الكتاب: الينابيع الفقهية
المؤلف: علي أصغر مرواريد
الجزء: ٢٣
الوفاة: معاصر
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤١٠ - ١٩٩٠ م
المطبعة:
الناشر: دار التراث - بيروت - لبنان / الدار الإسلامية - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: أشرف على جمع أصولها الخطية وترتيبها حسب التسلسل الزمني وعلى تحقيقها وإخراجها وعمل قواميسها علي أصغر مرواريد

الينابيع الفقهية
الحدود
الطبعة الأولى 1410 ه‍. 1990 م
دار التراث = الدار الاسلامية
بيروت. لبنان
سلسلة الينابيع الفقهية
(1)
الحدود
أشرف على جمع أصولها الخطية وترتيبها حسن التسلسل
الزمنى وعلى تحقيقها واخراجها وعمل قواميسها
على أصغر مرواريد.
1

بسم الله الرحمن الرحيم
فقه الرضا
المنسوب للإمام علي بن موسى الرضا ع
153 - 202 ه‍ ق
2

باب النوادر في الحدود:
أروي عن العالم ع أنه قال: حبس الإمام بعد الحد ظلم، وأروي
أنه قال: كل شئ وضع الله فيه حدا فليس من الكبائر التي لا تغفر، وقال: لا
يعفى عن الحدود التي لله عز وجل دون الإمام فإنه مخير إن شاء عفا وإن شاء عاقب،
فأما ما كان من حق بين الناس فلا بأس أن يعفى عنه دون الإمام قبل أن يبلغ
الإمام، وما كان من الحدود لله تعالى دون الناس مثل الزنى واللواط وشرب الخمر
فالإمام مخير فيه إن شاء عفا وإن شاء عاقب وما عفا الإمام عنه فقد عفا الله عنه وما
كان بين الناس فالقصاص أولى، وكان أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام يولي
الشهود في إقامة الحدود، وإذا أقر الانسان بالجرم الذي فيه الرجم كان أول من
يرجمه الإمام ثم الناس، وإذا قامت البينة كان أول من يرجمه البينة ثم الإمام ثم
الناس.
أصحاب الكبائر كلها إذا أقيم عليهم الحد مرتين قتلوا في الثالثة وشارب الخمر
في الرابعة، وإن شرب الخمر في شهر رمضان جلد مائة ثمانون جلدة لحد الخمر
وعشرون لحرمة شهر رمضان.
ومن أتى بهيمة عزر والتعزير ما بين بضعة عشر سوطا إلى تسعة وثلاثين
والتأديب ما بين ثلاثة إلى عشرة، وإن قامت البينة على قواد جلد خمسة وسبعين
ونفي عن المصر الذي هو فيه وروي: أن النفي هو الحبس سنة أو يتوب.
قلت: لا حد على مجنون حتى يفيق ولا على صبي حتى يدرك ولا على النائم
3

حتى يستيقظ، ومن تخطى حريم قوم حل قتله.
وقال العالم ع: أتى أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام بصبي قد
سرق فأمر بحك أصابعه على الحجر حتى خرج الدم، ثم أتى به ثانية وقد سرق فأمر
بأصابعه فشرطت، ثم أتى به ثالثة وقد سرق فقطع أنامله.
وقال العالم ع: إذا زنا المملوك جلد نصف الحد وإذا قذف الحر جلد
ثمانين وإذا سرق فعلى مولاه إما تسليمه للحد وإما أن يغرمه عما قام عليه الحد، فإن
أقر العبد على نفسه بالسرقة لم يقطع ولم يغرم مولاه لأنه أقر في مال غيره، فإذا
شرب الخمر جلد ثمانين وإن لاط حكم فيه بحكم الحد.
ومن اطلع في دار قوم رجم، فإن تنحى فلا شئ عليه، فإن وقف فعليه أن
يرجم، فإن أعماه أو أصمه فلا دية له.
4

المقنع
في الفقه
للشيخ أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي
الملقب بالصدوق المتوفى 381 ه‍ ق
5

باب الزنى واللواط وما يجب في ذلك من الحد
اجتنب الزنى واللواط، واعلم أن اللواط أشد من الزنى، والزنى يقطع الرزق
ويقصر العمر ويخلد صاحبه في النار ويقطع الحياء من وجهه.
فإن زنى رجل بامرأة وهما غير محصنين فعليه وعلى المرأة جلد مائة لقول الله
عز وجل: الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم
بهما رأفة في دين الله، يعني أنهما يضربان أشد ضرب يكون على جسديهما إلا
الوجه والفرج ويجلدان في ثيابهما التي كانت عليهما حين زنيا، فإن عادا جلدا
مائة، فإن عادا قتلا.
فإن زنى رجل بامرأة والمرأة محصنة والرجل غير محصن ضرب الرجل الجلد
(الحد) مائة جلدة ورجمت المرأة، وإذا كانت المرأة غير محصنة والرجل محصن رجم
الرجل وضربت المرأة مائة جلدة، وإن كانا محصنين ضربا مائة جلدة ثم رجما.
والرجم أن يحفر له حفيرة مقدار ما يقوم فيها فتكون بطوله إلى عنقه فيرجم ويبدأ
الشهود برجمه، فإن فر من الحفيرة رد ورجم حتى يموت إذا شهد عليه الشهود
بالزنى، وإن أقر على نفسه بالزنى من غير أن شهد عليه الشهود بالزنى لم يرد إذا فر
ولم تقبل شهادته.
واعلم أن اللواط هو ما بين الفخذين فأما الدبر فهو الكفر بالله العظيم،
واعلم أن حرمة الدبر أعظم من حرمة الفرج لأن الله أهلك أمة بحرمة الدبر ولم
يهلك أحدا بحرمة الفرج.
7

واعلم أن عقوبة من لاط بغلام أن يحرق بالنار أو يهدم عليه حائط أو يضرب
ضربة بالسيف، وإذا أحب التوبة تاب من غير أن يرفع خبره إلى إمام المسلمين،
فإن رفع إلى الإمام هلك فإنه يقيم عليه إحدى هذه الحدود التي ذكرناها.
وللإمام أن يعفو عن كل ذنب بين العبد وخالقه فإن عفا عنه جاز عفوه، وإذا
كان الذنب بين العبد والعبد فليس للإمام أن يعفو.
وإذا تاب اللوطي والزاني فإن الله يقبل توبتهما إذا عرف من نيتهما الصدق
ولم يؤاخذهما به، وإن نويا التوبة في حال إقامة الحد عليهما فقد تخلصا في الآخرة،
وإن لم ينويا التوبة كانا معاقبين في الآخرة إلا أن يعفو الله تبارك وتعالى عنهما.
واعلم أن الله أوحى إلى موسى ع: يا موسى بن عمران عف يعف
أهلك، يا موسى بن عمران إن أردت أن يكثر خير بيتك فإياك والزنى، يا بن عمران
كما تدين تدان.
والبكر والبكرة إذا زنيا جلدا مائة جلدة ثم ينفيان سنة إلى غير مصرهما.
وإذا جامع الرجل وليدة امرأته فعليه جلد مائة، وإن زوج الرجل أمته رجلا ثم
وقع عليها ضرب الحد، وإن افتضت جارية جارية بإصبعها فعليها المهر وتضرب
الحد.
وإذا وقع الرجل على مكاتبته فإن كانت أدت الربع ضرب الحد وإن كان
محصنا رجم، وإن لم يكن أدت شيئا فليس عليه شئ.
وإن زنا غلام صغير لم يدرك ابن عشر سنين بامرأة جلد الغلام دون الحد
وتضرب المرأة الحد، وإن كانت محصنة لم ترجم لأن الذي نكحها ليس بمدرك ولو
كان مدركا رجمت، وكذلك إن زنا رجل بجارية لم تدرك ضربت الجارية دون
الحد وضرب الرجل الحد تاما.
وروي أن أمير المؤمنين عليا ع أتى برجل زوج جاريته مملوكه ثم
وطأها فضربه الحد.
وإذا وجد رجلان في لحاف واحد ضربا الحد مائة جلدة.
8

وضرب أمير المؤمنين ع رجلا زوج امرأة في نفاسها قبل أن تطهر الحد.
وأتى رسول الله ص رجل كبير البطن عليل قد زنى فأتي
رسول الله ص بعرجون فيه مائة شمراخ فضربه ضربة واحدة مكان
الحد، وكره أن يبطل حدا من حدود الله.
وقال أبو جعفر ع: لو أن رجلا أخذ حزمة من قضبان أو أصلا فيه
قضبان فضربه ضربة واحدة أجزأه من عدة ما يريد أن يجلده عدة القضبان.
وقضى أمير المؤمنين ع في امرأة زنت فحبلت فلما ولدت قتلت ولدها:
فأمرها فجلدت مائة جلدة ثم رجمت وقال: الإمام أحق من بدأ بالرجم.
وإذا تزوجت المرأة ولها زوج رجمت، وإن كان للذي تزوجها بينة على تزويجها
وإلا ضرب الحد، وقال أبو جعفر ع: المحصن يجلد مائة جلدة ويرجم ومن
لم يحصن يجلد مائة جلدة ولا ينفى والذي قد أملك ولم يدخل بها يجلد مائة
وينفى.
وإن أتى رجل امرأة فاحتملت ماءه فساحقت به امرأة فحملت فإن المرأة ترجم
وتجلد الجارية الحد ويلحق الولد بأبيه.
وإن تزوجت امرأة في عدتها فإن كانت في عدة طلاق لزوجها عليها فيها الرجعة
رجمت، وإن كانت في عدة ليس لزوجها عليها فيها رجعة ضربت الحد مائة جلدة،
وإن كانت تزوجت في عدة من بعد موت زوجها من قبل انقضاء الأجل من الأربعة
الأشهر والعشرة أيام فلا ترجم وتجلد مائة جلدة.
ومن زنى بذات محرم يضرب ضربة بالسيف أخذ منها ما أخذ وهو إلى الإمام إذا
رفعا إليه، وإن غصب رجل امرأة على فرجها قتل محصنا كان أو غير محصن.
وإذا زنت المجنونة لم تحد، وإذا زنى المجنون حد، وإن أوجب رجل على نفسه
الحد فلم يضرب حتى خولط وذهب عقله فإن كان أوجب على نفسه الحد وهو
صحيح لا علة به من ذهاب عقل أقيم عليه الحد كائنا ما كان.
وإن زنى رجل في بلد وامرأته في بلد آخر ضرب الحد مائة جلدة ولم يرجم،
9

وكذلك إذا كان معها في بلد وهو محبوس في سجن لا يقدر على الخروج إليها ولا
تدخل هي عليه وزنى عليه مائة جلدة لأنه بمنزلة الغائب.
وإن أخذت امرأة مع رجل قد فجر بها فقالت المرأة: استكرهني، فإنه يدرأ
عنها الحد به لأنها قد أوقعت شبهة، وقال أمير المؤمنين ع: ادرؤوا الحدود
بالشبهات.
وإذا كان تحت عبد حرة فأعتق ثم زنا فإن كان قد غشيها بعد ما أعتق رجم
وإن لم يكن غشيها بعد ما أعتق ضرب الحد.
وإذا أتى رجل رجلا وهو محصن فعليه القتل، وإن لم يكن محصنا فعليه
الحد، وعلى المأتي القتل على كل حال محصنا كان أو غير محصن.
وإذا أتى الرجل البهيمة فإنه يقام قائما ثم يضرب ضربة بالسيف أخذ منه ما
أخذ، وروي: عليه الحد، وروى الحسن بن محبوب: أنه يجلد دون الحد ويغرم
قيمة البهيمة لصاحبها لأنه أفسدها عليه وتذبح وتحرق وتدفن إن كانت مما يؤكل
لحمه وإن كانت مما يركب ظهره أغرم قيمتها وجلد دون الحد وأخرجها من المدينة
التي فعل بها ذلك إلى بلاد أخرى حيث لا تعرف فيبيعها فيها حتى لا يعير بها.
وإذا أقر الرجل على نفسه بحد يبلغ فيه الرجم لم يرجم وضرب الحد، وقضى
أمير المؤمنين ع في رجل أقر على نفسه بحد ولم يبين أي حد هو: أن يجلد
حتى يبلغ ثمانين، فجلد، ثم قال: لو أكملت جلدك مائة ما ابتغيت عليه بينة غير
نفسك.
فإن زنى رجل في يوم واحد مرارا فإن كان زنى بامرأة واحدة فعليه حد واحد،
وإن هو زنى بنساء شتى فعليه في كل امرأة زنى بها حد.
وروي في عبد بين رجلين أعتق أحدهما نصيبه ثم إن العبد أتى حدا من حدود
الله: أنه إن كان العبد حيث أعتق نصفه قوم ليغرم الذي أعتقه نصف قيمته
فنصفه حر يضرب نصف حد الحر ويضرب نصف حد العبد وإن لم يكن قوم فهو
عبد يضرب حد العبد.
10

وإذا وقع الرجل على جارية له فيها حصة أدرئ عنه من الحد بقدر حصته
فيها ويضرب ما سوى ذلك، وإن أتى رجل وليدة امرأته بغير إذنها فعليه الحد مائة
جلدة.
ولا يرجم إن زنا بيهودية ولا نصرانية ولا أمة، فإن فجر بامرأة حرة وله امرأة
حرة فإن عليه الرجم، وكما لا تحصنه الأمة والنصرانية واليهودية لو زنى بحرة
فكذلك لا يكون عليه حد المحصن إن زنا بيهودية أو نصرانية أو أمة وتحته حرة.
وإن زنا عبد بمحصنة أو غير محصنة ضرب خمسين جلدة، فإن عاد ضرب
خمسين إلى أن يزني ثمان مرات ثم يقتل في الثامنة، والحر إذا زنى بغير محصنة ضرب
مائة جلدة، فإن عاد ضرب مائة جلدة، فإن عاد الثالثة قتل.
وإذا غشي الرجل امرأته بعد انقضاء العدة جلد الحد وإن غشيها قبل انقضاء
العدة كان غشيانه إياها رجعة لها.
وإذا شهد أربعة شهود على امرأة بالفجور أحدهم زوجها جلدوا الثلاثة
ولا عنها زوجها وفرق بينهما ولا تحل له أبدا.
باب حد القاذف وما يجب في ذلك من الحكم:
إن قذف رجل رجلا فقال له: يا زاني، ضرب الحد ثمانين جلدة، وكذلك
إذا قال له: يا لوطي إنك تنكح الرجال، ضرب ثمانين جلدة.
وإذا قذف عبد حرا ضرب ثمانين جلدة.
وقال الصادق ع: لا حد لمن لا حد عليه، ولو أن مجنونا قذف
رجلا لم يكن عليه حد، ولو قذفه رجل فقال له: يا زان، لم يكن عليه حد.
وإذا قال الرجل لامرأته: لم أجدك عذراء، لم يكن عليه الحد، وإذ قذف
الرجل امرأته لا عنها وفرق بينهما ولم تحل له أبدا وإن كذب نفسه قبل أن يلاعنها
جلد الحد ولم يفرق بينهما وألزم الولد، وإذا قذف الرجل ابن الملاعنة جلد الحد
ثمانين، وإذا قذف الرجل امرأته فليس لها أن تعفو.
وإن قذف رجل رجلا فجلد ثم عاد عليه بالقذف فإن قال: إن الذي قلت
لك
11

حق، لم يجلد وإن قذفه بالزنى بعد ما جلد فعليه الحد، فإن قذفه قبل أن يجلد بعشر
قذفات لم يكن عليه إلا حد واحد.
وإن قذف قوما بكلمة واحدة حد واحد إذا لم يسمهم بأسمائهم وإذا سمى
فعليه لكل رجل سماه حد، وروي في رجل يقذف قوما: أنهم إن أتوا به متفرقين
ضرب لكل رجل منهم حدا وإن أتوا به مجتمعين ضرب حدا واحدا.
باب حد السرقة:
سئل أمير المؤمنين ع عن أدنى ما يقطع فيه السارق، فقال: ثلث
دينار، وفي حديث آخر: يقطع السارق في ربع دينار، وروي: أنه يقطع في خمس
دينار أو في قيمة ذلك، وروي: أنه يقطع في عشرة دراهم.
وكان أمير المؤمنين ع إذا سرق الرجل أولا قطع يده، فإن عاد قطع
رجله، فإن عاد في الثالثة خلده السجن وأنفق عليه من بيت المال.
وإذا دخل السارق دار رجل فجمع الثياب فأخذ في الدار ومعه المتاع فقال: دفعه
إلى رب الدار، فليس عليه قطع، وإذا خرج بالمتاع من باب الدار فعليه القطع أو
يجئ بالمخرج منه.
وإذا أمر الإمام بقطع يمين السارق فتقطع يساره بالغلط فلا تقطع يمينه إذا
قطعت يساره.
وإذا أخذ السارق مرة قطعت يده من وسط الكف، فإن عاد قطعت رجله من
وسط القدم، فإن عاد استودع السجن، فإن سرق في السجن قتل.
والصبي إذا سرق مرة يعفى عنه، فإن عاد قطعت أنامله أو حكت حتى تدمى،
فإن عاد قطعت أصابعه، فإن عاد قطع أسفل من ذلك.
فإن سرق رجل فلم يقدر عليه ثم سرق مرة أخرى فجاءت البينة فشهدوا عليه
بالسرقة الأولى والأخيرة فإنه تقطع يده بالسرقة الأولى، ولا تقطع رجله بالسرقة
الأخيرة لأن الشهود شهدوا عليه جميعا في مقام واحد بالسرقة الأولى والأخيرة قبل
12

أن تقطع يده بالسرقة الأولى، ولو أن الشهود شهدوا بالسرقة الأولى ثم أمسكوا حتى
تقطع يده ثم شهدوا عليه بالسرقة الأخيرة قطعت رجله اليسرى.
وقال على ع: لا أقطع في الدعارة المعلنة - وهي الخلسة - ولكن
أعزره، وليس على الذي يسلب الثياب قطع، وليس على الذي يطر الدراهم من
ثوب الرجل قطع، وليس على الأجير ولا على الضيف قطع لأنهما مؤتمنان.
وإن وجد رجل ينبش قبرا فليس عليه قتل إلا أن يؤخذ وقد نبش مرارا فإذا
كان كذلك قطعت يمينه، والأشل إذا سرق قطعت يمينه على كل حال، وضيف
الضيف إذا سرق قطع لأنه دخل دار الرجل بغير إذنه.
فإن أتى رجل رجلا وقال: أرسلني إليك فلان لترسل إليه بكذا وكذا، فدفع
إليه ذلك الشئ فلقي صاحبه فزعم أنه لم يرسله إليه ولا أتاه بشئ وزعم الرسول
أنه قد أرسله إليه وقد دفعه إليه، فإن وجد عليه بينة أنه لم يرسله قطعت يده وإن لم
يجد بينة فيمينه بالله ما أرسله ويستوفي من الرسول المال، فإن زعم أنه حمله على ذلك
الحاجة قطع لأنه قد سرق مال الرجل.
واعلم أنه لا يجب القطع إلا فيما يسرق من حرز أو خفاء.
وليس على العبد إذا سرق من مال مولاه قطع، والحر إذا أقر على نفسه لم يقطع
وإذا شهد عليه شاهدان قطع.
والعبد إذا أبق من مواليه ثم سرق لم يقطع وهو آبق لأنه مرتد عن الاسلام
ولكن يدعى إلى الرجوع إلى مواليه والدخول في الاسلام، فإن أبي أن يرجع إلى
مواليه قطعت يده بالسرقة ثم يقتل، والمرتد إذا سرق بمنزلته.
وإذا أكل الرجل من بستان بقيمة ربع دينار أو أكثر لم يكن عليه قطع إذا لم
يحمل منه شيئا.
وسئل أبو عبد الله ع عن قول الله عز وجل: إنما جزاء الذين
يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو
تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض، قال: ذلك إلى
13

الإمام إن شاء قتل وإن شاء صلب وإن شاء نفى، قال: النفي إلى أين؟ قال: من
مصر إلى مصر غيره فإن عليا ع نفى رجلين من الكوفة إلى البصرة.
باب شرب الخمر والغناء وما يجب في ذلك من الحد والحكم:
اعلم أن الله تبارك وتعالى حرم الخمر بعينها وحرم رسول الله ص
كل شراب مسكر ولعن بائعها ومشتريها وآكل ثمنها وساقيها وشاربها، ولها
خمسة أسامي: العصير وهو من الكرم، والنقيع وهو من الزبيب، والبتع وهو من
العسل، والمزر وهو من الحنطة، والنبيذ وهو من التمر.
واعلم أن الخمر مفتاح كل شر، واعلم أن شارب الخمر كعابد وثن فإذا شربها
حبست صلاته أربعين يوما، فإن تاب في الأربعين لم تقبل توبته وإن مات فيها
دخل النار، وكل ما أسكر كثيره فقليله حرام، ولا تجالس شارب الخمر فإن اللعنة
إذا نزلت عمت من في المجلس.
ولا تأكل على مائدة يشرب عليها خمر، ولا تصل في بيت فيه خمر محصور في آنية
وقد روي فيه رخصة، ولا بأس أن تصلي في ثوب أصابه خمر لأن الله حرم شربها
ولم يحرم الصلاة في ثوب أصابته.
قال والدي (ره) في وصيته إلى: اعلم يا بني إن أصل الخمر من الكرم إذا
أصابته النار أو غلا من غير أن تصيبه النار فيصير أسفله أعلاه فهو خمر لا يحل شربه إلا
أن يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه، فإن نش من غير أن تصيبه النار فدعه حتى يصير خلا
من ذاته من غير أن تلقى فيه ملحا أو غيره حتى يتحول خلا، وإن صب في الخل خمر
لم يجز أكله حتى يعزل من ذلك الخمر في إناء ويصبر حتى يصير خلا، فإذا صار
خلا أكل ذلك الخل الذي صبت فيه الخمر.
وإياك أن تزوج شارب خمر فإن زوجتها فكأنما قدتها إلى الزنى، ولا تصدقه إذا
حدث ولا تقبل شهادته ولا تأتمنه على أمانة فليس لك على الله ضمان.
وإذا شرب الرجل حسوة من خمر جلد ثمانين جلدة، فإن أخذ شارب النبيذ ولم
14

يسكر لم يجلد حتى يرى سكران، وإذا شرب الرجل مرة ضرب ثمانين جلدة
فإن عاد جلد فإن عاد قتل، وشارب الخمر إذا كان عبدا جلد مرة فإن عاد جلد حتى
يفعل ثماني مرات ثم يقتل في الثامنة.
وإياك والغناء فإن الله توعد عليه النار، والصادق ع يقول: شر
الأصوات الغناء، وقال الله: واجتنبوا قول الزور، وهو الغناء، وقال: ومن
الناس من يشترى لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا
أولئك لهم عذاب مهين، ولهو الحديث في التفسير هو الغناء.
باب الملاهي:
اتق اللعب بالنرد فإن الصادق ع نهى عن ذلك، إن مثل من يلعب
بالنرد قمارا مثل من يأكل لحم الخنزير ومثل من يلعب بها من غير قمار مثل الذي
يضع يده في لحم الخنزير أو في دمه.
واعلم أن الشطرنج قد روي فيه نهي وإطلاق، ولكني رويت أن رسول الله
ص قال: إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فاعرضوهما على كتاب الله
فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فذروه، فوجدنا الله يقول في
كتابه: فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور، وفي التفسير أن
الرجس من الأوثان الشطرنج وقول الزور الغناء، فالصواب والاحتياط في ذلك
نهي النفس عنه واللعب به ذنب.
ولا تلعب بالصوالج فإن الشيطان يركض معك والملائكة تنفر عنك، وروي:
إن من عثرت دابته فمات دخل النار. واجتنب الملاهي كلها واللعب بالخواتيم
والأربعة عشر وكل قمار فإن الصادقين ع قد نهوا عن ذلك أجمع.
15

الهداية بالخير
للشيخ أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي
الملقب بالصدوق المتوفى 381 ه‍ ق
17

باب الحدود
حد الزاني والزانية مائة جلدة إذا كانا غير محصنين وإن كانا محصنين فعليهما
الرجم، وإذا كان أحدهما محصنا والآخر غير محصن رجم المحصن وجلد الذي ليس
بمحصن.
ولا يحد الزاني حتى يشهد عليه أربعة شهود عدول أو يقر على نفسه أربع مرات
فحينئذ يقام عليه الحد، فإن شهد أربعة على رجل بالزنى ولم يعدلوا أو لم يعدل
بعضهم ضربوا حد المفتري ثمانين جلدة.
وإذا جلد الرجل في الزنى ثلاث مرات ثم زنى قتل في الرابعة، والمملوك إذا
زنى ضرب خمسين جلدة محصنا كان أو غير محصن ويقتل في الثالثة، والغاصب فرج
امرأة مسلمة يقتل محصنا كان أو غير محصن، والذمي إذا زنى بمسلمة قتل،
والمجنون إذا زنى جلد مائة جلدة، والمجنونة إذا زنت لم تحد لأنها تؤتى والمجنون
يحد لأنه يأتي.
ومن قذف رجلا ضرب ثمانين جلدة، والعبد إذا قذف ضرب أربعين،
والنصراني إذا قذف مسلما ضرب ثمانين جلدة إلا سوطا لحرمة الاسلام.
من افترى على قوم مجتمعين فأتوا به مجتمعين ضرب حدا واحدا، وإن أتوا به
متفرقين ضرب لكل من أتى به حدا، وقد روي: أنه إن سماهم فعليه لكل رجل
سماه حدا وإن لم يسمهم فعليه حد واحد.
واللواط هو ما بين الفخذين وأما الدبر فهو الكفر بالله العظيم.
19

ومن لاط بغلام فعقوبته أن يهدم عليه حائط أو يضرب ضربة بالسيف أو يحرق
بالنار وكذلك يفعل بالمفعول به، فإن تاب من قبل أن يقدر عليه
تاب الله عليه. ومن سب رسول الله ص أو أمير المؤمنين ع أو أحد
الأئمة صلوات الله عليهم فقد حل دمه من ساعته.
وحد شارب الخمر والنبيذ والمسكر والفقاع ثمانون جلدة، وكل ما أسكر كثيره
فقليله وكثيره حرام.
وآكل الميتة والدم ولحم الخنزير يؤدب فإن عاد يؤدب وليس عليه القتل، وآكل
الربا بعد البينة يؤدب فإن عاد أدب فإن عاد قتل.
وأدنى ما يقطع فيه السارق ربع دينار.
والمحارب يقتل أو يصلب أو تقطع يده ورجله من خلاف أو ينفى من الأرض
كما قال الله عز وجل، وذلك مفوض إلى الإمام إن شاء صلب وإن شاء قطع يده
ورجله من خلاف وإن شاء نفاه من الأرض.
20

المقنعة
في الأصول والفروع
للشيخ المفيد أبي عبد الله محمد بن النعمان الحارثي
البغدادي المعروف بابن المعلم
336 - 413 ه‍ ق
21

باب الحدود والآداب
حدود الزنى:
والزنى الموجب للحد هو وطء من حرم الله تعالى وطئه من النساء بغير عقد مشروع
إذا كان الوطء في الفرج دون ما سواه، ولا يجب الحد إلا بإقرار من الفاعل أو ببينة
عادلة بشهادة أربعة رجال عدول يشهدون للرؤية للفرج في الفرج على التحقيق، فإن
شهد أربعة شهود على رجل بالزنى ولم يشهدوا بالرؤية على ما بيناه وجب على كل
واحد منهم حد المفتري ثمانون جلدة ولم يجب على المشهود عليه بذلك حد.
فإن شهدوا عليه بما عاينوه من اجتماع في إزار والتصاق جسم بجسم وما أشبه
ذلك ولم يشهدوا عليه بالزنى قبلت شهادتهم ووجب على الرجل والمرأة التعزير
حسب ما يراه الإمام من عشر جلدات إلى تسع وتسعين جلدة ولا يبلغ التعزير في هذا
الباب حد الزنى المختص به في شريعة الاسلام، وإن اختلفت الشهود في الرؤية
بطلت شهادتهم.
فإن كانت وقعت بالزنى جلدوا الحد وإن كانت وقعت بغيره مما ذكرناه وجب
عليهم التأديب، فإن تفرقوا في الشهادة بالزنى ولم يأتوا بها مجتمعين في
وقت واحد في مكان واحد جلدوا حد المفتري، ولا يقبل في الزنى واللواط ولا شئ مما يوجب
الحدود شهادات النساء ولا يقبل في ذلك إلا شهادات الرجال العدول البالغين.
وإذا أقر الانسان على نفسه بالزنى أربع مرات على اختيار منه للإقرار وجب عليه
الحد وإن أقر مرة أو مرتين أو ثلاثا لم يجب عليه حد بهذا الإقرار، وللإمام أن يؤدبه
23

بإقراره على نفسه حسب ما يراه اللهم إلا أن يقر على نفسه بالزنى بامرأة بعينها
فالتمس حقها منه لقذفه إياها فعليه جلد ثمانين حد الفرية.
وإذا قامت البينة على رجل حر مسلم بالزنى وأقر بذلك على نفسه كما ذكرناه
وكان محصنا وجب عليه جلد مائة ثم يترك حتى يبرأ جلده ثم تحفر له حفيرة إلى
صدره ثم يرجم بعد ذلك، فإن فر من البئر وقت الرجم وكان عليه شهود بالزنى رد
إليها ورجم حتى يموت وإن فر منها ولم يكن عليه شهود وإنما أخذ بإقراره ترك ولم
يرد لأن فراره رجوع عن الإقرار وهو أعلم بنفسه.
وإذا أريد رجم المحصن على الزنى بدأ الحاكم برجمه إن كان الحد وجب عليه
بإقرار منه ثم رجمه بعد ذلك الناس، فإن كان الحد وجب عليه بالشهود بدأ برجمه
الشهود ليتولوا منه ما وجب بشهادتهم عليه.
وإن كان المحدود على الزنى غير محصن جلد مائة جلدة من أشد الجلد
بالسياط ويجلد قائما في ثيابه التي وجد فيها زانيا ويضرب بدنه كله ويبقى فرجه ولا
يضرب على رأسه ووجهه، وإن وجد عريانا في حال الزنى جلد عريانا بعد أن يستر
فرجه، وإن مات في الحد فلا دية له ولا قود له.
والمحصن الذي يجب عليه الجلد ثم الرجم هو الذي له زوجة أو ملك يمين
يستغني بها عن غيرها ويتمكن من وطئها، فإن كانت زوجته مريضة لا يصل إليها
بنكاح أو صغيرة لا يوطأ مثلها أو محبوسة أو غائبة لم يكن محصنا بها ومتى زنا وجب
عليه الجلد دون الرجم على ما قدمناه.
ولسنا نعتبر في الإحصان الحرة دون الأمة والمسلمة دون الذمية، ونكاح المتعة
لا يحصن بالأثر الصحيح عن أئمة آل محمد ع وهو يجري في ظاهر
الحال مجرى نكاح الغائب عن زوجته لأنه نكاح مشترط بأيام معلومات وأوقات
محدودات وليس هو على الدوام فربما تخلل الأيام فيه والأوقات المشترطة من الزمان
ما يمنع صاحبه من الاستغناء عما سواه كما تمنع الغيبة صاحبها من الاستغناء فيخرج
بذلك عن الإحصان والله وأعلم.
24

ومن أقر بالفجور بامرأة في عجزها أو شهد عليه بذلك أربعة شهود وجب عليه من
الحد ما يجب على من أقر بفجور امرأة في قبلها أو شهد عليه الشهود بذلك لا يختلف
حكمه في الأمرين جميعا والحد فيهما على السواء، فإن أقر بأنه فجر بامرأة فوطئها
دون الموضعين أو شهد عليه بذلك على ما قدمناه لم يجب عليه حد الزاني لكنه يعزر
بما يراه الإمام أو خليفته المنصوب لذلك في الناس.
ومن زنا وهو غير محصن فجلد ثم عاد إلى الزنى مرة أخرى جلد وكذلك إن عاد
ثالثة، فإن عاد رابعة بعد جلده ثلاث مرات قتل وإن كان غير محصن فالإمام مخير
في قتله بالرجم أو بالسيف أو حسب ما يراه.
والحكم على المرأة إذا زنت كالحكم على الرجل سواء متى أقرت أربع مرات
بالزنى أو يشهد عليها أربعة رجال عدول جلدت ثم رجمت إن كانت من الإحصان
على ما ذكرناه، وإن لم تكن محصنة جلدت مائة جلدة كما بيناه وتقتل في الرابعة
بعد جلدها على الزنى ثلاث مرات.
ومن زنا وهو غير محصن فلم يحد لعدم بينة عليه بذلك أو توبة منه قبل القدرة عليه
ثم عاد عشر مرات أو أكثر من ذلك لم يقتل عند الظفر به بل يقام عليه الحد
بالجلد، وإنما يقتل في الرابعة إذا فعل الزنى فيها وقد أقيم عليه الحد ثلاث مرات
حسب ما شرحناه.
ومن زنا وتاب قبل أن تقوم الشهادة عليه بالزنى درأت عنه التوبة الحد، فإن تاب
بعد قيام الشهادة عليه كان للإمام الخيار في العفو عنه أو إقامة الحد عليه حسب ما
يراه من المصلحة في ذلك له ولأهل الاسلام، فإن لم يتب لم يجز العفو عنه في الحد
بحال.
ومن زنا ولم تقم عليه بينة بذلك فأقر به عند الإمام ليقيم عليه الحد ويطهره
بذلك من الآثام كان محسنا مأجورا، فإن قتله الحد أو لم يقتله فقد أدى ما عليه
وتبرع بما يستحق به الثواب، فإن ستر على نفسه وتاب فيما بينه وبين الله عز وجل
ولم يبد صفحته للإمام كان أفضل له وأعظم ثوابا وذلك لما روي عن النبي ص
25

أنه قال: من أتى منكم شيئا مما يوجب عليه حدا أو عقابا فليستتر
بظل الله عز وجل ويتوب إليه فيما بينه وبينه فإنه أقرب إلى الله عز وجل من إظهاره
ما ستر عليه ولا يبد أحدكم صفحته بالذنوب فإنه من أبدى صفحته لإقامة الحد عليه
هلك ولم يصبر على الحق فيه.
وإذا زنا الذمي بالمسلمة ضربت عنقه وأقيم على المسلمة الحد إن كانت محصنة
جلدت ثم رجمت وإن كانت غير محصنة جلدت مائة جلدة.
ومن زنا بذات محرم له كعمته أو خالته أو بنت أخيه أو بنت أخته ضربت عنقه
محصنا كان أو غير محصن، وكذلك الحكم في من زنا بأمه أو ابنته أو أخته والإثم له
في ذلك أعظم والعقوبة له أشد.
ومن عقد على واحدة ممن سميناه وهو يعرف رحمه منها ثم وطئها ضربت عنقه
وكان حكمه حكم الواطئ لهن بغير عقد بل وطئهن بالعقد الباطل أعظم في المأثم
لأنه بالعقد مخالف للشرع محتقب لعظيم الوزر مستخف بالدين متلاعب بأحكام رب
العالمين وبالوطئ أعظم ما يكون من الفجور فهو جامع بين عظائم موبقات وأوزار
مثقلات وقبائح مهلكات.
وإذا وطئ من غير عقد لذات محرم منه فقد أتى بالإثم بعض ما أتاه الجامع بين
العقد والفعل كما ذكرناه وهذا يضد ما ذهب إليه شيطان الناصبة المكنى
بأبي حنيفة وزعم: أنه من عقد على أمه أو أخته أو ابنته وهو يعرفهن ولا يجهل
الرحم بينه وبينهن ثم وطئهن سقط عنه الحد لموضع الشبهة، زعم بالعقد فجعل
تعاظم الذنب مسقطا للعقاب والاستخفاف بالشرع شبهة تبطل حدود الجنايات
وهذا هدم للإسلام.
ومن غصب امرأة على نفسها ووطئها مكرها لها ضربت عنقه محصنا كان أو غير
محصن.
وإذا زنا اليهودي باليهودية أو النصرانية كان الإمام مخيرا بين إقامة الحد عليه بما
تقتضيه شريعة الاسلام في أهله وبين تسليمه إلى أهل دينه أو دين المرأة ليقيموا فيه
26

حدود فعله عندهم.
ومن زنا بأمة غيره حد كما يحد إذا زنا بالحرة وتحد الأمة تجلد خمسين سوطا،
وحد العبد كحد الأمة خمسون جلدة.
وإذا زنا العبد في الأمة فأقيم عليهما الحد ثم عاد إلى الزنى أقيم عليهما الحد،
فإن زنيا ثماني مرات بعد إقامة الحد عليهما سبع مرات قتلا في الثامنة بالسيف
وإن شاء الإمام قتلهما بالرجم كما ذكرنا ذلك في باب الأحرار.
ومن زنا بصبية حد ولم تحد الصبية لكنها تؤدب بما تزجر به عن مثل ذلك
الفعال.
والمرأة إذا مكنت الصبي من وطئها بغير نكاح أقيم عليها الحد ولم يقم على
الصبي لكنه يؤدب على ما ذكرناه.
والمجنونة إذا فجر بها العاقل حد ولم تحد هي، والمجنون إذا زنا أقيم عليه الحد
فجلد إن كان بكرا وجلد ورجم إن كان محصنا وليس حكمه حكم المجنونة لأنه
يقصد إلى الفعل بالشهوة والمجنونة ربما كان الفعل بها وهي مغلوبة.
والمرأة العاقلة إذا أمكنت المجنون من نفسها ففجر بها حدت أيضا وحد كما
بيناه.
والمسلم إذا زنا بالذمية حد على ذلك وحدت أيضا وإن شاء الإمام دفعها إلى
أهل دينها ليحكموا بما عندهم في شريعتهم.
ومن عقد على المرأة وهي في عدة من زوجها مع العلم بذلك ثم وطئها حد حد
الزاني وتحد المرأة أيضا، ولا يلتفت إلى إنكارها العلم بتحريم ذلك إن أنكرته
وتجلد إن كانت في عدة ليس للزوج عليها فيها رجعة وترجم إن كانت في عدة لزوج
عليها فيها رجعة.
والمكاتب إذا زنا جلد بحساب ما عتق منه بالأداء وحساب ما بقي عليه من
الرق، وكذلك حكم المكاتبة إذا زنت والمدبر رق وأحكامه أحكام العبيد.
وإذا زنا الرجل وقد أملك بامرأة وكان زناه قبل أن يدخل بها جزت ناصيته
27

وجلد مائة جلدة ونفي عن المصر حولا كاملا، وإن زنت المرأة وهي مملكة قبل أن
يدخل بها الزوج جلدت مائة جلدة وليس عليها جز ولا نفي، ويجلد الرجل في الزنا
وغيره قائما وتضرب المرأة في ثيابها وهي جالسة قد ربطت في شئ يصونها لئلا
تنهتك فتبدو عورتها.
وإذا وجب على المرأة رجم حفر لها بئر إلى صدرها كما يحفر للرجل ثم تدفن
فيها إلى وسطها وترجم هذا إذا كان عليها شهود بالزنى، وإن كانت مقرة بلا شهود
لم تدفن ونزلت كما ينزل الرجل فإن خرجت هاربة لم ترد.
وإذا أراد الإمام أو خليفته جلد الزانيين نادى بحضور جلدهما، فإذا اجتمع
الناس جلدهما بمحضر منهم لينزجر من يشاهدهما عن مثل ما أتياه ويكونا عبرة
لغيرهما وموعظة لمن سواهما، قال الله تعالى: الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد
منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله
واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين، ولا ينبغي أن يحضر الجلد
على الزناة إلا خيار الناس ولا يرجمهم من في جنبه حد لله تعالى.
وإذا زنا الرجل بجارية أبيه جلد الحد، وإن زنا الأب بجارية ابنه أو ابنته لم
يجلد لكنه يعزر بحسب ما يراه السلطان، ويجلد الزاني بجارية زوجته كما بجلد
إذا زنا بجارية الأجنبي من الناس.
وإذا اشترك نفسان في ملك جارية ثم وطئها أحدهما جلد نصف الحد، ومن
وطئ جارية في المغنم قبل أن تقسم عزره الإمام بحسب ما يراه من تأديبه وقومها
عليه وأسقط من قيمته سهمه وقسم الباقي بين المسلمين.
ولا يجوز إقامة الحدود على الجناة في أرض العدو وبلاده مخافة أن يحملهم ذلك
عن اللحوق بالمشركين، ولا يقام الحد في البرد الشديد حتى تحمى الشمس ولا في
الحر الشديد ووقت الهواجر لئلا تتلف نفس المحدود.
وإذا زنت المرأة فحملت وشربت دواء فأسقطت أقيم عليها حد الزنى وعزرها
الحاكم جنايتها بسقوط الحمل حسب ما يراه في الحال من المصلحة لها ولغيرها من
28

التأديب، وإذا زنت المرأة وهي حامل حبست حتى تضع حملها وتخرج من مرض
نفاسها ثم يقام عليها الحد بعد ذلك.
ومن زنا في شهر الصيام نهارا أقيم عليه الحد وعوقب زيادة عليه لانتهاكه حرمة
شهر رمضان وألزم الكفارة بالإفطار، وإن زنا ليلا كان عليه الحد والتعزير ولم يكن
عليه كفارة الإفطار، وكذلك الحكم في شارب الخمر في شهر رمضان وكل من فعل
شيئا من المحظورات إن كان عليه فيه حد أقيم عليه وعزر لانتهاكه حرمة شهر
الصيام.
ومن زنا في حرم الله وحرم رسوله ع أو في حرم إمام حد للزنا وعزر
لانتهاكه حرمة حرم الله وأوليائه، وكذلك من فعل شيئا يوجب عليه حدا في مجسد
أو موضع عبادة وجب عليه مع الحد التعزير، ويغلظ عقاب من أتى محظورا في ليالي
الجمع وأيامها وليالي العبادات وأيامها كليلة النصف من شعبان وليلة الفطر ويومه
ويوم سبعة وعشرين من رجب وخمسة وعشرين من ذي القعدة وليلة سبعة عشر من
ربيع الأول ويومه وليلة الغدير ويومه وليلة عاشوراء ويومه، ولا تقام الحدود في الحرم
إلا على من انتهك حرماته بفعل ما يوجب عليه الحد فيه، ولا تقام الحدود في المساجد
ولا في مشاهد الأئمة ع، ومن فعل في المساجد أو المشاهد ما يوجب إقامة
الحد عليه أقيم عليه الحد خارجا منها ولم تقم عليه الحدود فيها إن شاء الله.
وإذا فجر ذمي بمسلمة كان حده القتل، فإن أسلم عند إقامة الحد عليه قبل
إسلامه وأمضي فيه الحد بضرب عنقه ولم يمنع إظهاره الاسلام من قتله، فإن كان
قد أسلم فيما بينه وبين الله عز وجل فسيعوضه على قتله بأكثر مما ناله من الألم به
ويدخله الجنة بإسلامه، وإن كان إنما أراد دفع الحد عنه بإظهاره خلاف ما يبطن
من الكفر لم ينفعه ذلك وأقيم حد الله تعالى عليه وأرغم أنفه وبطلت حيلته في دفع
العقاب عنه.
وإذا أقر الانسان على نفسه بالزنى بامرأة بعينها وكانت المرأة منكرة لدعواه عليها
أقيم عليه حدان حد للقذف وحد للزنا، وكذلك إن ادعت امرأة أن إنسانا بعينه
29

فجر بها وأنكر ذلك الانسان دعواها أقيم عليها حدان للقذف والزنى اللهم إلا أن
يصدق كل واحد منهما صاحبه فيما ادعاه عليه أو تقوم البينة بذلك فيجب عليه
الحد إذ ذاك حسب ما ذكرناه.
وإذا زنا السكران أقيم عليه حدان حد السكر وحد الزنى ولم يسقط عنه حد الزنا
لسكره، وإذا قتل بما يكون الصاحي متعمدا به القتل في حكم الشرع حكم عليه
بالعمد وأقيم حد الله تعالى فيه ولم يسقط عنه لسكره.
ويحد الأعمى إذا زنا ولا يقبل له عذر لعماه، وإذا ادعى أنه اشتبه الأمر عليه
فظن أن التي وطئها زوجته لم يسقط ذلك عنه الحد لأنه قد كان ينبغي له أن يتحرز
ويتحفظ من الفجور ولا يقدم على غير يقين، وقد روي: أن امرأة تشبهت لرجل
بجاريته واضطجعت على فراشه ليلا فظنها زوجته فوطئها من غير تحرز فرفع خبرها
إلى أمير المؤمنين ع فأمر بإقامة الحد عليه سرا وإقامة الحد عليها جهرا.
والعقود الفاسدة تدرأ الحد إذا كانت مما يدخل في صحتها الشبهات، فأما
العقود على ذوات الأرحام المحرمات في نص القرآن والسنة الظاهرة على الاجماع
وعلى ذوات العدد من النساء فإنها لا تسقط حد الارتفاع الشبهة في فسادها عن جميع
أهل الاسلام، ولا يحد من ادعى الزوجية إلا أن تقوم عليه بينة بخلاف دعواه، ولا
حد مع الاضطرار والإجبار وإنما تجب الحدود بالأفعال المحظورة على الاختيار.
وإذا زنا السقيم فخيف من تلف نفسه بضرب السياط جمع له بعدد الحد من
أجزاء السياط وهو مائة جزء ثم ضرب بها ضربة واحدة لا تبلغ بها تلف النفس،
فإن كان ممن يجب عليه الرجم رجم وإن كان سقيما لأن الغرض في الرجم
إتلاف الأنفس بما اقترفه من الآثام.
ومن افتض جارية بإصبعه ضرب من ثلاثين سوطا إلى ثمانين عقوبة على ما
جناه وألزم صداق المرأة لذهابه بعذرتها.
وإذا اجتمع على الانسان ثلاثة حدود لشرب الخمر والسرق والزنى بدئ بحد
الخمر ثم بحد السرق ثم بحد الزنى إن شاء الله.
30

باب الحد في اللواط:
واللواط هو الفجور بالذكران وهو على ضربين:
أحدهما: إيقاع الفعل فيما سوى الدبر من الفخذين ففيه جلد مائة للفاعل
والمفعول به إذا كانا عاقلين بالغين ولا يراعى في جلدهما عدم الإحصان ولا وجوده
كما يراعى ذلك في الزنى بل حدهما الجلد على هذا الفعل دون ما سواه.
والثاني: الإيلاج في الدبر ففيه القتل سواء كان المتفاعلان على الإحصان أو
على غير الإحصان.
ولا يجب حد اللواط إلا بالإقرار أو شهادة أربعة رجال مسلمين عدول بالرؤية
للفاعل، فإن شهد الأربعة على رؤيتهما في إزار واحد مجردين من الثياب ولم
يشهدوا برؤية الفعال كان على الاثنين الجلد دون الحد تعزيرا وتأديبا من عشرة
أسواط إلى تسعة وتسعين سوطا بحسب ما يراه الحاكم من عقابهما في الحال
وبحسب التهمة لهما أو الظن بهما السيئات، وإن شهدوا برؤية الفعال دون
الإيقاب كان على كل واحد منهما جلد مائة كما ذكره.
فإن شهدوا برؤية الإيقاب وعاينوا الفعل كالميل في المكحلة كان الحد هو القتل
على ما قدمناه، والإمام مخير في القتل بين أن يستعمل فيه السيف فيضرب عنق
المحدود وبين أن يلقى عليه جدارا يتلف نفسه تحته أو يلقيه من فوق جدار يكون
هلاكه بذلك الإلقاء أو يرميه بالأحجار حتى يموت بذلك ثبت الخبر عن أمير المؤمنين
ع.
وإذا تلوط الرجل بصبي لم يبلغ أقيم على الرجل الحد وأدب الصبي بما ينزجر
به عن التمكين من نفسه لذلك الفعال، وإن وقع هذا الفعل بين صبيين لم يبلغا
الحلم أدبا ولم يبلغ في أدبهما الحد الواجب على الرجال.
وإذا لاط المجنون حد كما يحد في الزنى لما تقدم به الذكر من حصول القصد منه
إلى ذلك بالشهوة والاختيار، ولا يحد المجنون إذا ليط به كما لا تحد المجنونة إذا
زنى بها لجواز أن يكونا مغلوبين في الحال بالجنة ومسلوبي الاختيار.
31

وإذا تلوط الذمي بالمسلم قتل الذمي على كل حال وحد المسلم بما ذكرنا
الحكم فيه وفصلناه، وإذا لاط الذمي بالذمي كان الإمام بالخيار إن شاء أقام
عليهما حدود الاسلام وإن شاء دفعهما إلى أهل دينهما ليقيموا عليهما من الحد ما
توجبه ملتهما في الأحكام.
وإذا لاط المسلم بغلام فأوقبه ولم تقم عليه بينة بذلك ولا كان منه فيه إقرار
فيقام فيه الحد بالقتل ثم تاب من ذلك أو لم يتب حرم عليه بما فعله بالغلام نكاح
أخته وابنته وأمه بعد ذلك ولم تحل واحدة منهن له باستئناف عقد النكاح على
حال، وهذا قد مضى فيما سلف وأعدناه في هذا المكان للتأكيد والبيان.
وإذا لاط رجل بعبده وذكر العبد أنه كان مكرها صدق ودرئ عنه الحد وأقيم
على السيد ما يوجبه حكم الاسلام من حد الفعال.
وإذا تاب اللوطي قبل قيام البينة عليه بفعله عند السلطان سقط عنه الحد
ودرأت التوبة عنه العقاب وكذلك إن تاب المفعول به فلا حد عليه ولا عقاب، وإذا
أحدثا التوبة بعد قيام البينة عليهما بالفعال كان السلطان بالخيار في العفو عنهما أو
العقاب بهما حسب ما يراه الإمام في الحال من التدبير والصلاح، فإن لم تظهر
منهما توبة لم يجز اسقاط الحد عنهما مع التمكن منه والاختيار.
باب الحد في السحق:
وإذا قامت البينة على امرأتين بأنهما وجدتا في إزار واحد مجردتين من الثياب
وليس بينهما رحم يبيحهما ذلك جلدت كل واحدة منهما دون الحد من عشر
جلدات إلى تسع وتسعين جلدة، فإن قامت البينة عليهما بالسحق جلدت كل
واحدة منهما مائة جلدة حد الزانية والزاني محصنتين كانتا أو على غير إحصان، فإن
قامت البينة عليهما بتكرر هذا الفعال منهما ولم يكن منهما توبة منه وكانتا فيه
على الإصرار كان للإمام قتلهما كما أن له ذلك في حد اللواط، فإن تابتا قبل قيام
البينة عليهما بذلك سقط عنهما الحد والعقاب وإن تابتا بعد قيام البينة عليهما كان
32

الإمام في العفو عنهما والعقاب لهما بالخيار على ما قدمناه في باب الزنى واللواط،
فإن لم تظهر منهما التوبة قبل قيام البينة ولا بعدها وجب عليهما الحد ولم يسقط مع
التمكن منه والاختيار.
ويجب حد السحق واللواط بالإقرار كما يجب حد الزنى بذلك ولا يجب حتى
يكون الإقرار به مع الاختيار أربع مرات كما يجب حد الزنى بإقرار أربع مرات
والبينة فيه بشهادة أربعة رجال عدول من أهل الاسلام كما تكون البينة في الزنى
واللواط على ما ذكرناه.
وإذا كان السحق بين امرأة وصبية كان الحد على المرأة دون الصبية وكان على
الصبية التعزير كما ذكرناه في باب الزنى واللواط، فإن كان بين صبيتين لم يكن
عليهما حد كامل وأدبتا بحسب ما يراه السلطان، وإن كان بين مجنونتين حدت
الفاعلة دون المفعول بها، وإن كان بين مجنونة وعاقلة فالحكم فيه ما تقدم تحد
الفاعلة دون المفعول بها لما ذكرناه فيما سلف من الاعتدال.
وإذا كان السحق بين المرأة وجاريتها فادعت الجارية إكراها من السيدة لها
درئ عنها الحد وحدت السيدة بما ذكرناه.
باب الحد في نكاح البهائم والاستمناء بالأيدي ونكاح الأموات:
ومن نكح بهيمة وجب عليه التعزير بما دون الحد في الزنى واللواط ويغرم ثمن
البهيمة لصاحبها، فإن كانت البهيمة مما تقع عليها الذكاة كالشاة والبقرة والبعير
وحمر الوحش والغزلان ذبحت وحرقت بالنار لا يأكل من لحمها أحد من الناس
وليس ذبحها وتحريقها على وجه العقاب لأنها مما لا يستحق العقاب لكنه لدفع
العار عن صاحبها بوجودها ومنع الناس من أكل لحمها بعد الذبح لها لما حصل بها
من التنجيس بفاحش الفعال، وإن كانت مما لا يقع عليها الذكاة كالدواب
والحمر الأهلية والبغال وأشباه ذلك أخرجت من البلد الذي كان الفعل بها فيه إلى
بلد آخر لا يعرف أهله ما فعل بها ولا ما كان لنزول الشنعة بها عن صاحبها
33

والفاعل أيضا ولا يعير بها في الناس.
وإن كانت البهيمة ملكا للفاعل بها ذبحت إن كانت مما تقع عليها الذكاة
وحرقت بعد ذلك بالنار كما يفعل بما لا يملكه من ذلك، وإن كانت مما لا تقع
عليها الذكاة أخرجت إلى بلد آخر وبيعت هناك وتصدق بثمنها ولم يعط صاحبها
شيئا منه عقوبة له على ما جناه ورجاء لتكفير ذنبه بذلك بالصدقة عنه بثمنها على
المساكين والفقراء.
وإن كانت البهيمة لغير الفاعل بها أغرم لصاحبها ثمنها وكان الحكم فيه ما
ذكرناه من ذبح ما تقع عليه الذكاة وتحريقه بالنار ليزول أثره من الناس وإخراج ما
لا تقع عليه الذكاة إلى بلد آخر ليباع فيه ويتصدق بثمنه على الفقراء.
ومن نكح امرأة ميتة كان الحكم عليه الحكم في ناكح الحية سواء وتغلظ عقوبته
لجرأته على الله عز وجل في انتهاك محارمه والاستخفاف بما عظم فيه الزجر ووعظ به
العباد اللهم إلا أن تكون الميتة زوجة توفيت في حباله أو أمة في ملكه فلا يحد حد
الزاني بل يعاقبه الإمام بما يراه مردعا له عما أتاه، وكذلك حكم المتلوط بالأموات
من الذكران وعقابه في الدنيا والآخرة أعظم من عقاب فاعل ذلك بالأحياء.
والبينة على ناكح البهيمة شهادة رجلين مسلمين عدلين وكذلك في الموتى،
والفرق بين ذلك وبين ما يوجب الحد في الزنى واللواط بالأحياء أن الحد في فعلهما
يتوجه إلى نفسين وهو حدان لكل واحد منهما حد وليس في نكاح البهيمة والأموات
أكثر من حد واحد لنفس واحدة.
وإذا استمنى الرجل بيده وهو أن يعبث بذكره حتى يمنى كان عليه التعزير
وتضرب يده التي فعل بها ذلك ولا ينتهي في تعزيره بالضرب إلى الحد في الفجور،
وقد روي: أن رجلا استمنى على عهد أمير المؤمنين ع فرفع خبره إليه فأمر
بضرب يده بالدرة حتى احمرت ثم سأل عنه أ متأهل هو أم عزب؟ فعرف أنه عزب
فأمره بالنكاح فأخبره بعدم الطول إليه بالفقر فاستتابه مما فعل وزوجه وجعل مهر
المرأة من بيت المال.
34

والشهادة على المستمني تقوم برجلين مسلمين عدلين كما قدمنا ذكره ولا تقبل
في ذلك شهادة النساء.
باب الحد في القيادة والجمع بين أهل الفجور:
ومن قامت عليه البينة بالجمع بين النساء والرجال أو الرجال والغلمان للفجور
كان على السلطان أن يجلده خمسا وسبعين جلدة ويحلق رأسه ويشهره في البلد الذي
يفعل ذلك فيه، وتجلد المرأة إذا جمعت بين أهل الفجور لفعلها كذلك لكنه لا يحلق
رأسها ولا تشهر كشهرة الرجال، فإن عاد المجلود على ذلك بعد العقاب عليه جلد
كما جلد أول مرة ونفي عن المصر الذي هو فيه إلى غيره.
ومن رمى إنسانا بالقيادة أو يتره بها من غير بينة عليه بذلك عزر بالأدب وزجر
عن أذى الناس بالقبيح.
باب الحد في الفرية والسب والتعريض بذلك والتصريح والشهادة بالزور:
ومن افترى على رجل مسلم فقذفه بالزنى كان عليه الحد في ذلك ثمانون جلدة ولا
يضرب كالضرب في الزنى بل يكون أخف من ذلك وأقل إيلاما منه، وكذلك إن
قذف امرأة حرة مسلمة بالزنى فحده ثمانون جلدة ولا يجوز للسلطان العفو عن هذا
الحد سواء تاب القاذف ورجع عن فريته أو لم يتب، فإن عفا المقذوف عنه سقط
الحد عن القاذف بعفوه عنه، ولا يجب الحد في القذف إلا ببينة عادلة - والبينة
شهادة رجلين مسلمين عدلين - أو بإقرار من القاذف به مرتين.
ومن قذف مسلما لم تقبل له شهادة بعد القذف إلا أن تظهر توبته بتكذيبه
نفسه في المقام الذي قذف فيه.
ومن قذف عبدا أو ذميا بالزنى وجب عليه التعزير بما دون الحد، والقذف
باللواط كالقذف بالزنى والحد فيهما سواء.
ومن قذف عبدا مسلما أو أمة مسلمة أو قذف ذميا بالزنى واللواط لم يحد
35

لذلك لكنه يضرب تأديبا بحسب ما يراه السلطان.
وإذا قذف الذمي مسلما أو عرض به كان دمه بذلك هدرا على كل حال،
والعبد والأمة إذا قذفا الحر المسلم جلدا حد الفرية ثمانين سوطا، وإذا تقاذف
العبيد والإماء وجب عليهم التعزير دون الحد على الكمال.
وإذا قال القائل لغيره: يا زان، فهو قاذف له، وكذلك إن قال له: يا لوطي،
وإن قال له: قد زنيت، كان مثل ذلك في القذف، وإن قال له: قد لطت، فهو
قاذف له باللواط.
وإذا قال الانسان للحر المسلم: قد زنيت بفلانة، وكانت المرأة حرة مسلمة
وجب عليه حدان لقذفه الرجل وحد لقذفه المرأة، وكذلك إن قال له: قد لطت
بفلان، فعليه لهما حدان، فإن كانت المرأة المقذوفة ذمية أو أمة وكان المقذوف
باللواط ذميا أو عبدا كان على القاذف حد لقذفه الحر وتعزير لقذفه الذمي أو الرق،
وكذلك إن قال له: زنيت بفلانة، وكانت صبية، أو لطت بفلان، وكان فلان
صبيا كان عليه حد واحد للبالغ وتعزير لقذفه الصبي.
وإذا قذفت المرأة الرجل أو المرأة فعليها من حد القذف ما على الرجل ثمانون
جلدة.
وإذا قال الانسان للحر المسلم: يا بن الزانية، وكانت الأم المقذوفة بالزنى حية
فلها المطالبة بحقها في إقامة الحد عليه بقذفها ولها العفو، وإن كانت ميتة كان
لابنها المطالبة بحقها في إقامة الحد على قاذفها وكان إليه العفو عن ذلك، وكذلك
إذا قال: يا بن الزاني، وكان الأب حيا فالحق له وإن كان ميتا قام الابن
مقامه.
فإن قال: قد زنت بك أمك، كان الحق له في حده سواء كانت أمه حية أو
ميتة، وإذا قال: يا بن الزانيين، فقد وجب عليه حدان لفريته على نفسين، فإن
كان أبواه حيين فالحق لهما وإن كان ميتين فله المطالبة عنهما بإقامة حدين على
القاذف وهما مائة وستون جلدة.
36

وقول القائل لغيره: يا ولد زنا، مثل قوله: زنت بك أمك، في القذف سواء،
فإن قال له: يا أخا الزانية، أو أختك زانية، وكانت أخته حية فالحق لها في الحد
والعفو عنه وإن كانت ميتة ناب عنها في المطالبة بحقها، فإن قذف ابنته كان الحق
له سواء كانت البنت حية أو ميتة إلا أن تسبقه بالعفو عنه وهي مالكة لأمرها
بالبلوغ وكمال العقل فلا يكون له عليه حق في حده.
فإن قذف زوجته فقال له: يا زوج الزانية، أو زوجتك زانية، وكانت الزوجة
حية فالحق لها وإن كانت ميتة فالحق لورثتها وليس للزوج حق في الحد على ذلك.
وقذف عمة الانسان وخالته وقراباته كقذف أخواته، فإن كن أحياء فهن
بالخيار بين المطالبة بحقوقهن أو العفو وإن كن موتى طالب عنهن أولى الناس بهن
من ذوي الأرحام.
ومن قال لرجل: أبوك لائط، أو أخوك، أو ابنك، أو فلان قرابتك، فالحق لهم
إن كانوا أحياء وإن كانوا موتى قام أولى الناس بهم من ذوي أرحامهم مقامهم في
المطالبة بالحق عنهم.
والقذف بالزنى واللواط يوجب الحد على القاذف بهما بأي لسان كان به قاذفا
وبأي لغة قذف وافترى، وفي التعريض بالقذف دون التصريح به التعزير دون الحد،
وإذا تواضع أهل بلد أو لغة على لفظ يفيد مفاد القذف بالزنى واللواط على التصريح
فاستعمله انسان منهم كان قاذفا ووجب عليه الحد به كما يجب بالقذف الصريح
في اللغة واللسان.
وإذا قال الانسان لغيره: يا قرنان، وكان هذا اللفظ موضوعا بين أهل الوقت أو
الناحية على قذف الزوجة بالزنى حكم عليه بما يحكم على من قال لصاحبه: زوجتك
زانية. وكذلك إذا قال: يا ديوث، وإذا قال: يا كشحان، وقصد بذلك على عرفه
رمى أخته بالزنى كان قاذفا ووجب عليه الحد كما يجب عليه إذا قال له: أختك
زانية، فإن تلفظ بهذه الألفاظ من لا يعرف التواضع عليها لما ذكرناه وكانت عنده
موضوعة لغير ذلك من الأغراض لم يكن بها قاذفا ولم يجب عليه حد المفتري ولكن
37

ينظر في معناها عنده على عادة، فإن كان جميلا لم يكن بذلك عليه تبعة وإن كان
قبيحا لاحقا بالسباب الذي لا يفيد القذف بالزنى واللوط عزر عليها وأدب تأديبا
يردعه من العود إلى أذى المسلمين.
ومن قذف المسلمين بشئ من القبائح سوى الزنى واللواط من سرق وخيانة
وشرب خمر وأشباه ذلك فإنه لا يوجب حد الفرية بالزنى واللوط ولكن يوجب
التعزير والأدب بحسب ما يراه السلطان.
وقول القائل لصاحبه: أنت ولد حرام، أو ولد خبيث، أو حملت بك أمك
في حيضها، لا يوجب حد الفرية بالزنى لكنه يوجب الأدب الموجع والتعزير المردع.
وشاهد الزور يجب عليه العقاب بما دون حد القذف وينبغي للسلطان أن
يشهره في المصر ليعرفه الناس بذلك فلا يسمع منه قول ولا يلتفت إليه في شهادة
ويحذره المسلمون.
وقول القائل للمسلم: أنت خسيس، أو وضيع، أو رقيع، أو نذل، أو
ساقط، أو بخس، أو رجس، أو كلب، أو خنزير، أو مسخ، وما أشبه ذلك
يوجب التعزير والتأديب وليس فيه حد محدود، فإن كان المقول له ذلك مستحقا
للاستخفاف لضلاله عن الحق لم يجب على القائل له تأديب وكان باستخفافه به
مأجورا.
ومن قال لغيره: يا فاسق، وهو على ظاهر الاسلام والعدالة وجب عليه أليم
التأديب، فإن قال له ذلك وهو على ظاهر الفسق فقد صدق عليه وأجر في
الاستخفاف به.
وإذا قال له: يا كافر، وهو على ظاهر الإيمان ضرب ضربا وجيعا تعزيرا له
بخطائه على ما قال، فإن كان المقول له جاحدا لفريضة من فرائض الاسلام فقد
أحسن المكفر له وأجر بالشهادة عليه بترك الإيمان.
وإذا واجه الانسان غيره بكلام يحتمل السب له ويحتمل غيره من المعاني
والأعراض كان عليه الأدب بذلك إلا أن يعفو عنه الانسان المخاطب كما قدمناه.
ومن غير إنسانا بشئ من بلاء الله عز وجل أو أظهر عنه ما هو مستور من البلاء.
38

وجب عليه بذلك التأديب وإن كان محقا فيما قال لأذاه المسلمين بما يؤلمهم من
الكلام، فإن كان المعير بذلك ضالا كافرا مخالفا لأهل الإيمان لم يستحق
المعير له به أدبا على حال.
وإذا قذف الانسان جماعة بلفظ واحد فقال لهم وهم حاضرون، يا زناة، أو
يا لاطة، أو قال: الجماعة الفلانية لاطة، أو زناة، فقد وجب عليه لكل واحد
منهم حد، فإن جاؤوا به مجتمعين حد لهم حدا واحدا وناب ذلك عن حقوق جماعتهم
عليه وإن جاؤوا به متفرقين حد لكل واحد منهم، وكذلك إن سبهم بغير الزنى
واللواط مما يوجب السب به عليه التعزير فجاؤوا به مجتمعين عزر لجماعتهم بتعزير
واحد وإن جاؤوا به متفرقين عزر لكل واحد منهم تعزيرا على حدته.
والشهادة فيما يوجب التعزير كالشهادة فيما يوجب حد الفرية تقوم برجلين
مسلمين عدلين والإقرار فيما توجب ذلك مرتان على ما قدمناه، وكل شئ يؤذي
المسلمين من الكلام دون القذف بالزنى واللواط ففيه أدب وتعزير على ما يراه سلطان
الاسلام، وقد روي أن رجلا قال الآخر: احتلمت البارحة في منامي بأمك،
فاستعدى عليه إلى أمير المؤمنين ع وطلب إقامة الحد عليه فقال له
أمير المؤمنين ع: إن شئت ضربت ظله ولكني أحسن أدبه لئلا يعود بعدها
إلى أذى المسلمين، ثم أوجعه ضربا على سبيل التعزير، ولم يرد أمير المؤمنين ع
بقوله: إن شئت ضربت لك ظله، أن ضرب الظل واجب أو شئ ينتفع به
وإنما أراد أن الحلم لا يجب به حد وحلم النائم في البطلان كضرب الظل الذي لا
يصل ألمه إلى الانسان فنبه ع على تجاهله بالتماس الحدود على الحلم في
المنام وضرب له في فهم ما أراد تفهيمه إياه هذا المثال.
وإذا قذف ذمي ذميا بالزنى واللواط وترافعا إلى سلطان الاسلام أدب القاذف
ولم يحده كحد قاذف أهل الاسلام، فإن تساب أهل الذمة بما سوى القذف بالزنا
واللواط مما يوجب فعله الحدود أدبوا على ذلك كما يؤدب أهل الاسلام، فإن تسابوا
بالكفر والضلال أو تنابزوا بالألقاب أو عير بعضهم بعضا بالبلاء لم يؤدب أحد
39

منهم على ذلك إلا أن يثمر فسادا في البلاد فيدبر أمرهم حينئذ بما يمنع من الفساد.
وإذا قامت البينة على انسان بأنه اغتاب مسلما أو نبزه بلقب مكروه أدب على
ذلك بما دون الحد، وإذا تساب الصبيان أدبوا على ذلك بما يردعهم من بعد عن
السباب.
باب الحد في السكر وشرب المسكر والفقاع وأكل المحظور من الطعام:
والخمرة المحرمة بنص القرآن هي الشراب من العنب إذا بلغ من الشدة إلى حد
يسكر الانسان من شرب الكثير منه سواء كان نيئا مشمسا أو مطبوخا لا يختلف في
استحقاق سمة الخمر عند أهل اللسان.
قال الله عز وجل: إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من
عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون. فوصفها تعالى بالنجاسة وهي الرجاسة
وأضافها إلى أعمال الشيطان الملعون على أفعاله التي نهى عنها المؤمنين وأمر
باجتنابها أمرا على الوجوب وكان ذلك مفيدا للنهي عنها بما يقتضي فيها التحريم،
ثم أخبر سبحانه عن وخيم شربها وسوء عاقبتها تأكيدا لتحريمها فقال: إنما يريد
الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم
عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون.
فمن شرب الخمر ممن هو على ظاهر الملة مستحلا لشربها خرج عن ملة
الاسلام وحل دمه بذلك إلا أن يتوب قبل قيام الحد عليه ويراجع الإيمان.
ومن شربها محرما لذلك وجب عليه الحد ثمانون جلدة كحد المفتري على السواء
لا أن شارب الخمر يجلد عريانا على ظهره وكتفيه والقاذف يجلد بثيابه جلدا دون
جلد شارب الخمر، ولا يقبل في الشهادة على شرب الخمر أقل من شهادة رجلين
مسلمين عدلين.
والشهادة بقيئها توجب الحد كما توجبه الشهادة بشربها، والحد على من شرب
منها قطرة واحدة كالحد على من شرب منها عشرين رطلا إلى أكثر من ذلك لا
40

يختلف في وجوبه ومقداره، ولا يحل لأحد أن يأكل طعاما فيه شئ من الخمر سواء
كان مطبوخا أو غير مطبوخ ولا يحل الاصطباغ بالخمر ولا تناول دواء عجن بالخمر،
ومن أكل طعاما فيه خمرا ودواء أو اصطبغ به جلد حد شارب الخمر ثمانين جلدة.
وكل شراب مسكر فهو حرام سواء كان من التمر أو الزبيب أو العسل أو الحنطة
أو الشعير لقول رسول الله ص: كل مسكر خمر وكل خمر حرام. فمن
شرب شيئا من المسكر سوى الخمرة بعينها وجب عليه الحد كما يجب على شاربها
كما ذكرناه من اشتراكهما في المعنى والاسم.
وحد السكر من الشراب تغير العقل وعلامة ذلك أن يستقبح الانسان ما
يستحسنه في حال الصحو ويستحسن ما يستقبحه فيها، فإن كان معروفا بالهدي
والسكون في حال صحوه فانحرف مع الشراب وخرج من اللهو والبذلة إلى ما لا
يعتاد منه في حال الصحو من غير تكلف لذلك فهو سكران.
ويجلد شارب الفقاع كما يجلد شارب المسكر مما عددناه، وليست العلة في
تحريم الفقاع علة تحريم المسكر لأنه لا يولد الإسكار وإنما حرم لأنه يفسد المزاج
ويورث موت الفجاءة بظاهر الاعتبار أو لما يعلمه الله تعالى من الفساد بشرب الدم
وأكل الميتة وإن لم يكن بذلك سكر على حال.
ولا ينبغي لمسلم أن يجالس شراب الخمور وسائر المسكرات في أحوال شربهم
لذلك ولا يجلس على الموائد التي تشرب عليها الخمور وشئ مما عددناه، ومن فعل
ذلك مختارا وجب عليه التأديب بحسب ما يراه السلطان.
ويجلد العبد في شرب الخمر والمسكر ثمانين جلدة كما يجلد الحر المسلم سواء،
وليس لأهل الذمة مجاهرة المسلمين بشرب الخمور والمسكر من الشراب، فإن فعلوا
ذلك حدوا فيه كحدود أهل الاسلام.
ومن استحل الميتة أو الدم أو لحم الخنزير عمن هو مولود على فطرة الاسلام فقد
ارتد بذلك عن الدين ووجب عليه القتل بإجماع المسلمين، ومن تناول شيئا من ذلك
على التحريم وجب عليه العقاب بالتعزير فإن تاب بعد العقاب لم يكن عليه عهدة
41

فيما مضى، ومن عاود إلى المحظور منه عوقب إلى أن يرعوي عنه فإن استدام لأكل
الميتة أو لحم الخنزير بعد الأدب عليه ولم ينجع ذلك فيه قتل ليكون عبرة ينزجر بها
أهل الضلال ويمنع بها الجهال من الإهمال.
وشارب الخمر إذا حد عليها مرتين وعاد إلى شربها قتل في الثالثة، ويحد
شارب الخمر وجميع الأشربة المسكرة وشارب الفقاع عند إقرارهم بذلك أو قيام البينة
عليهم لا يؤخر ذلك، ولا يحد السكران من الأشربة المحظورة حتى يفيق وسكره
بينة عليه بشرب المحظور ولا يرتقب بذلك إقراره منه في حال صحوه به ولا شهادة من
غيره عليه.
ومن كان على ظاهر الملة ثم استحل بيع الخمور والأشربة المسكرة والميتة والدم
ولحم الخنزير والتجارة في ذلك استتيب منه، فإن تاب وراجع الحق لم يكن عليه
سبيل وإن أقام على استحلال ذلك كان بحكم المرتد عن الدين الذي يجب عليه
القتل كوجوبه على المرتدين.
ومن أكل الربا بعد الحجة عليه في تحريمه عوقب على ذلك حتى يتوب منه، فإن
استحله وأقام عليه ضربت عنقه.
ومن اتجر في السموم القاتلة عوقب على ذلك ومنع منه، فإن لم يمتنع وأقام على
بيعها وعرف بذلك ضربت عنقه.
ويعزر آكل الجري والمارماهي والزمار ومسوخ السمك كلها وآكل مسوخ البر
وسباع الطير وآكل الطحال من الأنعام والقضيب والأنثيين ويؤدب على ذلك
ويستتاب منه، فإن عاد عليه عوقب حتى يتوب، فإن استحل شيئا من ذلك وعاند
الحق في التدين به حل دمه لإمام المسلمين.
باب الحد في السرقة والخيانة والخلسة ونبش القبور والخنق والفساد في الأرضين:
ومن سرق من حرز ربع دينار أو ما قيمته ربع دينار وجب عليه القطع، ولا
يجب القطع إلا بشهادة رجلين مسلمين عدلين على الانسان بأنه سرق من حرز ربع
42

دينار أو ما قيمته ربع دينار أو بإقرار من حر عاقل بذلك مرتين، ويقطع السارق من
أصول أصابع كفه اليمنى ويترك له الراحة والإبهام ويؤخذ منه ما سرق إن كان
موجودا فيرد على صاحبه وإن كان قد أحدث فيه حدثا طولب بأرشه وإن كان قد
استهلكه أغرم قيمته.
فإن سرق ثانية من حرز ما قيمته ربع دينار فصاعدا قطعت رجله اليسرى من
أصل الساق وترك له مؤخر القدم ليعتمد عليه عند قيامه في الصلاة، فإن سرق ثالثة
بعد قطع رجله اليسرى وكانت سرقته من حرز ربع دينار خلد في الحبس إلى أن
يموت أو يرى الإمام صلاحا منه وتوبة وإقلاعا ويعلم أن في إطلاقه صلاحا فلا
بأس أن يخلى سبيله إذا كان الأمر على ما وصفناه، فإن سرق من الحبس من حرز
ما قيمته ربع دينار ضربت عنقه.
ولا يقبل إقرار العبد على نفسه بالسرق ولا بالقتل لأنه مقر بذلك على مال غيره
ليتلفه، فإن شهد عليه بالقتل أو السرق شهود حسب ما ذكرناه أقيمت الحدود عليه
بالشهود دون الإقرار.
وتقطع المرأة إذا سرقت كما يقطع الرجل سواء، والحكم عليها إذا تتابع سرقها
كالحكم على الرجل فيما وصفناه.
وإذا سرق الصبي أدب ولم يقطع وعزره الإمام بحسب ما يراه، ولا قطع على
الرجل في سرقة مال ولده، ويقطع الولد إذا سرق مال والده، وتقطع المرأة إذا
سرقت مال زوجها من حرز دونها، ويقطع الزوج إذا سرق مال زوجته المحرز عنه،
ولا يقطع العبد إذا سرق من سيده لكنه يعاقب بالتأديب، ولا يقطع السيد إذا
سرق من عبده ولا يؤدب على ذلك بعقاب، ولا يقطع المسلم إذا سرق من مال
الغنيمة لأن له فيه قسطا، ويقطع الكافر إذا سرق منه شيئا، وحد السرق على
الذمي كحد المسلم فيه، ولا قطع على من سرق شيئا من الثمار في البساتين
ويقطع من سرق منها ما قيمته ربع دينار بعد إحرازها في البيوت.
ومن سرق من جيب انسان أو من كمه وكان مقداره ربع دينار فصاعدا قطع
43

إن كان الكم أو الجيب باطنين وإن كانا ظاهرين استرجع منه وعزر ولم يقطع
. ولا يقطع السارق من الحمامات والخانات والمساجد لأنها ليست بأحراز إلا أن
يكون الشئ محرزا في الحمام والخان والمسجد بشد أو قفل أو دفن فيقطع إن كان
قدره ربع دينار.
ومن سرق حيوانا من حرز قيمته ربع دينار فصاعدا قطع، ولا يقطع الغريم
إذا سرق مقدار حقه من غريمه للشبهة في توصله إلى حقه بذلك.
وإذا اشترك نفسان في سرقة شئ من حرز وكان قيمة الشئ ربع دينار فصاعدا
قطعا، فإن انفرد كل واحد منهما بسرقة بعضه دون بعض لم يقطعا وأدبا
بالتعزير
. وفي الخيانة والخلسة العقوبة بما دون الحد.
ويقطع النباش إذا سرق من الأكفان ما قيمته ربع دينار كما يقطع غيره من
السراق إذا سرقوا من الأحراز، وإذا عرف الانسان بنبش القبور وكان قد فات
السلطان ثلاث مرات كان الحاكم فيه بالخيار إن شاء قتله وإن شاء عاقبه وقطعه
والأمر في ذلك إليه يعمل فيه بحسب ما يراه أزجر للعصاة وأردع للجناة.
وأهل الزعارة إذا جردوا السلاح في دار الاسلام وأخذوا الأموال كان الإمام
مخيرا فيهم إن شاء قتلهم بالسيف وإن شاء صلبهم حتى يموتوا وإن شاء قطع أيديهم
وأرجلهم من خلاف وإن شاء نفاهم عن المصر إلى غيره ووكل بهم من ينفيهم عنه
إلى ما سواه حتى لا يستقر بهم مكان إلا وهم منفيون عنه مبعدون إلى أن تظهر
منهم التوبة والصلاح، فإن قتلوا النفوس مع إشهارهم السلاح وجب قتلهم على كل
حال بالسيف والصلب حتى يموتوا ولم يتركوا على وجه الأرض أحياء.
والخناق يجب عليه القتل ويسترجع منه ما أخذه من الناس فيرد عليهم فإن لم
يوجد معه أغرم قيمته، وكذلك كل مفسد إذا أخذ مال غيره استرجع منه فإن كان
قد استهلكه أغرم قيمته لأربابه إلا أن يعفوا عنه فذلك لهم ليس عليهم فيه
اعتراض.
44

ومن بنج غيره أو أسكره بشئ واحتال عليه في شربه منه وأكله ثم أخذ ماله
عوقب على ذلك بما يراه الإمام من التعزير واسترجع منه ما أخذه من غيره لصاحبه،
فإن جنى البنج على الانسان أو المسكر من الشراب جناية لزمه أرشها بحسب ما
يجب فيها لنقصان الجسم أو العقل أو الحواس.
والمحتال على أموال الناس بالمكر والخديعة يغرم ما أتلفه ويعاقب بما يردعه عن
مثل ذلك في مستقبل الأحوال ويشهره السلطان بالنكال لتحذر منه الناس.
والمدلس في الأموال والسلع حكمه حكم المحتال حسب ما بيناه.
45

الانتصار
للسيد الشريف المرتضى علم الهدي أبي القاسم
علي بن الحسين الموسوي
355 - 436 ه‍ ق
47

مسائل الحدود
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن حد الوطء إذا أوقع الفعل فيما دون الدبر
بين الفخذين مائة جلدة للفاعل والمفعول به إذا كانا معا عاقلين بالغين لا يراعى في
جلدهما وجود الإحصان كما روعي في الزنى، فأما الإيلاج في الدبر فيجب فيه
القتل من غير مراعاة أيضا للإحصان فيه، والإمام مخير في القتل بين السيف وضرب
عنقه به وبين أن يلقى عليه جدارا يتلف نفسه بإلقائه أو بأن يلقيه من جدار أو جبل
على وجه يتلف معه نفسه بإلقائه أو يرميه بالأحجار حتى يموت.
وقد انفردت الإمامية انفرادا صحيحا ولا موافق لها فيها فإنه وإن روي عن
مالك والليث بن سعد في المتلاوطين: أنهما يرجمان أحصنا أو لم يحصنا، فهذه
لعمري موافقة للإمامية من بعض الوجوه ولم يفصلا ذلك التفصيل الذي شرحناه وما
أظنهما يوجبان على من لم يكن فعله في نفس الدبر جلدا ولا غيره.
وقال أبو حنيفة في اللوطي: إنه يعزر ولا يحد. وقال الليثي وأبو يوسف ومحمد
وابن حي والشافعي: إن اللواط بمنزلة الزنى، وراعوا فيه الإحصان الذي يراعونه في
الزنى.
دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه الاجماع المتردد، وقد ظهر من مذهب أمير المؤمنين
علي بن بي طالب ع القول بقتل اللوطي وفعله حجة، ومما يذكر على
سبيل المعارضة للمخالف أنهم كلهم يروون عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي
49

ص قال: من وجدتموه على عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل
والمفعول به، وقد حكى: أنه كان يذهب إليه مع أمير المؤمنين ع أبو بكر
وابن عباس ولم يظهر خلاف عليهم هناك.
وربما قوي هذا المذهب بأن يقال: قد علمنا أن الحدود إنما قد وضعت في
الشريعة للزجر عن فعل الفواحش والجنايات وكل ما كان الفعل أفحش كان الزجر
أقوى ولا خلاف في أن اللواط أفحش من الزنى والكتاب ينطق بذلك فيجب أن
يكون الزجر عنه أقوى، وليس هذا بقياس لكنه ضرب من الاستدلال
. وربما قوي بأن اللواط أفحش من الزنى بأنه إصابة لفرج لا تستباح إصابته
بحال وليس كذلك الزنى، وعذر أبي حنيفة كأنه أوسع من عذر الشافعي و
أبي يوسف ومحمد لأن أبا حنيفة يدعي أنه لم يعثر في الشريعة على دلالة يقتضي
وجوب الحد على اللوطي وكلما لا حد فيه من الجنايات ففيه التعزير، والشافعي
ومن وافقه من أبي يوسف ومحمد يجرون اللواط مجرى الزنى في جميع الأحكام، فيا
ليت شعري من أين لهم ذلك وكيف حكموا فيه بحكم الزنى واسم الزنى لا يتناوله
في الشرع
فإن قالوا: اسم الزنى وإن لم يتناوله فاسم الفاحشة عام في اللواط والزنى.
قلنا: إنما علق النبي ص الأحكام المخصوصة باسم الزنى
فلما لم يقع عليه هذا الاسم المعين لم يتعلق به الأحكام، واسم الفاحشة وإن عم
اللواط فهو يعم الزنى والسرقة وكل القبائح فيجب أن يجعل بجميع هذه الجنايات
أحكام الزنى لأن اسم الفاحشة يقع عليها، قال الله تعالى: قل إنما حرم ربي
الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وإنما أراد جميع القبائح والمعاصي.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن البينة إذا قامت على امرأتين بالسحق
جلدت كل واحدة منهما مائة جلدة مع فقد الإحصان ووجوده فإن قامت البينة
50

عليهما بتكرر هذا العمل منهما وإصرارهما عليه كان للإمام قتلهما كما يفعل
باللوطي، وخالف باقي الفقهاء في ذلك ولم يوجبوا شيئا مما أوجبناه.
دليلنا ما تقدم من إجماع الطائفة فلا خلاف بينهم في ذلك، وأيضا فلا خلاف
في أن هذا فعل فاحش قوي الخطر يجري مجرى اللواط وكل شئ كان أزجر عنه فهو
أولى وثبوت الحد فيه أزجر عنه وأدعى إلى الامتناع عنه، وإنما يرجع مخالفونا في نفي
الحد من هذا الموضع إلى الرأي والاجتهاد وقد بينا أنه لا رجوع إلى مثلهما في
الشريعة وإنما الرجوع إلى النص والتوقيف.
مسألة:
ومما ظن انفراد الإمامية به القول: بأن من نكح بهيمة وجب عليه التعزير بما هو
دون الحد من الزنى وتغريم ثمن البهيمة لصاحبها، وقد روي عن الأوزاعي:
إيجاب الحد على من أتى البهيمة.
وقال باقي الفقهاء: لا حد على من أتى البهيمة ولا تعزير، والمعتمد في ذلك
على إجماع الطائفة ويمكن أن يعارضوا بما يروونه هم عن عكرمة عن ابن عباس قال:
قال رسول الله ص: من وجدتموه على بهيمة فاقتلوه واقتلوا
البهيمة، وإذا كان هذا موجودا في رواياتهم فقد انضم إلى ما ترويه الشيعة وهو
كثير.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن من نكح امرأة ميتة أو تلوط بغلام ميت
فإن حكمه في العقوبة حكم من فعل ذلك بالحي، ولسنا نعرف موافقا من باقي
الفقهاء للإمامية في ذلك وإن كانوا مخطئين لفاعله مبدعين له إلا أنهم ما عرفنا أنهم
يوجبون عليه من الحد ما يوجبونه على فاعل ذلك بالحي.
والحجة لنا بعد إجماع الطائفة أن هذا فعل فيه بشاعة وشناعة في الشريعة وتمثيل
51

بالأموات فكلما زجر عنه وباعد عن فعله فهو أولى.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن من استمنى بيده وجب عليه أن يضرب
بالدرة على يده الضرب الشديد حتى تحمر، ولم يعرف باقي الفقهاء في ذلك.
والحجة لنا ما تقدم ذكره في المسألة التي تقدمت هذه المسألة.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن من قامت عليه البينة بالجمع بين النساء
والرجال أو الرجال والغلمان للفجور وجب أن يجلد خمسا وسبعين جلدة ويحلق
رأسه ويشهر في البلد الذي يفعل ذلك فيه وتجلد المرأة إذا جمعت بين الفاجرين
لكنها لا يحلق رأسها ولا تشهر، ولم يعرف باقي الفقهاء ذلك ولا سمعناه عنهم
ولا منهم.
والحجة لنا فيه إجماع الطائفة وأن ذلك أزجر وأدعى إلى مجانبة هذا الفعل القبيح
الشنيع.
مسألة:
ومما ظن انفراد الإمامية وأهل الظاهر يوافقونهم فيه القول: بأنه يجمع على
الزاني المحصن بين الجلد والرجم يبدأ بالجلد ويثني بالرجم، وداود مع أهل الظاهر
يوافقونهم في ذلك وخالف باقي الفقهاء في ذلك وقالوا: لا يجمع الجلد والرجم بل
يقتصر في المحصن على الرجم.
دليلنا على ما ذهبنا إليه إجماع الطائفة، وأيضا فلا خلاف في استحقاق المحصن
الرجم وإنما الخلاف في استحقاق الجلد والذي يدل على استحقاقه إياه قوله تعالى:
الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة، والمحصن يدخل تحت
52

هذا الاسم فيجب أن يكون مستحقا للجلد وكأنه تعالى قال: اجلدوهما لأجل
زناهما، وإذا كان الزنى علة في استحقاق الجلد وجب في المحصن كما وجب في
غيره، واستحقاقه للرجم غير مناف لاستحقاقه للجلد لأن اجتماع الاستحقاقين لا
يتنافى، وليس يمكنهم أن يدعوا دخول الجلد في الرجم كما يدعون دخول المسح في
الغسل لأن من المعلوم أنه متميز منه وغير داخل فيه.
فإن قالوا: هذه الآية محمولة على الأبكار.
قلنا: هذا تخصيص بغير دليل.
فإن عولوا في تخصيصه على ما رووه عن النبي ص أنه
قال: فإن اعترفت فارجموها، ولم يذكر الجلد.
قلنا: هذا أولا خبر واحد غاية حاله إذا سلم من كل قدح أن يوجب الظن
وأخبار الآحاد لا يختص بها ظواهر الكتاب الموجبة للعلم، وإذا سلمناه فليس فيه
أكثر من خلو الخبر من ذكره للجلد وذلك لا يسقط وجوبه، ألا ترى أنهم كلهم
يدفعون استدلال من استدل على أن الشهادة في النكاح ليست بواجبة بأن يقول: إن
الله تعالى ذكر النكاح في مواضع من الكتاب ولم يذكر الشهادة في آيات النكاح ولا
شرطها، بأن يقولوا: عدم ذكر الشهادة في آيات النكاح لا يدل على أنها ليست
بواجبة، وما سبيل المحتج بذلك إلا سبيل من قال: إن الوضوء ليس بواجب لأن
النبي ص قال: من نام عن صلاة ونسيها فليصلها إذا ذكرها،
ولم يذكر الوضوء ولم يشرطه هاهنا ولم يدل نفي اشتراطه على نفي وجوبه.
فإن احتج المخالف بما رواه قتادة عن سمرة عن الحسن بن محمد أن جابرا قال:
كنت في من رجم ماعزا ولم يجلده رسول الله ص.
فالجواب عن ذلك: أن هذا أيضا خبر واحد لا يختص به ظواهر الكتاب الموجبة
للعلم وقد طعن في هذا الخبر لأن قتادة دلسه وقال: عن سمرة، ولم يقل: حدثني،
وبعد فإن هذه شهادة بنفي ولا تتعلق إلا بعلمه كأنه قال: لم أعلم أن رسول الله
ص جلده، وفقد علمه بذلك لا يدل على أنه لم يكن وغير ممتنع
53

أن يجلد ه من حيث لا يعلم، فظاهر الخبر أن جابر عني بقوله: كنت في من رجم
ماعزا ولم يجلده رسول الله ص، إنما أراد لم يجلده في المجلس
الذي رجم فيه لأنه قال: كنت في من رجم ماعزا ولم يجلده النبي ص،
ولو كان قصده إلى نفي الجلد على كل حال لم يكن في قوله: كنت في من
رجم، معنى أ لا ترى أن رجلا لو قال: ما أكل عمرو الطعام، وهو يريد منه ثلاثة
أيام لم يجز أن يقوى قوله: فإني كنت معه طول البارحة فلم يطعم، وإنما يحسن
هذا القول منه إذا كان يريد في أكله مدة ملازمته له.
وقد قيل: إن غاية ما في الخبر أن ظاهره يقتضي أن رسول الله ص
ما باشر جلده بنفسه وذلك لا يدل على أنه لم يأمر غيره بجلده.
والقول في الخبر الذي يرويه نافع عن ابن عمر: أن النبي ص
رجم اليهوديين ولم يجلدهما، يجري مجرى الكلام في هذا الخبر على أن هذا
الخبر الذي رووه معارض بما يروونه عن النبي ص من قوله: الثيب
بالثيب تجلد مائة جلدة والرجم، وهذا يعارض رواياتهم ويسقط الرجوع عن ظاهر
الكتاب بها، وإذا كان هذا موجودا في رواياتهم فما ترويه الشيعة من ذلك لا يحصى
كثرة من اجتماع الجلد والرجم.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن الحر البكر إذا زنى فجلد ثم
عاد فجلد ثم عاد الثالثة فجلد أنه إن عاد الرابعة قتله الإمام والعبد يقتل في الثامنة، وخالف
باقي الفقهاء في ذلك ولم يقولوا بشئ منه.
دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه إجماع الطائفة، وأيضا فقد علمنا أن إيجاب القتل
على من عادوا إلى الرابعة أزجر وأدعى إلى تجنب ذلك وما هو أزجر من القبائح فهو
أولى، ولأننا أيضا قد علمنا أن من عاود الزنى بعد الجلد لا يكون حاله في الجرأة على
الله والتجاسر على معصيته حاله في الأولى والثانية بل لا بد من أن يكون كالمتهاون
54

والمستصغر للمعاصي فمن المحال أن يكون عقابه عقاب الأول للفرق ما بينهما من
فحش الذنب وعظمه وتأكده.
فإن قالوا: لو استحق البكر القتل في الرابعة للحق البكر بالثيب.
قلنا: الفرق بينهما أن المحصن يقتل في الأولى ومن ليس بمحصن يقتل في
الرابعة.
فإن عولوا على ما يروونه عن النبي ص من قوله: لا يحل
دم امرئ مسلم بكفر بعد إيمان أو زنى بعد إحصان أو قتل النفس التي حرمها الله
تعالى، والمعاود للزنى في الرابعة ليس بواحد منهم.
قلنا: هذا خبر واحد لا يوجب علما ولا عملا ولا يثبت بمثله الأحكام،
ويعارضه من أخبارنا المتضمنة للقتل في الرابعة ما هو أولى منه وأوكد، وقد يستحق
القتل في الشريعة جماعة لم يدخلوا تحت لفظ هذا الخبر فغير ممتنع مثل ذلك في من
ذكرناه.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن شارب الخمر المحدود في الأولى والثانية
يقتل في الثالثة، وخالف باقي الفقهاء في ذلك ولم يوجبوا عليه قتلا في معاودة
شرب الخمر على وجه من الوجوه، والطريقة في نصرة هذه المسألة هي الطريقة في
النصرة التي قبلها بلا فصل ولا معنى لتكرار ذلك.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن شارب الفقاع يحد حد شارب الخمر
وتجري أحكامهما مجرى واحدا، وخالف باقي الفقهاء في ذلك.
والحجة لنا فيه بعد إجماع الطائفة أنه قد ثبت تحريم شرب الفقاع بما دللنا عليه في
هذا الكتاب، وكل من حرمه أوجب فيه حد الخمر والتفرقة بين الأمرين خلاف
55

إجماع الأمة.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن الإحصان الموجب في الزاني الرجم هو أن
يكون له زوجة أو ملك يمين يتمكن من وطئها متى شاء من غير حائل عن ذلك بغيبته
أو مرض منهما أو حبس دونه سواء كانت الزوجة حرة أو أمة ملية أو ذمية لأن هذه
الصفات إذا ثبتت فهو مستغن بالحلال عن الحرام، ونكاح المتعة عندنا لا يحصن على
أصح الأقوال لأنه غير دائم ومعلق بأوقات محدودات، وفرقوا بين الغيبة والحيض لأن
الحيض لا يمتد وربما امتدت الغيبة ولأنه قد يتمتع من الحائض بما دون موضع
الحيض وليس كذلك الغيبة.
وخالف باقي الفقهاء في ذلك فقال أبو حنيفة وأصحابه: الإحصان أن يكونا
حرين مسلمين بالغين قد جامعها وهما بالغان.
وروي عن أبي يوسف: أن المسلم يحصن النصرانية ولا تحصنه، وروي عنه
أيضا: أن النصراني إذا دخل بامرأته النصرانية ثم أسلما أنهما محصنان بذلك الدخول.
وروى بشر بن الوليد عن أبي يوسف قال: قال ابن أبي ليلى: إذا زنى اليهودي
والنصراني بعد ما أحصنا فعليهما الرجم، وقال أبو يوسف: وبه نأخذ.
وقال مالك: تحصن الأمة الحر ويحصن العبد الحرة، ولا تحصن الحرة العبد
، وتحصن اليهودية والنصرانية المسلم، وتحصن الصبية الرجل، وتحصن المجنونة
العاقل، ولا يحصن الصبي المرأة، ولا يحصن العبد الأمة إذا جامعها في حال الرق
ثم أعتقا لم يكونا محصنين بذلك الجماع حتى يجامعها بعد العتق.
وقال مالك: إذا تزوجت الحرة خصيا وهي لا تعلم أنه خصي فوطئها ثم علمت
أنه خصي فلها أن تختار فراقه ولا يكون ذلك الوطء إحصانا.
وقال الثوري: لا يحصن بالنصرانية ولا اليهودية والمملوكة.
56

وقال الأوزاعي في العبد تحته حرة: إذا زنى فعليه الرجم فإذا كانت تحته أمة
فأعتق ثم زنى فليس عليه الرجم حتى ينكح غيرها، وقال في الجارية التي لم
تحصن: إنها تحصن الرجل، والغلام الذي لم يحتلم لا يحصن المرأة، ولو تزوج امرأة
فإذا هي أخته من الرضاعة فهذا إحصان.
وقال الحسن بن حي: لا يكون محصنا بالكافرة ولا الأمة ولا يحصن إلا بالحرة
المسلمة، وتحصن المشركة بالمسلم، ويحصن المشركان كل واحد منهما لصاحبه.
وقال الليث في الزوجين المملوكين: لا يكونان محصنين حتى يدخل بهما بعد
عتقهما فإن تزوج امرأة في عدتها فوطئها ثم فرق بينهما فهذا إحصان، وقال في
النصرانيين: لا يكونان محصنين حتى يدخل بها بعد إسلامهما.
وقال الشافعي إذا دخل بامرأة وهما كافران فهذا إحصان.
دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه بعد إجماع الطائفة أن الإحصان اسم شرعي تحته
حكم شرعي بغير شبهة، ولا خلاف في أن الحر المسلم إذا كان عنده زوجة كذلك
يتمكن من وطئها بغير مانع عنه فإنه محصن.
وادعى من خالفنا الإحصان في مواضع أخر خالفناهم فيها فعليهم الدلالة
الشرعية على ذلك، وإنما يرجعون فيه إلى الآراء والظنون وبمثل ذلك لا تثبت
الأحكام الشرعية.
فإن قالوا: أنتم تدعون أيضا ثبوت حكم الإحصان في موضع الخلاف مثل
إحصان المملوكة والذمية.
قلنا: دليلنا على لحوق هذا الحكم في تلك المواضع التي فيها الخلاف هو إجماع
الطائفة المبني على العلم اليقين دون الظن، وكان موضع الوفاق لنا عليه دليل إجماع
الطائفة مضافا إلى إجماع الأمة، والمواضع التي يدعي مخالفونا ثبوت الإحصان فيها
ونحن ننفيه دليلنا على نفيه أنه حكم شرعي ولا دليل شرعي يقتضي ثبوته، وما
يدعي ثبوت الإحصان فيه ويخالفونا في ثبوته يرجع في ثبوته إلى دليل إجماع الطائفة.
57

ومما انفردت به الإمامية أن من زنى بذات محرم ضربت عنقه محصنا كان أو
غير محصن، ومن عقد على واحدة منهن وهو عارف برحمه منها ووطئها استحق ضرب
العنق وحكمه حكم الوطء لهن بغير عقد.
وخالف باقي الفقهاء في ذلك فقال أبو حنيفة والثوري في من عقد على ذات محرم
ووطئ: إنه لا يحد ويعزر.
وقال أبو يوسف ومحمد: يحد إذا علم تحريمها عليه.
وقال مالك: يحد ولا يلحق نسب الولد به إن لم تعلم هي بذلك وإن كانت
هي قد علمت وهو لا يعلم ألحق به الولد وأقيم عليه الحد.
وقال ابن شبرمة: من أقر أنه تزوج امرأة في عدتها وهو يعلم أنها محرمة ضربته
ما دون الحد وكذلك المتمتع.
وقال الأوزاعي في الذي يتزوج بالمجوسية وبالخامسة والأختين: إن كان
جاهلا ضرب مائة وألحق به الولد، وإن كان متعمدا رجم ولا يلحق به الولد.
وقال الحسن بن حي في من تزوج امرأة في العدة وهو لا يعلم أنها لا تحل له أو
ذات محرم منه: أقيم عليه الحد إذا وطئ، وهو قول الشافعي.
وقال الشافعي: فإن ادعى الجهالة بأن لها زوجا وأنها في عدة حلف ودرئ
عنه الحد.
دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه إجماع الطائفة وأن تغليظ الحد أزجر عن الفعل
المحدود عليه.
ومما يمكن أن يعارض به ما هو موجود في رواياتهم عن ابن عباس عن النبي
ص أنه قال: من وقع على ذات رحم له فاقتلوه، ولم يفرق بين
أن يقع عليها بنكاح أو غيره، ولا يجوز أن يحمل هذا الخبر على أن المراد به أنه إذا
وقع عليها وهو معتقد لإباحة الفعل لأن الخبر عام وتخصيصه يحتاج إلى دليل، ولأن
النبي ص اختص ذوات المحارم والأجانب فيما ذكروه
58

كذوات المحارم لأن من وقع على أجنبية محرمة واعتقد إباحة وقوعه عليها كان بذلك
كافرا على كل حال.
ومما يوجد في رواياتهم حديث البراء في رجل تزوج امرأة أبيه، قال أبو بردة:
فأمرني النبي ص أن أقتله.
وقال أبو حنيفة: إن الحدود تسقط بالشبهات وإنه إذا عقد على ذات محرم مع
العلم بحالها كان هذا عقدا بشبهة، طريف لأنه لا شبهة في هذا العقد إذا فرضنا أنه
عالم بأنها ذات محرم لأن الحد إنما يبطل بشبهة ترجع إلى الفاعل وهو اعتقاده إباحة
الوطء أو لشبهة تعود إلى المفعول به وهو أن يكون في الموطوء ملك أو
شبهة ملك أو لشبهة في الفعل بأن يختلف في إباحته ولم يوجد أحد هذه الأمور هاهنا، فإذا قالوا:
هاهنا شبهة عقد، قيل: لم يبح الوطء ولم يزل الحكم عن تحريمه فلا يكون شبهة في
سقوط الحد.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن الذمي إذا زنى بالمسلمة ضربت عنقه
وأقيم على المسلمة الحد إن كانت محصنة جلدت ثم رجمت وإن كانت غير محصنة
جلدت مائة جلدة، وما نعرف موافقا لنا من باقي الفقهاء في ذلك.
والوجه في صحة قولنا زائدا على إجماع الطائفة أن هذا الفعل من الذمي خرق
للذمة وامتهان للإسلام وجرأة على أهله، ولا خلاف في أن من خرق الذمة كان
مباح الدم.
فإن قيل: كيف يقتل من لم يكن قاتلا؟
قلنا: كما نقتله مع الإحصان وليس بقاتل ويقتل المرتد وليس بقاتل، وبعد
فإذا جاز أن يتغلظ في الشريعة حكم زنى المحصن حتى يلحق بأخذ النفس ما المنكر
من أن يتغلظ أيضا زنى الذمي بالمسلمة حتى يلحق بوجوب تناول النفس
59

مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن من غصب امرأة على نفسها ووطئها
مكرها لها ضربت عنقه محصنا كان أو غير محصن، وخالف باقي الفقهاء في ذلك.
دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه إجماع الطائفة، وأيضا من المعلوم أن هذا الفعل
أفحش وأشنع في الشريعة وأغلظ من الزنى مع الراضي فيجب أن يكون الحد فيه
أغلظ وأزجر.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن من زنى بجارية أبيه جلد الحد وإن زنى
الأب بجارية ابنه أو ابنته لم يجلد الحد لكنه يعزر بحسب ما يراه السلطان، ولم
يعرف باقي الفقهاء ذلك.
والوجه في صحة قولنا زائدا على إجماع الطائفة أنه غير ممتنع أن تكون حرمة الأبوة
وما عظمه الله تعالى من شأنها يقتضي اسقاط الحد في هذا الموضع كما أسقطت الحد
في قتل رجل لابنه، وإذا كانت المصلحة لا يمتنع أن يقتضي ما ذكرناه، وأجمعت
الطائفة عليه وفي إجماعها الحجة وظهرت الروايات فيها به وجب العمل عليه.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن السارق يجب قطع يده من أصول الأصابع
وتبقى له الراحة والإبهام، وفي الرجل تقطع من صدر القدم ويبقى له العقب.
وخالف باقي الفقهاء في ذلك وذهبوا كلهم إلى: أن قطع اليد من الرسغ
والرجل من المفصل من غير تبقية قدم.
وذهب الخوارج إلى: أن القطع من المرفق، وروي عنهم: أنه من أصل
الكتف. دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه بعد الاجماع المتردد أن الله تعالى أمر بقطع يد
60

السارق بظاهر الكتاب، واسم اليد يقع على هذا العضو من أوله إلى آخره ويتناول
كل بعض منه، ألا ترى أنهم يسمون كل من عالج شيئا بأصابعه أنه قد فعل شيئا
بيده، قال الله تعالى: فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم. كما يقولون في من
عالج شيئا براحته: إنه قد فعل بيده، وآية الطهارة تتضمن التسمية باليد إلى
المرافق.
فإذا وقع اسم اليد على هذه المواضع كلها وأمر الله تعالى أن تقطع يد السارق
ولم ينضم إلى ذلك بيان مقطوع عليه في موضع القطع وجب الاقتصار على أقل ما
يتناوله اسم اليد لأن القطع والإتلاف محظور عقلا، فإذا أمر الله تعالى به ولا بيان
وجب الاقتصار على أقل ما يتناوله الاسم ومما وقع الخلاف فيه وهو ما ذهبت
الإمامية إليه.
فإن قيل: فهذا يقتضي أن يقتصر على قطع أطراف الأصابع ولا يوجب أن تقطع
من أصولها.
قلنا: الظاهر يقتضي ذلك والإجماع منع منه.
فإن احتج المخالف بما يروونه من: أن النبي ص قطع من
الكرسوع.
قلنا: هذا ما ثبت على وجه يوجب اليقين وإنما هو في أخبار الآحاد ويعارضه
ما رويناه مما يتضمن خلاف ذلك، وقد روى الناس كلهم: أن أمير المؤمنين ع
قطع من الموضع الذي ذكرناه، ولم نعرف له مخالفا في الحال ولا منازعا له.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن من سرق ما يبلغ نصاب القطع من حرز
قطعت يمينه من الموضع الذي ذكرناه، فإن سرق ثانيا قطعت رجله اليسرى، فإن
سرق ثالثة بعد قطع رجله اليسرى خلد في الحبس إلى أن يموت أو يرى الإمام رأيه،
فإن سرق في الحبس من حرز ما هو نصاب القطع ضربت عنقه.
61

وليس لأحد من باقي الفقهاء هذا التفصيل لأن الشافعي يقول: إذا سرق ثانية
قطعت رجله اليسرى، وإذا سرق ثالثة قطعت يده اليسرى.
وأبو حنيفة يذهب إلى: أن رجله اليسرى تقطع في الثانية وفي الثالثة يحبس
، فكان أبا حنيفة قد ساوانا في إيجابه في الثالثة الحبس دون القطع إلا أنه يخالفنا في
إيجاب القتل عليه متى سرق بعد ذلك، وقوله أقرب إلى قولنا على كل حال،
وانفرادنا بالترتيب الذي رتبناه ظاهر.
ومما يمكن أن يعارضوا به أن قتل السارق موجود في رواياتهم لأنهم يروون عن
جابر: أن النبي ص قتل السارق في الخامسة.
وقد روى مخالفونا في كتبهم: أن عثمان بن عفان وعبد الله بن عمر وعمر بن
عبد العزيز قتلوا سارقا بعد ما قطعت أطرافه.
وقد روي من يخالفنا في قتل السارق إذا تكررت سرقته أخبارا معروفة فكيف
ينكرون علينا ما هو موجود في رواياتهم ومن تأول تلك الأخبار على أنه يجوز أن
يكون القتل فيهما للقود لا للسرقة تارك للظاهر بعيد للتأويل والظاهر يقضى عليه
ويبطل قوله.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأنه إذا اشترك نفسان أو جماعة في سرقة ما
يبلغ النصاب من حرز قطع جميعهم، وخالف باقي الفقهاء في ذلك.
دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه الاجماع المتردد، وأيضا قوله تعالى: والسارق
والسارقة فاقطعوا أيديهما، والظاهر يقتضي أن القطع إنما وجب بالسرقة
المخصوصة وكل واحد من الجماعة يستحق هذا الاسم فيجب أن يستحق القطع.
62

الكافي
في الفقه
لأبي الصلاح تقي الدين ابن نجم الدين عبد الله الحلبي
347 - 447 ه‍ ق
63

الضرب الثامن من الأحكام
قد بينا انقسام القبائح العقلية والسمعية إلى فعل كالظلم والكذب والزنى والرياء
وشرب الخمر، والإخلال بواجب كالصدق والإنصاف والصلاة والزكاة.
وإيثار القبائح والإخلال بالواجب على ضربين: أحدهما يوجب الحد والثاني
يوجب التعزير، فالأول: الكفر والقتل والحرب - وقد بينا أحكام ما يقتضونه -
والزنى واللواط والسحق والقيادة والسرق وشرب الخمر وشرب الفقاع، ونحن نذكر
ما يقتضيه كل واحد من هذه القبائح، والضرب الثاني: ما عدا ما ذكرناه من
القبائح فعلا وإخلالا.
فصل في حد الزنى:
إنما يكون المرء زانيا في الشريعة بأن يقر به أربع مرات عاقلا مختارا أو يشهد به
أربعة رجال عدول في وقت واحد ولفظ واحد متفق المعنى بمعاينة الفرج في الفرج
كالميل في العين أو يعلمه سلطان الحد زانيا، وهو ممن يصح منه القصد إليه سواء
كان مختارا أو مكرها صاحيا أم سكران صحيحا أو مريضا أو ذا عمى أو عرج.
فإن كان حرا مسلما محصنا بزوجة غبطة حرة أو أمة أو ملك يمين حاضرة
يتمكن من الوصول إليها وكان شيخا جلد مائة سوط وأمهل حتى يبرأ الضرب ثم
رجم حتى يموت، وإن كان شابا رجم حسب، وإن كان أحدهما محصنا بغائبة
عنه أو حاضرة لا يتمكن من الوصول إليها جلد مائة سوط وغرب عاما، وإن لم يكن
65

محصنا جلد مائة سوط سواء كان المزني بها حرة أو أمة مسلمة أو ذمية صغيرة أو
كبيرة أو معقودا عليها عقدا لا تحل معه لنسب أو رضاع أو سبب عاقلة أو مجنونة حية
أو ميتة.
وإن كانت الزانية حرة مسلمة عاقلة مؤثرة فعليها إن كانت محصنة بزوج حاضر
يصل إليها الرجم، وإن كانت بكرا أو محصنة بزوج لا يصل إليها جلدت مائة ولا
تغريب عليها سواء كان الزاني بها حرا أو عبدا مسلما أو كافرا صغيرا أو كبيرا
عاقلا أو مجنونا.
وإن كان الزاني عبدا أو الزانية أمة فعلى كل واحد منهما نصف الحد خمسون
سوطا على كل حال.
وإن كانت ذمية فولي الحد مخير بين أن يحكم فيها بحكم الاسلام وبين أن
يسلمها إلى أهل دينها ليحكموا فيها بحكمهم.
وإن كانت مجنونة لا تفيق فلا شئ عليها، وإن كانت ممن تفيق وأقرت بالزنى
أو قامت به البينة أو حصل العلم به في حال إقامتها فعليها ما على العاقلة.
. وإن كانت صغيرة عزرت.
وإن كانت من المحرمات بالنسب قتلا جميعا محصنين كانا أو بكرين حرين أم
عبدين.
وإن كان الزاني عبدا أو مكاتبا لم يتحرر منه شئ أو مدبرا جلد خمسين
سوطا محصنا كان أو غير محصن، وإن كان مكاتبا قد تحرر منه بعضه جلد من حد
الحرية بحسب ما تحرر منه ومن حد العبودية بحسب ما رق منه.
وإن كان ذميا بذمية فولي الحد مخير بين ما ذكرناه في أهل الذمة، وإن كان
بمسلمة حرة أو أمة صغيرة أو كبيرة عاقلة أو مجنونة حية أو ميتة قتل لخروجه عن
حرمة الذمة وغلظ الحد على المسلمة، فإن أسلم قبل إسلامه وأجريت عليه أحكامه
ولم يدرأ ذلك عنه الحد.
وإن كان مجنونا مطبقا لا يفيق ولا يهتدي شيئا فلا شئ عليه، وإن كان
66

ممن يصح منه القصد إلى الزنى وقامت بفعله البينة أو علمه الإمام جلد مائة
جلدة محصنا كان أو غير محصن ولا يعتد بإقراره، وإن كان ممن يفيق فيثبت إقراره به في
حال إفاقته أو قامت به البينة أو حصل العلم للإمام رجم إن كان محصنا وجلد إن
كان بكرا، وإن كان ذلك في حال جنونه فلا شئ عليه.
وإن كان غاصبا مغالبا للمرأة على نفسها قتل صبرا، حرا كان أم عبدا،
مسلما كان أم كافرا ولا شئ عليها.
والصبي إذا فعل بالصبية أو فعل ببالغ أو فعل بها بالغ أدبا بحسب سنهما.
فإن رجع المقر بالزنى عن إقراره قبل إقامة الحد عليه أو في حاله لم يعرض له،
وإن رجع الشهود أو بعضهم عن الشهادة أو اختلفت أقوالهم جلدوا جميعا حد
المفتري ودرئ الحد عن المشهود عليه، فإن كان ذلك بعد إقامته فليقتص ممن رجع
منهم بما وقع بالمشهود عليه من قتل أو رجم أو جلد.
فإذا أراد ولي الأمر إقامة الحد على الزانيين أو أحدهما فليكن ذلك بمحضر من
جماعة المسلمين، وإن كان حدهما أو أحدهما رجما فليحفر زبية ويجعل فيها
المرجوم ويرد التراب عليه إلى صدره إن كانت إقامة الحد بعلم الإمام أو بينة وإن
كانت بإقرار لم يرد عليهما التراب ثم يرجمهما، ويبدأ بالرجم الإمام فيما علم
والشهود فيما يقام بشهادتهم ثم ولي الأمر ثم من حضر من أبرار المسلمين وعدولهم
دون الفساق حتى يفوت المرجوم فإن فر من العذاب رد إليه ويرجم حتى يموت،
ويبدأ فيما يقام بالإقرار الإمام ثم أبرار الأمة فإن فر المقر من العذاب لم يعرض له
لأن فراره رجوع عن الإقرار.
وإن كان حدهما أو أحدهما جلدا ورجما بدئ بالجلد، فإذا برئ الضرب أوقع
الرجم، وإن كان الحد جلدا فقط وجب عن بينة تولى إقامته الشهود، وإن كان
عن إقرار أو علم تولاه ولي الأمر أو من يأذن له.
فإن قامت البينة أو حصل العلم أو الإقرار بفعله عاريا جلد عريانا، وإن كان
في ثيابه جلد فيها ويضرب سائر بدنه أشد الضرب ما عدا رأسه وفرجه، ويجلد
67

