرى، لأن التي وقعت بدخول الدار
ما أوقعها.
فإن قال أولا: إذا دخلت الدار فأنت طالق، ثم قال: إذا أوقعت عليك طلاقي
فأنت طالق، فدخلت الدار، فعندنا لا تطلق أصلا، وعندهم تطلق طلقة ولا تطلق
غيرها، لأن التي وقعت بدخول الدار ما أوقعها.
179

وأما إن كانت غير مدخول بها في جميع المسائل، فقال: إذا طلقتك فأنت طالق
وإذا وقع عليك طلاقي فأنت طالق، ثم قال لها: أنت طالق، فإنها تطلق واحدة،
وتبين بلا خلاف، ولا يقع عليها طلاق بعد البينونة.
وكذلك إذا قال للمدخول بها: كلما وقع عليك طلاقي فأنت طالق، ثم خالعها
بعوض بانت، ولا يلحقها طلاق ثان، لأن البائن لا يلحقها طلاق، وإنما يلحق
الرجعية، فإن قال لغير المدخول بها: أنت طالق طلقة معها طلقة، وقعت عندهم
ثنتان وعندنا واحدة، ولو قال: إذا طلقتك فأنت طالق طلقة معها طلقة، ثم قال:
أنت طالق، وقعت واحدة عندنا، وعندهم ثنتان، وقال بعضهم في المسألتين: يقع
بها طلقة واحدة، لأنه أثبت الطلقة الثانية أصلا يقع به، فإذا وقع الأصل بانت فلا
يقع الثانية.
قالوا: وهذا غلط لأنه يصح أن يقول للمدخول بها: أنت طالق طلقة قبلها طلقة
وبعدها طلقة ومعها طلقة، فإذا قال: أنت طالق طلقة معها طلقة، فمعناه أنت طالق
طلقتين لأنه أوقعهما معا دفعة واحدة، فأما إذا قال لغير المدخول بها: أنت طالق
طلقة بعدها طلقة، طلقت طلقة بانت بها منه ولا تقع بها طلقة، لأنها بانت بالأولى
بلا خلاف، وإن قال لها: أنت طالق طلقة قبلها طلقة، فعندنا تقع واحدة بالمباشرة،
ولا تقع التي قبلها ولهم فيه وجهان.
فمن قال: " إذا قال: لزوجته كلما وقع عليك طلاقي فأنت طالق قبلها ثلاثا ثم
قال: أنت طالق، لم تقع بها الطلاق "، قال: هاهنا لا يقع بها طلاق أيضا لأنه
يقتضي أن تقع عليها طلقة بالمباشرة قبلها طلقة وإذا وقع قبلها طلقة لم تقع المباشرة
فإذا لم تقع المباشرة لم تقع قبلها فيتنافيان.
ومن قال: يقع، قال: تقع طلقة المباشرة وسقط قوله " قبلها طلقة " لأنا لو ثبتنا
وقوع طلقة قبلها جر ثبوتها إلى بطلان المباشرة فتبطل هي والمباشرة، وكل أمر يجر
ثبوته إلى سقوطه وسقوط غيره سقط في نفسه.
وعلى هذا يقول: " إذا قال: كلما وقع عليك طلاقي فأنت طالق قبله ثلاثا ثم
180

طلقها وقع طلاق " ويسقط قوله " فأنت طالق قبلها ثلاثا " وعندنا يقع في جميع ذلك
ما يباشره بنفسه دون ما يعلقه بصفة.
إذا كان له عبيد وزوجات، فقال لزوجاته: كلما طلقت واحدة منكن فعبد من
عبيدي حر وكلما طلقت اثنتين منكن فعبدان من عبيدي حران، وكلما طلقت ثلاثا
منكن فثلاثة أعبد من عبيدي أحرار، وكلما طلقت أربعا منكن فأربعة أعبد من عبيدي
أحرار.
فعندنا أنه إن جعل ذلك شرطا لم ينعتق به شئ من عبيده أصلا، لأن العتق
بالشرط لا يقع كالطلاق، وإن جعل ذلك نذرا على نفسه عند وقوع الطلاق فمتى
قال: أنتن طوالق، يعني أربعتهن أو طلق واحدة بعد الأخرى، فإنه يلزمه عتق خمسة
عشر لأنه علق عتق عبيده بآحاد زوجاته وأثانين زوجاته وثلاث ورباع، وقد وجدت
صفة الآحاد أربع مرات فعتق أربعة، ووجدت صفة الأثانين مرتين فعتق أربعة،
ووجدت صفة الثلاث مرة، فعتق ثلاثة ووجدت صفة الأربعة مرة فعتق أربعة، فصار
الكل خمسة عشر.
وهكذا قال المخالف ولم يفصلوا بين الشرط وبين النذر، وفيهم من قال: ينعتق
سبعة عشر، وهو غلط.
فصل: في ذكر حروف الشرط في الطلاق:
الحروف التي تستعمل في الطلاق سبعة " إن، وإذا، ومتى، ومتى ما،
وأي وقت وأي حين، وأي زمان " وهي تستعمل في الطلاق على ثلاثة أضرب:
الضرب الأول: إما أن تكون مجردة عن عطية حرف " لم " أو تكون معلقة بالعطية
بغير " لم " أو تستعمل بحرف " لم " فعندنا أن على جميع الوجوه لا يقع بها طلاق لأن
الطلاق بشرط لا يقع.
وعندهم إن تجردت عن عطية وحرف " لم " كقوله: إن طلقتك فأنت طالق أو إذا
طلقتك فأنت طالق أو متى طلقتك فأنت طالق، أو كانت الصفة غير الطلاق كقوله:
181

إن دخلت الدار، وإن لبست أو أكلت، فمتى تجردت عن عطية وحرف " لم " كانت
على التراخي.
فإذا قال: إن دخلت الدار فأنت طالق، فإن فيها وفي كل الحروف على التراخي
لأنه علق الطلاق بها بوجود فعل يحدثه، وأي وقت أحدث الفعل تعلق الحكم به.
فإن وجدت الصفة طلقت، وإن ماتا أو أحدهما قبل وجودها انحلت الصفة ولم
يقع الطلاق، لأن الصفة قد فاتت بموته، وهي تقتضي وجودها في حال الحياة وقد
زالت، وهكذا يجب أن نقول إن علق بذلك نذرا من عتق أو صيام أو غيرهما.
الضرب الثاني: إن علق الطلاق بها بعطية أو ضمان، فقال: إن أعطيتني ألفا
فأنت طالق، أو إذا، أو متى ما، أو متى، فالحكم في الضمان والعطية واحد، وفي
هذا الفصل على ضربين.
أحدهما: لا يكون على الفور، وهي متى ما، وأي وقت، وأي حين، وأي
زمان، متى ضمنت أو أعطت وقع الطلاق، وإن كان على التراخي، وهكذا نقول إذا
جعل ذلك نذرا.
ثانيهما: يكون على الفور، وهي إن وإذا، فإذا قال: إن أعطيتني ألفا فأنت
طالق، فإن أعطته على الفور وإلا بطل الإيجاب وكذلك في إذا.
والفرق بين هذين الحرفين وبين الخمسة هو أن " إن وإذا " لا يدلان على الزمان لا
على فور ولا تراخ، والمعاوضة تقتضي الفور من حيث الاستدلال فإذا علقت العطية
بها أخلصتها للفور، وليس كذلك " متى ومتى ما " لأن حقيقة هذه الحروف تشتمل كل
الزمان والمعاوضة تقتضي الفور استدلالا، فإذا علقت بها لم تنقلها عن حقيقتها
بالاستدلال، وهكذا يجب أن نقول إذا جعل نذرا.
ويقوى أيضا أن يكون ذلك مجرى ما تقدم في الحروف من أنها على التراخي،
وإنما منع المخالف من حيث المعاوضة قياسا على البيع، ونحن لا نقول بذلك.
فإذا تقرر هذا فكل موضع قلنا على الفور، فإن وجدت الصفة على الفور وإلا
بطل، وكل موضع قلنا على التراخي، فالعقد قائم بحاله، فإن وجدت الصفة وقع
182

الطلاق، وإن ماتا أو أحدهما قبل وجودها بطلت، لأنه فات وجودها.
الضرب الثالث: إذا دخل فيها حرف " لم " كقوله: إن لم أطلقك فأنت طالق،
وإذا ومتى وأخواتها مثل ذلك، ولا فصل في هذا بين العطية والضمان وغيرهما لا
يختلف الحكم فيه، لأن الصفة نفي الشئ وإعدامه، كقوله: إذا لم أفعل فأنت
طالق، فإذا كان كذلك لم يفترق الحال بين العطية وبين غيرها.
فإذا ثبت أنه لا فصل بينهما فهي على ضربين: أحدهما يكون على الفور، وهي
خمسة أحرف " متى " ومتى ما، وأي وقت، وأي حين، وأي زمان " فإذا قال: متى لم
تدخل الدار، متى لم أطلقك فأنت طالق، فإن مضى زمان يمكنه ذلك فلم يفعل وقع
الطلاق، لأن معناه أي وقت عدم دخولك الدار فأنت طالق، فإذا مضت مدة يمكنها
فلم تفعل عدم الوقت الذي يقع الدخول فيه، فلهذا لم يقع على الفور، وهكذا نقول
إذا جعل ذلك نذرا.
فأما " إن " و " إذا " فقال قوم أن " إن لم " على التراخي " وإذا لم " على الفور، وفي
الناس من قال لا فصل بينهما، وجميعها على القولين: أحدهما على التراخي والثاني
أن " إن لم " على التراخي و " إذا لم " على الفور.
والفصل بينهما هو أن " إذا " للزمان المستقبل حقيقة، فإذا قال: إذا لم أطلقك،
كان بمنزلة متى لم أطلقك فأنت طالق، وقد بينا أنها على الفور، وليس كذلك " إن "
لأنه لا حقيقة لها في الزمان، وإنما أصلها الشرط والجزاء، فإذا لم يكن لها حقيقة في
الزمان كانت للفعل، فيكون قوله: إذا لم أطلقك فأنت طالق، معناه إن فاتني طلاقك
فأنت طالق، وهذا يقتضي أن تكون على التراخي.
ولأن " إذا " لتحقيق الزمان، فإنه تعلق بها ما لا بد أن يقع، كقوله: إذا طلعت
الشمس، وإذا أقبل الليل، قال الله تعالى " إذا الشمس كورت " ولا يقال إن الشمس
كورت.
وليس كذلك " إن " لأنه لا حقيقة لها في الزمان، وإنما يعلق بها ما قد يوجد،
وقد لا يوجد، كقولك: إن جاء زيد، فإنه قد يجئ وقد لا يجئ، فلما كانت على
183

الاشتراك كانت على التراخي.
والذي يقتضيه مذهبنا أنا إذا علقنا بذلك نذرا أن يفصل بين الحرفين لما تقدم.
وكل موضع قلنا على الفور فمتى وجدت الصفة وقع الطلاق، وإن فاتت زال
العقد وانحلت الصفة.
وكل موضع قلنا على التراخي فهو على التراخي أبدا، فإن ماتا أو أحدهما وقع
الطلاق من قبل وفاته في الزمان الذي يسمع إيقاع الطلاق فيه، لأن قوله: إن لم أطلقك
فأنت طالق، معناه إن فاتني طلاقك، والفوات يكون إذا بقي من الحياة الزمان الذي
يفوته فيه قوله " أنت طالق " وهكذا يجب أن نقوله في النذر سواء أنه يلزمه في هذا
الوقت غير أن هذا في حرف " إن " و " إن لم " فقط على ما بيناه.
إذا قال: كلما لم أطلقك فأنت طالق، فكلما للزمان ك‍ " متى " لكنها للتكرار
ومتى لغير التكرار، فإذا لم يطلقها طلقت ثلاثا لأن معنى كلما لم أطلقك أي " أي
وقت عدم طلاقك " فإذا مضى بعد هذا زمان يسع لطلاقها فلم يفعل طلقت، فإذا
مضى بعده مثل هذا وقعت أخرى، فإذا مضى زمان بعده مثله وقعت أخرى، ثلاث
تطليقات وهكذا يجب أن نقول في النذر سواء.
إذا قال: إذا قدم فلان فأنت طالق، فعندنا لا يقع على حال، وعندهم إن جئ
به ميتا لم تطلق، لأن القدوم لم يوجد منه وإنما قدم به، وإن قدم به مكرها وكان
محمولا لم تطلق لأنه لا يقال: قدم، وإنما يقال: جئ به، وأتي به، كما لو أخذ
السلطان اللصوص وحملهم إلى البلد، لا يقال: قدم اللصوص، وإنما يقال: قدم
بهم وجئ بهم، وهكذا نقول إذا علق بقدومه نذرا.
وإن كان مكرها ماشيا فهل يجب أم لا؟ قيل فيه قولان: أحدهما يحنث لأن
القدوم وجد منه، وهو الأقوى عندنا إذا علقنا به النذر، والثاني لا يحنث لأن المكره
مسلوب الفعل.
فأما إن قدم باختياره مع العلم باليمين وقع الطلاق، وعندنا يلزم به النذر وإن قدم
مع الجهل باليمين، فإن كان ممن لا يكره طلاقها ولا يمتنع من القدوم لطلاقها
184

كالسلطان والحاج ونحو هذا، فإن الطلاق يقع، لأنه تعليق طلاق بصفة، وإن كان
القادم من يكره طلاقها كالأب والقرابة، فقد قدم مع الجهل باليمين، فهل يقع
الطلاق بقدومه؟ على قولين، وهكذا لو كان عالما فنسي، فالجاهل هاهنا والناسي
والمكره حتى فعل بنفسه، الكل على قولين: أحدهما لا يقع لأنه على غير قصد،
والثاني يقع لأن الشرط وجد، كما لو قال لها: إن دخلت الدار فأنت طالق فهل يقع
الطلاق إذا كانت ناسية أو جاهلة باليمين؟ على القولين، وهذا لا تأثير له في باب
النذر أصلا لأنه متى قدم لزمه النذر.
وإن قال: كلما قدم فلان فأنت طالق، فإذا قدم ثلاث مرات قدم وخرج، ثم
قدم وخرج ثم قدم طلقت ثلاثا لأن الصفات قد وجدت، وعندنا لا تطلق أصلا وإن
علق به نذر لزمه ثلاث مرات.
إذا قال: إذا رأيت فلانا فأنت طالق، فرأته ميتا أو حيا على أي صفة كان حنث
لأن الرؤية تطلق على من رآه حيا وميتا، وهكذا يجب أن نقول إذا علق به نذرا.
الأصل في باب اليمين أنها متى علقت على فعل فاليمين تعلقت بذلك الفعل
فيختلف باختلاف صفات ذلك الفعل لا غير.
فإذا ثبت هذا فحلف رجل " لا أخذت حقك مني " فاليمين علقت بأخذ من له
الحق " فإذا أخذه الذي له منه حنث الحالف، سواء كان الدافع مكرها على الدفع أو
مختارا لأن الاعتبار بالأخذ، وإن أخذه مكرها فهل يحنث؟ على قولين: فإن وضعه
من عليه الحق في حجر من له الدين أو في جيبه أو بين يديه، فلم يأخذه لم يحنث
لأن الأخذ ما وجد، وإن أخذ السلطان حق من له الحق ثم أخذه الذي له من السلطان
لم يحنث، لأنه ما أخذ منه، وإنما أخذه من الحاكم.
وإن كان حلف " لا أخذت مالك علي " فأخذ من الحاكم لم يحنث، لأنه ما
أخذ ماله عليه، وإنما أخذ مال نفسه من الحاكم، لأن الحاكم لما قبضه برئت ذمته
بقبضه، وكان المأخوذ مال الآخذ، فما أخذ ما له عليه، هذا إذا حلف من عليه الحق
" لا أخذ صاحب الحق حقه ".
185

فأما إن حلف " لا أعطيك مالك علي " فاليمين يتعلق هاهنا بإعطاء الحالف،
فإن أعطاه مختارا حنث وإن أعطاه مكرها فعلى قولين، وعلى هذا لو وضع حقه في
جيبه أو حجره حنث لأن الإعطاء قد وجد، وإن أخذه السلطان منه ودفعه إلى صاحب
الدين لم يحنث لأنه ما أعطاه وإنما أعطى السلطان.
وعندنا أن هذه الأيمان لا تنعقد، ولا تجب بمخالفتها الكفارة لأن الأولى
خلافها، ومتى كانت الأيمان بالطلاق، كانت باطلة، لأن اليمين بالطلاق لا تنعقد
عندنا، غير أنه إن علق بذلك النذر كان وجوبه على ما حكيناه في اليمين عن
المخالف.
إذا قال: إن كلمت فلانا فأنت طالق، عندنا لا تطلق وإن كلمته، لما مضى،
وعندهم إن كان بالبصرة فقالت هي ببغداد: يا أبا فلان، لم تحنث لأن التكليم عبارة
عن تكليمه من حيث يسمع الكلام، ويفهم الخطاب، وعندنا مثل ذلك إذا علق به
نذرا.
فأما إن كلمته ميتا أو نائما أو هي نائمة أو مغلوبا على عقله بجنون أو غيره لم
يحنث لأن هذا لا يعقل الكلام، وإن كلمته مكرهة فعلى قولين أصحهما عندنا أنها لا
يجب عليها شئ إذا علق به نذرا وإن كلمته سكرانة حنث لأنه كالصاحي، وإن
كلمته بحيث يسمع الكلام منها حنث سمع كلامها أو لم يسمع، لأنه يقال: كلمته
ولم يسمع، وإن كان أصم فكلمته فإن كان كلاما يسمع هذا الأصم مثله حنث سمع
الأصم أو لم يسمع لأنه كلام مثله.
وإن كان كلاما على صفة لا يسمع هذا الأصم لكن لو كان مكانه سميعا لسمع
وإنما لم يسمع هذا لصممه فعلى وجهين: أحدهما يحنث لأنه كلام يسمع مثله،
وهو الذي يقوى في نفسي إذا علق به نذرا، والثاني وهو الصحيح عندهم أنه لا
يحنث لأنها كلمته على صفة لا يسمع مثله كلامها كالنائم والغائب.
إذا كان له أربع زوجات فقال: أيتكن لم أطأها اليوم فصواحباتها طوالق،
نظرت: فإن خرج اليوم قبل أن يطأ واحدة منهن طلقت كل واحدة ثلاثا لأن لكل
186

واحدة ثلاث صواحبات لم يطأهن.
فإن وطئ واحدة، طلقت ثلاثا، لأن لها ثلاث صواحبات لم توطأ، وطلقت
كل واحدة من الباقيات طلقتين، لأن لكل واحدة صاحبتين لم توطأ، وإن وطئ
ثنتين طلقت كل واحدة منهما طلقتين، لأن لكل واحدة صاحبتين لم توطأ وطلقت
كل واحدة من الأخيرتين طلقة طلقة، لأن لكل واحدة صاحبة لم توطأ، وإن وطئ
ثلاثا طلقت كل واحدة طلقة، لأن لكل واحدة صاحبة لم توطأ ولم تطلق التي لم
يطأها، لأنه ليس لها صاحبة لم توطأ، هذا إذا علق طلاقها باليوم.
فأما إن أطلق هذه ولم يحده بزمان، كان وقت الوطء طول عمره، فإن مات
فالحكم فيه كما لو خرج اليوم، فينظر في من وطئ منهن ومن لم يطأها فالحكم فيه
على ما قلناه في اليوم وقد مضى.
وهذه لمسألة لا تصح عندنا في الطلاق لما مضى، ويمكن فرضها في النذر بأن
يقول: أيتكن لم أطأها اليوم فلله علي عتق رقبة بعدد صواحباتها، فإنه ينعقد النذر
ويلزمه بحسب ما جرى شرحه سواء بلا خلاف في شئ منه.
إذا قال لها: إن حلفت بطلاقك فأنت طالق، ثم قال لها بعد هذه: إذا طلعت
الشمس فأنت طالق، وإذا جاء رأس الشهر فأنت طالق، وإذا قدم الحاج فأنت
طالق، فعندنا لا يقع في الحال، ولا فيما بعد لما مضى، وعندهم لا يقع الطلاق
أيضا، فإن قال بدلا من ذلك: إن دخلت الدار فأنت طالق، إن كلمت أمك فأنت
طالق، وقع.
والفصل بينهما أن اليمين ما منع نفسه بها فعل شئ أو ألزم نفسه بها فعل شئ
فإن قال: والله ما دخلت الدار، فقد منع نفسه من الدخول، ولو حلف والله لأدخلن
الدار، أوجب على نفسه بها فعلا، وما لم يمنع عن شئ، ولا يمتنع عن شئ فليس
بيمين، وقوله " إذا طلعت الشمس فأنت طالق " لا يمنع الشمس طلوعها، ولا يوجب
عليها طلوعا فلم يكن يمينا فلم يقع الطلاق، وقوله " إن دخلت الدار فأنت طالق "
يمين بالطلاق، فلهذا وقع الطلاق.
187

وإن قال: إن قدم أبوك فأنت طالق، كان هذا يمينا لأنه يمنع أباها أن يقدم
ليمينه، ولو قال: إن حلفت بطلاقك فأنت طالق، ثم أعاد هذا فقال: إن حلفت
بطلاقك فأنت طالق، طلقت لأن قوله " إن حلفت بطلاقك فأنت طالق " يمين
بالطلاق فإنه يمنع نفسه بهذه اليمين من طلاقها، فإن أعاد هذا مرة أخرى طلقت
أخرى فإن عاد ثالثة طلقت أخرى لأنه كلما أعادها فهي يمين.
فإن قال لها: أنت طالق مريضة أو مريضة، طلقت فيهما إذا مرضت، وهكذا
لو قال وجعة أو وجعة، وقع عليها إذا صارت وجعة ويكون النصب على الحال،
فكان معناه: أنت طالق على هذه الصفة، ويكون معنى الرفع " أنت طالق وأنت
مريضة " يعني إذا مرضت، فإن كان نحويا فقال: أنت طالق مريضة " نصبا " لم تطلق
حتى تصير مريضة، فإن قال ذلك " بالرفع " وقعت في الحال لأن معناه وأنت مريضة،
فقد أخبر عن مرضها، فتطلق صادقا كان أو كاذبا.
فإن قال: نويت إذا مرضت، كان القول قوله، وعندنا إن القول قوله على كل
حال، فإن نوى الإيقاع في الحال وقع، وإن نوى الشرط بطل لما قلناه.
فإن قال: أنت طالق إن دخلت الدار بكسر " إن " كان شرطا والمراد به الاستقبال
سواء كان نحويا أو غير نحوي، لأنها للجزاء بلا خلاف، وإن " نصبها " فإن لم يكن
نحويا فهي للاستقبال أيضا مثل المكسورة لأنه لا يفرق بينهما، وإن كان نحويا وقع
الطلاق في الحال لأنه يعرف أن معناها أنت طالق، لأنك دخلت الدار، وأنه طلقها
لهذه العلة، وعندنا أيضا كذلك غير أنه إذا كان للشرط لا يقع لما مضى.
إذا قال: أنت طالق أنت طالق أنت طالق، ونوى الإيقاع وقعت واحدة، ولا يقع
ما زاد عليها، سواء كانت مدخولا بها أو غير مدخول بها.
وعندهم إن كانت غير مدخول بها بانت بالأول، ولم يقع بعدها شئ، وإن
كانت مدخولا بها فالأولى طلقة، ويسأل عن الثانية والثالثة، فإن قال: أردت تأكيد
الأولى بهما قبل منه، ولم يقع إلا طلقة، لأن الكلام يؤكد بالتكرار، فإن صدقته على
ذلك وإلا فالقول قوله مع يمينه، لأنه أعرف بما نواه.
188

وإن أراد الاستئناف طلقت ثلاثا لأنه قصد موالاة الطلاق عليها، وإن قال:
أردت بالثانية الاستئناف، وبالثالثة التأكيد قبل منه أيضا، وإن قال لم يكن لي نية
فيهما قولان: أحدهما يقع ثلاث تطليقات وهو الصحيح عندهم، والثاني لا يقع إلا
الأولى.
وإن قال: أنت طالق، وسكت ساعة، ثم قال: أنت طالق، كانت عندنا مثل
الأولى لا يقع غير الأولى، وعندهم تكون الثانية إيقاعا على كل حال، هذا إذا كرر
بغير حرف عطف.
فأما إن كررها بحرف العطف، وقال: أنت طالق وطالق وطالق، أو أنت طالق
فطالق فطالق، أو أنت طالق ثم طالق ثم طالق، أو أنت طالق بل طالق بل طالق،
فعندنا مثل الأولى سواء.
وعندهم تقع الأولة بقوله " أنت طالق " وتقع الثانية بقوله " وطالق " لأن الظاهر استئناف طلقة أخرى، والثالثة قد كررها بلفظ الثانية على صورتها فهذه الثالثة كالثانية
والثالثة في التي قبلها يرجع إليه فيها، فإن أراد التكرار والاستئناف فالقول قوله، وإن
أطلق فعلى قولين.
وإن قال: أنت طالق وطالق وطالق، ثم قال: أردت التأكيد بالثانية،
والاستئناف بالثالثة، وقع ثلاث ولم يقبل قوله إن الثانية على التأكيد، لأن ظاهره
الإيقاع عطفا على الأولى، ويقبل فيما بينه وبين الله، هذا إذا عطف بعضه على بعض
بحرف واحد.
فأما إن غاير بين الحروف فقال: أنت طالق وطالق فطالق، أنت طالق و
طالق ثم طالق، أنت طالق وطالق بل طالق، أنت طالق ثم طالق وطالق، أنت طالق بل طالق
ثم طالق، فالثلاث تقع هاهنا كلها لأنه إنما حمل الثاني على الأول إذا كان على
صورته فأما إذا غاير بينهما بحرف آخر صارت الثالثة هاهنا كالثانية فيه إذا لم يتغاير،
وعندنا أنها مثل الأولى سواء.
فإن قال: أنت طالق وطالق لا بل طالق رجع إليه، فإن قال: أردت الاستئناف
189

بالثالثة، كان على ما نوى، وإن لم يكن له نية وقعت الثالثة أيضا، فإن قال: شككت
في إيقاع الثانية فاستدركت إيقاعها، فقلت: لا بل طالق بنية إيقاع الثانية، فالقول
قوله لأن " لا بل " للاستدراك، وعندنا أنها مثل ما تقدم.
إذا قال: أنت طالق طلاقا، ونوى الإيقاع وقعت واحدة لا غير، فإن لم ينو لم
يقع شئ أصلا، وعندهم إن لم تكن له نية لم يقع بقوله طلاقا شئ، وكان الواقع
واحدة، لأنه مصدر وهو للتأكيد، وإن قال: نويت بقولي طلاقا عددا، كان على
ما نوى.
إذا أكره الرجل على الطلاق فنطق به يقصد به دفع الإكراه عن نفسه لم يقع عندنا
وعند بعضهم، وكذلك الإعتاق وسائر العقود ولا يتعلق بنطقه حكم إلا أن يريد باللفظ
إيقاع الطلاق دون دفع الإكراه، فحينئذ تطلق عندهم دوننا.
وقال قوم: الطلاق واقع على كل حال وكذلك العتاق وكل عقد لا يلحقه فسخ
بل العقود التي يلحقها فسخ كالبيع والصلح والإجارة ونحو هذا إذا أكره عليها انعقدت
لكنها تكون موقوفة على الإجازة، فإن أجازها باختياره، وإلا بطلت.
وأما بيان الإكراه فجملته أن الإكراه يفتقر إلى ثلاث شرائط، أحدها أن يكون
المكره قاهرا غالبا مقتدرا على المكره، مثل سلطان أو لص أو متغلب، والثاني أن
يغلب على ظن المكره أنه إن امتنع من المراد منه وقع به ما هو متوعد به، والثالث أن
يكون الوعيد بما يستضر به في خاصة نفسه.
وما الذي يلحقه به ضرر؟ على قولين، قال قوم: الوعيد مثل قتل أو قطع
وما عداهما من الضرب والشتم وأخذ المال، فليس بإكراه، والثاني وهو الصحيح
عندهم، أن جميع ذلك - أعني القتل والضرب والشتم وأخذ المال - إكراه في الجملة
فمن قال بالأول فلا كلام ولا يختلف ذلك باختلاف الناس.
ومن قال إن جميع ذلك إكراه فعلى هذا يختلف باختلاف صفة المكره، فإن
كان من الناس الذين لا يبالون بالشتم فالإكراه القتل والقطع وأخذ المال لا غير، وأما
الضرب والشتم فإن هؤلاء لا يعدون الشتم عارا ولا ذلا ويعدون الضرب والصبر
190

عليه فتوة وجلادة، وإن كان من أهل الصيانات والمروءات فالضرب والشتم إكراه في
حقهم، وهذا القول أقرب وأقوى عندنا.
فأما إن كان الوعيد بنزول الضرر بالغير مثل أن يخوف بأخذ مال الغير وبضرب
الغير وقتل الغير، فلا يكون إكراها إلا إذا كان ذلك الغير يجري مجراه مثل ولده و
والده.
فأما من زال عقله فإن كان زواله بمرض أو جنون فطلاقه لا يقع لقوله
عليه السلام: رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يحتلم، وعن النائم حتى ينتبه،
وعن المجنون حتى يفيق.
فأما السكران فلا يقع طلاقه عندنا ولا عتقه، وعندهم كالصاحي في جميع
الأحكام الطلاق والعتاق والعقود والإيلاء والعبادات كلها، ولو أسلم سكران ثم أفاق
فارتد استتيب فإن تاب وإلا قتل على هذا القول وفيه خلاف.
فأما من زال عقله بشرب البنج والأشياء المسكرة والمرقدة والأدوية المجننة فزال
عقله، فإن كان إنما شربه تداويا فهذا معذور، والحكم فيه كالمجنون، وإن شربه
متلاعبا أو قصدا ليزول عقله ويصير مجنونا وقع طلاق عندهم وعندنا لا يقع.
إذا قال له رجل: فارقت امرأتك؟ فقال: نعم، قال قوم: يلزمه في الحكم طلقة
بإقراره لا بإيقاعه، وكذلك نقول نحن، فإن قال: أردت بقولي " نعم " إقرارا مني بطلاق
كان مني قبل هذه الزوجية، فإن صدقته المرأة فالأمر على ما حكاه، وإن كذبته فعليه
البينة، لأنه لا يتعذر ذلك، فإن لم يكن له بينة وادعى علمها بذلك فالقول قولها مع
يمينها، وعندنا القول قوله على كل حال مع يمينه.
ولو قال له: فارقت امرأتك؟ فقال: قد كان بعض ذلك، رجع إليه، فإن قال:
أردت أني علقت طلاقها بمشيئتها أو بصفة، مثل قوله " إن دخلت الدار، وإن كلمت
زيدا " قبل قوله، وإن أراد الإيقاع كان إيقاعا عندهم، وعندنا لا يكون إيقاعا، وإن
أراد إخبارا عن طلاق كان منه، كان إقرارا منه بالطلاق وقبل منه.
فأما إن قال له: خليت امرأتك؟ فقال: نعم، لم يكن ذلك طلاقا لا عندهم ولا
191

عندنا، فإن نوى الإيقاع أو ذكر أنه أراد الإقرار بطلاقها، كان القول قوله.
فإن قال له رجل: ألك زوجة؟ فقال: لا، لم يكن طلاقا لأنه كاذب في قوله
" لا زوجة لي " وقال بعضهم: تكون طلقة.
ولو قال لها: أنت طالق هكذا مشيرا بإصبع، طلقت طلقة، فإن أشار بإصبعين
أو ثلاثة كان مثل ذلك عندنا، وعندهم تكون ثنتين أو ثلاثا حسب ما أشار، ولو قال:
ما أردت بالإشارة العدد، قبل قوله عندنا، وعندهم يقبل في الباطن، دون ظاهر
الحكم.
فإن قال: أنت طالق هكذا، فنصب ثلاثا ونوم إصبعين، وقال: أشرت بالنيام
دون القيام، قبل منه عندنا وعندهم، غير أن عندنا لا يقع إلا واحدة، فأما إن قال:
أنت طالق، مشيرا بثلاث أصابع غير أنه لم يقل هكذا، لم يلزم الثلاث عندنا لما
قدمناه، وعندهم لأنه قد يشير إليها بيده منصوب الأصابع وغير منصوبة، فإذا لم يكن
له نية لم يلزمه إلا ما نطق، والذي نطق به واحدة.
إذا قال: أنت طالق لولا أبوك لطلقتك، قال قوم: لا يقع الطلاق لأن حقيقة هذا
الكلام أنه أكد إمساكها به وحلف أنه لولا أبوها لطلقها، فكأنه قال: والله لولا أبوك
لطلقتك، ولأن فيه تأخيرا وتقديما، فكأنه قال: لولا أبوك ما أمسكتك غير أني لا
أطلقك من أجل أبيك، وهذا صحيح أيضا عندنا.
فصل: في الطلاق بالحساب والاستثناء:
إذا قال: أنت طالق واحدة في اثنتين، وقصد الإيقاع وقعت واحدة سواء كان من
أهل الحساب أو لم يكن، وعندهم لا يخلو من أحد أمرين: إما أن يكون من غير أهل
الحساب أو من أهله، فإن كان من غير أهل الحساب سئل، فإن قال: أردت واحدة
مقرونة بالاثنتين، وقع ثلاث، وإن قال: ما كان لي نية، وقعت واحدة، وسقط قوله
" في اثنتين ".
فأما إن قال: نويت به موجبه عند أهل الحساب، فيه وجهان أحدهما يكون
192

على ما نواه، وعند الأكثر أنه يقع واحدة، لأنه لا يعرف موجبه عند أهل الحساب
كما لو تلفظ بالعربية وهو لا يعرفها وقال: أردت موجبه عند أهل العربية، لم يقع به
شئ، وإن كان عارفا بالحساب رجعنا إليه.
فإن قال: نويت واحدة مقرونة إلى اثنتين وقع به ثلاث، وإن قال: نويت موجبه
عند أهل الحساب وقعت طلقتان، لأن واحدا في اثنتين يكون اثنتين، فإن قال ما كان
لي نية فقال بعضهم: يقع واحدة، وقال بعضهم: يقع طلقتان، وعندنا لا يقع شئ.
إذا قال: أنت طالق واحدة لا تقع عليك، لا تقع بها طلقة عندنا، لفقد النية
للإيقاع وعندهم تقع به طلقة واحدة، ولو قال أنت: طالق لا، ونوى الإيقاع وقعت
واحدة، فإن قال: أردت بقولي " لا " أنه لا تقع، قبلنا قوله، وعندهم لا يقبل.
وإن قال: أنت طالق أم لا؟ لم يقع به طلاق بلا خلاف، لأنه استفهام، فإن
قال: أنت طالق واحدة بعدها واحدة، ونوى، وقعت عندنا واحدة لا غير، وعندهم
تقع ثنتان ولو قال: أردت بقولي بعدها طلقة أي سأوقعها فيما بعد، ولم أرد الإيقاع
الآن، قبل في الباطن، ولم يقبل في الظاهر، وعندنا يقبل لأنه لو أراد الإيقاع في
الحال لما وقعت.
وإن قال: أنت طالق طلقة قبلها طلقة، طلقت طلقتين عندهم بلا خلاف
بينهم، لكن كيف يقعان ومتى يقعان؟ اختلفوا، فقال بعضهم: تطلق طلقة بقوله أنت
طالق، ويقع قبلها طلقة، فكأنه تقع قبلها واحدة ثم تقع هي، وقال بعضهم: تطلق
طلقة بقوله أنت طالق، وتطلق بعدها طلقة بقوله " قبلها طلقة " ويسقط قوله " قبلها "،
لأنه لو قال لها: أنت طالق أمس، لم يقع الطلاق أمس، بل وقع في الحال، والأول
عندهم أصح، وعندنا أنه يقع طلقة بقوله أنت طالق إذا نوى، وما عداه لغو.
والفرق بينهما عندهم أن بوقوع هذه الطلقة يعلم أنه وقعت واحدة قبلها، كما
لو قال: أنت طالق قبل موتي بشهر، فإنه إذا مات حكم بوقوع طلاقها قبله بشهر،
ويفارق هذا " أنت طالق أمس " لأنه يريد الإيقاع اليوم والوقوع أمس، فيسبق الوقوع
الإيقاع وهذا محال، وفي مسألتنا لا يسبق الوقوع الإيقاع، بل يوجد الصفة فيسبق
193

الوقوع زمان وجود الصفة، ويكون زمان الوقوع بعد عقدها، فلهذا صح.
فإذا ثبت هذا رجعنا إلى مسألتنا، فإذا قال: أنت طالق طلقة قبلها طلقة، فقد
علق الطلاق بصفة لا تقع التي باشرها بها عقيب فراغه منها حتى يمضي زمان تقع فيه
طلقة، ثم تقع هي بعدها فتقع الطلقة قبلها ثم تقع، لكنه شرط أن تقع بعد عقد
الصفة إذا وجدت الصفة قبل زمان وجودها، فدل على ما قلناه.
وإن قال: أنت طالق طلقة قبلها طلقة وبعدها طلقة، وقعت عندهم ثلاث
تطليقات وعندنا أنها مثل الأولى سواء.
ولو قال: أنت طالق طلقة قبلها وبعدها طلقة، وقع ثلاث تطليقات لأن نصف
طلقة يكمل طلقة، فقد أوقع النصف قبلها، ونصفا بعدها، وعندنا مثل الأولى سواء.
فإن قال: أنت طالق طلقة معها طلقة ونوى، وقعت طلقة وعندهم طلقتان على
كل حال.
فرع:
له زوجتان عمرة وحفصة، فقال لعمرة: إذا حلفت بطلاق حفصة فأنت طالق،
فقد علق طلاق عمرة بصفة هي أن يحلف بطلاق حفصة، فمتى حلف بطلاق حفصة
طلقت عمرة طلقة.
فإن قال بعد هذا لحفصة: إذا حلفت بطلاق عمرة فأنت طالق، فقد حلف
بطلاق حفصة، وعلق طلاق حفصة بصفة هي أن يحلف بطلاق عمرة فطلقت عمرة
بهذا طلقة لأنه حلف بطلاق حفصة.
وإن قال لعمرة بعد هذا: إن حلفت بطلاق حفصة فأنت طالق، طلقت حفصة
طلقة لأنه حلف بطلاق عمرة وعلق طلاق حفصة بصفة هي الحلف بطلاق عمرة،
وإن قال لحفصة بعد هذا: إن حلفت بطلاق عمرة فأنت طالق، طلقت عمرة أخرى
فإن قال لعمرة بعد هذا: إن حلفت بطلاق حفصة فأنت طالق، طلقت حفصة
أخرى، فإن قال لحفصة بعد هذا: إن حلفت بطلاق عمرة فأنت طالق، طلقت عمرة
194

الطلقة الثالثة وبانت، فإن قال لعمرة: إن حلفت بطلاق حفصة فأنت طالق، لم
تنعقد هذه الصفة، لأن عمرة قد بانت فيقع بحفصة طلقتان، وبعمرة ثلاث
تطليقات.
فلو كان له امرأة واحدة فقال لها: كلما حلفت بطلاقك فأنت طالق، فقد علق
طلاقها بصفة تلك الصفة أن يحلف بطلاقها، فإن كرر هذا بعد عقد الصفة ثلاثا
وقعت ثلاث تطليقات، وهكذا لو قال لها: إذا حلفت بطلاقك فأنت طالق، فأعاد
هذا بعد العقد ثلاث مرات طلقت ثلاث طلقات، فلا فصل بين " إذا " و " كلما " لكن
لهما موضع يفترقان.
إذا قال: كلما حلفت بطلاقك فأنت طالق، ثم قال: إن دخلت الدار فأنت
طالق وإن كلمت أمك فأنت طالق، وإن خرجت من الدار فأنت طالق، وقع بها
ثلاث لأن " كلما " للتكرار.
وإن قال: إذا حلفت بطلاقك فأنت طالق، ثم قال: إن دخلت الدار فأنت
طالق وإن كلمت أمك فأنت طالق، وإن خرجت من الدار فأنت طالق، طلقت
واحدة بقوله " إن دخلت الدار فأنت طالق " ولا يقع بعدها غيرها، لأن الصفة انحلت
بوجود الصفة مرة واحدة، لأن إذا ليست للتكرار، بل لفعل مرة، وقد وجدت، هذا
كله للمدخول بها.
فأما لغير المدخول بها متى قال ذلك ثم أعاد ثانيا طلقت واحدة، فإن أعاد
القول مرة أخرى لم يقع الطلاق بها، لأنها بانت بالأولى.
وعندنا أنه لا يقع بجميع ذلك شئ لأمرين: أحدهما أنه طلاق بشرط، والثاني
أن اليمين بالطلاق لا ينعقد، بل إن قال: كلما دخلت الدار فلله علي عتق رقبة،
فتكرر ذلك منها وجب عليه بعد ذلك.
وإن قال: كلما حلفت بطلاقك فلله علي عتق رقبة، ثم قال: إن دخلت الدار
فأنت طالق، لم يلزمه شئ، لأن ذلك ليس بيمين منعقدة، وعلى هذا جميع ذلك.
إذا قال للمدخول بها: كلما حلفت بطلاقك فأنت طالق، وعبد من عبيدي
195

حر، فإذا كرر هذا بعد العقد ثلاث مرات طلقت عندهم ثلاثا، وعتق ثلاثة من
العبيد، وهكذا لو قال: إذا حلفت بطلاقك فأنت طالق، الباب واحد.
فإن كان هذا في غير المدخول بها فأعاد ثانيا، طلقت طلقة، وعتق عبد واحد
فإن أعاد القول فلا طلاق ولا عتاق، لأنها قد بانت بالأولى، وعندنا هذه مثل الأولى
سواء.
إذا قال لها: رأسك أو فرجك طالق، أو قال: ثلثك أو ربعك أو سدسك
طالق، أو علقه بجزء مجهول فقال: جزء من أجزائك طالق، وقع الطلاق عليها بكل
هذا، بلا خلاف بينهم، وعندنا لا يقع شئ، لأنه لا دليل عليه، وأما إن قال: يدك أو
رجلك أو شعرك أو أذنك طالق، وقع عند بعضهم، وعند آخرين لا يقع، وعندنا لا
يقع شئ مثل الأولى.
إذا قال: أنت طالق بعد طلقة، لم يقع الطلاق عندنا أصلا، وعند داود وعند
الباقين يقع طلقة واحدة.
إذا قال: أنت طالق نصف تطليقة، لم يقع عندنا شئ، وعندهم يقع طلقة لأن
الطلقة نصفان، فإن قال: أنت طالق ثلاثة أنصاف طلقة عندنا مثل الأولى، ولهم فيها
وجهان: أحدهما تقع طلقتان، والثاني طلقة واحدة، لأنه محال، فلغي قوله ثلاثة
أنصاف.
فإن قال: أنت طالق نصف طلقتين، فعندنا لا يقع شئ، وعندهم فيها
وجهان: أحدهما تطلق طلقة واحدة، والثاني تطلق طلقتين، فإن قال: أنت طالق
نصف طلقة ثلث طلقة سدس طلقة، فعندنا لا يقع شئ، وعندهم يقع طلقة، ولو
قال: أنت طالق نصف طلقة، وثلث طلقة، وسدس طلقة، فعندنا مثل الأولى،
وعندهم يقع ثلاث.
والفرق بينهما أن الأولى بمنزلة كلمة واحدة لم يدخل بينهما حرف عطف فكأنه
ذكر أجزاء الطلقة الواحدة، وإذا عطف جعل لكل كلمة حكم نفسها، ألا ترى أنه
لو قال: أنت طالق طالق طالق طلقت واحدة، ولو كرر بحرف العطف لطلقت ثنتين،
196

ولو قال: أنت طالق وطالق وطالق وقعت عندنا الأولى إذا قصد دون الثانية والثالثة،
وعندهم يقع الأولى والثانية وفي الثالثة قولان: أحدهما تقع، والثاني لا تقع لأنه عطف
الثالثة على الثانية بصفتها وصورتها، فلهذا لم يقع.
لو قال: أنت نصف طلقة ثلث طلقة سدس طلقة، عندنا لم يكن شيئا، وقال
بعضهم: هو كناية في الطلاق، فإن نوى كان طلاقا وإن لم ينو لم يكن شيئا.
فإن قال: أنت طالق نصفا وثلثا وسدسا، ولم يزد على هذا ونوى بالأول الإيقاع
وقعت واحدة عندنا، وما عداه لم يكن شيئا وعندهم تطلق طلقة، لأن الأول إيقاع
والثاني والثالث لغو، إذا لم يكن هناك نية، فكأنه قال: أنت نصف وثلث، فإن نوى
كان على ما نوى.
إذا قال لأربع زوجات له: أوقعت بينكن طلقة واحدة لم يكن عندنا شيئا،
وعندهم تطلق كل واحدة طلقة، لأنه يقتضي قسمتها بينهن فيكون لكل واحد
ربعها.
فإن قال: أوقعت بينكن طلقتين، طلقت كل واحدة طلقة أيضا لأن المراد قسمة
الطلقتين في الجملة بينهن إلا أن ينوي قسمة كل طلقة بينهن، فتطلق كل واحدة
طلقتين.
ولو قال: أوقعت بينكن ثلاث تطليقات، طلقن طلقة طلقة، فإن نوى قسمة كل
طلقة بينهن طلقن ثلاثا، وعندنا لا يقع بذلك شئ أصلا.
فإن قال: أوقعت بينكن أربع تطليقات، ونوى، طلقت كل واحدة طلقة عندنا
وعندهم أيضا مثل ذلك وإن لم ينو، فإن نوى قسمة كل طلقة لم يقع عندنا بهن شئ
وعندهم يطلقن ثلاثا ثلاثا.
وإن قال: أوقعت بينكن خمس طلقات فعندنا تطلق كل واحدة طلقة، وعندهم
طلقتين، وهكذا لو أوقع بينهن ستا أو سبعا أو ثمانيا، بالكل طلقن، وعندنا في
الثماني كذلك أعني مثل المسألة الأولى لا يقع إلا واحدة، فإن نوى قسمة كل طلقة
فعندنا لا يقع شئ وعندهم يطلقن ثلاثا فإن أوقع بينهن تسع طلقات فعندنا مثل ذلك
197

وعندهم يطلقن ثلاثا ثلاثا.
فإن قال: أوقعت بينكن اثنتي عشرة طلقة، كان مثل ذلك سواء لأن على مذهبنا
لا يمكن أن يوقع أكثر من طلقة واحدة، وعندهم لا يوقع أكثر من ثلاث.
فإن قال: أوقعت بينكن نصفا وثلثا وسدسا، لم يكن عندنا شيئا وعندهم يطلقن
ثلثا ثلثا لأنه ينبغي أن يقسم النصف بينهن والثلث والسدس فيكون لكل واحدة جزء
من كل طلقة فيطلقن ثلثا.
إذا قال: أوقعت بينكن طلقتين، طلقت كل واحدة طلقة على ما مضى عندهم
فإن قال: أردت أن تقسم بينهن طلقة، ثم تقسم الثانية، فإن كن كلهن مدخولا بهن
طلقت كل واحدة طلقتين، لأنه غلظ على نفسه فقبل قوله، وإن كان بعضهن
مدخولا بهن دون بعض، طلقت المدخول بها طلقتين، وغير المدخول بها طلقة،
لأنها تبين بالأولى فلا تلحقها الثانية.
فصل: في حكم الاستثناء في الطلاق:
والاستثناء ضد المستثنى منه، وهو من الإثبات نفي، ومن النفي إثبات،
ويجوز استثناء القليل من الكثير والكثير حتى يبقى القليل، فيصح أن يقول له عشرة
إلا تسعة، وعشرة إلا واحدة، وقال بعض أهل العربية، وهو ابن درستويه: لا يجوز
استثناء الكثير من الجملة حتى يبقى القليل، والأول أصح عندنا قال الله تعالى " رب
بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين
" ثم قال " إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين " فقد استثنى
المخلصين من جملة العباد، ثم استثنى الغاوين من جملتهم أيضا فإن كان
المخلصين أكثر ثبت ما قلناه، وإن كان الغاوين أكثر وهو الأظهر ثبت أيضا، لأنه لا
يخلو أن يكونوا سواء أو بعضهم أكثر من بعض، وعند المخالف لا يجوز استثناء
النصف إلا أقل منه.
فإذا ثبت هذا فإن الاستثناء يكون إذا تكرر من الذي يليه، فإذا قال: أنت طالق
198

ثلاثا إلا طلقة، طلقت عندهم طلقتين، ولو قال إلا اثنتين طلقت واحدة فإن قال:
أنت طالق ثلاثا إلا اثنتين إلا واحدة، طلقت طلقتين، وكذلك في الإقرار إذا قال: له
على عشرة إلا ستا إلا أربعا إلا اثنتين إلا واحدة، يكون أقر بسبعة.
وعندنا أن ذلك صحيح في الإقرار، فأما في الطلاق فلا يقع إلا واحدا، لأن
إيقاع طلقتين لا يمكن، لأن الاستثناء ليس بصحيح.
فإن قال: أنت طالق ثلاثا إلا نصف طلقة، طلقت ثلاثا عندهم، لأنه لا
يتبعض، ولو قال: أنت طالق طلقتين ونصف إلا نصف طلقة، طلقت ثلاثا عندهم،
لأن قوله أنت طالق طلقتين ونصفا بمنزلة قوله ثلاثا للسراية.
فإن قال: أنت طالق وطالق وطالق إلا طلقة، طلقت ثلاثا لأن الاستثناء يرجع
إلى الذي يليه، فلو رجع إليه نفاه كله فسقط حكمه، وفيهم من قال: يقع طلقتان،
والأول أصح، وعندنا إذا نوى بذلك الإيقاع طلقت واحدة لا غير.
فإن قال: أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا، وقعت ثلاثا، وعندنا إذا نوى إيقاع الثلاث
وقعت واحدة، فإذا وقع الثلاث فقد رجع فيما أوقعه فلم يقبل قوله، غير أنه
يملك الرجعة، وإن لم ينو الإيقاع لم يقع شئ أصلا.
فإذا قال: أنت طالق خمسا إلا ثلاثا، قيل فيه وجهان:
أحدهما، يطلق ثلاثا لأنه أوقع خمسا، وهو لا يملك إلا ثلاثا فلغي ما زاد على
الثلاث، فكأنه قال أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا، فاستثنى كل ما أوقعه.
والثاني: تطلق طلقتين لأن الكلام إذا قصد به الحساب فالاستثناء يلحق الجمل
كلها إذا وصل الكلام بعضه ببعض، وعندنا يقع واحدة إذا نوى الإيقاع، فإن تجرد
عن النية لم يقع أصلا.
فإن قال: أنت طالق خمسا إلا اثنتين، فعندنا مثل الأولى وعندهم على
وجهين: من ألغى ما زاد على الثلاث، قال: طلقت طلقة، ومن استعمل كل الخطاب
قال: طلقت ثلاثا.
فإن قال: أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا إلا اثنين، فعندنا تقع واحدة، وعندهم فيها
199

ثلاثة أوجه: أحدها تطلق ثلاثا، والثاني تطلق طلقتين، والثالث تطلق طلقة.
إذا قال لها: كلما ولدت ولدا فأنت طالق، فإن ولدت ولدا طلقت طلقة، فإن
ولدت آخر طلقت أخرى، فإن ولدت الثالث لم تطلق وانقضت عدتها والمسألة
مفروضة إذا أتت بثلاثة أولاد، وكانوا حملا واحدا، وإنما يكون حملا واحدا إذا كان
بين الأول والآخر أقل من ستة أشهر، وأما إن كان بين ولدين ستة أشهر فصاعدا فهما
حملان.
فإذا ثبت أن هذه صورة المسألة، فإذا ولدت واحدا طلقت طلقة رجعية، لوجود
الصفة وهي زوجة، فإذا ولدت الثاني طلقت طلقة أخرى رجعية لمثل ذلك، فإذا
ولدت الثالث انقضت به عدتها لأنها رجعية قد وضعت حملها والرجعية تعتد بالحمل
فإذا وضعته بانت به، فإذا بانت عقيب الانفصال فقد بانت في الزمان الذي يقع فيه
الطلاق، والطلاق لا يقع على البائن، فلا يقع بها، فهو كما لو قال: إذا مت فأنت
طالق، فمات لم يقع الطلاق بلا خلاف، لأن بالموت قد بانت.
وقال بعضهم: إن الطلقة الثالثة تقع بانفصال الثالث، لأن الزمان الذي تبين فيه
هو الزمان الذي يقع فيه الطلاق وإنما قلنا لا يقع لو قلنا يقع بعد البينونة، والأول هو
الصحيح عندهم.
فإن راجعها بعد ولادة الثاني ثم ولدت الثالث وقعت الثالثة، لأنها زوجة فأما إن
ولدت رابعا طلقت بالثالث طلقة، لأنها وضعته وهي حامل بغيره فهي رجعية، فإذا
وضعت الرابع انقضت به عدتها وإن ولدت ولدين طلقت بالأولى طلقة وبانت بالثاني
فلا يقع الطلاق.
فإن وضعت الثلاثة دفعة واحدة طلقت ثلاثا لأن الصفة وجدت، كما لو قال: إن
كلمت زيدا فأنت طالق، إن كلمت عمرا فأنت طالق، إن كلمت خالدا فأنت
طالق، ثم سلمت عليهم بكلمة واحدة، فإنه يقع الثلاث طلقات.
وعندنا أن جميع ذلك لا يقع به طلاق، لأنه معلق بشرط، وإن علق به نذرا
فكلما ولدت لزمه ذلك بالغا ما بلغ، وإن وضعتهم دفعة واحدة فمثل ذلك، وكذلك
200

في كلام واحد بعد واحد إذا كلمتهم بكلمة واحدة لزمه من النذر بعددهم حسب ما
قالوه في الطلاق.
فأما إن كانوا حملين وهو أن يكون بين الثاني والثالث ستة أشهر، فإنها تطلق
بالأول طلقة وتبين بالثاني، فلا يقع بها طلاق، لأن هذا كل حملها، فإذا وضعت
الثالث بعد ستة أشهر فهذا حمل حدث بعد البينونة، فلا يلحق به ولا يقع به طلقة،
لأنها أتت به بعد البينونة كما لو ولدت الأجنبية.
وعندنا إن كان علق النذر بما تلده من ذلك الحمل، فإن الأمر على ما قالوه،
وإن علقه بالولادة المطلقة، لزمه عند كل ولد ما نذر فيه.
فأما إذا لم يقل " كلما " لكن قال: إذا ولدت ولدا فأنت طالق، فولدت ثلاثا
واحدا بعد واحد، وقع الطلاق بالأول، ولم يقع بالثاني لأن " إن وإذا " يقتضي فعل مرة
واحدة، و " كلما " يقتضي التكرار، كما لو قال: إن دخلت الدار فأنت طالق، وإذا
دخلت الدار فأنت طالق، فدخلت الدار طلقت، وإن دخلت ثانيا لم تطلق لأن
الصفة قد انحلت، وتكون الطلقة رجعية، وإذا وضعت حملها بعد ذلك انقضت
عدتها وبانت، وهكذا نقول إذا علق به النذر سواء.
وإذا قال: إذا ولدت ذكرا فأنت طالق طلقة، وإن ولدت أنثى فأنت طالق
طلقتين ففيها مسألتان إما أن تلد ولدين أو ثلاثة.
المسألة الأولى: فإن ولدت ولدين ذكرا وأنثى ففيه أربع مسائل:
الأولى: ولدت ذكرا أولا طلقت طلقة، ثم ولدت أنثى بانت بها ولم يقع
الطلاق، وهذا أصل كل ولد بانت بوضعه لم يقع بوضعه طلاق.
الثانية: ولدت أنثى أولا ثم ذكرا، طلقت طلقتين بوضع الأنثى، وبانت بالذكر
فلم يقع الثالث.
الثالثة: وضعتهما معا دفعة واحدة طلقت ثلاثا لأنها وضعتهما وهي زوجة،
فوجدت صفة الثلاث فوقع ثلاث طلقات.
الرابعة: أشكل الأمر فلم يعلم هل ولدت الأنثى أولا أو الذكر أو هما معا، قال:
201

بعضهم: يقع الأقل، وألزم تركها، لأنه يجوز أن يكون ولدتهما معا، هذا إذا ولدت
اثنين.
فإن ولدت ثلاثا ذكرا وأنثيين، ففيها ثلاث مسائل: إما تلد واحدا بعد واحد، أو
دفعة واحدة، أو اثنتين دفعة واحدة والثالث وحده.
الأولى: فإن ولدتهم واحدا بعد واحد ففيه أربع مسائل أيضا.
إن ولدت ذكرا أولا ثم أنثى ثم أنثى طلقت بالذكر طلقة، وبالأنثى طلقتين بانت
بهن وانقضت عدتها بالثالثة.
والثانية ولدت أنثى ثم أنثى ثم ذكرا طلقت بالأنثى طلقتين ولم تطلق بالأنثى
الثانية شيئا لأن الصفة إذا ولدت أنثى فأنت طالق، وقد طلقت بأن ولدت أنثى، فلا
تعود الصفة بأنثى أخرى، فإذا ولدت الذكر لم تطلق لأنها بانت فلا يقع بها
الطلاق.
الثالثة ولدت أنثى أولا ثم ذكرا ثم أنثى طلقت بالأنثى طلقتين وبانت بوضع
الذكر فلم تقع الثالثة.
فأما الرابعة وهو إن أشكل الأمر فيوقع اليقين طلقتان، فإنه أقل ما تطلق وتطرح
الشك.
المسألة الثانية: إذا ولدتهم دفعة واحدة طلقت ثلاثا لأنها ولدت ذكرا وأنثى.
الثالثة: ولدت اثنين وواحدا فلا يخلو: أن يكون الواحد آخرا أو أولا.
فإن كان الواحد آخرا ففيه مسألتان: ولدت أنثيين معا ثم ذكرا طلقت طلقتين
بالأنثيين وبانت بالذكر.
ولدت أنثى وذكرا ثم أنثى، طلقت بوضعهما معا ثلاثا وانقضت عدتها بوضع
الأنثى.
فإن كان الواحد أولا ففيه مسألتان أيضا: ولدت أولا ذكرا ثم أنثيين طلقت طلقة
بالذكر، وبانت بالأنثيين فلم تطلق.
ولدت أولا أنثى ثم ذكرا وأنثى طلقت طلقتين وبانت بوضعهما بعدهما، فلم
202

يقع إلا طلقتان.
وعندنا أن جميع ذلك لا يقع به طلاق أصلا، وإن علق به نذرا لزمه من النذر
بعدد ما تلده بالذكر واحدة وبالأنثيين اثني، حسب ما ذكره في النذر، سواء ولدتهم
دفعة واحدة أو واحدا بعد الآخر، وسواء تقدم الأنثى أو الذكر لأن الشرط قد وجد وهي
زوجة فلزمه النذر.
فإن قال: إن ولدت أولا ذكرا فأنت طالق طلقة، وإن ولدت أولا أنثى فأنت طالق
طلقتين، فإن ولدت أولا ذكرا طلقت طلقة، وإن ولدت أولا أنثى طلقت طلقتين،
وإن ولدتهما معا لم يقع الطلاق، لأنه لا أول فيهما، وعندنا مثل ذلك في النذر سواء
فأما الطلاق فقد قلنا إنه لا يقع به على حال.
وإن قال: إن ولدت ولدا فأنت طالق، وإن ولدت غلاما فأنت طالق، فإن
ولدت أنثى طلقت طلقة لأنها ولد، وإن ولدت ذكرا طلقت طلقتين، لأنه ولد وهو
غلام وعندنا مثل ذلك في النذر.
ولو قال: إن كان في جوفك ذكر فأنت طالق طلقة، وإن كان أنثى طلقتين
فإن ولدت ذكرا طلقت طلقة، وإن ولدت أنثى طلقت طلقتين، وإن ولدت ذكرا
واثنى طلقت ثلاثا لأنهما كانا في جوفها، وعندنا مثل ذلك في النذر سواء.
فإن قال: إن كان حملك ذكرا فأنت طالق وإن كان حملك أنثى فأنت طالق،
فإن ولدت ذكرا طلقت، وإن ولدت أنثى طلقت، وإن ولدت ذكرا وأنثى لم تطلق،
لأنه لم يكن حملها ذكرا ولا أنثى، بل كان ذكرا وأنثى معا.
ويفارق الأولى لأنه علق هناك أن يكون في بطنها، وهاهنا علقه بجميع الحمل
وهكذا نقول في النذر سواء.
فلو كانت أمته حاملا بمملوك فقال: إذا ولدت ولدا فهو حر وامرأته طالق
فولدت ولدا عتق وطلقت المرأة، فإن ولدته ميتا وقع الطلاق ولم يقع العتق،
لأن الميت لا يعتق، وهكذا نقول إذا علق به نذرا، فأما ما تلده فلا ينعتق، وإن
ولدته حيا، لأنه عتق بشرط، فإن جعله نذرا لزمه الوفاء به.
203

فصل: في الاستثناء بمشيئة الله:
الاستثناء بذلك يدخل في الطلاق، والعتاق، والأيمان بالله، والإقرار، والنذر
فيحله فلا يتعلق به حكم، فدخوله في الطلاق يكون في الطلاق المباشر والمعلق
بصفة عندنا وعندهم وإن كان المعلق بصفة لا يقع عندنا.
فالمباشر مثل قوله: أنت طالق إن شاء الله، والمعلق بصفة مثل قوله: إذا طلعت
الشمس فأنت طالق إن شاء الله، وهكذا في اليمين بالطلاق عندهم مثل قوله إن
دخلت الدار فأنت طالق إن شاء الله.
وهكذا يدخل في العتاق المباشر والمعلق بصفة واليمين بالعتق عندنا وعندهم
وإن كان المعلق بصفة واليمين به لا يصح عندنا، ويدخل في اليمين بالله عندنا
وعندهم كقوله: والله لا دخلت الدار إن شاء الله، وفي الإقرار كقوله: له علي ألف
درهم إن شاء الله.
وفي النذر كقوله: إن شفى الله مريضي فعبدي حر إن شاء الله، عندنا وعندهم
إذا قال: لله علي عتق عبد إن شفى الله مريضي إن شاء الله، وقال بعضهم: لا يدخل
إلا في اليمين بالله فقط، وهو ما ينحل بالكفارة وهو اليمين بالله فقط، وقال بعضهم:
يدخل فيما كان يمينا سواء كان بالطلاق أو بغيره.
وأما إن كان طلاقا معلقا بصفة أو متجددا فلا يدخل، وقال بعضهم: يدخل
في الطلاق دون العتاق، فقال إذا قال: أنت طالق إن شاء الله، لم تطلق، ولو
قال: أنت حر إن شاء الله، عتق، وفرق بينهما بأن الله يجب العتق ويكره
الطلاق.
فإذا ثبت هذا فإذا قال: أنت طالق إن شاء الله، كان معناه إن شاء الله وقوعه فهو
تعليق طلاق بصفة صحيحة، فإن وجدت وقع، وإلا لم يقع، ولسنا نعلم وجودها فلا
يقع الطلاق.
فإن قال: أنت طالق إن لم يشأ الله فهذه صفة مثل الأولى علق الطلاق بصفة هي
عدم المشيئة، ولسنا نعلم ذلك فلا يقع الطلاق، وكذا لو قال: أنت طالق ما لم
204

يشأ الله، فهو كقوله إن لم يشأ الله لأنه علق الطلاق بعدم المشيئة ولسنا نعلم عدمها.
فإن قال: أنت طالق إلا أن يشاء الله، ففيها وجهان: أحدهما لا يقع لأنه علق
الطلاق بمشيئة الله، والصحيح عندهم أنه واقع، لأن قوله " أنت طالق " إيقاع، وقوله
" إلا أن يشاء الله " عقد صفة يرفع بها وقوع الطلاق، فقد جعل المشيئة صفة في رفع
وقوعه، ولسنا نعلم وجودها في رفعه فلم نحكم برفعه.
وليس كذلك إذا قال: إن شاء الله، لأنه ما أوقع الطلاق وإنما علق وقوعه بصفة
فلا نحكم بوقوعه ما لم يوجد الصفة ولسنا نعلم وجود الصفة، فوجب أن لا يقع
الطلاق فبان الفصل بينهما.
وقوله: أنت طالق إلا أن يشأ الله، فقد استثنى مشيئة الله وأبهمها فاحتمل أن
يريد إلا أن يشاء الله أن لا تطلق، فلا تطلق، واحتمل إلا أن يشاء الله أن تطلق، وتطلق
والكل محتمل.
فمن قال معناه إلا أن يشاء لله أن لا تطلق قال: لا يقع لأن الصفة للنفي كقوله
" أنت طالق إن لم يشاء الله " ومن قال معناه إلا أن يشاء الله أن تطلق قال: يقع الطلاق
لأنه أوقعه وجعل الصفة لرفعه بعد وقوعه.
والذي قالوه لو صح لما وقع عندنا أيضا الطلاق لما قالوه، ولأن الطلاق بصفة
لا يقع غير أن الصحيح من هذه اللفظة أنها لإيقاف الكلام من النفوذ دون أن يكون
شرطا.
ولو كان شرطا لوجب إذا قال " أنت طالق إن لم يشأ الله أن تطلق " لأنا نعلم أنه
لا يشاء الله الطلاق، لأنه مباح وهو لا يريد المباح عند أكثر مخالفينا فدل ذلك على
أن ذلك ليس بشرط، وإنما هو لإيقاف الكلام.
فأما الفرق بين قوله " إن شاء الله " و " إلا أن يشاء الله " فعلى ما قلناه لا يصح،
وإنما يصح لو كان الأمر على ما قالوه من أنه شرط.
إذا قال: أنت طالق إن شاء زيد، فإن شاء زيد وهو عاقل وقع الطلاق، وإن
شاء وهو مجنون لم يقع لأنه لا حكم لمشيئة المجنون، فإن شاء وهو سكران وقع
205

الطلاق لأن كلامه يتعلق به حكم والمعتوه مثل المجنون، فإن مات زيد أو غاب أو
خرس لم يقع الطلاق، لأنا لا نعلم وجود المشيئة.
فإن قالت: قد شاء زيد وأنكر الزوج فالقول قوله، لأن الأصل أن لا مشيئة حتى
يعلم، وعندنا أن بجميع ذلك لا يقع الطلاق، علم أو لم يعلم، عاقلا كان أو
مجنونا، أو سكرانا، لأنه معلق بشرط.
فصل: في طلاق المريض:
إذا طلق زوجته في مرضه المخوف وقع الطلاق بلا خلاف، فإن طلقها، فإن كان
رجعيا فأيهما مات ورثه الآخر بلا خلاف، وإن كان بائنا فإن ماتت لم يرثها بلا خلاف
وإن مات ورثته عندنا ما بينها وبين سنة ما لم تتزوج، فإن تزوجت بعد الخروج من
العدة أو زاد على السنة ولو يوم لم ترثه وفي الناس من قال: لا ترثه بحال، ومنهم من
قال: ترثه ما دامت في العدة، ومنهم من قال: ترثه أبدا، وفيهم من قال: ما لم تتزوج
ولم تحد.
إذا قتلت المريضة ابن زوجها أو والد زوجها لم تبن منه عندنا، لأنه لا دليل
عليه ولا تبطل الموارثة بينهما بمثل ذلك، وقال بعضهم: إنها تبين منه، ويرثها ولا
ترثه لأنها متهمة وقال بعضهم: لا يرثها.
ولو أعتقت الأمة تحت عبد وهي مريضة فاكتسبت مالا وأعتق العبد، كان لها
الخيار، فإن اختارت الفسخ زالت الزوجية، فإن ماتت لم يرثها ولم ترثه هي أيضا
بلا خلاف.
وإذا أعتقت تحت عبد فاكتسبت مالا ثم أعتق العبد كان لها الخيار، وكذلك
الصغيرة إذا زوجها أخوها أو عمها ثم بلغت مريضة فاختارت الفسخ لم يرث واحد
منهما صاحبه، وهكذا يجب أن نقول.
لو أقر مريض أنه طلقها ثلاثا في حال الصحة قبل قوله، وحكم بأنها بانت منه
في حال الصحة وتكون العدة من حين تكلم وهكذا يجب أن نقول إذا قال: طلقتها
206

ثلاثا على الشروط التي يقع معها عندنا.
ولو قال في مرضه: أنت طالق ثلاثا، ثم برأ من مرضه لم ترثه بلا خلاف، وعندنا
إذا كان له عليها رجعة ورثته، لأن بهذا القول لا يقع إلا واحدة، وهكذا لو قال: أنت
طالق ثلاثا، فارتدت ثم أسلمت ثم ماتت لم يرثها لأنها بالردة خرجت من الميراث،
فأما إن سألته الطلاق وهو مريض فطلقها ثلاثا لم ترثه، لأنه لا يتهم في طلاقها،
وقال بعضهم: ترث، وهو الصحيح عندنا، إذا كان أوقع الثلاثة لعموم الأخبار.
إن قالت له وهو مريض: طلقني طلقة، فطلقها ثلاثا ورثته لأنه متهم في
الإبانة، فأما إن علق طلاقها بصفة توجد من جهتها، فإن كان لها مندوحة لم ترثه،
كما لو سألته فطلقها، وإن كان لا بد لها فعلى قولين، فأما ما لها منه بد ففعلته فلا ترثه
قولا واحدا، وعندنا أن ذلك لا يقع به طلاق أصلا، لأنه معلق بشرط، وإذا لم يقع
فلا يقطع الميراث.
فأما إن علق الطلاق بفعل نفسه، مثل أن قال: إن مرضت فأنت طالق، فمرض
طلقت، لأنه متهم في عقد الصفة، ولو قال: إن دخلت الدار فأنت طالق فدخلها
وهو مريض فعلى قولين، لأنه متهم في إيجاد الصفة وفي الأولى في عقد الصفة.
فإن قال وهو مريض: إذا برأت فأنت طالق ثلاثا، فبرأ طلقت ولم ترثه، ولو قال
وهو صحيح: إذا طلعت الشمس فأنت طالق وإذا جاء رأس الشهر فأنت طالق، أو
إذا جاء غد فأنت طالق، فوجدت الصفة وهو مريض، طلقت ولم ترثه لأنه غير متهم،
لأن القول منه كان في حال الصحة.
ولو قال: أنت طالق قبل وفاتي بشهر، ثم مات فإن مات قبل مضي الشهر لم
تطلق، لأنه لم يكن بين عقد الصفة وبين موته شهر، وإن مات مع انقضاء الشهر لم
تطلق أيضا لأنه ما مضى شهر، وإن مات عقيب انقضائها بلا فصل لم تطلق أيضا
لأنه يحتاج أن يمضي زمان يقع فيه الطلاق، وإن مات بعد مضي الشهر بلحظة وقع
عقيب عقد الصفة.
فإذا ثبت أنها تطلق يومئذ، فإن كان عقدها في حال الصحة لم ترثه لأنه طلاق
207

في حال صحة، وإن كان عقدها حال المرض فعلى ما مضى من القولين، وعندنا أن
جميع ذلك لا يقع به طلاق لأنه معلق بشرط ولا ينقطع الميراث، لأن الزوجية ثابتة.
وأما إذا قذفها وهو صحيح أو مريض، فلاعنها وهو مريض فبانت لم ترث قولا
واحدا، لأنه غير متهم لأن عليه حدا بالقذف إن لم يسقطه باللعان، وعندنا أنه ليس
بطلاق وهذا حكم يختص الطلاق.
إذا كانت زوجته أمة واجتمع عتقها وطلاقها في مرضه ففيها خمس مسائل:
إحداها: طلقها ثلاثا في مرضه ثم أعتقها سيدها ثم مات الزوج، لم ترثه لأنه
أوقع الطلاق وهي أمة فلا تهمة فيما فعل لأنها ممن لا ترث حين الطلاق، وهكذا لو
كانت حرة كتابية فطلقها ثلاثا ثم أسلمت ثم مات لم ترث، لأن الكفر كالرق
في منع الميراث.
الثانية: قال وهو مريض: أنت طالق غدا، فلما سمع سيدها قال لها: أنت حرة
اليوم بعد قوله، لم ترثه لأنه قال وهي غير وارثة، وعندنا أن هذه لا يقع طلاقها لأنه
معلق بشرط، والأولى صحيحة، وإن اختلفنا في عدد طلاق الأمة.
الثالثة: أعتقها سيدها ثم طلقها زوجها ثلاثا وهو مريض، فإن كان قبل العلم
بالعتق لم ترثه، لأنه غير متهم، وإن كان بعد العلم بالعتق فعلى قولين، لأنه متهم
وعندنا أنها ترثه إذا أبانها لعموم الأخبار.
الرابعة: اختلف الوارث والمعتقة بعد وفاة الزوج، فقالت: طلقني بعد العتق فأنا
أرثه، وقالوا: بل قبل العتق فلا ميراث، له، فالقول قول الوارث، لأن الأصل أن لا
ميراث حتى يعلم ثبوته، وهكذا نقول.
الخامسة: طلقها طلقة رجعية وهي أمة، ثم أعتقت ثم مات فإن مات قبل
انقضاء العدة ورثت لأنها رجعية حرة، وإن مات بعد انقضاء عدتها لم ترثه لأنه غير
متهم بذلك الطلاق وهكذا نقول نحن.
ولو قال وهو صحيح: أنت طالق ثلاثا إذا أعتقت، فعتقت وهو مريض ثم مات
وهي في العدة لم ترثه قولا واحدا، لأنه غير متهم حين عقد الصفة، وإن قال وهو
208

مريض فأعتقت فعلى قولين لأنه متهم، وعندنا أن الطلاق لا يقع لأنه مشروط ويثبت
الإرث.
فرع:
إذا طلق أربع زوجات في مرضه المخوف ثلاثا ثم تزوج أربعا ثم مات من مرضه
فهناك ثماني نسوة أربع زوجات وأربع مطلقات كيف الميراث؟ قيل فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: حق الزوجات الثماني بالسوية الربع، مع عدم الولد، والثمن مع
وجوده، وهو الذي نقوله إذا كان أوقع بكل واحدة منهن الثلاثة التي لا يملك فيه
رجعتها.
والوجه الثاني: بين الزوجات دون المطلقات لأن ميراثهن بنص الكتاب وميراث
أولئك بالاجتهاد.
والوجه الثالث: أنه للمطلقات دون الزوجات لأن حقهن سابق وحق الزوجات
متأخر، وليس بشئ عندهم.
إذا قال: أنت طالق قبل قدوم زيد بشهر، فإن قدم قبل مضي الشهر لم يقع
الطلاق، لأنه يؤدي إلى وقوعه قبل عقد الصفة، وإن قدم مع انقضاء الشهر من حين
عقد الصفة لم يقع، ولا يقع حتى يمضي شهر وزمان لوقوع الطلاق فيه فإذا قدم بعد
شهر ولحظة من حين عقد الصفة وقع عقيب عقد الصفة وقبل أول الشهر.
فإذا تقرر أن الطلاق يقع قبل قدومه بشهر فالحكم فيه إذا قدم بعد عقد الصفة
بشهرين وستة وما زاد واحد، ويحكم بأن الطلاق يقع قبل قدومه بشهر.
فإذا ثبت هذا فعقد هذه الصفة ثم خالعها بعد يوم أو يومين ثم قدم زيد بعد شهر
ولحظة من حين عقد الصفة حكمنا بوقوع الطلاق قبل عقد الخلع بيومين، ويبطل
الخلع إلا أن يكون الطلاق المعلق بصفة طلقة رجعية، فيكون الخلع صحيحا وعندنا
أن الطلاق في هذه المسألة لا يقع أصلا لأنه معلق بشرط، والخلع الذي وقع بعده
صحيح على كل حال.
209

وإن كانت بحالها ولم يخلعها لكن طلقها ثلاثا بعد يومين وكانت حاملا
فوضعت بعد يومين، وانقضت عدتها بالوضع فتزوجت، ثم قدم زيد بعد شهر ولحظة
من حين العقد، تبينا أن الطلاق الثلاث وقع بها قبل الطلاق الذي باشرها، فزال
الطلاق الثاني وانقضت عدتها بالوضع عن الطلاق الأول، وكان النكاح صحيحا،
لأنه نكاح بعد انقضاء العدة، وعندنا أن الطلاق الأول غير صحيح لأنه معلق بشرط،
والثاني وقعت منه واحدة وبانت بالوضع وصح النكاح.
فإن كانت بحالها فمات أحدهما بعد يومين فورثه الآخر ثم قدم زيد بعد شهر
ولحظة من حين العقد، كان الميراث باطلا لأنا تبينا أن الموت حصل بعد البينونة،
فلا ميراث، وعندنا أن الميراث صحيح لأن الطلاق ما وقع أصلا لكونه معلقا بشرط.
فإن قال لأمته: أنت حرة قبل قدوم زيد بشهر، ثم باعها بعد عقد الصفة بيوم أو
يومين فأعتقها المشتري، ثم قدم زيد بعد شهر ولحظة من حين عقد الصفة، تبينا أن
العتق قد سبق وقت البيع فالبيع باطل، لأنه بيع وقع بعد العتق، وعتق المشتري باطل
لأنه أعتق ما هو حر، وعندنا أن البيع صحيح والعتق من جهة المشتري صحيح لأن
العتق المعلق بصفة عندنا لا يصح أصلا.
فإن كانت بحالها فخالعها ثم عقد الصفة بيوم أو يومين ثم قدم زيد بعد
عقد الخلع بشهر ولحظة تبينا أن صفة وقوع الطلاق قبل قدومه بشهر وعقد الخلع قبل
قدومه بشهر ويوم فسبق الخلع وقوع الطلاق، فصادف الخلع حال الزوجية، ثم
وجدت صفة الطلاق بعد عقد الخلع فبطل وقوع الطلاق على بائن، وعندنا أيضا
الخلع صحيح والطلاق باطل لما قدمنا ذكره.
فإن كانت بحالها فطلقها بعد عقد الصفة ثلاثا فوضعت حملها بعد يومين
وتزوجت ثم قدم زيد بعد الطلاق الثلاث بشهر ولحظة تبينا أن الطلاق الثلاث وقع وأن
صفة وقوع الطلاق وجدت بعد أن بانت بالطلاق الثلاث.
فإن مات أحدهما بعد عقد الصفة بيوم أو يومين ثم قدم زيد بعد الموت بشهر
ولحظة تبينا أن الموت صادف حال الزوجية وأن الباقي منهما ورث صاحبه وأن صفة
210

وقوع الطلاق وجدت بعد الوفاة فبطلت الصفة، وهكذا لو قال لأمته: أنت حرة قبل
قدوم زيد بشهر، ثم باعها بعد عقد الصفة بيوم أو يومين، ثم قدم زيد بعد البيع بشهر
ولحظة، فالبيع صحيح نافذ لأن الصفة وجدت بعد زوال ملكه بالبيع فلا يعتق.
هذا إذا كان زمان نكاحها وقوع الطلاق عليها واحدا لأنها تطلق قبل قدومه بشهر
ولحظة أبدا فالخلع قبل قدومه بشهر ولحظة أيضا وقد قدم زوال النكاح بالخلع على
زواله بالطلاق بالصفة.
فإن اخترت أن توسع هذا فيكون أوضح فقل أعتقها بعد عقد الصفة بيوم، وقدم
زيد بعد العتق بشهرين، فإن صفة العتق توجد قبل قدوم زيد بشهر، والبيع قبل قدوم
زيد بشهرين، فتنظر في هذا الباب إلى وقت عقد الصفة، ووقت العقد، ووقت قدوم زيد
فتفرع عليه ما شئت على ما مضى.
وعقد الباب عندنا في هذا الباب في الطلاق والعتق أن ما علقه بصفة لا يقع
وجدت صفته أو لا توجد، وما يتجدد بعده من الطلاق أو الخلع أو البيع أو العتق
يكون صحيحا ويتعلق به أحكامه، وما تقدم لا يتعلق به أحكامه لبطلانه، فكل ما يرد
في هذا الباب فهذا عقده.
إذا شك الرجل هل طلق زوجته أم لا؟ لم يلزمه الطلاق بلا خلاف غير أنه قال
بعضهم: يقتضي الاحتياط والعفة أن يوقع الطلاق ويقتضي الورع والعفة أن ينظر إلى
حال نفسه:
فإن كان في نفسه أن الطلاق أبدا واحدة، وأنه لا يزيد عليها، مثل أن يكون
حنفيا يعتقد أن تفريق الطلاق هو السنة، أو يكون شافعيا يعتقد أن الاستحباب ذلك
ألزم نفسه طلقة وراجعها، فإن كان الطلاق قد كان منه فقد راجع، وإن كان ما طلق
لما ضره.
وإن كان يعتقد أنه متى طلق أوقع الثلاث فالورع أن يلزم نفسه ثلاثا بأن يجدد
ثلاث تطليقات لتحل لغيره من الأزواج ظاهرا وباطنا، وعندنا أنه لا يقع شئ من
الطلاق وهو بالخيار بين إيقاعه في المستقبل وامتناعه.
211

فأما إن تحقق الطلاق وشك في العدد، فإنه يأخذ باليقين ويطرح الشك واليقين
واحدة، هذا عندنا وعند كثير منهم، وقال بعضهم: يأخذ بالأكثر فيلزم الثلاث.
إذا حلف بعتق عبيده وطلاق نسائه ثم حنث في إحديهما قطعا لا بعينه،
فعندنا لا يقع شئ ولا يلزمه، لأن اليمين بهما غير منعقدة.
ومثال المسألة أن يرى طيرا فقال: إن كان هذا الطير غرابا فنسائي طوالق، وإن
لم يكن غرابا فعبيدي أحرار، فطار الطير قبل أن يعلم ما كان.
أو قال: إن كان هذا الشخص المقبل زيدا فنسائي طوالق، وإن لم يكن زيدا
فعبيدي أحرار، ثم غاب الشخص ولم يعلم من كان، فقد تحقق الحنث في أحدهما
قطعا لا بعينه، وكلف التوقف عن الملكين معا فلا يطأ نساءه ولا يتصرف في العبيد
لأن أحدهما زال لا بعينه، فغلب حكم التحريم كما لو طلق واحدة من نسائه لا
بعينها ثلاثا، ثم أشكل عليه منع من الكل، وهكذا لو وقع على ثوبه نجاسة وأشكل
موضعها غسل الثوب كله، وعندنا أن هذا لا يلزمه في الطلاق والعتاق لما مضى.
وإن جعل ذلك نذرا بأن يقول: إن كان هذا الشخص زيدا فلله علي عتق رقبة،
وإن كان عمرا فلله علي عتق رقبتين، ثم غاب، فإن الاحتياط يقتضي أن يعتق رقبتين
فإن كان عمرا فقد وفى بنذره كملا، وإن كان زيدا فقد وفي وزيادة، وإن قلنا إنه يعتق
رقبة لأنه اليقين وما زاد عليه لا دليل عليه والأصل براءة الذمة كان قويا، فأما المطلقة
والثوب النجس فالأمر على ما ذكر.
فإذا تقرر أنه ممنوع من الكل، رجع في بيان ذلك إليه، فإن بين بأن قال: علمت
أنه كان غرابا، فقد اعترف بطلاق النساء، والعبيد على الرق، فإن صدقة العبيد
فلا كلام، وإن خالفوه فالقول قوله مع يمينه لأن الأصل بقاء الملك له، فإن حلف
سقط دعواهم، وإن نكل رد اليمين عليهم، فإذا حلفوا حكم بعتقهم بيمينهم ونكوله،
والزوجات طلقن بإقراره.
وإن بين فقال: كان حماما لا غرابا، عتق العبيد بإقراره، والنساء على الزوجية
فإن صدقته فلا كلام وإن ادعين خلافه فالقول قوله، لأن الأصل بقاء الزوجية، فإن
212

حلف استقرت الزوجية، وإن نكل حلفن وطلقن باليمين مع نكوله، والعبيد قد عتقوا
بإقراره، والنساء يطلقن بيمينهن ونكوله.
فأما إن لم يبين حبس حتى يبين، لأنه لا يمكن الرجوع إلا إليه، فإن قال: لا
أعلم، فإن صدقه العبيد والنساء أنه لا يعلم وقف الأمر حتى يبين أو يموت، وإن
ادعى العبيد أو النساء أو هما معا علمه حلفناه أنه لا يعلم ما الذي كان، فإذا حلف
وقف المكان معا حتى يموت أو يبين، وعليه نفقة الفريقين معا.
ومتى مات قبل أن يبين، في الناس من قال: يرجع إلى بيان الورثة، لأنه يقوم
مقامه في الحقوق، وقال قوم: - وهو الصحيح عندهم - أنه لا يرجع إليهم، بل يقرع
بين النساء والعبيد، فيكتب في رقعة عتق وفي أخرى طلاق ويقرع.
فإن خرجت قرعة العتق حكم بعتقهم من حين اليمين، فإن كان في حال
الصحة عتقوا من صلب المال، وإن كان في حال المرض عتقوا من الثلث وأما النساء
فلا يحكم بطلاقهن ويرثنه لأن الأصل الزوجية، ولا نحكم لهن بالزوجية بالقرعة، لأن
القرعة لا مدخل لها في الزوجية، لكن لما عتق العبيد بالقرعة بقي حكم الزوجية على
الأصل وإنما يرق منهن من لم يدع أن الطير كان غرابا وأنها طلقت، فمن اعترف
بذلك فقد اعترف بطلاقها فلا ميراث لها، قالوا: والورع ألا ترثنه أصلا لجواز أن يكون
الحنث بهن.
فأما إن خرجت القرعة على النساء فلم يطلقن لما تقدم، وللوارث أن يتصرف في
العبيد ولا يقف عن التصرف كما كان يقف المورث لأن المورث كان له الملكان
جميعا فحنث في أحدهما قطعا لا بعينه، فلهذا توقف فيها والوارث له أحد الملكين،
وهو الرق دون الزوجية، لأنها زالت بالوفاة.
فإن قال: إن كان هذا الطير غرابا فنسائي طوالق، وإن كان حماما فعبيدي
أحرار، فطار قبل أن يعرف لم يحنث في واحد منهما عندنا وعندهم، عندنا لما مضى
وعندهم لأن الأصل الملك، وهو شاك في الحنث فلا يزال ملكه بالشك.
ويفارق الأولى إذا قال: إن كان غرابا فنسائي طوالق وإن لم يكن غرابا فعبيدي
213

أحرار لأن الحنث قد وقع بأحد الملكين قطعا، فإن الطير لا يخلو أن يكون غرابا أو
غير غراب فلهذا توقف منهما، وليس كذلك هاهنا لأنه يجوز أن يكون غير غراب
وغير حمام، فلهذا لم يحنث فيهما وهو صحيح أيضا عندنا إذا علق به النذر، فإنه لا
يلزمه شئ للعلة التي ذكرت.
نفسان لكل واحد منهما عبد فأتى طائر فقال أحدهما: إن كان غرابا فعبدي
حر، وقال الآخر: إن لم يكن غرابا فعبدي حر، لم يحكم بالحنث في حق كل واحد
منهما، لأن كل واحد منهما يجوز أن يكون الحانث صاحبه دونه والأصل الملك
فلا يزال بالشك، وفي الأولى الملك لواحد لأنه جمع بينهما وهو حانث في أحدهما
قطعا وهاهنا يشك كل واحد في حنث نفسه.
فإن ملك أحدهما عبد الآخر حكمنا بأنه قد عتق عليه، لأن تمسكه بعبد نفسه
إقرار منه بأن الحنث من غيره، وأن عبد غيره عتق، فإذا كان مقرا بذلك لم يكن له
تملكه فيعتق عليه.
وعندنا أن هذه المسألة مثل الأولى في أنه لا يتعلق بها حكم اليمين، وإن علق
به نذرا لم يلزمه شئ أصلا لأنه ليس هناك يقين أصلا، والأصل براءة الذمة، وكذلك
إذا ملكه فيما بعد.
إذا كان له زوجتان فطلق واحدة منهما ففيها مسألتان: إحديهما إذا عين الطلاق
في إحديهما، والثانية أطلق.
فإذا عين مثل أن يقول لواحدة: أنت طالق، ثم أشكل عليه عينها، أو نادت
واحدة منهما فسمع صوتها فقال: أنت طالق، ولم يعلم عينها، أو رأى ظهر واحدة
منهما فقال: أنت طالق، ثم اختلطت بصاحبتها ولم يعلم عينها، كلف الامتناع
منهما، لأنه قد تحقق تحريم واحدة منهما لا بعينه، فلزمه التوقف كما لو اختلطت
أخته بأجنبية لم يجز له نكاح واحدة منهما، وعليه أن يبين المطلقة، والبيان بيان إقرار
وإخبار بالتي طلقها، وليس هو بيان شهوة واختيار، لأنه قد أوقع الطلاق على واحدة
بعينها وبانت منه.
214

فإذا بين لم يخل من أحد أمرين: إما أن يبين قولا أو فعلا، فإن عين قولا فقال:
هذه التي طلقتها، حكم بطلاقها وزوجية الأخرى، وإن كانت بحالها ولم يبين
المطلقة لكن قال: هذه التي لم أطلقها، فذلك بيان في الأخرى أنه طلقها.
فإن قال: طلقت هذه لا بل هذه، طلقتا جميعا لأنه إقرار بطلاقهما واحدة بعد
الأخرى، فلم يقبل رجوعه في الأولى ولزمه الإقرار بهما معا.
فإن كان له ثلاث نسوة فيهن ثلاث مسائل أيضا، إن قال: طلقت هذه
لا بل هذه لا بل هذه، طلقن جميعا لما مضى، الثانية قال: طلقت هذه لا بل هذه أو هذه،
طلقت الأولى وقد أبهم الطلاق في الأخرى، وعليه البيان، الثالثة إن قال: طلقت
هذه أو هذه لا بل هذه طلقت الثالثة، وقد أبهم الأولى والثانية فعليه البيان.
فإن كن له أربع زوجات فقال: طلقت هذه أو هذه لا بل هذه أو هذه، فقد أبهم
في الأولتين والآخرتين، فعليه أن يبين في الأولتين والآخرتين، هذا إذا عين بالقول
فكذلك.
فأما إن عين بالفعل فوطئ واحدة منهما لم يقع التعيين بذلك، لأن الطلاق
لا يقع إلا بالقول فكذلك تعيينه، ولأنه لو كان وطؤه بيانا لوجب إذا وطئهما معا أن تطلقا
معا.
فإذا ثبت أن الفعل لا يكون بيانا، فإذا وطئ واحدة منهما قيل له: بين الآن
بالقول، فإن بين أن المطلقة غير الموطوءة، ثبت أنه وطئ زوجته، وإن بين أن
المطلقة هي التي وطئها فعندنا إن كانت رجعية كان ذلك رجعة، وإن كانت بائنا فعليه
التعزير، ولا يجب الحد للشبهة ولا يجب مهر المثل لأنه لا دليل عليه، وعندهم
يجب مهر المثل ولا يجب الحد ولم يذكروا التعزير ولم يفصلوا.
فإذا ثبت هذا فالطلاق والعدة من حين إيقاع الطلاق لا من حين الإقرار به، إلا
أن يكون وطئها فتكون العدة من حين الوطء، هذا الكلام في المسألة الأولى.
فأما إذا أطلق الطلاق فقال: إحداكما طالق، فهل يتوقف عن الوطء أم لا؟ يأتي
فيما بعد، لكن نبتدئ فنقول عليك التعيين، والتعيين هاهنا باختيار وإيثار وليس
215

بإخبار عن طلاق كان منه، لأنه ما نجز الطلاق في واحدة منهما، وإنما علقه على
البيان، وليس كذلك التي قبلها، لأنه أوقعه على واحدة بعينها، لكنه أشكل عليه
عينها.
ثم لا يخلو من أحد أمرين: إما أن يبين بالقول أو بالفعل.
فإن بين بالقول بأن قال: اخترت تعيين الطلاق في هذه، طلقت هذه وكانت
الأخرى على الزوجية، ولو قال: اخترت تعيينه في هذه لا بل في هذه، طلقت الأولى
دون الأخرى لأنه إنما أبهم وعليه بيانه في واحدة، فإذا عينه في واحدة لم يبق ما يعينه
في الأخرى، وليس كذلك في الأولى، لأنه إذا عين الطلاق في واحدة بعينها كان بيانه
إقرارا فإذا أقر بطلاق واحدة طلقت بإقراره فإذا رجع فأقر بالأخرى لم يقبل قوله فيما
رجع منه وقبل قوله فيما يرجع إليه.
وإن بين بالفعل بأن يطأ واحدة منهما، قال قوم: يكون بيانا، وقال آخرون: لا
يكون، كالتي قبلها، وعندنا أنها مثل الأولى سواء، والأقوى في هذه أن يجعل الوطء
إيثارا ويحكم في الأخرى بالطلاق إذا كان قد نوى طلاق واحدة بعينها.
فمن قال لا يكون بيانا قال: يتوقف عنهما ولا يطأ حتى يبين وعلى الأول يطأ من
شاء منهما، فإذا وطئ كان ذلك اختيارا، ومن أي وقت تعتد؟ قال قوم: من حين
البيان عنه لا من حين اللفظ، لأنه إنما علق الطلاق تعليقا، فإذا عينه حكمنا بوقوعه
من حين التعيين، وقال آخرون: من حين تلفظ بالطلاق، وهو الأقوى عندنا، لأن
الإيقاع وقع حينئذ وإنما بقي البيان، وقال بعضهم: الطلاق من حين اللفظ، والعدة
من حين التعيين.
فإذا ثبت هذا فكل موضع قلنا عليه التوقف حتى يبين فعليه النفقة إلى حصول
البيان كما نقول في من أسلم وعنده عشر نسوة، فعليه أن يختار أربعا وعليه نفقة الكل
إلى أن يختار.
إذا كانت له زوجتان فطلق إحديهما، فقد ذكرنا إن عين الطلاق في إحديهما ثم
أشكل عليه عينهما، وإذا أبهم الطلاق ومضى، وبقى الكلام في الميراث بعد الوفاة
216

وفيه ثلاث مسائل:
إذا ماتتا وبقى هو، أو مات هو وبقيتا، أو ماتت واحدة ثم مات هو، ثم ماتت
الثانية:
فأما الأولى: إذا ماتتا وبقى هو فلا فصل بين أن تموتا معا أو واحدة بعد واحدة
فإنا نقف له من تركة كل واحدة منهما ميراث زوج، لأنا لا نعلم عين الزوجة منهما،
فلو وقفنا ميراث واحدة فربما وقفنا له غير ما يستحقه.
ثم نقول: بين المطلقة منهما، ولا يخلو: أن يكون الطلاق معينا أو مبهما، فإن
كان معينا كلفناه الإقرار بالمطلقة والإخبار عنها، فإذا قال هذه المطلقة حكمنا بأن
الطلاق وقع بها، فيكون ما وقف من تركتها لورثتها، والمسألة فيه إذا كان الطلاق
بائنا، فأما إن كان رجعيا ورث الزوج بكل حال، وأما الثانية فهي زوجته ماتت على
الزوجية فيكون ما وقفناه له يأخذه، فإن صدقه وارثها فلا كلام، وإن خالفوه فقالوا:
هذه التي طلقتها، فالقول قوله أنه ما طلقها لأن الأصل أنه ما طلقها، هذا إذا كان
الطلاق معينا.
فأما إن كان مبهما فإذا عينه في واحدة حكمنا بطلاقها وأنها ماتت بعد البينونة،
وكان له ميراث الأخرى ولا يجئ هاهنا خلاف الورثة لأن تعيين الطلاق اختيار وشهوة
وليس لهم أن يعترضوا عليه فيما يختار ويؤثر.
ويفارق إذا كان الطلاق معينا لأنه إقرار بالتي طلقها، وإخبار منه عنها فلهذا
صح أن يخالفوه في ذلك.
الثانية: مات الزوج أولا وبقيتا، فإنا نقف هاهنا من تركته ميراث زوجة واحدة
لأنه إنما مات عن زوجة واحدة، لأن الجهل بعين الزوجة منهما ليس بجهل بأن فيهما
زوجة، فإذا وقفنا فإن لم يكن له وارث قيل لهما: لا يمكن إفراد إحداكما ولا قسمته
بينكما، فيقف حتى يصطلحا أو تقوم البينة، وإن كان له وارث، فإن بين فالحكم
على ما مضى، وإن لم يبين فعلى قولين: أحدهما يقوم الوارث مقامه في البيان،
والثاني لا يقوم وهو الأقوى عندنا، فمن قال: يقوم مقامه، كان كالمورث وقد مضى،
217

ومن قال: لا يقوم، وقفنا ذلك حتى يصطلحا سواء كان الطلاق معينا أو مبهما،
وفيهم من قال هذا إذا كان معينا فأما إن كان مبهما فإن الوارث لا يقوم مقامه، وينبغي
أن يرجع إلى القرعة بينهما.
الثالثة: ماتت إحديهما ثم مات هو ثم ماتت الأخرى وكان الطلاق بائنا معينا
رجع إلى الوارث، فإن قال: التي طلقها هي الأولى والثانية ما طلقها، قلنا له: قد
أقررت أنه ما ورث الأولى وورثته الثانية، فذلك مقبول لأنه إقرار بما يضرك، فإنا
نقاسمك بقدر حقها ربعا أو ثمنا، وإن قال: المطلقة الثانية والزوجة الأولى، فقد أقر
بما ينفعه وهو أن مورثه ورث الأولى ولم ترث الثانية، فهل يقبل؟ على القولين.
فإذا قيل: لا يرجع إليه ولا يقبل منه، وقف له من الأولى ميراث زوج ووقف
للثانية من تركته ميراث زوجة حتى تقوم بينة أو يصطلح الورثة.
وإذا قيل: يرجع إلى قوله، فهو منكر طلاق الأولى ويحلف الوارث على العلم
فيقول " والله ما أعلم أنه طلقها " ويدعي طلاق الثانية فيحلف على البت أنه طلقها لأنه
إذا أنكر طلاق الأولى فهي يمين على النفي على فعل الغير، فكانت على العلم
ويحلف في حق الثانية على البت لأنه إثبات طلاق وكان على البت، فهذا أصل
يتكرر كثيرا.
فصل: فيما يهدم الزوج من الطلاق:
قد ذكرنا أن فرقة الطلاق على ثلاثة أضرب:
الأول: فرقة توجب تحريما يرتفع بالرجعة، وهو إذا طلق بعد الدخول طلقة أو
طلقتين فإذا راجعها زال التحريم.
الثاني: فرقة توجب تحريما ثم يرتفع بنكاح جديد وهو على ضربين: أحدهما
إذا بانت منه بدون الثلاث إما أن يطلقها طلقة أو طلقتين قبل الدخول فتبين في الحال
من غير عدة أو يطلقها طلقة أو طلقتين بعد الدخول، وتنقضي عدتها فتبين بانقضاء
العدة، والثاني أن يطلقها طلقة أو طلقتين بعوض فإنها تبين بهما، قبل الدخول
218

