الكتاب: الينابيع الفقهية
المؤلف: علي أصغر مرواريد
الجزء: ١٨
الوفاة: معاصر
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤١٠ - ١٩٩٠ م
المطبعة:
الناشر: دار التراث - بيروت - لبنان / الدار الإسلامية - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: أشرف على جمع أصولها الخطية وترتيبها حسب التسلسل الزمني وعلى تحقيقها وإخراجها وعمل قواميسها علي أصغر مرواريد

الينابيع الفقهية
النكاح
حقوق الطبع محفوظة
الطبعة الأولى
1410 ه‍. 1990 م
دار التراث = الدار الاسلامية
بيروت.
سلسلة الينابيع الفقهية
النكاح
الجزء الأول
أشرف على جمع أصولها الخطية وترتيبها حسب التسلسل
الزمنى وعلى تحقيقها واخراجها وعمل قواميسها
على أصغر مرواريد
الجزء الأول
1

فقه الرضا
المنسوب
للإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام
153 - 202 ه‍ ق
2

باب النكاح والمتعة والرضاع
اعلم يرحمك الله أن وجوه النكاح الذي أمر الله جل وعز بها أربعة أوجه:
منها نكاح ميراث: وهو بولي وشاهدين ومهر معلوم ما يقع عليه التراضي من قليل
وكثير وأنه احتيج إلى الشهود، والمطلق من عدد النسوة في هذا الوجه من النكاح أربع
ولا يجوز لمن له أربع نسوة إذا عزم على التزويج إلا بطلاق إحدى الأربع أن يتزوج حتى
تنقضي عدة المطلقة منهن وتحل لغيره من الرجال لأنها ما لم تحل للرجال في حبالته.
والوجه الثاني: نكاح بغير شهود ولا ميراث وهي نكاح المتعة بشروطها، وهي أن
تسأل المرأة فارغة هي أم مشغولة بزوج أو بعدة أو بحمل؟ فإذا كانت خالية من ذلك قال
لها: تمتعيني نفسك على كتاب الله وسنة نبيه ص نكاحا غير سفاح كذا وكذا
بكذا وكذا، وتبين المهر والأجل على أن لا ترثيني ولا أرثك وعلى أن الماء أضعه حيث أشاء
وعلى أن الأجل إذا انقضى كان عليك عدة خمسة وأربعين يوما، فإذا أنعمت قلت لها: قد
متعتني نفسك وتعيد جميع الشروط عليها لأن القول الأول خطبة، وكل شرط قبل النكاح
فاسد وإنما ينعقد الأمر بالقول الثاني فإذا قالت في الثاني: نعم، دفع إليها المهر أو ما حضر منه
وكان ما يبقى دينا عليك وقد حل لك حينئذ وطؤها.
3

وروي: لا تمتع ملقبة ولا مشهورة بالفجور، وادع المرأة قبل المتعة إلى ما لا يحل فإن
أجابت فلا تتمتع، بها وروي أيضا رخصة في هذا الباب أنه إذا جاء بالأجر والأجل جاز له وإن
لم يسألها ولا يمتحنها فلا شئ عليه، وليس عليها منه عدة إذا عزم على أن يزيد في المدة
والأجل والمهر إنما العدة عليها لغيره إلا أنه يهب لها ما قد بقي من أجله عليها، وهو قوله
تعالى: فما استمتعتم به منهن فأتوهن أجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به
من بعد الفريضة، وهو زيادة في المهر والأجل، وسبيل المتعة سبيل الإماء له أن يتمتع منهن بما
شاء وأراد.
والوجه الثالث: نكاح ملك اليمين وهو أن يبتاع الرجل الأمة فحلال له نكاحها إذا
كانت مستبرأة، والاستبراء حيضة وهو على البائع، فإن كان البائع ثقة وذكر أنه استبرأها
جاز نكاحها من وقتها وإن لم يكن ثقة استبرأها المشتري بحيضة، وإن كانت بكرا أو
لامرأة أو ممن لم يبلغ حد الإدراك استغنى عن ذلك.
والوجه الرابع: نكاح التحليل وهو أن يحل الرجل أو المرأة فرج الجارية مدة معلومة
فإن كانت لرجل فعليه قبل تحليلها أن يستبرئها بحيضة ويستبرئها بعد أن تنقضي أيام
التحليل، وإن كانت لمرأة استغنى عن ذلك.
واعلم أنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب في وجه النكاح فقط، وقد يحل ملكه
وبيعه وثمنه إلا في المرضع نفسها والفحل الذي اللبن منه فإنهما يقومان مقام الأبوين
لا يحل بيعهما ولا ملكهما مؤمنين كانا أم مخالفين، والحد الذي يحرم به الرضاع مما عليه عمل
العصابة دون كل ما روي فإنه مختلف ما أنبت اللحم وقوى العظم، وهو رضاع ثلاثة أيام
متواليات أو عشرة رضعات متواليات محرزات مرويات بلبن الفحل، وقد روي مصة
ومصتين وثلاث، وإذا أردت التزويج فاستخر وامض ثم صل ركعتين وارفع يديك، وقل:
اللهم إني أريد التزويج فسهل لي من النساء أحسنهن خلقا وخلقا وأعفهن فرجا و
أحفظهن نفسا في وفي مالي وأكملهن جمالا وأكثرهن أولادا.
واعلم أن النساء شتى: فمنهن الغنيمة والغرامة وهي المتحببة لزوجها والعاشقة له
ومنهن الهلال إذا تجلى ومنهن الظلام الحنديس المقطبة، فمن ظفر بصالحهن يسعد ومن
4

وقع في صالحهن فقد ابتلي وليس له انتقام، وهن ثلاث: فامرأة ولود ودود تعين زوجها على
دهره لدنياه وآخرته ولا تعين الدهر عليه وامرأة عقيم لا ذات جمال ولا خلق ولا خلق
ولا تعين زوجها على خير، وامرأة صخابة ولاجة همازة تستقل الكثير ولا تقبل اليسير وإياك
أن تغتر بمن هذه صفتها فإنه قال رسول الله ص: إياكم وخضراء الدمن،
قيل: يا رسول الله ومن خضراء الدمن؟ قال: المرأة الحسناء في منبت السوء.
فإذا تزوجت فاجهد ألا تجاوز مهرها مهر السنة وهو خمسمائة درهم فعلى ذلك زوج
رسول الله ص وتزوج نساءه، ووجه إليها قبل أن تدخل بها ما عليك أو
بعضه من قبل أن تطأها قل أم كثر من ثوب أو دراهم أو دنانير أو خادم، فإذا أدخلت عليك
فخذ بناصيتها واستقبل القبلة بها وقل: اللهم بأمانتك أخذتها وبميثاقك استحللت فرجها،
اللهم فارزقني منها ولدا مباركا سويا ولا تجعل للشيطان فيه شركا ولا نصيبا.
واتق التزويج إذا كان القمر في العقرب فإن أبا عبد الله ع قال: من تزوج
والقمر في العقرب لم ير خيرا أبدا وإن تزوجت يهودية أو نصرانية فامنعها من شرب الخمر
وأكل لحم الخنزير واعلم بأن عليك في دينك وتزويجك إياها غضاضة، ولا يجوز تزويج
المجوسية ولا يجوز أن يتزوج من أهل الكتاب ولا من الإماء إلا اثنين، ولك أن تتزوج من
الحرائر المسلمات أربعا ويتزوج العبد حرتين أو أربع إماء، واتق الجماع أول ليلة من الشهر
وفي وسطه وفي آخره فإنه من فعل ذلك ليس يسلم الولد من السقط وإن تم يوشك أن
يكون مجنونا، واتق الجماع في اليوم الذي تنكسف فيه الشمس وفي ليلة ينخسف فيها
القمر وفي الزلزلة وعند الريح الصفراء والحمراء والسوداء فمن فعل ذلك وقد بلغه
الحديث رأى في ولده ما يكره.
ولا تجامع في السفينة ولا تجامع مستقبل القبلة ولا تستدبرها، فإذا جامعت فعليك
بالغسل إذا التقى الختانان وإن لم تنزل وإن جامعت مفاخذة حتى أدفقت الماء فعليك
الغسل وليس على المرأة الغسل إلا غسل الفخذين، وإياك أن تجامع امرأة حائضا وإن
أردت أن تجامعها قبل الطهر فأمرها أن تغسل فرجها ثم تجامع، ومتى ما جامعتها وهي
حائض فعليك أن تتصدق بدينار وإن جامعت أمتك وهي حائض تصدقت بثلاثة أمداد من
5

طعام وإن جامعت امرأتك في أول الحيض تصدقت بدينار وإن كان في وسطه فنصف دينار
وإن كان في آخره فربع دينار وإذا أرادت المرأة أن تغتسل من الجنابة فحاضت قبل ذلك
فتؤخر الغسل إلى أن تطهر ثم تغتسل للجنابة وهو يجزئها للجنابة والحيض.
وإياك أن تظاهر امرأتك فإن الله عير قوما بالظهار، فقال: الذين يظاهرون منكم من
نسائهم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم وإنهم ليقولون منكرا من القول
وزورا فإن ظاهرت فهو على وجهين فإذا قال الرجل لامرأته: أنت على كظهر أمي وسكت
فعليه الكفارة من قبل أن يجامع فإن جامعت من قبل أن تكفر لزمتك كفارة أخرى، فإن
قال: هي عليه كظهر أمه إن فعل كذا وكذا أو فعلت كذا وكذا فليس عليه كفارة حتى يفعل
ذلك الشئ ويجامع إلى أن يفعل فإن فعل لزمه الكفارة ولا يجامع حتى يكفر يمينه، والكفارة
تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا
لكل مسكين مد من طعام فإن لم يجد يتصدق بما يطيق، فإن طلقها سقطت عنه الكفارة فإن
راجعها لزمته فإن تركها حتى يمضى أجلها وتزوجها رجل آخر ثم طلقها وأراد الأول
أن يتزوجها لم يلزمه الكفارة.
وإن خطب إليك رجل رضيت دينه وخلقه فزوجه ولا يمنعك فقره وفاقته قال الله تعالى:
وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته وقوله: إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع
عليم، ولا تزوج شارب خمر فإن من فعل فكأنما قادها إلى الزنى، وإذا تزوج رجل فأصابه بعد
ذلك جنون فيبلغ به مبلغا حتى لا يعرف أوقات الصلاة فرق بينهما، فإن عرف أوقات
الصلاة فلتصبر المرأة معه فقد ابتليت، وإن تزوجها خصي فدلس نفسه لها وهي لا تعلم
فرق بينهما ويوجع ظهره كما دلس نفسه، وعليه نصف الصداق ولا عدة عليها منه، فإن
رضيت بذلك لم يفرق ما بينهما وليس لها الخيار بعد ذلك.
فإن تزوجها عنين وهي لا تعلم تصبر حتى يعالج نفسه سنة فإن صلح فهي امرأته
على النكاح الأول وإن لم يصلح فرق بينهما ولها نصف الصداق ولا عدة عليها منه فإن
رضيت بذلك لا يفرق بينهما وليس لها خيار بعد ذلك، وإذا ادعت أنه لا يجامعها عنينا كان
أو غير عنين فيقول الرجل أنه قد جامعها فعليه اليمين وعليها البينة لأنها المدعية، وإذا
6

ادعت عليه أنه عنين وأنكر الرجل أن يكون كذلك فإن الحكم فيه أن يجلس الرجل في ماء
بارد فإن استرخى ذكره فهو عنين وإن تشنج فليس بعنين، وإن تزوج رجل بامرأة فوجدها
قرناء أو عقلاء أو برصاء أو مجنونة إذا كان بها ظاهرا كان له أن ردها على أهلها بغير طلاق
ويرتجع الزوج على وليها ما أصدقها إن كان أعطاها شيئا فإن لم يكن أعطاها شيئا فلا
شئ له:
باب العقيقة:
فإذا ولد لك مولود فأذن في أذنه الأيمن وأقم في أذنه الأيسر وحنكه بماء الفرات إن قدرت
عليه أو بالعسل ساعة يولد وسمه بأحسن الاسم وكنه بأحسن الكنى، ولا يكنى بأبي عيسى
ولا بأبي الحكم ولا بأبي الحارث ولا بأبي القاسم إذا كان الاسم محمدا، وسمه اليوم السابع
واختنه واثقب أذنه واحلق رأسه وزن شعره بعد ما تجففه بفضة أو بذهب وتصدق بها، وعق
عنه كل ذلك في اليوم السابع، وإذا أردت أن تعق عنه فليكن عن الذكر ذكرا وعن أنثى
وتعطى القابلة الورك ولا يأكل منه الأبوان فإن أكلت منه الأم فلا ترضعه وتفرق لحمها على
قوم مؤمنين محتاجين، وإن أعددته طعاما ودعوت عليه قوما من إخوانك فهو أحب إلى،
وحده عشرة أنفس وما زاد وكلما أكثرت فهو أفضل وأفضل ما يطبخ به ماء وملح.
فإذا أردت ذبحه فقل: بسم الله وبالله منك وبك ولك وإليك عقيقة فلان ابن فلان على
ملتك ودينك وسنة نبيك محمد ص، بسم الله وبالله والحمد لله والله أكبر إيمانا
بالله وثناء على رسول الله ص والعصمة بأمره والشكر لرزقه والمعرفة
لفضله علينا أهل البيت، فإن كان ذكرا فقل: اللهم أنت وهبت لنا ذكرا وأنت أعلم بما
وهبت ومنك ما أعطيت ولك ما صنعنا فتقبله منا على سنتك وسنة نبيك ص،
فاخنس عنا الشيطان الرجيم ولك سكب الدماء ولوجهك القربان لا شريك لك.
7

المقنع
في الفقه
للشيخ أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي
الملقب بالصدوق المتوفى 381 ه‍ ق
9

باب بدو النكاح
إن الله تبارك وتعالى أنزل على آدم حوراء من الجنة فأنكحها بعض ولده وأنكح ابنا
له آخر من ابنة الجان، فما كان في الناس من جمال أو حسن خلق فهو من الحوراء وما كان
فيهم من سوء خلق أو غضب فمن الجان.
وعليك بالتزويج. فإن رسول الله ص قال: من سره أن يلقى الله
طاهرا فليلقه بزوجة. ومن ترك التزويج مخافة العيلة فقد أساء الظن بالله. وقال: من تزوج
أحرز نصف دينه فليتق الله في النصف الباقي.
فإذا أردت التزويج فصل ركعتين وأحمد الله وارفع يديك وقل: اللهم إني أريد أن
أتزوج، فقدر لي من النساء أعفهن فرجا وأحسنهن خلقا وأحفظهن لي في نفسها ومالي و
أوسعهن رزقا وأعظمهن بركة وقيض لي منها ولدا طيبا تجعله لي خلفا صالحا في حياتي وبعد مماتي.
فإذا دخلت عليك فخذ بناصيتها واستقبل بها القبلة وقل: اللهم بأمانتك
أخذتها، وبكلماتك استحللت فرجها، فإن قضيت لي منها ولدا فاجعله مباركا تقيا من شيعة
آل محمد ص ولا تجعل للشيطان فيه شركا ولا نصيبا.
وإذا أردت الجماع فقل: اللهم ارزقني ولدا واجعله زكيا تقيا ليس في خلقه زيادة
ولا نقصان واجعل عاقبته إلى خير.
11

وإذا تزوجت فانظر أن لا يتجاوز مهرها مهر السنة وهي خمسمائة درهم. فعلى هذا
تزوج رسول الله ص نساءه وعليه زوج بناته، فصار مهر السنة خمسمائة
درهم. لأن الله تبارك وتعالى أوجب على نفسه ألا يكبر مؤمن مائة تكبيرة ولا يسبحه مائة
تسبيحة ولا يحمده مائة تحميدة ولا يهلله مائة تهليلة ولا يصلى على النبي وآله مائة مرة، ثم
يقول: اللهم زوجني من الحور العين. إلا زوجه الله حوراء من الجنة وجعل ذلك مهرها.
واعلم أن النساء أربع: جامع مجمع وربيع مربع وكرب مقمع وغل قمل.
جامع مجمع أي كثيرة الخير مخصبة. وربيع مربع: التي في حجرها ولد وفي بطنها آخر.
وكرب مقمع أي سيئة الخلق مع زوجها. وغل قمل أي هي عند زوجها كالغل القمل.
وهو غل من جلد فيه شعر يقع فيه القمل فيأكله فلا يتهيأ له أن يجدر منه شيئا وهو مثل للعرب.
شعر
ألا أن النساء خلقن شتى * فمنهن الغنيمة والغرام
ومنهن الهلال إذا تجلى * لصاحبه ومنهن الظلام
فمن يظفر بصالحهن يسعد * ومن يعثر فليس له انتقام
وهن ثلاث: فامرأة ودود ولود تعين زوجها على دهره لدنياه وآخرته ولا تعين الدهر عليه.
وامرأة عقيم لا ذات جمال ولا خلق ولا تعين زوجها على خير. وامرأة صخامة وهي التي
تخاصم زوجها أبدا. وامرأة ولاجة وهي المتبرجة التي لا تستر عن الرجال ولا تلزم بيتها
متى ما طلبها زوجها كانت خارجة. وامرأة همازة وهي التي تذكر الناس بالقبيح.
وقال النبي ص: إياكم وخضراء الدمن: قيل: يا رسول الله وما خضراء
الدمن؟ قال: المرأة الحسناء في منبت السوء. وكان رسول الله ص إذا
أراد أن يتزوج امرأة بعث إليها وقال: شمي ليتها فإن طاب ليتها طاب عرفها وإن درم
كعبها عظم كعبها.
اعلم أن الليت صفحة العنق، والعرف رائحة العود وكل شئ طيب، ومنه قول
12

الله عز وجل: " عرفها لهم " أي طيبها، لهم ومعنى قوله: درم كعبها. التي كثر لحم كعبها. و
امرأة درماء، إذا كانت كثيرة لحم القدم والكعب. والكعثب: الفرج.
وقال أمير المؤمنين ع: تزوجوا عيناء، سمراء، عجزاء مربوعة، فإن
كرهتها فعلى الصداق.
وقال أبو عبد الله ع: النظر إلى المرأة الجميلة يقطع البلغم يعني: المرأة
الجميلة الحسنة الوجه والنظر إلى المرأة السوء يهيج المرة السوداء يعني السوءة السمجة
القبيحة الوجه.
وإذا خطب إليك رجل رضيت دينه وخلقه وأمانته فزوجه، فإن الله يقول: إن يكونوا
فقراء يغنهم الله من فضله. وأبو جعفر ع يقول: إذا خطب إليكم رجل فرضيتم
دينه وأمانته فزوجوه، وألا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير.
ولا تتزوج الزانية ولا تزوج الزاني حتى تعرف منهما التوبة، فإن الله عز وجل يقول:
الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك
على المؤمنين. ولا تتزوج بالمطلقات ثلاثا في مجلس واحد، فإنهن ذوات أزواج. فإن كنت
لا بد فاعلا فدعها حتى تطهر، ثم ائت زوجها ومعك رجلان فقل له: قد طلقت فلانة؟ فإذا
قال نعم، فاتركها ثلاثة أشهر ثم اخطبها إلى نفسك.
ولا تتزوج الناصبية ولا تزوج ابنتك ناصبيا. ولا بأس أن تتزوج في الشكاك ولا
تزوجهم. فإن المرأة تأخذ من أدب زوجها ويقهرها على دينه.
ولا بأس بتزويج النصرانية فإن تزوجت يهودية فامنعها من شرب الخمر وأكل
لحم الخنزير. واعلم أن عليك في دينك في تزويجك إياها غضاضة. وتزويج المجوسية محرم.
ولكن إذا كان للرجل أمة مجوسية فلا بأس أن يطأها ويعزل عنها ولا يطلب ولدها.
ولا يجوز لك أن تتزوج من أهل الكتاب ولا من الإماء إلا اثنين. ولك أن تتزوج من
الحرائر المسلمات أربعا ويتزوج العبد بحرتين أو أربع إماء.
ولا تتزوج امرأة حتى تبلغ تسع سنين، فإن تزوجتها قبل أن تبلغ تسع سنين فأصابها
عيب فأنت ضامن. وإذا وضعت المرأة فلا بأس أن يتزوجها من ساعته، ولكن لا يدخل
13

عليها حتى تطهر.
وإذا ابتليت المرأة بشرب النبيذ فسكرت، فزوجت نفسها رجلا في سكرها ثم
أفاقت فأنكرت ذلك، ثم ظنت أن ذلك يلزمها فورعت منه فأقامت مع الرجل على ذلك
التزويج فإن التزويج واقع إذا أقامت معه بعد ما أفاقت وهو رضاها والتزويج جائز عليها.
وإذا قال الرجل لأمته: أعتقك وأجعل عتقك مهرك فقد عتقت. وهي بالخيار إن شاءت
تزوجته وإن شاءت لم تتزوجه. فإن تزوجته فليعطها شيئا وإن قال: قد زوجتك وجعلت
مهرك عتقك، فإن النكاح واجب ولا يعطها شيئا وقد عتقت. وإذا أعتقها وجعل عتقها
صداقها ثم طلقها قبل أن يدخل بها، فقد مضى عتقها ويرتجع عليها سيدها نصف قيمة
ثمنها تسعي فيه. ولا عدة عليها منه.
وإذا تزوج الرجل جارية على أنها حرة ثم جاء فأقام البينة على أنها جاريته،
فليأخذها وليأخذ قيمة ولدها. وإن تزوج الرجل امرأة فوجدها قرناء، أو عفلاء أو برصاء
أو مجنونة، أو كان بها زمانة ظاهرة، كان له أن يردها إلى أهلها بغير طلاق ويرتجع الزوج على
وليها بما أصدقها إن كان أعطاها. وإن لم يكن أعطاها فلا شئ له.
وإن ابتلي رجل فلم يقدر على جماع امرأته فرق بينهما إن شاءت. وروي أنه تنتظر
به سنة فإن أتاها وإلا فارقته إن أحبت. فإن تزوج خصي امرأة وفرض لها صداقا، وهي
تعلم أنه خصي، فلا بأس. فإن مكث معها حينا ثم طلقها فعليها العدة.
فإذا تزوج الرجل امرأة حرمت عليه ابنتها إذا دخل بالأم، فإن لم يكن دخل بالأم
فلا بأس أن يتزوج الابنة. وإذا تزوج البنت فدخل بها أو لم يدخل فقد حرمت عليه الأم. و
روي أن الأم والبنت في هذا سواء إذا لم يدخل بإحداهما حلت له الأخرى. واعلم أن
الربائب حرام كن في الحجور أو لم يكن.
وإن دلس خصي نفسه لامرأة فرق بينهما. وتأخذ منه صداقها ويوجع ظهره. وإن
تزوجت حرة مملوكا على أنه حر ثم علمت بعد ذلك أنه مملوك فهي أملك بنفسها، إن شاءت
أقرت معه، وإن شاءت فلا. فإن كان دخل بها فلها الصداق وإن لم يكن دخل بها فليس لها
شئ وإن دخل بها بعد ما علمت أنه مملوك وأقرت معه فهو أملك بها.
14

وإن تزوج الرجل امرأة أمة على أنها حرة فوجدها دلست الذي زوجها
إياه وليا لها ارتجع على وليها بما أخذت منه ولمواليها عليه عشر قيمة ثمنها إن كانت
بكرا. وإن كانت غير بكر فنصف عشر ثمنها بما استحل من فرجها وتعتد منه عدة الأمة،
فإن جاءت بولد فهو حر إذا كان النكاح بغير إذن المولى.
وإن أبقت مملوكة من مواليها، فاتت قبيلة فادعت أنها حرة فتزوجها رجل فظفر
بها مواليها بعد ذلك وقد ولدت أولادا، فإن أقام الزوج البينة على أنه تزوجها على أنها حرة
أعتق ولدها وذهب القوم بأمتهم. وإن لم يقم البينة أوجع ظهره واسترق ولده.
واعلم أن النكاح لا يرد إلا من أربعة أشياء: من البرص والجذام والجنون والعفل.
إلا أنه روي في الحديث أن العمياء والعرجاء ترد.
وإذا تزوج الرجل المرأة الثيب فزعمت أنه لم يقربها، فالقول في ذلك قول الزوج
وعليه أن يحلف بالله لقد جامعها، لأنها المدعية. وإن تزوجها وهي بكر فزعمت أنه لم
يصل إليها، فإن مثل هذا تعرفه النساء فلينظر إليها من يوثق به منهن فإن ذكرت أنها
عذراء فعلى الإمام أن يؤجله سنة، فإن وصل إليها وإلا فرق بينهما وأعطيت نصف الصداق
ولا عدة عليها منه.
وإذا تزوج الرجل المرأة وابتلي ولم يقدر على الجماع فارقته إن شاءت. والعنين
يتربص به سنة، ثم إن شاءت امرأته تزوجت، وإن شاءت أقامت.
وسئل الصادق ع عن أختين أهديتا لأخوين في ليلة واحدة. ودخلت
امرأة هذا على هذا وامرأة هذا على هذا. قال: فلكل واحد منهما الصداق بالغشيان. فإن
كان وليهما تعمد في ذلك أغرم الصداق. ولا يقرب أحد منهما امرأته حتى تنقضي العدة. فإذا
انقضت العدة صارت كل واحدة منهما إلى زوجها الأول بالنكاح الأول. قيل له: فإن ماتتا
قبل انقضاء العدة؟ قال: يرجع الزوجان بنصف الصداق على. ورثتهما ويرثانهما
الرجلان. قيل: فإن مات الزوجان وهما في العدة، قال: يرثانهما ولهما نصف المهر المسمى
وعليهما العدة. ثم بعد ما يفرغان من العدة الأولى تعتدان عدة المتوفى عنها زوجها.
فإذا أتى الرجل قوما فخطب إليهم وقال: أنا فلان بن فلان من بني فلان، فوجد
15

على غير ذلك: إما دعي، وإما عبد لقوم. فإن عليا ع قضى في رجل له ابنتان
إحديهما لمهيرة والأخرى لأم ولد، فزوج ابنة المهيرة حتى إذا كان ليلة البناء، أدخل عليه
ابنة أم الولد فوقع عليها: أنها ترد عليه امرأته التي تزوج وترد هذه على أبيها ويكون مهرها
على أبيها.
وإذا أراد الرجل أن يزوج ابنته من رجل، وأراد جدها، أبو أبيها، أن يزوجها من
غيره فالتزويج للجد وليس له مع أبيه أمر. وإن زوجها أبوها من
رجل وزوجها جدها من رجل آخر فالتزويج للذي زوجها أولا.
ولا بأس أن تتزوج الحرة على الأمة. ولا تتزوج الأمة على الحرة. فإن من تزوج أمة
على حرة فنكاحه باطل. وإذا تزوجت الحرة على الأمة فأقسم للحرة ضعف ما تقسم الأمة
تكون عند الحرة ليلتين وعند الأمة ليلة.
وإذا اشترى الرجل جارية لم تحض ولم يكن صاحبها يطأها فإن أمرها شديد فإن
أتاها، فلا ينزل حتى يتبين أ حبلى هي، أم لا؟ ويستبين ذلك في خمسة وأربعين ليلة.
ولا يصلح للأعرابي أن يتزوج مهاجرة يخرج بها من أرض الهجرة فينفرد بها، إلا أن
يكون من قوم قد عرفوا السنة والحجة، فإن أقام بها في أرض الهجرة فهو مهاجر، ولا بأس
أن يحل الرجل لأخيه فرج جاريته.
واعلم أن النصراني إذا أسلمت امرأته فهو أملك ببضعها وليس له أن يخرجها
من دار الهجرة. وإن كانت من أرض أخرى أتت دار الهجرة ولا يبيت معها النصراني في
دار الهجرة ويأتيها بالنهار إن شاءت. وإن هي ولدت وكبر ولدها فإنهم يخيرون على الاسلام
والكفر. فإن اختاروا الاسلام فهي أحق بهم وليس له يجبرهم على أي شئ وإذا أسلمت
المرأة وزوجها على غير الاسلام، فإن كان مجوسيا فرق بينهما. ولا بأس إذا كان للرجل
امرأتان أن يفضل إحديهما على الأخرى.
وإذا ولت امرأة أمرها رجلا فقالت: زوجني فلانا فقال: لا أزوجك حتى تشهدي أن
أمرك بيدي. فأشهدت له، فقال عند التزويج للذي يخطبها: يا فلان عليك كذا وكذا قال:
نعم، فقال هو للقوم، اشهدوا أن ذلك لها عندي وقد زوجتها من نفسي فقالت المرأة: ما كنت
16

لأتزوجك ولا كرامة ولا أمري إلا بيدي وما وليتك أمري إلا حياء من الكلام. فإنها تنزع
منه ويوجع رأسه.
ولا تتزوج والقمر في العقرب فإنه من فعل ذلك لم ير الحسنى. ولا تجامع في أول
الشهر وفي وسطه وفي آخره، فإنه من فعل ذلك فليسلم لسقط الولد. وإن تم أوشك أن
يكون مجنونا أما ترى أن المجنون أكثر ما يصرع في أول الشهر ووسطه وآخره؟ ولا
تجامع مستقبل القبلة ولا مستدبرها، ولا تجامع في السفينة، ولا تجامع عند طلوع الشمس
وعند غروبها، ولا تجامع في اليوم الذي تنكسف فيه الشمس ولا في الليلة التي ينكسف فيها
القمر ولا في الزلزلة والريح الصفراء والسوداء والحمراء، فإنه من فعل ذلك وقد بلغه
الحديث رأى في ولده ما يكره.
ولا تجامع في شهر رمضان بالنهار فإنه من فعل ذلك كان عليه عتق رقبة أو صيام
شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا، لكل مسكين مد من طعام وعليه قضاء ذلك اليوم
وأنى له بمثله؟
ولا بأس أن تجامع في شهر رمضان بالليل وتغتسل قبل أن تنام. وإذا كنت في سفر
وجب عليك فيه التقصير في شهر رمضان فلا تجامع لحرمة شهر رمضان، وإن فعلت فليس
عليك شئ.
ولا تجامع امرأة حائضا فإن الله تبارك وتعالى نهى عن ذلك فقال: ولا تقربوهن
حتى يطهرن. عني بذلك الغسل من الحيض. وإن جامعتها وهي حائض في أول الحيض
فعليك أن تتصدق بدينار وإن كان في وسطه فنصف دينار وإن كان في آخره فربع دينار. وإن
جامعت أمتك وهي حائض تصدقت بثلاثة أمداد من طعام. وإن كنت شبقا وقد طهرت
المرأة وأردت أن تجعلها قبل الغسل فمرها أن تغسل فرجها ثم افعل.
وإن ادعت المرأة على زوجها أنه عنين وأنكر الرجل أن يكون ذلك، فإن الحكم فيه
أن يقعد الرجل في ماء بارد، فإن استرخى ذكره فهو عنين، وإن تشنج فليس بعنين.
واعلم أن الظهار على وجهين: أحدهما أن يقول الرجل لامرأته: هي عليه كظهر
أمه، ويسكت. فعليه الكفارة من قبل أن يجامع، فإن جامع من قبل أن يكفر لزمته كفارة
17

أخرى. فإن قال: هي عليه كظهر أمه إن فعل كذا وكذا أو فعلت كذا وكذا، فليس عليه
الكفارة حتى يفعل ذلك الشئ ويجامع فتلزمه الكفارة إذا فعل ما حلف عليه. فإن طلقها
سقطت عنه الكفارة. فإن راجعها لزمته فإن تركها حتى يمضى أجلها وتزوجها رجل آخر
وطلقها وأراد الأول أن يتزوجها لم تلزمه الكفارة.
والكفارة تحرير رقبة. فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا
فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا لكل مسكين مد. فإن لم يجد هو تصدق بما يطيق.
وروي أن أبا عبد الله ع قال: إذا قال الرجل لامرأته: هي عليه كظهر أمه. فليس
عليه شئ إذا لم ينو بذلك التحريم.
وقال أبو جعفر ع: ما أحب للرجل المسلم أن يتزوج ضرة كانت لأمه مع
غير أبيه.
وإذا تزوج الرجل امرأة على حكمها، أو على حكمه فمات قبل أن يدخل بها، فلها
المتعة والميراث ولا مهر لها. وإن طلقها لم يجاوز بحكمها عليه خمسمائة درهم مهور نساء
النبي ص.
وإذا أحببت تزويج امرأة وأبواك أرادا غيرها فتزوج التي هويت ودع التي هواها
أبواك.
ولا بأس أن يتزوج الرجل بامرأة قد زنى بها، فإن مثل ذلك مثل رجل سرق من تمر
نخلة ثم اشتراها بعد. فإن زنى بأمها فلا بأس أن يتزوجها بعد أمها وابنتها وأختها. وإذا
كانت تحته امرأة فتزوج أمها أو ابنتها أو أختها فدخل بها ثم علم فارق الأخيرة. والأولى
امرأته ولا يقربها حتى يستبرأ رحم التي فارق.
وإن زنا رجل بامرأة أبيه أو امرأة ابنه أو بجارية أبيه أو ابنه، فإن ذلك لا يحرمها
على زوجها ولا تحرم الجارية على سيدها وإنما يحرم ذلك إذا كان منه ذلك حلالا، فإذا كان
حلالا فلا تحل تلك الجارية أبدا لابنه، وإذا تزوج الرجل امرأة حلالا فلا تحل لابنه ولا
لأبيه.
وإذا تزوج الرجل المرأة فزنى قبل أن يدخل بها لم تحل له لأنه زان ويفرق بينهما
18

ويعطيهما نصف الصداق، وفي حديث آخر: يجلد الحد ويحلق رأسه ويفرق بينه وبين أهله
وينفى سنة. وإذا زنت المرأة قبل دخول الرجل بها، فرق بينهما ولا صداق لها لأن الحدث من
قبلها.
ولا تحل القابلة للمولود ولا ابنتها وهي كبعض أمهاته. وفي حديث آخر: إن قبلت
ومرت، فالقوابل أكثر من ذلك، وإن قبلت وربت حرمت عليه.
وإذا تزوج الرجل المرأة فأرخى الستر وأغلق الباب ثم أنكرا جميعا المجامعة فلا
يصدقان، لأنها تدفع عن نفسها العدة ويدفع عن نفسه المهر.
ولا يجوز للمحرم أن يتزوج ولا يزوج المحل، وإذا تزوج في إحرامه فرق بينهما ولا
يحل له أبدا.
وإذا نظر الرجل إلى امرأة نظر شهوة ونظر منها إلى ما يحرم على غيره، لم تحل لأبيه
ولا لابنه.
وإذا تزوج الرجل في مرضه ودخل بها ورثته، وإن لم يدخل بها لم ترثه ونكاحه باطل.
وإذا تزوج الرجل امرأة بألف درهم، فأعطاها عبدا له آبقا وبردا حبرة بالألف التي
أصدقها، فلا بأس بذلك. إذا هي قبضت الثوب ورضيت بالعبد، فإن طلقها قبل أن يدخل
بها فلا مهر لها وترد عليه خمسمائة درهم ويكون العبد لها.
وإذا تزوج الرجل امرأة في عدتها ولم يعلم وكانت هي قد علمت أنه قد بقي من عدتها ثم
قذفها بعد علمه بذلك، فإن كانت علمت أن الذي عملت محرم عليها فندمت على ذلك،
فإن عليها الحد حد الزاني. ولا أرى على زوجها حين قذفها شيئا فإن فعلت
بجهالة منها ثم قذفها ضرب قاذفها الحد وفرق بينهما وتعتد عدتها الأولى
وتعتد بعد ذلك عدة كاملة.
ولا تنكح امرأة على عمتها، ولا على خالتها ولا على ابنة أختها ولا على ابنة أخيها
ولا على أختها من الرضاعة. ولا تزوج الخالة على ابنة أختها.
وإذا كان للرجل امرأتان، فولدت كل واحدة منهما غلاما فانطلقت إحدى امرأتيه
فأرضعت جارية من عرض الناس، فلا ينبغي لابنه الآخر أن يتزوج بهذه الجارية. وإذا
19

حلبت المرأة من لبنها، فأسقت زوجها ليحرم عليها فليمسكها وليضرب ظهرها ولا تحرم
عليه. وإذا أرضعت امرأتك من لبن ولدك ولد امرأة أخرى فهو حرام. وإذا أرضعت المرأة
جارية ولزوجها ابن من غيرها، لم يجز للابن تزويجها.
ولا يحرم من الرضاع إلا ما أنبت اللحم وشد العظم. وسئل الصادق ع
هل لذلك حد؟ فقال: لا يحرم من الرضاع إلا رضاع يوم وليلة، أو خمس عشرة رضعة
متواليات لا يفصل بينهن.
وإذا أرضعت المرأة عبدا مملوكا من لبنها حتى فطمته فلا يحل لها بيعه لأنه ابنها من
الرضاعة.
وإذا تزوج الرجل امرأة فولدت منه جارية ثم ماتت المرأة فتزوج أخرى فولدت
منه. ثم إنها أرضعت من لبنها غلاما، فلا يجوز للغلام الذي أرضعته أن يتزوج ابنة المرأة
التي كانت تحت الرجل قبل المرأة الأخيرة، فإن الصادق ع يقول: ما أحب أن
تتزوج ابنة فحل قد رضع من لبنه. ولا يحرم الرضاع ثلاثين رضعة متفرقة.
وسأل رجل الصادق ع فقال: أرضعت أمي جارية بلبني. قال: هي
أختك من الرضاعة. قال: فتحل لأخ لي من أمي لم ترضعها أمي بلبنه؟ قال: والفحل
واحد؟ قال: نعم، هو أخي من أبي وأمي. فقال: اللبن للفحل صار أبوك أباها، وأمك أمها.
وقال: رضاع اليهودية والنصرانية أحب من رضاع الناصبية. ولا يجوز مظائرة
المجوسي. فأما أهل الكتاب اليهود والنصارى فلا بأس ولكن إذا أرضعوهم فامنعوهم
من شرب الخمر وأكل لحم الخنزير.
وقال أمير المؤمنين على ع في ابنة الأخ من الرضاعة: لا آمر به أحدا ولا
أنهي عنه أحدا، وأنا ناه عنه نفسي وولدي.
وإن زعمت امرأة أنها أرضعت امرأة أو غلاما ثم أنكرت ذلك صدقت. فإن قالت
قد أرضعتهما فلا تصدق ولا تنعم.
وإذا أرضعت جارية رجلا، حل له بيعها إذا شاء إلا أن لها حقا عليه. ولا يجوز
للرجل أن يبيع أختا من الرضاعة إلا إذا لم يجد ما ينفق عليها ولا ما يكسوها فلا بأس أن يبيعها.
20

وقال الصادق ع: لبن اليهودية والنصرانية والمجوسية أحب إلى من
لبن ولد الزنى. ولا بأس بلبن ولد الزنى إذا جعل مولى الجارية الذي فجر بها في حل.
ولا يجوز للرجل أن يتزوج أخت أخيه من الرضاعة. وقال النبي ص
يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب.
باب العقيقة
وإذا ولد لك مولود فسمه يوم السابع بأحسن الأسماء وكنه بأحسن الكنى. وإذا
كان اسمه محمدا فلا تكنه بأبي القاسم ولا بأبي بكر ولا بأبي عيسى ولا بأبي الحكم ولا بأبي
الحارث. واثقب أذنيه واحلق رأسه وزن شعره بعد ما تجففه بالفضة وتصدق بها وعق عنه.
إذا كان ذكرا فذكرا، وإن كان أنثى فأنثى. ولا يأكل الأبوان العقيقة. وإذا أكلت الأم منها لم
ترضعه. وتطعم القابلة من العقيقة الرجل والورك.
فإذا أردت ذبحها فقل: بسم الله منك و لك عقيقة فلان بن فلان على ملتك ودينك
وسنة رسولك. وروي عن أبي جعفر ع أنه قال: إذا لم يعق عن الصبي وضحى
عنه أجزأه ذلك من عقيقته.
باب المتعة
اعلم أن رسول لله ص أحل المتعة ولم يحرمها حتى قبض. واعلم
أنها لا تحل إلا لمن عرفها. وهي حرام على من جهلها. وإذا تمتع الرجل مريدا ثواب الله
وخلافا على من جهلها، لم يكلمها كلمة إلا كتب الله له بها حسنة. ولم يمد يده إليها إلا كتب
الله له بها حسنة. فإذا دنا منها غفر الله له بذلك ذنبا. فإذا اغتسل غفر الله له بقدر ما مر من
الماء على شعره بعدد كل شعرة. وقال رسول الله ص: لحقني جبرئيل فقال:
يا محمد إن الله يقول: إني قد غفرت للمتمتعين من أمتك من النساء.
ولا تتمتع إلا بعارفة، وإن لم تكن عارفة فأعرض عليها، فإن قبلت فزوجها وإن
أبت أن ترضى بقولك فدعها. وإياكم والكواشف والدواعي والبغايا وذوات الأزواج.
21

فالكواشف هن اللواتي يكاشفن وبيوتهن معلومة ويؤتين. والدواعي اللواتي يدعون إلى
أنفسهن وقد عرفن بالفساد والبغايا المعروفات بالزنى. وذوات الأزواج: المطلقات على غير
السنة. واعلم أن من تمتع بزانية فهو زان، لأن الله يقول: الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة
والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك. وحرم ذلك على المؤمنين.
ولا تتمتع إلا بامرأة قد بلغت عشر سنين. ولا تتمتع بذوات الآباء من الأبكار إلا
بإذن آبائهن. ولا تتزوج اليهودية والنصرانية على حرة، متعة وغير متعة. ولا بأس أن تنظر
إلى امرأة تريد التمتع بها. وأدنى ما يجزئ في المتعة درهم. فما فوقه، وروي كفين من بر.
وإذا أردت ذلك فقل لها: تزوجيني نفسك على كتاب الله وسنة نبيه، نكاحا غير
سفاح على أن لا أرثك ولا ترثيني ولا أطلب ولدك، إلى أجل مسمى فإن بدا لي زدتك
وزدتني فإن أتت بولد فليس لك أن تنكره.
وإذا تزوجت المرأة متعة بمهر معلوم إلى أجل معلوم وأعطيتها بعض مهرها ودخلت
بها، ثم علمت أن لها زوجا، فلا تعطها مما بقي لها عليك شيئا، لأنها عصت الله. وإذا
تزوجت بامرأة متعة إلى أجل مسمى، فلما انقضى أجلها أحببت أن تتزوج أختها، فلا تحل
لك حتى تنقضي عدتها. ولا تتزوج بامرأة قد تمتعت بأمها.
وسئل أبو عبد الله ع عن المتعة فقال: هي كبعض إمائك، وعدتها خمس
وأربعون ليلة، فإذا جاء الأجل كانت فرقة بغير طلاق. وإن شاء أن يزيد فلا بد من أن
يصدقها شيئا، قل أم كثر. ولا ميراث بينهما إذا مات واحد منهما في ذلك الأجل. وإذا تزوج
الرجل امرأة متعة ثم مات عنها فعليها أن تعتد أربعة أشهر وعشرة أيام، فإذا انقضت أيامها
وهو حي فحيضة ونصف، مثل ما يجب على الأمة. وإن مكثت عنده أياما فعليها أن
تحد. وإن كانت عنده يوما أو يومين أو ساعة من النهار فتعتد ولا تحد.
22

الهداية بالخير
للشيخ أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي
الملقب بالصدوق المتوفى 381 ه‍ ق
23

باب النكاح
والنكاح سنة النبي ص وروي عنه أنه قال " من سنتي التزويج
فمن رغب عن سنتي، فليس مني " وقال ع " ما بنى في الاسلام بناء أحب
إلى الله عز وجل من التزويج وإذا أراد الرجل أن يتزوج، فيصلي ركعتين ويرفع يده
إلى الله عز وجل ويقول: اللهم إني أريد أن أتزوج، فسهل لي من النساء أحسنهن خلقا
وأعفهن فرجا وأحفظهن لي في نفسها ومالي وأوسعهن رزقا وأعظمهن بركة و
أقض لي منها ولدا يحمد ربي، حليما صالحا في حياتي وبعد موتى. ولا تجعل للشيطان فيه
شريكا ولا نصيبا.
ويجوز للرجل أن يتزوج من الحرائر أربعا ويجمع بينهن ومن الإماء أمتين
ويجمع بينهما وكذلك من أهل الكتاب والعبد يتزوج بحرتين وأربع إماء وتزويج
اليهودية والناصبية تحرم.
ويجوز التزويج بغير شهود. وإنما يكره بغير شهود من جهة عقوبة السلطان
والجابر.
ومهر السنة خمسمائة درهم فمن زاد على السنة درهما واحدا رد إلى السنة،
25

فإن أعطاها الخمسمائة درهم أو أكثر ذلك، ثم دخل بها، فلا شئ لها بعد ذلك إنما لها ما
أخذت منه قبل أن يدخل بها.
ولا ولاية لأحد على البنت إلا لأبيها ما دامت بكرا فإذا صارت ثيبا فلا ولاية له
عليها وهي أملك بنفسها. وإذا كانت بكرا وكان لها أب وجد فالجد أحق بتزويجها
من الأب ما دام الأب حيا فإذا مات الأب فلا ولاية للجد عليها. لأن الجد إنما يملك أمرها
في حياة ابنه، فإذا مات ابنه بطلت ولايته.
ويكره التزويج، والقمر في العقرب لأنه من فعل ذلك لم ير الحسنى.
وتزويج اليهودية والنصرانية جائز ولكنهما يمنعان من شرب الخمر وأكل لحم
الخنزير وعلى متزوجهما في دينه غضاضة.
ويكره الجماع في السفينة ومستقبل القبلة ومستدبرها. ويكره في أول ليلة من
الشهر وفي وسطه وفي آخره ومن فعل ذلك فليسلم لسقط الولد فإن تم يوشك أن
يكون مجنونا. أ لا ترى أن المجنون أكثر ما يكون يصرع. في أول الشهر ووسطه و
آخره؟
ويكره الجماع في اليوم الذي ينكسف فيه الشمس وفي الليلة التي ينخسف
فيها القمر وفي أول الزلزلة وفي الريح الصفراء والسوداء والحمراء فإنه من فعل
ذلك وقد بلغه الحديث رأى في ولده ما يكره.
وإذا تزوج الرجل امرأة فخلى بها، فقد وجب عليه المهر خلاوة دخوله. وإذا
جامع الرجل امرأته والتقى الختانان، فقد وجب الغسل أنزل أم لم ينزل وإن جامع
مفاخذة، فأهرق، فعليه الغسل وليس على المرأة اغتسال وإنما عليها غسل
الفخذين.
ولا يجوز للرجل أن يجامع امرأته وهي حائض، لأن الله تعالى نهى عن ذلك
فقال: لا تقربوهن حتى يطهرن، فإذا تطهرن... عني بذلك الغسل من الحيض، فإن
كان الرجل مستعجلا وأراد أن يجامعها، فليأمرها أن تغسل فرجها ثم يجامعها.
26

ومن جامع امرأته وهي حائض في أول الحيض فعليه أن يتصدق بدينار وإن
كان في وسطه فنصف دينار وإن كان في آخر فربع دينار. ومن جامع أمته وهي حائض
فعليه أن يتصدق بثلاثة أمداد من الطعام.
المتعة
وأما المتعة فإن رسول الله ص أحلها ولم يحرمها حتى قبض
فإذا أراد الرجل أن يتمتع امرأة فليكن دينة مأمونة، فإنه لا يجوز التمتع بزانية أو غير
مأمونة. و ليخاطبها وليقل: متعيني نفسك على كتاب الله وسنة نبيه ص،
نكاحا غير سفاح، بكذا وكذا درهما، إلى كذا وكذا يوما فإذا انقضى الأجل كان فرقة
بغير طلاق. وتعتد منه بخمسة وأربعين ليلة. فإن جاءت بولد فعليه أن يتقبله، وليس
له أن ينكره. وقال الصادق ع: ليس منا من لم يؤمن برجعتنا ولم يستحل
متعتنا.
وقال الصادق ع: يحرم من الإماء عشر لا تجمع بين الأم والابنة
ولا بين الأختين ولا أمتك وهي أختك من الرضاعة ولا أمتك وهي عمتك ولا أمتك
وهي خالتك من الرضاعة ولا أمتك وهي حامل من غيرك حتى تضع ولا أمتك وهي
حائض حتى تطهر ولا أمتك ولها زوج ولا أمتك وهي رضيعتك ولا أمتك ولك فيها
شريك.
وقال النبي ص: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب
ولا يحرم من الرضاع إلا رضاع خمسة عشر يوما ولياليهن وليس بينهن رضاع.
باب العقيقة
قال الصادق ع: كل امرئ مرتهن بعقيقته.
27

ومن ولد له مولود فليؤذن في أذنه الأيمن وليقم في الأيسر ويحنكه بماء الفرات
ساعة يولد إن قدر عليه ويسميه بأحسن الأسماء ويكنيه بأحسن الكنى ولا يكنيه بعيسى
ولا بالحكم، ولا بالحارث ولا بأبي القاسم - إذا كان الاسم محمدا. وأشرف الأسماء ما
سمي بالعبودية، وأفضلها أسماء الأنبياء.
وقال النبي ص لفاطمة ع: اثقبي على أذني
ابني الحسن والحسين خلافا على اليهود. وقال الصادق ع يعق عن المولود
ويثقب أذنه ويوزن شعره بعد أن يجفف بفضة ويتصدق به كل ذلك يوم السابع.
وقال الصادق ع الختان سنة للرجال ومكرمة للنساء، وفي حديث
آخر إن الأرض تضج إلى الله من بول الأغلف.
28

المقنعة
في الأصول والفروع
للشيخ المفيد أبي عبد الله محمد بن النعمان الحارثي
البغدادي المعروف بابن المعلم
336 - 413 ه‍ ق
29

أبواب النكاح
باب السنة في النكاح:
ومن سنن الاسلام النكاح وترك التعزب واجتناب التفرد، فمن دعته الحاجة إلى
النكاح ووجد له طولا فلم يتزوج فقد خالف سنة النبي ص. وفي النكاح
فضل كثير لأنه طريق التناسل وباب التواصل وسبب الألفة والمعونة على العفة، وقد حث
الله تعالى عليه ودعا عباده إليه فقال: وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم
وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم، وقال سبحانه: وليستعفف
الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله، فأمر من أغناه من فضله بالنكاح ومن لم
يغنه بالاستعفاف واجتناب الفجور.
وقال رسول الله ص: من أحب أن يلقى الله طاهرا مطهرا فليلقه
بزوجة، وقال ع: ركعة يصليها متزوج أفضل من سبعين ركعة يصليها
أعزب، وقال ع لأصحابه: شرار موتاكم العزاب، وقال ع: ما استفاد
المرء المسلم فائدة بعد الاسلام أفضل من زوجة تسره إذا نظر إليها وتطيعه إذا أمرها
وتحفظه في نفسها وماله إذا غاب عنها، وقال ع: يا معشر الشباب من استطاع
منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطعه فليدمن الصوم فإن الصوم له وجاء، فأمر الشباب
31

بالنكاح مع الطول له فإن لم يجدوا طولا فليستعففوا عن الفجور بالصيام فإنه يضعف
الشهوة ويمنع الدواعي إلى النكاح.
باب ضروب النكاح:
والنكاح على ثلاثة أضرب فضرب منه يسمى نكاح الغبطة وهو النكاح المستدام
المنعقد بغير أجل ولا اشتراط والسنة فيه الإشهاد والإعلان، ونكاح المتعة وهو النكاح
المؤجل المنعقد بالأجور المذكورة على التعيين لها والاشتراط، ونكاح ملك الأيمان وهو مختص
بالإماء دون الحرائر من النساء.
باب تفصيل أحكام النكاح:
ومن عقد نكاح غبطة فليعلن به على ما قدمناه سنة مؤكدة في ذلك وللاحتياط، إذ
بالإعلان تثبت الأنساب وتلحق الأولاد وتجب النفقات ويستحق الميراث وتدرأ
الحدود وتزول الشبهات وهو نكاح مستدام لا ينحل عقده إلا بطلاق أو لعان أو ردة عن
الاسلام أو موت الانسان، ويجب على المرأة عند مفارقة زوجها منه العدة على الكمال.
ومن أراد أن يعقد نكاح متعة فليستسر به إن شاء ويشترط فيه أجلا محدودا وأجرا
معينا موصوفا، ويشترط فيه أيضا عزل الماء إن شاء، وهو نكاح ينحل عقده ببلوغ الأجل فيه
من غير طلاق ولا يجب به ميراث ولا نفقات، والعدد فيه على النصف من عدد نكاح
الميراث، والنسب به ثابت ولحوق الأولاد بالآباء.
ونكاح ملك الأيمان باسترقاق الإماء من جهة الابتياع أو الهبة أو الصدقة أو الغنيمة
وما أشبه ذلك من وجوه التمليكات، وليس يحتاج فيه إلى عقد على المنكوحة ولا مهر لها
ولا أجر ولا اشتراط.
باب من أحل الله تعالى نكاحها من النساء وحرم منهن في شرع الاسلام.
قال الله عز وجل: حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ
32

وبنات الأخت وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم وربائبكم
اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح
عليكم وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف إن الله
كان غفورا رحيما والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم وأحل
لكم ما وراء ذلكم، وكل هؤلاء المحرمات بالنسب يحرمن بالرضاع لأنه يوجب لهن حكم
النسب في التحريم، قال رسول الله ص: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب،
فالخالة والعمة من الرضاعة محرمتان على ابن الأخ وابن الأخت منه، وكذلك بنات الإخوة
وبنات الأخوات من الرضاعة يجرين في التحريم مجرى بنات الأخ وبنات الأخت من الولادة،
وأم المرأة من الرضاعة محرمة كتحريم أمها بالولادة، وما حرمه الله بالنسب والرضاع من
الحرائر فقد حرمه من الإماء.
والجمع في استباحة الوطء بين الأم والبنت والأختين في الإماء وملك اليمين محرم كما هو
محرم في الحرائر من الأزواج، وجمع أكثر من أربع حرائر في عقد النكاح محرم، ولا يجمع الحر
بين أكثر من أمتين في عقد النكاح، ولا يجوز للعبد أن يجمع في عقد نكاح بين أكثر من حرتين
وله أن يعقد على أربع إماء ولا يجوز له العقد على أكثر من أربع في الإماء.
باب من يحرم نكاحهن من النساء بالأسباب دون الأنساب:
ونكاح الكافرة محرم بسبب كفرها سواء كانت عابدة وثنا أو مجوسية أو يهودية أو
نصرانية، قال الله عز وجل: ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة
ولو أعجبتكم، وقال تعالى: ولا تمسكوا بعصم الكوافر، واليهودية والنصرانية كافرتان
باتفاق أهل الاسلام، ونكاح الناصبة المظاهرة بعداوة آل الرسول عليه وآله السلام محرم
كتحريم نكاح أمثالها في الكفر والضلال، ولا بأس بنكاح المستضعفة من أهل الاسلام وإن
لم تكن عارفة بالحق لأنه لا تخرج من الملة إلا بالعناد.
ومن سافح امرأة وهي ذات بعل حرم ذلك عليه نكاحها من بعد وإن فارقها زوجها
وتابت مما اقترفته فلم تحل له أبدا، وكذلك إن سافحها وهي في عدة من بعل له عليها
33

فيها رجعة فإنها تحرم عليه بذلك ولا تحل له أبدا.
ومن عقد على امرأة وهي في عدتها وهو لا يعلم فدخل بها جاهلا بحالها فرق بينهما ولم
تحل له أبدا.
ومن فجر بغلام فأوقبه لم تحل له أخت الغلام ولا أمة ولا ابنته أبدا.
ومن قذف امرأته وهي صماء أو خرساء فرق بينهما ولم تحل له أبدا. ومن عقد على امرأة
وهو محرم مع العلم بالنهي عن ذلك فرق بينهما ولم تحل له أبدا. ومن لا عن امرأته فرق
بينهما ولم تحل له أبدا ومن طلق امرأته تسع تطليقات للعدة ينكحها بينها رجلان ثم تعود
إليه فرق بينهما ولم تحل له أبدا.
ومن فجر بعمته أو خالته حرمت عليه ابنتاهما ولم تحلا له بنكاح أبدا. ومن عقد على
امرأة حرمت على ابنه ولم تحل به أبدا وإن طلقها الأب أو مات عنها قبل الدخول بها أو بعده
وعلى كل حال، وكذلك تحرم على أبيه ولا تحل له أبدا سواء دخل الابن بها أو لم يدخل بها،
قال عز وجل في ذكر المحرمات: ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف، وقال
في ذكرهن: وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم.
ومن عقد على امرأة لها بنت فدخل بالمرأة ثم طلقها أو ماتت عنه لم تحل له بنتها بنكاح
أبدا، وإن لم يكن دخل بالأم فطلقها أو ماتت عنه حلت له بنتها بالنكاح. ومن عقد على
امرأة لها أم حرم عليه العقد على أمها أبدا سواء دخل بالبنت أو طلقها قبل الدخول.
ومن ابتاع جارية فنظر منها إلى ما كان يحرم عليه قبل ابتياعه لها بشهوة فضلا عن
لمسها لم تحل لابنه بملك يمين ولا عقد نكاح أبدا، وليس كذلك حكم الابن إذا نظر من جارية
يملكها إلى ما وصفناه، وكذلك الحكم في التحريم على الأب بالشرط الذي وصفناه.
باب ما يحرم النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه:
والذي يحرم النكاح من الرضاع عشر رضعات متواليات لا يفصل بينهن برضاع
امرأة أخرى، والنسب بالرضاع من قبل الأب خاصة، وذلك أنه لو أرضعت امرأة صبيا من
غيرها بلبن بعل لها وكان للمرأة بنت من غير ذلك البعل لحل التناكح بين الابن والبنت ولم
34

يحرم ذلك الرضاع، فإن كان رضاعها لابن القوم بلبن من أب ابنتها التي هي منسوبة إليها
بالرضاع دون الولادة حرم ذلك التناكح بينهما على ما بيناه.
وليس يحرم النكاح من الرضاع إلا ما كان في الحولين قبل الكمال فأما ما حصل بعد
الحولين فإنه ليس برضاع يحرم به النكاح، قال رسول الله ص: لا رضاع بعد
فطام ولا يتم بعد احتلام، ولو أرضعت امرأة صبيا قد أكمل سنتين وكانت لها بنت لجاز
التناكح بينهما إذ هو رضاع بعد انقضاء أيام وحده على ما وصفناه، وإن أرضعته وهو في
الحولين فكان رضاعها عشر رضعات متواليات حرم ذلك النكاح، وإن كان دون ذلك أو أكثر
منه على افتراق من غير اتصال لم يحرم النكاح على حال.
باب القول في الرجل يفجر بالمرأة ثم يبدو له في نكاحها أو يفجر بأمها أو ابنتها قبل
أن ينكحها أو بعد ذلك والمرأة تفجر وهي في حبال زوجها وهل يحرمها ذلك عليه
أم لا:
قد تقدم القول في الذي يفجر بامرأة لها بعل وأنها لا تحل له أبدا سواء طلقها البعل
أو مات عنها، فإن فجر بها وهي غير ذات بعل ثم تاب من ذلك وأراد أن ينكحها بعقد
صحيح جاز له ذلك بعد أن تظهر منها هي التوبة أيضا والإقلاع.
وإذا عقد عليها بعد الفجور فلا يقربها حتى يستبرئها بحيضة إن كانت ممن تحيض
على الاستقامة، وإن كان حيضها مرتفعا لمرض استبرأها بثلاثة أشهر فإذا علم أنه لا حمل
بها وطئها، وإن كانت ممن لا تحيض لكبر أو كانت صبية دون البالغ ولم تكن في سن من تحيض
لم يكن عليه لوطئها استبراء.
ولا بأس للرجل أن يتزوج بامرأة قد سافح أمها أو ابنتها ولا يحرم ذلك عليه نكاح الأم
والبنت سواء كانت المسافحة قبل العقد على من سميناه أو بعده وعلى كل حال.
وإذا كان للرجل امرأة ففجرت وهي في بيته وعلم ذلك من حالها كان بالخيار، إن شاء
أمسكها وإن شاء طلقها ولم يجب عليه لذلك فراقها، ولا يجوز له إمساكها وهي مصرة على
الفجور فإن أظهرت التوبة جاز له المقام عليها، وينبغي له أن يعتزلها بعد ما وقع من
35

فجورها حتى يستبرئها على ما شرحناه.
باب نكاح المرأة وعمتها وخالتها وما يجوز من ذلك وما لا يجوز:
ولا بأس أن ينكح الرجل المرأة وعمتها وخالتها ويجمع بينهن غير أنه لا يجوز له أن
ينكح بنت الأخ على عمتها إلا بإذن العمة ورضاها ولا ينكح بنت الأخت على خالتها إلا
باختيار الخالة وإذنها، وله أن يعقد على العمة وعنده بنت أخيها من غير استئذان بنت الأخ
ويعقد على الخالة وعنده بنت أختها من غير رضا بنت الأخت والاستئذان لها، ومتى عقد
لبنت الأخ على عمتها ولبنت الأخت على خالتها ثم علمت العمة بذلك والخالة كانتا
بالخيار، إن شاءتا أمضتا النكاح، وإن شاءتا فسختاه، وإن شاءتا فارقتا الرجل واعتزلتاه
واعتدتا منه وتزوجتا بعد العدة بغيره، ولم تحتاجا في ذلك إلى طلاق أكثر من اعتزالهما إياه.
باب العقود على الإماء وما يحل من النكاح بملك اليمين:
ومن لم يجد من الأحرار طولا لنكاح الحرائر فلا بأس أن ينكح الإماء، قال الله عز وجل: ومن
لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم
المؤمنات والله أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن
بالمعروف، ولا يجوز لمن وجد طولا لنكاح الحرائر أن ينكح الإماء لأن الله تعالى اشترط في
إباحة نكاحهن عدم الطول لنكاح الحرائر من النساء على ما بيناه في الذكر وتلوناه.
فإذا أراد الانسان نكاح أمة غيره خطبها إلى سيدها، فإن أختار مناكحته عقد له
عليها بمهر يدفعه إليه في نكاحها قل ذلك أم كثر، فإن اشترط السيد على الرجل في العقد رق
الولد كان ولده منها عبدا لسيدها وإن لم يشترط عليه ذلك كان الولد حرا لا سبيل لأحد
عليه.
وإذا عقد السيد على أمته لحر أو عبد لغيره كان الطلاق في يد الزوج ولم يكن للسيد
قهره على فراقها، فإن باعها السيد كان المبتاع لها بالخيار، إن شاء أقر الزوج على نكاحه،
وإن شاء فرق بينها وبينه وليس يحتاج في التفرقة بينهما إلى تطليق الزوج لها بل يأمرها
36

باعتزاله وقضاء العدة منه وذلك كان فراقها، وإن أعتقها السيد كانت هي بالخيار،
إن شاءت أقامت مع الزوج، وإن شاءت فارقته ولم يكن للزوج سبيل عليها مع اختيارها
الفراق، ولا ترث الأمة الزوج إذا مات ولا يرثها إذا ماتت.
ومن تزوج أمة وهو يجد طولا لنكاح الحرائر خالف أمر الله تعالى وشرطه عليه إلا أنه
لا ينفسخ بذلك نكاحه. ومن تزوج بأمة وعنده حرة ولم تعلم بذلك فهي بالخيار إذا علمت،
إن شاءت أن تمضي نكاحه أمضته، وإن شاءت أن تفسخه فسخته، وإن شاءت أن تفارقه
اعتزلته ففارقته بذلك، ولم يكن له عليها سبيل إلا أن تختار المقام عليه حسب ما قدمناه،
فإن كانت قد علمت بذلك ولم تعترض فيه فقد رضيت به ولا خيار لها بعد الرضا في شئ
مما ذكرناه.
وإذا زوج الرجل عبده أمته كان المهر عليه في ماله دون العبد، وينبغي له أن يعطي
عبده شيئا قل أم كثر ليكون مهرا لأمته تتسلمه من العبد قبل العقد أو في حاله أو بعده لتحل
له بذلك. ومتى كان العقد من السيد بين عبده وأمته كان الفراق بينهما بيده أي وقت شاء
ومتى أمرها باعتزاله وأمره باعتزالها ولم يكن لأحدهما خلاف ما يأمره به من ذلك، فإن
خالفاه سقط خلافهما وكان تفريقه بينهما كافيا في التحريم ونائبا مناب لفظ الطلاق الموجب
للافتراق.
وإذا تزوجت الأمة بغير إذن مولاها كان بالخيار، إن شاء أمضى النكاح وإن شاء أبطله
فإن تزوج العبد بغير إذن سيده كان السيد بالخيار إن شاء أبطل النكاح ومتى تزوجت الأمة
بغير إذن سيدها بحر أو عبد فرزقت منه أولادا كان ولدها رقا لسيدها، إن شاء باع وإن
شاء أعتق ولم يكن للزوج في ذلك اعتراض، وكذلك إذا تزوج العبد بغير إذن سيده فأولاده
رق للسيد. وإن كانت المرأة حرة على ما وصفناه.
ولا بأس أن ينكح الحر المسلم بملك اليمين ما شاء من العدد على أربع حرائر عنده،
وينكح بملك اليمين النصرانية واليهودية ولا يجوز له ذلك بعقد نكاح، ولا يجوز وطء
المجوسية والصابئة والوثنية على حال.
37

باب المهور والأجور وما ينعقد به النكاح من ذلك وما لا ينعقد به:
والمهور كل ما كانت له قيمة من ذهب وفضة ومتاع وعقار وأشباه ذلك، وقد يقوم مقام
كل واحد مما عددناه وينوب منابه ما تستحق عليه الأجور من الصناعات، ويجوز أيضا
على تعليم سورة من القرآن أو آية منه أو شئ من الحكم والآداب.
ولا يجوز نكاح الشغار وهو أن يعقد الرجل لغيره على ابنته ويجعل مهرها نكاحه
لابنته أو أخته، وهذا نكاح كانت الجاهلية تراه وتعمل عليه، وهو باطل في شريعة الاسلام.
ولا يجوز النكاح على ما لا يحل للمسلمين تملكه كالميتة والدم والخنزير والخمور وكل
شراب مسكر ونحو ذلك. ومن عقد على شئ منه كان العقد جائزا منها أو تحل به الاستباحة
وكذلك نكاح الشغار، ولا تحل به الفروج، فإذا عقد الذمي على الذمية وكان العقد على
ما لا يحل على المسلمين تملكه مما ذكرناه ثم أسلم قبل أن تقبضه المرأة كان العقد ماضيا
وعليه قيمة ما عقد عليه عند مستحلي ذلك المحرم له من كلب أو خنزير أو خمر وأشباه ذلك،
ومن عقد على شئ منه ثبت النكاح بالعقد ووجب في ذمة المعقود
له المهر بقدر مهر مثل المعقود عليها من نساء قومها دون ما سمي من الحرام ويستحب أن
لا يتجاوز الانسان في المهر السنة وهو خمسمائة درهم جيادا قيمتها خمسون دينارا مثاقيل
عينا ويلتمس بركات النساء في قلة مهور هن.
ولا ينبغي للإنسان أن يدخل بامرأته حتى يقدم إليها شيئا من المهر قل أم كثر، فإن
دخل بها قبل أن يقدم إليها شيئا أخطأ السنة، وكان المهر في ذمته دينا عليه يلزم تسليمه إلى
المرأة أي وقت طالبته به.
ومن عقد نكاحا ولم يسم مهرا ثم دخل بالمرأة قبل أن يقدم لها شيئا كان عليه مهر
مثلها في الشرف والجمال، وإن دخل بها وأعطاها قبل الدخول شيئا قل أم كثر فذلك مهرها
لا شئ عليه بعده لأنها لو لم ترض به مهرا ما أمكنته من نفسها حتى تستوفى تمامه أو توافقه
على ذلك وتجعله دينا عليه في ذمته.
والنكاح جائز على درهم وخاتم وعلى تعليم آية من القرآن حسب ما ذكرناه، ونكاح
المتعة جائز على مثل ذلك وعلى كف من حنطة أو شعير أو تمر أو زبيب وللمرأة أن تمنع الزوج
38

نفسها حتى تقبض منه المهر فإذا قبضته لم يكن لها الامتناع عليه فإن امتنعت كانت ناشزا
ولم يكن لها عليه إنفاق.
باب عقد المرأة على نفسها النكاح وأولياء الصبية وأحقهم بالعقد عليها:
والمرأة البالغة تعقد على نفسها النكاح إن شاءت ذلك، وإن شاءت وكلت من يعقد
عليها، وذوات الآباء من الأبكار ينبغي لهن أن لا يعقدن على أنفسهن إلا بإذن آبائهن، وإن
عقد الأب على ابنته البكر البالغ بغير إذنها أخطأ السنة ولم تكن لها خلافه، وإن أنكرت
عقده ولم ترض به لم يكن للأب إكراهها على النكاح ولم يمض العقد مع كراهتها له، فإن عقد
عليها وهي صغيرة لم يكن لها عند البلوغ خيار، وإن عقدت على نفسها بعد البلوغ بغير
إذن أبيها خالفت السنة وبطل العقد إلا أن يجيزه الأب، وإن عضلها الأب فعقدت على
نفسها بغير إذنه كذلك لم يكن للأب سبيل إلى فسخ ما عقدته.
وإذا عقدت الثيب على نفسها بغير إذن أبيها جاز العقد ولم يكن للأب فسخ ذلك
سواء كان منه عضل أو لم يكن، وليس لأحد أن يعقد على صغيرة سوى أبيها أو جدها، فإن عقد
عليها غير من سميناه من أهلها كان العقد موقوفا على رضاها به عند البلوغ، فإذا بلغت
فرضيت به وأجازته ثبت فإن أبته بطل، فإن ماتت الصبية قبل البلوغ لم يرثها المعقود له
عليها، وإن مات هو قبلها وخلف ما لا لم يقسم حتى تبلغ الصبية فإذا بلغت أعلمت بالعقد
فإن قالت قد رضيت به، أحلفت بالله أنها لم ترض به للميراث، فإن حلفت أعطيت حقها
بالزوجية منه، وإن لم تحلف لم يكن لها فيه شئ.
وإذا عقد رجل على ابنته وهي صغيرة لصبي لم يبلغ وكان الذي تولى العقد على
الصبي أبوه ثم مات أحد الصغيرين ورثه صاحبه، وإذا عقد الرجل على ابنه وهو صغير
وسمي مهرا ثم مات الأب فإن المهر من أصل تركته قبل القسمة إلا أن يكون للصبي مال
في حال العقد له فيكون المهر من مال الابن دون الأب. وإذا حضر أب وجد واختار كل
واحد منهما رجلا للبنت كان الاختيار للجد، فإن سبق الأب فعقد لم يكن للجد في ذلك
اعتراض.
39

باب الكفاءة في النكاح:
والمسلمون الأحرار يتكافؤون بالإسلام والحرية في النكاح وإن تفاضلوا في الشرف
بالأنساب كما يتكافؤون في الدماء والقصاص، فالمسلم إذا كان واجدا طولا للإنفاق
بحسب الحاجة على الأزواج مستطيعا للنكاح مأمونا على الأنفس والأموال ولم تكن به آفة
في عقله ولا سفه في الرأي فهو كف ء في النكاح.
باب اختيار الأزواج:
وينبغي للإنسان أن يختار للنكاح ذوات الدين والأبوات والأصول الكريمة والسداد في
الرأي ويجتنب من لا أصل له ولا عقل وإن كان من الجمال على ما تميل إليه الطباع، فقد روي
عن النبي ص أنه قال: إياكم وخضراء الدمن، فقيل: يا رسول الله
وما خضراء الدمن؟ فقال: المرأة الحسناء في منبت السوء، فشبه المرأة الحسناء من أصل
السوء بالخضرة التي تظهر على المزابل وفي أفنية البيوت عند وقوع الأمطار عليها فهي وإن
كانت نضرة حسنة فإنها على النجاسات من العذرة وأمثالها نابتة وليس لها بقاء ولا بها
انتفاع، وقال الصادق ع: إياكم ونكاح الحمقاء فإن ولدها ضياع وصحبتها
ضلال.
وإذا اختار الانسان لنكاحه فليتخير من يثق به على دينه وماله ودمه وولده فإن المرأة
تؤتمن على ذلك ويحتاج إليها في حفظه ومن لا دين له ولا عقل، فإنه لا يوثق به على حفظ
شئ مما ذكرناه.
وإذا وجد الانسان امرأة مؤمنة عاقلة ذات أصل كريم فلا يمتنع من مناكحتها لفقرها
فإن الله تعالى يغنيهما من فضله، وكذلك إذا خطب إلى انسان رجل دين عاقل ذو أصل
كريم فلا يمتنع من إنكاحه ابنته أو أخته لفقره فإن الله تعالى قال: إن يكونوا فقراء يغنهم
الله من فضله والله واسع عليم، وقد روي عن الصادق ع أنه قال: من نكح
امرأة لمالها وجمالها حرم مالها وجمالها، ومن نكح للدين وفق الله له الخير والجمال والكمال.
40

باب الاستخارة للنكاح والدعاء قبله:
ومن عمل على النكاح فليرتد لنفسه حسب ما قدمناه ثم ليستخر الله عز وجل في ذلك
ويقول:
اللهم إني أريد النكاح فسهل لي من النساء أحسنهن خلقا وخلقا وأعفهن فرجا
و أحفظهن لنفسها ودينها وأمانتي عندها ثم يمضي بعد ذلك لما قضي له إن شاء الله،
ولا ينبغي لأحد أن يعقد نكاحا والقمر في العقرب فإنه روي عن الصادق ع أنه
قال: من فعل ذلك لم ير الحسنى.
باب السنة في عقود النكاح وزفاف النساء وآداب الخلق والجماع:
ومن السنة في نكاح الغبطة ما قدمنا ذكره من الإعلان والإشهاد والخطبة فيه بذكر الله
تعالى وذكر رسوله ص وأهل بيته ع، ومن السنة في الزفاف
الولائم وجمع الإخوان على الطعام وإظهار المسرة والشكر لله تعالى والحمد على الأنعام،
ومن السنة أن يتهيأ الرجل عند البناء بأهله ويتجمل ويتنظف ويمس الطيب، ولا ينبغي له
أن يبني بزوجته في ليلة كسوف ولا يومه ولا في ليلة زلزلة ولا يومها ولا في الأوقات التي تظهر
فيها الآيات للتخويف كالرياح السود والرعود والبروق وأشباه ذلك.
ويجتنب الجماع من عند طلوع الفجر إلى عند طلوع الشمس ومن عند غروب
الشمس إلى مغيب الشفق، ولا يقرب أهله في أول ليلة من الشهر ولا في آخر ليلة منه إلا
شهر رمضان خاصة فإنه يستحب له أن يلم بالنساء في أول ليلة منه ليدفع عنه دواعي
الجماع في أول يوم من الصيام ويستمر على ذلك فتسلم له العبادة.
ويكره للرجل إذا احتلم في منامه أن يقرب النساء حتى يغتسل من حمله، ولا بأس
أن يباضع مرة بعد أخرى من غير اغتسال بينهما وليس ذلك كالاحتلام.
ولا يجوز للرجل أن يجامع زوجته وله زوجة أخرى حرة تراه ولا بأس بذلك في الإماء
وملك اليمين، وليس لأحد أن يعزل الماء عن زوجة له حرة إلا أن ترضى منه بذلك، وله أن
41

يعزل عن الأمة بغير رضاها واختيارها، ويكره للرجل أن يقرب أهله في الليلة التي يريد
السفر فيها أو في صبيحتها ويكره له ذلك في الليلة التي يرد فيها من سفره.
ولو أن إنسانا تعدى ما رسمناه في جميع ما عددناه لم يكن بذلك فاسقا ولا تاركا فرضا
لكنه يكون مخطئا خطيئة مخالفا للسنة تاركا فضلا، وقد بينا فيما تقدم تحريم نكاح الحائض
وما يصلح من نكاح المستحاضة واجتناب النفساء وما يجب على من تعدى الشرع في ذلك
من الكفارات فأغنى عن تكراره في هذا المكان.
باب القسمة للأزواج:
فإذا كان للرجل زوجتان فينبغي له أن يعدل بينهما فيكون مبيته عند كل واحدة منهما
ليلة وإن بات عند إحديهما أكثر من ليلة كان له ذلك، ولا يبيت عن زوجته عند غيرها من
أزواجه أكثر من ثلاث ليالي إلا أن تبيحه الزوجة ذلك وتحلله له.
وإذا تزوج الرجل على امرأته جاز له أن يقيم عند الثانية ثلاث ليال متواليات ثم
يرجع إلى العدل بينهما فيقيم عند كل واحدة منهما مثل مقامه عند الأخرى، قال الله
عز وجل: فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا
فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا، يريد تعالى بذلك أدنى أن لا تجوروا في
الحكم عليهن وتتركوا العدل بينهن، وقد قيل ذلك أدنى ألا تفتقروا، والقولان جميعا
معروفان في اللغة، يقال: عال الرجل إذا جار وعال إذا افتقر، وإذا كان الله تعالى قد أباح
للرجل الحر نكاح أربع حرائر يجمع بينهن فيه فله أن يقسم على زوجته بحسب ذلك،
فيقيم عندها يوما وثلاثة أيام عند أزواجه الأخر وسراريه، وقال جل اسمه: ولن تستطيعوا
أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم - يريد به العدل في المحبة - فلا تميلوا كل الميل فتذروها
كالمعلقة، يريد أنه ليس ينبغي لكم أن تميلوا على واحدة منهن ميلا كثيرا فيقع بها جفوة
منكم وإعراض فتذروها كالمعلقة لا ذات زوج يعفها عن الحاجة إلى غيره ولا مطلقة
تتمكن من التصرف في نفسها.
ومن كان له ثلاث أزواج فيقسم لكل واحدة منهن يوما والثالثة إن شاء يومين لأن له
42

أن يقسم أيامه على أربع نسوة، فإن كان له أربع نسوة لم يجز أن يخالف بينهن في القسمة بل
يجعل لكل واحدة منهن يوما إلا أن تحله بعضهن من حقها فيطيب له ذلك، وإن لم تجعله في
حل كان حرجا بخلاف ما رسمناه، وهذا الحكم في حرائر النساء.
فصل:
فأما الإماء وملك اليمين منهن فله أن يقسم عليهن كيف شاء ويقيم عند كل واحدة
منهن ما شاء وليس للأخرى عليه اعتراض في ذلك بحال.
وعليه أن ينفق على أزواجه ما دمن في حباله نفقة يسد بها جوعهن ويكسو أجسادهن
بما يسترها، فإن نشرت الزوجة على بعلها وخرجت من منزله بغير إذنه سقط عنه نفقتها
وكسوتها، وإن عصت أمره وامتنعت من طاعته وهي مقيمة في منزله وعظها فإن اتعظت
وإلا أدبها بالهجران، وإن احتاجت إلى زيادة على ذلك في الأدب ضربها ضربا رقيقا
لتعود إلى واجبه عليها من طاعته، قال الله عز وجل: واللاتي تخافون نشوزهن
فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا،
وهجرانها أن يعتزل الفراش أو يحول ظهره إليها فيه، والضرب بالسواك وشبهه ضربا
لا يبرح ولا يفسد لحما ولا جلدا.
وإذا نشزت المرأة على زوجها وأقامت على خلافه وكان منه من هجرانها مثل ذلك
فخيف منه شقاق بينهما بعث الحاكم رجلين مأمونين أحدهما من أهل الرجل والآخر من
أهلها لينظرا فيما أوجب ذلك ويدبرا الإصلاح بينهما، فإذا نظرا فرأيا الإصلاح أنجزاه ولم
يتوقفا على إذن الزوجين فيه، وإن رأيا التفرقة بينهما أحظ لهما أعلما ذلك الحاكم ليرى رأيه
فيه، وليس للحاكم أن يجبر الزوج على الفراق إلا أن يمنع واجبا للزوجة من حقوق النكاح.
باب التدليس في النكاح وما يرد منه وما لا يرد:
وإذا تزوج الرجل بالمرأة على أنها حرة فوجدها أمة كان له ردها على من زوجه بها
واسترجاع ما نقدها من المهر إلا أن يكون قد دخل بها فلا يرجع عليها به ولكن يرجع على
43

من من دلسها عليه، فإن كانت هي المتولية لإنكاحه نفسها فإنه يرجع عليها به قبل الدخول
ولا يأخذ منها شيئا منه بعد الدخول، وليس يحتاج في فراقها إلى طلاق وردها كاف في
الفراق، فإن أقام على نكاحها بعد العلم بحالها لم يكن له ردها بعد ذلك، فإن اختار
فراقها فليخل سبيلها بالطلاق، وكذلك إذا خطب إلى رجل بنتا له من حرة فعقد له على
بنت له من أمة ثم علم بعد ذلك كان له ردها عليه، وترد البرصاء والعمياء
والمجذومة والمجنونة والرتقاء والمفضاة والعرجاء والمحدودة في الفجور ومتى رضي الرجل بواحدة
ممن ذكرناه لم يكن له ردها بعد ذلك.
ومتى تزوج امرأة على أنها بكر فوجدها ثيبا لم يكن له ردها ولم يجز له قذفها بفجور لأن
العذرة قد تزول بالمرض والطفرة وأشباه ذلك، ومن تزوج بامرأة على أنه حر فظهر لها أنه
عبد كان لها الخيار، فإن اختارت المقام معه ثبت نكاحه ولم يكن لها خيار بعد ذلك، وإن
اختارت فراقه اعتزلته بغير طلاق منه لها ولم يكن له عليها سبيل.
وإن تزوجت به على أنه صحيح فظهر لها أنه به جنة كانت بالخيار، وإن تزوجت به على
أنه سليم فظهر لها أنه عنين انتظرت به سنة فإن وصل إليها فيها ولو مرة واحدة فهو أملك
بها وإن لم يصل إليها في مدة السنة كان لها الخيار، فإن اختارت المقام معه على أنه عنين لم
يكن لها بعد ذلك خيار، فإن حدث بالرجل عنة بعد صحته كان الحكم في ذلك كما وصفناه
تنتظر به سنة فإن تعالج فيها وصلح وإلا كانت المرأة بالخيار، وإن حدث بالرجل جنة وكان
يعقل معها أوقات الصلاة لم يكن للمرأة خيار مع ذلك، وإن كان لا يعقل أوقات الصلاة
كانت بالخيار.
باب نظر الرجل إلى المرأة قبل أن يتزوجها وما يحل له من ذلك وما لا يحل:
وإذا أراد الرجل أن يعقد على امرأة فلا حرج عليه أن ينظر إلى وجهها قبل العقد
ويرى يديها بارزة من الثوب وينظر إليها ماشية في ثيابها.
وإذا أراد ابتياع أمة نظر إلى وجهها وشعر رأسها ولا يحل له أن ينظر إلى وجه امرأة
ليست له بمحرم ليتلذذ بذلك دون أن يراها للعقد عليها، ولا يجوز له أيضا النظر إلى أمة
44

للتلذذ برؤيتها من غير عزم على ذلك لابتياعها. ولا بأس بالنظر إلى وجوه نساء أهل
الكتاب وشعورهن لأنهن بمنزلة الإماء، ولا يجوز النظر إلى ذلك منهن لريبة.
باب الولادة والنفاس والعقيقة:
وإذا ضرب المرأة المخاض فليخل بها النساء لمعونتها وتولي ولادتها، ولا يحضرها أحد
من الرجال مع الاختيار، فإذا وضعت ولدها فلتأخذه القابلة من الأرض وتمسح عنه الدم
وتحنكه بماء الفرات المتشعب إلى أنهار شتى منها نهر الكوفة وكربلاء إن وجدته وإلا ماء
عذب من غير ذلك إن أمكنها ذلك، وإن كانت في موضع مياهه ملحة ووجدت عسلا خلطته
بالماء وحنكته به، وإن حضرها شئ من تربة الحسين بن علي ع فلتحنكه بها مع
الماء، ثم يؤذن في أذنه اليمنى ويقيم في أذنه اليسرى، فإذا كان يوم السابع من ولادته فلتثقب
أذنه ويحلق شعر رأسه ثم يخفف ويتصدق بزنته ذهبا أو فضة، ويختن أيضا في هذا اليوم، ويعق
عنه فيه بشاة سمينة وتعطى القابلة منها الرجل بالورك ويفرق باقي اللحم على الفقراء
والمساكين، وإن طبخ ودعي عليه قوم من المؤمنين لم يكن به بأس بل ذلك أفضل إن شاء الله،
ويعق عن الذكر بذكر من الغنم وعن الأنثى بالأنثى منها إن شاء الله. وقد ذكرنا فيما سلف أن
المرأة تقعد بعد ولادتها عن الصلاة حتى ينقطع عنها الدم، فإن انقطع في اليوم الثاني
أو الثالث اغتسلت وصلت، فإن استمر بها قعدت عن الصلاة ثمانية عشر يوما فإذا كان
في اليوم التاسع عشر اغتسلت قبل الفجر وصلت وصامت، ولا يجوز لزوجها أن يقربها
بجماع حتى تطهر بانقطاع الدم وتغتسل أو يمضى عليها ثمانية عشر يوما وتتطهر على
ما وصفناه.
45

الانتصار
للسيد الشريف المرتضى علم الهدي أبي القاسم
علي بن الحسين الموسوي
355 - 436 ه‍ ق
47

كتاب النكاح
مسألة: ومما انفردت به الإمامية القول: بأن من زنا بامرأة ولها بعل حرم عليه نكاحها أبدا وإن
فارقها زوجها، وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك.
والحجة إجماع الطائفة، وأيضا فإن استباحة التمتع بالمرأة لا يجوز إلا بيقين، ولا يقين
في استباحة من هذه صفته فيجب العدول عنها إلى من يتيقن استباحة التمتع به بالعقد،
فإن قالوا الأصل الإباحة ومن ادعى حظرا فعليه دليل يقتضي العلم بالحظر.
قلنا: الاجماع الذي أشرنا إليه يخرجنا عن حكم الأصل، وبعد: فإن جميع مخالفينا
ينتقلون عن حكم الأصل في العقول بأخبار الآحاد، وقد ورد من طرق الشيعة في حظر
ما ذكرناه أخبار معروفة فيجب على ما يذهبون إليه أن ينقل عن الإباحة.
فإن استدلوا بظواهر آيات القرآن مثل قوله تعالى: وأحل لكم ما وراء ذلكم، بعد ذكر
المحرمات، وبقوله تعالى: فانكحوا ما طاب لكم من النساء.
قلنا: كل هذه الظواهر يجوز أن يرجع عنها بالأدلة كما رجعتم أنتم عنها في تحريم نكاح
المرأة على عمتها وخالتها، والإجماع الذي ذكرناه يوجب الرجوع لأنه مفض إلى العلم،
والأخبار التي روتها الشيعة لو انفردت عن الاجماع لوجب عند خصومنا أن يخصوا بها كل
49

هذه الظواهر لأنهم يذهبون إلى تخصيص ظواهر القرآن بأخبار الآحاد.
وليس لهم أن يقولوا هذه أخبار لا نعرفها ولا رويناها فلا يجب العمل بها.
قلنا: شروط الخبر الذي يوجب العمل عندكم قائمة في هذه الأخبار فابحثوا عن
رواتها وطرقها لتعلموا ذلك، وليس كل شئ لم تألفوه وترووه لا حجة فيه، بل الحجة فيما
حصلت له شرائط الحجة من الأخبار ولو لم يكن في العدول عن نكاح من ذكرناه إلا
الاحتياط للدين لكفى لأن نكاح من هذه حاله مختلف فيه ومشكوك في إباحته فالتجنب له
أولى. وقد رويتم عن النبي ص قوله: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك.
مسألة:
ومما ظن انفراد الإمامية به القول: بأن من زنا بامرأة وهي في عدة من بعل له فيها عليها رجعة
حرمت عليه بذلك ولم تحل له أبدا، والحجة لأصحابنا في هذه المسألة الحجة التي قبلها،
والكلام في المسألتين واحد فلا معنى لتكراره.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية: إن من عقد على امرأة وهي في عدة مع العلم بذلك لم تحل له
أبدا وإن لم يدخل بها والكلام في هذه المسألة كالكلام في المسألتين المتقدمتين.
مسألة:
ومما ظن انفراد الإمامية به: إن من عقد على امرأة وهي في عدة وهو لا يعلم فدخل بها
فرق بينهما ولم تحل له أبدا. وقد روي وفاق الإمامية في ذلك عن مالك والأوزاعي والليث بن
سعد، وقال مالك والليث: لا تحل له أبدا ولا يملك اليمين.
والحجة في هذه المسألة مثل الحجة في المسائل المتقدمة سواء
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية: إن من تلوط بغلام فأوقب لم تحل له أم الغلام ولا أخته ولا
بنته أبدا، وحكى عن الأوزاعي وابن حنبل أن من تلوط بغلام يحرم عليه تزويج بنته له
والطريقة في هذه المسألة كالطريقة فيما تقدمها من المسائل.
50

مسألة:
ومما انفردت به الإمامية: إن من طلق امرأته تسع تطليقات للعدة ينكحها بينهن رجلان،
ثم تعود إليه حرمت عليه أبدا، وهذه المسألة نظير لما تقدمها.
مسألة:
ومما ظن انفراد الإمامية به القول: بأن من زنا بعمته أو خالته حرمت عليه بناتهما على
التأبيد، وأبو حنيفة يوافق في ذلك، ويذهب إلى أنه إذا زنا بامرأة حرمت عليه أمها وبنتها،
وحرمت المرأة على أبيه وابنه، وهو أيضا قول الثوري والأوزاعي، وخالف باقي الفقهاء
كلهم في ذلك ولم يحرموا بالزنى الأم والبنت.
دليلنا كل شئ احتججنا به في تحريم المرأة على التأبيد إذا كانت ذات بعل على من
زنا. ويمكن أن يستدل على ذلك بقوله تعالى: ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء، ولفظة
النكاح تقع على الواطئ والعقد معا، فكأنه تعالى قال: ولا تعقدوا على ما عقد عليه
آباؤكم من النساء ولا تطؤوا من وطؤوهن، وكل ما حرم بالوطئ في الزنى المرأة على الابن
والأب حرم بنتها وأمها عليهما جميعا.
والاحتجاج في هذا الموضع بما يروى عن النبي ص من قوله: الحرام لا
يحرم الحلال، غير صحيح، لأنه خبر واحد، ولأنه مخصوص بإجماع ويحمل على مواضع منها
أن الوطء في الحيض وهو حرام لا يحرم ما هو مباح من المرأة، ومنها إذا زنا بامرأة فله أن
يتزوجها، ومنها إن وطء الأب لزوجة ابنه التي دخل بها أو وطء الابن لزوجة أبيه وهو حرام
لا يحرم تلك المرأة على زوجها ولا يجعل هذا الحرام - ذلك الحلال - حراما.
مسألة:
ومما ظن انفراد الإمامية به: إن من لا عن امرأته لم تحل له أبدا، وقد وافق الإمامية في ذلك
الشافعي وزفر وأبو يوسف ومالك وقالوا: إن فرقة اللعان مؤبدة. وقال أبو حنيفة وأصحابه:
إن الملاعن إذا أكذب نفسه وجلد الحد له أن يتزوجها.
دليلنا الاجماع المتردد، ويعارضون بما يروونه عنه ع من قوله: المتلاعنان لا
يجتمعان أبدا.
51

وقوله ع لعويم حين فرق بينه وبين زوجته باللعان: لا سبيل لك عليها، فإذا
قيل: لا سبيل لك عليها معنى ذلك في هذه الحال، قلنا هذا تخصيص بغير دليل.
مسألة:
ومما شنع به على الإمامية وادعى تمردها به، وليس الأمر على ذلك إباحة نكاح المتعة
وهو النكاح المؤجل، وقد سبق إلى القول بإباحة ذلك جماعة معروفة الأقوال، منهم
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن مسعود رضي
الله عنهما ومجاهد وعطاء، وأنهم يقرءون: فما استمتعتم به منهن - إلى أجل مسمى - فأتوهن
أجورهن.
وقد روي عن جابر بن عبد الله الأنصاري وسلمة بن الأكوع وأبي سعيد الخدري
والمغيرة بن شعبة وسعيد بن جبير وابن جريح أنهم كانوا يفتون بها، فادعاؤهم الاتفاق
على حضر المتعة باطل.
والحجة لنا سوى إجماع الطائفة على إباحتها أشياء:
منها أنه قد ثبت بالأدلة الصحيحة أن كل منفعة لا ضرر فيها في عاجل ولا آجل
مباحة بضرورة العقل، وهذه صفة نكاح المتعة فيجب إباحته بأصل العقل.
فإن قيل: من أين لكم نفي المضرة عن هذا النكاح في الآجل والخلاف في ذلك؟
قلنا: من ادعى ضررا في الآجل فعليه الدليل، ولا دليل قاطعا يدل على ذلك.
ومنها أنه لا خلاف في إباحة هذا النكاح في عهد النبي ص بغير شبهة
ثم ادعى تحريمها من بعد ونسخها ولم يثبت النسخ وقد ثبت الإباحة بإجماع فعلى من ادعى
الحظر والنسخ الدلالة.
فإن ذكروا الأخبار التي رووها في أن النبي ص حرمها ونهى عنها.
فالجواب عن ذلك: أن كل هذه الأخبار إذا سلمت من المطاعن والتضعيف أخبار
آحاد، وقد ثبت أنها لا توجب عملا في الشريعة، ولا يرجع بمثلها عما علم وقطع عليه،
على أن هذه الأخبار كلها قد طعن أصحاب الحديث ونقاده على رواتها وضعفوهم، وقالوا في
كل واحد منهم ما هو مسطور، لا معنى للتطويل بإيراده. وبعد. فهذه الأخبار معارضة بأخبار كثيرة
52

في استمرار إباحتها والعمل بها حتى ظهر من نهى عمر عنها ما ظهر.
ومنها قوله تعالى بعد ذكر المحرمات من النساء: وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا
بأموالكم محصنين غير مسافحين فما استمتعتم به منهن فأتوهن أجورهن فريضة ولا جناح
عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة ولفظ الاستمتاع والتمتع وإن كان واقعا في الأصل
على الالتذاذ والانتفاع فبعرف الشرع قد صار مخصوصا بهذا العقد المعين لا سيما إذا
أضيف إلى النساء، ولا يفهم من قول القائل: متعة النساء، إلا هذا العقد المخصوص دون
التلذذ والمنفعة كما أن لفظ الظهار اختص بعرف الشرع بهذا الحكم المخصوص، وإن
كانت لفظة ظهار في اللغة مشتركة غير مختصة، وكأنه تعالى قال: فإذا عقدتم عليهن هذا
العقد المخصوص فأتوهن أجورهن، وقد كنا قلنا في بعض ما أمليناه قديما أن تعليقه تعالى
وجوب إعطاء المهر بالاستمتاع دلالة على أنه هذا العقد المخصوص دون الجماع، لأن
المهر، إنما يجب بالعقد دون الجماع، ويمكن اعتراض ذلك بأن يقال: إن المهر إنما يجب دفعه
بالدخول وهو الاستمتاع. والذي يجب تحقيقه والتعويل عليه أن لفظة استمتعتم لا تعدو
وجهين، إما أن يراد بها الانتفاع والالتذاذ الذي هو أصل موضوع اللغة أو العقد المؤجل
المخصوص الذي اقتضاه عرف الشرع، ولا يجوز أن يكون المراد هو الوجه الأول لأمرين:
أحدهما إنه لا خلاف بين محصلي من تكلم في أصول الفقه في أن لفظ القرآن إذا ورد
وهو محتمل لأمرين، أحدهما وضع أهل اللغة والآخر عرف الشريعة أنه يجب حمله على
عرف الشريعة، ولهذا حملوا كلهم لفظ صلاة وزكاة وصيام وحج على العرف الشرعي دون
اللغوي.
والأمر الآخر أنه لا خلاف في أن المهر لا يجب بالالتذاذ لأن رجلا لو وطئ امرأة ولم يلتذ
بوطئها لأن نفسه عافتها وكرهتها، أو لغير ذلك من الأسباب لكان دفع المهر واجبا وإن كان
الالتذاذ مرتفعا، فعلمنا أن لفظة الاستمتاع في الآية إنما أريد بها العقد المخصوص دون
غيره.
ومما يبين ما ذكرناه ويقويه قوله تعالى: ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة
والمعنى على ما أجمع عليه أصحابنا وتظاهرت به الروايات عن أئمتهم ع
53