الرجل قائما والمرأة جالسة قد شدت عليها ثيابها لأن لا تبدو عورتها، ولا تجلد في
زمان القيظ في الهواجر ولا في زمان القر في السوابر، وإن كان المجلود مريضا
خفف ضربه فإن مات فلا قود له ولا دية.
فإن تاب الزاني أو الزانية قبل قيام البينة عليه وظهرت توبته وحمدت طريقته
سقط عنه الحد، وإن تاب بعد قيام البينة فالإمام العادل مخير بين العفو والإقامة
وليس ذلك لغيره إلا باذنه، وتوبة المرء سرا أفضل من إقراره ليحد.
وإذا جلد الحر أو الحرة في الزنى ثلاث مرات قتل في الرابعة، ويقتل العبد
والأمة في الثامنة بعد قيام الحد سبع مرات.
فصل في اللواط وحده:
اللواط يثبت في الشريعة بما يثبت به الزنى من إقرار أربع مرات أو شهادة أربعة
نفر أو علم الإمام على الشروط المعتبرة في الزنى، وهو على ضربين: إيقاب وهو
الإيلاج والثاني ما دونه من التفخيذ، ففي الإيقاب قتل الفاعل والمفعول به إن
كانا كاملي العقل، ويقتل الفاعل إذا كان عاقلا محصنا كان أو غير محصن حرين
كانا أو عبدين مسلمين أو ذميين أو مسلما وذميا أو حرا وعبدا، وفيما دونه جلد
مائة سوط للفاعل والمفعول به.
وحكم الصبي والمجنون في التلوط أو التلوط به ما بيناه في الزنى.
وإذا تلوط الذمي بمسلم صغير أو كبير حر أو عبد قتل على كل حال.
وإذا أراد ولي الحد إقامته فليقمه بمحضر من جماعة أهل المصر من المسلمين، فإن
كان الواجب منه قتلا فهو مخير بين قتله صبرا بضرب العنق وبين الرجم وبين
الدهدهة من العلو حتى يهلك أو طرح الحائط عليه حتى يهلك تحته، وإن كان مما
يوجب الجلد جلد أشد الضرب كالزنا وفي وقته وعلى صفته.
فإن كان عن شهادة ابتدأه الشهود بالرجم وتولوا الجلد وإن كان بإقرار أو علم
تولاه ولي الأمر أو من يأمره، فإن فرا أو أحدهما وكانت إقامته ببينة أو علم رد
68

الفار وكمل إقامة الحد عليه وإن كان بإقرار لم يعرض له لأن فراره رجوع عن
الإقرار.
وإذا تابا أو أحدهما قبل قيام البينة والإقرار توبة ظاهرة ظهر معها صلاحهما
سقط عن التائب الحد، وإن كانت التوبة بعد الإقرار أو العلم أو البينة فالإمام
العادل مخير بين العفو والإقامة، وإن كانت التوبة بعد الإقرار فلا خيار لغيره في
العفو.
وإذا جلد المرء العاقل في اللواط ثلاث مرات قتل في الرابعة صبرا أو رجما أو
دهدهة حرا كان أو عبدا مسلما كان أو كافرا أو ذميا.
ومن غصب غلاما على نفسه قتل على كل حال ولا شئ على الغلام.
وإذا تفاعل الصبيان أو أتى ذلك أحدهما أو أتى إليه وجب التأديب بحسب
السن.
وإذا تزيا الذكر بزي المرأة واشتهر بالتمكين من نفسه - وهو المخنث في عرف
العادة - قتل صبرا وإن فقد البينة والإقرار بإيقاع الفعل به لنيابة الشهرة
منابهما.
فصل في السحق وحده:
يثبت السحق في الشريعة بما يثبت به الزنى من الإقرار أو البينة وبشروطه، ويجب
حده بحيث يجب حد الزنى ويسقط بحيث يسقط وهو مائة جلدة، محصنتين كانتا
المتفاعلتان أو خليتين حرتين أو أمتين أو حرة وأمة مسلمتين أو ذميتين أو مسلمة
وذمية.
وإذا أراد ولي الأمر إقامته فبمحضر جماعة النساء مشدودتا الثياب في طرفي نهار
القيظ ووسط نهار القر.
وحكمهما أو إحديهما في الرجوع عن الإقرار وظهور التوبة قبل البينة والإقرار
وبعدهما ما سلف مثله في حد الزنى واللواط.
69

فإذا حدث المرأة في السحق ثلاثا قتلت في الرابعة حرة كانت أو أمة مسلمة
أو ذمية.
فصل في القيادة وحدها:
إنما يثبت هذا الحكم بشاهدي عدل أو بإقرار من يعتد بإقراره مرتين بالجمع
بين الرجال والنساء والغلمان أو النساء والنساء فيه جلد خمسة وسبعين سوطا ويحلق
رأس الرجل ويشهر في المصر ولا يحلق رأس المرأة ولا تشهر.
وحكم المقر والمعلوم والمشهود عليه بهذا الفعل في إقامة حده والتوبة منه قبل
ذلك وبعده والفرار والرجوع عن الإقرار ما تقدم في الحدود الماضية.
فإن عاد ثانية جلد ونفي عن المصر، فإن عاد ثالثة جلد، فإن عاد رابعة
استتيب فإن تاب قبلت توبته وجلد وإن أبي التوبة قتل وإن تاب ثم أحدث بعد
التوبة خامسة قتل على كل حال.
وحد القيادة للمرقوق كالحر وللذمي كالمسلم وللمرأة كالرجل.
فصل في السرق وحده:
السرق الموجب للقطع مشترط بكون السارق عاقلا مختارا له لا حظ له في
المسروق ولا شبهة عليه فيه ما مقداره ربع دينار فما زاد من حرز لا يجوز له دخوله
إلا بإذن وإخراجه عنه بإقرار من يعتد بإقراره من الأحرار مرتين أو شهادة عدلين
بذلك على كل حال.
فإذا تكاملت هذه الشروط وجب قطع أصابع السارق الأربع من اليد اليمنى
من أصولها دون الراحة والإبهام، حرا كان أو عبدا مسلما أو ذميا قريبا أو أجنبيا إلا
سرق الوالدين من ولدهما على كل حال أو الولد منهما بشرط الحاجة وإخلالهما
بفرضه، فإن سرق ثانية قطع مشط رجله اليسرى من المفصل دون مؤخر القدم
والعقب، فإن سرق ثالثة خلد الحبس، فإن سرق في الحبس قتل صبرا.
70

فإن كان السراق جماعة مشتركين في المسروق قطعوا جميعا بربع دينار فما زاد،
وإن كانوا منفردين كل منهم يسرق لنفسه قطع منهم من بلغ ما أخذه ربع دينار فما
فوقه ولا يقطع من نقصت سرقته عن ذلك.
وإذا ثبت سرق الصبي هدد في الأولة، وحكت أصابعه بالأرض حتى تدمى
في الثانية، وقطعت أطراف أنامله الأربع من المفصل الأول في الثالثة ومن المفصل
الثاني في الرابعة ومن أصول الأصابع في الخامسة.
ولا يعتد بإقرار العبد فيما يوجب قطعه ولا الرجوع بما أقربه على سيده لأنه
أقر في مال غيره لكن يؤدب، ولا يقبل إقرار الصبي ولا المؤوف العقل ويؤدبا، ولا
يعتد بإقرار المكره ولا الملجأ إليه بالضرب.
والغرم لازم للسارق الحر وإن كان المسروق ينقص عما يوجب القطع، وإذا
رجع المقر بالسرق عن إقراره أغرم ما المقر به ولم يقطع.
ويقطع النباش إذا أخذ من الأكفان ما يجب في مثله القطع ويقطع الطرار من
الجيب والكم الباطن ويؤدب طرار الكم الظاهر.
وإذا سرق ولم يخرج السرق من الحرز أو اختل بعض الشروط أخذ منه ما أخذ وأنهك
عقوبة ولم يقطع، وإذا أقر بسرقات كثيرة أو قامت بذلك بينة قطع لأولها وأغرم جميعها.
ويجوز لمن ظفر بالسارق إطلاقه قبل أن يرفعه إلى ولي الأمر فإذا رفعه وجب
على ولي الحد قطعة ولم يجز له العفو عنه، فإن تاب السارق وظهر صلاحه قبل أن
يرفع خبره إلى السلطان سقط عنه القطع وعليه غرم ما سرق، وإن تاب بعد ما
رفع إليه فالإمام خاصة مخير بين قطعة والعفو عنه ولا خيار لغيره.
ومن باع حرة زوجة أو أجنبية قطع لفساده في الأرض وفرق بين المبتاع وبينهما
فإن كان قد وطئها بعد العلم بحالها حد الزاني وحدت إن طاوعته وإن غصبها
نفسها قتل ولا شئ عليها ولا يرجع على بائعها بشئ بل يؤخذ الثمن فيسلم
المغلوبة على نفسها ويتصدق له في المطاوعة، وإن لم يكن يعلم بحالها فلا شئ عليه
71

ويرجع على البائع بما أخذه فيعطي للمغلوبة ويتصدق به مع المطاوعة.
وقد تقدم أحكام قاطع الطريق ومخيف السبيل في كتاب الجهاد فلا وجه
لإعادته.
فصل في حد الخمر والفقاع:
يجب على من أقر مرتين أو قامت البينة عليه بشاهدين بشرب قليل المسكر وإن
اختلفت أجناس ما يعتصر منه، صرفا أو مختلطا بماء أو دواء أو بغيرهما أو بقيئه أو
حصول السكر منه أن يجلد ثمانين جلدة عريانا على ظهره وكتفيه من أشد الضرب،
فإن عاد جلد ثانية فإن عاد قتل في الثالثة.
وحكم شارب الفقاع محرما له صرفا أو ممزجا بغيره حكم شارب المسكر في
الحد وإن كان مستحلا فهو كافر يجب قتله، فإن تاب شاربهما أو أحدهما قبل
الإقرار أو البينة توبة يظهر صلاح التائب معها درأت عنه الحد وإن تاب بعد ذلك
فالإمام مخير بين الاستيفاء والعفو.
فصل في القذف وحده:
القذف قول يفيد بصريحه أو دلالة عرف قائله كون المقذوف زانيا أو
لائطا أو متلوطا به سواء قصد السب أو شهد بمعناه أو أخبر عنه بشرط توجهه إلى حر أو حرة
من حر أو عبد مسلم أو ذمي.
فمتى تكاملت هذه الشروط فالقائل قاذف بإقرار مرتين أو شهادة عدلين والمقول
فيه مقذوف يستحق مطالبة بحق القذف جلد السلطان ثمانين جلدة وله العفو عنه،
وإن اختل شرط فهو تعريض يوجب التأديب.
فإن كان القاذف عبدا أو حرة أو أمة جلد كل منهم حد الرجل الحر، وإن
كان القاذف ذميا لذمي أو ذمية ترافعا إلى حاكم المسلمين فعليه أن يجلده كما
يجلد المسلم للمسلم، وإن كان المقذوف منه مسلما أو مسلمة حرا أو رقيقا قتل
72

لخروجه عن الذمة بسبب أهل الإيمان.
والصريح: يا زان، أو زانية، أو قد زنيت، أو قد زنا بك فلان، أو قد
زنيت بفلانة، أو يا لائط، أو لطت بفلان، أو ليط بك، أو فلان لائط.
والكناية المفيدة: يا قحبة، أو يا فاجرة، أو يا عاهرة، أو يا فاجر، أو يا
عاهر، أو يا فاسق، أو يا فاسقة، أو يا مواجر، أو يا غلق، أو يا مأبون، أو يا
قرنان، أو يا كشحان، أو ديوث إلى غير ذلك من الألفاظ الموضوعة لكون
الموصوف بها زانيا أو لائطا أو متلوطا به. والمعتبر في كنايات القذف عرف القاذف
دون المقذوف.
فإن قال لغيره: زنيت بفلانة، أو زنا بك فلان، أو لطت بفلان، أو لاط بك
فلان، فهو قاذف للاثنين يحد لكل منهما حدا.
وإن قذف جماعة بلفظ واحد فقال: يا زناة، أو يا لاطة، أو يا أولاد الزنى،
أو ما يفيد ذلك فهو قاذف لجميعهم، فإن جاؤوا به مجتمعا جلد حدا واحدا وإن
جاء به كل واحد منهم منفردا حد له حدا منفردا، وإن قذف كل واحد من جماعة
بلفظ مفرد فقال لكل منهم: يا زان، أو فلان زان وفلان زان، فعليه لكل واحد
منهم حد جاؤوا به مجتمعين أو متفرقين، وإن قذف جماعة لجماعة فعلى كل واحد
منهم حد.
وقذف الرجل زوجته بالزنى يوجب الجلد، وبالمعاينة أو إنكار الحمل أو الولد
يوجب اللعان مع الإصرار، والحد للرجوع عنه.
وشهادة الواحد والاثنين والثلاثة بالزنى أو اللواطة يؤوب جلد كل منهم حد
المفتري، وشهادة الأربعة بالزنى أو اللواطة أو قذفهم أو إخبارهم من غير شهادة
بمعاينة الفرج في الفرج تقتضي جلد جميعهم حد المفتري وكذلك حكمهم إذا
اختلفوا في الشهادة أو جاؤوا بها متفرقين، وإن كان أحد الشهود الزوج جلد الثلاثة
حد المفتري ولا فاصلة عن الزوج.
وإذا أقر الرجل بالزنى بامرأة بعينها أو عدة نساء معينات أو أقرت المرأة بالزنى
مع رجل بعينه أو رجال معينين وأنكر المدعى عليهم فعلى كل واحد منهما حد الزنى
لإقراره وبعدد المقذوفات أو المقذوفين من حدود الافتراء.
73

ومن قال لولد ملاعنته أو لقيط أو ولد أمة أو ذمية من حر مسلم: يا ولد
زنا، فهو قاذف يجب عليه الحد.
فإن كان القذف مختصا بالمقذوف صريحا أو كناية كقوله: يا زانية، أو يا
عاهر، أو يا عاهرة، أو يا لائط أو ليط بك، فالولاية فيه للمقذوف، إن شاء طالب
بالحد وإن شاء عفا عن القاذف ما دام حيا، ويقوم ورثته في ذلك مقامه.
وإن كان القذف مقصودا به استخفاف المخاطب وسب غيره صريحا أو كناية
كقوله: يا بن الزانية، أو أخا الزانية، أو زوج الزانية، أو أبا الزانية، أو يا قرنان،
أو يا كشحان، في كون ذلك استخفافا بالمخاطب وسبا لأمة أو بنته أو أخته أو
زوجته فالولاية لهما، فإن مات أحدهما قام ورثته في ذلك مقامه.
وإذا كانت الولاية في القذف لاثنين فما زاد عليهما فلكل واحد منهما المطالبة
بالحد، فإذا أقيم له سقط حق الباقين وإن عفا بعضهم سقط حقه وكان لمن لم يعف
المطالبة بالحد واستيفاؤه والعفو عنه، فإن مات المقذوف وليس له ولي فعلى سلطان
الاسلام الأخذ بحقه وليس له العفو.
وتوبة القاذف قبل رفعه إلى السلطان وبعده لا تسقط عنه حد القاذف ولا
يسقط ذلك إلا بعفو المقذوف أو وليه من ذوي الأنساب.
ومن سب رسول الله ص أو أحد الأئمة من آله أو بعض
الأنبياء ع فعلى السلطان قتله، وإن قتله من سمعه من أهل الإيمان لم
يكن للسلطان سبيل عليه، وإن أضاف إلى بعضهم قبيحا جلد مغلظا لحرمتهم
ع وثبوت عصمتهم، وقد روي عن أمير المؤمنين ع أنه قال:
لا أوتي برجل يزعم أن داود عشق امرأة " أوريا " إلا حددته حدين حدا للإسلام
وحدا للنبوة.
فصل فيما يوجب التعزير:
التعزير تأديب تعبدا لله سبحانه به لردع المعزر وغيره من المكلفين، وهو مستحق
74

للإخلال بكل واجب وإيثار كل قبيح لم يرد الشرع بتوظيف الحد عليه، وحكمه
يلزم بإقرار مرتين أو شهادة عدلين.
فمن ذلك أن يخل ببعض الواجبات العقلية كرد الوديعة وقضاء الدين أو
الفرائض الشرعية كالصلاة والزكاة والصوم والحج إلى غير ذلك من الواجبات
والفرائض المبتدأة والمسببة والمشترطة فيلزم سلطان الاسلام تأديبه بما يردعه وغيره عن
الإخلال بالواجب ويحمله وسواه على فعله.
ومن ذلك أن يفعل بعض القبائح وهي على ضروب: منها وجود الرجل والمرأة
لا عصمة بينهما في إزار واحد أو بيت واحد إلى غير ذلك من ضم أو تقبيل فما
فوقهما فيعزرا بحسب ما يراه ولي التأديب من عشرة أسواط إلى تسعة وتسعين
سوطا، وكذلك حكم الرجلين في شعار واحد مجردين، والمرأتين كذلك، والرجل
والغلام في بيت واحد وفي شعار واحد مع الريبة على كل حال إلى غير ذلك مع ضم
وتقبيل يوجب التعزير.
ويعزر الصبي المتلوط به والناقص العقل والصبيان المتلاوطان والصغيرتان
المتفاعلتان والصبي العابث بالمرأة والصغير والصبية والمؤوفة المفعول بها والأمة إذا
ادعت إكراه السيد لها على السحق والعبد المفعول به إذا ادعى إكراه السيد له على
التلوط به، ويعزر مالك الأمة إذا أكرهها على البغاء وتحد هي.
ويعزر من أقر على نفسه بزنى أو لواط أو سحق أقل من أربع مرات مع الإقامة
عليه، ويعزر من أقر مرتين أو شهد عليه شاهدان بوطئ دون الفرج.
ويعزر واطئ الأمة المشتركة بالابتياع أو الغنيمة والأمة المكاتبة إذا تحرر بعضها
وكذلك حكم من عقد نكاح شبهة ووطئ معه، ويعزز من افتض بكرا بإصبعه
ويغرم مهر مثلها، ويعزر من استمنى بكفه أو أتى بهيمة أو جامع بعض حلائله بعد
الموت أو بعض المحرمات بعد الحد.
ويعزر من عرض بغيره بما يفيد القذف بالزنى أو اللواط كقوله: يا ولد خبث، أو
حملت أمك بك في حيضها، أو أتيت بهيمة، أو استمنيت، أو سرقت، أو قدت، أو
75

شربت خمرا، أو أكلت محرما أو كذبت، وللمرأة: يا ساحقة.
أو نبزه بما يقتضي النقص كقوله: يا سفلة، أو يا ساقط، أو يا سفيه، أو يا أحمق،
أو فاسق، أو مجرم، أو كافر، أو تارك الصلاة، أو الصوم، وهو غير مشهور بما يقتضي
ذلك، فإن كان مشهورا به لم يعزر من قرنه بفعله أو وصفه بما يقتضيه كالمجاهرين
بشرب الخمر أو الفقاع أو بيعهما أو ضرب العود وغيره من الملاهي أو ترك الصلاة
والإفطار في الصوم، لا تأديب على من قال لمن هذه حاله: يا فاسق، أو ساقط، أو
مجرم، أو عاص، كما لا حد على من قال لمعترف بالزنى: يا زان، وباللواط:
يا لائط.
وإذا تقاذفا العاقلان عزرا جميعا، وإذا قذف الحر المسلم أو المسلمة الحرة عبدا
أو أمة أو ذميا أو ذمية أو صبية أو مجنونا أو مجنونة عزر، ويعزر العبيد والإماء وأهل
الذمة إذا تقاذفوا.
وإذا قذف المسلم أو الكافر غيره بما هو مشهور به ومعترف بفعله من كفر أو فسق
فلا شئ عليه بل المسلم عابد بذلك.
وإذا عير المسلم ببعض الآفات كالعمى والعرج والجنون والجذام والبرص عزر،
وإن عيره بذلك كافر أنهك عقوبة، وإن كان المعير كافرا من مسلم فلا شئ
عليه.
وحكم تعريض الواحد بالجماعة بما يوجب التعزير بلفظ واحد أو لكل منهم
بتعريض يخصه ما قدمناه في القذف، وإذا قذف المرء ولده أو عبده أو أمته عزر.
ويعزر من سرق مالا يوجب القطع لاختلال بعض الشروط كسرقة العبد من
سيده والوالد من ولده ومن تجب نفقته ممن تجب عليه والشريك من شريكه والمتأول
وما نقص عن ربع دينار وما بلغه فما فوقه من غير حرز مأذون فيه أو منه ولما يخرجه
عنه أو من مال مشترك كالمغنم أو اختلس أو مكر أو بنج غيره أو طفف عليه ويرجع
عليه بما أخذه.
ويعزر من أكل أو شرب أو باع أو ابتاع أو تعلم أو علم أو نظر أو سعى أو بطش
76

أو أصغى أو آجر أو استأجر أو أمر أو نهى على وجه قبيح، فإن كان من أتى ما
يوجب التعزير عاقلا في يوم أو ليلة معظمان كيوم الجمعة والعيد وزمان الصوم أو
ليلته أو مكان معظم كالمسجد الحرام أو مسجد الرسول ص أو مسجد
الكوفة أو بعض مشاهد الأئمة ع أو مسجد الجامع أو المحلة غلظت
عليه العقوبة، وإن كان ذلك مما يوجب الحد أضيف إليه لحرمة الزمان أو المكان
تعزير مغلظ.
فإن رجع من وجب عليه التأديب بإقراره عنه أو تاب قبل رفعه إلى السلطان
وكان من حقوق الله سقط عنه فرض إقامته وإن كان من حقوق الآدميين لم تؤثر
التوبة ولا الرجوع عن الإقرار في إسقاطه وكان ذلك إلى ولي الاستيفاء والعفو.
والتعزير لما يناسب القذف من التعريض والنبز والتلقب من ثلاثة أسواط إلى
تسعة وسبعين سوطا ولما عدا ذلك من ثلاثة إلى تسعة وتسعين سوطا، وحكمه يلزم
القاصد العالم أو المتمكن من العلم دون الساهي بفعله والطفل الذي لا يصح منه
القصد والمجنون المطبق.
وإذا عاود المعزر إلى ما يوجبه عزر ثانية وثالثة ورابعة واستتيب، فإن أصر وعاود
بعد التوبة قتل صبرا.
77

النهاية
في مجرد الفقه والفتاوى
للشيخ الأجل أبي جعفر محمد بن الحسن بن علي بن الحسن الطوسي
المشتهر بشيخ الطائفة والشيخ الطوسي
385 - 460 ه‍ ق
79

كتاب الحدود
باب ماهية الزنى وما به يثبت ذلك:
الزنى الموجب للحد هو وطء من حرم الله تعالى وطأه من غير عقد ولا شبهة عقد
ويكون الوطء في الفرج خاصة ويكون الواطئ بالغا كاملا.
فأما العقد فهو ما ذكرناه في باب النكاح من أقسامه مما قد أباحه الله تعالى في
شريعة الاسلام.
وأما شبهة العقد فهو أن يعقد الرجل على ذي محرم له من أم أو بنت أو أخت أو
عمة أو خالة أو بنت أخ أو بنت أخت وهو لا يعرفها ولا يتحققها، أو يعقد على
امرأة لها زوج وهو لا يعلم ذلك، أو يعقد على امرأة وهي في عدة لزوج إما عدة طلاق
رجعي أو بائن، أو عدة المتوفى عنها زوجها وهو جاهل بحالها، أو يعقد عليها وهو
محرم أو هي محرمة ناسيا ثم علم شيئا من ذلك فإنه يدرأ عنها الحد ولم يحكم له
بالزنى، فإن عقد على واحدة مما ذكرناه عالما أو متعمدا ثم وطئها كان حكمه
حكم الزنى سواء ويجب عليه ما يجب به على حد واحد.
ويثبت حكم الزنى بشيئين:
أحدهما: إقرار الفاعل بذلك على نفسه مع كمال عقله من غير إكراه ولا إجبار
أربع مرات دفعة بعد أخرى، فإذا أقر أربع مرات بالوطئ في الفرج حكم له بالزنى
ووجب عليه ما يجب على فاعله، وإن أقر أقل من ذلك أو أقر أربع مرات بوطئ ما
دون الفرج لم يحكم عليه بالزنى وكان عليه التعزير حسب ما يراه الإمام.
81

والثاني: قيام البينة بالزنى وهو أن يشهد أربعة نفر عدول على رجل بأنه وطئ
امرأة وليس بينه وبينها عقد ولا شبهة عقد وشاهدوه وطئها في الفرج، فإذا شهدوا
كذلك قبلت شهادتهم وحكم عليه بالزنى وكان عليه ما على فاعله مما نبينه فيما
بعد إن شاء الله.
فإن شهد الأربعة الذين ذكرناهم عليه بالزنى ولم يشهدوا بالمعاينة كان على كل
واحد منهم حد الفرية وإن شهد عليه أقل من الأربعة واحدا كان أو اثنين أو ثلاثة
وادعى المشاهدة كان عليهم أجمع حد الفرية، فإن شهد الأربعة واختلفوا في
شهادتهم فبعضهم شهد بالمعاينة وبعضهم بغير ذلك كان أيضا عليهم حد الفرية.
فإن شهد الأربعة باجتماع الرجل مع امرأة في إزار واحد مجردين من ثيابهما أو
شهدوا بوطئ ما دون الفرج ولم يشهدوا بالزنى قبلت شهادتهم ووجب على فاعل
ذلك التعزير، وإذا شهدوا بالوطئ في الدبر كان حكمه حكم الوطء في القبل سواء
وكذلك حال الإقرار بذلك لا يختلف الحكم فيه.
وإذا شهد الشهود على امرأة بالزنى وادعت هي أنها بكر أمر النساء أن ينظرن
إليها، فإن كانت كما ذكرت لم يكن عليها حد وإن لم تكن كذلك أقيم عليها
الحد.
وإذا شهد أربعة نفر على امرأة بالزنى أحدهم زوجها وجب عليها الحد، و قد
روي: أن الثلاثة يجلدون حد المفتري ويلاعنها زوجها، وهذه الرواية محمولة على
أنه إذا لم تعدل الشهود أو اختلفوا في إقامة الشهادة أو اختل بعض شرائطها فأما مع
اجتماع شرائط الشهادة كان الحكم ما قدمناه.
ولا تقبل شهادة الشهود في الزنى إلا في مكان واحد ومقام واحد في وقت واحد،
فإن شهد بعضهم وقال: الآن يجئ الباقون، جلد حد المفتري لأنه ليس في ذلك
تأخير.
ولا تقبل في الزنى شهادة النساء على الانفراد، فإن شهد ثلاثة رجال وامرأتان
قبلت شهادتهم في الزنى ويجب بشهادتهم الرجم، فإن شهد رجلان وأربع نسوة لم
82

يجب بشهادتهم الرجم ويجب بها الحد، فإن شهد رجل وست نساء أو أقل أو أكثر
لم تقبل شهادتهم وكان على كل واحد منهم حد الفرية.
وإذا شهد أربعة نفر على رجلين وامرأتين أو أكثر منهم بالزنى قبلت شهادتهم
وأقيم على الذين شهدوا عليهم الحد.
وإذا رأى الإمام أو الوالي من قبله تفريق الشهود أصلح في بعض الأوقات بعد
أن يكونوا حضروا لإقامة الشهادة كان ذلك جائزا.
وحكم المرأة حكم الرجل في جميع ما ذكرناه على حد واحد في أنه يحكم عليها
بالزنى إما بالإقرار أو البينة على ما بيناه ويدرأ عنها الحد في الموضع الذي يدرأ فيه
الحد على الرجل لا يختلف الحكم في ذلك إلا ما نبينه فيما بعد إن شاء الله.
وإذا أخذ رجل وامرأة فادعيا الزوجية درئ عنهما الحد.
وإذا شاهد الإمام من يزني أو يشرب الخمر كان عليه أن يقيم الحد عليه ولا
ينتظر مع مشاهدته قيام البينة ولا الإقرار وليس ذلك لغيره بل هو مخصوص به،
وغيره وإن شاهد يحتاج أن يقوم له بينة أو إقرار من الفاعل على ما بيناه.
وأما القتل والسرقة والقذف وما يجب من حقوق المسلمين من الحد والتعزير
فليس له أن يقيم الحد إلا بعد مطالبة صاحب الحق حقه وليس يكفي فيه مشاهدته
إياه، فإن طلب صاحب الحق إقامة الحد فيه كان عليه إقامته ولا ينتظر مع علمه
البينة والإقرار على ما بيناه.
باب أقسام الزناة:
الزناة على خمسة أقسام: فقسم منهم يجب عليه الحد بالقتل على كل حال،
والثاني يجب عليه الجلد ثم الرجم، والثالث يجب عليه الرجم وليس عليه الجلد،
والرابع يجب عليه الجلد ثم النفي، والخامس يجب عليه الجلد ولا يجب عليه النفي.
فأما من يجب عليه القتل على كل حال سواء كان محصنا أو غير محصن حرا
كان أو عبدا مسلما كان أو كافرا شيخا كان أو شابا وعلى كل حال فهو كل من
83

وطئ ذات محرم له أما أو بنتا أو أختا أو بنتها أو بنت أخيه أو عمته أو خالته فإنه
يجب عليه القتل على كل حال، وكذلك الذمي إذا زنا بامرأة مسلمة يجب عليه
القتل على كل حال وكان على المسلمة الحد إما الرجم أو الجلد على ما تستحقه من
الحد فإن أسلم الذمي لم يسقط بذلك عنه الحد بالقتل ووجب قتله على كل حال،
ومن غصب امرأة فرجها فإنه يجب عليه القتل على كل حال محصنا كان أو غير
محصن، ومن زنا بامرأة أبيه وجب أيضا عليه القتل على كل حال محصنا كان أو
غير محصن.
وأما القسم الثاني وهو من يجب عليه الجلد ثم الرجم فهو الشيخ والشيخة إذا
زنيا وكانا محصنين فإن على كل واحد منهما جلد مائة ثم الرجم يقدم الجلد عليه ثم
بعده الرجم.
والقسم الثالث وهو من يجب عليه الرجم ولا يجب عليه الجلد فهو كل محصن أو
محصنة ليسا بشيخين فإنهما إذا زنيا كان على كل واحد منهما الرجم وليس عليهما
الجلد.
وحد الإحصان في الرجل هو أن يكون له فرج يتمكن من وطئه ويكون مالكا له
سواء كان بالعقد أو ملك اليمين ويراعى في العقد أن يكون مالكا له على جهة
الدوام دون نكاح المتعة فإن المتعة لا تحصن، فأما العقد الدائم فلا فرق بين أن يكون
على حرة أو أمة أو يهودية أو نصرانية فإن جميع ذلك يحصن الرجل وملك اليمين أيضا
يحصن على ما قلناه.
وإذا لم يكن متمكنا من الوطء بأن يكون غائبا عن زوجته غيبة لا يمكنه
الوصول إليها أو يكون مع كونه حاضرا غير متمكن من وطئها بأن يكون محبوسا أو ما
أشبه ذلك أو لا يكون قد دخل بها بعد فإن جميع ما ذكرناه يخرجه من كونه محصنا.
والإحصان في المرأة مثل الإحصان في الرجل سواء وهو أن يكون لها زوج يغدو
إليها ويروح مخلا بينه وبينها غير غائب عنها وكان قد دخل بها حرا كان أو عبدا
وعلى كل حال.
84

والقسم الرابع وهو من يجب عليه الجلد ثم النفي فهو البكر والبكرة، والبكر هو
الذي قد أملك على امرأة ولا يكون قد دخل بها بعد ثم زنا فإنه يجب عليه الجلد مائة
ونفي سنة عن مصره إلى مصر آخر بعد أن يجز رأسه، والبكرة تجلد مائة وليس عليها
جز الشعر ولا نفي على كل حال.
والقسم الخامس وهو من يجب عليه الجلد وليس عليه أكثر من ذلك فهو كل من
زنا وليس بمحصن ولا بكر فإنه يجب عليه جلد مائة ليس عليه أكثر من ذلك رجلا
كان أو امرأة، ومن هذه صورته إذا زنا فجلد ثم زنا ثانية فجلد ثم زنا ثالثة فجلد ثم
زنا رابعة كان عليه القتل، فإن زنا أربع مرات أو أكثر من ذلك ولم يقم عليه الحد
فليس عليه أكثر من مائة جلدة.
وجميع هذه الأحكام الذي ذكرناها خاصة في الحر والحرة إلا القسم الأول فإنه
يشترك فيه العبيد والأحرار، فأما ما عدا ذلك فحكم المملوك غير حكم الحر.
وحكم المملوك والمملوكة إذا زنيا أن يجب على كل واحد منهما خمسون جلدة،
زنيا بحر أو حرة أو مملوك أو مملوكة لا يختلف الحكم فيه شيخين كانا أو شابين
محصنين كانا أو غير محصنين بكرين أو غير بكرين وعلى كل حال وليس عليهما أكثر
من ذلك غير أنهما إذا زنيا ثماني مرات وأقيم عليهما الحد في ذلك ثم زنيا التاسعة
كان عليهما القتل، فإن لم يقم عليهما الحد في شئ من ذلك وإن كان أكثر من
ثماني مرات لم يجب عليهما أكثر من خمسين جلدة حسب ما قدمناه.
وزنا الرجل الحر بالحرة المسلمة والأمة المسلمة إذا كانت لغيره سواء كانت
لزوجته أو والدته أو غيرهما من الأجنبي على حد واحد لا يختلف الحكم فيه،
وكذلك حكم المرأة لا فرق بين أن تزني بحر أو عبد ملك لها أو لغيرها فإن الحكم
في ذلك لا يختلف.
وإذا زنا الرجل بصبية لم تبلغ ولا مثلها قد بلغ لم يكن عليه أكثر من الجلد
وليس عليه رجم، فإن أفضاها أو أعابها كان ضامنا لعيبها، وكذلك المرأة إذا زنت
بصبي لم يبلغ لم يكن عليها رجم وكان عليها جلد مائة ويجب على الصبي
85

والصبية التأديب.
والرجل إذا زنا بمجنونة لم يكن عليه رجم وكان عليه جلد مائة وليس على
المجنونة شئ، فإن زنا مجنون بامرأة كان عليه الحد تاما جلد مائة أو الرجم.
ومن زنا وتاب قبل قيام البينة عليه بذلك درأت التوبة عنه الحد، فإن تاب بعد
قيام الشهادة عليه وجب عليه الحد ولم يجز للإمام العفو عنه، فإن كان أقر على نفسه
عند الإمام ثم أظهر التوبة كان للإمام الخيار في العفو عنه أو إقامة الحد عليه حسب
ما يراه من المصلحة في ذلك، ومتى لم يتب لم يجز للإمام العفو عنه على حال.
وإذا زنا اليهودي أو النصراني بأهل ملته كان الإمام مخيرا بين إقامة الحد عليه
بما تقتضيه شريعة الاسلام وبين تسليمه إلى أهل دينه أو دين المرأة ليقيموا عليهم
الحدود على ما يعتقدونه.
ومن عقد على امرأة في عدتها ودخل بها عالما بذلك وجب عليه الحد، فإن كان
عدتها عدة الطلاق الذي يملك فيه رجعتها كان عليها الرجم وإن كانت التطليقة
بائنة أو كانت عدة المتوفى عنها زوجها كان عليها مائة جلدة لا غير، فإن ادعيا
أنهما لم يعلما أن ذلك لا يجوز في شرع الاسلام لم يصدقا فيه وأقيم عليهما الحد
على ما بيناه.
والمكاتب إذا زنا وكان مشروطا عليه فحده حد المماليك، وإن كان غير
مشروط عليه وقد أدى من مكاتبته شيئا جلد بحساب ما أدى حد الحر من مائة
جلدة وبحساب ما بقي من حد المملوك من خمسين جلدة وليس عليه الرجم على حال
إلا بعد أن تنقضي مكاتبته ويطأ بعد ذلك زوجته وهو حر، فإذا زنا بعد ذلك وجب
عليه حينئذ الرجم، وكذلك المملوك المحصن إذا أعتق ثم زنا فإن كان قد وطئ
امرأته بعد العتق وقبل الزنى كان عليه الرجم فإن لم يكن وطئها بعد العتق كان عليه
الجلد مائة لأنه بحكم من لم يدخل بزوجته.
ومن كان له جارية يشركه فيها غيره فوطئها كان عليه الجلد بحساب ما لا يملك
منها ويدرأ عنه الحد بحساب ما يملك منها.
86

ومن وطئ جارية من المغنم قبل أن يقسم قومت عليه وأسقط عنه من قيمتها
بمقدار ما يصيبه منها والباقي بين المسلمين ويقام عليه الحد ويدرأ عنه بمقدار ما كان
له منها.
والمرأة إذا زنت فحملت من الزنى فشربت دواء فأسقطت أقيم عليها الحد للزنا
وعزرها الإمام على جنايتها بسقوط الحمل حسب ما يراه.
ومن زنا في شهر رمضان نهارا أقيم عليه الحد وعوقب زيادة عليه لانتهاكه حرمة
شهر رمضان وألزم الكفارة للإفطار، فإن زنا ليلا كان عليه التعزير والحد دون
الكفارة.
ومن زنا في حرم الله وحرم رسوله أو حرم أحد من الأئمة ع كان
عليه الحد للزنا والتعزير لانتهاكه حرمة حرم الله وأوليائه، وكذلك إذا فعل شيئا
يوجب الحد أو التعزير في مسجد أو موضع عبادة فإنه يجب عليه مع الحد التعزير وفيما
يوجب التعزير تغليظ العقوبة.
ومن زنا في الليالي الشريفة مثل ليالي الجمعة أو ليلة النصف من شعبان أو ليلة
الفطر أو الأضحى أو يومهما أو يوم سبعة وعشرين من رجب أو خمسة وعشرين من
ذي القعدة أو ليلة سبع عشرة من شهر ربيع الأول أو يوم الغدير أو ليلته أو ليلة
عاشوراء أو يومه فإنه يغلظ عليه العقوبة.
وإذا أقر الانسان على نفسه بالزنى كان عليه الحد على ما بيناه، فإن أقر أنه زنا
بامرأة بعينها كان عليه حد الزنى وحد القذف، وكذلك حكم المرأة إذا قالت: زنا
بي فلان، فإنه يجب عليها حد الزنى وحد الفرية.
والسكران إذا زنا أقيم عليه حد الزنى والسكر ولم يسقط عنه الحد لسكره وزوال
عقله.
والأعمى إذا زنا وجب عليه الحد كما يجب على البصير ولم يسقط عنه الحد
لعماه، فإن ادعى أنه اشتبه عليه الأمر فظن أن التي وطئها كانت زوجته أو أمته لم
يصدق وأقيم عليه الحد، وقد روي: أن امرأة تشبهت لرجل بجاريته واضطجعت
87

على فراشه ليلا فظنها جاريته فوطئها من غير تحرز فرفع خبره إلى أمير المؤمنين ع
فأمر بإقامة الحد على الرجل سرا وإقامة الحد على المرأة جهرا.
ولا يحد من ادعى الزوجية إلا أن تقوم البينة بخلاف دعواه، ولا حد أيضا مع
الإلجاء والإكراه وإنما يجب الحد بما يفعله الانسان مختارا.
ومن افتض جارية بكرا بإصبعه غرم عشر ثمنها وجلد من ثلاثين سوطا إلى
تسعة وتسعين سوطا عقوبة لما جناه وإن كانت الجارية حرة غرم عقرها وهو مهر مثل
نسائها بلا نقصان، فإن كان قد زنا بها فذهب بعذرتها لم يكن لها عقر على حال.
ومن زوج جاريته من رجل ثم وقع عليها كان عليه الحد.
باب كيفية إقامة الحد في الزنى:
المحصن الذي وجب عليه الجلد والرجم يجلد أولا ثم يترك حتى يبرأ جلده فإذا
برئ رجم، فإذا أراد الإمام أن يرجمه،
فإن كان الذي وجب عليه ذلك قد قامت عليه به بينة أمر بأن يحفر له حفيرة
ودفن فيها إلى حقويه ثم يرجم والمرأة مثل ذلك تدفن إلى صدرها ثم ترجم، فإن فر
واحد منهما من الحفيرة رد حتى يستوفى منه الحد بالرجم.
وإن كان الرجم وجب عليهما بإقرار منهما على أنفسهما فعل بهما مثل ذلك غير
أنه إذا فرا وكان قد أصابهما شئ من الحجر لم يردا ويتركان حتى يمضيا، وإن فرا
قبل أن ينالهما شئ من الحجر ردا على كل حال.
وإذا كان الذي وجب عليه الرجم قد قامت عليه به بينة كان أول من يرجمه
الشهود ثم الإمام ثم الناس، وإن كان قد وجب عليهما ذلك بالإقرار كان أول من
يرجمه الإمام ثم الناس، والرجم يكون بأحجار صغار ولا يكون بالكبار منها وينبغي
أن يكون الرجم من وراء المرجوم لئلا يصيب وجهه شئ من ذلك.
ومن وجب عليه الجلد دون الرجم جلد مائة جلدة كأشد ما يكون من الضرب،
ويجلد الرجل قائما على حالته التي وجد عليها إن وجد عريانا جلد كذلك وإن
88

وجد وعليه ثياب ضرب وعليه ثيابه ويضرب بدنه كله ويتقى وجهه ورأسه وفرجه،
فإن مات من يجلد من الضرب لم يكن له قود ولا دية.
والمرأة إذا أريد جلدها ضربت مثل الرجل غير أنها لا تضرب قائمة بل تضرب
وهي جالسة عليها ثيابها قد ربطت عليها لئلا تتهتك فتبدو عورتها.
وإذا فر من يقام عليه الجلد رد حتى يستوفى منه الحد سواء كان أقر على نفسه أو
قامت عليه بذلك بينة.
وإذا أراد الوالي ضرب الزاني أو رجمه ينبغي أن يشعر الناس بالحضور ثم يجلده
بمحضر منهم لينزجروا عن مواقعة مثله، قال الله تعالى: وليشهد عذابهما طائفة
من المؤمنين. وأقل من يحضر عذابهما واحد فصاعدا، ولا ينبغي أن يحضر الحد على
الزناة إلا خيار الناس، ولا يرمي الزاني إلا من ليس لله تعالى في جنبه حد.
ومن وجب عليه الرجم أقيم عليه على كل حال عليلا كان أو صحيحا لأن
الغرض إتلافه وقتله، ومن وجب عليه الجلد وكان عليلا ترك حتى يبرأ ثم يقام
عليه الحد، فإن اقتضت المصلحة تقديم الحد عليه أخذ عرجون فيه مائة شمراخ أو ما
ينوب منابه ويضرب به ضربة واحدة وقد أجزأه.
ولا يضرب أحد في الأوقات الحارة الشديدة الحر ولا في الأوقات الشديدة البرد
بل يضرب في الأوقات المعتدلة.
ومن أقيم عليه الرجم أمر بدفنه عاجلا ولا يترك على وجه الأرض.
ولا تقام الحدود في أرض العدو لئلا يحمل المحدود الحمية والغضب على
اللحوق بهم، ولا يقام الحد أيضا على من التجأ إلى حرم الله وحرم رسوله أو حرم
أحد من الأئمة ع بل يضيق عليهم في المطعم والمشرب ويمنع من
مبايعته ومشاراته حتى يخرج فيقام عليه الحد فإن أحدث في الحرم ما يوجب الحد
أقيم عليه الحد كائنا ما كان.
والمرأة إذا زنت وهي حامل لم يقم عليها حد لا الرجم ولا الجلد حتى تضع ما
في بطنها وتخرج من نفاسها وترضع ولدها، فإذا فعلت ذلك أقيم عليها الحد رجما
89

كان أو جلدا.
ومن اجتمع عليه حدود أحدها القتل بدئ أولا بما ليس فيه القتل ثم قتل،
مثلا أن يكون قتل وسرق وزنا وهو غير محصن أو قذف فإنه يجلد أولا للزنا أو للقذف
ثم تقطع يده للسرقة ثم يقاد منه للقتل.
ومن وجب عليه الحد وهو صحيح العقل ثم اختلط عقله وقامت البينة عليه
بذلك أقيم عليه الحد كائنا ما كان.
ومن وجب عليه النفي في الزنى نفي عن بلده الذي فعل فيه ذلك الفعلة إلى بلد
آخر سنة.
وقضى أمير المؤمنين ع في من أقر على نفسه بحد ولم يبينه: أن يضرب
حتى ينهى هو عن نفسه الحد.
ومن أقر على نفسه بحد ثم جحد لم يلتفت إلى إنكاره إلا الرجم فإنه إذا أقر بما
يجب عليه الرجم فيه ثم جحده قبل إقامته خلي سبيله.
والمستحاضة لا يقام عليها الحد حتى ينقطع عليها الدم.
باب الحد في اللواط:
اللواط هو الفجور بالذكران وهو على ضربين:
أحدهما هو إيقاع الفعل في الدبر كالميل في المكحلة والثاني إيقاع الفعل فيما دونه.
ويثبت الحد فيهما بشيئين:
أحدهما: قيام البينة على فاعله وهم أربعة شهود عدول يشهدون على الفاعل
والمفعول به بالفعل ويدعون المشاهدة كالميل في المكحلة كما ذكرناه في باب الزنا
سواء، فإن لم يشهدوا كذلك كان عليهم حد الفرية إلا أن يشهدوا بإيقاع الفعل
فيما دون الدبر من بين الفخذين فحينئذ تثبت شهادتهم ويجب بها الحد الذي
نذكره.
90

وقد يثبت أيضا الحد بإقرار المقر على نفسه أربع مرات كما ذكرناه في باب الزنى
فاعلا كان أو مفعولا به، فإن أقر دون ذلك لم يجب عليه حد اللواط وكان للوالي
تعزيره لإقراره على نفسه بالفسق.
وإذا شاهد الإمام الفعل من بعض الناس كان له أيضا إقامة الحد به.
ومن ثبت عليه حكم اللواط بفعله الإيقاب كان حده إما أن يدهده من جبل أو
حائط عال أو يرمى عليه جدار أو تضرب رقبته أو يرجمه الإمام والناس أو يحرقه بالنار
والإمام مخير في ذلك أيها رأى من ذلك صلاحا فعله، وإذا أقام عليه الحد بغير
الإحراق جاز له أيضا إحراقه بعد ذلك - تغليظا وتهييبا للعقوبة وتعظيما لها -
وله ألا يفعل ذلك على ما يراه من المصلحة في الحال.
والضرب الثاني من اللواط: وهو ما كان دون الإيقاب فهو على ضربين: إن
كان الفاعل أو المفعول به محصنا وجب عليه الرجم وإن كان غير محصن كان عليه
الجلد مائة جلدة، ولا يختلف الحكم في ذلك سواء كان الفاعل أو المفعول به مسلما
أو كافرا أو حرا أو عبدا.
وإذا لاط الرجل بغلام لم يبلغ كان عليه الحد كاملا وعلى الصبي التأديب
لإمكانه من نفسه، وإذا فعل الصبي بالرجل البالغ كان على الصبي التعزير وعلى
الرجل المفعول به الحد على الكمال.
وإذا لاط صبي بصبي مثله أدبا جميعا ولم يقم على واحد منهما الحد على
الكمال.
وإذا لاط الرجل بمملوكه أقيم عليه وعلى المملوك معا الحد على الكمال، فإن
ادعى المملوك أن مولاه أكرهه على ذلك درئ عنه الحد وأقيم على مولاه الحد على
كل حال.
فإن لاط الرجل بمجنون أقيم عليه الحد ولم يكن على المجنون شئ، فإن لاط
مجنون بغيره أقيم عليه الحد على الكمال.
وإذا لاط كافر بمسلم قتل على كل حال، وإذا لاط بكافر مثله كان الإمام
91

مخيرا بين أن يقيم عليه الحد بما توجبه شريعة الاسلام وبين أن يدفعه إلى أهل
ملته ليقيموا عليه الحد على مذهبهم.
ومتى وجد رجلان في إزار واحد مجردين أو رجل وغلام وقامت عليهما بذلك
بينة أو أقرا بفعله ضرب كل واحد منهما تعزيرا من ثلاثين سوطا إلى تسعة وتسعين
سوطا بحسب ما يراه الإمام، فإن عادا إلى ذلك ضربا مثل ذلك، فإن عادا أقيم
عليهما الحد على الكمال مائة جلدة.
وإذا لاط رجل ثم تاب قبل قيام البينة عليه بذلك سقط عنه الحد، فإن قامت
بعد ذلك البينة لم يكن للإمام إقامة الحد عليه، فإن تاب بعد أن شهد عليه بالفعل
لم يسقط عنه الحد ووجب على الإمام إقامته عليه، فإن كان تائبا عند الله فإن الله
تعالى يعوضه بما يناله من الألم ولم يجز له العفو عنه على حال، وإن كان اللائط قد
أقر على نفسه ثم تاب وعلم الإمام منه ذلك جاز له أن يعفو عنه ويجوز له أيضا أن
يقيم عليه الحد على حسب ما يراه من الصلاح، ومتى لم تظهر التوبة منه لم يجز
العفو عنه على حال.
ومن قبل غلاما ليس بمحرم له وجب عليه التعزير، فإن فعل ذلك وهو محرم
غلظ تأديبه كي ينزجر عن مثله في المستقبل.
والمتلوط الذي يقام عليه الحد ثلاث مرات قتل في الرابعة مثل الزاني.
باب الحد في السحق:
إذا ساحقت المرأة أخرى وقامت عليهما البينة بذلك وجب على كل واحدة
منهما الحد مائة جلدة إن لم تكونا محصنتين، فإن كانتا محصنتين كان على كل
واحدة منهما الرجم، ويثبت الحكم بذلك بقيام البينة وهي شهادة أربعة نفر عدول
أو إقرار المرأة على نفسها أربع مرات كما اعتبرناه في الزنى سواء.
وإذا ساحقت المرأة جاريتها وجب على كل واحدة منهما الحد، فإن ذكرت
الجارية أنها أكرهتها درئ عنها الحد وأقيم الحد على سيدتها كاملا.
92

وإذا ساحقت المجنونة أقيم عليها الحد، فإن فعل بها ذلك لم يقم عليها الحد.
وإذا ساحقت المسلمة الكافرة وجب على كل واحدة منهما الحد وكان الإمام في
الكافرة مخيرا بين إقامة الحد عليها وبين إنفاذها إلى أهل ملتها ليعملوا بها ما يقتضيه
مذهبهم.
وإذا ساحقت المرأة صبية لم تبلغ أقيم عليها الحد وأدبت الصبية، فإن
تساحقت صبيتان أدبتا ولم يقم على واحدة منهما الحد على الكمال.
وإذا وطئ الرجل امرأته فقامت المرأة فساحقت جارية بكرا وألقت ماء الرجل
في رحمها وحملت الجارية وجب على المرأة الرجم وعلى الجارية - إذا وضعت - الجلد
مائة وألحق الولد بالرجل وألزمت المرأة المهر للجارية لأن الولد لا يخرج منها إلا بعد
ذهاب عذرتها، بذلك قضى الحسن بن علي ع.
وإن افتضت المرأة جارية بإصبعها فذهبت بعذرتها لزمها مهرها وكان عليها
التعزير مغلظا.
وإذا وجدت امرأتان في إزار واحد مجردتين من ثيابهما وليس بينهما رحم ولا
أحوجهما إلى ذلك ضرورة من برد وغيره كان على كل واحدة منهما التعزير من
ثلاثين سوطا إلى تسعة وتسعين حسب ما يراه الإمام أو الوالي، فإن عادتا إلى مثل
ذلك نهيتا وأدبتا، فإن عادتا ثالثة أقيم عليهما الحد كاملا مائة جلدة، فإن
عادتا رابعة كان عليهما القتل.
وإذا ساحقت المرأة وأقيم عليها الحد ثلاث مرات قتلت في الرابعة مثل الزانية
سواء.
وإذا تابت المساحقة قبل أن ترفع إلى الإمام سقط عنها الحد، فإن قامت عليها
بعد ذلك البينة لم يقم عليها الحد وإن قامت البينة عليها ثم تابت بعد ذلك أقيم
عليها الحد على كل حال، فإن كانت أقرت بالفعل عند الإمام أو من ينوب عنه ثم
أظهرت التوبة كان للإمام العفو عنها وله إقامة الحد عليها حسب ما يراه أصلح في
الحال.
93

باب من نكح ميتة أو وطئ بهيمة أو استمنى بيده:
من وطئ امرأة ميتة كان حكمه حكم من وطئها وهي حية في أنه يجب عليه
الرجم إن كان محصنا والجلد إن لم يكن كذلك ويؤدب أيضا لانتهاكه حرمة
الأموات، وإن كانت الموطوءة زوجته وجب عليه التعزير دون الحد الكامل حسب
ما يراه الإمام في الحال، ويثبت الحكم بذلك بإقرار الرجل على نفسه مرتين أو
بشهادة شاهدين من أهل العدالة.
وحكم المتلوط بالأموات حكم المتلوط بالأحياء على السواء لا يختلف الحكم في
ذلك بل تغلظ عقوبته لانتهاكه حرمة الأموات.
ومن نكح بهيمة كان عليه التعزير بما دون الحد حسب ما يراه الإمام في الحال ويغرم
ثمن البهيمة لصاحبها إن لم تكن له، فإن كانت ملكه لم يكن عليه شئ.
وإن كانت البهيمة مما تقع عليه الذكاة ذبحت وأحرقت بالنار لأن لحمها قد
حرم ولحم جميع ما يكون من نسلها، فإن اختلط البهيمة الموطوءة بغيرها من البهائم
ولم تتميز قسم القطيع الذي فيه تلك البهيمة وأقرع بينهما فما وقعت عليه القرعة
قسم من الرأس وأقرع بينهما فما وقعت عليه القرعة قسم من الرأس وأقرع بينهما
إلى أن لا تبقى إلا واحدة، ثم تؤخذ وتحرق بالنار بعد أن تذبح وليس ذلك على
جهة العقوبة لها لكن لما يعلم الله تعالى من المصلحة في ذلك ولدفع العار بها عن صاحبها.
وإن كانت البهيمة مما لا تقع عليها الذكاة أخرجت من البلد الذي فعل بها
إلى بلد آخر وبيعت هناك لكي لا يعير صاحبها بها، ويثبت الحكم بذلك إما بالإقرار
من الفاعل أو بشهادة شاهدين عدلين مرضيين لا أكثر من ذلك، ومتى تكرر الفعل
من واطئ البهيمة والميتة وكان قد أدب وحد وجب عليه القتل في الرابعة.
ومن استمنى بيده حتى أنزل كان عليه التعزير والتأديب ولم يكن عليه حد على
الكمال وذلك بحسب ما يراه الإمام أصلح في الحال، وقد روي: أن أمير المؤمنين
ع ضرب يد من فعل ذلك حتى احمرت وزوجه من بيت المال واستتابه من
ذلك الفعل.
94

باب الحد في القيادة:
الجامع بين النساء والرجال والغلمان للفجور إذا شهد عليه شاهدان أو أقر على
نفسه بذلك يجب عليه ثلاثة أرباع حد الزاني خمسة وسبعون جلدة ويحلق رأسه
ويشهر في البلد ثم ينفى عن البلد الذي فعل ذلك فيه إلى غيره من الأمصار.
والمرأة إذا فعلت ذلك فعل بها ما يفعل بالرجل من الجلد ولا تشهر ولا يحلق
رأسها ولا تنفى عن البلد الذي فعلت فيه ما فعلت كما يفعل ذلك بالرجال.
ومن رمى غيره بالقيادة كان عليه التعزير بما دون الحد في الفرية لئلا يعود إلى
أذى المسلمين.
باب الحد في شرب الخمر والمسكر من الشراب والفقاع وغير ذلك من الأشربة والمآكل
المحظورة:
من شرب شيئا من المسكر - خمرا كان أو نبيذا أو بتعا أو نقيعا أو مزرا أو
غير ذلك من سائر الأشربة التي يسكر قليلها أو كثيرها - وجب عليه الحد ثمانون
جلدة حد المفتري سواء كان مسلما أو كافرا حرا كان أو عبدا لا يختلف الحكم فيه
إلا أن المسلم يقام عليه الحد على كل حال شرب عليها والكافر إذا استسر بالشرب
أو شربه في بيته أو بيعته أو كنيسته لم يكن عليه الحد وإنما يجب عليه الحد إذا أظهر
الشرب بين المسلمين أو خرج بينهم سكران، وسواء كان الشارب من الخمر أو
الشراب المسكر شرب قليلا منه أو كثيرا فإن القليل منه يوجب الحد كما يوجبه
الكثير لا يختلف الحكم في ذلك على حال.
ويثبت الحكم في إيجاب الحد بشهادة نفسين مسلمين عدلين يشهدان على فاعله
بشرب شئ من المسكرات أو يشهدان بأنه قاء ذلك، فإن شهد أحدهما بالشرب
والآخر بالقئ قبلت أيضا شهادتهما وأقيم بها الحد.
ولا تقبل شهادة على شهادة في شئ من الحدود، ولا يجوز أيضا أن يكفل من
وجب عليه الحد بل ينبغي أن يقام عليه الحد على البدار، ولا تجوز الشفاعة في اسقاط
95

حد من الحدود لا عند الإمام ولا عند غيره من النائبين عنه.
ويثبت أيضا بإقرار الشارب على نفسه مرتين ويجب به الحد كما يجب بالبينة
سواء.
ومن شرب الخمر مستحلا لها حل دمه ووجب على الإمام أن يستتيبه، فإن تاب
أقام عليه حد الشراب إن كان شربه وإن لم يتب قتله، وليس المستحل لما عدا الخمر
من المسكرات يحل دمه وللإمام أن يعزره إن رأى ذلك صوابا والحد في شربه لا
يختلف على ما بيناه.
وشارب الخمر وسائر الأشربة المسكرات يجلد عريانا على ظهره وكتفيه ولا
يضرب على وجهه وفرجه على حال.
ولا يجوز أكل طعام فيه شئ من الخمر ولا الاصطباغ بشئ فيه شئ من الخمر
ولا استعمال دواء فيه شئ منه، فمن أكل شيئا مما ذكرناه أو شرب كان عليه
الحد ثمانين جلدة، فإن أكل ذلك أو شرب وهو لا يعلم أن فيه خمرا لم يكن عليه
شئ.
ولا ينبغي لمسلم أن يجالس شراب شئ من المسكرات ولا أن يجلس على مائدة
يشرب عليها شئ من ذلك خمرا كان أو غيره وكذلك الحكم في الفقاع، فمتى فعل
ذلك كان عليه حد التأديب حسب ما يراه الإمام.
ولا يقام الحد على السكران في حال سكره بل يمهل حتى يفيق ثم يقام عليه
الحد، وشارب الخمر إذا أقيم عليه الحد مرتين ثم عاد ثالثة وجب عليه القتل.
ومن باع الخمر أو الشراب المسكر أو اشتراه كان عليه التأديب، فإن فعل ذلك
مستحلا له استتيب فإن تاب وإلا وجب عليه ما يجب على المرتد.
وحكم الفقاع في شربه ووجوب الحد على من شربه وتأديب من اتجر فيه وتعزير
من استعمله حكم الخمر على السواء بما ثبت عن أئمة آل محمد ع.
ومن استحل الميتة أو الدم أو لحم الخنزير ممن هو مولود على فطرة الاسلام فقد
ارتد بذلك عن الدين ووجب عليه القتل بالإجماع، ومن تناول شيئا من ذلك
96

مجرما له كان عليه التعزير، فإن عاد بعد ذلك أدب وغلظ عقابه، فإن تكرر منه
ذلك دفعات قتل ليكون عبرة لغيره.
ومن أكل الربا بعد الحجة عليه في تحريمه عوقب على ذلك حتى يتوب، فإن
استحل ذلك وجب عليه القتل، فإن أدب دفعتين وعاد ثالثا وجب عليه القتل.
والتجارة في السموم القاتلة محظورة ووجب على من اتجر في شئ منها العقاب
والتأديب، فإن استمر على ذلك ولم ينته وجب عليه القتل.
ويعزر آكل الجري والمارماهي ومسوخ السمك كلها والطحال ومسوخ البر
والسبع وسباع الطير وغير ذلك من المحرمات، فإن عاد أدب ثانية، فإن استحل
شيئا من ذلك وجب عليه القتل.
ومن تاب من شرب الخمر أو غيره مما يوجب الحد أو التأديب قبل قيام البينة
عليه سقط عنه الحد، فإن تاب بعد قيام البينة عليه أقيم عليه الحد على كل حال،
فإن كان أقر على نفسه وتاب بعد الإقرار جاز للإمام العفو عنه ويجوز له إقامة الحد
عليه.
ومن شرب المسكر في شهر رمضان أو في موضع مشرف مثل حرم الله وحرم رسوله
أو شئ من المشاهد أقيم عليه الحد في الشرب بعد ذلك لانتهاكه حرمة حرم الله
تعالى.
باب الحد في السرقة:
السارق الذي يجب عليه القطع هو الذي يسرق من حرز ربع دينار فصاعدا أو ما
قيمته كذلك ويكون كامل العقل والشبهة عنه مرتفعة حرا كان أو عبدا مسلما
كان أو كافرا، فإن سرق انسان من غير حرز لم يجب عليه القطع - وإن زاد على
ما ذكرناه في المقدار - بل يجب عليه التعزير.
والحرز هو كل موضع لم يكن لغير المتصرف فيه الدخول إليه إلا باذنه أو يكون
مقفلا عليه أو مدفونا، فأما المواضع التي يطرقها الناس كلهم وليس يختص بواحد
97

دون غيره فليست حرزا وذلك مثل الخانات والحمامات والمساجد والأرحية وما
أشبه ذلك من المواضع، فإن كان الشئ في أحد هذه المواضع مدفونا أو مقفلا
عليه فسرقه انسان كان عليه القطع لأنه بالقفل والدفن قد أحرزه.
وإذا نقب الانسان نقبا ولم يخرج متاعا ولا مالا - وإن جمعه وكوره وحمله -
لم يجب عليه قطع وكانت عليه العقوبة والتأديب وإنما يجب القطع إذا أخرجه من
الحرز، وإذا أخرج المال من الحرز وجب عليه القطع إلا أن يكون شريكا في المال
الذي سرقه أو له حظ في المال الذي سرق بمقدار ما إن طرح من المال المسروق كان
الباقي أقل من النصاب الذي يجب فيه القطع، فإن كان الباقي قد بلغ المقدار الذي
يجب فيه القطع كان عليه القطع على كل حال.
ومن سرق من مال الغنيمة قبل أن يقسم مقدار ما يصيبه منها لم يكن عليه
قطع وكان عليه التأديب لجرأته على ذلك وإقدامه عليه، فإن سرق ما يزيد على
قسمته بمقدار ما يجب فيه القطع أو زائدا عليه كان عليه القطع هذا إذا كان مسلما
له سهم في الغنائم، فإن كان كافرا قطع على كل حال إذا بلغ النصاب.
وإذا أخرج المال من الحرز فأخذ فادعى أن صاحب المال أعطاه المال درئ
عنه القطع وكان على من ادعي عليه السرقة البينة بأنه سارق.
ومتى سرق من ليس بكامل العقل - بأن يكون مجنونا أو صبيا لم يبلغ وإن
نقب وكسر القفل - لم يكن عليه قطع، فإن كان صبيا عفي عنه مرة، فإن عاد
أدب، فإن عاد ثالثة حكت حتى أصابعه تدمى، فإن عاد قطعت أنامله، فإن
عاد بعد ذلك قطع أسفل من ذلك كما يقطع الرجل سواء.
ويثبت وجوب القطع بقيام البينة على السارق وهي شهادة نفسين عدلين
يشهدان عليه بالسرقة، فإن لم تقم بينة وأقر السارق على نفسه بالسرقة مرتين كان
عليه أيضا القطع اللهم إلا أن يكون عبدا فإنه لا يقبل إقراره على نفسه بالسرقة ولا
بالقتل لأنه مقر على مال غيره ليتلفه، فإن قامت عليه البينة بالسرقة قطع كما
يقطع الحر سواء.
98

وحكم الذمي حكم المسلم سواء في وجوب القطع عليه إذا ثبت أنه سارق على
ما بيناه، وحكم المرأة حكم الرجل سواء في وجوب القطع عليها إذا سرقت.
ويقطع الرجل إذا سرق من مال والديه ولا يقطع الرجل إذا سرق من مال
ولده، وإذا سرقت الأم من مال ولدها قطعت على كل حال، ويقطع الرجل إذا
سرق من مال زوجته إذا كانت قد أحرزته وكذلك تقطع المرأة إذا سرقت من مال
زوجها إذا كان قد أحرز دونها، ولا يقطع العبد إذا سرق من مال مولاه، وإذا
سرق عبد الغنيمة من المغنم لم يقطع أيضا، والأجير إذا سرق من مال المستأجر لم
يكن عليه قطع، وكذلك الضيف إذا سرق من مال مضيفه لا يجب عليه قطع وإذا
أضاف الضيف ضيفا آخر فسرق وجب عليه القطع لأنه دخل عليه بغير إذنه.
ومن وجب عليه القطع فإنه تقطع يده اليمنى من أصول الأصابع الأربعة
وتترك له الراحة والإبهام، فإن سرق بعد قطع يده من حرز المقدار الذي قدمنا
ذكره قطعت رجله اليسرى من أصل الساق ويترك عقبه ليعتمد عليها في الصلاة،
فإن سرق بعد ذلك خلد السجن، فإن سرق في السجن من حرز القدر الذي ذكرناه
قتل.
ومن وجب عليه قطع اليمين فكانت شلاء قطعت ولا تقطع يسراه، وكذلك
من وجب عليه قطع رجله اليسرى فكانت كذلك قطعت ولا تقطع رجله اليمنى.
ومن سرق وليس له اليمنى فإن كانت قطعت في القصاص أو غير ذلك
وكانت له اليسرى قطعت يسراه، فإن لم تكن له أيضا اليسرى قطعت رجله، فإن
لم يكن له رجل لم يكن عليه أكثر من الحبس على ما بيناه.
وإذا قطع السارق وجب عليه مع ذلك رد السرقة بعينها إن كانت باقية، فإن
كان أهلكها وجب عليه أن يغرمها، فإن كان قد تصرف فيها بما نقص من ثمنها
وجب عليه أرشها، فإن لم يكن معه شئ استسعى في ذلك.
ولا يجب القطع ولا رد السرقة على من أقر على نفسه تحت ضرب أو خوف وإنما
يجب ذلك إذا قامت البينة أو أقر مختارا، فإن أقر تحت الضرب بالسرقة وردها
99

بعينها وجب عليه أيضا القطع.
ومن أقر بالسرقة مختارا ثم رجع عن ذلك ألزم السرقة وسقط عنه القطع.
ومن تاب من السرقة قبل قيام البينة عليه ثم قامت عليه البينة سقط عنه القطع
ووجب عليه رد السرقة، فإن قامت بعد ذلك عليه البينة لم يجز للإمام أن يقطعه،
فإن تاب بعد قيام البينة عليه لم يجز للإمام العفو عنه، فإن كان قد أقر على نفسه ثم
تاب بعد الإقرار جاز للإمام العفو عنه أو إقامة الحد عليه حسب ما يراه أردع في
الحال، فأما رد السرقة فإنه يجب عليه على كل حال.
ومن سرق شيئا من كم انسان أو جيبه وكانا باطنين وجب عليه القطع، فإن
كانا ظاهرين لم يجب عليه القطع وكان عليه التأديب والعقوبة بما يردعه عن مثله.
ومن سرق حيوانا يجوز تملكه ويكون قيمته ربع دينار فصاعدا وجب عليه القطع
كما يجب في سائر الأشياء.
وإذا سرق نفسان فصاعدا ما قيمته ربع دينار وجب عليهما القطع، فإن انفرد
كل واحد منهما ببعضه لم يجب عليهما القطع لأنه قد نقص عن المقدار الذي يجب
فيه القطع وكان عليهما التعزير.
ومن سرق شيئا من الفواكه وهو بعد في الشجر لم يكن عليه قطع بل يؤدب
تأديبا لا يعود إلى مثله ويحل له ما يأكل منه ولا يحمله معه على حال، فإذا سرق
شيئا منهما بعد أخذها من الشجر وجب عليه القطع كما يجب في سائر الأشياء.
وإذا تاب السارق فليرد السرقة على صاحبها، فإن كان قد مات فليردها على
ورثته، فإن لم يكن له وارث ولا مولى نعمة ولا مولى جريرة فليردها على إمام
المسلمين فإذا فعل ذلك فقد برئت ذمته.
وإذا سرق السارق فلم يقدر عليه ثم سرق ثانية فأخذ وجب عليه القطع بالسرقة
الأخيرة ويطالب بالسرقتين معا.
وإذا شهد الشهود على سارق بالسرقة دفعتين لم يكن عليه أكثر من قطع اليد،
فإن شهدوا عليه بالسرقة الأولى وأمسكوا حتى يقطع ثم شهدوا عليه بالسرقة
100

الأخيرة وجب عليه قطع رجله اليسرى بالسرقة الأخيرة على ما بيناه.
وروي عن أبي عبد الله ع أنه قال: لا قطع على من سرق شيئا من
المأكول في عام مجاعة.
باب حد المحارب والنباش والمختلس والخناق والمبنج والمحتال:
المحارب هو الذي يجرد السلاح ويكون من أهل الريبة في مصر كان أو غير مصر
في بلاد الشرك كان أو في بلاد الاسلام ليلا كان أو نهارا، فمتى فعل ذلك كان
محاربا.
ويجب عليه إن قتل ولم يأخذ المال أن يقتل على كل حال وليس لأولياء
المقتول العفو عنه فإن عفوا عنه وجب على الإمام قتله لأنه محارب، وإن قتل وأخذ
المال وجب عليه أولا أن يرد المال ثم يقطع بالسرقة ثم يقتل بعد ذلك ويصلب،
وإن أخذ المال ولم يقتل ولم يجرح قطع ثم نفي عن البلد، وإن جرح ولم يأخذ
المال ولم يقتل وجب عليه أن يقتص منه ثم ينفى بعد ذلك من البلد الذي فعل
ذلك فيه إلى غيره، وكذلك إن لم يجرح ولم يأخذ المال وجب عليه أن ينفى من
البلد الذي فعل فيه ذلك الفعل إلى غيره ثم يكتب إلى أهل ذلك المصر بأنه منفى
محارب فلا تؤاكلوه ولا تشاربوه ولا تبايعوه ولا تجالسوه، فإن انتقل إلى غير ذلك من
البلدان كوتب أيضا أهلها بمثل ذلك فلا يزال يفعل به ذلك حتى يتوب، فإن قصد
بلاد الشرك لم يمكن من الدخول فيها وقوتلوا هم على تمكينهم من دخولها.
واللص أيضا محارب، فإذا دخل اللص على انسان جاز له أن يقاتله ويدفعه عن
نفسه، فإن أدى ذلك إلى قتل اللص لم يكن على قاتله شئ من قود ولا دية وكان
دمه هدرا.
وإذا قطع جماعة الطريق فأقروا بذلك كان حكمهم ما قد ذكرناه، فإن لم يقروا
وقامت عليهم بذلك بينة كان الحكم أيضا مثل ذلك سواء، فإن شهد اللصوص
بعضهم على بعض لم تقبل شهادتهم وكذلك إن شهد الذين أخذت أموالهم بعضهم
101

لبعض لم تقبل شهادتهم وإنما تقبل شهادة غيرهم لهم.
والمصلوب لا يترك على خشبته أكثر من ثلاثة أيام ثم ينزل بعد ذلك ويصلى
عليه ويدفن.
والخناق يجب عليه القتل ويسترجع منه ما أخذ فيرد على صاحبه، فإن لم يوجد
بعينه أغرم قيمته أو أرش ما لعله نقص من ثمنه إلا أن يعفو صاحبه عنه.
ومن بنج غيره أو أسكره بشئ احتال عليه في شربه أو أكله ثم أخذ ماله عوقب
على فعله ذلك بما يراه الإمام واسترجع عنه ما أخذ، فإن جنى البنج أو الإسكار عليه
جناية كان المبنج ضامنا لما جناه.
والمحتال على أموال الناس بالمكر والخديعة وتزوير الكتب والشهادات الزور
والرسالات الكاذبة وغير ذلك يجب عليه التأديب والعقاب وأن يغرم ما أخذ بذلك
على الكمال، وينبغي للسلطان أن يشهره بالعقوبة لكي يرتدع غيره عن فعل مثله في
مستقبل الأوقات.
والمختلس هو الذي يستلب الشئ ظاهرا من الطرقات والشوارع ولا يجب عليه
قطع بل يجب عليه عقاب مردع حسب ما يراه الإمام أو من نصبه.
ومن سرق حرا فباعه وجب عليه القطع لأنه من المفسدين في الأرض.
ومن نبش قبرا وسلب الميت كفنه وجب عليه القطع كما يجب على السارق
سواء، فإن نبش ولم يأخذ شيئا أدب بغليظ العقوبة ولم يكن عليه قطع على حال،
فإن تكرر منه الفعل وفات الإمام تأديبه كان له قتله كي يرتدع غيره عن إيقاع مثله
في مستقبل الأوقات.
باب الحد في الفرية وما يوجب التعزير:
إذا قال الرجل أو المرأة كافرين كانا أو مسلمين حرين أو عبدين بعد أن يكونا
بالغين لغيره من المسلمين البالغين الأحرار: يا زاني، أو يا لائط، أو يا منكوحا
في دبره، أو قد زنيت، أو لطت، أو نكحت، أو ما معناه معنى هذا الكلام بأي لغة
102

كانت بعد أن يكون عارفا بها وبموضوعها وبفائدة اللفظة وجب عليه الحد ثمانون
جلدة وهو حد القاذف.
فإن قال له شيئا من ذلك وكان غير بالغ أو المقول له كان غير بالغ لم يكن عليه
حد وكان عليه التعزير، فإن قال له شيئا من ذلك وهو لا يعلم فائدة تلك اللغة ولا
موضوع اللفظة لم يكن عليه شئ.
وكذلك إذا قال لامرأة: أنت زانية، أو قد زنيت، أو يا زانية، كان عليه أيضا
مثل ذلك لا يختلف الحكم فيه.
فإن قال لكافر أو كافرة أو أمة شيئا من ذلك لم يكن عليه الحد ويعزر لئلا
يؤذي أهل الذمة والمماليك.
وإذا قال لغيره: يا بن الزانية، أو يا بن الزاني، أو قد زنت بك أمك، أو ولدت
من الزنى، وجب أيضا عليه الحد وكان المطالبة في ذلك إلى أمه، فإن عفت عنه جاز
عفوها ولا يجوز عفو غيرها مع كونها حية، فإن كانت ميتة ولم يكن لها ولي غير
المقذوف كان إليه المطالبة والعفو، فإن كان لها وليان أو أكثر من ذلك وعفا
بعضهم أو أكثرهم كان لمن بقي منهم المطالبة بإقامة الحد عليه على الكمال. ومن
كان له العفو فعفا في شئ من الحدود لم يكن له بعد ذلك المطالبة ولا الرجوع فيه.
فإن قال له: يا بن الزاني، أو زنا بك أبوك، أو لاط، كان عليه الحد لأبيه،
فإن كان حيا كان له المطالبة والعفو وإن كان ميتا كان لأوليائه ذلك حسب ما
ذكرناه في الأم سواء.
فإن قال له: يا بن الزانيين، أو أبواك زانيان، أو زنى بك أبوك، كان عليه
حدان: حد للأب وحد للأم، فإن كان حيين كان لهما المطالبة والعفو وإن كانا
ميتين كان لأوليائهما ذلك حسب ما قدمناه.
وإن قال له: أختك زانية، أو أخوك زان، كان عليه الحد لأخيه أو أخته إذا
كانا حيين، فإن كانا ميتين كان لأوليائهما ذلك على ما رتبناه.
وحكم العم والعمة والخال والخالة وسائر ذوي الأرحام حكم الأخ والأخت في
103

أن الأولى بهم يقوم بمطالبة الحد ويكون له العفو على ما بيناه.
فإن قال: ابنك زان أو لائط، أو بنتك زانية أو قد زنت، كان عليه الحد
وللمقذوف المطالبة بإقامة الحد عليه سواء كان ابنه أو بنته حيين أو ميتين وكان إليه
أيضا العفو إلا أن يسبقه الابن أو البنت إلى العفو فإن سبقا إلى ذلك كان عفوهما
جائزا.
فإن قال لغيره: يا زاني، فأقيم عليه الحد ثم قال له ثانيا: يا زاني، كان عليه
حدان، فإن قال له: إن الذي قلته لك كان صحيحا لم يكن عليه حد وكان عليه
التعزير، وإن قال له: يا زاني، دفعة بعد أخرى مرات كثيرة ولم يقم عليه فيما
بينها الحد لشئ من ذلك لم يكن عليه أكثر من حد واحد.
ومن أقيم عليه الحد في القذف ثلاث دفعات قتل في الرابعة.
وإذا قال لجماعة رجال ونساء أو رجال أو نساء: هؤلاء زناة، أو
قد زنوا، أو يا زناة، فإن جاؤوا به مجتمعين كان عليه حد واحد وإن جاؤوا به متفرقين كان
عليه لكل واحد منهم حد.
ومن قال لغيره من الكفار أو المماليك: يا بن الزاني، أو يا بن الزانية، وكان
أبواه مسلمين أو حرين كان عليه الحد كاملا لأن الحد لمن لو واجهه بالقذف لكان
له الحد تاما.
وكذلك إن قال لمسلم: أمك زانية، أو يا بن الزانية، وكانت أمه
كافرة أو أمة كان عليه الحد تاما لحرمة ولدها المسلم الحر.
وإذا تقاذف أهل الذمة أو العبيد أو الصبيان بعضهم في بعض لم يكن عليهم
حد وكان عليهم التعزير.
وإذا قال لغيره: قد زنيت بفلانة، وكانت المرأة ممن يجب لها الحد كاملا
وجب عليه حدان: حد للرجل وحد للمرأة، وكذلك إن قال: لطت بفلان، كان
عليه حدان: حد للمواجه وحد لمن نسبه إليه، فإن كانت المرأة أو الرجل غير بالغين
أو مع كونهما بالغين لم يكونا حرين أو لم يكونا مسلمين كان عليه الحد تاما
104

لقذفه إياه ويجب مع ذلك عليه التعزير لنسبته له إلى هؤلاء.
وإذا قال له: زنت زوجتك، أو يا زوج الزانية، وجب عليه الحد لزوجته
وكان إليها المطالبة والعفو، فإن كانت ميتة كان ذلك لأوليائها ولا يرث الزوج من
الحد شيئا.
ومن قال لولد الملاعنة: يا بن الزانية، أو زنت بك أمك، كان عليه الحد
لأمه تاما.
فإن قال لولد الزنى الذي أقيم على أمه الحد بالزنى: يا ولد الزنى، أو زنيت
بك أمك، لم يكن عليه الحد تاما وكان عليه التعزير، فإن قال له: يا بن
الزانية، وكانت أمه تابت وأظهرت التوبة كان عليه الحد تاما.
ويثبت الحد بالقذف بشهادة شاهدين عدلين مسلمين أو إقرار القاذف على
نفسه مرتين بأنه قد قذف، فإذا ثبت ذلك أقيم عليه الحد ولا يكون الحد فيه كما
هو في شرب الخمر والزنى في الشدة بل يكون دون ذلك.
ويجلد القاذف من فوق الثياب ولا يجرد على حال، وليس للإمام أن يعفو عن
القاذف على حال بل ذلك إلى المقذوف على ما بيناه سواء كان أقر على نفسه أو قد
قامت به عليه بينة أو تاب القاذف أو لم يتب فإن العفو في جميع هذه الأحوال إلى
المقذوف.
ومن قذف محصنا أو محصنة لم تقبل شهادته بعد ذلك إلا أن يتوب ويرجع، وحد
التوبة والرجوع عما قذف هو أن يكذب نفسه في ملأ من الناس في المكان الذي
قذف فيه فيما قاله، فإن لم يفعل ذلك لم يجز قبول شهادته بعد ذلك.
ومن قذف مكاتبا ضرب بحساب ما عتق منه حد الحر ويعزر بالباقي الذي كان رقا.
وإذا قال الرجل لامرأة يا زانية أنا زنيت بك، كان عليه حد القاذف لقذفه
إياها ولم يكن عليه لإضافته الزنى إلى نفسه شئ إلا أن يقر أربع مرات، فإن أقر أربع مرات
كان عليه حد الزنى مع ذلك ما بيناه.
105

وإذا قال الرجل لولده: يا زاني، أو قد زنيت، لم يكن عليه حد، فإن قال له:
يا بن الزانية، ولم ينتف منه كان عليه الحد لزوجته أم المقذوف إن كانت حية فإن
كانت ميتة وكان وليها أولاده لم يكن لهم المطالبة بالحد فإن كان لها أولاد من غيره
أو قرابة كان لهم المطالبة بالحد، فإن انتفى من ولده كان عليه أن يلاعن أمه على ما
بيناه في باب اللعان، فإن انتفى منه بعد أن كان أقر به وجب عليه الحد وكذلك إن
قذفها بعد انقضاء اللعان كان عليه الحد.
وإذا تقاذف نفسان بما يجب فيه الحد سقط عنهما الحد وكان عليهما جميعا
التعزير لئلا يعودا إلى مثل ذلك.
وإذا قال الانسان لغيره: يا قرنان، أو يا كشحان، أو يا ديوث، وكان متكلما
باللغة التي يفيد فيها هذه اللفظة وهو رمى الرجل بزوجة أو أخت وكان عالما بمعنى
اللفظة عارفا بها كان عليه الحد كما لو صرح بالقذف بالزنى على ما بيناه، فإن لم
يكن عارفا بمعنى اللفظة لم يكن عليه حد القاذف ثم ينظر في عادته في استعماله
هذه اللفظة، فإن كان قبيحا غير أنه لا يفيد القذف أدب وعزر وإن كان يفيد غير
ذلك في عادته لم يكن عليه شئ.
ومن قال لغيره: يا فاسق، أو يا خائن، أو يا شارب خمر، وهو على ظاهر العدالة
لم يكن عليه حد القاذف وكان عليه التأديب.
وإذا قال له: أنت ولد حرام، أو حملت بك أمك في حيضها، لم يكن عليه حد
الفرية وكان عليه التعزير.
وإذا قال للمسلم: أنت خسيس، أو وضيع، أو رقيع، أو خنزير، أو كلب،
أو مسخ، وما أشبه ذلك، كان عليه التعزير، فإن كان المقول له كافرا مستحقا
للاستخفاف والإهانة لم يكن عليه شئ.
ومن قال لغيره: يا كافر، وهو على ظاهر الاسلام ضرب ضربا وجيعا، فإن
كان المقول له جاحدا لفريضة عامة معلومة في شريعة الاسلام لم يكن عليه شئ بل
أجر في ذلك.
106

وإذا واجه الانسان غيره بكلام يحتمل السب ويحتمل غير ذلك عزر وأدب لئلا
يعرض بأهل الإيمان.
ومن عير إنسانا بشئ من بلاء الله تعالى مثل الجنون والجذام والبرص والعمى
والعور وما أشبه ذلك أو أظهر عنه ما هو مستور من بلاء الله تعالى كان عليه بذلك
التأديب إلا أن يكون المعير به ضالا كافرا.
وكل كلام يؤذي المسلمين فإنه يجب على قائله به التعزير، وقد روي أن
أمير المؤمنين ع عزر إنسانا كان قد قال لغيره: أنا احتلمت بأمك
البارحة، وإنما فعل ع ذلك لما فيه من أذاه له ومواجهته إياه بما يؤلمه لئلا
يعود إليه فيما بعد لا أن ذلك قول قبيح يوجب الحد أو التعزير.
ومن نبز مسلما أو اغتابه وقامت عليه بذلك البينة أدب.
وشاهدا الزور يجب أن يؤدبا ويشهرا في قبيلتهما أو قومهما ويغرما بما شهدا به
إن كانا قد أتلفا بشهادتهما شيئا على ما بيناه في كتاب " تهذيب الأحكام " لئلا
يعودا إلى مثل ذلك ويرتدع به غيرهما.
وإذا قال الرجل لامرأته بعد ما دخل بها: لم أجدك عذراء، كان عليه بذلك
التعزير.
ومن هجا غيره من أهل الاسلام كان عليه بذلك التأديب، فإن هجا أهل
الضلال لم يكن عليه شئ على حال.
ومن سب رسول الله ص أو واحدا من الأئمة ع صار
دمه هدرا وحل لمن سمع ذلك منه قتله ما لم يخف في قتله على نفسه أو على غيره،
فإن خاف على نفسه أو على بعض المؤمنين ضررا في الحال أو المستقبل فلا يتعرض له
على حال.
ومن ادعى أنه نبي حل دمه ووجب قتله، ومن قال: لا أدري النبي ص
صادق أو كاذب وأنا شاك في ذلك وجب قتله على كل حال إلا أن يقر
به.
107

ومن أفطر في شهر رمضان يوما متعمدا وجب عليه التعزير والعقوبة المردعة
، فإن أفطر ثلاثة أيام سئل: هل عليك في ذلك شئ أم لا؟ فإن قال: لا، وجب
قتله، وإن قال: نعم، زيد في عقوبته بما يرتدع معه عن مثله، فإن لم يرتدع وجب
قتله.
والمرتد عن الاسلام على ضربين: مرتد كان ولد على فطرة الاسلام فهذا يجب
قتله على كل حال من غير أن يستتاب، ومرتد كان أسلم عن كفر ثم ارتد وجب أن
يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه.
والمرتدة عن الاسلام لا يجب عليها القتل بل ينبغي أن تحبس أبدا ويضيق
عليها في المأكول والمشروب والملبوس وتضرب في أوقات الصلوات.
ومن تزوج بأمة على حرة من غير إذنها فرق بينهما وكان عليه اثنا عشر سوطا
ونصف ثمن حد الزاني، ومن أتى امرأته وهي حائض كان عليه خمسة وعشرون سوطا.
ومن وطئ امرأته في شهر رمضان نهارا متعمدا كان عليه خمسة وعشرون سوطا
وعلى المرأة أيضا مثل ذلك إن طاوعته على ذلك، فإن كان أكرهها كان عليه خمسون
جلدة وعليه كفارة واحدة وعليها أيضا مثل ذلك إن كانت مختارة، فإن كانت
مكرهة كان على الرجل كفارتان.
ومن قامت عليه البينة بالسحر وكان مسلما وجب عليه القتل، فإن كان
كافرا لم يكن عليه إلا التأديب والعقوبة لأن ما هو عليه من الكفر أعظم من
السحر.
والذي يضرب الحدود إذا زاد على المقدار الذي وجب على المضروب وجب أن
يستقاد منه.
والصبي والمملوك إذا أخطأ أدبا بخمس ضربات إلى ست ولا يزاد على ذلك،
فإن ضرب انسان عبده بما هو حد كان عليه أن يعتقه كفارة لفعله.
ويقيم الحدود من إليه الأحكام.
108

المراسم العلوية
لأبي يعلى حمزة بن عبد العزيز الديلمي
الملقب بسلار
المتوفى: 463 ه‍ ق
109

باب الحدود والآداب
اعلم أن الحدود على ضربين: حد فيه القتل وحد بدونه.
فالحد بالقتل هو حد الزنى للمحصن والمحصنة وحد اللواط إذا كان بإيقاب
وحد من غصب امرأة على نفسها، ومن تكرر منها المساحقة تقتل، ومن حد في
شرب الخمر مرتين وعاد في الثالثة قتل.
والمجرد السلاح في أرض الاسلام الساعي فيها فسادا إن شاء الإمام قتله وإن
شاء صلبه وإن شاء قطع يده ورجله من خلاف وإن شاء نفاه من الأرض، ويقتل
من أدمن بيع السموم، ويقتل غير المحصن في العود في الرابعة إذا كان قد أقيم عليه
الحد في ثلاث وإن لم يقم عليه فلا يقتل بل يحد، ويقتل الذمي إذا زنى بمسلمة
على كل حال وتحد هي إن كانت غير محصنة، وكل من وطئ أحد المحرمات قتل
إذا علم التحريم سواء كان بعقد أو بغير عقد.
فالأول: حد الزنى، ونقول: إن الزانين على ضربين: محصن وغير محصن،
فالمحصن على ضربين: عاقل ومجنون.
فالمجنون يدرأ عنه الحد، فأما العاقل المحصن فإنه إذا شهد عليه أربعة رجال
عدول بأنه وطئ غير من له وطئها في الفرج في القبل أو الدبر وكان لا حائل بينه
وبين وطئ زوجته وكان نكاحها للدوام فإن المتعة لا تحصن فأما ملك اليمين فقد
روي أنه يحصن.
ويحد الزاني أولا مائة جلدة ثم يرجم حتى يموت، فإن أقر على نفسه أربع
111

مرات حد أيضا وتحفر له حفيرة ويقام فيها إلى صدره ثم يرجم، والمرأة تقام إلى
وسطها.
فإن كان بالشهادة حد رجمه الشهود أولا ثم غيرهم، وإن كان بالإقرار رجمه من
يأمره الإمام بذلك، وإن فر من الحفيرة وقد أقر فلا يرد، فإن كان قد قامت عليه
الشهادة رد ورجم حتى يموت، والإمام مخير في حد اللواط بين القتل بالسيف وبين
أن يرمى عليه حائطا أو يرميه من موضع عال أو يرميه بالحجارة.
وكل حدود الزنى على اختلافها لا تثبت إلا بشهادة أربعة رجال - على الوجه
الذي ذكرناه - في مجلس واحد أو الإقرار أربع مرات.
فأما اللواط والسحق فالبينة فيهما مثل البينة في الزنى إلا أن الحد في الإحصان
وغير الإحصان لا يختلف إذا كان اللواط بإيقاب.
فأما ما هو القتل فقطع وجلد، والجلد على ضربين: ما هو جلد مائة وما دون
ذلك.
فالمائة جلدة حد الزاني غير المحصن وحد اللواط الذي لا إيقاب فيه وحد
السحق إذا لم يتكرر إلا أن من زنا وهو مملك لم يدخل بزوجته بعد جلد مائة
وجزت ناصيته وغرب عن المصر سنة، ولا تغريب على امرأة ولا جز.
ويجلد الرجل في الزنى قائما فإن وجد عريانا في حال الزنى جلد عريانا وتستر
عورته، فأما المرأة فلا تجلد إلا بثيابها وهي جالسة مشدودة حتى لا تبدو عورتها.
ومن زنا بجارية أبيه جلد الحد، فإن زنا الأب بجارية الابن عزر، والتعزير من
سوط إلى تسعة وتسعين ولا يبلغ به الحد، ولا يقام حد في أرض العدو ولا في برد
شديد ولا في حر شديد ولا تجلد الحامل حتى تضع.
وحد العبيد خمسون جلدة في الزنى، فإن حدوا سبع مرات وعادوا في الثامنة
قتلوا.
ومن زنا في شهر رمضان فإن كان في نهار فعليه مع الجلد العقوبة والكفارة، وإن
زنا في ليله فعليه الحد والتعزير.
112

وكل من زنا في وقت شريف أو موضع شريف أضيف إلى حده التعزير، ولا
يقام حد في الحرم إلا على من انتهك حرمته.
ويجلد السكران إذا زنا والأعمى، فإن ادعى أنه التبس عليه وطء المرأة بزوجته
لم يقبل ذلك وجلد.
والعقود الفاسدة تدرأ الحدود.
ومن كان سقيما فزنى وهو غير محصن جلد بشئ واحد فيه مائة قضيب إذا كان
يخاف على نفسه من غير ذلك، فإن وجب عليه الرجم رجم.
ولا يحد الصبيان في الزنى ولا في غيره إذا لم يبلغوا الحلم فإن بلغوه حدوا، فأما
المكاتب فإنه يجلد بقدر ما تحرر منه جلد الأحرار والباقي جلد العبيد.
واعلم أن من تاب قبل أن تقوم عليه البينة درئ عنه الحد وإن تاب بعد ذلك
حد.
ومن زنا بميتة وجب عليه ما يجب على من زنا بحية.
فأما أهل الذمة فالإمام مخير بين أن يقيم عليهم الحدود بما تقتضيه شريعتنا أو
شريعتهم، ومن لاط منهم بمسلم قتل وإن زنا بمسلمة قتل أيضا.
فأما ما هو دون المائة فالتعزير كله إذا بلغ غايته وحد القذف وشارب الخمر،
والحد في القيادة فإنه يجب عليه التعزير، وأن يرى الرجل مع المرأة التي ليست تحل
له في إزار واحد، والرجل مع الصبي أو الرجل مع الرجل عريانين في إزار،
والصبيان إذا زنوا أو زنى بهم أو لاطوا أو ليط بهم، والأب إذا زنا بجارية ابنه عزر،
وكل من زنا في وقت شريف أو موضع شريف عزر مع الحد، ومن افتض جارية
بإصبعه عزر من ثلاثين سوطا إلى ثمانين وألزم صداقها، وناكح البهيمة يعزر.
والبهائم على ضربين: ما يقع عليه الذكاة وما لا يقع عليه الذكاة. فما يقع
عليه الذكاة إذا نكحها ذبحت وأحرقت، وما لا يقع عليه الذكاة يخرج من البلد،
فإن كانت البهيمة لغير الفاعل ألزم قيمتها.
ومن استمنى بيده فعليه التعزير، ومن قذف عبدا أو ذميا عزر، ومن قذف
113

- لا بالزنى - ومن قذف صبيا عزر، وإذا تقاذف العبيد والإماء فعليهم التعزير،
ويعزر آكل الجري والمرماهي ومسوخ السمك وكل محرم من طير أو دابة حتى
يتوب.
فأما الحد في الفرية فإنا نقول: إنه ينقسم على أضرب: منه أن يرمي المسلم الحر
البالغ مثله في كل الصفات، ومنه أن يرمي العبيد، ومنه أن يرمي أهل الذمة، ومنه
أن يرمي الذمي مثله أو المسلم الحر أو المسلم العبد، ومنه أن يرمي الصبيان مثلهم
والرجال المسلمين وأهل الذمة والعبيد، ومنه أن يرمي الذمي الصبيان، ومنه أن
يرمي العبيد مثلهم أو الأحرار المسلمين أو الأحرار أهل الذمم.
والرمي لا يخلو: أن يكون بالزنى فيه أو في من هو وكيله أو نسيبه الذي يرثه
- وقد مات أولا - بالزنى، فمتى رمى بالزنى، وشهد بذلك عدلان وكان الرامي
حرا مسلما أو عبدا والمرمي حرا مسلما فعليه جلد ثمانين سوطا، وإن كان الرامي
للمسلم الحر ذميا فدمه هدر، وما عدا ذلك لا يجب فيه الحد بل التعزير.
فعلى هذا إذا قال: يا زاني، قذفه، فإن قال: يا ابن الزانية أو الزاني، أو يا أخا
الزانية أو يا أبا الزانية، إلى غير ذلك وكان المقذوف حيا فالحق له إن شاء طالب
بالحد وإن شاء عفا.
وما عدا الزاني بالزنى ففيه التعزير.
والنساء إذا قذفن حددن ثمانين كالرجال.
ومن عرض بالقذف دون التصريح فيعزر اللهم إلا أن يورد من الألفاظ ما ينبئ
عن الزنى بين أهل تلك اللغة ويكون عارفا بمعناه كأن يقول: يا قرنان، أو يا ديوث،
فإنه يجلد ثمانين.
والسب والرمي بالضلال أو بشئ من بلاء الله أو بنبز بلقب رجالا كانوا أو
صبيانا أو نساء يوجب التعزير والتأديب.
ومن قذف جماعة بلفظ واحد كأن يقول: يا زناة، أو يا لاطة، وجب عليه لكل
واحد منهم حد في جنبه، فإن جاؤوا به مجتمعين حد حدا وإن جاؤوا به متفرقين حد
114

لكل واحد منهم حدا، وكذلك فيما يوجب التعزير.
ويجلد القاذف بثيابه ولا تقبل شهادته حتى يتوب.
وكل من شهد بالزور أو شهد وحده أو مع آخر أو مع اثنين بالزنى أو تفرقت
شهادتهم أو اختلفوا في الرؤية لذلك فعليهم جلد ثمانين.
ذكر: حد من شرب المسكر والفقاع:
حد من شرب قليل الفقاع أو المسكر أو كثيرهما ثمانون جلدة إذا شهد عليه
بذلك عدلان، ومن أكل طعاما صنع بشئ من المسكر جلد ثمانين أيضا، فأما من
باع المسكر فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل.
ويجلد أهل الذمة في شرب المسكر كحد المسلم، ولا يجلد الشراب على السكر
ويجلدون عراة على ظهورهم وكفوفهم.
ذكر: ما هو دون الثمانين وهو حد القيادة:
يجلد القواد خمسا وسبعين جلدة، ثم هو على ضربين: رجل وامرأة، فالرجل
يحلق رأسه مع الجلد ويشهر والمرأة تجلد حسب، ثم لا يخلو: أن يعودوا أو لا يعودوا،
فإن عادوا نفوا عن المصر بعد فعل ما استحقوه.
ذكر: حد السرق:
السرقة على ضربين: من حرز ومن غير حرز، فأما ما سرق من حرز على
ضربين: ما يبلغ النصاب وما لا يبلغه.
فأما السراق فعلى ضربين: حر بالغ عاقل وغيره، فالحر البالغ العاقل إذا سرق
من حرز ما قدره ربع دينار قطع رجلا كان أو امرأة إذا سرق مال غير أبيه، فأما
الأب إذا سرق ابنه فلا يقطع خاصا هذا فيه، وفي العبد إذا سرق مال سيده فإنه لا
يقطع بل يؤدب، وفي السيد إذا سرق مال عبده، وفي المسلم إذا سرق من مال
115

الغنيمة.
واعلم أن هذا الفصل يشتمل على أقسام وهي ذكر: من يقطع ومن لا يقطع
ومبلغ النصاب وكيفية النصاب وكيفية القطع وما يحرز وما حكم العود، وقد بينا
الأول.
فأما الحرز فمن سرق منه قطع ومن سرق من غيره لم يقطع، فلهذا لا يقطع
بسرقة الثمار من البساتين وإذا حرزت قطعوا.
ولا يقطع من سرق من الحمامات والخانات والمساجد إلا أن يحرز بقفل وغلق
فيقطع، ولا يقطع من سرق من جيب انسان أو كمه من القميص الظاهر بل يعزر
وإن كان القميص باطنا قطع.
والقبر عندنا حرز فلهذا يقطع النباش إذا سرق النصاب، فإن أدمن ذلك
وفات السلطان ثلاث مرات فإن اختار قتله قتله أو اختار قطعه قطعه أو عاقبه.
فأما كيفية القطع فإنه تقطع يده اليمنى من أصل الأصابع ويترك له الراحة
والإبهام ويؤخذ ما سرقه، فإن لم يوجد أغرم قيمته، فإن سرقه ثانية قطعت رجله
اليسرى من أصل الساق وترك له القدم، فإن سرق ثالثة خلد الحبس إلى أن يموت أو
يرى الإمام منه توبة وصلاحا فيخليه، فإن سرق في الحبس من حرز نصابا ضربت
عنقه.
والبينة شاهدان عدلان، وكل ما فيه بينة شاهدين من الحدود فالإقرار فيه
مرتين، ولا يقبل إقرار العبد على نفسه بالسرق بل يقطع بالبينة، فأما الذمي
فحكمه حكم المسلم سواء.
وسارق الحيوان كسارق غيره إذا بلغ قيمته النصاب، فأما المحتال على أموال
الناس والمدلس في السلع فإنه يغرم ويعاقب ويشهر.
116

إصباح الشيعة بمصباح الشريعة
لنظام الدين أبي الحسن سلمان بن الحسن بن سليمان الصهرشتي
117

كتاب الحدود
لا يثبت الزنى حتى يثبت الجماع في الفرج على عاقلين مختارين من غير عقد ولا
شبهة عقد ولا ملك يمين ولا شبهة ملك ثبوتا شرعيا فهما زانيان يجب عليهما الحد.
والزناة على ضروب: منهم من يجب عليه القتل حرا كان أو عبدا محصنا أو غير محصن على كل حال
وهو من زنى بذات محرم له أو وطئها مع العقد عليها أو العلم برحمها منه أو زنى بامرأة
أبيه أو غصب امرأة على نفسها أو زنى وهو ذمي بمسلمة أو زنى وهو حر بكر رابعة وقد
جلد في الثلاثة عبد قبلها من المرات فإن لم يجلد في المرات السابقة فليس أكثر من
جلد مائة.
ومنهم من يجب عليه الرجم فقط وهو كل محصن ليس بشيخ ولا شيخة، وقيل:
يجب الجلد هنا مع الرجم، والظاهر الأول.
ومنهم من يجب عليه الجلد ثم نفيه عاما إلى مصر آخر وهو الرجل إذا كان
بكرا.
ومنهم من يجب عليه الجلد فقط وهو كل من زنى وليس بمحصن ولا بكر والمرأة
إذا زنت بكرة.
ومنهم من وجب عليه جلد خمسين فقط وهو العبد أو الأمة سواء كانا محصنين أو
لا شيخين أو على أي حال.
ومنهم من يجب عليه حد الحر وحد العبد بحساب ما تحرر منه أو بقي رقا وهو
119

المكاتب الذي قد تحرر بعضه.
ومنهم من يجب عليه التعزير وهو الأب إذا زنى بجارية ابنه.
والإحصان الموجب للرجم أن يكون الزاني بالغا كامل العقل له زوجة دوام أو
ملك يمين سواء كانت الزوجة حرة أو أمة مسلمة أو ذمية عند من أجاز نكاح الذمية
ويكون قد وطئها ولا يمنع من وطئها مستقبلا مانع من سفر أو حبس أو مرض منها.
والبكر هو من ليس بمحصن وقد أملك على امرأة ولم يدخل بها، وحكم المرأة في
ذلك كله حكم الرجل.
ويثبت حكم الزنى إذا كان الزاني ممن يصح منه القصد إليه سواء كان
مكرها أو سكران، وقيل: لا حد مع الإلجاء والإكراه، وإن كان مجنونا مطبقا
لا يفيق فلا شئ عليه، وإن كان يصح منه القصد إليه جلد مائة جلدة محصنا كان
أو غير محصن إذا ثبت فعله ببينة أو علم الإمام ولا يعتد بإقراره وإن كان ممن يفيق
ويعقل كان حكمه في حال الإفاقة حكم العقلاء سواء في ثبوت الحكم على الزاني
كون المزني بها صغيرة أو مجنونة أو مسنة ويسقط عنها إن كانت مكرهة أو مجنونة
لا تفيق، وإن كانت ممن تفيق فحكمها في حال الإفاقة حكم العاقلة.
وإذا تاب أحد الزانيين قبل القيام البينة عليه وظهرت توبته وصلاحه سقط الحد
عنه وكذا إن رجع عن إقراره بالزنى قبل إقامة الحد أو في حاله أو فر منه ولا تأثير
لفراره إذا كان بعد ثبوت الزنى عليه لا بإقراره، وإن تاب بعد ثبوت الزنى عليه
فللإمام العفو عنه وليس ذلك لغيره.
ويحفر للمرجوم حفيرة يجعل فيها ويرد التراب عليه إلى صدره ولا يرد التراب
عليه إن كان رجمه بإقراره، وروي: إن الرجل يدفن إلى حقويه والمرأة إلى صدرها
وإذا اجتمع الجلد والرجم بدئ بالجلد وأمهل حتى يبرأ من الضرب ثم رجم،
ويبدأ الإمام بالرجم فيما يثبت بعلمه أو بإقراره، ويبدأ الشهود فيما يثبت
بشهادتهم وبعدهم الإمام وبعده من حضره من عدول المسلمين وأخيارهم دون
فساقهم، ويتولى الإمام أو من يأذن له الجلد إذا ثبت موجبه بعلمه أو بإقراره، وإن
120

كان ثبوته بالبينة تولاه الشهود.
ويقام الحد على الرجل على الهيئة التي رئي زانيا عليها من عري أو لباس، ولا
يقام الحد في القيظ في الهواجر ولا في زمان القر السوابر، ويضرب أشد الضرب على
سائر بدنه سوى وجهه وفرجه، ويجلد الرجل قائما والمرأة جالسة وقد شدت عليها
ثيابها، ويجوز للسيد إقامة الحد على من يملكه بغير إذن الإمام ولا يجوز لغير سيده ذلك
إلا باذنه.
إذا زنى اليهودي أو النصراني بأهل ملته كان الإمام مخيرا بين حده على مقتضى
الاسلام وبين تسليمه إلى أهل ملته ليحدوا على مذهبهم.
من عقد على امرأة في عدتها ودخل بها عالما بذلك وجب الحد فإن كانت في
عدة الطلاق الرجعي فعليها الرجم، وفي طلاق البائن وعدة الوفاة مائة جلدة ولم
يصدقا في ادعائهما الجهل بتحريم ذلك.
من افتض جارية بإصبعه غرم عشر ثمنها وجلد من ثلاثين سوطا إلى تسعة
وتسعين وإن كانت حرة غرم عشر عقدها وهو مهر نسائها.
من زنى في موضع شريف أو وقت شريف عزر مع الحد الرجم بالأحجار الصغار
لا الكبار ويرجم من ورائه لئلا يصيب وجهه، ولا يجلد العليل حتى يبرأ فإن
اقتضت المصلحة تقديم الحد عليه أخذ عرجون فيه مائة شمراخ أو ما ينوب منابه
ويضرب به ضربة واحدة.
من التجأ إلى حرم الله أو الرسول أو أحد الأئمة ع لن يحد فيه بل
ضيق عليه حتى يخرج منه فيحد، فإن أحدث فيه ما يوجب الحد حد لا محالة، ولو
زنت الحامل لا تحد حتى تضع ولدها وترضعه وتخرج من نفاسها.
من استحق حدودا منها القتل أخر القتل، من استحق القتل عاقلا ثم جن
حد لا محالة، من أقر على نفسه بحد ثم جحده لم يلتفت إلى إنكاره إلا الرجم فإنه
لا يرجم إذا أنكر بعد الإقرار ويخلى، إذا استحيضت المرأة وقد استحقت الحد لم
تحد حتى ينقطع الدم.
121

ولا يثبت حكم الزنى إلا بإقرار فاعله بذلك على نفسه مع كونه كامل العقل
مختارا أربع مرات دفعة بعد أخرى أو بشهادة أربعة شهود عدول أنهم شاهدوا ذلك
منهما بلا عقد نكاح وشبهة أو بمشاهدة الإمام ذلك.
وكذا في اللواط والسحق ويعزر من وطأ بهيمة أو استمنى بيده.
فصل: في اللواط والسحق:
اللواط فجور الذكر بمثله وهو ضربان: إيقاب وتفخيذ. وفي الأول إذا ثبت
الثبوت الشرعي قتل الفاعل والمفعول به، وفي الثاني جلد كل واحد منهما مائة
جلدة بشرط كونهما بالغين عاقلين مختارين، ولا فرق في ذلك بين المحصن والبكر،
أو العبد والحر أو المسلم والذمي وقيل: على المحصن الرجم والإمام مخير في قتله إن
شاء صبرا أو رجما أو يرديه من علو أو إلقاء جدار عليه أو إحراقا بالنار.
إذا لاط غير البالغ أو مكن من نفسه حتى ليط به عزر، إذا وجد رجلان أو رجل
وغلام في إزار واحد مجردين أو أقرا بذلك أو قامت عليهما البينة به عزرا من ثلاثين
سوطا إلى تسعة وتسعين فإن عادا ثانيا ضربا كذلك فإن عادا ثالثا حد كل واحد
منهما مائة جلدة.
من تاب من اللواط قبل قيام البينة به عليه سقط عنه الحد وإن تاب بعد شهادة
الشهود بذلك وجب على الإمام حده ولم يجز العفو، ومن قبل غلاما ليس بمحرم له
وجب تعزيره، ومن حد ثلاثا في اللواط قتل في الرابعة كالزنا وكذا في السحق.
والسحق فجور الأنثى بمثلها وفيه إذا ثبت جلد مائة لكل واحدة الفاعلة والمفعولة
بها بشرط البلوغ وكمال العقل والاختيار، ولا فرق بين حصول الإحصان والحرية
والإسلام وارتفاع ذلك، وروي: وجوب الرجم مع الإحصان ههنا وفي القسم
الثاني من اللواط، وحكم ذلك كله مع الجنون والإكراه أو التوبة قبل ثبوت
الفاحشة وبعدها وفي الرجوع عن الإقرار وفي كيفية الجلد ووقته وفي القتل في المرة
الرابعة كما ذكرنا في الزنى.
122

إذا وجدت امرأتان في إزار واحد مجردتين بلا ضرورة ولا رحم بينهما جلدت
كل واحدة منهما من ثلاثين سوطا إلى تسعة وتسعين.
فصل: في القيادة:
من جمع بين رجل وامرأة أو غلام أو عبد أو بين امرأتين للفجور فعليه جلد خمسة
وسبعين سوطا رجلا كان أو امرأة حرا أو عبدا مسلما أو ذميا ويحلق رأس الرجل
ويشهر في المصر ولا يفعل ذلك بالمرأة، وحكم الرجوع عن الإقرار وحكم الفرار
والتوبة قبل ثبوت ذلك وبعده وكيفية إقامة الحد ووقته ما سبق، ومن عاد ثانية جلد
ونفي عن المصر.
وروي: أنه إن عاد ثالثة جلد، فإن عاد رابعة عرضت عليه التوبة فإن أبي قتل
وإن أجاب قبلت توبته وجلد، فإن عاد خامسة بعد التوبة قتل من غير أن يستتاب.
فصل:
من قذف وهو كامل العقل حرا أو حرة بزنى أو لواط حرا كان القاذف أو مملوكا
رجلا أو امرأة فهو مخيرين العفو عنه وبين مطالبته بحق القذف وهو جلد ثمانين
سوطا وإن كان القاذف ذميا قتل لخروجه من الذمة وسواء في ذلك الصريح من
اللفظ والكناية المفيدة لمعناه، فالصريح: لفظ الزنى واللواط، والكناية: كلفظ
التحرمة والفسق والفجور والفرمية والدبامة وما أشبه ذلك مما يفيد في عرف القاذف
مع الصريح.
ومن قال لغيره: زنيت بفلانة، فهو قاذف لاثنين وعليه لهما حدان. وكذا لو
قذف جماعة أفرد كل واحد منهم بلفظ سواء جاؤوا به على الاجتماع أو الانفراد أو
قذفهم بلفظ واحد وجاء به كل واحد منهم على الانفراد، فإن جاؤوا به مجتمعين حد
لجميعهم حدا واحدا.
إذا كان القاذف أو المقذوف غير بالغ ففيه التعزير وحد القذف موروث يرثه
123

كل من يرث المال من ذوي الأنساب دون الأسباب، وإذا طالب أحدهم بالحد
فأقيم له سقط حق الباقين، وإذا عفا بعضهم كان لمن لم يعف المطالبة باستيفاء
الحق، وإذا لم يكن للمقذوف المتوفى ولي أخذ بحقه سلطان الاسلام ولم يجز له
العفو، ولا يسقط حد القذف بالتوبة وإنما يسقط بعفو المقذوف أو وليه من ذوي
الأنساب خاصة، ويقتل القاذف في المرة الرابعة إذا حد فيما قبلها من المرات،
ويقتل من سب النبي ص أو غيره من الأنبياء أو أحد الأئمة
ع وليس على من سمعه فسبق إلى قتله من غير استئذان لصاحب الأمر
سبيل
. إذا قال لغيره: يا زاني، مرات كثيرة ولم يحد فيما بينها لم يكن عليه أكثر من
واحد. وإذا تقاذف أهل الذمة أو العبيد أو الصبيان بعضهم بعضا فعليهم التعزير
دون الحد، إذا قال لولد الملاعنة: يا بن الزانية، حد كملا، وإن قال لولد الزنى
الذي حدت أمه للزنى ويا ولد الزنى، فعليه التعزير دون الحد، وإن كانت أمه
أظهرت التوبة فعليه تمام الحد. ولا يكون حد القذف في الشدة كما في شرب الخمر
والزنى بل دون ذلك ويجلد من فوق الثياب ولا يجرد.
إذا قال لولده: يا زاني، فلا حد عليه، فإن قال له: يا ابن الزانية، ولم ينتف
عنه فعليه الحد لأمه، فإن كانت ميتة ولها ولد من غيره وقرابة فلهما المطالبة بالحد
وليس لولدها منه المطالبة به.
إذا تقاذف نفسان بما يوجب الحد سقط عنهما الحد وعليهما التعزير، من قذف
مكاتبا غير مشروط وقد أدى شيئا جلد بحساب ما عتق منه حد الحر وعزر بمقدار
ما بقي رقا، ومن قذف غيره بما هو مشهور به ومعترف بفعله من سائر القبائح لم
يستحق الحد ولا تعزيرا، ويعزر المسلم إذا عير مسلما بعمى أو عرج أو جنون أو
جذام أو برص فإن كان كافرا فلا شئ عليه والتعزير بما يناسب القذف من
التعريض بما لا يفيد زنى ولا لواطا، والنبز بالألقاب من ثلاثة أسواط إلى تسعة
وتسعين سوطا والحر المسلم إذا قذف ولده أو عبده أو عبد غيره أو ذميا أو صغيرا أو
124