وبعده سواء فهذه فرقة تحرم الوطء دون العقد.
الثالث: فرقة تحرم شيئين الوطء والعقد حتى تنكح زوجا غيره، وهو إذا استوفى
عدة الطلاق متفرقا عندنا، وعندهم أو مجتمعا فلا يحل له من بعد حتى تنكح زوجا
غيره، ويدخل بها ويطأها ثم يطلقها، وتنقضي عدتها منه، فتحل للأول استئناف
نكاحها، فإذا نكحها هاهنا فكأنه ما كان نكحها قبل هذا، فيملك ثلاث تطليقات بلا
خلاف.
فإذا تقرر هذا فلا خلاف في الفرقة الأولى والأخيرة، وإنما الخلاف في الوسطى
فإذا أبانها بدون الثلاث ثم نكحها، فإن نكحها قبل زوج غيره عادت إليه على ما بقي
من الطلاق، وإن نكحت زوجا غيره ثم طلقها الثاني قبل الدخول بها ثم تزوجها الأول
عادت أيضا على ما كانت بقيت من طلاقها، وإن وطئها الثاني ثم طلقها فنكحها
الأول، فإنها تعود عندنا كما كانت أولا، وقال بعضهم: على ما بقي من طلاقها، ولم
يؤثر وطء الثاني في عدد الطلاق، وفيه خلاف.
فصل: في ذكر فروع:
إذا قال: أنت طالق طلقة بل طلقتين، عندنا تقع واحدة إذا نوى، وقال
بعضهم: تقع ثلاثا، ولو قال: لفلان علي درهم لا بل درهمان، لزمه درهمان.
والفصل بينهما أنه إذا قال: له درهم فقد أخبر بدرهم عليه، وقوله بعد هذا:
لا بل درهمان إخبار بالدرهم الذي أقر به أولا، ثانيا لأنه يصح أن يخبر عنه ثم يخبر
عنه فكأنه نفى الاقتصار عليه فأخبر به وبغيره مرة أخرى، وليس كذلك إذا قال: أنت
طالق طلقة لا بل طلقتان، لأن قوله " أنت طالق " إيقاع طلاق، وقوله بل طلقتين نفى
تلك وأثبت غيرها طلقتين، لأنه لا يمكنه أن يوقعها مرة ثم يوقعها مرة أخرى، فلم
يقبل ما نفاه ولزمه ما استدركه، وطلقت ثلاثا.
والفرق بينهما على مذهبنا أنه لا يمكن إيقاع طلقتين في حال واحدة، ويمكن
ذلك في الإقرار، ولو أمكن في الطلاق لكان ما قالوه صحيحا.
219

ولو قال: أنت طالق واحدة إلا أن تشائي ثلاثا، فقالت: قد شئت ثلاثا لم تطلق
شيئا وهذه التي مضت، وعندنا لا يقع، لأنه معلق بشرط.
إن قال: إن لم أطلقك اليوم فأنت طالق اليوم، عندنا لا يقع شئ وإن خرج اليوم
لما مضى، وقالوا: إن لم يطلقها اليوم لم يقع الطلاق بها، لأن معناه إن فاتني طلاقك
اليوم طلقت في اليوم، والفوات يكون بخروج اليوم فإذا خرج اقتضى وقوعه اليوم فإن
كان اليوم قد خرج بطل أن يقع الطلاق.
وقال بعضهم: هذا سهو بل تطلق اليوم، لأن قوله: إن لم أطلقك اليوم فأنت
طالق اليوم، معناه إن فاتني طلاقك اليوم فأنت طالق اليوم، والفوات يقع قبل خروج
اليوم بزمان لأن الفوات أن يبقى من اليوم ما لا يتسع لقوله أنت طالق، والزمان الذي لا
يتسع لهذه الحروف يفوت فيه الطلاق، وقد بقي من اليوم زمان يقع فيه الطلاق ففات
قبل خروجه وطلقت قبل خروجه.
وهكذا إذا قال لها: إن لم أطلقك فأنت طالق، طلقت قبل وفاته في الزمان
الذي لا يتسع لحروف الطلاق كذلك هاهنا.
ولو قال: إن ضربت فلانا فأنت طالق، فمات فلان فضربته، لم يقع الطلاق
عندنا لما مضى، وعندهم لأن إطلاق الضرب يقع على من يؤلم بالضرب، وقد خرج
هذا من هذه الجملة، ولأنه خرج من جملة البشر وصار جمادا.
ولو كان له أربع نسوة فقال: أيتكن وقع طلاقي عليها فصواحباتها طوالق، ثم
قال لواحدة: أنت طالق، طلقت كل واحدة منهن ثلاثا لأن كل واحدة قد وقع الطلاق
عليها فيطلقن صواحباتها ولكل واحدة ثلاث صواحبات فتطلق بكل صاحبة طلقة،
غير أن التي قال لها " أنت طالق " طلقت طلقة بالمباشرة، وطلقتين بطلاق صواحباتها
وصواحباتها طلقن ثلاثا بالصفة، وعندنا تطلق التي باشر طلاقها طلقة لا غير، ولا
تطلق صواحباتها شيئا لما مضى.
ولو قال: متى أمرتك بأمر فخالفتني فيه فأنت طالق، لا تكلمي أباك، ولا
أمك، فكلمتهما لم تطلق لا عندنا ولا عندهم: عندنا لما مضى، وعندهم لأنها ما
220

خالفت الأمر وإنما خالفت النهي فلم توجد الصفة.
فإن قال: أنت طالق إن كلمت فلانا وفلانا، وفلان مع فلان أياك أعني يا هذه،
ثم كلمت فلانا وفلانا عندنا لا تطلق لما مضى، وعندهم تطلق لأنه علق الطلاق
بتكليمها إياهما، وقوله فلان مع فلان استئناف خطاب لا يتعلق بالأول بالرفع والأول
منصوب، فإن قال: إن كلمت زيدا أو عمرا فأنت طالق، فأيهما كلمته طلقت
عندهم، وإن قال: إن كلمت زيدا وعمرا فأنت طالق، لم تطلق حتى تكلمهما معا
وعندنا لا يقع الطلاق في الموضعين لما مضى.
إذا قال: إن لم أبع عبدي هذا اليوم فأنت طالق، فإن أعتقه طلقت في الحال،
لأن معناه إن فاتني بيعه اليوم، وإذا أعتقه فقد فاته بيعه، فإن دبره لم تطلق، لأن بعد
التدبير لا يفوته، فإن بيع المدبر جائز، وإن لم يبعه حتى خرج اليوم طلقت وعندنا لا
يقع على حال لما مضى.
إذا قال: أنت طالق إن كنت أملك أكثر من مائة، فنظر فإذا معه خمسون علمها
قبل، فإن قال: أردت لا أملك زيادة على مائة فهو صادق، ولا يقع الطلاق، وإن
قال: أردت أملك المائة لا زيادة عليها حنث، لأنه لا يملك مائة، وإن لم يكن له نية
فعلى قولين: أحدهما لا تطلق، والثاني تطلق وعندنا لا تطلق لما مضى.
إذا قال: أنت طالق اليوم إذا جاء غد، لم تطلق اليوم ولا غدا، لأن قوله أنت
طالق اليوم إذا جاء غد جعل من شرط وقوع الطلاق عليها اليوم مجئ غد، فاليوم لا
يقع لأن الشرط ما وجد، وإذا جاء غدا وجد الشرط ومقتضاه أن يوجد المشروط فيقع
الطلاق قبل وقت وجوده، وهذا محال، لأن الطلاق لا يسبق شرطه، وإنما يقع
عقيب وجود الشرط، فلا يقع أصلا.
ويفارق إذا قال: أنت طالق قبل وفاتي بشهر، إن مات بعد هذا بشهر وكسر وقع
الطلاق قبل وفاته بشهر، لأنه ما جعل موته شرطا يقع به الطلاق عليها قبل شهر وإنما
رتبه ووقع ما رتب، وليس كذلك في مسألتنا لأنه جعل غدا شرطا به يقع الطلاق
اليوم، فلم يسبق شرطه، بلى لو لم يجعله شرطا لكنه رتبه فقال: أنت طالق اليوم إذا
221

جاء غد، أو أنا من أهل الطلاق، فإنه يكون على ما رتبه لأنه ما جعل هذا شرطا يتعلق
وقوع الطلاق به، وعندنا لا يقع لما تقدم على كل حال.
فإن علق في جميع هذه المسائل نذرا أو جزاء كان على ما ذكره سواء، وإنما
يبطل الطلاق فقط لما مضى.
إذا قال: أنت طالق اليوم وغدا، فإن قال: معناه تطليقتين اليوم، فإن من طلق
اليوم فهو طالق غدا، طلقت طلقة اليوم ولم تطلق غدا، وهكذا يجب أن نقول إذا
نوى الإيقاع، ولو قال: معناه أنت طالق اليوم وطالق غدا طلقت عندنا اليوم، وعندهم
طلقتين، طلقة اليوم وطلقة غدا.
ولو قال: معناه أنت طالق اليوم أو غدا أي طالق في أحد هذين اليومين، عندنا
لا تطلق، وعندهم تطلق في الحال، لأنه جعل هذا الزمان كله زمانا لوقوع الطلاق
فيه، فإذا وجد شئ من هذا الزمان طلقت كقوله: أنت طالق في رمضان، طلقت في
أول جزء منه.
ولو قال: أردت نصف الطلقة اليوم ونصف الطلقة الأخرى غدا عندنا لا يقع
شئ أصلا لا اليوم ولا غدا، وعندهم تطلق اليوم طلقة، والنصف الثاني منها غدا
على وجهين: أحدهما طلقت اليوم وطلقت غدا لأنه تكمل في اليومين معا، والوجه
الثاني تطلق طلقة واحدة اليوم لا غير.
فإن قال: ما كانت لي نية، فيهم من قال: كالمسألة الأولى وأنها تطلق اليوم،
ولا تطلق غدا، لأن من طلق اليوم فهو طالق غدا.
إذا قال لزوجته: أنت طالق ثلاثا إلا طلقة وطلقة، طلقت طلقة عندنا وعندهم
لأنه استثنى ثنتين جمع بينهما بحرف العطف، ولو كانت له ثلاث نسوة فقال: طلقت
هذه أو هذه وهذه طلقت الثالثة، وقد أبهم الطلاق في الأولى والثانية، فيقال له: عين
في أيهما شئت.
وقال بعضهم: ليس هذا ظاهر الكلام، بل ظاهره طلقت هذه أو هذه، وهذه
عطف على الشك فعطف الثالثة على الثانية فيكون قد أبهم الطلاق بين الأولى والثانية
222

والثالثة، فيقال: عين في الأولى أو الثانية والثالثة، والأول يفتقر إلى إضمار وهو قوله
وطلقت هذه، وإذا استقل الكلام بغير إضمار فلا معنى للإضمار فيه، والقول الأخير
أقوى.
ولو كانت له زوجات فقال: من بشرتني بقدوم زيد فهي طالق، فقالت له
واحدة: قد قدم زيد، فإن كانت صادقة طلقت، وإن كانت كاذبة لم تطلق لأنه
كذب وتدليس وانكسار قلب عند الوقوف على الكذب فلا يكون ذلك بشارة، فإذا
جاءت أخرى فقالت: قد قدم زيد، فهل تطلق؟ فإن كانت الأولى صادقة لم تطلق
هذه، لأن البشارة قد حصلت بالأولى وإذا حصلت بالأولى فلا يكون الخبر الثاني
بشارة أخرى، وإن كانت الأولى كاذبة طلقت هذه لأن البشارة بها حصلت وعلى هذا
أبدا، البشارة تقع بالأولى إذا كان صادقا.
فأما إذا قال: من أخبرتني بقدومه فهي طالق، فقالت واحدة: قد قدم زيد،
طلقت صادقة كانت أو كاذبة، لأن الخبر يدخله الصدق والكذب، وإذا قالت له
أخرى: قد قدم زيد، طلقت أيضا لأنها مخبرة أيضا ويفارق الأولى لأن البشارة بعد
البشارة لا تكون والخبر يتكرر.
وعندنا أن ذلك كله لا يصح في الطلاق، لكن إن فرضناه في شرط وجزاء مثل أن
يقول من بشرني بقدوم زيد فله درهم، أو من أخبرني بقدومه فله درهم، كان
صحيحا، ويكون الترتيب على ما مضى شرحه.
إذا قال لغير المدخول بها: إن دخلت الدار فأنت طالق طلقة، ثم قال لها: إن
دخلت الدار فأنت طالق طلقتين، فدخلت الدار طلقت ثلاثا، لأن الطلاق إذا علق
بصفة ثم علق بصفة أخرى فوجدت الصفتان معا طلقت بكل صفة طلقة كقوله: إن
كلمت زيدا فأنت طالق، إن كلمت رجلا فأنت طالق طلقتين، فكلمت زيدا طلقت
ثلاثا وهذا لا يصح عندنا في الطلاق، وإن جعل ذلك في الشرط والجزاء بأن قال: إن
دخلت الدار فلك درهم، ثم قال: إن دخلت الدار فلك درهمان، أو علق بذلك نذرا
ثم دخلت لزمه ثلاثة دراهم.
223

ويقوى في نفسي أنه يلزمه درهمان لا غير، لأنه ما وجد أكثر من الدخول والأول
داخل في الثاني وكذلك القول في المثال الآخر.
ولو كانت له زوجتان زينب وعمرة فقال: كلما ولدت واحدة منكما فأنتما
طالقان، ففيها مسألتان: إحديهما ولدت كل واحدة منهما ولدين في وقتين عن حمل
واحد، الثانية ولدت كل واحدة منهما ولدا واحدا.
فأما الأولى: إذا ولدت كل واحدة منهما ولدين فولدت زينب ولدا يوم الخميس
طلقت كل واحدة منهما طلقة لوجود الصفة، وهما رجعيتان، ثم ولدت عمرة يوم
الجمعة ولدا طلقت كل واحدة منهما طلقة أخرى لوجود الصفة وهما رجعيتان فلما
كان يوم السبت ولدت زينب الآخر، وهو كل حملها فبانت به، لأنها رجعية وضعت
حملها، فإذا بانت به لم يقع بها الطلاق لأنه قد التقى زمان وجود الصفة في طلاقها
وزمان البينونة بانقضاء العدة، فلم تطلق، لكن طلقت عمرة الطلقة الثالثة لأن الصفة
وجدت وهي رجعية.
فإذا ولدت عمرة يوم الأحد الولد الآخر انقضت عدتها ولم يبق لها طلاق، ولا
يقع بها الطلاق على زينب، لأن الصفة وجدت وقد بانت زينب فلا تطلق فقد ثبت
أن زينب طلقت طلقتين، وعمرة طلقت ثلاث تطليقات.
وعندنا لا يقع بواحدة منهما طلاق أصلا، وإن علق بذلك نذرا لزم بعدد الولادة
في كل واحدة منهما ما نذره، وقد مضى نظيرها.
الثانية: ولدت كل واحدة منهما ولدا واحدا وكان كل الحمل فولدت زينب يوم
الخميس ولدا طلقت هي طلقة، وعمرة طلقة، وصارتا رجعيتين، فلما كان يوم
الجمعة ولدت عمرة ولدا فلم تطلق، لأن عدتها انقطعت بوضعه، لكن طلقت زينب
أخرى لوجود الصفة وهي رجعية، ففي هذه طلقت زينب طلقتين وعمرة طلقة،
وعندنا هذه مثل الأولى سواء.
فرع:
224

لا يجوز للحر نكاح الأمة إلا بشرطين عدم الطول وخوف العنت، على ما مضى
في النكاح، فإن اجتمع الشرطان وكان لأبيه أمة كان له أن يتزوج بها لأنه ليس على
الوالد أن يعف ولده، فإذا تزوج بأمته ثم مات الأب لم يخل من أحد أمرين: إما أن
يكون عليه دين أو لا دين عليه:
فإن لم يكن عليه دين ورث كل زوجته إن لم يكن له وارث سواه، وبعضها إن
كان هناك وارث غيره، وأيهما كان انفسخ النكاح.
وإن كان عليه دين يحيط بالتركة فالصحيح أن الحكم فيه كما لو لم يكن عليه
دين لأن الدين لا يمنع انتقال التركة إلى الوارث، لكنها تكون كالمرهونة بالدين فيكون
الولد قد ملك زوجته أو بعضها وانفسخ نكاحها، وقال بعضهم: الدين يمنع انتقال
التركة إلى الوارث، فعلى هذا لا ينفسخ نكاحها، سواء كان الولد كل الورثة أو بعضهم
لأنه ما ملك زوجته ولا بعضها.
فإن كانت المسألة بحالها فقال الزوج لزوجته: متى مات أبي فأنت طالق،
فمات أبوه، عندنا لا تطلق لما مضى وعندهم لا يخلو من أحد أمرين: إما أن يكون
عليه دين أو لا دين عليه.
فإن لم يكن عليه دين فقد قال من فرع هذه المسألة: ينفسخ النكاح بالملك،
ولا يقع الطلاق لأنه يملكها عقيب الوفاة، وصفة الطلاق توجد بالوفاة فزمان وقوع
الطلاق صادف زمان انفساخ النكاح، فالتقيا في زمان واحد فلم يقع الطلاق كما
لو قال لزوجته: إذا مت فأنت طالق فمات، لم تطلق، لأن بالموت زوال الزوجية.
وقال بعضهم: هذا سهو فيما فرعه بل يقع الطلاق لأنه إذا علق الطلاق بموت
أبيه كان موته صفة بها يقع الطلاق عقيب موته بلا فصل، وانفساخ النكاح إنما يقع
بملك الولد تركة أبيه، وهو يملك عقيب الموت بلا فصل، فإذا ملك انفسخ النكاح
بحصول الملك، فلم يلتق زمان الطلاق مع زمان الفسخ، بل التقى زمان ملكه وزمان
الطلاق، فوقع الطلاق، وبعد وقوع الطلاق دخل زمان الانفساخ فلم يمنع وقوع
الطلاق.
225

وإن كان عليه دين يحيط بالتركة فالحكم فيه كما لو لم يكن عليه دين في أن
التركة تنتقل إلى الوارث، وحكم الطلاق والفسخ على ما مضى، وعلى قول بعضهم
لا فسخ أصلا، لأن التركة ما انتقلت أصلا إليه فالطلاق واقع والانفساخ ساقط، وهذا
يسقط عنا لما بيناه.
المسألة بحالها قال الزوج: إذا مات أبي فأنت طالق، وقال أبوه: إذا مت فأنت
حرة، فالزوج علق طلاقها بصفة هي موت أبيه، والأب علق عتقها بموته، ثم مات
الوالد لم يخل أيضا من أحد أمرين: إما أن يكون عليه دين أو لا دين عليه.
فإن لم يكن عليه دين فالأمة مدبرة فإن خرجت من الثلث عتقت بموت سيدها،
فإذا عتقت بموته لم ينتقل ملكا لوارثه فالطلاق واقع لأن الفسخ ما وجد، ولو خرج
بعضها من الثلث عتق ذلك البعض وملك الزوج ما بقي منها، وانفسخ النكاح،
والحكم في الطلاق على ما مضى من الخلاف يقع عند بعضهم وعند آخرين لا
يقع، وعندنا أن الطلاق لا يقع أصلا لما مضى والتدبير صحيح والحكم فيه على ما
ذكرنا.
وإن كان عليه دين يحيط بتركته فالأمة لا تعتق بموته، لأنها تنعتق من الثلث ولا
ثلث هاهنا، وكذلك عندنا، وهل تطلق أم لا؟ عندنا لا تطلق، وعندهم على ما مضى
من الخلاف، عند بعضهم لا تطلق وعند آخرين تطلق.
فرع:
إذا قال لها: أنت طالق إن كلمت فلانا إلى أن يقوم زيد أو حتى يقدم أو حتى
يأذن زيد، فإن كلمته قبل أن يقدم أو يأذن، عندنا لا تطلق لما مضى، وعندهم تطلق
طلقة.
وإن كلمته بعد أن قدم زيد أو بعد أن أذن لم يقع لأن قوله: أنت طالق إن كلمت
فلانا حتى يقدم زيد، فالغاية راجعة إلى الكلام لا إلى الطلاق، لأن رجوعها إلى
الطلاق يكون معناه أنت طالق هذه المدة انتهاؤها قدوم فلان، والغاية إلى هذا لا
226

يصح أن ترجع فثبت أن الغاية عادت إلى الكلام فيكون تقدير الكلام: إن كلمت فلانا
إلى أن يقدم فلان فأنت طالق.
فرع:
إذا قال لها: أنت طالق ثلاثا يا زانية إن شاء الله، أنت طالق ثلاثا يا زانية إن
دخلت الدار، فالاستثناء والصفة يعودان إلى الطلاق لا إلى القذف، لأن القذف اسم
مشتق من فعل زنت فهي زانية، والاستثناء يرجع إلى الطلاق ولا يرجع إلى الأسماء،
ألا ترى أنه لو قال: زنيت إن شاء الله، لم يصح فيكون تقديره يا زانية أنت طالق ثلاثا
إن شاء الله وهذا صحيح عندنا أيضا، والطلاق غير واقع عند الجميع.
فرع:
لو قال: يا طالق أنت طالق ثلاثا إن شاء الله، طلقت طلقة بقوله يا طالق وقوله
أنت طالق ثلاثا إن شاء الله عاد الاستثناء إليه فلم يقع لأن الاستثناء لا يعود
إلى قوله يا طالق لأنه اسم، وكان معناه يا مطلقة، ومطلقة اسم مشتق، فلا
يرجع الاستثناء إليه.
ولو قال: أنت طالق ثلاثا يا طالق إن شاء الله، طلقت واحدة، وعاد الاستثناء
إلى ما أوقع لا غير، وقال بعضهم: يعود إليهما فلا يقع الطلاق، وعندنا أن في الأولى
على ما قالوه تطلق طلقة إذا نوى الإيقاع وكذلك في الثانية.
فرع:
إذا نظر إلى امرأته وأجنبية فقال: إحداكما طالق، ثم قال: نويت الأجنبية، لم
يقع الطلاق على زوجته بلا خلاف، ولو كان اسم زوجته زينب فقال: زينب طالق،
ثم قال: عنيت به جاريتي وكانت له جارية اسمها زينب، عندنا يقبل منه وعندهم لا
يقبل.
227

والفرق بينهما أن قوله " إحداكما " يصلح لكل واحدة منهما لفظا، فإذا أخبر أنه
أراد إحديهما قبل منه، وليس كذلك الأخرى، لأنه ما طلق إلا واحدة، وإنما شاركها
في هذا الاسم لا أن اللفظ تناولهما، وإذا كان اللفظ لا يتناول إلا واحدة فالعادة أنه لا
تطلق إلا زوجته، وعندي أنه لا فرق بين الموضعين.
فرع:
إذا كانت له زوجتان زينب وعمرة، فقال: يا زينب وقالت له عمرة: لبيك،
فقال: أنت طالق، قيل له: ما الذي نويت؟ فإن قال: علمت أن عمرة أجابتني،
لكني أرسلت الطلاق إلى زينب وقصدتها دون عمرة، قبل قوله، فتطلق زينب طلقة،
ولا تطلق عمرة عندنا، وعندهم تطلق زينب ظاهرا وباطنا.
فإن قال: ما علمت أنها عمرة لكني ظننتها زينب وطلقت هذه التي أجابتني ظنا
مني أنها زينب، طلقت عمرة دون زينب، لأنه إنما قصد طلاق من أجابته ونواه، ولا
يقع الطلاق على زينب، وعندنا تطلق زينب ولا تطلق عمرة، لأن المراعي قصده
ونيته بالتعيين.
وعلى هذا لو قال لأجنبية: أنت طالق، يعتقدها زوجته، فقال: ظننتها زوجتي
وطلقتها، لم تطلق زوجته عندهم، لأنه أشار بالطلاق إلى شخص وعناه دون غيره فلا
يقع الطلاق على غيره، وهكذا يجب أن يقول هذا إذا نادى إحديهما.
فأما إن أشار بالطلاق من غير نداء وجواب فأشار إلى عمرة فقال: يا زينب أنت
طالق، قلنا له: ما الذي عنيت؟ فقال: ظننتها زينب فطلقتها، عندنا لا تطلق التي
أشار إليها وعندهم تطلق ظاهرا وباطنا لأنه أشار بالطلاق إليها، ولم تطلق زينب،
لأنها لا تطلق بطلاق غيره.
وهكذا نقول في زينب، فإن قال: علمت أنها عمرة ولكني قصدت أن زينب
تطلق بهذا سواء كانت هذه أو غيرها، طلقت زينب ظاهرا وباطنا، لأنه أرسل إليها
بكل حال، وأما هذه فلا تطلق عندنا، وعندهم تطلق في الحكم، لأنه أشار إليها.
228

ولو نظر إلى أجنبية فقال: زينب طالق، واسم امرأته زينب، لكنه لم يشر بقوله
" أنت طالق " إلى الأجنبية، ثم قال: قصدت هذه الأجنبية بالطلاق، عندنا قبل قوله،
ما دامت في الحال أو في العدة، وبعد خروجها من العدة لا يقبل، وعندهم لا يقبل
بحال، وطلقت زوجته، لأنه إذا عدمت الإشارة تعلق الكلام بالاسم.
فرع:
إذا قال: أنت طالق طالقا، وقعت واحدة بقوله أنت طالق، وكذلك عندنا إذا
قصد الإيقاع، ولا يقع بقوله طالقا شئ، وإن نواه.
وعندهم إن أراد بذلك أنها تطلق في حال كونها طالقا طلقت أخرى، فإن قال:
أردت طلقة أخرى، طلقت طلقتين، طلقة بقوله " أنت طالق " وطلقة لما نواه وإن
قال: أردت بالثانية تأكيد الأولى، قال قوم: يحلف عليه.
فرع: إذا قال لها: أنت طالق إن نهيتني عن منفعة أمي، وكان لها في يد زوجها مال
لها، فقالت له: لا تعط أمك من مالي عندك شيئا، قال قوم: لا يقع الطلاق وكذلك
عندنا لما مضى، وعندهم لأنها ما نهته عن منفعة أمه لأن المال إذا كان لها فهي
النافعة وإن كان الزوج هو الواسطة فالنافعة هي دونه.
فإن قال لها: أمرك بيدك، فقد قلنا إنه لا يقع به تملك شئ أصلا وعندهم
أنها هبة وعطية، ولها خيار القبول ما دامت في المجلس، فإن لم تقبل حتى هرب
الزوج بطل الإيجاب، ولم يصح القبول منها كما لو هرب البائع قبل قبول
المشتري.
فإن قال لها: أمرك بيدك فطلقي نفسك، فإن قالت: طلقتك، فأرادت الطلاق
كان طلاقا عندهم، ولا يكون عندنا شئ وإن قالت: لم أرد بقولي طلقتك
طلاقا، قبل منها في الحكم وفيما بينها وبين الله، وإن قالت: طلقت نفسي،
229

ثم قالت: لم أرد طلاقا، قبل عندهم في الباطن دون الظاهر، وعندنا لا يكون شيئا
مثل الأولى.
فإن تزوج على امرأته وقال للأولى: إن بقيت الجديدة معي أكثر من سنة فأمرك
بيدك، عندنا لا يكون شيئا، وقال المخالف: ليس بشئ أن يكون أمرها بيدها إلى
مدة لأنها عطية فلا يصح تعليقها بالصفة كالهبة.
وإن قال لها: إن قدم فلان فأمرك بيدك، وإن ضربتك فأمرك بيدك، فعندنا لا
يكون شيئا، وعندهم فيها قولان: أحدهما أن ذلك جائز، إذا كان حالا بأن يقدم فلان
أو يضربها عقيب هذا الكلام، فيصادف حال قبولها حال حصول الصفة، والثاني لا
يكون شيئا لأنه تعليق الوكالة بصفة فلا تصح.
إذا كان له أمة حامل، فقال لها: إن ولدت أنثى أولا فأنت حرة، وإن ولدت ذكرا
أولا فهو حر، فولدت ذكرا وأنثى، ولم يعلم عين السابق منهما، فعندنا لا تعتق هي
ولا شئ من ولدها، لأنه معلق بصفة، وعندهم تعتق الذكر بكل حال لأنه إن كان
خرج أولا فهو حر لحصول الشرط، وإن خرج آخرا فهو حر لأن أمه عتقت بوضع
الأنثى، وهو في جوفها، فعتق بعتقها، وأما الأنثى فهي أمة قطعا لأنها إن كانت
المولودة أولا فإنما عتقت أمها دونها، وإن كانت المولودة آخرا فإنما عتق الذكر دون
أمه، فالأنثى أمة على كل حال، والذكر حر بكل حال.
وأما الأمة فهي مرددة بين عتق بوضع الأنثى أولا، وبين رق بوضع الذكر أولا،
والأصل الرق، والورع أن لا يقربها لجواز أن تكون حرة فإن أعتقها وتزوجها كان
احتياطا.
فرع:
إذا قال لها: إذا جاء غد فأنت طالق أو عبدي حر بعد غد، لا تطلق إذا جاء
غد، لأنه جعل التخيير بعد غد، وهو إذا تكاملت الصفتان، فإذا جاء بعد غد كان
الخيار في فرض الطلاق والعتاق إليه، يقتصر من ذلك على ما يختاره، وعندنا أن
230

ذلك لا حكم له لما مضى.
فرع:
إن قال: إن دخلت هذه الدار وإن دخلت الأخرى فأنت طالق، فلا تطلق عندنا
بحال، وعندهم لا تطلق حتى تدخلهما معا، لأنه أخر ذكر الطلاق فكان مقتضى
الكلام " إن دخلت الدارين فأنت طالق ".
فإن كانت بحالها ولم يكن كذا، لكن قدم ذكر الطلاق فقال: أنت طالق إن
دخلت هذه الدار وإن دخلت الأخرى، فعندنا مثل الأولى سواء، وعندهم تطلق
بدخول أي الدارين دخلت.
فإن كانت بحالها لكنه جعل الطلاق وسطا فقال: إن دخلت هذه الدار فأنت
طالق وإن دخلت الأخرى، فعندنا مثل ما تقدم لا يكون شيئا وعندهم أيهما دخلت
حنث.
فرع:
إن قال لهما: إن دخلتما هاتين الدارين فأنتما طالقان، فإن دخلت إحديهما
إحدى الدارين ودخلت الأخرى إلى الأخرى طلقت كل واحدة منهما طلقة لأنهما قد
دخلتا الدارين، وفي الناس من قال: لا تطلقان حتى تدخل كل واحدة منهما الدارين
معا، والأول عندهم الصحيح، والأقوى على مذهبهم عندي الآخر، فأما على مذهبنا
فلا يقع شئ أصلا، والتفريع على الأول.
إذا قال: إن ركبتما دابتكما فأنتما طالقان، فركبت كل واحدة منهما دابة نفسها
طلقتا، وكذلك " إن أكلتما هذين الرغيفين " فأكلت كل واحدة منهما رغيفا طلقتا
طلقة، وهذا يسقط عندنا لما قدمناه.
فإن كان له زوجتان عمرة وزينب، فقال لعمرة: إن دخلت الدار فأنت طالق
لا بل زينب، قيل فيه وجهان:
231

أحدهما: - وهو الأظهر - أن معنى الكلام إن دخلت الدار فأنت طالق لا بل
زينب أي بل زينب تطلق دونك، فقد علق طلاق عمرة بدخولها ورجع فعلق بدخولها
طلاق زينب، فلا يقبل رجوعه في زينب ما استدركه، فإذا دخلت عمرة طلقت هي
وزينب طلقة طلقة، وإن دخلت زينب لا تطلق هي ولا عمرة، لأنه ما علق بدخول
زينب طلاق أحد وإنما علق طلاق زينب بدخول غيرها.
والوجه الثاني: معنى الكلام " لا بل زينب تطلق بدخولها "، فعلى هذا قد
علق طلاق عمرة بدخولها، وعلق طلاق زينب بدخولها، أعني بدخول زينب،
فإن دخلت زينب طلقت وإن دخلت عمرة طلقت عمرة، ولم تطلق زينب والتفريع
على الأول.
إذا قال لها: أنت طالق إن شئت لا بل زينب، معناه بل تطلق زينب إن شئت،
فعلى هذا إن شاءت عمرة طلاقها وحدها طلقت وحدها، وإن شاءت طلاق زينب
طلقت زينب وحدها، وإن شاءت طلاقها وطلاق زينب طلقتا معا، وعندنا أنها مثل
ما تقدم لا حكم لها.
فرع:
إذا قال لها: إن دخلت الدار إن أكلت الخبز فأنت طالق، فإن أتت بالصفة
على ترتيب اليمين وهو إن دخلت ثم أكلت لم تطلق، وإن عكست فأكلت أولا ثم
دخلت وقع الطلاق، لأن الصفة إذا كانت شرطا بعد شرط كان الشرط الثاني شرطا في
وقوع الشرط الأول فيكون مؤخرا في اللفظ مقدما في المعنى.
ويتبين هذا بأن يجعل مكان " إن " الثانية " إذا " فيقول: أنت طالق إن دخلت إذا
أكلت، فقد بان أن دخولها كان إذا أكلت، وقد ورد في القرآن بمثل هذا قال الله
تعالى: " ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم " أي
إذا كان الله يريد أن يغويكم فلا ينفعكم نصحي.
قالوا هذا في حق العالم العارف باللغة، فأما إن كان هذا من العامة فعلى ما
232

جرت عادتهم به، وعندنا أن ذلك لا يصح به الطلاق، وإن علق به شرط وجزاء أو نذر
كان على ما قيل.
فصل: في باب الحيل:
الحيل جائزة في الجملة بلا خلاف، إلا بعض الشذاذ، فإنه منع منه أصلا وإنما
أجزناه لقوله تعالى في قصة إبراهيم عليه السلام " بل فعله كبيرهم هذا فاسئلوهم إن
كانوا ينطقون " لما سألوه " من فعل هذا بآلهتنا " وإنما قصد بذلك " إن كانوا ينطقون "
فعلقه بشرط محال، ليعلم بذلك أن الفعل منهم محال، ومن كان كذلك لا يستحق
العبادة.
وقال الله تعالى: " وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث " فجعل تعالى لأيوب
مخرجا فيما كان حلف عليه، وهكذا رواه أصحابنا.
وروى سويد بن حنظلة قال: خرجنا ومعي وائل بن حجر يريد النبي
صلى الله عليه وآله فأخذه أعداء له فتحرج القوم أن يحلفوا وحلف بالله أنه أخي فخلى عنه
العدو فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وآله فقال: صدقت المسلم أخو المسلم،
فأجاز عليه السلام ما فعله سويد، وبين له صواب قوله فيما احتال به، ليكون صادقا
في يمينه.
فإذا ثبت هذا فإنما يجوز من الحيلة ما كان مباحا يتوصل به إلى مباح، فأما فعل
محظور ليصل به إلى المباح فلا يجوز، وقد أجاز ذلك قوم.
فالمحظور الذي لا يجوز فمثل ما حكى ابن المبارك عن أبي حنيفة أن امرأة
شكت إليه زوجها وآثرت فراقه فقال لها: ارتدي فيزول النكاح وإن كان بعد
الدخول، وحكي عنه في قصة أنه قال لزوج المرأة: قبل أمها بشهوة فإن نكاح
زوجتك ينفسخ.
وقال النضر بن شميل: في كتاب الحيل ثلاثمائة وعشرون مسألة أو ثلاثمائة
وثلاثون مسألة كلها كفر، يعني من استباح ذلك كفر.
233

وإنما قلنا إن مثل ذلك لا يجوز، لأن الله تعالى عاقب من احتال حيلة محظورة
عقوبة شديدة، حتى مسخ من فعله قردة وخنازير، فقال تعالى: " واسئلهم عن القرية
التي كانت حاضرة البحر " القصة كان الله تعالى حرم عليهم صيد السمك يوم السبت
فاحتالوا فوضعوا الشباك يوم الجمعة، فدخل السمك يوم السبت، وطرحوا الشبك
وأخذوا السمك يوم الأحد، فقال تعالى: " فلما عتوا عما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة
خاسئين ".
وقال صلى الله عليه وآله: لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها.
فلما نظر محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة إلى هذا قال: لا ينبغي أن
يتوصل إلى المباح بالمعاصي، ثم نقض ذلك فقال: لو أن رجلا حضر عند الحاكم
وادعى أن فلانة زوجتي وهو يعلم أنه كاذب وشهد له بذلك شاهدان زورا، وهما
يعلمان ذلك فحكم الحاكم له بها، حلت له ظاهرا وباطنا.
وكذلك لو أن رجلا تزوج بامرأة جميلة فرغب فيها أجنبي قبل دخول زوجها بها
فأتى الأجنبي الحاكم فادعاها زوجة وأن زوجها طلقها قبل الدخول بها، وتزوجت بها،
وشهد له بذلك شاهدا زور فحكم الحاكم بذلك، نفذ حكمه، وحرمت على الأول
ظاهرا وباطنا، وحلت لهذا المحتال ظاهرا وباطنا، ونعوذ بالله من مذهب يؤدي إلى
هذا.
فإذا ثبت أن مثل هذا لا يجوز، وإنما يجوز ما يكون حلالا يتوصل به إلى
حلال، فالأيمان على ضربين: حيلة تمنع الحنث، وحيلة تمنع الانعقاد.
فالتي تمنع الحنث على ضربين:
أحدهما: الخلع في النكاح وإزالة الملك في الرقيق فإذا قال لها: إن دخلت
الدار فأنت طالق ثلاثا، فالحيلة في دخولها أن يخالعها فتبين بذلك، ثم تدخل الدار
فتنحل اليمين، ثم يعقد النكاح عليها، وإذا قال لعبده: إن دخلت الدار فأنت حر،
فالحيلة أن يبيعه ثم يدخل الدار فينحل اليمين، ثم يشتريه.
234

وعندنا أن هذا لا يصح في الطلاق، لأن اليمين بالطلاق غير منعقدة أصلا،
بلى إن فرضنا في يمين بغير الطلاق كانت الحيلة على ما قيل.
والحيلة الثانية: أن يقول لزوجته: كلما وقع عليك طلاقي فأنت طالق قبله
ثلاثا، فمتى دخلت لم تطلق، وفي الرق يقول لعبده: كلما وقع عليك عتقي فأنت
حر قبله، فيدخل الدار، ولا يعتق، وقد قلنا إن عندنا لا يحتاج إلى هذا، فإن اليمين
بالطلاق لا تنعقد.
وقد يقع في الأيمان ما لا يمكن فيه الحيلة بالخلع عندهم، مثل أن يقول
إن وطئتك فأنت طالق ثلاثا، فإن خالعها لا يمكنه وطؤها بعد الخلع، لأنها
أجنبية، فإذا قال لها: كلما وقع عليك طلاقي فأنت طالق قبله ثلاثا، فلا يحنث
بالوطئ.
وأما الحيلة التي تمنع انعقاد اليمين، فكل من حلف يمينا كانت على ما
نواه واعتقده دون ما نطق به، إلا واحدة، وهو إذا استحلفه الحاكم لخصمه فيما
هو حق عنده، فإن النية نية الحاكم دون الحالف، هذا فيما كان حقا عندهما،
فأما فيما هو حق عند الحاكم ظلم عند الحالف، مثل أن كان الحاكم يعتقد الشفعة
بالجوار، والحالف لا يعتقد ذلك، فيحلف لا يستحق علي الشفعة، وينوي على
قول نفسه، فإنه يكون بارا في يمينه، وعلى هذا كل الأيمان عند الحاكم، وكذلك لو
اشترى مدبرا فحلف عند الحاكم شافعي " ما اشتريت مملوكا " ومن الناس من قال:
النية نية المستحلف أبدا، والصحيح عندنا الأول.
فإذا ثبت أنها على نية الحالف فكل من حلف يمينا ونوى غير ما نطق به وكان ما
نواه سائغا جائزا كانت على ما نواه فيما بينه وبين الله تعالى دون ما نطق به، وكل من
حلف على شئ أنه ما فعله وكان قد فعله ونوى أنه ما فعله على ظهر الكعبة أو
بالصين أو في موضع ما فعله فيه، كان بارا وكذلك لو حلف لا يفعله في المستقبل
ونوى على ظهر الكعبة أو نوى بالصين، كان بارا في يمينه.
هذا هو الأصل، وقد ذكرنا ما يمكن فيه غير هذا فيما له اسم في اللغة، فيقول:
235

إن دخلت الدار فنسائي طوالق، ونوى نساء القرابة، أو قال: كل جارية لي حرة،
ونوى بذلك السفن صح، ولم يحنث.
ولو قال: إن تزوجت عليك فأنت طالق، ونوى ب‍ " عليك " على ظهرك وعلى
رقبتك لم يحنث، وعندنا لا يحتاج إلى ذلك لما مضى، وإن حلف بالطلاق " الله
يعلم ما فعلت شيئا " وجعل " ما " بمعنى الذي لا للنفي " والله يعلم ما فعله من ذلك "
صح.
ولو قالت له زوجته: طلقت فلانة ثلاثا؟ فقال: نعم، ينوي إبل فلان، لم
تطلق، وكذلك لو قال: نعام، يعني نعام البر صح ما نوى.
لو حلف ما كاتبت فلانا ولا أعلمته ولا عرفته ولا سألته حاجة، ونوى
ب‍ " المكاتبة " كتابة العبيد ونوى " ما عرفته " أي ما جعلته عريفا، و " ما أعلمته " أي ما
شققت شفته، و " ما سألته حاجة قط " يعني شجرة صغيرة في البر يقال لها الحاجة،
صح.
ولو حلف ما أخذت له جملا ولا بقرة ولا ثورا ولا عيرا، ونوى " بالجمل السحاب
وبالبقرة العيال، وبالثور القطعة الكبيرة من الأقط، وبالعير الأكمة السوداء " لم
يحنث.
ولو حلف ما أكلت له دجاجة ولا فروجة ونوى " بالدجاجة الكبة من الغزل
وبالفروجة الدراعة " لم يحنث.
ولو حلف ما شربت له ماء ونوى " المني " لم يحنث، وما أشبه من نظائره، وهذه
الجملة بينة على ما رأوها.
فإن اتهم زوجته أنها سرقت فحلف بالطلاق لتصدقنه عن ذلك، فالحيلة فيه أن
تقول: قد سرقتها، ثم تقول: ما سرقتها، فإذا قالت هذا كانت صادقة في أحد
القولين، فلا يبقى في نفسه شك أنها أخبرته بخبر صحيح.
236

كتاب الخلع
سمى الله تعالى الخلع في كتابه افتداء فقال: " فلا جناح عليهما فيما افتدت
به "، والفدية العوض الذي تبذله المرأة لزوجها تفتدي نفسها منه به، ومنه فداك
أبي وأمي، أي هما فداك، ومنه يقال: فدى الأسير إذا افتدى من المال، فإن فودي
رجل برجل قيل مفاداة.
هذا هو الخلع في الشرع، وأما اللغة فهو الخلع، واشتقاقه من خلع يخلع
يقال خلع الرجل زوجته، واختلعت المرأة نفسها من زوجها، وإنما استعمل هذا
في الزوجين، لأن كل واحد منهما لباس لصاحبه، قال الله تعالى: " هن لباس
لكم وأنتم لباس لهن " فلما كان كل واحد منهما لباسا لصاحبه استعمل في ذلك
الخلع من كل واحد منهما لصاحبه، وهكذا الشعار اللباس، ومنه يقول الرجل
لزوجته: شاعريني أي باشريني.
والأصل في الخلع الكتاب والسنة، فالكتاب قوله تعالى: " ولا يحل لكم
أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا - إلى قوله - فيما افتدت به "، فرفع الجناح في أخذ
الفدية منها عند خوف التقصير في إقامة الحدود المحدودة في حقوق الزوجية،
فدل على جواز الفدية.
وروى مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن أن حبيبة بنت
سهل أخبرتها أنها كانت عند ثابت بن قيس بن شماس، وأن رسول الله صلى الله عليه وآله
237

خرج إلى صلاة الصبح فوجد حبيبة بنت سهل عند بابه، فقال رسول الله
صلى الله عليه وآله: من هذه؟ فقالت: أنا حبيبة بنت سهل، يا رسول الله لا أنا
ولا ثابت، لزوجها، فلما جاء ثابت قال له رسول الله صلى الله عليه وآله: هذه
حبيبة قد ذكرت ما شاء الله أن يذكر، فقالت حبيبة: يا رسول الله كل ما أعطاني
عندي، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: خذ منها، فأخذ منها وجلست في
أهلها.
الخلع على ثلاثة أضرب: مباحان ومحظور.
فالمحظور أن يكرهها ويعضلها بغير حق لتفتدي نفسها منه، فقد مضى أن
هذا خلع باطل، والعوض مردود والطلاق واقع والرجعة باقية في آخر باب
القسم.
فأما المباحان، فالأول أن يخافا ألا يقيما حدود الله، مثل أن تكره المرأة
زوجها لدينه أو خلقه أو نحو ذلك مما في نفسها من كراهتها له، فإذا كان في
نفسها على هذه الصفة خافت ألا تقيم حدود الله عليها في حقه، وهو أن تكره
الإجابة فيما هو حق له عليها، فيحل لها أن تفتدي نفسها بلا خلاف هاهنا، لقوله
تعالى: " فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به ".
ومن هذا القسم قوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء
كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن "، فحرم الله عضل المرأة بغير
حق وإحواجها بالعضل إلى أن تفتدي نفسها، فيذهب بذلك ببعض ما آتاها، ثم
استثنى فقال: " إلا أن يأتين بفاحشة مبينة "، وقيل: إن الفاحشة الزنى.
فدلت الآية على أنها متى زنت حل له عضلها وإحواجها بالعضل إلى أن
تفتدي نفسها، وقيل: إن هذه الآية منسوخة كما نسخت آية الحبس بالفاحشة من
الحبس إلى الحدود، وهي قوله " واللاتي يأتين الفاحشة " فنسخ الحبس بأن تجلد
البكر مائة وتغرب عاما، وقد أباح الله الطلاق فهو قادر على إزالة الزوجية
238

والخلاص منها، فلا معنى لعضلها حتى تفتدي نفسها ببذل، والأول أقوى، لأنه
الظاهر، ولا دليل على أنها منسوخة.
الضرب الثاني من الخلع المباح أن تكون الحال بينهما عامرة والأخلاق
ملتئمة واتفقا على الخلع، فبذلت له شيئا على طلاقها، فهذا مباح عند الفقهاء،
وقال قوم: هو محظور، وبه قال أهل الظاهر وجماعة، وهو الذي تقتضيه رواياتنا
ومذهبنا.
يجوز الخلع عند التضارب والقتال بلا خلاف، ولا يجوز عندنا في حال
الحيض ولا في طهر قربها فيه بجماع.
الخلع بمجرده لا يقع، ولا بد من التلفظ بالطلاق على الصحيح من
المذهب، وفي أصحابنا من قال: لا يحتاج إلى ذلك، ولم يبينوا أنه طلاق أو
فسخ، وفي كونه فسخا أو طلاقا خلاف بين الفقهاء ذكرناه في الخلاف.
فأما إن كان الخلع بصريح الطلاق كان طلاقا بلا خلاف، وإن كان بغير
صريح الطلاق مثل أن قالت: خالعني أو فاسخني أو فادني بكذا وكذا، فقال
ذلك، لم يقع عندنا به شئ، وعند المخالف إن نويا معا بذلك طلاقا كان
طلاقا، وإن لم يكن هناك نية ففيه خلاف:
منهم من قال: هو صريح في الفسخ، ومنهم من قال: هو كناية في الطلاق،
وإن لم ينويا طلاقا لم يكن شيئا، وقال قوم: هو صريح في الطلاق، وفائدة
الخلاف في الفسخ أو الطلاق أن من قال " هو فسخ " كان له نكاحها قبل زوج
غيره ولو خالعها مائة مرة لأنه ما طلقها، وإذا قيل " طلاق " متى خالعها ثلاث
مرات لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره.
الخلع جائز بين الزوجين فلا يفتقر إلى حكم الحاكم.
البذل في الخلع غير مقدر إن شاءا اختلعا بقدر المهر أو بأكثر أو بأقل، كل
ذلك جائز.
إذا وقع الخلع مطلقا وهو إذا افتدت نفسها من زوجها بعوض بذلته له،
239

فوقع الخلع صحيحا، وقعت الفرقة، وانقطعت الرجعة، وينظر في البذل: فإن
كان صحيحا لزم، وإن كان فاسدا وجب مهر المثل عند المخالف، والذي
يقتضيه مذهبنا أنه يبطل الخلع، فالخلع كالنكاح إذا وقع صحيحا زال سلطانها
عن بضعها وملكه الزوج، وأما المهر فإن كان صحيحا لزم، وإن كان فاسدا
وجب مهر المثل، والزوج كالزوجة في النكاح، وفيه خلاف.
إذا طلقها طلقة بدينار على أن له الرجعة فلا يصح الطلاق، وفيهم من قال:
يصح ويثبت الرجعة، ويبطل البذل ويسقط، فإذا شرطت المرأة أنها متى أرادت
الرجوع فيما بذلته كان لها ويثبت الرجعة، كان صحيحا عندنا وعندهم، غير
أنهم قالوا: لا يصح الخلع ويجب مهر المثل.
إذا قلنا: إن الخلع لا يقع إلا بلفظ الطلاق، فإنه لا يمكن أن يلحقها طلاق
آخر ما دامت في العدة لأن الرجعة لا يمكن فيها، ومن قال من أصحابنا: إنه
فسخ، فمثل ذلك لا يمكن أن يلحقها طلاق لأن بنفس الخلع قد بانت، فلا يمكن
رجعتها فلا يتأتى طلاقها، وفيه خلاف بين الفقهاء، وسواء كان بصريح اللفظ أو
بالكناية، وسواء كان في العدة أو بعد انقضائها، وسواء كان بالقرب من الخلع
أو بعد التراخي عنه.
إذا قال لزوجته: أنت طالق ثلاثا في كل سنة واحدة، فعندنا لا يقع منه
شئ، لأنه طلاق بشرط، وذلك لا يصح، وعند المخالف أنه علق جميع ما
يملكه بالصفة، لأنه جعل كل سنة ظرفا لوقوع طلقة فيها.
ثم لا يخلو من أحد أمرين: إما أن يطلق أو ينوي ثلاث سنين في المستأنف
بعد انقضاء هذه السنة، فإن أطلق كان ابتداء السنين عقيب يمينه، لأن الآجال إذا
علقت بالعقود اتصلت بها، فإذا ثبت هذا ومضى جزء من الزمان عقيب العقد،
وجدت الصفة لأنه جعل السنة ظرفا لوقوع الطلاق فيها، فيحتاج أن يوجد شئ
من الظرف كما لو قال: أنت طالق في شهر رمضان، فإن الصفة توجد إذا مضى
جزء من أول الشهر، ويقع الطلاق عقيب جزء منه، وكذلك لو علق ذلك
240

بدخول الدار، فإنما يقع بعد دخول الدار لا مع الدخول.
فإذا ثبت هذا فوجدت الصفة في أول هذه السنة طلقت واحدة، فإذا دخلت
السنة الثانية وجدت الصفة الثانية، فإذا دخلت الثالثة وجدت الصفة الثالثة، وما
حكمها؟ لا تخلو هذه الزوجية من ثلاثة أحوال:
إما أن تدخل كل سنة وهي زوجة بهذا النكاح، أو بائن، أو زوجة بنكاح
جديد.
فإن دخلت السنة الثانية وهي زوجة مثل أن راجعها بعد الطلقة الأولة طلقت
أخرى ثم راجعها، ودخلت السنة الثالثة طلقت الثالثة، وهكذا لو جاءت كل سنة
وهي رجعية، مثل أن تباعد حيضها فحاضت في كل ثلاث سنين مرة، فإن
الطلاق يقع بها في أول كل سنة، لأن الرجعية في معاني الزوجات.
وأما إن دخلت كل سنة وهي بائن، ثم جاءت السنة الثانية والثالثة وهي بائنة
انحلت اليمين وارتفعت، لأن صفة اليمين قد وجدت، فإن تزوج بها بعد هذا لم
يقع بها الطلاق.
وهي مسألة الحيلة في الخلع، وهو أن يخالعها فتبين منه، ثم توجد الصفة
فتنحل اليمين ثم يتزوج بها، فإذا وجدت الصفة من بعد هذا لم يقع بها الطلاق.
بيانه أن يقول لها: إن دخلت الدار فأنت طالق ثلاثا، ثم أرادت أن تدخل
الدار ولا يقع الطلاق، فالحيلة أن يخالعها فتبين بالخلع، ثم تدخل الدار وهي
بائن، فينحل اليمين، ثم يتزوج بها من بعد، ثم يدخل الدار ولا يقع الطلاق.
وقال قوم: لا ينحل اليمين بوجود الصفة وهي بائن، فمتى تزوج بها بعد هذا
ثم وجدت الصفة وقع الطلاق، وقال قوم: المختلعة يلحقها الطلاق إلا أن يدعها
حتى تنقضي عدتها ثم تدخل الدار فينحل اليمين، هذا كله إذا كانت مدخولا بها،
ومتى كانت غير مدخول بها فلا يحتاج إلى الخلع، لأنها بطلقة واحدة تبين منه ثم
توجد الصفة ثم يتزوج بها فيما بعد.
الثالث: إذا بانت منه في السنة الأولى ثم تزوجها ثم جاءت السنة الثانية وهي
241

زوجته بنكاح صحيح جديد غير الأول، مثل أن بانت بواحدة ثم تزوج أو
بالثلاث فتزوجت زوجا آخر وبانت منه فتزوجها ثانيا، فهل يعود حكم اليمين في
النكاح الثاني إذا لم توجد الصفة وهي بائن؟ نظرت: فإن كانت البينونة بدون
الثلاث عاد حكم اليمين، وفيهم من قال: لا يعود، وإن كانت البينونة بالثلاث لم
يعد، وقال بعضهم: يعود.
وهذه الفروع كلها تسقط عنا لما بيناه من أن الطلاق والخلع إذا علقا بشرط
لا يقع.
وأما الكلام في العتاق، وهو إذا حلف لا دخل عبده هذه الدار، فباعه ثم
اشتراه، ثم دخل الدار فهل يعود حكم اليمين فيعتق أم لا؟ منهم من قال: يعود،
ومنهم من قال: لا يعود، وهذا الذي يقتضيه مذهبنا.
فإذا قلنا: لا يعود حكم الصفة، فدليله قوله صلى الله عليه وآله: لا طلاق قبل
نكاح، وهذا طلاق قبل النكاح، وهكذا الحكم في الظهار والإيلاء على ما بيناه
حرفا بحرف، فإنه لا يقع عندنا شئ من ذلك، وعندهم على ما قلناه في
الطلاق.
وجميع ذلك إذا علق بالصفة بلا نية، فأما إن قيدها بالنية فقال: نويت أن
يكون أول كل سنة المحرم، وكان حلف في رمضان، قيل له في الحكم ابتداء
المدة عقيب يمينه، ويحتمل ما نواه، ولا يقبل منه في الحكم، لأنه يدعي خلاف
الظاهر، فإن ألزم الحكم كان على ما مضى، وإن ألزم ما بينه وبين الله كان ابتداء
المدة من حين نواها، ويكون الحكم على ما مضى، وهذا أيضا مما لا نحتاج إليه
على ما قررناه.
الطلاق قبل النكاح لا ينعقد وفيه خلاف.
إذا قالت لزوجها: طلقني ثلاثا بألف درهم، فقال لها: قد طلقتك ثلاثا بألف
درهم، صح وملك الزوج العوض المسمى، وانقطعت الرجعة عند المخالف،
وعندنا لا يصح لأن الطلاق الثلاث لا يقع عندنا بلفظ واحد، ولا يجب أن نقول
242

هاهنا إنما يقع واحد، لأنها إنما بذلت العوض في الثلاث، فإذا لم يصح الثلاث
وجب أن تبطل من أصله.
إذا قالت له: طلقني ثلاثا بألف، فقال: طلقتك ثلاثا، وسكت عن ذكر
الألف كانت عندنا مثل الأولى، ولا يصح بمثل ما قلناه، وعندهم صح الخلع
أيضا ولزم العوض وانقطعت الرجعة، لأن كلامه إجابة إلى ما التمسته وطلبته، فلم
يفتقر إلى ذكر الألف، كما لو قال: بعني بألف، فقال: بعتكه، ولم يذكر الألف،
صح البيع.
إذا قالت له: إن طلقتني ثلاثا فلك علي ألف، فطلقها ثلاثا صح الخلع عند
المخالف، وعندنا لا يصح لأن الطلاق الثلاث لا يقع بلفظة واحدة.
إذا قالت له: طلقني ثلاثا على أن لك علي ألفا، فطلقها صح الخلع، ولزمها
ألف وانقطعت الرجعة، وعندنا لا يصح لما قلناه، ولأنه طلاق بشرط.
إذا اختلعا لم يخل من أحد أمرين: إما أن يكون بصريح الطلاق، أو
بكناياته، فإن كان بصريح الطلاق وهو الطلاق فحسب عندنا، وعندهم والفراق
والسراح، فقالت: طلقني ثلاثا بألف، فقال: طلقتك ثلاثا بألف، أو كان هذا
بلفظ الفراق أو السراح لم يصح عندنا، وعندهم يصح.
وكذلك إذا كان الاستدعاء بلفظ والإيجاب بلفظ آخر لم يصح عندنا، لأنه
طلاق الثلاث، وإن كان طلاقا واحدا صح عندنا بلفظ الطلاق فحسب دون
غيره، وأما إن كان بكنايات الطلاق فعندنا لا يصح به الطلاق، ولا الخلع وفيه
خلاف.
ولو قالت له: خالعني على ألف، ونوت الطلاق، فقال: طلقتك، صح
الخلع عندنا وعندهم، فأما إن قالت: طلقني على ألف، فقال: خالعتك على
ألف، ونوى الطلاق فعلى ما اخترناه لا يقع أصلا، وعلى ما يذهب إليه بعض
أصحابنا من أن بلفظ الخلع يقع الفرقة، ينبغي أن يقول يقع.
ومن قال: الخلع فسخ، فالكلام في فصلين: فيما هو صريح فيه، وفيما ليس
243

بصريح، فعلى ما اخترناه لا معنى لهذه القسمة، وعلى ما قاله بعض أصحابنا إن
بلفظ الخلع تحصل الفرقة، ينبغي أن يقول الخلع هو الصريح دون غيره من
الألفاظ مثل الفداء.
وأما الكنايات الأخر فكلها باطلة عندنا بلا خلاف بين أصحابنا.
فإذا ثبت هذا فعلى ما اخترناه متى طلبت منه طلاقا بعوض فأعطاها فسخا
بعوض، فقالت: طلقني بألف، فقال: خلعتك بألف، لم يصح على المذهبين
جميعا، أعني مذهبي أصحابنا لأنه أجابها إلى غير ما التمسته، لأنها طلبت منه فراقا
يقع به نقصان الطلاق فأجابها بما لا ينقص الطلاق.
فأما إن طلبت منه فسخا بعوض فطلقها بعوض، فينبغي أن يقول من أجاز
من أصحابنا ذلك أنه لا يقع لأنها طلبت غير ما أعطاها، وفي الناس من قال:
يقع، وعند المخالف أن الفسخ له صريح وكناية مثل الطلاق، وفيهم من قال:
لا كناية له.
إذا قالت له: اخلعني على ألف درهم راضية، فقال: خلعتك بها، صح
الخلع ولزم المسمى وانقطعت الرجعة.
وإذا ذكر القدر والجنس دون النقد فقالت: خالعني بألف درهم، فقال:
خلعتك بها، صح الخلع ولزمها ألف من غالب نقد البلد.
وإذا ذكر القدر دون الجنس والنقد فقالت: خالعني بألف، فقال: خالعتك
بألف، فإن اتفقا على الإرادة وأنهما أرادا الدراهم أو الدنانير لزم الألف من غالب
نقد البلد، وإن اتفقا على أنهما أرادا معا بألف دراهم راضية لزم ما اتفقت إرادتهما
عليه، إما مطلقا فيلزم من غالب نقد البلد، أو معينا فيلزم ما عيناه، وإذا اتفقا على
الألف واتفقا على أنهما ما أرادا جنسا من الأجناس، ولا كان لهما إرادة منه، كان
الخلع صحيحا عندهم، والعوض باطلا والرجعة منقطعة، ووجب مهر المثل،
وعلى ما يقتضيه مذهبنا أن الخلع فاسد.
ومتى اختلفا في النقد واتفقا في القدر والجنس، وهي المسألة الأولى تحالفا،
244

والذي يقتضيه مذهبنا أن القول قولها لأن الرجل مدع فعليه البينة.
فإن اختلفا في المسألة الثانية، فقال أحدهما: ذكرنا النقد وهي راضية، وقال
الآخر: بل أطلقنا، ولها نقد غالب البلد، تحالفا، وعندنا أنها مثل الأولى سواء.
وإن اختلفا في المسألة الثالثة، وهي إذا لم يذكرا جنسا ولا نقدا واختلفا في
الإرادة، قال قوم: لا يصح التناكر فيه، لأنهما إذا اختلفا فيه صار البدل مجهولا
ووجب مهر المثل، وقال الباقون: يصح، ويتحالفان، وعلى القولين يجب مهر
المثل وقد قلنا أن على مذهبنا لا يصح الخلع أصلا.
إذا قال: خالعتك على ألف في ذمتك، فقالت: بل على ألف ضمنها لك
غيري، لزمها ألف لأنها قد أقرت بالألف وادعت الضمان، وإذا قال: خالعتك
على ألف في ذمتك، فقالت: بل على ألف يزنها لك أبي أو أخي، لزمها الألف
لمثل ذلك، فعلى هاتين يصح الخلع، ويملك العوض، ويلزمها ذلك.
وإذا قال: خالعتك على ألف في ذمتك، فقالت: ما خلعتني وإنما خلعت
غيري والبذل عليه، فالقول قولها مع يمينها، لأنه ادعى عليها عقد معاوضة، فإذا
حلفت حكمنا بوقوع الطلاق، وانقطاع الرجعة لاعترافه بذلك، وسقوط العوض
عنها، لأنه مدع بلا بينة، فقبلنا قوله فيما عليه ولا نقبله فيما له.
إذا قال: خالعتك على ألف في ذمتك، فقالت: بل على ألف في ذمة زيد،
فهل يتحالفان؟ قيل فيه وجهان: أحدهما يتحالفان وله عليها مهر المثل، والآخر لا
يتحالفان ولها مهر المثل، والذي نقوله إن عليه البينة وعليها اليمين لمثل ما قلناه
أولا.
إذا قالت له: طلقني على ألف، فقال: أنت طالق على ألف إن شئت، لم
تطلق حتى تشاء، وإن أتت بالمشيئة جوابا لكلامه صح ولزم البدل، وإن لم تشأ
على الفور بطل العقد، وعندنا لا يصح على كل حال، لأنه خلع بشرط فلا
يصح.
إذا قال لها: إن ضمنت لي ألفا فأنت طالق، فإن ضمنت له على الفور صح
245

الخلع، وإن تراخي الضمان عن وقت الجواب بطل، وعندنا أنها مثل الأولى.
إذا قال لها: إن أعطيتني ألفا فأنت طالق، اقتضى أن تكون العطية على الفور
على ما قلناه، وهو أن تعطيه الألف جوابا لكلامه، على صفة يمكنه القبض، فمتى
وجد هذا فهي العطية قبض الزوج أو امتنع من القبض، فإن لم يفعل هذا لكن
هرب الزوج قبل العطية أو غاب أو امتنعت من العطية أو قالت: ضمنتها لك، أو
يضمنها لك زيد، أو قالت: اجعلها قصاصا فيما لي عليك وأعطيك بها رهنا، لم
ينعقد الخلع بهذا، لأن هذا كله ليس بعطية، وعندنا أن هذا لا يصح في الأصل،
لأنه خلع بشرط وذلك لا يصح.
إذا قال لها: إن أعطيتني ألفا فأنت طالق، فقد قلنا إنه لا يصح عندنا،
وعندهم يقتضي العطية عاجلا، فإن تأخر العطاء بطل، وإن تعجل صح.
فإذا ثبت هذا وأعطته على الفور لم يخل من أربعة أحوال: إما أن تعطيه وفق
الألف، أو أكثر منها، أو أقل، أو أعطته ألفا رديئة.
فإن أعطته وفق الألف وقع الطلاق، لأن الصفة وجدت، وإن أعطته أكثر
وقع أيضا، وإن أعطته أقل من ألف عددا ووزنا لم يقع، لأن الصفة ما وجدت،
وإن أعطته ألفا عددا وهي دون الألف وزنا لم يقع، لأن إطلاق ألف درهم يقتضي
ألفا وزنا من دراهم الإسلام، وهي أن يكون في كل عشرة سبع مثاقيل، فإن
نقصت عن ذلك لم توجد الصفة فإن أعطته وزنا دون الألف عددا طلقت لأن
الصفة وجدت وهي ألف وزنا فلا يعتبر العدد مع الوزن، وإن أعطته ألفا رديئة لم
يخل من أحد أمرين: إما أن تكون الرداءة من حيث الغش أو الجنس.
فإن كانت من حيث الغش بأن يكون فيها رصاص لم يقع الطلاق، لأن
الألف يقتضي ألفا فضة، وهي ليست كذلك، وإن أعطته أكثر من ألف فبلغ ما
فيها من الفضة ألف درهم وقع الطلاق، لأنها قد أعطته ألف درهم فضة.
وإن كان أعطته ألفا سبيكة غير مضروبة لم يقع الطلاق، لأن النقرة لا يقع
عليها اسم دراهم، فلم توجد الصفة.
246

وإن كانت الرداءة من حيث الجنس مثل أن كانت الفضة جيدة لكن السكة
وحشة أو كانت السكة حسنة لكن الفضة خشنة، وقع الطلاق لأن اسم العطية
وجد، لكن من حيث ما تقتضيه المعاوضة له ردها عليها والمطالبة بالبدل غالب
نقد البلد لأن إطلاق البدل يقتضي ذلك، وقد قلنا ما عندنا في ذلك، لكن إن
خالعها على ألف من غير شرط اقتضى ما تقدم ذكره من ألف فضة غالب نقد
البلد، ومتى كانت رديئة كان له ردها والمطالبة ببدلها.
إذا قال لها: متى أعطيتني ألفا فأنت طالق، فالحكم فيه وفي " متى ما " و
" أي وقت " و " أي حين " و " أي زمان " واحد، فإنها متى أعطته وقع الطلاق
بائنا وملك الزوج العوض سواء أعطته على الفور أو التراخي، لأن هذه الألفاظ
وضعت في حقيقة اللغة لكل الأزمان، وأي وقت وجدت العطية فيه فالصفة
تقتضيه، وعندنا لا يصح لأن جميع ذلك شروط، وقد بينا أن الخلع بشرط لا
يقع.
فإذا تقرر عند المخالف أنه على التراخي، فقد لزمت من جهة الزوج لزوما لا
سبيل له إلى دفعها ولا إبطالها، وهي بالخيار بين أن تدفع الألف أو تدع، فإن لم
تدفع فلا كلام، وإن دفعت الألف إليه وأعطته إياه وقع الطلاق.
والعطية أن تعطيه بحيث يمكنه القبض والتسليم، فإذا كان كذلك فقد
وجدت الصفة قبل أو لم يقبل، قبض أو لم يقبض، لأن اسم العطاء هذا، وإن لم
يقع القبض فيه، وإذا وجد العطاء وقع الطلاق بائنا واستقر الألف عليها، وليس
لها الرجوع فيما بذلت.
إذا قالت له: طلقني ثلاثا على ألف، أو ثلاثا وعلي ألف، وطلقها واحدة
وقعت، وكان له عليها ثلث الألف لأنها بذلت الألف في مقابلة الثلاث، وإذا طلقها
واحدة فقد حصل ثلث ما طلبت، ووجب عليها ثلث ما بذلت، ولو قال لها: إن
أعطيتني ألفا فأنت طالق ثلاثا، فأعطته ثلث الألف، لم يقع شئ.
والفرق بينهما أنه علق وقوع الطلاق الثلاث بشرط إعطاء الألف، فإذا لم
247

تعط الألف لم توجد الصفة فلم يقع الطلاق، وليس كذلك الأولى لأنها ليست
تعليق طلاق بصفة، وإنما بذلت ألفا في مقابلة ثلاث تطليقات، فإذا حصل ثلث ما
طلبت، وجب عليها ثلث ما بذلت على ما تقدم.
وهذا الفرق صحيح لكنا لا نحتاج إليه لأنه طلاق بشرط وذلك باطل
عندنا.
إذا كانت معه على طلقة واحدة، فقالت له: طلقني ثلاثا بألف، فقال لها:
أنت طالق بألف، قال قوم: وقعت الواحدة وكان له عليها الألف.
وقال قوم: هذا إذا كانت عالمة أنها معه على طلقة واحدة، فحينئذ يجب
عليها الألف، وإذا لم تعلم أنها معه على طلقة فلا يستحق عليها إلا ثلث الألف لأنها
ما بذلت الألف إلا في مقابلة الثلاث، فإذا لم يحصل الثلاث لم يجب عليها إلا ثلث
ما بذلت، وهذا الذي يقتضيه مذهبنا في التفريع على هذه الطريقة.
إن اختلفا فقال الزوج: كنت عالمة أنك معي على طلقة فاستحق كل
المال، وقالت: لم أعلم فلا يجب علي إلا ثلثه، أو قالت: إنما بذلت الألف في مقابلة
طلقة في هذا النكاح وطلقتين في نكاح جديد متى تزوجتني، فقال: بل بذلت في
مقابلة ما بقي لك من تكميل الثلاث، فإذا اختلفا هكذا تحالفا، وسقط المسمى
ووجب مهر المثل.
وإن كانت معه على طلقتين، فقالت له: طلقني ثلاثا بألف، فإن كانت عالمة
بذلك نظرت في الزوج: فإن طلقها طلقتين استحق الألف، وإن طلقها واحدة
استحق نصف الألف.
وإن كانت جاهلة نظرت في الزوج: فإن طلقها طلقتين استحق ثلثي الألف،
وإن طلقها واحدة استحق ثلث الألف، وفيهم من قال: يستحق عليها الألف كله،
عالمة كانت أو جاهلة، لأنها إنما طلبت منه طلاقا يقع به بينونة لا تحل له إلا بعد
زوج، فإذا طلقها واحدة فقد حصل لها ما طلبت، فوجب عليها جميع ما بذلت.
وقال بعضهم: لا يستحق عليها إلا ثلث الألف عالمة كانت أو جاهلة، لأنها
248

طلبت بينونة لا تحل له إلا بعد زوج، وما بانت بهذه الواحدة إلا أن تقدمت
الأولى والثانية، وتلك الأولة والثانية ما كان يملكها فلم يستحق شيئا في
مقابلتهما، والأول أقوى.
إذا قالت له: طلقني طلقة بألف، فقال: أنت طالق ثلاثا بألف، طلقت عندنا
بواحدة وعليها الألف، لأن التلفظ بالثلاث لا يقع منه إلا واحدة، وهي ما طلبته،
وعند المخالف تقع الثلاث وعليها الألف لأنه حصل لها ما طلبته وزيادة، وقال
بعضهم: الألف في مقابلة طلقة وقد تبرع بثنتين، وقال آخرون: الألف في مقابلة
الثلاث كلها.
التفريع على هذه المسألة:
إذا قالت له: طلقني طلقة بألف، فقال: أنت طالق بألف، وطالق فطالق،
وقعت الأولى بائنة لأن العوض حصل في مقابلتها، ولم تقع الثانية والثالثة، لأنه
طلقها بعد أن بانت بالأولى.
فإن قالت: طلقني طلقة بألف، فقال: أنت طالق فطالق، ولم يذكر الألف،
قلنا إنها طلقت بالألف، فإن قال: الألف في مقابلة الأولى، بانت منه بها، ولم تقع
الثانية ولا الثالثة وهكذا نقول.
وإن قال: في مقابلة الثانية، فالأولى رجعية والثانية بائن عندهم ولم تقع
الثالثة، وعندنا تقع الأولى رجعية ولا تقع الثانية والثالثة.
فإن قال: في مقابلة الثالثة، فالثانية والثالثة باطلتان عندنا، وعند المخالف أن
الأولى والثانية رجعيتان، وبانت بالثالثة.
فإن قال: الألف في مقابلة الكل، قال قوم: الذي يجوز أنها تبين بالأولى
بثلث الألف، ولا تقع عليها الثانية والثالثة، وهو الذي نقول، لأنه إذا حصل الألف
في مقابلة الكل فمعلوم أنه حصل في مقابلة كل واحدة ثلث الألف، وإذا كان
كذلك بانت بالأولى بثلث الألف، ولم تقع عليها الثانية ولا الثالثة.
وإذا كانت معه على طلقة فقالت له: طلقني ثلاثا بألف هذه الواحدة أبين
249

بها، وطلقتان إن نكحتني بعد زوج، فطلقها كذلك طلقت واحدة بانت بها، وأما
الطلقتان فلا يصحان لأنه طلاق قبل النكاح.
فإذا ثبت ذلك بانت بالواحدة وكم يستحق عليها؟ قال قوم: عليها مهر
مثلها، وقال قوم: يبني هذه على تفريق الصفقة، فمن قال: لا يفرق، بطل فيهما،
ومن قال: يفرق، بطل في الحرام دون الحلال، ويستحق في الحلال بحصته من
الثمن، وفي هذه المسألة إذا قلنا بتفريق الصفقة - وهو مذهبنا - كان له عليها ثلث
الألف، ومن قال: لا يفرق، بطل العقد في الكل، وكان عليها مهر المثل.
إذا خالعها على أن تكفل ولده عشر سنين، قال قوم: يصح إذا كان معلوما
بأن يقول ترضعيه من العشر سنين حولين أو أقل مما يتفقان عليه، فإذا ذكرا مدة
الرضاع قدرا معلوما صار معلوما بذكر المدة، ويفتقر إلى أن يكون ما يجب عليه
من نفقة العشر معلوما من طعام وإدام، ولا يكون كذلك حتى يذكر جنس
الطعام حنطة أو غيرها، ويذكر جنس الإدام من زيت أو شيرج أو سمن، ويكون
المبلغ معلوما، ويكون الوصف مضبوطا على الوجه الذي يضبط في السلم.
ويكون ما يحل في كل يوم معلوما، فلا بد من ذكر الجنس والمقدار والصفة
ولا بد من ذكر الآجال، لأن هذه الصفة اشتملت على أجناس من المعاوضة، كل
واحد منها لو أفرد بالعقد صح، فكذلك إذا اجتمعت، وفي الناس من قال: لا
يصح.
فإذا ثبت صحته لم يخل حال الولد من أحد أمرين: إما أن يعيش أو يموت.
فإن عاش ومضت الحولان فقد استوفى ما استحقه من الرضاع، وبقى عليها
الطعام والإدام، فيكون للوالد أن يستوفيه بنفسه أو بغيره، لأن ذلك وجب له في
ذمتها، لأنه عقده الوالد، فإن استوفاه بنفسه أو بغيره، فإن كان وفق حاجة الولد
فذاك، وإن كان أكثر أخذ الفضل لنفسه، وإن كان أقل فعليه التمام، وإن جعل
إليها أن تطعم الولد بنفسها كان صحيحا، لأنه حق له ثبت في ذمتها فصح أن
يأمرها بإتلافه كيف شاء.
250

وأما إذا مات الولد فلا يخلو من أحد أمرين: إما أن يموت بعد مضي الحولين
أو أثناء الحولين.
فإن مات بعد مضيهما فقد استوفى منها ما استحقه من الرضاع، وبقى عليها
الطعام والإدام، فللوالد أن يستوفيه منها، وهل يحل عليها كله دفعة واحدة أم لا؟
قيل فيه وجهان: أحدهما يحل كله، والثاني يحل في كل أحد قدر ما شرط، وهو
الصحيح عندنا وعندهم، لأن الدين إذا كان مؤجلا فإنما يحل بموت من عليه
الدين، ولا يحل بموت غيره.
وإن مات في أثناء الحولين مثل أن أرضعته حولا ثم مات فقد مات قبل
استيفاء الرضاع، فهل له أن يأتيها بولد مثله ترضعه مكانه؟ قيل فيه قولان:
أحدهما له ذلك، والآخر ليس له ذلك.
فمن قال: له ذلك، أتاها بمثله يقوم مقامه، ويكون الحكم على ما مضى إذا
كان الولد حيا، ومن قال: ليس له ذلك، أو قال: له ذلك، ولم يأت بمثله، فهذا
الحول الباقي عوض معين في الخلع، وقد تلف قبل القبض.
واختلف في الخلع المعين إذا تلف قبل القبض على قولين: أحدهما يجب
عليه بدله، والثاني يسقط ويجب مهر المثل، ولا فرق بين أن يتلف كله أو بعضه.
فمن قال: لا يبطل وعليها البدل، فقد استوفى رضاع حول وبقى حول آخر
يكون له عليها أجرة المثل، ويستوفي بعد ذلك ما بقي له في ذمتها من الطعام
والإدام على ما بيناه، وهذا الذي يقتضيه مذهبنا، وفي العوض المعين ينبغي أن
يقول إنه إذا تلف يجب قيمته إن لم يكن له مثل، وإن كان له مثل مثله.
ومن قال: يبطل ويجب مهر المثل، فعلى هذا يجب عليها مهر المثل، ويسقط
بقدر رضاع الحول الأول بالحصة، فيقال: كم أجرة مثلها حولين للرضاع؟ وكم
قيمة ما بقي في ذمتها من الإدام والطعام؟ فيجمع ذلك كله، فإذا عرف سقط منه
بقدر أجرة الحول من مهر المثل، ويكون الباقي للوالد، وهكذا الحكم فيه إذا مات
الولد قبل أن يمضي شئ من الحولين.
251

إذا قال لزوجته: طلقي نفسك، فعندنا أن ذلك باطل، وعندهم إن طلقت
نفسها على الفور بحيث يكون طلاقها جوابا لكلامه صح، وإن تراخي عن هذا
الوقت لم يصح لأنه بمنزلة الموهوب إذا لم يقبله الموهوب له على الفور لم يصح.
وإذا قال لها: طلقي نفسك بألف، كان مثل ذلك عندنا باطل، وعندهم
على الفور.
ولو قال لغيره: طلق زوجتي على ألف، لم يكن على الفور، لأنه توكيل،
والأول تمليك، ألا ترى أنه إذا قال لغيره: بعتك هذا المتاع، اقتضى القبول على
الفور، ولو قال: وكلتك في البيع بألف، لم يقتض ذلك الفور.
فإذا ثبت هذان الفصلان فمتى قال لها: أمرك بيدك فطلقي نفسك إن
ضمنت ألفا، فهاهنا جعل طلاقها إليها بشرط أن تضمن الألف، فهو على الفور، فإن
تراخي لم يصح.
وإن لم يتراخ نظرت: فإن طلقت نفسها وضمنت الألف أو ضمنت الألف
وطلقت نفسها فمتى فعلت أحد الأمرين على الفور على أي وجه كان وقع
الطلاق، لأن الصفة وجدت، وإن طلقت نفسها ولم تضمن أو ضمنت الألف ولم
تطلق نفسها لم يقع الطلاق لأنه لم يجتمع الشرطان.
وعندنا أنهما مثل الأول لا يقع على حال على الصحيح من المذهب.
إذا قال لها: إن أعطيتني عبدا فأنت طالق، فهذا على الفور عندهم، فإذا أعطته
أي عبد كان وقع الطلاق صغيرا كان أو كبيرا، صحيحا كان أو معيبا، وعلى أي
صفة كان، لأن اسم العبد يقع عليها، ولا يملك العبد لأنه عوض مجهول، فلم
يصح في معاوضة كما لم يصح في بيع، وله عليها مهر المثل، وعندنا أن هذا لا
يصح لأنه طلاق بشرط، فلا يصح، والحكم في المدبر والمعتق نصفه كالحكم
في العبد القن سواء.
وأما إن أعطته مكاتبا أو عبدا مغصوبا لم يقع الطلاق، لأن طلاق العطية
يقتضي إعطاء ما يصح أن يملكه المعطي، هذا إذا علق طلاقها بعبد.
252

فأما إن خالعها بعبد موصوف في الذمة صح الخلع عندنا وعندهم، لأنه
معلوم، ولزم العوض، وعليها الخروج عنه إليه، فإذا دفعت إليه عبدا على الصفة
التي وقع العقد عليه لزمه قبوله، فإذا قبله ملكه فإن كان صحيحا استقر ملكه عليه،
وإن كان معيبا كان بالخيار بين أن يمسكه أو يرده، فإن أمسكه فلا كلام، وإن
رده رجع عليها بما وجب له في ذمتها، وهو عبد بهذه الصفة سليم من العيوب،
هذا إذا خالعها بعبد موصوف في الذمة.
فأما إن علق طلاقها بأن تعطيه عبدا موصوفا كان قال: إن أعطيتني عبدا من
صفته كذا وكذا فأنت طالق، فإن صفة الوقوع متعلقة بما علقه، فإن أعطته عبدا
بخلافه لم يقع الطلاق، وإن أعطته على تلك الصفة وقع الطلاق، وملك العبد،
فإن كان سليما من العيوب فقد استقر ملكه عليه، وإن كان معيبا فهو بالخيار بين
إمساكه ورده، فإن أمسكه فلا كلام، وإن رده فبما ذا يرجع؟ قيل فيه قولان:
أحدهما إلى بدله، والآخر يرجع إلى مهر المثل، وعندنا أن هذه الآخرة باطلة لأنها
طلاق بشرط، والأولى صحيحة لأنها خلع بعبد موصوف.
فأما إن علق طلاقها بأن تعطيه عبدا بعينه، مثل أن قال: إن أعطيتني هذا
العبد فأنت طالق، فأعطته إياه نظرت: فإن كان عبدا يملكه وقع الطلاق، فإن
كان صحيحا استقر، وإن كان معيبا كان له الخيار على ما مضى، وإن كان العبد
مغصوبا فأعطته إياه فهل يقع الطلاق؟ قيل فيه وجهان: أحدهما لا يقع، لأن
طلاقه يقتضي عبدا يملكه الزوج، فإذا لم يملكه لم يقع الطلاق، وقال أكثرهم:
إنه يقع الطلاق، وعندنا لا يقع على حال لمثل ما تقدم من أنه لا طلاق بشرط،
فمن قال: لا يقع، فلا كلام، ومن قال: يقع، فبما ذا يرجع؟ على قولين: أحدهما
إلى بدل مثله، والآخر إلى مهر مثلها.
إذا قال لها: إن أعطيتني شاة ميتة أو خنزيرا أو زق خمر فأنت طالق، فأعطته
على الفور وقع الطلاق عندهم وسقط المسمى ويجب مهر المثل، وعندنا لا يقع
لما تقدم.
253

وإن خالعها بشاة ميتة أو خنزير أو زق خمر فالخلع صحيح عندهم، وله
عليها مهر المثل، وعندنا أن الخلع باطل، والطلاق رجعي ولا شئ له عليها.
ولو قال: خالعتك على ما في هذه الجرة من الخل فبان خمرا وقع الخلع
بلا خلاف ووجب لها مهر المثل، وينبغي أن يقول إن لها مثل تلك الجرة خلا.
فإن تزوجها على ما في هذه الجرة من الخل فبان خمرا، قال بعضهم: بطل
الصداق، ويرجع إلى مهر مثلها، وعند بعضهم: يرجع إلى بدله، وهو الذي
يقتضيه مذهبنا.
إذا قال: أنت طالق وعليك ألف، وقع الطلاق رجعيا ولا شئ له عليها،
لأنه أوقع مجردا من العوض وعطف بذكر الألف مستأنفا لكلام لا يتعلق
الطلاق به كما لو قال: أنت طالق وعليك حج.
فإذا ثبت ذلك فإن ضمنت له الألف بعد ذلك لم يصح ضمانها، لأنه
ضمان ما لم يجب، وإن أعطته ألفا كان ابتداء هبة من جهتها، فلا يصير الطلاق
الرجعي به بائنا.
وإن تصادقا على أن كلامه كان جوابا لاستدعائها مثل أن يتفقا أن هذا
جواب لقولها: طلقني طلقة بألف، فقال: أنت طالق وعليك ألف، لزمها الألف لا
بقوله " وعليك ألف " بدليل أنه لو أجابها فقال: أنت طالق، وسكت لزمها
الألف.
فإن اختلفا فقال: هذا القول جواب لاستدعائك، والطلاق بائن وعليك
ألف، فأنكرت فالقول قولها مع يمينها، لأن الأصل أنها ما استدعت ذلك، فهو
مدع عليها، فإذا حلفت فلا شئ عليها، ويكون الطلاق بائنا، لأنه معترف
بذلك، وإنما أضاف إليه دعواه عليها بالعوض فاحتاج إلى بينة.
إذا قال لها: أنت طالق على أن عليك ألفا، فقد علق طلاقها بشرط أن يكون
عليها ألف، وإنما يكون عليها ألف لضمانها ذلك، فإذا ضمنت وقع الطلاق لأن
الصفة قد وجدت، وإنما يصح هذا إذا كان ضمانها جوابا لكلامه.
254

وهكذا الحكم فيه إذا قال لها: أنت طالق على ألف، لأن تقدير قوله " على
ألف " أي ألف تحصل لي عليك، فإذا ضمنت وقع الطلاق.
والفرق بين قوله " أنت طالق على أن عليك ألفا " وبين قوله " أنت طالق
وعليك ألف " هو أنه إذا قال " وعليك ألف " لم يجعل الطلاق معلقا به وإنما
عطف به بعد وقوع الطلاق مجردا عن عوض، ولهذا وقع الطلاق ولم يجب
عليها شئ.
وليس كذلك قوله " على أن عليك ألفا " لأنه ربط الطلاق بالألف وعلقه به
وجعل الصفة فيه حصول الألف عليها، فلهذا لم يقع الطلاق إلا بضمانها فبان
الفصل بينهما.
إذا خالعها على ثوب بعينه على أنه مروي فإذا هو هروي، فالخلع صحيح،
لأنه خلع بعوض، وتقع الفرقة وتنقطع الرجعة والزوج بالخيار بين أن يمسك
هذا الثوب أو يرد، فإن أمسكه كان له لأنه بمنزلة العيب، وإن اختار الرد رجع
إلى قيمته عندنا لو كان مرويا، وقال بعضهم: يرجع إلى مهر مثلها.
فأما إن علق طلاقها بصفة هو إعطاء ثوب، فقال: إن أعطيتني ثوبا مرويا
فأنت طالق، فإن أعطته هرويا لم يقع الطلاق، لأن الصفة لم توجد، وعندنا لا
يقع لأنه طلاق بشرط.
فإن كانت بحالها فأعطته مرويا وقع الطلاق عندهم، وعندنا لا يقع لما
قلناه، فإن كان الثوب سليما لزم وإن كان معيبا كان بالخيار بين إمساكه ورده،
فإن أمسكه فلا كلام، وإن رده فالخلع بحاله، والطلاق لا يرتفع بالرد لأن
الطلاق إذا علق بصفة فوجدت الصفة وقع الطلاق عندهم ولا يرتفع بعد وقوعه.
فإذا ثبت أنه لا يرتفع الطلاق ورده، إلى ما ذا يرجع؟ على قولين: أحدهما
إلى بدله، والآخر إلى مهر مثلها.
وأما إن خالعها على ثوب موصوف في الذمة مثل أن خالعها على ثوب
مروي وصفه وضبطه بالصفات، فإن الخلع يصح ويلزم العوض لأنه معلوم
255

والعوض إذا كان معلوما في الخلع لزم، وعليها أن تعطيه ما وجب له في ذمتها
على الصفة.
فإذا سلمته إليه وقبضه فإن كان سليما على الصفة لزم ولا كلام، وإن كان
معيبا فهو بالخيار بين إمساكه ورده، فإن أمسكه فلا كلام، وإن رده رجع عليها
بالذي خالعها به، لأن الذي وجب في ذمتها ما كان سليما من العيوب، فإذا رده
طالب ببدله.
فإن خالعها على ثوب بعينه على أنه مروي فإذا هو كتان فالخلع يصح لأنه
خلع بعوض، وإن أراد الزوج إمساك الثوب لم يكن له لأنه عقد الخلع على
جنس فبان غيره كما لو عقد على عين فبان غيرها، لأن اختلاف الأجناس
كاختلاف الأعيان، فإذا رده هل يستحق البدل أو مهر المثل؟ على ما مضى،
عندنا يستحق القيمة وعند بعضهم مهر المثل.
إذا خالعها على أن ترضع ولده سنتين صح، فإن عاش الولد حتى ارتضع
حولين فقد استوفى حقه، وإن انقطع لبنها وجف بطل البذل، وإلى ما ذا يرجع؟
على ما مضى من القولين، عندنا أنه يرجع إلى أجرة مثلها لرضاع مثله حولين،
وعند بعضهم مهر مثلها، فإن مات الولد فقد مضى حكمه فيما تقدم.
إذا قال له أبو امرأته: طلقها وأنت برئ من صداقها، فطلقها طلقت ولم يبرأ
من صداقها، لأنها إن كانت رشيدة لم يملك أبوها التصرف في مالها بغير إذنها،
وإن كان يلي عليها لصغر أو سفه أو جنون لم يصح، لأنه إنما يملك التصرف فيما
فيه نظر لها وحظ، ولا نظر لها في هذا كما لو كان لها دين فأسقط.
فإذا ثبت أنه لا يبرأ فلا ضمان على أبيها لأنه لم يضمن على نفسه شيئا ويقع
الطلاق رجعيا، لأنه لم يسلم العوض.
وكذلك لو قال الزوج: هي طالق وأبرأ من صداقها، جوابا لقول أبيها،
فالطلاق واقع، ولا يجب له عليها ولا على الأب شئ، لأنه لم يضمن، ولا أبرأه
من المهر من له الإبراء، والطلاق واقع وعليها رجعة.
256

فإن قال: طلقها على ألف من مالها، وعلي ضمان الدرك، فطلقها وقع
الطلاق ولم يملك الألف، لأنه لا يملك التصرف في مالها، لكن عليه ضمان
الدرك في هذا، وإذا كان عليه الضمان كان الطلاق بائنا لأنه لم يعر عن عوض،
وما الذي يضمن الأب؟ قيل فيه قولان: أحدهما بدل الألف وهو الذي يقتضيه
مذهبنا، والآخر مهر المثل.
ولو قال بدلا من هذا: طلقها بعبد هو هذا وعلي ضمانه، طلقت ولم يملك
الزوج العبد، وكان على الأب الضمان، وما الذي يضمن؟ على ما مضى عندنا
قيمته وعند بعضهم مهر المثل.
إذا أعطته ألفا على أن يطلقها إلى شهر أو قال: إذا جاء رأس الشهر طلقت، لم
يصح لأنه سلف في طلاق وذلك لا يصح، وإن أعطته ألفا على أن يطلقها مدة
شهر، فإذا كان بعده ارتفع حكمه لم يصح لأن الطلاق مؤبد، وإن أعطته ألفا على
أن يطلقها أي وقت شاء من وقتنا هذا إلى شهر فلا يصح لأنه سلف في الطلاق،
ولأنه عوض على مجهول.
ومتى طلق على أحد هذه الوجوه الثلاثة فالطلاق واقع وبائن، وأما البذل
قال قوم: لا يصح فيه، ويجب مهر المثل، والذي يقتضيه مذهبنا أن الطلاق يقع
رجعيا، والبذل لا يصح.
إذا قال لها: أنت طالق بألف إذا جاء رأس الشهر، أو قال: إذا جاء رأس
الشهر فأنت طالق بألف، عندنا لا يصح لأنه معلق بشرط، وعندهم على وجهين:
أحدهما: يصح لأنه لما ملك الطلاق المجرد عاجلا وآجلا جاز أن يملكه
بعوض عاجلا وآجلا.
والثاني: لا يصح، لأنها معاوضة كالبيوع، فمن قال " يصح " فلا كلام،
ومن قال " لا يصح " فإن أوقع الطلاق هاهنا وجب مهر المثل كالتي قبلها.
إن قالت له: طلقني ثلاثا بألف، فطلقها ثلاثا فعليها الألف، وإن طلقها واحدة
أو اثنتين فعليها بالحصة، وعندنا أنه لا يصح أصلا وقد مضى، لأنه إن طلق أقل
257

من الثلاث واحدة لم يجبها إلى ما طلبت فلا يصح العوض، وتكون الطلقة
رجعية، وإن كان أكثر من واحدة لم يقع.
فإن قالت له: طلقني ثلاثا على ألف، فالحكم فيه كما لو قال: بألف، وقال
قوم في هذه: إن طلقها ثلاثا له ألف، وإن طلقها أقل من ثلاث وقع الطلاق ولم
يجب عليه ما سمى.
وفصل بينهما بأن قال: إذا قالت " بألف " فهذه بالبدل، والبدل يقتضي أن
يتقسط على المبدل، كما لو باعه ثلاثة أعبد بألف، وإذا قال " على ألف " علق
الطلاق الثلاث بشرط هو الألف، فإذا لم يوقع الثلاث لم يوجد الشرط فلم
يستحق شيئا.
إن خالعها على حمل هذه الجارية فقال: خالعتك على حملها، فالخلع
صحيح والطلاق بائن، وسقط المسمى ويجب مهر المثل، سواء خرج الولد سليما
أو لم يخرج عند بعضهم، وقال آخرون: إن لم يخرج الولد سليما كان له مهر
المثل وإن خرج سليما فهو له وصح العوض.
والذي يقتضيه مذهبنا أن هذا الخلع لا يصح، لأنه على مجهول ولا يقع
الطلاق.
وإذا قال: خالعتك على ما في بطن هذه الجارية، ولم يقل " من الحمل "
فالخلع صحيح، والطلاق بائن، والبذل فاسد، وعليها مهر المثل سواء ظهر بها
حمل أو لم يظهر، وقال بعضهم: إن ظهر بها حمل صح، وإن لم يظهر فالخلع
باطل أصلا، والطلاق رجعي وعندنا أن هذه مثل الأولى سواء.
إذا طلقهما بألف أو على ألف فقد طلقهما طلاقا بعوض ألف، ويقتضي أن
يكون جوابه على الفور، فإن تراخي لم يصح أن يطلقهما على ما طلبتا، فإن طلق
كان ابتداء طلاق من جهته، ويكون رجعيا.
اللهم إلا أن يبتدئ فيقول: أنتما طالقان على ألف، فحينئذ إن ضمنتا ذلك
على الفور طلقتا به، وإن لم تضمنا ذلك سقط كلامه، هذا إذا تراخي جوابه
258

وقبوله.
فأما إن طلقهما على الفور وقع الطلاق بائنا واستحق العوض، وأي عوض
يستحق؟ قيل فيه قولان: أحدهما مهر المثل على كل واحدة منهما، ويسقط
المسمى، والثاني يجب المسمى يقسط ذلك على مهر المثل لكل واحدة منهما،
فيأخذ منها بالحصة من مهر مثلها.
وهكذا إذا تزوج أربع نسوة صفقة واحدة على ألف فعلى هذين القولين:
أحدهما يصح المسمى ويتقسط عليهن على قدر مهر مثلهن، والثاني يبطل ويجب
مهر المثل لكل واحدة منهن.
وكذلك إذا خالع أربع نسوة صفقة واحدة بألف أو كاتب أربعة أعبد له
صفقة واحدة، فعلى هذين القولين، وفي الكتابة قولان: أحدهما باطلة، والثاني
صحيحة، ويكون كل واحدة من العبيد مكاتبا بحصة قيمته من المسمى، وكذلك
في الخلع، والطلاق واقع بائن، وفي المسمى قولان: أحدهما باطل، وله على
كل واحدة مهر مثلها.
والذي يقتضيه مذهبنا أن نقول: إن تزوج أربعة بمهر مسمى أن المهر
صحيح وينقسم بينهن بالسوية، وكذلك في الخلع، والفداء يكون صحيحا
ويلزم كل واحدة منهن حصتها بالسوية.
فأما الكتابة والبيع فينبغي أن نقول: إنه يتقسط على قدر أثمانها، أو نقول:
الكتابة فاسدة والبيع لأن العوض في كل واحد مجهول.
قالتا له: طلقنا بألف، فطلق إحديهما ولم يطلق الأخرى، فالتي طلقها وقع
طلاقها، واستحق عليها العوض، لأنه أجابها على الفور، وكم يستحق عليها؟
عندنا نصف المسمى، وعندهم على قولين أحدهما مهر مثلها، والثاني بحصة مهر
مثلها من المسمى.
والتي لم يطلقها لا يمكنه أن يطلقها جوابا لما استدعته، لأن وقت القبول قد
زال وارتفع، فإن طلقها كان ابتداء طلاق من جهته ويكون رجعيا إلا أن يقول
259

" على ألف " فلا يقع الطلاق بها حتى تضمن الألف على الفور.
إذا طلقهما بألف نصفين على كل واحدة خمس مائة، لزم كل واحدة منهما.
ذلك.
إذا قالتا: طلقنا بألف، فطلقهما على الفور، ثم ارتدتا بعد ذلك، فالطلاق
واقع بائن، واستحق العوض عليهما، وفيه قولان: أحدهما يسقط المسمى ويجب
مهر المثل، والثاني يجب المسمى ويقسط على مهر المثل، وعندنا على كل واحدة
نصف المسمى، والردة لا تؤثر في عقد الخلع لأنها تجددت بعد إبرام العقد.
إذا قالتا: طلقنا بألف، فطلقهما على الفور بعد أن ارتدتا، مثل أن قالتا: طلقنا،
واعتقدتا الكفر متصلا بالقول، ثم قبل الزوج هذا على الفور وطلقهما فإن الطلاق
قد حصل بعد حصول الردة منهما، فلا يخلو حالهما من أحد أمرين:
إما أن يكون دخل بهما أو لم يكن قد دخل بهما، فإن لم يكن دخل بهما
سقط الطلاق، لأن الفسخ قد وقع بالردة، وإن كان دخل بهما لم يقع الفسخ
بالردة، لأنها ردة بعد الدخول، ويكون الطلاق صادفهما على الردة، فما حكمه؟
مبني على طلاق المرتد، فإن كانتا على الردة كان الطلاق مراعى فإن أقامتا على
الردة حتى انقضت العدة لم يقع الطلاق، لأن الفسخ سبق الطلاق.
وإن رجعتا قبل انقضاء العدة حكمنا بوقوع الطلاق من ذلك الوقت،
وكانت العدة من حين وقع الطلاق ويكون بائنا، ويستحق العوض، وما ذلك
العوض؟ على ما مضى من القولين.
فإن رجعت واحدة قبل انقضاء العدة وقع الطلاق عليها بائنا ويستحق
العوض على ما مضى، وأما الأخرى فلم يقع الطلاق عليها، لأن الفسخ سبقه.
إذا كان الخلع بلفظ المباراة أو بلفظ الخلع ملك عليها البذل، فإن كان قبل
الدخول فلها نصف الصداق، فإن كان قبل القبض فعليه نصفه، وإن كان بعد
القبض ردت النصف، وإن كان بعد الدخول فقد استقر المسمى، وإن كان قبل
الإقباض فعليه الإقباض وفيه خلاف ذكرناه في الخلاف.
260