أن تزيدها في الأجر وتزيدك في الأجل، وما يقوله مخالفونا من أن المراد بذلك رفع الجناح في
الإبراء أو النقصان أو الزيادة في المهر أو ما يستقر بتراضيهما من النفقة ليس بمعمول عليه،
لأنا نعلم أن العفو والإبراء مسقط للحقوق بالعقول، ومن الشرع ضرورة لا بهذه الآية،
والزيادة في المهر إنما هي كالهبة، والهبة أيضا معلومة لا من هذه الآية، وأن التراضي مؤثر في
النفقات وما أشبهها معلوم أيضا، وحمل الآية والاستفادة بها ما ليس بمستفاد قبلها ولا
معلوم هو الأولى، والحكم الذي ذكرناه مستفاد بالآية غير معلوم قبلها فيجب أن يكون أولى.
ومما يمكن معارضة المخالف به الرواية المشهورة أن عمر خطب الناس ثم قال: متعتان
كانتا على عهد رسول الله ص حلالا أنا أنهي عنهما وأعاقب عليهما، متعة
النساء ومتعة الحج، فاعترف بأنها كانت على عهد الرسول ص حلالا،
وأضاف النهي والتحريم إلى نفسه، فلو كان النبي ص هو الذي نسخها
ونهى عنها أو أباحها في وقت مخصوص دون غيره على ما يدعون لأضاف عمر التحريم
إليه ع دون نفسه.
فإن قيل: من المستبعد أن يقول: ذلك عمر، ويصرح بأنه حرم ما أحله النبي عليه
السلام فلا ينكره عليه منكر.
قلنا: قد أجبنا عن هذا السؤال في جملة جواب المسائل الطرابلسيات، وقلنا: إنه
لا يمتنع أن يكون السامعون لهذا القول من عمر انقسموا إلى معتقد للحق، برئ من
الشبهة، خارج عن حد العصبية غير أنه لقلة عدده وضعف بطشه، لم يتمكن من إظهار
الانكار بلسانه فاقتصر على إنكار قلبه.
وقسم آخر وهم الأكثرون عددا، دخلت عليهم الشبهة الداخلة على مخالفينا في هذه
المسألة واعتقدوا أن عمر إنما أضاف النهي إلى نفسه وإن كان الرسول ص
هو الذي حرمها تغليظا وتشديدا وتكفلا وتحققا، وقسم آخر اعتقدوا أن ما أباحه الله تعالى
في بعض الأوقات إذا تغيرت الحال فيه وأشفق من ضرر في الدين يلحق في الاستمرار عليه
جاز أن ينهى عنه بعض الأئمة، وعلى هذا الوجه حمل الفقهاء نهى عمر عن متعة الحج،
وقد تقدم ذكر ذلك على أنه لا خلاف بين الفقهاء في أن المتمتع لا يستحق رجما ولا عقوبة،
54

وقال عمر في كلامه: لا أوتي بأحد تزوج متعة إلا عذبته بالحجارة ولو كنت تقدمت فيها
لرجمت، وما أنكر مع هذا عليه ذكر الرجم والعقوبة أحد، فاعتذروا في ترك النكير لذلك بما
شئتم فهو العذر في ترك النكير للنهي عن المتعة.
وفي أصحابنا من استدل على أن لفظة استمتعتم تنصرف إلى هذا النكاح المؤجل
دون المؤبد بأنه تعالى سمي العوض عليه أجرا ولم يسم العوض على النكاح المؤبد بهذا
الاسم في القرآن كله بل سماه نحلا وصداقا وفرضا، وهذا غير معتمد لأنه تعالى قد سمي
العوض عن النكاح المؤبد في غير هذا الموضع بالأجر في قوله تعالى: ولا جناح عليكم أن
تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن، وفي قوله تعالى: فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن
فإن قيل: كيف يصح حمل لفظة استمتعتم على النكاح المخصوص وقد أباح الله
تعالى بقوله: وأحل لكم ما وراء ذلكم، النكاح المؤبد بلا خلاف فمن خصص ذلك
بعقد المتعة خارج عن الاجماع.
قلنا: قوله تعالى بعد ذكر المحرمات من النساء: وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا
بأموالكم محصنين غير مسافحين يبيح العقد على النساء والتوصل بالمال إلى استباحتهن،
ويعم ذلك العقد المؤبد والمؤجل ثم خص العقد المؤجل بالذكر، فقال: (فما استمتعتم به
منهن)، والمعنى فمن نكحتموهن منهن نكاح المتعة (فأتوهن أجورهن فريضة ولا جناح
عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة)، لأن الزيادة في الأجر والأجل لا يليق إلا بالعقد
المؤجل.
فإن قيل الآية مجملة لقوله تعالى: (محصنين غير مسافحين)، ولفظة الإحصان تقع
على أشياء مختلفة من العفة والتزويج وغير ذلك.
قلنا: الأولى أن تكون لفظة محصنين محمولة على العفة والتنزه عن الزنى لأنه في مقابلة
قوله تعالى: غير مسافحين، والسفاح الزنى بغير شبهة، ولو حملت اللفظة على الأمرين من
العفة والإحصان الذي يتعلق به الرجم لم يكن بعيدا.
فإن قيل: كيف نحمل لفظة الإحصان في الآية على ما يقتضي الرجم وعندكم أن المتعة
لا تحصن.
55

قلنا: قد ذهب بعض أصحابنا إلى أنها تحصن وبعد فإذا كانت لفظة محصنين تليق
بالنكاح المؤبد رددنا ذلك إليه، كما إنا رددنا لفظة الاستمتاع إلى النكاح المؤجل لما كانت
تليق به، فكأنه تعالى أحل النكاح على الإطلاق وابتغاءه بالأموال ثم فصل منه المؤبد بذكر
الإحصان والمؤجل بذكر الاستمتاع.
وقد استدل المخالفون في حظر المتعة بقوله تعالى: والذين هم لفروجهم حافظون إلا
على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم
العادون، قالوا: والمنكوحة متعة ليست بزوجة من وجوه، لأنها لا ترث ولا تورث، والله تعالى
يقول: ولكم نصف ما ترك أزواجكم (ولهن الربع مما تركتم.)
وأيضا لو كانت زوجة لوجب أن تعتد عند وفاة المستمتع بها أربعة أشهر وعشرا لقوله
تعالى: والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا.
وأيضا لو كانت زوجة لبانت بالطلاق بظاهر الكتاب، وأيضا لو كانت زوجة للحقها
الإيلاء واللعان والظهار وللحق بها الولد. وأيضا لو كانت زوجة لوجب لها السكنى والنفقة
وأجرة الرضاع وأنتم تذهبون إلى خلاف ذلك، وأيضا لو كانت زوجة لأحلت المطلقة ثلاثا
للزوج الأول بظاهر قوله تعالى: فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره.
فيقال لهم في ما تعلقوا به أولا: ليس فقد الميراث علامة على فقد الزوجية لأن الزوجة
الذمية والأمة والقاتلة لا يرثن ولا يورثن وهن زوجات على أن من مذهبنا أن الميراث قد
يثبت في المتعة إذا لم يحصل شرط في أصل العقد بانتفائه، ونستثني المتمتع بها مع شرط نفي
الميراث من ظواهر آيات الميراث كما استثنيتم الذمية والقاتلة فأما ما ذكروه ثانيا: فهم
يخصون الآية التي تلوها في عدة المتوفى عنها زوجها لأن الأمة عندهم زوجة وعدتها شهران
وخمسة أيام، وإذا جاز تخصيص ذلك بالدليل خصصنا المتمتع بها بمثله.
وأما ما ذكروه ثالثا فالجواب عنه: إن في الزوجات من تبين بغير طلاق كالملاعنة
والمرتدة والأمة المبيعة والمالكة لزوجها وظواهر الكتاب غير موجبة لأن كل زوجة يقع بها
طلاق فإنما يتضمن ذكر أحكام الطلاق إذا وقع مثل قوله تعالى: يا أيها النبي إذا طلقتم
النساء فطلقوهن. لعدتهن، وقوله تعالى: وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن.
56

فإن قالوا: الزوجية تقتضي جواز لحوق الطلاق بالزوجة، ومن ذكرتم من البائنات
بغير طلاق، قد كان يجوز أن يلحقهن حكم الطلاق.
قلنا: الطلاق إنما يحتاج إليه في النكاح المؤبد لأنه غير مؤقت، والنكاح الموقت لا يفتقر
إلى الطلاق لأنه ينقطع حكمه بمضي الوقت.
فإذا قيل: وإن لم يفتقر الموقت إلى الطلاق في وقوع الفرقة ألا جاز أن تطلق قبل
انقضاء الأجل المضروب فيؤثر ذلك فيما بقي من مدة الأجل؟
قلنا: قد منعت الشريعة من ذلك لأن كل من أجاز النكاح الموقت وذهب إلى الاستباحة
به يمنع من أن يقع فرقة قبله بطلاق، فالقول بالأمرين خلاف الاجماع.
والذي ذكروه رابعا جوابه: إن الولد يلحق بعقد المتعة ومن ظن خلاف ذلك علينا فقد
أساء بنا الظن، والظهار أيضا يقع بالمتمتع بها، وكذلك اللعان على أنهم لا يذهبون إلى
وقوع اللعان بكل زوجة لأن أبا حنيفة يشرط في اللعان أن يكون الزوجان جميعا غير كافرين
ولا عبدين، وعنده أيضا أن الأخرس لا يصح قذفه ولا لعانه.
وعند أبي حنيفة أيضا أن ظهار الذمي لا يصح على أنه ليس في ظواهر القرآن ما
يقتضي لحوق الظهار واللعان بكل زوجة، وكذلك الإيلاء، وإنما في الآيات الواردات بهذه
الأحكام بيان حكم من ظاهر أو لاعن أو إلى فلا تعلق للمخالف بذلك.
وأما الإيلاء فإنما لم يلحق المتمتع بها لأن أجل المتعة ربما كان دون أربعة أشهر وهو الأجل
المضروب في الإيلاء.
فأما أجل المتعة إن كان زائدا على ذلك فإنما لم يدخل هذا العقد الإيلاء لأن الله تعالى قال:
فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم. وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم، فعلق حكم من لم
يراجع بالطلاق ولا طلاق في المتعة ولا إيلاء يصح فيها، وهذا الوجه الأخير يبطل دخول
الإيلاء في نكاح المتعة طالت مدتها أو قصرت.
والجواب عما ذكروه خامسا: إن الشيعة تذهب إلى أنه لا سكنى للمتمتع بها بعد انقضاء الأجل،
ولا نفقة لها في حال حملها، ولها أجرة الرضاع إن لم يشرط عليها في ابتداء العقد رضاع الولد
والكفالة به، ويخصصون قوله تعالى: أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن
57

لتضيقوا عليهن وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن. كما
خصصت الجماعة ذلك في من خلع زوجته على أن تنفق على نفسها في أحوال حملها،
وتتكفل بولدها، واتفقا على ذلك.
والجواب عما ذكروه سادسا: أن المعول عليه والأظهر من المذهب أن المتمتع بها لا تحلل
المطلقة ثلاثا للزوج الأول، لأنها تحتاج أن تدخل في مثل ما خرجت منه ونخصص بالدليل
قوله تعالى: فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره، كما خصصنا كلنا هذه الآية،
وأخرجنا منها من عقد ولم يقع منه وطء للمرأة، وأخرجنا أيضا منها الغلام الذي لم يبلغ
الحلم وإن وطئ، ومن جامع دون الفرج فتخصيص هذه الآية مجمع عليه.
مسألة:
ومما انفردت الإمامية به: إباحتهم أن يتزوج الرجل المرأة على عمتها وخالتها بعد أن
يستأذنهما وترضيا به، ويجوزون أن يتزوج بالعمة وعنده بنت أخيها وإن لم ترض بنت الأخ،
وكذلك يجوز عندهم أن يعقدوا على الخالة وعنده بنت أختها من غير رضي بنت الأخت،
وحكى عن الخوارج إباحة تزويج المرأة على عمتها وعلى خالتها.
والحجة بعد الاجماع المتقدم قوله تعالى: وأحل لكم ما وراء ذلكم، وكل ظاهر في القرآن
يبيح العقد على النساء بالإطلاق، فإن احتجوا بما يروى عنه ع من قوله: لا تنكح
المرأة على عمتها وخالتها، فالجواب أنه خبر واحد وتحمله على الحظر إذا لم يكن منهما رضي
وهو معارض بأخبار كثيرة في الإباحة مع الاستئذان والرضى.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية: حظر نكاح الكتابيات، وباقي الفقهاء يجيزون ذلك.
دليلنا بعد الاجماع المتقدم قوله تعالى: ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن، ولا شبهة في
أن النصرانية مشركة، وقوله تعالى: ولا تمسكوا بعصم الكوافر، وبين الزوجين عصمة
لا محالة، وقوله تعالى: لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون،
والظاهر من ذلك نفي التساوي في سائر الأحكام التي من جملتها المناكحة، فإن عارضوا
بقوله تعالى: والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم،
58

فالجواب إنا نشرط في ذلك الاسلام بالأدلة المتقدمة.
فإذا قيل: لا معنى لذلك وقد أغنى عنه قوله تعالى: والمحصنات من المؤمنات، قلنا:
يجوز قبل ورود هذا أن يفرق الشرع بين المؤمنة التي لم تكن قط كافرة و بين من كانت كافرة
ثم آمنت، ففي بيان ذلك والجمع بين الأمرين في الإباحة فائدة.
فإن قيل: إذا شرطتم في آية الإباحة ما ليس في الظاهر وصارت مجازا فأي فرق بينكم في
ذلك وبيننا إذا عدلنا عن ظواهر الآيات التي احتججتم بها، وخصصناها بالكافرات
المرتدات والحربيات.
قلنا: الفرق بيننا وبينكم أنكم تعدلون عن ظواهر آيات كثيرة، ونحن نعدل عن ظاهر
آية واحدة، فمذهبنا أولى.
مسألة:
ومما شنع به على الإمامية: تجويزهم إعارة الفروج، وأن الفرج يستباح بلفظ العارية.
وتحقيق هذه المسألة إنا ما وجدنا فقيها منهم أفتى بذلك ولا أودعه مصنفا له ولا كتابا، وإنما
توجد في أحاديثهم أخبار نادرة تتضمن إعارة الفروج في المماليك.
وقد يجوز إذا صحت تلك الأخبار وسلمت من القدوح والتضعيف أن يكون عبر بلفظ
العارية عن النكاح، لأن في النكاح معنى العارية من حيث كانت إباحة للمنافع مع بقاء العين
على ملك مالكها، ونكاح الأمة يجري هذا المجرى، لأن الرجل إذا أنكح أمته غيره فإنما
أباحه الانتفاع بها مع بقاء ملك الجارية عليه.
فإن قيل: أ فتجوزون استباحة الفرج بلفظ العارية؟
قلنا: ليس في الأخبار التي أشرنا إليها أن لفظة العارية من الألفاظ التي ينعقد بها النكاح،
وإنما تضمنت أنه يجوز للرجل أن يعير فرج مملوكته لغيره فيحمل لفظ العارية هاهنا على أن
المراد بها النكاح من حيث الاشتراك في المعنى، كما قال يجوز للرجل أن يبيح مملوكته لغيره
على معنى أنه يعقد عليها عقد النكاح الذي فيه معنى الإباحة، ولا يقتضي ذلك أن النكاح
ينعقد بلفظ الإباحة على أن أبا حنيفة وأصحابه لا يجب أن يشنعوا بذلك وهم يجيزون أن
ينعقد النكاح بلفظ الهبة والبيع، فليس الشناعة في العدول عن زوجيني نفسك إلى بيعيني
59

نفسك أو هبي لي نفسك بأدون في الشناعة من أعيريني نفسك.
مسألة:
ومما ظن انفراد الإمامية به وشنع عليهم لأجله القول: بأن الشهادة ليس بشرط في
النكاح، وقد وافق داود في ذلك. وقال مالك: إذا لم يتواصوا بالكتمان صح النكاح وإن لم
يحضروا الشهود، وباقي الفقهاء جعلوا الشهادة في النكاح شرطا.
والحجة لقولنا إجماع الطائفة المحقة، وأيضا فإن الله تعالى أمر بالنكاح في مواضع
كثيرة من الكتاب ولم يشرط بالشهادة ولو كانت شرطا لذكرت، على أن أبا حنيفة عنده أن
كل زيادة في القرآن توجب النسخ، فلو زاد الشهادة لكان ذلك نسخا للكتاب، والكتاب
لا ينسخ بأخبار الآحاد.
ومما يمكن أن يعارض المخالف به ما رووه عن النبي ص من قوله: إن
النساء عندكم عوار أخذتموهن بأمانة الله تعالى، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، وليس
هاهنا كلام يستباح به فرج المرأة غير قول المزوج: قد زوجت، وقول المتزوج: قد تزوجت،
وظاهر هذا الكلام يقتضي أن الاستباحة حصلت بهذا الكلام بلا شرط زائد من شهادة
ولا غيرها.
فإن قيل: إنما أراد بكلمة الله قوله تعالى: وأنكحوا الأيامى منكم، وما جرى مجراه من
الألفاظ المبيحة للعقد على النساء.
قلنا: تحليل الفرج لم يحصل بهذا القول، ولو كان حاصلا به لاستغنى عن العقد و
الإيجاب والقبول في الإباحة، وإنما آيات القرآن استفيد فيها الإذن فيما يقع به التحليل.
والإباحة وهو العقد والإيجاب والقبول.
فإن احتجوا بما يروونه عن النبي ص من قوله: لا نكاح إلا بولي
وشاهدي عدل.
فالجواب عنه أن هذا خبر واحد وهو مع ذلك مطعون في طريقه، والزهري قد أنكره
ومداره عليه وفي تضعيفه وجوه كثيرة لا نطول بذكرها، ومع ذلك فإن النفي داخل في اللفظ
على النكاح، والمراد حكمه وليس هم بأن يحملوه على نفي الصحة والإجزاء بأولى منا إذا
60

حملناه على نفي الفضل والكمال، وأجريناه مجرى قوله ع: لا صلاة لجار المسجد
إلا في المسجد، ولا صدقة وذو رحم محتاج.
مسألة:
ومما يقدر من لا اختيار له انفراد الإمامية به - وما انفردوا - جواز عقد المرأة التي تملك
أمرها على نفسها بغير ولي. وهذه المسألة يوافق فيها أبو حنيفة ويقول: إن المرأة إذا عقلت
وكملت زالت عن الأب الولاية عليها في بضعها، ولها أن تزوج نفسها، وليس لوليها الاعتراض
عليها إلا إذا وضعت نفسها في غير كف ء.
وقال أبو يوسف ومحمد: يفتقر النكاح إلى الولي لكنه ليس بشرط فيه، فإذا زوجت
المرأة نفسها فعلى الولي إجازة ذلك.
وقال مالك: المرأة المقبحة الدميمة لا يفتقر نكاحها إلى الولي، ومن كان بخلاف هذه
الصفة افتقر إلى الولي.
وقال داود: إن كانت بكرا افتقر نكاحها إلى الولي وإن كانت ثيبا لم يفتقر.
دليلنا على ما ذهبنا إليه إجماع الطائفة، قوله تعالى: فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا
غيره، فأضاف عقد النكاح إليها والظاهر أنها تتولاه، وأيضا قوله تعالى: فإن طلقها فلا
جناح عليهما أن يتراجعا، فأضاف تعالى التراجع وهو عقد مستقبل إليهما، والظاهر أنهما
يتوليانه.
وأيضا قوله تعالى: فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف،
فأباح فعلها في نفسها من غير اشتراط الولي، ولا يجوز للمخالف أن يحمل اشتراط
المعروف على تزويج الولي لها، وذلك أنه تعالى إنما رفع الجناح عنها في فعلها بنفسها
بالمعروف، وعقد الولي عليها لا يكون فعلا منها في نفسها.
وأيضا فقوله تعالى: فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف،
فأضاف العقد إليهن، ونهي الأولياء عن معارضتهن، والظاهر أنهن يتولينه.
ويمكن أن يعارض المخالف أيضا بما يروونه عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله
عليه وآله قال: ليس للولي مع الثيب أمر.
61

وأيضا ما رواه ابن عباس عنه ع أنه قال: الأيم أحق بنفسها من وليها،
فمن يخالفنا في هذه المسألة يدعي أن وليها أحق بها من نفسها.
وأيضا ما روي من أن النبي ص خطب إلى أم سلمة رحمة الله عليها
فقالت: ليس أحد من أوليائي حاضرا، فقال: ليس أحد من أوليائك حاضرا وغائبا إلا
ويرضى بي، ثم قال لعمر بن أبي سلمة وكان صغيرا: قم فزوجها، فتزوج النبي صلى الله
عليه وآله بغير ولي.
فإن احتج المخالف بما روي عنه ع من قوله: أيما امرأة نكحت بغير إذن
وليها فنكاحها باطل.
فالجواب عنه: إن هذا الخبر مطعون عليه مقدوح فيه بما هو مذكور في الكتب، ويمكن
حمله إذا كان صحيحا على الأمة إذا تزوجت بغير إذن مولاها، فإن لفظة الولي والمولى بمعنى
واحد في اللغة، وقد ورد في بعض الروايات في هذا الخبر: أيما امرأة نكحت بغير إذن
مواليها.
فإن قيل: في الخبر ما يمنع من حمله على الأمة وهو: فإن دخل بها فلها مهر مثلها بما
استحل من فرجها، والمهر لا يكون للأمة بل للمولى.
قلنا: يجوز أن يضاف إليها وإن كانت لا تملك للعلقة التي بينه وبينها، وإن كان ملكا
للمولى، كما قال ع: من باع عبدا وله مال، فأضاف المال إلى العبد وإن كان
للمولى، وليس لهم أن يحتجوا بما روي من أنه لا نكاح إلا بولي، لأن المرأة إذا زوجت نفسها
فذلك نكاح بولي، لأن الولي هو الذي يملك الولاية للعقد، ومن ادعى أن لفظة ولي لا تقع
إلا على ذكر متعد لأنها على الذكر والأنثى فيقال رجل ولي وامرأة ولي كما يقال فيهما
وصي.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية: أن لولاية الجد من قبل الأب على الصغيرة رجحانا على
ولاية الأب عليها، وإذا حضر أب وجد فاختار كل واحد منهما رجلا لنكاحها كان اختيار الجد
المقدم على اختيار الأب، وإن سبق الأب إلى العقد لم يكن للجد اعتراض عليه، وخالف
62

باقي الفقهاء في ذلك.
والحجة لنا فيه إجماع الطائفة، ويمكن أن يكون الوجه في ذلك أن الجد قد كانت له
ولاية على الأب لما كان صغيرا، ولم يكن للأب ولاية على الجد قط.
مسألة:
ومما ظن انفراد الإمامية به - ولم ينفردوا وله تحقيق نحن نوضحه - أن الرجل إذا تزوج
امرأة على صداق تقرر بينهما، ثم قدم منه إليها شيئا ودخل بها فإنه لا شئ للمرأة سوى ما
قبضته، وليس لها أن تطالب بزيادة عليه. وهذا توهم علينا لأن المهر المتقرر الذي ينعقد به
النكاح بينهما متى دخل بها فقد وجب كاملا، وإذا كانت قد قبضت بعضه فلها أن تطالب
بالباقي إلا أنه ليس لها أن تمنع نفسها حتى توفى المهر، وإن كان ذلك لها قبل الدخول.
والأخبار الواردة في كتب أصحابنا التي أو همت ما قدمنا ذكره محمولة على أحد أمرين،
أحدهما ما ذكرناه من أنه لا شئ بقي لها يجوز أن تمنع نفسها حتى تستوفيه.
والأمر الآخر أن تكون امرأة ما قررت لنفسها مع زوجها مهرا ودفع الزوج إليها شيئا
فرضيت به، ومكنته من الدخول بها فلا شئ لها بعد ذلك لأنها لو لم ترض بما قبضت لما
مكنت من الدخول بها فهذا الوجه في المسألة.
مسألة:
ومما يظن انفراد الإمامية به قبل الاختبار القول: بأنه ليس للأب أن يزوج بنته الباكرة
البالغة إلا بإذنها. وأبو حنيفة يوافق في ذلك، وقال مالك والشافعي: للأب أن يزوجها بغير
إذنها. وقال الليث بن سعد: لا يزوجها بغير رضاها إلا الأب وحده دون الجد وغيره. وقال
الشافعي: ويزوجها الجد أيضا بغير إذنها، دليلنا الاجماع المتردد.
ومما يجوز أن يعارض المخالفون به ما يروونه عن النبي ص قوله: لا تنكح
اليتيمة إلا بإذنها فإن سكتت فهو إذنها وإن أبت فلا إجبار عليها، والمراد باليتيمة هاهنا
البكر البالغة لوقوع الاتفاق على أن السكوت لا يكون إذنا من غيرها، والصغيرة لا
اعتبار بإذنها.
فإن قيل: المراد باليتيمة في الخبر التي لا أب لها فيزوجها غير الأب،
63

قلنا: لا تسمى الكبيرة يتيمة من حيث فقدت أباها لقوله ع: لا يتم بعد
احتلام وإنما تسمى يتيمة لانفرادها عن الأزواج.
قال الشاعر:
إن القبور تنكح الأيامى * النسوة الأرامل اليتامى
فسماهن يتامى بعد البلوغ لانفرادهن عن الأزواج، وبعد فإذا كانت اليتيمة من لا أب
لها فينبغي أن لا يزوج من لا أب لها جدها بلا إذنها بموجب الخبر، وقد أجاز الشافعي
تزويج الجد لها بغير إذنها، وإذا منع الخبر من ذلك في الجد منع في الأب، لأن أحدا من الأمة لم
يفصل بين الأمرين. وأيضا ما رووه عنه ع من قوله: الأيم أحق بنفسها من وليها.
والبكر تستأمر في نفسها وإذنها صماتها.
مسألة:
ومما ظن انفراد الإمامية به ولها فيه موافق القول: بأنه لا حد لأقل الصداق وأنه يجوز
بالقليل والكثير. والشافعي يقول بذلك، وقال مالك وأبو حنيفة: أقل الصداق ما يقطع فيه
اليد، والذي تقطع فيه اليد عند مالك ثلاثة دراهم، وعند أبي حنيفة عشرة دراهم فإن
أصدقها أقل من عشرة دراهم كمل لها عشرة عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وعند زفر يسقط
المسمى ويجب لها مهر المثل.
وقال النخعي: أقل الصداق أربعون درهما. وقال سعيد بن جبير: خمسون درهما.
دليلنا بعد إجماع الطائفة قوله تعالى: وآتوا النساء صدقاتهن، وقوله في موضع آخر:
فأتوهن أجورهن، والقليل يقع عليه الاسم كالكثير فيجب إجزاؤه.
ومما يعارضون به ما يروونه عنه ع: من استحل بدرهمين فقد استحل وقوله:
لا جناح على امرئ أصدق امرأة صداقا قليلا كان أم كثيرا.
مسألة:
ومما يجري مجرى المسألة المتقدمة قول الإمامية أنه يجوز أن يكون المهر تعليم شئ من
القرآن، والشافعي يوافق في ذلك، وباقي الفقهاء يخالفون فيه والحجة إجماع الطائفة.
وأيضا فقد بينا أن الصداق يجوز أن يكون قليل المنفعة وكثيرها، والتعليم له قيمة فهو
64

نفع وإن قل، ويعارضون بما يروونه من أن امرأة جاءت إلى النبي ص فوهبت
نفسها له، فقال ع: ما لي في النساء من حاجة، فقال رجل من أصحابه: زوجنيها
يا رسول الله، فقال أ معك شئ؟ فقال: لا، إلى أن قال: أ معك شئ من القرآن؟ فقال:
نعم، فقال ع: زوجتكها بما معك من القرآن، والمعنى لتعلمها شيئا مما معك من
القرآن.
فإن قيل: أراد زوجتك لفضيلتك بما معك من القرآن، قلنا يبطل ذلك من وجهين،
أحدهما أنه لم يطلب في الحال الشرف والفضل وإنما طلب ما يكون مهرا، وكلامه عليه
السلام لا يليق إلا بالمهر، والآخر أنه قال: زوجتك بما معك من القرآن، وهذه الباء تقتضي
البدل والعوض، ولو أراد الفضيلة لقال لما معك من القرآن.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية: أنه لا يتجاوز بالمهر خمسمائة درهم جيادا قيمتها خمسون دينارا
فما زاد على ذلك رد إلى هذه السنة، وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك.
والحجة بعد إجماع الطائفة أن قولنا مهر يتبعه أحكام شرعية وقد أجمعنا على أن
الأحكام الشرعية تتبع ما قلنا به إذا وقع العقد عليه، وما زاد عليه لا إجماع على أن يكون
مهرا، ولا دليل شرعيا فيجب نفي الزيادة.
مسألة:
ومما انفردت الإمامية به القول: بأن للرجل أن يجمع بين أكثر من أربع في عقد المتعة
وأنه لا حد في ذلك، وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك.
والحجة فيه إجماع الطائفة ونبني ذلك على القول بإباحة المتعة فنقول: كل من أباح نكاح
المتعة يجوز الجمع بين أكثر من أربع في هذا النكاح فالتفرقة بين المسألتين خلاف إجماع
المسلمين.
ويمكن أن يكون الوجه فيه أن نكاح الدوام يلزمه فيه السكنى والنفقة ويشق التزام ذلك
فيما لا حصر له من العدد، فحصر بعدد مخصوص ولا نفقة ولا سكنى للمتمتع بها فجاز أن لا
ينحصر عدد من يجمع في هذا العقد.
65

مسألة:
ومما يشنع به على الإمامية ونسبت إلى التفرد به وقد وافق فيه غيرها القول بإباحة وطء
النساء في غير فروجهن المعتادة للوطء، وأكثر الفقهاء يحظرون ذلك.
وحكى الطحاوي في كتاب الاختلاف عن مالك أنه قال: ما أدركت أحدا أقتدي به في
ديني يشك في أن وطء المرأة في دبرها حلال، ثم قرأ: (نساؤكم حرث لكم) الآية.
وقال الطحاوي في كتابه هذا: حكى لنا محمد بن عبد الله بن الحكم أنه سمع الشافعي
يقول ما صح عن النبي ع في تحريمه ولا تحليلة شئ، والقياس أنه حلال.
والحجة في إباحة ذلك إجماع الطائفة، وأيضا قوله تعالى: نساؤكم حرث لكم فأتوا
حرثكم أنى شئتم ومعنى أنى شئتم كيف شئتم، وفي أي موضع شئتم وآثرتم ولا يجوز حمل
لفظة أنى هاهنا على الوقت لأن لفظة أنى تختص الأماكن وقلما تستعمل في الأوقات، واللفظة
المختصة بالوقت أيان شئتم، ولا فرق بين قولهم الق زبدا أنى كان وأين كان في عموم
الأماكن على أنا لو سلمنا أن الوقت مراد بهذه اللفظة حملناها على الأمرين معا من الأوقات
والأماكن.
فأما من ادعى أن المراد بذلك إباحة وطء المرأة من جهة دبرها في قبلها بخلاف ما
تكرهه اليهود من ذلك فهو تخصيص لظاهر الكلام بغير دليل، والظاهر فأما الطعن
على هذه الدلالة بأن الحرث لا يكون إلا بحيث النسل وقد سمى الله تعالى النساء حرثا
فيجب أن يكون الوطء حيث يكون النسل فليس بشئ لأن النساء وإن كن لنا حرثا فقد
أبيح لنا وطؤهن بلا خلاف في غير موضع الحرث كالوطء دون الفرج وما أشبهه، ولو كان ذكر
الحرث يقتضي ما ذكروه لتنافي أن يقول لنا: نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم، من
قبل أو دبر، وقد علمنا أن ذلك صحيح غير متناف، ولا يمكن الاستدلال على إباحة
ما ذكرناه بما تعلق به قوم فيها من قوله تعالى: أ تأتون الذكران من العالمين وتذرون ما خلق
لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون، وقالوا: لا يجوز أن يدعو إلى التعوض عن
الذكران بالأزواج إلا وقد أباح منهن الوطء مثل ما يلتمس من الذكران
66

وكذلك قالوا في قوله تعالى: هؤلاء بناتي هن أطهر لكم، وإن القول يقتضي أن في
بناته المعنى المطلوب من الذكران، وذلك أنه لا حجة في هذا الضرب من الكلام لأنه غير ممتنع
أن يذمهم بإتيان الذكران من حيث لهم عنه عوض بوطئ النساء وإن كان في الفروج
المعهودة لاشتراك الأمرين في الاستمتاع واللذة، وقد يغني الشئ عن غيره وإن لم يشاركه
في جميع صفاته إذا اشتركا في الأمر المقصود، ولو صرح بما قلناه حتى يقول: أ تأتون الذكران
من العالمين وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم، من الوطء في القبل لكان صحيحا لأنه
عوض ومغن عما يلتمس من الذكران.
67

المسائل الناصريات
للسيد الشريف المرتضى علم الهدي أبي القاسم
علي بن الحسين الموسوي
355 - 436 ه‍ ق
69

كتاب النكاح
المسألة الثامنة والأربعون والمائة:
أم المرأة لا تحرم لمجرد العقد. عندنا أن أمهات النساء يحرمن بالعقد على بناتهن
بمجرد العقد من غير اعتبار بالدخول ووافقنا على ذلك جميع فقهاء الأمصار وروي خلاف
في هذه المسألة عن مجاهد وابن الزبير أنهما قالا لا يحرمن إلا بعد الدخول دليلنا الاجماع
المتقدم ذكره وأيضا ما رواه عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي قال: من تزوج امرأة ثم
طلقها قبل أن يدخل بها حرمت عليه أمها ولم تحرم عليه بنتها فإن تعلقوا بقوله تعالى
حرمت عليكم أمهاتكم إلى قوله [وأمهات نساءكم ربائبكم اللاتي في حجوركم من
نسائكم] اللاتي دخلتم بهن فشرط في تحريم أمهات النساء والربائب الدخول فالجواب عنه
أن رجوع الشرط إلى الأمرين يحتاج إلى دليل ولا دليل عليه ولا خلاف في رجوعه إلى
الربائب وقد روي عن ابن عباس أنه قال في تفسير هذه الآية أبهموا ما أبهم الله وروي أيضا
أنه قال تحريم أمهات النساء مبهم فإما أن يكون قاله تفسيرا أو توقيفا فإن قال توفيقا
فالمصير إليه واجب وإن قاله تفسيرا من قبل نفسه فلم يخالفه المخالف.
71

المسألة التاسعة والأربعون والمائة:
الزنى لا يوجب تحريم المصاهرة. الذي يذهب إليه أصحابنا أنه من زنا بامرأة جاز
له أن يتزوج بأمها وابنتها سواء كان الزنى قبل العقد أو بعده وهو مذهب الشافعي والزهري
والليث ومالك وربيعة وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا زنا بامرأة حرمت عليه أمها وبنتها وهو
قول الثوري والأوزاعي دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه بعد الاجماع المتردد ما روي عنه من
قوله: لا يحرم الحرام الحلال وفي خبر لا يفسد الحرام الحلال وإذا فجر [رجل] بامرأة فلا عليه
أن ينكح أمها وبنتها وهذا نص في موضع الخلاف فإن قيل في الخبر الأول لا يحرم الحرام
الحلال أنتم تذهبون إلى خلاف ذلك وتقولون إن من يلوط بغلام فأوقبه لم تحله له أمه
ولا أخته ولا بنته أبدا قلنا ظاهر الخبر يدخل فيه ما عارضتم به وإنما أخرجنا منه المتلوط
بدليل ولا دليل على ما اختلفنا فيه يوجب تخصيص للظاهر.
المسألة الخمسون والمائة:
الشهادة معتبرة في صحة النكاح في أحد القولين وكذلك الولي وفي الرواية الأخرى
هما مستحبان الذي يذهب إليه أصحابنا أن الشهادة ليست بشرط في صحة النكاح وينعقد
النكاح من دونها وإن كانت الشهادة أفضل وأولى، وقد حكى عن بعض الصحابة
الموافقة لنا في أن الشهادة ليست بشرط في النكاح وإلى ذلك ذهب داود فأما الولاية فعندنا
أن المرأة العاقلة البالغة تزول عنها الولاية في بضعها ولها أن تزوج نفسها وأن توكل من
يزوجها وقال أبو حنيفة والشافعي وسائر الفقهاء سوى مالك أن الشهادة شرط في النكاح
وقال مالك من شرط النكاح ألا يتواصوا بالكتمان فإن تواصوا بذلك لم يصح وإن حضره
الشهود فإن لم يتواصوا به صح وإن لم تحضر الشهود وقال أبو حنيفة إذا زوجت المرأة العاقلة
نفسها بغير إذن وليها جاز النكاح فإن كان الزوج كفؤا لها لم يكن للولي أن يعترض عليها وإن لم يكن
كذلك فله أن يفرق بينهما وقال أبو يوسف ومحمد يقف النكاح على إجازة وليها فإن أجاز
جاز وإن لم يجزه وكان كفؤا لها أجاز الحاكم وقال الشافعي: لا ينعقد النكاح إلا بولي ذكر
على أي صفة كانت المنكوحة دليلنا على أن الشهادة ليست بشرط في النكاح بعد الاجماع
72

المتردد أن الأصل ألا شرط لأن الشرط شرع وحكم زائد فمن ادعاه كان عليه الدليل
وأيضا قوله تعالى فانكحوا ما طاب لكم من النساء وقوله تعالى وأنكحوا الأيامى منكم ولم
يشرط الشهادة فمن ادعى أنها مشروطة فقد خالف الظن وعليه الدليل فإن تعلقوا
بما روي عنه من قوله ع لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل والجواب عنه أن النفي
محذوف في الكلام وليس لهم بأن يضمروا في أن النفي وقع على الاجزاء بأولى منا إذا أضمرنا أنه
وقع على الفضل ويجري مجرى قوله ع لا صدقة وذو رحم محتاج وقوله لا صلاة
لجار المسجد إلا في المسجد فأما الدليل على أن المرأة العاقلة لها أن تزوج نفسها بعد
الاجماع المتقدم قوله تعالى فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فأضاف عقد النكاح
إليها فدل على أن لها أن تتولاه وأيضا قوله تعالى فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا
فأضاف التراجع وهو عقد مستقبل إليهما وأيضا قوله تعالى فإذا بلغن أجلهن فلا جناح
عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف فأباح فعلها ما في نفسها من غير شرط الولي فإن قيل
في الآية اشتراط المعروف فدلوا على أن المرأة إذا زوجت نفسها قد فعلت معروفا ولم تأت
منكرا فإن مخالفكم يقول إن تزويج الولي لها هو المعروف المراد قلنا لا يجوز أن يكون المراد
باشتراط المعروف عقد الولي عليها لا عقد نفسها لا يكون فعالا منها في نفسها والله تعالى
أباح ذلك لها أن تفعله بنفسها ولا يجوز أن يراد به عقد الولي عليها وأيضا قوله تعالى
فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف فأضاف العقد إليهن ونهي
الأولياء عن منعهن من ذلك وأيضا ما رواه ابن عباس عنه ع أنه قال الأيم أحق
بنفسها من وليها ومخالفنا يزعم أن وليها أحق بها من نفسها وأيضا ما روي من أن النبي
عليه السلام خطب أم سلمة فقالت ليس أحد من أوليائي حاضرا فقال ع ليس
أحد من أوليائك حاضرا ولا غائب إلا ويرضى بي ثم قال لعمر بن أبي سلمه وكان صغيرا قم
فزوجها فقد تزوج النبي ع بغير ولي فإن احتج المخالف بما روي عنه عليه
السلام من قوله أيما امرأة أنكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فالجواب عنه أن هذا
خبر مطعون عليه مقدوح فيه بما هو معروف في الكتب وتأويله إذا كان صحيحا أن يحمل على
الأمة إذا تزوجت بغير إذن مولاها فإن الولي والمولى بمعنى واحد وقد روي في بعض الروايات
73

أيما امرأة نكحت بغير إذن مولاها فإن قيل في الخبر ما يمنع من حمله على الأمة وهو قوله فإن
دخل بها فلها مهر مثلها بما استحل من فرجها فالمهر لا يكون للأمة بل للمولى قلنا يجوز أن
يضاف إليها المعلقة التي بينه وبينها وإن كان ملكا للمولى كما قال ع من باع عبدا
وله مال فأضاف المال إلى العبد وإن كان للمولى فإن تعلقوا بما روي من أنه قال: لا نكاح
إلا بولي فعندنا أن المرأة إذا زوجت نفسها فذلك نكاح بولي لأن الولي هو الذي يملك الولاية
للعقد ومن يدعي أن لفظ الولي لا يقع إلا على الذكر مبطل لأنه يقع على الذكر والأنثى لأنه
يقال رجل ولي وامرأة ولي كما يقال وصى فيهما.
المسألة الحادية والخمسون والمائة:
وينعقد النكاح بشهادة رجل وامرأتين في إحدى الروايتين فأما الذي يذهب إليه
أصحابنا فهو أن النكاح لا يقتصر في صحته إلى الشهادة وإذا شهد النساء مفردات أو مع
رجل لم يخل ذلك بصحته لأنه لا يفتقر إلى الشهادة فوجود من ليست له صفة الشاهد
كعدمه غير أنا نقول إنه لا يقبل في النكاح شهادة النساء كما لا يقبل في الطلاق والحدود وقال
أبو حنيفة النكاح ينعقد بشهادة رجل وامرأتين وقال الشافعي لا ينعقد وإذا كان مذهبنا هو
ما تقدم من أن النكاح لا يفتقر إلى الشهادة وينعقد من دونها فلا معنى للكلام في الخلاف
الذي حكيناه بين أبي حنيفة وأنا بمعزل عنه.
المسألة الثانية والخمسون والمائة:
وينعقد النكاح بلفظ الهبة. عندنا أن النكاح لا ينعقد بلفظ الهبة وإنما ينعقد النكاح
المؤبد بأحد لفظين إما النكاح أو التزويج فأما نكاح المتعة فينعقد بما ينعقد به المؤبد من
الألفاظ وقوله أمتعيني نفسك وواجريني ووافقنا الشافعي على أن النكاح لا ينعقد
إلا باللفظين الذين ذكرناهما وقال أبو حنيفة: ينعقد النكاح بكل لفظ يقتضي التمليك
كالبيع والهبة والتمليك فأما ما لا يقتضي التمليك كالرهن والإباحة فلا ينعقد به وفي
الإجارة عنده روايتان أصحهما أنه لا ينعقد بها وقال مالك إن ذكر المهر مع هذه الألفاظ
74

انعقد وإن لم يذكره لم ينعقد، دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه الاجماع المتردد وأيضا قوله تعالى
يا أيها النبي أنا أحللنا لك أزواجك إلى قوله
وامرأة مؤمنة وهبت نفسها للنبي إن أراد أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين فجعل
النكاح بلفظ الهبة من جملة ما خص الله به نبيه ع فثبت أنه مخصوص بذلك وليس
لأحد أن يحمل قوله تعالى خالصة لك على أن المراد به سقوط المهر وذلك أن الكتابة بقوله
خالصة لك يجب رجوعه إلى مذكور متقدم والذي تقدم ذكره هو الموهوبة وقبول نكاحها
دون سقوط المهر فيجب عود الكناية إلى ما ذكرناه وليس لأحد أن يقول لفظ الهبة يقتضي
سقوط المهر فقوله وهبت نفسها يقتضي سقوط المهر وتعود الكناية إليه وذلك أن الكناية
يجب عودها إلى اللفظ دون المعنى على أنا نحمل الكناية على أنها عائدة إلى الأمرين
ولا تنافي بينهما وتقف مجمل الكناية على ما ذكرتم لا يفيد تخصيص النبي بما ليس لغيره لأن
غيره قد ينكح بلا مهر وهو العبد إذا زوجه سيده بأمته فإن المهر لا يجب هاهنا بالابتداء
والانتهاء وليس له أن يقول إن المراد: بخالصة لك، أنك إذا قبلت نكاحها صار خالصا
لك وذلك أن هذا التأويل يبطل أيضا الاختصاص لأن غير النبي إذا تزوج امرأة
خلصت له دون كل أحد وأيضا فإنه لا خلاف في أن النكاح ينعقد بما ذهبنا إليه من اللفظ
فمن ادعى أنه ينعقد بزائد على ذلك فقد ادعى شرعا يزيد على ما أجمعنا عليه فلزمه
الدلالة دوننا فإن تعلق المخالف بما روي من أن امرأة جاءت إلى النبي ع فقالت
يا رسول الله إني قد وهبت لك نفسي فقال ع: ما لي في النساء من حاجة فقام إليه
رجل فقال زوجنيها يا رسول الله فقال ملكتكها بما معك من القرآن وإذا ثبت جوازه بلفظ
التمليك يثبت بلفظ الهبة لأن أحدا لا يفصل بين الأمرين والجواب عن هذا الخبر بعينه ما روي
أنه ع قال له زوجتكها وقيل إن الراوي غلط في نقله ملكتكها فأقل ما في الباب
أن نتوقف مع الاشتباه فلا يكون في الخبر دليل لهم، فإن تعلقوا بأن النبي ع كان له
أن يعقد النكاح بلفظ الهبة لا محالة فيجب أن يجوز ذلك لغيره لقوله تعالى فاتبعوه وقوله تعالى
لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة فالجواب عن ذلك إذا أمرنا باتباعه في الأفعال
الواجبات والمندوبات دون المباحات والنكاح مباح جار مجرى الأكل والشرب اللذين لم
75

نؤمر باتباعه فيهما على أن ذلك لو كان عموما لأخرجنا غيره منه بالأدلة التي ذكرناها.
المسألة الثالثة والخمسون والمائة:
الكفاءة معتبرة في النكاح والكفوء في الدين وفي النسب روايتان الذي يذهب إليه
أصحابنا أن الكفاءة في الدين معتبرة لأنه لا خلاف بين الأمة في أنه لا يجوز أن يزوج المرأة
المسلمة المؤمنة بالكفار وأما الكفاءة في النسب فليست شرطا في النكاح ولم يختلف الفقهاء
في أن عدم الكفاءة لا يبطل النكاح إلا ما حكى عن ابن الماجشون فإنه ذهب إلى أنها شرط
في صحته وقال أبو حنيفة والشافعي إذا زوجت المرأة نفسها بغير كف ء لها كان لأوليائها أن
يفسخوا ذلك العقد لأنها أدخلت عليهم عارا ونقصا فإن رضي أحد الأولياء بذلك العقد
الذي هو مع غير كف ء ولم يرض الباقون لم تكن لباقي الأولياء أن يعترضوا على ذلك
ولا يفسخوه وقال أبو يوسف والشافعي للأولياء أن يفسخوه ويعترضوا فيه وشرائط
الكفاءة عند الشافعي ست التساوي في النسب والحرية والصناعة والسلامة من العيوب
والدين واليسار على أحد الوجهين وذهب أبو حنيفة إلى أن الشرائط أربع وأخرج
الصناعة واليسار وقال أبو يوسف هي خمس فزاد الصناعة والذي يحتاج إليه أن يدل
على أنه لا اعتبار بالنسب في الكفاءة وصحة العقد والذي يدل على ذلك الاجماع المتكرر
ذكره وأيضا ما روي من أنه ع أمر فاطمة بنت قيس أن تنكح أسامة بن زيد ولم يكن
كفؤا لها لأنه مولى وهي حرة عربية وأيضا ما روي من أن سلمان خطب إلى عمر بنته فأنعم له
بذلك وكان سلمان عجميا فدل على أن الكفاءة في النسب غير معتبرة وأيضا قوله تعالى
وأنكحوا الأيامى منكم، وكل ظاهر في القرآن يقتضي الأمر هو خال من الاشتراط في النسب فإن
قيل هو أيضا خال من اشتراط الدين قلنا إنما اشترطنا الدين بالدليل والإجماع
وإلا فالظاهر لا يقتضي اشتراطه.
المسألة الرابعة والخمسون والمائة:
ويقف النكاح على الفسخ والإجازة عندنا في أحد القولين ولا يقف في القول الآخر
هذا صحيح ويجوز أن يقف النكاح عندنا على الإجازة ووافقنا على ذلك أبو حنيفة وقال
الشافعي لا يصح النكاح الموقوف على الإجازة سواء كان موقوفا على إجازة الزوج أو الولي أو
المنكوحة وقال مالك
76

يجوز أن يقف العقد مدة يسيرة وإن تطاولت المدة بطل دليلنا على صحة ما ذهبنا الاجماع
المتردد وما رواه ابن عباس أن جارية بكرا أتت النبي فذكرت أباها زوجها وهي كارهة
فخيرها النبي ص وهذا يدل على أن النكاح يقف على الإجازة والفسخ
وأيضا ما روي في خبر آخر أن رجلا زوج ابنته وهي كارهة فجاءت إلى النبي فقالت زوجني
أبي ونعم الأب من ابن أخيه يريد أن يرفع بي خسيسته فجعل النبي أمرها إليها فقالت
أجزت ما صنع بي أبي وإنما أردت أن أعلم النساء أنه ليس إلى الآباء من أمر النساء شئ
وروي في بعض الأخبار أنه ع قال لها: أجيزي ما صنع أبوك. وأبوها ما صنع
إلا العقد فدل على أنه كان موقوفا على الإجازة فإن قيل لما زوجها أبوها غير كف ء لها كان
لها حق الفسخ وأراد بقوله أجيزي أي لا تفسخي قلنا إبطال حق الفسخ لا يكون إجازة
للعقد لأن العقد جائز مع بقاء حق الفسخ فإن تعلقوا بما روي عنه ع من قوله أيما
امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فقالوا: أنتم تقولون إن هذا العقد كان صحيحا
لا يبطل بل يقف على الإجازة فالجواب أن الولي إذا أجاز هذا العقد كان صحيحا ولم يعر
من إجازة الولي ولم يرد ع أن العقد إذا تعرى في حال وقوعه من إذن الولي كان
باطلا بل أراد تعريه من إذنه على كل حال والمرأة إذا عقدت على نفسها ثم أجاز الولي فهو
عقد بإذن الولي.
المسألة الخامسة والخمسون والمائة:
لا يجوز نكاح الصغار إلا بالآباء. عندنا أنه يجوز أن ينكح الصغار الآباء،
والأجداد من قبل الآباء فإن عقد عليهن غير من ذكرنا كان العقد موقوفا على رضاهن بعد
البلوغ وقال الشافعي الأب والجد يملكان الإجبار على النكاح ومن عداهما من الأقارب
لا يجوز وقال أبو حنيفة: يجوز للأخ وابن الأخ والعم وابن العم أن يزوجا الصغار ورووا عنه
أن كل من ورث بالتعصيب ملك الإجبار وفي رواية أخرى عنه: أن كل من ورث الإجبار
عصبة كان أو غير عصبة وقال ابن أبي ليلى وأحمد بن حنبل الأب يجبر دون الجد وقال
مالك: الأب يجبر دون البكر الكبيرة والصغيرة والجد يجبر الصغيرة دون الكبيرة، دليلنا
77

على صحة ما ذهبنا إليه بعد الاجماع المتقدم ما رواه عبد الله بن عمر قال زوجني خالي قدامة
بن مظعون بنت أخيه عثمان بن مظعون فأتى المغيرة بن شعبة أمها فأرغبها في المال
فمالت إليه فزهدت في فأتى قدامة النبي فقال يا رسول الله أنا عمها ووصي أبيها زوجتها
من عبد الله بن عمر وقد عرفت فضله وقرابته وما نقموا منه إلا أنه لا مال له فقال النبي
إنها يتيمة فإنها لا تنكح إلا بإذنها فموضع الاستدلال منه أن قدامة وهو عمها زوجها
فأبطل النبي نكاحها وعلل بأن اليتيمة لا تنكح إلا بإذنها فدل على أنه لا ولاية للعم على
بنت أخيه من طريق الإجبار فإن قيل كانت بالغة وقوله إنها يتيمة معناه أنها قريبة
العهد باليتم قلنا إن اليتيم اسم لغير البالغة شرعا ولغة وأما الشرع فقوله ع لا يتم بعد
الحلم وأما اللغة فإن أهلها لا يطلقون اسم اليتيم على البالغ الذي قد اكتهل أو قد شاب
ومعنى قوله إلا بإذنها أنها لا تنكح إلا بعد أن تبلغ فيكون لها إذن ولم يرد بذلك إثبات الإذن
في الحال.
المسألة السادسة والخمسون والمائة:
من تزوج امرأة وسمى لها مهرا ثم مات قبل أن يدخل بها فلها نصف ما سمى لها.
الذي يذهب إليه أصحابنا أن من سمى لامرأة مهرا ومات عنها قبل الدخول فلها جميع
المهر لأن الموت يجري مجرى الدخول في إيجابه كمال المهر وعلى إجماع جميع الفقهاء
بلا خلاف بينهم ومن خالف في ذلك فالحجة عليه تقدم الاجماع بخلافه.
المسألة السابعة والخمسون والمائة:
النكاح جائز وإن لم يذكر المهر ولا مهر لها إذا لم يسم لها مهرا. عندنا أن عدم ذكر المهر لا
يخل بالنكاح ومن تزوج امرأة ولم يسم لها مهرا فإن دخل بها فإن كان عليه مهر مثلها فإن طلقها
قبل أن يدخل بها ليس لها عليه مهر ولها [في النكاح] عليه متعة واتفق الفقهاء على جواز النكاح
بغير مهر يسمى إلا أن مالكا يقول: إنه إذا شرط إلا مهر لها فالنكاح فاسد فإن دخل بها صح
النكاح فلها المهر لمثلها ولا خلاف في أن المرأة إذا لم يسم لها مهرا ثم وقع الدخول بها فإن لها
78

مهر مثلها واختلف الفقهاء في وجوب المتعة في من طلقت ولم يسم لها مهرا فقال أبو حنيفة
وأصحابه: المتعة واجبة للتي طلقها قبل الدخول ولم يسم لها مهرا فإن دخل بها فإنه يمتعها
ولا يجبر عليها وهو قول الثوري والحسن بن حي وزعم الأوزاعي أن أحد الزوجين إذا كان
مملوكا لم تجب المتعة وإن طلقها قبل الدخول ولم يسم لها مهرا وقال ابن أبي ليلى وأبو الزياد
المتعة - وإن طلقها قبل الدخول ولم يسم مهرا - ليست بواجبة إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل
لا يجبر عليها ولم يفرقوا بين الدخول بها وغير الدخول بها وبين من سمي لها ولم يسم وقال
مالك والليث: لا يجبر أحدكم على المتعة سمي لها أم لم يسم دخل بها أو لم يدخل وإنما هو مما
ينبغي أن يفعله ولا يجبر عليها وقال الشافعي: المتعة واجبة لكل مطلقة ولكل زوجة إذا
كان الفراق من قبله التي سمي لها وطلق قبل الدخول فأما الذي يدل على أن خلو عقد
النكاح من ذكر مهر لا يفسده فهو بعد الاجماع المتردد وقوله تعالى: لا جناح عليكم إن طلقتم
النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة والطلاق لا يقع إلا في النكاح فلو لم يكن النكاح
صحيحا مع فقد ذكر المهر لكان الطلاق باطلا ولا فرق في عدم ذكر المهر بين السكوت عنه
وبين أن يشرط إلا مهر والذي يدل على وجوب المتعة قوله تعالى: ومتعوهن على الموسع قدره
وعلى المقر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين وفي رواية أخرى يا أيها الذين آمنوا إذا
نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها
فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا. وظاهر الأمر يقتضي الوجوب.
المسألة الثامنة والخمسون والمائة:
والبرص لا يرد به النكاح عندنا أن البرص مما يرد به النكاح وكذلك العمى
والجذام الرتق وذلك من العيوب المعدودة المسطورة ومتى رضي الزوج بشئ من ذلك لم
يكن له الرد بعده ووافقنا على ذلك الشافعي وقال أبو حنيفة لا يثبت الخيار في النكاح
لأجل العيب دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه بعد الاجماع المقدم ما رواه أبي بن كعب قال
تزوج النبي من غفارة فلما خلا بها رأى بكشحها بياضا فقال ضمي إليك ثيابك والحقي
بأهلك وفي بعض الأخبار فرد نكاحها وقال دلستم على فإن قيل يحتمل أن يكون طلقها
79

وردها قلنا: هذا تعليق الحكم بغير السبب المنقول، على أن الرد صريح في الفسخ وهو كناية
في الطلاق، وحمل اللفظ على ما هو صريح فيه أولى.
المسألة التاسعة والخمسون والمائة:
والعنة يرد بها النكاح هذا صحيح والذي يقول أصحابنا إن المرأة إذا تزوجت بزوج
على أنه سليم فظهر أنه عنين انتظرت به سنة فإن أمكنه الوطء ولو مرة واحدة فهو أملك
بها وإن لم يصل إليها في مدة السنة كان لها الخيار ووافقنا على هذا الترتيب الشافعي وقال
الحكم وداود لا تأتين للمعنة في النكاح دليلنا بعد الاجماع المتردد ما روي عن أمير المؤمنين
ع أنه قال: يؤجل العنين فإن وطئ وإلا فرق بينهما وروي عن عمر مثل ذلك بعينه
وعن ابن مسعود والمغيرة مثله بعينه وقد صار إجماعا من الصحابة لأنه لم يكن مخالفا لما
ذكرناه فإن قيل روي أن امرأة أتت النبي ص فقالت يا رسول الله إن زوجي
طلقني فثبت طلاقي فتزوجت عبد الرحمن بن الزبير وإنما أنا معه مثل هدية الثوب فقال
ع أ تريدين أن ترجعي إلى رفاعة لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك
فأخبرته المرأة بعنة زوجها ولم يجعل لها الفسخ قلنا إنما لم يجعل ع لها الفسخ
لأن الزوج لم يقر بالعنة وهي إنما تثبت بإقراره وعلى أن الزوج لم يكن عنينا وإنما كان ضعيف
الجماع بدلالة قوله ع حتى تذوقي عسيلته، ولا يكون ذلك إلا مع التمكن
من الجماع.
المسألة الستون والمائة:
ولو ادعت امرأة أنها أرضعت الزوجين فرق بينهما الذي يقوله أصحابنا أن شهادة
النساء في الرضاع مقبولة على الانفراد وفي الولادة أيضا وبذلك قال الشافعي وقال
أبو حنيفة: تقبل في الولادة ولا تقبل في الرضاع والعيوب وقال الشافعي لا يقبل في الرضاع
أقل من أربع نسوة وقال مالك يقبل امرأتان وقال الزهري والأوزاعي يقبل واحدة
ويستحب أصحابنا أن تقبل في الرضاع شهادة المرأة الواحدة تنزيها للنكاح عن الشبهة
80

واحتياطا فيه والدليل على ذلك. بعد الاجماع المتقدم ذكره ما روي من أن النبي قال للرجل
الذي سأل عن المرأة التي أخبر بها النبي قال: أنا أرضعتها وإياه، فقال ع: دعها
كيف وقد شهدت السوداء.
81

الكافي
في الفقه
لأبي الصلاح تقي الدين ابن نجم الدين عبد الله الحلبي
347 - 447 ه‍ ق
83

الضرب الأول من الأحكام:
النكاح على ثلاثة أضرب: نكاح غبطة ونكاح متعة وملك يمين.
فأما نكاح الغبطة وهو نكاح الدوام، فمن شرط صحته الولاية، وعقد الولي له بلفظ
مخصوص يقتضي الإيجاب، وقبول المعقود له أو النائب عنه، والولاية مختصة باب المعقود
عليها وجدها له في حياته فإذا حضرا فالجد أولى، ويصح لكل منهما أن يعقد من دون إذن
صاحبه، والأولى بالأب إيذان أبيه.
فإذا سبق أحدهما إلى العقد لم يكن للآخر فسخه، فإن كانت صغيرة جاز عقدهما
عليها، ولا خيار لها بعد البلوغ، وإن عقد عليها غيرهما كان العقد موقوفا على بلوغها
وإمضائها، وإن كانت بالغا لم يجز لهما العقد عليها إلا بإذنها، فإن عقدا بغير إذنها خالفا
السنة وكان عليها القبول ولها الفسخ، فإن أبت العقد بطل، ولا يجوز لها العقد على نفسها
بغير إذنهما، فإن عقدت خالفت السنة وكان العقد موقوفا على إمضائهما.
فإن عضلاها بمنعها من التزويج بالأكفاء كان لها أن تعقد على نفسها بغير إذن منهما ولم
يكن لهما الفسخ، وإن كانت ثيبا فالأولى أن لا تعقد إلا بإذنهما أو ترد الأمر إليهما، ويجوز لها
تولي ذلك بنفسها من غير إذنهما، وإن لم يكن لها جد ولا أب فالأولى بها رد ولايتها إلى
بعض أهلها أو غيره من فضلاء المسلمين، وإذا وضعت نفسها في غير موضعها أو عقدت على
85

غير كف ء فلأبيها أو جدها فسخ العقد وإن كانت ثيبا.
واللفظ الموجب إذا كانت هي المتولية للعقد عليها: قد زوجتك أو أنكحتك نفسي على
صداق مبلغه كذا، ويقول الولي: فلانة بنت فلان، دون سائر الألفاظ من: أبحتك وحللت و
وهبت لك وآجرتك وغير ذلك، والقبول أن يقول الزوج: قد قبلت هذا النكاح، ويقول
النائب عنه: قد قبلت هذا النكاح لفلان بن فلان ورضيت به.
فإذا تكاملت هذه الشروط انعقد النكاح و [إن] لم يذكر المهر ويكون لها مهر مثلها،
ومن السنة في هذا العقد: الإعلان به واجتماع الناس له والخطبة وتعيين المهر والإشهاد
وليس ذلك من شروطه.
وإذا عين المهر حين العقد لم يكن للزوجة غيره وإن كان درهما أو صاعا من بر أو ذرة أو
ما نقص عن ذلك أو زاد عليه أضعافا كثيرة، ولا يصح العقد على عين محرمة كالخمر ولحم
الخنزير وعين الغصب، ومهر المثل يعتبر فيه السن والنسب والجمال والتحصين، فإن
نقص عن مهر السنة لم يكن لها غيره، وإن تجاوزه رد إليه وهو خمسمائة درهم فضة أو قيمتها
خمسون دينارا.
وإذا انعقد النكاح استحقت الزوجة الصداق والزوج التسليم إن كانت ممن يصح
الدخول بها ببلوغها تسع سنين فما زاد، وإن نقصت سنها عن هذا وقف استحقاق
الأمرين إلى حين البلوغ المذكور، وإذا صح التسليم وحمل الزوج الصداق كان له نقل
الزوجة إلى بيته ولم يكن لها خيار، ولها الامتناع والتمكين ما لم تقبض جميعه.
وإذا سلمت نفسها وقد قبضت شيئا لم يكن لها غيره إلا أن توافقه على الباقي وتشهد
عليه به، فإن ادعت باقيا ولم تكن لها بينة فعليه اليمين، وإن ثبت بالبينة أو الإقرار فلها
مطالبته به وليس لها منع نفسها منه وإنما لها ذلك قبل الدخول.
ولا يلزم الزوج قبل التسليم إنفاق ولا سكنى إلا أن يكون ذلك من قبله مع صحته
ببلوغها ومطالبته فيلزمه الأمران، وإذا تسلم الزوجة فعليه إسكانها من حيث تسكن
(كذا)، والإنفاق عليها بالمعروف على الموسع قدره وعلى المقتر قدره، ويلزمها طاعته في
نفسها وملازمة منزله دون ما عدا ذلك، فإن قبضته في منزله فمنعت نفسها أو تسلطت عليه
86

بالقول أو الفعل وعظها وخوفها الله تعالى، فإن أثر ذلك وإلا هجرها بالإعراض عنها في
مدخله ومخرجه ومبيته من غير إخلال بما يحفظ حياتها من غذاء ولباس، فإن أثر ذلك وإلا
ضربها ضربا غير مبرح.
وإن خرجت من منزله بغير إذنه أو باذنه وامتنعت من الرجوع إليه فله ردها، وإن أبت
فله تأديبها بالإعراض عنها وقطع الانفاق، فإن أصرت على الشقاق وهي في منزله أو خارجة
عنه رفع خبرها إلى الناظر في الأحكام ليبعث حكما من أهله وحكما من أهلها ينظران بينهما،
فإن أمكنهما الإصلاح أنجزاه وإن رأيا الصلاح في الفرقة أعلما الحاكم بذلك فألزم الزوج
بالطلاق.
ولا يحرم وطء الزوجة إلا إيلاء أو ظهار ولا ينفسخ هذا العقد إلا بردة أو طلاق أو لعان
أو موت أحد الزوجين.
ويجوز للحر أن يجمع بين أربع حرائر أو أمتين والعبد بين أربع إماء أو حرتين، ويلزم الزوج
إذا كان عنده أربع حرائر أو أمتان والعبد أربع إماء أو حرتان أن يعدل بينهن في المبيت،
ولا يفضل واحدة على أخرى إلا أن ترضى.
ويجوز للحر إذا كان عنده حرتان أو ثلاث وللعبد إذا كان عنده أمتان أو ثلاث أن
يفضل إحداهن بما زاد على ليلة لكل واحدة من أربع ليال، فيبيت عند أحد الثلاث ليلتين
وعند كل واحدة ليلة، وعند الواحدة من اثنتين ثلاث ليال وعند الأخرى ليلة، وإذا سوى
الزوج بين الأزواج في القسمة والمبيت والسكنى والكسوة جاز له أن يفضل بعضهن على
بعض فيما زاد على الواجب من سنى الطعام واللباس.
وإذا تزوج الرجل بحرة فخرجت أمة أو بنت حرة فخرجت بنت أمة، أو سليمة
فخرجت برصاء أو عمياء أو رتقاء أو عرجاء أو مجذومة أو مجنونة أو مفضاة أو محدودة أو ممن
تحل فخرجت محرمة، كان له ردها واسترجاع ما نقد من الصداق ما لم يطأها، فإن وطئها
قبل العلم بحالها فلها ما أخذت ويرجع به على من دلسها، فإن كانت هي التي دلست
نفسها لم يرجع عليها بشئ مما أخذت بعد الوطء، فإن وطئها بعد العلم بحالها لم يكن له
ردها ولا رجوع بشئ مما نقد، وكذلك الحكم إذا علم بالعيب ورضي به، ولا تبين منه بعد
87

الأمرين إلا بطلاق أو أحد أسباب الفرقة.
وإن حدثت هذه العيوب بعد الدخول لم تقتض الرد ولم تبن الزوجة إلا بأحد أسباب
الفراق، وإن تزوج بكرا فوجدها ثيبا فأقرت الزوجة بذلك حسب أو قامت به البينة فليس
بعيب يوجب الرد ولا نقصانا في المهر، وإن فقدت البينة والإقرار فقذفها الزوج بذلك عزر.
وإذا تزوجت المرأة بحر فظهر لها أنه عبد وبسليم فظهر لها أنه عنين وبعاقل فظهر أنه
به جنة وبمن يحل فظهر أنه محرم، فعليها أن تصبر على العنة سنة فإن تعالج ووصل إليها
فيها مرة فلا خيار لها وإن لم يصل إليها في السنة كان لها رده وما أخذت منه، وترده بباقي
العيوب بأن تعزله، فإن لم تعلم بالعيب حتى وطئها فلها ما انعقدت عليه النكاح، وإذا
علمت بالعيب ثم رضيت لم يكن لها خيار.
وإذا أراد نكاح امرأة جاز أن ينظر إلى وجهها وبدنها وماشية في ثيابها، وكذلك يجوز
للمرأة إذا أرادت نكاح رجل أن ترى وجهه وأطرافه وماشيا، ولا يحل لأحدهما ذلك من دون
إرادة التزويج.
وإذا تزوج الحر أمة بإذن سيدها فولدها حر وطلاقها بيده، فإن مات عنها سيدها
أو باعها فالوارث والمبتاع بالخيار بين إمضاء العقد وفسخه، وإن تزوجت الحرة بعبد بإذن
سيده فولدها حر، فإن شرط سيد الأمة على الحر رق الولد وعلى الحرة فولدهما رق، وإذا
تزوج الحر بأمة يعلم رقها والحرة بعبد تعلم عبوديته بغير إذن السيد فولدهما رق لسيد
العبد أو الأمة.
وإذا تزوج الحر بامرأة على أنها حرة فخرجت أمة فولدها لا حق به في الحرية ويرجع
السيد بقيمة الولد والصداق على من تولى أمرها، وإن كانت هي التي عقدت على نفسها لم
يرجع على أحد بشئ، وكذلك القول في الحرة إذا تزوجت بحر فخرج عبد.
وإذا زوج السيد عبده بأمة غيره فالطلاق بيده ولسيده أن يجبره على طلاقها، فإن
مات سيد الأمة أو باعها فالوارث والمبتاع بالخيار في إمضاء العقد وفسخه، وإن أعتقها فهي
بالخيار في الإقامة على نكاح العبد واعتزاله والاعتداد منه، وولدها رق لسيدها إلا أن يشترط
رق الولد سيد العبد فيكون له، وإذا زوج السيد عبده بأمة فليعطه شيئا من ماله وإن قل،
88

يجعله صداقا لها، وطلاقها بيده يأمرها أي وقت شاء باعتزاله والاعتداد منه.
وأما نكاح المتعة:
فمن شرط صحته أمران: تعيين الأجر والأجل، فإن ذكر الأجر ولم يذكر الأجل كان
دواما، وإن ذكر الأجل دون الأجر فسد العقد.
وصفته أن يقول مريده لمن يريد التمتع بها وتصح ولايتها في نفسها والعقد عليها
ببلوغها وكمال عقلها وخلوها من زوج وعدة وحمل: أريد أن تمتعيني نفسك على كتاب الله
وسنة نبيه ص كذا وكذا يوما أو شهرا أو سنة بكذا وكذا درهما أو دينارا أو بما
يتعين مما له قيمة على أن لا ترثيني ولا أرثك وأن أضع الماء حيث شئت وأنه لا سكنى لك
ولا نفقة وعليك إذا انقضت المدة العدة، فإذا رضيت قال لها: متعيني نفسك على كتاب الله
تعالى وسنة نبيه ص كذا وكذا بكذا وكذا على الشروط المذكورة، فإذا أنهى
قوله فلتقل: قد قبلت ورضيت، والأولى أن تقول هي: قد متعتك نفسي كذا وكذا بكذا وكذا،
وتذكر الشروط فيقبل عنها.
فإذا انعقد هذا النكاح فعلى المتمتع تسليم جميع الأجر، ويجوز تأخير بعضه برضاها وقد
استحق بضعها، ولا سكنى لها ولا عليها ولا إنفاق ولا توارث بينهما وإن شرط ذلك، ولا يقع بها
إيلاء ولا طلاق، ولا يصح بينهما لعان ويصح الظهار، فإذا انقضت المدة حرمت عليه وله
أن يستأنف عقدا ثانيا، وعليها العدة.
فإن جاءت بولد وكان قد وطئها في الفرج لزمه الاعتراف به وإن عزل الماء، وإن كان
وطئها دون الفرج لم يجز له الاعتراف به، فإن اعترف به لحق بنسبه وإن أنكره على كل حال
فهو أعلم بنفسه.
ولا يجوز التمتع بالبكر إلا بإذن أبيها ويجوز بالثيب من غير إذنه، ويجوز الجمع في هذا
النكاح بين أكثر من أربع، ولا يلزم بينهن العدل في المبيت، ويجوز التمتع باليهودية والنصرانية
دون من عداهما من ضروب الكفار.
89

وأما ملك اليمين:
فيكون بأحد أسباب التمليك من بيع أو هبة أو صدقة أو غنيمة أو ميراث، ويحل
وطء الأمة المبتاعة والمسبية وإن لم تخرج منها الخمس إلى أهله، لشيعة مستحقي الخمس و
آبائهم دون سائر الفرق لتحليلهم شيعتهم وآباءهم من ذلك لتطيب مواليدهم، ويحل
الجمع بين كثير العدد وقليله من الإماء [في] الملك والوطئ.
والأمة بعد الولد رق على ما كانت قبل وجوده تجري عليها جميع أحكام الرق حيا كان
الولد أو ميتا إلا بيعها وولدها حي في غير ثمنها فإنه محرم، وإذا مات سيدها وخلف ولدا
منها جعلت في نصيبه وعتقت عليه، ويجوز وطء اليهودية والنصرانية بملك اليمين دون
غيرهما من الكفار وإن صح ملكهن، وإذا ملك الرجل أبويه أو أحد المحرمات بالنسب
عتقوا عليه، ولا يعتقون إذا كن كذلك بالرضاع وإن كانوا محرمات.
ولا يحل وطء الأمة المنتقلة إلى ملك الرجل بأحد الأسباب حتى تستبرئ بحيضة،
ولا يحل وطء الحامل من غيره حتى تمضى لها أربعة أشهر إلا دون الفرج، وفيه بشرط عزل
الماء واجتنابها حتى تضع أولى، ولو وطئ الحامل لم يحل له بيع ولدها ولا الاعتراف به ولدا
ولكن يجعل له قسطا من ماله لأنه غذاه بنطفته.
وإذا كانت الأمة بين شريكين فما زاد لم يحل لواحد منهم، فإن وطئها بعضهم أثم
ووجب تأديبه، فإن جاءت بولد لحق به وأغرم ما يفضل من قيمته على سهمه لشركائه، وإن
وطئها الجميع أدبوا جميعا، فإن جاءت بولد أقرع بينهم فأيهم خرج اسمه ألحق به وأغرم ما
يفضل من قيمته على سهمه لباقي الشركاء.
فصل فيما يحرم من النكاح:
تحريم الاستمتاع بالمباشرة على ضروب ستة: منها تحريم ذلك بما عدا النساء، ومنها بهن
من غير عقد ولا ملك يمين، ومنها بهن بعدهما في حال دون أخرى، ومنها تحريمه بأعيان منهن
بهما على كل حال، ومنها تحريمه معهما في حال دون حال، ومنها تحريم ذلك عليهن بعض
ببعض.
90

الضرب الأول: التلوط بالغلمان ومباشرتهم بضم أو تقبيل أو اضطجاع، وإتيان جميع
البهائم، والاستمناء.
الضرب الثاني: الزنى ومقدماته من رؤية وضم وتقبيل ومحادثة وخلوة واضطجاع.
الضرب الثالث: وطء الحائض والنفساء حتى تطهرا والمستحاضة حتى تستنجي
والمظاهر منها قبل التكفير والمعقود عليها بعد الزنى حتى تستبرئ والمحرم حتى يحل
وبالمحرمة حتى تحل والصائم حتى يفطر، وبالصائمة حتى تفطر وبالأمة المبتاعة حتى
تستبرئ بحيضة وبالأمة الحامل من غير المبتاع حتى تضع.
الضرب الرابع: الأسباب الموجبة للتحريم على كل حال ثلاثة: نسب ورضاع وسبب
ليس بنسب ولا رضاع.
والمحرمات بالنسب ست: الأمهات وإن علون والولد وإن هبط والأخوات من جميع
الجهات، والعمات والخالات وإن ذهبن في النسب وبنات الإخوة وإن بعدت.
والمحرمات بالرضاع ست كالمحرمات بالنسب مثال ذلك: غلام رضع من امرأة بلبن
بنت لها فصار بذلك ولدا لها ولأبي ابنتها وتحرم عليه، وآباؤها وأمهاتها وإن علون وأخواتها
وأولادها من الفحل وغيره بالنسب خاصة، كما تحرم أم النسب وأمهاتها وأخواتها
وأولادها، ويحرم الزوج وآباؤه وأمهاته وأخواته وأولاده من هذه المرضعة ومن غيرها
بالنسب والرضاع، كما يحرم أب النسب وآباؤه وأمهاته وأولاده وأخواته، وتحرم أولاد
الإخوة بالرضاع من جميع الجهات كأولاد الإخوة بالنسب.
وإنما يقتضي التحريم بشروط: منها أن يكون الراضع والمرتضع من لبنه ينقص سنهما
عن الحولين، ومنها أن يكون لبن ولادة لا در، ومنها أن يكون مما ينبت اللحم ويقوي العظم
بكونه يوما وليلة أو عشر رضعات متواليات كل منها تملأ البطن لا يفصل بينهن برضاع
امرأة أخرى، فمتى اختل شرط من هذه لم يثبت نسب الرضاع.
وأما المحرمات بالأسباب: أم المرأة المعقود عليها، وابنة المدخول بها، وأم المزني بها قبل
العقد، وابنتها، وزوجة الأب وأمته المنظور إليها بشهوة، وزوجة الابن، وأمته الموطوءة،
والزانية على أب الزاني وابنه قبل العقد، والزانية وهي ذات بعل أو في عدة رجعية على
91

والمهر من ضمان الرجل قبل القبض ومن ضمانها بعده، وإن استوفت المرأة مهرها
قبل الدخول ثم طلقها لزم له عليها أن ترد نصفه إن كان باقيا ومثله إن كان تالفا وكان
من ذوات الأمثال، ونصف قيمته إن كان من ذوات القيمة ومثل نصف الأجرة إن كان
شيئا له أجرة وكذلك إن وهبت منه قبل الدخول وحللته.
وإن كان المهر شيئا له نماء مثل الحيوان أو الشجر أو الأرض، وكان الحيوان حاملا
والشجر مثمرا والأرض مزروعة حال الإصداق استحق النصف مع نصف النماء، وإن
حملت أو أثمر أو زرعت عندها لم يستحق عليها شيئا من النماء، وإن عقد عليها على عبد
آبق مفردا صح العقد دون الصداق ولزم مهر المثل وإن كان مع شئ آخر صح الصداق
أيضا، وإن أبرأت المفوضة ذمته عن المهر لم يصح وإن عقد نكاحا فاسدا وعين مهرا
وأبرأت ذمته لم يصح وإن أبرأته عما استحقت عليه صح، وإن تزوجها على كتاب الله
تعالى وسنة نبيه ع ولم يسم مهرا لزم مهر السنة.
ويستحب أن لا يدخل الرجل بامرأته إلا بعد تقديم شئ من المهر إليها وإن قدم
الجميع كان أفضل، وإذا تنازعا في إقباض المهر فالبينة على المدعي في كل حال وإن اختلفا
في قدر المهر فالبينة على المرأة، وإذا دخل بها وأرخى الستر عليهما وادعى الرجل أنه لم
يواقعها وأمكنه إقامة البينة وأقامها قبلت منه، وإن لم يمكنه كان له أن يستحلفها فإن
استحلفها وإلا لزمه توفية المهر.
ومن وكل رجلا في العقد على امرأة ثم مات الموكل وعقد الوكيل لم يخل: إما عقد قبل
موته ويصح العقد ويثبت المهر والميراث أو بعد موته ويبطل العقد، فإن أنكرت الورثة
توكيله ولم يكن للوكيل بينة غرم المهر.
ومن تزوج امرأة على أنها بكر فوجدها غير بكر كان له أن ينقص شيئا من مهرها
دون فسخ النكاح، وللمرأة الامتناع من الدخول بها وإن أفضي إليها كرها حتى تستوفي
المهر، وإن مكنت من الدخول لم يكن لها بعد ذلك الامتناع فإن امتنعت نشزت وسقطت
نفقتها.
92

الزاني، وأم الغلام الموقب وأخته وابنته قبل العقد عليهن، والمعقود عليها في عدة معلومة،
والمدخول بها في عدة على كل حال، والمعقود عليها في إحرام معلوم، والمدخول بها فيه على
كل حال، والمطلقة للعدة تسعا يملكها بينها رجلان، والملاعنة، والمقذوفة من زوجها وهي
صماء أو خرساء عليه.
وحكم الأم والأخت والبنت بالرضاع في هذا التحريم حكم ذوات النسب وحكم الإماء
في التحريم بالنسب والرضاع والسبب حكم الحرائر.
الضرب الخامس المحرمات في حال دون حال: الكافرة حتى تسلم وإن اختلفت
جهات كفرها، وأخت المعقود عليها حتى يثبت حلها بموت أو ردة أو لعان أو طلاق بائن
أو تخرج عن عدة الرجعي، وأخت الأمة الموطوءة حتى تخرج عن الملك، والمعتدة من الغير
حتى ينقضي أجلها، والمطلقة للعدة ثلاثا حتى تتزوج ويطلق وتعتد، والمحرمة حتى تحل،
والمحصنة حتى تبرأ عصمتها وتعتد، والخامسة حتى تنقص الأربع بموت أو ردة أو لعان
أو طلاق بائن أو تخرج من عدة الرجعي، وبنت الأخ على عمتها وبنت الأخت على خالتها
حتى تأذنا، والأمة على الحرة حتى تأذن، والزانية حتى تتوب.
الضرب السادس: تحرم على المرأة مباشرة من لا رحم بينها وبينه بضم أو تقبيل أو نظر
لريبة، والنوم في إزار واحد على كل حال، وما فوق ذلك من عمل قوم لوط في تمتع
بعضهن ببعض على جهة السحق.
93

النهاية
في مجرد الفقه والفتاوى للشيخ الأجل أبي جعفر محمد بن الحسن بن علي بن الحسن الطوسي
المشتهر بشيخ الطائفة والشيخ الطوسي
385 - 460 ه‍ ق
95

كتاب النكاح
باب ضروب النكاح:
النكاح على ثلاثة أضرب: ضرب منها هو النكاح المستدام الذي لا يكون مؤجلا بأيام
معلومة ولا شهور معينة وبه تلحق الأولاد وتجب النفقة ويستحب فيه الإعلان والإشهاد عند
العقد وبه تجب الموارثة، وهو نكاح لا يزول إلا بالطلاق أو ما يقوم مقامه من أنواع الفرقة.
ونكاح المتعة وهو المنعقد بأجل معلوم ومهر معين وبهذين الحكمين يتميز من نكاح
الغبطة، ومتى لم يذكر فيه الأجل وإن سمى متعة كان النكاح دائما ومتى لم يذكر فيه المهر
مع الأجل كان العقد غير صحيح.
ونكاح بملك الأيمان وهو يختص بالإماء دون الحرائر، ونحن نبين شرائط هذه الضروب
من النكاح ونفرد لكل ضرب منها بابا إن شاء الله.
باب ما أحل الله تعالى من النكاح وما حرم منه
المحرمات من النساء على ضربين:
ضرب منهن يحرمن بالنسب وضرب منهن يحرمن بالسبب وما عداهما فمباح العقد
عليهن فاللواتي يحرمن بالنسب: الأم وإن علت والبنت وإن نزلت والعمة والخالة وإن علتا
والأخت وبناتها وإن نزلن وبنات الأخ وإن نزلن، ولا يحرم من جهة النسب غير هؤلاء
المذكورات، واللواتي يحرمن بالسبب فعلى ضربين: ضرب منهن يحرم العقد عليهن على جميع
97

الأحوال والضرب الآخر يحرم العقد عليهن في حال دون حال، واللواتي يحرم العقد عليهن
على جميع الأحوال فجميع المذكورات من جهة النسب ويحرم مثلهن من جهة الرضاع،
ونحن نبين كيفيته في باب مفرد إن شاء الله.
ويحرم العقد على امرأة قد عقد عليها الأب أو الابن ويحرم وطء جارية قد ملكها الأب أو
الابن إذا جامعاها أو نظرا منها إلى ما يحرم على غير مالكها النظر إليها أو قبلاها بشهوة،
ويحرم العقد على أم الزوجة سواء دخل بالبنت أو لم يدخل بها، وإذا عقد على الأم ودخل بها
حرم عليه العقد على جميع بناتها سواء كانت ربائب في حجره أو لم يكن كذلك، وإذا لم يدخل
بها وفارقها جاز له أن يعقد عليهن بعد ذلك، والحكم في هاتين في نكاح المتعة مثل الحكم في
نكاح الدوام وكذلك الحكم في ملك الأيمان لأنه إذا وطئ الرجل جارية بملك اليمين حرم
عليه وطء أمها على جميع الأحوال، ولا بأس أن يملكها وكذلك إذا ملك الأم ووطئها، حرم عليه
وطء جميع بناتها بالملك والعقد، فإن لم يطئ الأم جاز له أن يطأ البنت وإن لم تخرج الأم عن
ملكه وليس كذلك الحكم في العقود عليها لأنه وإن لم يدخل بالأم فلا يجوز له العقد على البنت
إلا بعد مفارقتها، ومتى عقد الرجل على امرأة ولم يدخل بها غير أنه رأى منها ما يحرم على
غيره النظر إليه فإنه يكره له العقد على ابنتها وليس ذلك بمحظور.
وإذا زنا الرجل بامرأة حرم على أبيه وابنه العقد عليها فإن زنا بها بعد أن يكون قد
عقد عليها الأب أو الابن فلا يبطل ذلك العقد، وإذا ملك الرجل جارية فوطئها ابنه قبل أن
يطأها حرم على الأب وطؤها فإن وطئها بعد وطئ الأب لم يحرم ذلك على الأب وطئها ومن
فجر بامرأة لها زوج لم يجز له العقد عليها أبدا وكذلك الحكم إن كان فجوره في عدة لزوجها
عليها فيها رجعة يحرم عليه العقد عليها.
وإذا لاعن الرجل امرأته فرق بينهما ولا تحل له أبدا وإذا طلق الرجل امرأته تسع
تطليقات طلاق العدة قد تزوجت فيما بينها زوجين لم تحل له أبدا، وإذا عقد المحرم على
امرأة وهو عالم بأن ذلك محرم فرق بينهما ولم تحل له أبدا، فإن لم يكن عالما بذلك، فرق بينهما.
فإذا أحلا، وأرادا أن يستأنفا العقد فعلا وليس عليهما شئ.
ومن فجر بغلام فأوقب حرم عليه العقد على أمه وأخته وبنته على جميع الأحوال فإن
98

كان الفعل دون الإيقاب لم يكن بالعقد عليهن بأس، ومن قذف امرأته وهي صماء أو خرساء
فرق بينهما ولم تحل له أبدا ومن فجر بعمته أو خالته لم تحل له ابنتاهما أبدا، وإذا تزوج
الرجل بصبية لم تبلغ تسع سنين فوطئها فرق بينهما ولم تحل له أبدا.
وإذا تزوج الرجل بامرأة في عدتها وهو عالم بذلك فرق بينهما ولم تحل له أبدا وإن لم يكن
قد دخل بها سواء كانت عدتها عدة المطلقة أو عدة المتوفى عنها زوجها، وإن لم يكن عالما
بذلك فارقها حتى تخرج من العدة فإذا خرجت من العدة عقد عليها إن شاء ما لم يكن قد
دخل بها وإن كانت المرأة عالمة بذلك لم يجز لها أن ترجع إلى هذا الزوج بعقد آخر، ومتى لم
يكن عالما بذلك وكان قد أعطاها المهر كان له الرجوع عليها.
ومتى عقد عليها في العدة ودخل بها فرق بينهما ولم تحل له أبدا سواء كان عالما أو جاهلا
وكان لهما المهر بما استحل من فرجها وكان عليها عدتان: تمام العدة من الزوج الأول وعدة
أخرى من الزوج الثاني، فإن جاءت بولد لأقل من ستة أشهر كان لا حقا بالأول وأن كان
لستة أشهر فصاعدا كان لا حقا بالثاني، ومتى قذفها زوجها أو غيره بما فعلته من الفعل
فإن كانت عالمة بذلك لم يكن عليه شئ وإن كانت جاهلة وجب عليه حد القاذف.
وأما اللواتي يحرمن على حال دون حال فإنه لا يجوز للرجل أن يعقد على امرأة لها زوج
ما دامت في حبالته فإذا فارقته بموت أو طلاق جاز له حينئذ العقد عليها، ولا يجوز له أن يجمع
بين الأختين في نكاح الدوام ولا نكاح المتعة في حالة واحدة فإن عقد عليهما في حالة واحدة
كان مخيرا بين أن يمسك أيتهما شاء، فإن عقد على واحدة ثم عقد على أختها كان العقد على
الثانية باطلا فإن وطئ الثانية فرق بينهما ولم يرجع إلى الأولى حتى تخرج التي وطئها من
عدتها، ومتى عقد على امرأة ثم عقد على أختها أو أمها بجهالة فرق بينهما فإن وطئها
وجاءت بولد كان لا حقا به ولا يقرب الزوجة الأولى حتى تنقضي عدتها.
ومتى طلق الرجل امرأته طلاقا يملك فيه الرجعة، لم يجز له العقد على أختها حتى
تنقضي عدتها، فإن كانت تطليقه بائنة، جاز له العقد على أختها في الحال، وقد روي في
المتمتعة إذا انقضى أجلها: أنه لا يجوز له العقد على أختها حتى تنقضي عدتها، وإذا ماتت
إحدى الأختين، جاز له أن يعقد على أختها في الحال.
99

ولا بأس أن يجمع الرجل بين الأختين في الملك لكنه لا يجمع بينهما في الوطء لأن حكم
الجمع بينهما في الوطء حكم الجمع بينهما في العقد، فمتى ملك الأختين فوطئ واحدة منهما لم
يجز له وطء الأخرى حتى تخرج تلك عن ملكه بالبيع أو الهبة وغير ذلك فإن وطئ الأخرى
بعد وطئه للأولى وكان عالما بتحريم ذلك عليه حرمت عليه الأولى حتى تموت الثانية، فإن
أخرج الثانية عن ملكه ليرجع إلى الأولى لم يجز له الرجوع إليها وإن أخرجها من ملكه
لا لذلك جاز له الرجوع إلى الأولى، وإن لم يعلم تحريم ذلك عليه جاز له الرجوع إلى الأولى
على كل حال إذا أخرج الثانية من ملكه.
ولا يجوز للرجل الحر أن يعقد على أكثر من أربع من الحرائر أو أمتين ولا بأس أن يجمع
بين حرة وأمتين أو حرتين وأمتين بالعقد، فأما بملك اليمين فليجمع ما شاء منهن مع العقد
على أربع حرائر، فإن كان الرجل عنده ثلاث نسوة وعقد على اثنتين في عقد واحد أمسك
أيتهما شاء ويخلى سبيل الأخرى فإن كان قد عقد عليهما بلفظة واحدة ثم دخل بواحدة منهما
كان عقدهما ثابتا ويخلى سبيل الأخرى فإن كان قد عقد عليهما بلفظتين ثم دخل بالتي بدأ
باسمها كان عقدها صحيحا وإن دخل بالتي ذكرها ثانيا كان النكاح باطلا وتلزمها العدة
لأجل الدخول.
والذمي إذا كان عنده أكثر من أربع نساء ثم أسلم فليمسك منهن أربعا وليخل سبيل
الآخر، وإذا طلق الرجل واحدة من الأربع طلاقا يملك فيه الرجعة فلا يجوز له العقد على
الأخرى حتى تخرج تلك من العدة وإن كان طلاقا لا يملك فيه رجعتها جاز له العقد على
الأخرى في الحال، والمملوك لا يجمع بين أكثر من حرتين أو أربع إماء بالعقد ولا بأس أن يعقد
على حرة وأمتين، ولا يعقد على حرتين ويضيف إليهما العقد على أمة.
وقد بينا أن جميع المحرمات من جهة النسب يحرمن من جهة الرضاع، ولو أن رجلا
عقد على جارية رضيعة فأرضعتها امرأته حرمتا عليه جميعا وإن أرضعت الجارية امرأتان له
حرمت عليه الجارية والمرأة التي أرضعتها أولا ولم تحرم عليه التي أرضعتها ثانيا، وإن عقد
على جاريتين رضيعتين فأرضعتهما امرأة، حرمت عليه المرضعة والجاريتان معا فإن أرضعت
امرأتان له لهاتين الجاريتين حرمن عليه كلهن.
100

ولا يجوز للرجل المسلم أن يعقد على المشركات على اختلاف أصنافهن يهودية
كانت أو نصرانية أو عابدة وثن، فإن اضطر، إلى العقد عليهن عقد على اليهودية
والنصرانية وذلك جائز عند الضرورة.
ولا بأس أن يعقد على هذين الجنسين عقد المتعة مع الاختيار لكنه يمنعهن من شرب
الخمور وأكل لحم الخنزير وجميع المحرمات في شريعة الاسلام، ولا بأس أن يطأ بملك اليهودية
والنصرانية، ويكره له وطء المجوسية بملك اليمين وعقد المتعة وليس ذلك بمحظور.
وإذا أسلم اليهودي والنصراني والمجوسي ولم تسلم امرأته جاز له أن يمسكها
بالعقد الأول ويطأها، فإن أسلمت المرأة ولم يسلم الرجل وكان الرجل على شرائط الذمة
فإنه يملك عقدها غير أنه لا يمكن من الدخول إليها ليلا ولا من الخلو بها ولا من اخراجها من
دار الهجرة إلى دار الحرب، وإن لم يكن بشرائط الذمة انتظر به عدتها فإن أسلم قبل
انقضاء عدتها فإنه يملك عقدها وإن أسلم بعد انقضاء العدة فلا سبيل له عليها، وكذلك
الحكم في من لا ذمة له من سائر أصناف الكفار فإنه ينتظر به انقضاء العدة فإن أسلم كان
مالكا للعقد وإن لم يسلم إلا بعد ذلك، فقد بانت منه وملكت نفسها.
ولا يجوز العقد على المرأة الناصبة المعروفة بذلك ولا بأس بالعقد على من لا ينصبن
ولا يعرفن، ولا يجوز تزويج المؤمنة إلا بالمؤمن ولا يجوز تزويجها بالمخالف في الاعتقاد.
ويكره للرجل أن يتزوج بامرأة فاجرة معروفة بذلك فإن تزوج بها فليمنعها من ذلك،
وإذا فجرت المرأة عند الرجل كان مخيرا في إمساكها وطلاقها والأفضل له طلاقها وإذا فجر
بامرأة غير ذات بعل فلا يجوز له العقد عليها ما دامت مصرة على مثل ذلك الفعل، فإن
ظهر له منها التوبة جاز له العقد عليها وتعتبر توبتها بأن يدعوها إلى مثل ما كان منه فإن
أجابت امتنع من العقد عليها وإن امتنعت عرف بذلك توبتها، وإذا كان عند الرجل امرأته
فإن فجر بامرأة لم يجز له أن يعقد على أمها من النسب ومن جهة الرضاع ولا على بنتها على
حال وإن كان منه ملامسة دون الجماع أو قبلة وما أشبههما فلا بأس بأن يعقد بعد ذلك على
أمها وابنتها، وكذلك لا يجوز أن يعقد على أم امرأة قد فجر بها وبنتها ومن جهة الرضاع
وحكمها في هذا الباب حكم لنسب سواء.
101

ولا يجوز العقد على امرأة وعند الرجل عمتها أو خالتها إلا برضا منهما فإن عقد عليها
كانت العمة والخالة مخيرة بين إمضاء العقد وبين الاعتزال، فإن أمضت كان ماضيا ولم يكن
لها بعد ذلك فسخ وإن اعتزلت واعتدت ثلاثة أقرء كان ذلك فراقا بينها وبين الزوج ومغنيا
عن الطلاق، ولا بأس بالعقد على العمة والخالة وعنده بنت الأخ أو بنت الأخت وإن لم ترضيا
بذلك، وحكم العمة والخالة من جهة الرضاع حكمها من جهة النسب على السواء.
ولا يجوز للرجل أن يعقد على أمة وعنده حرة إلا برضاها فإن عقد عليها من غير
رضاها كان العقد باطلا، فإن أمضت الحرة العقد مضى ولم يكن لها بعد ذلك اختيار وإن أبت
واعتزلت وصبرت ثلاثة أقراء كان ذلك فراقا بينها وبين الزوج، فإن عقد في حالة واحدة
على حرة وأمة كان العقد على الحرة ماضيا والعقد على الأمة باطلا فإن عقد على حرة وعنده
أمة وهي لا تعلم ذلك فإذا علمت أن له امرأة أمة كانت مخيرة بين الصبر على ذلك وبين
الاعتزال، وتنتظر مدة انقضاء عدتها فإذا مضت العدة كان ذلك فراقا بينها وبين الزوج
ومتى رضيت بذلك لم يكن لها بعد ذلك اختيار.
ويكره العقد على الأمة مع وجود الطول فأما مع عدمه فلا بأس بالعقد عليها، ومتى عقد
على الأمة مع وجود الطول، كان العقد ماضيا غير أنه يكون قد ترك الأفضل، ويكره العقد
على القابلة وابنتها ولا بأس أن يجمع الرجل بين امرأة قد عقد عليها وبين امرأة أبيها أو
وليدته إذا لم تكن أمها، ويكره أن يزوج الرجل ابنه بنت امرأة كانت زوجته وقد دخل بها
إذا كانت البنت قد رزقت بعد مفارقتها إياه وليس ذلك بمحظور وإن كانت البنت رزقت
قبل عقد الرجل عليها لم يكن بذلك بأس، ولا بأس للمريض أن يتزوج في حال مرضه فإن
تزوج ودخل بها ثم مات كان العقد ماضيا وتوارثا، وإن مات قبل الدخول بها كان العقد
باطلا.
وإذا أقام رجل بينة على العقد على امرأة وأقامت أخت المرأة البينة بأنها امرأة
الرجل كانت البينة بينة الرجل ولا يلتفت إلى بينتها إلا أن تكون بينتها قبل بينة الرجل أو
يكون مع بينتها قد دخل بها فإن ثبت لها أحد هذين الشيئين أبطلت بينة الرجل، وإذا عقد
الرجل على امرأة فجاء آخر فادعى أنها زوجته لم يلتفت إلى دعواه إلا أن يقيم البينة،
102