مجنونا فإنه يعزر، وروي أنه متى عزر المرء الرابعة استتيب فإن أصر وعاد إلى ما
يوجب التعزير ضرب عنقه. والبينة في القذف شهادة عدلين وإقرار القاذف على
نفسه مرتين.
فصل:
والحد في شرب قليل المسكر وكثيرة وإن اختلف أجناسه إذا كان شاربه كامل
العقل حرا كان أو عبدا رجلا أو امرأة مسلما أو كافرا متظاهرا بذلك بين المسلمين
ثمانون جلدة، ويقتل المعاود لشرب المسكر في الثالثة وقد حد فيما قبلها، وحكم
شارب الفقاع حكم شارب الخمر، وحكم التائب من ذلك قبل ثبوته أو بعده حكم
التائب من الزنى وغيره، فما يوجب حد الله تعالى ولا يتعلق به حق الآدمي وقد
سبق، ويضرب الرجل على ظهره وكتفيه وهو عريان والمرأة في ثيابها.
من استحل شيئا من المحرمات وجب قتله، فإن تناول شيئا من ذلك غير
مستحل له عزر، فإن عاد غلظ عقابه فإن تكرر منه دفعات قتل، إذا شرب المسكر
في موضع أو وقت شريف أدب بعد الحد، والبينة في ذلك شهادة عدلين أو الإقرار
مرتين كما في القذف.
فصل:
يجب القطع على من ثبت كونه سارقا بشروط وهي: أن يكون مكلفا، وأن
لا يكون والدا من ولده وإن كان غنيا عن ماله ولا عبدا عن سيده، وأن يكون
مقدار المسروق ربع دينار فصاعدا أو قيمة ذلك مما يتمول عادة وشرعا سواء كان
محررا بنفسه وهو الذي إذا تركه لم يفسد كالثياب والحبوب اليابسة أو لم يكون
كذلك كالفواكه واللحوم وسواء كان أصله الإباحة كالخشب والقصب والطين وما
ينقل من الأواني وما يستخرج من المعدن أو لم يكن كذلك كالثياب والأثاث، وأن يكون
المسروق لا حظ ولا شبهة للسارق فيه، وأن يكون مخرجا من الحرز، وقد
125

روي: أن الحرز في المكان هو الذي لا يجوز لغير مالكه ومالك التصرف فيه دخوله إلا
باذنه والمسارق وهو الآخذ على جهة الاستخفاء والتفرع، وعلى هذا ليس على
المنتهب والمخالس والخائن في وديعة أو عارية قطع.
وإذا تكاملت شروط القطع قطعت يمين السارق أول مرة، فإن سرق ثانية قطعت
رجله اليسرى، فإن سرق ثالثة خلد الحبس إلى أن يموت أو يرى ولي الأمر فيه رأيه،
فإن سرق في الحبس ضرب عنقه.
وإذا كان يمين السارق شلاء قطعت ولم يقطع يساره وكذا إذا كانت رجله
اليسرى شلاء قطعت ولم يقطع يمناه، وموضع القطع من أصول الأصابع ويترك له
الإبهام هذا في اليد وفي الرجل عند معتقد الشراك ويترك له مؤخر القدم والعقب.
وإذا سرق اثنان فما زاد عليهما شيئا فبلغ نصيب كل واحد منهم قدر القطع
قطعوا جميعا سواء كانوا مشتركين في السرقة أو كان كل واحد منهم يسرق لنفسه،
وإن لم يبلغ نصيب كل واحد منهم ذلك ولم يكونوا مشتركين في ذلك وفي اخراجه
من الحرز قطعوا جميعا بربع دينار، وقيل: لا قطع على واحد منهم حتى يبلغ نصيبه
مقدار القطع على كل حال.
وتقطع الأم بالسرقة من مال ولدها والولد بالسرقة من مال أحد الوالدين أو كل
واحد من الزوجين بالسرقة من مال الآخر بشرط أن يكون المال المسروق محرزا ممن
سرقه من هؤلاء وبذل ما يجب من النفقة لمن يستحق منهم الانفاق، ويقطع الطرار
من الجيب والكم من الثوب التحتاني، ويقطع النابش إذا أخذ كل واحد منهما
ما قيمته ربع دينار فصاعدا، والغرم لازم للسارق وإن قطع ومن أقر وقامت عليه
البينة بسرقات كثيرة قطع بأولهما وأغرم الباقي.
وإذا رجع المقر بالسرقة عن إقراره لم يقطع وكذلك إن تاب وظهر صلاحه قبل
أن يرفع خبره إلى ولي الأمر، فإن تاب بعد ما ارتفع خبره إليه كان مخيرا بين القطع
والعفو ولا خيار لغيره وعليه رد ما سرق إن بقي وغرم قيمته إن أتلفه.
وروي: أن الصبي إذا سرق هدد فإن عاد ثانية أدب بحك أصابعه بالأرض
126

حتى تدمى فإن عاد ثالثة قطعت أطراف أنامله الأربع من المفصل الأول فإن عاد
رابعة قطعت من المفصل الثاني فإن عاد خامسة قطعت من أصولها.
وروي: أنه لا قطع على من سرق في عام مجاعة.
من وجب قطع يمنى يديه وليست له قطعت يسراه، فإن لم يكن فرجله اليسرى
فإن لم يكن فلا شئ عليه سوى تخليد الحبس، من سرق حرا فباعه وجب عليه
القطع لأنه من المفسدين في الأرض، المحتال على أموال الناس بالمكر والخديعة
وتزوير الكتب وشهادة الزور، وغير ذلك يجب أن يؤدب ويعاقب ويغرم ما أخذ
بذلك ويشهر بالعقوبة وبالجملة يجب التعزير بفعل كل قبيح أو إخلال بواجب لم
يرد الشرع بتوظيف حد عليه أو ورد بذلك فيه ولم يتكامل شروط إقامته فيعزر على
مقدمات الزنى واللواط من النوم في إزار واحد والضم والتقبيل إلى غير ذلك على
حسب ما يراه أولي الأمر من عشرة أسواط إلى تسعة وتسعين سوطا، ويعزر من وطئ
بهيمة أو استمنى بيده والبينة في هذين شهادة عدلين والإقرار مرتين.
ويعزر العبد إذا سرق من مال سيده والوالد إذا سرق من مال ولده ومن سرق
أقل من ربع دينار ومن سرقة أكثر منه من غير حرز ومن قذف وهو حر مسلم ولدا له
أو لغيره أو ذميا أو صغيرا أو مجنونا، ويعزر العبيد والإماء وأهل الذمة إذا تقاذفوا،
ومن قذف غيره بما هو مشهور به ومعترف فعله من سائر القبائح لم يستحق حدا ولا
تعزيرا، ويعزر المسلم إذا عير مسلما بعمى أو عرج أو جنون أو جذام أو برص فإن
كان كافرا فلا شئ، والتعزير لما يناسب القذف من التعريض بما لا يعد زنى ولا
لواطا، والنبز بألقاب من ثلاثة أسواط إلى تسعة وتسعين سوط، وروي: أنه متى
عرض المرة الرابعة استتيب فإن أصر وعاد إلى ما يوجب التعزير ضرب عنقه والله
اعلم.
127

جواهر الفقه
للقاضي عبد العزيز بن البراج الطرابلسي
400 - 481 ه‍ ق
129

باب مسائل يتعلق بالحدود
مسألة: إذا وطئ الرجل امرأة وحضر أربعة من الشهود فشهد منهم اثنان بأن
الرجل أكرهها وشهد اثنان بأنه طاوعته هل يجب عليهما أو على أحدهما حد أم لا؟
الجواب: ليس على المرأة حد لأن الشهادة بالزنى في حقها لم يكمل، وأما
الرجل فعليه الحد لأن الشهادة في حقه بالزنى قد كملت لأنه في الحالين زان.
مسألة: إذا حضر أربعة شهود فشهدوا بالزنى ثم ماتوا أو غابوا قبل أن يحكم
الحاكم في ذلك هل يجوز له الحكم بشهادتهم ويقيم الحد أم لا؟
الجواب: لا يجوز له ذلك لأن البينة هي التي تجب أن تبتدئ برجمه، فإن كان
ما يوجب الحد جاز له الحكم بشهادتهم وإقامة الحد على المشهود عليه.
مسألة: إذا شهد الأربعة على رجل بالزنى ورجع منهم واحد هل عليهم أو على
واحد منهم حد أم لا؟
الجواب: على الثلاثة الحد، وقد ذكر: أن عليهم الحد، والأول أقوى، وأما
الراجع فعليه الحد لأنه إما أن يقول: تعمدت أو أخطأت، وهو على الحالين جميعا
قاذف فوجب ذلك عليه على كل حال.
مسألة: إذا وجد في دار انسان قتيل فادعى صاحب الدار أنه قتله لأجل أنه
وجده يزني بزوجته ما الحكم في ذلك؟
الجواب: إذا كان مع صاحب الدار بينة شهدوا له بما ادعاه لم يكن عليه قود،
وإن لم يكن عليه بينة بذلك كان القول قول ولي المقتول ويقتل القاتل.
131

مسألة: إذا نقب اثنان موضعا ودخل الواحد منهما فأخذ السرقة ووضعها في
نفس النقب وأخذها الخارج هل عليهما أو على أحدهما قطع أم لا؟
الجواب: لا قطع على واحد منهما لأن كل واحد منهما ما أخرج السرقة من
كمال الحرز فهو مثل أن يضعها الداخل في النقب ويجتاز مجتاز من خارجها فيأخذها
في أنه لا قطع على واحد منهما.
مسألة: إذا نقب انسان موضعا ودخل آخر وأخرج نصابا هل عليهما أو على
أحدهما قطع أم لا؟
الجواب: لا قطع عليهما ولا على أحدهما لمثل ما قدمناه من أنه لم يتكامل اخراج
ذلك من الحرز.
مسألة: إذا نقب انسان موضعا وشد النصاب في حبل وخرج ثم جره إليه
وأخرجه بخشبة معوجة هل عليه قطع أم لا؟
الجواب: عليه القطع لأنه هو الذي أخرجه من الحرز وإن كان بآلة فلا فرق في
وجوب القطع عليه بين أن يخرجه بآلة أو بغير آلة.
مسألة: إذا نقب انسان موضعا وكان في الموضع ماء جار فوضع النصاب على
الماء وجرى الماء به فأخرجه من المكان ثم خرج هو فأخذه هل عليه قطع أم لا؟
الجواب: عليه القطع لأنه موضعه له على الماء قد أخرجه بآلة ولا فرق بين أن
يخرج ذلك بآلة هي ماء أو غيره.
مسألة: إذا دخل انسان حرزا وأخذ جوهرة وابتلعها وخرج هل عليه قطع أم لا؟
الجواب: عليه القطع لأنه بفعله ذلك كأنه قد أخرجها في جيب أو جراب ولأنه
لم يقصد بما فعله إلا اخراجها كذلك فكأنه مخرج لها بآلة.
مسألة: إذا دخل سارق حرزا فوجد فيه شاة قيمتها ربع دينار وهو النصاب الذي
يجب به القطع فذبحها فنقصت قيمتها بالذبح ثم أخرجها بعد ذلك هل عليه قطع أم
لا؟
الجواب: ليس عليه قطع لأنه إنما يجب القطع عليه باخراج النصاب المذكور من
132

الحرز، وإذا كانت قيمة هذه الشاة قد نقصت بذبحه لها فلم يخرجها وقيمتها
النصاب بل أخرجها وقيمتها أقل من النصاب وذلك مما لا يجب به القطع.
مسألة: إذا نقب انسان حرزا ودخله ثم أخرج منه ما قيمته ثمن دينار ثم رجع
إليه من ليلته وأخرج ثمن دينار آخر ويكمل ذلك النصاب هل يجب عليه القطع أم
لا؟
الجواب: عليه القطع لأنه قد أخرج نصابا من حرز هتكه هو ولم يهتك غيره.
مسألة: إذا سرق انسان ما يجب عليه فيه القطع وملكه قبل أن يقطع وقبل أن
يحكم الحاكم به هل يجب عليه القطع أم لا؟
الجواب: هذا لا يقطع لأن وجوب القطع سقط عنه بل وجوب القطع لازم له
لكن لأنه لما ملك ذلك لم يكن مطالب بها.
مسألة: إذا غصب انسان لغيره مالا فجعله في حرز فنقب المغصوب الحرز وأخذ
مالا هل عليه القطع أم لا؟
الجواب: إن كان المغصوب أخذ عين ماله بغير زيادة عليه لم يكن عليه قطع لأن
الانسان أخذ حقه إذا قدر عليه إلا أن يكون وديعة وهذا ليس بوديعة، وإن كان
أخذ مع ماله شيئا من مال الغاصب ولم يكن متميزا فلا قطع عليه لأنه مال
مشترك ولا قطع في مال مشترك، وإن كان مال الغاصب متميزا وهو أقل من
نصاب فلا قطع عليه لأنه ما سرق نصابا يقتضي القطع، وإن كان نصابا كان عليه
القطع لأنه لا سرق ذلك مع مال نفسه كان الظاهر أنه نقب للسرقة.
مسألة: إذا وجد رجل مع امرأة فادعى أنه زوجها وأنكرت هي وحلفت على
ذلك هل يجب على الرجل حد أم لا؟
الجواب: لا يجب عليه حد لأنه صار مشارعا فيه فكان ذلك شبهة في سقوط الحد لأن الحد
يسقط مع الشبهة.
مسألة: إذا نبش انسان قبرا وأخرج شيئا مما هو على الميت زائدا على الكفن
المفروض والمسنون الذي جميع ذلك خمسة أثواب هل عليه قطع أم لا؟
133

الجواب: لا قطع عليه لأن القبر إنما هو حرز الكفن وهو الخمسة الأثواب التي
هي قميص ومئزر وثلاثة أزر ولفائف وما زاد على ذلك ليس من الكفن، فإذا
أخرجه من القبر لم يقطع عليه لأنه ما أخرجه من حرز.
مسألة: إذا شهد شاهدان على قوم فقالا: هؤلاء قطعوا الطريق علينا وعلى
القافلة، هل تقبل هذه الشهادة أم لا؟
الجواب: لا تقبل هذه الشهادة في حق الشاهدين لأنهما شهدا لأنفسهما،
وشهادة الانسان لنفسه غير مقبولة أيضا لأنهما بشهادتهما قد أبانا العداوة، وشهادة
العدو على عدوه غير مقبولة.
مسألة: إذا ارتد انسان ثم رآه آخر من المسلمين مخلى فقتله وهو يعتقد أنه مرتد
فظهر أنه كان أسلم هل على القاتل القود أم لا؟
الجواب: عليه القود لظاهر القرآن ولأن الظاهر من حال المرتد إذا أطلق أنه ما
يقتل بعد ثبوت ويسلم.
مسألة: إذا دخل انسان دار غيره ولصاحب هذه الدار كلب عقور فعقره الكلب
ما الحكم في ذلك؟
الجواب: إذا كان هذا الرجل دخل هذه الدار بإذن صاحبها فعليه ضمانه، وإن
كان دخلها بغير إذنه لم يكن على صاحب الدار لأنه مفرط في دخولها بغير إذنه.
مسألة: إذا وقف انسان دابة في طريق المسلمين فجنت على شئ فأتلفته هل
ضمان ذلك عليه أم لا؟
الجواب: عليه الضمان لأنه إنما يجوز له الانتفاع بهذه المرافق بشرط السلامة فأما
إذا لم يجعل السلامة فعليه الضمان.
مسألة: إذا اشترك أربعة رجال في بعير فكان لكل واحد ربعه فعقل أحدهم يده
وتركه الباقون فيحظر البعير إلى بئر فوقع فيها فاندق ما الحكم في ذلك؟
الجواب: على الثلاثة الباقين أن يغرموا للواحد قيمة ربعه لأنه لم يفرط فيه بل
حفظه يعقل يده وفرط الباقون فيه.
134

مسألة: إذا ركب انسان دابة أو كان يقودها أو يسوقها فجنت على شئ ما
الحكم في ذلك؟
الجواب: إذا ركب انسان الدابة فجنت على شئ كان عليه ضمان ما يتلفه
بيدها أو بعينها وكذلك إذا كان يقودها، فإن كان ليسوقها كان عليه ضمان ما
يتلفه بيدها ورجلها وفيها.
135

المهذب
للقاضي عبد العزيز بن البراج الطرابلسي
400 - 481 ه‍ ق
137

باب الحدود
قال الله تعالى: الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا
تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر.
وقال الله تعالى: والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء
فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون إلا
الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم.
وقال الله تعالى: والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا
من الله والله عزيز حكيم.
وروي عن النبي ص: أنه نهى عن تعطيل الحدود، وقال: إنما
هلك بنو إسرائيل لأنهم كانوا يقيمون الحدود على الوضيع دون الشريف.
وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع أنه قال لبعض أصحابه ممن
وصاه بإقامة الحدود: عليك بإقامة الحدود على القريب والبعيد والحكم بكتاب الله
في الرضا والسخط والقسم بالعدل بين الأحمر والأسود.
وروي عنه ع أنه كتب إلى رفاعة: أقم الحدود على القريب يجتنبها
البعيد ولا تطل الدماء، ولا تعطل الحدود.
وليس يقيم الحدود إلا الأئمة ع أو من ينصبونه لذلك أو يأمرونه به إلا
ما ورد في جواز إقامة أحدنا ذلك على بعض أهله وسيأتي ذكره فيما بعد بمشيئة الله
تعالى، ولا يجوز تضييع شئ من الحدود الواجبة ولا النقص منها ولا الزيادة عليها
139

ولا الشفاعة فيها أيضا، فإن كانت الحدود من حقوق الآدميين جازت الشفاعة فيها
قبل رفعها إلى الإمام ع أو إلى المنصوب من قبله، فإن رفعت إليه لم تجز
الشفاعة بعد ذلك فيها، وظهر المؤمن حمى إلا من حد يجب عليه، ومن عفي عن حد
وجب له لم يجز له الرجوع فيه بعد ذلك.
باب الزنى وأقسام الزنى وما يتعلق بذلك:
الزنى معلوم من دين الاسلام تحريمه بغير خلاف وهو وطء البالغ الكامل لمن حرم
الله تعالى وطأه من غير عقد ولا شبهة عقد في الفرج، وقد تقدم ذكر المحرمات وما
يصح الوطء من عقد أو ملك في كتاب النكاح فلا وجه لإعادته هنا.
فأما شبهة العقد فهو أن يعقد الرجل على ذي محرم - من بنت أو أم أو أخت أو
ما أشبه ذلك - وهو لا يعرفها أو يعقد على امرأة لها بعل وهو لا يعلم ذلك أو يعقد
عليها وهي في عدة - إما من طلاق رجعي أو بائن أو متوفى عنها زوجها - وهو غير
عالم بحالها أو يعقد عليها وهي محرمة أو يعقد وهو محرم ناسيا ثم يعلم شيئا من ذلك
فإنه يدرأ الحد عنه ولا يحكم عليه بالزنى، فإن عقد على أحد ممن ذكرنا متعمدا وهو
عالم بذلك ووطئها كان حكمها حكم الزنى.
فأما الزناة فينقسمون خمسة أقسام:
أولها: يجب الحد فيه بالقتل على كل حال، وثانيها: يجب الجلد فيه ثم
الرجم، وثالثها: يجب الرجم فيه دون الجلد، ورابعها: يجب فيه الجلد ثم النفي،
وخامسها: يجب فيه الجلد فقط.
وأما ما يجب فيه القتل على كل حال فهو وطء من وطأ ذات محرم منه من أم أو
بنت أو أخت أو ابنتها أو بنت أخ أو عمة أو خالة حرا كان أو عبدا مسلما كان أو
كافرا شيخا كان أو شابا محصنا كان أو غير محصن، أو كان ذميا فزنى بمسلمة
فإنه يقتل على كل حال وإن أسلم وعلى المرأة الحد على ما تستحقه من جلد أو رجم،
وكل من غصب امرأة فرجها محصنا أو غير محصن، وكل من زنى بامرأة أبيه محصنا
140

أو غير محصن.
وأما الذي يجب فيه الرجم بعد الجلد فهو وطء الشيخ والشيخة إذا زنيا وكانا
محصنين.
وأما الذي يجب فيه الرجم دون الجلد فهو وطء كل محصن أو محصنة ليسا
بشيخين.
وأما الذي يجب فيه الجلد ثم النفي فهو البكر والبكرة والبكر هو الذي أملك على
امرأة ولم يكن دخل بها.
وأما الذي يجب فيه الجلد فقط فهو كل من زنى وهو غير محصن ولا بكر رجلا
كان أو امرأة.
وحد الإحصان في الرجل أن يكون له فرج يتمكن من وطئه ويكون مالكا له
بعقد أو ملك يمين، والعقد يكون دائما غير مؤجل لأن المتعة لا نحصن، ولا فرق بين
أن يكون العقد الدائم عقدا على حرة أو أمة أو عقدا على امرأة يهودية أو نصرانية فإن
ذلك كله يحصن وملك اليمين أيضا يحصن، ومن كان غائبا عن زوجته غيبة لا
يتمكن معها من الوصول إليها أو يكون حاضرا غير متمكن من وطئها بأن يكون
محبوسا أو ما جرى مجرى ذلك أو لا يكون دخل بها بعد فإنه لا يكون محصنا.
وأما الإحصان في المرأة فهو أن يكون لها زوج يغدو إليها ويروح يخلى بينه
وبينها غير غائب عنها وقد دخل بها حرا كان أو عبدا.
والبكر الذي ذكرناه أنه هو الذي أملك بالمرأة ولم يدخل بها يجب عليه مع الجلد
جز شعره والنفي عن بلده سنة، وإذا كان امرأة لم يجب عليها شئ من ذلك ولا
يجب عليها غير الحد.
والذي يجب عليه الجلد وليس عليه أكثر من ذلك فهو وطء كل من زنى وليس
بمحصن ولا بكر فإنه يجب عليه الجلد رجلا كان أو امرأة.
وإذا زنى ثم جلد ثم زنى ثانية ثم جلد ثم زنى ثالثة وجلد ثم زنى رابعة كان
عليه القتل، فإن زنى أربع مرات أو أكثر من ذلك ولم يقم عليه حد لم يجب عليه
141

أكثر من مائة جلدة.
وجميع هذه الأحكام خاصة في الحر والحرة إلا الأول - الذي هو القتل - فإنه
يشترك فيه الحر والعبد، وأما ما عدا ذلك فحكم المملوك غير حكم الحر ونحن نبين
ذلك فنقول:
العبد والأمة إذا زنيا كان على كل واحد منهما خمسون جلدة، ولا فرق في ذلك
بين أن يكون الزنى بحر أو حرة أو مملوك أو مملوكة شيخين كانا أو شابين محصنين أو
غير محصنين بكرين أو غير بكرين لا يختلف الحكم في أنه يجب عليهم خمسون جلدة
مع هذه الوجوه كلها، فإن زنيا ثماني مرات وأقيم عليهما الحد في ذلك ثم زنيا
التاسعة وجب عليهما القتل، فإن لم يقم عليهما حد في شئ من ذلك وكانا قد
زنيا أكثر من ثماني مرات فإنه لا يجب على كل واحد منهما أكثر من خمسين
جلدة.
وزنا الحر والحرة والمسلم والأمة المسلمة التي لغيره سواء كانت لزوجته أو لوالده
أو لغيرهما من الأجنبيين على حد واحد لا يختلف فيه الحكم، وكذلك المرأة لا فرق
بين أن تزني بحر أو عبد مملوك لها أو لغيرها فإن الحكم أيضا لا يختلف في ذلك.
وإذا زنى بصبية لم تبلغ فليس مثلها قد بلغ فليس عليه إلا الجلد ولا رجم عليه
في ذلك، فإن أفضاها أو عابها كان عليه ضمان عيبها وقد سلف ذكر ذلك.
وإذا زنت امرأة بصبي لم يبلغ لم يكن عليها غير جلد مائة ولا رجم عليها،
والصبي والصبية عليهما تأديب.
فإن زنى رجل بمجنونة كان عليه الحد جلد مائة وليس عليه رجم وليس على
المجنونة شئ، وإذا زنى مجنون بامرأة كان عليها جلد مائة أو الرجم.
وإذا زنى انسان وتاب قبل قيام البينة عليه بالزنى أدرأت التوبة عنه الحد، فإن
تاب بعد قيام البينة عليه كان عليه الحد ولم يجز للإمام ع أن يعفو عنه،
فإن كان أقر على نفسه عند الإمام ع ثم أظهر التوبة كان الإمام بالخيار في
إقامة الحد عليه أو العفو عنه بحسب ما يراه من المصلحة في ذلك وإن لم يتب لم يجز
142

للإمام العفو عنه.
وإذا زنى نصراني أو يهودي بمن هو من أهل ملته فالإمام مخير بين إقامة الحد
عليه بما يقتضيه شرع الاسلام وبين تسليمه إلى أهل ملته وأهل ملة المرأة ليقيموا عليه
الحد بحسب ما يعتقدونه في ملتهم.
وإذا عقد رجل على امرأة في عدتها ودخل بها وهو عالم بذلك كان عليه الحد،
فإن كانت عدتها عدة طلاق رجعي كان عليه الرجم وإن كانت عدة طلاق بائن أو
متوفى عنها زوجها كان عليه مائة جلدة فقط، فإن ادعيا أنهما لم يعلما أن ذلك لا
يجوز في شريعة الاسلام لم يصدقا فيه وأقيم عليهما الحد.
وإذا زنى مكاتب مشروط عليه وقد أدى من مكاتبته شيئا كان حده حد
المماليك وقد تقدم ذكر ذلك، فإن كان غير مشروط عليه وقد أدى من مكاتبته شيئا
جلد بحساب ما أدى حد الحر - من مائة جلدة وبحساب ما بقي من حد المملوك
من خمسين جلدة - ولم يجب عليه رجم على حال ولا على وجه إلا بعد أن تنقضي
مكاتبته ويطأ زوجته بعد ذلك وهو حر، فإذا زنى بعد ذلك كان عليه الرجم وكذلك
المملوك المحض.
وإذا أعتق وزنى فإن كان قد وطأ امرأة بعد العتق وقبل الزنى كان عليه الرجم،
وإن كان لم يطأها بعد العتق كان عليه مائة جلدة لأنه في حكم من لم يدخل
بزوجته.
وإذا وطأ رجل جارية من المغنم قبل القسمة قومت عليه وأسقط عنه من قيمتها
بمقدار ما يصيبه منها والباقي بين المسلمين ويقام عليها الحد ويدرأ عنه بمقدار ما كان
له منها.
وإذا كان لرجل مملوكة له فيها شريك فوطئها كان عليه من الحد بحساب ما لا
يملك منها ويدرأ عنه بحساب ما يملكه منها.
وإذا زنت امرأة وحملت من الزنى وشربت دواء فألقت الجنين سقطا كان عليها
الحد للزنا والتعزير لفعلها.
143

وإذا زنى انسان في شهر رمضان نهارا أقيم عليه الحد وعوقب زائدا على ذلك
لانتهاكه حرمة الشهر وكان عليه الكفارة للإفطار، فإن كان زنى بالليل كان عليه
الحد والتعزير ولم يجب عليه كفارة.
وإذا زنى في حرم الله أو حرم رسوله أو أحد الأئمة ع كان عليه الحد
للزنا والتعزير لانتهاكه حرمة حرم الله وحرم رسوله وحرم الأئمة ع،
وكذلك إن فعل ما يوجب الحد أو التعزير في مسجد أو موضع عبادة فإنه يجب عليه
مع الحد التعزير وفيما يوجب التعزير العقوبة مغلظة.
وإذا زنى في يوم عيد فطر أو أضحي أو في غير ذلك من الليالي الشريفة مثل ليلة
الجمعة أو ليلة النصف من شعبان أو ليلة أحد العيدين أو في يوم السابع والعشرين
من رجب أو ليلة سبع عشر من شهر ربيع الأول، أو خمسة وعشرين من ذي القعدة أو
ليلة عاشوراء أو يومه أو يوم الغدير أو ليلته فإنه تغلظ العقوبة.
وإذا أقر على نفسه بالزنى كان عليه الحد وسيأتي ذكر ذلك الإقرار الذي يوجب
الحد بمشيئة الله.
فإن أقر أنه زنى بامرأة معينة كان عليه حدان أحدهما حد الزنى والآخر حد
القذف، وهكذا حكم المرأة إذا قالت: زنى بي فلان، سواء.
وإذا افتض انسان بكرا بإصبعه كان عليه عشر قيمتها وجلد من ثلاثين سوطا
إلى تسعة وسبعين سوطا عقوبة على جنايته، فإن كانت البكر المجني عليه حرة كان
عليه أيضا مهر مثل نسائها بغير نقص فيه، فإن كان قد زنى بها فذهب بعذرتها لم
يكن لها عليه مهر على حال.
وإذا زوج رجل جارية لرجل ثم وطأها بعد ذلك كان عليه الحد.
وإذا زنى انسان وهو سكران عليه حدان حد للزنا وحد للسكر ولم يسقط عنه
الحد لسكره وزوال عقله.
وإذا زنى وهو أعمى وجب الحد عليه كما يكون على البصير ولم يسقط الحد عنه
لعماه، فإن ادعى أن الأمر اشتبه عليه وظن أن المرأة التي وطأها كانت زوجته أو
144

جاريته لم يصدق في ذلك ووجب أن يقام عليه الحد، وإذا ادعى الزوجية لم يحد
إلا أن تقوم البينة عليه بخلاف ما ادعاه.
ولا حد أيضا مع إكراه وإلجاء ولا يصح إلا مع الاختيار.
وإذا تشابهت امرأة لرجل بجاريته ونامت على مرقده ليلا فظن أنها جاريته
فوطئها من غير تحرز كان عليه الحد سرا وعلى المرأة جهرا.
باب ما به يثبت حكم الزنى ويوجب إقامة الحد على الزاني:
الذي يثبت به الزنى ويجب معه إقامة الحدود على الزنى شيئان: أحدهما الإقرار
والآخر البينة.
فأما الإقرار فهو إقرار الانسان الكامل العقل المختار على نفسه أربع مرات دفعة
بعد أخرى بالوطئ في الفرج على وجه الزنى فإنه يحكم عليه بذلك ويجب عليه ما يجب
على فاعله، فإن أقر أقل من أربع مرات أو أقر أربع مرات بالوطئ فيما دون الفرج
لم يحكم عليه بالزنى وكان عليه التعزير حسب ما يراه الإمام.
فأما البينة فهي شهادة أربعة من العدول على الرجل بأنه وطأ امرأة - ليس بينه
وبينها عقد ولا شبهة عقد - في الفرج، فإذا شهدوا بذلك فادعوا المشاهدة للفعل
كالميل في المكحلة قبلت شهادتهم وحكم عليه بالزنى ووجب على المشهود عليه الحد.
فإن شهد هؤلاء الأربعة بالزنى ولم يشهدوا بالمعاينة على الوجه الذي قدمناه كان
على كل واحد منهم حد القذف، فإن شهد أقل من أربعة واحدا كان أو اثنين أو
ثلاثة وادعى مشاهدة الوطء في الفرج كان على جميعهم حد الفرية.
فإن شهد الأربعة واختلفوا في شهاداتهم فشهد بعضهم بالمعاينة وشهد البعض
الآخر بغير ذلك كان عليهم أيضا حد الفرية.
فإن شهد الأربعة باجتماع الرجل والمرأة في إزار واحد مجردين من ثيابهما أو
شهدوا بالوطئ فيما دون الفرج ولم يشهدوا بالزنى سمعت شهادتهم وكان على
الفاعل لذلك التعزير، فإن شهدوا بالوطئ في الدبر كان حكمه حكم الوطء في
145

القبل سواء، وكذلك الحكم في الإقرار بذلك سواء.
فإن شهد الشهود على امرأة بالزنى وادعت المرأة أنها بكر نظرت إليها النساء،
فإن وجدنها بكرا لم يجب عليها حد وإن لم يكن كذلك وجب الحد عليها.
وإذا شهد أربعة نفر على امرأة بالزنى وأحد هؤلاء الشهود زوج المرأة كان عليها
الحد، وقد ذكرنا: أن الثلاثة يحدون حد المفتري ويلاعنها زوجها.
وذكر بعض أصحابنا: أن هذه الرواية محمولة على أنه إذا لم يعدل الشهود
واختلفوا في إقامة الشهادة، وقد ذكرت في كتابي " الكامل ": أن الأقوى في نفسي
في ذلك أنهم يحدون ولا يجب على المرأة حد لأن زوجها في حكم الخصم لها وشهادة
الخصم على خصمه في الأمر الذي هو خصمه فيه ليست بمقبولة، وإذا كان الأمر على
ذلك لم يبق غير ثلاثة فيجب عليهم حد الفرية.
ومن شرط صحة شهادة الشهود بالزنى أن يوقعوا شهاداتهم بذلك في وقت واحد
ومكان واحد في مجلس واحد ومقام واحد، فإن شهد بعضهم من غير حضور الباقي
من الشهود وقال: الساعة يحضرون، كان عليه حد الفرية لأنه لا تأخير في ذلك.
ولا يجوز شهادة النساء على الانفراد في الزنى ووجب على كل واحدة منهن حد
الفرية.
فإن شهد أربعة نفر - ثلاثة رجال وامرأتان - قبلت شهادتهم في ذلك ووجب
بشهادتهم الرجم، فإن شهد رجلان وأربع نساء لم يجب الرجم بهذه الشهادة ويجب
بها الحد الذي هو الجلد، فإن شهد رجل وست نساء أو أقل أو أكثر لم تقبل هذه
الشهادة في الزنى ووجب على كل واحد منهم حد الفرية.
فإن شهد أربعة نفر بالزنى على رجلين وامرأتين أو أكثر من ذلك قبلت شهادتهم
ووجب إقامة الحد على المشهود عليهم، ويجوز تفريق الشهود إذا رأى الإمام في ذلك
صلاحا.
وإذا وجد رجل وامرأة على حال الزنى وادعى الزوجية درأ عنهما الحدود.
وإذا شاهد الإمام إنسانا على حال الزنى أو شرب الخمر كان عليه إقامة الحد
146

على من شاهده كذلك، ولا ينتظر مع مشاهدته له على ذلك قيام البينة على ما
شاهده عليه ولا إقراره بذلك أيضا وهذا مخصوص بالإمام دون غيره من سائر الناس
لأن غيره إذا شاهد ذلك فلا يجوز له إقامة الحد مع مشاهدته إلا مع قيام البينة
بذلك.
وأما القتل والسرقة والقذف وما يجب فيه حق للمسلمين من حد أو تعزير فليس
للإمام إقامة الحد على ذلك إلا بعد مطالبة صاحب الحق بذلك ولا يكفي مشاهدته
له على هذه الحال، فإذا طلب صاحب الحق ذلك من الإمام أقام الحد فيه ولا ينتظر
أيضا مع علمه بذلك إقراره أو قيام البينة به.
وإذا أقر رجل بالزنى أربع مرات بأنه زنى بهذه المرأة وأكذبته المرأة أو قالت:
أكرهني، كان عليه الحد دونها، فإن أقرت المرأة أربع مرات بأن هذا الرجل زنى
بها وأكذبها الرجل كان عليها الحد دونه، وكذلك الحكم لو صدقها مرة واحدة.
باب كيفية إقامة الحد في الزنى:
إذا كان الانسان محصنا يجب عليه الجلد والرجم جلد أولا الحد ولم يرجم حتى
يبرأ جلده، فإذا برئ رجم.
وإذا أراد الإمام أن يرجمه وكانت البينة قد قامت عليه بالزنى أمر بان يحفر له
حفيرة ويدفن فيها إلى حقويه ثم يرجم بعد ذلك، وكذلك يفعل بالمرأة إلا أنها تقعد
في الحفيرة إلى صدرها ثم ترجم.
فإذا فر واحد منهما من الحفيرة رد إليها حتى يستوفى منه الحد بالرجم، فإن
كان الرجم وجب عليهما بإقرارهما على أنفسهما فعل بهما مثل ما تقدم ذكره إلا أنه
إذا أصاب واحد منهما الرجم وفر من الحفيرة لم يرد إليها وترك حتى يمضى حيث
شاء وأراد، فإن كان فراره قبل أن يصيبه شئ من الرجم رد إلى الحفيرة على كل حال.
والذي يجب الرجم عليه إذا كانت البينة قد قامت عليه كان أول من يرجمه
147

الشهود ثم الإمام ثم الناس، وإن كان الرجم وجب عليه بإقراره على نفسه كان
أول من يرجمه الإمام ثم الناس.
وينبغي أن تكون حجار الرجم صغارا ولا تكون كبارا، ويكون الرجم من خلف
المرجوم لئلا يصيب وجهه شئ منه.
وأما الذي يجب عليه الجلد دون الرجم يجب أن يجلد قائما مائة جلدة من أشد
ما يكون من الضرب ويجلد على الحال التي يوجد عليها، فإن وجد عريانا جلد
عريانا وإن كان عليه ثياب جلد وهي عليه، ويضرب جميع جسده إلا رأسه ووجهه
وفرجه فإن مات لم يكن له قود ولا دية.
وإذا أريد جلد المرأة جلدت كما يجلد الرجل وضربت كما يضرب إلا أنها
تكون جالسة ولا تكون قائمة في هذه الحال، وتضرب وعليها ثيابها مربوطة لئلا
تهتك عورتها.
وإذا فر من يقام الحد عليه بالجلد أعيد حتى ليستوفى الحد منه سواء كان ممن
وجب عليه الحد بإقراره أو ببينة.
وإذا أريد إقامة الحد على الزاني بالجلد أو الرجم فينبغي أن يعلم الناس بالحضور
ثم يحد بمحضر منهم لينزجروا من مثل ذلك، ولا يحضر عند إقامة الحد على الزاني إلا
خيار الناس، وأقل من يحضر لذلك من الناس واحد فصاعدا، ولا يرميه إلا من
ليس لله تعالى في جنبه حد.
وإذا وجب إقامة الحد على الزاني بالرجم أقيم بذلك عليه صحيحا كان أو
مريضا، والذي يجب عليه الجلد إذا كان مريضا لم يقم الحد عليه حتى يبرأ وإذا
برئ أقيم الحد عليه، فإذا اقتضت المصلحة تقديم الحد أخذ العرجون فيه مائة
شمراخ أو ما يقوم مقامه ويضرب به ضربة واحدة.
وإذا زنت امرأة وهي حامل لم يقم عليها حد بجلد ولا رجم وهي كذلك، فإذا
وضعت ولدها وخرجت من نفاسها وأرضعتها جلدت أو رجمت.
فإذا اجتمع على انسان حدود منها قتل ابتدئ أولا بحده بما لا يكون قتلا ثم
148

يقتل بعد ذلك، مثال ما ذكرناه أن يقتل ويسرق ويزني وهو غير محصن فإنه يجلد
أولا للزنا ثم يقطع للسرقة ثم يقتل.
وإذا وجب على رجل الحد وهو صحيح العقل ثم اختلط عقله بعد ذلك وكانت
البينة قد قامت عليه بذلك أقيم الحد عليه على كل حال.
ومن يجب عليه النفي بالزنى يجب نفيه عن البلد الذي زنا فيه إلى بلد آخر سنة.
وإذا أقر على نفسه بحد ثم أنكر ذلك لم يلتفت إلى إنكاره إلا الرجم فإنه إذا
أقر على نفسه بما يوجب الحد ثم جحد بعد ذلك قبل أن يرجم خلي سبيله، وإذا أقر
على نفسه بحد ولم يبينه ضرب حتى يبينه هو عن نفسه الحد.
وإذا كانت المرأة مستحاضة لم يقم عليها الحد حتى ينقطع الدم عنه، وقد تقدم
ذكر ذلك.
وإذا وجب على انسان حد لم يقم عليه في الأوقات الشديدة الحر ولا الشديدة
البرد بل يقام عليه ذلك في الأوقات المعتدلة.
وإذا فرق من رجم المرجوم دفن في الحال ولم يترك على وجه الأرض، ولا يقام
الحد أيضا في أرض العدو لئلا يحمل المحدود الحمية والغضب على اللحوق بأعداء
الدين.
وإذا التجأ إلى حرم الله أو حرم رسوله أو أحد الأئمة ع لم يقم الحد
عليه فيه بل يضيق عليه في المطعم والمشرب ويمنع من المعاملة ببيع أو شراء حتى
يخرج منه فإذا خرج أقيم عليه الحد، وإذا أحدث وهو في الحرم ما يوجب إقامة الحد
عليه أقيم ذلك عليه وقد تقدم ذكر ذلك أيضا.
باب الحد في اللواط والسحق ووطء البهائم والميتة والاستمناء باليد:
اللواط هو الفجور بالذكران، وهو ضربان: أحدهما إيقاع الفعل في الدبر
بالإيقاب كالميل في المكحلة، والآخر بإيقاع الفعل فيما عدا ذلك من الفخذين أو ما لا
يكون بالإيقاب في الدبر.
149

ويثبت ذلك على فاعله بأمرين:
أحدهما: إقراره على نفسه بذاك أربع مرات كما قدمناه في باب حد الزنى سواء
كان فاعلا أو مفعولا، فإن أقر دون ذلك لم يجب عليه الحد وكان على الحاكم
تعزيره لإقراره على نفسه بالفسق.
والثاني: البينة وهي أربعة شهود يشهدون بذلك - كما ذكرناه في شهادتهم
بالزنى - ويذكرون المشاهدة للفعل كالميل في المكحلة، فإن لم يشهدوا كذلك كان
عليهم حد الفرية إلا أن يشهدوا بإيقاع الفعل فيما دون الدبر فتقبل شهادتهم ويجب
الحد بها، وإذا شاهد الإمام بعض الناس على هذا الفعل كان له إقامة الحد عليه
به.
وإذا ثبت على اللائط حكم اللواط بالإيقاب كان حده أن يرمى من حائط
عال أو يرمى عليه جدار أو يدهده من جبل أو يضرب عنقه أو يرجمه الإمام والناس أو
يحرق بالنار، والإمام مخير في ذلك أي شئ إذا أراد فعله منه كان ذلك له بحسب
ما يراه صلاحا، فإن أقام عليه حدا بغير النار كان له إحراقه بعد ذلك.
والفاعل لما يخالف الإيقاب فاعلا كان أو مفعولا به على ضربين: أحدهما أن
يكون محصنا والآخر غير محصن، فإن كان محصنا كان عليه الرجم وإن كان غير
محصن كان عليه الحد مائة جلدة سواء كان فاعلا أو مفعولا حرا كان أو عبدا مسلما
كان أو كافرا.
وإذا تلوط رجل بصبي لم يبلغ كان عليه الحد كاملا وعلى الصبي التعزير لأجل
تمكينه من نفسه، وإذا كان الصبي هو الفاعل بالرجل كان على الصبي التعزير
وعلى الرجل المفعول به الحد كاملا.
وإذا تلوط صبي بصبي مثله أدبا جميعا ولم يجب على واحد منهما حد.
وإذا كان لرجل عبد ولاطه كان عليه وعلى العبد جميعا الحد، فإن ادعى العبد
على سيده أنه أكرهه على ذلك درأ عنه الحد وأقيم الحد على سيده.
وإذا تلوط رجل بمجنون أقيم الحد عليه ولم يكن على المجنون شئ، فإن لاط
150

المجنون بغيره كان عليه الحد كاملا.
وإذا لاط كافر بمسلم قتل على كل حال، وإن لاط بكافر مثله كان الإمام مخيرا
بين أن يقيم الحد عليه بما يوجبه شرع الاسلام وبين تسليمه إلى أهل ملته ليقيموا الحد
عليه بما يقتضيه دينهم.
وإذا وجد رجلان أو رجل وغلام في إزار واحد مجردين من ثيابهما أو قامت بينة
بذلك أو أقرا به كان على كل واحد منهما التعزير من ثلاثين سوطا إلى تسعة
وتسعين سوطا بحسب ما يراه الإمام، فإن عادا إلى ذلك ضربا مثل ذلك، فإن عادا
أقيم عليهما الحد كاملا مائة جلدة.
وإذا قبل انسان غلاما ليس بمحرم منه كان عليه التعزير، فإن قبل وهو محرم
غلظ التأديب لينزجر عن مثله.
وإذا لاط انسان ثلاث مرات ويقام عليه الحد في كل مرة قتل في الرابعة.
وإذا لاط رجل ثم تاب قبل قيام البينة عليه بذلك لم يجب عليه حد، فإن
قامت البينة عليه بعد ذلك لم يكن للإمام أن يقيم عليه الحد، فإن تاب بعد قيام
البينة عليه بالفعل كان للإمام إقامته عليه ولم يسقط عنه الحد ولا يجوز للإمام العفو
عنه.
وإن كان الرجل اللائط أقر على نفسه ثم تاب وعلم منه الإمام ذلك كان له
العفو عنه أو إقامة الحد عليه بحسب ما يراه، فإن لم يظهر منه التوبة لم يجز له العفو
عنه على حال.
وإذا تلوط رجل بميت كان الحكم فيه حكم التلوط بالحي سواء، وتغلظ عقوبته
لانتهاكه حرمة الموتى.
المساحقة:
وإذا تساحقت امرأة لامرأة أخرى وقامت عليهما البينة بذلك وكانتا محصنتين
كان على كل واحدة منهما الرجم، وإن كانتا غير محصنتين كان على كل واحدة
151

منهما الحد مائة جلدة، ويثبت ذلك بالبينة أو الإقرار.
فأما البينة فهي شهادة أربعة عدول كما قدمناه، وأما الإقرار فإقرار المرأة على
نفسها أربع مرات بذلك كما سلف ذكره في الزنى.
وإذا كان لامرأة جارية فساحقتها وجب على كل واحدة منهما الحد، فإن
ادعت الجارية أن سيدتها أكرهتها على ذلك درأ الحد عنها وأقيم ذلك على سيدتها
كاملا.
وإذا تساحقت المسلمة كافرة أقيم الحد على كل واحدة منهما، وكان الإمام في
الكافرة بالخيار بين أن يقيم الحد عليها وبين أن يسلمها إلى أهل ملتها ليقيموا عليها
ذلك بحسب ما يقتضيه دينهم.
فإن ساحقت امرأة صبية لم تبلغ كان على المرأة الحد وأدبت الصبية، فإن
تساحقت صبيتان أدبتا ولم يقم على كل واحدة منهما الحد كاملا.
وإذا وطأ رجل زوجته وقامت الزوجة فساحقت جارية بكرا وألقت ماء الرجل
في رحمها وحملت الجارية كان على المرأة الرجم وعلى الجارية إذا وضعت ما في بطنها
مائة جلدة والحق الولد بالرجل وكان على المرأة المهر للجارية لأجل ذهاب عذرتها
بالولد، وهذه قضاء سيدنا أبي محمد الحسن بن علي ع.
وإذا تابت المتساحقة قبل رفع خبرها إلى الإمام لم يلزمها حد، فإن قامت عليها
بينة بعد ذلك لم يقم عليها حد، فإن قامت البينة عليها قبل توبتها ثم تابت بعد
ذلك أقيم الحد عليها، فإن كانت أقرت بالفعل عند الإمام أو من ينوب عنه ثم
أظهرت التوبة كان للإمام العفو عنها وإقامة الحد عليها بحسب ما يراه صلاحا في
ذلك.
وإذا افتضت امرأة جارية بإصبعها فذهبت بعذرتها كان عليها مهرها والتعزير
مغلظا.
وإذا وجدت امرأتان في إزار واحد مجردتين من ثيابهما وليس بينهما رحم ولا
دعتهما ضرورة من برد وما أشبهه إلى ذلك كان على كل واحدة منهما التعزير من
152

ثلاثين سوطا إلى تسعة وتسعين سوطا بحسب ما يراه الإمام أو النائب عنه، فإن
عادتا إلى ذلك نهيتا وأدبتا، فإن عادتا ثالثة أقيم الحد عليهما مائة جلدة، فإن
عادتا إلى ذلك رابعة قتلتا.
نكاح البهائم:
وإذا وطأ رجل بهيمة كان عليه التعزير، فإن كانت ملكه لم يكن عليها أكثر
من ذلك وإن كانت ملكا لغيره كان عليه أن يغرم ثمنها لصاحبها.
فإن كانت مما يصح الذكاة عليه ذبحت وأحرقت لأن لحمها قد حرم وكذلك
جميع ما يكون من نسلها.
وإذا اختلطت بهيمة موطوءة بغيرها من البهائم ولم تتميز من غيرها فيجب أن
يقسم القطيع الذي فيه تلك البهيمة نصفين ويقرع بينهما فمهما وقعت القرعة عليه
قسم أيضا نصفين وأقرع بينهما ولا يزال يفعل ذلك حتى لا يبقى إلا واحدة، فإذا
بقيت واحدة ذبحت وأحرقت.
وإن كانت مما لا يصح الذكاة عليه أخرجت من البلد الذي فعل بها ذلك إلى
بلد آخر وبيعت هناك لئلا تعرف فيعير بها صاحبها.
وإذا تكرر من واطئ البهيمة هذا الفعل وكان قد أدب وحد كان عليه القتل
في الرابعة، ويثبت الحكم الذي ذكرناه في وطء البهيمة بشهادة شاهدين عدلين
مرضيين أو إقرار الفاعل على نفسه بذلك مرتين.
وإذا وطأ ميتة كان حكمه حكم من وطأها حية، فإن كانت زوجته كان عليه
التعزير بحسب ما يراه الإمام، فإن لم تكن زوجته وكان محصنا كان عليه الرجم
وإن كان غير محصن كان عليه الحد، ويثبت الحكم بذلك بشهادة شاهدين عدلين
وإقرار الفاعل لذلك على نفسه مرتين.
153

حد الاستمناء: وإذا استمنى بيده وأنزل كان عليه التعزير وليس عليه حد في ذلك والتعزير
والتأديب في ذلك هو بحسب ما يراه الإمام، وعن أمير المؤمنين ع: أنه
ضرب يد من فعل ذلك حتى احمرت واستتابه وزوجه من بيت المال.
باب الحد في القيادة وشرب الخمر وكل مسكر من الشراب والفقاع وغير ذلك من
الأشربة والمآكل المحظورة:
إذا جمع انسان بين الرجال والنساء أو الرجال والغلمان للفجور كان عليه خمس
وسبعون جلدة - وذلك ثلاثة أرباع حد الزاني - ويحلق رأسه ويشهر في البلد
الذي يفعل ذلك فيه وينفى منه إلى بلد آخر، ويثبت الحكم بذلك بشهادة شاهدين
عدلين أو إقرار الفاعل على نفسه بذلك مرتين.
وإذا فعلت امرأة ذلك كان عليها مثل ما ذكرنا أنه يفعل بالرجل إلا حلق
الرأس والإشهار والنفي فإنه لا يفعل بها شئ من ذلك.
وإذا رمى انسان غيره بالفساد كان عليه التعزير بما دون حد الفرية حتى لا يعود
إلى أذى المسلمين بذلك.
وإذا شرب انسان خمرا ونبيذا أو مزرا أو نقيعا أو غير ذلك - من الأشربة التي
تسكر - قليلها أو كثيرها وجب الحد ثمانون جلدة حرا كان أو عبدا مسلما كان أو
كافرا إلا أن المسلم يقام عليه ذلك على كل حال شربه عليها والكافر لا يحد إلا بأن
يظهر شرب ذلك بين المسلمين أو يخرج بينهم سكران، فإن استتر بذلك - فشربه في
بيته أو كنيسته أو بيعته - لم يجز أن يحد.
والحد يقام على شارب الخمر وكل مسكر من الشراب قليلا كان أو كثيرا لأن
القليل منه يوجب الحد كما يوجبه الكثير لا يختلف الحكم في ذلك.
ويثبت الحكم في ما ذكرناه بشهادة شاهدين عدلين أو بالإقرار بذلك، فإن شهد
أحد الشاهدين بالشرب والآخر بالقئ قبلت شهادتهما ووجب بها الحد أو يقر على
154

نفسه بشرب ذلك مرتين.
ولا يجوز أن تقبل شهادة على شهادة في الحدود، ولا يجوز أيضا أن يكفل من
وجب عليه الحد بل يجب أن يقام ذلك عليه على الفور والبدار، ولا يجوز أيضا
الشفاعة في اسقاط شئ من الحدود لا عند الإمام ولا عند غيره من جميع الناس.
وإذا استحل انسان شرب شئ من الخمر حل دمه وكان على الإمام ع
أن يستتيبه، فإن تاب أقام عليه الحد إن كان شربه وإن لم يتب قتله.
وإذا استحل شرب شئ من المسكر المخالف للخمر لم يحل دمه وللإمام أن
يعزره إن رأى ذلك، ويجلد شارب الخمر وغيره من الأشربة المسكرة على ظهره وكتفه
عريانا ولا يضرب على وجهه وفرجه.
وإذا أكل انسان شيئا من الأطعمة وفيه شئ من الخمر أو اصطنع به أو
استعمل دواء فيه منه وهو عالم به كان عليه الحد ثمانون جلدة، فإن لم يكن عالما
به لم يكن عليه شئ.
ولا يجوز مجالسة شراب الخمر وكل مسكر ولا الجلوس على مائدة يشرب عليهما
شئ من ذلك خمرا كان أو غيره وكذلك حكم الفقاع، ومن فعل ذلك وجب عليه
التأديب بحسب ما يراه الإمام.
وإذا كان شارب المسكر سكران لم يقم الحد عليه حتى يفيق ثم يقام عليه
ذلك، وإذا أقيم عليه الحد مرتين وعاد إلى شربه بالثالثة كان عليه القتل.
وإذا باع انسان الخمر أو غيره من الشراب المسكر أو اشتراه كان عليه التأديب،
فإن فعل ذلك وهو مستحل له استتيب فإن تاب وإلا وجب عليه القتل مثل ما يجب
على المرتد.
والحكم في شرب الفقاع في وجوب الحد عليه وتأديب من يتجر فيه وتعزير من
يستعمله حكم الخمر سواء.
وإذا شرب انسان خمرا أو غيرها مما يوجب الحد والتأديب ثم تاب قبل قيام
البينة عليه بذلك سقط الحد عنه وإن تاب بعد قيام البينة عليه به أقيم الحد عليه،
155

فإن أقر على نفسه وتاب بعد الإقرار جاز للإمام ع أن يعفو عنه وكان مخيرا
بين ذلك وبين إقامة الحد عليه.
فإن شرب المسكر في شهر رمضان أو في مكان شريف مثل حرم الله تعالى وحرم
رسوله أو أحد الأئمة ع أقيم عليه الحد وأدب زائدا على ذلك لانتهاكه
حرمة الحرم الذي ذكرناه.
وإذا كان الانسان مولودا على فطرة الاسلام واستحل شيئا من الدم والميتة أو
لحم الخنزير كان مرتدا ووجب عليه القتل وإذا تناول منه شيئا وهو محرم له كان
عليه التعزير، فإن عاد إلى ذلك أدب وغلظت عقوبته وإن تكرر منه ذلك دفعات
وجب عليه القتل.
وإذا قامت البينة على الانسان بتحريم الربا وأكله عوقب حتى يتوب، فإن
استحل ذلك وجب عليه القتل، فإن أدب مرتين وعاد إلى ذلك ثالثة كان عليه
القتل.
وإذا اتجر انسان في السموم القاتلة كان عليه العقاب والتأديب، وإن استمر
على ذلك ولم ينته عنه وجب عليه القتل.
وإذا أكل لحم السمك المحرم كالمارماهي والجري ومسوخ السمك كلها ومسوخ
البر والطحال وسباع الطير وما جرى مجرى ذلك من المحرمات وجب عليه التعزير
فإذا عاد أدب ثانية، فإن استحل شيئا مما ذكرناه وجب القتل عليه.
باب الحد في السرقة:
الحد الذي تقطع يد السارق فيه ربع دينار أو أكثر منه أو ما قيمته ذلك من أي
جنس، فإن كان من ذهب مضروب منقوش قطع به وإن كان تبرأ من ذهب
المعادن ونحتاج إلى سك وعلاج لم يجب القطع به وإن كان ذهبا خالصا غير
مضروب جاز القطع به.
والقطع إنما يجب بما ذكرنا ذلك إذا سرق من حرز، والحرز هو كل موضع لم
156

يكن لغير المتصرف الدخول فيه وإليه إلا باذنه أو يكون مقفلا عليه أو مدفونا، وكل
موضع يطرقه الناس أجمع ولا يختص واحدا منهم فليس ذلك بحرز وهو مثل الخانات
والحمامات والأرحية والمساجد وما أشبه ذلك.
فإذا سرق بالغ كامل العقل وكانت الشبهة غير مرتفعة وجب عليه القطع حرا
كان أو عبدا مسلما كان أو كافرا.
فإن سرق من غير حرز لم يجب عليه القطع، وإذا كان الشئ في الخانات
ونحوها مما ليس بحرز مدفونا أو مقفلا عليه فسرقه انسان كان عليه القطع لأن
صاحبه قد أحرزه بالدفن والقفل، وقد ذكرنا: أن الحرز هو كل موضع لم يكن لغير
المتصرف فيه الدخول إليه إلا باذنه.
فإن كان هذا الموضع مفتوحا غير مغلق ولا مقفل كالدار وما أشبهها، وفيها
بيوت مغلقة وفي قاعتها شئ لم يكن ذلك في حرز وما يكون داخل البيوت المغلقة في
حرز، فإن سرق سارق مما في هذه الدار المفتوح بابها مما هو في قاعتها وخارج عن
بيوتها المقفلة لم يكن سارقا من حرز، فإن كان بابها مغلقا عليها كان ما في قاعتها
وبيوتها في حرز ولو كانت أبواب بيوتها وخزائنها مفتوحة، فإن كان بابها مفتوحا
وأبواب بيوتها وخزائنها مفتوحة لم يكن ذلك حرزا، وإن كان صاحبها فيها وكانت
أبوابها مفتوحة فليس شئ منها بحرز إلا ما كان يراعيه ببصره دون غيره وكذلك ما
جرى مجرى الدار من المنازل وما أشبهها.
وأما باب الدار فإذا نصب ودار في مكانه كان في حرز سواء كان مغلقا أو
مفتوحا وأما أبواب البيوت والخزائن التي دخلها فهي كالمتاع في الدار، فإن كانت
هذه الأبواب مغلقة فهي في حرز وإن كان باب الدار مغلقا فهي في حرز.
وأما حلقة الدار إن كانت قد سمرت فيه فهي في حرز لأن العادة جارية في
الاحتراز عليها بسمرها في الباب، فإن قلعها انسان وكانت قيمتها نصابا كان عليه
القطع.
وأما حائط الدار والذي فيه مبني من آجر أو حجر أو خشب فهو في حرز لأن ما
157

كان حرزا لغيره في نفسه حرز، فإن هدم انسان شيئا من الحائط وأخذ منه ما
قسمته النصاب كان عليه القطع.
وإذا أخرج السارق متاعا من بيت في الدار إلى صحنها وكان باب البيت
مفتوحا وكذلك باب الدار لم يكن عليه قطع لأنه لم يخرجه من حرز، فإن كان باب
الدار مفتوحا وباب البيت مغلقا على المتاع كان عليه القطع لأنه قد أخرجه من
حرز إلى غير حرز لأن باب الدار إذا كان مفتوحا لم يكن صحنها حرزا وإن كان
باب الدار مغلقا وباب البيت مفتوحا وأخرج المتاع منه إلى الصحن لم يجب عليه
القطع لأن البيت إذا كان مفتوحا لم يكن حرزا فإذا أخرجه إلى الصحن كان قد
أخرجه من غير حرز إلى ما هو حرز فلا قطع عليه، وإن كان باب البيت مغلقا
وباب الدار مغلقا وأخرج المتاع من البيت إلى الصحن لم يكن عليه القطع لأنه
أخرجه من حرز إلى حرز.
فإن كان الموضع من الخانات التي فيها بيوت ولكل انسان بيت مقفل
والصحن مشترك بين الجماعة التي فيه كان كل بيت مقفل فيه حرزا لما فيه، فإن
نقبه انسان أو كسر قفله وأخرج منه ما قيمته نصاب إلى صحن الخان كان عليه
القطع لأنه أخرج ذلك من حرز إلى غير حرز فإن الخان يجري مجرى الدرب الذي فيه
حجرتان، الحجرة حرز لما فيها.
فإذا أخرج السارق من الحجرة شيئا إلى الدرب فقد أخرجه من حرز إلى غير
حرز وكذلك الخان مع بيوته، ولا فرق في ذلك بين أن يكون باب الخان مغلقا أو
مفتوحا بخلاف ما ذكرناه في الدار لأن صحنه مشترك بين الناس، وليس صحن
الدار التي ينفرد بها واحد جاريا هذا المجرى.
وإذا نقب اثنان موضعا ودخل أحدهما فأخذ المتاع ووضعه في موضع النقب
وأخذه الخارج منه لم يجب على واحد منهما لأنه لم يخرجه من كمال الحرز ويجري
مجرى أن يضعه في بعض البيت ويجتاز مجتاز فيأخذه من النقب فإنه لا قطع على
واحد منها، وإذا نقب واحد منهما ودخل الآخر فأخرج نصابا لم يكن عليهما قطع.
158

وإذا كان في الحرز ماء يجري فأخذ المتاع فوضعه على الماء فأخرجه الماء من
الحرز ثم أخذه كان عليه القطع لأنه أخرج المتاع بآلة كما لو أخرجه بخشبة أو جره
بحبل أو ما أشبه ذلك، وكذلك لو وضعه على دابة وساقها فخرجت به الدابة كان
عليه القطع لأنه خرج بفعله وكذلك لو وضعه عليها ولم يسقها.
فإن كان في الحرز ماء راكد فوضع المتاع فيه فانفجر وخرج المتاع معه لم يكن
عليه القطع لأنه خرج بغير قصد، فإن أخذ المتاع ورمى به خارج الحرز فطيرته
الريح وأعانته على اخراجه ولولا الريح لما خرج كان عليه القطع لأن الاعتبار
بابتداء فعله لا بمعاونة الريح على نقله، ويجري مجرى رميه منها في الغرض فإنه إذا
رماه وأطارته الريح فأصاب الغرض كان له إصابة في أن الاعتبار بابتداء فعله لا
بمعاونة الريح له.
وإذا دخل حرزا فأخذ منه جوهرة فبلعها فخرج منها وهي باقية في جوفه كان
عليه القطع لأنه أخرجها في وعاء كما لو جعلها في جراب أو ما أشبه ذلك وقد
ذكر: أنه لا قطع عليه، وما ذكرناه أظهر.
وإذا كان في الحرز شاة فذبحها وكانت قيمتها قبل الذبح ربع دينار ونقصت
عن ذلك بعد الذبح وأخرجها بعد ذلك لم يجب عليه القطع لأن ذلك إنما يجب
عليه إذا أخرج من الحرز نصابا كاملا وهذه الشاة بعد ذبحها ليست كذلك.
وإذا اشترك ثلاثة نفر في اخراج نصاب من الحرز قطع جميعهم وإن كان أقل
من نصاب لم يقطعوا.
وإذا نقب اثنان موضعا ودخله الواحد منهما فأخذ السرقة وأخرج يده من
الحرز والسرقة فيها فأخذها الخارج من الحرز أو رمى بها إلى خارج الحرز فأخذها
الخارج كان له القطع على الذي أخرج يده وهو فيها والذي رمى بها، وليس على
الخارج من الحرز قطع.
وإذا نقبا موضعا فدخل الواحد منهما فحمل السرقة ووضعها قريبا من البيت
فأدخل الخارج يده إلى الحرز فأخذها كان عليه القطع دون الذي هو داخل الحرز.
وإذا نقب إنسانا حرزا وهتكه ومضى عنه ولم يخرج منه شيئا واجتاز آخر فوجد
159

الحرز مهتوكا بالنقب فدخل وأخرج السرقة منه لم يجب على واحد منهما قطع لأن
الأول نقب ولم يأخذ شيئا ولا أخرجه والثاني أخرجه من حرز مهتوك.
وإذا نقب انسان وحده موضعا ودخله وأخرج منه ثمن دينار ثم جاء الليلة
الثانية فأخرج منه ثمن دينار كان عليه القطع، وقال بعض الناس: ليس عليه
قطع، وما ذكرناه هو الصحيح لأنه أخرج نصابا من حرز هتكه هو، وكذلك القول
لو أخرج ثمن دينار ثم عاد من ليلته وأخرج ثمن دينار آخر في أن عليه القطع.
وإذا نقب ودخل الحرز فذبح شاة كان عليه ما بين قيمتها حية ومذبوحة، فإن
أخرجها بعد الذبح وكان قيمتها نصابا كان عليه القطع وإن كان قيمتها أقل من
نصاب لم يجب عليه القطع.
وإذا كانت المسألة بحالها فأخذ ثوبا فشقه كان عليه ما نقص بالتخريق، فإن
أخرجه من الحرز وقيمته نصاب كان عليه القطع وإن كانت أقل من نصاب لم يكن
عليه قطع.
وإذا سرق انسان شيئا يجب فيه القطع ولم يقطع حتى ملكه بابتياع أو هبة أو
ما أشبه ذلك لم يسقط القطع عنه سواء ملكه قبل الترافع إلى الحاكم أو بعده إلا أنه
إذا ملكه قبل الترافع إلى الحاكم لم يقطع لا لأن القطع سقط عنه لكن لأنه لا
مطالبة له بذلك، ولا قطع بغيره مطالبة السرقة.
وإذا نقب حرزا ومعه صبي صغير ليس له تميز ثم أمره بدخول الحرز فدخله
وأخرج السرقة فأخذها هو كان عليه القطع لقوله تعالى: والسارق والسارقة فاقطعوا
أيديهما، ولم يفرق.
وإذا سرق حرا صغيرا وكان عليه حلي كان عليه القطع.
وإذا ثبت بينة على انسان بأنه سرق من حرز رجل نصابا فقال السارق: المال
لي، كان القول قول صاحب الحرز أن المال له لأنه قد ثبت أنه أخذه منه، فإذا
حلف لم يلزم السارق قطع لأنه صار حقا وصار شبهة لوقوع التنازع في المال والحد لا
يجب مع الشبهة.
160

وإذا سرق انسان من ستارة الكعبة وهي محيطة عليها ما قيمته ربع دينار كان
عليه القطع لأن الرواية عندنا تضمنت: أن القائم ع إذا ظهر قطع أيدي
بني شيبة وقال: هؤلاء سراق الله، وذلك يدل على أن في ذلك قطعا.
وإذا استعار انسان من غيره بيتا فجعل متاعه فيه فنقب المعير له وسرق المتاع
كان عليه القطع، وإذا سرق الضيف من حرز مضيفه نصابا لم يجب عليه القطع.
وإذا أخرج النباش الكفن من القبر إلى وجه الأرض كان عليه القطع، فإن
أخرجه من اللحد إلى بعض القبر لم يجب عليه القطع.
وإذا سرق انسان من الغنيمة وكان ممن له فيها نصيب وكان ما سرقه أكثر من
نصيبه مما يكون بعده نصابا يجب فيه القطع أو أكثر من ذلك كان عليه القطع وإذا
كان أقل من ذلك لم يجب عليه قطع، وإن كان السارق ممن ليس له نصيب في
الغنيمة وكان من أصحاب الخمس كان حكمه فيما يسرقه مثل ما قدمناه ممن له
نصيب من الغنيمة في أنه إن كان ما سرقه أكثر من سهمه بمقدار نصاب يجب فيه
القطع وإن كان أقل من ذلك لم يقطع، وإن سرق واحد من هؤلاء ما يكون مقداره
مقدار ما يصيب من الغنائم أو سهمه من الخمس إن لم يكن من أصحاب الغنيمة
لم يكن عليه قطع، وإن كان السارق من غير الغانمين وغير أصحاب الخمس فسرق
وأحد من الغانمين من الأربعة الأخماس وليس هو من أصحاب الخمس كان عليه
القطع على كل حال.
باب ذكر من لا يقام عليه الحد:
قد سلف قولنا: بأن الحامل والنفساء والمستحاضة لا يقام عليهن حدوهن
كذلك، وذكرنا أيضا: أنه لا يقام الحد على من وجب عليه في الحر الشديد ولا في
البرد الشديد وكيف يقام عليهن وكذلك ما يتعلق بالمريض، فلا وجه لإعادته.
فإن دخل انسان حماما فسرق ثيابه فإن كان دفعها إلى الحمامي وأمره بحفظها
كان الحمامي مودعا، فإن راعاها مراعاة جيدة بأن لم يترك النظر إليها احتياطا في
161

حفظها فسرقت بحيث لا يعلم لم يكن عليه شئ وكان على السارق ضمانها
والقطع، فإن توانى الحمامي في مراعاتها أو نام في حفظها أو اشتغل بالحديث أو
غيره أو أعرض عنها أو وضع الثياب خلفه فسرقت كان على الحمامي ضمانها لأنه
مفرط في حفظها وكان على السارق غرمها ولم يكن عليه قطع لأنه لم يسرقها من حرز.
فإن دخل الحمام وجعل ثيابه على حصير أو علقها على وتد بحسب ما جرت
العادة به ولم يدفعها إلى الحمامي ولا استحفظه إياها فليس الحمامي مودعا لذلك
وهذه الثياب في غير حرز، فإن سرقت لم يجب على سارقها قطع لأنه سرقها من غير
حرز كما قدمناه ولأن المكان مأذون في الدخول إليه واستطراقه فما جعل فيه كان
في غير حرز.
وإذا شرب الذمي الخمر من غير أن يتظاهر بذلك بين المسلمين فقد ذكرنا: أنه
لا حد عليه.
وإذا كان الذمي مجوسيا فنكح أمه غير متظاهر بذلك لم يكن عليه حد لأنه
بذل الجزية على مقامه على دينه واعتقاده، فإذا كان هذا النكاح مما يقتضيه دينه لم
يجز الاعتراض عليه فيه.
وإذا سرق من نماء الوقف وهو من أهله لم يقطع لأن له فيه حقا كما لو سرق
من بيت المال.
وإذا سرق وله يمين كاملة أو ناقصة وقد ذهب أصابعها إلا واحدة قطعت هذه
اليمين، فإن لم يكن فيه إصبع فإنما يكفي الكف وحدها أو بعض الكف لم
يقطع لأن القطع لا يتعلق عندنا إلا بالأصابع فمن لم يكن له أصابع لم يجب عليه
قطع غيرها إلا بدليل.
فإن كانت شلاء فذكر أهل الخبرة بالطب: أنها إن قطعت بقيت أفواه العروق
مفتحة، كانت كالمعدومة، فإن ذكروا: أنها تندمل، قطعت الشلاء.
فإن سرق ويمينه كاملة ثم ذهبت قبل أن تقطع بالسرقة لمرض أو آكلة أو آفة
سقط عنه القطع.
162

وإذا سرق وليس له يمين قطعت رجله اليسرى، وذكر: أنه قطع يساره، والأول
أظهر.
وإذا سرق من غير حرز لم يقطع في شئ من ذلك، وإذا سرق العبد من مال
سيده لم يقطع، وإذا سرق أحد الزوجين من مال الآخر من غير حرز لم يقطع،
وإذا سرق من مال ابنه أو ابنته وأولادهما وإن نزلوا لم يقطع، وإذا سرق من بيت
المال أو الغنيمة مقدار ما له فيه من العطاء والاستحقاق لم يقطع.
وليس في الكلب والخنزير قطع لأنهما حرام وكذلك ثمنهما.
وإذا ترك الجمال الجمال والأحمال في مكان ومضى لحاجة كان كل ما معها من
متاع وغيره في غير حرز لا قطع في شئ من ذلك.
وإذا أقر بالسرقة مختارا ورجع عن ذلك سقط عنه القطع وكان عليه رد السرقة.
وإذا تاب من السرقة قبل قيام البينة عليه بذلك ثم قامت عليه بعد ذلك لم يجب
عليه قطع وكان عليه رد السرقة، وإذا سرق مأكولا في عام مجاعة لم يكن عليه قطع.
وإذا سرق شيئا من جيب انسان أو كمه وكانا ظاهرين لم يكن عليه قطع
وكان عليه التأديب، فإن كانا باطنين كان عليه القطع.
وإذا سرق شيئا من الفواكه وهي في الشجرة لم يكن عليه قطع وكان عليه
التأديب.
وما زاد على ذلك فقد تقدم ذكره فلا وجه لإعادته.
باب صفة قطع اليد والرجل في السرقة:
إذا وجب على انسان قطع يده في السرقة قطعت يده اليمنى من أصول الأصابع،
فإن سرق ثانيا قطعت رجله اليسرى من أصل الساق عند معقد الشراك من ظهر
القدم وترك له ما يعتمد عليه، فإن سرق ثالثا خلد الحبس، فإن سرق رابعا قتل.
فإذا قدم لقطع يده فينبغي: أن يجلس ولا يقطع وهو قائم، ويضبط ضبطا
جيدا لئلا يضطرب ويتحرك فيجني على نفسه، وتشديده بحبل، ويمد حتى تبين
163

المفاصل من أصابعه، ويوضع يده على لوح أو غيره مما يسهل ويعجل قطعه، ويوضع
على المفصل سكين حاد ويدق من فوقها دقة واحدة حتى ينقطع ذلك بأعجل ما يمكن
إن أمكن ذلك أو يوضع على ذلك شئ حاد ويمد عليه مدة واحدة، ولا يكرر القطع
فيعذب المقطوع بذلك لأن الغرض إقامة الحد عليه من غير تعذيب له فإن علم القاطع
ما هو أعجل من ذلك في القطع قطع به.
وإذا قطعت اليد حسمت - والحسم أن يغلي الزيت فإذا قطعت جعل موضع
القطع في الزيت المغلى حتى يسد أفواه العروق وينحسم خروج الدم منها - فإن لم
يفعل الإمام ذلك لم يكن عليه شئ لأن الذي عليه إقامة الحد ليس عليه مداواة
المحدود، فإن شاء المقطوع مداواة نفسه كان له ذلك، وإذا حسمت اليد علقت في
عنقه ساعة لأن ذلك أزجر وأردع ولأن ذلك من السنة لأنه مروي: أن النبي ص
فعله.
باب الحد في الفرية وما يوجب التعزير:
إذا كان الانسان بالغا كامل العقل رجلا كان أو امرأة حرا كان أو عبدا
مسلما كان أو كافرا وافترى على غيره من الأحرار البالغين المسلمين بأن قذفه بالزنى
أو باللواط أو بأنه منكوح أو بما جرى مجرى ذلك أو ما هو في معناه بأي لغة كانت
وكان عارفا بموضع اللغة وفائدتها وجب عليه حد القاذف وهو ثمانون جلدة حرا
كان أو عبدا.
فإن قال له شيئا مما ذكرناه وهو غير عالم بفائدة تلك اللغة ولا موضع لفظها لم
يجب عليه حد ولا غيره، ويجب أن يراعى في المقذوف شرائط إذا تكاملت فيه وجب
حد القاذف له وإذا اختل جميعها أو بعضها لم يجب حده وهي: أن يكون بالغا
عاقلا حرا مسلما عفيفا عن الزنى.
وإذا افترى على امرأة فقذفها بأنها زانية أو قد زنت وجب الحد عليه كما يجب
عليه ذلك إذا قذف الرجل بشئ من ذلك سواء، وإذا قال شيئا من ذلك وهو غير
164

بالغ لم يكن عليه حد وكان عليه التأديب وكذلك إن قاله لمن هو غير بالغ.
فإن قال ذلك لعبد أو أمة أو كافر أو كافرة وجب عليه التعزير ولم يجب عليه
حد لئلا يؤذي المماليك وأهل الذمة.
وإذا قال لغيره: يا بن الزاني، أو يا بن الزانية، أو قد زنت بك أمك، أو ولدت
من الزنى، وجب عليه الحد وكانت المطالبة بذلك إلى أولياء المقول له ذلك فإن عفت
عنه كان جائزا.
فإن كانت ميتة ولم يكن لها ولد إلا المقذوف كان له المطالبة بذلك أو العفو
عنه، فإن كان لها من الأولياء أكثر من واحد وعفا بعضهم دون بعض كان لمن
(لم)) يعف عنهم المطالبة بإقامة الحد عليه على كماله.
وإن قال لغيره: يا بن الزاني، أو زنا بك أبوك أو لاط، وجب عليه الحد لأبيه،
ويجري الحكم في العفو هاهنا أو المطالبة بذلك إن كان الأب حيا أو ميتا مجرى ما
تقدم ذكره في الأم سواء.
ومن عفا عن الحد من الأولياء مع كون من قذف حيا لم يجز عفوه وإنما يجوز
له ذلك إذا كان ميتا، ومن عفا عن شئ من الحدود لم يجز له أن يطالبه ما عفا عنه
بعد ذلك ولا الرجوع فيه.
وإذا قال له: يا بن الزانيين، أو زنا بك أبواك، أو أبواك زانيان، كان عليه
حدان: أحدهما للأب والآخر للأم، فإن كان الأبوان حيين كان لهم المطالبة بذلك
أو العفو عنه وإن كانا ميتين كان ذلك لأوليائهما كما قدمناه.
وحكم العم والعمة والخال والخالة وغيرهم من ذوي الأرحام حكم الأخ
والأخت في أن الولي الأولى بهم يقوم بمطالبتهم الحد وله العفو عنه أيضا عن ذلك
على ما تقدم بيانه.
وإذا قال: ابنتك زانية، أو قد زنت، أو ابنك زان أو لائط، وجب الحد عليه
وللمقذوف المطالبة بذلك أو العفو عنه سواء كان الابن والبنت حيين أو ميتين، فإن
سبقه الابن أو البنت إلى العفو كان ذلك ماضيا.
165

وإذا قال لغيره: يا زاني، وأقيم عليه الحد ثم قال ذلك ثانيا كان عليه الحد
أيضا ثانيا، فإن قال له ذلك ثالثا كان عليه أيضا الحد ثالثا، فإن قال له: الذي
قلته لك كان صحيحا، كان عليه التعزير ولم يجب عليه حد.
وإذا قال له دفعات كثيرة واحدة بعد أخرى: يا زاني، ولم يقم عليه في شئ
منها حد لم يكن عليه غير حد واحد.
وإذا أقيم على انسان حد ثلاث مرات وجب عليه القتل في الرابعة.
وإذا قال لجماعة من الرجال أو النساء أو الرجال والنساء: يا زناة، أو قد
زنيتم، أو زنوا، وجاؤوا به مجتمعين وجب لهم عليه حد واحد وإن جاؤوا به مفترقين
كان عليه لكل واحد منهم حد واحد.
وإذا قال لغيره: قد زنيت بفلانة، وكانت المرأة ممن يجب الحد لها كان عليه
حدان: حد للرجل وحد للمرأة، وإذا قال له: قد لطت بفلان، كان عليه من الحد
أيضا مثل ذلك.
فإن كان الرجل أو المرأة غير بالغة أو كانا بالغين ولم يكونا حرين أو لم يكونا
مسلمين كان عليه الحد لقذفه إياه والتعزير لأنه نسبه إلى المذكورين.
وإذا قال لرجل: يا زوج الزانية، أو زنت زوجتك، وجب الحد للزوجة وكان
لها المطالبة بذلك أو العفو إن كانت حية، فإن كانت ميتة كان ذلك لأوليائها
وليس للزوج شئ في الحد.
وإذا قال لمملوك أو كافر: يا بن الزانية، أو يا بن الزاني، وكان أبواه حرين
مسلمين كان عليه الحد لأن الحد لمن يواجهه بالقذف فكان له الحد كاملا.
وإذا قال لمسلم: يا بن الزانية، أو أمك زانية، وكانت الأم كافرة أو مملوكة
كان عليه الحد لحرمة ولدها الحر المسلم.
وإذا تقاذف بعض أهل الذمة بعضا كان عليهم التعزير ولا حد عليهم،
وكذلك الحكم في العبيد والصبيان.
وإذا قال لابن الملاعنة: يا بن الزانية، أو قد زنت بك أمك، كان عليه الحد لأمه.
166

إذا كانت أم ولد الزنى قد أقيم عليها وقال له انسان: زنت بك أمك، أو قال
لك: يا بن الزانية، كان عليه التعزير ولم يجب عليه حد، وإذا قال له ذلك وكانت
قد تابت وأظهرت التوبة وجب الحد عليه.
وإذا قذف محصنا أو محصنة لم تقبل شهادته بعد ذلك إلا أن يتوب أو يرجع،
وليس تصح توبته من ذلك إلا بأن يكذب نفسه في ملأ من الناس في المكان الذي
قذف فيه، ويثبت الحد بالقذف بشهادة شاهدين عدلين أو إقرار القاذف على نفسه
بذلك مرتين.
وإذا ثبت ذلك أقيم الحد عليه ولا يكون الحد في القذف مثل الجلد في الزنى في
القوة والشدة بل يكون دون ذلك، ويجلد القاذف فوق الثياب ولا ينزع عنه.
ولا يجوز للإمام ع العفو عن القاذف لأن ذلك إلى المقذوف دون غيره
من سائر الناس، ولا فرق في ذلك بين أن يكون الحد يثبت على القاذف ببينة أو
إقرار أو تاب أو لم يتب فإن العفو في جميع ذلك إلى المقذوف كما ذكرناه فيما
سلف.
وإذا قذف انسان مكاتبا ضرب بحساب ما عتق منه حد الحر، ويعزر بما يبقى
فيه من الرق.
وإذا قال لامرأة: يا زانية أنا زنيت بك، وجب عليه حد القاذف لقذفه ولم
يجب عليه شئ فيما ذكرناه عن نفسه من الزنى إلا أن يقر أربع مرات فيجب حينئذ
عليه حد الزنى.
وإذا قال لولده: قد زنيت، أو يا زاني، لم يجب عليه حد، فإن قال له: يا بن
الزانية، ولم ينتف منه كان عليه الحد لزوجته - أم المقذوف - إن كانت حية
وإن كانت ميتة وكان وليها ولده لم يكن له المطالبة بالحد، فإن كان له أولاد من
غيره أو قرابة كان المطالبة بالحد، فإن انتفى من ولده كان عليه أن يلاعن أمه، وقد
سلف ذكر كيفية اللعان.
فإن انتفى منه بعد إقراره به كان عليه الحد، وإن كان قذفها بعد اللعان كان
167

عليه الحد أيضا.
وإذا تقاذف اثنان بما يجب الحد فيه لم يجب على واحد منهما حد لصاحبه وكان
عليهما التعزير.
وإذا قال لغيره: يا كشحان، أو يا قرنان، أو يا ديوث، وكان متكلما باللغة
التي يفيد فيها بهذا اللفظ رميه بأخت أو زوجة وكان عالما بفائدة اللفظة عارفا بها
كان عليه الحد، فإن لم يكن عارفا بفائدة اللفظ لم يكن عليه حد القذف، وينظر
في عادته واستعماله هذه اللفظة فإن كان قبيحا غير أنه لا يفيد القذف أدب وعزر،
فإن أفاد غير ذلك في عادته لم يجب عليه شئ.
وإذا قال لغيره: يا فاسق، أو يا خائن، أو يا شارب الخمر، وهو على ظاهر
العدالة لم يجب عليه حد قاذف وكان عليه التأديب.
وإذا قال: حملت بك أمك في حيضها، أو أنت ولد حرام، كان عليه التعزير
ولم يجب عليه حد القذف.
وإذا قال للمسلم: أنت وضيع، أو رفيع، أو مسخ، أو خسيس، أو خنزير أو ما
أشبه ذلك، كان عليه التعزير، فإن كان المقول له كافرا يستحق الاستخفاف
والإهانة لم يجب عليه شئ.
وإذا قال لغيره: يا كافر، وهو على ظاهر الاسلام ضرب ضربا وجيعا، فإن
كان المقول له يجحد فريضة عامة معلومة في شرع الاسلام لم يجب عليه شئ.
وإذا وجه غيره بكلام محتمل للسب وغيره أدب وعزر حتى لا يعرض بأهل
الإيمان، وإذا عيره بشئ من بلاء الله تعالى مثل البرص والجذام والعمى والجنون وما
أشبه ذلك أو أظهر عنه ما هو مستور من بلاء الله تعالى كان عليه التأديب إلا أن
يكون المعير به ضالا كافرا.
وكل لفظ يؤذى به الانسان غيره من المسلمين فإنه يجب على المتكلم به
التعزير.
وإذا نبز انسان مسلما أو اغتابه ويثبت عليه بينة بذلك وجب عليه التأديب،
168

وإذا قال لزوجته بعد دخوله بها: لم أجدك عذراء، كان عليه التعزير.
وإذا سب انسان النبي ص أو أحدا من الأئمة ع
كان عليه القتل وحل لمن سمعه قتله إن لم يخف على نفسه أو على غيره، فإن خاف
على شئ من ذلك أو خاف ضررا يدخل على بعض المؤمنين في الحال أو في
المستقبل فلا يتعرض لقتله ويتركه.
وإذا هجا إنسانا مسلما وجب عليه التأديب، فإن هجا أهل الضلال لم يلزمه
شئ.
وإذا ادعى رجل أنه نبي كان عليه القتل وحل دمه، وإذا قال انسان: لا
أدري النبي صادق أو كاذب وأنا شاك في ذلك وجب قتله إلا أن يقر به.
وإذا أفطر المسلم في شهر رمضان متعمدا من غير عذر يبيحه ذلك كان عليه
التعزير والعقوبة الموجعة، وإن أفطر ثلاثة أيام سئل: هل عليك في ذلك شئ أو
لا؟ فإن قال: لا، كان عليك القتل، وإن قال: نعم، كان عليه من العقوبة ما
يردعه عن مثل ذلك فإن لم يرتدع كان عليه القتل.
وإذا قامت البينة على انسان من المسلمين بالسحر كان عليه القتل، وإن كان
كافرا وجب تأديبه وعقوبته.
وإذا أخطأ مملوك أو صبي أدب بخمس ضربات إلى ست ولا يزاد على
ذلك، وإذا ضرب انسان عبده بما هو حد كان عليه عتقه كفارة لذلك.
وإذا كان المرتد مولودا على فطرة الاسلام وجب قتله من عير استتابة، فإن
تاب لم يكن لأحد عليه سبيل وإن لم يتب قتل على كل حال، والمرتدة عن الاسلام
لا يجب عليها قتل بل تستتاب فإن لم تتب تحبس أبدا وتضرب في أوقات الصلاة
ويضيق عليها في المطعم والمشرب.
وإذا وطأ الرجل زوجته في حيضها وجب ضربة خمسة وعشرون سوطا، فإن
وطأها في شهر رمضان متعمدا كان عليه خمسة وعشرون سوطا، فإن كانت المرأة قد
طاوعته في ذلك كان عليها مثل ذلك، فإن أكرها كان عليه خمسون سوطا، وأما
169

الكفارة التي تلزمها فقد تقدم ذكرها.
وشاهدا الزور يجب أن يؤدبا في قومهما أو في قبيلتهما ويغرما ما أتلفاه بشهادتهما
إن كانا أتلفا شيئا بذلك.
باب حدود المحارب والخناق والنباش والمختلس والمحتال والمبنج:
من كان من أهل الريبة وجرد سلاحا في بر أو بحر أو في بلد أو في غير بلد في
ديار الاسلام أو في ديار الشرك ليلا أو نهارا كان محاربا، فإن قتل ولم يأخذ مالا
كان عليه القتل ولا يجوز لأولياء المقتول العفو عنه على حال فإن عفوا عنه كان على
الإمام قتله، فإن قتل وأخذ مالا كان عليه رد المال أولا ثم يقطع بالسرقة ثم
يقتل بعد ذلك ويصلب، فإن أخذ المال ولم يقتل أحدا ولا جرحه كان عليه القطع ثم
النفي من البلد الذي هو فيه، وإن جرح ولم يأخذ مالا ولا قتل أحدا كان عليه
القصاص والنفي بعد ذلك من البلد الذي فعل فيه ذلك إلى غيره، وإن لم يجرح
ولا أخذ مالا كان عليه النفي كما قدمناه ويكتب إلى البلد الذي ينفى إليه: بأنه منفى
محارب فلا يجالس ولا يبايع ولا يؤاكل ولا يشارب، فإن انتقل إلى بلد آخر غير البلد
الذي نفي إليه كوتب إليه أيضا بذلك ولا يزال يفعل به ما ذكرناه إلى أن يتوب،
فإن قصد بلاد الشرك منع من الدخول إليها، فإن مكنوه من ذلك قوتلوا عليه.
واللص محارب، فإن دخل على انسان كان له أن يدافعه عن نفسه ويقاتله، فإن
أدى ذلك إلى قتله لم يكن عليه شئ وكان دمه هدرا.
وإذا قطع الطريق جماعة وأقروا بذلك كان حكمهم ما قدمناه، فإن لم يقروا
وقامت البينة عليهم بذلك كان حكمهم كما تقدم أيضا.
وإذا شهد شاهدان على أن هؤلاء قطعوا الطريق علينا وعلى القافلة وأخذوا متاعا
لم يلتفت إلى هذه الشهادة ولم تقبل في حق أنفسهما لأنهما شهدا لأنفسهما - ولم
تقبل شهادة الانسان لنفسه - ولا تقبل شهادتهما للقافلة أيضا لأنهما قد أبانا عن
العداوة، وشهادة العدو غير مقبولة على عدوه.
170

وإذا شهد بعض اللصوص على بعض لم تقبل شهادتهم، وكذلك إن شهد الذين
أخذت أموالهم بعض منهم لبعض لم تقبل شهادتهم وشهادة غيرهم مقبولة في ذلك.
وأما الخناق فإن عليه القتل بعد أن يسترجع منه ما أخذه ويرد على صاحبه، فإن
لم يوجد ذلك الشئ بعينه غرم قيمته أو أرش ما عيناه نقص من ثمنه إلا أن يعفو
عنه صاحبه.
وأما النباش فإنه إذا نبش القبر وأخذ كفن الميت كان عليه القطع كما يكون
على السارق سواء، فإن نبش القبر ولم يأخذ منه شيئا أدب وغلظت عقوبته ولم
يكن عليه قطع على حال، فإن تكرر الفعل منه ولم يؤدبه الإمام كان له قتله ليرتدع
غيره في المستقبل عن مثل ذلك.
وأما المختلس فهو الذي يستلب الشئ من الطرق والشوارع ظاهرا، فإذا فعل
شيئا من ذلك وجب أن يعاقب عقوبة يرتدعه عن مثل ما فعله وذلك يكون بحسب
ما يراه الإمام أصلح وأردع، ولا يجب عليه قطع في ذلك على وجه من الوجوه.
وأما المحتال فهو الذي يتحيل على أخذ أموال الناس بالخديعة والمكر وشهادات
الزور وتزوير الكتب في الرسائل الكاذبة وما جرى مجرى ذلك، فإذا فعل شيئا من
ذلك كان عليه التأديب وينبغي للإمام أن يعاقبه عقوبة تردعه عن فعل مثل ذلك في
المستقبل ويغرم ما أخذه على كماله.
وأما المبنج فإنه متى بنج غيره بشئ سقاه أو أطعمه حتى سكر منه وأخذ ماله
وجب أن يعاقبه الإمام بحسب ما يراه ويسترجع منه ما أخذه، فإن جنى الإسكار
والبنج على ذلك الانسان جناية كان عليه ضمان ما جناه.
171

فقه القرآن
لسعيد بن عبد الله بن الحسين بن هبة الله بن الحسين الراوندي
المتوفى 573 ه‍ ق
173

كتاب الحدود
الحد في أصل اللغة المنع، وحد العاصي سمي به لأنه شئ يمنعه عن المعاودة.
والحدود في الشريعة معروفة موضوعة للعصاة لا يجوز أن يتجاوز عنها وقد أمر الله بها
في أشياء مخصوصة، ونحن نذكر جميع وجوها ونفصل أحكامها بابا بابا إنشاء الله تعالى.
وقال أبو عبد الله ع: إن في كتاب أمير المؤمنين ع: أنه كان يضرب
بالسوط وبنصف السوط وببعض السوط - يعني الحدود - إذا أتى بغلام أو جارية لم يدركا ولم
يكن يبطل حدا من حدود الله، قيل له: كيف كان يضرب ببعضه؟ قال: كان يأخذ السوط
بيده من وسطه فيضرب به أو من ثلثه فيضرب به على قدر أسنانهم كذلك يضربهم بالسوط
ولا يبطل حدا من حدود الله.
وقال: قال ع: إن الله حد حدودا فلا تعتدوها وفرض فرائض فلا تنقصوها
وسكت عن أشياء ولم يسكت عنها نسيانا لها فلا تتكلفوها رحمة من الله تعالى لكم
فاقبلوها.
فصل:
قال الله تعالى: واللاتي يأتين الفاحشة من نساءكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم
175

فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا.
شرع الله تعالى في بدء الاسلام إذا زنت الثيب أن تحبس حتى تموت والبكر أن تؤذي
وتوبخ حتى تتوب، ثم نسخ هذا الحكم فأوجب على الثيب الرجم وعلى البكر جلد مائة.
وروى عبادة بن الصامت أن النبي ع قال: خذوا عني قد جعل الله لهن
سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم.
وقيل: المراد بالآية الأولى الثيب وبالثانية البكر، بدلالة أنه أضاف النساء إلينا في الأولى
فقال: والآتي يأتين الفاحشة من نساءكم، فكانت إضافة زوجية لأنه لو أراد غير الزوجات
لقال من النساء، ولا فائدة للزوجية ههنا إلا أنها ثيب.
وقال أكثر المفسرين: إن هذه الآية منسوخة، لأنه كان الفرض الأول أن المرأة إذا زنت
وقامت عليها البينة بذلك أربعة شهود أن تحبس في البيت أبدا حتى تموت ثم نسخ ذلك
بالرجم في المحصنين والجلد في البكرين.
فصل:
وقوله: أو يجعل الله لهن سبيلا، قال ابن عباس: معنى السبيل أنه الجلد للبكر مائة
وللثيب المحصن الرجم.
وقوله: يأتين الفاحشة، أي بالفاحشة فحذف الباء كما يقولون: أتيت أمرا عظيما، أي
بأمر عظيم.
وقال أبو مسلم: واللاتي يأتين الفاحشة، هي المرأة تخلو بالمرأة في الفاحشة المذكورة
عنهن " أو يجعل الله لهن سبيلا " بالتزويج والاستغناء بالنكاح، وهذا خلاف ما عليه
المفسرون لأنهم متفقون على أن الفاحشة المذكورة في الآية هي الزنى، وهو المروي عن أبي
جعفر وأبي عبد الله ع.
ولما نزل قوله: الزانية والزاني، قال النبي ص: قد جعل الله لهن سبيلا
البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب الجلد ثم الرجم.
قال الحسن وقتادة: إذا جلد البكر فإنه ينفى سنة، وهو مذهبنا.
176

وقال الجبائي: النفي يجوز من طريق اجتهاد الإمام وأما من وجب عليه الجلد والرجم
فإنه يجلد أولا ثم يرجم، وأكثر الفقهاء على أنهما لا يجتمعان في الشيخ الزاني المحصن
أيضا.
وثبوت الرجم معلوم من جهة التواتر لا يختلج فيه شك ولا اعتداد بخلاف الخوارج
فيه.
وأما قوله: واللذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما المعنى
بقوله: " اللذان " فيه ثلاثة أقوال أقواها ما قال الحسن وعطاء: إنهما الرجل والمرأة، وقال
السدي وابن زيد: هما البكران من الرجال والنساء، وقال مجاهد: هما الرجلان الزانيان.
قال الرماني: قول مجاهد لا يصح لأنه لو كان كذلك لكان للتثنية معنى لأنه إنما يجئ
الوعد والوعيد بلفظ الجمع لأنه لكل واحد منهم أو بلفظ الواحد لدلالته على الجنس الذي
يعمهم جميعهم وأما التثنية فلا فائدة فيها، والأول أظهر.
وقال أبو مسلم: هما الرجلان يخلوان في الفاحشة بينهما.
والذي عليه جمهور المفسرين أن الفاحشة هي الزنى ههنا وأن الحكم المذكور في هذه
الآية منسوخ بالحد المفروض في سورة النور، وبعضهم قال: نسخها الحدود بالرجم أو الجلد.
وقوله تعالى: فآذوهما، قيل في معناه قولان: أحدهما قول ابن عباس وهو: التعيير
باللسان والضرب بالنعال، وقال مجاهد: هو التوبيخ.
فإن قيل: كيف ذكر الأذى بعد الحبس؟
قلنا: فيه ثلاثة أوجه: أحدها:
قول الحسن: إن هذه الآية نزلت أولا ثم أمر بأن يوضع في التلاوة بعد مكان
الأذى أولا ثم الحبس ثم بعد ذلك نسخ الحبس بالجلد أو الرجم.
الثاني: قال السدي: إنه في البكرين خاصة دون الثيبين والأولى في الثيبين دون البكرين.
الثالث: قول الفراء: إن هذه الآية نسخت الأولى.
وقال الجبائي: في الآية دلالة على نسخ القرآن بالسنة المقطوع بها لأنها نسخت
بالرجم أو الجلد والرجم ثبت بالسنة ومن خالف في ذلك يقول: هذه الآية نسخت بالجلد في
الزنى وأضيف إليه الرجم زيادة لا نسخا، ولم يثبت نسخ القرآن بالسنة.
177

وأما الأذى المذكور في الآية فليس بمنسوخ فإن الزاني يؤذى ويوبخ على فعله ويذم،
وإنما لا يقتصر عليه فزيد في الأذى إقامة الحد عليه، وإنما نسخ الاقتصار عليه.
وروي أن امرأة أتت عمر فقالت: إني فجرت فأقم على حد الله، فأمر برجمها وكان
أمير المؤمنين ع حاضرا فقال: له سلها كيف فجرت، قالت: كنت في فلاة من
الأرض أصابني عطش شديد فرفعت لي خيمة فأتيتها فأصبت فيها أعرابيا فسألته الماء
فأبى على أن يسقيني إلا أن أمكنه من نفسي فوليت منه هاربة فاشتد في العطش حتى غارت
عيناي فلما بلغ مني أتيته فسقاني ووقع علي، فقال ع: هذه التي قال الله تعالى:
فمن اضطر غير باع ولا عاد فلا إثم عليه، هذه غير باغية ولا عادية، فخلى سبيلها.
فصل:
أما قوله: الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة... الآية، فإن حكم الزنى
لا يثبت إلا بشيئين:
أحدهما: بإقرار الفاعل بذلك على نفسه مع كمال عقله من غير إجبار أربع مرات في أربع
مجالس، فلو أقر بالوطئ في الفرج أربعا حكم له بالزنى وإن أقر أقل من ذلك كان عليه
التعزيز.
والثاني: قيام البينة بالزنى وهو أن يشهد أربعة عدول على مكلف بأنه وطئ امرأة ليس
بينه وبينها عقد ولا شبهة عقد وشاهدوا وطئها في الفرج، فإذا شهدوا كذلك قبلت شهادتهم
وحكم عليه بالزنى ووجب عليه ما يجب على فاعله من أي قسم كان على ما ذكرناه.
أمر الله في هذه الآية أن يجلد الزاني والزانية إذا لم يكونا محصنين كل واحد منهما مائة
جلدة، وإذا كانا محصنين أو أحدهما كان على المحصن الرجم بلا خلاف.
وعندنا: أنه يجلد أولا مائة جلدة ثم يرجم وفي أصحابنا من خص ذلك بالشيخ
والشيخة إذا زنيا وكانا محصنين كما ذكرناه، فأما إذا كانا شابين محصنين لم يكن عليهما
غير الرجم، وهو قول مسروق.
والإحصان الذي يوجب الرجم هو: أن يكون له زوج يغدو إليه ويروح على وجه
178

الدوام وكان حرا، فأما العبد فلا يكون محصنا وكذا الأمة لا تكون محصنة وإنما عليهما
نصف الحد خمسون جلدة.
والحر متى كان عنده زوجة سواء كانت حرة أو أمة يتمكن من وطئها مخلي بينه وبينها
أو كانت هذه أمة يطأها بملك اليمين فإنه متى زنى وجب عليه الرجم.
ومن كان غائبا عن زوجته شهرا فصاعدا أو كان محبوسا أو هي محبوسة هذه المدة
فلا إحصان، ومن كان محصنا على ما قدمناه وقد ماتت زوجته أو طلقها بطل إحصانه.
فصل:
وقد استدل بعض المفسرين على الرجم حيث يجب الرجم وعلى القتل حيث يجب
القتل في الزنى من الكتاب فإن الله تعالى وضع قوله: ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة، في
الأنعام وبني إسرائيل بين قوله: ولا تقتلوا أولادكم، وقوله: ولا تقتلوا النفس التي حرم الله
إلا بالحق، إشارة إلى ذلك لأن الحق الذي يستباح به قتل النفس في الشريعة الكفر بعد الإيمان
وقود النفس الحرام والزنى بعد الإحصان.
وما ذكرنا من: أنه يجمع على الزاني المحصن الجلد والرجم يبدأ بالجلد ويثني بالرجم،
ودليلنا عليه إجماع الطائفة المحقة فإنه لا خلاف في استحقاق المحصن الرجم وإنما
الخلاف في استحقاقه الجلد.
والذي يدل على استحقاقه إياه قوله تعالى: الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما
مائة جلدة، والمحصن يدخل تحت هذا الاسم فيجب أن يكون مستحقا للجلد وكأنه
تعالى قال: اجلدوهما لأجل زناهما، وإذا كان الزنى علة في استحقاق الحد وجب في
المحصن كما وجب في غيره، واستحقاقه الرجم غير مناف لاستحقاقه الجلد لأن استحقاق
الحدين لا يتنافى واجتماع الاستحقاقين لا يتناقض. ولا تحمل هذه الآية على الانكار لأنه
تخصيص بغير دليل.
والخطاب بهذه الآية وإن كان متوجها إلى الجماعة فالمراد به الأمة بلا خلاف لأن إقامة
الحد ليس لأحد إلا للإمام أو لمن نصبه الإمام، فإذا كان الذي من وجب عليه الرجم قد قامت
179

عليه بينة كان أول من يرجمه الشهود ثم الإمام ثم الناس. وليس كل وطء حرام زنا لأنه قد
يطأ في الحيض والنفاس وهو حرام ولا يكون زنا، وكذا لو وجد امرأة على فراشه فظنها
زوجته أو أمته فوطئها لم يكن ذلك زنا لأنه شبهة، على أنه روي: إذا وطأها من غير تحرز يقام
عليه الحد سرا وعليها جهرا، ويمكن الجمع بين الروايتين.
فصل:
قوله تعالى: ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر، معناه
لا تمنعكم الرحمة من إقامة الحد، وقال الحسن: لا يمنعكم ذلك من الجلد الشديد، أي إن
كنتم تصدقون بما وعد الله وتوعد عليه وتقرون بالبعث والنشور فلا يأخذكم فيما ذكر ذكره
الرأفة ولا يمنعكم من إقامة الحد على ما ذكرناه، فمن وجب عليه الجلد فاجلدوه مائة جلدة
كأشد ما يكون من الضرب ويفرق الضرب على بدنه ويبقى الوجه والرأس والفرج.
والرجم يكون بأحجار صغار ويكون الرجم من وراء المرجوم لئلا يصيب وجهه من
ذلك شئ، وينبغي أن يشعر الناس بالحضور ثم يجلد بمحضر منهم لينزجروا عن مواقعة
مثله، قال تعالى: وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين.
قال عكرمة: الطائفة رجلان فصاعدا، وقال قتادة والأزهري: هم ثلاثة فصاعدا،
وقال ابن زيد: أقله أربعة، وقال الجبائي: من زعم أن الطائفة أقل من ثلاثة فقد غلط من
جهة اللغة، وقال ليس لأحد أن يقيم الحد إلا الأئمة وولاتهم ومن خالف فيه فقد غلط كما أنه
ليس للشاهد أن يقيم الحد.
وقد دخل المحصن في حكم الآية بلا خلاف، وكان سيبويه يذهب إلى: أن التأويل
فيما فرض عليكم الزانية والزاني ولولا ذلك لنصب بالأمر، وقال المبرد: إذا رفعته ففيه معنى
الجزاء ولذلك دخل الفاء في الخبر والتقدير: التي تزني والذي يزني، ومعناه من زنى فاجلدوا
فيكون على ذلك عاما في الجنس.
ثم قال: الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة، إلى قوله: وحرم ذلك على المؤمنين، قيل:
المراد بقوله " ينكح " يجامع، والمعنى: أن الزاني لا يزني إلا بزانية والزانية لا يزني بها إلا زان،
180

وجملة ما في هذه الآية تحريم الزنى.
وقال الحسن: رجم النبي ع الثيب وأراد عمر أن يكتبه في آخر المصحف ثم
تركه لئلا يتوهم أنه من القرآن.
وقال قوم: إنه من القرآن وإن ذلك منسوخ التلاوة دون الحكم.
وعن أمير المؤمنين ع: أن المحصن يجلد مائة جلدة ثم يرجم بالسنة وأنه
أمر بذلك.
فصل:
ومما يكشف عن ذلك قوله عز وجل: يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في
الكفر، إلى قوله: يحرفون الكلم من بعد مواضعه يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه
فاحذروا.
وقال ابن عباس: أي أرسلوا بهم، في قضية زان محصن فقالوا لهم: إن أفتاكم محمد
ع بالجلد فخذوه وإن أفتاكم بالرجم فلا تقبلوه، لأنهم قد كانوا حرفوا حكم الحد
الذي في التوراة إلى جلد أربعين وتسويد الوجه والإشهار على حمار.
وقال أبو جعفر ع: إن امرأة من خيبر في شرف منهم زنت وهي محصنة
فكرهوا رجمها فأرسلوا إلى يهود المدينة يسألون محمدا ع طمعا أن يكون أتى
برخصة فسألوا فقال: هل ترضون بقضائي؟ قالوا: نعم، فأنزل الله عليهم الرجم فأبوه
فقال جبريل: سلهم عن ابن صوريا ثم اجعله بينك وبينهم، فقال ع: تعرفون ابن
صوريا؟ قالوا: نعم هو أعلم يهودي، فأرسلوا إليه فأتى فقال له رسول الله ع:
أنشدك الله هل تجدون في كتابكم الذي جاء به موسى الرجم على من أحصن؟ قال عبد
الله بن صوريا: نعم والذي ذكرتني لولا مخافتي من رب التوراة أن يهلكني إن كتمت
ما اعترفت لك به، فأنزل الله فيه: يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم
تخفون من الكتاب ويعفوا عن كثير، فقام ابن صوريا وسأله أن يذكر الكثير الذي أمر أن
يعفو عنه فأعرض ع عن ذلك.
181

قال أهل التفسير: سماعون للكذب، قابلون له كما يقال: لا تسمع من فلان، أي
لا تقبل منه.
وقيل: قال المنافقون لليهود: إن أمركم محمد ع بالجلد فخذوه واجلدوا وإن
أمركم بالرجم فلا تقبلوا وسلاه عن ذلك بقوله تعالى: لا يحزنك الذين يسارعون... الآية،
نهى الله تعالى نبيه ع أن يحزنه الذين يبادرون في الكفر من المنافقين ومن اليهود.
ورفع قوله: سماعون، فيه قولان:
قال سيبويه: هو ابتداء والخبر " من الذين هادوا "، الثاني قال الزجاج: هو رفع على أنه
خبر مبتدأ وتقديره: المنافقون هم اليهود سماعون للكذب.
وفي معناه قولان: أحدهما سماعون كلامك للكذب عليك سماعون كلامك لقوم آخرين لم يأتوك
ليكذبوا عليك إذا رجعوا إليهم أي هم عيون عليك، وقيل: إنهم كانوا رسل أهل خيبر وأهل خيبر
لم يحضروا فلهذا جالسوك.
باب غير المسلم يفجر بالمسلم:
روى جعفر بن رزق الله: أن المتوكل بعث إلى أبي الحسن علي بن محمد العسكري
ع من سأله عن نصراني فجر بامرأة مسلمة فلما أخذ ليقام عليه الحد أسلم،
فأجاب ع: إن الحكم فيه أن يضرب حتى يموت لأن الله عز وجل يقول: فلما رأوا
بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا
سنة الله التي قد خلت في عباده.
باب الحد في اللواط والسحق:
قال الله تعالى: واللاتي يأتين الفاحشة من نساءكم، قال محمد بن بحر: هذه الآية في
182

الساحقات، وقوله تعالى: واللذان يأتيانها منكم فآذوهما، في أهل اللواط.
وأجمع السلف والخلف ما خلاه على: أن الآيتين في الزناة والزواني وأن هذين الحكمين
كانا في أول الاسلام ثم نسخا بحكم الجلد والرجم.
ثم اعلم أن اللواطي إذا أوقب في الدبر يجب فيه القتل من غير مراعاة للإحصان
فيه، والذي يقوى ذلك أن الحدود إنما وضعت في الشريعة للزجر عن فعل الفواحش
والجنايات وكلما كان الفعل أفحش كان الزجر أقوى، ولا خلاف في أن اللواط أفحش من
الزنى والكتاب ينطق بذلك فيجب أن يكون الزجر أقوى وليس هذا بقياس لكنه ضرب من
الاستدلال، وربما قيل: إن اللواط أفحش من الزنى لأنه إصابة لفرج لا يستباح إصابته وليس
كذلك الزنى، على أنه ليس يلزمنا تعليل الأحكام الشرعية، فمتى نص الله على حكم في
كتابة أو على لسان نبيه ع فنحن نتلقاه بالقبول.
وعن محمد بن أبي حمزة وهشام وحفص عن أبي عبد الله ع أنه: دخل عليه
نسوة فسألته امرأة منهن عن السحق، فقال: حدها الزاني، فقالت المرأة: ما ذكر الله ذلك في
القرآن، فقال: بلى، فقالت: وأين؟ قال: هن أصحاب الرس.
فإذا ساحقت المرأة أخرى وجب على كل واحدة منهما مائة جلدة حدا، وإن كانتا
محصنتين كان على كل واحدة منهما الرجم.
ويثبت الحكم فيه بقيام البينة وهي شهادة أربعة عدول أو إقرار المرأة على نفسها أربع
مرات دفعة بعد أخرى من غير إكراه مع كمال عقلها.
وأما اللواط - وهو الفجور بالذكران - فيثبت فيه الحد بإقرار المرء على نفسه فاعلا كان
أو مفعولا أربع مرات على ما ذكرناه أو قيام البينة يشهدون على الفاعل والمفعول به في الفعل
ويدعون المشاهدة كالميل في المكحلة كما هو في الزنى.
ومن ثبت عليه حكم اللواط بفعله الإيقاب كان حده أحد خمسة أشياء: إما أن يرمى من
مكان عال أو يرمى عليه جدار أو تضرب رقبته أو يرجم أو يحرق بالنار، وإن أقيم عليه الحد
بأحد الأربعة ثم يحرق جاز ذلك تغليظا وتهييبا للعقوبة وتعظيما لها.
والجامع بين الفاجرين يجب عليه ثلاثة أرباع حد الزاني.
183

باب الحد في شرب الخمر:
من شرب شيئا من المسكر قليلا أو كثيرا وجب عليه الحد ثمانون جلدة حد
المفتري.
وقد ذكرنا في باب تحريم الخمر أن قدامة بن مظعون شرب الخمر فلما أراد عمر أن يحده
قال له قدامة: لا يجب على الحد فإن الله يقول: ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات
جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا، فدرأ عنه الحد فقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب
ع: أقم على قدامة الحد، فلم يدر عمر كيف يحده فقال لأمير المؤمنين ع:
أشر على في حده، فقال: حده ثمانين، إن شارب الخمر إذا شربها سكر وإذا سكر
هذى وإذا هذى افترى قال الله تعالى: والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء
فاجلدوهم ثمانين جلدة، فجلده عمر ثمانين.
وقد كان عثمان بن عفان يرى في حد شرب الخمر أربعين جلدة، فشرب بعض أقاربه
في عهده وشهد عليه شاهدا عدل فأشار إلى أمير المؤمنين ع بضربه فضربه بدرة
لها رأسان أربعين جلدة فكانت ثمانين وليس هذا الحد حملا على حد القذف، ولم يكن
ما ذكره لعمر اجتهادا من أمير المؤمنين ع وإنما أومأ إلى بعض ما سمعه من النبي
ع في وجه ذلك.
ومن شرب الخمر مستحلا لها حل دمه إذا استتيب كما هو الواجب ولم يتب، فإن تاب
أقيم عليه حد الشرب.
وشارب المسكر يجلد عريانا على ظهره وكتفيه.
وأتى برجل بعد وفاة النبي ص قد شرب الخمر وأقر بذلك فقيل له: لم
شربتها وهي محرمة؟ قال: أسلمت ومنزلي بين ظهراني قوم يشربون الخمر ويستحلونها
ولم أعلم أنها حرام، فلم يدر أحد منهم ما الحكم في ذلك فقال أمير المؤمنين ع:
ابعثوا به من يدور به على مجالس المهاجرين والأنصار فمن تلا عليه آية التحريم، فليشهد
عليه وإن لم يكن أحد تلا عليه آية التحريم فلا شئ عليه، ففعل بالرجل ما قاله فلم يشهد
184

عليه أحد فخلى سبيله، فقال سلمان: يا أمير المؤمنين لقد أرشدتهم، فقال ع: إنما
أردت أن أجدد تأكيد هذه الآية في وفيهم: أ فمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أم من لا يهدي
إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون.
باب الحد في السرقة:
قال الله تعالى: والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما.
ظاهر الآية يقتضي وجوب القطع على كل من يكون سارقا أو سارقة لأن الألف واللام
إذا دخلا على الأسماء المشتقة أفاد الاستغراق إذا لم يكونا للعهد دون تعريف الجنس على
ما ذهب إليه قوم، وقد دل على ذلك في كتب أصول الفقه.
فأما من قال: القطع لا يجب إلا على من كان سارقا مخصوصا من مكان مخصوص
مقدارا مخصوصا وظاهر الآية لا ينبئ عن تلك الشروط فيجب أن تكون الآية مجملة
مفتقرة إلى بيان، فقوله فاسد لأن ظاهر الآية يقتضي وجوب القطع على كل من يسمى سارقا
وإنما نحتاج إلى معرفة الشروط ليخرج من جملتهم من لا يجب قطعه، فأما من نقطعه فإنما
نقطعه بالظاهر، فالآية مجملة في من لا يجب قطعه دون من يجب قطعه فسقط ما قالوه.
وقال ابن جرير: الظاهر يوجب أن يقطع من سرق كائنا ما كان إلا أنه صح عن النبي
ع أنه قال: القطع في ربع دينار فصاعدا.
وقوله تعالى: فاقطعوا أيديهما، أمر من الله بقطع أيدي السارق والسارقة، والمعنى:
أيمانها، وإنما جمعت الأيدي لأن كل شئ من شيئين فتثنيته بلفظ الجمع كما قال تعالى: فقد
صغت قلوبكما، ويمكن أن يقال: إن في جمع أيديهما هنا إشارة إلى من سرق وليس له اليمنى
بل كانت قطعت في القصاص أو غير ذلك كانت له اليسرى قطعت له اليسرى.
ونحن إنما اعتبرنا قطع الأيمان لإجماع المفسرين عليه ولقراءة ابن مسعود: والسارقون
والسارقات فاقطعوا أيمانهما.
185