إذا قال لزوجتين له: أنتما طالقتان إن شئتما على ألف أو بألف، عندنا لا يقع
لأنه طلاق بشرط، وعندهم علق طلاقهما بعوض بصفة هي المشيئة منهما، فاقتضى
أن تكون المشيئة منهما جوابا لإيجابه كالقبول في البيع، فإن قالتا على الفور: قد
شئنا، طلقتا معا، لأن الصفة قد وجدت، والطلاق بائن لأنه بعوض، وما ذلك
العوض؟ على ما مضى من الخلاف، إما مهر المثل أو يتقسط على مهر المثل.
وإن اختلفا فقال الزوج: أنتما شئتما لفظا ونطقا وما شئتما بقلوبكما، لم
يلتفت إلى إنكاره لأنه إنما يتوصل من المشيئة إليهما من قولهما ونطقهما، وإن
تراخت المشيئة عن وقتها بطل الإيجاب، فلو قالتا من بعد: قد شئنا، لم يتعلق به
حكم، لأن الإيجاب قد بطل مثل البيع إذا تأخر القبول عن الإيجاب.
وإن ماتت إحديهما دون الأخرى لم يقع الطلاق لأنه معلق بمشيئتهما معا.
إذا كان له زوجتان رشيدة ومحجور عليها لسفه، فقال لهما: أنتما طالقتان إن
شئتما بألف، فقالتا على الفور: قد شئنا، عندنا لا يقع لأنه طلاق بشرط، وعندهم
يقع الطلاق بهما معا، لأن الصفة قد وجدت منهما، فإن المحجور عليها لسفه لها
مشيئة، لأن المشيئة لا تدخل تحت الحجر.
وإن كانت إحديهما مجنونة لم يكن يتعلق بها حكم لأنه لا تمييز لها، وإن
كانت صغيرة لا تمييز لها فهي كالمجنونة، وإن كان لها تمييز فهي كالمحجور
عليها لسفه.
فإذا ثبت وقوع الطلاق كان طلاق الرشيدة بائنا لأن العوض ثبت عليها،
وما ذلك العوض؟ على ما مضى، فأما طلاق غير الرشيدة فهو طلاق رجعي لأن
بذل العوض لا يصح منها، وإن صحت المشيئة منها، فإن قال للمحجور عليها:
أنت طالق بألف إن شئت مشيئة يلزمك بها عوض، فشاءت لم يقع الطلاق،
لأن الصفة لم توجد.
إذا كان له أربع نسوة فخالعهن بلفظ واحد على ألف، فعلى ما مضى من
الخلاف، وكذلك في العقد عليهن.
261

ويجوز للمرأة أن تفتدي نفسها من زوجها بعوض تبذله لقوله تعالى: " فيما
افتدت به "، وإن وكلت من يختلعها من زوجها بعوض صح بلا خلاف، وإن
اختلعها أجنبي من زوجها بعوض بغير إذنها فعند الأكثر يصح، وقال شاذ منهم:
لا يصح، وهو الأقوى.
رجل له زوجتان فقالت إحديهما: طلقني وضرتي بألف، فإن طلقهما بذلك
طلقتا وعليها ما بذلت، وإذا لزم البذل ففيه قولان: أحدهما يلزم المسمى، والثاني
يسقط المسمى، وعليها مهر مثلها ومهر مثل ضرتها، ولا يرجع على ضرتها بشئ
لأنها تبرعت بذلك.
وإن كانت بحالها فطلق إحديهما، وقع الطلاق بائنا، وعلى الباذلة العوض،
وما ذلك العوض؟ على القولين: أحدهما مهر مثلها، والثاني بحصة مهر مثلها،
وعندنا نصف المسمى على ما مضى.
إذا اختلعت الأمة نفسها بعوض لم يخل من أحد أمرين: إما أن يكون بإذن
سيدها أو بغير إذنه.
فإن كان باذنه صح لأنه وكلها، ويقتضي أن يختلع نفسها بمهر مثلها، فإن
فعلت بذلك أو أقل منه فإن كانت مأذونا لها في التجارة أعطت مما في يديها،
وإن لم تكن تاجرة أعطت من كسبها، وإن لم يكن لها كسب ثبت في ذمتها
يستوفى منها إذا أعتقت.
وإن اختلعت نفسها بأكثر من مهر مثلها كان ما زاد على مهر مثلها فاسدا
ويقوى عندي أنه يكون صحيحا غير أنه يتعلق بذمتها.
وإن كان الخلع بغير إذنه لم يخل من أحد أمرين: إما أن يكون الخلع
منجزا أو معلقا بصفة.
فإن كان منجزا فإما أن يكون بدين أو بعين، فإن كان بدين في الذمة ثبت
في ذمتها تتبع به إذا أيسرت بعد عتقها، وإن خالعها على شئ بعينه كالعبد
المعين فالخلع صحيح، والطلاق بائن، ولا يملك العبد، لأنه في يدها بمنزلة
262

الغصب والعوض للزوج، وفي كميته قولان: أحدهما مهر المثل، والثاني بدل
التالف وهو الصحيح عندنا، وأيهما كان ففي ذمتها يطالب به إذا أيسرت بعد
عتقها، هذا إذا كان منجزا.
فإن كان بصفة فعندنا باطل، وعندهم لا يخلو من أحد أمرين: إما أن يكون
معينا أو في الذمة، فإن كان في الذمة كقوله: إن أعطيتني عبدا فأنت طالق،
فأعطته عبدا لم تطلق لأنه يقتضي عوضا يملكه، وإن كان على عبد بعينه فعلى
وجهين: أحدهما أنه واقع، وقال بعضهم: لا تطلق كما لو كان في الذمة، فمن قال
" تطلق " كان بائنا، ويجب العوض على ما مضى من القولين.
وأما المكاتبة فإذا اختلعت نفسها بمال لم تخل من أحد أمرين: إما أن يكون
بإذن سيدها أو بغير إذنه، فإن كان باذنه فالحكم فيها كالأمة القن سواء، وإن
اختلعت بغير إذنه فهل يصح بذل المال والهبة منها في هذا باذنه أم لا؟ قيل فيه
قولان: أحدهما يصح، لأن الحق لها، وهو الذي يقوى في نفسي، والثاني باطل
فيهما، وفيهم من قال: البذل في الخلع لا يصح والهبة على قولين.
والذي يقتضيه مذهبنا أن نقول: إن كانت مشروطا عليها فهي كالأمة القن
سواء، وإن لم يكن مشروطا عليها كان الخلع صحيحا.
فإذا ثبت هذا فكل موضع قلنا: لا يصح، فإن كان بإذن سيدها فالحكم فيه
كما لو اختلعت بغير إذنه وقد مضى، وكل موضع قلنا: يصح، فالحكم فيه كما
لو اختلعت الأمة نفسها بإذن سيدها، وهو أنه يصح، ويقتضي مهر المثل.
خلع المحجور عليه لسفه صحيح لأنه مكلف ولا مانع منه.
فإذا ثبت هذا لزم الزوجة العوض في حق الكل، وبقى الكلام في قبضه
منها، والكلام على كل واحد منهم:
أما المكاتب فالبذل له والقبض إليه، لأنه من كسبه، فإذا سلمت إليه فقد
برئت ذمتها.
وأما السفيه فالبذل له، والتصرف فيه إلى وليه وليس عليها ولا لها أن تدفع
263

العوض إلى زوجها، ثم ينظر فيه: فإن دفعته إلى وليه برئت ذمتها، وإن دفعته إلى
زوجها لم تبرأ ذمتها منه، فإن كانت العين قائمة في يديه وأخذها وليه برئت ذمتها
منه، وإن كان هالكا نظرت في أصل البذل: فإن كان في الذمة عاد عليها عقدة
العقد لأنه باق في ذمتها، وإن كان العقد على معين كان لوليه أن يرجع عليها،
وبكم يرجع؟ على قولين: أحدهما مهر المثل، والثاني بدل التالف، وهو
الصحيح.
وإذا رجع وليه عليها لم ترجع هي على زوجها في الحال، ولا فيما بعد فك
الحجر لأنها سلطته على إتلافه كما لو كان عليها لصبي فأقبضته فتلف في يده
فالدين باق عليها ولا ضمان على الصبي.
وأما إن كان عبدا فلا يصح قبضه لأن المال لسيده، ولا يجوز أن يقبض
لسيده بغير إذنه، وليس عليها ولا لها تسليم مال السيد إلى عبده، وعليها تسليمه
إلى سيده لأنه له، فإن قبضه السيد صح قبضه وبرئت ذمتها، وإن قبض العبد لم
تبرأ ذمتها، فإن كان ما قبضه قائما في يديه قبضه سيده وبرئت ذمتها، وإن قبض
العبد لم تبرأ ذمتها.
وإن كان هالكا كان للسيد أن يرجع عليها بالضمان، وبما ذا يرجع؟ على
ما فصلناه في السفيه حرفا بحرف، لكن للزوجة هاهنا الرجوع على العبد تتبع به
إذا أيسر بعد عتقه.
إذا اختلف المختلعان في جنس العوض أو قدره أو في تأجيله وتعجيله، أو
في عدد الطلاق تحالفا عند بعضهم، وقال الباقون: القول قول المرأة وعليه البينة
لأنهما قد اتفقا على البينونة، وإنما اختلفا فيما لزمها فالزوج مدعي الزيادة، فعليه
البينة وهذا الذي يقتضيه مذهبنا إلا في عدد الطلاق فإن القول فيه قول الرجل،
ومن قال: تحالفا، أسقط المسمى وأوجب مهر المثل عليها.
إذا قال لزوجته: طلقتك بألف وضمنت ذلك، فأنكرت فالقول قولها، لأنه
يدعي عليها عقد معاوضة، والأصل أن لا عقد، غير أنه يحكم عليه بالبينونة
264

لاعترافه بذلك.
التوكيل في الخلع جائز حرا كان أو عبدا أو محجورا عليه أو ذميا، فإن
خلعا بما لا يجوز فالطلاق لا يرد، ويصح التوكيل منهما، ومن كل واحد منهما
على الانفراد، كالبيع، والمستحب أن يقدر للوكيل البدل، فإن أطلق بغير تقدير
صح كالبيع، فإذا ثبت هذا كان وكيلها لقبول الخلع وبذل البدل، ووكيل
الزوج للطلاق وقبض العوض عنه، والتفريع على كل واحد منهما والبدأة
بتوكيلها.
فإذا وكلته في الخلع لم يخل من أحد أمرين: إما أن تطلق أو تقدر البدل.
فإن أطلقت اقتضى ثلاثة أشياء: أن يخلعها بمهر المثل نقدا بنقد البلد
كالشراء، فإن اختلعها بمهر مثلها نقدا بنقد البلد فقد حصل ما أمرته به، وإن كان
أقل من مهر مثلها نقدا، أو بمهر مثلها إلى أجل كان أجوز لأنه زادها خيرا، وإن
اختلعها بأكثر من مهر مثلها فالخلع صحيح، والرجعة منقطعة، والمسمى ساقط،
وعليها مهر مثلها.
فأما إن قدرت له البدل، فإن فعل بذلك القدر أو أقل منه صح، وإن
اختلعها بأكثر قيل فيه قولان: أحدهما فاسد، وعليها مهر مثلها، والآخر عليها أكثر
الأمرين من المسمى أو مهر مثلها، وعلى كل حال لا يضمن الوكيل شيئا في
الوسط، لأنه لا يقبل العقد لنفسه ولا مطلقا، وإنما يقبله لها، ويقوى في نفسي أنه
متى خالعها على أكثر مما قدرته أن الخلع لا يصح.
فإن اختلعها بألفين من مالها فلا ضمان عليه، وإن اختلعها بألفين من مالها
وقال: أنا ضامن لها، ضمن، وإن خالعها بألفين وأطلق فعليه الضمان، لأن إطلاق
ذلك يقتضي تحصيل الألفين له، وهذا إذا اختلعها بمال، فإن اختلعها بغير مال
كالخمر والخنزير فالذي يقتضيه مذهبنا أنه يبطل الخلع، وعندهم الخلع
صحيح، والرجعة منقطعة، والبذل باطل، وعليها مهر مثلها، وقال بعضهم مثل ما
قلناه.
265

فأما الكلام في توكيله، فإذا وكله بالخلع لم يخل من أحد أمرين: إما أن
يطلق أو يقدر له المال.
فإن أطلق اقتضى أيضا ثلاثة أشياء: أن يخلعها بمهر مثلها نقدا بنقد البلد، فإن
فعل ذلك فقد فعل ما اقتضاه العقد، ولزم الخلع والبذل معا، وانقطعت الرجعة،
وإن خالعها بأكثر من مهر مثلها لزم أيضا لأنه زاده خيرا، وإن خالعها بأقل من مهر
مثلها، فالذي يقتضيه مذهبنا أنه لا يقع الخلع، وقال بعضهم: يقع الخلع ويسقط
المسمى ويجب مهر المثل، وقال آخرون: الزوج بالخيار بين أن يقبله ناقصا أو
يرد، فإن اختار الإمساك فالرجعة ساقطة، وإن رد ثبت الرجعة، هذا إذا أطلق.
فأما إن قدر له البدل فإن خالعها بذلك لزم، وإن خالعها بأقل فالخلع
باطل، والطلاق غير واقع بلا خلاف، لأنه أوقع طلاقا غير مأذون فيه.
فأما إن خالعها على ما ليس بمال كالخمر والخنزير لم يقع الطلاق أيضا بلا
خلاف لأنه أوقع طلاقا لم يؤذن له فيه، ويفارق وكيل الزوجة لأنه لا يوقع
الطلاق وإنما يقبل الطلاق الذي يوقعه الزوج على عوض لم يسلم له، فإذا لم
يسلم له العوض اقتضى الرجوع إلى المعوض، فإذا تعذر رجع إلى بدله وقد قلنا
إن عندنا لا فرق بين الموضعين في أنه لا يقع الخلع أصلا.
الخلع في المرض جائز لأنه عقد معاوضة كالبيع، فإذا تقرر جوازه فإن
كان الزوج هو المريض فخالعها، فإن كان بقدر مهر مثلها لزم المسمى، وإن كان
بأكثر من مهر مثلها فهو أجوز ولم يعتبر المحاباة لأنه لو طلقها بغير عوض لم
يعتبر مهر مثلها من الثلث.
وإن كان المريض الزوجة، فإن اختلعت نفسها بمهر مثلها كان من صلب
مالها، وإن كان دون مهر مثلها كان مثل ذلك، وإن كان أكثر من مهر مثلها كان
مهر مثلها من صلب المال، والفضل من الثلث كما لو اشترت شيئا بأكثر من ثمن
مثله كان الفضل من الثلث، وقال بعضهم: يعتبر الكل من الثلث، والأول أقوى.
إذا اختلعت المريضة نفسها بعبد قيمته مائتان، ومهر مثلها مائة، كان قدر مهر
266

مثلها من صلب مالها، وما زاد محاباة يعتبر من الثلث، ثم لا يخلو من أحد أمرين:
إما أن تبرأ أو تموت، فإن برئت انقطع حكم المحاباة، وإن ماتت كان ما زاد على
مهر المثل من الثلث.
ثم لا يخلو من أحد أمرين: إما أن يخرج من الثلث أو لا يخرج، فإن خرج
منه مثل أن كان لها مائة سواه ففيه ثلاث مسائل:
إحداها: لا دين عليها ولا وصية، فالعبد كله له، نصفه من صلب مالها، ويبقى
نصفه بخمسين ولها مائة، يصير ثلثه مائة وخمسين، فيكون كله له نصفه بالخلع
ونصفه بالوصية، وفيهم من قال: له أن يقبل، وله أن يرد وله مهر مثلها.
الثانية: عليها دين محيط بالتركة ولا وصية لها، فيكون بالخيار بين أن يأخذ
نصف العبد بالخلع والباقي منه في الديون، وبين أن يدع العبد وله مهر المثل
يضرب به مع الغرماء.
الثالثة: لا دين عليها ولها وصايا فالزوج بالخيار أيضا بين أن يقبل نصف
العبد بالخلع، ويضرب مع أهل الوصايا بالباقي، وبين أن يدع العبد وله مهر
مثلها يقدم به على أهل الوصايا.
وأما إن لم يخرج من الثلث، وهو أن ليس لها مال سواه، فهو بالخيار بين أن
يقبل نصف العبد بالخلع، ويكون ثلث ما بقي منه بالوصية فيكون له ثلثا العبد
نصفه بالخلع، وثلث ما بقي بالوصية، وبين أن يدع ويرجع إلى مهر المثل
فيكون مقدما به على كل أحد لأن الصفقة تبعضت عليه.
فإن اختار الزوج قسما ثالثا وهو أن يأخذ سدسه بالوصية ويدع الباقي وله
مهر المثل لم يكن له ذلك، لأنها خلعت في ضمن معاوضة، فإذا ردها بطلت
الوصية.
وإذا اختلعت نفسها بعبد قيمته مائة وخرج نصفه مستحقا فهو خلع بعوض
معين لم يسلم نصفه قيل فيه قولان: أحدهما له نصفه ويرجع عليها بنصف مهر
مثلها في مقابلة النصف الذي لم يسلم، وعندنا أنه يبطل الخلع.
267

خلع المشركين جائز لعموم الآية، ولا يخلو من ثلاثة أحوال: إما أن يكونا
من أهل الذمة أو من أهل الحرب أو بعد الإسلام.
فإن كانا من أهل الذمة فإن كان صحيحا حكم به وأمضي، وإن كان البذل
مقبوضا فقد استقر، وإن لم يكن مقبوضا حكم بوجوب الإقباض كما يحكم بين
المسلمين.
وإن كان البذل فاسدا كالخمر والخنزير ونحو هذا، فإن كان بعد القبض لم
يعترض للمقبوض لأنا لا نعترض لما تقابضاه بينهما، وإن لم يكن وقع في الأصل
صحيحا وإن لم يكن مقبوضا حكم ببطلان البذل وأوجب مهر المثل، وإن كان
القبض في البعض أبطل فيما بقي وأوجب بالحصة من مهر المثل، فإن كان
الباقي النصف أوجب نصف مهر المثل، وما زاد أو نقص فبحسابه.
ويقوى في نفسي أنه إذا كان فاسدا غير مقبوض أنه يحكم بقيمته عند أهله في
الجميع أو البعض.
وإن كانا من أهل الحرب فالحكم بينهما على ما قلناه في أهل الذمة سواء لا
فصل بينهما، هذا إذا ترافعا قبل الإسلام.
فإن ترافعا بعد الإسلام، فإن كانا تقابضا حال الشرك لم يعرض له، فإن
كان بعد إسلامهما أو إسلام أحدهما حكم ببطلانه، وأوجب مهر المثل أو القيمة
عند أهله على ما اخترناه، فإن كانا عالمين بتحريم التقابض حال الإسلام عزرهما
الحاكم، وإن كانا جاهلين لم يكن عليهما شئ.
إذا كانت له زوجتان فقالت إحديهما: طلقني بألف على أن لا تطلق ضرتي،
بقصد الإضرار بها لتبقى على سوء عشرته وقلة نفقته، أو على أن تطلق ضرتي،
بقصد الإضرار بها لحسن عشرته وخلقه وسعة نفقته، ففعل، فالطلاق واقع
والرجعة ساقطة، والبذل فاسد، لأنه شرط فاسد لأنه سلف في الطلاق فلما بطل
الشرط سقط من البذل ما زاد لأجل الشرط، وذلك مجهول فصار الباقي مجهولا
لا يصح، ووجب مهر المثل، ويقوى في نفسي أن الطلاق واقع والعوض
268

صحيح، لأنه فعل ما التمسته.
يجوز للرجل أن يزوج ولده الصغير والمجنون صغيرا كان أو كبيرا،
وليس للولي أن يطلق زوجته بعوض ولا بغير عوض، وفيه خلاف.
إذا قالت: طلقني بألف على أن تعطيني عبدك هذا، فقد جمعت بين شراء
وخلع، وجمع الزوج بين بيع وخلع بألف، والأقوى أنهما يصحان، وفي الناس
من قال: يبطلان البيع والبذل في الخلع.
فإذا قال: يبطل البيع والبذل في الخلع، فالبيع باطل والخلع بحاله،
والبذل فاسد، وعليها مهر المثل، ومن قال: يصحان، قال يقسط المسمى على قيمة
العبد ومهر المثل، فإن تساويا في القيمة كان المسمى وفقا، وإن زاد أو نقص سقط
بحسابه، وعلى ما قررناه أن الأقوى أنهما يصحان لا يحتاج إلى ما قالوه، بل
يكون المسمى في الخلع ثمن العبد وكلاهما صحيحان.
فإن قال لها: طلبت مني طلقة بألف فأجبتك وطلقتك بها على الفور جوابا
لما طلبت، فالطلاق واقع والرجعة ساقطة، والألف لي عليك، فقالت: ما طلقتني
جوابا لكلامي بل خرجت حتى انقضت مدة الجواب وطلقتني بعد ذلك،
فالطلاق رجعي ولا ملك لك علي، فالقول قولها، لأن تحقيق الكلام طلقتك
بعوض، فقالت: لا بعوض، فيكون القول قولها، وإذا حلفت كان الطلاق بائنا ولا
حق له عليها، لاعترافه بالطلاق البائن وإنما ردت دعواه عليها بالعوض.
فأما إن كانت الدعوى من جهتها فقالت: طلقتني بألف ضمنتها لك وقد
ثبت والألف علي، وأنكر فالقول قوله إن لم يكن معها بينة، يحلف وهما على
الزوجية.
وإن كان معها بينة نظرت: فإن كان شاهدا واحدا لم يقض لها باليمين مع
الشاهد، لأن ذلك إنما يحكم به فيما كان مالا أو المقصود منه المال والخلع
المقصود منه البينونة، وإن كان معها شاهد وامرأتان لم يحكم أيضا بذلك لمثل
ما قلناه.
269

وإن كان معها شاهدان فإن اتفقا على خلع واحد قضي بشهادتهما وتنقطع
الرجعة ويجب البذل، وإن كانت الشهادة على خلعين فشهد أحدهما على أنه
خالع بألف والآخر بألفين لم يثبت بها خلع، لأن الشهادة لم تتفق على عقد
واحد، فلهذا لم يحكم بشهادتهما.
فرق أصحابنا بين الخلع والمباراة، فلم يختلفوا في أن المباراة لا تقع إلا بلفظ
الطلاق، واختلفوا في الخلع، فقال المحصلون منهم فيه مثل ذلك، وقال قوم
منهم: يقع بلفظ الخلع، وفرقوا بين حكميهما بأن قالوا: الخلع لا يكون إلا بكراهة
من جهتها، ويجوز أن يأخذ منها مهر مثلها وزيادة، كيف ما اتفقا، والمباراة تكون
الكراهة منهما، ويجوز أن يأخذ منها دون المهر، فأما مهر المثل أو أكثر فلا يجوز،
ولم أجد أحدا من الفقهاء فرق بين الأمرين.
270

كتاب الرجعة
قال الله تعالى: " وبعولتهن أحق بردهن " يعني برجعتهن، والرد هو الرجعة، ثم
قال: " إن أراد إصلاحا " يعني إصلاح النكاح.
وقال تعالى: " الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان " فذكر أن
الطلاق مرتان يعني طلقتين، ثم قال: " فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان " فأباح
بعد الطلقتين أن يمسكها بالمعروف بأن يراجعها، لأن الإمساك هو الرجعة.
وقال تعالى: " فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف " وفي
آية أخرى " أو فارقوهن بمعروف " فخير بين الإمساك الذي هو الرجعة وبين المفارقة.
وقال تعالى: " يا أيها النبي إذا طلقتم النساء " إلى قوله: " لعل الله يحدث بعد
ذلك أمرا " يعني الرجعة.
فإذا ثبت جواز الرجعة وعليه الإجماع أيضا فالاعتبار في الطلاق بالزوجة عندنا
وعند كثير منهم، إن كانت حرة فثلاث تطليقات، وإن كانت أمة فتطليقتان سواء
كانتا تحت حر أو عبد، وقال بعضهم: الاعتبار بالزوج، سواء كان تحته حرة أو أمة
بعكس ما قلناه.
وعدة المرأة تكون بأحد ثلاثة أشياء: إما بالأقراء أو بالحمل أو بالشهور.
271

فإن كانت عدتها بالأقراء أو بالحمل، فإنه يقبل قولها في انقضاء عدتها، وإذا
قالت: خرجت من العدة، قبل قولها مع يمينها، فهي مؤتمنة على فرجها، لقوله
تعالى: " ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن " قيل في التفسير الحمل
والحيض.
فإذا ثبت أن القول قولها، فإذا ادعت ما يمكن صدقها فيه قبل قولها مع يمينها،
وإن ادعت ما لا يمكن صدقها فيه، فإنه لا يقبل قولها، لأنه عرف كذبها وتحقق فلا
يقبل.
وأما كيفية ما يمكن أن تكون صادقة فيه فجملته أنه لا يخلو حالها من أحد
أمرين: إما أن تكون من ذوات الأقراء أو من ذوات الحمل، فإن كانت من ذوات
الأقراء فلا يخلو: إما أن تكون أمة أو حرة.
فإن كانت حرة وطلقها في حال طهرها فإن أقل ما يمكن أن تنقضي عدتها فيه
عندنا ستة وعشرين يوما ولحظتين، وعند بعضهم اثنين وثلاثين يوما ولحظتين، وإنما
قلنا ذلك، لأنه ربما طلقها في آخر جزء من طهرها، فإذا مضت جزء رأت دما ثلاثة
أيام وعند المخالف يوما وليلة، وعشرة أيام طهرا عندنا، وعنده خمسة عشر يوما
وثلاثة أيام دما بعد ذلك عندنا، وعنده يوما وليلة، ويكون قد حصل له قرءان في ستة
عشر يوما ولحظة عندنا، وعنده في سبعة عشر يوما ولحظة.
فإذا رأته بعد ذلك عشرة أيام طهرا ثم رأت بعدها لحظة دما فقد خرجت من
العدة عندنا، وعند المخالف ترى الطهر خمسة عشر يوما، وترى الدم لحظة، فيصير
الجميع عندنا ستة وعشرين يوما ولحظتين، وعنده اثنين وثلاثين يوما ولحظتين
فيحصل لها ثلاثة أقراء، لأن أقل الطهر عندنا عشرة أيام، وعنده خمسة عشر يوما،
وأقل الحيض عندنا ثلاثة أيام، وعنده يوم وليلة.
وأقل ما يمكن أن تنقضي عدة الأمة ثلاثة عشر يوما ولحظتين وعنده في ستة
عشر يوما ولحظتين لمثل ما تقدم.
واعلم أنا إنما قبلنا قولها وصدقناه فيما أمكن إذا لم نعلم ابتداء طهرها، ويجوز
272

أن يكون هذا آخر طهرها، أو نعلم ابتداء طهرها، لكن جازت عشرة أيام، فإن بعد
عشرة أيام كل جزء يجوز أن يكون حيضا فأما إذا طهرت اليوم ولم تستوف الطهر عشرة
أيام، فإنا لا نقبل قولها، لأن الطهر لا يكون أقل من ذلك.
فأما إذا طلقها في حال حيضها فإنه لا يقع طلاقها عندنا، وعند المخالف يقع،
وأقل ما يمكن أن تنقضي به عدتها إذا كانت حرة سبعة وأربعون يوما ولحظتان
وإن كانت أمة أحد وثلاثون يوما ولحظتان، للاعتبار الذي تقدم فإذا ادعت المرأة انقضاء
عدتها في أقل من المدة التي قدمناها، فإنه لا يقبل قولها، لأن ذلك غير ممكن على
مجرى العادة.
فأما إذا كانت عدتها الوضع فأقل ما يمكن فيه أن تضع فيه الحمل عند
المخالف ثمانون يوما، لأنه يحتمل أن يتزوجها فيصيبها فتحبل فتبقى النطفة أربعين
يوما ثم تصير علقة أربعين يوما ثم تصير مضغة، فإن وضعت ما يتصور فيه خلقة آدمي
أو مضغة حلت، ولا فرق بين ما يتصور فيه خلقة آدمي وبين المضغة، لأنها مبتدأ
خلق البشر.
فإن ادعت وضع الحمل في دون ذلك فإنه لا يقبل قولها، لأنه غير ممكن وليس
لنا في هذه نص فالاحتياط أن نقول هذا، لأنها تخرج من العدة بذلك إجماعا.
فإذا قالت: وضعت الحمل وسرق أو مات، فإنها تصدق لأنها مؤتمنة على
ذلك ولا تطالب بإظهار الولد، وإنما يقبل قولها في انقضاء العدة بالحمل، فأما في
إلحاق النسب والاستيلاد، والطلاق إذا علق به، فإنه لا يقبل قولها، بل يرجع فيه إلى
الزوج، فإن قال: هي ولدته وليس مني، فإنه يلحقه نسبه لأجل الفراش، إلا أن ينفيه
باللعان، فإن قال: ما ولدته بل هي سرقته أو استوهبته أو اشترته أو التقطته، فإنه لا
يقبل قولها، ويكون القول قوله مع يمينه، لأنه يمكنها إقامة البينة على أنها ولدته فإذا
لم تقمها كان القول قوله مع يمينه.
وأما الأمة إذا أتت بولد وادعت أنه من سيدها فيرجع إلى السيد، فإن قال: هي
ولدته وليس مني، فإن النسب يلحقه عند بعضهم، إلا أن يدعي أنه استبرأها وحلف
273

على الاستبراء، وإن قال: ما ولدته بل استوهبته أو سرقته أو التقطته، فالقول قوله مع
يمينه، وعندنا القول قوله على كل حال، لأنها ليست بفراش.
وأما إذا كانت معتدة بالشهور، فإن طلقت كانت عدتها ثلاثة أشهر من وقت الطلاق
بلا خلاف، وإن كانت متوفى عنها زوجها فعدتها أربعة أشهر وعشرة أيام من
وقت الوفاة، لا يرجع في ذلك إلى قبول القول، لأنه مشاهد، إلا أن يختلفا فقال
الزوج: طلقتك في شوال، وقالت: لا بل طلقتني في رمضان، فالقول قوله مع يمينه،
لأن الأصل عدم الطلاق.
وإن كانت بالعكس من هذا فقال الزوج: طلقتك في رمضان، وقالت: لا بل في
شوال، فالقول قولها لأنها تطول على نفسها العدة غير أنه تسقط النفقة عن الزوج فيما
زاد على ما أقر به، إلا أن تقيم بينة، كما إذا اختلفا فقال الزوج: طلقتك قبل
الدخول، وقالت: بعد الدخول، فإنا نقبل قول الزوج في سقوط نصف المهر فيسقط
عنه، ونقبل قول الزوجة في وجوب العدة لأنه يضر بها.
والمطلقة طلقة رجعية، لا يحرم وطؤها ولا تقبيلها، ومتى وطئها أو قبلها كان
ذلك عندنا رجعة، وبه قال بعضهم، وقال آخرون: لا يحل ذلك إلا بعد الرجعة لأنها
لا تكون بالفعل، ولا بد فيها من القول، بأن يقول: راجعتك أو رددتك أو ارتجعتك،
فإن عجز عن ذلك بأن يكون أخرس فبالإيماء.
وأما الإمساك فهل هو صريح في الرجعة أو كناية؟ فيه وجهان فعلى هذا وطء
المطلقة محرم حتى يراجع، فإن وطئها فهو وطء شبهة ويتعلق به أربع مسائل: الحد
والتعزير والمهر والعدة، وعندنا جميع ذلك لا يتعلق به لأنه رجعة.
وعندهم الحد لا يجب سواء كانا يعتقدان تحريمه أو يكونا معتقدين إباحته أو
يجهلان بأن يكونا عاميين، لأنه وطء مختلف فيه.
والتعزير إن كانا يعتقدان تحريمه عزر وإن اعتقدا إباحته أو جهلاه فلا تعزير.
وأما المهر فلا يخلو حاله من أحد أمرين: إما أن يراجعها قبل انقضاء عدتها أو
لا يراجعها.
274

فإن لم يراجعها حتى تنقضي عدتها بانت ووجب عليه المهر بعد الوطء وكذلك
إذا أسلم أحد الزوجين ووطئها ولم يسلم الآخر حتى تنقضي عدتها فإنه يجب عليه
المهر بهذا الوطء كما لو طلقها ثلاثا ثم وطئها بشبهة، فإنه يجب عليه المهر، فأما إذا
راجعها قبل انقضاء عدتها فما وجب عليه المهر بذلك الوطء.
وأما العدة فإنه يجب عليها لأن وطء الشبهة لا يمنع العدة، لكن العدتين
تتداخلان، لأنها من شخص واحد، وإنما لا تتداخلان إذا كانا من شخصين.
وصورة تداخلهما أن تكون قد اعتدت بقرءين وبقى قرء، فوطئها فإنه يجب عليها
العدة ثلاثة أقراء من ذلك الوقت، فالقرء الثاني قد دخل في هذه العدة، فإن راجعها
في هذا القرء صحت رجعية، وإن راجعها بعد مضي هذا القرء لا يصح لأنها عدة من
وطء شبهة ولا رجعة في ذلك.
وإذا طلق امرأته طلقة رجعية أو طلقتين رجعيتين، فإنها في العدة وهي جارية
إلى البينونة، فإن راجعها قبل انقضاء عدتها وهي لم تعلم بالرجعة، بأن يكونا في
بلدين أو في بلد واحد في محلتين فالرجعة صحيحة، لأنه لا يعتبر رضاها، وتنقطع
عدتها، وعندنا أنها في العدة، فإذا انقضت عدتها فتزوجت بزوج ثم جاء الزوج الأول
وادعاها فإما أن يكون معه بينة أو لا بينة معه:
فإن كان معه شاهدان يشهدان بأنه كان راجعها قبل انقضاء عدتها، فإنه يحكم
ببطلان النكاح الثاني، وترد إلى الأول سواء دخل بها الثاني أو لم يدخل، وفيه خلاف.
فإذا رددناها إليه، فإن لم يكن الثاني دخل بها فلا يجب عليه شئ، وإن كان
دخل بها فإنه يجب عليه مهر المثل، وعليها العدة، وعليه أن يتوقى وطئها حتى
تنقضي عدتها، لأنها معتدة من وطء شبهة.
فإن لم يكن معه بينة فإن الخصومة بين الأول والثاني، وبين الأول وبين الزوجة،
لأن الزوج الثاني يقول: هي زوجتي وما أنت راجعتها، وهو يدعي المراجعة وهي تقول
قد انقضت عدتي وما راجعتني، والزوج يقول: قد راجعتك قبل انقضاء العدة.
فالأولى أن تبتدئ الخصومة مع الزوج الثاني، فإن بدأ بخصومته فالقول قول
275

الثاني، لأن الظاهر معه، وهو انقضاء العدة في الظاهر، وتجديد العقد عليها والزوج
الأول يدعي إحداث رجعة وهو أمر باطن لا يعلم، والأصل ألا رجعة.
فإن حلف سقطت دعوى الأول إلا أنه يحلف على العلم، فيقول: والله إني لا
أعلم أنه قد راجعها، لأنه يمين على النفي في حق الغير، وإن نكل رد اليمين إلى
الزوج الأول، فإن حلف على البت والقطع أنه راجعها فإنه يسقط بها دعواه.
فمن قال: إن اليمين يحل محل البينة، أسقط دعواه، فإن لم يكن دخل بها فلا
يجب عليه شئ لأنا نحكم ببطلان العقد في الأصل، وإن كان دخلها بها فعليه مهر
المثل، ومن قال: يحل محل الإقرار، فإن لم يكن دخل بها فإنه يجب عليه نصف
مهر المثل، وإن دخل فعليه جميع المسمى، لأنا نقبل قوله في بطلان النكاح، ولا
نقبل قوله في سقوط المهر.
كرجل تزوج بزوجة ثم قال: هذه أختي من الرضاعة، يقبل قوله في بطلان
العقد، ولا يقبل قوله في سقوط المهر، لأنه حق الغير، وبطلان العقد حق له والأول
أقوى عندنا، وأنها تقوم مقام البينة.
فإذا فرع من خصومة الزوج، رجع إلى خصومة الزوجة، فيرجع إليها فيقول: أنت
زوجتي قد راجعتك، فلا يخلو حالها من أحد أمرين: إما أن تعترف بذلك أو تنكر.
فإن اعترفت بذلك وأنه راجعها، فإنا نردها إلى الأول، لأن الزوج الثاني سقط
دعواه، وهذه قد اعترفت بالرجعة إلا أنه يجب للزوج الأول عليها مهر المثل لأنها قد
اعترفت بالرجعة فإذا حالت بينه وبينه وجب له عليها مهر المثل، لأجل الحيلولة.
وإن أنكرت فالقول قولها مع يمينها، لأن الظاهر معها، وهو انقضاء عدتها،
وتجديد العقد عليها.
ثم لا يخلو أن تحلف أو تنكر، فإن حلفت، سقطت دعواه، وهي زوجة الثاني
وإن لم تحلف رد اليمين إلى الزوج الأول، فإن حلف سقطت دعواها، وثبتت زوجية
الأول، لأنه ليس هناك حق لأحد، لأن الزوج الثاني قد سقط دعواه، وهذه سقطت
دعواها، هذا إذا بدأ بخصومة الزوج الثاني، ثم بخصومتها.
276

وأما إذا بدأ أولا بخصومتها فلا يخلو حالها من أحد أمرين: إما أن تعترف أو
تنكر، فإن اعترفت بأنه قد راجعها لم يقبل قولها لأجل حق الزوج الثاني، وعليها مهر
المثل، وإن أنكرت فالقول قولها لأن الظاهر معها، وهل يقبل قولها بلا يمين؟ قيل
فيه قولان:
أحدهما: أنه يقبل بلا يمين لأنه لا فائدة في استحلافها، لأنه لو اعترفت به لم
يقبل قولها فيه.
والثاني أن عليها اليمين، لأن اليمين فيها فائدة، وهو أنه يسقط بها مهر المثل،
لأنها لو لم تحلف، لوجب له عليها مهر المثل، فإذا حلفت سقط هذا المهر.
فإذا فرع منها بدأ بخصومة الزوج الثاني والحكم فيه كما ذكرنا إن اعترف
بالرجعة، فإن لم يعترف فالقول قوله مع اليمين، لأن الظاهر معه، وإن حلف ثبتت
زوجة له، وإن نكل عن اليمين ردت إلى الزوج الأول فإن حلف ردت إليه.
وإنما قلنا: الأولى أن يبتدئ بخصومة الزوج الثاني ثم بخصومتها، لأجل أنه إذا
بدأ بخصومته ثم بخصومتها فلو اعترفت بالرجعة فإنا نردها إليه، وإن أنكرت فالقول
قولها مع اليمين، وإن بدأ بخصومتها فلو اعترفت بالرجعة لم نردها إليه وإن أنكرت
فالقول قولها، وهل عليه اليمين أم لا؟ على قولين، فلأجل هذا قلنا: الأولى أن لا يبدأ
بخصومتها.
فإذا ثبت ذلك فكل موضع ذكرنا أنها لو اعترفت بأنه راجعها فلا يقبل قولها لحق
الزوج الثاني، فإنها إذا بانت من ذلك الزوج إما بطلاق أو لعان أو موت أو غير ذلك،
فإنا نردها إليه، لأنه ما دام حيا فإن اعترافها وقولها لا يقبل، لأنه كان في حق الغير،
فإذا سقط حق ذلك الغير قبل قولها في حقها فردت إليه.
كرجل رأى في يد رجل عبدا فقال قد أعتقته فإنا لا نقبل قوله في حقه، لأنه
شاهد واحد، فإن اشتراه أعتقناه عليه بإقراره المتقدم، وكذلك لو قال: هذا العبد
الذي في يد أخي معتق أو غصبه علي إنسان، فإنا لا نقبل قوله لمثل ذلك، فإن ملكه
بالإرث، حكم بعتقه أو برده إلى المغضوب منه لإقراره المتقدم.
277

وكذلك هاهنا لا يقبل إقرارها في حق الغير، لأن الظاهر أنها كانت زوجة فإن
سقطت الزوجية بينهما، فقد سقط حق الغير، فقبل قولها فنردها إلى الزوج الأول
بلا نكاح.
ليس من شرط صحة الرجعة الإشهاد، وإنما هو احتياط واستحباب، وفي
الناس من أوجبه.
إذا قال لامرأته: راجعتك إن شئت، فإن الرجعة لا تصح، لا عندنا ولا عندهم،
عندنا لأنه لا اعتبار بمشيئتها، وعندهم لأنه عقد ولا يجوز تعليق العقد بصفة، كما
لو قال: راجعتك إذا جاء رأس الشهر أو إن طلعت الشمس، فطلعت وجاء رأس
الشهر، فإن الرجعة لا تصح.
وإذا قال لها: كلما طلقتك فقد راجعتك، ثم طلقها، فإنه لا يصح الرجعة، لما
مضى، وإذا قال: قد كنت راجعتك بالأمس، فالرجعة صحيحة لأنه أخبر عما ملك
في الحال.
إذا قال لها: راجعتك للمحبة وللإخزاء وللإهانة، فإنه يرجع إليه ما الذي تريد
بهذا الكلام؟ فإن قال: أردت رددتك إلى المحبة التي كنت أحبك، أو صرت مهانة
بالطلاق، وأريد أن أزيل عنك هذه الإهانة، فإن هذه رجعة، لأنه أقر بالرجعة وذكر
علتها، وإن قال: أردت به أنها كانت محبوبة إلي قبل النكاح فإذا تزوجتها أبغضتها أو
كانت مهانة ذليلة قبل النكاح فإذا تزوجتها أعززتها ورددتها إلى تلك المحبة التي
كانت قبل النكاح أو تلك الإهانة، فإن هذا لا يكون رجعة لأنه نقلها من حال إلى حال
وما نقلها إلى الزوجية.
فإن قال: ما نويت شيئا، أو مات قبل أن يبين، حمل على الأول، وهو صحة
الرجعة، لأنه هو الظاهر، وكذلك نقول إذا ماتت، فأما إذا قال: لم أرد شيئا، فإنه لا
حكم له عندنا.
إذا طلقها طلقة أو طلقتين رجعيتين ثم اختلفا في الرجعة وانقضاء العدة، فيه
ثلاث مسائل:
278

إحداها: إذا سبقت المرأة بالدعوى، فادعت انقضاء عدتها بعد مدة يمكن أن
تكون عدتها قد انقضت على ما تبين فيما مضى، وقال الزوج إنه راجعها قبل انقضاء
عدتها، فالقول قولها مع يمينها، لأنها مؤتمنة على فرجها وانقضاء عدتها، وحكم
بوقوع البينونة، ولا يقبل قول الزوج في الرجعة لأنا حكمنا بوقوع البينونة من حيث
الظاهر، ووجب عليها اليمين لجواز أن تكون كاذبة، وتحلف على العلم أنها لا تعلم
أنه راجعها قبل انقضاء عدتها فإذا حلفت كان القول قولها.
الثانية: إذا سبق الزوج بالدعوى فادعى الرجعة، وأشهد على ذلك، وقالت
هي: قد انقضت عدتي قبل أن تراجعني، فالقول قوله مع يمينه، فالزوج هاهنا
كالزوجة هناك، لأنها ما لم تظهر انقضاء العدة، فالظاهر أنها في العدة، ويحكم
بصحة الرجعة والزوجية.
فإذا ادعت أن عدتها قد انقضت قبل أن يراجعها لا يقبل منها، لأن هذا أمر
خفي تريد به رفع الرجعة التي حكم بصحتها من حيث الظاهر، ويحلف هو على
العلم فيقول والله إنه لا يعلم أن عدتها قد انقضت قبل المراجعة، لجواز أن تكون
صادقة، وهو كاذب، فإذا حلف كان القول قوله مع يمينه.
الثالثة: اتفقت دعواهما في وقت واحد، ولا يعلم السابق من هاتين الدعويين،
منهم من قال: يقرع بينهما فمن خرجت عليه فالقول قوله مع يمينه، وهو الأقوى
عندنا، ومنهم من قال: القول قولها مع يمينها، لإمكان صدق كل واحد منهما،
والأصل ألا رجعة.
فإن كانت زوجته أمة فطلقها طلقة رجعية، وادعى أنه كان راجعها وكذبته فالقول
قوله، وإن صدقته فالقول قولها، ويحكم بصحة الرجعة.
فإن قال السيد: كذبت هي وأن الزوج ما راجعها، لم يقبل منه لأن الرجعة
استباحة بضع يتعلق بالزوجين، ومن ليس بزوج لا يقبل منه، كما أنها تملك الإبراء
من العنة.
إذا طلقها طلقة رجعية ثم اختلفا في الإصابة فقال الزوج: طلقتك بعد ما
279

أصبتك فلي عليك الرجعة ولك كمال المهر وعليك العدة، وقالت هي: طلقتني قبل
الإصابة فليس علي العدة، ولا لك علي رجعة، ولي عليك نصف المهر، فالقول
قولها مع يمينها، لأن الطلاق إذا كان في نكاح لا يعلم فيه الإصابة فالظاهر أن الفرقة
قد وقعت، والبينونة حصلت، فإذا ادعى الإصابة ادعى أمرا باطنا يريد أن يرفع به
الظاهر، فإذا حلفت سقطت دعوى الزوج، وليس عليها رجعة ولا يجب عليها العدة.
والسكنى والنفقة لا تجب عليه، وإن كان مقرا به، لأنها ليس تقبل هذا الإقرار
فلا حكم له، والمهر إن كان في يده فلها عليه نصف، لأنها لا تدعي أكثر منه، وإن
كان في يدها فلا يجوز للزوج أن يسترجع منها النصف، لأنه أقر بأن جميع المهر
لها، فلا يمكنه استرجاع شئ لا يدعيه، هذا إذا ادعى الزوج الإصابة وأنكرت هي.
فأما إذا ادعت هي الإصابة وأنكر الزوج، مثل أن تقول: طلقتني بعد الإصابة،
ويقول الزوج: بل طلقتك قبل الإصابة، فهي معترفة بثبوت الرجعة والعدة، وتدعي
كمال المهر، والزوج معترف بأنه لا رجعة له عليها ولا يجب عليها العدة، ولها عليه
نصف المهر، فالقول قوله مع يمينه لما قلناه من أن الأصل عدم الإصابة، والظاهر أن
الفرقة قد وقعت وأن البينونة قد حصلت، وعليه البينة فيما يدعيه.
فإن حلف سقط دعواها، وعليها العدة لأنها أقرت بوجوبها عليها، ولا يجب
لها سكنى ولا نفقة لأنها أقرت بأنها لا تستحقه، والمهر يجب نصفه سواء كان في يده
أو في يدها، لأنه حلف أنه طلقها قبل الدخول، فليس لها إلا النصف، فإن كان دفع
الجميع استرجع النصف، هذا إذا لم تكن هناك خلوة.
فإن حصل هناك خلوة ثم ادعيا ذلك، فمن قال: الخلوة لا تأثير لها، يكون
وجودها كعدمها، ومن قال: لها تأثير، منهم من يقول: إن تأثيرها أنها تجري مجرى
الإصابة، فعلى هذا الخلوة تسقط دعواهما جميعا، لأنه بمنزلة الإصابة، ومنهم من
قال: تأثيرها أنه يرجح بها قول من يدعي الإصابة، والأول أصح عندنا، وهو أنه لا
تأثير للخلوة أصلا.
إذا طلقها طلقة أو طلقتين رجعيتين ثم ارتدت المرأة ثم راجعها في حال ردتها،
280

فإنه لا تصح هذه الرجعة لأنها صادفت اختلاف الدين، فإن أسلمت قبل انقضاء
عدتها جاز له أن يحدث رجعة، وإن لم تسلم حتى تنقضي عدتها، تبينا أنها بانت
باختلاف الدين، وقال بعضهم: الرجعة موقوفة، فإن أسلمت قبل انقضاء العدة تبينا
أنها وقعت صحيحة من ذلك الوقت، وإن لم تسلم حتى تنقضي عدتها تبينا أنها
بانت باختلاف الدين، والأول أقوى.
إذا طلق امرأته ثلاثا فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره يصيبها، فإن كانت
مدخولا بها وطلقها ثلاثا فقد حرمت عليه، وزال ملكه عنها، وحرم عليه العقد عليها.
فأما إذا خالعها فقد حرمت عليه وزال ملكه عنها، لكن لا يحرم عليه العقد
عليها وإنما العقد يحرم بالطلاق الثلاث عندنا مفرقا على ما بينا، وعندهم
مجتمعا.
وتحل للأول بخمس شرائط: بأن تعتد منه أولا، ثم تتزوج بآخر فيطأها ويطلقها
أو يموت عنها وتعتد منه فتحل للأول، فأما تحريم العقد فقد ارتفع بشرطين من هذا
بالنكاح الثاني والإصابة، لكن لا تحل حتى تنقضي عدتها، فالوطء من الثاني شرط
بلا خلاف إلا ما يحكى عن سعيد بن المسيب، فإنه لم يعتبره.
فإذا أصابها الثاني وغيب الحشفة في فرجها والتقى ختاناهما، حلت للأول،
وإن أصابها بنكاح فاسد فالصحيح عندنا أنها لا تحل للأول، وقال قوم: تحل، فإذا
وطئ حلت سواء كان قوي الجماع أو ضعيفه.
فإن كان الزوج الثاني صبيا فهو على ضربين: مراهق قريب من البلوغ، وغير
مراهق ولا قريب من البلوغ، فإن كان مراهقا قد بلغ مثله أو يمكن ذلك فيه، وكان
ينشر عليه، أو يحصل منه الجماع، ويعرف ذوق العسيلة، فإنها تحل عند بعضهم
للأول، وعند بعضهم لا تحل والأول أقوى للآية والخبر.
وأما الخصي فعلى ضربين: مسلول ومجبوب.
فالمسلول من سلت بيضتاه وبقى ذكره، فمن هذه صورته إذا تزوجت به ووطئها
حلت للأول، لأنه أولج ولذ، وإن كان لا ينزل، والإنزال غير معتبر في باب الإباحة،
281

لأنه لو التقى الختانان من الصحيح ثم انسل حلت للأول.
وأما المجبوب إن لم يبق من ذكره شئ فإن الوطء منه معدوم، فلا يتعلق به
إباحة، فإن بقي ما لا يتبين فلا يبيحها للأول، لأنه لا يغيب ولا يدخل، وإن بقي قدر
ما يغيب منه إذا أولج ويلتقي ختاناهما،. فإنه يبيحها للأول، وسواء كان الزوج حرا
والمرأة أمة، أو المرأة حرة والزوج عبدا، أو كانا مملوكين أو حرين، أو كانت ذمية
فإنه متى وطئها حلت للأول لعموم الآية والخبر.
وإذا أصابها الزوج الثاني في حال هي محرمة عليه لعارض، مثل أن يكون
أحدهما محرما أو صائما أو تكون هي حائضا أو نفساء فقد حلت للأول، وقال
بعضهم: لا يبيحها للأول، وهو قوي عندي، لكونه منهيا عنه والنهي يقتضي فساد
المنهي عنه.
إذا كانت ذمية زوجة لمسلم فطلقها ثلاثا وتزوجت بذمي بنكاح صحيح ووطئها
حلت للأول، عند الأكثر، وقال بعضهم: لا تحل، وعندي لا تحل لأنه لا يجوز العقد
عليها أصلا.
المطلقة ثلاثا إذا تزوجت بزوج فارتد أحدهما فوطئها في حال الردة ثم رجع
المرتد منهما إلى الإسلام، فإن ذلك الوطء لا يبيحها للأول، لأن الوطء المبيح ما
صادف نكاحا صحيحا، لا ما تتشعث بالردة، وهذا متشعث، لأنه جار إلى الفسخ.
وقال بعضهم: لا تتصور هذه المسألة وهي محالة، لأنها لا تخلو إما أن يرتد
بعد الوطء أو قبل الوطء، فإن ارتد قبل الوطء فقد بانت منه بالردة، وليس عليها العدة
فإذا وطئها فقد وطئ أجنبية فلا يبيحها للأول، وإن كان وطئها ثم ارتد فإن ذلك الوطء
أباحها للأول، فإذا وطئها بعد الردة، فإن ذلك الوطء لا أثر له ولا يبيحها للأول بحال،
وهذا هو الأقوى عندي.
فإذا طلقها ثلاثا فغابت ثم جاءت وقالت: قد حللت لك لأني قد خرجت من
العدة وتزوجت بزوج وأصابني وخرجت من عدته، فإنه ينظر: فإن مضت من وقت
طلاقها مدة لا يتأتى فيها جميع ذلك، فإنه لا يقبل قولها، لأنه قد عرف كذبها، وإن
282

مضت مدة من ذلك الوقت يتأتى فيها جميع ما وصفت قبل قولها بلا يمين، لأن في
جملة ذلك ما لا يتوصل إليه إلا بقولها، وهو الوطء، وانقضاء العدة فهي مؤتمنة
عليه.
وإن قال الزوج الثاني: ما أصبتها، فإن غلب على ظنه صدقها قبل قولها، وإن
غلب كذبها تجنبها وليس بحرام، وإن كذبها في هذه الدعوى ثم صدقها جاز أن
يتزوج بها لجواز أن لا يعلم صدقها وكذبها، ثم بان له صدقها فصدقها، فحل له أن
يتزوج بها.
وإن وطئها الزوج الثاني في الموضع المكروه لم تحل للأول لقوله عليه السلام:
حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك، وهذه ما ذاقت عسيلته، لأن ذلك يكون بالوطئ
في الفرج.
وإن وطئها فأفضاها حلت للأول لأن التقاء الختانين سبق الإفضاء، وتعلقت
الإباحة به، والإفضاء بعده لا أثر له، وإن تزوجت بزوج ثان فجنت، أو جن هو،
فأصابها في حال الجنون حلت للأول، لأن الوطء قد حصل، ومتى بانت من الثاني
بعد وطئها بطلاق أو خلع أو فسخ بعيب أو بإعسار نفقة أو ردة أو موت فقد حلت
للأول.
وإذا تزوجت البكر المطلقة ثلاثا بزوج آخر فلا تحل للأول حتى يفتضها الثاني
لأن التقاء الختانين لا يكون إلا بذهاب العذرة.
الرجعة لا تفتقر إلى رضا الزوجة بلا خلاف، وإن راجعها وهي غائبة صحت
الرجعة، ولا تفتقر إلى عوض ولا مهر بلا خلاف.
وإن كان الزوج غائبا فقضت العدة، كان لها أن تتزوج، فإن قال وكيله: لا
تتزوجي فربما يكون قد راجعك، لم يلزمها ذلك.
الطلاق عندنا بالنساء فإن كانت أمة فطلقتان، وإن كانت حرة فثلاث، وفيهم
من قال بالعكس، وسواء كان الزوج حرا أو عبدا.
فالحر إذا كان طلق زوجته الأمة طلقتين ثم ملكها، لم تحل لها إلا بعد زوج
283

وإصابة، ولا يجوز له وطؤها بملك اليمين، إلا بعد زوج وإصابة، وقال بعضهم:
يحل له ذلك لأنها حرمت عليه بالطلاق بحق الزوجية، وهاهنا يحل وطؤها بالملك،
وروي ذلك في أحاديثنا، والأول هو الصحيح عندنا وعندهم، لقوله تعالى " فلا تحل
له حتى تنكح زوجا غيره " وهذا ليس بزوج.
إذا قيل للرجل: أطلقت امرأتك؟ فقال: نعم، لزمه الطلاق في الظاهر، وكذلك
عند المخالف، لأن معنى قوله: نعم، أي نعم طلقتها، ثم ينظر: فإن كان صادقا
لزمه الطلاق ظاهرا وباطنا، وإن كان كاذبا لزمه في الحكم ولا يلزمه فيما بينه
وبين الله.
وإذا قيل له: أطلقت زوجتك؟ فقال: قد كان بعض ذلك، رجع إليه فإن قال:
نعم طلقتها، لزمه الطلاق، وإن قال: علقت طلاقها بصفة، قبل منه لأنه بعض
الطلاق، وإن قال: ما طلقتها، قبل منه لأن بعض الطلاق لا يكون طلاقا، ألا ترى
أنه لو قال: أنت طالق بعض الطلاق، فإنه لا يكون طلاقا لأنه أتى ببعض الطلاق.
إذا رأى امرأته فظن أنها أجنبية فقال: أنت طالق، اعتقادا منه أنه يقول ذلك
لأجنبية، أو نسي أن له امرأة فقال: كل امرأتي طوالق، لزمه الطلاق عند المخالف،
وعندنا لا يلزمه، لأنه يحتاج الطلاق إلى نية على ما مضى.
إذا راجعها بلفظ النكاح مثل أن يقول: تزوجتك، أو يقول: نكحتك، من الناس
من قال: تكون رجعة صحيحة، ومنهم من قال: لا تكون صحيحة لأن الرجعة لا
تقتضي عوضا ولفظ النكاح لا يعزي منه، كما أن الهبة لا تجوز عندنا بلفظ البيع،
والأقوى عندي الأول إذا قصد ذلك.
المطلقة ثلاثا إذا تزوجت بزوج فوجدها على فراشه وظن أنها أجنبية فوطئها،
حلت للأول لأن شرط الإباحة قد وجد وهو الوطء في نكاح صحيح.
المطلقة ثلاثا إذا وجدها رجل على فراشه فظن أنها زوجته أو أمته فوطئها لم
تحل للأول، لأنه لم يطأها في عقد.
إذا تزوجها الزوج الثاني إلى مدة، فهذه متعة، وعندنا أنها لا تحل للأول بها،
284

وقال المخالف: هذا على ثلاثة أقسام:
أحدها: أن يقول: تزوجتك على أني إذا أحللتك فلا نكاح بيننا، فهذا نكاح
باطل عندنا.
الثاني: إذا قال: تزوجتك على أني إذا أحللتك طلقتك، فهل يصح أم لا؟
قيل فيه قولان: أحدهما لا يصح، والثاني يصح، وعندنا أنه يصح العقد
ويبطل الشرط.
الثالث: إذا نويا ذلك أو نوى أحدهما فالعقد صحيح بلا خلاف، لأنه خال من
الشرط.
إذا قال لها: أنت طالق إذا كلمت زيدا إلى أن يقدم فلان، أو حتى يقدم فلان،
أو إلى أن يأذن فلان، أو إلى شهر، فإن هذا التحديد يرجع إلى الصفة، لا إلى الطلاق
لأنه لا يمكن رجوعه إلى الطلاق، ألا ترى أنه لا يجوز أن يقول: أنت طالق إلى أن
يقدم فلان، أو حتى يقدم فلان، ويجوز أن يقول: إذا كلمت فلانا إلى أن يقدم زيد
فأنت طالق.
فإذا ذكر التحديد ولم يمكن رجوعه إلى الطلاق، وأمكن رجوعه إلى الصفة كان
تحديدا للصفة، لا للطلاق، فصار تقديره " إذا كلمت زيدا إلى أن يقدم فلان فأنت
طالق " فمتى كلمته إلى قدوم فلان وقع الطلاق، وعندنا أن الطلاق لا يقع، لأنه معلق
بشرط.
إن كان له أربع نسوة فقال: هذه طالق أو هذه وهذه، فإن الثالثة طلقت لأنه
أفردها بالطلاق وعينها، وأما الأولى والثانية فقد اشتركتا في الطلاق، فله أن يفرض في
أي المرأتين شاء، لأنه أشرك بينهما في الطلاق ب‍ " أو "، وعندنا أنه يرجع في جميع
ذلك إليه وتعتبر نيته، فإن مات قبل أن يبين حكم في الثالثة بالطلاق، واستخرجت
واحدة من الثنتين بالقرعة، وقد مرت هذه في كتاب الطلاق.
285

كتاب الإيلاء
الإيلاء في اللغة: عبارة عن اليمين عن كل شئ، يقال: آلى يولي إيلاء، فهو
مول، والألية اليمين، وجمعه ألايا، ومنه قول الشاعر:
فآليت لا آتيك إن كنت محرما ولا أبتغي جارا سواك مجاورا
ويقال: تألى يتألى تاليا فهو متأل، ومنه قوله " تألى أن لا يفعل خيرا " يعني
حلف، ويقال أيضا: ائتلى يأتلي ائتلاءا فهو مؤتل، ومنه قوله تعالى: " ولا يأتل أولوا
الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى " يعني لا يحلف، هذا وضعه في اللغة.
وقد انتقل في الشرع إلى ما هو أخص منه، وهو إذا حلف ألا يطأ امرأته،
والأصل في ذلك كتاب الله وإجماع الأمة، قال الله تعالى: " للذين يؤلون من نسائهم
تربص أربعة أشهر فإن فاء و فإن الله غفور رحيم، وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع
عليم ".
فأخبر عن حكم من حلف لا يطأ زوجته، فأخبر أنه يتربص أربعة أشهر، فإن فاء
- يعني جامع - فإن الله يغفر له، وإن عزم الطلاق فإن الله يسمع ذلك منه، ولا خلاف
بين الأمة في ذلك، وإنما الخلاف في أعيان المسائل.
فإذا ثبت ذلك فاختلف الناس في الإيلاء الشرعي على أربعة مذاهب، فالذي
287

يقتضيه مذهبنا هو أن يحلف لا يطأها أكثر من أربعة أشهر، وإن حلف على أربعة أو
دونها لم يكن موليا، وحكي عن ابن عباس أنه قال: هو أن يحلف لا يطأها أبدا، فإن
أطلق فقد أبد وإن قال: على التأبيد، فقد أكد.
وقال جماعة: إذا حلف لا وطئها أربعة أشهر كان موليا، وإن كان أقل لم يكن
موليا، وقال بعضهم: إذا حلف لا وطئها، كان موليا يوقف ولو أنه حلف لا وطئها
يوما.
وإنما قلنا ما ذكرناه لقوله تعالى: " للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر
فإن فاء و فإن الله غفور رحيم " فأضاف إليهم بلفظ الملك مدة الأربعة، فثبت أن ما
بعدها ليس له، وأيضا فلو لا أنه يريد بالفيئة ما يقتضي الغفران لما أخبر عن الغفران
عنه، والذي اخترناه مذهب علي عليه السلام وجماعة من الصحابة، وخلق من
التابعين، والفقهاء ذكرناهم في الخلاف.
وحكي أن عمر كان يطوف بالمدينة ليلا بنفسه يتتبع ما يطلع عليه، فلما كان
ذات ليلة مر بباب دار لقوم فسمع امرأة تقول:
ألا طال هذا الليل وأزور جانبه وأرقني ألا خليل ألاعبه
فوالله لولا الله لا شئ فوقه لزعزع من هذا السرير جوانبه
مخافة ربي والحياء يكفني وأكرم زوجي أن تنال مراكبه
ثم قالت: يهون على عمر بن الخطاب وحدتي وغيبة زوجي، فلما كان من الغد
استدعى المرأة فسأل عن زوجها فقالوا: غائب في الجهاد، فاستدعى جائز من
قريش فقال لهن: كم تصبر المرأة عن زوجها؟ فقلن شهرين، فقال: فثلاثة؟ قلن:
يقل صبرها، فقال: أربعة، فقلن: يفنى صبرها، فبعث عمر إلى أهل الجهاد فرد من
كان غائبا عن زوجته أكثر من أربعة أشهر ثم ضرب مدة الغيبة للمجاهدين أربعة
أشهر.
فإذا ثبت ما قلناه فحكم الإيلاء عندنا أن له التربص أربعة أشهر، فإذا انقضت
توجهت عليه المطالبة بالفيئة أو الطلاق، فمحل الفيئة بعد انقضاء المدة، وهو محل
288

الطلاق.
ولا تبين بطلقة إذا انقضت المدة، وفي الناس من قال: تبين، فأما قبل
انقضائها فليس بمحل للفيئة، والمدة حق له، كمن عليه دين إلى أربعة أشهر،
فالأجل حق له، وليس بمحل لقضاء الدين قبل انقضائه، فإن فاء فيها فقد عجل
الحق لها قبل محله، كمن عليه دين إلى أجل فعجله قبل محله، وفيه خلاف ذكرناه
في الخلاف.
لا يكون الإيلاء إلا بالله، أو اسم من أسمائه، فأما بغيره فلا ينعقد به الإيلاء،
وفيه خلاف.
فإذا ثبت ما يحلف به، وما به يكون موليا، فألفاظ الإيلاء أربعة أضرب: صريح
في الحكم وفيما بينه وبين الله، وصريح في الحكم كناية يدين فيما بينه وبين الله
ومختلف فيه، والرابع محتمل الأمرين.
فأما الضرب الأول: فقوله: والله لا أنيكك والله لا أدخل ذكري في فرجك، والله
لا أغيب ذكري في فرجك، هذه يشترك فيها البكر والثيب، وتنفرد البكر بأن يقول:
والله لا أفتضك، كل هذا صريح لا يدين فيها بحال، إلا أن عندنا لا ينعقد ذلك إلا
بالنية، وأما البكر فلا ينعقد عليها الإيلاء لأنه لا ينعقد إلا بعد الدخول.
الضرب الثاني: صريح في الحكم لكنه يدين فيما بينه وبين الله وهو قوله: والله
لا وطئتك لا جامعتك، لا أصبتك، هذه الألفاظ الثلاثة إطلاقها صريح في الحكم لا
فيما بينه وبين الله لأنها تحتمل أمرين: قوله " وطئتك " يحتمل النيك، ويحتمل الوطء
بالرجل، وقوله " جامعتك " يحتمل اجتماع البشرتين، ويحتمل الوطء، وكذلك
" أصبتك " يحتمل بيدي ويحتمل غيره، غير أنه ثبت بعرف العادة أنها عبارة عن
النيك، فوجب أن يحمل إطلاقها على ذلك.
فإن قال: نويت غير الجماع، قبل فيما بينه وبين الله لا في الحكم، وفي الناس
من قال: " أصبتك " مع القسم الثالث.
الضرب الثالث: وهو المختلف فيه فهو قوله: والله لا باشرتك، ولا لامستك،
289

ولا أصبتك، ولا باضعتك، قال قوم: هو صريح في الإيلاء، وقال آخرون: هو كناية
إن نوى الإيلاء كان موليا وإن لم ينو لا يكون موليا وإن أطلق فعلى قولين، ويقتضي
مذهبنا أن جميع ذلك محتمل، إن نوى به الجماع كان إيلاء وإن نوى غيره لم يتعلق
به حكم.
الضرب الرابع: ما هو كناية في الحكم، كناية فيما بينه وبين الله، وهو قوله:
والله لا جمع رأسي ورأسك شئ، لا ساقف رأسي رأسك، ولا جمع رأسي ورأسك
مخدة، وكذلك لأسوءنك، لأطيلن غيبتي عنك، فكل هذه كناية، فإن كانت له نية
فهو على ما نوى، وإن لم تكن له نية سقط قوله، ولم يتعلق به حكم.
إذا قال: والله لا جامعتك في دبرك، والله لا جامعتك في الموضع المكروه، لم
يكن موليا.
ولو قال: والله لا جامعتك إلا جماع سوء، رجعنا إليه فإن قال: أردت بالسوء
الجماع في الدبر، كان موليا لأنه إذا حلف لا جامعها إلا في الدبر فقد حلف ألا
يجامعها في القبل فكان موليا، فإن قال: أردت بالسوء جماعا لا يبلغ التقاء
الختانين، كان موليا، لأن معناه لا جامعتك أصلا، لأن الجماع الذي يخرج به من
حكم الإيلاء أن يلتقي الختانان فإذا حلف ألا يفعل هذا، كان موليا، وإن قال: أردت
بالسوء جماعا ضعيفا لا يكون قويا ولا مبالغة فيه، لم يكن موليا لأنه حلف أن
يجامعها الجماع الذي يخرج به من حكم الإيلاء، وهو التقاء الختانين ضعيفا كان أو
قويا.
فإن قال: والله لجامعتك جماع سوء، لم يكن موليا لأنه إن قال: نويت الجماع
في الدبر، فمن حلف أن يطأها في الدبر فما حلف ألا يطأها في القبل، وإن قال:
أردت أن أطأها وطأ لا يبلغ التقاء الختانين، لم يكن موليا لأن من حلف أن يفعل
ذلك ما منع نفسه من التقاء الختانين، وإن قال: أردت وطأ ضعيفا يلتقي به الختانان
لكنه ضعيف، لم يكن موليا لأنه ألزم نفسه وطأ يخرج به من حكم الإيلاء.
إذا قال: والله لا أصبتك خمسة أشهر، فإذا انقضت فوالله لا أصبتك سنة، فهما
290

إيلاءان ويمينان مختلفان أحدهما خمسة أشهر والآخر سنة، والأولى مطلقة معجلة
والثانية معلقة بصفة، فإذا وجدت الصفة انعقدت كقوله: إذا قدم زيد فوالله لا وطئتك
سنة، فمتى قدم زيد انعقدت الإيلاء.
وليس هذا يجري مجرى الطلاق والعتاق اللذين قلنا لا يقعان بصفة، لأن هناك
منعنا فيه إجماع الفرقة، وليس هاهنا ما يمنع منه، والظواهر تتناوله.
فإذا ثبت أنهما إيلاءان مختلفان فكل إيلاء له حكم نفسه لا يتعلق حكمه
بالآخر، فإذا تربص عقيب الأول أربعة أشهر، فإذا مضت وقف، فإما أن يفئ أو
يطلق، فإن فاء خرج من حكم هذا الإيلاء، وإن ماطل ودافع حتى مضت الخمسة
أشهر فقد عصى ربه وأثم، لكن حكم الإيلاء قد انحل، لأنه ما بقي من مدته شئ،
وإن طلق طلاقا رجعيا فقد وفاها حقها من الأول راجع أو لم يراجع، لأنه إن لم يراجع
بانت بالطلاق، وإن راجع لم يتربص لأنه ما بقي من مدته زمان التربص، فانحلت
الأولى بكل حال.
فإذا انقضت خمسة أشهر دخل وقت الإيلاء الثاني لأنه قد وجد شرطه، ويكون
حكمه معتبرا بالأول، فإن كان في الأول فاء أو دافع حتى انقضت خمسة أشهر أو
طلق وراجع ففي هذه الأقسام الثلاثة يكون في الثاني كأنه الآن آلى منها، وما تقدمه
إيلاء سواه، يتربص أربعة أشهر ويوقف، فإما أن يفئ أو يدافع أو يطلق، فإن فاء
خرج من حكم الإيلاء، وإن دافع حتى انقضت السنة فقد عصى لكنه زال الإيلاء،
وإن طلق طلاقا رجعيا فإن راجعها نظرت فيما بقي من المدة: فإن بقي مدة التربص
وهو أكثر من أربعة أشهر تربص ووقف بعد التربص، وإن لم يبق مدة التربص لم
يتربص لكنه حالف فإن وطئ قبل انقضاء المدة حنث، هذا إذا فاء أو دافع أو طلق وراجع.
فأما إن طلقها ولم يراجع حتى انقضت عدتها بانت، ولا كلام، وإن راجعها في
زمان العدة - وهو من حين الطلاق إلى حين راجعها - لا يحتسب عليه، لأنه زمان
يجري فيه إلى بينونة فلا يحتسب على المولي.
291

فإذا راجع بعد أن مضى زمان من الإيلاء الثاني، فإن بقي من السنة مدة
التربص تربص ووقف بعد انقضائها، وإن لم يبق مدة التربص زال حكم الإيلاء، وبقى حكم
اليمين فإن وطئ قبل انقضاء السنة حنث.
إذا قال: والله لا أصبتك أربعة أشهر، فإذا انقضت فوالله لا أصبتك أربعة أشهر،
فإذا انقضت فوالله لا أصبتك أربعة أشهر، فهل يكون موليا أم لا؟ على وجهين:
أحدهما يكون موليا لأنه قصد الإضرار بها، والصحيح أنه لا يكون موليا لأن المولي
من يوقف بعد التربص ليفئ أو يطلق، وهاهنا إذا مضت أربعة أشهر لا يمكن
مطالبته بالفيئة لأن اليمين قد انقضت مدتها، ولا بالفيئة عن اليمين الثانية، لأن
التربص لها ما وجد، فثبت أنه لا يكون موليا بها.
إذا قال: والله لا أصبتك خمسة أشهر، والله لا أصبتك سنة، فهما إيلاءان
أحدهما مدته سنة، والآخر مدته خمسة أشهر، وكلاهما معجلان، فيتداخلان خمسة
أشهر عقيب يمينه، وينفرد الآخر بسبعة أشهر بعد ذلك إلى تمام السنة، فيتربص
عقيب يمينه منها أربعة أشهر، فإما أن يفئ، أو يدافع أو يطلق:
فإن فاء فقد خرج من حكمهما معا، وإن دافع حتى انقضت المدتان خرج
منهما، وإن دافع حتى انقضت القصيرة بقي حكم المدة الطويلة، فإن طلق طلقة
رجعية انحلت الأولى بكل حال، لأنه ما بقي منها مدة التربص، وأما الطويلة فينظر
فيها.
فإن لم يراجع حتى بانت فلا كلام، وإن راجع نظرت فيما بقي من المدة
الطويلة: فإن بقي مدة التربص تربص ووقف، وإن لم يبق مدة التربص انحلت
الطويلة أيضا وبقى حكم اليمين، فإن وطئ قبل انقضاء السنة حنث.
وجملته أن مدة الإيلاء إذا طالت ووقف بعد أربعة أشهر، فإن طلقها طلقة رجعية
فقد وفاها حقها لهذه المدة، فإن راجعها ضربنا له مدة أخرى، فإذا انقضت وقف
أيضا، فإن طلق ثم راجع ضربنا له مدة أخرى، فإذا مضت وقفناه، فإن طلقها بانت
لأنه قد استوفى الثلاث، وعلى هذا أبدا.
292

إذا قال: إن أصبتك فلله علي صوم هذا الشهر كله، لم يكن موليا عند بعضهم
وكذلك عندنا، لأنها يمين بغير الله.
أما عندهم فلأن المولي لا يمكنه الفيئة بعد التربص إلا بضرر، وهاهنا إذا مضت
المدة فإنه يفئ بغير ضرر، لأنه إذا وطئ لم يجب عليه الوفاء بنذره، فإن الزمان قد
فات مثل أن يقول: فلله علي أن أصوم أمس.
فإن قيل: أليس لو قال " لله علي أن أصوم اليوم الذي يقدم فيه فلان " صح نذره؟
فهلا قلتم هاهنا ينعقد نذره، وإن كان لا يمكنه الوفاء به؟
قلنا: في تلك المسألة قيل فيه قولان: أحدهما لا ينعقد مثل هذه المسألة للعلة
التي ذكرناها، والثاني ينعقد نذره.
والفصل بينهما أنه يمكنه البحث عن وقت قدومه، فإذا علم أنه يقدم غدا نوى
الصوم من ليلته فيصح متطوعا وإذا قدم تمم واجبا كما لو تطوع بعض النهار بالصوم
ثم قال: لله علي إكمال باقيه لزمه، كذلك هاهنا، وليس كذلك هاهنا لأنه إذا فاءت
بعد أربعة أشهر فقد فات الشهر الذي نذر صيامه منذ ثلاثة أشهر فلا يمكنه صوم
شهر قد فات وانقضى.
فإذا تقرر أنه لا يكون موليا، فهو ناذر نذر لجاج وغضب، كقوله إن دخلت الدار
فلله علي صوم شهر، فينظر فيه: فإن لم يصبها حتى مضى الشهر انحل نذره، وإن
وطئها قبل مضيه فقد وجد شرط نذره، ويمكنه أن يصوم ما بقي من الشهر، وما الذي
يلزمه؟ قال قوم: هو بالخيار بين أن يفي بما نذر فيصوم ما بقي أو يكفر كفارة يمين،
والذي يقتضيه مذهبنا الأول، لأن الكفارة لا تجب إلا في اليمين بالله، هذا إذا قصد
بالنذر التقرب إلى الله، فأما إذا قصد الإضرار بها فعندنا لا ينعقد نذره أصلا.
فرع هذا المسألة:
إذا قال: إن أصبتك فلله علي صوم شهر، هذا نذر علقه بشهر مبهم يتعلق
بالذمة. منهم من قال: لا يكون موليا، وكذلك عندنا لا يكون ناذرا إن قصد الإضرار
293

بها، وإن قصد القربة متى أصابها وجب عليه الوفاء به.
ومنهم من قال: يكون موليا لأنه لا يمكنه الفيئة بعد التربص إلا بضرر، فإنه متى
وطئ انعقد نذره، فإما أن يفئ أو يطلق، فإن فاء وجد شرط نذره وقد وفاها حقها،
ثم إن شاء كفر، وإن شاء صام. وإن لم يفئ لكنه طلق، فإن تركها حتى انقضت
العدة فلا كلام، وإن راجع ضربت له المدة، فإذا انقضت وقف، فإن فاء فقد وفاها
حقها وعليه الصوم أو كفارة يمين، وإن طلق فإن لم يراجع فلا كلام، وإن راجع
تربص أربعة أشهر ووقف ليفئ أو يطلق فإن فاء، صام أو كفر، وإن طلق فقد
انقضت الطلقات الثلاث، وعلى هذا كل إيلاء طالت مدته.
إذا قال لزوجته: إن وطئتك فأنت طالق ثلاثا، فعندنا أن هذا باطل لا يتعلق به
حكم، وعندهم أنه حلف بالطلاق الثلاث لا وطئها، فمنهم من قال: يكون موليا،
ومنهم من قال: لا يكون لأنه ما حلف بالله.
فمن قال: يكون موليا، تربص أربعة أشهر ثم يوقف، فإما أن يفئ أو يطلق،
فإن طلق طلقة وفاها حقهما لهذا التربص، لأن الذي عليه الفيئة أو الطلاق، فإذا
أوقعه فقد وفاها حقها.
ثم ينظر: فإن لم يراجعها بانت بانقضاء العدة، وزالت الزوجية، وسقط حكم
الإيلاء، وإن راجعها عادت زوجة، واليمين قائمة، يضرب له مدة أخرى فإذا انقضت
وقف فإن طلق طلاقا رجعيا فالحكم على ما مضى، ثم يضرب له مدة أخرى، فإذا
انقضت وطلق فقد استوفى عدد الطلاق، وعلى هذا كل إيلاء يتصل مدته على وجه
يمكن التربص كلما طلق وراجع، فهكذا يفعل حتى يستوفي الطلاق، هذا إذا طلق.
وأما إن اختار الفيئة، فهل له ذلك أم لا؟ قال قوم: الصحيح أن له ذلك، وقال
بعضهم، لا يجوز له الفيئة لأنه إيلاج يتعقبه التحريم، بدليل أنها تطلق بالتقاء
الختانين ثلاثا، وكل إيلاج يتعقبه التحريم يكون محرما، كما لو بقي من زمان الليل
في رمضان قدر ما يولج فيه فقط ثم يطلع الفجر عقيبه، كان الإيلاج محرما لأن
التحريم يتعقبه.
294

ومن قال بالأول قال: لأنه إيلاج صادف حال الإباحة قطعا لأنه يوافق زوجية
كاملة فهو مباح، حتى يلتقي الختانان ثم ينزع، والنزع ترك وليس بجماع بدليل أنه لو
وافاه الفجر مجامعا فوقع النزع والطلوع معا انعقد صومه، ولا كفارة، ويفارق ما قالوه
من الإيلاج آخر الليل، لأن المنع هناك من طريق غلبة الظن، لأنا لا نعلم قدر ما بقي
من الليل، فلا نأمن أن يوافق الإيلاج زمان الطلوع، فلهذا منع منه.
فإذا تقرر هذا فالتفريع على هذا، فإذا اختار الإيلاج فأولج فإذا غابت الحشفة
وقع الطلاق الثلاث لوجود الصفة، وعليه النزع، ولا يحل المكث، ولا الحركة لغير
إخراجه، لأنها أجنبية منه، فإن نزع فلا كلام، وإن لم ينزع فلا فصل بين أن يمكث
على صورته، أو يكمل هذا الإيلاج، فهل عليه المهر أم لا؟ قال قوم: لا مهر عليه
بالمكث، وقال آخرون: عليه المهر.
فأما إن نزع ثم ابتدأ فأولج فإن حكم هذا الثاني منفصل عن الأول لا يتعلق
حكمه به ولا يبني عليه، لأنا إنما نجعل الحكم واحدا في وطء كله مباح أو كله حرام
فأما في وطئين أحدهما محرم والآخر مباح، فلا يبني عليه.
فإذا ثبت أن له حكم نفسه لم يخل من ثلاثة أحوال: فإما أن يكونا عالمين، أو
جاهلين، أو أحدهما عالما والآخر جاهلا.
فإن كانا جاهلين، بأن يجهلا أن الحكم يتعلق بالتقاء الختانين، لأن الفقهاء
يعرفون هذا، وكان عندهما أن الحكم يتعلق بالفراغ من الوطء، فإذا كان كذلك فلا
حد على واحد منهما، لأنه يدرأ بالشبهة، وإذا لم يجب الحد وجب المهر، لأنه وطء
بشبهة.
وإن كانا عالمين بالتحريم، ففي الحد وجهان: أحدهما يحدان، لأنه وطئ
أجنبية مع العلم بالتحريم، والثاني لا حد عليهما، لأن هذا الابتداء وطء شبهة، فمن
قال لا حد قال: هما كالجاهلين، وقد مضى، ومن قال عليهما الحد قال: لا مهر ولا
نسب.
وإن كان أحدهما عالما والآخر جاهلا يبني على الوجهين، فإذا قال: لا حد
295

على العالم، فالحكم فيه كما لو كانا جاهلين، ومن قال: يحد
العالم، فإن كان العالم هو دونها فعليه الحد دونها، ولها المهر لسقوط الحد عنها، وإن كانت هي
عالمة فلا حد عليه، وعليها الحد، ولا مهر لها.
وجملته أن النسب واللحوق بكل واحد منهما، والمهر لها متى سقط الحد عنها
وجب المهر والنسب والعدة، ومتى سقط الحد عنه لحق النسب، ووجبت العدة،
وهذا كله سقط عنا لما قدمناه.
إذا آلى من زوجته إيلاءا شرعيا فله التربص أربعة أشهر لا يتوجه عليه فيهن
مطالبة بوجه، وإنما تحل المطالبة عليه بعد انقضائها، فإن فاء فيهن فقد عجل حقها
قبل وجوبه، وإن لم يفئ حتى مضت المدة طولب بالفيئة أو بالطلاق، فإن اختار
الفيئة فهذا حق مقصور عليه، لا تدخله النيابة، وإن اختار الطلاق فهذا حق تدخله
النيابة إن شاء طلق، وإن وكل في طلاقها جاز.
فإن طلق فلا كلام، وإن امتنع من الطلاق وماطل ودافع حبسه الحاكم عندنا
وضيق عليه حتى يفئ أو يطلق ولا يطلق عليه، وقال قوم: يطلق عليه، وقال
بعضهم: يقع الطلاق بانقضاء العدة.
فعلى ما قلناه إنه يضيق عليه فالطلاق إليه، فالذي عليه أن يوقع طلقة واحدة
بلا خلاف، فإن طلق أكثر منها لم يقع عندنا، وعندهم يكون تطوع بما زاد، ومن قال
للسلطان أن يطلق عليه قال: ليس له أن يطلق عليه إلا واحدة لأنه القدر الواجب فلا
يستوفى أكثر منه.
فإذا طلق هو عندنا أو طلقه السلطان عندهم، كانت الطلقة رجعية إن كانت بعد
الدخول، وقال بعضهم: تكون بائنة، وإنما قلنا ذلك لقوله تعالى: " وبعولتهن أحق
بردهن " ولم يفرق.
فإن لم يراجع حتى انقضت العدة بانت، وزالت الزوجية، وسقط الإيلاء، وإن
راجعها ضربنا مدة التربص عقيب المراجعة، فإذا انقضت وقفناه أيضا، فإن طلق
أخرى نظرت: فإن لم يراجع حتى بانت فلا كلام، وإن راجعها ضربنا مدة التربص
296

ووقفنا عند انقضائها ليفئ أو يطلق، فإن طلق فقد استوفى عدد الطلاق، هذا إذا
اتسعت المدة للتربص.
فأما إن راجع وما بقي من المدة ما يتربص فيها وهو أن كان الباقي أربعة أشهر
فما دونها، فقد زال حكم الإيلاء، لأنه لا يمكن أن يوقف عقيب المدة للفيئة، لكن
حكم اليمين باق في تعلق الحنث به إن هو وطئ قبل انقضاء المدة.
إذا قال: أنت حرام علي، لم يتعلق به حكم عندنا، لا طلاق، ولا عتاق،
ولا ظهار ولا يمين في إيلاء، ولا غيره، نوى أو لم ينو، وفيه خلاف ذكرناه في
الخلاف.
إذا قال لها: إن أصبتك فعبدي حر عن ظهاري إن ظاهرت، عندنا لا يتعلق به
حكم لا عتق ولا ظهار، لأنه مشروط وهما لا ينعقدان بشرط، ولا يتعلق به إيلاء لأنه
ليس بيمين بالله، وعندهم علق عتق عبده بشرطين إصابة وظهار، فلا يعتق إلا
بوجودهما، وليس الشرطان على الترتيب، بل كيف وجدا وقع العتق تقدم العتق أو
تأخر.
فإذا ثبت هذا فلا يكون موليا لأن المولي لا يمكنه الفيئة بعد التربص إلا بضرر،
وهذا يمكنه الفيئة بغير ضرر، فإنه إذا وطئ لم يعتبر العتق، لأنه ما وجد شرط عتقه،
ثم لا يخلو: إما أن يطأ أولا أو يظاهر.
فإن وطئ أولا خرج من حكم الإيلاء وله أن يطأ بعد هذا ما شاء، ولا يعتق
العبد، لأنه ما وجدت صفة عتقه، وإن تظاهر بعد هذا عتق العبد لكن لا يجزئه عن
ظهار، هذا إذا تقدم الوطء.
فإن تقدم الظهار فتظاهر منها لم يعتق العبد لأن شرط عتقه لم يوجد، لكن قد
صار موليا عند من أجاز الإيلاء بغير اسم الله، ويتربص أربعة أشهر، فإن فاء عتق
العبد، لأنه وجد شرط عتقه، وخرج بالفيئة عن الإيلاء، والعبد لا يجزئه عن ظهار،
لأنه عتق عبده قبل عقد الظهار، فلا يقع عنه.
إذا تظاهر من امرأته ثم عاد ووجبت الكفارة في ذمته، ثم قال لها: إن أصبتك
297

فلله علي أن أعتق عبدي عن ظهاري أو هذا العبد عن ظهاري، فإن كان نذر طاعة
وتبرر فمتى وقع لزمه الوفاء به، وإن كان نذر لجاج يمنع به نفسه أو يوجب عليها فعل
شئ كالأيمان، مثل أن يقول: إن دخلت الدار فلله علي عتق عبدي وإن لم أدخل
الدار فلله علي كذا، فإذا وجد الشرط لزمه نذره عندنا وعندهم، وهو بالخيار بين
الوفاء به وبين أن يكفر كفارة يمين، وهذه المسألة نذر لجاج وغضب، لأنه منع نفسه
من إصابتها.
وهذه المسألة والتي قبلها سواء غير أنه علق عتق رقبة عبده في التي قبلها،
فقال: إن أصبتك فعبدي حر عن ظهاري، وفي هذه علق بإصابتها نذر عتقه، منهم
من قال: لا يكون موليا لأنه ما حلف بالله، وكذلك نقول، ومنهم من قال: يكون
موليا.
إذا آلى من امرأته بالله تعالى، فقال: والله لا أصبتك، ثم قال لامرأة أخرى: قد
أشركتك معها في الإيلاء، لم تكن شريكتها، وكان موليا من الأولى دونها، لأن اليمين
بالله تعالى إنما تنعقد لأجل حرمة اللفظ، وهو أن يحلف بالله أو بصفة من صفات
ذاته، وقوله قد أشركتك معها، لفظ لا حرمة له، واليمين بالله بالكنايات لا تنعقد،
فسقط في حق الثانية، وكان من الأولى موليا.
وإذا آلى منها بالطلاق فقال: أنت طالق إن أصبتك، ثم قال للأخرى: قد
أشركتك معها، فعندنا لا يكون موليا من واحدة منهما، لأنه ما حلف بالله، وعندهم
يقال له: ما نويت؟ فإن قال: أردت أن ذلك الطلاق لا يقع على الأولى حتى أصيب
الثانية، فإن الطلاق لا يقع على الأولى إذا أصابها، حتى يصيب الثانية فتطلق بإصابة
الاثنتين، فكان موليا من الأولى دون الثانية أيضا، لأنه علق طلاق الأولى بصفة، ثم
ضم إلى تلك الصفة صفة أخرى في وقوعه، والطلاق متى علق بصفة تعلق بها
وحدها، فلو ضم إليها غيرها ليتعلق وقوعه بهما لم يصح.
إذا آلى منها بالطلاق ثم قال للأخرى: قد أشركتك معها، فعندنا لا ينعقد يمينه
أصلا لما مضى، وعندهم إن قال: أردت أنت أيضا إن أصبتك كالأولى طالق، فقد
298

علق بإصابتها طلاقا آخر يقع على الأولى، وإن قال: معناه وأنت أيضا إن أصبتك
فأنت طالق، كان موليا هاهنا لأنه منع نفسه من وطء الثانية إلا بضرر إما طلاق هذه أو
طلاق الأولى طلقة، فقد صار موليا عند من أجاز الإيلاء بغير اسم الله.
إذا قال: إن أصبتك فأنت زانية، لم يكن موليا عندنا، لأنه ما حلف بالله،
وعندهم لأنه لا ضرر عليه بإصابتها بعد التربص، لأنه لا يكون بإصابتها قاذفا، لأن
القذف ما احتمل الصدق والكذب، وهنا يقطع على كذبه، لأنه علق قذفها بصفة،
وإن كانت زانية فلا تكون بوجود الصفة زانية، وإن كانت عفيفة فلا تصير بوجود
الصفة زانية فبان كذبه فيما قال، ولأن قوله " أنت زانية " إخبار عن أمر ماض، وقوله:
إن قربتك فأنت زانية، صفة في المستقبل، والأخبار الماضية لا يصح تعليقها بالصفة
المستقبلة.
إذا قال: والله لا أصبتك سنة إلا مرة، لم يكن موليا لأن المولي من لا يمكنه
الفيئة بعد التربص إلا بضرر، وهذا لا ضرر عليه متى وطئها، لأنه متى وطئ صادف
الوطء الذي استثناه مرة ولم يدخله تحت عقد اليمين، فلهذا لا يكون موليا، فمتى
وطئها بعد هذا انعقدت اليمين، لأنه علقه بصفة وقد وجدت، فكأنه الآن حلف لا
وطئها.
ثم ينظر فيما بقي من السنة: فإن بقي منها مدة التربص فهو مول يتربص به
ويوقف، وإن كان الباقي لا يكون مدة التربص، فقد زال الإيلاء يعني لا يتربص لكنه
متى وطئ قبل انقضاء السنة حنث في يمينه.
إذا قال: إن أصبتك فوالله لا أصبتك، لم يكن موليا عندنا وعندهم، لأنه إنما
علق الإيلاء بصفة ومتى علق الإيلاء بصفة ما حلف، فهو كقوله: إن دخلت الدار
فوالله لا أصبتك، لم يكن موليا، لأنه يمتنع من وطئها بغير يمين، ومتى أصابها صار
الآن موليا كأنه حلف الآن " لا أصابها " ويتربص هاهنا بكل حال، وفي التي قبلها
يفتقر إلى تفصيل فيما بقي من السنة، لأنه عقد المدة بالسنة، وهاهنا أطلق، فكانت
على التأبيد، فكان موليا بغير تقسيم.
299

إذا حلف لا أصابها، لم يخل من ثلاثة أحوال: إما أن يطلق أو يعلقه بمدة أو
بفعل.
فإن أطلق فقال: والله لا أصبتك، كان موليا، لأن إطلاقه يقتضي التأبيد، فإن
قال: والله لا أصبتك أبدا، كان تأكيدا، وفي هذا المعنى لو قال: ما عشت أو عشت
أو عشنا، كل هذا مؤبد، لأن التأبيد أن لا يطأها أبدا والأبد في حقه مدة حياته وفي
حقها مدة حياتها.
وإن علقه بمدة نظرت: فإن زادت على أربعة أشهر كان موليا، وإن كانت أربعة
أشهر فما دونها لم يكن موليا.
وأما إن علقه بفعل، فالأفعال على خمسة أضرب: ضربان يكون موليا فيهما
وثلاثة يكون كذلك، فاللذان يكون موليا فيهما:
أحدهما: أن يعلقه على فعل يقطع أنه يزيد على أربعة أشهر، كقوله: حتى
تقوم الساعة، لأن الساعة وإن كانت لا بد من أن تقوم، فإن قبلها أشراطا كخروج
الدجال ونزول عيسى عليه السلام وخروج الدابة، وطلوع الشمس من مغربها، فهو
يقطع أن هذا لا يكون إلى أربعة أشهر، وفي هذا المعنى إذا كان بالعراق فقال: حتى
أمضي إلى الصين وأعود، فكل هذا وما في معناه يقطع على أنه لا يمكن في أربعة
أشهر.
الثاني: ما لا يقطع على تأخيره، لكن الغالب منه التأخير، كقوله: حتى يخرج
الدجال، وينزل عيسى، وتظهر الدابة وتطلع الشمس من مغربها، فكل هذا يغلب
على الظن أنه لا يكون إلى أربعة أشهر فيكون موليا، وعقد الباب فيه ما يغلب على
الظن أنه لا يكون إلى أربعة أشهر.
فأما الثلاثة التي لا يكون بها موليا:
أحدها: يقطع على أنها لا تبلغ إلى أربعة أشهر كقوله: حتى يبين هذا السواد،
ويفسد هذا البقل، ويجف هذا الثوب، فلا يكون موليا كقوله: يومين إلى أو ثلاثة.
الثاني: ما يغلب على الظن أنه لا يكون إلى أربعة أشهر، وإن جاز أن يمتد أكثر
300

من أن يكون له عادة بالزيارة يخرج ويعود في الغالب بعد شهر ونحو هذا، أو يكون
بقالا يخرج إلى السواد ويعود في كل مديدة ويبيع ويرجع فلا يكون موليا لأنه وإن
جاز أن يتأخر فالغالب ألا يتأخر.
الثالث: ما احتمل المدة الطويلة وغيرها من غير ترجيح، كقوله: حتى يرجع
فلان من غيبته، وقد غاب إلى البصرة، أو الكوفة، وهذه البلاد في العادة يحتمل
المدة الطويلة، ويحتمل الإسراع، وهكذا حتى يمرض فلان، حتى يموت فلان،
حتى يشاء فلان، لأنه لا يمتد أربعة أشهر قطعا ولا غالبا، فلا يكون موليا بالأمر
المحتمل.
وكل موضع قلنا يكون موليا يتربص أربعة أشهر فإذا انقضت، فإما أن يفئ أو
يطلق، وكل موضع قلنا لا يكون موليا لم يتربص ولم يوقف سواء طالت المدة أو لم
تطل، لأنه إذا لم يكن موليا كان كمن امتنع بغير يمين، فلا يحكم عليه بالإيلاء أبدا.
وجملته أن الإيلاء لا ينعقد حتى يكون على مدة تمتد أكثر من أربعة أشهر قطعا
أو غالبا فأما ما لم يمتد إليها قطعا أو لا يمتد إليها غالبا أو ينقسم الأمر من غير ترجيح
فلا يكون موليا.
وإن قال: حتى تفطمي، فإن علقه بمدة الرضاع ومدتها حولان، عندنا لا يكون
موليا، وعندهم يكون موليا، وإن علقه بفصلها - وهي متى فعلت الفطام - فإنها قد
تفطمه إلى أربعة أشهر وأقل وأكثر، وإن علقه بحملها ففيه ثلاث مسائل:
أحدها: يكون على صفة قد تحبل وقد لا تحبل، وهي التي من ذوات الأقراء
يجوز أن تحبل بعد يوم أو شهر أو سنة، ولا ترجيح، فلا يكون موليا.
الثانية: ما يمكن أن تحبل لكن الغالب أنها لا تحبل إلى أربعة أشهر، وهي التي
لها تسع سنين، فلا يكون موليا، لأن الغالب ألا تحبل إلى أربعة أشهر.
الثالثة: ما يقطع أنها لا تحبل إلى أربعة أشهر، وهي الصغيرة التي لها ست وسبع
وثماني، والآيسة من الحبل، فيكون موليا لأن العلم يحيط بأن الحبل منها لا يكون
إلى أربعة أشهر، فلهذا كان موليا.
301

إذا قال: والله لا أقربك إن شئت، فهو إيلاء بصفة، والصفة مشيئتها أن لا
يقربها لأنه علقه بصفة ينعقد بها، والصفة التي ينعقد بها مشيئتها ألا يقربها، وهو
الأصل لأن كل حكم علق بصفة كانت الصفة على الوجه الذي علق بها، فلما قال:
لا أقربك إن شئت، فقد علق الامتناع من قربها بمشيئتها، فكانت المشيئة ألا
يقربها.
فإذا ثبت هذا نظرت: فإن لم تشأ لم ينعقد الإيلاء، أن الصفة ما وجدت، وإن
شائت في غير وقت المشيئة لم ينعقد لأن الصفة ما وجدت، وإن شاءت في وقت
المشيئة انعقد الإيلاء لوجود الصفة.
فإذا ثبت ذلك، فإن شاءت في المجلس بحيث يكون كلامها جوابا لكلامه صح
كالقبول في البيع، وفيهم من قال: في المجلس، وفيهم من قال: ما لم يتفرقا،
والأول أقوى عندنا إذا أجزنا تعليق الإيلاء بشرط، وإن قلنا إن ذلك لا يصح كالطلاق
والظهار والعتاق فالإيلاء لا يصح من أصله.
وإن قال: والله لا قربتك إن شئت أن أقربك، فقد علق الإيلاء بصفة هي صفة
في التي قبلها، فإن إطلاق الصفة إن شاء لا يقربها، فقد عدل عن إطلاقها إلى أن قيد
الصفة بأن تكون المشيئة أن يقربها، فتحقيق هذا أنه قصد المكابدة، يعني إن شئت
أن أقربك فوالله لا فعلت.
فإذا تقرر هذا فالصفة وإن كانت تخالف تلك الصفة، فهما سواء: إن لم تشأ لم
ينعقد الإيلاء، وإن شاءت في غير وقت المشيئة لم ينعقد، وإن شاءت في وقت
المشيئة انعقد في وقت المشيئة على ما مضى بيانه.
فرع هذه المسألة:
إذا قال: والله لا أقربك إلا أن تشائي، فهو إيلاء مطلق، فقد علق حكمه، ومنع
انعقاده بالصفة، فإنه استثناء في النفي، فكان معناه إلا أن تشائي أن أقربك.
فإذا ثبت هذا، فإن شاءت في غير مدة المشيئة أو لم تشأ أصلا فالإيلاء منعقد،
لأنه ما وجد شرط حلها، وإن شاءت في وقت المشيئة انحلت الإيلاء ولم ينعقد،
302

