الكتاب: الينابيع الفقهية
المؤلف: علي أصغر مرواريد
الجزء: ٣٤ق١
الوفاة: معاصر
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤١٣ - ١٩٩٣ م
المطبعة:
الناشر: مؤسسة فقه الشيعة - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: أشرف على جمع أصولها الخطية وترتيبها حسب التسلسل الزمني وعلى تحقيقها وإخراجها وعمل قواميسها علي أصغر مرواريد

الينابيع الفقهية 2
الوقوف الصدقات
الهبات والعطايا
الإقرار
الوصايا
المواريث
تعريف الكتاب 1

حقوق الطبع محفوظة للمؤلف
الطبعة الأولى
1413 ه‍ - 1993 م
مؤسسة فقه الشيعة
بيروت - لبنان
حارة حريك - شارع دكاش - بناية كليوباترا
ص. ب 209 / 25 - تلفون: 836763 - فاكس 04625848 - 357
تعريف الكتاب 2

سلسلة الينابيع الفقهية 2
الوقوف الصدقات
الهبات والعطايا
الإقرار
الوصايا
المواريث
أشرف على جمع أصولها الخطية وترتيبها حسب التسلسل
الزمني وعلى تحقيقها وإخراجها وعمل قواميسها
علي أصغر مرواريد
تعريف الكتاب 3

الفهرست الإجمالي للمتون
الإشراف - الإقتصاد
الخلافة - المبسوط
نزهة الناظر - تبصرة المتعلمين
إرشاد الأذهان - تلخيص المرام
الرسالة الفخرية - الدروس الشرعية
البيان - الألفية
النفلية - المحرر
الموجز الحاوي - مسائل ابن طي
تعريف الكتاب 4

التعريف
سلسلة الينابيع الفقهية
موسوعة فقهية متكاملة جمعت بين دفتيها أهم المتون الفقهية
الأصلية بتحقيق رائع وتنقيح أكاديمي، ومن أحدث المناهج
العلمية لفن التحقيق.
تعني الموسوعة بالتقسيم الموضوعي للأبواب الفقه الإسلامي -
كافة أبوابه - وبذلك تهئ للباحث والمحقق والأستاذ أسهل
الطرق لاستنباط ما يحتاجه، واستخلاص ما يبتغيه، بعيدا
عن عناء الاستقصاء والبحث.
تميزت هذه الدورة الكبرى باعتمادها الأصول الخطية
الأصلية لكل المتون الفقهية بمثابة الأصول الأساسية لتحقيق
النصوص التي بقيت لفترة ليست بالقصيرة أسيرة الطبعات السقيمة.
بالإضافة إلى احتوائها النصوص التي تطبع لأول مرة، موزعة
حسب الأبواب الفقهية.
تفيد المتخصصين بدراسة الفقه المقارن واختلاف الفتاوى
على مدى عشرة قرون.
مقدمة المشرف 5

إهداء وشكر...
إلى...
كل انسان يؤمن بأن الشريعة السمحاء أساس جميع القوانين في العالم...
والى...
الذين يهتمون بشؤون المجمعات البشرية وشيعون إلى اصطلاحها عن طريق
القسم الإسلامية.
والى...
كل الذين يعشقون الفقه الإسلامي باعتبار أفضل السبل وأنجح القوانين
المستمدة من أصول القرآن للوصل إلى الكمال الإنسان من الجوانب
المادية والروحية...
أقدم هذا الجهد المتواضع...
ولا يسعني - في غمرة سعادتي وسروري وأنا أرى سلسلة الينابيع
الفقهية هذه قد عانقت النور - إلا أن أتقدم بجزيل شكري وعظيم
امتناني لكل الذين ساهموا من قريب أو بعيد بإيجاز هذا العمل الجليل
من العلماء والفضلاء الذين قدموا لنا مساعدتهم ومشورتهم الخالصة،
ومن الأخوة العاملين والمحققين معنا... داعيا الله لهم جميعا التوفيق
والسداد وأن يجزل لهم الثواب وحسن العاقبة...
إنه سميع مجيب. علي أصغر مرواريد
مقدمة المشرف 6

بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المشرف 8

كتاب الوقوف والصدقات
1

الخلاف
كتاب الوقف
مسألة 1: إذا تلفظ بالوقف، فقال: وقفت، أو حبست، أو تصدقت، أو سبلت
وقبض الموقوف عليه أو من يتولى عنهم، لزم الوقف. وبه قال جميع الفقهاء
الشافعي وغيره، وهو قول أبي يوسف ومحمد، غير أنه لم يعتبر منهم أحد القبض
غيرنا وغير محمد.
وروى عيسى بن أبان أن أبا يوسف لما قدم بغداد كان على قول أبي حنيفة
في بيع الوقف، فحدثه إسماعيل بن إبراهيم بن علية، عن ابن عون، عن نافع، عن
ابن عمر فقال: هذا لا يسع أحد خلافه، ولو تناهي إلى أبي حنيفة لقال به، ومنع
حينئذ من بيعه.
وقال أبو حنيفة: إن حكم الحاكم بالوقف لزم، وإن لم يحكم لم يلزم وكان
الوقف بالخيار إن شاء باعه وإن شاء وهبه، وإن مات ورثه، وإن أوصى بالوقف
لزم في الثلث.
فناقض لأنه جعل الوقف لازما في ثلثه إذا أوصى به، ولم يجعله لازما في
حال مرضه المخوف إذا نجزه ولم يؤخره، ولا لازما في جميع ماله في حال
صحته.
دليلنا: إجماع الفرقة فإنهم لا يختلفون فيه وإجماعهم حجة.
وروى نافع، عن ابن عمر، أن عمر بن الخطاب ملك مائة سهم من خيبر
3

اشتراها، فلما استجمعها قال: يا رسول الله إني أصبت مالا لم أصب قط مثله، وقد
أردت أن أتقرب به إلى الله، فقال النبي عليه السلام: حبس الأصل وسبل الثمرة.
ويدل على ذلك إجماع الصحابة، لأن عليا عليه السلام، وأبا بكر، وعمر،
وعثمان، وطلحة، والزبير، وأنس بن مالك، وأبا الدحداح، وعبد الرحمن بن
عوف، وفاطمة عليه السلام وغيرهم وقفوا دورا وآبارا وبساتين، ولم ينقل عن
أحد أنه رجع في وقفه فباع منه شيئا، ولا عن أحد من ورثتهم مع اختلاف
هممهم، فلو كان ذلك جائزا لنقل عن أحد منهم الرجوع فيه.
مسألة 2: من شرط لزوم الوقف عندنا القبض. وبه قال محمد بن الحسن.
وقال الشافعي والباقون: ليس من شرط لزومه القبض.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا فإذا قبضه فلا خلاف في لزوم الوقف، وليس
على لزومه قبل القبض دليل.
مسألة 3: إذا وقف دارا، أو أرضا، أو غيرهما، فإنه يزول ملك الواقف،
وعليه أكثر أصحاب الشافعي.
وخرج ابن سريج قولا آخر: أنه لا يزول ملكه، لقول النبي عليه السلام:
حبس الأصل وسبل الثمرة، وتحبيس الأصل يدل على بقاء الملك.
دليلنا: إجماع الفرقة، ولأنه لا خلاف أنه يقطع تصرف الواقف في الرقبة
والمنفعة، وهو المعنى بزوال الملك مثل: البيع، والعتق، ومعنى التحبيس الذي
ذكره عمر في خبره هو: أنها صدقة، لا تباع ولا توهب ولا تورث، فرجع معنى
التحبيس إلى ذلك دون ما ذكره ابن سريج.
مسألة 4: تحرم الصدقة المفروضة على بني هاشم من ولد أبي طالب
العقيليين، والجعافرة، والعلويين، وولد العباس بن عبد المطلب، وولد أبي لهب،
4

وولد الحارث بن عبد المطلب، ولا عقب لهاشم إلا من هؤلاء، ولا يحرم على ولد
المطلب، ونوفل، وعبد شمس بن عبد مناف.
وقال الشافعي: تحرم الصدقة المفروضة على هؤلاء كلهم، وهم جميع ولد
عبد مناف.
دليلنا: إجماع الفرقة المحقة، ولأن ما قلناه مجمع عليه، وما ذكروه ليس
عليه دليل.
مسألة 5: لا تحرم صدقة بني هاشم بعضهم على بعض، وإنما تحرم صدقة
غيرهم عليهم.
وأطلق الشافعي تحريم الصدقة المفروضة عليهم من غير تفصيل.
فأما صدقة التطوع فلا خلاف أنها تحل لهم.
دليلنا: إجماع الفرقة، وقوله تعالى: إنما الصدقات للفقراء والمساكين
وذلك عام في جميع الناس، وإنما أخرجنا من أخرجناه بدليل، وبقى الباقي على
عمومه.
مسألة 6: يجوز وقف الأرض، والعقار، والدور، والرقيق، والسلاح،
وكل شئ يبقى بقاء متصلا ويمكن الانتفاع به. وبه قال الشافعي.
وقال أبو يوسف: لا يجوز إلا في الأراضي، والدور، والكراع، والسلاح،
والغلمان تبعا للضيعة الموقوفة، فأما على الانفراد فلا.
دليلنا: عموم الأخبار في جواز الوقوف من قولهم عليه السلام: الوقف
على حسب ما يشرط الواقف، وذلك على عمومه، فمن خصصه فعليه الدلالة.
وأيضا روي أن أم معقل جاءت إلى النبي صلى الله عليه وآله فقالت:
يا رسول الله إن أبا معقل جعل ناضحته في سبيل الله، وإني أريد الحج أفأركبه؟
فقال النبي عليه السلام: اركبيه، فإن الحج والعمرة من سبيل الله.
5

مسألة 7: يجوز وقف المشاع. وبه قال الشافعي.
وقال محمد: لا يجوز، لأن من شرط اللزوم القبض، والمشاع لا يصح
قبضه.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا فإنه يصح قبض المشاع كما يصح قبضه في
البيع، لأن القبض هو التمكين من التصرف فيه.
ولأن النبي عليه السلام قال لعمر: حبس الأصل، وسبل الثمرة، وكان
ذلك مشاعا، لأنه ملكه.
كذلك لأن النبي عليه السلام ما قسم خيبر، وإنما عدل السهام.
مسألة 8: ألفاظ الوقف التي يحكم بصريحها، قوله: وقفت، وحبست،
وسبلت، وما عداها يعلم بدليل أو بإقراره أنه أراد به الوقف، وذلك مثل قوله:
تصدقت، وحرمت، وأبدت، ولا بد في جميع ذلك من اعتبار القصد والنية.
وقال الشافعي: ألفاظ الوقف ستة:
وقفت، وتصدقت، وسبلت، وحبست، وحرمت، وأبدت. فالوقف صريح،
وتصدقت مشترك، وحبست وسبلت صريحان. وحرمت وأبدت فيه وجهان:
أحدهما: أنهما صريحان. والآخر: أنهما كنايتان.
دليلنا: أن ما ذكرناه مجمع على أنه صريح، ينعقد به الوقف، وما ذكروه
ليس عليه دليل، ولأن هذه الألفاظ محتملة للوقف ولغيره، فلا يحمل على بعض
ما يحتمله إلا بدليل.
مسألة 9: إذا وقف على من يصح انقراضه في العادة، مثل أن يقف على
ولده وسكت على ذلك:
فمن أصحابنا من قال: لا يصح الوقف.
ومنهم من قال: يصح، فإذا انقرض الموقوف عليه رجع إلى الواقف إن
6

كان حيا، وإن كان ميتا رجع إلى ورثته. وبه قال أبو يوسف.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما: لا يصح.
والآخر: يصح، فإذا انقرضوا رجع إلى أبواب البر، ولا يعود إليه، ولا إلى
ورثته.
دليلنا: أن عوده إلى البر بعد انقراض الموقوف عليهم يحتاج إلى دليل،
وليس في الشرع ما يدل عليه، والأصل بقاء الملك عليه أو على ولده.
مسألة 10: إذا وقف على من لا يصح الوقف عليه مثل العبد، أو حمل لم
يوجد، أو رجل مجهول وما أشبه ذلك، ثم بعد ذلك على أولاده الموجودين في
الحال، وبعدهم على الفقراء والمساكين، بطل الوقف فيما بدأ بذكره، لأنه لا
يصح الوقف عليهم، وصح في حيز الباقين، لأنه يصح الوقف عليهم.
وللشافعي فيه قولان بناء على تفريق الصفقة، فإذا قال بتفريق الصفقة قال
مثل ما قلناه، وإذا لم يقل بذلك أبطل الوقف في الجميع.
دليلنا: أنه ذكر نوعين: أحدهما: لا يصح الوقف عليه. والآخر: يصح،
فإذا بطل في حيز من لا يصح الوقف عليه، صح في حيز من يصح الوقف عليه،
لأنه لا دليل على إبطاله، ولا مانع يمنع منه فيه.
مسألة 11: إذا وقف مطلقا ولم يذكر الموقوف عليه، مثل أن يقول: وقفت
هذه الدار، أو هذه الضيعة، ثم يسكت ولا يبين على من وقفها عليه، لا يصح
الوقف.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما: مثل ما قلناه.
والثاني: أنه يصح، ويصرفه إلى الفقراء والمساكين، ويبدأ بفقراء أقاربه، لأنه
أولى.
دليلنا: إن صحة الوقف يحتاج إلى دليل شرعي، ولا دليل يدل على صحة
7

هذا الوقف.
ولأنه أيضا مجهول، ولو وقف على مجهول كان باطلا، فهذا آكد.
مسألة 12: إذا وقف وقفا، وشرط أن يصرف منفعته في سبيل الله، جعل
بعضه للغزاة المطوعة دون العسكر المقاتل على باب السلطان، وبعضه في الحج
والعمرة لأنهما من سبيل الله، وبه قال أحمد بن حنبل.
وقال الشافعي: يصرف جميعه إلى الغزاة الذين ذكرناهم.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا فإن سبيل الله عام في جميع ذلك، فوجب
صرفه إليهم، بدلالة ما قدمناه من خبر أم معقل، وأن رسول الله صلى الله عليه وآله
قال لها: اركبيه فإن الحج والعمرة من سبيل الله.
مسألة 13: يجوز الوقف على أهل الذمة إذا كانوا أقاربه.
وقال الشافعي: يجوز ذلك مطلقا، ولم يخص.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا فإن ما قلناه مجمع على جوازه، وما ذكروه لا
دليل عليه.
مسألة 14: إذا وقف على مولاه، وله موليان، مولى من فوق، ومولى من
أسفل، ولم يبين، انصرف إليهما.
وللشافعي فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: مثل ما قلناه. وهو الصحيح عندهم.
والثاني: ينصرف إلى المولى من فوق لأنه آكد، لأنه يرث.
والثالث: يبطل الوقف، لأنه وقف على مجهول.
دليلنا: أن اسم المولى يتناولهما، فوجب صرفه إليهما، كما لو أطلق الوقف
على الإخوة انصرف إليهم وإن كانوا متفرقين، وليس ذلك بمجهول، كما أن
8

الوقف على الإخوة ليس بمجهول.
مسألة 15: إذا وقف على أولاده وأولاد أولاده، دخل أولاد البنات فيه،
ويشتركون فيه مع أولاد البنين، الذكر والأنثى فيه سواء كلهم. وبه قال الشافعي.
وقال أصحاب أبي حنيفة: لا يدخل أولاد البنات فيه.
وحكي أن عيسى بن أبان كان قاضي البصرة، فأخرج من الوقف أولاد
البنات، وبلغ ذلك أبا خازم وكان قاضيا ببغداد، فقال: أصاب في ذلك.
وقد نص محمد بن الحسن على أنه إذا عقد الأمان لولده وولد ولده دخل
فيه ولد ابنه دون ولد بنته.
ومنهم من يقول: أن أصحابنا يختلفون:
منهم من يقول: يدخل فيه أولاد البنات.
ومنهم من يقول: لا يدخل فيه.
دليلنا: إجماع المسلمين على أن عيسى بن مريم من ولد آدم، وهو ولد
بنته، لأنه ولد من غير أب.
وأيضا دعا رسول الله صلى الله عليه وآله الحسن ابنه، وهو ولد بنته، فقال:
لا تزرموا ابني، أي لا تقطعوا عليه بوله. وكان قد بال في حجره، فهموا بأخذه،
فقال لهم ذلك.
فأما استشهادهم بقول الشاعر:
بنونا بنو أبنائنا وبناتنا * بنوهن أبناء الرجال الأباعد
فإنه مخالف لقول النبي عليه السلام، وإجماع الأمة، والمعقول، فوجب
رده، على أنه إنما أراد الشاعر بذلك الانتساب، لأن أولاد البنت لا ينتسبون إلى
أمهم وإنما ينتسبون إلى أبيهم، وكلامنا في غير الانتساب.
وأما قولهم: إن ولد الهاشمي من العامية هاشمي.
فالجواب عنه: أن ذلك في الانتساب، وليس كلامنا فيه، بل كلامنا في
9

الولادة، وهي متحققة من جهة الأم.
مسألة 16: إذا قال: وقفت هذا على فلان سنة، بطل الوقف.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه.
والثاني: يصح، فإذا مضت سنة صرف إلى الفقراء والمساكين، ويبدأ
بقراباته لأنهم أولى بصدقته.
دليلنا: أن من شرط صحة الوقف التأبيد، فإذا وقف سنة لم يجعله مؤبدا،
فوجب أن يبطل، لأنه لم يعلقه بما لا ينقرض، وعلى المسألة إجماع الفرقة
وأخبارهم.
مسألة 17: إذا وقف على بني تميم، أو بني هاشم صح الوقف.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه.
والثاني: لا يصح الوقف، لأنهم غير محصورين، فهو مجهول.
دليلنا: أنهم معينون، مثل الفقراء والمساكين، ولا خلاف أن الوقف على
الفقراء والمساكين يصح وإن كانوا غير محصورين.
وما روي عنهم عليه السلام من: أن الوقف بحسب ما يقفه الواقف، يدل
عليه.
مسألة 18: إذا وقف على نفسه، ثم على أولاده، ثم على الفقراء
والمساكين، لم يصح الوقف على نفسه. وبه قال الشافعي.
وقال أبو يوسف وابن أبي ليلى، وابن شبرمة: يصح وقفه على نفسه. وبه قال
ابن سريج، والزبيري.
دليلنا: أن الوقف تمليك، ولا يصح أن يملك الإنسان نفسه ما هو ملك
له كالبيع، لأنه لا خلاف أنه لا يصح أن يبيع من نفسه.
10

وأيضا صحة الوقف، حكم شرعي، وليس في الشرع ما يدل على أن وقفه
على نفسه صحيح.
مسألة 19: إذا حكم الحاكم بصحة الوقف على نفسه، لم ينفذ الحكم،
ونقض حكمه.
وقال الشافعي: ينفذ حكمه، ولا يجوز نقضه، لأنها مسألة اجتهادية.
دليلنا: أن عندنا أن الحق في واحد، والاجتهاد باطل في الأحكام، فلا
يصح هذا الحكم بالاجتهاد الباطل، ووجب نقضه.
مسألة 20: إذا بنى مسجدا، وأذن للناس، فصلوا فيه، أو عمل مقبرة وأذن
في الدفن فيها، فدفنوا فيه، ولم يقل أنه وقف، لم يزل ملكه. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: إذا صلوا فيه ودفنوا فيه زال ملكه.
دليلنا: أن الأصل بقاء الملك، وزواله يحتاج إلى دليل.
مسألة 21: إذا وقف مسجدا، ثم أنه خرب وخربت المحلة أو القرية، لم يعد
إلى ملكه. وبه قال الشافعي.
وقال محمد بن الحسن: يعود المسجد إلى ملكه كالكفن إذا ذهب الميت
بالسيل أو أكله السبع.
دليلنا: أن ملكه زال بلا خلاف، وعوده إلى ملكه يحتاج إلى دليل، وليس
في الشرع ما يدل عليه.
مسألة 22: إذا خرب الوقف، ولا يرجى عوده، في أصحابنا من قال: يجوز
بيعه، وإذا لم يختل لم يجز. وبه قال أحمد بن حنبل.
وقال الشافعي: لا يجوز بيعه على حال.
11

دليلنا: الأخبار المروية عن الأئمة.
مسألة 23: إذا انقلعت نخلة من بستان وقف، أو انكسرت، جاز بيعها.
وللشافعي فيه قولان:
أحدهما: مثل ما قلناه.
والثاني: لا يجوز، لأنه لو جاز بيعه بعد الاختلال لجاز قبل الاختلال،
وذلك لا يجوز.
دليلنا: أنه لا يمكن الانتفاع بهذه النخلة إلا على هذا الوجه، لأن الوجه
الذي شرطه الواقف قد بطل، ولا يرجى عوده.
مسألة 24: إذا وقف على بطون، فأكرى البطن الأول الوقف عشر سنين،
فانقرضوا لخمس سنين، فإن الإجارة تبطل في حق البطن الثاني، ولا تبطل في
حق البطن الأول.
وللشافعي فيه قولان:
أحدهما: مثل ما قلناه.
والثاني: لا تبطل، لأن الموت لا تبطل الإجارة.
دليلنا: أنا قد دللنا أن الموت يبطل الإجارة. وأيضا فإنا نبين أنهم تصرفوا
في حق الغير، فيجب أن يكون تصرفهم باطلا.
12

كتاب قسمة الصدقات
مسألة 1: الكفار عندنا مخاطبون بالعبادات: الصلاة والزكاة والصوم
والحج، وبه قال أكثر أصحاب الشافعي، وقال شذاذ منهم واختاره الإسفرايني
أنهم ليسوا مخاطبين بالعبادات إلا بعد أن يسلموا، وبه قال العراقيون.
دليلنا: ما قلنا في أصول الفقه، وإنما ذكرنا هذا الخلاف هاهنا لأن أبا حامد
ذكره في تعليقه في هذا الموضع وإلا فموضع هذا كتاب أصول الفقه لا فروعه،
ويدل عليه قوله تعالى: ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك
نطعم المسكين، وقال: فلا صدق ولا صلى ولكن كذب وتولى، فذمهم على
ترك الصلاة وترك الزكاة، واستوفينا هذه المسألة هناك فلا وجه للتطويل
بذكرها.
في من يجوز إعطاء الزكاة به ومن لا يجوز أن يعطي به لا من زكاة المال
ولا من زكاة الفطرة
مسألة 2: لا يجوز أن يعطي شئ من الزكاة إلا المسلمين العارفين بالحق،
ولا يعطي الكفار لا زكاة المال ولا زكاة الفطرة ولا الكفارات.
وقال الشافعي: لا يدفع شئ منها إلى أهل الذمة، وبه قال مالك والليث بن
سعد وأحمد وإسحاق وأبو ثور، وقال ابن شبرمة: يجوز أن يدفع إليهم الزكوات
13

زكاة الفطرة وزكاة الأموال.
وقال أبو حنيفة: لا تدفع إليهم زكاة الأموال، ويجوز أن يدفع إليهم زكاة
الفطرة والكفارات.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا فقد اشتغلت الذمة بالزكاة بلا خلاف وإذا
أعطى لغير المسلم لم تبرأ ذمته بيقين.
مسألة 3: الظاهر من مذهب أصحابنا أن زكاة الأموال لا تعطى إلا العدول
من أهل الولاية دون الفساق منهم، وخالف جميع الفقهاء في ذلك وقالوا: إذا
أعطى الفاسق برئت ذمته، وبه قال قوم من أصحابنا.
دليلنا: طريقة الاحتياط لأنه إذا أعطاها العدل برئت ذمته بلا خلاف، وإذا
أعطاها لغير عدل لم تبرأ ذمته بيقين.
مسألة 4: الأموال الباطنة لا خلاف أنه لا يجب دفع زكاتها إلى الإمام،
وصاحب المال بالخيار بين أن يعطيها الإمام، وبين أن يؤديها بنفسه، وأما الظاهرة
فعندنا يجوز أن يخرجها بنفسه، ومن أخرجها بنفسه فقد سقط عنه فرضها ولم
تجب عليه الإعادة.
وبه قال الشافعي في الجديد، وبه قال الحسن البصري وسعيد بن جبير، إلا
أن عندنا متى طلب الإمام ذلك وجب دفعه إليه، وإن لم يدفعه وفرقه لم يجزئه،
وبه قال الشافعي أيضا، وقال في القديم: يجب عليه دفعها إلى الإمام فإن تولى
بنفسه كان عليه الإعادة، وبه قال أبو حنيفة ومالك.
دليلنا: إجماع الفرقة، ولأنه متى أخرجها بنفسه فقد امتثل الآية، ومن قال:
يجزئه، فعليه الدلالة، ويدل عليه أيضا قوله تعالى: إن تبدوا الصدقات فنعما هي
وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم.
وأما الذي يدل على وجوب الدفع إذا طلبه الإمام قوله تعالى: خذ من
14

أموالهم صدقة، فأمره بالأخذ وأمره على الوجوب فوجب أن يلزم الدفع.
مسألة 5: إذا أخذ الإمام صدقة الأموال يستحب له أن يدعو لصاحبها وليس
بواجب عليه ذلك، وبه قال جميع الفقهاء إلا داود فإنه قال: ذلك واجب عليه.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، وإيجاب ذلك عليه يحتاج إلى دليل،
وقوله تعالى: وصل عليهم، محمول على الاستحباب الذي ذكرناه.
مسألة 6: صدقة الفطرة تصرف إلى أهل صدقة الأموال من الأصناف
الثمانية، وبه قال جميع الفقهاء، وقال الإصطخري من أصحاب الشافعي: يختص
بها الفقير.
دليلنا: قوله تعالى: إنما الصدقات للفقراء... الآية، وذلك عام في صدقة
الأموال وصدقة الفطرة لأن الكل يسمى صدقة.
مسألة 7: الأصناف الثمانية محل الزكاة ولا يلزم تفرقة الزكاة على كل
طريق منهم بالسوية بل لو وضع في واحد من الأصناف كان جائزا، وكذلك
لو أعطى جميع زكاته لواحد من هذه الأصناف كان جائزا، وبه قال الحسن
البصري والشعبي ومالك وأبو حنيفة وأصحابه، إلا أن مالكا يقول: يخص بها
أمسهم حاجة، وأبو حنيفة يقول: يجوز أن يدفع إلى أي صنف شاء.
وقال الشافعي: يجب تفريقها على من يوجد منهم، ولا يخص بها صنف
منهم دون آخر، وسوى بين الأصناف ولا يفضل بعضهم على بعض، وأقل ما
يعطي من كل صنف ثلاثة فصاعدا سواء بينهم، فإن أعطى اثنين فمن نصيب
الثالث، وكم يضمن؟ فيه وجهان: أحدهما الثلث، والآخر جزء واحد قدر
الأجزاء، وبه قال عمر بن عبد العزيز والزهري وعكرمة.
وقال النخعي: إن كانت الصدقة كثيرة وجب صرفها إلى الأصناف الثمانية
15

كلهم، وإن كانت قليلة جاز صرفها إلى صنف واحد.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، والآية محمولة على أن الثمانية أصناف
محل الزكاة لا أنه يجب دفعها إليهم بدلالة أنه لو كان كذلك لوجب التسوية بين
كل صنف وتفرق في جميع الأصناف وذلك باطل بالاتفاق، والشافعي أجاز
أن يفرق على ثلاثة من كل صنف فقد ترك عموم الآية.
في أنه لا يجوز نقل الزكاة من بلد إلى بلد مع وجود المستحق فيه
مسألة 8: لا يجوز نقل الزكاة من بلد إلى بلد مع وجود المستحق لها في
البلد فإن نقلها والحال على ما قلناه كان ضامنا إن هلك، وإن لم يهلك أجزأه،
وإن لم يجد في البلد مستحقا لم يكن عليه ضمان.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما متى نقل إلى بلد آخر أجزأه ولم يفصل، وبه
قال أبو حنيفة وأصحابه، والثاني لا يجزئه وعليه الإعادة، وبه قال عمرو بن
عبد العزيز وسعيد بن جبير والنخعي ومالك والثوري.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا قوله تعالى: إنما الصدقات للفقراء
والمساكين، ولم يفصل بين أن يكونوا من أهل البلد وغيرهم، والخبر الذي يروى
أن أمير المؤمنين عليه السلام قال لساعيه: إذا أخذت المال احدره إلينا لنضعه
حيث أمر الله تعالى به، وذلك على جواز النقل.
مسألة 9: إذا أعطى الصدقة الغارمين والمكاتبين لا اعتراض عليهم فيما
يفعلون به، وقال الشافعي: يراعى ذلك، فإن صرفوه في قضاء الدين ومال الكتابة
وإلا استرجعت منهم.
دليلنا: أن استحقاقهم ثابت بالآية، وإذا سلم إليهم فقد أخذوا ما استحقوه
بالآية، وجواز استرجاع ذلك منهم يحتاج إلى دليل.
16

في أن الفقير أسوأ حالا من المسكين
مسألة 10: الفقير أسوأ حالا من المسكين لأن الفقير هو الذي لا شئ له أو
معه شئ يسير لا يعتد به، والمسكين الذي له شئ فوق ذلك غير أنه لا يكفيه
لحاجته ومؤونته، وبما قلناه قال الشافعي وجماعة من أهل اللغة.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: المسكين أسوأ حالا من الفقير، فالمسكين عنده
على صفة الفقير عندنا، والفقير على صفة المسكين، وبهذا قال الفراء وجماعة من
أهل اللغة.
دليلنا: قوله تعالى: أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر، فسماهم
مساكين مع أنهم يملكون سفينة بحرية، وذلك يدل على ما قلناه، ولأن الله تعالى
بدأ في آية الصدقة بالفقراء ومن شأن العرب أن تبتدئ بالأهم.
مسألة 11: الاستغناء بالكسب يقوم مقام الاستغناء بالمال في حرمان
الصدقة، فإذا كان رجل جلد مكتسب يكسب ما يحتاج إليه لنفقته ونفقة عياله
حرمت عليه الصدقة.
وبه قال الشافعي، وفي الصحابة عبد الله بن عمرو بن العاص، وفي الفقهاء
أبو ثور وإسحاق.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: الصدقة لا تحرم على المكتسب وإنما تحرم على
من يملك نصابا من المال الذي يجب فيه الزكاة أو قدر النصاب من المال الذي
لا يجب فيه الزكاة، وقال محمد: أكره دفع الصدقة إلى المكتسب إلا أنه يجزئ،
وبه قال قوم من أصحابنا.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وطريقة الاحتياط براءة الذمة لأنه متى
أعطاها لمكتسب قادر على تحصيل ما يقوم به وبعياله تبرأ ذمته بيقين، وروي عن
النبي صلى الله عليه وآله أنه قال في الصدقة: لاحظ فيها لغني ولا لقوي
مكتسب، وفي أحاديث أصحابنا: لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوى.
17

مسألة 12: إذا طالب من ظاهره القوة والفقر ولا يعلم أنه قادر على التكسب
أعطي من الزكاة بلا يمين، وقال الشافعي: فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه والثاني
أنه يطالب بالبينة على ذلك.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 13: لا يجوز لأحد من ذوي القربى أن يكون عاملا في الصدقات
لأن الزكاة محرمة عليهم، وبه قال الشافعي وأكثر أصحابه، وفي أصحابه من قال:
يجوز ذلك لأن ما يأخذه على جهة المعاوضة كالإجازات.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا روي أن الفضل بن عباس والمطلب بن ربيعة
سألا النبي صلى الله عليه وآله أن يوليهما العمالة، فقال لهما: إن الصدقة
أوساخ أيدي الناس وأنها لا تحل لمحمد وآل محمد.
في أن الصدقة لا تحل لآل محمد إلا في بعض الأحوال
مسألة 14: تحل الصدقة لآل محمد صلى الله عليه وآله عند فوت
خمسهم أو الحيلولة بينهم وبين ما يستحقونه من الخمس، وبه قال الإصطخري من
أصحاب الشافعي، وقال الباقون من أصحابه: إنها لا تحل لهم لأنها إنما حرمت
عليهم تشريفا لهم وتعظيما، وذلك حاصل مع منعهم الخمس.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا قوله تعالى: إنما الصدقات للفقراء
والمساكين... الآية، وإنما أخرجناهم في حال توسعهم إلى الخمس بدليل.
مسألة 15: موالي آل محمد لا تحرم عليهم الصدقة، وبه قال الشافعي وأكثر
أصحابه، ومنهم من قال: تحرم عليهم لقوله عليه السلام: مولى القوم منهم.
دليلنا: إجماع الفرقة وعموم الأخبار، وقوله تعالى: إنما الصدقات للفقراء
والمساكين... الآية، ومن ادعى إخراجهم من الآية فعليه الدلالة.
18

مسألة 16: سهم المؤلفة كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله
وهم كانوا قوما من المشركين يتألفهم النبي صلى الله عليه وآله ليقاتلوا معه وسقط
ذلك بعد النبي صلى الله عليه وآله ولا تعرف مؤلفة الإسلام.
وقال أبو حنيفة ومالك: سهم المؤلفة يسقط بعد النبي صلى الله عليه وآله،
وقال الشافعي: المؤلفة على ضربين: مؤلفة الشرك ومؤلفة الإسلام، ومؤلفة
الشرك على ضربين، ومؤلفة الإسلام على أربعة أضرب، وهل يسقطون أم لا؟
على قولين: أحدهما يسقطون، والآخر لا يسقطون.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا فإن إثبات ما قاله يحتاج إلى دليل.
مسألة 17: سهم الرقاب يدخل فيه المكاتبون، والعبيد إذا كانوا في شدة
يشترون من مال الصدقة ويعتقون.
وقال الشافعي: الرقاب هم المكاتبون إذا كانوا جيران الصدقات فقط،
وروي ذلك عن علي عليه السلام، وفي التابعين سعيد بن جبير والنخعي، وفي
الفقهاء الليث والثوري وأبو حنيفة وأصحابه، وقال قوم: إن الرقاب هم العبيد
فحسب، يشترون ويعتقون من سهم الصدقات، ذهب إليه ابن عباس والحسن
ومالك وأحمد.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا قوله تعالى: وفي الرقاب، وذلك عام في
الجميع.
مسألة 18: إذا أعطي المكاتب شيئا ليصرفه في مال كتابته فلم يصرفه فيه أو
تطوع إنسان عليه بمال كتابته أو أسقط عنه مولاه ماله فإنه لا يسترجع منه ما
أعطي، وكذلك القول في الغارم وفي سبيل الله وابن السبيل لا يسترجع منهم ما
يفضل من نفقتهم ضيقوا على أنفسهم أو لم ينفقوه فيما لأجله استحقوه.
وقال الشافعي: يسترجع منهم كلهم إلا الغازي فإنه يأخذ أجرة عمله فلا
19

يسترجع منه ما يفضل من نفقته وإن بدا له من الغزو استرجع بلا خلاف.
دليلنا: أنه يأخذ باستحقاقه، وإيجاب استرجاعه يحتاج إلى دليل وليس في
الشرع ما يدل عليه.
مسألة 19: الغارم الذي عليه الدين وأنفقه في طاعة أو مباح لا يعطي من
الصدقة مع الغنى، وللشافعي فيه وجهان: أحدهما يعطي، والآخر لا يعطي.
دليلنا: إجماع الفرقة وأيضا جواز إعطائه مع الفقر مجمع عليه، ولا دليل
على جواز إعطائه مع الغنى.
مسألة 20: إذا أنفقه في معصية ثم تاب منها لا يجب أن يقضى عنه من سهم
الصدقة، وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه، والثاني يقضى عنه.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم وهي عامة في أنه لا يقضى عنه إذا أنفقه في
معصية ولم يفصلوا حال التوبة من غيرها.
في أن قضاء دين الميت يدخل في قسمة في سبيل الله
مسألة 21: سبيل الله يدخل فيه الغزاة في الجهاد، والحاج، وقضاء الديون
عن الأموات، وبناء القناطر وجميع المصالح، وقال أبو حنيفة والشافعي ومالك:
إنه يختص المجاهدين، وقال أحمد: سبيل الله هو الحج فيصرف ثمن الصدقة في
الحج.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا قوله تعالى: وفي سبيل الله، فإنه يدخل فيه
جميع ذلك لأن المصالح من سبيل الله.
مسألة 22: ابن السبيل هو المجتاز دون المنشئ لسفره من بلده، وبه قال
مالك، وقال أبو حنيفة والشافعي: يدخلان جميعا فيه.
20

دليلنا: أن من اعتبرناه مجمع على دخوله فيه وليس على ما قالوه دليل.
مسألة 23: خمسة أصناف من أهل الصدقات لا يعطون إلا مع الفقر بلا
خلاف وهم: الفقراء والمساكين والرقاب والغارم في مصلحة نفسه وابن السبيل
المنشئ لسفره.
وأما العامل يعطي مع الفقر والغنى بلا خلاف، وعندنا أنه يأخذ الصدقات
صدقة دون الأجرة، وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: يأخذ أجرة.
والمؤلفة سقط سهمهم عندنا وعند أبي حنيفة.
والغارم لمصلحة ذات البين، والغازي لا يعطي إلا مع الحاجة عند أبي
حنيفة، وعند الشافعي يعطي مع الغنى وهو الصحيح.
وابن السبيل المجتاز يعطي مع الغنى في بلده بلا خلاف.
دليلنا: إجماع الفرقة وعموم الآية يتناول أن يستحقوا مع الغنى والفقر،
وإنما أخرجنا بعضهم بدليل، وأما الدليل على أن سهم العامل صدقة دون الأجرة
أنه لا خلاف أن آل الرسول صلى الله عليه وآله لا يجوز أن يتولوا الصدقة،
ولو كان ذلك أجرة لجاز لهم أن يتولوها كسائر الإجارات.
مسألة 24: حد الغنى الذي يحرم معه الزكاة عليه أن يكون له كسب يعود
عليه بقدر كفايته لنفقته، ونفقة من تلزمه النفقة عليه أو له عقار يعود عليه ذلك
القدر أو مال يكتسب به ذلك القدر.
وفي أصحابنا من أحله لصاحب السبعمائة وحرمه على صاحب الخمسين
بالشرط الذي قلناه، وذلك على حسب حاله، وبه قال الشافعي إلا أنه قال: إن
كان في بعض معائشه يحتاج أن يكون معه ألف دينار أو ألفا دينار متى نقص
عنه لم يكفه لاكتساب نفقته جاز له أن يأخذ الصدقة، وقال قوم: من ملك
خمسين درهما حرمت عليه الصدقة، وروي ذلك عن علي عليه السلام وعمر
21

وسعد بن أبي وقاص، وهو قول الثوري وأحمد.
وذهب أبو حنيفة إلى أن حد الغنى الذي يحرم به الصدقة أن يملك نصابا
تجب فيه الصدقة إما مائتي درهم أو عشرين دينارا أو غير ذلك من الأجناس التي
يجب بها الزكاة، فإن كان ذلك من الأموال التي لا زكاة فيها كالعبيد والثياب
والعقار فإن كان محتاجا إلى ذلك لم يحرم عليه الصدقة، وإن لم يكن محتاجا
نظر فيما يفضل عن حاجته، فإن كان يبلغ قدر نصاب حرمت عليه الصدقة، وإن
لم يبلغ حلت له.
وذهب قوم من أصحابنا إلى أن من ملك النصاب حرمت عليه الزكاة.
دليلنا على ما قلناه: أخبارنا التي ذكرناها في الكتاب الكبير ولأن الله تعالى
قال: إنما الصدقات للفقراء والمساكين، ومن ملك ما لا يكفيه لمؤونته ومؤونة
عياله يسمى فقيرا ويسمى مسكينا.
مسألة 25: يجوز للزوجة أن تعطي زكاتها لزوجها إذا كان فقيرا من سهم
الفقراء، وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: لا يجوز.
دليلنا: قوله تعالى: إنما الصدقات للفقراء، وهذا فقير، وتخصيصه يحتاج
إلى دليل.
مسألة 26: النبي صلى الله عليه وآله كان يحرم عليه الصدقة
المفروضة ولا يحرم عليه الصدقة التي يتطوع بها، وكذلك حكم آله وهم ولد
عبد المطلب لأن هاشما لم يعقب إلا منه، وبه قال الشافعي - أعني في صدقة
التطوع - إلا أنه أضاف إلى بني هاشم بني المطلب، وله في صدقة التطوع
وجهان، في النبي خاصة دون آله.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم فإنهم لا يختلفون فيه وقد مضت هذه
المسألة فيما مضى مستوفاة.
22

مسألة 27: صدقة بني هاشم بعضهم على بعض غير محرمة وإن كانت
فرضا، وخالف جميع الفقهاء في ذلك، وسووا بينهم وبين غيرهم.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 28: إذا دفع صاحب المال الصدقة إلى من ظاهره الفقر ثم بان أنه
كان غنيا في الباطن لا ضمان عليه، وبه قال أبو حنيفة، وللشافعي فيه قولان
منصوصان: أحدهما لا ضمان عليه كالإمام، والثاني عليه الضمان.
دليلنا: أن إيجاب ضمان ذلك يحتاج إلى دليل والأصل براءة الذمة.
مسألة 29: إذا دفعها إلى من ظاهره الإسلام ثم بان أنه كان كافرا أو إلى
من ظاهره الحرية فبان أنه كان عبدا، أو دفعها إلى من ظاهره أنه ليس من آل
النبي صلى الله عليه وآله ثم بان أنه كان من آله لم يكن عليه ضمان سواء كان
المعطى الإمام أو رب المال.
وقال أبو حنيفة: عليه الضمان في جميع ذلك، وللشافعي فيه قولان: فالذي
عليه أكثر أصحابه أن هذه المسألة مثل الأولى، ومنهم من قال: إنها مخالفة فإن
كان المفرق رب المال لزمه الضمان قولا واحدا، وإن كان الإمام فعلى قولين.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء وإنما قلنا ذلك لأن المأخوذ عليه أن
لا يعطي الصدقة إلا لمن ظاهره الفقر، والإسلام والحرية والبواطن لا طريق إليها،
فإذا دفعها إلى من ظاهره كذلك فقد امتثل المأمور به وإيجاب الضمان عليه بعد
ذلك يحتاج إلى دليل، والأصل براءة الذمة.
مسألة 30: لا يتعين أهل السهمان بالاستحقاق من أهل الصدقة حتى لو
مات أحدهم انتقل إلى ورثته.
وقال الشافعي: إن كان البلد صغيرا أو قرية فإنهم يتعينون وقت الوجوب
23

حتى لو مات واحد منهم بعد الوجوب وقبل التفرقة انتقل نصيبه إلى ورثته، وإن
غاب واحد منهم لم يسقط حقه لغيبته، وإن دخل ذلك الموضع أحد من أهل
السهمان لم يشارك من كان فيه، وإذا كان البلد كبيرا مثل بغداد وغيرها فهم لا
يتعينون باستحقاق الصدقات إلى وقت القسمة، فإذا مات واحد منهم بعد
الوجوب وقبل القسمة فلا شئ لورثته، وإن غاب سقط سهمه، وإن دخل
الموضع قوم من أهل السهمان قبل القسمة شاركوه.
دليلنا: قوله تعالى: إنما الصدقات للفقراء والمساكين... الآية، ولم يعين
قوما منهم دون قوم فينبغي أن يحمل على جميعهم، ومن ادعى التعيين فعليه
الدلالة.
24

المبسوط
كتاب الوقوف والصدقات
وجوه العطايا ثلاثة: اثنان منها في الحياة، وواحد بعد الوفاة، فأما الذي بعد
الوفاة فهو الوصية، ولها كتاب مفرد نذكره فيما بعد إن شاء الله تعالى، وأما
اللذان في حال الحياة فهما الهبة والوقف، فالهبة لها باب مفرد يجئ فيما بعد،
وأما الوقف فهذا موضعه.
إذا ثبت هذا فالوقف تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة، وجمعه وقوف
وأوقاف يقال وقفت ولا يقال أوقفت إلا نادرا شاذا، ويقال حبست وأحبست.
فإذا وقف شيئا زال ملكه إذا قبض الموقوف عليه أو من يتولى عنه، وإن لم
يقبض لم يمض الوقف ولم يلزم، وقال قوم: يلزم بنفس الوقف وإن لم يقبض،
والأول أصح.
فإذا قبض الوقف فلا يجوز له الرجوع فيه بعد ذلك، ولا التصرف فيه
ببيع ولا هبة ولا غيرهما، ولا يجوز لأحد من ورثته التصرف فيه، وليس من شرط
لزومه حكم الحاكم به، وفيه خلاف.
وما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: لا حبس بعد سورة النساء،
وفي حديث آخر عن شريح قال: جاء محمد بإطلاق الحبس، فالمعنى في ذلك
في أحد أمرين:
أحدهما أراد حبس الزواني اللاتي ذكرهن في قوله: فأمسكوهن في البيوت،
25

وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام
والثيب بالثيب جلد مائة والرجم.
والثاني: أراد الحبس الذي كان تفعله الجاهلية في نفي السائبة والبحيرة
والوصيلة والحام، قال الله تعالى: ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا
حام.
فالسائبة هي الناقة تلد عشر بطون كلها إناث فتسيب تلك الناقة فلا تركب
ولا تحلب إلا للضيف.
والبحيرة هي ولدها الذي تجئ به في البطن الحادي عشر، فإن كان أنثى
فهي البحيرة، وسموها بحيرة لأنهم كانوا يتبحرون أذنها - أي يشقونها -، والبحر
الشق ولهذا سمي البحر بحرا لأنه شق في الأرض.
وأما الوصيلة فهي الشاة تلد خمس بطون في كل بطن عناقين، فإذا ولدت
بطنا سادسا ذكرا وأنثى قيل قد وصلت أخاها فما تلد بعد ذلك يكون حلالا
للذكور، وحراما على الإناث.
وأما الحامي فهو الفحل ينتج من صلبه عشرة أبطن فيسيب، ويقال حمى
ظهره فكان لا يركب.
إذا وقف أرضا أو دارا أو غيرهما وقبضه فإنه يزول ملك الواقف كما يزول
بالبيع، وقال بعضهم: إنه لا يزول، فإذا ثبت أنه يزول - وهو الصحيح - فإنه
ينتقل إلى الموقوف عليه وهو الصحيح، وقال قوم: ينتقل إلى الله تعالى ولا ينتقل
إلى الموقوف عليه.
وإنما قلنا: إنه ينتقل إلى الموقوف عليه، لأنه يضمن بالغصب ويثبت عليه اليد
وليس فيه أكثر من أنه لا يملك بيعه على كل حال، وإنما يملك بيعه على وجه
عندنا، وهو إذا خيف على الوقف الخراب وكان بأربابه حاجة شديدة أو لا
يقدرون على القيام به فحينئذ لهم بيعه، ومع عدم ذلك لا يجوز بيعه، وعند
المخالف لا يجوز بيعه على وجه، ومنع البيع فيه لا يدل على أنه لا يملكه لأن
26

السيد لا يبيع أم ولده وهي ملك له، وعندنا لا يملك بيعها مع وجود ولدها وإن
كانت مملوكة.
يجوز وقف الأراضي والعقار والدور والرقيق والماشية والسلاح وكل عين
تبقى بقاء متصلا ويمكن الانتفاع بها، خلافا لأبي يوسف أنه لا يجوز إلا في
الأراضي والدور والكراع والسلاح والغلمان تبعا للضيعة الموقوفة.
وكل عين جاز بيعها وأمكن الانتفاع بها مع بقائها المتصل، فإنه يجوز
وقفها إذا كانت معينة، فأما إذا كانت في الذمة أو كانت مطلقة وهو أن يقول:
وقفت فرسا أو عبدا، فإن ذلك لا يجوز، لأنه لا يمكن الانتفاع به ما لم يتعين، ولا
يمكن تسليمه ولا يمكن فيه القبض، ومن شرط لزومه القبض.
فأما الكلب فإنه لا يجوز وقفه، لأنه لا يصح ملكه، وما يملك منه فأولى أن
نقول: إنه يصح وقفه، لأنه يمكن الانتفاع به، وأما الدنانير والدراهم فلا يصح
وقفها بلا خلاف، وفيهم من قال: يصح وقفهما، وهو شاذ، وإنما قلنا: لا يجوز،
لأنه لا منفعة لهما مقصودة غير التصرف فيهما، وما عدا ذلك من الأواني والفرش
والدواب والبهائم فإنه يجوز وقفها لما ذكرناه.
ويجوز وقف المشاع كما يجوز وقف المقسوم، ويصح قبضه كما يصح
قبضه في البيع.
إذا وقف حصة من الأرض صح ذلك، ولا يثبت فيه الشفعة لشريكه لأنه
ليس ببيع، ومتى أراد صاحب الطلق أن يقاسمه صاحب الوقف فمن قال: إن
القسمة بيع، لم يجز القسمة، لأن بيع الوقف لا يجوز، ومن قال: القسمة تميز أحد
الحقين من الآخر، قال: يجوز قسمته.
فإن كان فيها رد من صاحب الوقف رد على صاحب الطلق جاز، لأنه يزيد
في الوقف، وإن كان فيها رد من صاحب الطلق على صاحب الوقف لم يجز، لأنه
يبيع جزءا من الوقف وذلك لا يجوز.
فإن وقف حصته من عبده صح ذلك، فإن أعتقه الواقف لم ينفذ فيه العتق
27

لأن ملكه زال عنه بالوقف، ومن قال لم يزل ملكه قال أيضا: لا ينفذ عتقه أيضا
لأنه لا يملك التصرف فيه، وإن أعتقه الموقوف عليه لم يصح عتقه أيضا لأن من
قال: ينتقل ملكه إلى الله، فليس بمملوك له، ومن قال: انتقل إليه، فقد تعلق به
حق البطون التي بعده، فليس له أن يبطل حقهم بإعتاقه إياه، كما ليس للراهن أن
يبطل حق المرتهن الذي تعلق بالعبد المرهون بإعتاقه إياه، وإن أعتق الشريك
حصته فقد انعتق ولا يسري إلى النصف الموقوف ولا يقوم عليه موسرا كان أو
معسرا لأن النصف الموقوف لا ينفذ فيه العتق المباشر فكيف ينفذ فيه عتق
السراية.
إذا وقف غلاما وشرط أن يكون نفقته من كسبه أو في شئ آخر كان على
ما شرط، فإن أطلق ذلك كان في كسبه لأن الغرض بالوقف انتفاع الموقوف
عليه، وإنما يمكنه ذلك ببقاء عين الوقف، وإنما يبقى عينه بالنفقة، فيصير كأنه
شرطها في كسبه.
فأما إذا زمن العبد في شبابه أو شاخ فلم يقدر على الكسب، فمن قال: إن
الملك ينتقل إلى الموقوف عليه، فنفقته في ماله، لأنه عبده، ومن قال: انتقل إلى
الله، فنفقته في مال بيت المال، وهو مال الله، وعلى مذهبنا يصير حرا بالزمانة.
العبد الموقوف إذا جنى فلا يخلو: إما أن تكون جناية عمد توجب القصاص،
أو خطأ توجب المال، فإن كانت عمدا لزمه القصاص، فإن كانت تلك الجناية
قتلا، قتل ويبطل الوقف، وإن كان قطعا قطع به وبقى الباقي وقفا كما كان، وإن
كانت الجناية خطأ توجب المال، فالمال لا يتعلق برقبته لأنه إنما يتعلق برقبة من
يباع فيه، فأما رقبة من لا يباع فالأرش لا يتعلق بها.
فإذا ثبت ذلك، فمن قال: إن الملك ينتقل إليه، فهو في ماله، ومن قال:
ينتقل إلى الله، فقد قيل ثلاثة أقوال: أحدها إلى مال الواقف، لأنه هو الذي منع
رقبته أن يتعلق بها الأرش، والثاني يكون في بيت المال كالحر المعسر إذا جنى
جناية خطأ، والثالث في كسبه لأن أقرب الأشياء إلى رقبته كسبه، فإذا تعذر تعلقه
28

برقبته تعلق بما هو أقرب إليه.
فأما إذا جني على العبد الموقوف فقتل وجبت قيمته، لأنه يضمن بالغصب
فلم يخرج عن المالية، وقال قوم: يشترى بها عبد آخر ويقام مقامه، سواء قيل
انتقل إليه ملكه أو إلى الله، لأن حق البطون الأخر يتعلق برقبة العبد، فإذا فاتت
أقيم غيرها بقيمتها مقامها، وفيهم من قال: تنتقل القيمة إليه، وهو الأقوى، لأنا قد
بينا أن ملكه له، والأول قول من قال: ينتقل إلى الله.
إذا وقف جارية صح ذلك، وهل يجوز تزويجها أم لا؟ قيل فيه وجهان:
أحدهما يجوز لأن ذلك عقد معاوضة على منفعتها فهو كإجارتها، والثاني لا يجوز
لأن قيمتها تنقص بذلك، لأن النكاح سبب الإحبال، ويخاف من الحبل عليها،
والأول أقوى.
فمن قال: لا يجوز، فلا كلام، ومن قال: يجوز، وقال: ينتقل الملك إليه،
زوجها، وهو الصحيح، ومن قال: ينتقل إلى الله، زوجت هي نفسها لأنها مالكة
نفسها، وعند المخالف يزوجها الحاكم.
فإذا تزوجت صح النكاح ووجب المهر، ويكون للموقوف عليه، لأن ذلك
من كسبها، فإذا ولدت فعندنا الولد لاحقا بالحرية إذا زوجت من حر، وإن
زوجت من مملوك كان بينهما، وعند المخالف يكون لاحقا بأمه.
فإن استكرهها إنسان فوطئها فاتت بولد، فإن المهر يكون للموقوف عليه،
ويلزم الواطئ الحد، وأما الولد فرقيق عندنا أيضا، وفي ولدها الرقيق قيل فيه
وجهان: أحدهما يكون طلقا ويكون للموقوف عليه لأنه نماؤها، فهو ككسبها
وكثمر البستان، والثاني يكون رقيقا كأمها لأن كل ذات رحم حكم أمها مثل
المدبرة عندنا، وأم الولد على مذهب القوم، وكذلك ولد الأضحية والهدي، وهو
الأقوى.
فمن قال: يكون طلقا فهو له، فإن قتل فقيمته له كرقيقه، ومن قال: كأمه،
فإن قتل فقيمته على ما مضى من القولين: أحدهما يكون له، والثاني يشتري بدله
29

غيره.
فأما إذا وطئها رجل بشبهة وجب المهر ويكون له لأنه عن كسبها، والولد
حر عندنا، وعندهم على الواطئ قيمته، ولمن يكون؟ فمن قال إن الولد إذا كان
مملوكا يكون طلقا، فالقيمة للموقوف عليه، وكذلك من قال: إنه يوقف كالأم،
وإذا قتل كانت القيمة له، ومن قال: يشترى به آخر، قال هاهنا: يشترى بها آخر
ويقام مقامه.
فأما إذا وطئها الواقف فالحكم فيه كما لو وطئها أجنبي وقد مضى، وأما
الموقوف عليه فليس له وطؤها، لأن من قال الملك ينتقل إليه قال: ملكه غير
ثابت فلم يحل له، فإن خالف فوطئها فلا حد للشبهة، والولد حر، ومن قال:
ينتقل إلى الله، فليست ملكا له فلا يجوز له وطؤها وكان عليه الحد كالأجنبي
سواء.
وكل موضع قلنا بأن الولد له والقيمة له، إذا أتلف لم يؤخذ منه قيمته،
وكل موضع قلنا: لا تكون القيمة له أو يشترى به آخر مكانه، أخذت منه القيمة
واشترى بها آخر يوقف مع الأم.
وأما المهر فلا يلزمه لأنه لو وجب له لكان له، لأنه من كسبها، وهل تصير أم
ولد أم لا؟ من قال: انتقل الملك إلى الله، لم تصر أم ولد، لأنها علقت بالولد في
غير ملكه، ومن قال: انتقل إليه، صارت أم ولد له، وعتقت بموته وتؤخذ القيمة من
تركته عند المخالف، لأن ولده منها حصل بعد انقطاع حقه عنها، ويخالف إذا
وجبت القيمة حال جنايته لأنها وجبت وحقه باق ثابت.
فإذا ثبت أن القيمة تؤخذ من تركته فما يعمل بها؟ فمن قال: إن الموقوف إذا
تلف اشترى بقيمته آخر يقوم مقامه، فكذلك هاهنا يشترى بقيمتها آخر يقوم
مقامه، ومن قال: ينتقل إليه، أعطى من يليه من البطون تلك القيمة، كما إذا وجبت
القيمة وهو حي.
ألفاظ الوقوف ستة: تصدقت، ووقفت، وسبلت، وحبست، وحرمت،
30

وأبدت، فإذا قال: تصدقت بداري أو بكذا، لم ينصرف إلى الوقف، لأن التصدق
يحتمل الوقف، ويحتمل صدقة التمليك المتطوع بها، ويحتمل الصدقة
المفروضة، فإذا قرنه بقرينة تدل على الوقف انصرف إلى الوقف، وزال الاحتمال.
والقرينة أن يقول: تصدقت صدقة موقوفة أو محبسة أو مسبلة أو محرمة أو
مؤبدة، أو قال: صدقة لا تباع ولا توهب ولا تورث، لأن هذا كله يصرفه إلى
الوقف.
وكذلك إذا نوى الوقف انصرف إلى الوقف فيما بينه وبين الله ولا يصير
وقفا في الحكم، فإذا أقر بأنه نوى الوقف صار وقفا في الحكم حينئذ.
وأما إذا قال: وقفت، كان ذلك صريحا في الوقف، لأن هذه اللفظة في
العادة لا تستعمل إلا في الوقف، ولا تعرفها العامة إلا فيه.
فأما إذا قال: حبست أو أسبلت، رجع أيضا إلى الوقف، وصار وقفا وكان
ذلك صريحا فيه لأن الشرع ورد بهما، لأن النبي صلى الله عليه وآله قال لعمر:
حبس الأصل وسبل الثمرة، وعرف الشرع آكد من عرف العادة.
فأما إذا قال: حرمت وأبدت، فقيل فيه وجهان: أحدهما أنهما كنايتان لأنه ما
ورد بهما عرف ولا عادة ولا عرف الشرع، والآخر أنهما صريحان فيه لأنهما لا
يستعملان إلا في الوقف، ولا يحتملان غيره، فمن قال: إنهما صريحان، قال:
الحكم على ما ذكرنا في الصريح، ومن قال: كنايتان، فلا بد من القرينة أو النية
على ما ذكرنا فيما هو كناية فيه من ألفاظه.
هذا تفصيل مذهب الفقهاء، والذي يقوى في نفسي أن صريح الوقف قول
واحد وهو وقفت لا غير، وبه يحكم بالوقف، فأما غيره من الألفاظ فلا يحكم به إلا
بدليل.
ومن شرط صحة الوقف أن يكون الموقوف عليه ابتداء ممن يملك المنفعة،
ولا يجوز أن يقف شيئا على من لا يملك في الحال، مثل أن يقف على عبد أو على
من يرزق من الأولاد أو على حمل هذه الجارية ولم ينفصل الحمل بعد، بلا
31

خلاف، ولا ينتقض بالوقف على أولاد الأولاد وما تناسلوا، لأن الاعتبار بأوله،
وقد وقف أولا على من هو من أهل الملك في الحال، فإذا صح حقهم صح في
حق الباقين على وجه التبع لهم.
فأما الوقف على القناطر والمساجد والمارستان وغيرها مما فيه مصالح
المسلمين إنما صح - وإن كانت هذه الأشياء لا تملك - لأن الوقف عليها
لمصالح المسلمين فالوقف عليها وقف على المسلمين، والمسلمون يملكون.
إذا وقف شيئا على قوم لم يخل ذلك من أحد أمرين:
إما أن يعلقه بما لا ينقرض مثل أن يقول: وقفت هذا على أولادي وأولاد
أولادي ما تناسلوا فإن انقرضوا فعلى الفقراء والمساكين، أو قال: وقفت هذا على
الفقراء والمساكين، فإن ذلك وقف صحيح بلا خلاف، لأن من شرطه أن يتأبد،
وقد علقه بما يتأبد.
فإذا علقه بما ينقرض مثل أن يقول: وقفت هذا على أولادي وأولاد أولادي،
وسكت على ذلك، أو وقف على رجل بعينه أو على جماعة بأعيانهم، وسكت
على ذلك، فهل يصح ذلك أم لا؟ من أصحابنا من قال: يصح، ومنهم من قال:
لا يصح، وبهذين القولين قال المخالفون.
فمن قال: يصح، إذا انقرضوا صرف إلى وجوه البر والصدقة، لأن الاعتبار
بصحة الوقف أوله، فإذا صح في أوله ووجدت شرائطه لا يضره بعد ذلك
انقراض الموقوف عليه، ومن قال لا يصح قال: لأن من شرط صحته أن يتأبد،
وإذا علقه بما ينقرض فلم يوجد شرطه فلم يصح، ومن قال: لا يصح الوقف، فلا
كلام، ومن قال: يصح، قال: إذا انقرض الموقوف عليه لم يرجع الوقف إلى
الواقف إن كان حيا، ولا إلى ورثته إن كان ميتا، وقال قوم: يرجع إليه إن كان
حيا وإلى ورثته إن كان ميتا، وبه تشهد روايات أصحابنا، ولأن رجوعه إلى أبواب
البر يحتاج إلى دليل.
ومن قال: يرجع إلى أبواب البر والصدقة، قال: هو إلى أقرب الناس إليه
32

لأنهم أولى ببره وصدقته من غيرهم، وهل يعتبر الفقر مع القربى أم لا؟ قيل فيه
قولان: أحدهما يعتبر الفقر مع القربى، والآخر يصرف إلى الفقراء والأغنياء لأن
الوقف يصح عليهم أجمع، وليس من شرطه الفقر، ومن راعى الفقر فقط قال:
يستوي فيه الذكر والأنثى، ويقدم الأولاد، لأنهم أقرب، ثم الآباء والأمهات، فإن
كان هناك أب وأم تساويا، وإن كان أبو أم وأبو أب تساويا، وإن كان جد وأخ
ففيه قولان: أحدهما سواء والثاني أن الأخ يقدم، والأول أولى.
وإذا اعتبر الفقر مع القرب فإن كان أقربهم غنيا فلا اعتبار به، وكأنه
معدوم، والاعتبار بمن دونه من الفقراء من أقاربه، فإن افتقر بعد ذلك وقد
حصلت علة الوقف قدم على غيره، لأن الشرط قد وجد وهو الفقر.
وعلى هذا إذا وقف على من لا يصح عليه الوقف ثم على من يصح عليه مثل
أن يقف على عبده، فإن انقرض فعلى أولاده وهم موجودون، فإن انقرضوا فعلى
الفقراء والمساكين، أو وقف على عبده ثم على الفقراء والمساكين بعده، أو وقف
على حمل أو على وارث والواقف مريض مرضا مخوفا، أو وقف على مجهول
مثل أن يقول: وقفته على رجل أو على قوم، أو وقف على معدوم مثل أن يقف
على أولاده وليس له أولاد وما أشبه ذلك، فالذي يقتضيه مذهبنا أنه لا يصح
الوقف، لأنه لا دليل عليه، وفي الناس من قال: يصح بناء على تفريق الصفقة،
فإذا قال: لا يصح تفريق الصفقة، أبطل الوقف في الجميع وبقى الوقف على
ملك الواقف، لم يزل عنه، ومن قال: يصح تفريق الصفقة، أبطل في حق من لا
يصح الوقف عليه، وصححه في حق الباقين.
وهذا قوي يجوز أن يعتمد عليه لأنا نقول بتفريق الصفقة، فإذا قال بهذا فهل
تصرف منفعة الوقف إلى من صح في حقهم في الحال أم لا؟ ينظر: فإن كان
الذي بطل الوقف في حقه لا يمكن الوقف على بقائه واعتبار انقراضه، مثل أن
يقف على مجهول أو معدوم لأنه لا يدري كم بقاء ذلك المجهول والمعدوم، فإن
منفعة الوقف تصرف إلى من صح في حقهم في الحال، ويكونون أولئك بمنزلة
33

المعدوم الذي لم يذكر في الوقف.
فأما إذا كان الموقوف عليه أولا يمكن اعتبار انقراضه مثل العبد، فهل
تصرف منفعة الوقف إلى من صح في حقهم في الحال؟
منهم من قال: تصرف إليهم في الحال لأنه لا يستحق غيرهم، وهو
الصحيح.
ومنهم من قال: لا تصرف إليهم في الحال لأنه إنما جعل منفعة الوقف لهم
بشرط انقراض من قبلهم، والشرط لم يوجد فلم يجز صرفه إليهم قبل وجود
الشرط، فتصرف إلى الفقراء والمساكين مدة بقاء الموقوف عليه أولا، ثم إذا
انقرض رجعت إليهم، ويبدأ بفقراء أقاربه لأنهم أولى بصدقته كما قلنا - إذا علق
الوقف على ما ينقرض في العادة ثم انقرض -: إنه يصرف إلى فقراء أقاربه.
إذا وقف مطلقا ولم يذكر الموقوف عليه، مثل أن يقول: وقفت هذه الدار،
وهذه الضيعة، ثم سكت فلا يبين على من وقفها عليه، فإنه لا يصح الوقف، وفيهم
من قال: يصح، وتصرف إلى الفقراء والمساكين ويبدأ بأقاربه المحتاجين إليه
لأنهم أولى بصدقته، والأول أقوى، لأنه لا دليل على صحة هذا الوقف.
إذا وقف وقفا وشرط أن يصرف في سبيل الله وسبيل الثواب وسبيل الخير،
صرف ثلثه إلى الغزاة والحج والعمرة على ما مضى من الخلاف، وثلثه إلى الفقراء
والمساكين ويبدأ بأقاربه وهو سبيل الثواب، وثلثه إلى خمسة أصناف من الذين
ذكرهم الله في آية الصدقة، وهم الفقراء والمساكين وابن السبيل والغارمون
الذين استدانوا لمصلحة أنفسهم والرقاب " وهم المكاتبون " فهؤلاء سبيل الخير.
ولو قيل إن هؤلاء الثلاثة أصناف متداخلة لكان قويا، لأن سبيل الله وسبيل
الثواب وسبيل الخير يشترك الجميع فيه.
يجوز الوقف على الذمي إذا كانوا أقاربه، وكذلك تجوز الوصية له، فإذا لم
يكونوا أقاربه لم يجز ذلك، وفي الناس من قال: يجوز ذلك مطلقا.
فأما وقف المسلم على البيعة والكنيسة فلا يصح، ويكون باطلا بلا خلاف،
34

لأنها مدارس الكفر ومشتم الأنبياء والمسلمين، فالوقف عليها وقف على معصية
فلم يجز، فإن وقف على من ينزلها من مارة المسلمين وأهل الذمة جاز.
وإن وقف على كتب التوراة لا يجوز، لأنه مبدل مغير، لا لأنه منسوخ، لأن
نسخها لا يذهب حرمتها كما أن في القرآن آيات منسوخة، ولم تذهب حرمتها،
وهذا لا خلاف فيه، ويجب أن يقال في حفظه وتلاوته: إنه لا يجوز الوقف عليه
لتخالف ما نسخ من القرآن.
إذا كان له مولى من فوق - وهو مولى نعمته - فأطلق الوقف على المولى
رجع إليه، وإن كان له مولى من أسفل - وهو مولى عتاقه - ولم يكن له مولى من
فوق فأطلق على المولى رجع إليه، وإن كان له مولى من فوق ومن أسفل فأطلق
الوقف نظر: فإن كان هناك أمارة تدل على أنه أراد أحدهما انصرف إليه، وإن لم
يكن انصرف إليهما.
ومنهم من قال: يرجع إلى المولى من فوق، لأن حقهم آكد، بدلالة أنهم
يرثون، وفيهم من قال: يبطل الوقف لأنه مجهول، والأول أصح لأن الاسم
تناولهما.
يعتبر في الوقف وفي صرف ما يرتفع من غلاته شروط الواقف وترتيبه،
فإن قدم قوما على قوم وجعل لقوم أكثر مما جعل للآخرين، أو جعل ذلك لأهل
الفقر والحاجة دون الغني، أو للإناث دون الذكور، أو للإناث على صفة " وهو ما
لم تتزوج " فإذا تزوجت لم يكن لها فيه حق، فإذا طلقت عاد حقها، أو جعل
ذلك لمن أقام في ذلك البلد أو تلك الدار دون من خرج، ومن خرج منهم من
ذلك البلد انقطع حقه، فإذا عاد رجع حقه، أو جعل ذلك لمن هو يصفه على
مذهب دون مذهب وما أشبه ذلك، كان الأمر على ما رتب وعلى ما شرط لا
يخالف في شئ من ذلك بلا خلاف، لأن استحقاق ذلك من جهته، فهو على ما
يشرطه.
وتعليق الوقف بشرائط في الترتيب جائز، ولا يجوز ذلك في الوقف نفسه،
35

لأنه إذا قال: إذا جاء رأس الشهر فقد وقفت هذه الدار، فلا يصح بلا خلاف.
إذا قال: وقفت هذا على أولادي وأولاد أولادي وأولاد أولاد أولادي، فإن
انقرضوا فعلى الفقراء والمساكين، كان البطون الثلاثة يشتركون في ارتفاع
الوقف، لأنه وقف عليهم " وعطف بعضهم على بعض بالواو وهي تقتضي
الاشتراك لأنها تقتضي الجمع " ويستوي فيه الذكور والإناث، والفقراء
والأغنياء، لأن اسم أولاد يتناولهم.
ويدخل في ذلك أولاد البنات ذكرهم وإناثهم، كما يدخل فيه أولاد البنين
ذكرهم وإناثهم، وفي الناس من قال: أولاد البنات لا يدخلون فيه، والأول أصح
لأن الاسم يتناولهم.
فإذا ثبت ذلك وقال: وقفت هذا على أولادي وأولاد أولادي وأولاد أولاد
أولادي من انتسب منهم إلي، كان ذلك وقفا على من ينسب إليه من أولاد بنيه ولا
يدخل فيه أولاد البنات، لأنهم لا ينتسبون إليه وإنما ينسبون إلى قوم آخرين.
فإن قال: وقفته على أولادي أو على ولدي فإن انقرضوا فعلى الفقراء
والمساكين، كان ذلك وقفا على أولاد صلبه دون أولاد أولاده، لأن ولد الولد إن
كان ولدا فمن طريق المجاز، ألا ترى أنه يصح أن يقول هذا ليس بولدي، وإنما
هو ولد ولدي، وهو كما يسمى الجد أبا، وذلك من طريق المجاز، فإن قال:
وقفته على أولادي وأولاد أولادي، دخل فيه البطن الأول والثاني ولم يدخل فيه
البطن الثالث، لأنه لا يقع عليه اسم ولد الولد حقيقة، وفي أصحابنا من قال: إذا
قال: وقفت على ولدي، دخل فيه ولد الولد من جهة البنين والبنات البطن الثاني
والثالث وما زاد عليه، والأول أقوى.
إذا قال: وقفت هذا على أولادي ثم على أولاد أولادي ثم على أولاد أولاد
أولادي ثم على الفقراء والمساكين، فقد شرط فيه الترتيب، فيقدم البطن الأول ولا
يشاركهم الثاني في ارتفاع الوقف، فإذا انقرضوا كان للبطن الثاني، ولا يشاركهم
الثالث حتى ينقرضوا وعلى هذا، لأن ثم للترتيب وتقديم البعض على البعض.
36

وكذلك إذا قال: وقفت هذا على أولادي فإذا انقرضوا فعلى أولاد أولادي
فإذا انقرضوا فعلى أولاد أولادي أولادي فإذا انقرضوا فعلى الفقراء والمساكين، فقد
شرط الترتيب أيضا لأنه شرط في الوقف على البطن الثاني انقراض البطن الأول،
فيكون على ما ذكرناه.
وكذلك إن قال: وقفت هذا على أولادي وأولاد أولادي وأولاد أولاد
أولادي الأعلى فالأعلى، أو قال: البطن الأول ثم الثاني ثم والثالث، فإن ذلك على
الترتيب.
وإن قال: وقفت هذا على أولادي ثم على أولاد أولادي وأولاد أولاد
أولادي، فقد رتب البعض فيقدم البطن الأول ولا يشاركهم أحد من البطن الثاني
والثالث، فإن انقرضوا اشترك فيه البطن الثاني والثالث، لأنه جمع بينهما
وتساويا واشتركا.
إذا قال: وقفت هذا على أولادي وأولاد أولادي وأولاد أولاد أولادي ما
تناسلوا فإن انقرضوا فعلى أقرب الناس إلي، فإن الوقف على أولاده ما تناسلوا، فإذا
انقرضوا فأقرب الناس إليه بعد البنين الآباء والأمهات، فإن كان أبوه حيا صرف
إليه وكذلك إن كانت أمه حية صرف إليها، وإن كانا حيين فإليهما، وإن كان
جد وأم فالأم أقرب يصرف إليها، وأبو الأم وأبو الأب سواء لأنهما في درجة واحدة
في الولادة.
وعلى هذا إذا اجتمع أخ وجد فهو بينهما، وإن اجتمع إخوة متفرقون كان
الأخ من الأب والأم أولى من غيره، لأن الانفراد بقرابة تجري مجرى التقدم
بدرجة فيكون الإخوة من الأب والإخوة من الأم بمنزلة بني الإخوة مع الأخ ولهذا
كان أولى بالميراث.
فإن اجتمع أخ من أب وابن أخ من أب وأم، قدم الأخ من الأب لأن التقدم
حصل من جنبته وحصل في جنبة ابن الأخ انفراد بقرابة هو بمنزلة التقدم، وهذا
كما نقول في " الولاء بمنزلة النسب " فإذا اجتمعا قدم النسبة عليه.
37

والخال والخالة في القربى سواء وكذلك العم والعمة، والخال والعمة،
كلهم سواء لأن الاعتبار بالدرجات وهم فيها سواء، ولا اعتبار بالميراث عند
المخالف، وعندنا أن الميراث يجري على هذا المنهاج، فسوينا بين الميراث وبين
هذه المسائل.
إذا كان له ثلاثة أولاد وله أولاد أولاد فقال: وقفت هذا على أولادي ثم على
أولاد أولادي، فإن أولاده يتقدمون، فيكون لهم ارتفاع الوقف، فإن انقرضوا صار
لأولاد أولاده، وإن مات أحدهم صرف حصته إلى الآخرين، ولا يصرف إلى أولاد
أولاده لأنه شرط انقراض أولاده، وبعد ما انقرضوا.
وفي الناس من قال: إن اللفظ أفاد أن حصة الميت منهم تصرف إلى
الآخرين، ومنهم من قال: لا نستفيد ذلك باللفظة وإنما نستفيده بالاشتراك، لأنه
لا يمكن أن يجعل لأولاد أولاده، لأن الشرط ما وجد وهو الانقراض، وليس
هناك من هو أولى منهما، فصرف إليهما حصته، هذا إذا أطلق.
فأما إذا صرح فقال: فمن مات من أولادي فحصته تصرف إلى الباقين منهم،
فإنه تصرف إليهم حصة الميت منهم، لأنه صرح بذلك، وإن قال: فمن مات من
أولادي فحصته لابنه، كانت حصته لابنه على حسب ما شرط.
إذا قال: وقفت هذا على أولادي فإن انقرضوا وانقرض أولاد أولادي فهو
على الفقراء والمساكين، فقد صرح بالوقف على أولاده أولا وعلى الفقراء
والمساكين أخيرا وأطلق أولاد أولاده، فمن الناس من قال: لا يكون لهم من
الوقف شئ، لأنه لم يقف عليهم، وإنما شرط انقراضهم في الوقف على الفقراء
والمساكين، فعلى هذا إن انقرض أولاده وبقى أولاد أولاده صرف ارتفاعه إلى
أقرب الناس إليه إلى أن ينقرضوا، فإن انقرضوا صرف إلى الفقراء والمساكين.
ومنهم من قال: يكون وقفا على أولاد أولاده بعد انقراض أولاده، لأنه شرط
انقراضهم، وذلك بظاهره يقتضي أنه وقف عليهم، فهو كما لو صرح به، فعلى
هذا يصرف إليهم بعد الأولاد، فإذا انقرضوا صرف إلى المساكين وهذا أقوى.
38

إذا وقف في مرضه المخوف - وكذلك صدقة التمليك والهبة والوصية -
لأصحابنا فيه روايتان: إحديهما أن ذلك من الثلث، وهو مذهب المخالفين،
والأخرى أن ذلك منجز في الحال، فإذا ثبت الأول فإن كان الموقوف عليه وارثا
عندنا لزم من الثلث على كل حال، وعند المخالف لا يلزم شئ حتى يجيزه باقي
الورثة، لقولهم: إنه لا وصية لوارث، فإن كان على أجنبي وخرج من الثلث لزم
الوقف، وإن كان لا يخرج من ثلثه، فإن أجازت الورثة ما زاد على الثلث لزم في
الجميع، وإن لم تجز ذلك لزم في قدر الثلث، وبطل فيما زاد عليه.
وأما إذا وقف في مرضه ووهب وأقبض وأعتق وباع وحابى ومات، فإن
كان الثلث يفي بالجميع نفذ ذلك كله، وإن كان لا يفي بالجميع قدم الأول
فالأول، وسواء في تمليك العتق وغير العتق الباب واحد، على ما ذكرناه من
الخلاف.
فأما إذا كانت العطايا مؤخرة مثل أن يوصي بوقف أو عتق أو بيع بمحاباة
وما أشبه ذلك، فإن وفي الثلث بالجميع فذاك، وإن لم يف بالجميع، فإن لم
يكن في جملتها عتق قسم الثلث عليها بالحصص، ولا يقدم بعضها على بعض،
لأنها كلها تنجزت في وقت واحد، وهو وقت الموت، هذا عند المخالف.
وعندنا أنه يقدم الأول فالأول، مثل الأول سواء.
وإن كانت في جملتها عتق قيل فيه قولان: أحدهما يقدم العتق لمزيته
وغلبته، والثاني لا يقدم ويكون كواحد منها، فيقسم الثلث بالحصص، وعندنا أن
كون العتق فيها لا يغيرها يقدم الأول فالأول، فإن لم يعلم ذلك قسم عليها
بالحصص.
إذا قال: هذا وقف على فلان سنة، لا يصح الوقف، وقال قوم: يصح، لأن
القصد به الصدقة، وانصرف إلى وجه البر، فإذا مضت السنة صرف إلى الفقراء
والمساكين ويبدأ بقراباته لأنهم أولى الناس بصدقته.
إذا قال: إذا جاء رأس الشهر فقد وقفت هذه الدار على فلان، لم يصح
39

الوقف بلا خلاف لأنه مثل البيع والهبة، وعندنا مثل العتق أيضا.
إذا وقف على بني تميم أو على بني هاشم، صح الوقف وإن كانوا غير
محصورين مثل الفقراء والمساكين، وفي الناس من قال: لا يصح لأنهم غير
محصورين فهو مجهول.
ولا يصح أن يقف على نفسه على جهة الخصوص، وفيه خلاف مع أبي
يوسف وجماعة، فإن أنفذ الحاكم وحكم بصحته لم ينفذ حكمه، وعند قوم أنه
ينفذ حكمه، فأما إذا وقف وقفا عاما مثل أن يوقفه على المسلمين جاز له الانتفاع
به، بلا خلاف لأنه يعود إلى أصل الإباحة فيكون هو وغيره سواء.
إذا وقف وقفا وشرط فيه أن يبيعه أي وقت شاء، كان الوقف باطلا لأنه
خلاف مقتضاه، لأن الوقف لا يباع، وإن شرط أن يخرج من شاء منهم ويدخل
في ذلك من شاء، وأن يفضل بعضهم على بعض إن شاء أو يسوي بينهم إن شاء،
كان ذلك كله باطلا لأنه شرط لنفسه التصرف فيما هو ملك لغيره، هذا بلا
خلاف، وقد روي أصحابنا أنه يجوز أن يدخل فيهم غيرهم، وأما الإخراج والنقل
فلا خلاف عندنا أيضا فيه.
إذا بنى مسجدا وأذن لقوم فصلوا فيه أو بنى مقبرة فأذن لقوم فدفنوا فيه لم
يزل ملكه حتى يبينه لفظا على ما بيناه فيما مضى، وقال قوم: يزول ملكه إذا أذن
وصلوا فيه، ودفنوا في المقبرة، والأول أصح لأنه لا دليل على زوال ملكه والأصل
بقاؤه.
إذا وقف مسجدا وخرب وخربت المحلة أو القرية لم يعد ملكه، وقال محمد
بن الحسن: يعود المسجد إلى ملكه، والأول أصح، لأنه ثبت زوال ملكه، وعوده
يحتاج إلى دليل.
وإذا ذهب السيل بالميت أو أكله السبع عاد الكفن إلى ملك الورثة، غير أن
المورث أحق به، فعلى هذا لا نسلم أنه يدخل في ملكهم باستغناء الميت عنه، لأنه
كان في ملكهم قبل ذلك.
40

وفيهم من قال: إن الكفن يستر الميت فإذا ذهب السيل بالميت أو أكله
السبع زال المعنى ولا يرجى عوده، وليس كذلك المسجد، لأنه إنما وقف
للصلاة، وذلك المعنى حاصل، لأن المارة يصلون فيه، ويرجى عمارة القرية كما
كانت.
فأما إذا وقف دارا على قوم ثم انهدمت الدار لم يكن للموقوف عليهم بيع
العرصة، وقال أحمد: لهم بيع العرصة، لأنهم لا يتوصلون إلى الانتفاع بها إلا على
ذلك الوجه، وقد بينا مذهبنا أنه يجوز بيع الوقف إذا خيف خرابه وبطلانه أو
خيف خلف بين الأرباب.
إذا انقطعت نخلة من أرض الوقف أو انكسرت جاز بيعها لأرباب الوقف،
لأنه تعذر الانتفاع بها على الوجه الذي شرطه، وهو أخذ ثمرتها، وقيل: لا يجوز،
لأنه لا يجوز بيعه قبل الاختلال، فكذلك بعده، والأول أقوى.
إذا وقف على بطون فأكرى البطن الأول عشر سنين وانقرضوا لخمس سنين
فإنه تبطل الإجارة، لأن الموت يبطلها على ما بيناه، ومن قال الموت لا يبطلها قال
هاهنا: لا تبطل، وربما قال: تبطل هاهنا لأن البطن الثاني يأخذ عن الواقف لا عن
البطن الأول، فقد بينا أنهم تصرفوا في حق الغير وكان باطلا.
فإذا ثبت هذا، فمن قال: لا تبطل، فللبطن الأول ما قابل مدتهم وللبطن
الثاني ما قابل مدتهم من الأجرة، فإن كان القدر الذي يخص البطن الثاني على
المستأجر أخذوه منه، وإن كان البطن الأول أخذوه رجعوا عليهم في تركتهم به،
ومن قال: تبطل، فهل تبطل في الثاني؟ قيل فيه قولان - مثل تفريق الصفقة -
أصحهما أنه لا يبطل في الجميع، الثاني يبطل.
فمن قال: يبطل في الجميع، كان للبطن الأول أجرة المثل لمدتهم، وكان
البطن الثاني بالخيار فيما بقي من المدة، فإن شاءوا أكروه إياه وإن شاءوا أكروه
من غيره، ومن قال: لا يبطل - وهو الصحيح -، فللبطن الأول ما قابل ذلك من
المسمى، والبطن الثاني بالخيار في حقهم على ما مضى.
41

إذا وقف على قوم وجعل النظر في الوقف إلى نفسه كان النظر إليه، وإن
جعله إلى غيره كان النظر إلى من جعله إليه، وإن أطلق ذلك قيل فيه وجهان بناء
على انتقال الملك: فمن قال: ينتقل الملك إلى الله، فالنظر إلى الحاكم في
الوقف، ومن قال: ينتقل إلى الموقوف عليه، فالنظر إليهم.
إذا وقف شاة كان صوفها ولبنها من منافعها، وهي للموقوف عليه.
الناس في الصدقة على ثلاثة أضرب: النبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته
عليه السلام وسائر الناس.
فأما النبي صلى الله عليه وآله فالصدقة المفروضة محرمة عليه، وكذلك
أهل بيته لقوله عليه أفضل الصلاة والسلام: إنا أهل البيت لا تحل لنا الصدقة،
وروي أنه عليه السلام رأى تمرة ملقاة فقال: لولا أني أخشى أن تكوني من تمر
الصدقة لأكلتك، وقال عليه السلام لفضل بن عباس لما طلب العمالة على
الصدقات: أما في خمس الخمس ما يغنيكم عن أوساخ الناس.
وأما صدقة التطوع فإن النبي صلى الله عليه وآله ما كان يقبلها، لأنه رد
صدقة سلمان، فلما حمل فيما بعد وقال: هذا هدية، قبلها وأكلها، وأكل من لحم
من تصدق على بريدة وقال: هو لها صدقة ولنا هدية، وهل كان للتحريم أو
للاستحباب؟ قيل فيه قولان أصحهما أنه على وجه الاستحباب.
فأما أهل بيته فالصدقة المفروضة محرمة عليهم من غيرهم عندنا، ولا يحرم
من بعضهم على بعض، والفقهاء يطلقون ذلك.
وأما صدقة التطوع فلا تحرم عليهم من غيرهم عندنا وعندهم: روي أن
الحسن عليه السلام أخذ تمرة من الصدقة المفروضة فأكلها فقال النبي صلى الله عليه وآله
: كخ كخ، يعني ارم بها.
وأما التطوع فحلال لهم بلا خلاف، روي أن جعفر بن محمد عليه السلام
كان يشرب من السقايات التي بين مكة والمدينة فقيل له في ذلك، فقال: إنما
حرمت علينا الصدقة المفروضة.
42

فإذا ثبت هذا فالمعني بأهل بيته بنو هاشم خاصة، وهم ولد أبي طالب
والعباس وأبي لهب وليس لهاشم عقب إلا من هؤلاء، وأضاف قوم من المخالفين
بني عبد المطلب وجميع ولد عبد مناف، وهم أربعة هاشم، والمطلب، ونوفل،
وعبد شمس، وكذلك قولهم في سهم ذي القربى، والصحيح الأول، لإجماع
الفرقة على ذلك.
فأما آل الرسول الذين نذكرهم في التشهد، فقد قيل: بنو هاشم وبنو
عبد المطلب، وقيل: هم المؤمنون كلهم، وآل الرجل أتباعه وأشياعه وأنصاره قال
الله تعالى: أدخلوا آل فرعون أشد العذاب، وعندنا أن آل النبي صلى الله عليه وآله
هم أهل بيته خاصة الذين هم ولده، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم
تطهيرا.
43