فصل: وكيفية القطع عندنا يجب من أصول الأصابع الأربعة ويترك الإبهام والكف وهو
المشهور عن أمير المؤمنين ع، وقال أكثر الفقهاء إنه تقطع من المفصل من الكف
والساعد، وقالت الخوارج: تقطع من الكف.
وأما الرجل فعندنا تقطع الأصابع الأربع من مشط القدم ويترك الإبهام والعقب، دليلنا
إنما قلناه مجمع على وجوب قطعه وما قالوه ليس عليه دليل.
واليد يقع على جميع اليد إلى الكتف ولا يجب قطعه إليه بلا خلاف إلا ما حكيناه عمن
لا يعتد به، وقد استدل عليه قوم من أصحابنا بقوله تعالى: فويل للذين يكتبون الكتاب
بأيديهم، قالوا: إنما يكتبونه بالأصابع، والمعتمد ما قلناه.
على أنه يمكن أن يستدل على ذلك بقوله تعالى: وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء،
معلوم بإجماع المفسرين على أن النور ما كان في أكثر من أربع أصابع موسى
ويستدل على وجه آخر على أنه يجب قطع يد السارق من أصول الأصابع ويبقى له
الراحة والإبهام.
وفي السرقة الثانية يجب قطع رجله من صدر القدم ويبقى له الراحة وهو أنا
نقول: إن الله أمر بقطع يد السارق بظاهر الكتاب واسم اليد يقع على هذا العضو من أوله
إلى آخره ويتناول كل بعض منه، ألا ترى أنهم يسمون من عالج شيئا بأصابعه أنه قد فعل
شيئا بيده، قال تعالى: فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم، وآية الطهارة تتضمن التسمية
باليد إلى المرفق، فإذا وقع اسم اليد على هذه المواضع كلها وأمر الله بقطع يد السارق ولم
ينضم إلى ذلك بيان مقطوع عليه في موضع القطع وجب الاقتصار على أقل ما يتناوله
الاسم لأن القطع والإتلاف محظورا عقلا، فإذا أمر الله تعالى به ولا بيان وجب الاقتصار على
أقل ما يتناوله الاسم وأقل ما يتناوله الاسم مما وقع الخلاف فيه هو ما ذهبت إليه الإمامية.
فإن قيل: هذا يقتضي أن يقتصر على قطع أطراف الأصابع ولا يوجب أن يقطع من
أصولها.
قلنا: الظاهر يقتضي ذلك والإجماع منع منه، وقد روى الناس كلهم: أن أمير المؤمنين
ع قطع من الموضع الذي ذكرناه، ولم يعرف له مخالف في الحال ولا منازع وكان
186

ع يقول: إني لأكره أن تدركه التوبة فيحتج على عند الله أني لم أدع له من كرائم
بدنه ما يركع به ويسجد.
وإذا اشترك نفسان أو جماعة في سرقة ما يبلغ النصاب من حرز قطع جميعهم لأن
قوله: والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما، ظاهره يقتضي أن القطع إنما وجب بالسرقة
المخصوصة وكل واحد من الجماعة يستحق هذا الاسم فيجب أن يستحق القطع.
فصل:
والنصاب الذي يتعلق القطع به قيل فيه ستة أقوال:
أولها: مذهبنا، وهو ربع دينار، وبه قال الشافعي والأوزاعي لما روي عن النبي ص
أنه قال: القطع في ربع دينار.
الثاني: ثلاثة دراهم وهو قيمة المجن، ذهب إليه مالك بن أنس.
الثالث: خمسة دراهم، رووا ذلك عن أمير المؤمنين ع وعن عمر أنهما قالا:
لا يقطع إلا في خمسة دراهم، وهو اختيار أبي على، قال: لأنه بمنزلة من منع خمسة دراهم من
الزكاة في أنه فاسق.
الرابع: قال الحسن: يقطع في درهم لأن ما دونه تافة.
الخامس: قال أبو حنيفة: خمسة دراهم، وقد روى أصحابه: لأنه كان قيمة المجن.
السادس: قال أصحاب الظاهر: يقطع في القليل والكثير.
ولا يقطع إلا من سرق من حرز، والحرز مختلف فلكل شئ حرز يعتبر فيه حرز مثله في
العادة، وحده أصحابنا: بأنه كل موضع لم يكن لغيره الدخول إليه والتصرف فيه إلا باذنه
فهو حرز.
قال الجبائي: الحرز أن يكون في بيت أو دار مغلق عليه وله من يراعيه و يحفظه.
ومن سرق من غير حرز لا يجب عليه القطع، قال الرماني: لأنه لا يسمى سارقا حقيقة
وإنما يقال ذلك مجازا كما يقال: سارق كلمة أو معنى في شعر، لأنه لا يطلق على هذا الاسم
سارق على كل حال، وقال داود: يقطع إذا سرق من غير حرز.
187

فعلى هذا السارق الذي يجب عليه القطع هو: الذي يسرق من حرز ربع دينار
فصاعدا أو ما قيمته كذلك ويكون كامل العقل والشبهة عنه مرتفعة حرا كان أو عبدا مسلما
كان أو كافرا.
وإذا سرق نفسان فصاعدا ما قيمته ربع دينار من حرز وجب عليهما القطع، فإن انفرد
كل واحد منهما ببعضه لم يجب عليهما القطع لأنه قد نقص عن المقدار الذي يجب فيه القطع
وكان عليهما التعزير، ويمكن أن يستدل عليه من الآية.
ومن ترك القياس العقلي الذي هو جائز وهو الأصول واشتغل بالقياس الشرعي
الذي هو محظور وهو الفروع إذ لا دليل على ثبوته في الشرع وإن جاز خبط خبط عشواء،
فلينظروا إلى الملحد الملهد أعمى البصر والبصيرة ضل عن حكمة الله بجهله فرآها
مناقضة ثم نظم خبث عقيدته لصفاقة وجهه وقلة مبالاته بالدين فقال:
يد بخمس مائين من عسجد فديت ما بالها قطعت في ربع دينار
تناقض ما لنا إلا السكوت له نعوذ بالله مولانا من النار
وقد كان الأئمة المعصومون ع كشفوا وجه الحكمة في ذلك ورووا عن
جدهم النبي الأمي ع ما هو دواء العليل وشفاء الغليل، ونظم السيد الإمام الكبير
أبو الرضا الراوندي رضي الله عنه مجيبا لذلك المعري فقال:
الله قومها تقويم خمس مئي * زجرا لقاطعها يا أيها الزاري
وقد رأى قطعها في الربع مصلحة * كيلا تغل ولا تغري بإضرار
وقد هذى المعري أيضا فقال:
هذا النبي جبريل جادله * بالوحي والله أولى خلقه المنحا
ولي سيوف الأعادي هام شيعته * وكان يكره في أسنانها فلحا
فأجبته وقلت:
يا من تحمل خسرانا وما ربحا * هذا النبي لقد أسدى وقد نصحا
لنصرة الدين سام العز وأمته * وللطهارة فيهم أنكر الفلحا
188

فصل:
أما قوله تعالى: فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه، فإنه سبحانه
أخبر أن من تاب وندم على ما كان منه من بعد الظلم بالسرقة وغيرها فإن الله يقبل توبته
بإسقاط العقاب بها عن المعصية التي تاب منها.
فعلى هذا متى تاب السارق قبل أن يرفع إلى الإمام وظهر ذلك منه ثم قامت عليه البينة
فإنه لا يقطع غير أنه يطالب بالسرقة، وإن تاب بعد قيام البينة وجب قطعه على كل حال.
وروي: أن رجلا جاء إلى أمير المؤمنين ع فأقر بالسرقة فقال له على ع:
أتقرأ شيئا من كتاب الله؟ قال نعم سورة البقرة، فقال: قد وهبت يدك لسورة
البقرة، فقال الأشعث: أ تعطل حدا من حدود الله؟ فقال: وما يدريك ما هذا إذا قامت البينة
فليس للإمام أن يعفو، قال الله تعالى: والحافظون لحدود الله، وإذا أقر الرجل على نفسه
بسرقة فذلك إلى الإمام إن شاء عفا وإن شاء عاقب.
ولا يقطع حتى يقر بالسرقة مرتين وأنه سرق من حرز وكان نصابا، فإن رجع ضمن
السرقة ولم يقطع، وقال الفقهاء إذا قامت البينة على السارق يجب قطعه على كل حال، فإن
كان تاب كان قطعه امتحانا وإن لم يكن تاب كان عقوبة وجزاء.
ومتى قطع فإنه لا يسقط عنه رد السرقة سواء كانت باقية أو هالكة، فإن كانت باقية
ردها بلا خلاف وإن كانت هالكة رد عندنا قيمتها، وقال أبو حنيفة وأصحابه: لا يجب عليه
القطع والغرامة معا فإن قطع سقطت عنه الغرامة وإن غرم سقط القطع.
ومن سرق بعد قطع اليد دفعة ثانية على ما ذكرناه قطعت رجله اليسرى حتى يكون من
خلاف، فإن سرق ثالثة حبس عندنا أبدا، فإن سرق في الحبس قتل، ولا يعتبر ذلك أحد من
الفقهاء.
فظاهر الآية يقتضي وجوب قطع العبد والأمة لتناول اسم السارق والسارقة لهما إذا
سرقا، وصح ذلك عليهما بالبينة دون الإقرار.
وقوله تعالى: جزاء بما كسبا، معناه استحقاقا على فعلهما " نكالا من الله " أي عقوبة منه
على ما فعلاه.
وقال مجاهد: الحد كفارة، وهذا غير صحيح لأن الله تعالى دل على معنى الأمر
189

بالتوبة، وإنما يتوب المذنب من ذنبه والحد من فعل غيره، وأيضا فمتى كان
مصرا كان إقامة الحد عليه عقوبة والعقوبة لا تكفر الخطيئة كما لا يستحق بها الثواب، والتوبة التي
يسقط الله العقاب عندها هي الندم على ما مضى من القبيح أو الإخلال بالواجب والعزم على
ترك الرجوع إلى مثله في القبح.
فإن قيل: قوله تعالى: فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح، هل فعل الصلاح شرط في
قبول التوبة أم لا؟ فإن لم يكن شرطا فلم علق الغفران بمجموعهما؟
قيل له: لا خلاف في أن التوبة متى حصلت على شرائطها فإن الله يقبلها ويسقط
العقاب وإن لم يعمل بعدها عملا صالحا غير أنه إذا تاب وبقي بعد التوبة، فإن لم يعمل
العمل الصالح عاد إلى الإصرار لأنه لا يخلو في كل حال من واجب عليه، فأما إن مات
عقيب التوبة من غير فعل صلاح فإن الرحمة بإسقاط العقاب تلحقه بلا خلاف.
على أن قوله: وأصلح، يمكن أن يكون إشارة إلى العزم على ترك المعاودة مع الندم،
وقال بعض المفسرين: معناه وأصلح أمره بالتقصي عن التبعات ورد السرقة، وهذا من
شرائط صحة التوبة فيه.
وأما رفع قوله تعالى: والسارق والسارقة، فإنه عند سيبويه رفع على تفسير فرض
فيهما يتلى عليكم حكم السارق والسارقة، وقيل: معناه الجزاء، وتقديره: من سرق
فاقطعوه، وله صدر الكلام.
قال الفراء ولو أراد سارقا بعينه لكان النصب الوجه، ويفارق ذلك قولهم: زيدا
فاضربه، لأنه ليس فيه معنى الجزاء والمقصود واحد بعينه، وليس القصد بالسارق واحدا
بعينه وإنما هو كقولك: من سرق فاقطعوا يده، فهو في حكم الجزاء والجزاء له صدر الكلام،
وقال الزجاج: هذا هو القول المختار.
وأجمع العلماء على أن القطع لا يجب على السارق إلا بعد أن يأخذ المال الذي لغيره من
دون إذنه من حرز وهو لا يستحقه.
190

باب حد المحارب:
قال الله تعالى: إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله... الآية.
من جرد السلاح في مصر أو غيره وهو من أهل الريبة على كل حال كان محاربا، وله
خمسة أحوال: فإن قتل ولم يأخذ المال وجب على الإمام أن يقتله وليس لأولياء المقتول العفو
عنه ولا للإمام، وإن قتل وأخذ المال فإنه يقطع بالسرقة ويرد المال ثم يقتل بعد ذلك
ويصلب، وإن أخذ المال ولم يقتل ولم يجرح قطع ثم نفي عن البلد، فإن جرح ولم يأخذ المال
ولم يقتل وجب أن يقتص منه ثم ينفى بعد ذلك، وإن لم يجرح ولم يأخذ المال وجب أن ينفى من
البلد الذي فعل فيه ذلك إلى غيره على ما قدمناه.
وهذا التفصيل يدل عليه قوله تعالى: أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم
من خلاف أو ينفوا من الأرض، واللص أيضا محارب.
وقد أخبر الله في هذه الآية بحكم من يجهر بذلك مغالبا بالسلاح، ثم أتبعه بحكم من
يأتيه في خفاء في قوله تعالى: والسارق والسارقة... الآية.
ومن سرق حرا فباعه وجب عليه القطع لأنه من المفسدين في الأرض.
ودم اللص الذي يدخل على الانسان فيدفعه عن نفسه فيؤدى إلى قتل اللص هدر لم
يكن له قود ولا دية.
باب الحد في الفرية:
قال الله تعالى: والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم
ثمانين جلدة.
قال سعيد بن جبير: هذه الآية نزلت في عائشة، وقال الضحاك: في جميع نساء المؤمنين،
وهذا أولى لأنه أعم فائدة لأن الأولى تدخل أيضا تحته وإن كان يجوز أن يكون سبب نزولها
في عائشة لكن لا تقصر الآية على سببها.
191

قال الحسن: يجلد هذا القاذف وعليه ثيابه، وهو قول أبي جعفر ع.
ويجلد الرجل قائما والمرأة قاعدة، وقال إبراهيم: يرمى عنه ثيابه، وعندنا إنما يرمى
عنه ثيابه إذا كان الحد في الزنى وكان وجد عريانا، فإن وجد وعليه
ثيابه في الزنى يجلد وعليه ثيابه قائما على كل حال.
فإن مات من يجلد من الضرب لم يكن عليه قود ولا دية.
فإذا قال الرجل أو المرأة كافرين كانا أو مسلمين حرين أو عبدين بعد أن يكونا بالغين
لغيره من المسلمين الأحرار البالغين: يا زاني، أو يا لائط، أو ما معناه معنى هذا الكلام، بأي
لغة كانت بعد أن يكون عارفا بموضوعها وبفائدة اللفظ وجب عليه الحد ثمانون وهو حد
القاذف.
فإن قال له: لطت بفلان، كان عليه حدان حد للمواجهة وحد لمن نسبه إليه، والآية
تدل على جميع ذلك.
وقوله تعالى: ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا، ذكرنا في كتاب الشهادات بيانه. والحد حد
المقذوف لا يزول بالتوبة.
وقال بعض المفسرين والفقهاء: إذا كان القاذف عبدا أو أمة كان الحد أربعين جلدة،
وروى أصحابنا: أن هذا الحد ثمانون في الحر والعبد والمسلم والكافر، وظاهر العموم
يقتضي ذلك، وبه قال عمر بن عبد العزيز والقاسم بن عبد الرحمن.
ويثبت الحد في القذف بشهادة شاهدين مسلمين عدلين أو إقرار القاذف على نفسه
مرتين بأنه قذف، ولا يكون الحد فيه كما هو في شرب الخمر وفي الزنى في الشدة بل يكون دون
ذلك، وقد ذكرنا: أن القاذف لا يجرد على حال.
والعفو عن القاذف في جميع الأحوال إلى المقذوف ألا ترى أنه لو قال لغيره: يا بن
الزانية، كانت المطالبة إلى الأم إن كانت حية وإن كانت ميتة ولها وليان أو أكثر وعفا بعضهم
أو أكثرهم كان لمن بقي منهم المطالبة بإقامة الحد عليه على الكمال.
192

فصل:
والقذف على الإطلاق يكون بالزنى وما في معناه ويكون بغير ذلك، والمراد في الآية
قذفهن بالزنى لشيئين: أحدهما ذكر المحصنات عقيب آية الزواني والثاني اشتراط أربعة شهداء.
والقذف بالزنى أن يقول العاقل البالغ لمحصنة أو لمحصن: يا ولد الزنى، أو ما قدمناه،
ففيه الحد.
والقذف بغير الزنى أن يقول: يا آكل الربا، يا شارب الخمر يا فاسق، يا ماص بظر أمه
يا يهودي، يا نصراني، فعليه إذا كان المقذوف على ظاهر العدالة التعزيز فهو ما دون الحد،
وقال الفقهاء: لا يبلغ به أدنى حد العبيد، وقال أبو يوسف: يبلغ به تسعة وتسعون، وللإمام أن
يعزر إلى تسعة وتسعين.
وشروط إحصان القذف: الحرية والبلوغ والإسلام، وزاد بعضهم العقل والعفة. فمتى
قال انسان لمسلم: أمك زانية، وكانت أمه كافرة أو أمة عليه الحد تاما لحرمة ولدها المسلم
الحر، وإن قال لغيره من المماليك أو الكفار: يا بن الزاني، أو يا بن الزانية، وكان أبوا المقذوف
مسلمين أو حرين كان عليه الحد أيضا كاملا لأن الحد لمن لو واجهه بالقذف لكان له الحد تاما.
ثم قال تعالى: إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا
والآخرة، أي أبعدوا من رحمة الله في الدنيا بإقامة الحدود عليهم ورد الشهادة وفي الآخرة
بأليم العقاب، وهذا وعيد عام لجميع المكلفين في قول ابن عباس، ومن قال: الوعيد خاص
في من قذف عائشة، فقوله لا يصح لأن الآية إذا نزلت في سبب لم يجب قصرها عليه كآية
اللعان وآية الظهار ومتى حملت على العموم دخل من قذفها في جملتهم.
وإذا لم يكن المقذوف محصنا يعزر القاذف ولا يحد، وقال الفقهاء: أشد الضرب ضرب
التعزير ثم ضرب الزنى ثم ضرب شرب الخمر ثم ضرب القاذف والله أعلم.
باب الزيادات:
أن قيل: كيف قال " يتوفاهن الموت " والتوفي والموت واحد؟
193

قلنا: يجوز أن يراد حتى يتوفاهن ملائكة الموت كقوله تعالى: الذين تتوفاهم الملائكة أو:
حتى يأخذهن الموت.
" واللاتي يأتين الفاحشة " أي يرهقنها، يقال: أتى الفاحشة وجاءها وغشيها ورهقها،
والفاحشة الزنى لزيادتها في القبح على كثير من القبائح.
وقيل: نزلت هذه الآية في الساحقات وما بعدها في اللواطين.
مسألة:
وقوله تعالى: الزانية والزاني فاجلدوا، الجلد: ضرب الجلد، كما يقال: ظهره ورأسه.
وهذا حكم من ليس بمحصن من الزناة والزواني فإن المحصن حكمه الرجم.
وشرائط الإحصان عند أبي حنيفة ست: الاسلام والحرية والعقل والبلوغ والتزوج
بنكاح صحيح والدخول، وعند الشافعي الاسلام ليس بشرط.
فإن قيل: اللفظ يقتضي تعليق الحكم بجميع الزناة والزواني لأن قوله تعالى: الزانية
والزاني، عام في المحصن وغير المحصن.
قلنا: هما يدلان على الجنسين دلالة مطلقة، والجنسية قائمة في الكل والبعض جميعا
فأيهما قصد المتكلم فلا يطلق إلا عليه كما يفعل بالاسم المشترك، وإنما ابتدأها هنا بذكر
النساء وفي آية السرقة بالرجال للتغليب ولأن الحد بالجلد إنما يجب على الرجل الشاب غير
المحصن إذا زنا وقد طاوعته المرأة، فإن أكرهها وغصب فرجها فإنه يجب ضرب عنقه
البتة.
مسألة:
وقوله تعالى: والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء... الآية.
الذي يقتضيه ظاهرها أن تكون الجمل الثلاث بمجموعهن جزاء الشرط كأنه قيل:
ومن قذف المحصنات فاجلدوهم وردوا شهادتهم وفسقوهم، أي فاجمعوا لهم الجلد والرد
والتفسيق إلا الذين تابوا.
194

مسألة:
عن سليمان بن خالد قلت لأبي عبد الله ع: في القرآن رجم؟ قال: نعم،
قلت: كيف؟ قال: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة فإنهما قضيا الشهوة.
وقد ذكرنا في كتاب الصوم كيفية ذلك في باب النسخ.
مسألة:
وعن حيان بن سدير قال: إن عباد المكي سأل الصادق ع عن رجل زنا
وهو مريض فإن أقيم عليه الحد خافوا عليه أن يموت ما تقول فيه؟ فقال: هذه المسألة من
تلقاء نفسك أو أمرك انسان أن تسأل عنها، فقال: إن سفيان الثوري أمرني أن أسألك عنها،
فقال: إن رسول الله ع أتى برجل أحبن قد استسقى بطنه وبدت عروق فخذيه
وقد زنا بامرأة مريضة فأمر رسول الله ع فأتي بعرجون فيه مائة شمراخ فضربه به
ضربة واحدة وضربها به ضربة واحدة وخلي سبيلهما وذلك قوله تعالى: وخذ بيدك ضغثا
فاضرب به ولا تحنث.
195

غنية النزوع إلى علمي
الأصول والفروع
لحمزة بن علي بن زهرة الحسيني الإسحاقي الحلبي
511 - 585 ه‍ ق
197

كتاب الحدود
فصل في حد الزنى:
متى ثبت الجماع في الفرج على عاقلين مختارين من غير عقد ولا شبهة عقد ولا
ملك يمين ولا شبهة ملك ثبوتا شرعيا فهما زانيان يجب عليهما الحد بلا خلاف.
والزناة على ضروب: منهم من يجب عليه القتل حرا كان أو عبدا محصنا أو غير محصن وعلى كل حال
وهو من زنى بذات محرم له أو وطئها مع العقد عليها والعلم برحمها منه، أو زنى بامرأة
أبيه، أو غصب امرأة على نفسها، أو زنى وهو ذمي بمسلمة، أو زنى وهو حر بكر
رابعة وقد جلد في الثلاثة قبلها، أو زنى وهو عبد ثامنة وقد جلد فيما قبلها من المرات
بدليل إجماع الطائفة.
ويحتج فيها على المخالف بما رووه من قوله ع: من وقع على ذات محرم
فاقتلوه، ولم يفصل وليس لهم أن يحملوا ذلك على المستحل لأنه تخصيص بغير دليل
ولأنه لو أراد ذلك لم يكن لتخصيص ذوات الأرحام بالذكر فائدة، وروى
المخالف أيضا أن رجلا تزوج امرأة أبيه قال أبو بردة: فأمرني النبي ص
أن أقتله.
وغصب المرأة على نفسها أفحش وأغلظ من الزنى مع التراضي وكذا المعاودة للزنا
بعد الجلد ثلاث مرات وسبع مرات لا شبهة في عظم ذنبه وتأكد فحشه فلا يمتنع أن
يكون الحد أغلظ، وفي زنا الذمي بالمسلمة خرق للذمة ومن خرق الذمة فهو مباح
199

القتل بلا خلاف وليس لأحد أن يقول: كيف يقتل من ليس بقاتل لأن المحصن
والمرتد يقتلان بلا خلاف وليسا بقاتلين.
ومن الزناة من يجب عليه الجلد ثم الرجم وهو المحصن إذا كان شيخا أو
شيخة بدليل إجماع الطائفة وأيضا فالرجم لا خلاف فيه إلا من الخوارج وخلافهم
غير معتمد به وقد انقرض وحصل الاجماع على خلافه وإنما الخلاف في لزوم الجلد
مع الرجم وظاهر القرآن يدل عليه، ويحتج فيها على المخالف بما رووه من قوله
ع: والثيب بالثيب جلد مائة والرجم.
ومن الزناة من يجب عليه الرجم فقط وهو كل محصن ليس بشيخ ولا شيخة
بلا خلاف إلا من الخوارج فإنهم أوجبوا الجلد ونفوا أن يجب الرجم في موضع من
المواضع وقد بينا انعقاد الاجماع على خلافه، ومن أصحابنا من قال: يوجب الجلد
هاهنا أيضا مع الرجم، والظاهر من المذهب هو الأول.
ومن الزناة من يجب عليه الجلد ثم النفي عاما إلى مصر آخر وهو الرجل إذا
كان بكرا بدليل إجماع الطائفة، وقد روي من طرق المخالف أنه ع قال:
البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام.
ومن الزناة من يجب عليه الجلد فقط وهو كل من زنى وليس بمحصن ولا بكر
والمرأة إذا كانت بكرة بدليل الاجماع المشار إليه.
ومن الزناة من يجب عليه جلد خمسين فقط وهو العبد أو الأمة سواء كانا
محصنين أو غير محصنين شيخين أو غير شيخين وعلى كل حال.
ومن الزناة من يجب عليه من حد الحر ومن حد العبد بحساب ما تحرر منه
وبقي رقا وهو المكاتب الذي قد تحرر بعضه.
ومن الزناة من يجب عليه التعزير وهو الأب إذا زنى بجارية ابنه كل ذلك
بدليل إجماع الطائفة، وليس لأحد أن ينكر سقوط الحد عن الأب هاهنا مع
اعترافه بسقوط القصاص عنه في القتل لأن من أوجب ذلك في أحد الموضعين وهو
الدليل الشرعي يوجبه في الآخر.
200

والإحصان الموجب للرجم هو أن يكون الزاني بالغا كامل العقل له زوجة
دوام أو ملك يمين سواء كانت الزوجة حرة أو أمة مسلمة أو ذمية - عند من أجاز
نكاح الذمية - ويكون قد وطأها ولا يمنعه من وطئها مستقبلا مانع من سفر أو
حبس أو مرض منها ويعتبر عمن هذه حالة بالثيب أيضا، والبكر هو الذي ليس
بمحصن وقد أملك على امرأة ولم يدخل بها، وحكم المرأة في ذلك كله حكم الرجل
ويدل على ما قلناه الاجماع المشار إليه.
ويثبت حكم الزنى إذا كان الزاني ممن يصح منه القصد إليه سواء كان مكرها
أو سكران، وإن كان مجنونا مطبقا لا يفيق فلا شئ عليه، وإن كان يصح منه
القصد إليه جلد مائة جلدة محصنا كان أو غير محصن إذا ثبت فعله ببينة أو عمله
الإمام ولا يعتد بإقراره، إن كان ممن يفيق ويعقل كان حكمه في حال الإفاقة حكم
العقلاء وسواء في ثبوت الحكم على الزاني كون المزني بها صغيرة أو مجنونة أو ميتة،
ويسقط الحد عنها إن كانت مكرهة أو مجنونة لا تفيق، وإن كانت ممن تفيق
فحكمها في حل الإفاقة حكم العاقلة.
وإذا تاب أحد الزانيين قبل قيام البينة عليه وظهرت توبته وصلاحه سقط
الحد عنه، وكذا إن رجع عن إقراره بالزنى قبل إقامة الحد أو في حاله أو فر منه،
ولا تأثير لفراره إذا كان بعد ثبوت الزنى عليه لا بإقراره.
وإن تاب بعد ثبوت الزنى عليه فللإمام العفو وليس ذلك لغيره، ويحفر
للمرجوم حفيرة يجعل فيها ويرد التراب عليه إلى صدره ولا يرد التراب عليه إن كان
رجمه بإقراره.
وإذا اجتمع الجلد والرجم بدئ بالجلد وأمهل حتى يبرأ من الضرب ثم
رجم ويبدأ الإمام بالرجم فيما يثبت بعمله أو بإقرار ويبدأ الشهود فيما ثبت
بشهادتهم وبعدهم الإمام وبعده من حضره من عدول المسلمين وأخيارهم دون
فساقهم، ويتولى الإمام أو من يأذن له في الجلد إذا ثبت موجبه بعمله أو بإقرار وإن
كان ثبوته بالبينة تولاه الشهود.
201

ويقام الحد على الرجل على الهيئة التي رئي زانيا عليها من عري أو لباس، ولا
يقام الحد في زمان القيظ في الهواجر ولا في زمان القر في السوابر، ويضرب أشد
الضرب على سائر بدنه سوى رأسه وفرجه، ويجلد الرجل قائما والمرأة جالسة قد
شدت عليها ثيابها، ويجوز للسيد إقامة الحد على من ملكت يمينه بغير إذن الإمام ولا
يجوز لغير السيد ذلك إلا باذنه وكل ذلك بدليل إجماع الطائفة عليه وفيه الحجة،
ويحتج فيها على المخالف في السيد بما رووه من قوله ع: أقيموا الحدود على
ما ملكت أيمانكم.
فصل: في حد اللواط والسحق:
اللواط هو فجور الذكران بالذكران وهو على ضربين: إيقاب وما دونه من
التفخيذ. ففي الأول إذا ثبت الثبوت الشرعي قتل الفاعل والمفعول به وفي الثاني
ففي كل واحد منهما مائة جلدة بشرط: كونهما بالغين عاقلين مختارين، ولا فرق في
ذلك بين المحصن والبكر والحر والعبد والمسلم والذمي، والإمام مخير في قتله إن شاء
صبرا أو رجما أو تردية من علو أو إلقاء جدار عليه أو إحراقا له بالنار بدليل إجماع
الطائفة، ويحتج فيها على المخالف بما رووه عن عكرمة عن ابن عباس من قول
النبي ص: من وجدتموه على عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول
به.
والسحق هو فجور الإناث بالإناث، وفيه إذا ثبت جلد مائة لكل واحدة من
الفاعلة والمفعول بها بشرط: البلوغ وكمال العقل والاختيار، ولا فرق بين حصول
الإحصان والحرية والإسلام وارتفاع ذلك، وروي: وجوب الرجم مع الإحصان
هاهنا وفي القسم الثاني من اللوط. وحكم ذلك كله مع الإكراه أو الجنون أو التوبة
قبل ثبوت الفاحشة وبعدها وفي الرجوع عن الإقرار وفي كيفية الجلد ووقته وفي القتل
في المرة الرابعة مثل الذي ذكرناه في الزنى فلا نطول بإعادته وذلك بدليل الاجماع
المشار إليه.
202

فصل: في حد القيادة:
من جمع بين رجل وامرأة أو غلام أو بين امرأتين للفجور فعليه جلد خمسة وسبعين
سوطا رجلا كان أو امرأة حرا أو عبدا مسلما أو ذميا، ويحلق رأس الرجل ويشهر
في المصر ولا يفعل ذلك بالمرأة، وحكم الرجوع عن الإقرار وحكم الفرار والتوبة قبل
ثبوت ذلك وبعده وكيفية إقامة الحدود ووقته ما قدمناه، ومن عاد ثانية جلد ونفي
عن المصر كل ذلك بدليل إجماع الطائفة، وروي: أنه إن عاد ثالثة جلد فإن عاد
رابعة عرضت عليه التوبة فإن أبي قتل وإن أجاب قبلت توبته وجلد فإن عاد خامسة
بعد التوبة قتل من غير أن يستتاب.
فصل: في حد القذف:
من قذف وهو كامل العقل حرا أو حرة بزنى أو لواط حرا كان القاذف أو
مملوكا رجلا أو امرأة فهو مخير بين العفو عنه وبين مطالبته بحق القذف وهو جلد
ثمانين سوطا بدليل إجماع الطائفة وأيضا قوله تعالى: والذين يرمون المحصنات
ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة، ولم يفصل بين العبد وغيره.
وإن كان القاذف ذميا قتل بخروجه من الذمة وسواء في ذلك الصريح من
اللفظ والكناية المفيدة لمعناه، فالصريح لفظ الزنى واللواط والكناية كلفظ القحوبية
والعلوقية والفسق والفجور والقرننة والدياثة وما أشبه ذلك مما يفيد في عرف القاذف
معنى الصريح.
ومن قال لغيره: زنيت بفلانة، فهو قاذف لاثنين وعليه لهما حدان، وكذا لو
قذف جماعة وأفرد كل واحد منهم بلفظ سواء جاؤوا به على الاجتماع أو الانفراد
وقذفهم بلفظ واحد وجاء به كل واحد منهم على الانفراد، فإن جاؤوا به مجتمعين
حد لجميعهم حدا واحدا.
وحد القذف موروث يرثه كل من يرث المال من ذوي الأنساب دون
الأسباب، وإذا طالب أحدهم بالحد وأقيم له سقط حق الباقين، وإذا عفا بعضهم
203

كان لمن لم يعف المطالبة باستيفاء الحد، وإذا لم يكن للمقذوف المتوفى ولي أخذ
بحقه سلطان الاسلام ولم يجز له العفو، ولا يسقط حق القذف بالتوبة على حال
وإنما يسقط بعفو المقذوف أو وليه من ذوي الأنساب خاصة، ويقتل القاذف في
المرة الرابعة إذا حد فيما قبلها من المرات، ويقتل من سب النبي ص
وغيره من الأنبياء أو أحد الأئمة ع وليس على من سمعه فسبق إلى
قتله من غير استئذان بصاحب الأمر سبيل كل ذلك بدليل إجماع الطائفة.
فصل:
والحد في شرب قليل المسكر وكثيره وإن اختلفت أجناسه إذا كان شاربه كامل
العقل حرا كان أو عبدا رجلا كان أو امرأة مسلما أو كافرا متظاهرا بذلك بين
المسلمين ثمانون جلدة بدليل إجماع الطائفة، وقد روي من طرق المخالف: أن النبي
ص جلد شارب الخمر ثمانين، ورووا عن علي ع أنه قال
في شارب الخمر: إذا شرب سكر وإذا سكر هذى وإذا هذى افترى فيجب أن يحد
حد المفتري، ولا مخالف له من الصحابة في ذلك.
ويقتل المعتاد لشرب المسكر في الثالثة وقد حد فيما قبلها بدليل الاجماع المشار
إليه، وحكم شارب الفقاع حكم شارب الخمر بدليل هذا الاجماع وأيضا فقد ثبت
تحريم شربه بما قدمناه فيما مضى وكل من قال بذلك أوجب فيه حكم حد الخمر
والقول بأحد الأمرين دون الآخر خروج عن الاجماع، وحكم التائب من ذلك قبل
ثبوته أو بعده حكم التائب من الزنى وغيره مما يوجب حدا لله تعالى ولا يتعلق به حق
لآدمي وقد تقدم، ويضرب الرجل على ظهره وكتفيه وهو عريان والمرأة في ثيابها.
فصل في حد السرقة:
يجب القطع على من ثبت كونه سارقا بشروط: منها أن يكون مكلفا، ومنها
أن لا يكون والدا من ولده وإن كان غنيا عن ماله ولا عبدا من سيده بلا خلاف،
204

ومنها أن يكون مقدار المسروق ربع دينار فصاعدا أو قيمة ذلك مما يتمول عادة
وشرعا سواء كان محرزا بنفسه وهو الذي إذا ترك لم يفسد كالثياب والحبوب اليابسة
أو لم يكن كذلك كالفواكه واللحوم وسواء كان أصله الإباحة كالخشب والقصب
والطين وما يعمل من الأواني وما يستخرج من المعادن لو لم يكن كذلك كالثياب
والأثاث، ومنها أن يكون المسروق لا حظ ولا شبهة للسارق فيه، ومنها أن يكون
مخرجا من حرز، وروى أصحابنا: أن الحرز في المكان هو الذي لا يجوز لغير مالكه
أو مالك التصرف فيه دخوله إلا بإذن، ويدخل على جميع ذلك إجماع الطائفة
والسارق هو الآخذ على جهة الاستخفاء والتفزع، وعلى هذا ليس على
المنتهب والمختلس والخائن في وديعة أو عارية قطع - خلافا لأحمد - بدليل الاجماع
المشار إليه وأيضا فما اعتبرناه مجمع على وجوب القطع به وليس على وجوبه بما خالفه
دليل.
ويحتج على المخالف بما روي من طرقهم عن جابر من قوله ص:
ليس على المنتهب ولا على المختلس ولا على الخائن قطع، وهذا نص،
ونحتج على المخالف بما اعتبرناه من النصاب بما رووه عن عائشة من قوله ع:
القطع في ربع دينار فصاعدا، وهذا أيضا نص وأيضا فالأصل براءة الذمة
ومن أوجب القطع فيما نقص عما ذكرناه احتاج إلى دليل.
ونحتج على أبي حنيفة في اسقاط القطع بسرقة ما ليس بمحرز بنفسه وما كان
أصله الإباحة سوى الذهب والفضة والياقوت والفيروزج فإنه لم يسقط القطع
بسرقته بقوله تعالى: والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما، لأنه لم يفصل، ولا يجوز
أن يخرج من ذلك إلا ما أخرجه دليل قاطع وبقوله ع: في ربع دينار،
وإنما أراد ما قيمته ذلك بلا خلاف ولم يفرق.
وإذا تكاملت شروط القطع قطعت يمين السارق أول مرة، فإن سرق ثانية
قطعت رجله اليسرى بلا خلاف إلا من عطاء فإنه قال: يده اليسرى، وقد روي
من طرق
205

المخالف عن جابر: أن النبي ص أتى بسارق فقطع يده ثم أتى به
وقد سرق ثانية فقطع رجله اليسرى. فإن سرق ثالثة خلد الحبس إلى أن يموت أو يرى
ولي الأمر فيه رأيه، فإن سرق في الحبس ضربت عنقه بدليل إجماع الطائفة.
ويحتج على المخالف بما روي عن علي ع أنه أتى بسارق مقطوع اليد
والرجل فقال: إني لأستحي من الله أن لا أترك له ما يأكل به ويستنجي، ولم
ينكر ذلك عليه أحد، وأيضا فالأصل براءة الذمة من القطع فمن أوجبه في الثالثة
فعليه الدليل.
ويحتج على المخالف في جواز قتله بما رووه عن جابر من: أن النبي ص
قتل السارق في الخامسة، وبما رووه عن عثمان وعبد الله بن عمر وعمرو بن
عبد العزيز من: أنهم قتلوا سارقا بعد ما قطعت أطرافه.
وإذا كانت يمين من وجب عليه القطع لها شلاء قطعت ولم تقطع يساره،
وكذلك من وجب قطع رجله اليسرى وكانت شلاء تقطع دون رجله اليمنى بدليل
إجماع الطائفة.
وموضع القطع في اليدين من أصول الأصابع ويترك له الإبهام، وفي الرجل عند
معقد الشراك ويترك له مؤخر القدم والعقب بدليل إجماع الطائفة وأيضا فما اعتبرناه
مجمع على وجوب قطعة وليس على قطع ما زاد عليه دليل، وقد روى الناس كلهم
عن علي ع: أنه قطع السارق من الموضع الذي ذكرناه بمشهد من الصحابة
ولم ينكر أحد منهم ذلك عليه، وهذا يقتضي على أصل المخالف الاجماع على ذلك في
تلك الحال.
وإذا سرق اثنان فما زاد عليهما شيئا فبلغ نصيب كل واحد منهم المقدار الذي
يجب فيه القطع قطعوا جميعا بلا خلاف سواء كانوا مشتركين في السرقة أو كان كل
واحد منهم يسرق لنفسه، وإن لم يبلغ نصيب كل واحد منهم ذلك المقدار ولم
يكونوا مشتركين فلا قطع على واحد منهم بلا خلاف، وإن كانوا مشتركين في ذلك
ففي اخراجه من الحرز قطعوا جميعا بربع دينار بدليل إجماع الطائفة وأيضا قوله
206

تعالى: والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما، لأن ظاهره يقتضي أن وجوب القطع إنما
كان بالسرقة المخصوصة، وإذا استحق كل واحد منهم هذا الاسم وجب أن يستحق
القطع.
ويحتج على المخالف بما رووه من الخبر المقدم لأنه ع أوجب القطع
في ربع دينار فصاعدا ولم يفصل بين الواحد وبين ما زاد عليه، ومن أصحابنا من
اختار القول: بأنه لا قطع على واحد من الجماعة حتى يبلغ نصيبه المقدار الذي
يجب فيه القطع على كل حال، والمذهب هو الأول.
وتقطع الأم بالسرقة من مال ولدها والولد بالسرقة من مال أحد الوالدين
وكل واحد من الزوجين بالسرقة من مال الآخر بشرط أن يكون المال المسروق محرزا
ممن سرقه، ولا قطع على من سرق منهم من هؤلاء بدل ما يجب من النفقة لمن
يستحق الانفاق بدليل الاجماع المشار إليه وظاهر الآية والخبر.
ويقطع الطرار من الجيب والكم من الثوب التحتاني ويقطع النباش إذا
أخذ كل واحد منهما ما قيمته ربع دينار فصاعدا بدليل إجماع الطائفة، وأيضا فظاهر
الآية والخبر يدلان على ذلك لأن السارق هو الآخذ للشئ على جهة الاستخفاء
والتفزع فيدخل من ذكرناه في ظاهر الآية، وقد روى المخالف عن عائشة وعمر بن
عبد العزيز أنهما قالا: سارق موتانا كسارق أحيائنا، والغرم لازم للسارق وإن قطع
بدليل الاجماع المشار إليه وظاهر الآية والخبر لأنه يقتضي إيجاب القطع على كل حال
فمن منع منه مع الغرم فعليه الدليل.
ومن أقر وقامت عليه البينة بسرقات كثيرة قطع بأوله وأغرم الباقي، وإذا رجع
المقر بالسرق عن إقراره لم يقطع وكذلك إن تاب وظهر صلاحه قبل أن يرفع خبره
(إلى ولي الأمر، فإن تاب بعد ما ارتفع خبره إليه كان مخيرا بين قطعه والعفو عنه
وليس لغيره في ذلك خيار، وعليه رد ما سرقه إن كانت عينه باقية وغرم قيمته إن
كانت تالفة على كل حال كل ذلك بدليل إجماع الطائفة.
وقد روى أصحابنا: أن الصبي إذا سرق هدد، فإن عاد ثانية أدب بحك
207

أصابعه بالأرض حتى تدمى، فإن عاد ثالثة قطعت أطراف أنامله الأربع من
المفصل الأول، فإن عاد رابعة قطعت من المفصل الثاني، فإن عاد خامسة قطعت
من أصولها.
وروي: أنه لا قطع على من سرق طعاما في عام مجاعة، وقد بينا في كتاب
الجهاد حد المحارب فلا وجه لإعادته.
فصل:
اعلم أن التعزير يجب بفعل القبيح أو الإخلال بالواجب الذي لم يرد الشرع
بتوظيف حد عليه أو ورد بذلك فيه ولم تتكامل شروط إقامته، فيعزر على مقدمات
الزنى واللواط من النوم في إزار واحد والضم والتقبيل إلى غير ذلك على ما يراه ولي
الأمر من عشرة أسواط إلى تسعة وتسعين سوطا، ويعزر من وطئ بهيمة أو استمنى
بيده، ويعزر العبد إذا سرق من مال سيده والوالد إذا سرق من مال ولده ومن سرق
أقل من ربع دينار ومن سرقه أو أكثر منه من غير حرز ومن قذف وهو حر مسلم ولدا
له أو عبدا له أو لغيره أو ذميا أو صغيرا أو مجنونا، ويعزر العبيد والإماء وأهل الذمة
إذا تقاذفوا.
ومن قذف غيره بما هو مشهور به ومعترف بفعله من سائر القبائح لم يستحق حدا
ولا تعزيرا، ويعزر المسلم إذا عير مسلما بعمى أو عرج أو جنون أو جذام أو برص
فإن كان كافرا فلا شئ عليه، والتعزير لما يناسب القذف من التعريض بما لا يفيد
زنا ولا لواطا والنبز بالألقاب من ثلاثة أسواط إلى تسعة وتسعين سوطا، وإذا
تقاذف اثنان بما يوجب الحد سقط عنهما ووجب تعزيرهما كل ذلك بدليل إجماع
الطائفة، وروي: أنه متى عزر المرء رابعة استتيب فإن أصر وعاد إلى ما يوجب
التعزير ضربت عنقه.
208

السرائر الحاوي لتحرير الفتاوى
لأبي منصور محمد بن إدريس محمد العجلي الحلي
558 - 598 ه‍.
ق
209

كتاب الحدود
باب ماهية الزنى وما به يثبت ذلك:
الزنى الموجب للحد هو وطء من حرم الله تعالى وطئه من غير عقد ولا شبهة
عقد ويكون الوطء في الفرج سواء كان قبلا أو دبرا بلا خلاف ويكون الواطئ
بالغا كاملا سواء كان حرا أو عبدا، فأما العقد فهو ما ذكرناه في كتاب النكاح من
أقسامه مما قد أباحه الله تعالى في شريعة الاسلام، وأما شبهه العقد فهو أن يعقد
الرجل على ذي محرم له من أم أو بنت أو أخت أو عمة أو خالة أو بنت أخ أو بنت
أخت وهو لا يعرفها ولا يتحققها أو يعقد على امرأة لها زوج وهو لا يعلم بذلك أو
يعقد على امرأة وهي في عدة لزوج لها أما عدة طلاق رجعي أو بائن أو عدة فسخ
وإن لم يكن طلاقا أو عدة المتوفى عنها زوجها وهو جاهل لحالها أو يعقد عليها وهو
محرم أو هي محرمة وهو حلال ناسيا أو جاهلا بأن ذلك لا يجوز ثم علم شيئا من
ذلك فإنه يدرأ عنه الحد ولم يحكم فيه بالزنى لقوله ع: ادرؤوا الحدود
بالشبهات.
فإن عقد على واحدة ممن ذكرنا عالما أو متعمدا ثم وطئها كان حكمه حكم
الزنى سواء بل هو أغلظ منه وليس علمه بالمحرم شبهة واستحلاله ما حرم الله عليه
مما يدرأ به الحدود على ما ظنه بعض المخالفين لمذهب أهل البيت ع،
ويجب عليه ما يجب على الزاني على جد واحد.
ويثبت حكم الزنى بشيئين: أحدهما إقرار الفاعل العاقل الحر بذلك على
نفسه من غير إكراه ولا إجبار أربع مرات في أربعة أوقات دفعة بعد أخرى، فإذا
أقر أربع
211

مرات على ما قدمناه وكان حرا بالوطئ في الفرج حكم له بالزنى، ووجب عليه ما
يجب على فاعله وإن أقر أقل من ذلك أو أقر أربع مرات بوطئ ما دون الفرج المقدم
ذكره لم يحكم بالزنى وكان عليه التعزير حسب ما يراه الإمام ولا يتجاوز بذلك
أكثر من تسعة وتسعين سوطا على ما يأتي بيانه إن شاء الله.
والثاني قيام البينة بالزنى وهو أن يشهد أربعة رجال عدول على رجل بأنه وطئ
امرأة ليس بينه وبينها عقد ولا شبهة عقد وشاهدوه وطئها في الفرج بأن أدخل العضو
في العضو مثل الميل في المكحلة فإذا شهدوا كذلك قبلت شهادتهم وحكم عليه بالزنى
سواء كان حرا أو عبدا إذا كان كامل العقل ووجب عليه ما يجب على فاعله على ما
نبينه فيما بعد إن شاء الله تعالى.
فإن شهد الأربعة بالزنى ولم يشهدوا عليه بالمعاينة كان على كل واحد منهم حد
الفرية، فإن شهد عليه أقل من الأربعة وادعوا المشاهدة كان عليهم أجمع حد الفرية، فإن شهد الأربعة واختلفوا في شهادتهم فبعضهم شهد
بالمعاينة وبعضهم شهد بغير ذلك كان أيضا عليهم حد الفرية، فإن شهد الأربعة باجتماع الرجل مع امرأة
في إزار واحد مجردين من ثيابهما أو شهدوا بوطئ ما دون الفرج قبلت شهادتهم
ووجب على فاعل ذلك التعزير.
وإذا شهد الشهود على امرأة بالزنى وادعت أنها بكر أمر أربع من ثقات النساء
أن ينظرن إليها، فإن كانت كما ذكرت لم يكن عليها حد وإن لم تكن كذلك
أقيم عليها الحد وهذا الحكم لا يصح إلا بأن تكون شهادة الشهود بالوطئ في القبل
دون الدبر، فأما إذا شهدوا بالوطئ في الدبر لم ينفعها دعواها البكارة ولا شهادة
النساء لها بذلك فليلحظ فإن شيخنا أبا جعفر أطلقه في نهايته إطلاقا وإن كان مراده
ما ذكرناه، فأما الشهود الأربعة فلا يحدون حد القاذف لأنه لا دليل عليه ولأن
شهادتهم ظاهرها الصحة وإلى هذا القول ذهب شيخنا في المبسوط ولم يذكر في النهاية شيئا.
وإذا شهد أربعة رجال على امرأة بالزنى أحدهم زوجها فإن شهد الزوج ابتداء
212

من غير أن يتقدم منه القذف لها مع الثلاثة المذكورة قبلت شهادتهم ووجب على
المرأة الحد، فإن كان قد رمى الزوج المرأة بالزنى أولا ثم شهد مع الثلاثة المذكورة
عليها به فلا تقبل شهادته لأنه يدفع بها ضررا وكل من يدفع بشهادته ضررا عن
نفسه فلا تقبل شهادته وأيضا فهو خصم في هذه الحال فلا تقبل شهادته ويجب عليه
إما لعانها ليدرأ عن نفسه الحد أو حد الفرية إن لم يلاعن والثلاثة يحدون حد
الفرية.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: وإذا شهد أربعة نفر على امرأة بالزنى أحدهم
زوجها وجب عليها الحد وقد روي: أن الثلاثة يحدون حد المفتري ويلاعنها
زوجها، وهذه الرواية محمولة على أنه إذا لم تعدل الشهود واختلفوا في إقامة الشهادة
أو اختل بعض شرائطها فأما مع اجتماع شرائط الشهادة فإن الحكم ما قدمناه، هذا
آخر كلامه في نهايته إلا أنه قيده في مسائل خلافه فقال مسألة: إذا شهد الزوج
ابتداء من غير أن يتقدم منه القذف مع ثلاثة على المرأة بالزنى قبلت شهادتهم
ووجب على المرأة الحد وهو الظاهر من أحاديث أصحابنا وبه قال أبو حنيفة وقد
روي أيضا: أن الثلاثة يحدون ويلاعن الزوج، هذا آخر كلامه في مسائل خلافه
وما حققه في مسائل خلافه هو الأصح الأظهر الذي تقتضيه الأدلة وظاهر القرآن
والمتواتر من الأخبار وتحمل الرواية الشاذة على أن الزوج يقدم منه قبل شهادته الرمي
بالقذف للمرأة لقوله تعالى: والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا
أنفسهم، وهذا قد رمى زوجته ولم يكن له شهداء إلا نفسه لأن شهادة الثلاثة غير
معتد بها إلا بانضمام شهادة الرابع فكأنها لم تكن في الحكم.
فأما إذا لم يتقدم منه رمى للزوجة بالزنى فلم تتناوله هذه الآية وتناولها الظواهر مثل
قوله تعالى: واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة
منكم، ولم يفرق بين أن يكون الزوج واحدا منهم أو لا يكون وهذا خطاب
للحكام.
ولا تقبل شهادة الشهود على الزنى إلا إذا حضروا في وقت واحد، فإن شهد
بعضهم وقال: الآن يجئ الباقون، جلد حد المفتري لأنه ليس في ذلك تأخير. ولا
213

تقبل في الزنى شهادة النساء على الانفراد، فإن شهد ثلاثة رجال وامرأتان قبلت
شهادتهم في الزنى ويجب بشهادتهم الرجم إن كان المشهود عليه محصنا وسنبين
المحصن إن شاء الله، فإن شهد رجلان وأربع نسوة لم يجب بشهادتهم الرجم ويجب
بها الحد الذي هي مائة سوط، فإن شهد رجل وستة نساء أو أقل أو أكثر لم يقبل
شهادتهم وكان على كل واحد منهم حد الفرية.
وإذا شهد أربعة رجال على رجلين وامرأتين أو ألف قبلت شهادتهم وأقيم على
الذين شهدوا عليهم الحد، وإذا رأى الإمام أو الحاكم من قبله تفريق الشهود أصلح
في بعض الأوقات بعد أن يكونوا حضروا لإقامة الشهادة في وقت واحد كان ذلك
جائزا، وحكم المرأة حكم الرجل في جميع ما ذكرناه على حد واحد في أنه يحكم
عليها بالزنى إما بالإقرار أو البينة ويدرأ عنها الحد في الموضع الذي يدرأ فيه الحد عن
الرجل لا يختلف الحكم في ذلك إلا ما نبينه فيما بعد إن شاء الله، وإذا أخذ رجل
وامرأة فادعيا الزوجية درئ عنهما الحد.
وإذا شاهد الإمام من يزني أو يشرب الخمر كان عليه أن يقيم الحد عليه ولا
ينتظر مع مشاهدته قيام البينة ولا الإقرار وكذلك النائب من قبله لأنا قد بينا في
كتاب القضاء أن للحاكم أن يحكم بعلمه في جميع الأشياء بغير خلاف بين أصحابنا
ولأن علمه أقوى من الإقرار والبينة،
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: ليس ذلك لغير الإمام بل هو مخصوص به وغيره إن
شاهد يحتاج أن تقوم له بينة أو إقرار من الفاعل على ما بيناه، وهذا ذكره في كتاب
الحدود وإن كان موافقا في غير هذا الموضع على أن للحاكم أن يحكم بعلمه في جميع
الأشياء، وإذا كان إجماعنا منعقدا على ذلك فلا يرجع عنه بأخبار الآحاد،
وأما القتل والسرقة والقذف وما يجب من حقوق الآدميين من الحد والتعزير
فليس له أن يقيم الحد إلا بعد مطالبة صاحب الحق بحقه وليس يكفي فيه مشاهدته
إياه، فإن طلب صاحب الحق إقامة الحد كان عليه إقامته ولا ينتظر مع علمه البينة
أو الإقرار.
214

إذا شهد عليه أربعة شهود فكذبهم أقيم عليه الحد بلا خلاف وكذلك إن
صدقهم، إذا شهد أربعة شهود على رجل بالزنى فشهد اثنان أنه أكرهها والآخران
أنها طاوعته فإنه يجب عليه الحد ولا يجب على المرأة الحد لأنها غير زانية والرجل زان
بغير خلاف لأنه إذا كان مكرها لها كان زانيا وكذلك إذا طاوعته ففي الحالين معا يكون زانيا.
وقال شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه: لا حد عليه، وهو قول الشافعي اختاره ووافقه عليه بغير
ديل لأن هذه المسألة غير منصوصة لنا والأصول تقتضيه أن عليه الحد لأنه زان بغير خلاف، واحتج
شيخنا بأن الأصل براءة الذمة وإنما كان يستقيم له هذا الاستدلال قبل ورود الشرع بأن على الزاني
الذي شهد عليه أربعة شهود بالزنى الحد فأما بعد ذلك فكيف يصح الاستدلال بأن أوصل براءة
الذمة. ثم قال رضي الله عنه: وأيضا فإن الشهادة لم تكمل بفعل واحد وإنما هي شهادة على فعلين لأن
الزنى طوعا غير الزنى كرها، وهذا الاستدلال يرغب الانسان أن يذكره مناظرا لخصمه لأن الشهادة
كملت بالزنى لأن من شهد بالإكراه فقد شهد بالزنى ومن شهد بالمطاوعة فقد شهد أيضا بالزنى فالفعل
واحد وإن كانت أسبابه مختلفة فما شهد الأربعة إلا بالإيلاج في وقت واحد والإيلاج منه حينئذ حرام
زنى بغير خلاف، وأيضا الظواهر من القرآن تتناول ذلك فمن أخرج هذا منها فعليه الدليل.
إذا ملك رجل ذات محرم من نسب أو رضاع فوطئها مع العلم بتحريم
الوطء عليه لزمه القتل على كل حال عندنا بعد حد الزنى، وقال بعض أصحابنا:
عليه القتل، وأطلق الكلام ولم يذكر الحد ولا دليل على سقوطه لقوله تعالى: الزانية
والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة، وهذا زان بغير خلاف.
إذا استأجر امرأة للوطء لزمه الحد بلا خلاف بيننا، إذا وجد الرجل امرأة
على فراشه فظنها زوجته فوطئها لم يكن عليه الحد لقوله ع: ادرؤوا الحدود
بالشبهات، ولأن الأصل براءة الذمة، وقد روي في بعض الروايات: أن عليه الحد
سرا وعليها الحد جهرا، أورد ذلك
215

شيخنا في نهايته ورجع عنه في مسائل خلافه وهو الصحيح الذي تقتضيه أصول
مذهبنا ولا يرجع إلى أخبار الآحاد في ذلك فإن شيخنا رجع عن الخبر الذي أورده
في نهايته وعمل بالأدلة القاهرة في مسائل خلافه.
إذا تكامل شهود الزنى أربعة وشهدوا به ثم ماتوا أو غابوا جاز للحاكم أن يحكم
بشهادتهم ويقيم الحد على المشهود عليه لقوله تعالى: الزانية والزاني فاجلدوا كل
واحد منهما مائة جلدة، وهذا زان بغير خلاف.
إذا تكامل شهود الزنى فقد ثبت الحكم بشهادتهم سواء شهدوا في مجلس واحد
أو في مجالس، ولا يعتبر حضور الشهود لأداء الشهادة في وقت واحد إلا ههنا فأما
التحمل لها فلا نعتبره ههنا أن يكون في وقت واحد بل شهادة الطلاق تحملها يكون
في وقت واحد على ما بيناه في كتاب الشهادات.
إذا حضر أربعة ليشهدوا بالزنى فشهد واحد أو ثلاثة ولم يشهد الرابع لم يثبت
على المشهود عليه الزنى لأن الشهادة ما تكاملت بلا خلاف، ومن لم يشهد لا شئ
عليه أيضا بلا خلاف، ومن شهد فعليه حد القذف،
وقصة المغيرة مشهورة فإنه استخلفه عمر بن الخطاب على البصرة وكان نازلا في
أسفل الدار ونافع وأبو بكرة " وكانا أخا زياد لأمه سمية جارية الحارث بن كلدة
وشبل بن معبد وزياد في علوها فهبت ريح ففتحت باب البيت ورفعت الستر فرئي
المغيرة بين رجلي امرأة من بني هلال فلما أصبحوا تقدم المغيرة ليصلي فقال له
أبو بكرة: تنح عن مصلانا، فبلغ ذلك عمر فكتب أن يرفعوا إليه وكتب إلى
المغيرة: قد تحدث عنك بما إن كان صدقا فلو كنت مت قبله لكان خيرا لك،
فأشخصوا إلى المدينة فشهد نافع وأبو بكرة وشبل بن معبد، فقال عمر: أودى المغيرة
إلا ربعه، فجاء زياد ليشهد فقال عمر: هذا رجل لا يشهد إلا بالحق إن شاء الله،
فقال: أما بالزنى فلا أشهد ولكن رأيت أمرا قبيحا، فقال عمر: الله أكبر، وجلد
الثلاثة فحلف أبو بكرة أن لا يكلم أخاه زيادا أبدا فمات وما كلمه رحم الله أبا بكرة، فقال
أبو بكرة بعد جلده: أشهد أن المغيرة زنى، فهم عمر أن يجلده فقال له أمير المؤمنين على ع: إن جلدته فارجم صاحبك " يعني المغيرة " ومعنى
216

قول علي ع: إن جلدته فارجم صاحبك، فإن معناه إن كانت هذه
شهادة غير الأولى فقد كملت الشهادة أربعة فارجم صاحبك يعني إنما أعاد ما شهد به فلا
تجلده بإعادته.
وكان أبو بكر رجلا صالحا من خيار الصحابة ويعد في موالي رسول الله ع
واسمه نفيع وأخوه نافع بن الحارث بن كلدة الثقفي طبيب العرب
وأخوهما زياد كلهم من سمية وكل منهم ينسب إلى رجل، فقال يزيد بن
مفزع الحميري جد السيد الحميري يهجو زيادا:
إن زيادا ونافعا وأبا بكرة عندي من أعجب العجب. إن رجالا ثلاثة خلقوا
في رحم أنثى وكلهم لأب ذا قرشي كما يقول وذا مولى وهذا بزعمه عربي.
إذا شهد أربعة رجال على رجل بالزنى فردت شهادة واحد منهم فإن ردت
بأمر ظاهر لا يخفى على أحد فإنه يجب على الأربعة حد القذف وإن ردت بأمر
خفي لا يقف عليه إلا الآحاد فإنه يقام على المردود الشهادة الحد، والثلاثة لا يقام
عليهم الحد لأن الأصل براءة الذمة وأيضا فإنهم غير مفرطين في إقامتها فإن أحدا
لا يقف على بواطن الناس فكان عذرا في إقامتها فلهذا لا حد، وبفارق إذا كان
الرد بأمر ظاهر لأن التفريط كان منهم فلهذا حدوا.
إذا شهد أربعة رجال ثم رجع واحد منهم فلا حد على المشهود عليه بلا
خلاف وعلى الراجع الحد بلا خلاف وأما الثلاثة فلا حد عليهم لأن الأصل براءة
الذمة ورجوعه لا يؤثر في التعدي إليهم، فإن رجع المشهود عليه ثم رجع واحد
منهم أو الأربعة وقال الراجع: عمدت قتله، كان عليه الحد والقود عندنا ولا يسقط
أحدهما الآخر.
إذا استكره امرأة على الزنى فلا حد عليها بلا خلاف وعليه الحد ولها مهر
المثل عندنا وهو العقر الذي رواه أصحابنا: أنه دية الفرج المغضوب،
وقال أبو حنيفة: لا مهر لها، واختاره شيخنا أبو جعفر في كتاب الحدود من
مسائل خلافه إلا أنه رجع عنه في مبسوطه وفي موضع آخر من مسائل خلافه
واستدل شيخنا
217

أبو جعفر على سقوطه بقول النبي ع أنه نهى عن مهر البغي، وقال:
البغي الزانية، وهذا الاستدلال يرغب عن ذكره هل هذه المكرهة بغي حتى
يستشهد بهذا الحديث على نفي مهرها
روى أصحابنا: أن للسيد أن يقيم الحد على ما ملكت يمينه بغير إذن الإمام
سواء كان ذلك باعترافه أو البينة أو بعلمه وسواء كان السيد فاسقا أو عدلا رجلا أو
امرأة.
إذا شهد أربعة رجال على رجل أنه زنى بها في هذا البيت وأضاف كل واحد
منهم شهادته إلى زاوية منه مخالف للأخرى فإنه لا حد على المشهود عليه ويحدون،
وكذلك إن شهد اثنان على زاوية وآخران على زاوية أخرى لا يختلف الحكم فيه.
ليس من شرط إحصان الرجم الاسلام بل من شرطه: الحرية والبلوغ وكمال
العقل والوطء في نكاح صحيح دائم أو ملك يمين، فإذا وجدت هذه الشروط فقد
أحصن إحصان رجم.
باب أقسام الزناة:
الزناة على ثلاثة أقسام: منهم من يجب عليه القتل على كل حال، ومنهم من
يجب عليه الجلد والرجم معا، ومنهم من يجب عليه الجلد والنفي إلى بلد غير بلده
الذي زنى فيه سنة.
فأما من يجب عليه القتل على كل حال سواء كان محصنا أو غير محصن حرا
كان أو عبدا مسلما كان أو كافرا شيخا كان أو شابا فهو كل من وطئ ذات
محرم له أما أو بنتا أو أختا أو بنتيهما أو بنت أخيه أو عمته أو خالته فإنه يجب
عليه القتل على كل حال بعد جلده حد الزاني لأنه لا دليل على سقوطه عنه لقوله
تعالى: الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة، ولا منافاة بين
جلده وبين قتله بعد الجلد، وليس إطلاق قول أصحابنا: يجب عليه القتل على كل
حال، دليل على رفع حد الزنى عنه.
218

وكذلك الذمي إذا زنى بامرأة مسلمة فإنه يجب عليه القتل على كل حال وكان
على المسلمة الحد إما الجلد أو الرجم على ما تستحقه من الحد فإن أسلم الذمي لم
يسقط بذلك عنه الحد بالقتل ووجب قتله على كل حال، وكذلك من غصب امرأة
فرجها فإنه يجب عليه ذلك، وكذلك من زنى بامرأة أبيه أو ابنه وجب عليه أيضا
القتل والحد معا على كل حال محصنا كان أو غير محصن،
والذي يجب تحصيله في هذا القسم وهو الذي يجب عليه القتل على كل حال أن
يقال: إن كان محصنا فيجب عليه الجلد أولا ثم الرجم فيحصل امتثال الأمر في
الحدين معا ولا يسقط واحد منهما ويحصل أيضا المبتغى الذي هو القتل لأجل
عموم أقوال أصحابنا وأخبارهم لأن الرجم يأتي على القتل ويحصل الأمر بحد
الرجم، وإن كان غير محصن فيجب الجلد لأنه زان ثم القتل بغير الرجم فليلحظ
ذلك.
وأما القسم الثاني فهو من زنى وهو محصن، والمحصن عندنا من كان بالغا
كامل العقل له فرج إما ملك يمين أو زوجة بعقد دوام متمكن من وطئه يغدو إليه
ويروح من يومه ويكون قد دخل بامرأته، فإذا وجدت هذه الشروط فقد أحصن
إحصان رجم على ما قدمناه، فإذا ثبت ذلك وزنى هذا العاقل ببالغة وجب عليه
الجلد أولا ضرب مائة سوط أشد ما يكون من الضرب بسوط وسيط لا جديد ولا
عتيق
لما روي عن الرسول ع: أنه أتى بسوط جديد فلم يضرب به وأتى بسوط
خلق فلم يضرب به وأتى بسوط وسيط قد ركب به فضرب به، روي عن زيد
بن أسلم: أن رجلا اعترف عند النبي ع بالزنى فدعا له رسول الله ع
فأتي بسوط ملبون فقال: غير هذا، فأتي بسوط جديد لم تقطع ثمرته " بالثاء
المنقطة من فوقها ثلاث نقط وفتحها والميم وفتحها والراء غير المعجمة وفتحها وهي
طرفه لأن ثمرة السياط أطرافها " فقال: بين هذين، فأتي بسوط قد ركب به ولأن
قال: فأمر به فجلد... هذا لفظ الحديث، فإذا جلد المائة رجم بعد ذلك سواء كان
شيخا أو شابا، وروى أصحابنا: أنه يترك بعد ضربه الجلد حتى يبرأ جلده ويرجم
219

بعد ذلك.
والقسم الثالث من عدا من ذكرناه من العقلاء الأحرار فإنه يجب عليه الجلد
مائة سوط وتغريب عام من مصره إذا كان رجلا وجز شعره على ما رواه أصحابنا
ولا نفي ولا جز على المرأة
لما رواه عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله ص: خذوا عني قد
جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة
ثم الرجم، فالبكر عندنا عبارة عن غير المحصن والثيب عبارة عن المحصن.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: الزناة على خمسة أقسام: قسم منهم يجب عليه الحد
بالقتل على كل حال، والثاني يجب عليه الجلد ثم الرجم، والثالث يجب عليه
الرجم وليس عليه جلد، والرابع يجب عليه الجلد ثم النفي، والخامس يجب عليه
الجلد ولا يجب عليه النفي.
فأما من يجب عليه القتل على كل حال سواء كان محصنا أو غير محصن حرا كان أو
عبدا مسلما كان أو كافرا شيخا كان أو شابا على كل حال فهو كل من وطئ
ذات محرم له أما أو بنتا أو أختا أو بنتها أو بنت أخيه أو عمته أو خالته فإنه يجب
عليه القتل على كل حال، وكذلك الذمي إذا زنى بامرأة مسلمة فإنه يجب عليه
القتل على كل حال وكان على المسلمة الحد إما بالرجم أو الجلد على ما تستحقه من
الحد فإن أسلم الذمي لم يسقط بذلك عنه الحد بالقتل ووجب قتله على كل حال،
ومن غصب امرأة فرجها فإنه يجب عليه القتل على كل حال محصنا كان أو غير
محصن، ومن زنى بامرأة أبيه وجب أيضا عليه القتل على كل حال محصنا كان أو
غير محصن.
وأما القسم الثاني وهو من يجب عليه الجلد ثم الرجم فهو الشيخ والشيخة إذا زنيا
وكانا محصنين كان على كل واحد منهما جلد مائة ثم الرجم يقدم الجلد ثم بعده الرجم.
والقسم الثالث وهو من يجب عليه الرجم ولا يجب عليه الجلد فهو كل محصن أو
محصنة ليسا بشيخين فإنهما إذا زنيا كان على كل واحد منهما الرجم وليس عليهما
الجلد وقد قلنا نحن ما عندنا في ذلك وهو الصحيح الأظهر الذي يعضده ظاهر
220

التنزيل: إنه يجب عليه الجلد والرجم معا لقوله تعالى: الزانية والزاني فاجلدوا
كل واحد منهما مائة جلدة، فمن نسخ هذه الآية وترك العمل بها يحتاج إلى
دليل وإلا فقد عطل حدا من حدود الله تعالى بغير دليل ولا يرجع في ذلك إلى أخبار
الآحاد التي لا توجب علما ولا عملا، وما اخترناه مذهب السيد المرتضى واختيار
شيخنا المفيد والجلة من المشيخة الفقهاء من أصحابنا.
وروي: أن عليا ع جلد سراحة يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة فقيل
له: تحدها حدين: فقال: حددتها بكتاب الله ورجمتها بسنة رسول الله ص.
وشيخنا أبو جعفر فقد رجع في التبيان فقال: يجلد الزاني والزانية إذا لم يكونا
محصنين كل واحد منهما مائة جلدة وإذا كانا محصنين أو أحدهما كان على المحصن
الرجم بلا خلاف، وعندنا أنه يجلد أولا مائة جلدة ثم يرجم، وفي أصحابنا من
خص ذلك بالشيخ والشيخة إذا زنيا وكانا محصنين فأما إذا كانا شابين محصنين لم
يكن عليهما غير الرجم وهو قول مسروق، وفي ذلك خلاف ذكرناه في الخلاف.
ثم قال: وحد الإحصان في الرجل هو أن يكون له فرج متمكن من وطئه ويكون
مالكا له سواء كان بالعقد أو ملك اليمين ويراعى في العقد أن يكون مالكا له على
جهة الدوام دون نكاح المتعة فإن المتعة لا تحصن فأما العقد الدائم فلا فرق بين أن
يكون على حرة أو أمة أو يهودية أو نصرانية فإن جميع ذلك تحصن الرجل وملك
اليمين أيضا تحصن على ما قلناه.
وإذا لم يكن متمكنا من الوطء بأن يكون غائبا عن زوجته لا يمكنه الوصول إليها
أو يكون مع كونه حاضرا غير متمكن من وطئها بأن يكون محبوسا وما أشبه ذلك أو
لا يكون قد دخل بها بعد فإن جميع ما ذكرناه يخرجه من كونه محصنا، والإحصان
في المرأة مثل الإحصان في الرجل سواء وهو أن يكون لها زوج يغدو إليها ويروح
مخلا بينه وبينها غير غائب عنها وكان قد دخل بها حرا كان أو عبدا وعلى كل
حال.
والقسم الرابع وهو من يجب عليه الجلد ثم النفي وهو البكر والبكرة، والبكر هو
الذي قد أملك على امرأة ولا يكون قد دخل بها بعد ثم زنى فإنه يجب عليه الجلد
221

مائة ونفي سنة عن مصره إلى مصر آخر بعد أن يجز رأسه، والبكرة تجلد مائة وليس
عليها جز الشعر ولا النفي على حال، وقد قلنا ما عندنا في ذلك إلا أن شيخنا رجع
عن هذا التفسير في مسائل خلافه وقال مسألة: البكر عبارة عن غير المحصن فإذا
زنى البكر جلد مائة وغرب عاما، واستدل على ذلك بإجماع الفرقة وأخبارهم وهو
الصحيح الذي اخترناه، ومن فسر البكر بما فسره شيخنا في نهايته يحتاج إلى دليل
وليس عليه دليل من إجماع ولا كتاب ولا سنة مقطوع بها ولا يرجع في ذلك إلى
أخبار آحاد لا توجب علما ولا عملا بل حقيقة البكر في لسان العرب من ذكرناه
وفي عرف الشرع ما أثبتناه وحكيناه ولقوله ع: البكر بالبكر جلد مائة
وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة ثم الرجم، فقسم الزناة قسمين كما ترى لا
ثالث لهما.
ثم قال: والخامس وهو من يجب عليه الجلد وليس عليه أكثر من
ذلك فهو كل من زنى وليس بمحصن ولا بكر فإنه يجب عليه جلد مائة وليس عليه أكثر من ذلك
رجلا كان أو امرأة، ثم قال: ومن هذه صورته إذا زنى فجلد ثم زنى ثانية فجلد ثم
زنى ثالثة فجلد ثم زنى رابعة كان عليه القتل.
قال محمد بن إدريس: والأظهر من أقوال أصحابنا والذي تقتضيه أصول مذهبنا أنه
يقتل في الثالثة لإجماعنا أن أصحاب الكبائر يقتلون في الثالثة وهذا منهم بغير
خلاف، ومن عدا المحصن من الزناة إذا زنى ثلاث مرات أو أكثر من ذلك ولم
يقم عليه فيها الحد فليس عليه أكثر من مائة جلدة، وجميع هذه الأقسام والأحكام
التي ذكرناها خاصة في الحر والحرة إلا القسم الأول فإنه يشترك فيه العبيد
والأحرار.
فأما ما عدا ذلك فحكم المملوك غير حكم الحر، فحكم المملوك والمملوكة إذا
زنيا أن يجب على كل واحد فيهما خمسون جلدة زنيا بحر أو بحرة أو مملوك أو مملوكة
لا يختلف الحكم فيه شيخين كانا أو شابين محصنين أو غير محصنين بكرين أو غير
بكرين وعلى كل حال وليس عليهما أكثر من ذلك، غير أنهما إذا زنيا سبع مرات
فأقيم عليهما الحد في ذلك ثم زنيا الثامنة كان عليهما القتل على ما رواه أصحابنا،
وذهب بعضهم إلى: أنهما لا يقتلان إلا أن يزنيا ثماني مرات ويقام عليهما الحد
222

في ذلك ثم زنيا التاسعة،
وهو اختيار شيخنا أبي جعفر في نهايته وما اخترناه مذهب ابن بابويه وغيره من
أصحابنا وبذلك وردت أكثر الأخبار، فإن لم يقم عليهما الحد في شئ من ذلك وكان أكثر من ثماني مرات لم يجب
عليهما أكثر من خمسين جلدة حسب ما قدمناه.
وزنى الرجل الحر بالحرة والمسلمة والأمة المسلمة إذا كانت لغيره سواء كانت
لزوجته أو لوالديه أو غيرهما من الأجانب على حد واحد لا يختلف الحكم فيه،
وكذلك حكم المرأة لا فرق بين أن تزني بحر أو بعبد ملك لها أو لغيرها فإن الحكم
في ذلك لا يختلف، وقد روي: أنه إذا زنى الرجل بصبية لم تبلغ ولا مثلها قد بلغ
لم يكن عليه أكثر من الجلد وليس عليه رجم فإن أفضاها أو عابها كان ضامنا
لعيبها وعليه مهر نسائها وكذلك المرأة إذا زنت بصبي لم يبلغ لم يكن عليها رجم
وكان عليها جلد مائة وعلى الصبي والصبية التأديب،
وهذا مذهب شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله في نهايته، وذهب شيخنا المفيد في
مقنعته: أن على الرجل وعلى المرأة الحد، وأطلق كلامه وهو الصحيح عندي لأن
الإحصان والزنى وجدا معا وهما الموجبان للحد والرجم ولا يبلغ بالتأديب أكثر من
عشرة أسواط.
وروي: أن الرجل إذا زنى بمجنونة لم يكن عليه الرجم إذا كان محصنا وكان عليه
جلد مائة وليس على المجنونة شئ بحال لا جلد ولا رجم ولا تعزير، فإن زنى مجنون
بامرأة عاقلة لم يكن عليه أيضا شئ بحال ووجب على المرأة الحد تاما.
وقد روي في بعض الأخبار: أن على المجنون إذا كان فاعلا الحد تاما جلد مائة أو
الرجم، أورد ذلك شيخنا أبو جعفر في نهايته وشيخنا المفيد في مقنعته والذي
تقتضيه أصول مذهبنا ما قدمناه أنه لا حد على المجنون والمجنونة لأنهما غير مخاطبين
بالتكاليف والأحكام ولا قام دليل على ذلك فيهما والأصل براءة الذمة وثبوت
ذلك عليهما يحتاج إلى شرع ولا يرجع في مثل ذلك إلى أخبار آحاد أو إيراد مصنف
في كتابه أو فتياه لأن جميع ذلك لا يوجب علما ولا عملا.
223

ومن زنى وتاب قبل قيام البينة عليه بذلك درأت التوبة عنه الحد، فإن تاب بعد
قيام الشهادة عليه وجب عليه الحد ولم يجز للإمام العفو عنه سواء كان حده جلدا أو
رجما، فإن كان أقر على نفسه وهو عاقل حر عند الإمام ثم أظهر التوبة كان للإمام
الخيار في العفو عنه أو إقامة الحد عليه حسب ما يراه من المصلحة في ذلك هذا إذا
كان الحد رجما يوجب تلف نفسه، فأما إذا كان الحد جلد فلا يجوز العفو عنه ولا
يكون الحاكم بالخيار فيه لأنا أجمعنا على أنه بالخيار في الموضع الذي ذكرناه ولا
إجماع على غيره فمن ادعاه وجعله بالخيار وعطل حدا من حدود الله فعليه الدليل.
إذا وجد الرجل مع امرأته رجلا يفجر بها وهما محصنان كان له قتلهما وكذلك
إذا وجده مع جاريته أو غلامه، فإن وجده ينال منها دون الفرج كان له منعه منها
ودفعه عنها فإن أبي الدفع عليه فهو هدر فيما بينه وبين الله تعالى، فأما في الحكم
فإن أقام البينة على ذلك فلا شئ عليه فإن لم يكن له بينة فالقول قول ولي الدم
أنهم لا يعلمون ذلك منهم ولهم القود.
وإذا زنى اليهودي أو النصراني بأهل ملته كان الإمام مخيرا بين إقامة الحد عليه
بما تقتضيه شريعة الاسلام وبين تسليمه إلى أهل دينه أو دين المرأة ليقيموا عليهما
الحدود على ما يعتقدونه لقوله تعالى: فاحكم بينهم أو أعرض عنهم، و " أو " في
لسان العرب بغير خلاف للتخيير.
ومن عقد على امرأة في عدتها ودخل بها عالما بذلك وجب عليه الحد تاما، فإن
كان عدتها عدة الطلاق الرجعي كان عليهما الرجم لأنها محصنة عندنا ذات بعل،
فإن كانت التطليقة بائنة لا رجعة للبعل عليها فيها أو كانت عدة فسخ أو عدة
المتوفى عنها زوجها كان عليها الجلد دون الرجم لأنها غير محصنة، فإن ادعيا أنهما
لم يعلما أن ذلك لا يجوز في شرع الاسلام وكانا قريبي العهد بالإسلام فإنه يدرأ
الحد عنهما لقوله ع: ادرؤوا الحدود بالشبهات، وهذه شبهة بغير خلاف،
فأما إذا كانا ذلك لم يصدقا فيه وأقيم عليهما الحد لأن هذا شائع ذائع بين المسلمين
لا يختص بعالم دون عامي جاهل فلا شبهة لهما في ذلك فليلحظ الفرق بين
224

الموضعين،
وشيخنا أبو جعفر أطلق ذلك في نهايته إطلاقا والأولى ما فصلناه لأنه الذي تقتضيه الأدلة
القاهرة من الاجماع وغيره.
والمكاتب إذا زنى وكان مشروطا عليه فحكمه حكم المماليك سواء وإن كان
غير مشروط عليه وقد أدى من مكاتبته شيئا جلد بحساب ما أدى حد الحر من مائة
جلدة وبحساب ما بقي من جلد المملوك من خمسين جلدة وليس عليه الرجم إلا في
الموضع الذي يجب الرجم على المملوك في الدفعة الثامنة أو بعد أن تنقضي مكاتبته
فيصير حكمه حكم الأحرار ويطأ بعد ذلك زوجته وهو حر، فإذا زنى بعد ذلك
وجب عليه حينئذ الرجم وكذلك المملوك المحصن إذا أعتق ثم زنى، فإن كان قد
وطئ امرأته بعد العتق وقبل الزنى كان عليه الرجم وإن لم يكن وطئها بعد العتق
وإن كان قد دخل بها قبل ذلك كان عليه الجلد فحسب لأنه بحكم من لم يدخل
بزوجته من الأحرار.
ومن كان له جارية يشركه فيها غيره فوطئها مع علمه أنه لا يجوز له وطئها وله
فيها شريك كان عليه الحد بحساب ما لا يملك منها ويدرأ عنه الحد بحساب ما يملكه
منها، فأما إن اشتبه الأمر عليه وادعى الشبهة عليه في ذلك فإنه يدرأ عنه الحد لقوله
ع: ادرؤوا الحدود بالشبهات.
ومن وطئ جارية من المغنم قبل أن يقسم وادعى الشبهة في ذلك فإنه يدرأوا
عنه الحد للخبر المذكور المجمع عليه وهو ما قدمناه، وقد روي: أنها تقوم عليه
ويسقط عنه من قيمتها بمقدار ما يصيبه منها والباقي بين المسلمين ويقام عليه الحد
ويدرأ عنه بمقدار ما كان له منها، والأولى ما ذكرناه لأن الاشتباه في ذلك حاصل
بلا خلاف وأيضا فإنه يظن أن سهمه أكثر منها ومن قيمتها وأيضا الأصل براءة
الذمة والحد يحتاج إلى دليل وقوله ع المجمع عليه: ادرؤوا الحدود
بالشبهات يعضد ذلك.
والمرأة إذا زنت فحملت من الزنى فشربت دواء فأسقطت أقيم عليها الحد للزنى
225

وعزرها الإمام على جنايتها بسقوط الحمل حسب ما يراه.
ومن زنى في شهر رمضان نهارا أقيم عليه الحد وعوقب زيادة عليه لانتهاكه
حرمة شهر رمضان وألزم الكفارة للإفطار، فإن زنى ليلا كان عليه الحد والتعزير
دون القضاء والكفارة.
ومن زنى في حرم الله أو حرم رسوله أو حرم أحد من الأئمة ع كان
عليه الحد للزنى والتعزير لانتهاكه حرمة حرم الله وأوليائه وكذلك إذا فعل شيئا
يوجب الحد أو التعزير، وفيما يوجب التعزير تغليظ العقوبة.
ومن زنى في الأوقات الشريفة مثل ليالي الجمع أو ليلة النصف من شعبان أو
ليالي الأعياد أو أيام هذه الليالي أو يوم سبعة وعشرين من رجب أو ليلته أو خمسة
وعشرين من ذي القعدة أو ليلة سبعة عشر من شهر ربيع الأول أو يوم الغدير أو ليلته
أو ليلة عاشوراء أو يومه أو يوم عرفة وغير ذلك من الأوقات المباركات فإنه تغلظ
عليه العقوبة.
وإذا أقر الانسان على نفسه بالزنى كان عليه الحد على ما بيناه، فإن أقر أنه
زنى بامرأة بعينها كان عليه حد الزنى وحد القذف مع مطالبة المقذوفة له بالحد لأنه
من حقوق الآدميين، وكذلك حكم المرأة إذا قالت: زنى بي فلان.
والسكران إذا زنى أقيم عليه الحد للزنى والسكر معا ولا يسقط عنه واحد منهما
لسكره، وكذلك متى ارتد وأسلم حكم بإسلامه وارتداده عندنا فأما عقوده فلا يصح
ولا طلاقه ولا عتاقه وسيجئ الكلام عليه في موضعه إن شاء الله تعالى.
والأعمى إذا زنى وجب عليه الحد كما يجب على البصير ولا يسقط عنه الحد
لعماه، فإن ادعى أنه اشتبه عليه الأمر فظن أن التي وطئها كانت زوجته أو أمته
وكانت الحال شاهدة بما ادعاه بأن تكون على فراشه نائمة قد تشبهت بزوجته أو أمته
فإنه يدرأ عنه الحد للشبهة وإن كان شاهد الحال بخلاف ذلك فإنه لا يصدق وأقيم
عليه الحد.
وقد روي: أن امرأة تشبهت لرجل بجاريته واضطجعت على فراشه ليلا فظنها
226

جاريته فوطئها من غير تحرز فرفع خبره إلى أمير المؤمنين ع فأمر بإقامة
الحد على الرجل سرا وإقامة الحد على المرأة جهرا.
أورد هذه الرواية شيخنا أبو جعفر في نهايته إلا أنه رجع عنها في مسائل
خلافه فقال مسألة: إذا وجد الرجل امرأة على فراشه فظنها زوجته فوطئها لم
يكن عليه الحد وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: عليه الحد، وقد روى
ذلك أيضا أصحابنا دليلنا أن الأصل براءة الذمة وشغلها يحتاج إلى دليل،
هذا آخر المسألة من كلامه رحمه الله وما ذهب إليه في مسائل خلافه هو
الصحيح الذي تقتضيه أصول مذهبنا، ويعضد استدلال شيخنا قوله ع
المتفق عليه: ادرؤوا الحدود بالشبهات، وهذه شبهة بلا خلاف وأيضا
فالرجل غير زان ولو جاءت بولد ألحق به بلا خلاف لأنه وطئ شبهة فكيف
يكون عليه الحد فلا نرجع عن الأدلة بأخبار الآحاد التي لا توجب علما ولا
عملا، ولو كان شيخنا أبو جعفر الطوسي يعمل بأخبار الآحاد على ما يدعي
عليه لأجل ما يلوح بذلك في بعض كلامه لزمه أن يوجب عليه الحد سرا
لأنه قال: على ما رواه أصحابنا: وأورد الرواية في نهايته إلا أنه دفعها في
مسائل خلافه وعمل بما يوجب اليقين وثلج الصدر ويقطع العذر.
ولا يحد من ادعى الزوجية إلا أن تقوم البينة بخلاف دعواه ولا حد أيضا مع الإكراه
والإلجاء وإنما يجب الحد بما يفعله الانسان مختارا.
ومن افتض جارية بكرا بإصبعه فإن كانت أمة روي: أنه يغرم عشر ثمنها
ويجلد من ثلاثين سوطا إلى تسعة وتسعين سوطا عقوبة لما جناه، والأولى أنه يغرم ما
بين قيمتها بكرا وثيبا، فإن كانت الجارية حرة غرم عقرها وهو مهر مثل نسائها بلا
نقصان، فإن كان قد زنى بالحرة وهي عاقلة فذهب بعذرتها لم يكن لها عليه شئ
من المهر لأن العقر قد ذكرنا: أنه دية الفرج المغصوب، وهذا ما غصبها عليه.
وجملة الأمر في ذلك وعقد الباب أنه إذا زنى الرجل بامرأة فلا يخلو: إما أن
تكون جارية لغيره أو حرة.
فإن كانت جارية فلا يخلو: إما أن تكون ثيبا أو بكرا، فإن كانت ثيبا فلا
يخلو: إما أن تكون مكرهة أو مطاوعة فإن كانت مطاوعة فلا شئ لمولاها على
227

الزاني بها فإنه لا يستحق عليه مهرا لأن الرسول ع نهى عن مهر البغي، فإن
كانت مكرهة فيجب على الزاني لمولاها مهر أمثالها.
وذهب بعض أصحابنا إلى: أن عليه نصف عشر ثمنها، والأول هو
الصحيح لأن هذا ورد في من اشترى جارية ووطئها فكانت حاملا وأراد ردها
فإنه يردها ويرد معها نصف عشر ثمنها والقياس عندنا باطل.
فأما إن كانت بكرا فلا يخلو: أن تطاوع أو تكره على الفعال، فإن كانت
مكرهة فعليه مهر أمثالها وعليه ما نقص من قيمتها قبل افتضاضها وهو أرش
البكارة يجمع بين الشيئين معا بين المهر وما نقص من القيمة لأن أحدهما لا يدخل
في الآخر ألزمناه المهر لأنها ههنا مكرهة غير بغي ولم ينه ع إلا عن مهر
البغي وهذه حينئذ ليست بغيا وألزمناه ما نقص من القيمة بأخذ بكارتها لأنها جناية
على مال الغير فيجب أن يلزم بأرش ما جناه وأتلفه، فإن كانت مطاوعة فلا يلزمه
المهر لأنها بغي بل يجب عليه ما نقص من قيمتها فحسب والمهر لا يلزمه لأنها بغي
والرسول ع نهى عن مهر البغي.
فأما إذا كانت المزني بها حرة فإن كانت ثيبا وكان مطاوعة عاقلة فلا شئ لها
على الزاني بها وإن كانت مكرهة فيجب عليه عقدها وهو مهر أمثالها لأنها غير بغي،
فإن كانت بكرا وكانت مطاوعة فلا شئ لها لأنها زانية وبكارتها ذهبت باختيارها
فإن كانت مكرهة فلها مهر نسائها فحسب دون أرش البكارة ولا يجمع بينهما معا
فليلحظ ذلك ويتأمل.
ومن زوج جاريته من رجل ثم وقع عليها ولم يدع شبهة في ذلك وجب عليه
الحد كاملا، فإن كان شاهد حاله أنه لا يعلم ذلك وادعى جهالته درئ عنه الحد
لقوله ع: ادرؤوا الحدود بالشبهات.
قال شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه مسألة: إذا أمكنت العاقلة المجنون من
نفسها فوطئها لزمها الحد وإن وطئ المجنونة العاقل لزمه الحد ولم يلزمها، وقد
حكينا عنه ما ذهب أيضا إليه في نهايته وهو أن قال: وإن زنى مجنون بامرأة كان
عليه الحد
228

تاما جلد مائة أو الرجم، ثم قال في مسائل خلافه بعد تلك المسألة التي حكيناها
في مسائل خلافه مسألة: ليس من شرط إحصان الرجم الاسلام بل من شرطه:
الحرية والبلوغ وكمال العقل والوطء في نكاح صحيح فإذا وجدت هذه الشروط فقد
أحصن إحصان رجم وهكذا إذا وطئ المسلم امرأته الكافرة فقد أحصنها، وقال في
مبسوطه: قد بينا شرائط الإحصان عندنا وأنها أربعة أشياء: أن يكون بالغا عاقلا
حرا له فرج يغدو إليه ويروح ويكون قد دخل بها وعندهم أن يطأ وهو حر بالغ في
نكاح صحيح ولا يعتبر الاسلام عندنا، ثم قال: والوطئ في النكاح الفاسد لا
يحصن، وهذا الذي قاله وذهب إليه في مبسوطه ومسائل خلافه في المسألة الأخيرة
هو الصحيح الذي تقتضيه الأدلة القاهرة من أن النواهي والأوامر لا تتوجه إلا إلى
العقلاء وقوله ع: رفع القلم عن ثلاثة عن المجنون حتى يفيق.
إذا أقر الأخرس بالزنى بإشارة معقولة لزمه الحد وكذلك إذا أقر بقتل العمد لزمه
القود، لا نفي على العبد ولا على الأمة في الموضع الذي يجب النفي فيه على الحر
وكذلك لا يجز شعرهما في ذلك الموضع بحال.
229

باب كيفية إقامة الحد في الزنى وما يتعلق بذلك من الأحكام:
إذا كان الانسان قد زنى وكان ممن يجب عليه الجلد والرجم معا وهو المحصن
على ما ذكرناه وحررناه حد أولا الجلد ثم بعده الرجم، وقد روى أصحابنا: أنه لا
يرجم حتى يبرأ جلده فإذا برئ رجم، والأولى حمل الرواية على جهة الاستحباب
دون الفرض والإيجاب لأن الغرض في الرجم إتلافه وهلاكه.
وإذا أراد الإمام رجمه وكانت البينة قد قامت عليه بالزنى فليأمر بأن يحفر له
حفيرة ويدفن فيها إلى حقويه ثم يرجم بعد ذلك وكذلك يفعل بالمرأة إلا أنها تدفن
في الحفيرة إلى صدرها ثم ترجم، فإن فر واحد منهما من الحفيرة رد إليها حتى
يستوفي منه الحد بالرجم، فإن كان الرجم وجب عليهما بإقرارهما على أنفسهما فعل
بهما مثل ما تقدم ذكره إلا أنه إذا أصاب واحدا منهما الرجم وفر من الحفيرة لم يرد
إليها بل يترك يمضي حيث شاء، فإن كان فراره قبل أن يصيبه شئ من الأحجار رد
إلى الحفيرة على كل حال وإنما لم يرد إذا أصابه شئ منها وكان الحد قد وجب عليه
بإقراره دون البينة.
هذا مذهب شيخنا أبي جعفر الطوسي وذهب شيخنا المفيد في مقنعته إلى:
أنهما إذا فرا لم يردا سواء أصابهما الحجر أو لم يصبهما، ولي في ذلك نظر.
والذي يجب الرجم عليه إذا كانت البينة قد قامت عليه كان أول من يرجمه
الشهود ثم الإمام ثم الناس فإن ماتوا أو غابوا كان أول من يرجمه الإمام ثم
الناس، وإن كان الرجم وجب عليه بإقراره على نفسه كان أول من يرجمه الإمام ثم
الناس، وينبغي أن تكون أحجار الرجم صغارا ولا تكون كبارا ويكون الرجم من
خلف المرجوم وورائه لئلا يصيب وجهه شئ منه.
فأما الذي يجب عليه الجلد دون الرجم يجب أن يجلد قائما مائة جلدة أشد ما
يكون من الضرب ويجلد على الحال التي يوجد عليها إن وجد عريانا ضرب عريانا
وإن كان عليه ثياب جلد وهي عليه ما لم يمنع من إيصال شئ من أ لم الضرب إليه
ويضرب جميع جسده إلا رأسه ووجهه وفرجه، فإن مات لم يكن له قود ولا دية لا
230

من بيت المال ولا من الحاكم ولا من عاقلته بحال، وإذا أريد جلد المرأة جلدت كما
يجلد الرجل وضربت كما يضرب إلا أنها تضرب جالسة ولا تكون قائمة في هذه
الحال وتربط عليها ثيابها لئلا تنتهك عورتها فإن جميعها عورة، وإذا فر من يقام
الحد عليه بالجلد رد وأعيد إلى أن يستوفى الحد منه سواء كان قد وجب عليه الحد
بإقراره أو البينة، وإذا أريد إقامة الحد علي الزاني بالجلد أو الرجم فينبغي للإمام أن
يعلم الناس بالحضور فإن في ذلك انزجارا عن مواقعة مثله ولطفا للعباد ثم يحد
بمحضر منهم لينزجروا، ولا يحضر عند إقامة الحد على الزاني إلا خيار الناس.
وروي: أن أقل من يحضر واحد، وهو قول الفراء من أهل اللغة فإنه قال:
الطائفة يقع على الواحد، وإليه ذهب شيخنا أبو جعفر في نهايته فإنه أورد
الرواية إلا أنه رجع عنها في مسائل خلافه فقال مسألة: يستحب أن يحضر
عند إقامة الحد على الزاني طائفة من المؤمنين بلا خلاف لقوله تعالى: وليشهد
عذابهما طائفة من المؤمنين، وأقل ذلك عشرة وبه قال الحسن البصري، وقال
ابن عباس: أقله واحد، وروى ذلك أيضا أصحابنا: وقال عكرمة: اثنان
، وقال الزهري: ثلاثة، وقال الشافعي: أربعة، دليلنا طريقة الاحتياط لأنه إذا
حضر عشرة دخل الأقل فيه ولو قلنا بأحد ما قالوه لكان قويا لأن لفظ يقع
على جميع ذلك، هذا آخر المسألة قال محمد بن إدريس: الذي أذهب إليه أن
الحضور واجب لقوله تعالى: وليشهد عذابهما، ولا خلاف أنه أمر والأمر
عندنا يقتضي الوجوب، ثم الذي أقول في الأقل: إنه ثلاثة نفر لأنه من حيث
العرف دون الوضع والعرف إذا طرأ صار الحكم له دون الوضع الأصلي
وشاهد الحال يقتضي ذلك أيضا وألفاظ الأخبار لأن الحد إن كان قد وجب
بالبينة فالبينة ترجمه وتحضره وهم يكثر من ثلاثة وإن كان الحد باعترافه فأول
من يرجمه الإمام ثم الناس مع الإمام، وإن كان المراد والمعنى حضور عين
الشهود والإمام فالعرف والعادة اليوم أن أقل ما يقال: جئنا في طائفة من
الناس أو جاءتنا طائفة من الناس، المراد به الجماعة عرفا وعادة وأقل الجمع
ثلاثة وشاهد الحال يقتضي أنه أراد تعالى الجمع وفيه الاحتياط فأما خيرة
شيخنا في مسائل خلافه: أن أقل ذلك عشرة، فلا وجه له فأما الرواية فمن
أخبار الآحاد وقد بينا ما في ذلك وكررناه، وروي: أنه لا يرجمه إلا من ليس
لله سبحانه في جنبه
231

حد، وهذا غير متعذر لأنه يتوب فيما بينه وبين الله تعالى ثم يرميه.
وإذا وجب إقامة الحد على الزاني بالرجم أقيم ذلك عليه صحيحا كان أو
مريضا والذي يجب عليه الجلد إذا كان مريضا لم يقم الجلد عليه حتى يبرأ فإذا
برئ أقيم الحد عليه، فإن رأي الإمام إقامة الحد عليه بأن تقتضيه المصلحة بأن
ينزجر الغير قدمه وأخذ عرجونا فيه مائة شمراخ أو ضغثا فيه مائة عود أو ما جرى
مجرى ذلك ويضرب به ضربة واحدة وقد أجزأ ذلك في استيفاء الحد منه سواء
وصلت جميعها على جسده ووقعت عليه أو لم تقع يعضد ذلك قوله تعالى: وخذ
بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث.
إذا زنت امرأة وهي حامل لم يقم عليها حد بجلد ولا رجم وهي كذلك فإذا
وضعت ولدها وخرجت من نفاسها ووجد من يرضعه أقيم عليها الحد فأما إذا لم
يوجد من يرضعه فلا يقام عليها الحد حتى يستغني عنها،
وهذه قضية أمير المؤمنين ع في المرأة التي جاءت إليه بالكوفة
فقالت: يا أمير المؤمنين طهرني فإني زنيت وأنا محصنة، ثم أقرت أربع مرات
في أربع دفعات، فقال لها: امضي فأرضعي ولدك فإذا استغنى عنك فأنا أقيم
الحد عليك.
وإذا اجتمع على انسان حدود وفيها قتل وغيره بدأ أولا بما لا يكون قتلا من
الحدود ثم يقتل بعد ذلك، مثال ما ذكرناه أن يقتل ويسرق ويزني وهو غير محصن
فإنه يجلد أولا للزنى ثم يقطع للسرق " بكسر الراء " ثم يقتل للقود بعد ذلك.
إذا وجب على رجل الحد وهو صحيح العقل ثم اختلط عقله بعد ذلك
وكانت البينة قد قامت عليه به أقيم عليه الحد على كل حال، ومن يجب نفيه عن
البلد الذي زنى فيه فإنه ينفى إلى بلد آخر سنة فأما نفي القواد " وهو الجامع بين
الرجال والنساء للفجور " فإنه ينفى من بلده إلى بلد آخر إلا أنه لا يكون نفيه سنة
وأما نفي المحارب فأبدا إلى أن يتوب ويراجع الحق وينيب إلى الله تعالى على ما
نبينه عند المصير إليه إن شاء الله تعالى.
ومن أقر على نفسه بحد ثم أنكر ذلك لم يلتفت إلى إنكاره إلا الرجم فإنه إذا
232

أقر بما يوجب عليه الحد بالرجم ثم جحد ذلك قبل أن يرجم خلي سبيله ولا يكون
الإمام ههنا مخيرا في تخلية سبيله بل يجب عليه ذلك، فأما إذا لم يجحد كان الإمام
بالخيار في إقامة الحد عليه أو تخليته على ما يراه من المصلحة في الحال له وللأمة
بشرط إظهاره التوبة بعد الإقرار عن الإمام، فأما إذا لم يتب فلا يجوز تخليته ولا
يكون مخيرا.
ومن أقر على نفسه بحد ولم يبينه ضرب أعلى الحدود وهي المائة إلا أن ينهى
هو عن نفسه من دونها وبعد تجاوز الحد الذي هو الثمانون، فإن نهى عن نفسه قبل
بلوغ الثمانين سوطا الذي هو حد شارب الخمر فلا يقبل منه وضرب إلى أن يبلغه
فهذا تحرير هذه الفتيا، وقد روي: أنه يضرب حتى ينهى هو عن نفسه الحد.
وإذا كانت المرأة مستحاضة لم يقم عليها الجلد إن كان حدها جلدا وإن كان
رجما أقيم عليها لأن الغرض قتلها، ولا يقام عليها الجلد حتى ينقطع دمها لأنها
عليلة لأن دم الاستحاضة دم علة ويقام على الحائض الجلد لأنه دم جبلة وليس
بدم علة.
إذا وجب على انسان جلد لم يقم عليه في الساعات الشديدة الحر ولا
الشديدة البرد بل إن كان في الشتاء يترك حتى تطلع الشمس ويحمى النهار ويذهب
برد أوله وإن كان في الصيف يترك حتى يبرد النهار ولا يضرب في السبرات الباردة
ولا الجواهر بل يقام عليه في الأوقات المعتدلة.
وإذا فرع من رجم المرجوم دفن في الحال ولم يترك على وجه الأرض،
وأحكامه بعد موته أحكام غيره من الأموات إلا في الغسل فإنه يؤمر بالاغتسال أولا
والتكفين ثم يقام الحد عليه فإذا مات كان بعد ذلك أحكامه أحكام غيره فإنه يصلى
عليه ويدفن، ويجب على من مسه الغسل على ما ذكرناه في باب تغسيل الأموات
وكتاب الطهارات.
وقد ذكر شيخنا أبو جعفر في مبسوطه في كتاب الحدود قال: إذا رجم رجل
وصلى عليه فحكمه بعد الرجم حكم المسلم إذا مات وحكم من يقتل
قصاصا يغسل ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين بلا خلاف، وروى
أصحابنا: أنه يؤمر بالاغتسال قبل الرجم والتحنيط وكذلك من وجب عليه
القصاص فإذا قتل صلى
233

عليه ودفن، هذا آخر كلامه في مبسوطه ألا ترى إلى قوله: فحكمه بعد
الرجم حكم المسلم إذا مات، ولا خلاف أن من جملة أحكام المسلم إذا
مات ومما يتعلق به أنه إذا مسه انسان بعد موته وقبل غسله الذي هو بعد
موته يجب عليه الاغتسال فليلحظ ذلك وقد أشبعنا القول في الموضع الذي
ذكرناه.
ولا يقام الحد أيضا في أرض العدو لئلا يحمل المحدود الحمية والغضب على
اللحوق بأعداء الدين.
وإذا التجأ إلى حرم الله سبحانه أو حرم رسوله أو أحد الأئمة ع
لم يقم عليه الحد فيه بل يضيق عليه في المطعم والمشرب بأن لا يبايع ولا يشاري ولا
يعامل حتى يخرج منه فإذا خرج أقيم عليه الحد، وإذا أحدث وهو في الحرم ما
يوجب إقامة الحد عليه أقيم عليه ذلك فيه وقد قدمنا ذكر ذلك وكذلك إن قتل فيه
أو جنى قتل فيه وأقيم عليه الحد فيه لأنه انتهك حرمة الحرم فعوقب لجنايته فيه.
إذا أقر رجل بالزنى أربع مرات بأنه زنى بهذه المرأة وأكذبته المرأة أو قالت:
أكرهني، كان عليه الحد دونها، فإن أقرت المرأة أربع مرات بأن هذا الرجل زنى بها
فأكذبها الرجل كان عليها حد الزنى دونه وحد القذف أيضا إذا طالبها به الرجل،
فإن صدقها مرة واحدة أو أكثر منها ما لم يبلغ أربع مرات كان عليها حد الزنى دون
حد القذف، فإن أقر أربع مرات مصدقا لها وجب عليه حد الزنى أيضا.
ومن وجب عليه الرجم أقيم عليه على كل حال عليلا كان أو صحيحا لأن
الغرض إتلافه وقتله على ما قدمناه.
باب الحد في اللواط وما يتعلق بذلك:
اللواط هو الفجور بالذكران وهو على ضربين: أحدهما إيقاع الفعل في الدبر
بالإيقاب كالميل في المكحلة، والآخر بإيقاع الفعل فيما عدا ذلك من بين الفخذين
أو ما لا يكون بالإيقاب في الدبر.
ويثبت ذلك على فاعله بأمرين:
234

أحدهما إقراره على نفسه بذلك أربع مرات وهو كامل العقل حر مختار كما
قدمناه في باب حد الزنى سواء كان فاعلا أو مفعولا، فإن أقر دون ذلك لم يجب
عليه الحد وكان على الحاكم تعزيره لإقراره على نفسه بالفسق.
والضرب الثاني البينة وهي أربعة شهود يشهدون بذلك كما ذكرناه في
شهادتهم بالزنى ويذكرون المشاهدة للفعل كالميل في المكحلة، فإن لم يشهدوا كذلك
كان عليه حد الفرية إلا أن يشهدوا بإيقاع الفعل فيما دون الدبر فيقبل شهادتهم
ويجب بها الحد على ما نبينه فيما بعد إن شاء الله تعالى.
وإذا شاهد الحاكم بعض الناس على هذا الفعل كان له إقامة الحد عليه به
ولا يحتاج مع علمه ومشاهدته إلى غير ذلك مثل الزنى سواء، فإذا ثبت على اللائط
حكم اللواط بالإيقاب كان حده القتل إلا أن الإمام بالخيار في كيفية قتل اللائط إما
أن يرمى من حائط عال أو يرمى عليه جدار أو يدهدهه من جبل " ومعنى يدهدهه
أي يدحرجه " أو يضرب عنقه بالسيف أو يرجمه الإمام والناس أو يحرق بالنار
والإمام مخير في ذلك أي شئ أراد فعله منه كان له ذلك بحسب ما يراه صلاحا،
فإن أقام عليه حدا بغير النار كان له إحراقه بعد ذلك.
والفاعل لما يخالف الإيقاب فاعلا كان أو مفعولا يجب عليه الجلد مائة جلدة
دون القتل والرجم سواء كان محصنا أو غير محصن
على الأظهر من أقوال أصحابنا، وقد ذهب بعضهم إلى: أنه على ضربين:
أحدهما أن يكون محصنا والآخر غير محصن، فإن كان محصنا كان عليه الرجم
وإن كان غير محصن كان عليه الحد مائة جلدة سواء كان فاعلا أو مفعولا به
حرا كان أو عبدا مسلما كان أو كافرا، وهذا اختيار شيخنا أبي جعفر في نهايته
والأول مذهب شيخنا المفيد محمد بن محمد بن النعمان والسيد المرتضى
وغيرهما من الجلة المشيخة رحمهم الله وهو الصحيح الذي تقتضيه الأدلة
القاهرة لأن الأصل براءة الذمة وإدخال الضرر على الحيوان قبيح عقلا
وسمعا إلا ما خرج بالدليل ولا يرجع في ذلك إلى أخبار شاذة لا يعضدها
كتاب ولا سنة ولا إجماع لأنا قد بينا أن الاجماع غير حاصل ولا منعقد على
ذلك.
235

فأما التلوط بالإيقاب بلا خلاف فيه بين أصحابنا أن حده ما ذكرناه سواء كان
الفاعل والمفعول حرا أو عبدا مسلما أو كافرا محصنا أو غير محصن وعلى كل حال
بعد أن يكون عاقلا.
وإذا تلوط رجل عاقل بصبي لم يبلغ كان عليه الحد كاملا وعلى الصبي
التأديب فإن كان الصبي هو الفاعل بالرجل كان على الصبي التأديب أيضا وعلى
الرجل المفعول به الحد كاملا، وإذا تلوط صبي بصبي مثله أدبا جميعا ولم يجب على
واحد مهما الحد، وإذا كان لرجل عبد فتلوط به كان عليه وعلى العبد جميعا الحد
كاملا فإن ادعى العبد على سيده أنه أكرهه على ذلك درئ عنه الحد وأقيم على
سيده لأن ههنا شبهة الرق وقد قال ع: ادرؤوا الحدود بالشبهات. فإن
زنى مملوك بمولاته أقيم عليهما جميعا الحد فإن ادعى الإكراه منها له على الفعال فلا
يقبل منه ولا يصدق ولا يدرأ عنه الحد لأن ما ههنا شبهة وليس هذا كالأول.
إذا تلوط عاقل بمجنون أقيم الحد عليه ولم يكن على المجنون شئ، فإن لاط
مجنون بعاقل كان على العاقل الحد كاملا وليس على المجنون شئ بحال سواء كان
فاعلا أو مفعولا به،
وذهب بعض أصحابنا إلى: أنه إن كان المجنون فاعلا فيجب عليه الحد
كاملا وإن كان مفعولا به فلا يجب عليه شئ، وهو الذي ذكره شيخنا في
نهايته وليس عليه دليل من كتاب ولا سنة متواترة ولا إجماع والأصل براءة
الذمة فمن علق عليها شيئا يحتاج إلى دليل، والأحكام الشرعية من الحدود
وغيرها متوجه إلى العقلاء دون غيرهم من المجانين والأطفال فلا ينبغي أن
نترك الأدلة القاطعة للأعذار ونرجع إلى خبر واحد أو قول مصنف قاله في
كتابه وأودعه في تصنيفه ولا يحل تقليده في ذلك بحال.
وإذا لاط كافر بمسلم قتل على كل حال وإذا لاط بكافر مثله كان الإمام مخيرا
بين أن يقيم الحد عليهما بما توجبه شريعة الاسلام وبين أن يدفعه إلى أهل ملته
ليقيموا الحد عليه على ما يرونه عندهم.
236

ومتى وجد رجلان في إزار واحد مجردين أو رجل وغلام وقامت عليهما بذلك بينة
وهي رجلان عدلان أو أقرا بفعله ضرب كل واحد منهما تعزيرا من ثلاثين سوطا
إلى تسعة وتسعين سوطا بحسب ما يراه الإمام، فإن عادا إلى مثل ذلك ضربا مثل
ذلك، فإن عادا أقيم عليهما الحد بأن يضرب كل واحد منهما مائة جلدة على ما
روي.
وإذا لاط رجل ثم تاب قبل قيام البينة لم يكن للإمام ولا غيره إقامة الحد
عليه، فإن تاب بعد أن شهد عليه بالفعل لم تسقط عنه التوبة ههنا الحد و وجب على
الإمام إقامته عليه، فإن كان تائبا عند الله تعالى عوضه بما يناله من ألم الحد ولم يجز
العفو عنه على حال.
وإن كان اللائط أقر عند الإمام على نفسه باللواط أربع مرات ثم تاب وعلم
الإمام منه ذلك جاز له أن يعفو عنه ويجوز له أيضا إقامة الحد عليه حسب ما يراه من
المصلحة وشاهد الحال، ومتى لم يظهر التوبة منه لم يجز العفو عنه بحال.
ومن قبل غلاما ليس بمحرم له على جهة الالتذاذ والشهوة وميل النفس وجب
عليه التعزير، فإن فعل ذلك وهو محرم بحج أو عمرة غلظ عليه تأديبه كي ينزجر عن
مثله في مستقبل الأحوال، وقد روي: أنه إذا قبل الرجل غلاما بشهوة لعنته ملائكة السماء وملائكة
الأرض وملائكة الرحمة وملائكة الغضب وأعد له جهنم وساءت
مصيرا، وفي حديث آخر: من قبل غلاما بشهوة ألجمه الله يوم القيامة بلجام من
نار. فإن كان التقبيل للغلام أو للرجل على غير ذلك الوجه إما لأمر ديني أو صداقة
دنياوية ومودة إصلاحية وعادة عرفية فلا حرج في ذلك ولا إثم فإنه قد روي
استحباب تقبيل القادم من مكة بغير خلاف، وإنما يحرم من ذلك ما يقصد به
الريبة والشهوة والفسوق وهذا شئ راجع إلى النيات والعقائد فقد قال ع:
الأعمال بالنيات وإنما لامرئ ما نوى، وفي ألفاظ الأخبار عن الأئمة
الأطهار ع تقييد التحريم من ذلك ما يكون بالشهوة،
أورد ذلك ابن بابويه في رسالته وقيده في كلامه.
237

والمتلوط بما دون الإيقاب الذي يجلد مائة جلدة فإذا أقيم عليه الحد ثلاث مرات
يقتل في الرابعة مثل الزاني، والأولى عندي أنه يقتل هو والزاني في الثالثة لقولهم
ع: المجمع عليه إن أصحاب الكبائر يقتلون في الدفعة الثالثة، وهؤلاء
بلا خلاف أصحاب كبائر.
وشيخنا أبو جعفر ذهب في نهايته إلى: أنه يقتل في الرابعة، وذهب في مسائل
خلافه إلى: أنه يقتل في الخامسة، وجعل ما ذهب إليه في نهايته رواية فقال
مسألة: إذا جلد الزاني الحر البكر البالغ أربع مرات قتل في الخامسة وكذلك في
القذف يقتل في الخامسة والعبد يقتل في الثامنة، وقال في نهايته: يقتل في التاسعة،
ثم قال متمما للمسألة: وقد روي: أن الحر يقتل في الرابعة، وخالف جميع
الفقهاء في ذلك وقالوا: عليه الحد بالغا ما بلغ، دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم، هذا
آخر المسألة وما اخترناه أولا هو الأظهر بين الطائفة.
قال محمد بن إدريس: أورد شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه الله في الجزء الثالث من
كتابه الاستبصار في باب الحد في اللواط خبرا عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن
الحسن بن محبوب عن ابن رئاب عن مالك بن عطية عن أبي عبد الله ع
في من أوقب على غلام قال: قال أمير المؤمنين ع: إن رسول الله ص
حكم فيه ثلاثة أحكام: إما ضربه بالسيف في عنقه بالغة ما بلغت أو
إهداء من جبل مشدود اليدين والرجلين أو إحراق بالنار، وجدناه لما عارضت
كتابي بخط المصنف رحمه الله إهداء " بألف في أوله وألف في آخره " وصوابه دهداء
" بدال في أوله " وأظن الدال الأولة كانت قصيرة المدة التحتانية وطويلة المدة
الفوقانية فاعتقدها النساخ الناقلون ألفا مستقيمة فوقع الرهق والغلط لذلك لأنه
مصدر تدهدأ الحجر وغيره تدهدئا ودهدئته أنا أدهدئه دهدأة ودهداء، قال
ذو الرمة:
أدنى يقاذفه التقريب أو خبب * كما يدهدى من العرض الجلاميد
وهذا مما يبدل من الهاء ياء، قال الجوهري في الصحاح: دهدهت الحجر فتدهده،
أي دحرجته فتدحرج وقد يبدل من الهاء ياء فيقال: تدهدأ الحجر وغيره تدهدئا
ودهدئته أنا أدهدئه دهدأة ودهداء إذا دحرجته، وأنشد بيت ذي الرمة المتقدم ذكره
238