لأنه وجد الشرط المانع من انعقادها ويفارق المسألتين قبلها، لأن الصفة موضوعة
لانعقادها وهذه الصفة معقودة لحلها.
فرع آخر:
إن قال: والله لا أصبتك إلا برضاك، لم يكن موليا لأنه أحسن إليها في أن جعل
الوطء موكولا إلى رضاها، ولأن المولي من يوقف بعد التربص فيطالب بالفيئة أو
بالطلاق، وهذا لا يمكن هاهنا، لأنه إذا وقف وطولب بالفيئة فقد رضيت بالوطئ
فانحلت اليمين، فلا يكون موليا.
ويفارق إذا قال: إلا أن تشائي، لأن المشيئة لا يمكن أن توجد بعد التربص فإنها
إنما تصح في الخيار، والرضا ليس على الفور فبان الفصل بينهما.
كل موضع حكمنا بأنه مول فالرضا والغضب فيه سواء، وقال قوم: إن حلف
حال الرضا لم يكن موليا.
إذا قال: والله لا أقربك حتى أخرجك من هذا البلد، لم يكن موليا لأن المولي
من لا يمكنه الفيئة بعد التربص إلا بضرر، ولا ضرر عليه هاهنا، فإنه يخرجها منه فإذا
فارقت البنيان والمنازل بر في يمينه.
إذا قال لأربع نسوة له: والله لا أقربكن، فقد حلف لا وطئ الأربع كلهن، فلا
يحنث حتى يطأهن كلهن، كما لو حلف لا كلمت زيدا وعمروا وخالدا وبكرا، لم
يحنث حتى يكلم الكل.
فإذا ثبت هذا فهو غير مول في الحال منهن، لأن المولي من لا يمكنه الفيئة إلا
بضرر، ولا ضرر عليه هاهنا في ابتداء الوطء في واحدة منهن، لأنه لا يحنث بوطئها
فلهذا لم يكن موليا في الحال.
فعلى هذا لو وطئ واحدة أو اثنتين أو ثلاثا لم يحنث، لأنه لم يخالف ما
يتناوله عقد يمينه، لكنه صار الآن موليا عن الرابعة لأنها هي التي قد تعين الحنث
بوطئها فيكون كأنه آلى منها الآن، فيضرب له المدة، فإذا انقضت وقف ليفئ أو
يطلق، فهذا فقه المسألة.
303

فإذا ثبت هذا، لو وطئ منهن اثنتين خرجتا من حكم الإيلاء، لأنه لم يحنث
بوطئهما فلو كرر الوطء فيهما أو لم يكرر الباب واحد، فقد خرجتا من هذه اليمين،
وتعلقت اليمين في الباقيتين، متى وطئ واحدة منهما، تعلق الحنث بوطئ الباقية.
ولو طلق ثلاثا منهن كان الإيلاء قائما في الباقية، لأن الطلاق لا يحل اليمين ولا
يبطلها، لأنها تتعلق بأعيانهن لأن الوطء ما حرم، فإنه يمكن وطؤهن بشبهة أو بفجور
أو بملك اليمين، فيتعلق الحنث في الباقية، فلهذا كان حكم الإيلاء باقيا على معنى
ما قلناه في أصل المسألة، يعني باقيا في التي يتعلق الحنث بوطئها.
وإن ماتت واحدة منهن انحلت اليمين، لأن الحنث إنما يقع بوطئ الأربعة
كلهن، فإذا ماتت واحدة منهن لم يمكنه وطء الأربع، وكان له وطء الباقي، ولا
يحنث، لأن الميتة لا حكم لوطئها في حقها، بل يجب عليه الغسل والحد في قول من
أوجب عليه الحد عندنا وعند غيرنا، وأما هي فلا يتعلق بها حكم من أحكام هذا
الوطء، لأنه لو وطئ الثلاث البواقي ثم وطئ هذه الميتة لم يحنث، لتعذر الحنث
فإذا تعذر الحنث سقط حكم الإيلاء، كما لو حلف لا وطئ خمسة أشهر فدافع أو
هرب حتى مضت كلها خرج من حكم الإيلاء، لتعذر الحنث.
ويفارق إذا طلق ثلاثا لأن الإيلاء باق في الباقية، فإن الحنث ما تعذر، وهو أن
يطلق المطلقات فتعلق الحنث بوطئ الباقية، فلهذا كان الإيلاء باقيا فيها، وهاهنا قد
تعذر الحنث، لأنه لا يتعلق الحنث بوطئ الميتة، فبان الفصل بينهما.
إذا قال: والله لا قربت واحدة منكن، كان موليا عنهن كلهن، لأن بقوله: لا
أقرب واحدة منكن، قد منع نفسه من كل واحدة منهن، بدليل أنه متى وطئ واحدة
منهن حنث في يمينه، ويفارق هذه المسألة الأولى، لأنه لا يحنث بوطئ واحدة ولا
بوطئ ثلاث فلهذا لم يكن موليا في الحال عنهن كلهن.
فإذا ثبت أنه مول عنهن كلهن في الحال، ضربنا له المدة، فإذا انقضت وقف
لهن كلهن ليفئ أو يطلق، فإن طلق واحدة أو ثلاثا كان الإيلاء ثابتا في الباقية، وإن
وطئ واحدة حنث وانحل الإيلاء في البواقي.
304

والفصل بين الفيئة والطلاق هو أن اليمين لا ينحل بالطلاق، لأن الحنث لا يقع
به، فلهذا كان الإيلاء قائما في من لم يطلقها، وليس كذلك الفيئة لأنه لما وطئ
واحدة منهن حنث في يمينه، لأنه منع نفسه عن وطء واحدة شائعة منهن لا بعينها،
فأيتهن وطئها كانت التي آلى منها ومنع نفسه عنها، وانحلت اليمين في البواقي، لأنه
إذا حنث مرة لم يعد الحنث مرة أخرى فبان الفصل بينهما.
فإن حلف لا وطئ واحدة منهن ثم قال: نويت فلانة، لواحدة بعينها، تعين
الإيلاء فيها، وكان القول قوله مع يمينه، لأن اليمين تناولت في الظاهر واحدة منهن لا
بعينها، فإذا عينها أمكن ما يقوله، فلهذا قبل منه، وقال قوم: يقبل في الباطن دون
الظاهر، والأول أصح عندنا.
فرع:
إن قال: والله لا أقرب كل واحدة منكن، كان موليا عنهن وعن كل واحدة منهن
كما لو أفرد كل واحدة باليمين، وتفارق هذا " والله لا أقرب واحدة منكن " لأنه إنما منع
نفسه عن وطء واحدة لا بعينها، فلهذا كان موليا عنهن، ولم يكن موليا عن كل واحدة
منهن.
فإذا تقرر هذا وأنه مول عن كل واحدة منهن، فإنا نضرب له المدة، فإذا انقضت
وقف ليفئ أو يطلق، فلو طلق واحدة أو اثنتين أو ثلاثا، فقد وفي المطلقة حقها من
هذه المدة، وكان الإيلاء قائما في البواقي، فإن وطئ انحلت الإيلاء في حق التي
وطئها، وكان الإيلاء قائما في التي لم يطأها، لأنه منع نفسه عن وطء كل واحدة
منهن نطقا، فلهذا لم ينحل اليمين بوطئ بعضهن.
وليس كذلك إذا قال: لا أقرب واحدة منكن، فوطئ واحدة انحلت اليمين في
الكل، لأنه إنما منع نفسه من وطء واحدة لا بعينها، فإذا وطئ واحدة فقد عينها
بالوطئ، فانحلت اليمين في البواقي.
ألا ترى أنه لو قال: والله لا كلمت أحد هذين الرجلين، فإذا كلم واحدا منهما
حنث، وانحلت اليمين في الثاني، ولو قال: والله لا كلمت كل واحد من هذين
305

الرجلين، فكلم واحدا منهما حنث فيه وكانت اليمين باقية في الآخر، وكان الفصل
بينهما ما ذكرناه.
فصل: في التوقيف في الإيلاء:
إذا آلى من امرأته تربص أربعة أشهر لا مطالبة عليه، لقوله تعالى: " للذين يؤلون
من نسائهم تربص أربعة أشهر " فإذا ثبت أن لا مطالبة قبل انقضائها، فإذا انقضت
المدة وقف ليفئ أو يطلق، فإن فاء خرج من حكم الإيلاء، وإن طلقها فقد وفاها
حقها لهذه المدة، وإن امتنع من الفيئة ومن الطلاق حبس عندنا وضيق، على ما
مضى، ولا يطلق عليه السلطان، وقال بعضهم: يطلق.
فإذا انقضت المدة فعفت عن المطالبة فإن لها المطالبة بحقها بالفيئة أو
بالطلاق عقيب عفوها، ولا يسقط ذلك بعفوها، لأن المطالبة وجبت لها بالامتناع من
الجماع بعقد يمين، وهذا يتجدد حالا فحالا، وزمانا بعد زمان، فإذا عفت صح فيما
وجب لها، ولم يصح فيما سيجب لها.
إذا آلى من زوجته الأمة، ضربنا له المدة كالحرة، فإذا انقضت وقف لها وكانت
بالخيار بين المطالبة وترك المطالبة، ولا حق لسيدها فيه، مثل الرد بالعيب، وحقها من
القسم، وهكذا ولي المعتق بعد انقضاء المدة لا مطالبة له لأنه حق لها، لكن يقال
للزوج: اتق الله ووفها حقها بفيئة أو طلاق فقد توجه عليك لكن قد تعذر بالمطالبة،
فإن فعل فقد أحسن، وإن أبي فلا مطالبة عليه لغير زوجته.
رجل له امرأتان زينب وعمرة، فقال لزينب: إن قربتك فعمرة طالق، عندنا لا
يكون موليا لأنه ما حلف بالله، وعند من أجازه قال: قد آلى من زينب، لأنه لا يمكنه
وطؤها بعد التربص إلا بضرر، وهو وقوع الطلاق على عمرة، فهو مول منها، وأما عمرة
فما آلى منها، لأنه علق طلاقها بصفة هي وطء زينب ومتى وطئ عمرة فلا ضرر عليه
في وطئها، فلهذا لم يكن موليا منها.
وأما زينب فتتربص ثم يوقف لها فإن فاء طلقت عمرة، وإن طلقت فإن كان
306

رجعيا فالإيلاء بحاله متى راجعها، وإن كان بائنا ثم تزوج بها نظرت: فإن كان بدون
الثلاث عاد، وإن كان بالثلاث لم يعد، وقال بعضهم: يعود بكل حال، وقال
آخرون: لا يعود بكل حال، فأما صفة طلاق عمرة، فهي ثابتة بحالها لم يتغير حكمها
بزوال نكاح زينب، فمتى وطئ زينب طلقت عمرة سواء كان الإيلاء ثابتا أو زائلا.
فإن طلق عمرة طلقة رجعية ثم راجعها، فصفة الطلاق بحالها، والإيلاء بحاله،
وإن أبانها ثم تزوجها فهل يعود حكم الصفة أم لا؟ نظرت: فإن أبانها بدون الثلاث
عادت الصفة، وعند بعضهم لا يعود، وإن أبانها بالثلاث لم تعد، وقال بعضهم:
تعود، فكل موضع عادت الصفة عاد الإيلاء، وكل موضع لم تعد الصفة انحل
الإيلاء، وهذا قد سقط عنا لما بيناه من أن الإيلاء بغير اسم الله لا ينعقد، وأن الطلاق
بشرط لا يصح.
إذا آلى من زوجته الأمة ثم اشتراها انفسخ النكاح، ثم أعتقها ثم تزوجها فهل
يعود حكم الإيلاء أم لا؟ وكذلك لو كان الزوج عبدا تحته حرة فاشترته انفسخ النكاح،
فأعتقته ثم تزوجت به فهل يعود حكم الإيلاء أم لا؟ عندنا لا يعود، لأنه لا دليل عليه
ولأن هذه زوجة أخرى، وقال بعضهم: يعود، والكلام في الطلاق والظهار هل يعود
أم لا؟ كان كالإيلاء حكم واحد.
إذا آلى من زوجته تربص أربعة أشهر بكل حال، لا يختلف ذلك بالرق
والحرية، سواء كانت حرة تحت عبد، أو أمة تحت حر، وفيه خلاف ذكرناه في
الخلاف.
إذا آلى من زوجته تربص أربعة أشهر ثم وقف لها، فإن اختلفا في المدة
فقالت: قد انقضت، وقال: انقضت، فالقول قوله مع يمينه، لأن الأصل أنها ما
انقضت، وكذلك إن اختلفا في ابتداء المدة لأن الأصل أن لا يمين.
إذا آلى من الرجعية صح الإيلاء لأنها في حكم الزوجات بلا خلاف، فإذا ثبت
صحته فإن المدة لا تحتسب عليه ما دامت في العدة، عند من قال: " إنها محرمة
الوطء " وقال بعضهم: تحسب عليها لأنها مباحة الوطء، وهو مذهبنا، فمن قال:
307

إنها غير محرمة ما دامت في العدة، فمتى راجعها ضرب له المدة من ذلك الوقت،
لأن اليمين قائمة، وعندنا تحسب من وقت اليمين.
الإيلاء بالذمية كصحتها في المسلمة الحرة والأمة، إذا كانت زوجة، لعموم
الآية.
إذا انقضت المدة وطولب بالفيئة أو الطلاق، فقال: أنا أفئ، لم يخل من أحد
أمرين: إما أن يكون قادرا على الفيئة أو عاجزا عنها، فإن كان قادرا عليها ففيئة القادر
الجماع فإن فاء فقد خرج من حكم الإيلاء، وإن كان معذورا من مرض أو حبس فاء
فيئة العاجز المعذور، وهي باللسان وهو أن يقول: ندمت على ما فعلت فمتى قدرت
جامعت، لأن الفيئة عليه بحسب القدرة، فإذا فعل هذا فقد فعل ما قدر عليه.
فإن طلق أو فاء فيئة القادر أو العاجز سقطت عنه المطالبة، وإن امتنع من كل
هذا، فهل يطلق عليه السلطان؟ على ما مضى، وإن فاء فيئة المعذور، ثم قدر على
فيئة القادر طولب بالفيئة، فإما أن يفئ فيئة القادر أو يطلق.
إذا آلى منها ثم وطئها، عندنا عليه الكفارة، سواء كان في المدة أو بعدها، وقال
قوم: إن وطئها قبل المدة فعليه الكفارة، وإن وطئها بعدها فلا كفارة عليه، وهو
الأقوى.
إذا وقف في المدة فاختار الفيئة، وقال: أمهلوني، أمهل بلا خلاف، وكم
يمهل؟ قال قوم: يمهل ثلاثة أيام، وقال قوم آخرون: يمهل على ما جرت به العادة،
إن كان جائعا حتى يأكل، وإن كان شبعانا حتى يمرئه، وإن كان في الصلاة حتى
يصلي وإن كان نائما حتى ينتبه، وإن كان ساهرا حتى ينام ويذهب سهره، وجملته
أنه يصبر عليه بحسب مالا يخرج عن العادة في الجماع على العرف المألوف، وهذا
الذي نختاره.
إذا انقضت المدة وهناك عذر يمنع من الجماع، مثل الحيض والنفاس أو
الصوم أو الإحرام أو الاعتكاف الواجب أو مرض بها أو جنون، فإذا كانت هذه الأعذار
من جهتها لم تتوجه عليه المطالبة لأنه تعذرت الفيئة بسبب من جهتها، وإن كانت
308

الأعذار من جهتها مع أول المدة حين يمينه لم تضرب المدة، ما دامت قائمة، لأن
المدة إنما تضرب إذا امتنع من جماعها بعقد يمين، وهاهنا قد حصل المنع بغير
يمين، هذا في جميع هذه الأعذار إلا الحيض فإنه لو آلى منها وهي حائض، لم يمنع
الحيض من ابتداء المدة، وأما إن وجدت الأعذار في أثناء المدة، قطعت الاستدامة
أيضا كما منعت الابتداء.
والفصل بين الحيض وبين غيره أن الحيض لو منع الابتداء أو قطع الاستدامة
أدى إلى أن لا يتم تربص واحد في غالب العرف، فإن العرف أن تحيض المرأة في كل
شهر حيضة، فيفضي إلى منع التربص بكل حال، وإذا ثبت أنه يقطع الاستدامة
ويمنع الابتداء فمتى زالت هذه الأعذار استأنف ولم يبن على ما مضى، لأن من شأن
هذا المدة المتابعة، مثل صوم كفارة الظهار والقتل والجماع، هذا إذا كانت الأعذار
من جهتها.
فإن كانت من جهته، فالذي يكون من جهته الصوم الإحرام والاعتكاف الواجب
والحبس والمرض، فإذا كانت موجودة فآلى منها ضربنا المدة، ولم تمنع هذه الأعذار
من ضرب المدة في حقه، لأن الذي عليها التمكين وقد فعلت، وهكذا الحكم إذا
كانت الأعذار معدومة في الابتداء فضربت المدة ثم حدثت في أثناء المدة فإنها لا
تقطع الاستدامة أيضا لما مضى.
هذا في كل هذه الأعذار منهما، إلا في شيئين منها، ارتداد منهما أو من
أحدهما أو طلاق رجعي، فإن هذين يمنع كل واحد منهما الابتداء، ويقطع
الاستدامة، لأن المدة إنما تضرب في زوجية كاملة وهذه ناقصة، لأنها تجري إلى
بينونة.
فأما إن وجدت الأعذار من جهته عند انقضاء المدة نظرت:
فإن كان مرضا أو حبسا بغير حق فهذا معذور يفئ فيئة المعذور، فإن فاء فيئة
معذور أو طلق فقد خرج من حكم الإيلاء، وإن امتنع منهما فهل يطلق عليه
الحاكم؟ على ما مضى من الخلاف.
309

فأما إن كان محبوسا بحق بدين عليه، وهو قادر على الخروج منه، فهذا قادر
على الفيئة لكنه يمتنع ظلما، فإن عليه أن يقضي الحق ويخرج فإذا لم يفعل فقد ترك
فيئة القادر مع القدرة عليه، فيقال: إما أن تقضي الحق وتفئ أو تحملها إليك إلى
الحبس أو تطلق، فإن لم يفعل فعلى ما مضى من الخلاف.
وإذا آلى منها وهو غائب صح الإيلاء لعموم الآية، وتكون المدة محسوبة عليه،
وهكذا لو آلى وهو حاضر ثم غاب، لأن العذر من جهته، وعلى مذهبنا لا يمكن أن
تحسب المدة عليه، لأنا بينا أن المدة تكون من حين الترافع، وهذا لا يتم مع الغيبة
إلا إذا بلغ المرأة، فارتفعت إلى الحاكم وضرب لها المدة، فإنه يصح ذلك.
فإذا ثبت أنه يتربص فإذا انقضت المدة حلت عليه المطالبة، فإما أن يوكل في
المطالبة عنها فللوكيل مطالبته بالفيئة أو بالطلاق، فإن طلق فقد أوفاها حقها، وإن
لم يطلق طولب بالفيئة بحسب القدرة، فإن امتنع كان حكمه ما تقدم، وإن فاء فيئة
المعذور قيل له: إما أن تسير إليها فتفئ هناك وإما أن تستدعيها إليك فأيهما فعل
جاز، هذا إذا كان الطريق مسلوكا فأما إن كان مخوفا قيل له: عليك المسير متى
قدرت عليه.
إذا آلى منها ثم جن فالمدة محسوبة عليه، لأن العذر من جهته في زوجية
تامة، فإذا انقضت المدة والجنون بحاله لم يوقف، لأنه غير مكلف، فمتى عاد عقله
وقف مكانه، لأنه العذر قد زال.
وإذا آلى ثم أحرم أو أحرم ثم آلى صح الإيلاء واحتسب عليه المدة، لأنه آلى
في زوجية تامة، والعذر من جهته، فإذا انقضت وهو على الإحرام طولب فإن طلق
فقد وفاها حقها، وإن قال: أنا أفئ، قلنا: لا تسوع لك الفيئة لأنك تفسد العبادة
ويجب عليك الكفارة، ثم ينظر: فإن أقدم على الفيئة فقد وفاها حقها، وخرج من
الإيلاء، وأفسد الإحرام، وعليه ما يلزمه من الكفارة وفساد الحج والعمرة، وإن قال:
أمهلوني حتى أحل وأفئ الآن فيئة معذور، قلنا: ليس لك ذلك، لأن العذر من
جهتك، وليس كذلك المرض، فإنه من جهة الله تعالى، وعندي أنه يقبل منه فيئة
310

المعذور.
إذا تظاهر منها وعاد ثم آلى أو آلى ثم ظاهر صح الإيلاء لأنه صادف زوجية
تامة، والمدة محسوبة، لأن العذر من جهته، فإذا انقضت وقف، فإن طلق فقد وفاها
حقها، وإن قال: أنا أفئ، قلنا: لا نفتيك بالفيئة قبل التكفير لأنها محرمة عليه قبل
أن يكفر.
فإن قال: أمهلوني حتى أكفر، قال قوم: يمهل يومين أو ثلاثة لأنه وقت قريب
فإن لم يكفر وأراد الوطء قلنا: هو حرام عليك، لكن إن طلبت ذلك كان عليها أن
تمكنه منه، لأنه لا يجمع لها بين المطالبة والامتناع، وتحقيقه أن الحرام عليه دونها
فليس لها أن تمتنع من أمر هو غير محرم في حقها.
وإذا ادعى الإصابة فأنكرت لم يخل من أحد أمرين: إما تكون ثيبا أو بكرا فإن
كانت ثيبا فالقول قوله، لأن قولهما ممكن، والأصل بقاء العقد، فالقول قوله مع
يمينه، وإن كانت بكرا أريت أربع نساء قوابل عدول، فإن قلن ثيب فالقول قوله مع
يمينه، لما مضى، وإن قلن بكر فالقول قولها، لأن الظاهر معها، لأن الأصل بقاء
البكارة وعدم الوطء، وعندنا أن هذا القسم لا يصح لأنه لا إيلاء عندنا إلا بعد
الدخول.
إذا آلى منها ثم ارتدا أو أحدهما لم تحسب المدة عليه، لأنها إنما تحسب إذا
كان المانع من الجماع اليمين، وهاهنا المانع اختلاف الدين، ولأنه لا يمكن الفيئة
بعد التربص ولا الطلاق.
فإذا ثبت أن المدة انقطعت، فإن اجتمعا على الإسلام قبل انقضاء العدة، فقد
عادا إلى ما كانا عليه، ويستأنف المدة من حين العود، وإن كان الرجوع بعد انقضاء
العدة، فقد وقع الفسخ بانقضاء العدة، وله أن يتزوج بها، فإن تزوجها بعد حصول
الفسخ فهل يعود حكم الإيلاء أم لا؟ فقد مضى عندنا أنه لا يعود حكمه، وعند
بعضهم يعود.
فأما إن بانت بالخلع فإن مدة الإيلاء قد انقطعت، فإن نكحها بعد هذا، عندنا
311

أنه لا يعود حكمه، وعند بعضهم يعود.
الفيئة التي يخرج بها المولي من حكم الإيلاء التقاء الختانين، فالتقاؤهما أن
تغيب الحشفة في الفرج، لأن كل حكم يتعلق بالوطئ فبالتقاء الختانين يتعلق،
كالغسل والحد، واستقرار المهر، ووجوب العدة والإحصان، والإباحة للزوج الأول،
وإفساد العبادات ووجوب الكفارة، والخروج من حكم العنن.
فإذا ثبت هذا فإذا تربص المولي وقفناه فإما أن يفئ أو يطلق، فإن طلق فلا
كلام، وإن فاء بما قلناه فقد خرج من حكم الإيلاء.
فإن لم يفعل شيئا من هذا وقال: أنا عاجز، لم يخل إما أن تكون بكرا أو ثيبا:
فإن كانت بكرا فعندنا لا يصح إيلاؤه وعندهم أقر بالعنة فيكون القول قوله، لأنه
أعرف بنفسه مع يمينه، لئلا يكون كاذبا فيما يدعيه، وإنما قصد إلى الإضرار بها.
فإذا حلف قيل له: إذا عجزت عن فيئة القادر فعليك أن تفئ فيئة المعذور
كالمريض، فإذا فاء فيئة معذور سقطت المطالبة عنه، ويقال لها: لك أن تسألي
الحاكم أن يضرب له مدة للعنة فإذا ضرب ذلك عليه تربص سنة، فإن وطئ وإلا كان
لها مطالبة الحاكم بالفسخ، ومنهم من قال: إذا أقر بالعجز تعين عليه الطلاق، هذا
إذا كانت بكرا.
فإن كانت ثيبا نظرت: فإن لم يكن وطئها في هذا النكاح فالحكم فيه كما لو
كانت بكرا وقد مضى حرفا بحرف، وإن كان قد وطئها فيه، فإذا أقر بالعجز لم نجعله
عنينا، لأن الرجل يكون عنينا في نكاح دون نكاح، وزوجة دون زوجة، فأما في نكاح
واحد يطأ ثم يصير عنينا فيه فلا يكون، ولا يقبل منه، ويقال له: إما أن تفئ أو
تطلق، فإن طلق فلا كلام، وإن فاء فلا كلام، وإن امتنع فعلى ما مضى من
الخلاف.
إذا ثبت أنه يخرج من حكم الإيلاء بالتقاء الختانين، فإن كان الوطء مباحا
فلا كلام، وإن كان محرما مثل أن كانت حائضا أو نفساء أو محرمة أو صائمة، أو كان
هو محرما أو صائما خرج به أيضا من حكم الإيلاء، لأن الأحكام التي تتعلق بالوطئ
312

في النكاح الصحيح لا يفترق الحكم فيها بين أن تكون مباحة أو محظورة، كالإحصان
والإباحة للزوج الأول.
إذا آلى منها وهو صحيح ثم جن فالمدة محسوبة عليه، لأن العذر من جهته في
زوجية تامة، فهو كما لو هرب أو مرض، فإذا انقضت المدة وهو مجنون فلا مطالبة
عليه، لأنه ليس بمكلف، فإن أفاق وقف في الحال، لأن العلة زالت، فإن فاء أو
طلق فلا كلام، وإن امتنع فعلى ما مضى، وإن وطئها في حال جنونه لم يحنث،
وخرج من حكم الإيلاء، لأن الإصابة قد حصلت، وإنما فقد فيها القصد وفقد القصد
لا يمنع من الخروج بها من حكم الإيلاء، ألا ترى أنه لو كان له زوجتان فآلى من
إحديهما، ثم وجدها على فراشه، فوطئها ظنا منه أنها غير التي آلى منها خرج من
حكم الإيلاء، لوجود الإصابة، وإن كان القصد مفقودا.
ويفارق الحنث لأن الحنث يتعلق به حق الله تعالى، فاعتبر فيه القصد، فلهذا
عدم بفقد القصد، ألا ترى أن الذمية إذا كانت تحت مسلم فانقطع دم حيضها،
كلفت الاغتسال، فإذا فعلت حل له وطؤها، وإن كان هذا الغسل لا يجزئها في
حق الله، وإن أجزأ في حق الآدمي.
وقال بعضهم: لا يخرج بهذا الوطء من حكم الإيلاء، لأنه وطء لم يحنث به
كالوطء فيما دون الفرج، والأول أقوى عندنا.
فإذا تقرر هذا فمن قال يخرج من حكم الإيلاء لأنه وطئ، قال: انحلت اليمين
فإذا أفاق لم يطالب بالفيئة ولا بالطلاق لأنه وفاها حقها، لكن يقال: أنت حالف
لأنك ما حنثت، ولكن غير مول لأنه لا مطالبة عليك، فمتى وطئ وجبت عليه
الكفارة، ويقوى عندنا أنه لا كفارة عليه، لأن يمينه قد انحلت.
ومن قال لم يخرج من حكم الإيلاء قال: إذا أفاق هذا فما حكمه؟ فيه وجهان:
أحدهما يوقف في الحال، فإن فاء أو طلق فلا كلام، وإن امتنع فعلى ما مضى،
والوجه الثاني أنه تستأنف له مدة من حين إفاقته، لأن ذلك الوطء وإن لم يخرج فيه
من حكم الإيلاء، فقد أوفاها حقها به لتلك المدة، فهو كما لو طلقها طلقة رجعية ثم
313

راجعها، فإنه يستأنف له مدة أخرى، هذا إذا أصابها حال جنونه.
فأما إن آلى منها ثم جنت هي، فإما أن تقر في يده، أو تقر منه، فإن فرت
وهربت لم تحسب المدة عليه، لأن العذر من جهتها كما لو نشزت العاقلة، وإن
كانت في قبضته فالمدة محسوبة عليه، لأنه متمكن من وطئها، كما لو كانت
عليلة.
فإذا انقضت المدة وهي مجنونة لم يوقف ولا مطالبة عليه في حقها، لأن الحق
يختص بها، وليست من أهل المطالبة به، لكن يقال له: اتق الله ووفها حقها بطلاق
أو وطء، فإن طلق فلا كلام، وإن وفاها حقها بالوطئ، حنث هاهنا لأنه عاقل قاصد
إلى المخالفة.
الإيلاء يصح من الذمي كما يصح من المسلم لعموم الآية، وقال قوم: لا يصح
منه الإيلاء، فإذا ثبت ذلك وترافع ذميان إلينا، قال قوم: على الحاكم أن يحكم
بينهما لقوله تعالى: " وأن احكم بينهم بما أنزل الله " وقال آخرون: هو بالخيار لقوله
تعالى: " فاحكم بينهم أو أعرض عنهم " وهو الأظهر في رواياتنا.
إذا كان العربي يحسن العربية والعجمية معا فآلى منها بأي لغة شاء، فقد صح
الإيلاء، لأن اليمين بالله ينعقد بكل لسان.
وإن كان لا يحسن العجمية في الظاهر فأتى بكلمة الإيلاء بالعجمية، سألناه،
فإن قال: هذه كلمة الإيلاء كنت أعرفها وقد آليت بها، صح الإيلاء لما مضى، وإن
قال: ما عرفت معناه وإنما تكلمت لأني سمعتها من العجم، فالقول قوله، ولا يكون
موليا لأن الظاهر أنه لا يعرفها، فهو كمن سبق لسانه إلى كلمة بغير قصد، ويكون
القول قوله مع يمينه، لجواز أن يكون عارفا باللغة.
إذا تكرر الإيلاء منه، فآلى ثم آلى، فإنه على ضربين:
أحدهما: أن يطلق الإيلاء فيقول: والله لا أصبتك، ثم يقول: والله لا أصبتك،
فهما مطلقتان على التأييد.
والثاني: أن تكون اليمينان مقيدتين، فيقول: والله لا وطئتك سنة، ثم يقول:
314

والله لا وطئتك سنة أو سنتين أو نصف سنة، فمتى قيد بالمدة فلا فصل بين أن تتفق
المدتان أو تختلفا، فإنهما يتداخلان.
وإذا دخلت إحديهما في الأخرى، فإن أراد بالثانية تأكيد الأولى، كان على ما
أراد، لأن اليمين هي الأولى، والثانية تأكيد لها، فهو كقوله: أنت طالق أنت طالق،
وأراد بالثانية تأكيد الأولى، وإن أراد بالثانية الاستئناف، ونوى بها غير الأولى، فهو
مول منهما بيمينين، تضرب له المدة فإذا انقضت فإما أن يفئ أو يطلق، فإن طلق
خرج من حكم الإيلاء عن اليمينين معا، وإن فاء خرج أيضا من اليمينين معا.
وهل عليه الكفارة أم لا؟ قال قوم: لا كفارة عليه، ولو حلف ألف يمين، ومن
قال: عليه الكفارة - وهو الصحيح عندنا - فهل عليه واحدة أو اثنتان؟ قال قوم:
كفارتان، ولو كانت مائة يمين فمائة كفارة، لأن حرمة اليمين الثانية كحرمة الأولى،
وقال قوم: كفارة واحدة، وهو الأقوى عندي لأن الأصل براءة الذمة، هذا إذا نوى
التأكيد بالثانية أو الاستئناف.
فأما إن أطلق ولا نية له، فإنه أضعف من ذلك، فإن عندنا لا حكم له، ومنهم
من قال: كفارة واحدة، كما لو استأنف، ومنهم من قال: على قولين.
الخصي الذي سلت بيضتاه وبقى ذكره فهذا يولج أشد من إيلاج الفحل، وينزل
ماء رقيقا لا يكون منه الولد، وقيل: إنه لا ينزل أصلا، فإذا آلى فهو كالفحل حرفا
بحرف.
فأما المجبوب فعلى ثلاثة أضرب: إما أن بقي له ما يجامع به، أو بقي ما
لا يجامع به أو بقي ما يجامع به لكنه يقول: إنه لا يقدر أن يجامع به:
فإن بقي ما يجامع به ويقر هو، فهو كالفحل سواء، كمن له ذكر قصير، ومن له
ما يجامع به، وذكر أنه عاجز عن الجماع، فهذا معترف بالعنة، وقد مضى، وقلنا:
إن الصحيح أنه لا يتعين عليه الطلاق، ومنهم من قال: يتعين، وأما إن لم يبق له
شئ بحال أو بقي ما لا يجامع به لصغره، فهل يصح إيلاؤه؟ قال قوم: يصح لعموم
الآية، وقال آخرون: لا يصح، لأن الإيلاء أن يقصد الإضرار بها بالامتناع من وطئها
315

بعقد يمين، وهذا غير قادر على هذا، بل هو ممتنع بغير يمين.
فمن قال: لا يصح، فلا كلام، ومن قال: يصح، يتربص أربعة أشهر ثم وقف
ليفئ أو يطلق فإن طلق فلا كلام، وإن طلبت الفيئة قلنا: لا يقدر على فيئة القادر،
ولكن يفئ فيئة معذور وهي أن يقول: " ندمت على ما كان مني ومتى قدرته فعلت "
هاهنا لا يمكنه هذا فيقول: " ندمت على ما كان مني ولو كنت قادرا لفعلت " فإذا فعل
هذا فقد وفاها حقها، وإن امتنع من الأمرين فعلى ما مضى من الخلاف، وهذا أقوى
عندي لعموم الآية، هذا إذا آلى وهو مجبوب.
فأما إن آلى ثم جب في أثناء المدة، ولم يبق له ما يجامع به، فلها خيار الفسخ
في الحال عندهم، لأنه عيب ثبت لها به الخيار، فإن اختارت الفسخ فسخ في
الحال، وعندنا لا خيار لها في الفسخ، وإن اختارت المقام معه فالإيلاء هاهنا مبني
عليه إذا كان مجبوبا في الابتداء، فمن قال: الجب يمنع صحة الإيلاء، قطع المدة
هاهنا، ومن قال لا يمنع قال: المدة بحالها يتربص، فإذا مضت المدة وقف على
ما مضى، فإن طلق أو فاء فيئة معذور فلا كلام، وإن امتنع منهما فهل يطلق عليه أم
لا؟ على ما مضى من الخلاف.
316

كتاب الظهار
الظهار هو أن يقول الرجل لزوجته: أنت علي كظهر أمي، وسمي ظهارا اشتقاقا
من الظهر، وإنما خص ذلك بالظهر دون البطن والفخذ والفرج وغير ذلك من
الأعضاء، لأن كل بهيمة تركب فإنما يركب ظهرها، فلما كانت المرأة تركب وتغشي
سميت بذلك، فإذا قال: أنت علي كظهر أمي، فمعناه ركوبك علي محرم كركوب
أمي، فسمي ظهارا اشتقاقا من هذا.
والأصل فيه الكتاب والسنة، فالكتاب قوله تعالى: " الذين يظاهرون منكم من
نسائهم ما هن أمهاتهم " إلى قوله: " فإطعام ستين مسكينا " فذكر الله تعالى حكم
الظهار في هذه الآيات الثلاث فذكر في الآية الأولى تحريمه، وأنه قول منكر وزور
وذكر في الآية الثانية والثالثة الكفارة فأوجب فيه عتق رقبة، ثم صوم شهرين متتابعين
ثم إطعام ستين مسكينا، فثبت بذلك أن للظهار حكما في الشرع، وأن الكفارة تتعلق
به.
وروت خولة بنت مالك بن ثعلبة قالت: تظاهر مني زوجي أوس بن الصامت
فأتيت النبي صلى الله عليه وآله فشكوت إليه ذلك، فجعل رسول الله
صلى الله عليه وآله يجادلني عن زوجي، ويقول: اتقي الله فإنه ابن عمك، فما برحت حتى نزل قوله
317

تعالى: " قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها " وتشتكي إلى آخر الآيات التي ذكر
فيها الكفارة، فقال النبي صلى الله عليه وآله: يعتق رقبة، فقلت: لا يجد، فقال:
يصوم شهرين، فقلت: إنه شيخ كبير ما به من صيام، فقال: يطعم ستين مسكينا،
فقلت له: ما له شئ، قال: فأتي بعرق من تمر، فقلت: أضم إليه عرقا آخر
وأتصدق به عنه، فقال: أحسنت تصدقي به على ستين مسكينا، وارجعي إلى ابن
عمك.
وروى سليمان بن يسار عن سلمة بن صخر قال: كنت رجلا أصيب من النساء
ما لا يصيب غيري، فلما دخل رمضان خفت أن أصيبها فيتتابع بي حتى الصبح،
فظاهرت منها حتى ينسلخ رمضان، فبينا هي تخدمني ذات ليلة إذا انكشف شئ
منها، فما لبثت أن نزوت عليها، فلما أصبحت أتيت قومي فذكرت ذلك لهم وسألتهم
أن يمشوا معي إلى النبي صلى الله عليه وآله، فقالوا: لا والله، فأتيت النبي
صلى الله عليه وآله فذكرت له ذلك، فقال: أعتق رقبة، فقلت: والذي بعثك بالحق ما أملك
رقبة غيرها وضربت بيدي على صفحة رقبتي، فقال: صم شهرين، فقلت: وهل أصبت ما
أصبت إلا من الصيام؟ فقال: أطعم ستين مسكينا، فقلت: والذي بعثك
بالحق لقد بتنا وحشين ما لنا طعام، فقال: اذهب إلى صدقة بني زريق فليدفعوا إليك
وسقا من تمر فأطعم ستين مسكينا وكل أنت وعيالك الباقي، قال: فرجعت إلى قومي
فقلت ما وجدت عندكم إلا الضيق وسوء الرأي، ووجدت عند رسول الله
صلى الله عليه وآله السعة وحسن الخلق، وقد أمر لي بصدقتكم.
فإذا ثبت هذا فالظهار محرم بلا خلاف لقوله تعالى: " فإنهم ليقولون منكرا من
القول وزورا ".
وكل زوج يصح طلاقه من حر وعبد فإن ظهاره يصح، غير أنا نعتبر أن يكون بعد
الدخول، فأما قبله فلا يصح، وحكي عن بعضهم أنه لا يصح ظهار العبد، والظهار
لا يصح من الكفار عندنا، ولا التكفير، وقال قوم: يصح منهم الظهار والكفارة بالعتق
والإطعام ولا يصح بالصوم، وإنما قلنا: لا يصح، لأن الظهار حكم شرعي فمن لا يقر
318

بالشرع كيف يصح منه، والكفارة منه لا تصح لأنها تحتاج إلى نية القربة، وذلك
لا يصح منهم، وإذا لم تصح الكفارة لم يصح الظهار لأن أحدا لا يفرق.
فمن قال يصح الظهار من الذمي قال: إذا ظاهر من زوجته الذمية، فإن طلقها
عقيب الظهار لم يلزمه الكفارة كالمسلم، وإذا أمسك عن الطلاق بعد الظهار حتى
مضى زمان أمكنه فيه أن يطلق فلم يفعل، صار عائدا فلزمته الكفارة كالمسلم.
وأما إذا أسلم أحد الزوجين عقيب الظهار فلا يخلو: إما أن أسلم الزوج أو
الزوجة.
فإن أسلمت الزوجة لم يخل: إما أن يكون قبل الدخول أو بعده.
فإن كان قبل الدخول انفسخ النكاح بينهما في الحال، وإذا انفسخ النكاح فلا
تجب الكفارة، لأنها تجب بالعود، والعود غير ممكن هاهنا، لأن العود أن يمسكها
زوجة مع قدرته على الطلاق، وهذا لا يقدر على الطلاق، فإن الإسلام وجد عقيب
الظهار، والفرقة تقع عقيب الإسلام، فإذا قال لها: أنت طالق، فالفرقة تقع عقيب
الطلاق، فيصادف وقوع الفرقة بالطلاق الفرقة الواقعة بالفسخ، فلم يقع الطلاق.
وإن كان بعد الدخول فإن الفرقة لا تقع في الحال، لأن العود إذا كان بعد
الدخول لم يتعجل به الفرقة، ولا يصير الزوج عائدا في الحال، لأن العود أن يمسكها
زوجة مع قدرته على الطلاق، وهذه جارية إلى بينونة، ثم ينظر: فإن لم يسلم الزوج
حتى انقضت العدة بانت، وزال الحكم المتعلق بالظهار، وإن أسلم قبل انقضاء
العدة عادت الزوجية كما كانت، والظهار على حاله، وهل يكفي إسلام الزوج أو
يحتاج أن يمضي بعد الإسلام زمان يصير به عائدا؟ فيه وجهان.
فأما إذا أسلم الزوج فإنه ينظر:
فإن كانت كتابية لم يؤثر إسلام الزوج في النكاح، ويكون إسلام الزوج عودا منه،
لأنه كان يمكنه أن يطلق بدل الإسلام وإذا لم يفعل فقد أمسكها زوجة مع قدرته على
الطلاق، فصار عائدا ولزمته الكفارة.
وإن كانت الزوجة مجوسية أو وثنية فإنها لا تقر تحت المسلم، فإن كان ذلك
319

قبل الدخول انفسخ النكاح في الحال، وزال حكم الظهار، وإن كان بعد الدخول
وقف على انقضاء العدة، ولا يصير عائدا في الحال، فإن لم تسلم الزوجة حتى
انقضت العدة بانت وزال حكم الظهار، وإن أسلمت قبل انقضاء العدة عادت إلى
الزوجية، ولا يكون إسلامها عودا بل يحتاج أن يمضي بعد إسلامها زمان يمكن فيه
الطلاق.
لا يقع الظهار قبل الدخول عندنا، وخالف جميع الفقهاء في ذلك، وأما بعد
الدخول بها فإنه يصح ظهارها صغيرة كانت أو كبيرة، عاقلة أو مجنونة، وعندهم بكرا
أو ثيبا، مدخولا بها أو غير مدخول، يقدر على جماعها أو لم يقدر، لعموم الآية.
إذا طلق زوجته طلاقا يملك رجعتها طلقة كانت أو طلقتين بعد الدخول، ثم
ظاهر منها، صح الظهار منها بلا خلاف، لأنها في حكم الزوجات، ولا يصير عائدا
منها في الحال لأنها تجري إلى بينونة، لكن ينظر:
فإن راجعها قبل انقضاء العدة عادت إلى زوجيته، وعاد الظهار، وهل تكون
الرجعة عودا أم لا؟ قيل فيه قولان: أحدهما لا يكون بل يحتاج أن يمضي بعد الرجعة
زمان يمكنه فيه الطلاق، والآخر يكون عودا.
وفائدة القولين هو أنا إذا قلنا: إن الرجعة تكون عودا فإنه إذا راجعها ثم أتبع
الرجعة طلاقا لزمته كفارة، إذا قيل لا يكون عودا فإذا طلقها عقيب الرجعة لم يلزمه
الكفارة حتى يمضي بعد هذا زمان يمكنه فيه الطلاق، والأولى أن يقول: إن ذلك
يكون عودا إذا قلنا: إن العود ما قالوه، هذا إذا راجعها بعد ذلك.
فأما إذا تركها حتى انقضت العدة فإنها تبين منه فإن تزوجها بعد ذلك فهل يعود
الظهار أم لا؟ فالحكم فيها وفي كل امرأة تظاهر منها زوجها وأبانها عقيب الظهار قبل
حصول العود ثم تزوجها هل يعود الظهار بعود الزوجية؟ عندنا لا يعود، وقال قوم:
يعود، وفيهم من فرق بين أن يبينها بواحدة أو ثلاث فمن قال: لا يعود، فلا كلام ومن
قال: يعود، فهل تكون الزوجية عودا أو يحتاج أن يمضي بعدها زمان يصير به عائدا؟
على وجهين.
320

إذا كانت تحت الرجل زوجة أمة فتظاهر منها صح ظهاره بلا خلاف، لعموم
الآية، فإن أمسكها بعد الظهار مدة حتى يمكنه فيها الطلاق، عندهم صار عائدا ولزمته
الكفارة، ويحرم عليه وطؤها حتى تكفر كالحرة.
فأما إذا تظاهر منها ثم اشتراها ففيه مسألتان: إحديهما أن يشتريها بعد العود،
والثانية أن يشتريها عقيب الظهار قبل العود.
فأما إذا اشتراها بعد العود فالنكاح ينفسخ بالشراء ولا يؤثر هذا الفسخ في إسقاط
الكفارة، لأن الكفارة وجبت في الذمة، واستقرت، فلا يؤثر الفسخ فيها كما لو تظاهر
من زوجته وعاد ثم طلقها، فإن الطلاق لا يؤثر في الكفارة، ولا يحل له وطؤها حتى
يكفر، لقوله تعالى: " فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا " فإن أعتق رقبة غير هذه الأمة
أجزأه ذلك، وحل له وطؤها، وإن أعتق رقبة هذه الأمة جاز أيضا يعقد عليها ويطأها
بلا خلاف.
وأما إذا تظاهر منها ثم اشتراها عقيب الظهار، بأن يقول: " أنت علي كظهر
أمي "، ابتعت منك هذه الجارية، فقال السيد: بعتك إياها، فالشراء صحيح،
وينفسخ النكاح، وهل يكون بالشراء عائدا؟ قال بعضهم: يصير عائدا بنفس الشراء،
وقال قوم آخر: لا يصير عائدا بنفس الشراء، وهو الأقوى عندنا.
فإذا ثبت هذا فمن قال: يكون عائدا بالشراء، فقد لزمته الكفارة، ولا يحل له
وطء الأمة حتى يكفر كالمسألة التي قبلها سواء، ومن قال: لا يكون عائدا، فالكفارة
لا تلزمه، والأمة مباحة، لأنه لا كفارة عليه وهو مذهبنا، فإن أعتقها ثم تزوجها لا يعود
الظهار عندنا، وفيهم من قال: يعود، وهل يعود بنفس التزويج أو بأمر آخر؟ على
قولين.
ظهار السكران عندنا لا يقع، ولا يلزم به حكم، وقال قوم: يلزمه.
إذا تظاهر من زوجته ثم عاد فيلزمه الكفارة، فإن وطئها يحرم عليه حتى يكفر،
فإن ترك الوطء والتكفير حتى مضت أربعة أشهر لم يصر موليا عندنا، وعند الأكثر،:
وقال بعضهم: يصير موليا يتعلق عليه أحكامه من الفيئة أو الطلاق، وروى أصحابنا
321

أنه يصبر عليه ثلاثة أشهر بعد الترافع، ثم يطالب بالفيئة، أو الطلاق.
إذا قال لزوجته: أنت علي كظهر أمي، ونوى بذلك طلاقها لم تطلق بلا خلاف
لأن الظهار لا يكون كناية في الطلاق، وكذلك إذا قال: أنت طالق، ونوى به الظهار،
لم يكن مظاهرا عندنا ولا عندهم لأن الطلاق لا يكون كناية في الظهار.
روى أصحابنا أن الظهار يقع بالأمة وأم الولد والمدبرة، وبه قال جماعة، وقال
قوم: لا يقع إلا بالزوجات.
الظهار الحقيقي الذي ورد الشرع به أن يشبه الرجل جملة زوجته بظهر أمه
فيقول: أنت علي كظهر أمي، بلا خلاف، للآية، وإذا قال: أنت مني كظهر أمي أو
أنت معي أو عندي وما أشبه ذلك، فإنه يكون مظاهرا لأن حروف الصفات يقوم
بعضها مقام بعض، وهكذا إذا قال: نفسك علي كظهر أمي، أو جسمك أو ذاتك أو
بدنك وما أشبه ذلك، فهذا كله ظهار بلا خلاف في جميع ذلك.
فأما إذا شبه زوجته بعضو من أعضاء الأم غير الظهر، مثل أن يقول: أنت علي
كبطن أمي أو كرأس أمي، أو شبه عضوا من أعضاء زوجته بظهر أمه مثل أن يقول:
فرجك أو رأسك أو رجلك وما أشبه هذا، وكذلك في قوله: رجلك علي كرجل أمي
أو بطنك علي كبطن أمي، أو فرجك على كفرج أمي وما أشبه ذلك، ونوى الظهار
كان بجميع ذلك مظاهرا وفي بعضها خلاف.
وقال قوم: لا يكون مظاهرا حتى يشبه زوجته بظهر أمه، وقال بعضهم: لا يكون
مظاهرا حتى يشبهها بجزء من أجزائها المشاعة مثل الرأس والفرج، فأما اليد والرجل
فلا يكون به مظاهرا.
إذا قال لزوجته: أنت كأمي أو مثل أمي، فهذا كناية يحتمل مثل أمي في
الكرامة، ويحتمل مثلها في التحريم ثم يرجع إليه، فإن قال: أردت مثلها في الكرامة
لم يكن ظهارا، وإن قال: أردت مثلها في التحريم، كان ظهارا، وإن أطلق لم يكن
ظهارا لأنها كناية لم يتعلق الحكم بمجردها إلا بنية بلا خلاف.
إن قال: أنت علي حرام كظهر أمي، لم يكن ظهارا نوى أو لم ينو بلا خلاف،
322

فإن شبه زوجته بإحدى جداته إما من قبل أبيه أو من قبل أمه قربت أو بعدت كان
مظاهرا بلا خلاف، لأن الأم يطلق عليها حقيقة أو مجازا على خلاف فيه.
وأما إذا شبهها بامرأة تحل له لكنها محرمة في الحال إما المطلقة ثلاثا أو أخت
امرأته أو عمتها أو خالتها فإنه لا يكون مظاهرا بلا خلاف فيهما معا، فأما إذا شبهها
بامرأة محرمة عليه على التأبيد، غير الأمهات والجدات، مثل البنات وبنات الأولاد
من البنين والبنات والأخوات وبناتهن والعمات والخالات، فروى أصحابنا أنهن
يجرين مجرى الأمهات، وقال بعض المخالفين: لا يكون مظاهرا.
فأما النساء المحرمات عليه بالرضاع أو المصاهرة، فالذي يقتضيه مذهبنا أن من
يحرم عليه بالرضاع حكمه حكم من يحرم بالنسب لقوله صلى الله عليه وآله: يحرم
من الرضاع ما يحرم من النسب، وأما من يحرم من جهة المصاهرة فينبغي أن لا يكون
به مظاهرا لأنه لا دليل عليه.
وقال بعضهم: المحرمات بالمصاهرة والرضاع على ضربين: امرأة لم تحل له
قبل قط وامرأة كانت مباحة ثم حرمت، فالتي كانت مباحة ثم حرمت هو أن يتزوج
امرأة فتلد له ولدا ثم يتزوج أخرى بعد ذلك، فالثانية كانت مباحة للولد قبل أن يتزوج
أبوه بها، ثم حرمت عليه لما تزوجها، والتي لم تحل له أبدا أن يتزوج امرأة ثم يتزوج
أخرى وولد له منها ولد فالمرأة الأولى لم تحل للولد أبدا فإنه حال ما ولد كانت امرأة
أبيه، وهكذا في الرضاع قد تكون امرأة مباحة ثم تحرم بالرضاع كالمرأة ترضع صبيا فقد
كانت مباحة له ثم حرمت عليه بالرضاع.
أما التي لم تحل له أبدا فهو أن ترضع امرأة ولد القوم ثم رزقت بعده بنتا فهذه
البنت أخت له من الرضاع، وحال ما ولدت كانت محرمة عليه فمتى شبه زوجته بمن
لم تحل له أبدا كان بذلك مظاهرا، ومتى شبهها بمن كانت مباحة ثم حرمت فإنه لا
يكون مظاهرا بذلك.
الظهار يصح آجلا وعاجلا، فالعاجل أن يقول: أنت علي كظهر أمي، والأجل
أن يقول: إذا دخلت الدار وإذا جاء رأس الشهر، وفي أصحابنا من منع الظهار إذا كان
323

بشرط.
الظهار لا يصح قبل التزويج عندنا، وعند قوم، وقال قوم: يصح كالطلاق
عندهم، إذا قال: أنت طالق كظهر أمي، فيه أربع مسائل:
إحداها: أن يطلق ولا ينوي شيئا فتطلق بقوله " أنت طالق " ويلغو قوله كظهر
أمي، لأنه لم يقل: أنت مني ولا معي ولا عندي، فصار كما قال ابتداء: كظهر أمي،
ولم ينو شيئا.
الثانية: أن يقول: أردت أنك طلقت طلاقا تحرمين به علي فتصيرين محرمة
كتحريم أمي، فتطلق بقوله " أنت طالق " وقوله " كظهر أمي " أكد به التحريم فلا يلزمه
به شئ.
الثالثة: أن يقول: أردت بقولي " أنت طالق " إيقاع الطلاق وأردت بقولي " كظهر
أمي " الظهار، فتطلق بقوله " أنت طالق " ويصير مظاهرا عنها بقوله " كظهر أمي " ويكون
تقديره أنت طالق وأنت علي كظهر أمي، إلا أن الظهار إنما يصح عندنا إذا لم تبن
بالطلاق، وكانت رجعية.
الرابعة: أن يقول: أردت أنت طالق الظهار وقولي كظهر أمي بينت به ما أردته
باللفظ الأول، فيكون تطليقا بقوله " أنت طالق " ولا تقبل منه نيته، لأنه صريح في
الطلاق، فلا يكون كناية في الظهار.
وهكذا نقول في جميع المسائل إلا الأخيرة، فإنه إذا قال: أردت بقولي أنت
طالق الظهار، قبلناه منه ما لم تخرج من العدة، ولا يتعلق به حكم، لأنه ليس بصريح
في الظهار، فإن كان بعد خروجها من العدة لم يقبل.
إذا قال لزوجته: أنت علي حرام كظهر أمي، ففيه خمس مسائل: إحداها أن
يطلق اللفظ ولا ينوي به شيئا، الثانية أن ينوي به الظهار، الثالثة أن ينوي به الطلاق،
الرابعة أن ينوي به الأمرين معا، الخامسة أن ينوي تحريم عينها.
فجميع ذلك عندنا لا يتعلق به حكم بحال، لا طلاق ولا ظهار ولا تحريم عين
ولا أمر من الأمور، وقال بعضهم: إن أطلق كان مظاهرا وهي الأولى، الثانية إذا نوى به
324

الظهار كان مظاهرا عند الكل، الثالثة إذا نوى الطلاق قال قوم: يكون طلاقا، وقال
بعضهم: يكون ظهارا، الرابعة إذا نوى به الطلاق والظهار معا قال قوم: يكون مطلقا
ومظاهرا إن كان الطلاق رجعيا، وإن كان بائنا لم يصح الظهار، وقال بعضهم: لا
يكون طلاقا أصلا ويكون ظهارا، الخامسة إذا نوى به تحريم العين، قال قوم: يقبل
منه ما ينويه، ويلزمه كفارة يمين، ولا يكون يمينا ولا تحرم عينها، وقال آخرون: يلزمه
الظهار ولا تقبل منه نيته لغيره، فيكون مظاهرا.
إذا كانت له زوجتان فقال لإحداهما: أنت علي كظهر أمي، ثم قال للأخرى:
أشركتك معها، لم يكن مظاهرا عندنا في الثانية شيئا، وقال قوم: إن نوى بذلك
الظهار كان كذلك، وإن أطلق ولم ينو شيئا لم يكن مظاهرا، لأن هذه اللفظة كناية.
وهكذا القول والخلاف إذا قال لإحدى امرأتين: أنت طالق، وقال للأخرى:
أشركتك معها، وقد مضت.
إذا قال لزوجته: أنت علي كظهر أمي إن شاء زيد، فعلى مذهب من يقول من
أصحابنا: إن الظهار بشرط لا يصح، لا يكون شيئا، وقال قوم من أصحابنا - وهو
الأقوى عندي - أنه يصح، فعلى هذا إن قال زيد: قد شئت، انعقد الظهار، وإن لم
يشأ لم ينعقد الظهار.
فأما إن قال: أنت علي كظهر أمي إن شاء الله، فإنه لا ينعقد عندنا ولا عند
أكثرهم مثل الطلاق والإقرار والعتق، وقال بعضهم: ينعقد الظهار، وهو بعيد
عندهم.
إذا تظاهر من أربع نسوة لكل واحدة بكلمة منفردة لزمه أربع كفارات بلا خلاف،
وإن تظاهر منهن بلفظ واحد بأن يقول: أنتن علي كظهر أمي، فعندنا وعند جماعة
مثل ذلك، وقال شاذ منهم: يلزمه كفارة واحدة.
إذا تظاهر من امرأته مرارا لم يخل: إما أن يوالي ذلك أو يفرق.
فإن والى بأنه قال: أنت علي كظهر أمي أنت علي كظهر أمي أنت علي كظهر
أمي، فإن نوى بالثاني والثالث التأكيد لم يلزمه إلا كفارة واحدة بلا خلاف، وإن أطلق
325

ولم ينو التأكيد ولا الاستئناف، فإنه يلزمه كفارة واحدة بلا خلاف، وإذا نوى به
الاستئناف لزمته بكل واحدة كفارة عندنا وعند قوم، وقال بعضهم: تلزمه كفارة
واحدة.
فأما إن فرق فقال: أنت علي كظهر أمي، ثم صبر مدة، وقال لها: أنت علي
كظهر أمي، وكذلك في الثالث فإنه ينظر: فإن كفر عن الأول ثم تلفظ بالثاني فإنه
يجب عليه بالثاني كفارة مجددة بلا خلاف، وإن لم يكفر عن الأول فالحكم كما لو
والى ذلك ونوى به الاستئناف عندنا وعند الأكثر بكل لفظ كفارة، وقال بعضهم:
كفارة واحدة.
إذا كان له زوجتان زينب وعمرة، وقال لعمرة: إذا تظاهرت من زينب فأنت علي
كظهر أمي، فقد علق ظهار عمرة بظهار زينب، فإذا قال لزينب: أنت علي كظهر
أمي، صار مظاهرا عنها بالمباشرة، ويصير مظاهرا عن عمرة بصفة، فيحصل مظاهرا
عنهما فإذا عاد لزمته كفارتان.
إذا قال لزوجته: إذا تظاهرت من فلانة الأجنبية فأنت علي كظهر أمي، ففيه
ثلاث مسائل: إحداها أن يقول: إذا تظاهرت من فلانة الأجنبية فأنت علي كظهر
أمي، والثانية أن يقول: إذا تظاهرت من فلانة فأنت علي كظهر أمي، والثالثة أن
يقول: إذا تظاهرت من فلانة أجنبية فأنت علي كظهر أمي.
فأما الأولى: إذا قال: إذا تظاهرت من فلانة الأجنبية فأنت علي كظهر أمي، فإنه
إن أطلق ذلك أو نوى ظهارا شرعيا اقتضى ذلك أن يتظاهر منها ظهارا شرعيا، فإذا
تظاهر منها وهي أجنبية لم يصح الظهار، وإذا لم يصح ظهاره منها لم يصح ظهاره
عن زوجته، لأنه علق ظهارها بظهار الأجنبية، وذلك يقتضي ظهارا شرعيا وهو لا يوجد
في الأجنبية، وهكذا عندهم لو قال: إذا طلقت فلانة الأجنبية فأنت طالق، ثم طلق
الأجنبية فإنها لا تطلق زوجته.
فأما إذا نوى بقوله ذلك إذا خاطبها بلفظ الظهار فإنه متى قال لها: أنت علي
كظهر أمي، لم يصر مظاهرا عنها، ويصير مظاهرا عن زوجته، لأنه وجد الصفة،
326

وهكذا القول عندهم في الطلاق.
وإن تزوج هذه الأجنبية فيما بعد، وتظاهر منها فظهاره منها يصح، لأنه صادف
ملكه، وهل يصير مظاهرا عن الأولى؟ قيل فيه وجهان:
أحدهما: لا يصير متظاهرا لأنه شرط إن تظاهر منها وهي أجنبية، وهي الآن
زوجة فالشرط ما وجد.
والثاني: أنه يصير متظاهرا لأنه علق ظهاره عنها بتظاهره من امرأة بعينها، وقوله
" الأجنبية " إنما ذكره على جهة التعريف والعلامة، لا أنه جعله شرطا كما لو قال: والله
لا دخلت دار زيد هذه، ثم باعها ودخلها، فإنه يحنث، لأنه علق اليمين على دار
بعينها، ومثله إذا قال: والله لا أكلت من هذه البسرة، فصارت رطبا وأكل منها فهل
يحنث؟ على وجهين لما ذكرناه، والأول أقوى، لأن الأصل الإباحة وبراءة الذمة.
فأما المسألة الثانية: وهو أن يقول لها: إذا تظاهرت من فلانة فأنت علي كظهر
أمي، فإذا تظاهر منها وهي أجنبية لم يصح ظهاره عنها، ولا يصح ظهاره عن زوجته
لأن الشرط ما وجد، فإن تزوجها ثم تظاهر منها صح ظهاره، لأنه صادف ملكه
ويصير متظاهرا عن زوجته لوجود الشرط الذي هو التظاهر من فلانة.
الثالثة: إذا قال: إذا تظاهرت من فلانة أجنبية فأنت علي كظهر أمي، فإنه إن
تظاهر منها وهي أجنبية لم يصح ظهاره، لأنه لم يصادف ملكه، ولا يصير متظاهرا
عن زوجته، لأنه ما وجد الشرط، فإن تزوجها ثم تظاهر منها صح ظهاره منها، ولا
يصير متظاهرا عن زوجته، لأنه شرط في ظهارها من فلانة أجنبية، يعني أنها تكون
أجنبية حال تظاهره منها، وهذه الآن زوجة، وفي المسألة الأولى احتمل التعريف،
فلأجل ذلك فرق بينهما.
كفارة الظهار لا تجب عندنا إلا إذا تظاهر ثم أراد الوطء إن كان الظهار مطلقا،
فإن وطئ قبل أن يكفر لزمته كفارتان وكلما وطئ لزمته كفارة وإن كان شرط لزمته
الكفارة إذا حصل شرطه، وإن أراد الوطء فإن كان حصل شرطه وانعقد الظهار ولم
يكفر ثم وطئ لزمته كفارتان مثل الأولى، وقال بعضهم: تجب الكفارة بنفس الظهار
327

والعود، والعود عنده أن يمسكها زوجة مع قدرته على الطلاق، وفيه خلاف ذكرناه في
الخلاف.
إذا تظاهر من امرأته وأمسكها زوجة ثم طلقها سقطت عنه الكفارة عندنا وعند
قوم لا يسقط بعد الإمساك، وكذلك القول إذا مات أو ماتت أو لاعنها أو ارتد
أحدهما، فإن الكفارة تسقط عنه عندنا وعنده لا تسقط، وإنما قلنا ذلك لأن الأصل
براءة الذمة ولإجماع الفرقة.
إذا تظاهر وعاد لزمته الكفارة، ويحرم عليه الوطء حتى يكفر لقوله تعالى:
" فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا " فأوجب الكفارة قبل المس، فإذا ثبت أن الوطء
محرم عليه فهل يحرم عليه ما دون الوطء من القبلة واللمس والوطء دون الفرج؟ قيل
فيه قولان أحدهما لا يحرم، والثاني أنه يحرم عليه، وهو الأقوى عندنا لقوله تعالى:
" من قبل أن يتماسا " وكل ذلك مماسة.
إذا تظاهر ثم عاد فمن حين الظهار إلى زمان الوطء زمان أداء الكفارة، فإن
وطئ قبل أن يكفر لزمته كفارتان عندنا، وعندهم كفارة واحدة، وهي التي كانت
عليه، وتكون قضاء.
كفارة الظهار واجبة على الترتيب: العتق أولا، فإن عجز فالصوم، فإن عجز
فالإطعام بلا خلاف، للظاهر، والكفارة تجب قبل المس أداء، وبعد قضاء ويلزمه
عندنا كفارتان إحديهما قضاء، فإذا كفر بالصوم ثم وطأ في أثناء الصوم ليلا كان أو
نهارا بطل حكم الصوم وعليه الكفارتان إذا كان عامدا، فإن كان ناسيا تمم صومه ولا
يلزمه شئ.
وقال بعضهم: لا يخلو أن يطأها ليلا أو نهارا، فإن وطئ بالليل لم يؤثر ذلك
الوطء في الصوم، ولا في التتابع، عامدا كان أو ناسيا، وإن وطئ نهارا فإن كان
ذاكرا لصومه متعمدا للوطء، فسد صومه وانقطع تتابعه، وعليه استئناف شهرين، وإن
وطئ ناسيا لم يؤثر فيهما ويمضي فيهما كما قلناه في النسيان، وفيه خلاف ذكرناه في
الخلاف، وإنما قلنا يفسد التتابع إذا كان ليلا للظاهر، هذا إذا وطئ زوجته المظاهر
328

منها.
فأما إن وطئ غيرها ليلا لم يبطل الصوم ولا التتابع وإن وطئ نهارا في الشهر
الأول قطع التتابع واستأنف، وإن صام من الثاني شيئا ثم وطئ فيما بعد لم يقطع
التتابع، وإن كان مخطئا، وعندهم إن كان ليلا لم يقطع التتابع، وإن كان نهارا
قطع.
إذا ظاهر منها ثم طلقها عقيب الظهار لم تلزمه الكفارة بلا خلاف سواء كان
الطلاق رجعيا أو بائنا، إلا عند من قال: إن الكفارة تجب بنفس التلفظ به، وإنما
قلنا ذلك لأنها تجب بالظهار والعود، وقد بينا ماهية العود.
وإذا ثبت أنه لا كفارة عليه، فلا يخلو الطلاق من أن يكون رجعيا أو بائنا.
فإن كان رجعيا فإنه إن تركها حتى انقضت عدتها بانت وسقط حكم الظهار،
وإن راجعها عادت إلى الزوجية والظهار بحاله، وهل تكون الرجعة بنفسها عودا أو لا؟
قيل فيه قولان: عندنا لا يكون عودا حتى يعزم على الوطء، وقال بعضهم: يصير
بنفس الرجعة عائدا، وقال بعضهم: حتى يمضي زمان يمكن أن يطلق فيه فلا يطلق.
فمن قال: يصير عائدا، فالكفارة قد وجبت عليه، فإن طلقها أو ماتت عقيب
الرجعة لم تسقط، ومن قال: لا يصير، فإن طلقها عقيب الرجعة أو ماتت لم تلزمه
الكفارة، وهو مذهبنا، فإن عاد - على ما بيناه من الخلاف - وجبت الكفارة، فإن
ماتت بعد ذلك أو طلقها لم تسقط عنه الكفارة.
وأما إن كان الطلاق بائنا فإن تركها ولم يتزوجها فقد زال حكم الظهار، وإن
تزوجها عندنا لا يعود حكم الظهار، وقال بعضهم: يعود، فمن قال: يعود، فهل
بنفس الزوجية أو بأمر زائد؟ على ما مضى.
إذا ظاهر منها ثم قذفها ولا عنها سقطت عنه الكفارة وفيه ثلاث مسائل:
إحداها: يقذفها ويأتي بكلمات الشهادات ثم يتظاهر ويأتي بكلمات اللعن
عقيب الظهار، لا يصير عائدا عندهم، ولا يلزمه الكفارة وكذلك عندنا.
الثانية: أن يتظاهر منها ثم يقذفها ويأتي بكلمات الشهادات واللعن بعد ذلك،
329

فتلزمه الكفارة، لأنه صار عائدا، وعندنا لا تلزمه.
والثالثة: أن يقذفها ثم يتظاهر ويأتي بكلمات الشهادات واللعن، فهل يصير
عائدا تلزمه الكفارة؟ فيه وجهان: أحدهما لا يصير وهو مذهبنا، والآخر يصير.
إذا قال: أنت علي كظهر أمي يوما أو يومين أو شهرا أو سنة، لم يكن ذلك
ظهارا عندنا وعند بعضهم، وقال كثير منهم: يكون ظهارا، فمن قال: لا يكون
ظهارا، فلا تفريع، ومن قال: يكون ظهارا، فبما ذا يصير عائدا؟ قال قوم: إذا مضى
بعده مدة يمكنه فيه الطلاق فلم يطلق صار عائدا ولزمته الكفارة، وقال قوم: لا يصير
عائدا حتى يطأها، فإن صبر ولم يطأ حتى تمضي المدة لم يصر عائدا ولا كفارة
عليه، وقيل: عليه الكفارة لأنه إذا أمسكها ولم يطلق استدللنا بذلك أنه قصد رفع
التحريم وإزالته، فصار بذلك عائدا.
إذا تظاهر منها وعاد واستقرت عليه الكفارة فوطؤها محرم، حتى يكفر، فإن آلى
منها قبل التكفير صح الإيلاء، لأنه صادف زوجية تامة وتحتسب عليه مدة الإيلاء من
حين ما يولي، وعندنا من حين الترافع وإن كان الوطء محرما، لأن الزوجية تامة،
وتحريم الوطء سبب من جهة الزوج، فلم يمنع ذلك من الاحتساب، كما لو كان
الزوج صائما أو محرما.
ثم ينظر: فإن وطئها قبل انقضاء المدة والتكفير فقد فعل محرما، لكنه خرج من
حكم الإيلاء وعليه كفارة الظهار، ويحرم عليه الوطء حتى يكفر، وإن صبر حتى
انقضت المدة مدة الإيلاء، فقد اجتمع عليه حقان: حق الإيلاء وحق الظهار، فحق
الظهار يقتضي تحريم الوطء عليه حتى يكفر، وحق الإيلاء يقتضي لزوم الوطء أو
الطلاق، ويقال له: لا يجوز لك أن تطأ قبل التكفير لكن تطلق، فإن طلق فقد أوفى
حقها من الإيلاء، ويحنث في يمينه، وتلزمه كفارة اليمين بحكم الإيلاء، وكفارة
الظهار لأجل الظهار.
وإن قال: أنظروني حتى أكفر ثم أطأها، نظر: فإن كان يكفر بالعتق أو بالإطعام
أنظر، لأن التكفير بهما يحصل في يوم وما قاربه، ولا يستضر الزوجة بذلك، وإن أراد
330

أن يكفر بالصوم لا ينظر، لأن الصوم شهران، فيطول ذلك وتستضر المرأة فلا تجبر
على تأخير المطالبة شهرين آخرين.
فإن أراد الزوج أن يطأ قبل التكفير وامتنعت هي من تمكينه فهل لها الامتناع أم
لا؟ فيه وجهان: أحدهما لها ذلك، لأن الوطء محرم، فكان لها الامتناع عن التمكين
المحرم، والثاني ليس لها ذلك، بل يقال: إما أن تمكنيه وإلا سقط حقك، لأن
تحريم الوطء بسبب يختص الزوج ولا يتعلق بالمرأة.
فمن قال: لها منعه - وهو الأقوى عندنا - فهل يتعين عليه الطلاق؟ قيل فيه
وجهان: أحدهما يتعين عليه، لأنه إذا تعذر أحد الواجبين المخير فيهما وجب الآخر
وتعين، والآخر لا يتعين لأنه إنما يتعين إذا تعذر الوطء مع القدرة عليه، وهاهنا هو
عاجز فهو كالمريض إذا عجز عن الوطء فلا يتعين عليه الطلاق، بل يقتصر به على
فيئة المعذور، وهو الأقوى عندنا، ومن قال: ليس لها منعه، فإن مكنته وإلا سقط
حقها.
كفارة الظهار ثلاثة أجناس إعتاق وصيام وإطعام، وهي مرتبة يبدأ بالعتق، ثم
بالصيام ثم بالإطعام بلا خلاف، ولظاهر القرآن، فإن لم يجد الرقبة ووجد الثمن وقدر
على شرائها بثمن مثلها لزمه شراؤها، ويعتقها، ولا يجوز له الصيام، ويجوز في كفارة
الظهار رقبة وإن لم تكن مؤمنة، وكذلك في كل كفارة يجب فيها العتق إلا القتل، فإنه
لا يجوز فيها غير المؤمنة للظاهر، وقال بعضهم: لا يجوز غير المؤمنة في جميع
المواضع، وفيه خلاف.
فإن كانت أعجمية لا تعرف العربية أجزأت بلا خلاف، والمولود إذا كان أبواه
مسلمين أو كان الأب مسلما والأم كافرة، فإنه يحكم بإسلامه بلا خلاف تبعا لأبيه
وجده وإن كانت الأم مسلمة دون الأب فإنه يتبع أمه عندنا وعند الأكثر، وقال
بعضهم: يتبع أباه في الكفر، وإنما قلنا ذلك لقوله صلى الله عليه وآله: كل مولود يولد
على الفطرة، الخبر.
فأما الحمل فإنه يتبع الأم بلا خلاف في إسلامها، وإنما الخلاف في الولد
331

المنفصل، فإذا حكم بإسلامه فإنه يجزئ إعتاقه، وإن كان طفلا صغيرا ابن يومه،
وفيه خلاف.
فإذا كانت صبية أحد أبويها مؤمن، أو خرساء جليبة تعقل الإشارة بالإيمان
أجزأتها، وإن كانت خرساء ولدت في دار الإسلام، فوصفت الإسلام أجزأت وكذلك
الجليبة من دار الكفر.
هذا في الرقبة التي يعتبر فيها الإيمان فأما ما لا يعتبر ذلك فيها فلا يحتاج إلى
اعتبار ذلك أصلا عندنا.
وهذا المسألة تتصور في موضعين: أحدهما أن يولد للذميين ولد في دار الإسلام
فهو محكوم بكفره، وهو أخرس فوصف الإسلام بالإشارة، الثانية أن يجلب صغير من
دار الكفر مع أبويه فيتبعهما في الكفر، ثم بلغ وهو أخرس فوصف الإسلام، ولا
يتصور إذا كان أحد أبويه مسلما لأنه يتبع المسلم فلا يحتاج أن يصف الإسلام
بنفسه.
فإذا ثبت هذا فإن الأخرس إذا كان له إشارة معقولة فوصف الإسلام بها، فهل
يقتصر على مجرد ذلك أو يحتاج أن يصلي؟ منهم من قال: يكفي مجرد الإشارة،
وهو الذي يقتضيه مذهبنا، ومنهم من قال: لا بد مع الإشارة من الصلاة.
إذا سبي الطفل مع أبويه أو مع أحدهما فإنه يحكم بكفره تبعا لأبويه أو
أحدهما، وإن سبي منفردا عن أبويه فإنه يحكم بإسلامه تبعا للسابي عند قوم، فإذا
حكم بإسلامه تبعا للسابي أجزأ عن الكفارة بلا خلاف، وإذا حكم بكفره تبعا لأبويه أو
أحدهما فحكمه وحكم من ولد في دار الإسلام بين كافرين واحد.
فإذا بلغ ووصف الإسلام حكم بإسلامه، وإن وصف الإسلام قبل بلوغه قال
قوم: إنه لا يحكم بإسلامه لا في الظاهر ولا في الباطن، حتى إذا بلغ ووصف الكفر
أقر على ذلك ولا يحكم بردته غير أنه يستحب أن يفرق بينه وبين أبويه، لكي لا يردونه
عما عزم عليه من الإسلام، وهو الذي يقتضيه مذهبنا، وقال بعضهم: يصح إسلامه
ظاهرا وباطنا حتى إذا بلغ وارتد استتيب، فإن تاب وإلا حكم بردته، وقال بعضهم:
332

بعضهم: يراعى حاله، فإن بلغ ووصف الإسلام تبينا أنه كان مسلما، وإن وصف
الكفر تبينا أنه لم يزل كافرا.
ويفارق المذهب الأول لأنه على المذهب الأول محكوم بكفره حتى لو مات أبوه
الكافر ورثه، ولو مات له قريب مسلم لم يرثه، وعلى هذا المذهب يراعى على ما
يكون منه بعد البلوغ، كمن مات له قريب مسلم أو كافر وقف الأمر على ذلك، فإن
وصف الكفر ورث الكافر ولم يرث المسلم، وإن وصف الإسلام ورث المسلم، ولم
يرث الكافر.
فمن قال: يصح إسلامه ظاهرا وباطنا، فإنه إذا أعتقه عن الكفارة أجزأه فيما
يعتبر فيه الإيمان، ومن قال: لا يصح إسلامه ظاهرا وباطنا، قال: لا يجزئ، ومن
قال: مراعى، فمتى أعتقه وبلغ ووصف الكفر لم يجزئه، وإن وصف الإيمان على
وجهين: أحدهما يجزئه لأنه محكوم بإسلامه، والثاني لا يجزئه لأن إسلامه ناقص،
لأنه إن اختار الكفر أقر عليه.
وأما كيفية الإسلام، قال قوم: إنه يقتصر فيه على الشهادتين، وهو الذي يقتضيه
مذهبنا، وقال بعضهم: إذا أتى بهما وتبرأ من كل دين خالف دين الإسلام.
إذا ابتاع عبدا بشرط أن يعتقه فالبيع صحيح والشرط صحيح، وقال قوم: يبطل
البيع والأول مذهبنا، فإذا ثبت أن البيع صحيح فهل يجبر المبتاع على إعتاق العبد؟
فيه وجهان: أحدهما يجبر على ذلك، لأنه ابتاعه بهذا الشرط وهو الأقوى عندنا،
والثاني لا يجبر عليه لكن إن أعتقه باختياره استقر البيع، وإلا قيل للبائع: أنت
بالخيار بين أن تقر العقد أو تفسخه، وسواء قلنا إنه يجبر على عتقه أو لا يجبر، فإنه
إذ أعتقه عن الكفارة لم يجزئه، لأنه إنما يجزئ عنها إذا وقع خالصا عنها، وهذا العتق
يقع مشتركا بين التكفير وبين الوفاء بالشرط.
عتق المكاتب لا يجزئ في الكفارة سواء أدى من كتابته شيئا أو لم يؤد، وفيه
خلاف.
يجزئ عندنا عتق أم الولد لأنها مملوكة يجوز بيعها، وعند الفقهاء لا يجزئ لأنه
333

لا يجوز بيعها.
عتق المدبر جائز في الكفارة، وكذلك الأمة المدبرة، وقال بعضهم: عتق
المدبر لا يجزئ، فأما المعتق بصفة فعندنا يجوز لأن هذا لا حكم له، وعند بعضهم
يجوز وإن كان له حكم.
العبد المرهون إذا أعتقه في الكفارة إن كان موسرا أجزأه، وإن لم يكن موسرا
وكان معسرا لم يجزئه، وقال قوم: يجزئ في الحالين، وقال آخرون: لا يجزئ
فيهما.
فإذا ثبت ذلك فمن قال: لا ينفذ عتقه، فهو باق على الرهن، ومن قال: إن
عتقه ينفذ، أجزأ عن الكفارة.
ثم ينظر في المعتق: فإن كان موسرا فإن كان الحق قد حل طولب به ولا يحتاج
أن يكلف رهنا آخر مكانه، وإن لم يكن الحق قد حل فإنه يطالب بأن يدفع رهنا
مكانه، ويطالب بأقل الأمرين من قيمة العبد والدين الذي هو كان مرهونا به، وقال
قوم: يطالب بأكثر الأمرين، وهو ضعيف.
وأما إذا كان معسرا فإنه ينظر إلى وقت اليسار لقوله تعالى: " وإن كان ذو عسرة
فنظرة إلى ميسرة " فإذا أيسر نظر، فإن كان حل الحق طولب بالفدية، ويجعل رهنا
مكانه، والحكم على ما مضى، هذا الكلام في العبد المرهون.
فأما إذا كان له عبد قد جنى فأعتقه، فقال بعضهم: إن كان جنى عمدا نفذ
العتق، وإن كان خطأ فعلى قولين، ومنهم من عكس هذا فقال: إن كان خطأ لم
ينفذ العتق، وإن كان عمدا فعلى قولين.
والذي يقتضيه مذهبنا أنه إن كان عامدا نفذ العتق، لأن القود لا يبطل بكونه
حرا، وإن كان خطأ لا ينفذ لأنه يتعلق برقبته، والسيد بالخيار بين أن يفديه أو
يسلمه.
وقال بعضهم: لا فرق بين أن يكون عمدا أو خطأ ففيه قولان: فمن قال: لا ينفذ
العتق، فلا كلام، ومن قال: ينفذ، فإن كان السيد موسرا طولب بأن يفديه بأقل
334

الأمرين من قيمته أو أرش الجناية، وقال قوم: يفديه بأرش الجناية بالغا ما بلغ - وهو
ضعيف - فأما هذا العبد فإنه لا يمكن تسليمه للبيع بعد إعتاقه، فيفديه بأقل الأمرين.
وإن كان السيد معسرا أنظر إلى أن يوسر ثم يطالب بالفدية وهذا عندنا إنما
يجب إذا اختاروا العفو على مال فحينئذ يلزمه قيمة العبد لا غير، لأنه ليس لهم غيره
فأما إن اختاروا القود استقادوا وإن كان حرا.
إذا كان له عبد غائب فأعتقه عن كفارة فالغيبة غيبتان: غيبة منقطعة وغيبة غير
منقطعة.
فالتي ليست منقطعة، أن يكون العبد بحيث يسمع خبره ويعرف حاله، فإذا
أعتقه أجزأه عتقه لأنه يتيقن حياته.
والغيبة المنقطعة أن يكون غائبا وفقد وانقطع خبره، فلا يعلم أنه حي أو ميت،
قال قوم: يجزئ وقال قوم: لا يجزئ، وكذلك القول في وجوب إخراج الفطرة عنه،
وقال قوم: يجب إخراج الفطرة على كل حال احتياطا، والذي رواه أصحابنا أنه يجزئ
عنه ما لم يعرف منه موتا ولم يفصلوا، وكذلك القول في الفطرة سواء.
إذا اشترى من يعتق عليه من آبائه وأمهاته وأولاده وأولاد أولاده، فإن لم ينو عتقه
عن الكفارة لم يجزئ عنها، بل يعتقون بحكم القرابة، وإن نوى أن يقع عتقهم عن
الكفارة، لم يجزئ عندنا بل يعتقون بحكم القرابة، ويكون عتق الكفارة باقيا عليه،
وفيه خلاف.
إذا كان العبد بين الشريكين فأعتقه أحدهما لم يخل: أن يكون موسرا أو
معسرا، فإن كان موسرا فإن عتقه ينفذ في نصيبه، وقوم عليه نصيب شريكه وإعتاقه
في حقه، ومتى يحكم بنفوذ العتق في نصيب شريكه؟
قال قوم: يعتق بنفس اللفظ، فعلى هذا إن كان معسرا أو تلف ماله لم يبطل
العتق في نصيب شريكه، بل يكون نافذا فيه، ويجب قيمته لنصيبه في ذمته إلى أن يجد المال.
وقال قوم: إنه يعتق بشرطين باللفظ ودفع القيمة وقبل دفع القيمة يكون نصيب
335

شريكه على الرق، فعلى هذا إذا تعذر دفع المال من جهته إما بفلس أو تلف ماله أو
غيبة أو امتنع من الدفع مع القدرة عليه، فإنه لا يعتق عليه نصيب شريكه إلى أن يوجد
منه الأداء ثم يعتق.
وقال آخرون: إنه مراعى فإن دفع القيمة تبينا أنه كان عتق باللفظ، وإن لم يدفع
تبينا أنه ما كان عتق، والقول الأول أقوى، فعلى هذا قال قوم: ينفذ العتق في نصيبه
باللفظ وفي نصيب شريكه بالسراية، وهو الصحيح، وقال قوم: ينفذ في جميعه
باللفظ، فأما وقوعه عن الكفارة فإنه إن كان موسرا فنوى عتقه عن الكفارة أجزأه على
الأقوال كلها.
فأما النية، من قال: إنه يقع العتق باللفظ، أو قال: مراعى، فيحتاج أن ينوي
حال الإعتاق، ومن قال: شرطين، فلا بد أن ينوي إعتاق نصيبه حال اللفظ ونصيب
شريكه، قال بعضهم: هو بالخيار بين أن ينويه عند التلفظ بالعتق، وبين أن ينويه
عند دفع القيمة، والأقوى أن ينويه عند التلفظ بالعتق.
فأما المعسر فإن عتقه يوجد في نصيبه ولا يسري إلى نصيب شريكه، لأنه ليس
له مال يدفع إليه حق صاحبه، فإن ملك بعد ذلك مالا وأيسر لا ينفذ العتق فيه
لأن الرق قد استقر فيه للشريك، فلا يجوز إزالته بعد استقراره، لكن إن ملكه وأعتقه ابتداء
جاز.
فأما وقوع ذلك عن الكفارة فإنه إذا نوى إعتاق نصيبه عن كفارته أجزأ ذلك
القدر، فإن ملك باقي العبد وأعتقه أجزأه، لأن عتق الرقبة قد حصل، وإن كان متفرقا
فإما أن يريد أن يصوم شهرا آخر أو يطعم ثلاثين مسكينا، فإنه لا يجزئه لأنه لا يجوز
أن يكفر بجنسين.
إذا كان لرجل عبد ووجبت عليه كفارة، فقال له رجل: أعتق عبدك عن كفارتك
على أن علي عشرة دنانير، فأعتقه، فيه ثلاث مسائل: أولاها:
إذا قال له: أعتق عبدك عن كفارتك على أن علي عشرة، وهكذا لو قال:
أعتق عبدك على أن علي عشرة، فالحكم فيه واحد.
336

فإذا أعتقه فلا فرق بين أن يقول: أعتقت عبدي عن كفارتي على أن عليك
عشرة، أو يقول: أعتقته على أن عليك عشرة، أو يقول: أعتقته على أن عليك عشرة
عن كفارتي، سواء في ذلك تقديم ذكر الكفارة وتقديم ذكر العوض، لم يجزئ ذلك
عن الكفارة لأن العتق وقع مشتركا بين الكفارة والعوض الذي شرطه، فلم يجزئ عن
الكفارة فإذا لم يقع عن الكفارة فإنه يقع عن العوض الذي شرطه، لأنه أوقعه عن
أمرين، فإذا لم يقع عن أحدهما وقع عن الآخر، ويستحق عليه العوض الذي شرط،
ويقع العتق عن الباذل ويكون ولاؤه له.
الثانية: أن يقول: أعتق عبدك عن كفارتك على أن علي عشرة، فأعتقه على
ذلك وأخذ العشرة، ثم ردها إليه أو لم يأخذها لكن قال: أبرأتك منها، فإن العتق لا
يقع عن الكفارة، لأنه حال ما أوقعه وقع مشتركا فلم يصر بعد ذلك خالصا عن الكفارة
برد العوض، ويكون الحكم على ما قلناه فيما قبلها.
الثالثة: أن يقول: أعتق عبدك عن كفارتك على أن علي عشرة، فقال: لست
أختار العشرة وقد أعتقته عن كفارتي، فيجزئه عن الكفارة، لأنه لم يقبل العوض.
وتتفرع على هذا مسألة أخرى، وهي أنه إذا قال له: أعتق عبدك عن كفارتك
على أن علي عشرة، فقال: أعتقته، ولم يقل: " عن كفارتي " ولا قال: " على أن
عليك العشرة " فالظاهر أنه أوقعه عن الأمرين معا لأنه خرج جوابا عن كلامه، وهو
استدعى منه العتق عن الكفارة على العوض، والظاهر أن الجواب انصرف إليه.
إذا وجبت على رجل كفارة فأعتق عنه رجل عبدا، لم يخل أن يكون المعتق عنه
حيا أو ميتا.
فإن كان حيا لم يخل أن يعتق عنه باذنه أو بغير إذنه، فإن أعتق عنه باذنه جاز
ووقع عن المعتق عنه، والولاء له عندهم، وعندنا يكون سائبة وسواء أعتق عنه تطوعا
أو عن واجب، بجعل أو بغير جعل، فإن أعتق بجعل فهو كالبيع، وإن أعتق بغير
جعل فهو كالهبة وإن أعتق عنه بغير إذنه نفذ العتق عن المعتق دون من أعتق عنه،
وفيه خلاف.
337

فأما الإعتاق عن الميت فلا يخلو أن يعتق عن واجب أو عن تطوع.
فإن أعتق عن تطوع لم يخل أن يكون باذنه أو بغير إذنه، فإن أعتق باذنه جاز
كحال الحياة، وكذلك إذا أوصى إليه وأذن له بعد الوفاة، وإن أعتق عنه بغير إذنه فإنه
يقع عن المعتق دون من أعتق عنه.
وأما إذا أعتق عن واجب مرتب كالعتق في كفارة الظهار والقتل، فإنه إن خلف
مالا لزم أن يعتق عنه من ماله لأنه بمنزلة الدين وإن لم يكن له مال فأعتق عنه وارثه من
ماله جاز، وكذلك إن كان له مال فأراد وارثه أن يعتق عنه من ماله جاز ويقع العتق
عنه، ويكون الولاء له عندهم، ويكون عندنا سائبة.
وأما إذا كانت الكفارة مخيرة ككفارة اليمين، فإنه إن كفر عنه بالإطعام أو
بالكسوة جاز ذلك، وإن أراد أن يكفر بالعتق فإن كان أذن له في ذلك جاز، وإن لم
يكن أذن قيل فيه وجهان: أحدهما لا يجوز لأنه يمكنه أن يكفر عنه بالإطعام أو
بالكسوة، فإذا كفر بالعتق فقد كفر بما ليس بواجب فلم يجز، والوجه الثاني - وهو
الأصح - أنه يجزئه لأن الكفارة المخيرة بأي شئ كفر منها حكمنا بأنه هو الواجب،
فتعين ذلك بالفعل عندهم، وعندنا أن الثلاث واجبة على التخيير.
فإذا ثبت هذا فلا خلاف أنه إذا قال: أعتقت عنه هذا العبد، فإن المعتق عنه
يملكه، ثم يعتق في ملكه، لكن متى يحصل له الملك؟ منهم من قال: إذا قال أعتق
عني، فقال: أعتقت، تبينا أنه ملكه بقوله " أعتق عني " ومنهم من قال: إنه يملكه
بشروعه في لفظ الإعتاق، وقال آخرون: إذا قال: أعتقت هذا العبد عنك، فإنه يملكه
ويعتق عنه في ماله، وهكذا القول إذا اشترى من يعتق عليه، فإن العتق والملك
يحصلان في حالة واحدة.
والأقوى أن يقال إنه إذا قال: أعتقت هذا العبد، فإنه يملكه عقيب هذا القول ثم
يعتق بعد ذلك بلا فصل، وكذلك إذا اشترى من يعتق عليه، فإنه يملكه بالفراغ من
البيع، ويعتق عليه بلا فصل.
وهاهنا مسألة تشبه هذه المسألة، وهي أن الرجل إذا قدم إلى غيره طعاما وقال:
338

كله، فإذا أكله يأكله مملوكا لكن متى يملكه؟ قيل فيه ثلاثة أقوال: أحدها بالتناول،
والثاني بوضعه في فيه، والثالث بالابتلاع، فمن قال: يملكه بالتناول، جاز أن يلقم
غيره، ومن قال بغير ذلك لم يجز، والأقوى أن يقال هاهنا: يملكه بالتناول.
إذا كان لرجل عبد فغصبه غاصب فأعتقه صاحبه عن كفارته وهو في يد
الغاصب لم يجزئه، لأن القصد من الإعتاق تمليك المعتق منفعة نفسه، فإذا أعتقه
في يد الغاصب فما ملكه منفعة نفسه، فإن الغاصب يحول بينه وبين ذلك، ويقوى
في نفسي أنه يجزئ لأنه ملكه، وعموم الأمر بالإعتاق يتناوله.
إذا كانت له أمة حامل بمملوك فأعتق حملها من كفارته لم يجزئه، لأنه مشكوك
في وجوده بلا خلاف، والعتق ينفذ فيه عندهم لأنه مملوك ولا يسري العتق إلى الأم
لأن الولد تابع لها، ولا يسري العتق من التابع إلى المتبوع، فأما إذا أعتق الأم فإن
عتقها ينفذ ويجزئ عن الكفارة لأنها مملوكة له، ويسري العتق منها إلى الولد لأنه
تابع.
إذا وجب على رجل كفارتان عن ظهار وعن قتل، فأعتق عنهما عبدين ففيه
ثلاث مسائل:
إحداها: أن يعين عتق كل واحد من العبدين عن كفارة، بأن يقول: أعتقتك يا
سالم عن كفارة ظهاري وأعتقتك يا غانم عن كفارة القتل، فيجزئه ذلك بلا خلاف.
الثانية: أن يعين عبدا عن كفارة وعبدا عن كفارة أخرى ولا يعين ذلك فيجزئه
أيضا، لأنه وجد منه الإعتاق ونية التكفير.
الثالثة: أن يعين النصف من كل واحدة منهما عن إحدى الكفارتين، أو يقول
لأحدهما: أعتقتك عن كفارتي، وقال للآخر: أعتقك عن كفارتي، أو يقول لهما:
أعتقتكما معا عن كفارتي، قال قوم: يجزئه، واختلفوا في تكميل العتق ووقوعه.
فقال قوم: يعتق عن كل واحد من الكفارتين عبدا كاملا لأنه لما أعتق نصف
هذا العبد عن كفارة سرى ذلك إلى الباقي فعتق عنها، وكذلك لما أعتق نصف الآخر
عن الكفارة الأخرى سرى ذلك إلى الباقي فعتق عنها فينعتق عن كل كفارة عبد كامل.
339

وقال آخرون: إنه يعتق نصف العبدين عن إحدى الكفارتين والنصف الآخر عن
الكفارة الأخرى، والطريقة الأولى أصح.
وإذا ملك الرجل نصف عبدين وباقيهما مملوك لغيره أو باقيهما حر فأعتقهما
عن كفارته، فهل يجزئه؟ قيل فيه ثلاثة أقوال: منهم من قال: لا يجزئه لأنه يحتاج أن
يعتق عبدا كاملا، والثاني يجزئه، والثالث إن كان باقيه مملوكا لغيره لم يجزئه، وإن
كان حرا أجزأه، والأول أصح.
إذا وجبت عليه كفارتان من جنس واحد أو من أجناس فأعتق عنها أو صام، فإن
الواجب عليه أن ينوي التكفير فحسب، لا يفتقر إلى تعيين النية عن كفارة بعينها،
وقال قوم: إن كانت من جنس واحد كفاه نية التكفير ولم يحتج إلى نية التعيين وإن
كان من أجناس فلا بد فيها من نية التعيين فإن لم يعين لم يجزئه، وهذا عندي أقوى.
فإذا ثبت ذلك، فإذا كان عاجزا عن العتق وهو من أهل الصيام وعليه كفارتان
فصيام شهرين ينويه عن إحدى الكفارتين فهو بعد ذلك بالخيار بين ثلاثة أشياء: إن
شاء عين هذين الشهرين عن إحدى الكفارتين، ويبقى عليه الكفارة الأخرى بعينها،
وإن شاء صام شهرين آخرين ونواهما عن كفارة بعينها ويقع الشهران الأولان عن
الكفارة الأخرى، وإن شاء صام شهرين ينوي بهما التكفير مطلقا فيقع الجميع عن
الكفارتين، لأنه قد وجد منه نية الجنس.
فإن عين الشهرين عن إحدى الكفارتين ثم أراد أن ينقله فيجعله عن الكفارة
الأخرى لم يكن له ذلك، لأنه إنما كان له التخيير قبل التعيين، فإذا عين سقط
تخييره.
وإذا وجب عليه ثلاث كفارات من جنس واحد أو من أجناس، وكان يملك رقبة
فأعتقها عن إحدى الكفارات، ثم صام شهرين عن الكفارة الأخرى ثم مرض فأطعم
ستين مسكينا عن الكفارة الثالثة، فإن ذلك يجزئه سواء عين النية أو اقتصر على نية
التكفير فحسب، لأنه قد نوى بكل واحدة التكفير.
إذا وجب على الرجل عتق رقبة عن كفارة، ونسي فلم يدر هل هي عن ظهار أو
340

قتل أو جماع أو يمين؟ فأعتق رقبة نوى بها التكفير فحسب، فإن ذلك يجزئه
بلا خلاف، وإن كان عليه عتق رقبة فشك أن يكون من ظهار أو قتل أو نذر فأعتق
رقبة عن أيها كان أجزأه، فإن نوى بها التكفير لم يجزئه، لأن في جملة ما شك فيه
النذر، والنذر لا يجزئ نية التكفير.
فأما إذا شك في الرقبة التي عليه فأعتق رقبة ونوى بها العتق مطلقا، فإنه لا
يجزئه، لأن العتق المطلق الظاهر منه أنه تطوع، فلم يجزئ، وهكذا إذا أعتق عبدا
ونوى أنه عتق واجب، فإنه لا يجزئه عندهم لأن الواجب قد يكون عن كفارة وغير
كفارة، فإذا لم يعين ذلك لم يجزئه، ويقوى عندي أنه يجزئه.
وقت النية في الإعتاق حين الإعتاق لا قبله ولا بعده وفي الصلاة مع التكبير،
وقال قوم: في الإعتاق يجوز أن يكون قبله وبعده، والأول أصح.
إذا وجب على الرجل كفارة فارتد ثم أعتق عبدا في حال ردته عن كفارته عندنا لا
يجزئه، لأنه لا يصح منه نية القربة، وقال قوم: هذا مبني على تصرف المرتد وملكه
وفيه ثلاثة أقوال: أحدها أن تصرفه نافذ إلى أن يحجر الحاكم عليه، والثاني تصرفه
باطل، والثالث مراعى فإن عاد إلى الإسلام حكمنا بصحته، وإن مات على الردة أو
قتل حكمنا ببطلانه.
فأما ملكه فإنه مبني على التصرف.
فإن قيل: تصرفه صحيح، فملكه ثابت إلى أن يموت أو يقتل، وإذا قيل:
مراعى، فمراعى، وكذلك في الإعتاق فإن أسلم تبينا إجزاءه وإن مات أو قتل تبينا أنها
لم تجزئه.
وإذا قيل: تصرفه باطل، منهم من قال: إن ملكه يزول عن ماله بنفس الردة،
فإذا عاد إلى الإسلام عاد ملكه في تلك الحال إليه، ومنهم من قال: إن ملكه لم يزل
وإنما بطل تصرفه لأنه كالمحجور عليه.
فإذا ثبت ذلك فمن قال: ملكه ثابت، فتصرفه نافذ يصح بيعه وابتياعه وإعتاقه
وإقباضه ما لم يحجر الحاكم عليه، فإذا أطعم أو أعتق عن الكفارة أجزأه، وإن صام
341