نزهة الناظر
فصل
[عدد الصدقات الواجبة]
يجب الصدقة بستة عشر شيئا:
زكاة الأموال التسعة، وهي: الحنطة والشعير والتمر والزبيب والإبل والبقر
والغنم والذهب والفضة، إذا حصلت شروط الزكاة.
والفطرة الواجبة على من كان عنده نصاب من الأموال التسعة المذكورة،
وهدي القارن، وهدي المتمتع، وهدي المصدود بالعدو عن الحج، وهدي
المحصور بالمرض عنه، ولقطة الحرم بعد تعريفها سنة، والكفارات الواجبة، وثمن
تراب الصياغة إذا لم يعرف صاحبه فإن عرفه وجب تسليمه إليه.
ودية رأس الميت إذا قطع بعد موته، ودية ما قطع من أعضائه، ودية
جرحه، وقيمة العبد إذا قتله مولاه تؤخذ منه ويتصدق، بها جاء به حديث عن أبي
عبد الله عليه السلام في سنده سهل بن زياد وهو ضعيف، ومحمد بن الحسن بن
شمون وهو غال، والمعتمد في ذلك إجماع الإمامية.
وإذا وطئ الإنسان ما يركب على ظهره، مما لا يقع عليه الزكاة في الأغلب،
كالفرس والبغل والحمار وما أشبه ذلك، وجب عليه التعزير وقيمته لمالكه،
وإخراج ذلك الحيوان إلى بلد آخر وبيعه وتصدق ثمنه - على ما ذكره الشيخ
45

المفيد في المقنعة وأبو جعفر الطوسي ومصنف الوسيلة في الوسيلة، ولم أقف في
التهذيب وغيره على حديث يتضمن تصدقه بثمنه. وقال الشيخ محمد بن إدريس:
ثمنه لمن غرم.
وإذا حلف الإنسان أو نذر أو عاهد الله تعالى أن يتصدق بشئ وجب عليه
أن يتصدق به إذا كان الأولى الصدقة به، فإن لم يكن كذلك فلم يجب عليه
ذلك.
والربا وغيره من المغصوب إذا علم الإنسان مقداره ولم يعلم صاحبه يجب
الصدقة به، فإن علم صاحبه رده إليه، وإن لم يعلم مقداره صالحه عليه، وإن لم
يعلم صاحبه ولا علم مقداره أخرج منه الخمس إلى مستحق الخمس وحل له
التصرف في الباقي.
فصل
[مواضع استحباب الصدقة]
يستحب الصدقة في ثمانية وعشرين موضعا:
الصدقة عن نوافل الليل ونوافل النهار عن كل ركعتين بمد لكل مسكين،
فإن لم يقدر على ذلك فمد لكل أربع ركعات، فإن لم يقدر فمد لصلاة الليل
ومد لصلاة النهار.
وزكاة مال التجارة على الصحيح من المذهب، وقال جماعة من أصحابنا
بوجوبها.
وزكاة ما يدخل المكيال والميزان من الحبوب إذا بلغ كل جنس النصاب
عدا الأجناس التسعة المتقدم ذكرها.
وزكاة مال الدين إذا كان تأخيره في ذمة المستدين من قبل من له الدين،
فإذا بذله المستدين وامتنع المدين من قبضه تعين له وكان أمانة في يد المستدين،
فإذا حال عليه الحول وجبت فيه الزكاة إذا حصلت شروط الزكاة وبلغ نصابا من
46

الذهب والفضة أو الإبل أو البقر أو الغنم خاصة.
وزكاة الخيل السائمة إذا حال عليها الحول: في العتيق ديناران وفي
البرذون دينار واحد.
وزكاة الحلي المحرم لبسه، مثل حلي النساء على الرجال وحلي الرجال
على النساء، والفطرة لمن لا يجد النصاب من الأموال التسعة، وزكاة المال
الغائب إذا لم يتمكن منه ومضى عليه حول أو أحوال يستحب له إذا عاد إليه أن
يزكيه لسنة واحدة.
وزكاة سبائك الذهب والفضة إذا كان قربها من النار قبل أن يحول عليهما
الحول وهما مضروبان دراهم ودنانير.
والصدقة بالضغث من الثمار يوم صرامها وجذاذها، والصدقة بالجفنة أو
الجفنتين من الغلات يوم حصادها، والصدقة عند صلاة الحاجة وهي ستون صاعا
على كل مسكين صاع، جاء به خبر صحيح في باب الأغسال المسنونة من
التهذيب.
والصدقة يوم الجمعة، والصدقة يوم عرفة، والصدقة يوم العيدين والصدقة
يوم الغدير، روي في التهذيب: إن الدرهم فيه بألف ألف درهم.
والصدقة بكفن الميت إذا كان فقيرا، والصدقة على المؤمن بما يتمكن من
أداء الواجب وفعل المندوب والتوسع على عياله، والصدقة عند المرض،
والصدقة عند خوف السلطان أو عدو، والصدقة عند الخروج إلى السفر،
والصدقة بالتمر إذا فرع من الحج وأراد الخروج من مكة يستحب له أن يشتري
بدرهم تمرا ويتصدق به، والأضحية والشاة إذا حلق رأسه، والشاة إذا أراد أن
يدخل البيت قبل أن يحلق بعد الإحلال من العمرة التي يتمتع بها إلى الحج على
أصح القولين، والشاة إذا نسي التقصير حتى يهل بالحج على أصح القولين.
والصدقة على السائلين على الأبواب، والصدقة بوزن شعر المولود ذهبا أو
فضة يوم السابع من ولادته، والعقيقة، وذهب المرتضى إلى وجوبها.
47

والصدقة على المكاتب، وقال الشيخ في مسائل الخلاف: إذا كاتب عبده
وكان السيد يجب عليه الزكاة، وجب عليه أن يعطيه شيئا من زكاته يحتسب به
من مال مكاتبته، وإن لم يكن ممن وجب عليه الزكاة كان ذلك مستحبا.
فصل
[مناسبات الصدقة في استحقاق الثواب]
يناسب الصدقة في استحقاق الثواب خمسة عشر شيئا:
النفقة على الفقير من ذوي رحمه قدر كفايته وكفاية عياله إذا لم يكن له
وارث غيره.
والوصية للمملوك الذي وطئ أمة في القبل وهي حامل به من غيره قبل أن
يمضي له أربعة أشهر وعشرة أيام إذا لم يعزل عنها.
والوليمة عند القدوم من الحج، والوليمة عند النكاح، فقد روي عن النبي
صلى الله عليه وآله أنه قال: إن من سنن المرسلين الإطعام عند التزويج.
والوليمة عند النفاس، والوليمة عند الختان، والوليمة عند شراء الدار،
والوصية للوالدين، والوصية لمن لا يرث من ذوي نسبه، والوصية للأجانب، ودية
النطفة وهي عشرة دنانير بالعزل عن زوجته الحرة العاقلة العفيفة يسلمها إليها على
أصح القولين، وقال جماعة من أصحابنا بوجوبها.
وإطعام الضيف، والهدية، والمكافاة على الهدية، والتوسع على العيال بما
زاد على النفقة الواجبة.
48

الدروس الشرعية
كتاب الوقف
وهو الصدقة الجارية، وثمرتها تحبيس الأصل وإطلاق المنفعة، والصريح
" وقفت " أما حبست وسبلت وحرمت وتصدقت، فيفتقر إلى القرينة كالتأبيد ونفي
البيع والهبة والإرث، وظاهرهم أن تصدقت وحرمت صيغة واحدة فلا تغني
الثانية فيها عن الأولى وتغني الأولى مع القرينة، ولو قال: جعلته وقفا أو صدقة
مؤبدة محرمة كفى.
وله شروط:
أحدها: أهلية الواقف، فلا ينفذ وقف غير المميز ولا المجنون المطبق ولا
الدائر جنونه إلا حال الإفاقة، ولو بلغ الصبي عشرا بصيرا ففي جواز وقفه قولان
حملا له على الصدقة، ولا السفيه والمفلس بعد الحجر ولا المكره.
ووقف المريض ماض من الثلث إذا لم يجزه الوارث، وكذا وصيته بالوقف
ولو قال: إذا مت أو إن مت فهو وقف، فالظاهر بطلانه لتعليقه، ولو قال: هو وقف
بعد مماتي، احتمل ذلك أيضا وأن يحمل على الوصية به، ولو جمع بين تنجيز
الوقف وغيره وقصر الثلث، بدأ بالأول فالأول عند الشيخ في المبسوط، وفي
المختلف يوزع لأنه قصد إعطاء الجميع بخلاف الوصية، ولو اشتبه في الوصية
الترتيب أقرع، وقال الشيخ: يقسم بين الجميع.
وثانيها: النية، فلا يقع من الغافل والنائم والسكران، ولو أخبر بعد الوقف
49

والإقباض بعدم النية لم يسمع منه، وفي اشتراط نية التقرب وجه فيرتب على
وقف الكافر، والأقرب صحته.
وثالثها: ملك الواقف، فلو وقف ملك غيره لم يصح وإن أجيز على قول،
ولو وقفه في مدة خياره صح، ولو كان للبائع خيار فالأقرب المراعاة، فإن استقر
البيع نفذ.
ورابعها: القبول المقارن للإيجاب إذا كان على من يمكن منه القبول، ويقبل
الولي عن المولى عليه مع الغبطة.
ولا يشترط القبول في الوقف على الفقراء لعدم إمكان القبول، ولا على
الجهات العامة كالمساجد والمشاهد، ولا يشترط قبول الحاكم فيها، ويلوح من
التذكرة اشتراطه.
فرع:
لو قال: جعلت هذا للمسجد، قال الفاضل: هذا تمليك لا وقف فيشترط فيه
قبول القيم، ويصح وكأنه أجراه مجرى الوصية للمسجد، إلا أنه لا يشترط في
الوصية هنا القبول.
وخامسها: التنجيز، فلو علق على شرط أو وصف بطل، إلا أن يكون واقعا
والواقف عالم بوقوعه كقوله: وقفت إن كان اليوم الجمعة.
وسادسها: الدوام، فلو قرن بمدة كان حبسا فيبطل بانقضائها، ولو وقفه على
من ينقرض غالبا جرى عليه، فإن لم ينقرض استمر وإن انقرض قيل: برجوعه إلى
الواقف أو وارثه حين انقراض الموقوف عليه كالولاء، ويحتمل إلى وارثه حين
موته ويسترسل فيه إلى أن يصادف الانقراض، وقيل: بل لورثة الموقوف عليه،
وقيل: يصرف في وجوه البر.
50

فروع:
الأول: لو قال: وقفت على أولادي ونسلهم فإن مات الأولاد ولا نسل فعلى
إخوتي وإن انقرض النسل فعلى الفقراء، فالأقرب إجراؤه على شرطه لعموم قول
العسكري عليه السلام: الوقوف على حسب ما يقفها أهلها، وربما احتمل بطلانه
على تقدير عدم انقراض النسل، لأنه لم يعلم تأبيده حال العقد، وهو بعيد لأن
المصحح صرفه إلى جهة تؤيده وإن لم تكن معلومة الوقوع، ومن ثم لو بقي
النسل أبدا صح الوقف عليهم.
الثاني: لو انقطع في أوله كالوقف على معدوم ثم على موجود، أو على عبده
ثم على المساكين فالبطلان قوي.
الثالث: لو انقطع في وسطه كالوقف على زيد ثم على عبده ثم على
المساكين احتمل الصحة في الطرفين، وصرف غلته في الوسط إلى الواقف أو
وارثه.
الرابع: لو انقطع في طرفيه فهو كمنقطع الأول في البطلان لأن انقطاع الأول
كما يبطل الوقف فكذا الحبس.
الخامس: لو وقف على ابنيه ثم على الفقراء فمات أحدهما، فالأقرب صرف
نصيبه إلى أخيه لأن شرط الصرف إلى الفقراء انقراضهما ولم يحصل، ويمكن
جعله منقطع الوسط فيكون نصيب الميت لأقرباء الواقف، ويمكن جعله للفقراء
عملا بالتوزيع.
السادس: لو حبسه على ابنيه ثم مات أحدهما، احتمل صرف نصيبه إلى
الحابس أو وارثه، ويحتمل صرفه إلى الآخر لأنه مصرف الحبس في الجملة.
السابع: لو وقفه على ولده سنة ثم على الفقراء، أو مدة حياة الواقف على
ولده ثم الفقراء صح، ونقل فيه الفاضل الإجماع لأنه وقف مؤبد في طرفيه
ووسطه.
الثامن: لو وقف على أولاده وشرط أن يكون غلته العام الأول لزيد والثاني
51

لعمر وهكذا وبعدهم على الفقراء، ففي العام الأول لعلمائهم وفي الثاني لزهادهم
وفي الثالث لشيوخهم، اتبع شرطه.
التاسع: لو وقف على ولده فإذا انقرضوا أو انقرض أولادهم فعلى المساكين،
فالأقرب عدم دخول أولادهم في الوقف، والنماء لأقرباء الواقف حتى ينقرضوا،
وقال الشيخ: بدخولهم، إما لشمول لفظ الولد للنافلة كقول المفيد وجماعة، وإما
لقرينة الحال وهو قوي.
درس [1]:
وسابعها: الإقباض، فلو مات قبله بطل وقبض الواقف على أطفاله كاف،
وكذا الجد والوصي، وألحق ابن الجنيد البنت الأيم بالطفل، ويقبض الحاكم في
الجهات العامة.
ولا بد في الوقف على الفقراء ونحوهم من نصب قيم، والأقرب أنه لا يشترط
فيه إذن الحاكم، فلو نصبه الواقف جاز.
ولو كان الواقف فقيرا فالأقرب دخوله في الوقف، وحينئذ هل يجوز كونه
قابضا إما بإذن الحاكم أولا باذنه؟ نظر، ولو كان للجهة ناظر شرعي قبض بغير
إذن الحاكم.
والقبض في المسجد الصلاة، وفي المقبرة الدفن، والأقرب الاكتفاء بقبض
الحاكم فيهما.
ولا يشترط في القبض الفورية، ولا بد فيه من إذن الواقف، وقال الحلبي: إذا
أشهد على نفسه ومات قبل القبض وكان على مسجد أو مصلحة صح، وإن كان
على من يصح قبضه أو قبض وليه فهي وصية.
وقال ابن حمزة: إذا جعل الواقف النظر لنفسه مدة حياته لم يشترط
القبض، ورواية عبيد بن زرارة مصرحة بأن الموت قبل القبض يبطله، وفي
الخلاف القبض شرط في لزومه.
52

وثامنها: إخراجه عن نفسه، فلو وقف على نفسه بطل ولو عقبها بالفقراء فهو
منقطع الابتداء، ولو وقف على نفسه والفقراء احتمل صحة النصف وثلاثة
الأرباع والبطلان رأسا، ولو شرط قضاء ديونه منه أو إدرار نفقته بطل.
ولو شرط عوده إليه عند حاجته فالمروي اتباع شرطه، فيحتمل تفسيرها
بقصور ماله عن سنة وعن يوم وبسؤال غيره، فلو احتاج عاد، ولو مات قبله ورث
عنه، ولو شرط أن له الخيار في نقضه متى شاء أو في مدة معينة بطل الوقف، ولو
وقف على قبيل وهو منهم فالظاهر أنه يشارك، وأولى بالمشاركة ما إذا تجددت
الصفة فيه، كما لو وقف غني على الفقراء ثم افتقر.
ولو شرط أكل أهله منه صح الشرط، لأن النبي صلى الله عليه وآله شرط
ذلك في وقفه، وشرطته فاطمة عليه السلام، ولا يضر كونهم واجبي النفقة،
فتسقط نفقتهم إن اكتفوا به.
ولو شرط أكل الزوجة ففيه نظر، من عود النفع إليه ومن توهم بقاء نفقتها
كما لو وقف عليها، وجوز ابن الجنيد اشتراط الواقف أكله منه.
وتاسعها: تعلق الوقف بعين معينة، فلو وقف منفعة أو دينا أو مبهما كعبد من
عبيده بطل.
ويشترط فيها صحة الانتفاع المحلل باقية، فلو وقف ما لا نفع فيه أو كان
الانتفاع به محرما بطل، وكذا لو كان الانتفاع بها موقوفا على ذهاب العين
كالخبز والفاكهة، وهل يشترط دوام المنفعة بدوام العين حتى لا يصح وقف
الرياحين التي لا تبقى؟ نظر، نعم لا يشترط كون العين مما تبقى مؤبدا، فيصح
وقف العبد والثوب.
ويشترط فيها صحة التملك بالنظر إلى الواقف، فيصح من الكافر وقف
الخنزير على مثله، ولا يصح وقف الحر ولو أذن أو كان هو الواقف لنفسه، ولو
وقف الآبق وتعذر تسليمه بطل، ولو وقف أم الولد فالأقرب البطلان لتشبثها
بالحرية ووجه الصحة بقاء الملك فيها، ويحتمل أن الوقف لا ينتقل إلى ملك
53

الموقوف عليه وحينئذ لا يبطل حقها من العتق بموت المولى بل يجري على
الوقف إلى حين موته، ولو مات ولدها تأبد وقفها.
ويصح وقف الدراهم والدنانير إن كان لها منفعة حكمية مع بقاء عينها
كالتحلي بها، ونقل في المبسوط الإجماع على المنع من وقفها إلا ممن شذ.
ووقف المشاع جائز، وقبضه بإذن الواقف والشريك.
وعاشرها: أن يكون هناك موقوف عليه، فلو قال: هذا وقف أو صدقة موقوفة
أو محرمة، ولم يعين مصرفها بطل، قاله الشيخ، وقال ابن الجنيد: إذا قال: صدقة
لله ولم يسم، صرف في مستحقي الزكاة.
ويشترط كون الموقوف عليه موجودا، فلو وقف على معدوم بطل، ولو
شرك بينه وبين الموجود أمكن صرف النصف إلى الموجود.
وكونه ممن يصح تملكه، فلو وقف على الجماد أو الدابة بطل، وكذا لو
وقف على الملك أو الجن أو العبد ولو كان متشبثا بالحرية ما لم يتحرر منه شئ
فيصح في قدره.
ولو وقف على المساجد والمشاهد صح، لأنه في الحقيقة وقف على
المسلمين وإن تخصص ببعض مصالحهم.
ولو وقف على الحمل فالظاهر البطلان لأنه لم يثبت تملكه ابتداء إلا في
الوصية ولعدم القطع بحياته، والفرق بين الوقف والوصية أنه تسليط في الحال
وهي جائزة في المستقبل، وهذا الشرط إنما هو في مصدر الوقف ابتداء لا في دوامه
فإن الوقف على الموجود وبعده على من سيوجد جائز، وكذلك القبض والقبول
شرط في البطن الأول خاصة.
وكونه معينا، فلو وقف على رجل من بني آدم أو على أحد هذين أو أحد
المشهدين بطل.
ولا يشترط انحصاره، لجواز الوقف على الفقراء والمسلمين، ولو وقف على
قريش وتميم صح ويصرف إلى من علم نسبه، ومنعه ابن حمزة، ونقله الشيخ في
54

المبسوط.
وكونه ممن يصح الوقف عليه، فلو وقف على الزناة أو المحاربين بطل، و
كذا لو وقف على كتابة التوراة والإنجيل بطل، أو على عمارة بيعة أو كنيسة أو
بيت نار، ولو وقفه الذمي جاز لإقراره على معتقده، وقال ابن الجنيد: يصرف
الوقف على بيت النار والصنم وقرابين الشمس والكواكب مع ظفر المسلمين به
إلى مصرف سهم الله في الغنائم، وأبطل الفاضل الوقف على بيت النار مطلقا،
ولو وقف على قوم عصاة ولم يقصد معونتهم على المعصية صح.
درس [2]:
يجب اتباع شرط الواقف إذا كان سائغا، فلو شرط النظر لنفسه أو لغيره
صح، ولا يجب على الغير القبول ولو قبل لم يجب عليه الاستمرار لأنه في معنى
التوكيل، ولو أقر أن الولاية لغيره لم ينفذ إقراره ويضمن انعزاله، وإذا بطل نظره
فالحاكم، ويحتمل أن يصير كالوقف المطلق في أن نظره إلى الموقوف عليه،
وفي الجهات العامة الحاكم واحتمل بعضهم أن يكون النظر للحاكم عند الإطلاق
في الوقوف كلها لتعلق حق البطون المتعاقبة به، وأن يكون للواقف لأن النظر
والملك كانا له فإذا زال أحدهما بقي الآخر ويشترط في الناظر العدالة، فإن فسق
عزل.
ولو شرط دخول ولده المتجدد مع الموقوف عليهم أو اتصافهم بصفة
كالعلم أو تفاوتهم في النصيب جاز، ولو شرط نقله عن الموقوف عليهم إلى من
سيوجد فالأقرب جوازه، وليس له إدخال غيرهم معهم وإن كانوا أطفاله على
الأصح، ولا إخراج من يريد ولو شرطه في العقد بطل.
ولو شرط أن له كلما شرطه الواقفون في وقفهم أو يشرطونه بطل للجهالة،
وعن بعض العلماء جوازه، وكأنه يحمله على الشروط السائغة بأسرها، ولو إنه
صرح بذلك فالظاهر البطلان لعدم انحصارها.
55

ولو شرط أن لا يؤجر من متغلب أو مماطل أولا يؤجر أزيد من عام مثلا أو
لا يوقع عليه عقد حتى تنقضي مدة الأول أولا يسلم حتى يقبض الأجرة ونحو
ذلك أتبع، ولو شرط بيعه متى شاء أو هبته أو نقله بوجه من وجوه التمليك
بطل.
والوقف على المسلمين يتناول من اعتقد الصلاة إلى القبلة وإن لم يصل،
لا مستحلا، ويظهر من المفيد اشتراط فعل الصلاة، وأخرج الحلبي في ظاهر كلامه
غير المؤمن، وبه صرح ابن إدريس لقرينة الحال إذا كان الواقف مؤمنا محقا، أما
الغلاة والخوارج والنواصب فيخرجون إلا أن يكون الواقف منهم، وقيل يخرج
المجبرة والمشبهة أيضا.
والرجوع إلى اعتقاد الواقف قوي، وإن كان خاليا عن الاعتقاد بنى على
تحقق الإسلام والكفر - وهو في علم الكلام -.
ويدخل الطفل والمجنون اللذان بحكم المسلم، والذكور والإناث.
والمؤمنون، والإمامية واحد وهم القائلون بإمامة الاثني عشر وعصمتهم عليه السلام
والمعتقدون لها - وقيل يشترط اجتناب الكبائر وهو مبني على أن العمل
ثلث الإيمان كما هو مأثور عن السلف ومروي في الأخبار.
والشيعة من شايع عليا عليه السلام في الإمامة بغير فصل، وقد جعلهم ابن
نوبخت هم المسلمين وكمل منهم الفرق الثلاث والسبعين، وابن إدريس صرفه
إلى قبيل الواقف لقرينة الحال.
والزيدية - من قال بإمامة زيد بن علي عليه السلام، ولو عني به النسب فمن
يمت به.
والشافعية وشبههم من دان بذلك الرأي فلا يحل نماء الوقف على غيرهم.
والمنسوبون إلى أب كالهاشمية والعلوية يشترط فيهم وصلتهم بالأب فيسقط
المتصل بالأم وحدها على الأقرب ويدخل الذكور والإناث في ذلك كله.
والجيران من يلي دار الواقف إلى أربعين ذراعا، وقيل أربعون دارا، وجمع
56

بينهما الراوندي بصغر الدور، وفي دخول من هو على رأس الأربعين تردد مبني
على دخول المغيا، وصرح القاضي بدخوله وهو قوي.
والعشيرة - الذرية والخاص من قومه - وقال ابن زهرة: الذرية لا غير.
والعترة - الأخص من قرابته -، وهم أخص من العشيرة وأعم من الذرية،
وقال الشيخان: الأقرب نسبا.
والقوم - أهل لغة الواقف - من الذكور خاصة عندهما، وسلار لم يخص
الذكور، وابن إدريس: هم ذكور أهله وعشيرته.
وسبيل الله - كل قربة - وقال ابن حمزة: هو الجهاد، وفي الخلاف يصرف
في مطوعة الغزاة وفي الحج والعمرة، وفي المبسوط سبيل الله - الغزاة والحج
والعمرة -، وسبيل الثواب - الفقراء والمساكين -.
ويبدأ بأقاربه وسبيل الخير الفقراء والمساكين وابن السبيل، والغارمون
لمصلحتهم والمكاتبون، ثم قال: ولو قيل بتداخلها لكان قويا وهو الأصح إلا مع
معرفة قصد الواقف.
درس [3]:
لو جعل مال الوقف بعد أولاده أو غيرهم إلى الفقراء عم، وقال ابن الجنيد:
يخص به فقراء أقاربه فإن فقدوا فغيرهم، ولعله أراد الأفضلية.
ولو وقف على مواليه وكان له أحد المعنيين صرف إليه، وإن اجتمعا
فالمشهور صرفه إليهما، وقيل: يبطل بناء على منع إعمال المشترك في معنييه،
ولو كان بلفظ المفرد فوجهان مرتبان وأولى بالبطلان.
ولو وقف على مستحقي الخمس فهم بنو هاشم، وفي النهاية لولد أبي طالب
والعباس ولم نقف على وجهه، ويدخل في أنساله أولاد البنين والبنات، والذكر
كالأنثى على الأظهر، وقال ابن الجنيد: كالميراث وهو حسن إن قال: على كتاب
الله، ولو قال: على من انتسب إلي، اشترط فيه الاتصال بالذكور.
57

ولو وقف على الأقرب إليه نزل على الإرث، ولو وقف على أولاده ثم
الأقرب إليه فاجتمع إخوة متفرقون بعد أولاده فالظاهر اشتراكهم، وقال الشيخ:
ينفرد به الأشقاء خاصة، ويحتمل خروج كلالة الأب خاصة كالميراث.
ولو وقف المسلم على الفقراء فهو لفقراء المسلمين، والكافر لفقراء نحلته،
ويفرق في فقراء بلد الوقف ومن حضره ولا يجب تتبع الغائب ولو تتبعه جاز،
ولا ضمان في الأقرب بخلاف الزكاة، والفرق أن الفقراء فيها لبيان المصرف
بخلاف الوقف، ولا يجزئ أقل من ثلاثة مراعاة لأقل الجمع، ولا تجب التسوية
بخلاف المنحصرين.
وفي وقف المسلم على الكافر أقوال أقربها الجواز على الذمي رحما كان أو
لا، وخصه الشيخان بالرحم، وربما خصه ابن إدريس بالوالدين لقوله تعالى:
" وصاحبهما في الدنيا معروفا ".
والفرق بين الوقف على الذمة وعلى بيعهم تمحض الوقف على المعصية في
البيعة، بخلاف أهل الذمة حتى لو وقف عليهم لكونهم ذمة بطل، ولو وقف على
خادم البيعة لكونه خادما بطل وإلا صح، ولا يصح على المرتد عن فطرة لعدم
ملكه ولا على الحربي لإباحة ماله، ويجوز الوقف من الحربي لا من المرتد إلا أن
يكون عن غير فطرة ثم يسلم.
ولو شرط في الوقف ترتيبا أو تفضيلا أتبع، ولفظة " الواو " تقتضي
التشريك ولفظة " الفاء " و " ثم " للترتيب وكذا الأعلى فالأعلى والأقارب لمن
يعرف بنسبه من الذكور والإناث بالسوية، والأعمام والأخوال سواء على الأصح.
ولو وقف على البر أو في البر فهو كل قربة.
ولو وقف على الفقهاء وقصد المجتهدين أو من حصل طرفا من الفقه
فذاك، وإن أطلق حمل على الثاني، والمتفقهة - الطلبة في الابتداء أو التوسط أو
الانتهاء ما داموا مشتغلين بالتحصيل - والصوفية المشتغلون بالعبادة المعرضون
عن الدنيا، والأقرب اشتراط الفقر والعدالة فيهم لتحقق المعنى المقتضي للفضيلة،
58

وأولى منه اشتراط أن لا يخرجوا عن الشريعة الحقة.
وفي اشتراط ترك الحرفة تردد، ويحتمل استثناء التوريق والخياطة وما
يمكن فعلها في الرباط، ولا يشترط سكنى الرباط ولا لبس الخرقة من شيخ ولا زي
مخصوص، والوقف على الشبان والكهول والشيوخ يرجع إلى العرف، ولو
وقف على مصلحة فبطل رسمها صرف في وجوه البر.
ولو وقف على أمهات أولاده في حياته بطل، ولو جعله على وجه يصادف
عتقهن صح، ولو شرط عدم تزويجهن أتبع فلو طلقت ففي عودها إلى الوقف
تردد من خروجها عن الشرط ومن صدق الوصف وزوال المانع، وقيل: لو قال:
عليهن إلا من تزوج منهن، فتزوجت سقط حقها بالكلية، لأن الاستثناء إخراج
والأصل عدم العود، وكذا لو شرط في بناته، وربما فرق بأن الغرض فيهن
الاكتفاء، وفي الإماء الوفاء فإذا تزوجن لم يعين له، ويدخل الخنثى في المنسوبين
إلى أب كالهاشمية أو بني هاشم أو قال على أولادي ولو وقف على البنين أو
البنات فالأقرب القرعة هنا لأنها في نفس الأمر من أحد الصنفين.
ولو شرط المدرسة لطائفة معينة أو علم معين أتبع إذا كان مباحا، وكذا
يجوز التخصيص في المقبرة، وفي جواز التخصيص في المسجد نظر، من خبر
العسكري عليه السلام ومن أنه كالتحرير فلا يتصور فيه التخصيص، وإن أبطلنا
التخصيص ففي بطلان الوقف نظر من حصول صيغته ولغو الشرط ومن عدم
القصد إلى غير المخصص.
ولو وقف على مستحق الزكاة فرق في الثمانية وجوبا على قول، فيعطى
الفقير والمسكين مؤنة سنتهما، والغارم دينه، والمكاتب نجومه، وابن السبيل مبلغة
أهله، والغازي ما يتأهب به، وقيل: يعطي الفقير والمسكين غناهما، وقيل: يجوز
تخصيص بعض الأصناف بالجميع، وأنه لا يجب على القابض صرفه في الجهة
التي يستحق بها.
ولو فضل الوقف على مسجد عنه، صرف في مسجد آخر، وفي المشهد نظر
59

من أنه في معنى المسجد ومن توهم الاختصاص بأهله وزائريه.
درس [4]:
الوقف إذا تم لم يجز الرجوع فيه سواء حكم به حاكم أو لا، وينتقل إلى
ملك الموقوف عليه على الأقرب استدلالا بالمعلول على العلة، وظاهر الحلبي أنه
يبقى على ملك الواقف لقوله صلى الله عليه وآله: حبس الأصل وسبل الثمرة،
ونقل ابن إدريس أنه ينتقل إلى الله تعالى.
أما الجهات العامة فالظاهر أن الملك لله تعالى لامتناع إضافته إلى المسجد
والرباط، ولو قيل: بانتقاله إلى المسلمين أمكن لأنه في الحقيقة وقف عليهم، أما
جعل البقعة مسجدا فهو فك ملك كالتحرير لا يحتاج فيه إلى مالك، ويمكن
القول بانتقاله إلى المسلمين.
ولا خلاف في ملك الموقوف عليه المنافع، كالصوف واللبن وعوض
البضع وأجرة الدابة وشبهها، ويدخل الصوف والشعر وأغصان الشجر واللبن في
الضرع في الانتفاع وإن كانت موجودة حال العقد، كما يدخل في البيع، أما
الثمرة على الشجرة فلا وإن كان نخلا لم يؤبر.
ولو أعتق الموقوف عليه الأمة بطل ولو قلنا بملكه، لما فيه من إبطال حق
الموقوف عليهم.
ولو أعتق الشريك حصته صح، وفي السراية إلى الوقف وجهان مبنيان
على المالك، فإن قلنا هو الله تعالى أو الواقف فلا سراية، وإن جعلناه الموقوف
عليه فالأقرب عدم السراية لأنه لا ينفذ فيه مباشرة وهو أقوى من السراية، وأفاد
المحقق لزوم السراية على هذا القول لقوتها على المباشرة لتوقفها على حصر
الملك في المعتق، بخلاف السراية فإنها افتكاك محض فحينئذ يكون بمثابة
إتلاف الحصة فيغرم قيمتها للموقوف عليه، وفي شراء حصة من عبد يكون وقفا أو
اختصاص البطن الموجود بها وجهان، وكذا لو قتل الموقوف.
60

ونفقة الموقوف على أرباب الوقف إن قلنا بالملك وإلا ففي كسبه، فإن
تعذر فعليهم.
ولو عتق لعارض زال ملكه ووقفه ونفقته، ولو جنى عليه في الطرف عمدا
فلهم القصاص مع المكافاة والعفو على مال، وإن كان خطأ فلهم المال وفي
مصرفه الوجهان، ولو جنى عليه فاقتص منه بطل الوقف، وإن كان طرفا فباقيه
وقف، ولو كان خطأ تعلقت بكسبه لأن المولى لا يعقل عبدا ولا يتوقع عتقه غالبا
ولا تهدر الجناية ولا سبيل إلى رقه.
ولو لم يكن ذا كسب فالتعلق برقبته قوي كما لو استحق قتله.
ولو خرب المسجد لم تعد عرصته إلى الواقف طلقا، وكذا لو خربت القرية،
وقياسه على عود الكفن إلى الورثة عند اليأس من الميت باطل، لأن الكفن كان
ملك الوارث وإن وجب صرفه في التكفين، والجامع باستغناء المسجد عن
المصلين كاستغناء الميت عن الكفن فاسد، لأن اليأس حاصل في الميت بخلاف
المسجد لرجاء عمارة القرية وصلاة المارة، وكذا لا تخرج الدار بانهدامها عن
الوقف فتبقى عرصتها وآلاتها وقفا، ولا يجوز بيع الوقف إلا إذا خيف من خرابه أو
خلف أربابه المؤدي إلى فساد، وجوز المفيد بيعه إذا كان أنفع من بقائه،
والمرتضى إذا دعتهم حاجة شديدة، والصدوق وابن البراج جوزا بيع غير
المؤبد، وسد ابن إدريس الباب وهو نادر مع قوته والمسألة مستوفاة في شرح
الإرشاد.
ولا يجوز تغيير شرط الواقف ما أمكن، وقال المفيد: لو أحدث الموقوف
عليهم ما يمنع الشرع من معونتهم أو يكون تغيير الشرط أدر على الموقوف عليهم
جاز تغييره، ولو شرط الواقف بيعه عند حاجتهم أو وقوع الفتنة بينهم فأولى
بالجواز، وفي شراء بدله في هذه المواضع نظر من أنه أقرب إلى التأبيد وهو خيرة
ابن الجنيد، ومن زوال المتعلق وهو قول الشيخ.
ولو انقلعت نخلة أو انكسرت وأمكن إجارتها وجب وإلا بيعت، وكذا لو
61

خلق حصير المسجد أو انكسر جذعه وتعذر الانتفاع به فيه أو في غيره.
ويجوز للموقوف عليه تزويج الأمة الموقوفة بناء على ملكه، ولو قلنا الملك
لله قال الشيخ: تزوج نفسها، ويحتمل الحاكم، وولد الموقوفة المملوك وقف
عند الشيخ وابن الجنيد كولد الأضحية والمدبرة، وقيل: بل طلق للبطن الذي
وجد في زمانهم لأنه كثمرة الشجرة، ولو وطئت لشبهة فعلى الواطئ قيمة الولد
وفي مصرفها القولان، والواقف كالأجنبي على الأصح، ولو وطئها الموقوف عليه
فعل حراما لعدم اختصاصه بالملك، وعليه ما عدا نصيبه من العقر للشركاء وكذا
من قيمة الولد، ولو لم يكن سواه فلا شئ عليه، والظاهر أنه لا حد عليه وإن انتفت
الشبهة، ولو قلنا بأن الملك لله تعالى أو أنها باقية على ملك الواقف أمكن الحد،
أما التعزير مع العلم فلا ريب فيه، وفي نفوذ الاستيلاد هنا نظر من عدم تمامية
الملك وأدائه إلى إبطال الوقف، ومن البناء على الملك وعلى القول به في لزوم
القيمة في تركته نظر من تعلق حق باقي البطون ومن البناء على أن بدل الوقف
للبطن الأول، فكيف يعزر لنفسه؟ إلا أن يقال: الغرم إنما يتحقق بعد موته ولا
ملك له حينئذ وهذا قوي.
ولو شرط رقية ولد الحر في العقد فكالولد المملوك، ولا يكون صدور
الشرط من هذا البطن مخصصا لهم تملكه إلا على القول بأنه كالنماء.
ولو مات البطن الأول ومدة الإجارة باقية فالأقرب البطلان، لأنا بينا عدم
مصادفة ملك المؤجر، أما لو كان العقد صادرا من الناظر فالأقرب بقاؤه،
ولا عبرة بموت الناظر أيضا، ولو ظهر في الإجارة غبن فالأقرب الفسخ، ولو ظهر
من يزيد بعد العقد فلا فسخ.
تتمة:
في العمرى وتوابعها واشتقاقها من العمر، ويعبر عنها بالرقبى من الارتقاب،
أو رقبة الملك.
62

فإن قال: أسكنتك، ولم يعين عمرا ولا مدة فهي سكنى، وإن عين مدة قيل:
هي رقبى، ولو قال: أعمرتكها مدة عمرك أو عمري، أتبع، فلو مات المتعلق
بعمره بطلت، وإن مات الآخر لم تبطل فيسكن وارثه لو علقت بموت المالك،
ويجب على الوارث إقراره لو علقت بموت الساكن سواء خرجت العين من الثلث
أو لا عند المتأخرين، وقال ابن الجنيد: يعتبر خروجها من الثلث لرواية خالد بن
نافع عن الصادق عليه السلام وفي متنها اضطراب.
وفي تقويم العين إشكال لعدم انتقالها إلى المعمر، ولو قال: أعمرتك،
وأطلق بطل لجهالة صرفه إلى عمر أحدهما، وإن قال: هي لك عمرك ولعقبك،
لم يملكها المعمر بل ترجع بعد موت العقب إلى المالك، وظاهر الشيخ عدم
رجوعها لخبر جابر عن النبي صلى الله عليه وآله.
ولا بد من الإيجاب والقبول والقبض فيلزم معها على الأقوى وإن لم يقصد
القربة، نعم لو لم يعين عمرا ولا مدة كان له إخراجه متى شاء.
ولو باع المالك العين كان فسخا للسكنى لا للرقبى والعمرى، ويتخير
المشتري في فسخ البيع وإجازته مع جهله، وقيل: يبطل بيع المعلقة بالعمر
للجهالة، والأول مروي عن الحسين بن نعيم عن الكاظم عليه السلام.
ويصح إعمار كلما صح وقفه وللمسكن أن يسكن بنفسه وأهله وولده
وضيفه، وليس له إسكان غيره إلا بإذن المالك وكذا ليس له الإجارة إلا باذنه،
وجوزهما ابن إدريس مع الإطلاق بناء على ملك المنفعة، والشيخ صرح بملكها
مع قوله بالمنع من إسكان غيره.
ويجوز حبس الفرس والبعير في سبيل الله، والمملوك في خدمة بيوت
العبادة، ويخرج ذلك عن الملك بالعقد، بخلاف الحبس على الإنسان فإنه
يعود إلى الحابس أو وارثه بعد انقضاء مدة الحبس.
63

كتاب الصدقة
وهي العطية المتبرع بها بالأصالة من غير نصاب للقربة، قال الله تعالى: وما
تنفقوا من خير يوف إليكم، وقال النبي صلى الله عليه وآله: الصدقة تدفع ميتة
السوء، وقال عليه السلام: إن الله ليدفع بالصدقة الداء والدبيلة والحرق والغرق
والهدم والجنون إلى أن عد سبعين بابا من السوء، وقال الصادق عليه السلام:
المعروف شئ سوى الزكاة فتقربوا إلى الله بالبر وصلة الرحم، وقال علي عليه السلام
: كانوا يرون أن الصدقة يدفع بها عن الرجل الظلوم، وقال الباقر عليه السلام
: صنائع المعروف تدفع مصارع السوء، وقال النبي صلى الله عليه وآله:
الصدقة بعشرة والقرض بثمانية عشر وصلة الإخوان بعشرين وصلة الرحم بأربعة
وعشرين، وقال الصادق عليه السلام: داووا مرضاكم بالصدقة وادفعوا البلاء
بالدعاء واستنزلوا الرزق بالصدقة، وهي تقع في يد الرب قبل أن تقع في يد
العبد.
ويستحب للمريض أن يعطي السائل بيده ويؤمر بالدعاء له، والصدقة عن
الولد ويستحب بيده، والتبكير بالصدقة لدفع شر يومه، وكذا في أول الليل
للحاضر والمسافر. ويكره رد السائل ولو كان على فرس وخصوصا ليلا، وثواب
إطعام الهوام والحيتان عظيم. والصدقة تقضي الدين وتخلف بالبركة وتزيد
المال، وأن التوسعة على العيال من أعظم الصدقات، ويستحب زيادة الوقود لهم
65

في الشتاء.
وتجوز على الذمي وإن كان أجنبيا، وعلى المخالف إلا الناصب، ومنع
الحسن من الصدقة على غير الذمي ولو كانت ندبا، وفي رواية في المجهول حاله
أعط من وقعت له الرحمة في قلبك، وأكثر ما يعطي ثلثا درهم، وإعطاء السائل
ولو ظلفا محترفا أو تمرة أو شقها وإكثارها أفضل، ولو كثر السؤال أعطى ثلاثة
وتخير في الزائد، وليؤمر السائل بالدعاء ولو كان كافرا، والوكيل في الصدقة
أحد المتصدقين ولو تعدد.
وأفضل الصدقة جهد المقل وهو الإيثار، وروي أفضل الصدقة عن ظهر
غنى، والجمع بينهما أن الإيثار على نفسه مستحب بخلافه على عياله. ويستحب
الصدقة بالمحبوب وتكره بالخبيث، والضيافة من أفضل الصدقة، وكذا سقي
الماء، والحج عن الميت وخصوصا الرحم، وبذل الجاه، والكلمة اللينة، والصدقة
على الرحم والعلماء والأموات وذرية رسول الله صلى الله عليه وآله ليكافئه
ويشفع له، وإنظار المعسر، والإهداء إلى الإخوان، والبدأة بها قبل السؤال،
وتعجيلها وتصغيرها وسترها، ويجب شكر المنعم بها ويحرم كفرانها.
ويكره أن يتصدق بجميع ماله إلا مع وثوقه بالصبر ولا عيال له، وصدقة
المديون بالمجحف، والصدقة مع التضرر بها والمن بها، والسؤال لغير الله، فمن
فتح باب مسألة فتح الله عليه باب فقر، وقال زين العابدين عليه السلام: من سأل
من غير حاجة اضطر إلى السؤال من حاجة، وإظهار الحاجة وشكاية الفقر، ولو
اضطر إلى المسألة فلا كراهة.
وتملك بالإيجاب والقبول والقبض وإن كان بالفعل، ولا بد فيها من نية
القربة، ولا يصح الرجوع فيها بعد القبض لرحم كانت أو لأجنبي، وجوز الشيخ
الرجوع فيها وهو بعيد. والصدقة سرا أفضل، إلا أن يتهم بترك المواساة أو يقصد
اقتداء غيره به، أما الواجبة فإظهارها أفضل مطلقا.
66

المسائل لابن طي
المقصد الثاني: في الوقف:
وفيه مسائل:
مسألة [1]: يصح الوقف على الذمي ويصح أن يقف هو، وكذا يصح وقف
الحربي ولا يصح الوقف عليه، وكذا لا يصح الوقف على المرتد إن كان عن
فطرة، أما لو كان عن ملة فإنه يصح الوقف عليه ولا يصح وقفهما.
مسألة [2]: لو وقف وقفا منقطع الوسط يصح على الأول وفي المدة التي
على الوسط يكون النماء للواقف أو ورثته وبعدهم إن كانوا ممن ينقرض البطن
الثالث.
مسألة [3]: لو وقف كتابا فله أن يصلحه ويحشيه سواء كان هو الواقف أو
غيره، ويكون هذا لمن وقف أرضا ثم غرس فيها غرسا فقد زادها خيرا.
مسألة [4]: قوله: ولو قال: أعمرتك هذه الدار لك ولعقبك، كان عمري
ولم ينتقل إلى المعمر، وكان كما لو لم العقب وجهه الاقتصار على مدلول اللفظ،
وإصالة بقاء الملك على مالكه المقتضي لدفع سلطنة الغير، ويحتمل ضعيفا أن
يملكها المعمر لأنها في معنى الوقف ولإجراء الإرث فيها فأشبهت الملك.
67

وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وآله من طريق الجمهور ما يدل على ذلك
أيضا، وهو اختيار جماعة منهم، بمعنى أنها ترجع إلى المعمر لأنه لم يقيدها بمدة
ولا عمر، فكان كالإسكان المطلق فله إخراجه متى شاء وهو الأشبه.
مسألة [5]: يصح لو قال: أعمرتك أو أسكنتك لزم وإن لم يقبل، وقيل: في
السكنى لا بد من إيجاب وقبول وقبض ونية التقرب في الثواب لا في الصحة.
مسألة [6]: هل الوقف والوصايا على الأقارب يشترك فيها المتقرب بالسبب
مع المتقرب بالسببين أو كالميراث الظاهر؟ نعم يشترك الجميع، أما لو قال
للوارث: ترتبوا، ترتب الإرث.
مسألة [7]: لو أعمر في مرض الموت داره مدة عمره، وقيل: بقلبه ولم ينطق
بلسانه، وقيل: بعد الوفاة صحت السكنى والحال هذه.
مسألة [8]: السكنى يلزم مع اقترانها بعمر أو أمد.
مسألة [9]: إذا وقف على مواليه دخل الأعلى والأسفل، وقيل: يبطل.
مسألة [10]: إذا وقف الإنسان كتبا على المؤمنين وجعل له فيها النظر
للمصلحة مدة حياته، فإذا حصل في يد بعض المؤمنين ما في يده من الكتب
كتاب، فهل له نزعه من يده وإعطاؤه لغيره؟ وهل إذا التمس بعض المشتغلين
أخذ بعض ما في يده من الكتب ليقرأ فيه له منعه ويعصي بمنعه أم لا؟
الجواب: إذا لم يكن يقرأ فيه قال: نعم يجوز نزعه إذا كان فيه مصلحة وإلا
فلا، ويجب عليه بذل ما في يده والحال هذه.
68

مسألة [11]: قال: إذا كان الوقف منقطع صح ويكون حبسا على الأول
الوسط والنماء للواقف.
مسألة [12]: لو كان نصيب وقف على المؤمنين، والنصيب الآخر لشخص
وهو غائب، هل يجوز تناول شئ من ذلك النصيب الوقف؟ قال: لا يجوز مع
الإشاعة إلا بعد القسمة وقبلها لا يجوز، ويقسم عن الغائب الحاكم، وإن تعذر
فبعض المؤمنين الفقهاء.
مسألة [13]: إذا اشتبهت الصدقة على مشهد أو مسجد، قال: يقرع.
مسألة [14]: العقار الموقوف، قبضه الإذن في التصرف فيه.
مسألة [15]: لو أتلف إنسان العين الموقوفة في موضع الضمان يلزمه القيمة
يشتري بها شيئا يكون وقفا من جنس المتلف إن أمكن وإلا فغيره.
مسألة [16]: إذا وقف شئ على مجلس فلان مثلا، انصرف إلى كل موضع
يجلس فيه للتدريس إذا أريد الاجتماع، وإن خصص بقعة بعينها لا يتعداها.
مسألة [17]: إذا وقف الإنسان شيئا على المؤمنين أو المسلمين جاز أن
يشركهم وأي كان من الفريقين قبض صح والقبض فيه كالبيع.
مسألة [18]: إذا وقف على أولاده الأصاغر، قال: لم يجز له أن يشرك معهم
غيرهم، وإذا وقف عبدا كانت نفقته على الموقوف عليهم سواء كان له كسب أو
لا.
69

مسألة [19]: لا يثبت الوقف بشاهد ويمين إذا كان على المصالح العامة
ويثبت إذا كان على أقوام معينين.
مسألة [20]: وقف غير المالك، هل يقف على إجازة المالك أو تكون
باطلة؟ فيه الوجهان باعتبار افتقاره إلى النية فساوى سائر العبادات فيكون باطلا،
ووقوفه لكونه مشتملا على إيجاب وقبول فساوى البيع والنكاح فيكون موقوفا
على الإجازة، وقد استقرب هذا في " القواعد ".
مسألة [21]: إذا انقلعت الشجرة الموقوفة يجب أن تؤجر لمصلحة الموقوف
عليهم، فإن لم يفرض لها نفع إلا بذهاب عينها عن الوقف يحتمل أن يشترى
بقيمتها شجرة وقيامها مكانها.
مسألة [22]: يشترط في الوقف القبض وإذن المالك في القبض لكن يشترط
في القبول الفور دون القبض، والإذن بل يصح وإن طال الزمان.
مسألة [23]: لو أوقف على المشترين يشترط قبض جميعهم وهو غير ممكن
فيشترط نصب قيم بإذن الحاكم كالقبيلة، أما الوقف على المؤمنين فيكفي قبض
بعضهم.
مسألة [24]: هل يجوز للزوجة أن تسكن زوجها إذا سكنت في ملك غيرها
وكانت متعة؟ قال: يجوز إن كانت مزوجة حال الإسكان يقرب الجواز وفيما إذا
كانت خالية نظر، أي إذا أسكن الإنسان الزوجة هل يدخل الزوج تبعا لها؟
مسألة [25]: ذكر في الوقف: ولو علقه ممن ينقرض غالبا فهل يعود إلى
70

الواقف أو إلى ورثته عند فقد الموقوف عليه؟ وهل يحصل ترجيح أحد الأقوال
المذكورة أفتنا مأجورا؟ قال: المشهور أنه يعود إلى ورثة الواقف.
مسألة [26]: إذا وقف إنسان كتبا على بلد بشرط وجود الاشتغال فيه، وذكر
أنه متى فقد الاشتغال ينتقل إلى غيره، فإذا انتقل عند عدم الشرط هل يعاد مع
وجوده أم لا؟ نعم.
مسألة [27]: هل يدخل أولاد الأولاد في الوقف على الأولاد أم لا؟ قال:
المشهور لا. وكذلك الوقف على الإخوة فهل يختص بمن يتقرب بالأب والأم
دون من يتقرب بالأب كما ذكر في التحرير أم لا؟ قال: الإخوة للأب يأخذون
عند عدم الإخوة للأبوين قطعا، أما مع وجودهم وكان التعبير بلفظ الإخوة فإنهم
يأخذون أيضا، وإن كان التعبير بلفظ الأقرب ففيه الوجهان، قال: يشتركون.
مسألة [28]: قوله: وهل يشارك صاحب الدين من هو ساكن معه كزوجته
وأهله في الوقف على الجار؟ فيه نظر، الظاهر أن اسم الجار يشملهم.
مسألة [29]: إذا وقف على أقرب الناس إليه، فإن ذكر الأقرب فالأقرب فلا
بحث وعند الإطلاق يكون للآباء والأولاد وإن نزل.
مسألة [30]: الوقف على خمسة أقسام: منقطع الأول والأخير والوسط
والطرفين وصحيحهما أي صحيح الجميع. فمنقطع الأول باطل، ومنقطع
الأخير يكون حبسا، ومنقطع الوسط حبسا أيضا، ومنقطع الطرفين باطل،
وصحيحهما أي صحيح الجميع يكون وقفا.
71

مسألة [31]: لو أوقف على أهل لغته فهم أهل اللسان التي يحاورونها من
الذكور خاصة.
مسألة [32]: لو أخذ نصيبا من زيادة الوقف على المسلمين جاز وملك لأنه
من جملة المسلمين.
مسألة [33]: الوقف على الفقراء لا يفتقر إلى القبول كالوقف على المصالح،
ولو مات الموقوف عليه قبل القبض قام وارثه مقامه في القبض سواء كان وقف
تشريك أو ترتيب.
مسألة [34]: لو أوقف الولي على الطفل وقفا وتصرف الولي فيه، ثم مات
وأوصى ببيعه عند موته صح، لأن تصرفات المسلمين تحمل على الصحة لجواز
كونه حبسا.
مسألة [35]: إذا وقف على عقب زيد ثم بعد ذلك على عقب عمرو أخذه
عقب زيد، فإذا انقطع بعد ذلك أخذه عمرو، فإن تجدد بعد ذلك عقب زيد
رجع الوقف إليه والنماء وقت انقطاع عقب زيد لعقب عمرو، ذكره في التحرير،
نعم.
مسألة [36]: إذا وقف على قرابته انصرف إلى من كان مشهورا من قبل
الرجال والنساء، فإن تجدد له قرابة بعد الوقف دخل فيه.
مسألة [37]: الذهب والفضة إذا كان حليا يصح وقفه إجماعا، وإن كانت
دنانير أو دراهم قيل: لا يصح، والأولى الصحة إذا أمكن الانتفاع ولو في شئ
72

قليل، ذكره في التحرير، نعم.
مسألة [38]: إذا وقف على شخصين ثم على المساكين فمات أحدهما احتمل
عود نصيبه إلى المساكين، والأقرب عوده إلى الأخير، ذكره في التحرير، نعم.
مسألة [39]: إذا وقف اثنان على اثنين صح قسمة الوقف بينهما، ولو بيع
الطلق فالأقرب أن للموقوف عليهم الشفعة، نعم.
مسألة [40]: لو وقف موضعا في وسط داره جاز وإن لم يذكر الاستطراق
كما لو آجره بيتا من داره، ذكره في التحرير، نعم.
مسألة [41]: وقف المساجد صحيح وما جهلنا أمره فهو صحيح ولا يجوز
التصرف فيه إلا بإذن فقيه أو من له النظر، ويصرف الحاصل في مصالح
المسجد، ولو فضل شئ صرف في المسجد أو غيره من المساجد، وهل يجوز
لفقيه البلد زرع وقف المسجد بغير إذن حاكم؟ ومع تقدير الجواز هل يجب
صرف المقاسمة على إصلاح المسجد المذكور؟ وكم يجب عليه من المقاسمة؟
قال: لا يجوز التصرف إلا بإيجار أو مزارعة من حاكم الشرع.
مسألة [42]: شخص كان عنده خلقين نحاس مثلا وقفا، وكان يصرف
حاصلها على المسلمين، ومات وأوصى إلى شخص بذلك ولم يعرف الوصي
اسم الواقف ولا كيفية المصرف ولا الوقت؟
الجواب: إذا جهل ما كان يصنع بها وعلم أنها وقف ولم يعلم مصرفها
صرف في وجوه البر.
73

مسألة [43]: الوقف على مسجد أو مشهد إذا صرف حاصله من الناظر على
عمارته أو إضاءته أو شراء له أو غير ذلك ثم فضل منه فضلة من مال الوقف فما ذا
يصنع به؟
الجواب: أما الوقف على المساجد فيجوز صرفه إلى مسجد آخر، وأما وقف
المشهد فالأجود التربص به إلى حين الحاجة، ولو اشترى به ملكا وجعله وقفا لم
يكن بعيدا.
مسألة [44]: ولو وقف المريض على ابنه وبنته ولا وارث غيرهما دارا هي
تركته، فإن أجازا صح لزم وإلا صح في الثلث خاصة، وفي صحة الثلث نظر إن
جعلنا القبول شرطا في الوقف أو جزءا لأن التقدير أنهم قد ردوا، إلا أن نحمل
الكلام على أنهم صغارا وقد وقف في مرض الموت.
مسألة [45]: العشيرة والذرية والخاص من قومه، وقيل: الذرية لا غير،
والعترة الأخص من قرابته وهم أخص من العشيرة وأعم من الذرية، والقوم أهل
لغة الواقف من الذكور خاصة، وابن إدريس: هم ذكور أهله وعشيرته.
مسألة [46]: الوقف على ثلاثة أقسام: وقف ملك كالوقف على أناس
معينين فإنه ينتقل إليهم، ووقف ينتقل إلى الله تعالى كالأوقاف العامة، ووقفه
إزالة ملك لا لأحد كالوقف على المساجد والمقابر.
مسألة [47]: لو كان كافر له عبد كافر فأوقفه على كفار ثم أسلم العبد
الموقوف ما الحكم؟
الجواب: يباع ويشترى بقيمته كافر وقفا لهم.
74

مسألة [48]: قوله في الوقف: والأقرب أنه لا يجوز الدفع إلى أقل من ثلاثة،
وجه الأقربية أن أقل الجمع ثلاثة ويحتمل الصرف إلى واحد كما في الزكاة.
مسألة [49]: قال في الوقف: سمي وقفا لاشتماله على وقف المال على الجهة
المعينة وقطع سائر الجهات والتصرفات عنه، يقال: وقف وقفا، ويقال: حبست
وأحبست على الواو، وفيه فضل كثير، قال رسول الله عليه وآله: إذا مات ابن آدم
انقطع عمله إلا من ثلاثة: ولد صالح يدعو له وعلم ينتفع به بعد موته وصدقة
جارية، رواه العامة. ومن طريق الخاصة قول الصادق عليه السلام: ستة تلحق
المؤمن بعد وفاته: ولد يستغفر له ومصحف يخلفه وغرس يغرسه وبئر يحفره
وصدقة يجريها وسنة يأخذ بها من بعده.
75

كتاب الهبات والعطايا
77

الخلاف
كتاب الهبة
مسألة 1: الهبة لا تلزم إلا بالقبض، وقبل القبض للواهب الرجوع فيها،
وكذلك الرهن عندهم، والعارية، وكذلك الدين الحال إذا أجله لا يتأجل، وله
المطالبة به في الحال. وبه قال في الصحابة أبو بكر، وعمر، وعثمان، وابن عمر،
وابن عباس، ومعاذ القارئ، وأنس، وعائشة ولا نعرف لهم مخالفا. وبه قال
الشافعي.
وقال مالك: يلزم ذلك كله بنفس العقد، ولا يفتقر إلى القبض، ويتأجل
الحق بالتأجيل، ويلزم الأجل.
وأما أبو حنيفة فقد وافقنا، إلا أنه قال: الأجل في الثمن يلزم ويلحق بالعقد.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم. وأيضا فإن ما قلناه مجمع على لزومه، وما
ذكروه ليس على صحته دليل.
وروى موسى بن عقبة، عن أمه أم كلثوم أن النبي عليه السلام قال لأم سلمة:
إني أهديت إلى النجاشي أواقي من مسك وحلة، وإني لأراه يموت قبل أن يصل
إليه، وإني لا أرى الهدية إلا سترد إلى، فإن ردت على فهي لي، فكان كما قال عليه السلام
، مات النجاشي قبل أن تصل إليه، فردت الهدية إليه، فأعطى كل امرأة من
نسائه أوقية من ذلك المسك، وأعطى سائره أم سلمة، وأعطاها الحلة. وهذا
نص.
79

مسألة 2: إذا قبض الموهوب له الهبة بغير إذن الواهب، كان القبض
فاسدا، ووجب عليه رده. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: إن قبضه في المجلس صح، وإن كان بغير إذنه، وإن قام من
مجلسه لم يكن له القبض، وإن قبض كان فاسدا ووجب عليه رده.
دليلنا: أنه إذا قبض باذنه صح القبض بلا خلاف، وليس على قول من
قال بصحته بغير إذنه دليل.
مسألة 3: هبة المشاع جائزة، سواء كان ذلك مما يمكن قسمته أو لا
يمكن. وبه قال مالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وداود، وسائر
الفقهاء.
وقال أبو حنيفة: هبة المشاع فيما لا يمكن قسمته مثل: الحيوان، والجواهر،
والحمامات، والرحى، وغيرها يصح. فأما ما ينقسم فلا يجوز هبته.
والهبة بهذا التفصيل يختص على مذهبه، لأنه يسوي بين ما يقسم وما لا
يقسم في المواضع التي يمنع فيها العقد على المشاع، مثل الرهن وغيره.
دليلنا: عموم الأخبار الواردة في جواز الهبة.
وأيضا الأصل جوازه، والمنع يحتاج إلى دليل.
وروي عن النبي عليه السلام أنه اشترى سراويل بأربعة دراهم، وقال
للوزان: زن وأرجح.
قوله عليه السلام: وأرجح هبة، وهو مشاع، فدل على صحة هبة المشاع.
وروى جابر أن النبي عليه السلام اشترى من رجل بعيرا، فوزن له وأرجح.
وروي عن النبي عليه السلام أنه قال يوم خيبر: مالي مما أفاء الله عليكم إلا
الخمس، والخمس مردود فيكم، فردوا الخيط والمخيط، فإن الغلول يكون على
أهله عارا يوم القيامة، ونارا وشنارا، فقام رجل في يده كبة من شعر، فقال: أخذت
هذه لأصلح بردعة بعيري، فقال: أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لك،
80

فقال: أما إذا بلغت ما أرى فلا أرب لي فيها ونبذها.
وكانت حصة النبي عليه السلام في الكبة مشاعا، فدل على جوازها مشاعا.
مسألة 4: العمرى عندنا جائزة، ومعناها إذا قال الرجل لغيره: أعمرتك
هذه الدار مدة حياتك، أو مدة حياتي، أو أسكنتك، أو جعلت لك هذه الدار في
حياتك، فإن هذه الألفاظ إذا أتى بواحدة منها وأقبضه فقد لزم العمرى، ولهذا
سمي عمري، وتسمى عندنا أيضا سكنى، وبه قال جميع الفقهاء.
وحكي عن قوم أنهم قالوا: العمرى غير جائزة.
دليلنا على ما ذكرناه: إجماع الفرقة وأخبارهم.
وروى أبو هريرة أن النبي عليه السلام قال: العمرى جائزة.
وروى عبد الله بن محمد بن عقيل، عن محمد بن علي - ابن الحنفية -، عن
معاوية بن أبي سفيان، عن النبي عليه السلام أنه قال: العمرى جائزة لأهلها.
وروى جابر أن النبي عليه السلام قال: العمرى لمن وهبت له.
وروى عروة، عن جابر أن النبي عليه السلام قال: من أعمر عمري فهي له
ولعقبه يرثها من يرثه من عقبه، وهذا نص.
مسألة 5: إذا قال: أعمرتك ولعقبك. فإن هذه عمري صحيحة، ويملك
المعمر له المنفعة دون الرقبة.
فإن قال: أعمرتك. فإذا مات هو يعود إليه، وإن قال: ولعقبك. فإذا مات
عقبه عاد إليه. وبه قال مالك، والشافعي في القديم على قول أبي إسحاق.
وعندنا إن قال: أعمرتك مدة حياتي. فإنها له مدة حياته، فإن مات المعمر
أولا كان لورثته إلى أن يموت المعمر، فإذا مات عاد إلى ورثته، وإن مات المعمر
أولا بطل العمرى.
وقال الشافعي في الجديد: إذا جعلها عمري لا تعود إليه، ولا إلى ورثته
81

بحال. وبه قال أبو حنيفة.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
وقال أبو الطيب الطبري: قوله القديم أشبه بالنسبة. وقوله الجديد أقيس.
مسألة 6: إذا قال: أعمرتك. وأطلق، لم تصح العمرى، وكان باطلا.
وقال الشافعي في الجديد: يكون عمري صحيحة، ويكون له. فإذا مات
يكون لورثته.
وقال في القديم: أن العمرى تبطل. كما قلناه. وبه قال أبو حنيفة.
وقال مالك: العمرى صحيحة، ويكون المنفعة له، فإذا مات رجع.
وقال أبو إسحاق في الشرح مثل قول مالك.
فصارت المسألة على قولين:
أحدهما: تبطل كما قلناه. والآخر: تصح.
دليلنا: أن هذه اللفظة مجملة، لأنه يجوز أن يراد بها تمليك الرقبة، ويجوز
أن يراد بها مدة حياته، وإذا احتملت ولم يعلم المراد وجب بطلانها، لأن الأصل
بقاء الملك.
مسألة 7: إذا قال: أعمرتك على أنك إن مت أنت رجع إلي. كان هذا
صحيحا عندنا، فإذا مات عاد إليه.
وللشافعي فيه قولان مثل المسألة الأولى سواء.
قال في الجديد: هي عمري صحيحة. وقوله: على أنك إن مت أنت يلغى
هذا القول، ويكون كما لو أطلق.
والثاني: يبطل.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
وروي عن جابر أنه قال: إنما العمرى التي أجازها رسول الله أن يقول: هي
82

لك ولعقبك. فأما إذا قال: هي لك ما عشت. فإنها ترجع إليه.
ففسر جابر ما قال النبي عليه السلام، وتفسير الراوي للخبر أولى من تفسير
غيره، لأنه أعرف بمراد النبي عليه السلام.
مسألة 8: الرقبى جائزة، وهي والعمرى سواء، وإنما تخالفها في اللفظ، فإنه
يقول: أرقبتك هذه الدار مدة حياتك، أو مدة حياتي.
وقال الشافعي: حكمها حكم العمرى، ومعناه إذا قال: أعمرتك على إن مت
أنا فهي لك ولورثتك، وإن مت أنت رجع إلى.
قال المزني: الرقبى إذا جعل لمن يتأخر موته، ولهذا سمي رقبى، لأن كل
واحد منهما يترقب موت صاحبه.
وقال أبو حنيفة: العمرى جائزة، والرقبى باطلة، لأن صورتها أن يقول:
أرقبتك هذه الدار، فإن مت قبلك كانت الدار لك، وإن مت قبلي كانت راجعة
إلى وباقية على ملكي كما كانت. وهذا تمليك بصفة، كما قال: إذا جاء رأس
الشهر فقد وهبت لك داري. فإن ذلك لا يصح.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
وأيضا خبر جابر، فإنه روي أن النبي عليه السلام قال: يا معشر الأنصار
أمسكوا عليكم أموالكم، لا تعمروها ولا ترقبوها، فمن أعمر شيئا أو أرقبه فهو له
ولورثته، فجمع بين العمرى والرقبى وجوزهما معا.
وروى جابر أن النبي عليه السلام قال: العمرى جائزة لأهلها، والرقبى جائزة
لأهلها.
وقولهم: إنه تمليك بصفة ليس كذلك، وإنما هو تمليك في الحال، لأنه
يملك الدار في الحال على أنه إذا مات قبله رجعت إليه، وإن مات هو فهي
للمرقب، وهذا تمليك في الحال.
83

مسألة 9: إذا أعطى الإنسان ولده، يستحب له أن لا يفضل بعضهم على
بعض، سواء كانوا ذكورا أو إناثا، وعلى كل حال. وبه قال أبو حنيفة، ومالك،
والشافعي، وأبو يوسف.
وقال أحمد بن حنبل، وإسحاق، ومحمد بن الحسن: يفضل الذكور على
الإناث على حسب التفضيل في الميراث. وبه قال شريح.
دليلنا: الأخبار المروية عن النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليه السلام.
وروى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله قال: سووا بين أولادكم في
العطية، ولو كنت مفضلا أحدا لفضلت الإناث، وهذا نص.
وروى الشعبي، عن النعمان بن بشير، أنه قال: نحلني أبي نخلا - وروي
غلاما - فقالت أمي عمرة بنت رواحة: إئت رسول الله صلى الله عليه وآله، فأتى
النبي صلى الله عليه وآله، فذكر ذلك له، فقال: ألك ولد سواه؟ فقال: نعم.
قال: أفكلهم أعطيته مثل ما أعطيت النعمان؟، فقال: لا، فقال: هذا جور.
وروي: فاشهد على هذا غيري.
وروي: أليس يسرك أن يكونوا لك في البر واللطف سواء؟ قال: نعم.
قال: فاشهد على هذا غيري.
وروي: أن لهم عليك من الحق أن تعدل بينهم، كما أن لك عليهم من
الحق أن يبروك.
وفي رواية الشافعي أنه قال: أليس يسرك أن يكونوا لك في البر إليك
سواء؟، قال: نعم. قال: فارجعه، وروي فاردده.
ووجه الدلالة من ذلك أن النبي عليه السلام أمره بالتسوية بين أولاده في
العطية، فدل على أنه هو السنة.
مسألة 10: إذا خالف المستحب، ففضل بعضهم على بعض، وقعت العطية
موقعها، وجاز له أن يسترجعها ويسوي بينهم إذا كانوا كبارا.
84

وقال الشافعي: يصح استرجاعها على كل حال، ولو لم يسترجعها فلا
شئ عليه.
وقال طاووس، وإسحاق، ومجاهد: لا يصح تلك العطية، وتكون باطلة،
فيكون ميراثا بينهم على فرائض لله تعالى إذا مات.
وقال أحمد بن حنبل، وداود بن علي: يجب عليه أن يسترجعها إذا خالف
المستحب.
دليلنا: أنه لا دلائل على وجوب استرجاعها، ولا على بطلان العطية،
وإجماع الفرقة دليل يقطع به، وكذلك أخبارهم.
مسألة 11: إذا وهب الوالد لولده وإن علا الوالد، أو الأم لولدها وإن علت،
وقبضوا إن كانوا كبارا، أو كانوا صغارا لم يكن لهما الرجوع فيه. وبه قال
أبو حنيفة.
وقال أيضا مثل ذلك في كل ذي رحم محرم بالنسب، ليس له الرجوع
فيما وهب له. وكذلك في كل شخصين لو كان أحدهما ذكرا والآخر أنثى لم
يجز لأحدهما أن يتزوج بالآخر. وذلك مثل عم الرجل، وخاله، وأخيه، وأبيه.
وهذا عندنا مستحب، والواجب للولد فقط.
وقال الشافعي: للوالد والوالدة أن يسترجعا هبتهما على كل حال من الوالد
وذي الرحم، ذكرا كان أو أنثى.
وقال مالك: إن كان الولد قد انتفع بالهبة، مثل أن يكون قد زوج الرجل
بالمال الذي وهب له، لم يجز له الرجوع فيه. وإن كان لم ينتفع بعد، كان له
الرجوع فيه.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
وأيضا قوله - عليه السلام -: العائد في هبته كالعائد في قيئه، يدل عليه
أيضا، لأن القئ حرام بلا خلاف.
85

مسألة 12: إذا وهب لأجنبي وقبضه، أو لذي رحم غير الولد، كان له
الرجوع فيه، ويكره الرجوع في الهبة لذي رحم.
وقال أبو حنيفة: يجوز له الرجوع فيما يهب لأجنبي، ولكل قريب إذا لم يك
ذا رحم محرم منه بالنسب، - على ما مضى من تفسيره - وأجرى الزوجية مجرى
الرحم المحرم بالنسب. وقال: إذا وهب أحد الزوجين للآخر، لم يكن للواهب
الرجوع فيها.
وقد روى ذلك قوم من أصحابنا في الزوجين.
وقال الشافعي: إذا وهب لغير الولد وقبض لزم، ولا رجوع له بعد ذلك
فيها.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
وروى أبو هريرة، عن النبي عليه السلام أنه قال: الواهب أحق بهبته ما لم
يثب منها.
وروي عن علي عليه السلام أنه قال: الرجل أحق بهبته ما لم يثب منها.
وروي مثل ذلك عن عمر، وفضالة بن عبيد.
مسألة 13: الهبات على ثلاثة أضرب: هبة لمن فوقه، وهبة لمن دونه، وهبة
لمن هو مثله. وكلها يقتضي عندنا الثواب.
وقال جميع الفقهاء: إنها إذا كانت لمن فوقه، أو لمن هو مثله لا تقتضي
الثواب، وإذا كانت لمن هو دونه اختلفوا، فقال أبو حنيفة: لا تقتضي الثواب. وبه
قال الشافعي في أحد قوليه في الجديد، ونص عليه في الشفعة، وقال في القول
الآخر - وهو قوله القديم -: أنها تقتضي الثواب وبه قال مالك.
دليلنا: عموم الأخبار التي رواها أصحابنا أن الهبة تقتضي الثواب ولم
يخصوا فيها نوعا دون نوع، وقد ذكرناها في الكتاب الكبير.
وروى أبو هريرة، عن النبي عليه السلام، أنه قال: الواهب أحق بهبته ما لم
86

يثب منها، فأثبت للواهب حق الرجوع قبل أن يثاب، وأسقط حقه من الرجوع
بالثواب، وجعله ثوابا على الحقيقة.
وروي عن عائشة، أنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وآله يقبل
الهدية ويثيب عليها.
وهو قول علي عليه السلام، وعمر، وفضالة بن عبيد.
فروي عن علي عليه السلام أنه قال: من وهب هبة يرجو ثوابها فهي رد على
صاحبها ما لم يثب عليها.
وروي مثله عن عمر.
وروي: أن رجلين اختصما إلى فضالة بن عبيد، فقال أحدهما: وهبت لهذا
بازي فلم يثبني عليه. فقال: رد عليه بازه أو أثبه عنه. ولا يعرف لهم مخالف.
مسألة 14: إذا ثبت أن الهبة تقتضي الثواب، فلا يخلو إما أن يطلق، أو
يشترط الثواب، فإن أطلق فأي ثواب تقتضي منه، فإنه يعتبر ثواب مثله على ما
جرت به العادة.
وللشافعي فيه ثلاثة أقوال، على قوله أنها تقتضي الثواب.
أحدهما: مثل ما قلناه، والثاني يثيبه حتى يرضى الواهب.
والثالث: يثيبه بقدر قيمة الهبة أو مثلها.
دليلنا: أن أصل الثواب إنما أثبتناه في الهبة بالعادة، فكذلك مقدارها وإن
قلنا أنه لا مقدار فيها أصلا، وإنما هي ما يثاب عنها قليلا كان أو كثيرا كان قويا،
لعموم الأخبار وإطلاقها.
مسألة 15: إذا شرط الثواب، فإن كان مجهولا صح، لأنه وافق ما يقتضيه
الإطلاق. وإن كان معلوما كان أيضا صحيحا، لأنه لا مانع يمنع منه.
وللشافعي فيه قولان:
أحدهما: يصح، لأنه إذا صح مع الجهل، فمع العلم أولى.
87

والثاني: لا يصح.
دليلنا: قوله عليه السلام المؤمنون عند شروطهم، ولم يفصل.
وأيضا الأصل جوازه، والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 16: إذا تلف الموهوب في يد الموهوب له، بطل الثواب، ولا يرجع
عليه بمثله، ولا قيمته.
وللشافعي فيه وجهان:
أحدهما: مثل ما قلناه. والآخر: يرجع عليه بقيمته.
دليلنا: أن التلف والنقصان وجدا في ملك الموهوب له، وما حصل في
ملكه لا يرجع به عليه.
وأيضا: الأصل براءة الذمة، وإيجاب القيمة يحتاج إلى دليل.
مسألة 17: إذا وهب ثوبا خاما لمن له الرجوع في هبته - كالأجنبي على
مذهبنا، والولد على مذهب الشافعي - فقصره الموهوب له، لم يكن للواهب
الرجوع فيه.
وللشافعي فيه قولان: إن قال القصارة بمنزلة الزيادة المتميزة، كان الواهب
شريكا للموهوب له بقدر القصارة. وإن قال القصارة بمنزلة الزيادة المتصلة،
فالثوب للواهب بقصارته، ولا حق للموهوب له فيه.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأخبارهم على أنه إذا تصرف الموهوب له في الهبة
لم يكن للواهب الرجوع فيها. وهذا قد تصرف. ولأن إثبات الرجوع في هذا
يحتاج إلى دليل.
مسألة 18: الدار المستأجرة يصح هبتها وبيعها لغير المستأجر.
وللشافعي في صحة بيعها وهبتها قولان:
88

أحدهما: يصحان. والآخر: يبطلان.
دليلنا: إجماع الفرقة على أن بيع المستأجر يصح، وكل من قال بصحة
بيعها قال بصحة هبتها.
والشافعي بنى صحة الهبة وفسادها على صحة البيع وفساده. وقد بينا أن
ذلك صحيح.
مسألة 19: إذا وهب له شيئا من حلي ذهبا أو فضة، فأثابه في المجلس قبل
التفرق أو بعد التفرق بجنسه من النقود، أو بغيره بمثله، أو بما زاد عليه، أو نقص
قبل التصرف أو بعده، كان ذلك جائزا ولا يفسد.
وقال الشافعي: حكم ذلك حكم الصرف، فما صح في الصرف صح
هاهنا، وما أفسده الصرف أفسد هاهنا.
دليلنا: أن أحكام الصرف مراعى في الصرف والبيع، وليس الهبة بيعا ولا
صرفا، فمن قال: أنها لا حقة بالبيع فعليه الدلالة.
مسألة 20: إذا كان له على غيره حق، جاز له بيعه، ويكون مضمونا.
ويجوز هبته ورهنه، ولا يلزمان إلا بالقبض.
وللشافعي فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: يصح بيعه من غيره، ويصح هبته وتلزم الهبة بنفس العقد، ولا
يشترط القبض في لزومها، ولا يصح رهنه، لأنه لا يزيل الملك.
والثاني: أنه يصح البيع والهبة ولا يلزم الهبة إلا بالقبض، ويصح الرهن ولا
يلزم إلا بالقبض. وهذا مثل قولنا.
والثالث: لا يصح بيعه ولا هبته، ولا رهنه لأنه غير مقدور على تسليمه، فهو
كالطير في الهواء.
دليلنا: إجماع الفرقة على جواز بيع الديون، ولا مانع يمنع من هبته ولا
89

رهنه. وعموم الأخبار يقتضي جوازهما.
مسألة 21: إذا وهب في مرضه المخوف شيئا وأقبضه، ثم مات، فمن
أصحابنا من قال: لزمت الهبة في جميع الموهوب، ولم يكن للورثة فيها شئ.
ومنهم قال: يلزم في الثلث، ويبطل فيما زاد عليه، وبه قال جميع الفقهاء.
دليلنا على الأول: أخبار الطائفة المروية في هذا الباب، والرجوع إليها هو
الحجة في هذه المسألة.
90

المبسوط
كتاب الهبات
الهبة جائزة لكتاب الله تعالى وسنة نبيه وإجماع الأمة.
فالكتاب قوله تعالى: تعاونوا على البر والتقوى، والهبة من البر، وقوله
تعالى: ليس البر أن تولوا وجوهكم، إلى قوله: وآتى المال على حبه ذوي القربى،
الآية.
والسنة ما رواه محمد بن المنكدر عن جابر أن النبي صلى الله عليه وآله قال:
كل معروف مرغب فيه، وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله قال: لو
أهدي إلى ذراع لقبلت ولو دعيت إلى كراع لأجبت، وروى أبو قتادة عن أنس أن
النبي صلى الله عليه وآله كان يأمر بالهدية صلة بين الناس، وروى عبد الله بن
عباس أن النبي صلى الله عليه وآله قال: تدرون أي الصدقة خير؟ قلنا: الله
ورسوله أعلم، قال: خير الصدقة المنحة.
والمنحة أن يمنع الرجل أخاه الدراهم، أو يمنحه ظهر الدابة أو يمنحه لبن
الشاة.
وروت عائشة أن النبي صلى الله عليه وآله كان يقبل الهدية ولا يقبل
الصدقة، وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله كان يأكل الهدية ولا يأكل
الصدقة.
وأما الإجماع فقد اجتمعت الأمة على جواز الهبة واستحبابها.
91

إذا تقرر هذا فالهبة والصدقة والهدية بمعنى واحد، ولهذا نقول: إذا حلف لا
يهب هبة فتصدق على مسكين بقطعة أنه يحنث، غير أنه إذا قصد الثواب والتقرب
بالهبة إلى الله عز وجل سميت صدقة، وإذا قصد به التودد والمواصلة سميت هدية.
إذا ثبت هذا فإنه لا يلزم شئ منها إلا بالقبض، وكذلك الرهن لا يلزم إلا
بالقبض، وكذلك العارية، وله أن يرجع فيها ويسترجع العارية، وكذلك إذا
كان له دين حال فأجله فيه كان ذلك هبة، فلا يلزم التأجيل إلا بمضيه، فأما ما لم
يمض فهو تطوع غير لازم، وله أن يرجع عنه ويطالبه بالرد في الحال، وقال
قوم: يلزم ذلك كله بنفس العقد، ولا يفتقر إلى القبض، ويتأجل الحق بالتأجيل،
ويلزم الأجل والأول أصح، لأن ما ذكرناه مجمع على لزومه به، وما ذكروه
ليس عليه دليل.
فإذا ثبت أن الهبة لا تلزم إلا بالقبض، فإذا وهب شيئا هبة صحيحة ثم إنه
باعها، فإن كان قبل الإقباض صح البيع وانفسخت الهبة، وإن كان بعد القبض
لم يصح البيع لأنه صار ملكا لغيره.
وإن كانت الهبة فاسدة فباع قبل القبض صح البيع، وإن باع بعد القبض
فإن كان يعلم أنها فاسدة، وأنه لا يملك بها صح البيع، وإن كان يعتقد أنها
صحيحة وأن الموهوب له قد ملكها فهل يصح البيع؟ قيل فيه وجهان: أحدهما
يصح لأنه صادف ملكه، وهو الصحيح، والثاني لا يصح لأنه لا يبيع، ويعتقد أنه
متلاعب بذلك، كما نقول في الرجل يبيع مال مورثه وعنده أنه ما مات، ثم يتفق
أن يكون قد مات قبل البيع، قيل: فيه قولان، وكذلك إذا كاتب عبده كتابة
فاسدة، ثم إنه أوصى برقبته، وهو معتقد صحة الكتابة ولزومها، فهل تصح
الوصية؟ على قولين: أحدهما تصح لأنها صادفت ملكه، والثاني لا تصح، لأنه
يعتقد أن الوصية لا تصح، وأن الكتابة لازمة له.
إذا ثبت أن الهبة لا تلزم إلا بالقبض، فإذا قبض الموهوب لم يخل: إما أن
يكون قد قبض بإذن الواهب أو بغير إذنه.
92

فإن كان قبضه باذنه صح القبض ولزمت الهبة وحصل الملك ويحصل
الملك من حين القبض.
ومنهم من قال: يتبين بالقبض أن الملك قد وقع بالعقد، كما قلناه في
الوصية، فإن الموصى له إذا قبل تبينا بالقبول أن الملك حصل بالموت،
والصحيح الأول، لأن القبض من شرطه في حصول الملك، كما نقول إنه شرط
في لزوم الرهن.
فأما إذا لم يأذن له في القبض فليس له أن يقبضه، فإن قبضه كان القبض
فاسدا ووجب عليه رده كما أنه إذا قبض المبيع قبل تسليم الثمن كان القبض
فاسدا ووجب عليه رده.
وفي الناس من قال: إن القبض إذا حصل في المجلس بغير إذن الواهب
صح ولزم العقد، وإن قام من المجلس لم يكن له أن يقبضه إلا باذنه، فإذا قبضه
بعد هذا بغير إذنه لم يلزم العقد، ولزمه رده.
إذا وهب له شيئا وقبل الموهوب له الهبة، ثم مات الواهب قبل القبض، فهل
تبطل الهبة أم لا؟ قيل فيه وجهان: أحدهما أنه لا يبطل العقد بموت الواهب مثل
البيع في مدة الخيار وقام الوارث مقامه، وهو الصحيح، والآخر أنه يبطل لأنه
عقد جائز مثل الشركة والوكالة.
إذا وهب له هبة وقبل الموهوب له ثم أذن له في قبضها ثم رجع عن الإذن،
فإنه ينظر: فإن كان بعد القبض لم ينفعه رجوعه، ولزم العقد، وإن كان قبل
القبض لم يكن له القبض، وإن قبض لم يلزم العقد، كما نقول في السيد يأذن
لعبده في الإحرام بالحج والنكاح، ثم يرجع، فإن رجع قبل العقد بطل الإذن،
وإن رجع بعد العقد لم ينفعه رجوعه.
إذا وهب له شيئا في يده، مثل أن يكون له في يده وديعة فيهبها له نظر: فإن
أذن له في القبض ومضى بعد ذلك زمان يمكن القبض فيه لزم العقد، وإن لم
يأذن له في القبض، فهل يلزم القبض بمضي الزمان الذي يمكن فيه القبض أو
93

لا بد من القبض؟ فمنهم من قال: الإذن شرط فيه، ومنهم من قال: لا يفتقر إلى
الإذن، وهو الأقوى، لأن إقرار يده عليه بعد العقد دليل على رضاه بالقبض.
إذا وهب للصبي المولى عليه شئ نظر: فإن كان الواهب غير وليه قبل
الولي، سواء كان بغير تولية مثل الأب والجد أو بتولية كالوصي، وإن وهب
الولي للصبي فإن كان وليا بغير تولية قبلها أيضا، ويصح ذلك كما يصح منه في
البيع أن يكون موجبا قابلا، وهذا هو مذهبنا، وإن كان بتولية لم يصح أن يقبلها،
كما لا يصح أن يبيع من الصبي شيئا بنفسه أو يشتري منه، وينصب الحاكم أمينا
يقبل منه هبته للصبي فإذا قبلها صحت الهبة.
إذا قال: وهبت له هذا الشئ وقبل الهبة وأقبضته إياها، صح العقد، ولزم
بإقراره سواء كان الموهوب في يد الواهب أو في يد الموهوب له، لأن كونه في يد
الواهب لا يدل على أنه ما أقبضه بعد، لأنه يجوز أن يكون أقبضه ثم رجع إليه
بسبب آخر.
فإن قال بعد ذلك: ما كنت أقبضته إياها وإنما كنت وعدته بالقبض، لم
يقبل رجوعه عن إقراره، لأنه مكذب نفسه فيما تقدم من إقراره، فإن قال: حلفوه
لي أنه كان قد قبضه، فهل يحلف أم لا؟ قيل: إنه يحلف، وهو الصحيح، وفي
الناس من قال: إن كان يدعي أن وكيله أخبره أنه أقبضه إياه فأخبر على ذلك
الظاهر ثم بان له بعد ذلك أنه ما كان قد أقبضه وكذب في قوله، حلف المقر له
بالهبة فأما إذا لم يدع ذلك وكان إقراره بقبض تولاه بنفسه لم يحلف له
الموهوب له.
وإذا قال: وهبت هذا الشئ له وخرجت إليه منه، فليس هذا بصريح في
الإقرار بالقبض فينظر: فإن كان الموهوب في يد الموهوب له، كان ذلك إقرارا
بالقبض ويكون ذلك أمارة على أنه أراد به القبض، وإن كان في يد الواهب لم
يلزمه الإقرار بالقبض، ويكون معنى قوله خرجت إليه منه أنه أذن له في القبض
ولم يقبض بعد.
94