ولا بأس أن يتزوج الرجل أخت أخيه إذا لم تكن أختا له وإن تركه كان أفضل، ويكره
للرجل أن يتزوج بضرة أمه إذا كانت مع غير أبيه.
باب مقدار ما يحرم من الرضاع وأحكامه:
الذي يحرم من الرضاع ما أنبت اللحم وشد العظم، فإن علم بذلك وإلا كان
الاعتبار بخمس عشرة رضعة متواليات لم يفصل بينهن برضاع امرأة أخرى فإن لم
ينضبط العدد اعتبر برضاع يوم وليلة إذا لم ترضع امرأة أخرى، فمتى كان الرضاع أقل مما
ذكرناه مما لا ينبت اللحم ولا يشد العظم أو كان أقل من خمس عشرة رضعة أو مع استيفاء
العدد قد فصل بينهن برضاع امرأة أخرى أو كان أقل من يوم وليلة لمن لا يراعي العدد أو
مع تمام يوم وليلة دخل بينه رضاع امرأة أخرى، فإن ذلك لا يحرم ولا تأثير له.
وينبغي أن يكون الرضاع في مدة الحولين فإن حصل الرضاع بعد الحولين سواء كان
قبل الفطام أو بعده قليلا كان أو كثيرا فإنه لا يحرم، وكذلك إن در لبن امرأة ليست مرضعة
فأرضعت صبيا أو صبية فإن ذلك لا تأثير له في التحريم.
ومتى حصل الرضاع على الصفة التي ذكرناها فإنه بمنزلة النسب ويحرم منه ما يحرم
من النسب إلا أن النسب منه يراعى من جهة الأب خاصة دون الأم، ومعنى ذلك أن المرأة إذا
أرضعت صبيا بلبن بعل لها وكان لزوجها عدة أولاد من أمهات شتى فإنهم يحرمون كلهم
على الصبي المرتضع وعلى أبيه وعلى إخوته الذين ينتسبون إلى أبيه بالولادة والرضاع
والذين ينتسبون إلى أمه من جهة الولادة دون الرضاع، وكذلك إن كان للبعل أولاد
ينتسبون إليه من جهة الرضاع من غير هذه المرأة فإنهم يحرمون كلهم على الصبي
المرتضع وكذلك يحرم جميع إخوة المرتضع على هذا البعل وعلى جميع أولاده من جهة الولادة
والرضاع، ولا يحرم على الصبي من ينتسب إلى أمه المرضعة من جهة الرضاع من غير لبن
هذا الزوج، ويحرم عليه جميع أولادها الذين ينتسبون إليها بالولادة.
والرضاع لا يثبت إلا ببينة عادلة وإذا ادعت المرأة أنها أرضعت صبيا، لم يقبل قولها
وكان الأمر على أصل الإباحة، وإذا أرضعت المرأة صبيين ولكل واحد من الصبيين إخوة
103

وأخوات ولادة ورضاعا من غير الرجل الذي رضعا من لبنه جاز التناكح بين إخوة
وأخوات هذا وإخوة وأخوات ذاك، ولا يجوز التناكح بينهما أنفسهما ولا بين أخواتهما من
جهة لبن الرجل الذي رضعا من لبنه حسب ما قدمناه، وإذا ربت امرأة جديا بلبنها فإنه
يكره لحمه ولحم كل ما كان من نسله وليس ذلك بمحظور.
باب الكفاءة في النكاح واختيار الأزواج
المؤمنون بعضهم أكفاء لبعض في عقد النكاح كما أنهم متكافئون في الدماء وإن
اختلفوا في النسب والشرف، وإذا خطب المؤمن إلى غيره بنته وكان عنده يسار بقدر ما يقوم
بأمرها والإنفاق عليها وكان ممن يرضى دينه وأمانته ولا يكون مرتكبا لشئ من الفجور وإن
كان حقيرا في نسبه قليل المال فلم يزوجه إياها كان عاصيا لله مخالفا لسنة نبيه
ص ويكره للرجل أن يزوج بنته شارب خمر أو متظاهرا بالفسق فإن فعل ذلك كان
العقد ماضيا ويكون تاركا للأفضل.
وإذا أراد الرجل أن يتزوج فينبغي أن يطلب ذوات الدين والأبوات والأصول الكريمة
ويجتنب من لا أصل له ولا عقل له، ولا يتزوج المرأة لجمالها أو مالها إذا لم تكن مرضية في
الاعتقاد ولا تكون عاقلة سديدة الرأي، وقد بينا أنه لا يجوز أن يتزوج من يخالفه في
الاعتقاد إلا إذا كانت مستضعفة ولا يعرف منها نصبا ولا انحرافا عن الحق، وإذا وجد
امرأة لها دين وأصل فلا يمتنع من مناكحتها لأجل فقرها فإن الله تعالى يقول: إن يكونوا
فقراء يغنهم الله من فضله، ويختار من النساء الولود وإن كانت سوداء قبيحة المنظر ويجتنب
العقيم منهن وإن كانت حسناء جميلة المنظر.
ويستحب التزويج بالأبكار فإن النبي ص قال: إنهن أطيب شئ أفواها
وأدر شئ أخلافا وأحسن شئ أخلاقا وأفتح شئ أرحاما، ويكره نكاح جميع السودان من
الزنج وغيرهم إلا النوبة خاصة ويكره التزويج بالأكراد ويكره تزويج المجنونة، ولا بأس
بوطئها بملك اليمين غير أنه لا يطلب ولدها، ولا بأس أن يتزوج بامرأة قد علم منها الفجور
إذا تابت وأقلعت فإن عقد على امرأة ثم علم بعد العقد أنها كانت زنت كان له أن يرجع
104

على وليها بالمهر ما لم يدخل بها فإن دخل بها كان لها المهر بما استحل من فرجها وهو مخير في
إمساكها وطلاقها.
باب من يتولى العقد على النساء:
يجوز للرجل أن يعقد على بنته إذا كانت صغيرة لم تبلغ مبلغ النساء من غير استئذان
لها ومتى عقد عليها لم يكن لها خيار وإن بلغت، ومتى كانت البكر بالغا استحب للأب أن
لا يعقد عليها إلا بعد استئذانها ويكفي في إذنها أن يعرض عليها التزويج فإذا سكتت
كان ذلك رضا منها، فإن عقد الأب على بكر قد بلغت مبلغ النساء من غير استئذان لها مضى
العقد ولم يكن لها خلافه وإن أبت التزويج وأظهرت كراهيته لم يلتفت إلى كراهيتها.
ولا يجوز للبكر أن تعقد على نفسها نكاح الدوام إلا بإذن أبيها فإن عقدت على نفسها
بغير إذن أبيها كان العقد موقوفا على رضا الأب فإن أمضاه مضى وإن لم يمضه وفسخ كان
مفسوخا، فإن عضل الرجل بنته وهو ألا يزوجها بالأكفاء إذا خطبوها جاز لها العقد على
نفسها وإن لم يرض بذلك الأب ولم يكن لكراهية الأب تأثير، وقد روي أنه يجوز للبكر أن
تعقد على نفسها نكاح المتعة من غير إذن أبيها غير أن الذي يعقد عليها لا يطأها في الفرج
هذا إذا كانت البكر بالغة، فإن كانت دون البالغ لم يجز العقد عليها من غير إذن أبيها وكان
حكم المتعة في هذا الباب حكم نكاح الدوام.
والبكر البالغ إذا لم يكن لها أب جاز لها أن تعقد على نفسها أي نكاح شاءت من غير
ولي ولها أن تولى من شاءت العقد عليها، وإذا كان لها جد وأب كان لكل واحد منهما العقد
عليها والجد أولى، فإن عقد كل واحد منهما عليها كان الذي سبق بالعقد أولى من الذي
تأخر فإن اتفق عقداهما في حالة واحدة كان العقد ما عقده الجد، وإذا اختار أبوها رجلا
واختار جدها آخر كان الذي اختاره الجد أولى من الذي اختاره الأب هذا إذا كانت البكر
أبوها الأدنى حيا فإن لم يكن أبوها حيا لم يجز للجد أن يعقد عليها إلا برضاها وجرى مجرى
غيره، ويستحب للبكر ألا تعدل عنه إلى غيره ولا تخالفه فيما يراه فإن لم تفعل لم يكن له خيار
مع كراهيتها.
105

وإذا لم يكن لها جد وكان لها أخ يستحب لها أن تجعل الأمر إلى أخيها الكبير، وإن كان
لها أخوان فجعلت الأمر إليهما ثم عقد كل واحد منهما عليها لرجل كان الذي عقد عليها له
أخوها الأكبر أولى بها من الآخر فإن دخل بها الذي عقد عليه أخوها الصغير كان العقد
ماضيا ولم يكن للأخ الكبير أمر مع الدخول، فإن كان الأخ الكبير سبق بالعقد ودخل بها
الذي عقد له الأخ الصغير فإنها ترد إلى الأول وكان لها الصداق بما استحل من فرجها و
عليها العدة، وإن جاءت بولد كان لا حقا بأبيه.
ومتى عقد الأبوان على ولديهما قبل أن يبلغا ثم ماتا فإنهما يتوارثان ترث الجارية
الصبي والصبي الجارية، ومتى عقد عليهما غير أبويهما ثم مات واحد منهما فإن كان الذي
مات الجارية فلا يرث الصبي سواء كان بلغ أو لم يبلغ لأن لها الاختيار عند البلوغ، وإن كان
الذي مات الزوج قبل أن يبلغ فلا ميراث لها أيضا لأن له الخيار عند البلوغ وإن كان موته بعد
بلوغه ورضاه بالعقد قبل أن تبلغ الجارية فإنه يعزل ما ترثه منه إلى أن تبلغ. فإذا بلغت
عرض عليها العقد فإن رضيت به حلفت بالله تعالى أنها ما دعاها إلى الرضا الطمع في
الميراث، فإذا حلفت أعطيت الميراث وإن أبت لم يكن لها شئ.
ومتى عقد على صبية لم تبلغ غير الأب أو الجد مع وجود الأب كان لها الخيار إذا بلغت
سواء كان ذلك العاقد جدا مع عدم الأب أو الأخ أو العم أو الأم، والمرأة إذا كانت ثيبا مالكة
لأمرها نافذا أمرها في البيع والشراء والعتق والهبة في مالها غير مولى عليها لفساد عقلها جاز
لها العقد على نفسها لمن شاءت من الأكفاء سواء كان أبوها حيا أو ميتا إلا أن الأفضل لها مع
وجود الأب ألا تعقد على نفسها إلا برضاه، فإن كانت مولى عليها لم يجز لها العقد على نفسها
وكان الأمر إلى وليها في تولي العقد عليها.
ومتى عقد الرجل لابنه على جارية وهو غير بالغ كان له الخيار إذا بلغ، وإذا أراد الأخ
العقد على أخته البكر استأمرها فإن سكتت كان ذلك رضا منها، وإذا ولت المرأة غيرها
العقد عليها وسمت له رجلا بعينه لم يجز له العقد لغيره عليها فإن عقد لغيره كان العقد
باطلا، وإذا عقد الرجل على ابنه وهو صغير وسمى مهرا ثم مات الأب كان المهر من أصل
التركة قبل القسمة إلا أن يكون للصبي مال في حال العقد فيكون المهر من مال الابن
106

دون الأب، وحد الجارية التي يجوز لها العقد على نفسها أو يجوز لها أن تولى من يعقد عليها
تسع سنين فصاعدا.
ومتى عقدت الأم لابن لها على امرأة كان مخيرا إذا بلغ في قبول العقد أو الامتناع منه
فإن قبل لزمه المهر وإن أبي لزمها هي المهر، وإذا عقدت المرأة على نفسها وهي سكرى كان
العقد باطلا فإن أفاقت ورضيت بفعلها كان العقد ماضيا وإن دخل بها الرجل في حال
السكر ثم أفاقت الجارية فأقرته على ذلك كان ذلك ماضيا.
والذي بيده عقدة النكاح الأب أو الجد مع وجود الأب الأدنى أو الأخ إذا جعلت الأخت
أمرها إليه أو من وكلته في أمرها، فأي هؤلاء كان جاز له أن يعفو عن بعض المهر وليس له
أن يعفو عن جميعه، وإذا كان لرجل عدة بنات فعقد لرجل على واحدة منهن ولم يسمها
بعينها لا للزوج ولا للشهود فإن كان الزوج قد رآهن كلهن كان القول قول الأب وعلى الأب
أن يسلم إليه التي نوى العقد عليها عند عقدة النكاح وإن كان الزوج لم يرهن كلهن كان
العقد باطلا.
باب المهور وما ينعقد به النكاح وما لا ينعقد:
المهر ما تراضيا عليه الزوجان مما له قيمة ويحل تملكه قليلا كان أو كثيرا من ذهب أو
فضة أو ضيعة أو دار أو رقيق أو حيوان وما أشبه ذلك مما يتملكه الانسان، ولا يجوز في المهر
ما لا يحل تملكه من خمر أو نبيذ أو لحم خنزير وما أشبه ذلك فإن عقد على شئ من ذلك كان
العقد باطلا، ويجوز العقد على تعليم آية من القرآن أو شئ من الحكم والآداب لأن كل ذلك
له أجر معين وقيمة مقدرة، ولا يجوز العقد على إجارة وهو أن يعقد الرجل على أن يعمل لها
أو لوليها أياما معلومة أو سنين معينة.
ولا يجوز نكاح الشغار وهو أن يزوج الرجل بنته أو أخته لغيره ويتزوج بنت المزوج أو
أخته ولا يكون بينهم مهر غير تزويج هذا من هذه وهذه من ذاك، ومتى عقد على هذا كان
العقد باطلا، ويستحب ألا يتجاوز بالمهر السنة المحمدية وهو خمسمائة درهم جياد، فمن
خطب إلى غيره وبذل له هذا الصداق وكان كفؤا، فلم يزوجه كان عاصيا لله تعالى مخالفا
107

لسنة نبيه ص، ويجوز العقد على ما دون ذلك ولو كان درهما، ومتى عقد الرجل
على أكثر من خمسمائة درهم لزمه الوفاء به على التمام.
ويستحب للرجل أن لا يدخل بامرأته حتى يقدم لها مهرها، فإن لم يفعل قدم لها شيئا
من ذلك أو من غيره من الهدية ليستبيح به فرجها ويجعل الباقي دينا عليه فإن لم يفعل
ودخل بها وجعل المهر في ذمته لم يكن به بأس، ومتى سمى المهر ثم دخل بها ولم يكن أعطاها
شيئا كان في ذمته ووجب عليه الوفاء به، وكذلك إن كان قد قدم لها من جملة المهر شيئا ثم
دخل بها كان الباقي في ذمته وإن لم يكن قد سمى لها مهرا وأعطاها شيئا ثم دخل بها لم يكن
لها شئ سوى ما أخذته، وإن لم يسم المهر ولم يعطها شيئا ودخل بها لزمه مهر المثل
ولا يتجاوز بذلك خمسمائة درهم جياد.
ومتى طلق الرجل امرأته قبل الدخول بها وكان سمى لها مهرا كان عليه نصف
الصداق وإن كان قد قدم لها مهرها رجع عليها بنصف ما أعطاها إياه، فإن وهبت المرأة
صداقها قبل تطليقه لها ثم طلقها الزوج كان له أن يرجع عليها بمثل نصف المهر وإن كان
المهر مما له أجر، مثل تعليم شئ من القرآن أو صناعة معروفة ثم طلقها قبل الدخول بها
رجع عليها بمثل نصف أجرة ذلك على ما جرت به العادة، وإن كان الذي قدم لها من المهر
شيئا من الحيوان أو الرقيق وكان الحيوان أو الرقيق حاملا ثم وضع عندها كان له أن يرجع
عليها بنصف ما أعطاها ونصف ما وضعت وإن كان الحيوان قد حمل عندها لم يكن له
شئ من الحمل بل له النصف مما ساق إليها.
ومتى ادعت المرأة المهر على زوجها بعد الدخول بها لم يلتفت إلى دعواها فإن ادعت
أنها جعلته دينا عليه كان عليها البينة وعلى الزوج اليمين، ومتى طلقها قبل الدخول بها
ولم يكن قد سمى لها مهرا كان عليه أن يمتعها إن كان موسرا بدابة أو مملوك أو ما أشبهها
وإن كان متوسطا بثوب وما أشبهه وإن كان فقيرا فبخاتم وما أشبهه، ومتى خلا الرجل
بامرأته فأرخى الستر ثم طلقها وجب عليه المهر على ظاهر الحال وكان على الحاكم أن
يحكم بذلك وإن لم يكن قد دخل بها إلا أنه لا يحل للمرأة أن تأخذ أكثر من نصف المهر ما لم
يدخل بها، فإن أمكن الزوج إقامة البينة على أنه لم يدخل بها مثلا أن تكون المرأة بكرا
108

فتوجد على هيئتها لم يلزمه أكثر من نصف المهر.
ومتى مات الرجل عن زوجته قبل الدخول بها وجب على ورثته أن يعطوا المرأة المهر
كاملا ويستحب لها أن تترك نصف المهر فإن لم تفعل كان لها المهر كله، وإن ماتت المرأة
قبل الدخول بها كان لأوليائها نصف المهر وإن ماتت المرأة بعد الدخول بها كان لأوليائها
نصف المهر وأن ماتت المرأة بعد الدخول بها ولم تكن قد قبضت المهر على الوفاء
ولا طالبت به مدة حياتها فإنه يكره لأوليائها المطالبة بعدها فإن طالبوا به كان لهم ذلك ولم
يكن محظورا.
ومتى تزوج الرجل امرأة على كتاب الله وسنة نبيه ولم يسم مهرا كان مهرها خمسمائة
درهم لا غير، ومتى اختلف الزوجان في مقدار المهر ولم يكن هناك بينة كان القول قول الزوج
مع يمينه، ولا ينعقد التزويج بهبة المرأة نفسه للرجل لأن ذلك كان للنبي ص
خاصة.
فإن تزوج الرجل امرأة على حكمها فحكمت بدرهم فما فوقه إلى خمسمائة درهم كان
حكمها ماضيا فإن حكمت بأكثر من ذلك رد إلى الخمسمائة درهم، فإن تزوجها على حكمه
فبأي شئ حكم كان له قليلا أو كثيرا فإن طلقها قبل الدخول بها وقد تزوجها على حكمها
كان لها نصف ما تحكم به إلى خمسمائة درهم، وإن كان قد تزوجها على حكمه كان لها
نصف ما يحكم به الرجل قليلا كان أو كثيرا فإن مات الرجل أو ماتت المرأة قبل أن يحكما
لم يكن لها مهر وكان لها المتعة حسب ما قدمناه.
ومتى عقد الرجل لامرأة على مهر معلوم وأعطاها بذلك عبدا آبقا وشيئا آخر معه
ورضيت به ثم طلقها قبل الدخول بها كان عليها أن ترد عليه نصف المهر ويكون العبد لها،
وإن لم يعطها غير العبد كان ذلك غير صحيح وكان لها أن ترجع على زوجها بنصف المهر،
ومتى عقد على دار ولم يذكرها بعينها أو خادم ولم يذكره بعينه كان للمرأة دار وسط من الدور
وخادم وسط من الخدم.
وإذا عقد لها على جارية مدبرة ورضيت المرأة بها ثم طلقها قبل الدخول بها كان لها يوم
من خدمتها وله يوم، فإذا مات المدبر صارت حرة ولم يكن لها عليها سبيل وإن ماتت المدبرة
109

وكان لها مال كان نصفه للرجل ونصفه للمرأة، وإذا أمر الرجل غيره بالعقد له على امرأة
ثم مات الرجل الآمر وقد عقد الرجل له على المرأة فإن كان قد عقد عليها قبل موت
الرجل كان لها الصداق والميراث وكان عليها العدة وإن كان قد عقد عليها بعد موت
الرجل كان العقد باطلا.
وإذا عقد الرجل على امرأة وسمى لها مهرا ولأبيها أيضا شيئا كان المهر لازما له
وما سماه لأبيها لم يكن عليه منه شئ، وإذا عقد لامرأة على مملوك جعله مهرها وأعطاها إياه
فزاد في ثمن المملوك ثم طلقها قبل الدخول بها كان له أن يرجع عليها بنصف ثمن
المملوك يوم أعطاها إياه وليس له من الزيادة شئ.
فإن عقد الرجل على امرأة وشرط لها في الحال شرطا مخالفا للكتاب والسنة كان العقد
صحيحا والشرط باطلا، مثلا أن يشرط لها ألا يتزوج عليها ولا يتسرى أو لا يتزوج بعد موتها
وما أشبه ذلك فإن ذلك كله باطل فليفعل وليس عليه شئ، فإن شرطت عليه في حال العقد
ألا يفتضها لم يكن له افتضاضها فإن أذنت له بعد ذلك في الافتضاض جاز له ذلك، وإن
شرط ألا نفقة لها لزمته النفقة إذا كان التزويج دائما وإن كان متعة لم يكن عليه شئ.
ومتى عقد الرجل وسمى المهر إلى أجل معلوم إن جاء به وإلا كان العقد باطلا ثبت
العقد وكان المهر في ذمته وإن تأخر عن الوقت المذكور، ومتى أعتق الرجل عبده وشرط
عليه في حال العقد أن يزوجه جاريته فإن تسرى عليها أو تزوج لزمه شئ بعينه فتزوج
العبد أو تسري لزمه ما شرط عليه مولاه، ومتى شرط الرجل لامرأة في حال لعقد ألا يخرجها
من بلدها لم يكن له أن يخرجها إلا برضاها، فإن شرط عليها أنه إن أخرجها إلى بلده كان
عليه المهر مائة دينار وإن لم يخرج كان مهرها خمسين دينارا، فمتى أراد اخراجها في بلاد
الشرك فلا شرط له عليها ولزمه المهر كاملا وليس عليها الخروج معه وإن أراد اخراجها إلى
بلاد الاسلام كان له ما اشترط عليها.
ولا يجوز للمرأة أن تبرئ زوجها من صداقها في حال مرضها إذا لم تملك غيره فإن
أبرأته سقط عن الزوج ثلث المهر وكان الباقي لورثتها، ومتى تزوج الرجل بامرأة على أنها
بكر فوجدها ثيبا فإنه يجوز له أن ينتقص من مهرها شيئا وليس للرجل أن يأكل من مهر
110

ابنته ولا أن يتصرف فيه إلا بإذنها، والذمي متى عقد على امرأة بما لا يحل للمسلمين تملكه
من خمر أو خنزير أو غير ذلك من المحظورات ثم أسلما قبل أن يعطيها لم يكن عليه أن
يعطيها ما سماه وكان عليه قيمته عند مستحليه.
وللمرأة أن تمتنع من زوجها حتى تقبض منه المهر فإذا قبضته لم يكن لها الامتناع فإن
امتنعت بعد استيفاء المهر كانت ناشزا ولم يكن لها عليه نفقة، ومتى لم يقم الرجل بنفقة
زوجته وبكسوتها وكان متمكنا من ذلك ألزمه الإمام النفقة أو الطلاق وإن لم يكن متمكنا
أنظر حتى يوسع الله عليه إن شاء الله.
باب العقد على الإماء و العبيد وأحكامه:
يجوز للرجل الحر أن يعقد على أمة غيره إذا لم يجد طولا ويكره له العقد عليها مع
وجود الطول، فإن عقد مع وجود الطول كان العقد ماضيا غير أنه يكون تاركا للأفضل، ومتى
أراد العقد على أمة غيره فلا يعقد عليها إلا بإذن سيدها وأن يعطيه المهر قليلا كان أو كثيرا،
فمتى عقد عليها بإذن سيدها ثم رزق منها أولادا كانوا أحرارا لاحقين به لا سبيل لأحد
عليهم، اللهم إلا أن يشرط المولى استرقاق الولد فمتى شرط ذلك كانوا أرقاء لا سبيل
لأبيهم عليهم، ولا يبطل هذا العقد إلا بطلاق الزوج لها أو بيع مولاها لها أو عتقها، فإن
باعها كان الذي اشتراها بالخيار بين إقرار العقد وفسخه فإن أقر العقد لم يكن له بعد ذلك
خيار، وإن أعتقها مولاها كانت مخيرة بين الرضا بالعقد وبين فسخه سواء كان زوجها حرا
أو عبدا فإن رضيت بعد العتق بالعقد لم يكن لها بعد ذلك خيار.
ومتى عقد على أمة غيره بغير إذن مولاها كان العقد باطلا فإن رضي المولى بذلك
العقد كان رضاه به كالعقد المستأنف يستباح به الفرج، فإن رزق منها أولادا وكان قد عقد
عليها بغير إذن مولاها عالما بذلك كان أولاده رقا لمولاها لا سبيل له عليهم، وإن عقد
عليها على ظاهر الأمر بشهادة الشاهدين لها بالحرية ورزق منها أولادا كان أولادها أحرارا.
وإن عقد عليها على ظاهر الحال ولم تقم عنده بينة بحريتها ثم تبين أنها كانت رقا
كان أولادها رقا لمولاها ويجب عليه أن يعطيهم إياه بالقيمة وعلى الأب أن يعطيه قيمتهم،
111

فإن لم يكن له مال استسعى في قيمتهم فإن أبي ذلك كان على الإمام أن يعطي مولى الجارية
قيمتهم من سهم الرقاب، ولا يسترق ولد حر وإن كان قد أعطاها مهرا فلا سبيل له عليها
وكان له أن يرجع على وليها بالمهر كله وكان عليه لمولى الجارية عشر قيمتها إن كانت بكرا،
وإن لم تكن بكرا فنصف عشر قيمتها، فإن عقد الرجل على امرأة يظن أنها حرة وإذا
الذي عقد له عليها كان قد دلسها وكانت أمته كان له الرجوع عليه بمهرها وإن رزق منها
أولادا كانوا أحرارا.
والحرة لا يجوز لها أن تتزوج بمملوك إلا بإذن مولاه فإن تزوجت بإذن مولاه فرزق منها
ولدا كان حرا إلا أن يشرط مولى العبد استرقاق الولد وكان الطلاق بيد الزوج دون مولاه،
فإن طلقها كان الطلاق واقعا وإن لم يطلق كان العقد ثابتا إلا أن يبيعه مولاه فإن باعه كان
الذي يشتريه بالخيار بين الإقرار على العقد وبين فسخه، فإن أقر العقد لم يكن له بعد ذلك
اختيار وإن عتق العبد له يكن للحرة عليه اختيار لأنها رضيت به وهو عبد، فإذا صار حرا
كانت أولى بالرضا به.
فإن عقد العبد على حرة بغير إذن مولاه كان العقد موقوفا على رضا مولاه فإن أمضاه
كان ماضيا ولم يكن له بعد ذلك فسخه إلا أن يطلق العبد أو يبيع هو عبده، فإن طلق العبد
كان طلاقه واقعا ليس لمولاه عليه اختيار وإن فسخه
كان مفسوخا، فإن رزق منها أولادا وكانت عالمة بأن مولاه لم يأذن له في التزويج كان أولاده رقا لمولى العبد، وإن لم تكن عالمة
بذلك كان أولادها أحرارا لا سبيل لمولى العبد عليهم، والأمة إذا تزوجت بغير إذن مولاها
بعبد كان أولادها رقا لمولاها إذا كان العبد مأذونا له في التزويج، فإن لم يكن العبد مأذونا له
في التزويج كان الأولاد رقا لمولى العبد ومولى الأمة بينهما بالسوية.
وإذا زوج الرجل جاريته عبده فعليه أن يعطيها شيئا من ماله مهرا لها وكان الفراق
بينهما بيده وليس للزوج طلاق على حال فمتى شاء المولى أن يفرق بينهما أمره باعتزالها أو
أمرها باعتزاله، ويقول: قد فرقت بينكما وإن كان قد وطئها العبد استبرأها بحيضة أو
خمسة وأربعين يوما ثم يطأها إن شاء وإن لم يكن وطئها العبد جاز له وطؤها في الحال، فإن
باعهما كان الذي يشتريهما بالخيار بين إمضاء العقد وفسخه فإن رضي بالعقد كان حكمه
112

حكم المولى الأول وإن أبي لم يثبت بينهما عقد على حال وإن باع المولى أحدهما كان ذلك
أيضا فراقا بينهما.
ولا يثبت العقد إلا أن يشاء هو ثبات العقد على الذي بقي عنده ويشاء الذي اشترى
أحدهما ثباته على الذي اشتراه فإن أبي واحد منهما ذلك لم يثبت العقد وإن رزق بينهما أولادا
كانوا رقا لمولاهما، ومتى أعتقهما جميعا كانت المرأة بالخيار بين الرضا بالعقد الأول وبين إبائه
فإن رضيت كان ماضيا وإن أبت كان مفسوخا.
ومتى عقد الرجل على أمة غيره باذنه جاز العقد وكان الطلاق بيد العبد، فمتى طلق
جاز طلاقه وليس لمولاه أن يطلق امرأته، فإن باعه كان ذلك فراقا بينه وبينها إلا أن يشاء
المشتري إقراره على العقد ويرضى بذلك مولى الجارية فإن أبي واحد منهما ذلك لم يثبت
العقد على حال، وكذلك إن باع مولى الجارية جاريته كان ذلك فراقا بينهما إلا أن يشاء
الذي اشتراها إقرارها على العقد ويرضى بذلك مولى العبد فإن أبي واحد منهما كان العقد
مفسوخا.
ومتى أعتق مولى الجارية جاريته كانت بالخيار حسب ما قدمناه، وإن أعتق العبد لم
يكن لمولى الجارية عليه خيار ولا يفسد العقد إلا ببيعهما أو عتقهما، ومتى رزق بينهما ولد فإن
كان بين مولاهما شرط كان على ما اشترطا عليه لأنه إن شرط مولى الجارية أن يكون الأولاد
رقا له كانوا كذلك وإن شرط ذلك مولى العبد كانوا كذلك، وإن لم يقع بينهما شرط كان الولد
بينهما على السواء، ولا توارث بين الزوجين، إذا كان أحدهما رقا لا يرث الرجل المرأة
ولا المرأة الرجل.
وإذا كانت الجارية بين شريكين أحدهما غائب والآخر حاضر فعقد عليها الحاضر
لرجل لم يجز العقد إلا بعد رضا الغائب، وإذا تزوج الرجل جارية بين شريكين ثم اشترى
نصيب أحدهما حرمت عليه إلا أن يشترى النصف الآخر أو يرضى مالك نصفها بالعقد
فيكون ذلك عقدا مستأنفا،
وإذا عقد الرجل لجاريته على مملوك له، ثم مات لم يكن لها عليه خيار ما دام
الورثة راضين بالعقد فإن أبوا العقد كان ذلك إليهم.
113

باب ما يستحب فعله لمن أراد العقد أو الزفاف وآداب الخلوة والجماع والقسمة
بين الأزواج:
يستحب لمن أراد عقدة النكاح أن يستخير الله تعالى أولا فيصلي ركعتين ويحمد الله
تعالى ويقول: اللهم إني أريد أن أتزوج اللهم قدر لي من النساء أعفهن فرجا وأحفظهن لي
في نفسها وفي مالي وأوسعهن رزقا وأعظمهن بركة، وقدر لي منها ولدا طيبا، تجعله خلفا
صالحا في حياتي وبعد موتى، ويجتنب العقد في وقت يكون القمر فيه في برج العقرب فإن ذلك
مكروه على ما جاءت به الأخبار، وإذا أراد العقد يستحب أن يكون ذلك بالإعلان والإشهاد
والخطبة فيه بذكر الله تعالى، فإن أخل بشئ من ذلك أو بجميعه لم يفسد به العقد وكان ثابتا
إلا أنه يكون قد ترك الأفضل، ويستحب الوليمة عند الزفاف يوما أو يومين يدعي فيها
المؤمنون.
وإذا قرب تحول المرأة إلى بيت الزوج يستحب أن يأمرها بأن تصلي ركعتين وتكون
على وضوء إذا دخلت عليه ويصلى هو أيضا مثل ذلك ويكون على وضوء إذا أدخلت عليه
امرأته ويدعو الله تعالى عقيب الركعتين ويسأله أن يرزقه إلفها وودها ورضاها فإذا أدخلت
المرأة عليه فليضع يده على ناصيتها ويقول: اللهم على كتابك تزوجتها وفي أمانتك أخذتها
وبكلماتك استحللت فرجها، فإن قضيت في رحمها نسبا فاجعله مسلما سويا ولا تجعله شرك
شيطان، ويستحب أن يكون عقد التزويج والزفاف بالليل ويكون الإطعام بالنهار.
ولا يجوز للرجل أن يدخل بامرأته قبل أن يأتي لها تسع سنين، فإن دخل بها قبل أن يأتي
لها تسع سنين فعابت كان ضامنا لعيبها ويفرق بينهما ولا تحل له أبدا.
ويستحب أن يسمي الله تعالى عند الجماع ويسأله أن يرزقه ولدا ذكرا سويا ليس في
خلقه زيادة ولا نقصان، ويكره الجماع ليلة الكسوف واليوم الذي تنكسف فيه الشمس
وفيما بين غروب الشمس إلى مغيب الشفق ومن طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، وفي
الريح السوداء والصفراء وعند الزلازل وفي محاق الشهر وفي أول ليلة من الشهر إلا ليلة
شهر رمضان وفي ليلة النصف.
ويكره للقادم من السفر أن يطرق أهله ليلا حتى يصبح ويكره أن يجامع الرجل وهو
114

عريان أو يكون مستقبل القبلة أو مستدبرها ولا ينبغي أن يجامع أهله في السفينة، وإذا
احتلم الرجل فلا يجامع حتى يغتسل فإن أراد ذلك فليتوضأ وضوء الصلاة ثم يفعل
ما شاء، ولا يجوز للرجل أن يترك المرأة ولا يقربها أكثر من أربعة أشهر فإن تركها أكثر من
ذلك كان مأثوما، ويكره للرجل النظر إلى فرج امرأته ويكره الكلام في حال الجماع سوى
ذكر الله تعالى، ولا ينبغي أن يجامع الرجل أهله في بيت يكون فيه غيرهما من الصبيان
وغيرهم، ويكره للرجل أن يأتي النساء في أحشاشهن فأما ما عدا ذلك فليس به بأس،
ويكره للرجل أن يعزل عن امرأته الحرة إن عزل لم يكن بذلك مأثوما غير أنه يكون تاركا
فضلا، اللهم إلا أن يشرط عليها في حال العقد أو يستأذنها في حال الوطء فإنه لا بأس
بالعزل عنها عند ذلك، وأما الأمة فلا بأس بالعزل عنها على كل حال.
وإذا كان الرجل في السفر وليس معه ماء للغسل كره له الجماع إلا أن يخاف على
نفسه، وإذا كان للرجل امرأتان جاز له أن يبيت عند واحدة منهما ثلاث ليال وعند الأخرى
ليلة واحدة وإن كانت عنده ثلاث نساء جاز له أن يبيت عند واحدة منهن ليلتين وعند كل
واحدة منهن ليلة ليلة وإذا كان عنده أربع نساء فلا يجوز له أن يبيت عند كل واحدة منهن
أكثر من ليلة ليلة، وينبغي أن يسوي بينهن في القسمة اللهم إلا أن تترك واحدة منهن ليلتها
لامرأة أخرى فيجوز للرجل حينئذ أن يبيت عندها ليلتين، وإذا بات عند كل واحدة منهن
ليلة وسوى بينهن في القسمة فليس يلزمه جماعها بل هو مخير في ذلك.
وإذا عقد على امرأة بكر جاز له تفضيلها بثلاث ليال إلى سبع ليال ثم يرجع بعد ذلك
إلى التسوية، وإذا اجتمع عند الرجل حرة وأمة كان للحرة ليلتان وللأمة ليلة هذا إذا كانت
الأمة زوجة فأما إذا كانت ملك يمين فليس لها قسمة مع الحرائر، وحكم اليهودية والنصرانية
إذا كانتا زوجتين حكم الإماء على السواء.
ولا بأس أن يفضل الرجل بعض نسائه على بعض في النفقة و الكسوة وإن سوى بينهن
وعدل كان أفضل، ولا بأس أن ينظر الرجل إلى وجه امرأة يريد العقد عليها وينظر إلى
محاسنها: يديها ووجهها ويجوز أن ينظر إلى مشيها وإلى جسدها من فوق ثيابها ولا يجوز له
شئ من ذلك إذا لم يرد العقد عليها، ولا بأس أن ينظر الرجل إلى أمة يريد شراءها وينظر
115

إلى شعرها ومحاسنها ولا يجوز له ذلك إذا لم يرد ابتياعها، والنظر إلى نساء أهل الكتاب
وشعورهن لا بأس به لأنهن بمنزلة الإماء إذا لم يكن النظر لريبة أو تلذذ، فأما إذا كان كذلك
فلا يجوز النظر إليهن على حال.
باب التدليس في النكاح وما يرد منه وما لا يرد:
إذا عقد الرجل على امرأة على أنها حرة فوجدها أمة كان له ردها، فإن كان قد
دخل بها كان لها المهر بما استحل من فرجها وللرجل أن يرجع على وليها الذي دلسها بالمهر
فإن كان الولي لم يعلم دخيلة أمرها لم يكن عليه شئ، وإن كان لم يدخل بها لم يكن لها مهر،
وإن كان قد أعطاها المهر كان له الرجوع عليها به وإذا ردها كان رده لها فراقا بينه وبينها
ولا يحتاج مع ذلك إلى طلاق، وإذا تزوجت المرأة برجل على أنه حر فوجدته عبدا كانت
بالخيار بين إقراره على العقد وبين اعتزاله فإن اعتزلت كان ذلك فراقا بينها وبينه وإن
استقرت معه لم يكن لها بعد ذلك خيار، وإن كان دخل بها كان لها الصداق بما استحل من
فرجها وإن لم يكن قد دخل بها لم يكن لها عليه شئ.
وإذا عقد الرجل على بنت رجل على أنها بنت مهيرة فوجدها بنت أمة كان له ردها،
وإن لم يكن دخل بها لم يكن بها عليه شئ وكان المهر على أبيها وإن كان قد دخل بها كان
المهر عليه بما استحل من فرجها، فإن رضي بعد ذلك بالعقد لم يكن له بعد ذلك خيار، ومتى
كان للرجل بنتان: إحديهما بنت مهيرة والأخرى بنت أمة فعقد لرجل على بنته من المهيرة
ثم أدخلت عليه بنته من الأمة كان له ردها، وإن كان قد دخل بها وأعطاها المهر كان لها المهر
بما استحل من فرجها وإن لم يكن دخل بها فليس لها عليه مهر وعلى الأب أن يسوق إليه ابنته
من المهيرة وكان عليه المهر من ماله إذا كان المهر الأول قد وصل إلى ابنته الأولى، وإن لم يكن
قد وصل إليها ولا يكون قد دخل بها كان المهر في ذمة الزوج.
وإذا تزوج الرجل بامرأة فوجدها برصاء أو جذماء أو عمياء أو رتقاء أو مفضاة أو
عرجاء أو مجنونة كان له ردها من غير طلاق، وإن كان قد دخل بها كان لها المهر بما استحل
من فرجها وله أن يرجع على وليها بالمهر الذي أعطاها إذا كان الولي عالما بحالها، إن لم
116

يكن عالما بحالها لم يكن عليه شئ وإن لم يكن دخل بها لم يكن عليه مهر فإن كان قد
أعطاها المهر كان له الرجوع عليها به، ومتى وطئها بعد العلم بحالها لم يكن له بعد ذلك
ردها فإن أراد فراقها طلقها، فأما ما عدا ما ذكرناه من العيوب فليس يوجب شئ منها الرد
مثل العور وما أشبه ذلك والمحدودة في الزنى لا ترد وكذلك التي كانت قد زنت قبل العقد
فليس للرجل ردها إلا أن له أن يرجع على وليها بالمهر وليس له فراقها إلا بالطلاق.
وإذا عقد على امرأة على أنها بكر فوجدها ثيبا لم يكن له ردها، غير أن له أن ينقص
من مهرها شيئا، ولا يرد الرجل من شئ من العيوب التي ذكرناها إلا من الجنون ويرد أيضا
من العنة، فإن تزوجت المرأة برجل على أنه صحيح فوجدته مجنونا كانت مخيرة بين الصبر
عليه وبين مفارقته، فإن حدث بالرجل جنة يعقل معها أوقات الصلوات لم يكن لها اختيار
وإن لم يعقل أوقات الصلوات كان لها الخيار، فإن اختارت فراقه كان على وليه أن يطلقها.
ومتى عقد الرجل على امرأة على أنه صحيح فوجدته عنينا، انتظر به سنة فإن وصل
إليها في مدة السنة ولو مرة واحدة لم يكن لها عليه خيار، وإن لم يصل إليها أصلا كانت
مخيرة بين المقام معه وبين مفارقته فإن رضيت لم يكن لها بعد ذلك خيار وإن اختارت فراقه
كان لها نصف الصداق وليس لها عدة، وإن حدث بالرجل عنة كان الحكم في ذلك مثل
ما قدمناه في أنه يؤجل سنة فإن وصل إليها كان أملك بها وإن لم يصل إليها كانت بالخيار
هذا إذا حدثت به العنة قبل الدخول بها، فإن حدثت بعد الدخول فلا خيار لها على حال
وإذا لم يقدر على إتيان امرأة وقدر على إتيان غيرها من النساء لم يكن لها عليه خيار.
وإذا اختلف الزوج والمرأة فادعى الزوج أنه قربها وأنكرت المرأة ذلك، فإن كانت
المرأة بكرا فإن ذلك مما يعرف بالنظر إليها فإن وجدت كما كانت لم يكن لادعاء الرجل
تأثير وإن لم توجد كذلك لم يكن لإنكار المرأة تأثير، وإن كانت المرأة ثيبا كان القول قول
الرجل مع يمينه بالله تعالى، وقد روي أنها تؤمر بأن تحشو قبلها خلوقا ثم يأمر الحاكم
الرجل بوطئها فإن وطئها فخرج وعلى ذكره أثر الخلوق صدق وكذبت وإن لم يكن الأثر
موجودا صدقت وكذب الرجل، وإن تزوجت المرأة برجل على أنه صحيح فوجدته خصيا
كانت بالخيار بين الرضا بالمقام معه وبين مفارقته فإن رضيت بالمقام معه لم يكن لها بعد ذلك
117

خيار وإن أبت فرق بينهما، وإن كان قد خلا بها كان للمرأة صداقها منه وعلى الإمام أن يعزره
لئلا يعود إلى مثل ذلك.
ومتى عقد الرجلان على امرأتين فأدخلت امرأة هذا على هذا والأخرى على الآخر ثم
علم بعد ذلك فإن لم يكونا دخلا بهما ردت كل واحدة منهما إلى زوجها وإن كانا قد دخلا بهما
فإن لكل واحدة منهما الصداق، فإن كان الولي تعمد ذلك أغرم الصداق ولا يقرب كل
واحد منهما امرأته حتى تنقضي عدتها فإذا انقضت صارت كل واحدة منهما إلى زوجها
بالعقد الأول، فإن ماتتا قبل انقضاء العدة فليرجع الزوجان بنصف الصداق على ورثتهما
ويرثانهما الرجلان فإن مات الرجلان وهما في العدة فإنهما ترثانهما ولهما المهر المسمى
حسب ما قدمناه في المتوفى عنها زوجها ولم يدخل بها وعليهما العدة بعد ما تفرغان من العدة
الأولى تعتدان عدة المتوفى عنها زوجها.
ومتى أقام الرجل بينة على أنه تزوج بامرأة و عقد عليها عقدا صحيحا وأقامت أختها
على هذا الرجل البينة أنه عقد عليها فإن البينة بينة الرجل ولا يلتفت إلى بينة المرأة، اللهم
إلا أن تقيم البينة بأنه عقد عليها قبل عقده على أختها. فإذا كان الأمر كذلك، قبلت بينتها
وأبطلت بينة الرجل، وإذا انتمى رجل إلى قبيلة بعينها وتزوج فوجد على خلاف ذلك أبطل
التزويج.
باب المتعة وأحكامها:
نكاح المتعة مباح في شريعة الاسلام وهو ما قدمنا ذكره من عقد الرجل على امرأة مدة
معلومة بمهر معلوم، ولا بد من هذين الشرطين وبهما يتميز من نكاح الدوام، فإن عقد عليها
متعة ولم يذكر الأجل كان التزويج دائما ولزمه ما يلزمه في نكاح الغبطة من المهر والنفقة
والميراث، وأن لا تبين منه إلا بالطلاق أو ما جرى مجراه وإن ذكر الأجل ولم يذكر المهر لم
يصح العقد.
وأما ما عدا هذين الشرطين فمستحب ذكره دون أن يكون ذلك من الشرائط الواجبة
منها أنه يذكر الشرطين معا ويذكر أن لا نفقة لها ولا ميراث بينهما وأنه تلزمها العدة بعد
118

مفارقتها إياه إما بانقضاء الأجل أو الموت، ويشرط العزل عنها إن شاء فإن أخل بشئ من
هذه الشرائط لم يفسد العقد إلا أنه يكون تاركا فضلا، وأما الإشهاد والإعلان فليسا من
شرائط المتعة على حال، اللهم إلا أن يخاف الرجل التهمة بالزنى فيستحب له حينئذ أن
يشهد على العقد شاهدين.
وإذا أراد التمتع بامرأة فليطلب امرأة عفيفة مؤمنة مستبصرة معتقدة للحق فإن لم
يجد بهذه الصفة ووجد مستضعفة جاز أن يعقد عليها، ولا بأس بالمتعة باليهودية
والنصرانية ويكره التمتع بالمجوسية وليس ذلك بمحظور إلا أنه متى عقد على واحدة
منهن منعها من شرب الخمر وأكل لحم الخنزير، ولا بأس أن يتمتع الرجل بالفاجرة إلا أنه
يمنعها بعد العقد من الفجور وليس على الرجل أن يسألها هل لها زوج أم لا؟ لأن ذلك
لا يمكن أن تقوم له به بينة، فإن اتهمها في ذلك احتاط في التفتيش عن أمرها وإن لم يفعل
فليس عليه شئ.
ولا بأس أن يتزوج الرجل متعة بكرا ليس لها أب من غير ولي ويدخل بها فإن كانت
البكر بين أبويها وكانت دون البالغ لم يجز له العقد عليها إلا بإذن أبيها، وإن كانت بالغا
وقد بلغت حد البلوغ وهو تسع سنين إلى عشر جاز له العقد عليها من غير إذن أبيها إلا
أنه لا يجوز له أن يفضى إليها والأفضل ألا يتزوجها إلا بإذن أبيها على كل حال، ولا بأس أن
يتمتع الرجل بأمة غيره باذنه فإن كانت الأمة لامرأة جاز له التمتع بها من غير إذنها
والأفضل ألا يتمتع بها إلا بإذنها، فإذا كانت عنده امرأة حرة فلا يتمتع بأمة إلا برضى الحرة
وكان الحكم في المتعة حكم نكاح الدوام.
وإذا أراد العقد، فليذكر من المهر والأجل ما تراضيا عليه وأقل ما يجزئ من المهر تمثال
من سكر أو كف من طعام أو ما أشبه ذلك، فإن ذكر لها مهرا معلوما وأجلا معلوما ثم أراد
مفارقتها قبل الدخول بها فليهب لها أيامها ويلزمه نصف المهر فإن كان قد أعطاها المهر
رجع عليها بنصفه فإن وهبت مهرها له قبل أن يفارقها كان له أن يرجع بمثل نصف المهر
بعد تخليته إياها، فإن أعطاها شيئا من مهرها ودخل بها لزمه ما يبقى عليه منه إذا وفت له
بأيامه فإن أخلت بشئ من أيامه جاز له أن ينقصها بحساب ذلك من المهر، فإن تبين بعد
119

الدخول بها أن لها زوجا كان لها ما أخذت منه ولا يلزمه أن يعطيها ما بقي عليه.
فأما الأجل فما تراضيا عليه من شهر أو سنة أو يوم، وقد روي: أنه يجوز أن يذكر المرة
والمرتين والأحوط ما قدمناه من أنه يذكر يوما معلوما أو شهرا معينا، فإن ذكر المرة والمرتين
جاز له ذلك إذا أسنده إلى يوم معلوم، فإن ذكر المرة مبهمة ولم يقرنها بالوقت كان العقد
دائما لا يزول إلا بالطلاق أو ما يجري مجراه، ويجوز أن يشرط عليها أن يأتيها ليلا أو نهارا
أو في أسبوع دفعة أو يوما بعينه أي ذلك شاء فعل ولم يكن عليه شئ، ومتى عقد عليها شهرا
ولم يذكر الشهر بعينه ومضى عليها شهر ثم طالبها بعد ذلك بما عقد عليها لم يكن له عليها
سبيل، وإن كان قد سمى الشهر بعينه كان له شهره الذي عينه.
وليس في نكاح المتعة توارث شرط نفي الميراث أو لم يشرط، اللهم إلا أن يشرط أن بينهما
التوارث فإن شرط ذلك ثبتت بينهما الموارثة وإنما لا يحتاج نفي التوارث إلى شرط، ويجوز
للرجل العزل وإن لم يكن شرط، ومتى جاءت بولد كان لا حقا به سواء عزل أو لم يعزل.
ولا بأس أن يتزوج الرجل متعة ما شاء من النساء لأنهن بمنزلة الإماء والأحوط له
والأفضل أن لا يزيد على أربع منهن، ولا بأس أن يعقد الرجل على امرأة واحدة مرات كثيرة
واحدة بعد أخرى وإذا انقضى أجل المتعة جاز له أن يعقد عليها عقدا مستأنفا في الحال،
فإن أراد فليهب لها ما بقي عليها من الأيام ثم ليعقد عليها على ما شاء من الأيام.
وعدة المتمتعة إذا انقضى أجلها أو وهب لها زوجها أيامها حيضتان أو خمسة وأربعون
يوما إذا كانت لا تحيض وفي سنها من تحيض، وإذا مات عنها زوجها قبل انقضاء أجلها
كانت عدتها مثل عدة المعقود عليها عقد الدوام أربعة أشهر وعشرة أيام.
وإذا اشترط الرجل في حال العقد ألا يطأها في فرجها لم يكن له وطؤها فيه فإن رضيت
بعد العقد بذلك كان ذلك جائزا، وكل شرط يشرطه الرجل على المرأة إنما يكون له تأثير بعد
ذكر العقد فإن ذكر الشروط وذكر بعدها العقد كانت الشروط التي قدم ذكرها باطلة لا تأثير
لها فإن كررها بعد العقد ثبتت على ما شرط.
120

باب السراري وملك الأيمان:
يستباح وطء الإماء بثلاثة أشياء: أحدها العقد عليهن بإذن أهلهن وقد قدمنا ذكر
ذلك، والثاني بتحليل مالكهن الرجل من وطئهن وإباحته له وإن لم يكن هناك عقد،
والثالث بأن يملكهن فيستبيح وطأهن بملك الأيمان له.
وإذا أحل الرجل جاريته لأخيه أو المرأة لأخيها أو لزوجها حل له منها ما أحله له
مالكها، إن أحل له وطأها حل له كل شئ منها وإن أحل له ما دون الوطء فليس له إلا
ما جعله منه في حل، إن أحل له خدمتها لم يكن له سوى الخدمة شئ وإن أحل له مباشرتها
و تقبيلها كان له ذلك ولم يكن له وطؤها، فإن وطئها كان عاصيا وإن أتت بالولد كان لمولاها
ويكون رقا له ولزمه عشر قيمتها إن كانت بكرا وإن كانت غير بكر، لزمه نصف عشر
قيمتها، ومتى جعله في حل من وطئها وأتت بولد كان لمولاها وعلى أبيه أن يشتريه بماله إن
كان له مال وإن لم يكن له مال استسعى في ثمنه، فإن شرط أن يكون الولد حرا كان على
ما شرط.
ويكره للرجل أن يطأ جارية غيره بتحليله لها إلا بعد أن يشرط أن يكون الولد حرا فإن
امتنع مولاها من ذلك كره له وطؤها، ويحل له منها مقدار ما يحلله له مالكها إن يوما فيوما
وإن شهرا فشهرا على حسب ما يريد، ولا يجوز للرجل أن يجعل عبده في حل من وطء جاريته
فإن أراد ذلك عقد له عليها عقدا، وينبغي أن يراعى فيما ذكرناه لفظ التحليل وهو أن يقول
الرجل المالك للأمة لمن يحللها له: جعلتك في حل من وطء هذه الجارية أو أحللت لك وطأها
ولا يجوز لفظ العارية في ذلك، وحكم المدبرة في التخليل حكم المملوكة على السواء.
ومتى كانت الجارية بين شريكين جاز لأحدهما أن يجعل صاحبه في حل من وطئها وإذا
كان الرجل مالكا لنصف الجارية والنصف الآخر منها يكون حرا لم يجز له وطؤها بل
يكون له من خدمتها يوم ولها من نفسها يوم، فإن أراد العقد عليها في يومها عقد عليها عقد
المتعة وكان ذلك جائزا، ومتى ملك الرجل جارية بأحد وجوه التمليكات من بيع أو هبة أو
ميراث أو سبي أو غير ذلك لم يجز له وطؤها إلا بعد أن يستبرئها بحيضة إن كانت ممن
تحيض، وإن لم تكن ممن تحيض ومثلها تحيض استبرأها بخمسة وأربعين يوما وإن كانت قد
121

أيست من المحيض أو لم تكن بلغته لم يكن عليه استبراؤها.
وكذلك يجب على الذي يريد بيع جارية كان يطأها أن يستبرئها إما بحيضة أو
بخمسة وأربعين يوما، فإن استبرأها البائع ثم باعها وكان موثوقا به جاز للذي يشتريها أن
يطأها من غير استبراء والأفضل له استبراؤها على كل حال، وإذا كانت الجارية لامرأة جاز
للذي يشتريها وطؤها قبل الاستبراء والأفضل استبراؤها قبل الوطء مثل التي تكون
للرجل، فإن اشترى جارية وأعتقها قبل أن يستبرئها جاز له العقد عليها وحل له وطؤها
والأفضل أن لا يطأها إلا بعد الاستبراء، ومتى أعتقها وكان قد وطئها جاز له العقد عليها
ووطؤها ولم يكن عليه استبراء على حال، فإن أراد غيره العقد عليها لم يجز له ذلك إلا بعد
خروجها من عدتها، هي ثلاثة أشهر.
ومتى اشترى الرجل جارية وهي حائض تركها حتى تطهر ثم حل له وطؤها وكان ذلك
كافيا في استبراء رحمها، ومتى اشترى جارية حاملا لم يجز له وطؤها إلا بعد وضعها الحمل أو
تمضى عليه أربعة أشهر وعشرة أيام، فإن أراد وطأها قبل ذلك وطئها فيما دون الفرج وكذلك
من اشترى جارية وأراد وطأها قبل الاستبراء جاز له ذلك فيما دون الفرج والتنزه عن ذلك
أفضل.
ولا بأس أن يجمع الرجل بملك اليمين ما شاء من العدد مباح له ذلك ولا يجمع بين
الأختين في الوطء ويجوز له أن يجمع بينهما في الملك والاستخدام وكذلك لا بأس أن يجمع بين
الأم والبنت في الملك ولا يجمع بينهما في الوطء، فمتى وطئ الأم حرم عليه وطء البنت وكذلك
إن وطئ البنت حرم عليه وطء الأم.
ولا يجوز للرجل أن يطأ جارية قد وطئها أبوه أو قبلها بشهوة أو نظر منها إلى ما يحرم
على غير مالكها النظر إليه ويجوز له أن يملكها وإن وطئها أبوه، وحكم الابن حكم الأب
سواء في أنه إذا وطئ جارية أو قبلها أو رأى منها ما يحرم على غير مالكها حرمت على الأب،
وجميع المحرمات اللواتي قدمنا ذكرهن بالنسب والسبب في العقد يحرم أيضا وطؤهن بملك
الأيمان.
ولا يجوز للرجل وطء جاريته إذا كان قد زوجها من غيره إلا بعد مفارقة الزوج لها
122

وانقضاء عدتها ولا يجوز له أن يطأ جارية له معه فيها شريك، وإذا زوج الرجل جاريته من
غيره فلا يجوز النظر إليها متكشفة ولا متجردة من ثيابها إلا بعد مفارقة الزوج لها، ومن
اشترى جارية كان لها زوج زوجها مولاها لم يكن عليه الامتناع من وطئها إلا مدة استبراء
رحمها ما لم يرض بذلك العقد فإن رضي به لم يجز له وطؤها إلا بعد مفارقة الزوج لها بالطلاق
أو الموت، ولا بأس أن يشترى الرجل امرأة لها زوج من دار الحرب وكذلك لا بأس أن
يشترى الرجل بنت الرجل أو ابنه إذا كانوا مستحقين للسبي وكذلك لا بأس أن يشتريهم
وإن كان قد سباهم أهل الضلال إذا كانوا مستحقين للسبي.
وإذا كان للرجل جارية وأراد أن يعتقها ويجعل عتقها مهرها جاز له ذلك إلا أنه متى
أراده ينبغي أن يقدم لفظ العقد على لفظ العتق بأن يقول: تزوجتك وجعلت مهرك عتقك،
فإن قدم العتق على التزويج بأن يقول: أعتقتك وتزوجتك وجعلت مهرك عتقك، مضى
العتق وكانت مخيرة بين الرضا بالعقد والامتناع من قبوله، فإن طلق التي جعل عتقها
مهرها قبل الدخول بها رجع نصفها رقا واستسعيت في ذلك النصف فإن لم تسع فيه كان
له منها يوم ولها من نفسها يوم في الخدمة وإن كان لها ولد له مال ألزم أن يؤدي عنها النصف
الباقي وتنعتق حينئذ، فإن جعل عتقها صداقها ولم يكن أدى ثمنها ثم مات فإن كان له مال
يحيط بثمن رقبتها أدى عنه وكان العتق والنكاح ماضيين، وإن لم يترك غيرها كان العتق
والعقد فاسدين وترجع الأمة إلى مولاها الأول وإن كانت قد علقت منه كان حكم ولدها
حكمها في كونه رقا.
وإذا كان للرجل ولد كبير وله جارية لم يجز له وطؤها إلا بإذن ولده وإن كان ولده
صغيرا جاز له وطؤها إذا قومها على نفسه ويكون ضامنا للثمن ولا يجوز له وطؤها قبل
ذلك، والمرأة الحرة إذا كان لها زوج مملوك، فورثته أو اشترته أبطل ذلك العقد فإن أرادته لم
يكن لها ذلك إلا بأن تعتقه وتتزوج به.
وإذا أذن الرجل لعبده في التزويج فتزوج ثم أبق لم يكن لها على مولاه نفقة وقد بانت
من الزوج وكان عليها العدة منه، فإن رجع العبد قبل خروجها من العدة كان أملك
برجعتها وإن أعاد بعد انقضاء عدتها لم يكن له عليها سبيل، وإذا كان العبد بين شريكين
123

فأذن له أحدهما في التزويج فتزوج ثم علم الآخر كان مخيرا بين إمضاء العقد وبين فسخه،
وإذا كان للرجل جارية فاجرة كره له وطؤها فإن وطئها فلا يطلب ولدها وليعزل عنها،
ولا بأس أن يطأ الرجل جاريته وفي البيت معه غيره وكذلك لا بأس أن ينام بين جاريتين،
ويكره جميع ذلك في الحرائر من النساء.
وإذا اشترى الرجل جارية ومضى عليها ستة أشهر لم تحض فيها ولم تكن حاملا كان
له ردها لأنه عيب يوجب الرد، وإذا زوج الرجل أمته من غيره وسمى لها مهرا معينا وقدم
الرجل من جملة المهر شيئا معينا ثم باع الرجل الجارية لم يكن له المطالبة بباقي المهر ولا لمن
يشتريها إلا أن يرضى بالعقد، وإذا زوج الرجل مملوكا له بامرأة حرة كان المهر لازما في ذمته
فإن باع العبد قبل الدخول بها وجب على المولى نصف المهر، وإذا زوج الرجل جاريته من
رجل حر ثم أعتقها فإن مات زوجها ورثته ولزمها عدة الحرة المتوفى عنها زوجها وإن علق
عتقها بموت زوجها ثم مات الزوج لم يكن لها ميراث وكان عليها عدة الحرة المتوفى عنها
زوجها.
فإن أعتق الرجل أم ولده فارتدت بعد ذلك وتزوجت رجلا ذميا ورزقت منه أولادا
كان أولادها من الذمي رقا للذي أعتقها فإن لم يكن حيا كانوا رقا لأولاده، ويعرض عليها
الاسلام فإن رجعت وإلا وجب عليها ما يجب على المرتدة عن الاسلام.
وإذا كان للرجل جارية رزق منها ولدا لم يجز له بيعها ما دام الولد باقيا فإن مات الولد
جاز له بيعها ويجوز بيعها مع وجود الولد في ثمن رقبتها إذا لم يكن مع الرجل غيرها، فإن
مات الرجل ولم يخلف غيرها بيعت وقضي بثمنها دينه وإن كان له مال غيرها جعلت من
نصيب ولدها وتنعتق.
ولا يجوز أن يتزوج الرجل بمكاتبة غيره قبل أن تقضي مكاتبتها، ولا بأس أن يطأ
الرجل مملوكة قد ملكها عبده أو أمته لأن ما يملكه مملوكه فهو ملكه.
باب الولادة والعقيقة والسنة فيهما وحكم الرضاع:
إذا حضرت المرأة الولادة فلتخل بها النساء لتولي أمرها ولا يقربها أحد من الرجال
إلا عند عدم النساء، فإذا ولد المولود يستحب أن يغسل ويؤذن في أذنه اليمنى ويقام في أذنه
124

اليسرى ويحنك بماء الفرات إن وجد فإن لم يوجد فبماء عذب فإن لم يوجد إلا ماء ملح مرس
فيه شئ من التمر أو العسل ثم يحنك به، ويستحب أن يحنك بتربة الحسين ع.
ومن حق الولد على والده أن يحسن اسمه، والأسماء المستحبة، جميع أسماء الأنبياء
والأئمة ع وأفضلها محمد وعلى والحسن والحسين، ثم أسماء الأئمة
ع. ولا بأس أن يكني الرجل ابنه في حال صغره ولا يكنيه أبا القاسم إذا كان اسمه
محمدا، ويكره أن يسمي الرجل ابنه حكما أو حكيما أو خالدا أو مالكا أو حارثا، فإذا كان
يوم السابع يستحب للإنسان أن يعق عن ولده بكبش إن كان ذكرا أو نعجة إن كانت أنثى
وهي سنة مؤكدة لا يتركها مع الاختيار، فإن لم يعق الوالد عن ولده ثم أدرك استحب له أن
يعق عن نفسه ولا تقوم مقام العقيقة الصدقة بثمنها، وإذا لم يتمكن من العقيقة فليس عليه
شئ وإن تمكن بعد ذلك استحب له قضاؤها.
ويستحب أيضا أن يحلق رأس الصبي يوم السابع ويتصدق بوزن شعره ذهبا أو فضة
ويكون ذلك مع العقيقة في موضع واحد، وكل ما يجزئ في الأضحية فهو جائز في العقيقة إلا
أن الأفضل ما قدمناه، أن يعق عن الذكر بالذكر وعن الأنثى بالأنثى، لم يوجد ووجد حمل
كبير جاز ذلك أيضا.
وإذا ذبح العقيقة، فليعط القابلة ربعها فإن لم يكن له قابلة أعطى أمه الربع تتصدق به
ولا تأكل منه، وإن كانت القابلة ذمية أعطيت ثمن الربع ولا تعطى اللحم وإن كانت القابلة
أم الرجل أو من هو في عياله لم تعط من العقيقة شيئا، ويستحب أن يطبخ اللحم ويدعي
عليه جماعة من المؤمنين وكلما كثر عددهم كان أفضل، فإن لم يفعل ذلك وفرق اللحم على
الفقراء كان أيضا جائزا، ولا يجوز للوالدين أن يأكلا من العقيقة البتة ولا ينبغي أن يكسر
العظم بل تفصل الأعضاء.
ويستحب أن يختن الصبي اليوم السابع ولا يؤخر فإن أخر لم يكن فيه حرج إلى وقت
بلوغه، فإذا بلغ وجب ختانه ولا يجوز تركه على حال، وأما خفض الجواري فإن فعل كان
فيه فضل كبير وثواب جزيل وإن لم يفعل لم يكن بذلك بأس، ومتى أسلم الرجل وهو غير
مختتن ختن وإن كان شيخا كبيرا.
125

وإذا مات الصبي يوم السابع فإن مات قبل الظهر لم يعق عنه وإن مات بعد الظهر
استحب أن يعق عنه، ويكره أن يترك للصبيان القنازع، وهو أن يحلق موضع من رأسه
ويترك موضع ولا بأس أن يحلق الرأس كله للرجال وكذلك إزالة الشعر عن جميع البدن بل
ذلك مندوب إليه مستحب.
وإذا ولد الصبي فمن السنة أن يرضع سنتين كاملين لا أقل منهما ولا أكثر فإن نقص
عن السنتين مدة ثلاثة أشهر لم يكن به بأس فإن نقص عن ذلك لم يجز وكان جورا على
الصبي، ولا بأس أن يزاد على السنتين في الرضاع إلا أنه لا يكون أكثر من شهرين
ولا تستحق المرضعة الأجر على ما يزيد على الحولين، وأفضل الألبان التي يرضع بها الصبي
لبان الأم فإن كانت أمه حرة واختارت رضاعه كان ذلك لها وإن لم تختر فلا تجبر على رضاع
ولدها وإن كانت أمة جاز أن تجبر على رضاع ولدها، وإن طلبت الحرة أجر الرضاع كان لها
ذلك على أب الولد فإن كان أبوه قد مات كان أجرها من مال الصبي، وكذلك إن أرضعته
من لبان خادمة لها كان لها أجر مثلها في الرضاع.
ومتى وجد الرجل من ترضع ولده بأجرة مخصوصة ورضيت بذلك كانت هي أولى به
من غيرها فإن طلبت أكثر من ذلك لم يكن ذلك لها على حال وجاز للأب أن يأخذ الولد منها
ويسترضع غيرها، والأم أولى بالولد من الأب مدة الرضاع فإذا خرج عن حد الرضاع كان
الوالد أحق به منها إذا كان الولد ذكرا فإن كانت أنثى فهي أحق بها إلى سبع سنين ما لم
تتزوج فإن تزوجت كان الوالد أحق بها، وإن كان الوالد قد مات كانت هي أحق به من
الوصي سواء كان الولد ذكرا أو أنثى إلى أن يبلغ، فإن كان الأب مملوكا و الأم حرة كانت هي
أحق بولدها من الأب وإن تزوجت إلى أن يعتق الأب فإذا أعتق كان أحق بهم منها.
وإذا أراد الانسان أن يسترضع لولده فلا يسترضع إلا امرأة عاقلة مسلمة عفيفة وضيئة
الوجه ولا يسترضع كافرة مع الاختيار، فإن اضطر إليها فليسترضع يهودية أو نصرانية
وليمنعها من شرب الخمر وأكل لحم الخنزير وتكون معه في منزله ولا يسلم الولد إليها
لتحمله إلى منزلها، ولا يسترضع المجوسية إلا أن لا يجد غيرها من النساء ولا يسترضع من
ولد من الزنى مع الاختيار.
126

ولا بأس باسترضاع الإماء، وإن كانت له أمة قد ولدت أو كانت ولدت من الزنى
واحتاج إلى لبنها فليجعلها في حل من فعلها ليطيب بذلك لبنها، وإذا أسلم الرجل ولده
إلى ظئر ثم جاءت به بعد أن فطمته فأنكره الرجل وقال: هذا ليس ولدي، لم يكن له ذلك لأن
الظئر مأمونة، ومتى تسلمت الظئر الولد وسلمته إلى ظئر أخرى كانت ضامنة له إلى أن
تجئ به فإن لم تجئ به كان عليها الدية.
باب إلحاق الأولاد بالآباء وأحكامهم:
إذا ولدت امرأة الرجل ولدا على فراشه لزمه الإقرار به ولم يجز له نفيه فإن جاءت به
لأقل من ستة أشهر حيا سليما جاز له نفيه عن نفسه، وكذلك إن جاءت بالولد لأكثر من
تسعة أشهر كان له نفيه إلا أنه متى نفاه ورافعته المرأة إلى الحاكم كان عليه ملاعنتها، ومتى
أقر الرجل بولد وقبله ثم نفاه بعد ذلك لم يقبل نفيه وألزم الولد، ومتى طلق امرأته أو باع
جاريته فتزوجت المرأة أو وطئت الجارية ثم أتت بولد لأقل من ستة أشهر كان لاحقا بالزوج
الأول أو المولى الأول، وإن كان الولد لستة أشهر فصاعدا كان لاحقا بمن عنده المرأة أو
الجارية.
ومتى كان للرجل جارية فوطئها ثم باعها من آخر قبل أن يستبرئها فوطئها الذي
اشتراها قبل أن يستبرئها ثم باعها من آخر فوطئها أيضا قبل أن يستبرئها كل ذلك في
طهر واحد ثم جاءت بولد كان لاحقا بالأخير الذي عنده الجارية، وإذا كانت الجارية بين
شريكين أو أكثر منهما فوطئاها جميعا في طهر واحد وجاءت بولد أقرع بينهم الحاكم فمن
خرج اسمه ألحق الولد به وغرم نصف ثمنه للشريك الآخر.
ومن وطئ امرأته أو جاريته وكان يعزل عنهما وجاءت بولد وجب عليه الإقرار به
ولا يجوز له نفيه لمكان العزل، وإذا ولد للرجل من المتعة لزمه الإقرار به ولم يجز له نفيه على
حال، وإذا كان للرجل امرأة لم يدخل بها أو يكون قد دخل بها غير أنه يكون قد غاب عنها
غيبة تزيد على زمان الحمل وجاءت امرأته أو جاريته بولد لم يكن ذلك ولدا له ووجب عليه
نفيه عن نفسه...
127

وإذا نعى الرجل إلى امرأته أو أخبرت بطلاق زوجها لها فاعتدت وتزوجت ورزقت
أولادا ثم جاء زوجها الأول وأنكر الطلاق وعلم أن شهادة من شهد بالطلاق كانت شهادة
زور فرق بينهما وبين الزوج الأخير ثم تعتد منه وترجع إلى الأول بالعقد المتقدم ويكون الأولاد
للزوج الأخير دون الأول.
ومتى كان للرجل امرأة فوطئها ووطئها بعده غيره فجورا بلا فصل كان الولد لا حقا به ولم
يجز له نفيه، وإن كانت له جارية فوطئها ووطئها بعده غيره فجورا كان الولد أيضا لا حقا
به، وإذا اشتبه عليه الأمر فإن غلب على ظنه أنه ليس منه بشئ من الأمارات فلا يلحقه
بنفسه ولا يجوز له بيعه وينبغي أن يوصى له من ماله بشئ ولا يورثه ميراث الأولاد، ومتى
جاءت جاريته بولد ولا يكون قد وطئها هو جاز له بيع الولد على كل حال.
وإذا اشترى الرجل جارية حبلى فوطئها قبل أن تمضى عليها أربعة أشهر وعشرة أيام
فلا يبيع ذلك الولد لأنه غذاه بنطفته وكان عليه أن يعزل له من ماله شيئا ويعتقه، وإن كان
وطؤه لها بعد انقضاء الأربعة أشهر وعشرة أيام جاز له بيع الولد على كل حال، وكذلك
إن كان الوطء قبل انقضاء الأربعة أشهر وعشرة أيام إلا أنه يكون قد عزل عنها جاز له بيع ولدها
على كل حال، ولا يجوز للرجل أن ينفي ولد جاريته أو امرأة يتهمها بالفجور بل يلزمه الإقرار
به وإنما يسوع له نفيه مع اليقين والعلم، وإذا فجر الرجل بامرأة أو جارية فحبلت منه ثم
تزوجها أو اشترى الجارية لم يجز له إلحاق الولد به على حال.
128

المراسم العلوية
لأبي يعلى حمزة بن عبد العزيز الديلمي
الملقب بسلار
المتوفى: 463 ه‍ ق
129

كتاب النكاح
ذكر: أحكامه:
اعلم أنه يشتمل على ذكر أقسامه وشروطه وما يلزم بالعقد وما يلزم بالفرقة.
فأما أقسامه فهو على ثلاثة أضرب: نكاح دوام - وهو غير مؤجل، ونكاح متعة -
وهو مؤجل، ونكاح بملك اليمين.
ذكر: شرائط الأنكحة:
وهي على ضربين: واجب وندب.
فالواجب: الإيجاب والقبول والمهر والأجر أو الثمن وكون المتعاقدين متكافئين في
الدين في نكاح الدوام خاصة.
ومنها: أن تكون الزوجة من غير المحرمات وهن الأمهات والبنات والأخوات والعمات
والخالات وبنات الأخ وبنات الأخت والمرضعات والأخوات من الرضاعة وأمهات الزوجات
والربيبة من المرأة المدخول بها فإن لم يكن مدخولا بها فلا جناح، وحلائل الأبناء والجمع بين
الأختين في عقد واحد أو نكاح إن كانتا مملوكتين والمحصنات من النساء.
وكل محرم بالنسب يحرم مثله من الرضاع، وما يحرم العقد عليه من الحرائر يحرم مثله
131

من الإماء، فلا يجوز نكاح أم الأمة الموطوءة ولا أختها. فما عدا من ذكرناه يصح نكاحه
إلا ما سنبينه.
فمن ذلك أن تعقد المرأة على نفسها أو من توكله إذا كانت بالغة، فأما الصغار
فيعقد لهن آباؤهن ولا خيار لهن بعد البلوغ، وكذلك إن عقد عليهن أجدادهن فإن عقد
عليهن غير من ذكرناه من الأخ أو العم أو الخال كان موقوفا على رضاهن عند البلوغ إلا أن
اختيار الجد مقدم على اختيار الأب وعقده أمضى.
ومنها: أن لا يزيد الحر في العقد على أكثر من أربع حرائر أو أمتين إذا لم يجد طولا لنكاح
الحرائر فنكح أمة غيره. ولا يجمع العبد بين أكثر من حرتين وله أن يعقد على أربع إماء.
ومنها: أن تكون المرأة مؤمنة أو مستضعفة، فإن كانت ذمية أو مجوسية أو معاقدة لم
يصح نكاحها غبطة لأن الكفاءة في الدين مراعاة عندنا في صحة هذا العقد، فأما في عقد
المتعة والإماء فجائز في الذميات خاصة دون المجوسية.
ومنها: أن تكون المرأة لم يزن بها الناكح وهي ذات بعل أو في عدة فإن زنى بها وهي
ذات بعل لم تحل له أبدا، وإن عقد على من هي في عدة لبعل له عليها فيها رجعة فعلى ضربين:
إن دخل بها عالما بتحريم ذلك لم تحل له أبدا، وإن كان جاهلا بالتحريم أو لم يدخل بها
استأنف العقد، والأول باطل.
وأن لا يكون عقد عليها في إحرام فإنه لا يصح، وتحرم عليه أبدا. وأن تكون غير أم
غلام قد فجر به الناكح فأوقبه، ولا أخته ولا بنته فإنهن لا يحللن له أبدا.
وأن لا تكون صماء ولا خرساء وقد قذفها في عقد أول لأن هذه لا تحل له أبدا،
ولا ملاعنة فإنها لا تحل له أبدا، ولا مطلقة تسع تطليقات للعدة ينكحها بينها رجلان فإنها
لا تحل له أبدا.
وأن لا تكون امرأة أبيه فإنها لا تحل له أبدا وأن لا تكون امرأة ابنه فإنها لا تحل له
أبدا. وأن لا تكون بنت عمته أو خالته وقد فجر بأمهما فإنهما لا تحلان له أبدا، فإن زنى
بأجنبية لم تحرم عليه أمها ولا بنتها، وإن زنت امرأته لم تحرم عليه إلا أن تصر.
وقد روي أن الأب إذا نظر من أمته إلى ما يحرم على غيره النظر إليه بشهوة، لم تحل
لابنه أبدا.
132

ومنها: أن لا تكون رضيعة والمحرم من الرضاع عشر رضعات متواليات لا يفصل
بينهن برضاع أخرى، وأن يكون اللبن لبعل واحد، ويكون الرضاع في الحولين ولهذا نقول:
أنه متى رضع أقل من العشر لم يحرم، أو رضع بعد الحولين.
ولو أرضعت امرأة صبيا بلبن بعل لها ثم فارقته وأرضعت صبية بلبن بعل آخر لم
يحرم بينهما النكاح، ولو أرضعته اليوم مثلا ثم رضع من غيرها ثم أرضعته فتخلل العشر
رضاع غيرها لم تحرم.
وأن لا تكون المنكوحة بنت أخت امرأته أو بنت أخيها وينكحها بغير
إذنها، فنكاح المرأة على عمتها أو خالتها مراعى فإن أمضته العمة أو الخالة صح فإن
فسخته بطل، وإن شاءت فارقت الزوج بلا طلاق واعتدت منه، فأما نكاح العمة أو الخالة
على بنت أخيها أو بنت أختها فجائز من غير اعتبار الرضا.
ومنها: أن لا يتزوج أمة وعنده حرة، فإن فعل فالحرة مخيرة بين أن تفسخ نكاحه وبين
أن تمضيه وبين أن تعتزله وتقضي العدة، فإن علمت بذلك فلم تعترض فلا خيار لها بعد
ذلك.
ومنها: أن يكون الناكح أو المنكوح في ملك وقد عقد بغير إذن سيده، فإن السيد مخير بين
فسخ العقد وإمضائه، فإن أولدها من غير إذن سيدها فولده ملك لسيدها، وكذلك حكم
العبد.
ويلحق بذلك التدليس:
ومن تزوج امرأة على أنها حرة فخرجت أمة ردها واسترجع المهر إن لم يكن دخل
بها، فإن دخل فالمهر لها ويرجع به على من دلسها، فإن كانت هي المدلسة فلا مهر لها، وإن
دخل بها فلا طلاق في فراقها، فإن علم وأمسكها بعد العلم فلا خيار له بعد ذلك.
ويرد العمياء والبرصاء والمجذومة والرتقاء والمفضاة والعرجاء والمحدودة في
الفجور، فإن رضي بشئ من ذلك فلا خيار له بعده.
وأي رجل كان عبدا فدلس نفسه بأنه حر، أو مجنونا فدلس نفسه بالعاقل فزوجته
مخيرة بين فرقته وإمساكه. فإن دلس عنين نفسه انتظر به سنة، فإن جامع فيها ولو مرة
واحدة فهو أملك بها، وإن لم يقدر على ذلك فهي بالخيار بين فرقته وإمساكه، وإن حدثت
العنة به فلا جناح عليه. فهذا ما لا يصح العقد مع عدمه من الشروط.
فأما ما يصح النكاح مع عدمه: فالاستخارة، والدعاء المرسوم، والإعلان في نكاح
133

الدوام، والإشهاد، والخطبة، والولائم وجمع الإخوان على الطعام، وتجمل الرجل عند البناء
بأهله، ومس الطيب، وأن يكون ليلة يبني بها لا كسوف فيها ولا في يومه ولا زلزلة ولا آية
مخوفة كالرياح السود والرعد والبرق، واجتناب الجماع من طلوع الفجر إلى طلوع
للشمس، ومن غروبها إلى مغيب الشفق، وأن لا يجامع في أول ليلة من الشهر ولا في آخر ليلة منه
إلا في ليلة شهر رمضان خاصة فهو مندوب إليه في تلك الليلة.
ويكره له - إذا احتلم - أن يطأ امرأته حتى يغتسل، فأما إن جامع مرة بعد مرة
فجائز من غير غسل بين ذلك، وأن لا يجامع زوجته وله زوجة أخرى تراه أو صبي صغير
وذلك في الإماء جائز، وأن لا يعزل عن الحرائر إلا بإذنهن وله أن يعزل عن الإماء من غير
إذنهن.
ويكره أن يقرب أهله في ليلة يسافر فيها أو في صبيحتها وفي الليلة التي يرد فيها.
ذكر: ما يلزم بالعقد:
وهو على أربعة أقسام: المهر والقسمة والنفقات ولحوق الأولاد.
ذكر: المهر:
المهر يلزم بالعقد فإن دخل بها استوجبته كله وإن فارقها قبل الدخول فنصفه.
وهو على ضربين: مسمى وغير مسمى فالمسمى على ضربين: أحدهما مسنون وهو خمسمائة
درهم قيمتها خمسون دينارا، والآخر غير مسنون، وهو ما نقص عن ذلك، وما زاد عليه فإنه
يجوز أن يعقد على درهم واحد وعلى مائة قنطار.
و غير المسمى ما يلزم فيه مهر المثل في الشرف والجمال، وإن دخل بها - وقد
أعطاها قبل الدخول شيئا - كان ذلك مهرها لأن تمكينها له رضا به مهرا إلا أن توافقه
على أن المهر في ذمته فإن فارقها قبل الدخول ولم يسم لها مهرا فلها المتعة على حسب
حاله وزمانه. الموسر يمتع بالثوب والجارية والدنانير. و المتوسط يعطي من خمسة دنانير
وأكثر وهو أقل عطاء الموسر، والمعسر يعطي الدرهم والخاتم وما شاكلهما.
والمهور على ضربين: ذهب وفضة، وما له قيمة.
فالذهب والفضة لا شبهة في كونهما مهورا.
وما له قيمة على ضربين: أحدهما له قيمة في شرعنا، والآخر له قيمة في غير
134

شرعنا. فالأول على ضربين: ما له ثمن كالثياب والأمتعة، وما عليه أجر وعوض وهو على
ضربين: ماله عوض سائغ في الشريعة، وما له عوض غير مرسوم في الشريعة.
فالأول: تعليم الصنائع والعلوم والقرآن وكل هذا ينعقد به النكاح ويكون مهرا إلا
قسمين وهما:
ما لا قيمة له في شريعتنا كالخمر ولحم الخنزير، وما له عوض لم تسوغه الشريعة
كتعليم المحظور ونكاح الشغار وهو: أن يزوج الرجل بنته من رجل على أن يزوجه بنته أو
أخته من غير مهر.
وفي أصحابنا من قال: إن من عقد على ما لا قيمة له في شرعنا لم يفسد عقده بل
كان عليه مهر المثل. ومنهم من قال: بل يفسده.
ذكر: القسمة:
المنكوحات على ضربين: حرائر وإماء. فمن كان عنده زوجات حرائر فلا يخلو
أن تكون واحدة أو اثنتين أو ثلاثا أو أربعا، فإن كانت واحدة لزمه أن يبيت عندها - في كل
أربع ليال - ليلة. وإن كانتا اثنتين كان لكل واحدة منهما ليلة من أربع ليال، فإن شاء أن
يبيت عند إحديهما ليلتين وثلاثا فله. وإن كن ثلاثا لكل واحدة منهن ليلة وله ليلة يبيت
فيها عند من شاء منهن. وإن كن أربعا فلكل واحدة منهن ليلة لا يجوز غيره إلا أن تحله
واحدة منهن من ليلتها. والأفضل العدل بين الثنتين والثلاث.
فأما الإماء فعلى ضربين: إن كن زوجات فحكمهن حكم الحرائر، وإن كن ملك
يمين فليس لهن قسمة ولا حق في ذلك.
ذكر: النفقات:
النفقة واجبة: الإطعام والكسوة والمسكن على قدر الزوجة، وحال الزوج بالعدل
والإخدام. على أن الواجب من النفقة بحسب سد الخلة فما زاد فندب ما لم يبلغ حد
الإسراف. وإنما تجب النفقة إذا أمكنت المرأة من نفسها فإن امتنعت فلا نفقة لها. ومن
ذلك الولادة والعقيقة.
يجب أن ينفق عليها عند الولادة وعلى ولدها، فإذا جاء المخاض لم يتول أمرها
إلا النساء مع الإمكان، فإذا وضعت حنكته القابلة بالماء الفرات، فإن كان الماء مالحا
135

حنكته بالعسل أو بشئ من التربة ثم يؤذن في أذنه ويقيم في الأخرى، ويوم السابع يثقب
أذنه ويحلق رأسه ويتصدق بوزنه ذهبا أو فضة ويختن في السابع ويعق عنه بشاة وتعطى
منها القابلة الرجل والورك ويتصدق بالباقي، أو يطبخ ويدعى عليه قوم من المؤمنين فإنه
أفضل، ويعق عن الذكر ذكرا وعن الأنثى أنثى.
واعلم أنه لا يجب أن ينفق إلا على ولده ومن يربيه وقد رسم أن كل مولود على فراشه
لستة أشهر منذ يوم دخل بها فهو ولده، فإن اختل شئ من ذلك فليس بولده، فإن اختلفا
في زمان الحمل أو في شئ يؤدى إلى نفي الولد لا عنها، وإن أقربه مختارا مع اختلال
الشروط لحق به.
وأقل الحمل ستة أشهر، وأكثره تسعة أشهر، وقيل: عشرة أشهر. ولا فرق بين أن
يعزل عنها أو لا يعزل في لحوق الأولاد منها. وأولاد المتعة لاحقون بآبائهم.
ذكر: نكاح المتعة:
وهو المؤجل المفتقر إلى تعيين الأجر والأجل. وكل شروط نكاح الدوام شروطه إلا
أنها تبين منه بالأجل وبأنه يجوز نكاح الكتابيات فيه. ويتلفظ في العقد بأن متعيني نفسك.
وكل ما يستحب في النكاح الدائم من الإعلان والإشهاد لم يسن هنا.
ذكر: النكاح بملك اليمين:
لا حصر في أعداد الإماء ولا اعتبار بالإيمان فيهن بل يجوز أن يطأ الكتابيات
منهن دون المجوسيات والصابئة والوثنية لا يجوز وطؤهن.
ولا تحل سرية الأب للابن ولا سرية الابن للأب ويحرم على كل واحد من
الشريكين وطء أمة في ملكها ومن تزوج أمة فطلقها تطليقتين للعدة ثم ملكها من بعد لم
يحل له وطؤها حتى تنكح زوجا غيره. ومن اشترى أمة حاملا لم يجز له وطؤها حتى
تتمم أربعة أشهر فإن وطئها فليعزل عنها فإن وطئها قبل مضى الأربعة أشهر لم يجز له
بيع ولدها، وينبغي له أن يعزل له من ميراثه قسطا في حياته.
وسبي الضلال يقوم مقام سبي المؤمنين في استباحة الملك. ومن وطئ أمة غيره
حراما لم تحرم عليه إذا ملكها.
136

جواهر الفقه
للقاضي عبد العزيز بن البراج الطرابلسي
400 - 481 ه‍ ق
137

باب مسائل يتعلق بالنكاح
مسألة: إذا كان للمرأة وليان أذنت لكل واحد منهما في تزويجها فزوجاها، ثم ادعى
كل واحد منهما أن عقده مقدم على عقد الآخر وإنها عالمة بذلك، وأنكرت ما ادعيا عليها
من العلم ولم يكن لأحد الوليين بينة على ما ادعاه. ما الحكم في ذلك؟
الجواب: إذا كان الأمر على ما ذكر وادعى كل واحد منهما عليها العلم بما ادعاه،
وأنكرت، كان القول قولها مع يمينها أنها لا تعلم ذلك، لأن الأصل أن لا علم لها بذلك.
مسألة: المسألة بعينها إذا أنكرت أنها عالمة بذلك ووجب عليها اليمين، بأنها لا
تعلم ذلك ونكلت عن اليمين ما الحكم في ذلك؟
الجواب: إذا نكلت عن اليمين ردت اليمين على الوليين، فإن نكلا جميعا عن
اليمين أو حلفا جميعا بطل العقدان. فإن حلف الواحد دون الآخر، كان الحكم للذي
حلف، لأنه قد أثبت الحجة بما ادعاه.
مسألة: المسألة بعينها إذا ادعى الوليان عليها بذلك واعترفت لكل واحد منهما بما
ادعاه، ما الحكم في ذلك؟
الجواب: إذا اعترفت لكل واحد منهما بما ادعاه بطل العقدان، لأن الجمع بينهما لا
يصح.
139

مسألة: إذا زوج الرجل أخته من رجل ومات الزوج واختلف الوارث والزوجة، فادعى
الوارث عليها بأن أخاها زوجها بغير أمرها فلا حق لها مع ذلك في الميراث، لأن نكاحها
فاسد، وادعت هي أن أخاها زوجها بأمرها وأنها تستحق الميراث من الزوج، لأن نكاحها
صحيح، كيف الحكم في ذلك؟
الجواب: إذا اختلفا على الوجه المذكور، كان القول قولها مع يمينها لأن الوارث مدع
لخلاف الظاهر، لأن الظاهر في النكاح أنه على الصحة.
مسألة: إذا كان الزوج مجنونا وادعت زوجته أنه عنين، هل يصح ضرب الأجل العنة
له أم لا؟
الجواب: لا يصح ذلك لأن هذا الأجل إنما يصح بعد أن تثبت العنة، وليس تثبت
إلا بقول الزوج لأنها مما لا تقوم البينة عليه، وإذا كان هكذا فثبوت عنته لا يصح وإن كان
كذلك لم يصح ضرب هذه المدة له.
مسألة: إذا كان الزوج عاقلا واعترف بأنه عنين، وضرب له الأجل وانتهى الأجل
وهو مجنون، هل يصح من زوجته الدعوى عليه والمطالبة بالفرقة له أم لا؟
الجواب: لا يقبل دعواها، ولا يجوز الفرقة بينهما لأنها إن كانت ثيبا وادعت أنه لم
يطأها في مدة الأجل، كان القول قول الزوج مع يمينه، ومع كونه مجنونا لا يمكن التوصل إلى
ما عنده في ما تدعيه، وإذا كانت بكرا وأنكر الزوج وادعى أنها تمنعه نفسها ولا تمكن من
وطئها، ويمكن أن يدعي أنه افتضها ورجعت عذرتها، وهذا مع إمكانه لا يصح من
المجنون فلم يكن إلى الفرقة بينهما سبيل.
مسألة: إذا كان لإنسان بنتان اسم الواحدة منهما " نعم " وهي الكبيرة واسم
الأخرى " صفية " وهي الصغيرة، فقال لمن يريد التزويج بإحداهما. زوجتك بنتي الكبيرة
صفية أو قال: زوجتك بنتي الصغيرة نعم، هل يصح النكاح أم لا؟
الجواب: إذا قال ذلك صح النكاح لأن الكبيرة صفة لازمة والاسم غير لازم، كذلك
القول في الصغيرة لأن للصغيرة صفة لازمة والاسم غير لازم.
مسألة: إذا كان له بنت واحدة وقال له زوجتك بنتي صفية واسمها نعم، هل
140

يصح ذلك النكاح أم لا؟
الجواب: إذا قال ذلك صح النكاح، لأن بنتي صفة لازمة والاسم غير لازم.
مسألة: إذا قال له زوجتك بنتي، وله بنات أو قال إحدى ابنتي، هل يصح ذلك أم
لا؟
الجواب: لا يصح ذلك لأن العقد لم يتناول واحدة منها بعينها، ومن شرط صحته
التناول لذلك.
مسألة: إذا كان له ابنتان صغيرة وكبيرة، واسم الكبيرة " نعم " واسم الصغيرة
" صفية " فقال زوجتك بنتي نعم ونوى الصغيرة، فقال الزوج قبلت فكان نكاح نعم ونوى
الكبيرة هل يلزم النكاح أم لا؟
الجواب: إذا قال ذلك لزم العقد في الظاهر لاتفاقهما في الاسم فكان للظاهر نكاح
الكبيرة، إلا أنه في الباطن فاسد، لأن الولي أوجب الصغيرة والزوج قبل نكاح الكبيرة،
فقد قبل غير التي أوجبها الولي هذا إن صدقه، فإن لم يصدقه فالنكاح في الظاهر لازم.
مسألة: إذا تزوج الرجل امرأة وأصدقها مملوكا فدبرته ورجعت في تدبيره، فطلقها
الزوج قبل الدخول بها ما الذي يحكم له فيه؟
الجواب: إذا كان الأمر على ذلك كان له نصفه، لأن الرجوع في التدبير يصح
فالمملوك عين ماله.
مسألة: المسألة بعينها وطلقها قبل الدخول بها والمملوك مدبر لم يرجع في تدبيره، ما
الحكم فيه؟
الجواب: إذا كان كذلك كان له الرجوع على المرأة بنصف قيمة المملوك لأنه ليس
له أخذ نصفه مع بقاء التدبير.
مسألة: المسألة بعينها، وطلقها قبل الدخول بها والمملوك مدبر لم يرجع في تدبيره ولم
يأخذ الرجل النصف من القيمة إلى أن رجعت في التدبير، ما الحكم في ذلك؟
الجواب: إذا كان كذلك كان له نصف عين المملوك، وقد قيل أنه يكون مخيرا بين
أخذ نصف عينه وبين أخذ نصف قيمته والأول عندي أقوى لأنه عين ماله.
141

مسألة: إذا أصدقها مملوكا فبان له أنه حر، كيف الحكم في ذلك؟
الجواب: إذا كان الأمر على ما ذكر كان له قيمة هذا الانسان لو كان مملوكا، لأنه
أصدقها شخصا معينا، فلما منعتها حريته من التصرف فيه كان لها قيمته.
مسألة: إذا قال أصدقتك هذا الخل فظهر خمرا. كيف الحكم في ذلك؟
الجواب: إذا كان كذلك كان عليه قيمة الخمر عند مستحليه، لأنه سمى لها الخل
فبان أنه خمر فأوجبنا القيمة.
مسألة: إذا قال لها أصدقتك هذا الخمر، كيف يكون الحكم في ذلك؟
الجواب: إذا سمى لها الخمر وعينها، كان لها مهر المثل لأنه سمى لها ما لا يجوز أن
يكون مهرا، فلم نوجب القيمة فيه وأوجبنا مهر المثل.
مسألة: إذا اختلف الزوج والزوجة، فقال الزوج تزوجتك بألف دينار، وقالت
الزوجة بل تزوجتني بألفي دينار، بما ذا لحكم في المهر من ذلك؟
الجواب: إذا اختلفا كذلك وكان لأحدهما بينة حكم بالبينة، فإن لم يكن لأحدهما
بينة، كان القول قول الزوج مع يمينه، لأنهما قد اتفقا على الألف وادعت الزوجة عليه
الزيادة على ذلك، فكان عليها البينة فإذا لم يكن لها ذلك كان القول قول الزوج كما ذكرناه.
مسألة: إذا شرط الزوجان خيار الثلث في النكاح، هل يصح ذلك أم لا؟
الجواب: إذا كانا شرطا ذلك في أصل العقد بطل النكاح، لأنه عقد يلزم بنفسه.
فخيار الشرط لا يصح فيه فإن كان ذلك في المهر لم يبطل النكاح وكان العقد صحيحا
والخيار ثابتا والمهر لازما، لقول رسول الله ص المؤمنون عند شروطهم.
مسألة: إذا تزوج امرأة على صداق عينه، ثم إنها قالت لا أسلم نفسي حتى
أقبض صداقي هل يصح لها ذلك أم لا؟
الجواب: إذا كان الصداق مؤجلا، لم يكن لها منع نفسها من التسليم، لأن برضاها
بتأجيل الصداق قد دخلت على الرضا بتسليم نفسها إلى الزوج قبل قبضه، فليس لها
الامتناع حتى تقبض الصداق وكذلك أن كان قد دخل بها ولم يطأها وامتنعت كان لها ذلك
فإن كان وطأها لم يكن لها الامتناع ولها المطالبة بالمهر، وقد ذكر أن لها الامتناع ههنا أيضا
142

وهو الأقوى.
مسألة: إذا وطئ الرجل زوجته فأفضاها، ثم أراد جماعها بعد ذلك، هل يجوز له
جماعها أم لا؟
الجواب: إذا كان الموضع قد اندمل بعد الإفضاء وبرأ كان له جماعها، وليس لها
منعه، وإن لم يكن اندمل لم يجز له جماعها وكان لها منعه إلى أن تندمل وتبرأ لأنه لو تمكن من
ذلك لم يؤمن على الموضع التلف وإن لم ينعتق إن كان لم يتم اندماله وبرؤه.
مسألة: المسألة بعينها واختلفا، فقال الرجل قد اندمل الموضع وبرأ لا خوف عليه وقالت
المرأة لم يندمل ولم يبرأ وأنا أخاف الضرر، ما الحكم في ذلك؟
الجواب: إذا اختلفا على الوجه المذكور، كان القول قولها مع يمينها في ما ذكرته لأنه
مما لا سبيل إلى إقامة البينة عليه.
مسألة: هل يجوز للرجل أن يتزوج المرأة على أن يكون صداقها عتقه أباها أم لا؟
الجواب: يجوز ذلك إذا كان عن اختيارها، وينعتق الأب عليها عقيب العقد
لأنها ملكته بالعقد.
مسألة: إذا كانت المرأة محجورا عليها، وتزوجها الرجل بصداق هو أبوها وقبل
وليها هل يصح ذلك أم لا؟
الجواب: لا يصح ذلك، لأن الولي إنما يتصرف فيما للمولى عليه فيه منفعة، وهذا
لا نفع لها فيه فلا يصح الصداق.
مسألة: إذا أصدقها الزوج أمها وكان وليها أباها، وقبل أبوها ذلك، هل يصح
ذلك أم لا؟
الجواب: لا فرق بين هذه المسألة وبين المتقدمة لها في أن يكون الولي أبوها أو غيره
والقول فيهما واحد.
مسألة: إذا أصدق الرجل المرأة إنائين، فانكسر الواحد منهما وطلقها قبل دخوله
بها، وكان للمطلق قبل الدخول بها الرجوع عليها بنصف الصداق فبأي شئ يرجع عليها
في ذلك؟
143