لم يجزئه لأنه حق الله، ومن قال: تصرفه باطل، لم يجزئه وكذلك سائر تصرفاته،
ومن قال مراعى قال: العتق مراعى، فإن جاء إلى الإسلام حكمنا بإجزائه وإن مات أو
قتل حكمنا بإجزائه، وهذا يسقط عنا لما بيناه.
وأما تصرفه وملكه، فإن كان مرتدا عن الفطرة فإنه يزول ويبطل، وإن كان مرتدا
عن إسلام قبله كفر، فالأليق بمذهبنا أن نقول: إنه مراعى - وقد بينا أحكام ذلك - فأما
التكفير فلا يصح منه بوجه، لأنه يحتاج إلى نية القربة وهي لا تصح منه.
إذا كان الحر متزوجا بأمة فملكها، فإن نكاحها ينفسخ، وإن أعتقها عن كفارته
نفذ عتقه فيها وأجزأته في الظاهر، لأن ملكه ثابت، فإن لم يظهر بها حمل فقد وقعت
عن الكفارة بلا خلاف، فإن ظهر بها حمل فلا يخلو: أن يكون وطئها بعد الشراء أو لم
يطأها.
فإن لم يطأها نظر:
فإن وضعت الولد لأقل من تسعة أشهر حكمنا بأنها حملته في الزوجية، فيلحقه
نسبه، فحين ملكها، ملكها وهي حامل بولد مملوك منه، فتملكها وتملك حملها
فينعتق عليه الحمل، لأنه ابنه، ولا يسري العتق إلى أمه، ولا يثبت لها حرمة الاستيلاد
لأنها علقت بمملوك في غير ملكه، وتعتق الأم بإعتاقه، ويجزئ عن الكفارة.
وإن أتت بالولد لأكثر من تسعة أشهر من وقت الشراء لم يلحقه لأنها تبينا أنها
حملته بعد زوال الزوجية، فملكها وهي حامل بولد مملوك من غيره، فإذا أعتقها في
الكفارة عتقت عليه وأجزأت وسرى العتق إلى حملها فينعتق عليه بالسراية.
وإن كان قد وطئها بعد الشراء فإنه ينظر:
فإن وضعت الولد لدون ستة أشهر من حين الوطء، فلا يمكن أن يكون الولد من
ذلك الوطء، فيكون الحكم فيه كما لو لم يكن وطئها.
وإن أتت به لأكثر من ستة أشهر حكمنا بأن ذلك الولد من ذلك الوطء فتعلق
بولد حر في ملك الواطئ ويثبت لها حرمة الاستيلاد، فإذا أعتقها نفذ عتقه فيها
بلا خلاف، ويجزئ عندنا عن الكفارة لأن ملكه تام، وعندهم لا يجزئ لأن ملكه
342

ناقص.
في الرقاب ما يجزئ وفيها ما لا يجزئ بلا خلاف فيهما، إلا داود فإنه قال:
يجزئ جميعها، وقال قوم: كل عيب يؤثر في العمل ويضر به ضررا بينا، فإنه يمنع
الإجزاء وكل عيب لا يؤثر في ذلك فإنه لا يمنع الإجزاء، فالأول مثل الأعمى لأنه لا
يتمكن من العمل، والأعور يجزئ لأن منفعته ثابتة.
وحكي أن الشعبي كان يختلف إلى النخعي وكان النخعي أعور، فانقطع
الشعبي عنه مدة فسأله لم انقطعت؟ فقال: قد استغنيت، فقال له: ما تقول في العبد
الأعور يجزئ في الكفارة؟ فقال: لا يجزئ، فقال: يا سبحان الله شيخ مثلي لا
يجزئ؟ فقال: مثل الشيخ يجزئ، فقال أخطات من وجهين: أحدهما أنك قلت إن
الأعور لا يجزئ في الكفارة وهو يجزئ والثاني أنك قلت إن الحر الأعور يجزئ في
الكفارة وهو لا يجزئ.
وعندنا أن الأعمى لا يجزئ، والأعور يجزئ كما قالوه.
فأما مقطوع اليدين أو الرجلين أو يد ورجل من جانب واحد، فإنه لا يجزئ
بلا خلاف، فأما إذا كان مقطوع إحدى اليدين أو إحدى الرجلين أو يد ورجل من
خلاف فإنه لا يجزئ عند قوم، وعند قوم يجزئ، وهو الأقوى للآية.
وإذا قطعت إبهاماه لا يجزئ بلا خلاف، فإن قطعت الإبهام أو السبابة أو
الوسطى فإنه لا يجزئ عند قوم، وإن قطع الخنصر أو البنصر، فإن قطعت إحديهما
لم يؤثر لأن الكف لم تتعطل، وإن قطعتا معا من كفين أجزأت، وإن قطعت
الخنصران أو البنصران أو الخنصر من أحدهما والبنصر من الآخر أجزأت وإن قطعتا
معا من كف واحد لم يجزئ، لأن الكف ينقص بقطعهما أكثر مما ينقص بقطع
إحدى الأصابع.
وأما إذا قطع بعض الأنامل، فإن قطعت أنملتان من خنصر أو بنصر أجزأ، وإن
كان من الأصابع الثلاث لم يجزئ، وإن قطعت أنملة واحدة من أصبع فإن كان من
الإبهام لم يجزئ، وإن كان من الأصابع الأربع أجزأ.
343

فأما الأعرج، فإن كان عرجه يسيرا لا يمنعه العمل والتصرف أجزأه، وإن كان
كثيرا يمنع التصرف لم يجزئ.
وأما الأصم فإنه يجزئ، لأن منفعته كاملة فإنه قد يعمل أكثر من عمل
السميع.
وأما الأخرس فقال قوم: يجزئ، وقال آخرون: لا يجزئ، ومنهم من قال:
يجزئ إذا كانت له كناية مفهومة وإشارة معقولة، وإذا لم يكن كذلك لا يجزئ.
والذي نقوله في هذا الباب أن الآفات التي ينعتق بها لا يجزئ معها مثل الأعمى
والمقعد والزمن، ومن نكل به صاحبه، وأما من عدا هؤلاء فالظاهر أنه يجزئه لتناول
الظاهر لهم، وليس على جميع ما ذكروه دليل مقطوع به.
وأما الأحمق - وهو الذي يضع الشئ في غير موضعه مع علمه بقبحه -، فإنه
يجزئ، وأما المجنون، فإن كان مطبقا لم يجزئ، وإن كان خفيفا أجزأ، وأما
المريض فإن كان مأيوسا من برئه كالمسلول وغيره لم يجزئ، وإن كان يرجى برؤه
أجزأ.
وأما نضو الخلق، فإن كان ضعيفا لا قوة له ولا يتمكن من العمل لم يجزئ
عندهم عتقه، وإن كان متمكنا من العمل لكن فيه ضعف أجزأ، ويقوى عندي أنه
يجزئ على كل حال للآية.
وأما ولد الزنى فإنه يجزئ إجماعا إلا الزهري والأوزاعي لقوله عليه السلام: ولد الزنا
شر الثلاثة، وهذا له تأويلان: أحدهما أنه أراد شر الثلاثة نسبا لأنهما ينتسبان إلى
أبوين وهو ينسب إلى الأم، والثاني أنه أشار إلى رجل بعينه جالس مع اثنين، وكان
ولد زنا فقال: ولد الزنا شر الثلاثة، يعني أنه في نفسه شرير، وكونه ولد الزنى ذكره على
سبيل التعريف له، كما قال: الجالس في وسط الحلقة ملعون، وإنما ذكره على
سبيل التعريف لا أنه ملعون بجلوسه في وسط الحلقة.
الكفارة على ضربين: مرتبة ومخيرة.
فالمرتبة كفارة الجماع والظهار والقتل بلا خلاف، وفي أصحابنا من قال: كفارة
344

الجماع مخير فيها، فالمرتب يبدأ بالعتق ثم بالصيام ثم بالإطعام إلا أن كفارة القتل
ليس فيها إطعام ستين مسكينا عند قوم، وعندنا فيه الإطعام.
والكفارة المخيرة كفارة اليمين بلا خلاف مخير فيها بين الإعتاق والإطعام
والكسوة، فإن عجز عن الثلاثة انتقل إلى الصيام، فعجزه عن الثلاثة مثل عجزه من
الإعتاق في الكفارات المرتبة في جواز انتقاله إلى الصوم.
فإذا ثبت هذا، فمن كان له رقبة ويقدر على إعتاقها وهو غير محتاج إليها لزمه
العتق، ولا يجوز له أن يصوم، وإن لم يجد الرقبة لكنه وجد ثمنها وقدر على شرائها
فعليه أن يشتريها، ولا يجوز له أن يصوم، وإن وجد رقبة وهو محتاج إليها لخدمته أو
وجد ثمنها وهو محتاج إليه لنفقته وكسوته لا يلزمه العتق، ويجوز له الصوم، وفيه
خلاف.
فإذا ثبت هذا فإن كان له مسكن يسكنه، وثوب يلبسه، فلا يلزمه بيعه، لأنه لا بد
لكل واحد من ذلك، وإن كان له خادم فإن كان زمنا أو مريضا أو ضعيفا فهو محتاج
إليه، وكذلك إن كان رفيع الحال لم تجر عادته أن يخدم نفسه.
فأما إذا كان من أوساط الناس الذين يخدمون أنفسهم قيل فيه وجهان: أحدهما
أنه غير محتاج إليه ويلزمه إعتاقه لأنه يمكنه أن يخدم نفسه، والوجه الثاني أنه محتاج
إليه، لأنه ما من أحد إلا ويحتاج إلى خادم يخدمه، والأول أحوط.
فأما إذا كانت له دار رفيعة يمكنه بيعها ويشتري ببعضها دارا هي سكنى مثله، أو
كان له خادم رفيع القيمة يمكنه بيعه ويشتري ببعض ثمنه خادما يخدمه، لزمه فعل
ذلك ويشتري بالفضل رقبة يعتقها، ولا يجوز له التكفير بالصيام، لأنه غير محتاج
إليه، وقد بينا ما يجب من الكفارات المرتبة.
وإذا ثبت ذلك وعجز عن الإعتاق وشرع في الصيام، فعليه أن يصوم شهرين
متتابعين، فإن أفطر في أثناء الشهرين لم يخل: إما أن يفطر لعذر أو لغير عذر.
فإن أفطر لغير عذر لزمه الاستئناف للصوم، ولا يجوز له البناء أي وقت كان من
الشهر الأول أو في الشهر الثاني عندهم، وعندنا إن كان إفطاره بعد أن صام شهرا ومن
345

الثاني شيئا كان مخطئا وجاز له البناء، وهكذا الحكم فيه إذا سافر في أثناء الشهرين
يوما فعلى مذهبهم يقطع التتابع وعلى مذهبنا مثل ما ذكرناه في الإفطار سواء.
وأما إذا أفطر لعذر فالعذر عذران: عذر من قبل الإنسان وعذر من قبل
غيره.
فأما الذي من قبله، فهو على ثلاثة أضرب:
أحدها الحيض ويتصور الإفطار بالحيض في كفارة القتل، وكفارة الجماع،
فأما الظهار فلا يتصور ذلك فيها، فإذا طرأ الحيض في أثناء الصوم وأفطرت المرأة،
فإن التتابع لا ينقطع بلا خلاف.
وأما المرض الذي يفطر معه، فيتصور في الرجل والمرأة، فعندنا لا يقطع
التتابع، وقال قوم: يقطع.
فأما إذا أفطر لسفر فالذي يقتضيه مذهبنا أنه يقطع التتابع إن كان في الشهر
الأول لأنه باختياره، وفيهم من قال: حكمه حكم المرض على ما مضى.
وأما الحامل والمرضع إذا أفطرتا فإن أفطرتا خوفا على أنفسهما فحكمهما حكم
المريض بلا خلاف، وإن أفطرتا خوفا على الولد، منهم من قال: هو مثل المريض،
ومنهم من قال: بقطع التتابع على كل حال، وهو الذي يقوى في نفسي.
وأما العذر من قبل غيره فهو أن يكرهه الغير على الإفطار، فإنه ينظر فيه: فإن
صب الماء في حلقه وأوجر الطعام بغير اختياره لم يفطر بلا خلاف، وإن ضرب حتى
أكل أو شرب قال قوم: يفطر، وقال آخرون: لا يفطر، والأول أقوى.
ومثل هذا إذا حلف لا يدخل دارا فحمل وأدخلها لم يحنث، وإن ضرب حتى
دخلها فعلى قولين: فمن قال لا يفطر قال: لا يقطع التتابع، ومن قال يفطر قال:
يقطع التتابع، وهو الصحيح.
فأما إذا تخلله زمان لا يصح فيه الصوم، مثل رمضان ويوم الفطر ويوم الأضحى
وأيام التشريق:
فأما يوم الفطر وأيام التشريق فلا يتصور فيهما أن يقطعا التتابع ابتداء، فإنه يكون
346

قد تقدمهما قطع التتابع برمضان، ويوم الأضحى، وإنما يتصور فيما أن يبتدئ فيهما
الصوم.
فأما زمن رمضان، فإذا عرض في أثناء الشهرين، فإنه على التفصيل الذي
قدمناه عندنا في من أفطر من غير عذر، وعندهم يقطع التتابع، وهكذا يوم الأضحى إذا
تخلل الشهرين عندهم يقطع التتابع، وعندنا على ما مضى من التفصيل.
وأما إذا ابتدأ بصوم الشهرين من أول يوم الفطر أو صام شوال وذا القعدة، فيوم
الفطر لا يصح صومه، ويصح صوم ما بعده، فأما ذو القعدة فإنه يصح ويجزئ عن
شهر تاما كان أو ناقصا، فإن الشهرين اسم لما بين الهلالين.
وأما شوال فإنه انقطع يوم من أوله فلا يمكن اعتباره بالهلال فتعتبر بالعدد،
فيحتاج، أن يتمه ثلاثين يوما، فإن كان شوال تاما فقد حصل له تسعة وعشرون يوما
فيصوم يوما واحدا من ذي الحجة، وإن كان ناقصا صام يومين، وإن قلنا يقضي يوما
لأنه ما أفطر من الشهر الهلالي إلا يوما كان قويا.
وأما إذا ابتدأ بالصوم من أول أيام التشريق، فإن كان بمنى فلا يجزئ، وإن كان
بغيرها من الأمصار أجزأ، وفيهم من قال: لا يجزئ، ولم يفصل، فإذا لم يصح
صومها احتسب بما بعدها على ما فصلناه.
إذا أراد المكفر أن يصوم شهرين، فإن صام من أول الشهر اعتبر بما بين
الهلالين تامين كانا أو ناقصين بلا خلاف، وإن مضى بعض الشهر ثم ابتدأ بالصوم
فإنه يسقط اعتبار الإهلال ويصوم شهرا بالعدد ثلاثين يوما وينظر قدر ما بقي من الشهر
وصامه فيضم إليه تمام ثلاثين يوما ويعتد به شهرا بلا خلاف.
المكفر يلزمه أن ينوي صوم كل يوم بلا خلاف، وعندنا يجوز تجديدها إذا فاتت
إلى قبل الزوال، وعند بعضهم لا بد من الإتيان بها قبل الفجر، وهل يلزمه التتابع فيه؟
قيل فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه لا بد أن ينويه كل ليلة كمن جمع بين الصلاتين فلا بد أن ينوي عند
افتتاح الأولة.
347

الثاني: يكفيه أن ينوي التتابع في أول الصيام ولا يحتاج أن ينوي كل
ليلة.
والثالث: لا يحتاج أن ينوي التتابع أصلا لا في الليلة الأولى ولا في كل ليلة، وهو
الصحيح عندنا، ولأنه لا دليل على ذلك، ولأن التتابع من شرط الصوم، والنية إنما
تجب للعبادة لا لشرائطها، ألا ترى أنه يجب أن ينوي الصلاة ولا يجب أن ينوي
شرائطها وأركانها من الركوع والسجود وغير ذلك.
قد مضى حكم الإغماء والجنون إذا طرءا على الصوم في كتاب الصوم، وما
يفسد الصوم، وما لا يفسده، فإذا ثبت ذلك فكل موضع يقال " إن الصوم لا يبطل "
فالتتابع لا ينقطع وكل موضع قيل " يبطل " فهو ينقطع التتابع، على قولين كالمريض
لأن الإغماء مرض، وعندنا لا يفطر فلا يقطعه على ما مضى.
إذا صام المكفر شهرين متتابعين منهما رمضان، فلا يخلو أن يصوم شعبان، ثم
يتبعه رمضان أو يصوم أولا رمضان ثم يتبعه شوال وما بعده، فإن صام شعبان ورمضان
فإن رمضان لا يجزئه عن الكفارة بلا خلاف، وشعبان لا يجزئ أيضا لأنه ما تابع.
فأما رمضان فإنه يجزئ عندنا عن رمضان، وقال قوم: لا يجزئ لأنه ما عين النية
ويلزمه صوم شهرين متتابعين بلا خلاف، وصوم شهر قضاء رمضان عنده، فأما إن
صام أولا رمضان ثم ما بعده فصوم رمضان لا يجزئ عن الكفارة بلا خلاف، فأما عن
رمضان فصحيح عندنا، ويعتد به شهرا بين هلالين.
وأما شوال فإن يوم الفطر لا يصح صومه عن كفارة، ويسقط اعتبار الهلال فيه
ويحتسب بالعدد، فإن كان الشهر تاما فقد حصل له تسعة وعشرون يوما بقي عليه يوم
وإن كان ناقصا بقي عليه يومان يقضيهما، هذا إذا لم يعتبر فيه التتابع أو اعتبر كل
ليلة.
فأما من قال: يحتاج أن يأتي بها في أول الصوم، فإنه لا يجزئه حتى يستأنفها
في اليوم الثاني من شوال، لأنه قد نواها في أول يوم من رمضان، وذلك لا يقع عن
الكفارة، فلزمه استئنافها، وهذا يسقط عنا لما بيناه من أن نية التتابع غير معتبرة.
348

قال قوم: الاعتبار في الكفارة المرتبة بحال الوجوب، وقال قوم: بحال الأداء،
وقال قوم: الاعتبار بأغلظ الأحوال من حين الوجوب إلى حين الأداء، والذي يقوى
عندي أن الاعتبار بحال الأداء.
فمن قال: إن الاعتبار بحال الوجوب، قال: ينظر في حال المكفر في ذلك
الوقت:
فإن كان قادرا على الإعتاق ففرضه العتق، ويستقر ذلك في ذمته، فإن تلف ماله
وأعسر بعد ذلك لم يسقط عنه العتق، ولا يجوز له التكفير بالصوم، بل العتق باق في
ذمته حتى يقدر عليه، ويعتق، غير أنه يستحب له أن يصوم شهرين خوفا من أن
يموت قبل أن يعتق، وإن لم يكن قادرا على العتق ففرضه الصوم، ويستقر ذلك في
ذمته، فإن أيسر بعد ذلك لم يلزمه العتق، وجاز له التكفير بالصيام، فإن كفر
بالإعتاق فقد أتى بالأفضل.
ومن قال: الاعتبار بحال الأداء - على ما اخترناه -، فإنه قال: إن كان في تلك
الحالة عاجزا عن العتق ففرضه الصوم، فلا يلزمه العتق وإن كان فيما قبل قادرا عليه،
فيعتبر حاله عند التكفير.
ومن قال: الاعتبار بأغلظ الحالين، قال: متى قدر على العتق من حين الوجوب
إلى حال أدائها وإخراجها لزمه العتق، وإن عجز في الأحوال كلها كان فرضه الصوم.
الحقوق على ثلاثة أضرب: حق يفوت بالتأخير، وحق لا يفوت وليس في
تأخيره ضرر، وحق لا يفوت لكن في تأخيره ضرر.
فأما الحق الذي يفوت بالتأخير كالصلاة والطهارة، فإذا دخل عليه الوقت وهو
عادم للماء في موضعه وكان واجدا له أو لثمنه في بلده لا يلزمه أن يصبر حتى يصل
إلى الماء بل يتيمم ويصلي، لأنه إن أخر فاتت الصلاة.
وأما ما لا يفوت وليس في تأخيره ضرر، فهو كفارة الجماع والقتل واليمين، فإذا
عدم العتق فيها أو عدم الأجناس الثلاثة في كفارة اليمين، وكان قادرا على ذلك أو
349

على ثمنه في بلده، فإنه لا يجوز أن يصوم، بل يصبر حتى يصل إلى بلده ويكفر
بالمال لأن هذا الحق ثابت في ذمته لا يفوت ولا يستضر بتأخيره.
وأما ما لا يفوت بالتأخير لكن فيه ضرر، فهو كفارة الظهار، فإنه إذا أخرها لم يفت
وقتها لكن عليه ضرر، وهو تحريم الوطء، فإذا عدم الرقبة في موضعه، وكان قادرا
عليها أو على ثمنها في بلده، قيل فيه وجهان: أحدهما يؤخر إلى أن يصل ويعتق ولا
ينتقل إلى الصوم لأن ذلك لا يفوت، وهو الأقوى عندي، والثاني لا يؤخر بل يصوم في
الحال لأن عليه ضررا في التأخير.
إذا عدم المكفر الرقبة فدخل في الصوم، ثم قدر على الرقبة لا يلزمه الإعتاق
بل يستحب له ذلك، وهكذا للمتمتع إذا عدم الهدي فصام ثم قدر على الهدي لا
يلزمه الانتقال بل يستحب له ذلك، وهكذا المتيمم في حال الصلاة إذا وجد
الماء بعد الدخول فيها لا يلزمه ذلك ولا يستحب عندنا ذلك وعند قوم يستحب
وفيه خلاف.
إذا قال الرجل لعبده: أنت حر الساعة عن ظهاري إذا تظاهرت، فقد أوقع عتقه
في الحال عن الظهار الذي يوجد في الثاني، فيقع العتق ولا يجزئه عن الظهار إذا
تظاهر، وعندي أنه لا يقع لا في الحال ولا فيما بعد لأنه معلق بشرط، وأما إذا
أعتقه بعد الظهار وقبل العود مثل أن يقول: أنت علي كظهر أمي أعتقتك عن
ظهاري، فإن ذلك يجزئه عن ظهاره إذا وجد العود، ككفارة اليمين إذا أخرجها
بعد الصفة قبل الحنث، وعندنا لا يجوز ذلك، لأنه إنما يجب عليه إذا أراد استباحة
الوطء.
إذا أراد أن يطعم عند العجز عن الصوم، فإنه يطعم ستين مسكينا كل مسكين
مدين من الطعام، فإن لم يقدر فمد من طعام، وقال قوم: مد على كل حال، ولا
يجوز الإخلال بعدد المساكين، فإن لم يجد عددهم جاز أن يكرر عليهم، وقال
قوم: يجوز أن يعطي ما لمسكينين لواحد، سواء كان في يومين أو يوم، وقال
آخرون: إن كان ذلك في يوم واحد لم يجز وإن كان في يومين جاز، وهكذا يجب
350

أن نقول.
يجب أن يطعم كل مسكين مدين مع القدرة ومع العجز يكفيه مد، والمد رطلان
وربع بالعراقي، وفيه خلاف.
الواجب في الإطعام في الكفارة من غالب قوت البلد وكذلك في زكاة الفطرة،
وقال قوم: يجب مما يطعم أهله، وهو الأقوى للظاهر، فإن أخرج من غالب قوت
البلد وهو مما يجب فيه الزكاة أجزأه، فإن أخرج فوقه فهو أفضل، وإن أخرج دونه
فإن كان مما لا يجب فيه الزكاة لم يجزئه، وإن كان مما يجب فيه الزكاة فعلى قولين،
وإن كان قوت البلد مما لا يجب فيه الزكاة، فإن كان غير الأقط لم يجزئ وإن
كان أقطا قيل فيه وجهان: أحدهما يجزئه، والثاني لا يجزئه لأنه مما لا يجب
فيه الزكاة.
والذي ورد نص أصحابنا به أن أفضله الخبز واللحم، وأوسطه الخبز والخل
والزيت، وأدونه الخبز والملح.
إذا أحضر ستين مسكينا وأعطاهم ما يجب لهم، فإنه يجزئ سواء أطعمهم إياه
أو قال: ملكتكم، أو يقول: خذوا هذا أو أعطيتكم إياه، وقال قوم: لا يجزئ حتى
يملكهم إياه بأن يقول " ملكتكم إياه ".
فمن قال لا يجزئ قال: ينظر فيما حصل مع كل واحد: فإن كان قد حصل مع
كل واحد قدر ما يجب له فقد استوفى حقه وإن كان أقل تمم، وإن كان أكثر يسترجع
الفضل، لأن الظاهر أنه تطوع، وإن جهل ذلك لزمه الإخراج ثانيا لأن الأصل بقاء
الفرض، ولا يسقط بالشك.
كل ما يطلق عليه اسم الطعام يجزئ في الكفارات، وقال قوم: لا يجزئ
غير الحب فأما الدقيق والسويق والخبز فإنه لا يجزئ، وقال بعضهم: يجزئه الدقيق،
وكذلك القول في زكاة الفطرة، والأول أحوط هاهنا، وقد بينا ما يجزئ في الفطرة
هناك.
يجوز صرف الكفارة إلى الصغير إذا كان فقيرا بلا خلاف، إلا أن أصحابنا رووا أنه
351

إن أطعم صغارا عد صغيرين بواحد، وخالفوا في ذلك.
إذا ثبت ذلك فإن الكفارة لا تدفع إلى الصغير لأنه لا يصح منه القبض، لكن
تدفع إلى وليه ليصرفها في مصالحه، مثل ما لو كان له دين لم يصح منه قبضه.
لا يجوز أن يدفع الكفارة إلى من يلزمه نفقته كالآباء والأمهات والأجداد
والجدات وإن علوا، والأولاد وأولاد الأولاد وإن نزلوا بلا خلاف، لأنهم مستغنون به،
ولا يجوز دفع الكفارات إلى غني.
فأما من لا يلزمه نفقته من أقاربه ممن خرج عن هذين العمودين، فإنه يجوز
صرف الكفارة والزكاة إليهم لأنهم محتاجون، ولا يجب عليه نفقتهم، وكذلك الزوج
لا يجوز أن يدفع زكاته وكفارته إلى زوجته.
ولا يجوز دفع ذلك إلى عبد، لأنه تجب نفقته على سيده، وكذلك المكاتب
لأنه وإن كان في يده مال فهو مستغن وإن لم يكن فيمكنه أن يعجز نفسه ويعود إلى
ملك سيده ويجب عليه نفقته، إلا أن على مذهبنا إن كان المكاتب مطلقا وتحرر منه
شئ وهو فقير جاز أن يعطي لأنه غير مستغن لأنه لا يمكن رده في الرق.
يجوز دفع الزكاة والكفارة إلى من ظاهره الفقر وإن لم يعرف باطنه، لأنه لا طريق
إلى معرفته، فإذا دفعها إلى من ظاهره الفقر ثم بان أنه غني، قال قوم: إنه يجزئه،
وهو الأقوى، وقال آخرون: لا يجزئه.
إذا وجب على الرجل كفارة ظهار، فإن أراد أن يكفر بالإعتاق أو بالصيام فإنه
يلزمه تقديم ذلك على المسيس بلا خلاف وإذا عجز عنهما وأراد أن يكفر بالإطعام
فإنه يلزمه أيضا عندنا وعند الأكثر تقديمه على المسيس، ولا يحل له الوطء قبل فراغه
من التكفير، وفيه خلاف.
يجوز أن يكفر بالإطعام متواليا ومتفرقا لقوله: " فإطعام ستين مسكينا " ولم
يفرق، فإن أخرجه متفرقا ثم قدر على الصوم في أثنائه لم يلزمه الصوم، بل يتمم
الإطعام.
إذا وجبت على الرجل كفارتان وأراد التكفير بالإطعام فأطعم ستين مسكينا
352

مدين، مدا عن هذه الكفارة ومدا عن هذه الكفارة، أجزأ ذلك، حتى لو صرف
الكفارتين كلتيهما إلى ستين مسكينا إلى كل مسكين مدين عندهم، وعندنا صاع مع
القدرة أجزأه بلا خلاف للظاهر.
إذا دفع ستين مدا من كفارة واحدة إلى ثلاثين مسكينا إلى كل مسكين مدين أو
صاعا عندنا فقد أجزأه نصف الكفارة، لأن كل مسكين في حقه أجزأه مدان عندنا،
وعندهم مد فبقي عليه إطعام ستين مدا عندنا وثلاثين عندهم، يلزمه صرفها إلى
ثلاثين مسكينا آخر، وأما المد الزائد الذي دفعه أو المدان عندنا الذي دفعه إلى
الثلاثين الأول فهل له استرجاعه؟ ينظر: فإن كان شرط حال دفعه أنه كفارة كان له
استرجاعه، وإن لم يكن شرط ذلك لم يكن له الاسترجاع.
فأما إذا دفع ستين مدا إلى مائة وعشرين لكل مسكين نصف مد، فإنه لا يجزئه
لأنه دفع إلى كل واحد دون حقه، فيحتاج أن يتمم لستين مسكينا تمام ما هو نصيبهم
على الخلاف فيه، وله الخيار في ذلك يتمم لأيهم شاء ويجزئه ذلك، فإذا فعل لم
يكن له استرجاع ما دفعه إلى الباقين، لأنه وقع موقعه، ألا ترى أنه لو تمم عليه مدا
أجزأه.
إذا وجبت عليه كفارة مرتبة أو مخير فيها فلا يجوز أن يكفر إلا بجنس واحد إما
إعتاق أو صيام أو إطعام، ولا يجوز أن يكفر بجنسين نصف من العتق ونصف من
الصيام ولا نصف من الصيام ونصف من الإطعام، بلا خلاف.
لو غداهم وعشاهم ما يكون تمام الصاع عندنا أجزأه - وفيه خلاف - ولا يجوز
إخراج القيمة في الكفارات، وفيه خلاف.
إذا قالت المرأة لزوجها: أنت علي كظهر أبي، لم يتعلق به حكم، وفيه خلاف.
353

كتاب اللعان
اللعان مشتق من اللعن وهو الإبعاد والطرد، يقال: لعن الله فلانا، يعني أبعده
وطرده، فسمي المتلاعنان بهذا الاسم لما يتعقب اللعن من المأثم، والإبعاد والطرد،
فإن أحدهما لا بد من أن يكون كاذبا فيلحقه المأثم، ويتعلق عليه الإبعاد والطرد.
يقال: " التعن الرجل " إذا تفرد باللعان، و " لاعن " إذا لاعن زوجته وتولى هو
اللعان، و " لاعن الحاكم بين الزوجين " إذا تولى الملاعنة، و " التعنا وتلاعنا " إذا فعلا
اللعان، ويقال: " رجل لعنة " - بتحريك العين - إذا كان يلعن الناس، و " رجل لعنة " -
بتسكينها - إذا كان يلعنه الناس، ومنه قوله عليه السلام: اتقوا الملاعن، يعني اتقوا
البول على ظهر الطرقات لأن من فعل ذلك لعنه الناس.
فإذا ثبت هذا فثبوت حكمه في الشرع بالكتاب والسنة.
قال الله تعالى: " والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم " إلى
آخر الآيات، فذكر تعالى اللعان وكيفيته وترتيبه.
وروى الزهري عن سهل بن سعد الساعدي أن عويم العجلاني - وقيل عويمر -
أتى النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا رسول الله أرأيت الرجل يجد مع امرأته رجلا
أيقتله فيقتلونه أم كيف يصنع؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله: قد أنزل الله فيك وفي
355

صاحبتك فات بها، فجاء بها فتلاعنا وأنا حاضر عند رسول الله صلى الله عليه وآله
فلما تلاعنا قال: يا رسول الله إن أمسكتها فقد كذبت عليها، فطلقها، قال ابن
شهاب: فكانت تلك سنة المتلاعنين.
وروى عكرمة عن ابن عباس أن هلال بن أمية قذف زوجته عند رسول الله بشريك
بن السحماء، فقال النبي صلى الله عليه وآله: البينة وإلا حد في ظهرك، فقال: يا
رسول الله يجد أحدنا مع امرأته رجلا يلتمس البينة؟ فجعل رسول الله يقول: البينة وإلا
حد في ظهرك، فقال: والذي بعثك بالحق إنني لصادق، وسينزل الله في ما يبرئ به
ظهري من الحد، فنزل قوله تعالى: " والذين يرمون أزواجهم... الآية " فلاعن رسول الله
صلى الله عليه وآله بينهما.
فإذا ثبت هذا فالرجل إذا قذف أجنبيا أو أجنبية بالزنى وكان المقذوف محصنا فإن
القاذف يفسق بذلك في الظاهر، ويلزمه الحد وله إسقاطه بإقامة البينة بأن المقذوف
زنا، فإن لم يقم البينة حكم بفسقه، وسيقطع شهادته حتى يتوب، وعليه الحد ثمانون
جلدة وإذا أقام البينة - وهو أربعة من الشهود - عليه بالزنى سقط عنه الحد، وزال ما
حكم به من الفسق في الظاهر، ووجب على المقذوف حد الزنى جلد مائة وتغريب عام
إن كان بكرا، والرجم إن كان محصنا بلا خلاف لقوله تعالى: " والذين يرمون
المحصنات... الآية ".
فأما إذا قذف زوجته فإنه يلزمه حد القاذف في الظاهر، ويحكم بفسقه وله
الخروج من ذلك بأمرين، إقامة البينة بالزنى أو باللعان.
فإن أقام البينة على الزنى سقط عنه الحد، وزال الفسق ووجب على المرأة حد
الزنى، وليس لها إسقاطه باللعان.
وإن لم يقم البينة لكنه لاعن فإنه يسقط بذلك الحد عن نفسه، ويجب على
المرأة حد الزنى، ولها إسقاطه باللعان بلا خلاف لقوله تعالى: " والذين يرمون
أزواجهم، إلى آخر الآيات.
فموجب القذف عندنا في حق الزوج الحد وله إسقاطه باللعان، وموجب اللعان
356

في حق المرأة الحد ولها إسقاطه باللعان وفيه خلاف.
يصح اللعان بين كل زوجين مكلفين من أهل الطلاق سواء كانا من أهل
الشهادة أو لم يكونا، مسلمين كانا أو كافرين، أو أحدهما مسلم والآخر كافر،
وكذلك بين الحرين والمملوكين، أو أحدهما مملوك والآخر حر، وبين المحدودين
في القذف أو أحدهما.
وقال بعضهم: إنما يصح اللعان بينهما إذا كانا من أهل الشهادة، فإن لم يكونا
أو أحدهما فلا يصح اللعان.
والخلاف في فصلين: أحدهما أن اللعان يصح من هؤلاء أو لا؟ والثاني أن
اللعان هل هو يمين أو شهادة؟ فعندنا هو يمين ويصح منهم، وعندهم شهادة
لا يصح منهم.
وإنما قلنا ذلك لقوله تعالى: " والذين يرمون أزواجهم " إلى آخر الآيات ولم
يفرق، ولعموم الأخبار، وإنما قلنا إنه يمين لما روى عكرمة عن ابن عباس أن النبي
صلى الله عليه وآله لما لاعن بين هلال بن أمية وبين زوجته قال: إن أتت به على نعت
كذا فما أراه إلا وقد كذب عليها، وإن أتت به على نعت كذا وكذا فما أراه إلا من
شريك بن السحماء، قال: فاتت به على النعت المذكور، فقال النبي عليه السلام:
لولا الأيمان لكان لي ولها شأن، فسمي اللعان يمينا، ولأنه لو كان شهادة لما صح
لعان الأعمى، لأن شهادة الأعمى لا تقبل عند المخالف.
إذا قذف زوجته ولم يكن له بينة فله أن يلاعن بلا خلاف للآية، وإذا كان له بينة
فله أيضا أن يلاعن، وقال بعضهم: ليس له أن يلاعن مع قدرته على البينة، وهو قوي
لقوله تعالى: " والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة
أحدهم " فشرط في من يلاعن ألا يكون له شاهد إلا نفسه.
فإذا ثبت هذا وقذف زوجته الحرة المحصنة ولزمته الحد فطالبت به كان له أن
يلاعن لإسقاط الحد بلا خلاف، وإن كانت أمة أو كافرة فلزمه التعزير بقذفها وطالبت
به، فله أن يلاعنها ليسقط عن نفسه، فأما إذا لم يطالب بحد ولا تعزير فإن كان له
357

نسب كان له أن يلاعن لنفيه، وإن لم يكن فليس له أن يلاعن، لأن اللعان لإسقاط
الحد أو لنفي النسب، وفي الناس من قال: له أن يلاعن لإزالة الفراش وإسقاطه،
وليس بشئ لأنه يمكنه إزالته بالطلاق.
حد القذف من حقوق الآدميين لا يستوفى إلا بمطالبته آدمي، ويورث كسائر
الحقوق، ويدخله الإبراء والعفو كما يدخل في سائر الحقوق وفيه خلاف.
اللعان لا يثبت عندنا بالقذف المطلق، إلا إذا ادعى المشاهدة أو الانتفاء من
الحمل ولم يعتبر أكثرهم ادعاء المشاهدة، وأجازوا اللعان بمجرد القذف وعندنا أن
الأعمى لا يصح منه اللعان بمطلق القذف إلا بنفي الولد، وعند جميع المخالفين
يصح.
ليس يخلو حال المرأة من أحد أمرين: إما أن تكون حائلا أو حاملا.
فإن كانت حائلا فلها حالتان: حالة يجوز فيها قذفها ولعانها، وحالة يحرم ذلك
فيها.
فالحالة التي يجوز ذلك فيها هو أن يتيقن زناها عندنا بالمشاهدة أو غيرها مما
يعلم به نفي الولد، ولا يعمل على غلبة الظن، وقال بعضهم: أو يغلب على ظنه
ذلك بأن يخبره ثقة فيسكن إلى قوله " إنها زنت " أو استفاض في الناس أن فلانة تزني
بفلان ووجد ذلك الرجل عندنا، ففي هذه المواضع يجوز له أن يقذف ويلاعن، لأنه
غلب على ظنه ذلك، ولا يجب بل يجوز أن يترك ويمسكها، وعلى ما اعتبرناه من
المشاهدة لا يجوز له اللعان في شئ من هذه المواضع.
وأما الحالة التي يحرم فيها لعانها وقذفها، فهو إذا كانت الحال مستقيمة، فلا
يعلم أنها زنت، ولا يخبر بذلك غيره، فإن فعل فقد أتى بمعصية كبيرة، وكذلك إذا
أخبره من لا يثق بقوله عندهم أو لم يستفض.
وأما الحامل فلها ثلاثة أحوال: حالة يجب فيها القذف واللعان، وحالة يحرم
ذلك فيها، وحالة مختلف فيها.
فالحالة التي يجب فيها القذف واللعان، فهو أن يعلم زناها في طهر لم يجامعها
358

فيه، ويظهر بها حمل يمكن أن يكون من ذلك الزنى، فيلزمه أن يقذف ويلاعن وينفي
النسب، لأنه متى سكت ولم ينف النسب استلحق نسبا ليس منه وذلك لا يجوز.
وأما الحالة التي يحرم فيها، فهو أن يكون الحال مستقيمة لم يظهر على المرأة
الزنى، وأتت بولد يمكن أن يكون منه، فلا يجوز له أن يقذف ويلاعن وينفي النسب،
لأن النسب لاحق به في الظاهر، وليس هناك ما يدل على نفيه منه لقوله عليه السلام:
أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم فليست من الله في شئ ولن يدخلها جنة،
وأيما رجل نفى نسب ولده وهو ينظر إليه احتجب الله عنه وفضحه على رؤوس الأولين
والآخرين.
وأما الحالة المختلف فيها، فهو أن لا يعلم من حالها الزنى، لكنها أتت بولد
لا يشبهه مثل أن يكونا أبيضين فاتت بولد أسود أو كانا أسودين فاتت بولد أبيض، منهم
من قال: له أن ينفي ويلاعن بحكم الشبه، ومنهم من قال: لا يجوز، وهو الصحيح
عندنا لأنه يجوز أن يرجع إلى بعض آبائه وأجداده، لما روي أن رجلا أتى النبي -
صلى الله عليه وآله - فقال: يا رسول الله إن امرأتي أتت بولد أسود، فقال: هل لك من إبل؟
فقال: نعم، فقال: ما ألوانها؟ قال: حمر، فقال: فهل فيها من أزرق؟ فقال: نعم،
فقال: أنى ذلك؟ فقال: لعل أن يكون عرقا نزع، قال: فكذلك هذا لعل
أن يكون عرقا نزع.
إذا كان للصبي أقل من تسع سنين فتزوج بامرأة فاتت بولد فإن نسبه لا يلحقه
لأن العادة لم تجر أن من له دون التسع يطأ وينزل ويحبل، فلا يمكن أن يكون الولد
منه فلم يلحقه، كما لو تزوج بها رجل فاتت بولد لدون ستة أشهر، فإنه لا يلحقه لأن
العادة لم تجر أن الولد يوضع لأقل من ستة أشهر.
فإذا ثبت أنه لا يلحقه نسبه فإنه ينتفي عنه بلا لعان لأنه إنما ينفي باللعان النسب
الذي يمكن أن يكون من الزوج ويلحق بالفراش، فينفى باللعان، وهذا لا يمكن أن
يكون منه، فلم يحتج في نفيه إلى لعان، كما لو أتت بولد لدون ستة أشهر فإنه ينفى
عن الزوج بلا لعان لأنه لا يمكن أن يكون منه.
359

فإن مات الزوج اعتدت المرأة عنه بالشهور عندنا، على كل حال، ولا تعتد
بوضع الحمل عندهم هاهنا، لأن العدة إنما تنقضي بوضع حمل يمكن أن يكون من
الزوج، وهذا لا يمكن أن يكون من هذا الزوج.
فأما إذا كان له عشر سنين فاتت امرأته بولد فإنه يلحقه نسبه، لأنه يمكن أن
يكون منه، لإمكان أن يكون بلغ الاحتلام فيتأتى منه الوطء والإنزال والإحبال، فيلحقه
النسب بالإمكان وإن كان بخلاف العادة، كما لو أتت المرأة بولد لستة أشهر من حين
العقد، فإنه يلحقه نسبه لإمكان أن يكون منه، وإن كانت العادة بخلافه، لأن الظاهر
أن لا تضع المرأة لأقل من تسعة أشهر.
وكذلك إذا تزوج بكرا فحبلت فإن النسب يلحقه، لإمكان أن يكون وطئها دون
الفرج فسبق الماء إلى الفرج فحملت منه وإن كان الظاهر والعادة أن البكر لا تحبل.
فإذا ثبت أنه يلحقه نسبه فلا يجوز له نفيه باللعان، لأن اللعان إما أن يكون
يمينا على قولنا أو شهادة على قول المخالف، وكلاهما لا يصحان من غير بالغ،
وهذا غير محكوم ببلوغه، فإن البلوغ إنما يكون بالإقرار بالاحتلام أو باستكمال
خمس عشرة سنة، أو بالإنبات عندنا ولم يوجد شئ من ذلك، ولأن اللعان إنما
يصح ممن إذا نكل أقيم عليه الحد، وهذا لو امتنع لم يقم عليه الحد، فلم يصح
لعانه.
فإذا ثبت ذلك، فإذا بلغ إما بالسن أو الاحتلام أو الإنبات كان له أن ينفي النسب
لأنه صار لكلامه حكم فصح منه نفي النسب، فإن لم ينفه ومات إما قبل البلوغ أو
بعده، قبل أن ينفي، أو بلغ مجنونا فتعذر النفي في حقه ومات، فإن النسب لا حق
به والزوجية ثابتة فترثه الزوج والولد، لأن النسب لا حق به حتى ينفيه، والزوجية ثابتة
حتى يسقطها.
فيثبت الإرث قبل حصول السبب القاطع للنسب والزوجية، وإن كان ذلك
معرضا للإسقاط والنفي، كما لو حملت امرأة الرجل حملا وأراد نفيه وقبل أن نفاه
مات، فإن الولد يرثه لثبوت نسبه، وإن كان معرضا للنفي.
360

ولا فرق بين الجارية والغلام في إمكان بلوغهما في تسع سنين، وفي الناس من
فرق.
إذا كان الزوج بالغا مجبوبا فاتت امرأته بولد لحقه نسبه إلا أن ينفيه باللعان لأنا
لا نعلم أنه لا يولد لمثله، وقال قوم: إنه ينفى عنه بلا لعان، والأول أصح، وكذلك
القول إذا كان مسلولا وذكره باق أو مقطوع الذكر وأنثياه باقيتين، يلحقه الولد، وفي
الناس من قال: لا يلحقه، والأول أصح للظاهر.
فأما إذا كان مقطوع الذكر والأنثيين معا فإنه لا يلحقه الولد، وينتفي بغير لعان،
لأنه ما جرت العادة أن يولد لمثل هذا، وفي الناس من قال: لا ينتفي إلا بلعان،
والأول أقوى لاعتبار العادة.
إذا قذف الرجل رجلا، فادعى القاذف أنه قذف وهو مجنون فلا حد عليه، وقال
المقذوف: بل قذفت في حال إفاقتك وعليك حد، هذا إذا قامت البينة بالقذف ثم
ادعى ما ذكرناه، فأما إذا أقر بالقذف ثم ادعى ذلك كان في حال جنون فإنه لا يقبل
منه، لأنه رجوع عما أقر به.
فإذا ثبت هذا فإن البينة إذا قامت بذلك ثم ادعى ما ذكرنا ففيه مسألتان:
إحديهما أن لا يعرف للقاذف حالة جنون، والثانية أن يعرف له حال جنون.
فإن لم يكن يعرف له حال جنون فالقول قول المقذوف، لأنه قد ثبت بالبينة أنه
قذف، وما يدعيه القاذف من الجنون لم يعلم، فالظاهر موافق لما يدعيه المقذوف
فكان القول قوله مع يمينه، فإذا حلف لزم القاذف الحد.
وأما إذا علم له حالة جنون وحالة إفاقة فإن قذف في حالة جنونه لم يلزمه الحد
وإن قذف في حال إفاقته لزمه الحد، وإن شك في أمره فلم يدر هل قذف في حال
إفاقته أو في حال جنونه فاختلفا، فالقول قول القاذف، وفي الناس من قال: القول
قول المقذوف، والأول أصح، لأنه ثبت له حال إفاقة وحال جنون وإذا احتملا
فالأصل براءة الذمة عن القذف، فلا يلزمه الحد مع الشك، ولأن الحدود تدرأ
بالشبهات.
361

الأخرس على ضربين: أحدهما أن لا يكون له إشارة معقولة ولا كناية مفهومة،
والثاني الذي له إشارة معقولة أو كناية مفهومة.
فإذا لم يكن له إشارة معقولة ولا كناية مفهومة، فلا يصح قذفه ولا لعانه ولا
نكاحه ولا طلاقه، ولا شئ من عقوده، لأنه لا يفهم ما يريده بلا خلاف.
وأما الأخرس الذي له إشارة معقولة أو كناية مفهومة فإنه بمنزلة الناطق في سائر
الأحكام، فيصح قذفه ولعانه ونكاحه وطلاقه وسائر عقوده، وقال قوم: لا يصح قذفه
ولا لعانه وأما طلاقه ونكاحه ويمينه وعقوده فإنها تصح، فمتى حكمنا بأنه يصح لعانه
وقذفه فمتى قذف ولا عن ثم انطلق لسانه فقال: ما كنت لا عنت، قبل رجوعه فيما فيما
عليه، ولا يقبل فيما له.
فإذا ثبت هذا فاللعان تتعلق به أربعة أحكام: سقوط الحد، وانتفاء الولد،
والتحريم المؤبد، وزوال الفراش، فإذا أقر أنه لم يكن لاعن لزمه الحد، ولحقه
النسب، لأنه حق عليه، ولا يعود الفراش ولا يزول التحريم، لأنه حق له.
وهكذا الحكم في الناطق إذا لاعن ثم أكذب نفسه، فإنه يلزمه الحد ويعود
النسب، ولا يزول التحريم ولا يعود الفراش، غير أن أصحابنا زادوا في النسب بأن
قالوا: يرثه الولد ولا يرث هو الولد.
فأما إذا قال: لم أقذف، فإنه لا يقبل منه لأنه لزمه الحد بالقذف، فلا يقبل قوله
في إسقاطه به، كما لو أقر بالدين بالإشارة، ثم قال: لا شئ علي، لم يقبل.
فأما إذا كانت المرأة خرساء أو صماء فلا فرق بين أن يكون الرجل ناطقا أو
أخرس له إشارة معقولة، فإن أصحابنا رووا أنه يفرق بينهما، ولم تحل له أبدا، ولم
يفصلوا.
وقال المخالف: لا يخلو حال المرأة إما أن يكون لها إشارة معقولة أو لا يكون
لها ذلك، فإن كان لها إشارة معقولة أو كناية مفهومة فهي كالناطقة، فيتأتى اللعان من
جهتها، فإذا قذف الزوج ولاعن نظر: فإن لاعنت أسقطت الحد عن نفسها، وإن لم
تلاعن أقيم عليها الحد كالناطق، وإن لم يكن لها إشارة معقولة ولا كناية مفهومة
362

فاللعان لا يتصور من جهتها، وهي بمنزلة المجنونة سواء، وسنبين حكم المجنونة
فيما بعد.
فأما من أمسك لسانه انقطع كلامه، قال قوم يتأنى إلى مدة، فإن انطلق لسانه
وتكلم يحمل عليه، وإن لم ينطلق صار بمنزلة الأخرس رجع إلى إشارته، ولا فصل
بين أن يكون مأيوسا من برئه أو غير مأيوس.
وقال قوم: بل يرجع إلى أهل المعرفة، فإن قالوا: لا يرجى زواله، رجع إلى
إشارته وإن قالوا: يرجى زواله، انتظر عليه حتى ينطلق لسانه فيرجع إلى قوله، والأول
أقوى لأنه ربما انتظر فلا ينطلق لسانه فيموت فيذهب وحيه وتبطل الحقوق التي له
وعليه. إذا قذف زوجته المجنونة إما في حال إفاقتها فلزمه الحد، ثم جنت أو قذفها في
حال جنونها بزنى أضافه إلى حال الصحة فلزمه الحد بذلك، أو قذفها بزنى أضافه إلى
حال الجنون فلزمه التعزير، فإنه ينظر:
فإن كان هناك نسب يحتاج إلى نفيه جاز أن يقذف ويلاعن لنفي النسب، لأن
النسب لاحق به في هذه الحالة كما لو كانت عاقلة.
وإن لم يكن له نسب فإن كانت المرأة مفيقة وطالبت بالحد أو بالتعزير فله أن
يلاعن لإسقاط الحد والتعزير بلا خلاف وإن كانت مجنونة فتعذرت المطالبة من
جهتها قال قوم: إن كانت مغلوبة على عقلها فالتعن وقعت الفرقة ونفي الولد إن انتفى
منه، وقال آخرون: ليس عليه أن يلتعن إلا أن تطالبه المقذوفة، وهو الأقوى.
فإذا ثبت هذا فإنه إذا لاعن لنفي النسب أو لإسقاط الحد فقد وجب على
المقذوفة الحد بلعانه، إلا أنه لا يقام عليها في حال جنونها، لكن ينتظر إلى أن تفيق
فإما أن تلاعن أو يقام عليها الحد، وإن لم يكن هناك حد ولا تعزير ولا نسب بأن
تبرئه المرأة فليس له أن يلتعن، لأنه ليس هناك شئ يحتاج إلى إسقاطه، وفيهم من
قال: له أن يلتعن لإزالة الفراش وإسقاط الزوجية، وليس بشئ لأنه يمكنه إزالته
بالطلاق.
363

إذا قذف الرجل زوجته الحرة المسلمة المحصنة، فعليه الحد، وكذلك إذا قذف
المجنونة بزنى أضافه إلى حال الإفاقة، فأما إذا قذف المجنونة بزنى أضافه إلى حال
الجنون، أو كان له زوجة أمة أو كافرة فقذفها فإنه يجب عليه التعزير.
فإذا ثبت هذا فإن الحد أو التعزير إذا وجبا عليه للمرأة الحرة، فكانت مجنونة
فليس لها أن تطالب بالحد ولا لوليها المطالبة به، لأن للولي المطالبة بالأموال.
وأما الأمة إذا وجب بقذفها تعزير فلها أن تطالب به لأنه حق لها، فإن أراد السيد
المطالبة لم تكن له، لأنه إنما يطالب بما كان مالا أو له بدل هو مال، ولو جنى عليها
ملك المطالبة بقصاصها وأرشها.
إذا وجب على الرجل الحد بقذف زوجته أو بقذف أجنبية أو أجنبي فمات
المقذوف أو
المقذوفة قبل استيفاء الحد انتقل ما كان لهما من المطالبة بالحد إلى
ورثتهما، ويقومون مقامهما في المطالبة، وقال قوم: حد القذف لا يورث، لأنه من
حقوق الله عنده، وعندنا من حقوق الآدميين.
فإذا ثبت أن هذا الحد يورث، فمن يرثه؟ قال قوم: يرثه جميع الورثة المناسبين،
وذوي الأسباب كالمال، وقال آخرون: يختص به المناسبون دون ذوي الأسباب،
وهذا مذهبنا، وقال آخرون: إنه يختص العصبات.
فإذا ثبت هذا فإن الورثة يرثون هذا الحق بأجمعهم، وكل واحد منهم ينفرد بإرثه،
على معنى أنه إن عفا جميعهم إلا واحدا كان له استيفاء الحد.
وجملته أن الحقوق الموروثة على أربعة أضرب:
حق يرثه جماعة الورثة على سبيل الاشتراك، ويرثه كل واحد منهم على الانفراد
فيملك التفرد باستيفائه، وهو حد القذف عندنا، وولاية النكاح عندهم.
وحق يرثه جماعة الورثة على الاشتراك ويرث كل واحد منهم بقدر حقه، وهو
الأموال.
وحق يرثه جماعتهم على الاشتراك ولا يملك أحدهم التفرد بشئ منه، فمتى
عفا واحد منهم سقط حقه، وهو القصاص وسقط حق الباقين أيضا وينتقل إلى
364

الدية، وعندنا لا ينتقل إلا على وجه نذكره.
وحق يشترك فيه الجماعة فإذا عفا واحد منهم توفر حقه على الباقين، وهو
الشفعة، عند من قال " بأنها موروثة "، والغنيمة، فإنه إذا استحق جماعة شفعة فأسقط
بعضهم حقه توفر على الباقين، وكذلك إذا غنم جماعة فأسقط بعضهم حقه توفر
على الباقين، هذا في الحر والحرة.
فأما الأمة إذا قذفت فوجب بقذفها التعزير، ثم ماتت قال قوم: لا يملك سيدها
المطالبة، بل يسقط بموت الأمة، لأنه لا يخلو أن يستحق ذلك بالإرث أو بحق
الملك ولا يجوز أن يستحق بالإرث لأن الأمة لا تورث، ولا يجوز أن يأخذه بحق
الملك لأنه لو ملك ذلك بعد موتها لملك حال حياتها، والوجه الثاني أنه يملك
المطالبة، لأنها كانت ملكه وهو أولى الناس بها، وهو الأقوى.
إذا كان تحت الرجل أربع نسوة حرة مسلمة محصنة، وحرة كتابية، وأمة مسلمة
وصغيرة مسلمة فقذفهن فالكلام في ثلاثة فصول: أحدها ما يجب عليه، والثاني:
كيفية اللعان عنهن، ثالثها ما يلزمهن بلعانه.
فأما الكلام فيما يلزمه بقذفهن، فإنه يجب عليه بقذف المسلمة الحد، والأمة
والكافرة والصغيرة فلا يجب بقذفهن الحد لكن يجب التعزير، وأما اللعان فإذا طالبت
الحرة بحد القذف كان له أن يلاعن لظاهر الآية، والكافرة والأمة يجب لهما التعزير
فإذا طالبتا كان له إسقاطه باللعان.
وأما الصغيرة فإن كانت ممن لا يوطأ مثلها فلا يصح قذفها لأن القذف ما احتمل
الصدق والكذب، وهذا مقطوع على كذبه، فلا يلزمه الحد ولزمه التعزير، ويكون
تعزير أدب لا تعزير قذف، وليس له إسقاطه باللعان، وهل يستوفى منه في الحال أو
يؤخر؟ على ما نبينه.
وإن كانت الصغيرة يوطأ مثلها فقد قذفها وعليه التعزير، وهو تعزير قذف، وله
إسقاطه باللعان، فإن اختار تأخير اللعان إلى أن تبلغ المقذوفة وتطالب بالتعزير
وتلاعن كان له، وإن اختار أن يلاعن في الحال قال قوم: له أن يلاعن، وقال
365

آخرون: ليس له أن يلتعن، لأنه ليس هناك نسب ينفى ولا مطالبة بحد ولا تعزير، وهو
الأقوى.
[وأما الفصل الثاني وهو كيفية اللعان، فسيجئ].
وأما الفصل الثالث وهو ما يجب عليهن، إذا التعن الحرة المسلمة المحصنة
يلزمها حد الزنى، وكذلك الحرة الكافرة، والأمة يلزمها نصف حد الحرة، والصغيرة
فلا حد عليها لأنها غير مكلفة، ولهن إسقاطه باللعان على ما مضى شرحه.
إذا تحاكم إليه ذميان فادعت المرأة أن زوجها قذفها، فمن قال: يلزمه الحكم،
أو قال: هو بالخيار واختار الحكم، فإنه يسأل الزوج فإن أنكر فالقول قوله مع يمينه
وإن أقر بذلك فلا حد عليه، لأن الحد إنما يجب بقذف المحصنة الكاملة، والكافرة
ليست محصنة وعليه التعزير، وله إسقاطه باللعان، فإن لم يلاعن عزر، وإن لاعن
لزمها الحد، ولها إسقاطه باللعان، فإن لاعنت سقط، وإن لم تفعل حدت
حد الزنى.
إذا ثبت على المرأة الزنى وحدت به، إما بإقرارها أو بإقامة بينة، سواء أقامها
الزوج أو الأجنبي، فإذا قذفها قاذف بذلك الزنى فلا حد عليه، سواء كان الزوج أو
الأجنبي لقوله: " والذين يرمون المحصنات " فهذه ليست محصنة إلا أنه يجب به
التعزير.
فإن كان القاذف أجنبيا لم يكن له إسقاطه باللعان، وإن كان زوجا كان له
إسقاطه باللعان، وقال قوم: لا يلاعن لأن اللعان إنما يكون لإسقاط ما وجب بالقذف
وهذا التعزير وجب لأجل السب والشتم، وهو حق الله، وإن كان واقفا على مطالبة
آدمي لأن حق الله على ضربين: ضرب لا يتعلق بشخص بعينه، مثل أن يقول: الناس
زناة، فيلزمه التعزير ولا يقف على مطالبة آدمي، وحق يتعلق بشخص بعينه بأن يسب
شخصا بعينه فيلزمه التعزير ولا يستوفى إلا بمطالبة المشتوم، لأنه يختص به، وهذا
هو الأقوى، هذا إذا ثبت زناها ببينة أو بإقرارها.
فأما إذا كان قذفها زوجها ولا عنها فحقق الزنى باللعان، ثم قذفها بذلك الزنى فلا
366

يخلو إما أن يقذفها الزوج أو الأجنبي، فإن قذفها زوجها فلا حد له، وعليه التعزير،
لأن البينونة قد حصلت بينهما باللعان، ثم صارت أجنبية، ومن قذف امرأة قد بانت
منه قذفا أضافه إلى حالة الزوجية، فليس له أن يلاعن إلا أن يكون هناك حمل فينفيه،
وإن قذفها أجنبي بذلك الزنى فعليه الحد سواء كان الزوج نفى نسب ولدها أو لم ينف،
أو كان الولد باقيا أو قد مات، أو لم يكن لها ولد، وفيها خلاف.
إذا قذف زوجته ولم يقم البينة، ولم يلاعن فحد، ثم أعاد القذف بذلك الزنى
ثانيا، فإنه لا يلزمه حد ثان بلا خلاف، وعليه التعزير، ويكون تعزير سب لا تعزير
قذف، وليس له إسقاطه باللعان.
إذا قذف أجنبي أجنبية ولم يقم البينة فحد، ثم أعاد ذلك القذف بذلك الزنى فإنه
لا يلزمه حد آخر عند أكثر الفقهاء، وحكي عن بعض الناس أنه قال: يلزمه حد آخر،
وإذا لم يجب حد وجب فيه تعزير لأجل السب لا القذف، والأول أصح لقصة أبي
بكرة مع المغيرة.
إذا تزوج امرأة وقذفها بزنى إضافة إلى ما قبل الزوجية فالحد يجب عليه، وليس له
إسقاطه باللعان، وقال بعضهم: له ذلك، وهو الأقوى لعموم الآية والاعتبار عند من
قال بالأول بالحالة التي يضاف إليها القذف، وعلى ما قلناه بالحالة التي يوجد فيها
القذف.
فأما إذا ما أضاف إلى زنا قبل الزوجية بشهر أو شهرين، وحملت واحتاج أن
يدفع عن نفسه النسب، فعلى ما قلناه، له أن يلاعن، وفي من قال بالأول من يقول مثل
ذلك، لأنه يحتاج إلى نفي النسب، وقال قوم: لا يجوز له ذلك، لأنه كان يمكنه أن
يقذف قذفا مطلقا ولا يقيد بما قبل الزوجية، وهو الصحيح عندهم.
إذا ادعت على زوجها القذف فأنكر فشهد شاهدان عليه بالقذف، كان له أن
يلاعن، وليس ذلك تكذيبا لنفسه، لأنه يقول: إنما أنكرت أن أكون قذفت والبينة
شهدت علي بأني قد قلت لها " يا زانية " وليس هذا قذفا لأني صادق في قولي، فليس
هذا بقذف فلا يكون تكذيبا.
367

وقال بعضهم: إن البينة تكذبه، لأنه قد أنكر أن يكون قذف، والبينة قامت عليه
بالقذف، ونحن نحكم بأنه قاذف بقيام البينة عليه بالقذف، ألا ترى أنا نوجب عليه
الحد ونعلق عليه أحكام القذف؟ فثبت أنه محكوم بقذف، وقد أنكر، فكان ذلك
تكذيبا لنفسه، إلا أنه يصح مع هذا أن يلاعن لأنه يقول: أحسب أني ما قذفت هي
زانية وإن لم أقذفها فأنا ألاعن على ما ثبت علي من القذف.
ومنهم من قال: إنكاره للقذف مناف لما شهدت البينة به، إلا أنه إنما يلاعن
للقذف المجدد، لأنه إذا قامت عليه البينة بالقذف يقول: هي زانية، وإن لم أقذفها،
فيكون هذا ابتداء قذف مجدد، فله أن يلاعن، فإذا لاعن حقق بلعانه القذف الأول
والثاني معا إلا أنه إنما يلتعن في التحقيق للثاني، وعلى الوجوه كلها لا خلاف أنه
يلاعن.
فأما إذا ادعت المرأة عليه أنه قال لها: يا زانية، فقال: ما قلت يا زانية وليست
بزانية، ثم قامت البينة عليه بأنه قال لها ذلك، فإنه يكذب نفسه، ولزمه الحد لقيام
البينة، وليس له أن يلاعن لأنه قد تقدم منه الإقرار بأنها ليست بزانية فليس له أن
يحقق كونها زانية بأن يلتعن مع تقدم إنكاره لها.
ومثل هذا إذا ادعى على غيره بأنه أودعه وديعة فقال: مالك قبلي حق، فأقام
البينة أنه أودعه، فقال: صدقت البينة قد كان أو دعني لكن تلفت، فالقول قوله فلا
يلزمه شئ لأنه إنما جحد أن يكون قبله حق والبينة شهدت أنه أودعه وقد يودعه شيئا
فيتلف في يده، فلا يكون له قبله حق، فلم يكن في ذلك ما ينافي البينة.
فأما إذا ادعى أنه أودعه، فقال: ما أودعني، ثم قامت البينة أنه أودعه، فقال:
بلى كان أودعني وتلفت، فإنه لا يقبل قوله، ويلزمه الضمان، لأنه نفى أن يكون
أودعه، وقد قامت البينة عليه بالإيداع، فثبت كذبه فيما قاله، وخرج عن كونه أمينا
فلزمه الضمان.
إذا قال الصبي لزوجته: يا زانية، لم يكن ذلك قذفا ولا يلزمه به الحد بلا خلاف
لقوله صلى الله عليه وآله: رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يحتلم، فإن بلغ وأراد
368

أن يلاعن لم يكن له ذلك، لأن اللعان إنما يكون لتحقيق القذف، وقد بينا أنه لا قذف
له.
إذا طلق زوجته طلقة رجعية ثم قذفها في حال عدتها لزمه الحد، وله إسقاطه
باللعان، لأنها في حكم الزوجات، ولو أبانها أو فسخ أو خلع ثم قذفها بزنى أضافه
إلى حال الزوجية فالحد يلزمه، وهل له إسقاطه باللعان أم لا؟ فعندنا وعند قوم إن لم
يكن هناك نسب لم يكن له أن يلاعن، وإن كان هناك نسب كان له أن يلاعن وفيه
خلاف.
فإذا ثبت أن له أن يلاعن وينفي النسب نظر: فإن كان الولد قد انفصل، كان له
أن يلاعن لنفيه، وإن لم يكن قد انفصل بأن كان حملا، فإن أراد تأخير اللعان إلى أن
ينفصل كان له، وإن أراد أن يلاعن في الحال كان له أيضا، وقال قوم: ليس له أن
يلاعن حتى ينفصل الولد.
والفرق بين هذا وبين أن يقذف زوجته حيث كان له أن ينفي نسب الحمل قبل
انفصاله هو أن اللعان في تلك الحال يقصد به إسقاط الحد فإذا سقط الحد تبعه
انتفاء النسب، وهاهنا القصد نفي النسب، فإذا لم يكن، لم يكن له أن يلاعن لنفيه،
والصحيح عندنا الأول.
إذا قذف زوجته وهي حامل لزمه الحد وله إسقاطه باللعان وبنفي النسب، فإن
اختار أن يؤخر اللعان حتى ينفصل الولد فيلاعن لنفيه كان له، وإن اختار أن يلاعن
في الحال وينفي النسب كان له.
إذا قذف زوجته بأن رجلا أصابها في دبرها، وجب عليه الحد، وله إسقاطه
باللعان، وفيه خلاف، وإن قذف أجنبيا أو أجنبية بذلك لزمه حد القذف عندنا وفيه
خلاف، وإن قذفها بالسحق مع امرأة لم يلزمه الحد بل يلزمه التعزير، وليس له
إسقاطه باللعان، فإذا قال لها: ركبت رجلا ودخل ذاك في ذاك منك، فعليه الحد،
وله إسقاطه باللعان.
إذا قال لزوجته: يا زانية بنت الزانية، فقد قذفها وقذف أمها بالزنى، وعليه الحد
369

لكل واحدة منهما حد كامل، وله إسقاط حد الأم بالبينة فحسب، لأنها أجنبية، وله
إسقاط حد البنت بالبينة وباللعان لأنها زوجته، وإن عفت أحدهما عن حقها لم
يسقط حق الأخرى.
ومتى طالبت إحديهما قبل صاحبتها استوفى حقها أيهما كانت، فإن طالبت
البنت أولا يلزمه الحد وله إسقاطه بالبينة أو باللعان، فإذا طالبت الأم بعد ذلك كان له
إسقاطه بالبينة لا غير، وكذلك إن طالبت الأم أولا فأقيم عليه الحد، كان للبنت
المطالبة وله إسقاطه باللعان وبالبينة معا، وإن طالبتا معا قدم حق الأم أولا وقال قوم:
يقدم حق البنت لأنها مواجهة بالخطاب، وكلاهما جائز، والأولى أن يكون من باب
التخيير.
فإذا ثبت هذا، ووجب عليه الحدان معا فأقيم عليه حد الأم، لا يوالي عليه
الحد الآخر، بل ينتظر حتى يبرأ من الحد الأول، ثم يقام عليه الحد الآخر، لأنه ربما
أتلفه.
وإن كان القاذف عبدا، فإذا اجتمع عليه حدان قال قوم: لا يوالي بينهما أيضا،
وقال آخرون: يجوز أن يوالي بينهما لأنهما بمنزلة حد واحد، وهو الأقوى، هذا إذا
أوجبنا عليه نصف الحد، فأما على ما رواه أصحابنا بأن عليه الحد تاما في القذف
وشرب الخمر فهو مثل الحر سواء.
إذا نكح امرأة نكاحا فاسدا وقذفها، فإن لم يكن هناك نسب لزمه الحد وليس له
إسقاطه باللعان بلا خلاف وإن كان هناك نسب كان له أن يلاعن لنفي النسب، فإذا
لاعن انتفى النسب وسقط الحد، وقال قوم: ليس له أن يلاعن سواء كان هناك نسب
أو لم يكن، وهو الصحيح عندنا لقوله تعالى: " والذين يرمون أزواجهم " وهذه ليست
زوجة، ولقوله: " والذين يرمون المحصنات ".
فمن قال له أن يلاعن قال: إذا لاعن تعلق به جميع أحكام اللعان من سقوط
الحد وانتفاء النسب وتحريم التأبيد، وأما نفي الفراش فليس هناك فراش موجود حتى
ينتفي.
370

فصل: في أين يكون اللعان:
اللعان لا يصح إلا عند الحاكم أو من يقوم مقامه من خلفائه، فإذا لاعن
الحاكم بين الزوجين، فإنه يغلظ بينهما بأربعة شرائط: باللفظ، والمكان، والزمان،
وجمع الناس.
فأما اللفظ فإن الزوج يشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين فيما رماها به
من الزنى ثم يقول في الخامسة: " عليه لعنة الله إن كان من الكاذبين " ثم تشهد المرأة
أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماها به من الزنى، ثم تقول: " عليها غضب
الله إن كان من الصادقين " وهذا مجمع عليه، والقرآن يشهد به.
وأما المكان فإنه يلاعن بينهما في أشرف البقاع، فإن كان بمكة فبين الركن
والمقام، وإن كان بالبيت المقدس ففي المسجد عند الصخرة، وإن كان في سائر
البلاد ففي الجامع وإن كان بالمدينة ففي مسجد النبي صلى الله عليه وآله
عند المنبر، وقال قوم: على المنبر.
وروي أن رسول الله صلى الله عليه وآله لاعن بين رجل وامرأة على المنبر، وروى
جابر بن عبد الله الأنصاري أن النبي صلى الله عليه وآله قال: من حلف على منبري
هذا يمينا فاجرة ليقتطع بها مال امرئ مسلم ولو على سواك من أراك - وفي بعضها ولو
على سواك وأحقر - فليتبوأ مقعده من النار.
وأما الوقت فإنه يعتبر أن يلاعن بعد صلاة العصر لقوله تعالى: " تحبسونهما من
بعد الصلاة فيقسمان بالله " قيل في التفسير " بعد العصر " وروي أن النبي
صلى الله عليه وآله قال: من حلف بعد العصر يمينا كاذبة ليقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله
تعالى وهو عليه غضبان.
وأما الجمع فمعتبر لقوله تعالى: " وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ".
وقال بعضهم: لا اعتبار بشئ من ذلك، فاللفظ شرط عندنا وعند بعضهم،
فإن نقص أحد الزوجين من ألفاظ اللعان شيئا لم يعتد باللعان، وإن حكم الحاكم
بينهما بالفرقة لم ينفذ حكمه، وقال قوم: ينفذ حكمه، وأما الوقت وجمع الناس
371

فمستحب وليس بشرط، والتغليظ بالمكان أيضا مستحب عندنا، وقال قوم: هو
شرط.
إذا أراد الحاكم أن يلاعن بين الزوجين فإنه يبدأ فيقيم الرجل ويأمره أن يلاعن
قائما، لأن النبي صلى الله عليه وآله أمر العجلاني بذلك، فقال له: قم واشهد،
وتكون المرأة جالسة في حال لعانه، فإذا فرع الرجل قامت والتعنت قائمة كالرجل.
ومن شرط اللعان الترتيب فيبدأ أولا بلعان الزوج، ثم بلعان الزوجة، للآية
بلا خلاف، فإن خالف الحاكم وبدأ بلعان المرأة لم يعتد به، وإن حكم به لم ينفذ
حكمه وقال بعضهم: ينفذ ويعتد به.
وإذا كانت المرأة حائضا فإنها لا تدخل المسجد للعان، بل تلاعن على بابه
ويخرج الحاكم إليها من يستوفي عليها اللعان.
وإن كانا ذميين تلاعنا في الموضع الذي يعتقدان تعظيمه من البيعة والكنيسة
وبيت النار، وأما الألفاظ التي يعظمونها فعلى ضربين: أحدهما ليس في التلفظ بها
معصية مثل قولهم: الذي أنزل التوراة على موسى بن عمران والإنجيل على عيسى،
ونجى موسى، من الغرق، وما أشبه ذلك، والضرب الثاني التلفظ بها معصية مثل
قولهم المسيح ابن الله، وعزير ابن الله، فلا يجوز أن يحلفوا بها لأنها كفر، وعندنا أن
إدخالهم المساجد لا يجوز، وقال بعض من وافقنا: يجوز إلا المسجد الحرام.
وإن كان جنبا قال بعضهم: يجوز له دخول المسجد، وقال آخرون: لا يجوز،
وعندنا لا يجوز بحال ولو كان طاهرا.
وإن كان الكافران وثنيين ومن لا دين لهما فلا يجوز إقرارهما على دينهما ببذل
الجزية، ولكن يجوز عقد الهدنة والموادعة، فإذا أراد الحاكم أن يلاعن بينهما لاعن
في مجلسه، ولا يغلظ بمكان، وأما الألفاظ فإنهما يحلفان بالله الذي خلقك
ورزقك، لأنهما لا يعتقدان تعظيم كتاب ولا دين مخصوص، ولا شئ فتعظم عليه
اليمين به.
الأحكام المتعلقة باللعان أربعة: سقوط الحد عن الزوج، وانتفاء النسب،
372

وزوال الفراش، والتحريم على التأبيد.
وهذه الأحكام عند قوم تتعلق بلعان الزوج، فإذا وجد منه اللعان بكماله سقط
الحد، وانتفى النسب، وزال الفراش، وحرمت المرأة على التأبيد، ويتعلق به أيضا
وجوب الحد على المرأة.
فأما لعان المرأة فإنه لا يتعلق به أكثر من سقوط حد الزنى عنها، وحكم الحاكم
لا تأثير له في إيجاب شئ من هذه الأحكام، فإذا حكم بالفرقة فإنما ينفذ الفرقة التي
كانت وقعت بلعان الزوج، لا أنه يبتدئ إيقاع فرقة، قال قوم: - وهو الذي يقتضيه
مذهبنا - أن هذه الأحكام لا تتعلق إلا بلعان الزوجين معا، فما لم يحصل اللعان
بينهما، فإنه لا يثبت شئ من ذلك.
قد بينا أنه يبدأ بلعان الزوج، فيلاعن قائما ويشهد بالله أربع مرات إنه لمن
الصادقين فيما رماها به من الزنى وإن كانت غائبة سماها وذكر نسبها ورفع فيه حتى
يميزها عن غيرها.
فإن كان رماها بالزنى دون نفي النسب يقول: أشهد بالله أني لمن الصادقين فيما
رميتها به من الزنى، وإن كان نفي النسب زاد " وأن هذا الولد من زنا ليس مني " في كل
شهادة وفي كل كلمة اللعن.
ولا بد أن يقول: " هذا الولد من زنا وليس مني " فإن اقتصر على أحدهما لم
يجزئ، وإن لاعنها وسكت عن نفي النسب وقعت البينونة بينهما، فإن أراد بعد ذلك
أن ينفي الولد كان له، سواء كان الولد منفصلا أو حملا متصلا.
فإذا بقي كلمة اللعن يقول له الحاكم: اتق الله ولا تقدم على الحلف كذبا فإنها
موجبة عليك العذاب وإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، فإن انزجر لزمه
الحد، وإن رآه يقدم على الحلف أمر رجلا يضع يده على فيه ويسكته ويعظه
ويزجره، فإن انزجر وإلا تركه حتى يمضي في لعانه، فيقول: علي لعنة الله إن كنت
من الكاذبين فيما رميتها به من الزنى.
فإن قال بدلا من ذلك: علي غضب الله إن كنت من الكاذبين، قال بعضهم:
373

يجزئ، وقال آخرون: لا يجزئ، وهو الأقوى، فإذا فرع تعلقت به أحكام اللعان على
ما مضى من الخلاف.
ثم تلاعن المرأة بعد ذلك قائمة وتشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين فيما
رماها به من الزنى، ولا تحتاج أن تذكر نفي النسب لأن ذلك لا يتعلق بلفظها، وإن
كان الزوج غائبا سمته ورفعت في نسبه، وإن كان حاضرا أشارت إليه، وقال قوم: لا
تحتاج إلى تسميته، وقال آخرون: تحتاج إليه، والأول أقوى.
فإذا بلغت إلى الكلمة الخامسة وعظها مثل الرجل، فإن انزجرت وإلا أمر من
يضع يده على فيها ويعظها، فإن رجعت وإلا تركها حتى تمضي في لعانها وتقول:
علي غضب الله إن كان من الصادقين، وإن قالت: علي لعنة الله، بدلا من ذلك لم
يجزئ، لأنه خلاف ذكر القرآن، فإذا أتمت اللعان سقط عنها الحد، وتكامل
اللعان.
وألفاظ اللعان مذكورة في القرآن.
وأما الوعظ أو وضع اليد على الفم فروي أن النبي عليه السلام وعظ الزوج حين
لاعن لما بلغ الخامسة، وكذلك المرأة حتى قيل إنها تلكأت وكادت أن ترجع، ثم
قالت: والله لأفضحت قومي، ومضت في لعانها.
إذا أخل أحد الزوجين بترتيب اللعان، فقدم اللعن على الشهادة، أو أتى به في
أثنائها لم يجزئ عندنا، وقال بعضهم: يجزئ، وإذا أتى بدل لفظ الشهادة بلفظ
الحلف بأن قال: أحلف بالله أو أقسم بالله أو أولي بالله لم يجزئ عندنا، لأنه خلاف
للنص، وقال بعضهم: يجزئ لأنه يمين.
إذا قذف زوجته برجل بعينه أو برجال، فإنه يلزمه الحد في حق الزوجة، وفي حق
المقذوف، وله الخروج عن ذلك القذف بالبينة واللعان، فإن أقام البينة سقط عنه
الحدان بلا خلاف، وإن لاعن سقط عنه حد المرأة ولا يسقط حد الأجنبي، وقال
بعضهم: يسقط عنه الحدان، وقال بعضهم مثل ما قلناه إلا أنه قال: الذي يلزمه
للزوجة اللعان وللأجنبي الحد فإذا لاعن سقط حقها، ولم يسقط حق الأجنبي، وإذا
374

حد للأجنبي لم يكن له لعان الزوجة، لأن عنده أن المحدود في القذف لا يلاعن،
لأنها شهادة.
ومن قال يسقط الحدان قال: إن ذكر المرمي به في لعانه وسماه يسقط حده وإن
لم يذكره واقتصر على ذكر الزوجة، فيه قولان، الصحيح أنه لا يسقط، وإن امتنع من
اللعان ولم يقم البينة، فإنه يلزمه الحد في حق الزوجة وحق المقذوف، يلزمه لكل
واحد حد تام، وقال قوم: حد واحد.
فإذا ثبت ذلك فلا يخلو: إما أن تطالب المرأة بالحد أو تعفو أو تعترف بالزنى.
فإن طالبت فإنه يحد لها، فإذا حد بقي حد الأجنبي سواء، وقال بعضهم:
يسقط، فإن لاعن أو أقام البينة وإلا حد.
وإذا عفت المرأة عن الحد سقط حقها ولا يسقط حق الأجنبي.
وإذا أقرت المرأة بالزنى فإقرارها يسقط عن الزوج حد القذف ويجب عليها حد
الزنى بإقرارها، وعليها أيضا حد القذف للأجنبي، لأنها صدقت الزوج، وحد الأجنبي
في حق الزوج باق إلا أن يسقطه بإقامة البينة.
إذا قذف رجل رجلا عند الحاكم وعرف الحاكم أن المقذوف لم يعلم بذلك،
فعليه أن يبعث إليه ويعلمه حتى يجئ ويطالب بحده لأن القاذف أتى منكرا بقذفه
لأنه نسبه إلى الزنى وكان مستورا عليه، والمقذوف قد وجب له حق لم يعلم به، فلزم
الإمام إعلامه.
وإذا قال رجل عند الحاكم: سمعت ناسا يقولون إن فلانا زنا بفلانة، فلا يبعث
إليه لأنه لم يتعين قاذفه فيطالبه بالحد، وإذا قذف زوجته برجل بعينه، ولاعن الزوجة
وذكر المرمي به في اللعان أو لم يذكره، لم يلزم الحاكم الإنفاذ إلى المرمي به.
إذا كان الزوجان يعرفان العربية والعجمية، فعليهما أن يلتعنا بالعربية دون
العجمية، لأنها لفظ القرآن، فلا يعدل عنها مع الاختيار، كالتكبير في الافتتاح، وإن
لم يحسن أحدهما العربية جاز أن يلتعنا بالعجمية.
فإن كان الحاكم يحسن العجمية فلا يحتاج إلى ترجمان، ويستحب له أن
375

يحضر اللعان طائفة يحسنون العجمية، وإن لم يحسن الحاكم العجمية احتاج إلى
مترجم وينبغي أن يكونا اثنين مثل سائر الحقوق، وقال بعضهم: يحتاج إلى أربعة.
إذا لاعن الزوج والمرأة وثبت أحكام اللعان، فأكذب الزوج نفسه وقال: ما زنت
وكنت كاذبا، تعلق بذلك ما كان حقا عليه، ولا يتعلق به ما كان حقا له، فيلزمه
الحد، ولا يعود الفراش، ولا يزول التحريم، وفيه خلاف.
إذا قذفها واعترفت فلا يخلو: إما أن تعترف قبل لعان الزوج أو بعده.
فإن اعترفت بعد لعانه فأحكام اللعان قد تعلقت بوجود اللعن من جهته، وسقط
عنه الحد ووجب عليها حد الزنى، وينتفي النسب، ويزول الفراش، وتحرم على
التأبيد، فإذا أقرت بالزنى لم يتعلق بإقرارها حكم أكثر من وجوب الحد عليها، وهو ما
ثبت بوجود لعان الزوج.
وإذا اعترفت قبل لعانه فسواء اعترفت قبل شروع الزوج في اللعان أو بعد شروعه
وقبل إتمامه، فالحكم واحد، فإن باعترافها قبل الشروع فيه يسقط حد القذف عن
الزوج، ويلزمها حد الزنى بإقرارها، غير أنا نعتبر إقرارها أربع مرات، وقال بعضهم:
دفعة واحدة.
فإن لم يكن هناك نسب لم يكن للزوج أن يلاعن، وإن كان هناك نسب كان له
أن يلاعن لنفيه، لأن النسب لم ينتف باعترافها بالزنى، بل هو لا حق به بالفراش، فكان
مفتقرا إلى اللعان وفيه خلاف.
إذا قذف زوجته ثم مات أحدهما، فإن ماتت الزوجة لم يخل: إما أن تموت قبل
اللعان أو بعده.
فإن ماتت قبل اللعان فقد ماتت على حكم الزوجية، ويرثها الزوج وليس له أن
يلاعن لنفي الزوجية، لأنها زالت بالموت، ثم لا يخلو: أن يكون هناك نسب أو لا
يكون.
فإن كان نسب كان له أن يلاعن لنفيه، لأنه لا حق به وفيه حاجة إلى نفيه، وإن
مات قبل نفيه باللعان، كان له أن يلاعن لنفيه، لأنه لا ينتفي عنه بالموت، ويفارق
376

الزوجية التي تزول بالموت، فإذا لاعن ونفى نسب الولد لم يرثه، وإذا لاعن لنفي
النسب لم تنتف بذلك الموارثة بين الزوجين.
وإن لم يكن هناك نسب فقد كان وجب على الزوج حد القذف لها، وانتقل
ذلك إلى ورثتها، فإن أبرأوه سقط ولا لعان، وإن أرادوا مطالبته كان لهم ذلك، وللزوج
أن يلاعن لإسقاط الحد، لأنه محتاج إليه.
وروى أصحابنا أنه إن لم يلاعن وجب عليه حد القذف وورثها، وإن لاعن سقط
الحد ولم يرثها.
وإذا ماتت المرأة بعد اللعان من الزوج فقد ماتت بعد ثبوت أحكام اللعان، ولا
يؤثر موتها شيئا أكثر من سقوط الحد عنها وثبوت الحد بلعان الزوج لا بموتها.
وإذا مات الزوج قبل اللعان فقد مات على حكم الزوجية، وورثته المرأة لبقاء
الزوجية، وإن كان هناك نسب فهو ثابت، والإرث بينه وبين الزوج جار، وليس لباقي
الورثة أن ينفوا نسبه باللعان، لأنه استقر نسبه بالموت.
إذا قذف زوجته وشرع في اللعان ثم قطعه ولم يتمه، فإنه لا يسقط عنه حد
القذف، ولا ينتفي النسب، ولا يتعلق به حكم من أحكام اللعان، وكذلك إذا شرعت
المرأة في اللعان ولم تكمله، فإنه لا يسقط عنها حد الزنى لقوله تعالى: " ويدرءوا عنها
العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين ".
إذا وجب على رجل أو امرأة حد الزنى إما ببينة أو بإقرارها أو بلعان الزوج فالحكم
واحد، فلا يخلو: إما أن تكون بكرا أو ثيبا.
فإن كانت بكرا لم تخل إما أن تكون صحيحة أو مريضة، فإن كانت صحيحة
فإن كان الهواء معتدلا، لا حر ولا برد، أقيم عليها حد الأبكار " جلد مائة وتغريب عام "
وعندنا لا تغريب عليها، وإن كان ذلك في حر أو برد لم يقم الحد، وأما إذا كان
مريضا نظر في مرضه: فإن لم يكن مأيوسا من برئه انتظر به اليوم والأيام على حد
المرضى، وإن كان مرضا لا يرجى زواله، فإنه يحد حد المرضى.
وإن كانت ثيبا فإنها ترجم أي وقت كان، سواء كان الهواء معتدلا أو غير معتدل
377

صحيحة كانت أو مريضة، وسواء ثبت باعترافها أو ببينة، لأن الغرض إتلافها، وفيه
خلاف شاذ.
إذا أتت امرأة الرجل بولد فقال: ليس هذا مني، فإنه لا يكون قاذفا بهذا القول
ولا نافيا لنسبه، لأنه محتمل، ويرجع إلى تفسيره فيقال: ما أردت به؟ فإنه يحتمل
أربعة أشياء: أحدهما أن يريد أنه من زنا، والثاني أن خلقه لا يشبه خلقي، والثالث
أنها أتت به من زوج غيري، والرابع أنها التقطته أو استعارته.
فإن قال: أردت أن أمه أتت به من زنا، كان قاذفا، فلزمه الحد، إلا أن يسقط
باللعان.
وإن قال: أردت أنه لا يشبه خلقي وخلقي، فهذا ليس بقذف ولا نفي نسب
للولد، فيرجع إلى المرأة، فإن صدقته على ذلك فلا شئ عليه، وإن قالت: أراد
القذف، وكذبته في هذا التفسير، فالقول قوله، لأنه أعرف بما أراد، فإن حلف أسقط
دعوى المرأة، وإن نكل عن اليمين ردت اليمين على المرأة فتحلف أنه أراد القذف،
ويثبت به عليه القذف، ويلزمه الحد إلا أن يسقطه بالبينة أو اللعان.
وإن قال: أردت أنها أتت به من زوج غيري، فإن لم يعلم لها زوج غيره، قيل
له: فسرت كلامك بما لا يحتمله فلا يقبل وعليك أن تفسره بما يحتمل ليقبل منك،
وإن علم أنه كان لها زوج قبله فلا تخلو إما يعلم فراق الأول ونكاح الثاني ووقت
الولادة، أو لا يعلم ذلك، فإن علمت هذه الأشياء، ففيه أربع مسائل:
إحداها: أن يمكن أن يكون الولد من الأول، ولا يمكن من الثاني، بأن تأتي به
لستة أشهر فأكثر، وأقل من تسعة أشهر عندنا من حين طلاق الأول ولدون ستة أشهر
من وقت نكاح الثاني، فينتفي عن الثاني بغير لعان، لأنه لا يمكن أن يكون منه،
ويلحق بالأول لإمكان أن يكون منه، إلا أن ينفيه باللعان.
الثانية: أن يمكن أن يكون من الثاني، ولا يمكن أن يكون من الأول، بأن تأتي
به لأكثر من تسعة أشهر من وقت طلاق الأول ولستة أشهر فأكثر من وقت نكاح
الثاني، فينتفي عن الأول بغير لعان، لأنه لا يمكن أن يكون منه، ويلحق بالثاني
378

لإمكان أن يكون منه، وله نفيه باللعان.
الثالثة: أن لا يمكن أن يكون من واحد منهما، بأن تأتي به لأكثر من تسعة
أشهر من وقت طلاق الأول، ولدون ستة أشهر من وقت نكاح الثاني، فينتفي عنهما
بغير لعان لأنه لا يمكن أن يكون من واحد منهما.
الرابعة: يمكن أن يكون من كل واحد منهما، بأن تأتي به لأكثر من ستة أشهر
من وقت نكاح الثاني، وأقل من تسعة أشهر من وقت طلاق الأول، فيمكن أن يكون
من كل واحد منهما، فعند المخالف يعرض على القافة، فبأيهما ألحقوه لحق،
وانتفى عن الآخر، ويكون للذي لحق به نفيه باللعان، وإن لم يكن قافة أو كانوا
وأشكل الأمر، ترك حتى يبلغ فينتسب إلى أحدهما وينتفي عن الآخر، وعندنا تستعمل
القرعة، فمن خرج اسمه ألحق به، وليس له نفيه باللعان.
وأما إذا لم يعرف وقت طلاق الأول ونكاح الثاني وولادة الولد، فالزوجة تدعي
أنها أتت به على فراش الزوج، وأنه لا حق به، وهو منكر ذلك، فالقول قول الزوج،
لأن الأصل عدم الولادة لها، وانتفاء النسب حتى يعلم ثبوته، فإن حلف سقط دعواها
وانتفى النسب بانتفاء الفراش، وإن نكل ردت اليمين عليها، فإن حلفت ثبت له
الفراش، ولحق النسب حتى ينفيه باللعان، وإن نكلت عن اليمين فهل توقف اليمين
على بلوع الصبي حتى يحلف ويثبت نسبه؟ على ما سنبينه فيما بعد.
وأما القسم الرابع، وهو إذا قال: ما ولدت هذا الولد بل استعرته أو التقطته،
فيحتاج أن تقيم المرأة البينة على ولادتها له، لأن الولادة تكون ظاهرة يحضره جماعة
فيتصور إقامة البينة عليها ولا يقبل بمجرد الدعوى.
فإذا أقامت بينة قبل منها رجلان، ورجل وامرأتان، وأربع نسوة، لأن هذا أمر
ليس يحضره الرجال في الغالب، فتقبل فيه شهادة النساء على الانفراد، وإن تعذر
إقامة البينة عليها قال قوم: يعرض على القافة، وقال آخرون: لا يعرض، وهو الذي
نقوله، لأن ولادة المرأة تدرك مشاهدة فلا يرجع إلى الاستدلال، ولو كان القافة
صحيحا، وولادة الأب إنما يتوصل إليها بذلك عند من أجازه من حيث لا يمكن
379

معرفتها مشاهدة.
فمن قال يعرض عليهم قال: إن ألحقوه بها لحق، وحكم بأنها أتت به على
فراشه إلا أن ينفيه باللعان، ومن قال: لا يعرض - على ما قلناه -، أو لم يوجدوا، أو
وجدوا وأشكل الأمر، فالقول قول الزوج، لأن الأصل أنها لم تلده.
فإن حلف سقط دعواها وانتفى النسب عنه بغير اللعان، لأنه لم يثبت الولادة
على فراشه، وإن نكل رددنا اليمين عليها فتحلف، ويثبت الفراش ويلحقه، إلا أن
ينفيه باللعان.
وإن نكلت عن اليمين فهل يوقف على بلوع الصبي فيحلف ويحكم على أنها
ولدته على فراشه فيلحقه نسبه؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا يوقف، لأن اليمين كانت حقا لها، فإذا نكلت عنها أسقطت
حقها منه فلم يثبت بعد ذلك.
والوجه الثاني: أنه يوقف لأن اليمين كان يتعلق بها حق المرأة وحق الصبي وهو
لحوق نسبه، فإذا أسقطت المرأة حقها بقي حق الصبي، فكان له الحلف على
إثباته، والأول أقوى وإن كان الثاني أيضا قويا.
فمن قال: إن اليمين يوقف على بلوع الصبي، يتوقف حتى يبلغ، فإذا حلف
لحق نسبه بالأب إلا أن ينفيه باللعان، ومن قال: لا يوقف، فقد سقط النسب في حق
الأب وبقى مجرد دعوى الأم للنسب من غير بينة، فهل يلحقها النسب بدعواها؟ قيل
فيه وجهان: منهم من قال: لا يلحق نسب المرأة إلا ببينة، سواء كان لها زوج أو لم
يكن، ومنهم من قال: يلحقها النسب سواء كان لها زوج أو لم يكن، إلا أنه إذا كان
لها زوج لحقها دون زوجها، وفيهم من قال: إن لم يكن لها زوج لحقها النسب، وإن
كان لها زوج لم يلحقها النسب، وهاهنا لها زوج لا يجئ فيه إلا الوجهان، ولا يجئ
الفصل.
والأقوى عندي أنه لا يقبل قولها، ولا يلحقها النسب، سواء كان لها زوج أو لم
يكن، لأنه يمكنها إقامة البينة على الولادة، ويفارق الرجل لأنه لا يمكنه ذلك فقبل
380

قوله.
إذا كان للرجل امرأة فاتت بولد، فقال: ما هذا الولد مني، فيه ست مسائل:
الأولى: أن يقذفها برجل بعينه، فيقول: زنا بك فلان، فله أن يلاعن وينفي
النسب، لقصة هلال بن أمية، فإنه قذفها بشريك بن السحماء.
الثانية: أن يقذفها برجل لا بعينه، فيقول: زنا بك رجل - ولا يسميه - وهذا
الولد منه، فله أن يلاعن وينفي النسب لقصة العجلاني، فإنه قذف زوجته برجل
لا بعينه.
الثالثة: أن يقول: ما هذا الولد مني وما أصبتك ولست بزانية، فيلحقه الولد، ولا
يكون ذلك قذفا ولا نفيا لنسبه، لأن قوله " ما أصبتك ولست بزانية " معناه لم يك مني
لأنني ما أصبتك، وقد يكون الولد منه وإن لم يصبها بأن يطأ دون الفرج فيسبق الماء
إلى الفرج فينعقد الولد، وقد تستدخل ماءه فتحبل على ما روي في بعض الأخبار.
الرابعة: أن لا يقذف واحدا منهما وينفي النسب، فيقول: وطئك فلان بشبهة
وهذا الولد منه، بأن يقول: وجدك على فراشه فظنك زوجته وظننته زوجك، فليس له
أن ينفي النسب باللعان، لأنه قد ينتفي عنه بغير لعان، فإن النسب يلحق الواطئ
بشبهة، فهاهنا عندنا يقرع، وعندهم يعرض على القافة.
وكل موضع يمكن نفي النسب بغير لعان لم يجزئ نفيه باللعان، كمن وطئ
أمته فاتت بولد فنفاه لشبهة، لا يحتاج إلى لعان بلا خلاف، وإن كان عند المخالف
يحتاج إلى يمين أنه كان قد استبرأها فينتفي عنه، وعندنا القول قوله بلا يمين.
الخامسة: أن يقذف الزوجة ولا يقذف الواطئ، فيقول: وطئك رجل بشبهة
وأنت زانية لأنك علمته وما علم هو، فليس له هاهنا أن يلاعن، بل يعرض عندهم
على القافة وعندنا يقرع بينهما فينتفي عنه بغير لعان.
السادسة: أن يقذف الواطئ ولا يقذفها، بأن يقول: غصبك فلان فوطئك مكرهة
وهو زان ولست بزانية، فالنسب لا يلحق الواطئ هاهنا، ويكون قاذفا له، وعليه
الحد، وهل له أن يلاعن لنفي النسب؟ قال قوم: ليس له أن يلاعن إلا أن يقذف
381

الزوجة لقوله تعالى: " والذين يرمون أزواجهم " وهذا ما رمى، وقال آخرون: له أن
يلاعن، وهو الأقوى، لعموم الأخبار في من نفى ولدا أن عليه أن يلاعن.
إذا كانت له زوجة فاتت منه بولد فقذفها ونفاه باللعان، فقال رجل أجنبي للولد
المنفى باللعان: لست بابن فلان، فإنه لا يكون قاذفا بهذا القول، لأنه محتمل
للقذف وغير القذف، فإذا احتمل لم يحكم بالقذف ورجع إليه فيما أراد.
فإن قال: أردت به أن أمه أتت به من زنا، فقد صرح بالقذف، فإن كانت المرأة
حرة محصنة فعليه الحد، وإن كانت غير محصنة إما أمة أو كافرة أو غير عفيفة فلا حد
عليه، وعليه التعزير.
فإن قال: الشرع منع من نسبه، فهذا ليس بقذف، ويرجع إلى المرأة فإن
صدقته فلا شئ عليه، وإن كذبته فقالت: بل أراد القذف، فالقول قول الأجنبي لأنه
أعلم بما أراد، هذا إذا نفى أبوه نسبه باللعان.
فأما إذا نفى الأب نسبه ثم عاد فأقر به، فقال له أجنبي: لست بابن فلان، فإنه
يكون قاذفا، وفيه خلاف، وإن قال له أبوه: لست بابني، بعد أن أقر به كان أيضا
قاذفا، وفيه خلاف.
وألفاظ القذف على ثلاثة أضرب: لفظ هو صريح القذف وهو قوله " زنيت "، أو
يقول لغلام: يا ابن الزانية، ولفظ هو قذف في الظاهر ويحتمل غير القذف، وهو أن
يقول لمن لم يستقر نسبه: لست بابن فلان، ولفظ هو كناية في القذف وهو أن يقول
لمن استقر نسبه: لست بابن فلان.
إذا أتت امرأة الرجل بولد فنفاه باللعان ثم جاءت بولد آخر بعده، ففيه مسألتان:
إحديهما أن يكون قد لاعن على ولد منفصل، الثانية أن يكون قد لاعن على حمل
متصل، وفي كل واحدة من المسألتين مسألتان:
فأما الأولى: وهي إذا لاعن على ولد منفصل، بأن يظهر بالمرأة الحمل فنفاه،
وأخر اللعان حتى وضعت، ثم لاعن ونفى نسبه، فاتت بعده بولد آخر، فلا يخلو: إما
أن تأتي به لأقل من ستة أشهر من وقت ولادة الأول، أو لأكثر من ستة أشهر.
382