ولو قال: وهبته له وملكه، لم يكن إقرارا بلزوم الهبة لأنه يجوز أن يقول
ذلك على قول مالك، لأن عند مالك يلزم بنفس العقد ويملك الموهوب، فلا
يلزمه الهبة مع احتماله.
ولو قال: وهبت لي هذا الشئ وأقبضتنيه وملكته، فقال: نعم، كان ذلك
إقرارا بلزوم الهبة، فكأنه قال: وهبت لك الشئ وأقبضتكه وملكته، لأن لفظ
" نعم " يرجع إلى جميع ذلك على وجه التصديق، ولهذا لو قال لرجل: لي
عليك ألف درهم، فقال: نعم، كان إقرارا بالألف على نفسه، فكأنه قال: لك
علي ألف درهم.
هبة المشاع جائزة سواء كان ذلك مما يمكن قسمته أو لا يمكن قسمته،
وفيه خلاف، فإذا ثبت ذلك فإن وهب شيئا مشاعا فلا يخلو: أن يكون مما ينقل
ويحول أو مما لا ينقل، مثل أن يهب له نصف دار، فالقبض فيها التخلية، فإذا خلي
بينه وبينها فقد حصل القبض، ولزم العقد.
وإن كان مما ينقل فلا بد من القبض، والقبض " النقل والتحويل "، ولا
يمكن النقل والتحويل إلا بإذن الشريك، فيقال للشريك: أترضى أن يقبض
الموهوب له الكل فيصير نصفه مقبوضا ونصفه وديعة لك عنده؟ فإن أجاب
فذاك، وإن أبي قيل للموهوب له: أترضى أن توكل الشريك فيقبض الكل
نصفه لك ونصفه له؟ فإن أجاب قبض له، وإن أبي كل واحد منهما نصب
الحاكم من يقبض الكل، نصفه قبض هبة ونصفه قبض أمانة للشريك، حتى يتم
عقد الهبة بينهما.
إذا وهب رجل شيئا لرجلين، فإن قبلا وقبضا تمت الهبة في الجميع، وإن
قبل أحدهما وقبض تمت الهبة في النصف، لأنه بمنزلة العقدين، لأن العقد الواحد
مع الاثنين بمنزلة العقدين والصفقتين إذا انفردتا.
النحلة هي العطية، يقال: نحل ونحل ونحلة، قال الله تعالى: وآتوا النساء
صدقاتهن نحلة، أي عطية عن طيب نفس، وأكثر ما يستعمل في عطية الولد،
95

يقال: نحل ولده نحلة.
والعطية مندوب إليها ومرغب فيها، وهي للولد وذي الرحم والقرابة أفضل
والثواب بها أكثر لقوله تعالى: وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى، فبدأ
بالقرابة.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: صدقتك على غير ذي
رحمك صدقة وصدقتك على ذي رحمك صدقة وصلة، وروي أن زينب امرأة
عبد الله بن مسعود كانت صناعا وكانت تنفق على زوجها وولده، فاتت النبي
صلى الله عليه وآله وقالت: يا رسول الله إن
عبد الله وولده شغلاني عن الصدقة،
فقال النبي صلى الله عليه وآله: لك في ذلك أجران أجر الصلة وأجر الصدقة.
وروي عنه صلى الله عليه وآله أنه قال: أفضل الصدقة على ذي رحم
كاشح، وقال: لا يدخل الجنة قاطع رحم، وقال: من سره أن ينسا في أجله
ويوسع في رزقه فليصل رحمه، وقال: تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم،
وروي أن النبي صلى الله عليه وآله قال: يقول الله تعالى: أنا الرحيم، وإنما خلقت
الرحم وشققت لها اسما من اسمي، فمن وصلها وصلته ومن قطعها بتته.
فإذا ثبت هذا فالمستحب - إذا أعطى ولده - أن يقسم بينهم ويسوي بين
جماعتهم ولا يفضل بعضهم على بعض، سواء كانوا ذكورا أو إناثا أو ذكورا
وإناثا، فإذا ثبت ذلك فإن خالف ففاضل أو أعطى بعضهم وحرم الباقين جاز
ذلك، ووقعت العطية موقعها، ويصح استرجاعها منهم إذا كانوا كبارا، ويقسمه
بالسوية، وفي الناس من قال: يصح استرجاعها من الصغار.
فإذا ثبت أن له الرجوع فيها إذا كانوا كبارا - وعنده وإن كانوا صغارا - لم
يخل حال الموهوب من ثلاثة أحوال: إما أن يكون بحالة لم تزد ولم تنقص، أو
نقص أو زاد.
فإن كان بحاله كان له الرجوع فيه، وإن كان قد نقص في يد الموهوب له
كان له الرجوع أيضا وليس له المطالبة بأرش ما نقص، وإن كان قد زاد لم
96

تخل الزيادة من أحد أمرين: إما أن تكون زيادة متميزة أو غير متميزة.
فإن كانت غير متميزة مثل السمن وغيره، كان له الرجوع فيه مع زيادته
لأن النماء الذي لا يتميز يتبع الأصل.
وإن كانت الزيادة متميزة لم تخل: إما أن تكون ولدا أو غيره، فإن كان
غيره مثل أن يكون شجرة فأثمرت أو عبدا اكتسب فإنها تكون للموهوب له لأنه
تميز في ملكه ويسترجع الواهب العين بلا نماء، وإن كان النماء ولدا فلا يخلو:
إما أن تكون الموهوبة حين وهبها حائلا أو حاملا.
فإن كانت حاملا ووضعت قبل الرجوع، فمن قال لا حكم للحمل قال:
يرجع في الأم دون الولد، ومن قال له حكم قال: يرجع فيهما معا، وإن كان
رجع قبل الوضع استرجعها مع الولد على كل حال.
وإن كانت حائلا ثم حملت بعد ذلك فإنه ينظر: فإن وضعت قبل الرجوع
فإنه يرجع في الأم دون الولد، لأنه نماء حدث في ملك الموهوب له لم يتناوله
العقد، وإن كان رجع قبل الوضع فمن قال: للحمل حكم، فهو كما لو كان
منفصلا فيرجع في الأم دون الحمل، ومن قال: لا حكم له، رجع فيهما، هذا إذا
كان الموهوب له لم يتصرف في الموهوب.
فأما إذا تصرف فيه فلا يخلو من ثلاثة أحوال: إما أن يكون مما لا يقطع فيه
مثل أن يكون آجره أو زوجه أو أعاره فإن ذلك العقد لا يمنع رجوعه فيه، لأن
ذلك لا يمنع التصرف.
وإن كان ذلك مما يقطعه قطعا مراعى مثل أن يكون كاتبه أو رهنه فإن
التصرف موقوف على ما يبين في آخر الأمر من العتق بالأداء، أو الفسخ بالعجز،
أو القضاء من غير الرهن وانفكاك الرهن، أو الامتناع من القضاء وبيع الرهن
وقضاء الحق منه، فإن رجوعه في الموهوب يكون موقوفا على ذلك، فإن انفك
الرهن وانفسخت الكتابة رجع، وإن بيع الرهن أو عتق المكاتب بالأداء سقط
حق الرجوع.
97

وإن كان ذلك مما يقطع التصرف قطعا تاما، مثل أن يبيعه أو يهبه
ويقبضه، فإن كان وهبه لم يخل: إما أن وهبه لمن يجوز له الرجوع في هبته، أو
لمن لا يجوز له الرجوع في هبته.
فإن وهبه لمن يجوز له الرجوع في هبته، فهل للواهب أن يرجع في الهبة
التي حصلت في يد ولد ولده أم لا؟ قيل فيه وجهان: أحدهما له، والثاني ليس له،
لأنه ما ملكه منه، وإنما ملكه من غيره.
والذي يقتضيه مذهبنا أنه متى تصرف فيه الموهوب له بطل حكم الرجوع
لعموم الأخبار.
وأما إذا وهبه لمن ليس له الرجوع في هبته أو باعه، سقط بذلك حق
الرجوع فيها، فإن عاد بعد ذلك إلى ملكه فهل له أن يرجع فيه؟ قيل فيه
وجهان: أحدهما يرجع فيه، والثاني ليس له.
فإذا فليس الموهوب له وحجر عليه، والعين الموهوبة قائمة بحالها، قيل فيه
وجهان: أحدهما أن الواهب أولى بها من الغرماء لأن حقه أسبق، والثاني الغرماء
أولى، كما أن المرتهن أولى بعين الرهن من الراهن، والأول أصح إذا كان ذلك
في من له الرجوع في هبته.
إذا وهب لأجنبي أو لقريب غير الولد فإن الهبة تلزم بالقبض، وله الرجوع
فيها، وفي من وافقنا فيه من قال: إذا لم يكن لذي رحم محرم أو زوج أو زوجة،
وعندنا أن الرجوع في هبة الزوج أو الزوجة مكروه، فأما إذا كانت الهبة لولده
الصغار فليس له الرجوع فيها بحال.
الهبات على ثلاثة أضرب: هبة لمن هو فوق الواهب، وهبة لمن هو دونه،
وهبة لمن هو مثله.
فأما الهبة لمن هو دونه، فمثل هبة السلطان للرعية، والأستاذ للغلام، والغني
للفقير، فإنها لا تقتضي الثواب، لأنه يقصد بها نفع الموهوب له.
وأما الهبة لمن هو مثله فمثل أن يهب السلطان لمثله، والغني للغني، والتاجر
98

للتاجر، فإنها لا تقتضي الثواب أيضا لأنها للتحاب والتواد.
وأما الهبة لمن هو فوقه من هبة الرعية لسلطانهم، والفقير للغني، والغلام
للأستاذ، فهل يقتضي الثواب أم لا؟ قيل فيه وجهان: أحدهما يقتضي الثواب،
والثاني لا يقتضي الثواب، هذا قول مخالفينا.
والذي يقتضيه مذهبنا أنه يقتضي الثواب على كل حال لعموم الأخبار في
ذلك، مثل ما رواه أصحابنا، وقد أوردناها في الكتاب الكبير في الأخبار.
وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله قال: الواهب أحق بهبته ما لم
يثب منها، وروي عن عائشة أنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وآله يقبل
الهدية ويثيب عليها.
فإذا ثبت هذا فمن قال لا يقتضي الثواب قال: إذا وهب لا يخلو: إما أن يطلق
أو يشرط الثواب.
فإن أطلق فإنها تلزم بالتسليم ولا رجوع له فيها، وإن أثابه الموهوب له كان
ذلك ابتداء هبة، ولا يكون بدلا في الحقيقة، ولا تتعلق إحدى الهبتين بالأخرى،
فإذا وقع الاستحقاق في أحدهما واسترجعت لم يؤثر ذلك في الأخرى.
وإن شرط الثواب لم يخل: إما أن يشرط ثوابا مجهولا أو معلوما، فإن شرط
ثوابا مجهولا كان العقد باطلا، لأنه تمليك عين ببدل مجهول، وذلك لا يجوز
كالبيع بثمن مجهول، وإن شرط ثوابا معلوما قيل فيه قولان: أحدهما يصح،
والآخر لا يصح، فمن قال: لا يصح، كان للواهب استرجاع الهبة إن كانت
باقية، وإن كانت تالفة فقيمتها، ومن قال يصح قال: فهو كالبيع في جميع
الأحكام في الخيار والاستحقاق وغيرهما.
ومن قال: الهبة تقتضي الثواب، فلا يخلو: إما أن يطلق أو يشرط الثواب.
فإن أطلق فأي ثواب يقتضي؟ قيل فيه ثلاثة أقوال:
أحدهما: يثيبه حتى يرضى الواهب، لما روى أبو هريرة أن أعرابيا وهب للنبي
صلى الله عليه وآله ناقة فأعطاه ثلاثا فأبى فزاده ثلاثا فلما استكمل تسعا قال:
99

رضيت، فقال النبي صلى الله عليه وآله: لا أقبل بعد هذا اليوم هدية إلا أن يكون
قرشيا أو أنصاريا أو دوسيا أو ثقفيا.
والثاني: يثيبه بقدر قيمة الهبة أو مثلها.
والثالث: يثيبه قدر ما يكون ثوابا لمثله في العادة، وهذا هو المعتمد عليه، لأن
أصل الثواب إنما يثبت بعقد الهبة اعتبارا بالعادة.
فإذا تقرر هذا، فإذا أثابه على ما ذكرنا لزمته الهبة، وإن لم يثبه لم يجبر على
الثواب لكن يقال للواهب: إما أن تمضي أو تسترجع، فإن أمضى فذاك، وإن
رجع فإن كانت الهبة بحالها أخذها، وإن كانت زائدة غير متميزة أخذها
بزيادتها، وإن كانت متميزة فهي للموهوب له، ويرجع الواهب في الأصل.
وإن كانت ناقصة أو كانت تلفت فهل يرجع عليه بقيمتها أو بأرش
نقصانها؟ قيل فيه وجهان: أحدهما يرجع عليه، لأن العين لو كانت باقية
لاسترجعها لتعذر العوض عنها، فإذا كانت تالفة كان الرجوع بقيمتها، والثاني
ليس له ذلك لأن التلف والنقصان وجد في ملكه، وما حصل في ملكه لا يرجع
به عليه، وهذا هو مذهبنا.
فأما إذا شرط الثواب فإن كان مجهولا صح لأنه وافق ما يقتضيه الإطلاق،
وإن كان معلوما فهل يصح أم لا؟ قيل فيه قولان: أحدهما يصح لأنه إذا صح
والعوض مجهول فأولى أن يصح وهو معلوم، والثاني لا يصح لأنه خالف
مقتضى إطلاق العقد، لأن إطلاقه يقتضي جهالته، والشرط إذا خالف إطلاق العقد
أبطله.
إذا وهب الأب لابنه ثوبا خاما فقصره الابن ثم رجع فيه الأب، فمن قال:
القصارة بمنزلة الزيادة المتميزة، كان الابن شريكا للأب في الثوب بقدر القصارة،
وإن قلنا: إن القصارة بمنزلة الزيادة المتصلة، فالثوب للأب بقصارته، لا حق للابن
فيه، والذي يقتضيه مذهبنا أنه إذا قصره من له الرجوع في هبته وهو الأجنبي لم
يكن له الرجوع، لأنه قد تصرف فيه، وروى أصحابنا أن الموهوب له إذا تصرف
100

في الهبة لم يكن للواهب الرجوع فيها.
إذا وهب لابنه جارية فليس له الرجوع فيها عندنا إذا كان صغيرا، وإن كان
كبيرا وقبضه إياها مثل ذلك، وإن لم يكن قبضه جاز له الرجوع، وفي الناس من
قال: له الرجوع فيها على كل حال، فإن وطئها فهل يكون ذلك رجوعا أم لا؟
قيل فيه قولان:
أحدهما: يكون رجوعا، كما قال في البائع إذا وطأ الجارية المبيعة في يده
في مدة الخيار الذي شرطه لنفسه، ويكون ذلك استرجاعا منه في المبيع.
والثاني: لا يكون رجوعا لأن ملك الابن قد استقر عليها، والأب يريد أن
يزيل ملكه المستقر، فالرجوع من ذلك لا يصح بالقول، كما لو اشترى جارية
ثم فلس المشتري وثبت للبائع الخيار فوطئها لم يكن فسخا واسترجاعا منه.
إذا وطأ الابن الجارية ثم استرجعها الأب فلا مهر لها عليه، لأنه وطئها في
ملكه، كالمشتري إذا وطئها ثم أصاب بها عيبا فإنه يردها ولا مهر عليه، وعلى
مذهبنا لا يصح هذا في الابن ولا في الأجنبي لأنه تصرف في الموهوب، وقد بينا
أنه إذا تصرف فيه فليس له الرجوع فيه.
إذا وهب للغاصب العين المغصوبة صحت الهبة، فإذا أذن له في القبض
ومضي زمان يمكن فيه القبض لزمت الهبة، وسقط عنه ضمان الغصب، لأنه ملكه،
فهو كما لو باعه، وإن وهب لغير الغاصب، فإن كان الموهوب له لا يقدر على
انتزاعه من الغاصب لم يصح، كما لا يصح بيعه على هذه الصورة.
وإن كان يقدر على ذلك بأن يكون أقوى يدا منه صح العقد، فإذا أذن له
في قبضه منه فقبضه لزم العقد وبرئ الغاصب، وإن أذن له في القبض فوكل
الموهوب له الغاصب في القبض له من نفسه صح ذلك، فإذا مضى زمان
الإمكان لزمت الهبة بحصول القبض، وبرئ الغاصب من الضمان، لأن الملك
قد زال عمن كان غصبه عليه وضمنه بالتعدي في حقه، فحصل في ملك من لم
يتعد في حقه.
101

إذا وهب الجارية للمستعير صح العقد، فإذا أذن له في القبض ومضي زمان
الإمكان لزم العقد، وإن وهبها لغيره صح أيضا، فإذا أذن له في القبض ووكل
المستعير في قبضها صح القبض وصارت مقبوضة، ولزمت الهبة، وانقطع انتفاع
المستعير بها، لأنها صارت ملكا لغير المستعير، ولا يجوز له أن ينتفع بها إلا بإذن
مستأنف من جهة الموهوب له.
وإن وهب الدار المستأجرة لغير المستأجر فالحكم فيه مبني على البيع، وفي
بيعها قيل: فيه قولان، وكذلك في هبتها، فمن قال لا يصح بيعها قال: لا تصح
هبتها، ومن قال يصح بيعها قال: تصح هبتها، وهو الصحيح، وإذا خلي بينه
وبينها فقد أقبضه إياها ولزم العقد وكان للمستأجر استيفاء حقه كما قلنا في البيع،
وأما الجارية المزوجة فإنها يجوز هبتها كما يجوز بيعها عندنا وعند قوم.
إذا وهب رجل حليا من ذهب أو فضة فمن قال: إن الهبة تقتضي الثواب، أو
قال: لا تقتضي الثواب، وشرط الثواب وقال: شرطه لا يصح، فإذا أثابه فلا يخلو
من أحد أمرين: إما أن يكون ذلك قبل التفرق من مجلس عقد الهبة أو بعد
التفرق.
فإن كان ذلك قبل التفرق نظر، فإن أثابه بغير جنس النقود مثل أن يثيبه
بشئ من الثياب أو المأكول أو المشروب وما أشبه ذلك صح، وليس القبض
فيه قبل التفرق شرطا، وإن أثابه بشئ من جنس النقود نظر: فإن كان من غير
جنس الموهوب مثل أن يكون الموهوب من ذهب فأثابه من فضة، فإنه يجوز ولا
يعتبر فيه التماثل، والقبض قبل التفرق شرط في صحته، لأنه صرف، وإن كان
من جنس الموهوب كان التماثل والقبض قبل التصرف شرطا فيه، لأن ذلك
صرف من جنس واحد.
وأما إن أثابه بعد التفرق، فإن أثابه بشئ غير النقود جاز ذلك، فإن أثابه
بشئ من جنس النقود سواء كان من جنس الموهوب أو غير جنسه لم يصح،
لأن القبض قبل التفرق فيهما شرط، ولا يجوز أن يثيبه ولا يعتبر جنس النقود، هذا
102

مذهب المخالف.
والذي يقتضيه مذهبنا أن كل ذلك لا اعتبار به، ويجوز الإثابة في المجلس
وغير المجلس، بجنسه وغير جنسه، وبمثله وبما زاد عليه لأن ذلك ليس بصرف،
وإنما يراعى جميع ذلك في البيع والصرف، وعلى من جمع بينهما الدلالة.
إذا كان له في ذمة رجل مال فوهبه له ذلك كان ذلك إبراء بلفظ الهبة،
وهل من شرط صحة الإبراء قبول المبرأ أم لا؟ قال قوم: من شرط صحته قبوله ولا
يصح حتى يقبل وما لم يقبل فالحق ثابت بحاله، وهو الذي يقوى في نفسي لأن
في إبرائه إياه من الحق الذي له عليه منة عليه، ولا يجبر على قبول المنة، فإذا لم
نعتبر قبوله أجبرناه على ذلك، كما نقول في هبة العين له أنها لا تصح إلا إذا
قبل.
وقال قوم: إنه يصح شاء من عليه الحق أو أبي، لقوله تعالى: فنظرة إلى
ميسرة وأن تصدقوا خير لكم، فاعتبر مجرد الصدقة ولم يعتبر القبول، وقال
تعالى: ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا، فأسقط الدية بمجرد التصدق ولم يعتبر
القبول، والتصدق في هذا الموضع الإبراء، وهذا أيضا ظاهر قوي، هذا إذا وهب
لمن عليه الحق.
فأما إذا وهبه لغيره فهل يصح أم لا؟ يصح ذلك إذا كان من عليه الحق
معينا وكان قدر الحق الذي عليه معلوما، ويجوز أيضا بيعه، وقال قوم: لا يجوز
هبته كما لا يجوز بيعه، فمن قال: يصح هبته، لزمت الهبة بنفس العقد، ولا يشترط
القبض في لزومه مثل الحوالة، ومنهم من قال: لا يصح بيعه ولا هبته ولا رهنه،
والذي يقتضيه مذهبنا أنه يجوز بيعه وهبته ورهنه ولا مانع منه.
صدقة التطوع عندنا بمنزلة الهبة في جميع الأحكام، من شرطها الإيجاب
والقبول ولا يلزم إلا بالقبض، وكل من له الرجوع في الهبة له الرجوع في
الصدقة عليه.
الحاج إذا اشترى في سفره شيئا بأسامي أصدقائه ومات في الطريق، كان
103

ورثته بالخيار فيما اشتراه وسماه لأصدقائه، إن شاءوا أمسكوه، وإن شاءوا أهدوا
لهم، لأن الهدية لا تصح إلا بالإيجاب والقبول، ولا تلزم إلا بالقبض، وكذلك إذا
أهدي إلى رجل شيئا على يد رسول فإنه على ملكه بعد، وإن مات المهدي إليه
كان له استرجاعه، وإن مات المهدي كان لوارثه الخيار.
وإذا وصلت الهدية إلى المهدي إليه لم يملكها بالوصول ولم تلزم، ويكون
ذلك إباحة من المهدي، حتى أنه لو أهدي إليه جارية لم يجز أن يستمتع بها، لأن
الإباحة لا تدخل في الاستمتاع، ومن أراد الهدية ولزومها وانتقال الملك فيها إلى
المهدي إليه الغائب، فليوكل رسوله في عقد الهدية معه، فإذا مضى وأوجب له
وقبل المهدي إليه وقبضه إياها لزم العقد، وملك المهدي إليه الهدية.
إذا وهب في مرضه المخوف شيئا وسلمه إليه، فإن صح من مرضه لزمه الهبة
في جميعه، سواء كان قدر الثلث أو أكثر، وإن مات منه لزمه الهبة قدر الثلث، وما
زاد عليه فالورثة فيه بالخيار إن شاءوا أجازوه، وإن شاءوا ردوه واسترجعوه، عند
من قال: إن الهبة في حال المرض من الثلث، وإن كان بعد ما سلمه إليه لم يلزم
عقد الهبة وكانوا بالخيار بين أن يسلموه إلى الموهوب له وبين أن يمسكوه
ويفسخوا العقد، لأن الموهوب ما لم يقبض فللوارث فيه الخيار إن مات هو.
وأما إذا أوصي له بشئ فإن الوصية تلزمه في الثلث بكل حال، سواء كان
الموصى له قد تسلم القدر الموصى به، أو لم يتسلمه.
فصل: في العمرى والرقبى والسكنى
العمرى نوع من الهبات تفتقر صحتها إلى إيجاب وقبول، ويفتقر لزومها إلى
قبض، كسائر الهبات، وهي مشتقة من العمر وصورتها أن يقول الرجل للرجل:
أعمرتك هذه الدار وجعلتها لك عمرك أو هي لك ما حييت أو ما بقيت أو ما
عشت، وما أشبه هذا مما هو في معناه.
وهذا عقد جائز، وفي الناس من قال: العمرى لا تجوز، فإذا ثبت جوازها فلا
104

يخلو من ثلاثة أحوال: إما أن يقول: هذه الدار لك عمرك ولعقبك من بعدك،
أو يطلق ذلك، أو يقول: هذه الدار لك عمرك فإذا مت رجعت إلي.
فإذا قال: لك عمرك ولعقبك من بعدك، فإنه جائز لما رواه جابر أن
النبي صلى الله عليه وآله قال: أيما رجل أعمر عمري له ولعقبه فإنما هي للذي
يعطاها لا يرجع إلى الذي أعطاها فإنه أعطي عطاء وقعت فيه المواريث.
وأما إذا أطلق ذلك ولم يذكر العقب، فهل يصح أم لا؟ قال قوم: يصح
ويكون له ولعقبه من بعده، مثل القسم الأول، وقال آخرون: إن العمرى تصح
ويكون للمعمر حياته، فإذا مات رجعت إلى المعمر أو إلى ورثته إن كان مات،
وهذا هو الصحيح على مذهبنا، ومنهم من قال: العمرى تبطل.
الرقبى أيضا جائزة عندنا وصورتها صورة العمرى إلا أن اللفظ يختلف، فإنه
يقول: أعمرتك هذه الدار مدة حياتك أو مدة حياتي، والرقبى يحتاج أن يقول:
أرقبتك هذه الدار مدة حياتك أو مدة حياتي، وفي أصحابنا من قال: الرقبى أن
يقول: جعلت خدمة هذا العبد لك مدة حياتك أو مدة حياتي، وهو مأخوذ من
رقبة العبد، والأول مأخوذ من رقبة الملك.
وقال قوم: الرقبى نوع من الهبات تفتقر صحتها إلى الإيجاب والقبول،
ولزومها إلى القبض مثل العمرى، وقال قوم: الرقبى باطلة لأن صورتها أن يقول:
أرقبتك هذه الدار فإن مت قبلك كانت الدار لك وإن مت قبلي كانت راجعة
إلي وباقية على ملكي كما كانت، وهذا تعليق ملك بصفة، وذلك لا يصح، كما
إذا قال: إذا جاء رأس الشهر فقد وهبت لك كذا أو إن قدم الحاج، وهذا الذي
ذكره هذا القائل مذهبنا أيضا لإجماع الفرقة على ذلك، غير أنها تلزم مدة حياة
من علقها به، ويرجع ملكا بعد موته على ما شرط.
وفرق قوم بين العمرى والرقبى بأن الرقبى إذا مات المرقب استقرت الرقبى
للمرقب، فأما إذا مات بعد ذلك لا يرجع إلى ورثة المرقب، والعمرى فإن المعمر
إذا مات قبل المعمر ثم مات المعمر رجعت إلى ورثة المعمر، فتفرق العمرى
105

والرقبى من هذا الوجه.
وقد قلنا: إنه لا فرق بينهما عندنا، سواء علقه بموت المعمر أو المعمر، فإن
علقه بموت المعمر رجع إلى ورثته، وإن مات المعمر أولا كان لورثته إلى أن
يموت المعمر، وإن علقه بموت المعمر ومات المعمر لم يكن لورثته عليه سبيل
حتى يموت، فإذا مات رجع إليهم، ولم يكن لورثة المعمر شئ بحال، وإن مات
المعمر أولا لم يكن لورثته شئ ورجع إلى المعمر ومنه بعد ذلك إلى ورثته.
106

تبصرة المتعلمين
كتاب الهبات وتوابعها
وفيه فصول:
الأول: الهبة:
إنما تصح في الأعيان المملوكة - وإن كانت مشاعة - بإيجاب وقبول
وقبض من المكلف الحر، ولو وهبه ما في ذمته كان إبراءا.
ويشترط في القبض إذن الواهب إلا أن يهبه ما في يده، وللأب والجد ولاية
القبول والقبض عن الصغير والمجنون وليس له الرجوع بعد الإقباض إن كانت
لذي الرحم أو بعد التلف أو التعويض، وفي التصرف خلاف، وقيل: الزوجان
كالرحم، وله الرجوع في غير ذلك، فإن عاب فلا أرش، وإن زادت زيادة
متصلة تبعت، وإلا فللموهوب.
مسائل:
الأولى: لا يجوز الرجوع في الصدقة بعد الإقباض وإن كانت على الأجنبي،
ولو قبضها من غير إذن المالك لم تنتقل إليه.
الثانية: لا بد في الصدقة من نية القربة.
الثالثة: يجوز الصدقة على الذمي وإن كان أجنبيا.
الرابعة: صدقة السر أفضل إلا مع التهمة.
107

الفصل الثاني: في الوقف:
وصريح ألفاظه " وقفت "، والباقي بقرينة.
وشروطه: القبول والتقرب والإقباض - ويتولى الولي القبض عن الطفل،
والناظر في المصالح القبض عنها - والتنجيز والدوام، وإخراجه عن نفسه - ولو
شرط عوده كان حبسا، ولو جعله إلى أمد أو لمن ينقرض غالبا رجع إلى ورثة
الواقف - وأن يكون عينا مملوكة ينتفع بها مع بقائها وإن كانت مشاعة، وجواز
تصرف الواقف، ووجود الموقوف عليه وتعيينه، وأهليته للتملك، وإباحة منفعة
الوقف على الموقوف عليه.
وله جعل النظر لنفسه، فإن أطلق كان لأربابه، ويصح الوقف على المعدوم
تبعا للموجود.
ويصرف الوقف على البر إلى الفقراء ووجوه القرب.
ولو وقف المسلم على البيع والكنائس بطل بخلاف الكافر، ويبطل على
الحربي وإن كان رحما، لا الذمي وإن كان أجنبيا.
وينصرف وقف المسلم على الفقراء إلى المسلمين، والكافر إلى فقراء ملته،
وعلى المسلم إلى المصلي إلى القبلة والمؤمنين أو الإمامية إلى الاثني عشرية، وكذا
كل منسوب إلى من انتسب إليه، ولو نسب إلى أب كان لمن انتسب إليه بالأبناء،
وفي البنات قولان، ولو شرك استوى الذكور والإناث ما لم يفضل.
والقوم أهل اللغة، والعشيرة الأقرب في النسب، والجيران لمن يلي داره إلى
أربعين ذراعا، وسبيل الله كلما يتقرب به إليه، والموالي الأعلون والأدنون.
ولا يتبع كل فقير في الوقف على الفقراء، بل يعطي أهل البلد منهم ومن
حضره، ومن صار منهم جاز له أن يأخذ معهم.
مسائل:
الأولى: إذا بطلت المصلحة الموقوف عليها صرف إلى البر.
108

الثانية: لو شرط إدخال من يوجد مع الموجود صح، ولو أطلق وأقبض لم
يصح، ولو شرط نقله بالكلية أو إخراج من يريد بطل الوقف.
الثالثة: نفقة المملوك على الموقوف عليه، ولو أقعد انعتق وكانت نفقته على
نفسه، ولو جنى الموقوف لم يبطل الوقف إلا بقتله قصاصا، ولو جنى عليه كانت
القيمة للموقوف عليه.
الرابعة: لو وقف على أولاد أولاده، اشترك أولاد البنين والبنات الذكور
والإناث، ولو قال: من انتسب إلي، فهو لأولاد البنين خاصة، على قول.
الخامسة: كل ما يشترطه الواقف من الأشياء السائغة لازم.
السادسة: يفتقر " السكنى " و " العمرى " إلى إيجاب وقبول وقبض، وليست
ناقلة، فإن عين مدة لزمت ولو مات المالك، وكذا لو قال له " عمرك " فإن
مات الساكن بطلت، ولو قال " مدة حياتي " بطلت بموته، ولو مات الساكن قبله
انتقل الحق إلى ورثته مدة حياته، ولو لم يعين كان للمالك إخراجه متى شاء.
ولو باع المسكن لم تبطل السكنى، وللساكن أن يسكن بنفسه ومن جرت
عادته به كالولد والزوجة والخادم، وليس له إسكان غيره من دون إذن، ولا
إجارته.
وكل ما يصح وقفه يصح إعماره كالملك والعبد والأثاث، ولو حبس
فرسه أو غلامه في خدمة بيوت العبادة وسبيل الله لزم ما دامت العين باقية.
الفصل الثالث: في الوصايا:
وهي واجبة، ولا بد فيها من إيجاب وقبول، ويكفي الإشارة والكتابة مع
الإرادة والتعذر لفظا، ولا يجب العمل بما يوجد بخطه.
وإنما تصح في السائغ، فلو أوصى المسلم ببناء كنيسة لم تصح، وله
الرجوع فيها.
ويشترط صحة تصرف الموصي، ووجود الموصى له، والتكليف والإسلام
109

في الوصي والملك في الموصى به، ولو جرح نفسه بالمهلك ثم أوصى لم
تصح، ولو تقدمت الوصية صحت.
وتصح الوصية للحمل بشرط وقوعه حيا، وللذمي دون الحربي، ولمملوكه
وأم ولده ومدبره ومكاتبه، لا مملوك الغير، وللمكاتب فيما تحرر منه، فإن كان
ما أوصى به لمملوكه بقدر قيمته عتق ولا شئ له، وإن زاد أعطي الفاضل، وإن
نقص استسعى فيه، وأم الولد كذلك لا من النصيب.
ولو أوصى بالعتق وعليه دين قدم الدين، ولو نجز العتق صح إذا كانت
قيمته ضعف الدين، وسعى للديان في نصف قيمته وللورثة في الثلث.
ولو أوصى لذكور وإناث تساووا إلا مع التفضيل، وكذا الأعمام والأخوال،
ولو أوصى لقرابته فهم المعروفون بنسبه، والعشيرة والجيران والسبيل والبر
والفقراء كالوقف، ولو مات الموصى له قبله ولم يرجع كانت لورثته، فإن لم
يكن وارث فلورثة الموصي، وتصح الوصية بالحمل.
ويستحب للقريب وإن كان وارثا، وإذا أوصى إلى عدل ففسق بطلت،
ويصح أن يوصي إلى المرأة والصبي بشرط انضمامه إلى الكامل، وإلى المملوك
بإذن مولاه، فيمضي الكامل الوصية إلى أن يبلغ ثم يشتركان، ولا ينقص بعد
بلوغه ما تقدم مما هو سائغ.
ولو أوصى الكافر إلى مثله صح.
ولو أوصى إلى اثنين وشرط الاجتماع أو أطلق فليس لأحدهما الانفراد،
ويجبرهما الحاكم على الاجتماع، ولو تشاحا فإن تعذر استبدل، ولو عجز أحدهما
ضم إليه، ولو شرط الانفراد جاز وتصرف كل واحد منهما، ويجوز الاقتسام.
وإذا بلغ الموصي رد الموصى إليه صح الرد وإلا فلا، ولو خان استبدل به
الحاكم، ولا يضمن الوصي إلا مع التفريط، وله أن يستوفي دينه أو يقترض مع
الملاءة، أو يقوم على نفسه، ويأخذ أجرة المثل مع الحاجة، وأن يوصي مع الإذن
لا بدونه ولا يتعدى المأذون، ويتولى الحاكم من لا وصي له.
110

وتمضي الوصية بالثلث فما دون، ولو زادت وقف الزائد على إجازة الورثة،
ولو أجاز بعض مضى في قدر حصته، ولو أجازوا قبل الموت صح.
ويملك الموصى به بعد الموت والقبول، ويقدم الواجب من الأصل والباقي
من الثلث، ويبدأ بالأول فالأول في غير الواجب، ولو جمع تساووا.
ولو أوصى بجزء ماله فالسبع، والسهم الثمن، والشئ السدس.
ولو أوصى بمثل نصيب أحد الورثة صحت من الثلث، فإن لم يزد أو أجازوا
كان الموصى له كأحدهم، فلو أوصى بمثل نصيب ابنه وليس له سواه أعطي
النصف مع الإجازة والثلث بدونها، ولو كان له ابنان فالثلث، ولو اختلفوا أعطى
الأقل إلا أن يعين الأكثر.
ولو نسي الوصي وجها رجع ميراثا، ويعمل بالأخير من المتضادين، فإن لم
يتضادا عمل بهما، ولو قصر الثلث بدئ بالأول فالأول.
وتثبت الوصية بالمال بشاهدين، وشاهد وامرأتين، وشاهد ويمين، وأربع
نساء، وتقبل الواحدة في الربع، والاثنتان في النصف، ولا تثبت الولاية إلا
برجلين.
ولو أعتق عبده ولا شئ له عتق ثلثه، ولو أعتق بعضه وله ضعفه عتق كله،
ولو أعتق مماليكه ولا شئ سواهم عتق ثلثهم بالقرعة، ولو رتبهم بدئ بالأول
فالأول. ويجزئ في الرقبة مسماها، ولو قال: مؤمنة، وجب، فإن لم يوجد عتق
من لا يعرف بنصب، ولو بانت بالخلاف بعد العتق صح.
وتصرفات المريض من الثلث وإن كانت منجزة، أما الإقرار فإن كان متهما
فكذلك وإلا فمن الأصل، وهذا حكم يتعلق بمطلق المرض الذي يحصل به
الموت وإن لم يكن مخوفا.
ويحتسب من التركة أرش الجناية والدية، ولو عين ثمن الرقبة ولم توجد به
توقع الوجود، فإن وجد بأقل أعتق وأعطي الفاضل.
وتصح الوصية على كل من للموصى عليه ولاية، ولو انتفت صحت في
111

إخراج الحقوق عنه.
ولو أوصى بإخراج بعض ولده من الميراث لم يصح.
112

إرشاد الأذهان
كتاب العطايا
وفيه مقاصد:
الأول: في الهبة:
ولا بد فيها من إيجاب - مثل: وهبتك، وملكتك، وكل لفظ يقصد به
التمليك - وقبول صادرين عن أهلهما.
وشرطها القبض بإذن الواهب، فلو مات أحدهما قبله بطلت، ويكفي القبض
السابق وقبض الأب والجد عن الطفل، ويسقط لو وهباه مالهما، وتعيين
الموهوب وإن كان مشاعا، ولو وهب الدين لمن عليه فهو إبراء ولا يفتقر إلى
القبول، ولو وهبه لغيره لم يصح.
ومع الإقباض لا يصح الرجوع إن كانت لذي الرحم، وإلا جاز، ما لم
يتصرف المتهب أو يعوض أو تتلف العين، وفي الزوجين خلاف، وهل يتنزل
موت المتهب منزلة التصرف؟ إشكال.
ويحكم بالانتقال بعد القبض، وإن تأخر فالنماء المنفصل قبله للواهب، ولو
رجع بعد العيب فلا أرش، والزيادة المتصلة للواهب والمنفصلة للمتهب.
وتستحب: العطية لذي الرحم ويتأكد في العمودين، والتسوية فيها.
ولو باع بعد الإقباض للأجنبي صح على رأي، ولو كانت فاسدة صح
إجماعا، وكذلك لو باع مال مورثه معتقدا بقاءه، ولو أنكر الإقباض قدم قوله
113

وإن اعترف بالتمليك مع الاشتباه.
المقصد الثاني: في الوقف:
وفيه مطلبان:
الأول: في الشرائط:
يشترط فيه: العقد - فالإيجاب: وقفت، وأما حرمت وتصدقت فيفتقر إلى
القرينة، وكذا حبست وسبلت - والإقباض، ونية التقرب، وكون الموقوف عينا
مملوكة معينة وإن كانت مشاعة ينتفع بها مع بقائها، وصحة إقباضها، وصدوره
من جائز التصرف - وفي من بلغ عشرا رواية بالجواز - ووجود الموقوف عليه
ابتداء، وجواز تملكه، وتعيينه، وعدم تحريم الوقف عليه، والدوام، والتنجيز،
والإقباض، وإخراجه عن نفسه.
فلو وقف الدين، أو دارا غير معينة، أو مالا يملكه مع عدم الإجازة، أو
الآبق، أو وقف على معدوم ابتداء، أو على حمل لم ينفصل، أو على من لا يملك،
أو على العبد، أو وقف المسلم على الكنائس والبيع أو على معونة الزناة، أو على
كتبة التوراة والإنجيل، أو قرنه بمدة، أو علقه بشرط، أو لم يقبض الوقف حتى
مات، أو وقف على نفسه ثم غيره، أو شرط انتفاعه بطل، وإذا تم لزم.
ووقف المريض من الثلث، ويدخل الصوف واللبن الموجودان وقته،
ويصح وقف العقار وكل ما ينتفع به مع بقائه من المنقولات وغيرها، ويجوز
جعل النظر لنفسه أو لغيره، فإن أطلق فللموقوف عليهم.
ويصح الوقف على المعدوم تبعا للموجود ولو بدأ به ثم بالموجود ففي
صحته في الموجود قولان، وكذا على العبد ثم الحر، ويصح على المصالح
كالقناطر والمساجد، ولا يفتقر إلى قبول، وكان القبض للناظر فيها.
ولو وقف مسجدا أو مقبرة صح بصلاة واحد أو دفنه، ولا يصير وقفا
بالصلاة والدفن من دون الإيجاب، ولا بالإيجاب من دونهما ودون الإقباض، ولو
114

وقف على من ينقرض غالبا صح حبسا عليهم، ورجع إلى الواقف مع انقراضهم
أو إلى ورثته على رأي.
ولا يشترط في الوقف على صغار أولاده القبض، وكذا الجد والوصي، ولو
وقف على الفقراء وصار منهم شارك، ولو شرط عوده عند حاجته صح الشرط
وبطل الوقف وصار حبسا يرجع مع الحاجة ويورث، ولو شرط إخراج من
يريد بطل الوقف، ولو شرط إدخال من يولد صح، ولو شرط نقله إلى من سيوجد
بطل الوقف.
ولا يعتبر في البطن الثاني القبض، وينصب قيما للقبض عن الفقراء
والفقهاء.
ولو وقف المسلم على الفقراء انصرف إلى فقراء المسلمين، ولو وقف الكافر
انصرف إلى فقراء نحلته، ولو وقف على المسلمين فلمن صلى إلى القبلة، والوقف
على المؤمنين أو الإمامية للاثني عشرية، وعلى الشيعة للإمامية والجارودية، وعلى
الموصوف بنسبة لكل من أطلقت عليه، والزيدية للقائلين بإمامة زيد، والهاشميين
لمن انتسب إلى هاشم بالأبوة من ولد أبي طالب والحارث والعباس وأبي لهب،
والطالبيين لولد أبي طالب - ويشترك الذكور والإناث على السواء ما لم يفضل -
وللجيران لمن يطلق عليه عرفا، وعلى البر يصرف في الفقراء وكل مصلحة يتقرب
بها، وكذا في سبيل الله تعالى.
ولو وقف على مصلحة فبطلت صرف في البر، وفي الوقف على الذمي
الأجنبي قولان، وكذا المرتد دون الحربي.
ولو لم يذكر المصرف أو لم يعين - كأحد المشهدين أو القبيلتين - بطل.
ويتساوى الأخوال والأعمام على رأي، إلا أن يفضل، ولو وقف على الأقرب
كمراتب الإرث، إلا أنهم يتساوون مع الإطلاق.
115

المطلب الثاني: في الأحكام:
الوقف ينتقل إلى الموقوف عليه، فلو وقف حصته من العبد ثم أعتق أو
أعتق الموقوف عليه لم يصح، ولو أعتق الشريك حصته الطلق صح ولم يقوم
عليه على إشكال.
وإذا وقف على الفقراء انصرف إلى من يحضر البلد ولا يجب التتبع، وكذا
غيرهم من المنتشرين.
ولا يجوز للموقوف عليه الوطء، فإن أولدها كان حرا ولا قيمة عليه، وفي
صيرورتها أم ولد تنعتق بموته وتؤخذ القيمة من التركة لمن يليه نظر، ويجوز
تزويجها والمهر للموجودين، وكذا الولد من مملوك أو زنا، ولو كان من حر
بوطئ صحيح فهو حر، وبشبهة الولد حر، وعلى الواطئ قيمته للموقوف عليهم،
والواقف كالأجنبي.
ونفقة المملوك الوقف على الموقوف عليه، فلو جنى بما يوجب القتل فقتل
بطل الوقف وليس للمجني عليه استرقاقه، وإن كان بدونه اقتص وكان الباقي
وقفا، ولو كانت خطأ تعلقت بالموقوف عليه على رأي، وبالكسب على رأي،
وأرش ما يجنى عليه لأرباب الوقف الموجودين، ولو كانت نفسا فالقصاص
إليهم، وإن أوجبت دية أقيم بها مقامه يكون وقفا على رأي.
والوقف على الموالي يتناول الأعلى والأسفل على إشكال، وإذا وقف على
أولاد أولاده اشترك أولاد البنين والبنات الذكر والأنثى على السواء مع
الإطلاق.
ولو قال: من انتسب إلي خرج أولاد البنات على رأي، ولو وقف على
أولاده فهم أولاده خاصة دون أولاد أولاده على رأي، وكذا لو قال: على أولادي
وأولاد أولادي اختص بالبطنين على رأي، وإذا قال: على أولادي فإذا انقرض
أولادي وأولاد أولادي فعلى الفقراء، كان انقراض أولاد الأولاد شرطا ولم
يدخلوا في الوقف.
116

والنماء قبله لورثة الواقف على إشكال، ولو انهدمت الدار لم تخرج العرصة
عن الوقف، ولو أجر البطن الأول ثم انقرضوا بطل العقد، ولو خرب المسجد
والقرية لم تخرج عرصته عن الوقف.
ولا يجوز بيع الوقف إلا أن يقع بين الموقوف عليهم خلف يخشى به
الخراب، ولا يبطل وقف النخلة بقلعها، ويجري الوقف على السبيل المشترطة
السائغة.
ولا يجوز التعدي، فلو شرط إسهام الأنثى بشرط عدم التزويج فتزوجت
خرجت عن الاستحقاق، فإن طلقت بائنا عاد، ولو شرط بيع الوقف عند حصول
ضرر به - كالخراج، والمؤن من قبل الظالم، وشراء غيره بثمنه - فالوجه الجواز.
المقصد الثالث: في الصدقة والحبس
تفتقر الصدقة: إلى إيجاب، وقبول، وإقباض بإذن، ونية التقرب، فلو قبض
بغير رضا المالك لم يصح، ومع القبض لا يجوز الرجوع فيها مطلقا.
وتحرم الواجبة على بني هاشم من غيرهم، ويجوز منهم ولمواليهم مطلقا،
والمندوبة لهم، وتجوز على الذمي وإن كان أجنبيا، وصدقة السر أفضل إلا مع
التهمة بالمنع.
وتفتقر السكنى إلى الإيجاب - مثل: أعمرتك وأسكنتك وأرقبتك وشبهه -
والقبول، والقبض، فإن قرنت بعمر أحدهما أو بمدة معينة لزمت بالقبض، ولو
قال: لك سكنى هذه الدار ما بقيت جاز، ويرجع إلى المالك بعد موت
الساكن، ولو مات المالك أولا لم يكن لورثته إزعاجه، ولو قرنها بموت نفسه
فللساكن السكنى مدة حياته، فإن مات الساكن أولا لم يكن له إزعاج الورثة مدة
حياته، ولو أطلق ولم يعين كان له الرجوع متى شاء.
ويصح إعمار كل ما يصح وقفه ولا يبطل بالبيع، وللساكن بالإطلاق
السكنى بولده وأهله لا غير، إلا مع الشرط، وليس له أن يؤجر.
117

وإذا حبس فرسه أو غلامه في سبيل الله أو خدمة البيت أو المسجد لزم ما
دامت العين باقية، ولو حبس على إنسان ولم يعين ثم مات رجعت ميراثا، وكذا
لو انقضت مدة التعيين.
المقصد الرابع: في الوصايا:
وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأول: في أركانها:
وهي أربعة:
الأول: الوصية:
وهي تمليك عين أو منفعة بعد الوفاة، وتفتقر إلى إيجاب - وهو: كل لفظ
دال عليه، مثل: أعطوه بعد وفاتي، أو له بعد وفاتي، أو أوصيت له، إما مطلقا
كهذا، أو مقيدا مثل أعطوه إذا مت في مرضي هذا أو في سنتي هذه - وقبول.
ولا ينتقل بهما إلا بعد الموت، ولو لم يقبل لم تنتقل بالموت، ويكفي القبول
قبله أو بعده متأخرا ما لم يرد، ولو رد في حياته جاز أن يقبل بعد الموت، ولو رد
بعد الموت وقبل القبول بطلت، ولو قبل ثم رد لم تبطل وإن لم يقبض على رأي،
ولو رد بعضا بطلت فيه خاصة، ولو مات قبل القبول فلوارثه القبول، ولو كان
الموصى به ولده، فإن كان ممن ينعتق على الوارث ورث إن كانوا جماعة وقبل
قبل القسمة، وإلا فلا، ولا ينعتق على الميت.
ولا تصح الوصية في معصية - كمساعدة الظالم، والإنفاق على البيع
والكنائس، وكتبة التوراة والإنجيل - ولا بالمصحف للكافر، ولا بالعبد المسلم
له، ولو أوصي له بعبد كافر فأسلم قبل القبول بطلت، وبعده وبعد الموت يباع
عليه.
وهي عقد جائز للموصي الرجوع متى شاء بالتصريح، أو بفعل المنافي، أو
بتصرفه بحيث تخرج عن المسمى، كطحن الطعام وخبز الدقيق وخلط الزيت، لا
118

بدق الخبز فتيتا، ولا بجحود الوصية، ولا تنعقد في معصية.
الركن الثاني: في الموصي:
ويشترط فيه أهلية التصرف، وتمضي وصية من بلغ عشرا في المعروف
على رأي، ولو جرح نفسه بالمهلك ثم أوصى بطلت، ولو أوصى ثم جرح نفسه
أو قتلها صحت.
ويشترط في موصي الولاية أن يكون أبا أو جدا له، ولو أوصت الأم لم
يصح، ولو أوصت لهم بمال وولاية بطلت في الولاية وفيما زاد على الثلث من
المال.
الركن الثالث: في الموصى له:
ويشترط وجوده، فلا تصح لمعدوم، ولا لميت ظن وجوده، ولا لما تحمله
المرأة.
وتصح للحمل، ويملك إن انفصل حيا، ولو سقط ميتا بطلت، ولو مات بعد
سقوطه فهي لورثته، وتصح للأجنبي والوارث والذمي الأجنبي على رأي، دون
الحربي ومملوك الغير وإن أجاز مولاه أو تشبث بسبب الحرية كالتدبير والكتابة،
نعم لو كان مطلقا وقد أدى شيئا صح بنسبة الحرية وبطل الزائد.
ولو أوصى لعبده، أو مدبره، أو مكاتبه، أو أم ولده، أو مكاتبه المشروط، أو
الذي لم يؤد شيئا صح، ثم يقوم بعد إخراج الوصية أو ما يحتمله الثلث منها، فإن
كان بقدرها عتق ولا شئ له، وإن قصرت قيمته أعتق وأعطي الباقي، وإن كانت
أكثر عتق ما يحتمله واستسعى في الباقي مطلقا على رأي.
ولو أوصى بالعتق وعليه دين قدم الدين وصحت مطلقا على رأي، فإن فضل
شئ عتق ما يحتمله ثلث الباقي، وتنعتق أم الولد من الوصية لا من نصيب الولد
على رأي، فإن قصر عتق الباقي من النصيب.
119

والوصية للذكور والإناث تقتضي التسوية إلا مع التفضيل، وكذا الأعمام
والأخوال على رأي.
والوصية لأقاربه للمعروفين بنسبه، والأقرب للوارث - ويترتبون بترتبه، ولا
يعطي الأبعد مع وجود الأقرب - وللقوم لأهل لغته، ولأهل بيته الأولاد والآباء
والأجداد، وللعشيرة والعترة لأقرب الناس إليه نسبا، وللجيران لمن يلي داره إلى
أربعين ذراعا من كل جهة، والوصية للفقراء تنصرف إلى فقراء نحلته.
ولو مات الموصى له أولا فالأقرب البطلان، وقيل: إن لم يرجع الموصي
فهي لورثة الموصى له، ولو لم يخلف أحدا فلورثة الموصي، ولو قال: أعطوه كذا ولم
يبين الوجه صرف إليه يعمل به ما شاء.
وتستحب الوصية لذي القرابة وارثا كان أولا.
الركن الرابع: في الموصى به: وفيه فصلان:
الفصل الأول: في المعين:
يشترط فيه الملك وإن كان كلب صيد أو ماشية أو حائط أو زرع، لا كلب
هراش، ولا خنزيرا، ولا خمرا.
وخروجه من ثلث التركة أو إجازة الورثة، فإن قصر الثلث بطل الزائد مع
عدم الإجازة، سواء كان عينا أو منفعة، ولو أجاز البعض أخرج بنسبة نصيبه من
الأصل، وبنسبة نصيب غير المجيز من الثلث، ويعتبر الثلث وقت الوفاة، فلو
أوصى بالنصف فأجاز أحد الوارثين أخذ من نصيبه النصف ومن نصيب الآخر
الثلث، وتمضي الإجازة بعد الوفاة وقبلها على رأي، وليس ابتداء عطية.
ولو أوصى بثلث عين فاستحق ثلثاها انصرفت الوصية إلى المملوك، ولو
أوصى بما يقع على المحلل والمحرم انصرف إلى المحلل، وأن لم يكن إلا المحرم
بطلت إن لم يمكن إزالة المحرم.
ولو ضاق الثلث عن الواجب وغيره ولا إجازة بدئ بالواجب من الأصل
120

والباقي من الثلث مرتبا، ولو كان الكل غير واجب بدئ بالأول فالأول، ولو
أوصى بعتق عبد وخرج من الثلث أجبر الوارث على عتقه، فإن امتنع أعتقه
الحاكم، ويحكم بحريته من حين العتق لا الوفاة، والنماء قبله للورثة.
ولو أوصى بعتق رقبة في كفارة أجزأ أقل رقبة مجزئة، فإن أوصى بقيمة
زائدة أخرجت الزيادة من الثلث، ولو أوصى بالمخيرة اقتصر على أقل المراتب،
ولو أوصى بالعليا أخرجت الدنيا من الأصل والزيادة من الثلث، ولو لم تف الدنيا
وما يحتمله الثلث بالعليا أخرجت الدنيا وبطلت الزيادة.
ولو أوصى بالمضاربة بالتركة على أن الربح نصفان بين العامل والوارث
صح.
ولو أوصى بثلثه لواحد وبثلثه لآخر كان رجوعا وعمل بالأخير، ولو اشتبه
أقرع، ولو نص على عدم الرجوع بدئ بالأول، وكذا يبدأ بالأول لو أوصى بثلثه
لزيد وبربعه لآخر وبسدسه الثالث.
ولو أوصى بعتق مماليكه دخل المختص والمشترك، ولا تقويم على رأي،
ولو أوصى بأزيد من الثلث لاثنين فلهما ما يحتمله الثلث، ولو رتب بدئ بالأول
ودخل النقص على الأخير.
ولو أوصى بالنصف فأجاز الوارث ثم ادعى ظن القلة أحلفوا على الزائد، أما
لو أوصى بمعين ثم ادعوا خروجه من الثلث لم يقبل.
ولو أوصى بالثلث مشاعا فللموصى له من كل شئ ثلثه، ولو أوصى بمعين
يحتمله الثلث ملكه الموصى له بالموت والقبول، ولو كان بعض المال غائبا
وقصر الموجود عن الثلث سلم إليه من العين ثلث الموجود، وكل ما حصل شئ
من الغائب أخذ منها بنسبة ثلثه.
ويجب العمل بمقتضى الوصية إذا لم يناف المشروع، وتخرج الوصية من
جميع ما خلف، وتحتسب ديته وإن كانت صلحا عن العمد وأرش الجراح من
التركة.
121

الفصل الثاني: في المبهمة:
إذا أوصى بجزء من ماله فالسبع، وبالسهم الثمن، وبالشئ السدس، وغير
ذلك يرجع إلى الوارث، مثل: الحظ والقسط والنصيب والقليل واليسير والحقير
والجليل والجزيل والكثير.
والقول قول الوارث لو ادعى الموصى له علمه بقصد الموصي.
ولو أوصى بوجوه ونسي الوصي وجها جعل في البر على رأي، وتدخل
حلية السيف فيه، قيل: والجفن.
ولو أوصى بصندوق أو سفينة أو جراب دخل المظروف على رأي، ولو
أوصى بإخراج وارث بطل على رأي، وصح من الثلث على رأي، ولو قال:
أعطوه أحد هذين تخير الوارث، والوصية بالخمس أفضل من الربع، وبالربع
أفضل من الثلث.
وتصح الوصية بالحمل إن جاء لستة أشهر فما دون أو العشرة مع الخلو من
زوج أو مولى لا أزيد، وبما تحمل الأمة والدابة والشجرة.
ولو قال: إن كان في بطنها ذكر فدرهمان وأنثى فدرهم صح، وإن خرجا
فثلاثة، ولو أتى بالذي وخرجا بطلت.
ولو أوصى بالمنفعة مدة أو على التأبيد قومت المنفعة، فإن خرجت من الثلث
وإلا فللموصى له بقدره.
وطريق التقويم في المعينة: أن تقوم العين مسلوبة المنفعة تلك المدة، ثم
تقوم مع المنفعة تلك المدة فتعلم القيمة.
وفي المؤبد: قيل: تقوم العين والمنفعة معا ويخرجان من الثلث، لأن عبدا لا
منفعة له لا قيمة له، وقيل: تقوم الرقبة على الورثة والمنفعة على الموصى له، فإذا
قيل: قيمة العبد بمنفعة مائة، وقيل: قيمته ولا منفعة فيه عشرة، فيعلم أن قيمة
المنفعة تسعون.
وليس لأحدهما التزويج، وللموصى له إجارة العين، فإن أتلفها متلف اشترى
122

بقيمتها مثله.
ونفقة الموصى بخدمته على الوارث، ويتصرف الموصى له في الخدمة،
والورثة في الرقبة ببيع وغيره، ولا يبطل حق الموصى له بالبيع.
ولو أوصى بلفظ مشترك فللورثة الخيار إن كان المعنيان له أو فقدا عنه،
ولو كان له أحدهما تعين إن أضاف، ويحمل الظاهر على ظاهره إلا أن يعين
غيره.
والمتواطئ يتخير الوارث في التعيين بأحد جزئياته، ولهم إعطاء المعيب.
ولو قال: أعطوه رأسا من مماليكي فماتوا إلا واحدا تعين، ولو ماتوا بطلت،
ولا تبطل بالقتل.
ولو أوصى بعتق عبيده ولا شئ غيرهم ولم تجز الورثة عتق ثلثهم بالقرعة،
ولو رتبهم بدئ بالأول فالأول حتى يستوفى الثلث، ولو أوصى بعتق عدد
مخصوص أقرع استحبابا، وللورثة أن يعينوا.
ولو أوصى بعتق مؤمنة وجب، ولو بانت بالخلاف أجزأ، ولو تعذر عتق من
لا يعرف بنصب.
ولو أوصى بعتق رقبة بثمن معين فوجد بأكثر لم يجب وتوقع الوجود، ولو
وجد بأقل عتق وأعطي الفاضل، ولو أوصى بمثل نصيب أحد الورثة أعطي مثل
نصيب الأقل.
المطلب الثاني: في الأوصياء:
يشترط في الوصي: العقل والإسلام والعدالة على رأي - ولو أوصى إلى
عدل ففسق بعد موته استبدل به الحاكم - والحرية إلا أن يأذن المولى، والبلوع
إلا أن يضم إلى الصبي بالغا، ولا ينفذ تصرفه حال صغره وينفذ تصرف الكبير
حتى يبلغ، ولو مات الصبي أو بلغ مجنونا تصرف الكبير مستبدا، وليس للصبي
بعد البلوغ الاعتراض فيما أنفذه البالغ مشروعا.
123

ويصح أن يوصي الكافر إلى مثله، والوصية إلى المرأة، وتعتبر الصفات حال
الوصية، وقيل: حال الموت.
ولو أوصى إلى اثنين وأطلق أو شرط الاجتماع لم يجز الانفراد، ولا يمضي
تصرف أحدهما لو تشاحا بل يجبرهما الحاكم عليه، فإن تعذر استبدل. ولو
مرض أحدهما أو عجز ضم الحاكم إليه معينا، ولو مات أو فسق لم يضم إلى
الآخر، ولو سوع لهما الانفراد جاز تصرف كل منهما منفردا والقسمة، ولو رد
الموصى إليه بطلت إن علم الموصي وإلا فلا، ولو عجز ضم إليه الحاكم، ولو فسق
وجب عزله وإقامة عوضه.
وتصح الوصية بالولاية لمن يستحقها كالوالد والجد له، ولو أوصى بها على
أكابر أولاده لم يجز، ولو أوصى بالنظر في مال ولده وله أب فالولاية للجد دون
الوصي، ولمن يتولى مال اليتيم أجرة مثله.
ولو أوصى إليه بالنظر في شئ خاص لم يتعد غيره، ولو مات بغير وصي
فالولاية للحاكم، ولو تعذر جاز لبعض المؤمنين، ولو أذن للوصي أن يوصي جاز
وإلا فلا على رأي.
والوصي أمين لا يضمن إلا بالتفريط أو مخالفة الموصي، ويجوز له استيفاء
دينه من تحت يده من غير حاكم وإن كان له حجة، وأن يشتري لنفسه من نفسه
بثمن المثل.
المطلب الثالث: في الأحكام:
يجب الوصية على كل من عليه حق، وإنما تثبت الوصية بالولاية بشاهدين
عدلين، ويقبل في الوصية بالمال شهادة واحد مع اليمين، وشهادة أربع نساء في
الجميع، وواحدة في الربع، واثنتين في النصف، وثلاث في ثلاثة أرباع، واثنين
من أهل الذمة.
ولا تقبل شهادة الوصي فيما هو وصي فيه، ولا فيما تجر به الولاية، ولا اعتبار
124

بما يوجد بخطه، وإن عمل الورثة بالبعض لم يجب الباقي.
وإذا أوصى بوصية ثم أوصى بمضادها عمل بالثانية.
ولو قال: أعطوه مثل نصيب ابني أو بنتي، وليس له غيره فالوصية بالنصف،
فإن أجاز اقتسما التركة، وإلا أخذ الثلث، ولو كان آخر فالوصية بالثلث.
ولو قال: مثل نصيب بنتي، ومعها زوجة خاصة وأجازتا فله سبعة من خمسة
عشر وكذا البنت وللزوجة سهم، وإن لم تجيزا فله أربعة من اثني عشر وللزوجة
سهم والباقي للبنت، ولو أجازت إحديهما خاصة ضربت فريضة الإجازة في وفق
عدمها وأخذ من كل منهما بالنسبة.
ولو أوصي له بمثل إحدى زوجاته الأربع مع البنت فله سهم من ثلاثة
وثلاثين، ولو قال: أعطوه مثل ابني مع بنت، فله سهمان من خمسة مع الإجازة،
ومع عدمها الثلث، ولو أجاز أحدهما أخذ من نصيبه الخمسين ومن الآخر الثلث.
ولو أوصى بنصيب ولده احتمل المثلية، والبطلان، ولو أوصى بمثل نصيب
القاتل بطلت، ولو أوصى بضعف نصيبه فهو مثلاه، والضعفان ثلاثة أمثاله على
رأي، وكذا ضعف الضعف.
ولو أوصى بمثل نصيب مقدر لو كان أعطي ما يعطي مع وجوده، فلو كان
له اثنان وأوصى بأن يعطي مثل نصيب ثالث لو كان فله الربع.
ولو أوصى له بعبد ولآخر بتمام الثلث ثم تجدد عيب قبل تسليم العبد،
فللموصى له الآخر التكملة بعد وضع قيمة الصحيح.
ولو انتقل إلى المريض من يعتق عليه بغير عوض عتق وورث، وكذا إن
كان بعوض يخرج من الثلث، وإلا عتق الثلث على رأي وورث بقدره، ولا تبطل
الوصية بالدار ولو صارت براحا.
ولو أوصى للفقراء أعطي ثلاثة فما زاد ولا يجب التعميم، ولو قال: أعطوا
زيدا والفقراء، فلزيد النصف.
125

المطلب الرابع: في تصرفات المريض:
كل تصرف مقرون بالوفاة فهو وصية من الثلث وإن كان صحيحا، وأما
المنجزات الواقعة في مرض الموت المتبرع بها كالهبة والعتق ففيها قولان،
أقربهما أنها من الثلث، ولو برأ لزمت إجماعا، سواء كان المرض مخوفا أو لا على
رأي، ولا اعتبار بوقت المراماة والطلق وتموج البحر.
ولو عاوض المريض بجميع التركة بثمن المثل صح، ولو خصص نصيب
كل وارث في عين فالوجه اعتبار الإجازة، وإن أقر وكان متهما فمن الثلث، وإلا
فمن الأصل، سواء الوارث وغيره، ولو جمع بين المنجزة والمؤخرة قدمت
المنجزة من الثلث، فإن بقي شئ صرف في المؤخرة، فإن تعددت المنجزات
المتبرع بها بدئ بالأول فالأول.
ولو باع الربوي المستوعب للتركة بمساويه جنسا وقيمته الضعف تراد مع
الورثة في ثلث المبيع، ولو باع التركة بمثل نصفها قيمة صح في نصفها في مقابلة
الثمن، وفي الثلث بالمحاباة، ورجع إلى الورثة السدس.
وطريق ذلك: أن تنسب الثمن وثلث المبيع إلى قيمته، فيصح البيع في
مقدار تلك النسبة وهو خمسة أسداسه.
والأقوى عندي صحة البيع في ثلثيه بثلثي الثمن كالربوي، لأن فسخ البيع
في البعض يقتضي فسخه في قدره من الثمن، وكما لا يصح فسخ البيع في
الجميع مع بقاء بعض الثمن، كذا لا يصح في البعض مع بقاء جميع الثمن.
وطريقه: أن تسقط الثمن من قيمة المبيع، وتنسب الثلث إلى الباقي، فيصح
في قدر تلك النسبة وهو ثلثاه بثلثي الثمن.
ولو كان يساوي ثلثين وباعه بعشرة صح في النصف بنصف الثمن، وعلى
الأول يأخذ ثلثي المبيع بجميع الثمن.
ولو أعتق في المرض وتزوج ودخل صح الجميع وورثت إن خرجت من
الثلث، ولو كان قيمتها الثلث وأصدقها مثله ودخل صح النكاح وبطل المسمى،
126

فإن كان مهر المثل مثل القيمة عتق ثلاثة أرباعها ولها ثلاثة أرباع المسمى، ولو
كان مهر المثل نصف القيمة عتق بقدر سبعي التركة ولها سبع آخر بالمهر.
ولو أعتق عبده ولا شئ غيره عتق ثلثه، ولو أعتق ثلث عبده وله ضعفه
عتق أجمع، ولو قضى بعض الديون صح، ولو أوصى لم يصح مع القصور.
ولو أعتق ثلاث إماء وليس غيرهن أقرع، فإن تجدد حمل لمن أخرجتها
القرعة بعد الإعتاق فهو حر لا قبله.
ولو أعتق أحد الثلاثة ولا شئ سواهم أقرع، فإن مات أحدهم أقرع بينه
وبين الباقين، فإن خرجت القرعة عليه مات حرا، وإلا رقا، ولا يحتسب من
التركة ويقرع بين الحيين.
والاعتبار بقيمة الموصى بعتقه بعد الوفاة، وبالمنجز عتقه عند الإعتاق،
والتركة بأقل الأمرين من حين الوفاة إلى حين القبض.
ولو أعتق العبد المستوعب فكسب مثل قيمته عتق نصفه وله نصف كسبه،
لأنه لا يحتسب عليه ما حصل له من كسبه، لاستحقاقه بحرية الجزء لا من جهة
سيده، ولو اكتسب مثلين عتق ثلاثة أخماسه وله ثلاثة أخماس الكسب، ولو كان
على السيد دين يستغرق القيمة والكسب فلا عتق، ولو كسب مثل قيمته وعلى
السيد مثلها صرف نصفه ونصف كسبه في الدين وعتق ربعه وله ربع كسبه
وللورثة الباقي.
ولو أعتق المستوعب وقيمته عشرة، ثم كسب عشرة ومات قبل مولاه، فله
شئ من نفسه ومن كسبه مثله لولده، ولسيده شيئان يساويان ماله من نفسه،
فيقسم العشرة أثلاثا: للابن ثلثها، وللسيد الثلثان، وعلم عتق ثلثه.
ونكاح المريض مشروط بالدخول، فإن مات قبله بطل ولا مهر ولا ميراث،
وإن دخل استقر المهر والميراث.
ويكره أن يطلق، فإن فعل ورثته إلى سنة في البائن والرجعي ما لم يبرأ أو
تتزوج بغيره، ويرثها هو في الرجعية ما دامت في العدة، ولا ترثه في اللعان، ولا
127

في الخلع والمباراة، ولا مع سؤالها، ولا إذا كانت أمة وقت الطلاق ثم أعتقت أو
ذمية فأسلمت.
ولو ادعت وقوعه في المرض قدم قول الوارث مع اليمين.
ولو طلق أربعا وتزوج بأربع ودخل بهن ورث الثماني الثمن بالسوية.
ولو كاتب المريض صح من الثلث، فإن خرج صحت وانعتق بالأداء فإن
لم يكن سواه صحت في ثلثه وبطلت في الباقي، ولو كاتب في الصحة ثم أعتقه أو
أبرأه في المرض من مال الكتابة اعتبر الأقل من قيمته ومال الكتابة، فإن خرج
الأقل من الثلث عتق، وإن قصر الثلث عتق بقدره وسعى في باقي الكتابة، فإن
عجز استرقوا بقدر الباقي.
128

تلخيص المرام
كتاب الهبات وتوابعها
وفيه فصول:
الأول:
تفتقر الهبة إلى الإيجاب والقبول والقبض وجواز تصرف الواهب. ولو وهب
ما في ذمته له صح وإن أنكر، ولا يصح لغيره، ولو مات الواهب قبل القبض
بطلت، ولو قبض الموهوب من غير إذنه فلا أثر، ولا يفتقر ما هو في يد الموهوب
ولا هبة الأب والجد للطفل إلى تجدد قبض - ويفتقر في غيرهما وإن كان وليا -
ويتولاه الولي، وهبة المشاع وقبضه جائزان إلا المبهم، ولو وهب الاثنين وقبضا
صح، ولو قبض أحدهما صح فيه.
ويكره تفضيل بعض الأولاد في العطية، ورجوع أحد الزوجين في هبته
للآخر، ويستحب العطية للنسب وتتأكد في العمودين، والتسوية بين الأولاد فيها،
وتلزم بالقبض إن كانت للأبوين إجماعا، ولذي الرحم على رأي، وبه
وبالتفويض - وإن قل، أو الهلاك أو التصرف على رأي - للأجنبي، ولو باع بعد
اللزوم لم يصح، وكذا في الأجنبي مع عدم الشروط قبل الرجوع، ولو كانت
فاسدة صح، وكذا لو باع مال مورثه ولا يعلم موته.
ولو شرط العوض صح ولو كان مطلقا، وله الرجوع ما لم يدفع المشترط
ولا يجبر الموهوب على دفعه، ولو تلفت أو عابت حينئذ لم يضمن الموهوب على
129

رأي، ولو رجع بعد حجر الموهوب لإفلاس فهو أحق.
ولا يشترط في القبض التعجيل، ويملك به، فالنماء قبله للواهب، ويقبل قوله
مع اليمين في الهبة وترك القبض ولو أقر به ورجع لم يقبل وإن كان في يده،
وقيل: يقبل قوله في إنكار القبض لو قال: وهبته وملكته، وهو صحيح إن كان
مالكا أو توهم صحته، ولو رجع بعد العيب فلا أرش، وبعد النماء المنفصل
فللموهوب والمتصل للواهب.
وحكم الهدية حكمها في الافتقار إلى الإيجاب والقبول والقبض، ويجوز
إعطاء الغنم بالضريبة مدة من الزمان بذهب أو فضة ويكره باللبن والسمن.
الثاني:
يفتقر الوقف إلى الإيجاب وهو " وقفت " خاصة، وفي غيره لا بد من القرينة
ويدين بالنية، وكذا في " حبست " و " سبلت " على رأي، والقبول والقبض
والدوام والتنجيز وعدم المشاركة وجواز تصرف الواقف، وكون الموقوف عليه
ممن له أهلية الملك معينا، وأن لا يكون الوقف عليه محرما، وكذا لا يكون ممن
ينقرض غالبا، ومعه يكون حبسا، وأن يكون الموقوف عينا مملوكة معينة يصح
إقباضها والانتفاع بها مع بقائها.
وكل ما صح تملكه والانتفاع به مع بقائه صح وقفه، وفي الأثمان قولان،
ويصح وقف المشاع، ولو وقف أحد الشيئين لم يصح، ويدخل في وقف الشاة
صوفها ولبنها الموجودان، ولو وقف ما لا يملك صح مع الإجازة على رأي.
والوقف لازم مع شروطه ناقل، ويصح أن يجعل النظر لنفسه ولغيره، فإن
لم يذكر فللموقوف عليه، ولو وقف على المعدوم تبعا للموجود صح، ولو عكس
صح على الموجود ولغا الأول على رأي، وكذا في من لا يملك مع من يملك،
وينصرف إلى الموقوف عليه في الحال، سواء كان المذكور أولا لا يمكن اعتبار
انقراضه - كالمعدوم والمجهول - أو يمكن كالعبد.
130

والوقف على المساجد والقناطر صحيح لأنه وقف على المسلمين، ولو
وقف على البيع والكنائس وكتابة التوراة والإنجيل - إلا من الكافر - ومعونة
الفاسقين، أو وقف وشرط قضاء ديونه أو نفقته، أو شرط نقله عن الموقوف عليه
إلى من سيوجد، أو إخراج من يريد، أو وقف الآبق أو المدبر، أو على الحمل قبل
انفصاله، أو على المملوك، أو قال: وقفت، ولم يذكر الموقوف عليه لم يصح.
ولو وقف على الكافر غير الحربي جاز.
ومن وقف على الفقراء انصرف إلى فقراء نحلته، وعلى المسلمين للمصلي إلى
القبلة، وعلى المؤمنين أو الإمامية الاثني عشرية وعلى الشيعة لمن قدم عليا عليه السلام
، وعلى الزيدية للقائل بإمامة زيد، وعلى الهاشميين لمن انتسب إلى هاشم
من جهة الأب على رأي، وكذا على كل من انتسب إلى شخص أو بلد لا يشاركه
غيره فيه الذكر، والأنثى سواء إلا أن يفضل، وعلى الجار لمن يلي داره من أربعين
ذراعا.
ولو وقف على مصلحة فبطلت انصرف إلى وجوه البر، ولو وقف على
وجوه البر انصرف إلى ما يتقرب به، وإذا وقف على الأقرب فهو بمنزلة الميراث،
إلا أن من يتقرب بسببين أولى، وقبضه قبض أولاده الأصاغر، ولو وقف على
الفقراء وصار منهم شاركهم، ولو شرط العود عند الحاجة فهو حبس، ولو شرط
إدخال من يريد معهم صح - ولا يصح من دون الشرط - وإن كان الوقف على
أولاده الصغار.
ولا يشترط القبول في الوقف على المصلحة ويقبضه المتولي لها، وفي الوقف
على الفقراء ينصب قيم للقبض، ويلزم وقف المسجد والمقبرة بصلاة واحد أو
دفنه، ولا يكفيان من دون الوقف، ولو أعتق عبدا وقف حصته منه لم يصح،
وكذا لو أعتقه الموقوف عليهم، ولو أعتق الشريك حصته لم يقوم عليه الوقف.
ونفقة المملوك الوقف على الموقوف عليهم على رأي، ولو جنى عمدا
اقتص منه، وليس للمجني استرقاقه ولو كانت خطأ تعلقت بكسبه على رأي، ولو
131

استحق الأرش أو قصاص النفس فللموجودين، ولو استحق الدية أخذت من
الجاني للموجودين على رأي.
ويجوز بيع الوقف عند وقوع الخلف الموجب للخراب، وبدونه لا يجوز
وإن كان أنفع، ولو وقف على سبيل الله فهو لمصالح المسلمين، ولو وقف على
مواليه وله موالي من أعلى وأسفل ولم يعلم القصد تشاركوا بناء على إرادة معنى
المشترك منه، والحق عندي خلافه.
ولو وقف على أولاده لم يدخل أولاد الأولاد، ولو قال: على أولادي وأولاد
أولادي، اختص بالبطنين، ولو وقف مسجدا فخرب وخربت القرية لم يعد إلى
الملك، بخلاف الكفن إذا أكل الميت السبع فإنه للورثة، ولو صارت الدار
عرصة لم يخرج عن الوقف.
ويعتبر في الوقف وصرف فائدته شروط الواقف، فلو أسهم الأنثى بشرط
عدم التزويج فتزوجت لم يكن لها حق، فإن طلقت عاد حقها، ولو عطف بعض
الموقوف عليه على بعض بما يقتضي التشريك مطلقا تشاركوا، وإن عطف بما
يقتضي الترتيب ترتبوا، فيصرف حصة الميت في الأول إلى كل الموجودين، وفي
الثاني إلى المتقدمين.
ولو وقف على أولاد أولاده فهو أولاد البنين والبنات، ولو قال: على من
انتسب إلي، فهو لأولاد البنين على رأي، ولو قال: على أولادي فإذا انقرض أولاد
أولادي فعلى الفقراء، كان انقراض أولاد الأولاد شرطا وليس لهم حصة على
رأي.
وينصرف الوقف على الفقراء أو العلويين أو غيرهم من المنتشرين إلى
الموجودين في البلد، ولا يتبع من غاب، ولو آجر الأول ثم مات بطلت الإجارة.
ووطء الموقوف عليه للأمة حرام، والولد حر ولا قيمة، ولا تصير أم ولد على
رأي، والواقف كالأجنبي في الوطء، ويجوز تزويجها، والمهر والولد - من عبد أو
زنا أو مع شرط الرق - للموجودين.
132

وتفتقر السكنى والصدقة إلى الإيجاب والقبول والقبض، ولا يجوز الرجوع
فيهما بعده، ومن شرط الصدقة نية القربة، وتحرم الواجبة على بني هاشم إلا منهم،
أو على مواليهم، وتجوز على الذمي، والسر أفضل إلا مع التهمة.
ويجوز جعل السكنى مدة عمر أحدهما أو زمنا معينا، ولو قال: أعمرتك
الرقبة لعقبك، أو قال: لك سكنى هذه الدار ما شئت أو ما حييت، فهي عمري غير
ناقلة ولا تبطل بالبيع، ولا اعتبار بموت من قرنت السكنى بصاحبه، فلورثة
الساكن السكنى إن قرنت بالسكنى، وله بعده إن قرنت به، ولو أطلق رجع متى
شاء، والإطلاق يقتضي أن يسكن بأهله وأولاده ولا يجوز غيرهم ولا يؤجره إلا
بشرط.
ويجوز إعمار ما يجوز وقفه، وحبس الفرس في سبيل الله، والغلام في خدمة
البيت والمسجد، ولا يجوز تغييره ما دامت العين، ولو حبس على رجل مطلقا أو
مدة رجع بعد موته أو انقضائها.
الثالث:
الوصية تفتقر إلى الإيجاب والقبول، وأن يكون الموصي جائز التصرف، وأن
يكون الموصى به مملوكا، ووجود الموصى له وحريته أو كونه رقا له، وتنتقل
بالوصية وموت الموصي والقبول، ولو رد في حياة الموصي وقبل: بعده لزمت،
وإن رد بعد الموت والقبض وقبل القبول، ثم قبل بطلت، ولو رد بعد الموت
والقبول وقبل القبض لزمت على رأي، ولو قبل البعض صح فيه.
وللوارث القبول لو مات، فلو أوصي له بالجارية وولدها منه ومات وقبل
الوارث، لم ينعتق على الموصى له ولا على الوارث إلا أن يكون ممن ينعتق عليه
ويرث إن لم يقسم التركة، وقيل: للبالغ عشرا الوصية بالمعروف، ولو جرح
مهلكا ثم أوصى بطلت، ولو أوصى ثم قتل نفسه صحت.
وللأب والجد الوصية بالولاية على الأطفال دون غيرهما. فلو أوصت أمه
133

بشئ ونصبت وصيا مضت من الثلث وبطلت الولاية، وتبطل الوصية في المعصية،
وكذا لو أوصى الذمي ببناء كنيسة أو بيعة أو صرف شئ في كتابة التوراة
والإنجيل، وتصح لو أوصى لأهل ملته.
وللموصي الرجوع، ولو أخرج الموصى به عن ملكه أو غير العين فهو
رجوع، كطحن الطعام، أما تغيير الصفة مع بقائها فليس برجوع، كسحق
الخبز، ولا تمضي الوصية في الأعيان والمنافع فيما زاد على الثلث، إلا مع الإجازة
بعد الموت إجماعا، وقبله على رأي، أو تكون الوصية بالواجب، ولو أجاز البعض
مضى في حصته، وكلما قلت كان أفضل.
ولا يجوز تغيير الوصية بالحق، وإنما يعتبر الثلث وقت الوفاة، فلو أعسر
بعدها فلا اعتبار بالمتقدم، وكذا العكس، وتجب ديته وأرش جراحته من تركته،
ويبدأ في المتعدد بالأول فالأول، ومع الاشتباه القرعة، ولو أوصى بثلث ولآخر
بربع بطل الأخير، ولو كان بثلث بطلت الأولى، ولو أوصى بعتق مماليكه
اشترك المختص والمشترك، فإن لم يكن سواهم أعتق ثلثهم بالقرعة يبدأ
بالأول فالأول، ولو أعتق عددا استخرج بالقرعة، ولو أعتق مملوكه وليس له
سواه أعتق ثلثه ويستسعي، وكذا لو أعتق ثلثه، ولو كان له سواه عتق كله في
الموضعين.
ولو أوصى بعتق المؤمن تعين، ومع التعذر يحرر من لا يعرف بنصب أو من
بان أنه غيره، ولو أوصى بعتق رقبة بثمن معين فوجد بأزيد يوقع الوجود، ولو
كان بأنقص أعتق وأعطي الباقي.
ولو أجاز الورثة وصية النصف ثم ادعوا ظن القلة صدقوا باليمين، أما لو
كانت الوصية بالعين فلا التفات، ولو أوصى بالثلث مشاعا فللموصى له الثلث من
كل شئ، ولو كان معينا بقدره فهو له، ولو كان بعض المال غائبا أعطي من
الموصى به ما يحتمل ثلث الموجود، فإن تلف من الغائب شئ نقص بحسابه، ولو
أوصى بثلث شئ وخرج الباقيان مستحقين فالوصية بالمملوك، ولو أوصى بما
134

يطلق على المحلل والمحرم انصرف إلى المحلل، ولو أوصى بالمحرم صفته، فإن
أمكن زوالها صحت على رأي، وإلا بطلت.
ولو أوصى بالجزء فهو السبع وقيل: العشر، وبالشئ السدس، وبالسهم
الثمن، وبغيرها من المبهم يرجع إلى الوارث والقول قوله مع يمينه إذا أنكر ما عينه
الموصى له من قصد الموصي.
ولو نسي الوصي بعض الوجوه صرف في البر على رأي، قيل: ولو أوصى
بالسيف والجراب والسفينة والصندوق دخل الحاوي والمحوي، ولو أوصى
بإخراج بعض ولده بطلت على رأي، ولو أوصى بالمضاد عمل بالأخيرة، ولو
أمكن الجمع جمع، ولو قال: إن كان في بطنها ذكر فله درهمان وإن كان أنثى
فدرهم، واجتمعا فثلاثة، ولو أتى بالذي بطلت، وتقوم المنفعة الموصى بها وتخرج
من الثلث، ونفقة العبد الموصى بخدمته للأجنبي على الورثة، ولا تبطل ببيعه ولا
عتقه وعليه الخدمة ولا رجوع، ولو قتل قيل: يشترى بقيمته عبد كهيئته، وقيل:
للورثة، وكل لفظ يغلب فيه أحد المعنيين يحمل عليه، وما يتساوى يرجع إلى
الورثة، ولو أوصى بعبد مطلقا، فماتوا إلا واحدا تعين، ولو مات بطلت، بخلاف
القتل.
وتجوز الوصية للأجنبي والوارث والذمي، لا الحربي، وللحمل وتستقر
بالانفصال حيا، وبه إن جاء لدون ستة أشهر، وتبطل لما زاد عن عشرة، وما بينهما
تصح إن لم يكن لها زوج أو مالك، والنماء المتجدد، ولمكاتب الغير فيما
انعتق.
ولا تثبت إلا بعدلين ومع الضرورة يقبل أهل الذمة، ويقبل في المال واحد
ويمين أو امرأتان، وشهادة الواحدة في الربع والاثنين في النصف وهكذا...، ولو
أشهد عبدين على أن الحمل منه وإنهما معتقان فردت، ثم أعتقا وشهدا قبلت
ورجعا رقين، ويكره استرقاقهما.
ولا تقبل شهادة الوصي فيما هو وصي فيه ولا فيما تخرج به الوصية من
135

الثلث، ولو أوصى لعبده بقدر الثلث فبقيمة الثلث أعتق، وأعطي الموصى به الورثة،
ولو نقصت رد عليه ولو زادت سعى في الباقي مطلقا على رأي، ولو أوصى المدين
بعتق المملوك، قدم الدين وأعتق من الثلث، ولو أوصى لأم ولده بشئ أعتقت منه
لا من النصيب، ولو أوصى للأولاد أو للأعمام والأخوال تساووا، إلا مع الشرط.
والوصية للقوم لأهل اللغة، ولذوي القربى للمعروفين بنسبه، وللعشيرة
للأقرب نسبا، ولأهل البيت الأولاد والآباء والأجداد، وللذرية للأولاد وأولاد
الأولاد، وللعترة كذلك، والجيران كالوقف، ومن أوصى للفقراء فهو لفقراء
ملته.
ولو مات الموصى له أولا ولم يرجع، قيل: الوارث ومع عدمه تبطل، ولو
قال: أعطوه كذا، ولم يعين الوجه صرف إليه ليعمل ما شاء.
ولو أوصى للقرابة شمل الوارث وغيره، ولو كان للأقرب فهو للوارث،
ويترتبون ترتبه.
ولو أوصى إلى العدل ففسق بعد موته أو إلى المملوك بغير إذن مولاه أو إلى
الصبي منفردا أو إلى الكافر من المسلم أو رد الموصى إليه وعلم الموصي أو أوصى
بالنظر في مال ولده الكبير أو الصغير وله أب، بطلت.
ولو أوصى إلى الصغير مع الكبير تصرف الكبير إلى البلوغ فيشارك،
ولا ينقض الماضي الجائز، ولو مات أو بلغ مجنونا لم يضم الحاكم آخر.
ولو أوصى إلى اثنين مطلقا أو مجتمعين لم يجز الانفراد، ويجبرهما الحاكم،
فإن تعذر استبدل، ولا تجوز القسمة بينهما إلا أن يشترط الانفراد، ولو عجز أحدهما
ضم إليه الحاكم، ولو مات أحدهما أو فسق بطلت وصيته ولا تضم إلى الآخر،
ويستبدل في من فسق بعد الموت إذا كان واحدا، ولو مات الموصي قبل العلم
بالرد لزمت.
والوصي أمين، ويجوز له استيفاء دينه وشراؤه من نفسه، ولو أذن له أن
يوصي جاز إجماعا، ومع عدم الإذن على الخلاف، ولو لم يكن وصي نظر
136