وإنما أو مات إلى هذا المكان لئلا يجري تصحيف في الخبر الذي في الاستبصار.
باب الحد في السحق:
السحق بضم السين الاسم وبفتحها المصدر وهو عبارة في عرف الشرع عن فعل
الأنثى بالأنثى كما أن اللواط عبارة عن فعل الرجال بالرجال الذكران بالذكران
والزنى عبارة عن فعل الرجال بالنساء.
فإذا ثبت ذلك فالبينة على الجميع واحدة وهي شهادة أربعة عدول بتحقيق ذلك
ومعاينته على ما قدمناه أو إقرار الفاعل أو المفعول على نفسه أربع مرات في أربع
دفعات وأوقات، فإذا ثبت ذلك وساحقت المرأة أخرى وجب على كل واحدة منهما
الحد جلد مائة سواء كانتا محصنتين أو غير محصنتين،
وقال بعض أصحابنا: إن كانتا محصنتين وجب على كل واحدة منهما الرجم، وهو
اختيار شيخنا أبو جعفر في نهايته والأول اختيار شيخنا المفيد محمد بن محمد
بن النعمان في مقنعته والسيد المرتضى وغيرهما من أصحابنا وهو الأظهر الذي
تقتضيه أصول مذهبنا ولأن الأصل براءة الذمة وحقن الدماء وترك إدخال الضرر
على الحيوان إلا بدليل ولا دليل على ذلك من كتاب ولا سنة متواترة ولا إجماع.
وإذا ساحقت المرأة جاريتها وجب على كل واحدة منهما الحد كاملا وهو جلد
مائة ولا يتنصف في حق الإماء مثل حد الزنى بل حد الحرة والأمة في السحق سواء
لأنه ليس بزنى والقياس عندنا باطل، فإن ذكرت الجارية أنها أكرهتها درئ عنها
الحد للشبهة في ذلك وأقيم على مولاتها.
وإذا ساحقت المجنونة لا يجب عليها الحد سواء كانت فاعلة أو مفعولة بهما،
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: وإذا ساحقت المجنونة أقيم عليها الحد فإن فعل بها
ذلك لم يكن عليها الحد، وما ذهبنا إليه هو الذي تقتضيه أصول المذهب ولا يرجع
في ذلك إلى خبر واحد أو مسطور يوجد لبعض المصنفين إذا لم يعضده كتاب الله أو
إجماع أو أخبار متواترة.
239

وإذا ساحقت المسلمة الكافرة وجب على كل واحدة منهما الحد وكان الإمام
مخيرا في الكافرة بين إقامة الحد عليها وبين إنفاذها ودفعها إلى أهل ملتها ليعملوا بها
ما يقتضيه مذهبهم، وإذا ساحقت المرأة العاقلة صبية غير بالغة أقيم على العاقلة الحد
وأدبت الصبية فإن تساحقت صبيتان غير بالغتين أدبتا ولم يقم على واحدة منهما
الحد كاملا.
وروي: أنه إذا وطئ الرجل امرأته فقامت المرأة فساحقت جارية بكرا فألقت
ماء الرجل في رحمها وحملت الجارية وجب على المرأة الرجم وعلى الجارية إذا وضعت
مائة جلدة وألحق الولد بالرجل وألزمت المرأة المهر للجارية لأن الولد لا يخرج منها إلا
بعد ذهاب عذرتها.
فإن عضد هذه الرواية دليل من كتاب أو سنة متواترة أو إجماع وإلا السلامة التوقف
فيها وترك العمل بها والنظر في دليل غيرها لأنا قد قلنا: إن جل أصحابنا لا يرجمون
المساحقة سواء كانت محصنة أو غير محصنة، واستدللنا على صحة ذلك فكيف نوجب
على هذه الرجم وإلحاق الولد بالرجل فيه نظر يحتاج إلى دليل قاطع لأنه غير مولود
على فراشه والرسول ع قال: الولد للفراش، وهذه ليست بفراش للرجل
لأن الفراش عبارة في الخبر عن العقد وإمكان الوطء ولا هو من وطئ شبهة بعقد
الشبهة، وإلزام المرأة المهر أيضا فيه نظر ولا دليل عليه لأنها مختارة غير مكرهة وقد
بينا أن الزاني إذا زنى بالبكر الحرة البالغة لا مهر عليه إذا كانت مطاوعة والبكر
المساحقة ههنا مطاوعة قد أوجبنا عليها الحد لأنها بغي والنبي ع نهى عن
مهر البغي فهذا الذي يقال على هذه الرواية، فإن كان عليها دليل غيرها من إجماع
وغيره فالتسليم للدليل دونها فليلحظ ما نبهنا عليه ويتأمل ولا ينبغي في الديانة أن
تقلد أخبار الآحاد وما يوجد في سواد الكتب.
وإذا افتضت امرأة بكرا بإصبعها فذهبت بعذرتها لزمها مهرها إذا كان ذلك بغير
اختيارها وكانت البكر عاقلة بالغة، فإن أمرتها بذلك فلا شئ على المرأة الفاعلة من
المهر بحال وكذلك الرجل إذا ذهب بعذرة البكر حرفا فحرفا، فإن كانت البكر
غير بالغ فيجب على من ذهب بعذرتها بإصبعه أو غير إصبعه المهر على ما قدمناه
240

وحررناه، فإن كانت الجارية البالغة أمة للغير فالمهر لا يجب بل يجب ما بين قيمتها
بكرا أو غير بكر لأنه مال الغير أتلفه سواء كانت الأمة مختارة أو مكرهة.
وإذا وجدت امرأتان في إزار واحد مجردتين من ثيابهما وليس بينهما رحم ولا
أحوجهما إلى ذلك ضرورة من برد وغيره كان على كل واحدة منهما التعزير من
ثلاثين سوطا إلى تسعة وتسعين سوطا حسب ما يراه الإمام أو الوالي والحاكم من
قبله ولا يبلغ بذلك الحد،
وقد يوجد في بعض المواضع التعزير من ثلاثين سوطا إلى تسعة وتسعين والوجه في
ذلك أنه إن كان الفعال مما يناسب الزنى واللواط والسحق فإن الحد في هذه
الفواحش مائة جلدة فيكون التعزير دونها ولا يبلغها فللحاكم أن يعزر من ثلاثين
سوطا إلى تسعة وتسعين فينقص عن المائة سوطا، فأما إذا كان التعزير على ما
يناسب ويماثل الحد الذي هو الثمانون وهو حد شارب الخمر عندنا وحد القاذف
فيكون التعزير لا يبلغه بل من ثلاثين إلى تسعة وسبعين، فهذا معنى ما يوجد في
بعض المواضع من الكتب تارة تسعة وتسعون وتارة تسعة وسبعون.
قال شيخنا أبو جعفر في الجزء الثالث من مسائل الخلاف في كتاب الأشربة ما
ينبهك على ما قلناه قال مسألة: لا يبلغ بالتعزير حد كامل بل يكون دونه وأدنى
الحدود في جنبة الأحرار ثمانون والتعزير فيهم تسعة وسبعون جلدة، هذا آخر كلامه
والذي تقتضيه أصول مذهبنا وأخبارنا أن التعزير لا يبلغ الحد الكامل الذي هو المائة
أي تعزير كان سواء كان ما يناسب الزنى أو القذف وإنما هذا الذي لوح به شيخنا
من أقوال المخالفين وفرع من فروع بعضهم ومن اجتهاداتهم وقياساتهم الباطلة
وظنونهم العاطلة.
فإن عادتا إلى مثل ذلك نهيتا وأدبتا، فإن عادتا ثالثة أقيم عليهما الحد كاملا
مائة جلدة
على ما روي أورده شيخنا في نهايته وقال: فإن عادتا رابعة كان عليهما القتل،
قال محمد بن إدريس: إن قتلهما في الرابعة لقولهم ع: أصحاب الكبائر
يقتلون في الرابعة، فالصحيح أنهم يقتلون في الثالثة.
241

وإذا ساحقت المرأة وأقيم عليها الحد ثلاث مرات قتلت في الرابعة مثل الزانية
سواء،
وقد قلنا ما عندنا في الزانية وأن الأظهر عند أصحابنا والذي تقتضيه أصول مذهبهم
القتل في الثالثة.
وإذا تابت المساحقة قبل أن ترفع إلى الإمام سقط عنها الحد، فإن قامت بعد
ذلك عليها البينة لم يقم عليها الحد، فإن قامت البينة عليها ثم تابت بعد ذلك أقيم
عليها الحد على كل حال ولم يجز للحاكم العفو عنها، فإن كانت أقرت بالفعل عند
الحاكم ثم أظهرت التوبة كان للإمام العفو عنها وله إقامة الحد عليها حسب ما يراه
أصلح في الحال،
هكذا أورده شيخنا في نهايته والأظهر أنه لا يجوز له العفو لأن هذا الحد لا يوجب
القتل وإنما ذلك في الإقرار الذي يوجب القتل.
باب وطء الأموات والبهائم والاستمناء بالأيدي وما يتعلق بذلك من الأحكام:
من وطئ امرأة ميتة فإن حكمه حكم من وطئها وهي حية لقولهم ع:
حرمة المؤمن ميتا كحرمته حيا، فإذا ثبت ذلك فإنه يجب عليه الرجم إن
كان محصنا والجلد إن لم يكن كذلك ويضرب زيادة على الحد تعزيرا لانتهاكه
حرمة الأموات والجرأة على ذلك، فإن كانت الموطوءة زوجته أو أمته وجب عليه
التعزير دون الحد للشبهة الداخلة عليه في ذلك، ويثبت الحكم في ذلك بإقرار الفاعل
على نفسه مرتين أو شهادة عدلين
هذا ما روي في أخبار الآحاد، والذي تقتضيه الأدلة وأصل مذهبنا أن الإقرار أربع
مرات والشهادة أربعة رجال لأنا أجمعنا أنه زان وزنى والزنى بإجماع المسلمين لا
يثبت إلا بشهادة أربعة رجال أو إقرار الفاعل أربع مرات والإجماع فغير منعقد على
تخصيص ذلك ولا يرجع في ذلك إلى أخبار الآحاد ولا كتاب مصنف وإن كان قد
أورد ذلك شيخنا في نهايته إيرادا لا اعتقادا كما أورد أمثاله من الأخبار الآحاد.
242

وحكم المتلوط بالأموات حكم المتلوط بالأحياء على السواء لا يختلف الحكم
في ذلك بل تغلظ عقوبته لانتهاكه حرمة الأموات.
ومن وطئ بهيمة كان عليه التعزير حسب ما يراه الحاكم من الصلاح في
الحال، ويغرم ثمن البهيمة لصاحبها إن لم تكن له إذا كانت مما يركب ظهرها في
الأغلب كالخيل والبغال والحمير وإن كان يقع على هذه الأجناس الذكاة ويؤكل
عندنا لحومهن إلا أنه غير غالب عليهن بل ركوب ظهورها هو الأغلب واتخاذها
لذلك هو المقصود الأشهر، وأخرجت من البلد الذي فعل بها ما فعل إلى بلد آخر
وبيعت هناك لئلا يعير صاحبها بها على ما روي في الأخبار هذا التعليل، فإذا
بيعت كان الثمن لمن غرمناه ثمنها لأن صاحبها قد أخذ ثمنها وصارت للواطئ فلا
يعطي صاحبها غير ثمن واحد وهو الذي غرمه له ولا يجمع له الثمنين معا لأنه لا
دلالة على ذلك من كتاب ولا سنة ولا إجماع بل قد وردت أخبار عن الأئمة الأطهار
بما قلناه، فإن كانت ملك الواطئ لم يكن عليه شئ سوى التعزير ولا يجب عليه
غرم ثمنها لأن ثمنها له فلمن يغرم؟
وقال شيخنا المفيد في مقنعته: يتصدق بثمنها على المساكين والفقراء سواء كانت
لصاحبها أو لغيره إذا غرم ثمنها وبيعت وتصدق بالثمن الثاني.
فإن كانت البهيمة الموطوءة مما لا يركب ظهرها بل في الأغلب تكون للأكل
والنحر والذبح ذبحت وأحرقت بالنار لأن لحمها قد حرم ولحم ما يكون من نسلها،
فإن اختلطت بغيرها من البهائم ولم يتميز قسم القطيع وأقرع بينهما فما وقعت عليه
القرعة قسم من رأس وأقرع بينهما إلى أن لا يبقى إلا واحدة ثم تؤخذ وتحرق بالنار
بعد أن تذبح وليس ذلك على جهة العقوبة لها لكن لما يعلمه الله تعالى من المصلحة في
ذلك للعباد ودفع العار بها عن صاحبها.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: ومن نكح بهيمة كان عليه التعزير بما دون الحد
حسب ما يراه الإمام في الحال ويغرم ثمن البهيمة لصاحبها إن لم تكن له فإن
كانت له لم يكن عليه شئ، فإن كانت البهيمة مما يقع عليه الذكاة ذبحت
243

وأحرقت بالنار لأن لحمها قد حرم ولحم جميع ما يكون من نسلها، فإن
اختلطت البهيمة الموطوءة بغيرها من البهائم ولم يتميز قسم القطيع الذي فيه
تلك البهيمة وأقرع بينهما فما وقعت عليه القرعة قسم من الرأس وأقرع بينهما
إلى أن لا يبقى إلا واحدة ثم تؤخذ وتحرق بالنار بعد أن تذبح وليس ذلك
على جهة العقوبة لها لكن لما يعلمه الله تعالى من المصلحة في ذلك ولدفع
العار بها عن صاحبها، فإن كانت البهيمة مما لا يقع عليها الذكاة أخرجت
من البلد الذي فعل بها ما فعل إلى بلد آخر وبيعت هناك لئلا يعير صاحبها
بها، هذا آخر كلامه رحمه الله.
قال محمد بن إدريس: أما قوله رحمه الله في أول الكلام وهو: فإن كانت
البهيمة مما يقع عليها الذكاة ذبحت وأحرقت، فالمراد به ما قلناه ونبهنا عليه
من أنها تصلح للذبح في الغالب دون ركوب الظهر، وأما قوله في آخر
الكلام: فإن كانت البهيمة مما لا يقع عليها الذكاة أخرجت من البلد، مراده
بذلك ما قلناه وهو أنها تصلح للركوب لا للذبح في الغالب وإن كانت عندنا
أيضا يقع عليها الذكاة لأن الخيل والبغال والحمير يقع عليها الذكاة ويؤكل
لحمها عندنا إلا أنها ما يراد لذلك ولا الغالب فيها الذبح ولا قنيتها واتخاذها
للأكل والذبح فليلحظ ذلك فقد نبه شيخنا المفيد ولوح في مقنعته على شئ
من ذلك قال: فإن كانت البهيمة مما يقع عليها الذكاة كالشاة والبقر والبعير
وحمر الوحش والغزلان ذبحت وحرقت بالنار، ثم قال بعد ذلك: وإن كانت
مما لا يقع عليها الذكاة كالدواب والبغال والحمر الأهلية وأشباه ذلك أخرجت
من البلد، فهذا تنبيه على ما أشرنا إليه واعتمدنا عليه، قوله رحمه الله: من
الرأس، لا ينبغي أن يكون بألف ولام بل عند أهل اللغة يقال: من رأس،
ويعدون ما خالف ذلك مما يغلظ فيه العامة فينبغي أن يتجنبه الانسان.
ويثبت الحكم بذلك إما بالإقرار من الفاعل مرتين أو بشهادة عدلين لا أكثر
من ذلك، ومتى تكرر الفعل من واطئ البهيمة والميتة وكان قد أدب وحد وجب
عليه القتل في الثالثة، وقال شيخنا في نهايته: في الرابعة.
ومن استمنى بيده حتى أنزل كان عليه التعزير والتأديب بما دون الحد
الكامل،
وقد روي: أن أمير المؤمنين ع ضرب يد من فعل ذلك حتى احمرت
244

وزوجه من بيت المال واستتابه من ذلك الفعال،
ويثبت الفعل بذلك بإقرار الفاعل مرتين أو شهادة عدلين مرضيين.
باب الحد في القيادة:
الجامع بين النساء والرجال أو الرجال والغلمان للفجور إذا شهد عليه عدلان أو
أقر على نفسه وهو عاقل مرتين فإنه يجب عليه ثلاثة أرباع حد الزاني الحر وهو خمس
وسبعون جلدة ويحلق رأسه ويشهر في البلد وينفى عنه إلى غيره من الأمصار من غير
تحديد لمدة نفيه سواء كان حرا أو عبدا لأن الأخبار العامة مطلقة خالية من تخصيص
فهي عامة في هذا الحكم ويجب العمل بالعموم حتى يقوم دليل الخصوص فليلحظ
ذلك،
وشيخنا المفيد يفعل به ما قلناه في الدفعة الأولى إلا النفي فإنه لا ينفيه إلا إذا عاد
دفعة ثانية بل في الدفعة الأولى لا ينفيه بل يحلق رأسه ويشهره في البلد ويضربه العدد
الذي ذكرناه ولا ينفيه إلا في الثانية، والأول اختيار شيخنا أبي جعفر في نهايته.
والمرأة إذا فعلت ذلك فعل بها ما يفعل بالرجل من الجلد فحسب ولا تحلق ولا
تشهر ولا تنفى بحال، ومن رمى غيره بالقيادة فقال له: يا قواد، كان عليه التعزير
بما دون الحد لئلا يعود إلى أذى المسلمين، فإن قال له: يا قائد، لم يكن عليه تعزير
لأن لفظ القائد ما أفاد لفظ قواد لأن بالعرف صار قبيحا دون لفظ قائد.
باب الحد في شرب الخمر والمسكر من الشراب والفقاع وغير ذلك من الأشربة والمآكل
المحظورة وما يتعلق به من الأحكام:
الخمر محرمة بالكتاب والسنة والإجماع قال الله تعالى: يسألونك عن الخمر
والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما،
فأخبر تعالى أن في الخمر إثما كبيرا وأخبر أن فيهما منافع للناس ثم قال:
وإثمهما أكبر من نفعهما، فثبت أنهما محرمان.
245

وقال تعالى: قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم،
في الآية المراد به الخمر بلا خلاف، قال الشاعر:
شربت الإثم حتى ضل عقلي كذاك الإثم تذهب بالعقول
وقال تعالى: يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب
والأزلام رجس من عمل الشيطان... إلى آخر الآيتين، وفيهما أدلة أولها: أن
الله تعالى افتتح الأشياء المحرمات فذكر الخمر والميسر وهو القمار والأنصاب وهي
الأصنام والأزلام وهي القداح فلما ذكرها مع المحرمات وافتتح المحرمات بها ثبت
أنها آكد المحرمات، ثم قال: رجس من عمل الشيطان، فسماها رجسا
والرجس الخبيث والرجس النجس والرجس الحرام ثبت أن الكل حرام، ثم قال:
من عمل الشيطان، وعمل الشيطان حرام، ثم قال: فاجتنبوه، فأمر باجتنابه
والأمر عندنا يقتضي الوجوب، ثم قال: لعلكم تفلحون، يعني باجتنابها وضد
الفلاح الفساد، ثم قال: إنما يريد الشيطان أن يوقع العداوة والبغضاء في
الخمر والميسر، وما يوقع العداوة حرام، ثم قال: ويصدكم عن ذكر الله وعن
الصلاة، وما يصد عنهما أو أحدهما حرام، ثم قال: فهل أنتم منتهون، وهذا
نهي ومنع منها لأنه يقال: أبلغ كلمة في النهي أن يقول: أنت منته، لأنه تضمن
معنى التهديد إن لم ينته عنه ففي الآية عشرة أدلة على ما ترى.
وروي عن النبي ع أنه قال: كل شراب أسكر فهو حرام، وروي
عنه ع أنه قال: الخمر شر الخبائث من شربها لم يقبل الله له صلاة أربعين
يوما فإن مات وهي في بطنه مات ميتة جاهلية، وروي عنه ع أنه قال:
لعن الله الخمر وعاصرها ومعتصرها وبائعها ومشتريها وحاملها والمحمولة إليه وساقيها
وشاربها وآكل ثمنها.
فإذا ثبت تحريمها فمن شربها عليه الحد قليلا شرب أو كثيرا بلا خلاف، فإذا
ثبت هذا فإن شرب ثم شرب فتكرر ذلك منه وكثر قبل أن يقام عليه الحد حد للكل
حدا واحدا لأن حدود الله إذا توالت تداخلت، فإن شرب فحد ثم شرب فحد ثم
246

شرب فحد قتل في الثالثة على الأظهر من أقوال أصحابنا وهو الذي تقتضيه أصول
المذهب وهذا اختيار شيخنا أبي جعفر في نهايته واختياره في مسائل خلافه ومبسوطه
أنه يقتل في الرابعة، فأما عند مخالفي أهل البيت ع فإنه لا يقتل بل
يضرب أبدا.
فأما بيان الأشربة المسكرة وأنواعها فالخمر مجمع على تحريمها وهو عصير العنب
الذي اشتد وأسكر وفي المخالفين من قال: إذا أسكر واشتد وأزبد، فاعتبر أن يزبد
والأول مذهبنا فهذا حرام نجس يحد شاربها سكر أو لم يسكر بلا خلاف بين
المسلمين، وأما ما عداها من الأشربة وهو ما عمل من العنب فمسه طبخ أو من غير
العنب مسه طبخ أو لم يمسه وكل شراب أسكر كثيره فقليله حرام وكل هذا عند
أهل البيت ع خمر حرام نجس يحد شاربه سكر أو لم يسكر كالخمر سواء
وسواء عمل من تمر أو زبيب أو عسل أو حنطة أو شعير أو ذرة فلكل واحد نقيعه
ومطبوخه هذا عندنا وعند جماعة من المخالفين وفيه خلاف.
فإذا ثبت أن كل مسكر حرام فإنها غير معللة عندنا بل محرمة بالنص لأن
التعليل للقياس عليه وذلك عندنا باطل، ونهى رسول الله ص عن
الخليطين، والخليطان نبيذ يعمل من لونين تمر وزبيب أو تمر وبسر ونحو هذا وكل ما
يعمل من شيئين يسمى خليطين والنهي عن ذلك نهي كراهة إذا كان حلوا قبل أن
يشتد، وأما النبيذ في الأوعية في أي وعاء كان إذا كان زمانا لا يظهر للشدة فيه
وقد ذكرنا ما يحتاج إليه في كتاب الأشربة فلا وجه لإعادته.
وحد شارب الخمر عندنا ثمانون جلدة حد المفتري سواء كان مسلما أو كافرا
حرا كان أو عبدا رجلا كان أو امرأة فلا يختلف الحكم فيه إلا أن المسلم يقام عليه
ذلك على كل حال شربه عليها والكافر لا يحد إلا بأن يظهر شرب ذلك بين المسلمين
أو يخرج بينهم سكران فإن استسر بذلك فشربه في بيته أو كنيسته أو بيعته لم يجز أن
يحد، والحد يقام على شارب الخمر وكل مسكر من الشراب قليلا كان ما شرب منه
أو كثيرا لأن القليل منه يوجب الحد كما يوجبه الكثير ولا يختلف الحكم في ذلك
247

على ما قدمناه.
ويثبت الحكم فيما ذكرناه بشهادة شاهدين عدلين أو بالإقرار بذلك مرتين
، فإن شهد أحد الشاهدين بالشرب وشهد الآخر بالقئ قبلت شهادتهما ووجب بها الحد على ما
رواه أصحابنا وأجمعوا عليه وكذلك إن شهدا جميعا بأنه قاء خمرا اللهم إلا أن يدعي من قاءها
أنه شربها مكرها عليها غير مختار لذلك فيدرأ الحد عنه لمكان الشبهة.
فإن قيل: كيف يعمل برواية أصحابنا وإجماعهم الذي ذكرتموه؟
قلنا: يمكن أن يعمل بذلك وهو أنه لا يدعي الذي قاءها أنه شربها
مكرها وإنما خصصنا ما بيناه لئلا تتناقض الأدلة فإنه قال ع وروته
الأمة وأجمعت عليه بغير خلاف: ادرؤوا الحدود بالشبهات، فإذا ادعى أنه
أكره على شرب ما قاءه يمكن صدقه فصار شبهة، فأما إذا لم يدع ذلك فقد
شهد عليه بالشرب لأنه إذا قاءها فما قاءها إلا بعد أن شربها ولم يدع شبهة في
شربها وهو الإكراه فيجب عليه إقامة الحد فصح العمل برواية أصحابنا
وبالرواية الأخرى المجمع عليها إذ لا تناقض بينهما على ما حررناه فليلحظ.
ولا تقبل شهادة على شهادة في شئ من الحدود ولا يجوز أيضا أن يكفل من
وجب عليه الحد بل ينبغي أن يقام عليه الحد على البدار ولا يجوز الشفاعة في
اسقاط حد من الحدود لا عند الإمام ولا عند غيره من الحكام النواب عنه.
ويثبت أيضا بإقرار الشارب على نفسه مرتين ويجب به الحد كما يجب بالبينة
سواء على ما قدمناه، ومن شرب الخمر مستحلا لها حل دمه ووجب على الإمام أن
يستتيبه فإن تاب أقام عليه الحد للشرب إن كان شربه وإن لم يتب قتله،
هكذا أورده شيخنا في نهايته والأولى والأظهر أنه يكون مرتدا ويحكم فيه
بحكم المرتدين لأنه قد استحل ما حرمه الله تعالى ونص عليه في محكم
كتابه، وليس المستحل لما عدا الخمر من المسكرات يحل دمه وللإمام أن يعزره
والحد في شربه لا يختلف على ما بيناه لأن الخمر مجمع على تحريمه منصوص
في كتاب الله تعالى وليس
248

كذلك باقي المسكرات لأن ما شبها وتأويلات.
وشارب الخمر وسائر الأشربة المسكرة يضرب عريانا على ظهره وكتفيه ولا
يضرب على وجهه وفرجه على حال، ولا يجوز أكل طعام فيه شئ من الخمر ولا شئ
من المسكر ولا الاصطباغ بشئ فيه من ذلك قليل ولا كثير ولا استعمال دواء فيه
شئ منه فمن أكل شيئا مما ذكرناه أو شرب كان عليه ثمانون جلدة فإن أكل
ذلك أو شرب وهو لا يعلم أن فيه خمرا لم يكن عليه شئ، ولا ينبغي للمسلم أن
يجالس شراب شئ من المسكرات ولا أن يجلس على مائدة يشرب عليها شئ من
ذلك خمرا كان أو غيره وكذلك الحكم في الفقاع فمتى فعل ذلك كان عليه التأديب
حسب ما يراه الإمام، ولا يقام الحد على السكران في حال سكره بل يمهل حتى
يفيق ثم يقام عليه الحد.
وشارب الخمر إذا أقيم عليه الحد مرتين ثم عاد ثالثة وجب عليه القتل فيها،
وهذا اختيار شيخنا أبي جعفر في نهايته وذهب في مسائل خلافه إلى: أنه لا يقتل
إلا في الرابعة أو الخامسة، والأول هو الذي تقتضيه أصول المذهب لقولهم ع:
أصحاب الكبائر يقتلون في الثالثة.
ومن باع الخمر أو الشراب المسكر أو اشتراه كان عليه التأديب، فإن فعل ذلك
مستحلا له استتيب فإن تاب وإلا وجب عليه ما يجب على المرتدين، وحكم الفقاع
في شربه ووجوب الحد على من شربه وتأديب من اتجر فيه وتعزير من استعمله حكم
الخمر على السواء بما ثبت عن أهل البيت ع وإجماعهم عليه.
ومن استحل الميتة أو الدم أو لحم الخنزير ممن هو مولود على فطرة الاسلام فقد
ارتد بذلك عن الدين ووجب عليه القتل بالإجماع، وكذا ينبغي أن يكون حكم من
استحل شرب الخمر من غير استتابة للمولود على فطرة الاسلام وما قلناه من استتابته
فمحمول على غير المولود على فطرة الاسلام بل على من كان كافرا ثم أسلم ثم
استحل ذلك فهذا يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه لأن حكم المرتد عندنا على
ضربين على ما يأتي بيانه فيما بعد إن شاء الله تعالى.
249

ومن تناول شيئا من ذلك محرما له كان عليه في الخمر والمسكر الحد ثمانون
جلدة، فإن كان ذلك ميتة أو لحم خنزير أو دما كان عليه التعزير، فإن عاد بعد
ذلك عزر وغلظ عقابه، فإن تكرر منه ذلك دفعات وأقلها ثلاث قتل ليكون عبرة
لغيره.
ومن أكل الربا بعد الحجة عليه في تحريمه عوقب على ذلك حتى يتوب، فإن
استحل ذلك وكان مولودا على فطرة الاسلام وجب قتله من غير استتابة، فإن كان
قد تقدمه كفر استتيب فإن تاب وإلا وجب قتله.
والتجارة في السموم القاتلة محظورة ووجب على من اتجر في شئ منها العقاب
والتعزير، فإن استمر على ذلك ولم ينته وجب عليه القتل.
ويعزر آكل الجري والزمار والمارماهي ومسوخ السمك كلها والطحال ومسوخ
البر وسباع الطير وغير ذلك مما لا يؤكل لحمه من المحرمات، فإن عاد أدب ثانية،
فإن استحل شيئا من ذلك وجب عليه القتل.
ومن تاب من شرب الخمر أو غيره من المسكرات التي توجب الحد وكذلك
الفقاع لأن حكمه عند أهل البيت ع حكم الخمر سواء على ما ذكرناه أو
تاب مما يوجب التأديب قبل قيام البينة عليه سقط عنه الحد، فإن تاب بعد قيام
البينة عليه لم تسقط التوبة الحد وأقيم عليه على كل حال، فإن كان أقر على نفسه
وتاب بعد الإقرار قبل أن يرفع إلى الإمام أو الحاكم درأت التوبة أيضا عنه الحد،
فإن كان قد أقر عند الحاكم أو الإمام ثم تاب بعد إقراره عندهما فإنه يقام الحد عليه
ولا يجوز إسقاطه لأن هذا الحد لا يوجب القتل بل الجلد وقد ثبت فمن أسقطه يحتاج
إلى دليل وحمله على الإقرار بما يوجب القتل في الرجم قياس لا نقول به لأنه عندنا
باطل.
وقال شيخنا في نهايته: فإن كان أقر على نفسه وتاب بعد الإقرار جاز للإمام العفو
عنه ويجوز له إقامة الحد عليه، إلا أنه رجع عن ذلك في مسائل خلافه ومبسوطه
وقال: كل حد لا يوجب القتل وأقر به من جناه فلا يجوز للإمام العفو عنه ووجب
250

عليه إقامته، وهذا هو الظاهر من أقوال أصحابنا بل ما أظن أحدا خالف فيه لأن
شيخنا رجع عما ذكره في نهايته.
ومن شرب الخمر والمسكر في شهر رمضان أو في موضع شريف مثل حرم الله أو
حرم رسوله أو المشاهد والمساجد أقيم عليه الحد في الشرب وأدب بعد ذلك لانتهاكه
حرمة الله تعالى وحرمة أوليائه، وكذلك من فعل شيئا من ذلك في الأوقات
الشريفة.
إذا عزر الإمام أو الحاكم من قبله إنسانا فمات من التعزير فلا دية له لا في
بيت المال ولا على الحاكم ولا على عاقلته بحال لقوله تعالى: وما على المحسنين
من سبيل، وهذا محسن بتعزيره ولا كفارة أيضا عليه ولقول أمير المؤمنين ع:
من أقمنا عليه حدا من حدود الله فمات فلا ضمان، وهذا حد وإن كان
غير معين،
وقال شيخنا أبو جعفر في مبسوطه: الذي يقتضيه مذهبنا أنه يجب الدية في بيت
المال، ولا دليل على ما قاله من كتاب ولا سنة ولا إجماع والأصل براءة الذمة
وإنما ورد أن الدية في بيت المال فيما أخطأت فيه الحكام وهذا ما أخطأ فيه
بحال.
إذا أقام الحاكم على شارب خمر الحد بشاهدين فمات فبان أنهما فاسقان
فالضمان على الحاكم لأن عليه البحث عن حال الشهود، فإذا لم يفعل فقد فرط
فعليه الضمان، وأين يضمن؟ عندنا من بيت المال لأن هذا من خطأ الحكام،
وقال قوم من المخالفين: على عاقلته.
إذا ذكرت عند الحاكم امرأة بسوء فأرسل إليها فأجهضت أي أسقطت ما في
بطنها فزعا منه فخرج الجنين ميتا فعلى الحاكم الضمان لما روي من قصة المجهضة
وأين يكون على ما مضى وقلنا: إن ما أخطأت فيه الحكام فعلى بيت المال،
هكذا أورده شيخنا أبو جعفر في مبسوطه والذي تقتضيه أصول مذهبنا أن دية الجنين
على عاقلة الإمام والحاكم لأن هذا بعينه قتل الخطأ المحض وهو أن يكون غير عامد
251

في قصده فكذلك هذا لأنه لم يقصد الجنين بفعل ولا قصد قتله وإنما قصد
شيئا آخر وهي أمه، فإذا تقرر ذلك فالدية على عاقلته والكفارة في ماله.
والمسألة منصوصة لنا قد وردت في أخبارنا، وفتوى أمير المؤمنين ع
لعمر بن الخطاب في قصة المجهضة معلومة شائعة عندنا وعند المخالفين قد
أوردها شيخنا المفيد محمد بن النعمان الحارثي رضي الله عنه في كتابه الإرشاد
في قضايا أمير المؤمنين ع في إمرة عمر بن الخطاب بحضور جماعة
من الصحابة فسألهم عمر عن ذلك فأخطأوا وأمير المؤمنين جالس فقال له
عمر: ما عندك في هذا يا أبا الحسن؟ فتنصل من الجواب فعزم عليه فقال
له: إن كان القوم قد قاربوك فقد غشوك وإن كانوا ارتاؤا فقد قصروا الدية
على عاقلتك لأن قتل الصبي خطأ تعلق بك، فقال: أنت والله نصحتني من
بينهم والله لا تبرح حتى تجري الدية على بني عدي، ففعل ذلك أمير المؤمنين
ع وإنما نظر شيخنا ما ذكره المخالفون فقد اختلفوا في ذلك اختلافا
كثيرا.
قال شيخنا أبو جعفر في كتاب الأشربة من الجزء السادس من مبسوطه:
الختان فرض عند جماعة في حق الرجال والنساء، وقال قوم: هو سنة يأثم
بتركها، وقال بعضهم: واجب وليس بفرض، وعندنا: أنه واجب في الرجال
ومكرمة في النساء، فإذا ثبت أنه واجب فالكلام في قدر الواجب منه،
فالواجب في الرجال أن يقطع الجلدة التي تستر الحشفة حتى تنكشف الحشفة
فلا يبقى منها ما كان مستورا، ويقال لمن لم يختن: الأقلف والأغلف والأغرل
والأرغل والأعرم، ويقال: عذر الرجل فهو معذور وأعذر فهو معذر، وأما
المرأة فيقال: خفضت فهي مخفوضة، والخافضة الخاتنة والخف الختان، فإذا
ثبت هذا فيجب على الانسان أن يفعله بنفسه قبل بلوغه إن لم يكن قد ختن
فإن لم يفعل أمره السلطان به فإن فعل وإلا أجبره على فعله وفعله السلطان
فإن فعل ذلك به فمات فلا دية له سواء كان الزمان معتدلا أو غير معتدل
وكذلك إن قطع في السرقة في شدة حر أو برد وكذلك في حد الزنى لأنه مات
من قطع واجب وحد واجب، هذا آخر كلام شيخنا في مبسوطه وكان
مقصوده في إيراده في كتاب الأشربة أنه إذا مات من الحد وفعل الواجب به
لا دية له بحال.
252

والأغرل والأرغل " بالغين المعجمة فيهما جميعا والراء غير المعجمة فيهما أيضا
جميعا " وهو الأقلف الذي لم يختن وهي القلفة والغرلة، وعذر الانسان وأعذر "
بالعين غير المعجمة والذال المعجمة المكسورة والراء غير المعجمة بالثلاثي
والرباعي كل ولد " إذا ختن ومنه العذار وهي دعوة الختان، الدعوة " بالفتح " إلى
الطعام " وبكسر الدال " في النسب.
وقال ابن بابويه في رسالته: ولا بأس أن يصلى في ثوب فيه خمر، قال محمد
بن إدريس: هذا غير صحيح والصلاة غير جائزة فيه حتى يغسل الخمر منه، وقال
أيضا ابن بابويه: فإن خاط خياط ثوبك وبل الخيط بريقه وهو شارب خمر فإن كان
يشربها غبا فلا بأس به وإن كان مدمنا يشربها كل يوم فإن للفم وضرا " بالواو
المفتوحة والضاد المعجمة المفتوحة والراء غير المعجمة " وهو الدرن والدسم، قال
الشاعر:
أسقني أبا الهندي عن وطب سالم أباريق لم يعلق بها وضر الزبد
وأما الأعرم فإنه " بالعين والراء غير المعجمتين ".
جميع حدود الجلد بالسوط حد الزنى وحد القذف وحد شارب الخمر، ولا تقام
الحدود في المساجد.
باب الحد في السرقة وما يتعلق بذلك ويلحق به من الأحكام:
قال الله تعالى: والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما.
وروي عن ابن مسعود: أنه كان يقرأ: فاقطعوا أيمانهما، والقدر الذي به يقطع
السارق عندنا ربع دينار أو ما قيمته ربع دينار من أي جنس كان، وجملته متى سرق
ما قيمته ربع دينار فعليه القطع سواء سرق ما هو محرز بنفسه كالثياب والأثمار
والحبوب اليابسة ونحوها أو غير محرز بنفسه وهو ما إذا ترك فسد كالفواكه الرطبة بعد
أخذها من الشجر وإحرازها كلها من الثمار والخضراوات كالقثاء والبطيخ أو كان
من الطبيخ كالهريسة وسائر الطبائخ أو كان لحما طريا أو مشويا الباب واحد هذا
عندنا وعند جماعة، وقال قوم من المخالفين: إنما يجب القطع فيما كان محررا بنفسه
253

فأما ما لم يكن محررا بنفسه وهي الأشياء الرطبة والطبيخ فلا قطع عليه بحال.
وكل جنس يتمول في العادة فيه القطع سواء كان أصله الإباحة أو غير
الإباحة، فما لم يكن على الإباحة كالثياب والأثاث، وما أصله الإباحة من ذلك
الصيود على اختلافها وكذلك الخشب كله الحطب وغيره وكذلك الطين وجميع ما
يعمل منه وكذلك كلما يستخرج من المعادن
ووافقنا على هذا القول الشافعي، وقال أبو حنيفة: ما لم يكن أصله الإباحة مثل
قولنا وما كان أصله الإباحة في دار الاسلام فلا قطع فيه، وقال: لا قطع في الصيود
كلها والجوارح والخشب جميعه لا قطع فيه إلا ما يعمل منه آنية كالجفان والقصاع
والأبواب فيكون في معموله القطع إلا الساج فإن فيه القطع معموله وغير معموله
لأنه ليس من دار الاسلام.
فإذا ثبت ما قلناه فلا قطع إلا على من سرق ربع دينار أو ما قيمته ربع دينار،
ويكون عاقلا كاملا ولا يكون والدا من ولده ولا عبدا من سيده ولا ضيفا من
مضيفه وأن يسرقه من حرز على جهة الاستخفاء لأن حقيقة السرقة أخذ الشئ على
جهة الاستخفاء والحرز هو ما يكون مقفلا عليه أو مغلقا أو مدفونا أو مراعى بعين
صاحبه أو من يجري مجرى صاحبه
على ما يذهب إليه شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه ومبسوطه، والذي تقتضيه
أصول مذهبنا أن الحرز ما كان مقفلا أو مغلقا أو مدفونا دون ما عدا ذلك لأن
الاجماع حاصل على ما قلناه ومن أثبت ما عداه حرزا يحتاج إلى دليل من كتاب أو
إجماع أو سنة مقطوع بها.
وكل موضع كان حرزا لشئ من الأشياء فهو حرز لجميع الأشياء، فإن سرق
الانسان من غير حرز لم يجب عليه القطع وإن زاد على المقدار المقدم ذكره بل يجب
عليه التعزير.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: الحرز هو كل موضع لم يكن لغير المتصرف فيه
الدخول إليه إلا باذنه أو يكون مقفلا عليه أو مدفونا، فأما المواضع التي يطرقها
الناس كلهم وليس يختص بواحد دون غيره فليست حرزا وذلك مثل الخانات
254

والحمامات والمساجد والأرحية وما أشبه ذلك من المواضع، فإن كان الشئ في
أحد هذه المواضع مدفونا أو مقفلا عليه فسرقه انسان كان عليه القطع لأنه
بالقفل والدفن قد أحرزه، إلى ههنا كلامه رضي الله عنه.
أما حده للحرز بما حده فغير واضح، لأنه قال: والحرز هو كل موضع لم
يكن لغير المتصرف فيه الدخول إليه إلا باذنه، وهذا على إطلاقه غير مستقيم
لأن دار الانسان إذا لم يكن عليها باب أو يكون عليها باب ولم تكن مغلقة
ولا مقفلة ودخلها انسان وسرق منها شيئا لا قطع عليه بلا خلاف ولا خلاف
أنه ليس لأحد الدخول إليها إلا بإذن مالكها، ولو كان الحد الذي قاله
مستقيما لقطعنا من سرق في هذه الدار لأنه ليس لأحد دخولها إلا بإذن
صاحبها فهي حرز على حده رضي الله عنه فأما باقي ما أورده فصحيح لا
استدراك عليه فيه، وقوله: والأرحية، جمع رحى لأن بعض الناس يصحفها
الأرحبة جمع رحبة وهو خطأ محض.
وإذا نقب انسان نقبا ولم يخرج متاعا ولا مالا وإن جمعه وكوره وحمله لم يجب
عليه قطع إلا أن يخرجه بل وجب تعزيره وإنما يجب القطع إذا أخرجه من الحرز،
فإذا أخرج المال من الحرز وجب عليه القطع إلا أن يكون شريكا في المال الذي
سرقه أو له حظ في المال الذي سرق بمقدار ما أن طرح من المال المسروق كان الباقي
أقل من النصاب الذي يجب فيه القطع، فإن كان الباقي قد بلغ المقدار الذي يجب
فيه القطع كان عليه القطع على كل حال إلا أن يدعي الشبهة في ذلك وأنه حسبه
بمقدار حصته فيسقط حينئذ أيضا القطع بحصول الشبهة ههنا لأنه قال ع:
ادرؤوا الحدود بالشبهات، وهذه شبهة، وكذلك لو تنازع انسان وغيره وقد
خرج بالمتاع من داره فقال له: سرقت هذا مني، فقال له: بل أنت أعطيتني إياه،
لم وجب عليه القطع للشبهة في ذلك، وإن شهد عليه شاهدان بأنه فتح بابه
وأخرج المتاع من منزله لأنه صار حدا متنازعا فيه وكل حد متنازع فيه يسقط
للشبهة في ذلك.
ومن سرق من مال الغنيمة قبل أن يقسم مقدار ما يصيبه منها لم يكن عليه
قطع وكان عليه التأديب لإقدامه على ما أخذه قبل قسمته، فإن سرق ما يزيد على
255

نصيبه بمقدار ما يجب فيه القطع وزائدا عليه فقد ذهب بعض أصحابنا إلى وجوب
القطع عليه،
أورد ذلك شيخنا أبو جعفر في نهايته والذي تقتضيه أصول مذهبنا أنه لا قطع عليه
بحال إذا ادعى الاشتباه في ذلك وأنه ظن أن نصيبه يبلغ ما أخذه لأن الشبهة بلا
خلاف حاصلة فيما قال وادعى ولأن الأصل ألا قطع فمن ادعاه فقد ادعى حكما
شرعيا يحتاج في إثباته إلى دليل شرعي ولا دلالة ولا إجماع على هذا الموضع، وأيضا قول الرسول ع المجمع عليه: ادرؤوا الحدود بالشبهات، وهذه شبهة بلا
خلاف وقد قلنا: إنه إذا أخرج المال من الحرز فأخذ وادعى أن صاحب المال
أعطاه إياه درئ عنه القطع وكان على من ادعي عليه السرقة البينة بأنه سارق.
ومتى سرق من ليس بكامل العقل بأن يكون مجنونا أو صبيا لم يبلغ وإن نقب
وفتح وكسر القفل لم يكن عليه القطع، وقد روي: أنه إن كان صبيا عفي عنه
أول مرة فإن عاد أدب فإن عاد ثالثة حكت أصابعه حتى تدمى فإن عاد قطعت
أنامله فإن عاد بعد ذلك قطع أسفل من ذلك كما يقطع الرجل سواء.
ويثبت وجوب القطع بقيام البينة على السارق وهي شهادة نفسين عدلين
يشهدان عليه بالسرقة، فإن لم تقم بينة وأقر السارق على نفسه مرتين بالسرقة كان
عليه أيضا القطع اللهم إلا أن يكون عبدا فإنه لا يقبل إقراره على نفسه بالسرقة ولا
بالقتل لأن إقراره على نفسه إقرار على مال الغير ليتلفه والإنسان لا يقبل إقراره في
مال غيره، فإن قامت عليه البينة بالسرقة قطع كما يقطع الحر سواء، فأما حكم
الذمي فحكم المسلم سواء إذا كان حرا في وجوب القطع عليه إذا ثبت أنه سارق
إما بالبينة أو إقراره، وحكم المرأة في جميع ذلك حكم الرجل سواء في وجوب القطع
عليها إذا سرقت.
فأما إذا شهد شاهد واحد بالسرقة فلا يجب القطع بل يجب رد المال إذا حلف
الخصم مع شاهده لأن الشاهد الواحد ويمين المدعي يثبت المال عندنا أو المقصود منه
المال وهكذا الحكم إذا أقر مرة واحدة.
256

ويقطع الرجل إذا سرق من مال والديه ولا يقطع إذا سرق من مال ولده، فأما
إذا سرقت الأم من مال ولدها قطعت على كل حال لأن الوالد له شبهة في ذلك
وهي لا شبهة لها بحال فهذا الفرق بينهما ممكن مع ورود الشرع به والإجماع منعقد
عليه، ويقطع الرجل إذا سرق من مال امرأته إذا كانت قد أحرزته دونه وكذلك
تقطع المرأة إذا سرقت من مال زوجها إذا كان قد أحرزه دونها، ولا يقطع العبد إذا
سرق من مال مولاه على ما قدمناه، وإذا سرق عبد الغنيمة من المغنم فلا قطع عليه
أيضا.
وروي: أن الأجير إذا سرق من مال المستأجر لم يكن عليه قطع وكذلك
الضيف إذا سرق من مال مضيفه لا يجب عليه قطع، على ما رواه أصحابنا " يقال:
ضفت فلانا، إذا ملت إليه ونزلت به وأضفته فأنا أضيفه إذا أملته إليك وأنزلته
عليك " ويمكن حمل الرواية في الضيف والأجير على أنهما لا قطع عليهما إذا لم
يحرزه صاحبه من دونهما وأدخلهما حرزه وفتح لهما بابه ثم سرقا فلا قطع عليهما
لأنهما دخلا باذنه وسرقا من غير حرز، فأما ما قد أحرزه دونهما فنقباه وسرقاه أو
فتحاه وسرقاه أو كسراه وسرقاه فعليهما القطع لدخولهما تحت عموم قوله تعالى:
والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما، وهما إذ ذاك سارقان لغة وشرعا فأعطينا
ظاهر الرواية حقها فمن أسقط الحد عنهما فيما صورناه فقد أسقط حدا من حدود
الله تعالى بغير دليل من كتاب ولا سنة مقطوع بها ولا إجماع على ظاهر الرواية فقد
وفينا الظاهر حقه.
فإن قيل: فأي فرق على تحريركم وقولكم بين الضيف وغيره؟
قلنا: غير الضيف لو سرق من الموضع الذي إذا سرقه الضيف الذي لم توجب
على الضيف بسرقته القطع قطعناه لأنه غير مأذون له في دخول الحرز الذي دخله
والضيف مأذون له في دخوله فلا قطع عليه فافترق الأمران.
وشيخنا أبو جعفر في نهايته قال: لا قطع على الضيف، وأطلق الكلام ولم يقيده،
وقال في مسائل خلافه مسألة: إذا سرق الضيف من بيت مقفل أو مغلق وجب
257

قطعه وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة: لا قطع عليه دليلنا الآية والخبر، ولم
يفصلا هذا آخر المسألة.
وقال في مبسوطه: فإن نزل برجل ضيف فسرق الضيف شيئا من مال صاحب
المنزل فإن كان من البيت الذي نزل فيه فلا قطع وإن كان من بيت غيره من دون
غلق وقفل ونحو ذلك فعليه القطع، وقال قوم: لا قطع على هذا الضيف، وروى
أصحابنا: أنه لا قطع على الضيف، ولم يفصلوا وينبغي أن يفصل مثل الأول،
فإن أضاف هذا الضيف ضيفا آخر بغير إذن صاحب الدار فسرق الثاني كان عليه
القطع على كل حال ولم يذكر هذه أحد من الفقهاء، هذا آخر كلامه رحمه الله
ونعم ما قال وحقق.
قال محمد بن إدريس: والذي ينبغي تحصيله في هذه المسألة ويجب الاعتماد عليه هو
أن الضيف لا قطع عليه سواء سرق من حرز أو غير حرز من غير تفصيل لإجماع
أصحابنا المنعقد من غير خلاف بينهم ولا تفصيل من أحد منهم وأخبارهم المتواترة
العامة في أن الضيف لا قطع عليه إذا سرق من مال مضيفه فمن خصصها بأنه إذا
سرق من غير حرز يحتاج إلى دليل، وأيضا فلا معنى إذا أراد ذلك لإجماعهم ولا
لعموم أخبارهم لأن غير الضيف في ذلك الحكم مثل الضيف سواء فلا معنى لقولهم
ع واستثنائهم وتخصيصهم: إنه لا قطع على الضيف، لأن غيره ممن
ليس بضيف إذا سرق من غير حرز لا قطع عليه ولم يذهب إلى تفصيل ذلك سوى
شيخنا أبي جعفر في مبسوطه ومسائل خلافه وهو موافق لباقي أصحابنا في نهايته.
فأما الضيفن الذي هو ضيف الضيف إذا سرق من حرز في الدار فإنه يقطع
بخلاف الضيف
على ما رواه أصحابنا وأجمعوا عليه فبان الفرق بين الأمرين وظهر وإلا فلا فرق
بينهما على ما حكيناه عن شيخنا أبي جعفر فليلحظ ذلك ففيه لبس وغموض والله
الموفق للصواب.
فأما الأجير فإنه يقطع ومن وجب عليه القطع فإنه يقطع يده اليمنى من أصول
الأصابع الأربع وتترك له الراحة والإبهام، فإن سرق بعد قطع يده من حرز المقدار
الذي قدمنا ذكره قطعت رجله اليسرى من مفصل المشط ما بين قبة القدم وأصل
258

الساق ويترك بعض القدم الذي هو العقب يعتمد عليها في الصلاة.
وهذا إجماع أهل البيت ع منعقد عليه، فإن اعترض بقوله
تعالى: فاقطعوا أيديهما، قلنا: الأصابع تسمى يدا بقوله تعالى: فويل للذين
يكتبون الكتاب بأيديهم، ولا خلاف من أن الكاتب ما يكتب إلا بأصابعه فقد
وفينا الظاهر حقه وما زاد عليه يحتاج إلى دليل لأنه مبقى على ما في العقل من حظر
ذلك لأنه إدخال ضرر وتألم بالحيوان لا يجوز عقلا ولا سمعا إلا بدليل قاطع
للعذر، فإن سرق بعد ذلك خلد السجن، فإن سرق في الحبس من حرز القدر
الذي ذكرناه قتل عندنا بلا خلاف، ومن وجب عليه قطع اليمين وكانت شلاء
قطعت ولا تقطع يساره وكذلك من وجب عليه قطع رجله اليسرى وكانت كذلك
شلاء قطعت ولا تقطع رجله اليمنى بحال لأن على من نقل القطع من عضو إلى
عضو الدليل والأصل براءة الذمة.
وروي: أن من سرق وليس له اليمنى فإن كانت قطعت في قصاص أو غير
ذلك وكانت له اليسرى قطعت اليسرى فإن لم يكن له أيضا اليسرى قطعت رجله
اليمنى فإن لم يكن له رجل لم يكن عليه أكثر من الحبس على ما بيناه، أورد ذلك
شيخنا أبو جعفر في نهايته، وقال رحمه الله في المسائل الحلبية في المسألة الخامسة:
المقطوع اليدين والرجلين إذا سرق ما يوجب القطع وجب أن نقول: الإمام مخير في
تأديبه وتعزيره أي نوع أراد فعل لأنه لا دليل على شئ بعينه وإن قلنا: يجب أن
يحبس أبدا لأن القطع لا يمكن ههنا ولا يمكن غير ما ذكرناه وتركه مخالفة اسقاط
الحدود كان قويا، هذه آخر المسألة.
قال محمد بن إدريس: الأقوى عندي أن من ذكر حاله لا يجوز حبسه أبدا
إذا سرق أول دفعة بل يجب تعزيره لأن الحبس هو حد من سرق في الثالثة بعد
تقدم دفعتين قد أقيم عليه الحد فيهما فكيف يفعل به ما يفعل في حد الدفعة الثالثة
في حد الدفعة الأولى
وإذا قطع السارق وجب عليه مع ذلك رد السرقة بعينها إن كانت العين باقية
وإن كان أهلكها أو استهلكت وجب عليه أن يغرمها إما بالمثل إن كان لها مثل أو
بالقيمة إن لم يكن لها مثل، فإن كان قد تصرف فيها بما نقص من ثمنها وجب
259

عليه أرشها، فإن لم يكن معه شئ كانت في ذمته يتبع بذلك إذا أيسر.
ولا يجب القطع ولا رد السرقة على من أقر على نفسه تحت ضرب أو خوف
وإنما يجب ذلك إذا قامت البينة أو أقر مختارا فإن أقر تحت الضرب بالسرقة وردها
بعينها وجب أيضا القطع.
على ما روي وذكره شيخنا أبو جعفر في نهايته، والذي يقوى عندي أنه لا
يجب عليه القطع لأنا قد بينا أن من أقر تحت ضرب لا يعتد بإقراره في
وجوب القطع وإنما بينة القطع شهادة عدلين أو إقرار السارق مرتين مختارا
وهذا ليس كذلك والأصل ألا قطع وإدخال الألم على الحيوان قبيح إلا ما قام
عليه دليل.
ومن أقر بالسرقة مختارا ثم رجع عن ذلك قطع وألزم السرقة ولم ينفعه
رجوعه إذا كان إقراره بذلك مرتين، فإن كان إقراره مرة واحدة ألزم السرقة ولا
يجب عليه القطع لأن المال يثبت بإقرار دفعة واحدة والقطع بإقرار مرتين فليلحظ
ذلك.
وقال شيخنا في نهايته: ومن أقر بالسرقة مختارا ثم رجع عن ذلك ألزم السرقة
وسقط عنه القطع، وهذا غير واضح لأنه لا دليل عليه من كتاب ولا سنة
مقطوع بها ولا إجماع بل مخالف لكتاب الله تعالى وتعطيل لحدوده ولا يرجع
في مثل ذلك إلى خبر شاذ إن كان قد ورد.
ومن تاب من السرقة قبل قيام البينة عليه ثم قامت عليه البينة سقط عنه
القطع ووجب عليه رد السرقة، فإن تاب بعد قيام البينة عليه لم يجز للحاكم العفو
عنه بحال، فإن كان قد أقر على نفسه مرتين عند الحاكم ثم تاب بعد الإقرار وجب
عليه القطع ولم يجز للإمام والحاكم العفو عنه بحال لأنه تعطيل لحدود الله تعالى
وخلاف لكتابه وأوامره سبحانه وحمل ذلك على الإقرار بالزنى الموجب للرجم قياس
والقياس عندنا باطل لا نقول به.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: فإن كان قد أقر على نفسه ثم تاب بعد
الإقرار جاز للإمام العفو عنه وإقامة الحد عليه حسب ما يراه أردع في الحال
فأما رد السرقة فإنه يجب عليه على كل حالة وكذا قال في مسائل خلافه إلا
أنه رجع عن ذلك جميعه في مبسوطه فقال: إذا ادعي على رجل أنه سرق منه
نصابا من حرز مقفلة وذكر
260

النصاب لم يخل من أحد أمرين: إما أن يعترف أو ينكر، فإن اعترف المدعى عليه
بذلك مرتين عندنا ثبت إقراره وقطع وعند قوم لو أقر مرة ثبت وقطع ومتى رجع عن
اعترافه سقط برجوعه عندهم إلا ابن أبي ليلى فإنه قال: لا يسقط برجوعه، وهو
الذي يقتضيه مذهبنا وحمله على الزنى قياس لا نقول به، هذا آخر كلامه رحمه الله
في مبسوطه وهو الصحيح الذي لا يجوز العدول عنه لأن فيه الحجة وإنما شيخنا يورد
في نهايته أخبار آحاد إيرادا لا اعتقادا على ما كررنا القول في ذلك واعتذرنا له فيما
يورده في نهايته فإذا حقق النظر تركها وراء ظهره وأفتى بما تقتضيه الأدلة وأصول
المذهب على ما قاله ههنا أعني مبسوطه رحمه الله.
فإن سرق انسان شيئا من كم غيره أو جيبه وكانا باطنين وجب عليه القطع
على ما رواه أصحابنا فإن كانا ظاهرين لم يجب عليه القطع وكان عليه التأديب
والعقوبة بما يردعه عن مواقعة مثله في مستقبل الأوقات، ومن سرق حيوانا يجوز
تملكه ويكون قيمته ربع دينار فصاعدا وجب عليه القطع كما يجب في سائر الأموال
على ما قدمناه.
إذا سرق نفسان فصاعدا ربع دينار أو ما قيمته ربع دينار سواء كان من الأشياء
الخفيفة أو الثقيلة لا يجب عليهم القطع على الأظهر من أقوال أصحابنا لأنه قد نقص
عن مقدار ما يجب فيه القطع في حق كل واحد منهم، فأما إن انفرد كل واحد
منهم ببعضه لم يجب عليه القطع بلا خلاف عندنا ههنا لأنه قد نقص عن مقدار ما
يجب فيه القطع وكان عليهم التعزير.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: وإذا سرق نفسان فصاعدا ما قيمته ربع دينار
وجب عليهما القطع، إلا أنه رجع عن ذلك في مسائل خلافه فقال مسألة: إذا
نقب ثلاثة ودخلوا وأخرجوا بأجمعهم فبلغ نصيب كل واحد منهم نصابا قطعناهم
بلا خلاف وإن كان أقل من نصاب فلا قطع سواء كانت السرقة ثقيلة أو خفيفة
وبه قال أبو حنيفة وأصحابه الشافعي، وقال مالك: إن كانت السرقة ثقيلة فبلغت
قيمة نصاب قطعناهم كلهم وإن كانت خفيفة ففيه روايتان: إحديهما كقولنا
والثانية كقوله في الثقيلة، وروى أصحابنا: أنه إذا بلغت السرقة نصابا وأخرجوها
261

بأجمعهم وجب عليهم القطع، ولم يفصلوا والأول أحوط دليلنا إجماع الفرقة
وأخبارهم وأيضا فما اعتبرناه مجمع على وجوب القطع به وما ذكروه ليس عليه
دليل والأصل براءة الذمة، وهكذا أيضا قوله في مبسوطه إلا أنه قال بعد أن
قال بما قاله في مسائل خلافه: وقال قوم من أصحابنا: إذا اشترك جماعة في
سرقة نصاب قطعوا كلهم، يريد بذلك السيد المرتضى فإنه يذهب في انتصاره
إلى ما ذهب شيخنا في نهايته والأظهر ما اخترناه لأن هذا حكم شرعي يحتاج
في إثباته إلى دليل شرعي والإجماع حاصل منعقد على أنه إذا بلغ نصيب كل
واحد منهم مقدار ما يجب فيه القطع قطعوا وليس كذلك إذا نقص فإن فيه
خلافا والأصل براءة الذمة وترك إدخال الألم على الحيوان.
ومن سرق شيئا من الثمار والفواكه وهي بعد في الشجر لم تؤخذ من أغصانها
وأعذاقها لم يكن عليه قطع بل يؤدب تأديبا ويحل له ما يأكل منها ولا يحمله معه على
حال على ما قدمناه في كتابنا هذا، فأما إذا سرق شيئا منها بمقدار ما يجب فيه القطع
بعد أخذها من الشجر ويكون في حرز وجب عليه القطع كما يجب في سائر
الأموال.
وإذا تاب السارق فليرد السرقة على صاحبها، فإن كان قد مات فليردها على
ورثته، فإن لم يكن له وارث ولا مولى نعمة ولا ضامن جريرة فليردها على إمام
المسلمين لأنها مال من أمواله وداخلة في ميراث من لا وارث له فهو له ع
فإذا فعل ذلك فقد برئت ذمته.
وإذا سرق السارق ولم يقدر عليه ثم سرق مرة ثانية فأخذ وجب عليه القطع
بالسرقة الأخيرة ويطالب بالسرقتين معا لأن حدود الله تعالى إذا توالت تداخلت على
ما قدمناه لأنها مبنية على التخفيف، وكذلك إذا شهد الشهود على سارق بالسرقة
دفعتين لم يكن عليه أكثر من قطع اليد فإن شهدوا عليه بالسرقة الأولى وأمسكوا
حتى يقطع ثم شهدوا عليه بالسرقة الأخيرة وجب عليه قطع رجله بالسرقة الأخيرة
على ما بيناه،
هذا عند بعض أصحابنا برواية رويت أوردها شيخنا أبو جعفر في نهايته وقواها في
262

مسائل خلافه وضعفها إلا أنه رجع عن ذلك كله في مبسوطه فقال: إذا تكررت منه
السرقة فسرق مرارا من واحد أو من جماعة ولم يقطع فالقطع مرة واحدة لأنه حد من
حدود الله فإذا ترادفت تداخل كحد الزنى وشرب الخمر فإذا ثبت أن القطع واحد
فإن اجتمع المسروق منهم وطالبوه بأجمعهم قطعناه وغرم لهم وإن سبق واحد منهم
فطالب بما سرق منه وكان نصابا غرم وقطع ثم كل من كان بعده من القوم فطالب
بما سرق منه غرمناه ولم نقطعه لأنا قد قطعناه بالسرقة فلا يقطع قبل أن يسرق مرة
أخرى، هذا آخر كلامه في مبسوطه وهو الذي يقوى في نفسي وأعمل عليه لأن
الأصل براءة الذمة ولقوله تعالى: والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما، وقد قطعنا
وامتثلنا المأمور به وتكراره يحتاج إلى دليل ولم يسرق بعد قطعنا له دفعة ثانية حتى
نقطعه بسرقته الثانية فيتكرر المأمور بتكرر سببه ولا يلتفت في مثل هذا إلى رواية
وأخبار آحاد لا توجب علما ولا عملا، وشيخنا قال في مسائل خلافه: عندها قال
المخالف: لا يقطع، قال: وهذا قوي، غير أن الرواية ما قلناه فجعلها رواية لا
دراية.
وروى أصحابنا عن الصادق جعفر بن محمد ع أنه قال: لا قطع
على من سرق شيئا من المأكول في عام مجاعة.
الحقوق على ثلاثة أضرب: حق لله محض وحق للآدمي محض وحق لله ويتعلق
بحق الآدميين. فأما حقوق الله المحضة فكحد الزنى والشرب فإنه يقيمه الإمام من
غير مطالبة آدمي، فأما حقوق الآدميين المحضة المختصة بهم فلا يطالب بها الإمام
إلا بعد مطالبتهم إياه باستيفائها، فأما الحق الذي لله ويتعلق به حق الآدمي فلا
يطالب به أيضا ولا يستوفيه إلا بعد المطالبة من الآدمي وهو حد السارق فمتى لم
يرفعه إليه ويطالب بماله لا يجوز للحاكم إقامة الحد عليه بالقطع فعلى هذا التحرير إذا
قامت عليه البينة بأنه سرق نصابا من حرز لغائب وليس للغائب وكيل يطالب
بذلك لم يقطع حتى يحضر الغائب ويطالب فأما إن قامت عليه البينة أو أقر بأنه قد
زنى بأمة غائب فإن الحاكم يقيم الحد عليه ولا ينتظر مطالبة أدمى لأن الحق لله
تعالى محضا،
263

ولهذا قال شيخنا في مسائل الخلاف مسألة: إذا سرق عينا يجب فيها القطع فلم
يقطع حتى ملك السرقة بهبة أو شراء لم يسقط القطع عنه سواء ملكها بعد أن ترافعا
إلى الحاكم أو قبله بل إن ملكها قبل الترافع لم يقطع إلا أن القطع سقط لكن لأنه
لا مطالب له بها ولا قطع بغير مطالبة بالسرقة، فهذا آخر كلامه رحمه الله ونعم ما
قال.
قد قلنا: إنه لا قطع إلا على من سرق من حرز فيحتاج إلى شرطين: السرقة
والحرز، فإن سرق من غير حرز فلا قطع وإن أنهب من حرز فلا قطع أيضا وكذلك
إن خان في وديعة عنده لأن الخائن غير السارق لغة وشرعا لأن الخائن من خان
إنسانا في وديعته عنده والسارق آخذ الشئ على جهة الاستخفاء من حرزه ولا قطع
أيضا على الغاصب لأن الغاصب غير الخائن وغير السارق وهو الذي يأخذ الشئ
قهرا وجهرا ولا على المختلس لما رواه جابر أن النبي ص قال:
ليس على المنتهب ولا على المختلس ولا على الخائن قطع.
الإبل إذا كانت مقطرة وكان سائقا لها فهي في حرز بشرط المراعاة لها بلا
خلاف وإن كان قائدا لها فلا يكون في حرز إلا التي زمامها في يده، هكذا أورده
شيخنا أبو جعفر في مبسوطه وقد قلنا ما عندنا في ذلك من أن هذا مختلس ولا قطع على
المختلس ولقوله ع لما سئل عن جريسة الجبل قال: ليس في الماشية قطع
إلا أن يؤويها المراح.
قال محمد بن إدريس: جريسة الجبل بالجيم لا بالحاء المعجمة، وقال أبو عبيد:
ليس فيما يسرق من الماشية بالجبل قطع حتى يؤويها المراح، والتفسير الآخر أن
تكون الجريسة هي المحروسة فيقول: ليس فيما يحرس بالجبل قطع لأنه ليس بموضع
حرز وإن حرس، والإبل لا قطع فيها سواء كانت مقطرة أو غير مقطرة رعاه بعينه
وساقها أو غير ذلك إلا أن تكون في حرز، وما قاله: يقطع إذا ساقها وراعى بلا
خلاف، فهو قول المخالفين.
إذا نقب ثلاثة ودخلوا وأخرجوا بأجمعهم متاعا فبلغ نصيب كل واحد منهم
نصابا قطعناهم بلا خلاف وإن كان أقل من نصاب فلا قطع على ما قدمناه، فإذا
264

ثبت ذلك ونقب الثلاثة وكوروا المتاع وأخرج واحد منهم دون الباقين فالقطع على
من أخرج المتاع دون من لم يخرج، فإن نقب اثنان معا فدخل أحدهما فأخذ نصابا
وأخرجه بيده إلى رفيقه ولم يخرج هو من الحرز أو رمى به من داخل فأخذه رفيقه من
خارج أو أخرج يده إلى خارج الحرز والسرقة فيها ثم رده إلى الحرز فالقطع في هذه
المسائل الثلاثة على الداخل دون الخارج، فإن نقبا معا ودخل أحدهما فقرب المتاع
إلى باب النقب من داخل فأدخل الخارج يده فأخذه من جوف الحرز فعليه القطع
دون الداخل.
قال شيخنا أبو جعفر في مبسوطه وقلده ابن البراج في جواهر فقهه: إذا نقبا معا
ودخل أحدهما فوضع السرقة في بعض النقب فأخذها الخارج قال قوم: لا قطع على
واحد منهما، وقال آخرون: عليهما القطع لأنهما اشتركا في النقب والإخراج معا
فكانا كالواحد المفرد بذلك بدليل أنهما لو نقبا معا ودخلا وأخرجا معا كان عليهم
الحد كالواحد المفرد بذلك بدليل أنهما لو نقبا معا ودخلا وأخرجا معا كان عليهم
الحد كالواحد ولأنا لو قلنا: لا قطع، كان ذريعة إلى سقوط القطع بالسرقة لأنه لا
انسان إلا شارك غيره فسرقا هكذا ولا قطع، والأول أصح لأن كل واحد منهما
لم يخرجه من كمال الحرز فهو كما لو وضعه الداخل في بعض النقب فاجتاز مجتاز
فأخذه من النقب فإنه لا قطع على واحد منهما، هذا آخر كلام شيخنا في مبسوطه.
قال محمد بن إدريس مصنف هذا الكتاب: الذي تقتضيه أصول مذهبنا أن القطع
على الآخذ الخارج لأنه نقب وهتك الحرز وأخرج المال منه ولقوله تعالى: والسارق
والسارقة فاقطعوا أيديهما، وهذا سارق فمن أسقط القطع عنه فقد أسقط حدا
من حدود الله تعالى بغير دليل بل بالقياس والاستحسان وهذا من تخريجات
المخالفين وقياساتهم على المجتاز، وأيضا فلو كنا عاملين بالقياس ما لزمنا هذا لأن
المجتاز ما هتك حررا ولا نقب فكيف يقاس الناقب عليه، وأيضا فلا يخلو الداخل
من أنه أخرج المال من الحرز أو لم يخرجه فإن كان أخرجه فيجب عليه القطع ولا
أحد يقول بذلك فما بقي إلا أنه لم يخرجه من الحرز وأخرجه الخارج من الحرز
الهاتك له فيجب عليه القطع لأنه نقب وأخرج المال من الحرز ولا ينبغي أن تعطل
الحدود بحسن العبارات وتزويقاتها وصقلها وتوريقاتها وهو قولهم: ما أخرجه من
265

كمال الحرز، أي شئ هذه المغلطة بل الحق أن يقال: أخرجه من الحرز أو من غير
الحرز، لا عبارة عند التحقيق سوى ذلك وما لنا حاجة إلى المغالطات بعبارات
كمال الحرز.
فإن نقب انسان وحده ودخل فأخرج ثمن دينار ثم عاد من ليلته أو من الليلة
الثانية فأخرج ثمن دينار فكمل النصاب فإنه يجب عليه القطع ولو قلنا: إنه لا قطع
عليه، لكان قويا لأنه ما أخرج من الحرز في دفعة واحدة ربع دينار ولا قطع على من
يسرق أقل منه، ودليل الأول أن النبي ع قال: من سرق ربع دينار فعليه
القطع، ولم يفصل وقوله تعالى: والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما، وهذا
سارق لغة وشرعا وبهذا أفتى وعليه أعمل.
فإن نقب ودخل الحرز فذبح شاة فعليه ما بين قيمتها حية ومذبوحة، فإن
أخرجها بعد الذبح فإن كانت قيمتها نصابا يجب فيه القطع فعليه القطع وإن كانت
أقل من نصاب فلا قطع عليه.
فإن نقب ودخل الحرز وأخذ ثوبا فشقه فعليه ما نقص بالخرق، فإن أخرجه فإن
بلغت قيمته نصابا فعليه القطع وإلا فلا قطع عليه، إذا سرق ما قيمته نصاب فلم
يقطع حتى نقصت قيمته لنقصان السوق فصارت القيمة أقل من نصاب فعليه
القطع.
إذا سرق عبدا صغيرا لا يعقل أنه لا ينبغي أن يقبل إلا من سيده وجب عليه
القطع، فإن سرق حرا صغيرا فلا قطع عليه من حيث السرقة لأن السارق هو من
يسرق مالا مملوكا قيمته ربع دينار والحر لا قيمة له وإنما يجب عليه القطع لأنه من
المفسدين في الأرض على ما روي في أخبارنا لا على أنه سارق، إذا سرق ما فيه
القطع من المملوكات مع ما لا يجب فيه القطع وجب قطعه إذا كان المال قدر ربع
دينار عندنا.
ومن سرق من ستارة الكعبة ما قيمته ربع دينار وجب قطعه،
دليلنا الآية والخبر الذي رواه أصحابنا: أن القائم ع إذا قام قطع أيدي
266

بني شيبة وعلق أيديهم على البيت ونادى مناديه: هؤلاء سراق الله، هكذا
أورده شيخنا أبو جعفر الطوسي، والذي ينبغي تحصيله في ذلك أن الأصل
براءة الذمة وليست الستارة في حرز والآية فمخصوصة بلا خلاف والخبر
ليس فيه ما يقتضي أن القائم ع يقطعهم على أنهم سرقوا ستارة
الكعبة بل لا يمتنع أنهم سرقوا من مال الكعبة الذي هو محرز تحت قفل
وغلق أو يقطعهم لأمر آخر و سرقة أخرى من مال الله تعالى، وعلى هذا
التحرير لا قطع على من سرق بواري المسجد إذا لم تكن محرزة بغلق أو قفل
وقد ذهب شيخنا أبو جعفر إلى: أن من سرقها يجب عليه القطع، وهذه
جميعها تخريجات المخالفين وفروعهم وليس لأصحابنا في ذلك نص ولا إجماع
والأصل براءة الذمة وحقن الدماء.
إذا استعار انسان بيتا من آخر وجعل متاعه فيه ثم إن المعير نقب البيت
وسرق المتاع وجب قطعه، إذا اكترى دارا وجعل متاعه فيها فنقب المكري وسرق
المتاع فعليه القطع، إذا نقب المراح " بفتح الميم " فحلب من الغنم ما قيمته ربع
دينار فأخرجه وجب قطعه، إذا سرق شيئا موقوفا مثل دفتر أو ثوب أو ما أشبههما
وكان نصابا من حرز وجب عليه القطع لقوله تعالى: السارق والسارقة فاقطعوا
أيديهما، ولأن الوقف ينتقل إلى ملك الموقوف عليه لأنه يضمن بالعصب. وكل عين
قطع السارق بها مرة فإنه إذا سرقها مرة ثانية قطعناه حتى لو تكرر ذلك منه أربع
مرات قتلناه في الرابعة.
قال شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه مسألة: إذا قامت عليه البينة بأنه سرق
نصابا من حرز لغائب وليس للغائب وكيل يطالب بذلك لم يقطع حتى يحضر
الغائب وكذلك إن قامت عليه البينة بأنه زنى بأمة غائب لم يقم عليه الحد
حتى يحضر الغائب وإن أقر بالسرقة أو بالزنى أقيم عليه الحد فيهما.
قال محمد بن إدريس: أما قوله رحمه الله في عدم القطع فصحيح لأنه لا
مطالب له وقد قلنا: إن القطع لا يجب إلا بعد المطالبة من المسروق منه
وههنا لا مطالب له فلأجل ذلك لم يقطع لأنه حق من حقوق الآدميين فلا
يقام إلا بعد مطالبتهم به على ما قدمناه، فأما إقامة حد الزنى فلا وجه لتركه
بحال لأنه حق لله محض إلا أن يدعي
267

الزاني بالأمة المذكورة أن مولاها أباحه نكاحها فيصير شبهة فلا يقام لأجل ذلك لا
لأجل غيبة سيدها بل لقوله ع: ادرؤوا الحدود بالشبهات، فأما قوله رحمه
الله: فإن أقر بالسرقة أو الزنى أقيم عليه الحد، فغير مستقيم ولا واضح بل نقول في
القطع في السرقة: لا يقطع، كما قلناه في إقامة البينة والإقرار في أنه لا يقام عليه
الحد الذي هو القطع، فأما حد الزنى فإنه يقام على كل لأنه أقر بالزنى وما
ادعى الإباحة من مولاها بخلاف إقامة البينة ثم يدعي الزاني الإباحة فتصير شبهة
كما قلناه فليلحظ ما قاله رحمه الله وما نبهنا عليه وحررناه فإنه واضح للمتأمل
المحصل غير المقلد للرجال.
إذا ترك الأحمال والأجمال في مكان واحد وانصرف في حاجة وكانت في غير حرز
هي وكل ما معها من متاع وغيره فلا قطع فيها ولا في شئ منها لأنها في غير حرز
بمجرى العادة وما ذكرناه لا يعده أحد حررا لأن من ترك أجماله كذلك وماله قيل:
إنه قد ضيعه.
إذا سرق سارق باب دار رجل قلعة واحدة أو هدم من حائطه آجرا فبلغ قيمته
نصابا يجب فيه القطع قطع فإن الباب والآجر في الحائط في حرز وكذلك من أخذ
حلقة الباب يقطع لأن كلما يكون حرزا لغيره فهو في نفسه حرز فأما حلقة الباب
فهي في حرز لأن الحلقة " بتسكين اللام " هكذا تحرز بأن تسمر في الباب على ما
جرت به العادة فإن قلعها قالع وبلغت نصابا قطع على ما قدمناه.
هكذا أورده شيخنا أبو جعفر واختاره في مبسوطه ومسائل خلافه وهو من تخريجات
المخالفين وفروعهم والذي تقتضيه أصول مذهبنا أنه لا قطع على من أخذ ذلك بحال
لأن الحرز عندنا القفل والغلق والدفن وليست هذه الأشياء في حرز والأصل براءة
الذمة وقبح إدخال الضرر على بني آدم والإجماع من أصحابنا فغير منعقد عليه بل ما
ذهب منهم سوى شيخنا أبي جعفر ومن تابعه إليه فحسب وما وردت به عن الأئمة
ع أخبار آحاد ولا متواترة والعمل يكون تابعا للعلم فلا يجوز أن يقطع
إلا بدليل قاهر مزيل للعذر.
إذا كان باب الدار مغلقا فكلما فيها وفي جوانبها في حرز، فإن كان باب الدار
268

مفتوحا وأبواب الخزائن مفتوحة فليس شئ منها في حرز، فإن كان باب الدار
مفتوحا وأبواب الخزائن مغلقة فما في الخزائن في حرز وما في جوف الدار في غير حرز
هذا كله إذا لم يكن صاحبها فيها، فإن كان صاحبها فيها والأبواب مفتحة فليس
شئ في حرز إلا ما يراعيه ببصره مثل من كان بين يديه متاع كالميزان بين يدي
الخبازين والثياب بين يدي البزازين فحرز ذلك نظره إليه، فإن سرق من بين يديه
وهو ينظر إليه ففيه القطع وإن سها أو نام عنه زال الحرز وسقط القطع، وهكذا
الحكم إذا استحفظ انسان حماميا ثيابه فإن راعها الحمامي فهي في حرز وإن سها
عنها أو نام فليست في حرز، فأما إذا لم يستحفظه إياها ولا أودعه فليست في حرز
ولا يجب على الحمامي الضمان لها ولا الغرم بحال
هذا على ما أورده شيخنا في مبسوطه، وقد قلنا ما عندنا في أمثال ذلك من أن الحرز
القفل والغلق والدفن وما عداه لا دليل عليه من كتاب ولا إجماع وليس على من
سرق من ذلك شيئا القطع سواء راعاه ببصره أو لم يراعه نظر إليه أو لم ينظر بين
يديه كان أو لا بين يديه إلا أن يكون في حرز وهذه كلها تخريجات المخالفين
واستحساناتهم.
إذا نقب واحد وحده فدخل الحرز وأخذ المتاع فرمى به من جوف الحرز إلى
خارج الحرز أو رمى به من فوق الحرز أو شده في حبل ثم خرج عن الحرز فجره
وأخرجه أو أدخل خشبة معوجة من خارج الحرز فعليه القطع في كل هذا لأنه أخرجه
من الحرز بآلة فإن كان في الحرز ما يجري فجعله في الماء فخرج مع الماء فعليه أيضا
القطع لأنه قد أخرجه بآلة كما لو رمى به، فإن كان معه دابة فوضع المتاع عليها
وخرجت به فإنه يجب عليه القطع سواء ساقها أو قادها أو لم يسقها سارت بنفسها أو
لم تسر بنفسها.
فأما إن دخل الحرز فأخذ جوهرة فابتلعها ثم خرج وهي في جوفه فإن لم يخرج
منه فعليه ضمانها ولا قطع عليه لأنه أتلفها في جوف الحرز بدليل أن عليه ضمانها
كما لو كان ذلك طعاما فأكله وخرج فإنه لا قطع عليه بلا خلاف كذلك ههنا،
269

وإن خرجت الجوهرة بعد خروجه من جوفه
قال قوم: عليه القطع لأنه أخرجها في وعاء فهو كما لو جعلها في جراب أو جيب،
وقال آخرون: لا قطع عليه لأنه أخرجها معه مكرها على اخراجها غير مختار لذلك
لأنه لو أراد بعد ابتلاعها أن لا يخرجها معه من الحرز ما قدر على ذلك فهو كالمحمول
على اخراجها ذلك الوقت بدليل أنه ما كان يمكنه تركها والخروج دونها فهو كما لو
نقب وأكره على اخراج المتاع فإنه لا قطع عليه كذلك ههنا.
وأما الذي يقوى في نفسي وجوب القطع عليه لعموم الآية ولأنه نقب وأخرج
النصاب ولم يستهلكه في الحرز ولا خارج الحرز وليس كذلك المسألة الأولى لأنه
إذا لم يخرج منه ولا يقدر على اخراجها لا في الحرز ولا خارجه فقد صار ضامنا لها
فهي كالمستهلكة في الحرز، والمسألة الثانية إذا كان قادرا على اخراجها خارج الحرز
بمجرى العادة فهي بمنزلة جعله لها في جراب معه أو وعاء وإخراجها فيه وقياس ذلك
على المأكول فإنه بأكله قد استهلكه في الحرز، وأيضا القياس عندنا باطل وهذا
تخريج المخالفين.
فإن نقب ومعه صبي صغير لا تمييز له فأمره أن يدخل الحرز ويخرج المتاع فقبل
فالقطع على الآمر لأنه كالآلة كما لو أدخل خشبة أو شيئا فأخذ به المتاع فإن عليه
القطع.
إذا كان انسان نائما على متاعه فسرق هو والمتاع معا فلا قطع لأن يد مالكه
عليه وكذلك إذا كان نائما على جمل فسرق الجمل وهو عليه، فإن كان النائم على
المتاع عبدا فسرقه والمتاع معا فعليه القطع لأن العبد مال وهو لو سرق العبد وحده
قطعناه فبأن نقطعه ههنا أولى.
وإذا كان لرجل مال وديعة أو عارية عند انسان فجعلها ذلك الانسان في حرز
فجاء أجنبي فهتك الحرز وسرقها فعليه القطع لأن صاحبه قد رضي بهذا المكان حرزا
لماله.
إذا كان لإنسان قبل رجل دين فنقب صاحب الدين وسرق من مال من عليه
الدين قدر دينه فإن كان من عليه الدين مانعا له من ذلك فلا قطع عليه وإن كان
270

باذلا له غير مانع فعليه القطع.
فإن قامت البينة على رجل أنه سرق من حرز رجل نصابا فقال السارق:
المال لي وملكي، وقال صاحب الحرز: المال ملكي، فالقول قول صاحب المنزل
والحرز لأنه قد ثبت أنه قد أخذه منه فإذا حلف فلا قطع على السارق لأنه صار
خصما وصار شبهة لوقوع التنازع في المال والحد لا يجب مع الشبهة. وهكذا لو
وجد مع امرأة فادعى أنه زوجها فأنكرت وحلفت لا حد عليه لأنه صار متنازعا فيه
فكان شبهة في سقوط الحد فلهذا لم يقطع.
إذا قطعت يد سارق حسمت "
والحسم أن يغلي الزيت حتى إذا قطعت اليد جعل موضع القطع في الزيت
المغلى حتى تنسد أفواه العروق وينحسم خروج الدم ".
فالزيت وأجرة القاطع من بيت المال فإن لم يفعل الإمام ذلك لم يكن عليه
شئ لأن الذي عليه إقامة الحد ليس عليه مداراة المحدود.
إذا وجب الحد على شخص فأقامه الإمام أو الحاكم في شدة حر أو برد فمات
المحدود فلا دية له بحال لأن تجنب الإقامة في ذلك الوقت مستحب دون أن يكون
ممنوعا منه بكل حال على ما قدمناه.
إذا أمره الإمام بجلد القاذف ثمانين فزاده الجلاد سوطا فمات المحدود فعلى
الجلاد الضمان، وكم يضمن؟
قال قوم: نصف الدية، وهو الذي يقوى عندي، وقال قوم: عليه جزء
واحد من واحد وثمانين جزءا من الدية لأنها تقسط على عدد الضرب، وما
اخترناه هو خيرة شيخنا أبي جعفر مبسوطه وهو الأظهر الذي تقتضيه أصول
المذهب لأن الدية أو القود على عدد الجناة لا الجنايات.
باب حد المحاربين وهم قطاع الطريق والنباش والمختلس
والخناق والمبنج والمحتال:
قال الله تعالى: إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض
271

فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا
من الأرض.
ولا خلاف بين الفقهاء أن المراد بهذه الآية قطاع الطريق، وعندنا كل من شهر
السلاح لإخافة الناس في بر كان أو في بحر في العمران والأمصار أو في البراري
والصحاري وعلى كل حال، فإذا ثبت ذلك فالإمام مخير فيه بين أربعة أشياء كما
قال تعالى: بين أن يقطع يده ورجله من خلاف أو يقتل أو يصلب أو ينفى، هذا
بنفس شهره السلاح وإخافة الناس.
والنفي عندنا أن ينفيه من الأرض وكلما قصد بلدا نفاه منه، فإن قصد بلد
الشرك كاتبهم بأن يخرجوه فإن لم يفعلوا قاتلهم فلا يزال يفعل معه كذلك إلى أن
يتوب ويرجع عما هو عليه، فأما إذا قتل فإنه يتحتم عليه القتل سواء قتل مكافئا له
أو غير مكافئ أو من يجوز أن يقاد به أو لا يجوز وسواء عفا عنه ولي المقتول أو لم
يعف لأن قتله يتحتم ومثاله أن يقتل الوالد ولده في المحاربة أو المسلم الكافر أو الحر
العبد فإنه يقتل بمن قتله على كل حال للآية وكذلك إن عفا ولي المقتول فإنه يقتل
للمحاربة ويتحتم على ما قلناه وليس للإمام نفيه ههنا دون قتله، فإن أخذ المال قطع
سواء أخذ ما يجب فيه قطع السارق أو أقل منه من حرز أخذه أو من غير حرز فإنه
يقطع في القليل والكثير.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: المحارب هو الذي يجرد السلاح ويكون من أهل
الريبة في مصر كان أو في غير مصر في بلاد الشرك كان أو في بلاد الاسلام ليلا كان
أو نهارا فمتى فعل ذلك كان محاربا، ويجب عليه إن قتل ولم يأخذ المال أن يقتل
على كل حال وليس لأولياء المقتول العفو عنه فإن عفوا عنه وجب على الإمام قتله
لأنه محارب، وإن قتل وأخذ المال وجب عليه أولا أن يرد المال ثم يقطع بالسرقة ثم
يقتل بعد ذلك ويصلب، وإن أخذ المال ولم يقتل ولم يجرح قطع ثم نفي عن البلد،
وإن جرح ولم يأخذ المال ولم يقتل وجب أن يقتص منه ثم ينفى بعد ذلك من البلد
الذي فعل فيه ذلك إلى غيره، وكذلك إن لم يجرح ولم يأخذ المال وجب عليه أن
ينفى ينفى من البلد الذي فعل فيه ذلك الفعل إلى غيره ثم يكتب إلى أهل ذلك المصر بأنه
272

منفى محارب فلا تؤاكلوه ولا تشاربوه ولا تبايعوه ولا تجالسوه فإن انتقل إلى غير ذلك
من البلدان كوتب أيضا أهلها بمثل ذلك فلا يزال يفعل به ذلك حتى يتوب، فإن
قصد بلاد الشرك لم يمكن من الدخول إليها وقوتلوا هم على تمكينهم من دخوله،
هذا آخر كلامه رحمه الله وهو اختياره في مسائل خلافه ومبسوطه فجعل أحكامه على
طريق الترتيب على ما حكيناه عنه ولم يخير الإمام والحاكم في أي الأحكام
المذكورة في الآية فعل به ما يختاره.
وقال شيخنا المفيد في مقنعته: وأهل الدعارة " بالدال غير المعجمة قال الجوهري
صاحب كتاب الصحاح: الدعر " بالتحريك " الفساد، والدعر أيضا مصدر قولك:
دعر العود " بالكسر " يدعر دعرا فهو عود دعر، أي ردئ كثير الدخان ومنه أخذت
الدعارة وهي الفسق والخبث، يقال: هو خبيث داعر بين الدعر والدعارة، هذا آخر
كلام الجوهري " عدنا إلى قول شيخنا المفيد قال: وأهل الدعارة إذا جردوا السلاح
في دار الاسلام وأخذوا الأموال كان الإمام مخيرا فيهم إن شاء قتلهم بالسيف وإن
شاء صلبهم حتى يموتوا وإن شاء قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف وإن شاء نفاهم
عن المصر إلى غيره ووكل بهم من ينفيهم عنه إلى ما سواه حتى لا يستقر بهم مكان
إلا وهم منفون عنه مبعدون إلى أن تظهر منهم التوبة والصلاح، فإن قتلوا النفوس
مع إشهارهم السلاح وجب قتلهم على كل حال بالسيف أو الصلب ولم يتركوا على
وجه الأرض أحياء، هذا آخر كلامه رحمه الله وهو الأظهر الأصح لأنه يعضده ظاهر
التنزيل فلا يرجع عن هذا الظاهر بأخبار آحاد لا توجب علما ولا عملا لأن " أو "
حقيقتها في لسان العرب التخيير ولأجل ذلك اخترنا في كفارة الصيد التخيير دون
الترتيب.
واللص حكمه عندنا حكم المحارب فإذا دخل على انسان جاز له أن يقاتله
ويدفعه عن نفسه ما دام مقبلا عليه، فإن أدى الدفع إلى قتل اللص لم يكن على
قاتله شئ من قود ولا دية ولا كفارة لأنه محسن وقد قال تعالى: وما على المحسنين
من سبيل، فأما إذا أدبر عنه اللص فلا يجوز له رميه ولا قتله لأنه ساع له ذلك لأجل
دفعه عنه فإذا أدبر فلا يجوز له رميه ولا قتله في حال إدباره، فإن ضربه في حال إقباله
عليه ضربة قطع بها يده فأدبر عنه ثم ضربه في حال إدباره ضربة أخرى قطع اليد
273

الأخرى فإنه يجب عليه في اليد الأخيرة المقطوعة القصاص والإصلاح على
ديتها ولا شئ عليه في قطع اليد الأول بحال، وحكم النساء في أحكام المحاربة
حكم الرجال في أنهن يقتلن ويعمل بهن ما يعمل بالرجال، لعموم قوله تعالى:
(إنما جزاء الذين يحاربون الله). الآية بخلاف المرتدة فإنها لا تقتل بالردة بل
تحبس أبدا.
هذا اختيار شيخنا أبي جعفر الطوسي في مسائل خلافه ومبسوطه، ومن أن
الكتابان معظمهما فروع المخالفين وهو قول بعضهم اختاره رحمة الله ولم أجد
لأصحابنا المصنفين قولا في قتل النساء في المحاربة، والذي يقتضيه أصول
مذهبنا أن لا يقتلن إلا بدليل قاطع، فأما تمسكه بالآية فضعيف لأنه خطاب
للذكران دون الأناث، ومن قال تدخل النساء في خطاب الرجال على طريق
التبع فذلك مجاز والكلام في الحقائق والمواضع التي دخلن في خطاب الرجال
فبالإجماع دون غيره فليلحظ ذلك.
فأما كيفية صلب المحارب فشيخنا أبو جعفر رحمه الله يذهب في مسائل
خلافه إلى أنه لا يجوز صلبه حيا بل يقتل ثم يصلب بعد قتله ولا ينزل إلى ثلاثة
أيام.
وقال شيخنا المفيد رحمه الله في مقنعته: يصلب حيا وينزل من خشبته بعد
ثلاثة أيام ويغسل ويكفن ويحنط ويصلى عليه لأنه قتل حدا لا قودا وشيخنا أبو
جعفر الطوسي، قال في مبسوطه على ما قدمناه، قتله قودا فكان يلزمه أن يؤمر أولا
بالاغتسال والتكفين ثم يصلب وهو لا يرى غسله إلا بعد نزوله من خشبته
والصحيح ما ذهب إليه شيخنا المفيد رحمه الله وهو الذي يقوى في نفسي لأنه الذي
يقتضيه ظاهر التنزيل وهو قوله تعالى: (أن يقتلوا أو يصلبوا). فجعل تعالى
الصلب غير القتل، وخير في ذلك بقوله: " أو " وهي يقتضي التخيير في لسان العرب
على ما قدمناه، فعلى هذا أ كان يلزم المخالف أن يصلبه حيا ولا يقتله بل ينزله حيا
بعد صلبه لأنه تعالى قد جعل الصلب غير القتل، وعندنا أن الجميع يقتضي القتل
إلا أنه ليس كل قتل صلبا. فإذا قطع جماعة الطريق فأقروا بذلك كان حكمهم ما ذكر
فإن لم يقروا.
274

وقامت عليهم بذلك بينة وهي شهادة عدلين كان الحكم في ذلك مثل ما ذكرناه من
الإقرار سواء، فإن شهد قطاع الطريق أو اللصوص بعضهم على بعض لم تقبل
شهادتهم لأنهم فساق وكذلك إن شهد الذين أخذت أموالهم بعضهم لبعض لم تقبل
شهادتهم لأنهم خصوم وإنما تقبل شهادة غيرهم لهم أو يحكم بإقرار اللصوص على
أنفسهم.
لا يجب أحكام المحارب على الطليع والرد بالنظر لهم وإنما يجب على من باشر
القتل أو أخذ المال أو جمع بينهما أو شهر سلاحه لإخافة الناس.
إذا جرح المحارب جرحا يجب فيه القصاص في حد غير المحاربة مثل قطع اليد
أو الرجل أو قلع العين وغير ذلك وجب عليه القصاص بلا خلاف ولا يتحتم بل
للمجروح العفو، وإذا قطع المحارب يد رجل وقتله في المحاربة قطع ثم قتل وهكذا لو
وجب عليه القصاص فيما دون النفس ثم أخذ المال اقتص منه وقطع من خلاف
ويأخذ المال صاحبه.
والمحارب إذا وجب عليه حد من حدود الله تعالى لأجل المحاربة قبل انحتام
القتل أو قطع الرجل واليد من خلاف والصلب عند من رتب الأحكام وعند من لم
يرتبها ثم تاب قبل القدرة عليه وقبل قيام الحد سقط الحد بلا خلاف وإن تاب بعد
القدرة عليه لا يسقط بلا خلاف.
وما يجب عليه من حقوق الآدميين وحدودهم فلا يسقط كالقصاص والقذف
وضمان الأموال، وما يجب عليه من حدود الله التي لا يختص بالمحاربة كحد الزنى
والشرب واللواط فإنها تسقط عندنا بالتوبة قبل رفعه إلى الحاكم والقدرة عليه،
وكذلك كل من وجب عليه حد من حدود الله تعالى من شرب الخمر أو الزنى من غير
المحاربين ثم تاب قبل قيام البينة عليه بذلك فإنها بالتوبة تسقط.
إذا اجتمع حد القذف وحد الزنى وحد السرقة ووجوب القطع " قطع اليد
والرجل بالمحاربة وأخذ المال فيها " ووجب عليه القود بقتل في غير المحاربة فاجتمع
حدان عليه وقطعان وقتل فإنه يستوفى منه الحدود كلها ثم يقتل ولا يتداخل بعضها
275

في بعض لأن الظواهر تقتضي إقامتها كلها فمن ادعى تداخلها فعليه الدلالة.
قد قلنا: إن أحكام المحاربين تتعلق بالرجال والنساء سواء على ما فصلناه من
العقوبات لقوله تعالى: إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله الآية، ولم يفرق
بين النساء والرجال فوجب حملها على عمومها.
إذا مات قطاع الطريق قبل إقامة الحد عليهم لا يصلبون لأنه قد مات بالموت ولله
فيهم المشيئة، إذا شهد شاهدان أن هؤلاء قطعوا الطريق علينا وعلى القافلة وقاتلونا
وأخذوا متاعنا لم تقبل هذه الشهادة في حق أنفسهما لأنهما شهدا لأنفسهما ولا
تقبل شهادة الانسان لنفسه ولا تقبل شهادتهما أيضا للقافلة على ما قدمناه لأنهما
قد أبانا عن العداوة والخصومة وشهادة العدو والخصم لا تقبل على عدوه وخصمه،
وهكذا لو شهدا على رجل فقالا: هذا قذفنا وقذف زيدا، لم تقبل شهادتهما
لأنفسهما ولا لزيد لما مضى، فإن شهدا بأن هؤلاء قطعوا الطريق على هؤلاء وهذا
قذف زيدا قبلت الشهادة لأنهما شهدا بالحق مطلقا على وجه لا يرد به شهادتهما.
وليس للحاكم أن يسأل الشهود: هل قطعوا الطريق عليكم مع هؤلاء أم لا؟
وهل قذفكما هذا مع قذفه زيدا أم لا؟ لأن الحاكم لا يبحث عن شئ مما يشهد به
الشهود إلا ما يكون مجملا من قولهم مما لا يمكنه الحكم به إلا بعد مسائلتهم عنه
كشهادتهم أن زيدا قتل عمرا فإنه يجب عليه أن يبحث عن صفة هذا القتل هل هو
عمد محض أو خطأ محض أو خطأ شبيه العمد لأن القتل مجمل وهو على ثلاثة أضرب
فلا يأمن في حكومته أن يكون القتل بخلاف الجنس الذي يحكم به فيخطئ على
المشهود عليه أو المشهود لهم، وجملته أن كل شهادة كانت بأمرين فردت في إحديهما
هل ترد في الآخر أم لا؟ نظرت، فإن كان الرد لأجل العداوة ردت في الآخر، وإن
كان لأجل التهمة فهل ترد في الآخر أم لا؟ قال قوم: ترد، وقال آخرون: لا ترد،
وهو الأقوى عندي لأن التهمة موجودة في حق نفسه دون حق غيره والعداوة في
الشهادتين حاصلة فبان الفصل بينهما، فإن شهدوا فقالوا: هؤلاء عرضوا لنا وقطعوا
الطريق على غيرنا، قبلت هذه الشهادة لأن العداوة ما ظهرت لهم فلهذا سمعت
276

وعمل بها.
والخناق يجب عليه القتل ويسترجع منه ما أخذ فيرد على صاحبه، فإن لم يوجد
بعينه أغرم قيمته أو مثله إن كان له مثل أو أرش ما لعله نقص من ثمنه إلا أن يعفو
صاحبه عنه.
ومن بنج غيره أو أسكره بشئ احتال عليه في شربه أو أكله ثم أخذ ماله عوقب
على فعله ذلك بما يراه الإمام أو الحاكم من قبله واسترجع منه ما أخذه، فإن جنى
البنج أو الإسكار عليه جناية كان المبنج ضامنا لما جناه.
والمحتال على أموال الناس بالمكر والخديعة وتزوير الكتب والرسالات الكاذبة
والشهادات بالزور وغير ذلك من الأكاذيب يجب عليه العقوبة والتعزير والتأديب
ويغرم ما أخذ بذلك على الكمال، وينبغي للحاكم أن يشهره بالعقوبة لكي يرتدع
غيره عن فعل مثله في مستقبل الأوقات وينهكه ضربا.
والمختلس هو الذي يسلب الشئ ظاهرا لا قاهرا من الطرقات والشوارع من غير
شهر لسلاح ولا قهرا بل استلابا واختلاسا فإنه يجب عليه العقاب المردع والضرب
الموجع، ولا قطع عليه لأنه ليس بسارق ولا قاطع طريق.
ومن نبش قبرا وسلب الميت كفنه وأخرجه من القبر وكان قيمته ربع دينار فإنه
يجب عليه القطع ويكون المطالب بذلك الورثة لأنه على حكم ملكهم بدلالة أنه لو
أكل الميت سبع أو أخذه سيل وبقي الكفن فإنه يكون للورثة دون غيرهم ويجب
عليه مع القطع التأديب المردع، فإن كان قد نبش القبر ولم يأخذ شيئا أو أخذ
وكان الكفن دون ربع دينار فإنه لا قطع عليه بل يجب عليه العقوبة المردعة، فإن
نبش ثانية فإنه يجب عليه القطع إذا أخذ الكفن سواء كانت قيمته ربع دينار أو أقل
من ذلك، ولا يراعى في مقدار الكفن النصاب إلا في الدفعة الأولى فحسب لقولهم
ع: سارق موتاكم كسارق أحيائكم، ولا خلاف أن من سرق من حي
دون ربع دينار عندنا لا يجب عليه القطع.
فإن قيل: فهذا يلزم في الدفعة الثانية.
277

قلنا: لما تكرر منه الفعل صار مفسدا ساعيا في الأرض فسادا فقطعناه لأجل ذلك
لا لأجل كونه سارقا ربع دينار ولهذا روى أصحابنا: أنه من سرق حرا صغيرا
فباعه وجب عليه القطع، قالوا: لأنه من المفسدين في الأرض، وأيضا فالأخبار
مختلفة في ذلك فبعضها يوجب عليه القطع مطلقا وبعضها يوجب عليه التعزير ولا
يوجب عليه القطع فحملنا ما يوجب القطع منها.
إذا سرق الكفن وأخرجه من القبر وكان قيمته ربع دينار قطع لقولهم
ع: سارق موتاكم كسارق أحيائكم، على ما قدمناه أو على من يتكرر
منه ذلك وكان معتادا لفعل ذلك وإن لم تبلغ قيمة الكفن ربع دينار وإن لم يأخذ
كفنا أيضا
على ما ذهب إليه شيخنا أبو جعفر في كتابه الاستبصار وحملنا منها ما يوجب
التعزير والعقوبة إذا نبش أول مرة ولم يكن له عادة بذلك ولم تكن قيمة الكفن
تبلغ ربع دينار أو كونه لم يأخذ الكفن وقد عمل بجميعها وكان لكل منها وجه
تقتضيه الأدلة.
وقال شيخنا أبو جعفر في استبصاره لما اختلفت عليه الأخبار فإنه أورد جملة
منها بوجوب القطع ثم أورد جملة أخرى بالتعزير فحسب فقال: فهذه الأخبار
الأخيرة كلها تدل على أنه إنما يقطع النباش إذا كان ذلك له عادة فأما إذا لم
يكن ذلك عادته نظر فإن كان نبش وأخذ الكفن وجب قطعه وإن لم يأخذ لم
يكن عليه أكثر من التعزير، قال: وعلى هذا تحمل الأخبار التي قدمناها، هذا
جملة ما أورده رحمه الله في استبصاره متوسطا بين الأخبار.
قال محمد بن إدريس: بقي عليه رحمه الله أنه أسقط جميع الأخبار التي رويت في
أن سارق موتاكم كسارق أحيائكم لأنه رحمه الله لم يراع النصاب في شئ منها
في وساطته بينها فقد سقطت جملة وهذا بخلاف عادته وخرم لقاعدته في وساطته
بينها.
وقال في نهايته: ومن نبش قبرا وسلب الميت كفنه وجب عليه القطع كما يجب
على السارق سواء، فإن نبش ولم يأخذ شيئا أدب تغليظ العقوبة ولم يكن عليه
قطع على حال، فإن تكرر منه الفعل وفات الإمام تأديبه كان له قتله كي يرتدع
278

غيره عن إيقاع مثله من مستقبل الأوقات، هذا آخر كلامه في نهايته.
وما اخترناه من مراعاة المقدار الذي يجب فيه القطع من أول مرة مذهب
شيخنا المفيد في مقنعته فإنه قال: ويقطع النباش إذا سرق من الأكفان ما
قيمته ربع دينار كما يقطع غيره من السراق إذا سرقوا من الأحرار، وإذا عرف
الانسان ينبش القبور وكان قد فات السلطان ثلاث مرات كان الحاكم فيه
بالخيار إن شاء قتله وإن شاء قطعه وعاقبه والأمر في ذلك إليه يعمل فيه
بحسب ما يراه أزجر للعصاة وأردع للجناة، هذا آخر كلامه رحمه الله ونعم
ما قال فإنه الذي تقتضيه أصول المذهب وتحكم بصحته أعيان الآثار عن
الأئمة الأطهار وأيضا الأصل براءة الذمة فمن قطعه في غير المتفق عليه يحتاج
إلى دليل.
وشيخنا أبو جعفر يفوح من فيه استدلاله في مسائل خلافه إلى اعتبار النصاب
لأنه قال مسألة: النباش يقطع إذا أخرج الكفن من القبر إلى وجه الأرض،
ثم استدل فقال: دليلنا قوله " والسارق والسارقة " وهذا سارق، فإن قالوا:
لا نسلم أنه سارق، قلنا: السارق هو من إذا أخذ الشئ مستخفيا متفزعا
قال الله تعالى " إلا من استرق السمع " وقالت عائشة: سارق موتانا كسارق
أحيائنا، وقال ع: القطع في ربع دينار، ولم يفصل، إلى ههنا
كلامه رحمه الله ألا ترى إلى استدلاله بالآية والخبر عنه ع من قوله:
القطع في ربع دينار، فاستدل بهذا الخبر وفيه مقدار النصاب واستدل بالآية
ولا خلاف أنه لا يقطع السارق إلا إذا سرق من حرز ربع دينار على ما بيناه
وحررناه.
والذي اعتمد عليه بعد هذا كله وأفتى به ويقوى في نفسي قطع النباش إذا
أخرج الكفن من القبر إلى وجه الأرض وسلب الميت سواء كانت قيمة الكفن
ربع دينار أو أقل من ذلك أو أكثر في الدفعة الأولى أو الثانية لإجماع أصحابنا
وتواتر أخبارهم بوجوب قطع النباش من غير تفصيل وفتاويهم وعملهم على
ذلك، وما ورد في بعض الأخبار وأقوال بعض المصنفين بتقيد وتفصيل ذلك
بالمقدار في الدفعة الأولى فمثل ذلك لا يخصص العموم لأن تخصيص العموم
يكون دليلا قاهرا مثل العموم في الدلالة.
279

باب الحد في الفرية وما يوجب التعزير والتأديب وما يلحق بذلك من الأحكام:
قال الله تعالى: إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا
في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم.
وروى حذيفة أن النبي ع قال: قذف محصنة يحبط عمل مائة
سنة.
ولا خلاف بين الأمة أن القذف محرم، فإن قذف انسان مكافئا له أو أعلى منه
وجب عليه الجلد ثمانون جلدة حرا كان القذف أو عبدا رجلا أو امرأة مسلما أو
كافرا لقوله تعالى: والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء
فاجلدوهم ثمانين جلدة، وروي: أن النبي ع لما نزل براءة ساحة
عائشة صعد المنبر وتلا الآيات ثم نزل فأمر بجلد الرجلين والمرأة
فالرجلان حسان بن ثابت ومسطح بن أثاثة، مسطح " بكسر الميم والسين غير
المعجمة المسكنة والطاء غير المعجمة المفتوحة والحاء غير المعجمة " وأثاثة " بضم
الألف والثائين المنقطة كل واحدة بثلاث نقط " والمرأة حمية بنت جحش " بسكون
الميم وفتح الحاء غير المعجمة "
فإذا ثبت أن موجب القذف الجلد فإنما يجب ذلك بقذف محصنة أو محصن لقوله
تعالى: والذين يرمون المحصنات.
وشرائط الإحصان خمسة أشياء: أن يكون المقذوف حرا بالغا عاقلا مسلما
عفيفا عن الزنى، فإذا وجدت هذه الخصال فهو المحصن الذي يجلد قاذفه، وهذه
الشروط معتبرة بالمقذوف لا بالقاذف لقوله تعالى: والذين يرمون المحصنات،
فوصف المقذوف بالإحصان فمتى وجدت الشرائط وجب الحد على قاذفه مع
مطالبته له ومتى اختلت أو واحدة منها فلا حد على قاذفه واختلالها بالزنى أو
بالوطئ الحرام على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى، وأما القاذف فلا يعتبر فيه
الحصانة وإنما الاعتبار بأن يكون عاقلا سواء كان حرا أو عبدا عندنا فإن أصحابنا
رووا وأجمعوا: أن عليه الحد كاملا ههنا وفي شرب الخمر والمسكر سواء كان حرا أو
280

عبدا.
فأما الكلام الذي يكون قذفا يوجب الحد الذي هو الثمانون على قائله فهو أن
يقول: يا زاني يا لائط أو يا منكوحا في دبره أو قد زنيت أو لطت أو نكحت أو ما
معناه معنى هذا الكلام، بأي لغة كانت بعد أن يكون القائل عارفا بها وبموضوعها
وفائدة اللفظة في عرفه وعادته ولغته وإن لم يكن المقول له عارفا بذلك بل الاعتبار
بمعرفة القائل فائدة اللفظ لا المقول له وجب عليه حد القاذف وهو ثمانون.
فإن قال له شيئا من ذلك وكان غير بالغ أو المقول له كان غير بالغ لم يكن
عليه حد القذف، وروي: أن عليه التعزير. فإن قال له شيئا من ذلك وهو لا يعلم
فائدة تلك اللفظة ولا تلك اللغة ولا موضوع الألفاظ في عادته وعرفه لم يكن عليه
شئ، وكذلك إذا قال لامرأة: أنت زانية أو قد زنيت أو يا زانية، كان أيضا عليه
حد القاذف ثمانون جلدة لا يختلف الحكم فيه، فإن قال لكافر أو كافرة أو عبد أو
أمة شيئا من ذلك لم يجب عليه الحد ويجب عليه التعزير لئلا يؤذي أهل الذمة
والعبيد.
وإذا قال لغيره: يا بن الزانية أو يا بن الزاني أو قد زنت بك أمك أو ولدتك
أمك من الزنى، وجب أيضا عليه الحد وكان المطالبة في ذلك إلى أمه إلا في قوله:
يا بن الزاني، فإن المطالبة في ذلك إلى أبيه. فإن عفت عنه جاز عفوها لأن ذلك من
حقوق الآدميين ولا يجوز عفو غيرها مع كونها حية وإن كانت ميتة ولم يكن لها
ولي غير المقذوف كان إليه المطالبة والعفو، فإن كان لها وليان أو أكثر من ذلك
وعفا بعضهم أو أكثرهم كان لمن بقي ممن لم يعف المطالبة وإقامة الحد عليه على
الكمال ولا يسقط منه بقدر حقوقهم وعفوهم شئ على حال على ما بيناه في باب
الشركة وأوضحناه، ومن كان له العفو فعفا في شئ من الحدود التي تختص
بالآدميين لم يكن له بعد ذلك المطالبة ولا الرجوع فيه.
فإن قال له: يا بن الزاني أو زنى بك أبوك أو لاط أو ولدك من حرام، كان
عليه الحد لأبيه دون أمه ودونه لأن أباه المقذوف ههنا، فإن كان حيا كان له
281

المطالبة والعفو وإن كان ميتا كان لأوليائه الذين هم وراثه سوى الزوج والزوجة
حسب ما ذكرناه في الأم سواء.
وشيخنا أبو جعفر قال في نهايته: فإن قال له: ولدت من الزنى، وجب عليه الحد
وكان المطالبة في ذلك إلى أمه، وهذا غير واضح لأنه محتمل إما أن تكون الأم هي
الزانية أو يكون الأب هو الزاني دون الأم فمع الاحتمال كيف يختص بالأم دون
الأب ووجه احتماله أنه قد تكون الأم غير زانية من هذه الولادة والأب زانيا منها
بأن تكون مكرهة على الزنى غير مطاوعة والأب يكون زانيا بأن يكرهها على الزنى
فيكون هو الزاني دونها، وقد تكون هي الزانية دون الواطئ بأن تعلم أن لها زوجا
فتقول لمن يريد نكاحها: لا زوج لي وأنا خلو من الأزواج، فيتزوجها فتكون هي
زانية والواطئ غير زان في هذه الولادة، فإذا ثبت ذلك وتقرر الاحتمال لما قلناه
كيف يختص الحد بها مع هذا الاحتمال بل على ما حررناه يختص بواحد منهما
المطالبة بالحد بأن يقول: ولدك أبوك من الحرام أو من زنى، فيكون المطالب بإقامة
الحد الأب دون الأم، فإن قال: ولدتك أمك من حرام أو من زنى، فتكون المطالبة
بإقامة الحد عليه للأم دون الأب فليلحظ ذلك.
فإن قال له: يا بن الزانيين أو أبواك زانيان أو زنى بك أبواك، كان عليه حدان
حد للأب وحد للأم، فإن كانا حيين كان لهما المطالبة أو العفو وإن كانا ميتين
كان لورثتهما ذلك حسب ما قدمناه.
فإن قال له: أختك زانية أو أخوك زان، كان عليه الحد لأخته أو لأخيه إذا
كانا حيين فإن كانا ميتين كان لورثتهما وأوليائهما ذلك على ما رتبناه، وحكم
العم والعمة والخال والخالة وسائر ذوي الأرحام حكم الأخ والأخت في أن الأولى
بهم يقوم بمطالبة الحد ويكون له العفو على ما بيناه.
فإن قال له: ابنك زان أو لائط أو ابنتك زانية أو قد زنت، كان عليه الحد
وللمقذوف المطالبة بإقامته عليه سواء كان ابنه أو بنته حيين أو ميتين وكان إليه
أيضا العفو إلا أن يسبقه الابن أو البنت إلى العفو فإن سبقا إلى ذلك كان عفوهما
جائزا
282