الجواب: إذا كان كذلك يرجع عليها بنصف قيمة الموجود ونصف قيمة المكسور،
لأن جميعها هو الصداق، ولها الرجوع بنصف الصداق فوجب له ذلك.
مسألة: إذا تزوج امرأة على أنها مسلمة، فظهرت كافرة كتابية أو غير كتابية، هل
يجوز العقد أم لا؟
الجواب: إذا كان الأمر على ما ذكر كان العقد باطلا، لأن نكاح الكفار عندنا باطل.
مسألة: إذا تزوج أربعة نسوة فعن عن واحدة منهن ولم يعن عن الباقي، هل يكون
لها خيار في المقام معه والمفارقة له، وهل يضرب له أجل أم لا؟
الجواب: ليس له لهذا خيار في ذلك ولا يضرب له أجل لأن العقد صحيح ثابت بالاتفاق
وتخييرها يفتقر في صحته إلى دليل ولا دليل عليه.
مسألة: إذا تزوج الرجل امرأة بمهر في السر، وعقد عليها في العلانية بمهر آخر
مخالف للأول، ما الذي يلزمه منهما وما الصحيح منهما؟
الجواب: العقد الصحيح والمهر الثابت اللازم هو العقد والمهر الأول الذي عقده
في السر، لأن العقد والمهر قد ثبت به، والثاني ليس بعقد صحيح لبطلان عقد لم ينفسخ في
النكاح، وإذا كان هذا العقد باطلا فالمهر المعلق به كذلك.
مسألة: إذا اختلف الرجل والمرأة في قبض المهر فقال الرجل: قد أقبضتك
صداقك وقالت المرأة ما قبضته. ما الحكم في ذلك؟
الجواب: إذا اختلفا كان القول قولها مع يمينها لقول رسول الله ص:
البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه، والزوج معترف بالمهر ومدع لأنه قد أقبضه
فعليه البينة، فإن لم يكن له بينة كان عليها اليمين كما قدمناه.
مسألة: إذا أصدقها مائة ودفع إليها مائة، ثم اختلفا فقالت الزوجة قلت خذيها هبة
أو قالت هدية وقال الزوج بل قلت خذيها صداقا، ما الحكم في ذلك؟
الجواب: إذا اختلفا كذلك كان القول قول الزوج مع يمينه، إن لم يكن بينة، لأنهما
متفقان على أن المائة ملك الزوج، واختلفا في صفة انتقالها إلى يدها، فكان القول قول
المالك وعلى من يدعي انتقالها إليه بسبب البينة، فإذا لم يكن بينة كان القول قوله على ما قدمناه.
144

مسألة: إذا أصدقها مملوكا أو نصفه، فوهبت له المملوك أو النصف المذكور
وطلقها قبل دخوله بها، هل يصح له الرجوع عليها بشئ من ذلك أم لا؟
الجواب: إذا طلقها قبل الدخول بها كان له الرجوع عليها بالنصف مما أصدقها،
فإن كان المملوك كان نصفه وإن كان نصف المملوك، كان نصفه، وهو الربع، لأن الذي
استحقته من العبد أو نصفه فقد وهبته، فإذا وهبته فقد قبضته، وإذا كانت واهبة قابضة
وطلقها قبل دخوله بها كان عليه الرد مما قبضه.
145

باب مسائل يتعلق بالرضاع
مسألة: إذا كان لرجل زوجة طفلة، لم تبلغ سنتين أرضعتها أمه في هذه المدة، هل
ينفسخ العقد ويحرم على الزوج نكاحها أم لا؟
الجواب: إذا أرضعتها أمه الرضاع المعتبر في التحريم، في هذه المدة، انفسخ العقد
وحرم على الزوج نكاحها، لأنه أمه إذا أرضعتها بلبن أبيه فكانت هي أخته من أبيه وأمه.
وإن أرضعتها من غير لبن أبيه، كانت أخته لأمه، ولا يجوز أن يثبت كونها زوجة له، ولا يحل
له نكاحها مع ذلك لأنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب. والإشكال في أن من كان بمنزلة
من ذكرناه من النسب أنه يحرم نكاحه.
مسألة: المسألة وأرضعتها زوجة ولده. هل ينفسخ نكاحها ويحرم وطؤها أم لا؟
الجواب: إذا أرضعتها بلبن ولده انفسخ نكاحها وحرم عليه وطؤها، لأنه يصير
جدها وتصير هي ابنة ابنه وذلك محرم من الرضاع، لأنه فعله يجرم من النسب. وإن
أرضعتها من لبن غير ولده كانت ربيبة ولده وكان النكاح ثابتا بحاله، لأن له أن يتزوج
بربيبة ولده.
مسألة: المسألة وأرضعتها جدته، هل ينفسخ النكاح ويحل له وطؤها أم لا؟
الجواب: إذا أرضعتها جدته انفسخ النكاح وحرم وطؤها عليه، لأنها حينئذ تكون
146

خالته والخالة لا يجوز ذلك عليها.
مسألة: المسألة وأرضعتها أخته. هل ينفسخ نكاحها ويحرم وطؤها عليه أم لا؟
الجواب: إذا أرضعتها أخته حرم عليه وطؤها، وانفسخ نكاحها لأنها تصير بنت
أخته ويصير هو خالها، وهو أيضا مما لا يثبت معه عقد ولا يصح فيه وطء.
مسألة: المسألة وأرضعتها زوجة أخيه، ما الحكم في ذلك؟
الجواب: إن كانت أرضعتها بلبن أخيه صار هو عمها وانفسخ النكاح وحرم
الوطؤ لأن العم لا يصح فيه ذلك مع بنت أخيه، وإن كانت أرضعتها بغير لبن أخيه لم
ينفسخ النكاح ولم يحرم الوطئ لأنها حينئذ تصير ربيبة أخيه، وله أن يعقد على من كان
كذلك.
مسألة: المسألة. وأرضعتها زوجة أبيه. ما الحكم في ذلك؟
الجواب: إذا كانت أرضعتها بلبن أبيه، انفسخ النكاح وحرم الوطؤ لأنها تصير
أخته، ونكاح الأخت لا يجوز. وإن كانت أرضعتها بلبن غير أبيه، لم ينفسخ النكاح ولا يحرم
الوطء لأنها تصير ربيبة أبيه وله أن يعقد النكاح على من كان كذلك.
مسألة: المسألة وأرضعتها زوجة خاله ما الحكم في ذلك؟
الجواب: إذا أرضعتها زوجة خاله لم ينفسخ النكاح ولا يحرم الوطء، لأن ذلك جائز
له مع بنت الخال.
مسألة: المسألة. إذا أرضعتها زوجة عمه. ما الحكم في ذلك؟
الجواب: إذا أرضعتها زوجة عمه لم ينفسخ النكاح ولا يحرم الوطء لأنها تصير بذلك بنت عمه، وذلك جائز
له مع بنت العم.
مسألة: المسألة وأرضعتها خالته، ما الحكم في ذلك؟
الجواب: إذا أرضعتها خالته لم يحرم الوطء، ولم ينفسخ النكاح لأنها تصير
بذلك بنت خالته وتزويج بنت الخالة جائز.
مسألة: المسألة وأرضعتها عمته ما الحكم في ذلك؟
الجواب: إذا أرضعتها عمته لم ينفسخ النكاح ولم يحرم الوطء لأنها حينئذ تكون بنت عمته.
147

مسألة: إذا كان له زوجتان، طفلة وكبيرة فأرضعت الكبيرة الطفلة. ما الحكم
فيها؟
الجواب: فإن كان كذلك انفسخ نكاح الزوجتين جميعا لأنه يكون قد جمع بين الأم
وبنتها، وذلك لا يجوز، ولا يجوز له أن يعقد على الكبيرة أبدا عقد النكاح لأنها بذلك قد
صارت من أمهات زوجاته، والصغيرة لا يحرم عليه العقد عليها أبدا، وإن كان قد دخل
بالكبيرة وله أن يعاود العقد عليها في المستأنف.
مسألة: إذا كان لرجل زوجتان، الواحدة منهما كبيرة والأخرى صغيرة لم تتم
سنتين، والكبيرة لها لبن من غيره، وطلقها جميعا وتزوج بها رجل آخر ثم أرضعت الكبيرة
الصغيرة. ما الحكم في ذلك؟
الجواب: حكم هؤلاء أن ينفسخ نكاحهما لأن الزوج يصير بذلك جامعا في النكاح
بين امرأة وبنتها، وذلك لا يجوز. وتحرم الكبيرة على الأول والثاني أبدا، أما الأول فإنها
تصير أم من كانت زوجته، وأما الثاني فلأنها تصير أم من هي زوجته وذلك لا يجوز في
النكاح، وإن كان الزوجان جميعا دخل كل واحد منهما بالكبيرة، حرمت الصغيرة عليهما
أبدا لأنها بنت حليلتهما وذلك لا يجوز. وإن كان قد دخل بهما أحدهما دون الآخر حرمت
أبدا على الذي دخل بها دون الذي لم يدخل بها، وإن كان لم يدخل بهما واحد منهما لم تحرم
على واحد منهما وجاز له أن يستأنف العقد عليها.
مسألة: إذا كان لرجل زوجة صغيرة لم تكمل سنتين، ولرجل آخر زوجة كبيرة
طلق كل واحد منهما زوجته الآخر، وأرضعت الكبيرة الصغيرة. ما الحكم في ذلك؟
الجواب: الحكم في ذلك أن الكبيرة تحرم على كل واحد من هذين الزوجين أبدا. أما
إنها تحرم على زوج الصغرى فلأنها بذلك تصير أم زوجته، وأما على زوج الكبرى
فإنها أم من كانت زوجته، وذلك في النكاح لا يجوز. وأما الصغيرة فالقول في تحريمها
عليها أو على واحد منهما إن كانا جميعا أو واحدا منهما دخل بالكبيرة. وفي فسخ نكاحها على
من هي زوجته على ما قدمناه في المسألة المتقدمة على هذه المسألة.
مسألة: إذا ولدت المرأة من زنا وأرضعت بلبنها مولودا لغيرها. ما الحكم في ذلك؟
148

الجواب: إذا أرضعت هذه المرأة بهذا اللبن مولودا لغيرها لم يثبت ههنا حكم
الرضاع. لأن النسب إذا لم يثبت لم يثبت الرضاع، وهذه المرأة فلا تكون أم الذي ولدته
شرعا ولا يرثه بحال، وأما الزاني بها فليس أبا له شرعيا أيضا، فلم يثبت بالرضاع حكم
كما ذكرناه.
مسألة: رجل جرى في ثدييه لبن فأرضع به مولودا لغيره العدد المعتبر في التحريم،
هل يكون لرضاعه هذا حكم أم لا؟
الجواب: لا حكم لهذا الرضاع لأنه لا ينشر الحرمة ولا خلق غذاء للمولود فلم
يثبت له، وجرى مجرى لبن البهائم في ذلك.
مسألة: إذا ظهر من ثدي خنثى أو من هو مشكل لبن، فأرضع به مولودا، هل يكون
له حكم أم لا؟
الجواب: لا حكم لذلك، لأن اللبن إنما يكون له حرمة بأن يكون لبن ولادة، وأما إن
كان غير ذلك فلا ينشر الحرمة فلم يثبت للرضاع حكم.
149

المهذب للقاضي عبد العزيز بن البراج الطرابلسي
400 - 481 ه‍ ق
151

كتاب النكاح
قال الله تعالى: فانكحوا ما طاب لكم من النساء، وقال: ومن آياته أن خلق لكم من
أنفسكم أزواجا، وقال: وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم،
الآيتان، وقال: وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا، وقال: والذين هم
لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين.
وروي عن النبي ص أنه قال: تناكحوا تكثروا فإني أباهي بكم
الأمم حتى بالسقط، وقال: ومن أحب أن يكون على فطرتي فليستن بسنتي، وإن سنتي
النكاح، وعن الصادق ع: أن رسول الله ص قال: من أحب أن
يلقى الله تعالى طاهرا مطهرا فليستعفف بزوجة.
وأجمع المسلمون على أن التزويج مندوب إليه ومرغب فيه وإن اختلفوا في وجوبه.
باب أقسام النكاح:
النكاح على ثلاثة أضرب: نكاح غبطة مستدام غير مؤجل ونكاح متعة ونكاح بملك
اليمين.
فأما نكاح الغبطة المستدام غير المؤجل فهو نكاح لا يكون مؤجلا بمدة معلومة من أيام أو
شهور أو سنين ويجب في ذلك النفقة ويلحق فيه الأولاد بالآباء ظاهرا، ويستحب فيه عند
العقد الإشهاد والإعلان، وإذا ثبت لم ينفسخ إلا بطلاق أو ما يقوم مقامه من أنواع الفرقة.
153

وأما نكاح المتعة: فهو نكاح ينعقد بأجل معين ومهر معلوم، وبذلك يبين من النكاح
المستدام، فإن عين فيه المهر ولم يذكر فيه الأجل، وإن سمى متعة لحق بالأول وكان
نكاحا دائما، وإن ذكر الأجل ولم يذكر المهر كان فاسدا، وإن لم يذكر مهرا ولا أجلا كان
باطلا أيضا، ويشترك هو والنكاح المستدام في إلحاق الأولاد بآبائهم.
وأما نكاح ملك اليمين فيختص بوطئ الإماء ممن يملكهن، وأحكام جميع ذلك نبين
فيما بعد.
باب ذكر الكفاءة في النكاح ومن يرغب في نكاحه ومن لا يرغب فيه والاستخارة فيه:
الأحرار من المؤمنين يتكافؤون في النكاح وإن تفاضلوا في النسب والشرف كما
يتكافؤون في الدماء وإن تفاضلوا في الشرف والأنساب، فمن كان منهم عاقلا قادرا على
نفقات الزوجات بحسب الحاجة مستطيعا للنكاح مأمونا على النفس والمال ليس بمرتكب
للفجور والفواحش وليس به سفه من رأي وإن كان حقيرا في نسبه وطلب إلى غيره
التزويج ورغب إليه فينبغي أن يزوجه، فإن لم يفعل كان عاصيا مخالفا للسنة والأخبار ولا
يجب أن يمتنع من ذلك لأجل نسبه، كما روي عن الصادق ع أن النبي
ع زوج امرأة من بني هاشم بن عبد مناف بن تميم الداري، وزوج المقداد ضباعة
بنت الزبير من عبد المطلب، وقال: إنما زوجها للمقداد ليتواضع النكاح، فليتأسوا
برسول الله وليعلموا أن أكرمكم عند الله أتقاكم.
ومن كان له ابنة فإنه يكره له تزويجها ممن كان متظاهرا بشرب الخمور أو غيرها من
الفسق، فإن زوجها منه كان النكاح جائزا ويكون بذلك تاركا للأفضل، وإذا أراد
الانسان التزويج فينبغي أن يطلب ذات الدين والأبوة والأصل الكريم، ولا ينبغي أن
يتزوج المرأة لمالها أو لجمالها إذا لم يكن اعتقادها مرضيا ولم تكن كاملة العقل سديدة
الرأي، وقال النبي ص: مالها يطغيها وجمالها يرديها، وقال الصادق
ع: من تزوج امرأة لجمالها أو مالها حرمه الله مالها وجمالها.
154

ولا يتزوج امرأة مخالفة في الاعتقاد، فإن فعل ذلك كان النكاح ماضيا ويكون تاركا
للأفضل، وإن كانت المرأة مستضعفة لا يعرف فيها نصبا ولا انحرافا عن الحق جاز له
تزويجها، ولا يجوز لإنسان أن يزوج ابنته لمخالف له في ذلك مع الاختيار.
وإذا وجد الرجل امرأة فقيرة ولها أصل ودين فلا ينبغي أن يمتنع من نكاحها لما عليه
من ذلك، والأفضل للرجال أن يختاروا الولود من النساء، وإن كانت شوهاء قبيحة
المنظر، ويجتنب العقيم منهن وإن كانت حسناء، ويستحب التزويج بالأبكار لما روي عن
النبي ص: أنه قال: إنهن أطيب شئ أفواها وأدر شئ أخلاقا وأحسن شئ أخلاقا وأفتح
شئ أرحاما، ويكره التزويج بالسودان من الزنج وغيرهم إلا
النوبة، ويكره التزويج بالأكراد وكذلك التزويج بالمجنونة.
ويجوز الوطء بملك اليمين من غير أن يطلب منها الولد ويجوز أن يتزوج الرجل امرأة يعلم
منها ارتكاب الفجور إذا تابت منه، وإذا عقد على امرأة كانت قد زنت ولم يعلم ذلك ثم
علم به بعد العقد وكان قد دخل بها كان عليه المهر بما استحل من فرجها، ثم إن أراد أن
يمسكها أمسكها وإن أراد طلاقها طلقها، وإن كان لم يدخل بها كان له الرجوع بالمهر على
وليها، ونكاح الحمقاء مكروه وقد روي أن صحبتها بلاء وولدها ضياع.
وينبغي لمن أراد التزويج أن يتزوج للدين والسنة ولا يتزوج للرياء والسمعة، وإذا أراد
التزويج استخار الله في ذلك يقول: اللهم إني أريد النكاح فسهل لي من النساء أحسنهن
خلقا وخلقا وأعفهن فرجا وأحفظهن لنفسها ودينها وأمانتي عندها، ثم يفعل ما يريد منه.
باب في ذكر من يحرم نكاحه من النساء ومن يحل منهن:
المحرمات من النساء على ضربين: أحدهما يحرم بالنسب والآخر يحرم بالسبب، فالذي
يحرم بالنسب الأم وإن علت والبنت وإن نزلت وبنات الأخ وإن نزلن وبنات الأخت
وإن نزلن أيضا والعمة والخالة وإن علتا وأما الذي يحرم بالسبب فعلى ضربين: أحدهما
يحرم العقد عليه على كل حال والآخر يحرم عليه في حال دون حال، والذي يحرم العقد
155

عليه على كل حال هو كل من جرى في الرضاع مجرى من ذكرنا تحريمه بالنسب، ويلحق
بذلك أيضا كل امرأة عقد عليها الأب أو الابن ومملوكة الأب أو الابن إذا جامعاها أو
قبلاها بشهوة أو نظرا منها إلى ما يحرم على غير مالكها النظر إليه، وأم الزوجة سواء دخل
بابنتها أو لم يدخل وبنت المدخول بها، فإن عقد عليها ولم يدخل بها جاز العقد على البنت
وهذا الحكم أيضا ثابت في المتعة.
فأما ملك اليمين فإنه إذا وطئ الرجل مملوكة له حرم عليه وطء أمها على كل حال
ويجوز أن يملكها ولا يطأها، وإذا وطئ الأم بالملك حرم عليه وطء بناتها بالملك والعقد
أيضا، فإن لم يطأ الأم جاز له وطء البنت وإن كانت أمها باقية في ملكه، والمعقود عليها
ليست كذلك لأنه إذا لم يدخل بالأم لم يجز له العقد على البنت إلا بعد مفارقتها، والمرأة
المزني بها يحرم على أب الزاني بها وعلى ابنه العقد عليها، فإن كان زنى بها بعد أن عقد الأب
أو الابن عليها فإنه لا يبطل العقد.
وإذا ملك الرجل جارية ووطئها ثم وطئها ابنه بعد وطء الأب لها لم يحرم بذلك على
الأب وطؤها، فإن كان ابنه وطئها قبل وطء الأب لها حرم وطؤها على الأب، وإذا كان
للمرأة زوج أو كانت في عدة من زوج له عليها رجعة، وفجر بها رجل في شئ من ذلك
حرم على الذي فجر بها العقد عليها أبدا، وإذا طلق رجل زوجته تسع تطليقات للعدة وقد
تزوجت فيما بينها بزوجين حرمت عليه أبدا، وإذا لا عن رجل امرأته فرق بينهما ولم تحل له
بعد ذلك أبدا.
وإذا عقد المحرم على امرأة وهو عالم بتحريم ذلك فرق بينهما ولم تحل له أبدا، فإن لم يكن
عالما بهذا التحريم فرق بينهما وجاز له العقد عليها بعد الإحلال، وإذا قذف رجل امرأته
وهي صماء أو خرساء فرق بينهما ولم تحل له أبدا، ومن فجر بغلام فأوقب حرم عليه العقد
على أمه وابنته وأخته.
وإذا عقد الرجل على امرأة في عدتها وهو عالم بذلك فرق بينهما ولم تحل له أبدا وإن لم
يكن دخل بها، ولا فرق بين أن يكون العدة عدة الطلاق أو عدة الوفاة، وإن لم يكن عالما
156

بذلك فرق بينهما، وإذا انقضت العدة جاز له بعد ذلك العقد عليها إن لم يكن دخل بها،
وإذا كانت المرأة عالمة بذلك حرم عليه الرجوع إلى هذا الزوج تعقد آخر، وإذا لم يكن عالما
بذلك وكان قد دفع إليها المهر كان له الرجوع عليها به.
وإن عقد عليها وهي في عدة ودخل بها فرق بينهما ولم تحل له أبدا سواء كان عالما بذلك
أم لم يكن عالما به، وكان لها المهر بما استحل من فرجها وعليها عدتان: إحديهما تمام العدة
من الزوج الأول والعدة الأخرى من الزوج الثاني، وإذا جاءت بولد لأقل من ستة أشهر
كان لا حقا بالزوج الأول، وإن كان لستة أشهر أو أكثر كان للثاني.
وأما من يحرم العقد عليه في حال دون حال فهو كل امرأة لها زوج فإنه يحرم على
الرجل العقد عليها وهي في حباله، فإن طلقها الزوج أو مات عنها جاز له العقد عليها، فإن
كان من ذوات العدد فبعد خروجها من العدة التي لزمتها.
وكل أختين من الحرائر فإنه يحرم الجمع بينهما في عقد نكاح غبطة أو متعة في زمان
واحد، فإن تزوج بهما بلفظ واحد في وقت واحد كان مخيرا في إمساك الواحدة منهما وتخلية
الأخرى، فإن عقد على واحدة منهما ثم عقد على الأخرى بعد ذلك كان عقده على الثانية
باطلا، فإن وطئ الثانية فرق بينهما وحرم عليه الرجوع إلى الأولى حتى تخرج التي وطئها
من عدتها منه.
فإن عقد الرجل على امرأة ثم عقد على أمها أو أختها جاهلا بذلك فرق بينهما، فإن
جاءت بولد لحق به وحرم عليه الرجوع إلى الأولى حتى تقضي التي وطئها عدتها منه، ومن
طلق زوجة له طلاقا رجعيا حرم عليه العقد على أختها حتى تنقضي عدتها، وإذا انقضى
أجل الزوجة المتمتع بها جاز العقد على أختها في الحال وقبل انقضاء عدتها، وقد روي أن
ذلك لا يجوز حتى تقضي العدة وهو الأحوط، ويجوز العقد على أخت زوجته في حال
موت هذه الزوجة.
ويحرم عليه الجمع بين الأختين المملوكتين في الوطء، فأما في الملك فهو جائز لأن
حكم الجمع بينهما في الوطء حكم الجمع بينهما في العقد، فإن ملكها ووطئ واحدة منهما
157

حرم عليه وطء الأخرى حتى تخرج الموطوءة عن ملكه بهبة أو بيع أو غير ذلك، فإن وطئ
الأخرى بعد وطئه لتلك وكان عالما بذلك وتحريمه عليه حرمت الأولى عليه حتى تموت
الثانية، فإن أخرج الثانية عن ملكه وقصد بإخراجها الرجوع إلى الأولى لم يجز له ذلك،
فإن أخرجها لغير ذلك جاز له الرجوع إلى الأولى، وإن لم يكن عالما بتحريم ذلك عليه كان
له الرجوع إلى الأولى إذا أخرج الثانية من ملكه.
ويحرم على الرجل إذا كان حرا أن يجمع في العقد بين أكثر من أربع حرائر أو أمتين،
ويجوز له الجمع في العقد بين حرتين وأمتين أو حرة وأمتين، ويجوز له الجمع ما شاء بملك
اليمين مع العقد على أربع حرائر.
فإذا كان عند رجل ثلاث زوجات وعقد على اثنتين في حال، كان مخيرا في إمساك
إحديهما وتخلية الأخرى، فإن عقد عليهما بلفظ واحد ثم دخل بواحدة منهما، كان عقد
المدخول بها ثابتا وعقد التي لم يدخل بها باطلا، فإن عقد عليهما بلفظ قدم فيه ذكر اسم
الواحدة منهما على الاسم الأخرى ودخل بالتي قدم اسمها، كان عقدها ثابتا وعقد
الأخرى باطلا، وإن دخل بالتي ذكر اسمها ثانيا كان نكاحها باطلا، وكان عليها العدة
لأجل الدخول بها.
وإذا كان عند رجل أربع زوجات وطلق واحدة منهن طلاقا يملك فيه الرجعة، حرم
عليه العقد على أخرى حتى تنقضي عدة المطلقة، فإن كان الطلاق بائنا جاز له العقد على
أخرى في الحال، وإن كان ذميا وكان عنده أكثر من أربع زوجات فأسلم فعليه أن يختار
منهن أربعا فيمسكهن إن أراد ذلك وخلى سبيل ما زاد على الأربع، والرجل إذا كان
مملوكا حرم عليه الجمع في العقد بين أكثر من حرتين أو أربع إماء، ويجوز له العقد على حرة
وأمتين ولا يجوز له العقد على حرتين وأمة.
وأما ما يحرم من الرضاع فقد ذكرنا فيما تقدم أنه يحرم منه ما يحرم بالنسب، وإذا عقد
الرجل على طفلة رضيعة وله زوجة فأرضعت هذه الطفلة حرمت عليه الطفلة الرضيعة
وامرأته التي أرضعتها، وإذا كان لرجل زوجتان فأرضعتا هذه الطفلة حرمت عليه الطفلة
158

والزوجة التي أرضعتها أولا ولم تحرم التي أرضعتها ثانيا، ومن عقد على طفلتين رضيعتين
وكان له زوجتان فأرضعت الزوجة الواحدة الطفلتين حرمت الطفلتان عليه والتي
أرضعتها، فإن أرضعت الزوجتان الطفلتين حرم عليه الجميع.
ولا يجوز للمسلم العقد على مشركة عابدة وثن كانت أو يهودية أو نصرانية أو مجوسية أو
غير ذلك على اختلافهم في الشرك، لأن ذلك محرم عليه إلا في حال الضرورة الشديدة
فإنه إذا كان ذلك جاز له العقد على اليهودية والنصرانية ولم يجز له العقد على الباقيات في
حال من الأحوال، ومن عقد على يهودية أو نصرانية فليمنعها من شرب الخمر وأكل لحم
الخنزير، ويجوز وطء اليهودية والنصرانية بملك اليمين، وقد ذكر جواز وطء المجوسية بالملك
أيضا، وقيل إنه مكروه وترك ذلك أحوط.
وإذا كان الرجل يهوديا أو نصرانيا أو مجوسيا وله زوجة فأسلم ولم تسلم زوجته
فإمساكها ووطؤها جائز له بالعقد الأول، فإن أسلمت الزوجة ولم يسلم الرجل لم يكن له
عليها سبيل وتعتد منه، فإن أسلم قبل أن تنقضي العدة كان أملك بها، وإن أسلم بعد
انقضاء العدة لم يكن له عليها سبيل وكذلك الحكم في جميع الكفار، فإن أسلم واحد منهم
بعد انقضاء عدة زوجته وأراد العقد عليها كان كغيره من الخطاب، وإذا كانت مخيرة في
العقد عليها منه أو الامتناع من ذلك.
ويحرم العقد على الناصبة المعروفة بالنصب ويجوز العقد على من لا يعرف منها ذلك،
ويحرم تزويج المؤمنة بالمخالف لها في الاعتقاد ولا يجوز تزويجها إلا بمؤمن مثلها.
وإذا لم يكن للمرأة زوج وفجر بها رجل حرم العقد عليها ما دامت مصرة على الفجور،
فإن أظهرت له التوبة من ذلك والإقلاع عنه جاز له العقد عليها، ويعتبر إقلاعها عن ذلك
بأن يدعوها إلى الفجور فتمتنع منه، وإذا فجر رجل بامرأة حرم عليه العقد على أمها وبنتها
من النسب والرضاع على كل حال، فإن قبلها أو لامسها من غير جماع أو ما جرى مجرى
ذلك جاز له العقد على الأم أو البنت، ومن فجر بأم زوجته أو ابنتها لم تحرم عليه بذلك
زوجته.
159

ولا يجوز لرجل العقد على امرأة تكون زوجته عمتها أو خالتها من جهة النسب أو
الرضاع إلا برضاهما فإن رضيتا ذلك كان جائزا، وإن لم ترضيا ولم يفسخ الزوج العقد
كان لهما اعتزاله، فإذا اعتزلته كل واحدة منهما واعتدت ثلاثة أقراء كان ذلك فراقا بينهما
وأغنى عن الطلاق.
ولا يجوز لرجل العقد على أمة وعنده زوجة حرة إلا برضاها، فإن عقد على الأمة من
غير رضا زوجته الحرة كان العقد فاسدا، وإن أمضته الحرة كان ماضيا ولم يكن لها بعد
ذلك خيار، وإن لم ترض بذلك كان لها اعتزال الزوج فإذا اعتزلته واعتدت أيضا ثلاثة
أقراء كان ذلك فراقا بينهما وأغنى عن الطلاق.
ومن عقد على حرة وأمة في حال واحدة كان العقد على الأمة باطلا وكان عقد الحرة
ماضيا، وإن عقد على حرة وعنده أمة هي زوجة ولم تعلم الحرة بذلك كانت مخيرة بين
الصبر عليها وبين الاعتزال وينتظر بها مدة العدة، فإذا انقضت عدتها كان ذلك فراقا
بينهما، فإن رضيت لم تكن لها بعد ذلك خيار، و إذا وجد الرجل الطول إلى العقد على الحرة
كره له العقد على الأمة، فإن لم يجد الطول إلى ذلك جاز له العقد على الأمة ولم يكن ذلك
مكروها، فإن عقد عليها مع وجود الطول كان تاركا للأفضل وكان العقد ماضيا.
ويكره للرجل العقد على القابلة وعلى بنتها، ويكره للرجل الجمع بين امرأة قد عقد
عليها وبين امرأة أبيها أو وليدته إذا لم تكن أمها، ويكره أن يزوج ابنه ابنة امرأة كانت
زوجته قد دخل بها إذا كانت البنت قد رزقت بعد مفارقتها له وليس ذلك بمحظور، وإن
كانت البنت رزقت قبل عقد الرجل عليها كان جائزا على كل حال.
ويجوز للرجل أن يتزوج وهو مريض، فإن دخل بالزوجة ومات كان العقد ماضيا
وصح التوارث بينهما، وإن مات قبل الدخول بها كان العقد باطلا ولم يصح بينهما توارث
على حال.
وإذا أقام رجل بينة على العقد على امرأة وأثبت أخت تلك المرأة بينة بأنها امرأة
الرجل كانت البينة بينة الرجل دون بينة المرأة إلا أن تكون بينة المرأة قبل بينة أو يكون
160

مع بينتها قد دخل بها، فإن ثبت لها أحد هذين الأمرين بطلت بينة الرجل، ويكره للرجل
تزويج ضرة أمه التي كانت مع غير أبيه، وإذا عقد رجل على امرأة وحضر رجل آخر فادعى
أنها زوجته لم يلتفت إلى دعواه إلا أن تثبت بذلك بينة.
باب ما يحرم من النكاح بالرضاع وما لا يحرم به، وما يتعلق بذلك:
الرضاع يحرم معه النكاح هو كل رضاع أنبت اللحم وشد العظم، فإن لم يعلم ذلك
اعتبر بعشر رضعات متواليات لا يفصل بينهن برضاع امرأة أخرى، فإن لم ينضبط العدد في
ذلك كان الاعتبار فيه برضاع يوم وليلة لا يرضع المولود فيها امرأة أخرى وأن يكون الرضاع
في مدة الحولين، وكل رضاع اختلفت فيه هذه الشروط مثل أن يكون مما لا ينبت لحما ولا
يشد عظما أو يكون أقل من عشر رضعات، أو يحصل العشر رضعات ويكون قد فصل
بينهن برضاع امرأة أخرى أو يكون يوما وليلة وقد أرضعت المولود في شئ منهما امرأة أخرى
أو يكون أقل من يوم وليلة لمن لا يراعي العدد أو يكون الرضاع حصل بعد انقضاء الحولين
سواء قد فطم الطفل أو لم يفطم أو يكون الرضاع بلبن غير الفحل أو يكون بلبن در أو غير
ذلك مما يخالف ما ذكرناه فإنه لا يحرم النكاح معه.
ويحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، والمعنى في ذلك أن المرأة إذا أرضعت بلبن بعل
لها صبية حرمت عليه وعلى أبيه وأجداده من جهة أبيه وأمه وإن علوا، وفي
بنيه وبنى بنيه وإن سفلوا، وإن أرضعت هذه المرأة غلاما حرمت هي عليه وأولادها المنتسبون إليها
بالولادة دون الرضاع، وأولاد البعل الذي رضع بلبنه المنتسبون إليه بالولادة والرضاع من
هذه المرأة وغيرها، ولا يتزوج الرجل بابنته من الرضاعة ولا بنات ابنه وإن سفلوا ولا
بأخته من الرضاعة ولا بعماته وخالاته من الرضاعة، ولا يجمع بين أختين له من الرضاع.
ويجوز أن يتزوج الرجل بالمرأة التي أرضعت ابنه وكذلك يزوجها من بنيه غير الذي
أرضعت لأنها ليست أما لهم وإنما هي أم أخيهم الذي أرضعته، ولا تحرم عليهم لأنها
ليست زوجة لأبيهم، وإنما حرم الله نساء الآباء وهذه المرأة ليست من الأب بسبيل،
161

وهكذا يجوز أن يتزوجوا بنتها التي هي رضيع أخيهم وولدها وولد ولدها، وكذلك يتزوج
الرجل بنات المرأة التي أرضعت ولده وبناتهن أيضا لأنهن لم يرضعن من لبنه، ولا بينه
وبينهن قرابة من رضاع ولا غيره وإنما يحرم نكاحهن على المرضع.
ويجوز للرجل أن يتزوج بنت عمه وابنة عمته من الرضاع وكذلك يجوز له أن يتزوج
بنت خاله وابنة خالته من ذلك أيضا لأنهن مباحات من النسب، وإذا كن مباحات من
ذلك كن مباحات من الرضاع، ويجوز أن يتزوج بكل من أبيح نكاحه من النسب.
وإذا أرضعت المرأة طفلين ولكل واحد منهما إخوة وأخوات ولادة أو رضاعا من غير
الذي رضعا بلبنه فإنه يجوز أن يزوج إخوة وأخوات الواحد منهما إلى إخوة وأخوات الآخر
على ما قدمناه، ولا يجوز التناكح بينهما بأنفسهما ولا بين إخوتهما وأخواتهما من الجهة الرجل
الذي رضعا بلبنه كما قدمناه، وإذا ادعت امرأة أنها أرضعت طفلا لم يلتفت إلى دعواها في
ذلك إلا ببينة تقيمها عليه، وإذا ربت المرأة بلبنها جديا كره لحمه ولحم ما يكون من نسله
وليس ذلك بمحرم كما هو في الناس.
باب في ذكر من يجوز له العقد في النكاح ومن لا يجوز له ذلك:
النكاح بغير ولي ولا شهود عندنا جائز، ولا خلاف في أن رسول الله
تزوج أم سلمة فزوجها منه ابنها عمر، ولا خلاف أيضا في أن الابن لا ولاية له على
الأم فكأنه ع تزوجها بغير ولي، وأيضا فإنه ع أعتق صفية وتزوجها
وجعل عتقها صداقها، والمعتق لا يكون وليا في حق نفسه.
فإذا كان الأمر على ما ذكرناه وكانت الحرة رشيدة ملكت كل عقد من نكاح وغيره،
وقد ذهب بعض أصحابنا إلى أن البكر لا يجوز لها العقد على نفسها إلا بإذن أبيها، وهو
الأظهر في الروايات والأكثر في العمل به، وإذا تزوج من ذكرناه كان العقد صحيحا
ماضيا ومتى طلق كان الطلاق واقعا.
والنسوان على ضربين أحدهما ثيبات والآخر أبكار، فأما الثيب فإنها إذا كانت
162

كبيرة رشيدة فإنها لا تجبر على النكاح ولا تزوج إلا بإذنها واختيارها، فإن كانت صغيرة
كان لوليها تزويجها، وأما الأبكار فإن كانت الواحدة منهن صغيرة كان لأبيها وجدها أبي
أبيها وإن علا تزويجها، وإن كانت كبيرة لم يجز لأحد أن يتولى العقد عليها إلا أبوها أو
جدها أو أبيها إلا أن يعضلاها، فإن عضلاها جاز لها أن تعقد على نفسها أي نكاح شاءت
وتولى العقد عليها من أرادت من الرجال المسلمين، وإن كره أبوها أو جدها ذلك إذا
عضلاها لم يلتفت إلى كراهتهما له، وعضلها هو أن لا يزوجاها بالأكفاء إذا خطبوها.
وإذا كان الرجل فاسقا جاز أن يكون وليا للمرأة في النكاح سواء كان ممن له
الإجبار كالأب والجد في حق البكر أو لم يكن له ذلك، وليس من شرط صحة انعقاد عقد
النكاح الشاهدان عندنا بل يصح ثبوته من دونهما، وإنما هو مستحب.
وذهب بعض أصحابنا إلى جواز عقد النكاح للمسلم على الكافرة، وعلى هذا إذا عقد
الذمي نكاح ابنته الكافرة على مسلم بمحضر من كافرين كان العقد صحيحا وولاية
أصحاب الصنائع الدنية كالحجام والكناس والحراس ومن جرى مجراهم إذا كانوا عدولا
صحيحة، ويصح ولاية الضرير في النكاح لأنه ليس من شرط صحة عقده المشاهدة، وإذا
كان الأمر على ما ذكرناه في ترتيب النساء على الأولياء وأردت ترتيب الأولياء على
النساء كان هذا الأولياء: أبا وجدا وأخا وعما وابن عم ومولى نعمة وحاكما.
فإن كان أب وجد وكانت المرأة مجنونة أجبرها صغيرة وله تزويجها بإذنها إذا كانت
كبيرة، وإن كان لها أخ أو ابن أخ أو عم أو ابن عم أو مولى نعمة لم يجبرها، أحد منهم
صغيرة كانت أو كبيرة، وإذا كانت عاقلة فهو كالعم، إذا أوجب الولي عقد النكاح
للزوج، ثم زال عقله بجنون أو إغماء أو مرض بطل إيجابه ولم يجز للزوج القبول، وكذلك لو
استدعى الزوج النكاح فقدم القبول، وقال: زوجنيها، ثم لحقه مثل ما قدمناه في الولي
بطل القبول ولم يجز للولي الإيجاب.
وإذا لم يكن للمرأة الكبيرة أب ولا جد جاز لها العقد على نفسها، وإن كان لها ذلك
فتستحب له أن لا يعقد عليها حتى يستأذنها، فإن كانت بكرا وضحكت أو سكتت أو
163

بكت كان ذلك رضي منها بالتزويج، فإن عقد عليها من غير أن يستأذنها كان عقده
ماضيا ولم يجز لها خلافه، ولا يجوز لها إذا كانت بكرا أن يعقد على نفسها نكاح دوام ولا
متعة إلا بإذن أبيها ورضاه، فإن فعلت ذلك كان العقد موقوفا على رضاه، فإن لم يرضه
كان مفسوخا إلا فيما قدمناه إذا عضلها.
وإذا كان لها أب وجد كان لكل واحد منهما العقد عليها والجد أولى بالتقدم في ذلك
إذا حضرا جميعا له، فإن عقدا عليها في وقتين مختلفين كان العقد الأول هو الثابت والمتأخر
باطلا، وإن عقدا عليها في وقت واحد كان الثابت عقد الجد دون عقد الأب، وإذا اختاره
أبوها رجلا واختار الجد غيره كان الثابت ما اختاره الجد دون الذي اختاره الأب.
وإذا كان الجد الذي هو أبو أبيها حيا وكان أبوها ميتا لم يجز له العقد عليها إلا بإذنها
وتوكيلها له في ذلك لأنه مع فقد أبيه يجري مجرى غيره ممن لا ولاية له عليها إلا بإذنها
وتوكيلها له، وإذا كان لها جد وأخ فالأفضل لها إذا أرادت التوكيل في ذلك إلا تعدل به
عنهما، ويستحب لها أن تجعل أمرها إلى الجد ولا تخالفه، فإن أراد خلافها وكرهت هي
ما أراده كان العمل على ما تريده هي دون ما يريده الجد.
وينبغي لها أن لا توكل في العقد عليها أباها أو غيره إذا كان كافرا، وإذا كان لها
أخوان فوكلتهما في العقد عليها فعقد الأكبر لرجل وعقد الأصغر لآخر، كان الثابت ما عقده
الأكبر وبطل عقد الأصغر، فإن كان الذي عقد عليه الأصغر قد دخل بها كان نكاحه
ماضيا ولم يكن للأكبر اعتراض عليه مع الدخول، وإن كان الأكبر سبق بالعقد كان لها
المهر بما استحل من فرجها وترد إلى الذي عقد له الأكبر عليها بعد العدة، فإن جاءت بولد
من الذي كان دخل بها كان لاحقا بأبيه.
في نكاح الباكرة:
وإذا كانت البالغة ثيبا وهي مالكة لأمرها جائزة التصرف في جميع أحوالها غير مولى
عليها وكان أبوها حيا أو ميتا، كان لها أن تعقد على نفسها على من شاءت من الأكفاء،
164

فإن كان أبوها حيا كان الأفضل لها أن لا تعدل عن رأيه ولا تعقد على نفسها لأحد إلا
باذنه.
وإذا وكلت المرأة إنسانا في العقد عليها من رجل معين لم يجز له العقد لغيره، فإن عقد
عليها لغيره كان ذلك باطلا، وإذا عقدت المرأة على نفسها وهي سكرى كان العقد
باطلا، فإن أفاقت ورضيت كان ماضيا وإن لم ترضه كان باطلا، فإن دخل الرجل بها
وهي في حال السكر ثم أفاقت وأقرته على النكاح كان ماضيا.
وإذا كان لرجل عدة بنات فعقد على واحدة منهن لرجل ولم يسمها له ولا للشهود
وكان الزوج قد رأى جميعهن كان القول في ذلك قول الأب، ووجب عليه تسليم التي نوى
العقد عليها عند عقد النكاح إلى الرجل، فإن كان لم يرهن كلهن كان العقد باطلا.
وحد المرأة التي يجوز لها العقد على نفسها وإن تولى غيرها في ذلك هو بلوغها تسع
سنين أو أكثر من ذلك، والذي بيده عقدة النكاح من الأب أو غيره ممن تجعل إليه المرأة
ذلك وتوليه إياها، يجوز له العفو عن بعض المهر ولا يجوز له العفو عن جميعه.
وإذا عقدت الأم لابنها على امرأة كان مخيرا بين قبول العقد وفسخه، فإن قبله كان
ماضيا ووجب المهر عليه، وإن لم يقبله كان المهر على أمه، وإن كانت المرأة غير بالغ لم يجز
لأحد العقد عليها إلا الأب أو الجد أبو الأب في حياة أبيه، فإن لكل واحد منهما أن يتولى
العقد عليها من غير استئذان لها وليس لها إذا بلغت بعد ذلك اختيار، وإن كرهت لم
يلتفت إلى كراهتها، وإن تولى العقد عليها غير الأب أو الجد كان العقد باطلا، فإن بلغت
ورضيته كان ماضيا وإن كرهت كان مفسوخا، فإن ولى واحد منهما غيرهما العقد عليها
كان جائزا.
وإن عقد الأب عليها وكان كافرا أو الجد وهو كذلك كان العقد باطلا، وإن عقد
عليها غير أبيها أو جدها بغير إذن من واحد منهما كان العقد موقوفا على رضاها إذا بلغت،
فإن رضيته كان ماضيا وإن لم ترضه كان مفسوخا، وإذا عقد الأبوان على ولديهما وهما
صغيران ثم ماتا قبل البلوغ فإنهما يتوارثان، يرث الصبي الصبية وترث الصبية الصبي،
165

التعليم بالحرف الفلاني أو قراءة فلان فغير معتبر به عندنا، فإن أصدقها تعليم سورة بعينها
وهو لا يحفظها، فإن قال: على أن أحصل لك ذلك، كان صحيحا لأنه أوجبه على نفسه
في ذمته، وإن قال: على أن ألقنك أنا إياها، صح ذلك لأنه وجب في ذمته، فليس يلزمه
أن يكون مالكا، وذكر أنه لا يصح وهو الأحوط، وإذا جعل صداقها أن يجيئها بعبدها
الآبق فالأحوط أنه لا يصح، فإنه يجوز أن يجده ويجوز أن لا يجده ولها هاهنا مهر المثل.
وإذا أصدقها خياطة ثوب بعينه فهلك الثوب بطل الصداق وكان لها عليه مثل أجرة
خياطة ذلك الثوب، وكذلك القول في كل مهر معين إذا هلك في أنه يجب قيمته دون مهر
المثل، فإن كان المهر فاسدا وجب مهر المثل ويستقر جميعه بالدخول ونصفه بالطلاق قبل
الدخول، فإن زمن الخياط أو تعطل وكان قد شرط لها خياطة ثوب لم يبطل الصداق، وإن
كان شرط أن يخيطه هو بنفسه كان الصداق باطلا أنه علقه بشئ معين، وإن كان
الثوب والرجل سالمين فالحكم في ذلك على ما قدمناه.
وإذا أصدقها الرجل صداقا ملكت جميعه بالعقد وكان من ضمان الزوج، فإن هلك
في يده قبل القبض كان من ضمانه وإذا قبضته كان من ضمانها، وإن كان له نماء وزيادة
كان لها ذلك من حين ملكته بالعقد حتى دخل بها أو يطلقها.
ولا يصح المهر إلا أن يكون مما يتملكه المسلمون مثل الدنانير و الدراهم وماله قيمة
من فضة أو ذهب أو دار أو عقار أو حيوان رقيقا كان أو غير رقيق، أو ما جرى مجرى ذلك
مما تقدم ذكره أو ما أشبهه، فإذا قرر المتزوجان بينهما شيئا من ذلك ورضيا به مهرا كان
مهرا صحيحا، وأما ما لا يصح للمسلمين تملكه مثل الميتة ولحم الخنزير والخمر والشراب
المسكر وما أشبه ذلك، فلا يجوز أن يجعل مهرا ولا أجرا في النكاح، فإن عقر على شئ
منه كان باطلا، فإن تزوج ذمي يستحل ذلك بذمية على شئ منه وأسلم قبل أن تقبضه
الزوجة لم يجز له دفع ذلك إليها وكان عليه لها قيمته عند مستحليه.
ولا يجوز نكاح الشغار وهو أن يزوج الرجل ابنته أو أخته لرجل على أن يزوجه الرجل
ابنته أو أخته من غير صداق يستقر بينهما سوى ذلك، ولا يجوز النكاح بهبة المرأة نفسها لأن
166

وإن عقد عليهما غير أبويهما إن لم يكن لهما أبوان وكان لهما ذلك فلم يستأذنا في العقد وماتا
قبل البلوغ لم يكن بينهما توارث.
فإن مات الصبي بعد البلوغ والرضا بالعقد وترك مالا عزل عنه مقدار ما ترثه الصبية
إلى أن تبلغ، فإذا بلغت عرض عليها العقد، فإن رضيت به استحلفت بالله إنه لم يدعها إلى
الرضا به الطمع في الميراث، فإن لم تحلف لم تعط شيئا وإن حلفت دفع إليها ذلك.
وإذا عقد رجل لابن له غير بالغ على جارية كان الخيار للابن إذا بلغ، وإذا عقد الأب
لابن له صغير نكاحا وسمى له مهرا ثم مات الأب، وجب أخذ المهر من أصل تركته قبل
القسمة إلا أن يكون لابنه مال في وقت العقد فإن المهر يؤخذ منه، ولا يؤخذ من مال
الأب شئ على حال.
باب الصداق وأحكامه:
قال الله تعالى: وآتوا النساء صدقاتهن نحلة، وقال تعالى: فما استمتعتم به منهن
فأتوهن أجورهن، وقال: فإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة
فنصف ما فرضتم، وقال النبي ص: أدوا العلائق قيل: يا رسول الله وما
العلائق؟ قال: ما تراضى عليه الأهلون.
فجواز المهر ثابت بما ذكرناه والإجماع أيضا منعقد عليه وهو عندنا غير مقدر، وسائر
ما يجوز أن يكون ثمنا لمبيع أو أجرة لمكتري يصح أن يكون صداقا قليلا كان أو كثيرا،
ويستحب عندنا أن لا يتجاوز فيه السنة المحمدية خمس مائة درهم جيادا، ويجوز أن يكون
منافع الحر مهرا مثل أن يخدمها شهرا أو على خياطة ثوب أو على أن يخيط لها شهرا،
وكذلك البناء وما أشبهه وكذلك تعليم القرآن والمباح من الشعر، وروى أصحابنا أن
الإجارة مدة لا يصح أن يكون صداقا لأن ذلك مخصوص بموسى ع.
وإذا أصدق الرجل المرأة شيئا من تعليم القرآن فيجب أن يكون ذلك معينا، وإذا
أصدقها تعليم سورة عين عليها وكذلك إن كان تعليم آيات منها لأن ذلك يختلف، فأما
167

ذلك إنما كان لرسول الله ص خاصا يوضح ذلك قوله تعالى خالصة لك من
دون المؤمنين، وذلك أن فاطمة بنت شريح وهبت نفسها له ع فأباحه الله تعالى
ذلك دون غيره من سائر الناس، ولا يجوز النكاح أيضا بالعارية ولا بلفظ الإباحة
والتحليل، ولا يجوز أيضا على إجارة مثل أن يعقد الرجل على المرأة أن يعمل لها ولوليها
أياما معينة أو سنين معلومة، ومن خطب على غيره وكان كفؤا وبذل مهر السنة فلم يزوجه
كان عاصيا لله تعالى.
وإذا عقد انسان نكاحا على أكثر من مهر السنة كان عليه الوفاء به على كماله، ومن
عقد على امرأة كان الأفضل له أن لا يدخل بها حتى يقدم لها من مهرها شيئا ويكون
الباقي دينا عليه، فإن لم يقدم لها منه شيئا فليكن من غيره على سبيل الهدية ليطيب له
بذلك الاستباحة لها، فإن لم يفعل وجعل المهر في ذمة ودخل بها من غير تقديم شئ من
ذلك كان جائزا إلا أن الأفضل ما قدمناه.
وإذا سمى الزوج المهر ودخل بالزوجة قبل أن يدفع إليها منه شيئا كان عليه مهر المثل
ولا يتجاوز بذلك السنة المحمدية، وإذا دخل الرجل بامرأته وادعت عليه المهر بعد الدخول
وكانت تدعي أنها جعلت دينا عليه كان عليه البينة، فإن لم يكن لها بينة كان عليه
اليمين، فإن لم تدع ذلك لم يلتفت إلى قولها.
فيما إذا لم يسم المهر:
ومن تزوج امرأة على كتاب الله وسنة رسول الله ص ولم يسم مهرا كان
مهرها مهر السنة بغير زيادة ولا نقص، فإن تزوج على حكمها فحكمت بدرهم أو بأكثر منه
إلى أن يبلغ خمس مائة درهم كان حكمها ماضيا، فإن حكمت بأكثر من خمس مائة درهم لم
يجز حكمها وردت إلى الخمس مائة، فإن تزوجها على حكمه كان ماضيا في أي شئ ذكره
قليلا كان أو كثيرا، ولم يجر حكمه إذا جاوز مهر السنة مجرى حكمها إذا جاوزت ذلك،
لأنها لما حكمته كان عليها أن لا تمنعه نفسها إذا أتاها بشئ ما ولم يكن لها إذا حكمها
168

أن يتجاوز مهر السنة، وهذا مما فسره الباقر ع.
وإذا عقد رجل على امرأة نكاحا وسمى لها مهرا ولأبيها شيئا آخر لم يلزمه ما سماه
لأبيها، وما سماه لها من المهر كان لازما له، وإذا طلق زوجته قبل الدخول بها بعد قبض
الصداق وكان الصداق تالفا وكان له مثل كالأسمان والأدهان والحبوب وما أشبه ذلك
كان له نصف المثل، وإن كان لا مثل له كالعبد والثوب وما أشبههما كان له نصف
القيمة.
فإن كان الصداق قائم العين لم يلحقه زيادة ولا نقص كان له نصفه، وإن كان نقص
نقصان قيمة مثل أن يكون بصيرا فعمي أو سليما فزمن أو ما أشبه ذلك كان مخيرا بين
أخذ نصفه أو أخذ نصف القيمة، وإن لم يكن النقصان نقصان قيمة كان له نصفها، وإذا
أصدقها شيئا من الحيوان وطلقها قبل الدخول بها وكان الحيوان وقت تسليمه إليها حاملا،
كان له الرجوع إليها بنصف ما أعطاها ونصف الحمل، وإن كان حمل عندها كان له
نصف ما أعطاها دون الحمل.
فإن وهبت الزوجة لزوجها الصداق قبل طلاقه كان له إذا طلقها الرجوع عليها
بنصف ذلك، وإذا طلقها قبل الدخول بها ولم يكن سمى لها مهرا كان عليه أن يمتعها
بمملوك أو دابة أو ما جرى مجرى ذلك إن كان موسرا، وإن كان فقيرا فبخاتم أو ما جرى
مجراه وإن كان متوسطا فبثوب أو ما أشبهه.
وإذا عقد على امرأة وخلى بها وأرخى الستر فلم يدخل بها حكم عليه لها بجميع المهر
على ظاهر الأمر ولم يكن للمرأة أن تأخذ منه إلا نصف المهر، فإن أمكنه إقامة البينة على
أنه لم يدخل بها مثل أن يكون بكرا فتنظر فتوجد كذلك، لم يحكم عليه إلا بنصف المهر.
وإذا مات الرجل قبل الدخول بها كان على وارثه أن يدفع إلى الزوجة من التركة المهر
على كماله، والأفضل للزوجة أن لا تأخذ إلا نصفه، فإن لم تفعل وأخذته على كماله كان
جائزا، وإذا ماتت المرأة قبل الدخول بها كان لأوليائها نصف المهر، وإن ماتت المرأة بعد
الدخول ولم تكن قبضت المهر من زوجها ولا طالبته به جاز لورثتها المطالبة به وأخذه وترك
169

ذلك أفضل، وإذا كان له أمة فتزوج بها على أن جعل عتقها صداقها ثم طلقها قبل
الدخول بها لم يكن لها عليه شئ، وذكر أن لها عليه نصف قيمتها والأولى ما ذكرناه.
وإذا اختلفت المرأة وزوجها في مبلغ المهر ولم يكن لأحدهما بينة كان القول قول
الزوج مع يمينه، وإذا تزوج امرأة على حكمها وطلقها قبل الدخول بها كان لها نصف
ما حكمت به ما لم يتعد ذلك مهر السنة كما قدمناه، وإن كان تزوجها على حكمة وطلقها
قبل الدخول بها كان لها نصف ما حكم به كائنا ما كان، فإن مات الزوج أو الزوجة قبل
أن يحكما لم يثبت مهر وكان للزوجة المتعة.
وإذا عقد الرجل على دار أو خادم ولم يعين كل واحد منهما كان للزوجة دار وسط من
الدور وكذلك الخادم، وإن عقد على مهر مسمى وأعطى الزوجة به عبدا آبقا ومعه شئ
آخر ورضيت بذلك وطلقها قبل أن يدخل بها كان عليها أن ترد عليه نصف المهر ويكون
العبد لها، وإن لم يكن دفع إليها شيئا سوى العبد لم يكن ذلك صحيحا وكان عليه نصف
المهر.
وإذا تزوج امرأة وجعل مهرها جارية مدبرة ورضيت الزوجة بذلك وطلقها قبل
الدخول بها كان لها من خدمتها يوم وله من خدمتها يوم، فإذا مات المدبر انعتقت المدبرة
ولم يكن للزوجة عليها سبيل، وإذا أمر انسان غيره بأن يعقد له على امرأة ومات الآمر وكان
عقد عليها قبل موته كان لها المهر والميراث وكان عليها العدة منه، وإن كان عقد عليها بعد
موته كان العقد باطلا.
وإذا عقد رجل على امرأة وجعل المهر مملوكا وسلمه إليها فزاد في ثمنه وطلقها قبل
الدخول بها كان له الرجوع عليها بنصف ثمن المملوك في اليوم الذي تسلمته فيه ولم يكن
له شئ فيما زاد من ثمنه، وإذا عقد الرجل نكاحا وشرط للزوجة في الحال شرطا يخالف
الكتاب والسنة، مثل أن لا يتزوج عليها ولا يتسرى ولا يتزوج بعد موتها أو ما أشبه ذلك
كان الشرط باطلا والنكاح ماضيا وكان له أن يتزوج ويتسرى، فإن شرط لها أن يكون
الوطء بيدها لم يصح ذلك، وذكر أنها إن شرطت عليه أن لا يقتضها لم يكن له ذلك إلا
170

بأمرها والأولى ما ذكرناه.
وإذا عقد على امرأة وأصدقها نخلا قد أطلع ولقح وطلقها قبل الدخول بها كان لها
نصف الأصل ونصف الثمر، وإن كان سلمه إليها قبل أن يلقح، فلقحته وحمل عندها
وطلقها قبل أن يدخل بها لم يكن له إلا نصف قيمته يوم دفع إليها، وإن كانت الزيادات
قد هلكت كلها كان له أن يأخذ نصف ما دفعه إليها، وإذا حصلت الماشية عند الزوجة
وتوالدت ونقصت ثم طلقها قبل الدخول بها، كان مخيرا بين أن يأخذ نصفها على ما هي
عليه وبين أخذ نصف قيمتها يوم دفعها إليها.
ومتى حدث بالمهر عند الزوج عيب من غير فعله وطلقها قبل الدخول بها كانت مخيرة
بين أخذ نصفه ناقصا وبين أخذ نصف قيمته يوم تزوجها به، وإن كان الذي حدث به من
فعله كانت مخيرة بين أن تأخذ نصفه ناقصا وتضمينه نصف النقصان وبين تركه وتضمينه
نصف القيمة، وإن كان ذلك من فعل أجنبي فهي بالخيار أيضا إن أرادت أخذت نصفه
ناقصا وأتبعت الجاني بنصف النقصان وإن أرادت أخذت من الزوج نصف القيمة.
فإن كان المهر مقبوضا فأصابه هذا العيب عندها من فعلها أو بأمر سماوي قبل
طلاقها كان الزوج مخيرا بين أخذ نصفه ناقصا وبين تضمينها نصف القيمة يوم قبضته،
وإن كان العيب، من فعل أجنبي لم يكن له سبيل على المهر وتضمينها نصف القيمة يوم
قبضته، وإذا دفع إليها بالمهر شيئين فتلف أحدهما دون الآخر، فإن كان شابههما بقيمة،
كان له نصف القيمة، وإن كان المهر غير الشيئين وكان دفعهما إليها على وجه الرهن
فتلف أحدهما من غير جناية منها عليه كان من ماله وعليه نصف ما فرض لها.
وإذا قبضت الزوجة المهر وطلقها زوجها قبل الدخول بها فزاد المهر في يدها أو نقص
كان لها زيادته وعليها نقصانه كما قدمناه، وترد نصف ما قبضته يوم قبضته إلا أن تريد إن
زاد في يدها أن تعطيه النصف زائدا أو يريد زوجها أن يأخذ النصف ناقصا ويتراضيان
على ذلك فيكون جائزا، ولا فرق في ذلك بين أن يكون المهر عبدا أو أمة أو شاة أو غير
ذلك من الحيوان.
171

وإذا كان المهر جارية وكانت في يد الزوج فأعتقها لم يصح عتقه لها، فإن طلقها بعد
ذلك كان له نصفها ولم يصح عتقه كما ذكرناه، وإن كانت المرأة هي التي أعتقها جاز
عتقها فيها، فإن طلقها قبل الدخول كان له الرجوع عليها بنصف قيمتها، وإذا أصدقها
نخلا أو شجرا ولم يسلم ذلك إليها حتى أثمرت في يده فجعل الثمر في " براني " أو " جرار "
أو " حوب " أو " قرب " أو " جلال " أو ما جرى مجرى ذلك، كان لها أخذه وكان له نزعه
من تلك الأوعية إن كان نزعه لا يضر بالثمر، فإن كان إذا نزع نقص الثمر كان لها أن
تأخذه وتنزع عنه الأوعية وتأخذ ما نقص لأنه تعدى ما فيه إلا أن يتطوع بتلك الأوعية فلا
تأخذ منه غير ذلك.
وإذا عقد الرحل نكاح المرأة في السر ثم عقداه في العلانية بمهر يخالف الأول كان
الثابت هو الأول، وإذا اتفقا على مهر وتواعدا به من غير عقد، فقالت له المرأة: جملني في
حال العقد بذكر ما هو أكثر منه، فذكر ذلك لزمه ما عقد به العقد ولم يلتفت إلى ما تواعدا
به لأن العقد وقع صحيحا سرا كان أو علانية، وإذا تزوج أربع نسوة بعقد واحد بألف
كان العقد والمهر صحيحين، وكان لكل واحدة منهن ربع الألف.
وإذا عقد لولده على امرأة وأصدقها صداقا، فإن كان الولد موسرا كان المهر في ذمته
دون والده لأن النكاح له، وإن كان الولد معسرا كان ذلك لازما للوالد، وإذا طلقها الولد
قبل الدخول بها فإما أن يكون الصداق مقبوضا عنه من الوالد أو غير مقبوض، فإن كان
مقبوضا عاد نصفه إلى الولد دون الوالد لأن الوالد لما ضمن عنه هذا الصداق وقضاه عنه
كان بمنزلة هبته له وقبضه له من نفسه ثم قضى ما لزم ولده من الصداق بمال الولد فكان
الولد أصدق وأقبض، فإذا طلقها عاد إليه نصفه دون والده ولم يجز لوالده أن يسترجعه من
الولد، وإذا لم يكن الوالد أقبضها شيئا وطلقها الولد قبل دخوله بها، فإن الولد قد برئت
ذمته من نصف الصداق وبقي عليه نصفه.
فإن أصدقها الوالد عينا قائمة مثل العبد فقال: تزوج ابني بنتك بهذا العبد من مالي،
ففعل كان ذلك صحيحا، فإن طلقها الولد قبل دخوله بها عاد نصفه إلى الولد ولم يكن
172

لوالده أن يرجع عليه به، فإن كان الولد كبيرا فتزوج وأصدق لنفسه لزم المهر في ذمته فإن
فتبرع الوالد وقضاه عنه، ثم طلقها الولد قبل دخوله بها عاد نصف الصداق إلى الولد، ولم
يجز لوالده الرجوع عليه به.
في تزوج المحجور عليه:
وإذا تزوج المولى عليه كالمحجور عليه لسفه أو مجنون أو مراهق كان النكاح باطلا،
فإن كان قبل الدخول لم يكن عليه شئ وإن كان بعد الدخول وكانت عالمة بحاله لم يكن
لها شئ، لأنها رضيت بتسليم نفسها مع علمها بحاله فقد أتلفت بعضها على نفسها
بذلك، وإن لم تكن عالمة بحاله كان عليه لها مهر المثل.
والمعتبر في مهر المثل بنساء المرأة هو من كان منهن من عصبتها كالأخت من جهة
الأب أو من جهة الأب والأم وبناتها والعمة وبناتها وما أشبه، فأما الأم وما هو من جهتها
فلا معتبر به في ذلك، وقد كان أبو جعفر الطوسي من أصحابنا يعتبر ذلك، والأقوى عندي
ما ذكرته لأن المرأة أم الولد يكون من عرض المسلمين تحت الرجل الشريف النسب، مثل
الرجل يكون من ولد الحسن أو الحسين ع فيتزوج بالمرأة من العامة ليس لها
نسب ولا حسب.
فالمعتبر في نسائها من كان من عصبتها لما ذكرناه ولا يتجاوز بالمهر معها خمس مائة
درهم، فإن زاد عليها لم يجز أكثر من ذلك، و يعتبر أيضا في ذلك النساء اللواتي في بلدها
وبمن هو في سنها أيضا لأن المهر يختلف باختلاف السن، ويعتبر أيضا بعقلها وحمقها
لاختلاف المهر أيضا بذلك، ويعتبر أيضا بجمالها وقبحها وبيسارها وإعسارها وبأدبها
والبكارة والثيوبة وبكل ما يختلف المهر لأجله.
والاعتبار في النساء بما ذكرناه ينبغي أن يكون بالأقرب منهن إلى المرأة المستحقة لمهر
المثل لأنهن أشبه بها، فإن فقدت العصبة اعتبر بذوي الأرحام، فإن فقد ذلك اعتبر بنساء
أقرب البلدان إلى بلده، فإن كان الذي يجب عليه مهر المثل من عشيرتها خفف عنه، فإن
173

لم يكن من عشيرتها ثقل عليه لأن الاعتبار يكون هكذا.
وإذا تزوج رجل امرأة وأصدقها ألفا ودفع إليها ألفا أو ثوبا أو عبدا ويختلفان فتقول
المرأة: دفعته إلى هدية، ويقول الرجل: بل دفعته إليك مهرا، كان القول قوله بغير يمين هذا
إذا كانا متفقين على القبض بالإطلاق، مثل أن يدفعه إليها فتقبضه وهما شريكان لأنه لم
ينطق بمهر ولا هدية، وإن اختلفا فقالت المرأة: قلت لي خذي هذا هدية أو قالت هبة،
وقال: بل قلت خذيه مهرا، كان القول قوله على كل حال.
وإذا زوج الرجل ابنته وهي رشيدة وأراد قبض مهرها، فإن كانت ثيبا لم يكن له
ذلك إلا بإذنها، وإن كانت بكرا كان له قبضه إذا لم تنهه عن قبضه فإن نهته عن ذلك لم
يجز له القبض، وإن كانت مولى عليها لصغر أو سفه مع الكبر أو جنون كان له قبض
ذلك، وإذا شرط الرجل في النكاح خيار الثلاث وكان ذلك في أصل العقد كان النكاح
باطلا لأنه عقد يلزم نفسه ولا يصح فيه خيار الشرط، وإن كان الشرط في المهر مثل أن
يقول: أصدقتك هذه الدار على أن لك الخيار في المهر ثلاثا، كان العقد صحيحا والمهر
لازما والخيار ثابتا لقول النبي ع: المؤمنون عند شروطهم.
وإذا عقد الرجل على النكاح على امرأة وضمن أبوه لها النفقة عليها سنين لم يصح ذلك
لأن النفقة لا يجب عندنا بالعقد وإنما يجب يوما بيوم، ولا يصح هذا الضمان لأنه ضمان لما
لم يجب، وإذا عقد على امرأة نكاحا وسمى فيه مهرا إلى أجل معين وشرط أنه إن أحضره
في الأجل وإلا كان العقد باطلا كان العقد ثابتا والمهر في ذمته، وإن تأخر عن الوقت
الذي ذكره والنفقة واجبة عليه.
وإذا عقد على امرأة وشرط لها في حال العقد أن لا يخرجها من بلدها كان الشرط
صحيحا ولم يجز له اخراجها إلى بلده، وإن شرط أنه إن أخرجها إلى بلده كان مهرها عليه
مائة دينار، وإن لم يخرجها كان المهر خمسين دينارا ثم أراد اخراجها إلى بلده وكان بلده في
ديار الاسلام كان الشرط صحيحا، وإن كان في ديار الشرك لم يلزمها الخروج إليه وكان
عليه المهر كاملا.
174

وإذا أعتق انسان عبده وشرط عليه في حال العتق أن يزوجه جاريته، فإن تزوج عليها
أو تسرى كان له عليه شئ معين، فتزوج العبد أو تسرى كان ما شرط لسيده لازما، وإذا
عقد الرجل نكاحا على امرأة وشرط أن لا نفقة لها عليه وكان النكاح نكاح دوام كان
النكاح صحيحا والشرط باطلا وكانت النفقة واجبة عليه، وإن كان نكاح متعة كان
العقد والشرط صحيحين ولم يكن للمرأة عليه نفقة.
فيما إذا بانت الزوجة ثيبا:
وإذا تزوج امرأة على أنها بكر فوجدها ثيبا جاز أن ينتقص من مهرها شيئا وليس
ذلك بواجب، ولا يجوز للرجل أن يتصرف في شئ من مهر ابنته ولا أكل شئ منه إلا
بإذنها.
وإذا مكنت المرأة الرجل من نفسها وسلمتها إليه وجبت نفقتها، فإن لم تمكنه من
نفسها ولا سلمتها إليه فلا نفقة لها عليه، وإذا ادعت المرأة على زوجها أنه لا ينفق عليها ولم
يكن معسرا ألزم النفقة عليها، وإن كان معسرا لم يلزم شيئا من ذلك ولم يحبس وترك إلى
أن يوسع الله عليه، وإذا لم ينفق الرجل على زوجته ولا يكسوها وكان ذلك لفقر أو لأنه
لا يمكنه ذلك أنظر حتى يوسع الله عليه ويتمكن منه، وإن كان لغير فقر وهو متمكن منه
وقادر عليه ألزمه الحاكم النفقة عليها أو طلاقها، وإذا ادعى الزوج أنه دفع المهر إلى زوجته
وأنكرت ذلك كان عليه البينة، فإن لم يكن له بينة كان عليها اليمين بأنه لم يدفعها إليه.
في عدم جواز تمكينها:
ولا يجوز للمرأة الامتناع من زوجها إذا قبضت مهرها، فإن كانت لم تقبضه كان بها
الامتناع منه، فإن امتنعت منه بعد قبضه كانت ناشزا ولم يلزمه عليه ما دامت على النشوز،
ولا يجوز لولي المرأة العفو عن شئ من المهر بعد دخولها بالزوج لأنه قد استقر لها
بالدخول، فإن أذنت له في ذلك كان جائزا، ويجوز له العفو عن بعضه قبل الدخول بها.
175

وإذا أراد الرجل نقل المرأة من بلدها إلى غيره كان لها الامتناع من ذلك حتى تستوفى
مهرها، وإذا أرادت المرأة أن تبرئ الزوج من مهرها كان ذلك جائزا فإن فعلته في
صحتها كان ماضيا، وإن أبرأته منه في مرضها الذي تموت كان من الثلث، وإذا كانت
المرأة مريضة وليس لها شئ غير مهرها لم يجز لها أن تبرئ زوجها في حال مرضها من
جميعه، فإن فعلت ذلك سقط عنه الثلث وكان الباقي لورثتها.
ومن تزوج وهو مريض ودخل بالزوجة في حال مرضه كان العقد صحيحا ووجب
المهر عليه فإن لم يدخل بها كان العقد فاسدا، وإذا مكنت المرأة زوجها من نفسها ودخل
بها كان لها المطالبة بالمهر على كماله، وليس يجوز لها أن تمنعه من نفسها بعد ذلك.
باب نكاح الإماء والعبيد وما يتعلق بذلك:
قال الله تعالى: ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن
ما ملكت الآية، فأباح تعالى من تضمنت الآية ذكره بشرطين، وهما: عدم الطول لنكاح
الحرام والآخر أن يخشى العنت، وذكر أن العنت هو الزنى، وروي عن علي ع
أنه قال: لا يحل نكاح الإماء إلا لمن خشي العنت.
وعن الصادق ع أنه قال: لا يتزوج الحر الأمة حتى يجتمع فيه الشرطان
العنت وعدم الطول، وإذا كان لإنسان أمة لم يجز لغيره أن ينكحها إلا بأن لا يجد الطول
إلى نكاح الحرة أو يخشى العنت، فإن تزوج بأمة وهو يجد الطول إلى نكاح الحرة فقد
خالف أمر الله وما شرط عليه، ولا يبطل عقده على الأمة بل يكون عقده ماضيا، وإذا لم
يجد طولا لنكاح حرة وخشي العنت وأراد العقد على أمة غيره فلا يعقد النكاح عليها إلا
بإذن سيدها، ويدفع الصداق الذي يتراضيان عليه إليه.
فإذا عقد عليها وجاءت بولد كان الولد حرا لا سبيل لأحد عليه، فإن شرط سيدها في
حال العقد أن يكون الولد مملوكا له كان الشرط صحيحا ويكون الولد مملوكا له ولا يكون
لأب الولد عليه سبيل، وإذا عقد رجل على أمة غيره بغير إذنه كان العقد باطلا، فإن رضي
176

به السيد بعد ذلك وأمضاه كان ماضيا وجرى في استباحة النكاح به مجرى عقد
مستأنف.
وإذا استقر العقد على الأمة على ما قدمناه لم ينفسخ إلا بطلاق الزوج لها أو عتق
سيدها لها أو بيعها، فإن أعتقها السيد والزوج مقيم على نكاحها كانت مخيرة بين إقراره
على ذلك وبين فسخه سواء كان حرا أو عبدا، فإن أقرته عليه لم يكن لها بعد ذلك خيار
فإن فسخته كان مفسوخا، وإن باعها سيدها والزوج أيضا مقيم على النكاح كان المشتري
لها مخيرا بين إقراره على العقد وبين فسخه، فإن أقره عليه لم يكن له بعد ذلك خيار وإن
فسخه كان مفسوخا.
وإذا عقد الرجل على أمة غيره وهو عالم بذلك من حالها بغير إذن سيدها وجاءت بولد
كان الولد مملوكا لسيدها ولم يكن للأب عليه سبيل، وإن عقد عليها على ظاهر الأمر ولم
يثبت له بينة بأنها حرة وجائت بولد كان الولد رقا لسيدها، وعلى سيدها تسليم الولد إلى
أبيه بالقيمة وعلى الأب أن يدفع إلى سيدها قيمته، فإن لم يكن له مال استسعى في ذلك،
وإن امتنع من ذلك دفعه الإمام إلى سيد الأمة من سهم الرقاب ولا يسترق ولد حر، وإن
كان الزوج قد دفع إليها مهرا لم يكن له عليها سبيل وكان له الرجوع بالمهر على وليها.
فإن كانت بكرا كان لسيدها عشر قيمتها، وإن كانت ثيبا كان عليه نصف عشر
قيمتها، وإن كان عقد عليها على ظاهر الأمر بشهادة شاهدين لها بالحرية وجاءت بولد
كان الولد حرا ولم يكن لأحد عليه سبيل.
وإذا عقد حر على امرأة وظن أنها حرة بتدليس المتولي للعقد عليها ثم بان أنها أمة
كان له الرجوع بالمهر على وليها، فإن جاءت بولد كان حرا، وإذا كانت المرأة حرة لم يجز
لها أن تعقد على نفسها لعبد إلا بإذن سيده، فإن تزوجت به بإذن سيده وجاءت بولد كان
حرا، فإن شرط السيد عليها أن يكون الولد رقا له كان الشرط صحيحا وكان الولد مملوكا
لسيده ولم يكن لها عليه سبيل.
وإذا استقر عقد الحرة على العبد لم يبطل إلا بطلاق العبد لها دون سيده أو ببيعه، فإن
177

طلقها العبد كان طلاقه واقعا وإن باعه كان المشتري له مخيرا بين إقراره على العقد وبين
فسخه، فإن أقره عليه لم يكن له بعد ذلك خيار، فإن أعتقه سيده لم ينفسخ العقد وكان
ثابتا، ولم يكن للزوجة اختيار لأنها قد رضيت به وهو عبد وقد صار حرا فهي بالرضا به،
وهو كذلك أولى.
في تزويج العبد بحرة بغير إذن سيده:
وإذا تزوج العبد بحرة بغير إذن سيده كان العقد موقوفا على رضا سيده، فإن فسخه
كان مفسوخا وإن أمضاه كان ماضيا ولم يكن له بعد ذلك فسخه، ولا ينفسخ إلا بطلاق
العبد لها أو بيعه، فإن طلقها العبد وقع طلاقه ولم يكن لسيده عليه اختيار، وإن باعه سيده
كان الأمر فيه على ما قدمناه، وإن جاءت بولد منه وكانت عالمة بأن سيده لم يأذن له في
التزويج كان ولدها مملوكا لسيد العبد، وإن لم تكن عالمة بذلك كان ولدها حرا، وإذا
تزوجت الأمة بغير إذن سيدها بعبد وكان العبد مأذونا له في التزويج وجاءت بولد كان
الولد رقا للسيد، وإن لم يكن مأذونا له في التزويج كان الولد رقا لسيد الأمة وسيد العبد،
بينهما بالسوية.
ويجوز أن يزوج الانسان عبده بجاريته، فإن زوجهما كان عليه أن يدفع إليهما شيئا من
ماله يكون مهرا لها، والفراق بينهما بيد سيدهما متى شاء فرق بينهما وليس للزوج طلاقها هنا
على وجه من الوجوه، فإذا أراد السيد أن يفرق بينهما أمره باعتزالها وأمرها باعتزاله ويقول
لها: قد فرقت بينكما، ويكون ذلك فراقا صحيحا، فإن كان العبد قد وطئها استبرأها
بحيضة أو بخمسة وأربعين يوما ثم يطأها إن أراد وطأها، وإن لم يكن للعبد وطؤها جاز له
أن يطأها في الحال من غير استبراء، فإن باعهما كان المشتري لهما مخيرا بين إقرارهما على
العقد وبين فسخه، فإن أقرهما عليه كان حكمه كحكم السيد الأول في ذلك، وإن فسخه
كان مفسوخا.
فإن باع السيد أحدهما كان ذلك فراقا بينهما، ولا يثبت العقد إلا بأن يريد هو ثباته
178

على الواحد الذي بقي عنده، ويريد المشتري ثباته على الآخر الذي اشتراه، فإن لم يرد
واحد من السيدين ثبات ذلك لم يثبت العقد بينهما، فإن جاء بينهما ولد كان رقا لسيد
الأمة، وإن أعتقهما جميعا كانت الزوجة مخيرة بين الرضا بالعقد الأول وبين فسخه، فإن
رضيته كان ماضيا وإن لم ترض كان مفسوخا.
وإذا عقد انسان لعبده على أمة لغيره باذنه كان ذلك جائزا وكان طلاقها بيد العبد،
فإن طلقها كان طلاقه جائزا كما قدمناه ولم يكن لسيده أن يطلق زوجته، فإن باعه كان
ذلك فراقا بينهما إلا أن يختار المشتري إقراره على العقد ويريد ذلك أيضا سيد الجارية،
فإن لم يرد واحد منهما ذلك كان العقد مفسوخا، وكذلك الحكم إذا باع سيد الجارية
جاريته فإنه يكون فراقا بينهما ولا يثبت إلا برضا سيدها ورضا سيد العبد، فإن لم يرض
ذلك واحد منهما كان مفسوخا.
وإذا أعتق الانسان جاريته كانت مخيرة بين الرضا بالعقد وبين فسخه حسب
ما قدمناه، وإن أعتق السيد عبده لم يكن لسيد الجارية عليه خيار ولا يبطل العقد إلا
بعتقها أو بيعها، فإن جاء بينهما ولد كان على حسب ما يحصل الشرط بينهما فيه، فإن شرط
سيد الجارية أن يكون الولد رقا له كان ذلك، وإن اشترط سيد العبد ذلك كان صحيحا
ويكون الحكم منه على ما يستقر الشرط بينهما، فإن لم يكن جرى بينهما شرط في ذلك كان
الولد بينهما بالسوية كما قدمناه.
وإذا كانت الأمة بين شريكين وكان أحدهما غائبا والآخر حاضرا، فعقد الحاضر
عليها النكاح لرجل كان ذلك باطلا، فإن رضيه الغائب كان ماضيا، وإذا تزوج رجل
أمة بين شريكين ثم اشترى نصيب أحدهما حرمت عليه إلا أن يبتاع النصف الآخر أو
يرضى الشريك بالعقد فتحل له ويكون رضي الشريك بالعقد عقدا مبتدءا، وإذا كان
أحد الزوجين مملوكا ومات واحد منهما لم يكن بينهما توارث لا يرث الرجل المرأة ولا المرأة
الرجل.
وإذا زوج انسان جاريته من رجل وفرض عليه مهرا وباعها قبل أن يقبض المهر سقط
179

المهر عن الزوج لأن بيعها طلاقها، وبذلك يزول ملك الزوج لبضعها وفساد العقد لم يكن
من جهته، وإنما يكون من جهة غيره وهو سيد الجارية، وإذا أذن السيد لعبده في نكاح
حرة فنكح أمة أو في نكاح أمة فنكح حرة أو في نكاح امرأة معينة فنكح غيرها أو أن
ينكح في بلد معين فنكح في غيره، كان النكاح في جميع ما ذكرناه موقوفا على رضا سيده
وإذنه، فمهما أذن فيه كان ماضيا وما لم يأذن فيه كان باطلا.
وإذا أطلق السيد الإذن لعبده في التزويج فقال: له تزوج بمن شئت، كان صحيحا،
فإذا تزوج في بلده لم يكن لسيده منعه ممن تزوج به، فإن تزوج من بلد آخر كان له منعه
من السفر، ولا يجوز أن يسافر إلا بإذن سيده، وإذا تزوج العبد بإذن سيده بحرة وأمهرها
ألفا كان المهر في ذمة العبد يستوفى من كسبه، فإن ضمن السيد عنه ذلك صح الضمان
وكان المال في ذمة السيد ولم يكن للنفقة مطالبة العبد بشئ منه.
باب ما ينبغي فعله عند العقد على النساء والدخول بهن:
إذا أراد الرجل عقد النكاح لنفسه فينبغي له أن يستخير الله تعالى بأن يصلى ركعتين
ويحمده تعالى ثم يدعو، فيقول: اللهم إني أريد النكاح فسهل إلى آخره، ولا يعقد النكاح
والقمر في العقرب، ويستحب الإشهاد والإعلان بذلك والفرح والمسرة والوليمة أيضا
وسنذكرها فيما بعد.
ويجوز للرجل النظر إلى وجه المرأة التي يريد العقد عليها وإلى محاسنها وجسمها من فوق
ثيابها، فإن لم يكن مريدا للعقد عليها لم يجز له شئ من ذلك، وكذلك يجوز له في الأمة
التي يريد ابتياعها، فإن لم يرد ابتياعها لم يجز له شئ من ذلك أيضا.
في آداب الغشيان:
وإذا زفت المرأة إلى الرجل ودخل عليها فيستحب له أن يكون على وضوء ويصلى
ركعتين وكذلك يستحب لها أيضا أن تفعل مثل ذلك، ثم يضع يده على ناصيتها ويمسحها
180

ويدعو فيقول: اللهم ارزقني إلفها وودها ورضائها لي وارزقها ذلك مني واجمع بيننا
على أحسن اجتماع وأيمن ائتلاف فإنك تحب الحلال وتكره الحرام والخلاف.
فإذا أراد الجماع فيسمي الله تعالى ويدعو بما قدر عليه ويقول: اللهم على كتابك
تزوجتها وفي أمانك أخذتها وبكلماتك استحللت فرجها، فإن قضيت في رحمها شيئا
فاجعله مسلما سويا ولا تجعله شرك شيطان، وأفضل أوقات الزفاف والدخول بالزوجة
الليل وأفضلها للإطعام النهار.
ويكره للرجل أن يجامع زوجته في ليلة خسوف القمر ويوم كسوف الشمس وفيما بين
طلوع الفجر إلى طلوع الشمس وفيما بين غروبها إلى مغيب الشفق، ووقت الريح السوداء
والصفراء والزلازل وأول ليلة من الشهر إلا شهر رمضان وفي محاق الشهر، فقد روي عن
الباقر ع أنه قال: والذي بعث محمدا ص بالنبوة واختصه
بالرسالة واصطفاه بالكرامة، لا يجامع أحد منكم في وقت من هذه الأوقات فيرزق ذرية
فيرى فيها قرة عين.
ولا يجوز لرجل أن يدخل بزوجته قبل بلوغها تسع سنين، فإن فعل ذلك وعابت كان
عليه ضمان عيبها ويفرق بينهما ولا تحل له أبدا، ويكره للرجل أن يجامع مستقبل القبلة أو
مستدبرها أو يجامع وهو عريان أو هو في سفينة، وإذا كان مسافرا وقدم على زوجته فإنه
يكره له أن يجامعها ليلا حتى يصبح، ويكره للرجل إذا احتلم أن يجامع زوجته حتى
يغتسل، فإن لم يفعل ذلك توضأ وضوء الصلاة.
ويكره للرجل النظر إلى فرج امرأته وكذلك يكره للرجل أيضا الجماع في بيت يكون
فيه صبي ينظر إليه أو غير صبي، ويكره له النظر إلى المجامعة فقد روي عن علي
ع أنه يورث العمى، ويكره الكلام عند الجماع فقد روي عن الباقر
ع: أنه يورث الخرس، ويكره إتيان النساء في أحشاشهن.
ولا يجوز للرجل أن يترك وطء زوجته أكثر من أربعة أشهر، ويكره له العزل عن
زوجته الحرة إلا بإذنها، فإن أذنت له فيه لم يكن به بأس، فأما الأمة فإنه يجوز العزل عنها
181

على كل حال، وإذا لم يتمكن الرجل من ماء ليغتسل به فإنه يكره له الجماع، فإن خاف
على نفسه فعله.
وأما الوليمة التي وعدنا ذكرها فهي وليمة العرس، وإنما سميت بذلك لأن فيها اجتماع
الزوجين، وحكى عن ثعلب أن الوليمة طعام العرس وهي عندنا مستحبة وذكر بعض
الناس أنها واجبة وحضورها مستحب، فإن كانت وليمة لذمي فقد ذكر أنها لا يجوز
للمسلم حضورها، وقال بعضهم: يجوز ذلك والأول أحوط، وإذا حضرها انسان وكان
صائما تطوعا فيستحب له الإفطار، وإن كان صومه واجبا لم يجز له الإفطار.
وإذا كان في الدعوة شئ من الملاهي والمناكير أو شرب خمر على المائدة أو ضرب
البرابط والمزامير وغير ذلك إلا الدف إذا لم يقل عليه هجو وعلم المدعو ذلك لم يجز له
حضورها، فإذا علم أنه إذا حضر قدر على إزالة ذلك استحب له الحضور ليجمع بين
الإجابة إلى الحضور وبين إزالة المنكر، فإن لم يعلم ذلك إلا بعد حضوره وأمكنه إزالته
فعل ذلك وإن لم يمكنه ذلك وجب عليه الخروج من موضع ذلك، فإن لم يمكنه الخروج
جلس وليس عليه شئ في سماء ذلك إذا لم يتعمد الاستماع له.
وإذا رأى صورة ذات أرواح في الموضع منصوبة فلا يدخله، وإن كانت توطأ لم يكن
بدخوله بأس وإن كانت صورة شجر لم يكن بذلك بأس، وكذلك صورة كل ما ليس له
روح، فأما نثار السكر واللوز في ذلك فهو جائز ولا يجوز لأحد أن يأخذ منه شيئا إلا بإذن
صاحبه أو بأن يعلم منه ذلك بشاهد وأنه أباحه، وترك أخذه أولى على كل حال، ومن
أخذ منه شيئا مع العلم بإذن صاحبه في أخذه أو إباحته لذلك فقد ملكه بالأخذ له
والحيازة كما يملك الطعام.
باب القسمة بين الأزواج:
قال الله تعالى: قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم، يعني من الحقوق التي لهن على
الأزواج من الكسوة والنفقة والمهر وغير ذلك، وقال: الرجال قوامون على النساء، يعني
182

أنهم قوامون بحقوق النساء التي لهن على الأزواج، وقال: وعاشروهن بالمعروف، وقال:
ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف. يعني أن لكل واحد منهما ما عليه لصاحبه يجمع بينهما
من حيث الوجوب، ولم يرد بذلك أن للزوجات على الأزواج مثل الذي للأزواج على
الزوجات من الحقوق، لأن الحقوق مختلفة فحقوق الزوجات الكسوة والإنفاق عليهن
والسكنى والمهر، وليس يجب شئ من ذلك للأزواج على الزوجات، وحقوق الأزواج على
الزوجات التمكين من الاستمتاع وهذا مخالف للآخر كما تراه فليس المراد إلا ما ذكرناه.
وإذا كان عند الرجل من الأزواج أكثر من واحدة فالأفضل له أن يعدل بينهن فيبيت
عند كل واحدة بينهن ليلة ولا يجب عليه مجامعتها في تلك الليلة بل يجوز له ترك ذلك، فإن
لم يرد العدل بينهما وكان له زوجتان لم يجز له أن يبيت عند الواحدة منهما أكثر من ثلاث
ليال ويبيت عند الأخرى ليلة واحدة، وإن كان عنده ثلاث نسوة كان له أن يبيت عند
واحدة منهن ليلتين ويبيت عند كل واحدة من الاثنين ليلة ليلة، فإن كان عنده أربع
نسوة لم يجز له المبيت عند كل واحدة أكثر من ليلة ليلة ويسوي بينهن في ذلك، فإن
اختارت واحدة منهن ترك ليلتها لأخرى كان ذلك جائزا.
وإذا عقد رجل على امرأة كانت بكرا جاز له أن يفضلها بالمبيت عندها سبع ليال ثم
يعود إلى التسوية بين جميع أزواجه بعد ذلك وإن كانت ثيبا جاز له أن يفضلها بثلاث
ليال ثم يرجع إلى التسوية بين أزواجه، فإن كان عنده زوجتان إحديهما حرة والأخرى أمة
كان للحرة ليلتان وللأمة ليلة واحدة، وإن كانت عنده أمة بملك يمين مع حرة لم يكن لها
مع الحرائر قسمة، وكذلك اليهودية والنصرانية مع الزوجات المسلمات لأن الحكم كل
واحد منهما حكم الأمة.
ويجوز للرجل أن يفضل بعض أزواجه على بعض في النفقة والكسوة والعدل بينهن
والتسوية في ذلك أفضل على كل حال، والصحيح والمريض في القسمة سواء، وإذا أراد
المريض أن يقيم عند بعض أزواجه لم يكن له ذلك إلا أن يأذن له فيه، ولا فرق بين المسلم
والذمي في ما قدمناه.
183

وإذا سافر الرجل مع بعض الزوجات ثم قدم وسألته الباقيات أن يقيم عند كل
واحدة منهن أيام سفره لم يكن لهن ذلك، ولا يحتسبن بأيام سفره عليه بل يستقبل العدل
بينهن ويبتدئ بمن لها الحق، وكذلك إذا لم يسافر بإحداهن معه وجب إذا انصرف أن
يبتدئ بصاحبة الحق، وإذا أراد الرجل السفر ببعض أزواجه وأذن له في واحدة بعينها كان
جائزا، وإن لم يأذن له أقرع بينهن فمن أصابها منهن السهم خرج بها معه، وإذا نكح في سفره
زوجة غير الزوجة التي سافر بها معه كان لها ما للتي يتزوج بها في الحضر إن كانت بكرا أو
ثيبا، ولا تحتسب التي سافر بها من ذلك بشئ.
وإذا كان لرجل زوجتان أو أكثر إلى أربع فأقام عند إحداهن شهرا وهن ممسكات
عنه ثم خاصمنه في ذلك كان عليه أن يستقبل العدل بينهن، وما فات كان هدرا وهو فيما
فعل من ذلك آثم وعلى الحاكم نهيه عن ذلك وأن يأمره بالعدل، وإن عاد إلى ذلك ورأى
أدبه كان له ذلك.
وإذا لم يكن للرجل إلا زوجة واحدة كان عليه المبيت عندها ليلة واحدة من أربع
ليال، وله أن يفعل في الثلاث الأخر ما شاء فيما كان مباحا له، فإن كان له زوجتان كان
له أن يخص الواحدة منهما في ثلاث الليالي ويقسم للأخرى ليلتها، وكذلك الحكم إذا كان
له ثلاث نسوة قسم لكل واحدة منهن ليلتها واختص بالرابعة من أراد منهن اختصاصا بها،
فإن كانت أزواجه أربعا لم يجز له أن يفضل واحدة منهن على الأخرى.
وإذا كان عنده أكثر من زوجة كان له أن يغشى بعضهن دون بعض، وليس عليه إلا
المبيت عند كل واحدة منهن في ليلتها ويقيل عندها، فإن لم ينشط للجماع لم يكن عليه
شئ فإن وجه نشاطا للجماع فلا ينبغي له أن يدعها ويخص نفسها لغيرها، وإذا كان
عنده زوجة إلى ثلاث وتزوج بكرا أقام عندها سبع ليال، وإن كان ثيبا فثلاث ليال ثم
يستقبل القسمة بعد ذلك والتسوية بينهن فيها.
وإذا دخل عليه بكران في ليلة واحدة أو ثيبان أو بكر وثيب أقرع بينهما فأيهن خرج
سهمها بدأ بها وأوفاها أيامها ولياليها ثم رجع إلى الأخرى، ولا يستحب له إذا أقام عند
184

بكر أو ثيب أن يقعد عن صلاة الجماعة، ولا بر كان يفعله ولا إجابة دعوة المؤمن ولا
شهود الجنازة.
وإذا كان له زوجة أمة فأقام عندها يوما ثم أعتقت لم يقم عند الحرة الأخرى إلا يوما
واحدا، وإن أقام عند الحرة يوما واحدا ثم أعتقت الأمة يحول عنها إلى المعتقة، وإذا كان
عنده زوجة واحدة وكان يصوم النهار ويقوم الليل ولا يجعل لها حظا فاستعدت عليه، فإنه
يؤمر بأن يبيت عندها ليلة من أربع ليال أو أن ينظر لها.
وإذا تزوج امرأتين على أن يقيم عند الواحدة منهما يوما وعند الأخرى يومين ثم طلبت
التي لها اليوم أن تعدل عليها، كان لها ذلك ولم يلزمها الشرط الذي شرطته إلا أن يكون
الرجل يعجز عن زوجتين أو تكون ذميمة الخلق فيميل عليها ويريد طلاقها وتكره هي
ذلك فتصالحه على أن يأتيها وقتا بعد وقت أو يوما في أيام أو على أن يترك لها حظها من
ذلك فيكون جائزا.
ويجوز للرجل أن يترك بعض القسم للمرأة أو كله إذا طابت نفسها بذلك، فإن
رجعت فيه كان عليه العدل عليها أو فراقها، وكذلك إذا وهبت له ذلك فأقام عند غيرها
أياما ثم بدا لها أن يستأنف العدل من يوم علم، وإذا قال: لا أفارقها ولا أعدل عليها أجبر
على العدل عليها ولم يجبر على فراقها، وإذا أعطاها مالا على أن تترك له يومها لم يجز ذلك
لأنه بمنزلة البيع وليس هاهنا عين مملوكة يتناولها البيع ولا يقع عليها ولا هو إجارة على عقد
يقابله عوض، وإن حللته فوهب لها شيئا من غير شرط كان ذلك جائزا.
ولا يجوز للرجل الدخول في الليل على غير صاحبة القسم لأن الليل هو القسم، ويجوز
أن يدخل على غيرها بالنهار وللحاجة ولا يفعل عندها، فإن أراد أن يأوي في النهار إلى
منزله أوى إلى منزل صاحبة القسم، ولا يستحب له أن يجامع زوجته في غير يومها، فإن
فعل ذلك فعل مكروها ولم يجب عليه كفارة.
وإذا مرض بعض الزوجات جاز أن يعودها نهارا، فإن فاتت لم يكن بأس بمقامه
عندها حتى يواريها ثم يعود بعد ذلك إلى صاحبة القسم، وإن ثقلت بالمرض لم يكن بمقامه
185