الحاكم، ولو قال: أوصيت إليك فإذا مت أنت فوصي فلان، أو: أوصيت إليك
فمن أوصيت أنت إليه فهو وصي، أو: متى أوصيت إلى فلان فهو وصيي، صح
الجميع.
وتختص الولاية بمن يخصصه الموصي، ولو أوصى إلى الصبي أو المجنون
أو العبد، ومات بعد زوال الصفات صح على رأي، وإنما تصح الوصية على من
عليه الولاية كالولد الصغير، ولمتولي أموال اليتيم أخذ الأجرة.
ولو أوصى لزيد والفقراء فهو نصفان، ولو صارت الدار براحا لم تبطل
الوصية بها، ولو أوصى للفقراء أو قال: أعتقوا عبيدا، فهو للجمع، ولو أوصي له
بمن ينعتق عليه وهو مريض فقبل انعتق من الأصل إجماعا، ولو أوصى بعبد
ولآخر بتمام الثلث ثم غاب فللأخير تمام الثلث بعد وضع قيمته صحيحا، وكذا
لو مات، ولو أوصى بمثل نصيب ولده الواحد فالنصف، ولو أوصى بمثل نصيب
أحدهم أعطي مثل نصيب الأضعف، ولو أوصى بنصيب ولده فهو المثل على
رأي، ولو أوصى بمثل نصيب القاتل بطلت، ولو أوصى بضعفه فهو مثلاه،
وبضعفيه أو ضعف الضعف فهو ثلاثة أمثاله على رأي، ولو قال: أعطوه مثل
إحدى زوجاتي الأربع مع بنت فله سهم من ثلاثة وثلاثين ولهن أربعة، ولو قال:
مثل نصيب بنتي مع الزوجة، وأجازتا، فله سبعة من خمسة عشر وللزوجة سهم.
وفي منجزات المريض خلاف، ولو برأ لزمت إجماعا، ولو جمع بينها
وبين المؤخرة قدمت المنجزة، فإن بقي من الثلث شئ صرف في المؤخرة.
ولو باع الربوي بمثله وقيمته الضعف ولا تركة سواه تراد مع الورثة من
الثلث، ولو باع عبدا قيمته مائتان بمائة رد السدس وله الخيار، ولو طلب فسخ
البيع وثلث المحاباة أو شراء السدس لم يجب القبول.
ولو أعتق وتزوج ودخل مضى في الثلث، ولو كان قيمتها الثلث مائة مثلا
وأمهرها آخر صح النكاح وثبت مهر المثل، لأنه كالأرش ويبطل المسمى لتوقفه
على العقد المتوقف عن العتق فيدور، ومهر المثل لا يتوقف فإذا كان قدره مائة
137

مثلا، عتق ثلاثة أرباعها، فلها من مهر المثل بإزائه يدفع منه ما يقابل الربع إلى
الورثة فيستقر لهم مع الثمن مائة وخمسون ولها خمسون.
ولو قال لأجنبي أوصى له بثلث، عقيب وصيته لوارث بآخر: إن لم يجز
الورثة فلك ثلث الوارث، صح له الثلث مطلقا، ولو قال: مثل نصيب ابني مع
بنت، وإن أجازا له، فله سهمان مثل الابن وللبنت واحد، وإن لم يجيزا، فله ثلاثة من
تسعة، وإن أجاز الابن فله سبعة عشر من خمسة وأربعين وللبنت عشرة، ولو
أجازت البنت، فله ستة عشر ولها تسعة.
ولو أوصى بخدمة الجارية فاتت بولد رق فهو للورثة ولا خدمة عليه على
رأي، ولو وطئت بشبهة فالمهر للورثة على رأي، ولو لم يكن له عبيد وقال: أعطوه
عبدا من عبيدي، بطلت، ولو قال: من مالي، أشتري له، ولو كان له جاز أن
يشترى على التقدير الثاني لا الأول، ولو قال: أعطوه إبلا، تخير الورثة بين الذكر
والأنثى، ولو قال: خمسة من الإبل، تعينت الذكور.
ولو أوصى بعتق عبد فاشتري بعين تركته أجمع وأعتق وظهر دين، بطل
العتق والشراء، وإن كان في الذمة صح وعتق عن الموصي ولزمهم الثمن، وإن
نفذوا التركة ضمنوا، ولو تصدق بثلث ماله ثم اشترى أباه بآخر لم ينعتق عليه،
بل على الوارث إن كان ممن ينعتق عليه على رأي.
الرابع:
يعتبر في الإقرار جواز تصرف المقر، وكون المقر له ممن له أهلية التملك.
والإقرار للعبد إقرار للمولى، ولو أقر للبهيمة لم يصح، ولو قال: نسيتها،
قيل: هو للمالك، ولو أقر للميت وعين الوارث ألزم التسليم إليه، ولو قال: هذا
وصي الوارث لم يقبل، ويقبل إقرار المحجور عليه للسفه في غير المال، ويتبع
العبد بما يقر به بعد الإعتاق إلا أن يؤذن له في التجارة ويقر بما يحتاج إليه فيها،
فيؤخذ مما في يده إلا أن يكون أكثر، فيتبع به بعد العتق.
138

ويقبل إقرار المريض للوارث والأجنبي من الثلث مع التهمة، والإقرار
بالمرهون، ولا تبطل الرهانة، ولا يقبل الإقرار بالبلوغ والحيض إلا ممن يمكن فيه
ذلك ولا دور، ولو أنكر فلا يمين، وإلا استلزم ثبوتها عدمها، ولو أقر للحمل وولد
لدون ستة أشهر منه صح، فإن كانا اثنين تساويا، فإن ولدت أحدهما ميتا اختص
به الآخر، ولو كان واحدا وسقط ميتا وفسر السبب بالميراث رجع إلى باقي
الورثة وإن فسر بالوصية فهو لوارث الموصي، ولو أبهم طولب بالتعيين.
ولو علق الإقرار بالشرط بطل، ولو قال: إن شهد فلان فهو صادق لزم في
الحال، ولو قال: له علي ألف إذا جاء رأس الشهر أو عكس لزم.
وإطلاق الإقرار يقتضي نقد البلد ووزنه، ولو تعدد رجع إليه، ولو عطف
الدرهم على الآخر لزمه اثنان إلا أن يكون ب‍ " بل "، أما لو قال: له قفيز حنطة بل
قفيز شعير، لزمه القفيزان، ولو قال: له قفيز بل قفيزان، لزمه قفيزان، ولو قال: له
درهم فوق درهم أو مع درهم أو قبل درهم أو بعد درهم، لزمه واحد، ولو قال:
له هذا العبد أو هذا الثوب رجع في التعيين إليه مع اليمين، وللحاكم انتزاعه إن
أنكر المقر له وإبقاؤه في يده.
ولا يلزم دخول الظرف في الإقرار، ولو قال: له عبد عليه عمامة، فهو إقرار
بهما، بخلاف: له دابة عليها سرج، ولو قال: بعتك أباك، فحلف الولد انعتق
ولا شئ، ولو قال: ملكت هذا من فلان أو غصبته أو قبضته منه، فهو إقرار، بخلاف
تملكته على يده، ولو أقر بالدين المشهور للآخر لم يلتفت وغرم، ولو أقر بالعين
في يد الغير فلا غرم، ولو أخبر عن الماضي لزمه، والإقرار بالإقرار إقرار، ولو أقر
بالمبهم حبس حتى يبين، ولو فسر بأقل مما يتمول قبل، ولو قال: له أكثر مما
لفلان، ألزم به وبالزائد عليه، ويرجع إليه في تفسيره، ولو ادعى ظن القلة قبل،
ولو قال: له دراهم، ألزم بثلاثة، ولو قال: ألف ودرهم أو درهمان، يرجع في
الألف إليه، ولو قال: ألف وثلاثة دراهم أو مائة درهم أو خمسون درهما،
فالجميع دراهم، ولو قال: كذا، ألزم التفسير، فإن فسر بالدرهم " نصبا "
139

فعشرون و " جرا " مائة على رأي، ولو " ركب ونصب " فأحد عشر، ولو " عطف
ونصب " فأحد وعشرون، هذا إذا كان عارفا، ولو قال: ألف إلا درهما، فالكل
دراهم على رأي، ولو أقر بدرهم في وقتين لم يتكرر إلا مع اختلاف السبب.
ولو أقر لأحد رجلين وعين صح، وللآخر إحلافه ولو رجع ضمن، ولو
جهل اختصما وعليه اليمين لو ادعى أحدهما علمه، ولو أقر بما في يده لزيد صح،
فإن قال: بل هو لفلان، غرم للثاني، وكذا لو قال: غصبته من فلان بل من فلان،
ولو قال: غصبته من فلان وهو لفلان، لزم تسليمه إلى المغصوب منه ولا يضمن
ولا يحكم بالملك للمقر له، وكذا لو قال: هو لزيد غصبته من عمرو، ولو قال: له
علي كذا من ثمن خمر أو خنزير، لزم، ولو قال: له علي ألف من ثمن مبيع، ثم
قال بعد سكوت: لم أقبضه، أو قال: له علي ألف، ثم قال بعد سكوت: من ثمن
مبيع لم أقبضه، فهما سواء على رأي، ولو اتصل الجميع قبل على قول.
ولو أقر بالبيع وقبض الثمن ثم ادعى المواطاة كان له الإحلاف، أما لو
شهدت البينة بمشاهدة البيع والقبض بطلت دعواه، ولو قال: له في ميراث أبي أو
منه مائة، فهو إقرار، ولو قال: في ميراثي أو من ميراثي منه، فليس بشئ، وكذا لو
أضاف بما يوجب التملك كقوله له: هذه داري، إلا أن يقول: بحق واجب أو
سبب صحيح وشبهه، ولو قال: له في الدار مائة، قبل ويرجع إليه في التفسير مع
اليمين، ولو أقر له بعبد فأنكر، بقي على الرقية المجهولة المالك.
ولو قال: عليك ألف، فقال: رددت أو قبضت أو أبرأته أو أجله أو نعم أو
أجل أو بلى أو أنا مقر به، فهو إقرار بخلاف أنا مقر، ولو قال: أليس عليك ألف؟
فقال: " بلى "، فهو إقرار بخلاف " نعم "، ولو استثنى الجميع بطل، ولو قال: له
درهم ودرهم إلا درهما قيل: تفريعا على العود إلى الجملتين يصح وعلى العدم
يبطل، وهو غلط في الحكم والعلة.
ولو قال: عشرة إلا درهما، فهو بتسعة ولو " رفع " فهو بعشرة، ولو قال:
ماله عندي عشرة إلا درهما، فليس بإقرار، ولو " رفع " فهو بدرهم، ولو قال:
140

عشرة إلا اثنين إلا واحدا، فهو بتسعة، ولو قال: إلا واحدا إلا واحدا، فهو ثمانية،
ولو قال: إلا اثنين وإلا واحدا، فهو سبعة، ولو قال: عشرة لا بل تسعة، فهو عشرة،
ولو قال: ما بين الواحد والعشرة، فثمانية، ولو قال: من الواحد إلى العشرة، فتسعة
على رأي، ولو قال: له هذه العبيد إلا واحدا، رجع إليه في التعيين مع اليمين.
وإطلاق الدرهم يصرف إلى نقد البلد وقت الإقرار، وإن تعدد فالأغلب وإن
تساوى فسر، ولو قال: له هذه الدار وهذا البيت لي، متصلا قبل، ولو قال: له
ألف درهم إلا ثوبا سقط عنه قيمة الثوب على رأي، ولو قال: له هذا البيت إلا
بناءه، بطل الاستثناء لدخوله في المعنى وعود الاستثناء إلى اللفظ.
وليس الإقرار بالولد إقرارا بزوجية أمه، ولو أقر بعتق عبد غيره فأنكر ثم
اشتراه عتق، ولو مات العبد فللمشتري أخذ الثمن من تركته إن لم يكن وارث،
ولو أقر لميت وادعى وصية زيد على ولده لم يؤمر بالتسليم إليه، ولو قال: له
عندي وديعة وهلكت، لم يقبل، أما لو قال: كان، قبل، ولو قال: اشتريت أو
كفلت أو ضمنت بالخيار، ثبت دون الخيار، ولو قال: له ألف ناقصة أو معيبة،
قبل، ولو قال: مؤجلة، قيل يقبل للاتصال، وقيل: لا، لأنه دعوى لا صفة، ولو
قال: له علي ألف، ودفع إليه وقال: هذه التي أقررت بها كانت وديعة، فأنكر،
فالمصدق المقر، وكذا لو قال: لك في ذمتي ألف، ودفع وقال: هي وديعة وهذه
بدلها، ولو قال في الأخيرة: هذه التي أقررت بها كانت وديعة، فالمصدق المقر
له، ولو قال: له درهم درهم، لزمه واحد، فإن عطف فاثنان، ولو قال: له درهم
ودرهم ودرهم، لزمه بالأولين اثنان مطلقا وبالثالث آخر إلا أن يقصد التأكيد
ويصدق.
ولو صدق الوارث ادعاء العبد المعتق والمدين دعوى الدين ولا مال ولا بينة
فلا سبيل إلى العبد، ولو صدق الوارث الواحد مدعي وداعة التركة ومدعي
مساويها في ذمة الميت دفعة، ففي تقديم الوديعة نظر، ولو قال: له علي أو على زيد
كذا، فليس بإقرار، ولو أتى (بالواو) فهو بالنصف، وفي قوله: على أو على الحائط
141

نظر.
ولو اقتسم الثلاثة الوارث التركة وصدق الأكبر مدعيها والأوسط في ثلثيها
والأصغر في الثلث، دفع إليه ما في يد الأكبر وثلثا ما في يد الأوسط وثلث ما في يد
الأصغر، ولو قال: له درهم في عشرة، وأراد الضرب فهو عشرة وإلا فدرهم، ولو
أقر بالمتساويين في مجلس فهما واحد ويدخل الأقل في الأكثر لو تفاوتا إلا أن
يختلفا جنسا أو سببا.
ويقبل إقرار المولى بجناية العبد الخطأ دون الحد والقصاص والطلاق، ولو
ادعى المقر الصغير وقت الإقرار حلف المقر له، ولو أقر العربي بالعجمية أو
بالعكس وادعيا عدم المعرفة قبل مع اليمين.
ولا يثبت الإقرار بنسب الولد إلا مع الإمكان والجهالة وعدم المنازع،
ولا يشترط التصديق في الصغير، وفي الكبير على الخلاف، ولا يقبل إنكاره بعد
البلوغ ولا في المجنون ولا الميت، وفي غير الولد يعتبر مع ذلك التصديق، ولا
يتعدى التوارث إلى غيرها إلا إلى أولادهما، ولو أقر الولد بآخر وأقرا بثالث وكانا
مرضيين، ثبت نسبه، ولو أنكر الثالث الثاني لم يثبت نسب الثاني، ويأخذ السدس
والأول الثلث والثالث النصف، ولو كان الأولان معلومي النسب فلا اعتبار
بإنكاره، وكل وارث منفرد أقر بآخر مساو، شاركه، وإن كان أولى اختص،
وكل وارث مشارك أقر بآخر مضى في حقه، فللزوجة مع الإخوة الثمن إذا أقرت
بالولد وللولد باقي حصتها، ولو مات مجهول فأقر آخر ببنوته ثبت نسبه وإن كان
كبيرا ذا مال ويرثه المقر.
ولا يثبت النسب إلا بشهادة عدلين، ولو أقر الأخوان بابن للميت ثبت النسب
مع عدالتهما وأخذ الميراث، ومع فسقهما له المال ولا نسب ولا دور، ولو أقر
باثنين أولى منه متساويين وتناكرا بينهما، لم يلتفت إلى الإنكار في مال الميت
ولا يثبت نسبهما، ولو أقر بأولى وأعطاه ثم أقر بأولى منهما، فإن اعترف الثاني
دفع وإلا ضمن الأول، ولو كان الثاني مساويا وصدق الأول قاسمه وإلا غرم المقر
142

النصف، ولو أقر بزوج لذات الولد أعطاه ربع نصيبه، ولو أقر بآخر بطل، فإن
كذب نفسه في الأول ضمن للثاني، وكذا فيما زاد عن الأربع في الزوجات، إلا أنه
إذا أقر بواحدة أخذت الثمن، ولو أقر بأخرى فلها نصف الثمن، ولو أقر بثالثة فلها
الثلث، ولو أقر بالرابعة فلها الربع، ولو أقر بهن فلهن الثمن بالتساوي.
ولو أقر ببنوة ابن أمته لحق به إن لم يكن لها زوج، ولو أقر بابن إحدى أمتيه
وعين صح، وعليه اليمين إن ادعت الأخرى أن ولدها هو المقر به، ولو مات قبل
التعيين أقرع.
143

الدروس الشرعية
كتاب الهبة
وهي عقد، ثمرته تمليك العين منجزا مجانا مجردا عن القربة، فتخرج
العارية والإجارة والوصية والبيع وشبهه والصدقة بأنواعها.
ويعبر عنها ب‍ " وهبت وملكت وأهديت ونحلت وأعطيت " وتسمى نحلى و
" هذا لك " مع القصد في ذلك كله.
ويشترط أهلية الواهب بما مر في الواقف، وأهلية الموهوب له كذلك
والقبول منه أو من وليه.
ولا يصح تعليق العقد على شرط أو صفة.
والقبض شرط في اللزوم لا في الصحة في ظاهر الشيخين وجماعة، وقال
الحلبي: هو شرط للصحة، واختاره المتأخرون إلا الفاضل في المختلف، ونقله ابن
إدريس عن المعظم مع اختياره الأول، والروايات متعارضة، فلو مات الواهب
قبل الإقباض بطلت على الثاني وتخير الوارث في الإقباض على الأول، والنماء
يتنزل كذلك، وكذلك العبد الموهوب بالنسبة إلى الفطرة لو لم يقبضه المتهب
قبل الهلال، ولعل الأصحاب أرادوا باللزوم الصحة فإن في كلامهم إشعارا به،
فإن الشيخ قال: لا يحصل الملك إلا بالقبض وليس كاشفا عن حصوله بالعقد،
مع أنه قائل بأن الواهب لو مات لم تبطل الهبة، فيرتفع الخلاف.
وهبة المشاع جائزة وإن أمكنت قسمته لقول النبي صلى الله عليه وآله لمن
145

باعه سراويل: زد وأرجح، وهو هبة للراجح المشاع.
وتستحب تسوية الولد في العطية وأن تفاوتوا في الذكورة والأنوثة، ويكره
التفضيل فلو فعل استحب الفسخ مع إمكانه، ولا تبطل الهبة ولا يجب
الاسترجاع.
وهبة الدين للمديون إبراء ولغيره تمليك تلزم بالقبض عند الشيخ وابن
إدريس، وقيل بالفساد لعدم إمكان قبض الدين إذ المقبوض متعين، وعلى الصحة
يشترط القبول، أما الإبراء فأفتى الشيخ وابن إدريس باشتراط القبول فيه حذرا من
المنة، وقوى الشيخ عدم الاشتراط لقوله تعالى: " وإن تصدقوا خير لكم ".
ويستحب قبول الهدية لقوله صلى الله عليه وآله: لو أهدي إلي كراع لقبلت،
كما يستحب فعلها لقوله صلى الله عليه وآله: تهادوا تحابوا، وعن علي عليه السلام
: هي للإخوان أفضل من الصدقة.
ويجوز الرجوع في الهبة قبل القبض مطلقا ولا يجوز بعده لولده الصغير
إجماعا ولا باقي الأقارب على الأقوى لصحيحة محمد بن مسلم عن الباقر عليه السلام
، وبإزائها رواية المعلى بن خنيس عن الصادق عليه السلام، وفي طريقها
ضعف، أما الزوجان فكره الشيخ في المبسوط منهما، والمروي المنع، وهبة
الأجنبي مع الثواب لا رجوع فيها وكذا مع التصرف المتلف أو المخرج عن
الملك.
وفي التصرف بالوطئ والقصارة ونجارة الخشب خلاف أقربه أنه مانع من
الرجوع، وأما التصرف بالركوب والسكنى واللبس فظاهر الشيخ في النهاية
وابن إدريس أنه مانع أيضا، والروايات: في بعضها لا رجوع مع القبض وفي
بعضها يرجع في غير القريب والمنيب، وفي صحيح الحلبي يرجع إذا كانت
قائمة بعينها، وفي المبسوط روى الأصحاب أن المتهب متى تصرف في الهبة فلا
رجوع فيها.
ولو حملت بغير تصرف فرجع الواهب فالحمل للمتهب، وكذا يتصرف إن
146

جوزنا الرجوع، وأطلق ابن حمزة جواز الرجوع في الحمل لأنه جزء من الأم.
والظاهر أن موت المتهب مانع من الرجوع، وفي المبسوط الواهب أولى من
غرماء المفلس واختاره الفاضل.
والهبة المطلقة لا تقتضي الثواب وإن كان المتهب أعلى، وأطلق في المبسوط
اقتضاءها الثواب وفسر كلامه بإرادة اللزوم بالثواب، وقال الحلبي: الهدية
للأعلى، تلزم العوض عنها بمثلها، ولا يجوز التصرف فيها قبله، ولو رضي الواهب
بدونه جاز، ولو شرط الثواب وعينه تخير المتهب بينه وبين رد العين، وظاهر ابن
الجنيد تعيين العوض كالمبيع، وإن أطلق صرف إلى المعتاد عند الشيخ كما
يصرف إليه لو لم يشرط الثواب، وقال ابن الجنيد عند إطلاق شرط الثواب
الاختيار أن يعطيه حتى يرضى كما فعل النبي صلى الله عليه وآله بمهدي اللقوح،
ولو امتنع المتهب من الإثابة رجع الواهب ولو تلفت العين حينئذ أو نقصت
ضمنها المتهب.
ولو باع الواهب الهبة فسد البيع في كلما ليس له الرجوع فيه، وفي صحته
فيما له فيه الرجوع خلاف، فأفسده الشيخ لعدم مصادفة البيع الملك، وعلل
القائل بالصحة بتضمن البيع الرجوع، نعم لو كانت الهبة فاسدة صح البيع إن
علم بفسادها، وإن جهل فكذلك عند الشيخ كما لو باع مال مورثه فصادف
ملكه، وقد يفرق بينهما بالقصد إلى صيغة صحيحة في مال المورث بخلاف
الموهوب.
درس [1]:
قبض الولي وقبوله بعد إيجابه للمولى عليه كاف وإن كان وصيا خلافا
للشيخ فيه، ولو وهب ابنته البالغ في حضانته لم يكف قبضه عنها، خلافا لابن
الجنيد، ولو وهبه ما في يده، قوى الشيخ في المبسوط أن الإذن في القبض غير
شرط لأن إقرار يده عليه بعد العقد دليل على رضاه بالقبض لكن يشترط مضي
147

زمان يمكن فيه القبض، وأنكر ذلك المحقق، ولا فرق بين الغاصب وغيره.
وقبض المشاع يعتبر فيه إذن الشريك وإن كان غير منقول، فلو وكل
المتهب الشريك في القبض صح، وإن تعاسرا نصب الحاكم أمينا لقبض
الجميع، نصفه أمانة ونصفه للمتهب، وفي المبسوط: غير المنقول تكفي فيه التخلية
عن إذن الشريك، وفي المختلف: تكفي التخلية في المنقول أيضا، وهو مفارق
لقاعدته في القبض واعتذاره بأن عدم القدرة شرعا تلحقه بغير المنقول ممنوع،
لأنا نتكلم على تقدير التمكن من الحاكم أما مع عدم التمكن منه فما قاله حسن.
ويشترط في القبض إذن الواهب، وإن كان في المجلس فقبضه بغير إذنه لم
يعتد به عندنا، ولو رجع في الإذن صح ما لم يكن قبض، ولو اختلفا في التقدم
والتأخر، فإن اتفقا على زمان أحدهما واختلفا في الآخر قدم قول مدعي التأخر،
وإن اختلفا في الزمانين احتمل تقديم الراجع لتكافؤ الدعويين والشك في
الملك، وهل يجعل دعوى الرجوع في الإذن حيث تبطل الدعوى رجوعا في
الهبة حيث يصح الرجوع؟ يحتمل ذلك لتضمنه، وعدمه لأن الفاسد يفسد ما
تضمنه.
أما لو رجع في الإذن بعد القبض، فإنه لا يفيد الرجوع في الهبة مع
احتماله.
ولو أقر الواهب بالهبة والإقباض حكم عليه وإن كان في يده، ما لم يعلم
كذبه، فلو ادعى المواطاة أحلف المتهب على وقوع القبض لا على عدم المواطاة،
ولو قال: وهبته وخرجت منه إليه، فليس بصريح في الإقباض لإمكان حمله على
الإذن في القبض، ولو قال: وهبته وملكته، ثم قال: لم أقبضه، وحلف لجواز
اعتقاده الملك بالعقد، كما يظهر من كلام بعض الأصحاب، وصرح الشيخ هنا
- وهو منهم - بالحوالة على قول بعض العامة بالملك بالعقد، وهذا دليل على
قبول كلام الشيخ: إن القبض شرط في اللزوم للتأويل، كما مر دفعا للتناقض
بين كلاميه.
148

ولو رجع الواهب بعد نقص العين فلا أرش له إلا في هبة الثواب، وإن
رجع بعد زيادتها زيادة متصلة كالسمن فللواهب، لأن هذا النماء يتبع الأصل،
وإن انفصلت كالثمرة فهي للمتهب.
ولو رجع بعد إجارة العين أو تزويجها أو إعارتها جاز، ولو كان بعد الكتابة
والرهن روعي العجز في المكاتب وافتكاك الرهن في صحة الرجوع، قالهما في
المبسوط، وحكم بأن كل موضع للواهب الرجوع فيه فللمتصدق تطوعا
الرجوع، وقال بعض الأصحاب: لا يرجع في الصدقة لأن الغرض بها القربة وقد
حصلت.
قال: ولو أهدي إليه شيئا فمات فللمهدي استرجاعه، وإن مات المهدي
فلوارثه الخيار لأنه لا يملكها بالوصول إليه إنما يملكها بالعقد، نعم يكون إباحة
للتصرف حيث يكون متصورا، فلو كانت جارية لم يحل له وطؤها لأن
الاستمتاع لا يحصل بالإباحة، فمن أراد تمليك المهدي إليه وكل رسوله في
الإيجاب والإقباض، ويحتمل عدم الحاجة إلى الإيجاب والقبول لفظا، ويكفي
الفعل الدال عليهما، لأن الهدايا كانت تحمل إلى النبي صلى الله عليه وآله، ولم
ينقل أنه راعى العقد، ويبعد حمله على الإباحة لأنه كان يتصرف فيه تصرف
الملاك، وعلى هذا الناس في سائر الأعصار والأمصار.
والأقرب صحة هبة الحمل واللبن في الضرع والصوف على ظهور الأنعام و
قبضها بقبض حاملها، أما هبة شاة من قطيع أو بعض من ثوب لم يعينه الواهب
فالأقرب المنع فيه، نعم تصح هبة نصف الصبرة المجهولة وكلها إلا أن يعلمه
المتهب ويجهله الواهب فالمنع أولى، وكذا لو وهبه ما فيه غرر كملك لا يعلم
أحدهما موضعه ولا حدوده وحقوقه لاختلاف الأغراض في ذلك.
والرقاع المنفذة إلى الغير يجوز له التصرف فيها كالهدية إلا أن يعلم إرادة
المنفذ إعادتها، ولو مات المنفذ إليه جاز لوارثه التصرف، وهل تقع موروثة؟ فيه
نظر من إجرائه مجرى الهدية ويكون فيها الكلام السالف، ومن أنه يعد إباحة وقد
149

اقترن باليد فهو كسائر المباحات، نعم ينبغي نية التمليك فيها.
وهبة المجهول مطلقا فاسدة، وفي هبة بيضة الدجاجة قبل انفصالها احتمال،
أقربه الجواز إذا جرت العادة بالانفصال بعد الهبة بغير تجدد شئ آخر، والإبراء من
المجهول جائز عند الشيخ، فلو ذكر قدرا فصادف الثبوت صح، ولو علمه المبرأ
خاصة لم يبرأ إلا مما يعتقده المبرئ.
150

المسائل لابن طي
كتاب العطايا
وفيه مقاصد:
الأول: في الهبة:
وفيه مسائل:
مسألة [1]: يكفي في الهدية الدفع.
مسألة [2]: الصبي إذا بلغ عشرا تصح هبته ووصيته بالمعروف على
المشهور.
مسألة [3]: هل تصح هبة الثواب على المعرفة أم لا؟
الجواب: لا يصح هبة الثواب على الواجب ويصح على المندوب.
مسألة [4]: لو أهدى إلى غيره هدايا بسبب التوصل إلى غرض كالتزويج
وغيره لم يملك ذلك العوض ويجب عليه رده.
مسألة [5]: لو أذن لغيره في أخذ غرس مثلا من كرمه ملكه ولا رجوع، ولو
أخذه بحسن الظن هل يملكه إذا غرسه وإن لم يعلم صاحبه أم لا؟ وعلى تقدير ألا
151

يملكه هل يضمن قيمة الغرس وقت أخذه أو لا؟
الجواب: لا يجوز تناول شئ من ذلك إلا بإذن صاحبه، فإن أخذه فهو
لصاحبه بعينه.
مسألة [6]: إذا جاء الطفل بشئ على سبيل الهدية فهل تجب على المهدي
إليه أن يستخبر من الطفل ممن هو؟ وإذا قال الطفل: هذا من عندنا، أو ما قال شيئا
إلا ظنا أنه هدية هل يتصرف فيه أو لا؟
الجواب: لا بد من اختياره في ذلك كله والعلم بذلك ولو بالقرينة.
مسألة [7]: لو شرط العوض وأطلق دفع ما شاء، وإن قل قال: الإطلاق
ينصرف إلى قيمة ذلك الموهوب، وقال في الشرائع أيضا: لو تلف أو عاب
الموهوب لم يضمن، قال: يضمن، وكذا لو تصرف يضمن؟ نعم.
مسألة [8]: لو وهب الوصي الطفل شيئا وقبض عنه لزم أن عوض أو تقرب.
مسألة [9]: للواهب الرجوع في هبة الأجنبي إذا خلت عن العوض وإن
تصرف الموهوب وسواء خرجت عن ملكه أم لا؟ قال: لا رجوع.
مسألة [10]: الفرق بين النحلة والهبة أن النحلة تشتمل المنافع والأعيان
والهبة بالأعيان.
مسألة [11]: إذا وهب أحد الزوجين صاحبه ماله في ذمته لزم وأن لم يعوض
ولم يتقرب لأنه ينصرف إلى الإبراء.
152

مسألة [12]: هبة العقار وقبضه الإذن في التصرف فيه، أما ما ينقل فلا بد من
القبض فيه ولا يكفي التخلية.
مسألة [13]: قال: المجهول المطلق لا تصح هبته، أما المجهول من بعض
الوجوه كصبرة مجهولة القدر يجوز هبتها.
مسألة [14]: لو وهبه ملكه وملك غيره صح في ملكه ووقف في ملك غيره
على الإجازة، وكذا سائر العقود.
مسألة [15]: لو قال: خذ هذا الشئ، فأخذه ويغلب على ظنه أنه أعرض عنه
هل يملكه بذلك أم لا يتصرف فيه؟ نعم يملكه، ولو مات لا يجب عليه رده إلى
وارثه بعد تصرفه.
مسألة [16]: لو قال لغيره: أبرأتك مما في ذمتك، فقال: ما أقبل وأنا
أعطيك حقك، فهل يبرأ بذلك وإن كره أم لا؟
قال دام ظله: إن شرطنا القبول لم يصح الإبراء وإلا صح، هذا في حق
الحاضر دون الغائب والميت فإنهم يبرأوا مع عدمه.
مسألة [17]: لو قال لمن عليه حق: أبرئ ذمتي، فقال له: أنت في حل أو قد
جعلتك في حل، وقصد الإبراء برئ ذلك الذي عليه الحق.
مسألة [18]: لا يجوز تأخير القبول عن الهبة بخلاف القبض يجوز تأخره.
مسألة [19]: أقسام العطايا ثلاثة أو أمروية أهلها العطية المنجزة في الحياة
153

المقتضية تسويغ عموم التصرفات وهي الهبة، لكنها إن خلت عن العوض سميت
هبة، وإن انضم إليها حمل الموهوب من مكان إلى مكان الموهوب له إعظاما له
وتوفير تسميت هدية، وإن انضم إليه كون التمليك من المحتاج وتقربا إلى الله
تعالى وطلبا لثوابه فهي صدقة، فامتازت الهدية عن الهبة بالنقل والتحويل من
موضع إلى موضع، ومنه إهداء الفراش إلى الحرم ولهذا لا يدخل لفظ الهدية في
العقارات وما أشبهها من الأمور الممتنع نقلها، فلا يقال أهدي إليه دارا أو عقارا أو
يقال هبة. مسألة [20]: قال في " التذكرة ": وتصح هبة المجهول على الأقوى، وقال
بعضهم بالتفصيل إذا كان الواهب هو الجاهل لا يصح وإلا صح.
مسألة [21]: كل عين يصح بيعها يصح هبتها لأن الهبة تمليك، وإنما
يفترقان في العوض وعدمه، فيصح هبة المشاع كما يصح بيعه، ولا يصح هبة
الآبق والضال لأن الإقباض شرط في صحة الهبة.
مسألة [22]: لو قال: تصدقت عليك بهذا الشئ، ولم يذكر القربة هل
يكون هذا اللفظ قائم مقام القربة أو يكون كالهبة له الرجوع فيها؟
الجواب: لا بد من نية القربة ولا حاجة إلى اللفظ.
مسألة [23]: الصدقة الواجبة محرمة على النبي صلى الله عليه وآله، وعلى
الأئمة عليه السلام، وعلى بني هاشم، والأقرب تحريم المندوبة على النبي والأئمة
عليه السلام لعلو منصبهم وزيادة شرفهم وترفعهم، فلا يليق بمنصبهم قبول
الصدقة لأنها تسقط المحل من القلوب، أما باقي الشرفاء فالمشهور أن المندوبة
تحل لهم لأصالة الإباحة.
154

نعم تحل لهم الصدقة الواجبة إذا لم يحصل لهم قدر كفايتهم من الخمس
دون النبي صلى الله عليه وآله ودون الأئمة عليه السلام.
أما الكفارة فيحتمل تحريمها على الجميع لأنها واجبة فأشبهت الزكاة،
والأقرب الجواز للأصل وانتفاء المانع، فإنها ليست زكاة ولا هي أوساخ الناس،
ويجوز أن يأخذوا من الوصايا والنذور للفقراء. هذه المسألة من " التذكرة ".
155

كتاب الإقرار
157

الخلاف
كتاب الإقرار
مسألة 1: إذا قال: له عندي مال جليل، أو عظيم، أو نفيس، أو خطير، لم
يتقدر ذلك بمقدار، وأي مقدار فسره به كان مقبولا، قليلا كان أو كثيرا، وبه قال
الشافعي.
وإن قال: له عندي مال كثير، فإنه يكون إقرارا بثمانين على الرواية التي
تضمنت بأن الوصية بالمال الكثير وصية بثمانين.
ولم يعرف تفسير " كثير " بما قلناه أحد من الفقهاء.
واختلف أصحاب أبي حنيفة في الألفاظ الأولة:
فمنهم من قال: لا يقبل منه بأقل من عشرة دراهم، وهي مقدار نصاب القطع
عندهم.
ومنهم من قال: لا يقبل منه أقل من مائتي درهم، وهو مقدار نصاب الزكاة.
وكان أبو عبد الله الجرجاني من أصحاب أبي حنيفة يقول: نص أبو حنيفة
على ذلك، وقال: إذا أقر بأموال عظيمة يلزمه ستمائة درهم.
وقال مالك: يقبل منه ثلاثة دراهم فما فوقها، وهي نصاب القطع عنده.
وقال الليث بن سعد: يلزمه اثنان وسبعون درهما.
دليلنا على ذلك: أنه لا دليل على مقدار مقطوع به، وما يفسره به مقطوع
به، فوجب الرجوع إليه، وأن الأصل براءة الذمة.
159

وأما تفسير " الكثير " فعليه إجماع الطائفة.
وروي في تفسير قوله تعالى: لقد نصركم الله في مواطن كثيرة، أنها كانت
ثمانين موطنا، وهذه الآية دليل الليث بن سعد، غير أنه قال: اثنين وسبعين، فإنه
ذكر أنها كانت اثنين وسبعين موطنا.
وروي عن النبي عليه السلام أنه قال: لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب
نفس منه، وهذا المقر إذا فسر إقراره بمقدار ما، وجب أن لا يطالب بأكثر منه،
لظاهر الخبر، وليس لأحد أن يقول بأن دانقا لا يسمى عظيما، وذلك أنه قد يكون
ذلك عظيما في حال الضرورة.
ويحتمل أن يكون أراد عظيما بالإضافة إلى ما هو دونه.
ويحتمل أن يكون أراد عظيما عند الله، لأنه يستحق العقاب بجحوده، قال
تعالى: وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم، وقوله تعالى: وإن كان مثقال حبة من
خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين.
وروي عن عائشة أنها قالت: كان رسول الله ينهانا عن المحقرات، ويقول:
أن لها من الله طالبا.
وروي عن ابن عباس أنه قال: كلما عصى الله به كان عظيما.
وإذا احتمل هذه الوجوه وجب الرجوع إلى تفسيره بما أراد.
مسألة 2: إذا قال: لفلان على مال أكثر من مال فلان، ألزم مقدار مال الذي
سماه، وقبل منه تفسيره في الزيادة قليلا كان أو كثيرا، وإن فسر الكل بمثل ماله
لم يقبل ذلك منه.
وقال الشافعي: يقبل منه إذا فسره بمثل ماله من غير زيادة.
دليلنا: أن هذه اللفظة موضوعة في اللغة للزيادة، لأن أمثلة أفعل من كذا
تفيد مساواته له، والزيادة عليه، وأما من غير زيادة لا يقال أنه أكثر منه، والرجوع
في مثل ذلك يجب أن يكون إلى اللغة.
160

فأما حمل أكثر على أن المراد به أنفع، أو أبرك، فإنه ترك للظاهر.
مسألة 3: إذا قال: له علي دراهم، فإنه يلزمه ثلاثة دراهم.
وإن قال: دراهم عظيمة، أو كثيرة، أو خطيرة، فعلى ما مضى من الخلاف.
وقال الشافعي: يلزمه ثلاثة على الأحوال كلها.
وفي الناس من قال: يلزمه درهمان.
دليلنا: إن أقل الجمع ثلاثة على ما بيناه في أصول الفقه، وأبطلنا قول من
يقول أن أقله اثنان.
مسألة 4: إذا قال: له علي ألف ودرهم، لزمه درهم، ويرجع في تفسير
الألف إليه.
وكذلك إن قال: مائة ودرهم، أو عشرة ودرهم، أو ألف دينار، أو ألف
وعبد، فإن جميع ذلك كالألف. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: إن عطف على الألف من المكيل أو الموزون كان ذلك
تفسيرا للألف، وإن عطف عليها غير المكيل والموزون لم يكن تفسيرا لها.
دليلنا: أنه صريح فيما زاد على الألف، والألف مبهم، فيجب أن يرجع إليه
في تفسيره.
ولأن الأصل براءة الذمة، وما يفسره مقطوع به، وما لم يصرح به يحتاج
إلى دليل.
فأما إذا قال: له عندي مائة وخمسون درهما، فإنه يكون الكل دراهم، لأن
الخمسين أفادت الزيادة ولم تفد التفسير والتمييز.
وقوله: درهما في آخر الكلام يفيد تفسيرا وتمييزا، فوجب أن يكون تمييزا
وتفسيرا لجميع العدد.
ومن الناس من قال: أن المائة تكون مبهمة، وقوله: وخمسون درهما يكون
161

قوله درهما تفسيرا للخمسين دون المائة، لأنها جملة أخرى.
والصحيح هو الأول. وبه قال أكثر أصحاب الشافعي.
وبالثاني قال أبو علي بن خيران، وأبو سعيد الإصطخري.
وقوله: ألف ودرهم مفارق لذلك، لأن قوله ودرهم لا يكون مفسرا للألف،
لأن فيه واو العطف، والمفسر لا يكون بواو العطف.
مسألة 5: إذا قال: لفلان على ألف ودرهمان، كان مثل قوله: ألف
ودرهم، وقد مضى.
وإن قال: ألف وثلاثة دراهم، كان ذلك مفسرا للألف، لأن فيه واو
العطف.
وكذلك إذا قال: له ألف وخمسون درهما، أو ألف ومائة درهم، أو مائة
وثلاثة دراهم، أو مائة وخمسون درهما، أو مائة وخمسة عشر درهما، أو خمسون
وألف درهم، أو خمسون ومائة درهم، أو خمسة وعشرون درهما في كل ذلك
يكون مفسرا للجميع وبه قال أبو إسحاق المروزي، وأكثر أصحاب الشافعي.
وقال أبو علي بن خيران، وأبو سعيد الإصطخري: أن التفسير يرجع إلى ما
وليه، والأول على إبهامه.
وعلى هذا قالوا: لو قال: بعتك بمائة وخمسين درهما، كان البيع باطلا،
لأن بعض الثمن مجهول.
وعلى قول أبي إسحاق: يصح البيع، لأن الجميع معلوم، وهذا هو
الصحيح.
دليلنا: أن الزيادة الثانية معطوفة بالواو على الأولة، فصارت بمنزلة جملة
واحدة، فإذا جاء بعد ذلك التفسير والتمييز وجب أن يكون راجعا إلى الجميع،
ويفارق ما قلناه في ألف ودرهم، وألف ودرهمان، لأن تلك زيادة، وليس
بتفسير، فلا يجوز أن يجعل الزيادة في العدد تفسيرا على أنا بينا أن التفسير لا
162

يكون بواو العطف، فلا يصح ذلك فيه.
مسألة 6: إذا قال: لفلان على درهم ودرهم إلا درهما، فإنه يلزم درهم
واحد.
وقال الشافعي نصا: أنه يلزمه درهمان.
وفي أصحابه من قال: أنه يصح الاستثناء، ويلزمه درهم واحد.
وكذلك إذا قال: أنت طالق طلقة وطلقة إلا طلقة، يقع طلقة واحدة، وعلى
قول الشافعي يقع طلقتان.
دليلنا: أن الجملتين إذا كان بينهما حرف العطف كانتا بمنزلة الجملة
الواحدة، فهو بمنزلة أن يقول: لفلان على درهمان إلا درهم، أو أنت طالق طلقتين
إلا طلقة، فإنه يكون إقرارا بدرهم، وتقع طلقة واحدة فكذا هاهنا.
مسألة 7: إذا قال غصبتك ثوبا في منديل كان إقرارا بغصب الثوب دون
المنديل. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: يكون إقرارا بهما.
دليلنا: أنه يحتمل أن يكون أراد (في منديل لي) فلا يلزمه إلا الثوب، كما
لو قال: له عندي ثوب في منديل، أو تمر في جراب.
أو قال غصبتك دابة في إصطبل، أو نخلا في بستان، أو غنم في ضيعة ولا
فرق بينهما.
مسألة 8: إذا قال: لفلان عندي كذا درهما، فإنه يكون إقرارا بعشرين
درهما. وبه قال محمد بن الحسن.
وقال الشافعي: يكون إقرارا بدرهم واحد.
دليلنا: أن ذلك أقل عدد ينصب الدرهم بعده فيجب حمله عليه.
163

مسألة 9: إذا قال: له عندي كذا كذا درهما، يلزمه أحد عشر درهما. وبه
قال محمد بن الحسن.
وقال الشافعي: يلزم درهم واحد، وإنما كرر.
دليلنا: أن ذلك أقل عددين ركبا ونصب بعدهما الدرهم، فوجب حمله
عليه.
مسألة 10: إذا قال: له عندي كذا وكذا درهما، لزمه أحد وعشرون درهما.
وبه قال محمد بن الحسن.
وللشافعي فيه قولان:
أحدهما: أنه يلزمه درهم واحد.
والثاني: أنه يلزمه درهمان.
دليلنا: أن ذلك أقل عددين عطف أحدهما على صاحبه، ونصب بعدهما
الدرهم.
مسألة 11: إذا قال: له على كذا درهم، لزمه مائة درهم. وبه قال محمد بن
الحسن.
وقال الشافعي: يلزمه أقل من درهم واحد، ويفسره بما شاء.
وفي أصحابه من قال: يلزمه درهم واحد، وهو غلط عندهم.
دليلنا: أن ذلك أقل عدد يخفض بعده الدرهم، فوجب حمله عليه.
مسألة 12: إذا أقر بدين في حال صحته، ثم مرض، فأقر بدين آخر في حال
مرضه، نظر، فإن اتسع المال لهما استوفيا معا، وإن عجز المال قسم الموجود على
قدر الدينين. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: إذا ضاق المال، قدم دين الصحة على دين المرض، فإن
164

فضل شئ صرف إلى دين المرض.
دليلنا: قوله تعالى: من بعد وصية يوصى بها أو دين، ولم يفضل أحد
الدينين على الآخر، فوجب أن يتساويا فيه.
وأيضا فإنهما دينان ثبتا في الذمة، فوجب أن يتساويا في الاستيفاء، لأن تقديم
أحدهما على الآخر يحتاج إلى دليل.
مسألة 13: يصح الإقرار للوارث في حال المرض. وبه قال أبو عبيد،
وأبو ثور، وعمر بن عبد العزيز، والحسن البصري، وهو أحد قولي الشافعي.
والقول الآخر أنه لا يصح. وبه قال مالك، وأبو حنيفة، وسفيان الثوري،
وأحمد.
وقال أبو إسحاق المروزي: المسألة على قول واحد، وهو أنه يصح إقراره.
دليلنا: أنه لا مانع يمنع منه، والأصل جوازه.
وأيضا قوله تعالى: كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو
الوالدين والأقربين، والشهادة على النفس هو الإقرار، وذلك عام في جميع
الأحوال، لكل أحد، والتخصيص يحتاج إلى دلالة.
وأيضا قوله تعالى: قالوا أقررنا قال فاشهدوا، وهذه أيضا عامة.
وعلى المسألة إجماع الفرقة.
مسألة 14: إنا قد بينا أن الإقرار للوارث يصح، وعلى هذا لا فرق بين حال
الإقرار وبين حال الوفاء، فإنه يثبت الإقرار. وكل من قال: لا يصح الإقرار
للوارث، فإنما اعتبر حال الوفاة كونه وارثا لا حال الإقرار، حتى قالوا: لو أقر
لأخيه وله ابن، ثم مات الابن ومات هو بعده، لا يصح إقراره لأخيه. ولو أقر
لأخيه وليس له ولد، ثم رزق ولدا، صح إقراره له، لأنه حال الموت ليس
بوارث.
165

وقال عثمان البتي: الاعتبار بحال الإقرار، فإن أقر لأخيه وليس له ابن لم
يصح إقراره وإن رزق ولدا بعد ذلك ثم مات، لأنه كان في التقدير وارثا حال
الإقرار. وإن أقر لأخيه وله ابن صح الإقرار له وإن مات ابنه قبله ثم مات هو.
وهذا الفرع ساقط عنا، لما قدماه من أن الإقرار للوارث يصح على كل
حال، بل الوصية للوارث عندنا صحيحة على ما سنبينه فيما بعد، وعلى ذلك
إجماع الطائفة.
مسألة 15: إذا كانت له جارية، ولها ولد، فأقر في حال مرضه بأن ولدها
ولد له منها، وليس له مال غيرها قبل إقراره وألحق الولد به، سواء أطلق ذلك أو
بين كيفية الاستيلاد لها في ملكه، أو في ملك الغير، بعقد أو شبهة.
وأما الجارية فإنها تصير أم ولده على كل حال أيضا، إلا أنها تباع في الدين
إذا لم يخلف غيرها، فإن خلف غيرها شيئا قضي منه الدين وانعتقت هي على
الولد، وإن بقي شئ من الدين استسعيت فيما بقي من الدين.
وقال الشافعي: لا يخلو إما أن يبين كيفية الاستيلاد أو يطلق.
فإن بين ففيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أن يقول: استولدتها في ملكي. فعلى هذا القول يكون الولد حر
الأصل، ولا يكون عليه ولاء، ويثبت نسبه، وتصير الجارية أم ولده، وتعتق بموته
من رأس المال، فإن كان هناك دين قدم عليه، لأنه لو ثبت بالبينة لقدم عليه
فكذلك إذا ثبت بالإقرار.
وإن قال: استولدتها في ملك الغير بشبهة، فإن الولد حر الأصل، وهل
تصير الجارية أم ولده؟ على قولين.
وإن قال: استولدتها بنكاح. فإن الولد قد انعقد مملوكا، وعتق عليه لما
ملكه، ويثبت عليه الولاء، والجارية لا تصير أم ولده، خلافا لأبي حنيفة.
وإن أطلق، ولم يعين حتى مات، فالولد حر في جميع الأحوال، ولا ولاء
166

عليه.
والجارية فيها خلاف بين أصحابه:
منهم من قال: لا تصير أم ولده، وتباع في ديون الغرماء.
ومنهم من قال: تصير أم ولده.
دليلنا: إجماع الفرقة على أن إقراره جائز، وأن الولد يلحق بالحرية على
كل حال، وعلى أنها تباع في الدين، وأنها تنعتق على الولد إذا ملكها، وذلك
يأتي على التفصيل الذي ذكرناه.
مسألة 16: إذا أقر بحمل وأطلق، فإن إقراره باطل على ما قاله الشافعي في
كتاب الإقرار والمواهب، وهو قول أبي يوسف.
وذكر في كتاب الإقرار: أن بالحكم الظاهر أنه يصح. وبه قال محمد،
وأصحاب أبي حنيفة ينصرون قول أبي يوسف.
فالمسألة على قولين على مذهب الشافعي.
والأولى أن نقول: أنه يصح إقراره، لأنه يحتمل أن يكون إقراره من جهة
صحيحة مثل ميراث أو وصية، ويحتمل أن يكون من جهة فاسدة، والظاهر من
الإقرار الصحة، فوجب حمله عليه.
مسألة 17: إذا أقر العبد بما يجب عليه به الحد - مثل القصاص والقطع
والجلد - لم يقبل إقراره.
وقال جميع الفقهاء: يقبل إقراره.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأخبارهم قد ذكرناها في الكتاب الكبير.
مسألة 18: إذا أقر العبد بالسرقة، لا يقبل إقراره، ولا يقطع. وعند الفقهاء
يقبل ويقطع.
167

ولا يباع في المال المسروق.
وعند الشافعي فيه قولان.
دليلنا: ما قدمناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 19: إذا قال: لفلان على ألف درهم. فجاء بألف، فقال: هذه التي
أقررت لك بها كانت لك عندي وديعة، كان القول قوله. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: يكون ذلك للمقر له، وله أن يطالبه بالألف التي أقر بها.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، ولا يعلق عليها شئ إلا بدليل.
وأيضا قوله: لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب من نفسه، يدل عليه.
فإن قيل: لفظة " على " تقتضي الإيجاب في الذمة بدلالة أنه إذا قال: الألف
الذي على فلان على، كان ذلك ضمانا، فدل على أنها تقتضي الإيجاب في الذمة،
فإذا كان كذلك فقد ألزم نفسه في الذمة مالا، فجاء بمال آخر، فلم يسقط ما ألزم
في الذمة، كما لو أقر بثوب، فأتاه بعبد، فإن العبد يكون له، وله المطالبة بالثوب.
قيل لهم: لفظة " على " وإن كانت تقتضي الإيجاب، فقد يكون الحق في
الذمة، فيجب عليه تسليمه بإقراره، وقد يكون في يده، فيجب عليه رده وتسليمه
إلى المقر له بإقراره، فبأيهما فسره كان مقبولا، كما إذا قال: على ثوب لفلان.
كان عليه أن يعينه من أي نوع شاء، فإذا عينه كان القول قوله فيه.
ألا ترى أنا أجمعنا على أنه إذا قال: لفلان على ألف درهم وديعة. قبل ذلك
منه، فلو كان قوله: لفلان على ألف. يقتضي الذمة، لوجب أن لا يقبل تفسيره
بالوديعة، لأنه أقر بألف ثم عقبه بما يسقطه، فلما أجمعنا على قبول تفسيره بذلك،
دل ذلك على ما ذكرناه.
على أن حروف الصفات يقوم بعضها مقام بعض، بدلالة قوله تعالى: ولهم
على ذنب فأخاف أن يقتلون، يعني: عندي. وقوله: ولأصلبنكم في جذوع
النخل، يعني: على جذوع النخل. فيجوز أن يكون قوله: " على " يريد به عندي.
168

وأما قول القائل: الألف التي على فلان على. فإنما جعلناه ضمانا في الذمة،
لأنه يقصد به إثبات المال في ذمته على نفسه، وذلك لا يثبت إلا على وجه
الضمان، فكان ذلك دليلا على أنه قصد به الالتزام في الذمة، وليس في مسألتنا
قرينة تدل على ذلك.
مسألة 20: إذا قال: لفلان على قفيز، لا بل قفيزان، أو درهم، لا بل
درهمان. لزمه قفيزان ودرهمان. وبه قال الشافعي.
وقال زفر وداود: يلزمه ثلاثة أقفزة وثلاثة دراهم.
دليلنا: أن قوله: (لا بل) للإضراب عن الأول، والاقتصار على الثاني،
واستدراك للزيادة على الأول، فإن كان من جنسه لم يلزمه إلا ما استدركه. كما
لو قال: لفلان على درهم لا بل أكثر، فإنه لا يلزمه إلا درهم بزيادة، ولا يلزمه
درهم ودرهم بزيادة. ويفارق إذا قال: قفيز حنطة لا بل قفيز شعير، لأنه استدرك
جنسا آخر، فلم يسقط الجنس الذي أقر به أولا.
مسألة 21: إذا أقر لرجل يوم السبت بدرهم، ثم قال يوم الأحد: له على
درهم. لم يلزمه إلا درهم واحد، ويرجع إليه في التفسير. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: يلزمه درهمان.
دليلنا: أنه يحتمل أن يكون ذلك تكرارا وإخبارا عن الدرهم المتقدم،
والأصل براءة الذمة، فلا يلزم ما لا دليل عليه.
ولأن هذا يؤدى إلى أن يكلف المقر على نفسه بمال، إذا أراد أن يشهد على
نفسه، أن يجمع الشهود، فيقر دفعة واحدة، لأنه إذا أشهد دفعتين لم تتفق الشهادة
على مقدار واحد، لأن الإقرار كلما تكرر عند شاهد أوجب الزيادة على ما تقدم،
وهذا يدل على بطلان قولهم.
169

مسألة 22: إذا قال: له على من درهم إلى عشرة. لزمته تسعة. وبه قال
بعض أصحاب الشافعي.
ومنهم من قال: يلزمه ثمانية. وبه قال زفر، قالا: لأنه جعل الأول والعاشر
حدا، والحد لا يدخل في المحدود.
ومنهم من قال: يلزمه العشرة، لأن " من " للابتداء، وهو داخل، والعاشر
حد، وهو داخل في المحدود.
دليلنا: أن " من " للابتداء كما إذا قال: سرت من الكوفة إلى البصرة.
والحد هو العشرة، ويحتمل أن تكون داخلة فيه، ويحتمل أن لا يكون كذلك،
فلا يلزم إلا اليقين، لأن الأصل براءة الذمة.
مسألة 23: إذا قال: له عندي ما بين الواحد إلى العشرة. لزمته ثمانية. وبه
قال أكثر أصحاب الشافعي.
وقال أبو العباس بن القاص: يلزمه تسعة. وبه قال محمد بن الحسن، لأن
عندهما أن الحد يدخل في المحدود.
وقد قلنا: أن ذلك محتمل، ولا يلزم مع الاحتمال.
مسألة 24: إذا قال: له على ألف درهم من ثمن مبيع، ثم قال: لم أقبضه. لم
يلزمه عين المبيع إن لم يعينه. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: إذا عينه قبل منه، وصل أو فصل. وإن أطلقه لم يقبل منه،
ولزمه الألف، لأنه مبيع مجهول. والمبيع إذا كان مجهولا لم يثبت الثمن في
مقابلته، كما لا يثبت في مقابلة الخمر والخنزير، فإذا ثبت ذلك فقد فسر إقراره بما
لم يقبل، فلم يصح.
دليلنا: أنه أقر بحق في مقابلة حق لا ينفك أحدهما عن الآخر، فإذا لم يسلم
ماله لم يلزمه ما عليه كما لو عين المبيع، هذا دليل الشافعي.
170

ودليلنا: أن الأصل براءة الذمة، ولا دليل على أنه يلزمه.
مسألة 25: إذا شهد له رجل بألف، وشهد آخر بألفين، ولم يضيفاه إلى
سببين مختلفين، أو أضافاه إلى سبب متفق، أو أضاف أحدهما إلى سبب وأطلق
الآخر، مثل أن يقول أحدهما: ألف من ثمن عبده. ويقول الآخر: بألفين. ففي هذه
المسائل الثلاث تتفق الشهادة على ألف، فيحكم له بألف بشهادتهما، ويحصل له
بالألف الآخر شاهد واحد، فيحلف معه، ويستحق به. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: لا يكون ذلك اتفاق شهادة على شئ من الألوف، ولا
يحكم له بألف.
دليلنا: أن هذه الشهادة متفقة، فيثبت له الألف بشهادة الشهود، لأن من
شهد بألفين شهد بألف وزيادة، فقد اتفقا. ويستحق الألف الثاني إذا حلف، لأن
النبي صلى الله عليه وآله حكم بشاهد ويمين، وعليه إجماع الفرقة المحقة.
مسألة 26: قد مضى لنا أن شرط الخيار يصح في الكفالة والضمان.
وقال أبو حنيفة والشافعي: لا يصح.
فإن شرط، اختلفا، فقال الشافعي: يبطل العقد والشرط.
وقال أبو حنيفة: يبطل الشرط، ويصح العقد.
دليلنا: ما قدمناه من أنه لا مانع من ذلك في الشرع، فوجب أن يصح.
مسألة 27: إذا أقر بكفالة أو ضمان بشرط الخيار، صح إقراره، ولا يقبل
دعواه في شرط الخيار، ويحتاج إلى بينة.
وللشافعي فيه قولان:
أحدهما: يقبل إقراره، ولا يلزمه شئ، وهو اختيار المزني وأبي إسحاق.
والثاني: يبعض إقراره، فيلزمه العقد، ويسقط الشرط الذي ادعاه.
171

دليلنا: أنه أقر بالكفالة والضمان، وادعى شرط الخيار فلا يقبل إلا ببينة.
مسألة 28: إذا قال: له على ألف درهم إلى وقت كذا، لزمه الألف،
ويحتاج في ثبوت التأجيل إلى بينة. وبه قال أبو حنيفة.
وللشافعي فيه قولان:
أحدهما: مثل ما قلناه.
والآخر: يثبت التأجيل فيلزمه الألف مؤجلا.
ومنهم من قال فيها قول واحد في ثبوت التأجيل.
دليلنا: أنه أقر بألف، وادعى ثبوت التأجيل، فكان عليه البينة فيما ادعاه.
مسألة 29: إذا مات رجل وله ابنان، فأقر أحدهما بأخ ثالث، فأنكره
الآخر، لا خلاف أنه لا يثبت نسبه، وإنما الخلاف في أنه يشاركه في المال أم لا؟
فعندنا أنه يشاركه ويلزمه أن يرد عليه ثلث ما في يده. وبه قال مالك، وابن
أبي ليلى.
وقال أبو حنيفة: يشاركه بالنصف مما في يده، لأنه يقر أنه يستحق من المال
مثل ما يستحقه. فيجب أن يقاسمه المال.
وقال الشافعي: لا يشاركه في شئ مما في يده.
وقال أبو الطيب الطبري: هذا في حكم الظاهر، فأما فيما بينه وبين الله فإن
كان سمع الأب يقر به أو بأنه ولد على فراشه فإنه يلزمه تسليم حقه إليه، كما قال
مالك.
وحكي ذلك عن قوم من أصحابه. وبه قال محمد بن سيرين.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا فإنه يقر بأنه يستحق من التركة ثلثها، وهو
ثلث ما في يده، وما زاد عليه فللذي أقر له به، فوجب تسليمه إليه.
ولأن الإقرار قائم مقام البينة، ولو قامت البينة لم يلزمه أكثر من ثلث ما في
172

يده.
مسألة 30: إذا كان الوارث جماعة، فأقر اثنان رجلان أو رجل وامرأتان
بنسب، وكانوا عدولا، يثبت النسب ويقاسمهم الميراث. وبه قال أبو حنيفة إلا أنه
لم يعتبر العدالة في المقرين.
وقال الشافعي: إذا أقر جميع الورثة بنسب، مثل أن يكونوا بنين، فيقروا
بنسب أخ، فإنه يثبت نسبه ويثبت له المال، ولا فرق بين أن يكون من يرث المال
جماعة أو واحدا، ذكرا كان أو أنثى.
وفي الناس من قال: لا يثبت النسب بإقرار الورثة.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
وأيضا فإن إقرار الشاهدين على نفوسهما جائز، وشهادتهما على غيرهما لا
مانع منه.
وقوله تعالى: ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه، يدل عليه أيضا،
لأن هذه شهادة فيما يتعلق بحق الغير.
مسألة 31: إذا أقر ببنوة صبي، لم يكن ذلك إقرارا بزوجية أمه، سواء
كانت مشهورة الحرية أو لم تكن. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: إن كانت معروفة الحرية كان ذلك إقرارا بزوجيتها، وإن
لم تكن معروفة الحرية لم يثبت زوجيتها.
قال: لأن أنساب المسلمين وأحوالهم ينبغي أن تحمل على الصحة، فإذا أقر
ببنوة الصبي، فوجه الصحة أن يكون ذلك الولد بنكاح، وإذا كان بنكاح يثبت
زوجية أمه.
دليلنا: أنه يحتمل أن يكون الولد من نكاح صحيح كما قال: ويحتمل أن
يكون من نكاح فاسد، أو من وطء شبهة، فإذا احتمل الوجوه لم يحمل على
173

الصحيح دون غيره، وقوله باطل ببنوة أخيه.
مسألة 32: إذا دخلت امرأة من دار الحرب إلى دار الإسلام ومعها ولد،
فأقر رجل في دار الإسلام أنه ولده، ويمكن أن يكون كما قال - بأن يجوز دخوله
إلى دار الحرب، أو مجئ المرأة إلى دار الإسلام - ألحق به.
وإن علم أنه لم يخرج إلى دار الحرب، ولا المرأة دخلت إلى بلد الإسلام، لا
يلحق به.
وقال الشافعي: يلحق به إذا أمكن ذلك، وإن كان الظاهر أنه ما دخل إلى
بلد الكفر ولا المرأة دخلت إلى بلد الإسلام، لأنه يجوز أن يكون أنفذ إليها بمائه في
قارورة فاستدخلته فخلق منه الولد.
وهذا بعيد جدا.
دليلنا: إن الذي اعتبرناه لا خلاف أنه يلحق به الولد، وما ادعوه لا دليل
عليه.
مسألة 33: إذا كان لرجل جاريتان، ولهما ولدان، فأقر أن أحد الولدين
ابنه ولم يعين، ومات ولم يعين الوارث استخرجناه بالقرعة، فمن خرج اسمه
ألحقناه به وورثناه.
وقال الشافعي: يعرض على الفاقة كما يعرض الولد الواحد إذا تنازعه اثنان،
غير أنه قال: يلحق النسب لأجل الحرية، ولا يورث عليه.
وأما الميراث له في قولان:
أحدهما: يوقف الميراث. وبه قال المزني.
وقال باقي أصحابه: لا يوقف ويقسم المال الورثة، لأنه لا طريق إلى تعيينه.
وقال أبو حنيفة: يعتق من كل واحد منهما نصفه.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وقد ذكرناها في الكتاب الكبير.
174

مسألة 34: إذا كان له جارية، ولها ثلاثة أولاد، فأقر أن أحدهم ابنه، يسأل
التعيين، فإن عين ألحق به، ويكون الاثنان مملوكين، سواء كان الذي عينه
الأكبر، أو الأوسط، أو الأصغر.
فإن لم يعين، سئل الورثة، فإن عينوا كان مثل ذلك سواء، وإن لم يعينوا أو
لا ورثة له ومات، أقرع بينهم، فمن خرج اسمه ألحق به، ويثبت حريته وورث،
ويكون الاثنان مملوكين له، سواء كان من خرج اسمه الأكبر، أو الأوسط، أو
الأصغر على كل حال.
وقال الشافعي: إن عين هو أو الورثة الأصغر ثبتت حريته، ويكون الأوسط
والأكبر مملوكين، وإن عين الأوسط كان حرا وكان الأكبر رقيقا، وفي الأصغر
وجهان.
وإن عين الأكبر كان حرا، والاثنان على وجهين.
وإن مات ولم يعين، ولا عين الورثة، عرض على القافة، فإن عينوا واحدا
كان حكمه حكم من عينه الوالد أو الورثة، وحكم الباقين مثل ذلك سواء.
وإن لم يكن قافة، أو اختلفوا، أقرع بينهم، فمن خرج اسمه حرر ولا يورث.
وهل يوقف أم لا؟ على قولين: قال المزني: يوقف.
وقال الباقون: لا يوقف. وحكم الباقين على ما رتبناه في من تعين بتعيين المقر
أو الورثة سواء.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
وقال المزني قول الشافعي يقرع بين الثلاثة خطأ، لأن الأصغر حر على كل
حال، لأنه إن خرج اسمه فهو حر، وإن خرج اسم الأوسط فالأصغر حر أيضا،
لأنها صارت فراشا بالأوسط وألحق الأصغر به، وإن خرج الأكبر ألحق الأوسط
والأصغر به، لأنها صارت فراشا بالأول وهذا لازم له، غير أنه لا يصح على
مذهبنا، لأن الأمة ليست فراشا عندنا بحال، وإنما القول قول المالك في إلحاق
من يلحق به، وإنكار من ينكره.
175

مسألة 35: إذا شهد شاهدان على نسب لميت يستحق به ميراثا، وقالا: لا
نعرف له وارثا غيره، قبلت شهادتهما. وبه قال الشافعي.
وقال ابن أبي ليلى: لا يحكم بها حتى يقولا: لا وارث له غيره. لأنهما إذا قالا
لا نعلم له وارثا غيره، فما نفيا أن يكون له وارث، لأنه يجوز أن يكون له وارث
ولا يعلمانه، فعدم علمهما لا يخرجه من أن يكون له وارث.
دليلنا: أن ذلك لا يمكن العلم به، لأنه لا طريق إليه، وما لا طريق إليه لا
يجوز إقامة الشهادة عليه.
176

المبسوط
كتاب الإقرار
إقرار الحر البالغ الثابت العقل غير المولى عليه جائز على نفسه للكتاب
والسنة والإجماع:
فالكتاب قوله تعالى: " أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل "،
ومعناه فليقر وليه بالحق غير زائد ولا ناقص وهو العدل، وأيضا قوله: " كونوا
قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم "، والشهادة على النفس هو الإقرار بما
عليها، وقوله: " فاعترفوا بذنبهم فسحقا لأصحاب السعير "، وقوله: " فاعترفنا
بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل "، وقوله: " وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا
عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم "، والاعتراف والإقرار واحد
وأيضا قوله تعالى: " ألست بربكم قالوا بلى "، وقوله: " ألم يأتكم نذير قالوا بلى
قد جاءنا نذير "، ولا يجوز أن يكون الجواب في مثل هذا إلا ببلى، ولو قالوا:
" نعم " لكان إنكارا ولم يكن إقرارا، ويكون تقديره لست بربنا ولم يأتنا نذير،
ولهذا يقول الفقهاء: إذا قال رجل لآخر: أليس لي عليك ألف درهم؟ فقال:
" بلى " كان إقرارا، وإن قال: " نعم " لم يكن إقرارا وكان معناه ليس لك علي
شئ.
وأما السنة فما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: من أصاب من
هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله فإن من يبد لنا صفحته نقم عليه حد الله،
177

وقوله: وأغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها، وقوله لماعز بن مالك:
الآن أقررت أربعا قمن، وأيضا فإنه رجم الغامدية والجهنية بإقرارهما كما رجم
ماعزا بإقراره.
فأما الإجماع فإنه لا خلاف في صحة الإقرار ولزوم الحق به، وإنما اختلفوا
في تفصيله، ونحن نذكره في مواضعه إن شاء الله تعالى.
الناس في الإقرار على ضربين: مكلفون وغير مكلفين.
فأما غير مكلفين فمثل الصبي والمجنون والنائم فهؤلاء إقرارهم لا يصح
لقوله عليه السلام: رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يحتلم وعن المجنون حتى
يفيق وعن النائم حتى ينتبه، ورفع القلم عنهم يقتضي إلا يكون لكلامهم حكم.
وأما المكلفون فعلى ضربين: ضرب مطلق التصرف وضرب محجور عليه
في التصرف.
فالمطلق التصرف إقراره يصح على نفسه بالمال والحد سواء كان عدلا أو
فاسقا بلا خلاف فيه.
وأما المحجور عليهم فهم أربعة: المحجور عليه لسفه، والمحجور عليه للرق،
والمحجور عليه للفلس، والمحجور عليه للمرض.
فأما الحجور عليه للسفه فإن إقراره في ماله لا يصح وإن أقر على نفسه بحد
قبل، وإن أقر بسرقة قبل إقراره بالقطع، وهل يقبل في المال؟ على قولين:
أحدهما يقبل فيهما ولا يبعض إقراره، والثاني يبعض إقراره فيقبل في الحد ولا
يقبل في المال، كما تبعض شهادة الرجل والمرأتين بالسرقة فيقبل في المال ولا
يقبل في الحد، وهذا هو الأقوى، وإن أقر بخلع أو طلاق قبل ذلك لأن ذلك
يصح منه.
وأما المحجور عليه للرق فحكمه حكم المحجور عليه للسفه، إلا في شئ
واحد، وهو أن إقرار العبد يلزمه في ذمته فإذا أعتق طولب به، وعندنا أنه لا يقبل
إقراره بالحد لأن في ذلك إتلاف مال الغير الذي هو السيد.
178

وأما المحجور عليه لفلس فإن إقراره مقبول بكل حال، وهل يشارك المقر
له سائر غرمائه في المال الذي في يده أو يكون حقه في الفاضل؟ قيل: فيه قولان،
بينا الصحيح منهما في كتاب التفليس.
وأما المحجور عليه لمرض فإن إقراره مقبول على ما نبينه فيما بعد إن شاء
الله تعالى.
إذا أقر الرجل إقرارا مبهما مثل أن يقول: لفلان علي شئ، يصح ذلك
الإقرار بلا خلاف فيه، ولا تقبل الدعوى المبهمة لأن الدعوى حق للمدعي
والإقرار حق على المقر، فما كان حقا عليه فهو أغلظ مما كان حقا له، ولأنا إذا لم
نسمع الدعوى المبهمة أمكن المدعي أن يدعي دعوى معلومة لأن هناك داعيا
يدعوهم إلى تصحيح دعواه، وليس كذلك الإقرار فإنا لا نأمن ألا يقر ثانيا إذا
رددنا إقراره الأول فلهذا سمعناه مبهما.
فإذا ثبت هذا، فإنا نرجع إلى المقر في تفسيره لأنه أجمل ذلك فكان
الرجوع إليه في إجماله وفي تفسيره، كأوامر صاحب الشرع إذا أوردت مجملة
كان له الرجوع إليه وإلى ما ثبت عنه من ألفاظه وأفعاله من تفسيرها، فإذا طالبناه
بالتفسير لم يخل من أحد أمرين: إما أن يفسر أو لا يفسر.
فإن لم يفسر قلنا له: إن فسرت وإلا جعلناك ناكلا ورددنا اليمين على المقر
له فيحلف على ما يدعيه ويلزمك، فإن لم يفسر جعلناه ناكلا وحلف المقر له
وثبت له ما يدعيه، وإن نكل عن اليمين، قلنا لهما: انصرفا.
وأما إذا فسره فإنه لا يخلو من أحد أمرين: إما أن يفسره بما يتملك أو بما لا
يتملك، فإن فسره بما يتملك لم يخل من أحد أمرين:
إما أن يفسره بما يتمول في العادة مثل أن يفسره بدينار فما دونه أو بدرهم
فما دونه، أو بجنس آخر من الأجناس التي يتمول في العادة قليلها وكثيرها قبل
تفسيره بذلك، فإن صدقه المقر له على ذلك فذاك، وإن كذبه لم يخل من أحد
أمرين: إما أن يكذبه في المقدار أو في الجنس.
179

فإن كذبه في المقدار، مثل أن يقر بدينار فيقول المقر له: لي أكثر، فيكون
مدعيا لما زاد له على الدينار، ويكون القول في ذلك قول المقر مع يمينه فإن
حلف أسقط دعواه وإن نكل رد اليمين على المقر له فيحلف على ما يدعيه من
المقدار ويثبت له ذلك.
وأما إذا كذبه في الجنس، مثل أن يفسر المقر إقراره بدراهم، فيقول المقر له:
لي عليه دنانير، فإنه يبطل إقراره بالدراهم لأنه أقر بما لا يدعيه وهو مدع للدنانير
عليه فيكون القول قوله، فإذا حلف سقطت الدعوى وإن نكل ردت اليمين على
المدعي وحلف وثبت له ما يدعيه، هذا إذا فسره بما يتمول في العادة.
فأما إذا فسره بما لا يتمول في العادة مثل أن يقول: له عندي قشر فستقة أو
جوزة أو لوزة أو قمع باذنجانة أو ما أشبه ذلك، لم يقبل تفسيره به وطولب
بتفسير إقراره بشئ آخر لأنه أقر بلفظ الالتزام والذي فسر به جرت العادة بأنه لا
يتمول مثله ولا يجب لأحد على أحد، وأما إذا فسره بما لا يتملك نظر: فإن فسره
بخمر أو خنزير أو دم أو ميتة لم يقبل ذلك منه، لأنه مما لا يملك ولا ينتفع به
بحال ولفظة الإقرار لفظة الالتزام، والخمر والميتة لا يلزم أحد على أحد.
وإن فسره بكلب أو سرجين قيل فيه قولان: أحدهما لا يقبل تفسيره لأنهما لا
يملكان، والثاني أنه يقبل، وهو الصحيح، لأن الكلب والسرجين ينتفع بهما
ويجب ردهما على من غصبا منه، وعندنا أنه إن كان إقرارا بكلب الصيد أو الماشية
أو سرجين ما يؤكل لحمه، فإنه يملك، وما عدا هذين لا يملك بحال، وإذا فسره
بجلد الميتة فعلى الوجهين، وعندنا لا يقبل منه لأنه لا يطهر عندنا بالدباغ.
فأما إذا فسره بحد القذف قيل فيه وجهان: أحدهما يقبل تفسيره، لأنه حق
لآدمي، والثاني أنه لا يقبل لأنه لا يؤول إلى مال بحال.
وأما إن فسره بحق الشفعة قبل لأنه يؤول إلى مال، وإن فسره برد السلام أو
بجواب كتاب كتبه لم يقبل ذلك منه لأن ذلك لا يثبت عليه في ذمته حتى
يكون لازما له، ولفظ الإقرار يقتضي اللزوم فلا يقبل في تفسيره بما لا يكون لازما
180

له، ورد السلام وإن كان فرضا فإنه فرض في الحال فإن رده في الحال فذاك،
وإن أخره سقط عنه، ولم يثبت في ذمته.
إذا أقر فقال: لفلان علي مال، صح ذلك الإقرار، وقبل منه التفسير بالقليل
والكثير بلا خلاف، فإن فسره بالكلب أو جلود الميتة أو سرجين ما لا يؤكل لحمه
أو ما أشبه ذلك لم يقبل منه لأنه لا يسمى مالا، ويفارق إذا قال: له علي شئ،
ففسره بهذه الأشياء لأن الشئ يتناول المال وغير المال، والمال اسم لما يتمول
دون ما لا يتمول، فأما إذا قال: له علي مال عظيم أو جليل أو نفيس أو خطير، لم
يتقدر ذلك بمقدار، وأي مقدار فسره به كان مقبولا قليلا كان أو كثيرا، وإن قال:
له عندي مال كثير، كان ذلك إقرارا بثمانين على الرواية التي رويت في من أوصى
بمال كثير أنه ثمانون.
وأما إذا أقر باليسير أو الخسيس أو الجزاف أو الموزون أو الخطير أو الحقير،
فإنه يرجع إلى تفسيره بلا خلاف، وفي العظيم خلاف، وإن قال: له علي مال
عظيم جدا أو عظيم عظيم، قبل تفسيره بما قل أو كثر، وكذلك لو قال " وافر "
فالكلام في كل ذلك واحد.
إذا قال: له علي مال أكثر من مال فلان ألزم مقدار مال الذي سماه، وقبل
منه تفسيره في الزيادة قل أو كثر، وإن فسره بمثله لم يقبل، لأن هذا اللفظ يقتضي
الزيادة في اللغة، وإن قال: لفلان علي مال أكثر من مال فلان عددا، نظر: فإن أقر
بأنه عرف مال فلان وأنه ألف في العدد لزمه مثل ذلك المقدار وزيادة، ويقبل
قوله في القدر الزيادة ولو فسرها بحبة بلا خلاف هاهنا، وفي الأول خلاف.
فإن كان مال فلان ألفا وقال: ما كان عندي أنه ألف وإنما اعتقدت أنه
عشرة وأردت بالزيادة درهما، كان القول قوله في ذلك، وإن ادعى فلان أن ماله
ألف وقامت البينة على أن ماله ألف لا يلزمه إلا أحد عشر درهما حسب ما فسره
لأن مبلغ مال الرجل لا يعرف حقيقته، لأن المال ظاهر وباطن وقد يملك
الرجل مالا كثيرا في الباطن ويعتقد فيه أنه قليل المال، فدعواه وشهادة الشاهدين
181

يجريان مجرى واحدا في أنه يجوز أن يكونا صادقين أو كاذبين أو يكونا صادقين
ويكون كاذبا، ولأن حقيقة مبلغ المال لا يعرفه إلا صاحبه، وربما خفي على غيره،
فلأجل ذلك لم يحكم إلا بما أقر به من المقدار الذي اعتقده، ويكون القول قوله
مع يمينه في الزيادة إن ادعى المقر له.
إذا أقر أنه غصب فلانا شيئا وفسر ذلك بما يتمول قبل منه، وإن فسره بما لا
يتمول ولا ينتفع به كالخنزير والدم لا يقبل منه لأنه فسره بما لا يتمول، وإن فسره
بما لا يتمول لكنه ينتفع به كالكلب والسرجين فعلى ما مضى من الخلاف، وإن
قال: أردت نفسك لأني أخذتك يوما وأدخلتك الدار على وجه الغصب، لم
يقبل منه، لأن ذلك ليس بغصب في الحقيقة لأن الحر لا يثبت عليه يد الغاصب
فقد فسر الغصب بما ليس بغصب فلذلك لم يقبل منه.
وإذا قال: له علي دراهم، لزمه ثلاثة دراهم لأنها أقل الجمع، وإن قال:
دراهم عظيمة، فعلى ما مضى من الخلاف، وإذا قال: لفلان علي ألف، لزمه ألف
مبهم، وله أن يفسرها بما شاء من الأموال ولو بحبات الطعام، فإن فسرها بكلاب
فعلى ما مضى.
وأما إذا قال: لفلان علي ألف درهم، لزمه ألف درهم لأنه فسر الألف
بإضافتها إلى الدرهم، وأما إذا قال: له علي ألف ودرهم، لزمه الدرهم ويرجع إليه
في تفسير الألف فبأي شئ فسرها قبل منه، وكذلك إذا قال: مائة ودرهم أو
عشرة ودرهم، فالحكم واحد، وكذلك إذا قال: ألف ودار وألف وعبد، أو قال:
وثوب، وإن قال: مائة وخمسون درهما، كان ذلك إقرارا بمائة وخمسين درهما
لأن درهما في آخره يكون تمييزا للعددين معا، وفي الناس من قال: إنه يكون
تفسيرا للخمسين والمائة على إبهامها، والصحيح الأول، لأنا لو جعلنا ذلك تفسيرا
للثاني بقي الأول بلا تفسير وذلك لا يجوز، ويفارق ذلك إذا قال: له ألف
ودرهم، لأن قوله ودرهم معه " واو العطف "، فلا يجوز أن يكون تفسيرا للألف
لأن المفسر لا يكون كذلك.
182

إذا قال: لفلان علي ألف ودرهمان، لزمه درهمان ورجع إليه في تفسير
الألف، كما لو قال: " ودرهم "، لأنه أفاد زيادة في العدد ولم يفد تفسيرا.
فأما إذا قال: له علي ألف وثلاثة دراهم، كان ذلك تفسيرا للألف، وعلى
قول من قال: إذا قال: " له مائة وخمسون درهما إن المائة مبهمة "، قال هاهنا مثله،
وكذلك إذا قال: ألف وتسعون درهما، وألف ومائة درهم، أو مائة وثلاثة
دراهم، أو مائة وخمسون درهما أو مائة وخمسة عشر درهما، أو خمسون وألف
درهم، أو خمسون ومائة درهم، أو خمسة وعشرون درهما، كان ذلك على
الخلاف الذي قدمناه.
ولا خلاف في خمسة عشر درهما لأنهما وإن كانا عددين فإن أحدهما ركب
على الآخر وجعل اسما واحدا فجريا مجرى العدد الواحد، فعلى هذا إذا قال:
بعتك هذا الثوب بخمسة عشر درهما، صح بلا خلاف، ولهذا لا يجوز تفسير كل
واحد منهما فيقول: خمسة درهما عشرة درهما، ويخالف خمسة وعشرون درهما
لأنه يصح أن يفسر كل واحد منهما فيقول: خمسة دراهم وعشرون درهما، فإذا
قال: بعتك بخمسة وعشرين درهما، أو قال: بمائة وثمانين درهما، فعلى قول من
خالف هناك لا يجوز لأن بعض الثمن مجهول، وعلى القول الآخر - وهو
الصحيح - يصح، وإذا قال: علي درهم وألف، لزمه الدرهم ورجع إليه في تفسير
الألف، كما لو قال: ألف ودرهم، لا فرق بين أن يقدم المعلوم على المجهول أو
يؤخره.
الاستثناء من الجمل جائز ويستعمل في القرآن والشعر، وهو على ضربين:
استثناء من نفي واستثناء من موجب، فالاستثناء من النفي إيجاب، والاستثناء من
الإيجاب نفي، ولا فرق بين أن يستثنى الأقل ويبقى الأكثر وبين أن يستثنى الأكثر
ويبقى الأقل بلا خلاف، إلا ابن درستويه النحوي، فإنه قال: لا يجوز استثناء
الأكثر من الأقل، وبه قال أحمد بن حنبل، وقد بينا صحته في أصول الفقه، ويدل
عليه أيضا قوله تعالى: " إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من
183

الغاوين "، وقال حكاية عن إبليس: " فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم
المخلصين "، فاستثنى من عباده الغاوين مرة والمخلصين أخرى، ولا بد أن يكون
أحد الفريقين أكثر من الآخر، وقال الشاعر:
أدوا التي نقصت تسعين من مائة ثم ابعثوا حكما بالحق قوالا
فاستثنى التسعين من مائة، لأنه أمر بأن يؤدي عشرة دراهم، فعبر عنها بما قاله.
فإذا ثبت ذلك، فالاستثناء إذا كان من جنسه كان حقيقة وإن كان من غير
جنسه كان مجازا، ويكون بمعنى " لكن "، غير أنه يجوز استعمال ذلك، وفي
الناس من قال: هو مشترك حقيقة فيهما، وفي الناس من قال: لا يجوز هذا
الاستثناء، وقد تكلمنا على ذلك في أصول الفقه.
فإذا ثبت ذلك، فإذا قال: له علي ألف إلا درهما، فإذا حملناه على حقيقته
فقد أقر بتسعمائة وتسعة وتسعين درهما، ومن قال: هو مشترك، يقول له: فسر
الألف بما يبقى منه بعضه بعد استثناء الدرهم منه، فإذا فسره بألف جوزة أو بيضة
أو باذنجان أو نبقة أو غير ذلك نظر: فإن بقي بعد استثناء الدرهم من قيمته شئ
صح ذلك، وإن لم يبق شئ منه قالوا: فيه وجهان:
أحدهما: أن الاستثناء لا يبطل، ويكلف تفسير الألف بما يبقى منه شئ بعد
استثناء الدرهم من قيمته، لأن الاستثناء قد ثبت، فلا يبطل بتفسيره الذي لا يقبل.
والثاني: أنه يبطل الاستثناء، لأنه فسر الألف بما لا يصح استثناء الدرهم منه
لأنه لا يبقى منه شئ، فيصير كأنه أقر بشئ واستثنى جميعه، فيبطل الاستثناء،
ويلزمه ما أقر به.
هذا إذا استثنى معلوما من ألف مجمل.
فأما إذا استثنى مجهولا من معلوم مثل أن يقول: له علي ألف درهم إلا ثوبا،
فالثوب مجهول، والألف معلومة، فإذا كان كذلك كلف أن يبين قيمة الثوب،
فإذا بينها بما يبقى بعد استثنائه من الألف المعلوم شئ وإن قل قبل ذلك منه،
وإن بينها بألف تستغرق جميع المستثنى منه، فيكون على الوجهين الذين
184