فإن أتت به لأقل من ستة أشهر، فلا نحكم بأنه والأول حمل واحد، لأن العادة
ألا يكون بين الحملين أقل من ستة أشهر، فإذا وضعت الولد الثاني قبل مضي ستة
أشهر، حكمنا بأنه والأول من حمل واحد، وقد نفى الأول باللعان، وبقى الثاني، فهو
بالخيار بين أن ينفيه باللعان أو يمسكه، فإن نفاه انتفى عنه، وإن أمسكه لحقه فإذا
لحقه الثاني لحقه الأول، لأنها من حمل واحد، فلا يجوز أن يكون بعضه منه وبعضه
ليس منه.
فأما إذا وضعت الثاني لأكثر من ستة أشهر من وقت ولادة الأول، فإنا نحكم بأن
الحمل الثاني من حمل آخر، لأنه لا يجوز أن يكون بين الولدين من حمل واحد أكثر
من ستة أشهر، فحكمنا بأنه من حمل آخر، وقد نفي الأول باللعان، ووقعت البينونة
بينه وبين الزوجة، ويلحقه الثاني، لأنه يمكن أن يكون منه، لأن المرأة لما وضعت
الأول وضعت وهي زوجة وإلى أن لاعنها كانت باقية على الزوجية، فيمكن أن يطأها
في تلك الحالة، فتحبل وتعلق بالثاني في زوجية، ثم تبين بعد ذلك باللعان، وإذا
كان هذا ممكنا لحق به، وإن أراد نفيه باللعان كان له، وإن أمسك لحقه، وإذا لحقه
لم يلحقه الأول، لأنه من حمل آخر، فلا يكون لحوق أحدهما موجبا للحوق الآخر.
فأما إذا لاعن على حمل ثم وضعته ووضعت بعده ولدا آخر فلا يخلو: إما أن
تضعه لدون ستة أشهر من وقت ولادة الأول أو لأكثر من ستة أشهر.
فإن وضعته لدون ستة أشهر فإنا نحكم أنه والأول من حمل واحد لما مضى،
وفي نفي نسب الحمل باللعان نفي الجميع باللعان ولو كانوا مائة.
وأما إذا وضعت الثاني لأكثر من ستة أشهر من وقت ولادة الأول، فإنا نحكم بأن
الثاني من حمل آخر، لأنه لا يجوز أن يكون بين الولدين من حمل واحد أكثر من ستة
أشهر، وقد نفي نسب الأول باللعان، ووقعت البينونة به، فالثاني ينتفي عنه بغير
لعان، لأنه لا يمكن أن يكون منه، لأن الفرقة وقعت والمرأة حامل بالولد الأول فبانت
من الزوج ووضعت الولد وهي بائن، فلما وضعت الثاني لأكثر من ستة أشهر حكمنا
بأنها حملته وهي بائن، فانتفى عن الزوج بغير لعان، لأنه لا يمكن أن يكون منه.
383

ويفارق المسألة الأولى لأنها وضعت الولد الأول وهي زوجة، والبينونة وقعت
بعد ذلك باللعان، فمن حين الولادة إلى حين اللعان فالزوجية باقية فأمكن أن يكون
حملت في تلك الحالة وهي زوجة فلحقه الولد، وليس كذلك هاهنا لأن اللعان
حصل وهي حامل، والبينونة وقعت في تلك الحالة، وليس يمكن أن تحمل بالثاني
ما دامت حاملا بالأول، ولما وضعت الأول وضعته وهي بائن، فلا بد أن يكون الثاني
حملته وهي بائن، فلم يمكن أن يكون من الزوج بحال، فانتفى نسبه عنه بغير لعان.
إذا أتت امرأة الرجل بولدين توأمين، إما أن تلدهما معا في وقت واحد، أو ولد
أحدهما بعد الآخر وكان بينهما أقل من ستة أشهر، فهما حمل واحد، فإذا أقر الزوج
بأحدهما ونفى الآخر فإنهما يلحقانه لأن الحمل الواحد لا يكون من اثنين، فإذا أقر
بأحدهما ولحقه، لحقه الآخر.
وإذا أتت المرأة بولدين توأمين فنفاهما الزوج باللعان فإن نسبهما ينتفي عن
الأب، وينقطع الإرث بينهما وبينه، ويكون نسبهما ثابتا من قبل الأم، والإرث جار
بينهما وبينها، وأما إرث أحدهما عن الآخر فإنهما يتوارثان بالأم بلا خلاف ولا يتوارثان
بالأب عندنا، وقال شاذ منهم: يتوارثان بالأب لأن اللعان لا يتعدى الزوج والزوجة.
إذا أتت المرأة بولدين من زنا فإن نسبهما ثابت من جهة الأم وغير ثابت من
جهة الأب لقوله عليه السلام: الولد للفراش وللعاهر الحجر، والإرث يجري بين
الولدين وبين الأم ولا يجري بينهما وبين الأب ويتوارثان بإخوة الأم ولا يتوارثان بإخوة
الأب، وخالف من خالف في المسألة الأولى، هذا على قول من أجرى ولد الزنى
مجرى ولد الملاعنة من أصحابنا.
فأما على الصحيح الذي ذكرناه في " النهاية " وأنه لا يثبت نسبهما، فإنه لا توارث
بينهما وبين الأم ولا بينهما أنفسهما بحال.
إذا تزوج الرجل أمة فاتت بولد فقذفها ولاعنها فبانت منه، ثم ملكها، فإنه لا
يحل له وطؤها بالملك، لقوله صلى الله عليه وآله: المتلاعنان لا يجتمعان أبدا، وأما
إذا تزوجها ثم طلقها ثلاثا أو اثنتين، عندنا فإنها لا تحل له بعد زوج، فإن ملكها
384

فهل يحل له وطؤها بملك اليمين؟ قيل فيه وجهان: الصحيح عندنا وعندهم أنها لا
تحل له، والثاني أنها تحل، وبه قال شاذ من أصحابنا.
إذا أبان زوجته باللعان لا تستحق عندنا السكنى ولا النفقة إلا أن تكون حاملا
ولم ينف حملها فإنها تستحق النفقة والسكنى، وقال بعضهم: تستحق السكنى مدة
اللعان، وفي النفقة مثل ما قلناه، غير أنه إذا أوجب النفقة للحمل هل هو لها أو
للحمل؟ قيل فيه قولان أقواهما عندي أنها للحمل دونها، وإن نفي نسب الولد فلا
نفقة لها وأما السكنى فإنها تستحق عندهم مدة العدة بلا خلاف عندهم.
إذا أتت امرأة الرجل بولدين توأمين فمات أحدهما وبقى الآخر، فللأب أن ينفي
نسب الحي والميت معا، وكذلك لو كان الولد واحدا فمات كان له نفيه باللعان، وقال
بعضهم: لا يجب نفي نسب الميت، فإذا لم يصح نفي نسب الميت لم يصح نفي
نسب الحي لأنهما حمل واحد.
إذا أتت بولد ونفاه باللعان ثم مات الولد ورجع الزوج فأقر بنسبه، لا يلحقه ولا
يرثه عندنا، وقال بعضهم: يلحقه ويرثه إن خلف مالا سواء خلف الولد ولدا أو لم
يخلف، وفيه خلاف، ولا خلاف بينهم أنه لو أقر به قبل موت الولد أنه يلحقه ويثبت
نسبه ويتوارثان، وعندنا لا يرثه الأب بحال.
إذا قال الرجل لزوجته: يا زانية، فقالت: زنيت بك، فأما الزوج فقد قذفها بقوله
يا زانية لأن ذلك صريح في القذف لا يحتمل غيره، وأما قولها له بك زنيت فليس
بصريح في القذف، بل هو محتمل له ولغيره لأنه يحتمل ثلاثة أشياء:
أحدها: القذف، وهو أنها أرادت أنك زنيت بي قبل الزوجية، فأنت زان وأنا
زانية، وهو أقواها عندي.
الثاني: ويحتمل أن يكون أقرت على نفسها بالزنى ولم تقذف الزوج، فتريد
بذلك أنك وطئتني وأنت تظنني زوجتك وأنا عالمة بأنك أجنبي، فكنت أنا زانية وأنت
لست بزان.
الثالث: ويحتمل أن لا يكون أقرت بالزنى ولا قذفته بل أرادت النفي والجحود،
385

كأنها تقول في مقابلة قوله " يا زانية ": بك زنيت، تعني ما زنيت أنا ولا أنت، كما
يقول القائل لغيره " يا سارق " فيقول: معك سرقت، يعني ما سرقت أنا ولا أنت،
ويقول " تعديت " فيقول: معك تعديت، يعني ما تعديت، فإذا كان محتملا لهذه
الأشياء لم يكن صريحا في القذف، فالزوج قاذف يلزمه الحد، والمرأة يرجع إليها.
فإن قالت: أردت به الاحتمال الأول، فقد أقرت على نفسها بالزنى، وقذفت بالزنى
فيسقط عن الزوج حد القذف ويلزمها حد الزنى بإقرارها، ويلزمها حد القذف للزوج
برميها.
وإن قالت: أردت الاحتمال الثاني وهو أني زنيت أنا ولم تزن أنت، فقد أقرت
على نفسها ولم تقذف الزوج فيسقط عن الزوج حد القذف ويلزمها حد الزنى بإقرارها،
ولا يجب عليها حد القذف فإنها ما قذفته، فإن ادعى الزوج أنها أرادت قذفه فالقول
قولها لأنها أعلم بمرادها، فإن حلفت سقط دعواه، وإن نكلت رددنا اليمين عليه
فيحلف ويحقق عليها القذف فيلزمها الحد.
وإن قالت: أردت الاحتمال الثالث وهو الجحود والنفي، فالحد قد وجب على
الزوج بقذفه إلا أن يسقطه بالبينة أو باللعان، والمرأة ما أقرت بالزنى ولا القذف فلا
يلزمها حد الزاني ولا حد القذف، فإن صدقها الزوج على ذلك فعليه الحد إلا أن
يسقطه بالبينة، وإن كذبها وقال: إنما أردت القذف، فالقول قولها، فإن حلفت سقط
دعواه، وإن نكلت رددنا اليمين عليه فيحلف ويحقق عليها بيمينه الإقرار بالزنى وقذفها
له، ويسقط عنه حد القذف ويلزمها حد القذف، لكن لا يجب عليها حد الزاني لأنه
لا يلزم بالنكول واليمين.
إذا قال لزوجته: يا زانية، فقالت: أنت أزنى مني، فقد قذفها الزوج بقوله " يا
زانية "، وقولها: أنت أزنى مني، ليس بصريح في القذف، بل يحتمل شيئين:
أحدهما أن تكون أرادت أنك زنيت بي قبل الزوجية فيكون ذلك إقرارا بالزنى وقذفا،
ويحتمل الجحود والنفي، يعني ما زنيت، ولا يحتمل القسم الأخير وهو أنها تقر
بالزنى ولا تقذفه، لأنها قد أضافت الزنى إليه بقولها " بل أنت أزنى مني " فلا يحتمل نفي
386

الزنى عنه وإضافته إليه فيسقط هذا الاحتمال ويبقى الاحتمالان الآخران والحكم فيهما
على ما قدمناه.
إذا قال رجل لامرأته: أنت أزنى من فلانة، لا يكون هذا قذفا بظاهر، لأن ما كان
في وزن " أفعل " موضوع في الحقيقة للاشتراك، وإن كان لأحد الأمرين مزية.
فإذا ثبت هذا فيحتاج أن يثبت أن فلانة زانية وأن هذه أزنى منها، حتى يكون
قاذفا ولا يجب أن يكون قاذفا لهما، لأن هذه اللفظة وإن كان حقيقتها الاشتراك فقد
ترد بمعنى السلب كقوله تعالى: " أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا "
وليس في النار خير، وكما يقال: الجار أحق بالشفعة من غيره، وليس لغير الشفيع
حق في الشفعة، فإذا احتمل ذلك لم يكن قذفا بظاهره، ويرجع إليه.
فإن قال: أردت أن فلانة زانية وأنك أزنى منها، فقد قذفهما معا فيلزمه الحد
لزوجته وله الخروج منه باللعان أو البينة، ويلزمه الحد للأجنبية، وله الخروج منه
بالبينة، فحسب.
وإن قال: أردت الجحود والنفي، فإن صدقته فلا شئ عليه، وإن كذبته فالقول
قوله مع يمينه، فإن حلف سقط دعواها، وإن نكل رددنا اليمين عليها فتحلف ويثبت
عليه القذف، ويلزمه الحد إلا أن يسقطه باللعان، وقال بعضهم: لا يكون قاذفا
بذلك وإن فسر ذلك بالقذف، وليس بشئ، ويقوى في نفسي أنه يكون قاذفا لهما
بظاهره لأنه هو الحقيقة وما فسروا به كله مجاز.
إذا قال لها: أنت أزنى الناس، فلا يكون قذفا بظاهر، لأنا نتحقق أنها لا تكون
أزنى الناس كلهم فإن الناس كلهم لا يكونون زناة، فإن قال: أردت أنها أزنى من الناس
كلهم، قلنا له: فسرت كلامك بأمر محال، ويسقط حكمه، وإن قال: أردت أنها
أزنى من زناة الناس، فقد قذفها وقذف جماعة غير معينين فعليه الحد لزوجته، وله
إسقاطه باللعان وقذفه لقوم غير معينين لا شئ فيه، فإذا لم يعين المقذوف لم يلزمه
شئ.
إذا قال لزوجته أو أجنبية: يا زان، كان قاذفا عند جميع الفقهاء إلا داود، قالوا:
387

لأن الكلام إذا كان مفهوم المعنى لزم المتكلم حكمه وإن كان لحنا، كما لو قال رجل
لامرأته: زنيت " بالفتح " أو قالت امرأة لرجل: زنيت " بالكسر "، أو قال: لفلان علي
مائة درهم " بالضم " أو عشرون درهم " بالكسر " وقال بعضهم: يكون ذلك ترخيما
وليس بصحيح لأن الترخيم يدخل على أسماء الأعلام دون الصفات المشتقة من
الأفعال.
ويقوي في نفسي أن ذلك لا يكون قذفا - كما قال داود - إن كان من أهل
الإعراب، وإن لم يكن من أهله فالأمر على ما قاله الفقهاء.
إذا قالت امرأة لرجل: يا زانية، زوجها كان أو أجنبيا، كانت قاذفة عند الأكثر
وقال بعضهم: لا تكون قاذفة، وهو الأقوى عندي.
إذا قال رجل لرجل: زنأت في الجبل، فظاهر هذا أنه أراد " صعدت في الجبل "
فلا يكون صريحا في القذف بل يحمل على الصعود، فإن ادعى المخاطب بذلك أنه
أراد القذف، فالقول قول القاذف مع يمينه، فإن حلف فلا شئ عليه، وإن نكل ردت
اليمين على المقذوف فيحلف لقد أراد القذف ويحد له حد القاذف وفيه خلاف.
إن قال: زنأت، ولم يقل في الجبل، قال قوم: هو الصريح في القذف لأنه
تعرى عن قرينة الجبل، وقال بعضهم: ينظر في المتكلم فإن كان عارفا باللغة لم يكن
قاذفا وإن لم يكن عارفا كان قاذفا، لأن العامة لا تفرق بين الموضعين، وهو الأقوى
عندي.
إذا قال لزوجته: زنيت وأنت صغيرة، ففيه مسألتان: إحديهما: أن يفسر ذلك
بما لا يحتمل القذف، فيقول: زنيت ولك سنتان أو ثلاث، فيعلم كذبه، لأن ذلك لا
يتأتى منها ولا يلزمه بذلك حد ولا تعزير قذف، لكنه تعزير سب وشتم، وليس له
إسقاطه باللعان.
الثانية: أن يفسر بما يحتمل القذف بأن يقول: زنيت ولك تسع سنين أو عشر
سنين، فهذه يتأتى الزنى منها، فقد قذفها بالزنى إلا أنه لا حد عليه، لأن الصغيرة ناقصة
لا يجب الحد برميها لكن يعزر تعزير قذف وله إسقاطه باللعان.
388

وإن قال: زنيت وأنت نصرانية ففيه ثلاث مسائل:
الأولة: أن يقول: زنيت وكنت نصرانية، فقالت: قد كنت نصرانية لكني لم
أزن، فقد صدقته في أنها كانت نصرانية وكذبته بالرمي بالزنى فلا حد عليه، لأن الكافرة
لا يجب الحد بقذفها لكن عليه تعزير قذف وله إسقاطه باللعان.
الثانية: أن يقول لها: زنيت وأنت نصرانية، فقالت: ما زنيت وما كنت نصرانية،
فالقذف قد وجب عليه برميها، لكن يدعي أنها كانت نصرانية حال الزنى الذي رماها
به، فهل يكون القول قول القاذف أو المرأة؟ قال قوم: القول قوله، لأن الدار لجميع
المسلمين والكفار فما قاله يحتمل والأصل براءة ذمته، وقال آخرون: القول قولها لأن
الظاهر دار إسلام كما يقول في اللقيط، والأول أقوى.
فمن قال: " القول قوله " حلف ويثبت أنه قذفها بزنى أضافه إلى حالة الشرك، ولا
يلزمه الحد ويلزمه التعزير، وله إسقاطه باللعان، ومن قال: القول قولها، فإنها تحلف
ويثبت أنه قذفها بزنى أضافه إلى حال الإسلام فعليه الحد إلا أن يسقطه بالبينة أو
اللعان.
الثالثة: أن يقول لها: زنيت وأنت نصرانية، ثم قال: أردت أنك كنت فيما قبل
نصرانية، وقالت المرأة: لا بل أردت في الحال، فالقول قولها لأن الظاهر معها، وهو
أن ظاهر القذف يقتضي الرمي بالزنى في الحال.
فإذا قال: زنيت وأنت أمة، ففيه أربع مسائل: ثلاثة منها ذكرناها في التي قبلها،
والحكم فيها واحد.
والرابعة أن يقول: زنيت وأنت الآن أمة، فقالت: أنا حرة، قيل فيه قولان أيضا،
ولا يجئ هذا في النصرانية، لأنه إذا قال لها: أنت كافرة، وقالت: بل مسلمة،
فقولها أنا مسلمة إسلام في الحال، وإبطال لقوله، ومثل هذا لا يكون في الأمة، لأنها
إن كانت أمة في الباطن فقالت: أنا حرة، لا تصير حرة.
إذا قال: زنا بك صبي لا يجامع مثله، فلا يكون قذفا لأن هذا كذب وعليه تعزير
السب وليس له إسقاطه باللعان.
389

إذا قال: وطئك فلان مكرها فلا يكون قاذفا لها بذلك، لأن المكرهة ليست
بزانية، وهل يكون سابا يعزر تعزير سب؟ قيل فيه وجهان: أحدهما لا يعزر، لأن
المكرهة لم تفعل شيئا محرما ولا مأثما فلم يلحقها أذى بإضافة الوطء إليها فلم يعزر،
والوجه الثاني أنه يعزر لأنه آذاها بهذا القول، وقبح عليها، فيعزر على ذلك.
إذا قذف أمة هي زوجته عزر لها وله اللعان لإسقاطه.
إذا قذف رجلا أجنبيا أو امرأة أجنبية بزنى، ثم قذفها دفعة أخرى فلا يخلو: إما
أن يكون القذف الثاني قبل إقامة الحد عليه في القذف الأول أو بعد إقامته.
فإن كان بعد إقامته، فإن قذفها بذلك الزنى الذي حد له فالثاني ليس بقذف،
لأنه ثبت كذبه بإقامة الحد عليه، فإذا كرره ثانيا لم يكن ذلك قذفا لكن يكون سبا
وشتما وجب عليه التعزير، وإن قذفها بزنى آخر قيل فيه وجهان: أحدهما لا يقام عليه
الحد، لأنه قد ثبت كذبه في حق هذا المقذوف بإقامة الحد عليه، والثاني أنه يلزمه
حد ثان لأنه قذف ثان بزنى آخر، وهو الذي رواه أصحابنا.
فأما إن قذفه قبل إقامة الحد عليه، فإن قذفه بذلك الزنى حد حدا واحدا، وإن
قذفه بزنى آخر قال قوم: يحد حدا واحدا، وهو الظاهر في روايات أصحابنا، وقال
بعضهم: يحد حدين.
إذا قذف رجل امرأة أجنبية ثم تزوجها وقذفها قذفا آخر، فقد اجتمع في حقه
قذفان، قذف الأجنبية وقذف لزوجته، وله الخروج من قذف الأجنبية بالبينة لا غير وله
الخروج من قذف الزوجة بالبينة أو اللعان، ولا يخلو حال المرأة من ثلاثة حوال: إما
أن تطالب بما يجب لها بالقذف الأول ثم بالثاني، أو تطالب بالثاني ثم الأول، أو
تطالب بهما معا.
فإن طالبت بالأول فله الخروج عنه بالبينة، فإن أقام وإلا حد وإذا طالبت بالثاني
فله الخروج عنه بالبينة أو اللعان، فإن لم يأت بأحدهما أقيم عليه حد القذف، قال
قوم: يحد حدا واحدا لأنهما لشخص واحد، والصحيح عندنا أنه يحد حدين لأن
كل واحد من القذفين منفرد بحكمه عن صاحبه، ويخالفه لأنه يخرج عن أحدهما
390

بالبينة وعن الآخر بالبينة أو باللعان فلم يتداخلا.
وأما إذا بدأت فطالبت بالثاني فله الخروج بالبينة أو اللعان، فإن أقام البينة سقط
عنه الحد الأول والثاني، لأنه قد ثبت بالبينة سقوط حصانة المقذوف، ومتى سقطت
حصانة المقذوف قبل إقامة الحد على القاذف، سقط الحد، وإن التعن سقط منه
الحد الثاني، ولم يسقط الأول لأن البينة حجة عامة للزوج والأجنبي، واللعان خاص
للزوج، وأما إذا لم يقم البينة ولم يلتعن فإنه يلزمه حدان، وقال قوم: حد واحد،
والصحيح عندنا الأول لما مضى.
وليس لها أن تطالب بالحدين معا في حالة واحدة، بل تطالب بأحدهما قبل
الآخر، فإن طالبت بالأول ثم الثاني أو الثاني ثم الأول فالحكم على ما مضى.
إذا قذف زوجته فقبل أن يلاعنها قذفها بزنى آخر، قال قوم: عليه حدان، وقال
آخرون: عليه حد واحد، وهو الصحيح عندنا، ولا خلاف أن له إسقاطه باللعان،
ويكفي لعان واحد.
وكيفية اللعان إن كان سمى المقذوفين أن يقول: زنا بك فلان وزنا بك فلان،
فلا بد من ذكرهما في لعانه عقيب كل شهادة، وإن لم يكن سمى المقذوفين بل قال:
زنيت اليوم الفلاني وزنيت اليوم الفلاني، فلا بد من ذكر الزنائين لأنه ربما كان صادقا
في أحدهما وكاذبا في الآخر، فيتأول على ما هو قاذف فيه.
إذا قذف زوجته ولاعنها فبانت منه باللعان، ثم قذفها بزنى أضافه إلى ما قبل
اللعان، فهل يجب عليه الحد بالقذف الثاني؟ قيل فيه وجهان: أحدهما لا يجب
عليه لأن اللعان في حق الزوج كالبينة في حق الزوج والأجنبي في إسقاط حصانتها،
والثاني أنه يجب عليه الحد لأن اللعان إنما يسقط حصانتها في الحالة التي يوجد فيها
اللعان وفيما بعدها وأما قبل ذلك فلا، وهذا هو الأقوى لقوله تعالى: " والذين يرمون
المحصنات... الآية ".
إذا قال رجل لامرأته: يا زانية، فقالت: بل أنت زان، فقد قذف كل واحد منهما
صاحبه ولا حد على واحد منهما وعليهما التعزير عندنا، وقال قوم: كل واحد منهما
391

قاذف لصاحبه:
أما الزوج فقد صرح بالزنى وكذلك الزوجة، ولزم الزوج الحد، وله الخروج عنه
بالبينة أو اللعان، والمرأة عليها الحد وليس لها الخروج عنه إلا بالبينة فإن أقام الزوج
أولا البينة أو لا عن سقط عنه حد القذف ووجب عليها حد الزنى.
وأما المرأة فإن كان الزوج أقام البينة على الزنى لم يكن لها إسقاط الحد باللعان،
وإن كان لاعن كان لها إسقاطه باللعان، وأما حد القذف، فإنه يلزمها إلا أن تسقطه
بالبينة، فيجتمع في حق الزوجة حد القذف واللعان أو حد الزنى، وقال قوم: يجب
عليها حد القذف لا غير، ولا يجب على الزوج حد القذف، لأن الزوج إذا قذف
زوجته لم يلزمه الحد على أصلهم، واللعان لا يثبت في حق الزوجة، لأن حق الزوجة
الحد.
إذا قذف زوجته وأجنبية فقال لهما: زنيتما أو أنتما زانيتان، فهو قاذف لهما يلزمه
الحد ويخرج عن حد الأجنبية بالبينة فحسب، وعن حد الزوجة بالبينة أو اللعان ولا
يخلو من ثلاثة أحوال: إما أن يقيم البينة، أو يلاعن، أو لا يقيم البينة ولا يلاعن،
فإن أقام البينة بالقذفين سقط عنه الحدان، ويجب عليهما حد الزنى، وإن لاعن سقط
عنه الحد لزوجته، ويجب عليه الحد للأجنبية، وإذا لم يقم البينة ولا يلتعن، وجب
عليه الحد لهما لكل واحدة حد عندنا، وقال قوم: حد واحد.
إذا قذف الرجل أربع نسوة أجنبيات بكلمة واحدة، أو قذف أربعة رجال أجانب
أو قذف أربع نسوة زوجات، فالحكم فيه واحد، قال أصحابنا: إن جاؤوا به متفرقين
كان لكل واحدة حد كامل، وإن جاؤوا به مجتمعين كان عليه لجميعهم حد واحد،
وقال قوم: عليه لكل واحدة حد، وقال آخرون: حد واحد للجميع، ولم يفصلوا،
وهكذا قالوا في من ظاهر من أربع نسوة بكلمة واحدة ثم عاد، فهل عليه كفارة واحدة
أو أربع كفارات؟ على قولين، وعندنا يلزمه في حق كل واحدة منهن كفارة.
فإذا ثبت ذلك، فإذا قذف أربع أجنبيات بالزنى، فإن أقام البينة سقط عنه الحد
ووجب على كل واحدة منهن حد الزنى، وإن لم يقم البينة حد على ما مضى.
392

وإذا قذف أربع زوجات وجب عليه الحد وله إسقاطه باللعان، ويحتاج أن
يلاعن عن كل واحدة لعانا مفردا، لأنه يمين، واليمين لا تتداخل في حق الجماعة
بلا خلاف.
فإن تراضين بمن يبدأ بلعانها بدئ بها، وإن تشاححن أقرع بينهن وبدئ بمن
خرجت لها القرعة، وقال قوم: للحاكم أن يبدأ بمن يشاء منهن وإن امتنع الزوج من
اللعان حد للزوجات على ما مضى.
إذا قذف زوجته وهي حامل، فله أن يلاعن وينفي نسب الولد، سواء كان
جامعها في الطهر الذي قذفها فيه بالزنى، أو لم يجامعها، وسواء جامعها قبل القذف
أو بعده للآية، وفيه خلاف.
إذا قذف رجل أجنبيا أو أجنبية أو زوجة وكان المقذوف محصنا فلزمه الحد،
فقبل أن أقيم عليه الحد ثبت زنا المقذوف إما ببينة أو بإقرار، فإن الحد يسقط عن
القاذف ويجب على المقذوف حد الزنى، وبه قال الأكثر، وقال شاذ منهم: إنه لا
يسقط، وهو قوي.
الوطء الحرام على أربعة أضرب:
الضرب الأول: وطء حرام لم يصادف ملكا ولا فيه شبهة، مثل أن يتزوج رجل
أمة أو أخته أو غير ذلك من ذوات محارمه، ووطئها عالما بتحريم وطئها عليه، أو
وطئ الرجل جارية أبيه أو جارية زوجته، أو وطئ المرتهن الجارية المرهونة، فهذا
كله وطء حرام لا شبهة فيه، ويجب به الحد، وتسقط به الحصانة، فصار كالزنا.
والضرب الثاني: وطء حرام صادف ملكا، وإنما حرم لعارض يزول ويزول
تحريمه، مثل وطء الزوجة أو الأمة في حال حيضها أو نفاسها أو صومها أو إحرام
واحد منهما، فلا يجب الحد بهذا لأنه صادف ملكا ولا يسقط به الحصانة لأنه
صادف ملكا.
والضرب الثالث: وطء حرام على التأبيد إلا أنه صادف ملكا، مثل أن ملك أخته
393

أو عمته أو خالته من نسب أو رضاع عند المخالف، أو ملك أمه أو بنته أو جدته من
الرضاعة، فهل يجب بهذا الوطء حد؟ قال قوم: يجب، لأنه وطء محرم على التأبيد،
وهو الصحيح عندنا، والثاني لا يجب لأنه صادف الملك، وإن كان محرما، وعندنا
زال الملك أيضا، ومن أوجب الحد أسقط الحصانة، ومن لم يوجب الحد لم
يسقطها.
الضرب الرابع: وهو وطء الشبهة، مثل أن يتزوج امرأة بغير ولي ولا شهود عند
المخالف، أو وجد امرأة على فراشه ظنها زوجته أو أمته فالحد لا يجب بهذا الوطء
للشبهة، ويلحق به النسب، وهل تسقط به الحصانة؟ فيه وجهان: أحدهما تسقط،
لأنه وطء محرم لم يصادف ملكا كالزنا، والثاني لا يسقط به لأنه وطء يلحق به النسب
ولا يجب به الحد، وهو الصحيح.
إذا قذف زوجته بالزنى ولم يلاعن حد، ثم قذفها بذلك الزنى فإنه لا يجب عليه
حد آخر عندنا، لأنه ثبت كذبه بعجزه عن البينة، والقذف إنما يكون بما يحتمل
الصدق والكذب، وهذا محكوم بكذبه وإن قذفها ولاعنها ثم أعاد القذف ثانيا بذلك
الزنى فلا حد عليه أيضا لأنه محكوم بصدقه.
فأما إذا قذفها ولاعنها ثم قذفها أجنبي بذلك الزنى لزمه الحد، لأن اللعان حجة
تختص الزوج دون الأجنبي، فأسقط الحصانة في حق الزوج دون الأجنبي، فلزمه
الحد بالقذف، وإذا قذفها وأقام البينة على الزنى فإن حصانتها تسقط في حق الزوج
وحق الأجنبي، فإذا قذفها الزوج أو أجنبي بذلك الزنى فإنه لا حد عليه، لأن البينة حجة
في حقها.
فأما إذا قذفها ولاعنها فامتنعت من اللعان فحدت ثم قذفها أجنبي بذلك الزنى
فهل يجب عليه الحد؟ قال قوم: عليه الحد، وقال آخرون: لا حد عليه، وهو الأقوى
عندنا، لأنه قذفها بزنى حدت به، فلم يجب الحد كما لو أقام البينة.
إذا ادعى رجل على رجل أنه قذفه، فأنكر المدعى عليه فأقام المدعي شاهدين
شهدا عليه بالقذف وعرف عدالتهما في الباطن، حكم بشهادتهما وأقيم عليه الحد،
394

وإن لم يعرف عدالتهما لم يحكم بشهادتهما، ويسأل عنهما، فإن طالب المدعي
الحاكم أن يحبس المدعى عليه حتى يثبت عنده عدالة الشهود حبسه، لأن الأصل
في الشهود العدالة، والفسق طارئ، لأن المدعي أتى بما عليه من البينة ويتعين على
الحاكم البحث عن عدالة الشهود، وذلك ليس إلى الخصم ولا عليه.
وأما إذا أقام عليه شاهدا واحدا وسأل الحاكم أن يحبس الخصم حتى يأتي
بآخر، قال قوم: يحبس لأن جنبته قويت بإقامة شاهد واحد، والثاني لا يحبس، وهو
الأقوى عندنا، لأن الشاهد الواحد ليس بحجة في القذف، لأنه لو أراد المدعي أن
يحلف معه لم يكن له.
فأما إن ادعى عليه مالا وأقام شاهدين وعرف عدالتهما ظاهرا أو باطنا حكم له
بما ادعاه، وإن لم يعرف باطنهما بحث، فإن طلب المدعي حبسه، قال قوم:
يحبسه، وهو الأقوى، وقال بعضهم: لا يحبس، لأن المال يتعلق بالمال، فإن هرب
أمكن استيفاؤه من ماله، وحد القذف يتعلق بالبدن، إن هرب لم يمكن استيفاؤه،
فلهذا افترقا، وهذا ليس بصحيح، لأنه ربما هرب وأخذ ماله معه.
وإن أقام شاهدا واحدا قال بعضهم: لا يحبس، وقال بعضهم: يحبس، وهو
الأقوى عندنا، لأنه حجة في المال، لأنه لو أراد أن يحلف معه لكان له.
ضمان الدين الثابت في الذمة جائز لما فيه من التوثق للحق والكفالة ببدن من
عليه حق، فلا يخلو أن يكون الحق من حقوق الله، أو مال لآدمي، أو حد لآدمي،
فإن كان حدا لله كحد الزنى والشرب والقطع في السرقة فلا تصح الكفالة ببدن من عليه
بلا خلاف، لأن المغلب عليها الإسقاط والتكفل يراد للاستيثاق، فلم يكن له مدخل
فيما هو موضوع على الإسقاط.
وأما الكفالة ببدن من عليه مال لآدمي فعندنا جائزة، وقال بعضهم: لا يجوز،
وأما الكفالة ببدن من عليه حد قذف أو قصاص فعندنا لا يجوز، وقال بعضهم:
يجوز.
إذا قال لامرأته: زنيت أو يا زانية أو زنا فرجك، فهذه كلها صريحة في القذف
395

وإن قال: زنت يدك أو رجلك أو عينك أو جزء من أجزائك، منهم من قال: إنه قذف
صريح، ومنهم من قال: ليس بصريح، وهو الصحيح عندنا، لأنه يحتمل الزنى الذي
يختص باليد والرجل من المباشرة والمشي الحرام كما روي عنه عليه السلام أنه قال:
العينان تزنيان والرجلان تزنيان واليدان تزنيان، فإذا احتمل ذلك لا يكون قذفا،
وكذلك لو أضافه إلى نفسه فقال: زنت عيني أو يدي أو رجلي، لم يكن إقرارا، وإن
قال: زنا بدنك، كان صريحا في القذف، وقال بعضهم: لا يكون.
وكل ما قلنا إنه صريح في القذف إذا ذكره صار به قاذفا، ولزمه الحد إلا أن يقيم
البينة، أو يلتعن إن كان زوجا، ولا يقبل قوله أنه أراد غير القذف، وكل ما قلنا إنه كناية
إن قال: لم أرد به القذف، وصدقته المرأة قبل ذلك، وإن كذبته فالقول قوله مع
يمينه، لأنه أعلم بمراده، وإن قال: أردت به القذف، قبل ذلك ولزمه الحد لأنه
محتمل لذلك.
ألفاظ القذف على ثلاثة أضرب: ضرب هو صريح فيه، ولفظ هو كناية، ولفظ
لا يحتمل القذف بحال.
فالصريح قوله: زنيت يا زانية، وللرجل يا زان أو زنا فرجك.
والكناية مثل قوله: يا حلال ابن الحلال، يحتمل المدح ويحتمل القذف،
بمعنى لست بحلال ابن الحلال، وكذلك قوله: ما أنا بزان وما أمي بزانية، هكذا
قوله: زنا فرجك أو رجلك أو عينك، ومثل ذلك قوله: يا فاسقة يا فاجرة يا غلمة يا
شبقة يا خبيثة وما أشبه ذلك.
وما ليس بصريح ولا كناية فهو ما لا يحتمل القذف بحال، مثل أن يقول:
بارك الله عليك أحسن الله جزاك، ما أحسن وجهك، فهذا لا يكون قذفا، وإن نوى به
القذف.
فإذا ثبت هذا فكل ما كان صريحا في القذف لا ينوي فيه بحال، وما ليس
بصريح ولا كناية لا يتعلق به حكم القذف بحال، وما هو كناية في القذف إن نوى به
القذف كان قذفا، وإن لم ينو به القذف لم يكن قذفا، وسواء ذلك في حال الرضا أو
396

حال الغضب وفيه خلاف.
اللعان لا يصح إلا عند الحاكم أو خليفة إجماعا، وليس يفتقر إلى حضوره،
وإنما يفتقر إلى استدعائه وإلقائه على الزوجين ويستوفي عليهما اللعان كما فعل
النبي صلى الله عليه وآله، فالزوج يلاعن بحضرة الحاكم، وأما المرأة فإن كانت برزة
تدخل وتخرج أحضرها الحاكم إليه ولا عن بينها وبين زوجها في مجلسه، وإن لم تكن
برزة أنفذ إليها من يستوفي عليها اللعان في منزلها ويستحب أن يبعث معه بأربعة
شهود أو ثلاثة لقوله تعالى: " وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين " وروى أصحابنا أن
أقله واحد.
إذا تراضى الزوجان برجل يلاعن بينهما جاز عندنا وعند جماعة، وقال بعضهم:
لا يجوز، ويلزم بنفس الحكم مثل الحكم سواء، وقال بعضهم: إنما يلزم إذا رضيا
بعد ذلك.
إذا قذف زوجته ثم جاء ومعه ثلاثة فشهدوا عليها بالزنى، لم تقبل شهادته
بلا خلاف، لأنه قد وجب عليه الحد بقذف، فإذا شهد بالزنى فإنه يريد أن يسقط بذلك
ما وجب عليه، ويجب على الزوج الحد إلا أن يلتعن، وأما الشهود الثلاثة فقال قوم:
هم قذفة، وقال آخرون: ليسوا بقذفة، والأول أقوى.
فأما إذا جاء الزوج ابتداء مع ثلاثة شهود فشهدوا على المرأة بالزنى فلأصحابنا فيه
روايتان: إحديهما أنها ترجم وقبلت شهادتهم، والأخرى أن الثلاثة يحدون والزوج
يلاعن، وفيه خلاف.
إذا قذف زوجته فلزمه الحد فأقام أربعة شهود فشهدوا عليها بالزنى فإن الحد
يسقط عنه، فإن أراد أن يلتعن، فإن لم يكن هناك نسب لم يكن له أن يلتعن، وإن
كان هناك نسب كان له أن يلتعن، لأن البينة إنما أسقطت الحد ولم ينف النسب
فحاجته إلى نفي النسب باللعان باقية، ثم ينظر فإن كان الولد انفصل كان له نفيه في
الحال لأنه تحقق حصوله، وإن كان حملا غير منفصل، قال قوم: لا يلتعن، لأنه ما
تحقق الولد، وقال آخرون: له أن يلاعن، وهو الصحيح عندنا.
397

فإذا ثبت هذا فإن أقام الزوج البينة وجب على المرأة حد الزنى لكنها لا تحد حتى
تضع الحمل بلا خلاف، لخبر النبي صلى الله عليه وآله مع الغامدية وقصة عمر مع
معاذ، فإذا وضعت لا ترجم حتى تسقيه اللبأ الذي به قوام البدن، فإذا شرب اللبأ
فإن لم يكن هناك من ترضعه ويتكفل به لم ترجم لأن فيه هلاك الولد، وإن كان هناك
مرضعة فإنها ترجم، لأنه استغنى عنها، وقال قوم: يستحب ألا ترجم حتى تفطمه
لأنه قد لا يقبل غير لبن أمه، وهو الذي نختاره لقضية أمير المؤمنين عليه السلام رواها
أصحابنا.
إذا قذف زوجته ثم ادعى عليها أنها أقرت بالزنى، فأنكرت، فأقام شاهدين فشهدا
عليها أنها أقرت بالزنى، فهل يثبت إقرارها بالشاهدين؟ قيل فيه وجهان: أحدهما لا
يثبت إلا بأربعة شهود وهو مذهبنا، والثاني أنه يثبت بشاهدين.
فمن قال: لا يثبت إلا بأربعة، فإن جاء بهم أو التعن إن كان زوجا وإلا حد،
ومن قال: يثبت بشاهدين، فلا حد على القاذف لأنه قد ثبت إقرارها بالزنى فأوجب
ذلك سقوط الحد عن القاذف، ولا يجب الحد عليها أيضا لأن الزنى إذا ثبت بالإقرار
سقط بالرجوع، وتحت قولها " إنني ما أقررت بالزنى " رجوع عن ذلك فسقط عنها الحد.
إذا قذف امرأة ثم ادعى أنها مشركة أو أمة، فقالت: لست أمة ولا مشركة، بل أنا
حرة مسلمة، ففيه مسألتان: إحديهما أن تقر المقذوفة أنها كانت مشركة أو أمة لكن
ادعت الإسلام حال القذف، والثانية أن تنكر الشرك والرق جملة.
المسألة الأولى: فإن أقرت بذلك وادعت الحرية والإسلام حال القذف، وادعى
القاذف خلافها، فالقول قوله مع يمينه، لأن الأصل بقاء الشرك والرق، حتى يعلم
خلافه.
المسألة الثانية: إذا قالت ما كنت مشركة ولا أمة، فالقول قوله أيضا مع يمينه،
وقال بعضهم: إن القول قولها مع يمينها، وعليه الحد، والأول أقوى، لأن الأصل
براءة الذمة.
إذا قذف امرأة ثم ادعى أنها كانت مرتدة حال قذفها، وقالت: كنت مسلمة،
398

فالقول قولها مع يمينها، وعليه الحد لأن إسلامها ثبت بإقراره، فإن في ضمن قوله إنها
مرتدة أنها كانت مسلمة قبل ذلك، فإن الارتداد لا يكون إلا بعد الإسلام، فإذا ثبت
الإسلام فالأصل بقاؤه حتى يعلم خلافه.
إذا قذف امرأة وطالبت بالحد، فقال: لي بينة أقيمها فأمهلوني حتى أظهرها،
أمهل يوما ويومين إلى ثلاثة.
إذا قذف امرأة ثم اختلفا، فقال: قذفتها وهي صغيرة فعلي التعزير، وقالت:
كنت كبيرة وعليك الحد، فالقول قوله مع يمينه إذا لم يكن معها بينة ولا معه، لأن
الأصل الصغر، فإذا حلف عزر، ولم يحد، واللعان يرجع إليه، فإن كان قذفها في
صغر لا يجامع مثلها عزر تعزير أدب وليس له إسقاطه باللعان، فإن كانت بلغت حدا
يوطأ مثلها فعليه التعزير، وله إسقاطه باللعان.
فإن أقام القاذف شاهدين على أنه قذفها وهي صغيرة، وأقامت شاهدين على
أنه قذفها وهي كبيرة، فإن كانت البينتان مطلقتين حكم ببينة المرأة لأنها أثبتت ما
أثبتت البينة الأخرى وزيادة فقدمت لزيادتها، وإن كانتا مؤرختين تاريخا واحدا فهما
متعارضتان، واستعمل فيهما القرعة عندنا، وقال بعضهم: يسقطان.
إذا شهد رجلان على رجل بأنه قذفهما وزوجته، كأنهما شهدا عليه بأنه قذف
زوجة نفسه وقذف الشاهدين أيضا، فشهادتهما في قذفه لهما لا تقبل، ولا تقبل
شهادتهما في حق الزوجة لأنهما متهمان وبينهما عداوة لادعائهما عليه أنه قذفهما.
فإذا ثبت أنها لا تقبل، فإن عفوا عن قذفهما وأبرءاه عن الحد ومضت مدة عرف
منها صلاح الحال بينهم ثم أعادا تلك الشهادة في حق الزوجة، فإنها لا تقبل أيضا
عند القوم، ويقوى في نفسي أنه تقبل شهادتهما.
وإذا شهد صبيان أو مملوكان أو كافران بشئ فلا يقبل الحاكم شهادتهما، ثم
إذا كمل حالهما وأعادا تلك الشهادة فإنه يجوز الحكم بهما لأن هؤلاء ليسوا من أهل
الشهادة ولا يسمع منهما الحاكم حتى إذا ردهما يقول: رد الشهادة، فإذا لم يكن ردا
فإذا أعاداها بعد كمال الحال فهو استئناف شهادة لا إعادة ما رده مرة، وإذا كانا
399

فاسقين فشهدا فردت شهادتهما ثم تابا وأعادا الشهادة بعينها لم تقبل عندهم، لأنهما
من أهل الشهادة، وعندنا تقبل أيضا.
إذا قذف زوجته وقذف رجلين ثم عفوا عن قذفهما وأبرءاه عن الحد الذي لهما،
وحسن الحال بينهما وبينه، ثم شهدا عليه أنه قذف امرأته، قبل شهادتهما عليه
بقذف زوجته، لأننا إنما رددنا شهادتهما لأجل العداوة، وهاهنا فلا عداوة.
ويفارق الأولى لأن فيها قبلها العداوة بينهما وبينه حاصلة، ولا فرق بين أن
يشهدا بأن فلانا قذف زوجته وحده، وبين أن يشهدا بأن فلانا قذف زوجته وكان قد
قذفنا معها، لكنا عفونا عن قذفنا وأبرأناه عن الحد، وحسن الحال فيما بيننا، لأنهما
سواء شهدا مطلقا أو مقيدا فالحكم واحد.
إذا قذف زوجته ورجلين فشهدا عليه بأنه قذف زوجته ثم بعد شهادتهما عليه بأنه
قد قذف زوجته شهدا عليه بأنه قذفهما، فإن كان حين شهدا عليه بقذف زوجته
عدلين وحكم الحاكم بشهادتهما ثم شهدا بعد الحكم بشهادتهما أنه قذفهما، فإن
شهادتهما الثانية لا تقدح في الأولى، ولا ينقض ذلك الحكم، وإن كان لم يحكم
الحاكم بشهادتهما حتى يشهدا بأنه قذفهما فلا يجوز أن يحكم بشهادتهما، لأنه
ظهرت العداوة بينهما قبل الحكم، فلم يجز أن يحكم.
إذا شهد شاهدان على رجل بأنه قذف أمهما وزوجته، فإن شهادتهما لأمهما
عندنا تقبل، وعندهم لا تقبل، لأنه متهم في حق الأم، وشهادتهما في حق الزوجة
تقبل عندنا، وقال بعضهم: لا تقبل، لأن الشهادة إذا اشتملت على شيئين فردت في
أحدهما فإنها ترد في الآخر.
إذا شهد شاهدان بأن فلانا قذف ضرة أمهما، قال قوم: لا تقبل لأنهما يجران
بهذه الشهادة نفعا إلى أمهما، لأنه إذا ثبت القذف وجب اللعان، فإذا لاعن بانت،
فكأنهما يزيلان الضرر عن أمهما ببينونة الضرة، وقال آخرون - وهو الصحيح عندنا -
أنها تقبل لأنهما وإن أثبتا القذف، فليس من شرط ثبوت القذف اللعان، لأنه قد
لا يلاعن ولا يطالب بالحد على أن عندنا أن شهادته لأمه تقبل، وإن جر نفعا إليها،
400

وهكذا لو شهدا بأنه طلق ضرة أمهما عندنا تقبل، وعندهم لا تقبل.
وهكذا لو شهدا بأنه طلق ضرة أمهما عندنا تقبل، وعندهم لا تقبل.
إذا شهد شاهد على رجل بأنه قذف رجلا بالعربية وشهد آخر بأنه قذف
بالفارسية، أو شهد أحدهما بأنه قذفه يوم الخميس، وشهد آخر بأنه قذفه يوم
الجمعة، لم يثبت القذف بهذه الشهادة، لأن القذف بالعربية غير القذف بالفارسية،
وكذلك القذف يوم الخميس غير القذف يوم الجمعة، فهما قذفان، وإذا كانا قذفين
فلم تكمل شهادة على كل واحد منهما، وإذا لم تكمل وجب أن لا يثبت، لأن القذف
لا يصح بأقل من شاهدين.
إذا شهد شاهدان أحدهما بأنه أقر بالعربية بأنه قذفه وشهد الآخر بأنه أقر
بالفارسية بأنه قذفه، أو شهد أحدهما بأنه أقر يوم الخميس بأنه قذفه، وشهد
الآخر بأنه أقر يوم الجمعة بأنه قذفه، حكم بهذه الشهادة وثبت القذف، لأن الإقرار
وإن اختلف فالمقر به واحد وإذا كان المقر به واحدا كملت الشهادة على شئ واحد
وليس كذلك في المسألة الأولى فإن البينة لم تكمل على قول واحد، فلذا لم يحكم
بها.
فأما إذا شهد شاهدان أحدهما بأنه أقر بقذفه بالعربية، وشهد الآخر بأنه أقر
بقذفه بالفارسية أو شهد أحدهما بأنه أقر بأنه قذفه يوم الخميس، وشهد الآخر بأنه أقر
أنه قذفه يوم الجمعة، فإنا لا نحكم بهذه الشهادة لأنهما شهادتان على إقرارين
مختلفين فلهذا لم يثبت، لأنه لم تكمل على كل واحدة بينة.
وحكي عن بعضهم أنه قال: أضم الشهادة بعضها إلى بعض في الأموال والعقود
ولا أضمها في الأفعال كأنه يقول:
إذا شهد أحدهما بأنه باع يوم الخميس وشهد الآخر بأنه باع يوم الجمعة قال:
أضم هاهنا، ومثله لو شهد أحدهما بأنه فعل يوم الخميس كذا وشهد الآخر بأنه فعل
ذلك يوم الجمعة، قال: لا أضم هاهنا، وقال بعضهم: لا فرق بينهما، فإن بيع يوم
الخميس غير بيع يوم الجمعة فعلى هذا لم يحصل على كل واحد منهما إلا شاهد
واحد، وعقد البيع لا يصح إثباته بشاهد واحد فوجب ألا يثبت هاهنا، والأقوى
401

الفرق.
لا تقبل الشهادة على الشهادة عندنا في شئ من الحدود، وتقبل في الأموال أو
ما المراد به المال وفي القصاص، وقال بعضهم: حقوق الآدميين كلها تثبت بالشهادة
على الشهادة ويقبل فيها كتاب قاض إلى قاض، وعندنا لا يقبل في شئ من
الأحكام، قالوا: سواء كان مالا أو حدا مثل حد القذف أو قصاصا.
أما حقوق الله تعالى فعندنا لا تثبت بشهادة على شهادة، ولا كتاب قاض إلى
قاض، وقال بعضهم: تقبل ويثبت بذلك.
التوكيل في إثبات حد القذف والقصاص جائز عندنا، وعند جماعة، والتوكيل
في استيفائه أيضا جائز عندنا سواء كان بحضرة الموكل أو في غيبته، وقال بعضهم:
لا يجوز، وفيهم من فرق، والصحيح عندنا الأول.
وأما حقوق الله تعالى فلا يجوز التوكيل في إثباتها ولا يتصور، لكن إذا ثبت
الحق فليس من شرط استيفائه حضور الحاكم أو الإمام، بل يجوز أن يأمر من يستوفيه
لا خلاف.
إذا أتت امرأة الرجل بولد لم يخل من أحد أمرين: إما أن يكون حاضرا أو غائبا،
فإن كان حاضرا فلا يخلو من أحد أمرين: إما أن يكون متمكنا من النفي غير معذور
أو كان معذورا غير متمكن من النفي، فإن كان متمكنا من النفي فالصحيح عندنا أن
له نفيه على الفور، فإن تمكن من النفي بعد الولادة فلم يفعل بطل نفيه، ولا نريد أنه
تجب المبادرة عند الولادة إلى الحاكم بل على ما جرت به العادة من حضوره عند
الحاكم على عادته من غير اشتغال بأمر آخر، وقال بعضهم: له ذلك إلى ثلاثة أيام،
وقال بعضهم: إلى يوم أو يومين، وقال بعضهم: يجوز مدة النفاس، أربعين يوما
عنده، وقال شاذ: له نفيه أبدا.
فرع:
فإن أخر نفي الولد بعد أن ولدت مدة ثم قال: لم أعرف أنها ولدت فلذلك لم
402

أنفه، فإن كان يمكن أن يكون صادقا مثل أن يكون في محلة أخرى أو في جانب آخر،
فالقول قوله مع يمينه، لأن الأصل نفي العلم، وإن كان لا يمكن أن يكون صادقا فيما
قاله مثل أن يكونا في دار واحدة، فإنه لا يقبل قوله، ويثبت النسب ويبطل النفي.
إذا لم ينف النسب مدة ثم قال: قد عرفت أنها ولدت لكن لم أعلم أن لي النفي
والآن فقد عرفت وأنا أنفيه، فإن كان الرجل ممن يخالط أهل العلم ويسمع منهم -
وإن لم يكن فقيها - فإنه لا يقبل منه، لأنه ظاهر بين أهل العلم ولا يخفى على من
يخالطهم.
وإن كان حديث عهد بالإسلام، أو نشأ في بلاد بعيدة عن دار الإسلام، ثم
ادعى الجهل، فإن القول قوله مع يمينه، لأن الأصل عدم العلم، وإن كان من العامة
الذين نشأوا في دار الإسلام ولم يختلطوا بالعلماء، قال قوم: يقبل قوله مع يمينه،
وقال آخرون: لا يقبل، والأول أقوى.
فأما إذا كان معذورا في تأخير النفي، مثل أن يكون مريضا أو محبوسا بحق أو
مشغولا بحفظ ماله من الحرق أو الغرق أو اللصوص، أو كان ملازما لغريم يخاف
هربه أو يخاف مطالبة غريم ولا وفاء معه وما أشبه ذلك، فإنه لا يبطل نفيه، ويكون
باقيا إلى أن يتمكن فينفي، بل إن تمكن من الإشهاد على أنه مقيم على النفي لزمه أن
يشهد، فإن لم يشهد مع القدرة بطل نفيه.
وأما إذا كان غائبا وقت الولادة، فإن سمع الخبر وتمكن من المسير مثل أن يكون
الطريق مسلوكا فإنه يلزمه أن يأتي وينفي الولد، إن أراد النفي، فإن لم يفعل بطل
نفيه، وإن لم يكن الطريق مسلوكا واحتاج إلى بدرقة أو رفقة، كان معذورا في التأخير
إلى أن يتمكن من المسير، فإذا تمكن ولم يسر بطل نفيه، وإن تمكن من الإشهاد
على نفيه في موضعه لزمه ذلك، فإن لم يفعل مع القدرة عليه بطل نفيه كالحاضر
المعذور إذا لم يشهد، ومع القدرة على المسير لا يكفيه الإشهاد، وإنما يكفيه إذا لم
يقدر على المسير.
وإذا حضر هذا الغائب من سفره وقال: لم أسمع بأنها ولدت، كان القول قوله
403

مع يمينه لأنه يمكن، ويحلف وله النفي بعده، وإن قال: سمعت لكني لم أصدق،
قلنا: ينظر فإن كان في موضع لم يتصل به خبر ولادتها على التواتر، وإنما يتصل من
جهة الآحاد، فالقول قوله، ولا يبطل نفيه، لأن النفي قد ثبت فيجوز أن يتوقف فيه ولا
يسرع إليه لينظر تحقق العلم، وأما إذا كان الخبر قد اتصل وتواتر بذلك الموضع،
فقال: لم أصدق، لم يقبل قوله لأنه يدعي خلاف الظاهر، فإن العلم هاهنا يحصل
لا محالة.
إذا ظهر بالمرأة حمل فلم ينفه وسكت حتى وضعت، ثم قال: إنما لم أنف
حتى أتحقق، كان له النفي، لأن قبل الولادة الأمر متردد بين أن يكون حملا وبين أن
يكون ريحا، فإذا قال: علمت بالحمل لكن لم أنف الولد رجاء أن يسقط أو يموت
ولا أحتاج إلى النفي فأستر عليها وعلى نفسي، فإن نفيه يبطل، لأن تحت هذا الإقرار
رضا منه بترك النفي، وانتظار الانتفاء من جهة أخرى.
إذا أتت المرأة بولد فهنئ بالمولود، فإن أجاب بما يتضمن رضا بالمولود كان
إقرارا، وإن لم يتضمن جوابه رضا لم يكن إقرارا، وهو أن يقول: بارك الله لك في
مولودك، جعله الله لك خلفا، فإن قال: آمين، أو قال: أجاب الله دعاك، أو ما أشبه
ذلك، كان ذلك إقرارا بالولد، لأن الدعاء كان بالولد فإجابته على الدعاء به رضا
بالولد، فإن قال في الجواب: بارك الله عليك، أحسن الله جزاك، وما أشبه هذا، لم
يكن إقرارا ولا يبطل نفيه، وقال بعضهم: يبطل في الموضعين، والأول أقوى لأنه
محتمل.
الأمة لا تصير فراشا بالوطئ على الظاهر من روايات أصحابنا، وفي بعض
الأخبار أنها تصير فراشا بالوطئ، وقال قوم: كل من ملك أمة على أي وجه ملكها ببيع
أو إرث أو وصية أو هبة أو غنيمة أو غير ذلك فإنها لا تصير بنفس الملك فراشا بل هي
كالسلعة له، ومتى أتت بولد في هذه الحالة قبل أن يطأها فهو مملوك له، وهكذا
نقول، فأما إذا وطئها أو اعترف بوطئها أو قامت به بينة قالوا تصير فراشا له، ومعنى
ذلك أنها إذا أتت بولد من حين الوطء لوقت يمكن أن يكون منه فإنه يلحقه، فعنده
404

تصير الأمة فراشا بالوطئ سواء أقر بالولد أو لم يقر، وعندنا لا تصير بحال فراشا وطئ
أو لم يطأ.
ولا خلاف أنه لا يحتاج إلى لعانها في نفي الولد، بل إذا أراد نفيه كان القول
قوله، وعندهم ينبغي أن يدعي أنه استبرأها بعد الوطء ويحلف عليه، فينتفي عنه
الولد، وقال بعضهم: لا ينتفي إلا باللعان، وهو شاذ.
وقال بعضهم: إذا أتت أمة الرجل بولد فأقر به وصارت أم ولده صارت فراشا،
فإن أتت بولد آخر كان له نفيه بغير لعان، بأن يقول: هذا الولد ليس مني، وينتفي منه
كما قلناه، وإنما خالف في تسميتها فراشا.
إذا أقر بوطئها وقال: كنت أعزل عنها، فالعزل على ضربين: أحدهما أنه كان
يولج، فإذا قارب الإنزال عزل فأنزل دون الفرج، والثاني أن يعزل عن الإيلاج وكان
يولج فيما دون الفرج.
فإن أراد به الأول، فإن الولد يلحقه، لأن لحوق الولد من أحكام الوطء والتقاء
الختانين، ولأنه ربما يسبق ماؤه قبل العزل، وهو لا يعلم، ولهذا نقول إن البكر إذا
أتت بولد لحقه، لإمكان أن يكون وطئها دون الفرج فسبق الماء إليها.
وإن أراد العزل الثاني، قيل فيه وجهان: أحدهما يلحقه لإمكان أن يكون الماء
سبق إلى الفرج، والثاني لا يلحقه، لأن لحوق الولد من أحكام الإيلاج، والأول
أقوى.
لا خلاف بين أهل العلم أن من نكح امرأة نكاحا صحيحا أنها تصير فراشا
بالعقد، وكذلك لا خلاف بينهم أن من نكح أمة نكاحا صحيحا أنها تصير فراشا
بالعقد، ويعتبر مضي مدة يمكن أن يكون الولد حادثا بعد العقد معها، وهي ستة
أشهر، فيعتبر أن تمضي هذه المدة من حين العقد، وأقلها ستة أشهر حتى يلحق
الولد، وكذلك امرأة الصغير إذا أتت بولد، فإنه لا يلحقه فينتفي عنه بلا لعان
بلا خلاف.
ويعتبر عندنا وعند جماعة في باب لحوق الولد إمكان الوطء، فإذا نكحها
405

وأمكن أن يكون وطئها ظاهرا وباطنا ثم أتت بالولد لمدة يمكن أن يكون حدث بعد
العقد فإنا نلحقه به، وإن لم يمكن أن يكون وطئها فإن الولد لا يلحقه، فعندنا لا بد
من اعتبار إمكان الوطء في باب لحوق النسب.
وقال بعضهم: يكفي - إذا صح العقد في باب لحوق الولد - أن يكون متمكنا من
الوطء وإن لم يعلم إمكان وطئه، فاعتبر قدرته على الوطء، ولم يعتبر إمكان الوطء
على ما اعتبرناه مع تمكنه وقدرته، فعلى هذا حكي عنهم مسائل:
منها أنه إذا نكح الرجل امرأة بحضرة القاضي وطلقها في الحال ثلاثا ثم
أتت بولد من حين العقد لستة أشهر، فإن الولد يلحقه، ولا يمكنه نفيه إلا باللعان.
والثانية لو تزوج مشرقي بمغربية ثم أتت بولد من حين العقد لستة أشهر فإنه
يلحقه، وإن علم يقينا بأنه لا يمكن أن يكون وطئها بعد العقد.
ومنها أنه إذا تزوج رجل بامرأة ثم غاب عنها وانقطع خبره، فقيل للمرأة إنه
مات، فاعتدت وانقضت عدتها فتزوجت برجل فأولدها أولادا ثم عاد الزوج الأول،
فإن هؤلاء الأولاد كلهم للأول، ولا شئ للثاني، وهذه كلها باطلة عندنا، ولا يلحق به
واحد منهم، ولا يحتاج إلى لعان.
ومن وافقنا في اعتبار إمكان الوطء، قال: لو كان الرجل ببغداد والمرأة بخراسان
أو الروم وأتت بولد لمدة يمكن أن يكون قطع المسافة إليها أو قطعت إليه أو أنفذ ماءه
إليها فاستدخلته، وبعد ذلك مضى زمان أقل الحمل، فإنه يلحق به، وإن علمنا أنه
ما برح هو ولا برحت هي من هناك.
وعندنا أن هذا باطل لأن إنفاذ الماء من بلد إلى بلد بعيد واستدخاله وخلق الولد
منه لم تجر العادة بمثله، وإن كان مقدورا لله كما أنه مقدور لله أن ينقلها أو ينقله من
المشرق إلى المغرب فيطأها فيلحق به الولد، وقد اتفقنا على بطلان ذلك.
406

كتاب العدد
المعتدات على ثلاثة أضرب: معتدة بالأقراء، ومعتدة بالحمل، ومعتدة
بالشهور:
فالمعتدة بالأقراء تعتد ثلاثة أقراء وهي عندنا الأطهار، وعند بعضهم الحيض،
والمعتدة الحامل تعتد بوضع الحمل وتبين به إن كانت مطلقة بلا خلاف، ولا تعتد من
الوفاة به عندنا، وعند المخالفين تعتد به.
والمعتدة بالشهور على ضربين: معتدة عن وفاة، ومعتدة عن طلاق، فالمعتدة
عن وفاة تعتد بأربعة أشهر وعشر بلا خلاف، والمعتدة عن غير وفاة وهي المعتدة عن
طلاق أو خلع أو فسخ تعتد بثلاثة أشهر، وغير المدخول بها لا عدة عليها بلا خلاف
من طلاق أو فرقة.
والمدخول بها إن كانت لم تبلغ ومثلها لم تبلغ لا عدة عليها عند أكثر أصحابنا،
وعند بعضهم يجب، وهو مذهب جميع المخالفين وإن كان مثلها تحيض فعدتها
ثلاثة أشهر بلا خلاف، وإن كانت من ذوات الحيض فعدتها ثلاثة أقراء وهي الأطهار
عندنا وعند جماعة وعند بعضهم الحيض، وقد روي ذلك في أحاديثنا.
فعلى مذهبنا إذا طلقها في طهر فإنها تعتد ببقية هذا الطهر، ولو كانت بلحظة،
407

فإذا دخلت في الحيض حصل لها قرء، فإذا طهرت دخلت في القرء الثاني، فإذا
حاضت حصل لها قرءان، فإذا طهرت دخلت في القرء الثالث، فإذا حصل لها ثلاثة
أقراء انقضت عدتها، وإن طلقها وهي حائض لم يقع عندنا طلاقها.
ومن وافقنا في أن الأقراء هي الأطهار وخالف في وقوع الطلاق قال: لا تعتد بهذا
الحيض، فإذا دخلت في الطهر فقد شرعت في القرء الأول تستوفي ثلاثة أطهار فإذا
دخلت في الحيضة الرابعة بانت، وفي الأولى إذا دخلت في الثالثة.
ومن قال: القرء الحيض، قال: إن طلقها وهي طاهرة لم تعتد بهذا الطهر، فإذا
دخلت في الحيض دخلت في القرء فتستوفي حينئذ ثلاثة حيض، فإذا طهرت من
الحيضة الثالثة انقضت عدتها، وإن طلقها وهي حائض لم تعتد ببقية الحيض ولا
بالطهر الذي بعده، فإذا حاضت بعده فقد دخلت في القرء الأول، وتستوفي على ما
بيناه.
طلاق الحائض لا يقع مع أنه محرم شرعا، وعندهم يقع، وإن كان محرما لأنه
تطول به العدة، لأن على قول جميعهم لا تعتد بهذا الحيض، وتعتد إما بالطهر الذي
بعده أو بالحيض الذي بعد ذلك الطهر على ما بيناه، فتطول به العدة.
إذا طلقها في آخر الطهر وبقى بعد التلفظ بالطلاق جزء، وقع فيه الطلاق وهو
مباح، وتعتد بالجزء الذي بقي طهرا إذا كان طهرا لم يجامعها فيه، وعند بعضهم وإن
جامعها فيه.
وإن قال لها: أنت طالق، ثم حاضت عقيب هذا اللفظ، فهذا عند بعضهم
طلاق محرم ولا تعتد بما بعده قرءا لأنه يصادف الطلاق حالة الحيض وقال بعضهم:
يكون مباحا لأنه وقع في حال الطهر، والصحيح عندهم الأول، ويقوى في نفسي أن
الطلاق يقع لأنه وقع في حال الطهر، إلا أنها لا تعتد بالطهر الذي يلي الحيض، لأنه
ما بقي هناك جزء يعتد به.
إذا طلقها واختلفا فقالت: طلقتني وقد بقي من الطهر جزءان، فاعتدت بذلك
قرءا، وقال الزوج: لم يبق شئ تعتدين به، فالقول قول المرأة لأن قولها يقبل في
408

الحيض والطهر، وعلى ما قررناه لا يحتاج إلى ذلك، لأنه قد وقع على كل حال غير
أنه يقبل قولها في أول القرء لأن إليها يرجع في ذلك.
إذا رأت الدم من الحيضة الثالثة فقد انقضت عدتها، وقال قوم: لا تنقضي حتى
يمضي أقل أيام الحيض، والذي أقوله: إن كان لها عادة مستقيمة، فإذا رأت الدم
من الحيضة الثالثة فقد انقضت عدتها، وإن كان قد تقدم رؤية دمها على ما جرت به
العادة لم ينقض حتى يمضي أقل أيام الحيض.
وعلى القولين، هل تكون الزيادة من العدة أم لا؟ قيل فيه وجهان: أحدهما أنها
من العدة لأن بها تكمل العدة، والثاني لا تكون من جملتها لأن الله تعالى أوب
ثلاثة أقراء، فلو قلنا: إن الزيادة منها، لزدنا فيه.
وفائدة الوجهين أنه إذا قيل: ذلك من جملة العدة، فإنه إذا أراد رجعتها صحت
الرجعة، ومن قال: ليس منها، لم يصح، والأول أقوى.
إذا طلقها وهي من ذوات الأقراء فادعت أن عدتها قد انقضت في مدة يمكن
انقضاء العدة قبل قولها، لأن إقامة البينة لا يمكن على ذلك، وقد بينا في كتاب
الرجعة ما يمكن أن تكون صادقة فيه، وما لا يمكن.
وجملته أن عندنا يمكن ذلك في ستة وعشرين يوما ولحظتين، وعند بعضهم
اثنان وثلاثون يوما ولحظتان، وعند آخرين تسعة وثلاثون يوما ولحظة، وقال بعضهم:
إن أقل ما يمكن ذلك فيه ستون يوما ولحظة، لأنه اعتبر أكثر أيام الحيض وهي
عشرة، وأقل الطهر وهي خمسة عشر يوما، ذكرناه في الخلاف، وإن ادعت انقضاء
عدتها في زمان لا يمكن لم يقبل قولها، فإن صبرت حتى يمضي بها زمان يمكن
ذلك فيه قبل قولها.
فأما إذا علق طلاقها بصفة فعندنا لا يقع الطلاق، وعندهم يقع، فعلى هذا إذا
قال: إذا ولدت فأنت طالق، فأقل ما يمكن أن تنقض عدتها فيه تسعة وأربعون يوما
ولحظتان إذا قيل: إنه يجوز أن يوجد الحيض في مدة زمان النفاس ومن قال: لا
يجوز والدم كله دم نفاس، فأقل ما يمكن عنده اثنان وتسعون يوما ولحظتان.
409

وأما إذا كانت المرأة معتدة بالشهور فلا يحتاج أن يرجع إلى قولها فإن قدر
الشهور معلوم وهو ثلاثة أشهر إن كانت مطلقة وأربعة أشهر وعشرا إن كانت متوفى
عنها إلا أن يختلفا في وقت الطلاق، فيكون القول قول الزوج كما لو اختلفا في أصل
الطلاق، لأن الأصل أن لا طلاق.
وأما إذا كانت معتدة بوضع الحمل فادعت أن عدتها قد انقضت بإسقاط، قال
قوم: القول قولها، وإنما يقبل قولها إذا مضى وقت يمكن أن تضع فيه ما تنقضي به
العدة، وهو أن تضع ولدا قد تخلق وتصور، ويكون ذلك بأن يمضي بعد النكاح
ثمانون يوما وأمكن الوطء، فأما قبل ذلك فلا تنقضي العدة بوضعه، وروى أصحابنا
أنها تبين بوضع أي شئ وضعته، وإن كان قبل ذلك.
إذا طلقها وهي ممكن تحيض وتطهر فإنها تعتد ثلاثة أقراء سواء أتت بذلك على
غالب عادات النساء في الحيض أو جاوز ذلك قدر العادة أو نقص، فإن انقطع
حيضها لم يخل: إما أن ينقطع لعارض أو لغير عارض.
فإن انقطع لعارض مرض أو رضاع فإنها لا تعتد بالشهور، بل تتربص حتى تأتي
بثلاثة أقراء وإن طالعت مدتها وهذا إجماع عندهم.
وإذا انقطع لغير عارض قال قوم: تتربص حتى تعلم براءة رحمها ثم تعتد عدة
الآيسات، وقال آخرون: تصبر أبدا حتى تيأس من المحيض، ثم تعتد بالشهور وهو
الصحيح عندهم، وفيه خلاف.
والذي رواه أصحابنا، أنه إذا مضى بها ثلاثة أشهر بيض لم تر فيها الدم فقد
انقضت عدتها، وإن رأت دما قبل ذلك ثم ارتفع حيضها لعذر أضافت إليه شهرين،
وإن كان لغير عذر صبرت تمام تسعة أشهر، ثم اعتدت بعدها ثلاثة أشهر، وإن ارتفع
الدم الثالث لعذر صبرت تمام سنة ثم اعتدت ثلاثة أشهر بعد ذلك، وفيهم من وافقنا
على ذلك، وفيهم من قال: تصبر أربع سنين لتعلم براءة رحمها، ولا خلاف أنها
تحتاج أن تستأنف عدة الآيسات بعد العلم ببراءة رحمها، وهو ما قلناه من ثلاثة
أشهر.
410

فإذا اعتدت، فإن لم تر الدم مضت عدتها وحل لها التزويج عند انقضائها، فإن
رأت الدم ففيه ثلاث مسائل:
إحداها: أن ترى الدم قبل الحكم ببراءة رحمها، أو بعده وقبل انقضاء عدتها،
فهذه ينتقض ما كنا حكمنا به، ويلزمها أن تعتبر بالأقراء، لأنا تبينا أنها من ذوات
الأقراء، وإن انقضت عدتها وتزوجت، ثم رأت الدم فلا يؤثر ذلك فيما حكم به ولا
في التزويج، لأنه تعلق عليها حكم الزوج.
وإن رأت الدم بعد انقضاء عدتها قبل التزويج قيل فيه وجهان: أحدهما لا
يلزمها الاعتداد بالأقراء، بل يقتصر على ما مضى، لأن رؤية الدم حدثت بعد الحكم
بانقضاء العدة، وهو الأقوى عندي، والوجه الثاني أنه يلزمها الاعتداد بالأقراء لأنها
رأت الدم قبل أن يتعلق حق زوج آخر به.
ومن قال: تنتظر إلى أن تبلغ سن الآيسات من الحيض، قال قوم: تعتبر عادة
الأقارب لأنه أقرب إلى عادتها، وقال آخرون: اعتبرت سنا ما بلغته امرأة من نساء
العالم إلا أيست من المحيض، فإذا بلغت سن الآيسات - على الخلاف فيه - فإنه
لا يحكم بانقضاء عدتها، بل تحتاج أن تعتد ثلاثة أشهر كما قدمناه أولا، وإن رأت
الدم فالحكم على ما مضى.
إذا تزوج صبي صغير امرأة فمات عنها وجبت عليها عدة الوفاة أربعة أشهر
وعشرا بلا خلاف، سواء كانت حاملا أو حائلا، وسواء ظهر بها الحمل بعد وفاة الزوج
أو كان موجودا حال وفاته وفيه خلاف.
فإذا ثبت أنها لا تعتد عنه بالحمل، فإن كان الحمل لاحقا بإنسان بوطئ شبهة أو
رجل تزوجها تزويجا فاسدا فإن النسب يلحقه، وتكون معتدة عن ذلك الوطء بوضع
الحمل، وتنقطع العدة بالشهور، لأنه لا يمكن أن تكون معتدة عن شخصين في حالة
واحدة.
فإذا انقضت العدة بوضع الحمل اعتدت حينئذ بالشهور، وإن كان الحمل من
زنا فإنه لا يقطع الاعتداد بالشهور، فتكون معتدة بالشهور في حال الحمل، لأن الزنى
411

لا يقطع حكم العدة فإنه لا عدة له.
المجبوب هو المقطوع، فإن كان بقي من ذكره قدر الحشفة من ذكر السليم،
ويمكنه إيلاجه، فحكمه حكم السليم يلحقه النسب، وتعتد عنه زوجته بالأقراء أو
بوضع الحمل، وإن كان قد قطع جميع ذكره فالنسب يلحقه، لأن الخصيتين إذا
كانتا باقيتين فالإنزال ممكن، ويمكنه أن يساحق وينزل، فإن حملت عنه اعتدت
بوضع الحمل وإن لم تكن حاملا اعتدت بالشهور، ولا يتصور أن يعتد بالأقراء، لأن
عدة الأقراء إنما تكون عن طلاق بعد دخول، والدخول متعذر من جهته.
وأما الخصي الذي قطعت خصيتاه وبقى ذكره، فحكمه حكم الفحل يلحقه
النسب وتعتد عنه زوجته بالأقراء والحمل، وإن كان قد قطع جميع ذكره وأنثياه قال
قوم: لا يلحقه النسب، ولا يعتد عنه بالأقراء، وقال بعضهم: يلحقه لأن محل الماء
الذي ينعقد منه الولد الظهر، وهو باق، والأول هو الصحيح عندهم، وهو الأقوى
لاعتبار العادة.
الآيسة من المحيض ومثلها لا تحيض لا عدة عليها مثل الصغيرة التي لا تحيض
مثلها، ومن خالف هناك خالف هاهنا، وقالوا: عليها العدة بالشهور على كل حال.
فإذا ثبت ذلك وطلقت التي مثلها تحيض في أول الشهر اعتدت بثلاثة أشهر
هلالية، سواء كانت تامة أو ناقصة، وإن كان قد مضى بعض الشهر فإنه يسقط اعتبار
الهلال في هذا الشهر، ويحتسب بالعدد، فينظر قدر ما بقي من الشهر، وتعتد
بشهرين هلاليين ثم تتمم من الشهر الرابع ثلاثين، وتلفق الساعات والأنصاف،
وقال بعضهم: تقضي ما فاتها من الشهر وفيه خلاف، والأقوى عندي أنها تقضي
ما فاتها.
الصغيرة التي عدتها بالشهور إذا شرعت في الاعتداد بالشهور ثم رأت
الدم ففيه مسألتان: إحديهما أن تراه بعد انقضاء الثلاثة أشهر، والثانية أن تراه قبل
انقضائها.
فأما إذا رأته بعد انقضائها فإنه لا يؤثر، لأنه قد حكم بانقضاء عدتها بالشهور
412

وحلت للأزواج.
وإن رأته قبل انقضائها انتقلت إلى الاعتداد بالأقراء للآية، وهل تعتد بما مضى
من الزمان قرءا أو تستأنف ثلاثة أقراء؟ قال قوم: تستأنف ثلاثة أقراء لأن القرء هو
الطهر بين الحيضتين وهذا طهر ما تقدمه حيضة وقال آخرون: تعتد بما مضى قرءا،
وهو الأصح والأقوى، لأنه طهر يعقبه حيض.
إذا جاوزت المرأة السنين التي تحيض له النساء في العادة ولم تر دما، اعتدت
بالشهور بلا خلاف، ولقوله تعالى: " واللائي لم يحضن ".
الأحكام المتعلقة بالولادة أربعة: انقضاء العدة، وكونها أم ولد، ووجوب الغرة
على ضارب بطنها، ووجوب الكفارة، وفي الولادة والإسقاط أربع مسائل:
الأولى: أن تضع ما تبين فيه خلق آدمي من عين أو ظفر أو يد أو رجل، فيتعلق
به الأحكام الأربعة، لأنه محكوم بكونه ولدا.
الثانية: أن تضع ما ليس فيه خلقه ظاهرة، لكن تقول القوابل إن فيه تخطيطا
باطنا لا يعرفه إلا أهل الصنعة فيتعلق به الأحكام الأربعة أيضا.
الثالثة: أن تلقي نطفة أو علقة، فلا يتعلق بذلك شئ من الأحكام عندهم،
لأنه بمنزلة خروج الدم من الرحم، ويقوى في نفسي أنه يتعلق به ذلك لعموم الآية
وعموم الأخبار.
الرابعة: أن تأتي جسما ليس فيه تخطيط ظاهر ولا باطن، لكن قلن القوابل إن
هذا مبتدأ خلق آدمي فإنه لو بقي لتخلق وتصور، منهم من قال: تنقضي به العدة
وتصير أم ولد، وهو الأقوى عندي لما تقدم، ومنهم من قال: العدة تنقضي بذلك ولا
تصير أم ولد.
ذهب قوم من أصحابنا إلى أن الحامل تحيض، وهو الأظهر في الروايات، وقال
آخرون: لا تحيض، واختلف المخالف مثل ذلك ذكرناها في الخلاف.
المرتابة هي التي تشك في حال نفسها وترتاب بحالها هل هي حامل أو حائل،
413

وقد تحدث الريبة قبل انقضاء العدة، وقد تحدث بعد انقضائها وقبل التزويج، وقد
تحدث بعد انقضاء العدة وبعد التزويج.
ولا تنكح المرتابة، فإن خالفت ونكحت، فإن كانت الريبة قبل انقضاء العدة
وانقضت مع الريبة وتزوجت على تلك الحالة فالنكاح باطل، وإن انقضت العدة ولا
ريبة، ونكحت ولا ريبة، ثم حدثت الريبة بعد النكاح، فالنكاح صحيح، لأن العدة
قد انقضت في الظاهر.
وإن انقضت العدة ولا ريبة ثم حدثت الريبة وتزوجت بعد ذلك قال قوم: إنه
باطل، وقال آخرون: إنه صحيح، و وهو الأقوى عندي لأنها ريبة حدثت بعد انقضاء
العدة فلا تؤثر في النكاح.
إذا طلق زوجته وهي حامل فولدت توأمين بينهما أقل من ستة أشهر، فإن عدتها
لا تنقضي حتى تضع الثاني منهما إجماعا، إلا عكرمة فإنه قال: تنقضي بوضع
الأول.
إذا طلق زوجته وولدت ثم اختلفا فقالت المرأة: انقضت عدتي بالولادة، وقال
الزوج: عليك العدة بالأقراء، ففيه خمس مسائل:
إحداها: أن يتفقا على وقت الولادة واختلفا في وقت الطلاق، بأن يتفقا على أن
الولادة كانت يوم الجمعة، وقالت المرأة: طلقتني يوم الخميس، وولدت يوم الجمعة
وقال هو: بل طلقتك يوم السبت فعليك العدة بالأقراء، فالقول قول الزوج، لأن
الطلاق فعله، فإذا اختلفا في وقت فعله كان القول قوله.
الثانية: أن يتفقا على وقت الطلاق واختلفا في وقت الولادة، بأن يتفقا أن
الطلاق كان يوم الجمعة وقال الزوج: كانت الولادة يوم الخميس، والطلاق بعدها فلم
تنقض العدة بالولادة، وقالت: بل كان يوم السبت فانقضت عدتي بوضع الحمل،
فالقول قولها، لأنه اختلاف في وقت فعلها وهي الولادة.
الثالثة: إذا تداعيا مطلقا فيقول الزوج: لم تنقض عدتك بوضع الحمل فعليك
الاعتداد بالأقراء، وقالت: قد انقضت عدتي به، فالقول قول الزوج، لأن الأصل بقاء
414

العدة.
الرابعة: إذا أقرا بجهالة ذلك بأن يقول الزوج: لست أدري هل كان الطلاق قبل
الولادة أو بعدها، وقالت هي مثل ذلك، فيلزمها أن تعتد بالأقراء احتياطا للعدة، لأن
الأصل بقاؤها، فلا تسقط بالشك، ويستحب للزوج ألا يرتجعها في حال عدتها خوفا
من أن تكون عدتها قد انقضت بوضع الحمل.
الخامسة: أن يدعي أحدهما العلم، وأقر الآخر بالجهالة، بأن يقول الزوج:
وضعت حملك ثم طلقتك فعليك العدة بالأقراء، وقالت المرأة: لست أدري كان
قبل الوضع أو بعده؟ أو قالت المرأة: طلقتني ثم ولدت، وقال الزوج: لست أدري
كان قبله أو بعده؟ فالحكم أن يقال للذي أقر بالجهالة: ما ذكرته ليس بجواب عما
ادعاه فإن أجبت وإلا جعلناك ناكلا، ورددنا اليمين عليه، وحكمنا له بما قال.
إذا طلق زوجته وأتت بولد بعد الطلاق، فلا يخلو: إما أن تأتي به لأقل من تسعة
أشهر من وقت الطلاق أو أكثر.
فإن أتت به لأقل من تسعة أشهر فإنه يلحقه، سواء كان الطلاق رجعيا أو بائنا
لأنه يمكن أن يكون منه، ويثبت له عليها الرجعة إن كان الطلاق رجعيا، وتستحق
النفقة والسكنى حتى تضع.
وإن أتت بولد لأكثر من تسعة أشهر من وقت الطلاق، فلا يخلو: إما أن يكون
رجعيا أو بائنا.
فإن كان بائنا لم يلحقه النسب، لأن الولد لا يبقى أكثر من تسعة أشهر، ولا
يلحقه لأنها ليست بفراش، وينتفي عنه بغير لعان، ولا تنقضي العدة بوضعه لأنه لا
يمكن كونه منه.
وإن كان الطلاق رجعيا فهل يلحقه نسبه أم لا؟ قال قوم: لا يلحقه لأنها محرمة
عليه كتحريم البائن، وقال آخرون: يلحقه النسب، وهو الذي يقتضيه مذهبنا لأن
الرجعية في معنى الزوجات، بدلالة أن أحكام الزوجات ثابتة في حقها.
ومبني القولين أن الرجعية فراش أم لا؟ فعلى ما قالوه ليست بفراش، ولا يلحقه
415

نسبه، وعلى ما قلناه هي فراش ويلحقه نسبه.
فمن قال: لا يلحقه، فحكمها حكم البائن على ما قلناه، ومن قال: إن النسب
يلحقه، فإنما يلحقه إذا أتت به لدون أكثر زمان الحمل - على الخلاف فيه - من وقت
انقضاء العدة، وإن أتت به لأكثر من ذلك فلا يلحقه لأنها إذا وضعته لدون ذلك من
وقت انقضاء العدة حكمنا بأنها حملته في وقت العدة، وهي فراش على هذا القول
فلحقه النسب، وإن أتت به لأكثر من ذلك فإنا نحكم أنها حملته بعد انقضاء العدة،
وليست بفراش في تلك الحال فلم يلحقه.
إذا كان الطلاق بائنا وأتت بولد لأكثر من أكثر زمان الحمل، فادعت أنه تزوجها
فحملت بذلك الولد، أو كان رجعيا وقيل: إن الولد لا يلحقه، فادعت أنه راجعها
ووطئها وأتت بولد.
فإن صدقها الزوج على ذلك فقد أقر بوجوب المهر عليه إن كان الطلاق بائنا،
واستحقاق النفقة والسكنى إن كان رجعيا، وأما النسب فإقراره تضمن ثبوت الفراش،
فإن صدقها في أنها ولدت ذلك الولد، لحقه بحكم الفراش، لأنا نحكم أنها أتت به
على فراش، وإن أنكر وقال: ما ولدتيه بل استعرتيه أو التقطتيه، فعليها قيام البينة
بذلك، وإن لم تقم فالقول قول الزوج، فإن حلف سقط دعواها ولم يلحقه النسب،
وإن لم يحلف رددنا اليمين على المرأة فتحلف وتثبت الولادة، ويلحقه الولد بحكم
الفراش، ومتى لحقه الولد في هذه المواضع لم ينتف عنه إلا باللعان.
وأما إن كذب الزوج المرأة فيما ادعته من النكاح أو الرجعة، فالقول قوله، لأن
الأصل أن لا نكاح ولا رجعة، فإن حلف سقط دعواها، وإن نكل رددنا اليمين عليها
فتحلف، ونحكم بثبوت النكاح والرجعة، وتستحق المهر والنفقة إن كانت ادعت
نكاحا، والنفقة والسكنى إن كانت ادعت رجعة.
والولد ينظر: فإن أقر أنها ولدته لحقه الولد بحكم الفراش الثابت باليمين، وإن
أنكر ذلك فعليها البينة على الولادة، فإن أقامتها لحقه الولد بالفراش، وإن لم تقمها
فالقول قول الزوج، فإن حلف سقط دعواها، وإن نكل رددنا اليمين عليها فتحلف،
416

ويلحقه النسب، فهذا الحكم إذا كان الزوج حيا.
فأما إن مات وخلف وارثا فاختصمت الزوجة ووارثه فيما ذكرنا، فلا يخلو: إما أن
يكون ولدا أو غيره، فإن كان ولدا لم يخل: إما أن يكون واحدا أو جماعة.
فإن كان واحدا فحكمه حكم المورث في سائر الأحكام التي ذكرناها إلا في
شيئين:
أحدهما: أن الزوج إذا حلف على نفي الرجعة فإنه يحلف على البتات والقطع،
لأنه يحلف على فعل نفسه، والوارث إذا حلف فإنه يحلف على نفي العلم لأنه على
فعل غيره.
والثاني: أن النسب إذا لحق الزوج كان له نفيه باللعان، والوارث ليس له نفي
النسب باللعان، فإن بعض الورثة لا يملك نفي نسب البعض.
وأما إذا كان الوارث أكثر من واحد فالحكم في الاثنين والثلاثة والأربعة واحد إلا
أنا نفرض في الاثنين، فإن أقرا معا أو أنكرا معا وحلفا، أو صدق أحدهما وأنكر
الآخر، ونكل عن اليمين وحلفت المرأة، فالحكم في هذه الثلاث مسائل واحد، وهو
كالحكم في الواحد.
وأما إذا صدق أحدهما وأنكر الآخر وحلف، فالذي أنكر وحلف لا يلزمه شئ،
والذي صدق يلزمه بقسطه من المهر والنفقة، ولا يثبت بإقراره النسب لأنه بعض
الورثة.
فإذا لم يثبت النسب لم يستحق الولد شيئا من الإرث عند المخالف، وعندنا
يستحق من الإرث بمقدار قسطه من الميراث، وإن شهد نفسان من الورثة ثبت نسبه
عندنا، وأما الزوجة فقد أقر لها بالزوجية وتستحق مشاركته في الإرث، وقال قوم: لا
تستحق.
وإذا كان الوارث غير الولد إما أخ أو ابن عم فإن صدق المرأة استحقت المهر إن
كانت ادعت نكاحا والنفقة والسكنى إن كانت ادعت الرجعة، فأما النسب فإقراره
يتضمن ثبوت الفراش، فإن أقر أنها ولدته لحق النسب بالفراش، وإن أنكر فعليها
417

البينة بالولادة، وإذا أقامت ذلك لحق بالفراش.
ومتى حكم بثبوت نسب الولد، فإنه لا يرث لأنا لو ورثناه لحجب الأخ، فإذا
خرج عن كونه وارثا لم يصح إقراره، ولا يثبت النسب ولا الميراث، فإثبات الإرث
للولد يقضي إلى بطلان إرثه ونسبه، فثبتنا النسب وأبطلنا الإرث، لأن كل سبب إذا
ثبت جر بثبوته سقوطه وسقوط غيره كان ساقطا في نفسه، هذا عند المخالف.
ويقوى في نفسي أنه إذا أقر استحق المقر له التركة، ولا يثبت نسبه عندنا، لأنه
أقر أن ما في يده هو المستحق له دونه، وأما النسب فلا يثبت عندنا بقول واحد.
وأما إذا أنكر الوارث ما ادعته، فإن حلف سقط دعواها، وإن نكل ردت اليمين
عليها فتحلف ويثبت ما ادعته وتستحق المهر والنفقة، والفراش قد ثبت بيمينها،
وإن نكلت المرأة عن اليمين قال بعضهم: يوقف اليمين حتى يبلغ الولد ويحلف،
وقال آخرون: لا يوقف، وهو الأقوى عندنا.
إذا طلق زوجته ولزمتها العدة فلا يجوز أن تتزوج قبل انقضاء العدة، فإن نكحت
فالنكاح باطل، ولا تنقطع العدة بنفس النكاح، لأنها لا تصير فراشا بنفس العقد،
فإن فرق بينهما قبل الدخول بها، فهي على عدة الأول، وإن وطئها الثاني لم يخل:
إما أن يكون عالما بالتحريم أو جاهلا به.
فإن كان عالما فهما زانيان يلزمهما الحد، ولا يلحقه النسب، ولا تنقطع العدة
لأن الفراش لم يثبت بهذا الوطء.
وأما إن كان جاهلا بالتحريم إما جاهلا بكونها معتدة، أو جاهلا بتحريم
المعتدة، فهو واطئ بشبهة يلحقه النسب، وتصير المرأة فراشا له وتنقطع عدتها عن
الأول، لأنها صارت فراشا للثاني، ولا يجوز أن تكون فراشا لواحد ومعتدة عن غيره.
فإذا فرق بينها وبين الثاني لم تخل: إما أن تكون حاملا أو حائلا.
فإن كانت حائلا فقد اجتمع عليها عدتان عدة الأول وعدة الثاني، فيحتاج إلى
زمان تأتي بهما ولا تدخل إحديهما في الأخرى، فيلزمها أن تكمل عدة الأول، ثم
تستأنف عدة الثاني، وإنما قدمنا عدة الأول لأن وجوبها سابق.
418

وأما إذا كانت حاملا فلا يخلو: حال الحمل من أربعة أحوال:
أحدها: أن تأتي به على صفة يمكن أن يكون من الأول دون الثاني، بأن تأتي
به لدون أكثر زمان الحمل - على الخلاف فيه - من وقت طلاق الأول، ولدون ستة
أشهر من وقت وطء الثاني، فيلحق بالأول، لأنه يمكن أن يكون منه، وينتفي عن
الثاني بغير لعان، لأنه لا يمكن أن يكون منه فإذا لحق بالأول اعتدت عنه بوضعه، فما
دامت حاملا فهي معتدة عنه يلزمه نفقتها وسكناها، ويثبت له عليها الرجعة، إن كان
الطلاق رجعيا فإذا وضعت انقضت عدتها عن الأول ثم تستأنف للثاني ثلاثة أقراء.
الثاني: وأما إذا لم يمكن أن يكون من أحدهما بأن تأتي به لأكثر من أقصى مدة
الحمل من وقت طلاق الأول ولدون ستة أشهر من وقت وطء الثاني، فينتفي عن
الثاني بغير لعان، لأنه لا يمكن أن يكون منه، والأول لا يخلو إما أن يكون طلقها
طلاقا رجعيا أو بائنا، فإن طلقها طلاقا بائنا فالولد ينتفي عنه بغير لعان، ولا يعتد به
من واحد منهما، فإذا وضعت أكملت عدة الأول واستأنفت عدة الثاني، وإن كان
الطلاق رجعيا فمن قال: النسب لا يلحقه في الطلاق الرجعي، فحكمه حكم البائن
على ما ذكرناه، ومن قال: يلحق النسب - وهو الذي اخترناه - فإن الولد يلحق بالأول،
ويلزمه نفقتها وسكناها، وتعتد عنه بوضعه، فإذا انقضت عدتها عن الأول استأنفت
عن الثاني ثلاثة أقراء.
الثالث: وأما إذا أمكن أن يكون من الثاني دون الأول بأن تأتي به لأكثر من
أقصى مدة الحمل، من وقت طلاق الأول ولستة أشهر فصاعدا من وقت وطء
الثاني، فإن كان طلاق الأول بائنا انتفى عنه بغير لعان، ويلحق بالثاني وتعتد عنه،
فإذا وضعت أكملت عدة الأول، وإن كان الطلاق رجعيا فمن قال: إن النسب لا
يلحق به، فحكمه حكم البائن إلا في شئ واحد، وهو أن الرجعة ثابتة للزوج الأول
عليها، فإن صبر حتى تضع الولد وراجعها صحت الرجعة لأنها في عدة خالصة عنه،
وإن أراد أن يراجعها قبل أن تضع حملها قيل فيه وجهان:
أحدهما: ليس له، لأنها في عدة من غيره ومحرمة عليه، فصار كما لو ارتدت
419

الرجعية فإنه لا يملك رجعتها في حال ردتها.
والوجه الثاني: أنه يملك رجعتها في حال ردتها، وهو الأقوى عندي للظاهر
ولأن حكم الزوجية باق، وإنما حرم الوطء فصار كما لو أحرمت.
ومن قال: إن النسب يلحق - على ما قلناه في الطلاق الرجعي - فالولد يمكن أن
يكون من الأول، ويمكن أن يكون من الثاني، والحكم على ما نبينه في القسم
الرابع.
الرابع: وهو إذا أمكن أن يكون من كل واحد منهما بأن تأتي لأكثر من ستة أشهر
من وقت وطء الثاني، ولأقل من أقصى مدة الحمل من وقت طلاق الأول، فيمكن أن
يكون الولد من كل واحد منهما.
فإذا وضعته أقرع بينهما عندنا، فمن خرج اسمه ألحق به، وعند قوم يعرض على
القافة، فإن ألحقته بالأول انتفى عن الثاني، والحكم فيه كالقسم الأول، وإن ألحقته
بالثاني لحقه وانتفى عن الأول، والحكم فيه كالقسم الثالث، وإن لم يكن القافة أو
كانت وأشكل ترك حتى يبلغ فينتسب إلى أحدهما فيلحق به وينتفي عن الآخر، وأما
العدة فإنه يلزمها أن تعتد بثلاثة أقراء لأنه إن كان الولد من الأول فعليها أن تعتد عن
الثاني بثلاثة أقراء، وإن كان من الثاني فعليها إكمال عدة الأول، فيلزمها أن تحتاط
فتأتي بثلاثة أقراء إلى أن يبلغ الولد فينتسب إلى أحدهما، ويلزمها نفقته وحضانته
وأجرة إرضاعه، لأنه موقوف عليها، وعندنا يلزمه النفقة والحضانة وأجرة الرضاع من
يخرج اسمه في القرعة، وأما العدة فعلى ما ذكرناه.
إذا طلق زوجته فأقرت بانقضاء عدتها ثم أتت بعد ذلك بولد دون أقصى مدة
الحمل من وقت الطلاق، فإن نسبه يلحق بالزوج، وقال قوم: إذا أتت به لأكثر من
ستة أشهر من وقت انقضاء العدة لم يلحقه، وهو الأقوى عندي.
إذا طلق زوجته فلا يخلو: إما أن يكون قبل الدخول وقبل الخلوة، أو بعد
الدخول، أو قبل الدخول لكن بعد الخلوة.
420

فإن طلقها قبل الدخول وقبل الخلوة فلا عدة عليها إجماعا، ويرجع عليها
بنصف المهر.
وإن طلقها بعد الدخول وجبت العدة ووجبت المهر كملا.
وإن طلقها قبل الدخول وبعد الخلوة، قال قوم: الخلوة كالإصابة فيستقر بها
المهر وتجب العدة، إذا لم يكن هناك مانع يمنع الجماع، وبه قال قوم من أصحابنا،
وقال قوم: إذا خلا بها خلوة تامة بأن تكون في منزلة فإنه يرجح بها قول من يدعي
الإصابة من الزوجين، وإن لم تكن خلوة تامة، بأن يخلو بها في منزل أبيها فلا يرجح
بها قول من يدعي الإصابة، وقال قوم: لا تأثير للخلوة فلا يرجح بها قول من يدعي
الإصابة، ولا يستقر بها المهر، ولا تجب العدة، بل يكون وجودها كعدمها، وبه قال
قوم من أصحابنا، وهو الأقوى عندي.
إذا ولدت التي قال زوجها: لم أدخل بها لستة أشهر ولأكثر ما تلد له النساء من
يوم عقد نكاحها، لحق نسبه، لأنه يمكن أن يكون منه، وإن لم يكن دخل بها بأن
وطئها دون الفرج فسبق الماء إلى الفرج، وعلى هذا الوجه تحمل البكر، ويحتمل أن
يكون استدخلت ماءه فحملت، فإذا جاز هذا حكمنا بأنه يلحق النسب وله نفيه
باللعان.
وأما المهر فإنه إن أقر الزوجان أنه لم يدخل بها، بأن يتفقا أنه وطئها دون الفرج
فسبق الماء إلى الفرج أو استدخلت ماءه، فالمهر لا يجب عند من راعى الدخول،
وإن لحقه الولد فنفاه واختلفا في الإصابة، فالقول قول الزوج، كما لو لم يكن ولد
واختلفا في الإصابة، فإن القول قوله أيضا، وإن لحقه نسب الولد ولم ينفه واختلفا في
الإصابة فعليه المهر كاملا، وقال بعضهم: القول قول الزوج مع يمينه ويجب نصف
المهر، والأول أقوى.
إذا طلقها واختلفا في الإصابة، فإنه إن لم يكن خلا بها، فالقول قول الزوج لأن
الأصل عدم الإصابة، وإن طلقها بعد الخلوة واختلفا في الإصابة، فمن قال إن
الخلوة لا تأثير لها قال: القول قول الزوج، ومن قال لها تأثير قال: القول قولها، فإن
421