عندها بأس حتى تخف أو تموت ثم توفى من بقي من أزواجه مثل ما أقام عندها، وإذا
عرض له شغل يمنعه من المبيت عند أزواجه ابتدأ عند فراغه بصاحبة القسم حتى يبتدئ بها
عند عودته من السفر.
وإذا كان عند بعض أزواجه مريض أو متداو أو كانت الزوجة مريضة أو حائضا أو
نفساء فذلك قسم يحتسب عليه به، وإذا كان محبوسا وكان الزوجات يصلن إليه فعليه أن
يعدل بينهن كما تكون ذلك عليه إذا لم يكن محبوسا.
وإذا أراد أن يكون له منزل لنفسه ثم ينفذ إلى كل واحدة منهن فتأتيه يومها وليلتها
كان ذلك له وعليهن أن يأتينه، ومن امتنع منهن من ذلك كانت عاصية لبعلها تاركة
لحقه، ولم يجب عليه في ترك القسم شئ ما دامت ممتنعة، وكذلك إذا كانت في منزله
تسكنه فغلقت الباب أو امتنعت منه إذا حضر عندها أو هربت منه أو ادعت عليه طلاقا
كاذبة، فإنه يحل له تركها والقسم لغيرها وترك النفقة عليها إلى أن تعود إلى التخلية بينه
وبين نفسها وهذه ناشز، وكذلك إذا كانت المرأة أمة فمنعته نفسها أو منعه منها أهلها لم
يكن لها قسم ولا نفقة حتى ترجع عن ذلك.
وإذا سافر سيد الأمة بها بغير إذن زوجها أو باذنه سقطت عنه النفقة، وإذا سافرت
الحرة بإذن زوجها أو بغير إذنه لم يكن لها نفقة إلا أن يكون هو الذي أشخصها، وإذا
كانت الزوجة رتقاء لا يقدر الرجل عليها قسم لها كما يقسم للحائض لأن القسم على
المسكن لا الجماع.
والخصي والعنين والمجنون ومن لا يقدر على الجماع إلا بعنت شديد أو لا يقدر عليه جملة
لعلة أو لغير ذلك يجري مجرى الصحيح القوي في ذلك، وإذا كان رجل عند واحدة من
نسائه ليلا فعرض له جنون في بعض الليل فخرج من عندها فعليه أن يوفيها إذا أفاق أو
يستحلها، فإن جنت الزوجة وخرجت في بعض الليل لم يجب عليه أن يوفيها شيئا.
وإذا قسم الرجل من نسائه يومين أو ثلاثة لكل واحدة منهن ثم طلق منهن واحدة قد
ترك لها القسم طلاقا بائنا فعليه أن يستحلها من قسمها، فإن كان طلاقا رجعيا وفاها
186

ما فاتها ويقسم للمرأة التي قد آلى منها، وكذلك المحرمة بأمره ولا يقربها وكذلك يفعل مع
نسائه المحرمات.
وإذا خافت المرأة من بعلها نشوزا وكان كارها لها وأراد طلاقها وهي كارهة للطلاق،
فقالت له: أمسكني ولا تطلقني وأترك لك ما لي عليك من الصداق أو الأجر وأهب لك
من مالي كذا وكذا وأحللتك من يومي وليلتي ونفقتي، فما فعله من ذلك برضاها كان له
جائزا إذا أخذه هبة منها من غير شرط يشرطه لها لأن طلاقها مباح له متى أراده.
وإذا نشزت المرأة على زوجها جاز له أن يهجرها في المضاجع وفي الكلام ويضربها، ولا
يبلغ بضربها حدا ولا يكون ضربا مبرحا ويتوقى وجهها، ولا يهجرها بترك الكلام أكثر
من ثلاثة أيام ويهجرها في المضجع إلى أن ترجع عن النشوز قلت مدته أو كثرت، فإذا
عادت عن ذلك ورجعت إلى ما يجب له عليها كف عنها وعادت إلى حقها.
باب التدليس في النكاح:
عقد النكاح ينفسخ بعيوب: منها ما يختص الرجل ومنها ما يختص المرأة ومنها ما يصح
اشتراك الرجل والمرأة فيه.
فأما ما يختص الرجل فهو الجب والعنت، وأما ما يختص المرأة فهو الرتق والقرن
والإفضاء وكونها محدودة في الزنى، وأما ما يصح اشتراك الرجل والمرأة فيه فهو الجنون
والجذام والبرص والعمى.
فأما الجذام والبرص فقد يظهر كل واحد منهما ظهورا لا يخفى على أحد، وقد يكون
يسيرا، ويقع الخلف فيه بين أنه جذام وبرص وبين أنه بياض ليس كذلك، فأما الذي
لا يختلف فيه فليس فيه كلام.
وأما المختلف فيه فيفتقر في المعرفة فيه إلى شاهدين من المسلمين من أهل الطب، فإن
نظراه وأخبرا بأنه جذام أو برص حكم فيه بالرد وإن أخبرا بأنه ليس كذلك لم يحكم فيه
بالرد، فإذا صح الجذام و البرص على ما ذكرناه من الظاهر الذي لا يختلف فيه ومن
187

المختلف فيه كان للذي إليه الرد أن يرد، فإن أراد المقام على العقد والصبر كان ذلك جائزا
له، وإن لم يرد ذلك واختار الفسخ كان ذلك له، وفي الناس من قال: لا يفسخ عليه إلا
الحاكم، وعندنا أن ذلك جائز ويجوز أيضا أن يفسخ الرجل ذلك بنفسه وكذلك المرأة.
فإن اختلف المتزوجان فقال أحدهما: هذا جذام أو برص، وقال الآخر: هو مرار،
كان القول قول الزوج مع يمينه إن كان ذلك به أو القول قول الزوجة مع يمينها إن كان
ذلك بها حتى تقوم البينة بشاهدين من أهل الطب بأنه جذام أو برص ثم يكون الخيار بعد
ذلك في الفسخ أو الرضا والصبر عليه.
وأما الجنون فضربان: أحدهما يخنق والآخر يغلب على العقل من غير حدوث مرض
وهذا أكثر من الذي يخنق، وأيهما كان حاصلا بأحد الزوجين كان للآخر خيار بين
الفسخ والرضا به والصبر عليه، والقول في الفسخ هل يكون بالحاكم أو بغيره؟ يجري على
ما قدمناه في الجذام والبرص.
فأما إن غلب على العقل مرض غير ذلك فليس فيه خيار لا سيما إذا برئ من مرضه
وزال الإغماء، فإن زال المرض ولم يزل الإغماء كان ذلك كالجنون ولصاحبه الخيار بين
الفسخ أو الرضا به، وعندنا أن الجنون بالرجل إذا كان يعقل معه أوقات الصلوات فليس
يتعلق به خيار.
فأما الجب فمنه ما يمنع من الجماع ومنه ما لا يمنع منه، فالأول مثل إن جب جميعه أو
بقي منه شئ لا يجامع بمثله فللزوجة هاهنا الخيار بين الفسخ أو الرضا به، وأما الآخر فإن
يبقى منه شئ يمكن الإيلاج به في الفرج بمقدار غيبوبة حشفة الذكر فيه فهذه لا خيار لها
معه لأن جميع أحكام الوطء متعلقة بذلك.
وأما العنين فهو الذي لا يأتي النساء وسنذكر حكمه فيما بعد.
فإن بان أن الزوج خصي وهو مسلول الخصيتين فلا خيار لها في ذلك لأن الخصي
أكبر من الفحل وإنما لا ينزل، وقد قيل: إن لها الخيار، لأن عليها فيه نقيصة وهو الأظهر،
لأن عقدها عليه عقد تناول رجلا سالما من العيب في هذا الشأن.
188

فإن بان أنه خنثى وهو الذي له ما للرجل وما للمرأة فلا خيار لها مع ذلك إذا بان أنه
رجل لأنه يجامع كما جامع الرجل، وإنما في خلقته ما هو زائد ويجري مجرى الإصبع الزائدة
في أنه لا تأثير له في شئ من ذلك، فإن ظهر أنه عقيم وهو أنه لا يولد له فليس لها خيار
أيضا لأنه يجامع كما يجامع غيره، وفقد الولد غير متعلق به لأن ذلك من فعل الله تعالى.
وأما الرتقاء فهي المرأة المسدودة الفرج، فإن كان مع ذلك يمكن دخول الذكر ولا
يمنع منه فليس له خيار وإن كان يمنع من ذلك كان له الخيار، فإن أراد الزوج فتق ذلك
كان لها منعه منه لأن ذلك جراحة، فإن أرادت هي إصلاح نفسها بذلك لا تمنع منه
لأنه مما يداوي ويصلح بالدواء، فإن عالجت نفسها وزال عنها ذلك سقط خيار الزوج
معه لأن الحكم إذا تعلق بعلة وزالت العلة زال حكمها بزوالها.
وأما القرن فذكر أنه عظم في الفرج يمنع من الجماع وذكر أن العظم لا يكون في
الفرج ولكن يلحق المرأة عند الولادة حال تنبت اللحم في فرجها، وهو الذي يسمى
العفل يكون كالرتق سواء، فإن لم يمنع من الجماع فلا خيار للزوج وإن منع منه كان له
الخيار.
وإذا كان في كل واحد من الزوجين عيب وكان العيبان مختلفين مثل أن يكون في
أحدهما برص أو جذام وفي الآخر جنون أو غير ذلك، أو كان العيبان متفقين مثل أن
يكون في أحدهما جنون وفي الآخر مثله أو يكون فيه جذام وفي الآخر مثله أو ما أشبه ذلك
كان لكل واحد منهما الخيار في الرد، لأن في المردود عيبا يقتضي الرد.
إذا كان الذي به العيب هو الزوجة وأراد الرجل ردها وكان ذلك قبل الدخول بها
سقط صداقها لأن الفسخ من جهتها قبل الدخول، وإن كان ذلك بعد الدخول بها كان لها
المهر بما استحل من فرجها، فإن كان لها ولي عقد نكاحها وكان عالما بذلك من حالها
كان للزوج الرجوع عليه بذلك، وإن لم يكن عالما لم يلزمه شئ، فإن كان الرجل قبل
دخوله بها دفع الصداق إليها كان له الرجوع عليها به، وإن لم يكن دفعه إليها لم يكن عليه
شئ.
189

فيما لو حدث العيب بعد العقد:
وإذا حدث بالرجل أو المرأة شئ من هذه العيوب بعد ثبوت العقد واستقراره ولم
يكن حاصلا قبل العقد لم يجب الرد منه إلا ما ذكره أصحابنا من الجنون الذي لا يعقل
معه صاحبه أوقات الصلوات، والجب والخصي والعنت وقد قلنا فيما تقدم إن ذكرها
سيأتي فيما بعد، وإذا عقد الزوجان النكاح وفي أحدهما عيب علم به الآخر في حال العقد
ورضي به لم يكن له بعد ذلك خيار في الرد على حال، وليس يوجب الرد من العيوب
شئ غير ما ذكرناه، ولا يرد العوراء ولا الزانية قبل العقد ولا المرأة إذا تزوجت على أنها
بكر فوجدت بخلاف ذلك.
وإذا تزوجت المرأة رجلا على أنه سليم فوجدته مجنونا كانت مخيرة بين المقام معه والصبر
عليه وبين مفارقته، فإن حدث به جنون يعقل معه أوقات الصلوات لم يكن لها خيار، فإن
كان لا يعقل ذلك كانت مخيرة بين المقام معه وبين فراقه، فإن اختارت فراقه كان على
وليه أن يطلقها عنه.
وإن تزوجت المرأة رجلا على أنه صحيح فوجدته خصيا كانت بالخيار بين المقام معه
وبين مفارقته، فإن اختارت المقام معه لم يكن لها بعد ذلك خيار، وإن اختارت فراقه
وكان قد خلا بها كان عليه المهر، وعلى الإمام أن يعزره على ذلك لئلا يعود إلى مثله.
وإذا تزوجت المرأة رجلا فوجدته عنينا انتظر به سنة واحدة، فإن وطئ المرأة في السنة
ولو مرة واحدة لم يكن لها خيار، فإن لم يصل إليها بوطئ في جميع السنة كان لها الخيار بين
المقام معه وبين مفارقته، فإن اختارت المقام معه لم يكن لها بعد ذلك خيار، وإن اختارت
مفارقته فارقته وكان لها نصف الصداق ولم يكن عليها عدة، فإن تزوجت المرأة بالرجل
ووصل إليها بالوطئ ثم حدثت به العنت بعد ذلك لم يكن لها خيار، وإذا لم يقدر الرجل
على وطء المرأة وقدر على وطء غيرها لم يكن لها عليه خيار.
فإن ادعى الرجل أنه قد وصل إلى المرأة وأنكرت ذلك وكانت بكرا أمر من النساء
الثقات من تنظر إليها، فإن وجدت كذلك بطلت دعوى الرجل وإن لم يكن كذلك
190

بطلت دعواها، وإن كانت ثيبا كان القول قول الرجل مع يمينه، وقد روي أن المرأة إذا
اختلف مع زوجها في ذلك وكانت ثيبا أمرت بأن تحشو قبلها خلوقا ثم يؤمر الرجل
بجماعها، فإن جامعها فظهر على ذكره أثر ذلك صدق وكذبت، فإن لم يظهر ذلك على
ذكره صدقت المرأة وكذب الرجل.
وإذا تزوج رجل بامرأة على أنها حرة فبان أنها أمة، فإن كان قد دخل بها وكانت هي
المتولية لنكاحها منه كان له ردها ولها المهر بما استحل من فرجها، وإن كان غيرها هو
الذي تولى العقد عليها وكان عالما بذلك كان له الرجوع عليه بالمهر، فإن لم يكن عالما
بذلك لم يلزمه شئ، فإن لم يكن الزوج دخل بها وكان قد دفع المهر إليها كان له مع ردها
الرجوع بذلك على من دفعه إليه سواء كانت هي المدفوع إليها ذلك أو غيرها، وإن كان لم
يدفع إليها شيئا من ذلك كان له ردها ولم يكن لها عليه مهر ولا غيره، وإذا رد الرجل المرأة
لما ذكرناه كان رده لها فراقه بينه وبينها ولا يفتقر مع ذلك إلى طلاق.
وإذا تزوجت المرأة رجلا على أنه حر فبان أنه عبد كانت مخيرة بين إقراره على العقد
وبين اعتزاله، فإن اختارت إقراره على ذلك لم يكن لها بعد ذلك خيار، وإن اعتزلته كان
ذلك فراقا بينهما، ثم إنه إما أن يكون قد دخل بها أو لا يكون دخل بها، فإن كان قد دخل
بها كان لها المهر بما استحل من فرجها وإن لم يكن دخل بها لم يكن لها شئ.
وإذا زوج ابنته على أنها بنت مهيرة فوجدها بنت أمة كان مخيرا بين ردها وبين
إقرارها على العقد، فإن ردها وكان قد دخل بها كان عليه المهر، وإن لم يكن دخل بها لم
يكن عليه شئ وقد ذكر أن المهر لها على أبيها إذا لم يدخل الرجل بها والأولى أن ذلك
غير واجب، فإن أقرها على العقد لم يكن له بعد ذلك خيار.
وإذا كان له ابنتان إحديهما بنت مهيرة والأخرى بنت أمة، فزوج رجلا بنت الحرة
ثم أدخل الصداق عليه بنت الأمة كان للرجل ردها عليه، وإن كان قد دخل بها ودفع
إليها الصداق كان ذلك لها بما استحل من فرجها، وإن لم يكن دخل بها ولا دفع إليها
صداقها لم يكن لها شئ وكان على الأب أن يدفع إلى الرجل البنت التي من الحرة وهي
191

التي كان عقد له عليها، وإن كان الرجل قد دفع الصداق إلى الأولى لم يكن لهذه شئ
ووجب على أبيها في ماله صداقها دون الزوج، وإن كان الزوج لم يدفع الصداق إلى الأولى
كان عليه دفعه إلى بنت الحرة التي عقد له عليها.
وإذا تزوج رجلان بامرأتين وأدخلت كل واحدة منهما على الذي ليس هو زوجها وعلما
بذلك فيما بعد وجب رد كل واحدة منهما إلى زوجها إن لم يكن الزوجان دخلا بهما، وإن
كانا دخلا بهما كان لكل واحدة منهما المهر، فإن كان لهما ولي تعمد ذلك أغرم المهر ولا
يدخل كل واحد من الزوجين بزوجته حتى تقتضي العدة ممن كان دخل بها.
وقد روي أن الرجل إذا ادعى أنه من قبيلة معينة وعقد له على امرأة على أنه من تلك
القبيلة ثم ظهر أنه من غيرها أن عقده فاسد، وإذا ارتدت المرأة لم ينعقد عليها نكاح لأحد
من مسلم ولا كافر ولا مرتد مثلها لأنها لا تقر على ذلك، وإذا وكل رجل غيره على أن
يزوجه امرأة معينة فزوجها الوكيل من وليها فحضر الموكل فأنكر وحلف بطل النكاح.
باب نكاح المتعة
قال الله تعالى: والمحصنات من النساء إلا ما ملكت إلى قوله: فما استمتعتم به منهن
فأتوهن أجورهن فريضة الآية، وعن الأئمة ع: لا ينبغي للمؤمن أن يخرج من
الدنيا حتى يستعمل ذلك ولو مرة واحدة، وعنهم ع قالوا: من استعمل ذلك
لإحياء الحق وإزالة دواعي الشيطان إلى الفجور كتب الله له بذلك حسنات، وإذا
اغتسل منه خلق الله تعالى من كل قطرة يقطر من غسله ملكا يستغفر الله له إلى يوم
القيامة.
وصفة نكاح المتعة وشروطه على ضربين: أحدهما يجب ذكره في حال العقد والآخر
لا يجب والأفضل ذكره، فأما الواجب فهو تعيين الأجر والأجل، وأما ما لا يجب وإن كان
الأفضل ذكره فهو سؤال المرأة هل لها زوج أو هي في عدة منه أو معها حمل أم ليس معها
ذلك؟ وأن له أن يضع الماء حيث يشاء، وأنه لا نفقة لها ولا سكنى وأن عليها العدة؟ فأما
192

نفي التوارث فلا يثبت بينهما ولو اشترط، وأما الولد فلا يجوز للرجل أن يشترط لأنه يلحق به
على كل حال ولو اشترط لكان باطلا.
فمن أراد هذا العقد فينبغي أن يطلب امرأة صحيحة الولاية على نفسها عفيفة مؤمنة
معتقدة للحق، فإذا وجدها عرض عليها ذلك فقال لها: تمتعيني نفسك على كتاب الله
تعالى وسنة نبيه محمد المصطفى ص كذا وكذا يوما أو شهرا أو سنة بكذا
وكذا من دراهم أو دنانير أو غيرهما مما يتعين فيه قيمة، على أن لي أن أضع الماء حيث شئت
وأنه لا نفقة لك على ولا سكنى وعليك العدة إذا انقضت المدة.
فإذا أجابت إلى ذلك أعاد عليها القول، فقال: متعيني نفسك على كتاب الله تعالى
وسنة نبيه كذا وكذا يوما أو شهرا أو سنة ويعيد باقي الكلام، فإذا أتى على آخره كما
قدمناه وقالت: قد قبلت أو رضيت أو أجبتك إلى ذلك قال هو: قد قبلت ورضيت، فإن
قالت المرأة: قد متعتك نفسي كذا وكذا بكذا وكذا، وذكرت الشروط وقال الرجل: قد
قبلت ورضيت، كان أولى والوجه في تكرار الكلام والشروط في ذلك أن الأول خطبة
والثاني يكون عقدا.
فيما إذا نسي الأجل:
فإن ذكر الأجر ولم يذكر الأجل كان النكاح دائما وبطل كونه متعة، وإن ذكر
الأجل ولم يذكر الأجر كان باطلا وإن لم يذكرهما جميعا كان العقد أيضا باطلا، وإذا
انعقد نكاح المتعة على ما بيناه وجب على الرجل تسليم الأجر إلى المرأة، فإن أخر بعضه
برضاء المتمتع بها كان جائزا، وإذا تسلمت منه ذلك استحق بضعها على الشروط التي
استقرت بينهما، وإذا لم يجد امرأة على الصفة التي قدمنا ذكرها ووجد مستضعفة جاز له أن
يعقد عليها، ويجوز عقد المتعة على اليهودية والنصرانية، ومن عقد على واحدة من هؤلاء
فليمنعها من شرب الخمر وأكل لحم الخنزير.
وليس الإشهاد والإعلان من شرائط المتعة، فإن خاف الانسان على نفسه من
193

السلطان وأن يتهمه بالزنى فليشهد في ذلك شاهدين، فإن لم يفعل فليترك هذا العقد.
ويجوز العقد على المرأة البكر والدخول بها إذا لم يكن لها أب، فإن كان لها أب جاز
العقد عليها باذنه والأحوط أن لا يعقد عليها إذا لم يأذن في ذلك، ولا يعقد متعة على فاجرة
إلا أن يمنعها من الفجور فإن لم تمتنع فلا يعقد عليها، ويجوز العقد على الأمة بإذن سيدها،
وقد ذكر جواز العقد على أمة امرأة وإن لم تأذن سيدتها في ذلك، والأحوط خلافه وأن
لا يعقد عليها إلا بإذنها، وإذا كان عنده زوجة حرة فلا يعقد على امرأة متعة إلا برضاها
والحكم في ذلك مثل ما ذكرناه فيما سلف من نكاح الدوام.
إذا عقد على امرأة متعة ثم اختار فراقها قبل الدخول بها كان لها نصف المهر ويهب لها
أيامها، وإن كان قد سلم إليها جميع المهر كان له الرجوع عليها بنصفه، فإن كانت قد
وهبت له المهر قبل أن يفارقها كان له الرجوع عليها بنصفه إذا فارقها، وإذا سلم إليها من
مهرها شيئا ودخل بها ووقت له بالمدة وجب أن يدفع إليها ما بقي منه، فإن أخلت بشئ
من المدة كان له أن ينقضها من المهر بحساب ذلك، فإن دفع إليها المهر أو بعضه ودخل بها
ثم ظهر له بعد الدخول أن لها زوجا كان لها ما أخذت ولا يجب عليه أن يدفع إليها الباقي.
والمهر ما يتراضيان عليه مما له قيمة قليلا كان أو كثيرا ويجوز على كف من حنطة أو
شعير وما جرى مجرى ذلك من غيرهما، والأجل أيضا ما يتراضيان عليه مما ذكرناه من
أيام معينة أو شهر معين أو سنة معينة، ولا يجوز اشتراط المرة والمرتين، وإن كان روي
جواز ذلك فالأحوط ما ذكرناه من الأيام المعينة والشهور المعلومة والسنين المذكورة، فإن
ذكر المرة مبهمة ولم يقرن بها ذكر وقت معين كان النكاح دائما.
ومتى شرط أن يأتيها ليلا أو نهارا أو يوما معينا أو مرة في أسبوع كان ذلك جائزا، وقد
ذكرنا فيما سلف أن نفي التوارث لا يصح اشتراطه، فأما إن شرط التوارث ثبت ذلك عنها،
وإذا عقد عليها شهرا ومضى عليها شهر فإن كان عينه كان له الشهر الذي عينه، وإن لم
يكن عينه لم يكن له عليها سبيل، والعزل جائز للرجل وإن لم يشترطه، وإذا جاءت المرأة
بولد كان لا حقا بالزوج عزل عنها أو لم يعزل، ولا يجوز للمتزوج متعة أن يزيد على أربع من
194

النساء وقد ذكر أن له أن يتزوج ما شاء والأحوط ما ذكرناه.
والمتمتع بها إذا انقضى أجلها جاز أن يعقد عليها الرجل عقدا جديدا في الحال ومتى
أراد الزيادة في الأجل قبل انقضائه لم يجز ذلك، فإن أراده فليهب لها ما بقي من الأيام
ويعقد عليها بعد ذلك ما شاء من الأيام، ويجوز للرجل أن يعقد على المرأة الواحدة مرات
كثيرة مرة بعد أخرى، والمتمتع بها إذا بانت من زوجها بانقضاء الأجل كان عليها العدة
وهي حيضتان أو خمسة وأربعون يوما، وإن كان ذلك بموت الرجل كان عليها المدة وهي
أربعة أشهر وعشرة أيام مثل عدة الموت في نكاح الدوام للحرة غير حبلى.
وإذا شرط الرجل أن لا يطأ المرأة في الفرج لم يكن له الوطء فيه إلا بإذن الزوجة له في
ذلك، وما يجوز اشتراطه في عقد المتعة إنما يثبت إذا ذكر بعد العقد فإن ذكر قبل العقد لم
يكن له تأثير.
وإذا اختلف الزوجان بعد اتفاقهما على العقد فادعى أحدهما أنه متعة كان على مدعي
المتعة بينة وعلى المنكر اليمين لأن الزوج إن ادعى المتعة كان مدعيا لما نفي عنه حقوقا من
نفقة وميراث وغير ذلك، وإن ادعت المرأة ذلك كانت مدعية لما تملك نفسها معه بغير
طلاق أو ما أشبهه.
باب السراري وملك الأيمان:
الوطء لواحد من هؤلاء لا يجوز إلا بعقد أو بملك يمين، ولا فرق في ملكهن بين حصوله
بابتياع أو بغير ذلك من وجوه التمليكات من ميراث أو هبة أو صدقة أو غنيمة أو سبي،
فأما إذا ملك الرجل واحدة منهن بأحد وجوه التمليكات لم يجز له أن يطأها حتى
يستبرئها بحيضة إن كانت ممن تحيض، وإن لم تكن ممن تحيض استبرأها بخمسة
وأربعين يوما، وإن كانت آئسة من المحيض أو كانت لم تبلغ المحيض لم يكن عليها
استبراء.
ومن أراد بيع جارية يطأها فينبغي له أن يستبرئها بما ذكرناه، وإذا أخبر بائعها
195

لمشتريها بأنه قد استبرأها وكان في قوله ثقة جاز لمشتريها وطؤها، والأفضل له أن لا يطأها
إلا بعد أن يستبرئها، والجارية إذا كانت لامرأة وباعتها لرجل جاز له وطؤها من غير
استبراء، والأفضل والأحوط له أن يستبرئها إذا أراد أن يطأها.
وإذا ابتاع رجل جارية ثم أعتقها من قبل أن يستبرئها وأراد العقد عليها جاز له
ذلك، ومن كان له أن يطأها فالأفضل له أن لا يطأها إلا بعد أن يستبرئها، وإذا أعتقها
وكان قد وطئها جاز له أن يعقد عليها وكان له وطؤها أيضا ولم يكن عليه استبراء، فإن أراد
غيره أن يعقد عليها النكاح لم يجز له ذلك إلا بعد خروجها من العدة، وهي ثلاثة أشهر.
وإذا اشترى رجل جارية حائضا لم يجز له أن يطأها إلا بعد الطهر، فإذا طهرت جاز له
وطؤها من غير استبراء، فإن اشتراها وهي حامل لم يجز له أن يطأها في الفرج حتى تضع
حملها، فإن مضى لها أربعة أشهر وعشرة أيام جاز له أن يطأها في الفرج والأفضل له أن
لا يفعل ذلك، فإن فعل ولم يعزل عنها لم يجز له أن يبيع ولدها، والأفضل له أن يوصي له
بشئ من ماله إذا حضرته الوفاة، وإذا اشترى رجل جارية وأراد وطأها قبل الاستبراء لم
يجز له ذلك إلا فيما دون الفرج، وترك ذلك أفضل.
ويجوز للرجل أن يجمع بين ما أراد من النساء بملك لليمين، ولا يجوز للرجل أن يجمع
بين الأختين ولا بين الأم وبنتها في الوطء، ويجوز له الجمع بينهن في الملك و الاستخدام،
فإن وطئ البنت لم يجز له وطء الأم وإن وطئ الأم لم يجز له وطء البنت.
وإذا كان لرجل جارية فوطئها أو قبلها بشهوة أو نظر منها إلى ما يحرم على غيره النظر
إليه لم يجز لابنه أن يطأها ويجوز له أن يملكها، وكذلك الحكم في الأب إذا وطئ ابنه
جارية أو قبلها أو نظر إلى ما يحرم على غير مالكها النظر إليه، ويجوز له أن يملكها من غير
وطء، وجميع ما ذكرناه من المحرمات بالنسب والسبب والعقد لا يجوز وطؤهن بملك
اليمين.
وإذا زوج الرجل مملوكة له لم يجز له وطؤها حتى يفارقها زوجها وتخرج من عدتها،
وكذلك لا يجوز له تقبيلها ولا النظر إليها مكشوفة ولا عارية من ثيابها حتى يفارقها
196

زوجها، وإذا كان لرجل شريك في جارية لم يجز له وطؤها إلا بعقد أو بانتقال جميعها إليه.
وإذا اشترى رجل جارية كان لها زوج زوجها سيدها به، ولم يرض المشتري لها إقرار
الزوج على العقد بينهما لم يجز له وطؤها حتى تنقضي مدة الاستبراء، فإن رضي بالعقد لم
يجز له وطؤها إلا بعد مفارقة الزوج لها بموت أو طلاق، ويجوز للرجل أن يشترى من لها زوج
في دار الحرب ويجوز له أن يشترى السبايا المستحق للسبي، وإن سباهم أهل الضلال
وكانوا ممن يستحق السبي جاز أيضا ابتياعهم منهم.
وإذا كان لرجل جارية وأراد أن يجعل عتقها صداقها كان جائزا، وينبغي إذا أراد
فعل ذلك أن يقدم لفظ التزويج على لفظ العتق، فيقول: تزوجتك وجعلت مهرك
عتقك، فإن لم يفعل ذلك وقدم لفظ العتق على لفظ التزويج مثل أن يقول: أعتقتك
وتزوجتك وجعلت مهرك عتقك، كان العتق ماضيا وكانت مخيرة بين الرضا بعقد
النكاح وبين الامتناع منه.
فإن طلقها قبل الدخول بها كان لها عليه مثل نصف قيمتها، وقد ذكر أنه يرجع
نصفها رقا وتستسعي في ذلك النصف، فإن لم تسع في ذلك كان له منها يوم في الخدمة
ولها يوم، وإن كان لها ولد وله مال ألزم أن يؤدى عنها النصف الباقي وتنعتق، والذي
ذكرناه أولا أولى وأحوط.
وإذا أعتق جارية وجعل عتقها مهرها ولم يكن أدى ثمنها ومات عنها، فإن ترك من
المال ما يحيط بثمن رقبتها كان العتق والتزويج ماضيين، وإن لم يترك شيئا غيرها كان
العتق باطلا ويبطل العقد أيضا وترد إلى سيدها الأول، فإن كانت قد جاءت بولد كان
حكمه حكمها في أنه يكون رقا لمولاها.
وإذا كان للمرأة الحرة زوج مملوك فملكته بأحد وجوه التمليكات حرمت عليه ولم يجز
له وطؤها، فإن اختارت ذلك كان عليها أن تعتقه وتتزوج به إن شاءت ذلك، وإذا كان
لرجل عبد أو أمة وكان للعبد أو الأمة مملوكة وأراد وطء هذه المملوكة كان له ذلك جائزا
لأن ما يملكه عبده أو أمته فهو ملكه، وليس يملكان هما شيئا.
197

وإذا كان لولده جارية وأراد وطأها، فإن كان الولد كبيرا وقد وطئها أو نظر منها إلى
ما يحرم على غير مالكها النظر إليه لم يجز للأب وطؤها على حال، وإن لم يكن وطئها ولا نظر
إليها على الوجه الذي ذكرناه لم يجز للأب وطؤها إلا بإذن ابنه في العقد عليها له أو تملكه
إياها، وإن كان الابن صغيرا لم يجز له وطؤها حتى يقومها على نفسه ويكون الثمن في
ذمته لابنه.
وإذا كان العبد بين شريكين فأذن له أحدهما في التزويج وعلم الشريك الآخر بذلك
كان مخيرا بين إمضاء العقد وفسخه، وإذا كان لإنسان عبد فأذن له في التزويج فتزوج ثم
أبق بعد ذلك لم يكن لزوجته على سيده نفقة وكان عليها العدة منه، فإن عاد قبل انقضاء
العدة كان أملك بها، وإن كانت عدتها قد انقضت لم يكن له عليها سبيل، وإذا كان له
مملوكة فأخبره، فالأفضل له أن لا يطأها ولا يطلب منها ولدا، فإن فعل ذلك فليعزل عنها.
وإذا زوج مملوكته لرجل وسمى لها صداقا معينا وقدم الزوج شيئا من مهرها ثم باعها
سيدها لم يجز له المطالبة بباقي الصداق، ولا الذي اشتراها إلا أن يرضى بالعقد ويقره على
نكاحها، وإذا كان له عبد فزوجه بحرة كان المهر لازما له دون العبد، فإن باعه قبل
الدخول بالزوجة كان على سيده نصف المهر.
وإذا زوج الرجل مملوكته برجل حر ثم أعتقها، فإن مات الزوج ورثته وكان عليها عدة
الحرة المتوفى عنها زوجها، وإن علق عتقها بموت زوجها ثم مات الزوج لم ترثه ووجب
عليها أن تعتد عدة المتوفى عنها زوجها، ولا يجوز بيع أم الولد إلا في ثمن رقبتها إذا لم يكن
لسيدها مال غيرها، فإن مات وخلف مالا غيرها جعلت من نصيب ولدها، فإذا فعل
ذلك انعتقت في الحال.
باب نكاح المشركين:
إذا كان للمشرك أكثر من أربع زوجات وهن كتابيات من النصارى واليهود أو منهما
جميعا فأسلم دونهن كان عليه أن يختار منهن أربعا وكذلك إن أسلمن معه ويفارق الباقي
198

منهن، وكذلك إن كن مجوسيات أو وثنيات أو منهما جميعا فأسلمن معه، فإن لم يسلمن
وأقمن على الشرك لم يجز له أن يختار منهن واحدة لأن المسلم لا ينكح مجوسية ولا وثنية، وإذا
كان الزوجان كتابيين يهوديين أو نصرانيين أو يهوديا ونصرانية أو نصرانيا ويهودية فأسلم
الزوج فهما على النكاح، وكذلك إن كان الذي أسلم وثنيا أو مجوسيا والزوجة يهودية أو
نصرانية، وإن كان الذي أسلم هي الزوجة فسنذكر حكمها فيما بعد.
وإن كانا وثنيين أو مجوسيين أو أحدهما مجوسي والآخر وثني، فمن أسلم منهما وكان
إسلامه قبل الدخول وقع الفسخ على كل حال وإن كان بعد الدخول وقف ذلك على
انقضاء العدة، فإن اجتمعا على الاسلام قبل انقضائها فهما على النكاح وإلا كان ذلك
مفسوخا، وكذلك إذا كانا كتابيين فأسلمت الزوجة لأن الكتابي لا يتمسك بعصمة
مسلمة أبدا سواء كانا في دار الحرب أو دار الاسلام، وقد ذكر بعض أصحابنا أن نكاحها
لا ينفسخ بإسلامها لكن لا يمكن الرجل من الخلو بها.
وإذا تزوج وهو مشرك بالأم وبنتها في عقد واحد أو في عقدين ثم أسلم ولم يكن دخل
بواحدة منهن كان له أن يختار منهما من أراد ويفارق الأخرى، فإن كان دخل بكل واحدة
منهما حرمت البنت على التأبيد لأنها بنت مدخول بها، والأم حرمت عليه مؤبدا أيضا
للعقد على البنت والدخول بها، وإن كان دخل بالبنت دون الأم حرمت الأم على التأبيد
لمثل ما قدمناه، فإن كان دخل بالأم دون البنت حرمت البنت على التأبيد.
وإذا نكح امرأة وعمتها أو امرأة وخالتها ثم أسلم كان له أن يختار أيهما شاء ويفارق
الأخرى دخل بها أو لم يدخل بها، فإن رضيت العمة أو الخالة بالمقام معها كان له الجمع
بينهما، وإذا كان يملك أما وبنتها فأسلم وأسلمتا معه، فإن لم يكن وطئ واحدة منهما كان
له وطء واحدة منهما دون الأخرى، فإذا وطئ منهما واحدة حرمت الأخرى على التأبيد
لأن الدخول بالمرأة يحرم أمها وبنتها على التأبيد، والموطوءة تكون له حلالا.
وإذا أسلم وعنده من الإماء أربع زوجات وأسلمن معه، فإن كان ممن يجوز له نكاح
أمة من عدم الطول وخوف العنت كان له أن يختار منهن اثنتين، لأنه لو أراد استئناف
199

نكاحهما كان له ذلك إذا كان حرا، وإذا كان كذلك جاز له ما ذكرناه، وإن كان ممن
لا يجوز له نكاح أمة لوجود الطول وإنه لا يخاف العنت كان له أيضا أن يختار منهن اثنتين
عندنا لأنه مستديم للعقد وليس مبتدئا به، ويجوز في الاستدامة ما لا يجوز في الابتداء ألا
ترى أنه ليس له أن يعقد على الكتابية مع أن له استدامة عقدها؟ وإذا كان عنده أربع
زوجات حرة وثلاث إماء فأسلم وأسلم جميعهن معه كان الأمر في ذلك موقوفا على رضاه
الحرة، فإن رضيت ثبت نكاحها.
وإذا تزوج العبد وهو مشترك بستة: أمتين وكتابيتين ووثنيتين، فأسلم وأسلمن معه
فليس للأمتين خيار في فراقه لأنه مملوك وهما مملوكتان فلا مزية لهما عليه، وأما الحرائر
فالخيار لهن في فراقه، فإن اخترن ذلك بقي عنده أمتان وله إمساكهما لأنه يجوز للعبد عندنا
أن يتزوج بأربع إماء.
وإذا تزوج العبد وهو مشرك بأربع حرائر فأسلم وأسلم معه اثنتان منهن وأعتق ثم
أسلمت الحرائر بعد ذلك أو أسلمن كلهن معه ثم أعتق، كان له أن يختار منهن اثنتين بغير
زيادة عليهما لأن الاعتبار بثبوت حال الاختيار والاختيار ثبت له وهو عبد، فإذا أعتق لم
يتغير قدر ما ثبت له بعتقه، فإذا كان كذلك وكان له أن يختار اثنتين قيل له: إن شئت
بعد ذلك أن تتزوج باثنتين غيرهما ليصير عندك أربع نسوة فافعل لأنك حر كامل،
وكذلك استئناف العقد على أربع نسوة.
وإذا عقد العبد وهو مشرك على أربع حرائر فأسلم وأعتق ثم أسلمن أو أسلمن أولا
ثم أعتق ثم أسلم هو، ثبت نكاح الأربع بغير اختياره لأنه في وقت ثبوت الاختيار حر
وهن حرائر، وثبت نكاح الأربع كما ذكرناه، وإنما ينفسخ نكاح من زاد على العدد الذي
يجوز استدامته والزيادة هاهنا مرتفعة.
وإذا أسلم الحر وعنده أربع حرائر وأسلمن معه ثبت نكاحهن بغير اختيار، فإن قال
بعد ذلك فسخت نكاحهن لم يجز له ذلك نوى الطلاق بذلك أو لم ينوه، لأن الطلاق عندنا
لا يقع إلا بحصول شرائط من جملتها صريح اللفظ، وإذا كان عند الحر المشرك خمس حرائر
200

فأسلم وأسلمن بعده واحدة بعده واحدة، وكلما أسلمت واحدة قال: لها اخترتك، ثبت
نكاح أربع ووقع الفسخ بالخامسة، وإذا كان الحر مشركا وله زوجة كذلك فأسلمت
الزوجة وأسلم بعدها، فإن كان إسلامه قبل انقضاء عدتها فهما على النكاح، وإن كان بعد
انقضاء العدة كان خاطبا من الخطاب.
وإذا أسلم المشرك وعنده أختان حرتان وأكثر من أربع حرائر، كان له أن يترك
عنده التي نكح أولا من الأختين مع تمام أربع حرائر ويفارق الأخت الثانية وما زاد على
الأربع الحرائر، وإذا أسلمت الذمية قبل الدخول بها ملكت نفسها ولم يكن عليها عدة،
فإن أسلم زوجها في حال إسلامها فهما على النكاح، وإن تأخر إسلامه عن إسلامها كان
خاطبا من الخطاب.
وإذا خرج الحربي إلى دار الاسلام فأسلم ثم لحقته زوجته فهما على النكاح، وإذا
خرجت امرأة من أهل الحرب إلى دار الاسلام مستأمنة ولها زوج قد تخلف في دار الحرب لم
يكن له عليها سبيل، ولها أن تتزوج بعد أن تستبرئ رحمها، فإن جاء زوجها بعد ذلك
مستأمنا كان خاطبا من الخطاب.
فإذا سبيت المرأة قبل زوجها أو هو قبلها ثم مكثا في الغنيمة ما شاء أن يمكثا في دار
الحرب كانا على النكاح، فإن أدخل أحدهما دون صاحبه بطل النكاح بينهما، وإذا سبيت
المرأة وزوجها من أهل الحرب كان لمن يملكها أن يفرق بينهما كما يكون له ذلك في عبيده
إلا أن يكون أهل الحرب ألقوا بأيديهم حتى سبوا على أن لا يفرق بين الزوج منهم وزوجته
فصولحوا على ذلك وعقد لهم، فليس يجوز التفرقة بينهم.
وإذا ارتد الرجل بانت منه زوجته، فإن تاب قبل أن تنقضي عدتها كان على
نكاحهما، وإن انقضت عدتها ثم تاب كان خاطبا من الخطاب، وإذا أسلم المشرك أو
الذمي وعنده من لا يحل نكاحها في الاسلام انفسخ النكاح، وإذا تزوج الذمي الذمية من
محارمه وهو في دينهم جائز، فرفعت الزوجة خبرها إلى الحاكم وسألته إمضاء حكم
الاسلام بينهما والزوج كاره لذلك لم ينظر بينهما، فإن تراضيا بحكمه أمضي عليهما حكم
201

الاسلام وفرق بينهما فيما أوجب الحكم تفريقه.
وإذا تزوج النصراني النصرانية ثم تمجست كانا على نكاحهما، فإن أسلم الزوج
عرض ع فإن أسلمت وإلا فرق بينهما، فإن عادت إلى النصرانية أو اليهودية
كانت على النكاح، فإن تمجست بعد إسلام الزوج فسد النكاح، وإذا أسلم النصراني
وزوجته نصرانية فرجعت إلى اليهودية فهي زوجته، وإذا اغتصب الحربي حربية على
نفسها أو طاوعته وأقاما على ذلك معا بغير عقد لم يقرأ عليه إن أسلما وهما على هذه الصفة
لأنهما لا يعتقدان ذلك نكاحا.
وإذا أسلم الزوج وعنده زوجة ثم ارتد بعد إسلامه قبل انقضاء عدتها، فإن أقامت على
الشرك حتى انقضت عدتها من حين أسلم انفسخ النكاح، وإن أسلمت وهو مرتد زال
باختلاف الدين بإسلامه، فإن أقام على الردة حتى انقضت عدتها بانت من حين ردته،
وإن رجع بينا أنه لم تزل زوجيته ولم يكن لها نفقة قبل إسلامها، فإن أسلمت وهو مرتد
كان نفقتها عليه لأن التفريط منه.
وإذا تزوج مشرك بمشركة وطلقها ثلاثا لم تحل له إلا بعد زوج، فإن تزوجت بمشرك
ودخل بها أباحها للأول، وكذلك لو تزوج مسلم كتابية ثم طلقها ثلاثا فتزوجت في حال
الشرك ودخل الزوج بها أباحها لزوجها المسلم.
وأنكحة الكفار عندنا صحيحة ومهور نسائهم تابعة لذلك في الصحة، والمعتبر فيها
بالقيمة إذا كانت مما لا تحل للمسلم تملكه وحكمنا بينهم فيها.
باب أحكام الولادة والعقيقة والرضاع:
إذا ضرب المرأة المخاض فينبغي للنساء أن ينفردن بها ليتولوا معونتها وأمرها في
الولادة، ولا يحضرها أحد من الرجال إلا في الحال الذي يعدم فيها النساء، فإذا وضعت
ولدها أخذته القابلة إن كان لها القابلة ومسحته من الدم ثم تغسله، ويؤذن في أذنه اليمنى
ويقام في أذنه اليسرى ويحنك بماء الفرات، والأفضل فيما يؤخذ من هذا الماء أن يؤخذ من
202

موضع يتشعب إلى أنهار شتى مثل نهر الكوفة وكربلاء، فإن لم يتمكن من ذلك فليحنك
بماء عذب، فإن لم يتمكن من ذلك ولم يقدر إلا على ماء ملح فينبغي أن يلقى فيه شئ من
عسل أو تمر ليحلو ثم يحنك به، وينبغي أن يستعمل في تحنكه مع الماء شئ من تربة
الحسين ع إن وجد ذلك.
فإذا كان في اليوم السابع من ولادته فينبغي أن يختار له اسم يسمى به ويعق عنه
ويختن في ذلك اليوم، وأفضل الأسماء أسماء الأنبياء والأئمة ع، وأفضل ذلك
محمد وعلى والحسن والحسين وما عدا ذلك من أسماء أئمتنا ع وكذلك الكنى،
ويكره أن يسمي الانسان ولده حكما أو حكيما أو خالدا أو حارثا أو مالكا وكذلك
ويكره أن يكنيه بأبي عيسى وأبي الحكم وأبي خالد.
فإذا كان اليوم السابع من ولادته كما ذكرناه حلق رأسه وتصدق بوزن شعره ذهبا أو
فضة ويكون ذلك مع العقيقة في وقت واحد، ويكره أن يترك للصبي إذا حلق رأسه
قنزعة، وكذلك يكره أن يحلق بعض رأسه ويترك بعضه ويعق عنه إن كان ذكرا بكبش،
وإن كان أنثى بشاة مع التمكن من ذلك، فإن لم يتمكن من كبش ولا بشاة ووجد دون
ذلك كان جائزا.
والأفضل أن يعق عن الذكر بالذكر وعن الأنثى بالأنثى كما قدمناه، فإن لم يقدر على
ذلك وقدر على حمل كبير جاز أن يعق به وما يجري في الأضحية من ذلك يجوز العقيقة به،
فإذا ذبحت العقيقة فينبغي أن يدفع إلى القابلة ربعها المؤخر، فإن كانت القابلة ذمية لم
يدفع إليها ذلك ودفع إليها ثمن ذلك، وإن كانت القابلة أم والد المولود ومن هو في عياله لم
يدفع إليها شئ من العقيقة ودفع الربع إلى أم المولود لتتصدق به.
وينبغي أن يفصل العقيقة ولا يكسر لها عظم ويتصدق بها على الفقراء والمساكين
وإن طبخ لحمها ودعا عليه قوم من المؤمنين ليأكلوه كان أفضل، ولا يأكل أحد من أبوي
المولود شيئا من العقيقة وقد روي جواز ذلك والأحوط ما قدمناه.
203

في أحكام الختنة:
وينبغي أن يختن المولود في اليوم السابع كما ذكرناه، فإن أخر ذلك عن هذا اليوم
كان جائزا إلا أن الأفضل ذلك، والقول في خفض الجواري مثل ذلك، وإذا تأخر ختان
أحد ممن ذكرناه إلى وقت بلوغه وجب أن يفعل به ذلك عند البلوغ، وكذلك من أسلم
وهو بالغ غير مختتن فليختتن وإن كان شيخا.
وإذا مات المولود في اليوم السابع من ولادته وكان موته قبل الظهر من ذلك لم يعق
عنه، وإن كان موته بعد الظهر استحب أن يعق عنه.
وينبغي أن يرضع الصبي حولين كاملين على ما ثبت به السنة في ذلك، والزيادة
عليه جائزة وكذلك النقص منه، فأما الزيادة فلا يجوز أن يكون أكثر من شهرين وأما
النقص فلا يجوز أن يكون أكثر من ثلاثة أشهر، فإن فعله ذلك كان جورا عليه، ونقص
الثلاثة الأشهر مكروه.
وأفضل ما يرضع به الصبي من الألبان لبن أمه، والأم إن كانت حرة وأرادت
رضاعه كان لها ذلك وإن لم ترده لم تجبر عليه، وإن كانت أمة كان إلزامها ذلك جائزا،
وإذا أرضعته الحرة وتطلب أجرة الرضاع كان ذلك واجبا على والد الصبي، وإن كان
والده ميتا كان ذلك في مال الصبي، وإن كان لها مملوكة فأرضعته كان لها أجر رضاع
مملوكتها وهو أجرة المثل، وإذا وجد والد الصبي من يرضع ولده بأجرة تكون أقل من الأجرة
التي تأخذها أمه ورضيت الأم بها كانت أحق به من غيرها، وإن لم ترض بها كان لوالده
أخذه منها ودفعه إلى من يرضعه بالأقل.
وإذا كان الولد ذكرا فوالدته أحق به من أبيه مدة الرضاع، فإذا انقضت هذه المدة
كان والده أحق به منها، وإذا كان أنثى فوالدته أحق به من أبيه إلى سبع سنين، فإن
تزوجت فيما دون سبع سنين كان والده أولى به منها، فإن مات والده كانت والدته أحق
بولدها من وصي أبيه ذكرا كان الولد أو أنثى إلى أن يبلغ، فإذا كان والد الصبي عبدا
ووالدته حرة كانت والدته أحق به وأولى من أبيه على كل حال، فإن انعتق كان أولى به
204

على ما تقدم ذكره.
وإذا أراد الرجل من يرضع ولده فينبغي أن يختار لذلك امرأة مسلمة عاقلة جميلة
الوجه عفيفة، ولا يجوز له أن يسترضع امرأة كافرة إلا عند الضرورة إلى ذلك فإنه يجوز
حينئذ أن يسترضع يهودية أو نصرانية دون غيرها من سائر الكفار، وإذا لم يجد في هذه
الحال يهودية ولا نصرانية ووجد مجوسية جاز أن يسترضعها، ولا يجوز له ذلك مع وجود
اليهودية أو النصرانية على حال، فإذا استرضع اليهودية أو النصرانية فليقرها عنده في منزله
ولا يدفع الولد إليها لتمضي به إلى منزلها، وينبغي، أن يمنعها أيضا من شرب الخمر وأكل
لحم الخنزير، ولا يجوز أن يسترضع ناصبية ولا امرأة قد ولدت من الزنى أو كانت مولودة
من ذلك إلا في حال الضرورة وعدم من يجوز استرضاعه ممن قدمنا ذكره.
والمرضعة تستحق أجرة الرضاع في حولين كاملين، فإن زاد على الحولين لم تستحق على
ذلك أجرة، ومن دفع ولده إلى ظئر فمضت به ولم تحضره إلا بعد الفطام لم يجز له إنكاره ولا
يكذبها في قولها بأنه ولده لأنها مأمونة، وإذا دفعت الظئر ولد انسان إلى ظئر أخرى كان
عليها ضمانه، فإن لم تحضره كان عليها ديته، واسترضاع الإماء جائز فمن أراد أن
يسترضعهن فليسترضع المسلمة منهن حسب ما وصفناه في من يجوز استرضاعه من غيرهن.
باب النفقات:
قال الله تعالى: فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا
تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى أن لا تعولوا، أي لا يكثر من تمونونه،
وقيل: معنى ألا تعولوا لا تجوروا، فلو لم تكن النفقة واجبة والمؤنة لازمة ما حذر من كثرتها.
وقال تعالى: الرجال قوامون على النساء بما فضل الله به بعضهم على بعض وبما
أنفقوا من أموالهم، وقال: قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم، يريد النفقة، وقال الله
تعالى: وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف، والمولود له هو الزوج، فإذا كان في
ذلك دليل على وجوب النفقة فوجب أن ينفق الزوج على زوجته وعلى ولده على ما تضمنته الآية.
205

واعلم: أنه يجوز للرجل أن يتزوج من النساء أربعا ويستحب له الاقتصار على واحدة،
وقد تقدم القول بأن على الزوج النفقة على زوجته، فأما أن يخدمها خادما وينفق عليه
فالقول فيه أنه إن كان مثلها مخدوما فعليه ذلك وعليه نفقة خادمها وإن كانت ممن
لا تخدم مثلها لم يجب عليه إخدامها، والمرجع في من يخدم ومن لا يخدم إلى العرف والعادة.
فإن كانت من أهل بيت كبير ولها نسب وشرف ومال وثروة ومثلها لا تخدم منزله في
طبخ ولا عجين ولا غسل ثياب ولا كنس المنزل وما أشبه ذلك كان عليه إخدامها، وإن
كانت من أدناء الناس مثلا نساء الحمالين والأكارين ومن جرى مجراهم لم يجب عليه
إخدامها، وإذا كان المرجع في ذلك إلى العرف فإنما يرجع إليه في مثلها ولا يرجع إلى
ما ترتب به نفسها.
فإذا كانت من ذوي الأقدار فتواضعت وانبسطت في الخدمة كان عليها إخدامها،
فإن لم تكن كذلك وتعظمت وتكبرت وترفعت عن الخدمة لم تستحق الخدمة بذلك لأن
المرجع فيه إلى قدرها لا إلى الموجود منها في الحال، هذا إذا كانت صحيحة فإن مرضت
واحتاجت إلى من يخدمها لزمه إخدامها وإن كان مثلها لا يخدم في حال الصحة لأن
المعتبر في ذلك بالعرف ومن العرف أن تحتاج إلى خادم كما أن العرف في الجليلة يقتضي
أن تفتقر إلى خادم، فصارت في حال المرض مثل الجليلة في حال الصحة.
وإذا كان على الزوج كما قلناه أن يخدم زوجته فليس يجب عليه أكثر من خادم واحد
ولو كانت أجل الناس لأن الذي عليه من الخدمة الكفاية والكفاية تحصل بواحدة، وإن
كان للزوجة رباع ومال وجهاز تحتاج فيه إلى خدمة ومراعاة لم يلزم زوجها غير الخادم
الواحد، وإذا كان ليس يلزمه إلا الخادم الواحد فهو مخير بين أن يبتاع خادما أو يستأجره
أو يكون لها خادم ينفق عليها بأمرها أو يخدمها بنفسه فيكفيها ما يكفي فيه الخادم لأن
الواجب عليه تحصيل الخدمة لها وليس لها أن تتخير عليه الوجوه التي يحصل منها ذلك،
فإن أرادت منه أن تخدم نفسها وتأخذ ما يأخذ الخادم من النفقة لم يكن لها ذلك لأن
الخدمة للدعة والترفة، فإذا لم تختر ذلك وأراد الخدمة لم يلزمه دفع عوض إليها عن ذلك.
206

وإذا كاتب انسان عبده كان له أن يبتاع الرقيق لأن له تنمية المال، فإن اشترى
جارية لم يجز له وطؤها لأن في ذلك تعزيرا بمال سيده فإن أذن له في ذلك كان جائزا، فإن
وطئها بإذن سيده أو بغير إذنه فليس فيه حد لأن هناك شبهة، والنسب لا حق لأنه وطء
سقط فيه الحد عن الواطئ، فإن ألحق نسبه فإنه مملوك لأنه من بين مملوكين ويكون مملوكا
لأبيه لأنه ولد مملوكته ولا يعتق عليه لأنه ناقص الملك، ولا يجوز له بيعه لأن الشرع منع من
بيع الآباء والأولاد ولا يملك عتقه لأن فيه إتلاف مال سيده، وعليه النفقة على ولده فأما
نفقة ولده من زوجته فغير واجبة عليه سواء كانت حرة أو مملوكة أو أم ولد لغيره أو مكاتبة
لأنها إن كانت حرة فلا نفقة عليه لأنها تجب باليسار وهو غير موسر لأن ما في يده لسيده.
وإن كانت مملوكة لم تجب عليه نفقة لأنه مملوك لسيد المملوكة، وليس يجب عليه نفقة
مملوك غيره ويفارق ولده من أمته لأنه مملوكه فلهذا أنفق عليه كسائر مماليكه. وإن كانت
أم ولد للغير فلا نفقة عليها لما تقدم ذكره وإن كانت مكاتبة للغير فكذلك، فإذا كان
لا نفقة عليه كما ذكرنا وقيل لنا: فعلى من تكون نفقته؟ قلنا: إذا كانت زوجته حرة
كانت النفقة عليها لأنه إذا لم يكن الأب من أهل الانفاق أنفقت الأم.
وإن كانت أمة للغير كان على سيدها نفقة هذا الولد لأنه مملوكه، وإن كانت مكاتبة
كان موقوفا مع أمه يعتق بعضها وعلى هذا نفقته على أمه كما تنفق على نفسها مما في يدها،
وإن كانت زوجته مكاتبة لسيده فلا نفقة عليه والنفقة على ما قدمنا تفصيله، فإن أراد هذا
المكاتب أن ينفق على ولده منها كان جائزا لأنه ليس في ذلك تغرير بمال السيد، فإن عجز
وعاد إلى الرق فالنفقة كانت على مال سيده، فإن أدى وعتق فقد أنفق على مال سيده،
وأما ولد العبد من زوجته فالحكم فيه كالحكم في ولد المكاتب من زوجته لا يجب عليه
الانفاق لما تقدم ذكره.
واعلم أن نفقات الزوجات تعتبر بحال الزوج ولا تعتبر بحال الزوجة، وقد ذكر في
ذلك أنه إن كان موسرا كان عليه في كل يوم مدان وإن كان متوسطا متجملا فمد ونصف
وإن كان معسرا فقدر المد، ويعتبر الغالب في قوت أهل البلد والغالب من قوته وليس عليه
207

أن يدفع إليها إلا الحب، فإن طلبت منه غيره لم يلزمه لأنها تكون مطالبة بغير حقها وغير
ما يجب لها عليه، فإن أراد هو أن يدفع إليها غير ذلك لم يلزمها قبوله لأنه يكون دافعا إليها
غير حقها وغير ما يجب لها، فإن اصطلحا على أخذ البدل من ذلك دنانير أو دراهم كان
ذلك جائزا.
فأما الخادمة فقد ذكرنا فيما تقدم أن نفقتها تجب عليه إذا كانت ممن يخدم مثلها، فإن
كان موسرا كان عليه لها مد وثلث لأنه أقل من نفقة الموسر والمتوسط وأرفع من نفقة
المعسر، وإن كان معسرا ألزم نفقة مد لأنه ليس يمكن أقل منه من حيث إن البدن لا يقوم
بأقل منه، ومذهبنا يقتضي الرجوع إلى اعتبار العادة في ذلك.
وأما الأدم فعليه أن يدفع إلى الزوجة مع الطعام أدما والمرجع في جنسه إلى غالب أدم
البلد من زيت أو شيرج أو سمن، ومقداره يرجع إلى العادة فما كان أدما للمد في العادة
أوجب ذلك عليه، ويفرض لخادمها الأدم أيضا ويفرض لها عليه اللحم في كل أسبوع
دفعة واحدة، ويكون ذلك في يوم الجمعة لأنه عرف عام، ويرجع إلى العرف في مقداره
وكذلك القول في الخادم.
ولا يجب لها عليه أجرة الحجام ولا فاصد ولا ثمن دواء، وأما الدهن الذي تدهن
شعرها به وترجله والمشط فإنه على الزوج لأنه من كمال النفقة، ويجب عليه كسوتها،
والمرجع في قدر ذلك وجنسه إلى عرف العادة، وأما العدد فللزوجة أربعة أشياء: قميص
ومقنعة وخف هذه كسوة الصيف، فأما في الشتاء فإنه يزيده جبة محشوة بالقطن وكذلك
الخادم، وعليه أيضا لها الفراش والوسادة واللحاف وما ينام عليه بحسب العرف والعادة
فيه.
وإذا دفع إليها الكسوة لمدة يلبس في مثلها ستة أشهر تقديرا فأخلقت وبليت فإن لحقها
ذلك في وقتها كان عليه عوضها، وإن كان ذلك قبل وقتها لشهرين أو ثلاثة أشهر لم يلزمه
العوض عنها، وإن كان بعد وقتها كان عليها عوضها.
فأما البدوية فإنها في وجوب النفقة لها على زوجها تجري مجرى ما قدمناه في الحضرية
208

وتفترقان في غير وجوب ذلك على الزوج، وذلك أن قوت البادية بخلاف قوت الحاضرة
لأنهم يقتاتون بالأقط والبلوط، فعلى زوجها نفقتها من غالب قوت البادية كما قدمناه في
غالب قوت البلد، وليس يجب على الزوج أن يضحي عنها، ولا أن يؤدى عنها كفارة
اليمين، وعليه زكاة الفطرة عنها.
فأما السبب الذي تجب النفقة على الزوج عنده فهو التمكين المستحق إذا كانا
كبيرين، والتمكين الناقص هو التخلية والتمكين الكامل هو تسليم نفسها إليه وتمكينه
منها على الإطلاق ومن غير اعتراض عليه في موضع مسكنها ونقلها إليه، فإذا حصل
التمكين على ما ذكرناه وجب تسليم النفقة في كل يوم من أوله، فإن توانى في ذلك حتى
مضت مدة استقرت عليه النفقة، فإن لم تسلم نفسها إليه ولا تمكنه التمكين الكامل مثل
أن تقول له: أسلم نفسي إليك في بيت أبي أو بيتي أو بيت الفلاني أو المحلة الفلانية، فلا
نفقة لها لأن التمكين الكامل ما وجد، فإن حصل التمكين الكامل وكان الزوج حاضرا
كان عليه النفقة لأن سبب الاستحقاق لها قد حصل.
وإن كان غائبا فحضرت عند الحاكم وأعلمته أنها مسلمة نفسها إلى زوجها على
الإطلاق لم يحكم لها بالنفقة حتى يكتب إلى حاكم البلد الذي الزوج مقيم فيه ويعرفه
ذلك من حالها، ثم يحضره ذلك الحاكم ويعلمه بما ذكرته زوجته، فإن سار لوقته أو وكل
من ينوب عنه في القبض والتسليم وحضر وقبض كان ذلك الوقت هو وقت ابتداء النفقة،
وإن لم يسر ولا وكل ضرب المدة التي لو سافر فيها يوصل إليها ثم يكون عليه نفقتها عند آخر
هذه المدة لأن التمكين الكامل وجد منها وقدر على القبض فلم يفعل، وكذلك الحكم إذا
كان الزوج كبير أو الزوجة مراهقة تصلح للوطء.
وإذا كان الزوج كبيرا والزوجة صغيرة لا يجامع مثلها فليس لها نفقة، وإن كان الزوج
صغيرا والزوجة كبيرة لم يكن لها أيضا النفقة فإن كان صغيرين فلا نفقة لها أيضا، وإذا
مرضت الزوجة لم تسقط نفقتها لأجل مرضها لأنها من أهل الاستمتاع بها ولأنه يألفها
ويسكن إليها وتفارق الصغيرة بهذين الوجهين، وإن كان بها عيب في الفرج يمنع من
209

الوطء ويوجب الرد، فإن اختار إمساكها لزمته النفقة وله أن يستمتع بها فيما دون الفرج،
وإن اختار ردها كان ذلك له.
وإذا أعسر الزوج ولا يقدر على النفقة على زوجته بوجه من الوجوه كان عليها الصبر إلى
أن يوسع الله عليه ولا يفسخ عليه الحاكم وإن طالبته المرأة بذلك، وإذا كان موسرا بالنفقة
فمنعها مع القدرة ألزمه الحاكم لا إنفاق عليها، فإن لم يفعل أجبره على ذلك فإن أبي ذلك
حبسه أبدا حتى ينفق عليها.
وإذا كانت الزوجة مطلقة طلاقا رجعيا كان لها النفقة لأنها في معنى الزوجات وإن
كان طلاقا بائنا لم تكن لها نفقة، فإن أبانها وكانت حاملا وجبت النفقة للحمل فلما
وجب ذلك بوجوده وسقط بعدمه ثبت أن النفقة له، ولأنه إذا كان للحمل مال أنفق
عليها فيه فدل ذلك على أنه لا يجب لها، فإذا لم تكن النفقة لها لأجل الحمل وكان للحمل
على ما بيناه.
فعلى ذلك ينبغي أن يقال في الحر إذا تزوج بأمة وأبانها وهي حامل فإن النفقة على
سيد الأمة، فإن تزوج عبد بأمة وأبانها وهي حامل كانت النفقة على سيد الولد دون والده
لأن العبد لا يجب عليه نفقة أقاربه، فإن تزوج عبد بحرة فأبانها وهي حامل كانت النفقة
على الزوجة لأنه ولد حرة وأبوه مملوك، وإن كان النكاح فاسدا وكان الزوج حرا كانت
النفقة عليه لأنها نفقة ولده، ولا فرق في باب لحوق النسب وثبوته بين النكاح الصحيح
والفاسد.
ويستحق الولد النفقة على والده إذا كان الولد على صفة ووالده على صفة.
فأما صفة الولد الذي يستحق النفقة وصفة الوالد الذي يستحق عليه ذلك فهي أن
يكون الولد معسرا ثم ناقص الخلقة أو ناقص الأحكام أو ناقص الخلقة والأحكام،
فناقص الخلقة الضرير والزمن، وناقص الأحكام الولد الصغير لأنه لا حكم لكلامه والقلم
لا يجري عليه، وأما ناقص الخلقة والأحكام فالكبير الضرير المجنون فإنه ناقص الأمرين معا.
210

وأما صفة والده الذي يستحق عليه النفقة فهو القادر على النفقة على ولده في الفاضل
عن قوت يومه، فإذا قدر على ذلك لمال في يده أو قدرة على كسب كان عليه الانفاق، فإذا
كان الأمر في الولد والوالد على ما ذكرناه.
فأما الترتيب في ذلك فجملته أن نفقة الولد على والده إن كان موسرا كما ذكرناه،
فإن لم يكن له والد أو كان له والد إلا أنه معسر فعلى جده، فإن لم يكن له جد أو كان له
وكان معسرا فعلى والد الجد ثم على هذا الترتيب أبدا، فإن لم يكن له أب ولا جد أو كانا
إلا أنهما معسران فنفقته على أمه، وكل جدة وإن علت فهي كالأم إذا لم تكن دونها جدة
أو كانت لكنها معسرة مثل ما ذكرناه في الأب.
هذا إذا لم يكن من شق الأم إلا هؤلاء، فإن كان في شق الأم غير هؤلاء وهو أب الأم
وأم أب الأم ومن جرى هذا المجرى فهم من أهل الانفاق في الجملة، لأن النفقة تلزم
بالقرابة على من يقع عليه اسم الأب حقيقة أو مجازا أو على من وقع عليه اسم الجد حقيقة
أو مجازا، وإذا كان له أب وأم فالنفقة على الأب دون الأم، فإن كان له أم وجد أبو أب
وإن علا فالنفقة على الجد دون الأم، فإن اجتمع أبو أم وأم أم فهما سواء لتساويهما في
الدرجة أيضا.
فأما النفقة على الوالد فعلى الولد أن ينفق على والده في الجملة وعلى جده وإن علا
وينفق على أمه وأمهاتها وإن علون، والذي تجب النفقة عليه فإنها تجب في الفاضل عن
قوت يومه وليلته، وصفة من تجب له فإن يكون فقيرا ناقص الأحكام أو الخلقة أو هما،
وناقص الأحكام المجنون والخلقة الزمانة، وهما أن يكون مجنونا زمنا، فمن كان على هذه
الصفة لزمت ولده النفقة عليه، وإن كان كامل الخلقة والأحكام إلا أنه فقير فعلى ولده
الانفاق عليه، وإذا كان الولد كامل الخلقة والأحكام وكان معسرا وجب نفقته عليه.
وإذا كان موسرا وكان أبواه معسرين، فإن كان معه ما ينفق عليهما فعليه ذلك وإن لم
يفضل عن كفايته إلا نفقة أحدهما كان هذا الفاضل بينهما، وإذا كان الابن موسرا وله
أب وجد أبو الأب وهما معسران، وابن وابن ابن معسران أيضا، فإن فضل ما يكفي الكل
211

أنفق عليهم وإن فضل ما يكفي واحدا منهم كان الابن أولى، وكذلك الأب مع الجد فإن
كان معسرا وله أب وابن موسران كان نفقته عليهما سواء تساويهما في القرابة والتعصيب
والرحم.
وإن كان موسرا وله زوجة ومن ذوي الأرحام من تجب عليه نفقته، فإن فضل ما يكفي
الكل أنفق على الكل وإن فضل ما يكفي أحدهم كانت الزوجة أحق بها لأن نفقتها على
سبيل المعاوضة ونفقة ذوي الأرحام مواساة، والمعاوضة أقوى لأنها تستحق مع إعسارها
ويسارها، والوالد إذا كان موسرا لا نفقة له وتستحق مع يسار الزوج وإعساره، والولد
لا نفقة له على أب معسر.
وتستحق المطلقة المرضعة النفقة وهي الأجر على الرضاع لقوله تعالى: فإن أرضعن
لكم فأتوهن أجورهن، فإن طلبت أجرة مثلها وليس هناك غيرها أو يوجد غيرها بهذه
الأجرة فهي أحق، وإن طلبت أكثر من ذلك والزوج يجد بأجرة المثل كان له نقله عنها
لقوله تعالى: وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى ولقوله تعالى، وإن أردتم أن تسترضعوا
أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف.
وأما نفقة المملوك فتجب على سيده وهو على ضربين: مكتسب وغير مكتسب، فإن
كان غير مكتسب لصغر أو كبر أو زمانة أو مرض فإن نفقته على سيده، وإن كان مكتسبا
كان سيده مخيرا بين أن يجعلها في كسبه وبين أن ينفق عليه من عنده لأن كسبه وماله له،
فإن أنفق عليه من ماله كان جميع كسبه له، وإن جعل نفقته في كسبه وكان وفقا لنفقته لم
يكن من سيده غير ذلك، وإن زاد كسبه على ذلك كان الفاضل لسيده، وإن كان نقص
من ذلك كان على سيده تمامه، والمراعي في مقدار نفقته ما يكفيه لقوته وغير ما يكفيه
بحسب العادة.
وإذا بانت المرأة من زوجها بطلاق أو خلع أو غير ذلك وله معها ولد طفل لا يعقل ولا
يميز كانت هي أولى بحضانته من أبيه، وإن كان بالغا عاقلا كان مخيرا بين أن يكون مع
أبيه أو أمه، وإن كان صغيرا وقد ميز ولم يبلغ وكان ذكرا كان أولى به إلى سبع سنين من
212

عمره، وإن كان أنثى كانت الأم أولى بها إلى تسع سنين، وقيل إلى بلوغها ما لم تتزوج، فإن
تزوجت كان الأب أحق بولده ذكرا كان أو أنثى طفلا غير مميز ولا عاقل أو طفلا مميزا.
فإن كان لم يبلغ سبع سنين أو أكثر منها فإن تزوجت وكان لها أم كانت أمها أحق به
إن لم يكن لها زوج أو كان لها زوج وهو جد الطفل، وإن كان غير جده كان الأب أحق
له، فإن كان لجد الطفل كانت أولى به من الأب، وكذلك الحكم فيما زاد على ما ذكرناه
من الآباء والأمهات، فإن لم تكن أمهات الأم على ما ذكرناه كان الأب أحق به من كل
أحد ثم أمهاته وآباؤه، ويجرون في كونهم أحق به مجرى أحقهم بميراثه، فمن كان منهم أحق
بميراثه كان أحق بحضانته، وإن كان من يستحق ميراثه أكثر من واحد وتنازعوا في
حضانته أقرع بينهم فمن خرج اسمه كان أولى به، وكذلك القول في إخوته وأخواته إذا لم
يكن أب ولا أم ولا أحد ممن تقدم ذكره.
وإذا كان له ولد من كافرة وهو مسلم كان المسلم أحق بولده على كل حال، فإن
أسلمت الكافرة كان كما لو كانت في الأصل مسلمة، وكذلك لو كانت مسلمة وزوجها
كافر كانت أحق به من الكافر فلو أسلم الكافر كما كان لو كان في الأصل مسلما.
وإذا كان أحد أبوي الطفل مملوكا لم يكن له حق في الحضانة فإن أعتق ثبت حقه،
وتكون أمه أحق به إلى سبع سنين من عمره ثم يكون أبوه أحق به من ذلك، وإن كان
الولد أنثى كانت أمه أحق بها إلى أن تبلغ، وإذا تزوجت الأم أو فسقت سقط حقها من
الحضانة، فإن كان لها أم كانت أحق به على ما قدمناه.
وإذا ملك انسان بهيمة كانت مما يؤكل لحمه أو لا يؤكل طيرا كان أو غير ذلك، مما
يؤكل لحمه أيضا أو لا يؤكل كان على مالكه النفقة عليه، وإن كانت البهيمة في البلد
كانت نفقته عليه بالقيام بها بالعلف وبما يصلح حالها، وإن كانت في البادية أطلقها
للرعي فإن لم يكن لها ما يرعاه فالعلف، والمالك لما يؤكل لحمه من ذلك مخير فيه بين البيع
والذبح والعلف، وإن كانت مما لا يؤكل لحمه كان مخيرا بين علفها وبين بيعها، ولا يجوز
له حبس شئ من ذلك من غير أن يعلفه ولا يقوم به ولا يطلقه للرعي وما أشبه ذلك،
فإن فعل ذلك أجبره الحاكم على أحد ما ذكرنا أنه مخير فيه.
213

فقه القرآن
لسعيد بن عبد الله بن الحسين بن هبة الله بن الحسن الراوندي
المتوفى 573 ه‍ ق
215

كتاب النكاح
قال الله تعالى: وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا
فقراء فقراء يغنهم الله من فضله، هذا خطاب من الله تعالى للمكلفين من الرجال والنساء
يأمرهم أن يزوجوا الأيامى اللواتي لهم عليهن ولاية وأن يزوجوا الصالحين المستورين
الذين يفعلون الطاعات من المماليك والإماء إذا كانوا ملكا لهم.
والأيامى جمع أيم وهي المرأة التي لا زوج لها سواء كانت بكرا أو ثيبا، وقال قوم: الأيم
التي مات زوجها وعلى هذا قوله ع: الأيم أحق بنفسها يعني الثيب، وقيل: إن الأمر
بتزويج الأيامى إذا أردن ذلك أمر فرض، والأمر بتزويج الأمة إذ أرادت ندب وكذلك العبد.
ومعنى قوله: إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله، أي لا يمنعوا من نكاح المرأة
أو الرجل إذا كانا صالحين لأجل فقرهما وقلة ذات أيديهما، فإنهم وإن كانوا كذلك فإن الله
يغنيهم من فضله، وقال قوم: معناه إن يكونوا فقراء إلى النكاح يغنهم الله بذلك عن
الحرام، فعلى الأول تكون الآية خاصة في الأحرار وعلى الثاني عامة في الأحرار والمماليك،
فالنكاح فيه فضل كبير لأنه طريق التناسل وباب التواصل وسبب الألفة والمعونة على العفة،
ومن سنن الاسلام النكاح وترك التعزب، فمن دعته الحاجة إلى النكاح ووجد له طولا
فلم يتزوج فقد خالف سنة رسول الله ص،
وقد ذكرنا ما حث الله به عباده ودعاه إليه فقال: وأنكحوا الأيامى منكم، الآية، ثم
قال: وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله، أمر تعالى من لا يجد
217

السبيل إلى أن يتزوج بأن لا يجد طولا من المهر ولا يقدر على القيام بما يلزمه لها من النفقة
والكسوة أن يتعفف ولا يدخل في الفاحشة ويصبر حتى يغنيه الله من فضله.
باب ما أحل الله من النكاح وما حرم منه:
قال الله تعالى: ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو
أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم.
هذه الآية على عمومها عندنا في تحريم مناكحة جميع الكفار وليست منسوخة
ولا مخصوصة، قال ابن عباس: فرق عمر ابن طلحة وحذيفة امرأتيهما اللتين كانتا تحتهما
كتابيتين، وقال الحسن: إنها عامة إلا أنها نسخت بقوله تعالى: والمحصنات من الذين
أوتوا الكتاب من قبلكم، وقال ابن جبير: هي على الخصوص، ونحن إنما اخترنا ما قلناه
أولا لأنه لا دليل على نسخها ولا على خصوصها وسنبين وجه ذلك بعد هذا إن شاء الله
تعالى.
وأما المجوسية فلا يجوز نكاحها إجماعا، والذمي لا يجوز أن يتزوج مسلمة إجماعا
أيضا وقرآنا وأخبارا والأمة المملوكة والجارية تكون مملوكة وغير مملوكة.
والإعجاب يكون بالجمال ويكون بخصال يرغب لها فيها، ومعنى أعجبني الشئ
فرحت به ورضيت به، والفرق بين لو أعجبكم وإن أعجبكم، أن لو للماضي وإن للمستقبل
وكلاهما يصح في معنى الماضي.
ولا يجوز نكاح الوثنية إجماعا لأنها تدعوا إلى النار كما حكاه الله تعالى، وهذه العلة
قائمة في الذمية من اليهود والنصارى فيجب أن لا يجوز نكاحها، وقال السدي في قوله
تعالى: قل أ يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث، فالخبيث الكافر والطيب
المؤمن وهو اختيار ابن جرير، وقال جماعة: الآية عامة أي لا يستوي أهل الطاعة
والمعصية لا في المكان ولا في المقدار ولا في الانفاق ولا في غير ذلك من الوجوه،
وفي الآية دلالة على جواز نكاح الأمة المؤمنة مع وجود الطول، لقوله تعالى: ولأمة
مؤمنة خير من مشرك، فكل من عقد على أمة الغير وأعطى سيدها المهر كان العقد ماضيا
218

غير أنه يكون تاركا للأفضل، ولا يجوز له أن يعقد على أمة وعنده حرة إلا برضاها، فإن عقد
عليها من غير رضاها كان العقد باطلا، وإن أمضت الحرة العقد مضى العقد ولم يكن لها بعد
ذلك اختيار، فأما الآية التي في النساء وهي قوله: ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح
المحصنات، فإنما هي على التنزيه دون التحريم.
فصل:
وقال بعض المفسرين: لا يقع اسم المشركات على نساء أهل الكتاب، فقد فصل الله
تعالى بينهما في قوله: لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين، وفي قوله: ما يود الذين
كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين، إذ عطف أحدهما على الآخر، وهذا التعليل من هذا
الوجه غير صحيح فالمشرك يطلق على الكل لأن من جحد نبوة محمد ص
فقد أنكر معجزه فأضافه إلى غير الله وهذا هو الشرك بعينه، وهذا العطف ورد للتفخيم كما
عطف على الفاكهة النخل والرمان مع كونهما منها تخصيصا في قوله تعالى: فيهما فاكهة
ونخل ورمان.
ومتى أسلم الزوجان بنيا على النكاح الذي كان جرى بينهما ولا يحتاج إلى تجديده
بلا خلاف، وإن أسلمت قبله طرفة عين فعند كثير من الفقهاء وقعت الفرقة وعندنا تنتظر
عدتها، فإن أسلم الزوج تبينا أن الفرقة لم تحصل ورجعت إليه، وإن لم يسلم تبينا أن
الفرقة وقعت حين الاسلام غير أنه لا يمجن من الخلو بها، فإن أسلم الزوج وكانت ذمية
استباح وطؤها بلا خلاف وإن كانت وثنية انتظر إسلامها ما دامت في العدة فإن أسلمت
ثبت عقده عليها وإن لم تسلم بانت منه.
فإن قيل: كيف يقال للكافر الذي يوحد الله مشرك؟، الجواب فيه قولان: أحدهما أن
كفره نعمة الله التي هي الاسلام وجحده لدين محمد ع كالشرك في عظم الجرم،
والآخر أنه إذا كفر بالنبي ع فقد أشرك فيما لا يكون إلا من عند الله وهو القرآن
فزعم أنه من عند غير الله ذكره الزجاج وهذا أقوى.
فالمحرمات من النساء على ضربين: ضرب منهن يحرمن بالنسب وضرب منهن يحرمن
219

بالسبب وما عداهما فمباح، وبيان ذلك في الآيات من سورة النساء في قوله تعالى:
ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا ثم
قال حرمت عليكم أمهاتكم، إلى آخرها، والحكمة في هذا الترتيب ظاهرة ونحن نذكر
تفصيلها في فصول.
فصل:
اعلم أن الله تعالى ابتدأ بتحريم ما نكح الآباء في سورة النساء بقوله تعالى:
ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء، ثم فصل المحرمات، ومعنى الآية الأولى قيل فيه
قولان:
أحدهما قال ابن عباس: إنه حرم عليهم ما كان أهل الجاهلية يفعلونه من نكاح امرأة
الأب إذا لم تكن الأم.
الثاني أن يكون " ما نكح " بمنزلة المصدر والتقرير ولا تنكحوا نكاح آبائكم، فعلى هذا
يدخل فيه النهي عن حلائل الآباء وكل نكاح لهم فاسد في الجاهلية وهو اختيار الطبري،
وقال: إن هذا الوجه أجود لأنه لو أراد حلائل الآباء لقال: لا تنكحوا ما نكح آباؤكم، وهذا
ليس بطعن لأنه ذهب به مذهب الجنس كما يقول القائل: لا تأخذ ما أخذ أبوك من الإماء،
فيذهب مذهب الجنس ثم يفسره بمن.
وقوله: إلا ما قد سلف، يعني بإلا لكن، وكذا كل استثناء منقطع كقولهم: لا تبع متاعي
إلا ما بعث، أي لكن ما بعت فلا جناح عليك فيه، وقيل في معناه قولان:
أحدهما: إلا ما قد سلف فإنكم لا تؤاخذون به وإن كان منه ولد فليس الولد بولد زنا،
وقال قطرب: معناه لكن ما سلف فاجتنبوه ودعوه إنه فاحشة، الثاني حكاه بعض
المفسرين: إلا ما قد سلف فدعوه فهو جائز لكم، وهذا لا يجوز بالإجماع.
والهاء في قوله تعالى: إنه كان فاحشة، يحتمل أن تكون عائدة إلى النكاح بعد النهي
ويحتمل أن تكون عائدة إلى النكاح الذي عليه أهل الجاهلية، قيل: ولا يكون ذلك إلا وقد
قامت عليهم الحجة بتحريمه من جهة الرسل، فالأول اختاره الجبائي وهو الأقوى، قال:
220

وتكون السلامة مما قد سلف في الإقلاع عنه، وقيل إنما استثنى ما قد مضى ليعلم أنه لم يكن
مباحا لهم.
" إنه كان فاحشة " أي زناء " ومقتا " أي بغضا أي يورث بغض الله ويسمى ولد الرجل
من امرأة أبيه المقتي ومنهم الأشعث بن قيس وأبو معيط جد الوليد بن عقبة.
قال البلخي: ليس كل نكاح حرمه الله تعالى زنا لأن الزنى هو فعل مخصوص لا يجري
على طريقة لازمة وسنة جارية، لذلك لا يقال للمشركين في الجاهلية أولاد زنا ولا لأهل الذمة
والمعاهدين أولاد زنا إذا كان عقدا بينهم يتعارفونه.
إنه كان فاحشة " دخلت كان لتدل على أنه كان قبل تلك الحال كذا كان كذا فاحشة،
وقول المبرد: إن كان زائدة غير صحيح لأنها لو كانت زائدة لم تعمل، معناه أنه كان فيما مضى
أيضا فاحشة ومقتا وكان قد قامت الحجة عليهم بذلك في كل من عقد عليها الأب من
النساء أنه يحرم على الابن دخل بها أو لم يدخل بلا خلاف، فإن دخل بها الأب على وجه
السفاح فهل يحرم على الابن؟ ففيه خلاف، وعموم الآية يقتضي أنها تحرم عليه لأن
النكاح يعبر به عن الوطء كما يعبر به عن العقد فيجب أن يحمل عليهما، وامرأة الأب وإن
علا تحرم على الابن وإن نزل بلا خلاف.
فصل:
ثم قال تعالى: حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم،... اعلم أن في الناس من اعتقد أن
هذه الآية وما يجري مجراها كقوله تعالى: حرمت عليكم الميتة والدم، مجملة لا يمكن التعلق
بظاهرها في تحريم شئ وإنما يحتاج إلى بيان، قالوا: لأن الأعيان لا تحرم ولا تحل وإنما يحرم
التصرف فيها، والتصرف مختلف فيحتاج إلى بيان التصرف إلى بيان التصرف المحرم
دون التصرف المباح،
والأقوى أنها ليست مجملة المجمل هو ما لا يفهم المراد بعينه بظاهره وليست هذه
الآية كذلك، لأن المفهوم من ظاهرها تحريم العقد عليهن و الوطء دون غيرهما من أنواع
الفعل فلا يحتاج إلى البيان مع ذلك، وكذلك قوله: حرمت عليكم الميتة، المفهوم منه الأكل
221

والبيع دون النظر إليها أو ما جرى مجراه، كيف وقد تقدم هذه الآية ما يكشف عن أن المراد
ما بيناه من قوله تعالى: ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم، فلما قال بعده: حرمت عليكم أمهاتكم،
كان المفهوم أيضا تحريم نكاحهن. ويطلب الكلام فيه من أصول الفقه.
فصل:
قال ابن عباس: حرم الله في هذه الآية سبعا بالنسب وسبعا بالسبب، فالمحرمات من
النسب: الأمهات ويدخل في ذلك أمهات الأمهات وإن علون وأمهات الآباء كذلك، والبنات
ويدخل في ذلك بنات الأولاد، أولاد البنين وأولاد البنات وإن نزلن والأخوات سواء كن
لأب وأم أو لأب أو لأم، وكذا العمات والخالات وإن علون من جهة الأب كن أو من جهة الأم
وبنات الأخ وبنات الأخت وإن نزلن، وكل من يقع عليه اسم بنت حقيقة أو مجازا تحرم لقوله
تعالى: وبناتكم، وكذا من يقع عليه اسم العمة لقوله تعالى: و عماتكم، وكذلك كل من كان
خالته حقيقة وهي أخت أمه أو مجازا وهي أخت جدته أي جدة كانت من قبل أمها فأختها
خالته وتحرم عليه، لقوله تعالى: وخالاتكم.
والمحرمات بالسبب: الأمهات من الرضاعة والأخوات أيضا من الرضاعة وكل من
يحرم بالنسب يحرم مثله بالرضاع، فنص الله من جملتهن على الأمهات والأخوات بظاهر
اللفظ ودل بفحواه على أن من عداهما ممن تحرم بالنسب كهما، لأن تلك إذا صارت بالرضاع
أما وهذه أختا فالعمة والخالة يصيران عمة وخالة وكذلك من سواهما، ولذلك قال عليه
السلام: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب.
فصل:
ثم قال تعالى: وأمهات نسائكم، فأمهات النساء يحرمن بنفس العقد وإن لم يدخل
بالبنت على رأي أكثر الفقهاء وبه قال ابن عباس والحسن وعطاء، وقالوا: هي مبهمة
وخصوا التقييد بقوله: وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن، ووروا
عن علي ع وزيد بن ثابت: أنه يجوز العقد على الأم ما لم يدخل بالبنت ولم يجعلوا
222

قوله: من نسائكم اللاتي دخلتم بهن، راجعا إلى أمهات النساء، وقالوا: تقدير الكلام
حرمت عليكم نساؤكم مطلقا وحرمت عليكم ربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم
اللاتي دخلتم بهن، وقالوا: أم المرأة تحرم بالعقد مجردا والربيبة تحرم بشرط الدخول بالأم
وهذا هو الصحيح، وقال قوم: هي من صلبهما جميعا، فإن المرأة لا تحرم أمها ما لم يدخل بها
أيضا.
والصحيح أن الجملة المقيدة إذا عطفت على الجملة المطلقة لا يجب أن يسري ذلك
التقييد إلى الجملة الأولى أيضا ويتحقق هذا من النحو أيضا، فقال الزجاج: وهو قول
سيبويه، والمحققين أن الصحيح هو الأول وذلك أن الموصوفين وإن اتفقا في الإعراب
فإنهما إذا اختلف العامل فيهما لم يجز أن يوصفا بصفة جامعة، والمثال يجئ من بعد.
و " الربائب " جمع ربيبة وهي بنت الزوجة من غيره ويدخل فيه أولادها وإن نزلن
وسميت بذلك لتربيته إياها، ومعناها مربوبة، ويجوز أن تسمى ربيبة سواء تولى تربيتها
وكانت في حجره أو لم تكن لأنه إذا تزوج بأمها سمي هو ربيبها وهي ربيبته، والعرب تسمي
الفاعلين والمفعولين بما يقع بهم ويوقعونه، يقولون: هذا مقتول وهذا ذبيح وإن لم يقتل بعد ولم
يذبح إذا كان يراد قتله أو ذبحه، وكذلك يقولون: هذه أضحية لما أعد للتضحية، فمن قال
لا تحرم بنت الزوجة إلا إذا تربت في حجره فقد أخطأ على ما قلناه.
وقوله تعالى: من نسائكم اللاتي دخلتم بهن، قال المبرد: اللاتي دخلتم به، نعت للنساء
اللواتي من أمهات الربائب لا غير، قال: لإجماع الناس أن الربيبة تحل إذا لم يدخل بأمها
وأن من أجاز أن يكون قوله تعالى: من نسائكم اللاتي دخلتم بهن، هو لأمهات نسائكم
فيكون معناه أمهات نسائكم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فيخرج أن يكون اللاتي دخلتم
بهن لأمهات الربائب،
قال الزجاج: لأن الخبرين إذا اختلفا لم يكن نعتهما واحدا، لا يجيز النحويون: مررت
بنسائك وهربت من نساء زيد الظريفات، على أن تكون الظريفات نعتا لهؤلاء النساء، لأن
الأولى جر بالباء والثانية بالإضافة فكذلك النساء الأولى في الآية جر بإضافة الأمهات إليها
والثانية جر بمن، فلا يجوز أن يكون: اللاتي دخلتم بهن، صفة للنساء الأولى والثانية.
223

وقيل أيضا: لو جاز أن يكون: اللاتي دخلتم بهن، صفة للأولى والثانية لجاز أن يكون
قوله: إلا ما ملكت أيمانكم، استثناء من جميع المحرمات وفي إجماع الجميع على أنه استثناء
مما يليه وهو: المحصنات من النساء، دلالة على أن اللاتي دخلتم بهن، صفة للنساء اللاتي
تليها والدليل الأول أقوى. وقال من اعتبر الدخول بالنساء لتحريم أمهاتهن يحتاج أن يقدر
" أعني "، فيكون التقدير: وأمهات نسائكم أعني اللاتي دخلتم بهن وليس بنا إلى ذلك
حاجة.
والدخول المذكور في الآية قيل فيه قولان: أحدهما قال ابن عباس: هو الجماع واختاره
الطبري الثاني قال عطاء. هو الجماع وما يجري مجراه من المسيس وهو مذهبنا وله
تفصيل، فإن كان المسيس من شهوة فهو كالجماع فيكون محظورا، وإن كان من غير شهوة
فنكاح بنتها مكروه وفيه خلاف بين الفقهاء.
فصل:
ثم قال تعالى: وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم، يعني نساء البنين للصلب دخل
بهن البنون أو لم يدخلوا وزوجات أولاد الأولاد من البنين والبنات داخلون في ذلك، وإنما
قال: من أصلابكم، لئلا يظن أن امرأة من يبني به تحرم عليه، وقال عطاء: نزلت الآية حين
نكح النبي ع امرأة زيد بن حارثة، فقال المشركون في ذلك، فنزل: وحلائل
أبنائكم الذين من أصلابكم، وقال سبحانه: وما جعل أدعياءكم أبناءكم، وقال: ما كان
محمدا أبا أحد من رجالكم.
فأما حلائل الأبناء من الرضاع فمحرمات، لقوله ع: يحرم من الرضاع
ما يحرم من النسب، وإنما سميت المرأة حليلة لأمرين: لأنها تحل معه في الفراش ولأنه يحل له
وطؤها.
فصل:
ثم عطف عليه فقال تعالى: وأن تجمعوا بين الأختين، أي وحرم عليكم الجمع بينهما لأن أن
224

مع صلتها في حكم المصدر، وهذا يقتضي تحريم الجمع بينهما في عقد واحد وتحريم الجمع بينهما
في الوطء سيما بملك اليمين، فإذا وطئ إحديهما لم يحل له الأخرى حتى تخرج تلك من ملكه
وهو قول الحسن وأكثر المفسرين والفقهاء،
ومن أجاز الجمع بينهما في الوطء على ما ذهب إليه داود وقوم من أهل الظاهر فقد
أخطأ في الاختيار، وكذا في الربيبة وأم الزوجة لأن قوله: وأمهات نسائكم، يدخل فيه
المملوكة والمعقود عليها، وكذا قوله: من نسائكم اللاتي دخلتم بهن، يتناول الجميع وكذا
قوله: وأن تجمعوا بين الأختين، عام في الجميع على كل حال في العقد والوطء وإنما أخرجنا
جواز ملكها بدلالة الاجماع، ولا يعارض ذلك قوله تعالى: أو ما ملكت أيمانكم، لأن الغرض
بهذه الآية مدح من يحفظ فرجه إلا عن الزوج أو ما ملكت الأيمان، فأما كيفية ذلك فليس منه،
ويمكن الجمع بينهما بأن يقال: أو ما ملكت أيمانهم إلا على وجه الجمع بين الأم والبنت أو
الأختين.
وقوله تعالى: إلا ما قد سلف، استثناء منقطع لكن ما قد سلف لا يؤاخذكم الله به الآن
وقد دخلتم في الاسلام وتركتم ما فعلتم في الجاهلية، وليس المراد أن ما سلف حال النهي يجوز
استدامته بلا خلاف، وقيل: إن " إلا " بمعنى سوى وموضع " أن تجمعوا " رفع تقديره حرمت
عليكم الأشياء والجمع بين الأختين، فإنما يحرمان على وجه الجمع دون الانفراد سواء اجتمع
العقدان أو افترقا وكان ذلك لبني إسرائيل حلالا، فإن خلفت إحديهما الأخرى جاز، ويمكن
الاستدلال بهذه الآية على أنه لا يصح أن يملك واحدة من ذوات الأنساب المحرمات ومن
الرضاع أيضا لأن التحريم عام بقوله ع: حرم من الرضاع ما يحرم من النسب،
فهو دليل على أنه لا يصح ملكهن من جهة الرضاع وإن كان فيه خلاف.
وأما المرأة التي وطئها بلا تزويج ولا ملك فليس في الآية ما يدل على ينه يحرم وطء أمها
وبنتها لأن قوله تعالى: وأمهات نسائكم: وقوله: من نسائكم اللاتي دخلتم بهن، يتضمن
إضافة الملك أما بالعقد أو بملك اليمين فلا يدخل فيه من وطء من لا يملك وطأها، غير أن قوما
من أصحابنا ألحقوا ذلك بالموطوءة بالعقد والملك بالسنة والأخبار المروية في ذلك وفيه
خلاف بين الفقهاء، ثم قال: إن الله كان غفورا رحيما، أخبر سبحانه أنه كان غفورا حيث لم
225

يؤاخذهم بما فعلوه من نكاح المحرمات وإنما عفا لهم عما سلف.
فصل:
ثم قال تعالى: والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم، قيل في
معناه ثلاثة أقوال:
أحدها وهو الأقوى: أن المراد به ذوات الأزواج إلا ما ملكت أيمانكم ممن كان لها زوج
لأن بيعها طلاقها، قال ابن عباس: طلاق الأمة ست: سبيها وبيعها وعتقها وهبتها و ميراثها
وطلاق زوجها.
الثاني: أن المحصنات العفائف إلا ما ملكت أيمانكم بالنكاح أو اليمين، ملك
استمتاع بالمهر أو ملك استخدام بثمن الأمة وأصل الإحصان المنع.
والإحصان على أربعة أقسام: أحدها بالزوجية كقوله: و المحصنات من النساء،
الثاني بالإسلام كقوله: فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على
المحصنات من العذاب، الثالث بالعقد كقوله: والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا
بأربعة شهداء، الرابع يكون بالجزية كقوله: و المحصنات من الذين أوتوا الكتاب من
قبلكم.
قال البلخي: والآية دالة على أن نكاح المشركين ليس بزنى، لأن قوله تعالى:
والمحصنات من النساء، إذا كان المراد به ذوات الأزواج من أهل الحرب بدلالة قوله: إلا
ما ملكت أيمانكم، بسبي فلا خلاف أنه لا يجوز وطء المسبية بعد استبرائها بحيضة.
وقوله: كتاب الله عليكم، نصب على المصدر من غير فعله وفيه معناه كأنه قال حرم
الله ذلك كتابا من الله أو كتب كتابا، وعن الزجاج أنه نصب على جهة الأمر ويكون
" عليكم " مفسرا والمعنى ألزموا كتاب الله، وعلى الإغراء والعامل محذوف لأن عليكم لا يعمل
فيما قبله.
226

وقد صح عن ابن عباس أنه قال: حرم الله من النساء سبعا بالنسب وسبعا بالسبب
وتلا الآية، ثم قال: والسابعة من محرمات السبب قوله: ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم، وهي
امرأة الأب سواء دخل بها أو لم يدخل، وتدخل في ذلك زوجات الأجداد وإن علوا من
الطرفين.
باب مقدار ما يحرم من الرضاع وأحكامه ما وراء ذوات المحارم القرابية:
أما الرضاع فإن الله سمى بقوله تعالى: وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم، أمهات للحرمة،
ولا يحرم عندنا الرضاع إلا ما نبت اللحم وشد العظم، وإنما يعتبر أقل ذلك بخمس عشرة
رضعة متوالية لا يفصل بينهن برضاع امرأة أخرى، أو برضاع يوم وليلة لا يفصل بينهما
برضاع امرأة أخرى، وفي أصحابنا من روى تحريم ذلك بعشر رضعات وذلك محمول على
شدة الكراهة في ذلك.
ومتى دخل من الرضاع رضاع امرأة أخرى بطل حكم ما تقدم، وحرم الشافعي
بخمس رضعات ولم يعتبر التوالي، وإنما اختار خمس الرضعات لما روت عائشة أن عشر
رضعات كانت محرمة فنسخن بخمس، وهذا يدل على ما نذهب إليه من خمس عشرة
رضعة، لأن النسخ كما توهم الشافعي أنه بالنقصان فإنه يكون بالزيادة، وإنما ذهبنا إلى
الزيادة للتفصيل الوارد عن الصادق ع وحرم أبو حنيفة بقليله وكثيره وفي
أصحابنا من ذهب إليه والمراد به الكراهية.
واللبن عندنا للفحل لأنه بفعله ثار ونزل، ومعناه إذا أرضعت امرأة بلبن فحل لها
صبيانا كثيرين من أمهات شتى فإنهم جميعهم يصيرون أولاد الفحل ويحرمون على جميع
أولاده الذين ينتسبون إليه ولادة ورضاعا ويحرمون على أولاد المرضعة الذين ولدتهم، فأما
من أرضعته بلبن غير هذا الفحل فإنهم لا يحرمون عليهم.
ثم اعلم أن كل أنثى انتسبت إليها باللبن فهي أمك: لقوله تعالى: وأمهاتكم اللاتي
أرضعنكم، فالتي أرضعتك أو أرضعت امرأة أرضعتك أو رجلا أرضعت بلبانه من زوجته أو أم
ولده كلها على ما ذكرناه فهي أمك من الرضاعة، وكذا كل امرأة ولدت امرأة أرضعتك
227