ذكرناهما، فأما إذا كانا مجهولين مثل أن يقول: له علي ألف إلا شيئا أو ألف إلا
عبدا أو ثوبا، كلف تفسيرهما، هذا كله إذا استثنى مرة واحدة.
فأما إذا استثنى مرتين نظر: فإن عطف الثاني على الأول بواو العطف كانا
جميعا من الجملة الأولة المستثنى منها، وإن لم يعطف الثاني على الأول بواو
العطف كان الاستثناء الثاني راجعا إلى ما يليه من الاستثناء.
فأما إذا كان بينهما واو العطف مثل أن يقول: علي عشرة إلا ثلاثة وإلا
اثنين، كان ذلك استثناء الخمسة من العشرة.
وأما إذا لم يعطف الثاني على الأول مثل أن يقول: له علي عشرة إلا خمسة
إلا اثنين، فيكون قد استثنى الاثنين من الخمسة، فبقي ثلاثة، فيكون قد استثنى ثلاثة
من العشرة فيلزمه سبعة، ويدل عليه قوله تعالى: " قال فما خطبكم أيها المرسلون
قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين إلا آل لوط إنا لمنجوهم أجمعين إلا امرأته قدرنا
إنها لمن الغابرين "، فاستثنى آل لوط من القوم، واستثنى امرأته من آل لوط من
غير حرف العطف، فكان راجعا إلى الاستثناء الذي يليه دون المستثنى منه،
ويفارق ذلك إذا كان معطوفا بواو العطف، لأن العطف يجعل المعطوف
بمنزلة المعطوف عليه، والمعطوف عليه يرجع إلى المستثنى منه، فيجب أن يكون
الاستثناء الثاني راجعا إلى ما رجع إليه الاستثناء الأول.
إذا قال: لفلان هذه الدار إلا هذا البيت منها، كان ذلك استثناء البيت،
وكذلك إذا قال: هذا الخاتم لفلان إلا فصه، فيكون استثناء للفص، ويصح
ذلك كما يصح استثناء بعض العدد، وكذلك إذا قال: هذه الدار لفلان وهذا
البيت منها لي، أو له هذا الخاتم والفص منه لي، كان ذلك بمنزلة الاستثناء لأنه
معناه وأبين منه لأنه تصريح بمعنى الاستثناء، هذا إذا وصل الاستثناء، فأما إذا
فصل بينهما بسكتة طويلة لم يصح، وكانت جميع الدار والخاتم بفضه للمقر له.
إذا قال: لفلان علي درهم ودرهم إلا درهما، فعلى ما نذهب إليه أن الاستثناء
إذا تعقب جملا معطوفة بعضها على بعض بالواو، أنه يرجع إلى الجميع، يجب
185

أن نقول إنه يصح ويكون إقرارا بدرهم، ومن قال: يرجع إلى ما يليه، فإنه يبطل
الاستثناء، ويكون إقرارا بدرهمين، لأنه إذا رجع إلى ما يليه وهو " درهم " لا يجوز
أن يستثني درهما من درهم لأن ذلك استثناء الجميع وذلك فاسد فيبطل
الاستثناء ويبقى ما أقر به وهو " درهم "، و " درهم " الذي عطف عليه.
إذا قال: له عندي مائة إلا درهمين، أقر بثمانية وتسعين درهما، وإذا قال: له
عندي مائة إلا درهمان، فقد أقر بمائة لأن المعنى له عندي " مائة غير درهمين "،
وكذلك لو قال: له علي مائة غير ألف، كان له مائة، ألا ترى أنه له قال: له علي
مائة مثل درهمين، جاز أن يكون المعنى المائة مثل درهمين، وكذلك لو قال: له
علي مائة مثل ألف، كان عليه ألف ف‍ " غير " نقيض " مثل "، وإذا قال: ما له
عندي مائة إلا درهمين، وأردت أن تقر بما بعد إلا رفعته لأنك إذا قلت: ماله
عندي مائة إلا درهمان، فإنما رفعت " درهمان " بأن جعلته بدلا من مائة، فكأنك
قلت: ما له عندي مائة إلا درهمان، فإذا نصبت فقلت: ما له عندي مائة إلا
درهمين، فما أقررت بشئ لأن عندي لم يرفع شيئا فيثبت له عندك، فكأنك
قلت: ما له عندي ثمانية وتسعون درهما، وكذلك لو قال: ما له علي عشرون إلا
درهما، وإذا قال: ما له عندي عشرون إلا خمسة، فأنت تريد مالك إلا خمسة،
ويقول: لك علي عشرة إلا خمسة ما خلا درهما، فالذي له ستة، وكل استثناء مما
يليه فالأول حط والثاني زيادة، وكذلك جميع العدد، فالدرهم مستثنى من
الخمسة فصار المستثنى أربعة، فهذه مسائل ذكرها ابن السراج في الأصول.
إذا قال: لفلان عندي ثوب في منديل أو تمر في جراب، كان ذلك إقرارا
بالثوب دون المنديل، وبالتمر دون الجراب، لأنه يحتمل في منديل لي أو في
جراب لي، وإذا احتمل ذلك لم يلزم من إقراره إلا اليقين، ويطرح الشك لأن
الأصل براءة الذمة، وكل ما يجري هذا المجرى الحكم فيه سواء.
ولو قال: غصبتك حنطة في أرض أو من أرض أو غصبتك زيتا في حب أو
من حب أو بعيرا في مرعى أو من مرعى، أو عبدا في غنم أو من غنم أو جملا في
186

إبل أو من إبل، أو حنطة في سفينة أو في جراب أو في غوارة أو في صاع، لم
يدخل الوعاء في الغصب، وهكذا لو قال: غصبتك ثوبا قوهيا في منديل أو ثيابا
في عيبة، أو قال: غصبتك فصا في خاتم أو خاتما في فص أو سيفا في حمالة أو
حمالة في سيف، لأن كل هذا قد يتميز من صاحبه فينزع الفص من الخاتم
والخاتم من الفص، وهكذا لو قال: غصبتك طيرا في قفص أو في شبكة، كان
غاصبا للطير دون القفص والشبكة، ومثله لو قال: غصبتك زيتا في زق وعسلا
في عكة أو شهدا في جونة، وكذلك لو قال: غصبتك جرة فيها زيت، وقفصا
فيها طير، وعكة فيها سمن، كان غاصبا للجرة والقفص والعكة دون الزيت
والطير والسمن، إلا أن يبين فيقول: غصبت عكة وسمنا وجرة وزيتا، فإذا قال هذا
فهو غاصب للشيئين معا.
إذا قال: له عندي عبد عليه عمامة، دخلت العمامة في الإقرار، وإذا قال: له
عندي دابة عليها سرج، لم يدخل السرج في الإقرار، والفرق بينهما أن العبد
يثبت يده على ما عليه فيكون لمولاه المقر له، والدابة لا يثبت لها يد على ما عليها
فلا يكون ما عليها لصاحبها إلا بالإقرار، وقوله " عليها سرج "، ليس بإقرار
بالسرج، فافترقا.
إذا قال: له علي كذا، نظر: فإن أطلق ذلك كان كما لو قال: له علي شئ،
فإن له أن يفسره بأي قدر شاء من الأموال، فإن فسره بما لا يتمول ولا ينتفع به
كالخنزير لم يقبل وإن فسره بما لا يتمول وينتفع به كالكلب والسرجين وغيرهما
فعلى ما مضى من الوجهين، وإن قيده بالدراهم نظر: فإن قال: كذا درهما، لزمه
درهم واحد، لأنه أخرجه مخرج التفسير فكان تفسيرا لكذا، وإن قال: درهم،
" بالرفع " لزمه درهم واحد، ومعناه كذا هو درهم أي الذي أقر به درهم.
وإن قال: درهم، " بالكسر " لزمه أقل من درهم فبأي قدر فسره قبل منه لأنه
يحتمل أن يريد بعض درهم، لأن " كذا " عبارة عن البعض وعن الجملة، وفي
الناس من قال: يلزمه درهم واحد، والأصح الأول للاحتمال.
187

وإذا قال: له علي كذا كذا، فإن أطلقه، فهو كما ذكرناه إذا قال: له علي
كذا، ولم يكرر لأنه شئ واحد كرره مرتين من غير عطف، فهو كما لو قال: له
علي درهم درهم، فإنه لا يلزمه إلا درهم واحد، وإن قيده بالدرهم منصوبا أو
مرفوعا أو مخفوضا فعلى ما ذكرناه في المسألة الأولى.
وإذا قال: له علي كذا وكذا، فإن أطلق لزمه شيئان، وله تفسيرهما بما شاء
من دانقين وحبتين وغيرهما، وإن قيد ذلك بدرهم، فإن نصبه في الناس من قال:
يلزمه درهمان، ومنهم من قال: درهم واحد، لأنه المتيقن وما زاد عليه مشكوك
فيه والأصل براءة الذمة، وإن رفعه لزمه درهم واحد لا غير، وإن خفضه لزمه دون
الدرهم، وله تفسيره بالحبتين والدانقين، فيكون تقديره كذا وكذا من الدرهم.
وفي الناس من قال: إذا قال: له علي كذا درهما، لزمه عشرون درهما لأنه
أقل عدد ينصب الدرهم بعده، وإن قال: كذا وكذا درهما، لزمه أحد عشر درهما
لأنه أقل عددين ركب أحدهما على الآخر من غير عطف ونصب الدرهم بعده،
وهذا هو الأقوى عندي.
وعلى هذا إذا قال: له علي كذا درهم، يلزمه مائة درهم، وعلى ما مضى أقل
من درهم أو درهم وألزم من قال - بما صححناه - أنه إذا كسر أن يكون إقرارا
بدون الدرهم، لأنه أقل ما يضاف إلى درهم، فيقال: ثلثا درهم أو نصف درهم أو
ثلث درهم أو ربع درهم، ولمن نصر الأول أن يقول: إن ذلك ليس بصحيح
وإنما هو كسور.
فإن قيل: كيف يكون قوله " كذا درهما " إقرارا بعشرين؟ فإذا قال: كذا
وكذا درهما إقرارا بأحد عشر درهما، وهو كرر اللفظ فإن لم يزده كيف ينقص
منه؟ قيل له: ليس ذلك بمكرر وإنما هو كل واحد منهما عبارة عن عدد آخر،
وإنما يفسر أعداد الدرهم، على ما مضى القول فيه.
إذا أقر بدين في حال صحته، ثم مرض فأقر بدين آخر في حال مرضه، فإن
اتسع المال لهما استوفيا ديناهما معا، وإن عجز المال قسم الموجود منه على قدر
188

الدينين.
إذا أقر في حال مرضه لوارث صح إقراره، لأنه لا مانع منه، وفي الناس من
قال: لا يصح، فعلى قولنا لا تفريع، وعلى قول المخالف فإن الاعتبار بكونه وارثا
حال الموت لا حال الإقرار، لأنه لو كان له أخ وله ابن، فأقر للأخ ومات صح
الإقرار له بلا خلاف، وإن مات ابنه قبل موته ثم مات هو لم يصح إقراره لأنه
صار وارثا حال وفاته، وإن لم يكن له ابن فأقر لأخيه ثم رزق ابنا ومات هو صح
إقراره لأخيه، لأنه غير وارث حال الوفاة.
إذا كانت له جارية ولها ولد فأقر في حال مرضه بأن ولدها منه، وليس له
مال غيرها فإنه يقبل إقراره، أطلق ذلك أو بين كيفية استيلاده إياها، إما في ملكه
أو في ملك الغير، بعقد أو بشبهة عقد، لأن على جميع الأحوال الولد حر ويلحق
به والجارية تكون أم ولده، فإن كان عليه دين يحيط بثمنها تباع فيه بعد موته،
وإن كان له مال غيرها قضي به الدين وجعلت في نصيب ولدها، وتنعتق عليه،
وإن لم يخلف مقدار الدين ينعتق منها بمقدار ما يفضل من الدين وهو ما يحصل
لولدها وتستسعي فيما بقي لسائر الورثة.
إذا أقر رجل للحمل بدين في ذمته أو عين في يده، لم يخل من إحدى ثلاثة
أحوال، إما أن يعزوه إلى سبب صحيح، أو سبب غير صحيح، أو يطلق.
فإن عزاه إلى سبب صحيح، مثل أن يقول: لحمل هذه المرأة علي دين، من
جهة وصية أوصى له بها أو من جهة الميراث، لأن الوصية تصح للحمل ويوقف له
الميراث، فإن الإقرار بذلك يلزمه لأنه يمكن صدقه فيه.
وإذا أطلق فهل يصح أم لا؟ قيل فيه قولان: أحدهما يصح، والآخر لا
يصح، والأول أقوى.
وإن عزاه إلى سبب فاسد، مثل أن يقول: من معاملة بيني وبينه أو جناية
جنيتها عليه بقلع عين أو ضرس، بطل إقراره عند من قال: إذا أطلق بطل، ومن
قال: يصح إذا أطلق، قال: هاهنا فيه قولان: أحدهما يصح لأنه أثبت على نفسه
189

حقا بإقراره ثم عقبه بما أسقط جملته من غير لفظ الاستثناء فلا يقبل منه، كما لو
قال: له علي ألف قضيته.
فكل موضع يقال: يصح إقراره، فإنه ينظر:
فإن انفصل الحمل ميتا كان الإقرار باطلا لأنه إنما يكون له حكم إذا انفصل
حيا، فإذا انفصل ميتا كان في معنى المعدوم ثم ينظر: فإن كان الإقرار بمال عن
وصية رجع إلى ورثة الموصي، وإن كان عن ميراث رجع إلى باقي الورثة، وإن
لم يكن بين السبب طولب ببيانه.
وإن انفصل حيا لم يخل من ثلاثة أحوال: إما أن ينفصل من حين الإقرار
لدون ستة أشهر أو لأكثر من تسعة أشهر أو ما بينهما. فإن كان انفصاله لدون ستة
أشهر صح إقراره، لأنا قد تيقنا وجوده حين الإقرار، فثبت أنه أقر لموجود، وإن
انفصل لأكثر من تسعة أشهر لم يصح الإقرار لأنا قد تيقنا أنه ما كان موجودا حال
الإقرار فقد أقر لمعدوم فلم يصح، وإنما يصح الإقرار لحمل إذا كان موجودا،
وكذلك إنما تصح الوصية له ويوقف الميراث له إذا كان موجودا، وأما إذا
انفصل لستة أشهر فأكثر وتسعة فأقل نظر: فإن كان لها زوج يطأها أو مولى لم
يصح الإقرار، لأنه يجوز أن يكون حدث بعد الإقرار له فلا يكون الإقرار لازما وإذا
احتمل لا يلزمه شئ بالشك، وإن لم يكن لها زوج ولا مولى فإن الإقرار يصح،
لأنا علمنا أن هذا الولد من ذلك الوقت، هذا إذا كان الولد واحدا.
فأما إذا وضعت ولدين لم يخل: أن يكونا ذكرين أو أنثيين، أو أحدهما ذكرا
والآخر أنثى، فإن كانا ذكرين أو أنثيين، فالمال بينهما نصفين، سواء ثبت أن ذلك
عن وصية أو ميراث وإن كان أحدهما ذكرا والآخر أنثى فإن كان ذلك عن
وصية تساويا فيه، وإن كان عن ميراث تفاضلا فيه، على حسب ما فرضه الله
تعالى، إلا أن يكونا ولدين من أم، فيكون بينهما بالسوية، لأن كلالة الأم يتساوون
في الميراث.
إذا ثبت هذا فكل موضع صح فيه الإقرار ثبت المال للحمل عند الانفصال
190

وطالب الوصي المقر بتسليم المال إليه إذا ثبت أنه وصي له، ووجب عليه التسليم
إليه، وإن ولدت ولدين أحدهما حي والآخر ميت فإن الميت كأنه معدوم، ويكون
المال للحي كما لو ولدته وحده.
إذا كان في يده عشرة أعبد فأقر لرجل بهم وقال: هؤلاء العبيد لفلان إلا
واحدا منها، صح الإقرار بالتسعة لأن جهالة الاستثناء لا تمنع صحته، ثم يكلف
تعيين المقر بهم لأن حق الغير تعلق بهم، فيلزمه تعيينهم، وهو بالخيار بين أن يعين
التسعة وبين أن يعين الواحد الذي له، لأنه إذا عين أحدهما تعين الآخر.
إذا ثبت هذا وعين واحدا منها لنفسه، وصدقه المقر له فذاك، وإن كذبه
كان القول قول المقر في ذلك مع يمينه، لأنه أعلم بما أقر به وبما استثناه، ولأنه
في يده فيجب أن يكون القول قوله مع يمينه.
فإن هلك تسعة منهم وبقى واحد فادعى أنه هو الذي استثنى لنفسه، فهل
يصح ذلك أم لا؟ قيل فيه وجهان: أحدهما لا يقبل منه ذلك، ويكون للمقر له
لأنه فسره بما لا يحصل للمقر له شئ، والثاني أنه يقبل منه، وهو صحيح، ويكون
العبد له لأن الاستثناء قد صح وقت الإقرار، وتفسيره لا يدفع الجميع وإنما تعذر
تسليم المقر به لموتهم لا لمعنى يرجع إلى الإقرار، كما لو قال: هؤلاء العبيد لفلان
إلا سالما ثم مات الكل إلا سالما كان سالم للمقر بالإجماع.
إذا قال: غصبت هذه الدار من فلان وملكها لفلان، لزمه إقراره بالغصب،
ووجب عليه تسليم الدار إلى المغصوب منه، لأنه أقر له باليد وأقر للآخر بالملك،
وقد يكون في يده بحق وإن كان ملكها لغيره، وذلك مثل أن يكون في يده
برهن أو إجارة.
إذا ثبت هذا فإن ملكها لا يثبت للآخر بإقراره، لأنه إذا ثبت أنها في يد غيره
فإن إقراره بما في يد غيره لا يصح، كما لو قال: الدار التي في يد فلان لفلان، فإن
ذلك لا يصح ولا يجوز شهادته بذلك لأنه غاصب لا تقبل شهادته، فإذا بطل أن
يكون شاهدا وبطل أن يصح إقراره بها، حصلت الدار للمقر له باليد وكانت
191

الخصومة فيها بينه وبين المقر له بالملك، فإذا ثبت هذا فإنه لا ضمان عليه للمقر له
بالملك، لأنه ما أقر له بشئ فحال بينه وبينه، لأنه أقر لأحدهما باليد، وأقر للآخر
بالملك، وقد يجوز أن يكون في يد أحدهما بإجارة، ويكون للآخر ملكا.
فأما إذا قال: هذه الدار ملكها لفلان وقد غصبتها من فلان، فقد اختلف فيها،
ففي الناس من قال: هي كالتي قبلها، ولا فرق بين أن يقدم الغصب وبين أن
يؤخره، ومنهم من قال: يلزمه إقراره للأول، وهل يغرمها للثاني أم لا؟ قيل: فيه
قولان، لأنه لما أقر له بالملك ثم أقر للآخر باليد، فذلك رجوع عن الإقرار
الأول، فهو كما لو قال: هذه الدار لزيد لا بل لعمرو، والأول أصح.
إذا قال: هذه الدار لفلان لا بل فلان، أو قال: غصبتها من زيد لا بل من
عمرو، فإن إقراره الأول لازم، ويكون الدار له، وهل يغرمها للثاني أم لا؟ قيل فيه
قولان:
أحدهما لا يغرمه لأنه يقول: قد أخطات في الإقرار الأول وقد رجعت عنه،
والدار للثاني، وإنما تحكمون علي بلزوم إقراري للأول بالشرع فلا يلزمني الضمان
عنه. والآخر - وهو الصحيح - أنه يغرمها له لأنه حال بينه وبين ما أقر له به، فهو
كما لو ذبح شاة له وأكلها ثم أقر له بها أو أتلف مالا ثم أقر به لفلان، فإنه يلزمه
غرامته، فكذلك هذا، وهذا كما يقول في الشاهدين: إذا شهد أحدهما على رجل
بإعتاق عبده أو طلاق امرأته وحكم الحاكم بذلك ثم رجعا عن الشهادة: كان
عليهما غرامة قيمة العبد والمهر لأنهما حالا بينه وبين ملكه، ولا ينقض حكم
الحاكم.
فإذا تقرر القولان فمن قال: على قولين قال: هذا إذا أقر وسلمها إلى الحاكم،
فأما إذا أقر وسلمها بنفسه فعليه الضمان قولا واحدا، ومنهم من قال: لا فرق بين
الموضعين، وهو الصحيح، لأن الحاكم وإن سلمه فإن تسليمه بإقراره فهو كما لو
سلمه بنفسه.
وإذا باع شيئا وأخذ الثمن ثم أقر بأن ذلك المبيع لفلان، فإن الغرامة تلزمه
192

ولا ينفذ إقراره في حق المشتري لأنه حصل له عوض في هذه المسألة، ويفارق
المسألة التي قبلها لأنه لم يحصل له عوض، وفي الناس من قال: هذا على قولين
سواء حصل عوض أو لم يحصل.
إذا قال: غصبت هذا العبد من أحد كما، لزمه الإقرار لأنه إقرار من جائز الأمر
بما يصح الإقرار به لمن يصح الإقرار له، ثم يرجع إلى بيان المقر فقيل له: بين
المقر له من هو منهما؟ فإن قال: لا أعرفه بعينه، فإن قالا: صدق، انتزع العبد من
يده وكانا خصمين فيه، وإن كذباه وادعى كل واحد منهما علمه بأنه له دون
صاحبه، كان القول قوله مع يمينه، لأنه أعلم بما يعلمه وبما لا يعلمه، وإذا حلف
انتزع العبد من يده، وكانا خصمين فيه وهما متساويان في الدعوى وعدم اليد،
فإن أقام أحدهما البينة حكم له، وإن أقاما جميعا البينة تعارضتا، وسنبين كيفية
الحكم فيها، وإن لم يكن مع واحد منهما بينة حلف كل واحد منهما لصاحبه،
فإن حلف واحد منهما ونكل الآخر حكم له، وإن حلفا جميعا وقف لهما حتى
يصطلحا، وعلى مذهبنا يرجع إلى القرعة فحكم بينهما بها أو يقسم بينهما نصفين
صلحا.
وأما إذا بين المقر، وقال: هو لفلان دون فلان، يسلم إليه العبد ولا يغرم
للآخر قيمته، لأنه لم يقر للآخر، وإن طلب الآخر يمينه فمن قال: إذا أقر له بعد
إقراره الأول يلزمه قيمته، حلف، ومن قال: لا يلزمه، لا يحلف، لأنه لو أقر له به لم
يطالب بعينه ولا بقيمته، فلم يكن ليمينه فائدة.
إذا قال: هذا العبد أو هذه الجارية لفلان، لزمه الإقرار لمثل ما قلناه في
الأولى، وطولب بالبيان فإن قال: هو العبد، سئل المقر له، فإن قال: صدق، سلم
إليه، وكانت الأمة للمقر، وإن قال: الجارية لي دون العبد، كان القول قول المقر
مع يمينه لأن الظاهر أنها له والمقر له مدع، فإذا حلف سقطت دعوى المقر له،
وأما العبد فقد أقر له به وهو يكذبه فيه، وينتزعه الحاكم من يده ويحفظه أو لا
ينتزعه ويتركه في يده، وإن قال: هما لي، نسلم العبد بإقرار المقر، وهو مدع
193

للجارية، فيكون القول قول المقر مع يمينه، وعلى المقر له بينة.
وإقرار العبد لا يجوز في المال إلا بإذن سيده لأنه لا يخلو من أحد أمرين: إما
أن يكون مأذونا له في التجارة أو غير مأذون له.
فإن كان غير مأذون له فأقر لم يخل إقراره من ثلاثة أحوال: إما أن يقر بحق
على بدنه، أو في المال، أو بما يتعلق به حق على البدن وحق في المال مثل
السرقة، فإن أقر بما يوجب حقا على بدنه مثل القصاص والقطع والجلد لم يقبل
منه، ولا يجب عليه الحد، لأنه أقر على مال الغير إلا أن يصدقه مولاه أو يقوم عليه
بينة، وإن أقر بما يوجب حقا في المال مثل أن يقول: أتلفت مال فلان أو جنيت
جناية خطأ يجب بها مال أو استقرضت منه مالا فأتلفته، فإنه لا يقبل إقراره بذلك
على مولاه، بلا خلاف، ولا يباع منه شئ بذلك، ويكون في ذمته إذا أعتق يتبع
به، وإن أقر بما يوجب الأمرين مثل السرقة لا يقطع عندنا، وعندهم يقطع، وهل
يباع منه بقدر المال المسروق؟ فعندنا لا يباع، وعندهم على قولين.
وإن كان مأذونا له في التجارة نظر: فإن أقر بما يوجب حقا على بدنه قبل
عندهم، وعندنا لا يقبل، وإن أقر بما يوجب مالا نظر: فإن كان لا يتعلق بما أذن
له فيه من التجارة مثل أن يقول: أتلفت مال فلان أو غصبت منه مالا أو استقرضت
منه مالا، فإن الاستقراض لا يدخل في الإذن في التجارة، فإنه لا يقبل على ما بيناه،
ويكون في ذمته يتبع به إذا أعتق.
وإن كان يتعلق بالتجارة مثل ثمن المبيع وأرش المعيب، وما أشبه ذلك،
فإنه يقبل إقراره، لأن من ملك شيئا ملك الإقرار به، إلا أنه ينظر فيه: فإن كان
الإقرار بقدر ما في يده من مال التجارة قبل وقضي منه، وإن كان أكثر كان
الفاضل في يده يتبع به إذا أعتق.
إذا قال: لفلان عندي ألف درهم، فجاء بألف، وقال: هذه التي أقررت لك
بها كانت لك عندي وديعة، كان القول في ذلك قوله، وفيها خلاف.
إذا قال: لفلان عندي ألف درهم وديعة ودينا أو مضاربة ودينا، صح إقراره
194

بذلك وقد وصفه بصفتين إحديهما أنها وديعة، والأخرى أنها دين، أو مضاربة
ودين، وهذا لا يحتمل إلا وديعة أو مضاربة تعدى فيها فصارت مضمونة عليه فإذا
فسره بذلك قبل منه.
وإن قال: له عندي ألف درهم وديعة شرط علي أني ضامن لها، كان ذلك
إقرارا بالوديعة ولم يلزم الضمان الذي شرط عليه، لأن ما كان أصله أمانة لا يصير
مضمونا بشرط، وما يكون مضمونا لا يصير أمانة بشرط، لأنه لو شرط على المستام
أن يكون مال السوم أمانة، أو شرط في العارية أن يكون أمانة عند الشافعي لم
تصر أمانة بشرط، وعندنا العارية أمانة فإن شرط الضمان صارت مضمونة عليه.
إذا قال: لفلان علي ألف درهم في ذمتي، ثم جاء بألف، وقال: كان الألف
التي أقررت لك بها وديعة عندي وهذا بدلها، صح ذلك لأنه يجوز أن تكون قد
تلفت بتفريط منه فلزمه ضمانها فأتى ببدلها، وإن قال: هذا الألف الذي أقررت به
لك وكان وديعة لك عندي، قيل فيه وجهان: أحدهما يقبل تفسيره لأنه يجوز
أن يكون وديعة وتكون مضمونة عليه في ذمته بتعديه فيها، والثاني أنه لا يقبل منه
ذلك، فيكون للمقر له الألف الذي أحضره، ويطالبه بما أقر به - وهو الأقوى -
ولا يقبل منه تفسيره إياه بالوديعة.
ويفارق المسألة المتقدمة، لأنه أطلق في تلك المسألة الإقرار، ولم يصرح
على جهة بعينها، وليس كذلك هاهنا لأنه نص فيها على المحل وهو الذمة فلم
يقبل تفسيره بما ليس بثابت عليه في ذمته، لأن الوديعة ما دامت باقية فليست
مضمونة عليه في ذمته، وإنما يضمنها في ذمته إذا تلفت بالتعدي.
إذا قال: له علي ألف درهم، ثم قال: كانت لك عندي وديعة وكان عندي
أنها باقية فأقررت لك بها فإذا هي أنها تالفة في ذلك الوقت، لم يقبل منه ذلك
لأنه يكذب إقراره المتقدم، ولو ادعى تلفها بعد الإقرار قبل منه، لأنه فسر إقراره
بوديعة ولم يكذب إقراره المتقدم وإنما ادعى تلف ما أقر به بعد ثبوته بإقراره.
إذا قال: له في هذا العبد ألف درهم، صح إقراره بذلك ورجع إليه في
195

تفسيره، فإن قال: نقد في ثمنه ألفا، فقد أقر على نفسه بألف عليه قرضا، لأنه
اشترى ذلك العبد ووزن عنه هذا المقر له ذلك الألف باذنه، وإن قال: نقد في
ثمنه ألفا لنفسه، فقد أقر له بشراء بعضه، فنقول له: كيف كان الشراء بإيجاب
واحد أو بإيجابين؟ فإن قال: بإيجاب واحد، قبل ذلك منه، وقيل له: وكم
نقدت أنت في ثمنه؟ فإن قال: ألفا، كان العبد بينهما نصفين، وإن قال: ألفين،
فثلثا وثلثين، ومتى ما كذبه المقر له بذلك كان القول قول المقر فيما يدعيه عليه،
وإن قال: بإيجابين، قلنا له: يبين المقدار الذي أوجبه البائع للمقر له بالألف، فإن
قال: نصفا أو ربعا أو ما فوق ذلك أو ما دونه، كان القول قوله، وسواء كان
الألف وفق قيمة المقدار الذي عينه أو أقل أو أكثر، لأنه قد يغبن وقد لا يغبن.
فأما إذا قال: له ألف في ثمنه بوصية أوصى له بها، صح وبيع العبد،
وصرف إليه من ثمنه ألف، وإن أراد أن يعطيه ألفا من غير ثمن العبد لم يكن له
ذلك إلا برضا المقر له، لأنه استحق من ثمنه الألف فوجب البيع في حقه إلا أن
يرضى بترك البيع وأخذ الألف من غير ثمنه، فأما إذا فسره بأرش الجناية، وهو
أن يقول: جنى هذا العبد جناية أرشها ألف، قبل ذلك منه، لأن الألف إذا كانت
أرش جناية تعلق برقبة العبد، ويكون المقر بالخيار بين أن يبيعه فيعطيه الألف من
ثمنه، وبين أن يفديه.
فأما إذا قال: أردت أنه رهن عبده بألف له علي، فهل يقبل ذلك منه أم لا؟
قيل فيه وجهان: أحدهما يقبل لأن الألف يتعلق برقبة الراهن كما يتعلق أرش
الجناية بها، وهو الصحيح، والثاني لا يقبل لأن الألف متعلقة بذمة الراهن، ويكون
الرهن وثيقة به، فيكون تفسيره بذلك مخالفا لظاهر إطلاق إقراره، فلم يقبل منه،
وهذا أيضا قوي فإن قال: له في هذا العبد شركة، صح ذلك وكان له أن يفسر
ذلك بما شاء قل أو كثر، لأن ذلك كله يسمى شركة في العبد.
إذا قال: له في ميراث أبي أو من ميراث أبي ألف درهم، كان ذلك إقرارا
بدين على أبيه، ولو قال: له في ميراثي من أبي ألف درهم، كان هبة، وهو بالخيار
196

بين أن يقبضها فيمضي الهبة، وبين أن يمسكها فيرد الهبة، والفرق بين المسألتين أنه
إذا قال: في ميراثي من أبي، فقد أضاف الميراث إلى نفسه وجعل له منه جزءا،
وإذا جعل له جزءا من ماله لم يكن ذلك إلا على وجه الهبة، وأما إذا لم يضفه إلى
نفسه فما جعل له جزءا من ماله، وإنما أقر له بدين في تركة أبيه، وكذلك إذا
قال: له في هذه الدار نصفها أو من هذه الدار نصفها، كان إقرارا، ولو قال: له في
داري نصفها أو من داري نصفها، كان ما أقر به منها هبة للمقر له، والفرق بينهما ما
ذكرناه.
وإذا قال: له في مالي ألف أو له من مالي ألف، فمن الناس من قال: إنه مثل
ما تقدم، ومنهم من قال: إنه إذا قال: له من مالي، كان ذلك إضافة للمال إلى
نفسه والألف جعله خبرا، وإذا قال: له في مالي ألف، احتمل أن يكون ماله ظرفا
للألف الذي ذكره، ويجوز أن يكون ظرفا له، وهو أن يكون له ألف يختلط
بماله، ويفارق إذا قال: له في داري نصفها، لأن النصف الذي يبقى له لا يسمى
دارا، وإذا قال: له في مالي ألف درهم، فما يبقى بعد الألف يسمى مالا، هذا كله
إذا لم يقل بحق واجب.
فإن قال بحق واجب فسواء أضافه إلى نفسه أو لم يضفه فإنه يكون إقرارا ولا
يكون هبة، لأن الهبة لا تكون حقا واجبا.
إذا قال: له عندي ألف درهم عارية، قيل فيه وجهان: أحدهما يصح عارية
الدراهم، وهو الصحيح، والثاني لا يصح، فإذا أقر بألف وجعلها عارية قبل منه
ذلك، وتكون مضمونة على كل حال، لأن الدراهم والدنانير مضمونة في العارية
بلا شرط، وما عداهما لا يضمن إلا بشرط.
إذا قال: لك علي ألف درهم إن شئت، لم يكن إقرارا لأن الإقرار إخبار عن
حق واجب، وما كان واجبا عليه قبل إقراره لا يجوز أن يتعلق وجوبه بشرط
مستقبل، وكذلك إذا قال: لك علي ألف درهم إن قدم زيد أو إن قدم الحاج أو
إن رضي فلان أو إن هوى فلان، فكل ذلك لا يكون إقرارا لما قلناه، وكذلك إن
197

قال: لك علي ألف درهم إن شهد لك به شاهدان، لما ذكرناه، ولو قال: إن شهد
لك علي شاهدان بألف فهما صادقان، لزمه الإقرار بالألف في الحال، لأن
الشاهدين إذا صدقا في شهادتهما عليه بالألف إذا شهدا، فإن الحق واجب عليه
شهدا أو لم يشهدا.
إذا قال: هذا الشئ لك بألف إن شئت، كان ذلك إيجابا للبيع، ولا
يكون إقرارا، والبيع يجوز أن يتعلق بمشيئة المشتري، لأنه لا يشتري إلا باختياره
ومشيئته، فقد شرط في العقد ما يقتضيه إطلاقه، فإذا ثبت أنه بيع كان بالخيار بين
أن يقبل أو لا يقبل، والخيار ثابت لهما في المجلس، ما لم يتفرقا.
إذا كان في يده عبد فأقر له لزيد وصدقه زيد على إقراره، وأقر العبد بنفسه
لعمرو، وصدقه على إقراره لم يصح إقرار العبد، ويصح إقرار سيده به لأن يد
السيد ثابتة على العبد لأنه ملكه، ويد العبد ليست ثابتة على نفسه، لأنه لا يملك
نفسه، ولأن إقرار العبد إقرار بمال السيد عليه، فلا يقبل إقراره، وإنما يقبل إقراره
في الجنايات التي تتعلق برقبته أو إتلاف الأموال، هذا إذا صدق السيد المقر له.
فأما إذا كذب السيد في إقراره فهل يبقى العبد على رقه أو يعتق؟ فيه
وجهان:
أحدهما: أنه يعتق لأن الذي كان في يده أقر بأنه ليس له، والذي أقر له به
قد أنكر، وإقرار العبد ما صح، فما ثبت عليه ملك لأحد.
والثاني: أنه يبقى على رقه لأنه قد ثبت أنه كان رقيقا في يده، فإذا أقر به
لغيره ورده الغير بقي على ما كان عليه من رقه، والأول أقوى، ومن قال: يبقى
على رقه، ففيه الأوجه الثلاثة التي مضت في كتاب الصلح، ومن قال: يعتق، فلا
كلام.
إذا ادعى رجل على رجل أنه مملوك له، وأنكر الرجل ذلك، كان القول
قول المدعى عليه مع يمينه، لأن الظاهر من حاله الحرية، وإن لم ينكر دعواه وأقر
بما ادعاه من الرق، ثم ادعى أنه أعتقه وأنكر سيده ذلك، كان القول قول سيده
198

لأن الأصل أنه ما أعتقه.
إذا التقط لقيطا ورباه ثم أقر الملتقط بأنه عبد لفلان لم يقبل إقراره عليه
بذلك، لأن الظاهر من اللقيط الحرية.
إذا أقر بأن العبد الذي في تركة أبيه لفلان، ثم قال: لا بل لفلان، كان بمنزلة
قوله: " غصبته من فلان لا بل من فلان " وفيها قولان، ولا فرق بين أن يسلم بنفسه
إلى الأول، وبين أن يسلمه إلى الحاكم، وفي الناس من قال في هذه المسألة: أنه لا
يغرم للثاني، قولا واحدا، لأنه غير مفرط، لأن الإحاطة لم تؤخذ عليه بما يتعلق
بتركة أبيه، فيجوز أن يعتقد شيئا فيها ويكون الأمر بخلافه، وقد أخذت عليه
الإحاطة بما يتعلق بأفعاله ويجب في ماله، فإن أقر ثم رجع كان مفرطا في إقراره
الأول، والأقوى في هذه أيضا أنه يغرم على ما قلناه في مسألة الغصب.
إذا شهدا على رجل بأنه أعتق عبده الذي في يده، فإن كانا عدلين حكم
بعتق العبد، وإن لم يكونا عدلين فردت شهادتهما ثم اشتريا ذلك العبد من
المشهود عليه صح الشراء، ويفارق إذا قال لامرأة: أنت أختي، وأنكرت المرأة
ذلك ثم إنه تزوج بها في أنه لا يصح العقد من وجهين:
أحدهما: أنه إذا أقر بأنها أخته فقد أقر بأن فرجها حرام عليه، فإذا تزوج بها
لم يقصد بذلك إلا المقام على الفرج الحرام، فلذلك لم يصح وليس كذلك
هاهنا لأنهما إذا اشتريا هذا العبد فهما يقصدان غرضا صحيحا، وهو أن ينفذاه من
الرق.
والثاني: أنه إذا صححنا الشراء أعتق العبد، وإذا صححنا النكاح لم تطلق
المرأة فيبقي معها على فرج حرام، فلذلك لم يصح النكاح.
إذا ثبت صحة الشراء فإن العبد يعتق عليهما، وإنما منعناه من نفوذ العتق
قبل الشراء لتعلق حق الغير به، فإذا سقط حق الغير نفذ إقرارهما بالعتق، كما إذا
أتى المكاتب بمال الكتابة، فقال السيد: هذا المال لفلان غصبته عليه، قيل له: إما
أن تقبضه وإما أن تبرئه، فإن قبضه لزمه رده على من أقر بأنه غصبه عليه.
199

فإذا ثبت أنه يعتق فإن الولاء يكون موقوفا، فإن رجع البائع وقال: كنت
أعتقته وقد صدق الشاهدان، رد الثمن عليهما وثبت له الولاء، وإن رجع
الشاهدان ولم يرجع البائع فقالا: كذبنا عليه، حكمنا بأنه عتق عليهما من ملكهما
وثبت الولاء لهما، وإن لم يرجع أحد منهم كان الولاء موقوفا، فإن مات العبد
كان ميراثه موقوفا، وقال قوم - وهو الأقوى -: أنه يكون من ميراثه لهما قدر
الثمن، لأن من له حق منعه ثم قدر عليه أخذه، ولا يخلو المشتريان في قولهما في
العتق من صدق أو كذب، فإن كانا صادقين فإن الثمن دين لهما على الجاحد،
لأنه باع من لا يملكه وما تركه فهو لمولاه، فلهما قدر الثمن منه، وإن كان قولهما
كذبا فهو عبدهما وما ترك لهما، فباليقين إن لهما قدر الثمن من مال الميت، هذا
إذا لم يكن له وارث غير بائعه، وترك أكثر من الثمن.
فإن كان ما ترك أقل من الثمن، لم يكن لهما غيره، وما زاد على قدر الثمن
ينبغي أن يكون موقوفا.
إذا أقر بألف درهم نقص - وهي جمع ناقص - كان وصفه إياها بأنها
نقص بمنزلة الاستثناء، ثم ينظر فإن ذكر ذلك متصلا به في لفظه قبل، كما يقبل
الاستثناء، وإن كان منفصلا عنه لم يقبل منه لأن إطلاق اللفظ يقتضي الوزن
الوافي، وإنما يقبل منه ما يسقط بعضه بلفظ متصل، مثل الاستثناء، هذا إذا كان في
بلد وزنهم واف لأن الإطلاق في ذلك البلد التمام والوفاء، فأما إذا كان في بلد
دراهم ناقصة - مثل خوارزم، فإن درهمهم فيه أربعة دوانيق ونصف بوزن
الإسلام، وطبرية الشام فيها نصف وقيراط - فإذا أقر بدرهم كان درهما من دراهم
البلد اعتبارا بعادتهم كما إذا أطلق النقد رجع إلى نقدهم ووزنهم.
وفي الناس من قال: يرجع إقراره في ذلك البلد إلى الوزن الوافي، لأنه
وزن الإسلام، والأول أقوى، وإن كان في بلد يتعاملون به عددا فقال: له عندي
ألف درهم، وجب عليه أن يكون عددا اعتبارا بالعادة، وإذا قال: له علي مائة
درهم عددا وهي وازنة، فيلزمه مائة عددا ووزنا فأما العدد فبحق النطق، والوزن
200

فبحق العادة، هذا في البلاد التي عادتهم الوزن.
فإن أقر بدرهم صغير في بلد وزنه واف فهو صغير وازن، وإن كان للناس
دراهم صغار القدور، فإن قال: دريهم، فهو وازن، وإن قال: درهم كبير، فهو
وازن، فإن كان في البلد دراهم كبار القدور فهو درهم وازن منها.
وإن قال: له علي ألف درهم زيف - وهي جمع زائف، وهي التي لا يجوز
بين الناس - يرجع إليه فإن فسره بزيف لا فضة فيها بحال، لم يقبل منه سواء
وصله بإقراره أو فصله، لأن قوله: ألف درهم، لا يقع على ما لا فضة فيها، لأنها لا
تسمى دراهم، فلا يقبل تفسيره، وإن فسره بزيف فيه فضة مثل الدراهم التي فيها
غش، قبل منه سواء كان متصلا أو منفصلا، وإن قال: من سكة كذا، قبل منه،
وفي الناس من قال: إنه يقبل منه إن قال متصلا، ولا يقبل منه إن قال منفصلا،
وهو الأقوى.
إذا أقر بدراهم رجع إليه في تفسيرها في السكة، فبأي سكة فسرها قبل منه
سواء فسرها بسكة بلده أو بسكة بلد أخرى لا يجوز في بلد الإقرار جوازها في
ذلك البلد، ولا يكون مطلق إقراره راجعا إلى سكة البلد الذي أقر فيه، هذا إذا
كانا في الوزن سواء، وفي الناس من قال: يلزمه من دراهم بلده، وهو الأقوى
عندي.
إذا قال: له علي درهم في دينار، لزمه درهم، ثم يرجع إليه في معنى قوله:
" في دينار "، فإن قال: أردت به مع دينار، لزمه الدينار أيضا ويكون يستعمل
" في بمعنى مع "، كما يقال: جاء الأمير في جيش عظيم، ولا يلزمه بمجرد إقراره
إلا درهم واحد، لأنه يحتمل أنه يريد " أقرضني درهما في ثمن دينار " فيكون عليه
درهم في دينار على هذا التفسير، وإن قال: وزن لنفسه درهما في ثمن بعض
دينار، فيكون الحكم فيه كما لو قال: له في ثمن هذا العبد ألف درهم، وقد مضى.
إذا أقر فقال: له علي درهم ودرهم، لزمه درهمان، لأن الثاني معطوف على
الأول بواو، فلا يحتمل التكرار، وكذلك لو قال: درهم ودرهم ودرهم، فالثاني
201

غير الأول، والثالث غير الثاني، لمثل ما قلناه، وفي الناس من قال: الثالث يحتمل
التأكيد، وليس بشئ.
إذا قال: له علي درهم ثم درهم، لزمه درهمان، لأن " ثم " من حروف
العطف الخالص كالواو، وفيه فائدة المهلة، ولا معنى لها هاهنا، وإذا قال: له علي
درهم ثم درهم ثم درهم، فهو كما لو عطف بالواو على ما مضى، فإن قال: له علي
درهم فدرهم، فإنه يلزمه درهم واحد بلا خلاف، وفي الثاني خلاف، وعندي أنه
يلزمه درهمان لأن " الفاء " من حروف العطف كالواو، وإن أفادت الفاء التعقيب
ولا فائدة له هاهنا.
وإذا قال: لفلان علي درهم فوق درهم، أو تحت درهم، أو مع درهم، أو
قبل درهم أو بعد درهم، أو فوقه درهم، أو تحته درهم، أو معه درهم، أو قبله أو
بعده، في الناس من قال: هذه كلها على قولين: أحدهما يلزمه درهمان، لأن هذه
الحروف بمنزلة حروف العطف مثل الواو وغيرها، ومنهم من قال: يلزمه درهم
واحد، لأنه يحتمل أن يريد فوق درهم لي أو مع درهم لي أو قبل درهم لي، وإذا
احتمل ذلك لم يلزم إلا اليقين لأن الأصل براءة الذمة، وهو الأقوى، وفيهم من
قال: إذا قال: فوقه درهم، أو تحته درهم، أو معه، لم يلزمه إلا درهم واحد، وإذا
قال: قبله درهم أو بعده درهم، لزمه درهمان، وهذا أيضا قريب، والفرق بينهما أن
" قبل وبعد " لا يحتمل إلا التاريخ، و " فوق وتحت " يحتملان الجودة والرداءة،
وإذا احتملا لا يلزم إلا اليقين.
إذا قال: له عندي قفيز لا بل قفيزان أو درهم لا بل درهمان، لزمه قفيزان
ودرهمان، لأن " بل " للإضراب من الأول والاقتصار على الثاني، وإن قال: له
علي درهم لا بل أكثر، لزمه درهم بزيادة، وإن قال: له علي قفيز حنطة لا بل قفيز
شعير، لزمه قفيز حنطة وقفيز شعير، لأنه أقر بجنس آخر فلا يقبل منه نفيه للأول.
إذا قال - مشيرا إلى جملتين من الدراهم حاضرتين - فقال: لفلان علي
إحديهما، وعينها ثم قال: لا بل هذه الأخرى، حكم عليه بالجملتين جميعا، ولا
202

يصح رجوعه، لأن إحدى الجملتين غير داخلة في الأخرى، ويفارق قوله: علي
عشرة لا بل عشرون، لأن العشرة داخلة في العشرين ما لم تكن معينة.
إذا قال يوم السبت: لفلان علي درهم، ثم قال يوم الأحد: له علي درهم، لم
يلزمه إلا درهم واحد، ويرجع إليه في التفسير.
إذا قال يوم السبت: لفلان علي درهم من ثمن عبد، وقال يوم الأحد: له علي
درهم من ثمن ثوب، لزمه درهمان لأن ثمن العبد غير ثمن الثوب، ويفارق ذلك
إذا قال مطلقا من غير إضافة إلى سبب لأنه يحتمل التكرار وكذلك إذا أضاف
كل واحد من الإقرارين إلى سبب غير السبب الذي أضاف إليه الآخر.
إذا قال: لفلان علي درهم لا بل درهم، لم يلزمه إلا درهم واحد، لأنه أمسك
ليستدرك ثم تذكر أنه ليس عليه إلا ذلك، فثبت عليه، ولو قال: لفلان علي
عشرة لا بل تسعة، لزمه عشرة لأنه نفى درهما من العشرة على غير وجه الاستثناء،
فلم يقبل منه، ويفارق إذا قال: علي عشرة إلا درهما، في أنه يقبل منه لأن للتسعة
عبارتين: إحديهما بلفظ التسعة، والأخرى بلفظ العشرة واستثناء الواحد، فبأيهما
أتى فقد أتى بعبارة التسعة، وليس كذلك قوله: علي عشرة لا بل تسعة، لأنه أقر
بالعشرة ثم رجع عن بعضها فلم يصح رجوعه، يدل على ذلك أنه إذا قال: علي
دينار إلا درهم، صح ذلك واستثنى قدر الدرهم، ولو قال: علي دينار لا بل
درهم، لزمه الدينار والدرهم معا.
إذا قال: له علي ما بين الدرهم والعشرة، لزمه ثمانية، لأنه أقر ما بين الواحد
وبين العاشر، والذي بينهما ثمانية، وإن قال: له علي من درهم إلى عشرة، فمن
الناس من قال: ثمانية، لأنه جعل الأول حدا والعاشر حدا والحد لا يدخل في
المحدود، وقال الباقون - وهو الصحيح -: إنه يلزمه تسعة لأن الأول داخل فيه،
لأن " من " لابتداء الغاية، والابتداء يدخل فيه.
إذا قال: لفلان علي ألف درهم أو عندي ألف درهم أو قبلي، ثم فسر ذلك
بالوديعة، نظر: فإن وصل التفسير بالإقرار قبل منه، وكذلك إن فصله لأنه
203

أوجب على نفسه بإقراره مالا، وقد يكون الإيجاب تارة دينا وتارة عينا، لأن ذلك
كله حق لصاحبه ويجب له عليه، وأما إذا قال: قد أقررت لك بالألف وكانت
لك وديعة عندي وكان عندي أنها باقية حين الإقرار وإذا أنها كانت تالفة، لم
يقبل منه، لأنه كذب نفسه بالتفسير في إقراره، لأن الوديعة إذا هلكت من غير تعد
فلا حق للمودع، فإن قال: كانت باقية وقت الإقرار ثم إنها هلكت بعد ذلك،
قبل منه.
فأما إذا قال: لك علي ألف درهم وديعة هلكت، فقد عقب الإقرار بما
يسقطه، فقيل: فيه قولان: - كما لو قال: علي ألف درهم من ثمن خنزير -،
أحدهما أنه يقبل منه ذلك، ولا يلزم الألف، والثاني أنه لا يقبل منه ويلزمه الألف،
وهو الأقوى.
إذا قال: لفلان علي من مالي ألف، كان له تفسيره بالهبة، ولا يكون إطلاقه
إقرارا لأنه أضاف المال إلى نفسه وجعل له ألفا منه، وهذا يقتضي أن يكون هبة
لأن ماله لا يصير لغيره إلا على وجه الهبة، فإن فسره بالإقرار لزمه ذلك فأما إذا
قال: له في مالي ألف درهم، فقال قوم: إنه إقرار، وهو الصحيح، وقال قوم: إنه
هبة.
إذا قال: هذه الدار لك هبة عارية أو هبة سكنى، كان له أن يخرجه منها أي
وقت شاء لأن ذلك إقرار بالعارية وهبة منفعتها، فما سكنها فقد قبضه، وما لم
يسكنها فلم يقبضه، فله الرجوع أي وقت شاء.
إذا أقر لميت بحق وقال: هذا ابنه وهذه امرأته ولا وارث له غيرهما، لزمه
تسليم المال إليهما، لأنه أقر بأنه لا يستحق غيرهما، فإن قال: هذا المال لفلان
الميت، أو قال: لفلان الميت علي مال وهذا الطفل ابنه، وهذا وصيه، لا يلزمه دفعه
إلى الوصي لأنه لا يأمن أن يبلغ الطفل فينكر وصية الرجل، وإذا أنكر سمع ذلك
منه ويجوز تسليمه إلى الحاكم لأن له على الطفل ولاية لا يمكنه إنكارها، ولا تثبت
ولاية الوصي إلا ببينة عادلة.
204

إذا كان لرجل أمة فوطئها رجل فاختلفا فقال السيد: بعتكها فالجارية
مملوكة لك وعليك الثمن، وقال الواطئ: زوجتنيها فالجارية لك وعلي مهرها،
فإن كل واحد منهما يدعي على صاحبه عقدا وينكر دعواه عليه، فلكل واحد
منهما أن يحلف وينفي بيمينه ما يدعي صاحبه عليه، فإن حلف سيدها أنه ما زوجها
وحلف الواطئ أنه ما اشتراها رجعت الجارية إلى سيدها لأن الواطئ حلف أنه ما
اشتراها فسقط الشراء، وحلف سيدها أنه ما زوجها فسقط النكاح، وفي كيفية
الرجوع وجهان:
أحدهما: أنه يرجع إليه كما يرجع المبيع إلى البائع بإفلاس المشتري
بثمنه، لأنه تعذر عليه الوصول إلى الثمن، فعلى هذا يحتاج سيدها أن يقول:
فسخت العقد، كما يحتاج إلى ذلك البائع في استرجاع المبيع من المشتري
المفلس، فإذا فسخ حصلت الجارية ملكا له ظاهرا وباطنا.
والثاني: أنها ترجع إليه، بمعنى رجوع من عليه الدين ولا يقضيه، لأن له
عليه ثمن الجارية وقد امتنع من أدائه بيمينه، وقدر هو على مال له فعلى هذا يبيعها،
فإن كان ثمنها وفق حقه أخذه، وإن كان أقل من حقه كان الباقي في ذمته، وإن
كان أكثر من حقه احتال في رد ذلك على الواطئ، هذا إذا حلفا معا.
فأما إن حلف سيدها أنه ما زوجها، ونكل الواطئ عن اليمين، ردت عليه
فيحلف أنه باعها منه، فإذا حلف على ذلك ثبتت الجارية في الحكم ملكا للواطئ،
وكان عليه الثمن له، لأنه قد أثبت بيمينه أنه قد اشتراها منه، وإن حلف الواطئ أنه
ما اشتراها ونكل سيدها عن اليمين ردت على الواطئ فحلف أنه تزوجها، ثبتت
الزوجية ورجعت الجارية إلى سيدها فكان له ملك رقبتها، فإذا ارتفع النكاح
بينها وبين الواطئ جاز لسيدها وطؤها في الحكم فأما في الباطن فهو على ما يعرفه
من نفسه، فإن كان صادقا في دعواه لم يحل له وطؤها، وإن كان كاذبا في
دعواه لا يحل له وطؤها إلا على ما نبينه، وأما المهر فإنه مقر له به، وهو لا يدعيه،
هذا إذا وطئها ولم يحبلها.
205

فأما إذا أحبلها وولدت منه فهو مدع أن الأمة ملك للواطئ، وأن الولد انعقد
حرا، وأن الجارية صارت أم ولد له، وأن له عليه الثمن، والواطئ يدعي أنها زوجته
وأنها ملك لسيدها، فعندنا أن الولد لا حق به وهو حر، وعند المخالف الولد رق
له.
فإذا ثبت هذا فإن الولد حر والجارية أم ولد في حق السيد لأن ذلك إقرار
على نفسه بما يضره فقبل منه، ولا يستحق الثمن عليه إلا ببينة، والقول قول الواطئ
مع يمينه أنه ما اشتراها منه، فإذا حلف برئ من الثمن.
وهل للسيد أن يرجع عليه بشئ؟ قيل فيه وجهان: أحدهما يستحق
الرجوع على الواطئ بأقل الأمرين من ثمن الجارية أو مهرها، فإنه واجب عليه
باتفاقهما، والثاني لا يستحق عليه شيئا، لأنا حكمنا بعدم البيع بيمين الواطئ
والنكاح الذي اعترف به الواطئ، والمهر الذي أقر به له لا يدعيه فيثبت له، وهل
يحل للواطئ وطء هذه الجارية أم لا؟ نظر: فإن كان يعلم أنه صادق فيما يدعيه
من النكاح حل له ذلك فيما بينه وبين الله تعالى لأنها امرأته ويمنع منه في
الحكم، هذا إذا حلف الواطئ ونكل السيد.
فأما إذا حلف السيد ونكل الواطئ حكم عليه بثمن الجارية، وحكم بالجارية
للواطئ، فأما إذا حلف كل واحد منهما لم ترجع الجارية إلى البائع، لأنه أقر بما
يمنع رجوعها إليه وهل يستحق على الواطئ شيئا أم لا؟ على الوجهين: أحدهما
أنه يستحق أقل الأمرين من الثمن والمهر، والثاني لا يستحق شيئا لما ذكرناه.
وأما النفقة، فإن نفقة الولد على الأب وهو الواطئ، ونفقة الأمة قيل فيه
وجهان: أحدهما يكون على سيدها دون الواطئ لأن إقراره مقبول فيما يضره دون
ما ينفعه، والثاني يكون ذلك في كسبها، وما فضل عن كسبها بعد نفقتها يكون
موقوفا لأن كل واحد منهما يقر بأنه لصاحبه.
فأما إذا ماتت الجارية قبل موت الواطئ كان ما في يدها من كسبها موقوفا
بعد أن يأخذ السيد منه مقدار الثمن، لأنه يستحقه على اليقين، لأنها إن كانت له
206

فجميعها له، وإن كانت للواطئ فهو يستحق مقدار الثمن، وإن مات الواطئ قبل
موتها عتقت الجارية بموته عندهم، لأنهم حكموا بأنها أم ولده.
ثم إذا ماتت بعد ذلك، فإن كان ولدها حيا ورثها وإن مات ولدها كان
مالها موقوفا، لأنا لا نعلم أن الولاء للسيد أو للواطئ، وليس لسيدها أن يأخذ من
تركتها بقدر الثمن، لأنه لا يستحق ذلك إلا على الواطئ، والميراث ليس له لأنه
مات قبلها، ويفارق إذا ماتت قبل موت الواطئ، لأن ما في يدها يكون ملكا له،
فلهذا قلنا: له بمقدار الثمن فيها، هذا إذا لم يرجع واحد منهما.
فأما إذا رجع سيدها عن دعوى البيع سقط الثمن عن الواطئ ولا يقبل
رجوعه، ولا يسقط بإسقاطه حقها من الحرية، وحق ولدها، ويكون له المهر، وإن
رجع الواطئ كان عليه الثمن لسيدها.
إذا ادعي عليه مالا بين يدي الحاكم، وقال: لا أقر ولا أنكر، قال له الحاكم:
هذا ليس بجواب فأجب بجواب صحيح فإن أجبت وإلا جعلتك ناكلا ورددت
اليمين على صاحبك، فإن لم يجب بجواب صحيح فالمستحب أن يكرر عليه
ذلك ثلاث مرات، فإن لم يجب بجواب صحيح جعله ناكلا ورد اليمين على
صاحبه، وإن رد اليمين على صاحبه بعد المرة الأولى جاز لأنه هو القدر الواجب،
وإنما جعلناه ناكلا بذلك لأنه لو أجاب بجواب صحيح مع علمه بما يقول ثم
امتنع عن اليمين جعل ناكلا، فإذا امتنع عن الجواب واليمين فأولى أن يكون
ناكلا، وهكذا إذا قال: لا أدري ما يقول، لأن ذلك ليس بجواب صحيح، مع
علمه بما يقول.
وإن قال: أقر ولا أنكر، لم يكن ذلك جوابا صحيحا، لاحتمال أن يريد أقر
فيما بعد أو أقر بوحدانية الله تعالى، وكذلك يحتمل قوله: " ولا أنكر " ولا أنكر
فضلك أو لا أنكر وحدانية الله، وإذا كان ذلك محتملا لم يصح جوابه حتى
يقطع الاحتمال، ويصرح بالجواب، حتى يمكن الحاكم أن يحكم به، وكذلك
إن قال: أنا مقر أو منكر، لم يكن ذلك جوابا صحيحا، فإن قال: أنا مقر بما يدعيه
207

أو منكر لما يدعيه، كان جوابا صحيحا، فأما إذا قال: لي عليك ألف درهم،
فقال: نعم، أو قال: أجل، كان ذلك إقرارا.
إذا قال: وهبت لفلان هذه الجارية أو هذه الدار وقبضها، فأقر له بالهبة
والقبض، ثم قال: ما كان قبضها وإنما كنا توافقنا على الإقرار بالقبض ولم
يحصل القبض، فحلفوه أن الدار كانت مقبوضة له حين الإقرار، قال قوم: إن
كان المقر لم يتول إقباضها قبل منه ذلك، وحلف المقر له، لأنه لا يكذب نفسه
في القبض الذي أقر به، لأنه يقول: أرسلني وكيلي بأنه أقبض الدار فأقررت
بذلك، ثم بان أنه ما كان أقبضها إياه، فأما إذا كان تولى الإقباض بنفسه، لم
يسمع منه ذلك، ولا يحلف المقر له لأنه يكذب إقراره بتلك الدعوى.
وقال قوم: تسمع منه تلك الدعوى ويحلف، سواء تولى القبض بنفسه أو
ناب عنه وكيله، لأن العادة جرت في المعاملات أنهم يقدمون الإشهاد فيها على
القبض والتسليم، وإذا كان كذلك يسمع قوله، وحلف المقر له، وهذا هو
الصحيح.
وكذلك إذا أقر بتسليم المبيع أو الثمن فادعى أنه أقر بذلك قبل القبض
والتسليم، وطالب بيمين صاحبه، فإنه يحلف لمثل ما قلناه، وكذلك إذا أقر
فقال: له علي ألف درهم، ثم قال: كان واعدني أن يقرضني ألفا وتوافقنا على
الإقرار بها قبل القبض فحلفوه أني قبضتها ثم أقررت بها، فإنه يحلف على ذلك
لمثل ما ذكرناه.
فأما إذا شهد عليه شاهدان بالهبة والقبض، فشهدا أنه وهب هذه الدار لفلان
وأقبضها إياه ثم ادعى أنه ما كان أقبضه، وطلب يمينه على أنه كان أقبضها لم
يسمع منه ذلك، لأن فيه طعنا على البينة، لأنها شهدت بنفس القبض، فأما إذا
شهدت بإقراره بالقبض، فقال: صدقت البينة قد أقررت بذلك قبل أن أقبضها
إياه فحلفوه أني ما أقبضتها حين أقررت، حلف على ذلك لأنه لا يكذب البينة لما
ذكرنا.
208

فأما إذا أقر له بهبة مال ثم اختلفا بعد ذلك فقال الموهوب له: أقررت بالهبة
بعد القبض، وقال الواهب: ما كنت أقبضت الموهوب حين أقررت، فأنكر
القبض وادعاه الموهوب له، كان القول قول الواهب لأنه اختلاف في القبض
والإذن فيه، والأصل عدم القبض وعدم الإذن، ولا فرق بين أن يكون الموهوب
في يد الواهب أو في يد الموهوب له، لأنه قد يقبضه بغصب وغير ذلك فيكون في
يده لا يدل على صحة القبض.
ومن الناس من قال: إذا كان الموهوب في يد الموهوب منه وقلنا: إن
الموهوب إذا كان في يد الموهوب منه لا يفتقر قبضه إلى الإذن فيه، كان القول
قول الموهوب له، والصحيح الأول لأن الهبة لا تتم إلا بالقبض عن رضا الواهب.
إذا قال: لفلان علي ألف درهم إذا جاء رأس الشهر، كان ذلك إقرارا، وإذا
قال: إذا جاء رأس الشهر فلفلان علي ألف درهم، لم يكن ذلك إقرارا.
والفرق بينهما أن في الإقرار الأول أقر مطلقا ثم ادعى التأخير بعد ذلك
فصح الإقرار، وكان معنى قوله: " إذا جاء رأس الشهر " أنه علق بمجيئه، لأنه
يجوز أن يكون مؤجلا عليه إلى رأس الشهر، وفي المسألة الثانية قدم التعليق
بالصفة، ثم أقر، والإقرار لا يتعلق بالصفات المستقبلة، فلم يصح، والصحيح أنه لا
فرق بين المسألتين.
إذا باع من عبده نفسه فقال: بعتك نفسك، قال قوم: إنه يصح، وقال
آخرون: لا يصح، فمن قال: يصح، فلا تفريع، ومن قال: لا يصح، فإذا ادعى
السيد ذلك على العبد فإن صدقه العبد عتق ولزمه الثمن، وإن كذبه كان القول
قوله مع يمينه، فإذا حلف عتق بإقرار السيد ولم يلزمه المال لأن إقراره ودعواه
تضمن عتقه فلذلك لزمه.
وكذلك إذا قال: بعتك هذا العبد واشتريته وأعتقته، فحلف المشتري أنه
ما اشتراه سقطت الدعوى، وعتق العبد بإقراره، وكذلك إذا قال: بعتك عبدك
واشتريته مني فعليك الثمن، فحلف المشتري سقطت الدعوى، وعتق العبد،
209

وكذا إذا قال لامرأته: قد طلقتك بألف وقبلت ذلك، وأنكرت، كان القول قولها
مع يمينها، فإذا حلفت سقطت الدعوى ولزمه الطلاق البائن بإقراره، ولم يثبت له
الرجعة.
إذا قال: لفلان علي ألف درهم، ثم سكت، ثم قال: من ثمن مبيع لم أقبضه،
لزمه الألف، ولم يقبل منه ما ادعاه من المبيع، لأنه أقر بالألف ثم فسره بما يسقط
ولم يصل به إقراره، وكذلك لو قال: لفلان علي ألف درهم من ثمن مبيع، ثم
سكت، ثم قال: قد قبضتها.
وإذا قال: لفلان علي ألف درهم من ثمن مبيع، ثم سكت، ثم قال: لم
أقبضه، قبل منه ذلك، لأن قوله بعد السكوت: " لم أقبضه " لا ينافي إقراره الأول
لأنه قد يكون عليه ألف درهم ثمنا ولا يجب عليه تسليمها حتى يقبض المبيع،
ولأن الأصل عدم القبض، وإذا قال: له علي ألف درهم من ثمن مبيع لم أقبضه،
لم يلزمه، ولا فرق بين أن يعين المبيع أو يطلقه.
إذا شهد عليه رجل أنه أقر لفلان بألف درهم، وشهد آخر أنه أقر له بألفين،
وأضافا ذلك إلى سببين مختلفين، فقال أحدهما: ألف من ثمن ثوب، وقال الآخر:
ألفين من ثمن عبد، فإن شهادتهما لم تتفق على شئ واحد، لأن ثمن الثوب غير
ثمن العبد، ويثبت له بالألف شاهد واحد، فله أن يحلف معه ويثبت له بالألفين
شاهد واحد، فله أن يحلف معه.
فأما إذا أطلق ذلك ولم يضفاه إلى سببين مختلفين أو أضافاه إلى سبب متفق
أو أضاف أحدهما إلى سبب وأطلق الآخر ففي المسائل الثلاث تتفق الشهادة على
ألف، فيحكم له بألف بشهادتهما، ويحصل له بالألف الآخر شاهد واحد فيحلف
معه ويستحق.
وإذا ثبت هذا، فلا فرق بين أن يشهد أحدهما بألف والآخر بألفين وبين أن
يشهد أحدهما بمائة والآخر بمائتين أو بعشرة والآخر بعشرين أو بخمسة والآخر
بعشرة أو بعشرة والآخر بمائة، سواء اتفق اللفظ أو اختلف، وكذلك إذا نقلا لفظ
210

المقر بعينه، فقال أحدهما مثلا: أشهد أنه قال: له علي عشرة دراهم، وقال الآخر:
أشهد أنه قال: له علي مائة درهم، فالشهادة متفقة على العشرة، لأن أحد المقدارين
نقيض الآخر، واختلاف اللفظ في الإقرار لا يؤثر، لأن الإقرار إخبار، والمخبر عنه
يكون واجبا والأخبار عنه تختلف ألفاظه، وكلها ترجع إلى شئ واحد.
ويفارق إذا شهد أحدهما بأنه قال له: وكلتك، وشهد الآخر أنه قال له:
أذنت لك في التصرف في مالي، لأن ذلك ليس بإخبار عن العقد، بل هو نفس
العقد، وقد اختلف اللفظ فيه، فاختلفت الشهادة به، لأن العقد بلفظ التوكيل غير
العقد بلفظ الإذن في التصرف.
إذا أقر بكفالة بشرط الخيار أو بضمان بشرط الخيار فالحكم فيه مبني على أن
عقد الكفالة والضمان لا يصح فيه شرط الخيار، لأن الخيار وقع للحظ في العقد
الذي شرطه ولاحظ للكفيل والضامن في هذين العقدين لأنه إما أن لا يغرم فلا
يرجع أو يغرم فيرجع بقدر ما غرمه من غير زيادة.
إذا ثبت أن شرط الخيار فيه لا يصح فإن شرط كان الشرط فاسدا والعقد
فاسدا، هذا عند المخالف، وقد قلنا: إنه لا يمتنع دخول خيار الشرط فيه، لأنه لا
مانع منه، فعلى هذا العقد والشرط صحيحان، فإذا ثبت هذا فمتى أقر بكفالة
بشرط الخيار أو بضمان بشرط الخيار مثل أن يقول: تكفلت لك ببدن فلان أو
ضمنت لك مالك على فلان على أني بالخيار ثلاثة أيام، فقد أقر بالكفالة ووصل
إقراره بما يسقطها، فلا يقبل إلا ببينة.
وفي الناس من قال: يقبل إقراره على صفة فلا يلزمه شئ.
وكذلك إذا قال: له علي ألف درهم قضيتها أو ألف درهم من ثمن خمر أو
خنزير أو من ثمن مبيع تلف قبل القبض، فيه قولان، فإذا تقرر هذان القولان:
فمن قال: لا ينقض إقراره، فادعى المقر له أنه ضمن من غير خيار وطلب
يمينه على أنه ضمن بالخيار حلف على ذلك، فإذا حلف سقطت دعوى المقر له،
ومن قال: ينقض إقراره، فادعى أن المقر له يعلم أن ضمن بشرط الخيار وطلب
211

يمينه على أنه تكفل وضمن من غير خيار، كان له ذلك ويحلف المقر له عليه،
وكذلك في باقي المسائل.
إذا قال: لفلان علي ألف درهم مؤجلا إلى وقت كذا، لزمه الألف وهل
يثبت التأجيل؟ من الناس من قال: يثبت التأجيل، وهو الصحيح، ومنهم من
قال: على قولين، قد مضى في كتاب الضمان أن ضمان العهدة يصح وأن في
الناس من قال: لا يصح، فأما ضمان الخلاص فلا يصح، ومعنى ذلك أن يضمن
تخليص الدار المبيعة من مستحقها للمشتري، وذلك لا يصح لأنه ليس يقدر على
تخليصها من يد مستحقها، لأنه لا يمكنه ذلك إلا بالشراء ولا يملك إجبار
المستحق لها على البيع، فقد ضمن خلاص ما لا يملك تخليصه فلم يصح.
الإقرار بالعجمية يصح كما يصح بالعربية لأنها لغة ولأنها تنبئ عما في
النفس من الضمير كالعربية، فإذا أقر بالعجمية عربي أو أقر بالعربية أعجمي فإن
كان عالما بمعنى ما يقوله لزمه إقراره، وإن قال: قلت ذلك ولا أعرف معناه، فإن
صدقه المقر له لم يلزمه شئ، وإن كذبه فالقول قول المقر مع يمينه أنه لم يدر
معناه، لأن الظاهر من حال العربي أنه لا يعرف العجمية، ومن حال العجمي أنه لا
يعرف العربية، فقدم قوله لهذا الظاهر.
إذا شهد عليه الشهود بإقراره ولم يقولوا: هو صحيح العقل، صحت الشهادة
بذلك الإقرار، لأن الظاهر صحة إقراره ولأن الظاهر أنهم لا يتحملون الشهادة على
من ليس بعاقل، فإن قالوا " وهو صحيح العقل " كان تأكيدا، فإن ادعى المشهود
عليه بالإقرار أنه أقر وهو مجنون وأنكر المقر له ذلك، كان القول قوله مع يمينه،
لأن الأصل عدم الجنون، لأن البينة تشهد على ظاهر الحال، فيجوز أن يخفى
جنونه، ويكون المقر عالما به.
فأما إذا شهد عليه الشهود بالإقرار فادعى أنه كان مكرها على ذلك، لم يقبل
منه لأن الأصل عدم الإكراه، وإن أقام البينة على أنه كان محبوسا أو مقيدا وادعى
الإكراه قبل منه ذلك وكان القول قوله مع يمينه، لأن الظاهر من حال المحبوس
212

والمقيد أنه مكره على تصرفه وإقراره.
إذا قال: لفلان علي درهم ودرهمان، لزمه ثلاثة دراهم لأنه عطف الدرهمين
على الدرهم، والمعطوف غير المعطوف عليه، ولو قال: له علي درهم في عشرة،
فإن أراد بذلك ضرب الحساب لزمه عشرة دراهم، لأن الواحد في عشرة عند من
عرف الحساب عشرة، وإن لم يرد الحساب لم يلزمه إلا درهم، ويكون معناه
" درهم له في عشرة لي " كما لو قال: له علي ثوب في منديل.
إذا قال: تملكت هذه الدار من فلان، فقد أقر له بالدار، وادعى أن ملكه زال
عنها وملكها هو، فالقول قول المقر له من ذلك، وكذلك إن قال: هذه الدار
قبضتها من يد فلان، فإنه أقر باليد فيجب عليه تسليمها إليه، وهو مدع لسقوط حق
اليد وانتقاله إليه، فعليه البينة، والقول قول المقر له مع يمينه، فأما إذا قال: هذه
الدار تملكتها على يد فلان، أو قبضتها على يد فلان، فليس ذلك بإقرار له
بالملك، ولا باليد، لأن ظاهر اللفظ أنه قبضها أو ابتاعها بمعونته ووساطته فلم يكن
ذلك إقرارا له به بملك ولا يد.
إذا قال: كان لفلان علي ألف درهم، قيل: فيه وجهان: أحدهما أن ذلك
يكون إقرارا بالألف وهو مدع براءة ذمته فعليه البينة، والقول قول المقر له أنه ما
برئ إليه منها، والوجه الثاني أن ذلك لا يكون إقرارا ولا يلزمه شئ لأنه إذا
ادعى فقال: كان لي عليه ألف درهم، لم يسمع الحاكم منه هذه الدعوى لأنها
دعوى لا تقتضي ملكا فكذلك هاهنا، والأول أقوى.
إذا ادعى رجل على صبي البلوغ وأنكر الصبي، فعلى الرجل البينة على
بلوغه، وقد تقوم البينة عليه بذلك بإقراره على نفسه بالبلوغ أو باستيفاء عدد سن
البلوغ، وهو أن يشهد أنه ولد في سنة كذا، فيكون له إلى هذه السنة خمس عشرة
سنة، أو شاهدوه وقد أنزل، فإن لم يكن للمدعي بينة بذلك لم يحلف الصبي
وكان القول قوله بغير يمين لأن إثبات اليمين تؤدي إلى نفيها وإسقاطها، لأنه إذا
حلف أنه صبي وحكمنا بصباه أبطلنا يمينه لأن يمين الصبي لا تصح، وكل ما
213

أدى إثباته إلى نفيه لم يكن لإثباته معنى.
إذا أقر الصبي على نفسه بالبلوغ نظر: فإن لم يبلغ بعد القدر الذي يجوز أن
يبلغ فيه لم يقبل إقراره، وإن كان بلغ القدر الذي يبلغ فيه صح إقراره، وحكم
ببلوغه، لأنه أقر بما يمكن صدقه فيه، وكذلك الصبية إذا أقرت بأنها حاضت فإن
كان ذلك في وقت الإمكان حكم ببلوغها، وإن لم يكن في وقت الإمكان لم
يقبل منها ذلك، وإذا قبلنا قوله لا يحلف لأنه لا يتعلق به حق لغيره، وإنما يتعلق
به حق نفسه.
إذا أقر بمال لعبد رجل صح الإقرار، وكان ذلك إقرارا لسيده لأن العبد
يجوز أن يثبت له مال، وإذا ثبت له باكتساب أو غيره ثبت لسيده، وإن أقر بمال
لبهيمة رجل لم يصح الإقرار لأن البهيمة لا يثبت لها مال، وبهذا يفارق
العبد لأن العبد يثبت له المال بالاكتساب وغيره، وإن قال: له علي بسبب هذه البهيمة ألف
درهم، كان ذلك إقرارا بالألف ومعنى السبب أن يكون الألف ثبت عليه بأرش
جناية منه عليها أو أجرة منافعها، وما أشبه ذلك.
إذا مات رجل وخلف ابنين فأقر أحدهما بأخ وجحد الآخر، فلا خلاف أن
نسبه لا يثبت، فأما المال الذي حصل في يد المقر فإنه يثبت المشاركة، فمذهبنا
أنه يلزمه بمقدار حصته، فيكون له ثلث ما في يده، ثم على هذا الحساب، وفيه
خلاف.
إذا كان الوارث جماعة فأقر اثنان رجلان أو رجل وامرأتان بابن ثبت نسبه
إذا كانا مرضيي الشهادة وإن لم يكونا عدولا لم يثبت نسبه، ولزمهما بمقدار
حصتهما.
الإقرار بالنسب لا يخلو من أحد أمرين: إما أن يكون المقر بالنسب مقرا على
نفسه بالنسب، أو غيره.
فإن كان على نفسه مثل أن يقر بأنه ابنه نظر: فإن كان المقر به صغيرا اعتبر
فيه ثلاثة شروط:
214

أحدها: أن يمكن أن يكون ولدا له، فإن لم يمكن أن يكون ولدا له فلا يثبت
مثل أن يقر له وللمقر ستة عشر سنة، وللمقر به عشر سنين.
الثاني: أن يكون مجهول النسب لأنه إذا كان معروف النسب فلا يثبت.
والثالث: أن لا ينازعه فيه غيره، لأنه إذا نازعه فيه غيره لم يثبت ما يقول إلا
ببينة، فإذا حصلت هذه الشروط الثلاثة ثبت النسب.
وإن كان المقر به كبيرا فإنه يعتبر فيه أربعة شروط: الثلاثة التي ذكرناها.
والرابع: تصديق المقر به لأنه إذا كذبه في إقراره به لم يثبت نسبه منه فإذا
ثبت هذا فإن أقر بصغير ووجدت الشرائط الثلاث فيه ثبت نسبه فإذا بلغ وأنكر
أن يكون ولدا له لم يقبل منه ولم تسمع دعواه لذلك لأنه حكم عليه قبل أن
يكون لكلامه حكم بأنه ابنه، فلا يسمع بعد الحكم دعواه، كما لو كان في يده
صبي صغير محكوم له برقه فلما بلغ أنكر أن يكون عبدا له لم تسمع منه، لما
تقدم من الحكم له بالرق قبل أن يكون لكلامه حكم.
فأما إذا أقر بنسب على غيره، مثل أن يقر بأخ، فإن كان صغيرا فبثلاثة شروط
وإن كان كبيرا فبأربعة شروط على ما فصلناه، ويراعى في ذلك إقرار
رجلين عدلين، أو رجل وامرأتين من الورثة، فإن لم يكن كذلك فلا يثبت النسب
على ما بيناه، فإذا ثبت هذا فكل موضع ثبت النسب بالإقرار ثبت المال إلا في
موضع واحد، وهو إذا كان إثبات الميراث يؤدي إلى إسقاطه مثل أن يقر الأخوان
بابن للمورث، فإن نسبه يثبت، ولا يثبت له الميراث، لأنه لو ورث حجب
الأخوين، وخرجا من كونهما وارثين، ويبطل الإقرار بالنسب لأنه إقرار ممن ليس
بوارث، وإذا بطل النسب بطل الميراث، فلما أدى إثبات الميراث إلى إسقاطه،
أسقط فيثبت النسب دونه، ولو قلنا: إنه يثبت الميراث أيضا كان قويا لأنه يكون قد
ثبت نسبه بشهادتهما فتبعه الميراث لا بالإقرار، هذا في المقر الذي يثبت النسب
بإقراره، وهو إذا كانا اثنين عدلين.
فإذا كان المقر واحدا أو كانا غير عدلين فإنه يثبت لهما الميراث بمقدار ما
215

يخصهما، ولو مات المقر له لم يرثه المقر لأنه لم يثبت نسبه اللهم إلا أن يكون قد
صدقه المقر له في ذلك، وكان بالغا عاقلا، ولا يتعدى منهما إلى غيرهما إلا إلى
أولادهما فقط، فأما غيرهما من ذوي النسب، فلا يثبت ميراثهما منه إلا بالإقرار منهم
أيضا لذلك أو تصديق لهما فيقوم مقام الإقرار.
إذا مات وخلف ابنا فأقر بأخ ثم إنهما أقرا بثالث، ثبت نسب الثالث، ثم إن
الثالث أنكر الثاني وقال: ليس بأخ لنا، سقط نسبه، لأنه لم يقر بنسبه اثنان من
الورثة، وإنما أقر الأول فيكون المال للأول والثالث، ويأخذ الثاني من الأول ثلث
ما في يده لأنه مقر به وبغيره.
إذا خلف ثلاث بنين فأقر اثنان بأخ آخر وجحد الثالث، وكانا مرضيين
ثبت نسبه بإقرارهما ولا يلتفت إلى إنكار الثالث، وإن كانا غير عدلين لا يثبت
نسبه وقاسم الاثنين على قدر حصتهما.
إذا خلف زوجة وأخا فأقرت الزوجة بابن الأخ وأنكره الأخ، لم يثبت نسبه
إلا أنه يقاسمها، والمرأة تزعم أن لها الثمن لأن لمورثها ابنا فينظر: فإن كان المال
في يد الأخ لم يأخذ إلا الثمن لأنه القدر الذي تدعيه، وإن كان في يدها لم تأخذ
الأخ إلا ثلاثة أرباع المال، لأنه هو القدر الذي يدعيه لأنه يقول: لها الربع إذ ليس
لمورثها ابن، فيبقي في يدها الربع وهي تدعي نصفه فيكون لها، والباقي يرده على
الابن.
إذا خلف ابنين فأقر أحدهما بأخ وجحد الآخر، فإن نسب المقر به لا يثبت،
فإن مات الجاحد فورث المقر جميع ماله وجب عليه أن يقاسم الأخ المقر به، لأنه
كان أقر به، وإن خلف أخوه الجاحد ابنا فوافق عمه على إقراره ثبت النسب
والميراث على ما ذكرناه لأنهما اثنان.
إذا خلف ابنين أحدهما عاقل، والآخر مجنون، فأقر العاقل بنسب أخ له لم
يثبت النسب بإقراره لأنه واحد، فإن أفاق المجنون فوافقه على إقراره ثبت النسب
والميراث، وإن خالفه لم يثبت نسبه وشاركه المقر به في مقدار ما يخصه، وإن
216

مات وهو مجنون فإن ورثه المقر جميع ماله قاسم المقر له، لأنه كان مقرا به.
وإن خلف ابنين أحدهما كافر والآخر مسلم فأقر أحدهما بأخ، نظر: فإن
كان الميت كافرا فإن الميراث للمسلم، فإذا أقر بنسب قاسم المقر به إن كان
مسلما وإلا حاز جميعه ولا يراعى جحود الكافر لأنه لا يرث شيئا، والمال كله
للمسلم، وإن كان الميت المسلم فكذلك المال للمسلم، فإذا أقر بنسب ثبت
وقاسمه المال، ولا يراعى جحود الكافر إن أقر الكافر في المسألتين لم يكن لإقراره
تأثير لأنه لا يرث شيئا.
إذا خلف ابنين أحدهما قاتل فالمال كله لغير القاتل، فإن أقر بنسب أخ
شاركه في الميراث، وإن أقر القاتل لم يثبت النسب لأنه ليس له من الميراث
شئ.
إذا أقر ببنوة صبي، لم يكن ذلك إقرارا بزوجية أمه، سواء كانت مشهورة
الحرية أو لم تكن كذلك.
إذا مات صبي مجهول النسب وله مال فأقر رجل بنسبه، ثبت النسب وكان
له ميراثه إذا كانت الشرائط حاصلة من الإمكان وغيره، وليس لأحد أن يقول: إن
هاهنا تهمة من حيث يجوز أن يكون قصد بذلك أخذ المال، وذلك أن هذا يقصد
به إذا كان حيا وله مال فأقر به، فإن لحوق التهمة يجوز في هذه الحال لأنه ينتفع
بماله ويساره كما ينتفع به بعد موته، وإن كان المقر به كبيرا فإنه يثبت نسبه
بإقراره ووجود الشرائط، وتصديقه لا يراعى لأنه إذا مات صار في معنى الصغير
والمجنون الذي لا حكم لكلامه، ولا اعتبار بتصديقه، ولا خلاف في هذه.
من مسائل الدور:
إذا أذن الرجل لعبده في النكاح فتزوج بامرأة بمهر، وضمن السيد ذلك
المهر لها، ثم إنه باع العبد منها بقدر المهر الذي لزمه بالضمان لم يصح البيع لأن
إثباته يؤدي إلى إسقاطه، والمسألة مفروضة إذا اشترته زوجته قبل الدخول بها لأنا
إذا صححنا ذلك البيع ملكت المرأة زوجها، وإذا ملكته انفسخ النكاح
217

وإذا انفسخ النكاح سقط المهر لأنه فسخ جاء من قبلها قبل الدخول، وإذا سقط
المهر عري البيع عن الثمن، والبيع لا يصح إلا بالثمن، فلما كان إثباته يؤدي إلى
إسقاطه لم يثبت.
إذا أعتق أمة له في مرضه وتزوجها ومات لم ترث عند المخالف، لأن إثبات
الميراث يؤدي إلى إسقاطه، لأنا إذا أورثناها كان عنده وصية لوارث، والوصية
للوارث لا تصح، وإذا بطلت الوصية بطل العتق، وعادت رقيقة ولم يثبت لها
الميراث، فلما كان إثباته يؤدي إلى نفيه وإسقاطه، لم يثبت.
وهذا على مذهبنا لم يصح، لأن الوصية للوارث عندنا صحيحة على ما نبينه
فيما بعد.
إذا كانت له جارية قيمتها مائة وله مائة، وزوجها من عبد بمائة ثم إنه أعتقها
ومات ولم يدخل بها الزوج، لم يثبت لها الخيار لكونها معتقة تحت عبد، لأنا إذا
أثبتنا لها الخيار فاختارت الفسخ سقط المهر لأنه فسخ من قبلها قبل الدخول، فإذا
سقط المهر لم تخرج قيمتها من الثلث، فيرق بعضها، وإذا رق بعضها لم يثبت لها
الخيار في فسخ النكاح، فإثبات الخيار يؤدي إلى إسقاطه بإسقاط غيره فلم يثبت
أصلا، هذا على المذهب المخالف.
وعلى مذهبنا لا يحتاج أن يشرط كونها مزوجة بعبد، لأن عندنا ثبت لها
الخيار وإن كانت تحت حر، والتفريع صحيح إذا جعلنا العتق في المرض من
الثلث، فأما من جعله من أصل المال فهذا لا يصح على أصله.
إذا مات وخلف أخا فادعى رجل أنه ابن الميت وأنكر ذلك الأخ فالقول
قوله مع يمينه، فإن حلف أسقط دعواه، وإن نكل ردت اليمين على المدعي
وحلف أنه ابن الميت، وإذا حلف ثبت نسبه وهل يرث أم لا؟ قيل:
إن قلنا: أن يمين المدعي مع نكول المدعي عليه بمنزلة إقرار المدعي عليه، لم
يورث لأنه يؤدي إلى أن يكون ذلك إقرارا من غير وارث، لأنه يحجب المقر
ويجوز المال دونه.
218