على ما روى أصحابنا وأوردها شيخنا أبو جعفر في نهايته، والذي يقتضيه
المذهب أنهما إن كانا حيين غير مولى عليهما فالحق لهما وهما المطالبان به ولا
يجوز لأحد العفو عنه دونهما ولهما العفو عنه لأن حد القذف حد من حقوق
الآدميين يستحقه صاحبه المقذوف به دون غيره فليلحظ ذلك.
فإن قال لغيره: يا زان، وأقيم عليه الحد ثم قال له ثانيا: يا زان، كان عليه
حد ثان، فإن قال: إن الذي قلته لك كان صحيحا، لم يكن عليه حد وكان عليه
التعزير لأنه ما صرح بالقذف في قوله: إن الذي قلته لك كان صحيحا.
فإن قال له: يا زان، دفعة بعد أخرى مرات كثيرة ولم يقم عليه فيما بينها الحد
بشئ من ذلك لم يكن عليه أكثر من حد واحد.
ومن أقيم عليه الحد في القذف ثلاث مرات قتل عند أصحابنا في الرابعة أو
في الثالثة
على ما روي عنهم ع: أن أصحاب الكبائر يقتلون في الثوالث،
وهو الصحيح وهو اختيار شيخنا أبي جعفر في استبصاره.
فإن قذف جماعة رجال أو نساء أو رجالا ونساء نظرت، فإن قذف واحدا
بعد واحد كل واحد منهم بكلمة مفردة فعليه لكل واحد منهم حد القذف سواء
جاؤوا به متفرقين أو مجتمعين، فإن قذفهم بكلمة واحدة فقال: زنيتم أو أنتم زناة،
فالذي رواه أصحابنا وأجمعوا عليه: أنه إن جاؤوا به متفرقين كان لكل واحد منهم
حد كامل وإن جاؤوا به مجتمعين كان عليه حد واحد بجماعتهم فحسب، ومخالفونا
اختلفوا في ذلك اختلافا كثيرا.
ومن قال لغيره من الكفار أو المماليك: يا بن الزاني أو يا بن الزانية، وكان
أبواه مسلمين أو حرين كان عليه الحد كاملا لأن الحد لمن لو واجهه بالقذف لكان
له الحد تاما ولأن الحر أو المسلم المقذوف والحد يستحقه المقذوف دون غيره.
وروي أن من قال لمسلم: أمك زانية أو يا بن الزانية، وكانت أمه كافرة أو
أمة كان عليه الحد لحرمة ولدها المسلم الحر والأصل مراعاة التكافؤ للقاذف أو علو
283

المقذوف كما قدمناه أولا في صدر الباب. وإذا تقاذف أهل الذمة أو العبيد أو
الصبيان بعضهم لبعض لم يكن عليهم حد وكان عليهم التعزير.
وإذا قال لغيره: قد زنيت بفلانة، وكانت المرأة ممن يجب لها الحد كاملا
وجب عليه حدان حد للرجل وحد للمرأة مع مطالبتهما جميعا بإقامة الحد عليه،
وكذلك إذا قال: لطت بفلان، كان عليه حدان حد للمواجه وحد لمن نسبه إليه.
فإن كانت المرأة أو الذكر غير بالغين أو مع كونهما بالغين لم يكونا حرين أو لم
يكونا مسلمين كان عليه الحد تاما للمواجه لأجل قذفه إياه ويجب مع ذلك عليه
التعزير لنسبه له إلى هؤلاء، والذي تقتضيه الأدلة أنه لا يجب على قائل ذلك سوى
حد واحد وإن كان المقول لهما بالغين حرين لأنه إذا قال له: زنيت بفلانة أو لطت
بفلان، فقد قذفه بلا خلاف وأما المرأة والرجل فليس بقاذف لهما لأنه قد لا تكون
المرأة زانية بأن تكون مكرهة على الزنى وكذلك الرجل قد لا يكون مختارا بل يكون
مكرها على اللواط، فالزنى واللواط متحققان في جهة المقول لهما وغير متحقق في
جنبة من فعل به ذلك فالشبهة حينئذ حاصلة بغير خلاف وبالشبهة لا يحد لقوله ع
المجمع عليه: ادرؤوا الحدود بالشبهات، وهذا القول للواقع به الفعل من
أعظم الشبهات فليلحظ ذلك وإنما أورد شيخنا ذلك في نهايته إيرادا لا اعتقادا
كما أورد أمثاله.
وإذا قال له: زنت زوجتك أو يا زوج الزانية، وجب عليه الحد لزوجته وكان
إليها المطالبة والعفو دون زوجها، فإن كانت ميتة كان ذلك لأوليائها دون الزوج
لأن الأزواج عندنا لا يرثون من الحد شيئا.
وجملة القول وعقد الباب أن حد القذف يورث ويرثه من يرث المال الرجال
والنساء من ذوي الأنساب فأما ذوو الأسباب فلا يرثون منه شيئا، والمراد بذوي
الأسباب ههنا الزوج والزوجة دون من عداهما من ذوي الأسباب لإجماع أصحابنا
على ذلك، فإذا ثبت ذلك فإنهم يستوجبونه ويستحقونه وكل واحد منهم حتى لو
عفا الكل أو ماتوا إلا واحدا كان لذلك الواحد أن يستوفيه فهو بمنزلة الولاية في
284

النكاح، عند المخالف هو لكل الأولياء ولكل واحد منهم.
ومن قال لولد الملاعنة: يا بن الزانية أو زنت بك أمك، كان عليه الحد لأمه
كاملا تاما، فإن قال لولد الزنى الذي أقيم على أمه الحد بالزنى أو زنت بك أمك،
لم يكن عليه الحد تاما وكان عليه التعزير، فإن قال له: يا بن الزانية، وكانت أمه
قد تابت وأظهرت التوبة كان عليه الحد تاما لأنها بعد توبتها صارت محصنة عفيفة.
ويثبت الحد بالقذف بشهادة عدلين أو إقرار القاذف على نفسه مرتين بأنه
قذف معلوم العين محصنا فإذا ثبت ذلك أقيم عليه الحد بعد مطالبة المقذوف أو
وارثه بإقامته عليه، وليس للحاكم إقامة الحد قبل المطالبة لأنه من حقوق الآدميين
على ما أسلفنا القول فيه وحررناه، ولا يكون الحد فيه كما هو في شرب الخمر
والزنى في الشدة بل يكون دون ذلك، ويجلد القاذف من فوق الثياب ولا يجرد على
حال، وليس للإمام أن يعفو عن القاذف بل ذلك إلى المقذوف على ما بيناه سواء
كان أقر بالقذف على نفسه أو قامت به عليه البينة أو تاب القاذف أو لم يتب فإن
العفو في جميع هذه الأحوال إلى المقذوف.
وذهب شيخنا أبو جعفر في الجزء الثالث من الاستبصار إلى: أن المقذوف بعد
رفعه القاذف إلى الإمام وثبوت القذف عليه ليس له أن يعفو عنه، والصحيح
أن للمقذوف العفو على كل حال لأن ذلك من حقوق الآدميين وإلى هذا
ذهب في نهايته فليلحظ ذلك.
ومن قذف محصنا أو محصنة لم تقبل شهادته بعد ذلك إلا أن يتوب ويرجع
ويصلح عمله ولا تقبل شهادته بمجرد توبته إلا بعد إصلاح العمل على ما قلناه في
كتاب الشهادات فإنا بلغنا فيه إلى أبعد الغايات.
فأما كيفية التوبة من القذف فإن الناس اختلفوا في ذلك فالذي يقوى في
نفسي وتقتضيه أصول مذهبنا أن يقول: القذف باطل حرام ولا أعود إلى ما قلت:
لأنه إذا قال: كذبت فيما قلت، ربما كان كاذبا في هذا الجواز أن يكون صادقا في
285

الباطن وقد تعذر عليه تحقيقه، فإذا قال: القذف باطل حرام، فقد أكذب نفسه
وقوله: لا أعود إلى ما قلت، فهو ضد ما كان منه.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: ومن قذف محصنا أو محصنة لم تقبل شهادته
بعد ذلك إلا أن يتوب ويرجع وحد التوبة والرجوع عما قذف هو أن يكذب
نفسه في ملأ من الناس في المكان الذي قذف فيه فيما قاله فإن لم يفعل ذلك
لم يجز قبول شهادته بعد ذلك، إلا أنه رجع عن ذلك في مبسوطه في الجزء
السادس في كتاب الشهادات فقال فصل في شهادة القاذف: إذا قذف الرجل
رجلا أو امرأة فقال: زنيت أو أنت زان، لم يخلو من أحد أمرين: إما أن
يحقق قذفته أو لا يحققه.
فإن حققه نظرت، فإن كان المقذوف أجنبيا حققه بأحد أمرين: إما أن يقيم
البينة أنه زنى أو يعترف المقذوف بالزنى، فإن كان المقذوف زوجته فإنه تحقق
قذفه بأحد ثلاثة أشياء: البينة أو اعترافها أو اللعان، فمتى حقق قذفه وجب
على المقذوف الحد وبان أنه لم يكن قاذفا ولا حد عليه ولا ترد شهادته ولا
يفسق.
وأما إن لم يحقق قذفه فقد تعلق بقذفه ثلاثة أحكام: وجوب الجلد ورد
الشهادة والتفسيق، لقوله: والذين يرمون المحصنات، إلى قوله: وأولئك
هم الفاسقون، فإن تاب القاذف لم يسقط الجلد بالتوبة وزال فسقه بمجرد
التوبة بلا خلاف وهل تسقط شهادته أبدا فلا تقبل أم لا؟ فعندنا وعند جماعة
لا تسقط بل تقبل بعد ذلك وعند قوم لا تقبل.
فأما كيفية التوبة فجملتها أنه إذا قذفه تعلق بقذفه ثلاثة أحكام: الجلد ورد
الشهادة والفسق الذي يزول به ولايته على الأطفال والأموال وترد به شهادته،
ثم لا يخلو من أحد أمرين: إما أن يحقق قذفه أو لا يحققه، فإن حقق القذف
إما بالبينة أو باعتراف المقذوف إن كان غير زوجة أو بهما أو باللعان إن كان
زوجة فمتى حقق القذف فلا جلد عليه وهو على العدالة والشهادة لأنه صح
صدقه وثبت صحة قوله وأما المقذوف فقد ثبت زناه بالبينة أو اللعان أو
الاعتراف فيقام عليه الحد، فأما إن لم يحققه فالحد واجب عليه ورد الشهادة
قائم والفسق بحله والكلام بعد هذا فيما يزيل ذلك عنه أما الحد فلا يزول
عنه إلا بأحد أمرين استيفاء أو إبراء.
وأما الفسق والشهادة فهما يتعلقان بالتوبة ضربان: باطنة وحكمية،
286

فالباطنة توبته فيما بينه وبين الله وهي تختلف باختلاف المعصية وجملته أن
المعصية لا تخلو من أمرين: إما أن يجب بها حق أو لا يجب.
فإن لم يجب بها حق مثل أن قبل أجنبية أو لمسها بشهوة أو وطئها فيما دون
الفرج فتوبته ههنا الندم على ما كان والعزم على ألا يعود فإذا فعل هذا فقد
تاب لقوله تعالى: والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله
فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم
يعلمون أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم، فإذا أتى بالاستغفار وترك
الإصرار صحت توبته وغفر الله ذنبه.
وأما إن كانت المعصية مما يجب بها حق لم يخل من أحد أمرين: إما أن يكون
حقا على البدن أو في مال.
فإن كانت في مال كالغصب والسرقة والإتلاف فتوبته الندم على ما كان
والعزم على ألا يعود والخروج من المظلمة بحسب الإمكان، فإن كان موسرا
بها متمكنا من دفعها إلى مستحقها خرج إليه منها فإن كانت قائمة ردها وإن
كانت تالفة رد مثلها إن كان لها مثل وقيمتها إن لم يكن لها مثل، وإن كان
قادرا غير أنه لا يتمكن من المستحق لجهله أو كان عارفا غير أنه لا يقدر على
الخروج إليه منها فالتوبة بحسب القدرة وهو العزم على أنه متى تمكن من ذلك
فعل وكذلك إذا منع الزكاة مع القدرة عليها فهي كالدين والمظالم وقد بيناه
هذا إذا كانت المعصية حقا في مال.
فأما إن كانت المعصية حقا على البدن لم يخل من أحد أمرين: إما أن يكون
لله أو للآدميين، فإن كان للآدميين فهو القصاص وحد القذف بالتوبة والندم
على ما كان العزم على ألا يعود والتمكن من الاستيفاء من حد أو قصاص
كالأموال سواء، وأما إن كان حقا لله كحد الزنى والسرقة وشرب الخمر لم
يخل من أحد أمرين: إما أن يكون مشتهرا أو مكتوما.
فإن كان مكتوما لا يعلم به الناس ولم يشتهر ذلك عليه فالتوبة الندم على ما
كان والعزم على ألا يعود والمستحب له أن يستر على نفسه ويكون على الكتمان
لقوله ع: من أتى من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله فإن
من أبدى لنا
287

صفحته أقمنا عليه حد الله، وقال ص لهزال بن شرحبيل حين أشار
على ماعز بن مالك أن يعترف بالزنى: هلا سترته بثوبك يا هزال، فإن خالف وجاء
واعترف بذلك لم يحرم ذلك عليه لما روي: أن العامرية وماعز بن مالك اعترفا عند
النبي ع بالزنى فلم ينكر ذلك بل رجم كل واحد منهما.
وأما إن كان مشتهرا شائعا في الناس فالتوبة الندم على ما كان والعزم على ألا يعود
وأن يأتي الإمام فيعترف به عنده ليقيم عليه الحدود، والفصل بينهما أنه إذا لم
يكن مشتهرا كان في ستره فائدة وهو ألا يشتهر به ولا يضاف إليه وليس كذلك
ههنا لأنه إذا كان مشتهرا ظاهرا فلا فائدة في ترك إقامته عليه.
وعندي أنه لا يجوز له أن يشتهر به ولا يعترف وأن يتوب فيما بينه وبين الله ويقلع
عما كان ويتوفر على الأعمال الصالحات لعموم الخبر الذي تقدم هذا كله في حدود
الله قبل أن يتقادم عهدها أو تقادم عهدها وقيل: لا يسقط بتقادم العهد، فأما من
قال: يسقط بتقادم العهد، فلا يعترف بذلك بحال لأنه لا حد عليه فمتى اعترف
كان اعترافا بغير حق هذا الكلام في التوبة الباطنة.
فأما الكلام في التوبة الحكمية وهي التي يقضى لها بها بالعدالة وقبول الشهادة فلا
تخلو المعصية من أحد أمرين: إما أن تكون فعلا أو قولا.
فإن كانت فعلا كالزنى والسرقة واللواط والغصب وشرب الخمر فالتوبة ههنا أن
يأتي بالضد مما كان عليه وهو صلاح عمله بقوله تعالى: إلا من تاب وآمن وعمل
عملا صالحا أولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات، فإذا ثبت أنها صلاح عمله
فمدته التي تقبل بها شهادته سنة ومن الناس من قال: يصلح عمله ستة أشهر.
فأما إن كانت المعصية قولا لم يخل من أحد أمرين: إما أن يكون ردة أو قذفا.
فإن كان ردة فالتوبة الاسلام وهو أن يأتي بالشهادتين: أشهد أن لا إله إلا الله وأن
محمدا رسول الله، وأنه برئ من كل دين خالف الاسلام فإذا فعل هذا فقد صحت
توبته وتثبت عدالته وقبلت شهادته ولا يعتبر بعد التوبة مدة يصلح فيها عمله لأنه إذا
فعل هذا فقد أتى بضد المعصية.
وأما إن كانت المعصية قذفا لم يخل من أحد أمرين: إما أن يكون قذف سب أو
قذف شهادة.
288

فإن كانت قذف سب فالتوبة إكذابه نفسه لما روي عن النبي ع في
قوله: أولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا، قال النبي
ع: توبته إكذابه نفسه، فإذا تاب قبلت شهادته، فإذا ثبت أن التوبة
إكذابه نفسه فاختلفوا في كيفيته قال قوم: أن يقول: القذف باطل حرام ولا أعود
إلى ما قلت، وقال بعضهم: التوبة إكذابه نفسه وحقيقة ذلك أن يقول: كذبت
فيما قلت: وروي ذلك في أخبارنا والأول أقوى لأنه إذا قال: كذبت فيما قلت:
ربما كان كاذبا في هذا لجواز أن يكون صادقا في الباطن وقد تعذر عليه تحقيقه فإذا
قال: القذف باطل حرام، فقد أكذب نفسه وقوله: لا أعود إلى ما قلت، فهو ضد
ما كان منه، فإذا ثبت صفة التوبة فهل تفتقر عدالته التي تقبل بها شهادته إلى
صلاح العمل أم لا؟ قال قوم: مجرد التوبة تجزيه، وقال قوم: لا بد من صلاح
العمل، وهو الأقوى لقوله: إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا، فمن قال:
لا يفتقر إلى صلاح العمل، فلا كلام ومن قال: يفتقر إليه، فصلاح العمل مدة
سنة على ما مضى هذا الكلام في قذف السب.
وأما قذف الشهادة فهو أن يشهد بالزنى دون الأربعة فإنهم فسقة، وقال قوم:
يحدون، وقال آخرون: لا يحدون. فالتوبة ههنا أن يقول: قد ندمت على ما كان
مني ولا أعود إلى ما أتهم فيه، ولا يقول: ولا أعود إلى ما أتهم فيه، فإذا قال هذا
زال فسقه وثبتت عدالته وقبلت شهادته ولا يراعى صلاح العمل. والفرق بين هذا
وبين قذف السب هو أن قذف السب يثبت فسقه بالنص وهذا بالاجتهاد عندهم،
ويجوز للإمام عندنا أن يقول: تب أقبل شهادتك، وقال بعضهم: لا أعرف هذا،
وإنما قلنا ذلك لأن النبي ع أمر بالتوبة، هذا أحرف الفصل التي من
كلام شيخنا أبي جعفر رحمه الله أوردته على جهته من غير مداخلة مني له بشئ من
الكلام فإنه سديد في موضعه إلا في قوله: وحده صلاح العمل سنة أو ستة أشهر،
فإن هذا مذهب الشافعي فأما نحن معشر شيعة أهل البيت ع فلا نعتبره
بزمان ولا مدة بل صلاح عمله ولو عرف ذلك منه في ساعة واحدة لأن ما خالف
ذلك لا دليل عليه.
وقد رجع شيخنا عن ذلك في مسائل خلافه فقال مسألة: إذا أكذب نفسه وتاب لا
289

تقبل شهادته حتى يظهر منه العمل الصالح وهو أحد قولي الشافعي إلا أنه اعتبر
ذلك سنة ولم نعتبره نحن لأنه لا دليل عليه، هذا آخر كلامه في مسائل خلافه
فانظر أرشدك الله إلى قوله في مبسوطه وجعل ما ذكره وأورده في نهايته رواية واعتمد
على ما اخترناه لوضوحه عنده وموافقته الأدلة فلا يرجع عن ذلك بأخبار الآحاد التي
لا توجب علما ولا عملا.
ومن قذف مكاتبا ضرب بحساب ما عتق منه حد الحر ويعزر بالباقي الذي
كان رقا، وإذا قال الرجل لامرأته: يا زانية أنا زنيت بك، كان عليه حد القاذف
لقذفه إياها ولم يكن عليه لإضافة الزنى إلى نفسه شئ إلا أن يقر أربع مرات، فإن
أقر أربع مرات كان عليه حد الزنى مع ذلك على ما بيناه، فإن كان إقراره أقل من
ذلك لم يجب عليه حد الزنى ووجب عليه التعزير لإضافة الفاحشة إلى نفسه.
وإذا قال الرجل لولده: يا زان أو قد زنيت، لم يكن عليه حد به فإن قال: يا بن
الزانية، ولم ينتف منه كان عليه الحد لزوجته أم المقذوف إن كانت حرة مسلمة
حية، فإن كانت ميتة وكان وليها ووارثها أولاده لم يكن لهم المطالبة له بالحد،
فإن كان لها أولاد من غيره أو وارث سوى أولادها ممن يشارك الأولاد في الميراث
كان لهم المطالبة بالحد على الكمال، ولا يسقط من حيث أن الأولاد ليس لهم أن
يطالبوا الأب بحقهم من الحد وكذلك لو عفا جميع الوراث إلا واحدا كان له المطالبة
بإقامة الحد على الكمال على ما حررناه فيما مضى وبيناه.
فإن انتفى من ولده كان عليه أن يلاعن أمه على ما بيناه في باب اللعان، فإن
انتفى منه بعد أن كان أقر به وجب عليه الحد وكذلك إن قذفها بعد انقضاء اللعان
كان عليه الحد.
وإذا تقاذف نفسان بما يجب فيه الحد سقط عنهما الحد وكان عليهما جميعا
التعزير لئلا يعود إلى مثل ذلك على ما رواه أصحابنا وأجمعوا عليه.
وإذا قال الانسان لغيره: يا قرنان أو كشحان أو يا ديوث، وكان متكلما باللغة
التي تفيد فيها هذه اللفظة رمى الانسان بزوجة أو أخت وكان عالما بمعنى اللفظة
290

عارفا بها كان عليه الحد كما لو صرح بالقذف بالزنى على ما بيناه، فإن لم يكن عارفا
بمعنى اللفظة لم يكن عليه حد القاذف ثم ينظر في عادته وعرفه في استعماله هذه
اللفظة فإن كان قبيحا غير أنه لا يفيد القذف أدب وعزر وإن كان يفيد غير القذف
وغير القبح في عرفه وعادته لم يكن عليه التعزير.
ومن قال لغيره: يا فاسق أو خائن أو يا سارق أو يا شارب خمر أو شيئا من
أسباب الفسق، وهو على ظاهر العدالة لم يكن عليه حد القاذف وكان عليه
التعزير.
وإذا قال له: أنت ولد حرام، فهو كقوله: أنت ولد زنى، وقد قدمنا أحكام
ذلك فلا وجه لإعادته إذ لا فرق بينهما في العرف وعادة الناس وما يريدونه بذلك.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: وإذا قال له: " أنت ولد حرام أو حملت بك
أمك في حيضها " لم يكن عليه حد الفرية وكان عليه التعزير، وما ذهبنا إليه
هو الظاهر في الاستعمال والمتعارف في هذه اللفظة فأما ما ذكره من قوله:
حملت بك أمك في حيضها، فر يجب به حد القذف بل فيه التعزير.
وشاهد الزور يجب عليه التعزير بما دون الحد وينبغي للسلطان أن يشهره في
المصر ليعرفه الناس فلا يسمع منه قول ولا يلتفت إليه في شهادة ويحذره المسلمون.
وقول القائل للمسلم: أنت خسيس أو وضيع أو رقيع أو نذل أو ساقط أو
بخيل أو نجس أو كلب أو خنزير أو حمار أو ثور أو مسخ وما أشبه ذلك، يوجب
التعزير والتأديب وليس فيه حد محدود، فإن كان المقول له بذلك مستحقا
للاستخفاف لضلاله عن الحق لم يجب على القائل له تأديب وكان باستخفافه به
مأجورا وقد قلنا: إن من قال لغيره: يا فاسق، وهو على ظاهر الاسلام والعدالة
وجب عليه التعزير فإن قال له ذلك وهو على ظاهر الفسق فقد صدق عليه
وأجزئ في استخفاف به والإهانة، فإن قال له: يا كافر، وهو على ظاهر الإيمان
ضرب ضربا وجيعا تعزيرا له بخطابه على ما قال فإن كان المقول به جاحدا لفريضة
عامة من فرائض الاسلام فقد أحسن المكفر له وأجر بالشهادة بترك الإيمان.
291

وإذا واجه الانسان غيره بكلام يحتمل السب له ويحتمل غيره من المعاني
والأغراض كان عليه الأدب بذلك إلا أن يعفو عنه الانسان المخاطب كما قدمناه.
ومن عير إنسانا بشئ من بلاء الله وأظهر عنه ما هو مستور من البلايا
والأمراض وجب عليه بذلك التأديب وإن كان محقا فيما قال لأذاه وإيلامه
المسلمين بما يشق عليهم ويؤلمهم من الكلام، فإن كان المعير بذلك ضالا كافرا
مخالفا لأهل الإيمان لم يستحق المعير له بذلك أدبا ولا عقوبة على كل حال، وكل
شئ يؤذي المسلمين من الكلام دون القذف بالزنى واللواط ففيه التعزير على ما يراه
سلطان الاسلام والمنصوب من قبل السلطان.
وقد روي أن رجلا قال لآخر: إني احتلمت البارحة في منامي بأمك،
فاستعدى عليه إلى أمير المؤمنين ع وطلب إقامة الحد عليه فقال له
أمير المؤمنين: إن شئت ضربت لك ظله ولكني أحسن أدبه لئلا يعود بعدها إلى أذى
المسلمين، ثم أوجعه ضربا على سبيل التعزير، ولم يرد أمير المؤمنين ع
بقوله: إن شئت ضربت لك ظله، أن ضرب الظل واجب أو شئ ينتفع به وإنما
أراد أن الحلم لا يجب به حد وحلم النائم في البطلان كضرب الظل الذي لا يصل
ألمه إلى الانسان فنبهه ع على تجاهله بالتماس الحدود على الحكم في المنام
وضرب له في فهم ما أراد تفهيمه إياه هذا المثال.
وإذا قذف ذمي ذميا بالزنى واللواط وترافعا إلى سلطان الاسلام أدب القاذف
ولم يجلده كحد قاذف أهل الاسلام، فإن تساب أهل الذمة بما سوى القذف بالزنى
واللواط مما يوجب فعله الحدود أدبوا على ذلك كما يؤدب أهل الاسلام، فإن
تسابوا بالكفر والضلال أو تنابزوا بالألقاب أو عير بعضهم بعضا بالبلايا لم يؤدب
أحد منهم على ذلك إلا أن يثمر فسادا في البلاد فيدبر أمرهم حينئذ بما يمنع من
الفساد، وإذا قامت البينة على انسان بأنه اغتاب مسلما أو نبزه بلقب مكروه أدب
على ذلك بما دون الحد، وإذا تساب الصبيان أدبوا على ذلك بما يردعهم من بعد عن
السباب.
292

قد قدمنا أن القذف بالزنى واللواط يوجب الحد على القاذف بهما بأي لسان
كان به قاذفا وبأي لغة قذف وافترى، وفي التعريض بالقذف دون التصريح به
التعزير دون الحد، وإذا تواضع أهل بلد أو لغة على لفظ يفيد ما أفاده القذف بالزنى
واللواط على التصريح فاستعمله انسان منهم كان قاذفا وجب عليه الحد تاما به
كما يجب على القاذف بالتصريح في اللغة العربية واللسان.
وقلنا: إذا قال الانسان لغيره: يا قرنان، وكان هذا اللفظ موضوعا بين أهل
الوقت أو الناحية على قذف الزوجة بالزنى حكم عليه بما يحكم على من قال
لصاحبه: زوجتك زانية، وكذلك إذا قال له: يا ديوث، وإذا قال له: يا كشحان،
وقصد بذلك على عرفه رمى أخته بالزنى كان قاذفا ووجب عليه له كما يجب عليه
إذا قال له: أختك زانية، فإن تلفظ بهذه الألفاظ من لا يعرف التواضع عليها لما
ذكرناه وكانت عنده موضوعة لغير ذلك من الأغراض لم يكن بها قاذفا ولم يجب
عليه بها حد المفتري ولكن ينظر في معناها على عادته، فإن كان جميلا حسنا من
القول عنده لم يكن بذلك عليه تبعة وإن كان قبيحا لا حقا بالسباب الذي لا يفيد
القذف بالزنى واللواط عزر عليها وأدب تأديبا يردعه عن العود إلى أذى المسلمين.
وقد قلنا: إن شهود الزور يعزرون ويشهرون في مصرهم وكيفية ذلك أن ينادى
عليهم في محلتهم أو قبيلتهم: هؤلاء شهود زور فاجتنبوهم واحذروهم، ويغرمون ما
شهدوا به إن كان قد أتلفوا بشهادتهم شيئا على ما بيناه في كتاب الشهادات.
وإذا قال الرجل لامرأته بعد ما دخل بها: لم أجدك عذراء، قاصدا وهنها كان
عليه بذلك التعزير. ومن هجا غيره من أهل الاسلام كان عليه بذلك التأديب، فإن
هجا أهل الحرب دون من بيننا وبينهم ذمة لم يكن عليه شئ على حال فإن حسان
بن ثابت أمره الرسول ع بهجاء مشركي قريش وقال ع: إنه شر
عليهم من النبل.
ومن سب رسول الله ص أو واحدا من الأئمة ع صار
دمه هدرا وحل لمن سمع ذلك منه قتله ما لم يخف على نفسه الضرر أو على غيره من
293

أهل الإيمان أو ماله، فإن خاف على نفسه أو على أحد من المؤمنين ضررا في الحال أو
في مستقبل الأوقات فلا يجوز له التعرض به على حال.
ومن ادعى أنه نبي حل دمه ووجب قتله، ومن قال: لا أدري النبي ص
صادق أم كاذب وأنا شاك في ذلك، وجب قتله إلا أن يقر به هذا في
حق من كان على ظاهر الاسلام.
ومن أفطر في شهر رمضان يوما متعمدا وجب عليه التعزير والعقوبة المردعة، فإن
أفطر ثلاثة أيام سئل هل عليك في ذلك شئ أم لا؟ فإن قال: لا، وجب قتله وإن
قال: نعم، زيد في عقوبته بما يرتدع معه عن مثله، فإن لم يرتدع وجب قتله وكذلك
تارك الصلاة عن غير عذر يعزر في أول دفعة وثاني دفعة ويقتل في الثالثة لقولهم ع:
أصحاب الكبائر يقتلون في الثوالث.
والمرتد عن الاسلام على ضربين: مرتد كان فيه على فطرة الاسلام فهذا يجب
قتله على كل حال من غير أن يستتاب ومرتد كان قد أسلم عن كفر ثم ارتد يجب أن
يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه، والمرتدة عن الاسلام لا يجب عليها القتل بل
ينبغي أن تحبس أبدا ويضيق عليها في المأكول والملبوس وتضرب في أوقات الصلوات
من أي الضربين كانت سواء كانت ارتدت عن فطرة الاسلام أو عن إسلام تعقبه
كفر.
وروي: أن من تزوج بأمة على حرة من غير إذنها فرق بينهما وكان عليه اثنا
عشر سوطا ونصف ثمن جلد الزاني، وكيفية ضرب نصف السوط أن يأخذ الجلاد
بنصف السوط ويضربه بالنصف الباقي في يده.
وروي: أن من أتى امرأته وهي حائض في قبلها كان عليه خمسة وعشرون سوطا
. ومن وطئ امرأته في شهر رمضان نهارا متعمدا كان عليه خمسة وعشرون سوطا
وعلى المرأة أيضا مثل ذلك إن طاوعته على ذلك، فإن كان أكرهها كان عليه خمسون
جلدة وعليه كفارة واحدة وعليها أيضا مثل ذلك إن كانت مختارة فإن كانت مكرهة
294

كان على الرجل كفارتان.
ومن قامت عليه البينة بالسحر وكان مسلما وجب عليه القتل، فإن كان كافرا
لم يكن عليه إلا التأديب والعقوبة المردعة لأن ما هو عليه من الكفر أعظم من
السحر، ولا حقيقة للسحر وإنما هو تخيل وشعبذة وعند بعض المخالفين أن له حقيقة
ولا خلاف بينهم أن تعليمه وتعلمه وفعله محرم لقوله تعالى: ولكن الشياطين
كفروا يعلمون الناس السحر، فذم على تعليم السحر.
وروي عن ابن عباس أنه قال: ليس منا من سحر أو سحر له وليس منا من
تكهن أو تكهن له وليس منا من تطير أو تطير له والرسول ما سحر عندنا، بلا
خلاف لقوله تعالى: والله يعصمك من الناس، وعند بعض المخالفين أنه سحر
وذلك بخلاف التنزيل المجيد.
التعريض بالقذف ليس بقذف مثل أن يقول: لست بزان ولا أمي زانية،
وكقوله: يا حلال بن الحلال، ونحو هذا كله ليس بقذف سواء كان هذا منه في
حال الرضا أو في حال الغضب.
والذي يضرب الحدود إذا زاد على المقدار المستحق وجب أن يستقاد منه،
والصبي والمملوك إذا أخطأ أدبا وضربا ضرب أدب ولا يزاد على عشرة أسواط،
وروي: أنه لا يزاد على خمس ضربات إلى ست.
وروي: أنه إن ضرب انسان عبده بما هو حد كان عليه أن يعتقه كفارة لفعله،
وذلك على الاستحباب دون الفرض والإيجاب.
وإذا قذف ذمي مسلما قتل لخروجه عن الذمة بسب أهل الإيمان، قد قلنا: إن
المعتبر في كنايات القذف عرف القاذف دون المقذوف، وقد قلنا: إنه إذا كانت
الولاية في القذف لاثنين فما زاد عليهما فلكل واحد منهما المطالبة بالحد، فإن أقيم
له سقط حق الباقين وإن عفا بعضهم سقط حقه وكان لمن لم يعف المطالبة بالحد
واستيفاؤه والعفو عنه، فإن مات المقذوف وليس له ولي فعلى سلطان الاسلام الأخذ
بحقه لأنه وليه ووارثه.
295

وتوبة القاذف قبل رفعه إلى الحاكم أو بعده لا يسقط عنه حد القذف سواء
قامت به عليه بينة أو كان قد أقر به دفعتين عندنا ولا يسقط ذلك إلا بعفو المقذوف
أو وليه ووراثه من ذوي الأنساب على ما قدمناه وحررناه.
والتعزير تأديب تعبد الله سبحان به لردع المعزر وغيره من المكلفين وهو
مستحق بكل إخلال بواجب وإتيان كل قبيح لم يرد الشرع بتوظيف الحد عليه،
وحكمه يلزم بإقرار مرتين أو شهادة عدلين فمن ذلك أن يخل ببعض الواجبات
العقلية كرد الوديعة وقضاء الدين أو الفرائض الشرعية كالصلاة والزكاة والصوم
والحج وغير ذلك من الواجبات والفرائض المبتدأة أو المسببة والمشترطة فيلزم سلطان
الاسلام أو نائبه تأديبه بما يردعه وغيره عن الإخلال بالواجب ويحمله وسواه على
فعله ومن ذلك أن يفعل بعض القبائح.
وحكم تعريض الواحد بالجماعة بما يوجب التعزير بلفظ واحد أو لكل منهم
بتعريض يخصه ما قدمناه في حكم القذف الصريح.
على ما اختاره شيخنا المفيد في مقنعته، والأولى عندي أن يعزر لكل واحد
منهم فإنه قد آلمه وحمل ذلك على القذف الصريح في الجماعة بكلمة واحدة
قياس لا نقول به وشيخنا أبو جعفر غير قائل بما قاله شيخنا المفيد في هذه
الفتيا.
وإذا قذف الانسان ولده أو عبده أو أمته عزر، ويعزر من سرق مالا يوجب
القطع لاختلال بعض الشرائط كسرقة العبد من سيده والولد من ولده ومن يجب
نفقته ممن يجب عليه والشريك من شريكه وما نقص عن ربع دينار إذا سرقه
السارق من حرز وما بلغ ربع دينار فما فوقه من غير حرز أو من حرز مأذون فيه أو
منه أو اختلس أو أسكر أو بنج أو مكر أو زور أو طفف في كيل.
ويعزر من أكل أو شرب أو باع أو ابتاع أو تعلم أو علم أو نظر أو سعى أو
بطش أو أصغى أو آجر أو استأجر أو أمر أو نهى على وجه يقبح، ومعظم هذا
قدمناه فيما مضى مجملا ومفصلا وأعدناه وزدنا عليه للبيان والإيضاح.
والتعزير لما يناسب القذف من التعريض والنبز والتلقيب من ثلاثة أسواط إلى
296

تسعة وسبعين سوطا، وكذلك ما يناسب حد الشرب من أكل الأشياء المحرمة
وشربها ولما يناسب الزنى واللواط من وطء البهائم والاستمناء بالأيدي ووجود
الرجل والمرأة لا عصمة بينهما في إزار واحد إلى غير ذلك من ضم أو تقبيل أو نظر
مكرر غير مباح، وكذلك حكم الرجلين في شعار واحد مجردين، وكذلك حكم
المرأتين والرجل والصبي مع الريبة على كل حال إلى غير ذلك من ضم وتقبيل.
ومن افتض بكرا بإصبعه ومالك الأمة إذا أكرهها على البغاء وما شاكل هذه
الأفاعيل مما يناسب الزنى واللواط من ثلاثة أسواط إلى تسعة وتسعين على ما قدمناه
وحررناه من قبل.
والذي يجب تحصيله في ذلك ويعتقد صحته أن الحاكم يعمل في ذلك ما
يرى فيه المصلحة للمكلفين ويعزر على كل قبيح من فعل قبيح أو ترك واجب ما لم
يبلغ أعلى الحدود وهو حد الزنى الذي هو مائة جلدة سواء كان ذلك مما يناسب
القذف وأشباهه أو ناسب الزنى وأشباهه لأن ذلك موكول إلى ما يراه الحاكم
صلاحا،
وإنما ذكرنا ما فصلناه أولا على ما لوح به شيخنا في مسائل خلافه ومبسوطه
وذلك فروع المخالفين وتخريجاتهم وأحد من أصحابنا ما تعرض لذلك
بتفصيل، والذي أعمل عليه وأفتى به أن التعزير إذا كان للأحرار فلا يبلغ به
أدنى حدودهم وهو تسعة وسبعون وإن كان في حق العبيد خمسون إلا واحدا لأن حده
في الزنى على النصف من حد الحر فليلحظ ذلك.
فصل في تنفيذ الأحكام وما يتعلق بذلك ممن له إقامة الحدود
والآداب:
المقصود في الأحكام المتعبد بها تنفيذها وصحة التنفيذ يفتقر إلى معرفة من
يصح حكمه ويمضي تنفيذه، فإذا ثبت ذلك فتنفيذ الأحكام الشرعية والحكم
بمقتضى التعبد فيها من فروض الأئمة ع المختصة بهم دون من عداهم
ممن لم يؤهلوا لذلك، فإن تعذر تنفيذها بهم ع وبالمأهول لها من قبلهم
لأحد الأسباب لم يجز لغير شيعتهم المنصوبين لذلك من قبلهم ع تولى
ذلك ولا
297

التحاكم إليه ولا التوصل بحكمه إلى الحق ولا تقليده الحكم مع الاختيار ولا لمن لم
يتكامل له شروط النائب عن الإمام ع في الحكم من شيعته وهي: العلم
بالحق في الحكم المردود إليه والتمكن من إمضائه على وجهه واجتماع العقل والرأي
والجزم والتحصيل وسعة الحلم والبصيرة بالوضع والتواتر بالفتيا والقيام بها وظهور
العدالة والتدين بالحكم والقوة على القيام به ووضعه مواضعه، ومنعنا عن صحة
الحكم لغير أهل الحق لضلالهم عنه وتعذر العلم عليهم بشئ منه لأجله وتدينهم
بالباطل وتنفيذه وفقد الإذن من ولي الحكم بالحق فيما يحكمون به منه وذلك
مقتض لاختلال معظم الشروط فيهم ولبعض ذلك حرم على من لم يتكامل شروط
الحكم فيه من أوليائهم النيابة في تنفيذ بعض الأحكام وتقليده ذلك والتحاكم إليه.
واعتبرنا العلم بالحكم لما بيناه من وقوف صحة الحكم على العلم لكون الحاكم
مخبرا بالحكم عن الله تعالى ونائبا في إلزامه عن رسول الله ص وقبح
الأمرين من دون العلم.
واعتبرنا التمكن من إمضائه على وجهه من حيث كان تقليد الحكم بين الناس
مع تعذر تنفيذ الحق يقتضي الحكم بالجور فيه مع كونه كذلك ينافي الحكم بغير علم.
واعتبرنا اجتماع العقل والرأي لشديد حاجة الحكم إليهما وتعذره صحيحا من
دونهما.
واعتبرنا سعة الحلم لتعرضه بالحكم بين الناس للبلوى بسفهائهم فيسعهم
بحلمه.
واعتبرنا البصيرة بالوضع من حيث كان الجهل بلغة المتحاكمين إليه يسد طريق
العلم بالحكم عنه ويمنع من وضعه موضعه.
واعتبرنا الورع من حيث كان انتفاؤه لا يؤمن معه الحيف في الحكم لعاجل
رجاء أو خوف من غيره سبحانه.
واعتبرنا الزهد لئلا تطمح نفسه ما لم يؤته الله تعالى فتبعثه ذلك على تناول
أموال الناس لقدرته عليها وانبساط يده بالحكم فيها.
298

واعتبرنا التدين من حيث كان تقليد الحكم رئاسة دنيوية أو الاستعلاء على النظراء
أو للمعيشة لا يؤمن معه جوره ولا يتقى ضرره.
واعتبرنا القوة وصدق العزيمة في تنفيذ الأحكام من حيث كان الضعف مانعا
من تنفيذ الحكم على موجبه ومقصرا بصاحبه عن القيام بالحق لصعوبته وعظيم
المشقة في تحمله، فمتى تكاملت هذه الشروط فقد أذن له في تقليد الحكم وإن كان
مقلده ظالما متغلبا.
وعليه متى عرض لذلك أن يتولاه لكون هذه الولاية أمرا بمعروف ونهيا عن
منكر تعين فرضهما بالتعريض للولاية عليه هو إن كان في الظاهر من قبل المتغلب
فهو في الحقيقة نائب عن ولي الأمر ع في الحكم ومأهول له لثبوت الإذن
منه ومن آبائه ع لمن كان بصفته في ذلك فلا يحل له القعود عنه، وإن لم
يقلد من هذه حاله النظر بين الناس فهو في الحقيقة ما هول لذلك بأن ولاة الأمر
ع، وإخوانه في الدين مأمورون بالتحاكم وحمل حقوق الأموال إليه
والتمكن من أنفسهم لحد أو تأديب تعين عليهم لا يحل لهم الرغبة عنه ولا الخروج
عن حكمه، وأهل الباطل محجوجون بوجود من هذه صفته ومكلفون الرجوع إليه
وإن جهلوا حقه لتمكنهم من العلم به لكون ذلك حكم الله سبحانه الذي تعبد
بقبوله وحظر خلافه، ولا يحل له مع الاختيار وحصول الأمن من معرة أهل الباطل
الامتناع من ذلك فمن رغب عنه ولم يقبل حكمه من الفريقين فعن دين الله
سبحانه رغب ولحكمه سبحانه رد ولرسول الله ص خالف الجاهلية ولحكم الجاهلية
ابتغى وإلى الطاغوت تحاكم.
وقد تناصرت الروايات عن الصادقين ع بمعاني ما ذكرناه فروي
عن أبي عبد الله ع أنه قال: أيما رجل كان بينه وبين أخ له مماراة في حق
فدعاه إلى رجل من إخوانه ليحكم بينه وبينه فأبى إلا أن يرافعه إلى هؤلاء كان
بمنزلة الذين قال الله عز وجل: أ لم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك
وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا
299

وعنه صلوات الله عليه أنه قال: إياكم أن يخاصم بعضكم بعضا إلى أهل
الجور ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئا من قضائنا فاجعلوه بينكم فإني قد
جعلته قاضيا فتحاكموا إليه.
وروي عن عمر بن حنظلة قال: سألت أبا عبد الله ع عن رجلين
من أصحابنا يكون بينهما منازعة في دين أو ميراث فيتحاكمان إلى السلطان وإلى
القضاة أ يحل ذلك؟ فقال: من تحاكم إلى الطاغوت فحكم له فإنما يأخذ سحتا وإن
كان حقه ثابتا لأنه أخذ بحكم الطاغوت وقد أمر الله عز وجل أن يكفر بها، قلت:
كيف يصنعان؟ قال: انظروا إلى من كان منكم قد روى حديثنا ونظر في حلالنا
وحرامنا وعرف أحكامنا فلترضوا به حكما فإني قد جعلته عليكم حاكما فإذا حكم
بحكمنا فلم يقبله منه فإنما بحكم الله استخف وعلينا رد والراد علينا كالراد علي
الله تعالى وهو على حد الشرك بالله.
واعلم أن فرض هذا التحاكم مشترط بوجود عارف من أهل الحق وكون
المتنازعين من أهله، فأما إن فقد العارف المحصل وكان الخصم الدافع للحق مخالفا
جاز التوصل بحكم المنصوب من قبل الظالمين إلى المستحق ولا يحل ذلك بين أهل
الحق مع وجود العارف المفتي، فإن فقد العارف بالحكم من إخوانهم في مصرهما
فليرحلا إليه أو يصطلحا.
وروي عن أمير المؤمنين ع أنه قال لشريح القاضي: قد جلست
مجلسا لا يجلسه إلا نبي أو وصي أو شقي، يعني ع بالشقي من جلس
بغير إذن من الله ورسوله وولي الأمر بعده لأن المأذون له في الحكم بحكم الله يحكم
فمجلسه للحكم مجلسهما.
وروي عن أبي جعفر ع أنه قال: الحكم الحكمان: حكم الله
وحكم الجاهلية، وقد قال الله تعالى: (ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون)،
وأشهد على زيد بن ثابت لقد حكم في الفرائض بحكم الجاهلية فمن أخطأ حكم
الله حكم
300

بحكم الجاهلية.
وروي عن أبي جعفر أيضا ع أنه قال: من أفتى الناس بغير علم
ولا هدى من الله لعنته ملائكة الرضا وملائكة العذاب ولحقه وزر من يعمل بفتياه.
وروي عن أبي عبد الله ع أنه قال: من أفتى في درهمين بغير ما
أنزل الله فهو كافر بالله العظيم وقد قال الله عز وجل: (من لم يحكم بما أنزل الله
فأولئك هم الكافرون، والفاسقون والظالمون).
وروي عن الرضا ع أنه قال: من أفتى في درهمين فأخطأ في
أحدهما كفر.
وروي عن الصادق جعفر بن محمد ع أنه قال: إذا كان الحاكم
يقول لمن عن يمينه وعن يساره، ما ترى ما تقول؟ فعلى ذلك لعنه الله والملائكة
والناس أجمعين ألا يقوم من مجلسه ويجلسهما مكانه فمقتضى هذا الحديث ظاهر
لأن الحاكم إذا كان مفتقرا إلى مسألة غيره كان جاهلا بالحكم، وقد بينا قبح الحكم
بغير علم وجواب من يسأله لا يقتضي حصول العلم له بالحكم بغير شبهة فلهذا
حقت عليه اللعنة ولأنه عند مخالفينا إن كان من أهل الاجتهاد فهو مستغن عن غيره
ولا يحل له تقليده وإن كان عاميا لم يحل له تقليد الحكم بين الناس فقد حقت لعنته
بإجماع إلا أن في المخالفين ما يجوز للقاضي أن يستفتي العلماء ويقضي بين الناس.
وروي عن أبي عبد الله ع أنه قال: القضاة أربعة: ثلاثة في النار
وواحد في الجنة رجل قضى بجور وهو يعلم أنه جور فهو في النار ورجل قضى بجور
وهو لا يعلم أنه جور فهو في النار ورجل قضي بالحق وهو لا يعلم أنه حق فهو في
النار ورجل قضى بالحق وهو يعلم أنه حق فهو في الجنة، وهذا صريح بوقوف
الحكم على العلم ووجوبه واستحقاق العالم به الثواب وفساده من دونه واستحقاق
الحاكم من دونه النار.
وقد تجاوز التحريم بالحكم بالجور والتحاكم إلى حكامه إلى تحريم مجالسة
أهله،
301

فروي عن محمد بن مسلم الثقفي أنه قال: مر بي الصادق جعفر بن محمد ع
وأنا جالس عند قاضي المدينة فدخلت عليه من الغد فقال لي: ما مجلس
رأيتك فيه بالأمس قلت: جعلت فداك أن هذا القاضي لي مكرم فربما جلست
إليه، فقال لي ع: وما يؤمنك أن تنزل اللعنة فتعم جميع من في المجلس،
فلفظ هذا الحديث ومعناه مطابق لما تقرر الشرع به من وجوب إنكار المنكر وقبح
الرضا به والحكم بالجور من أعظم المنكرات فمجالس الحكام به لغير الانكار
والتقية راض بما يجب إنكاره من الجور فاستحق اللعنة معا.
وإذا كانت هذه حال الجليس فحال الحاكم بالجور ومقلده النظر والتحاكم
إليه والأخذ بحكمه أغلظ لارتفاع الريب في رضا هؤلاء بالقبح، فإذا ثبت وتقرر
ذلك فإنه لا يصح الحكم إيجابا ولا حظرا ولا تمليكا ولا منعا ولا إلزاما ولا اسقاطا
ولا إمضاء ولا فسخا إلا عن علم بما يقتضي ذلك أو إقرار المدعي عليه أو ثبوت
البينة بالدعوى أو يمين المدعي عليه أو المدعي مع نكول المدعي عليه دون ما عدا
ذلك.
فإذا ثبت ذلك فعلم الحاكم بما يقتضي تنفيذ الحكم كاف في صحته ومغن
عن إقرار وبينة ويمين سواء علم ذلك في حال تقلد الحكم أو قبلها لسكون نفس
العالم إلى ما علمه في حال حكمه بمقتضاه سواء كان علمه حادثا في الحال أو باقيا
إليها أو متولدا عن أمثاله المعلومة المسطورة أو حادثا حالا بعد حال في كيفية التعلق
بالمعلوم على حد واحد وانتفاء الشبهة عنه في صحته وعدم السكون بصحة الدعوى
مع الإقرار أو البينة أو اليمين أو انتفاء الثقة بشئ من ذلك، وإنما يعلم الحاكم مع
الإقرار أو الشهادة أو اليمين صحة التنفيذ متى علم التعبد دون صدق المدعي مع
ذلك أو المدعي عليه مع يمينه وهو مع العلم عالم بالأمرين صدق المدعي في
الدعوى وصحة الحكم بها.
ولا شبهة على متأمل في أن الظن لا حكم له مع إمكان العلم فكيف بثبوته
وكيف يتوهم عاقل صحة الحكم مع ظن الصدق وفساده مع العلم به وهو يفرق
بين حالتي العالم والظان وأيضا فصحة العلم بالإقرار أو البينة أو اليمين فرع
للعلم
302

بالإقرار وقيام البينة وحصول اليمين وثبوت التعبد بالتنفيذ، فلو كان العلم
بصحة الدعوى أو الانكار غير متعبد به لم يصح حكم بإقرار ولا بينة ولا يمين
لوقوف صحته على العلم الذي لا يعتد به لأن العلم بالشئ إن اعتد به في موضع
فهذا حكمه في كل موضع، وإن أبقى حكمه في موضع فهذه حاله في كل وضع
وذلك خروج عن الحق جملة إذ لا برهان عليه هل يميز من الباطل غير العلم.
وأيضا فلو لم يلزم الحاكم الحكم بما علمه من غير توقيف على إقرار أو بينة أو
يمين لاقتضى ذلك الحكم بما يعلم خلافه إذا حصل به إقرار أو بينة أو يمين من
تسليم ما يجب المنع منه والمنع مما يجب تسليمه وقتل وقطع من علم عدم استحقاقه
لهما وإلحاق نسب من يعلم براءته منه إلى غير ذلك مما لا شبهة في فساده وأيضا فلو
لم يكن الحكم بالعلم معتبرا لم يصح للحاكم تنفيذ ما تقدم الإقرار به أو الشهادة
لزمان التنفيذ لأنه إن حكم في هذه الحالة فإنما يحكم لعلمه بماضي الإقرار والبينة،
فإذا كان الحكم بالعلم لا يصح لم يصح ههنا والمعلوم خلاف ذلك إذ لا فرق بين
أن يحكم للعلم بالإقرار والبينة وبين العلم بصحة الدعوى أو الانكار بل الثاني
أظهر وأيضا فلو كان المعتبر في الحكم بالإقرار والبينة وبين العلم بصحة الدعوى أو
الانكار بل الثاني أظهر وأيضا فلو كان المعتبر في الحكم بالإقرار والبينة واليمين دون
العلم لم يجز إبطال ذلك متى علم الحاكم كذب المقر أو الشهود أو الحالف والإجماع
بخلاف ذلك فثبت كون العلم أصلا في الأحكام وسقط قول من منع من تنفيذها
به، وليس لأحد أن يمنع من الحكم بالعلم لنهي عنه أو فقد تعبد بمقتضاه من يحث
كان ما قدمناه من الأدلة على صحة الحكم به وكونه غير مستند إلى علم أصلا فيها
وتعذر الحكم فيها من دونه مسقطا لهاتين الدعويين، وكيف يشتبه فسادهما على
عارف بالتكليف الموقوف صحته في الأصول والفروع على العلم وحصول اليقين
بفساد حكم الظن فيهما مع إمكان العلم وبالظن من تعذر العمل بالمظنون غير
مستند إلى علم وكيف يجتمع له اعتقاد ذلك مع علمه بصحة الحكم مع ظن
صدق المدعي أو المنكر ونفي الحكم مع العلم بصدق أحدهما لولا جهل الذاهب
إلى ذلك بمقتضى التكليف وطريق صحة العمل فيه وتعويله على استحسان فاسد
ورأي قابل
303

أو ليس العلم حاصلا لكل سامع للإخبار بإمضاء رسول الله ص
الحكم بالعلم لخزيمة بن ثابت الأنصاري وسماه لذلك ذا الشهادتين
وأيضا ما حكم به أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع في قضاء الأعرابي
والناقة لعلمهما بصدقه صلوات الله عليه وآله بالمعجز مع ما ينضاف إلى ذلك من
مشهور إنكار أمير المؤمنين ع على شريح القاضي لما طالبه بالبينة على ما
ادعاه ع في درع طلحة: ويلك أو ويحك خالفت السنة بمطالبة إمام
المسلمين ببينة وهو مؤتمن على أكثر من هذا، فأضاف الحكم بالعلم إلى السنة على
رؤوس الجمع من الصحابة والتابعين فلم ينكر عليه منكر، هذا مع ما تقدم من
رسول الله ص برهان واضح على جهل طالب البينة مع العلم وكونه
مقدما عليهما.
وليس للمخالف فيما نصرناه أن يمنع منه لظنه أن الحكم بالعلم يقتضي تهمة
الحاكم لأن ذلك رجوع عن مقتضى الأدلة استحسانا، ولا شبهة في فساده على أن
ذلك لو منع من الحكم بالعلم لمنع من الحكم بالشهادة والإقرار الماضيين إذ كان
الحكم في المجلس الثاني بالإقرار الحاصل في المجلس الأول أو البينة مستندا إلى
العلم، وإذا لم تمنع التهمة ههنا من الحكم بالعلم فكذلك هناك، وبعد فحسن
الظن بالحاكم المتكامل الشروط يقتضي البخوع لحكمه بالعلم ويمنع من تهمته
كالإقرار والبينة لولا ذلك لم يستقر له حكم ولم يسمع قوله: أقر عندي بكذا وقامت
البينة بكذا وثبت عندي بكذا وصح عندي، إلا أن يكون حصول الإقرار أو البينة
بمحضر من لا يجوز عليه الكذب وهذا يقتضي نقض نظام الأحكام بغير إشكال.
وإذا كان علمه بكون المدعي عليه مقرا أو مشهودا عليه أو له أو حالفا أو
محلوفا له موجبا عليه الحكم وإن لم يعلم ذلك أحد سواه ولا يحل له الامتناع لخوف
التهمة فكذلك يجب أن يحكم متى علم صدق المدعي أو المنكر بأحد أسباب العلم
من مشاهدة أو تواتر أو نص صادق أو ثبوت إمامة أو نبوة إلى غير ذلك من طرق
العلم لعدم الفرق بل ما نوزعنا فيه أولى.
304

فإن قيل: لو شاهد الإمام أو الحاكم رجلا يزني أو يلوط أو سمعه يقذف
غيره أو يقر بطلاق زوجته أو يظاهر منها أو يعتق عبده أو يبيع غيره شيئا أ كان يحكم
بعمله أم يبطل ذلك؟
قيل: إن كان ما علمه الإمام أو الحكام عقدا أو إيقاعا شرعيا حكم بعلمه،
وإن كان بخلاف ذلك لاختلال بعض الشروط كعلمه بغيره ناطقا بكنايات الطلاق
أو صريحة في الحيض أو بغير شهادة أو إظهار بغير لفظه أو بغير إشهاد عليه أو قصد
إليه إلى غير ذلك لم يحكم لفقد ما معه يصح الحكم من صحة العقد أو الإيقاع،
فأما ما يوجب الحدود فالصحيح من أقوال طائفتنا وذوي التحصيل من فقهاء
عصابتنا لا يفرقون بين الحدود وبين غيرها من الأحكام الشرعيات في أن للحاكم
النائب من قبل الإمام أن يحكم فيها بعلمه كما أن للإمام ذلك مثل ما سلف في
الأحكام التي هي غير الحدود لأن جميع ما دل هناك هو الدليل ههنا والمفرق بين
الأمرين مخالف مناقض في الأدلة.
وذهب بعض أصحابنا إلى: أن ما يوجب الحدود فإن كان العالم بما يوجبه
الإمام فعليه الحكم بعلمه لكونه معصوما مأمونا وإن كان غيره من الحكام الذين
يجوز عليهم الكذب لم يجز له الحكم بمقتضاه، وتمسك بأن قال: لأن إقامة الحد
أولا ليست من فروضه ولأنه بذلك شاهد على غيره بالزنى واللواط أو غيرهما وهو
واحد وشهادة الواحد بذلك قذف يوجب الحد وإن كان عالما يوضح ذلك أنه لو
علم ثلاثة نفر غيرهم زانيا لم يجز لهم الشهادة عليه فالواحد أحرى ألا يشهد عليه.
قال محمد بن إدريس مصنف هذا الكتاب: وما اخترناه أولا هو الذي تقتضيه
الأدلة وهو اختيار السيد المرتضى في انتصاره واختيار شيخنا أبي جعفر في
مسائل خلافه وغيرهما من الجلة المشيخة وما تمسك به المخالف لما اخترناه
فليس فيه ما يعتمد عليه ولا ما يستند إليه لأن جميع ما قاله وأورده يلزم في
الإمام مثله حرفا فحرفا، فأما قوله: إقامة الحدود ليست من فروضه، فعين
الخطأ المحصن عند جميع الأمة لأن الحكام جميعهم المعنيون بقوله تعالى:
والسارق والسارقة فاقطعوا
305

أيديهما، وكذلك قوله تعالى: الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة
جلدة، إلى غير ذلك من الآيات، وأيضا كان يؤدي إلى أن جميع الحكام في جميع
البلدان النواب عن رئيس الكل لا يقيم أحد منهم حدا في عمله بل ينفذ المحدود
إلى البلد الذي فيه الرئيس المعصوم ليقيم الحد عليه، وهذا خروج عن أقوال جميع
الأمة بل المعلوم الشائع المتواتر أن للحكام إقامة الحدود في البلد الذي كل واحد
منهم نائب فيه من غير توقف في ذلك.
306

الوسيلة إلى نيل الفضيلة
لعماد الدين أبي جعفر محمد بن علي بن حمزة الطوسي
المعروف بابن حمزة
307

كتاب الجنايات
الجنايات ضربان: جناية على الغير وجناية لا على الغير.
فالجناية على الغير أربعة أضرب: جناية على النفس أو على المال أو عليهما
معا أو على العرض، فالجناية على النفس ضربان: جناية على الانسان وجناية على
الحيوان، فالجناية على الانسان ضربان: جناية بالقتل وجناية بالجراح، والجناية على
الحيوان كذلك، والجناية على المال تكون بالسرقة أو ما في حكمه من نبش القبور
وأخذ الكفن، والجناية على النفس والمال معا جناية المحارب وقد ذكرنا حكمهما،
والجناية على العرض القذف والكلمة المؤذية.
والجناية التي لا تتعلق بالغير ضربان: شرب الأشربة المحظورة وعمل
الخبائث، فالأشربة ثلاثة: الخمر وكلما يسكر والفقاع، والخبائث أربعة: الزنى
واللوط والسحق والقيادة.
فصل في بيان ماهية الزنى وما يثبت به وما يلزم بسببه وأقسام الزنى:
الزنى الموجب للحد وطء الرجل الكامل البالغ امرأة في فرجها حراما من غير
عقد أو شبهة عقد أو شبهة نكاح، وفي الوطء في دبر المرأة قولان: أحدهما أن
يكون زنى وهو الأثبت والثاني أن يكون لواطا.
وشبهة العقد هي العقد على المرأة ممن تحرم عليه بالنسب أو الرضاع، أو على
امرأة ذات زوج مع فقد العلم بالحال وإن لم يعلم التحريم، أو على امرأة في عدة.
309

لزوج لها وسواء كانت عدة وفاة أو عدة طلاق بائن أو رجعي، أو عقد على
امرأة عقدا محرما أو تكون كلاهما محرمين، أو على امرأة تلوط بابنها
أو أخيها أو أبيها فأوقب، فإن عقد على إحدى هؤلاء غير عالم بالحال ووطئها اندرأ عنه الحد وإن
كانت محرمة عليه، فإن عرف الحال كان زانيا.
وشبهة النكاح هي أن يجد الرجل امرأة على فراشه وظنها زوجته أو أمته
فوطئها، فإن علم أحدهما أو كلاهما كان العالم زانيا، وإنما يثبت بأحد شيئين بالبينة
أو بإقرار الفاعل على نفسه، والبينة أربعة رجال من العدول وقيل: ثلاثة وامرأتان
أو رجلان وأربع نسوة، ويلزم بشهادة رجلين وأربع نسوة الحد دون الرجم.
وإنما تقبل البينة مع ثبوت العدالة بستة شروط: قيامها في مجلس واحد
واعتبار المشاهدة مثل الميل في المكحلة واتفاق معا في الشهادات في الرؤية والمكان
والوقت والتقيد بالوطئ في الفرج الحرام، فإن اختلفت الشهادات في الرؤية والمكان
والوقت والتقيد لم يثبت الزنى وتوجه الحد على الشهود، وإن شهدوا على اجتماعهما
في ملاة مع الملامسة والتصاق البشرة وجب التعزير دون الحد، ويدرأ الحد عنهما أو
عن المرأة بأحد خمسة أشياء: فإن زاد بعض الشهود وقال: أكرهها الرجل، واندرأ
الحد بذلك عن المرأة دون الرجل، وبادعاء الزوجية إذا لم يكن لها زوج ظاهر،
وبادعائها أنها بكر وقد شهدت لها أربع نسوة من المعدلات ولم يلزم الشهود حد
الفرية، وبتوبتهم قبل قيام البينة وبرجوع الشهود عن الشهادة أو بعضهم قبل إقامة
الحد. فإن كان زوجها أحد شهود البينة ولم يقذفها جاز، فإن قذفها لم يجز ولزم
الحد الثلاثة وأسقط الحد عن الزوج باللعان إن شاء.
وأما ثبوته بإقرار العاقل فيصح بأربعة شروط: بإقرار الفاعل أربع مرات في
مجالس متفرقات وكونه عاقلا كاملا مختارا، فإن رجع قبل أن يتم أربعا سقط
ويستحب للحاكم التعريض إليه بالرجوع، وإن رجع بعد الأربع لم يسقط إن كان
موجبه الجلد ويسقط إن كان موجبة القتل، ويجوز للإمام إقامة الحد إذا شاهد من
غير إقامة بينة وإقرار من الفاعل وإن كان متعلقا بحقوق الناس لم يجز له ذلك إلا
310

بعد مطالبة صاحب الحق باستيفاء حقه.
وأما الزنى فضربان: أحدهما يستوي فيه الإحصان وفقده والآخر لا يستويان
فيه.
فما يستويان يكون موجبه القتل وهو خمسة مواضع: الزنى بزوجة الأب
وبجاريته التي وطئها، أو قهر المرأة على مراحبها ويسقط عنها الحد، وزنى الذمي
بالمسلمة، ووطء كل ذات محرم مع العلم بأنها ذات محرم بعقد كان أو بابتياع على
اختلاف أحوال الوطء.
وما لا يستويان فيه أربعة أضرب: أحدهما موجبه الجلد ثم الرجم وهو زنى
الشيخ والشيخة بعد الإحصان، وثانيهما موجبه الرجم دون الجلد وهو زنى كل
محصن سواهما، وثالثهما موجبه الجلد ثم النفي بعد جز الناصية وهو من زنى بعد أن
عقد على امرأة عقدا شرعيا دائما ولم يدخل بها، ورابعها موجبه الجلد وحده وهو
زنى غير محصن ولا مملك.
وليس على النساء جز الناصية ولا النفي - وهو التغريب سنة عن البلد الذي
هو فيه - وإذا تكرر الزنى ولم يجلد بعد كل مرة لم يلزم غير حد واحد فإن جلد بعد
كل مرة قتل في الرابعة، وحد المملوك على النصف من حد الحر و يقتل في الثامنة
وقيل: في التاسعة، محصنا وغير محصن، والمدبر والمكاتب المشروط عليه حكمه.
والمكاتب المطلق يحد حد الحر بقدر ما تحرر منه وحده العبد بقدر ما رق،
فإن زنى في مكان شريف عزر مع الحد وإن زنى في وقت شريف غلظ عليه
العقوبة.
ومن افتض بكرا حرة بإصبعه لزمه مهر المثل وعزر من ثلاثين سوطا إلى
تسعة وتسعين، وإن افتض أمة غيره بالإصبع لزمه عشر قيمتها والتعزير، وحكم
وطء المرأة في الدبر مثل وطئها في القبل.
وأما الحد في الزنى فعلى خمسة أضرب: قتل، ورجم وجلد، ثم رجم،
وجلد، وتعزير. فمن وجب عليه القتل أمر بالاغتسال والتكفين وقتل بالسيف وإن
رأى الإمام الرجم جاز، وإذا قتل صلى عليه ودفن.
311

وإن وجب عليه الرجم باعترافه وكان في زمان معتدل في غير حرم الله تعالى
وحرم رسوله يحفر له حفيرة ورجم، ويعتبر في الرجم أربعة أشياء: الرجم بصغار
الأحجار والرمي من خلفه وإن لا يضرب على رأسه ولا على وجهه، فإن فر بعد ما
مسته الحجارة لم يرد.
وإن وجب عليه الحد بالبينة حفر هل حفيرة ودفن فيها إلى حقويه إن كان
رجلا وإلى صدرها إن كانت امرأة ورجم في حال الحر والبرد، فإن فر رد على كل
حال.
ويعتبر وقت إقامة الحد أربعة أشياء: إحضار طائفة من خيار الناس، وأن لا
يرميه من كان لله تعالى في جنبه حد مثله، وأن يرميه الإمام أولا إن ثبت بالاعتراف
والشهود إن ثبت بالنية، ولا يجوز إقامة الحد على المرأة حتى تضع ما في بطنها.
ومن يجب عليهم الحد سبعة نفر: رجل صحيح قوي وضعيف نضو الخلقة
ومريض ثقل مرضه وخفيف المرض وامرأة حامل وحائل ومستحاضة وغير
مستحاضة، فإن وجب عليه القتل أو الرجم أقيم عليه على كل حال إلا في أرض
العدو أو في الحرمين إذا التجأ إلى أحدهما بعد ما فعل، فإن فعل في الحرم أقيم
عليه الحد فيه، وإن وجب عليه الحد لم يقم عليه في حر شديد ولا برد شديد بل
أقيم عليه في الزمان المعتدل.
فإن كان صحيحا قويا أقيم عليه الحد كما وجد على هيئة عاريا كان أو
كاسيا، وإن كان نضو الخلقة ضعيفا معصوبا جلد بعذق فيه مائة شمراخ مرة
واحدة أو بضغث فيه مائة من الخشب أو النبات، وإن كان ثقيل المرض فكذلك،
وإن كان خفيف المرض أخر حتى يبرأ، والحامل إذا وضعت مولودا وكان ضعيفة
أخرت حتى قويت وإن كانت قوية جلدت غير مكشوفة، وإن كانت مستحاضة أخر
الحد إلى أن تطهر، وغير المستحاضة لا تؤخر.
والضرب يجب أن يكون أشد الضرب للقوي ويفرق على جميع جسده دون
رأسه ووجه وفرجه، قائما للرجل وجالسة للمرأة مربوطا عليها ثيابها لئلا تهتك
وفي.
312

بيتها إن كانت مخدرة.
وإذا وجب الجلد والرجم بدئ بالجلد وإن وجب القطع معهما بدئ بالجلد ثم
القطع ثم الرجم، ولا يوالي بين الحدود إذا اجتمعت، وإذا أقيم حد ترك حتى يبرأ
ثم أقيم الآخر، ولا يسقط الحد باختلاط العقل بعد الوجوب، ويلزم التأديب
بتقبيل الأجنبي، ولا يضمن الجلاد إن هلك المجلود إلا بالتفريط.
وحد المملوك وتعزيره على النصف من حد الحر وتعزيره.
فصل في بيان أحكام اللواط:
اللواط الفجور بالذكران، ولم يخل: إما تلوط بغيره على الإكراه أو مختارا،
فالأول يغلظ فيه العقوبة والثاني لم يخل: إما أوقب أو لم يوقب.
فإن أوقب وكان عاقلا لزمه الحد كاملا سواء تلوط بعاقل أو مجنون أو صبي أو
مملوك له أو لغيره، فإن تلوط مجنون فكذلك، وإن تلوط صبي أدب، وإن تلوط عبد
بسيده أو بغيره حد أيضا ويحد البالغ تاما إذا كان عاقلا والمفعول به إذا لم يكن
مجنونا ولا صبيا فإن الصبي والمجنون يؤدبان إذا كانا مفعولا بهما، ويحد المجنون
ويؤدب الصبي فاعلين، والعبد إذا تلوط به مولاه وادعى الإكراه درئ عنه الحد.
وإن لم يوقب لم يخل من ثلاثة أوجه: إما كانا معا محصنين أو غير محصنين أو
كان أحدهما محصنا والآخر غير محصن، فإذا كانا محصنين رجما وإن لم يكونا
محصنين جلد كل واحد منهما مائة جلدة وإن كان أحدهما محصنا والآخر غير محصن
رجم المحصن وجلد غير المحصن.
وإن تلوط كافر بمسلم أقيم عليه حد الاسلام، وإن تلوط كافر بكافر أو مسلم
بكافر أقيم على المسلم حد الاسلام والحاكم بالخيار في الكافر إن شاء أقام عليه حد
الاسلام وإن شاء دفعه إلى أهل نحلته ليحكموا فيه بحكمهم.
وإن نام رجلان أو رجل وغلام وهما مجردان في إزار واحد من غير فعل عزر
الرجل وأدب الغلام، فإن عادا ثلاثا وعزرا بعد كل مرة قتلا في الرابعة.
313

والحر والعبد والمحصن وغير المحصن والعاقل والمجنون إذا كان فاعلا وأوقبوا
سواء في استحقاق الحد، واللوط يثبت بمثل ما يثبت به الزنى من البينة والإقرار على
الوجوه المذكورة على سواء، وحد المفعول به إذا كان عاقلا مثل حد الفاعل، ومن
قبل غلاما عزر فإن كان الغلام محرما له غلظ التعزير.
فصل في بيان أحكام السحق:
إنما يثبت السحق بالبينة أو الإقرار على حد ثبوت الزنى واللواط بهما، والحد
فيه مثل الحد في الزنى، ويعتبر فيه الإحصان وفقده على حد اعتبارهما في الزنى،
وحكم اختلاف المتساحقتين من العقل والجنون والبلوغ والطفولة والحرية والأموة
على حد اختلاف من تلوط بغيره في لزوم الحد أو التأديب.
فصل في بيان حد القيادة:
القيادة الجمع بين الفاجرين للفجور والحد فيها ثلاثة أرباع حد الزنى، فإن
كان الجامع بينهما رجلا زيد له حلق الرأس والإشهار به في البلد، فإن عاد ثانية
أعيد الحد عليه ونفي من بلده إلى بلد آخر وليس على النساء حلق ولا نفي ولا
إشهار، ويثبت بشاهدين أو بإقراره، وفي الرمي بها التعزير دون الحد في الفرية.
فصل في بيان الحد على وطء الميت والبهيمة والاستمناء باليد:
الموطوء ميتا امرأة وغلام، وامرأة أجنبية وغير أجنبية.
فإن وطئ الرجل ميتة أجنبية لزمه حد الزنى مغلظا لانتهاكه حرمة الأموات
وغير الأجنبية إذا كانت زوجته أو أمته فيه التعزير، وحد العبد على النصف من حد
الحر والحرة والأمة والمسلمة والذمية سواء.
وإن وطئ غلاما ميتا كان بمنزلة اللواط، ويثبت بشاهدين وبإقرار الفاعل
مرتين وإن وطئ بهيمة له ولم يؤكل لحمها أخرجت من البلد إلى آخر وبيعت فيها.
314

وتصدق بثمنها وإن كانت لغيره فكذلك إلا أن ثمنها لمالكها، وإن كانت
مأكولة اللحم فقد ذكرنا حكمها في كتاب المباحات، ولا تقبل شهادة النساء في
ذلك ولزم فاعله التعزير إن كان عاقلا والتأديب إن كان صبيا أو مجنونا.
ومن استمنى بيده عزر بما دون التعزير في الفجور أو ضربت يده بالدرة حتى
تحمر، وإذا عزر في ذلك ثلاث مرات قتل في الرابعة.
فصل في بيان الحد على شرب الخمر وسائر المسكرات وشرب الفقاع
وغير ذلك من الأشربة المحظورة:
كلما يسكر كثيره قليله وكثيره حرام، والمسكر خمر وغير خمر، فالخمر المتخذة
من عصير العنب نية كانت أو مطبوخة وغير الخمر جميع أنواع النبيذ، وكل طعام
فيه خمر فهو حرام ويلزم بأكله الحد على حد شرب الخمر.
وشارب الخمر ضربان: مسلم وكافر، فالمسلم ضربان: إما يشربها مستحلا لها أو غير مستحل.
فإن شربها مستحلا لها فقد ارتد ووجب قتله إلا أن يتوب وعلى الإمام أن
يستتيبه، فإن شربها غير مستحل كان عليه الحد ثمانون جلدة والحر والعبد والرجل
والمرأة فيها سواء، فإن تكرر منه شربها تكرر فيه الحد إذا حد لكل مرة وإن لم يحد
لم يلزم غير حد واحد، وإن ادعى شاربها فقد العلم بتحريمه وكان ممن يسع منه
ذلك يؤدى عليه.
فإن شهد أحد عليه بأنه عرفه تحريمها أقيم عليه الحد ويثبت ذلك بشهادة
عدلين أو بإقرار مرتين، وإن شهد أحد بشرب الخمر وآخر بأنه قاءها وأمكن أن
يكون القئ عرق منها أو شهدا بأنه قاء أو بأنهما رأياه سكران أو أخذ سكران قبلت
شهادتهما، ولزم على شاربها في الثالثة القتل إذا حد مرتين وقيل: في الرابعة.
فإذا تاب من شربها كان حكمها حكم التوبة من الزنى في سقوط الحد وغيره
والتعزير فيه بما دون الثمانين الصبي والمجنون يلزمها التأديب، وإذا حد حد
315

عاريا مستور العورة إن كان رجلا وفرقت الجلدات على ظهره وكتفه، فإن كان
المحدود امرأة لم يخل: إما كانت حاملا أو حائلا، فإن كانت حاملا تركت حتى
تضع حملها وتطهر من النفاس وإن كانت حائلا غير مريضة حدت غير منكشفة ويلزم
إقامة الحد على البدار.
فإن شربها كافر وظهر بشربه للمسلمين حد وإن لم يظهر لم يحد.
وغير الخمر من المسكرات فإن شربه مستحلا لم يرتد على استحلاله وحد لشربه
بعد استتابة الحاكم إياه فإن لم يتب كان في حكم المرتد، وإن شربه غير مستحل
لزمه الحد.
والتصرف في المسكرات بالمشاراة وعلاجها واتخاذها واتخاذ الأدوية المعجونة
بها لم يخل: إما تصرف فيه مستحلا أو غير مستحل، فالأول يستتاب فإن تاب
وإلا قتل والثاني ينهى عنه فإن انتهى وإلا أدب، فإن عاد وأدب ثلاث مرات قتل
في الرابعة.
والفقاع في حكم الخمر في التحريم والنجاسة ووجوب الحد أو التعزير أو
التأديب على شربه.
ومن يستحل شيئا من المحرمات وهو مولود على فطرة الاسلام فقد ارتد ولزم
قتله، فإن شرب أو أكل غير مستحل عزر، فإن عاد غلظ عليه العقوبة، فإن تكرر
منه قتل عبرة لغيره.
فصل في بيان السرقة وأحكامها وبيان إقامة الحد عليها:
السارق من أخذ مال الغير من حرز مثله مستخفيا، وإنما يجب فيها القطع
بتسعة شروط: كونه كامل العقل، غير مشتبه عليه بوجه، وأن يخرج المال من حرز
مثله، وأن يكون مقدار ربع دينار فصاعدا أو في قدر قيمته، وأن يخرج دفعة واحدة،
وأن يأخذ مستخفيا، وأن لا يكون له، ولا في حكمه، ولا يكون ضيفا في دار من
له المال إلا إذا كان البيت الذي فيه المال محروزا.
316

والسارق أربعة أضرب: حر بالغ عاقل وعبد كذلك وصبي ومجنون.
فالحر البالغ العاقل إذا سرق من حر مثله ما قيمته أو عينه ربع دينار وأخرج
دفعة واحدة مستخفيا - إلا إذا كان طعاما في عام المجاعة - ولم يشتبه عليه ولم
تكن السرقة عين ماله ولا في حكمه ولم يسرق من مال من هو في بيته ضيفا باذنه
من بيت محرز وشهد عليه عدلان أو أقر على نفسه بذلك طائعا مرتين وجب عليه
القطع.
والعبد لا تتوجه إليه السرقة إلا بالبينة دون إقراره، فإذا ثبت عليه وجب عليه
القطع.
والصبي أو المجنون إذا سرق يلزمه التأديب، فأما الصبي فله خمسة أوجه: فإذا
سرق أول مرة عفي عنه فإن عاد ثانيا أدب فإن عاد ثالثة حكت أصابعه حتى
تدمى فإن عاد رابعا قطعت أنامله فإن عاد خامسا قطع، وإقرار المجنون لا يثبت
به شئ.
وإن نبش قبرا وأخذ كفن الميت وكان قيمته نصابا لزم القطع، وإن دفن فيه
مالا وسرق لم يلزم القطع لأن القبر حرز الكفن دون المال فإن كفن الميت بما لا
يجوز التكفين به أو بما زاد على السنة وسرق الزائد لم يلزم به القطع.
والحرز كل موضع لا يجوز لغير مالكه أو المتصرف له الدخول بغير إذنه وكان
مغلقا أو مقفلا.
وإن سرق مرة ما قيمته أقل من ربع دينار حال السرقة لم يلزم القطع وإن توالى
منه، وإن نقب موضعا وأخذ المتاع ولفه ووضع داخل الحرز على ثقبة النقب ومد
غيره يده إليه لم يلزمهما القطع، وإن سرق عام المجاعة من الحرز ما قيمته نصاب أو
أكثر من الطعام دون غيره لم يلزمه القطع، وإن غصبه أحد مالا ووضع في حرزه
فدخل المغصوب منه حرزه مستخفيا وأخرج عين ماله لم يلزمه شئ، وإن سرق
الرجل مال ولده وولد ولده لم يلزمه شئ لأن مال ولده في حكم ماله، وإن أخذ
مالا غير مستحق كان سالبا أو غاصبا ولم يكن سارقا.
317

وإن طر جيب القميص الداخل وذهب بالمال كان سارقا، وإن طر جيب
القميص الخارج أو أخذ المال أو من الكم الخارج ولم يكن صاحب القميص
اضطبعه لم يكن سارقا وإن اضطبعه كان سارقا.
وإن أخذ الثمرة من رأس الشجرة لم يكن سارقا، وإن قطعت ووضعت على
الأرض وأحرزت بحرز مثله وسرقها كان سارقا.
وإن توالى منه السرقة وشهدت البينة عليه بالجميع دفعة لم يجب عليه غير
قطع اليد، فإن شهدت عليه بسرقة واحدة وسكتت حتى قطعت يده ثم شهدت
عليه بأخرى فقطعت ثانيا، فإن تاب قبل قيام البينة عليه أو بعده فحكمه في القطع
على ما ذكرنا في باب الزنى في الحد، فأما المال فيلزمه رده على كل حال قطع أو لم
يقطع.
والسرقة حق لله تعالى من وجه وحق الناس من وجه، ويثبت من جهة
القطع بشاهدين أو إقراره مرتين ومن جهة الرد بشاهد ويمين أو إقراره مرة.
وإن سرق اثنان نصابا قطعا، فإن كان كل واحد منهما تفرد بشئ آخر لم
يقطع إذا لم يسرق مقدار نصاب.
والقطع على ستة أوجه:
أحدها: أن يكون السارق يده صحيحة وتقطع من أصول أصابعه من اليد
اليمنى.
وثانيها: أن تكون يده شلاء، ويقول أهل العلم بالطب: إنها تندمل بعد
القطع، وحكمها حكم اليد الصحيحة.
وثالثها: أن تكون يمينه شلاء، فإن قطعت بقيت أفواه المجسة منفتحة وينتقل
القطع إلى الرجل اليسرى.
ورابعها: أن تكون يمينه مقطوعة، فإن قطعت قصاصا قطعت يساره وإن
قطعت في السرقة قطع رجله اليسرى.
وخامسها: أن يكون صحيح اليمين إذا سرق فذهبت بعد ذلك بآفة ويسقط
عنه
318

القطع.
وسادسها: أن يعد السارق ويسرق بعد أن قطع يمينه ويلزم قطع رجله
اليسرى من الثاني في ظهر القدم ويترك العقب، وإن عاد السارق ثالثا خلد في
السجن فإن سرق في السجن قتل، وسنة القطع أن تعلق يده المقطوعة ساعة في
عنقه للاعتبار، وإن سرى القطع إلى النفس لم يلزم شئ.
فصل في بيان الحد في الفرية وما يوجب التعزير:
من قذف غيره لم يخل: إما قذف زوجته - وقد ذكرنا ذلك في اللعان - أو
قذف غيرها، والذي قذف غير زوجته خمسة أضرب: مسلم بالغ وعبد وصبي
ومجنون وكافر، فالحر المسلم البالغ العاقل لم يخل من خمسة أو
جه: إما قذف مثله أو قذف عبدا أو صبيا أو مجنونا أو كافرا، فإن قذف مثله لم يخل من ثمانية أضرب: إما
قذفه بما هو المقذوف به، أو غيره أو قذف جماعة بلفظة واحدة، أو قذف واحدا
بلفظ واحد، أو قذفه بأكثر من واحد، أو تكرر منه بلفظ القذف على التوالي، أو
تكرر منه اللفظ على التراخي، أو قذفه منسوبا إلى الغير.
فإن قذفه بلفظة القذف عارفا بها وبموضوعها وفائدتها وكان المقذوف بها من
خاطبه ويكون محصنا لزمه الحد وكان للمقذوف به المطالبة به والعفو عنه، وإن لم
يطالب به ولم يعف عنه لم يقم عليه الحد وبقي في ذمته، والمحصن من اجتمع فيه
خمس خصال: البلوغ والعقل والحرية والإسلام والعفة، وإن كان غير محصن عزر
ولم يحد.
وإن قذف بما المقذوف به غيره لم يخل: إما كان الغير حيا أو ميتا، فإن كان
حيا كان إليه المطالبة والعفو وإن كان ميتا وكان المخاطب به وليه وحده والمقذوف
قد كان محصنا حال حياته كان إليه المطالبة به والعفو وإن لم يكن محصنا كان له
المطالبة بالتعزير والعفو عنه، وإن كان معه غيره كان لكل واحد المطالبة والعفو فإن
استوفى واحد سقط عن الآخر وإن عفا واحد لم يسقط حق الآخر.
319

من الاستيفاء، فإن كان المقذوف أحد الزوجين لم يكن للآخر في الطلب
والعفو حظ.
وإن قذف جماعة بلفظة واحدة وطالبوه دفعة واحدة بعد إقامة البينة لزمه حد
واحد للجميع، وأن طالبه واحد بعد واحد لزمه لكل واحد حد.
وإن قذفه بأكثر من قذف واحد لزمه حد لكل قذف، وإن قذف واحدا مرة
بعد أخرى متواليا أو متراخيا لم يلزمه غير حد إذا لم يحد للسابق، وإن قذفه منسوبا
إلى غيره لزم عليه حد للمقذوف وحد للمنسوب إليه إن كان كلاهما محصنا وإن لم
يكونا محصنين لزم لكل واحد تعزير.
وإن قذف عبدا أو صبيا أو مجنونا من أهل الاسلام عزر، وأن قذف كافرا
وكان ذميا عزر وإن كان حربيا لم يلزمه شئ، وإن قذف مكاتبا مطلقا حد حد من
قذف حرا بالحساب وعزر بحساب الرق.
وأما العبد فإن قذف محصنا حد وإن قذف غير محصن أو صبيا أو مجنونا أو
ذميا عزر وإن قذف صبي أو مجنون عزر، وإذا تقاذف الصبيان والمجانين والعبيد
عزروا، وإن قذف كافر مسلما قتل وإن قذف مثله كان للحاكم الخيار بين إقامة حد
الاسلام عليه وبين رده إلى أهل نحلته ليحكموا عليه.
وإذا تقاذف شخصان عزرا وإذا قذف بالصريح راضيا أو غضبان لزمه الحد
وكذلك حكم الكناية المفيدة لذلك إذا كان عارفا بها وبفائدتها، وإن عرض بالقذف
لزمه التعزير ولا يختلف الحكم باختلاف اللغات.
ومن رمى غيره بكلام موحش لم يخل من أربعة أوجه: إما يلزمه القتل أو
الحد أو التعزير أو لا يلزمه شئ.
فالأول من يسب النبي ص أو واحدا من الأئمة ع،
والكافر إذا سب مسلما:
والثاني في كل مسلم بالغ عاقل يقذف محصنا.
والثالث سبعة نفر: من قذف الصبيان والمماليك والمجانين وأهل الذمة وغير
320

المحصن والصبي إذا قذف واحدا من المسلمين أو من هو في حكمهم والمجنون.
والرابع من قذف متظاهرا بالفسق أو كافرا.
ومن قال كلمة مؤذية غير مفيدة للقذف لمسلم أو نبزه بلقب وكرهه أو اغتابه
وكان محصنا عزر وإن كان غير محصن لم يلزمه شئ، وإن رماه مواجها بكلمة
تحتمل السب وغيره عزر، وإن رماه بشئ من بلاء الله وأظهر عليه ما هو مستور من
بلاء الله عزر - وشرح ذلك كثير لا يحتمله كتابنا - والحد في القذف ثمانون
وبالتوبة لا يسقط، والتعزير ما بين العشرة إلى العشرين ويجلد من فوق ثيابه وهو
أهون من الجلد في الزنى وشرب الخمر.
فصل في بيان أحكام المختلس والنباش والمحتال والمفسد والخناق والمبنج:
المختلس من يسلب الشئ ظاهرا، فإن أظهر السلاح فهو محارب وإن لم يظهر
استحق العقوبة الرادعة دون القتل والقطع.
والنباش من يشق القبور، فإن نبش قبرا ولم يأخذ شيئا عزر أخرج الكفن إلى
ظاهر القبر أو لم يخرج، فإن أخرج من القبر ما قيمته نصاب قطع، فإن فعل ثلاث
مرات وفات فإذا ظفر به بعد الثلاث كان الإمام فيه بالخيار بين العقوبة والقطع
وإن عزر ثلاث مرات قتل في الرابعة.
والمحتال من يذهب بأموال الناس مكرا وخداعا وتزويرا أو شاهدا بالزور
وبالرسالة الكاذبة، يلزمه التأديب والعقوبة الرادعة والتعزير وأن يشهر بالعقوبة،
والمدلس في السلع والأموال في حكمه.
والمفسد المحارب والطرار وقد ذكرنا حكمهما، ومن سرق الحر فباعه وجب
عليه القطع.
والخناق من يأخذ بحبل أو بالمخنق أو غيره أو يضع مخدة على فم غيره لم يخل
من أربعة أوجه: إما يموت المخنوق في الحال أو بعده أو لا يموت أو يذهب بالمال.
فإن مات المخنوق في الحال أقيد منه، وإن ذهب بالمال من حرز مختفيا قطع ثم
321

قتل، وإن أشهر السلاح فهو محارب وإن لم يشهر السلاح ولم يمت في الحال
ثم مات بعد مدة يموت فيه غالبا أقيد منه، وإن لم يمت فيها غالبا لزمه دية عمد،
الخطأ وإن أرسله قبل أن يموت ثم مات قبل أن يبرأ وجب القصاص وإن برئ ثم
مات عزر.
والمبنج ومن يسقي غيره شيئا مما يذهب بالعقل فهو ضامن لجناية يده من
نقصان العقل والحواس والجسم ويلزمه التعزير، وإن أخذ شيئا من الحرز مقدار
نصاب مستخفيا قطع بعد ما استرد منه.
فصل في بيان أحكام المرتد والساحر وغيرهما:
المرتد عن الاسلام ضربان: مولود على فطرة الاسلام وغير مولود عليها.
فالأول لا يقبل منه الاسلام ويقتل إذا ظفر به وتبين منه زوجته بنفس
الارتداد وتلزمها العدة إن دخلت ويصير ماله ميراثا لورثته المسلمة.
والثاني تقبل منه التوبة ويجب استتابته، فإن تاب قبل منه وتبين منه زوجته
التي لم يدخل بها في الحال والتي دخل بها كان نكاحه موقوفا، فإن تاب قبل انقضاء
العدة فهو أحق بها وإن لم يتب منه بانقضاء العدة وأما ماله فمراعى حتى يتوب أو
يقتل أو يلحق بدار الحرب، فإن تاب فهو له وإن قتل أو لحق بدار الحرب فهو
لورثته - ويتعلق بماله نفقة من يجب عليه نفقته قبل أن يصير لورثته - وإن قتله
انسان قبل اللحوق بدار الحرب عزر وأما ولده فهو في حكم المسلمين، فإن بلغ ولم
يقر بالإسلام فهو عليه إن كان مولودا على الفطرة فإن امتنع قتل وإن حملت امرأته
مسلمة في حال كفره فكذلك وإن كانت كافرة كان ولده كافرا.
فأما المرأة إذا ارتدت فلم يلزمها القتل بل حبست حتى تموت وضربت في
وقت كل صلاة، فإن لحقت بدار الحرب وظفر بها سبيت واسترقت.
وأما الساحر فإن كان مسلما وقامت عليه به بينة قتل وإن كان كافرا عوقب
عليه، ومن تنبأ حل دمه، ومن شك بعد الإقرار في صدق النبي ص
322

أو قال: ما أدري أ هو صادق أم كاذب، حل دمه.
ومن أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا من غير عذر عزر، فإن أفطر ثلاثة أيام
سئل هل عليه صومه؟ فإن أنعم غلظ عليه العقوبة، فإن ارتدع وإلا قتل وإن أنكر
وجوب الصوم ولم يتب قتل.
وإن جامع زوجته في نهار شهر رمضان فإن طاوعته لزم مع الكفارة كل واحد
منهما خمسة وعشرون سوطا، فإن أكرهها وجب عليه جلد خمسين.
فصل في بيان من يفعل فعلا يهلك بسببه انسان أو حيوان أو يتلف بسببه شئ:
من حفر بئرا ووقع فيها انسان أو حيوان لم يخل من ستة أوجه: إما حفر في
ملكه، أو في ملك غيره، أو في موات غير ملك للتملك بالإحياء، أو
للانتفاع به، أو في طريق ضيق، أو واسع.
فالأول إذا دخل ملكه بغير إذنه ووقع فيها لم يضمن، وإن دخل باذنه وأعلمه
مكانها إن كانت مغطاة وحذره أو كانت غير مغطاة وهو يبصرها فكذلك إلا إذا
كان الداخل أعمى، وإن لم يعلمه مكانها ولم يبصرها ووقع فيه ضمن.
وإن حفر في ملك غيره وكان مواتا باذنه لم يضمنها، وإن حفر بغير إذنه وأبرأه
المالك فكذلك، وإن لم يبرئه ضمن.
وإن حفر في غير ملك للتملك ولم يتركها لم يضمن، فإن تركها ولم يبصرها
المارة ضمن.
وإن حفرها للانتفاع كالبدوي إذا نزل بموضع وحفر به بئرا لم يضمن.
وإن حفر في طريق ضيق ضمن.
وإن حفر في طريق واسع بغير إذن الإمام ولم يبصرها المارة ضمن على كل
حال، وإن اضطره إليها أحد ضمن المضطر دون الحافر.
وإن وضع حجرا أو نصب سكينا في الطريق ضمن ما تلف به.
وإن بنى بناء مستويا فمال إلى ملك غيره فسقط دفعة لم يضمن، وإن بناه
323

مستويا ومال ملك غيره وسقط قبل القدرة على نقضه لم يضمن، وإن سقط بعد
القدرة أو بنى بناء مائلا إلى ملك غيره أو إلى الطريق أو أشرع جناحا إلى طريق
المسلمين فوقع على انسان أو حيوان أو غير ذلك ضمن.
وإن نصب ميزابا جاز للمسلمين المنع، فإن نصب ووقع على شئ أو بل طينا
في الطريق أو رشه أو طرح فيه ترابا أو قشر البطيخ أو بالت دابته فيه أو أحدث فيه
حدثا فتلف به حيوان أو انسان أو غيره ضمن.
فصل في بيان أحكام الجناية على الحيوان وجناية الحيوان على الغير:
الحيوان صائل وغير صائل.
فالصائل الكلب العقور والبعير المغتلم والفرس العضوض والبغل الرامح
وأشباهها، فإن جنى أحد هذه وقد علم صاحبه بذلك لم يخل: إما جنى في ملك
صاحبه أو في غير ملكه.
فإن جنى في ملك صاحبه لم يخل: إما دخل المجني عليه ملكه باذنه أو بغير
إذنه، فإن دخل باذنه وجنى الصائل عليه ضمن صاحبه فإن جنى المجني عليه
جناية على الصائل وكان دافعا لم يضمن وإن كان مبتدئا ضمن، وإن دخله بغير
إذنه لم يضمن صاحبه وضمن الداخل أرش جنايته عليه دافعا ومبتدئا.
وإن جنى في غير ملك صاحبه لم يضمن المالك، فإن قتله المجني عليه أو جرحه
دافعا أو مبتدئا فحكمه مثل حكم من دخل عليه بإذن صاحبه، وإن لم يعلم
صاحبه بذلك لم يضمن، والسنور المعروف بأكل الطيور في حكم الكلب العقور في
ضمان صاحبه.
وغير الصائل إذا جنى لم يخل: إما كان يد صاحبه عليه أو لم يكن.
فإن كانت يد صاحبه عليه لم يخل: إما ساقه أو قاده أو ركبه، فإن ساقه غير
راكب ضمن ما جنى، وإن قاده وكان واحدا ضمن ما أصابه بيده وفيه دون رجله
إلا أن يضربه فإن ضربه ضمن جناية رجله أيضا، وإن كان أكثر من واحد وقد نفر
324

فكذلك، وإن ركبه ولم ينفر به أحد ووقفه صاحبه ضمن ما أصاب بيده ورجله،
وإن ساقه وضربه فكذلك، وإن ضربه غير الراكب ضمن الضارب، وإن نفر به أحد
مخافة أن يطأه أو يغشاه لم يضمن الزاجر ولا الراكب، وإن نفر به لغير خوف ضمن
من نفر به، وإن كان الراكب والقائد أو السائق أكثر من واحد ولزم الضمان كان
عليهم بالسوية.
وإن انفلت من يده بعد الاحتياط في حفظه وجنى لم يضمن صاحبه وإن لم
يحتط في حفظه ضمن، وإن جنى على حيوان آخر وقد دخل عليه مأمنه لزم الضمان
وإن دخل المجني عليه المأمن لم يلزم، وإن أفسد زرعا ويد صاحبه عليه ضمن وإن
لم يكن يد صاحبه عليه وكان بالليل ضمن وإن كان بالنهار لم يضمن.
وإن جنى على حيوان لم يخل: إما تقع عليه الذكاة أو لا تقع.
فإن وقعت وجنى عليه غير دافع ولم يمكن الانتفاع به لزمته قيمته يوم
الإتلاف، وإن أمكن الانتفاع به كان بالخيار بين أن يأخذ أرش ما بين قيمته
صحيحا ومعيبا وبين أن يدفع إليه المجني ويأخذ قيمته صحيحا هذا إذا ذبحه،
فأما إن كسر يده أو رجله فليس له إلا الأرش فإن فقأ عينه ضمن ربع قيمته.
وإن لم تقع عليه الذكاة وصح تملكه ضمن قيمته يوم الإتلاف وذلك مثل
جوارح الطير والسباع والكلب السلوقي وكلب الزرع والماشية، ودية الكلب السلوقي
أربعون درهما ودية كلب الماشية والحائط عشرون ودية كلب الزرع قفيز من طعام،
وإن كسر عضوا من أعضائه لزمه الأرش، وإن لم يصح تملكه في الشريعة لم يلزم
بالجناية عليه شئ.
325

شرائع الاسلام
في مسائل الحلال والحرام
لأبي القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن بن أبي زكريا
يحيى بن الحسن بن سعيد الهذلي المشتهر بالمحقق وبالمحقق الحلي
602 - 676 ه‍ ق
327

كتاب الحدود التعزيرات
كل ما له عقوبة مقدرة يسمى حدا، وما ليس كذلك يسمى تعزيرا.
وأسباب الأول ستة: الزنى وما يتبعه والقذف وشرب الخمر والسرقة وقطع
الطريق.
والثاني أربعة: البغي والردة وإتيان البهيمة وارتكاب ما سوى ذلك من
المحارم.
فلنفرد لكل قسم بابا عدا ما يتداخل أو ما سبق.
الباب الأول: في حد الزنى:
والنظر في: الموجب والحد واللواحق.
أما الموجب:
فهو إيلاج الانسان ذكره في فرج امرأة محرمة من غير عقد ولا ملك ولا شبهة،
ويتحقق ذلك بغيبوبة الحشفة قبلا أو دبرا، ويشترط في تعلق الحد: العلم بالتحريم
والاختيار والبلوغ.
وفي تعلق الرجم - مضافا إلى ذلك - الإحصان.
ولو تزوج محرمة كالأم والمرضعة والمحصنة وزوجة الولد وزوجة الأب فوطئ مع
الجهل بالتحريم فلا حد ولا ينهض العقد بانفراده شبهة في سقوط الحد، ولو
استأجرها للوطء لم يسقط بمجرده ولو توهم الحل به سقط، وكذا يسقط في كل
موضع يتوهم الحل كمن وجد على فراشه امرأة فظنها زوجته فوطئها، ولو تشبهت له
329

فوطئها فعليها الحد دونه ففي رواية: يقام عليها الحد جهرا وعليه سرا،
وهي متروكة. وكذا يسقط لو أباحته نفسها فتوهم الحل.
ويسقط الحد مع الإكراه، وهو يتحقق في طرف المرأة قطعا وفي تحققه في
طرف الرجل تردد والأشبه إمكانه لما يعرض من ميل الطبع المزجور بالشرع،
ويثبت للمكرهة على الواطئ مثل مهر نسائها على الأظهر.
ولا يثبت الإحصان الذي يجب معه الرجم حتى يكون الواطئ بالغا حرا
ويطأ في فرج مملوك بالعقد الدائم أو الرق متمكن منه يغدو عليه ويروح، وفي
رواية مهجورة: دون مسافة التقصير.
وفي اعتبار كمال العقل خلاف فلو وطأ المجنون عاقلة وجب عليه الحد رجما
أو جلدا، هذا اختيار الشيخين رحمهما الله وفيه تردد.
ويسقط الحد بادعاء الزوجية ولا يكلف المدعي بينة ولا يمينا، وكذا بدعوى
ما يصلح شبهة بالنظر إلى المدعي.
والإحصان في المرأة كالإحصان في الرجل لكن يراعى فيها كمال العقل
إجماعا، ولا رجم ولا حد على المجنونة في حال الزنى وإن كانت محصنة وإن زنى بها
العاقل.
ولا تخرج المطلقة رجعية عن الإحصان، ولو تزوجت عالمة كان عليها الحد
تاما وكذا الزوج إن علم التحريم والعدة ولو جهل فلا حد، ولو كان أحدهما عالما
حد حدا تاما دون الجاهل ولو ادعى أحدهما الجهالة، وقيل: إذا كان ممكنا في
حقه.
وتخرج بالطلاق البائن عن الإحصان.
ولو راجع المطلق المخالع لم يتوجه عليه الرجم إلا بعد الوطء، وكذا المملوك
لو أعتق والمكاتب إذا تحرر.
ويجب الحد على الأعمى، فإن ادعى الشبهة قيل: لا يقبل، والأشبه القبول
مع الاحتمال.
ويثبت الزنى بالإقرار أو البينة.
330

أما الإقرار: فيشترط فيه بلوغ المقر وكماله والاختيار والحرية وتكرار الإقرار
أربعا في أربعة مجالس، ولو أقر دون الأربع لم يجب الحد ووجب التعزير، ولو أقر
أربعا في مجلس واحد قال في الخلاف والمبسوط: لم يثبت، وفيه تردد. ويستوي في
ذلك الرجل والمرأة، وتقوم الإشارة المفيدة للإقرار في الأخرس مقام النطق.
ولو قال: زنيت بفلانة، لم يثبت الزنى في طرفه حتى يكرره أربعا. وهل
يثبت القذف للمرأة؟ فيه تردد.
ولو أقر بحد ولم يبينه لم يكلف البيان وضرب حتى ينهى عن نفسه، وقيل: لا
يتجاوز به المئة ولا ينقص عن ثمانين، وربما كان صوابا في طرف الكثرة ولكن
ليس بصواب في طرف النقصان لجواز أن يريد بالحد التعزير.
وفي التقبيل والمضاجعة في إزار واحد والمعانقة روايتان: إحديهما مائة جلدة
والأخرى دون الحد، وهي أشهر.
ولو أقر بما يوجب الرجم ثم أنكر سقط الرجم، ولو أقر بحد غير الرجم لم يسقط
بالإنكار، ولو أقر بحد ثم تاب كان الإمام مخيرا في إقامته رجما كان أو جلدا، ولو
حملت ولا بعل لم تحد إلا أن تقر بالزنى أربعا.
وأما البينة: فلا يكفي أقل من أربعة رجال أو ثلاثة وامرأتين، ولا تقبل شهادة
النساء منفردات ولا شهادة رجل وست نساء، وتقبل شهادة رجلين وأربع نساء
ويثبت به الجلد لا الرجم.
ولو شهد ما دون الأربع لم يجب وحد كل منهم للفرية، ولا بد في شهادتهم من
ذكر المشاهدة للولوج كالميل في المكحلة من غير عقد ولا ملك ولا شبهة، ويكفي أن
يقولوا: لا نعلم بينهما سبب التحليل.
ولو لم يشهدوا بالمعاينة لم يحد المشهود عليه وحد الشهود، ولا بد من تواردهم
على الفعل الواحد والزمان الواحد والمكان الواحد.
فلو شهد بعض بالمعاينة وبعض لا بها أو شهد بعض بالزنى في زاوية من بيت
وبعض في زاوية أخرى أو شهد بعض في يوم الجمعة وبعض في يوم السبت فلا حد،
331

ويحد الشهود للقذف.
ولو شهد بعض أنه أكرهها وبعض بالمطاوعة ففي ثبوت الحد على الزنى
وجهان: أحدهما يثبت للاتفاق على الزنى الموجب للحد على كلا التقديرين،
والآخر لا يثبت لأن الزنى بقيد الإكراه غيره بقيد المطاوعة فكأنه شهادة على فعلين.
ولو أقام الشهادة بعض في وقت حدوا للقذف ولم يرتقب إتمام البينة لأنه لا
تأخير في حد.
ولا يقدح تقادم الزنى في الشهادة، وفي بعض الأخبار: إن زاد عن ستة
أشهر لم تسمع، وهو مطرح.
وتقبل شهادة الأربع على الاثنين فما زاد، ومن الاحتياط تفريق الشهود في
الإقامة بعد الاجتماع وليس بلازم، ولا تسقط الشهادة بتصديق المشهود عليه ولا
بتكذيبه.
ومن تاب قبل قيام البينة سقط عنه الحد، ولو تاب بعد قيامها لم يسقط حدا
كان أو رجما.
النظر الثاني: في الحد: وفيه مقامان: الأول في أقسامه:
وهي: قتل أو رجم أو جلد وجز وتغريب.
أما القتل: فيجب على من زنى بذات محرم كالأم والبنت وشبههما، والذمي إذا زنى
بمسلمة وكذا من زنى بامرأة مكرها لها - ولا يعتبر في هذه المواضع الإحصان بل
يقتل على كل حال شيخا كان أو شابا ويتساوى فيه الحر والعبد والمسلم والكافر -
وكذا قيل: في الزاني بامرأة أبيه أو ابنه.
وهل يقتصر على قتله بالسيف؟ قيل: نعم، وقيل: بل يجلد ثم يقتل إن لم
يكن محصنا ويجلد ثم يرجم إن كان محصنا، عملا بمقتضى الدليلين والأول أظهر.
332

وأما الرجم: فيجب على المحصن إذا زنى ببالغة عاقلة، فإن كان شيخا أو
شيخة جلد ثم رجم وإن كان شابا ففيه روايتان: إحديهما يرجم لا غير والأخرى
يجمع له بين الحدين، وهو أشبه.
ولو زنى البالغ المحصن بغير البالغة أو بالمجنونة فعليه الجلد لا الرجم وكذا المرأة
لو زنى بها طفل، ولو زنى بها المجنون فعليها الحد كاملا وفي ثبوته في طرف المجنون
تردد والمروي أنه يثبت.
وأما الجلد والتغريب: فيجبان على الذكر الحر غير المحصن يجلد مائة ويجز رأسه
ويغرب عن مصره عاما مملكا كان أو غير مملك، وقيل: يختص التغريب بمن أملك
ولم يدخل، وهو مبني على أن البكر ما هو؟ والأشبه أنه عبارة عن غير المحصن إن
لم يكن مملكا.
أما المرأة فعليها الجلد مائة ولا تغريب عليها ولا جز.
والمملوك يجلد خمسين محصنا كان أو غير محصن ذكرا كان أو أنثى، ولا جز على
أحدهما ولا تغريب.
ولو تكرر من الحر الزنى فأقيم عليه الحد مرتين قتل في الثالثة، وقيل: في
الرابعة، وهو أولى.
أما المملوك فإذا أقيم عليه سبعا قتل في الثامنة، وقيل: في التاسعة، وهو أولى.
وفي الزنى المتكرر حد واحد وإن كثر، وفي رواية أبي بصير عن أبي جعفر ع:
إن زنى بامرأة مرارا فعليه حد وإن زنى بنسوة فعليه في كل امرأة حد، وهي
مطرحة.
ولو زنى الذمي بذمية دفعه الإمام إلى أهل نحلته ليقيموا عليه الحد على
معتقدهم، وإن شاء أقام الحد بموجب شرع الاسلام.
ولا يقام الحد على الحامل حتى تضع وتخرج من نفاسها وترضع الولد إن لم يتفق
له مرضع، ولو وجد له كافل جاز إقامة الحد.
ويرجم المريض والمستحاضة، ولا يجلد أحدهما إذا لم يجب قتله ولا رجمه
333

- توقيا من السراية ويتوقع بهما البرء - وإن اقتضت المصلحة التعجيل ضرب
بالضغث المشتمل على العدد ولا يشترط وصول كل شمراخ إلى جسده، ولا تؤخر
الحائض لأنه ليس بمرض، ولا يسقط الحد باعتراض الجنون ولا الارتداد.
ولا يقام الحد في شدة الحر ولا في شدة البرد ويتوخى به في الشتاء وسط النهار
وفي الصيف طرفاه، ولا في أرض العدو مخافة الالتحاق، ولا في الحرم على من التجأ
إليه بل يضيق عليه في المطعم والمشرب ليخرج.
ويقام على من أحدث موجب الحد فيه.
الثاني: في كيفية إيقاعه:
إذا اجتمع الجلد والرجم جلد أولا وكذا إذا اجتمعت حدود بدئ بما لا يفوت
معه الآخر، وهل يتوقع برء جلده؟ قيل: نعم تأكيدا في الزجر، وقيل: لا لأن
القصد الإتلاف.
ويدفن المرجوم إلى حقويه والمرأة إلى صدرها، فإن فر أعيد إن ثبت زناه بالبينة
ولو ثبت بالإقرار لم يعد، وقيل: إن فر قبل إصابة الحجارة أعيد. ويبدأ الشهود
برجمه وجوبا ولو كان مقرا بدأ الإمام، وينبغي أن يعلم الناس ليتوفروا على
حضوره.
ويستحب أن يحضر إقامة الحد طائفة، وقيل: يجب، تمسكا بالآية. وأقلها
واحد، وقيل: عشرة، وخرج متأخر: ثلاثة، والأول حسن.
وينبغي أن تكون الحجارة صغارا لئلا يسرع التلف، وقيل: لا يرجمه من لله
تعالى قبله حد، وهو على الكراهية.
ويدفن إذا فرع من رجمه ولا يجوز إهماله.
ويجلد الزاني مجردا، وقيل: على الحال التي يوجد عليها، قائما أشد الضرب
وروي: متوسطا - ويفرق على جسده، ويتقى وجهه ورأسه وفرجه، والمرأة تضرب
جالسة وتربط عليها ثيابها.
334

النظر الثالث: في اللواحق:
وهي مسائل عشرة:
الأولى: إذا شهد أربعة على امرأة بالزنى قبلا فادعت أنها بكر فشهد لها أربع
نساء بذلك فلا حد، وهل يحد الشهود للفرية؟ قال في النهاية: نعم، وقال في
المبسوط: لا حد لاحتمال الشبهة في المشاهدة، والأول أشبه.
الثانية: لا يشترط حضور الشهود عند إقامة الحد بل يقام وإن ماتوا أو غابوا - لا
فرارا - لثبوت السبب الموجب.
الثالثة: قال الشيخ رحمه الله: لا يجب على الشهود حضور موضع الرجم، ولعل
الأشبه الوجوب لوجوب بدأتهم بالرجم.
الرابعة: إذا كان الزوج أحد الأربعة فيه روايتان، ووجه الجمع سقوط الحد إن
اختل بعض شروط الشهادة مثل أن يسبق الزوج بالقذف فيحد الزوج أو يدرأ
باللعان ويحد الباقون، وثبوت الحد إن لم يسبق بالقذف ولم يختل بعض الشرائط.
الخامسة: يجب على الحاكم إقامة حدود الله تعالى بعلمه كحد الزنى، أما حقوق
الناس فتقف إقامتها على المطالبة حدا كان أو تعزيرا.
السادسة: إذا شهد بعض وردت شهادة الباقين قال في المبسوط والخلاف: إن
ردت بأمر ظاهر حد الجميع وإن ردت بأمر خفي فعلى المردود الحد دون الباقين،
وفيه إشكال من حيث تحقق القذف العاري عن بينة. ولو رجع واحد بعد شهادة
الأربع حد الراجع دون غيره.
السابعة: إذا وجد مع زوجته رجلا يزني فله قتلهما ولا إثم عليه، وفي الظاهر
عليه القود إلا أن يأتي على دعواه ببينة أو يصدقه الولي.
الثامنة: من افتض بكرا بإصبعه لزمه مهر نسائها، ولو كانت أمة كان عليه
عشر قيمتها وقيل: يلزمه الأرش، والأول مروي.
التاسعة: من تزوج أمة على حرة مسلمة فوطئها قبل الإذن كان عليه ثمن حد
الزاني.
335

العاشرة: من زنى في شهر رمضان نهارا كان أو ليلا عوقب زيادة على الحد
لانتهاكه الحرمة، وكذا لو كان في مكان شريف أو زمان شريف.
الباب الثاني: في اللوط والسحق والقيادة:
أما اللواط: فهو وطء الذكران بإيقاب وغيره، وكلاهما لا يثبتان إلا بالإقرار
أربع مرات أو شهادة أربعة رجال بالمعاينة، ويشترط في المقر: البلوغ وكمال العقل
والحرية والاختيار، فاعلا كان أو مفعولا.
ولو أقر دون أربع لم يحد وعزر، ولو شهد بذلك دون الأربعة لم يثبت وكان
عليهم الحد للفرية، ويحكم الحاكم فيه بعمله إماما كان أو غيره على الأصح.
وموجب الإيقاب القتل على الفاعل والمفعول إذا كان كل منهما بالغا عاقلا،
ويستوي في ذلك الحر والعبد والمسلم والكافر والمحصن وغيره.
ولو لاط البالغ بالصبي موجبا قتل البالغ وأدب الصبي وكذا لو لاط بمجنون
ولو لاط بعبده حدا قتلا أو جلدا، ولو ادعى العبد الإكراه سقط عنه دون المولى.
ولو لاط مجنون بعاقل حد العاقل، وفي ثبوته على المجنون قولان أشبههما السقوط.
ولو لاط الذمي بمسلم قتل وإن لم يوقب، ولو لاط بمثله كان الإمام مخيرا بين
إقامة الحد عليه وبين دفعه إلى أهله ليقيموا عليه الحد.
وكيفية إقامة هذا الحد القتل إن كان اللواط إيقابا، وفي رواية: إن كان
محصنا رجم وإن كان غير محصن جلد، والأول أشهر ثم الإمام مخير في قتله بين
ضربه بالسيف وتحريقه أو رجمه أو إلقائه من شاهق أو ألقاء جدار عليه، ويجوز أن
يجمع بين أحد هذه وبين تحريقه.
وإن لم يكن إيقابا كالتفخيذ أو بين الأليتين فحده مائة جلدة، وقال في
النهاية: يرجم إن كان محصنا ويجلد إن لم يكن، والأول أشبه. ويستوي فيه الحر
والعبد والمسلم والكافر والمحصن وغيره، ولو تكرر منه الفعل وتخلله الحد مرتين
قتل
336