أو ولدت رجلا أرضعك بلبنه فهي أمك من الرضاعة.
فصل:
وقوله تعالى: وأخواتكم من الرضاعة، يعني بنات المرضعة وهن ثلاث: الصغيرة
الأجنبية التي أرضعتها أمك بلبان أبيك سواء أرضعتها معك أو مع ولد قبلك أو بعدك، والثانية
أختك لأمك دون أبيك وهي التي أرضعتها أمك بلبان رجل غير أبيك، والثالثة أختك لأبيك
دون أمك وهي التي أرضعتها زوجة أبيك بلبن أبيك. وأم
الرضاعة وأخت الرضاعة لولا الرضاعة لم تحرما فالرضاعة سبب تحريمهما.
وكل من تحرم بالنسب من اللاتي مضى ذكرهن تحرم أمثالهن بالرضاع، لقول النبي
ص: إن الله حرم من الرضاعة ما حرم من النسب، فثبت بهذا الخبر أن
السبع المحرمات بالنسب على التفصيل الذي ذكره الله محرمات بالرضاع.
والكلام في الرضاع في ثلاثة فصول:
أحدها: مدة الرضاع وقد اختلف فيها، فقال أكثر أهل العلم: لا يحرم إلا ما كان في
مدة الحولين، فأما ما كان بعده فلا يحرم بحال وهو مذهبنا وبه قال الشافعي ومحمد
وأبو يوسف.
وثانيها: قدر الرضاع الذي يحرم وقد ذكرناه آن.
وثالثها: كيفية الرضاع فعند أصحابنا لا يحرم إلا ما وصل إلى الجوف من الثدي في
المجرى المعتاد الذي هو الفم، وأما ما يوجر أو يسعط أو يحقن به فلا يحرم بحال.
فصل:
ثم اعلم أن هذه الجملة على ضربين: تحريم أعيان وتحريم جمع، فأما تحريم الأعيان
فنسب وسبب فالنسب قد مضى ذكره والسبب على ضربين: رضاع ومصاهرة، فالرضاع
بيناه أيضا. وتحريم المصاهرة وإن قدمنا الكلام عليه فنذكرها هنا أيضا مجموعا مفصلا،
فاعلم أنهن أربع: أمهات الزوجات وكل من يقع عليها اسم " أم " حقيقة أو مجازا
228

وإن علون، فالكل يحرمن لقوله تعالى: أمهات نسائكم.
والثانية: الربيبة وهي وكل ما كان نسلها وكذا ولد الربيب ونسله، فإنه يحرم بالعقد
تحريم جمع، فإن دخل بها حرمن عليه كلهن تحريم تأبيد لقوله: وربائبكم اللاتي في حجوركم،
إلى قوله: فلا جناح عليكم.
والثالثة: حلائل الأبناء، فإذا تزوج امرأة حرمت على والده بنفس العقد وحدها دون
أمهاتها وبناتها لقوله: وحلائل أبنائكم، وأمهاتها وأولادها ليس حلائله.
والرابعة: زوجات الآباء يحرمن دون أمهاتهن ودون نسلهن من غيره، ولقوله تعالى:
ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم.
فصل:
ثم قال سبحانه: كتاب الله عليكم، يعني كتب الله تحريم ما حرم وتحليل ما حلل
عليكم كتابا فلا تخالفوه وتمسكوا به، فإذا ثبت من الكتاب على سبيل التفصيل تحريم
اللواتي ذكرناهن، فاعلم أن ست عشرة امرأة أخرى يعلم تحريمهن من القرآن جملة ومن
السنة تفصيلا، بين رسول الله ص ذلك بقوله تعالى: وأنزلنا إليك الذكر
لتبين للناس ما نزل إليهم، كما علمه الله تعالى.
وهن: الملاعنة والمطلقة تسع تطليقات للعدة والمعقود عليها في العدة مع العلم بذلك،
والمدخول بها في العدة على كل حال والمنكوحة في الإحرام والمفجور بابنها والمفجور بأبيها
والمفجور بأخيها والمفجور بها وهي ذات بعل، والمفضاة بالدخول بها قبل بلوغها تسع سنين
والتي يقذفها زوجها وهي صماء والتي يقذفها زوجها وهي خرساء، وبنت العمة على ابن
الخال إذا كان فجر بأمها وبنت الخالة أيضا إذا فجر بأمها والمفجور بأمها على الفاجر، وكذا
المفجور بابنتها.
وقد خالفنا فقهاء العامة في قولنا: إن من زنى بامرأة ولها بعل حرم عليه نكاحها أبدا
وإن فارقها زوجها، والدليل على صحته وصحة مجموع ما ذكرناه من أخوات هذه المسألة
إجماع الطائفة فإنه مفض إلى العلم، وإنما قلنا: إن إجماعهم حجة لأن في إجماع الإمامية قول
229

الإمام الذي دلت العقول على أن كل زمان لا يخلو من رئيس معصوم لا يجوز عليه الخطأ في
قول ولا فعل، فمن هذا الوجه كان إجماعهم حجة ودلالة قاطعة وهذه الطريقة واضحة
مشروحة في غير موضع من كتبنا.
فإن استدل المخالف بظواهر آيات القرآن مثل قوله تعالى: فانكحوا ما طاب لكم من
النساء، وقوله تعالى: وأحل لكم ما وراء ذلكم، بعد ذكر المحرمات؟ قلنا: هذه الظواهر
يجوز أن يرجع عنها بالأدلة كما رجعتم أنتم عنها في تحريم نكاح المرأة على عمتها وخالتها مع
جواز ذلك عندنا على بعض الوجوه على ما نذكره، على أن النساء اللاتي يعلم تحريمهن
بالسنة إنما حرمت كل واحدة منهن على رجل بعينه بسبب من قبله وأمر من أموره
وإلا كانت هي قبل ذلك على أصل الإباحة، ولولا حصول ما حصل لما حرمت البتة فسقط
سؤالهم.
فأما إذا زنى رجل بامرأة حرمت على ابنه والدليل عليه قوله تعالى: ولا تنكحوا ما نكح
آباؤكم، ولفظ النكاح يقع على الوطء والعقد معا على ما ذكرناه فكأنه قال لا تعقدوا على من
عقد عليه آباؤكم ولا تطأوا من وطأهن.
والدليل على جواز نكاح العمة والخالة وعنده بنت الأخ وبنت الأخت إجماع الطائفة،
وكذا نكاح المرأة وعنده عمتها وخالتها إذا رضيتا فإنه يدل عليه عموم قوله تعالى: وأحل
لكم ما وراء ذلكم، لأنه عام في جميعهن، ومن ادعى نسخه فعليه الدلالة وخبر الواحد
لا ينسخ به القرآن.
باب ضروب النكاح
قال الله تعالى: وأحل لكم ما وراء ذلكم، وقال تعالى: فانكحوا ما طاب لكم من النساء
مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم،
أما الآية الأولى فقد قيل في معناه أربعة أقوال: أحدها: أحل لكم ما دون الخمس أن
تبتغوا بأموالكم على وجه النكاح، الثاني: أحل لكم ما وراء ذوات المحارم من أقاربكم
230

ونحوها من المحرمات بالسبب، الثالث: ما وراء ذلكم مما ملكت أيمانكم، الرابع: ما وراء
ذوات المحارم إلى الأربع أن تبتغوا بأموالكم نكاحا أو ملك يمين، وهذا الوجه أولى لأنه حمل
الآية على عمومها في جميع ما ذكره الله في كتابه أو على لسان نبيه.
ثم اعلم أن أحكام النكاح تشتمل على ذكر أقسامه وشروطه وما يلزم بالعقد وما يلزم
بالفرقة.
فأقسامه على ثلاثة أقسام: نكاح دوام وهو غير مؤجل ونكاح متعة وهو مؤجل ونكاح
بملك اليمين.
وأما شرائط الأنكحة الواجبة: فالإيجاب والقبول والمهر أو الأجر أو الثمن أو ما يقوم
مقامها، وكون المتعاقدين متكافئين في الدين في نكاح الدوام، وأن تكون الزوجة والأمة من
غير ذوات المحارم ونحو ذلك مما لا يصح العقد مع عدمه من الشروط.
وما يلزم بالعقد فهي: المهر والقسمة والنفقات ولحوق الأولاد، وما يلزم بالفرقة نذكره،
وما روي: من تحليل الرجل جاريته لمؤمن لا يخرج عن تلك الأقسام الثلاثة التي هي
من ضروب النكاح، وجارية الغير إذا تزوجت بإذن سيدها فنكاحها صحيح، قال الله
تعالى: والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم، فمدح من
حفظ فرجه إلا عن زوجته أو ملك اليمين، والنكاح يستحب لقوله تعالى: فانكحوا ما طاب
لكم، فعلق النكاح باستطابتها وما هذه صورته فهو غير واجب خلافا لداود.
والناس ضربان: ضرب مشته للجماع وقادر على النكاح وضرب لا يشتهيه، فالمشتهي
يستحب له أن يتزوج والذي لا يشتهي فالمستحب أن لا يتزوج لقوله تعالى: وسيدا
وحصورا، فمدحه على كونه حصورا، وهو الذي لا يشتهي النساء لأنه لا يجعل سبب
ذلك ولا يجئ شهوته بل يميتها بكثرة الصوم، وقال قوم هو الذي يمكنه أن يأتي النساء
ولكن لا يفعل.
باب ذكر النكاح الدائم:
قال الله تعالى: فانكحوا ما طاب لكم من النساء، فندب تعالى عباده إلى التزويج
231

وأجمع المسلمون على أن التزويج مندوب إليه لجميع الأمة وإن اختلفوا في وجوبه لمحمد
ص، وأما قوله: وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء
مثنى وثلاث ورباع، فاختلف المفسرون في سبب نزوله على ستة أقوال:
أحدها ما روي عن عائشة: أنها نزلت في حق اليتيمة التي تكون في حجر وليها
فيرغب في مالها وجمالها ويريد أن ينكحها بدون صداق مثلها، فنهوا أن ينكحوهن إلا أن
يقسطوا لها صداق مهر مثلها، وأمروا أن ينكحوا ما طاب مما سواهن من النساء إلى أربع
" فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة " من سواهن " أو ما ملكت أيمانكم "، ومثل هذا ذكر في تفسير
أصحابنا وقالوا: إنها متصلة بقوله: ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى
عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن،
فإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء، الآية، وبه قال الحسن
والمبرد.
الثاني: قال ابن عباس: إن الرجل منهم كان يتزوج الأربع والخمس والست والعشر
ويقول: ما يمنعني أن أتزوج كما تزوج فلان؟ فإذا فنى ماله مال على مال اليتيمة فأنفقه،
فنهاهم الله تعالى أن يتجاوزا الأربع لئلا يحتاجوا إلى أخذ مال اليتيمة، وإن خافوا ذلك مع
الأربع أيضا أن يقتصروا على واحدة.
الثالث قال جماعة: كانوا يشددون في أموال اليتامى ولا يشددون في أموال لنساء ينكح
أحدهم النسوة ولا يعدل بينهن، فقال تعالى: كما تخافون أن لا تعدلوا في اليتامى فخافوا في
النساء فانكحوا واحدة إلى الأربع، فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة.
الرابع قال مجاهد: إن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى " معناه إن تحرجتم من ولاية
اليتامى وأكل أموالهم إيمانا وتصديقا فكذلك تحرجوا من الزنى وأنكحوا النكاح
المباح من واحدة إلى أربع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة.
الخامس قال الحسن: إن خفتم ألا تقسطوا في اليتيمة المرباة في حجركم فانكحوا
ما طاب لكم من النساء مما أحل لكم من يتامى قراباتكم مثنى وثلاث الآية، وبه قال
الجبائي، وقال الخطاب متوجه إلى ولي اليتيمة: إذا أراد أن يتزوجها فإنه إذا كان هو وليها
كان له أن يزوجها قبل البلوغ وله أن يتزوجها.
232

السادس قال الفراء: المعنى إن كنتم تتحرجون من مؤاكلة اليتامى فتحرجوا من
جمعكم بين اليتائم ثم لا تعدلون بينهن.
فصل:
أما قوله تعالى: فانكحوا ما طاب لكم، فهو جواب لقوله: وإن خفتم ألا تقسطوا، على
ما روي عن عائشة وأبي جعفر ع، ومن قال: إن تقديره إن خفتم ألا تقسطوا في
اليتامى فكذلك تخافوا في النساء؟ الجواب قوله " فانكحوا "، والتقدير فإن خفتم
ألا تقسطوا في أموال اليتامى فتعدلوا فيها فكذلك فخافوا ألا تقسطوا في حقوق النساء،
فلا تتزوجوا منهن إلا من تأمنون معه الجور مثنى وثلاث ورباع، فإن خفتم أيضا من ذلك
فواحدة فإن خفتم من الواحدة فمما ملكت أيمانكم، فترك ذكر فلذلك فخافوا
ألا تقسطوا في حقوق النساء لدلالة الكلام عليه وهو قوله: فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة.
ومعنى " ألا تقسطوا " أي ألا تعدلوا ولا تنصفوا والإقساط العدل، واليتامى جمع
لذكران الأيتام وإناثهم في هذا المعنى.
وقال الحسين بن علي المغربي: معنى " ما طاب " أي ما بلغ من النساء كما يقال: طابت
الثمرة، أي بلغت والمراد المنع من تزويج اليتيمة قبل البلوغ لئلا يجري عليها الظلم فإن
البالغة تختار لنفسها، وقيل معنى " ما طاب لكم ": ما حل لكم من النساء ومن أحل لكم
منهن دون من حرم عليكم، وإنما قال: " ما طاب " لأن ما مصدرية، وقيل: إن ما هاهنا للجنس
كقولك: ما عندك؟ فالجواب رجل وامرأة، وقيل: لما كان المكان مكان إبهام جاءت ما لما
فيها من الإبهام ولم يقل من طاب وإن كان من للعقلاء ونحوهم من العلماء وما لغير العقلاء،
لأن المعنى أنكحوا الطيب أي الحلال، لأنه ليس كل النساء حلالا لأن الله حرم كثيرا منهن
بقوله: حرمت عليكم أمهاتكم، الآية، هذا قول الفراء، وقال مجاهد: فانكحوا النساء نكاحا
طيبا، وقال المبرد: ما هاهنا للجنس وكذا قوله: أو ما ملكت أيمانكم، معناه أو ملك أيمانكم.
ومعنى " فانكحوا ما طاب لكم " أي فلينكح كل واحد منكم مثنى وثلاث ورباع، لما
قال: والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة، معناه
233

فاجلدوا كل واحد منهم ثمانين جلدة.
وقوله تعالى: مثنى وثلاث ورباع، بدل من " ما طاب " وموضعه النصب وتقديره اثنتين
اثنتين وثلاثا ثلاثا وأربعا أربعا والواو على هذا بمعنى أو، وقد تقع هذه الألفاظ على الذكر
والأنثى، فوقوعها على الأنثى مثل الآية التي نحن في تفسيرها ووقوعها على الذكر قوله:
أولى أجنحة مثنى وثلاث ورباع، لأن المراد به الجناح وهو مذكر، وقوله: مثنى وثلاث ورباع،
معناه اثنتين اثنتين وثلاثا ثلاثا وأربعا أربعا، فلا يقال: إن هذا يؤدى إلى جواز نكاح تسع كما
توهمه بعض الزيدية، فإن اثنين وثلاثا وأربعا تسع لما ذكرناه، فإن من قال: دخل القوم البلد
مثنى وثلاث ورباع، لا يقتضي الأعداد في الدخول ولأن لهذا العدد لفظا موضوعا وهو تسع
فالعدول عنه إلى مثنى وثلاث ورباع نوع من العي، جل كلامه تعالى عن ذلك.
وقال الصادق ع: لا يحل لماء الرجل أن يجري في أكثر من أربعة أرحام من
الحرائر، ولعمومه بقوله: إن الاقتصار في نكاح المتعة على أربعة أولى وإن ورد أنهن بمنزلة
الإماء، وفي الإماء يجوز الجمع بين أكثر من أربع في ملك اليمين.
فصل:
وقوله: فواحدة أو ما ملكت أيمانكم، أي فإن خفتم ألا تعدلوا في ما زاد على الواحدة
فانكحوا واحدة، وقرأ أبو جعفر المدني بالرفع وتقديره فواحدة كافية كما قال تعالى: فإن لم
يكونا رجلين فرجل وامرأتان.
ومن استدل من الزيدية بهذه الآية على أن نكاح التسع جائز فقد أخطأ لأن المعنى
فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى إن أمنتم الجور، وأما ثلاث إن لم تخافوا ذلك وأما رباع
إن أمنتم ذلك فيهن بدلالة قوله تعالى: فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة، لأن معناه فإن خفتم في
الثنتين فانكحوا واحدة ثم قال: فإن خفتم في الواحدة أيضا فما ملكت أيمانكم، على أن
مثنى لا تصلح إلا لاثنين اثنين على التفريق في قول الزجاج، فتقدير الآية فانكحوا ما طاب
لكم من النساء مثنى وثلاث بدلا من مثنى ورباع من ثلاث فلا حاجة إلى أن يقال: الواو
بمعنى أو ولو قال أو لظن أنه ليس لصاحب مثنى ثلاث ولا لصاحب الثلاث رباع.
234

وقال الفارسي: إن مثنى وثلاث ورباع حال من قوله: ما طاب لكم من النساء، فهو
كقولك: جئتك راكبا وماشيا وراكبا ومنحدرا، تريد أنك جئته في كل حال من هذه الأحوال.
ولست تريد أنك جئته وهذه الأحوال لك في وقت واحد.
ومن استدل بقوله تعالى: فانكحوا، على وجوب التزويج من حيث أن الأمر شرعا
يقتضي الوجوب فقد أخطأ، لأن ظاهر الأمر وإن اقتضى الإيجاب في الشرع فقد ينصرف عنه
بدليل، وقد قام الدليل على أن التزويج ليس بواجب على أن الغرض بهذه الآية النهي عن
العقد على من يخاف أن لا يعدل بينهن.
فصل:
ثم قال تعالى: ذلك أدنى ألا تعولوا، فأشار بهذا إلى العقد على الواحدة مع الخوف من
الجور فيما زاد عليها، والاقتصار على ما ملكت أيمانكم أي هو أقرب إلى أن لا تجوروا
ولا تميلوا، يقال: عال يعول إذا مال وجار، وما قاله قوم من أن معناه أن لا يفترقوا فهو خطأ
وكذا قول من زعم أن معناه أن لا يكثر عيالكم، لأنه يقال: عال يعيل إذا احتاج وأعال يعيل
إذا كثر عياله، على أنه لو كان المراد القول الثالث لما أباح الواحدة وما شاء من ملك اليمين
لأنه أزيد في العيال من أربع حرائر، والصحيح أن عال الرجل عياله يعولهم أي مانهم
ومنه قوله ع: ابدأ بمن تعول.
باب الصداق وأحكامه:
قال الله تعالى: وآتوا النساء صدقاتهن نحلة، أي أعطوهن مهورهن ديانة وهبة من
الله لهن، ونحلة نصب على المصدر، عن ابن عباس: المخاطب به الأزواج أمرهم بإعطاء
المهر كملا إذا دخل لها لمن سمى لها، فأما غير الدخول بها فإنها إذا طلقت فإن لها نصف
المسمى إذا طلقها وإن لم يكن سمى لها المهر فلها المتعة، فإن لم يطلقها ولم يسم لها مهرا فلها
مهر المثل ما لم يتجاوز خمسمائة درهم، وقال أبو صالح: هذا خطاب للأولياء لأن الرجل منهم
كان إذا زوج ابنته أخذ صداقها دونها فنهاهم الله عن ذلك وأنزل هذه الآية، وذكر المعتمر
235

بن سليمان أن أناسا كان أحدهم يعطي هذا الرجل منهم أخته ويأخذ أخت الرجل
ولا يكون بينهما المهر فيشير بهذا إلى نكاح الشغار فنهى الله عن ذلك، والظاهر يدل على
الأول. ثم خاطب الله الأزواج بقوله تعالى: فإن طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا
مريئا، لأن أناسا كانوا يتأثمون أن يرجع أحدهم في شئ مما ساق إلى امرأته فأنزل الله هذه
الآية، عن ابن عباس، وقال أبو صالح: المعنى به الأولياء والمعنى إن طابت لكم أنفسهن
بشئ من المهر، ومن لتبيين الجنس، فلو وهبت له المهر نحلة لجاز وكان حلالا بلا خلاف.
فصل:
والأصل في الصداق كتاب الله وسنة رسوله ص، فالكتاب قوله تعالى:
وآتوا النساء صدقاتهن نحلة، وقوله: فما استمتعتم به منهن فأتوهن أجورهن فريضة،
وقال: وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم، وقال
النبي ص: أدوا العلائق، قيل: يا رسول الله ما العلائق؟ قال: ما تراضى به
الأهلون، وعليه الاجماع.
ويسمى المهر صداقا وأجرة وفريضة، فإن قيل: كيف سماه الله نحلة وهو عوض عن
النكاح؟ فالجواب: أنه مشتق من الانتحال الذي هو التدين، يقال: فلان ينتحل مذهب
كذا، فكان قوله تعالى: نحلة، معناه تدينا، وقيل: إنه في الحقيقة نحلة من الله لها لأن حظ
الاستمتاع لكل واحد منهما بصاحبه كحظ الآخر، وقيل وجه ثالث، وهو أن الصداق كان
للأولياء في شرع من قبلنا بدلالة قول شعيب حين زوج موسى ابنته: على أن تأجرني ثماني
حجج فإن أتمت عشرا فمن عندك، فكان معنى قوله تعالى: نحلة، أي أن الله أعطاهن هذا
في شريعة محمد ع.
فإذا ثبت هذا فالمستحب أن لا يعرى نكاح عن ذكر مهر، لأنه إذا عقد مطلقا ضارع
الموهوبة وذلك يختص بالنبي ص فلذلك يستحب ذكره، ولئلا يرى الجاهل
فيظن أنه يعرى عن المهر ولأن فيه قطعا لمواد الخصومة، ومتى ترك ذكر المهر وعقد النكاح
بغير ذلك فالنكاح صحيح إجماعا لقوله تعالى: لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم
236

تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة، تقديره ولم تفرضوا لهن فريضة لأنه معطوف على قوله: ما لم
تمسوهن بدلالة قوله تعالى: ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره.
وهذه المتعة واجبة للمرأة طلقها قبل الدخول ولم يسم لها مهرا، ثم قال: متاع بالمعروف
حقا على المحسنين، فإن كان المهر مسمى وأعطاها المهر ثم طلقها فالمتعة مستحبة، قال
الله تعالى: وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين.
فصل:
والصداق عندنا غير مقدر فكل ما يصح أن يكون ثمنا لمبيع أو أجرة لمكتري صح أن
يكون صداقا قليلا كان أو كثيرا وفيه خلاف، والكثير أيضا لا حد له عندنا لقوله تعالى:
وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا، والقنطار مل ء مسك ثور ذهبا أو سبعون ألفا
وهو إجماع لقصة عمر مع المرأة التي حجته، فقال: كل أحد أفقه من عمر حتى النساء أفقه
من عمر، وكل ماله قيمة في الاسلام وتراضى عليه الزوجان ينعقد به النكاح ويصير به مهرا
إلا أن المحمدية خمسمائة درهم قيمتها خمسون دينارا، وروى أصحابنا: أن الإجارة مدة
لا يجوز أن يكون صداقا لأنه كان يختص بموسى ع، ويجوز أن يكون المهر تعليم شئ
من القرآن.
باب المتعة وأحكامها:
قال الله تعالى: فما استمتعتم به منهن فأتوهن أجورهن فريضة، قال الحسن: هو
النكاح، وقال ابن عباس والسدي: هو المتعة إلى أجل مسمى، وهو مذهبنا، لأن لفظ
" الاستمتاع " إذا أطلق لا يستفاد به في الشرع إلا العقد المؤجل وإن كان في أصل الوضع
معناه الانتفاع، ولا خلاف أن الشئ إذا كان له وضع وعرف شرعي يجب حمله على العرف
دون الوضع، لأنه صار حقيقة والوضع مجازا والحكم للطارئ، أ لا ترى أنهم يقولون: فلان
يقول بالمتعة وفلان لا يقول بالمتعة؟ ولا يريدون إلا العقد المخصوص.
ولا ينافي ذلك قوله تعالى: والذين لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت
237

أيمانهم، لأنا نقول: إن هذه زوجة، ولا يلزم أن يلحقها جميع أحكام الزوجات من الميراث
والطلاق والإيلاء والظهار واللعان، لأن أحكام الزوجات تختلف. أ لا ترى أن المرتدة تبين
بغير طلاق وكذا المرتد عندنا، والكتابية لا ترث؟ وأما العدة فإنها يلحقها عندنا ويلحق
به الولد أيضا في هذا النكاح فلا شنعة بذلك، ولو لم تكن زوجة لما جاز أن يضم ما ذكر في هذه
السورة إلى ما في تلك الآية، وأن ذلك جائز لأنه لا تنافي بينهما فيكون التقدير: إلا على أزواجهم
أو ما ملكت أيمانهم أو ما استمتعتم به منهن، وقد استقام الكلام.
فصل:
وقد روي عن ابن مسعود وابن عباس وأبي بن كعب وسعيد بن جبير أنهم قرأوا: فما
استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى، وذلك صريح بما قلناه على أنه لو كان المراد به عقد
النكاح الدائم لوجب لها جميع المهر بنفس العقد، لأنه قال تعالى: فأتوهن أجورهن، يعني
مهورهن عند أكثر المفسرين وذلك غير واجب بلا خلاف وإنما يجب الأجر بكماله في عقد
المتعة بنفس العقد، ولا يعترض هذا بقوله تعالى: وآتوا النساء صدقاتهن نحلة، لأن آية
الصدقة مطلقة وهذه مقيدة بما قبلها مع أنه فصل سبحانه فقال: وإن طلقتموهن من قبل
أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم،
وفي أصحابنا من قال: قوله: أجورهن، يدل على أنه تعالى أراد المتعة لأن المهر لا يسمى
أجرا بل سماه الله تعالى صدقة ونحلة، وهذا ضعيف لأن الله سمى المهر أجرا في قوله:
فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن، وفي قوله: والمحصنات من الذين أوتوا
الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن، ومن حمل ذلك كله على المتعة كان مرتكبا لما
يعلم خلافه، ومن حمل لفظ " الاستمتاع " على الانتفاع فقد أبعد لأنه لو كان كذلك لوجب
أن يلزم من لا ينتفع بها شئ من المهر، فقد علمنا أنه لو طلقها قبل الدخول للزمه نصف
المهر، فإن خلا بها خلوة تامة لزمه جميع المهر عند كثير من الفقهاء وإن لم يلتذ ولم ينتفع.
238

فصل:
وأما الخبر الذي يروونه أن النبي ع نهى عن المتعة، فهو خبر واحد لا يترك
له ظاهر القرآن ومع ذلك يختلف لفظه وروايته، فتارة يروون أنه نهى عنها في عام خيبر
وتارة يروون أنه نهى عنها في عام الفتح، وقد طعن أيضا في طريقه بما هو معروف، وأدل
دليل على ضعفه قول عمر: متعتان كانتا على عهد رسول الله أنا أنهي عنهما ومعاقب
عليهما، فأخبر أن هذه المتعة كانت على عهد رسول الله ص وأنه هو الذي
نهى عنها لضرب من الرأي.
فإن قالوا: إنما نهي لأن النبي ع كان نهى عنها، قلنا: لو كان كذلك لكان
يقول: متعتان كانتا على عهد رسول الله نهى عنهما وأنا أنهي عنهما أيضا، فكان يكون آكد
في باب المنع، فلما لم يقل ذلك دل على أن التحريم لم يكن صدر عن النبي
ص وصح ما قلناه.
وقال الحكم بن عيينة: قال على ع: لولا أن عمر نهى عن المتعة ما زنى إلا
شقي، وذكر البلخي عن وكيع عن إسماعيل بن خالد عن قيس بن أبي حازم عن ابن
مسعود قال: كنا مع النبي ع ونحن شباب فقلنا: يا رسول الله أ لا نستخصي؟
قال: لا، ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل.
وقوله تعالى: ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة، قال السدي وقوم
من أصحابنا: معناه لا جناح عليكم فيما تراضيتم به من استيناف عقد آخر بعد انقضاء
المدة التي تراضيتم عليها، فتزيدها في الأجر وتزيدك في المدة.
فصل:
فإذا ثبت أن النكاح المتعة جائز وهو النكاح المؤجل وقد سبق إلى القول بإباحة ذلك
جماعة معروفة الأحوال عند المخالفين، وقد أثبتوا في كتبهم منهم أمير المؤمنين ع
وابن مسعود ومجاهد وعطاء، وقد رووا عن جابر وسلمة ابن الأكوع وأبي سعيد الخدري
والمغيرة بن شعبة وابن جبير وابن جريح أنهم كانوا يفتون بها، فادعاؤهم الاتفاق على
239

حظر المتعة باطل.
وقد ذكرنا أن الحجة لنا بعد الاجماع من القرآن قوله تعالى: فما استمتعتم به منهن
فأتوهن أجورهن فريضة، ولفظ الاستمتاع والتمتع وإن كان واقعا على الالتذاذ والانتفاع
في أصل اللغة فقد صار بعرف الشرع مخصوصا بهذا العقد المعين، لا سيما إذا أضيف إلى
النساء، ولا يفهم من قول القائل متعة النساء، إلا هذا العقد المخصوص، كما أن لفظ
الظهار اختص في عرف الشرع بهذا الحكم المخصوص وإن كانت في اللغة مشتركة
فكأنه قال: إذا عقدتم عليهن هذا العقد المخصوص فأتوهن أجورهن.
ولفظة " استمتعتم " لا تعدو وجهين: إما أن يراد بها الانتفاع والالتذاذ الذي هو أصل
موضوع اللغة أو العقد المؤجل المخصوص الذي اقتضاه عرف الشرع، فلا يجوز أن
يكون هو الوجه الأول لأمرين.
أحدهما: أنه لا خلاف بين محصلي من تكلم في أصول الفقه في أن لفظ القرآن إذا ورد
وهو محتمل لأمرين: أحدهما أصل اللغة والآخر عرف الشرع، أنه يجب حمله على عرف
الشرع، ولهذا حملوا كلهم لفظ صلاة وزكاة وصيام وحج على العرف الشرعي دون
اللغوي.
والأمر الآخر: أنه لا خلاف في أن المهر لا يجب بالالتذاذ لأن رجلا لو وطئ امرأته ولم
يلتذ لوطئها لأن نفسه عافتها وكرهتها أو لغير ذلك من الأسباب لكان دفع جميع المهر واجبا
وإن كان الالتذاذ مرتفعا، فعلمنا أن الاستمتاع في الآية إنما أريد به العقد المخصوص دون
غيره.
فصل:
ومما يبين ذلك ويقويه قوله تعالى: ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة،
ومعناه على ما روي عن آل محمد ع أن تزيدها أنت في الأجر وتزيدك هي
في الأجل، وما يقوله مخالفونا من أن المراد به رفع الجناح في الإبراء والنقصان أو الزيادة في
المهر أو ما يستقر بتراضيهما من النفقة ليس بصحيح، لأنا نعلم أن العفو والإبراء مسقط
240

للحقوق بالعقول ومن الشرع ضرورة لا بهذه الآية والزيادة في المهر كالهبة، و الهبة أيضا
معلومة لا من هذه الآية، وأن التراضي مؤثر في النفقات وما أشبهها، فحمل الآية
والاستفادة بها ما ليس بمستفاد قبلها ولا معلوم هو الأولى، فالحكم الذي ذكرناه مستفاد
بالآية غير معلوم قبلها فيجب أن يكون أولى.
فصل:
فإن قيل: كيف يصح حمل لفظة " استمتعتم " على النكاح المخصوص وقد أباح الله
بقوله: وأحل لكم ما وراء ذلكم، النكاح المؤبد بلا خلاف فمن خصص ذلك بعقد المتعة
فهو خارج عن الاجماع؟، قلنا: قوله تعالى بعد ذكر المحرمات من النساء: وأحل لكم
ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين، يبيح العقد على النساء
والتوصل بالمال إلى استباحتهن ويعم ذلك العقد المؤبد والمؤجل، ثم خص المؤجل بالذكر
فقال: فما استمتعتم به منهن، فالمعنى فمن نكحتموها منهن نكاح المتعة فأتوهن أجورهن
فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة، لأن الزيادة في الأجر والأجل
لا يليق إلا بالعقد المؤجل.
فإن قيل: الآية مجملة لقوله تعالى: محصنين غير مسافحين، ولفظة الإحصان تقع على
أشياء مختلفة من العقد والتزويج وغير ذلك، قلنا: الأولى أن تكون لفظة " محصنين " محمولة
على العفة والتنزيه من الزنى لأنه في مقابلة قوله: غير مسافحين، والسفاح الزنى بغير شبهة،
ولو حملت اللفظة على الأمرين من العفة والإحصان الذي يتعلق به الرجم لم يكن بعيدا.
فإن قيل: كيف يحمل لفظة " الإحصان " في الآية على ما يقتضي الرجم وعندكم أن
المتعة لا تحصن؟
قلنا: قد ذهب أكثر أصحابنا إلى أنها تحصن وإنما لا تحصن إذا كانت المتمتع بها
يغيب عنها في أكثر الأوقات، والغائب عن زوجته في النكاح الدائم لا يكون بحكم
المحصن في الرجم.
وبعد فإذا كانت لفظة " محصنين " تليق بالنكاح الدائم المؤبد رددنا ذلك إليه كما أنا
241

رددنا لفظة " الاستمتاع " إلى النكاح المؤجل لما كانت تليق به، فكأنه تعالى أحل النكاح
على الإطلاق وابتغاءه بالأموال ثم فصل منه المؤبد بذكر الإحصان والمؤجل بذكر
الاستمتاع.
وموضع " أن تبتغوا " نصب على البدل من ما أو على حذف اللام بأن يكون تقديره لأن
تبتغوا، ومن قرأ " وأحل " بالضم جاز في محل أن الرفع والنصب، ومعنى " أن تبتغوا " أن
تطلبوا وتلتمسوا بأموالكم إما شراءا بثمن أو نكاحا مؤجلا أو مؤبدا عن ابن عباس.
محصنين غير مسافحين: أي متزوجين غير زانين وأعفة غير زناة، وقال الزجاج:
المسافح والمسافحة الزانيان غير ممتنعين من أحد، فإذا كانت تزني بواحد فهي ذات خدن،
فحرم الله الزنى على وجه السفاح الذي ذكرناه واتخاذ الصديق الذي بيناه.
باب العقد على الإماء وأحكامه:
قال الله تعالى: ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن
ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات، معناه ومن لم يجد منكم طولا والطول هو الغنى
مأخوذ من الطول فشبه الغنى به لأن به ينال معالي الأمور، وقيل: الطول هو الهوى، قال جابر:
إذا هوى الأمة التي للغير فله أن يتزوجها بأن كان ذا يسار، والأول هو الصحيح وهو المروي عن
أبي جعفر ع.
المعنى: من لم يستطع زيادة في المال وسعة يبلغ بها نكاح الحرة فلينكح أمة، أي من لم
يقدر على شئ مما يصلح لنكاح الحرائر من المهر والنفقة فلينكح مما ملكت أيمانكم من
فتياتكم المؤمنات أي من فتيات المسلمين لا من فتيات غيركم، وهم المخالفون في الدين
كاليهود والنصارى والمجوس وغيرهم، فإن مهور الإماء أقل ومؤنتهن أخف في العادة،
والمراد به إماء الغير لأنه لا يجوز أن يتزوج الرجل بأمة نفسه إجماعا، وطولا مفعول به وعلى
قول جابر من أنه من الهوى مفعول له.
والعنت في قوله تعالى: لمن خشي العنت منكم، على هذا المراد به الحد لأنه إذا هواها
خشي أن يواقعها فيحد فيتزوجها، والفتاة: الشابة، والفتاة: الأمة وإن كانت عجوزا لأنها
242

كالصغيرة في أنها لا توقر توقير الحرة، والفتوة حالة الحداثة، يقال: أفتى الفقيه لأنه في
مسألة حادثة.
فصل:
وفي الآية دلالة على أنه لا يجوز نكاح الأمة الكتابية لأنه قيد جواز العقد على الإماء
بكونهن مؤمنات، وقال أبو حنيفة: يجوز ذلك لأن التقييد هو على جهة الندب دون التحريم،
والأول أقوى لأنه الظاهر وما قاله عدول عن الظاهر، ومنهم من قال: إن تأويل من فتياتكم
المؤمنات الكتابيات دون المشركات من عبدة الأوثان بدلالة الآية في المائدة، وهي قوله
تعالى: والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم، وهذا ليس بشئ لأن الكتابية
لا تسمى مؤمنة.
ومن أجاز العقد على الكتابية، له أن يقول: آية المائدة مخصوصة بالحرائر منهن دون
الإماء، وظاهر الآية يقتضي أن من وجد المهر للحرة ونفقتها ولا يخاف العنت لا يجوز له
تزويج الأمة وإنما يجوز العقد عليها مع عدم الطول والخوف من العنت وهو مذهب الشافعي
غير أن أكثر أصحابنا قالوا ذلك على وجه الأفضل لا لأنه لو عقد عليها وهو غني كان العقد
باطلا وهو قول أبي حنيفة، وقووا ذلك بقوله تعالى: ولأمة مؤمنة خير من مشركة.
إلا أن من شرط صحة العقد على الأمة عند أكثر الفقهاء ألا يكون عنده حرة وهو
مذهبنا إلا أن ترضى الحرة بأن يتزوج عليها أمة، فإن أذنت كان العقد صحيحا عندنا، ومتى
عقد عليها بغير إذن الحرة كان العقد باطلا، وروى أصحابنا: أن الحرة تكون بالخيار بين أن
تفسخ عقد الأمة كما يكون لها الخيار أن تفسخ عقد نفسها، والأول أظهر لأنه إذا كان العقد
باطلا لا يحتاج إلى فسخه.
فأما تزويج الحرة على الأمة فلا يجوز إلا بإذن الحرة، فإن لم تعلم الحرة بذلك كان لها أن
تفسخ نكاح نفسها أو نكاح الأمة، وفي الناس من قال في عقده على الحرة طلاق الأمة، وعن
النبي ع: الحرائر صلاح البيت والإماء هلاك البيت.
243

فصل:
ثم قال تعالى: والله أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض، قيل فيه قولان: أحدهما: كلكم
ولد آدم الثاني كلكم على الإيمان، ويجوز أن تكون الأمة أفضل من الحرة وأكثر ثوابا عند الله، و
في ذلك تسلية لمن يعقد على الأمة إذا جوز أن يكون أكثر ثوابا عند الله مع اشتراكهم بأنهم
ولد آدم، وفي ذلك صرف عن التعاير في الأنساب، ومن كره نكاح الأمة قال: إن الولد منها
يكون مملوكا، ولذلك أنكر وعندنا أن هذا ليس بصحيح لأن الولد عندنا يلحق بالحرية في
كلا الطرفين إلا أن يشترط.
وقوله تعالى: فانكحوهن بإذن أهلهن، أي اعقدوا عليهن بإذن أهلهن وفي ذلك دلالة
واضحة على أنه لا يجوز نكاح الأمة بغير إذن وليها الذي هو مالكها، وقوله تعالى: وآتوهن
أجورهن، معناه أعطوا مالكهن مهورهن لأن مهر الأمة لسيدها، وقيل: تقديره فأتوا
مواليهن، فحذف المضاف وقيل: إنما قال وآتوهن لأنهن وما في أيديهن لمواليهن فيكون
الأداء إليهن بحضور مواليهن أداءا إلى الموالي.
وقوله تعالى: بالمعروف، وهو ما وقع عليه العقد والتراضي، وقوله تعالى: محصنات غير
مسافحات، يعني بالعقد عليهن دون السفاح معهن: ولا متخذات أخدان، فالخدن الصديق
يكون للمرأة يزني بها سرا، والسفاح ما ظهر من الزنى، أي غير زانيات جهرا ولا سرا،
ولا يحرم في الجاهلية ما خفي من الزنى وإنما يحرم ما ظهر منه، قال الله تعالى: ولا تقربوا
الفواحش ما ظهر منها وما بطن، أي حرم الزنى سرا وعلانية.
فصل:
قوله تعالى: فإذا أحصن، من قرأ بالضم معناه تزوجن ومن فتح الهمزة فمعناه
أسلمن، وقال الحسن يحصنها الاسلام والزوج، ولا خلاف أنه يجب عليها نصف الحد إذا
زنت سواء كانت ذات زوج أو لم تكن، وقوله: من العذاب، أي من الحد لقوله: وليشهد
عذابهما، و: يدرأوا عنها العذاب، ولا رجم على الإماء لأن الرجم لا ينتصف.
وقوله: ذلك لمن خشي العنت منكم، إشارة إلى نكاح الأمة عند عدم الطول لمن خشي
244

العنت أي الزنى والمشقة والضرر لغلبة الشهوة، وإن تصبروا خير لكم:، معناه وصبركم:،
عن نكاح الإماء وعن الزنى خير لكم.
ويدل على أن الإحصان يعبر به عن الخيرية قوله تعالى في أول الآية: ومن لم يستطع
منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات، ولا شك أنه أراد بها الحرائر والعفائف لأن
اللاتي لهن أزواج لا يمكن العقد عليهن، على أن في الناس من قال: إن المحصنات هنا المراد
بها الحرائر دون العفائف، لأن العقد على المرأة الفاجرة ينعقد وإن كان مكروها لأن قوله:
الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة، منسوخ بالإجماع ويمكن أن يخص بالعفائف على الأفضل
دون الوجوب.
وذكر الطبري أن الآية تقديما وتأخيرا، لأن التقدير ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح
المحصنات المؤمنات مما ملكت أيمانكم، أي فلينكح مما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات
بعضكم من بعض والله أعلم بإيمانكم وهو مليح.
فصل:
ثم قال تعالى: يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم، قال الجبائي: في
الآية دلالة على أن ما ذكر في الآيتين من تحريم النكاح وتحليله قد كان على من قبلنا من الأمم
لقوله: ويهديكم سنن الذين من قبلكم، أي في الحلال والحرام، وقال الرماني: لا يدل ذلك
على اتفاق الشريعة وإن كنا على طريقتهم في الحلال والحرام كما يدل عليه وإن كنا على
طريقتهم في الاسلام وهذا أقوى، ومثله قوله تعالى: كتب عليكم الصيام كما كتب على
الذين من قبلكم، واللام في " ليبين " زيدت لإرادة التبيين والأصل أن يبين كما زيدت في " لا أبا
لك " لتأكيد الإضافة.
ولله يريد أن يتوب عليكم، أي يقبل توبتكم من استحلالهم ما هو حرام عليهم من
حلائل الآباء والأبناء، ويريد الذين يتبعون الشهوات، قيل: هم اليهود، لأنهم يحلون نكاح
الأخت من الأب، وقيل: المجوس، أي يريدون أن يعدلوا عن الاستقامة: ويريد الله أن
يخفف عنكم، في نكاح الإماء لأن الانسان خلق ضعيفا في أمر النساء.
245

باب نفقات الزوجات والمرضعات وأحكامها:
قال الله تعالى: ولا تؤتوا السفهاء أموالكم، أي لا تعطوا النساء والصبيان أموالكم
التي تملكونها فتسلطنهم عليها فيفسدوها ويضيعوها، ولكن ارزقوهم أنتم منها إن كانوا ممن
يلزمكم نفقتهم واكسوهم.
وقال تعالى: الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا
من أموالهم وفيه دليلان على وجوب ذلك: أحدهما قوله: قوامون، والقوام على الغير
هو المتكفل بأمره من نفقة وكسوة وغير ذلك، والثاني قوله: وبما أنفقوا من أموالهم، يعني
أنفقوا عليهن من أموالهم.
وقال تعالى: فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم
ألا تعدلوا، أي في النفقة فواحدة أو ما ملكت أيمانكم، يعني لا تكثروا من تمونونه، فلو لا أن
النفقة واجبة والمؤونة عليه ما حذره بكثرتها عليه.
وقال تعالى: قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم، يعني من الحقوق التي لهن على
الأزواج من الكسوة والنفقة والمهر وغير ذلك، وقال تعالى: وعلى المولود له رزقهن
وكسوتهن بالمعروف، والمولودة له الزوج فقد أخبر تعالى أن عليه رزقها وكسوتها.
فصل:
وقوله تعالى: قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم، قال قوم: معناه قد علمنا
مصلحة ما أخذنا على المؤمنين في أزواجهم وما فرضناه عليهم مصلحة لهم في أديانهم
من المهر والحصر بعدد محصور من النفقة والكسوة والقسمة بين الأزواج وغير ذلك من
الحقوق، ومما ملكت أيمانهم أن لا يقع لهم الملك إلا بوجوه معلومة، ووضعنا أكثر ذلك منك
وأبحنا لك امرأة وهبت نفسها لك وإنما خصصناك على علم منا بالمصلحة فيه من غير
محاباة.
وعندنا أن النكاح بلفظ الهبة لا يصح وإنما كان ذلك للنبي ع خاصة، وقال
246

قوم: يصح غير أنه يلزم المهر إذا دخل بها وإنما جاز بلا مهر للنبي ع خاصة،
والذي يبين صحة ما قلناه قوله تعالى: إن راد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون
المؤمنين، فبين أن هذا الضرب من النكاح خاص له ع دون غيره من المؤمنين.
ومتى اجتمع عند الرجل حرة وأمة بالزوجية كان للحرة يومان وللأمة يوم وفي رواية
للحرة ليلتان وللأمة المزوجة ليلة، فإن كانت ملك بيمين فلا قسمة لها والتسوية بينهن في
النفقة و الكسوة أفضل، ولا بأس أن يفضل بعضهن على بعض فيهما، وإذا كان له زوجة
يبيت عندها ليلة في كل أربع ليالي، وإن كانت عنده حرتان جاز أن يبيت عند واحدة ثلاث
ليالي وعند الأخرى ليلة.
فصل:
وقوله تعالى: يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا. الآية، فقد فرض
الله على نبيه ص بذلك أن يخير نساءه بين المقام معه على ما يكون من أحوال
الدنيا وبين مفارقته بالطلاق وتعجيل المنافع، فقد روي في سببه أن كل واحدة من نسائه
طلبت شيئا منه فلم يقدر على ذلك، لأنه لما خيره الله تعالى في ملك الدنيا فاختار الآخرة
فأمره الله بتخيير النساء فاخترن الله ورسوله.
وروي في سبب ذلك أن بعض نسائه طلبت منه حلقة من ذهب فصاع لها حلقة من
فضة وطلاها بالزعفران فقالت: لا أريد إلا من ذهب، فاغتم لذلك النبي ع
فنزلت الآية: فصبرن على الفاقة والضر، فأراد الله تعالى أن يكافئهن في الحال فأنزل:
لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج، الآية، ثم نسخت بعد مدة بقوله: إنا
أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن، يعني أعطيت مهورهن لأن النكاح لا ينفك من
المهر.
والإيتاء قد يكون بالأداء وقد يكون بالالتزام، وأحللنا لك ما ملكت يمينك من الإماء أن
تجمع منهن ما شئت، وأحللنا لك بنات عمك أن تعقد عليهن وتعطيهن مهرهن ثم قال:
وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي، يعني وأحللنا لك المرأة إذا وهبت نفسها لك إذا أردتها
247

ورغبت فيها، عن ابن عباس: لا تحل لك امرأة بغير مهر وإن وهبت نفسها إلا للنبي
ع خاصة.
فصل:
وقوله تعالى: والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين، هو أمر ورد في صورة الخبر
كقوله: ومن دخله كان آمنا، وإنما قلنا ذلك لأمرين.
أحدهما: أن تقديره والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين في حكم الله الذي
أوجبه على عباده، فحذف للدلالة عليه.
والثاني: أنه وقع موقع ليرضعن تصرفا في الكلام مع دفع الإشكال، ولو كان خبرا
لكان كذبا لوجودنا، والوالدات يرضعن أكثر من حولين وأقل منهما، وقال بعضهم: هو على
ظاهره خبر، فإن قيل: إن الخبر يوجب... والإجماع أن الوالدة بالخيار.
الجواب: لأنه في تقدير حق للوالدات أن يرضعن حولين. وقال الأصم: ذلك في المطلقات
لوروده عقيبه ولقوله: وعلى المولود له رزقهن، والزوجة يلزم لها النفقة إذا كانت تطيع على
كل حال، ولا التباس على أنها عامة ولا يمتنع أن يبين للرضاع زيادة حق على حق
الزوجية، وقال أبو مسلم: هو أمر وحكم من الله على النساء بإرضاع أولادهن وعلى
أزواجهن إقامة رزقهن وكسوتهن.
وقال الزجاج في قوله تعالى: بالمعروف، أي بما تعرفون أنه عدل على قدر الإمكان، ويدل
على هذا التأويل قوله تعالى: لا يكلف الله نفسا إلا وسعها، لأنه خبر في تقدير النهي وبدل، أي
لا يكلف الزوج من النفقة أكثر من الإمكان على قدر حاله وما يتسع له لأن الوسع ما يتسع له
الرجل ولا يتحرج به ويصير إلى الضيق من أجله، ونظر الصادق ع إلى أم
إسحاق ترضع أحد ابنيها فقال: لا ترضعيه من ثدي واحد وأرضعيه من كليهما يكون
أحدهما طعاما والآخر شرابا.
248

فصل:
وفي الآية بيان لأمرين: أحدهما مندوب والآخر فرض، فالمندوب هو أن يجعل الرضاع
تمام الحولين لأن ما نقص عنه يدخل به الضرر على المرتضع، والفرض أن مدة الحولين التي
تستحق المرضعة الأجر فيها ولا تستحق فيما زاد عليه وهو الذي بينه الله تعالى بقوله: فإن
أرضعن لكم فأتوهن أجورهن، فثبتت المدة التي يستحق فيها الأجرة على ما أوجبه الله
تعالى في هذه الآية.
وإنما قال تعالى: حولين كاملين، وإن كانت التثنية تأتي على استيفاء السنتين لدفع
التوهم من أنه على طريقة التغليب كقولهم: سرنا يوم الجمعة، وإن كان السير في بعضه، وقد
يقال: أقمنا حولين، وإن كانت الإقامة في حول وبعض من الحول الثاني فهو لرفع الإبهام
الذي يعرض في الكلام، فإن قيل: هل تلزم الحولين في كل مولود؟ قيل: فيه خلاف.
قال ابن عباس: لا، لأنه يعتبر ذلك بقوله: وحمله وفصاله ثلاثون شهرا، فإن ولدت
المرأة لستة أشهر فحولين كاملين وإن ولدت لسبعة أشهر فثلاثة وعشرون شهرا وإن ولدت
لتسعة أشهر واحد وعشرون شهرا، يطلب لذلك التكملة لثلاثين شهرا في الحمل والفصال
الذي يسقط به الفرض، وعلى هذا يدل أخبارنا لأنهم رووا أن ما نقص عن أحد وعشرين
شهرا فهو جور على الصبي، وقال الثوري: هو لازم في كل ولد إذا اختلف والداه رجعا
إلى الحولين من غير نقصان ولا زيادة، لا يجوز لهما غير ذلك، والرضاع بعد الحولين لا حكم
له في التحريم عندنا وبه قال ابن عباس وأكثر العلماء.
وقوله: وعلى المولود له رزقهن، أنه يجب على الأب إطعام أم الولد وكسوتها ما دامت في
الرضاعة اللازمة إذا كانت مطلقة عند أكثر المفسرين.
فصل:
أما قوله تعالى: لا تضار والدة بولدها، فله تقديران:
أحدهما: - لا تضارر ما لم يسم فاعله أي لا ينزع الولد منها ويسترضع امرأة أخرى مع
إجابتها إلى الرضاع بأجرة المثل ولا مولود له وهو الوالد، أي لا تضارر والدة بأن لا تمتنع
249

هي من الإرضاع بأجرة المثل.
والثاني: أن وزنه تفاعل أي لا تضارر والدة بولدها أي لا تترك المطلقة إرضاع ولدها
غيظا على أبيه فتضر بولدها، لأن الوالدة أشفق على ولدها من الأجنبية وهو اختيار
الزجاج، قال: لا تضر بولدها في رضاع ولا غذاء ولا حفظ فيكون " ضار " بمعنى أضر، ومعنى
ولا مولود له بولده أي لا يضر الوالد على أم الولد من جهة النفقة وتفقده وحفظه.
ويجوز أن تكون المضارة من الوالدين بسبب الولد ونهيا عنه، لأن في تضارهما أضرارا
بالولد، وقال أبو مسلم: المضارة والمعاسرة واحدة لقوله تعالى: وإن تعاسرتم فسترضع له
أخرى، وتعاسرهما أن تعلو المرأة في التماس النفقة ومنعها الوالد أوسط ما يكفيها، كأنه
قيل: لا تضر والدة الزوج بولدها وكذا فرض الوالد، وعن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما
السلام: أي لا يترك جماعها خوف الحمل لأجل ولدها المرتضع ولا تمنع نفسها من الأب خوف
الحمل فيضر ذلك بالأب.
وإذا قرئ " لا تضار " بالرفع فهو في لفظ الخبر ومعناه الأمر والمعنى لا تضارر ووالدة على
هذا فاعلة لا غير، وإذا قرئ بفتح الراء فهو نهي مجزوم اللفظ والتقدير لا يضارر
أو لا تضارر.
فصل:
وقوله تعالى: وعلى الوارث مثل ذلك، معناه عليه كما ذكر من قبل من النفقة ومن ترك
المضارة، وقيل الوارث الولد، وقيل: الوالدة والأول أقوى، وروي في أخبارنا أن على
الوارث كائنا من كان النفقة وهو ظاهر القرآن وبه قال جماعة، وقال بعض المفسرين: إن
على كل وارث نفقة الرضاع الأقرب فالأقرب يؤخذ به، وأما نفقة ما بعد الرضاع فعندنا تلزم
الوالدين وإن عليا النفقة على الولد وإن نزل ولا تلزم غيرهم، وقال قوم: تلزم العصبة دون
الأم والإخوة من الأم، وقيل: على الوارث من الرجال والنساء على قدر النصيب من
الميراث، وعموم الآية يقتضيه غير أنا خصصناه بدليل.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: على الوارث ممن كان ذا رحم محرم دون من كان ذا رحم ليس
250

من المحرم كابن العم وابن الأخت فأوجبوا على ابن الأخت ولم يوجبوها على ابن العم، وإن
كان وارثه في تلك الحال وكذا العم وابن العم، وقال سفيان: وعلى الوارث أي الباقي من
أبويه وهذا مثل ما قلناه.
فصل:
وقوله تعالى: فإن أراد فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما، الفصال
الفطام لانفصال المولود عن الاغتذاء بثدي أمه إلى غيره من الأقوات، وهذا الفصال في
الآية المراد به فصال قبل الحولين لأن المدة التي هي تمام الحولين معلومة إذا تنازعا رجعا
إليه، فأما بعد الحولين فلا يجب على واحد منهما اتباع الآخر في دعائه.
وقال ابن مهرايزد في تفسيره: إذا اتفق الوالد والمرضعة على أن يريا الصواب فطام
المولود قبل انقضاء الحولين واستشارا غيرهما كي لا يقع عليهما غلط فيضرا به إن فطماه فجائز
أن يفعلاه، والظاهر أنه تعالى شرط في الفصال قبل الحولين تراضى الوالدين واستشارة
الغير فيه، وجوز أبو مسلم: أن يكون المراد بالفصال مفاصلة بين الوالد والوالدة أن
تراضيا بالافتراق وتسليم الولد حتى تسترضعه من يختار وهو بعيد.
وقد قال تعالى: وحرمنا عليه المراضع من قبل، ومعناه منعنا موسى ع من
قبل رده إلى أمه وبغضناهن إليه، وكان ذلك كالمنع بالنهي لا أن هناك نهيا بالفعل، فلما
أحضر فرعون أمه سألها: كيف ارتضع منك ولم يرتضع من غيرك؟ فقالت: لأني امرأة طيبة
اللبن لا أكاد أوتي صبيا إلا ارتضع مني، يدل على أن لبن الأم أنفع بالولد من لبن غيرها.
وعن ابن عباس أنه إذا تراضيا على انفصال فلا حرج إذا سلمتم أجرة الأم أو الظئر،
وقال مجاهد: أجرة الأم بمقدار ما أرضعت أجرة المثل، وقال سفيان: أجرة المسترضعة، وعندنا
أن الأب متى وجد من ترضع الولد بأربعة دراهم وقالت الأم: لا أرضعه إلا بخمسة دراهم فإن
له أن ينزعه منها، قال تعالى: وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى، إلا أن الأصلح له أن يترك مع
أمه.
و " آتيتم " بالمد من الإعطاء و " أتيتم " بالقصر من الإتيان، والتقدير إذا سلمتم ما أتيتم
251

نقده فحذف المضاف ثم المضاف إليه، و " بالمعروف " يتعلق بأتيتم أو بسلمتم والآية تدل على
أنه تعالى أتاه إذا ضمن أن يعطيه، فإذا سلم قيل سلم ما أتاه، والعامل في إذا معنى لا جناح
عليكم أي إذا استرضعتم وآتيتم الأجرة أمنتم، فإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم أي
لأولادكم، وفي الآية دلالة على أن الولادة لستة أشهر تصح لأنه إذا ضم إلى الحولين كان
ثلاثين شهرا وروي ذلك عن علي ع وعن ابن عباس.
فصل:
وقوله تعالى: وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم، فيه دلالة على أنهم
حين ولادتها تشاحوا في الذي تحضنها وتكفل تربيتها، فقال زكريا: أنا أولى لأن خالتها
عندي، وقال القوم: نحن أولى لأنها بنت إمامنا وكان عمران إمام الجماعة، فألقوا الأقلام
أيهم أولى بكفالتها فألقوها بالماء تلقاء الجرية فاستقبلت عصا زكريا جرية الماء مصعدة
وانحدرت أقلام الباقين فقرعهم زكريا.
فإذا ثبت ذلك فاعلم أن الأم أولى بالولد من الأب مدة الرضاع، فإذا خرج عن حد
الرضاع كان الوالد أحق به منها إذا كان حرا وكان الولد ذكرا، فإن كان أنثى فهي أحق بها
إلى سبع سنين ما لم تتزوج فإذا تزوجت كان الوالد أحق بها إلا أن تكون مملوكا، ولا تسترضع
كافرة ولا زانية لقوله تعالى: والذي خبث لا يخرج إلا نكدا، فإن كان الولد مات كانت الأم
أحق به من الوصي سواء كان الولد ذكرا أو أنثى إلى أن يبلغ.
وقال تعالى: ووصينا الانسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين، أي
أنها تضعف ضعفا بحملها الولد إلى أن تضعه فلا تزال تزداد ضعفا على حسب تزايده في
بطنها، وفصاله في عامين أي في انقضاء عامين بعد الوضع، وظاهر الآية يدل على جواز أحد
وعشرين شهرا فإنها في عامين.
وقوله تعالى: ووصينا الانسان بوالديه حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله
ثلاثون شهرا، أي أمرناه بأن يحسن إلى والديه إحسانا، حملته أمه كرها أي كانت تحمله
بمشقة في بطنها مدة الحمل ووضعته بمشقة في حال الولادة وأرضعته مدة الرضاع، ثم تبين أن
252

أقل مدة الحمل وكمال مدة الرضاع ثلاثون شهرا، فنبه بتلك الآية على ما يستحقه الوالدان
من حيث أنهما يكفلانه ويربيانه
باب في ذكر ملك الأيمان:
قال الله تعالى: والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت
أيمانهم، اعلم أن الإماء يستباح وطؤهن بإحدى ثلاثة أشياء: العقد عليهن بأذان أهلهن
وبتحليل مالكهن الرجل من وطئهن وإباحته له وإن لم يكن هناك عقد وبأن يملكهن
فيستبيح وطأهن بملك الأيمان.
وإنما يملكهن بوجوه معلومة من الشرى والهبة والإرث والسبي، ولا بأس أن يجمع
الرجل بين أختين في الملك لكنه لا يجمع بينهما في الوطء، لأن حكم الجمع بينهما في الوطء حكم
الجمع بينهما في العق، فمتى ملك أختين ووطأ منهما واحدة لم يجز له وطء الأخرى حتى تخرج
تلك من ملكه بالبيع أو الهبة أو غيرهما، ويجوز أن يملك أمة وأمها فمتى وطأ إحديهما حرمت
الأخرى عليه أبدا.
وقوله تعالى: قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت أيمانهم، قد تكلمنا عليه
من قبل وكذلك في قوله تعالى: إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت
يمينك، وملك اليمين في الآيات المراد به الإماء لأن الذكور من المماليك لا خلاف في وجوب
حفظ الفرج منهم لأن الله عني بالفروج في قوله: والذين هم لفروجهم حافظون، فروج
الرجال خاصة بدلالة قوله: إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم، استثنى من الحافظين
لفروجهم من لا يحفظ فرجه عن زوجته أو ما ملكت يمينه من الإماء على ما أباحه الله له.
وكل ما لم يجز الجمع بينهما في العقد فلا يجوز الجمع بينهما في الوطء بملك اليمين، وإنما قيل
للجارية: ملك يمين، ولم يقل في الدار " ملك يمين " لأن ملك الجارية أخص من ملك الدار، إذ
له نقض بنية الدار وليس له نقض بنية الجارية وله عارية الدار وليس له عارية الجارية
فلذلك خص الملك في الأمة.
253

باب ما يحرم النظر إليه منهن وما لا يحل:
خاطب الله نبيه ع فقال: يا محمد: قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم،
عن عورات النساء وما يحرم النظر إليه أي قل لهم: يغضوا من نظرهم فلا ينظروا إلى
ما يحرم، فوجب الغض على العموم حيث حذف المفعول ثم خص من وجه آخر بإيراد من،
فمن للتبعيض لأن غض البصر إنما يجب في بعض المواضع، وكل موضع ذكر في القرآن
حفظ الفروج فهو الزنى إلا في هذا الموضع لأن المراد به الستر حتى لا ينظر إليها أحد، قال
الصادق ع: لا يحل للرجل أن ينظر إلى فرج أخيه ولا يحل للمرأة أن تنظر إلى
فرج أختها.
وقال قوم من المفسرين: العورة من النساء ما عدا الوجه والكفين فأمروا بغض
البصر عن عوراتهن، وقيل: العورة من الرجل العانة إلى مستغلظ الفخذ من أعلى الركبة
وهو العورة من الإماء، والحرة عورة من قرنها إلى قدمها، قالوا: ويدل على أن الوجه
والكفين والقدمين كلها ليست بعورة من الحرة أن لها كشف ذلك في الصلاة.
وقوله تعالى: ويحفظوا فروجهم، أمر منه تعالى أن يحفظ الرجال فروجهم عن الحرام
وأن يحفظونها عن إبدائها، ثم أمر المؤمنات أيضا بغض أبصارهن عن عورات الرجال
وما لا يحل لهن النظر إليه، وأمرهن أن يحفظن فروجهن إلا من أزواجهن على ما أباحه الله
ويحفظن أيضا إظهارها بحيث ينظر إليها، ونهاهن عن إبداء زينتهن إلا ما ظهر منها، قال
ابن عباس: يعني القرطين والقلادة والسوار والخلخال والمعضدة والنحر فإنه يجوز إظهار
ذلك، فأما الشعر فلا يجوز أن تبديه إلا لزوجها.
والزينة المنهي عن إبدائها زينتان، فالظاهرة الثياب والخفية الخلخالان والسواران في
قول ابن مسعود.
فصل:
ثم قال تعالى: وليضربن بخمرهن، وهي المقانع " على جيوبهن "، ثم كرر النهي عن
إظهار الزينة تأكيدا وتغليظا واستثنى من ذلك الأزواج وآباء النساء وإن علوا وآباء الأزواج
254

وأبناءهم أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن يعني النساء المؤمنات
لا المشركات، وقيل: يعني نساء المؤمنين دون نساء المشركين سواء كن ذميات أو غيرهن،
فإنهن يصفن ذلك لأزواجهن إلا إذا كانت أمة، وقوله: أو ما ملكت أيمانهن، يعني الإماء
فإنه لا بأس بإظهار الزينة لهؤلاء المذكورين لأنهم محارم.
وقوله تعالى: والتابعين غير أولى الإربة من الرجال، قال ابن عباس: هو الذي يتبعك
ليصيب من طعامك ولا حاجة له في النساء وهو الأبله، وقيل هو العنين، وقيل هو الجبوب
وقال مجاهد: هو الطفل الذي لا أرب له في النساء، وقيل هو الشيخ الهرم، والإربة الحاجة.
وقوله تعالى: أو الطفل لم يظهروا على عورات النساء، يعني الصغار الذين لم
يراهقوا فإنه يجوز إبداء الزينة لهم إذا لم يطلعوا بعد على الاستلذاذ والتمتع بهن ولم يروا
العورات عورات لصغرهم، ولم يقل أو أعمامهن أو أخوالهن، لأن أولادهم ليسوا ذوي محرم
لهن فلعلهم إذا رأوا زينتهن بأن يظهرنها لهم يصفونها لبنيهم فيفتتنوا.
فصل:
اعلم أن قوله تعالى: وقل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم، يدل على أنه لا يحل
للأجنبي أن ينظر إلى أجنبية لغير أجنبية وسبب فنظره إلى ما هو عورة منها محظور وإلى
ما ليس بعورة كالثياب فقط مكروه.
والمرأة إذا ملكت فحلا أو خصيا هل يجوز لها أن تخلو به أو تسافر معه؟ قال قوم: إنه
يكون محرما لها لقوله تعالى: ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن، إلى قوله: أو ما ملكت أيمانهن،
فنهاهن عن إظهار زينتهن لأحد إلا من استثنى واستثنى ملك اليمين، قالوا: وهذا ظاهر
القرآن وعندنا أنه لا يكون محرما فإن أصحابنا رووا في تفسير الآية أن المراد به الإماء دون
الذكران من المماليك على ما تقدم.
ويجوز للرجل إذا أراد أن يتزوج بامرأة أن ينظر إلى محاسنها، وإذا اشترى جارية جاز
له أن ينظر إليها، ويمكن الاستدلال عليه بقوله تعالى: وكشفت عن ساقيها قال إنه صرح
ممرد من قوارير، وروي أنه نظر إلى ساقها وكان علي الشعر فساءه ذلك فعمل له النورة
255

والزرنيخ.
فصل:
وقوله تعالى: لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا، نهى الله المؤمنين أن
يدخلوا بيوتا لا يملكونها وهي ملك غيرهم إلا بعد أن يستأذنوا، والاستئناس الاستئذان
فالمعنى حتى تستأنسوا بالإذن، وقال مجاهد: حتى يستأنسوا بالتنحنح والكلام الذي يقوم
مقام الاستئذان، وقد بين تعالى ذلك بقوله: وإذا بلغ الأطفال منكم فليستأذنوا، قال عطاء:
وهو واجب في أمه وأخته وسائر أهله لئلا يهجم على عورتهن.
وقوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا
الحلم منكم ثلاث مرات، يقول الله: مروا عبيدكم وإماءكم أن يستأذنوا عليكم إذا أرادوا
الدخول إلى مواضع خلواتكم، قال ابن عباس: الآية في النساء والرجال من العبيد، وقال
غيره: الاستئذان واجب على كل بالغ في كل حال وعلى الأطفال في هذه الأوقات الثلاثة
بظاهر الآية، ففي ذلك دلالة على أنه يجوز أن يؤمر الصبي الذي يعقل لأنه أمره بالاستئذان
وقال آخرون: ذلك أمر للآباء أن يأخذوا الأولاد بذلك.
وفسر تعالى الأوقات فقال: من بعد صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن
بعد صلاة العشاء، لأن الغالب على الناس أن يتعروا في خلواتهم في هذه الأوقات، ثم بين أنه
ليس عليكم ولا عليهم أن يدخلوا عليكم من غير إذن يعني الذين لم يبلغوا الحلم وهو
المراد بقوله: طوافون عليكم، أي هم طوافون ثم قال: وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم
فليستأذنوا، فقد صالا حكمهم حكم الرجال.
وقوله تعالى: والقواعد من النساء، يعني المسنات اللاتي يقعدن عن الحيض وعن
التزويج، وإنما ذكر القواعد لأن الشابة يلزمها من الستر أكثر مما يلزم العجوز والعجوز
لا يجوز لها أن تبدي عورة لغير محرم كالساق والشعر والذراع.
256

باب اختيار الأزواج ومن يتولى العقد عليهن:
قال الله تعالى: يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل
لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم، فهذا يدل على أن المؤمنين أكفاء في عقد النكاح كما
أنهم متكافئون في الدماء، فمتى خطب المؤمن إلى غيره بنته وبذل لها من الصداق السنة
المحمدية وكان عنده يسار بقدر ما يقوم بأمرها والإنفاق عليها وكان مرضيا غير مرتكب
لجور فلم يزوجه كان عاصيا، ويكره أن يزوج متظاهرا بالفسق.
واستدل المرتضى على أن الرجل إذا أراد يتزوج ينبغي أن يطلب ذوات الدين
والأبوات والأصول الكريمة ويجتنب من لا أصل له بقوله تعالى: وثيابك فطهر، فقال: يجوز أن
يكون للثياب هاهنا معنى آخر غير ما قالوه، وهو أن الله سمى الأزواج لباسا فقال تعالى: هن
لباس لكم وأنتم لباس لهن، واللباس والثياب هنا بمعنى واحد فكأنه سبحانه أمر أن
يستطهر النساء أي يختارهن طاهرات من دنس الكفر ودرن العيب، لأنهن مظان
الاستيلاد ومضام الأولاد.
وعن الصادق ع: زوجوا الأحمق ولا تزوجوا الحمقاء فإن الأحمق قد ينجب
والحمقاء لا تنجب، والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا.
فصل:
وقال تعالى: يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن، إلى
قوله: ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن ولا تمسكوا بعصم الكوافر،
سبب نزول هذه الآية أن المهادنة لما وقعت بين النبي ع وبين قريش بالحديبية،
فرت بعدها امرأة من المشركين وخرجت إلى رسول الله مسلمة فجاء زوجها وقال: ردها
على، فنزلت: لا ترجعوهن إلى الكفار.
وما جرى للنساء ذكر وإنما ضمن أن يرد الرجال فأمر الله أن تمتحن المهاجرة
بالشهادتين، فإن كانت مؤمنة رد صداقها ولا ترد هي عليه إذ هي لا تحل له ولا هو يحل لها
وهذا في القرآن للتوكيد، ولا تمسكوا بعصم الكوافر، حكم آخر أي كما ليس للمؤمنة أن
257

تكون مع الكافر فكذلك أنتم أيها المؤمنون لا تبغوا نكاح الكافرات إن لم يؤمن.
ثم قال تعالى: واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا، أي إن ارتدت مسلمة فلحقت
بأهل المعاهدة فلكم أن تطالبوا أهلها أو وليها من الكفار أن يردوا عليكم ما أنفقتم في
صداقها ولهم أن يطالبوكم بمثل ذلك، فأما رد المؤمنة على الكافر فلم يجز البتة في حكم الله
تعالى، وفي هذه الآية أحكام كثيرة منها ما هو باق ومنها ما قد سقط، وكثير من الناس يدعون
النسخ فيما قد سقط كامتحان المهاجرة ورد الصداق على الكافر وليس في شئ من ذلك
نسخ، وإنما هي أحكام تبعت الهجرة والهدنة التي كانت فلما انقضى زالت تلك الأحكام،
وما كان كذلك لم يكن نسخا.
وقال الحسن: معنى قوله تعالى: ولا تمسكوا بعصم الكوافر، اقطعوا عصمة الكفار
ولا تتمسكوا بها، قال: كان في صدر الاسلام تكون المسلمة تحت الكافر والكافرة تحت
المسلم فنسخت هذه الآية ذلك، وهذا ليس بنسخ على الحقيقة لأن الله لم يأمر بالأول فيكون
نهيه عنه نسخا، وإنما كان للأول بقاء على الحالة الأولة غيرته الشريعة بحكم هذه الآية كما
غيرت كثيرا من سنن الجاهلية.
فصل:
أما قوله تعالى: اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم
وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب:
فمعناه أحل لكم العقد على المحصنات يعني العفائف من المؤمنات والحرائر منهن،
ولا يدل على تحريم من ليس بعفيفة ولا أمة لأن ذلك دليل الخطاب وقد تقدم أنه لو عقد على
أمة أو من ليست بعفيفة صح العقد والأولى تجنبه، وآخر الآية ينطق بأن المراد الحرائر وهو
قوله: إذا آتيتموهن أجورهن، لأن ذلك يتأتى في الحرائر ومهور الإماء يعطي أربابهن كما قدمنا.
فإن قيل: كيف قال اليوم أحل لكم تلك النساء، أ تراهن قبل ذلك اليوم كن محرمات،
قلنا: المراد استقرار الشرع وانتهاء التحريم وإعلام الأمن من أن تحرم محصنة بعد اليوم،
وعندنا لا يجوز العقد على الكتابية نكاح الدوام لقوله تعالى: ولا تنكحوا المشركات حتى
258

يؤمن، على ما قدمناه ولقوله: ولا تمسكوا بعصم الكوافر، فإذا ثبت ذلك قلنا في قوله:
والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب، تأويلان:
أحدهما: أن يكون المراد بذلك اللاتي أسلمن منهن، والمراد بقوله: والمحصنات من
المؤمنات، من كن في الأصل مؤمنات وولدن على الاسلام، وقيل: إن قوما كانوا يتحرجون من
العقد على الكافرة إذا أسلمت، فبين تعالى أنه لا حرج في ذلك ولذا أفردهن بالذكر.
والثاني: أن يختص ذلك بنكاح المتعة أو ملك اليمين لأن وطأها بعقد المتعة جائز، عندنا
على أنه روى أبو الجارود عن الباقر ع أنه منسوخ بالآيتين المتقدمتين من قوله:
ولا تنكحوا المشركات، و: لا تمسكوا بعصم الكوافر.
باب:
في النهي عن خطبة النساء المعتدات بالتصريح
اعلم أن المرأة إذا كانت في عدة زوجها يجب عليها الامتناع من التزويج بغيره،
فإذا انقضت عدتها حلت للخطاب قال تعالى: فإذا بلغن أجلهن، أي إذا بلغن آخر العدة
بانقضائها فلا جناح عليكم، قيل: إنه خطاب للأولياء، وقيل: لجميع المسلمين لأنه يلزمهم
منعها عن التزوج في العدة وقيل: معناه لا جناح عليكم وعلى النساء فيما فعلن في أنفسهن
من النكاح واستعمال الزينة التي لا ينكر مثلها...
وهذا معنى قوله " بالمعروف " وقيل: معنى قوله " بالمعروف " ما يكون جائزا، وقيل: معناه
النكاح الحلال عن مجاهد، ويحقق معنى قوله تعالى: فإذا بلغن أجلهن، فإذا انقضت عدتهن
فلا جناح عليكم أيها الأئمة في ما فعلن في أنفسهن من التعرض للخطاب بالمعروف أي
بالوجه الذي لا ينكره الشرع، والمعنى أنهن لو فعلن ما هو منكر كان على جماعة المسلمين
أن يكفوهن، وإن فرطوا كان عليهم الجناح عن بعض المفسرين.
ولما تقدم ذكر عدة النساء وجواز الرجعة فيها للأزواج عقبه ببيان حال غير الأزواج
فقال: ولا جناح عليكم، أي لا حرج ولا ضيق عليكم يا معشر الرجال فيما عرضتم به من
خطبة النساء المعتدات ولا تصرحوا به، وذلك بأن تذكروا ما يدل على رغبتكم فيها.
259

وقوله تعالى: فيما عرضتم به، فهو كلام يوهم أنه يريد نكاحها فكأنه إحالة الكلام إلى
عرض يدل على الغرض، فالتعريض أن يذكر شيئا يدل به على شئ لم يذكره وما يقول
المحتاج للمحتاج إليه: جئتك لأسلم عليك وأنظر إلى وجهك الكريم، والكناية أن يذكر
الشئ بغير لفظه الموضوع له، ويسمى التلويح لأنه يلوح فيه ما يريده.
والمستدرك بقوله: ولكن لا تواعدوهن سرا مضمر تقديره علم الله أنكم ستذكروهن
فاذكروهن ولكن لا تواعدوهن سرا، والسر وقع كناية عن النكاح وحرف الاستثناء يتعلق
ب‍ " لا تواعدوهن " أي لا تواعدوهن مواعدة قط إلا مواعدة معروفة غير منكرة، أي
لا تواعدوهن إلا بالتعريض أو لا تواعدوهن إلا بأن تعفوا، ولا يجوز أن يكون استثناءا
منقطعا من سرا لأدائه إلى قولك لا تواعدوهن، إلا التعريض، وقيل: لا تواعدوهن في السر
فالمواعدة في السر عبارة عن المواعدة بما يستهجن.
وذكر العزم مبالغة في النهي عن عقد النكاح في العدة لأن العزم على الفعل يتقدمه،
فإذا نهي عنه كان عن الفعل أنهى، ومعناه ولا تعزموا عقد عقدة النكاح من عزم الأمر
وعزم عليه والله يعلم ما في أنفسكم من العزم على ما لا يجوز فاحذروه ولا تعزموا عليه، فإن
عزم انسان على خطبة امرأة معتدة قبل انقضاء العدة وواعدها بالتصريح فقد فعل
مكروها، ولا يحرم العقد عليها بعد العدة فرخص له التعريض بذلك ولا كراهة فيه.
فصل:
واختلف في معناه فقيل التعريض: هو أن يقول الرجل للمعتدة: إني أريد النكاح
فإني أريد امرأة من صفتها كذا وكذا فيذكر بعض الصفات التي هي عليها عن ابن
عباس، وقيل هو أن يقول: إنك لنافقة وأنك لموافقة لي وإنك لمعجبة جميلة وإن قضى الله
شيئا كان عن القاسم بن محمد وعن الشعبي، وقيل: هو كل ما كان من الكلام دون عقد
النكاح، عن ابن زيد.
أو أكننتم في أنفسكم: أي أسررتم وأضمرتم في أنفسكم من نكاحهن بعد مضى عدتهن،
وقيل: هو إسرار العزم دون إظهاره والتعريض إظهاره، عن مجاهد وابن زيد.
260

علم الله ستذكرونهن: برغبتكم فيهن خوفا منكم أن يسبقكم إليهن غيركم فأباح
لكم ذلك، ولكن لا تواعدوهن سرا، فيه أقوال:
أحدها: أن معناه لا تواعدوهن في السر لأنها أجنبية والمواعدة في السر تدعو إلى
ما لا يحل.
وثانيها: أن معناه الزنى عن الحسن وإبراهيم وقتادة، فقالوا: كان الرجل يدخل على
المرأة من أجل الريبة وهو معرض بالنكاح فنهوا عن ذلك.
وثالثها: أنه العهد على الامتناع من تزويج غيرك عن ابن عباس وابن جبير.
ورابعها: هو أن يقول لها: إني ناكحك فلا تفوتيني بنفسك عن نجاهد.
وخامسها: أن السر هو الجماع ومعناه لا تصفوا أنفسكم بكثرة الجماع ولا تذكروه عن
جماعة.
وسادسها: أنه أسرار عقدة النكاح في السر عن عبد الرحمن بن زيد.
ويجمع هذه الأقوال ما روي عن الصادق ع: لا تصرحوا لهن النكاح
والتزويج، قال: ومن السر أن يقول لها: موعدك بيت فلان.
إلا أن تقولوا قولا معروفا، يعني التعريض الذي أباحه الله تعالى، وإلا بمعنى لكن لأن
ما قبله هو المنهي عنه وما بعده هو المأذون فيه وتقديره ولكن قولوا قولا معروفا.
" ولا تعزموا عقدة النكاح " أي لا تبيتوا النكاح ولا تعقدوا عقد النكاح في العدة، ولم
يرد به النهي عن العزم على النكاح بعد العدة لأنه أباحه بقوله: أو أكننتم، حتى يبلغ الكتاب
أجله، أي حتى تنقضي العدة.
فصل:
وقوله تعالى: الذي بيده عقدة النكاح، الأب والجد مع وجود الأب إذا كانت البنت
صغيرة لم تبلغ مبلغ النساء أو بلغت وكانت بكرا، فلكل واحد منهما أن يعقد على كل
واحدة منهما ولا تكون للصغيرة إذا بلغت خيار، وكذلك إن أبت التزويج البكر وأظهرت
كراهية بما عقد عليها أبوها أو جدها مع وجود الأب فلا يلتفت إلى كراهيتها.
261

فأما الثيب إذا كانت غير مولى عليها لفساد عقلها مع وجود الأب أو الجد أو البكر
البالغة إذا لم يكن لها أب فلا أحد بيده عقدة النكاح لواحدة منهما على الإطلاق، فإذا جعلت
الثيب أمرها إلى أبيها أو جدها أو أخيها كما هو الأصل لها أو وكلت إنسانا في أمرها فهو ممن
بيده عقدة النكاح، وكذا حال البالغة البكر التي لا والدها والثيب إذا كانت مولى عليها
كان الأمر إلى وليها في تولي العقد عليها.
ولا يجوز لها العقد على نفسها وكذا البكر لا يجوز لها أن تعقد على نفسها إلا بإذن أبيها،
فإن عقدت كان العقد موقوفا على رضاء الأب، فإن عضلها أبوها - وهو أن لا يزوج بنته
البكر بالأكفاء إذا خاطبوها كان لها العقد على نفسها وإن لم يرض بذلك الأب.
وقال المرتضى: يجوز عقد المرأة التي تملك أمرها على نفسها بغير ولي، قال: والدليل
عليه قوله تعالى: فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره، فأضاف عقد النكاح إليها
والظاهر أنها تتولاه، وأيضا قوله: فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا، فأضاف تعالى
التراجع - وهو عقد مستقل إليهما، والظاهر أنهما يتوليانه، وأيضا قوله: فإذا بلغن أجلهن
فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف، فأباح فعلها في نفسها من غير اشتراط
الولي.
قال: ولا يجوز أن يحمل اشتراط المعروف على تزويج الولي لها وذلك أنه تعالى إنما رفع
الجناح عنها في فعلها بنفسها بالمعروف وعقد الولي عليها لا يكون فعلا منها في نفسها،
وأيضا بقوله: فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف، فأضاف
العقد إليهن ونهي الأولياء عن معارضتهن، قال: والظاهر أنهن يتولينه، فأما من ذهب إلى
الأول فيمكنه أن يخصص هذه الآيات كلها ويحملها على بعض ما قدمناه ويكون معه إجماع
الطائفة والأخبار التي رووها عنهم ع.
باب
ما يستحب فعله عند العقد وآداب الخلوة:
يستحب أن يستخير الله تعالى من أراد عقدة النكاح فإن الله تعالى يقول: واسألوا
262

الله من فضله، وأن يتابع المراسم الشرعية في ذلك وقد قال تعالى: نساؤكم حرث لكم فأتوا
حرثكم أنى شئتم وقدموا لأنفسكم، قال ابن عباس: معنى قوله حرث لكم مزدرع أولادكم،
كأنه قيل محترث لكم وإنما الحرث الزرع في الأصل، وقال الزجاج: أي نساؤكم ذات حرث
لكم فأتوا لموضع حرثكم أنى شئتم، وقيل: الحرث كناية عن النكاح على وجه التشبيه.
ومعنى: أنى شئتم، من أين شئتم في قول قتادة والربيع، وقال مجاهد معناه كيف شئتم،
وقال الضحاك معناه متى شئتم، فخطأه جميع أهل التفسير وأهل اللغة، بأن قالوا: أنى
لا يكون إلا بمعنى من أين كما قال تعالى: أنى لك هذا قالت هو من عند الله، وقال بعضهم:
معناه من أي وجه واستشهد ببيت الكميت:
أنى ومن أين آبك طرب * من حيث لا صبوة ولا ريب
وهذا لا شاهد فيه لأنه يجوز أن يكون أتى به لاختلاف اللفظين كما يقولون: متى كان هذا
وأي وقت كان، ويجوز أن يكون بمعنى كيف.
وتأول مالك وقال: أنى شئتم يفيد جواز إتيان النساء في الدبر ورواه عن نافع عن ابن
عمر وبه قال بعض أصحابنا، وخالف في ذلك جميع الفقهاء والمفسرين وقالوا هذا لا يجوز
من وجوه:
أحدها: أن الدبر ليس بحرث لأنه لا يكون منه الولد وهذا ليس بشئ لأنه لا يمتنع أن
تسمى النساء حرثا لأنه يكون منهن الولد ثم يبيح الوطء فيما لا يكون منه الولد. وهذا ليس
بدليل لأنه لا خلاف أنه يجوز الوطء بين الفخذين وإن لم يكن هناك ولد.
وثانيها قالوا: قال الله: فأتوهن من حيث أمركم الله، وهو الفرج وهذا أيضا لا دلالة
فيه، لأن قوله: من حيث أمركم الله، معناه من حيث أباح الله لكم أو من الجهة التي شرعها
الله لكم على ما حكيناه عن الزجاج ويدخل في ذلك الموضعان، على أنهم قد أجمعوا على أن
الآية الثانية ليست بناسخة للأولى.
وثالثها قالوا: إن معناه من أين شئتم أي ائتوا الفرج من أين شئتم وليس في ذلك
إباحة لغير الفرج، وهذا أيضا ضعيف لأن من ذهب إلى كراهيته دون حظره لا يسلم أن
معناه ائتوا الفرج، بل معناه عنده ائتوا النساء وأتوا الحرث من أين شئتم ويدخل فيه جميع
263

ذلك.
ورابعها قالوا: قوله تعالى في المحيض: قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض، فإذا
حرم للأذى بالدم فالأذى بالنجو أعظم منه وهذا ليس بشئ لأن هذا حمل الشئ على غيره
علة، على أنه لا يمتنع أن يكون المراد بقوله: قل هو أذى، غير النجاسة بل المراد أن في ذلك
مفسدة ولا يجب أن يحمل على ذلك إلا بدليل موجب للعلم، على أن الأذى بمعنى النجاسة
حاصل في البول ودم الاستحاضة ومع هذا فليس بمنهي عن الوطء في الفرج.
فصل:
ويقال: إن هذه الآية نزلت ردا على اليهود فإنهم يقولون: إذا أتى الرجل المرأة من
خلف في قبلها خرج الولد أحول فأكذبهم الله تعالى في ذلك، وذكره ابن عباس وجابر ورواه
أصحابنا أيضا، وقال الحسن: أنكرت اليهود إتيان المرأة قائمة وباركة فأنزل الله إباحته
بعد أن يكون في الفرج، ومع هذا السبب الذي روي لا يمتنع أن يكون ذلك أيضا مباحا لأن
غاية ما في السبب أن يطابقه الآية، فأما أن لا يفيد غيره فلا يجب عند أكثر المحصلين.
وقوله تعالى: وقدموا لأنفسكم، أي سموا الله في أنفسكم عند الجماع وسلوه أن يرزقكم
ولدا ذكرا سويا ليس في خلقه زيادة ولا نقصان، وقيل: ائتوا النساء في موضع الولادة لا في
أحشاشهن، وقيل: هذا على العموم أي قدموا الأعمال الصالحة التي أمر الله بها عباده
ورغبهم فيها لتكون ذخرا عند الله، فإذا وجه اتصال قوله: وقدموا لأنفسكم، بما قبله أنه لما
قدم الأمر بعدة أشياء قال: قدموا لأنفسكم بالطاعة فيما أمرتم به واتقوا مجاوزة الحد فيما بين
لكم، وفي ذلك الحث على العمل بالواجب الذي عرفوه والتحذير من مخالفة ما ألزموه.
فصل:
وقد خاطب الله نبيه ع بقوله تعالى: ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من
تشاء، قال ابن عباس: خيره الله بين طلاقهن وإمساكهن، وقال مجاهد معناه: تعزل من
شئت من نسائك فلا تأتيها وتأتي من شئت من نسائك، وليس هذا مسقطا للقسم بينهن لأنه
264

إذا كان عند الرجل أربع نسوة يجب عليه أن يبيت عند كل واحدة ليلة ويسوي بينهن في
القسمة، ولا يلزمه إذا بات عند كل واحدة أن يجامعها بل هو مخير في ذلك، وعلى هذا قوله
تعالى: ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء، فإن هذا في المودة والمحبة، وقوله تعالى: فإن
خفتم ألا تعدلوا فواحدة، في القسمة والنفقة.
وقوله تعالى: ومن ابتغيت ممن زلت، قال قتادة: كان نبي الله ص يقسم
بين أزواجه فأحل الله له ترك ذلك، وقيل: ومن طلبت إصابته ممن كنت عزلت عن ذلك من
نسائك، وقوله تعالى: والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم، إلا يخرج من
الآية وطء المتمتع بها لأنها زوجة عندنا وإن خالف حكمها حكم المزوجة على الدوام في
أحكام كثيرة، كما أن حكم الزوجات على الدوام أيضا مختلف.
وذكره تعالى هذه الأوصاف من قوله تعالى: قد أفلح المؤمنون، ومدحه عليها يكفي
ويغني عن الأمر بها لما فيها من الترغيب، وإنما قال الله تعالى: إلا على أزواجهم أو ما ملكت
أيمانهم فإنهم غير ملومين، مع تحريم وطأها على وجوه لتحريم وطء الزوجة والأمة في حال
الحيض، ووطأ زيد جاريته إذا كان قد زوجها من عمرو أو كانت في عدة من زوج، وتحريم
وطء المظاهرة غير المشروطة بالوطئ قبل الكفارة لأن المراد بذلك على ما يصح مما بينه الله في
هذه الوجوه.
وأيضا فإن من وطئ الزوجة أو الأمة في حال الحيض والنفاس فلا يلزمه اللوم من
حيث كانت زوجة أو ملك يمين وإنما يستحق اللوم على وجه آخر، و " وراء " بمعنى غير أي من
طلب سوى الزوجة والأمة فهو عاد، والعادون الذين يتعدون الحلال إلى الحرام.
والاستمناء باليد محرم إجماعا، لقوله تعالى: إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم
فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون، وهذا وراء ذلك، وعنه
ع: ملعون سبعة، وذكر فيها الناكح كفه.
باب الزيادات:
سئل الصادق ع عن الرجل يواقع أهله أ ينام على ذلك؟ قال: قال: الله
265

يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها، فلا يدري ما يطرقه من البلية، إذا فرع
فليغتسل، وقال: من نظر إلى امرأة فرفع بصره إلى السماء أو غمض بصره لم يرتد إليه
بصره حتى يزوجه الله من الحور العين، وقيل له ع: هل تمتع رسول الله صلى الله
عليه وآله
؟ قال: نعم وقرأ هذه الآية: وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا، إلى قوله:
ثيبات وأبكارا.
وكان على ع يكره أن يسلم على الشابة من النساء وقال: أتخوف أن
يعجبني صوتها فيدخل على من الإثم أكثر مما أطلب من الأجر، وقال النبي صلى الله عليه
وآله من سعادة الرجل أن لا تحيض ابنته في بيته، وفي رواية: أن تحيض ابنته في بيت زوجها.
وروى صفوان بن يحيى عن أبي الحسن ع في قوله تعالى حكاية عن ابنة شعيب: يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين، قال: قال لها
شعيب: هذا قوي
قد عرفته برفع الصخرة الأمين من أين عرفته؟ قالت: يا أبت إني مشيت قدامه فقال:
امش من خلفي فإن ضللت فأرشديني إلى الطريق فإنا لا ننظر في أدبار النساء.
واعلم أن الربيب وهو ابن الزوجة لا يصح لزوج أمه أن ينكح ابنته، وليس هذا حملا
على الربيب بل الدلالة عليه من الكتاب هو أن الله تعالى ذكر في جملة المحرمات: وربائبكم
اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح
عليكم، وأجمعت الأمة على أن قوله: وربائبكم، إنما أراد به بنات نسائكم، وهذا يقتضي أن
بنت ابن الزوجة ولدها، فإن بنات الصلب وبنات البنين والبنات أولاد فتقتضي هذه
الجملة تحريم من يقع عليه اسم بنت لزوجة الرجل.
266

غنية النزوع
إلى علمي الأصول والفروع
لحمزة بن علي بن زهرة الحسيني الإسحاقي الحلبي
511 - 585 ه‍ ق
267

كتاب النكاح
نحتاج أولا أن نبين من يحرم نكاحه ثم نبين أقسام النكاح المباح وشروطه والأسباب
الموجبة لتحريم الوطء بعد صحة العقد وما يتعلق بذلك كله من الأحكام فنقول:
من يحرم العقد عليهن على ضربين: أحدهما يحرم على كل حال، والثاني يحرم في حال
دون حال.
فالضرب الأول: المحرمات بالنسب:
وهن ست: الأم وإن علت والبنت وإن نزلت والأخت وبنت الأخ والأخت وإن
نزلتا والعمة والخالة وإن علتا بلا خلاف - والمحرمات بالرضاع، وهن ست كالمحرمات
بالنسب إلا أن الراضع من لبن المرأة يحرم عليه كل من ينتسب إلى بعلها بالولادة والرضاع
ولا يحرم عليه من ينتسب إلى المرأة إلا بالولادة دون الرضاع.
ولا يقتضي التحريم الرضاع إلا بشروط:
منها: أن يكون سن الراضع والمرتضع من لبنه له دون الحولين بدليل إجماع الطائفة
وأيضا قوله تعالى: والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم
الرضاعة، لأن المراد إثبات الرضاع الشرعي الذي يتعلق به الحرمة بدليل أنه تعالى لا يجوز
أن يريد الرضاع اللغوي لأنه ينطلق على ما يحصل بعد الحولين، ولا يريد نفي جوازه دونهما
أو بعدهما لأن ذلك جائز بلا خلاف، ولا نفي الكفاية بدونهما لأن الكفاية قبل تمامهما قد
269

تحصل بلا شبهة، فلم يبق إلا ما قلناه.
ومن شروط تحريم الرضاع: أن يكون لبن ولادة لا در بدليل إجماع الطائفة.
ومنها أن يكون مما ينبت اللحم ويشد العظم بأن يكون يوما وليلة أو عشر رضعات
متواليات - عند بعض أصحابنا، وعند بعضهم خمس عشرة رضعة، والأول أحوط - كل
رضعة منها تروي الصبي لا يفصل بينهما برضاع امرأة أخرى بلا خلاف بين أصحابنا. ولا
يثبت الرضاع بقول المرضعة بل يفتقر ثبوته إلى بينة عادلة.
ومن هذا الضرب من المحرمات أم المعقود عليها بدليل إجماع الطائفة، وأيضا قوله
عز وجل: وأمهات نسائكم ولم يشترط الدخول، وأيضا فقد روى المخالفون أنه ع
قال: من نكح امرأة ثم ماتت قبل الدخول بها لم تحل له أمها، وهذا نص.
ومن هذا الضرب أيضا ابنة المدخول بها سواء كانت في حجر الزوج أو لم تكن
بلا خلاف إلا من داود فإنه قال: إن كانت في حجره حرمت وإلا فلا، ظنا منه أن قوله
تعالى: اللاتي في حجوركم، شرط في التحريم وليس ذلك شرطا وإنما هو وصف لهن لأن
الغالب أن الربيبة تكون في حجره.
ومن هذا الضرب أم المزني بها وابنتها فهو الظاهر من مذهب أصحابنا والأكثر من
رواياتهم، وطريقة الاحتياط تقتضيه.
وتحرم على الابن زوجة الأب وأمته المنظور إليها بشهوة بلا خلاف بين أصحابنا،
وعلى الأب زوجة الابن أيضا وأمته المنظور إليها بشهوة، ومن أصحابنا من قال: الموطوءة،
والأول أحوط، ويحرم على كل واحد منهما العقد على من زنا بها الآخر بدليل إجماع
الطائفة، ويختص التحريم على الابن قوله تعالى: ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء،
لأن لفظ النكاح يقع على العقد والوطء معا.
وتعلق المخالف بما يروونه من قوله ع. الحرام لا يحرم الحلال، غير معتمد لأنه
خير واحد، ثم هو مخصوص بالإجماع، ويحمل على مواضع: منها: أن وطء المرأة في الحيض
حرام ولا يحرم ما عداه من الحلال فيها، ومنها: أن الزنى بالمرأة لا يحرم التزويج بها إذا
270