وإن قلنا: إنه بمنزلة الشهادة، ثبت الإرث، وهذا هو الصحيح عندي.
إذا أعتق أمته في مرضه، وقيمتها مائة دينار، وله مائتان فتزوجها وأصدقها
مائة دينار ومات لم ترث، لأنا إذا أورثناها كان إعتاقه إياها حال مرضه وصية
لوارث، والوصية للوارث لا تصح وإذا لم تصح بطل العتق، وإذا بطل العتق
بطل النكاح، وإذا بطل النكاح بطل الميراث، فإثبات الميراث يؤدي إلى
إسقاطه، فلم يثبت.
ولا يأخذ صداقها أيضا لأن ذلك يؤدي إلى إسقاط الصداق، لأنها إذا أخذت
مائة صداقا عاد ماله مائتين، مائة قيمتها، ومائة دينار حاصلة في يده، فيكون قيمتها
نصف ماله فلا يخرج عتقها من ثلث ماله فيرق بعضها، وإذا رق البعض بطل
النكاح وإذا بطل النكاح بطل الصداق لأن ثبوته بثبوت النكاح، وقد بينا ما
عندنا في نظير هذه المسألة.
إذا أعتق رجل عبدين في حال صحته فادعى رجل عليه أنه غصبهما عليه
وأنهما مملوكان له، فأنكر ذلك المعتق فشهد له المعتقان بذلك، لم تقبل
شهادتهما، لأن إثبات شهادتهما يؤدي إلى إسقاطه لأنه إذا حكم بشهادتهما لم ينفذ
العتق، وإذا لم ينفذ العتق بقيا على رقهما وإذا بقيا على رقهما لم تصح شهادتهما،
فلما كان إثباتها يؤدي إلى إسقاطها لم يحكم بها، وهذا أيضا على مذهبنا لا تقبل
شهادتهما، لأنا لو قبلناها لرجعا رقين، وتكون شهادتهما على المولى، وشهادة العبد
لا تقبل على مولاه، فلذلك بطل، لا لما قالوه.
إذا كان ماله ثلاثة آلاف، فاشترى في مرضه أباه بألف درهم عتق عليه،
فإذا مات الابن لم يرثه الأب، لأن توريثه يؤدي إلى إسقاط ميراثه، لأنا إذا أورثناه
صار عتقه وصية له، والوصية للوارث لا تجوز، فبطل العتق، وإذا
بطل العتق بطل الميراث، وعندنا يرث لأن الوصية للوارث تصح.
فأما إذا أوصي له به وقبل الوصية أو وهب له فقبل الهبة عتق ولا يورث
أيضا لأنا إذا أورثناه كان العتق وصية للوارث، وذلك لا يصح فيبطل العتق،
219

وعلى مذهبنا يصح، ويرث لأن الوصية للوارث تصح، وفي المخالفين من قال:
يورث في هذه المسألة لأنه ملك الأب من غير عوض، لأنه لم يخرج في مقابلته
مالا، ولم يستقر عليه ملك، حتى يعد من جملة المال الذي في يده الذي تحتسب
الوصية من ثلثه، وإذا كان كذلك لم تعد رقبة أبيه من جملة ماله.
يدل على هذا أنه إذا اشترى أباه بألف وهو يساوي ألفين لم يجعل قيمته من
جملة ماله، لأنه لم يستقر عليه ملكه، وإنما يعتبر القدر الذي أخرجه عوضا في
مقابلته، فإذا كان كذلك فقد ثبت أنه لا اعتبار برقيته، لأن الملك لم يستقر عليها
ولم يغرم في مقابلتها مالا فيكون في الحكم كأنه عتق على غيره، ولو عتق على
غيره ورث، فكذلك إذا أعتق عليه لهذا الوجه، ولا فرق بينهما.
إذا قال لامرأته: إن طلقتك طلاقا أملك فيه الرجعة فأنت طالق ثلاثا، ثم
قال لها: أنت طالق، لم يقع طلاق من تلك الجملة لا الطلاق الذي أوقعه، ولا
الطلاق المشروط، لأنه جعل شرط وقوع الثلاث وقوع طلاق يملك فيه
الرجعة، فإذا أوقعنا الطلاق المواجه وقع الثلاث عقيبه، لأن شرطها قد وجد، وإذا
وقع الثلاث فإنها تقع عقيب الطلاق فيمنع الرجعي، فيخرج ذلك الطلاق عن
أن يكون طلاقا يملك فيه الرجعة، وإذا خرج من أن يكون كذلك لم يقع
الثلاث، لأن الشرط لم يوجد فيه فيؤدى إيقاعه إلى إسقاطه وإسقاط غيره، وإن قال
لها: إن طلقتك فأنت طالق قبله ثلاثا، ثم طلقها لم يقع عليها طلاق، لأنا إذا
أوقعنا الطلقة المواجه بها احتجنا أن نوقع الثلاث قبله، وإذا وقعت الثلاث قبله لم
تقع الطلقة المواجه بها، وهي شرط في وقوع الثلاث، وإذا لم تقع لم يوجد
الشرط، وإذا لم يوجد الشرط لم تقع الثلاث، فكان إيقاعها يؤدي إلى إسقاطها،
فلهذا لم تقع، وعلى هذا لا يمكن إيقاع الطلاق على هذه المرأة.
فأما إذا قال لغير المدخول بها: إن طلقتك فأنت طالق قبله طلقة، ثم قال
لها: أنت طالق، لم يقع طلاقه، لأنها إذا وقعت الطلقة المواجه بها وقعت الأخرى
قبلها، وإذا وقعت الأخرى لم تقع المواجه بها لأنها تبين بتلك، وإذا لم تقع
220

المواجه بها - وهي شرط في وقوع الأخرى - لم تقع تلك، فكان إثبات الإيقاع
يؤدي إلى إسقاطه وكذلك إذا قال: لو طلقتك غدا فأنت طالق اليوم، فيكون
الحكم على ما ذكرناه.
وفيهم من قال: تقع الطلقة المواجه بها في هذه المواضع، ولا تقع الأخرى،
وليس بشئ عندهم، وعلى مذهبنا لا يصح كل ذلك لأن الطلاق بشرط لا
يصح عندنا على ما سنبينه فيما بعد إن شاء الله تعالى.
إذا قال لأمته: إن صليت مكشوفة الرأس غدا مع وجود السترة فأنت حرة
اليوم، فصلت مكشوفة الرأس من الغد، لم يقع العتق عليها، لأن إيقاعه يؤدي إلى
سقوطه، لأن إطلاق اللفظ يرجع إلى الصلاة الصحيحة، والحرة لا تصح صلاتها
مكشوفة الرأس، فإذا أوقعنا العتق لم تصح صلاتها لأنها حرة، وإذا لم تصح
صلاتها لم يقع العتق فكان إثباته يؤدي إلى نفيه وإسقاطه، فلم يثبت، والمسألة
مفروضة إذا كان معها سترة وتركتها وصلت مكشوفة الرأس، وهذا لا يصح
عندنا لأنه عتق بشرط، وذلك لا يصح وإن كانت لا تصح أيضا من الوجه الذي
ذكروه.
إن ادعي على صبي أنه بلغ فأنكر ذلك، لم يحلف، وكان القول قول
الصبي من غير يمين، لأن إثبات اليمين عليه يؤدي إلى نفيها لأنه إذا حلف أنه صبي
لم يبلغ ثبت صباه، وإذا ثبت صباه لم يصح يمينه، لأن يمين الصبي لا يصح ولا
ينعقد، فلما كان إثباتها يؤدي إلى نفيها لم يثبت في الأصل بحال.
إذا دخلت إلى دار الإسلام امرأة معها ولد، فأقر رجل أنه ابنه، ثبت النسب
لأنه أقر بصغير مجهول النسب مع وجود الإمكان وعدم المنازع، والاعتبار
بالإمكان، اللهم إلا أن يعلم أنه لم يخرج إلى بلاد الروم، ولم تدخل المرأة إلى
بلاد الإسلام فإن علم ذلك لم يقبل إقراره.
وقال بعض المخالفين: وإن كان ظاهر الحال أنه لم يخرج إلى بلاد
الحرب ولا خرجت إلى بلاد الإسلام إذا جوزنا أن يكون بعثت إليها بالنطفة في
221

قارورة فاستدخلته ألحقنا به الولد، فراعى مجرد الإمكان، والذي نقوله: إن
المراعي في هذا الباب الإمكان على ما جرت العادة به، فأما ما لم تجر به العادة
فلا اعتبار به، وإن كان مقدور الله عز وجل.
إذا كانت لرجل جاريتان لكل واحدة منهما ولد، فأقر بأن أحد الولدين
ابنه، ثبت نسب أحدهما، ولحق به بإقراره دون الآخر إذا جمع الشرطين:
أحدهما: أن لا تكون الأمتان ذواتي زوجين، لأنهما إن كانتا ذواتي زوجين،
كان الولد لاحقا بالزوج دون السيد.
والثاني: أن لا يكون قد أقر بوطئهما ولا بوطئ إحديهما لأنه إذا أقر بالوطئ
صارت التي أقر بوطئها يلحق ولدها به من غير إقرار بالولد.
فإذا ثبت الشرطان فأقر بنسب أحدهما مبهما ثبت نسبه دون الآخر، ويحكم
بحريته، لأنه ملك له، فإن كان وطئها في ملكه فهو حر الأصل، وإن كان وطئها
في ملك غيره ثبت ملك الولد وانعتق عليه، هذا إذا كان شرط رقه.
فإن لم يشرط ذلك، فإن الولد انعقد حرا في الأصل عندنا لأنه يلحق
بالحرية إذا كان عن عقد نكاح، غير أن هذا الولد محكوم بحريته بلا خلاف.
فإذا ثبت هذا فإنا نكلفه أن يعين الذي ينسبه، كما إذا طلق إحدى امرأتيه لا
بعينها، فإنا نكلفه التعيين، فإذا عين تعين، لأنه لما ثبت نسبه بإقراره ثبت تعيينه
بتعيينه، فإذا تعين الولد كلفناه أن يبين كيفية الاستيلاد.
فإن قال: استولدتها في ملكي، حكمنا بالولد حرا في الأصل لا ولاء له
وتصير الأمة أم ولد، وإن قال: استولدتها في ملك الغير بنكاح، فالولد عندنا حر
الأصل ولم يمسه الرق، وعند المخالف قد مسه الرق وثبت له عليه الولاء ولا
تصير المرأة أم ولده، وعندنا هي أم ولد.
وإن قال: استولدتها بوطئ شبهة فالولد حر الأصل بلا خلاف، والجارية
عندنا أم ولد وعندهم على قولين.
فإن نازعته الأخرى، فادعت أنها التي أقر بنسب ولدها واستولدها، وأنكر
222

المقر ذلك كان القول قوله مع يمينه، فإذا حلف أسقط دعواها، ورقت ورق ولدها،
فإذا ثبت هذا وتعين الولد، ورقت الأخرى وولدها، ثم مات عتقت أم
الولد من نصيب ولدها عندنا، وعندهم تنعتق بموته إن كان ثبت لها حرية
الولادة، فإن لم يثبت فإنها على الرق، ويرثها ابنها وعتقت عليه كما قلناه، وإن
كان معه وارث آخر ورث حصته منها وعتق عليه ذلك المقدار وبقى الباقي على
الرق إذا لم يكن له مال غيرها، وإن كان له مال قومت عليه، وعندهم إنما يقوم
عليه إذا باشر العتق بنفسه في البعض، أو كان بسبب من جهته، فإذا لم يكن
كذلك لم يقوم عليه، هذا إذا مات بعد البيان.
فإن مات قبل البيان قام وارثه مقامه في التعيين والبيان، فإن عين الوارث
الولد وبين كيفية الاستيلاد، فالحكم على ما ذكرناه في تعيين المورث وإن عين
الولد وأنكر كيفية الاستيلاد فحكم الولد على ما مضى، والجارية إن كان في لفظ
المقر ما استدل به على كيفية الاستيلاد حمل عليه، وإن لم يكن ذلك في لفظه
فالأصل فيها الرق، وفي الناس من قال: هي على الرق لأنه الأصل ولا ينتقل عنه
إلا بدليل، ومنهم من قال: يحكم بحريتها بالموت لأن الظاهر أنه وطئها في ملكه
لأنه أقر بولدها وهي في ملكه، والأول أحوط.
فأما إذا امتنع الوارث من التعيين والبيان، وقال: لا علم لي به، استعملنا
القرعة فمن خرج اسمه ألحقناه به وورثناه، ويكون الحكم على ما مضى في الأم
في ثبوت الحرية لها.
إذا كان رجل له أمة ولها ثلاثة أولاد فأقر بأن أحدهم ابنه، وليس للأمة زوج
ولم يقر سيدها بوطئها، فإن الإقرار يصح ويثبت النسب بينهما ويحكم بحرية
الولد المقر به، ويطالب بالتعيين، فإن عين الأصغر تعين، وبقى الأكبر والأوسط
على رقهما ويطالب بكيفية الاستيلاد، وكان الحكم على ما بيناه في المسألة
الأولى، فإن عين الأوسط تعين وبقى الأكبر على الرق ثم يطالب ببيان كيفية
الاستيلاد، ويكون على ما مضى، ويكون الأوسط حر الأصل والأصغر يكون رقا،
223

وإن عين الأكبر تعين ويرجع إليه في بيان كيفية الاستيلاد، ويكون على ما مضى،
ويكون الأوسط والأصغر رقيقين والأكبر حرا، هذا إذا عين ومات.
فأما إذا مات ولم يعين رجعنا إلى الوارث، ويقومون مقامه فإن عينوا الأصغر
تعين، وكان الأوسط والأكبر مملوكين، وحكم الاستيلاد على ما مضى، ويطالبون
ببيانه، فإذا عينوا الولد وأنكروا الاستيلاد، كان أيضا على ما مضى، وإذا أنكر
الورثة أقرع بينهم فمن خرج اسمه ألحق به وورث.
إذا مات رجل وجاء رجل وادعى أنه وارثه، لم تسمع دعواه حتى يبين أي
وارث هو؟ لأنه يجوز أن يعتقد أنه وارث وليس بوارث، فإن قال: أنا أبوه أو
أخوه، سمع منه، ولا يحكم له به حتى يقيم البينة، ولا يسمع له إلا شاهدان
ذكران ولا يسمع شاهد وامرأتان، ولا شاهد ويمين، لأن النسب لا يثبت بذلك.
فإن أقام شاهدين نظر فيهما، فإن كانا من أهل الخبرة المتقادمة بالميت
والمعرفة الباطنة، فإن شهدا أنه وارثه لم تسمع تلك الشهادة لأنه يجوز أن يعتقدا
أنه وارثه وليس كذلك، فإن عينا وقالا: نشهد أن هذا ابنه أو أخوه، فإن قالا: لا
نعلم له وارثا غيره، حكم بتلك الشهادة ولا يلزمهما أن يقولا: ليس له وارث
غيره، لأن ذلك لا طريق لهما إليه، فإن شهدا أنه أخوه أو أبوه لا يعلمان له وارثا
غيره سلم إليه الميراث، وإن لم يقولا كذلك لا يحكم بشهادتهما وإن لم يكونا من
أهل الخبرة المتقادمة ولا معرفة لهما بذلك، فلا تقبل شهادتهما، ونفيهما كلا نفي.
فإذا ثبت نظر في حال هذا الوارث: فإن كان ممن له فرض لا يحجب عنه
مثل الزوجين فإنه حقه اليقين، فيعطي الزوج الربع والمرأة ربع الثمن لأنه هو
القدر اليقين، وإن كان لا فرض له لم يعط شيئا من المال سواء كان ابنا أو غيره،
لأنه إن كان ابنا فلا يعلم القدر الذي يستحقه، وإن كان أخا فلا يدري هو هل
وارث أم لا؟ ويوقف ويسأل الحاكم عن حال الميت في المواضع التي حضرها،
وأقام فيها، ويبحث عن حال وارثه مدة يعلم في مثلها أنه لو كان له وارث لظهر،
فإن لم يظهر نظر: فإن كان ابنا سلم المال إليه لأنه وارث بيقين، وإن كان أخا
224

يسلم إليه أيضا ويؤخذ منه كفيل وجوبا لا ندبا.
225

تبصرة المتعلمين
الفصل السادس: في الإقرار:
وهو إخبار عن حق سابق، ولا يختص لفظا، ويصح بالإشارة المعلومة، ولو
قال: " نعم " أو " أجل " جواب " عليك كذا " فهو إقرار، وكذا " بلى " عقيب
" أليس عليك " بخلاف نعم. ولو قال " أنا مقر " فليس بإقرار إلا أن يقول " به "،
ولو علقه بشرط بطل، ولو قال " إن شهد فلان فهو صادق " لزمه وإن لم يشهد.
ويشترط في المقر: التكليف والحرية، ويتبع العبد بإقراره بعد العتق.
وفي المقر له: أهلية التملك، ولو أقر للعبد فهو لمولاه، وإن فسر المقر به بما
يملك قبل وإن قل، ولو لم يفسر حبس عليه، ولو قال: ألف درهم، قبل تفسيره
في الألف، ولو قال: ألف وثلاثة دراهم أو مائة وعشرون درهما، فالجميع دراهم،
ولو قال: كذا درهما، فعشرون، ولو قال: كذا درهم فمائة، و [لو قال] كذا كذا
درهما أحد عشر، وكذا [و] كذا درهما أحد وعشرون. هذا مع معرفته وإلا فله
التفسير، ولو قال: مائة مؤجلة، أو من ثمن خمر، أو مبيع لم أقبضه، أو ابتعت
بخيار، فالقول قول الغريم مع اليمين.
ويحكم بما بعد الاستثناء المتصل والمنفصل، ويسقط بقدر قيمة المنفصل.
ولو قال: عشرة إلا ثلاثة إلا ثلاثة، لزمه أربعة، والوجه بطلان الاستثناء في
درهم ودرهم إلا درهما. ولو قال: عشرة إلا خمسة إلا ثلاثة لزمه ثمانية، ولو قال:
227

عشرة ينقص واحدا لم يقبل، ولو قال: هذا لفلان بل لفلان، كان للأول وغرم
للثاني القيمة.
ويرجع في النقد والوزن والكيل إلى عادة البلد، ومع التعذر إلى تفسيره.
ولو أقر بالمظروف لم يدخل الظرف، ولو قال: قفيز حنطة بل قفيز شعير
لزمه القفيزان، ولو قال: قفيز حنطة بل قفيزان، لزمه اثنان.
ولو قال: إذا جاء رأس الشهر فله علي ألف أو بالعكس لزمه، بخلاف: إن
قدم زيد، ولو أبهم الجمع حمل على أقله، ولو أبهم المقر له كانا خصمين ولهما
اليمين على عدم العلم، ولو أبهم المقر له ثم عين فأنكر المقر له انتزعه الحاكم أو
أقره في يده بعد يمينه.
ولو أنكر المقر له بالعبد قال الشيخ: يعتق، وفيه نظر، ولو ادعى المواطاة
على الإشهاد كان له الإحلاف.
مسائل:
الأولى: يشترط في الإقرار بالولد إمكان البنوة والجهالة وعدم المنازع، ولا
يشترط تصديق الصغير، ولا يلتفت إلى إنكاره بعد البلوغ، ويشترط في الكبير
وفي غير الولد، ومع تصديق غير الولد ولا وارث يتوارثان، ولا يتعد التوارث إلى
غيرهما، ولو كان له ورثة مشهودون لم يقبل في النسب.
الثانية: لو أقر الوارث بأولى منه دفع ما في يده إليه، ولو كان مساويا
دفع بنسبة نصيبه من الأصل.
ولو أقر باثنين فتناكرا لم يلتفت إلى تناكرهما، ولو أقر بأولى منه ثم بأولى
من المقر له فإن صدقه دفع إلى الثالث وإلا إلى الثاني وغرم للثالث.
ولو أقر الولد بآخر ثم أقرا بثالث وأنكر الثالث الثاني كان للثالث النصف
وللثاني السدس، ولو كانا معلومي النسب لم يلتفت إلى إنكاره.
الثالثة: يثبت النسب بشهادة عدلين لا برجل وامرأتين ولا برجل ويمين، ولو
228

شهد الأخوان بابن [للميت] وكانا عدلين كان أولى منهما وثبت النسب، ولو كانا
فاسقين ثبت الميراث دون النسب.
229

إرشاد الأذهان
المقصد السادس: في الإقرار:
ومطالبه اثنان:
الأول: في أركانه:
وهي أربعة:
الأول: المقر:
ويشترط بلوغه ورشده وحريته واختياره وجواز تصرفه لا عدالته.
ولو أقر الصبي بالوصية بالمعروف صح على رأي، ولو أقر السفيه بما له
فعله صح دون إقراره بالمال، ولو أقر بسرقة قبل في القطع خاصة، ولو أقر
المملوك تبع به إن عتق.
وكل من يملك التصرف في شئ ينفذ إقراره فيه، كالعبد المأذون له في
التجارة إذا أقر بما يتعلق بها، ويؤخذ مما في يده، وإن كان أكثر لم يضمنه المولى،
ويقبل إقرار المفلس - وفي مشاركة الغرماء نظر - وإقرار المريض مع انتفاء
التهمة ومعها يكون وصية، وإقرار الصبي بالبلوغ إن بلغ الحد الذي يحتمله.
الثاني: المقر له: وله شرطان:
الأول: أن تكون له أهلية التملك، فلو أقر للحمار لم يصح، ولو قال: بسببه،
فهو لمالكه على إشكال، ولو أقر للعبد فهو لمولاه، ولو أقر للحمل صح إن أطلق
231

أو ذكر المحتمل كالإرث والوصية، ولو ذكر غيره كالجناية عليه فالأقرب
الصحة، ولا تؤثر الضميمة، فإن سقط حيا لأقصى مدة الحمل ملكه، ولو سقط ميتا
وأسنده إلى الميراث رجع إلى الورثة وإلى الوصية يرجع إلى ورثة الموصي، ولو
أجمل طولب بالبيان، ولو ولد لأكثر من عشرة لم يملك، ولو كانا اثنين تساويا،
ولو سقط أحدهما ميتا فهو للآخر.
ولو أقر لميت وقال: لا وارث له سوى هذا، ألزم التسليم، ولو أقر لمسجد أو
لمقبرة قبل إن أضاف إلى الوقف أو أطلق أو ذكر سببا محالا على إشكال.
الثاني: أن لا يكذب المقر له، فلو كذب لم يسلم إليه، ويحفظه الحاكم أو
يبقيه في يد المقر أمانة، ولو رجع المقر له عن الإنكار سلم إليه، ولو رجع المقر
في حال إنكار المقر له فالوجه عدم القبول، لأنه أثبت الحق لغيره بخلاف المقر
له، فإنه اقتصر على الإنكار.
ولو قال: هذه لأحدهما، ألزم البيان، فإن عين قبل وللآخر إحلافه، ولو أقر
للآخر غرم، ولو قال: لا أعلم، حلف لهما وكانا خصمين، ولو أنكر إقرار العبد،
قال الشيخ: عتق، وليس بجيد.
الثالث: الصيغة:
وهي اللفظ الدال على الإخبار عن حق سابق مثل: له علي، أو عندي، أو في
ذمتي، بالعربية وغيرها.
وشرطها التنجيز، فلو قال: لك علي كذا إن شئت، أو إن قدم زيد، أو إن
شاء الله، أو إن شهد، لم يلزم. ولو قال: إن شهد فهو صادق، لزمه في الحال وإن
لم يشهد. ولو قال: علي ألف إذا جاء رأس الشهر، أو بالعكس صح إن قصد
الأجل لا التعليق.
ولو قال المدعي: لي عليك ألف، فقال: رددتها أو قضيتها أو نعم أو أجل أو
بلى أو صدقت أو لست منكرا له أو أنا مقر به، ألزم. ولو قال: زنها أو خذها أو أنا
مقر - ولم يقل: به - أو أنا أقر بها لم يكن إقرارا.
232

ولو قال: أليس عليك كذا؟ فقال: بلى، فهو إقرار، وكذا نعم على إشكال،
ولو قال: اشتريت مني أو استوهبت فقال: نعم، أو ملكت هذه الدار من فلان أو
غصبتها منه فهو إقرار، بخلاف تملكتها على يده، ولو قال: بعتك أباك، فإذا
حلف الولد عتق المملوك ولا ثمن.
الرابع: المقر به: وفيه بحثان:
الأول: في الإقرار بالمال:
ولا يشترط كونه معلوما - فلو أقر بالمجهول صح - ولا أن يكون مملوكا
للمقر، بل لو كان مملوكا له بطل، كما لو قال: داري لفلان أو مالي.
ولو شهد الشاهد بأنه أقر له بدار كانت ملكه إلى حين الإقرار بطلت
الشهادة، ولو قال: هذه الدار لفلان وكانت ملكي إلى وقت الإقرار، أخذ بأول
كلامه.
ويشترط كون المقر به تحت يده، فلو أقر بحرية عبد غيره لم يقبل، ولو
اشتراه كان فداء من جهته وبيعا من جهة البائع - ولا يثبت فيه خيار الشرط
والمجلس - ثم يحكم بالعتق على المشتري، فإن مات العبد ولا وارث له وله
كسب أخذ المشتري الثمن.
ولو قال: له في ميراث أبي، أو من ميراث أبي، أو في هذه الدار مائة فهو
إقرار، بخلاف، له في ميراثي من أبي، أو من ميراثي من أبي، أو في داري هذه، أو
لي مالي. ولو قال: في هذه المسائل بحق واجب أو بسبب صحيح ونحوه صح.
ولو قال: لفلان علي شئ أو مال، قبل تفسيره بأقل ما يتمول، ولا يقبل
بالحبة من الحنطة، ولا بكلب الهراش، ولا السرجين وجلد الميتة والخمر
والخنزير، ولا رد السلام والعيادة، ولو لم يفسر حبس حتى يفسر، ولو فسر
بدرهم فقال المدعي: أردت عشرة، لم تقبل دعوى الإرادة، بل له أن يدعي
العشرة فيقدم قول المقر، ولو فسر بالمستولدة قبل.
ولو قال: مال عظيم أو نفيس أو كثير أو جليل أو خطير أو مال أي مال،
233

قبل تفسيره بالأقل. ولو قال: أكثر مما لفلان، لزم بقدره وزيادة ويرجع فيها
إليه، ويصدق لو ادعى ظن القلة، أو ادعى إرادة أن الدين أكثر بقاء من العين، أو
أن الحلال أكثر بقاء من الحرام.
ولو قال: كذا درهما فعشرون، ولو جر فمائة، ولو رفع فدرهم. ولو قال:
كذا كذا درهما فأحد عشر، وكذا وكذا درهما أحد وعشرون إن عرف.
ويرجع الإطلاق إلى نقد البلد ووزنه وكيله، ومع التعدد إلى ما يفسر،
ويقبل تفسيره بغيره، ويحمل الجمع على أقله وهو الثلاثة وإن كان جمع كثرة،
ولو قال: من واحد إلى عشرة فتسعة، ولو قال: درهم في عشرة، ولم يرد
الحساب فواحد.
والإقرار بالظرف ليس إقرارا بالمظروف، وبالعكس.
ولو قال: له هذه الجارية، فجاء بها حاملا، فالحمل له على إشكال، ولو
قال: له درهم درهم أو درهم فوق درهم أو مع درهم أو تحت درهم أو درهم
فدرهم، فواحد.
ولو قال: درهم ودرهم، أو ثم درهم فاثنان. ولو قال: درهم ودرهم ودرهم
فثلاثة، ولو قال: أردت بالثالث تأكيد الثاني قبل، ولو قال: أردت تأكيد الأول لم
يقبل. ولو كرر الإقرار في وقتين فهما واحد، إلا أن يضيف إلى سببين مختلفين،
ولو أضاف أحدهما حمل المطلق عليه، ويدخل الأقل تحت الأكثر.
ولو قال: له عبد عليه عمامة، فهو إقرار بهما بخلاف: دابة عليها سرج. ولو
قال: ألف ودرهم، رجع في تفسير الألف إليه. ولو قال: خمسة عشر درهما، أو
ألف ومائة وخمسة وعشرون درهما، أو ألف ومائة درهم، أو ألف وثلاثة دراهم
فالجميع دراهم. ولو قال: درهم ونصف، رجع في تفسير النصف إليه.
ولو قال: له هذا الثوب أو العبد، فإن عين قبل، ولو أنكر المقر له حلف
وانتزع الحاكم ما أقر به أو جعله أمانة. ولو قال: له في هذه الدار مائة، رجع في
تفسير المائة إليه، والإقرار بالولد ليس إقرارا بزوجية الأم.
234

البحث الثاني: في الإقرار بالنسب:
ويشترط فيه: أهلية المقر، وتصديق المقر له إن كان غير الابن أو كان ابنا
بالغا، وأن لا يكذبه الحس ولا الشرع، ولا منازع في الإقرار بالولد. فلو أقر بمن
هو أكبر سنا، أو بمشهور النسب، أو لم يصدقه البالغ، أو نازعه آخر لم يقبل.
ولو استلحق مجهولا بالغا وصدقه قبل، ولو كان صغيرا الحق في الحال،
ولا يقبل إنكاره بعد بلوغه، ولو أقر ببنوة الميت قبل صغيرا كان أو كبيرا، ولا
يعتبر التصديق، وكذا لا يعتبر لو أقر ببنوة المجنون.
ولو أقر بغير الولد افتقر إلى البينة أو التصديق، وإذا صدقه توارثا، ولا يتعدى
التوارث، ولو كان له ورثة مشهورون لم يقبل في النسب، ولو أقر ولد الميت
بآخر ثم أقرا بثالث فأنكر الثالث الثاني فللثالث النصف وللثاني السدس وللأول
الثلث، ولو مات الثالث عن ابن مقر دفع السدس إلى الثاني، ولو كان الأولان
معلومي النسب لم يلتفت إلى إنكار الثالث وكان المال أثلاثا.
ولو أقرت الزوجة بابن، فإن صدقها الإخوة فللولد سبعة الأثمان، وإلا الثمن.
وكل وارث أقر بأولى منه دفع ما في يده، وإن كان مثله دفع بنسبة نصيبه،
ولا يثبت النسب إلا بشهادة عدلين، ولو شهد الأخوان بابن للميت وكانا عدلين
ثبت النسب والميراث ولا دور، ولو كانا فاسقين أخذ الميراث ولم يثبت النسب.
ولو أقر باثنين أولى منه دفعة، فصدقه كل منهما عن نفسه، لم يثبت النسب
ويثبت الميراث وإن تناكرا بينهما، ولو أقر بوارث أولى منه، ثم بأولى منهما، فإن
صدقه الأول دفع المال إلى الثاني، وإلا إلى الأول وغرم للثاني، ولو أقر بمساو
للأول، فإن صدقه تشاركا، وإلا غرم الثاني نصف التركة.
ولو أقر بزوج لذات الولد أعطاه ربع نصيبه، وإلا النصف، فإن أقر بآخر لم
يقبل، ولو أكذب إقراره الأول أغرم للثاني، ولو أقر بزوجة لذي الولد أعطاها
الثمن وإلا الربع، فإن أقر بثانية وكذبته الأولى غرم نصف السهم، فإن أقر بثالثة
غرم لها ثلث السهم، فإن أقر برابعة غرم الربع، ولو أقر بهن دفعة أو صدقنه كان
235

السهم بينهن أرباعا ولا غرم، ولو أقر بخامسة لم يقبل، ولو أنكر إحدى من أقر بها
لم يلتفت وغرم لها ربع الحصة.
ولو ولدت أمته فأقر ببنوته لحق به إن لم يكن له زوج، ولو أقر بابن إحدى
أمتيه وعينه لحق به، فإن ادعت الأخرى أن ولدها المقر به حلف لها، ولو مات
قبل التعيين أو بعده واشتبه فالوجه القرعة.
ولو أقر لشخص فأنكر المقر له نسب المقر استحق الجميع وافتقر المقر إلى
البينة، وإذا تعارف اثنان بما يوجب التوارث توارثا مع الجهل بنسبهما ولم يكلفا
البينة.
المطلب الثاني: في تعقيب الإقرار بالمنافي:
إذا قال: له علي ألف من ثمن خمر، أو مبيع هلك قبل قبضه، أو ثمن مبيع
لم أقبضه أو لا يلزمني، أو قضيته، لزمه.
ولو قال: مؤجلة، أو ابتعت بخيار، أو ضمنت بخيار، افتقر في الوصف إلى
البينة.
ولو قال: ألف ناقصة رجع إليه، في تفسير النقيصة وكذا لو قال: معيبة.
ولو قال: له علي ألف، ثم أحضرها وقال: هي وديعة، قبل لأن التعدي يصير
الوديعة مضمونة، وكذا لو قال: لك في ذمتي ألف وأحضرها وقال: هي وديعة
وهذه بدلها، أما لو قال: لك في ذمتي ألف، وأحضرها وقال: هذه التي أقررت
بها كانت وديعة لم يقبل.
ولو قال: له قفيز حنطة بل قفيز شعير، لزمه القفيزان. ولو قال: قفيز حنطة
بل قفيزان، لزمه اثنان. ولو قال: له هذا الدرهم بل هذا الدرهم، لزمه الاثنان. ولو
قال: له درهم بل درهم، لزمه درهم.
ولو قال: كان له علي ألف لزمه، ولم يقبل دعوى السقوط.
ولو أقر بما في يده لزيد ثم قال: بل لعمرو لم يقبل رجوعه، وغرم لعمرو،
236

وكذا لو قال: غصبته من فلان بل من فلان.
ولو قال: غصبته من فلان وهو لفلان، دفع إلى المغصوب منه ولا غرم،
وكذا لو قال: هذا لزيد غصبته من عمرو، ويسلم إلى زيد ولا غرم.
ولو قال: له عندي وديعة وقد هلكت، لم يقبل ولو أتى ب‍ " كان " قبل، ولو
قال: له عشرة لا بل تسعة، لزمه عشرة.
ولو ادعى المواطاة في الإشهاد، فإن شهدت البينة بالقبض لم يلتفت إليه،
وإلا كان له الإحلاف.
ولو قال: له عشرة إلا درهما، لزمه تسعة، ولو رفع فعشرة. ولو قال: ماله
عندي عشرة إلا درهم، لزمه درهم، ولو نصب لم يكن مقرا. ولو كرر الاستثناء،
فإن كان بحرف العطف أو كان الثاني مساويا للأول أو زائدا رجعا إلى المستثنى
منه وحكم عليه بما بعدهما، وإلا عاد الثاني إلى الأول ودخل تحت الإقرار.
فلو قال: له علي عشرة إلا تسعة إلا ثمانية، وهكذا إلى الواحد لزمه خمسه،
ولو قال: له هذه الدار والبيت لي، أو إلا البيت قبل.
والاستثناء من الجنس حقيقة ومن غيره مجاز، فلو قال: له ألف إلا درهما،
فالجميع دراهم، ويصدق لو قال: لم أرد المتصل، ويطالب بتفسير الألف، ويقبل
لو بقي بعد الاستثناء شئ، ولو قال: ألف درهم إلا ثوبا طولب بتفسير القيمة
وأسقطت، ولو استوعبت لم يسمع وطولب بالمحتمل.
ولو قال: ألف إلا شيئا، طولب بتفسيرهما، ويقبل مع عدم الاستغراق، ولو
عقب الجملتين بالاستثناء رجع إلى الأخيرة، إلا أن يقصد عوده إليهما، ولو قال: له
درهم ودرهم إلا درهما بطل الاستثناء وإن رده إليهما، ويبطل الاستثناء
المستوعب.
237

الدروس الشرعية
كتاب الإقرار
وهو الإخبار الجازم عن حق لازم للمخبر، وشرعه ثابت بالكتاب.
قال الله تعالى: " أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري كونوا شهداء لله ولو
على أنفسكم وآخرون اعترفوا بذنوبهم ".
وبالسنة، قال النبي صلى الله عليه وآله: فإن اعترفت فارجمها، قولوا الحق
ولو على أنفسكم، وبالإجماع.
ويتحقق بقوله: له عندي أو علي أو في ذمتي أو قبلي، بالعربية وغيرها، وكذا
لو قال: نعم أو أجل، عقيب قول المدعي: لي عليك مائة مثلا، وكذا: صدقت أو
بررت أو أنا مقر لك به أو بدعواك أو لست منكرا لحقك، ويحتمل عدم الإقرار
فيه لأن عدم الإنكار أعم من الإقرار، ولو قال: أنا مقر، واقتصر، أو: أنا مقر به، ولم
يقل: لك، أو أقر، على الأقوى فليس بإقرار لاحتمال الوعد، وليس الوعد بالإقرار
إقرارا، وكذا لو قال: عده أو اتزنه أو زنه أو خذه، أو علق الإقرار بشرط ولو
بمشيئة الله تعالى على الأقوى، إلا أن يقصد التبرك.
أو قال: إن شهد فلان أو قدم أو رضي أو إذا جاء رأس الشهر فلك كذا، أو
لك كذا إذا جاء رأس الشهر، وقيل: إن قدم المال يلزم.
ولو قال: أليس لي عليك كذا؟ فقال: بلى، فهو مقر، وفي " نعم " وجهان
أقر بهما المساواة لثبوتها عرفا وورودها لغة، كما بيناه في شرح الإرشاد.
239

ولو قال: أجل، فهو كنعم، وتردد الفاضل في قوله: أمهلني يوما، أو ابعث
من يأخذه، أو حتى أفتح الصندوق، أو أقعد حتى تأخذ، أو لا تدم التقاضي، أو ما
أكثر تقاضيك، أو لأقضينك.
ولو قال: أسرج دابة فلان هذه، فقال: نعم، أو قيل له: غصبت ثوبي، فقال:
ما غصبت من أحد قبلك، فليس بإقرار، قال الفاضل: وكذا لو قال: أخبرني زيد
أن لي عليك كذا، فقال: نعم، ويشكل بظهوره في الإقرار.
ولو طلب الشراء أو البيع أو الهبة وشبهها فهو إقرار، وفي اختصاص
المخاطب بملكه نظر من احتمال كونه وكيلا، والطلب منه جائز.
ولو قال: آجرنيه، فهو إقرار بالمنفعة، ويتوجه الاستفسار عن المالك فيهما إلا
مع القرينة، كقوله: هذه الدار لي، فيقول: بعنيها أو آجرنيها، ولو قال: ملكتها
منك، فهو إقرار، وتوقف فيه الفاضل لجواز كونه وكيلا في بيعها، أما: تملكتها
على يده، فليس بإقرار له.
ولو قال: إن شهد لك فلان فهو صادق أو بار، أو فلك علي، قيل: يلزم
لامتناع الصدق مع البراءة، ويضعف بإمكان اعتقاد المخبر أن شهادته محال،
والمحال جاز أن يستلزم المحال، ويعارض بالإقرار المعلق على شرط ممكن،
وربما قيل: يلزم من كان عارفا دون غيره، والأصح المنع في الموضعين، وأظهر
في المنع: إن شهد صدقته أو أعطيتك.
ولو قال: لي عليك مائة، فقال: قضيتكها أو أبرأتني منها، فهو مقر، ولو قال:
قضيتك منها خمسين، فهو إقرار بالخمسين خاصة لعود الضمير إلى المائة
المدعاة.
ولو قال: داري لفلان أو له نصف داري، قيل: يبطل، لامتناع اجتماع
مالكين مستوعبين، وقيل: يصح، لأن الإضافة تصدق بأدنى ملابسة مثل
" ولا تخرجوهن من بيوتهن " ومثل " كوكب الخرقاء "، ولهذا لو أتى بقوله:
بسبب صحيح أو بحق واجب وشبهه لزم.
240

ولو قال: له في ميراث أبي، أو في ميراثي من أبي، فهما سواء على القول
الثاني، ويصح الأول خاصة على القول الأول.
ولو قال: له في مالي، فهو كقوله: في داري، ويحتمل الفرق لأن الباقي بعد
المقر به يسمى مالا فيصح إضافته إليه بخلاف بعض الدار.
ولو قال: له شركة في هذا المال، فسره، ولو نقص عن النصف قبل، ولو
قال: علي وعلى زيد كذا، قبل تفسيره بأقل من النصف، ولو قال: علي وعلى
الحائط، أو قال: علي أو على الحائط، قوى بعضهم وجوب الجميع عليه، ولو
قال: علي أو على زيد لم يكن مقرا، وفي الفرق نظر.
ولو أقر في مجلسين فصاعدا أو مرتين فصاعدا بقدر واحد لم يتعدد وحمل
على تكرار الأخبار مع اتحاد المخبر، إلا أن يذكر سببا مغايرا، ولو اختلف المقدار
وجب الأكثر، ولو اختلف الجنس وجب الجميع، وكذا لو اختلف الوصف
مثل: له علي دينار مصري، ثم يقول: له علي دينار دمشقي، ولو قال: " مغربي "
بعد قوله " مصري " وفسر المغرب بمصر احتمل القبول.
درس [1]:
لو قال: له عندي دراهم وديعة، قبل وإن انفصل التفسير، فيثبت فيها أحكام
الوديعة، وكذا لو قال: دين، ولو قال: له عندي وديعة وقبضها مني، ضمن، ولو
قال: كان له، قبل وأولى بالقبول إذا قال: كان له عندي وديعة وتلفت، نعم تلزمه
اليمين في الموضعين لو أنكر المستحق.
ولو قال: له علي ألف وديعة، فالأقرب القبول، وتسمع دعوى التلف بغير
تفريط بعد ذلك، وقيل بالمنع لأن " علي " تدل على الثبوت في الذمة وهو
يناقض التلف بغير تفريط، وكذا لو قال: له علي ألف، وأحضرها وقال: هي
وديعة، فادعى المقر له تغايرهما فالوجه القبول كالأول.
ولو قال: لك في ذمتي ألف ثم أحضرها وقال: هي وديعة، فادعى المقر له
241

التغاير ففيه وجهان مرتبان وأولى بالمنع لأن " علي " مشتركة بين العين والذمة
بخلاف الذمة فإنها لا تستعمل في العين، والوجه المساواة لأن تسليمها واجب في
الذمة ولأن المجاز ممكن، واستعماله مشهور مع اعتضاده بالأصل المقطوع به،
وهو براءة الذمة، ولأن التفريط يجعلها في الذمة وإن كانت عينها باقية.
أما لو قال: هذه بدلها وكانت وديعة، فإنه يقبل للمطابقة، ولو قال: كانت
وديعة أظن بقاءها وقد تبين لي تلفها لا بتفريط فلا ضمان علي، فإن عللنا باحتمال
التجوز صدق بيمينه، وإن عللناها باحتمال التفريط أغرم.
ولو قال: أودعني ألفا فلم أقبضها، وأقرضني فلم أقبله، قيل: يصدق مع
الاتصال لأن العقد قد يطلق على الإيجاب مع قضية الأصل، ووجود القرينة وهي
اتصال الكلام، وكذا لو قال: باع مني فلم أقبل أو اشتريت منه، فلم يوجب إن
جوزنا تقديم القبول، ويحتمل عدم القبول في الجميع جريا على حقيقة اللفظ
الشرعية.
ولو قال: له علي ألف من جهة ثمن خمر أو مبيع فاسد أو لم أقبضه أو إن
سلم سلمت، قيل: يلزمه الألف اتصل أو انفصل.
ولو قال: له علي ألف مؤجل، فهو كقوله: له علي ألف إذا جاء رأس الشهر،
إذا نوى به الأجل، فيقبل فيهما على قول قوي لئلا ينسد باب الإقرار بالمؤجل،
نعم لو استند الأجل إلى القرض لم يقبل إلا أن يدعي تأجيله بعقد لازم، ولو أسند
الأجل إلى تحمل العقد فالقبول أظهر، ومنهم من قطع به وهو ضعيف لأنا نأخذ
بأول كلامه، وهو: علي ألف والباقي مناف، فإن سمع مع الاتصال فلا فرق بينه
وبين غيره، وإن يسمع فكذلك، ولو قال: اشتريت بخيار أو بعت أو كفلت
بخيار، ففيه الوجهان، وقطع المتأخرون بعدم سماع الخيار.
ولو قال: له هذه الدار سكنى أو هبة أو عارية، أمكن قبول قوله حملا على
بدل الاشتمال، ولو أقر ثم ادعى المواطاة فله إحلاف المقر له على الاستحقاق لا
على عدم المواطاة، أما لو أقر بين يدي الحاكم ثم ادعاها لم تسمع، وكذا لو شهد
242

الشاهد بمشاهدة القبض.
ولو قال الأعجمي المقر بالعربية، أو العربي المقر بالعجمية: لم أفهم لم أعلم
معناه، قبل مع الإمكان بيمينه.
والإقرار بالإقرار إقرار على قول، والإقرار بسبق اليد لا يخرجه عن الملك،
بمثل: أعرته فرسي واستعدتها، وأسكنته داري وأخذتها، أو خاط ثوبي ورده، أو
غصبني عبدي فاستنقذته.
ولو قال: أخذت من مالك وأنت حربي، فقال: بل بعد إسلامي، أو قال:
جنيت عليك وأنت عبدي، فقال: بل بعد عتقي، قيل: يقبل قول المقر لأصالة
البراءة، ويحتمل المقر له إلغاء للمبطل، ولو قيل: إن اتفقا على زمان الأخذ
واختلفا في زمان الإسلام والعتق حلف المقر، وإن انعكس حلف المقر له، وكذا
لو أرسلا الدعويين كان وجها.
درس [2]:
يعتبر في المقر البلوغ والعقل والقصد والحرية والاختيار وجواز التصرف،
فلا يقبل إقرار الصبي بما ليس له فعله، ولو أذن له الولي، ولو سوغنا له الوصية
والصدقة والوقف قبل إقراره فيها، ولو أقر بالبلوغ استفسر فإن فسره بالإمناء قبل
مع إمكانه ولا يمين عليه حذرا من الدور، ويمكن دفع الدور بأن يمينه موقوفة على
إمكان بلوغه، والموقوف على يمينه هو وقوع بلوغه فتغايرت الجهة، وكذا قيل:
يقبل تفسير الجارية بالحيض، ويشكل بأن مرجعه إلى السن، وإن فسره بالإنبات
اعتبر، وإن فسره بالسن قال الفاضل: يقبل إذا كان غريبا أو خامل الذكر.
ولو أقر المحتمل للبلوغ أو باع أو نكح أو طلق ثم ادعى الصبي قبل
ولا يمين عليه، ولو كان التداعي بعد البلوغ ففي تقديم قوله عملا بالأصل أو قول
الآخر عملا بالظاهر من الصحة وجهان.
وأما المجنون، فإقراره لغو، ولو كان يعتوره قبل حال إفاقته بعد الوثوق
243

بها، ولو تنازعا في الجنون فكما تقدم، ولو لم يعلم له حالة جنون حلف نافيه.
وأما القصد، فلا عبرة بإقرار النائم والساهي والغالط والسكران، قال ابن
الجنيد: إن كان سكره من شرب محرم اختار شربه، ألزم بإقراره كما يلزم بقضاء
الصلاة، كأنه يجعله كالصاحي في الأحكام.
ولو ادعى المقر أحد هذه وأنكر المقر له فكدعوى الصبي مع احتمال قوة
قول المقر له.
وأما العبد فلا يقبل إقراره بما يتعلق بمولاه من نفسه وماله، نعم يتبع في
المال بعد العتق، وقيل: يتبع في الجنابة أيضا، وكذا لو أقر بحد أو تعزير، ولو
كان مأذونا له في التجارة فأقر بما يتعلق بها قبل، ويؤخذ مما في يده والزائد يتبع
به، ولو أقر بما له فعله كالطلاق قبل، ولا يقبل إقرار مولاه عليه مع تكذيبه إلا في
حق المولى، فلو أقر بجناية عمدا على المكافئ وأنكر سلم إلى المجني عليه ولم
يقتص منه، ولو اتفق موت مورثه بعد إقرار مولاه عليه بالجناية فكه بقيمته ويتعلق
بها المجني عليه مع الإيعاب، ولا يتوجه هنا الفك بأقل الأمرين لأن ذلك وظيفة
المولى.
وأما الاختبار فلا ينفذ إقرار المكره فيما أكره عليه إلا مع ظهور أمارة
اختياره، كأن يكره على أمر فيقر بغيره أو بأزيد منه، ولا فرق بين الإكراه على
الإقرار بالحد أو الجناية أو المال.
وأما الحجر فباقي أسبابه ثلاثة:
أحدها: المرض، ويمضي إقرار المريض مع برئه أو تصديق الوارث أو انتفاء التهمة
أو الخروج من الثلث وقد مر.
الثاني: السفه، ويقبل إقرار السفيه في غير المال، كالجناية الموجبة للقصاص
والطلاق والنكاح إذا صح استقلاله، ولو أقر بما يوجب المال وغيره قبل في
غيره كالسرقة، ولا يلزم بعد زوال حجره ما أبطلناه قبله.
الثالث: المفلس، ويمضي إقراره في غير المال مطلقا، وفي المال إذا لم يزاحم
244

المقر له الغرماء كالدين المؤجل واللازم بمعاملة بعد الحجر، وفي إقراره بالعين
أو بما يوجب المزاحمة وجهان من تعلق حق الغرماء بماله ومن انتفاء التهمة، وهو
قول الشيخ، ووافقه ابن إدريس في الدين وأبطل إقراره بالعين، ولو اعتبرت هنا
مع العدالة كان قويا، فينفذ إقراره مع عدالته وانتفاء التهمة ويرد بدون أحدهما.
ولو ادعى المقر أحد هذه الثلاثة وهي معهودة له فكدعوى الصبي، ولو لم
يعهد له حلف الآخر، ولو ادعى الإكراه قبل مع البينة أو القرينة كالحبس
والضرب والقيد فيقبل بيمينه، ولو ادعى العبودية وهي معلومة قبل فلا ثمرة إلا
على القول بعدم تبعية الإقرار بالجناية، ولو ادعى القن العبودية المستقرة فالأقرب
قبول قوله إذا لم يكن مشهورا بالحرية ولا مدعيا لها سواء نسبها إلى معين أو أبهم
مع احتمال عدم القبول مع الإبهام، والمكاتب المشروط والمدبر وأم الولد
كالقن.
ولا تعتبر العدالة في المقر إلا إن قلنا بالحجر على الفاسق، أو كان مريضا
على ما سلف في الوصايا، أو على ما قلناه في المفلس، وقال الحلبي: تعتبر الأمانة
في المقر ابتداء بغير سبق دعوى عليه، وأنكره الفاضل.
درس [3]:
يعتبر في المقر له أمور ثلاثة:
الأول: أهلية التملك، فلو أقر للملك أو الحائط بطل، ولو أقر للدابة احتمل
البطلان والاستفسار، ولو قال: بسببها قيل: يكون للمالك والأقرب الاستفسار،
ولو فسره بالجناية على شخص قبل وإن لم يعينه على الأقرب ويطالب بالتعيين،
ويحتمل بطلان الإقرار كما لو أقر لرجل مبهم كواحد من خلق الله أو من بني
آدم، وقوى الفاضل في هذا القبول، ويطالبه الحاكم بالتعيين.
ولو أقر لعبد كان لمولاه ولمبعض يكون بالنسبة، ولو أقر لمسجد أو مدرسة
وعزاه إلى سبب ممكن كوصية أو وقف أو أطلق صح، وإن ذكر سببا محالا ففي
245

لغو السبب كقول الفاضل أو بطلان الإقرار كما قاله ابن الجنيد والقاضي وجهان.
ولو أقر لحمل فكذلك فإن سقط ميتا بطل إن عزاه إلى وصية، وكان لباقي
الوارث إن عزاه إلى الإرث، ولو تعدد الحمل اقتسماه بحسب السبب، فإن كان
وصيه فبالسوية إلا مع التفضيل كالذكر على الأنثى والأول من التوأمين على
الثاني، وإن كان إرثا فعلى كتاب الله.
وإنما يستحق إذا وضع لدون ستة أشهر منذ حين الإقرار، فلو وضع لأزيد
من ستة على قول أو تسعة أشهر على قول آخر فلا استحقاق، وإن كان بين السنة
وستة أشهر وكانت خالية من زوج ومولى استحق وإلا فلا، ومال الفاضلان إلى
الاستحقاق مطلقا بناء على غالب العادة في الولادة للتمام.
الثاني: أن لا يكذب المقر له، فلو أكذبه لم يعط إلا أن يعود إلى التصديق، إلا
أن يتضمن تكذيبه إقرارا لغيره أو عتقا، كما لو أقر له بعبد فأنكر، فإن الشيخ يقول
بعتقه والفاضلان يجعلانه على الرقية المجهولة المالك، وهو قريب، إلا أن يدعي
العبد الحرية فالأقرب تحرره لعدم المنازع.
الثالث: أن يكون ممن يملك الشئ المقر به، فلو أقر المسلم بخنزير بطل
وكذا بخمر إلا أن يكون محترمة، ولو أقر لكافر ببيع مصحف أو عبد مسلم بطل
أيضا، ولو أقر بمصحف أو عبد مسلم ولم يسنده إلى البيع أمكن الصحة بجواز أن
يكون قد كتبه أو أسلم العبد عنده وتزال عنه يده بالطريق الشرعي، ولو عين أحد
السببين قبل قطعا.
ولو رجع المقر عن إقراره لم يسمع سواء كان بعد رجوع المقر له أو قبله،
ويقبل الرجوع عما يوجب الرجم من الحدود، والرجوع عن الطلاق بالإنكار
رجعة، وفي جعل إنكار البيع مع الخيار للمنكر فسخا نظر، من دلالة التضمن
وفساد الإنكار فيفسد ما يترتب عليه.
ولو رجع عن المقر له إلى غيره، كما لو قال: هذه الدار لزيد بل لعمرو، فإن
صدقه زيد فهي لعمرو وإن كذبه أغرم لعمرو، وكذا: غصبتها من زيد لا بل من
246

عمرو، أو: غصبتها من عمرو وهي لبكر، أو: هي لبكر وغصبتها من زيد، أو: هي
لزيد وغصبتها من عمرو، أو: غصبتها من يد الغاصب من عمرو، وقيل: هنا يجمع
بين مقتضى الإقرارين ولا غرم للثاني لجواز كونها في يد أحدهما وملكها للآخر.
وأما في المسألة الأولى فلا يمكن الجمع، وقال ابن الجنيد في المسألة
الأولى: إن كان المقر حيا سئل عن مراده، وإن كان ميتا فهو مال متداعى بين زيد
وعمرو، فإن انتفت البينة حلفا واقتسماها، وليس بذاك البعيد لأنه نسب الإقرار
إليهما في كلام متصل، ورجوعه عن الأول إلى الثاني يحتمل كونه عن تحقيق أو
تخمين، فالمعلوم انحصار الحق فيهما.
أما تخصيص أحدهما فلا، ولا يعتبر في المقر له الحياة، فلو أقر لميت وأطلق
أو ذكر سببا ممكنا كالمعاملة أو الجناية في حال الحياة صح، ويكون المقر به
تركة يقضى منها الكفن ثم الدين ثم الوصية ثم الميراث، وإن ذكر سببا محالا
كالمعاملة بعد الموت فهو كتعقيب الإقرار بالمنافي، وإن ذكر لجناية عليه بعد
الموت فالأقرب السماع ويصرف أرشها في وجوه البر، ولو أقر لميت لم يعاصره
سمع لجواز تناسخ الحقوق.
ولو أقر لأبي قبيلة منحصرة صح، ولو كانوا غير محصورين كقريش وتميم
أمكن الصحة، ويصرف إلى من يوجد منهم ويلزم منه صحة الإقرار لآدم جريا على
التناسخ، وفيه بعد فإن قلنا به أمكن كونه لبيت المال لأنه المعد لمصالح بني آدم،
ويشكل بخروج أهل الذمة حينئذ، ولم أقف في ذلك على كلام، وهل يشترط
انحصار المقر له؟ فلو أقر للفقراء أو المساكين أو بني تميم صح ثم يستفسر، فإن
كان بما يجب فيه التعميم عمم بحسب الإمكان، وإن كان من باب بيان المصرف
كالزكاة صرف كما تصرف الزكاة، وإن كان مما لا يستوعب فيه أهل البلد
أعطي لمن في البلد ولا يجب تتبع الغائب.
ولو أقر بالزكاة أو الخمس صرف في وجوهه، فلو رجع عن ذلك لم
يسمع، وإن كان لا مدعي له.
247

درس [4]:
يعتبر في المقر به أمور أربعة:
الأول: كونه مما يملك، فلو أقر بحر للغير لم يصح وإن كان صغيرا تحت
يده، وكذا لو أقر بكلب هراش أو فضلة إنسان أو جلد ميتة، إلا أن يقر به للمستحل
فالأقرب الصحة، ولو أقر بحبة حنطة أو قشر جوزة فالأقرب وجوب تسليمه إلى
المقر له وإن لم يعد مالا، فإن امتنع فالأقرب أنه لا يجبر لعدم القصد إلى مثله.
ولو أقر بالخمر والخنزير للكافر صح وضمن قيمته إن كان المقر مسلما وقد
تلف، ومثله إن كان المقر ذميا على ما سلف من الخلاف، أما لو أقر الذمي بشراء
ذمي منه خمرا أو إسلافه فيه أو إقراضه أو إصداقه فإنه يقضى عليه به.
الثاني: كونه غير مملوك للمقر، فلو قال: ملكي لفلان، بطل، وكذا لو قال:
داري، على الخلاف، ولو قال: هو لفلان وهو ملكي إلى الآن، فهو من باب تعقيب
الإقرار بالمنافي، ولو شهد الشاهدان أنه أقر له بدار هي ملك للمقر إلى حين الإقرار
لم تفد الشهادة ملك المقر له.
الثالث: نفوذ الإقرار فيه، فلو أقر الموقوف عليه بالوقف الثابت شرعا لغيره
بطل، ولو أقر به ثم ثبت وقفه بطل إقراره، وهل تسمع دعواه بعد إقراره؟ الأقرب
نعم إذا ادعي عليه العلم بالوقف وأمكن في حقه.
ولو أقر بأم الولد فالأقرب السماع تنزيلا على الاحتمال وإن بعد، ويمكن
اعتبار تصديقها أو طلب الاستفسار، ولو أقر بالمكاتب للغير وصدقه المقر به قبل،
وإن أكذبه احتمل القبول إن أطلق أو ذكر أنه كان ملكه قبل الكتابة مع تكذيب
العبد، وإن قال: ملكته بعد الكتابة، فهو من باب تعقيب الإقرار بمنافيه.
ولو أقر بالمرهون لم ينفذ في حق المرتهن إلا مع التصديق، فإن فك نفذ
الإقرار وإن بيع غرم المقر بدله للمقر له.
ويصح الإقرار بالدين كالعين، فلو قال: الدين الذي باسمي على زيد لبكر
واسمي في الكتاب عارية وإرفاق، قبل لجواز كونه وكيلا عنه في الإدانة والإجارة
248

والبيع.
أما لو أقرت المرأة بصداقها والوارث بدية المورث والخالع ببذل الخلع،
فإن أسندوه إلى هذه الأسباب لغا الإقرار، وإن أطلقوا أو ذكروا سببا مملكا
كانتقاله بالصلح أو الحوالة أو البيع أو الهبة عند من جوزها فالأقرب صحة
الإقرار.
الرابع: كون المقر به تحت يد المقر، فلو أقر بمال غيره للغير فهي شهادة، ولو
أقر بحرية عبد في يد الغير فكذلك، فلو صار المقر به إليه يوما نفذ الإقرار، فلو
اشترى العبد بإذن الحاكم أو بغير إذنه صح وكان استنقاذا من طرفه وبيعا من
طرف البائع، فلا يثبت فيه خيار المجلس، ولا الحيوان للمشتري، ويعتق
بالشراء.
ثم إن كان قد أقر بأن العتق عن صاحب اليد أو بأنه حر الأصل أو بأنه
عتيق صاحب اليد إلا أنه لا ولاء عليه ضاع ماله، ولو قدر على مقاصة الممسك
فله ذلك في صورة كونه معتقا أو عالما بالحرية، لا مع انتفاء الأمرين.
وإن كان قد أقر بعتقه وولائه ومات العتيق بغير وارث فله أخذ قدر الثمن
لأنه إن كان صادقا فله المقاصة وإن كان كاذبا فالجميع له، وفيه إشكالان:
الأول: القول بعتقه بمجرد الشراء، لأن في ذلك ضررا على العبد، وربما كان
عاجزا عن التكسب فلا ينفد إقراره في حقه إلا أن يجعل إقراره بمثابة عتقه مباشرة
أو يصدقه العبد على الحرية.
الثاني: جواز المقاصة، فإن دفع مالا متبرعا به فإذا استهلك مع التسليط فلا
ضمان، وقد يجاب بأن مثل هذا الدفع يرغب فيه للاستنقاذ، ويكون ذلك
مضمونا على القابض لظلمه.
درس [5]:
إذا أقر بمال معين لزم، فإن ادعى المقر له زيادة عليه فهي دعوى مستأنفة،
249

ولو عين الوزن انصرف إليه وكذا الكيل، ولو أبهم انصرف إلى الوزن الغالب
والكيل الغالب، فلو تساوى أمران مختلفان في الأغلبية فسر المقر، ولا تصرف
الدراهم إلى الإسلامية إلا مع علم قصد المقر.
ويصح الإقرار بالمبهم، ويستفسر، فإن امتنع حبس حتى يبين، ولو جن أو
أغمي عليه ترقب زوال عذره، ولو مات عين الوارث، ولو قال: لا أعلم، أو قال
المقر: نسيت، أمكن قبول تعيين المدعي بيمينه، قال الفاضل: يشكل بما أنه
لا يمين على المدعي إلا مع الرد فيجيب أقل متمول حينئذ، ولو فسر بعشرة فقال
المقر له: أردت عشرين، لم تسمع دعوى الإرادة، إذ لا يلزم من إرادته عشرين
وجوبها في ذمته، نعم له الدعوى بها فيقبل قول المنكر مع يمينه وعدم البينة.
ثم الألفاظ المبهمة كثيرة ولنذكر منها خمسة عشر:
الأول: الشئ، وهو أعم من المال، فلو فسره بحد قذف أو حق شفعة قبل،
ولو فسر بالخمر أو السرجين النجس لم يقبل لأن " له " تستدعى لملك، وذلك
ليس بمملوك، ويحتمل القبول، وهو قول الفاضل لصدق " الشئ " عليه وإمكان
المنفعة به وتحريم أخذه لثبوت الاختصاص فيه، قال: وكذا يقبل لو فسره بحبة
حنطة أو دخن لتحريم أخذه على الغير، وقيل: لا يقبل لأنه لا قيمة له ولا تصح
الدعوى به، ومنع الفاضل من عدم صحة الدعوى به.
أما لو فسره بما لا يباع اقتناؤه كالخنزير أو جلد الكلب والخمر غير
المحترمة فإنه لا يقبل، لأنه ليس فيه حق واختصاص.
أما لو فسره بما لا يباع الانتفاع به لم يقبل، وكذا لو فسر برد السلام
والعيادة في مرضه والتسميت عند عطاسه وإن كان في الخبر: حق
المسلم على المسلم أن يعوده إذا مرض، ويجيبه إذا سلم وتسميته إذا عطس، لأنه
لا يخبر عن مثله عادة واحتمل قبوله الفاضل لهذا الخبر.
ولو قال: غصبتك شيئا، وفسره بنفسه لم يقبل لما فسرنا الغصب به، ولو
كان عبدا لم يقبل لاقتضاء مفعول الفعل هنا المغايرة.
250

الثاني: المال، ويلزم تفسيره بما يتمول وإن قل لا بغيره كالكلب العقور
والخنزير والحشرات والسرجين النجس ولو قبلناها في " الشئ " ولو كان المقر
كافرا لكافر تبع معتقدهم في المالية، وجوز الفاضل تفسير المال بحبة الحنطة
والتمرة لأنها مال وإن لم يتمول، إذ المال أعم من المتمول.
الثالث: أسماء الأجناس كالزيت والذهب والفضة، ويتشخص ذلك فيما
ذكره، والقول قوله في وصفه، وقدره بيمينه، ولا فرق بين المعرف في ذلك
والمنكر لامتناع الحمل على العموم هنا.
الرابع: صيغ الجمع، وتحمل على الثلاثة فصاعدا قلة كانت أو كثرة معرفة
أو منكرة، ولو قال: له علي دراهم، وفسرها بدرهم لم يقبل، ولو فسرها بدرهمين
متأولا معنى الاجتماع أو أخبر أنه من القائلين بأن أقل الجمع اثنان فالأقرب
القبول.
الخامس: صيغ العدد، إذا جردها عن المميز فله تفسيرها بما يصدق عليه
ذلك العدد كالألف والمائة، فلو قال: له علي ألف، ففسرها بحبات الدخن قبل،
ولو فسرها بشاة فأولا أن فيها ألف جزء لم يقبل.
ولو عطف عددا غير مميز على مميز بواسطة أو غير واسطة لم يسر التمييز
إلى المعطوف، مثل: له علي ألف درهم وعشرون ومائة، أو ألف درهم
وعشرون، أما لو جعل التمييز في العدد الأخير فقد قال الشيخ بسريانه إلى ما قبله
وإن تكثر، مثل: له ألف ومائة وخمسين وسبعون درهما، ولو قلنا بسريانه وقال:
له علي مائة وله علي عشرون درهما، لم يسر لتغاير الجمل، وكذا لو قال: له علي
مائة دينار وخمسة وعشرون درهما، لم يسر الدرهم إلى المائة لتميزها، وفي سريانه
إلى الخمسة الوجهان، ولو قال: له خمسة عشر درهما فالكل دراهم قطعا.
السادس: الإبهام في محتملات اللفظ بحسب الصلة، مثل: له علي من واحد
إلى عشرة، احتمل ثمانية واختاره ابن إدريس، وعشرة وتسعة واختاره الشيخ في
الكتابين باعتبار دخول الطرفين وعدمه، ولو أراد مجموع الأعداد فهي خمسة
251

وخمسون، وبيانه أن يزاد على آخر الأعداد واحد ويضرب الجميع في نصف
العدد الأخير.
السابع: الإبهام للوصف، فلو قال: له علي درهم ناقص أو زيف أو صغير
قبل تفسيره مع اتصال اللفظ لا مع الفصل، ولا يقبل في الزيف بالفلوس، ولو
قال: له مال عظيم أو جليل أو نفيس أو خطير أو مال أي مال أو عظيم جدا فسر
بما يتمول، لأن كل مال عظيم خطره لكفر مستحله، وكذا لو قال: حقير، ولو
قال: أكثر من مال فلان، لزمه بقدره وزيادة.
ولو ادعى جهل قدره حلف وفسر بما ظنه، ولو تأول بأن مال فلان حرام أو
عين وما أقررت به حلال أو دين والحلال والدين أكثر نفعا أو بقاء من العين، لم
يقبل عند الشيخ، ويقبل عند الفاضل بيمينه.
ولو قال: له علي أكثر من مائة لزمه مائة وأدنى زيادة، ولو قال: ماله علي
أكثر من مائة، فإن ضم " اللام " في " له " فكالأول، وإن فتح " اللام " ففي الإقرار
بمائة أو بطلانه لأنه لا يلزم من نفي الزائد عليها ثبوتها وجهان، ولو قال: مال كثير،
قال الشيخ في الكتابين: يلزمه ثمانون درهما كالنذر، وأنكره ابن إدريس لبطلان
القياس ولاستعمال الكثير في القرآن لغير ذلك، مثل: فئة كثيرة ذكرا كثيرا،
والشيخ يقول هو عرف شرعي وتبعه القاضي، وبه قال ابن الجنيد وجعل حكم
العظيم حكم الكثير.
درس [6]:
الثامن: الإبهام في الجزء، فلو قال: له نصف، فسر بنصف ما يتمول، ولو
قال: له درهم ونصف، قيل: ينصرف النصف إلى نصف الدرهم لقرينة العطف،
ولو قال: له علي جزء من درهم، فسر بما شاء وإن قل، ولو قال: معظم درهم أو
أكثره، لزم نصف درهم وأدنى زيادة وإليه الرجوع فيها، ولو قال: له قريب من
درهم، فالظاهر أنه كذلك، ويحتمل تفسيره بما شاء لأن القرب من الأمور
252

الإضافية فلا يتشخص بشئ بعينه، ولو قال: له جزء من مالي، فسر بما شاء،
وكذا نصيب أو قسط أو حظ أو سهم أو شئ، ولا يحمل على الوصية، وقال ابن
الجنيد: لو قال: له في هذا العبد شئ، فله سدسه، وإن قال: جزء، فله سبعة، وإن
قال: سهم، فله ثمنه، كأنه يحمله على الوصية لاستقرار عرف الشرع بذلك.
التاسع: الإبهام بكذا، فلو قال: له علي كذا، فهو كقوله شئ، ولو فسره
بالدرهم " رفعا أو نصبا أو جرا " فالأقرب أنه واحد " فالرفع على البدل والنصب
على التمييز والجر على الإضافة "، ويحتمل في " الجر " بعض درهم ويفسره بما
شاء، وقال في الخلاف: يلزمه مع " النصب " عشرون ومع " الجر " مائة بناء
على أن " كذا " كناية عن العدد وأن أقل العدد المفسر لمفرد منصوب عشرين
وأقل العدد المفسر بمجرور مائة، ولو قال: كذا كذا درهم " أو نصبه أو جره "
فهو كالأول، وفي الخلاف: لو " نصب " فأحد عشر، ولو قال: كذا وكذا،
وفسره بالدرهم " رفعا أو نصبا أو جرا " وقال مع النصب أحد وعشرون، ويمكن
حمله على من استقر في عرفه ذلك أو على من علم قصده، وبدونهما لا وجه له.
العاشر: الإبهام بالعطف وشبهه، فلو قال: له علي درهم ودرهم ودرهم، فهي
ثلاثة، فلو قال: أردت بالثالث تأكيد الثاني قبل لأن التأكيد قد يكون بتكرير
اللفظ بعينه والأصل براءة الذمة عن الزائد، ولو قال: أردت به تأكيد الأول لم
يقبل لعدم " الواو " في الأول ووجوده في الثاني والثالث، وللفصل بين المؤكد
والمؤكد، ولو أتى " بالواو " في المعطوف أولا و " بثم أو بالفاء " في المعطوف
ثانيا لم تقبل دعوى التأكيد للتغاير، ولو قال: له درهم درهم درهم، فواحد، ولو
قال: له درهم فدرهم، فاثنان، ولو قال: أردت فدرهم لازم، قبل بيمينه لو خالفه
المقر له.
ولو قال: له درهم فوق درهم، أو تحته، أو معه، أو فوقه وتحته ومعه، أو
قبله، أو بعده، أو قبله وبعده، فواحد لاحتمال إرادته بالدرهم الزائد أنه للمقر، وفي
القبلية والبعدية يضعف الاحتمال من حيث أنها ظاهرة في الوجوب، ولو فسر قوله
253

" فوق درهم " بالزيادة " وتحت درهم " بالنقيصة قبل.
الحادي عشر: الإبهام بالظرفية وشبهها، فلو قال: له زيت في جرة، أو سمن في
عكة، أو قماش في عيبة، أو ألف في صندوق، أو غصبته سيفا في جفن، أو حنطة
في سفينة، أو دابة عليها سرج، لم يدخل الظرف ولا السرج، وقال ابن الجنيد:
كل مالا يوجد بغير ظرف كالسمن فالإقرار به إقرار بظرفه وليس بذاك، وجعل
الإقرار بالدابة ليس إقرارا بالسرج، بخلاف: عبد عليه عمامة أو ثوب، فإنه يدخل
لأن له أهلية الإمساك.
ولو قال: له جرة فيها زيت إلى آخر الظروف فهو إقرار بالظرف خاصة على
الأقوى، ولو قال: له خاتم فيه فص أو فص على خاتم، لم يدخل الفص في
الأول ولا الخاتم في الثاني، ولو قال: له جارية، وجاء بها وهي حامل صح
استثناء الحمل على الأقرب، ولو قال: له في هذا العبد ألف درهم، وفسره بأنه
وزن في ثمن نصفه ألف درهم قبل وله النصف، ولو قال: واشتريت أنا النصف
بدرهم، لم يتغير الحكم، ولو قال: له نقد عني ألفا في ثمنه، كان إقرارا بالإقراض،
ولو قال: أرش جناية، قبل ولا يلزمه الإتمام لو نقص العبد، ولو قال: أوصي له
من ثمنه بألف، بيع وصرف إليه ذلك إن احتمله، ولو قال: هو مرهون عنده على
ألف، احتمل القبول لأنه تعريض للبيع ويكون له في ثمنه ذلك.
الثاني عشر: الإبهام في الأعيان وشبهها، فلو قال: له هذا الثوب أو هذا العبد،
طولب بالتعيين، فلو أنكره المقر له حلف وانتزع الحاكم ما أقر به أو أقره في يد
المقر، فلو عاد المقر له إلى التصديق سمع، ولو قال: له علي ألف أو مائة، احتمل
المطالبة بالتعيين ولزوم الأول، ولو قال: مائة أو ألف، احتمل لزوم الثاني، ولو
قال: دينار أو درهم، طولب بالبيان.
الثالث عشر: الإبهام المستخرج بطريق استخراج المجهولات، وهو إنما
يكون معتبرا أن لو كان المقر عالما بذلك القدر وعبر عنه بتلك العبارة، فلو لقن
العامي الصيغة لم يترتب الحكم، ولو سمع من مقر صيغة حكم بها عليه ظاهرا،
254

ولو ادعى الجهالة وكان ممكنا في حقه احتمل قويا سماع دعواه.
فلو قال: لزيد علي مال ونصف ما لعمرو ولعمرو علي مال ونصف ما لزيد،
فلكل منهما أربعة، لأن لزيد شيئا فلعمرو مال ونصف شئ فلزيد مال ونصف مال،
وربع شئ يعدل شيئا يسقط ربع شئ بربع شئ يبقى مال ونصف مال يعدل ثلاثة
أرباع شئ، فالشئ مالان ولكل مال نصف فيكون أربعة، ثم يسأل عن معدود
الأربعة.
الرابع عشر: الإبهام الممكن استخراجه من غير حساب ولا رجوع إلى المقر،
كقوله: له علي من الفضة بوزن هذه الصخرة أو بقدر ثمن عبد زيد أو بعدد وثيقة
بكر، قبل ورجع إلى ذلك في التفسير.
الخامس عشر: الإبهام من حيث العموم، فلو قال: لزيد جميع ما تحت يدي أو
ينسب إلي، صح الإقرار وأخذ به، فلو قال: في شئ لم يكن هذا تحت يدي حال
الإقرار، قبل قوله بيمينه، ولو قال: لا حق لي عندك أو في يدك، ثم رأى في يده
شيئا فقال: ما كنت أعلم بهذا وهو لي، سمعت دعواه لإمكانه، فيحلف المتشبث إن
لم يكن للمدعي بينة.
درس [7]:
في الإضراب والاستثناء:
لو قال: له درهم بل درهم، فواحد على الأقوى، ولو عين أحدهما وأبهم
الآخر فكذلك على الأقوى، ولو عينهما فاثنان، ولو قال: درهم بل درهمان،
فاثنان وكذا بالعكس، ولو قال: له درهم بل دينار، ثبتا معا، ولو قال: ماله درهم
بل درهمان، ثبتا، وكذا: لكن درهمان.
وقواعد الاستثناء ثمان:
القاعدة الأولى:
الاستثناء من الإثبات نفي وبالعكس، فعشرة إلا واحد إن وردت عقيب النفي
255

فواحد إذا " رفع " وعقيب الإثبات تسعة إذا " نصب "، ولو " نصب " عقيب النفي
فلا شئ، ولو " رفع " عقيب الإثبات فلا " رفع " ويجب الجميع وتكون " إلا "
وصفا، ولو قال: ما اقترضت منه عشرة إلا خمسة، أمكن وجوب الخمسة
" للنصب على البدل " وعدم وجوب شئ " للنصب على أصل الاستثناء " وقيل:
إنه إن قصد بالنفي سلب المركب وهو عشرة إلا خمسة فلا شئ عليه وإن قصد
سلب العشرة لا غير وقصد ب‍ " إلا " نقص ذلك السلب لزمه خمسة، وهذا
التوجب يتمشى على تقدير " النصب على الاستثناء " أو على " البدل "، وربما
جعل الاحتمالان في مثل: ما له عشرة إلا خمسة " بالنصب وهو بعيد، لأن قصد
سلب العشرة لا غير يقتضي " الرفع على البدل ".
القاعدة الثانية:
في الاستثناء المتكرر بحرف عطف في حكم المستثنى الواحد، فيخرج الجميع أو يدخل
الجميع، وكذا لو كان الثاني أكثر أو مساويا للأول وإن كان
بغير " عطف "، أما لو انتفى العطف ونقص الثاني عن الأول فإنه يرجع إلى
الاستثناء الأول، فلو قال: له علي عشرة إلا تسعة وعد إلى الواحد فخمسة، لأنا
نأخذ الجمل المنفية وهي الإفراد " بنا " فتسقطها من المثبتة وهي الأزواج فيجب
الباقي، ولو أنه لما وصل إلى الواحد قال: إلا اثنين إلا ثلاثة، إلى التسعة، لزمه
واحد لأنا نضم الأزواج إلى الأزواج وتكون خمسين، والإفراد إلى الإفراد تسعة
وأربعون، فإذا أسقطت الأقل من الأكثر الثاني بقي واحد.
ولو قال: له علي عشرة إلا عشرة إلا أربعة، صح الاستثناءان ولزمه أربعة،
لأن عشرة إلا أربعة ستة وهي المنفية، ولولا الاستثناء الثاني بطل الأول، ولو قال:
علي عشرة إلا ثلاثة وإلا اثنين، فهي خمسة، ولولا الواحد لكانت تسعة، وكذا لو
قال: إلا ثلاثة واثنين، ولو قال: عشرة وإلا ثلاثة إلا أربعة، فهي ثلاثة سواء وحد
" الواو " أو لا، وكذا عشرة إلا ثلاثة حملا على التأسيس لا على التأكيد.
256

القاعدة الثالثة:
الاستثناء المتردد، كقوله: عشرة إلا خمسة أو ستة، المخرج منه الأقل أخذا
بأول الإقرار، ويحتمل إخراج الأكثر اقتصارا على المتيقن، ويحتمل طلب التعيين
منه، فإن تعذر أخرج الأقل.
القاعدة الرابعة:
الاستثناء من الجنس حقيقة ومن غيره مجاز، فيحمل على الأول، ولو أخبر
عن إرادة المجاز فالأقوى القبول، فلو قال: له ألف درهم إلا ثوبا، وأخبر عن إرادة
الإخراج طولب بتفسير قيمة الثوب، فإن أبقى بعدها شيئا صح وإن استوعب
بطل الاستثناء، ويحتمل بطلان التفسير فيفسر بما يبقى، وتصوير هذا أن يكون له
عليه ألف فيتلف صاحب الحق على المدين ثوبا أو يدفع إليه ثوبا قضاء فيفسر
على هذه الصورة.
ولو قال: له علي ألف إلا درهما، فهي دراهم، ولو أخبر عن إرادة غيرها
كالجوز قبل، فإن بقي شئ بعد الدراهم صح، وإن لم يبق فالأقرب بطلان
الاستثناء ويلزمه ألف جوزة.
فلو قال: له ألف إلا واحدا، كلف التفسير فإن فسر أحدهما تبعه الآخر، فلو
قال: أردت المنفصل، قبل وروعي ما تقدم.
ولو قال: له علي مال إلا مالا أو شئ إلا شيئا، حمل على أقل متمول، فيكون
الأول زائدا على أقل متمول، وبالاستثناء نقص ذلك الزائد، وقال بعض العامة:
هذا مستوعب فيبطل الاستثناء ويجب أقل متمول، وهو موافقة في الحكم ومخالفة
في التقدير.
والفائدة أنه على التقدير الثاني لا يحتاج إلى تفسير لفظ الثاني بل يكفي
تفسير اللفظ الأول، وعلى ما قررناه يطالب بتفسيرهما، ويترتب عليه الاستثناء من
الجنس وغيره واستغراق الاستثناء وعدمه.
257

وعندي أن تخير الاستغراق في هذا باطل لأن الشئ والمال من الألفاظ
المتوالية الصالحة للكثير والقليل، فجاز أن يكون الشئ الأول مساويا وغير مساو.
درس [8]:
القاعدة الخامسة:
الاستثناء المستغرق باطل ولا يحمل على الغلط، فلو ادعاه لم يسمع منه،
ويجوز أن يكون الباقي من المأخوذ على الأقوى، وتقريره في الأصول، فلو قال: له
علي عشرة إلا عشرة لزمه عشرة، ولو قال: إلا تسعة فواحد.
القاعدة السادسة:
إذا تعقب الاستثناء جملا، فالمتصور في الأصول العود إلى الأخير وربما
حصلت فيه قرينة توجب العود إلى الجميع، ثم قد تتعدد الأعداد في
المستثنى والمستثنى منه فيحتمل حينئذ في المستثنى الجميع كما يحتمل في المستثنى منه
العود إلى الجميع، فهنا أمثلة:
الأول: له عشرة دراهم وثوب إلا درهما، فإن جمعنا بين الجملتين كان
الدرهم مستثنى من الدراهم، والثوب بعد أن يذكر قيمة الثوب، وربما جعل هذا
قرينة لعوده إلى الدراهم لأن الاستثناء المنفصل مجاز، وهو معارض بأن العود إلى
الأبعد أشد محذورية من المجاز.
الثاني: له دينار وعشرة دراهم إلا ثوبا قيمته ثمانية، فإن جمعنا كانت الثمانية
موزعة على العشرة والدينار، وإن أعدناه إلى الأخير كان إقرارا بدينار ودرهمين.
الثالث: له درهمان ودرهم إلا درهما، فإن جمعناه لزمه درهمان وهو ظاهر
للقرينة، وإن لم يجمع لزمه ثلاثة لاستغراق الاستثناء.
الرابع: له ثلاثة إلا درهمين ودرهما، إن جمعنا المستثنى لزمه ثلاثة وإن لم
يجمع لزمه درهم.
258

الخامس: له ثلاثة إلا درهما ودرهمين، إن جمعنا فثلاثة وإن لم نجمع
فدرهمان.
السادس: له درهم ودرهم ودرهم إلا درهما ودرهما ودرهما، يلزمه ثلاثة
جمعنا بين الأعداد أو لم نجمع، لأنا إن جمعنا صار مستغرقا وإن لم نجمع
فالواحد مستغرق الآخر.
السابع: له درهم ودرهم إلا درهما، إن جمعنا فعليه درهم أو لا فدرهمان،
ورده الفاضل بالتناقض للنص على الإفراد، وإنما احتمل ذلك في الجميع لأنه
يجوز أن يراد به بعض الأفراد، كما يراد بالقوم في قولهم جاء القوم إلا زيدا " من
عدا زيد " وهو مدفوع بإمكان التجوز عن النصف بدرهم لصحة قولنا: له درهم
إلا نصفه، وكأنه استثنى من كل درهم نصفه ونصفا درهم درهم، على أن " واو
العطف " بمثابة " ألف " التثنية عند النحاة والأصوليين، فكأنه قال: له درهمان إلا
درهما، ولا نزاع في صحته، وبه علل الشيخ في الخلاف، ولأن الاستثناء من
العين صحيح عنده مع قيام تخيل التناقض فيه مثل: له هذا الدرهم إلا نصفه.
الثامن: إنما يجتمع العدد المعرف ما لم يكن فيه إشارة، فلو أشار لم يجمع
مثل: له هذا الدرهم وهذا الدرهم إلا هذا الدرهم " ين " فإنه يبطل الاستثناء قطعا،
وكذا لو قال: له هذا العبد وهذا العبد وهذا العبد إلا هذا العبد وهذا العبد.
درس [9]:
القاعدة السابعة:
الاستثناء من الأعيان صحيح، سواء كان بأدوات الاستثناء كقوله: له هذا
الدار إلا هذا البيت، وهذا الخاتم إلا فصه، أو بغيرها كقوله: له هذه الدار والبيت
لي، أو الخاتم والفص لي.
ولو قال: له هذا العبيد إلا هذا العبد خرج من الإقرار، ولو قال: إلا واحدا،
عين ما شاء، فلو ماتوا إلا واحدا فعينه صح، ومن أبطله لبعد موت الجميع سوى
259