في الثالثة، وقيل: في الرابعة، وهو أشبه.
والمجتمعان تحت إزار واحد مجردين وليس بينهما رحم يعزران من ثلاثين سوطا
إلى تسعة وتسعين سوطا، ولو تكرر ذلك منهما وتخلله التعزير حدا في الثالثة، وكذا
يعزر من قبل غلاما ليس له بمحرم بشهوة.
وإذا تاب اللائط قبل قيام البينة سقط عنه الحد، ولو تاب بعده لم يسقط، ولو
كان مقرا كان الإمام مخيرا في العفو أو الاستيفاء.
والحد في السحق: مائة جلدة، حرة كانت أو أمة مسلمة أو كافرة محصنة كانت
أو غير محصنة للفاعلة والمفعولة، وقال في النهاية: ترجم مع الإحصان وتحد مع
عدمه، والأول أولى.
وإذا تكررت المساحقة مع إقامة الحد ثلاثا قتلت في الرابعة، ويسقط الحد في
التوبة قبل البينة ولا يسقط بعدها ومع الإقرار والتوبة يكون الإمام مخيرا.
والأجنبيتان إذا وجدتا في إزار مجردتين عزرت كل واحدة دون الحد وإن تكرر
الفعل منهما والتعزير مرتين أقيم عليهما الحد في الثالثة، فإن عادتا قال في النهاية:
قتلتا، والأولى الاقتصار على التعزير احتياطا في التهجم على الدم.
مسألتان:
الأولى: لا كفالة في حد ولا تأخير فيه مع الإمكان، والأمن من توجه ضرر، ولا
شفاعة في إسقاطه.
الثانية: لو وطأ زوجته فساحقت بكرا فحملت قال في النهاية: على المرأة الرجم
وعلى الصبية جلد مائة بعد الوضع ويلحق الولد بالرجل ويلزم المرأة المهر.
أما الرجم فعلى ما مضى من التردد وأشبهه الاقتصار على الجلد، وأما جلد
الصبية فموجبه ثابت وهي المساحقة، وأما لحوق الولد فلأنه ماء غير زان وقد انخلق
منه الولد فيلحق به، وأما المهر فلأنها سبب في إذهاب العذرة وديتها مهر نسائها
وليست كالزانية في سقوط دية العذرة لأن الزانية أذنت في الافتضاض وليست هذه
337

كذا، وأنكر بعض المتأخرين ذلك فظن أن المساحقة كالزانية في سقوط دية العذرة
وسقوط النسب.
وأما القيادة: فهي الجمع بين الرجال والنساء للزنى أو بين الرجال والرجال
للواط، ويثبت بالإقرار مرتين مع بلوغ المقر وكماله وحريته واختياره أو شهادة
شاهدين، ومع ثبوته يجب على القواد خمسة وسبعون جلدة، وقيل: يحلق رأسه
ويشهر. ويستوي فيه الحر والعبد والمسلم والكافر، وهل ينفى بأول مرة؟ قال في
النهاية: نعم، وقال المفيد: ينفى في الثانية، والأول مروي.
وأما المرأة فتجلد، وليس عليها جز ولا شهرة ولا نفي.
الباب الثالث: في حد القذف:
والنظر في أمور أربعة:
الأول: في الموجب:
وهو الرمي بالزنى واللواط كقوله: زنيت، أو لطت، أو ليط بك، أو أنت زان،
ولائط، أو منكوح في دبره، وما يؤدى هذا المعنى صريحا مع معرفة القائل بموضوع
اللفظ بأي لغة اتفق.
ولو قال لولده الذي أقر به: لست بولدي، وجب عليه الحد. وكذا لو قال لغيره:
لست لأبيك، ولو قال: زنت بك أمك، أو يا ابن الزانية، فهو قذف للأم. وكذا لو
قال: زنى بك أبوك، أو يا ابن الزاني، فهو قذف لأبيه. ولو قال: يا ابن الزانيين،
فهو قذف لهما ويثبت به الحد ولو كان المواجه كافرا لأن المقذوف ممن يجب له
الحد.
ولو قال: ولدت من الزنى، ففي وجوب الحد لأمه تردد لاحتمال انفراد الأب
بالزنى ولا يثبت الحد مع الاحتمال. أما لو قال: ولدتك أمك من الزنى، فهو قذف
للأم وهذا الاحتمال أضعف ولعل الأشبه عندي التوقف لتطرق الاحتمال وإن ضعف.
338

ولو قال: يا زوج الزانية، فالحد للزوجة. وكذا لو قال: يا أبا الزانية، أو يا أخا
الزانية، فالحد لمن نسب إليها الزنى دون المواجهة.
ولو قال: زنيت بفلانة، أو لطت به، فالقذف للمواجه ثابت وفي ثبوته
للمنسوب إليه تردد.
قال في النهاية وفي المبسوط: يثبت حدان لأنه فعل واحد متى كذب في أحدهما
كذب في الآخر، ونحن لا نسلم أنه فعل واحد لأن موجب الحد في الفاعل غير
الموجب في المفعول وحينئذ يمكن أن يكون أحدهما مختارا دون صاحبه.
ولو قال لابن الملاعنة: يا ابن الزانية، فعليه الحد. ولو قال لابن المحدودة قبل
التوبة لم يجب له الحد وبعد التوبة يثبت الحد.
ولو قال لامرأته: زنيت بك، فلها حد على التردد المذكور ولا يثبت في طرفه حد
الزنى حتى يقر أربعا.
ولو قال: يا ديوث، أو يا كشحان، أو يا قرنان، أو غير ذلك من الألفاظ، فإن
أفادت القذف في عرف القائل لزمه الحد وإن لم يعرف فائدتها أو كانت مفيدة
لغيره فلا حد ويعزر إن أفادت فائدة يكرهها المواجه.
وكل تعريض بما يكرهه المواجه ولم يوضع للقذف لغة ولا عرفا يثبت به التعزير
لا الحد كقوله: أنت ولد حرام، أو حملت بك أمك في حيضها، أو يقول لزوجته: لم
أجدك عذراء، أو يقول: يا فاسق يا شارب الخمر - وهو متظاهر بالستر - أو
يا خنزير، أو يا حقير، أو يا وضيع. ولو كان المقول له مستحقا للاستخفاف فلا حد
ولا تعزير، وكذا كل ما يوجب أذى كقوله: يا أجذم، أو يا أبرص.
الثاني: في القاذف:
ويعتبر فيه البلوغ وكمال العقل، فلو قذف الصبي لم يحد وعزر وإن قذف
مسلما بالغا حرا، وكذا المجنون. وهل يشترط في وجوب الحد الكامل الحرية؟
قيل: نعم، وقيل: لا يشترط، فعلى الأول يثبت نصف الحد وعلى الثاني يثبت
339

الحد كاملا وهو ثمانون.
ولو ادعى المقذوف الحرية وأنكر القاذف فإن ثبت أحدهما عمل عليه، وإن
جهل ففيه تردد أظهره أن القول قول القاذف لتطرق الاحتمال.
الثالث: المقذوف:
ويشترط فيه الإحصان وهو هنا عبارة عن البلوغ وكمال العقل والحرية والإسلام
والعفة، فمن استكملها وجب بقذفه الحد، ومن فقدها أو بعضها فلا حد وفيه
التعزير كمن قذف صبيا أو مملوكا أو كافرا أو متظاهرا بالزنى سواء كان القاذف
مسلما أو كافرا حرا أو عبدا.
ولو قال لمسلم: يا ابن الزانية، أو أمك زانية، وكانت أمه كافرة أو أمة قال
في النهاية: عليه الحد تاما لحرمة ولدها، والأشبه التعزير.
ولو قذف الأب ولده لم يحد وعزر وكذا لو قذف زوجته الميتة ولا وارث إلا
ولده، نعم لو كان لها ولد من غيره كان الحد تاما.
ويحد الولد لو قذف أباه، والأم لو قذفت ولدها، وكذا الأقارب.
الرابع: في الأحكام:
وفيه مسائل:
الأولى: إذا قذف جماعة واحدا بعد واحد فلكل واحد حد، ولو قذفهم بلفظ واحد
وجاؤوا به مجتمعين فلكل حد واحد، ولو افترقوا في المطالبة فلكل واحد حد، وهل
الحكم في التعزير كذلك؟ قال جماعة: نعم، ولا معنى للاختلاف هنا. وكذا لو
قال: يا ابن الزانيين، فالحد لهما ويحد حدا واحدا مع الاجتماع على المطالبة
وحدين مع التعاقب.
الثانية: حد القذف موروث يرثه من يرث المال من الذكور والإناث عدا الزوج
والزوجة.
340

الثالثة: لو قال: ابنك زان أو لائط، أو بنتك زانية، فالحد لهما لا للمواجه.
فإن سبقا بالاستيفاء أو العفو فلا بحث وإن سبق الأب قال في النهاية: له المطالبة
والعفو، وفيه إشكال لأن المستحق موجود وله ولاية المطالبة فلا يتسلط الأب كما في
غيره من الحقوق.
الرابعة: إذا ورث الحد جماعة لم يسقط بعضه بعفو البعض فللباقين المطالبة
بالحد تاما ولو بقي واحد، أما لو عفا الجماعة أو كان المستحق واحدا فعفا فقد سقط
الحد، ولمستحق الحد أن يعفو قبل ثبوت حقه وبعده وليس للحاكم الاعتراض عليه
ولا يقام إلا بعد مطالبة المستحق.
الخامسة: إذا تكرر الحد بتكرر القذف مرتين قتل في الثالثة، وقيل: في
الرابعة، وهو أولى. ولو قذف فحد فقال: الذي قلت كان صحيحا، وجب بالثاني
التعزير لأنه ليس بصريح. والقذف المتكرر يوجب حدا واحدا لا أكثر.
السادسة: لا يسقط الحد عن القاذف إلا بالبينة المصدقة أو تصديق مستحق
الحد أو العفو، ولو قذف زوجته سقط الحد بذلك وباللعان.
السابعة: الحد ثمانون جلدة حرا كان أو عبدا ويجلد بثيابه ولا يجرد، ويقتصر
على الضرب المتوسط ولا يبلغ به الضرب في الزنى، ويشهر القاذف لتجتنب
شهادته، ويثبت القذف بشهادة عدلين أو الإقرار مرتين، ويشترط في المقر التكليف
والحرية والاختيار.
الثامنة: إذا تقاذف اثنان سقط الحد وعزرا.
التاسعة: قيل: لا يعزر الكفار مع التنابز بالألقاب والتعير بالأمراض إلا أن
يخشى حدوث فتنة فيحسمها الإمام بما يراه.
ويلحق بذلك مسائل أخر:
الأولى: من سب النبي ص جاز لسامعه قتله ما لم يخف
الضرر على نفسه أو ماله أو غيره من أهل الإيمان، وكذا من سب أحد الأئمة ع.
341

الثانية: من ادعى النبوة وجب قتله، وكذا من قال: لا أدري محمد بن عبد الله
ص صادق أو لا، وكان على ظاهر الاسلام.
الثالثة: من عمل بالسحر يقتل إن كان مسلما ويؤدب إن كان كافرا.
الرابعة: يكره أن يزاد في تأديب الصبي على عشرة أسواط وكذا المملوك،
وقيل: إن ضرب عبده في غير حد حدا لزمه إعتاقه، وهو على الاستحباب.
الخامسة: كل ما فيه التعزير من حقوق الله سبحانه يثبت بشاهدين أو الإقرار
مرتين على قول، ومن قذف أمته أو عبده عزر كالأجنبي.
السادسة: كل من فعل محرما أو ترك واجبا فللإمام ع تعزيره بما لا
يبلغ الحد وتقديره إلى الإمام، ولا يبلغ به حد الحر في الحر ولا حد العبد في العبد.
الباب الرابع: في حد المسكر والفقاع:
ومباحثه ثلاثة:
الأول: في الموجب:
وهو تناول المسكر أو الفقاع اختيارا مع العلم بالتحريم إذا كان المتناول كاملا،
فهذه قيود أربعة.
شرطنا التناول ليعم الشرب والاصطباغ وأخذه ممزوجا بالأغذية والأدوية،
ونعني بالمسكر ما هو من شأنه أن يسكر فإن الحكم يتعلق بتناول القطرة منه،
ويستوي في ذلك الخمر وجميع المسكرات التمرية والزبيبية والعسلية والمزر المعمول من
الشعير أو الحنطة أو الذرة، وكذا لو عمل من شيئين أو ما زاد.
ويتعلق الحكم بالعصير إذا غلى واشتد وإن لم يقذف بالزبد إلا أن يذهب
بالغليان ثلثاه أو ينقلب خلا، وبما عداه إذا حصلت فيه الشدة المسكرة.
أما التمر إذا غلى ولم يبلغ حد الإسكار ففي تحريمه تردد، والأشبه بقاؤه على
التحليل حتى يبلغ.
وكذا البحث في الزبيب إذا نقع بالماء فغلى من نفسه أو بالنار، والأشبه أنه لا
342

يحرم ما لم يبلغ الشدة المسكرة.
والفقاع كالنبيذ المسكر في التحريم - وإن لم يكن مسكرا - وفي وجوب
الامتناع من التداوي به والاصطباغ.
واشترطنا الاختيار تقصيا من المكره فإنه لا حد عليه، ولا يتعلق الحكم
بالشارب بالمتناول ما لم يكن بالغا عاقلا، وكما يسقط الحد عن المكره يسقط عمن
جهل التحريم أو جهل المشروب، ويثبت بشهادة عدلين مسلمين - ولا تقبل فيه
شهادة النساء منفردات ولا منضمات - وبالإقرار دفعتين ولا يكفي المرة، ويشترط
في المقر البلوغ وكمال العقل والحرية والاختيار.
الثاني: في كيفية الحد:
وهو ثمانون جلدة رجلا كان الشارب أو امرأة حرا كان أو عبدا، وفي رواية:
يحد العبد أربعين، وهي متروكة. أما الكافر فإن تظاهر به حد وإن استتر لم يحد.
ويضرب الشارب عريانا على ظهره وكتفيه ويتقى وجهه وفرجه ولا يقام عليه
الحد حتى يفيق، وإذا حد مرتين قتل في الثالثة، وهو المروي، وقال في الخلاف:
يقتل في الرابعة.
ولو شرب مرارا كفى حد واحد.
الثالث: في أحكامه: وفيه مسائل:
الأولى: لو شهد واحد بشربها وآخر بقيئها وجب الحد، ويلزم على ذلك وجوب
الحد لو شهدا بقيئها نظرا إلى التعليل المروي وفيه تردد لاحتمال الإكراه على بعد،
ولعل هذا الاحتمال يندفع بأنه لو كان واقعا لدفع به عن نفسه أما لو ادعاه فلا
حد.
الثانية: من شرب الخمر مستحلا استتيب، فإن تاب أقيم عليه الحد وإن امتنع
قتل، وقيل: يكون حكمه حكم المرتد، وهو قوي. وأما سائر المسكرات فلا يقتل
343

مستحلها لتحقق الخلاف بين المسلمين فيها، ويقام الحد مع شربها مستحلا
ومحرما.
الثالثة: من باع الخمر مستحلا يستتاب فإن تاب وإلا قتل، وإن لم يكن
مستحلا عزر، وما سواه لا يقتل وإن لم يتب بل يؤدب.
الرابعة: إذا تاب قبل قيام البينة سقط الحد وإن تاب بعدها لم يسقط، ولو
كان ثبوت الحد بإقراره كان الإمام ع مخيرا بين حده وعفوه ومنهم من منع
من التخيير وحتم الاستيفاء هنا، وهو أظهر.
تتمة: تشتمل على مسائل:
الأولى: من استحل شيئا من المحرمات المجمع عليها كالميتة والدم والربا ولحم
الخنزير ممن ولد على الفطرة يقتل، ولو ارتكب ذلك لا مستحلا عزر.
الثانية: من قتله الحد أو التعزير فلا دية له، وقيل: تجب على بيت المال،
والأول مروي.
الثالثة: لو أقام الحاكم الحد بالقتل فبان فسوق الشاهدين كانت الدية في بيت
المال ولا يضمنها الحاكم ولا عاقلته، ولو أنفذ إلى حامل لإقامة حد فأجهضت خوفا
قال الشيخ: دية الجنين في بيت المال، وهو قوي لأنه خطأ وخطأ الحكام في بيت
المال. وقيل: يكون على عاقلة الإمام، وهي قضية عمر مع علي ع.
ولو أمر الحاكم بضرب المحدود زيادة عن الحد فمات فعليه نصف الدية في ماله
إن لم يعلم الحداد لأنه شبيه العمد ولو كان سهوا فالنصف على بيت المال، ولو أمر
بالاقتصار على الحد فزاد الحداد عمدا فالنصف على الحداد في ماله ولو زاد سهوا
فالدية على عاقلته وفيه احتمال آخر. الباب الخامس: في حد السرقة:
والكلام في السارق والمسروق والحجة والحد واللواحق:
الأول: في السارق:
344

ويشترط في وجوب الحد عليه شروط:
الأول: البلوغ: فلو سرق الطفل لم يحد ويؤدب ولو تكررت سرقته، وفي
النهاية: يعفى عنه أولا فإن عاد أدب فإن عاد
حكت أنامله حتى تدمى فإن عاد قطعت أنامله فإن عاد قطع كما يقطع الرجل، وبهذا روايات.
الثاني: العقل: فلا يقطع المجنون ويؤدب وإن تكررت منه.
الثالث: ارتفاع الشبهة: فلو توهم الملك فبان غير مالك لم يقطع، وكذا لو
كان المال مشتركا فأخذ ما يظن أنه قدر نصيبه.
الرابع: ارتفاع الشركة: فلو سرق من مال الغنيمة فيه روايتان: إحديهما لا
يقطع والأخرى إن زاد ما سرقه عن نصيبه بقدر النصاب قطع، والتفصيل حسن.
ولو سرق من المال المشترك قدر نصيبه لم يقطع ولو زاد بقدر النصاب قطع.
الخامس: أن يهتك الحرز منفردا كان أو مشاركا، فلو هتك غيره وأخرج هو
لم يقطع.
السادس: أن يخرج المتاع بنفسه أو مشاركا، ويتحقق الإخراج بالمباشرة
وبالتسبيب مثل أن يشده بحبل ثم يجذبه من خارج أو يضعه على دابة أو على جناح
طائر من شأنه العود إليه، ولو أمر صبيا غير مميز باخراجه تعلق بالأمر القطع لأن
الصبي كالآلة.
السابع: أن لا يكون والدا من ولده، ويقطع الولد لو سرق من الوالد، وكذا
يقطع الأقارب، وكذا الأم لو سرقت من الولد.
الثامن: أن يأخذه سرا، فلو هتك قهرا ظاهرا وأخذ لم يقطع وكذا المستأمن لو
خان، ويقطع الذمي كالمسلم والمملوك مع قيام البينة.
وحكم الأنثى في ذلك كله حكم الذكر.
مسائل:
الأولى: لا يقطع الراهن إذا سرق الرهن إن استحق المرتهن الإمساك، ولا
345

المؤجر العين المستأجرة وإن كان ممنوعا من الاستعادة - مع القول بملك المنفعة -
لأنه لم يتحقق اخراج النصاب من مال المسروق منه حالة الإخراج.
الثانية: لا يقطع عبد الانسان بسرقة ماله ولا عبد الغنيمة بالسرقة منها لأن فيه
زيادة إضرار، نعم يؤدب بما يحسم به الجرأة.
الثالثة: يقطع الأجير إذا أحرز المال من دونه، وفي رواية: لا يقطع، وهي
محمولة على حالة الاستئمان. وكذا الزوج إذا سرق من زوجته أو الزوجة من
زوجها، وفي الضيف قولان: أحدهما لا يقطع مطلقا - وهو المروي - والآخر
يقطع إذا أحرز من دونه وهو أشبه.
الرابعة: لو أخرج متاعا فقال صاحب المنزل: سرقته، وقال المخرج:
وهبتنيه، أو أذنت في اخراجه، سقط الحد للشبهة وكان القول قول صاحب المنزل
مع يمينه في المال. وكذا لو قال: المال لي، وأنكر صاحب المنزل فالقول قوله مع يمينه
ويغرم المخرج ولا يقطع لمكان الشبهة.
الثاني: في المسروق:
لا قطع فيما ينقص عن ربع دينار ويقطع فيما بلغه ذهبا خالصا مضروبا عليه
السكة أو ما قيمته ربع دينار ثوبا كان أو طعاما أو فاكهة أو غيره سواء كان أصله
الإباحة أو لم يكن، وضابطه ما يملكه المسلم، وفي الطين وحجارة الرخام رواية
بسقوط الحد ضعيفة.
ومن شرطه أن يكون محررا بقفل أو غلق أو دفن، وقيل: كل موضع ليس لغير
مالكه الدخول إليه إلا باذنه فما ليس بمحرز فلا يقطع سارقه كالمأخوذ من الأرحية
والحمامات والمواضع المأذون في غشيانها كالمساجد، وقيل: إذا كان المالك مراعيا
له كان محررا كما قطع النبي ص سارق مئزر صفوان في المسجد،
وفيه تردد.
وهل يقطع سارق ستارة الكعبة؟ قال في المبسوط وفي الخلاف: نعم، وفيه
346

إشكال لأن الناس في غشيانها شرع.
ولا يقطع من سرق من جيب انسان أو كمه الظاهرين ويقطع لو كانا باطنين،
ولا قطع في ثمرة على شجرها ويقطع لو سرق بعد إحرازها، ولا على من سرق مأكولا
في عام مجاعة.
ومن سرق صغيرا فإن كان مملوكا قطع، ولو كان حرا فباعه لم يقطع حدا،
وقيل: يقطع دفعا لفساده.
ولو أعار بيتا فنقبه المعير وسرق
منه مالا للمستعير قطع وكذا لو آجر بيتا وسرق منه مالا للمستأجر، ويقطع من سرق مالا موقوفا مع مطالبة الموقوف عليه لأنه مملوك
له.
ولا تصير الجمال محرزة بمراعاة صاحبها ولا الغنم بإشراف الراعي عليها، وفيه
قول آخر للشيخ.
ولو سرق باب الحرز أو من أبنيته قال في المبسوط: يقطع لأنه محرز بالعادة،
وكذا إذا كان الانسان في داره وأبوابها مفتحة ولو نام زال الحرز، وفيه تردد.
ويقطع سارق الكفن لأن القبر حرز له، وهل يشترط بلوغ قيمته نصابا؟ قيل:
نعم، وقيل: يشترط في المرة الأولى دون الثانية والثالثة، وقيل: لا يشترط، والأول
أشبه. ولو نبش ولم يأخذ عزر، ولو تكرر منه الفعل وفات السلطان كان له قتله
للردع.
الثالث: ما به يثبت:
ويثبت بشاهدين عدلين أو بالإقرار مرتين ولا يكفي المرة، ويشترط في المقر
البلوغ وكمال العقل والحرية والاختيار.
فلو أقر العبد لم يقطع لما يتضمن من إتلاف مال الغير وكذا لو أقر مكرها ولا
يثبت به حد ولا غرم، فلو رد السرقة بعينها بعد الإقرار بالضرب قال في النهاية:
يقطع، وقال بعض الأصحاب: لا يقطع، لتطرق الاحتمال إلى الإقرار إذ من
347

الممكن أن يكون المال في يده من غير جهة السرقة، وهذا حسن.
ولو أقر مرتين ورجع لم يسقط الحد وتحتمت الإقامة ولزمه الغرم، ولو أقر مرة لم
يجب الحد ووجب الغرم.
الرابع: في الحد:
وهو قطع الأصابع الأربع من اليد اليمنى ويترك له الراحة والإبهام، ولو سرق
ثانية قطعت رجله اليسرى من مفصل القدم ويترك له العقب يعتمد عليها، فإن سرق
ثالثة حبس دائما ولو سرق بعد ذلك قتل، ولو تكررت السرقة فالحد الواحد كاف.
ولا يقطع اليسار مع وجود اليمين بل يقطع اليمين ولو كانت شلاء، وكذا لو
كانت اليسار شلاء أو كانتا شلاءين قطعت اليمين على التقديرين، ولو لم يكن له
يسار قال في المبسوط: قطعت يمينه، وفي رواية عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي
عبد الله ع: لا يقطع، والأول أشبه.
أما لو كان له يمين حين القطع فذهبت لم يقطع اليسار لتعلق القطع بالذاهبة.
ولو سرق ولا يمين له قال في النهاية: قطعت يساره، وفي المبسوط: ينتقل إلى
رجله. ولو لم يكن له يسار قطعت رجله اليسرى، ولو سرق ولا يد له ولا رجل
حبس، وفي الكل إشكال من حيث أنه تخط عن موضع القطع فيقف على إذن
الشرع وهو مفقود.
ويسقط الحد بالتوبة قبل ثبوته ويتحتم لو تاب بعد البينة، ولو تاب بعد الإقرار
قيل: يتحتم القطع، وقيل: يتخير الإمام في الإقامة والعفو، على رواية فيها
ضعف.
ولو قطع الحداد يساره مع العلم فعليه القصاص ولا يسقط قطع اليمين بالسرقة،
ولو ظنها اليمين فعلى الحداد الدية، وهل يسقط قطع اليمين؟ قال في المبسوط: لا
لتعلق القطع بما قبل ذهابها، وفي رواية محمد بن قيس عن أبي جعفر ع أن
عليا ع قال: لا يقطع يمينه وقد قطعت شماله.
348

وإذا قطع السارق يستحب حسمه بالزيت المغلى نظرا له وليس بلازم، وسراية
الحد ليست مضمونة وإن أقيم في حر أو برد لأنه استيفاء سائغ.
الخامس: في اللواحق:
وهي مسائل:
الأولى: يجب على السارق إعادة العين المسروقة، وإن تلفت أغرم مثلها أو
قيمتها إن لم يكن لها مثل وإن نقصت فعليه أرش النقصان، ولو مات صاحبها
دفعت إلى ورثته فإن لم يكن له وارث فإلى الإمام.
الثانية: إذا سرق اثنان نصابا ففي وجوب القطع قولان: قال في النهاية: يجب
القطع، وقال في الخلاف: إذا نقب ثلاثة فبلغ نصيب كل واحد نصابا قطعوا وإن
كان دون ذلك فلا قطع، فالتوقف أحوط.
الثالثة: لو سرق ولم يقدر عليه ثم سرق ثانية قطع بالأخيرة وأغرم المالين، ولو
قامت الحجة بالسرقة ثم أمسكت حتى قطع ثم شهدت عليه بالأخرى قال في
النهاية: قطعت يده بالأولى ورجله بالثانية، استنادا إلى الرواية. وتوقف بعض
الأصحاب فيه، وهو أولى.
الرابعة: قطع السارق موقوف على مطالبة المسروق منه فلو لم يرافعه لم يرفعه
الإمام وإن قامت البينة، ولو وهبه المسروق منه يسقط الحد وكذا لو عفا عن القطع،
فأما بعد المرافعة فإنه لا يسقط بهبة ولا عفو.
فرع:
لو سرق مالا فملكه قبل المرافعة سقط الحد، ولو ملكه بعد المرافعة لم يسقط.
الخامسة: لو أخرج المال وأعاده إلى الحرز لم يسقط الحد لحصول السبب
الموجب التام، وفيه تردد من حيث أن القطع موقوف على المرافعة فإذا دفعه إلى
صاحبه لم يبق له المطالبة.
ولو هتك الحرز جماعة وأخرج المال أحدهم فالقطع عليه خاصة لانفراده بالسبب
349

الموجب، ولو قربه أحدهم وأخرجه الآخر فالقطع على المخرج، وكذا لو وضعها
الداخل في وسط النقب وأخرجها الخارج قال في المبسوط: لا قطع على أحدهما لأن
كل واحد لم يخرجه عن كمال الحرز.
السادسة: لو أخرج قدر النصاب دفعة وجب القطع، ولو أخرجه مرارا ففي
وجوبه تردد أصحه وجوب الحد لأنه أخرج نصابا واشتراط المرة في الإخراج غير
معلوم.
السابعة: لو نقب وأخذ النصاب وأحدث فيه حدثا ينقص به قيمته عن
النصاب ثم أخرجه مثل إن خرق الثوب أو ذبح الشاة فلا قطع، ولو أخرج نصابا
فنقصت قيمته قبل المرافعة ثبت القطع.
الثامنة: لو ابتلع داخل الحرز ما قدره نصاب كاللؤلؤة فإن كان يتعذر اخراجه
فهو كالتالف فلا حد ولو اتفق خروجها بعد خروجه فهو ضامن، وإن كان خروجها
مما لا يتعذر بالنظر إلى عادته قطع لأنه يجري مجرى إيداعها في الوعاء.
الباب السادس: في حد المحارب:
المحارب كل من جرد السلاح لإخافة الناس في بر أو بحر ليلا كان أو نهارا في
مصر وغيره، وهل يشترط كونه من أهل الريبة؟ فيه تردد أصحه أنه لا يشترط مع
العلم بقصد الإخافة.
ويستوي في هذا الحكم الذكر والأنثى إن اتفق، وفي ثبوت هذا الحكم للمجرد
مع ضعفه عن الإخافة تردد أشبهه الثبوت ويجتزئ بقصده، ولا يثبت هذا الحكم
للطليع ولا للردء.
وتثبت هذه الجناية بالإقرار ولو مرة وبشهادة رجلين عدلين ولا تقبل شهادة
النساء فيه منفردات ولا مع الرجال، ولو شهد بعض اللصوص على بعض لم يقبل
وكذا شهد المأخوذون بعضهم لبعض، أما لو قالوا: اعرضوا لنا، أو أخذوا هؤلاء،
قبل لأنه لا ينشأ من ذلك تهمة تمنع الشهادة.
350

وحد المحارب القتل أو الصلب أو القطع مخالفا أو النفي، وقد تردد فيه
الأصحاب فقال المفيد: بالتخيير، وقال الشيخ أبو جعفر رحمه الله: بالترتيب يقتل إن
قتل. ولو عفا ولي الدم قتله الإمام.
ولو قتل وأخذ المال استعيد منه وقطعت يده اليمنى ورجله اليسرى ثم قتل
وصلب وإن أخذ المال ولم يقتل قطع مخالفا ونفي، ولو جرح ولم يأخذ المال اقتص
منه ونفي، ولو اقتصر على شهر السلاح والإخافة نفي لا غير، واستند في التفصيل إلى
الأحاديث الدالة عليه وتلك الأحاديث لا تنفك عن ضعف في إسناد أو اضطراب في
متن أو قصور في دلالة فالأولى العمل بالأول تمسكا بظاهر الآية.
وههنا مسائل:
الأولى: إذا قتل المحارب غير طلبا للمال تحتم قتله فورا إن كان المقتول
كفؤا ومع عفو الولي حد سواء كان المقتول كفؤا أو لم يكن، ولو قتل لا طلبا
للمال كان كقاتل العمد وأمره إلى الولي. أما لو جرح طلبا للمال كان القصاص
إلى الولي، ولا يتحتم الاقتصاص في الجرح بتقدير أن يعفو الولي على الأظهر.
الثانية: إذا تاب قبل القدرة عليه سقط الحد ولم يسقط ما يتعلق به من حقوق
الناس كالقتل والجرح والمال، ولو تاب بعد الظفر به لم يسقط عنه حد ولا قصاص
ولا غرم.
الثالثة: اللص محارب فإذا دخل دارا متغلبا كان لصاحبها محاربته، فإن أدى
الدفع إلى قتله كان دمه هدرا ضائعا لا يضمنه الدافع ولو جنى اللص عليه ضمن
ويجوز الكف عنه، أما لو أراد نفس المدخول عليه فالواجب الدفع ولا يجوز
الاستسلام والحال هذه ولو عجز عن المقاومة وأمكن الهرب وجب.
الرابعة: يصلب المحارب حيا على القول بالتخيير، ومقتولا على القول الآخر.
الخامسة: لا يترك على خشبته أكثر من ثلاثة أيام ثم ينزل ويغسل ويكفن
ويصلى عليه ويدفن، ومن لا يصلب إلا بعد القتل لا يفتقر إلى تغسيله لأنه يقدمه
351

أمام القتل.
السادسة: ينفى المحارب عن بلده ويكتب إلى كل بلد يأوي إليه بالمنع من
مؤاكلته ومشاربته ومجالسته ومبايعته، ولو قصد بلاد الشرك منع منها، ولو مكنوه من
دخولها قوتلوا حتى يخرجوه.
السابعة: لا يعتبر في قطع المحارب أخذ النصاب وفي الخلاف: يعتبر. ولا
انتزاعه من حرز وعلى ما قلناه من التخيير لا فائدة في هذا البحث ولأنه يجوز قطعه
وإن لم يأخذ مالا، وكيفية قطعه أن تقطع يمناه ثم تحسم ثم تقطع رجله اليسرى
وتحسم ولو لم تحسم في الموضعين جاز، ولو فقد أحد العضوين اقتصرنا على قطع
الموجود ولم ينتقل إلى غيره.
الثامنة: لا يقطع المستلب ولا المختلس ولا المحتال على الأموال بالتزوير
والرسائل الكاذبة بل يستعاد منه المال ويعزر، وكذا المبنج ومن سقى غيره مرقدا
لكن إن جنى ذلك شيئا ضمن الجناية.
القسم الثاني من كتاب الحدود:
وفيه أبواب:
الباب الأول: في المرتد:
وهو الذي يكفر بعد الاسلام، وله قسمان:
الأول: من ولد على الاسلام وهذا لا يقبل إسلامه لو رجع ويتحتم قتله، وتبين
منه زوجته وتعتد منه عدة الوفاة، وتقسم أمواله بين ورثته وإن التحق بدار الحرب أو
اعتصم بما يحول بين الإمام وبين قتله.
ويشترط في الارتداد: البلوغ وكمال العقل والاختيار، فلو أكره كان نطقه
بالكفر لغوا، ولو ادعى الإكراه مع وجود الأمارة قبل.
ولا تقتل المرأة بالردة بل تحبس دائما وإن كانت مولودة على الفطرة، وتضرب
أوقات الصلوات.
352

القسم الثاني: من أسلم عن كفر ثم ارتد فهذا يستتاب فإن امتنع قتل،
واستتابته واجبة. وكم يستتاب؟ قيل: ثلاثة أيام، وقيل: القدر الذي يمكن معه
الرجوع، والأول مروي وهو حسن لما فيه من الثاني لإزالة عذره.
ولا يزول عنه أملاكه بل تكون باقية عليه، وينفسخ العقد بينه وبين زوجته
ويقف نكاحها على انقضاء العدة وهي كعدة المطلقة، وتقضى من أمواله ديونه وما
عليه من الحقوق الواجبة ويؤدى منه نفقة الأقارب ما دام حيا، وبعد قتله تقضى
ديونه وما عليه من الحقوق الواجبة دون نفقة الأقارب.
ولو قتل أو مات كانت تركته لورثته المسلمين فإن لم يكن له وارث مسلم فهو
للإمام ع، وولده بحكم المسلم فإن بلغ مسلما فلا بحث، فإن اختار
الكفر بعد بلوغه استتيب فإن تاب وإلا قتل.
ولو قتله قاتل قبل وصفه بالكفر قتل به سواء قتله قبل بلوغه أو بعده، ولو ولد بعد
الردة وكانت أمه مسلمة كان حكمه كالأول وإن كانت مرتدة والحمل بعد
ارتدادهما كان بحكمهما لا يقتل المسلم بقتله، وهل يجوز استرقاقه؟ تردد الشيخ:
فتارة يجيزه لأنه كافر بين كافرين وتارة يمنع لأن أباه لا يسترق لتحرمه بالإسلام
وكذا الولد، وهذا أولى.
ويحجر الحاكم على أمواله لئلا يتصرف فيها بالإتلاف، فإن عاد فهو أحق بها
وإن التحق بدار الكفر بقيت على الاحتفاظ ويباع منها ما يكون له الغبطة في بيعه
كالحيوان.
مسائل من هذا الباب:
الأولى: إذا تكرر الارتداد قال الشيخ: يقتل في الرابعة، وقال: وروى
أصحابنا: يقتل في الثالثة أيضا.
الثانية: الكافر إذا أكره على الاسلام فإن كان ممن يقر على دينه لم يحكم
بإسلامه، وإن كان ممن لا يقر حكم به.
353

الثالثة: إذا صلى بعد ارتداده لم يحكم بعوده سواء فعل ذلك في دار الحرب أو
دار الاسلام.
الرابعة: قال الشيخ رحمه الله في المبسوط: السكران يحكم بإسلامه وارتداده،
وهذا يشكل مع اليقين بزوال تميزه وقد رجع في الخلاف.
الخامسة: كل ما يتلفه المرتد على المسلم يضمنه في دار الحرب أو دار الاسلام
حالة الحرب وبعد انقضائها وليس كذلك الحربي، وربما حظر اللزوم في الموضعين
لتساويهما في سبب الغرم.
السادسة: إذا جن بعد ردته لم يقتل لأن قتله مشروط بالامتناع عن التوبة، ولا
حكم لامتناع المجنون.
السابعة: إذا تزوج المرتد لم يصح سواء تزوج بمسلمة أو كافرة لتحرمه بالإسلام
المانع من التمسك بعقدة الكافرة واتصافه بالكفر المانع من نكاح المسلمة.
الثامنة: لو زوج بنته المسلمة لم يصح لقصور ولايته عن التسلط على المسلم،
ولو زوج أمته ففي صحة نكاحها تردد أشبهه الجواز.
التاسعة: كلمة الاسلام أن يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول
الله، وإن قال مع ذلك: وأبرأ من كل دين غير الاسلام، كان تأكيدا ويكفي
الاقتصار على الأول. ولو كان مقرا بالله سبحانه وبالنبي ص جاحدا
عموم نبوته أو وجوده احتاج إلى زيادة تدل على رجوعه عما جحده.
تتمة: فيها مسائل:
الأولى: الذمي إذا نقض العهد ولحق بدار الحرب فأمان أمواله باق، فإن مات
ورثه وارثه الذمي والحربي وإذا انتقل الميراث إلى الحربي زال الأمان عنه، وأما
الأولاد الأصاغر فهم باقون على الذمة ومع بلوغهم يخيرون بين عقد الذمة لهم بأداء
الجزية وبين الانصراف إلى مأمنهم.
الثانية: إذا قتل المرتد مسلما عمدا فللولي قتله قودا ويسقط قتل الردة ولو عفا
354

الولي قتل بالردة، ولو قتل خطأ كانت الدية في ماله مخففة مؤجلة لأنه لا عاقلة له
على تردد، ولو قتل أو مات حلت كما تحل الأموال المؤجلة.
الثالثة: إذا تاب المرتد فقتله من يعتقد بقاءه على الردة قال الشيخ: يثبت القود
لتحقق قتل المسلم ظلما ولأن الظاهر أنه لا يطلق الارتداد بعد توبته، وفي القصاص
تردد لعدم القصد إلى قتل المسلم.
الباب الثاني: في إتيان البهائم ووطء الأموات وما يتبعه:
إذا وطأ البالغ العاقل بهيمة مأكولة اللحم كالشاة والبقرة تعلق بوطئها أحكام
تعزير الواطئ وإغرامه ثمنها إن لم تكن له وتحريم الموطوءة ووجوب ذبحها
وإحراقها.
أما التعزير فتقديره إلى الإمام، وفي رواية: يضرب خمسة وعشرين سوطا، وفي
أخرى: الحد، وفي أخرى: يقتل، والمشهور الأول.
أما التحريم فيتناول لحمها ولبنها ونسلها تبعا لتحريمها، والذبح إما تلقيا أو لما
لا يؤمن من شياع نسلها وتعذر اجتنابه، وإحراقها لئلا تشتبه بعد ذبحها بالمحللة.
وإن كان الأمر الأهم فيها ظهرها لا لحمها كالخيل والبغال والحمير لم تذبح.
وأغرم الواطئ ثمنها لصاحبها وأخرجت من بلد الواقعة وبيعت في غيره إما عبادة لا
لعلة مفهومة لنا أو لئلا يعير بها صاحبها، وما الذي يصنع في ثمنها؟ قال بعض
الأصحاب: يتصدق به، ولم أعرف المستند. وقال الآخرون: يعاد على المغترم وإن
كان الواطئ هو المالك دفع إليه، وهو أشبه.
ويثبت هذا بشهادة رجلين عدلين - ولا يثبت بشهادة النساء انفردن أو
انضممن - وبالإقرار ولو مرة إن كانت الدابة له وإلا ثبت التعزير حسب وإن تكرر
الإقرار، وقيل: لا يثبت إلا بالإقرار مرتين، وهو غلط. ولو تكرر مع تخلل التعزير
ثلاثا قتل في الرابعة.
ووطء الميتة من بنات آدم كوطء الحية في تعلق الإثم والحد واعتبار الإحصان
355

وعدمه وهنا الجناية أفحش فتغلظ العقوبة زيادة عن الحد بما يراه الإمام، ولو كانت
زوجته اقتصر في التأديب على التعزير وسقط الحد بالشبهة.
وفي عدد الحجة على ثبوته خلاف، قال بعض الأصحاب: يثبت بشاهدين لأنه
شهادة على فعل واحد بخلاف الزنى بالحية، وقال بعض الأصحاب: لا يثبت إلا
بأربعة لأنه زنى ولأن شهادة الواحد قذف فلا يندفع الحد إلا بتكملة الأربعة، وهو
أشبه. أما الإقرار فتابع للشهادة فمن اعتبر في الشهود أربعة اعتبر في الإقرار مثله،
ومن اقتصر على شاهدين قال في الإقرار كذلك.
مسألتان:
الأولى: من لاط بميت كان كمن لاط بحي ويعزر تغليظا.
الثانية: من استمنى بيده عزر وتقديره منوط بنظر الإمام، وفي رواية: أن عليا
ع ضرب يده حتى احمرت وزوجه من بيت المال، وهو تدبير استصلحه لا
أنه من اللوازم. ويثبت بشهادة عدلين أو الإقرار ولو مرة، وقيل: لا يثبت بالمرة،
وهو وهم.
الباب الثالث: في الدفاع:
للإنسان أن يدفع عن نفسه وحريمه وماله ما استطاع ويجب اعتماد الأسهل، فلو
اندفع الخصم بالصياح اقتصر عليه - إن كان في موضع يلحقه المنجد - وإن لم
يندفع عول على اليد، فإن لم تغن فبالعصا، فإن لم يكف فبالسلاح.
ويذهب دم المدفوع هدرا جرحا كان أو قتلا ويستوي في ذلك الحر والعبد، ولو
قتل الدافع كان كالشهيد.
ولا يبدأه ما لم يتحقق قصده إليه، وله دفعه ما دام مقبلا، ويتعين الكف مع
إدباره.
ولو ضربه فعطله لم يذفف عليه لاندفاع ضرره، ولو ضربه مقبلا فقطع يده فلا
356

ضمان على الضارب في الجرح ولا في السراية، ولو ولى فضربه أخرى فالثانية
مضمونة فإن اندملت فالقصاص في الثانية، ولو اندملت الأولى وسرت الثانية ثبت
القصاص في النفس، ولو سرتا فالذي يقتضيه المذهب ثبوت القصاص بعد رد نصف
الدية.
ولو قطع يده مقبلا ورجله مدبرا ثم يده مقبلا ثم سرى الجميع قال في المبسوط
: عليه ثلث الدية إن تراضيا بالدية وإن أراد الولي القصاص جاز بعد رد ثلثي الدية.
أما لو قطع يده ثم رجله مقبلا ويده الأخرى مدبرا وسرى الجميع فإن توافقا على الدية
فنصف الدية وإن طلب القصاص رد نصف الدية.
والفرق أن الجرحين هنا تواليا فجريا مجرى الجرح الواحد وليس كذلك في
الأولى، وفي الفرق عندي ضعف، والأقرب أن الأولى كالثانية لأن جناية الطرف
يسقط اعتبارها مع السراية كما لو قطع يده وآخر رجله ثم قطع الأول يده الأخرى
فمع السراية هما سواء في القصاص والدية.
مسائل من هذا الباب:
الأولى: لو وجد مع زوجته أو مملوكته أو غلامه من ينال دون الجماع فله دفعه،
فإن أتى الدفع عليه فهو هدر.
الثانية: من اطلع على قوم فلهم زجره، فلو أصر فرموه بحصاة أو عود فجنى ذلك
عليه كانت الجناية هدرا ولو بادره من غير زجر ضمن، ولو كان المطلع رحما لنساء
صاحب المنزل اقتصر على زجره ولو رماه والحال هذه فجنى عليه ضمن، ولو كان من
النساء مجردة جاز زجره ورميه لأنه ليس للمحرم هذا الاطلاع.
الثالثة: لو قتله في منزله فادعى أنه أراد نفسه أو ماله وأنكر الورثة فأقام هو
البينة أن الداخل عليه كان ذا سيف مشهور مقبلا على صاحب المنزل كان ذلك
علامة قاضية برجحان قول القاتل ويسقط الضمان.
الرابعة: للإنسان دفع الدابة الصائلة عن نفسه، فلو تلفت بالدفع فلا ضمان.
357

الخامسة: لو عض على يد انسان فانتزع المعضوض يده فندرت أسنان العاض
كانت هدرا، ولو عدل إلى تخليص نفسه بلكمه أو جرحه إن تعذر التخلص بالأخف
جاز، ولو تعذر ذلك جاز أن يبعجه بسكين أو خنجر، ومتى قدر على التخلص
بالأسهل فتخطى إلى الأشق ضمن.
السادسة: الزحفان العاديان يضمن كل منهما ما يجنيه على الآخر، ولو كف
أحدهما فصال الآخر فقصد الكاف الدفع لم يكن عليه ضمان إذا اقتصر على ما
يحصل به الدفع والآخر يضمن، ولو تجارح اثنان وادعى كل منهما أنه قصد الدفع
عن نفسه حلف المنكر وضمن الجارح.
السابعة: إذا أمره الإمام بالصعود إلى نخلة أو النزول إلى بئر فمات فإن أكرهه
قيل: كان ضامنا لديته - وفي هذا الفرض منافاة للمذهب ويتقدر في نائبه - ولو
كان ذلك لمصلحة عامة كانت الدية في بيت المال، وإن لم يكرهه فلا دية أصلا.
الثامنة: إذا أدب زوجته تأديبا مشروعا فماتت قال الشيخ: عليه ديتها لأنه
مشروط بالسلامة، وفيه تردد لأنه من جملة التعزيرات السائغة. ولو ضرب الصبي
أبوه أو جده لأبيه فمات فعليه ديته في ماله.
التاسعة: من به سلعة إذا أمر بقطعها فمات فلا دية له على القاطع، ولو كان
مولى عليه فالدية على القاطع إن كان وليا كالأب والجد للأب، وإن كان أجنبيا
ففي القود تردد والأشبه الدية في ماله لا القود لأنه لم يقصد القتل.
358

المختصر النافع
لأبي القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن بن أبي زكريا
يحيى بن الحسن بن سعيد الهذلي المشتهر بالمحقق وبالمحقق الحلي
602 - 676 ه‍ ق
359

كتاب الحدود التعزيرات
وفيه فصول:
الفصل الأول: في حد الزنى:
والنظر في الموجب والحد واللواحق:
النظر الأول في الموجب: فهو إيلاج الانسان فرجه في فرج امرأة من غير عقد ولا ملك ولا
شبهة، ويتحقق بغيبوبة الحشفة قبلا أو دبرا، ويشترط في ثبوت الحد: البلوغ والعقل
والعلم بالتحريم والاختيار.
فلو تزوج محرمة كالأم أو المحصنة سقط الحد مع الجهالة بالتحريم ويثبت مع
العلم ولا يكون العقد بمجرده شبهة في السقوط، ولو تشبهت الأجنبية بالزوجة فعليها
الحد دون واطئها وفي رواية: يقام عليها الحد جهرا وعليه سرا، وهي متروكة.
ولو وطئ المجنون عاقلة ففي وجوب الحد تردد - أوجبه الشيخان - ولا حد
على المجنونة.
ويسقط الحد بادعاء الزوجية وبدعوى ما يصلح شبهة بالنظر إلى المدعي، ولا
يثبت الإحصان الذي يجب معه الرجم حتى يكون الزاني بالغا حدا له فرج مملوك
بالعقد الدائم أو الملك يغدو عليه ويروح، ويستوي فيه المسلمة والذمية.
وإحصان المرأة كإحصان الرجل لكن يراعى فيها العقل إجماعا، ولا تخرج
المطلقة رجعية عن الإحصان وتخرج البائن وكذا المطلق.
ولو تزوج معتدة عالما حد مع الدخول وكذا المرأة، ولو ادعيا الجهالة أو أحدهما
361

قبل على الأصح إذا كان ممكنا في حقه.
ولو راجع المخالع لم يتوجه عليه الرجم حتى يطأ، وكذا العبد لو أعتق
والمكاتب إذا تحرر.
ويجب الحد على الأعمى، فإن ادعى الشبهة فقولان أشبههما القبول مع
الاحتمال.
وفي التقبيل والمضاجعة والمعانقة التعزير.
ويثبت الزنى بالإقرار أو البينة ولا بد بلوغ المقر وكماله واختياره
وحريته وتكرار الإقرار أربعا، وهل يشترط اختلاف مجالس الإقرار؟ أشبه أنه لا يشترط.
ولو أقر بحد ولم يبينه ضرب حتى ينهى عن نفسه، ولو أقر بما يوجب الرجم
ثم أنكر سقط عنه ولا يسقط غيره، ولو أقر ثم تاب كان الإمام مجزئ في الإقامة
رجما كان أو غيره.
ولا يكفي في البينة أقل من أربعة رجال أو ثلاثة وامرأتين، ولو شهد رجلان
وأربع نساء يثبت بهم الجلد لا الرجم.
ولا تقبل شهادة ست نساء ورجل ولا شهادة النساء منفردات، ولو شهد
ما دون الأربع لم يثبت وحدوا للفرية.
ولا بد في الشهادة من ذكر المشاهدة كالميل في المكحلة، ولا بد من تواردهم
على الفعل الواحد في الزمان الواحد والمكان الواحد، ولو أقام الشهادة بعض حدوا
لو لم يرتقب إتمام البينة. وتقبل شهادة الأربعة على الاثنين فما زاد.
ولا يسقط الحد بالتوبة بعد قيام البينة، ويسقط لو كانت قبلها رجما كان أو
غيره.
النظر الثاني: في الحد: يجب القتل على الزاني بالمحرمة كالأم والبنت والحق
الشيخ كذلك امرأة الأب، وكذا يقتل الذمي إذا زنى بالمسلمة والزاني قهرا ولا يعتبر
الإحصان، ويتساوى فيه الحر والعبد والمسلم والكفر، وفي جلده قبل القتل تردد.
362

ويجب الرجم على المحصن إذا زنى ببالغة عاقلة، ويجمع للشيخ والشيخة بين
الحد والرجم إجماعا، وفي الشاب روايتان أشبههما الجمع.
ولا يجب الرجم بالزنى بالصغيرة والمجنونة ويجب الجلد وكذا لو زنى بالمحصنة
صغير، ولو زنى بها المجنون لم يسقط عنها الرجم.
ويجز رأس البكر مع الحد ويغرب عن بلده سنة - والبكر من ليس بمحصن
وقيل: الذي أملك ولم يدخل - ولا تغريب على المرأة ولا جز.
والمملوك يجلد خمسين ذكرا كان أو أنثى محصنا أو غير محصن، ولا جز على
أحدهما ولا تغريب.
ولو تكرر الزنى كفى حد واحد، ولو حد مع كل واحد مرة قتل في الثالثة
وقيل: في الرابعة، وهو أحوط.
والمملوك إذا أقيم عليه حد الزنى سبعا قتل في الثامنة وقيل: في التاسعة،
وهو أولى.
وللحاكم في الذمي الخيار في إقامة الحد عليه وتسليمه إلى أهل نحلته ليقيموا
الحد على معتقدهم.
ولا يقام على الحامل حد ولا قصاص حتى تضع وتخرج من نفاسها وترضع
الولد، ولو وجد له كافل جاز.
ويرجم المريض والمستحاضة ولا يحد أحدهما حتى يبرأ، ولو رأى الحاكم
التعجيل ضربه بالضغث المشتمل على العدد.
ولا يسقط الحد باعتراض الجنون، ولا يقام في الحر الشديد ولا البرد الشديد
ولا في أرض العدو ولا على من التجأ إلى الحرم ويضيق عليه في المطعم والمشرب
حتى يخرج للإقامة، ولو أحدث في الحرم ما يوجب حدا حد فيه.
وإذا اجتمع الحد والرجم جلد أولا.
ويدفن المرجوم إلى حقوية والمرأة إلى صدرها، فإن فر أعيد ولو ثبت الموجب
بالإقرار لم يعد، وقيل: إن لم تصبه الحجارة أعيد. ويبدأ الشهود بالرجم، ولو كان
363

مقرا بدأ الإمام.
ويجلد الزاني قائما مجردا، وقيل: إن بثيابه جلد بها أشد الضرب، وقيل:
متوسطا. ويفرق على جسده ويتقى فرجه ووجهه، وتضرب المرأة جالسة وتربط
ثيابها.
ولا تضمن ديته ولو قتله الحد، ويدفن المرجوم عاجلا، ويستحب إعلام
الناس ليتوفروا، ويجب أن يحضره طائفة وقيل: يستحب، وأقلها واحد.
النظر الثالث: في اللواحق:
وفيه مسائل:
الأولى: إذا شهد أربعة بالزنى قبلا فشهدت أربع نساء بالبكارة فلا حد،
وفي حدود الشهود قولان.
الثانية: إذا كان الزوج أحد الأربعة فيه روايتان، ووجه السقوط أن يسبق
منه القذف.
الثالثة: يقيم الحاكم حدود الله تعالى، أما حقوق الناس فتقف على المطالبة.
الرابعة: من افتض بكرا بإصبعه فعليه مهرها، ولو كانت أمة فعليه عشر
قيمتها.
الخامسة: من زوج أمته ثم وطئها فعليه الحد.
السادسة: من أقر أنه زنى بفلانة فعليه مع تكرار الإقرار حدان، ولو أقر مرة
فعليه حد القذف وكذا المرأة وفيهما تردد.
السابعة: من تزوج أمة على حرة مسلمة فوطئها قبل الإذن فعليه ثمن حد
الزنى.
الثامنة: من زنى في زمان شريف أو مكان شريف عوقب زيادة على الحد.
الفصل الثاني: في اللواط والسحق والقيادة:
فاللواط يثبت بالإقرار أربعا ولو أقر دون ذلك عزر، ويشترط في المقر
التكليف والاختيار والحرية فاعلا كان أو مفعولا.
364

ولو شهد أربعة يثبت ولو كانوا دون ذلك حدوا، ويقتل ولو لاط بصغير أو
مجنون ويؤدب الصغير، ولو كانا بالغين قتلا وكذا لو لاط بعبده، ولو ادعى العبد
الكراهة درئ عنه الحد.
ولو لاط الذمي بمسلم قتل ولو لم يوقب، ولو لاط بمثله فللإمام الإقامة أو
دفعه إلى أهل ملته ليقيموا عليه حدهم.
وموجب الإيقاب القتل للفاعل والمفعول إذا كان بالغا عاقلا، ويستوي فيه
كل موقب.
ولا يحد المجنون ولو كان فاعلا على الأصح.
والإمام مجزئ في الموقب بين قتله ورجمه وإلقائه من جدار وإحراقه، ويجوز
أن يضم الإحراق إلى غيره من الآخرين.
ومن لم يوقب فحده مائة على الأصح ويستوي فيه الحر والعبد، ولو تكرر مع
الحد قتل في الرابعة على الأشبه.
ويعزر المجتمعان تحت إزار مجردين ولا رحم بينهما من ثلاثين سوطا إلى تسعة
وتسعين، ولو تكرر مع تكرار التعزير حدا في الثالثة، وكذا يعزر من قبل غلاما
بشهوة.
ويثبت السحق بما يثبت به اللواط، والحد فيه مائة جلدة حرة كانت أو أمة
محصنة كانت أو غير محصنة للفاعلة والمفعولة، وقال في النهاية: ترجم مع الإحصان
وتقتل المساحقة في الرابعة مع تكرار الحد ثلاثا.
ويسقط الحد بالتوبة قبل البينة كاللواط ولا يسقط بعد البينة.
ويعزر المجتمعتان تحت إزار واحد مجردتين، ولو تكرر مرتين مع التعزير أقيم
عليهما الحد في الثالثة، ولو عادتا قال في النهاية: قتلتا.
مسألتان:
الأولى: لا كفالة في الحد ولا تأخير إلا لعذر، ولا شفاعة في إسقاطه.
الثانية: لو وطأت زوجته مساحقة بكرا فحملت من مائه فالولد له، وعلى
365

زوجته الحد والمهر وعلى الصبية الجلد.
وأما القيادة فهي الجمع بين الرجال والنساء للزنى أو الرجال والصبيان
للواط، ويثبت بشاهدين أو الإقرار مرتين، والحد فيه خمس وسبعون جلدة، وقيل:
يحلق رأسه ويشهر.
ويستوي فيه الحر والعبد والمسلم والكافر وينفى بأول مرة، وقال المفيد: في
الثانية، والأول مروي.
ولا نفي على المرأة ولا جز.
الفصل الثالث: في حد القذف:
ومقاصده أربعة:
الأول: في الموجب: وهو الرمي بالزنى أو اللواط، وكذا لو قال: يا منكوحا
في دبره، بأي لغة اتفق إذا كانت مفيدة للقذف في عرف القائل ولا يحد مع جهالته
فائدتها. وكذا لو قال لمن أقر بنوته: لست ولدي.
ولو قال: زنى بك أبوك، فالقذف لأبيه، أو زنت بك أمك، فالقذف لأمه،
ولو قال: يا ابن الزانيين، فالقذف لهما.
ويثبت الحد إذا كانا مسلمين ولو كان المواجه كافرا.
ولو قال للمسلم: يا ابن الزانية، وأمه كافرة فالأشبه التعزير وفي النهاية:
يحد.
ولو قال: يا زوج الزانية، فالحد لها. ولو قال: يا أبا الزانية، أو يا أخا
الزانية، فالحد للمنسوبة إلى الزنى دون المواجه. ولو قال: زنيت بفلانة، فللمواجه
حد وفي ثبوته للمرأة تردد.
والتعريض يوجب التعزير، وكذا لو قال لامرأته: لم أجدك عذراء.
ولو قال لغيره ما يوجب أذى كالخسيس والوضيع وكذا لو قال: يا فاسق ويا
شارب الخمر، ما لم يكن متظاهرا.
ويثبت القذف بالإقرار مرتين من المكلف الحر المختار أو بشهادة عدلين،
366

ويشترط في القاذف البلوغ والعقل، فالصبي لا يحد بالقذف ويعزر وكذا
المجنون.
الثاني: في المقذوف: ويشترط فيه البلوغ وكمال العقل والحرية والإسلام
والستر.
فمن قذف صبيا أو مجنونا أو مملوكا أو كافرا أو متظاهرا بالزنى لم يحد بل يعزر
وكذا الأب لو قذف ولده، ويحد الولد لو قذفه وكذا الأقارب.
الثالث: في الأحكام: فلو قذف جماعة بلفظ واحد إن جاؤوا وطالبوا
مجتمعين وإن افترقوا فلكل واحد حد، وحد القذف يورث كما يورث المال ولا يرثه
الزوج ولا الزوجة.
ولو قال: ابنك زان، أو بنتك زانية، فالحد لها. وقال في النهاية: له المطالبة
والعفو.
ولو ورث الحد جماعة فعفا أحدهم كان لمن بقي الاستيفاء على التمام.
ويقتل القاذف في الرابعة إذا حد ثلاثا، وقيل: في الثالثة. والحد ثمانون
جلدة حرا كان القاذف أو عبدا، ويجلد بثيابه ولا يجرد ويضرب متوسطا.
ولا يعزر الكفارة مع التنابز.
الرابع: في اللواحق:
وهي مسائل:
الأولى: يقتل من سب النبي ص وكذا من سب أحد
الأئمة ع، ويحل دمه لكل سامع إذا أمن.
الثانية: يقتل مدعي النبوة وكذا من قال: لا أدري محمد - عليه الصلاة
والسلام - صادق أو لا، إذا كان على ظاهر الاسلام.
الثالثة: يقتل الساحر إذا كان مسلما، ويعزر إن كان كافرا.
الرابعة: يكره أن يزاد في تأديب الصبي عن عشرة أسواط، وكذا العبد لو
فعل استحب عتقه.
الخامسة: يعزر من قذف عبده أو أمته وكذا كل من عفل محرما أو ترك
واجبا.
367

بما دون الحد.
الفصل الرابع: في حد المسكر:
والنظر في أمور ثلاثة:
الأول: في الموجب: وهو تناول المسكر والفقاع اختيارا مع العلم بالتحريم،
ويشترط البلوغ والعقل.
فالتناول يعم الشارب والمستعمل في الأدوية والأغذية ويتعلق الحكم ولو
بالقطرة، وكذا العصير إذا غلى ما لم يذهب ثلثاه وكل ما حصلت فيه الشدة
المسكرة، ويسقط الحد عمن جهل المشروب أو التحريم ويثبت بشهادة عدلين أو
الإقرار مرتين من مكلف جر مختار.
الثاني: في الحد: وهو ثمانون جلدة ويستوي فيه الحر والعبد والكافر مع
التظاهر، ويضرب الشارب عريانا على ظهره وكتفيه ويتقى وجهه وفرجه ولا يحد
حتى يفيق، وإذا حد مرتين قتل في الثالثة وهو المروي، وقال الشيخ في الخلاف:
يقتل في الرابعة.
ولو شرب مرارا ولم يحد كفى حد واحد.
الثالث: في الأحكام:
وفيه مسائل:
الأولى: لو شهد واحد بشربها وآخر بقيئها حد.
الثانية: من شربها مستحلا استتيب، فإن تاب أقيم عليه الحد وإلا قتل،
وقيل: حكمه حكم المرتد، وهو قوي. ولا يقتل مستحل غير الخمر بل يحد
مستحلا ومحرما.
الثالثة: من باع الخمر مستحلا استتيب، فإن تاب وإلا قتل، وفيما سواها
يعزر.
الرابعة: لو تاب قبل قيام البينة سقط الحد ولا يسقط لو تاب بعد البينة، وبعد
368

الإقرار يتخير الإمام في الإقامة ومنهم من حتم الحد.
الفصل الخامس: في حد السرقة:
وهو يعتمد فصولا:
الأول: في السارق: ويشترط فيه التكليف وارتفاع الشبهة وألا يكون الوالد
من ولده وأن يهتك الحرز ويخرج المتاع بنفسه ويأخذ سرا.
فالقيود إذا ستة فلا يحد الطفل ولا المجنون لكن يعزران، وفي النهاية: يعفا
عن الطفل أولا فإن عاد أدب فإن عاد حكت أنامله حتى تدمى فإن عاد قطعت
أنامله فإن عاد قطع كما يقطع البالغ.
ولو سرق الشريك ما يظنه نصيبا لم يقطع.
وفي سرقة أحد الغانمين من الغنيمة روايتان: أحدهما لا يقطع، والأخرى:
يقطع لو زاد نصيبه عن قدر النصاب.
ولو هتك الحرز غيره وأخرج هو لم يقطع، والحر والعبد والمسلم والكافر
والذكر والأنثى سواء.
ولا يقطع عبد الانسان بسرقة ماله ولا عبد الغنيمة بالسرقة منها، ويقطع
الأجير إذا أحرز المال من دونه على الأظهر، والزوج والزوجة وكذا الضيف، وفي
رواية: لا يقطع.
وعلى السارق إعادة المال ولو قطع.
الثاني: في المسروق، ونصاب القطع ربع دينار ذهبا خالصا مضروبا بسكة
المعاملة أو ما قيمته، ذلك ولا بد من كونه محررا بقفل أو غلق أو دفن، وقيل: كل
موضع ليس لغير المالك دخوله إلا باذنه فهو حرز.
ولا يقطع من سرق من المواضع المأذون في غشيانها كالحمامات والمساجد،
وقيل: إذا كان المالك مراعيا للمال كان محرزا.
ولا يقطع من سرق من جيب انسان أو كمه الظاهرين ويقطع لو كانا باطنين.
369

ولا يقطع في الثمر على الشجر ويقطع سارقه بعد إحرازه، وكذا لا يقطع
في سرقة مأكول في عام مجاعة.
ويقطع من سرق مملوكا، ولو كان حرا فباعه قطع لفساده لا حدا.
ويقطع سارق الكفن لأن القبر حرز له، ويشترط بلوغه النصاب، وقيل: لا
يشترط لأنه ليس حد السرقة بل لحسم الجرأة. ولو نبش ولم يأخذ عزر، ولو تكرر
وفات السلطان جاز قتله ردعا.
الثالث: يثبت الموجب الإقرار مرتين أو بشهادة عدلين لو أقر مرة عزر ولم
يقطع، ويشترط في المقر التكليف والحرية والاختيار.
ولو أقر بالضرب لم يقطع، نعم لو رد السرقة بعينها قطع، وقيل: لا يقطع
لتطرق الاحتمال، وهو أشبه.
الرابع: في الحد: وهو قطع الأصابع الأربع من اليد اليمنى وتترك الراحة
والإبهام، ولو سرق بعد ذلك قطعت رجله اليسرى من مفصل القدم ويترك
العقب، ولو سرق ثلاثة حبس دائما، ولو سرق في السجن قتل.
ولو تكررت السرقة من غير حد كفى واحد.
ولا تقطع اليسار مع وجود اليمنى بل تقطع اليمنى ولو كانت شلاء وكذا لو
كانت اليسار شلاء، ولو لم يكن يسار قطع اليمنى وفي الرواية: لا تقطع.
وقال الشيخ في النهاية: ولو لم يكن يسار قطعت رجله اليسرى ولو لم يكن له
رجل لم يكن عليه أكثر من الحبس، وفي الكل تردد.
ويسقط الحد بالتوبة قبل البينة لا بعدها، ويتخير الإمام معها بالإقرار في
الإقامة على رواية فيها ضعف والأشبه تحتم الحد ولا يضمن سراية الحد.
الخامس: في اللواحق:
وفيه المسائل:
الأولى: إذا سرق اثنان نصابا قال في النهاية: يقطعان، وفي الخلاف اشترط
نصيب كل واحد نصابا.
370

الثانية: لو قامت الحجة بالسرقة ثم أمسك ليقطع ثم شهدت عليه بأخرى
قال في النهاية: قطعت يده بالأولى ورجله بالأخرى، وبه رواية والأولى التمسك
بعصمة الدم إلا في موضع اليقين.
الثالثة: قطع السارق موقوف على مرافعة المسروق منه، فلو لم يرافعه لم يرفعه
الإمام، ولو رافعه لم يسقط الحد، ولو وهبه قطع.
الفصل السادس: في المحارب:
وهو كل مجرد سلاحا في بر أو بحر ليلا أو نهارا لإخافة السابلة وإن لم يكن
من أهلها على الأشبه، ويثبت ذلك بالإقرار ولو مرة أو بشهادة عدلين.
ولو شهد بعض اللصوص على بعض لم تقبل، وكذا لو شهد بعض
المأخوذين لبعض.
وحده القتل أو الصلب أو القطع مخالفا أو النفي، وللأصحاب اختلاف قال
المفيد: بالتخيير، وهو الوجه. وقال الشيخ: بالترتيب يقتل إن قتل ولو عفا ولي
الدم قتل حدا ولو قتل وأخذ المال استعيد منه وقطعت يده اليمنى ورجله اليسرى
ثم قتل وصلب وإن أخذ المال ولم يقتل قطع مخالفا ونفي ولو جرح ولم يأخذ المال
اقتص منه ونفي ولو شهر السلاح نفي لا غير.
ولو تاب قبل القدرة عليه سقطت العقوبة ولم تسقط حقوق الناس، ولو تاب
بعد ذلك لم تسقط.
ويصلب المحارب حيا على القول بالتخيير ومقتولا على القول الآخر، ولا
يترك على خشبته أكثر من ثلاثة أيام وينزل ويغسل على القول بصلبه حيا ويكفن
ويصلى عليه ويدفن.
وينفى المحارب عن بلده ويكتب بالمنع من مؤاكلته ومجالسته ومعاملته حتى
يتوب.
واللص محارب وللإنسان دفعه إذا غلب السلامة ولا ضمان على الدافع
ويذهب
371

دم المدفوع هدرا، وكذا لو كابر امرأة على نفسها أو غلاما فدفع فأدى إلى تلفه أو
دخل دارا فزجره ولم يخرج فأدى الزجر والدفع إلى تلفه أو ذهاب بعض أعضائه ولو
ظن العطب سلم المال.
ولا يقطع المستلب ولا المختلس ولا المحتال ولا المبنج ولا من سقى غيره مرقدا
بل يستعاد منهم ما أخذوا ويعزرون بما يردع.
الفصل السابع: في إتيان البهائم ووطء الأموات وما يتبعه:
إذا وطئ البالغ العاقل بهيمة مأكولة اللحم كالشاة والبقرة حرم لحمها ولحم
نسلها، ولو اشتبهت في قطيع قسم نصفين وأفرع هكذا حتى تبقى واحدة فتذبح
وتحرق ويغرم قيمتها إن لم تكن له.
ولو كان المهم ما يركب ظهرها لا لحمها كالبغل والحمار والدابة أغرم ثمنها إن
لم تكن له وأخرجت إلى غير بلده وبيعت.
وفي الصدقة بثمنها قولان والأشبه أنه يعاد عليه، ويعزر الواطئ على التقديرين.
ويثبت هذا الحكم بشهادة عدلين أو الإقرار ولو مرة ولا يثبت بشهادة النساء
منفردات ولا منضمات، ولو تكرر الوطء مع التعزير ثلاثا قتل في الرابعة.
ووطء الميتة كوطء الحية في الحد واعتبار الإحصان ويغلظ هنا، ولو كانت
زوجة فلا حد ويعزر، ولا يثبت إلا بأربعة شهود وفي رواية: يكفي اثنان لأنها
شهادة على واحد.
ومن لاط بميت كمن لاط بحي ويعزر زيادة على الحد.
ومن استمنى بيده عزر بما يراه الإمام، ويثبت بشهادة عدلين أو الإقرار مرتين ولو قيل: يكفي المرة، كان حسنا.
372

الجامع للشرائع
للشيخ أبي زكريا يحيى بن أحمد بن يحيى بن الحسن
بن سعيد الهذلي 601 - 689 أو 690 ه‍ ق
373

(باب حد الزنى والسحق واللواط والقيادة ووطي الميتة والبهيمة
وشرب المسكر وحكم المستمني بيده)
الزنى: وطئ محرمة الوطي بغير عقد ولا شبهة.
وتثبت: بشهادة أربعة رجال عدول بالمعاينة على اثنين وجماعة، أو شهادة ثلاثة
رجال وامرأتين ويجب الرجم، وبشهادة أربع نسوة ورجلين ويجب الحد دون الرجم،
صدقهم المشهود عليه أو كذبهم، وأدناه التقاء الختانين والحشفة في الدبر.
وبإقرار أربع مرات من حر، بالغ عاقل، وبشهادة شاهدين على إقراره
أربع مرات، وتنفق الشهود، فإن اختلفوا لم يثبت. فإن نسب بعضهم الزنى إلى
وقت أو مكان أو امرأة أو إكراه وبعضهم في غير الوقت أو غير المكان، أو غير المرأة
أو شك في عينها، أو الطوع، أو شهد دون أربعة، أو أربعة ولم يعدلوا، أو ردت
شهادة بعضهم بأمر جلي أو خفي، أو بعضهم معاينة وبعضهم بالمضاجعة، لم يثبت
الزنى.
ومن لم يشهد لم يحد. وقيل: إذا شهد بعضهم بالطوع وبعضهم بالإكراه
وجب الحد على الرجل، ومن شهد بالزنى ثم فسره بالمضاجعة فقط حد، ومن شهد
ثم رجع حد، ويحدون إذا ردت شهادتهم، أو شهادة بعضهم بالجلي ولا يحد
الباقون إن ردت شهادة بعضهم بخفي.
فإن حد ثم أعاد القول لم يحد.
وإن شهد ثلاثة في وقت ثم تم العدد في وقت آخر ثبت الزنى، وروي
لا نظرة
.
375

فيه ويحدون، وتدرأ الحدود بالشبهات.
ويتولى الحدود إمام الأصل أو خليفته أو من يأذنان له فيه، وروي: أن السيد
يقيم الحد على ما ملكت يمينه والوالد على ولده.
وللإمام الحكم بعلمه في حقوق الله كالزنى واللواط من غير مطالبة أحد وفي
حقوق الناس كالدين وحد السرقة عند المطالبة وخليفته كذلك، وقيل: لا يحكم
خليفته بعلمه في حقوق الله ويحكم به في حقوق الناس.
والزوج أحد الأربعة، فإن لم يعدل أو سبق بالقذف لاعن وحدوا.
فإن تشبهت امرأة لأجنبي بمنكوحته على فراشه حد سرا وحدت جهرا، وإن
تشبهت على أعمى حدا على الحدثين.
وإن ادعت المرأة إكراهها لم تحد إلا أن يكذبها البينة، ولا تقبل شهادة النساء
في الحدود وحددن إلا في الزنى بحيث ذكرنا.
وإن شهد الأربعة باجتماع الشخصين في إزار واحد وليسا بمحرم ولا ضرورة
دعتهما أو شهدوا بوطئ دون الفرج قبلت وعزرا ولا يقبل فيه دون الأربعة، فإن عاد
عزرا، فإن عادا جلدا مائة، فإن عادا قتلا.
فإن شهدوا أنه جلس منها مجلس الرجل من امرأته وجب الحد، رواه زرارة عن
أبي جعفر ع، وحمله بعض أصحابنا على التعزير أو الحد دون الرجم كما
حمل رواية زرارة عن أبي جعفر ع عن علي ع: إن أمكني الله
من المغيرة أقمت عليه الحد، وأقول قد كنى بجلوسه عنها مجلسه من امرأته عن الفعل
نفسه.
وإن شهدوا بالزنى في قبلها فشهد أربعة نسوة أنها بكر لم تحد ولم يحدوا.
وإذا شهدوا بالزنى ثم غابوا أو ماتوا لم يسقط الحد، وإن حضروا ووجب الرجم
رجموه قبل الناس، وإن ثبت بالإقرار رجمه الإمام ثم الناس ويجوز أن يوليه غيره.
ويحضر الحد طائفة أقلهم واحد، وينبغي أن لا يقيم الحد من لله في جنبه حد
مثله فإن تاب فهو كمن لا ذنب له، والمخدرة يرسل إليها من يحدها في منزلها والبرزة
376

تبرز للحد.
ومن أكره امرأة على نفسها قتل عبدا كان أو حرا شابا أو شيخا أو نصفا
محصنا أو غير محصن وعليه مهر نسائها إن كانت حرة، وإن كانت أمة بكرا فعشر
قيمتها وإن كانت ثيبا فنصف العشر.
ولو طاوعته الحرة أو الأمة الثيب لم يكن عليه مهر، فإن طاوعته البكر الأمة
فعليه لسيدها عشر قيمتها، ولا حد على مستكرهة.
وكذلك من زنى بذات محرم كالأم والبنت والأخت نسبا ورضاعا أو عقد
عليها ووطئها وهو يعرفها قتل وكذلك إن اشتراها فوطئها، فإن زنى بأخته فضرب
بالسيف ضربة فلم يمت فروي: أنه يحبس أبدا، فإن عقد عليها وهو لا يعرفها وهي
تعرفه قتلت هي إن وطئها، فإن لم يعلما فلا حد عليها.
ومن وطئ امرأة بعقد شبهة كعقد في إحرام وشبهه لم يحدا ويحد العالم
منهما، وكذلك الكافر إذا زنى بمسلمة فإن أسلم لم يسقط عنه ذلك فإن زنى بمثله
فللإمام أن يحده حد الاسلام من رجم أو جلد أو كليهما أو يرفعه إلى أهل دينه
ليحدوه بما يقتضيه دينهم.
ومن زنى بامرأة أبيه قتل بكل حال.
الإحصان: وإحصان الرجم هو أن يكون حرا بالغا عاقلا ذا زوجة دائم
نكاحها أو ملك يمين قد دخل بها وهو حاضر عندها أو بحكم الحاضر سواء كانت
الزوجة أو الأمة كافرة أو مسلمة فإنها تحصن سواء كان مسلما أو كافرا، والرجل
والمرأة سواء في ذلك والطلاق الرجعي كذلك.
فإن مات أحد الزوجين فزنى الباقي أو أبانها بطلاق أو فسخ فزنيا وجب الحد
دون الرجم.
والمملك والمملكة إذا زنيا وهما حران جلد كل واحد منهما مائة، ونفى الرجل
الحر عن مصره سنة بعد حلق رأسه فإن رجع لدون السنة رد ونفيه إلى أدنى بلد من
377

بلاد الاسلام إلى الشرك، ولا جز على امرأة ولا عبد ولا نفي.
وروى محمد بن قيس عن أبي جعفر ع: أن أمير المؤمنين ع
قضى في البكر والبكرة إذا زنيا بجلد مائة ونفي سنة في غير مصرهما، وهما اللذان قد
أملكا ولم يدخل بها فإن لم يكونا مملكين حدا ولم يجز ولم يغرب.
والمحصن يرجم فقط إلا الشيخ والشيخة فإنهما يجلدان ثم يتركان حتى يبرءا
ثم يرجمان.
السوط: السوط سوط بين سوطين بأشد الضرب يفرق على بدنه ويبقى رأسه
ووجهه ومذاكيره، ويكون الرجل قائما وعريانا تستر عورته إن وجد كذلك والمرأة
جالسة مربوطة الثياب على بدنها ولا يمددان.
الرجم: والرجم بأحجار صغار من وراء المرجوم يحفر له حفيرة إلى حقويه والمرأة
إلى صدرها فإذا مات صلى عليه ودفن، فإن فر من الحفيرة وكان الحد بالبينة رد
وإن حد بإقراره لم يرد، وقيل: يرد إلا أن يناله ألم الحجارة.
فإن أقر أربعا بما يوجب الرجم ثم رجع جلد ولم يرجم، وإن رجع فيما لا
يوجب الرجم كالقطع والحدود لم يقبل رجوعه.
وإن قامت عليه البينة بما يوجب الحد أو الرجم فتاب لم يسقط عنه وإن تاب
قبل قيامها سقط، وإن أقر ثم تاب فللإمام العفو عنه وإقامة الحد عليه أي الحدود
كان.
حد المملوك: العبد والأمة يجب عليهما في الزنى نصف الحد ولا إحصان لهما،
فإن أعتق ثم زنى وتحته امرأة جلد مائة ما لم يطأها بعد العتق، فإن وطئها بعده ثم
زنى فقد أحصن.
ولا يقبل إقرار الرقيق بالزنى والشرب لأنه ملك غيره ويثبت ذلك عليه بالبينة
378

كالحر، وإذا تكرر الزنى من الرق وتكرر الحد ثامنا قتل في التاسعة وأعطى
الإمام ثمنه من بيت المال، وإن تكرر زنى الحر والحرة والحد ثلاثا قتلا في الرابعة
فإن لم يحدوا بين ذلك حدوا واحدا فقط.
ويحد المجنون والمعتوه إذا زنى أو لاط أو ساحق - إن كان امرأة - على
المنصوص، والمفعول بها مجنونة تعزر.
ولا حد على مكره ولا على من أقر إكراها ولا على مدعي الزوجية إلا أن
يكذبه البينة، وإذا شرب المسكر ثم زنى أو ارتد وجبت عليه الحدود، وإن عين
الزاني من زنى بها أو الزانية فقد قذفهما، ويزاد على الحد من زنى في زمان أو مكان
شريفين بحسب ما يرى الإمام.
وإن زنى في حرم الله أو رسوله أو في حرم أحد مشاهد الأئمة ع
حد وزيدت عقوبته، فإن فعل في غيرها فلجأ إليها لم يطعم ولم يسق ولم يعامل حتى
يخرج فيحد ولم يحد فيه.
ومن وجد في بيته رجلا يزني بزوجته فقتله أقيد به إلا أن يقيم أربعة شهداء
بذلك فيهدر دمه، والعاقل إذا زنى بصبية أو مجنونة حد ولم يرجم وإن أحصن
والعاقلة إذا زنى بها المجنون أو الصبي تحد ولم ترجم وإن أحصنت.
وإذا زنى الرجل بأمة زوجته أو بأمته وقد زوجها حد أو رجم إن كان محصنا،
وإن زنت المرأة بعبدها حدا معا.
وإن سافر أحد الزوجين أدنى ما يقصر في مثله فزنى حد ولم يرجم،
والمحبوس لا يرجم ولو كان في مصر زوجته بل يحد.
والمدبر والمكاتب المشروط بحكم العبد، والمكاتب المطلق إذا أدى البعض ثم
زنى حد من حد الحر والعبد بحساب ذلك.
فإن زنى السيد بمكاتبته المطلقة وقد أدت حد بحساب الحرمة أو كانت بين
شريكين فوطئها أحدهما حد بحساب ما ليس له منها وقومت عليه إن أحبلها وغرم
لشريكه إن كانت بكرا من عشر قيمتها بحساب ما ليس له، وإن كانت ثيبا
379

من نصف العشر بالحساب وقوم عليه حصة شريكه من الولد يوم يولد لو كان عبدا.
ومن وطئ جارية من المغنم وله فيها حق قومت عليه وحد بما ليس له منها
وخص بها لأنه لا يؤمن حبلها.
فإن غاب عنها زوجها أو طلقها أو مات عنها فتزوجت ودخل بها وادعت
الجهالة وهي في دار الهجرة ناشئة لم يقبل منها وحدت وفرق بينهما وما أخذته منه
مهرا حرام عليها وإن وجده أخذه ويحد إن كان عالما بالحال، فإن باع امرأته فدخل
بها المشتري عالما بذلك قطعت يد الزوج ورجمت المرأة وحد المشتري وإن أحصن
رجم.
وإن غشي مطلقته بعد العدة حد، وإن غشي العبد زوجته الأمة بعد تطليقتين
حد كل منهما خمسين جلدة.
فإن أعتق أحد الشريكين في الأمة نصفها ثم وطأها الآخر طرح عنه خمسون جلدة
وجلد خمسين جلدة وطرح عنها ما عليه من العقر وهو نصف العشر في البكر وربع
العشر إن كانت ثيبا وسعت في الباقي.
والمريض ومن به القروح والمستحاضة إذا وجب عليهم الحد ورأى الإمام تأخيره
أخر حتى تبرأ وينقطع دم المستحاضة، وإن رأى التعجيل ضربه بعرجون وشبهه فيه
عدد الحد مرة واحدة، وإن وجب عليهم الرجم رجمهم ولم ينظرهم.
ولا يجلد من عليه الحد في السرات والهواجر وأرض العدو.
وإذا خافت امرأة على نفسها التلف عطشا فلم يسقها الماء إلا بإمكانه من
نفسها فلا حد عليها وحد هو.
وروي في من كرر الزنى بامرأة واحدة: أن عليه حدا واحدا وإن زنى بامرأتين
فصاعدا حد بعددهن.
ومن وجب عليه حدود لأفعال مختلفة لم تتداخل كحد قذف وشرب وزنى،
فإن كان فيها القتل بدئ بما ليس فيه القتل ثم قتل.
ولا يحد الوالد إذا زنى بجارية ولده بل يعزر ويحد الولد إن زنى بجارية والده،
380

ولا تحد الحامل حتى تضع وترضع.
ومن ثبت عليه الزنى ثم اختلط عقله أقيم عليه الحد، ومن أقر على نفسه ولم
يبينه ضرب حتى ينهي عن نفسه الحد.
وإن استأجر امرأة للوطء فوطئها حد.
ويعزر في الزنى واللواط والسحق وشرب المسكر والقذف غير البالغ.
وإذا زنت ذات بعل وحملت فولدت فقتلت الولد جلدت مائة لقتله ورجمت
للزنى، وإن لم تكن ذات بعل جلدت مائة لتقل ولدها ومائة للزنى.
وإذا افتض أمة بكرا بإصبعه فعليه عقرها وإن كانت حرة فمهر نسائها،
ويعزر بما يرى الإمام ولم يبلغ له المائة.
ومن وجد تحت فراش امرأة أجنبية مرع في مخرؤة ظهرا لبطن ثم خلى، وإن
خلى رجل بامرأة في بيت وهي أجنبية عزر، ولا يقام حد في المسجد.
ولا كفالة ولا يمين في حد، ولا شفاعة في حدود الله ولا في حد الناس بعد
الرفع إلى الإمام أو خليفته ويجوز في المال قبل الرفع وبعده إذا رضي صاحب الحق.
اللواط:
واللواط بالذكران بالإيقاب يوجب الرجم أو الإحراق بالنار أو يلقى من
عال أو يلقى عليه جدار أو يضرب عنقه، وله إحراقه بالنار إن لم يحرقه حيا.
وإن فخذ له وشبه ذلك فقيل: أن أحصنا رجما وإلا جلدا مائة، وقيل: يجب
الجلد مائة على الفاعل والمفعول له وإن أحصنا إذا كانا بالغين حرين كانا أو عبدين
مسلمين أو كافرين.
ويثبت ذلك بإقرار أربع مرات أو شهادة أربعة رجال عدول لا غير معاينة،
وإن لاط بمملوكه فكذلك فإن ادعى المملوك الإكراه درئ عنه الحد.
ويحد المجنون فاعلا لا مفعولا به، ويحد اللائط بالمجنون.
ويقتل الكافر إذا لاط بمسلم وإن لاط كافر بمثله فللإمام إقامة الحد عليهما أو
381

رفعهما إلى أهل دينهما.
ويعزر الصبي فاعلا ومفعولا به من غير أن يبلغ الحد.
وإن وجد رجلان أو رجل وغلام في إزار مجردين عزرا بما دون مائة على رأي
الإمام، فإن عادا أدبا، فإن عادا فالحد كاملا.
ويعزر من قبل غلاما غير محرم له، فإن قبله في حال الإحرام غلظت
عقوبته، وروي: أنه يضرب مائة سوط.
والمتلوط غير الموقب إذا تكرر منه ذلك ثلاثا وحد فيها قتل في الرابعة.
السحق:
والحد في السحق مائة جلدة على المرأتين البالغتين، والمحصنة وغير المحصنة
والحرة والأمة والكافرة والمسلمة في ذلك سواء وقيل: يرجمان إذا أحصنتا. ويثبت
بالإقرار أربعة وبشهادة أربعة رجال عدول.
وإذا ساحقت أمتها حدتا معا، وإن ادعت الأمة الإكراه فلا حد عليها بل
على سيدتها، والمجنونة تحد فاعلة لا مفعولة بها.
وإذا ساحقت المسلمة الكافرة حدت المسلمة وخير في الكافرة بين حدها أو
رفعها إلى أهل دينها، وتؤدب الصبية منهما والصبيتان معا.
وروي في امرأة وطئها بعلها فساحقت جارية بكرا وألقت مائه في رحمها
فحملت: أن عليها الرجم وعلى الجارية الحد بعد الوضع ولحق الولد بالرجل وعلى
المرأة مهر الجارية لأن الولد لا يخرج إلا بذهاب بكارتها.
وإذا تساحقتا وحدتا ثلاثا قتلتا في الرابعة.
الاستمناء:
ومن استمنى بيده وجب عليه التعزير.
382

وطء الميتة:
وواطئ الميتة كواطئ الحية في الحد وواطئ الميت كالحي في الحد وزيدت
عقوبتهما ويثبت ذلك بإقرار مرتين أو شهادة عدلين، فإن وطئ زوجته ميتة عزر.
وطء البهيمة:
ويعزر واطئ البهيمة ويثبت ذلك عليه بإقراره أو شهادة عدلين، وإن كانت
مأكولة اللحم كالشاة والبقرة ذبحت وأحرقت بالنار ودفنت فإن كانت لغيره ضمن
قيمتها، وإن كانت مما يركب ظهرها كالخيل والبغال غرم قيمتها وبيعت في بلد
آخر، وروي: أنه يحد الزاني، وروي: أنه يقتل.
وإذا كرر الوطء للبهيمة أو الميتة وحد وعزر مرتين قتل في الثالثة، وقيل: في
الرابعة.
ويزوج المستمني بيده - بعد ضربها حتى تحمر - من بيت المال ويستتاب، وإذا
زنت امرأة عزب حدت وزوجت من بيت المال.
حد القيادة:
ويحد الجامع بين الرجال والنساء والنساء والرجال والغلمان للفجور خمسا
وسبعين جلدة رجلا كان أو امرأة عبدا أو حرا مسلما أو كافرا ويحلق رأسه ويشهر
وينفى عن البلد إلى غيره، وعلى المرأة مثله إلا أنها لا تحلق ولا تشهر ولا تنفى
ويثبت ذلك بالإقرار أو شهادة عدلين، والمواصلة والموتصلة والملعونتان الزانية شابة والقوادة عجوزا.
حد شرب المسكر:
ويحد شارب الخمر والمسكر والفقاع ثمانين جلدة حرا كان أو عبدا مسلما أو
كافرا قاءها أو شربها، وبشهادة شاهدين عدلين.
383

فإن شهد أحدهما أنه قاءها والآخر أنه شربها حد، صرفا شربها أو ممزوجة
بطعام أو ماء أو دواء وهو يعلمها فيه قلت أو كثرت.
والنبيذ خمر يحد شاربه أسكره أم لم يسكره ويثبت الحد أيضا بإقراره على
نفسه مرتين، فإن شربها الذمي في بيته لم يحد وإن أظهر شربها حد.
ولا يقبل في الحدود كلها شهادة على شهادة.
والسكران كالصاحي إن زنى أو لاط أو سرق أو قذف أو ارتد أو أسلم عن
كفر، ويفارقه في العقود والإيقاعات كالطلاق والعتاق.
ومن استحل شرب الخمر وكان مسلما فقد ارتد وحل دمه إن لم يتب، ولا
يحل دم مستحل غيرها من المسكرات والإمام يعزره إن رأى ذلك.
ويجلد شارب المسكرات كلها عريانا على ظهره وكتفيه ويبقى فرجه ووجهه،
ولا يحل الجلوس على مائدة شرب عليها خمر أو مسكر أو فقاع ويؤدب الجالس إلا
مضطرا، وإذا شرب مرتين وحد فهما قتل في الثالثة.
ويعزر بائع المسكرات وشاربها، فإن استحل ذلك استتيب فإن تاب وإلا
فعل به ما يفعل بالمرتد.
وحكم الفقاع حكم الخمر في جميع ذلك.
ومستحل الدم والميتة ولحم الخنزير مسلما مرتد، ومن تناول ذلك محرما له
عزر فإن عاد أدب ولم يقتل.
حكم آكل الربا:
ويقتل آكل الربا بعد المعرفة والتعزير في الثالثة.
والمتجر في السموم القاتلة يستتاب فإن استمر عليها قتل، ويعزر آكل الجري
وما لا يحل من صيد البحر والبر والطحال.
وذكرنا حكم التائب مما يوجب الحد قبل البينة أو بعدها وبعد إقراره - في
أول هذا الباب - وحكم فعلها في أحد الإحرام أو في غيرها ولجأ فاعلها وهو
384

عام في جميع الحدود.
وإن زاد الجلاد اقتص منه فإن مات المجلود فعلى الجالد من الدية بقدر ما
زاد خاصة، ومن مات من الحد أو القصاص أو التعزير فدمه هدر، وقيل: في
التعزير إن تولاه الإمام بنفسه أو أمر به، والأحوط أن الضمان من بيت المال والله
أعلم.
باب حد السارق:
القطع واجب على من سرق بشروط: أن يكون بالغا عاقلا مسلما كان أو
كافرا حرا أو عبدا من حرز ربع دينار فصاعدا أو ما قيمته ذلك، ولا يكون مأكولا
عام مجاعة ولا ثمرا ولا كثرا - فإن حصد الزرع وجد النخل والشجر وجعل في
الحرز قطع سارقه - ولا يكون عبدا سرق مال سيده ولا والدا من مال ولده
ويعزران ولا يكون خائنا في أمانة ولا ضيفا من مضيفه ولا أجيرا من مستأجرة فإنهما
خائنان.
ويقطع الضيفن - وهو ضيف الضيف - وكل واحد من الزوجين مما أحرزه
عن الآخر.
ويقطع الطرار من الجيب والكم الباطنين دون الظاهرين، وأن يهتك الحرز
ويخرج نصاب السرقة، فإن هتك وأخذ وأخرج آخر لم يقطعا، فإن هتك وأخذ
وكور الثياب فأخذ قبل خروجه بها لم يقطع.
والحرز ما كان مقفلا عليه أو دفينا.
ولا قطع على سارق من الحمامات والأرحية والرحاب إلا بإقفال أو دفن.
ولا يقطع الشريك بسرقته من مال الشركة إلا أن يسرق أكثر من حقه بقدر
نصاب القطع، وإن سرق من الغنيمة بعض الغانمين فكذلك، وإن سرق دون حقه
عزر وتمم له، وإن جعل تحت رأسه نصابا ونام قطع سارقه، والمسلم يقطع بسرقته
نصابا محررا من بيت المال.
وإن سرق بواري المسجد ورأى الإمام لإفساده جاز، وروي: أن المهدي
385

ع: إذا ظهر قطع أيدي بني شيبة وعلقها في أستار الكعبة.
وما راعاه صاحبة بعينه كالجمال والأحمال فاختلس أو أدبر عليه فلا قطع.
وإن سرق اثنان نصابا دفعة قطعا، وقيل: لا يقطعان فإن سرقا معا نصابين
فصاعدا قطعا.
ولا يقطع السارق وإن شاهده الإمام ويزبره إلا أن يرفعه المسروق منه، فإذا
رفعه فوهبه المال لم يسقط القطع ولو كان وهبه الرفع لم يقطع.
وإن هتك الحرز وأكل طعاما قدر نصاب وخرج لم يقطع، وإن بلع درة
وخرج لم يقطع، وقيل: يقطع، فإن لم تخرج منه ضمن قيمتها فإن مات قبل ذلك
نبش وأخذها ربها.
ولا يقطع مدعي الهبة على رب المال وإن لم يقم بينة.
والسرقة تثبت بشاهدين أو إقرار مرتين، وروي: مرة.
ولا يقبل إقرارا عبد بالسرقة، وروي: أنه يقبل.
فإن أقر السارق بالسرقة ثم رجع قطع، وروي: أنه لا يقطع. وإن أقر
بالسرقة ثم تاب فله قطعة وله العفو عنه، وإن تاب قبل قيام البينة عليه لم يقطع.
ويقطع السارق ويرد السرقة إلى ربها، فإن تعذرت فمثلها أو قيمتها وبرئت
ذمته، فإن مات فعلى ورثته، فإن لم يخلف وارثا فعلى الإمام وبرئت ذمته.
فإن شهد واحد بالسرقة وحلف معه أو أقر بها مرة لم يقطع وغرمها، وإن أقر
تحت الضرب وأخرجها قطع وإن لم يخرجها لم يقطع.
وإذا سرق مرارا ولم يقطع قطع لمرة، فإن شهدا عليه بالسرقة الأولى فقطع ثم
شهدا بالأخرى قطعت رجله.
ويقطع الولد بسرقة مال والديه والأم بمال ولدها، وإذا سرق عبد الغنيمة
منها لم يقطع ويقطع من سرق منها ولا حظ له فيها.
والسارق تقطع يمناه من نصف الكف ويترك له الإبهام، وإن عاد قطعت رجله
اليسرى من الكعب ويبقى له عقبه ومن قدمه ليعتمد ويعتدل، فإن عاد خلد السجن
386

وأنفق عليه من بيت المال، فإن سرق فيه قتل.
فإن أخرج يده اليسرى فظنها القطاع اليمنى فقطعها لم تقطع يمناه.
فإن سرق ويمناه شلاء قطعت دون اليسرى وكذلك إن سرق ثانية ورجله
شلاء قطعت، فإن لم يكن اليمنى لم تقطع يسراه ولا رجله.
ومن قال لغيره: أرسلني فلان إليك لتعطيه كذا، فأعطاه فأنكر الأول
الإرسال واعترف الرسول بكذب نفسه قطع ورجع عليه بالمال ولا يسقط الحد عنه
بأن الحاجة دعته إلى ذلك.
وروى الحلبي عن أبي عبد الله ع: أنه ينفى السارق بعد الحد إلى
بلدة أخرى.
وروى السكوني عنه عن آبائه عن علي ع قال: رسول الله ص:
لا قطع على من سرق الحجارة، ويعني الرخام وأشباه ذلك.
وبالإسناد قال: قضى رسول الله ص في من سرق الثمار في كمه
فما أكل منه فلا شئ عليه وما حمل فيعزر ويغرم قيمته مرتين.
وبالإسناد قال: قال أبي عبد الله ع: قال أمير المؤمنين ع:
لا قطع في ريش، ويعني الطير كله.
وروى عبد الله بن إبراهيم عن أبي عبد الله ع أن عليا أتى بالكوفة
برجل سرق حماما فلم يقطعه وقال: لا أقطع في الطير.
فإن رجلان باع كل صاحبه وفرا بالمال قطعا.
فإن سرق حرا صغيرا فباعه قطع، ولا قطع في الحلية وفيها الضرب
والحبس.
ومن نبش قبرا ولم يسلم لم يقطع، فإن سلب الكفن قطع، فإن كرر النبش
والسلب وحد كذلك قتل في الثالثة، وأخر أمير المؤمنين صلوات الله عليه فاعل
ذلك إلى الجمعة فوضعه تحت أقدام الناس فوطئوه حتى مات.
وإذا سرق صبي عفي عنه، فإن عاد عزر، فإن عاد قطعت أطراف أصابعه،
فإن عاد قطع أسفل من ذلك، وأتى ع بغلام يشك في احتلامه فقطع
387

أطراف أصابعه.
ولو أن بعض العجم أسلم فزنى أو سرق أو شرب الخمر لم يحد إلا أن يشهد
بينة أنه عرف ذلك.
وشهد شاهدان عند علي ع أن شخصا سرق فاستعظم الشخص
شهادتهما فأمرهما على بإقامة الحد عليه فخلياه وذهبا ولم يقطعه.
وقطع لصوصا وأدخلهم دار الضيافة فعولجوا وأطعموا سمنا وعسلا ولحما
حتى برئوا وقال: إن أيديكم سبقتكم إلى النار فإن تبتم جررتموها إلى الجنة وإن
أنتم لم تتوبوا جرتكم إلى النار.
وروى المعلى بن خنيس عن أبي عبد الله ع: أنه أمره أن يرفع
سارقا سرق من طعام المعلى وحمل إلى الوالي فرفعاه فقطع.
وروى جابر عن أبي جعفر ع قال: من أشار بحديدة في مصر
قطعت يده فإن ضرب فيها قتل.
وروي: أن عليا ع صلب شخصا ثلاثة أيام بالحيرة ثم أنزله يوم
الرابع وصلى عليه ودفنه.
وقال جعفر الصادق ع: إذا دخل عليك اللص يريد أهلك ومالك
فإن استطعت أن تبدره وتضربه فابدره واضربه واللص محارب الله فاقتله فما مسك منه
فهو علي.
ومن بنج غيره وأخذ ماله رده وإن جنى عليه البنج ضمن الجناية، والخناق
يقتل بعد استرجاع ما أصاب من مال.
باب حد الفرية وموجب التعزير وغير ذلك:
يجلد جسد القاذف بثيابه ثمانين جلدة - جلدا بين جلدين - إذا كان المقذوف
محصنا وهو أن يكون عفيفا مسلما حرا بالغا رجلا كان أو امرأة، وقاذفه عاقلا بالغا
حرا كان أو عبدا مسلما أو كافرا.
388

وكان قذفه بأن قال: يا زان، أو يا زانية، أو وابن زان، أو وابن زانية، أو
لست لأبيك، أو منكوحا في دبره، أو مسفوحا، أو تعمل عمل قوم لوط، أو ما أنبأ
عن ذلك وهو يعرف معناه، فإن ادعى أنه لا يعرف المعنى وكان ناشئا بين العارفين
بها لم يقبل قوله وإلا قبل.
ويجب الحد بقذف اللقيط لأنه حر وبقذف المغصوبة على الزنى والمغصوب
على اللواط والملاعنة.
وإذا واجه شخصا بالقذف لذي نسبة كان قال: يا بن الزانية، أو
الزاني، أو أخا الزانية أو بعلها، أو ما أنبأ عنها من لفظ وهو يعرف معناه والأصل حي فالحد
له وإن كان ميتا فلوارثه إلا الزوجين فإنه لا حق لهما فيه.
وقال بعض أصحابنا: إذا قذف ابنه أو بنته فله طلب الحد حيين أو ميتين إلا
أن يسقطاه بالعفو وهما بالغان عاقلان.
وإذا قذف زوجته وماتت ولها منه ولد - لا سواه - لم يحد، فإن كان لها ولد
من غيره فله حده، فإن لم يكن وكان لها قرابة حد لهم وإن عفا بعض الورثة عن
الحد فللمناسبة أن يحد، فإن اجتمعوا على أخذه حد لهم وإن اجتمعوا على إسقاطه
سقط.
ولا يثبت إلا بشاهدين عدلين ذكرين أو إقرار القاذف البالغ العاقل الحر،
فإن ادعى على غيره أنه قذفه ولا بينة له فلا يمين على المدعي عليه.
فإذا قذف جماعة بلفظ واحد حد لهم حدا واحدا إن أتوا به جميعا فإن أتوا به
متفرقين فلكل واحد، وإن قذفهم بألفاظ جماعة حد لكل واحد حدا.
وإذا قذف وأقام البينة على صحة قوله لم يحد.
فإن أقرت امرأة أن ولدها أو حملها من زنى أربع مرات حدت، فإن كان حملا
فبعد الوضع والرضاع، فإن قيل لولدها: يا ولد الزنى، لم يحد القاذف وعزر، فإن
كانت قد تابت فقيل له: يا بن الزانية، حد لها وإن لم تكن تابت لم يحد.
وإن رمى زوجته بالزنى بولد على فراشه فلا عنها ثم اعترف أو أقر بالولد ثم
389

رماها بالزنى به أو قذفها بالزنى فلا عنها ثم اعترف بكذبه حد.
ولا عفو عن الحد بعد الرفع إلى الإمام ويجوز قبله.
ولا حد في التعريض ويعزر وإنما الحد في التصريح، فإن قال له: يا فاسق،
أو يا شارب خمر - وشبههما - أو يا كلب، أو يا خنزير، أو يا كافر - وهو مسلم غير
مبتدع - عزر له والتعزير بما دون الحد.
وإذا قذف صبيا أو صبية أو كافرا أو رقيقا أو مجنونا عزر، وإن كان القاذف
مجنونا أو صبيا عزر، وإذا تقاذف الشخصان عزرا ولم يحدا.
وروى الحسن بن محبوب عن عباد بن صهيب عن الصادق ع في
الذمي إذا قذف المسلم بالزنى: حد ثمانين للقذف وثمانين سوطا لحرمة الاسلام
وحلق رأسه وطيف في أهل دينه.
وروي: إن افترى الرجل على بعض أهل جاهلية العرب حد لأن ذلك
يدخل على رسول الله ص.
فإن قال شخص لغيره: يا بن المجنون، فأعاد عليه مثله عزر كل منهما
لصاحبه.
وإذا قال لزوجته: لم أجدك عذراء، عزر فإن عاد عزر.
فإن قال لامرأته: يا زانية أنا زنيت بك، حد لها وإن أتم إقراره على نفسه
أربع مرات حد للزنى.
وعلى العبد والمكاتب والمدبر وأم الولد في الفرية ثمانون جلدة، وإنما ينصف
الحد عليهم في الزنى.
فإن قذف مكاتبا مطلقا - أدى بعض كتابته - أو من عتق بعضه حد من
الثمانين بقدر الحرية وعزر للباقي وسيده وغيره سواء، فإن وهبه الحد قبل الرفع
جاز.
فإن قذف غيره بالزنى مرارا حد له حدا واحدا، فإن حد له ثم قال: الذي
قلت لك حق، لم يجلد، فإن قال له: يا زاني، حد له.
390

وإذا قالت: فجر بي فلان، حدت له. وإذا قذف ولد الذمية تكون تحت
المسلم أو مملوكا أمه حرة حد لهما، فإن قال لمجوسي ولد من أم أبيه: يا بن الزانية، أو
ولد الزنى، عزر لأنه نكاح عندهم.
وإذا وهبت زوجها أمتها فأتى منها بولد فأنكرت الهبة وقذفته بالزنى ثم
اعترفت بالهبة حدت له ثمانين جلدة.
ولا يحل قذف الكافر بما لا يعلمه فعله لأنه كذب ويعزر له، وأدب المملوك
والصبي من ثلاث إلى خمس وست برفق، وإن بلغ بعبده فيه الحد فلا كفارة له إلا
اعتاقه، فإن قال لغيره: احتلمت بأمك،، عزر لئلا يؤذي المسلمين. وإن قال
لصاحبه: لا أب لك ولا أم لك، تصدق بشئ، وفي السب وهجاء المؤمنين بغير
القذف التعزير.
والناس سواء في من سمعوه بسب النبي ص أو علي بن أبي
طالب ع وجب عليهم قتله إلا أن يخافوا على أنفسهم، فإن رفعوه إلى
سلطان وجب عليه قتله.
ومن زعم أن أحدا مثل رسول (الله) ص في الفصل قتل.
والمسلم وولد بين المسلمين إذا ارتد فدمه مباح لكل من سمع ذلك منه ولا
يستتاب، فإن كان أسلم عن كفر ثم ارتد استتيب فإن لم يتب قتل بالسيف أو يلقى
فيوطأ بالأرجل ولم تؤكل ذبيحته.
وقال قوم لأمير المؤمنين ع: السلام عليك يا ربنا، فاستتابهم فلم
يتوبوا فأوقد في حفيرة نارا وحفر أخرى إلى جانبها وأفضى ما بينهما وألقاهم فيها
فماتوا.
والزنديق يقتل بعد الاستتابة إن كان ارتد عن فطرة وإن كان عن فطرة قتل
بكل حال، ولا يقتل النصراني بالزندقة لأن ما هو عليه أعظم منها، وإذا ارتد قوم
لا عن فطرة قوتلوا وسبيت ذراريهم.
ومن شهد عليه شاهدان أنه صلى لصنم ولم يتب قتل بالسيف أو خد له
أخدود وأضرم فيه نار وطرح فيها.
391

وإذا اختار الصبي الكفر حتى بلغ وأبواه مسلمان أو أحدهما لم يترك وأجبر على
الاسلام.
فإن شهد للزنديق ألف بالبراءة من ذلك وشاهدان مرضيان به قبلت شهادتهما
عليه لأنه دين مكتوم.
ويعزر شاهد الزور بحسب ما يرى الإمام ويطاف به ليعرف.
وكان أمير المؤمنين ع يحبس جهال الأطباء ومفاليس الأكرياء وفساق
العلماء حراسة منه للأديان والأبدان والأموال.
ومن تزوج أمة على حرة بغير إذنها فرق بينهما وضرب بثمن حد الزنى، فإن
رضيت بفعله لم يضرب ولم يفرق بينهما.
ومن أتى امرأته صائمين طائعة ضرب كل منهما ربع حد الزنى، فإن أكرهها
ضرب نصف حد الزنى دونها، ومن أتى المرأة حائضا فكذلك.
وإذا تاب السارق ورد السرقة على صاحبها من قبل نفسه فلا قطع عليه.
ويقتل الساحر المسلم ولا يقتل الكافر به لأن الكفر أعظم منه، ويثبت ذلك
بشاهدين عدلين أو إقراره، وعن أمير المؤمنين ع: من تعلم شيئا من السحر
كان آخر عهده بربه وحده القتل إلا أن يتوب.
وعن رسول الله ص: إن أبغض الأشياء إلى الله عز وجل
رجل جرد ظهر مسلم بغير حق، ونهى عن الأدب عند الغضب.
وروي: إن وافقك المملوك والأجير فأمسكهما وإلا فخل عنهما ولا تضربهما.
ولا يسأل أحدا بوجه الله، فروي: أنه ع من أقر بذلك بخمس
ضربات، ويخرج القاص من المسجد بعد الأدب.
ومن أحدث في الكعبة حدثا قتل، والجور في التخيير بين الصبيان في الخط
كالجور في الحكم، والحبس بعد الحد ظلم.
وإذا قتل حر وعبد رجلا فاختار وليه قتل الحر ضرب الإمام جنبي العبد.
ومن نبز مسلما بما يكرهه أو عابه أو عيره شيئا من بلاء الله أو أظهر عليه ما
392

خفي منه أو من قبيح أو اغتابه أو بهته عزر، والغيبة أن يذكر ما فيه والبهت بما ليس
فيه.
ومن جحد محمدا ص نبوته أو جحد فرضا أو حظرا أو إباحة لما علم من دينه ضرورة وجوبه أو حظره أو
إباحته فهو مرتد، ومن قال: لا أدري أ هو صادق أم لا، قتل إلا
أن يقر به.
ومن ادعى النبوة وجب قتله.
393

قواعد الأحكام
في مسائل الحلال والحرام
للشيخ جمال الدين أبي منصور الحسن بن سديد الدين يوسف بن زين الدين
علي بن محمد بن مطهر الحلي المشتهر بالعلامة الحلي والعلامة على الإطلاق
647 - 726 ه‍.
ق
395

كتاب الحدود
وفيه مقاصد:
الأول: في حد الزنى: وفصوله أربعة:
الأول: الموجب:
وهو إيلاج الانسان ذكره حتى تغيب الحشفة عالما بالتحريم مختارا بالغا عاقلا
في فرج امرأة قبل أو دبر مع تحريمها عليه من غير عقد ولا شبهة عقد ولا ملك، فلو
تزوج امرأة محرمة كأمه ومرضعته وزوجة الغير وغيرهن فإن اعتقده شبهة وجهل
التحريم فلا حد وإلا وجب الحد ولا يسقط بمجرد العقد مع علم التحريم، ولو
استأجرها للوطء أو لغيره فتوهم الحل بذلك سقط الحد وإلا فلا، وبالجملة كل
موضع يعتقد فيه إباحة النكاح يسقط فيه الحد.
ولو وجد امرأة على فراشه فظنها زوجته فلا حد، ولو تشبهت عليه حدت دونه
ولو أباحته نفسها لم تحل بذلك فإن اعتقده لشبهة فلا حد، ولو أكرهها حد دونها
وغرم مهر مثلها، ولو أكره على الزنى سقط الحد على إشكال ينشأ من عدم تحقق
الإكراه في طرف الرجل.
والأعمى يحد كالمبصر إلا أن يدعي الشبهة المحتملة.
ولو ملك بعض الأمة حد بنصيب غيره فإن اعتقد الإباحة سقط، ولو ملك بعض
397

زوجته حرمت عليه وسقط الحد بأجمعه للشبهة وما قابل ملكه خاصة مع عدمها، ولو
كان العقد فاسدا لم يحل به فإن اعتقده سقط الحد.
ولا حد في وطء زوجته الحائض والصائمة والمحرمة والمظاهرة والمولى منها.
ولو كانت مملوكته محرمة عليه برضاع أو نسب أو تزويج أو عدة حد إلا مع
الشبهة ولا مع النوم، فلو استدخلت ذكره وهو نائم أو وجد منه الزنى حال نومه فلا
حد، ولو زنى السكران حد، ولو زنى المجنون لم يحد على الأصح.
الفصل الثاني: في طريق ثبوته:
إنما يثبت بأمرين: الإقرار أو البينة، فهاهنا مطلبان:
الأول: الإقرار:
ويشترط فيه البلوغ والعقل والحرية والاختيار والقصد وتكراره أربع مرات، وفي
اشتراط ما يشترط في البينة من الاتحاد إشكال فلا عبرة بإقرار الصبي وإن كان
مراهقا ويؤدب لكذبه أو صدور الفعل عنه ولا بإقرار المجنون، ولو كان يعتوره وأقر
حالة إفاقته وعرف الحاكم كماله حينئذ حكم عليه وإلا فلا.
ولو أقر المملوك لم يحكم عليه ولو صدقه مولاه صح ولو عتق فالأقرب الثبوت،
والمدبر وأم الولد والمكاتب المشروط والمطلق وإن تحرر بعضه كالقن، ولو أكره على
الإقرار لم يصح وكذا لو أقر من غير قصد كالسكران والنائم والساهي والغافل، ولو
أقر من جمع الصفات أقل من أربع لم يثبت الحد وعزر، وهل يشترط تعدد المجالس
في الإقرار؟ الأقرب العدم والرجل والمرأة سواء.
ويقبل إقرار الأخرس إذا أقر أربعا وفهمت إشارته ويكفي المترجمان لا أقل.
ولو نسب إلى امرأة ثبت الحد للقذف بأول مرة على إشكال ولا يثبت في طرفه
إلا أن يكرره أربعا، ولو أقر بحد ولم يبينه ضرب حتى ينتهي عن نفسه أو يبلغ
المائة، ولو أنكر ما أقر به من الحدود لم يلتفت إليه إلا بما يوجب الرجم فإنه يسقط
بإنكاره وفي إلحاق القتل به إشكال.
398

ولو أقر باستكراه جارية على الزنى ورجع سقط الحد دون المهر وكذا لو أقر
مرة واحدة، ولو تاب عند الحاكم بعد الإقرار تخير الإمام في إقامة الحد عليه رجما
كان أو غيره.
ولا تحد المرأة بمجرد الحمل وإن كانت خالية من بعد ما لم تقر بالزنى أربع
مرات، ويشترط في الإقرار أن يذكر حقيقة الفعل لتزول الشبهة إذ قد يعبر بالزنى
عما لا يوجب الحد ولهذا قال ع لما عز: لعلك قبلت أو غمزت أو
نظرت، قال: لا، قال: أ فنكتها لا تكني؟ قال: نعم، فقال: حتى غاب ذلك منك
في ذلك منها كما يغيب المرود في المكحلة والرشى في البئر، قال: نعم: فعند ذلك
أمر برجمه.
ولو أقر أنه زنى بامرأة فكذبته حد دونها، ولو أقر من يعتوره الجنون وأضافه
إلى حال إفاقته حد ولو أطلق لم يحد.
ولو أقر العاقل بوطئ امرأة وادعى أنها امرأته فأنكرت الزوجية فإن لم تعترف
بالوطئ فلا حد عليه لأنه لم يقر الزنى ولا مهر، ولو اعترفت بالوطئ وأقرت أنه زنى
بها مطاوعة فلا مهر ولا حد عليه ولا عليها إلا أن تقر أربع مرات، وإن ادعت أنه
أكرهها عليه أو اشتبه عليها فلا حد وعليه المهر.
المطلب الثاني: البينة:
إنما يثبت الزنى بشهادة أربعة رجال أو ثلاثة وامرأتين أو رجلين وأربع نسوة ويثبت
به الجلد خاصة وبالأولين الرجم، ولا يثبت برجل مع النساء وإن كثرن ولا بشهادة
النساء منفردات ويجب على الجميع حد الفرية، ويشترط في الثبوت بالبينة أمور
ثلاثة:
الأول: أن يشهدوا بالمعاينة للإيلاج كالميل في المكحلة، ولو شهدوا بالزنى ولم
يشهدوا بالمعاينة حدوا للقذف، ولو لم يشهدوا بالزنى بل بالمعانقة أو المضاجعة فعلى
المشهود عليه التعزير دون الحد، ولا يكفي شهادتهم بالزنى عن قولهم من غير عقد ولا
399