تابت، ومنها: أن وطء الأب لزوجة ابنه والابن لزوجة أبيه حرام ولا يحرم من الزوجة
ما كان حلالا منها.
ويحرم العقد على الزانية وهي ذات بعل أو في عدة رجعية ممن زنا بها، وعلى أم
الغلام الموقب وأخته وابنته ممن لاط به، ويحرم أيضا على التأبيد المعقود عليها في عدة
معلومة أو إحرام معلوم، والمدخول بها فيهما على كل حال، والمطلقة للعدة تسعا ينكحها بينها
رجلان، والملاعنة والمقذوفة من زوجها وهي صماء أو خرساء، يدل على ذلك كله إجماع
الطائفة، وأيضا فلا يجوز أن يستباح التمتع بالمرأة إلا بيقين ولا يقين فيما ذكرناه
ويعارض المخالف بالملاعنة بما يروونه من قوله ع: المتلاعنان لا يجتمعان
أبدا، وقوله لعويم حين فرق بينه وبين زوجته باللعان: لا سبيل لك عليها، وقول المخالف:
أراد بذلك في هذه الحال، تخصيص بغير دليل. واستدلال المخالف بأن الأصل الإباحة
وبظاهر القرآن كقوله تعالى: فانكحوا ما طاب لكم من النساء، وقوله: وأحل لكم
ما وراء ذلكم، غير لازم لأنا نعدل عن ذلك بالدليل كما عدلوا عنه في تحريم نكاح المرأة
على عمتها وخالتها.
وحكم الأم والبنت والأخت بالرضاع في التحريم بهذه الأسباب حكم ذوات
النسب، وحكم الإماء في التحريم بالنسب والرضاع وغيره من الأسباب حكم الحرائر.
وأما من يحرم العقد عليهن في حال دون حال:
فأخت المعقود عليها بلا خلاف، أو الموطوءة بالملك بلا خلاف إلا من داود، ويدل
على ذلك قوله تعالى: وأن تجمعوا بين الأختين، لأنه لم يفصل، والخامسة حتى تنقبض
الأربع بما يوجب البينونة، والمطلقة للعدة ثلاثا أو للسنة على ما نبينه حتى تنكح زوجا
آخر وتبين منه، وكذا حكم كل مزوجة، والمعتدة من الطلاق الرجعي حتى تخرج من
عدتها، كل هذا بلا خلاف، وبنت الأخ على عمتها وبنت الأخت على خالتها حتى
تأذنا، والأمة على الحرة حتى تأذن، والزانية حتى تتوب، بدليل إجماع الطائفة.
271

وظواهر القرآن المبيحة للعقد على النساء بالإطلاق تبيح تزويج المرأة على عمتها
وخالتها إلا ما أخرجه الدليل من حظر ذلك إذا لم يكن منهما إذن، وما يرويه المخالف من
قوله ع: لا تنكح المرأة على عمتها وخالتها، خبر واحد مخالف لظاهر القرآن
ومعارض بأخبار تقتضي الإباحة مع الاستئذان ومحمول لو سلم من ذلك كله على ما إذا
لم يكن منهما إذن فلا يمكن الاعتماد عليه.
ويحرم العقد على الكافرة وإن اختلفت جهات كفرها حتى تسلم - إلا على وجه
نذكره - بدليل إجماع الطائفة، وأيضا قوله تعالى: ولا تمسكوا بعصم الكوافر، وقوله:
ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن، وقوله: لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة،
لأنه نفي ما لظاهر التساوي في جميع الأحكام التي من جملتها المناكحة.
وقوله تعالى: والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم، نخصه بنكاح المتعة
فإنه جائز عندنا على الكتابيات، أو نحمله على ما إذا كن مسلمات بدليل ما قدمناه ولا
يمتنع أن يكون من جملة الشرع قبل ورود هذا البيان فرق بين من آمنت بعد كفر وبين من
لم تكفر أصلا فيكون في البيان لإباحة نكاح الجميع فائدة، وليس لأحد مع جواز هذا أن
يقول: قد أغنى عما اشترطتموه من إسلام الكتابيات قوله تعالى: من المحسنات
والمؤمنات، فإن قالوا: لستم بتخصيص هذه الآية بما ذكرتموه ليسلم لكم ظواهر آياتكم
بأولى منا إذا خصصنا ظواهركم بالمرتدات والحربيات ليسلم لنا ظاهر الآية التي نستدل
بها؟ قلنا: غير مسلم لكم التساوي في ذلك بل نحن أولى بالتخصيص منكم لأنكم
تعدلون عن ظواهر كثيرة ونحن نعدل عن ظاهر واحد، وإذا كان العدول عن الحقيقة إلى
المجاز إنما يفعل للضرورة فقليله أولى من كثيرة بغير شبهة.
وأما أقسام النكاح المباح فثلاثة: نكاح غبطة، ونكاح متعة، ونكاح ملك اليمين.
ونكاح المستدام مستحب بلا خلاف إلا من داود فإنه قال: واجب، ويدل على
ما قلناه بعد إجماع الطائفة قوله تعالى: فانكحوا ما طاب لكم من النساء، إلى قوله:
فواحدة أو ما ملكت أيمانكم، لأنه تعالى علق ذلك باستطابتنا وما كان كذلك فليس
272

بواجب، ولأنه خير بينه وبين ملك اليمين والتخيير لا يكون بين واجب ومباح، ولأن ذلك
يقتضي جواز الاقتصار على ملك اليمين والمخالف لا يجيزه، ويدل على ذلك أيضا قوله
تعالى: ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات، إلى قوله: وأن
تصبروا خير لكم، ولو كان نكاح الأمة عند عدم طول الحرة واجبا لم يكن الصبر خيرا
منه، وعند المخالف أن الصبر لا يجوز فضلا عن أن يكون خيرا من النكاح.
ومن شرط صحة عقد النكاح:
أن يكون المعقود عليه معلوما متميزا، فلو قال: زوجتك من عندي، أو: امرأة، أو: حمل
هذه الجارية، لم يصح للجهالة.
وأن يكون ممن يحل نكاحه فلا يصح العقد بين الكافر والمسلم بلا خلاف. ولا بين
المسلم وبين إحدى المحرمات عليه اللاتي قدمنا ذكرهن.
وأن يحصل الإيجاب والقبول، وأيهما سبق جاز، فلو قال: زوجنيها، قال الولي:
زوجتكها، صح، ويحتج على المخالف بما رووه من حديث سهل بن سعد فإنه قال: زوجنيها
يا رسول الله، فقال: زوجتكها بما معك من القرآن، ولم يأمره بعد ذلك بالقبول، ولو قال:
أتزوجنيها؟ فقال: زوجتكها، لم يصح حتى يقبل الإيجاب لأن السابق له استفهام، ولو
اقتصر القائل على قوله: قبلت، صح العقد لأن ذلك جواب الإيجاب وهو منضم إليه
فكان معناه قبلت هذا التزويج بلا شبهة.
ومن شرط ذلك أن يكون بلفظ النكاح أو التزويج أو الاستمتاع في النكاح المؤجل
عندنا مع القدرة على الكلام، ولا يصح العقد بلفظ الإباحة. ولا التحليل ولا التمليك
ولا البيع ولا الإجارة ولا الهبة ولا العارية بدليل إجماع الطائفة ولأن ما اعتبرناه في نكاح
الدوام مجمع على انعقاده وليس على انعقاده بما عداه دليل.
ومن شرطه أن يكون صادرا ممن له ولاية، والولاية التي يجوز معها تزويج الصغيرة غير
البالغ - سواء كانت بكرا أو قد ذهبت بكارتها بزوج أو غيره ولا يكون لها بعد البلوغ خيار
273

بلا خلاف بين أصحابنا - وتزويج البكر البالغ من غير إذنها - على خلاف بينهم في
ذلك - مختصة بأبيها وجدها له في حياته، فإن لم يكن الأب حيا فلا ولاية للجد، ومن
يختاره الجد أولى ممن يختاره الأب وليس لأحدهما فسخ العقد الذي سبق الآخر إليه وإن
كان بغير إذنه، والأولى بالأب استئذان الجد بدليل إجماع الطائفة.
ويحتج على المخالف في أن لا ولاية على الصغيرة إلا للأب والجد بما رووه من قوله
ع لقدامة بن مظعون وقد زوج ابنة أخيه: إنها يتيمة وإنها لا تنكح إلا بإذنها،
ولا يجوز أن يقال: سماها يتيمة وإن كانت بالغا لقرب عهدها باليتم، لأن ذلك رجوع
عن الظاهر في الشرع بغير دليل لأنه: لا يتم بعد الحلم، على ما ورد به الخبر.
وعلى الأب أو الجد استئذان البكر البالغ، وإذنها صماتها على ما ورد به الخير، فإن
عقد بغير إذنها فأبت العقد لم ينفسخ العقد عند من قال من أصحابنا: لهما إجبارها على
النكاح، وعند من قال منهم: ليس لهما ذلك، ينفسخ، وطريقة الاحتياط تقتضي اعتبار
رضاها في صحة العقد لأنه لا خلاف في صحته إذا رضيت وليس كذلك إلا ذا لم ترض،
وعلى هذا النكاح يقف على الإجازة سواء كانت من الزوج أو الولي أو المنكوحة.
ويحتج على المخالف في ذلك بما روي من أن امرأة بكرا أتت النبي ص
فقالت: إن أبي زوجني وأنا كارهة، فخيرها النبي ع، وهذا يدل على أن النكاح
يقف على الفسخ والإجازة.
ولا تعقد البكر على نفسها بغير إذنهما، فإن عقدت وأبيا العقد انفسخ إلا أن يكونا قد
عضلاها بمنعها من التزويج بالأكفاء فإنه لا ينفسخ بدليل إجماع الطائفة.
ولا ولاية لغير الأب والجد على البكر، ولا ولاية لهما ولا لغيرهما على البنت البالغ
الرشيدة إلا أن تضع نفسها مع غير كف ء فيكون لأبيها أو جدها فسخ العقد، والكفاءة
تثبت عندنا بأمرين: الإيمان، وإمكان القيام بالنفقة، بدليل الاجماع المشار إليه، ولأن
ما اعتبرناه مجمع على اعتباره وليس على اعتبار ما عداه دليل.
وللثيب إذا كانت رشيدة أن تعقد على نفسها بغير ولي، وكذا البكر إذا لم يكن لها
274

أب وإن كان الأولى لهما رد أمرهما إلى بعض الصلحاء من الأقارب أو الأجانب، بدليل
الاجماع المشار إليه، وأيضا قوله تعالى: فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا
غيره، فأضاف عقد النكاح إليها وهذا يقتضي بظاهره أنها المتولية لعقدها، ومثل ذلك
قوله سبحانه: فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن.
وما يتعلق به المخالف من قوله ع: أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها
باطل، غير معتمد لأنه مقدوح في روايته مع أنه خبر واحد ومعارض بما ورد من طرقهم من
قوله ع: الأيم أحق بنفسها من وليها، والأيم التي لا زوج لها وهذا عام، وقوله
ع: ليس للولي مع الثيب أمر، ولو سلم من ذلك كله لجاز حمله على الأمة إذا
تزوجت بغير إذن مولاها لأن الولي في اللغة والمولى بمعنى واحد، ويشهد بهذا التأويل أنه قد
روي من طريق آخر: أيما امرأة نكحت بغير إذن مولاها، وقول المخالف: في الخبر ما يمنع
من ذلك، وهو قوله ع: فإن دخل بها فلها مهر مثلها بما استحل من فرجها، لأنه
أضاف المهر إليها والأمة لا تملكه، ليس بشئ يعول على مثله لأن ذلك إنما جاز للعلقة
التي بينهما وإن لم تملكه كما قال ع: من باع عبدا وله مال كان المال لمولاه.
وتعلقهم بما رووه من قوله ع: لا نكاح إلا بولي، يسقط بمثل ما قدمناه من
القدح والمعارضة وبأنه خبر واحد، وبأنا نقول بموجبه لأن الولي هو الذي يملك العقد
والمرأة عندنا هذه حالها، فإذا عقدت النكاح كان ذلك نكاحا بولي ولفظة ولي تقع على
الذكر والأنثى بغير شبهة على من يعرف اللغة كما تقع عليها لفظة وصي، وبأنا نحمله على
نفي الفضيلة كما قال ع: لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد، ولا صدقه
وذو رحم محتاج.
فصل:
وليس من شرط صحة العقد الشهادة بل من مستحباته بدليل الاجماع وأيضا فقد أمر
تعالى بالنكاح ولم يشترط الشهادة ولو كانت شرطا لذكرها، ويحتج على المخالف بما رووه
275

من قوله ع: أوصيكم بالنساء خيرا فإنهن عوان عندكم أخذتموهن بأمانة الله
واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولا كلام يستباح به فرج المرأة إلا الإيجاب والقبول
فيجب بظاهر الخبر حصول الاستباحة بذلك من غير أمر آخر سواه، ولا يجوز حمل الخبر على
أن المراد بكلمة الله قوله تعالى: وأنكحوا الأيامى منكم، وما أشبه ذلك لأن المستفاد به
الإذن فيما يقع به تحليل الفرج وهو ما قلنا من الإيجاب والقبول ولهذا لا يستغني بذلك
عنها، وتعلقهم بما رووه من قوله ص: لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل، قد
بينا الجواب عنه، على أن أبا حنيفة لا يصح على مذهبه أن يزيد الشهادة بأخبار الآحاد
لأن عنده أن كل زيادة في القرآن توجب النسخ ونسخ القرآن لا يجوز بأخبار الآحاد.
فصل:
وليس من شرط صحة عقد الدوام ذكر المهر بلا خلاف بل من مستحباته، ويدل على
ذلك أيضا قوله تعالى: لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن
فريضة، والطلاق لا يقع إلا في نكاح صحيح.
والمهر ما تراضى عليه الزوجان دائما كان العقد أو مؤجلا مما له قيمة ويحل تمليكه
قليلا كان أو كثيرا، ويجوز أن يكون تعليم شئ من القرآن ولو كان آية واحدة بدليل
إجماع الطائفة وأيضا قوله تعالى: وآتوا النساء صدقاتهن نحلة، وفي موضع آخر: فأتوهن
أجورهن، والاسم يتناول القليل والكثير، وأيضا قوله تعالى: وإن طلقتموهن من قبل أن
تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم، ولم يفرق بين القليل والكثير، وعند
المخالف إذا فرض لها خمسة دراهم وجبت كلها.
ويحتج على المخالف بما رووه من قوله ع: أدوا العلائق، فقيل له: ما
العلائق؟ فقال: ما تراضى عليه الأهلون، وقوله ع: من استحل بدرهمين فقد
استحل، وقوله ع: لا جناح على امرئ أصدق امرأة صداقا قليلا أو كثيرا، وقوله
ع للرجل الذي طلب منه تزويج المرأة: زوجتكها بما معك من القرآن، بعد أن
276

طلب منه أن يصدقها بشئ وقال له: التمس ولو خاتما من حديد، والظاهر أنه
ع جعل ما معه من القرآن صداقا لأنه لم يطلب الفضل والشرف وإنما طلب المهر
ولأنه قال: بما معك، والباء تدل على البدل والعوض ولو أراد الشرق لقال: لما معك من
القرآن، ولا يصح جعل القرآن صداقا إلا على وجه التعليم له، وفي خبر آخر عن أبي هريرة
أنه قال ع قال للرجل: قم فعلمها عشرين آية وهي امرأتك، وهذا نص.
ولا يجوز أن يقول الانسان لغيره: زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك على أن يكون
بضع كل واحدة منهما مهر الأخرى، لأن ذلك هو نكاح الشغار الذي نهى النبي صلى الله
عليه وآله عنه ولا خلاف من أصحابنا في تحريمه.
ويجوز جعل العتق مهرا بأن يقول لأمته: قد تزوجتك وجعلت عتقك مهرك، ولو
قال: قد أعتقك وتزوجتك وجعلت عتقك صداقك، ثبت العتق وكانت مخيرة في
التزويج.
وإذا عين المهر حالة العقد كان للزوجة أن تمتنع من تسليم نفسها حتى تقبض جميعه،
فإذا قبضته فله نقلها إلى منزله وليس لها الامتناع، ولو دخل بها وهو أو بعضه باق في ذمته
لم يكن لها منع نفسها منه حتى تقبض ذلك وإنما لها المطالبة به فقط.
وإذا لم يسم لها مهرا حالة العقد ودخل بها، فإن كان أعطاها قبل الدخول شيئا
وقبضته منه لم يكن لها غيره لأنها لو لم ترض به لما مكنته من نفسها، وإن لم يكن أعطاها
شيئا لزمه مهر مثلها، ويعتبر في ذلك السن والنسب والجمال والتخصيص وكلما يختلف
المهر لأجله، فإن نقص عن مهر السنة وهو خمس مائة درهم فضة أو قيمتها خمسون دينارا لم
يكن لها غيره، وإن زاد على ذلك رد إليه، كل ذلك بدليل الاجماع المشار إليه.
وإذا وقع العقد على عبد مجهول أو دار مجهولة صح وكان لها من أوسط العبيد أو الدور،
و إذا وقع على عين محرمة كالخمر وعين الغصب صح العقد وبطل المسمى بلا خلاف إلا
من مالك وبعض أصحابنا، ونبين صحة ما اخترناه أن أكثر ما يلزم في هذه الصورة سقوط
المسمى وذلك لا يؤثر في صحة العقد لأنا قد بينا أنه لا خلاف في صحته مع عدم ذكر
المهر.
277

والزوجة تملك الصداق المسمى لها كله بنفس العقد، وهو من ضمان الزوج إن تلف
قبل القبض ومن ضمانها إن تلف بعده خلافا لمالك، فإن دخل بها أو مات عنها استقر
كله بلا خلاف، وإن طلقها قبل الدخول رجع بنصف العين التي قدمها دون الزيادة
المنفصلة الحادثة في يد الزوجة كحمل الحيوان بدليل إجماع الطائفة، وأيضا قوله تعالى:
وآتوا النساء صدقاتهن، والظاهر أن الكل لهن من غير فصل بين ما قبل الدخول وبعده.
ومن لم يسم لها مهر إذا طلقت قبل الدخول فلا مهر لها ولها المتعة، ويعتبر بحال
الزوج، فعلى الموسر خادم أو دابة أو ما أشبه ذلك، وعلى المتوسط ثوب أو ما أشبهه، وعلى
الفقير خاتم أو نحوه بدليل الاجماع المشار إليه، وأيضا قوله تعالى: ومتعوهن على الموسع
قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين.
وإذا أصدقها على أن لأبيها ألفا صح العقد بلا خلاف، ويجب عليه الوفاء بما سمي
لها، وهو بالخيار فيما شرط لأبيها بدليل إجماع الطائفة، ولو أصدقها وشرط أن يتزوج عليها
ولا يتسرى لصح النكاح والصداق وبطل الشرط بدليل الاجماع المشار إليه، وأيضا فذلك
شرط يخالف الكتاب والسنة فكان باطلا. ولو شرط في النكاح أن لا يسافر بها لكان
الأولى الوفاء بذلك لقوله ع: المؤمنون عند شروطهم، وإذا شرط في النكاح أو
فيه وفي الصداق معا خيار المدة بطل النكاح والصداق لأن ثبوت عقد النكاح حكم
شرعي يحتاج إلى دلالة شرعية وليس في الشرع ما يدل على ثبوت ذلك هاهنا، ولو شرط
الخيار في الصداق وحده لم يبطل النكاح وصح الشرط والصداق لقوله ع:
المؤمنون عند شروطهم، وهذا شرط لا يخالف الكتاب والسنة فكان صحيحا هنا.
ومن السنة في عقد الدوام الخطبة قبله - بلا خلاف إلا من داود فإنه قال: واجبة -
والإعلان به والوليمة له واجتماع الناس بدليل إجماع الطائفة ولأن الأصل براءة الذمة
وشغلها بإيجاب شئ من ذلك يفتقر إلى دليل.
278

فصل:
ولا يجوز للحر أن يجمع في عقد الدوام بين أكثر من أربع حرائر أو أمتين ولا للعبد أن
يجمع بين أكثر من أربع إماء أو حرتين، وإذا اجتمع عنده أربع حرائر لزم العدل بينهن في
المبيت ولا يفضل واحدة إلا برضى الأخرى بلا خلاف، فإن كان عنده زوجتان جاز أن
يفضل إحديهما بليلتين بدليل إجماع الطائفة وأيضا فإن له حقا بدلالة أن له أن يتزوج
اثنتين أخراوين فجاز أن يجعل نصيبه لإحدى زوجيته.
وإن كان له زوجتان حرة وأمة كان للحرة ليلتان وللأمة ليلة بدليل الاجماع المشار
إليه، ويحتج على المخالف بما روي من قوله ع: من نكح أمة على حرة فللحرة
ليلتان وللأمة ليلة، وهذا نص، وروي مثل ذلك عن علي ع ولا مخالف له في
الصحابة.
وإن كان عنده زوجة أو أكثر فتزوج بأخرى، فإن كانت بكرا فلها حق التقديم وحق
التخصيص بسعة أيام، وإن كانت ثيبا فلها حق التقديم والتخصيص بثلاثة أيام من غير
قضاء أو سبعة يقضيها في حق الباقيات ولها الخيار في ذلك بدليل الاجماع المشار إليه،
ويحتج على المخالف في التخصيص - فإن التقديم لا خلاف فيه - بما رووه من قوله
ع: للبكر سبع وللثيب ثلاث، فأضاف إليهما ذلك بلام الملك، وقوله لأم سلمه
لما دخلت عليه: إن شئت سبعت عندك وسبعت عندهن وإن شئت ثلثت عندك
ودرت.
فصل:
يكره للحر أن يتزوج بأمة وهو يجد طولا للحرة ولا يخاف على نفسه العنت بدليل إجماع
الطائفة، ولا يجوز للحر أن يتزوج أمة ولا للحرة أن تتزوج عبدا إلا بإذن السيد، فإن فعلا
ذلك بغير إذنه كان العقد موقوفا على إجازته و الولد حر مع الإذن إلا أن يشترط الرق،
ورق مع عدمه.
279

وإذا مات السيد أو باع فالوارث والمبتاع بالخيار بين إمضاء العقد وفسخه، وكذا لو
أعتق الأمة كان الخيار لها في ذلك سواء كان الزوج حرا أو عبدا، وإذا حصل الرضا من
هؤلاء لم يكن لهم بعد الرضا خيار، ولا توارث بين الزوجين إذا كان أحدهما رقا.
وإذا زوج عبده بأمة غيره فالطلاق بيد الزوج، والولد - إن لم يكن هناك شرط أنه
رق لأحد السيدين - بينهما في الملك على السواء، ومن زوج عبده بأمته استحب له أن
يعطيها شيئا من ماله مهرا، والفراق بينهما بيده يأمر كل واحد منهما باعتزال صاحبه متى
شاء وليس للزوج طلاق على حال، كل ذلك بدليل إجماع الطائفة.
فصل:
وإذا كانت الزوجة ممن يصح الدخول بها لبلوغها تسع سنين فصاعدا وتسلمها الزوج
لزمه إسكانها والإنفاق في كسوتها وإطعامها بالمعروف، ولزمها طاعته في نفسها وملازمة
منزله، فإن عصته وهي مقيمة فيه وعظها وخوفها الله تعالى، فإن لم يؤثر ذلك هجرها
بالإعراض عنها واعتزال الفراش أو تحويل وجهه عنها فيه، فإن لم يؤثر ذلك ضربها ضربا
رفيقا غير مؤثر في جسدها ولا يترك ما تضطر إليه من غذاء ولباس، فإن خرجت من منزله
بغير إذنه أو باذنه وامتنعت من العود إليه سقط عنه فرض نفقتها وكان له ردها إليه وإن
كرهت وتأديبها بما قدمناه، قال الله تعالى: واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن
واهجروهن في المضاجع واضربوهن، وقال كثير من أهل التفسير: معنى تخافون
تعلمون، ومن لم يقل ذلك وحمل الخوف على ظاهره لا بد أن يضمر: وعلمتم ذلك منهن،
لأن بمجرد الخوف من النشوز وقبل حصوله لا يفعل شئ مما ذكرناه.
وأما الزوج إذا نشز على المرأة وكره المقام معها وهي راغبة فيه فلا بأس أن تبدل له
على استدامة المقام معه شيئا من مالها وتسقط عنه فرض نفقتها والليلة التي لها منه
ويصطلحا على ذلك، قال الله تعالى: وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا
جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير.
280

والشقاق بين الزوجين يكون بأن يكره كل واحد منهما صاحبه ويقع بينهما الخصام ولا
يستقر بينهما صلح لا على طلاق ولا على مقام من غير شقاق، وأيهما رفع الخبر إلى الحاكم
فعليه أن يبعث رجلين مأمونين أحدهما من أهل الزوج والآخر من أهل المرأة ينظران
بينهما، فإن أمكنهما الإصلاح نجزاه، فإن رأيا أن الفرقة أصلح أعلما الحاكم بذلك ليرى
رأيه، وليس له إجبار الزوج على الطلاق إلا أن يمنع من حقوق الزوجة واجبا عليه، قال
الله تعالى: وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا
إصلاحا يوفق الله بينهما.
ومن تزوج امرأة على أنها حرة فخرجت أمة، أو بنت حرة فخرجت بنت أمة، أو
سليمة فخرجت مجذومة أو برصاء أو عمياء أو رتقاء أو مفضاة أو مجنونة أو عرجاء - ومن
أصحابنا من ألحق بذلك كونها محدودة في الزنى - كان له ردها و فسخ العقد بغير طلاق
بإجماع الطائفة، ويأخذ ما دفع من المهر إلا أن يكون قد وطئها قبل العلم بالعيب فإنه
يكون لها بما استحل من فرجها ويرجع به على من تولى أمرها إن كان علم بالعيب ودلسها
عليه.
وإن كانت أمة فرزق منها ولدا، فإن كان عقد على أنها حرة بشهادة شاهدين لها
بالحرية فالولد حر ويرجع السيد بقيمة الولد والمهر على من تولى أمرها، وإن كان عقد من
غير بينة بذلك فولدها رق ويلزم سيدها دفعه إلى الأب بالقيمة وعلى الأب دفعها إليه،
فإن لم يكن له مال استسعى فيها، فإن أبي ذلك فعلى الإمام القيام بها من سهم الرقاب،
وعلى الأب لمولى الجارية عشر قيمتها إن كانت بكرا ونصف عشرها إن لم تكن كذلك.
وإن علم الزوج بأحد هذه العيوب فوطئها أو رضي به لم يكن له بعد ذلك رد ولا أخذ
شئ من المهر، ويكون الولد من الأمة رقا لسيدها إن كان العقد بغير إذنه، ولا يلزم دفعه
بالقيمة بلا خلاف.
والحرة إذا تزوجت برجل على أنه حر فظهر عبدا أو سليم فظهر أنه مجنون أو عنين أو
مجبوب فلها الرد ولا يرد الرجل بغير هذه العيوب - وحكم الولد من العبد ما قدمناه من
281

حكم ولد الأمة - غير أن العنين يجب الصبر عليه سنة، فإن تعالج ووصل إليها فيها ولو مرة
واحدة فلا خيار لها في رده، وإن لم يصل إليها في هذه المدة فلها الخيار، وهذا حكم العنة
الحادثة بعد الدخول والصحة بدليل إجماع الطائفة.
والجنون الحادث بعد الدخول، إن كان يعقل معه أوقات الصلاة فلا خيار لها في
فراقه، وإن كان لا يعقل ذلك كان لها الخيار ولزم وليه أن يطلقها منه إن طلبت الفراق
بلا خلاف بين أصحابنا، وإذا حدث بالزوجة بعد الدخول أحد ما قدمناه من العيوب لم
يكن للزوج به فسخ العقد وإنما يفارقها إذا شاء بالطلاق على خلاف بينهم في ذلك.
ويجوز لمن أراد نكاح امرأته أن ينظر إلى وجهها وكفيها بدليل إجماع الطائفة، وقد روى
جابر عن النبي ص أنه قال: إذا أراد أحدكم أن يتزوج امرأة فلينظر إلى
وجهها وكفيها، وروى أبو الدرداء أنه قال: إذا طرح الله في قلب امرئ خطبة امرأة فلا
بأس أن يتأمل محاسن وجهها.
فصل: في نكاح المتعة:
وأما نكاح المتعة تفتقر صحته إلى شرطين زائدين على ما تقدم من الشروط: أحدهما
تعيين الأجر والثاني تعيين الأجل، فإن ذكر الأجر دون الأجل كان دواما، وإن ذكر
الأجل فقط فسد العقد، ويستحب ذكر ما عدا هذين الشرطين نحو أن يقول: على أن
لا ترثيني ولا أرثك وأن أضع الماء حيث شئت وأنه لا سكنى لك ولا نفقة وعليك العدة إذا
انقضت المدة.
والمتمتع بها لا يتعلق بها حكم الإيلاء ولا يقع بها طلاق ولا يصح بينها وبين الزوج
لعان ويصح الظهار، وانقضاء الأجل يقوم في الفراق مقام الطلاق، ويدل على ذلك كله
إجماع الطائفة، ولا سكنى لها ولا نفقة ولا توارث بينهما بلا خلاف بينهم أيضا، ولو شرط
ذلك كله لم يجب أيضا عند بعض أصحابنا لأنه شرط يخالف السنة، وعند بعضهم يثبت
بالشرط.
282

ويجوز الجمع في هذا النكاح بين أكثر من أربع، ولا يلزم العدل بينهن في المبيت،
ويلحق الولد بالزوج ويلزم الاعتراف به إذا وطئ في الفرج وإن كان يعزل الماء بدليل
الاجماع المشار إليه، ويدل أيضا على إباحة نكاح المتعة إن ذلك هو الأصل في العقل هو
إنما ينتقل عن الأصل العقلي بدليل ولا دليل يقطع به في ذلك فوجب البقاء على حكم
الأصل، وأيضا فهذا النكاح كان مباحا في عهد النبي ص بلا خلاف
وإنما ادعى النسخ وعلى من ادعاه الدليل.
وأيضا قوله تعالى: وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير
مسافحين فما استمتعتم به منهن فأتوهن أجورهن فريضة الآية، والاستمتاع بالنساء
بعرف الشرع مختص بهذا العقد فوجب حمل الآية عليه به.
فإن قيل: ما أنكرتم أن يكون المراد بالاستمتاع هاهنا الالتذاذ والانتفاع دون العقد
المخصوص بدليل أن قوله: وأحل لكم ما وراء ذلكم، يتناول عقد الدوام بلا خلاف.
قلنا: لا يجوز حمل لفظ الاستمتاع على ما ذكر لأمرين: أحدهما: أنه يجب حمل
الألفاظ الواردة في القرآن على ما يقتضيه العرف الشرعي دون الوضع اللغوي على ما بيناه
في أصول الفقه، والثاني: أن الالتذاذ لا اعتبار به في وجوب المهر لأنا لو قدرنا ارتفاعه عمن
وطئ زوجته ولم يلتذ لأن نفسه كرهتها أو لغير ذلك لوجب المهر بالاتفاق فيثبت أن المراد
ما قلناه.
وأما إباحته تعالى بالآية نكاح الدوام فغير مناف لما ذكرناه من إباحة نكاح المتعة
لأنه سبحانه عم الأمرين معا بقوله: وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم
محصنين غير مسافحين، ثم نص سبحانه نكاح المتعة بقوله: فما استمتعتم به منهن
فأتوهن أجورهن فريضة، ويؤيد ذلك ما روي عن أمير المؤمنين ع وعبد الله بن
عباس وابن مسعود ومجاهد وعطاء من أنهم كانوا يقرءون: فما استمتعتم به منهن إلى
أجل مسمى، وقوله تعالى: ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة، والمراد
بذلك على ما اتفق عليه أصحابنا ورووه عن آل الرسول ع الزيادة من
283

الزوج في الأجر ومن الزوجة في الأجل. وتعلق المخالف بقوله تعالى: والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو
ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون،
وادعاؤهم أن المتمتع بها ليست زوجة لأنها لا ترث ولا تورث ولا تبين بالطلاق ولا
يلحقها حكم الإيلاء والظهار ولا يصح بينها وبين زوجها لعان ولا يلحق الولد بزوجها ولا
تعتد لانقضاء الأجل وللوفاة إذا كانت حرة كعدة الحرائر من الأزواج ولا تحلل للمطلق
ثلاثا العود إلى الزوجة ولا يجب لها سكنى ولا نفقة، ليس بشئ يعول على مثله لأن
الأحكام الشرعية إنما تثبت بالأدلة الشرعية ولا مدخل فيها للقياس على ما بيناه في أصول
الفقه.
وإذا ثبت ذلك وكان الدليل الشرعي قد قدر هذه الأحكام في المتمتع بها وجب
القول بها ولم يجز قياسها على غيرها من الزوجات.
على أن ما ذكروه من الميراث ينتقض بالقاتلة لزوجها فإنها لا ترثه، وبالزوجة إذا
كانت ذمية أو أمة فإنه لا توارث بينها وبين زوجها.
وأما الطلاق فقد قام مقامه في الفرقة غيره في كثير من الزوجات كالملاعنة والمرتدة
والأمة المبيعة والمالكة لزوجها، فما أنكروا أن يكون انقضاء الأجل يقوم في الفرقة مقام
الطلاق ولا يحتاج إليه؟ وليس لأحد أن يقول: وألا وقع الطلاق قبل انقضائه؟ لأن
كل من أجاز النكاح إلى أجل منع من وقوع الطلاق قبله، فالقول بأحد الأمرين دون
الآخر يبطله الاجماع.
وأما الإيلاء فإن الله تعالى علق حكم من لم يراجع ويكفر بالطلاق ولا يقع بالمتمتع
بها طلاق فلا يلحقها حكم الإيلاء، مع أنه قد يكون أجل المتعة أقل من أجل المضروب
في الإيلاء وهو أربعة أشهر فكيف يصح في هذا النكاح الإيلاء.
وأما اللعان فعند أبي حنيفة أن الشرط في وقوعه بين الزوجين أن يكونا حرين مسلمين
وعنده أن الأخرس لا يصح قذفه ولا لعانه، فلا يصح له التعلق في نفي زوجية المتمتع بها
284

بانتفاء اللعان.
وأما الظهار فيقع بالتمتع بها عندنا و يلحق الولد بأبيه في هذا النكاح بخلاف
ما ظنوه.
وأما العدة إذا انقضى أجلها فقرءان وقد ثبت بلا خلاف أن عدة الأمة كذلك وإن
كانت زوجة، وإذا توفي زوجها قبل انقضاء الأجل فعدتها عندنا أربعة أشهر وعشرة أيام
كعدة المعقود عليها عقد الدوام.
وما يتعلق به المخالف في تحريم المتعة من الأخبار أخبار آحاد لو سلمت من القدح في
رواتها والمعارضة لها لم يجز العمل في الشرع بها، فكيف وقد طعن أصحاب الحديث في
رواتها وضعفوهم بما هو مسطور؟ وعارضها أخبار كثيرة في إباحة المتعة واستمرار العمل
بها حتى ظهر من نهي عمر عنها ما نقله الرواة؟
وقوله: متعتان كانتا على عهد رسول الله ص حلالا أنا أحرمهما
وأعاقب عليهما متعة النساء ومتعة الحج، يبطل دعوى المخالف أن النبي ع هو
الذي حرمها لأنه اعترف بأنها كانت حلالا في عهده وأضاف النهي والتحريم إلى نفسه.
فإن قيل: كيف يصرح بتحريم ما أحله النبي ع ولا ينكر ذلك عليه؟
قلنا: ارتفاع النكير يحتمل أن يكون للتقية، ويحتمل أن يكون لشبهة وهي اعتقاد
التغليظ والتشديد في إضافة النهي إليه وإن كان النبي ع هو الذي حرمها، أو
اعتقاد جواز نهي بعض الأئمة عما أباحه الله إذا أشفق في استمرار عليه من ضرر في
الدين، وهذا الوجه هو الذي حمل الفقهاء نهي عمر عن متعة الحج عليه على أن المتمتع
لا يستحق حدا من رجم ولا غيره باتفاق وقد قال عمر: لا أوتي بأحد تزوج متعة إلا رجمته
بالحجارة، وما أنكر أحد ذلك عليه ومهما اعتذروا به عن ذلك كان عذرا في ترك النكير
لتحريم المتعة.
285

فصل:
وأما ملك اليمين فيكون بأحد أسباب التمليك، وإذا انتقلت إلى الملك بأحد أسبابه لم
يجز وطؤها حتى تستبرئ بحيضة أو خمسة وأربعين يوما إن كانت مم لا تحيض إلا أن
يكون البائع لها قد استبرأها قبل البيع وهو ممن يوثق بأمانته فإنه لا يجب على المشتري
والحال هذه استبراؤها وإنما يستحب له ذلك، فإن كانت حاملا لم يجز له وطؤها في الفرج
- حتى يمضى لها أربعة أشهر - إلا بشرط عزل الماء، فإن لم يعزل لم يجز له بيع الولد ولا أن
يعترف به ولدا بل يجعل له قسطا من ماله لأنه غذاه بنطفته بدليل إجماع الطائفة.
ولا يحل وطء الأمة إذا كان بعضها حرا وبعضها رقا بل يكون لمالك البعض من
خدمتها في الزمان بمقدار ما يملكه منها ولها من نفسها بمقدار ما هو حر منها، وقد روي أنه
يجوز أن يعقد عليها في يومها عقد المتعة خاصة.
وإن كانت مشتركة بين شريكين لم يجز لأحدهما وطؤها إلا أن يحلله شريكه من ذلك
على ما رواه أصحابنا، ولا بد من اعتبار لفظ التحليل بأن يقول: حللتك من وطئها، و:
جعلتك منه في حل، وكذا لو كانت خاصة في الملك فإنه يجوز وطؤها لغير المالك بتحليله
لها، فإن وطئها أحد الشريكين من غير تحليل أثم ووجب تأديبه، فإن جاءت بولد ألحق به
ولزمه لشريكه سهمه من قيمته، فإن وطأها جميعا أثما وأدبا، فإن جاءت بولد ألحق بمن
خرج له اسمه بالقرعة ودفع إلى شريكه مقدار نصيبه من قيمته.
ويجوز شراء الجارية ووطؤها وإن سباها الظالمون إذا كانت مستحقة للسبي وإن لم
يخرج منها الخمس لتحليل مستحقيه شيعتهم وإياهم خاصة من ذلك لتطيب مواليدهم،
ويجوز وطؤها وإن لم تسلم إذا كانت كتابية.
ومتى ملك المرء من يحرم عليه مناكحته بالنسب عتق عليه عقيب ملكه بلا فصل،
وتجري على أم الولد جميع أحكام الرق إلا بيعها وولدها حي في غير ثمنها فإنه لا يجوز على
ما بيناه في كتاب البيع، كل ذلك بدليل إجماع الطائفة عليه.
و يجوز الجمع في الوطء بملك اليمين بين قليل العدد وكثيره، ويجوز الجمع بين المحرمات
286

بالنسب والسبب في الملك دون الوطء على ما دللنا عليه فيما مضى.
ووطء الحلائل من النساء في الدبر غير محظور بدليل الاجماع المشار إليه، وأيضا قوله
تعالى: نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم، ومعنى " أنى شئتم " من أين شئتم
وكيف شئتم في قول العلماء بالتفسير واللغة، وحمل ذلك على الوقت وأن يكون المعنى متى
شئتم على ما حكى عن الضحاك خطأ عند جميعهم.
وقول المخالف: إذا سمى الله تعالى النساء حرثا وجب أن يكون الوطء حيث يكون
النسل، لا يعول على مثله لأنه لا يمتنع تسميتهن بذلك مع إباحة وطئهن فيما لا يكون منه
الولد بدليل أنه لا خلاف في جواز وطئهن فيما عدا القبل والدبر لأنه لو صرح بأن قال: فأتوا
حرثكم أنى شئتم، من قبل ودبر لحسن منه ولما كان متنافيا، ولو كان ذكر الحرث
يمنع من الوطء في الدبر لتنافي ذلك ولم يحسن التصريح به. ومن يقول: أن المراد بالآية
إباحة وطء المرأة في قبلها من جهة دبرها خلافا لما يكرهه اليهود، مخصص للظاهر من غير
دليل، ولو صح نزول الآية على هذا السبب لم يجز أكثر من مطابقتها له فأما منع تعديها إلى
غيره مما يقتضيه ظاهرها فلا يجب.
وقد حكى الطحاوي عن الشافعي أنه قال: ما صح عن النبي ص في
تحريم ذلك ولا تحليله شئ والقياس أنه مباح، وحكى عن مالك أنه قال: ما أدركت
أحدا أقتدي به في ديني يشك في أن وطء المرأة في دبرها حلال وتلا الآية، وروى مالك
ذلك عن نافع عن ابن عمر.
287

الوسيلة إلى نيل الفضيلة
لعماد الدين أبي جعفر محمد بن علي بن حمزة الطوسي
المعروف بابن حمزة
289

كتاب النكاح
النكاح: عبارة عن عقد التزوج بين الرجل والمرأة وقد يستعمل في الوطء، وهو ثلاثة
أضرب: نكاح الغبطة: وهو نكاح المستدام ونكاح المتعة: وهو المؤجل ونكاح بملك اليمين،
ويشتمل الكتاب على بيان عشرة فصول: بيان كيفية العقد ومن يجوز العقد عليها ومن
لا يجوز وما يعقد عليه من المهور ومن إليه العقد وما يؤثر في فسخ العقد وما يلزم بالعقد
وأحكام الأملاك والزفاف وما يتعلق بجميع ذلك.
فصل في بيان مقدمة الكتاب وكيفية العقد:
الرجل والمرأة لا يخلو حالهما من أربعة أوجه: إما يشتهي كل واحد منهما النكاح ويقدر
عليه أو لا يشتهي ولا يقدر عليه أو يشتهي ولا يقدر عليه أو يقدر عليه ولا يشتهي، فالأول
يستحب له النكاح والثاني يكره له ذلك والثالث والرابع لا يستحب لهما ولا يكره بل يجوز
لهما ذلك.
والكفاءة معتبرة في نكاح الدوام وهي الإيمان، ولا يصح العقد لمؤمن على كافرة
ولا لكافر على مؤمنة ولا لناصب، ويجوز لمؤمن أن يتمتع باليهودية، والنصرانية والناصبة
مختارا وعقد نكاح الغبطة مضطرا.
291

ويستحب للرجل أن يطلب للتزوج امرأة فيها ست عشرة خصلة: الدين والأبوة
والأصل الكريم وكونها دودا ولودا سمراء عجزاء مربوعة طيبة الريح والكلام موافقة
عاملة بالمعروف إنفاذا وإمساكا عزيزة في أهلها ذليلة مع بعلها متبرجة مع زوجها حصانا
مع غيره، درماء حسنة الشعر طيبة الليت.
ويكره التزوج بثمان عشرة: الحسناء من منبت السوء والسيئة الخلق والسليطة
الصخابة والولاجة الخراجة والعقيم والذليلة في أهلها، العزيزة مع بعلها والحقود وغير
المتورعة والمتبرجة إذا غاب عنها زوجها، الحصان معه وغير المرضية في الاعتقاد وغير
السديدة الرأي وغير العفيفة وغير العاقلة، والمجنونة والكردية والسوداء إلا إذا كانت
نوبية، والمستضعفة من أهل الخلاف والأمة مع وجود الطول وإن كانت مؤمنة. والبكر أفضل
من الثيب.
ويستحب للرجل إذا أراد أن يزوج كريمته أن يطلب رجلا فيه خمس خصال: التدين
والعفة والورع والأمانة واليسار بقدر ما يقوم بأوده وأود عياله من المال أو الحرفة، وإن خطب
رجل بهذه الصفة وإن كان حقير النسب قليل المال إلى آخر، وإن كان شريفا ولم يزوجه
كان عاصيا لله تعالى مخالفا لسنة نبيه ص.
ويكره أن يزوج كريمته من خمسة: من المستضعف المخالف إلا مضطرا ومن شارب
الخمر والمتظاهر بالفسق وغير المرضي الاعتقاد والسيئ السيرة.
وإذا عزم الرجل على النكاح لم يعقد إذا كان القمر في برج العقرب، وراعى ثمانية
أشياء استحبابا: استخار الله تعالى وصلى ركعتين، وأكثر من التحميد ودعا بالدعاء المروي
وابتدأ باسم الله تعالى وأعلن النكاح بحضرة جماعة من المؤمنين وخطب قبل العقد
والشهود من فضيلة النكاح دون صحته وفسق الولي لا يقدح.
ويستحب لولي المرأة أن يقول قبل العقد: أزوجك على إمساك بمعروف أو تسريح
بإحسان ولا يصح النكاح إلا بتعيين المنكوحة بأحد ثلاثة أشياء: بالإشارة أو التسمية
أو الصفة، وبالإيجاب والقبول. والإيجاب قوله: أنكحتك أو زوجتك، والقبول قوله: قبلت
هذا النكاح أو التزويج أو قبلت فحسب. وتعيين المهر في نكاح الغبطة من شروط فضله
292

دون صحته وفي نكاح المتعة من شروط صحته.
ويجوز تقديم القبول على الإيجاب مثل زوجني فلانة أو تزوجت فلانة، وقال: زوجتكها،
وإن قيل للولي: زوجت فلانة من فلان قال: نعم، وقال للرجل: قبلت التزويج قال: نعم،
صح.
ولا يجوز القبول بلفظة الاستفهام ولا الاستقبال، ويجوز التوكيل في الإيجاب والقبول
وفي أحدهما، ولا يجوز أن يكون الوكيل فيهما واحدا فيكون موجبا قابلا، وإن قدر المتعاقدان
على القبول والإيجاب بالعربية عقدا بها استحبابا، وإن عجزا جاز بما يفيد مفادها من
اللغات، والإشارة المؤذنة بالإيجاب والقبول تقوم مقام اللفظ من الأخرس.
فصل في بيان من يجوز العقد عليه:
إنما يجوز العقد على من أحل الله تعالى نكاحه ولا يجوز على من حرم عليه النكاح،
والمحرمات من النساء ضربان: إما تحرم بالنسب أو بالسبب.
فالتي تحرم بالنسب خمس عشرة نفسا: الأم وأمها وإن علت وأم الأب وإن علت والبنت
وبناتها وإن سفلت وبنات الابن وإن سفلن والعمة والخالة وعمة الأب وخالته وعمة الأم
وخالتها وإن علون، والأخت وبناتها وإن سفلن وبنات الأخ وإن سفلن.
والسبب ضربان: إما يحرم نكاحه أبدا أو في حال دون حال، فالأول أربعون صنفا:
الرضيع والمعقود عليها في العدة أو في حال الإحرام من الرجل وهو عالم بتحريمه دخل بها أو لم
يدخل، وأم الزوجة وأمها وإن علون نسبا ورضاعا وأم من وطأها بملك اليمين وبنتها وإن
نزلت، وبنات زوجته التي دخل بها وبنات بناتها وبنات أبنائها وإن نزلن نسبا ورضاعا.
والتي يلوط بأبيها أو أخيها، أو ابنها فأوقب، والتي قد زنى بها وهي ذات بعل أو في عدة
له فيها عليها رجعة، وبنات العمة وبنات بناتها إذا فجرت بها وبنات الخالة وبنات بناتها
كذلك، والتي زني بأمها أو ببنتها وإن علت الأم ونزلت البنت نسبا ورضاعا.
والتي بانت باللعان والمطلقة تسع تطليقات للعدة وتزوجت بعد كل ثلاث زوجا، والتي
أفضاها بالوطئ وهي في حباله ولها دون تسع سنين وتبين منه بغير طلاق، والتي قذفها وهي
293

زوجة صماء أو خرساء وتبين أيضا منه بغير طلاق، والتي وطأها أبوه أو ابنه أو عقد عليها،
والمملوكة التي وطأها أبوه أو ابنه بملك اليمين أو نظر منها إلى ما يحرم لغير المالك النظر إليه
أو قبلها بشهوة، والتي زنى بها الأب أو الابن، وأمها وإن علت وبناتها وإن نزلن.
والثاني: عشر نسوة: المعقود عليها في حال الإحرام جاهلا بالتحريم ولم يدخل بها فإذا
علم بذلك فرق بينهما فإذا خرج من الإحرام عقد عليها إن شاء، والمعقود عليها في العدة
كذلك وذات الزوج فإنهن يحرمن على غير أزواجهن، فإذا بن منهم بينونة شرعية
واعتددن حللن على غير أزواجهن.
والأختان معا وسواء عقد عليهما عقد مقارنة أو عقد متابعة، وعقد المتابعة يصح على
من عقد عليه أول فإن دخل بالثانية فرق بينهما ولم يرجع إلى الأولى بعد خروج الثانية من
العدة، ولا يجوز له ذلك إلا بعد مفارقة الأولى منه بالموت أو الطلاق، فإن طلقها رجعيا لم يجز
له العقد على الأخرى إلا بعد خروجها من العدة، وإن عقد عليهما عقد مقارنة لم يصح،
وروي أنه يختار أيتهما شاء.
وبنت غير المدخول بها ما دامت الأم في حباله فإن نظر من الأم إلى ما يحرم لغير الزوج
النظر إليه كره العقد على البنت، وبنت أخ الزوجة أو أختها بغير رضاء منها فإن عقد
عليهما برضاها جاز ولم يكن لها بعد ذلك خيار، فإن لم ترض كان مخيرا بين الرضا وفسخ
عقدها والاعتزال عن الزوج، وتبين منه بغير طلاق ويفرق بينهما حتى تخرج العمة أو الخالة
من العدة إلا أن ترضى العمة أو الخالة بذلك، وإن طلق إحديهما رجعية وتزوج بنت أخيها
أو بنت أختها فكذلك.
والتي تزوج بها وعنده أربع حرائر قبل موت بعضها أو طلاقها بائنا أو رجعيا وقد
خرجت من العدة، والأمة وعنده حرة بغير رضاها فإن عقد عليها بغير رضاها كانت الحرة
مخيرة بين ثلاثة أشياء: الرضا بالعقد وفسخه والاعتزال على ما ذكرنا في العقد على بنت
الأخ على العمة.
وإن تزوج بحرة وعنده أمة على علم منها لم يكن لها خيار، وإن لم تعلم كان لها الخيار
بين الرضاء وفسخ عقد نفسها، وروي وبين فسخ نكاح الأمة، ومن كان عنده ثلاث نسوة
294

فعقد على اثنتين آخرتين دفعة اختار واحدة، فإن دخل بواحدة زال الخيار وصح العقد على
المدخول بها وما سوى ذلك لا يحرم العقد عليه.
وكل وطء حلال ينشر تحريم المصاهرة والمحرم، وكل وطء لشبهة أو حرام ينشر
تحريم المصاهرة دون تحريم المحرم، والحرام لا يحرم الحلال ومعنى ذلك: أن كل فجور
يحرم العقد إن وقع بعد العقد لم يبطله، وإذا أصرت المرأة عند زوجها على الزنى انفسخ
نكاحها على قول بعض الأصحاب.
ويجوز التزوج بأخت الأخ نسبا و رضاعا، فالنسب أن يكون رجل له ابن فتزوج بامرأة
لها بنت فأولدها ثم تزوج ابنه بنتها وهي أخت أخيه، والرضاع أن يكون لرجل أخ من الأم
وقد أرضعته امرأة لها بنت رضعت معه فصارت أختا له من الرضاع، ويصح للأخ الآخر
أن يعقد على أخت أخيه رضاعا.
وإذا زنى رجل بجارية غيره لم يحرم العقد عليها ولا وطؤها بملك اليمين، ويجوز الجمع
بين الأختين وبين الأم والبنت في الملك دون الوطء، فإن ملك أختين ووطأ إحديهما لم يجز له
وطء الأخرى حتى تخرج الموطوءة من ملكه إذا كان عالما بذلك، فإن وطي الأخرى بعدها
عالما بالتحريم حرمت عليه الأولى حتى تموت الثانية أو يخرجها من ملكه لا للعود إليها، فإن
أخرجها من ملكه للعود إليها لم تحل له حتى تموت وإن لم يكن عالما بالتحريم جاز له العود
إليها.
ويحل للحر العقد على أربع حرائر والجمع بينهن دفعة لا أكثر، والجمع بين أمتين بالعقد
وبين حرتين وأمتين وحرة وأمتين، ولا يجوز الجمع بين أكثر من أمتين في العقد، وحكم العبد
مع الحرائر حكم الحر مع الإماء، ويكره وطء المجوسية بملك اليمين وعقد المتعة عليها.
فصل في بيان ما يجوز عقد النكاح عليه من المهر:
الفصل يحتاج إلى بيان سبعة أشياء: ما يصح أن يكون مهرا من الأجناس ومقدار ما
يصح: وترك ذكره في عقد النكاح، والشرط بأن لا يكون لها مهر في العقد والعقد على ما لا
يصح تملكه في الشريعة وتفويض المهر ونكاح الشغار.
295

فالأول: كل ما يصح تملكه في الاسلام مما له قيمة وما يصح أن يكون ثمنا لمبيع أو
أجرة لمكتري أو منفعة لحر من تعليم القرآن والأدب وتعليم الصنائع المباحة سوى الإجارة.
والثاني: موكول إلى رأي الخاطب ومن بيده عقدة النكاح، فما تراضيا عليه يكون
صحيحا قل ذلك أم كثر وكل ما كان أخف كان أكثر بركة، والسنة خمسمائة درهم
والنقصان عنه جائز والزيادة عليه فيها روايتان.
والثالث: لا يقدح في صحة العقد وذكره من شرط الفضيلة دون الصحة، ويلزم مهر
المثل ويعتبر بنساء أهلها من كلا الطرفين الأقرب فالأقرب وبكل ما يختلف المهر لأجله من
العقل والحمق والجمال والدمامة واليسار والإعسار والبكارة والثيوبة وصراحة النسب
وهجنتها، ولا يتجاوز بذلك مهر السنة ولمن بيده عقدة النكاح بالفرض.
والرابع: لا يقدح أيضا في صحة العقد ويلزم مهر المثل على ما ذكرنا، فإن مات أحدهما
قبل الفرض في المسألتين سقط المهر ولزم الميراث، وإن طلقها قبل الفرض لزم المتعة
للموسر بمملوك أو دابة أو ما أشبههما، وللمتوسط بثوب أو ما قيمته خمسة دنانير فصاعدا،
وللمعسر بخاتم وما أشبهه.
وإن دخل بها قبل القبض وبعث إليها قبل الدخول بشئ وأخذت، فإن ردت عليه
أو أبت قبولها من جهة المهر لزمه مهر المثل وإن لم ترد وقالت المرأة بعد ذلك: إنها هدية،
والرجل يقول: إنها مهر، كان القول قول الرجل مع اليمين، فإن حلف أسقط دعواها وإن
نكل لزم لها مهر المثل وإن رد اليمين كان له ذلك وإن دخل بها قبل أن يبعث إليها بشئ لزم
مهر المثل.
والخامس لا يخلو: إما يكون العاقد مسلما أو ذميا، فإن كان مسلما سقط المسمى ولزم مهر
المثل مثل من عقد على خمر أو خنزير أو ما لا يحل تملكه في الاسلام، وإن كان ذميا لزم
المسمى، فإن أسلما قبل القبض لزم قيمته عند مستحليه وإن أسلما بعد القبض برئت ذمته.
والسادس لم يخل: إما كان مفوضا إلى أحدهما أو إلى كليهما، فإن كان مفوضا إلى
الزوج لزم ما حكم به قل أم كثر، فإن حكم بأكثر من مهر السنة كان الزائد تبرعا، فإن
طلقها قبل الدخول لزم نصف ما يحكم به، وإن كان مفوضا إلى الزوجة لزم ما يحكم به ما لم
296

يزد على مهر السنة إلا أن يتبرع بقبوله، وإن مات أحدهما قبل الدخول سقط المهر وثبت
الميراث ولزمت المتعة.
والسابع لم يخل: إما جعل بضع كل واحدة منهما مهرا للأخرى أو شرط في تزويج
إحديهما تزويج الأخرى، فالأول فاسد والثاني صحيح عين مقدار المهر أو لم يعين، فإن عين لزم
المسمى وإن لم يعين لزم مهر المثل، وإن جعل بضع إحديهما مهرا للأخرى ولم يجعل بضع
الأخرى مهرا لما صح نكاح من لم يجعل البضع مهرا لها دون صاحبتها ويلزم المهر المعين
بنفس العقد ويستقر بأحد ثلاثة أشياء: بالدخول والموت وارتداد الزوج، ويسقط بمفارقة
من جهة الزوجة قبل الدخول بأحد أربعة أشياء: بفسخ العقد لعيب يوجب ذلك
وبإسلامها عن الكفر وبارتدادها عن الاسلام وباختيارها الفراق إن كانت أمة بعد العتق
وزوجها عبد، ويسقط بضعه بالطلاق.
والشرط في العقد ثلاث أضرب: شرط يقتضيه العقد وشرط لا يقتضيه ويخالف الكتاب
والسنة وشرط لا يخالفهما.
فالأول: يكون تأكيدا مثل تعجيل المهر.
والثاني: يبطل الشرط دون العقد وهو تسعة أشياء: اشتراطها عليه أن لا يتزوج عليها
في حياتها أو بعد وفاتها، ولا يتسرى ولا تلزمها طاعته ولا يجامعها إلا في نكاح المتعة، ويأتي
بالمهر في وقت كذا فإن لم يأت به كان العقد باطلا، ويعطي إياها أو أحد أقاربها مالا من غير
المهر أو يشرط الرجل عليها أن لا يكون لها نفقة إلا في نكاح المتعة ولا تتزوج بعد موته،
ويخرجها إلى بلاد الكفر.
والثالث: يصح ذلك ويلزم وهو ثلاثة أشياء: مثل أن يشرط تعجيل بعض المهر
وتأجيل الباقي، ويصح ذلك بشرطين: تعيين مقدار العاجل وتبيين منتهى الأجل، فإذا
سلم العاجل لزمها تسليم نفسها أو تشترط عليه أن لا يخرجها من البلد أو بشرط المهر مائة
إن أخرجها وخمسين إن لم يخرجها ما لم يرد اخراجها إلى دار الكفر فإن أراد لزم، أو في المهرين
دون الخروج، فإن أعتق عبده وشرط عليه حال عتقه أن يزوج جاريته منه على أن لا يتزوج
عليها ولا يتسرى لزم.
297

فصل في بيان من إليه العقد على النساء:
الذي بيده عقدة النكاح أربعة: المرأة إذا كانت بالغة رشيدة وعلى قول بعض
الأصحاب باشتراط الثيبوبة، والأب والجد مع وجود الأب إذا كانت طفلا أو بالغة غير
رشيدة ويجوز لهما العفو عن بعض المهر، ووكيل المرأة إذا كانت مالكة أمرها.
ومن يعقد عليها: حرة وأمة، والحرة: بالغة وطفل، والبالغة: رشيدة وغير رشيدة.
فإذا بلغت الحرة رشيدة ملكت جميع العقود وزالت الولاية عنها على قول المرتضى
رضي الله عنه، ولم تزل إذا كانت بكرا على قول الشيخ أبي جعفر رضي الله عنه ومن وافقه،
ولا يجوز لها العقد على نفسها مع وجود الأب والجد في حياة الأب بغير إذنهما عقد الدوام إلا
بشرطين: غيبة الولي عنها أو عضلها عن التزويج من الأكفاء غير أنه يستحب للولي أن
لا يعقد عليها إلا برضاها.
ويستحب لها أن لا تتزوج إلا برضا الولي على القول الأول، وإن كانت ثيبا جاز
العقد من غير مراجعة الولي والمراجعة إليه مستحبة، والتزويج لا يقف على الإجازة إلا في
تسعة مواضع وهي: عقد البكر الرشيدة مع حضور الولي على نفسها وعقد الأب على ابنه
الصغير وعقد الأم عليه وعقد الجد مع عدم الأب وعقد الأخ والأم والعم على صبية، وتزويج
الرجل عبد غيره بغير إذنه وتزوج العبد بغير إذن سيده، فإن أجاز الولي والمعقود له أو
عليه أو سيده صح وإلا انفسخ، ويجوز للبكر عقد نكاح المتعة بغير إذن الولي إلا أنه
لا يجوز للرجل وطؤها في الفرج.
والبكر إذا كانت بين أب وجد على القول الثاني كان لكل واحد منهما العقد عليها
مستبدا، فإن عقد كل واحد منهما عليها لرجل دفعة صح عقد الجد دون الأب وإن سبق أحد
العقدين صح السابق، وإن كان لها جد بغير أب سقطت ولايته.
ويستحب لها أن لا تعدل عنه إلى غيره فإن لم يكن لها جد وكان لها أخ فكذلك، وإن
وكلت أخوين لها على الإطلاق وزوجها كل واحد منهما من رجل دفعة صح عقد الأخ الكبير
فإن سبق أحدهما صح العقد السابق، وإذا استأمر الأخ أخته البكر الرشيدة في تزويجها كان
سكوتها ورضاها.
298

وإذا عقد الأبوان على صبيتهما كان عقد الصبي موقوفا على إجازته إذا بلغ دون
الصبية، فإذا بلغ الصبي ورضي به استقر وإن أبي انفسخ ولزم العاقد مهرها إذا عين فإن
مات أحدهما قبل البلوغ توارثا.
وإن عقد عليهما غير الأبوين ممن يكون عقده موقوفا على الإجازة ومات أحدهما قبل أن
يبلغا لم يتوارثا، فإن بلغ أحدهما ورضي به ومات قبل بلوغ الآخر عزل عن تركته نصيب
ميراث الطفل حتى يبلغ، فإذا بلغ ورضي به وحلف على الرضا لغير طمع في الميراث سلم
منه. وإن نكل عن اليمين أو لم يرض به سقط سهمه وإن مات من لم يبلغ لم يرثه البالغ
الراضي، فإن بلغا ورضيا صح العقد ولزم المهر وإن لم يرضيا وعين المهر لزم العاقد وإن لم
يعين سقط وبلوغ المرأة يعرف بالحيض أو بلوغها تسع سنين فصاعدا، ورشدها بوضعها
الأشياء مواضعها مما يتعلق بالمرأة.
فصل في بيان أحكام الرضاع:
إنما يثبت للرضاع حكم باجتماع ثلاثة شروط: أحدها: أن يرتضع الصبي مصا من
الثدي، والثاني: أن يكون للصبي المرتضع دون سنتين، والثالث: أن تكون المرضعة في مدة
السنتين من وقت الولادة.
ويتعلق بالرضاع من أحكام النسب ثلاثة: التحريم وحرمة المحرم والعتق، ويحصل
ذلك بأحد ثلاثة أشياء: بارتضاع الصبي يوما وليلة رضعات متواليات من غير فصل
بلبن امرأة أخرى أو بارتضاع عشر رضعات متواليات ريا وخمس عشرة رضعة متوالية ريا
على القول الآخر أو بالارتضاع على حد ينبت اللحم ويشد العظم.
فإذا وطأ الرجل امرأة وطأ يلتحق النسب بسببه وحصل منه ولد كان ولدهما معا
فإذا نزل اللبن كان لبن الفحل ولبن المرأة تبعا لها، فإن أرضعت المرأة صبيا لغيرهما
الرضعة المحرمة انتشرت الحرمة من جهته إليهما ومن جهتهما إليه، وحرم الصبي على
كل من يحرم عليه أولاد الفحل نسبا ورضاعا وعلى الفحل وعلى جميع أولاده نسبا
ورضاعا.
299

ويحرم على الصبي كل من يحرم الصبي عليه ويحرم أولاد الفحل على أبي
الصبي وأخواته المنتسبة إلى أبيه نسبا ورضاعا، ويحرم أولاد والد الصبي على الفحل
وأولاده نسبا ورضاعا وجميع أولاد أمه نسبا ورضاعا من والد الصبي دون غيره على
الفحل وعلى جميع أولاده نسبا ورضاعا، ويحرم الصبي أيضا على جميع أولاد المرضعة من
جهة الولادة وجميع أولادها من الرضاع من لبن هذا الفحل دون غيره، وهم يحرمون على
الصبي وعلى أبيه وإخوته المنتسبة إلى أبيه نسبا ورضاعا ويحرم جميع أولاد الصبي نسبا
ورضاعا من أبيه دون غيره على أولاد المرضعة نسبا ورضاعا من لبن الفحل.
ويجوز للفحل التزوج بأم الصبي وجداته ولوالد الصبي التزوج بالمرضعة، وبأمها
وبجداتها، والرضاع لحمة كلحمة النسب لقوله ع: يحرم من الرضاع ما يحرم من
النسب.
وإذا ارتضع صبيان لبن امرأة ولكل واحد أخوة وأخوات ولادة ورضاعا من غير
الرجل الذي ارتضعا من لبنه جاز التناكح بين القبيلين دونهما ودون أخوتهما وأخواتهما من
جهة اللبن الذي ارتضعا منه، وإذا تزوج الرجل امرأة ذات لبن وأخرى رضيعة وارتضعت
الصبية من لبنها الرضعة المحرمة وكان اللبن لغير الزوج وقد دخل بها حرمت الرضيعة
أبدا عليه وإن لم يدخل بها حرمت عليه الكبيرة أبدا، فإن طلقهما معا قبل الدخول بذات
اللبن وتزوجهما آخر ورضعت الرضيعة منها حرمت ذات اللبن على الزوجين معا والرضيعة
على من دخل بذات اللبن، وإن كان اللبن للزوج حرمتا عليه أبدا.
فصل في بيان عقد العبيد والإماء:
يكره التزوج للحر إذا وجد طولا بالأمة فإن لم يجد لم يكره، والتزوج أربعة أضرب:
تزوج الحر بالحرة وبالأمة وتزوج العبد بالأمة وبالحرة.
فالأول: قد ذكرنا حكمه.
والثاني لم يخل: إما تكون الأمة لسيد واحد أو لأكثر، فإن كانت لواحد لم يخل: إما
تزوجها بإذن سيده أو بغير إذنه، فإن تزوجها باذنه لم يخل: إما شرط كون الولد حرا أو رقا
300

أو لم يشرط، فإن تزوجها باذنه مشروطا لزم الشرط وإن تزوجها غير مشروط حر الولد، وإن
تزوجها بغير إذنه لم يخل من خمسة أوجه: إما دلسها أحد عليه بالحرية أو شهد شاهدان لها
بالحرية أو تزوجها لظاهر الحال على الحرية أو علم كونها رقا ولم يعلم التحريم أو علم
الرق والتحريم.
فالأول يكون له الرجوع على المدلس بالمهر وكان الولد حرا، ولسيدها عليه عشر
قيمتها إن كانت بكرا ونصف العشر إن كانت ثيبا وأرش العيب إن عابت بالولادة، وإن
دلسها مولاها سقط المهر المسمى ولزم مهر المثل ورجع بالمهر على سيدها وحر الولد.
والثاني: يكون له الرجوع بالمهر على الشاهدين وباقي الحكم على ما ذكرنا.
والثالث: يكون النسب لا حقا والولد رقا، وله الرجوع عليها بالمهر وعليه للسيد ما
ذكرناه من عشر القيمة أو نصفه والأرش، ويجب على سيدها أن يبيع الولد من أبيه ولزم
الأب قيمته، فإن عجز استسعى فيها فإن لم يسع دفع الإمام قيمته إليه من سهم الرقاب، فإن
انقطع تصرفه أدى ثمنه من حساب الزكاة، فإن فقد هذه بقي الولد رقا حتى يبلغ
ويسعى في فكاك رقبته.
والرابع: يكون الولد رقا ويلزم المسمى ويلتحق النسب ويضمن أرش العيب ويفرق
بينهما.
والخامس: يكون زانيا إن لم يرض سيدها بالعقد ويكون الولد رقا والنسب غير لا حق
والمهر غير لازم والأرش مضمونا وعشر القيمة إن كانت بكرا ونصف العشر إن كانت
ثيبا.
وإن رضي السيد بالعقد صح النكاح وإن كانت الأمة لأكثر من واحد ورضي الجميع به
أو لم يرضوا كان حكمهم حكم الواحد، وإن رضي البعض ولم يرض البعض لم يصح العقد
فإن دخل بها كان حكمه في نصيب الراضي حكم من كانت الأمة له ورضي بالعقد، وفي
نصيب غير الراضي حكم من كانت له ولم يرض به على جميع الأحوال من الرجوع بالمهر
ولزوم عشر القيمة أو نصفه وضمان الأرش والتحاق الولد ولزوم البيع من والده، وغير
ذلك على ما ذكرنا إلا في مسألة واحدة وهي أن الولد يلتحق بالأب على جميع الأحوال،
301

فإن ابتاع الأمة بعد العقد الصحيح عليها انفسخ العقد بينهما وحل له وطؤها بملك
اليمين، وإن أراد أن يعتقها ويتزوجها ويجعل عتقها مهرها صح إذا قدم العقد على العتق
وقال: تزوجتك وجعلت عتقك مهرك، فإن طلقها قبل الدخول بها عاد نصفها رقا وإن قدم
العتق على العقد نفذ العتق وهي بالخيار بين الرضا بالعقد وبين الامتناع، وإن ابتاع
بعضها انفسخ النكاح بينهما أيضا ولم يجز وطؤها بالملك ولا العقد عليها إلا أن تكون
خدمتها مهاياة بينهما فيجوز له العقد متعة عليها في يوم سيدها باذنه.
والثالث من القسمة الأولى لم يخل من أربعة أوجه: إما يكونان لسيد واحد أو يكون كل
واحد منهما لسيد آخر، أو يكون واحد لسيد وآخر لأكثر منه أو يكون كل واحد منهما لأكثر من
واحد.
فالأول: يكون ذلك بيد سيدهما إن شاء زوجها متطوعا وإن شاء كرها، فإذا زوجها منه
أعطاها شيئا من ماله مهرا لها والتفريق بينهما بحكمه أيضا، فإذا أراد ذلك أمرهما
بالاعتزال وقال: قد فرقت بينكما، فإذا فرق بينهما وأراد وطء الجارية ولم يدخل بها العبد
جاز في الحال وإن دخل استبرأها بحيضة إن كانت من ذوات الأقراء وبخمسة وأربعين يوما
إن كانت من ذوات الشهور، فإن باعهما معا من واحد فحكمه حكم البائع معهما وإن
باعهما من اثنين كان لكل واحد منهما الرضا بالعقد والفسخ وإن باع أحدهما كان للمبتاع
الخيار بين الرضا والفسخ.
والثاني لم يخل: إما تعاقدا بإذن سيديهما أو بغير إذنهما أو إذن أحدهما دون الآخر، فإن
أذنا معا صح العقد وكان الطلاق بيد العبد إلا أن يبيع أحدهما أو كليهما سيده فيكون
للمبتاع الخيار، وإن رزقا ولدا كان بين السيدين، وإن عتق أحدهما كان له الخيار دون سيد
الآخر فإن عتقا معا كان للمرأة الخيار والنفقة في كسب العبد إن كان مكتسبا وعلى سيده
إن كان غير مكتسب، ويجوز للسيد أن لا يجعلها في كسبه وينفق عليهما من وجه آخر.
وإن عقدا بغير إذن منهما ولم يجيزا فرق بينهما، فإن دخل بها ورزقا ولدا كان بين
السيدين وإن أجازا صح والباقي على ما ذكرنا قبل، وإن أذن أحدهما دون الآخر ورزقا
ولدا كان لمن لم يرض بالعقد وانفسخ النكاح.
302

والثالث: لا يصح النكاح بينهما إلا برضا الموالي معا، فإن رضوا صح العقد وإن رضي
بعضهم دون بعض لم يصح، فإن عقد ولم يرض به بعضهم ودخل بها وحصل ولد كان بين
الجميع بالنصيب إلا إذا لم يرض به من له أحدهما كله فإن له الولد دون موالي الآخر.
والرابع: يكون حكمه على ما ذكرنا. والرابع من القسمة الأولى: لم يخل من أربعة أوجه: إما دلس العبد نفسه بالحرية أو
دلسه غيره أو عرفت الحرة كونه عبدا وزوجت نفسها منه بغير رضاء سيده أو برضا.
فإن دلس العبد نفسه بالحرية فرق بينهما إن لم ترض الحرة ولا مولى العبد وإن رضي
أحدهما ولم يرض الآخر فكذلك، وإن دخل بها وحصل ولد كان حرا والمهر في ذمته حتى
يعتق إن لم يرض سيده وإن رضي كان المهر عليه، وإن دلسه سيده ألزم المهر وفرق بينهما،
وإن دلسه غيره غرم المهر، وعزر المدلس.
وإن عرفته عبدا وزوجت نفسها منه بغير إذن سيده ولم يرض به السيد بطل النكاح
وسقط المهر والولد إن حصل رق لمولاه، وإن تزوجها العبد بإذن مولاه صح العقد ولزم المهر
سيده والنفقة إن كان العبد غير مكتسب وإن كان مكتسبا كان سيده مخيرا: إن شاء أنفق
عليها من غير سبه وإن شاء من كسبه، فإن عجز كسبه عن النفقة كان على السيد إتمامها،
فإن باع العبد من غيرها كان المبتاع بالخيار بين فسخ العقد والإمضاء.
والبائع ضامن لجميع المهر إن دخل بها ولنصفه إن لم يدخل بها، وإن باعها منها لم يخل
إما باعها قبل الدخول بها أو بعده، فإن باعها قبل الدخول لم يخل إما باعها بنفس المهر أو
بغيره، فإن باعها بنفس المهر بطل البيع دون العقد وإن باعها بعد الدخول صح البيع
وانفسخ العقد وإن باعه بغير المهر صح البيع في الحالين وانفسخ النكاح، وإن اعتقد سيده
ولم يكرهه على النكاح لم يكن له الخيار وإن أكرهه كان له ذلك.
وإذا تزوج برضا سيده كان الولد حرا إلا أن يشرط كونه رقا، وإذا تزوج عبد بأمة
غير سيده ورضي سيدهما ثم أبق العبد بعد الدخول بانت منه ولزمتها العدة، فإن رجع قبل
انقضائها كان أملك بها وإن رجع بعد انقضاء العدة لم يكن له عليها سبيل ولا يلزم سيده
303

النفقة، وإذا زوج الرجل جاريته من الغير لم يجز له أن ينظر إليها منكشفة، فإذا بانت منه
جاز له ذلك وإذا زوجها لزمه إرسالها ليلا، فإن أراد إمساكها نهارا جاز.
فصل في بيان أحكام السراري وملك الأيمان:
إذا ملك الرجل جارية تعلق له بها ثلاثة من الحقوق: الوطء بملك اليمين ما لم يمنع منه
مانع والتزويج من الغير والتحليل.
فالمانع من الوطء ستة عشر شيئا: لحمة الرضاع على ما ذكرنا في باب النسب ووطء
أمها بالعقد أو ملك اليمين، ووطء ابنتها كذلك ووطء أختها على ما ذكرنا قبل وزنى أبيه
بها وزناء ابنه بها ووطء أبيه إياها بملك اليمين، ونظره منها إلى ما لا يحل لغير المالك النظر
إليه وتقبيله إياها بشهوة وعقده عليها عقدا شرعيا، ووطء ابنه ونظره وتقبيله وعقده
كذلك.
والمانع ضربان: إما يمنع من الوطء على كل حال وهو ما عددناه أو يمنع في حال دون
حال، وذلك في أربعة مواضع: الجمع بين الأم والبنت وبين الأختين على ما ذكرنا قبل
وكونها حاملا وقت ابتياعها ومحتاجة إلى الاستبراء، وحالها في الاستبراء ثلاثة أضرب:
إما يجب استبراؤها أو لا يجب أو يستحب.
فالأول: التي يعتادها الحيض.
والثاني أربع: التي ملكها حائضا والتي لم تبلغ المحيض ولا مثلها، والتي أيست هي
ومثلها من المحيض والحامل.
والثالث أربع: التي لم تبلغ المحيض ومثلها تحيض والآيسة من المحيض والمنتقلة إليه
من امرأة أو من ثقة، وقد زعم أنه استبرأها.
والاستبراء بحيضة لذوات الأقراء وبخمسة وأربعين يوما لذوات الشهور، فإذا
استبرأها جاز له وطؤها.
وأما الحامل فإن مر عليها من وقت الحمل أربعة أشهر وعشرة أيام جاز له وطؤها ولم
304

يجز له وطؤها قبل ذلك، فإن وطأها لم يجز له بيع ولدها لأنه غذي بنطفته وعليه أن يعتقه
ويعطيه شيئا من ماله، فإن وطأها قبل الاستبراء وجاءت بولد قبل مضي ستة أشهر لم
يكن له إلحاقه بنفسه وكان لمن انتقل منه إليه.
فإن كان الولد حرا لزمه أن يرد الجارية على من انتقل منه إليها مع عقرها ويسترد
ثمنها وإن كان الولد مملوكا فحكمه ما ذكرنا، وإن جاءت بالولد لأكثر من ستة أشهر كان
له، وإذا أولدها أو أحبلها وسقط الولد تاما أو غير مخلق فقد صارت الجارية أم ولده،
ويصح الجمع بين الأم والبنت وبين الأختين في الملك، وفي الملك والعقد دون الوطء.
وإذا كانت الجارية لابن ووطأها الأب لم يخل: إما كان الولد صغيرا أو كبيرا، فإن
كان الولد صغيرا وقومها الوالد على نفسه وضمن قيمتها جاز له وطؤها، فإن وطأها
و أحبلها كان الولد حرا وصارت الجارية أم ولد، وإن لم يقومها على نفسه أو كان الولد
كبيرا ووطأها من غير إذن الكبير سقط عنه الحد ولم تلزمه القيمة، وكان ملك الولد باقيا
عليه والولد حر ولزمه المهر وجاز لمالكها بيعها ما لم تكن حاملا ولم تصر الجارية أم ولد، وإن
تزوجها بإذن الكبير إن كانت له وبغير إذن الصغير إن كانت له جاز، فإن أحبلها صارت
أم ولده وإن لم يزل ملك الولد عنها.
وإن وطأ الولد جارية أبيه بغير إذنه عالما بتحريمه لزمه الحد إن طاوعته والحد والمهر
معا إن أكرهها، ورق الولد إن أحبلها ولم يلتحق نسبه، وإن كان جاهلا بالتحريم اندرأ عنه
الحد ولزم المهر والتحق الولد ولم تصر الجارية أم ولد.
ويكره للرجل وطء الجارية الفاجرة فإن وطأها لم يطلب ولدها، وجواري مماليكه في
حكم جواريه خاصة وله وطؤها إذا استبرأها، والنكاح بملك اليمين غير موقوف على عدد،
ويجوز النوم بين الجاريتين دون الحرتين وأما العقد على الإماء فقد ذكرنا حكمه.
فصل في بيان نكاح المتعة:
المتعة: عقد مؤجل على امرأة يصح العقد عليها، وإنما يصح بشرطين: تعين الأجل
والمهر معا ولا تثبت بهذا العقد النفقة، والتوارث إلا بشرط وتلزم به العدة وإن لم يشرط،
305

والتي يتمتع بها: حرة وأمة.
والحرة: بكر وثيب، والبكر: بالغ وطفل، والبالغ: بين الأبوين ومنفردة، فالتي تكون بين
الأبوين: رشيدة وغير رشيدة، فالبكر البالغة إذا كانت بين الأبوين وكانت رشيدة يجوز عقد
المتعة عليها بغير إذن أبيها ولا يجوز له الإفضاء إليها وإن رضيت، وإن عقد بإذن أبيها
وشرط أن لا يفتضهما فكذلك وإن أطلق جاز ذلك.
وإن كانت غير رشيدة أو طفلا لم يجز العقد عليها إلا بإذن أبيها، وإن لم تكن بين الأبوين
وكانت رشيدة جاز العقد عليها وإن شرطت أن لا يطأها في الفرج لزم الشرط، فإن أذنت له
بعد ذلك جاز.
وإن كانت غير رشيدة أو طفلا لم يجز العقد عليها.
والثيب: يجوز العقد عليها على كل حال ويلزم ما شرطا ما لم يكن مخالفا للشريعة،
والأمة لا يجوز العقد عليها بغير إذن سيدها، والنساء أربعة أضرب: إما يستحب أن يعقد
عليها متعة أو يباح أو يكره أو يحظر.
فالأول: التي اجتمع فيها ثلاث خصال: الإيمان والعفة والاستبصار.
والثاني ثلاث: المستضعفة والنصرانية واليهودية.
والثالث اثنتان: المجوسية والفاجرة.
والرابع أربع: الكافرة غير الذمية والناصبة إلا عند الضرورة والمطلقة بخلاف السنة
والبغية التي تدعو إلى نفسها.
وقدر المهر موكول إلى رأيهما في القلة والكثرة وفيه ما يصح أن يكون مهرا في نكاح
الغبطة وقدر المدة من طلوع الشمس إلى نصف النهار إلى سنين متطاولة، ولا يحتاج هذا
النكاح إلى طلاق في المفارقة بل يزول حكمه بانقضاء المدة، فإذا انقضت المدة و أراد تجديد
العقد عليها جاز بغير اعتداد وإن أراد غيره لم يجز إلا بعد أن تعتد.
وحكم نكاح المتعة في العدد حكم الإماء، وإن أراد أن يزيد في الأجل جاز وزاد في المهر،
وروي أنه يهب منها مدته ثم يستأنف العقد والأصح ما ذكرناه أولا، وولد المتعة لا حق بأبيه
ويجوز العقد على واحدة مرارا وليس الإعلان والإشهاد من فضله إلا إذا خاف التهمة، فإن لم
306

يدخل بها وأراد مفارقتها وهب منها الأيام وسقط نصف مهرها، وإن ظهر أنها ذات زوج
فارقها واسترد المهر منها بحساب ما بقي من الأيام.
فصل في بيان العيب المؤثر في فسخ العقد:
إنما يؤثر العيب في الفسخ إذا كان تدليسا فإذا لم يكن تدليسا وقد علم من يكون له
الفسخ قبل العقد أو بعده ورضي به لم يؤثر فيه، والعيب المؤثر فيه ضربان: خلقة وغير خلقة.
وكل واحد منهما ثلاثة أضرب: أحدها يختص بالرجال والثاني بالنساء والثالث يعمهما.
فما يختص بالرجال خلقة واحد وهو العنة، وغير خلقة أربعة: الجب والسل والوجوء
والخصاء على وجه لا يمكن الإيلاج.
والعنة الحادثة بعد الدخول لا تؤثر في الفسخ وتعرف بأحد ثلاثة أشياء: باعتراف
الرجل وبالعجز عن الإيلاج وباسترخاء الذكر إذا جلس في الماء البارد، فإذا علم ذلك
أمهل سنة فإن واقعها قبل مضي السنة أو بعده قبل الفسخ أو قدر على مواقعة غيرها أو
رضيت به زال خيارها.
وما يختص بالنساء خلقة سبعة أشياء: البرص والجذام والعرج والعمى والرتق
والقرن وكونها مفضاة، وغير خلقة شيئان: كونها بنت أمة وقد عقد على أنها بنت
مهيرة، أو محدودة في الزنى على إحدى الروايتين.
وما يعمهما خلقة شئ واحد، وهو الجنون على وجه لا يعرف معه وقت الصلاة، وغير
خلقة شيئان: العبودية وانتساب إلى قبيلة معينة، أو أب بعينه وقد بان بخلاف ذلك.
وأنما يكون لكل واحد منهما خيار الفسخ باجتماع أربعة شروط، وهي: فقد العلم قبل
العقد بذلك والامتناع من الدخول إذا علم بعد العقد وفقد الرضى وتعجيل الفسخ إلا
لعذر، ويسقط المهر بالفسخ قبل الدخول وبعده إن كان الفاسخ المرأة، وإن كان الرجل
لزمه مهر المثل ورجع به على المدلس وما سوى ذلك لا يؤثر في الفسخ والزيادة في العيب بعد
الرضى غير مأثرة، وإذا عقد عليها على أنها بكر فوجدها ثيبا نقص شيئا من مهرها إن
شاء.
307

فصل في بيان ما يلزم بالعقد:
إنما يلزم بالعقد المهر وبالدخول بعد العقد أو التمكين التام منه النفقة وقد ذكرناهما
والمعاشرة بالمعروف والقسم إذا كانت له زوجتان أو أكثر، فإن تزوج بأربع وكن حرائر بات
عند كل واحدة ليلة إذا قسم ونهارها تابع لها، وليست المجامعة والتسوية فيها شرطا وإن
سوى كان أفضل.
وإن كان بعض نسائه مملوكة أو كتابية عند من أجاز ذلك للمسلمة ليلتان وللمملوكة
والذمية ليلة ولا حظ في القسم للموطوءة بملك اليمين، وإن وهبت بعض نسائه ليلتها منه
وضعها حيث يشاء، وإن وهبت من بعض ضراتها صفت لها ليلتان فإن رجعت فيما وهبت
جاز.
وإذا أراد أن يقسم أقرع بينهن فمن خرجت قرعتها بدأ بها، وإذا أراد أن يسافر
ببعضهن اقترع أيضا فمن خرجت قرعتها سافر بها ولم يلزمه القضاء في حق غيرها، وإن
سافر بغير من خرجت قرعتها لزمه القضاء في حق الباقيات، وإن بات بعض الليلة عند
البعض قضي في حقها.
فصل في بيان أحكام الزفاف
وآداب الخلوة وحكم الإحصان واتخاذ الوليمة:
والزفاف يستحب فيه اثنا عشر شيئا: أن يكون بالليل وتقديم جميع المهر أو بعضه أو
شيئا ما إن عجز، وأن يكونا على طهارة ويصليا ركعتين ويسأل الزوج ربه تبارك وتعالى
ودها ورضاها ويأخذ بناصيتها إذا دخل عليها ويستقبل بها القبلة ويدعو بالمرسوم ويخلع
خفها ويغسل رجلها إذا جلست ويصب الماء في جوانب الدار من الباب إلى أقصاها،
وينبغي أن يجنب الزوجة في الأسبوع من أربعة أشياء: اللبن والخل والكزبرة والتفاح
الحامض.
والخلوة لم تخل: إما كانت الزوجة لتسع سنين فصاعدا أو لأقل منها، فإن كانت لأقل
منها لم يجامعها في الفرج فإن جامعها وأفضاها حرم عليه وطؤها أبدا ووجب عليه شيئان:
308

الأرش والإنفاق عليها مدة حياتها، وإن كانت لتسع سنين فصاعدا وكانت حائضا حرم
عليه وطؤها في الفرج وإن لم تكن حائضا وكره له وطؤها في أوقات وعلى هيئات وفي مواضع،
واستحب المجامعة في أوقات، وحرم عليه وطؤها في المحاش.
فالأول سبعة عشر وقتا: ليلة الهلال إلا ليلة هلال شهر رمضان، وليلة النصف من
الشهر وليالي المحاق وليلة الخسوف ويوم الكسوف والليلة التي قدم من السفر نهارها
والليلة التي يريد في صبيحتها السفر وفي أول ساعة من الليل وما بين طلوع الفجر
والشمس وما بين غروب الشمس ومغيب الشفق وبعد الظهر وليلة الأضحى وليلة
النصف من شعبان وبين الأذان والإقامة وعند الزلازل وعند الرياح السود والصفر.
والثاني تسع هيئات: المجامعة عريانا وقائما ومستقبل القبلة ومستدبرها وفي وجه
الشمس إلا أن يرخي سترا وعلى شهوة غيرها من النساء وبعد الاحتلام قبل الغسل أو
الوضوء، وأن يجامع وتراه امرأة أخرى وأن ينام بين حرتين.
والثالث أربعة مواضع: البيت الذي فيه غيرهما وسقوف البنيان وتحت الشجرة
المثمرة والسفينة.
والرابع سبعة أوقات: أول ليلة من شهر رمضان وليلة الاثنين والثلاثاء والخميس
والجمعة بعد العشاء ويوم الخميس عند الزوال ويوم الجمعة بعد العصر.
وإذا جامع حرم عليه أشياء وكره له أشياء واستحب له أشياء.
فالمحرم ثلاثة أشياء: قراءة العزائم والنظر إلى فرج المرأة حالة الجماع والعزل إلا
بإذن المرأة، وعن سبع: الأمة والمتمتع بها والمرضعة والعقيم والمسنة والبذيئة، والسليطة.
والمكروه شئ واحد وهو الكلام، إلا بذكر الله تعالى، والمستحب أربعة أشياء: غض
البصر وذكر الله تعالى وأن يسأله أن يرزقه ولدا ذكرا سويا والغسل أو الوضوء بعد الجماع
قبل أن يجامع أخرى.
وإذا أراد أن يملك بامرأة جاز له النظر إلى محاسنها ومشيها وجسدها فوق الثياب وإلى
محاسن الأمة وشعرها لا للتلذذ إذا أراد شراءها، والكتابية بمنزلة الإماء.
وإحصان الرجل أن يملك فرجا يغدو إليه ويروح من غير منع والمتعة لا تحصن،
309

وإحصان المرأة أن يكون لها زوج يغدو إليها ويروح من غير منع.
والوليمة مستحبة وهي جمع الناس في العرس على الطعام ويستحب أن تكون بالنهار،
والإجابة إليه مستحبة إلا إذا كان فيها شئ من المناكير ولم يقدر على إزالته ولم يترك لأجله.
فصل في بيان حكم الولادة والإرضاع والعقيقة وإلحاق الولد وما يتبعها:
المرأة إذا ضربها الطلق لم يل أمرها غير النساء، فإن فقدت ولي أمرها الزوج أو أحد
محارمها، وإذا ولدت ولدا حيا استحب لوليه أشياء ولغيره، وكره له أشياء وحظر عليه
شئ واحد.
فالمستحب ستة أشياء: أن يؤذن في أذنه اليمنى، ويقيم في اليسرى بعد ما غسل ويحسن
له الاسم وأفضل الأسماء أسماء الأنبياء وأسماء الأئمة ع وأفضلهما محمد
وعلي والحسن والحسين، وللبنات فاطمة وأسماء بنات النبي والأئمة ع،
ويحنك في الحال بماء الفرات وبتربة الحسين ع ويلف في خرقة بيضاء، فإن كان الماء
ملحا غمس فيه شئ من العسل أو التمر، وما على الغير فالتهنئة به لوالده بالمرسوم.
والمكروه شيئان: تسمية بالأسماء الموحشة مثل الكلب والنمر، وبالأسماء المنهي عنها
مثل حكم وحكيم وخالد وحارث ومالك.
والمحظور شئ واحد: وهو الجمع بين التسمية بمحمد والتكنية بأبي القاسم.
وأما الإرضاع فأفضل الألبان للولد لبن أمه، ولم يخل حال الأم من ثلاثة أوجه: إما كان
النكاح باقيا بينها وبين أب المولود أو زائلا، أو كانت جاريته.
فالأول: لها إرضاعه إن رضي به الأب بغير أجرة ولها الامتناع منه وإن راودها الأب.
والثاني: هي أولى برضاعه رضي الأب به أو لم يرض ولها أجرة المثل، فإن طلبت أجرة
زائدة على ما يرضى به غيرها كان للأب انتزاعه من يدها.
والثالث: يكون للأب إجبارها على الإرضاع.
وإن استرضع للولد طلب له امرأة فيها أربع خصال والحرة أفضل من الأمة: الاسلام
والعفة والعقل والوضاءة، واجتنب أربعا: الحمقاء والعمشاء والكافرة حالة الاختيار والتي.
310

ولدت من الزنى إلا مضطرا، وإن أراد أن يسلمه من ظئر لتذهب به إلى منزلها لم يجز إلا
برضى الأم إذا كانت الظئر حرة مسلمة، والأولى أن تكون الظئر معه في منزله.
وتمام الرضاع في مدة حولين كاملين وأقله أحد وعشرون شهرا، وإن زيد على حولين
مقدار شهرين جاز ولا يتعلق به حكم الرضاع ولا استحقاق الأجرة.
وأما العقيقة: عبارة في الشرع عن ذبح شاة عند الولادة للإطعام ويعق يوم السابع عن
الذكر بالذكر وعن الأنثى بالأنثى، فإن فات قضى الوالد أو الولد عن نفسه بعد البلوغ إن
وجد وهي مستحبة في الأصل، والأفضل فيها الشاة ثم الجمل الكبير ثم ما يجزئ في الأضحية
والقيمة غير مجزئة، ولا تكسر أعضاؤها.
والقابلة لم تخل من ثلاثة أوجه: إما تكون أم الوالد أو من في عاليه أو غيرهما أو ذمية أو
لم تكن له قابلة، فالأول: لم يعط شيئا من العقيقة، والثاني: أعطيت الرجل بالورك وروي
ربعها، والثالث: أعطيت ثمن الربع دونه.
وإن لم تكن قابلة أعطيت أمه ربعها وتتصدق به ولا تأكله، ويجوز تفريق اللحم على
المؤمنين، وإن طبخ بالماء والملح وجمع عليه قوم من المؤمنين كان أفضل، وكلما كانوا أكثر كان
الثواب أوفر، ويستحب يوم السابع مع العقيقة أن يحلق رأسه ويتصدق بوزن شعره ذهبا
أو فضة ويختن.
وأما إلحاق الولد: فإنما يلحق الولد بأبيه بشيئين: بالفراش أو بما هو في حكمه، وهو
ثلاثة أشياء: وطء المملوكة بملك اليمين وشبهة العقد وشبهة الوطء.
والفراش شيئان: العقد والوطء، وشبهة العقد: أن يعقد على امرأة حرمت عليه وهو
غير عارف بذلك فوطئها وعلقت منه ثم بان له الأمر، أو عقد على امرأة وساق إليه وليها
غيرها فوطئها غير عارف بالحال فعلقت، وشبهة الوطء: أن يجد الرجل على فراشه امرأة أو
جارية فظنها امرأته أو جاريته فوطئها فعلقت.
و إذا ولدت امرأة على فراش الرجل لأكثر من ستة أشهر فصاعدا لزمه قبوله، وإن
ولدت لأقل من ذلك حيا سويا وجب عليه الانتفاء منه، فإن أقر به قبل منه ولم يسعه بعد
ذلك الانتفاء منه.
311

والمخلوقة من ماء الرجل عن غير عقد صحيح أو فاسد لم يعلم العاقد بفساده وتحريمه
أو شبهة عقد أو وطء لم يلتحق نسبها، ويجوز له تملكها دون التزويج بها والتزويج من بنيها
وتزويجه إياه بناتها.
وإذا وطأ رجل زوجه في طهر ثم وجد في ذلك الطهر رجلا يطأها لم يكن له بذلك نفي
الولد فإن كانت مكان الزوج جاريته فكذلك، فإن غلب على ظنه أنه ليس منه لم يقبله ولم
ينفه ولم يورثه ميراث الولد وعزل له من ماله شيئا.
فإن وطأ الرجل جاريته وباعها في الحال ووطأها المبتاع في ذلك الطهر ثم باعها
ووطأها المبتاع الثاني في ذلك الطهر وجاءت بولد كان لا حقا بمن عنده الجارية للفراش،
وإن وطأها ولم يبعها أو وطأ زوجه وطلقها أو مات عنها وجاءت بولد لأكثر من مدة الحمل أو
وطأهما وغاب عنهما وجاءت كل واحدة منهما بولد لأكثر من مدة الحمل من وقت الغيبة لم
يلتحق النسب.
وأكثر مدة الحمل فيه ثلاث روايات: تسعة أشهر وعشرة وسنة وجاز له تملك الولد إن
كان من جاريته وإذا وطأ الرجل زوجته وطلقها فاعتدت المرأة وتزوجت ووطأها الزوج
وجاءت بولد مخلق لأقل من ستة أشهر من وطء الثاني لم يلتحق به والتحق بالأول لم تزد
مدة الفراق على مدة أكثر أيام الحمل، فإن زادت لم يلتحق به أيضا وكذلك الحكم في الجارية
إن وطأها وباعها من آخر ووطأها المبتاع، ولا يجوز لأحد نفي من ولد على فراشه بالظن،
وإذا أقر بمن لا يلتحق نسبه شرعا ثم انتفى منه لم يقبل منه الانتفاء.
312