المستثنى فهو متحكم لأن التجويز قائم والتعيين إليه.
القاعدة الثامنة:
قد يكون الاستثناء مجهولا وإلى معرفته طريق غير قول المقر فيرجع إليه،
مثل قوله: له عشرة إلا قدر مال زيد وإلا زنة هذه الصخرة، ومثل المسائل الحسابية
كقوله: لعمرو عشرة إلا نصف ما لزيد، ولزيد ستة إلا ثلث ما لعمرو،
فلعمرو شئ، فلزيد ستة إلا ثلث شئ، ولعمرو عشرة وسدس شئ إلا ثلاثة تعدل
شيئا، فإذا جبرت وقابلت بقي سبعة تعدل خمسة أسداس شئ، فالشئ ثمانية
وخمسان وهي لعمرو ولزيد ثلاثة وخمس، وإن شئت بدأت بزيد في العمل، فلزيد
شئ ولعمرو عشرة إلا نصف شئ، فلزيد ستة وسدس شئ إلا ثلاثة وثلثا يعدل
شيئا، وبعد الجبر والمقابلة يبقى اثنان وثلثان يعدل خمسة أسداس شئ، فالشئ
ثلاثة وخمس فهي لزيد ولعمرو عشرة إلا نصف هذه وهو واحد وثلاثة أخماس،
فإذا ألقي من عشرة بقي ثمانية وخمسان.
درس [10]:
في الإقرار بالنسب:
يشترط في صحة الإقرار به بلوع المقر وعقله وعدم تكذيب الشرع له، فلا
عبرة بإقرار الصبي والمجنون ولا بإقرار من التحق بالغير شرعا سواء أقر ببنوته أو
إخوته أو غيرهما مما يغاير ذلك النسب الشرعي، وكذا المنفى عنه شرعا كولد
الزنى وإن كان على فراشه وولد اللعان وإن كان الابن يرثه.
ثم إن كان المقر به ولدا اشترط فيه مع ذلك خمسة شروط:
الأول: أن لا يكذبه الحس، فلو أقر ببنوة من هو في سنه أو أسن أو أصغر بما
تقضي العادة بأنه لا يلده بطل الإقرار ولو تصادقا.
260

فرع:
لو دخلت حربية دار الإسلام ومعها ولد فاستلحقه مسلم أو ذمي مقيم بدار
الإسلام لحق به، إلا أن يعلم عدم دخوله دار الحرب وعدم خروجها إلى دار
الإسلام وعدم مساحقتها لموطوءة فلا يلحق لتكذيب الحس إياه، ولا يكفي إمكان
إنفاذ الماء في قارورة إليها لبعد وقوعه والانخلاق منه.
الثاني: أن لا ينازعه غيره، فلو تنازعا لم يثبت لأحدهما إلا بالبينة أو القرعة.
الثالث: التصديق، إن كان أهلا له كالحي البالغ العاقل، ويسقط اعتباره في
طرف الميت والصغير والمجنون ويثبت نسبه، ولا عبرة بالإنكار بعد أهليته، ولو
طلب إحلاف المقر فليس له لأن غايته استخراج تصديقه أو نكوله وكلاهما غير
مسموع، لأنه لو بقي النسب الآن صريحا لم يقبل، ولا يقدح في ذلك التهمة في
استئناف مال الصغير وإرث الميت.
الرابع: أن يكون المقر أبا، فلو أقرت الأم فلا بد من التصديق على الأقرب
لإمكان إقامتها البينة على الولادة.
والإقرار بالولد ليس إقرارا بزوجية الأم وإن كانت معروفة بالحرية لاحتمال
كونه عن شبهة أو نكاح فاسد.
الخامس: أن يكون ولدا للصلب، فلو أقر ببنوة ولد ولده فنازلا اعتبر
التصديق، وإن كان المقر به غير الولد فله شرطان آخران:
أحدهما: أن لا يكذبه الحس كما لو أقر بأخوة من يمتنع تولده من أبي المقر
أو أمه لزيادة سن المقر به على سنهما أو مساواته.
وثانيهما: تصديق المقر به، فلو أكذبه فلا نسب وإن صدقه توارثا، ولا يتعدى
التوارث إلى وارثهما إلا مع التصادق، وقال في المبسوط: يتعدى التوارث إلى
أولادهما لا غير، ثم هنا مسائل:
الأولى: لو استلحق ولد أمته بعينه لحق به ولو لم يعين ومات عين الوارث،
فإن امتنع أقرع فيكون الآخر رقا ولا يعرضان على القافة، ولا ينعتق نصف كل
261

واحد منهما.
الثانية: لو كان لأمته ثلاثة أولاد فأقر بأحدهم وعينه ألحق به، وكان الباقيان
رقا سواء كان المعين الأكبر أو الأصغر أو الأوسط، فإن مات عين الوارث، فإن
امتنع فالقرعة فيعتق المقروع مطلقا، هذا على الرواية المشهورة بأن الأمة لا تصير
فراشا بالوطئ، وعلى الرواية الأخرى بصيرورتها فراشا إن أقر بالأكبر لحق به مع
الأصغر والأوسط، وإن أقر بالأوسط لحق به إلا مع الأصغر، وإن أقر بالأصغر
لحقه وحده، وحكم القرعة كذلك.
الثالثة: لو خلف ابنا فأقر بآخر شاركه ولم يثبت نسبه وإلا شارك، ولو أقرا
بثالث وكانا عدلين ثبت نسبه وإلا شارك، ولو أقر بالثالث أحدهما أخذ فاضل
نصيبه، ولو صدق الثالث الثاني فهو شاهد، فيثبت نسبه مع عدالته وعدالة الأول،
ولا يكفي في ثبوت النسب إقرار جميع الورثة من دون العدالة، ولو كان ابنان
معلوما النسب فأقرا بثالث فأنكر أحدهما لم يلتفت إليه.
الرابعة: لو أقر الأخوان بابن وكانا عدلين ثبت نسبه وإرثه، وفي المبسوط
يثبت نسبه ولا يرث لأنه لو ورث لحجب الأخوين وخرجا عن الإرث فيبطل
إقرارهما لأنه إقرار ممن ليس بوارث، فيبطل النسب فيبطل الإرث، فيلزم من صحة
الإرث بطلانه ومن بطلانه صحته، ثم قال: ولو قلنا يثبت الميراث أيضا كان قويا
لأنه يكون قد ثبت بشهادتهما فيتبعه الميراث لا بالإقرار، وحاصله الدور يلزم من
جعلهما مقرين لا من جعلهما شاهدين.
ونحن نجعلهما شاهدين إذ العدالة هي المؤثرة لا الإرث عندنا، وإن اتفقت
العدالة ورث خاصته.
ولو كان معهما زوجة وصدقتهما دفعت نصف ما في يدها، وكذا لو انفردت
بالإقرار.
الخامسة: لو أقر الأخ بابنين دفعة وتصادقا، ثبت الإرث وعزل الأخ، ولا
يثبت النسب إلا مع العدالة، ولو تناكرا ورثا ولم يثبت النسب إلا مع العدالة،
262

ولو أقر الأخ ببنوة أحد التوأمين لحقه الآخر ولا اعتبار بإنكار أحدهما صاحبه.
السادسة: لو أقر بمن هو أولى منه ثم بأولى منهما، فإن صدق المقر به أولا على
الثاني دفع إليه ما في يده، وإن أكذبه أحلف وأغرم المقر للمقر به ثانيا ما أخذه
الأول سواء بقي وارث غيره أم لا على الأشبه.
السابعة: لو أقر بمن هو أولى منه ثم أقر بمساويه، فإن صدقه اقتسما المال وإلا
أغرم المقر للثاني قدر نصيبه، وكذا لو أقر بثالث ورابع وهكذا.
الثامنة: لو أقر بزوج لذات الولد أعطاه ربع ما في يده إن كان المقر ولدا،
وإن كان المقر بالزوج أحد الأبوين وكان الولد ابنا لم يدفع إليه شيئا، وإن كان
بنتا دفع الفاضل عن نصيبه وهو نصف الثمن.
التاسعة: لو أقر بزوجة لذي الولد دفع إليها ثمن ما في يده إن كان المقر ولدا،
وإن كان أحد الأبوين أو هما دفع الفاضل، ومنها يعلم ما لو أقر بزوج أو زوجة
لغير من له ولد.
العاشرة: لو أقر بزوجة ثم أقر بثانية وتصادقا اقتسما الحصة، وكذا لو أقر بثالثة
ورابعة، وإن كذبته غرم لها قدر نصيبها، ولو أقر بخامسة ففي الغرم لها بمجرد
الإقرار أو تكذيبه نفسه في غيرها نظر.
ولو كان الزوج مريضا وتزوج بعد الطلاق ودخل استرسل الإقرار، ولم
يقف عند حد إذا مات في سنته.
الحادية عشرة: لو أقر للميتة بزوج ثان لم يقبل، وفي غرمه بمجرد إقراره أو
بتكذيبه نفسه الوجهان، ولو قلنا بالغرم فتأول كلامه بتزويجه إياها في عدة الأول
ثم مات فظنت أنه يرثها زوجان وكان ممن يمكن في حقه الاشتباه، فالأقرب
القبول.
الثانية عشرة: لو أقر الوارث ظاهرا بمساو فأنكر المقر به نسب المقر وليس له
بينة جاز للمقر له التركة مع يمينه عملا بالمتفق عليه.
الثالثة عشرة: لو استلحق المنفى باللعان غير صاحب الفراش، ففي ثبوت نسبه
263

وجهان من عدم المنازع ومن تمكن الشبهة، ولو استلحق عبد الغير أو أمته ففي
ثبوت نسبه مع التصديق أو لا معه إذا كان غير كامل نظر من العموم ومن أنه
يمنع إرثه بالولاء، ولو استلحق عبد نفسه الكبير فكذبه لم يثبت النسب، وفي
عتقه نظر من إقراره بموجبه ومن أنه فرع ثبوت النسب الذي لم يثبت، ولو كان
العبد مشهور النسب فالنظر فيه، وأولى لعدم العتق لالتحاقه بغيره شرعا.
الرابعة عشرة: لو تصادق البالغان على نسب إما بنوة أو غيرها ثم رجعا، ففي
قبول الرجوع نظر من ثبوت النسب شرعا فلا يرتفع بالرجوع كالنسب بالفراش
ومن أنه ثبت بمجرد الإقرار، فإذا رجعا إلى الإنكار بقي ما كان عليه، والأقرب
القطع بعدم صحة الرجوع في نسب الولد، أما غيره ففيه الوجهان.
الخامسة عشرة: لو قال: هذا ولدي من الزنى، فهو من باب تعقيب الإقرار بما
ينافيه، فهل يؤخذ بأول كلامه ويلحق به أو بآخره فلا يثبت له حكم النسب
الشرعي؟ نظر.
السادسة عشرة: لو أقر بأخ من الأب والأب موجود فنفى بنوته في موضع
يجوز النفي لم يتوارثا وإن تصادقا، ولو مات الأب وهما على التصادق واستلحقه
بعد موت أبيه ففي ثبوت نسبه وجهان من حكم الشرع بنفي البنوة فيمتنع ثبوت
الإخوة التي هي فرعها، والأقرب أنه كاستلحاق ورثة الملاعن، وكذا اللعان، وربما
علل بطلان الاستلحاق بأن فيه عارا على الأب، وشرط الوارث أن يفعل ما فيه حظ
للموروث، وهو ضعيف، ورجح الفاضل الإلحاق.
السابعة عشرة: لو قال: هو أخي واقتصر، ثم قال: أردت أخوة الدين أو
الرضاع، فالوجه القبول لإمكانه، ووجه عدم القبول أنه خلاف الحقيقة.
الثامنة عشرة: قسم في المبسوط الإقرار بالنسب إلى الإقرار بالنسب على نفسه،
والإقرار به على غيره، وعني بالأول الإقرار بالولد، وبالثاني الإقرار بمن عداه، فإن
المقر بالأخ مقر على الأب والمقر بالعم مقر على الجد، ولم يعتبر في الصغير
التصديق بعد بلوغه في القسمين، مقابل لو أنكر البنوة بعد بلوغه لم يقبل إنكاره،
264

وظاهره أن الأخ لو أنكر الإخوة بعد بلوغه لم يسمع أيضا، والمشهور اعتبار
تصديق غير الولد بعد بلوغه.
التاسعة عشرة: لو أقر بأخ فكذبه المقر به ثم صدق بعد موت المقر، ففي إرثه
نظر من أن في إنكاره استحقاقا لوارث غيره ومن زوال المانع من ثبوت الإخوة
وهو التكذيب، ولو أقر الأب ببنوة الكبير فكذبه فلما مات رجع إلى الاعتراف
فالإشكال بحاله، ولو أقر الابن بأبوة رجل فأنكر فلما مات اعترف بالأبوة له
فالإشكال هنا أضعف، لأن الإقرار بالبنوة بعد الموت مسموع في الكبير والصغير
عند الأصحاب، بخلاف الإقرار بغيرها من النسب، فينزل هذا الإقرار منزلة الإقرار
المبتدئ.
265

المسائل لابن طي
المقصد السادس: في الإقرار:
وفيه مسائل:
مسألة [1]: لو كان بين اثنين قربة ماء فأقر أحدهما بنجاستهما لم يمض على
الآخر وتكون نجسة بالنسبة إلى المقر، وكذا الزوجة لو أقرت بنجاسة مائع
زوجها أو غيره وإن كانت ثقة.
مسألة [2]: قوله في المقر: يعتبر فيه القصد فلا يقبل إقرار الساهي فهل إذا
صدر من المكلف عقد أو إيقاع أو حكم وادعى بعده عدم القصد أو السهو، هل
يقبل منه أم لا؟
الجواب: لا يقبل دعواه بعد العقد ما لم يصدقه الآخر.
مسألة [3]: لو قال: إن شهد فلان فهو صادق، لم يلزم شئ ولا يقال أنه
معلق على الممكن فيلزمه وإلا لزمه الإقرار في صورة أن يقول: إن شئت فلك علي
كذا وليس.
مسألة [4]: لو أجاب بنعم عند الدعوى عليه كان إقرارا.
267

مسألة [5]: الاستثناء المستغرق يبطل فيطالب باستثناء غيره ولا يبطل أصل
الاستثناء.
مسألة [6]: إذا أقر أن عليه بسبب دابة فلان كذا فهل يكون لمالكها كما ذكر
بعض العلماء أو يبطل كما ذكر في التحرير؟ الاستفسار قوي.
مسألة [7]: قوله في الإقرار: ولو أقر أحدهم لزمه من الدين بقدر ميراثه فلو
كانا اثنين لزمه أقل الأمرين من نصيب الدين أو نصف التركة.
مسألة [8]: إذا أقر إنسان لإنسان بشئ جاز له أخذه وإن لم يعلم أنه له ولو
امتنع من دفعه بعد ذلك جاز له مطالبته، ويجوز أن يدعي أن له عنده حقا بصيغة
الجزم، وكذا لو شهد له شاهدان فإنه كالإقرار. مسألة [9]: لو أقر له بعين ثم صالحه ببعضها اشترط القبول لأنه في معنى هبة
الباقي ويحتمل البطلان لأنه جعل بعض ملكه عوضا عن كل ملكه وهو غير
معقول.
مسألة [10]: لو أقر إنسان بأنه وقف ملكه على أولاده ثم على أولاد أولاده ما
تعاقبوا وتناسلوا حال صحته فأنكر البطن الأول الوقف، لم يلتفت إلى إنكاره لأنه
إقرار لهم وللبطون التي من بعدهم.
268

كتاب الوصايا
269

الخلاف
كتاب الوصايا
مسألة 1: تصح الوصية للوارث مثل الابن والأبوين وغيرهم.
وخالف جميع الفقهاء في ذلك، وقالوا: لا وصية للوارث.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا قوله تعالى: كتب عليكم إذا حضر
أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين، وهذا نص، فإن ادعوا
أن هذا منسوخ بقوله صلى الله عليه وآله: لا وصية لوارث، قلنا: هذا خبر واحد،
ولا يجوز نسخ القرآن بأخبار الآحاد بلا خلاف، فإن ادعوا الإجماع على صحة
الخبر، قلنا: لا نسلم ذلك، على أن في أصحابنا من منع من نسخ القرآن بالسنة
وإن كانت مقطوعا بها، وإذا منع من ذلك وليس في القرآن ما يدل على نسخه
فوجب حمل الآية على ظاهرها، فإن حملها إنسان على الوالدين والأقربين إذا
كانوا كفارا غير وارثين، قيل: هذا تخصيص بغير دليل.
مسألة 2: الأقارب الذين يرثون لكن معهم من يحجبهم مثل الأخت مع
الأب أو مع الولد يستحب أن يوصي لهم وليس بواجب.
وبه قال جميع الفقهاء، وعامة الصحابة علي عليه السلام وابن عباس
وعائشة وابن عمر، ولم يعرف لهم مخالف.
وذهبت طائفة إلى أن الوصية واجبة لهؤلاء، وبه قال الزهري والضحاك
271

وأبو مخلد، وفي المتأخرين داود بن علي وابن جرير الطبري.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، وإيجابها يحتاج إلى دليل، فأما استحبابها
فلا خلاف فيه.
مسألة 3: إذا كان رجل له ابن فأوصى لأجنبي بمثل نصيب ابنه، كان
ذلك وصية بنصف المال.
وبه قال أبو حنيفة وأصحابه والشافعي، وقال مالك: إنه يكون وصية بجميع
المال.
دليلنا: أن ما قلناه مجمع عليه، وليس على قول من قال أكثر من ذلك
دليل، وأيضا فإن هذا جعل للموصى له نصيبا، وجعل للابن نصيبا، وجعل
نصيب الابن أصلا، وحمل عليه نصيب هذا الموصى له فلا يسقط، وإنما
يشتركان، وهذا كرجل قال: لفلان في هذه الدار مثل ما لفلان، فإنه يقتضي
اشتراكهما في الدار، وكذلك إذا قال: لفلان في هذا الميراث مثل ما لفلان،
يقتضي اشتراكا بينهما، وأيضا فإن ما قاله مالك يؤدى إلى أن يكون للموصى له
أكثر مما يكون لابنه، وذلك إذا كان له ابنان، فقال: أوصيت له بمثل نصيب
ابني، فإن المال عندنا بينهم أثلاثا، وعند مالك يكون للموصى له النصف
والنصف الباقي للابنين لكل واحد منهما ربع المال، فحصل للموصى له نصف
المال ولكل واحد من الابنين ربع المال، وهذا لا يجوز.
مسألة 4: إذا قال: أوصيت له بنصيب ابني، كانت الوصية باطلة، وبه قال
الشافعي، وقال أبو حنيفة: يصح ويكون له كل المال.
دليلنا: أن قوله: نصيب ابني، كأنه قال: ما يستحق ابني، وما يستحق ابنه
لا يجوز أن يستحقه غيره.
272

مسألة 5: إذا قال: أوصيت له بضعف نصيب أحد ولدي، فإن عندنا يكون
له مثلا نصيب أقل ورثته لأن الضعف مثلا الشئ، وبه قال جميع الفقهاء وأهل
العلم.
وقال أبو عبيد: الضعف هو مثل الشئ، واستدل بقوله تعالى: يا نساء النبي
من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين، قال: وأجمع أهل
العلم أنهن إذا أتين بفاحشة عليهن حدان، ولو كان الضعف مثليه لكان عليهن بدل
كل فاحشة ثلاث حدود، فلما أجمعوا أن عليهن حدين ثبت أن الضعف إنما هو
المثل.
دليلنا: ما روي أن عمر ضعف الصدقة على نصارى بني تغلب، ومعلوم أنه
كان يأخذ زكاتين من كل أربعين شاتين، وأيضا فإن أهل اللغة يقولون: ضعفت
الثوب وأضعفته، إذا ثنيته وضممت طرفه إلى الطرف الآخر، ويقال أيضا: أعطيت
فلانا مثل نصيبه وأضعفته، أي أعطيته مثلين.
وأما الجواب عن الآية فإنا نقول: كذلك يقتضي الظاهر ثلاث حدود، وبه
قال أبو عبيدة لكن تركنا ذلك بدليل، وهو قوله: ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا
مثلها.
مسألة 6: إذا قال: لفلان ضعفا نصيب أحد ورثتي، يكون له ثلاثة أمثالها.
وبه قال عامة الفقهاء إلا أبا ثور، فإنه قال: له أربعة أمثالها.
دليلنا: أن ما قلناه مجمع عليه وما زاد عليه ليس عليه دليل، وأيضا فإن
الضعف هاهنا يجب إلى أن يضاعف النصيب والضعف الذي هو مثلاه إذا أضفته
إلى نصيبه يكون ثلاثة، بلى لو قال: لفلان ضعف ضعف نصيب أحد ورثتي، فإن
ذلك يكون أربعة، فلما قال ضعفا نصيب ولدي كان الضعف مضافا إلى النصيب
لا إلى الضعف فيكون ثلاثة.
هذا استدلال الفقهاء، والذي يقوى في نفسي مذهب أبي ثور لأنا قد دللنا على
273

أن ضعف الشئ مثلاه، فإذا ثبت ذلك وقد ثناه فيجب أن يكون أربعة أمثاله.
مسألة 7: إذا قال: لفلان جزء من مالي، كان له واحد من سبعة، وروي
جزء من عشرة، وقال الشافعي: ليس فيه شئ مقدر، والأمر فيه إلى الورثة، أن
يعطوه ما يقع عليه اسم ذلك.
دليلنا: إجماع الفرقة على القولين.
مسألة 8: إذا قال: أعطوه كثيرا من مالي، فإنه يستحق ثمانين على ما رواه
أصحابنا في حد الكثير، وقال الشافعي مثل ما قاله في المسألة الأولى سواء.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا قوله تعالى: لقد نصركم الله في مواطن
كثيرة، روي في تفسير هذه الآية أنها كانت ثمانين موطنا.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 9: إذا قال: لفلان سهم من مالي أو شئ من مالي، كان له سدس
ماله.
وقال الشافعي مثل ما قال في المسألتين الأوليين، وقال أبو يوسف ومحمد:
إنه يدفع إليه أقل نصيب أحد الورثة إذا كان مثل الثلث أو دونه، فإن كان نصيب
أحد الورثة أكثر من الثلث، فإنه يعطي إليه الثلث، وعن أبي حنيفة روايتان:
إحديهما قال: لهذا الموصى له أخس نصيب أحد الورثة نصيبا، إذا كان أنقص
نصيبا، أو السدس، والثانية يعطي أقل نصيب أحد الورثة إذا كان أكثر من
السدس، وفي الرواية الأولى أقل الأمرين، وفي الثانية الأكثر من السدس أو أقلهم
نصيبا على أنه لا ينقص من السدس.
دليلنا: إجماع الفرقة، وروى ابن مسعود أن رجلا أوصى لرجل بسهم من
ماله فأعطاه النبي صلى الله عليه وآله السدس، وعن ابن مسعود مثل هذا موقوفا
274

عليه، وروي عن إياس بن معاوية أن قال: السهم في اللغة إنما هو السدس.
مسألة 10: إذا أوصى لواحد بنصف ماله ولآخر بثلث ماله ولآخر بربع ماله
ولم تجز الورثة، في الأول الثلث من التركة وسقط ما زاد عليه، ويسقط الباقون،
فإن نسي من بدأ بذكره استعمل القرعة، وفي ما ذكره له، فإن فضل كان لمن يليه
في القرعة.
وقال الشافعي: هذه تعول من اثني عشر إلى ثلاثة عشر، لصاحب النصف
ستة، ولصاحب الثلث أربعة، ولصاحب الربع ثلاثة ولم يفصلوا، وبه قال الحسن
البصري والنخعي وابن أبي ليلى وأبو يوسف ومحمد وأحمد وإسحاق.
وقال أبو حنيفة: يقسط الزيادة على جميع المال ويكون الباقي على أحد عشر
سهما لصاحب النصف الثلث أربعة، ولصاحب الربع الربع ثلاثة، ووافق
الشافعي إذا أجاز الورثة في أنه يقسم على ثلاثة عشر.
دليلنا: إجماع الفرقة وقيام الدلالة على بطلان العول.
مسألة 11: إذا أوصى لرجل بكل ماله، ولآخر بثلث ماله فإن بدأ بصاحب
الكل وأجازت الورثة أخذ الكل وسقط الآخر، وإن بدأ بصاحب الثلث وأجازت
الورثة أخذ الثلث، والباقي - وهو الثلثان - لصاحب الكل، فإن اشتبها استعمل
القرعة على هذا الوجه، فإن لم تجز الورثة وبدأ بصاحب الكل أخذ الثلث وسقط
الآخر، وإن بدأ بصاحب الثلث أخذ الثلث وسقط صاحب الكل، فإن اشتبها
استخرج بالقرعة.
وقال الشافعي: إن لم تجز الورثة قسم الثلث بينهما على أربعة: لصاحب
الكل ثلاثة، ولصاحب الثلث واحد.
وقال أبو حنيفة: يقسم بينهما نصفين، وإن أجازت الورثة قسم الشافعي على
أربعة أقسام مثل ذلك، وعن أبي حنيفة روايتان: إحديهما مثل قول الشافعي،
275

وهذه رواية أبي يوسف ومحمد وأنه يقسم على أربعة، وروى الحسن بن زياد
اللؤلؤي قال: يقسم على ستة: لصاحب الثلث السدس، ولصاحب الكل خمسة
أسداس.
دليلنا: ما قدمناه في المسألة الأولى سواء.
في أن تصرف المريض فيما زاد على الثلث إذا لم يكن منجزا لا يصح
مسألة 12: تصرف المريض فيما زاد على الثلث إذا لم يكن منجزا لا يصح
بلا خلاف، وإن كان منجزا مثل العتاق والهبة والمحاباة فلأصحابنا فيه روايتان:
إحديهما أنه يصح، والأخرى لا يصح، وبه قال الشافعي وجميع الفقهاء، ولم
يذكروا فيه خلافا.
دليلنا على الأولى: الأخبار المروية من طرق أصحابنا، وذكرناها في
الكتاب الكبير.
مسألة 13: إذا أوصى بخدمة عبده أو بغلة داره أو ثمرة بستانه على وجه
التأبيد كان صحيحا، وبه قال عامة الفقهاء إلا ابن أبي ليلى فإنه قال: لا تصح هذه
الوصية لأنها مجهولة.
دليلنا: أن الظواهر من الآيات والأخبار عامة في جواز الوصية في الأعيان
والمنافع، وتخصيصها يحتاج إلى دليل.
مسألة 14: إذا أوصى لرجل بزيادة على الثلث في حال صحته أو مرضه
فأجازها الورثة في الحال قبل موت الموصي صحت الوصية، وبه قال عطاء
والحسن والزهري وربيعة بن أبي عبد الرحمان.
وقال أبو حنيفة وأصحابه والشافعي وأحمد بن حنبل وأهل الكوفة والثوري:
إن هذه وصية باطلة، وبه قال عبد الله بن مسعود وطاووس وشريح.
276

وذهبت طائفة إلى أن ما أوصى به في حال صحته له يلزم، وما أوصى به في
حال مرضه يلزم، وهو مذهب مالك وابن أبي ليلى.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا فإن هذا المال الذي أوصى به لا يخرج من
بين الموصي والورثة لأنه إما أن يبرأ فيصح فيكون المال له، أو يموت فيكون
المال للورثة، فإن كان للموصي فقد أوصى به، وإن كان للورثة فقد أجازوه،
وأيضا فإن كل خبر روي عن النبي صلى الله عليه وآله أن الوصية بما زاد على
الثلث باطلة إلا أن تجيز الورثة عامة في الإجازة في الحال وبعد الوفاة.
مسألة 15: إذا أوصى بثلث ماله في الرقاب فإنه يصرف إلى المكاتبين
والعبيد يشترون ويعتقون.
وقال أبو حنيفة والشافعي: يصرف إلى المكاتبين، وقال مالك: يشترى
بثلث ماله عبيد ويعتقون.
دليلنا: أن الاسم يتناول العبيد كما يتناول المكاتبين، كذلك نقول في آية
الصدقات، والخلاف فيهما واحد.
مسألة 16: إذا قال: اشتروا بثلث مالي عبيدا وأعتقوهم، فينبغي أن يشترى
بالثلث ثلاثة فصاعدا لأنهم أقل الجمع إن بلغ الثلث قيمة لثلاثة بلا خلاف، وإن
لم يبلغ وبلغ اثنين وجزء من الثالث فإنه يشترى الاثنان وأعتقا وأعطيا البقية.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما يشترى اثنان أعلاهما ثمنا، والثاني أنه يشترى
اثنان وبعض الثالث.
دليلنا: إجماع الفرقة فإن هذه منصوصة لهم، وذكرنا الرواية بها في
الكتاب الكبير.
277

في الوصية بحجة الإسلام من ثلث ماله
مسألة 17: إذا كانت عليه حجة الإسلام فأوصى أن يحج عنه من ثلث ماله
وأوصى بوصايا أخر، قدم الحج على غيره من الوصايا، وللشافعي فيه قولان:
أحدهما مثل ما قلناه، والثاني يسوى بينه وبين الوصايا، فإن وفي الثلث بالكل فلا
كلام، وإن كان نصيب الحج لا يكفيه تمم من رأس المال، فإن حجة الإسلام
تجب من رأس المال.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 18: إذا أوصى لرجل بشئ ثم مات الموصي فإنه ينتقل ما أوصى به
إلى ملك الموصى له بوفاة الموصي.
وللشافعي فيه ثلاثة أقوال: أحدهما ما رواه ابن عبد الحكم مثل ما قلناه،
والثاني ينتقل بشرطين بوفاة الموصي وقبول الموصى له، والثالث أنه مراعى، فإن
قبل تبينا أنه انتقل إليه بوفاته، وإن رد، تبينا أنه انتقل إلى ورثته بوفاته دون
الموصى له.
دليلنا: أنه لا يخلو الشئ الموصى به من ثلاثة أحوال: إما أن يبقى على
ملك الميت، أو ينتقل إلى الورثة، أو ينتقل إلى الموصى له، ولا يجوز أن يبقى على
ملكه لأنه قد مات والميت لا يملك، ولا يكون ملكا للورثة لقوله تعالى: من بعد
وصية يوصى بها أو دين، فجعل لهم الميراث بعد الوصية فلم يبق إلا أن يكون
ملكا للموصى له بالموت.
مسألة 19: إذا قال الرجل: أوصيت لفلان بثلث هذا العبد، أو بثلث هذه
الدار، أو الثوب ثم مات الموصي وخرج ثلثا ذلك العبد أو تلك الدار استحقاقا،
فإن الوصية تصح في الثلث الباقي أخرج من الثلث، وبه قال أبو حنيفة ومالك
والشافعي.
278

وذهب أبو ثور إلى أن الوصية إنما تصح في ثلث ذلك الثلث، وذهب
أبو العباس بن شريح إلى قول أبي ثور، وخرج ذلك وجها آخر، وبه قال زفر.
دليلنا: أنه إذا قال: أوصيت لفلان بثلث هذه الدار فإنه أوصى له بما يملكه،
ألا ترى أنه لو قال: بعت ثلث هذه الدار، فإن ذلك ينصرف إلى الثلث الذي
يملكه منها وإذا كان أوصى له بما يملك وخرج من الثلث وجب أن يصح كما
لو أوصى له بعبد يملكه.
مسألة 20: إذا أوصى بثلث ماله في سبيل الله فسبيل الله هم الغزاة المطوعة
دون المترصدين للقتال، الذين يستحقون أربعة أخماس الغنيمة وهو قول
الشافعي، وفي أصحابنا من قال: إن سبيل الله يدخل فيه جميع مسائل المسلمين
من بناء القناطر وعمارة المساجد والمشاهد، والحج والعمرة، ونفقة الحاج
والزوار وغير ذلك.
دليلنا على هذا: أخبار الطائفة، وأيضا فإن جميع ذلك طريق إلى الله
وسبيل إليه، فالأولى حمل اللفظة على عمومها، وكذلك الخلاف في آية الزكاة.
في رد الوصي الوصية
مسألة 21: إذا قبل الوصية له أن يردها ما دام الموصي باقيا، فإن مات
فليس له ردها، وبه قال أبو حنيفة إلا أنه قال: ليس له ردها في حال حياته ما لم
يردها في وجهه، وبعد الوفاة ليس له ردها كما قلناه إلا أن يقر بالعجز أو الخيانة
كالوكالة، وقال الشافعي: له ردها قبل الوفاة وبعد الوفاة.
دليلنا: إجماع الفرقة، ولأن الوصية قد لزمت بالقبول بلا خلاف، وجواز
ردها على كل حال يحتاج إلى دليل.
مسألة 22: من أوصي له بأبيه يستحب له أن يقبلها ولا يرد الوصية، وإن
279

ردها لم يجبر على قبولها، وبه قال الشافعي، وقال قوم: يلزمه قبولها.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، وإيجاب قبولها عليه يحتاج إلى دليل.
مسألة 23: نكاح المريض يصح إذا دخل بها، وإن لم يدخل بها ومات
من مرضه لم يصح النكاح.
واختلف الناس فيه على أربعة مذاهب:
فقال الشافعي: نكاحه صحيح كنكاح غير المريض، وينظر في المهر، فإن
كان المسمى وفق مهر المثل فإنها تستحق ذلك من الأصل، وإن كان أكثر فقدر
مهر المثل من رأس المال، وأما الزيادة فإن كانت وارثة لم تستحق الزيادة إلا
بإجازة سائر الورثة، وإن كانت غير وارثة بأن تكون قاتلة أو ذمية فإنها تستحق
تلك الزيادة من الثلث لأنه يصح الوصية لها، قال: وهو إجماع الصحابة، وبه
قال النخعي والشعبي وأحمد بن حنبل وإسحاق، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه.
وذهب ربيعة بن أبي عبد الرحمن إلى أن النكاح صحيح، ولكن لا تستحق
الصداق إلا من الثلث.
وذهب الزهري والأوزاعي إلى أن النكاح صحيح وتستحق المهر من أصل،
إلا أنها لا ترث.
وذهب مالك إلى أن النكاح باطل.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
في الوصية لأقربائه ومن بعد من الأقرباء
مسألة 24: إذا أوصى بثلثه لقرابته فمن أصحابنا من قال: إنه يدخل فيه كل
من تتقرب إليه إلى آخر أب وأم في الإسلام.
واختلف الناس في قرابته، فقال الشافعي: إذا أوصى بثلثه لقرابته ولأقربائه
ولذي رحمه فالحكم واحد، فإنها تنصرف إلى المعروفين من أقاربه في العرف،
280

فيدخل فيه كل من يعرف في العادة أنه من قرابته سواء كان وارثا أو غير وارث،
وهذا قريب يقوى في نفسه، وليس لأصحابنا فيه نص عن الأئمة عليه السلام.
وذهب أبو حنيفة إلى أنه يدخل فيه كل ذي رحم محرم، فأما من ليس
بمحرم فإنه لا يدخل فيه، وإن كان له رحم مثل بني الأعمام وغيرهم.
وذهب مالك إلى أن هذه الوصية للوارث من الأقارب، فأما من ليس بوارث
فإنه لا يدخل فيها.
دليلنا: قوله تعالى: واعلموا أنما غنمتم من شئ فإن لله خمسه وللرسول
ولذي القربى واليتامى والمساكين، فجعل لذي قربى رسول الله صلى الله عليه وآله
سهما من خمس الغنيمة، فأعطى النبي صلى الله عليه وآله ذلك لبني هاشم
وبني المطلب، فجاء عثمان وجبير بن مطعم فقالا: يا رسول الله أما بنو هاشم فلا
ينكر فضلهم لمكانك الذي وضعك الله فيهم، وأما بنو المطلب فما بالنا أعطيتهم
ومنعتنا وقرابتنا وقرابتهم واحدة؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله: أما بنو هاشم
وبنو المطلب فشئ واحد، وشبك بين أصابعه، وفي بعض الأخبار أنه قال:
مارقونا في الجاهلية والإسلام.
ووجه الدلالة أن النبي صلى الله عليه وآله أعطى ذلك لبني أعمامه وبني
جده، وعند أبي حنيفة أن هؤلاء ليسوا من أهل القربى، وأيضا فإن النبي صلى الله عليه وآله
كان يعطي لعمته صفية من سهم ذي القربى، وفي بعض الأخبار أن
الزبير كان يضرب في الغنيمة بأربعة أسهم، سهم له وسهمان لفرسه وسهم لأمه،
وهذه الدلالة على مالك حيث قال: من ليس بوارث لا يدخل تحت القرابة، ولأن
اسم القرابة يقع على ابن العم وابن الخال حقيقة فوجب أن يدخلا تحته.
في من يعد جار الإنسان
مسألة 25: إذا أوصى بثلث ماله لجيرانه فرق بين من يكون بينه وبين داره
أربعون ذراعا من أربع جوانب، وقد روي أربعون دارا.
281

وقال الشافعي: يفرق في من كان بينه أربعون دارا من كل وجه، وقال
أبو حنيفة: جيرانه الجار الملاصق، وقال أبو يوسف: جيرانه أهل دربه، وقال
محمد: أهل محلته، وقال أحمد بن حنبل: جيرانه أهل مسجده وجماعته ومن
سمع الأذان من مسجده، وفي التابعين من قال: من سمع الإقامة.
دليلنا: إجماع الفرقة ورواياتهم، وروت عائشة أنه سئل النبي صلى الله عليه وآله
عن حد الجار، فقال: أربعون دارا، فقال لأبي بكر وعمر وعثمان وعلي عليه
السلام: أخرجوا ونادوا ألا أن حد الجار أربعون دارا.
مسألة 26: الوصية لأهل الذمة جائزة بلا خلاف، وفي أصحابنا خاصة من
قيدها إذا كانوا أقاربه، ولم يشرط الفقهاء ذلك، فأما الحربي فلا تصح الوصية له،
وبه قال أبو حنيفة، وقال الشافعي: تصح للحربي.
دليلنا: أن جواز ذلك يحتاج إلى شرع، وطريقة الاحتياط تقتضي أن لا
يفعل ذلك.
مسألة 27: يصح أن يوصي للقاتل، وهو أحد قولي الشافعي، وبه قال
مالك وأهل الحجاز، والقول الآخر لا يصح، وبه قال أبو حنيفة. 0
دليلنا: قوله تعالى: كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا
الوصية للوالدين والأقربين، ولم يفرق، وقوله: من بعد وصية يوصى بها أو دين،
ولم يفرق، والمنع من ذلك يحتاج إلى دليل.
مسألة 28: إذا أوصى بثلث ماله لرجل ثم أوصى لآخر بثلث ماله ولم تجز
الورثة كانت الوصية الثانية دافعة للأولى وناسخة لها، وبه قال الحسن البصري
وعطاء وطاووس وداود.
وقال الشافعي: لا يكون ذلك رجوعا عن الأول، وبه قال ربيعة ومالك
282

والثوري وأبو حنيفة وأصحابه.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم وأيضا فإنه لا خلاف إذا قال: العبد الذي
كنت قد أوصيت به لفلان قد أوصيت به لفلان، فإن هذا يكون رجوعا عن
الوصية، كذلك إذا أطلق يكون رجوعا لأنه لا فرق بين أن يقيده وبين أن يطلقه.
مسألة 29: إذا ضرب الحامل الطلق كان ذلك مرضا مخوفا، سواء كان
قبل الطلق أو بعده أو معه.
وقال الشافعي: ما يضربها قبل الطلق لا يكون مخوفا، وما يضربها مع
الطلق فعلى قولين، وما يكون بعده فعلى ضربين.
وقال مالك: إذا بلغ الحمل ستة أشهر كان ذلك مخوفا.
وقال سعيد بن المسيب: الحمل من ابتدائه إلى انتهائه حال الخوف ويكون
كله مخوفا.
دليلنا: أن العادة تختلف في ذلك فيحصل التلف بعد الأوان وقبله ومعه،
والخوف حاصل على كل حال.
مسألة 30: إذا أعتق ثم حابى في مرضه المخوف كان ذلك من الثلث بلا
خلاف، ويقدم العتق على المحاباة، وبه قال الشافعي الأسبق فالأسبق، وقال
أبو حنيفة: يسوى بينهما بين العتق والمحاباة، ووافقنا في أنه إذا بدأ بالمحاباة ثم
العتق يقدم الأول فالأول.
دليلنا: إنا بينا في الوصية كلها أنها تقدم الأولى فالأولى ما تكن منجزة، فما
يكون منجزة بذلك أولى.
في الجمع بين المنجز والمعلق
مسألة 31: إذا جمع بين عطية منجزة وعطية مؤخرة دفعة واحدة ولم
283

يخرجا من الثلث فإنه تقدم المنجزة على المؤخرة، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: لا تقدم إحديهما على الأخرى، ويسوى بينهما لأنه يعتبر كله
من الثلث.
دليلنا: أن العطية المنجزة سابقة ولازمة في حق المعطى فوجب أن تقدم
على العطية المؤخرة التي لم تلزم كما أنه أعتق ثم أوصى.
مسألة 32: إذا أوصى بثلث ماله لأهل بيته دخل أولاده فيه وآباؤه
وأجداده.
وقال تغلب: لا يدخل الأولاد فيه، وهو الذي اختاره أصحاب الشافعي ولم
يذكروا فيه خلافا.
دليلنا: إجماع الفرقة، وقوله تعالى: إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس
أهل البيت، ولا خلاف أنه كان فيهم الحسن عليه السلام والحسين عليه السلام
وفاطمة عليه السلام أمهما، وقول النبي صلى الله عليه وآله لما جللهم بالعباءة:
اللهم هؤلاء أهل بيتي، يدل على ذلك.
مسألة 33: إذا أوصى لعترته كان ذلك في ذريته الذين هم أولاده وأولاد
أولاده، كذلك قال تغلب وابن الأعرابي، وقال القتيبي: عترته وعشيرته، واستدل
بقول أبي بكر: نحن عترة رسول الله صلى الله عليه وآله، وحكى أصحاب
الشافعي القولين معا، وضعفوا قول القتيبي، ولم يصححوا الخبر وهو الصحيح.
دليلنا: إجماع الفرقة.
مسألة 34: إذا أوصى لمواليه وله موال من فوق وموال من أسفل ولم يفرق
اشتركوا كلهم فيه، وللشافعي فيه ثلاثة أوجه: أحدها مثل ما قلناه، والثاني لمواليه
من فوق، والثالث تبطل فيهما معا.
284

دليلنا: أن اسم الموالي يتناولهما فتخصيص بعضهم بذلك يحتاج إلى
دليل.
مسألة 35: إذا أوصى لمواليه وله موال ولأبيه موال، كان ذلك مصروفا
إلى مواليه دون موالي أبيه، ولم أجد لأحد من الفقهاء فيه نصا، والذي يقتضيه
مذهبهم أن يكون مثل الأولى سواء.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وقد ذكرناها في الكتاب الكبير.
مسألة 36: إذا أوصى لرجل بعبد له وله مال غائب فإنه يسلم إلى الموصى
له ثلث العبد على كل حال.
وللشافعي فيه وجهان: أحدهما مثل ما قلناه، والثاني لا يسلم إليه.
وقال مالك: الورثة بالخيار إن شاءوا أجازوه وإن شاءوا فسخوه فيحصل
حق الموصى له متعلقا بجميع ماله مشاعا، قال: وهكذا إذا أوصى له بمال ناض
وله عقار، أو أوصى بمال وله دين، أو أوصى بمال ناض وله مال غائب، فإن
للورثة الخيار إن شاءوا أجازوا وإن شاءوا فسخوا الوصية، ويتعلق حق الموصى له
بجميع ماله.
دليلنا: أن من المعلوم أنه استحق ثلث هذا العبد لأنه إن سلم المال الغائب
استحق جميعه، وإن لم يسلم له فالثلث من هذا يستحق على كل حال، وأيضا
قوله تعالى: من بعد وصية يوصى بها أو دين، يدل عليه أيضا ولم يفصل.
مسألة 37: لا يجوز للمملوك أن يكون وصيا، وبه قال الشافعي، سواء
كان عبد الموصي أو عبد غيره، وسواء كان الأولاد كبارا أو لم يكن، وبه قال
أبو يوسف ومحمد والشافعي وأبو ثور.
وقال مالك: يجوز أن يكون وصيا بكل حال، وقال الأوزاعي وابن شبرمة:
285

إن الوصية إلى عبد نفسه تصح وإلى عبد غيره لا تصح.
وقال أبو حنيفة: الوصية إلى عبد غيره لا تصح وإلى عبد نفسه نظرت، فإن
كان في الأولاد كبار لم تصح، وإن لم يكن في الأولاد كبار تصح الوصية إليه.
دليلنا: أن من جوزنا الوصية إليه مجمع عليه، ومن ذكروه ليس على جواز
الوصية إليه دليل.
جواز كون المرأة وصيا
مسألة 38: يجوز أن تكون المرأة وصيا، وبه قال جميع الفقهاء إلا عطاء
فإنه قال: لا يصح أن تكون المرأة وصيا.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا المنع يحتاج إلى دليل، وأيضا روي أن هندا
أتت النبي فقالت: يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح، وإنه لا يعطيني ما
يكفيني وولدي، إلا ما آخذه منه سرا، فقال النبي صلى الله عليه وآله: خذي ما
يكفيك وولدك بالمعروف، فجعل النبي صلى الله عليه وآله إياها قيمة أولادها،
ولهذا جاز للحاكم أن يجعل المرأة قيمة اليتامى، وروي أن عمر أوصى إلى بنته
صفية ولم ينكر عليه.
في الوصية إلى رجلين وتفصيلها
مسألة 39: إذا أوصى إلى رجلين فلا يخلو من ثلاثة أحوال: أحدها أن
يوصى إليهما على الاجتماع والانفراد، والثاني أن يوصى إليهما على الاجتماع
وينهاهما عن الانفراد بالتصرف، والثالث أن يطلق.
فالأول: متى انفرد أحدهما بالتصرف جاز، وإن اجتمعا صح، وإن تغير
حال أحدهما بمرض أو كبر أقام الحاكم أمينا يقوى يده ويكون الوصي كما
كان، وإن مات أحدهما فليس للحاكم أن ينصب وصيا آخر لأن الميت له وصي
ثابت.
286

والثاني: إذا نهى كل واحد منهما عن الانفراد بالتصرف، فمتى اجتمعا صح
التصرف، وإن انفرد أحدهما لم يصح، وإن تغير حال أحدهما فليس للذي لم
يتغير حاله أن ينفرد بالتصرف، وللحاكم أن يقيم مقامه آخر ويضيفه إلى الذي
بقي، وإن رأى الحاكم أن يفوض الأمر إلى الذي بقي هل يصح ذلك أم لا؟ على
وجهين، فإن تغير حالهما معا فعلى الحاكم أن يقيم رجلين مقامهما، وهل له أن
يقيم واحدا مقامهما أم لا؟ فعلى وجهين، وهذان الفصلان لا خلاف فيهما.
والثالث: إذا أطلق فالحكم فيه كالحكم في الفصل الثاني في جميع
الوجوه، وبه قال الشافعي.
وقال أبو يوسف: يجوز لكل واحد منهما أن ينفرد بالتصرف إذا أطلق كما
لو قيد، وقال أبو حنيفة ومحمد: القياس يوجب أن ينفرد كل واحد منهما
بالتصرف أصلا لكن جوزنا في سبعة أشياء أن ينفرد كل واحد منهما بالتصرف
استحسانا: شراء الكفن وحفر القبر والدفن والتفرقة في الثلث وقضاء الدين ورد
الوديعة والنفقة على عياله مثل الطعام، وأما الكسوة فوافقونا أنه لا يجوز أن ينفرد
أحدهما بشرائه.
دليلنا: أنه إذا اجتمعا صح تصرفهما بلا خلاف، وإذا انفرد أحدهما فلا
دليل على صحة تصرفه.
مسألة 40: لا يجوز أن يوصى إلى أجنبي بأن يتولى أمر أولاده مع وجود
أبيه، ومتى فعل لم تصح الوصية لأن الجد أولى به، وبه قال الشافعي، وقال
أبو حنيفة: تصح وصية الأجنبي مع وجود الجد.
دليلنا: إجماع الفرقة على أن للجد ولاية على ولد الولد، وإذا كان له ولاية
عليه بغير تولية فلا يجوز أن يولي عليه، كما أن الأب لما كانت له ولاية لم يجز أن
يولي عليه.
287

مسألة 41: الأم لا تلى على أولادها بنفسها إلا بوصية من أبيهم، وبه قال
الشافعي وأكثر أصحابه، وقال أبو سعيد الإصطخري: هي تلي أمرهم بنفسها من
غير ولاية.
دليلنا: أنه لا دليل على ذلك في الشرع فوجب نفيه لأن طريق ذلك
الشرع.
مسألة 42: إذا أوصى إليه بجهة من الجهات فليس له أن يتصرف في غيرها
من الجهات، مثل أن يوصى إليه بتفرقة ثلثه أو رد ودائعه فليس له أن يتصرف في
غير ما أوصى إليه، وبه قال أبو يوسف ومحمد والشافعي، وقال أبو حنيفة: إذا
أوصى إليه بجهة من الجهات له أن يتصرف في جميع الجهات.
دليلنا: أنه لا دليل على جواز تصرفه في غير ما أضيف إليه فوجب نفيه،
فأما ما أسند إليه فلا خلاف فيه، والأصل المنع لأنه تصرف في ملك الغير.
في أنه إذا أوصى وأطلق هل يكون للوصي التوصية
إلى الغير أم لا؟
مسألة 43: إذا أوصى إلى غيره وأطلق الوصية ولم يقل: فإذا مت أنت
فوصيي فلان، ولا قال: فمن أوصيت إليه فهو وصيي، لأصحابنا فيه قولان، المروي
أن له أن يوصي إلى غيره، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه ومالك والثوري.
وقال أبو حنيفة: لو أوصى هذا الوصي إلى رجل في أمر أطفال نفسه لكان
ذلك الوصي الثاني وصيا في أمر أطفال الموصي الأول، لأن عنده الوصية لا
تتبعض، وهذا لا نقوله نحن.
وقال بعض أصحابنا: ليس له أن يوصي فإذا مات أقام الناظر في أمر
المسلمين من ينظر في تلك الوصية، وبه قال الشافعي والأوزاعي وأحمد
وإسحاق.
288

دليلنا على القولين: روايات أصحابنا التي ذكرناها في الكتاب المقدم
ذكره.
مسألة 44: إذا أوصى إليه، وقال: من أوصيت إليه فهو وصيي، كانت هذه
الوصية صحيحة.
وللشافعي فيه قولان: ذهب المزني وأبو إسحاق وجماعة إلى أن المسألة على
قولين: أحدهما مثل ما قلناه، وبه قال مالك وأبو حنيفة، والقول الثاني لا يصح،
وفي أصحابه من قال: إن المسألة على قول واحد وهو أنها تجوز كما قلناه،
واختاره أبو حامد الإسفرايني.
دليلنا: أن الأصل جوازه، ولا مانع في الشرع يمنع منه، فوجب أن يكون
جائزا.
مسألة 45: إذا أوصى إليه وقال: متى أوصيت إلى فلان فهو وصيي، كانت
الوصية صحيحة، واختلف أصحاب الشافعي فمنهم من قال: هذه صحيحة قولا
واحدا لأنه نص على الوصي الثاني، ومنهم من قال: هذا أيضا على قولين.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
في عدم وجوب الزكاة في أموال الصامتة للطفل وعدم وجوب الفطرة
عليه
مسألة 46: لا يجب الزكاة في أموال الطفل الصامتة ولا فطرة عليه، وإنما
تجب الزكاة في غلاته ومواشيه، وقال الشافعي: تجب في جميع أمواله، وقال
أبو حنيفة: لا تجب الزكاة في جميع أمواله.
دليلنا: إجماع الفرقة، وهذه قد مضت في كتاب الزكاة مستوفاة.
289

مسألة 47: ما يجب فيه الزكاة من أموال الطفل فعلى الوصي أن يخرج من
ماله، وبه قال الشافعي، وقال ابن أبي ليلى: لا يخرج الزكاة من ماله حتى يبلغ،
ثم يخرج هو بنفسه.
دليلنا: إجماع الفرقة، وقوله تعالى: خذ من أموالهم صدقة، وذلك عام إلا
ما أخرجه الدليل.
مسألة 48: إذا أوصى لعبد نفسه صحت الوصية وقوم العبد وأعتق إن كان
ثمنه أقل من الثلث، وإن كان ثمنه أكثر من الثلث استسعى فيما يفضل للورثة،
وقال جميع الفقهاء: إنه لا يجوز الوصية لعبد نفسه.
دليلنا: إجماع الفرقة لأنهم إنما أبطلوها من حيث أن ما يوصيه له يكون
لورثته، والوصية للوارث لا تصح، وعندنا أن الوصية للوارث صحيحة، وقد مضى
الكلام فيها.
مسألة 49: لا تصح الوصية لعبد الغير من الأجانب، وقال جميع الفقهاء:
إنها تصح.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 50: إذا أوصى بثلث ماله اعتبر حال الموت لا حال الوصية، وبه قال
الشافعي نصا، وقال بعض أصحابه: يعتبر حال الوصية.
دليلنا: أن الوصية تلزم بالموت فوجب أن يعتبر عند ذلك، فأما حال
الوصية فإنها تكون واقفة عليه، وأيضا فما قلناه مجمع على لزومه فيه، وما قالوه
ليس عليه دليل.
مسألة 51: الوصية للميت باطلة سواء كان عالما بموته أو ظن أنه حي ثم
290

ظهر له موته، وبه قال أبو حنيفة وأهل العراق والشافعي.
وقال مالك: إن ظن أنه حي فأوصى له ثم بان له أنه كان ميتا فإن الوصية
لم تصح، وإن علم أنه ميت فأوصى له فإنها تصح وتكون للورثة.
دليلنا: أنه لا دلالة على صحة هذه الوصية وادعاء صحتها يحتاج إلى
دليل، وأيضا فإن الوصية تفتقر إلى القبول والميت لا يصح منه القبول.
مسألة 52: من ليس له وارث قريب أو بعيد ولا مولى نعمة لا يصح أن
يوصي بجميع ماله ولا يوصي بأكثر من الثلث، وبه قال مالك وأهل المدينة
والشافعي والأوزاعي وأهل الشام وأبي شبرمة وعبد الله بن الحسن العنبري.
وذهب شريك وأبو حنيفة وأصحابه إلى أن له أن يوصي بجميع ماله، وروي
ذلك في أحاديثنا.
دليلنا: أن الوصية بالثلث مجمع على صحتها، وما زاد عليه لا دليل عليه،
وروى معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وآله قال: إن الله تصدق عليكم عند
وفاتكم بثلث أموالكم زيادة في حسناتكم، وفي بعض الأخبار زيادة في أعمالكم،
ولم يفرق بين من يكون له وارث ومن لا يكون له وارث.
291

المبسوط
كتاب الوصايا
الوصية مشتقة من وصى يصي وهو من الوصل، قال الشاعر:
نصي الليل بالأيام حتى صلاتنا مقاسمة يشتق أنصافها السفر
ومعناه أنه يصل تصرفه بما يكون بعد الموت ما قبل الموت، يقال منه
أوصى يوصي إيصاء، ووصى يوصي توصية، والاسم الوصية والوصاة، ويقال
استوصى فلان أي إنه يتصرف بغير إذنه.
إذا ثبت هذا فالأصل فيها الكتاب والسنة، قال الله تعالى: يوصيكم الله في
أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين، فذكر الوصية في أربعة مواضع:
أحدها: قوله: " فلأمه السدس من بعد وصية ".
والثاني: في فرض الزوج والزوجة " فلكم الربع مما تركن من بعد وصية
يوصين بها أو دين ".
والثالث: قال " فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين ".
والرابع: " فهم شركاء في الثلث من بعد وصية يوصين بها أو دين " فرتب
الميراث على الوصية والدين، فثبت بذلك أن الوصية لها حكم.
وروي عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله قال: ما حق امرئ مسلم له
شئ يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده.
روى الزهري عن عامر بن سعد عن أبيه أنه مرض بمكة مرضا أشفى منها
293

فعاده رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: يا رسول الله ليس يرثني إلا البنت
أفأوصي بثلثي مالي؟ فقال: لا، فقال: أفأوصي بنصف مالي؟ - وفي بعضها بشطر مالي
- فقال: لا، فقال: أفأوصي بثلث مالي؟ فقال: بالثلث والثلث كثير، فقال
صلى الله عليه وآله: أنك إن تدع أولادك أغنياء خير لهم من أنك تدعهم عالة
يتكففون الناس.
وروى أبو قتادة قال: إن النبي صلى الله عليه وآله لما قدم المدينة سأل عن
البراء بن معرور، فقيل له: يا رسول الله صلى الله عليه وآله إنه هلك، وقد أوصى
لك بثلث ماله، فقبل رسول الله صلى الله عليه وآله ثم رده على ورثته.
إذا ثبت هذا فالناس في الوصية على ثلاثة أضرب: منهم من لا تصح له
الوصية بحال، ومنهم من تصح له الوصية، ومنهم من هو مختلف فيه.
فمن لا تصح له الوصية عندنا الكافر الذي لا رحم له من الميت، وعند
المخالف الوارث.
ومن تصح له الوصية بلا خلاف مثل الأجانب، فإنه يستحب لهم الوصية،
وعندنا الوارث تصح له الوصية أيضا.
والمختلف فيه على ضربين: منهم الأقرباء الذين لا يرثونه بوجه مثل ذوي
الأرحام عند من لم يورث ذوي الأرحام مثل بنت الأخ وبنت العم والخالة
والعمة.
والضرب الآخر يرثون لكن ربما يكون معهم من يحجبهم مثل الأخت مع
الأب والولد، فإنهم يستحب أن يوصي لهم وليس بواجب، وقال قوم: إنه واجب،
وعندنا أن الوصية لهم لا كلهم مستحبة مندوب إليها.
فإذا ثبت صحة الوصية فإن كان رجل له ابن فقال لأجنبي: أوصيت لك
بمثل نصيب ابني، فإن له النصف من جميع المال، وقال قوم: هذه وصية بجميع
المال له، وفائدة هذا الخلاف أنا نقول: له نصف المال إذا أجازت الورثة، وإن لم
تجز الورثة له الثلث، وعند المخالف: له كل المال إذا أجازت الورثة وإن لم تجز
294

الثلث.
وجملته أن كل موضع يقول: أوصيت له بمثل نصيب أولادي، فإنه يكون
له نصيب أقلهم نصيبا ولا يعول معولا، لأن العول عندنا باطل، وهكذا إذا قال: له
مثل نصيب ورثتي، يكون له مثل أقلهم نصيبا.
إذا كان له ابنان فقال: أوصيت لفلان بمثل نصيب أحد ابني، فإنه يضاف
إليهما هذا الموصى له، ويكون المال بينهم أثلاثا، وإن كان له تسع بنين، فقال:
أوصيت له مثل نصيب أحد بني، فيكون مع هذا عشرة فيكون له عشر المال.
رجل له بنت واحدة فقال: أوصيت لفلان بمثل نصيب بنتي، كان له
النصف عندنا إذا أجازته الورثة وإن لم تجزه الورثة له الثلث، لأن المال كله للبنت
لو انفردت، وقال قوم: له الثلث لأن هذا كإحدى ابنتين ولو كانتا ابنتين كان لهما
الثلثان، كذلك مع هذا الموصى له، لهما الثلثان لكل واحد منهما الثلث.
وإذا كان له بنتان فقال: أوصيت له بمثل نصيب إحدى ابنتي، يكون
الموصى له كواحدة من البنات، ويقسم المال بينهم أثلاثا بالسوية، لأن البنات
يرثن المال كله دون العصبة، ومن جعل للبنتين الثلثين والباقي للعصبة، قال: هذا
كإحدى البنتين يكون له نصيب إحدى البنتين، فيكون المال على أربعة: للبنتين
النصف ولهذا الربع والربع الباقي للعصبة، وهكذا إن كن أكثر من ثلاثة وأربعة
على هذا المنهاج.
إذا كان له أولاد بنين وبنات فقال: أوصيت له بمثل نصيب أحد أولادي، أو
قال: أوصيت له بمثل نصيب أحد ورثتي، فإنه يكون له نصيب إحدى البنات،
وهكذا إذا كان له ثلاثة إخوة وثلاث أخوات فقال: أوصيت له بمثل نصيب
ورثتي، فإنه يكون له نصيب إحدى الأخوات: المسألة من ثلاثة وتصح من تسعة:
للأخوة ستة، وللأخوات ثلاثة ولهذا واحد تصير المسألة من عشرة، وتصح.
ثلاثة إخوة من أب وأم، وثلاثة إخوة لأم، وثلاثة إخوة من أب، فقال:
أوصيت لفلان نصيب أحد إخوتي، فللإخوة للأم الثلث والباقي للأخوة من الأب
295

والأم، وسقط من كان من جهة الأب: المسألة من تسعة فيصير من عشرة، لأن هذا
الموصى له يكون له أقل سهم من سهام الإخوة وأقل سهم هاهنا سهم أحد الإخوة
من الأم وهم ثلاثة فيكون لهم ثلاثة أسهم، وللأخوة للأب والأم ستة أسهم، ولهذا
سهم يصح من عشرة.
رجل خلف بنته وبنت ابنه وأختا من أب وأم فقال: أوصيت لفلان مثل
نصيب ولدي، فإن المال كله للبنت عندنا بالفرض والرد، فلما أوصى له بمثل
نصيبها صار لها النصف وللموصى له النصف، فإن أجازته أخذ النصف كملا،
وإن لم تجزه أخذ الثلث والباقي لها.
وقال المخالف: المسألة من ستة: للبنت النصف، ولبنت الابن السدس
تكملة الثلثين، وللأخت للأب والأم سهمان، ولهذا الموصى له سهم، فتعول
المسألة إلى سبعة فلهذا له سبع المال، لأن أقل مال أولاده نصيب بنت الابن،
ولا فرق في هذه المسألة أن يقول: أوصيت له بمثل نصيب ولدي، أو يقول: بمثل
نصيب ورثتي، المسألة بحالها.
خلف بنتا وبنت ابن وأختا وزوجة، فقال: أوصيت له بمثل نصيب ولدي،
فالمسألة تصح من ستة عشرة: للزوجة الثمن اثنان، وللبنت للصلب سبعة،
وللموصى له سبعة وسقط الباقون.
وعندهم تصح من أربعة وعشرين تعول إلى ثمانية وعشرين، للبنت اثنا
عشر، ولبنت الابن أربعة السدس، وللزوجة الثمن ثلاثة، يبقى خمسة يكون
للأخت، ولهذا الموصى له أربعة، الجميع ثمانية وعشرون.
المسألة بحالها فقال: أوصيت له بمثل نصيب ورثتي، فهاهنا أقل ما لورثته
نصيب الزوجة وهو الثمن، تعول عندهم إلى سبعة وعشرين، وعندنا تصح من
ثمانية: للزوجة الثمن، وللموصى له ثمن آخر، ويبقى ستة أسهم للبنت للصلب،
ويسقط الباقون.
المسألة بحالها وخلف أربع زوجات فقال: أوصيت له بمثل نصيب ورثتي،
296

فيكون له ربع الثمن، تصح من اثنين وثلاثين: للأربع زوجات أربعة الثمن،
ولهذا ربع الثمن واحد، ويبقى سبعة وعشرون للبنت للصلب ويسقط الباقون،
وعندهم تصح من ستة وتسعين.
ولو قال: أوصيت له بمثل نصيب أعظم ورثتي، يكون له مثل نصيب
أكثرهم نصيبا، ولو قال: أوصيت له بمثل نصيب أقل ورثتي، يكون له مثل
نصيب أقلهم نصيبا.
وإذا كان له ابن فقال: أوصيت له بنصيب ابني، فإن هذه وصية باطلة، وقال
قوم: تصح الوصية، ويكون له كل المال، وهذا باطل لأن قوله: نصيب ابني،
كأنه قال: ما يستحق ابني، وما يستحق ابنه لا يستحقه غيره، ولو قال: أوصيت له
مثل نصيب ابني، وله ابن قاتل، فالوصية باطلة لأن الابن القاتل لا يرث، ولا يكون
له نصيب، فكأنه قال: أوصيت بمثل نصيب من لا شئ له.
إذا أوصى لرجل بنصف ماله، ولآخر بثلث ماله، ولآخر بربع ماله، ولآخر
بسدس ماله وكانوا متعينين، ثم قال لآخر: أوصيت له بمثل ما أوصيت لأحد
هؤلاء الذين أوصيت لهم، فإنه يكون له نصيب أقلهم نصيبا هاهنا، ويكون عندنا
له نصيب أقلهم نصيبا ممن تسلم الوصية له، فإن في الجميع لا تصح على أصلنا
على ما سنبينه.
إذا قال: أوصيت لفلان بضعف نصيب أحد ولدي، فإن عندنا يكون له مثل
نصيب أقل ورثته مرتين، وتصور المسألة في ابن وبنت: المال على ثلاثة،
فللموصى له مثلا نصيب البنت سهمان، لأنها كان لها سهم من ثلاثة، يقسم المال
على خمسة إذا أجازت الورثة الضعف، وقال قوم شذاذ: ضعف الشئ مثله.
وإذا قال: لفلان من مالي ضعفا نصيب أحد ورثتي، كان له أربعة أمثالها،
وقال عامة الفقهاء: يكون له ثلاثة، لأنه ينبغي أن يضاف الضعف إلى النصيب،
والضعف الذي هو مثلان إذا أضيفت إلى نصيب يكون له ثلاثة، ولو قال: لفلان
ضعف ضعف نصيب ورثتي، كان ذلك أربعا.
297

والأول أقوى لأن الضعف إذا كان مثلي النصيب على ما مضى فقد أثبت له
ذلك دفعتين، لقوله " ضعفي " فيجب أن يكون له ذلك، لأنه لا فرق بين أن
يقول: له ضعفا نصيبه، وبين أن يقول: ضعف ضعف نصيبه.
إذا قال: لفلان حظ من مالي أو نصيب أو قليل، فإنه يرجع إلى الورثة ويقال
لهم: أعطوه ما يقع عليه اسم ذلك، كما أنه إذا قال: أعطوه شيئا من مالي، إلا أن
يدعي الموصى له أكثر من ذلك وأن الورثة يعلمون ذلك، فإنه يكون القول قول
الورثة مع يمينهم أنهم لا يعلمون، وكذلك في جزء وكثير سواء.
وأصحابنا قالوا في الجزء: أنه سهم من سبعة، وقالوا أيضا: سهم من عشرة،
وإذا أوصي له بسهم من ماله كان له السدس وفيه خلاف.
وإذا قال: لفلان ثلث مالي ولآخر نصف مالي ولآخر ربع مالي، وأجازته
الورثة بدئ بالأول فالأول، ويدخل النقص على الأخير، وإن لم يجيزوه وفي
الأول ثلثه وسقط الآخران.
وقال المخالفون: إن أجازته الورثة يقسم المال عليهم من اثني عشر يعول إلى
ثلاثة عشر مثل الورثة، وادعوا أنه لا خلاف فيها، وإذا لم يجيزوه فإنه تسقط
الزيادة على الثلث ويقسم الثلث على ما ذكرناه على ثلاثة عشر سهما: لصاحب
النصف ستة ولصاحب الثلث أربعة، ولصاحب الربع ثلاثة، يكون ثلاثة عشر.
وإذا أوصى لأحدهم بنصف ماله وللآخر بثلثه كان عندنا على ما مضى،
وفيهم من قال: يفرض من خمسة: لصاحب النصف ثلاثة ولصاحب الثلث
سهمان، وعند آخرين بينهما نصفين.
إذا أوصى لرجل بكل ماله وللآخر بثلث ماله، فإن بدأ بالذي سمى له الكل
وأجازت الورثة أخذ جميع المال وسقط الآخر، وإن بدأ بصاحب الثلث وأجازت
الورثة الوصيتين أخذ هو ثلثه، والباقي صاحب الكل، وإن لم تجز الورثة وكانت
البدأة بصاحب الكل أخذ الثلث وسقط الآخر، وإن كانت البدأة بصاحب الثلث
أخذ الثلث وسقط صاحب الكل، فإن اشتبها استعمل القرعة على هذا الترتيب.
298

وقال المخالف: الورثة بالخيار بين أن يمنعوا عما زاد على الثلث أو يجيزوه،
فإن لم يجيزوه فإن الثلث بينهما على أربعة: لصاحب الكل ثلاثة، ولصاحب
الربع واحد، وعند غيرهم يكون بينهما نصفين، ولو أجازت الورثة قسم ذلك
مثله.
إذا أوصى لرجل بغلام وقيمته خمس مائة، وأوصى لآخر بداره وهي تسوي
ألفا، وأوصى لآخر بخمس مائة وماله كله ثلاثة آلاف، فقد أوصى بثلثي ماله، فإن
أجازت الورثة أعطي كل مسمى حقه بلا خلاف، وإن لم تجز الوصية قدم الأول
فالأول عندنا، فإن اشتبهوا استعملت القرعة.
وقال المخالف: يكون لكل واحد منهم نصف ما أوصي له به، بناء على ما
مضى.
تصرف المريض في ماله إذا كان منجزا لأصحابنا فيه روايتان: إحديهما
يكون من أصل الحال، والأخرى يكون من الثلث، وفيما زاد على الثلث لا يصح،
وهو مذهب من خالفنا، وإذا لم يكن منجزا فلا خلاف أنه من الثلث.
إذا كان ورثته أغنياء يستحب له أن يوصي بثلث ماله، ويستوفي الثلث، وإن
كانوا فقراء فالأفضل أن يكون وصيته فيما أقل من الثلث، وأما تصرف الصحيح
فما كان منجزا من البيع والهبة فإنه من رأس المال، وما كان من وصيته من الثلث
بلا خلاف.
إذا أوصى زيادة على الثلث فإن أجازته الورثة جاز وإن لم تجزه مضى في
الثلث وأبطل فيما زاد عليه، سواء كانت الوصية للأجنبي أو للوارث، والقريب
الذي ليس بوارث.
وقال بعضهم: إن كانت للأجنبي فللورثة المنع مما زاد على الثلث، وإن
أجازت صح، لكن هل يكون هذا إجازة على فعل الموصي أو ابتداء هبة من
الورثة؟ قيل فيه قولان: أحدهما يكون إجازة على فعل الموصي، والآخر أنه يكون
ابتداء هبة من الورثة، هذا إذا أوصى لأجنبي.
299

فإن أوصى لوارث بثلث ماله فللورثة أن يمنعوا من ذلك، وإن أوصى بزيادة
عليه فلهم أن يمنعوا المتعينين وإن أجازته الورثة يصح ذلك كما مضى، من أنه
ابتداء هبة من الورثة أو إجازة، والآخر عندهم الصحيح.
وعلى ما قلناه إجماع الفرقة وظاهر القرآن، قال الله تعالى: كتب عليكم إذا
حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين، ونكتة هذا القول
أن تصرف المريض صحيح في جميع ماله الذي يتصرف فيه ما كان منجزا وغير
منجز، بدليل أنه لو برئ فقد لزم ونفذ، ولا يكون له الرجوع، وإن كان تعلق به
خيار الورثة من المنع وغيره، فإذا أجازت الورثة فإنهم أجازوا وصيته عن عقد
تقدم.
وذلك كرجل اشترى عبدا وظهر به عيب كان له الخيار بالرد، فإن أمسكه
واختاره معيبا فإن أحدا لا يقول هذا استئناف عقد، وإنما يكون إمساكه عن عقد
متقدم، فكذلك هاهنا.
فإذا ثبت أنه إجازة فإذا أجازوا فقد لزم، وليس لهم الرجوع، لأنهم أسقطوا
حقوقهم بالإجازة كالشفعة، ولا يفتقر إلى القبض، ومن قال: إنه ابتداء هبة، فللورثة
الرجوع قبل القبض مثل الهبة، وقال قوم: لا بد من القبض، وقبضه قوله: أبحت
لك، ملكتك، وهبت لك ما أوصى فلان لك.
رجل أعتق عبدا له لا مال له غيره في مرضه المخوف، نظرت فيه: فإن لم
تجزه الورثة بطل العتق في ثلثي العبد، وصح في الثلث، ويكون الولاء في الثلث
له وينتقل إلى عصبته، فإن أجازت الورثة، فمن قال: إنه إجازة على فعل الموصي،
قال: ينعتق العبد ويكون ولاؤه لورثة الموصي الذكور دون الإناث، ومن قال:
ابتداء هبة، قال: ولاء ثلث العبد للموصي، وللعصبة ولاء ثلثي العبد لورثته الذين
أجازوا العتق.
رجل أوصى لرجل بنصف ماله، فأجازت الورثة ذلك، ثم قالوا: إنا علمنا
أن ماله ثلاثة آلاف وكنا نظنه ألفا وخمسمائة، وإنما أجزت خمسمائة والآن لا
300

أجيزه، قال قوم: يقال أسقط ذلك الذي تعلمه وتظنه، والباقي القول قولك، إلا
أن الموصى له متى يقم البينة بأنه كان علمه فإنه حينئذ لا يقبل قوله، لأن البينة
أقوى من دعواه.
قال قوم: وهذا على قول من قال: إن إجازة الورثة إجازة على فعل الموصي،
فأما على القول الآخر لا يجئ، لأنه يحتاج إلى القبض، وإن لم يشاهده فالقبض لا
يصح كالهبة، إذا ثبت هذا فإنه لا يصح في تلك الزيادة لأنه إسقاط حق
فلم يتعلق بالمجهول كالإبراء، فيقال له: قد صح له خمسمائة، وسقط هذه الخمس
مائة، وما زاد على الخمس مائة فالقول قوله إلا أن يقيم له البينة فيحكم له بها.
إذا أوصى لرجل بعبد وكان يزيد على الثلث فأجاز الورثة ثم قال: إني
عهدته وكان له مال عظيم، أو يقول: ما علمت أن عليه الدين، وظننت أن هذا
العبد يزيد على الثلث يقدر يسير، والآن قد أتى على أكثر ماله فلا أجيزه، قيل فيه
قولان: أحدهما كالمسألة التي قبلها في أنه يصح في القدر الذي يعلم، وهو اليسير
الذي يدعي أنه كان يعلمه، والقول الثاني: تنفذ الوصية في جميع العبد.
والفرق بين هذه والتي قبلها أن هناك ما شاهده، ولم يعلم لأنه مجهول،
وليس كذلك هاهنا، لأن العبد كان قد شاهده ويعلم كم قيمته، فلم يدخل فيه
بجهالة.
إذا أوصى لوارث وأجنبي بثلث ماله صح عندنا، وعندهم إن أجازت الورثة
صح، ويكون بينهما، وإن لم تجز بطل في حق الوارث، ويصح في حق
الأجنبي، ورجع على الورثة.
رجل أوصى بثلث ماله لأجنبي وبثلث ماله للوارث، قد بينا مذهبنا فيه، وهو
أن يمضى الأول منهما وإن اشتبه استعمل القرعة، وإن أجازت الورثة صحتا
جميعا.
وقال المخالف: إن أجاز الورثة صحتا جميعا وإن لم تجز بطل في حق
الوارث، وتصح في حق الأجنبي، ثم قال بعضهم: للأجنبي نصف الثلث، ومنهم
301

من قال: يحصل للأجنبي ثلث المال بتمامه، لأنه ينقص من الثلث إذا كان معه من
يزاحمه وليس هاهنا مزاحمة.
إذا أوصى لوارث بثلث ماله، ولأجنبي بثلث ماله وقال: إن أجاز الورثة
فلكما وإن لم يجيزوا لي فنصيب الوارث لك أيها الأجنبي، فإن أجازوا فلهما، وإن
لم يجيزوا يكون للأجنبي ثلث المال لأنه قد جعل له الثلث مطلقا، وجعل له
نصيب الآخر بصفة وعندهم إن الوصية بالصفة جائزة، وهذا صحيح على مذهبنا
أيضا.
إذا أوصى لرجل فقال: إن مت قبل موته أوصيت له بثلث مالي، وإن مت
بعد موته فلزيد، نظرت: فإن مات قبل موته فالوصية للأول، وإن مات بعده كانت
لزيد.
إذا قال: أوصيت لك بثلث مالي إن لم يقدم زيد، فإن قدم زيد، فقد أوصيت له،
فإن مات هذا الموصي قبل قدوم زيد صحت الوصية للحاضر، وإن لم يمت حتى
يقدم زيد فالوصية لزيد.
رجل له ابن وبنت فقال: قد أوصيت له بمثل نصيب ابني، فإن أجاز الورثة صحت
لكن هذا أكثر من الثلث، لأن المسألة من ثلاثة: للابن سهمان، وللبنت
سهم، وللموصى له سهمان يصير من خمسة، فإن لم تجز الورثة فله سهم من ثلاثة
فيبقي سهمان على ثلاثة لا تصح، فيضرب ثلاثة في ثلاثة تصير تسعة، يكون
للموصى له ثلاثة وللبنت سهمان وللابن أربعة.
فإن أجاز الابن ولم تجز البنت، فالمسألة من تسعة: للموصى له ثلاثة وللبنت
سهمان، يبقى أربعة يحتاج أن ينقص من نصيب الابن القدر الذي أجازه والابن
هاهنا يستحق خمسين، فما زاد على خمسين لا يمكن قسمته من هذا، لكن يضرب
خمسة في تسعة، يكون خمسة وأربعين للموصى له ثلثه خمسة عشر، وللبنت
عشر، يبقى عشرون، للابن منها خمسان ثمانية عشر يبقى سهمان، يضاف إلى
نصيب الموصى له فيحصل له سبعة عشر، الجميع خمسة وأربعون.
302

تجوز الوصية للحمل والوصية به إذا كان مخلوقا حال الوصية وخرج حيا،
ومتى خرج ميتا لم تصح الوصية، ومتى خرج حيا فلا تخلو الوصية أن تكون
مطلقة أو مقيدة، فالمطلقة إذا أوصى فقال: أوصيت لحمل هذه الجارية، والمقيدة
إذا قال: أوصيت لحمل هذه الجارية من فلان، يعني وهو ابن فلان.
فإن أطلق نظرت: فإن أتت به لأقل من ستة أشهر فإنه تصح له الوصية، لأنا
تبينا أنه كان موجودا حال الوصية، وإن أتت به لأكثر من ستة أشهر، فلا يخلو: إما
أن يكون لها زوج، أو تكون خالية من زوج، فإن كان لها زوج أو لها سيد، فلا
تصح له الوصية، لأنه يحتمل أن يكون حدث بعد الوصية، وإن لم يكن لها زوج
مثل أن يكون طلقها زوجها أو مات عنها، فإن أتت به لأقل من تسعة أشهر - عندنا
وعند بعضهم أربع سنين - ألحق النسب، فإذا ألحق النسب ثبتت له الوصية لأنا
تبينا أنه كان موجودا حال الوصية وإن أتت به لأكثر من هذه المدة فإنه لا يلحق
النسب فلا تثبت الوصية، لأنا تبينا أنه حدث بعد الوصية.
وأما إن كان مقيدا فقال: أوصيت لحمل هذه الجارية وهو من فلان، فإن
أتت به لأقل من ستة أشهر ولحقه النسب فإنه تصح الوصية، لأنا تبينا أنه مخلوقا
موجودا حال الوصية لأن أقل الحمل ستة أشهر، وإن أتت به لأكثر من ستة أشهر
فالحكم على ما مضى في المسألة الأولى:
فإن كان لها زوج فلا تصح له الوصية، لأنه يجوز أن يكون حدث بعد
الوصية، وإن لم يكن لها زوج نظرت: فإن أتت به لأقل من تسعة أشهر فإنه يلحق
النسب، وتثبت له الوصية، وإن أتت به لأكثر من ذلك فإنه لا يلحق النسب،
ولا تصح الوصية.
فإن أوصى لحمل جارية وقال: هو ابن فلان، فاتت به ونفاه زوجها باللعان
صحت الوصية، لأنه ليس فيه أكثر من انقطاع النسب بين الولد ووالده، فأما من
الأجنبي فلا، وقال قوم: هذا خطأ لأنه إذا نفى الولد باللعان، تبينا أنه ليس مخلوقا
من مائه، فإذا لم يكن مخلوقا من مائة، لم يكن موجودا حال الوصية، فلا تصح
303

الوصية، وهذا قريب.
إذا أوصى لذكر كان ما أوصى به له، وكذلك إذا أوصى لأنثى، وإن أوصى
لذكر وأنثى كان بينهما بالسوية بلا خلاف، وإذا أوصى لحمل جارية فقال: إن
كان في بطنها ذكر فله ديناران، وإن كان أنثى فلها دينار، فإن خرج ذكر كان له
ديناران، وإن خرج أنثى كان لها دينار، وإن خرج ذكر وأنثى كان لهما ثلاثة
دنانير.
وإن أوصى فقال: إن كان الذي في بطنها ذكرا فله ديناران وإن كان أنثى
فلها دينار، فإن أتت بذكر فله ديناران، وإن أتت بأنثى فلها دينار، وإن أتت بهما فلا
شئ لهما.
والفرق بين هذه وبين الأولى حيث قال: إن كان في بطنها ذكر فله ديناران
وإن كان أنثى فلها دينار، وقد كان ذكر وأنثى، وليس كذلك هاهنا لأنه قال: إن
كان الذي في بطنها ذكرا فله ديناران وإن كان أنثى فلها دينار: أراد إن كان كل
الذي في بطنها ذكرا أو كل الذي في بطنها أنثى، وما وجد تلك الصفة لأنه كان
كله ذكرا وأنثى.
إذا قال: أوصيت لما تحمل هذه الجارية، كانت باطلة، لأن الحمل غير
موجود في الحال، وقال قوم: تصح لأن المعلوم أنها تحمل فيما بعد، وهذا غير
صحيح، لأنها ربما لا تحمل ولأن من شأن المملك أن يكون موجودا غير معدوم.
فأما الوصية بالحمل: إذا كانت له جارية فحملت من زوج شرط عليه
استرقاق الولد عندنا وعندهم من غير شرط، أو من زنا فأوصى بحملها لرجل،
نظرت: فإن أتت به لأقل من ستة أشهر صحت الوصية به له، وإن أتت به لأكثر
من ستة أشهر، نظرت: فإن كان لها زوج لا تصح الوصية به، وإن لم يكن لها
زوج نظرت، فإن أتت به لأقل من تسعة أشهر فإنه تصح الوصية لأنه يلحق به
النسب، فلذلك تصح الوصية، وإن أتت لأكثر من ذلك فلا يثبت النسب
ولا تصح الوصية.
304

إذا أوصى لرجل بما تحمل هذه الجارية، أو قال: أوصيت بما تحمل هذه
الشجرة، فإن الوصية صحيحة، والفرق بين هذه والتي مضت إذا أوصى بما تحمل
هذه الجارية لأن المملك هناك معدوم غير موجود، والمملك هنا موجود وهو
الموصى له، وإن كان الشئ الذي أوصى به له معدوما فلا يضر، لأن الاعتبار
بوجود المملك.
إذا أوصى بخدمة عبده أو بغلة داره أو ثمرة بستانه على التأبيد صحت
الوصية عند الجميع إلا ابن أبي ليلى فإنه أبطلها لأنها مجهولة، وإذا ثبت صحتها
فإنها تعتبر من الثلث، وكيفية الاعتبار بأن يقوم الرقبة والمنفعة من الثلث، وقال
قوم: تقوم الرقبة من الثلثين ثلثي الورثة، ويقوم المنفعة من ثلثه، ومن الناس من
قال: يقوم عليه المنفعة، وتسقط الرقبة في باب القيمة، وهذا ضعيف عندهم، وهو
الأقوى عندي.
فمن قال: تقوم الرقبة من الثلثين، والمنفعة من الثلث، يقول: المنفعة تنتقل
إلى الموصى له، وتنتقل الرقبة إلى الورثة، ومن قال: تقوم الرقبة والمنفعة، قال: ثم
ينظر فإن خرج العبد من الثلث كان كله للموصى له، وإن خرج بعضه كان له
من العبد بقدر ذلك، والباقي للورثة.
وعلى ما قلته تقوم المنفعة، فإن خرج من الثلث كان له، وإن لم يخرج كان
له منها بقدر الثلث، والباقي للورثة.
إذا أوصى لرجل برقبة عبده ولآخر بمنفعة عبده، كانت الوصية صحيحة،
لأنه يملك المنفعة كما يملك الرقبة، فإذا ثبت هذا فإنه يصح فإنه يقوم على كل
واحد منهما - من الموصى لهما - من الثلث.
ولو أوصى بمنفعة عبده أو داره مدة معلومة سنة أو أكثر أو أقل، فإن هاهنا
تقوم المنفعة وتقوم الرقبة على الورثة، ونفقة هذا العبد، على من تجب؟ قيل فيه
ثلاثة أوجه: أحدها على ورثة صاحب الرقبة لأنها له، والثاني على صاحب المنفعة
كما لو تزوج أمة كان نفقتها على زوجها، لأن منافعها للزوج، الثالث أن نفقته في
305

كسبه فإن لم يف كسبه كان في بيت المال.
إذا ثبت هذا فالكلام في التصرف، أما الموصى له فله أن يتصرف في المنفعة
بكل حال، وهل لورثة صاحب الرقبة التصرف فيه بالبيع؟ قيل: فيه ثلاثة أوجه:
أحدها له أن يبيعه لأنه ملكه، وهو الأقوى، والثاني ليس له بيعه، لأنها رقبة بلا
منفعة فهو كبيع الجعلان والديدان والخنافس، والثالث له أن يبيع من الموصى
له دون غيره، لأنه يحصل له الرقبة والمنفعة، فأما إن أعتقه صح العتق والوصية
بحالها، ويستحق الموصى له المنفعة كما كان ولا يرجع العبد على الورثة.
فإن جنى على هذا العبد قتل فإنه يلزم القاتل القيمة، ولمن تكون هذه القيمة؟
على وجهين: أحدهما لصاحب الرقبة لأنها ملكه، وهذه القيمة عوض عن الرقبة،
والوجه الثاني لا يكون لصاحب الرقبة، لأنا لو دفعنا إليه لكنا دفعنا إليه ما له وما
لغيره، فعلى هذا يشترى بهذه القيمة عبد مكانه، فتكون المنفعة للموصى له ورقبته
للورثة.
وإن أوصى بثمرة نخلة لرجل فاحتاج إلى السقي فلا يجب على واحد منهما،
لأن الموصى له يقول: الرقبة ليس لي فلا يلزمني، ولا للورثة لأنها تقول: المنفعة
لغيري ولا أملك الثمرة، فلما لي أسقي، لكن إن تطوع أحدهما بالسقي كان له
ذلك.
إذا أوصى لرجل بخدمة أمته فاتت بولد مملوك، فلمن يكون هذا الولد؟
قيل فيه وجهان: أحدهما للموصى له لأنه من نماء الأمة، والمنفعة والكسب له
كذلك نماؤها مثل الولد، والوجه الثاني تكون للورثة الرقبة والمنفعة للموصى له،
لأن هذا الولد بعض منها وجزء منها فحكمه حكمها وهو الأقوى.
فإن قتل هذا الولد لزم القيمة قاتله، ولمن تكون؟ من قال: إن الولد للموصى
له، قال: كذلك القيمة له، ومن قال: الولد حكمه حكم الأم، فعلى وجهين.
فتحصل هاهنا ثلاثة أوجه: أحدها القيمة للموصى له، والثاني للورثة، والثالث
يشترى به عبد مكانه يكون رقبته للورثة، ومنفعته للموصى له.
306