شبهة عقد بل لا بد من ذلك نعم يكفي أن يقولوا: لا نعلم سبب
التحليل.
الثاني: اتفاق الأربعة على الفعل والزمان والمكان والهيئة، فلو اتفق أقل من
أربعة رجال حدوا للفرية وإن لم يخالفهم غيرهم، ولو اختلفت الأربعة فشهد
بعضهم بالمعاينة وبعضهم لا بها أو شهد بعضهم بالزنى غدوة والآخرون عشية أو
بعضهم في زاوية والأخر في أخرى أو بعضهم عاريا وبعضهم مكتسيا حد الشهود،
ولو شهد بعض أنه أكرهها وبعض بالمطاوعة ثبت الحد لأنها كملت على وجود الزنى
واختلافهم إنما هو في فعلها لا في فعله، وقيل: يحد الشهود لتغاير الفعلين، وهو
أوجه ولا حد عليها إجماعا.
ثم إن أوجبنا الحد بشهادتهم لم يحد الشهود وإلا حدوا، ويحتمل أن يحد
شهود المطاوعة لأنهما قذفا المرأة بالزنى فلم تكمل شهادتهم عليها دون شاهري
الإكراه لأنهما لم يقذفا وقد كملت شهادتهم وإنما انتفى عنه الحد للشبهة.
ولو شهد اثنان بأنه زنى وعليه قميص أبيض واثنان أن عليه قميصا أسود
ففي القبول نظر، ولو شهد اثنان وأقر هو مرتين لم يجب الحد.
الثالث: اتفاقهم على الحضور للإقامة دفعة، فلو حضر ثلاثة وشهدوا حدوا
للفرية ولم يرتقب إتمام الشهادة لأنه لا تأخير في حد، نعم ينبغي للحاكم والاحتياط
بتفريق الشهود في الإقامة بعد الاجتماع وليس لازما.
ولو تفرقوا في الحضور ثم اجتمعوا في مجلس الحاكم على الإقامة فالأقرب
حدهم للفرية، وإذا لم يكمل شهود الزنى حدوا وكذا لو كملوا أربعة غير مرضيين
كالفساق ولو كانوا مستورين لم تثبت عدالتهم ولا فسقهم فلا حد عليهم ولا يثبت
الزنى ويحتمل أن يجب الحد إن كان رد الشهادة لمعنى ظاهر كالعمى والفسق الظاهر
لا المعنى خفي كالفسق الخفي فإن غير الظاهر خفي عن الشهود فلم يقع منهم
تفريط.
ولو رجعوا عن الشهادة أو واحد منهم قبل الحكم فعليهم أجمع الحد ولا
يختص الراجع بالحد ولا بالعفو، وإذا كملت الشهادة لم يسقط الحد بتصديق
المشهود عليه ولا بتكذيبه.
400

ولو أقر أربعا ثم قامت البينة على الفعل لم تقبل توبته، ولو ماتت الشهود أو
غابوا جاز الحكم بها، ويجوز إقامة الشهادة بالزنى من غير مدع له و يستحب لهم
ترك الإقامة، وللإمام التعريض بالترغيب عن إقامتها وعن الإقرار به لقوله ع:
لعلك قبلت لعلك نظرت، وهو إشارة إلى الترغيب عن الاعتراف.
وإذا تاب بعد قيام البينة لم يسقط عنه الحد رجما كان أو غيره، وإن تاب قبل
قيامها سقط.
الفصل الثالث: في الحد: ومطالبه أربعة:
الأول: في أقسامه: وهي ستة:
الأول: القتل: وهو حد أربعة:
أ: من زنى بذات محرم كالأم والبنت والأخت والعمة والخالة وبنت الأخ
وبنت الأخت نسبا.
ب: الذمي إذا زنى بمسلمة سواء كان بشرائط الذمة أو لا وسواء أكرهها أو
طاوعته، أما لو عقد عليها فإنه باطل وفي إلحاقه بالزنى مع جهله بالتحريم عليه
إشكال.
ج: المكره للمرأة على الزنى.
د: الزاني بامرأة أبيه على رأي، ولا يعتبر في هؤلاء الإحصان ولا الحرية ولا
الشيخوخة بل يقتل كل منهم حرا كان أو عبدا مسلما كان أو كافرا شيخا كان أو
شابا، ويقتصر على قتله بالسيف وقيل: إن كان محصنا جلد ثم رجم وإن لم يكن
جلد ثم قتل.
الثاني: الرجم: وهو حد المحصن إذا زنى ببالغة عاقلة وكان شابا وحد المحصنة
الشابة إذا زنت بالبالغ وإن كان مجنونا.
401

الثالث: الجلد مائة ثم الرجم: وهو حد المحصنين إذا كانا شيخين وقيل: شابان
كذلك، وهو قوي.
الرابع: الجلد مائة ثم الجز والتغريب: وهو حد البكر غير المحصن الذكر الحر،
واختلف في تفسير البكر فقيل: هو من أملك ولم يدخل، وقيل: غير المحصن مطلقا
سواء أملك أو لا.
والجز مختص بالرأس دون اللحية ويغرب عن مصره إلى آخر سنة، ولا جز على
المرأة ولا تغريب بل تجلد مائة سوط لا غير سواء كانت مملكة أو لا ولو كانت محصنة
رجمت.
الخامس: جلد مائة لا غير: وهو حد غير المحصن ومن لم يكن قد أملك من
البالغين الأحرار، وحد المرأة الحرة غير المحصنة وإن كانت مملكة، وحد الرجل
المحصن إذا زنى بصبية أو مجنونة، والمحصنة إذا زنى بها طفل ولو زنى بها مجنون
رجمت.
السادس: خمسون جلدة: وهو حد المملوك البالغ سواء كان محصنا أو غير محصن
ذكرا كان أو أنثى، ولا جز على أحدهما ولا تغريب.
المطلب الثاني: في الإحصان:
وإنما يتحقق بأمور سبعة:
أ: الوطء في القبل حتى تغيب الحشفة: فلو عقد وخلا بها خلوة تامة أو جامعها
في الدبر أو فيما بين الفخذين أو في القبل ولم تغرب الحشفة لم يكن محصنا ولا
يشترط الإنزال، فلو التقى الختانان وأكسل تحقق الإحصان، ولو جامع الخصي قبلا
كان محصنا، ولو ساحق المجبوب لم يتحقق الإحصان وإن أنزل.
ب: أن يكون الواطئ بالغا: فلو أولج الطفل حتى تغيب الحشفة لم يكن
محصنا ولا المرأة، وكذا المراهق وإن بلغ لم يكن الوطء الأول معتبرا بل يشترط في
إحصانه الوطء بعد البلوغ وإن كانت الزوجية مستمرة.
402

ج: أن يكون عاقلا: فلو تزوج العاقل ولم يدخل حتى جن أو زوج الولي
المجنون لمصلحته ثم وطئ حالة الجنون لم يتحقق الإحصان، ولو وطئ حال رشده
تحقق الإحصان وإن تجدد جنونه.
د: الحرية: فلو وطئ العبد زوجته الحرة أو الأمة لم يكن محصنا ولو أعتق ما
لم يطأ بعد العتق، وكذا المملوكة لو وطئها زوجها المملوك أو الحر لم تكن محصنة
بذلك إلا أن يطأها بعد عتقها، ولو أعتق الزوجان ثم وطئها بعد الإعتاق تحقق
الإحصان وإلا فلا وكذا المكاتب.
ه‍: أن يكون الوطء في فرج مملوك بالعقد الدائم أو ملك اليمين: فلا يتحقق
الإحصان بوطئ الزنى ولا الشبهة ولا المتعة.
و: أن يكون النكاح صحيحا: فلو عقد دائما وكان العقد فاسدا أو اشترى أمة
في عقد باطل ووطئهما لم يتحقق الإحصان وإن وجب المهر والعدة، ونشر تحريم
المصاهرة ولحق به الولد.
ز: أن يكون متمكنا من الفرج يغدو عليه ويروح: فلو كان بعيدا عنه لا يتمكن
من الغدو عليه والرواح أو محبوسا لا يتمكن من الوصول إليه خرج عن الإحصان،
وفي رواية مهجورة يكون بينهما دون مسافة التقصير.
وإحصان المرأة كإحصان الرجل، ولا تخرج المطلقة الرجعية عن الإحصان فلو
تزوجت عالمة بالتحريم رجمت وكذا الزوج لا يخرج عنه بالطلاق الرجعي ويخرجان
بالبائن، ولو راجع المخالع إما لرجوعها في البذل أو بعقد مستأنف لم يجب الرجم
إلا بعد الوطء في الرجعة، ولا يشترط في الإحصان الاسلام فلو وطئ الذمي زوجته
في عقد دائم تحقق الإحصان ولا يشترط صحة عقده عندنا بل عندهم، ولو وطئ
المسلم زوجته الذمية فهو محصن.
ولو ارتد المحصن عن فطرة خرج عن الإحصان وكذا عن غير فطرة، على إشكال
ينشأ من منعه من الرجعة حال ردته فكان كالبائن ومن تمكنه منها بالتوبة من دون
إذنها فكان كالرجعي.
403

ولو لحق الذمي دار الحرب ونقض عهده ثم سبي خرج عن الإحصان، فإن
أعتق اشترط وطؤه بعد عتقه.
ولو زنى وله زوجة له منها ولد فقال: ما وطأتها، لم يرجم لأن الولد يلحق
بإمكان الوطء والإحصان إنما يثبت مع تحققه وكذا المرأة لو كان لها ولد من زوج
فأنكرت وطئه لم يثبت إحصانها.
ويثبت الإحصان بالإقرار أو بشهادة عدلين، ولا يكفي أن يقولا: دخل، فإن
الخلوة يطلق عليها الدخول بل لا بد من لفظ الوطء أو الجماع أو المباضعة وشبهها،
ولا يكفي: باشرها، أو مسها، أو أصابها.
ولو جلد على أنه بكر فبان محصنا رجم.
المطلب الثالث: في كيفية الاستيفاء:
ينبغي للإمام إذا استوفى حدا أن يشعر الناس ويأمرهم بالحضور، ويجب حضور
طائفة أقلها واحد وقيل: عشرة، وقيل: ثلاثة، وقيل: إنه مستحب.
ثم الحد إن كان جلدا ضرب مجردا وقيل: على حالة الزنى، قائما أشد الضرب
- وروي: متوسطا - ويفرق على جسده ويتقى وجهه ورأسه وفرجه، والمرأة
تضرب جالسة قد ربطت عليها ثيابها.
ولا يجلد المريض ولا المستحاضة إذا لم يجب قتلهما بل ينتظر البرء، فإن
اقتضت المصلحة التعجيل ضرب بضغث يشتمل على العدد ولا يشترط وصول كل
شمراخ إلى جسده، ولو اشتمل على خمسين ضرب دفعتين ضربا مؤلما يتناول عليه
جميع الشماريخ ولا تفرق السياط على الأيام إن احتمله، ولو احتمل سياطا خفافا
فهو أولى من الشماريخ وإذا برئ لم يعد عليه الحد، وتؤخر النفساء مع المرض ولا
تؤخر الحائض.
ولا يقام على الحامل جلدا كان أو رجما حتى تضع ويستغني الولد بها عن
الرضاع إن لم يتفق له مرضع وإن وجدت جاز إقامة الحد، ولا يقام الحد في حر
404

شديد أو برد شديد بل يقام في الشتاء وسط النهار وفي الصيف في طرفيه
وكذا الرجم. إن توهم سقوطه برجوعه أو توبته أو فراره، ولا في أرض العدو لئلا
تلحقه غيرة فيلحق بهم، ولا في الحرم إذا التجأ إليه بل يضيق عليه في المطعم
والمشرب حتى يخرج ويستوفى منه ولو زنى في الحرم حد فيه.
وإذا اجتمع الجلد والرجم بدئ بالجلد أولا ثم يرجم وفي انتظار برء جلده
خلاف ينشأ من أن القصد الإتلاف ومن المبالغة في الزجر، وكذا إذا اجتمعت
حدود أو حقوق قصاص بدئ بما لا يفوت معه الآخر.
ويدفن المرجوم إلى حقويه والمرأة إلى صدرها بعد أن يؤمر بالتغسيل والتكفين
ثم يرمى بالحجارة الصغار، فإذا مات دفن ولا يجوز إهماله، ولو فر أحدهما أعيد إن
ثبت الزنى بالبينة ولو ثبت بالإقرار لم يعد، وقيل: يشترط أن تصيبه الحجارة فلو فر
قبل إصابتها له أعيد إن ثبت بالإقرار.
وإذا ثبت بالبينة كان أول من يرجمه الشهود وجوبا وإن ثبت بالإقرار بدأ
الإمام، ولا يرجمه من لله قبله حد وفي التحريم إشكال.
ومؤونة التغريب على الزاني أو في بيت المال، ولو كانت الطرق مخوفة لم ينتظر
الأمن بل يؤمر بالخروج إلا أن يخشى تلفه فينتظر، وهل يشترط التغريب إلى مسافة
القصر فصاعدا؟ الأقرب ذلك وإليه الخيرة في جهات السفر. والتغريب يخرج إلى
غير بلده فإن رجع إلى بلده لم يتعرض له ولو رجع إلى بلد الفاحشة قبل الحول
طرد، وكذا لو غرب المستوطن عن بلده ثم عاد قبل الحول ولا تحتسب المدة
الماضية، ولا يقتل المرجوم بالسيف بل ينكل بالرجم ولا بصخرة تذفف ولا بحصى
يعذب بل بحجارة معتدلة.
المطلب الرابع: في المستوفي:
وهو الإمام مطلقا أو من يأمره الإمام سواء كان الزاني حرا أو عبدا ذكرا كان
أو أنثى، ويتخير إذا زنى الذمي بذمية بين دفعه إلى أهل نحلته ليقيموا الحد عليه
405

بمقتضى شرعهم وبين إقامة الحد عليه بمقتضى شرع الاسلام، وللسيد إقامة
الحد على عبده وأمته من دون إذن الإمام وللإمام أيضا الاستيفاء وهو أولى وللسيد
أيضا التعزير، وهل للمرأة والفاسق والمكاتب استيفاء الحدود من عبيدهم؟ إشكال
ينشأ من العموم وكونه استصلاحا للملك ومن أنه ولاية، وإذا جعلناه استصلاحا لم
يكن له القتل في الحد وله القطع على إشكال، وليس له إقامة على من اعتنق بعضه
ولا المكاتب أما المدبر وأم الولد فإنهما قن.
ولو كان مشتركا بين اثنين فليس لأحدهما الاستقلال بالاستيفاء ولو اجتمعا
جاز لهما أو لأحدهما استنابة الآخر في الاستيفاء، وللزوج الحر إقامة الحد على
زوجته سواء دخل بها أو لا في الدائم دون المنقطع وفي العبد إشكال، وللرجل
إقامة الحد على ولده وهل يتعدى إلى ولد ولده؟ إشكال سواء كان الولد ذكرا أو
أنثى، وهذا كله إنما يكون إذا شاهد السيد أو الزوج أو الوالد الزنى أو أقر الزاني
فإن قامت عنده بينة عادلة فالأقرب الافتقار إلى إذن الحاكم.
ويجب أن يكون عالما بإقامة الحدود وقدرهما وأحكامها، ولو كان الحد رجما أو
قتلا اختص بالإمام وكذا القطع في السرقة، ولو كانت الأمة مزوجة كان للمولى
الإقامة وفي الزوج الحر أو العبد إشكال.
الفصل الرابع: في اللواحق:
يسقط الحد بادعاء الزوجية ولا يكلف المدعي بينة ولا يمينا وكذا بدعوى
شبهة ويصدق مع الاحتمال، ولو زنى المجنون بعاقلة قيل: وجب الجلد أو الرجم
مع الإحصان، وليس بجيد. أما المرأة فيسقط الحد إذا زنت مجنونة إجماعا وإن
كانت محصنة وإن زنى بها البلغ العاقل.
ولو زنى أحدهما عاقلا ثم جن لم يسقط بل يحد حالة الجنون وكذا لا يسقط
بالارتداد ويسقط بإسلام الكافر، وفي التقبيل والمضاجعة في إزار واحد والمعانقة
التعزير بما دون الحد وروي: جلد مائة.
406

ولا يقدح تقادم الزنى في الشهادة، وتقبل شهادة الأربعة على اثنين فصاعدا،
والزنى المتكرر يوجب حدا واحدا إن لم يقم عليه أولا وإن كثر وإن أقيم الحد أولا
حد ثانيا في المتجدد بعد الحد، فإن زنى ثالثا بعد الحد مرتين قتل في الثالثة وقيل:
بل في الرابعة بعد الحد ثلاثا، وهو أحوط.
أما المملوك فإذا أقيم عليه الحد سبع مرات قتل في الثامنة وقيل: في
التاسعة، وهو أولى.
ولو شهد أربعة على امرأة بالزنى قبلا فادعت أنها بكر فشهد لها أربع نسوة
بالبكارة سقط الحد عنها، وفي حد الشهود أجودهما السقوط لإمكان عود البكارة
وكذا عن الزاني.
ولو ثبت جب الرجل حد الشهود وكذا لو شهدت بأن المرأة رتقاء، ولا
يشترط في إقامة الحد حضور الشهود بل يقام وإن ماتوا أو غابوا لا فرارا، ويجب
عليهم الحضور على رأي إن ثبت الرجم لوجوب بدأتهم به ولا بد من حضور
الإمام ليبدأ في الإقرار.
ولو أن الزوج أحد الأربعة وجب الحد إن لم يسبق الزوج بالقذف وروي:
ثبوته عليهم، وهو محمول على سبق القذف أو اختلال شرط. ويقضي الإمام بعلمه
في حدود تعالى وكذا في حدود الآدميين ولن يقف على المطالبة.
ولو شهد بعض وردت شهادة الباقين بأمر ظاهر حد الجميع وإلا المردود،
ولو رجع واحد بعد شهادة الأربع حد الراجع خاصة، ولو شهد أربعة على رجل
أنه زنى وشهد أربعة أخرى على الشهود أنهم الذين زنوا بها لم يجب الحد عليه، ولو
وجد مع زوجته رجلا يزني بها فله قتلهما ولا إثم وفي الظاهر يقاد إلا مع البينة
بدعواه أو يصدقه الولي.
ومن افتض بكرا بإصبعه لزمه مهر نسائها، ولو كانت أمة لزمه عشر قيمتها
وقيل: الأرش.
ولو تزوج أمة على حرة ووطئها قبل الإذن كان عليه اثنا عشر سوطا ونصف
407

ثمن الحد، ولو زنى في مكان شريف كالحرم أو أحد المشاهد المعظمة أو
المساجد أو في زمان شريف كرمضان والأعياد زيد عليه في الجلد.
وإذا زنى بأمة ثم قتلها حد وغرم قيمتها لمولاها، ولا يسقط الحد بالغرم.
ولو زنى من انعتق بعضه حد حد الأحرار بنسبة ما عتق وحد المماليك بنسبة
الرقية، فيجد من انعتق نصفه خمسة وسبعين والقتل في التاسعة أو الثامنة على
إشكال.
ويثبت الحد كل نكاح محرم بالإجماع كالخامسة وذات البعل والمعتدة دون
المختلف فيه كالمخلوقة من الزنى والرضاع المختلف فيه، ولا حد على من لم يعلم
تحريم الزنى، ولا كفالة في حد الزنى ولا غيره من الحدود، ولا تأخير فيه مع القدرة
إلا لمصلحة، ولا شفاعة في إسقاطه.
المقصد الثاني: في اللوط والسحق والقيادة:
وفيه مطالب:
الأول: في اللواط:
وهو وطء الذكر من الآدمي، فإن كان بإيقاب - حده غيبوبة الحشفة في
الدبر - وجب القتل على الفاعل والمفعول مع بلوغهما ورشدهما سواء الحر أو العبد
والمسلم والكافر والمحصن وغيره.
ولو لاط البالغ بالصبي فأوقب قتل البالغ وأدب الصبي وكذا لو لاط
المجنون ولو لاط بعبد قتلا فإن ادعى العبد الإكراه سقط عنه دون المولى، ولو لاط
مجنون بعاقل حد العاقل والأصح في المجنون السقوط، ولو لاط الصبي بالبالغ قتل
البالغ وأدب الصبي، ولو لاط الصبي بمثله أدبا.
ولو لاط ذمي بالمسلم قتل وإن لم يوقب، ولو لاط بمثله تخير الحاكم في إقامة
الحد عليه بمقتضى شرعنا وفي دفعه إلى أهل نحلته ليقيموا الحد بمقتضى شرعهم.
ويتخير الإمام في قتل الموقب بين ضربه بالسيف ورميه من شاهق وإلقاء الجدار
408

عليه ورجمه وإحراقه بالنار ويجوز أن تجمع فيقتله بأحد الأسباب ثم يحرقه لزيادة
الردع، وإن لم يكن بإيقاب كالمفخذ أو بين الأليتين فإنه يجلد مائة جلدة، وقيل:
يرجم مع الإحصان ويجلد مع عدمه، وروي ذلك في الموقب أيضا والأول أولى،
وسواء الحر والعبد والمسلم والكافر بمثله والمحصن وغيره فإن تكرر وحد ثلاثا قتل
في الرابعة، وقيل: في الثالثة.
ولا يثبت بنوعيه إلا بشهادة أربعة رجال بالمعاينة كالميل في المكحلة إن شهدوا
بالإيقاب بشرط عدم اختلافهم في الفعل ومكانه وزمانه ووصفه - ولا يثبت بشهادة
النساء انفردن أو انضممن فلو شهد ثلاثة رجال وامرأتان فصاعدا حدوا أجمع
للفرية - أو بالإقرار أربع مرات من بالغ رشيد حر مختار قاصد سواء كان الفاعل
والمفعول، ولو أقر دون الأربع عزر ولا يحد، ولو شهد دون الأربعة حدوا للفرية
ويحكم الحاكم بعلمه سواء في ذلك الإمام وغيره.
والمجتمعان في إزار واحد مجردين ولا رحم بينهما يعزران من ثلاثين سوطا إلى
تسعة وتسعين، فإن تخلل التعزير مرتين حدا في الثالثة.
ومن قبل غلاما بشهوة وليس محرما له عزر.
والتوبة قبل إقامة البينة تسقط الحد لا بعدها، ولو تاب بعد الإقرار تخير
الحاكم بين الحد وتركه.
المطلب الثاني: في السحق:
ويجب به جلد مائة على البالغة العاقلة حرة كانت أو أمة مسلمة أو كافرة
محصنة أو غير محصنة فاعلة ومفعولة، وقيل: إن كانت محصنة رجمت فاعلة أو
مفعولة. وتؤدب الصبية فاعلة أو مفعولة وتحد الأخرى، ولا تأديب على المجنونة
وتحد الأخرى.
ويثبت بشهادة أربعة رجال لا غير وبالإقرار أربع مرات من أهله، وإذا
تكررت المساحقة وأقيم الحد ثلاثا قتلت في الرابعة، ولو تابت قبل البينة سقط لا
بعدها، ولو تابت بعد الإقرار تخير الإمام بين العفو والاستيفاء.
409

وإذا وجدت الأجنبيتان مجردتين في إزار واحد عزرتا، فإن تكرر الفعل
والتعزير حدتا في الثالثة، فإن عادتا عزرتا وقيل: قتلتا.
ولو وطئ زوجته فساحقت بكرا فألقت ماء الرجل في رحمها وأتت بولد
حدت المرأة جلدا أو رجما على الخلاف وجلدت الصبية بعد الوضع وألحق الولد
بالرجل لأنه من ماء غير زان، وفي إلحاقه بالصبية إشكال أقربه العدم فلا يتوارثان
ولا يلحق بالكبيرة قطعا، وغرمت المرأة المهر للبكر لأنها سبب في ذهاب عذرتها
فتضمن ديتها وهو مهر نسائها بخلاف الزانية الآذنة في الافتضاض، والنفقة على
الصبية مدة الحمل على زوج المساحقة إن قلنا: إن النفقة للحمل، وإلا فلا ولو
ادعت الجارية الإكراه حدت السيدة دونها.
المطلب الثالث: في القيادة.
القواد هو الجامع بين الرجال والنساء للزنى وبين الرجال والصبيان للواط،
وحده خمس وسبعون جلدة ثلاثة أرباع حد الزاني رجلا كان أو امرأة ويؤدب
الصبي غير البالغ، ويستوي الحر والعبد والمسلم والكافر، ويزاد في عقوبة الرجل
وإن كان عبدا حلق رأسه والشهرة، وهل ينفى بأول مرة قيل: نعم، وقيل بالثانية
إلى أن يتوب. ولا جز على المرأة ولا شهرة ولا تغريب، ويثبت بالإقرار من أهله
مرتين - ولا يقبل إقرار العبد ولا الصبي ولا المجنون - وبشهادة رجلين عدلين، ولا
يقبل فيه شهادة النساء انفردن أو انضممن.
المقصد الثالث: في وطء الأموات والبهائم: وفيه مطلبان:
الأول: وطء الأموات كالأحياء:
فمن وطء ميتة أجنبية كان زانيا، فإن كان محصنا رجم وإن كان غير محصن
410

جلد مائة جلدة وزيد في العقوبة بما يراه الإمام، ولا فرق بين الزنى بالميتة والحية في
الحد واعتبار الإحصان وغير ذلك إلا أنه إذا وجب الجلد هنا زيد في العقوبة لأن
الفعل هنا أفحش.
ولو كانت الموطوءة زوجته عزر لسقوط الحد بالشبهة وكذا لو كانت أمته، ولو
كانت إحدى المحرمات عليه قتل كما قلنا في الحية.
ويثبت بشهادة أربعة رجال لأنه زنى ولأن شهادة الواحد قذف ولا يندفع
الحد إلا بكمال أربعة، وقيل: يثبت برجلين، لأنها شهادة على فعل واحد بخلاف
الحية والإقرار تابع، وهل يقبل فيه شهادة النساء كالزنى بالحية؟ إشكال.
ومن لاط بميت فهو كمن لاط بحي سواء في الحد لكن إن وجب الجلد هنا
زيد في العقوبة.
المطلب الثاني: في وطء البهائم:
إذا وطئ البالغ العاقل بهيمة فإن كانت مأكولة اللحم كالشاة والبقرة والناقة عزر
وذبحت الموطوءة أحرقت بالنار وكان لحمها ولحم نسلها حراما وكذا اللبن، وليس
الذبح والإحراق عقوبة لها لكن لمصلحة خفية أو للأمن من شياع نسلها وتعذر
اجتنابه واشتباه لحمها لولا الإحراق، ثم إن لم تكن ملكا للواطئ غرم قيمتها
لمالكها يوم الفعل.
وإن كان الأهم منها ظهرها وكانت غير مأكولة للعادة كالحمير والبغال والخيل
لم تذبح بل تخرج من بلد الفعل وتباع في غيره لئلا يعير فاعلها بها والأقرب تحريم
لحمها، ثم إن كانت للواطئ دفع الثمن إليه على رأي وتصدق به على رأي وإن
كانت لغيره أغرم ثمنها له وقت التفريق ويتصدق بالثمن الذي يباع به على رأي أو
يعاد على المغترم على رأي.
ولو بيعت في غير البلد بأزيد من الثمن احتمل رده على المالك وعلى المغترم
والصدقة ولو كان الفاعل معسرا رد الثمن على المالك، فإن نقص عن القيمة كان
411

الباقي في ذمته يطالب به مع المكنة والنفقة عليها إلى وقت بيعها على
الفاعل، فإن نمت فله إن دفع القيمة إلى المالك وإلا فللمالك على إشكال ينشأ من
الحكم بالانتقال إليه بنفس الفعل أو بفعل القيمة ومن عدم الانتقال مطلقا.
ولو ادعى المالك الفعل كان له الإحلاف، وحرمت المأكولة وينجس رجيع
المأكولة ويحرم استعمال جلدها بعد الذبح فيما يستعمل فيه جلد غير مأكولة اللحم
على إشكال، ويثبت الفعل بشهادة عادلين أو الإقرار مرة على رأي ولا يقبل فيه
شهادة النساء منفردات ولا منضمات، والإقرار يثبت به التعزير والذبح والإحراق أو
البيع في غير البلد إن كانت الدابة له وإلا ثبت التعزير خاصة، ولو تكرر الفعل
والتعزير ثلاثا قتل في الرابعة.
خاتمة:
من استمنى بيده عزر بما يراه الإمام، وروي: أن أمير المؤمنين ع
ضرب يده حتى احمرت وزوجه من بيت المال. ويثبت بشهادة عدلين - ولا تقبل فيه
شهادة النساء مطلقا - وبالإقرار مرة على رأي.
المقصد الرابع: في حد القذف.
وفيه مطلبان:
الأول: الموجب:
وهو القذف بالزنى أو اللواط مثل: زنيت أو لطت أو زنى بك أو ليط بك أو
أنت زان أو منكوح في دبره أو لائط أو أنت زانية أو يا زان أو يا لائط أو يا زانية،
أو ما يؤدي صريحا معنى ذلك بأي لغة كانت بعد أن يكون القاتل عارفا بالمعنى
وكذا لو أنكر ولدا اعترف به أو قال غيره: لست لأبيك، أو زنت بك أمك، أو يا
ابن الزانية.
ولو قال: يا ديوث، ويا كشحان، ويا قرنان أو غير ذلك من ألفاظ، فإن
أفادت القذف في عرف القاتل ثبت الحد وإن لم يعرف فائدتها فالتعزير إن أفادت
عنده
412

فائدة يكرهها المواجه.
وكل تعريض بما يكرهه المواجه يوجب التعزير إذا لم يوضع للقذف عرفا أو
وضعا مثل: أنت ولد حرام أو لست بولد حلال أو أنت ولد شبهة أو حملت بك أمك
في حيضها، أو قال لزوجته: لم أجدك عذراء. أو قال له: يا فاسق، أو يا خائن،
أو يا شارب الخمر - وهو متظاهر بالستر - أو يا خنزير، أو يا وضيع، أو يا حقير، أو
يا كلب وما أشبه ذلك، وكذا لو قال له: أنت كافر، أو زنديق، أو مرتد. أو عيره
بشئ من بلاء الله تعالى مثل: أنت أجذم أو أبرص، وإن كان
به ذلك إذا كان المقول له من أهل الصلاح وكذا كل ما يوجب الأذى، ولو كان المقول له مستحقا
للاستخفاف سقط عنه التعزير إلا بما لا يسوع لقاؤه به.
المطلب الثاني: القاذف:
ويعتبر فيه البلوغ والعقل والاختيار والقصد، فلو قذف الصبي أدب ولم يحد
ولو كان المقذوف كاملا، ولا شئ على المجنون ولو كان يعتوره فقذف وقت إفاقته
حد حدا - ما، وفي اشتراط الحرية في كمال الحد قولان فعلى العدم يثبت نصف
الحد.
فإن ادعى المقذوف الحرية وأنكر القاذف عمل بالبينة ومع العدم قيل: يقدم
قول القاذف، عملا بحصول الشبهة الدارئة للحد. وقيل: المقذوف، عملا بأصالة
الحرية.
ولو ادعى صدور القذف حال إفاقته أو حال بلوغه قدم قول القاذف، ولا يمين
ولا حد على المكره على القذف ولا الغافل ولا الساهي والنائم والمغمى عليه، وفي
السكران إشكال فإن لم توجب فالتعزير.
المطلب الثالث: المقذوف:
وشرطه الإحصان وانتفاء الأبوة والتقاذف، فالإحصان يراد به هنا البلوغ
413

وكمال العقل والحرية والإسلام والعفة ويجب به الحد كملا، ولو فقد أحدهما أو
الجميع فالتعزير سواء كان القاذف مسلما أو كافرا أو حرا أو عبدا.
ولو قال: أمك زانية، أو يا بن الزانية، أو زنت بك أمك، أو ولدتك أمك
من الزنى، فهو قذف للأم.
ولو قال: يا ابن الزاني، أو زنى بك أبوك، أو أخا الزانية أو الزاني، أو يا أبا
الزانية أو الزاني، أو يا زوج الزانية، فهو قذف للمنسوب إليه وكذا: يا خال الزاني
أو الزانية، أو يا عم الزاني، أو يا جد الزاني أو الزانية، فإن اتحد المنسوب إليه
فالحد له وإن تعدد وبين فكذا وإن أطلق ففي المستحق إشكال ينشأ من المطالبة له
بالقصد أو إيجاب حد لهما وكذا لو قال: أحدكما زان، أو لائط.
ولو قال: يا ابن الزانيين، أو ولدت من الزنى، فهو قذف للأبوين.
ولو قال: زنيت بفلانة، أو لطت بفلان، فالقذف للمواجه والمنسوب إليه على إشكال
ينشأ من احتمال الإكراه ولا يتحقق الحد مع الاحتمال.
ولو قال لابن الملاعنة: يا بن الزانية، حد وكذا لابن الزانية بعد توبتها لا
قبلها. ولو قال لامرأته: زنيت بك حد لها على إشكال فإن أقر أربعا حد للزنى
أيضا.
ولو كان المنسوب إليه كاملا دون المواجه ثبت الحد فلو قال لكافر أمه
مسلمة: أمك زانية، أو يا بن الزانية، حد ولو كانت ميتة ولا وارث لها سوى
الكافر لم يحد.
ولو قال لمسلم: يا بن الزانية، وكانت أمه كافرة أو أمة قيل: حد كملا،
والأقرب التعزير.
ولو قذف الأب ولده عزر ولم يحد، وكذا لو قذف زوجته الميتة ولا وارث لها
سواه ولو كان لها ولد من غيره كان له الحد كملا دون الولد.
ولو قذف الولد أباه أو أمه أو الأم ولدها أو جميع الأقارب حد كملا،
والأقرب أن الجد للأب أب بخلاف الجد للأم.
414

وإذا قذف المسلم صبيا أو مجنونا أو كافرا أو مشهورا بالزنى فلا حد بل
التعزير، وإذا تقاذف المحصنان عزرا ولا حد.
ولو تعدد المقذوف تعدد الحد سواء اتحد القاذف أو تعدد، نعم لو قذف
جماعة بلفظ واحد فإن جاؤوا به مجتمعين فللجميع حد واحد وإن جاؤوا به متفرقين
فلكل واحد حد، ولو قذفهم كل واحد بلفظ واحد لكل حد سواء اجتمعوا في
المجئ به أو تفرقوا وكذا التعزير.
ولو قال: يا بن الزانيين، فهو حد لأبويه فإن اجتمعا في المطالبة حد حدا
واحدا وإلا اثنين. ولو قال: ابنك زان أو لائط، أو بنتك زانية، فالحد لولديه دونه
فإن سبقا بالعفو أو الاستيفاء فلا بحث وإن سبق الأب قيل: كان له العفو أو
الاستيفاء، وليس بمعتمد نعم له ولاية الاستيفاء للتعزير لو كان الولد المقذوف
صغيرا وكذا لو ورث الولد الصغير حدا كان للأب الاستيفاء وفي جواز العفو
إشكال.
المطلب الرابع: في الحد:
وهو ثمانون جلدة حرا كان القاذف أو عبدا على رأي، وقيل: حد العبد
أربعون بشرط قذف المحصن، ولو لم يكن محصنا فالتعزير. ويجلد بثيابه ولا يجرد
ولا يضربه شديدا بل متوسطا دون ضرب الزنى ويشهر القاذف لتجتنب شهادته.
ويثبت القذف بشهادة عدلين أو الإقرار مرتين من مكلف حر مختار ولا يثبت
بشهادة النساء وإن كثرن منضمات ولا منفردات، وهو موروث يرثه من يرث المال
من الذكور والإناث عدا الزوج والزوجة، وإذا كان الوارث جماعة لم يسقط بعضه
بعفو البعض بل للباقي وإن كان واحدا المطالبة بالحد على الكمال، ولو عفا
المستحق أو جميع الورثة سقط الحد ولم يجز له بعد ذلك المطالبة، ولمستحق الحد
العفو قبل ثبوته وبعده ولا اعتراض للحاكم عليه وليس للحاكم أن يقيم الحد إلا
مع مطالبة المستحق، ويتكرر الحد بتكرر القذف.
415

فإن تكرر الحد والقذف ثلاثا قتل في الرابعة، وقيل: في الثالثة، سواء اتحد
المقذوف أو تعدد. ولو كرره ولم يتكرر الحد فحد
واحد لا أكثر، ولو قذفه فحد فقال: الذي قلت كان صحيحا، وجب بالثاني التعزير. ولا يسقط الحد عن
القاذف إلا بالبينة المصدقة أو إقرار المقذوف أو العفو ويسقط في الزوجة باللعان
أيضا.
المطلب الخامس: في اللواحق:
لو كان المقذوف عبدا كان التعزير له لا لمولاه، فإن عفا لم يكن لمولاه المطالبة
وكذا لو طالب، فلو مات ورثه المولى.
ولا تعزير على الكفار لو تنابزوا بالألقاب والتعيير بالأمراض إلا مع خوف
الفتنة، ولا يزاد في تأديب الصبي على عشرة أسواط وكذا المملوك ولو ضربه حدا
في غير حد أعتقه مستحبا على رأي، ويثبت ما يوجب التعزير بشاهدين أو الإقرار
مرتين.
ولو قذف المولى عبده أو أمته عزر كالأجنبي، وكل من فعل محرما أو ترك
واجبا كان للإمام تعزيره بما لا يبلغ الحد لكن بما يراه الإمام ولا يبلغ حد الحر في
الحر ولا حد العبد في العبد.
وساب النبي ع أو أحد الأئمة ع يقتل ويحل لكل من
سمعه قتله مع الأمن عليه وعلى ماله وغيره من المؤمنين لا مع الضرر، ويجب قتل
مدعي النبوة والشاك في نبوة محمد ص أو في صدقه ممن ظاهره الاسلام.
ومن عمل السحر يقتل إن كان مسلما ويؤدب إن كان كافرا، ويثبت الحد
على قاذف الخصي والمجبوب والمريض المدنف والرتقاء والقرناء على إشكال، ويجب
الحد على القاذف في غير دار الاسلام.
ولو طالب المقذوف ثم عفا سقط، ولو قذف الغائب لم يقم عليه الحد حتى
416

يقدم صاحبه ويطالب، ولو جن المقذوف بعد استحقاقه لم يقم عليه الحد حتى يفيق
ويطالب ولو قيل: للولي ذلك، كان وجها.
ولو كان مجنونا وقت القذف استحق التعزير بعد الإفاقة، ولو قذفه بالزنى
بالميتة أو باللواط به حد، ولو قذفه بالإتيان للبهيمة عزر، وكذا لو قذفه بالمضاجعة أو التقبيل أو
قذف امرأة بالمساحقة على أشكال أو بالوطئ مستكرهة أو قال: يا نمام، أو يا كاذب.
ولو قال: يا لوطي، سئل عن قصده فإن قال: أردت أنك من قوم لوط، لم
يحد وإن قال: أردت أنك تفعل فعلهم، حد.
ولو قال: يا مخنث، أو يا قحبة، عزر لو أفاد في عرفه الرمي بالفاحشة حد.
ولو قال: ما أنا بزان ولا أمي بزانية، أو لست بزان، أو ما يعرفك الناس
بالزنى، وقصد بذلك التعريض أو قال لقاذف: صدقت، عزر وكذا يعزر لو قال:
أخبرني فلان أنك زنيت، سواء صدقه فلان أو كذبه.
ولو قال: أنت أزنى من فلان، فهو قذف له وفي كونه قذفا لفلان إشكال.
ولو قذف محصنا ولم يقم عليه الحد حتى زنى المقذوف لم يسقط الحد.
ولو لحق الذمي القاذف أو المرتد بدار الحرب ثم عاد لم يسقط حد القذف
عنهما، ولو قال لمسلم عن كفر: زنيت حال كفرك، ثبت الحد على إشكال.
ولو قذف مجهولا وادعى كفره أو رقه احتمل السقوط والثبوت، ولو قذف أم
النبي ع وجب قتله ولم تقبل توبته إذا كان عن فطرة، ولو قال: من رماني
فهو ابن الزانية، فرماه واحد لم يكن قاذفا له وكذا لو قال أحد المختلفين: هو ابن
الزانية، فلا حد.
ولو قذف من لا ينحصر عدده كأهل مصر فلا حد.
417

المقصد الخامس: في حد الشرب:
وفصوله ثلاثة:
الأول: الموجب:
وهو تناول ما أسكر جنسه أو الفقاع اختيارا مع العلم بالتحريم والكمال،
فالتناول يعم الشرب والاصطباغ وأخذه ممتزجا بالأغذية والأدوية وإن خرج عن
حقيقته بالتركيب، ولا يشترط الإسكار بالفعل فلو تناول قطرة من المسكر أو مزج
القطرة بالغذاء وتناوله حد، ولا فرق في المسكر بين أن يكون متخذا من عنب أو
تمر أو زبيب أو عسل أو شعير أو حنطة أو ذرة أو غيرها سواء كان من جنس واحد
أو أكثر.
والفقاع كالمسكر وإن لم يكن مسكرا، وكذا العصير إذا غلى وإن لم يقذف
بالزبد سواء غلى من نفسه أو بالنار إلا أن يذهب ثلثاه أو ينقلب خلا، وكذا غير
العصير إذا حصلت فيه الشدة المسكرة، وفي التمر إذا غلى ولم يبلغ حد الإسكار
ففي تحريمه نظر، وكذا الزبيب إذا نقع بالماء فغلى من نفسه أو بالنار والأقرب البقاء
على الحل ما لم يبلغ الشدة المسكرة.
ولا حد على الحربي والذمي المستتر فإن تظاهر حد، ويحد الحنفي إذا شرب
النبيذ وإن قل، ولا يحد المكره على الشرب سواء توعد عليه أو وجر في حلقه، ولا
الصبي ولا المجنون ولا الجاهل بجنس المشروب أو بتحريمه لقرب عهده بالإسلام
وشبهه، ولا على من اضطره العطش أو إساغة لقمة إلى شرب الخمر إذ الأقرب
تجويزه لهما.
ولا يجوز التداوي بالخمر تناولا ويحد لو فعل إلا مع الشبهة ولو كان مركبا
مع غيره كالترياق، ولو علم التحريم وجهل وجوب الحد حد، ولو شرب بظن أنه
من جنس آخر فلا حد فإن سكر فكالمغمى عليه يسقط عنه قضاء الصلاة.
ويثبت بشهادة عدلين - ولا تقبل شهادة النساء منفردات ولا منضمات -
وبالإقرار مرتين ولا يكفي المرة، ويشترط في المقر البلوغ والعقل والاختيار
والقصد،
418

ولا يكفي الرائحة والنكهة ويكفي أن يقول الشاهد: شرب مسكرا، أو شرب ما
شربه غيره فسكر.
الفصل الثاني: في الواجب:
ويجب ثمانون جلدة على المتناول حرا كان أو عبدا على رأي وأربعون على
العبد على رأي، ولا فرق بين الذكر والأنثى والمسلم والكافر المتظاهر، ويضرب
عاريا على ظهره وكتفه ويتقى وجهه وفرجه والمقاتل ويفرق على سائر بدنه لا رأسه،
ولا يقام الحد عليه حال سكره بل يؤخر حتى يفيق، ولا يسقط بالجنون ولا الارتداد
فإذا حد مرتين قتل في الثالثة، وقيل: في الرابعة.
ولو تكرر الشرب من غير حد لم يحد أكثر من حد واحد، ولو شرب الخمر
مستحلا فهو مرتد، وقيل: يستتاب فإن تاب أقيم عليه الحد وإن امتنع قتل. أما
باقي المسكرات فلا يقتل مستحلها للخلاف بين المسلمين بل يقام الحد عليه مع
الشرب مستحلا ومحرما وكذا الفقاع.
ولو باع الخمر مستحلا استتيب فإن تاب وإلا قتل، ولو باع محرما له عزر،
وما عدا الخمر من المسكرات والفقاع إذا باعه مستحلا لا يقتل وإن لم يتب بل
يؤدب.
ويسقط الحد عن الشارب بالتوبة قبل قيام البينة لا بعدها، ولو تاب قبل
إقراره سقط ولو تاب بعده تخير الإمام، وقيل: يجب الإقامة هنا.
ومن مات بالحد أو التعزير فلا دية له، وقيل: على بيت المال. ولو بان فسق
الشاهدين بعد القتل فالدية على بين المال دون الحاكم وعاقلته.
ولو أنفذ الحاكم إلى حامل لإقامة الحد فأسقطت خوفا فدية الجنين في بيت
المال، وقيل: على عاقلة الإمام، وهي قضية عمر مع علي ع.
ولو ضرب الحداد أزيد من الواجب بإذن الحاكم غلطا أو سهوا ولم يعلم
الحداد فمات فعلى بيت المال نصف الدية، ولو كان عمدا ضمن الحاكم النصف في
ماله، ولو أمره بالحد فزاد الحداد عمدا فمات فالنصف على الحداد، ولو طلب الولي
419

القصاص فله ذلك مع دفع النصف، ولو زاد سهوا فالنصف على العاقلة، ويمكن
أن تقسط الدية على الأسواط التي حصل بها الموت فيسقط ما قابل السائغ، وإيجاب
الجميع لأنه قتل حصل من فعله تعالى وعدوان الضارب فيحال الضمان كله على
العادي كما لو ضرب مريضا مشرفا على التلف وكما لو ألقى حجرا على سفينة موقرة
فغرقها.
الفصل الثالث: في اللواحق:
لو شهد أحدهما بالشرب والآخر بالقئ حد على إشكال لما روي: أنه ما قاء
إلا وقد شرب. ولو شهدا بالقئ حد للتعليل على إشكال، ولو شهد أحدهما
بالشرب في وقت والآخر في آخر أو شهد أحدهما بالشرب مكرها والآخر مطاوعا
فلا حد، ولو ادعى الإكراه مع الشهادة بمطلق الشرب أو القئ سقط الحد.
ومن اعتقد إباحة ما أجمع على تحريمه كالخمر والميتة والدم ولحم الخنزير
ونكاح المحرمات والزنى وإباحة خامسة والمعتدة والمطلقة ثلاثا فهو مرتد فإن كان قد
ولد على الفطرة قتل، ولو فعل شيئا من ذلك محرما عزر، ولو ادعى جهل التحريم
قبل مع الإمكان بأن يكون قريب العهد بالإسلام ومثله يخفى عنه وإلا فلا.
وإذا عجن بالخمر عجينا فخبزه وأكله فالأقرب وجوب الحد ولو تسقط به
حد، ولو احتقن به لم يحد لأنه ليس بشرب ولأنه لم يصل إلى جوفه فأشبه ما لو داوى جرحه.
المقصد السادس: في حد السرقة: وفيه فصول:
الأول: الموجب وهو السرقة:
وأركانها ثلاثة:
الأول: السارق:
ويشترط فيه البلوغ والعقل والاختيار، فلو سرق الصبي لم يقطع بل يؤدب
ولو
420

تكررت سرقته، وقيل: يعفا عنه أول مرة فإن سرق ثانيا أدب وإن عاد ثالثا
حكت أنامله حتى تدمى فإن سرق رابعا قطعت أنامله فإن سرق خامسا قطع كما
يقطع الرجل، وليس ذلك من باب التكليف بل يوجب التأديب على الحاكم
لاشتماله على المصلحة.
ولا حد على المجنون بل يؤدب وإن تكرر منه، ولو سرق حال إفاقته لم يسقط
الحد بالجنون المعترض، ولا يشترط الاسلام ولا الحرية ولا الذكورة ولا البصر
فيقطع الكافر والعبد والمرأة والأعمى.
ولا بد وأن يكون مختارا فلو أكره على السرقة فلا قطع ولا تكون الحاجة عذرا إلا
في سرقة الطعام في عام مجاعة فإنه لا قطع حينئذ، ويستوفى الحد من الذمي قهرا لو
سرق مال المسلم وإن سرق مال ذمي استوفى منه إن ترافعوا إلينا وإلا فلا وللإمام
رفعهم إلى حاكمهم ليقضي بمقتضى شرعهم.
الركن الثاني: المسروق:
وشروطه عشرة:
الأول: أن يكون مالا: فلا يقطع سارق الحر الصغير حدا إذا باعه بل لفساده،
ولو لم يبعه أدب وعوقب، ولو كان عليه حلي أو ثياب تبلغ نصابا لم يقطع لثبوت
يد الصغير عليها.
ولو كان الكبير نائما على متاعه فسرقه ومتاعه قطع وكذا السكران والمغمى
عليه والمجنون، ولو سرق عبدا صغيرا قطع ولو كان كبيرا لم يقطع إلا أن يكون
نائما أو مجنونا أو مغمى عليه أو أعجميا لا يعرف مولاه ولا يميزه عن غيره، والمدبر
وأم الولد والمكاتب على إشكال كالقن، ولو سرق عينا موقوفة ثبت القطع.
الثاني: النصاب: وهو ربع دينار ذهبا خالصا مضروبا بسكة المعاملة أو ما
قيمته ذلك، فلا قطع فيما قيمته أقل من ذلك ولا فرق بين الثياب والطعام
والفاكهة والماء والكلأ والملح والثلج والتراب والطين الأرمني والمعد للغسل
421

والحيوان والحجر والصيد والطعام الرطب الذي يسرع إليه الفساد، والضابط كل ما
يملكه المسلم سواء كان أصله الإباحة أو لم يكن.
ويقطع سارق المصحف والعين الموقوفة مع بلوغ قيمتهما النصاب، والربع من
الذهب الإبريز إذا لم يساو ربعا مضروبا لا قطع فيه، ويقطع في خاتم وزنه سدس
دينار وقيمته ربع على إشكال دون العكس.
ولو سرق نصابا يظن أنه غير نصاب أو دنانير يظن أنها فلوس حد، ولو سرق
قميصا قيمته أقل من نصاب وفي جيبه دينار لا يعلمه ففي القطع إشكال، وهل
يشترط اخراج النصاب دفعة؟ إشكال أقربه ذلك إلا مع قصر الزمان.
ولو أخرج نصف المنديل وترك النصف الآخر في الحرز فلا قطع وإن كان
المخرج نصابا، ولو أخرجه شيئا فشيئا أو أخرج الطعام على التواصل بإرسال من
الحرز إلى خارج فهو كدفعة.
ولو جمع من البذر المبثوث في الأرض المحرز قدر النصاب قطع لأنها كحرز
واحد، ولو أخرج النصاب من حرزين لم يقطع إلا أن يكونا في حكم الواحد بأن
يشملهما ثالث، ولو حمل النصاب اثنان لم يقطع أحدهما ولو حملا نصابين قطعا،
وقيل: لو سرقا نصابا قطعا، ويجب أن تكون القيمة تبلغ نصابا قطعا لا باجتهاد
المقوم.
الشرط الثالث: أن يكون مملوكا لغير السارق: فلو سرق ملك نفسه من المرتهن أو
المستأجر لم يقطع، ولو توهم الملك فبان غير مالك لم يقطع وكذا لو أخذ من المال
المشترك ما يظن أنه قدر نصيبه فبان أزيد بقدر النصاب، ولو تجدد ملكه قبل
الإخراج من الحرز فلا قطع وكذا لو ملكه بعد الإخراج قبل المرافعة إما بهبة أو
ميراث أو بيع أو غير ذلك من أسباب الملك، ولو ملكه بعد المرافعة ثبت الحد.
ولا يقطع لو سرق مال عبده المختص ولا مال مكاتبه للشبهة، ولو قال السارق:
سرقت ملكي، سقط القطع بمجرد الدعوى لأنه صار خصما في المال فكيف يقطع
بيمين غيره.
422

ولو قال المسروق منه: هو لك، فأنكر فلا قطع. ولو قال السارق: هو
ملك شريكي في السرقة، فلا قطع. فلو أنكر شريكه لم يقطع المدعي وفي المنكر إشكال
أقربه القطع، ولو قال العبد السارق: هو ملك سيدي، لم يقطع وإن كذبه السيد
وكذا لو قال الأب: هو ملك ولدي، فأنكر.
الشرط الرابع: أن يكون محترما: فلو سرق خمرا أو خنزيرا لم يقطع وإن كان
من ذمي مستتر وإن وجب الغرم، ولو سرق كلبا مملوكا قيمته ربع دينار فصاعدا
فالأقرب القطع، ولو سرق آلة لهو كالطنبور والملاهي أو آنية محرمة كآنية الذهب
والفضة فإن قصد الكسر لم يقطع وإن قصد السرقة ورضاضها نصاب فالأقرب
القطع، ولو سرق مال حربي مستأمن لم يقطع ولو سرق مال ذمي قطع، ويقطع الحربي والذمي
إذا سرقا مال مسلم أو ذمي أو معاهد.
الخامس: أن يكون الملك تاما لمسروق منه: فلو سرق مالا مشتركا بينه وبين
غيره ولو بجزء يسير لم يقطع مع الشبهة ولو انتفت الشبهة وعلم التحريم قطع إن
بلغ نصيب الشريك نصابا، ولو كان الشئ قابلا للقسمة ولم يزد المأخوذ على مقدار
حقه حمل على قسمة فاسدة على إشكال أقربه ذلك إن قصده وإلا قطع.
ولو سرق من مال الغنيمة فروايتان: إحديهما لا قطع، والثانية يقطع إن زاد
عن قدر نصيبه بقدر النصاب. وكذا البحث فيما للسارق فيه حق كبيت المال ومال
الزكاة والخمس للفقير والعلوي والأقرب عدم القطع في هذه الثلاثة.
ويقطع الابن لو سرق من مال الأب أو الأم وكذا الأم لو سرقت من مال
الولد، ولا يقطع الأب ولا الجد بالسرقة من مال الولد، وكل مستحق للنفقة إذا
سرق من المستحق عليه مع الحاجة لم يقطع ويقطع بدونها إلا مع الشبهة.
السادس: ارتفاع الشبهة: فلو توهم الحل لم يقطع كما لو سرق من المديون
الباذل بقدر ماله معتقدا إباحة الاستقلال بالمقاصة ولو لم يعتقد الحل قطع، أما مع
المنع فلا إن سرق من الجنس أو من غيره.
ويقطع القريب بالسرقة من مال قريبه وكذا الصديق وإن تأكدت الصحبة، ولو
423

توهم السارق ملك المسروق أو ملك الحرز أو كون المسروق مال ابنه فهو شبهة
بخلاف كون الشئ مباح الأصل كالحطب أو كونه رطبا كالفواكه أو كونه معرضا
للفساد كالمرق والشمع المشتعل.
ولو قطع مرة في نصاب فسرقه ثانيا قطع ثانيا، ويقطع الأجير إذا أحرز من
دونه وفي رواية: لا يقطع، وتحمل على حالة الاستئمان.
وفي الضيف قولان: أحدهما عدم القطع مطلقا، والثاني القطع مع الاحتراز
عنه. ولو أضاف الضيف ضيفا بغير إذن صاحب المنزل فسرق الثاني قطع.
ولا يقطع عبد الانسان بالسرقة من مال مولاه وإن انتفت عنه الشبهة بل
يؤدب وكذا عبد الغنيمة بالسرقة منها، ولو حصل الشبهة للحاكم سقط القطع
أيضا كما لو ادعى صاحب المنزل السرقة والمخرج الاتهاب منه أو الابتياع أو الإذن
في الإخراج فالقول قول صاحب المنزل مع يمينه في المال لا القطع، وكذا لو قال:
المال لي، وأنكر صاحب المنزل حلف صاحب المنزل ولا قطع.
السابع: اخراج النصاب من الحرز: فلو نقب وأخذ النصاب ثم أحدث فيه
ما ينقصه عنه قبل الإخراج ثم أخرجه كأن يخرق الثوب أو يذبح الشاة فلا قطع،
ولو أخرج النصاب فنقصت قيمته بعد الإخراج قبل المرافعة ثبت القطع.
ولو ابتلع داخل الحرز النصاب كاللؤلؤة فإن تعذر اخراجه فهو كالتالف لا
حد ولو اتفق خروجها بعد خروجه ويضمن المال، وإن كان خروجها مما لا يتعذر
بالنظر إلى عادته قطع لأنه يجري مجرى إيداعها في وعاء.
ولو أخرج المال وأعاده إلى الحرز قيل: لم يسقط القطع، لحصول السبب
التام وفيه إشكال ينشأ من أن القطع موقوف على المرافعة فإذا دفعه إلى مالكه
سقطت المطالبة.
ولو هتك الحرز جماعة فأخرج المال أحدهم اختص بالقطع، ولو قربه
أحدهم فأخرجه آخر فالقطع على المخرج، ولو وضعه الداخل في وسط الثقب
وأخرجه الخارج قيل: لا قطع على أحدهما، لأن كلا منهما لم يخرجه عن كمال
الحرز.
424

الشرط الثامن: أن يهتك الحرز منفردا أو مشتركا: ولو هتك هو وأخرج آخر لم
يقطع أحدهما.
التاسع: أن يخرج المتاع بنفسه أو بالشركة من حرز إما بالمباشرة أو التسبيب
مثل أن يضعه على ظهر دابة في الحرز ويخرجها به، أو على جناح الطائر من شأنه
العود إليه ولو لم يكن فهو كالمتلف وإن اتفق العود، أو يشده بحبل ثم يجذبه من
خارج، أو يأمر صبيا غير مميز أو مجنونا باخراجه فإن القطع يتوجه على الآمر لأن
الصبي والمجنون كالآلة.
العاشر: أن يأخذه سرا: فلو هتك قهرا ظاهرا وأخذ لم يقطع وكذا المستأمن
والمودع لو خان.
الركن الثالث: الفعل وهو الإخراج من حرز سرا:
وفيه مطالب:
الأول: الحرز: وهو ما يعد في العرف حرز العدم تنصيص الشارع عليه فيحال
على العرف وهو متحقق فيما على سارقه خطر لكونه ملحوظا دائما أو مقفلا عليه أو
مغلقا أو مدفونا، وقيل: كل موضع ليس لغير المالك الدخول إليه إلا باذنه.
فلا قطع على من سرق من غير حرز كالأرحية والحمامات والمواضع المنتابة
والمأذون في غشيانها كالمساجد إلا مع المراعاة الدائمة على إشكال، وفي قطع سارق
ستارة الكعبة إشكال، ولا قطع على من سرق من الجيب أو الكم الظاهرين ويقطع
لو كانا باطنين، ولا في ثمرة على شجرها بل بعد قطعها وإحرازها ولو كانت الشجرة
في موضع محرز كالدار فالأولى القطع مطلقا، ولا على من سرق مأكولا في عام
مجاعة.
وحرز الأموال يختلف باختلافها فحرز الأثمان والجواهر الصناديق تحت
الأقفال والأغلاق الوثيقة في العمران، وحرز الثياب وما خف من المتاع كالصفر
425

والنحاس في الدكاكين والبيوت المقفلة في العمران ولو كانت مفتوحة وفيها خزائن
مقفلة فالخزائن حرز لما فيها وما خرج عنها فليس بمحرز إلا مع مراعاة صاحبها.
والبيوت في البساتين والصحراء إن لم يكن فيها أحد فليست حرزا وإن كانت
مغلقة، وإن كان فيها أهلها أو حافظ فهي محرزة.
والإصطبل حرز للدواب مع الغلق أو المراعاة على إشكال، وفي كون إشراف
الراعي على الغنم في الصحراء حرزا نظر، والموضوع في الشارع والمسجد محرز بلحاظ
صاحبه بشرط أن لا ينام ولا يوليه ظهره وأن لا يكون هناك زحام يشغل الحس عن
حفظ المتاع، والملحوظ بعين الضعيف في الصحراء ليس محررا إذ لا يبالي به،
والمحفوظ في قلعة محكمة إذا لم يلحظ ليس بمحرز، ولبس الثوب حرز له وكذا
التوسد عليه ما لم ينم.
ولو كان المتاع بين يديه كقماش البزازين والباعة في درب أو دكان مفتوح
وكان مراعيا له ينظر إليه فهو محرز على إشكال، ولو نام أو كان غائبا عن مشاهدته
فليس بمحرز.
والدار بالليل حرز وإن نام صاحبها إذا كانت مغلقة، ولو كانت مفتوحة
وصاحبها مراع فحرز على إشكال وإلا فلا وإن اعتمد في النهار على ملاحظة الجيران، ولو ادعى السارق أنه نام سقط القطع.
والخيام إن نصبت افتقر إلى الملاحظة ولا يكفي إحكام الربط وتنضيد الأمتعة
عن دوام اللحظ، والدواب محرزة بنظر الراعي في الصحراء إذا كان على نشز، وفي
كون القطار محرزا بالقائد نظر أقربه اشتراط سائق معه بل يحرز بنفسه ما زمامه بيده،
والراكب يحرز مركوبه وما أمامه والسائق جميع ما قدامه مع النظر.
ولو سرق الجمل بما عليه وصاحبه نائم عليه لم يقطع لأنه في يد صاحبه.
ولو سرق من الحمام ولا حافظ فيه فلا قطع، ولو كان فيه حافظ فلا قطع
أيضا ما لم يكن قاعدا على المتاع لأنه مأذون في الدخول فيه فصار كسرقة الضيف
من البيت المأذون له في دخوله، ولو كان صاحب الثياب ناظرا إليها قطع، ولو
426

أودعها الحمامي لزمه مراعاتها بالنظر والحفظ، فإن تشاغل عنها أو ترك النظر إليها
فسرقت غرم لتفريطه ولا قطع على السارق، وإن تعاهدها الحمامي بالحفظ والنظر
فسرقت فلا غرم ويثبت القطع.
وحرز حائط الدار بناؤه فيها إذا كانت في العمران مطلقا وفي الصحراء مع
الحافظ، فإن أخذ أحد من آجر الحائط أو خشبة نصابا في هذه الحال وجب قطعه،
ولو هدم الحائط ولم يأخذه لم يقطع كما لو أتلف النصاب في الحرز.
وباب الحرز المنصوب فيه محرز سواء كان مغلقا أو مفتوحا على إشكال يقطع
سارقه إن كانت الدار محرزة بالعمران أو بالحفظ، وباب الخزانة في الدار محرز إن
كان باب الدار مغلقا وإن كان مفتوحا، ولو كان باب الدار مفتوحا فليس بمحرز
إلا أن يكون مغلقا أو مع المراعاة، وحلقة الباب محرزة مع السمر على إشكال.
ولو سرق باب مسجد أو شيئا من سقفه لو يقطع.
والقبر حرز للكفن فإن نبش وسرقه قطع، وهل يشترط النصاب؟ خلاف
وقيل: يشترط في الأولى خاصة. ولو نبش ولم يأخذ عزر، فإن تكرر وفات السلطان
كان له قتله للردع، وليس القبر حرزا لغير الكفن فلو ألبس الميت من غير الكفن
كثوب لم يقطع سارقه وكذا العمامة، ثم الخصم الوارث إن كان الكفن منه
والأجنبي إن كان منه.
ولو كان الحرز ملكا للسارق إلا أنه في يد المسروق بإجارة أو عارية قطع،
ولو كان بغصب لم يقطع والأقرب أن الدار المغصوبة ليست حرزا عن غير المالك،
ولو كان في الحرز مال مغصوب للسارق فأخذ غير المغصوب فالأقرب القطع إن
هتك لغير المغصوب وإلا فلا، ولو جوزنا للأجنبي انتزاع المغصوب بطريق الحسبة
جاء التفصيل.
المطلب الثاني: في إبطال الحرز:
وهو بالنقب أو فتح الباب أو القفل، فلو نقب ثم عاد في الليلة الثانية للإخراج
427

فالأقرب القطع على إشكال إلا أن يطلع المالك ويهمل، ولو اشتركا في النقب
والأخذ قطعا إن بلغ نصيب كل منهما نصابا، ولو أخذ أحد شريكي النقب سدسا
والآخر ثلثا قطع صاحب الثلث خاصة مع أنه لو نقب واحد وأخرج آخر سقط
القطع عنهما، ولا يشترط في الاشتراك في النقب الشركة في كل ضربة أو التحامل
على آلة واحدة بل بالتعاقب في الضرب شركة بخلاف قطع العضو في القصاص.
ولو نقبا فدخل أحدهما وأخرج المتاع إلى باب الحرز فأدخل الآخر يده وأخذه
قطع لا الأول، ولو وضعه خارج الحرز فعليه دون الثاني، ولو وضعه في وسط النقب
فأخذه الآخر احتمل قطعهما وعدمه فيهما.
ولو هتك الحرز صبيا أو مجنونا ثم كمل ثم أخرج ففي القطع نظر.
المطلب الثالث: في الإخراج:
إذا رمى المال إلى خارج الحرز قطع سواء أخذه أو تركه، ولو وضع المتاع على
الماء حتى جرى به إلى خارج الحرز قطع ولو وضعه على ظهر الدابة فخرجت بعد
هنيئة ففي القطع إشكال، ولو أخرج شاة فتبعتها سخلتها أو غيرها فإشكال.
ولو حمل عبدا صغيرا من حريم دار سيده ففي القطع إشكال من حيث أنه حرز
أو لا، ولو دعاه وخدعه على الخروج من الحرز وهو مميز فلا قطع إذ حرزه قوته وهي
معه.
ولو حمل حرا ومعه ثيابه ففي دخول الثياب تحت يده نظر أقربه الدخول مع
الضعف لا القوة وفي كونه سارقا إشكال، ولا يقطع بالنقل من زاوية من الحر إلى
زاوية أخرى.
ولو أخرج من البيت المغلق إلى الدار المغلقة فلا قطع ولو كان إلى المفتوحة قطع،
ولو أخرج من البيت المفتوح إلى الدار مطلقا فلا قطع.
وإذا أحرز المضارب مال المضاربة أو المستودع الوديعة أو العارية أو المال الذي
وكل فيه فسرقه أجنبي فعليه القطع، ولو غصب عينا أو سرقها وأحرزها فسرقها
428

سارق فلا قطع، ولو ترك المتاع في ماء راكد فانفتح فخرج أو على حائط في الدار
فأطارته الريح إلى خارج فالأقرب عدم القطع وإن قصده.
الفصل الثاني: فيما يثبت به السرقة:
إنما يثبت بشهادة عدلين أو الإقرار مرتين، ولا تقبل شهادة النساء منفردات
ولا منضمات في القطع ويثبت في المال، وكذا لا يثبت القطع بالإقرار مرة بل
المال، ويثبت باليمين المردودة المال دون القطع، وينبغي للحاكم التعريض للمقر
بالسرقة بالإنكار فيقول: ما أخالك سرقت، ويسمع الشهادة مفصلة لا مجملة.
ويشترط في المقر البلوغ والعقل والاختيار والحرية، فلا ينفذ إقرار الصبي وإن
كان مراهقا ولا المجنون ولا المكره لا في المال ولا في القطع.
ولو ضرب فرد السرقة بعينها بعد الإقرار بالضرب قيل: يقطع، والأقرب المنع.
ولو أقر الساهي أو الغافل أو النائم أو المغمى عليه لم يصح، ولو أقر المحجور عليه
لسفه قطع ولا يقبل في المال وكذا المفلس لكن يتبع بالعين بعد زوال الحجر،
والأقرب أن العبد إذا صدقه مولاه قطع وإلا يتبع بالسرقة بعد الحرية.
ولو تاب بعد قيام البينة قطع، ولو تاب بعد الإقرار مرتين - على رأي - أو
رجع بعد المرتين لم يسقط الحد ولا الغرم، ولو تاب قبل البينة سقط القطع خاصة.
الفصل الثالث: في الحد:
ويجب قطع الأصابع الأربع من اليد اليمنى ويترك له الراحة والإبهام، فإن عاد
قطعت رجله اليسرى من مفصل القدم ويترك له العقب يعتمد عليها، فإن عاد ثالثا
خلد السجن، فإن سرق بعد ذلك من السجن أو غيره قتل.
والنصاب في المرات بعد الأولى كهو في الأولى، ولو تكررت السرقة ولم يظفر به
حد حدا واحدا، وإذا قطع يستحب حسمه بالزيت المغلى نظرا له وليس بواجب
ومؤنته عليه.
429

ولو كانت يده ناقصة إصبعا اجتزئ بالثلاث حتى لو لم يكن سوى إصبع
غير الإبهام قطعت دون الراحة والإبهام، ولو كانت اليمنى شلاء قطعت ولو تقطع
اليسرى، وكذا لو كانت اليسرى شلاء أو كانتا شلاوين أو لم يكن له يسار.
ولو ذهبت اليمنى بعد الخيانة قبل القطع سقط، ولو سرق ولا يمين له قطعت
يسراه وقيل: رجله. ولو لم يكن له يسار قطعت رجله اليسرى، ولو لم يكن له يد
ولا رجل حبس، ولو كان له إصبع زائدة ولم يمكن قطع الأربع إلا بها قطع ثلاث.
ولو قطع الحداد اليسرى عمدا من دون إذن المقطوع فعليه القصاص والقطع
باق، ولو ظنها اليمنى فعلى الحداد الدية، وفي سقوط القطع إشكال ينشأ من الرواية
المتضمنة لعدمه بعد قطع الشمال ومن عدم استيفاء الواجب.
ولو كان على معصم كفان قطعنا أصابع الأصلية.
وعلى السارق رد العين إن كان باقية ومثلها أو قيمتها إن لم تكن مثلية
مع التلف، ولو نقصت فعليه الأرش، ولو كان لها أجر فعليه الأجرة، ولو مات المالك
ردها على ورثته فإن لم يكن وارث فالإمام.
وإذا سرق ولم يقدر عليه ثم سرق ثانيا قطع بالأولى لا بالأخيرة وأعزم
المالين، ولو قامت البينة بالسرقة ثم أمسكت حتى قطع ثم شهدت بالسرقة الثانية
ففي قطع الرجل قولان.
ولا يقطع السارق إلا بعد مطالبة المالك، فلو لم يرافعه لم يرفعه الإمام وإن
قامت البينة أو عرف الحاكم بعلمه، ولو وهبه المالك العين أو عفا عن القطع قبل
المرافعة سقط القطع ولا يسقط لو عفا أو وهب بعدها ولا يضمن سراية الحد وإن
أقيمت في حر أو برد، ولو أقر قبل المطالبة والدعوى ثم طال قطع حينئذ لا قبله،
ولا فرق في الحد بين الذكر والأنثى ولا الحر والعبد.
وإذا اختلف الشاهدان سقط القطع مثل أن يشهد أحدهما أنه سرق ثوبا
وقال الآخر: سرق كتانا، أو شهد أحدهما أنه سرق يوم الخميس والآخر الجمعة أو
أنه سرق من هذا البيت والآخر من بيت آخر أو أن يشهد أحدهما أنه سرق ثوبا
أبيض
430

والآخر أسود.
ولو قامت البينة بالسرقة فأنكر لم يلتفت إلى إنكاره، فإن ادعى الملك السابق
أحلف المالك وسقط القطع، ولو نكل أحلف الآخر وقضي عليه.
المقصد السابع: في حد المحارب: وفيه مطالب:
الأول:
كل من أظهر السلاح وجرده لإخافة الناس في بر أو بحر ليلا كان أو نهارا في
مصر أو غيره، ولا يشترط الذكورة ولا العدد بل الشوكة فلو غالبت المرأة الواحدة
بفضل قوة فهي قاطعة الطريق، ولا يشترط كونه من أهل الريبة على إشكال، ومن
لا شوكة له مختلس، وهل يثبت قطع الطريق للمجرد مع ضعفه عن الإخافة؟
الأقرب ذلك.
ولا يشترط السلاح بل لو اقتصر في الإخافة على الحجر والعصا فهو قاطع طريق
وإنما يتحقق لو قصدوا أخذ المال قهرا مجاهرة، فإن أخذوه بالخفية فهم سارقون وإن
أخذوه اختطافا وهربوا فهم منتهبون لا قطع عليهم، ولا يثبت قطع الطريق للطليع
ولا للردء.
ويثبت بشهادة عدلين أو الإقرار مرة ولا يقبل شهادة النساء منفردات ولا
منضمات، ولو شهد بعض اللصوص على بعض أو بعض المأخوذين لبعض لم يقبل،
ولو قالوا: عرضوا لنا وأخذوا هؤلاء، قبل. ولو شهد اثنان على بعض اللصوص أنهم
أخذوا جماعة أو اثنين وشهد هؤلاء الجماعة أو الاثنان على بعض آخر غير الأول أنهم
أخذوا الشاهدين حكم بشهادة الجميع.
واللص محارب فإذا دخل دارا متغلبا كان لصاحبها محاربته، فإن أدى الدفع
إلى قتله كان هدرا وإن أدى إلى قتل المالك كان شهيدا، ويقتص من اللص وكذا
431

الطرف، ويجوز الكف عنه إلا أن يطلب نفس المالك فلا يجوز الاستسلام فإن عجز
عن المقاومة هرب مع المكنة.
المطلب الثاني: الحد:
واختلف علماؤنا فقيل: يتخير الإمام بين القتل والصلب والقطع مخالفا
والنفي، وقيل: إن قتل قتل قصاصا فإن عفا الولي قتل حدا، ولو قتل وأخذ المال
استرجع منه وقطعت يده اليمنى ورجله اليسرى ثم قتل وصلب، وإن أخذ المال ولم
يقتل قطع مخالفا ونفي، وإن جرح ولم يأخذ اقتص منه ونفي، وإن أشهر السلاح
وأخاف خاصة نفي لا غير.
فإن تاب قبل القدرة عليه سقط الحد دون حقوق الناس من مال أو جناية،
ولو تاب بعد الظفر به لم يسقط الحد أيضا.
وإذا قطع بدئ باليد اليمنى ثم تحسم ثم تقطع رجله اليسرى وتحسم -
وليس الحسم فرضا - ولو فقد أحد العضوين اقتصر على الموجود خاصة فإن فقد
انتقل إلى غيرهما.
ويصلب المحارب حيا على التخيير ومقتولا على الآخر، ولا يترك على خشبته
أكثر من ثلاثة أيام ثم ينزل ويغسل ويكفن ويصلي عليه ويدفن، ولو شرطنا في
الصلب القتل أمر بالاغتسال والتكفين قبل القتل ولا يعاد.
وإذا نفي كوتب كل بلد يقصده أنه محارب فلا يباع ولا يعامل ويمنع من
مؤاكلته ومشاربته ومجالسته إلى أن يتوب، فإن قصد دار الكفر منع، فإن مكنوه من
دخولها قوتلوا حتى يخرجوه.
ويجب قتل المحارب قودا إذا قتل غيره طلبا للمال مع التساوي في الاسلام
والكفر، فلو عفا الولي قتل حدا سواء كان المقتول كفؤا أو غير كف ء، ولو قتل لا
للمال فهو قاتل عمد أمره إلى الولي خاصة، ولو جرح طلبا للمال اقتص الولي أو عفا
فلا يجب حينئذ الاقتصاص، ولا يشترط في قطعه أخذ النصاب ولا أخذه من
432

حرز، وعلى التخيير يجوز قطعه بل قتله وإن لم يأخذ.
والمختلس المستلب والمحتال بالتزوير والرسائل الكاذبة لا يقطع واحد منهم بل
يؤدب ويسترد منه المال.
والمبنج والمرقد يضمنان ما يجنيه البنج والمرقد ولا يقطع أحدهما.
ولو جرح قاطع الطريق فسرى تحتم قتله قصاصا أو حدا وعلى التخيير إن عفا
الولي تخير الحاكم بين الأربعة، ولو مات المحارب قبل استيفاء الحد لم يصلب.
ومن استحق يمناه بالسرقة ويسراه بالقصاص قدم القصاص ويمهل حتى يندمل
ثم يقطع بالسرقة، ولو استحق يمناه بالقصاص ثم قطع الطريق قدم القصاص ثم
قطعت رجله اليسرى من غير إمهال، وكذا يوالي بين القطعين في قطع الطريق.
المطلب الثالث: في الدفاع:
يجب الدفاع عن النفس والحريم ما استطاع ولا يجوز الاستسلام، وللإنسان أن
يدافع عن المال كما يدافع عن نفسه وإن قل لكن لا يجب ويقتصر على الأسهل،
فإن لم يندفع به ارتقى إلى الصعب، فإن لم يندفع فإلى الأصعب فلو كفاه الصياح
والاستغاثة في موضع يلحقه المنجد اقتصر عليه، فإن لم يندفع خاصمه بالعصا، فإن
لم يفد فبالسلاح ويذهب دم المدفوع هدرا حرا كان أو عبدا مسلما أو كافرا، ولو
قتل الدافع كان كالشهيد ويضمنه المدفوع وكذا جنايته بخلاف المدفوع.
ولا يبدأ إلا مع العلم بقصده فيدفعه مقبلا، فإن أدبر كف عنه واجبا، فإن
عطله مقبلا اقتصر عليه لاندفاع الضرر بذلك فلو قطع يده مقبلا فهدر في الجناية
والسراية، فإن قطع أخرى مدبرا ضمنها وضمن سرايتها، فإن اندملت فالقصاص في
اليد وإن اندملت الأولى وسرت الثانية فالقصاص في النفس بعد رد نصف الدية،
فإن أقبل بعد ذلك فقطع رجله وسرى الجميع قيل: ضمن ثلث الدية أو يقتص منه
بعد رد ثلثي الدية.
ولو قطع يديه مقبلا ثم رجله مدبرا وسرى الجميع ضمن نصف الدية أو يقتص
منه بعد رد النصف إليه لتوالي الجرحين هنا فصارا كجرح واحد بخلاف الأولى، ولو
433

قيل: في الأولى كذلك، كان أقرب لسقوط اعتبار الطرف مع السراية كما لو قطع
يده وآخر رجله ثم الأول يدا أخرى وسرى الجميع فإنهما يتساويان قصاصا ودية.
ولو وجد مع زوجته أو ولده أو غلامه أو جاريته من ينال دون الجماع كان له
دفعه، فإن امتنع فله قتله.
ومن اطلع على قوم فلهم زجره، فإن امتنع من الكف عنهم فرموه بحصاة أو
عود فهدر، ولو بادروا إلى رميه من غير زجر ضمنوا الجناية.
ولو كان المطلع رحما لنساء صاحب المنزل اقتصر على زجره، فإن رماه حينئذ
ضمن إلا مع تجرد المرأة فإنه له رميه لو امتنع بالزجر عن الكف إذ ليس للمحرم
التطلع على العورة والجسد.
وللإنسان دفع الدابة الصائلة عن نفسه ولا ضمان لو تلفت.
ولو انتزع المعضوض يده فسقطت أسنان العاض فلا ضمان ولن تخليص
نفسه باللكم والجرح، فإن لم يمتنع جاز قتله ولا يرتقي إلى الأصعب إلا مع الحاجة
إليه، فإن ارتكبه مع إمكان الدفاع بالأسهل ضمن.
ولو أدب زوجته على الوجه المشروع قيل: يضمن، لأن التأديب مشروط
بالسلامة ويشكل بأنه من التعزير السائغ. أما الصبي لو أدبه أبوه أو جده له ت
فمات ضمنا ديته في مالهما.
ولو قطع سلعة بإذن صاحبها فمات فلا دية، ولو كان مولى عليه ضمن الدية
إن كان وليا كالأب والجد وكذا الأجنبي ولا قصاص عليه.
ولو قتله في منزله وادعى إرادة نفسه أو ماله وأنكر وارثه فأقام البينة أنه دخل
عليه بسيف مشهر مقبلا على صاحب المنزل سقط الضمان لرجحان صدق المدعي.
والفارسان إذا صال كل منهما على صاحبه ضمن ما يجنيه عليه، فإن كف
أحدهما فصال الآخر فقصد الكاف الدفع فلا ضمان عليه فيما يجنيه بالدفع مع عدم
تجاوز الحاجة ويضمن الآخر الجميع.
ولو تجارح اثنان وادعى كل منهما الدفع حلف المنكر.
434

ولو أمره نائب الإمام بالصعود إلى نخلة أو النزول إلى بئر فمات فإن أكرهه
ضمن الدية، ولو كان لمصلحة المسلمين فالدية في بيت المال، ولو لم يكرهه فلا
ضمان وكذا لو أمر انسان غيره بذلك من غير إجبار.
المقصد الثامن: في حد المرتد: وفيه فصلان:
الأول: في المرتد:
وهو الذي يكفر بعد الاسلام سواء كان الكفر قد سبق إسلامه أو لا، وهو
يحصل إما بالفعل كالسجود للصنم وعبادة الشمس وإلقاء المصحف في القاذورات
وكل فعل يدل على الاستهزاء صريحا، وإما بالقول كاللفظ الدال بصريحه على جحد
ما علم ثبوته من دين الاسلام ضرورة أو على اعتقاد ما يحرم اعتقاده بالضرورة من
دين محمد ص سواء كان القول عنادا أو اعتقادا أو استهزاء.
ويشترط في المرتد البلوغ والعقل والاختيار والقصد، فلا عبرة بارتداد الصبي نعم
يؤدب بما يرتدع به وكذا المجنون لا عبرة بردته، ولو ارتد عاقلا ثم جن فإن كان عن
فطرة قتل وإلا فلا لأن قتله مشروط بالامتناع عن التوبة ولا حكم لامتناع المجنون،
ولو أكره على الردة لم يكن مرتدا وله إظهار كلمة الكفر للتقية.
ولو شهد بردته اثنان فقال: كذبا، لم يسمع منه، ولو قال: كنت مكرها،
فإن ظهرت علامة الإكراه كالأسير قبل وإلا ففي القبول نظر أقربه العدم. ولو نقل
الشاهد لفظا فقال: صدق لكنني كنت مكرها، قبل إذ ليس فيه تكذيب.
ولو شهد بالردة لم تقبل دعوى الإكراه على إشكال فإن الإكراه ينفي الردة دون
اللفظ، ولا عبرة بارتداد الغافل والساهي والنائم والمغمى عليه.
ولو ادعى عدم القصد أو الغفلة أو السهو أو الحكاية عن الغير صدق بغير يمين،
وفي الحكم بارتداد السكران أو إسلامه إشكال أقربه المنع مع زوال التميز على رأي.
والأسير إذا ارتد مكرها فأفلت لم يفتقر إلى تجديد الاسلام، ولو امتنع من تجديد
435

حيث عرض عليه دل على اختياره في الردة، ولو ارتد مختارا فصلى صلاة المسلمين لم
يحكم بعوده سواء صلى في بلاد المسلمين أو دار الحرب على إشكال.
الفصل الثاني: في أحكام المرتد: ومطالبه ثلاثة:
الأول: حكمه في نفسه:
المرتد إن كان عن فطرة وكان ذكرا بالغا عاقلا وجب قتله، ولو تاب لم تقبل
توبته ويتولى قتله الإمام ويحل لكل سامع قتله، ولو قتل مسلما قتله الولي قصاصا
وسقط قتل الردة فإن عفا الولي قتل بالردة، ولو قتل خطأ فالدية في ماله إذ لا عاقلة
له وهي مخففة مؤجلة فإن قتل أو مات حلت كالديون المؤجلة.
ولو كان عن غير فطرة استتيب فإن تاب عفي عنه وإلا قتل، وروي: أنه
يستتاب ثلاثة أيام، وقيل: القدر الذي يمكن معه الرجوع، واستتابته واجبة. ولو
قال: حلوا شبهتي، احتمل الإنظار إلى أن تحل شبهته وإلزامه التوبة في الحال ثم
يكشف له. ولو تاب فقتله من يعتقد بقاءه على الردة قيل: يقتل، لتحقق قتل
المسلم ظلما ويحتمل عدمه لعدم القصد إلى قتل المسلم.
والمرأة تستتاب وإن ارتدت عن فطرة، فإن تابت عفي عنها، وإن لم تتب لم
تقتل وإن كانت عن فطرة بل تحبس دائما وتضرب أوقات الصلاة، فإن تابت
عفي عنها وإلا فعل بها ذلك دائما.
ولو تكرر الارتداد من الرجل قتل في الرابعة، وروي: في الثالثة.
ولو أكره الكافر على الاسلام فإن كان ممن يقر على دينه لم يحكم بإسلامه
وإن كان ممن لا يقر حكم به، وكلمة الاسلام: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا
رسول الله، ولا يشترط أن يقول: وأبرأ من كل دين غير الاسلام.
ولو كان مقرا بالله تعالى وبالنبي ص لكنه جحد عموم
نبوته أو وجوده أو جحد فريضة علم ثبوتها من دين الاسلام لم يكف الإقرار
436

بالشهادتين في التوبة بل لا بد من زيادة تدل على رجوعه عما جحده، فيقول من
جحد عموم النبوة: أشهد أن محمدا رسول الله إلى الخلق أجمعين، أو يتبرأ مع
الشهادتين مع كل دين خالف الاسلام.
ولو زعم أن المبعوث ليس هو هذا ع بل آخر يأتي بعد افتقر أن يقول:
هذا المبعوث هو رسول الله، أو تبرأ من كل دين غير الاسلام. وكذا لو
جحد نبيا أو آية من كتابه تعالى أو كتابا من كتبه أو ملكا من ملائكته الذين ثبت أنهم
ملائكة أو استباح محرما فلا بد من إسلامه من الإقرار بما جحده.
ولو قال: أشهد أن النبي رسول الله ص، لم يحكم بإسلامه
لاحتمال أن يريد غيره.
ولو قال: أنا مؤمن، أو مسلم، فالأقرب أنه إسلام في الكافر الأصلي أو جاحد
الوحدانية بخلاف من كفر بجحد نبي أو كتاب أو فريضة ونحوه لأنه يحتمل أن
يكون اعتقاده أن الاسلام ما هو عليه والأقرب قبول توبة الزنديق وهو الذي يستتر بالكفر.
ولا يجري عن المرتد رق سواء كان رجلا أو امرأة وسواء التحق بدار الكفر أو لا.
المطلب الثاني: حكمه في ولده:
إذا علق قبل الردة فهو مسلم، فإن بلغ مسلما فلا بحث، وإن اختار الكفر بعد
بلوغه استتيب فإن تاب وإلا قتل، ولو قتله قاتل قبل وصفه بالكفر قتل
به سواء قتله قبل بلوغه أو بعده.
ولو علق بعد الردة وكانت أمه مسلمة فكالأول، وإن كانت مرتدة والحمل بعد
ارتدادهما معا فهو مرتد بحكمهما لا يقتل المسلم بقتله، وهل يجوز استرقاقه؟ قيل:
نعم لأنه كافر بين كافرين، وقيل: لا لأن أباه لا يسترق لتحرمه بالإسلام فكذا
الولد.
فإذا بلغ واختار الكفر استتيب فإن تاب وإلا قتل سواء علق قبل الارتداد أو
437

بعده، وأما ولد المعاهد إذا تركه عندنا فإنه يبقى بعد البلوغ بقبول الجزية أو يحمل
إلى مأمنه ثم يصير حربا.
المطلب الثالث: في أمواله وتصرفاته:
المرتد إن كان عن فطرة زالت أملاكه عنه في الحال وقسمت أمواله أجمع بين
ورثته وبانت زوجته وأمرته بعدة الوفاة في الحال وإن لم يدخل على الأقوى، وقيل:
لا عدة مع عدم الدخول، وإن التحق بدار الحرب أو اعتصم بما يحول بينه وبين
الإمام أو هرب.
وإن كان عن غير فطرة لم تزل أملاكه عنه ويحجر الحاكم على أمواله لئلا
يتصرف فيها بالإتلاف، فإن عاد فهو أحق بها وإن التحق بدار الحرب حفظت
وبيع ما يكون الغبطة في بيعه كالحيوان، فإن مات أو قتل انتقل إلى ورثته المسلمين
، فإن لم يكن له وارث مسلم فهو للإمام.
ويقضي من أموال المرتد عن فطرة ديونه وما عليه من الحقوق الواجبة قبل
الارتداد من مهر وأرش جناية وغير ذلك، ولا يقضى ما يتجدد وإن كان المعامل
جاهلا لانتقال أمواله إلى ورثته، ولا ينفق عليه.
وكذا تقضى الديون والحقوق عن المرتد عن غير فطرة وإن تجددت وينفق عليه
مدة ردته إلى أن يتوب أو يقتل لكن لا يمكن من التصرف فيها والقضاء للمتجدد
كما في المحجور، ويقضى عنه نفقة القريب مدة الردة، وهل يقضى ما يلزمه
بالإتلاف حال الردة عن غير فطرة؟ إشكال. وما يتجدد له من الأموال
بالاحتطاب أو الاتهاب أو الشراب أو الصيد أو إيجار نفسه فهي كأمواله، أما المرتد
عن فطرة فالأقرب عدم دخول ذلك كله في ملكه.
وتصرفات المرتد عن غير فطرة كالهبة والعتق والتدبير والوصية غير ماضية لأنه
محجور عليه، فإن تاب نفد إلا العتق ويمضى ما لا يتعلق بأمواله، وهل يثبت الحجر
بمجرد الردة أو يحكم الحاكم، الأقوى الأول. وأما المرتد عن فطرة فلا ينفد شئ من
438

تصرفاته البتة.
وأما التزويج فإنه غير ماض من المرتد عن فطرة وغيرها سواء تزوج بمسلمة
لاتصافه بالكفر أو بكافرة لتحرمه بالإسلام، وليس له ولاية التزويج على أولاده ولا
على مماليكه.
وتعتد زوجة المرتد عن غير فطرة من حين الارتداد عدة الطلاق، فإن رجع في
العدة فهو أحق بها وإلا بانت منه بغير طلاق ولا فسخ سوى الارتداد.
وكل ما يتلفه المرتد على المسلم فهو ضامن له سواء كان في دار الحرب أو دار
الاسلام حالة الحرب وبعد انقضائها وسواء كان عن فطرة أو لا، وأما الحربي فإن
أتلف في دار الاسلام ضمن والأقرب في دار الحرب الضمان أيضا.
وإذا نقض الذمي عهده ولحق بدار الحرب فأمان أمواله باق، فإن مات ورثه
الذمي والحربي فإن انتقل إلى الحربي زال الأمان عنه، وأما أولاده الصغار فهم على
الذمة فإذا بلغوا خيروا بين عقد الذمة بالجزية وبين رجوعهم إلى مأمنهم.
439

اللمعة الدمشقية
للشيخ أبي عبد الله شمس الدين محمد بن الشيخ جمال الدين مكي بن الشيخ شمس
الدين محمد بن حامد بن أحمد المطلبي العاملي الثباطي الجزيني المشتهر بالشهيد الأول
734 - 786 ه‍ ق
441

كتاب الحدود
وفيه فصول:
الأول: في الزنى:
وهو إيلاج البالغ العاقل في فرج امرأة محرمة من غير عقد ولا ملك ولا شبهة
قدر الحشفة عالما مختارا، فلو تزوج الأمة أو المحصنة ظانا الحل فلا حد ولا يكفي
العقد بمجرده، ويتحقق الإكراه في الرجل فيدرأ الحد عنه كما يدرأ عن المرأة
بالإكراه، ويثبت الزنى بالإقرار أربع مرات مع كمال المقر واختياره وحريته أو
تصديق المولى وتكفي إشارة الأخرس، ولو نسب الزنى إلى امرأة أو نسبه إلى رجل
وجب حد القذف بأول مرة.
ولا يجب حد الزنى إلا بأربع وبالبينة كما سلف، ولو شهد أقل من النصاب
حدوا للفرية، ويشترط ذكر المشاهدة كالميل في المكحلة من غير علم سبب التحليل
فلو لم يذكروا المعاينة حدوا، ولا بد من اتفاقهم على الفعل الواحد في الزمان
الواحد والمكان الواحد فلو اختلفوا حدوا للقذف، ولو أقام بعضهم الشهادة في
غيبة الباقي حدوا ولم يرتقب الإتمام فإن جاء الآخرون وشهدوا حدوا أيضا، ولا
يقدح تقادم الزنى في صحة الشهادة ولا يسقط بتصديق الزاني الشهود ولا
بتكذيبهم.
والتوبة قبل قيام البينة يسقط الحد لا بعدها وتسقط بدعوى الجهالة والشبهة
مع إمكانهما في حقه، وإذا أثبت الزنى على الوجه المذكور وجب الحد.
443

وهو أقسام ثمانية:
أحدها: القتل: وهو الزاني بالمحرم كالأم والأخت، والذمي إذا زنى بمسلمة،
والزاني مكرها للمرأة ولا يعتبر الإحصان هنا، ويجمع له بين الجلد ثم القتل على
الأقوى.
وثانيها: الرجم: ويجب على المحصن إذا زنى ببالغة عاقلة، والإحصان إصابة البالغ
العاقل الحر فرجا قبلا مملوكا بالعقد الدائم أو الرق يغدو عليه ويروح إصابة معلومة، فلو
أنكر وطء زوجته صدق وإن كان له منها ولد لأن الولد قد يخلق من استرسال المني
وبذلك تصير المرأة محصنة، ولا يشترط في الإحصان الاسلام ولا عدم الطلاق إذا كانت
العدة رجعية بخلاف البائن، والأقرب الجمع بين الجلد والرجم في المحصن، وإن كان
شابا فيبدأ بالجلد، ثم تدفن المرأة إلى صدرها والرجل إلى حقويه، فإن فر أعيد إن ثبت
بالبينة أو لم تصبه الحجارة على قول وإلا لم يعد، وتبدأ الشهود وفي المقر الإمام وينبغي
إعلام الناس وقيل: يجب حضور طائفة وأقلها واحد، وقيل: ثلاثة، وقيل: عشرة.
وينبغي كون الحجارة صغارا لئلا يسرع تلفه، وقيل: لا يرجم من لله في قبله حد، وإذا
فرع من رجمه دفن إن كان قد صلى عليه بعد غسله وتكفينه وإلا جهز ثم دفن.
وثالثها: الجلد خاصة: وهو حد البالغ المحصن إذا زنى بصبية أو مجنونة وحد المرأة إذا
زنى بها طفل، ولو زنى بها المجنون فعليها الحد تاما، والأقرب عدم ثبوته على المجنون،
ويجلد أشد الجلد ويفرق على جسده ويتقى رأسه ووجهه وفرجه وليكن قائما والمرأة قاعدة
قد ربطت ثيابها.
ورابعها: الجلد والجز والتغريب: ويجب على الذكر الحر غير المحصن وإن لم يملك،
وقيل: يختص التغريب بمن أملك.
والجز حلق الرأس، والتغريب نفيه عن مصره إلى آخر عاما، ولا جز
على المرأة ولا تغريب.
وخامسها: خمسون جلدة: وهي في حد المملوك والمملوكة وإن كانا متزوجين ولا جز
ولا تغريب على أحدهما.
وسادسها: الحد المبعض: وهو حد من تحرر بعضه فإنه يحد من حد الأحرار بقدر ما فيه
444

من الحرية ومن حد العبيد بقدر العبودية.
وسابعها: الضغث المشتمل على العدد: وهو حد المريض مع عدم احتماله الضرب
المكرر واقتضى المصلحة التعجيل.
وثامنها: الجلد عقوبة زيادة: وهو حد الزاني في شهر رمضان ليلا أو نهارا أو غيره من
الأزمنة الشريفة أو في مكان شريف أو زنى بميتة ويرجع في الزيادة إلى الحاكم.
تتمة:
لو شهد لها أربعة بالبكارة بعد شهادة الأربعة بالزنى فالأقرب درء الحد عن الجميع،
ويقيم الحاكم الحد بعلمه وكذا حقوق الناس إلا أنه بعد مطالبتهم حدا كان أو تعزيرا.
ولو وجد مع زوجته رجلا يزني بها فله قتلهما ولا إثم ولكن يجب القود إلا مع البينة
أو التصديق.
ومن تزوج أمة على حرة ووطأها قبل الإذن فعليه ثمن حد الزاني.
ومن افتض بكرا بإصبعه لزمه مهر نسائها ولو كانت أمة فعليه عشر قيمتها.
ومن أقر بحد ولم يبينه ضرب حتى ينهى عن نفسه أو يبلغ المائة وهذا يصح إذا تكرر
أربعا وإلا فلا يبلغ المائة.
وفي التقبيل والمضاجعة في إزار واحد التعزير بما دون الحد وروي: مائة جلدة. ولو
حملت ولا بعل لم تحد إلا أن تقر أربعا بالزنى وتؤخر أربعة حتى تضع، ولو أقر ثم أنكر
سقط الحد إن كان مما يوجب الرجم ولا يسقط غيره، ولو أقر بحد ثم تاب تخير الإمام في
إقامته رجما كان أو غيره.
الفصل الثاني: في اللواط والسحق والقيادة:
فمن أقر بإيقاب ذكر مختارا أربع مرات أو شهد عليه أربعة رجال بالمعاينة وكان حرا
بالغا قتل محصنا أولا إما بالسيف أو الإحراق أو الرجم أو بإلقاء جدار عليه أو بإلقائه
من شاهق، ويجوز الجمع بين اثنين منهما أحدهما التحريق، والمفعول به كذلك إن كان
445

بالغا عاقلا مختارا، ويعزر الصبي ويؤدب المجنون، ولو أقر دون الأربع لم يحد وعزر، ولو
شهد دون الأربع حدوا للفرية، ويحكم الحاكم فيه بعلمه، ولا فرق بين العبد والحر هنا،
ولو ادعى العبد الإكراه درئ عنه الحد ولا بين المسلم والكافر.
وإن لم يكن إيقابا كالتفخيذ أو بين الأليتين فحده مائة جلدة حرا أو عبدا مسلما
أو كافرا محصنا أو غيره وقيل: يرجم المحصن. ولو تكرر منه الفعل مرتين مع تكرر الحد
قتل في الثالثة والأحوط في الرابعة، ولو تاب قبل قيام البينة سقط عنه الحد قتلا أو جلدا،
ولو تاب بعده لم يسقط ولكن يتخير الإمام في المقر بين العفو والاستيفاء. ويعزر من قبل
غلاما بشهوة وكذا يعزر المجتمعان تحت إزار واحد مجردين وليس بينهما رحم من ثلاثين
سوطا إلى تسعة وتسعين.
والسحق: يثبت بشهادة أربعة رجال أو الإقرار أربعا وحده مائة جلدة حرة كانت أو
أمة مسلمة أو كافرة محصنة أو غير محصنة فاعلة أو مفعولة وتقتل في الرابعة لو تكرر الحد
ثلاثا، ولو تابت قبل البينة سقط الحد لا بعدها ويتخير الإمام لو تابت بعد الإقرار.
ويعزر الأجنبيتان إذا تجردتا تحت إزار فإن عزرتا مع تكرر الفعل مرتين حدتا في
الثالثة، وعلى هذا ولو وطأ زوجته فساحقت بكرا فحملت فالولد للرجل ويحدان ويلزمها
ضمان مهر مثل البكر.
والقيادة: الجمع بين فاعلي الفاحشة. ويثبت بالإقرار مرتين من الكامل المختار أو
بشهادة شاهدين، والحد خمس وسبعون جلدة حرا كان أو عبدا مسلما أو كافرا رجلا أو
امرأة، وقيل: يحلق رأسه ويشهر وينفى بأول مرة، ولا جز على المرأة ولا شهرة ولا نفي
ولا كفالة في حد ولا تأخير فيه إلا مع العذر أو توجه ضرر ولا شفاعة في إسقاطه.
الفصل الثالث: في القذف:
وهو قوله: زنيت أو لطت أو أنت زان، وشبهه مع الصراحة والمعرفة بموضوع اللفظ
بأي لغة كان، أو قال لولده الذي أقر به، لست ولدي. فلو قال الآخر: زنى بك أبوك أو
يا بن الزاني، حد للأب. ولو قال: يا بن الزانيين، فلهما. ولو قال: ولدت من الزنى،
446

فالظاهر القذف للأبوين.
ومن نسب الزنى إلى غير المواجه فالحد للمنسوب إليه ويعزر للمواجه إن
تضمن شتمه وأذاه، ولو قال لامرأة: زنيت بك، احتمل الإكراه فلا يكون قذفا
ولا يثبت الزنى في حقه إلا بأربع.
والديوث والكشحان والقرنان قد يفيد القذف في عرف القائل فيجب الحد
للمنسوب إليه، وإن لم يفد وأفادت شتما عزر، ولو لم يعلم فائدتها أصلا فلا شئ،
وكذا كل قذف جرى على لسان من لا يعلم معناه ولا التأذي والتعريض يوجب
التعزير لا الحد، مثل: هو ولد حرام أو أنا لست بزان ولا أمي زانية، أو يقول
لزوجته: لم أجدك عذراء وكذا يعزر بكل ما يكرهه المواجه مثل الفاسق وشارب
الخمر وهو مستتر، وكذا الخنزير والكلب والحقير والوضيع إلا مع كون المخاطب
مستحقا للاستخفاف.
ويعتبر في القاذف الكمال فيعزر الصبي ويؤدب المجنون، وفي اشتراط الحرية
في كمال الحد قولان، وفي المقذوف الإحصان أعني البلوغ والعقل والحرية والإسلام
والعفة فمن جمعت فيه وجب الحد بقذفه وإلا التعزير، ولو قال لكافر أمه مسلمة:
يا بن الزانية، فالحد لها فلو ورثها الكافر فلا حد. ولو تقاذف المحصنان عزرا ولو
تعدد المقذوف تعدد الحد سواء اتحد القاذف أو تعدد، نعم لو قذف جماعة بلفظ
واحدة واجتمعوا في المطالبة فحد واحد وإن افترقوا فلكل واحد حد وكذا الكلام في
التعزير.
مسائل:
حد القذف ثمانون جلدة بثيابه متوسطا دون ضرب الزنى ويشهر لتجتنب
شهادته، وتثبت بشهادة عدلين والإقرار مرتين من مكلف حر مختار، وكذا ما
يوجب التعزير وهو موروث إلا الزوج والزوجة، وإذا كان الوارث جماعة لم يسقط
بعفو البعض ويجوز العفو بعد الثبوت كما يجوز قبله ويقتل في الرابعة لو تكرر الحد
ثلاثا، ولو تكرر القذف قبل الحد فواحد.
ويسقط الحد بتصديق المقذوف والبينة والعفو وبلعان الزوجة، ويرث المولى
تعزير
447

عبده لو مات بعد قذفه ولا يعزر الكفار لو تنابزوا بالألقاب أو عير بعضهم بعضا
بالأمراض إلا مع خوف الفتنة، ولا يزاد في تأديب الصبي على عشرة أسواط وكذا
المملوك.
ويعزر كل من ترك واجبا أو فعل محرما بما يراه الحاكم، ففي الحر لا يبلغ
حده وفي العبد لا يبلغ حده، وساب النبي أو أحد الأئمة ع يقتل ولو
من غير إذن الإمام ما لم يخف على نفسه أو ماله أو على مؤمن، ويقتل مدعي النبوة
وكذا الشاك في نبوة نبينا محمد ع إذا كان على ظاهر الاسلام، ويقتل
الساحر إذا كان مسلما ويعزر الكافر، وقاذف أم النبي يقتل ولو تاب لم يقبل إذا
كان عن فطرة.
الفصل الرابع: في الشرب:
فما أسكر جنسه تحرم القطرة منه وكذا الفقاع ولو مزجا بغيرهما والعصير إذا
غلا واشتد ولم يذهب ثلثاه ولا انقلب خلا، ويجب الحد ثمانون جلدة بتناوله، وإن
كان كافرا إذا تظاهر، وفي العبد قول بأربعين، الشارب عاريا على ظهره وكتفيه
ويتقى وجهه وفرجه ومقاتله ويفرق الضرب على جسده، ولو تكرر الحد قتل في
الرابعة، ولو شرب مرارا فواحد.
ويقتل مستحل الخمر إذا كان عن قطرة وقيل: يستتاب. كذا يستتاب لو
استحل بيعها فإن امتنع قتل ولا يقتل مستحل غيرها، ولو تاب الشارب قبل قيام
البينة سقط الحد ولا يسقط بعدها وبعد إقراره يتخير الإمام، ويثبت بشهادة عدلين
أو الإقرار مرتين ولو شهد أحدهما بالشرب والآخر بالقئ قيل: يحد، لما روي عن
علي ع: ما قاءها إلا وقد شربها. ولو ادعى الإكراه قبل إذا لم يكذبه
الشاهد.
ويحد معتقد حل النبيذ إذا شربه ولا يحد الجاهل بجنس المشروب أو بتحريمه
لقرب إسلامه ولا من اضطره العطش إلى إساغة اللقمة بالخمر، ومن استحل شيئا
من المحرمات المجمع عليها كالميتة والدم والربا ولحم الخنزير قتل إن ولد على
الفطرة، ومن ارتكبها غير مستحل عزر، ولو أنفذ الحاكم إلى حامل لإقامة حد
فأجهضت فديته في بيت
448

المال، وقضى على ع مجهضة خوفها عمر: على عاقلته، ولا تنافي بين الفتوى
والرواية.
ومن قتله الحد أو التعزير فهدر، وقيل: في بيت المال. ولو بان فسوق الشهود بعد
القتل ففي بيت المال لأنه من خطأ الحاكم.
الفصل الخامس: في السرقة:
ويتعلق الحكم بسرقة البالغ العاقل من الحرز بعد هتكه بلا شبهة ربع دينار أو قيمته
سرا من غير مال ولده ولا سيده وغير مأكول عام سنت، فلا قطع على الصبي والمجنون بل
التأديب، ولا على من سرق من غير حرز، ولا من حرز هتكه غيره ولو تشاركا في الهتك
وأخرج أحدهما قطع المخرج، ولا مع توهم الملك ولو سرق من المال المشترك ما يظنه قدر
نصيبه فزاد نصابا فلا قطع وفي السرقة من مال الغنيمة نظر، ولا فيما نقص عن ربع
دينار ذهبا خالصا مسكوكا، ولا في الهاتك قهرا وكذا المستأمن لو خان لم يقطع، ولا
من سرق من مال ولده وبالعكس أو الأم يقطع، وكذا من سرق المأكول المذكور وإن
استوفى الشرائط وكذا العبد، ولو كان العبد من الغنيمة فسرق منها لم يقطع.
وهنا مسائل:
الأولى: لا فرق بين اخراج المتاع بنفسه أو بسببه مثل إن شده بحبل أو يضعه على دابة أو يأمر
غير مميز باخراجه.
الثانية: يقطع الضيف والأجير مع الإحراز من دونه وكذا الزوجان، ولو ادعى السارق
الهبة أو الإذن أو الملك حلف المالك ولا قطع.
الثالثة: الحرز ما كان ممنوعا بغلق أو قفل أو دفن في العمران أو كان مراعى على قول
والجيب والكم الباطنان حرز لا الظاهران.
الرابعة: لا قطع في الثمر على شجرة وقال العلامة ابن المطهر رحمه الله: إن كانت
الشجرة داخل حرز فهتكه وسرق الثمرة قطع.
449

الخامسة: لا يقطع سارق الحر وإن كان صغيرا فإن باعه قيل: يقطع لفساده في
الأرض لا حدا، ويقطع سارق المملوك الصغير.
السادسة: يقطع سارق الكفن والأولى اشتراط بلوغ النصاب، ويعزر النباش ولو تكرر
وفات الحاكم جاز قتله.
السابعة: نثبت السرقة بشهادة عدلين أو الإقرار مرتين مع كمال المقر وحريته
واختياره، ولو رد المكره السرقة بعينها لم يقطع ولو رجع بعد الإقرار مرتين لم يسقط الحد
ويكفي في الغرم مرة.
الثامنة: يجب إعادة العين أو مثلها أو قيمتها مع تلفها ولا يغني القطع عن إعادتها.
التاسعة: لا قطع إلا بمرافعة الغريم، ولو قامت البينة فلو تركه أو وهبه المال سقط
وليس له العفو بعد المرافعة، وكذا لو ملك المال بعد المرافعة لم يسقط ويسقط بملكه قبله.
العاشرة: لو أحدث في النصاب قبل الإخراج ما ينقص قيمته فلا قطع ولو أخرجه
مرارا قيل: وجب القطع.
الحادية عشرة: الواجب قطع الأصابع الأربع من اليد اليمنى ويترك له الراحة
والإبهام، ولو سرق ثانيا قطعت رجله اليسرى من مفصل القدم وترك العقب وفي الثالثة
يحبس أبدا وفي الرابعة يقتل، ولو ذهبت يمينه بعد السرقة لم تقطع اليسار ويستحب
حسمه بالزيت المغلى.
الثانية عشرة: لو تكررت السرقة فالقطع واحد ولو شهدا عليه بسرقة ثم شهدا عليه
بأخرى قبل القطع فالأقرب عدم تعدد القطع.
الفصل السادس: في المحاربة:
وهي تجريد السلاح برا أو بحرا ليلا أو نهارا لإخافة الناس في مصر وغيره من ذكر أو
أنثى قوي أو ضعيف لا الطليع والرد، ولا يشترط أخذ النصاب ويثبت بشهادة عدلين
وبالإقرار ولو مرة، ولا تقبل شهادة بعض المأخوذين لبعض.
والحد القتل أو الصلب أو قطع يده اليمنى ورجله اليسرى، وقيل: يقتل إن قتل
450

قودا أو حدا. وإن قتل وأخذ المال قطع مخالفا ثم قتل وصلب، إن أخذ المال لا غير قطع
مخالفا ونفي، ولو جرح ولم يأخذ مالا اقتص منه ونفي، ولو اقتصر على شهر السلاح
والإخافة نفي لا غير، ولو تاب قبل القدرة عليه سقط الحد دون حق الآدمي وتوبته بعد
الظفر لا أثر لها في حد أو غرم أو قصاص، وصلبه حيا أو مقتولا على اختلاف القولين،
ولا يترك أزيد من ثلاثة وينزل ويجهز، ولو تقدم غسله وكفنه صلى عليه ودفن، وينفى
عن بلده ويكتب إلى كل بلد يصل إليه بالمنع من مجالسته ومؤاكلته ومبايعته، ويمنع من
بلاد الشرك فإن مكنوه قوتلوا حتى يخرجوه.
واللص محارب يجوز دفعه ولو لم يندفع إلا بالقتل كان هدرا، ولو طلب النفس وجب
دفعه إن أمكن وإلا وجب الهرب، ولا يقطع المختلس ولا المستلب ولا المحتال على
الأموال بالرسائل الكاذبة بل يعزر، ولو بنج أو سقى مرقدا وجنى شيئا ضمن وعزر.
الفصل السابع: في عقوبات متفرقة:
فمنها إتيان البهيمة: إذا وطأ البالغ العاقل بهيمة عزر وأغرم ثمنها وحرم أكلها إن
كانت مأكولة ونسلها ووجب ذبحها وإحراقها، وإن كانت غير مأكولة لم تذبح بل
تخرج من بلد الواقعة وتباع، وفي الصدقة به أو إعادته على الغارم وجهان والتعزير موكول
إلى الإمام وقيل: خمسة وعشرون سوطا وقيل: كمال الحد وقيل: القتل. ويثبت بشهادة
عدلين وبالإقرار مرة إن كانت الدابة له وإلا فالتعزير إلا أن يصدقه المالك.
ومنها وطء الأموات: وحكمه حكم الأحياء وتغلظ العقوبة إلا أن تكون زوجته
فيعزر ويثبت بأربعة على الأقوى أو الإقرار أربع.
ومنها الاستمناء باليد: ويوجب التعزير، وروي: أن عليا ع ضرب يده
حتى احمرت وزوجه من بيت المال، ويثبت بشهادة عدلين والإقرار مرة.
ومنها الارتداد: وهو الكفر بعد الاسلام أعاذنا الله مما يوبق الأديان، ويقتل إن
كان عن فطرة ولا تقبل توبته وتبين منه زوجته وتعتد للوفاة وتورث أمواله وإن كان
451

باقيا، ولا حكم لارتداد الصبي والمجنون والمكره ويستتاب إن كان عن كفر فإن تاب
وإلا قتل، ومدة الاستتابة ثلاثة أيام في المروي، ولا يزول ملكه عن أمواله إلا بموته ولا
عصمة نكاحه إلا ببقائه على الكفر بعد خروج العدة وهي عدة الطلاق، ويؤدى نفقة
واجب النفقة من ماله ووارثهما المسلمون لا بيت المال ولو لم يكن وارث فللإمام،
والمرأة لا تقتل وإن كانت عن فطرة بل تحبس دائما وتضرب أوقات الصلوات وتستعمل
في أسوأ الأعمال وتلبس أخشن الثياب وتطعم أجشب الطعام إلى أن تتوب أو تموت، ولو
تكرر الارتداد قتل في الرابعة وتوبته الإقرار بما أنكره ولا يكفي الصلاة، ولو جن بعد ردته
لم يقتل ولا يصح له تزويج ابنته قيل: ولا أمته.
ومنها: الدفاع عن النفس والمال والحريم بحسب القدرة معتمدا على الأسهل، ولو
قتل كان كالشهيد، ولو وجد مع زوجته أو مملوكه أو غلامه من ينال دون الجماع فله
دفعه، فإن أتى الدفع عليه فهو هدر، ولو قتله في منزله فادعى إرادة نفسه أو ماله فعليه
البينة أن الداخل كان معه سيف مشهور مقبلا على رب المنزل، ولو اطلع على قوم فلهم
زجره فإن امتنع فرموه بحصاة ونحوها فجني عليه كان هدرا، والرحم يزجر لا غير إلا أن
تكون مجردة، فيجوز رميه بعد زجره ويجوز دفع الدابة الصائلة عن نفسه فلو تلفت بالدفع
فلا ضمان، ولو أدب الصبي وليه أو الزوجة زوجها فماتا ضمن ديتهما في ماله على قول،
ولو عض على يد غيره فانتزعها فندرت أسنانه فهدر وله التخلص باللكم والجرح ثم
السكين والخنجر متدرجا إلى الأيسر فالأيسر.
452