كتاب النفقات
فصل في بيانها وبيان ما يتعلق بها:
تجب النفقة بأحد ثلاثة أشياء: بالزوجية وبالقرابة وبملك اليمين، فالزوجية تجب فيها
النفقة بشرطين: إمكان الاستمتاع بينهما معا والتمكين الكامل من جهتها.
والزوج ثلاثة أنواع: حر ومكاتب وعبد، والحر ثلاثة أنواع: موسر ومتوسط ومعسر،
والزوجة ثلاثة أنواع: حرة شريفة وغير شريفة وأمة.
فالموسر إذا تزوج بشريفة ووجبت النفقة عليه لزمه من الإطعام والإدام على حسب
عادة البلد والكسوة للشتاء والصيف على حسب يساره وقدر المرأة من الإبريسم والكتان
وغيرهما ولزمه الإخدام وما تحتاج إليه للزينة، وإن تزوج بحرة غير شريفة لزمه جميع ذلك
على قدرها دون الإخدام، وإن تزوج بأمة لزمه الانفاق عليها بالمعروف دون الإخدام وإن
كانت جميلة.
و المتوسط تلزمه النفقة على قدر يساره وقدر المرأة من الشرف والوساطة والإمرة،
ويلزمه الإخدام للشريفة وإن خدم بنفسه جاز، والمعسر لا تلزمه النفقة ولا يكون للمرأة الخيار
عليه بل تصبر حتى تجد، فإذا وجد عادت عليه على قدرها وقدر ذات يده بها، ولا تلزم
النفقة بالنكاح الفاسد بوجه ولا المهر، ولا نفقة العدة إذا فرق بينهما إلا إذا كانت حاملا،
313

وإن فسخ النكاح الصحيح بعيب لم تلزمه نفقة العدة بحال، وإذا طلق المرأة بائنا لم تلزمه
النفقة وإن طلقها رجعيا لزمته.
وأما العبد فنفقته نفقة المعسر، فإن تزوج بغير إذن مولاه ولم يرض به لم يصح العقد،
وإن تزوج باذنه أو زوجه هو حرة أو أمة ولم يكن العبد مكتسبا لزمت السيد النفقة، وإن كان
العبد مكتسبا كان سيده مخيرا إن شاء جعل النفقة في كسبه وإن شاء أنفق من خاص ماله.
والمدبر حكمه حكم العبد ما لم يعتق وحكم الحر إذا عتق، والمكاتب إن لم يعتق شئ
منه كان حكمه حكم العبد وإن عتق منه شئ وكان مكتسبا وحصل له من الكسب مال
لزمه إنفاق الموسر بغير ما تحرر منه، وإنفاق المعسر بقدر ما بقي عبدا وإن لم يكن له مال كان
معسرا.
وأما النفقة على الأقارب فواجبة ومندوبة، فالواجبة إنما تجب على الوالدين وإن علو
وعلى الولد وإن سفلوا، وتجب بشرطين: يسار أحدهما وإعسار الآخر.
وإن حصل رجل معسر بين والد وولد موسرين وجب عليهما الانفاق بالمعروف عليه
بالسوية، وإن كان للموسر ولد ووالد معسران وجب عليه الانفاق عليهما معا، وإن كان له
أب وجد وولد معسرون وأمكنه الانفاق عليهم وجب وإن لم يمكنه فالأقرب أولى من الأبعد
وإن أيسرت الأم وأعسر الأب لزمت النفقة الموسر، وإن كان لرجل والدان معسران أو
ولدان أو أحد الوالدين وولد ولم يقدر من النفقة إلا على ما يكفي أحدهما قسم بينهما.
وأما الانفاق المندوب فعلى كل من له حظ من الميراث ويحجبه غيره عن أصل الإرث
مثل الإخوة والأخوات والعمومة والعمات والخؤولة والخالات، فأما النفقة على المماليك فإنما
تجب على العبد والأمة والدابة على كل حال من الإطعام والكسوة.
ولم يخل العبد أو الأمة من أن يكون مكتسبا أو غير مكتسب، فإن كان مكتسبا لم يخل: إما
أراد سيده أن يجعل نفقته في كسبه أو لم يرد، فإن أراد لم يخل من ثلاثة أوجه: إما كان كسبه
وفقا لنفقته ولزمه الاكتفاء به أو فاضلا عنها والفاضل لسيده أو ناقصا عنها والإتمام على
سيده، وإن لم يجعل نفقته في كسبه وجبت عليه نفقته، وغير المكتسب يلزم السيد الانفاق
عليه، والأمة: خادمة وسرية، فالخادمة حكمها حكم العبد والسرية يفضلها على حسب
314

وأما الدابة والطير فيجب لصاحبه الانفاق عليهما ولم يخل حال كل واحدة منهما، إما
كانت مأكولة اللحم أو غير مأكولة، فإن أكل لحمها ولم ينفق عليها أمر بالبيع أو الذبح
أو الانفاق، وإن لم يؤكل لحمها أمر بالبيع أو الانفاق عليها هذا في البلد، وإن كان في البدو وثم
من الكلأ والماء ما يكفيها أرسلها في الصحراء، فإذا اعتلفت عمل بها ما شاء وإن لم يكن ثم
كلأ ولا ماء أو كان ولم يكفها أنفق عليها وإن لم ينفق كان الحكم في البدو مثله في الحضر، وإن
كانت البهيمة ذات لبن ولم يكن لها ولد أو كان واستغنى عنه كان اللبن جميعا لصاحبها،
فإن لم يستغن الولد عن اللبن كان الفاضل عن الولدان لصاحبه.
فصل في بيان من له حظ في الحضانة ومن هو أولى بها:
الولد إذا بلغ رشيدا سقط حق الحضانة عنه وإن لم يبلغ لم يخل: إما كان بين أبوين
أو كان له أحدهما أو ليس له أحدهما.
فإن كان بين أبوين فالأم أولى بالابن حتى يعظم والبنت حتى تبلغ سبع سنين إذا تفرقا
بغير الارتداد ما لم تتزوج أو لم تفسق، فإن تزوجت أو فسقت سقط حقها عن الحضانة، فإن
فارقت زوجها بالطلاق أو غيره دون الارتداد و ثابت رجع حقها منها، فإذا فطم الابن
وأسبعت البنت أو تزوجت الأم أو فسقت وكان الأب غير فاسق كان أولى بالحضانة.
وإن كان له أحد أبويه فهو أولى بحضانته على كل حال، وإن لم يكن له أحد الأبوين لم
يخل حال قرابته من ثلاثة أحوال: إما كانت رجالا بلا نساء أو نساء بلا رجال أو رجالا
ونساء.
فإن كانت رجالا فأولاهم به أحقهم بميراثه، وإن كانت نساء فكذلك، وإن كانت
رجالا ونساء فالنساء أولى إذا كانت أقرب من الرجال أو كانت في درجتهم، وإذا فسق
الأولى سقط حقه منها إلى من هو أقرب إليه بعده، والمملوك إن كان أحد الأبوين لم يكن له
حظ فيها مع الحر، وإن كان الولد مملوكا ترك مع الأم استحبابا.
315

إصباح الشيعة
بمصباح الشريعة
لنظام الدين أبي الحسن سلمان بن الحسن بن سليمان الصهرشتي
317

كتاب النكاح
من قدر أن يتزوج وبه شهوة يستحب له التزويج، وليتجنب من لا أصل لها ولا عقل
ولا دين، ولا يجوز أن يتزوج بالناصبة والمنحرفة عن أهل الحق، ولا بأس بالمستضعفة
ولا من لا تعرف نصبا ولا يجوز تزويج المؤمنة من مخالفها في الاعتقاد، ويختار البكر والولود
ويجتنب العقيم، ويكره التزويج بالأكراد والسودان إلا النوبة وبالمجنونة، ويجوز
أن يطأ جاريته المجنونة إلا أنه لا يطلب ولدها، ولا بأس أن يتزوج بالتائبة عن الفجور
والكفاءة بالإيمان.
وراد المؤمن المرضى غير المتهتك لفقر أو ضعة لنسبه عاص لله تعالى، ويكره للرجل
أن يزوج ابنته متظاهرا بفسق.
ومن أراد العقد على امرأة فلا بأس أن ينظر إلى وجهها وكفيها وإلى مشيها
وجسدها من فوق ثيابها وإن لم يرد العقد لم يجز ذلك، وكذا إذا أراد شرى أمة جاز أن ينظر
إلى محاسنها وشعرها بلا ريبة وتلذذ، والنظر إلى ما سوى الوجه والكفين من الأجانب
محظور إلا لضرورة كالطبيب ومتحمل الشهادة على امرأة والحكم عليها ومعاملها يجوز أن
يروها وجهها، وكذا المرأة لا يجوز لها أن تنظر إلى غير ذي محرم
319

لها إلا لضرورة، ويكره للرجل أن ينظر إلى فرج زوجته، وإذا
ملكت المرأة فحلا أو خصيا أو مجبوبا لم يصر محرما لها ولم يجز لها أن تخلو به وتسافر معه
والمراد بقوله تعالى: أو ما ملكت أيمانهن، الإماء خاصة والمراد ب‍: غير أولى الإربة المعتوه الذي
لا يدري ما النساء ولا يريدهن على ما رواه أصحابنا.
فصل:
التحريم في النكاح ضربان: تحريم أعيان وتحريم جمع. والأول ضربان: تحريم بنسب
وتحريم بسبب.
أما النسب فسبع: الأمهات وإن علون من قبل الأب والأم، والبنت و
بناتها وبنات بناتها وأبنائها وإن نزلن، وكذا بنات الابن وبنات بناته وأبنائه، والأخوات للأب والأم
أو لأحدهما وبناتها وإن نزلن، والعمات سواء كن عماته أو عمات أبويه أو عمات أجداده
وجداته من الجهتين وإن علون، والخالات سواء كانت خالته أو خالة أبيه أو أمه أو خالة
جده أو جدته وإن علون، وبنات الأخ وبنات الأخت لأبيه وأمه أو لأحدهما، وبنات بناته وأبنائه
وإن سفلن وبنات الأخت وبنات بناتها وأبنائها وإن سفلن سواء كانت الأخت لأبيه وأمه أو
لأحدهما.
وأما السبب فضربان: رضاع ومصاهرة.
فالرضاع: الأمهات المرضعات والأخوات من الرضاعة.
والمصاهرة: أمهات الزوجات، وكل من يقع عليه اسم الأم تحرم وإن علت دخل بها
الزوج أو لم يدخل، والربيبة وما كان من نسلها، وكذا بنات الربيب ونسله تحريم العقد عليهن
تحريم جمع، فإن دخل بها حرمن عليه تحريم تأبيد، وحلائل الأبناء، فإذا تزوج الرجل امرأة
حرمت على والده بنفس العقد وحدها دون أمهاتها وبناتها إذ لسن حلائله، وزوجات الآباء
يحرمن دون أمهاتهن ودون نسلهن وهكذا من الرضاع سواء.
وأما تحريم الجمع: فلا يجمع بين المرأة وأختها من أبويها كانت أو من أحدهما، ولا بين
المرأة وعمتها ولا خالتها إلا برضاهما وإن علت العمة والخالة، ولا بين المرأة وبنتها قبل
الدخول بها فمتى طلق واحدة له نكاح الأخرى إلا الربيبة فإنها تحرم على التأبيد إذا
320

دخل بأمها.
وكل من يحرم عينا يحرم جمعا وكل من يحرم جمعا لا يحرم عينا إلا الربيبة فإنها تحرم
عينا بعد الدخول بأمها وجمعا قبل الدخول، فإن طلقها قبل الدخول بها حل له نكاح
الربيبة وكذا من الرضاع، وحكم المتعة كالدوام في المسألتين، وكذا في ملك اليمين إذا وطأ
جارية بملك اليمين حرم عليه وطء أمها وبناتها بالملك والعقد ومتى لم يطأ الأم جاز أن يطأ
البنت وإن لم يخرج الأم عن ملكه بخلاف المعقود عليها لأنه وإن لم يدخل بالأم لم يجز له العقد
على البنت إلا بعد مفارقتها، ويحرم وطء جارية ملكها الأب أو الابن إذا جامعها أو نظر منها
إلى ما يحرم على غير مالكها النظر إليه أو قبلها بشهوة على التأبيد ومتى لم يطأها الابن
ولا نظر منها إلى ما لا يحل لغير مالكها النظر إليه بشهوة فما دامت في ملكه فهي حرام
على الأب.
ومن زنى بامرأة حرم عليه نكاح أمهاتها وبناتها من النسب والرضاع وروي أنه
لا يحرم، وكذا يحرم على ابنه وأبيه العقد على من زنى بها، وإن كانت ذات زوج أو في عدة
رجعية حرم على من زنى بها العقد عليها، والوطء بالشبهة يحرم على الواطئ نكاح بنات
الموطوءة وإن نزلن وأمهاتها وإن علون.
البنت من زنا لا تلحق بأحد الزانيين ولا يحل للزاني أن يتزوج بها لأنها بنته لغة.
إذا زنا بعمته أو خالته حرمت عليه بنتها أبدا فإن كان الفجور بهما أو بغيرهما بعد العقد على
البنت لم تحرم بذلك عليه امرأته.
إذا فجر بغلام وأوقب حرمت عليه بنته وأمه وأخته وإن كان المباشرة بلا إيلاج في خرج
كالقبلة واللمس وغيرهما إن كان مباحا أو محظورا بشبهة المباح أو ملك يمين فإنه ينشر
تحريم المصاهرة في أمها وإن علت وبنتها وإن نزلت وكذا النظر إلى فرجها ينشر تحريم
المصاهرة وإن كان المباشرة بغير شهوة أو بشهوة وكان محظورا كتقبيل الغلام أو تقبيل
امرأة الغير أو أمة الغير فإنه لا يحرم.
ومن لاعن امرأته حرمت عليه أبدا وكذا المطلقة تسع تطليقات طلاق العدة وقد
321

تزوجت بين ذلك زوجين. ومن عقد على امرأة محرما عالما
بتحريمه فرق بينهما ولم تحل له أبدا فإن لم
يكن عالما بتحريمه استأنف العقد بعد الإحلال. ومن قذف امرأته وهي صماء أو خرساء فرق بينهما ولم تحل له أبدا.
من تزوج بامرأة في عدتها عالما بذلك أحدهما حرمت عليه أبدا دخل بها أو لا، عدة
الوفاة كانت أو عدة الطلاق، فإن لم يكونا عالمين به ثم علما قبل الدخول لم يدخل واستأنف
العقد بعد تمام العدة ويأخذ المهر من المزوجة في العدة إن لم يعلم ذلك ولم يدخل بها، فإن
دخل بها فلا يأخذ المهر منها ولم تحل له أبدا عالما بذلك كان أو جاهلا وعليها عدتان تمام
العدة من الزوج الأول وعدة أخرى من الثاني.
من عقد على أختين في حالة واحدة لم ينعقد، وروي أنه مخير في إمساك أيتهما شاء،
وإن عقد عليهما بعقدين فسد الثاني، وإن دخل بالثانية فرق بينهما ولم يحل له الرجوع إلى
الأولى حتى تخرج الموطوءة من العدة، وكذا من عقد على أم زوجته أو أختها فوطئها، ومن
طلق امرأته طلاقا رجعيا لم يجز له العقد على أختها حتى تنقضي عدتها بخلاف البائنة
والمتمتع بها كالمطلقة الرجعية في أنه لا يجوز العقد على أختها إذا انقضى أجلها ألا بعد
العدة.
إذا ماتت الزوجة جاز العقد على أختها في الحال.
يجوز الجمع بين المرأة وزوجة أبيها إذا لم تكن أمها وكذا بين امرأة الرجل وبين بنت
امرأة له أخرى، ويجوز أن يتزوج بأخت أخيه إذا لم تكن كأن يتزوج أبوه بامرأة ولها بنت
فولد له ابن منها وكان له أخا يتزوج أبوه امرأة أخرى ويلد له ابن آخر فيتزوج بنت زوجة
أبيه وكانت أختا لأخيه، وهكذا له أن يتزوج بها إذا كانت أختا لأخيه من الرضاع كأن
أرضعت أخاه امرأة لها بنت.
من يملك أختين فوطئ إحديهما لم يجز له وطء الأخرى إلا بعد خروج الأولى من ملكه
بعتق أو كتابة أو بيع أو هبة، فإن وطأ الثانية عالما بتحريمها حرمت عليه الأولى إلى أن تموت
الثانية أو يخرجها من ملكه لا لأجل الرجوع إلى الأولى، فإن فعل للرجوع فلا رجوع وإن
322

لم يكن عالما بالتحريم فله الرجوع إلى الأولى.
إذا وطأ أمته حرمت عليه أمهاتها وجداتها من نسب كن أو رضاع وإن علون وابنتها
وبناتها وإن سفلن تحريم تأبيد ويحرم الجمع بينها وبين عمتها أو خالتها إلا برضاها، والرضاع
كالنسب في ذلك، وإن تزوج بهما بغير رضاء أحدهما كانت مخيرة بين إمضاء العقد
والاعتزال فإن أمضت فلا فسخ لها بعد، وإن اعتزلت اعتدت ثلاثة أقراء وبانت بلا طلاق،
ولا يجوز للرجل أن يعقد على أمة وعنده حرة إلا برضاها وإن فعل فكالمسألة الأولى، وكذا
إذا عقد على حرة وعنده أمة وهي لا تعلم ثم علمت فإن عقد عليهما معا مضى عقد الحرة
دون الأمة، ولا يجوز للحر العقد على أكثر من أربع حرائر أو أمتين ولا بأس أن يجمع بين حرة
وأمتين أو حرتين وأمتين بالعقد فأما بملك اليمين فله جمع ما شاء منهن مع العقد على أربع
حرائر.
من كان عنده ثلاث نسوة وعقد على اثنتين في عقد واحد أمسك أيتهما شاء وخلى
الأخرى، وإن عقد عليهما بلفظ واحد ثم دخل بإحداهما ثبت عقدها وخلى الأخرى وإن
عقد عليهما بلفظين ثم دخل بالتي ذكرها ثانيا بطل النكاح وعليها العدة والمملوك لا يجمع
بين أكثر من حرتين أو أربع إماء بالعقد ولا بأس أن يعقد على حرة وأمتين، ولا يعقد على
حرتين وأمة.
ومن طلق واحدة من أربع نسوة طلاقا رجعيا لم يجز له العقد على أخرى حتى
تخرج هي من عدتها بخلاف البائن إذ له العقد فيه في الحال على أخرى.
لا يحل نكاح عبدة الأوثان والكواكب والمجوس وغيرهم من الكفار، وفي تزويج
حرائر اليهود والنصارى قولان، ويجوز التمتع بالكتابية ورخص في المجوسية على
كراهية بشرط أن تمنع من محرمات الشرع.
إذا ارتد أحد الزوجين انفسخ العقد أما في غير المدخول بها ففي الحال وأما في
المدخول بها فبعد انقضاء العدة إن لم ترجع إلى الاسلام وكذا إذا كانا وثنيين أو مجوسيين
فأسلم أحدهما.
متى كانت يهودية تحت مسلم فانتقلت إلى دين آخر غير الاسلام فهي كالمرتدة
323

ولا ينعقد النكاح على المرتدة لمسلم ولا لوثني ولا لمرتد مثلها ولا لذمي لأنها لا تقر على
ذلك.
لا يحل للمسلم نكاح الأمة المشركة ولا للحر نكاح الأمة المسلمة إلا لعدم الطول
وخوف العنت ومتى وجد طولا لحرة لم ينكح أمة وجوبا وقيل ندبا.
من ملك عبده شيئا فاشترى العبد جارية وأذن له صاحبه في وطئها فله ذلك. ويكره
أن يعقد الرجل على قابلته أو ابنتها وأن يزوج الرجل ابنه ببنت امرأة كانت زوجته ودخل
بها وقد ولدت البنت بعد مفارقته، وإن كانت ولدتها قبل عقده عليها فلا بأس، ويكره أن
يتزوج بامرأة كانت ضرة أمه مع غير أبيه.
فصل:
المعتدة الرجعية لا يحل لغير زوجها التعريض بخطبتها ولا التصريح، أما المعتدة
عن الوفاة والمعتدة بالفسخ باللعان وبالرضاع وعن الطلاق الثالث فيجوز التعريض لها دون
التصريح والتعريض ما يحتمل النكاح وغيره كقوله: رب راغب فيك لا تبقين بلا زوج
ونحو ذلك، والتصريح ما لا يحتمل غير النكاح والمواعدة بالسر تعريض مكروه وجواب
المرأة عما خاطبها به الرجل في حكم خطابه في الحرمة والحل.
فصل:
إذا كان المشرك متزوجا بأكثر من أربع نسوة فأسلم هو أوهن أو كن من اليهود
والنصارى خاصة فأسلم هو دونهن لزمه أن يختار أربعا ويفارق البواقي أي أربع شاء
منهن سواء تزوج بهن بعقد واحد أو واحدة بعد الأخرى وليس له اختيار الوثنية والمجوسية
المقيمة على ذلك، وإذا كان الزوجان يهوديين أو نصرانيين أو أحدهما يهوديا والآخر
نصرانيا أو كان الزوج وثنيا أو مجوسيا والزوجة يهودية أو نصرانية فأسلم الزوج فالنكاح
باق بينهما، وإن أسلمت الزوجة فسيأتي، وإن كانا وثنيين أو مجوسيين أو أحدهما مجوسيا
والآخر وثنيا فأسلم أحدهما قبل الدخول انفسخ العقد في الحال وبعد الدخول وقف على
324

انقضاء العدة، فإن أسلما معا قبل انقضائها فالنكاح باق وإلا انفسخ، وهكذا إذا كانا
كتابيين فأسلمت الزوجة لأن الكتابي لا يتمسك بعصمة مسلمة أبدا، وقيل: لا ينفسخ
نكاحها بإسلامها لكن لا يمكن من الخلو بها. ولا يتعلق فسخ النكاح بين الزوجين باختلاف
دارهما إلا مع استرقاق أحدهما.
إذا تزوج بأم وبنتها في حال الشرك بعقد واحد أو بعقدين ثم أسلموا أمسك أيتهما
شاء إذا لم يدخل بإحداهما فأيتهما اختار حرمت عليه الأخرى أبدا إلا البنت فإنها لا تحرم
على التأبيد إلا إذا دخل بأمها، وإن كان دخل بهما جميعا قبل الاسلام ثم أسلموا معا حرمتا
عليه أبدا.
إذا نكح امرأة وعمتها أو خالتها ثم أسلموا اختار أيتهما شاء وترك الأخرى دخل بها
أولا إلا أن ترضى العمة والخالة فيجمع بينهما. إذا أسلم هو وأزواجه وبعضها أخت بعض
اختار منهن واحدة لا غير دخل بهن أولا.
المجوسي إذا أسلم هو وزوجته وكانت إحدى محرماته فرق بينهما في الحال. إذا كان
عند الكافر أربع زوجات حرة واحدة وإماء، فأسلموا معا ثبت نكاح الحرة ووقف نكاح
الأمتين على رضاها، وكذا إن أسلمت الحرة قبل الإماء فإن أسلمن قبل الحرة وأقامت على
الشرك إلى انقضاء عدتها بانت منه باختلاف الدين، وإن أسلمت قبل انقضائها ثبت
نكاحها ووقف نكاح أمتين على رضاها. إذا تزوج المملوك المشرك ست زوجات أمتين
وكتابيتين ووثنيتين فأسلموا كان للحرائر أن يخترن فراق الزوج بخلاف الأمتين. إذا تزوج
العبد أربع إماء في حال الشرك فأسلمن دونه ثم أعتقن فلهن خيار الفسخ فإن اخترن
الفسخ انقطعت عصمة الزوجية وعليهن عدة الحرائر وإن لم يخترنه وأقام الزوج على
الشرك إلى انقضاء عدتهن وقع الفسخ باختلاف الدين وكان ابتداء العدة من حين الفسخ،
وإن أسلم الزوج واخترن المقام معه فله أن يختار ثنتين منهن وينفسخ نكاح الباقيتين من
حين الخيار. والاختيار يكون بالقول كأن يقول لهن: اخترتكن، ويكون بالفعل كالوطء.
إذا ارتد أحد الزوجين قبل الدخول وقع الفسخ في الحال وإن كان المرتد الزوج
فعليه نصف المهر المسمى إن كان المهر صحيحا ونصف مهر المثل إن كان فاسدا والمتعة
325

إن لم يسم لها مهرا، وإن كان المرتد الزوجة فلا مهر وإن كان الارتداد بعد الدخول وقع
الفسخ في الحال ولم يقف على انقضاء العدة ووجب القتل في الحال هذا في من ولد على فطرة
الاسلام، وإن كان الارتداد عن إسلام قبله شرك فإنهما يستتابان والحكم ما سبق.
أنكحة المشركين صحيحة فإن تزوج مشرك بمشركة ثم طلقها ثلاثا لم يحل له إلا بعد
زوج وإن كان مشركا. كل فرقة كان موجبها اختلاف الدين فهو فسخ لا طلاق.
فصل:
يستباح وطء النساء بأربعة أشياء: النكاح المستدام ونكاح المتعة وهو أن يعقد
على امرأة مدة معلومة بمهر معين فإن لم يذكر المهر أو كانت المدة مجهولة لم يصح.
والنكاح بملك اليمين وتحليل الجارية للغير بلا عقد على أحد القولين وأما ولي المرأة فالأب
والجد مع وجود الأب والثيب الكبيرة الرشيدة لا تزوج إلا بإذنها ونطقها ولا
ولاية للأب والجد ولا لغيرهما على الثيب البالغ الرشيدة إلا أن تضع نفسها في غير كف ء
فيكون لأبيها أو جدها فسخ العقد، و الثيب الصغيرة لوليها أن يجبرها على التزوج
سواء ذهبت عذرتها لوطء لا حرمة له كالزنا أو له حرمة أو بغير وطء من علة أو نزوة
أو سقطة.
البكر الصغيرة لأبيها وجدها وجد أبيها وإن علا أن يزوجها لا غير، وكذا
الكبيرة على أظهر الروايتين إلا إنه يستحب له أن يستأذنها وإذنها صماتها وإن لم
يزوجها وليها بالأكفاء كان لها أن تتزوج، وغير الممنوعة من الكف ء إن عقدت على
نفسها بلا إذن الولي والجد فالفسخ والإمضاء إلى الولي إلا في المتعة فإنه ينعقد وإن لم
يعلم أبوها غير أن العاقد ليس له وطؤها في الفرج إلا بإذن. ولا ولاية لغير الأب والجد
على البكر من سائر العصبات ولا للجد مع عدم الأب.
البكر البالغ إذا فقد الأب فلها أن تتزوج بلا ولي وتوكل من شاءت وإن كان لها جد
لم تعدل في التوكيل عنه ندبا فإن فقد الجد فالأخ الكبير. إذا زوجها الأب من شخص
والجد من آخر فالسابق أولى فإن اتفقا معا فعقد الجد أولى، والجد الأدنى أولى من أب
326

الجد وأب الجد أولى من جد الجد وهلم جرا. إذا ردت أمرها إلى أقاربها من لا ولي لها
تعين عقد من سبق بالعقد فإن لم يسبق واحد وتشاحوا في ذلك أقرع بينهم أو اختارت المرأة
واحدا منهم.
لا ولاية للسلطان على امرأة إلا إذا كانت غير رشيدة أو مولى عليها أو مغلوبا
على عقلها.
للغائب وليها أن تزوج نفسها أو توكل في ذلك.
وليس للسلطان تزويجها إلا بوكالتها. إذا عقد أبوان على ولديهما قبل بلوغهما
صح وللصبي الخيار إذا بلغ دون الصبية وإن كان العاقد غير الأبوين أو الجد مع وجود
الأب فلكل منهما الخيار. إذا بلغ من عقد على ابنه الصغير وسمى مهرا ثم مات كان
المهر من أصل التركة إلا أن يكون للصبي مال حال العقد فالمهر إذن منه.
إذا وكلت المرأة وليين فأيهما سبق بالعقد صح نكاحه، وإن دخل بها الزوج
الثاني فعليه مهر مثلها، فإن أتت بولد ألحق بأبيه وتعتد منه فإذا خرجت من العدة حلت
للأول، وإن دخلا بها جميعا استقر المهر المسمى على الأول ومهر المثل على الثاني، وإن
أتت بولد يمكن أن يكون من كل واحد منهما أقرع بينهما وتعتد من الثاني وتحل للأول،
وإذا لم يسبق أحد النكاحين الآخر أو اشتبها بطلا جميعا، وإن ادعى كل واحد من
الوليين أن عقده لها سابق وأنها تعلم ذلك وأنكرت فالقول قولها مع اليمين، فإن حلفت
بطل النكاحان معا، وإن نكلت ردت اليمين عليهما، فإن لم يحلفا أو حلفا بطل النكاحان،
وإن حلف أحدهما حكم له فإن اعترفت المرأة بسبق واحد منهما بعينه حكم بذلك، والأولى
أن تحلف هي للثاني.
من كان له بنات فعقد لرجل على إحداهن ولم يعينها فإن كان الزوج رآهن
كلهن فالقول قول الأب وإن لم يرهن بطل العقد.
متى عقد الأم لابنها على امرأة كان مخيرا بين القبول والامتناع منه فإن قبل لزمه
المهر وإن أبي لزم الأم.
لا تبطل ولاية الولي بفسقه وليس من شرط انعقاد النكاح حضور الشاهدين وإنما
327

هو ندب. إذا عرف ولي المحجور عليه لسفه من حاله الحاجة إلى التزويج فعليه أن
يزوجه وإلا فليس له ذلك، وإن فوض إليه ذلك جاز، وإذا كان بالمجنون حاجة إلى النكاح
بأن يتبع النساء ويحن إليهن زوجه وليه، ولا يصح أن يتولى ذلك المجنون بنفسه،
ولا يجوز للعبد أن ينكح بغير إذن سيده فإن فعل كان موقوفا على إجازته بخلاف أن
يزوج رجلا من امرأة بلا أمرهما فإنه لا يصح ولا يكون موقوفا على إجازتهما.
إذا تزوج العبد بإذن سيده وقبل أكثر من مهر المثل يكون ما زاد في ذمته يتبع به إذا
أعتق ومهر المثل في كسبه ويستوفى منه، فإن أبق العبد لم يلزم مولاه نفقة زوجته وقد بانت و
عليها العدة فإن عاد قبل انقضاء العدة كان أملك برجعتها وبعد ذلك لا سبيل عليها،
وللسيد أن يجبر عبده على النكاح صغيرا كان أو كبيرا أم ولد كان أو مدبرا بخلاف المكاتب
والمعتق بعضه وليس لأحد الشريكين إجبار العبد المشترك على التزويج إذا لم يره الآخر.
إذن السيد العبد في التزويج إذن له في اكتساب المهر والنفقة فإن تكفل السيد بذلك
كان له حينئذ استخدامه وإن كان العبد غير مكتسب ولا مأذون له في التجارة وجب المهر في
ذمة السيد وهكذا من زوج ابنه الصغير فإن كان للطفل مال كان المهر والنفقة في ماله وإن
كان فقيرا وجب ذلك في ذمة أبيه.
إذا تزوج العبد بغير إذن سيده ودخل بها فرق بينهما ولزم العبد المهر يتبع به إذا أيسر.
من كان له أمة كان له إجبارها على النكاح ويسقط عنه نفقتها ويجب له المهر والولد له إن
شرط. وإذا زوج أمته فعليه أن يرسلها إلى زوجها ليلا وله أن يمسكها لخدمته نهارا وله أن
يسافر بها فأما إذا زوج عبده ليس له أن يسافر به إلا إذا ضمن المهر والنفقة لأن ذلك تعلق
بكسب العبد.
متى طلق العبد زوجته قبل الدخول بها وقد قبضت مهرها من سيده أو منه عاد
نصف المهر إلى سيده فإن طلقها بعد أن أعتقه سيده فالنصف للزوج لا غير لأنه من
اكتسابه بعد عتقه، وهكذا من زوج ولده الصغير وأدى الصداق من عنده ثم كبر الولد
وطلق الزوجة قبل الدخول فنصف الصداق للولد لأنه من اكتسابه.
متى ملك أحد الزوجين الآخر بأحد وجوه التمليكات انفسخ النكاح بينهما.
328

السلامة من العيوب شرط في النكاح وكذلك اليسار وحده ما أمكن معه من القيام
بنفقة الزوج لا أكثر ومتى رضي الأولياء والزوجة بمن ليس بكف ء ووقع العقد على من
دونها في النسب والحرية والصناعة واليسار والسلامة من العيوب صح العقد.
إذا رضيت المرأة بأقل من مهر المثل فلا اعتراض للأولياء عليها ويلزمهم أن
يزوجوها بذلك من الكفوء فإن منعوها لذلك فقد عضلوها وجاز لها خلافهم.
إذا كان للمرأة ولي تحل له جاز أن يزوجها من نفسه بإذنها.
إذا كان للكافرة وليان مسلم وكافر يتولى الكافر تزويجها دون المسلم لقوله: أو الذين كفروا بعضهم أولياء بعض.
فصل:
ينبغي أن يعرف المنكوحة إما بالإشارة إليها أو ذكر اسمها الخاص أو صفتها
الخاصة المميزة لها ولا بد من النية، وإن قال: زوجتك فلانة، ولم ينوها بطل. وإذا قال:
زوجتك إحدى ابنتي أو قال بنتي فقط، وله بنتان بطل النكاح. فإن نوى الكبيرة منهما
مثلا فقبل الزوج ونواها هو أيضا واتفقا صح النكاح. وتزويج الحمل لا يجوز، ولا ينعقد
النكاح إلا بلفظ النكاح أو التزويج في الإيجاب والقبول وجاز أن يقع الإيجاب بأحد اللفظين
والقبول بالآخر ولا ينعقد بما عدا ذلك من لفظ البيع والتمليك والهبة وغيرها إذا تأخر
الإيجاب وسبق القبول جاز وإن لم يعد الزوج القبول وكذا في البيع كأن يقول: زوجتنيها؟
قال: زوجتكها. فإن قال: أتزوجنيها؟ قال: زوجتكها، لم ينعقد لأن ما سبق استفهام لا
قبول وكذا بالبيع.
إذا عقد بالفارسية مع القدرة على العربية لم ينعقد وأما مع العجز فينعقد ولا يلزمه
التعلم.
الأخرس يقبل النكاح بالإيماء ولا يدخل خيار الشرط ولا خيار المجلس في عقد
النكاح فإن شرط خيار الثلاث بطل النكاح. لو أوجب الولي عقد النكاح للزوج فزال
عقله قبل القبول بالإغماء وغيره بطل إيجابه ولم يكن للزوج القبول بعد ذلك إلا أن يجدد
329

الولي الإيجاب فيقبله على إثره والخطبة قبل العقد مسنونة.
فصل:
من أراد العقد على أمة غيره فلا يعقد عليها إلا بإذن سيدها وعليه أن يعطيها المهر
وولده منها حر لا حق به لا سبيل لسيدها عليه إلا إذا شرط استرقاقه ولا يبطل هذا العقد إلا
بطلاق الزوج لها أو بيع مولاها أو عتقها، فإن باعها فالمشتري بالخيار بين إقرار العقد
وفسخه، فإن أقره فلا خيار له بعد وإن أعتقها مولاها كانت مخيرة بين الرضا بالعقد وبين
فسخه سواء كان زوجها حرا أو عبدا، فإن رضيت به بعد العتق فلا خيار لها بعد.
لو عقد على أمة بغير إذن مولاها بطل العقد وولده منها رق لمولاها فإن كان عقد
عليها على ظاهر الحال بشهادة شاهدين بحريتها فأولاده أحرار، وإن عقد عليها بظاهر
الحال ولم يقم عنده بينة بحريتها ثم تبين أنها كانت رقا كان أولادها لمولاها ويجب على
الزوج قيمة الولد لمولاها وليس له استرقاقهم، فإن لم يكن له مال استسعى في قيمتهم فإن
أبي ذلك فعلى الإمام قيمتهم من سهم الرقاب ورجعت الأمة إلى مولاها، وللزوج أن يرجع بما
أعطاها من المهر على مولاها لا عليها وعليه لمولاها عشر قيمتها إن كانت بكرا
وإلا فنصف العشر، ومتى رضي المولى بالعقد كان رضاه كالعقد المستأنف، ومن زوج أمته
من غيره على أنها حرة فعلم فله الرجوع عليه بالمهر والولد حر.
ولا يجوز للحرة أن تتزوج بمملوك إلا بإذن مولاه فإن تزوجت باذنه فالولد حر إلا أن
يشترط مولى العبد استرقاقه وكان الطلاق بيد الزوج دون مولاه، فإن باعه كان المشتري
بالخيار بين إقرار العقد وفسخه فإن أقره فلا خيار له بعد. وإن أعتق فلا اختيار للحرة عليه.
إذا عقد العبد على حرة بغير إذن مولاه كان العقد موقوفا على رضاه فإن أمضاه
مضى والطلاق بيد الزوج ولا فسخ له بعد إلا أن يبيعه، وإن فسخه وقد ولدت منه فإن كانت
تعلم أن مولاه لم يأذن له في التزويج فالولد رق لمولى العبد وإن لم تعلم فحر، وإذا تزوجت
الأمة بغير إذن مولاها بعبد فالولد رق لمولييهما بالسوية إذا لم يؤذن العبد في التزويج فإن أذن
فيه فالأولاد لمولى الأمة.
330

من زوج جاريته من عبده فعليه أن يعطيها شيئا من ماله مهرا لها والفراق بيده
ولا طلاق للزوج بل يقول السيد: فرقت بينكما، أو يأمر أحدهما باعتزال الآخر، وإن كان
قد وطأها استبرأها بحيضة أو خمسة وأربعين يوما ثم وطأها إن شاء، وإن لم يطأها العبد فله
وطؤها في الحال، فإن باعهما فالمشتري بالخيار بين إمضاء العقد وفسخه، فإن رضي
بالعقد فكالمولى الأول وإن أبي لم يثبت بينهما عقد على حال، وإن باع أحدهما فقد فرق بينهما
ولا عقد إلا أن يشاء المتبايعان ثبات العقد بينهما فإن أبي أحدهما فلا عقد وأولادهما رق
لمولييهما، ومتى أعتقهما جميعا فللمرأة خيار بين إمضاء العقد وإبائه.
وإذا مات من زوج جاريته من عبد لم ينفسخ العقد ما رضي الورثة فإن أبوا انفسخ.
إذا عقد لعبده على أمة غيره باذنه جاز والطلاق بيد العبد لا المولى، فإن باعه كان فراقا بينهما
وكذا إن باع الجارية مولاها ويكون كل واحد من مشتريهما مخيرا بين إقرار العقد وفسخه،
وإذا أعتقت الجارية فلها الخيار وإذا أعتق العبد فلا خيار لمولى الجارية عليه، فإن رزق بينهما
ولد فبين مولييهما على السواء إلا إذا كان بينهما شرط فحينئذ يكون على ما شرطا.
إذا كانت جارية بين شريكين فزوجها أحدهما خاصة من رجل لم يصح العقد
إلا بعد رضاء الآخر إذا ورثت الحرة زوجها المملوك أو اشترته انفسخ العقد فإن أرادته لم
يجز لها ذلك إلا بأن تعتقه أولا ثم تتزوج به، وإن ورث الحر أو اشترى زوجته المملوكة
فله وطؤها بملك اليمين.
يجوز للمرء أن يعتق جاريته ويجعل عتقها مهرها ويقدم لفظ التزويج على لفظ
العتق، فإن عكس ذلك انعتقت ولها الامتناع عن التزويج فإن طلقها بعد عتقها قبل
الدخول بها رجع نصفها رقا واستسعيت فيه، فإن لم تسع كان له من خدمتها يوم ولها من
نفسها يوم، وإن كان لها ولد ذو مال ألزم أداء ذلك النصف عنها وتنعتق، فإن كان لم يؤد
ثمنها وتزوجها كذلك ثم مات وترك ما لا يحيط بثمنها أدى عنه ومضى العقد والعتق ولو لم
يترك غيرها فسد عتقها، والأمة للمولى الأول وولدها رق له وكذا حكم المدبرة والمعتقة
بالصيغة والمكاتبة وأم الولد.
إذا قالت الحرة لمملوكها: أعتقتك على أن تتزوج بي، أو قال العبد لها: أعتقيني على
331

أن أتزوج بك، ففعلت العتق فلا يجب عليه أن يتزوج بها.
لا يجوز أن يتزوج الرجل بمكاتبة غيره قبل انقضاء مكاتبتها ولا بأس أن يطأ الرجل
مملوكة عبده أو أمته لأن ملك مملوكه ملكه، وأما تحليل الانسان جاريته لغيره من غير عقد
مدة فمختلف في جوازه بين أصحابنا، ومن أجازه فعلى قولين:
أحدهما: أنه تمليك منفعة مع بقاء الأصل، وهو اختيار الشيخ أبي جعفر وأجراه مجرى
أسكان الدار وأعمارها قال ولهذا يحتاج إلى المدة المعلومة ويكون الولد لا حقا بأمه ويكون
رقا إلا بشرط الحرية ولو كان عقد ألحق بالحرية على كل حال لأن الولد عندنا يلحق بالحرية
من أي جهة كان.
ثانيهما: أنه عقد والتحليل عبارة عنه وهو اختيار المرتضى، والمرضى هو ما ارتضاه
المرتضى. وعلى قول من أجازه إذا أحل له خدمتها لم يحل له إلا استخدامها، فإن وطأها
فجاءت بولد كان غاصبا، والولد رق لمولاها ولزمه عشر قيمتها إن كانت بكرا وإلا فنصف
العشر، وإن كان في حل من وطئها وشرط حرية الولد كان حرا وإن لم يشترط فالولد لمولاها
وعلى الأب شراؤه إن كان ذا مال وإلا استسعى في ولده، ويكره ألا يشرط حرية الولد،
ولا يحل له أكثر مما حلله ولو يوما.
وإذا حلل أحد الشريكين الآخر من وطء جارية مشتركة جاز وإن كان نصف
الجارية حرا لم يجز لمالك النصف وطؤها إلا بأن يعقد عليها عقد المتعة في يومها.
ومن زوج جاريته من غيره أو أحله من وطئها لم يجز له وطؤها إلا بعد أن يفارقها
الزوج أو يقضي مدة الأجل ثم يستبرئ رحمها أو تنقضي مدة الإحلال ثم تستبرئ من زوجها
ولا له النظر إليها بشهوة حال تزويجها،
ومن ملك جارية بوجه ما لم يجز له وطؤها إلا بعد استبرائها بحيضة وإن لم تكن ممن تحيض
ومثلها تحيض فبخمسة وأربعين يوما، فإن لم تبلغ المحيض أو أيست منه فلا استبراء وكذا
يستبرئ جارية قد وطأها إذا أراد بيعها، وإن قال البائع: استبرأتها، وكان موثوقا به جاز
أن لا يستبرئها المشتري وكذا إن اشتراها من المرأة والاستبراء أفضل، وإذا استبرأ جارية ثم
أعتقها قبل الاستبراء جاز له العقد عليها ووطؤها والأفضل أن لا يطأها إلا بعد الاستبراء،
ومتى أراد العقد عليها لغيره وكان قد وطأها بالملك قبل العتق لم يجز إلا بعد العدة ثلاثة أشهر
332

وإذا اشترى جارية حائضا كفى في استبرائها ألا يطأها حتى تطهر به وإن كانت
حاملا لم يطأها إلا بعد وضع الحمل أو مضى أربعة أشهر وعشرة أيام إلا فيما دون الفرج وكذا
في التي اشتراها ولم يستبرئها والتنزه أفضل.
ولا يحل لرجل وطء جارية وطأها أبوه أو ابنه أو قبلاها بشهوة أو رأيا منها ما يحرم على
غير مالكها رؤيته، ويحرم بملك اليمين وطء كل محرمة ذكرناها بنسب أو بسبب.
من كان لولده الكبير جارية لم يطأها ولا نظر إليها بخاص نظر المالك لم يجز له
وطؤها إلا باذنه، وإن كانت لولده الصغير لم يجز له وطؤها إلا بعد تقويمها على نفسه في
ضمان ثمنها، ويكره للرجل أن يطأ جاريته الفاجرة، ولا بأس أن يطأ أمة اشتراها من
دار الحرب وكان لها زوج هناك وأن يشترى من الكافر بنته أو ابنه أو مما يسبيه الظلمة
ويستحل فرج نسائهم إذا كانوا مستحقين للسبي.
فصل:
ما ينفسخ به العقد من عيوب الزوج الجب والعنة والجنون، وفي الزوجة الجنون
والجذام والبرص والرتق والقرن والإفضاء والعمى والعرج و كونها محدودة في الزنى،
ولا يحتاج مع الفسخ إلى طلاق ولا يحتاج في الفسخ إلى الحاكم.
إذا كان البرص والجذام خفيا يمكن الاختلاف فيه فاختلف الزوجان فالقول قول
المرأة مع اليمين إلا أن يقيم المدعي البينة عدلين من مسلمين من ذوي الطب والمعرفة على
صحة دعواه فيكون له الخيار والكثير والقليل فيهما سواء، والجنون إذا كان خفيا أو غلبة
على العقل من غير حادث مرض ففيه الخيار لصاحبه، وكذا إن غلب على عقله بمرض
إغماء ثم زال المرض وبقي الإغماء، وإذا غلب على العقل مرض غير ذلك فلا خيار فيه
لا سيما إذا برأ منه وزال الإغماء، وقد روى أصحابنا أن جنون الرجل إذا عقل معه أوقات
الصلاة فلا خيار لها.
والجب إن منع من الجماع فلها الخيار وإن بقي ما يغيب منه في الفرج مقدار حشفة
فلا خيار لها. ومن بان خصيا أو خنثى فلها الخيار إلا إذا كانت عالمة بذلك فلا خيار لها. إذا
333

وجدته خصيا أو خنثى ورضيت بالمقام معه فلا خيار لها بعد وإن كانت مدخولا بها فلها
الصداق وعلى الإمام تعزيره.
إذا تزوج الرجل امرأة خنثى مع الجهل فله الخيار والعنة يثبت بها الخيار للمرأة
ويمهل الرجل سنة، فإن جامعها ولو مرة واحدة وإلا فرق بينهما فسخا لا طلاقا،
وإذا تزوجت به على أنه عنين فلا خيار لها إذن ولا تبين إلا بالطلاق، وإذا اعترفت بأن العنة
حدثت بعد الجماع فلا خيار لها وإذا كان صحيحا ثم جب فلها الخيار.
إذا اختلفا في الإصابة فإن كانت ثيبا أمرت بأن تحشو قبلها خلوقا ثم يطأها فإن تأثر
ذكره بالخلق صدق في الإصابة وإلا فلا، وإن كانت بكرا أريت أربع نساء عدول من القوابل،
فإن شهدن بالبكارة وكذبهن الزوج لم يسمع منه، وإن صدقهن وقال أزلت عذرتها ثم
عادت فالقول قولها مع اليمين، فإن حلفت فلها الخيار وكان بين الرضا والفسخ، وإن
نكلت حلف الزوج وكانا على النكاح.
وحد الإصابة غيبوبة الحشفة في الفرج أو قدر الحشفة لمقطوعها لا غير لأن أحكام
الوطء يتعلق بذلك، والرتق المانع من الدخول فيه الخيار فإن صلح بالدواء يسقط خياره وفي
القرن الخيار وهو عظم في الفرج يمنع الجماع، وقيل: هو حال يلحقها عند الولادة ينبت
اللحم في فرجها.
ومتى بانت عاقرا فلا خيار له، وإذا كان لكل من المتزاوجين عيب فلكل منهما
الخيار، فإن فسخت المرأة سقط مهرها إذا كان قبل الدخول وإن كان بعده سقط المهر
المسمى ووجب لها مهر المثل، وإن كان الفاسخ الزوج سقط المهر [إن كان قبل الدخول]
وإن كان بعده يلزم مهر المثل ويرجع هو به على من دلس عليه العيب من الولي، ثم إن كان
الولي ممن لا يخفى عليه العيب كالأب والجد ممن يخالطها ويعرفها فالرجوع عليه بالمهر لأنه
الذي غر، ولو كان ممن يخفى عليه فإن صدقته المرأة أنه لا يعلم فالرجوع عليها وإن خالفته
فالقول قوله مع اليمين والرجوع عليها أيضا هذا إذا كان العيب موجودا بأحدهما حال
العقد وإن حدث بعده فلا يرد به الرجل إلا بالجنون الذي لا يعقل معه أوقات الصلاة.
وإن كانت زوجة فكلما يحدث بها بعد العقد من العيوب المذكورة فلزوجها الخيار،
334

ومتى دخل أحدهما مع العلم بالعيب سقط الخيار، وكل عيب يحدث بعد الدخول فالرضا
بالعيب الأول لا يثبت به الخيار.
والخيار بالعيب على الفور. إذا تزوج الرجل بامرأة على أنها حرة فوجدها أمة أو
تزوجته على أنه حر فوجدته عبدا فلكل منهما الرد والرضا بالعقد. إذا نزوجها على أنها
حرة فبانت أمة فللزوج الرجوع بالمهر على من غره إما الوكيل أو الزوجة أو سيدها، فإن كان
الغرور من الزوجة كان المهر في ذمتها يتبعها به إذا أيسرت بعد العتق، وإن كان من السيد
كان ذلك إقرارا لها بالحرية وسقط الخيار.
إذا تزوجها على أنها بنت مهيرة فوجدها بنت أمة فله ردها، فإن لم يدخل بها
فلا شئ عليه والمهر على أبيها على ما روي والأصل أنه غير واجب وإن دخل بها فعليه المهر
بما استحل من فرجها ثم إن رضي بالعقد سقط الخيار.
ومن كان له بنت مهيرة وبنت أمة فعقد لرجل على بنت المهيرة ثم أدخلت عليه
الأخرى فله ردها ولا شئ عليه إن لم يدخل بها، وإن دخل بها وقد أعطاها المهر فهو لها بما
استحل من فرجها وعلى الأب أن يدفع إليه بنت المهيرة والمهر على الأب إن كان المهر الأول
وصل إلى الأولى، وإن لم يصل إليها ولا دخل بها فالمهر في ذمة الزوج.
ومتى عقد رجلان على امرأتين وأدخلت امرأة كل منهما على الآخر ثم علم ردت
كل واحدة إلى صاحبها ما لم يدخلا بهما فإن دخلا بهما فلكل واحدة منهما الصداق وعلى
الولي غرامته إن تعمد ذلك، ولا يقرب كل منهما امرأته إلا بعد أن تعتد من الداخل بها، فإن
ماتتا قبل انقضاء العدة فليرجع الزوجان نصف الصداق على ورثتهما ويرثهما الرجلان،
وإن مات الرجلان وهما في العدة ترثانهما ولهما المهر المسمى وعليهما عدة المتوفى عنها
الزوج بعد الفراق من العدة الأولى.
ومتى أقام رجل بينة على أنه تزوج بامرأة وأقامت أختها البينة بأنه عقد عليها دون
أختها فالبينة بينة الرجل ولم يلتفت إلى بينة المرأة إلا أن تقيم المرأة البينة بأنه عقد عليها
قبل عقده على أختها فحينئذ البينة بينتها دون بينة الرجل.
إذا تزوج امرأة على أنها من قبيلة كذا ولم تكن كذلك فله الخيار. إذا كان تزوجها على
335

أنها مسلمة فبانت كتابية بطل النكاح. إذا أعتقت أمة غير بالغ تحت عبد فلها الخيار
و ليس لوليها أن يختار من قبلها والنفقة على الزوج إلى وقت بلوغها فإن اختارته وقت
البلوغ ثبت النكاح وإن فسخت انفسخ وإذا أعتق الزوج وكان تحته أمة فلا خيار له.
فصل:
نكاح المتعة لا بد فيه من ذكر الأجل وتعيينه وذكر المهر فإن كانت المدة مجهولة أو لم
يذكر المهر لم يصح العقد وإن ذكره ولم يذكر المدة كان النكاح دائما ويلزم النفقة
والميراث ولا تبين إلا بالطلاق أو ما يجري مجراه وبهذين الشرطين يتميز من نكاح الدوام.
والمدة ما تراضيا عليه من الأيام والشهور والسنين قل أم كثر بشرط أن لا يكون مجهولا
كهبوب الرياح ومجئ المطر وقدوم الحاج وإدراك الغلات وغيرها مما يجوز أن يتقدم
أو يتأخر أو لا يتفق ذلك، وروي أنه يجوز أن يوقت بأن يواقعها مرة أو مرتين وذلك محمول على
أن يسنده إلى يوم معلوم أو زمان معين فإن لم يكن كذلك كان العقد دائما ويجوز أن يشترط
عليها أن يأتي ليلا أو نهارا أو في أسبوع يوما بعينه أو يومين ومتى عقد عليها شهرا على
الإطلاق ولم يعين ومضى عليها شهره فلا سبيل له عليها.
إذا انقضى أجل المتعة جاز له أن يعقد عليها عقدا مستأنفا في الحال، ومتى أراد أن
يزيد في المدة قبل انقضائها لم يكن له ذلك إلا بعد أن يهب لها ما بقي من أجلها والمهر ما وقع
عليه الاتفاق بينهما قل أم كثر ولا بد أن يكون معلوما وإن لم يعطها في حال العقد، وأقل ما يجزئ
منه كف من طعام أو تمثال من سكر أو شبه ذلك.
ومتى أراد مفارقتها قبل الدخول فليهب لها أيامها وقد انفسخ العقد بينهما، وإذا
فارقها بعد الدخول لم يحل لغيره العقد عليها بمتعة أو دوام إلا بعد العدة، فإن فارقها قبل
الدخول بها رجع بنصف المهر وإن أخلت بشئ من أيامه جاز له أن ينقصها بحساب
ذلك من المهر إلا أيام حيضها، فإن تبين بعد الدخول بها أن لها زوجا وقد أعطاها بعض
مهرها لم يلزمه إعطاء ما بقي منه.
ومتى وهبت المرأة مهرها لزوجها قبل المفارقة وكان قد أعطاها ثم وهب الزوج لها
336

أيامها قبل الدخول بها كان له أن يرجع عليها بنصف مهرها. ويستحب أن يذكر أن
لا نفقة لها ولا توارث بينهما وأنه يلزمها العدة وأن له أن يعزل عنها وليس من شرطه الإشهاد
والإعلان إلا عند خوف التهمة فحينئذ يستحب ذلك ولا توارث بينهما إلا إذا شرطا ذلك،
وللرجل العزل وإن لم يشرط.
إذا شرط في حال العقد أن لا يطأها في فرجها لم يكن له وطؤها فيه، فإن رضيت بعد
العقد جاز ولا عدة عليها إذا لم يطأها في الفرج وفارقها بغير الموت، والشرط المؤثر للرجل
هو ما يذكر بعد العقد دون ما يتقدم العقد إلا أن يعيد ذكره بعد العقد.
يجوز أن يتمتع بمستضعفة إذا لم يجد مؤمنة عفيفة مستبصرة معتقدة للحق ولا يجوز
بالناصبة لعداوة آل محمد ولا بأس باليهودية والنصرانية ويكره المجوسية والفاجرة فإن
فعل منع المجوسية من أكل المحرمات والفاجرة من الفجور.
لا يجب عليه أن يسألها أ لها زوج أم لا لتعذر قيام البينة بذلك هذا في المأمونة المعروفة
بالديانة والصيانة، فأما المتهمة فليفتش عن أمرها احتياطا، ولا بأس أن يتمتع ببكر لا أب لها
من غير ولي ويدخل بها إذا كانت بالغا، فإن لم تبلغ ولها أب لم يجز العقد عليها إلا بإذن
أبيها، وإن كانت بالغا وهي التي لها تسع سنين جاز أن يعقد عليها بلا إذن أبيها إلا أنه
لا يحل له أن يفضى إليها، ويجوز التمتع بالأمة بإذن سيدها وبأمة المرأة بغير إذن سيدتها
ويجوز أن يزيد في التمتع على أربع نسوة والأحوط أن لا يزيد، والولد لا حق بالرجل عزل أم
لا.
ومن كانت عنده حرة لا يتمتع بأمة إلا برضاها، وإذا تمتع بإحدى الأختين وانقضى
أجلها لم يحل له التمتع بالأخرى إلا بعد انقضاء عدة الأولى كما في الدوام، ومتى تزوجت
امرأة متعة سرا بغير إذن وليها على أنه لا يفضى إليها فزوجها الولي من رجل آخر
علانية يجب عليها ألا تمكن الزوج من نفسها إلى انقضاء مدة متعتها ولا عدة عليها، فإذا
دخل بها الزوج قالت له: قد زوجت منك بغير أمري وقد رضيت الآن فاستأنف العقد،
فإن كانت المدة طويلة ولم يصبر الزوج فليتصدق المتمتع عليها بما بقي له من الأيام وليتق
الله تعالى في ذلك صيانة لنفسها وتسترا عليها لأنها قد ابتليت والدار دار هدنة والمؤمنون في
337

تقية كذا جاء الأثر عن الرضا ع أنه قال: لا تدع التمتع ولو بحبشية زرقاء فإنكم
تحيون بذلك السنة. من خاف في ذلك على نفسه أو ماله أو مذلة تلحقه وجب عليه ألا يفعله.
فصل:
يصح عقد النكاح الدائم وإن لم يذكر المهر ويلزم مهر المثل، والمهر ما تراضى عليه
الزوجان مما له قيمة ويحل تملكه قليلا كان أو كثيرا، فإن عقد على مهر فاسد كالخمر والخنزير
والميتة صح العقد وفسد المهر ويلزم مهر المثل وقيل لا ينعقد النكاح، وإن كانا ذميين وأسلما
قبل الأداء فعليه قيمته عند مستحليه، ويستحب أن لا يتجاوز بالمهر السنة المحمدية وهو
خمسمائة درهم، ويجوز أن يصدقها تعليم شئ من القرآن أو الحكم والآداب أو بناء دار
أو خياطة ثوب وغير ذلك مما له أجرة سوى الإجارة مدة إذ هي كانت مختصة بموسى عليه
السلام، وإذا أصدقها تعليم قرآن لم يجز حتى يكون مقداره معلوما معينا بالسور وإن كان
تعليم آيات معدودة وجب تعيينها لأنها تختلف، فإن أصدقها تعليم سورة معينة وهو لا يحفظها
وقال: على أن أحصل ذلك لك، صح وإن أصدقها تعليم سورة معينة فلقنها فلم
تحفظ أو أصدقها عبدا فهلك قبل القبض فعليه أجرة مثل تعليم تلك السورة أو قيمة العبد.
إذا أصدقها تعليم سورة معينة ثم طلقها قبل الدخول وقبل تعليمها فعليه أن يلقنها
نصف السورة، وإن طلقها بعد التعليم رجع عليها بنصف أجرة مثل ما علمها وكذا إذا
وهبت المرأة صداقها لزوجها ثم طلقها قبل الدخول فله أن يرجع عليها بنصف المهر.
إذا تزوج مسلم كتابية على تعليم شئ من القرآن للتبصر والاهتداء به صح، وإن
كان تعليمها للمباهاة بحفظها لم يصح ويلزمه مهر المثل إذا دخل بها، فإن تزوج
مسلم كتابية أو مشرك مشركة على تعليم شئ من التوراة كان المهر فاسدا لأنه منسوخ
مغير مبدل، وكذا إن كان الصداق هجرا أو فحشا من الشعر لم يصح وكان لها مهر مثلها،
وإن كان الشعر حكما وزهدا صح، وإن كان الصداق خياطة ثوب معين فهلك الثوب فلها
مثل أجرة خياطة ذلك الثوب دون مهر المثل، وكذا في كل مهر معين وكل مهر فاسد يوجب
مهر المثل كله بعد الدخول ونصفه قبله، والمرأة تملك الصداق بالعقد وكان الزوج ضامنا
338

متى تلف في يده.
إذا أصدقها غنما حاملا أو غيرها من الحيوان فولدت ثم طلقها قبل الدخول رجع في
نصف الغنم ونصف أولادها، وإن حملت الغنم عندها فلا شئ له من الأولاد، وإذا كان
الصداق مما له مثل كالأثمان والحبوب والأدهان فتلف وقد طلقها قبل الدخول فله مثله، وإن
لم يكن له مثل كالثوب والعبد فله نصف قيمته وعليها أقل الأمرين بين قيمته يوم القبض
ويوم العقد لأن ما زاد بعد العقد يكون لها وإن لم يتلف لكن لو نقص نقصان عين
لا نقصان قيمة كأن يكون الحيوان بصيرا فعمي أو صحيحا فمرض فكما في التالف، وإن
زاد زيادة متميزة كأن يكون بهيمة فنتجت أو جارية فولدت أو شجرة فأثمرت فإنها لها،
وإن كانت غير متميزة كأن يكبر أو يسمن أو يتعلم العبد القرآن فهي بالخيار بين إعطاء
النصف بزيادته ونصف قيمته، هذا كله إن كان بعد القبض. وإن كان قبله ونقص فلها
الخيار بين قبض نصفه وأن تترك ولها عليه نصف القيمة، وإن زاد زيادة متميزة فالزيادة
له ولها نصف الأصل، وإن كانت غير متميزة فكما كان بعد القبض.
إذا أصدقها شيئا ثم ارتدت قبل الدخول عاد كله إليه إلا في الزيادة المتميزة فإنها
لها وفي غير المتميزة الزوج بالخيار بين رد الكل وبين رد مثله أو قيمته.
إذا أصدقها عبدا مجهولا أو دارا مجهولة فلها عبد وسط أو دار وسط.
إذا عقد النكاح سرا بمهر ذكراه ثم عقد في العلانية بأقل منه أو أكثر لم يلزم إلا الأول
فإن تواعدا المهر من غير عقد ثم عقد الزوج بأكثر منه لزم ما وقع عليه العقد.
ومتى عقد على المرأة وسمى المهر إلى أجل معلوم إن جاء به وإلا بطل العقد ثبت
العقد ولزم المهر، وإن تأخر عن الوقت المذكور.
ومتى خلا الرجل بامرأته فأرخى الستر ثم طلقها استقر عليه المهر على ظاهر
الحال وعلى الحاكم أن يحكم به، وإن لم يدخل بها إلا إنه لا يحل للمرأة أن تأخذ أكثر من
نصف المهر، فإن أقام الزوج البينة على أنه لم يدخل بها بأن توجد بكرا فلا يلزم أكثر من
نصف.
ومتى مات الرجل عن زوجته قبل الدخول بها وجب على ورثته أن يعطوها المهر
339

كاملا ويستحب لها أن تترك نصفه، وإن ماتت المرأة قبل الدخول بها فلأوليائها نصف
المهر، وإن ماتت بعد الدخول ولم تطالب بالمهر في حياتها كره لأوليائها المطالبة به هذا كله
في من سمى مهرها.
فأما التي لم يسم مهرها فلا يلزم لها بالعقد مهر لكن لها أن تطالبه بفرض مهرها
فإن المهر يجب بفرضهما أو بفرض الحاكم أو بالدخول، فإن طلقها قبل الفرض وقبل
الدخول فلا مهر لها لكن يجب لها المتعة وهي على الموسع خادم أو دابة أو ما أشبههما وعلى
المتوسط ثوب أو ما أشبهه وعلى الفقير خاتم ونحوه، وإن طلقها بعد الفرض وقبل الدخول
فلها المطالبة بما اتفقا عليه أو فرضه الحاكم، وإذا مات أحدهما قبل الفرض وقبل الدخول
فلا مهر لها وورثه الآخر وعليها العدة، وفرض السلطان يكون بقدر مهر المثل أعني مثل
نسائها من الطرفين الأقرب فالأقرب وإن تجاوز خمس مائة درهم لم يجب فإن دخل بها بعد أن
أعطاها شيئا فليس لها سواه، وإن تزوجها على ما يحكم به أحدهما أو كلاهما من المهر فإن
كان بحكم المرأة وجب عليه الرضا بما حكمت ما لم تتجاوز السنة المحمدية، فإن تزوجها
على حكمه فما حكم به وجب عليها الرضا به قل أو كثر، فإن كان بحكمهما فعلى ما اتفقا
فإن مات أحدهما قبل الحكم فلها المتعة لا غير.
إذا تزوجها على كتاب الله وسنة نبيه ولم يسم مهرا كان مهرها خمس مائة درهم
لا غير ولا ينعقد التزويج بهبة المرأة نفسها للرجل لاختصاص ذلك بالنبي ع،
وإذا زوج أمته بعبده لم يجب المهر ويستحب أن يذكر مهرا لأنه من سنة النكاح.
إذا زوج الأب أو الجد من له إجبارها على النكاح من البكر صغيرة أو كبيرة بدون
مهر المثل جاز وثبت المسمى دون مهر المثل.
للأب أو الجد مع الأب أن يعفو عن بعض المهر لا عن كله وأما أب البكر أو الثيب التي
جعلت الأمر إليه إذا طلقها الزوج قبل الدخول فللأب أن يعفو عن مهرها ويبرئ ذمة الزوج
من نصفه وكذا الجد، ويجوز للرجل قبض مهر ابنته المولى عليها لصغر أو جنون أو سفه
وأما الرشيدة غير المولى عليها فإن كانت بكرا جاز له القبض ما لم تنهه عنه، وإن كانت ثيبا
فلا، والصداق كالدين في أنه يكون معجلا ومؤجلا وإطلاق العقد يفيد التعجيل فإن شرط
340

التأجيل صح.
متى تزوجها على أنها بكر ووجدها ثيبا جاز له أن ينقص من مهرها شيئا.
إذا أبرأت زوجها من مهرها في مرضها ولم تملك سواه لم يسقط عنه إلا ثلثه. إذا
أبرأت زوجها عن عين مهرها وكان مجهولا أو فاسدا كخمر لم يصح لأنها غير مملوكة وكذا
إذا أبرأت من لم يسم لها مهرا من المهر قبل الفرض
فصل
نكاح الشغار باطل وهو أن يزوج الرجل غيره بنته أو أخته على أن يتزوج بنت
الزوج أو أخته على أن يكون بضع كل واحدة منهما مهر الأخرى فجعل بضع البنت ملكا
للرجل بالزوجية وملكا للبنت بالمهر.
فإن قال: زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك على أن صداق كل واحدة منهما مائة أو
صداق إحديهما مائة وصداق الأخرى مائتان، صح النكاح وبطل الصداق لأنه جعل
التزويج مهرا لأنه ما رضي مهرا لبنته إلا بشرط أن يحصل له نكاح بنت زوجها، وهو شرط
باطل لا يلزم الوفاء به فيبطل صداق المائة إذ أصدق المائة وإذا بطل وجب أن يرد إلى المائة
ما نقص من الصداق لأجل الشرط وذلك القدر مجهول والمجهول إذا أضيف إلى معلوم صار
الكل مجهولا فبطل الصداق وسقط فوجب مهر المثل، ولا يفسد النكاح بفساد الصداق.
وإن قال: زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك، فجعل صداق كل منهما تزويج البنت
صح النكاح وبطل الصداق ولها مهر المثل.
إذا عقد على امرأة وشرط لها في الحال ما يخالف الكتاب والسنة كأن لا يتزوج عليها
أو لا يتسرى أو لا يتزوج بعد موتها صح العقد وبطل الشرط، فإن شرطت عليه في حال العقد
(ألا) يفتضها بطل النكاح، وقيل: لم يبطل ولم يكن له وطؤها إلا إذا أذنته من بعد فيه. و
قيل: إن هذا يختص عقد المتعة.
إذا شرط أن لا يطأها ليلا أو أن لا يدخل عليها سنة صح العقد وبطل الشرط،
وإذا شرط أن لا نفقة لها لزمته النفقة في الدوام دون المتعة.
341

إذا شرط في حال العقد ألا يخرجها من بلدها لم يكن له أن يخرجها إلا برضاها، فإن
شرط أنه إن أخرجها إلى بلده كان عليه المهر مائة دينار وإن لم يخرج كان مهرها خمسين
دينارا فمتى أراد اخراجها إلى بلد الشرك فلا شرط له عليها ولزمه المهر كملا وليس عليها
الخروج معه، وإن أراد اخراجها إلى بلد الاسلام كان له ما اشترط عليها.
ومن أعتق عبده وشرط عليه في حال العتق أن يزوجه جاريته فإن تسرى عليها
أو تزوج لزمه شئ معين فتزوج العبد أو تسرى عليها لزمه ما شرط عليه مولاه.
وأما النكاح الذي يحلل المرأة للزوج الأول فهو المستدام الذي عقده عليها زوج بالغ
ويكون قد دخل بها سواء كان الزوج حرا أو عبدا، ومتى كان النكاح متعة أو يكون الزوج
غير بالغ أو مع بلوغه لم يدخل بها أو كان الوطء بملك اليمين لم تحل للأول وكذا إن تزوجها
على أنه إذا حللها للزوج الأول لم يكن بينهما نكاح أو متى يبيحها للأول بطل النكاح ولم تحل له
بذلك ولا يتعلق به طلاق وظهار وغيرهما من أحكام النكاح ويفرق بينهما، وإن أصابها فلها
مهر مثلها وعليها العدة ولا نفقة وإن كانت حاملا وإن نكحها على أنه إذا أباحها للأول
طلقها صح النكاح وبطل الشرط وتحللت المرأة للزوج الأول.
من وجد المطلقة ثلاثا على فراشه فظنها زوجته أو أمته فوطئها لم تحل بذلك للأول
لأنها لم تتزوج، وأقل ما يقع به التحليل من الوطء ما غاب به قدر الحشفة، ويقع التحليل
بالمملوك الخصي إذا أدخل والتذ وإن لم ينزل.
إذا قالت الغائبة لمطلقها: قد اعتددت منك وتزوجت آخر ثم طلقني واعتددت منه،
قبل منها إن كانت مدة الغيبة تحتمل ذلك وإلا فلا. إذا وطئها الثاني في الدبر لم يحلل.
البكر المطلقة ثلاثا لا تحل للأول إلا بافتضاض الثاني.
والإحصان لا يحصل إلا بأن يكون له زوجة يغدو إليها ويروح سواء كانت حرة
أو أمة أو ملك يمين مسلمة أو ذمية والمتمتع بها لا تحصن وقيل إن ملك اليمين لا تحصن
وكذلك إذا كان أحد الزوجين كافرا.
342

فصل:
يستحب أن لا تزوج الصغيرة إلا بعد تسع سنين فإن فعل لم يجز للزوج الدخول حتى تبلغ،
فإن فعل فأفضاها لزمه المهر والدية كاملة ونفقتها ما دامت حية، وإن أفضاها بعد تسع
سنين فلا عليه سوى المهر هذا إذا كانت في عقد صحيح أو شبهة، وإن كانت مكرهة يلزمه
ديتها على كل حال ولا مهر لها.
وليجتنب العقد إذا كان القمر في العقرب ويستحب فيه الإعلان والإشهاد والخطبة
والوليمة عند الزفاف وليجنب مجلسه من المناكير كشرب المحرمات وضرب المعازف فإن
فعل ذلك لم يجز حضوره وكذلك إن كان فيه صور منصوبة لذوات الأرواح لا يدخله.
وأخذ ما ينثر فيه لا بأس به إذا علم من صاحبه إباحته، ويستحب أن يكون العقد
والزفاف بالليل والإطعام بالنهار، وإذا دخل على المرأة يستحب أن يكونا على وضوء وأن ينزع
خفيها ويغسل رجليها في إناء ويصب الماء من باب الدار إلى أقصاها ويضع يده على
ناصيتها ويدعو بالمأثور.
ويكره الجماع ليلة الخسوف ويوم الكسوف، ومن غروب الشمس إلى مغيب
الشفق، ومن طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، وفي الريح السوداء والصفراء، وعند
الزلازل، وفي محاق الشمس، وفي أول ليلة من كل شهر إلا شهر رمضان لقوله تعالى: أحل
لكم ليلة الصيام الرفث، وفي ليلة النصف من كل شهر وفي ليلة الفطر وليلة الأضحى وفي
ليلة الأربعاء وفي وجه الشمس وفوق السطوح وفي استقبال القبلة واستدبارها وفي السفينة
وفي الليلة التي يريد في صبيحتها السفر وفي الليلة التي قدم فيها أهله من السفر وفي حال
كونه عريانا أو قائما وفي الهاجرة وبين الأذان والإقامة، ويكره الكلام في حال الجماع بغير
ذكر الله تعالى وكذا النظر في فرجها.
وإذا جامع مرة أو احتلم وأراد أن يجامع مرة أخرى يستحب أن يغتسل أو يغسل
فرجه ويتوضأ وضوء الصلاة لا سيما إذا كانت المرأة حاملا، ويجوز أن يطوف على جماعة
من الإماء بغسل واحد دون الحرائر لوجوب القسم بين الحرائر، ومن كان له حرتان يكره
أن يجامع إحداهما بحضرة المرأة الأخرى ولا يجامع أهله في بيت فيه غيره، ولا بأس بالعزل
343

عن الأمة مملوكة كانت أو مزوجة أذنت أولا ولا يجوز عن الحرة إلا بإذنها فإن عزل من غير
إذنها وجب لها عليه عشر دية الجنين عشرة دنانير.
ووطء الزوجة في الدبر مكروه ويتعلق به أحكام الوطء في الفرج من إفساد الصوم
ووجوب الكفارة والغسل ووجوب الحد إن لم تكن زوجته أو مملوكته وعليه المهر إن كانت
مكرهة ويجب به العدة في المزوجة إلا إنه لا يثبت به الإحصان والتحليل للزوج الأول،
وروي: أنه لا يتعلق به نقض الصوم ووجوب الكفارة والغسل إلا إذا أنزل.
ووطء المرأة في حال الحيض في الفرج محرم وتارك وطء امرأته أكثر من أربعة أشهر
مأثوم والاستمناء باليد محظور.
من كان عنده أربع نساء لا يجوز أن يبيت عند إحداهن أكثر من ليلة واحدة
إلا برضا الباقية وتحليلهن إياه أو ترك إحدى الباقية ليلتها والتي وهبت ليلتها ليس لها
عوضها من بعد.
من تزوج بأربع ابتداء وقام بالنفقة والمهر والسكنى لهن فله أن لا يبيت عندهن، فإن
بات عند إحداهن وجب عليه القسم حينئذ والأحوط أن يستخرج بالقرعة من ابتدأ بها
وهكذا من بعدها، فإن بات عند واحدة ليلتين قضى ذلك في حق الباقية، ولا يلزم من تسوية
المبيت تسوية المقاربة وإن كان الأولى ذلك مع التمكن ويتعلق القسمة بالليل دون النهار.
إذا كان بعض أزواجه ذمية أو أمة مزوجة فلها ليلة وللمسلمة ليلتان ولا قسم
للمملوكة مع الحرة ولا قسم للناشزة والمجنونة التي تخرق ثوب الزوج ولا الصغيرة غير
البالغة حد التمتع ويجب للحائض والنفساء والرتقاء والمحرمة والمظاهر منها والمولى منها،
ويجب التسوية على العنين والمجبوب، والمستحب في القسمة ليلة ليلة وإن قسم مثنى
أو ثلاث جاز، وإن كان له زوجتان أن يقسم لواحدة ثلاث ليال أو ليلتين وللأخرى واحدة
وإن كن ثلاثا لم يقسم لواحدة أكثر من ليلتين، وإذا تزوج ببكر فله أن يخصها بسبعة أيام
لا أكثر والثيب ثلاثة.
إذا أراد أن يسافر بإحدى زوجاته فالأولى أن يخصها بالقرعة ولا قضاء عليه
للباقية وإن أخرجها بلا قرعة قضى للباقية بقدر الغيبة احتياطا. ولا يسكن من له أكثر من
344

امرأة في بيت واحد إلا برضاهن به، وللرجل أن يمنع زوجته من الخروج من بيته وإن كان
لحضور المجالس والمأتم والأعراس ودخول الحمام وزيارة القبور، ويستحب أن لا يمنعها من
حضور موت الوالدين وغيرهما من ذوي القربى والحقوق.
فصل:
لا يتولى أمر النساء في الولادة إلا النساء مع التمكن ويغسل المولود ندبا ويؤذن في
أذنه اليمنى ويقام في الأخرى ويحنك بماء الفرات إن وجد وإلا فبماء عذب وإن لم يوجد إلا
المالح مرس فيه من التمر أو العسل يحنك به، ويستحب تحنيكه بتربة الحسين ع
ويسميه باسم حسن من أسماء الأنبياء والأئمة ويكنيه بكنية والده، وإذا سماه محمدا لا
يكنيه أبا القاسم، ويكره أن يسمي ابنه حكما أو حكيما أو خالدا أو مالكا أو حارثا أو هماما
أو مباركا أو ميمونا أو بشيرا أو شهابا.
ويعق عن ولده يوم السابع بكبش عن الذكر وبشاة عن الأنثى من الضأن لا غير
ندبا ويحلق رأسه ويتصدق بوزن شعره ذهبا أو فضة مع العقيقة في موضعه ندبا ولا يجزئ في
العقيقة إلا ما يجزئ في الأضحية والحمل الكبير يجزئ عن الكبش أو الشاة عند فقد ذلك
وإذا لم يتمكن من العقيقة قضاها بعد ندبا ولا يقوم مقام العقيقة الصدقة بثمنها، ومن لم يعق
عنه والده يعق عن نفسه إذا أدرك ندبا ويعطي القابلة ربع العقيقة، وإن كانت ذمية لا تعطى
منها بل تعطى ربع ثمنها، وإذا لم يكن للولد قابلة أعطيت أمها الربع وتتصدق هي به
ولا تأكل منه، وإن كانت القابلة أم الرجل أو من هو في عياله لم تعط منها شيئا، ولا يجوز أن
يأكل منها أبواه ولا يكسر للعقيقة عظم ندبا ويطبخ اللحم ويدعى عليه جمع من المؤمنين
وإن فرق اللحم على الفقراء جاز، وإن مات المولود قبل الظهر من يوم السابع لم يعق عنه،
وإن مات بعد الظهر عق عنه ندبا.
والختان فرض لازم، عند بلوغ الصبي وسنة قبل ذلك من حين ولادته ولا يؤخر
عن اليوم السابع ندبا، وفي خفض الجواري فضل وليس بفرض، والكافر غير المختون إذا
أسلم وجب ختانه وإن شاخ، ويكره أن يحلق من شعر رأس الصبي بعض ويترك بعض
345

والرجل مخير بين حلق شعر الرأس وتركه وندب إلى إزالة جميع شعر بدنه لا سيما شعر
العانة والإبطين.
فصل:
من وطأ امرأة وطأ يلحق به النسب بنكاح صحيح أو فاسد أو وطء شبهة أو ملك يمين
فحصل بينهما ولد ودر لبن غذاءه كان لبنا للفحل لأنه ثار ودر بفعله، فإذا رضع مولود من
هذا اللبن في مدة الحولين من الولادة خمس عشرة رضعة متوالية لم ترضعه أمه أو امرأة أخرى
بينهما، وقيل: عشر رضاعات وحد كل رضعة ما يروى الصبي منه ويمسك عنه أو رضع يوما
وليلة إذا لم ينضبط العدد، فإذا وجد العدد أو رضع مقدار ما ينبت عليه اللحم والعظم ثبتت
الحرمة بينه وبينهما وانتشرت الحرمة من جهته إليهما ومنهما إليه أما منه إليهما فيتعلق به و
بولده دون من هو في درجته من إخوته وأخواته أو أعلى منه من أمهاته وجداته وأخواله
وخالاته أو آبائه وأجداده وأعمامه وعماته فإن الرضاع فيهم كلا رضاع.
ويحل للفحل نكاح أخت هذا المولود ونكاح أمهاته وجداته ويحل لأخ الرضيع نكاح
هذه المرضعة. قال الشيخ أبو جعفر: وروى أصحابنا أن جميع أولاد الفحل يحرمون على هذا
المرتضع وعلى أبيه وعلى إخوته وأخواته وأما الحرمة من جهتهما إليه فليتعلق بكل واحد
منهما ومن كان من نسلهما ومن كان في درجتهما من أخواتهما وإخوتهما ومن كان أعلى منهما
من آبائهما وأمهاتهما.
ومتى كان لأمه من الرضاع بنت من غير أبيه من الرضاع جاز أن يتزوجها لأن
الفحل غير الأب واللبن للفحل فإن كانت البنت من غير هذا الفحل ولادة لا رضاعا
حرمت وأما زوج المرضعة فهو أبوه رضاعا وأخوه عمه وأخته عمته وآباؤه أجداده وولده
من غير هذه المرضعة إخوة لأبيه ومنها إخوة لأبيه وأمه هذا معنى قوله ع: يحرم من
الرضاع ما يحرم من النسب،
امرأة أرضعت صبيين ولكل منهما إخوة وأخوات ولادة ورضاعا.
جاز التناكح بين إخوة وأخوات هذا وبين إخوة وأخوات ذلك ولا يجوز بينهما
346

أنفسهما ولا بين أخوتهما من جهة لبن الرجل الذي رضع من لبنه.
لا ينتشر الحرمة برضاع من له أكثر من حولين ومتى وقع الرضاع المعتبر بعضه في
الحولين وبعضه خارج الحولين لم يحرم.
إذا التقم المولود الثدي ثم أرسله لاعبا أو تنفس أو انتقل إلى الثدي الأخرى ثم عاد
إليه في الحال كان الكل رضعة واحدة وإن قطع قطعا بينا وطال الفصل بينهما فهما
رضعتان.
لا يحصل التحريم بأن يصب اللبن في فيه فيصل إلى حلقه إذا حلبت مرضعة
لبنها مرات في إناء ثم ماتت فشرب الطفل ذلك عدد المرات المحرمة لا يحرم. إذا رضع من لبن
در لبكر أو ثيب غير مرضعة العدد المعتبر لم يحرم وكذا لو در للرجل لبن فرضع منه أو رضع
طفلان من لبن شاة أو بقرة ونحوها.
من كانت له امرأة لها دون الحولين وكبيرة لها لبن من غيره فإن أرضعت الصغيرة
انفسخ نكاحهما لجمعه بين أم وبنتها وحرمت الكبيرة عليه أبدا وكذا الصغيرة إن كان
دخل بالكبيرة وإلا استأنف العقد على الصغيرة وعليه نصف مهر الصغيرة ويسقط مهر
الكبيرة لحصول الفسخ منها ويرجع الزوج بمهر الصغيرة على الكبيرة لأنها حالت
بينهما، وإن كان دخل بالكبيرة لم يسقط شئ من مهرها وإن كانت المرضعة مكرهه على
إرضاعها لم يلزمها شئ.
لو كان له أربع زوجات ثلاث لهن دون الحولين وكبيرة لها لبن من غيره فأرضعت
صغيرتين معا الرضعة الأخيرة، كأن أرضعت كلا منهما الرضعات التي قبلها ثم سلمت إلى
كل منهما ثديا فارتضعتا جميعا ورويتا معا في حالة واحدة انفسخ نكاح الكبيرة
والصغيرتين وحرمت الأم على التأبيد دخل بها أو لا، وحرمت الصغيرتان أبدا إن دخل
بالأم وإلا حرمتا تحريم جمع وله استئناف النكاح على كل منهما وحكم المهر ما مضى.
فإذا أرضعت الكبيرة الصغيرة الثالثة وكان دخل بالكبيرة انفسخ نكاحها
وحرمت أبدا، وإن لم يدخل فنكاح الصغيرة بحاله وإن كانت الكبيرة أرضعت إحداهن
الرضعة الأخيرة فانفسخ نكاحهما معا ثم أرضعت الثانية والثالثة معا انفسخ نكاحهما معا
347

فإن كان دخل بالكبيرة حرمتا أبدا وإلا فتحريم جمع فله استئناف نكاح على كل منهما
وحكم المهر ما مضى، وإن أرضعت واحدة الرضعة الأخيرة انفسخ نكاحهما جميعا والتحريم
والمهر كما سبق، ثم أرضعت الأخرى الرضعة الآخرة فإن كان دخل بالكبيرة انفسخ نكاح
الثانية وإلا فلا ثم أرضعت الثالثة الأخيرة صارت الثالثة أخت الثانية من رضاع وينفسخ
نكاحهما.
إذا كانت له زوجة صغيرة حرة وأخرى أمة وبها لبن من غيره فأرضعت الأمة
الصغيرة انفسخ نكاح الصغيرة إن كان وطأ الأمة وحرمت على التأبيد لأنها بنت
موطوءته وإن لم يطأها لم ينفسخ نكاح الصغيرة وحرمت الأمة أبدا لأنها أم زوجته، وإن
كانت له زوجة صغيرة لها دون الحولين وكبيرة لها لبن من غيره فطلقهما معا فتزوج بهما آخر
معا ثم أرضعت الكبيرة الصغيرة انفسخ نكاحهما معا وتحرم الكبيرة على الزوجين معا
أبدا، أما على الأول فلأنها الآن أم من كانت زوجته وعلى الثاني لأنها أم من هي زوجته،
وتحرم الصغيرة عليهما أبدا إن دخلا بالكبيرة وإلا فلا، وإن دخل بها أحدهما فكما مضى،
وكذا رجل له زوجة كبيرة وآخر له زوجة لها دون الحولين وطلق كل منهما زوجته وتزوجهما
الآخر فأرضعت الكبيرة الصغيرة حرمت الكبيرة عليهما جميعا أبدا ولا تحرم الصغيرة
على كل منهما إن لم يدخلا بالكبيرة.
إذا أتت المرأة بولد ونفاه زوجها باللعان فأرضعت مولودا بلبن هذا الولد حصل
التحريم بين الصبيين دون الزوج ثم إن أقر به ثبت نسبه وتبعه حكم الرضاع، ولبن من
أتت بولد من الزنى لا يحرم ولا يثبت به رضاع.
رجل زوج أم ولده من طفل حر له دون الحولين فأرضعته صار ولدها وولد سيدها
وانفسخ نكاحها وحرمت عليهما أبدا أما على السيد فلأنها حليلة ابنه وأما على الطفل
فلأنها أمه رضاعا وموطوءة أبيه.
إذا تزوج بزوجة لها دون الحولين فأرضعتها من يحرم عليه نكاح ابنتها انفسخ
نكاحها كأن ترضعها أمه بلبن أبيه فهي أخته لأبيه وأمه، وإن كان اللبن لغير أبيه فهي أخته
لأمه، وإن أرضعتها جدته فهي خالته، وإن أرضعتها بنته صارت بنت بنت، وإن أرضعتها
348

أخته، صارت نبت أخته وإن أرضعتها امرأة أخيه بلبن أخيه فهو عمها، وإن كان اللبن لغير أخيه صارت
ربيبة أخيه ونكاحها لم ينفسخ لأن له أن يتزوج بربيبة أخيه، وإن أرضعتها امرأة أبيه بلبن
أبيه صارت أخته من أبيه، وإن كان اللبن لغير أبيه صارت ربيبة أبيه والنكاح بحاله لأنه
يجوز له أن يتزوج بربيبة أبيه، فإن أرضعتها امرأة ولده بلبن ولده صارت بنت ولده، وإن
كان بلبن غير ولده فهي ربيبة ولده والنكاح بحاله لأن له أن يتزوج بربيبة ولده سواء كانت
المرضعة محرما له من نسب أو رضاع، فأما إذا أرضعتها من لا يحرم عليه بنتها فالنكاح
بحاله كأن أرضعتها عمته أو خالته أو امرأة عمه أو خاله ونحو ذلك.
لا يثبت الحكم بالرضاع إلا بشهادة عدلين ولا يقبل الشهادة فيه مطلقا بلا شرح
وشرحها أن يقول: أشهد أن فلانة أرضعت فلانا خمس عشرة رضعة، أو عشر رضعات، على
القولين - غير متفرقات على ما مر في مدة الحولين ولم يفصل برضاع امرأة أخرى، ووصل
اللبن إلى جوفه على ظاهر الحال بأن شاهدت الصبي ملتقما ثديها يمص اللبن ويحرك
شفتيه ويبتلع ما كان يحصل في فيه.
إذا رأى الصبي داخلا رأسه تحت ثياب المرضعة لم يجز له أن يشهد بالرضاع. إذا
ادعى الزوج أنها محرم له من رضاع قبل قوله فيما عليه ولا يقبل فيما له إلا ببينة
ولزمه المهر كملا إن دخل بها، وإن علم من حالهما أن أحدهما أكبر من الآخر بما لا يمكن
حصول الرضاع بينهما لم يلتفت إلى دعواه.
فصل:
مدة الرضاع الذي لا يجوز أكثر منها حولان وشهران ولا يجوز أن ينقص من الحولين
أكثر من ثلاثة أشهر ولا يجوز إجبار الحرة على إرضاع ولدها إلا إذا لم يكن له مال ولا والد
وغيره ممن يجب عليه نفقته أو كان معسرا فحينئذ يجب عليها إرضاعه وليس للزوجة
إرضاع الولد إلا برضا الزوج لأن له الاستمتاع بها والإرضاع يخل بذلك.
لا يحل أن يستأجر الرجل زوجته لرضاع الولد إلا إذا بانت منه.
إذا تطوعت البائنة برضاع الولد أو رضيت بأجرة المثل فهي أحق به فإن طلبت
349

أكثر من ذلك ووجد الأب من يتطوع بذلك أو يرضع بدونها فله ذلك، ومن شرط صحة
الإجارة أن تكون مدة الرضاع والأجرة وحال اللبن معلومة وأن تشاهد الصبي المرتضع
ولا يصح أن يستأجرها بنفقتها وكسوتها مطلقا إلا إذا عين مقدار النفقة والكسوة
وجنسهما، ويبطل الإجارة بموت الصبي وكل واحد من المتعاقدين.
والأمة يجب عليها إرضاع الولد ولا يسترضع المرأة إلا عاقلة مسلمة عفيفة وضيئة
الوجه غير عمشاء ولا حمقاء، ولا يجوز استرضاع الكافرة فإن اضطر إلى ذلك فرخص في
اليهودية والنصرانية خاصة بشرط أن يمنعها من أكل المحرمات وشربها ولا يسلم الولد
إليها تحمله إلى بيتها، ولا يسترضع من ولد من زنا مختارا.
فصل:
إذا افترق الزوجان فالأم أحق بالطفل الصغير للتربية والحضانة من الأب ونفقته
على الأب، وإذا بلغ الطفل حدا يميز بين ضره ونفعه في العادة وهو سبع سنين فصاعدا فالأب
أحق به إن كان ذكرا والأم أولى بها إن كانت أنثى ما لم تتزوج، وإن كان الولد عاقلا رشيدا
فله الخيار في المقام عند أيهما شاء ذكرا كان أو أنثى غير أنه يكره للبنت مفارقة أمها إلى أن
تتزوج.
إذا فسق الأب فالأم أولى بها فإن فسقت هي أيضا سقطت حضانتها وكذا إن تركت
الحضانة باختيارها فالأب أولى به من أم الأم، وإذا كان أحدهما مسافرا بقدر التقصير فالأب
أحق به، وإذا كان أحدهما كافرا فالمسلم أولى به أيهما كان، وإن كان أحدهما مملوكا فالحر أولى،
به، وإن كان الولد مملوكا فسيده أولى به وبعد الأبوين فالأولى بميراث الولد فإن تساووا أخرج
بالقرعة ومن فسق أو كفر أو غاب فكمن مات.
350

كتاب النفقة:
يجب نفقة الولد على والده في الفاضل عن قوت يومه بمال في يده أو قدرة على كسب
إذا كان الولد صغيرا أو معسرا والكبير الناقص الخلقة كالصبي والمعسر ونحو ذلك مثل
الضرير والزمن والمعصوب والمجنون وإن كانا موسرين أو كان الكبير قادرا على كسب
كفايته فلا يجب وإذا لم يكن له والد أو كان معسرا فنفقته على جده، فإن فقد الجد وكان معسرا
فعلى أبي الجد وهلم جرا فإن فقد الآباء أو أعسروا فعلى أمه وإن لم تكن أو كانت معسرة
فعلى جدته وهكذا جدتها وإن علت مع فقد القريبة أو إعسارها، وكذا كل من وقع عليه
اسم الأب أو الجد الأقرب فالأقرب ونفقة الوالد على ولده وكذا الجد وإن علا والأم وأمهاتها
وأجدادها وإن علت ينفق عليهم من فاضل قوته إذا كانوا فقراء غير قادرين على كسب
ما يسد خلتهم، ولا يجب على الولد إعفاف والده بنكاح أو ملك يمين.
إذا كان له ولدان أو أب وابن ولا يسعهما فاضل قوته كان الفاضل بينهما، وإذا كان
له أب وجد أو ابن وابن ابن ولا يسع الفاضل كليهما كان الأقرب أولى. إذا كان للمعسر أب
وابن موسران فنفقته عليهما بالسوية. إذا كان له زوجة وذو رحم ولا يسعهما فاضل قوته
فالزوجة أحق بذلك لأن نفقتها على سبيل المعاوضة ولا يتعلق بإيسار الزوج ويسقط نفقة
351

الأقارب بفواتها بخلاف نفقة الزوجة فإنها في الذمة.
من كان غنيا وله أب معسر له زوجة معسرة وأطفال لا مال لهم فعليه نفقة والده
وزوجة والده لأنها من مؤنة والده دون نفقة إخوته، ويستحب أن ينفق على من يرثه من
الأقارب مع فقد الوالدين والولد ويجب نفقة زوجة الولد على الوالد.
إذا تزوج العبد القن أو المكاتب أو المدبر بحرة فأولدها كان الولد حرا وعليها
حضانته ونفقته دون العبد إلا إذا أعتق وأيسر.
فصل:
يجب على الرجل نفقة زوجته وليس عليه إخدامها إلا إذا كانت ممن يخدم مثلها في
الشرف والنسب، وغير الشريفة تستحق إخدامها في حال مرضها خاصة ومن وجب عليه
الإخدام مخير بين أن يشترى خادما أو يكتري أو يخدمها بنفسه، وإذا تكلفت خدمة نفسها لم
يكن لها مطالبة الزوج بأجرة الخدمة، ونفقة الزوجة على الموسر مدان من غالب قوت البلد
كل يوم وعلى المتوسط مد ونصف وعلى من دونه مد وكذا في مقدار الأدم والكسوة، وإذا
اتفقا على أخذ البدل عنها جاز وإن زاد لبعض أزواجه على الواجب جاز وقد ترك
الأفضل.
ووقت وجوب النفقة لها حالة تمكينها إياه من الاستمتاع بها دون حال العقد فإن
تعللت في التمكين بطلب مسكن دون مسكن وبلد دون آخر سقط وجوب النفقة، وتجب
النفقة بوجود التمكين لا بإمكانه، فلو بقيا بعد العقد سنين ولم يطالبها هو بالتمكين
ولا طالبته هي بالنفقة لم تجب النفقة وتسقط نفقتها بالنشوز وبمندوب الإحرام والصوم إذا
كان بغير إذن زوجها بخلاف الواجب.
يجب على القن والمكاتب والمدبر نفقة زوجاتهم مع التمكين، والنفقة من كسب
العبد إن أذن له مولاه في التزويج وإن لم يكن مكتسبا تعلقت برقبته، وليس للسيد أن يسافر
بعبده إلا بعد أن يضمن نفقة زوجته.
للمطلقة طلاقا رجعيا النفقة ما دامت في العدة بخلاف البائنة بالطلقة الثالثة أو
352

بالخلع فإنه لا نفقة لها ولا سكنى إلا إذا كانت حاملا، ولا نفقة في النكاح المفسوخ
ولا للملاعنة الحامل إلا أن يكذب الزوج نفسه فحينئذ لها النفقة، ونفقة قدر ما انقطع عنها
ونفقة الحامل إنما تجب للحامل لأجل الحمل، ولا نفقة للمتوفى عنها زوجها في العدة من تركته
وإن كانت حاملا أنفق عليها من نصيب حملها.
إذا تزوج حر بأمة فأبانها وهي حامل وجب النفقة على سيد الأمة إذا اشترط
استرقاق الولد، فإن كان الزوج مملوكا فالنفقة على سيد الولد، فإن كانت الأم حرة والأب
عبدا فالنفقة على الأم إلا إذا أعتق وأيسر.
إذا أعسر الرجل بنفقة زوجته فعليها النظرة إلى ميسرة ولا يفسخ الحاكم العقد
بمطالبتها، ومتى استقرضت المرأة على زوجها حال غيبته نفقتها بالمعروف لزم الزوج
قضاؤه.
فصل:
العبد إن كان غير مكتسب لصغر أو كبر أو زمانة أو مرض فنفقته على سيده، وإن
كان مكتسبا فهو بالخيار بين أن ينفق عليه وأن يجعل نفقته في كسبه، فإن زاد كسبه على
نفقته أو نقص عنه فلسيده أو عليه، ومقدار النفقة قدر الكفاية لمثله في العرف وجنسها
غالب قوت البلد للمماليك وكذا في الكسوة ولا يعتبر في ذلك حال سيده ويسوي بين
المماليك في الطعام والكسوة ويفرق بين السرية والخادمة، ولا يجوز أن يكلف العبد ما لا يطيقه،
ومتى تعطل على الكسب كانت نفقته في مال مولاه.
فصل:
من ملك بهيمة أو طيرا كان عليه نفقتها سواء كانت مما يقع عليه الزكاة أولا ثم إن
كانت البهيمة في جوف البلد ولا ينفق عليها صاحبها ألزمه السلطان النفقة عليها أو بيعها
أو ذبحها إن كانت مما يذبح وإن كانت في الصحراء أو كان لها في الكلأ كفاية فلا شئ
عليه بل تركها لترعى، وإن كانت لا تكفيها أو كانت مجدبة فكما في البلد، وإن كانت لها لبن
وفق حاجة الولد فلا يجوز أن يتعرض للبنها، وإن كان أكثر من ذلك فله أخذ الفضل فإذا
استغنى بالعلف أخذ كله.
353