أقامت المرأة بينة على أنه أصابها حكم بها، ويقبل في ذلك شاهدان وشاهد وامرأتان
وشاهد ويمين، لأن المقصد منه استحقاق كمال المهر، فقبل فيه شاهد ويمين،
والذي تقتضيه أحاديث أصحابنا إن كان هناك ما يعلم صدق قولها مثل أن كانت بكرا
فوجدت كما كانت فالقول قولها، وإن كانت ثيبا فالقول قول الرجل، لأن الأصل عدم
الدخول.
إذا طلق زوجته أو مات عنها والمرأة حاضرة، فالعدة من حين الطلاق والموت
إجماعا، وإن كان الزوج غائبا فبلغها ذلك، فإن العدة من حين الطلاق وفي الموت
من حين البلوغ عندنا، وعند المخالفين من حين الطلاق والموت في الموضعين سواء
بلغها ذلك بخبر واحد أو اثنين، أو خبر مستفيض مقطوع عليه، وقال بعض
الصحابة: إن العدة من حين البلوغ والعلم في الموضعين.
عدة الأمة المدخول بها إن كانت حاملا أن تضع ما في بطنها بلا خلاف، وإن
كانت حائلا فعدتها قرءان، وقال بعض الشذاذ: عدتها ثلاثة أقراء، وإن كانت من
ذوات الشهور فعدتها عندنا خمسة وأربعون يوما، وقال بعضهم: شهران، وقال
آخرون: ثلاثة أشهر.
الأمة إذا طلقت وأعتقت ففيه ثلاث مسائل:
إحداها: أن تعتق قبل الطلاق فتعتد عدة الحرة بلا خلاف.
الثانية: تطلق وهي أمة، واعتدت قرءين ثم أعتقت بعد كمال العدة، فقد
انقضت عدتها والعتق لا يؤثر في ذلك.
الثالثة: طلقت وهي أمة فشرعت في العدة ثم أعتقت في أثنائها فلا خلاف أنها
لا تستأنف عدة بل تمضي في عدتها، لكن قال قوم: إن كان الطلاق رجعيا أكملت
عدة الحرة، وهو مذهبنا، وإن كان بائنا، منهم من قال مثل ذلك، ومنهم من قال:
عدة الأمة، وهو الصحيح عندنا.
إذا تزوج العبد أمة فطلقها طلقة بعد الدخول فإنه يثبت له عليها الرجعة، لأنه
422

بقي له طلقة، فإن أعتقت في أثناء العدة ثبت لها خيار الفسخ، لأنها في معنى
الزوجات.
فإن اختارت الفسخ انقطع حق الزوج من الرجعة، وهل يستأنف العدة أم تبني؟
قال قوم: تبني على عدتها، وهو الصحيح عندنا، وقال آخرون: تستأنف، فمن قال
تستأنف قال: تستأنف عدة الحرة ثلاثة أقراء كوامل لأنها حرة، ومن قال:
تبني، فهل تبني على عدة أمة أو عدة حرة؟ قال قوم: تبني على عدة أمة، وقال آخرون: تبني
على عدة حرة، وهو الصحيح عندنا.
وأما إذا لم تختر الفسخ بل أمسكت فإن حقها لا ينقطع، لأنه يحتمل أنها
أمسكت انتظارا لوقوع الفرقة بغير فسخ، لا للرضا، ثم ينظر: فإن صبرت حتى انقضت
عدتها ولم يراجعها الزوج فقد بانت منه، وعندنا أنها تبني على عدة حرة، وقال قوم:
تبني على عدة أمة، وإن اختارت الفسخ فالحكم على ما ذكرنا.
وإن راجعها ثبت لها حق الخيار على الفور، لأنه لم يبق هناك جهة ينتظر وقوع
الفرقة بها.
إذا طلق الرجل زوجته طلقة رجعية، وجرت في العدة ثم راجعها فإن عدتها
تنقطع بالرجعة، لأنها تصير فراشا، فإن طلقها بعد ذلك بعد الدخول بها فعليها
استئناف العدة بلا خلاف، وإن لم يكن دخل بها قال قوم: تبني، وقال آخرون:
تستأنف، وهو الأصح عندنا.
فأما إذا خالعها ثم تزوجها ثم طلقها قال قوم: تبني على العدة الأولة، وقال
آخرون: تستأنف، وهو الصحيح عندنا، وقال بعضهم: لا عدة عليها هاهنا، وهو
الأقوى عندنا والأول أحوط.
إذا تزوج امرأة ودخل بها ثم خالعها ثم تزوجها ثم طلقها قبل الدخول قال قوم:
لا عدة عليها للظاهر، ولها أن تتزوج في الحال، وهو الأقوى عندنا، وقال آخرون:
عليها العدة لأن القول بإسقاطها يؤدي إلى اجتماع مياه في رحم امرأة واحدة، فإنه
يتزوجها واحد، فيدخل بها ويخالعها ثم يتزوجها ويطلقها قبل الدخول فتنقطع
423

العدة، وتحل للأزواج فيتزوجها آخر، ويدخل بها ويخالعها ثم يتزوجها ويطلقها قبل
الدخول فتنقطع عدتها وتحل للآخر وهذا لا سبيل إليه.
وهذا لا يلزم على مذهبنا، لأن عندنا أنه إذا دخل بها فلا يصح أن يختلعها إلا
بعد أن يستبرئها بحيضة فيعلم بذلك براءة رحمها، فإذا عقد عليها بعد ذلك ثم طلقها
قبل الدخول فإنها تملك نفسها وهي برئة الرحم، فلا يؤدي إلى ما قالوه، وإنما يؤدي
على مذهب من وافقهم في جواز الطلاق قبل الاستبراء، فيلزم ما قالوه.
المتوفى عنها زوجها لا تخلو: إما أن تكون حائلا أو حاملا.
فإن كانت حائلا فإنها تعتد بأربعة أشهر وعشر، سواء كانت صغيرة أو كبيرة،
مدخولا بها أو غير مدخول بها بلا خلاف وللآية.
فإذا مضت أربعة أشهر وعشرة أيام وغربت الشمس اليوم العاشر انقضت عدتها
إجماعا إلا الأوزاعي فإنه اعتبر الليالي فقال: تنقضي بطلوع الفجر من اليوم العاشر.
وإن كانت حاملا فعدتها أقصى الأجلين عندنا من الوضع أو أربعة أشهر وعشرة
أيام، وقال جميع المخالفين: تعتد بالوضع، فإذا وضعت انقضت عدتها وحلت
للأزواج قبل أن تطهر، وقال شاذ منهم: حتى تطهر، وهذا يسقط على ما قلناه فإن
فرضنا مضي أقصى الأجلين بالوضع فقد حلت للأزواج، ويجوز لها أن تعقد على
نفسها غير أنه لا يدخل بها حتى تطهر، هذا حكم النكاح الصحيح.
وأما النكاح المفسوخ الفاسد، فإن المرأة ما لم يدخل بها لا عدة عليها سواء
مات عنها أو فارقها في حال الحياة، فإن دخل بها صارت فراشا ولزمتها العدة، فإذا
فرق بينهما أو افترقا ابتدأت من تلك الحالة، فإن كانت من ذوات الأقراء اعتدت
بثلاثة أقراء، وإن كانت من ذوات الشهور اعتدت بثلاثة أشهر، وإن كانت حاملا
اعتدت بوضع الحمل ولا تعتد عدة الوفاة بحال.
المتوفى عنها زوجها لا نفقة لها حاملا كانت أو حائلا بلا خلاف، وقال بعض
الصحابة: إنها إذا كانت حاملا كان لها النفقة، وروى أصحابنا أن لها النفقة إذا كانت
424

حاملا من نصيب ولدها الذي في بطنها.
المتوفى عنها زوجها إذا انقضت بها أربعة أشهر وعشر انقضت عدتها حاضت
فيها ثلاث حيض أو لم تحض عندنا، وقال بعضهم: إذا لم يمض لها ثلاث حيض
لا تنقضي وقد ذكرناها في الخلاف.
إذا كان للرجل زوجتان أو أكثر فطلق واحدة لا بعينها، ثم مات قبل التعيين فلا
يخلو أن تكونا مدخولا بهما أو غير مدخول، فإن كانتا غير مدخول بهما فإنه يجب
على كل واحدة منهما أربعة أشهر وعشر للاحتياط، وأما إذا كانتا معا مدخولا بهما
وكانتا حاملتين اعتدت عندنا كل واحدة بأقصى الأجلين، وعندهم بالوضع على ما
مضى.
وإن كانتا حائلتين لم يخل أن يكون الطلاق رجعيا أو بائنا، فإن كان رجعيا
فعلى كل واحدة منهما عدة أربعة أشهر وعشر، وإن كان الطلاق بائنا فإن كان معينا
فلا يخلو إما أن يكون قد مضى بعد الطلاق مدة أو لم تمض، فإن لم يكن مضى بأن
طلق ومات عقيب الطلاق وجب على كل واحدة منهما أن تعتد بالأطول من ثلاثة
أشهر أو أربعة أشهر وعشر احتياطا، وإن كان قد مضى بعض المدة بأن يكون قد
حاضت كل واحدة منهما حيضة ثم توفي الزوج، فعلى كل واحدة منهما أن تأتي
بأطول الأمرين من أربعة أشهر وعشر أو بقية الطلاق وهما قرءان، هذا إذا كان الطلاق
معينا.
فإن كان مبهما بأن طلق إحديهما لا بعينها فيقال له: أفرض الطلاق في أيهما
شئت، فإذا فرض في إحديهما طلقت، والأخرى على الزوجية وهل تبتدئ بالعدة
من حين الطلاق أو من حين الفرض؟ قيل فيه وجهان: فمن قال: تبتدئ بها من
حين الطلاق - وهو الصحيح - فهو كما لو كان الطلاق معينا، ومن قال: تبتدئها من
حين الموت، وجب على كل واحدة منهما أطول الأمرين من أربعة أشهر وعشر، أو
ثلاثة أقراء.
فأما إذا اختلف حال الزوجين بأن تكون إحديهما مدخولا بها، والأخرى غير
425

مدخول بها أو إحديهما حاملا، والأخرى حائلا، أو إحديهما رجعية والأخرى بائنا،
فإنه يجب على كل واحدة منهما أن تأتي بالعدة كما كان يلزمها أن تأتي بها لو كانت
على صفة صاحبتها.
والمطلقة على ضربين: رجعية وبائن، فالرجعية تستحق النفقة والسكنى
بلا خلاف، والبائن لا نفقة لها عندنا ولا سكنى، إلا أن تكون حاملا، وقال قوم:
تستحقهما معا على كل حال، وقال بعضهم: تستحق السكنى دون النفقة.
والمسلمة والكتابية سواء في النفقة والسكنى لعموم الآية بلا خلاف.
فأما الأمة إذا زوجها سيدها فإنه لا يلزمه أن يرسلها ليلا ونهارا وإنما يجب عليه
أن يرسلها ليلا دون النهار، فإن أرسلها ليلا ونهارا استحقت النفقة والسكنى وإن
أمسكها نهارا فلا سكنى ولا نفقة، لأنه لم يوجد التخلية والتمكين التأمين.
فإن طلق زوجته الأمة لم يلزم السيد إرسالها ليلا ونهارا بمثل حال الزوجية، فإن
تطوع بذلك استحقت النفقة والسكنى إن كانت رجعية، وإن كانت بائنا فعلى ما
مضى من الخلاف.
إذا استحقت المطلقة السكنى استحقت ذلك في منزل الزوج لقوله تعالى: " لا
تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة " يعني من البيت الذي
تسكنه المرأة، وليس بمملوك لها، بدلالة أنه تعالى نهى عن إخراجها منه، إلا أن تأتي
بفاحشة، والذي تملكه لا يجوز إخراجها منه بحال.
فإن انهدم البيت ولم يمكن السكنى فيه أو كان استأجره فانقضت الإجارة أو
استعاره فرجع المعير، فإنها تنتقل عنه لأنه لا يمكن إسكانها فيه، وكذلك إن أتت
بفاحشة، وهو أن تبدو على بيت أحمائها وتشتمهم، على خلاف فيه، فإنها تنتقل
إلى أقرب المواضع إليه فأما إذا بذا بيت أحمائها عليها وآذوها بالكلام فإنهم ينقلون
عنها لأن الضرر من جهتهم، هذا إذا كانت مع أهل الزوج في مسكن واحد.
فأما إذا كانوا في موضع وهي في موضع آخر فبذت عليهم أو شتمتهم أو بذوا
426

عليها فإنها لا تنقل عنهم، لأنه لا فائدة في نقلها لأن ذلك لا ينقطع بالنقل، فإن كان
السكنى ضيقا لا يمكن أن تكون فيه هي وأهل الزوج، وإنما يسعها وحدها، فإن
الزوج وأهله ينقلون عنها وتقر هي في المسكن.
فإن زوج الرجل بنته من رجل ونزل الزوج على بيت أحمائه في منزل أبي زوجته،
ثم طلقها في ذلك الموضع، فإن رضي الأب بإقرارها في ذلك المنزل أقرت فيه
واعتدت، وإن لم يختر وأراد الرجوع في عاريته، كان له، فإذا فعل ذلك كان على
الزوج أن ينقلها إلى أقرب المواضع.
وأما الموضع الذي يجب على الزوج أن يسكن المطلقة فيه، فالاعتبار في ذلك
بحال المرأة، فتسكن في سكنى مثلها وما جرت عادة سكناها فيه، إن كانت رفيعة
الحال أسكنها دارا واسعة حسناء وإن كانت وحشة ذميمة أسكنها دارا ضيقة، وإن
كانت متوسطة الحال أسكنها دارا متوسطة، لأن الرجوع في ذلك إلى العادة، لأن الآية
مجملة.
ويعتبر حال المرأة حال الطلاق لا حال عقد النكاح، ولا قبل الطلاق، لأن
المرأة قد يسامحها زوجها، فيسكنها في دار أرفع منها، فلا يعتبر إلا حال الطلاق، ثم
ينظر: فإن كانت ساكنة في سكنى مثلها أقرت فيه، وإن كانت في دون سكنى مثلها
ورضيت بالمقام فيه جاز، وإن كانت دون سكنى مثلها لزم الزوج أن ينقلها إلى أقرب
المواضع إليه مما هو سكنى مثلها، وإن كانت في أرفع فإن رضي الزوج بإقرارها فيه
جاز.
وإن أراد أن يسكن معها فإن كانت دارا أو حجرة أو مساكن متفرقة أو بيوتا على
كل بيت منها باب وغلق وحاجز، جاز ذلك، وإن كانت دارا واحدة تكون هي في
بيت وهو في بيت فإن كان هناك من ذوي رحمها أو من ذوي رحمه كره له ذلك، لأنه
لا يمكن التحرز من النظر إليها لكن يجوز، وإن لم يكن هناك أحد من ذوي رحمها
ولا من ذوي رحمه لم يجز لأن فيه خلو رجل بامرأة، هذا عند من قال: إنها محرمة
الوطء.
427

فأما على مذهبنا فإنه يجوز له النظر إليها ولا يحرم عليه وطؤها، ومتى وطئها كان
ذلك رجعة، وإن كانت بائنا فلا سكنى لها بحال، وإنما ذلك على مذهب من
ذكرناه، لأن عنده كل موضع يجوز للمطلق أن يسكن مع المطلقة جاز للأجنبي أن
يسكن معها، وكل موضع لم يجز للمطلق لم يجز للأجنبي، وعندنا بخلاف ذلك.
إذا طلق زوجته واستحقت السكنى في منزله ثم باع الزوج المنزل فإنها إن كانت
معتدة بالأقراء أو بالحمل لم يصح البيع لأن مدة استحقاق البائع مجهولة، واستثناء
منفعة مجهولة في البيع لا يجوز، وإن كانت معتدة بالشهور منهم من قال: يبطل
البيع أيضا، ومنهم من قال: يصح، وهو الأقرب، لأنه مثل الدار إذا آجرها ثم باعها
فإن البيع عندنا لا يفسد الإجارة، هذا إذا لم يكن على الزوج دين.
فأما إذا كان عليه دين، فإن كانت المرأة قد استحقت السكنى ثم حجر عليه،
فإن المرأة تكون أحق بالسكنى من الغرماء، لأن حقها يختص بعين الدار، وحقوقهم
لا تختص بها، وإن كان قد حجر عليه ثم طلقت المرأة واستحقت السكنى كانت هي
أسوة الغرماء لأن حقهم مقدم على حقها، فلم يجز تقديمها عليهم بل سواء بينها
وبينهم.
إذا طلقت المرأة وهي في منزل لا يملكه الزوج إما مستعارا أو مستأجرا واتفق
انقضاء الإجارة حال الطلاق، فإن رضي صاحب المنزل بإقرارها فيه فعلى الزوج أن
يسكنها فيه، وإن لم يرض بذلك أو طلب أكثر من أجرة مثله، لم يجب على الزوج
إسكانها في ذلك الموضع، وسقط حق الزوجة من سكنى الدار بعينها، وثبت حقها
من السكنى في ذمة الزوج، ثم ينظر: فإن كان موسرا فعليه أن يكتري لها منزلا بقدر
سكنى مثلها في أقرب المواضع من الموضع الذي كانت فيه، وإن كان معسرا وعليه
ديون فإن الزوجة تستحق السكنى في ذمته، والغرماء يستحقون ديونهم في ذمته، فإن
كان طلقها بعد الحجر فإنها تضارب الغرماء بقدر السكنى، وهكذا لو كان المنزل
مملوكا للزوج لم تكن أحق بالسكنى فيه، بل تضارب هي والغرماء بقدر حقها من
السكنى، وهكذا لو كان الطلاق قبل الحجر ثم حجر عليه، فإن المرأة تضارب الغرماء
428

لأن حقها وحقهم متساو في ثبوتهما في الذمة.
فإذا ثبت أنها تضاربهم، فإنه ينظر فيها: فإن كانت معتدة بالشهور فقدر ما
تستحقه من السكنى معلوم، وهو ثلاثة أشهر فينظركم قدر أجرة مثل ذلك فتضارب به
ويدفع إليها ما تستحقه فتسكن فيه، فإذا انقضى ذلك لم يلزمها أن تسكن، وإن
كانت معتدة بغير الشهور إما بالأقراء أو بالحمل، فإن كانت لها عادة متقررة في
الحيض وفي الحمل حمل الأمر على ذلك، وضربت بقدر أجرة مثل تلك المدة.
فإذا فعلت ذلك وأخذت ما يخصها من المل واعتدت نظر: فإن خرج قدر
عادتها بوفق ما كنا قررناه، فقد استوفت حقها، وإن خرجت أنقص، فإنها ترد
الفضل، وتضرب هي والغرماء فيه، وإن خرجت أكثر فما حكم تلك الزيادة؟ قال
بعضهم: إنها لا تستحق شيئا آخر، وقال آخرون: إنها تستحق بقسط ما زاد، وهو
الأقوى عندي.
ومن الناس من قال: إن كانت معتدة بالحمل، استحقت، وإن كانت بالأقراء
لا تستحق، والفرق بينهما أنه يمكنها إقامة البينة على الحمل، فإذا ثبت لها ذلك
بالبينة استحقت الضرب به، والأقراء لا يمكن إقامة البينة على وجودها ونهايتها،
وإنما يرجع في ذلك إلى قولها.
وأما إذا لم يكن لها عادة، فإنها تضرب بالقدر المتيقن في الأقراء والحمل وأقل
الأقراء عندنا ستة وعشرون يوما ولحظتان، وعند بعضهم اثنان وثلاثون يوما ولحظتان
وأقل الحمل ستة أشهر فيضرب بذلك القدر، ثم لا يخلو إما أن يخرج وفق العدة أو
أزيد منه، ولا يجئ أن يخرج أنقص، لأن القدر المتيقن لا ينقص، والحكم على ما
ذكرناه.
إذا طلق زوجته فاستحقت السكنى في منزله المملوك، ثم مات المطلق في أثناء
العدة وورثه جماعة من الورثة، فليس لهم أن يقتسموا بالدار حتى تنقضي عدة
المطلقة لأنها استحقت السكنى في الدار على الصفة التي هي عليها، فإذا قسمت
كان في قسمتها ضررا عليها فم يجز ذلك، كما لو اكترى جماعة دارا من رجل ثم
429

أرادوا قسمتها لم يكن لهم ذلك لأن المستأجر استحق منفعتها على صفتها، وفي
قسمتها ضرر عليه.
المتوفى عنها زوجها لا تستحق النفقة بلا خلاف، ولا تستحق عندنا السكنى،
وقال بعضهم: تستحق، وفيه خلاف.
فمن قال لها السكنى قال: إن كان المنزل مملوكا للزوج استحقت السكنى فيه،
وكذلك إن كان مكترى، وإن كان مستعارا ورضي صاحبه بإقرارها فيه أقرت، وإن لم
يرض فعلى الورثة أن يكتروا لها مسكنا من أصل التركة في أقرب المواضع إلى المسكن
الذي كانت فيه، ومن قال: لا سكنى لها - على ما نقوله - فإن تطوع الورثة بإسكانها
لزمها أن تسكن، وإن لم يتطوعوا فلها أن تقيم حيث شاءت.
إذا أمر الرجل زوجته بالانتقال من المنزل الذي هي فيه إلى منزل آخر فانتقلت
ببدنها ولم تنقل مالها وعيالها، ثم طلقها، فإنها تعتد في المنزل الثاني دون الأول ولو
أنها نقلت مالها وعيالها ولم تنتقل ببدنها ثم طلقها، فإنها تعتد في المنزل الأول،
والاعتبار بالموضع الذي تكون مقيمة فيه، لا بالمال والعيال، وهكذا القول في
الأيمان، إذا حلف لا سكن دارا فانتقل إليها ببدنه، ولم ينقل ماله وعياله حنث، ولو
نقل إليها ماله وعياله ولم ينتقل ببدنه لم يحنث، وفي الأيمان خلاف ذكرناه في
الخلاف.
إذا أذن لها في الانتقال من منزلها إلى منزل آخر فخرجت من الأول إلى الثاني ثم
عادت إلى الأول لنقل قماش أو حاجة ثم طلقها، فإنها تعتد في المنزل الثاني الذي
انتقلت إليه، لأنه قد صار منزلها وعودها إلى المنزل الأول إنما هو لحاجة.
إذا أمرها بالانتقال من منزلها إلى منزل آخر فخرجت من الأول ولم تبلغ إلى
الثاني حتى طلقها وهي بين المنزلين، قيل فيه وجهان: أحدهما تعتد في الثاني، وهو
الأقوى عندي، لأنها مأمورة بالانتقال إليه، والوجه الثاني أنها مخيرة بين أن تنتقل إلى
الثاني وتعتد فيه أو تعود إلى الأول، لأنها بين منزلين غير مستقرة في واحد منهما.
إذا أذن لزوجته في الخروج من بلدها إلى بلد آخر، ثم طلقها ففيه أربع مسائل:
430

أولاها: أن يطلقها قبل أن خرجت من منزلها، فعليها أن تعتد في ذلك المنزل،
لأن الطلاق صادفها وهي مقيمة فيه.
الثانية: أن تفارق المنزل ولم تفارق بنيان البلد ثم طلقها، قيل فيه وجهان:
أحدهما أنها بالخيار بين أن تعود إلى المنزل الأول فتعتد فيه، وبين أن تنتقل إلى البلد
الآخر، والوجه الآخر عليها أن تعود إلى منزلها الأول وتعتد فيه، لأنها ما لم تفارق البلد
فهي في حكم المقيمة، وهو الأقوى.
الثالثة: أن تفارق بنيان البلد ثم طلقها ففيه مسألتان: إحديهما أن تكون أذن لها
في الحج أو الزيارة أو النزهة ولم يأذن في إقامة مدة مقدرة، والثانية أذن لها في إقامة
مدة مقدرة.
فأما إذا طلق ولم يقدر فيه مدة ففارقت البلد ثم طلقها، فإنه لا يلزمها العود إلى
منزلها، فإنه ربما كان الطريق مخوفا وتنقطع عن الرفقة، فإن أرادت العود كان لها
وتعتد في منزلها، وإن نفذت في وجهها فإن كان أذن لها في الحج فإذا قضت حجها
لم يجز لها أن تقيم بعد قضائه، وإن كان أذن لها في النزهة أو الزيارة فلها أن تقيم
ثلاثة أيام، فإذا مضت الثلاث أو قضت حجها فإن لم تجد رفقة تعود معهم وخافت
في الطريق فلها أن تقيم لأن ذلك عذر، وإن وجدت رفقة وكانت الطريق آمنا فإن
علمت من حالها أنها إذا عادت إلى البلد أمكنها أن تقضي ما بقي من عدتها لزمها
ذلك، وإن كانت لا تتمكن من ذلك، قال بعضهم: لا يلزمها العود بل لها أن تقيم
في موضعها، وقال آخرون: إنه يلزمها العود، لأنها مأمورة بالعود غير مأمورة بالإقامة،
وهو الأقوى عندي.
وأما إذا كان قد أذن لها في أن تقيم بالبلد الآخر مدة معينة شهرا أو شهرين أو ثلاثة
ففارقت بنيان بلدها، ثم طلقها فإنه إن كان طلقها قبل أن وصلت إلى البلد
الآخر فهي بين منزلين، فيكون الحكم فيه كما لو أمرها بالانتقال من دار إلى دار ثم
طلقها بين الدارين وقد مضى حكمها، وإن كانت وصلت إلى البلد الآخر ثم طلقها
فلها أن تقيم ثلاثة أيام.
431

فأما إن زاد عليه قال قوم: إنها لا تقيم لأنه لم يأذن لها في الإقامة على التأبيد،
وقال آخرون: لها أن تقيم المدة المأذون فيها، لأنه قد أذن لها في ذلك وأمرها به،
فكان لها الإقامة ذلك القدر، فمن قال: تقيم ثلاثة أيام بلا زيادة، فالحكم على
ما مضى في التي قبلها.
إذا أحرمت المرأة ثم طلقها زوجها ووجب عليها العدة، فإن كان الوقت ضيقا
تخاف فوت الحج إن أقامت، فإنها تخرج وتقضي حجها، ثم تعود فتقضي باقي
العدة إن بقي عليها شئ وإن كان الوقت واسعا أو كانت محرمة بعمرة فإنها تقيم
وتقضي عدتها ثم تحج وتعتمر، وقال بعضهم: عليها أن تقيم وتعتد سواء كان الوقت
ضيقا أو واسعا، والأول أليق بمذهبنا.
إذا طلقها ولزمتها العدة ثم أحرمت فعليها أن تلازم المنزل لقضاء العدة، لأن
وجوب العدة سابق، وقد فرطت في إدخال الإحرام عليها، فإذا قضت العدة فإن
كانت محرمة بالعمرة، فإنها لا تفوت فتأتي بها، وإن كانت محرمة بالحج فإن لم يكن
قد فات أتت به، وإن فات فعليها أن تتحلل بعمرة وعليها القضاء من قابل عندنا، إن
كانت حجة الإسلام، وعندهم على كل حال.
إذا أذن لها في الإحرام فلم تحرم فطلقها ثم أحرمت فالحكم فيه كما لو لم يكن
تقدم الإذن.
متى أذن لها في الخروج إلى بلد وأطلق ذلك فخرجت ثم طلقها واختلفا
فقالت: نقلتني، وقال: لم أنقلك، فالقول قول الزوج، فعليها أن ترجع إلى المنزل
وتعتد فيه، لأنه اختلاف في نية الزوج وهو أعلم بما أراد، فأما إذا مات واختلفت هي
وورثته فالقول قولها لأنهما استويا في الجهل بما أراد الزوج، وظاهر قوله يوافق دعوى
المرأة لأن قوله: أخرجي إلى موضع كذا، ظاهره النقلة.
البدوية إذا طلقت أو مات عنها زوجها وقيل " إن لها السكنى "، فإن عليها أن
تعتد في بيتها للآية، وفي هذا أربع مسائل:
إحداها: أن يرتحل الحي كلهم فترتحل معهم وتعتد في الموضع الذي انتقلوا
432

إليه لأنه لا يمكنها التخلف عنهم وحدها.
الثانية: أن يرتحل الحي إلا أهلها وكان في أهلها منعة، فليس لها أن ترتحل بل
تقيم وتعتد لأنه يمكنها المقام في بيتها من غير ضرر.
الثالثة: أن ينتقل أهلها ويبقى من الحي قوم فيهم منعة، فهي بالخيار بين المقام
فتعتد في بيتها، وبين أن تخرج مع أهلها وتعتد حيث انتقلوا إليه، لأن عليها في
التأخر ضررا باستيحاشها من أهلها، وكان لها المقام، لأن هناك منعة.
الرابعة: أن يموت أهلها ويبقى من الحي قوم فيهم منعة، فيلزمها أن تقيم إذا لم
تخف ما خافه أهلها.
إذا طلق امرأته وهي في منزل فخافت من انهدامه أو احتراقه أو لصوص كان
ذلك عذرا لها في جواز الانتقال إلى غيره، لأن النبي صلى الله عليه وآله أمر فاطمة
بنت قيس بالانتقال عن منزلها لما بذت على بيت أحمائها، وهذه الأعذار أبلغ منها
وأعظم.
إذا وجب على المعتدة حق فإن كان مما يمكن استيفاؤه من غير خروجها بأن
يكون عندها وديعة فطلبها صاحبها أو غصب أو كان عليها دين وهي مليئة معترفة به،
فلا يجوز إخراجها لأنه يمكن استيفاؤه من غير خروج.
وإن كان الحق مما لا يمكن استيفاؤه إلا بخروجها كالحدود، أو يدعي عليها
حق تجحده ويحتاج أن تقر به، فإن كانت برزة تدخل وتخرج فإنها تخرج ويقام عليها
الحد وتحضر مجلس الحاكم ليحكم الحاكم بينها وبين خصمها، وإن كانت مخدرة
لا تدخل ولا تخرج، فإن الحاكم يقيم عليها الحد في منزلها ويبعث من ينظر بينها
وبين خصمها في بيتها.
إذا طلق زوجته واستحقت السكنى وليس للرجل مسكن، فإن كان حاضرا أمره
الحاكم أن يكتري لها منزلا فإن لم يفعل أو كان غائبا اكترى الحاكم من ماله لأنها
استحقت السكنى ووجب إيفاؤها ما تستحقه كالدين، وإن لم يكن له مال، ورأى
الحاكم أن يستقرض عليه ويكتري لها فعل، وكان ذلك دينا في ذمته، فإن رأى أن
433

يأذن لها أن تكتري على الزوج فعل، فإن كان اكترت بغير إذن الحاكم مع القدرة على
استئذانه فقد تطوعت، وليس لها أن ترجع على الزوج بشئ، وإن لم تقدر على
استئذان الحاكم قيل فيه وجهان: أحدهما - وهو الأقوى عندنا - أن لها ذلك، والآخر
ليس لها كمسألة الجمال.
إذا طلق زوجته وهي في منزلها فأقامت فيه حتى انقضت عدتها ولم تطالب
الزوج بالكراء ثم طالبت، فلا شئ لها لأن من سكوتها أنها تطوعت بالقعود في
منزلها، فلم يكن لها أن تطالب الزوج بالبدل.
وهكذا إن اكترت دارا وسكنتها ولم تطالب بالكراء حتى انقضت العدة، ثم
طلبت فلا شئ لها، لأنها إنما تستحق أجرة السكنى على الزوج إذا سكنت حيث
يسكنها فأما إذا سكنت حيث شاءت فلا شئ لها، وإن اكترت منزلا أو سكنت في
منزلها بعض المدة ولم تطالب ثم طالبت فلها أجرة السكنى من وقت المطالبة، ولا
شئ لها فيما مضى، لأنها فيما مضى سكنت حيث شاءت فلم تستحق عليه أجرة
ذلك، وفي المستقبل يسكنها الزوج حيث شاء فاستحقت عليه الأجرة.
إذا كان مع الرجل زوجته في سفينة فطلقها فإنه ينظر:
فإن كان له منزل غير السفينة يأوي إليه لكن اتفق سفره ومعه زوجته في السفينة،
فإنها إذا طلقها فحكمها حكم المرأة إذا سافرت مع زوجها، فهي بالخيار إن شاءت
عادت إلى منزلها، واعتدت فيه، وإن شاءت مضت وأقامت مدة السفر ثم عادت
إلى منزلها.
وإن لم يكن له منزل غير السفينة فحكمها حكم الدار، فإن كانت ذات بيوت
ينفرد كل واحد منها بباب وغلق اعتدت المرأة في بيت منها، وإن كانت صغيرة أو
كبيرة لكن ليس فيها بيوت، فإن كان معها محرم، فإن الزوج يخرج من السفينة ويترك
المرأة فيها حتى تعتد، وإن لم يكن معها محرم فإنها تخرج من السفينة وتعتد في
أقرب المواضع إليها مثل الدار لا فرق بينهما إلا في شئ واحد، وهو أن المرأة يمكنها
أن تقيم في الدار الصغيرة وحدها، ولا يمكنها أن تقيم في السفينة وحدها، لأن
434

السفينة لا تسير إلا بملاح وعندنا أنه لا فرق بينهما، وقد قلنا ما عندنا في الدار.
المعتدة التي تستحق السكنى عليها ملازمة البيت، وليس لها الخروج منها لغير
حاجة للآية، فإن اضطرت إلى الخروج بأن تخاف الغرق أو الحرق أو الهدم كان لها
الخروج، سواء كانت معتدة عن طلاق أو عن وفاة، وإن لم يكن ضرورة لكن حاجة
مثل شراء قطن أو بيع غزل فلا يجوز لها الخروج ليلا للآية، أما النهار فيجوز فيه
الخروج للمعتدة عن وفاة.
وأما المطلقة قال بعضهم: لها ذلك، وقال آخرون: ليس لها ذلك، والأول
أظهر في رواياتنا، وروي ذلك عن النبي صلى الله عليه وآله.
فصل: في الإحداد:
الإحداد صفة في العدة وهو أن تتجنب المعتدة كل ما يدعو إلى أن تشتهي
وتميل النفس إليها، مثل الطيب ولبس المطيب والتزيين بخضاب وغيره، فإذا تجنب
ذلك فقد حدت، يقال: حدت يحد حدادا وأحدت إحدادا.
والمعتدات على ثلاثة أضرب: معتدة يلزمها الإحداد، ومعتدة لا إحداد عليها،
ومعتدة اختلف فيها:
فالتي يلزمها الإحداد فالمتوفى عنها زوجها، فعليها أن تحد على زوجها أربعة
أشهر وعشرا بلا خلاف إلا الشعبي والحسن البصري، فإنهما قالا: يكفي في بعضها.
وأما المعتدة التي لا إحداد عليها فهي الرجعية، لأنها في معنى الزوجة وكذلك
المعتدة عن نكاح فاسد وعن وطء شبهة، والأمة المشتراة وأم الولد كل هؤلاء لا إحداد
عليهن.
وأما التي اختلف فيها فهي البائن عن نكاح صحيح، إما بطلاق ثلاث أو خلع
أو فسخ، قال قوم: يجب عليها الإحداد، وقال آخرون: لا يجب، وهو مذهبنا وفيه
خلاف.
المعتدة عن نكاح فاسد لا عدة عليها للوفاة، ولا نفقة لها ولا سكنى، ولا إحداد
435

عليها وكذلك أم الولد.
قد بينا أن الإحداد هو ترك ما تدعو النفس إليها لأجله، وتمتد الأبصار نحوها
فمن ذلك الدهن وهو على ضربين: طيب وغير طيب.
فالطيب كدهن البنفسج والبان ودهن الورد وغير ذلك، فلا يجوز للمعتدة
اتخاذه واستعمال تزيينه في بدنها، ولا في شعرها لأنه طيب، ولأنه يرجل الشعر
ويحسنه.
وما ليس بطيب كالشيرج والزيت والسمن فلا يجوز استعماله في شعرها، لأنه
يرجله ويحسنه ويجوز في البدن لأنه ليس فيه زينة ولا طيب، وإذا كانت لها لحية لم
يجز لها أن تدهنها.
وأما الكحل فعلى ضربين: أسود وهو الأثمد الفارسي، وأبيض وهو التوتيا،
فالأسود لا يجوز لها أن تكتحل به، وهكذا لا يجوز لها أن تخضب حاجبها لأنه زينة،
وإن احتاجت إلى الكحل اكتحلت ليلا ومسحته نهارا، فإن استعملت الكحل في
غير العين في البدن جاز، وأما الأبيض فلها أن تكتحل به ليلا ونهارا كيف شاءت.
وأما الصبر فإن النساء يكتحلن به وهو أصفر صقيل يحسن العين ويطري
الأجفان، فالمعتدة ينبغي أن تتجنبه لما روت أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وآله
قال لها: استعمليه ليلا وامسحيه نهارا.
فأما الدمام فهو " الگلگون " فلا يجوز لها استعماله لأنه زينة، وكذلك كل ما
يحسن به وجهها من الإسفازاج الأبيض وغيره.
وأما استعمال الطيب ولبس المطيب فهي ممنوعة منه، لأنه من الزينة، وكذلك
الخضاب، وكذلك لبس الحلي، فأما الأثواب ففيها زينتان: إحديهما تحصل بنفس
الثوب وهو ستر العورة وسائر البدن، قال تعالى: " خذوا زينتكم عند كل مسجد "،
والزينة الأخرى تحصل بصبغ الثوب وغيره، فإذا أطلق فالمراد به الثاني، والأول غير
ممنوع منه للمعتدة وإن كان فاخرا مرتفعا، مثل المروي المرتفع والسابوري والدبيقي
والقصب والصقلي وغير ذلك مما يتخذ من قطن وكتان وصوف ووبر، وأما ما يتخذ
436

من الإبريسم قال قوم: ما يتخذ منه من غير صبغ جاز لبسه وما صبغ لم يجز، والأولى
تجنبه على كل حال.
وأما الزينة التي تحصل بصبغ الثوب فعلى ثلاثة أضرب: ضرب يدخل على
الثوب لنفي الوسخ عنه، كالكحل والسواد، فلا تمنع المعتدة من لبسه، لأنه لا زينة
فيه، وفي معناه الديباج الأسود، والثاني ما يدخل على الثوب لتزينه كالحمرة والصفرة
وغير ذلك، فتمنع المعتدة من ذلك لأنه زينة، وأما الضرب الثالث فهو ما يدخل
على الثوب ويكون مترددا بين الزينة وغيرها مثل أن يصبغ أخضر أو أزرق، فإن كانت
مشبعة تضرب إلى السواد لم تمنع منها، وإن كانت صافية تضرب إلى الحمرة منع
منها، والزرقة كالخضرة.
الحرة المسلمة الكبيرة عليها الحداد، والأمة إذا كانت زوجة فعليها أيضا الحداد
لقوله صلى الله عليه وآله: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق
ثلاث ليال إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا، ولم يفرق.
وأما الصغيرة إذا توفي عنها زوجها يلزمها العدة والإحداد، والولي يأخذها
بذلك، وقال بعضهم: عليها العدة بلا إحداد.
وأما الكافرة إذا مات عنها زوجها كان عليها العدة والإحداد معا، سواء كانت
تحت مسلم أو كافر، وقال بعضهم: إن كانت تحت مسلم فعليها العدة والإحداد،
وإن كانت تحت كافر فلا عدة عليها ولا إحداد.
فصل: في اجتماع العدتين:
إذا طلق زوجته وشرعت في العدة فلا يجوز أن تتزوج ما لم تنقض عدتها إجماعا
فإن نكحت بطل النكاح ولا تنقطع عدتها بنفس النكاح ما لم يدخل بها الثاني، لأن
الفراش لا يثبت بالنكاح الفاسد، فلم تنقطع العدة.
فإن فرق بينهما قبل الدخول فلا عدة عليها للثاني، وتمضي في عدة الأول و
تتمها ثم ينظر: فإن كانا عالمين بتحريم النكاح عزرا، وإن كانا جاهلين لم يعزرا،
437

وإن كان العالم أحدهما عزر وحد دون الآخر.
وإذا دخل بها الثاني فإن كانا عالمين فهما زانيان، وإن كانا جاهلين بتحريم
النكاح أو بتحريم الوطء، فالوطء وطء شبهة لا يجب به الحد، ويثبت به الفراش
ويلحق به النسب وتجب به العدة، وتنقطع عدة الأول لأنها صارت فراشا للثاني، ولا
يجوز أن تكون معتدة عن الأول وهي فراش للثاني، ويلزمها أن تأتي بكل واحدة من
العدتين على الانفراد، ولا تدخل إحديهما في الأخرى.
وإن كان أحدهما عالما والآخر جاهلا، فإن كان الرجل جاهلا والمرأة عالمة
فهو وطء شبهة لا حد عليه، والمرأة تصير فراشا له، ويلحقه النسب، وتجب عليها
العدة والمرأة زانية وعليها الحد ولا مهر لها، وإن كانت المرأة جاهلة والرجل عالما
فهي غير زانية لا حد عليها، ولها المهر، والرجل زان يجب عليه الحد ولا يلحقه
النسب، ولا يجب له العدة.
والأحكام المتعلقة بالوطئ على ثلاثة أضرب:
ضرب يعتبر بالواطئ إن كان زانيا لم يثبت، وإن لم يكن زانيا ثبت وإن كانت
المرأة زانية، وهو لحوق النسب وثبوت الفراش ووجوب العدة.
وضرب يعتبر بالموطوءة إن كانت زانية لم يجب، وإن لم تكن زانية وجب وإن
كان الرجل زانيا، وهو المهر.
وضرب يعتبر حكم كل واحد منهما فيه بنفسه، وهو الحد والغسل.
فإذا اجتمع على المرأة عدتان إذا كانا جاهلين أو كان الزوج جاهلا فلا يخلو:
إما أن تكون حاملا أو حائلا.
فإن كانت حائلا تعتد بالأقراء أو الشهور، فإنما تكمل عدة الأول ثم تعتد عن
الثاني.
فإذا لم تكن اعتدت عن الأول بشئ اعتدت منه بثلاثة أقراء أو بثلاثة أشهر ثم
تعتد عن الثاني بثلاثة أقراء أو بثلاثة أشهر، وإن كانت اعتدت عنه ببعض العدة،
فإنها تتم ذلك ثم تعتد عن الثاني عدة كاملة، وإنما قدمت عدة الأول لأنها سابقة.
438

وأما إذا كانت معتدة بالحمل فإنه إن لحق الحمل بالأول دون الثاني اعتدت به
عن الأول، فإذا وضعت استأنفت عدة الثاني وإن لحق الحمل بالثاني وانتفى عن
الأول اعتدت به عن الثاني، ثم يأتي بعدة الأول أو بقيتها إن كانت أتت ببعضها.
وإن أمكن أن يكون الحمل من كل واحد منهما أقرع بينهما، فمن خرج اسمه
ألحق به، واعتدت به منه، واستأنفت عدة من الآخر على ما بيناه.
وقال بعضهم: يعرض على القافة فمن ألحقته به ألحق به، واعتدت به منه،
وإن لم يكن قافة أو كانوا وأشكل الأمر ترك حتى يبلغ فينسب إلى من شاء منهما،
وتعتد المرأة بثلاثة أقراء كوامل حتى إن لحق بالأول كانت قد اعتدت عنه به وأتت
بعدة الثاني، وإن لحق بالثاني كانت قد اعتدت عنه به، وأتت ببقية عدة الأول بيقين
وكل موضع اجتمع عليها عدتان من شخصين فإنهما لا يتداخلان بل تأتي بكل واحدة
منهما على الكمال، وفيه خلاف.
وإذا وجبت العدتان لرجل واحد بأن طلق زوجته طلاقا رجعيا ثم وطئها في حال
العدة، فعندنا تصير بالوطئ راجعا، وعند بعضهم الوطء محرم عليه، فإن كانا عالمين
عزرا، وإن كانا جاهلين عذرا، وإن كان أحدهما عالما عزر دون الجاهل،
ويلزم المرأة بهذا الوطء عدة لأنه وطء شبهة.
ثم لا تخلو أن تكون حاملا وقت الوطء أو حائلا،
فإن كانت حائلا نظر: فإن لم يحبلها فقد كانت اعتدت عن الطلاق بعض العدة، وعليها الباقي،
ويلزمها عدة ثانية بالوطئ، وتدخل إحديهما في الأخرى لأنهما لرجل واحد فتأتي
بثلاثة أقراء كوامل تدخل فيها بقية العدة الأولى، وله مراجعتها ما دامت العدة عن
الطلاق باقية، فإذا انقضت لم يكن له رجعتها، لأنها في عدة من وطء بشبهة.
وأما إن أحبلها فهي في عدة الأقراء عن الطلاق، وقد لزمتها عدة الوطء
بالحمل، قال قوم: يدخل إحدى العدتين في الأخرى لأنهما من شخص واحد،
وقال آخرون: لا يتداخلان لأنهما مختلفان إحديهما بالأقراء والأخرى بالحمل.
فمن قال يتداخلان قال: تعتد بالحمل عنها، ويثبت عليها الرجعة ما لم
439

تضع، لأنها في عدة الطلاق.
ومن قال لا يتداخلان قال: إن لم تحض على الحمل أو حاضت وقيل: إنه
ليس بدم حيض إنها تكون معتدة بالحمل، لأنهما في عدة عن الوطء إلى أن تضع،
فإذا وضعته أكملتها عدة الطلاق وله عليها الرجعة في هذه الحالة، لأنها في عدة
طلاق، وهل عليها الرجعة في حال اعتدادها بالحمل؟ فيه وجهان: أحدهما لا رجعة
لأنها في عدة من وطء بشبهة، والثاني عليها الرجعة، لأنها لم تكمل عدة الطلاق،
فعليها الرجعة إلى أن تأتي بكمالها.
وأما إذا حاضت على الحمل وقيل: إنه حيض صحيح، فإنها إن حاضت ثلاث
حيض انقضت عدتها عن الطلاق، وتبقى معتدة بالحمل إلى أن تضع، وعليها
الرجعة قبل انقضاء عدة الطلاق، ولا رجعة بعد انقضائها، وإن وضعت قبل أن ترى
ثلاثة أقراء، كان رأت قرءين ثم وضعت فقد انقضت عدة الوطء، وعليها أن
تأتي بقرء تمام عدة الطلاق، وله أن يراجعها في ذلك القرء، هذا إذا كانت حائلا
وقت الطلاق.
فأما إذا كانت حاملا وشرعت في الاعتداد بالحمل عن الطلاق، فإذا وطئت
لزمها الاعتداد بالأقراء، وهل تدخل إحدى العدتين في الأخرى؟ على ما مضى من
الوجهين.
فمن قال: يتداخلان، اعتدت بالحمل عنهما، ويثبت عليها الرجعة إلى أن
تضع، ومن قال: لا يتداخلان، فعلى هذا هي معتدة بالحمل عن الطلاق.
وإن لم تحض على الحمل أو حاضت وقيل: إنه ليس بدم حيض، اعتدت
بوضع الحمل عن الطلاق وعليها الرجعة إلى أن تضع فإذا وضعت استأنفت ثلاثة
أقراء عن وطء الشبهة ولا رجعة عليها فيها.
وإن حاضت على الحمل وقيل: إنه حيض، فإن مضت بها ثلاثة أقراء وهي
حامل فقد انقضت عدتها عن الوطء ويبقى عليها عدة الطلاق إلى أن تضع وعليها
الرجعة، فإن وضعت قبل ثلاثة أقراء فقد انقضت عدتها عن الطلاق وانقطعت
440

الرجعة، وعليها بقية عدة الوطء فتأتي بها لتكمل ثلاثة أقراء ولا رجعة عليها في ذلك،
وهذا كله يسقط عنا لأنه إذا وطئها حكمنا بالمراجعة والوطء بعد ذلك يكون وطأ في
الزوجية وانقطع حكم العدة.
إذا خالع زوجته المدخول بها ولزمتها العدة ثم تزوجها في عدتها فإن العدة
تنقطع، وقال بعضهم: لا تنقطع ما لم يدخل بها، وهذا باطل لأن المرأة تصير فراشا
بنفس العقد، والعدة لا تبقى مع ثبوت الفراش.
فإذا ثبت أن العدة تنقطع، فإذا طلقها فإن كان بعد الدخول فعليها أن تستأنف
ثلاثة أقراء، وإن طلقها قبل الدخول فعليها أن تكمل العدة الأولى، لأنه لا يجوز أن
يقال " لا عدة عليها "، لأنه دخل بها في النكاح الأول ولم تأت عنه بعدة كاملة عن
ذلك الوطء، فلا بد من إكمالها، فلا يجوز أن يقال إنها تستأنف عدة كاملة، لأن
الطلاق الثاني وجد قبل الدخول، وقال بعضهم: لا عدة عليها، وهو قوي وقد
حكيناه.
إذا طلقت الأمة وشرعت في العدة فباعها سيدها وهي معتدة، فالبيع صحيح،
ثم ينظر في المشتري: فإن لم يكن علم فله الخيار، لأنه نقص ويفوت الاستمتاع مدة
العدة، فإن فسخ البيع استرجع الثمن ورد الجارية، وإن لم يفسخ فالحكم في هذا
وفيه إذا كان قد علم بالعدة واحد، فيلزم البيع ولا يحل له وطء الأمة حتى تنقضي
عدتها، فإذا انقضت لم يحل حتى يستبرئها، ولا يدخل الاستبراء في العدة لأنهما
حقان مقصودان لآدميين.
إذا وجد امرأة على فراشه فظنها أمته فوطئها، ثم بان أنها امرأة حرة أجنبية فهذا
وطء شبهة لا حد فيه، ويجب مهر المثل ويلحق النسب، ويكون الولد حرا تبعا لأمه
وعلى الموطوءة أن تعتد عدة حرة.
فإن كان المسألة بعكسها، فوجد على فراشه امرأة ظنها زوجته، ثم بان أنها أمة
لغيره فالحد لا يجب، ويجب مهر المثل، ويلحق النسب، لأنه وطء شبهة، وينعقد
الولد حرا لاعتقاده حريته، وعليه قيمته لسيد الأمة، وتعتبر القيمة بحال الوضع، لأنها
441

حالة الإتلاف، ويلزمها عدة أمة لأنها أمة حال وجوب العدة، وهو الأقوى عندي،
وقال بعضهم: يلزمها عدة حرة.
إذا نكحت المعتدة ووطئها الناكح وهما جاهلان بتحريم الوطء أو كان الواطئ
جاهلا والمرأة عالمة فلا حد على الواطئ، ويلحقه النسب ويلزم المرأة العدة ولا
تدخل في عدة الأول، وتحرم هذه الموطوءة على الواطئ على التأبيد، وبه قال
جماعة، وقال قوم: تحل له بعد انقضاء العدة.
وهكذا حكم كل وطء بشبهة يتعلق به فساد النسب، كالرجل يطأ زوجة غيره
بشبهة أو أمته، فأما الواطئ الذي لا يتعلق به فساد النسب كالرجل يطأ امرأة لا زوج لها
بشبهة أو بنكاح فاسد فإنه لا تحرم الموطوءة عليه بلا خلاف.
إذا طلق زوجته فقضت بعض العدة ثم نكحت سواء حاضت حيضة أو حيضتين
الحكم واحد، فإذا تزوجت ودخل بها الزوج، وهما جاهلان بالتحريم، أو الزوج
جاهل بذلك، فإنها تصير فراشا له بهذا الوطء، وهي فراش الأول بالنكاح، فالكلام
في لحوق النسب وفي الرجعة إن كان الطلاق رجعيا وفي العدة وفيه أربع مسائل:
إحداها: أن تأتي بولد لأقل من أكثر مدة الحمل من وقت طلاق الأول ودون
ستة أشهر من وقت وطء الثاني فيلحق بالأول، لأنه يمكن أن يكون منه وينتفي عن
الثاني لأنه لا يمكن أن يكون منه، وتعتد به عن الأول، لأنه لا حق به، فإذا وضعته
انقضت عدة الأول ويأتي بثلاثة أقراء مستأنفة عن الثاني، ويكون للأول عليها الرجعة
ما دامت حاملا، فإذا وضعت انقطعت الرجعة.
الثانية: أن تأتي بالولد لأكثر من أقصى مدة الحمل من وقت طلاق الأول وأكثر
من ستة أشهر من وقت وطء الثاني.
فإن كان الطلاق بائنا فالنسب ينتفي عن الأول، لأنه لا يمكن أن يكون منه
ويلحق بالثاني لإمكان أن يكون منه، وتعتد عن الثاني لأنه لا حق به، فإذا وضعت
أكملت عدة الأول فتأتي بثلاثة أقراء ويحكم بانقضاء العدة منهما.
وإن كان الطلاق رجعيا، قال قوم: الرجعية إذا أتت بولد لأكثر من أقصى مدة
442

الحمل من وقت الطلاق لا يلحق به، وقال آخرون: يلحق به:
فمن قال: يلحق به - وهو مذهبنا - فهاهنا يمكن أن يكون من الأول ويمكن أن
يكون من الثاني، فالحكم فيه كالمسألة الرابعة، ومن قال: لا يلحق في الرجعية،
فإنه ينتفي عن الأول ويلحق بالثاني، وتعتد عنه به، لأنه لا حق به، فإذا وضعت
أكملت عدة الأول وللزوج المطلق عليها الرجعة بعد الوضع، لأنها في عدة عن
طلاقه.
وهل يثبت له عليها رجعة في حال حملها؟ على وجهين:
أحدهما لا يثبت لأنها قد صارت محرمة عليه.
والثاني أنه يثبت له عليها الرجعة، وهو مذهبنا، لأن الرجعة ثبتت بالطلاق فلم
ينقطع حتى تنقضي العدة، وهذه ما لم تضع الحمل وتكمل عدة الأول، فعندنا لم
تنقض.
فتثبت الرجعة عليها وله الرجعة ما دامت حاملا وبعد أن تضع مدة النفاس وإلى
أن تنقضي عدتها بالأقراء.
وإذا قلنا لا رجعة له عليها في حال الحمل ما دامت حاملا لا رجعة، فإذا وضعت
ثبت له عليها الرجعة، وإن كانت في مدة النفاس لم تشرع في عدتها منه، لأن عدة
الأول قد انقضت، فثبت له الرجعة، وإن لم تكن معتدة عنه في تلك الحالة كحالة
الحيض في العدة.
وأما النفقة فإنها ما دامت حاملا فهي معتدة عن الثاني وعليه نفقتها، وقال قوم:
لا يجب بناء على أن النفقة يجب للحمل أو الحامل، فمن قال: يجب للحمل،
استحقت فإنه لا حق به، ومن قال: إنها تجب للحامل بسببه، لم يستحق لأنها ليست
معتدة عن نكاح له حرمة، والأقوى أن لها النفقة.
وإذا وضعت ومضت مدة النفاس وشرعت في الأقراء استحقت النفقة لأنها
معتدة رجعية.
وأما بعد الوضع في مدة النفاس قبل الشروع في الأقراء قال قوم: تستحق لأن
443

عدتها عن الثاني قد انقضت وشرعت في الاعتداد عن الأول، وإن لم يكن الزمان
محسوبا عن العدة، وقال بعضهم: لا تستحق لأن النفقة إنما تستحق إذا كانت في
زوجية أو في عدة وجبت بسبب طلاقه، ومدة النفاس إنما هي بسبب عدة الثاني،
وهذا الحمل اعتدت به عنه، فلم تستحق النفقة في تلك الحال.
الثالثة: وهي أن تأتي بولد لأكثر من أقصى مدة الحمل من وقت طلاق الأول،
ولأقل من ستة أشهر من وقت وطء الثاني.
فإن كان الطلاق بائنا انتفى النسب عنهما معا، لأنه لا يمكن أن يكون منهما أو
من أحدهما، وقال بعضهم: لا تعتد به عن أحدهما لأنه غير لاحق، وهو الأقوى
عندنا، وقال بعضهم: تعتد به عن أحدهما لا بعينه، لأنه يمكن أن يكون منه بدلالة أنه
لو أقر به لحقه.
فمن قال بالأول قال: تصبر حتى تضع ثم تكمل عدة الأول وتعتد عن الثاني
بثلاثة أقراء، ومن قال بالثاني قال: إذا وضعت اعتدت بثلاثة أقراء استظهارا.
وأما إذا كان الطلاق رجعيا فمن قال إن النسب لا يلحق في حق الرجعية قال:
حكمه حكم الطلاق البائن على ما مضى، ومن قال يلحقه قال: يلحق بالأول وينتفي
عن الثاني وتعتد به عن الأول، فإذا وضعته اعتدت عن الثاني بثلاثة أقراء، ويثبت
للأول عليها الرجعة إلى أن تضع، فإذا وضعت انقطعت الرجعة.
الرابعة: وهي أن تأتي بالولد لدون أقصى مدة الحمل من وقت طلاق الأول
ولستة أشهر فصاعدا من وقت وطء الثاني فإنه يمكن أن يكون من كل واحد منهما،
والحكم فيه وفي الفصل الذي أوقفنا حكمه واحد.
والكلام في ثلاثة أحكام: في النسب، وفي العدة، والرجعة:
فأما النسب فإن الولد يستخرج بالقرعة عندنا، ويلحق بمن يخرج اسمه وينتفي
عن الآخر.
وأما العدة فإن خرج اسم الأول اعتدت عنه بوضعه، ثم تعتد عن الثاني بثلاثة
أقراء، وإن خرج اسم الثاني اعتدت عنه بوضعه، ثم تكمل عدة الأول بما بقي من
444

الأقراء، ومن قال يترك الولد حتى يبلغ فينتسب إلى من شاء قال: تعتد بعد الوضع
بثلاثة أقراء استظهارا.
وأما الرجعة فلا يخلو: أن يراجعها قبل الوضع أو بعده.
فإن راجعها قبله، فهو مبني على الوجهين في الحمل، إذا لحق بالثاني وأتت
ببقية عدة الأول بعد الوضع هل له عليها الرجعة في حال الحمل؟ فمن قال: له
الرجعة - على ما قلناه - صحت رجعته لأن الحمل إن كان من الأول فرجعته صادفت
عدة الطلاق، وإن كان من الثاني فرجعته تصح أيضا على هذا الوجه، ومن قال:
الرجعة لا تصح، فإنه يمنع من الرجعة لأن حاله متردد بين أن تكون له الرجعة أو لا
تكون، فلم يثبت له مع الشك.
فإن راجع نظر: فإن بان أن الحمل من الثاني لم تصح الرجعة، لأنها قبل وقتها،
وإن بان أنه من الأول، فهل تصح الرجعة؟ على الوجهين: أحدهما يصح لأنه راجع
في وقت كان له الرجعة فيه، والثاني لا يصح لأنه حال ما راجع كان ممنوعا من
الرجعة.
وأما إذا راجع بعد الوضع فإنه إن راجع في القرء الثالث لم يصح له الرجعة
بلا خلاف، لأن هذا القرء إما أن يكون عدة عن الثاني أو لا يكون عدة أصلا، وإن
راجع في القرءين الأولين، فإنه يمنع من ذلك لأجل الشك فيها.
فإن فعل ذلك ثم بان أنها كانت في العدة عن الثاني لم يصح بلا خلاف، وإن
بان أنها كانت في عدة عن الأول فعلى وجهين، فأما حكم الثاني فليس له الرجعة،
لكن حكم نكاحه فعلى ما قلناه يحرم عليه على التأبيد.
ومن قال لا يحرم قال: ما دامت حاملا لا يجوز له التزويج بها، لأنها إما أن
تكون في عدة من الأول أو عليها بقية من عدته، فإذا وضعت فإن أراد نكاحها وهي في
القرءين الأولين لم يكن له، لأنه يحتمل أن تكون في عدة من غيره فلا تحل له، فلم
يجز النكاح مع الشك، وإن أراد نكاحها في القرء الثالث كان له، لأن هذا القرء إما
أن يكون عدة عنه أو لا يكون عدة لأحد، فجاز له التزويج فيه.
445

وأما إذا مات الولد قبل أن يقرع عليه، فإنه يسقط حكمه، ومن قال: يعرض
على القافة، منهم من قال: يعرض، ومنهم من قال: لا يعرض.
إذا أوصى للحمل الذي ذكرناه قبل أن يتبين حاله، ويلحق بأحد الأبوين بشئ
فالوصية تصح ويملكها بأحد أمرين: إما أن يقبلها الواطئان معا لأن أحدهما أبوه، أو
يبلغ هو فيقبلها.
فإذا حصل ملك الوصية له، ثم مات نظر: فإن لم يخلف غير الواطئين فإن ما
أوصى له به يوقف عليه حتى يصطلحا عليه حسب ما يتراضيان إما نصفين أو ثلثا
وثلثين أو غير ذلك.
فإن خلف غيرهما فإن خلف أما، فالأم قد يكون لها الثلث متيقنا وهو إذا لم
يكن غير الأبوين فيدفع إليها ذلك، ويوقف الباقي لهما، وقد ترث السدس بيقين وهو
إذا كان هناك من يحجبها فيدفع ذلك إليها، ويوقف الباقي حتى يصطلحا.
وقد يكون لها ثلث مشكوك فيه فهو إذا كان لأحد الواطئين ولدان، فما الذي
يدفع إلى الأم؟ قال قوم: يدفع إليها الثلث لأنه يشك في حجبها لجواز أن يكون
أبو الولدين غير أب الميت، وقال آخرون: يدفع إليها السدس لأن هذا القدر متحقق
استحقاقها له، وهذا الوجه أقوى عندي.
إذا أوصى رجل لهذا الحمل بشئ، ونسبه فقال: أوصيت لهذا الحمل الذي هو
ولد فلان، يعني أحد الواطئين، فإن لحق بالذي نسب إليه صحت الوصية له، وإن
لحق بالآخر بطلت، وإن لحق بالذي نسبه إليه ثم نفى نسبه باللعان صحت الوصية
له، لأنه تحقق نسبه وملك الوصية فانتفاء النسب بعد ذلك إنما يؤثر في إسقاط حق
الملاعن دون غيره، ألا ترى أن حضانتها إنما تسقط في حقه دون حق غيره.
إذا تزوج الرجل امرأة تزويجا صحيحا فإنها لا تستحق النفقة بعقد النكاح ما لم
تسلم نفسها، فإذا سلمت وجبت فإذا طلقها طلاقا رجعيا استحقت النفقة يوما فيوما
حائلا كانت أو حاملا، فإن طلقها بائنا فإن كانت حائلا فلا نفقة لها، وإن كانت
حاملا فلها النفقة.
446

وهل النفقة لها بسبب الحمل أو للحمل؟ على ما مضى من القولين، وعلى
القولين هل يدفع إليها النفقة يوما فيوما أو لا يدفع إليها شئ حتى تضع؟ على قولين،
عندنا يدفع إليها يوما فيوما.
وأما النكاح الفاسد فإن النفقة لا تستحق فيه لا بالعقد ولا بالدخول، لأنه لا
تستحق على الزوجة فيه التمكين فإذا فرق بينهما فإن كانت حائلا فلا نفقة لها، وإن
كانت حاملا فمن قال: إن النفقة للحمل، لزم الواطئ النفقة، لأن الحمل لا حق به،
وهو الأقوى عندي، ومن قال يجب لها بسبب الحمل قال: لا يلزم الواطئ النفقة
لأنها حامل عن نكاح لا حرمة له، فمن قال: تستحق النفقة، فهل يدفع إليها يوما
فيوما أو لا يدفع إليها حتى تضع؟ على ما مضى من القولين.
فإذا ثبت هذا واجتمع نكاح صحيح ونكاح فاسد، بأن يطلقها الرجل ويتزوج في
العدة، وظهر حمل، فنكاح الأول صحيح ونكاح الثاني فاسد، والحمل يمكن أن
يكون من كل واحد منهما.
فإذا طلقها الأول لم يخل إما أن يطلق طلاقا رجعيا أو بائنا، فإن طلق طلاقا
رجعيا فهو مبني على القولين في أن الحامل عن نكاح فاسد هل تستحق النفقة أم لا؟
فمن قال: تستحق، فما دامت حاملا لا تستحق شيئا، لأنه يحتمل أن يكون من
الأول فتستحق النفقة، ويحتمل أن يكون من الثاني فلا تستحق، فلم يدفع إليها شئ
بالشك.
فإذا وضعت فإن كان للولد مال أنفق عليه منه، وإن لم يكن أنفق الزوج والواطئ
عليه بالسوية لأنه يمكن أن يكون من كل واحد منهما، وليس أحدهما أولى من
صاحبه، وينفقان عليه إلى أن يستخرج بالقرعة عندنا، أو يعرض على القافة، أو يبلغ
فينتسب عندهم، وللمرأة أن تطالب الزوج المطلق بنفقة أقصر المدتين من مدة
الحمل أو مدة القرءين لأنها تتحقق استحقاقها لذلك.
فإذا أخذت ذلك منه ثم انكشف الأمر نظر، فإن بان أنها أخذت دون ما استحقه
رجعت بالفضل، وإن بان أنها أخذت وفق ما استحقته فلا شئ لها.
447

وأما إذا قيل إن النفقة تجب للحمل، فإنها تستحق النفقة مدة الحمل عليهما
نصفين، لأنه من أيهما كان فإنها تستحق عليه النفقة مدة اعتدادها به، فإذا وضعت
نظر: فإن كان للولد مال أنفق عليه منه، وإن لم يكن له مال وجبت نفقته عليهما
نصفين كالقسم قبله، ولا تستحق المرأة على هذا القول الرجوع بنفقة أقصر المدتين
لأنها قد أخذت النفقة لمدة الحمل، فلم تستحق المطالبة بشئ آخر، فهذا الحكم
إن كان الطلاق رجعيا.
فأما إذا كان بائنا فمبني على القولين في أن البائن الحامل إذا استحقت النفقة
هل يدفع إليها يوما فيوما، أو لا يدفع إليها حتى تضع؟
فمن قال: يدفع يوما فيوما، فحكمها على ما ذكرنا إذا كان الطلاق رجعيا إلا في
شئ واحد، وهو أن هناك إذا وضعت تستحق أن ترجع بنفقة أقل المدتين من الحمل
أو القرءين وهاهنا لا يرجع لأن هناك الطلاق رجعي تستحق فيه النفقة، وهاهنا الطلاق
بائن لا تستحق فيه النفقة إذا كانت حائلا.
ومن قال: الحامل لا يدفع إليها النفقة حتى تضع، فإذا وضعت الحمل إما أن
ينكشف الأمر أو لا ينكشف، فإن انكشف ولحق بالأول رجعت عليه بنفقة مدة
الحمل، لأنه منه، وعليه نفقة الولد أيضا، وإن لحق بالثاني فهل ترجع عليه بنفقة
مدة الحمل؟ يبني على القولين في أن النفقة للحمل أو للحامل، فمن قال:
للحامل، فلم ترجع، ومن قال: للحمل، رجعت، وأما إذا لم ينكشف الأمر في باب
الولد، فمن قال إن النفقة للحامل قال: لا يرجع عليها بشئ لأنه يشك في
استحقاقها، ومن قال يجب للحمل قال: إنها ترجع بالنفقة عليهما نصفين لأن النفقة
واجبة بكل حال، والشك في عين من تجب عليه.
وأما نفقة الولد فإنه إن كان له مال أنفق عليه منه، وإن لم يكن له مال أنفقا عليه
حتى يتبين أمره، ويلحق بأحدهما، فإذا تعين نسبه من أحدهما فإن الذي تعين نسبه
منه لا يرجع شئ.
وأما الآخر فإن أنفق بغير إذن الحاكم مع قدرته على استئذانه لم يرجع، وإن
448

أنفق باذنه فإنه إن كان يقول: هو ولدي وأخطأت القرعة أو غلط القافة، عندهم لم
يرجع، وإن قال: ليس بابني، رجع.
إذا طلق زوجته طلاقا رجعيا فاعتدت بعض العدة، ثم توفي عنها زوجها فإنها
تنتقل إلى عدة الوفاة بلا خلاف لأنها في معنى الزوجات.
إذا طلق زوجته طلاقا رجعيا فشرعت في العدة، ثم راجعها قبل انقضاء العدة
فإن الرجعة تقطع العدة، لأنها صارت فراشا، وثبوت الفراش يقطع العدة، فإن طلقها
بعد الدخول لزمها استئناف العدة بلا خلاف، وإن طلقها قبل الدخول استأنف أيضا
العدة عندنا، وقال قوم: تبني.
فصل: في امرأة المفقود وعدتها:
الغيبة غيبتان غيبة منقطعة، وغيبة غير منقطعة:
فالتي ليست بمنقطعة أن يخرج إلى بلد يعلم أنه مقيم فيه وأنه حي فالحكم في
هذه أن الزوجية باقية بينهما، لا يجوز لها أن تتزوج، ولا تقع الفرقة بحال، بل يكونان
على الزوجية أبدا حتى يأتيها يقين وفاته بلا خلاف.
وأما الغيبة المنقطعة فهو أن يفقد وينقطع خبره، فلا يعلم أحي هو أم ميت؟
فلا خلاف أن ملكه لا يزول عن ماله.
وأما الزوجة فعندنا ما دامت ساكنة فالأمر إليها، فإن رفعت أمرها إلى السلطان
أجلها من يوم رفعت أربع سنين، ويبعث هو في الآفاق يبحث عن أخباره.
فإن عرف له خبر فعليها الصبر أبدا، وإن لم يعرف له خبر، ومضت أربع سنين
فإن كان للغائب ولي ينفق عليها فعليها أن تصبر أبدا، وإن لم يكن له ولي فرق بينهما
الحاكم واعتدت بعدة الوفاة، فإن جاء الغائب في زمان العدة فهو أملك بها، وإن
خرجت من العدة فقد ملكت نفسها ولا سبيل للأول إن جاء عليها.
وقال بعضهم: تصبر أربع سنين، ثم ترفع أمرها إلى الحاكم حتى يفرق بينهما
ثم تعتد عدة الوفاة أربعة أشهر وعشرا، وقد حلت للأزواج، وقال آخرون: هي على
449

الزوجية أبدا لا تحل للأزواج إلى أن يتيقن وفاته، وفيه خلاف.
فمن قال: لا يجوز للحاكم أن يحكم بالفرقة، قال: عليها أن تنتظر أبدا حتى
يأتي الزوج، فإن حكم بالفرقة لم ينفذ حكمه لأنه حكم بما لا يسوع فيه الاجتهاد، ومن
قال: يجوز له أن يحكم بالفرقة، قال قوم: ينفذ حكمه في الظاهر والباطن، وهو
مذهبنا وقال آخرون: ينفذ في الظاهر دون الباطن.
فمن قال: لا تقع الفرقة قال: إذا آلى أو تظاهر منها فقد صادفتها هذه الأحكام
وهي زوجة فينفذ الطلاق، ويصح الإيلاء والظهار، وإن قذفها وجب عليه الحد إلا أن
يسقط بالبينة أو اللعان.
ومن قال: وقعت الفرقة ظاهرا وباطنا أو في الظاهر، فعلى هذا صادفت هذه
الأحكام أجنبية لا يصح طلاقه، ولا إيلاؤه ولا ظهاره، وإن قذف وجب عليه الحد أو
تقيم بينة، والذي نقوله: إن هذه الأحكام إن صادفت وهي في العدة وقعت موقعها،
وصحت، لأنها بعد بحكم الزوجية بدلالة أنه لو جاء لكان أملك بها، وإن صادفت
بعد انقضاء العدة فقد صادفت أجنبية ويتعلق بها أحكام الأجنبيات على ما بيناه.
فإذا خرجت من العدة ثم عاد الزوج لم يكن عليها سبيل عندنا، ومن قال الفرقة
لم تقع قال: هي زوجة ترد إليه بكل حال، ومن قال: تقع الفرقة في الظاهر دون
الباطن، قال مثل ذلك، ومن قال: تقع في الظاهر والباطن، قال مثل ما قلناه من
زوال الزوجية وتكون زوجة الثاني إن كانت تزوجت ولا ترد إلى الأول.
ومنهم من قال: إن كانت تزوجت لم ترد وإن لم تكن تزوجت ردت، وهو
الأقوى عندي.
إذا حكم الحاكم بالفرقة وانقضت العدة وتزوجت ثم تبينا أن زوجها كان قد مات
قبل الزوجية كان التزويج صحيحا عندنا، وعند من قال وقعت الفرقة سواء قال:
وقعت ظاهرا وباطنا أو ظاهرا دون الباطن، ومن قال: الفرقة لم تقع، اختلفوا فقال
بعضهم: التزويج باطل لأنه حال ما عقده ما كان له عقده، وقال آخرون: صحيح لأنا
تبينا أنه صادف حالة إباحة في الباطن، ومثله إذا باع مالا لمورثه ثم بان أنه كان في
450

ملكه.
فأما الكلام في نفقتها على الأول ثم الثاني:
أما الأول فإنه ينظر في المرأة فإن لم تختر الفرقة واختارت المقام معه على
الزوجية، فإنها تستحق النفقة أبدا لأنها تستحق النفقة عليه بتسليمها نفسها، ونفقة
الزوجية إذا وجبت لم تسقط إلا بنشوز أو طلاق.
وإن رفعت الأمر إلى الحاكم، وأمرها بالتربص، فلها النفقة مدة التربص لأنها
محبوسة عليه في هذه الحال، فإذا حكم بالفرقة سقط نفقتها عندنا، وعند من قال:
وقعت الفرقة سواء كانت حاملا أو حائلا، لأنها معتدة عن وفاة، على أن كونها حاملا
لا يتقدر على مذهبنا مع تربص أربع سنين.
ومن قال لا تقع الفرقة أصلا قال: إنها تستحق النفقة ما لم تتزوج، فإذا تزوجت
سقطت لأنها صارت في حكم الناشز، فإن فارقها الثاني فما دامت في عدة منه لا نفقة
لها لأنها مستديمة لحكم النشوز، فإذا مضت عدتها ثم قالت: أختار العود إلى
الزوجية، قال قوم: تستحق النفقة، وقال آخرون: لا تستحق، وهذا يسقط عنا لما
قدمناه.
فأما حكم وجوبها على الثاني، فإن عندنا يلزمه النفقة، لأن العقد صحيح ولا
يسقط إلا بالبينونة، ومن قال نكاحه فاسد قال: لا يلزمه النفقة بنفس العقد، ولا
بالدخول، لأنه ما ملك الاستمتاع على الزوجية.
فإذا فارقها فإن كانت حائلا فلا نفقة لها، وإن كانت حاملا فمن قال النفقة
تجب للحمل قال: لزمته، لأن الحمل لا حق به، ومن قال تجب للحامل بسبب
الحمل قال: لا يلزمه، لأن النكاح فاسد.
إذا تزوجت هذه المرأة بعد خروجها من العدة ثم جاء الزوج الأول لم يكن له
عليها طريق، ولا بينه وبينها علقة، ولا ترد إليه، ومن قال لم تقع الفرقة قال: ترد إلى
الأول، فإن لم يكن دخل بها الثاني حلت له في الحال، وإن كان دخل بها فإن لم
تحمل اعتدت بالأقراء، ولا تحل للأول حتى تنقضي عدتها، وإن كانت حملت،
451

فالولد يلحق بالثاني بحكم الظاهر، وتعتد به عن الثاني، فإذا وضعت انقضت عدتها
لكن لا تحل للأول حتى ينقضي نفاسها.
وأما الحكم في رضاع الولد، فإنها إذا أرضعت لم يكن لزوجها منعها من أن
ترضعه اللبأ لأن قوامه به، فإذا أرضعته اللبأ فإن لم يوجد مرضعة غيرها، لم يكن له
منعها من إرضاعه، وإن وجد غيرها كان له منعها من ذلك، لأن حق الزوج واجب،
وهذا تطوع.
ومتى كانت ترضع الولد إما اللبأ وإما اللبن، فإن أرضعت في منزل الزوج
استحقت عليه النفقة لأنها مسلمة نفسها إليه وممكنة من الاستمتاع، وإن أرضعته
خارج المنزل بغير إذن الزوج لم تستحق النفقة، لأنها ناشز بذلك وإن أرضعته خارج
المنزل باذنه فعلى وجهين، وهذا أيضا يسقط عنا لما بيناه من أنها زوجة للثاني،
ونفقتها عليه دون الأول، على كل حال.
ومتى أتت هذه المرأة بولد بعد خروجها من العدة والتزويج بالآخر، ثم جاء الزوج
الأول، فالولد يلحق بالثاني، إذا كان لأكثر من ستة أشهر من وقت عقده عليها بحكم
الظاهر، فإن لم يدعه الأول فهو لا حق بالثاني.
وإن ادعاه قيل له: من أي وجه تدعيه؟ فإن قال: لأجل الزوجية التي كانت بيني
وبين أمه، لم يلتفت إلى هذه الدعوى، وألحق بالثاني، وإن قال: لأنني دخلت سرا
ووطئتها، فعندنا الولد يستخرج بالقرعة، فمن خرج اسمه ألحق به، وعند قوم يعرض
على القافة، فإن لم يكونوا أو كانوا وأشكل، ترك حتى يبلغ فينتسب، وحكي عن
بعضهم أنه قال: يلحق بالأول لأنها فراشه وهو العقد.
إذا قدم الزوج الأول وقد ماتت، فعلى مذهبنا الميراث للثاني، ولا شئ للأول،
ومن خالف قال: هي زوجة للأول، ويرث مالها وجميع حقوقها، وقال بعضهم:
لا حق له في مهرها، وقال آخرون: له الميراث من مهرها أيضا.
وأما إذا مات الزوج الأول أو الثاني، فعلى مذهبنا هي زوجة للثاني، تعتد منه
عدة الوفاة، وترثه ولا شئ عليها من الأول، ولا ترثه بحال، ومن خالف قال: هي
452

زوجة للأول وإن عليها عدة الوفاة، دون الثاني، لكنها لا تشرع في العدة من الأول إذا
كان الثاني باقيا ما دامت فراشا للثاني، فإذا فرق بينهما شرعت في العدة، فتعتد عن
الأول عدة الوفاة، ثم تعتد عن الثاني ثلاثة أقراء، وإن مات الثاني وبقى الأول، فقد
وجب عليها عدة وطء الشبهة، ثلاثة أقراء، وتشرع فيها، وإن كانت الزوجة للأول.
وإن ماتا معا فلا يخلو: إما أن تكون حملت من الثاني أو لم تحمل، فإن لم تكن
حملت من الثاني ففيه ثلاث مسائل:
إحداها: أن يعلم وقت موت كل واحد منهما بعينه، ينظر في ذلك:
فإن مات الزوج أولا، ثم الواطئ بشبهة، فإن الزوج لما مات لزمها عدة الوفاة،
لكنها لا تشرع في ذلك إلى أن يموت الثاني، ويزول فراشه، فإذا مات فقد اجتمع
عليها عدتان: عدة للأول عن وفاته، وعدة للثاني عن الوطء بشبهة، فعليها أن تأتي
بالعدتين معا، لا تدخل إحديهما في الأخرى، وتبتدئ بعدة الأول، فإذا أكملتها
اعتدت عن الثاني.
وأما إذا مات الثاني ثم مات الزوج، فقد وجب عليها بموت الثاني عدة الوطء
ثلاثة أقراء، وتشرع فيها، وإن كانت زوجة للأول، فإذا مات الأول قطعت عدة الثاني
وانتقلت إلى عدة الأول لأن عدة الأول أقوى، لأنها وجبت عن سبب مباح، وهذا عن
سبب محظور، فإذا أتت بعدة الأول عادت إلى عدة الثاني فأكملت ثلاثة أقراء.
المسألة الثانية: إذا علم موت أحدهما بعينه، وجهل وقت موت الآخر، فالحكم
فيه أن يقدر أن أحدهما مات في أول شوال وجاء الخبر بموت الآخر من البصرة ولم
يعرف وقت موته، فالحكم فيه أن يقدر أقل وقت يمكن أن يجئ الخبر في مثله من
البصرة إلى هذا البلد، فإذا قيل مثلا عشرة أيام، يجعل كأنه مات منذ عشرة أيام،
ويقابل بين الوقت وبين وقت موت الآخر، فينظر أيهما تقدم موته، وأيهما تأخر فيبنى
الأمر عليه، ويكون الحكم على ما ذكرناه في المسألة قبلها.
المسألة الثالثة: وهو إذا لم يعلم موت أحدهما بعينه، كان علم أن أحدهما
مات في أول رمضان، والآخر في أول شوال، لكن لا يعلم أيهما مات في رمضان،
453

فمن قال: هو طهر، وهو مذهبنا، فلا تخلو إما أن تكون طاهرا عند وجوب
الاستبراء عليها، أو حائضا، فإن كانت طاهرا فإنها تعتد ببقية هذا الطهر، فإذا طعنت
في الحيض لم يحل حتى تحيض الحيضة بكمالها، وإن كانت حائضا عند وجوب
الاستبراء فإنها لا تعتد ببقية هذا الحيض، وتعتد بالطهر الذي يليه، فإذا طعنت في
الحيض حلت.
ومن قال: القرء حيضة، فلا تخلو أن تكون حائضا عند وجوب الاستبراء أو طاهرا، فإن كانت
طاهرا فإنها لا تعتد بهذا الطهر، فإذا حاضت دخلت في القرء، فإذا
انقضى الحيض وطعنت في الطهر حصل لها قرء، وحلت، وإن كانت حائضا فإنها
لا تعتد ببقية هذا الحيض، فإذا طهرت لم تعتد بهذا الطهر أيضا لأن الطهر على هذا
القول ليس بقرء، فإذا حاضت دخلت في القرء، فإذا طعنت في الطهر حلت، هذا
إذا كانت من ذوات الأقراء.
فأما إذا كانت من ذوات الشهور، فإنها تعتد بشهر واحد، وقال بعضهم: بثلاثة
أشهر.
وأما إذا كانت حاملا فإنها تعتد بوضع الحمل كالحرة سواء.
وإن ارتابت أم الولد، ففيه ثلاث مسائل، مثل ما ذكرناه في الحرة المطلقة،
سواء.
أم الولد إذا زوجها سيدها فإنها يحرم على السيد وطؤها، فإن مات السيد وهي
زوجة لم يلزمها الاستبراء عنه، فإن لم يمت السيد أولا لكن مات الزوج فعليها عدة
الوفاة، مثل عدة الحرة سواء أربعة أشهر وعشرا عندنا، وقد روي شهران وخمسة أيام
وبه قال المخالف.
فإن مات السيد قبل انقضاء عدتها، لم يلزمها الاستبراء عنه، لكنها صارت حرة
عندهم يلزمها أن تتم عدة الحرة وقال بعضهم: بل تتم عدة الأمة، وإن انقضت عدتها
عن الزوج قبل موت السيد عادت إلى سيدها وليس عليه استبراؤها، وقال بعضهم: لا
تحل له حتى يستبرئها، والأول هو الصحيح عندنا.
454

وأيهما مات في شوال، فتنزيل حالهما أنه، إن كان الزوج الأول مات في أول رمضان
فقد وجبت عليها عدة الوفاة، ولا يحتسب بتلك العدة إلى أن يموت الثاني في أول
شوال، فتعتد بعدة الوفاة، وتأتي بعدها بثلاثة أقراء، وإن كان الثاني مات في أول
رمضان، فقد شرعت في الاعتداد عنه بالأقراء، فإذا مات الأول في أول شوال، انتقلت
إلى عدة الوفاة، ثم يعود بعد إتمامها فيتم باقي عدة الأول.
فإذا كان هذه تنزيل حالها، فإنها تأخذ بالاحتياط، ويحكم بأن الأول مات في
أول رمضان فلا تشرع في الاعتداد عنه إلى أول شوال، ثم تأتي بعد ذلك بأربعة أشهر
وعشر، ثم تعتد بثلاثة أقراء بعد ذلك، فهذا الحكم فيه إذا لم يكن الثاني أحبلها.
وأما إذا كان أحبلها ثم ظهر موت الأول، فإن الولد يلحق بالثاني، وتعتد عنه
بوضعه، فإذا وضعت اعتدت عن الأول عدة الوفاة.
وإن كانت نفساء فإن النفاس لا يمنع عدة الوفاة، فإن فرق بينها وبين الثاني
فاعتدت عنه بوضع الحمل، ثم اعتدت عن الأول عدة الوفاة، فعاد الثاني فوطئها
بشبهة وأحبلها، فإن الحمل يلحقه وينقطع مدة الوفاة، وتعتد عن الثاني بوضع
الحمل، فإذا وضعته أكملت عدة الأول أربعة أشهر وعشرا.
فصل: في عدة الإماء واستبرائهن:
لا خلاف أن الأمة المشتراة والمسبية تستبرئ كل واحدة منهما بقرء، وقال قوم:
وكذلك المدبرة إذا مات سيدها، فإنها تعتق وتستبرئ بقرء، وكذلك أم الولد إذا توفي
عنها سيدها أو أعتقها في حياته، وقال آخرون: المدبرة لا عدة عليها بموت سيدها ولا
استبراء، فأما أم الولد فإنها تعتد بثلاثة أقراء سواء مات عنها سيدها أو أعتقها في
حياته، ولا يجب عليها عدة الوفاة.
والذي رواه أصحابنا أنه إذا أعتقها في حال حياته اعتدت ثلاثة أقراء، وإن مات
عنها اعتدت عدة الوفاة أربعة أشهر وعشرا، ومن قال: إنها تعتد بقرء واحد، قال قوم
منهم: هو طهر، وقال آخرون: هو حيض.
455

فإن مات السيد بعد انقضاء عدتها عن الزوج عتقت عندهم بموته، فمن قال إنه
كان يحل له وطؤها من غير استبراء، قال: يلزمها الاستبراء عنه، وهو الذي نقوله،
ومن قال: لا يعود حتى يستبرئها، فإذا مات قبل استبرائها لم يلزمها أن تستبرئ عنه.
إذا مات السيد والزوج ولم يعلم أيهما مات أولا، فعلى مذهبنا ينبغي أن تعتد
أربعة أشهر وعشرا، لأنه إن كان السيد مات أولا فليس عليها منه عدة لأنها تحت
زوج، فإذا مات الزوج بعد ذلك لزمها أن تعتد منه عدة الحرة للوفاة على ما بيناه، وإن
كان الزوج مات أولا لزمها منه عدة الوفاة، فإذا خرجت فليس عليها استبراء من السيد
على ما بيناه، فلا يلزمها أكثر من ذلك، هذا إذا كان بين موتهما أقل من أربعة أشهر
وعشر.
فأما إن كان بين موتهما أكثر من ذلك، كان عندنا مثل ذلك، وتعتد من وقت
موت الثاني عدة الحرة لما تقدم من الاحتياط، وقال بعض المخالفين في الأول مثل
ما قلناه، وإن اختلفا في تعليلها، وقال في الأخيرة: أنها تعتد أربعة أشهر وعشرا من
وقت موت الثاني وحيضة.
وأما الميراث فلا ترث من زوجها، ولا يوقف لها من ميراثه، لا عندنا ولا عندهم
لأن عندنا هي مملوكة لا ترث بحال، وإن كان لها ولد من سيدها فتحصل في ملكه،
وتنعتق عليه فلا ترث أيضا لأنه يجوز أن يكون الزوج مات أولا وهي مملوكة بعد،
ويحتمل أن يكون السيد مات أولا وصارت حرة فإذا مات الزوج فهي حرة، ولا تورث
بالشك لأن الأصل عدم الميراث.
إذا ملك الرجل أمة بابتياع فإن كان قد وطئها البائع فلا يحل للمشتري وطؤها إلا
بعد الاستبراء إجماعا، وهكذا إذا أراد المشتري تزويجها فلا يجوز له ذلك إلا بعد
الاستبراء، وكذلك إن أراد أن يعتقها ويتزوجها قبل الاستبراء لم يكن له ذلك، وكذلك
إذا استبرأها ووطئها ثم أراد تزويجها قبل الاستبراء لم يجز له ذلك، وقال بعضهم:
يجوز له تزويجها قبل الاستبراء ويجوز أن يعتقها ويتزوجها، وقد روي ذلك في بعض
أخبارنا، والأول أحوط، هذا إذا كان الأول وطئها.
456

وأما إذا كان لم يطأها مثل أن ابتاعها من امرأة أو صبي لا يجامع مثله، أو
مجبوب أو من عنين أو من رجل وطئها واستبرأها فلا يجوز له وطؤها قبل الاستبراء،
ويجوز تزويجها قبل ذلك، وروي في بعض أخبارنا أنه يجوز له وطؤها إذا اشتراها من
امرأة أو ممن يثق به أنه استبرأها، والأول أحوط.
المكاتب إذا جمع مالا واشترى به أمة للتجارة، فإن الشراء جائز، لأنه ربما
يكون فيه فضل وربح، فإن أراد وطأها لم يكن له، لأنه ربما تحبل فتتلف في
الولادة، والذي تشهد أخبارنا به أنه يجوز له وطؤها لما رووه من أحكام ولده إذا مات،
فإن أذن له السيد في ذلك جاز عندنا، وقال بعضهم: لا يحل.
ومن قال ليس له وطؤها قال: إن خالف ووطئ لم يلزمه الحد لأن وطأه صادف
ملكه، فإن أتت الأمة بولد ملكه لأنه ابن أمته، ولا يعتق عليه لنقصان ملكه، ولا
يجوز أن يبيعه لأن الأب يملك مع ابنه فيوقف معه، فإن أدى وعتق، عتق الابن تبعا
له، وإن عجز واسترقه السيد كان الولد رقيقا معه.
إذا ملك أمة بابتياع أو هبة أو إرث أو استغنام لا يجوز وطؤها إلا بعد الاستبراء
صغيرة كانت أو كبيرة، بكرا كانت أو ثيبا، تحبل أو لا تحبل، إلا أن تكون صغيرة لا
تحيض مثلها أو كبيرة كذلك، فإنه لا استبراء على هذين.
إذا باع جارية من امرأة ثقة وقبضها ثم استقالها فأقالته، جاز له ألا يستبرئها
ويطأها، والأحوط أن يستبرئها إن كان قبضها وإن لم يكن قبضها فلا استبراء عليها،
وفيها خلاف.
إذا ملكها حل له التلذذ بمباشرتها، والنظر إليها بشهوة، وبسائر أنواع
الاستمتاع، غير الوطء من القبل واللمس وغير ذلك، وكذلك حكم المسبية، وقال
بعضهم: لا يحل جميع ذلك، والأول أقوى، لأن ظاهر الملك يبيح جميع ذلك،
والوطء منعنا منه للإجماع.
إذا ابتاع أمة ولم يقبضها فاستبرأت بحيضة ثم قبضها فإنها لا تعتد بذلك
الاستبراء لعموم الأخبار، وكذلك إذا أوصي له بجارية فقبل الوصية فإنه يملكها بنفس
457

القبول، فإن استبرئت قبل أن يقبضها لم يعتد بذلك الاستبراء، فأما إذا ورث جارية
واستبرأها قبل القبض فإنه يعتد بذلك، لأن الموروث في حكم المقبوض، بدلالة
جواز بيعه والتصرف فيه والمبيع بخلاف ذلك.
إذا ابتاع جارية حاملا فإن استبراءها يكون بوضع الحمل، فإن وضعت بعد لزوم
العقد وانقضاء الخيار وقع الاستبراء به، وإن وضعت في مدة الخيار إما خيار الشرط
أو خيار المجلس، فمن قال تملك بالبيع وانقضاء العدة قال: لم يقع الاستبراء
بالوضع، لأنها حملت في غير ملكه، والاستبراء لا يحصل بالنفاس، لأنه ليس بطهر
ولا حيض، وتستبرأ بعد النفاس بقرء على الاختلاف في القرء هل هو حيض أو طهر.
فمن قال: إنه طهر، فإذا شرعت في الطهر طعنت في القرء، فإذا حاضت
حصل الاستبراء ومن قال: حيض، فإذا طهرت لم تطعن في القرء، فإذا حاضت
شرعت فيه، فإذا طهرت حلت وعلى ما نقوله من أن المبتاع يملك بنفس العقد، فإنه
يقع الاستبراء بوضع الحمل لأنها وضعته في ملكه.
إذا كاتب أمة، فإن ملكه يزول عن استمتاعها ويحرم عليه، فإن عجز وفسخ
السيد الكتابة عادت إلى ملكه، ولا تحل له إلا بعد الاستبراء، وكذلك إذا زوج أمته ثم
طلقت، وكذلك إذا ارتد السيد أو الأمة فإنها تحرم عليه، فإذا عاد المرتد إلى الإسلام
لم تحل إلا بعد الاستبراء.
وقال بعضهم: تحل في هذه المواضع بلا استبراء، وهو الأقوى عندي إلا
المطلقة فإنه يحتاج أن يمضي عليها مدة عدتها إن كان دخل بها الزوج، وإن لم يكن
دخل بها فلا عدة عليها، ولا يلزمه استبراؤها، ومتى خرجت من العدة إن كانت
مدخولا بها لا يلزمها استبراء آخر، وقال بعضهم: يلزمها، والأول هو الصحيح عندنا،
لأن استبراء الرحم قد حصل بمدة العدة.
وإن ابتاع أمة مجوسية فاستبرأت ثم أسلمت في ملكه لم يعتد بذلك الاستبراء
لأنه لم يقع به استباحة الوطء فلم يعتد به، وكذلك إن ابتاع أمة مجوسية ثم كاتبها
وأسلمت واستبرأت وهي مسلمة مكاتبة ثم عجزت نفسها، فإنها لا تعتد بذلك
458

الاستبراء لمثل ذلك، من أنه لم يحصل بذلك الاستبراء استباحة الوطء.
وهذا أصل لها، وهو أن كل استبراء لا يتعلق به استباحة وطء فإنه لا يعتد به
ويجب إعادته، ويقوى في نفسي أنه يستباح الوطء بذلك الاستبراء في هذه المواضع
لأن استبراء الرحم قد حصل.
إذا كان متزوجا بأمة ثم اشتراها فإن النكاح ينفسخ ويحل له وطؤها من غير استبراء.
العبد المأذون له في التجارة إذا ابتاع بالمال الذي في يده جارية صح ابتياعه،
فإن استبرأت الجارية في يد العبد ثم أراد السيد وطأها، فإنه إن لم يكن على العبد
دين كان له ذلك، لأنها مملوكة له لم يتعلق بها حق لغيره، وإن كان عليه دين لم
يحل له الوطء لحق الغرماء، فإن قضى حق الغرماء من الدين حل له وطؤها عندنا،
وقال بعضهم: لا يحل، لأن ذلك الاستبراء لم يستبح به الوطء.
كل جنس تعتد به الحرة فإنها تعتد به الأمة إلا أنهما تختلفان في مقداره
وتتساويان في وضع الحمل، وأما الأقراء فالحرة تعتد بثلاثة أقراء، والأمة بقرءين
والأمة المشتراة والمسبية بقرء، وأما المشهور فالحرة المطلقة تعتد بثلاثة أشهر عندنا
والأمة بخمسة وأربعين يوما وقال بعضهم: بثلاثة أشهر، وأما المسبية والمشتراة فإنها
تعتد عندنا بشهر، وفيهم من قال: بثلاثة أشهر.
وإن كان انقطع دمها لعارض استبرأت عندنا بخمسة وأربعين يوما لعموم الأخبار
وعندهم تصبر حتى تبلغ سن الآيسات، وإن كان لغير عارض فعلى قولين.
إذا باع جارية وادعى أنها حامل، فإنه يستحق ردها، وإنه تعرض على القوابل،
فإن قلن بها حمل كان له الرد ثم ينظر، فإن صدق البائع المبتاع أن الحمل كان
موجودا حال البيع كان له الرد به، وإن اختلفا في ذلك ففيه ثلاث مسائل.
إحداها: أن تضعه لأكثر من أقصى مدة الحمل من وقت العقد، فيعلم أنه من
المشتري ويتحقق حدوثه بعد البيع، فلا يملك الرد به.
الثانية: أن تأتي به لدون ستة أشهر من وقت البيع فيتحقق أنه من البائع ويعلم
459

أنه كان موجودا حال البيع فيثبت الرد.
الثالثة: أن يمكن الأمران بأن تأتي به لأكثر من ستة أشهر ودون أقصى مدة
الحمل، فالقول قول البائع مع يمينه، لأن الأصل عدم العيب، وهذا أصل في
العيوب.
إذا باع جارية وظهر حمل فادعى البائع أنه منه، وأنها أم ولده، فمضمون هذا
الإقرار أن نسب الولد لا حق به، وأنها أم ولده، وأن البيع باطل، فإن صدقه المبتاع
على ذلك فقد ثبت كونها أم ولد، وينفسخ البيع، وإن كذبه فإن لم يكن أقر حال
البيع أنه قد وطئها لم يقبل إقراره في هذه الحالة لأن الملك قد انتقل إلى المشتري في
الظاهر، فلا يقبل إقراره في ملك الغير.
فإذا ثبت أن إقراره لا يقبل في بطلان البيع وكونها أم ولد، فهل يلحقه نسب الولد
بهذا الإقرار؟ فالأقوى أنه يلحقه، لأنه لا ضرر على المشتري في ذلك، لأن الولد قد
يكون مملوكا لرجل ونسبه لا حق بغيره، وقال قوم: لا يقبل.
وأما إذا كان البائع أقر حال البيع أنه وطئها، فإذا أتت بالولد بعد الاستبراء لأقل
من ستة أشهر، فإن نسبه يلحق بالبائع بالإقرار المتقدم، وتصير أم ولده وينفسخ
البيع، وإن أتت به لأكثر من ستة أشهر من وقت الاستبراء لم يلحق البائع، ثم ينظر:
فإن لم يكن المشتري وطئها لم يلحقه نسب الولد، بل يكون مملوكا له، وإن
كان وطئها فإن أتت به لدون ستة أشهر من وقت الوطء لم يلحقه وإن أتت به لستة
أشهر فصاعدا لحقه، وتكون الأمة أم ولده.
وإن لم يكن المشتري استبرأها ولا البائع أيضا ووطئاها معا تستخرج عندنا
بالقرعة وعندهم فيه المسائل الأربع: أقل الحمل ستة أشهر وأكثر الحمل عندنا تسعة
أشهر وقال بعض أصحابنا: سنة، وقال قوم: أربع سنين، وقال آخرون: سنتان، وفيه
خلاف.
460

نزهة الناظر
في الجمع بين الأشباه والنظائر
تأليف المحقق يحيى بن سعيد الحلي
461

فصل
[عدد العدة]
العدد إحدى عشرة: ثلاثة أقراء، وقرآن اثنان، وقرء واحد مع شهرين
مضافين إليه، وقرء واحد وثلاثة أشهر، وخمسة وأربعون يوما، وأربعة أشهر
وعشرة أيام، وشهران وخمسة أيام، ووضع الحمل، وأبعد الأجلين، وتسعة أشهر.
فالثلاثة أقراء عدة ثمان إذا كن من ذوات الحيض: الحرة المدخول بها
سواء كان الحيض في الشهر مرة أو مرتين أو ثلاث مرات، وعدة الموطوءة
بملك اليمين إذا أعتقها سيدها، وعدة الأمة إذا طلقها زوجها طلاقا رجعيا ثم أعتقها
قبل خروجها من العدة، وعدة المرتد عنها زوجها عن غير فطرة إذا كانت حرة
مع الدخول بها إذا هرب ولم يقدر عليه، وعدة أخت الزوجة إذا عقد عليها غير
عالم بأنها أخت الزوجة مع الدخول بها إذا كانت حرة، وعدة بنت الزوجة إذا
عقد عليها غير عالم بأنها بنتها مع الدخول بها إذا كانت حرة، وعدة الأم
كذلك، وعدة من أدخلت على غير زوجها فوطئها اعتقادا بأنها زوجته إذا كانت
حرة.
وأما القرآن فعدة سبع إذا كن من ذوات الحيض: عدة المستمتع بها بعد
انقضاء أجلها مع الدخول بها سواء كانت حرة أو أمة، وعدة الأمة إذا طلقها
463

زوجها بعد الدخول، وعدة المرتد عنها زوجها عن غير فطرة، وعدة أم الزوجة
وبنت الزوجة وأخت الزوجة، وعدة من أدخلت على غير زوجها مع الدخول بها
أيضا. هؤلاء الخمس إذا كن من ذوات الحيض، فإن كن لا يحضن وفي سنهن من
تحيض فخمسة وأربعون يوما.
وأما القرء والشهران جميعا فعدة من طلقها زوجها بعد الدخول بها
وحاضت حيضة واحدة بعد طلاقها ثم ارتفع حيضها ببلوغ سنها إلى الخمسين أو
الستين، فإنها تعتد بعد القرء المذكور بشهرين.
وأما القرء الواحد فعدة الأمة إذا اشتريت وكان سيدها الأول يطأها إذا
كانت من ذوات الحيض، فإن كانت لا تحيض وفي سنها من تحيض فخمسة
وأربعون يوما.
وأما الثلاثة الأشهر فعدة اثنتي عشرة: عدة المطلقة الحرة إذا كانت لا
تحيض وفي سنها من تحيض، وعدة الموطوءة بملك اليمين إذا أعتقها سيدها
وكانت لا تحيض وفي سنها من تحيض، وعدة الأمة إذا طلقها زوجها طلاقا
رجعيا ثم أعتقت قبل خروجها من العدة إذا كانت لا تحيض وفي سنها من
تحيض، وعدة المسترابة بالحمل بعد الطلاق ومضى تسعة أشهر، وعدة المرأة إذا
كانت لا تحيض إلا في ثلاث سنين أو في أربع سنين حيضة واحدة وكان ذلك
عادة لها مستمرة، فإن كان عادتها غير ذلك وهي ناسية لها فكذلك ثلاثة أشهر،
وإن كانت ذاكرة لها اعتدت بمثل زمان قرئها في حال استقامتها، وعدة من طلقها
زوجها وهو غائب عنها إذا لم يكن سنها خمسين سنة أو ستين سنة، فإن كان سنها
كذلك فلا عدة لها، وعدة من كان لها عادة في كل شهر أو شهرين مرة واحدة
ثم تغيرت عادتها فصارت لا ترى الدم إلا في كل أربعة أشهر أو ما زاد على ذلك
مرة واحدة، وعدة المرتد عنها زوجها وأم الزوجة وبنت الزوجة وأخت الزوجة
ومن أدخلت على غير زوجها على ما تقدم إذا كن حرائر وكن لا يحضن وفي
سنهن من تحيض.
464

وأما الخمسة والأربعون يوما فعدة ثمان: السبع اللاتي تقدمن، وعدة الأمة
إذا اشتريت وكان سيدها يطأها إذا كانت لا تحيض وفي سنها من تحيض.
وأما الأربعة أشهر وعشرة أيام فعدة خمس:
المتوفى عنها زوجها إذا كانت حرة غير حامل سواء كانت صغيرة أو كبيرة
متمتعا بها أو غير متمتع مسلمة أو يهودية أو نصرانية. وقال المفيد وسلار: عدة
المتمتع بها إذا مات عنها زوجها شهران وخمسة أيام.
وعدة المرتد عنها زوجها عن فطرة سواء قتل في الحال أو هرب ولم يقدر
عليه تعتد من يوم ارتداده.
وعدة الأمة إذا مات عنها سيدها أو طلقها طلاقا رجعيا ثم مات عنها إذا
كانت أم ولد لسيدها فإن لم تكن أم ولد فعدتها شهران وخمسة أيام.
وعدة الأمة إذا مات عنها سيدها وكان يطأها بملك اليمين سواء كان لها
منه ولد أو لم يكن.
وعدة المفقود عنها زوجها بعد رفع خبره إلى الإمام وينفذ من يتعرف خبره
في الآفاق أربع سنين إذا لم يكن للمفقود ولي ينفق عليها.
وأما الشهران وخمسة أيام فعدة الأمة إذا مات زوجها عنها ولم يكن لها ولد
من سيدها.
وأما وضع الحمل فعدة المطلقة سواء كانت حرة أو أمة ولو كان بعد
الطلاق بلحظة واحدة.
وأما أبعد الأجلين فعدة الحامل إذا مات عنها زوجها، ومعناه إن وضعت
قبل أربعة أشهر وعشرة أيام تممت الأربعة أشهر وعشرة أيام، وإن مضى أربعة
أشهر وعشرة أيام ولم تضع صبرت حتى تضع ولو كان بعد ستة أشهر إلى تسعة
أشهر.
وأما التسعة الأشهر فالتربص بالمسترابة.
465

فصل
[في العدد المختلفة]
عدد البائنات مع الدخول إحدى وعشرون عدة:
عدة المتوفى عنها زوجها، وعدة المطلقة للحرة، وعدة المطلقة الثانية للأمة
سواء كانت تحت حر أو عبد، وعدة الخلع فإن رجعت فيما بذلت كان له
الرجوع في بضعها، فإن كان الخلع قبل الدخول فلا رجوع لها، وكذلك إن
كان الخلع بعد طلقتين.
وعدة المباراة كذلك، وعدة الصماء أو الخرساء إذا حرمت عليه بالقذف
أبدا، وعدة زوجته التي أرضعت زوجة له أخرى صغيرة الرضاع المحرم، وعدة
اللعان، وعدة التي ارتد عنها زوجها عن فطرة، وعدة المرأة إذا تزوج عليها بنت
أخيها أو بنت أختها واختارت فسخ نكاح نفسها، ولي في هذا القسم نظر للخبر
الآتي.
وعدة بنت الأخ أو بنت الأخت إذا فسخت عمتها أو خالتها نكاحها، وقد
روي بأن نكاحها باطل، وسيأتي الخبرية.
وعدة من فسخت نكاح زوجها بعيب يوجب رده، أو فسخ زوجها نكاحها
بعيب يوجب ردها، وعدة الأمة إذا بيعت أو بيع زوجها إذا اختار البائع أو
المشتري فسخ نكاحها، وعدة الحرة إذا تزوج عليها أمة واختارت فسخ نكاح
نفسها، وعدة الحرة إذا تزوج بها وله زوجة أمة واختارت الحرة فسخ نكاح
نفسها، وقد روي أن نكاح الأمة باطل.
وعدة الحرة إذا تزوج بها وله زوجة يهودية أو نصرانية، وعدة الأمة إذا
تزوج بها على حرة واختارت الحرة فسخ نكاح الأمة، وعدة الأمة إذا أعتقت
واختارت فسخ نكاح زوجها، وعدة من أمرها سيدها باعتزال زوجها الذي هو
عبده.
وجميع هذه الأقسام إنما تجب العدة فيها مع الدخول بالمرأة، فإن لم يكن
466

هناك دخول فلا عدة إلا المتوفى عنها زوجها فإنه يجب عليها العدة سواء دخل
بها أو لم يدخل، روى محمد بن أحمد بن يحيى، عن بنان بن محمد، عن موسى
بن القاسم، عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام أنه قال: ولا
تزوج بنت الأخ والأخت على العمة والخالة إلا برضى منهما فمن فعل ذلك
فنكاحه باطل.
وروى محمد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب،
عن ابن رئاب، عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام من جملة خبر: فإن تزوج
عليهما حرة مسلمة ولم تعلم أن له امرأة نصرانية ويهودية ثم دخل بها فإن لها ما
أخذت من المهر فإن شاءت أن تقيم بعد معه أقامت وإن شاءت أن تذهب إلى
أهلها ذهبت، وإذا حاضت ثلاث حيض أو مرت لها ثلاثة أشهر حلت للأزواج،
قلت: فإن طلق عليها اليهودية والنصرانية قبل أن تنقضي عدة المسلمة، له عليها
سبيل أن يردها إلى منزله؟ قال: نعم.
وقد تقدم في فصل اللاتي يحرم نكاحهن في حال دون حال خبر صحيح
أن من تزوج بأمة على حرة فنكاحها باطل.
467

تبصرة المتعلمين
في أحكام الدين
للشيخ جمال الدين أبي منصور الحسن بن سديد الدين
يوسف بن زين الدين علي بن محمد مطهر الحلي المشتهر بالعلامة الحلي
والعلامة على الإطلاق
647 - 726 ه‍. ق
469

كتاب الفراق
وفيه فصول:
الفصل الأول: في الطلاق:
ويشترط في المطلق: البلوغ والعقل والاختيار والقصد. وللولي أن يطلق
عن المجنون لا الصغير والسكران.
وفي المطلقة: دوام الزوجية، وخلوها عن الحيض والنفاس إن كان حاضرا
ودخل بها، ولو كان غائبا يقدر انتقالها من طهر إلى آخر صح طلاقه ولو كانت
حائضا، وأن يطلقها في طهر لم يقربها فيه بجماع إلا في الصغيرة واليائسة
والحامل، والمسترابة تصبر ثلاثة أشهر.
ولا يقع إلا بقوله " طالق " مجردا عن الشرط والصفة، ويشترط سماع
رجلين عدلين.
الفصل الثاني: في أقسامه:
وهو بدعة وسنة.
فالأول: طلاق الحائض الحائل أو النفساء مع حضور الزوج والمسترابة
قبل ثلاثة أشهر، وطلاق الثلاث مرسلا والكل باطل.
والثاني: بائن ورجعي.
471

فالأول: طلاق اليائسة، والصغيرة، وغير المدخول بها والمختلعة والمباراة
مع استمرارها على البذل، والمطلقة ثلاثا بينها رجعتان.
والثاني: ما عداه مما للرجل المراجعة فيه.
وطلاق العدة من أحد هذه: ما يراجع في العدة ويواقع ثم يطلق بعد
الطهر، فهذه تحرم بعد تسع ينكحها بينها رجلان مؤبدا. وما عداه تحرم في كل
ثالثة حتى تنكح غيره.
ويشترط في المحلل: البلوغ والوطء قبلا بالعقد الصحيح الدائم، وكما
يهدم الثلاث يهدم ما دونها.
ويصح الرجعة نطقا وفعلا، ولا يجب فيها الإشهاد، ويقبل قول المرأة في
انقضاء العدة بالحيض.
ويكره طلاق المريض ويقع لكن ترثه المرأة - وإن كان بائنا - إلى سنة، ما
لم يمت بعدها - ولو بلحظة - أو تتزوج هي، أو يبرأ من مرضه، وهو يرثها في
الرجعي في العدة، ونكاحه صحيح مع الدخول وإلا فلا.
الفصل الثالث: في العدد:
لا عدة في الطلاق على الصغيرة واليائسة وغير المدخول بها، والمستقيمة
الحيض عدتها ثلاثة أقراء إن كانت حرة وإلا فقرءان، وإن كانت في سن من
تحيض ولا حيض لها فعدتها ثلاثة أشهر إن كانت حرة، وإلا فشهر ونصف.
والحامل عدتها وضع الحمل وإن كان سقطا.
وعدة الحرة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرة أيام، صغيرة أو يائسة
أو غيرهما، دخل أو لا، ولو كانت حاملا فأبعد الأجلين، وعليهما الحداد ولو
كانت أمة فشهران وخمسة أيام، والحامل بأبعد الأجلين.
وأم الولد تعتد من وفاة الزوج كالحرة، وغيرها كالأمة، ولو مات زوج
الأمة ثم أعتقت اعتدت كالحرة، ولو أعتق أمته بعد وطئها اعتدت بثلاثة أقراء،
472

ولو مات بعد الطلاق رجعيا اعتدت الحرة والأمة للوفاة، ولو كان بائنا أتمت عدة
الطلاق.
ولا يجوز للزوج أن يخرج الرجعية من بيت الطلاق حتى يخرج عدتها إلا
أن تأتي بفاحشة، ولا لها أن تخرج إلا مع الضرورة بعد نصف الليل وترجع قبل
الفجر، وعليه نفقة عدتها.
وتعتد المطلقة من وقت إيقاعه، والمتوفى عنها من حين البلوغ.
الفصل الرابع: في الخلع والمباراة:
ولا يقع الخلع بمجرده ما لم يتبع بالطلاق على قول، ولا بد فيه من الفدية،
وهي ما يصح تملكه بشرط التعيين، واختيار المرأة، وله أن يأخذ أزيد مما أعطاها.
ويشترط في الخالع: التكليف، والاختيار، والقصد. وفي المرأة - مع
الدخول - الطهر الذي لم يقربها فيه بجماع مع حضوره، وانتفاء الحمل، وإمكان
الحيض، واختصاصها بالكراهية، وحضور شاهدين عدلين، وتجريده عن شرط لا
يقتضيه العقد، ويبطل لو انتفت الكراهية منها، ولا يملك الفدية، ولها الرجوع في
الفدية ما دامت في العدة، وإذا رجعت كان له الرجوع في البضع وإلا فلا، ولا
توارث بينهما في العدة.
ولو بانت الفدية مستحقة - قيل - يبطل الخلع، ولو بدلت الأمة مع الإذن صح، وبدونه تتبع به.
ولو كانت فدية المسلم خمرا فإن أتبع بالطلاق كان رجعيا، ولو خالعها
على ألف ولم يعين بطل، ولو خالع على خل فبان خمرا صح، وله بقدره خل.
ولو طلق بفدية كان بائنا وإن تجرد عن لفظ الخلع، ولو قالت: طلقني
بكذا، كان الجواب على الفور، فإن تأخر فلا فدية وكان رجعيا.
وشروط المباراة كالخلع إلا أن الكراهية منهما، وصورتها: بارأتك بكذا
فأنت طالق، وهي بائن ما لم ترجع في البذل في العدة، ولا يحل له الزائد على ما
473

أعطاها.
الفصل الخامس: في الظهار:
وهو حرام، وصورته أن يقول لزوجته: أنت علي كظهر أمي، أو إحدى
المحرمات.
وشرطه: سماع شاهدي عدل، وكمال المظاهر، والاختيار، والقصد،
وإيقاعه في طهر لم يجامعها فيه إذا كان حاضرا ومثلها تحيض، وفي المتمتع بها
والأمة وغير المدخول بها، ومع الشرط قولان ولا يقع في إضرار ولا يمين.
ومع إرادة الوطء يجب الكفارة، بمعنى تحريم الوطء حتى يكفر، فإن طلق
وراجع في العدة لم تحل حتى يكفر، ولو خرجت أو كان بائنا فاستأنف في
العدة أو مات أحدهما أو ارتد فلا كفارة، ولو وطأ قبل التكفير عامدا لزمته
كفارتان، ويتكرر بكل وطء كفارة، ولو عجز أجزأه الاستغفار.
وإذا رافعته أنظره الحاكم ثلاثة أشهر من حين المرافعة فيضيق عليه بعدها
حتى يكفر أو يطلق.
ولو ظاهر زوجته الأمة ثم اشتراها ووطأها بالملك فلا كفارة.
الفصل السادس: في الإيلاء:
ولا ينعقد بغير اسم الله تعالى، ولا لغير إضرار من كامل مختار قاصد، وإن
كان عبدا أو خصيا أو مجبوبا.
ولا بد أن تكون المرأة منكوحة بالدائم، مدخولا بها، يولي مطلقا أو أزيد من
أربعة أشهر.
وإذا رافعته أنظره الحاكم أربعة أشهر، فإن رجع وكفر وإلا ألزمه الطلاق أو
الفيئة والتكفير، ويضيق عليه في المطعم والمشرب حتى يفعل أحدهما، ويقع
الطلاق رجعيا.
474

ولو آلى مدة فدافع حتى خرجت فلا كفارة، وعليه الكفارة لو وطأ قبله،
ولو ادعى الإصابة فالقول قوله مع يمينه.
وفئة القادر الوطء قبلا، وفئة العاجز إظهار العزم على الوطء مع القدرة، ولا
يتكرر الكفارة بتكرر اليمين.
الفصل السابع: في اللعان:
وسببه: قذف الزوجة بالزنى مع ادعاء المشاهدة وعدم البينة وإنكار ولد
يلحق به ظاهرا.
ويشترط في الملاعن والملاعنة: التكليف، وسلامة المرأة من الصمم
والخرس، ودوام النكاح، وفي اشتراط الدخول قولان.
وصورته: أن يقول الرجل: أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما قلته عن هذه
المرأة، أربع مرات، ثم يعظه الحاكم، فإن رجع حده، وإلا قال: أن لعنة الله عليه
إن كان من الكاذبين، ثم تقول المرأة أربع مرات: أشهد بالله إنه لمن الكاذبين، ثم
يعظها الحاكم، فإن اعترفت رجمها وإلا قالت: أن غضب الله عليها إن كان من
الصادقين، فتحرم أبدا.
ويجب: التلفظ بالشهادة، وقيامهما عند التلفظ، وبداءة الرجل، وتعيين
المرأة، والنطق بالعربية مع القدرة، ويجوز غيرها مع العذر، والبدأة بالشهادات
ثم باللعن في الرجل، وفي المرأة تبدأ بالشهادات ثم بالغضب.
ويستحب: جلوس الحاكم مستدبر القبلة، ووقوف الرجل عن يمينه والمرأة
عن يساره، وحضور من يسمع اللعان، والوعظ قبل اللعن والغضب.
ولو أكذب نفسه بعد اللعان حد للقذف، ولم يزل التحريم، ويرثه الولد مع
اعترافه بعد اللعان، ولا يرثه الأب ولا من يتقرب به. ولو اعترفت المرأة بعد اللعان
أربعا، قيل تحد، ولو ادعت المرأة المطلقة الحمل منه فأنكر الدخول فأقامت بينة
بإرخاء الستر، فالأقرب سقوط اللعان ما لم يثبت الدخول.
475

إرشاد الأذهان
للشيخ جمال الدين أبي منصور الحسن بن سديد الدين يوسف بن زين الدين
علي بن محمد مطهر الحلي المشتهر بالعلامة الحلي والعلامة على الإطلاق
647 - 726 ه‍. ق
477

كتاب الفراق
وفيه مقاصد:
الأول: في الطلاق:
وفيه مطالب:
الأول: في شرائطه:
يشترط في المطلق: البلوغ، والعقل، ويطلق الولي أو السلطان - مع عدمه
والغبطة - عن المجنون، ومن بلغ فاسد العقل، لا الصبي والسكران.
والاختيار، فلو أكره لم يصح، ويحصل الإكراه بالتوعد بفعل المضر
بالمكره، أو بمن يجري مجراه كالأب والولد، وإن كان شتما للمترفع عنه، لا
الضرر اليسير من القادر مع ظن فعله.
والقصد، فلا عبرة بالصيغة من دونه، ويصدق لو قال: لم أنو وإن تأخر،
ما لم تخرج العدة.
ودوام الزوجية، فلا يقع بالمتمتعة وملك اليمين، ولا يصرف إلى هبة
الأجل.
وخلو المدخول بها الحائل الحاضر زوجها من حيض ونفاس، ولا يشترط
في فاقدة أحد الأوصاف، ولو طلق الغائب صح وإن كان في الحيض إن غاب
مدة يعلم انتقالها من قرء الوطء إلى آخر، ولو طلق الحاضر أو الغائب دون المدة
479

وصادف حيضا بطل وإن لم يعلم، وتصدق المرأة، ولو خرج في طهر لم يقربها
فيه جاز طلاقها مطلقا وإن صادف الحيض، وكذا غير المدخول بها، والحاضر
المنقطع عنها بمنزلة الغائب.
وأن تكون مستبرأة، فلو طلق من هي في سن من تحيض وهي حائل في طهر
المواقعة بطل، إلا أن يمضي للمسترابة ثلاثة أشهر من حين الوطء.
والنطق بالصيغة الصريحة المجردة عن الشرط، وهي: أنت أو هذه أو
زوجتي طالق، والأخرس يشير، وغير العربي إن عجز عن الصيغة أتى بالترجمة،
ولو كتب العاجز ونوى صح، ولا يقع بشئ من الكنايات وإن نوى الطلاق،
مثل: خلية، وبرية، والحقي بأهلك، واختاري نفسك، وأنت طلاق، أو الطلاق،
أو من المطلقات، أو اعتدي، ولو أجاب بنعم عقيب هل طلقت وقع، ولو علق
بشرط بطل، ولو قال: أنت طالق ثلاثا أو اثنتين صح واحدة لا غير على رأي،
وتقع الثلاث من المخالف لو اعتقده، ولو قال: أنت طالق أحسن طلاق أو أقبحه
صح، ولو قال: لرضا فلان وقصد الغرض صح، وإن قصد الشرط بطل، وكذا
الضمائم غير المنافية، مثل: نصفي طلقة، أو بعدها طلقة، أو معها، أما لو قال:
نصف طلقة، أو قبلها طلقة، أو بعد طلقة، أو نصف طلقتين لم يقع.
وإيقاع الطلاق بالزوجة، فلو قال: أنا منك طالق، أو فلانة الأجنبية طالق،
أو يد زوجتي، أو رجلها، أو رأسها، أو وجهها، أو ثلثها طالق لم يقع.
وإسماع عدلين ذكرين إنشاء الطلاق دفعة، ولو تجرد عن الشهادة لم يقع
وإن شهدا بالإقرار أو أحدهما به والآخر بالإنشاء، ولو أشهد بعد إيقاعه فلا عبرة
بالأول وحكم عليه بالثاني إن أوقع الصيغة، ولو قصد الإخبار لم يصح، ولو
شهدا بالإقرار حكم عليه ظاهرا وإن لم يجتمعا.
ولا يشترط تعيين المطلقة على رأي، فلو قال لزوجاته: إحداكن طالق أو
زوجتي طالق ولم ينو التعيين صح ويعين له من شاء، ولو مات أقرع، ولو قال
للزوجة والأجنبية: إحداكما طالق قبل قوله في قصد الأجنبية، ولو قال: زينب
480

طالق وهو مشترك بين الزوجة والأجنبية لم يصدق في قصد الأجنبية، ولو قال
للأجنبية: أنت طالق لظنه أنها الزوجة لم يقع، ولو قال: يا زينب فقالت عمرة:
لبيك فقال: أنت طالق طلقت المنوية، ولو قصد المجيبة لظنه أنها زينب فالوجه
عدم الطلاق، ولو قال: زينب أو عمرة طالق عين من شاء، ولو قال: زينب أو
عمرة وهند طالق عين الأولى أو الأخيرتين، ولو قال: زينب طالق ثم قال: أردت
عمرة قبل، ولو قال: زينب طالق بل عمرة طلقتا.
المطلب الثاني: في أقسامه:
وهو: بائن، ورجعي.
فالبائن: طلاق غير المدخول بها، واليائسة، والصغيرة، والمختلعة والمباراة
إن لم ترجعا في البذل، والمطلقة ثلاثا برجعتين. وما عداه رجعي.
وينقسم أيضا إلى: طلاق سنة، وطلاق عدة.
فطلاق العدة: أن يطلق المدخول بها على الشرائط، ثم يراجعها في العدة
ويواقعها، ثم يطلقها في طهر آخر، فإذا فعل ذلك ثلاثا حرمت إلا بالمحلل،
وتحرم في التسع ينكحها بينها رجلان مؤبدا.
وطلاق السنة: أن يطلق المدخول بها على الشرائط ولا يراجعها إلا بعد
العدة بعقد جديد، ولا تحرم بعد التاسعة، ولو راجع في العدة وطلق قبل الوطء
صح ولم يكن للعدة وإن كان في طهر المراجعة.
وكل حرة، مطلقة ثلاثا بينها رجعتان تحرم إلا بالمحلل، ولا يجب الطلاق
للشك فيه، ولو ادعى الغائب بعد الحضور والدخول الطلاق في الغيبة لم يلتفت
إلى بينته، وليس للغائب إذا طلق التزويج برابعة أخرى أو بأخت الزوجة إلا بعد
تسعة أشهر، إلا مع علم خلوها من الحمل فيكفيه ثلاثة أقراء أو ثلاثة أشهر.
ويشترط في المحلل: بلوغه، واستناد وطئه إلى عقد دائم، ووطؤه قبلا حتى
تغيب الحشفة وإن كان خصيا أو أكسل، وفي هدم ما دون الثلاث روايتان،
481

وتحل الذمية بتحليل الذمي إذا أسلمت، وكل أمة طلقت مرتين بينهما رجعة تحرم
بدون المحلل، ولا يكفي وطء المولى، ولا تحل لو ملكها، ولو أعتقت بعد طلقة
بقيت على أخرى، ولا تحل لو وطأها المحلل بعد الارتداد، وفي وطء المحرم
والحائض قولان، وتصدق الثقة في ادعاء التحليل وانقضاء العدة مع الإمكان،
وفي ادعائها الإصابة لو أنكرها المحلل.
كلام في الرجعة:
تصح لفظا كرجعت وراجعت وارتجعت وإنكار الطلاق، وإشارة الأخرس
مجردا عن الشرط - وفي تزوجت إشكال - وفعلا كالوطء والقبلة واللمس
بشهوة.
وتصح مراجعة الذمية دون المرتدة، إلا إذا رجعت فيستأنف، فلو راجع
فأنكرت الدخول أولا قدم قولها مع اليمين، وكذا تصدق لو ادعت الانقضاء
بالحيض في المحتمل، وفي عدم الانقضاء دون الانقضاء بالأشهر، ولو ادعت
الوضع قبل وإن لم تحضر الولد، ولو ادعت الحمل وأحضرت ولدا فأنكر
الزوج الأمرين قدم قوله، ولو ادعت الانقضاء فادعى الرجعة قبله قدم قولها، ولو
راجعها فادعت بعدها الانقضاء قبلها قدم قوله، ولو صدقته الأمة على الرجعة في
العدة لم يلتفت إلى إنكار المولى، ويستحب الإشهاد.
فائدة:
تجوز الحيلة بالمباح وتحرم بالمحرم وتفيد حكم المباح، فلو زنى بامرأة
لتحرم على أبيه أفاد التحريم إن نشرنا بالزنى ولو حملت زوجها على اللواط لتحرم
عليه أخته وأمه وبنته نشرت الحرمة إليهن، ويحلف من برئ بقضاء أو إبراء على
عدم الاستدانة، وتجب التورية في الكاذبة، والنية نية المحق من الخصمين.
482

المطلب الثالث: في العدد:
وفصوله أربعة:
الأول: في عدة الحرائر في الطلاق:
لا عدة على غير المدخول بها وإن خلا، وتجب بغيبوبة الحشفة قبلا أو دبرا
وإن كان خصيا، ولو كان مقطوع الذكر سليم الخصيتين قيل: تجب العدة
لإمكان المساحقة، ولو حملت اعتدت قطعا.
أما المدخول بها، فإن كانت مستقيمة الحيض فعدتها ثلاثة أقراء - وهي:
الأطهار - وبرؤية الدم الثالث تنقضي العدة وإن كانت تحت عبد، وتعتد بالقرء
المتعقب ولو لحظة، ولو تعقب الحيض بلا فصل صح الطلاق ولم يعد في
الأطهار، والمرجع في الطهر والحيض إليها، وأقل زمانها ستة وعشرون ولحظتان
الأخيرة دلالة، وإن كانت في سن من تحيض ولا حيض فعدتها ثلاثة أشهر، ولا
عدة على الآيسة والصغيرة، والمسترابة تعتد بالأسبق من الأطهار والأشهر، ولو
رأت حيضا في الثالث وتأخرت الثانية أو الثالثة صبرت تسعة أشهر ثم أكملت
سنة، ولو أيست بعد حيضة أكملت شهرين، ولو كانت تحيض في كل ستة أشهر
أو خمسة اعتدت بالأشهر.
والمضطربة ترجع إلى أهلها أو التمييز، فإن فقدت اعتدت بالأشهر، ولو
ارتابت بالحمل بعد العدة جاز نكاحها لا قبلها، ولو ظهر الحمل بعد النكاح بطل
الثاني.
والحامل تعتد بوضع الحمل وإن تعقب الطلاق تاما أو غير تام مع تحققه
حملا لا مع الشك، ولو ادعته صبر عليها تسعة أشهر، ولا تخرج بوضع أحد
التوأمين، ولو طلق الحامل من زنا اعتدت بالأشهر، ومن شبهة اعتدت بها بعد
الوضع، ولو مات في العدة الرجعية استأنفت عدة الوفاة دون البائن، والقول
قولها لو اختلفا في زمان الوضع واتفقا على زمان الطلاق، وبالعكس يقدم قوله،
ولو أتت بولد لستة أشهر بعد اعترافها بالانقضاء فالأقرب إلحاقه به ما لم يتجاوز
483

العشرة.
والفسخ كالطلاق، والموطوءة بالشبهة تعتد كالطلاق وإن مات الواطئ، و
لو تزوجت في العدة لم تنقطع، فإن دخل الثاني في العدة عالما بالتحريم فهي
في عدة الأول وإن حملت وإن كان جاهلا أتمت عدة الأول واستأنفت للثاني، ولو
حملت اعتدت بوضعه لمن يلحق به، فإن كان للثاني أتمت عدة الأول بعد
وضعه، وإن كان للأول اعتدت بعد وضعه للثاني بثلاثة أقراء، ولو انتفى عنهما
أتمت بعد وضعه عدة الأول واستأنفت بعدها عدة الثاني، ولو راجع في العدة ثم
طلق أو خالع قبل الوقاع استأنفت العدة، ولو خالعها ثم تزوجها في العدة
وطلقها قبل الوقاع فلا عدة، ولو وطأها بعد البائن لشبهة تداخلت العدتان، ولو
حملت من آخر في الرجعية أكملت عدة الأول بعد الوضع، وللزوج الرجوع في
العدة دون زمان الحمل.
الفصل الثاني: في عدتهن في الوفاة:
وعدة الحائل أربعة أشهر وعشرة أيام، وإن كانت صغيرة أو آيسة أو لم
يدخل بها أو كان صغيرا، والحامل بأبعد الأجلين، وعليها الحداد - وهو: ترك
الزينة والطيب - وإن كانت صغيره أو ذمية، والأقرب سقوطه عن الأمة، ولو مات
قبل تعيين المطلقة اعتددن أجمع للوفاة، ولو عين قبل الموت اعتدت للطلاق من
وقته، ولو كان رجعيا ثم مات فيها اعتدت للوفاة، والغائب أن عرف خبره أو
أنفق وليه صبرت أبدا، وإلا رفعت أمرها إلى الحاكم إن شاءت ليبحث عنه أربع
سنين، فإن ظهر خبره صبرت وأنفق عليها من بيت المال، وإلا أمرها بعدة الوفاة
ثم تتزوج بغيره، فإن جاء في العدة فهو أملك بها، وإلا فلا، ويتوارثان في العدة
ولو ظاهر أو آلى في العدة صح، ولا نفقة لها في العدة، ولو ادعى الوطء سرا
وجاءت بولد لستة أشهر من وطء الثاني لم يقبل، والذمية في الطلاق والموت
كالحرة، وتعتد للوفاة من حين بلوع الخبر، وفي الطلاق من حين إيقاعه.
484

الفصل الثالث: في عدة الأمة والاستبراء:
تعتد الأمة في الطلاق مع الدخول بطهرين، وأقل زمانها ثلاثة عشر يوما
ولحظتان، وإن لم تحض وهي من أهله اعتدت بشهر ونصف وإن كانت تحت
حر، ولو أعتقت في العدة الرجعية أتمت عدة الحرة، والبائن تتم عدة أمة، وتعتد
في الوفاة بشهرين وخمسة أيام، والحامل بأبعد الأجلين. ولو كانت أم ولد
لمولاها فعدتها أربعة أشهر وعشرة أيام، فإن مات في الرجعية استأنفت عدة
الحرة، وإن لم تكن أم ولد استأنفت عدة أمة، والبائن تتم عدة الطلاق، ولو أعتقت
في عدة الوفاة أتمت عدة الحرة، ولو دبرها المولى الواطئ اعتدت من وفاته بأربعة
أشهر وعشرة أيام، ولو أعتقها في حياته اعتدت بثلاثة أقراء، ولو اشترى زوجته فلا
استبراء، ويكفي استبراء المملوك في وطء المولى، ولو انفسخت الكتابة فلا
استبراء، ولو ارتد المولى أو الأمة ثم عاد فلا استبراء، ولو طلقها الزوج وجبت
العدة وكفت عن الاستبراء، ولو استبرأها حربية أو محرما حلت بعد الإسلام،
والإحلال بغير استبراء آخر.
الفصل الرابع: في النفقة:
تجب على المطلق رجعيا نفقة الزوجة مدة العدة، من الإطعام والكسوة
والمسكن وإن كانت أمة - إذا أرسلها مولاها ليلا ونهارا - أو ذمية، ولا تجب في
البائن إلا أن تكون حاملا وإن كان من شبهة حتى تضع، ولا في المتوفى عنها وإن
كانت حاملا.
ويحرم في الرجعية إخراج الزوجة من بيت الطلاق، إلا أن تأتي بفاحشة،
وأدناه أن تؤذي أهله، ويحرم عليها الخروج وإن كانت في حجة مندوبة، وتخرج
في الواجبة، فإن اضطرت خرجت بعد نصف الليل ورجعت قبل الفجر، ولا
حجر في البائن والمتوفى عنها، ولو انهدم المسكن أو انقضت مدة الإجارة
خرجت، وكذا لو طلقها في دون حقها.
485

ولو أمرها بالتحويل فطلقها بعد نقل رحلها اعتدت في الأول، ولو انتقلت
وبقى رحلها اعتدت في الثاني، وإن رجعت لنقل متاعها فطلقت اعتدت في الثاني،
ولو طلقت في الطريق اعتدت في الثاني، ولو ارتحل أهل البادية ارتحلت معهم،
وإن بقي أهلها خاصة أقامت مع الأمن، فلو ارتحل أهلها خاصة ارتحلت، ولو
طلقت في السفينة وهي مسكن مثلها اعتدت فيها، وإلا طالبت بحقها، ولو سكنت
في منزلها ولم تطالب بمسكن فلا أجرة لها، وكذا لو استأجرته، ولو حجر عليه
بعد الطلاق فهي أحق بالسكنى، وقبله تضرب مع الغرماء بأجرة الأشهر،
والحائض بأقل زمان الأقراء، فإن انقضت وإلا ضربت بالباقي، وكذا الحامل
بأقله، فإن وضعت وإلا ضربت بالزائد.
المقصد الثاني: في الخلع والمباراة:
فيه مطلبان:
الأول: في الأركان:
وهي أربعة:
الأول: الصيغة:
وهي: خلعتك على كذا، أو أنت أو فلانة مختلعة على كذا، أو أنت طالق
على كذا، وهل يقع بمجرده؟ قولان، وهل هو فسخ أو طلاق؟ قولان، ولا يقع
بفاديتك أو فاسختك أو أبنتك إلا مع الطلاق، ولو طلبت طلاقا بعوض فخلعها
به لم يقع، وبالعكس يقع الطلاق رجعيا ولا يلزم البذل، ولو قال: أنت طالق
وعليك ألف أو بألف من غير سؤالها لم يلزم الفدية وإن ضمنت بعده، وكان
رجعيا، ولو قالت: طلقني بألف فالجواب على الفور، فإن تأخر فلا فدية وكان
رجعيا، ويشترط سماع عدلين الإيقاع دفعة، وتجريدها عن الشرط الخارج عن
مقتضى العقد لا ما يقتضيه، فيصح إن رجعت رجعت، أو تشرط هي الرجوع في
الفدية، أما خلعتك إن شئت لم يصح وإن شاءت، وكذا إن ضمنت لي ألفا أو
486

أعطيتني.
الثاني: الموجب:
وشرطه البلوغ والعقل والاختيار والقصد، ويصح من ولي الطفل عند من
لا يجعله طلاقا ولا يشترطه به، ومن المحجور عليه لسفه أو فلس ولا يسلم العوض
إليه، ومن الذمي والحربي، وإن كان العوض خمرا أو خنزيرا فإن أسلما أو أحدهما
بعد الإقباض برأت ذمته، وإلا ضمنت القيمة عند أهله.
الثالث: المختلعة:
وهي: كل زوجة بعقد دائم، جائزة التصرف، طاهرة من حيض أو نفاس،
لم يقربها فيه بجماع إن كانت مدخولا بها من ذوات الحيض، وكان زوجها
حاضرا معها، وبالجملة شرطها شرائط المطلقة.
وأن تكون الكراهية منها، فلو خلعها والأخلاق ملتئمة لم يصح، ولو طلقها
بعوض حينئذ فهو رجعي ولا عوض له.
ويصح من الحامل وإن كانت حائضا، وغير المدخول بها كذلك،
واليائسة حال الوطء والأمة، فإن أطلق المولى الإذن لزمه مهر المثل، ولو زادت
تبعت به وكذا تتبع بالأصل لو لم يأذن، ولو بذلت عينا فإن أذن صح وإلا بطل
البذل خاصة وتبعت بالمثل أو القيمة، والمكاتبة المطلقة كالحرة، والمشروطة
كالقن، ولا يجب لو قالت: لأدخلن من تكرهه، بل يستحب.
الرابع: الفدية:
وهو: كل مملوك وإن زاد عما أخذت، ويشترط العلم بالمشاهدة أو
الوصف الرافع للجهالة، فإن عين النقد وإلا فالبلد، ولو لم يعين الجنس ولا
قصده، أو وقع على حمل الدابة أو الجارية بطل الخلع، ولو بذلت خمرا بطل،
487

إلا أن يتبع بالطلاق فيصح رجعيا، ولو بان الخل خمرا فله بقدره خل، ولو
بذلت في مرض الموت صح ما قابل مهر المثل والزائد من الثلث.
ويصح البذل منها، ومن وكيلها، وممن يضمنه بإذنها، والأقرب المنع في
المتبرع، نعم لو قال: طلقها على ألف من مالها وعلي ضمانها، أو على عبدها
وعلي ضمانه صح، فإن لم ترض ضمن المتبرع، ولو قال أبوها: طلقها وأنت برئ
من صداقها كان رجعيا ولم يضمن الأب ولا تسلم إليه الفدية، ولو بذلت نفقة
معينة أو رضاعا صح ويؤخذ تدريجا، فإن ماتت أخذ الباقي من تركتها، ولو تلف
العوض قبل القبض ضمنت مثله أو قيمته، ولو دفعت دون الوصف فله الرد، ولو
بان المعين معيبا فله الأرش أو الرد والمطالبة بالمثل أو القيمة، ولو بان الإبريسم
كتانا فله قيمة الإبريسم، ولو بان مستحقا فله المثل أو القيمة، ولو خلعهما بفدية
واحدة فعليهما بالسوية، ولو قالتا: طلقنا بألف فطلق واحدة فله النصف، ولو
عقب طلاق الأخرى وقع رجعيا، ولا فدية لتأخر الجواب، ولو قالت، طلقني
بهذه الألف متى شئت لم يصح، فإن طلق فرجعي.
المطلب الثاني: في الأحكام:
مقتضى الخلع البينونة، فإن رجعت في البذل في العدة صار رجعيا له
الرجوع فيها، ولو رجعت ولما يعلم حتى انقضت العدة فالوجه صحة رجوعها
ولا رجعة له، وإنما يصح لها الرجوع في موضع يصح له الرجوع في البضع،
وليس له الرجوع من دون رجوعها في البذل، ولو شرط في الخلع الرجعة لم
يصح، ولو أكرهها على الفدية لم يصح ويكون الطلاق رجعيا إن عقب به، ولو
قالت طلقني ثلاثا بألف وقصدت الثلاث ولاء لم يصح وإن فعل، ولو قصدت
برجعتين ففعل فله الألف، ولو طلق واحدة فله ثلثها على رأي، ولو قالت: طلقني
واحدة بألف فطلق ثلاثا ولاء فله الألف إن جعلها في مقابلة الأولى، وإن جعلها
في مقابلة الثانية أو الثالثة صح الأول رجعيا ولا فدية له، ولو قال: في مقابله
488

الجميع فله بالأول الثلث.
ولا يخلع وكيلها بأزيد من المثل ولا وكيله بأقل منه، فإن بذل أزيد فسد
الخلع والبذل وصح الطلاق رجعيا، ولا يضمن الوكيل، ولو خلع وكيله بأقل
أو طلق به بطلا، ولو اختلفا في جنس ما اتفقا على قدره أو بالعكس، أو قالت:
خلعتني بألف في ذمة زيد حلفت ولا رجوع على زيد، أما لو ادعت ضمان زيد لم
يقبل.
والمباراة كالخلع في جميع الأحكام، إلا أن الكراهية منهما، ويجب اتباعه
بالطلاق، فلو اقتصر على الطلاق بالبذل صح، ولا يحل الزائد على ما أعطاها.
المقصد الثالث: في الظهار:
وفيه مطلبان:
الأول: في أركانه:
وهي أربعة:
الصيغة:
وهي قوله: أنت أو هذه أو زوجتي، علي أو مني أو عندي أو معي، كظهر أمي
أو مثل ظهر أمي، وكذا لو ترك الصلة فقال: أنت كظهر أمي، ولو شبهها بغير
الظهر كقوله: كيد أمي أو شعرها أو بطنها لم يقع، فلو قال: كأمي أو روحها
وقصد الكرامة لم يقع، وإن قصد الظهار قيل: يقع، ولو قال: يدك أو رجلك
أو ثلثك أو نصفك علي كظهر أمي لم يقع.
ويشترط في وقوعه سماع شاهدين عدلين دفعة، ولو جعله يمينا أو علقه
بانقضاء الشهر لم يقع، وفي وقوعه بالإضرار قول بالمنع، والأقوى وقوعه مع
الشرط، ولو علقه بمشيئة الله لم يقع، قال الشيخ رحمه الله: ولا يقع مقرونا
بالمدة، ولو قال: أنت طالق كظهر أمي وقع الطلاق خاصة إن قصد التأكيد،
وإن قصد الظهار وقع إن كان رجعيا، ولو قال: أنت حرام كظهر أمي وقع
489

الظهار إن قصده، ولو ظاهر من إحديهما إن ظاهر من الأخرى ثم ظاهرها وقعا،
ولو ظاهرها إن ظاهر فلانة الأجنبية أو أجنبية وقصد النطق وقع عنده، وإن قصد
الشرعي لم يقع، ولو قال: فلانة من غير وصف فتزوجها وظاهرها وقعا.
الثاني: المظاهر:
ويشترط بلوغه وعقله واختياره وقصده، فلو نوى به الطلاق لم يقع، ويصح
ظهار الذمي والعبد والخصي والمجبوب إن حرمنا غير الوطء مثل الملامسة.
الثالث: المظاهر منها:
ويشترط أن تكون منكوحة بالعقد، فلو علقه على نكاحها لم يقع، وطهرها
من حيض ونفاس لم يقربها فيه بجماع إن كان حاضرا وهي من ذوات الحيض،
ولو كان غائبا الغيبة التي يصح معها الطلاق، أو حاضرا وهي آيسة أو صغيرة
صح، وفي اشتراط الدخول قولان، ويكفي الدبر عند المشترط، والأقوى وقوعه
بالمستمتع بها وبالموطوءة بالملك، ويقع بالرتقاء والمريضة والصغيرة
والمجنونة.
الرابع: المشبه بها:
وهي الأم إجماعا، وفي غيرها من المحرمات بالنسب أو بالرضاع قولان،
ولو شبهها بغير الأم بما عدا الظهر لم يقع، ولا يقع لو قال: أنت علي كظهر
أجنبية، ولا كظهر الملاعنة، ولا كظهر أبي وأخي، ولا كظهر أم زوجتي أو زوجة
ابني أو أبي، ولو قالت هي: أنت علي كظهر أمي لم يقع.
المطلب الثاني: في الأحكام:
يحرم في المطلق الوطء حتى يكفر، سواء كان بالإطعام أو غيره، وقيل:
490

تحرم القبلة والملامسة، فإن وطأ قبل الكفارة لزمته كفارتان، فإن كرر فلكل
وطء كفارة، ولو وطأها خلال الصوم استأنف، وفي المشروط لا يحرم الوطء إلا
بوقوع الشرط وإن كان هو الوطء، ولو عجز استغفر الله تعالى ويطأ، ولا تجب
الكفارة إلا بالعود، وهو: إرادة الوطء، فلا يستقر بل يحرم الوطء بدونها، فإن
طلقها رجعيا ثم راجعها حرمت حتى يكفر، وإن تزوجها بعد العدة أو كان بائنا
وتزوجها فيها فلا كفارة، ولو ارتد أحدهما أو مات أو اشتراها إن كانت أمة أو
اشتراها غيره وفسخ العقد سقطت، والمظاهرة إن صبرت فلا اعتراض عليه، وإن
رفعت أمرها إلى الحاكم خيره بين التكفير والطلاق، وينظره ثلاثة أشهر من حين
الترافع، فإن انقضت ولم يجيز حبسه وضيق عليه طعامه وشرابه حتى يختار
أحدهما، ولا يطلق عنه ولا يجبره على أحدهما عينا، ولو كرر الظهار تكررت
الكفارة وإن تابعه، ولو وطأها قبل التكفير لزمه بكل وطء كفارة واحدة، ولو
قال لأربع: أنتن علي كظهر أمي فعن كل واحدة كفارة، ولو كفر قبل نية العود
لم يجزه.
المقصد الرابع: في الإيلاء:
وفيه مطلبان:
الأول: في أركانه:
وهي أربعة:
الحالف: وإنما يصح من: البالغ، العاقل، المختار، القاصد، وإن كان
مملوكا، أو ذميا، أو خصيا، أو مجبوبا، أو مريضا، أو مظاهرا، فإن طلق بعد مدة
الظهار فقد خرج من الحقين، وإلا ألزم الكفارة والوطء ثم يكفر بعده للإيلاء.
الثاني: المحلوف عليه، وصريحه: تغييب الحشفة في فرج امرأته المدخول
بها، وإيلاج الذكر والنيك، أما الجماع والوطء والمباضعة والمباشرة، فإن قرن
491

بها نيته وقع، وإلا فلا، ولو قال: لا جمع رأسي ورأسك مخدة، أو لا ساقفتك،
أو لأطيلن غيبتي أو بعدي، فالأقرب عدم وقوعه مع النية، ولو قال: لا جامعتك
في الحيض أو النفاس أو الدبر، أو علقه بشرط على رأي، أو قال للأخرى:
شركتك مع من آلى منها، أو في غير إضرار كصلاح اللبن وتدبير المرض، لم يقع،
ويقع على الحرة والمملوكة والذمية والمطلقة رجعيا - ويحتسب زمان العدة
من المدة - دون المستمتع بها على رأي، والموطوءة بالملك.
الثالث: المحلوف به، وهو الله تعالى مع التلفظ، ولا يقع بغيره كالطلاق
والعتاق والصوم والصدقة والتحريم وإن قصده، ولا بقوله: علي كذا إن أصبتك،
ويقع بكل لسان مع القصد، ولو تجرد عن النية لم يقع.
الرابع: المدة، ويقع على الامتناع مطلقا، أو على مدة تزيد على أربعة أشهر،
فلو حلف لا يجامعها أربعة أشهر لم يقع، ولو حلف في آخر الأشهر مرة أخرى لم
يقع، ولو قال: لا أصبتك حتى أدخل الدار لم يكن موليا، لإمكان تخلصه مع
الوطء بالدخول، ولو قال: لا أصبتك سنة إلا مرة فليس بمول في الحال، فإن
وطأ وقع، وإن بقي قدر التربص فصاعدا رافعته، وإلا بطل، ولو قال: لا وطأتك
حتى يقدم زيد، فإن ظن تأخره عن المدة وقع، وإلا فلا.
المطلب الثاني: في الأحكام:
إذا وقع الإيلاء، فإن صبرت فلا اعتراض، وإن رافعته إلى الحاكم خيره بين
الفيئة والطلاق، وينظره حرا كان أو عبدا أربعة أشهر حرة كانت أو أمة من حين
الترافع على رأي، فإن انقضت وطلق وقع رجعيا، وإن فاء ووطأ لزمته الكفارة،
ولا اعتراض للمولى مع أمته في المرافعة لضرب المدة والمطالبة بالفيئة بعدها،
ولو امتنع بعد المدة من الأمرين حبسه وضيق عليه حتى يختار أحدهما، ولو
492

ماطل حتى انقضت مدة الإيلاء سقطت الكفارة وبطل حكم الإيلاء، ولو أسقطت
حقها من المطالبة لم يسقط لأنه متجدد، ولو وطأ في مدة التربص وجبت الكفارة،
ولو وطأ ساهيا أو مجنونا أو اشتبهت بطل الإيلاء ولا كفارة وفيئة القادر غيبوبة
الحشفة في القبل، والعاجز إظهار العزم على الوطء مع القدرة، ويمهل القادر
حتى يخف المأكول أو يأكل أو يستريح، والقول قول مدعي بقاء المدة، ومن
يدعي تأخر الإيلاء، وقوله لو ادعى الإصابة، وليس لها المطالبة بعد الانقضاء مع
مانع الحيض والمرض بفيئة القادر، وتنقطع الاستدامة بتجدد أعذارها في المدة
دون أعذاره، فيحتسب مدة جنونه وينتظر حتى يفيق ومدة ردته، ويلزم المحرم
بفيئة العاجز وكذا الصائم، ولو وطأ حراما أثم وفاء، ويتخير الحاكم بين الحكم
على مذهبنا في الذميين إذا ترافعا إلينا، وبين ردهما إلى حاكمهما، ويجب أن يحكم
لو كان أحدهما مسلما، ولو اشتراها بعد الإيلاء ثم أعتقها وتزوجها بطل الإيلاء،
وكذا لو اشترته بعد إيلائه ثم أعتقته وتزوجت به، ولا تتكرر الكفارة بتكرره وإن
قصد غير التأكيد، ولو قال لأربع: والله لا وطأتكن جاز له وطء ثلاث. فيتعين
الإيلاء في الرابعة، ولو ماتت إحداهن قبل وطئها بطل الإيلاء، بخلاف طلاقها،
فإن الإيلاء ثابت في الباقي، لإمكان وطء المطلقة ولو بشبهة، ولو قال: لا وطأت
واحدة منكن تعلق الإيلاء بالجميع، ويحنث بوطئ واحدة وينحل في الباقي، ولو
طلق واحدة فالإيلاء ثابت في الباقي، ويصدق لو ادعى تعيينه، ولو قال: لا وطأت
كل واحدة منكن فكل واحدة مولى منها، فمن طلقها وفاها حقها وبقى الإيلاء في
البواقي، وكذا لو وطأها.
المقصد الخامس: في اللعان: ومطالبه ثلاثة:
الأول: في السبب:
وهو أمران:
493

الأول: قذف الزوجة المحصنة المدخول بها بالزنى قبلا أو دبرا، مع دعوى
المشاهدة وعدم البينة.
فلو قذف الأجنبية أو الزوجة من غير مشاهدة حد ولا لعان، ولو قذف
المشهورة بالزنى أو أقام بينة فلا حد ولا لعان، وليس له العدول إلى اللعان عن
البينة على رأي، ولو قذف بسابق على النكاح لاعن على رأي، ويلاعن لو قذف
الرجعية لا البائن وإن أضافه إلى زمن الزوجية، ولو قذف بالسحق حد ولا لعان.
الثاني: إنكار ولد وضعته زوجته بالعقد الدائم لستة أشهر منذ الدخول إلى
عشرة أشهر.
ولو ولدته لأقل من ستة أشهر تاما انتفى بغير لعان، ولو اختلفا في زمن
الحمل بعد الدخول تلاعنا، ويلاعن من بلغ عشرا لنفي الولد بعد بلوغه، وإذا
اعترف بالولد إما صريحا أو فحوى لم يكن له بعد ذلك نفيه، ويحد لو نفاه ولا
لعان، وكذا لو لم ينكر مع حضوره وتمكنه على إشكال، ولو أمسك حتى
وضعت كان له نفيه إجماعا، ولو أجاب عن بارك الله لك في مولودك
بالتأمين أو بمشيئة الله تعالى أو بنعم فهو اعتراف، بخلاف بارك الله فيك أو
أحسن الله إليك، ولا يجوز النفي للشبهة ولا لظن سبب مخالفته الصفات، ويجب
النفي عند اختلال أحد شروط الإلحاق واللعان، ولو نفى ولد الشبهة انتفى ولا
لعان، ولو طلق فادعت الدخول والحمل منه وأقامت بينة بإرخاء الستر فلا لعان
ولا مهر ولا حد، ولو جمع السببين وأقام بينة سقط الحد وافتقر في نفي الولد إلى
اللعان.
المطلب الثاني: في أركانه:
الأول: الملاعن، ويشترط: بلوغه، ورشده، وبصره في لعان القذف لا في نفي
الولد، وعلمه لا ظنه وإن أخبر الثقة أو شاع، لا الإسلام والحرية، ويصح من
الأخرس بالإشارة المعقولة، ولو انقطع كلامه بعد القذف لاعن بالإشارة وإن
494

رجى عود نطقه.
الثاني: الملاعنة: ويشترط: بلوغها، ورشدها، ودوام زوجيتها، والدخول بها
على رأي، والسلامة من الصمم والخرس، ويصح بين الحر والمملوكة على رأي،
ولعان الحامل، ولا تصير الأمة فراشا بالملك ولا بالوطئ، فإن نفى ولدها انتفى
ولا لعان وإن اعترف بالوطئ، ولو قذف المجنونة حد بعد المطالبة، فإن أفاقت
صح اللعان، ولا يطالب الولي بالحد، وكذا ليس للمولى مطالبة زوج أمته
بالتعزير إلا بعد الموت، ولا ينتفي ولد المطلقة بائنا إلا باللعان إن كان يلحقه
ظاهرا، ولو تزوجت فاتت به لدون ستة أشهر من وطء الثاني ولأكثر من عشرة من
وطء الأول فليس لهما، وإن كان لدون ستة أشهر من وطء الثاني ولعشرة فما
دون من وطء الأول لم ينتف عن الأول إلا باللعان.
الثالث: الصيغة، وهو أن يقول الرجل: أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما
رميتها به - أربع مرات - ثم يقول: لعنة الله علي إن كنت من الكاذبين، فإذا قال
ذلك سقط الحد عنه ووجب على المرأة، فإذا قالت: أشهد بالله إنه لمن الكاذبين
- أربع مرات - ثم قالت: غضب الله علي إن كان من الصادقين، سقط الحد عنها
وحرمت عليه أبدا.
ويجب التلفظ بالشهادة - ولا يكفي العلم والحلف - وقيام الرجل والمرأة
عنده، وبدأة الرجل ثم المرأة وتعيينها، والنطق بالعربية مع القدرة ومع العذر
بمترجمين، والترتيب كما قلنا، ووقوعه عند الحاكم أو من ينصبه لذلك، ولو
تراضيا بعامي فلاعن جاز، ولو أخل بشئ من ألفاظه الواجبة بطل وإن حكم به
حاكم، ولو قال: زنى بك فلان سقط حدها باللعان.
ويستحب: جلوس الحاكم مستدبر القبلة، ووقوف الرجل عن يمينه،
والمرأة عن يمين الرجل، وحضور شاهدين، والوعظ بعد الشهادات لهما قبل
495

اللعن والغضب، ولو كانت غير برزة أنفذ من يستوفي الشهادات.
المطلب الثالث: في أحكامه:
إذا تلاعنا سقط الحدان، وانتفى الولد عنه دونها، وزال الفراش، وحرمت
أبدا، فإن نكل في الأثناء أو أكذب نفسه حد ولم تحرم، ولو أقرت أو نكلت
رجمت ولم يزل الفراش ولا حرمت، وإن أكذب بعد اللعان ورثه الولد ولا يرث
هو ولا من يتقرب به الولد، ولم يعد الفراش ولا يزول التحريم، والأقرب سقوط
الحد، ولو اعترفت بعد اللعان فلا حد عليها إلا أن تقر أربعا على رأي، وفرقة
اللعان فسخ، ولو كان الزوج أحد الأربعة ففي القبول نظر، ولو أقامت بينة بقذفه
فأنكر تعين الحد عليه، ولو أقرت قبل اللعان سقط حد الزوج بالمرة، ولم يثبت
عليها إلا بأربع مرات، ولا يكفي تصادق الزوجين على القذف في نفي الولد، بل
يفتقر إلى اللعان على إشكال، وفي الاكتفاء بشاهدين على الإقرار نظر، ولو ماتت
قبل اللعان سقط وورثها الزوج وحد للوارث فإن قام بعض أهلها ولا عنه فلا حد،
وفي الميراث نظر، ولو حد بالقذف ثم قذف به فالأقرب وجوب الحد، أما لو
كرر القذف بعد اللعان فالوجه سقوطه، ولو قذفها الأجنبي حد إلا أن تقر.
496

تلخيص المرام
في معرفة الأحكام
للشيخ جمال الدين أبي منصور الحسن بن سديد الدين
يوسف بن زين الدين علي بن محمد مطهر الحلي المشتهر بالعلامة الحلي
والعلامة على الإطلاق
647 - 726 ه‍. ق
497

كتاب الفراق وتوابعه
وفيه فصول:
الأول:
يشترط في الطلاق:
تكليف المطلق والاختيار، ولا يتحقق عدمه إلا بقدرة المكره على المؤذي
قتلا كان أو جرحا أو شتما المتوعد به في خاصة نفسه، أو من يجري مجراه وعليه
الظن بالفعل والقصد، ولو ادعى عدمه دين بنيته وإن تأخر ما لم تخرج العدة.
وأن تكون المطلقة زوجة في الحال دائما، وأن تكون طاهرا من الحيض
والنفاس طهرا لم يقربها فيه بجماع، فيحرم بدونه إن كانت مدخولا بها غير غائب
عنها من ذوات الحيض حائلا، وتعيين المطلقة على رأي.
وحضور عدلين، ولو شهد أحدهما بالإنشاء والآخر به في غير ذلك الوقت،
أو شهد الآخر بالإقرار بطل، ولو شهدا بالإقرار في وقتين قبل، ولو طلق ثم أشهد
وقع من حين الإشهاد إذا أتى بالإنشاء ولو طلق الوكيل بحضور الزوج وآخر
ففي الوقوع نظر، ولا تثبت بهما، وطلاق الولي باطل، إلا عن المجنون مع
المصلحة، ولو لم يكن له ولي طلق عنه الحاكم.
والطلاق بشرط أو صفة باطل، وللغائب الطلاق وإن كانت حائضا أو
نفساء إن مضت مدة يعلم فيها الانتقال من طهر الوطء إلى آخر، ولو خرج في
499

طهر لم يقربها فيه جاز طلاقها مطلقا، والحاضر عند الواصل بمنزلة الغائب.
ويجوز طلاق اليائسة والصبية والحامل والمسترابة بعد مضي ثلاثة أشهر
بيض معتزلة له، وإن كن موطوءات، ولو طلق المسترابة بعد الموافقة قبل المدة
بطل.
ولا يقع إلا بقوله: أنت أو هذه أو فلانة أو زوجتي طالق، ولا يقع بقوله: أنت
مطلقة أو بنعم جواب سؤال هل طلقت؟ على رأي، ولا بقوله: أنت الطلاق أو من
المطلقات أو خلية أو برية أو بتة، أو الحقي بأهلك أو اعتدي، أو خيرها، إلى غير
ذلك، ولا بالكتابة ولا بغير العربية مع القدرة، ويقع من الأخرس بالإشارة، ولو
قال: أنت طالق ثلاثا أو في كل قرء طلقة، أو أكثر الطلاق عددا أو أنت مائة
طالق أو بمائة طالق على إشكال فيهما، أو ثلاثا إلا ثلثا وقعت واحدة على رأي، إلا
أن يعتقده فيقع، ولو قال: أنت طالق للسنة صح، وقيل: يصح لو قال: للبدعة،
للصغيرة واليائسة والحامل وغير المدخول بها، ولو قال: أنت طالق الآن إن كان
الطلاق يقع بك، فإن كان جاهلا بحالها بطل وإلا وقع، وقيل بطل مطلقا، وهو
أقوى وإلا لزم وقوع كل طلاق مشروط بواقع.
ولو قال: أنت طالق أن دخلت " بفتح أن مطلقا أو بكسرها مشددة أو مع
الواو "، أو إذ دخلت، وقع في الحال، ولو قال: لرضى فلان، وقصد الغرض
وقع، وإن قصد الشرط بطل، ولو قال: أنت طالق نصف طلقة أو قبلها طلقة أو
بعد طلقة أو نصف طلقتين، أو يدك أو رجلك أو رأسك أو ثلثك أو ثلثاك، أو
أنا منك طالق، لم يقع، وقيل: يصح لو قال: مع طلقة أو بعدها أو عليها، أو
نصفي طلقة أو ثلاثة أثلاث طلقة، أو أعدل طلاق أو أحسنه أو أكمله، أو ملئ مكة
أو الدنيا، أو أقصر طلاق أو أطوله أو أعرضه.
ولو قال: أنت طالق ثلاثا يا زانية إن شاء الله، عاد الاستثناء إلى الطلاق لا
إلى الوصف لأنه كالاسم، ولو قال: يا طالق أنت طالق ثلاثا إن شاء الله، قيل:
وقعت واحدة، والأولى إنه لو قال: أنت طالق ثلاثا يا طالق إن شاء الله، تقع
500

واحدة، ولو قال: أنت طالق طلقة إلا طلقة بطل الاستثناء، ولو قال: غير طلقة
ونوى الرجعة صح وإلا بطل، ولو قال: فلانة طالق ثم قال: أردت فلانة قبل،
ولو قال: فلانة طالق بل فلانة طلقتا على رأي، ولو قال: طلقي نفسك ثلاثا،
فطلقت واحدة أو بالعكس قيل: بطل، وقيل: تقع واحدة، ولو قال: زوجتي
طالق صح في المنفردة، ولو تعددت ونوى التعيين قبل منه وإلا استخرجت
بالقرعة على رأي، ولو عطف بينهما ب‍ " أو " عين من شاء، ولو عطف بين الأولى
وبين الأخريين المعطوفة إحديهما على الأخرى " بالواو "، قيل: طلقت الثالثة
وعين الأولى أو الثانية، ولو مات استخرج المجهول بالقرعة، وعلى قول يبطل
الجميع، ولو قال: زينب طالق، واشتركت فيه الزوجة والأجنبية أو قال:
إحداكما طالق: وقال: عنيت الأجنبية قبل فيهما، ولو ظنها زوجته فقال: أنت
طالق، لم يقع.
ولو نادى إحدى زوجتيه فلبته الأخرى فقال: أنت طالق، طلقت المنوية،
ولو قصد المجيبة ظنا أنها المناداة لم يقع على رأي، ولو اشتبهت المطلقة منع
منهما حتى يبين بيان مراد لا بيان اختيار، فلو قال: هذه التي طلقتها لا بل هذه
طلقتها، قبل، وليس الوطء بيانا.
أما لو لم يعين حال الإنشاء عين تعيين اختيار، فلو قال: اخترت تعيينه في
هذه، طلقت، ولو قال: في هذه لا بل في هذه، طلقت الأولى خاصة، والوطء هنا
بيان.
قيل: ويقع الطلاق بالمعينة من حين الإيقاع، وعندي فيه إشكال، وعليه
النفقة إلى وقت التعيين، ولو ماتتا والطلاق معين واشتبهتا فالقول قوله في التعيين،
ولو كان مبهما عينه في من شاء وورث الأخرى، ولو مات قبلهما فالأولى القرعة
سواء كان معينا أو مبهما، ولو مات بينهما وقال الوارث: المطلقة الأولى، قبل،
ولو قال: الثانية، قيل: القول قوله مع اليمين، وفيه نظر.
501

الثاني:
البائن منه، طلاق غير المدخول بها واليائسة والصبية والمختلعة والمباراة،
والمطلقة ثلاثا برجعتين في الحرة، واثنين برجعة في الأمة، والبواقي رجعي.
وطلاق العدة هو الطلاق بشروطه ثم يراجعها في العدة ويواقعها، ثم يطلقها
في طهر آخر، ويحرم في الثلاث إلا بالمحلل، وتحرم في التاسعة مؤبدا.
وطلاق السنة هو الطلاق بشروطه، ثم تصبر إلى خروج العدة ويجدد عقدا
وتحرم في كل ثلاث إلا بالمحلل ولا تحرم مؤبدا، ولا يهدم عدتها التحريم في
الثالثة، وكل من استكملت ثلاثا حرمت إلا بالمحلل، سواء كانت مدخولا بها أو
لا، راجعها أو لا.
ولو طلق الحامل وراجع ووطئ جاز الطلاق للعدة إجماعا، وللسنة على
رأي، ولو طلق الحائل وراجع ووطئ طلق في طهر آخر ولو لم يطأ وطلق في
طهر آخر صح أيضا، ويصح لو طلق فيه على رأي.
ولا يلزم الطلاق لو شك فيه، ولو طلق غائبا ثم حضر ودخل وادعاه فلا
التفات إلى بينته، ويصبر الغائب بعد الطلاق عن تزويج الأخت والرابعة تسعة
أشهر، ومع علمه بالخلو من الحمل العدة.
ويكره للمريض الطلاق، ومعه ترثه وإن كان ثانيا إلى سنة ما لم تتزوج أو
تبرأ، ويتوارثان في الرجعية في العدة، ولو ادعى وقوع الثلاث في الصحة لم يقبل
في حقها، إلا بالبينة، ولو لاعن لم يتوارثا، ولو طلق بفدية أو بسؤال منها، أو طلق
الأمة فأعتقت في العدة ومات، أو الكتابية فأسلمت، ففي الإرث إشكال، وعلى
تقدير عدمه فالقول قول الورثة لو أنكروا، قبلية الوصفين للطلاق، ولو ادعى
الوارث وقوعه في الصحة وأنكرت فالقول قول الوارث، ولو طلق أربعا في مرضه
وتزوج بأربع ودخل ومات تساوين في نصيب الزوجية.
ويشترط في المحلل البلوغ والوطء قبلا موجبا للغسل وإن كان خصيا أو
لم ينزل بالعقد الدائم، ويهدم ما دون الثلاث.
502

ولو تزوجت الذمية بذمي وبانت وأسلمت حلت، وكذا كل مشركة، وتحرم
الأمة بتطليقتين تحت حر أو عبد، ولا تحل بوطئ المولى ولا بملك المطلق، ولو
أعتقت بعد تطليقها واحدة حرمت بالثانية.
ولو ارتد المحلل قبل الوطء لم يحل، ولو وطئها في الإحرام
أو في الحيض أو في الصوم فخلاف، ولو ادعت التحليل والطلاق بعد مدة إمكانه، أو ادعت
الإصابة وكذبها المحلل قبل منها على رأي.
وتصح المراجعة لفظا وفعلا، كالنظر والتقبيل بشهوة، ولا يفتقر إلى تقدم
الرجعة وإنكار المطلقة وإشارة الأخرس، ولو علقها بمشيئتها فقالت: شئت، قيل:
لا يصح، ولو راجع بقوله: تزوجتك أو نكحتك، صح على رأي، ولو ارتدت
قبل الرجعة قيل: لا تصح الرجعة، ولو أسلمت افتقر إلى أخرى.
وقيل: لو طلق الذمية لم يجز مراجعتها، ولو راجع فأنكرت الدخول
فالقول قولها، ولو ادعت انقضاء العدة بالحيض فكذلك، وبالأشهر القول قول
الزوج، والقول قولها لو ادعت بقاء العدة ولا نفقة في الزائد على ما تدعيه، أو
الوضع، أو ادعى بعد العدة الرجعة قبلها، ولو ادعت بعد المراجعة الانقضاء قبلها
فالقول قوله، ولو ادعت الحمل فأنكر وأحضرت ولدا فأنكر ولادتها فالقول قوله،
ولا اعتبار لإنكار المولى لو ادعى الزوج مراجعة الأمة في العدة وصدقته مع
اليمين، ويستحب الإشهاد بها.
الثالث:
لا عدة لغير الموت على الصغيرة واليائسة، وحده خمسون سنة وفي القرشية
والنبطية ستون وغير المدخول بها دخولا موجبا للغسل ولو كان خصيا، وقيل:
تجب في مقطوع الذكر سليم الأنثيين، ولو ظهر حمل اعتدت لوضعه، ولا تجب
بالخلوة مجردة ولو اختلفا في الإصابة بعدها فالقول قوله مع يمينه، وتعتد الحرة
المستقيمة الحيض بثلاثة أطهار تحت حر أو عبد، وأقله ستة وعشرون يوما،
503

ولحظتان الأخيرة منهما دلالة لا جزءا، ولو تعقب النطق الحيض بلا فصل صح
الطلاق، ولم يعتد بذلك القرء، ولو استمر الدم رجعت إلى العادة وإلا إلى التميز
وإلا إلى عادة نسائها وإلا بالأشهر والقول قولها في الطهر والحيض.
والتي لا تحيض ومثلها تحيض تعتد بثلاثة أشهر، إن كانت حرة وإلا فشهر
ونصف، والمسترابة إذا رأت الدم في الثالث وتأخرت الثانية أو الثالثة صبرت
تسعة أشهر وتعتد بعد ذلك بثلاثة أشهر، ولو رأت الدم مرة وأيست اعتدت
بشهرين، ومن لا تحيض إلا في خمسة أشهر فصاعدا تعتد بالأشهر، ولو طلقت في
أول الهلال أكملت بالأهلة، ولو كان في أثنائه أكملت من الثالث ثلثين على قول،
ولو ارتابت بالحمل بعد العدة والنكاح لم تبطل ولا بعد العدة ولو كان قبلها لم
تنكح، ولو ظهر الحمل بعد النكاح بطل.
والحامل تعتد بوضعه وإن كان علقة مع تيقنه، ولو ادعته صبر عليها تسعة
أشهر، ولا تخرج من العدة بوضع أحد الولدين على رأي، والرجعية إذا مات
زوجها اعتدت عدة الوفاة، والبائن تتم عدتها، ولو وطئت بالشبهة وطلقها الزوج
اعتدت بالوضع من الواطئ واستأنفت أخرى للطلاق، ولو كان زنا اعتدت من
الطلاق بالأشهر، ولو اتفقا على زمان الطلاق واختلفا في زمان الوضع فالقول
قولها، ولو انعكس فالقول قوله على رأي، ولو أقرت بالانقضاء وأتت بولد لستة
أشهر فصاعدا منذ طلقها، قيل: لا يلحق به.
وعدة المتوفى زوجها الحرة أربعة أشهر وعشرة أيام ومع الدخول والبلوع
وعدمهما، والحامل تعتد بأبعد الأجلين.
ويجب الحداد، وهو ترك الزينة والطيب، وإن كانت صغيرة أو ذمية
ولا يجب على الأمة على رأي، ولو وطئها لشبهة ومات، اعتدت عدة الطلاق، ولو
طلق إحداهن ومات قبل التعيين اعتددن للوفاة ولو كان بائنا، ولو عين قبل
الموت اعتدت بالطلاق من وقته، فإن كان رجعيا اعتدت للوفاة وقيل: يبطل،
والمفقود مع معرفة خبره أو الإنفاق لا خيار وإلا رفعت إلى الحاكم ليطلبه أربع
504

سنين وينفق من بيت المال، فإن وجده فلا خيار، وإلا اعتدت للوفاة وتزوجت
ولا سبيل عليها حينئذ، ولا بعد العدة على الخلاف، ولو جاء في العدة فهي
زوجته، ولو مات أحدهما، فيها، توارثا لا بعدها، ولو طلق أو ظاهر فيها صح
لا بعدها، وقيل: لا نفقة لها فيها، ولو حضر، ولو أتت بولد بعد ستة أشهر من دخول
الثاني لحق به، وإن ادعاه الأول.
وتعتد الأمة المدخول بها في الطلاق بطهرين، ولو أعتقت قبل الطلاق أو
بعد الرجعي فكالحرة، وفي البائن عدة أمة، وتعتد من الوفاة بشهرين وخمسة أيام،
والحامل بأبعدهما، وأم ولد المولى تعتد من الزوج كالحرة، ولو طلقها رجعيا ثم
مات استأنفت عدة الحرة، ولو لم تكن أم ولد استأنفت للوفاة عدة أمة، ولو كان
بائنا أتمت عدة الطلاق، ولو أعتقت بعد موت الزوج أتمت عدة حرة، وكذا لو
كان مولاها يطأها ودبرها ومات، وتعتد بثلاثة أقراء لو أعتقها في حياته.
والذمية كالحرة والمكاتبة، يحرم وطؤها ولو انفسخت حلت ولا استبراء،
وكذا لو اشترى زوجته، ولو ابتاع مملوكة أمة كفاه استبراؤه. ولا يجب الاستبراء
لو ارتد المولى أو المملوكة ثم عادا وتكتفي بالعدة عنه، ولو استبرأ الحربية ثم
أسلمت أو المحرمة أو كان محرما فأحلا كفاه، ومن يجب استبراؤه بالبيع يجب
بغيره.
ولا يجوز إخراج الرجعية من المنزل إلا أن تأتي بفاحشة، وأدناه أذى أهله،
ويحرم عليها الخروج لغير ضرورة، فتخرج بعد نصف الليل وتعود قبل الفجر،
ولا تخرج في الحجة المندوبة إلا باذنه ويجوز في الواجب من غير إذن، وكذا
ما تضطر إليه، ويجوز للبائن ولو انهدم أو كان مستعارا أو مستأجرا خرجت مدته
أو كان دون استحقاقها جاز الخروج، ولو باعه بعد الطلاق صح إن كانت العدة
بالأشهر وإلا فلا، وللمشتري الخيار ولو مات لم يقسم الورثة إلا بعد الانقضاء،
والوجه أنه مختص بالحامل، ولو حجر عليه فهي أحق بالسكنى، ولو طلق في
ملك غيره ضربت مع الغرماء بأجرة الأشهر أو أقل مدتي الحمل والأقراء، ولو
505

تبين الخلاف رجعت أو أعادت، ولو نقلت رحلها بأمره وطلقت في الأول اعتدت
فيه، ولو انتقلت وبقى الرحل اعتدت في الثاني، ولو انتقلت ورجعت إلى الأول
لنقل المتاع أو خرجت من الأول وطلقت قبل الوصول إلى الثاني اعتدت في
الثاني.
والبدوية تعتد في منزلها وترتحل مع ارتحال النازلين، ولو ارتحل أهلها
دونهم فالأولى جوازه.
والمطلقة في السفينة تعتد فيها إن كانت مسكنا، وإلا أسكنها حيث شاء، ولو
سكنت في منزلها أو استأجرت ولم تطالب بالمسكن فليس لها المطالبة بالأجرة.
وتثبت العدة بوطئ الشبهة، ولو حملت فلها النفقة ولو مات عن حامل قيل:
ينفق من نصيب الحمل، ولو تزوجت في العدة من غير وطء أتمت عدة الأول،
ولو وطئها عالما بالتحريم فكذلك، وإن كان جاهلا ولم تحمل أتمت للأول
واستأنفت للثاني، ولو حملت من الثاني اعتدت له بوضعه ثم تتمم للأول، ولو
حصل دلالة التحاقه بالأول اعتدت بالوضع له ثم بالأقراء للثاني، ولو حصل
ما يدل على انتفائه عنهما أتمت عدة الأول بعد وضعه واستأنفت للثاني، ولو احتمل
أن يكون منهما يقرع وتعتد بوضعه لمن التحق به، والأولى أنه للثاني للشبهة. ولو
طلقها ثانيا ووطئ للشبهة قيل: تداخلت العدتان.
وتعتد من حين السبب إلا الغائب الميت فمن وقت البلوغ، ولو طلق أو
خالع بعد الدخول عقيب رجعة لم يتعقبها وطء وجبت العدة، ولو كان عقيب
تزويج ثان سقطت.
وتجب العدة من وطء الشبهة وإن كانت عالمة بالتحريم، وعليها الحد دونه،
ولا مهر إلا مع الجهل، ولو كانت أمة فعلى الأب قيمة الولد وقت سقوطه حيا ومهر
الأمة، وقيل: العشر أو نصفه على التفصيل، والمنكوحة في الرجعية إذا حملت
اعتدت به، وتكمل عدة الأول وله مراجعتها في الإكمال، دون الأول.
506

الرابع:
يشترط في الخلع شرائط الطلاق في الخالع والمختلعة، والكراهية من
المرأة، والصيغة وهي " خلعتك على كذا أو أنت مختلعة "، وهل يفتقر إلى
الطلاق؟ خلاف، والعلم بمقدار الفدية وجنسها ووصفها إذا غابت وتكفي
المشاهدة في الحاضر.
وكل ما يصح مهرا يصح فدية، ويجوز الزائد عن مهرها، ولو خالعها على
خمر أو على ألف غير معينة فسد، فإن أتبع بالطلاق فهو رجعي، ولو كان ذميا
على خمر صح، ولو أسلم أحدهما لزمت القيمة مع عدم القبض، ولو خالع على
خل فبان خمرا فلها خل بقدره، ولو خالع على الحمل لم يصح، ولو بذلت في
مرضها صح المثل من الأصل والزائد من الثلث، ولو كان عينا وطلب أخذ
الزيادة بالوصية وما يساوي مهر المثل من غيرها لم يكن له ذلك.
ويصح جعل الإرضاع مدة أو النفقة المعينة فدية، ولو مات أو انقطع اللبن
فللمطلق استيفاء الباقي على التدريج في النفقة، والقيمة في الإرضاع، ولو تلف
العوض قبل القبض فله المثل وإلا القيمة، وله رد ما خرج من الأعواض على غير
الوصف والمطالبة بآخر، ولو كان معينا فبان معيبا فله المثل أو القيمة والإمساك
مع الأرش، أما لو خرج على غير الجنس صح وله القيمة، ولو بان استحقاق
العين قيل: بطل الخلع.
وتصح الفدية من المرأة ووكيلها والضامن بإذنها، وفي المتبرع إشكال، ولو
قال: على ألف من مالها أو عبدها وعلي ضمانه صح، ويضمن لو لم ترض، ولو
قال أبوها: طلقها وأنت برئ من صداقها، كان رجعيا ولا فدية، ومن الأمة فيتبع إلا
أن يأذن المولى في المعين، وفي المطلق ينصرف إلى مهر المثل فيتبع بالزائد، ولو
بذلت العين بالإذن صح وبدونه يتبع بمثلها أو قيمتها، وكذا المشروطة والمطلقة
لا يفتقر إلى الإذن، وعلى رأي من يجعله فسخا لا طلاقا ولا مشروطا به يصح من
ولي الطفل، ولا يعتد به في الثلث.
507

وتبطل الفدية لو أكرهها أو خالعها مع طيبة أنفسهما، ويقع رجعيا إن كان
معه طلاق.
وقضية الخلع البينونة وجواز رجوع المرأة في الفدية في العدة ورجوع
الرجل في البضع حينئذ، ويستحب لو قالت: لأدخلن عليك من تكرهه على
رأي، ولو شرط ما لا يقتضيه العقد بطل، ولو وكلت في الفدية مطلقا صح للوكيل
بذل مهر المثل بنقد البلد، ولو بذل الأزيد بطل ولا ضمان ووقع رجعيا، وكذا
الزوج ولو طلق وكيله بدون مهر المثل بطل، وكذا لو خالع، ولو اختلفا في
قدره أو جنسه فالقول قول المرأة، وكذا لو قال: خالعتك على ألف في ذمتك،
فقالت: بل في ذمة زيد، ومع يمينها لا عوض، أما لو قالت: ضمنته عني لزمها
بدون البينة.
ولو طلبت طلاقا بعوض فخالع مجردا لم يقع، وبالعكس وقع رجعيا،
ولا يلزم البذل على رأي، وكذا لو قال: أنت طالق وعليك، ألف ابتداء، ولا يصح
ضمانها حينئذ، ولو دفعت فهي هبة، إلا أن يتفقا على أنه جواب لسؤالها، فلو ادعاه
فأنكرت فالقول قولها إلا في البينونة، أما لو قال: أنت طالق على أن عليك ألفا،
وضمنت، قيل يصح ويلزم الفداء، ولو قالت: طلقني بألف على أن تطلق ضرتي
أو على ألا تطلقها، ففعل، صح ولزم العوض، ولو قالت: طلقني بألف على أن
تعطيني عبدك هذا، صح، ولو قالت: طلقني بكذا فالجواب على الفور ولو تأخر
كان رجعيا ولا يستحق عوضا، ولو دفعت العوض وقالت: طلقني به متى شئت
بطل البدل ووقع رجعيا، ولو طلقها بعوض واحد كان بينهما بالسوية.
ولو قالتا: طلقنا بكذا فرتب فله النصف وبطل الآخر للفصل والارتداد
المتعقب لا يفسخ الخلع، أما لو قالتا: طلقنا بألف، فارتدتا ثم طلقهما بطل إن لم
يكن دخل، وإلا انتظرت العدة فإن رجعتا قبلها صح وإلا بطل، ولو رجعت
إحديهما، صح في جانبها.
ولو قالت: طلقني ثلاثا بكذا، وقصدت التتالي بطل البذل وإن فعل على
508

رأي، ولو قصدت مع الرجعتين قيل: لزمها الفدية ويشكل بوقوع الفصل، ولو
طلق واحدة قيل: له ثلثها، وهو أشكل، ولو كانت معه على طلقة قيل: له العوض
مع علمها وإلا ثلثه، ولو ادعى الزوج علمها أو قالت: بذلت العوض في مقابلة
طلقة في هذا النكاح وطلقتين في متجدد، تحالفا ووجب مهر المثل، ولو كانت
على طلقتين استحق العوض معهما إن كانت عالمة وإلا فثلثيه، وإن طلق واحدة
استحق النصف مع العلم والثلث مع الجهل.
ولو قالت: طلقني واحدة بكذا، فطلقها ثلاثا ولاء لزم الفداء إن جعله في
مقابلة الأولى، ولو قال: في مقابلة الثانية بطل وكانت الأولى رجعية ولو قال: في
مقابلة الجميع قيل: له الثلث.
والمباراة يشترط فيها شروط الخلع وأن تكون الكراهية منهما والاتباع
بالطلاق إجماعا، ويقع بائنا ولها الرجوع في الفدية، فيرجع كالخلع، ولا تحل
له الزيادة على ما أعطاها، ولو رجعت فيهما في العدة ولما يعلم الزوج حتى
خرجت فالأولى الصحة ولا رجعة له.
الخامس:
قول الرجل البالغ العاقل القاصد المختار لامرأته الطاهر الخالية من جماع
فيه أو الغائب عنها أو اليائسة أو الطفلة أو المستمعة بالشرائط، أو لأمته على
خلاف فيهما: أنت علي كظهر أمي، أو واحدة من المحرمات نسبا أو رضاعا،
حرام موجب للكفارة، بشرط العود، وهو العزم على الوطء، بمعنى تحريم الوطء
قبل الكفارة، ولو كفر قبله لم يجزئ، ولو وطئ قبلها فكفارتان وتتكرر بتكرره،
ولو وطئ في خلال الصوم استأنف، ولو طلقها رجعيا ثم راجعها لم يسقط، ولو
خرجت ثم تزوجها أو طلقها بائنا وتزوجها في العدة أو راجعها لرجوعها في البذل
على إشكال، أو مات أحدهما أو ارتد سقطت، وتسقط لو ظاهر من الأمة فابتاعها
قبل العود أو اشتراها غير الزوج ففسخ ثم تزوجها الزوج.
509

وتتكرر الكفارة بتكرر الظهار، فرق الظهار أو تابعة اتحدت أو تعددت إذا
نوى الاستئناف، ولو نوى التأكيد أو أطلق لم يتكرر، ولو وطئ قبل التكفير لزمه
عن كل وطء كفارة واحدة، ولو ظاهر من أربع بلفظ، فلكل كفارة، ولو علق
الظهار بشرط صح، وجاز الوطء ما دام مفقودا، ولا يقع إذا جعله يمينا ولا إذا علقه
بانقضاء الشهر ولا في إضرار ولا إذا قيده بمدة ولا معلقا بمشيئة الله، ولو علقه
بمشيئة زيد، فشاء، وقع، ولا يحرم ما عدا الوطء من الملامسة والتقبيل على رأي،
ولو عجز عن الكفارة استغفر وجامع على رأي، وإذا رفعت المظاهرة أمرها، خيره
الحاكم بين التكفير والرجعة أو الطلاق إلى ثلاثة أشهر من حين المرافعة، فإن
انقضت بغير اختيار ضيق عليه ولا يجبر على الطلاق ولا يطلق عنه.
وإن شبهها بما عدا الظهر من الأم أو المحرمات غير من ذكرنا، كأخت
الزوجة وأمها أو بأحد الرجال، أو ظاهرت هي، أو قال: أنت علي حرام كظهر
أمي، أو قال للأخرى: أشركتك مع من ظاهرت منها لم يقع على رأي في
البعض.
ولو علق بظهار الأخرى فظاهرها وقعا، ولو علق بظهار الأجنبية وقصد
البطن وظاهر صح، ولو قصد الشرعي بطل، وإن تزوج بها وظاهر وعلق بظهار
فلانة - وهي غير زوجة - وتزوج بها وظاهرها وقع، ولو علق بظهار فلانة الأجنبية
فإشكال ينشأ من اعتبار الاسم أو الصفة، ولا يقع بالأجنبية وإن علقه بالنكاح،
ويقع بغير المدخول بها، ولو أراد بالظهار الطلاق أو بالعكس بطلا، ولو قال:
أنت طالق كظهر أمي وقصدهما قيل: يقعان إن كان الطلاق رجعيا، وفيه
إشكال.
ويصح ظهار الخصي والمجبوب عند من يحرم الملامسة ويصح من الكافر
على رأي، والعبد.
510

السادس:
لا يقع الإيلاء بغير الله تعالى وبأسمائه، بشرط الإتيان باللفظ الصريح،
كقوله: لا أدخلت فرجي في فرجك وما أشبه، أو المحتمل، كقوله: لا جامعتك
أو لا وطئتك أو لا جمع رأسي ورأسك مخدة أو لا ساقفتك أو لا باشرتك أو
لا أصبتك أو لا جامعتك إلا في دبرك أو لأطيلن غيبتي عنك مع النية والقصد
ولا يقع بقوله لا جامعتك في دبرك أو لا جامعتك جماع سوى، ولو قال: إلا
جماع سوى وقصد في الدبر، أو جماعا لا يبلغ الالتقاء، فهو إيلاء، وإن قصد
جماعا ضعيفا لم يكن موليا، ولا إن أصبتك فعلي كذا، أو مشروطا بشرط أو
زمان، أو قال للأخرى: شركتك، مع من آلي منها، أو في غير إضرار بصلاح
اللبن، أو كان المولي غير مكلف قاصد، أو المولى منها أمة أو غير مدخول بها أو
متمتعا بها على رأي أو قرنه بأقل من أربعة أشهر، أو قال: حتى أفعل كذا.
ويقع بالحرة والمملوكة الزوجة والذمية والرجعية، وبكل لسان مع القصد
والإضرار، ومن المملوك والذمي والخصي والمجبوب على رأي وفيئة العاجز.
ومع وقوعه ترافعه المرأة لضرب أربعة أشهر وإن كانت أمة، ولا اعتراض
للمولى، فلا يلزم فيها بشئ، فإذا انقضت ألزمه الحاكم الطلاق أو الرجوع مع
التكفير، فإن امتنع حبس وضيق عليه حتى يفئ أو يطلق، ولا يجبر على التعيين،
ولو طلق وقعت رجعية، ولو كان مقرونا بمدة فماطل حتى خرجت سقط الإيلاء،
ولو أسقطت المطالبة لم يتناول المستقبل.
وللإمام الحكم بين الذميين والرفع إلى حاكمهما.
والقول قول من يدعي بقاء مدة التربص ومن يدعي تأخر وقوع الإيلاء، ولو
وطئ قبل الانقضاء لزمته الكفارة إجماعا وبعده على الخلاف، ولو وطئ ساهيا أو
مجنونا أو مشتبها انحل، قيل: ولا كفارة والقول قوله إذا ادعى الإصابة، ولو
انقضت المدة وهي حائض فلها المطالبة بفئة العاجز، ولو تجددت أعذارها في
أثناء المدة قيل: تنقطع الاستدامة عدا الحيض ولا ينقطع بأعذاره ابتداء ولا
511

اعتراضا ولا يمنع من الموافقة انتهاء، ولو جن توقعت الإفاقة، وإن كان محرما أو
صائما أو مجبوبا ألزم بفئة العاجز، ولو وطئ محرما أتى بالفئة وأثم.
ويحتسب زمان الردة والعدة الرجعية، تقدم الطلاق أو تأخر، مع الرجعة
ولو آلى بعد ظهار، توقف بعد انقضاء مدة الظهار، فإن طلق سقط وإن أبي ألزم
الكفارة والوطء وعليه كفارة الإيلاء ولا تربص، وابتداء المدة قبل الترافع، وفئة
القادر غيبوبة الحشفة قبلا ويمهل بمجرى العادة، والعاجز إظهار العزم على الوطء
مع القدرة.
ولو اشترى أحد الزوجين صاحبه ثم تزوج به بعد العتق بطل الإيلاء،
ولا تتكرر الكفارة بتكرر اليمين وإن قصد التغاير، وإن قال: والله لا وطئتك سنة
فإذا انقضت فوالله لا وطئتك أخرى، فهما إيلاءان، فإذا رافعت وماطل حتى
انقضت الأولى دخل وقت الثاني ولو قال: والله لا وطئتك خمسة أشهر والله
لا وطئتك سنة، تداخلا خمسة أشهر وانفرد الآخر بسبعة، فإن فاء أو دافع حتى
خرجا، خرج منهما وإن خرجت القصيرة بقي حكم الأخرى.
وقيل: يصح التعليق فلو قال: لا أقربك إن شئت، فقد علق الامتناع من
قربها بمشيئتها ألا يقربها، فإن لم تشأ أو شاءت في غير وقت المشيئة لم ينعقد،
وإن شاءت في وقتها وهو في المجلس بحيث يكون كلامها جوابا انعقد، ولو قال:
إن شئت أن أقربك فهو ضد الصفة الأولى.
وتحقيقه، إن شئت أن أقربك فوالله لا فعلت، فإن شاءت في وقتها انعقد وإلا
فلا، ولو قال: إلا أن تشائي، فهو مطلق معلق الحل ومعناه، إلا أن تشائي أن
أقربك، فهو منعقد إلا أن تشاء في وقتها، فالصفة هنا انعقدت للحل بخلاف
الأوليين.
ولو قال: لا أصبتك إلا برضاك، لم يكن موليا، لأنه إذا وقف وطولب
بالفئة فقد رضيت بالوطئ فانحلت اليمين، وفارق " إلا أن تشائي "، لأن المشيئة
لا يمكن وجودها بعد التربص لأنها إنما تصح في الحال والرضا ليس على الفور.
512

ولو قال: لا وطئتك سنة إلا مرة لم يكن موليا في الحال، فإن وطئ وقع،
فإن كان الباقي زائدا عن مدة التربص تعلق به الحكم وإلا فلا.
ولو قال لأربع: لا وطئتكن، جاز له وطء ثلاث وتعينت الرابعة له، فترافعه،
ولو ماتت واحدة قبل وطئها سقط في الجميع، ولو طلق لم تسقط في البواقي،
ولو قال: لا وطئت واحدة منكن، تعلق بالجميع، ولو وطئ واحدة حنث وانحلت
في البواقي، ولو طلق بقي في البواقي، ولو ادعى التعيين هنا قبل، ولو قال:
لا وطئت كل واحدة منكن، تعلق بكل واحدة فمن طلقها وفاها حقها وبقى الإيلاء
في البواقي، وكذا لو وطئها ويكفر عنها.
السابع:
لا لعان إلا بقذف الزوجة المحصنة السليمة من الصمم والخرس، البالغة
العاقلة المنكوحة بالدائم المدخول بها، بالزنى قبلا أو دبرا مع ادعاء المشاهدة
وعدم البينة أو بإنكار مولود على فراشه بين زماني الحمل.
ويصح لعان الحامل لكن لا يقام الحد إلا بعد الوضع، ولا فراش إلا بالعقد
الدائم، والأعمى يلاعن بنفسه ولو عدل عن البينة إليه فخلاف، ولو قذف بالسابق
على الزوجية لاعن على رأي، ولا يجوز القذف ولا نفي الولد مع الشبهة وغلبة
الظن وإخبار الثقة والشياع واختلاف الصفات، ويجب لو اختل أحد شروط
الإلحاق ويلاعن.
ولو قذف الرجعية لاعن دون البائن فيحد ولو ادعى السبق، ولو قذف
المجنونة حد مع المطالبة، ولا يطالب الولي في حياتها ولا سيد الأمة من الزوج
القاذف بالتعزير، ولو ماتت فله المطالبة، ولو أفاقت لاعن، ولو نفى ولدها لم
ينتف إلا باللعان مع إفاقتها.
ولو دخل الصبي لدون تسع فولدت لم يلحق به ويلحق في العشر، ولو
أنكره أخر اللعان إلى البلوغ، ولو مات قبله أو بعده ولم ينكره ورثه الولد
513

والزوجة.
ولو عزل أو وطئ دبرا أو كان خصيا أو مجبوبا فحملت لحق به، ولو اجتمع
الخصي والجب أو ولدته تاما لأقل من ستة لم يلحق به ولا لعان.
ولو اختلفا بعد الدخول في زمان الحمل تلاعنا، ولو أقر به صريحا أو فحوى
لم يقبل إنكاره، وكذا قيل: لو ترك الإنكار بعد الولادة مع القدرة، ولو طلق
وأنكر دعواها الدخول وادعت الحمل قيل: لا لعان ولا حد عليه وإن أرخى الستر،
ولو قذفها ونفى الولد وأقام بينة بالزنى سقط الحد ولم ينتف الولد إلا باللعان،
وكذا لو طلقها بائنا وأتت بما يلحق به ظاهرا، وإن تزوجها آخر.
ولا لعان إلا من بالغ عاقل، ويقع من الأخرس المعقول الإشارة، ولو انقطع
كلامه بعد القذف فهو كالأخرس وإن لم ييأس منه، وفي وقوعه بغير المدخول
بها أو من الكافر أو المملوك أو من الحر لأمة الغير خلاف، ولو نفى ولدا منه
انتفى ولا لعان.
ويتولى اللعان الحاكم أو نائبه أو من يرتضيانه، ويثبت حكم اللعان بالحكم
كالحاكم.
وصورته: - أن يقف الرجل والمرأة بين يدي الحاكم وجوبا، ويقول الرجل
مبتدئا: أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما قلته عن هذه المرأة، أربعا، ثم يقول: لعنة
الله علي إن كنت من الكاذبين، ثم تقول المرأة: أشهد بالله إنه لمن الكاذبين،
أربعا، ثم تقول: علي غضب الله إن كان من الصادقين، ويجب بالعربية مع القدرة
وبدونها يفتقر إلى مترجمين، ولو أتيا عوض الشهادة بالقسم أو الحلف، أو عوض
اللعن أو الغضب البعد أو السخط لم يجز، وقيل هي أيمان ولو اختل شئ من
الألفاظ المشروطة لم يصح، ولو حكم به حاكم.
ويستحب جلوس الحاكم مستدبرا القبلة ووقوف الرجل عن يمينه والمرأة
عن يمين الرجل، وحضور سامع، ووعظهما قبل اللعن والغضب، ويجوز في
المساجد، والتغليظ قولا وزمانا ومكانا، وأن ينفذ الحاكم إلى من ليس لها عادة
514

بالخروج من يستوفي الشهادات.
ويسقط عن الزوج حد القذف بلعانه وحد الزنى عن المرأة بلعانها، وينتفي
الولد عن الرجل دونها، ويثبت التحريم المؤبد ويزول الفراش، ولو أكذب في
أثنائه أو نكل حد ولم ينتف الولد ولا الفراش ولم يثبت التحريم، ولو نكلت أو
أقرت رجمت ولم يزل الفراش ولا يثبت التحريم، ولو أكذب بعده لحق به
وورثه، ولا يرثه الأب ولا قرابته ولم يعد الفراش، ولا حد على رأي.
ولو اعترفت بعد اللعان فلا حد، ولو أقرت أربعا قيل: تحد، ولو ماتت بعد
القذف وقبل اللعان سقط اللعان وورثها وعليه الحد للوارث وله دفعه باللعان،
قيل: ولو قام رجل من أهلها فلا عنه سقط ميراثه، ولو قذف ولم يلاعن فحد ثم
قذف حد، أما لو تلاعنا فسقوط الحد أولى إلا أن يكون أجنبيا، ولو قذفها فأقرت
ثم قذفها الزوج أو غيره فلا حد، ولولا عن فنكلت فقذفها الأجنبي قيل: لا يحد
كالبينة، وتقبل شهادة الزوج العدل مع ثلاثة.
واللعان فسخ لا طلاق، ولو قذفها فأقرت قبل اللعان حدت إن أقرت أربعا
وسقط عن الزوج بالمرة، ولو كان هناك نسب لم ينتف إلا باللعان، وللزوج أن
يلاعن لنفيه وإن صدقته على رأي، ولو قذفها فاعترفت وأقام به شاهدين لم يقبل
على رأي.
ولو ادعت القذف بما يوجب اللعان فأنكر، فأقامت بينة تعين الحد ولم يجز
اللعان، ولو قذفها برجل فحدان وله إسقاط الأول باللعان، وهما بالبينة.
ولو قال: يا زانية، فقالت: زنيت بك، احتمل الإقرار والقذف وعدمهما -
بمعنى ما زنيت أنا ولا أنت - فعلى الزوج الحد وعليها إن أرادت القذف، وإن
قصدت الإقرار سقط عنه ووجب عليها إن أقرت أربعا، ولو قصدت عدمهما فلا
حد عليها، فإن كذبها في قصدها حلفت وإلا حلف ليسقط الحد عنه، ولو قالت:
أنت أزنى مني تعين قذفها واحتمل الإقرار وعدمه، ولو قال: أنت أزنى من فلانة
قيل: هو قذف لهما والأولى إنه للزوجة خاصة، لقوله: أصحاب الجنة والجار.
515

ولو قال لها: يا زان، قيل: هو قذف إن لم يكن من أهل الإعراب وإلا فلا،
وقيل: هو ترخيم وهو خطأ، ولو قالت له: يا زانية، فليس بقذف.
ولو قذفها أجنبية ثم تزوجها، فإن طالبت بالأول خرج بالبينة خاصة، وإن
طالبت بالثاني خرج بها وباللعان، فإن لم يأت بأحدهما فعليه حدان ولو أقام
البينة سقطا وليس لها المطالبة بهما دفعة، ولو قذفها بعد اللعان بزنى أضافه إلى
ما قبله قيل: يجب الحد للآية، ولو قذف المنكوحة للشبهة فلا لعان ولا ينفى
الولد.
516