المسألة بحالها: أوصى بخدمة جارية لرجل فوطئت وطء شبهة فاتت بولد
فلا حد لأنه شبهة، ويلزمه المهر، ويكون المهر للموصى له، لأن منفعتها له، والولد
لاحق به، ويثبت النسب لأنه ولد وطء شبهة ويكون حرا ويلزمه قيمة الولد، ولمن
يكون؟ فمن قال هناك: للموصى له، قال هاهنا: القيمة له، ومن قال: حكمه حكم
الأم إذا قتلت، فعلى وجهين فتكون هذه القيمة على ثلاثة أوجه.
المسألة بحالها: أوصى بخدمة أمته لرجل ثم مات الموصي، فليس لأحد أن
يطأها لا للموصى له لأنه لا يملكها، ولا للورثة لأن لهم رقبة عرية من المنفعة، لأنها
لو وطئت لكان المهر للغير لا للورثة، فإن خالفا ووطئها نظرت:
فإن كان الموصى له فلا حد، لأنه وطء شبهة، ولا يلزمه المهر، لأن المهر له
والولد لا حق به، ويثبت به النسب، لأنه وطء شبهة ويكون حرا لأنها علقت بحر
وتكون أم ولد عندنا، وعند قوم لا تكون لأنه لا يملكها، وهل يلزمه قيمة الولد أم
لا؟ قيل فيه ثلاثة أوجه:
فمن قال: لو كان مملوكا لكان له، فهاهنا لا يلزمه القيمة، ومن قال: لمالك
الرقبة في الأم: فهاهنا القيمة لمالك الأم، الثالث يشترى بقيمته عبد يكون رقبته
للوارث ومنفعته للموصى له.
وإن وطئها الوارث فلا حد لأنه وطء شبهة، ويلزمه المهر للموصى له، لأن
منفعتها له، والولد حر ويلحق به النسب، لأنها علقت بحر، وتصير أم ولد لأنها
ملكه، وهل يلزمه قيمة الولد؟ فيه ثلاثة أوجه:
فمن قال: إنه لو كان عبدا كان يكون رقبته للوارث، قال: لا شئ عليه، ومن
قال: كان يكون للموصى له، أوجب عليه دفع القيمة إلى الموصى له، ومن قال:
حكم الولد حكم أمه، اشترى بقيمته عبدا يكون رقبته للوارث ومنفعته للموصى له.
إذا أوصى بزيادة على ثلث ماله فإن هذه الوصية تنقسم على قسمين: أحدهما
أن يكون بشئ معين أو بشئ غير معين، فإن كان بغير معين مثل أن يكون قد
أوصى بنصف ماله، والثاني أن يكون قد أوصى بعبد بعينه أو بدار بعينها وكانت
307

قيمتها أكثر من الثلث، فإن للورثة هاهنا المنع والإجازة، فإن منع ورده فيصح في
الثلث ويبطل في الزيادة على الثلث، وإن أجاز صح في الكل: الثلث بالوصية
والزيادة إما بالإجازة على فعل الموصي، أو ابتداء هبة من الورثة.
فإذا أوصى لرجل بزيادة على الثلث في حال صحته، وأجازته الورثة كان
صحيحا لعموم الأخبار، وقال المخالف: هذه وصية باطلة وليس للورثة أن تجيز
هذه في حياته، وإن أجازته لم يلزم، سواء كان أوصى به في حال صحته أو في
حال مرضه، وفيه خلاف.
وكذلك إن أعتق عتقا منجزا أو وهب أو حابى في حال صحته فأجازته
الورثة قالوا: لا يلزم لأن حق الورثة لا يتعلق بماله إلا بعد موته، فلا تؤثر إجازتهم
في ذلك، ولأن قدر الزيادة على الثلث لا يعلم إلا بعد الموت، وفي هذه الحال
لا يمكن أن يعلم قدر الزيادة على الثلث لأنه يجوز أن يكون حال ما أوصى به كان
زيادة على الثلث، وبعد موته يكون أقل من الثلث، ويجوز أن يكون حال الحياة
أقل وبعد الموت أكثر، فلا يعلم حينئذ أي شئ أجازوه، فلا يصح، وعلى ما تدل
عليه أخبارنا يجوز جميع ذلك في حال الحياة، وليس لهم رجوع فيه بعد
الوفاة.
إذا قال: أعطوا فلانا رأسا من رقيقي، فإن هذه وصية صحيحة، والورثة
بالخيار ويعطون أي رأس من عبيده شاءوا، أقل ما يقع عليه اسم الرقيق، سواء
كان معيبا أو صحيحا، صغيرا أو كبيرا، فإن هلك الرقيق إلا رأسا واحدا، فإنه
يعطي ذلك العبد لأنه أوصي له لا بعينه، وعلقه والصفة موجودة هاهنا.
فأما إن قال: أعطوه رأسا من رقيقي، ولم يكن له رقيق أصلا، فإن الوصية
باطلة لأنه علقه بصفة ليست موجودة، كما لو أوصى له بدار ولم يكن له دار، وإن
ماتوا كلهم فالوصية تبطل لأنهم ماتوا بغير تفريط من الورثة فيكون من ضمان
الموصى له، وإن قتلوا كلهم فالوصية صحيحة ويلزم الورثة قيمة أي عبد شاءوا، ما
يقع عليه اسم العبد، لأنه قد حصل له بالقتل البدل وهو القيمة، وإن قتلوا كلهم إلا
308

واحدا فإن الموصى له يستحقه إن خرج من الثلث، لأن الصفة وجدت.
وإذا أوصى بشاة من غنمه فالوصية صحيحة، وللورثة أن يعطوا أي شاة يقع
عليها اسم الشاة، سواء كانت صغيرة أو كبيرة، ضائنة كانت أو ماعزة، معيبة أو
سليمة، فإن كانت ماشية كلها إناثا أعطي أنثى، وإن كانت ذكرانا أعطي ذكرا،
وإن كانا ذكرانا وإناثا، قيل فيه وجهان: أحدهما الورثة بالخيار، والآخر أنهم لا
يعطون تيسا ولا كبشا، والأول أقرب، لأن الاسم يتناوله، فإن ماتت كلها إلا
واحدة أو ذبحت فالحكم كما قلناه في الرقيق.
وإذا قال: أعطوه شاة من مالي، نظرت فإذا كانت له ماشية فإنه يعطي شاة
كما ذكرناه، وللورثة أن يشتروا شاة من ماله ويعطي إياه، والفرق بين هذه
والأولى أن في الأولة قال: شاة من غنمي، فلم يجز غيرها، وفي هذه قال: من مالي،
والمشتراة من ماله وإن لم يكن من غنمه، ومتى لم يكن له غنم صحت الوصية،
واشترى من ماله لأن الصفة موجودة وهو المال.
وإذا قال: أعطوه جملا، فإنه يكون ذكرا، وإن قال: أعطوه ناقة، يكون أنثى،
وإن قال: أعطوه ثورا، كان ذكرا، وإن قال: بقرة، كان أنثى، وإن قال: بعيرا،
أعطوه ذكرا، وفي الناس من قال: هم بالخيار، والأول أصح.
وإن قال: أعطوه عشر أنيق أو عشر بقرات، أعطي الإناث لا الذكور، لأنه
اسم الإناث.
فإن قال: أعطوه عشرة من الإبل، قال قوم: أعطوه ما شاءوا لأنه اسم جنس،
والأقوى أن يقال: يجب أن يعطي ذكورا، لأن الهاء لا تدخل إلا على عدد المذكر
دون الأنثى.
وإن قال: أعطوه دابة من دوابي، أعطي فرسا، وقال قوم: أعطوه ما شاءوا من
الخيل ذكرا كان أو أنثى أو من البغال والحمير، ولا خلاف أنه لا يعطي من الإبل
والبقر لأن ذلك كله لا يسمى في العرف دابة.
وإن كان في لفظه ما يدل على ما أراد حمل عليه، مثل أن يقول: أعطوه دابة
309

ليغزو عليها، فإنه يحمل على الخيل لا غير، وإن قال: دابة لينتفع بظهرها ونسلها،
أعطي من الخيل والحمير، ولا يعطي من البغال، لأنه لا نسل لها، وإن قال: لينتفع
بظهرها درها، أعطي الخيل لأن الحمير لا در لها.
إذا قال: أعطوه كلبا من كلابي، نظرت فإن لم يكن له كلاب، فالوصية
باطلة، وهكذا إذا قال: أعطوه كلبا من مالي، فالوصية باطلة لأن شراء الكلب
محظور، وأما إن كان له كلاب نظرت، فإن كان كلب هراش فالوصية باطلة لأنه
لا ينتفع به، وإن كان كلب ماشية وكلاب حرث وكلاب صيد صحت الوصية
لأنه ينتفع بها، والأقوى عندي أنه إن لم يكن له كلاب أن يشترى له أقل كلاب
الصيد أو الماشية أو الحرث ثمنا لأن ذلك يجوز عندنا.
إذا أوصى بجرة فيها خمر لم تصح هذه الوصية، لأنه لا ينتفع بها، ولا تقر يده
عليها.
وإذا ثبت أن الوصية صحيحة فيما ذكرناه من الكلاب، فإنه يقال للورثة: أن
أعطوه كلبا، أيها شاءوا.
وإن كان له كلب واحد، فإن لم يكن له مال غيره فيكون له ثلث هذا
الكلب، وإن كان له مال غيره قيل فيه وجهان: منهم من قال: يعطي الموصى له
هذا الكلب، ومنهم من قال: يجب أن يعطي الموصى له ثلث هذا الكلب لأنه ينبغي
أن يبقى للورثة ثلثاه، فإنه أوصى به، والأول أصح.
إذا قال: أعطوه طبلا من طبولي، فإن كانت له طبول للحرب فإن الورثة
يعطونه واحدا من طبوله وصحت الوصية، وإن كان ينتفع به بغير الجلد، قال
قوم: يقلع الجلد منه وإن لم ينتفع به بغير الجلد ترك عليه، وأعطي مع الجلد،
وإن لم يكن له طبل للحرب وله طبل للعب نظرت، فإن كان يصلح لغير اللعب
صحت الوصية، وإن لم يصلح إلا للعب فلا تصح الوصية.
فأما إن كانت له طبول للعب وللحرب، نظرت: فإن كان الذي للعب
لا يصلح لمنفعة مباحة، ولا يصح إلا للعب كانت الوصية تعينت في الذي للحرب
310

ويعطي الذي للحرب، وإن كان الذي للعب يصلح لمنفعة مباحة فالورثة بالخيار
فيهما.
وإن أوصى فقال: أعطوه دفا من دفوفي، فإنه تصح الوصية، لأن الدف له
منفعة مباحة لما روي عنه عليه السلام أنه قال: أعلنوا هذا النكاح، واضربوا عليه
بالدف، وعلى مذهبنا لا يصح لأن ذلك محظور استعماله.
وإن قال: أعطوه عودا من عيداني، وله عود يضرب به وعيدان قسي،
وعيدان السقف والبنيان، فإطلاق قوله: عودا من عيداني، ينصرف إلى العود
الذي يضرب به للهو لأن ذلك يسمى بالإطلاق عودا في العادة، ثم نظرت فإن
كان له منفعة مباحة غير الضرب صحت الوصية، وإن لم يكن له منفعة مباحة ولا
يصلح إلا للعب بطلت الوصية، وهكذا إن كان منفصلا ويكون له منفعة مباحة
لا تصح الوصية لأن الاسم لم يتناوله.
فأما إن كان له منفعة مباحة صحت الوصية، ويدفع إليه بلا وتر، وقيل: إنه
يدفع بالوتر، لأن الوتر ينتفع به، بأن يشد به شئ، لكن يدفع إليه بلا ملوي ولا
مضراب ولا حمار وهو الخشب الذي تركب عليه الوتر لأنه يقال عود ويقع عليه
الاسم، ويعين به انضمام ما ذكرناه من الملوي والحمار.
فأما إذا لم يكن له منفعة مباحة فليس على الورثة أن يعطوه من عيدان أخر،
وفيهم من قال: لهم أن يعطوه من عيدان أخر، وهذا ليس بشئ لأنا حملنا إطلاق
العود على ما يضرب به، فإذا لم يوجد المعنى فيه بطلت الوصية، وإذا بطلت
الوصية فليس لهم بعد بطلانها أن يعطوه شيئا.
وإن أوصى بالمزمار فالكلام فيه مثل الكلام في العود سواء، إن كانت له
منفعة مباحة صحت الوصية وإن لم يكن لم تصح، وإذا صحت فلا يعطون الشئ
الأبيض الذي على رأسه ويجعل في فيه وينفخ فيه.
إذا قال: أعطوه قوسا من قسيي، وله قسي قوس نشاب وهو قوس العجم
وقوس نبل وهو قوس العربي، أو يكون له قوس حسبان وهو الذي يدفع
311

النشاب في المجرى وهو الوتد مع المجرى ويرمى به، أو يكون له قوس جلاهق
وهو قوس البندق، أو يكون له قوس النداف فإن هذا بالإطلاق يحمل على قوس
النشاب والنبل والحسبان، فإن كان له منها شئ فالورثة بالخيار يعطون أي
قوس من هذه الثلاثة شاءوا.
وإن كان له قسي معمولة وقسي غير معمولة أعطي معمولة، لأن الاسم يتناول
المعمول، وهل يعطي بالوتر أو بغير الوتر؟ قيل فيه وجهان: أحدهما يعطي بلا
وتر لأنه يسمى قوسا بلا وتر، مثل الدابة بلا سرج، والثاني يعطي بالوتر لأن الوتر
جزء منه ولا يمكن استعماله إلا به، وهكذا وتر العود يمكن الانتفاع به في غيره،
فأما إذا لم يكن شئ إلا الجلاهق وقوس النداف، فالورثة بالخيار يعطون أي
القوسين شاءوا، لأنه إذا لم يكن له غيرهما فكأنه قيد بالدفع إليه.
ولو قال: أعطوه قوسا مما يقع عليه اسم القوس، فالورثة بالخيار يعطونه أي
قوس شاءوا، لأنه علق الدفع بوقوع الاسم عليه، هذا إذا كان مطلقا، فأما إذا كان
في كلامه ما يدل على مقصوده فإنه يحمل على مقصوده مثل أن يقول: أعطوه
قوسا يرمي عليها أو يندف عليها، فإنه يحمل على ذلك الشئ الذي يعمل بذلك
القوس.
إذا قال: اجعلوا ثلث مالي في الرقاب، فإنه يدفع إلى المكاتبين أو في العبيد
يشترون، وفيه خلاف، فإذا ثبت هذا نظرت فإن كان حاضرا وغائبا فإن ثلث
المال الحاضر يصرف في المكاتبين في ذلك البلد، ويصرف ثلث المال الغائب
في البلد الذي فيه المال كما قلناه في الزكاة.
فأما إذا كان ماله كله في البلد الذي هو فيه فلا يخلو: إما أن يعم جميع
المكاتبين أو لا يعم، فإن كان يعم جميعهم فإنه يعطي إياهم ويعتقون، وإن لم يعم
المال فالمستحب أن يعطوا بقدر حاجتهم، مثل أن يكون كتابة واحد على مائة
وكتابة آخر على خمسين، فإنه يعطي صاحب المائة سهمان وصاحب الخمسين
سهم، والذي يقوى في نفسي أنه إن أعطي واحد منهم أو قوم منهم دون قوم جاز،
312

لأنه قد فعل المأمور به.
قالوا: وإن لم يعم ثلث ماله جميع المكاتبين الذين في بلده فلا يجوز أن
يصرف في أقل من ثلاثة لأنه أقل الجمع، فإن دفع إلى اثنين فإنه يضمن للثالث،
وكم يضمن؟ قيل فيه وجهان: أحدهما يضمن الثلث، والثاني يضمن مقدار الذي
أراد أن يدفعه إليه ابتداء، وعلى ما قررناه لا يضمن شيئا بحال.
إذا قال: أعتقوا بثلث مالي رقابا، وجب أن يشترى بثلث ماله ثلاثة أعبد
ويعتقون عليه، لأنه أقل الجمع، فإن وجد بقيمة الثلث أربعة أو خمسة فإنه يشتري
الأكثر، فإذا لم يبلغ الثلث ثمن ثلاثة أعبد ويزيد على ثمن عبدين، فإنه يجعل
الرقبتين أكثرهما ثمنا ولا يفضل شيئا، وفي الناس من قال: يجعل في عبدين وفي
جزء من ثلاثة لأن الكثرة فيه، وروى أصحابنا أنه إذا أوصى بعتق عبد بثمن معلوم
فوجد بأقل منه أعطي البقية ثم أعتق، ويجزئ صغيرها وكبيرها، شيخها وشابها
بلا خلاف.
إذا أوصى بعتق عبد ولا مال له غيره، فالعتق في الثلث صحيح بلا خلاف، و
الثلثان موقوف على إجازة الورثة، فإن أجازوا ففي الإجازة قولان: أحدهما تنفيذ،
والآخر ابتداء هبة، فمن قال: تنفيذ عن أمر الموصي، فإنه يقول: ينعتق الكل
والولاء للموصي وينتقل منه إلى عصبته، ومن قال: ابتداء هبة، قال: يكون ثلث
الولاء للموصي، وينتقل منه إلى عصبته، والثلثان للورثة ذكرهم وأنثاهم.
فإن ظهر على الموصي دين فلا يخلو أن يعم جميع التركة أو يعم بعض
التركة، فإن استغرق جميع التركة فالعتق باطل، ويباع العبد في حق الغرماء،
لأن الدين مقدم على الوصية، وإن كان الدين يحيط ببعض التركة، مثل أن يكون
نصف قيمة العبد، فإنه يباع في حق الدين، ونصف الباقي يعتق، ويكون ولاء
ثلث النصف سدس جميعه للموصي، والثلثان للورثة على ما مضى من القولين.
فأما إذا لم تجز الورثة فإنه يعتق الثلث، ويكون الباقي للورثة، فإن ظهر عليه
دين فلا يخلو: أن يحيط بجميع التركة أو ببعضها، فإن أحاط بجميعها فإنه يباع
313

في حق الدين، لأنه مقدم على الوصية، وإن كان يحيط بنصف تركته فإنه يباع
نصف العبد في الدين والنصف الباقي يعتق منه ثلثه، والثلثان يكون للورثة
يحصل العبد لصاحب الدين نصفه رقيقا وللورثة ثلثه، يكون رقيقا، ويعتق منه
السدس ويكون ولاء السدس لعصبة الموصي المذكور.
ولو أوصى فقال: أعتقوا عني عبدا، ثم مات، فاشترى الورثة عبدا من التركة
وأعتقوا، فلما أعتقوا ظهر على الموصي دين يحيط بجميع التركة، فلا يخلو: إما أن
يكون قد اشتروا بعين تلك التركة، أو اشتروا بثمن في الذمة.
فإن كانوا قد اشتروا بعين التركة فإن الشراء باطل، لأنه لما مات انتقل حق
الغرماء من ذمته إلى تركته، وتعلق حق الغرماء بها، فاشتروا بشئ قد تعلق به
حق الغير، فلم يصح الشراء كالراهن إذا اشترى بالمرهون شيئا، فإن الشراء
يكون باطلا.
وإن اشتروا بثمن في الذمة فالشراء صحيح ويكون الثمن في ذمتهم، ويعتق
عن الموصي، فإن أنفذوا شيئا من التركة لزمهم الضمان.
إذا مات وعليه حجة الإسلام فإنها لا تسقط بالموت عندنا وكذلك الكفارة
والزكاة، وعند بعضهم يسقط، ومن قال بذلك قال: إن أوصى به كان تطوعا لا
يكون عن فرض، وعندنا يكون عن فرض.
فأما إن أوصى به فقال: حجوا عني فلا يخلو من أربعة أقسام: أحدها أن
يقول: حجوا عني من رأس مالي، والثاني يقول: حجوا عني من ثلث مالي،
الثالث: يطلق، الرابع يقول: حجوا عني من ثلث مالي، وأضاف إليه شيئا يكون
مخرجه من الثلث.
فإن قال: حجوا من رأس مالي، فإنه يحج عنه من رأس المال لأنه لو أطلق
كان من رأس ماله، ويكون من الميقات الذي يجب الإحرام به.
وإن قال: حجوا عني من ثلث مالي، فإن هاهنا يحج عنه من ثلثه، لأنه قيده،
إلا أن لا يبلغ ثلثه أن يحج عنه، فإنه يتم من الثلثين.
314

وإن أطلق، فيهم من قال: يحج من ثلثه، وذهب الأكثر إلى أنه من رأس
المال، وهو مذهبنا لأن حجة الإسلام عندنا من رأس المال على كل حال إلا أن
يقيدها بالثلث، فيكون من الثلث.
الرابع أن يقول: حجوا عني واسقوا عني وأطعموا عني، بما يكون مخرجه
من الثلث، فمن قال هناك: مخرجه من الثلث، قال هاهنا مثله، ومن قال: من
رأس المال، قال هاهنا مثله، وقد قلنا إن عندنا يكون من رأس المال على كل
حال إذا كانت حجة الإسلام إلا أن يقيدها بالثلث، وإن كانت تطوعا فمن الثلث،
وما عدا الحج يكون من الثلث لا غير.
وكل موضع قلنا: يحج من رأس ماله، فإنه يخرج من الميقات، وكل
موضع قلنا: يحج من ثلثه، فمن أين يجزئه؟ فيهم من قال: من حيث أثبته الشرع
والذي أثبته الإحرام من دويرة أهله، والإحرام من الميقات رخصة، وفيهم من قال:
يحرم من الميقات، وهو الذي يقتضيه مذهبنا.
إذا كان عليه حجة الإسلام فأوصى أن يحج من ثلث ماله، وأوصى بوصايا
أخر، ومات، فهل يقدم الحج على سائر الوصايا أو يسوى بين الكل؟ قيل فيه
وجهان:
أحدهما: إن الثلث يتقسط على الحج وغيره، فإن كان ما يخص الحج
يمكن أن يحج به صرف إليه، ولا كلام، وإن كان أقل فإنه يتم من أصل المال،
لأن حجة الإسلام من رأس المال، وإنما خصه بالوصية لرضا الورثة.
الوجه الثاني: إن الحج مقدم على غيره، لأن الحج واجب، وما عداه ليس
بواجب، وهذا الذي تدل عليه روايات أصحابنا، فعلى هذا يحج من الثلث، فإن لم
يبق شئ بطلت سائر الوصايا وإن فضل صرف إلى غيره من الوصايا.
وإذا أوصى فقال: حجوا عني بثلثي حجة، ومات فقد أوصى بأن يحج عنه
بجميع ثلثه، فينظر فيه، فإن كان ثلث ماله بقدر أجرة من يحج عنه، فإن للموصي
أن يستأجر من يحج عنه، سواء كان وارثا أو أجنبيا بلا خلاف، وإن كان ثلث
315

ماله أزيد مما يحج به فكذلك عندنا، وعندهم: يستأجر من يحج عنه بجميع ثلثه
إذا كان أجنبيا ولا يجوز أن يستأجر وارث، لأن ما زاد على أجرة المثل وصية
بالمحاباة، وذلك لا يصح للوارث، وعندنا أن ذلك يصح.
وإن قال: حجوا عني بثلثي، ولم يقل " حجة " فقد أوصى بأن يحج عنه
بثلثه، فينظر في ذلك، فإن كان ثلثه بقدر ما يحج به حجة واحدة، استؤجر من
يحج عنه، سواء كان وارثا أو غيره، وإن كان ثلث ماله أكثر من أجرة مثله، فإنه
لا يجوز أن يستأجر عنه بأكثر منه، وينظر في الزيادة، فإن أمكن أن يستأجر به من
يحج عنه حجة أخرى فعل، وإن لم يمكن ردت الزيادة إلى الورثة، لأن الوصية متى
لم تصح في الوجه الذي صرفه فيه رجعت إلى الورثة.
والفرق بين هذه المسألة والتي قبلها أن فيما قبلها أوصى بأن يحج حجة
واحدة بجميع ثلثه فلأجل هذا لم يراع أجرة المثل.
إذا أوصى أن يحج عنه بمائة درهم من ثلث ماله، وأوصى بما بقي من الثلث
لرجل آخر بعينه، وأوصى لرجل آخر بثلث ماله، فالوصية الأولى والثانية
صحيحتان والأخيرة باطلة، وإن اشتبها استعملت القرعة، هذا إذا كان الثلث أكثر
من مائة، فإن كان الثلث مائة أو دونها فالوصية الثانية والثالثة باطلتان معا.
وقال المخالف: هذه وصية بثلثي ماله، فلا يخلو ثلث ماله من أحد أمرين: إما
أن يكون قدر مائة فما دون، أو أكثر من ذلك، فإن كان ثلث ماله قدر مائه، فإن
وصيته بما زاد على المائة باطلة، لأنها وصية بما لا يملك، وتبقى الوصية بالحج
وثلث، فلا يخلو أن يجيز الورثة ما زاد على الثلث أو لا تجيز، فإن أجازوا ذلك
صرف إلى الحج مائة ودفع إلى الموصى له بالثلث مائة أخرى، وإن لم يجيزوا
ذلك قسم الثلث بينهما نصفين، فيصرف إلى الحج خمسين ويدفع إلى الموصى
له بالثلث خمسين.
فأما إذا كان ثلث ماله أكثر من مائة نظرت، فإن كان ثلث ماله خمسين
ومائة نظرت في الورثة، فإن أجازوا الوصية في الكل دفع إلى الموصى له بالثلث
316

خمسين، ويصرف إلى الحج مائة، ويدفع إلى الموصي بالزيادة خمسين، وإن لم
يجيزوا ما زاد على الثلث، فإن صاحب الزيادة وصاحب الحج يضربان مع
صاحب الثلث في خمسين ومائة، لأن وصيته بالحج مقدرة ووصيته بما زاد جهة
واحدة، فلهذا قسم بينهما نصفين، فيدفع إلى الموصى له بالثلث خمسة وسبعين،
ويصرف خمسة وسبعين إلى الحج، ولا يستحق صاحب الزيادة شيئا لأنه لم
يفضل المائة شئ.
وأما إن كان ثلث ماله ثلاث مائة نظرت، فإن أجاز الورثة دفع إلى الموصى
له بالثلث ثلاث مائة ويصرف إلى الحج مائة، ويدفع إلى الموصى له بالزيادة
مائتين، وإن لم يجيزوا ما زاد على الثلث قسم الثلث بينهم، فيدفع إلى الموصى له
بالثلث مائة وخمسين ويصرف إلى الحج مائة، ويدفع إلى الموصى له بالزيادة
خمسين، لأن الموصى له بالزيادة إنما يستحق شيئا إذا فضل على مائة، فأما عند
النقصان فإنه لا يستحق شيئا.
ومن الناس من قال: الموصى له بالزيادة يضرب مع الحاج إذا نقص عن
مائة كما يقاسم عند المزاحمة، بيان ذلك أنه إذا كان ثلث ماله خمسين ومائة،
وليس هناك غيرهما، فإنه يصرف إلى الحج مائة، ويدفع إليه ما بقي وهو
خمسون، فيكون بينهما ثلثا وثلثين، فكذلك إذا زاحمهما صاحب الثلث وأخذ
خمسة وسبعين، وجب أن يكون ما يبقى بينهما ثلث وثلثين فيصرف إلى الحج
خمسين، ويدفع إليه ما بقي وهو خمسة وعشرون، كما إذا خلف ابنا وبنتا فالمال
بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين، فلو زاحمهما زوجة أو أم كان ما بقي من سهم
ذوي السهام بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين.
وهذا غلط جدا لأنه جعل من شرط استحقاقه أن يزيد ثلثه على مائة، فإذا لم
يزد على مائة فلم يوجد الشرط، فوجب أن لا يستحق شيئا.
إذا أوصى بثلث ماله لرجل، ثم أوصى بأن يحج عنه بمائة من الثلث،
وأوصى لإنسان بما يبقى من الثلث، قال قوم: الحكم في هذه المسألة والتي قبلها
317

سواء، ولا فرق بين أن يوصي بالحج وبالبقية أولا ثم يوصي بالثلث الآخر، وبين
أن يوصي بالثلث أولا، ثم يوصي بالحج وبالبقية، فإن الحكم فيه على ما ذكرناه،
وهذا صحيح عندنا أيضا غير أنا نقول: يقدم الأول فالأول، ويبطل ما زاد.
ومن الناس من قال: لا تصح الوصية بالزيادة على مائة، قال: لأنه بعد ما
أوصى بثلث ماله وبأن يحج عنه بمائة من ثلثه لم يبق هناك زيادة على مائة، وإذا
لم يبق هناك زيادة فالوصية بها لا تصح، ويفارق إذا أوصى بالحج أولا
وبالزيادة ثم بالثلث، لأن هناك بعد الوصية بالحج بقية، وهو تمام الثلث،
فصحت الوصية، وإذا قدم الوصية بالثلث فلم يبق هناك زيادة على مائة فلم
تصح الوصية، وهذا يبطل الوصية بالزيادة.
ثم ينظر في الورثة، فإن أجازوا الوصية بالحج وبالثلث صرف إلى الحج
مائة ويدفع إلى الموصى له بالثلث ثلث ماله، وإن لم يجيزوا فإنه يضم مائة إلى
الثلث ثم يقسط ثلث ماله عليهما.
إذا أوصى لرجل بعبد له بعينه، ولآخر بتمام الثلث صحت الوصيتان، فإذا
ثبت ذلك ففيه أربع مسائل:
إحداها: أن يموت الموصي والعبد حي سليم، كما كان، فإنه يدفع إلى
الموصى له، ويقوم، فينظر كم كانت قيمته حين وفات الموصي لأنها حالة لزوم
الوصية، فإن كانت قيمته وفق الثلث بطلت الوصية بالزيادة، وإن كانت قيمته أقل
من الثلث يدفع إلى الموصى له بالزيادة تمام الثلث.
المسألة الثانية: أن يموت العبد بعد وفاة الموصي وقبل تسليمه إلى الموصى
له، فإن الوصية بالعبد تبطل، لأنه لم يسلم الموصى له به، ولا تبطل بالزيادة،
لأنهما وصيتان منفردتان، ثم ينظر كم كانت قيمة العبد حين وفاة الموصي؟ فإن
كان وفق الثلث بطلت الوصية بالزيادة، وإن كانت أقل دفع إلى الموصى له
بالزيادة بقية الثلث.
الثالثة: إذا حدث بالعبد عيب فإن الوصيتين بحالهما، فيدفع إلى الموصى له
318

بالعبد ذلك العبد معيبا، ويدفع إلى الموصى له بالزيادة ما زاد على قيمته سليما،
لأنه إنما أوصى له بما زاد على قيمة عبده سليما إلى تمام الثلث، فلا يستحق أكثر من
ذلك.
الرابعة: إذا مات العبد قبل وفاة الموصي، فإن الوصية بالعبد تبطل ولا تبطل
بالزيادة، لأن كل واحد منهما وصية بانفرادها، فإذا مات السيد فيقال: لو بقي
ذلك العبد إلى حين وفاته كم كانت قيمته؟ فإن كانت قيمته دون الثلث استحق
الموصى له بالزيادة بقية الثلث، وإن كانت قيمته وفق الثلث لم يستحق الموصى
له بالزيادة شيئا.
إذا زوج الرجل أمته بحر ثم أوصى بها لزوجها، فهذه المسألة تبنى على
أصول ثلاثة:
أحدها: إن الحمل هل له حكم أم لا؟ وقد قيل فيه وجهان: أحدهما لا حكم
له، والثاني له حكم ويجري مجرى الثمن، فإذا أوصى بجارية حبلى فإنه يكون
وصية بها دون الحمل، فإذا باعها فالثمن لا يتقسط على الحمل، ومتى وضعت
فكأنما حدث في تلك الحالة، ومعنى قولنا: إن له حكما، أن ذلك يجري مجرى
الولد المنفصل، وإذا أوصى بها وهي حبلى، فكأنه أوصى بها وبحملها، وإذا باعها
فالثمن يتقسط عليهما.
والأصل الثاني: إن أقل مدة الحمل ستة أشهر، فمتى وضعت من حين
الوصية لستة أشهر فأكثر، فالظاهر أنه حدث بعد الوصية، وإن وضعت لدون ستة
أشهر من حين الوصية تبينا أن الحمل كان موجودا حين الوصية.
والأصل الثالث: إن من أوصى لرجل بشئ فلا خلاف أن ملكه لا يزول عن
ذلك الشئ قبل وفاته، وإذا مات الموصي متى ينتقل الملك إلى الموصى له؟ قيل
فيه قولان:
أحدهما ينتقل بشرطين: بوفاة الموصي وقبول الموصى له، فإذا وجد
الشرطان انتقل الملك عقيب القبول، والقول الثاني أنه مراعى إن قبل الوصية تبينا
319

أنه انتقل إليه الملك بوفاته، وإن لم يقبل تبينا أن الملك انتقل إلى الورثة بوفاته.
وقيل فيه قول ثالث: وهو أن الملك ينتقل إلى الموصى له بوفاة الموصي
مثل الميراث يدخل في ملك الورثة بوفاته، فإن قبل ذلك استقر ملكه وإن رد
ذلك انتقل عنه إلى ورثته، وهذا قول ضعيف لا يفرع عليه، والتفريع على القولين
الأولين.
إذا ثبت هذا رجعنا إلى المسألة، وهي إذا زوج أمته من حر فإنما يجوز للحر
تزويج الأمة بشرطين: أحدهما عدم الطول، والثاني خوف العنت وهي أن يخشى
على نفسه أن يقع في فجور، فإذا زوجها من حر فيه الشرطان صح النكاح ثم
أوصى له بها، فإن الوصية له تصح كما يصح بيعها منه.
فإذا مات السيد فلا يخلو إما أن يقبل أو يرد، فإن رد الوصية فالنكاح بحاله
لأنا إن قلنا إن الملك انتقل إليه بشرطين، فالقبول لم يوجد، وإن قلنا إنه مراعى
فكمثل، وإن قبل الوصية فالنكاح ينفسخ، لأن ملك اليمين والزوجية يتنافيان.
إذا ثبت هذا فمتى انفسخت الزوجية؟ إن قلنا: ينتقل بشرطين، فإنها تنفسخ
عقيب القبول، وإن قلنا: مراعى، ينفسخ عقيب وفاة الموصي.
ثم لا يخلو حالها من أحد أمرين: إما أن تكون حاملا أو حائلا، فإن كانت
حائلا فلا تفريع، وإن كانت حاملا لم تخل: إما أن تضع الولد في حياة الموصي
أو بعد وفاته.
فإن ولدت قبل وفاته نظرت، فإن وضعت من حين الوصية لستة أشهر
فأكثر فالظاهر أنه حدث بعد الوصية فيكون الولد مملوكا للموصي، لأن نماء
الموصى به يكون للموصي قبل وفاته، وهذا عندنا إذا كان اشترط عليه الاسترقاق،
وإن وضعت لدون ستة أشهر من حين الوصية، فقد تبينا أنه كان موجودا في ذلك
الوقت، فلمن يكون؟ بنيت على القولين، فمن قال: لا حكم للحمل، قال: يكون
للموصي كما حدث في هذه الحالة، ومن قال: له حكم، قال: يكون للموصى له،
لأنه في التقدير كأنه أوصى له بالحمل وبالجارية.
320

وإن وضعته بعد وفاة الموصي ففيه مسألتان: إحديهما أن تضع قبل قبول
الوصية، والثانية أن تضع بعد القبول، فإن وضعت بعد وفاة الموصي وقبل
القبول، ففيه ثلاث مسائل: إحداها أن يكون حبلت بعد الوفاة، الثانية أن تكون
حبلت بعد الوصية وقبل الوفاة، الثالثة حبلت قبل الوصية.
فالأولى: إذا حبلت بعد وفاة الموصي ووضعت قبل القبول، فهو أن تأتي به
من حين الوفاة لستة أشهر وأكثر، فالظاهر أنها حبلت بعد وفاته، لأنها أتت لأقل
مدة الحمل، فيحكم بأن الولد حادث بعد وفاته، وما الحكم فيه؟ يبني على أن
الملك متى ينتقل إلى الموصى له؟ فمن قال: تنتقل بشرطين بموت الموصي
والقبول، فهاهنا لم يوجد أحد الشرطين، فهي بعد في حكم ملك الميت، وهذا
إنما تميز في ملكه فيكون مملوكا لورثته، فإذا قبل الوصية تصير الجارية مملوكة
له، ولا تصير أم ولد، لأنها علقت في ملك غيره، ومن قال: إنه مراعى وبالقبول،
تبين أن الملك انتقل إليه بوفاته يحكم بأنه ملك الجارية بوفاة الموصي، ولما
حبلت علقت بحر وتصير أم ولده، وليس على الولد ولاء.
المسألة الثانية: أن تكون حبلت بعد الوصية قبل الوفاة، فتأتي به لستة أشهر
فأكثر من حين الوفاة، ولأقل من ستة أشهر من حين القبول، فإنها تبنى على أن
الحمل هل له حكم أم لا؟
فمن قال: له حكم، قال: الولد يكون مملوكا للموصي، وينتقل إلى الورثة
بوفاته، لأنه نماء في ملكه، فهو كما لو أوصى بشجرة فأثمرت قبل وفاته فإن الثمرة
تكون له، ومتى ملك الموصى له الجارية إما بالوفاة أو بشرطين لا تكون أم ولده.
ومن قال: لا حكم له، قال: هذا يبني على أنه متى تنتقل، فإن قيل:
بشرطين، فهي بعد في حكم ملك الميت والنماء لورثته، ويملك الجارية بالقبول،
وينفسخ النكاح، ولا تصير أم ولده، ومن قال: ينتقل إليه بالوفاة، قال: يملكها
بالوفاة وينفسخ النكاح، ويملك الحمل ويعتق عليه، ويكون له عليه الولاء،
والجارية لا تصير أم ولده لأنها علقت بمملوك في ملك الغير.
321

المسألة الثالثة: وهي أن تكون قد حبلت قبل الوصية، مثل أن تأتي به من
حين الوصية لأقل من ستة أشهر، فإنه لا يمكن أن يكون حدث بعد الوصية، فيبنى
على أن الحمل له حكم أم لا؟ فمن قال: له حكم، قال: فكأنه أوصي له بالأمة
وولدها، فمتى ملكهما إما بالموت أو بشرطين يعتق عليه الولد وله عليه الولاء،
ولا تصير أم ولده، ومن قال: ينتقل بشرطين، فقد وضعت وهي في حكم ملك
الميت ويكون الولد لورثته، ومن قال: ينتقل بالوفاة إليه، قال: فيتبين أنه ملكها
بالوفاة، وانفسخ النكاح وعتق عليه الولد ويثبت عليه الولاء، ولا تصير أم ولده.
وأما الفصل الثاني وهو أن يأتي بالولد بعد وفاة الموصي وقبول الوصية، ففيه
أربعة مسائل: إحداها أن تكون حبلت بعد القبول، والثانية أن يكون علقت به بعد
الوفاة قبل القبول، والثالثة أن يكون علقت بعد الوصية قبل الوفاة، والرابعة أن
يكون الحمل موجودا قبل الوصية.
فأما إذا حبلت بعد قبول الوصية فهو أن تأتي به بعد القبول لستة أشهر فأكثر،
فالظاهر أنه حدث بعد القول، لأن الأصل أن لا حمل، وتكون الأمة ملكها بالقبول
أو بالوفاة، وصارت مملوكة له، وقد علقت بحر في ملكه، وصارت أم ولده.
وإن كانت حبلت بعد الوفاة وقبل القبول، وهو أن تأتي به من حين الوفاة
لستة أشهر فأكثر لأقل من ستة أشهر من حين القبول، فهي تبني على أن الملك متى
ينتقل؟ فمن قال: إنه مراعى، فعلى هذا تبين أنه بوفاة الموصي ملك وانفسخ
النكاح وصارت رقيقة له، وعلقت بحر في ملكه، وصارت أم ولده، ولا ولاء له
على الولد. ومن قال: الملك ينتقل بشرطين، فعلى هذا يبني على أن الحمل له
حكم أم لا؟ فمن قال: له حكم، فإنه نماء تميز وهي في حكم ملك الميت فيكون
لورثته، وإذا ملك الأمة بالقبول ينفسخ النكاح ولا تصير أم ولده.
المسألة الثالثة: أن يكون حبلت بعد الوصية قبل الوفاة، وهي أن تأتي به من
حين الوصية لستة أشهر فأكثر من حين الوفاة لدون ستة أشهر، تبنى على أن الحمل
له حكم أم لا؟ فمن قال: له حكم، فهذا حدث في ملك الموصي وينتقل إلى ولده
322

بوفاته. ومن قال: لا حكم له، فعلى هذا يكون الولد للموصى له بكل حال، لأنا إن
قلنا: إنه يملك بالوفاة، فقد مات الموصي، وإن قلنا: يملكه بشرطين، فقد وجد
الشرطان وينعتق عليه، ويكون عليه الولاء ولا تصير أم ولده.
الرابعة: أن تكون حبلت قبل الوصية، وهو أن تأتي به من حين الوصية لأقل
من ستة أشهر، فإن الولد يكون للموصى له بكل حال، لأنا إن قلنا: إن للحمل
حكما، فكأنه أوصي له بهما، وإن قلنا: لا حكم له، فقد تميز في ملكه إلا أنه يعتق
عليه، ويكون له عليه الولاء، ولا تصير أم ولده.
إذا زوج أمته من رجل ثم أوصى له بها ومات الموصي ولزمت الوصية ثم
مات الموصى له قبل قبوله، فإن وارثه يقوم مقامه في قبول الوصية لأن الوصية
من الحقوق المالية وذلك يثبت للوارث كما يثبت للموروث، مثل الشفعة
والقصاص، وفيها خلاف.
فإذا ثبت هذا فتفرض المسألة فيه إذا كان له ابن واحد، فهو بالخيار بين أن
يقبل الوصية أو يردها، فإن رد الوصية فلا تفريع، ويكره له ردها، لأنه ربما يكون
له منها ولد فيعتق عليه بقبوله، وإذا رد الوصية فإنه يرق، فلهذا كره، وإن قبل
الوصية تبنى على انتقال الملك متى يكون إلى الموصى له؟
فمن قال: بشرطين، فالميت لم يملك شيئا لأنه مات قبل القبول، وإنما
ينتقل من الموصي إلى ورثة الموصى له فتصير الجارية رقيقة له، والولد مملوكا
ولا يعتق عليه خلاف المسألة التي قبل هذا، لأن هناك ملك الأب فيعتق الولد
عليه، وهاهنا الأخ ملك أخاه فلهذا لم يعتق عليه، ومن قال: ينتقل إليه بوفاة
الموصي، فإنه يتبين بقبول الورثة أن الملك انتقل إلى الموصى له بوفاة الموصي،
فيكون الحكم فيه كما لو قبل الموصى له ذلك قبل وفاته وقد مضى في المسألة
قبلها.
فأي موضع حكمت هناك أن الولد انعقد حرا وأن الأمة صارت أم ولد
فكذلك هاهنا مثله، وأي موضع حكمت أن الأمة مملوكة وأن الولد انعقد رقيقا
323

وعتق عليه فكذلك هاهنا مثله، إلا أن الولد لا يرث من والده بحال، لأن صحة
الوصية تقف على قبول جميع الورثة لأنه لو أراد بعض الورثة أن يقبل جميع ما
قد أوصى لابنه لم يكن له، فلو جعلنا هذا الولد وارثا لم تصح الوصية إلا بقبوله،
والقبول منه لا يصح قبل حريته، فكان ذلك يؤدى إلى إبطال حريته وحرية
الأمة، وإبطال الوصية، فأسقطنا الإرث حتى حصلت الحرية له ولها.
وإذا أوصى بأمة له لإنسان ثم أتت هذه الأمة بولد مملوك، إما من زنا أو من
زوج شرط عليه ذلك، أو اكتسب مالا أو وهب لها أو وجدت ركازا نظرت:
فإن أتت بذلك قبل وفاة الموصي، فإن ذلك يكون له لأنها مملوكته وهو
نماء ملكه، وإن أتت بذلك بعد وفاة الموصي وقبول الموصى له، فإن ذلك
يكون للموصى له، لأنا قلنا: إنه يملكها بالموت أو بالشرطين فقد ملكها، وهذه
الزيادة في ملكه، فكانت له. وإن أتت بذلك بعد وفاة الموصي قبل قبول
الموصى له، بنيت على القولين في أن الملك متى تنتقل؟ فمن قال: ينتقل
بشرطين، فإن ذلك يكون لورثة الموصي لأنها في حكم ملك الميت، وإن قلنا:
إن الملك ينتقل بالوفاة، فإن ذلك للموصى له، لأنه نماء في ملكه.
إذا أوصى لرجل بشئ ثم إن الموصى له رد الوصية ففيه أربع مسائل:
إحداها: أن يردها قبل وفاة الموصي، فإنه لا حكم لهذا الرد لأنه ما وجب له
شئ حتى يرده كما لو عفا عن الشفعة قبل البيع، فلا يكون له حكم ويكون له
القبول بعد وفاة الموصي.
الثانية أن يردها بعد وفاة الموصي، صح ذلك، وتبين بذلك أن المال
انتقل إلى ورثته.
الثالثة: أن يردها بعد القبول والقبض، فإنه لا يصح الرد، لأن بالقبول تم
عليه ملكه، وبالقبض استقر ملكه، فهو كمن وهب منه وأقبضه إياه، فإنه لا يملك رده.
الرابعة: أن يردها بعد القبول وقبل القبض، فإنه يجوز، وفي الناس من قال:
324

لا يصح الرد لأنه لما قبل ثبت ملكه له إما بالموت أو بالشرطين، وإذا حصل في
ملكه لم يكن له الرد.
والصحيح أن ذلك يصح لأنه وإن كان قد ملكه بالقبول لم يستقر ملكه
عليه ما لم يقبضه، فصح منه الرد كما أن من وقف عليه شئ فإنه متى رد صح
ذلك، وإن كان قد ملك الرقبة والمنفعة أو أحدهما، فإذا أوصى لرجل بشئ ثم
مات الموصي وقال الموصى له: رددت هذه الوصية لفلان - واحد من ورثة
الموصي - فإنه يقال: ما أردت بذلك؟ فإن قال: أردت به أني رددت إلى
جماعتهم لأجل فلان لكرامته وفضله، صح وجازت الوصية إلى جماعتهم، وإن
قال: رددت إلى فلان خاصة، فإنه يكون قد ملكه ورده إلى ذلك الإنسان، فهو
يختص به من بين الورثة.
الأقوى أن يقال: إن الشئ الموصى به ينتقل إلى ملك الموصى له بوفاة
الموصي، وقد قيل إنه بشرطين: بالموت وقبول الموصى له، وقيل أيضا: إنه
يراعى، فإن قيل علم أنه انتقل بالموت إليه، وإن رد علم أنه بالموت ينتقل إلى
الورثة.
وعلى ما قلناه لو أهل هلال شوال وقد مات الموصي، وقد أوصى له بجارية
ولم يقبل الموصى له بعد، لزمه فطرتها، وعلى القولين الآخرين لا تلزمه، وإنما
رجحنا الأول لقوله تعالى: يوصيكم الله... الآية إلى قوله: من بعد وصية يوصى
بها أو دين، فأثبت الميراث بعد الوصية والدين، ولم يقل: بعد وصية وقبول
الموصى له، فوجب أن لا يعتبر ذلك.
إذا أوصى لرجل بثلث ماله نظرت فإن أوصى بثلث ماله مشاعا فإن الموصى
له يستحق ذلك، فيأخذ من كل شئ ثلثه، وإن أوصى له بثلث ماله وعينه في شئ
بعينه، بقدر الثلث، استحق ذلك الشئ بعينه، ولا اعتراض للورثة عليه، لقوله عليه
وآله السلام: إن الله تعالى تصدق عليكم بثلث أموالكم، ولم يفرق.
إذا قال: أوصيت لفلان بثلث هذا العبد، أو بثلث هذه الدار، أو الثوب، ثم
325

مات الموصي، وخرج ثلثا ذلك العبد أو تلك الدار مستحقا فإن الوصية تصح
في الثلث الباقي، إذا خرج من الثلث، وقال قوم: يصح في ثلث ذلك الثلث،
والأول أصح.
الفقراء والمساكين عندنا صنفان، والفقير أسوأ حالا وأشد حاجة، لأن الفقير
من لا يملك شيئا أو له شئ لا يسد خلته، والمسكين من له بلغة من العيش قدر
كفايته.
إذا ثبت ذلك فإذا أوصى رجل لهم بثلث ماله فلا يخلو: إما أن يوصي به
لصنف واحد أو لهما.
فإن أوصى لصنف واحد مثل أن يقول: ثلثي يفرق في الفقراء، أو اصرفوا في
المساكين، فلا خلاف أنه يجوز صرفه إلى الصنفين معا، ويحتاج أن يفرق في
فقراء ومساكين ذلك البلد، ومن جوز نقل الصدقة من بلد إلى بلد جوز هاهنا
مثله.
وإذا ثبت أنه يصرف في فقراء بلده فالمستحب أن يعم الكل، فإن خص
البعض فلا يجوز أن ينقص من ثلاثة، لأنه أقل الجمع، فإن دفع إلى اثنين ضمن
نصيب الثالث، وكم يضمن؟ قيل فيه وجهان: أحدهما يضمن ثلث ذلك، والثاني
يضمن القدر اليسير الذي لو دفع إليه ابتداء أجزأه.
فأما إذا أوصى بثلثه للصنفين مثل أن يقول: ثلث مالي اصرفوا في الفقراء
والمساكين، فإنه يجب صرفه إلى الصنفين معا لأنه ذكرهما معا ويفرق في كل
فقراء ومساكين أهل بلده، فالمستحب أن يعم الكل، فإن خص بعضهم فلا يجوز
أن ينقص من ثلاثة من كل واحد من الصنفين، وإن نقص ضمن كما قلناه، ولو
قال: ضع ثلث مالي حيث يراك الله، أو ضعه في سبيل البر والثواب، فإنه
يصرفه في الفقراء والمساكين، ويستحب أن يصرفوا إلى فقراء آل رسول الله صلى
الله عليه وآله، وفقراء قرابته من النسب.
ويجوز عندي أيضا أن يصرفه في غير ذلك من أبواب البر، لأن الاسم
326

يتناول ذلك أجمع، وذوو القربى أولى، فإن لم يكن فمن بينه وبينه رضاع، فإن لم يكن فالجيران، فإن
لم يكن فسائر الفقراء.
فأما إذا أوصى بثلث ماله في الرقاب، فهم المكاتبون عندنا والعبيد أيضا،
ويصرف إلى مكاتبي أهل بلده، ويستحب أن يعمهم، فإن خص فلا يجوز أن
ينتقص من ثلاثة لأنه أقل الجمع، وإن نقص ضمن على ما مضى بيانه.
وإن أوصى بصرف ثلث ماله في الغارمين، فالغارمون ضربان: ضرب
استدانوا لصلاح ذات البيت، وضرب استدانوا لمصلحة أنفسهم وعيالهم.
فمن كان استدان لصلاح ذات البين مثل أن وجد قتيلا في محلة فتحمل
ديته، وما أشبه ذلك، فإنه يجوز دفع الزكاة إليه، مع الغنى والفقر حتى يقضي ما
عليه.
ومن استدان لصلاح نفسه وعياله يعتبر حاله، فإن كان غنيا فإنه لا يدفع إليه
من الزكاة، وإن كان فقيرا فإن كان أنفقه في طاعة جاز أن يدفع إليه، وإن كان
أنفقه في معصية فما دام مقيما على ذلك فلا يجوز أن يدفع إليه، ومتى تاب منها
فعندنا لا يجوز أيضا دفعه إليه ليقضي ذلك الدين، ومن الناس من أجازه، فكل
موضع قلنا: يجوز دفع الزكاة إليه، جاز دفع الوصية إليه، وكل موضع قلنا:
لا يجوز دفع الزكاة إليه، لم يجز أيضا دفع الوصية إليه.
وأما إن أوصى أن يصرف ثلث ماله في سبيل الله، فسبيل الله هم الغزاة وهم
على ضربين: أحدهما هم المرابطون المترصدون للقتال، فهؤلاء يدفع إليهم من
الزكاة لأنه يصرف إليهم أربعة أخماس الغنيمة، والضرب الثاني هم أصحاب
الصنائع الذين إذا نشطوا غزوا، ثم عادوا إلى حرفتهم، فهؤلاء يدفع إليهم من
الزكاة، مع الغنى والفقر وهكذا الوصية، وفي أصحابنا من قال: إن سبيل الله
يدخل فيه مصالح المسلمين كلها ويدخل فيه الحج وغيره.
وإذا أوصى بثلث ماله في أبناء السبيل، فأبناء السبيل ضربان: أحدهما
المجتازون، والثاني هو المنشئ للسفر من عندنا، فمن كان مجتازا فإنه يجوز دفع
327

الزكاة إليه عند الحاجة، وإن كان غنيا في بلده، من أنشأ السفر من عندنا فإنه لا
يجوز دفع الزكاة إليه إلا مع الفقر.
فإذا أوصى بثلث ماله في أبناء السبيل ينبغي أن يدفع إلى من يجوز دفع
الزكاة إليه.
إذا ثبت هذا فمن أوصى بثلث ماله للأصناف الستة فإنه يجب صرف ذلك
إلى جماعتهم إلى كل صنف سدسه، وإن كان بعض الأصناف أكثر من بعض
فالمستحب أن يعم كل صنف، فإن اقتصر على بعض في كل صنف جاز، ولا
ينقصون من الثلاثة، ويجوز أن يفضل بعضهم على بعض في كل صنف إلا أنه إن
نقص من الثلث، يضمن نصيبه وكم يضمن؟ على ما مضى.
إذا أوصى لرجل بشئ فإنما يصح القبول منه والرد بعد وفاة الموصي، فإن
قبل أو رد قبل وفاته لم يتعلق بذلك حكم، وكان له أن يقبل بعد وفاته، لأن
حال وجوب الوصية ولزومها بعد الوفاة، فإذا قبل أو رد قبل الوفاة فقد قبل أو رد
قبل أن وجبت له، فلم يتعلق به حكم مثل من عفا عن الشفعة قبل انعقاد العقد من
البيع.
وأما إذا وهب منه شيئا في مرضه المخوف فإنه يحتاج أن يقبل ذلك في
الحال لأن من شرط انعقادها القبول في الحال كالبيع.
وأما إذا أوصى إلى رجل بالنظر في مال أطفاله أو بتفرقة ثلث ماله، فإنه
يصح قبوله أيضا في الحال، ويجوز أيضا تأخير القبول كما لو وكله ببيع عبده
على أن يبيعه بعد شهر أو سنة صح ذلك، لأنه نجز له عقدا في الحال، ويفارق
الوصية لأن هناك تمليكا بعد الوفاة، فافتقر إلى القبول في ذلك الوقت، وهذا
عقد منجز في حال الحياة يصح قبوله في الحال.
إذا ثبت هذا فإذا قبل الوصية كان له ردها متى شاء قبل وفاة الموصي،
وليس له ردها بعد وفاته، وفي الناس من قال: له ردها في الحالين.
إذا أوصى لرجل بأبيه، فالمستحب له أن يقبل تلك الوصية لأنه يؤدى إلى
328

إعتاق أبيه، أو إن ردها فلم يقبلها لم يجبر على قبولها.
فإذا ثبت ذلك، فإن رد الوصية فلا كلام، وإن قبلها فلا يخلو أن يقبلها في
حال صحته أو مرضه، فإن قبلها في حال صحته ملكه وعتق عليه ولا كلام، وإن
قبل في حال مرضه نظرت، فإن برأ من ذلك المرض عتق من أصل ماله أيضا
ولا تفريع، وإن مات من ذلك المرض، فهل يعتق عليه من أصل ماله أو من ثلثه؟
قال قوم: يعتق من الثلث، وقال آخرون: من رأس المال، لأنه إنما يعتبر من الثلث
ما يخرجه من ملكه، وهاهنا لم يخرج من ملكه شيئا وإنما قبل وصيته.
وهذا أقوى إذا قلنا: أن عتق المريض من ثلثه، وإن قلنا: من أصل المال، فلا
كلام، وإذا اعتبرناه من رأس المال انعتق وورثه لأنه حين وفاته حر، وعلى قول
من اعتبره من الثلث إن لم يكن له مال سواه لم ينعتق منه إلا قدر الثلث، والباقي
لورثته، وإن كان ثلثه يحتمل كله عتق عليه، إلا أنه لا يرثه لأن عتقه كالوصية له،
عند من قال به فلهذا اعتبره من الثلث، ولو قلنا: إنه يرثه، لم يصح له
الوصية لأن الوصية لا تصح لوارث عندهم، فكان يؤدي إلى أن لا ينعتق، وإذا لم ينعتق لم
يرث أيضا، وكل ما جر ثبوته إلى سقوطه عنه، لم يثبت حتى لا يؤدي إلى إسقاط
غيره.
إذا كان معه ثلاثمائة دينار، فتصدق بمائة دينار في مرضه المخوف، ثم
اشترى أباه بمائة دينار، هل يصح ابتياعه أم لا؟ قيل: فيه وجهان بناء على
الأصلين من أن عتقه يعتبر من الثلث أو من أصل المال؟ أحدهما: لا يصح لأنه
يقصد به الإضرار بورثته، لأنه ربما يكون وارثه ابنه، ومتى ملك جده عتق عليه،
فوجب أن لا يصح شراؤه، والوجه الثاني: أنه يصح لأنه ابتياع بعوض فهو
كابتياع غير الأب.
فإذا ثبت هذا فمن قال: ابتياعه لا يصح، فلا كلام، ومن قال: يصح، فإنه
لا يعتق على الوجهين معا عليه، لأنه على قول من اعتبر من الثلث فهاهنا تصرف في
ثلثه، وعلى قول من اعتبر من رأس المال إنما يعتبر من الأصل إذا لم يخرج في
329

مقابلته شيئا، وهاهنا قد وزن مالا في مقابلته، فإذا مات نظرت، فإن كان وارثه ابنا
أو أبا، عتق عليه لأنه ملك جده، وإن كان وارثه من لا يعتق عليه، مثل أن يكون
عمه أو ابن عمه لم يعتق لأن عندنا الأخ لا ينعتق على أخيه، ولا العم على العم،
ومن قال من أصحابنا: إن تصرفه في مرضه لا يعتبر من الثلث، ينبغي أن يقول: إن
الشراء صحيح وينعتق عليه في الحال.
إذا أوصى لرجل بداره صحت الوصية، إذا ثبت هذا فإن مات الموصي
والدار بحالها فإنه يستحق ذلك الدار بجميع حقوقها، وما كان متصلا بها دون
مالا يتصل به، كما قلناه في البيع، وإن خربت الدار وانهدمت فلا يخلو أن
يتشعث قبل الوفاة أو بعد وفاته.
فإن خربت وتشعثت بعد وفاته، فإن الموصى له يستحقها وما قد انفصل
منها من الخشب والآلة، وإن كان اسم الدار لا يقع عليها في هذه الحال.
وإن تشعثت قبل الوفاة نظرت، فإن كان انهدمت ولم يسقط اسم الدار عنها
صحت الوصية فيما بقي دون ما قد انفصل، لأن الاعتبار في الوصية بما يقع عليه
الاسم حين لزوم الوصية، وما قد انفصل لا يقع عليه اسم الدار حين لزومها، وإن
كان انهدمت وصار براحا بطلت الوصية، لأن الاسم لا يقع عليها حين لزوم
الوصية، فهو كما لو أوصى بطعام ثم طحنه قبل وفاته، فإنه لا يستحق ذلك، لأن
الاسم قد زال عنه بالطحن قبل لزوم الوصية.
نكاح المريض إن دخل بها صحيح وترث، ويجب لها المهر والميراث وإن
لم يدخل بها بطل النكاح وفيه خلاف.
إذا أعتق الرجل أمته في حال مرضه المخوف وتزوج بها صح التزويج إذا
دخل بها وترثه، وقال قوم: يصح التزويج ولا ترث، لأنها حرة حال التزويج إلا
أنها لا ترثه إذا مات لأن العتق في المرض يعتبر من الثلث كالوصية سواء، ولو
أثبت الميراث لم يصح لها الوصية، وإذا لم تصح لها الوصية، لم تعتق، ولا
يصح التزويج، ولا تستحق الميراث، وفي إثبات الميراث لها إبطال العتق
330

والتزويج والإرث، فأبطلنا الإرث حتى يصح العتق والتزويج.
إذا كان لرجل مائتا دينار وأمة تساوي مائة دينار، فأعتقها في حال مرضه
وتزوجها وأصدقها مائة دينار ثم مات، فإن النكاح جائز لكنها لا ترث، ولا
تستحق الصداق لأن عتق المريض يعتبر من الثلث، ولو أثبتنا لها الصداق، لم
يبق هناك ثلث ينفذ عتقها فيه، وإذا لم تعتق لم يصح النكاح ولا الصداق
فأبطلنا الصداق حتى يصح العتق والتزويج، ومن قال: لا يعتبر تصرفه من الثلث،
ينبغي أن يقول: إن العتق صحيح، والتزويج صحيح، وتستحق المهر إن دخل
بها، وإن لم يدخل بها كان النكاح باطلا.
إذا مات الرجل وعليه حجة واحدة إما حجة الإسلام أو حجة منذورة، فإن
خلف تركة فإنه يتعلق بها ويجب على الورثة قضاؤها عنه، وإن لم يخلف مالا
وتطوع الوارث بالحج عنه جاز ذلك ويسقط الفرض عنه، وأما حجة التطوع
فإن لم يوص بها فلا يصح أن يحج عنه وإن فعله عنه كان الثواب للفاعل، وإن
أوصى به فهل يصح أن يحج أم لا؟ قيل: فيه قولان أصحهما أنه يصح وأما إذا
كان عليه دين صحيحا كان أو مغصوبا فقضي عنه بعد وفاته صح ذلك ويسقط
عن ذمته، وإذا تصدق عن ميت صدقة تطوع صح ذلك ويلحقه ثوابها، وإذا دعا
لميت صح ذلك وعند قوم يناله ثوابه.
إذا قال الرجل: أوصيت بثلث مالي لزيد وللمساكين، قيل فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أن زيدا كأحدهم إن عم المساكين، فإنه يدفع إليه مثل ما يدفع إلى
واحد منهم، وإن خص المساكين كأنه أعطى منهم إلى ثلاثة جعله كواحد منهم
فيعطيه ربعه، ويكون فائدة تخصيصه بالذكر أنه لا يجوز الإخلال به ويجوز
الإخلال ببعض المساكين، والثاني أنه يجوز الدفع إليه مع الغنى والفقر وإن لم
يجز دفعه إلى غيره مع الغنى.
والوجه الثاني: إنه يستحق نصفه، لأنه جعله جزءا على حدة، فاقتضى أن
يكون بينهما، كما لو أوصى لزيد وعمرو بثلث ماله يكون بينهما نصفين، وهذا هو
331

الأقوى.
والوجه الثالث: إنه يستحق الربع لأن أقل ما يقع عليه اسم المساكين ثلاثة
فيكون هذا رابعهم، وهذا أيضا قوي.
فأما إذا أوصى بثلث ماله لعمرو وزيد، ثم إن زيدا لم يقبل الوصية، فإنها
تعود إلى الورثة ولا يستحق عمرو أكثر من نصف الثلث، لأنه إذا أوصى لهما
بالثلث فكأنه أوصى لكل واحد منهما بنصف الثلث على الانفراد، فإذا رد أحدهما
نصيبه رجع إلى ورثته.
إذا أوصى فقال: أعطوا ثلث مالي لقرابتي ولأقربائي ولذوي رحمي، فالحكم
في الكل واحد، فقال قوم: إن هذه الوصية للمعروفين من أقاربه في العرف،
فيدخل فيه كل من يعرف في العادة أنه من قرابته سواء كان وارثا أو غير وارث
وهو الذي يقوى في نفسي.
وقال قوم: إنه يدخل فيه كل ذي رحم محرم، فأما من ليس بمحرم له فإنه
لا يدخل فيه وإن كان له رحم مثل بني الأعمام وغيرهم، وقال قوم: إنها للوارث
من الأقارب، فأما من ليس بوارث فإنه لا يدخل فيه، والأول أقوى لأن العرف
يشهد به.
وينبغي أن يصرف في جميعهم، ومن وافقنا على ذلك قال: يصرف في
جميعهم إلا الوارث فإن أجازته الورثة صرف إليهم أيضا ويكون الذكر والأنثى فيه
سواء، وفي أصحابنا من قال: إنه يصرف ذلك إلى آخر أب وأم له في الإسلام،
ولم أجد به نصا ولا عليه دليلا مستخرجا ولا به شاهدا.
إذا قال: أعطوا ثلث مالي أقرب الناس إلي أو إلى أقرب أقربائي أو إلى أقربهم
بي رحما نظرت، فإن لم يكن له والد ولا أم فإن أقرب الناس إليه ولده ذكرا كان
أو أنثى، ثم ولد ولده وإن سفل، سواء كان وارثا أو غير وارث، مثل أولاد البنات
عند المخالف حتى إن كان هناك بنت بنت وابن ابن كانت الوصية لبنت البنت
لأنها أقرب الناس إليه، فإن لم يكن له ولد وهناك والد فهو أحق بها لأنه أقرب
332

الناس إلى ولده.
وإن اجتمع الوالد والولد قيل فيه وجهان: أحدهما أن الولد أولى وأقرب إليه
لأنه بعض منه والوالد ليس ببعض منه، والثاني أنهما سواء وهو الأولى لأن كل
واحد منهما يدلي بنفسه وليس بينهما واسطة.
فعلى هذا يكون الأب أولى من ابن الابن، فإن لم يكن والد ولا ولد فالجد
أولى مع عدم الإخوة لأنه أقرب إليه.
وإن لم يكن جد لكن له أخ فالأخ أحق به لأنه أقرب، ثم يكون الأخ للأب
والأم أولى من الأخ للأب أو للأم لأنه يدلي بسببين، والأخ للأب والأخ للأم
واحد لأن كل واحد منهما مثل الآخر في القرابة، والأخ للأب أولى من ابن الأخ
للأب والأم فمتى تساويا في الدرجة كان من يدلي إليه بأبيه وأمه أولى، وإن اختلفا
في الدرجة كان الأقرب أولى.
إذا اجتمع الأخ والجد كانا متساويين، وفيهم من قال: الأخ أولى، فعلى
هذا يكون ابن الأخ أولى من الجد، وعلى ما يقتضيه مذهبنا ابن الأخ مثل الجد
كما نقول في الميراث، وفي الناس من قال: الجد أولى من ابن الأخ، فإذا لم يكن
جد ولا إخوة فالأعمام ثم بنو الأعمام فعلى هذا فمتى تساووا في الدرجة فولد الأب
والأم أولى، ومتى اختلفوا في الدرجة فالأقرب أولى، هذا كله بلا خلاف.
إذا أوصى بثلث ماله لجماعة من أقربائه فقد أوصى لثلاثة أنفس من أقربائه
فينظر، فإن كان هناك ثلاثة في درجة واحدة، مثل ثلاث بنين أو ثلاث بنات أو
ثلاثة إخوة، صرف ذلك إليهم، وإن كان في الدرجة الأولة اثنان وفي الثانية
واحدة، مثل ابنتين وابن ابن دفع إلى الأولتين ثلثا الثلث، وإلى من في الدرجة
الثانية الثلث من ذلك، وإن كان واحد في الدرجة الأولى واثنان في الدرجة
الثانية دفع إلى الأول الثلث من ذلك وإلى من في الدرجة الثانية ثلثا الثلث، لأنه
أوصى لجماعة فلا يعطي ذلك بعضهم.
كل من يتناوله الاسم فإن الوصية له صحيحة، سواء كان وارثا أو لم يكن،
333

وعند المخالفين: إن كان وارثا لم يصح وإن لم يكن وارثا صحت له الوصية.
وإذا أوصى لجيرانه فإنه يفرق على من بينه وبينه أربعون ذراعا وقد روي:
أربعون دارا، وفيه خلاف.
الوصية لأهل الذمة جائزة بلا خلاف، وفي أصحابنا من قيد ذلك إذا كانوا
من أقاربه، وأما الوصية للحربي فعندنا أنها لا تصح، وفيهم من قال: تصح.
القاتل تصح له الوصية وفيه خلاف.
إذا أوصى لرجل بثلث ماله ثم أوصى لآخر بثلث ماله فهاتان وصيتان بثلثي
ماله، وهكذا إذا أوصى بعبد بعينه لرجل ثم أوصى لرجل آخر بذلك العبد بعينه
فهما وصيتان، وتكون الثانية رجوعا عن الأولى، وفيهم من قال: لا تكون رجوعا،
وفيه خلاف.
فمن قال: ليس برجوع، قال: ينظر فإن أجازت الورثة يكون لكل واحد
منهما ثلث ماله، وكذلك يقول من قال: هو رجوع، وإن لم يجيزوه قالوا: المال
بينهما نصفين.
وإن أوصى بعبد بعينه ثم أوصى بذلك العبد لآخر نظرت، فإن أجازت
الورثة يكون العبد بينهما نصفين، وإن لم تجزه نظرت: فإن كان قيمة العبد قدر
الثلث فإنه يكون بينهما ولا يحتاج إلى إجازة الورثة، وإن كان قيمة العبد أزيد من
قدر الثلث فللوارث أن يمنع الزيادة على الثلث، وأما الثلث فلا ويكون الثلث
بينهما نصفين.
هذا إذا قبلا جميعا الوصية وإن رد أحدهما وقبل الآخر فإن جميع الثلث لمن
قبل، لأنه قد أوصى لكل واحد منهما بجميع الثلث.
وعلى ما قلناه من أن في الثاني رجوعا عن الأول ينظر، فإن رجع الأول فلا
تأثير لرجوعه لأن الوصية له قد بطلت بالوصية للثاني، وإن رجع الثاني ولم يقبلها
رجع المال إلى الورثة لأن الوصية للأول كان قد بطلت بالوصية للثاني.
وإذا أوصى بعبد ثم باعه أو أعتقه أو وهبه وأقبضه، فإن هذا يكون رجوعا بلا
334

خلاف، وإن أوصى بأن يباع أو يعتق فإنه يكون أيضا رجوعا بلا خلاف، ولو
1 أوصى ثم عرض على البيع وسلم إلى البيع أو هبة ولم يقبضه، قال قوم: يكون
ذلك رجوعا لأن العرض على البيع سبب إزالة المال والبيع فكأنه بين العرض
في الرجوع عن الوصية، ولو أوصى ثم رهنه فإنه كالبيع لأن المقصود من الرهن
أنه إذا حل الأجل وعجز الراهن فإنه يباع في حق المرتهن، ومعلوم أنه لو باع
كان رجوعا كذلك إذا رهنه.
إذا أوصى بطعام ثم طحنه أو أوصى بدقيق فعجنه أو بعجين فخبزه، يكون
كل ذلك رجوعا عن الوصية لأن الاسم قد زال، وكذلك من أوصى بطعام
فجعله سويقا كان ذلك رجوعا عنها لمثل ذلك، وإن كان أوصى بخبز فدقه
وجعله فتيتا فلا يكون رجوعا لأن الاسم لم يزل عنه، وهو الصحيح، وفي الناس
من قال: يكون رجوعا لأنه انتقل إلى اسم أخص.
ولو أوصى له بقفيز حنطة بعينها، ثم خلطه بطعام مثله أو دون أو أجود منه
فإن الوصية تبطل لأن الموصى به لا يمكن تسليمها إليه كما أوصى له به، وإن
أوصى له بقفيز طعام مشاعا ثم خلطه بغيره بمثله أو بدونه فالوصية صحيحة، وإن
خلطه بأجود منه بطلت الوصية لأنه لا يقدر على تسليم الموصى به إلا زائدا، فإذا
كان زائدا فلا تصح الوصية.
العطايا على ضربين: مؤخرة ومنجزة.
فالمؤخرة مثل أن يوصي أن يتصدق عنه أو يحج عنه حجة التطوع، أو
يباع بيع محاباة، فهذا كله صحيح، سواء كان في حال صحته أو حال مرضه،
سواء أوصى به دفعة واحدة أو دفعة بعد أخرى، لأن حال الاستحقاق واحدة،
وهي بعد الموت ويعتد ذلك من الثلث بلا خلاف.
والعطية المنجزة هي ما يدفعه بنفسه، مثل أن يعتق أو يحابي أن يتصدق أو
يهب ويقبض، ولا تخلو هذه من أحد أمرين: إما أن يكون في حال صحته أو حال
مرضه، فإن كان في حال صحته، فإن ذلك يصح، ويعتبر ذلك من رأس المال،
335

وإن فعله في حال مرضه، فالأمراض على ضروب ثلاثة: مرض لا يتعلق به حكم،
ومرض يكون معه كلام ولا يكون لكلامه معنى، ومرض معه كلام وله حكم.
فأما المرض الذي لا يتعلق به حكم مثل الصداع والرمد وحمى خفيفة، فإن
هذا كله لا يتعلق به حكم لأنه لا يخاف منه التلف، وإن أعطي فيه يكون من رأس
المال وهكذا المسلول والمفلوج لأنه لا يتعجل موته، ويبقى زمانا كثيرا.
الضرب الثاني: من المرض، وهو إذا عاين الموت وشخص بصره واحمرت
وجنتاه أو شق جوفه وبانت حشوته أو وسط أو رفع في ماء قاهر ولا يحسن
السباحة، فإنه لا حكم لكلامه، لأنه بحكم الأموات، بدلالة أنه لو قتل لما وجب
على قاتله القود لأنه لا تصح منه الشهادة، وحركته حركة المذبوح.
الضرب الثالث من المرض: إذا كان معه كلام ولكلامه حكم، وتصح منه
الوصية ويكون من الثلث، هذا إذا فعل في حق غيره فإنه يعتبر من الثلث، فأما ما
ينفق على نفسه من الملاذ والشهوات مثل التسري وغيره وشراء الأدوية فإنه يعتبر
كله من رأس المال وهذه الوصية تلزم في حقه، فإن برئ ولم يمت فإنها تعتبر من
رأس المال وإن مات فإنه يعتبر من الثلث.
المرض المخوف على ضروب: منها الحمى وهو على ضربين: لازمة وغير
لازمة.
فاللازمة التي تدوم وتكون مطبقة، ونظرت، فإن كان حمى يوم أو يومين،
فلا يكون مخوفا حتى إذا مات منها في يوم أو يومين تعتبر وصاياه من رأس المال،
وإن زاد على يومين وثلاثة فيكون ذلك مخوفا.
والضرب الثاني حمى غير لازمة، مثل الغب والربع فإن هذا لا يكون مخوفا
اللهم إلا أن يكون معها وجع آخر، مثل السرسام وذات الجنب والرعاف الدائم
والقروح التي تكون في الصدر والقولنج فإنه يكون مخوفا، فإنه متى انضاف إلى
حمى يوم أو ربع شئ من ذلك كان مرضا مخوفا.
وإما إذا كان به قيام وإسهال فهو على ضربين: إسهال يحرق بطنه وإسهال
336

لا يحرق بطنه، فالذي يحرق بطنه هو الذي لا يقدر على إمساكه، ولم يكن له قوة
ممسكة فإن ذلك يكون مثل الميت، وإن كان إسهالا لا يحرق بطنه، وهو أن
يكون قادرا على إمساكه، فإن هذا مثل حمى يوم أو يومين، فإن كان يوما أو
يومين فلا يكون مخوفا وإن زاد على ذلك كان مخوفا.
وأما إذا كان به زحير وانقطاع فإنهما مخوفان، فإن الزحير [ما] لا يخرج إلا
بعد شدة شديدة، والانقطاع ما يخرج بعد شدة شديدة قليلا قليلا ويخرج بعد
شدة أخرى قليلا آخر.
والأمراض على ثلاثة أضرب:
ضرب يشترك فيه الخاص والعام بأنه مخوف، مثل الرعاف الدائم
والبرسام، فعطاياه تكون من الثلث.
والضرب الثاني يجتمع فيه الخاص والعام بأنه غير مخوف، مثل الرمد و
الصداع ووجع الضرس، فإن هذا لا يكون مخوفا وعطاياه تعتبر من رأس
المال.
الضرب الثالث مرض مشكل لا يعرفه إلا الخواص، فإنه يرجع فيه إلى أهل
الخبرة من الطب ويرجع في ذلك إلى المسلمين من الطب دون أهل الذمة لأن
أهل الذمة وصفهم الله بالكذب والخيانة والتحريف، ويعتبر في هذا العدالة مثل
الشهادة، ويكون شاهدان عدلان يعتبر فيه العدد مثل الشهادة سواء.
مثاورة الدم على ضربين: دم يأخذ جميع البدن وهو الطاعون، فإذا أخذ
جميع البدن واحمر، فإنه يكون مخوفا لأنه ربما تجف البرودة الغريزية فيموت
منه، والضرب الثاني إذا أنصب الدم إلى موضع واحد ويحمر ويرم، فيكون مخوفا
سواء تغير منه العقل أو لم يتغير.
ومن كان به بلغم نظرت: فإن كان ابتداء البلغم مثل أن يتمكن في النفس
فإنه يكون مخوفا لأنه ربما يطفئ الحرارة الغريزية فيموت منه، وأما إن استمر
واستقر وصار فالجا فلا يكون مخوفا، وإن مات منه فلا يكون عاجلا.
337

وأما الجراح فعلى ضربين: ضرب ينفذ وضرب لا ينفذ، فأما ما ينفذ إلى
الجوف فعلى ضربين: أحدهما ينفذ إلى جوفه والآخر ينفذ إلى دماغه فجميعا
مخوفان وأما إذا لم يكن نافذا إلى جوفه ويكون جراحة بالخشب والمثقل نظرت،
فإن لم يأتكل ويرم فغير مخوف وإن ورم فإنه يكون مخوفا.
إذا التحم الحرب سواء كان بين المشركين أو بين المسلمين، فإن الحكم فيه
واحد ينظر، فإن كان الحرب قبل التحام القتال والحرب فإنه لا يكون مخوفا وإن
كان يرمي بعضهم بعضا، وإذا كان التحام الحرب قال قوم: يكون مخوفا، وقيل:
إنه لا يكون مخوفا، والأول أصح، ويقوى عندي أن الثاني أصح.
وأما الأسير إن كان في أيدي مشركين وهم معروفون بالإحسان إلى
الأسارى مثل الروم، فإن هذا لا يكون مخوفا، وإن كان في أيدي مشركين يقتلون
الأسارى، قيل فيه قولان: أحدهما يكون مخوفا فإنه يخاف تلف النفس، والثاني
لا يكون مخوفا لأنه لا يصيب البدن، فالمخوف ما يصيب البدن.
وإذا غلب الموج وحصل في جب البحر قيل أيضا قولان مثل الأسير.
وإذا قدم من عليه القصاص فإنه غير مخوف، وفيهم من قال: يكون مخوفا.
إذا ضرب الحامل الطلق فيها ثلاثة أحوال: حال قبل الطلق، وحال مع الطلق، وحال بعد
الطلق، فما قبل الطلق لا يكون مخوفا، وما يكون حال الطلق يكون مخوفا، وقال بعضهم: لا
يكون مخوفا، وما يكون بعده، فإن لم يكن معه دم
ولا ألم فلا يكون مخوفا، وإن كان معه دم وألم يكون مخوفا.
وأما السقط فإن كان قد تخلق فإنه يكون مخوفا لأنه لا يسقط إلا لألم، وإن
كان لم يتخلق وكان مضغة أو علقة فلا يكون مخوفا.
قد ذكرنا أن العطية على ضربين: منجزة ومؤخرة، فالمؤخرة أن يعتق عبدا
يوصى به أو يوصى بمحاباة أو بصدقة فإنها تلزم بالموت، والمنجزة إذا أعتق أو
باع وحابى أو وهب وأقبض هو بنفسه، فإن هذا كله عطية منجزة، ثم ينظر، فإن
أعطى في حال صحة أو مرض غير مخوف فإنه يعتبر من رأس المال، وإن كان
338

في مرض مخوف فإنه يعتبر ذلك من الثلث، ولأصحابنا فيه روايتان: إحديهما أنه
يكون من رأس المال، والثانية من الثلث.
فإذا أعطى في مرضه المخوف فلا يخلو من أحد أمرين: إما أن يكون من
جنس واحد أو من أجناس مختلفة، فإن كان من جنس واحد فلا يخلو: إما أن
يكون قد فعله دفعة واحدة أو فعله شيئا بعد شئ.
فإن كان شيئا بعد شئ مثل أن يكون أعتق ثم أعتق أو حابى ثم حابى فإنه
يقدم الأسبق فالأسبق بلا خلاف، لأن المريض إذا أعتق أو حابى يلزم في حقه
ويلزم في حق الورثة من الثلث، فالأول لازم في حقهما والمتأخر لازم في حق
أحدهما وهو حق نفسه، فتقديم ما هو لازم في حقهما أولى من تقديم ما هو لازم في
حق أحدهما، والثاني أنهما عطيتان منجزتان ولأحدهما التقدم وجب أن يقدم
لحق سبقه وتقدمه.
فأما إن كان دفعة واحدة مثل أن يكون أعتق أعبدا أو باع وحابى الجماعة
أو وهب لجماعة وأقبضه إياهم نظرت، فإن أعتق نظرت: فإن خرجوا من الثلث
عتقوا، وإن لم يخرجوا من الثلث أقرع بينهم حتى يستوفى الثلث، وإن كان محاباة
وهبة فإنه يقسط بينهم.
وأما إن كان من أجناس فلا يخلو أن يكون فعله دفعة واحدة أو فعله شيئا
بعد شئ، فإن كان فعله شيئا بعد شئ نظرت، فإن حابى ثم أعتق فإن المحاباة
تقدم على العتق، وإن أعتق ثم حابى كان مثل ذلك يقدم الأسبق فالأسبق وقال
قوم: يسوى بينهما من العتق والمحاباة.
فأما إذا كان دفعة واحدة فهو مثل الوصايا، والكلام عليه يأتي فيما بعد،
وفرع على هذا ست مسائل:
أولاها: إذا كان له عبدان سالم وغانم، قال لسالم: متى أعتقت غانما فأنت
حر، فقد جعل عتق غانم صفة لسالم، ثم أعتق غانما في مرضه، نظرت، فإن كانا
قد خرجا من الثلث، فقد عتقا: عتق الغانم بالمباشرة، وعتق السالم بالصفة، وإن
339

لم يخرجا من الثلث عتق غانم، ولم يعتق سالم، وعندنا أنه يعتق غانم بالمباشرة،
وسالم لا يعتق على كل حال لأن العتق بصفة لا يصح عندنا.
والمسألة الثانية: قال لسالم: إذا أعتقت غانما فإن حر حين إعتاقي غانما، فقد
علق عتقهما بحال واحد، ثم أعتق غانما في مرضه نظرت، فإن خرجا من الثلث
عتقا لما تقدم، وإن لم يخرجا من الثلث عتق غانم، ولم يعتق سالم، وعلى مذهبنا
مثل الأولى سواء، يعتق غانم بالمباشرة، ولا يعتق سالم بالصفة.
الثالثة: إذا كان له ثلاثة أعبد غانم وسالم وفائق، فقال لسالم وفائق: متى
أعتقت غانما، فأنتما حران، فقد جعل عتق غانم صفة لهما، ثم أعتق غانما في
مرضه نظرت، فإن خرجوا من الثلث عتقوا كلهم: غانم بالمباشرة وسالم وفائق
بالصفة، وإن لم يخرجوا من الثلث عتق غانم، ثم نظرت، فإن لم يبق من الثلث لم
يعتق سالم، ولا فائق، وإن بقي من الثلث شئ أقرع بينهما، وعلى مذهبنا مثل ما
قدمناه سواء.
المسألة الرابعة: المسألة بحالها قال لسالم وفائق: متى أعتقت غانما فأنتما
حران حين إعتاقي غانما، فقد علق إعتاقهم بحالة واحدة، ثم أعتق غانما في مرضه
نظرت، فإن خرجوا من الثلث عتقوا، وإن لم يخرجوا من الثلث عتق غانم من
الثلث، ثم ينظر إن لم يبق من الثلث شئ فلا يعتق أحدهما، وإن بقي من الثلث شئ
أقرع بينهما، وعندنا أن هذه مثل الأول سواء.
المسألة الخامسة: إذا قال لعبده سالم: متى تزوجت فأنت حر، فقد جعل
التزويج صفة لعتق سالم، ثم تزوج في مرضه، فإن كان أصدقها صداق مثلها،
فإن مهرها يلزم من رأس المال، ويعتق سالم من الثلث، وإن أصدقها أكثر من مهر
مثلها فقدر مهر مثلها من رأس المال، والزيادة على ذلك يكون من الثلث إن
كانت هي غير وارثة تستحق هي من الثلث، لأن تلك الزيادة وصية ولا وصية
لوارث، ثم نظرت: فإن خرجا من الثلث الزيادة وعتق سالم فإنه يعتق سالم، وإن
لم يخرجا من الثلث تدفع الزيادة إلى المرأة ولا يعتق سالم، وعندنا أن تزويجه إذا
340

كان صحيحا بأن يدخل بها فلها المهر وسالم لا ينعتق بحال، لأنه عتق بصفة وقد
بينا أن ذلك لا يجوز.
المسألة السادسة: المسألة بحالها، فقال: يا سالم متى تزوجت فأنت حر حين
تزويجي، نظرت، فإن أمهرها مهر المثل فإنه يكون ذلك من رأس المال، ويعتق
سالم من الثلث، وإن كان أمهرها أكثر من مهر المثل نظرت، فإن كانت الزيادة
على مهر مثلها وقيمة سالم يخرجان من الثلث، فإنه يعتق سالم، وتدفع تلك
الزيادة إلى المرأة، وإن لم يخرجا من الثلث فتلك الزيادة تقسط بين المرأة وبين
سالم.
وهذه المسائل كلها قد بينا أنها لا تصح على مذهبنا، إلا عتق ما باشره،
وما علقه بصفة لا يصح، فإن كان ما باشره بنفسه يخرج من الثلث أعتقوا، وإلا
ينعتق منه بقدر الثلث.
وأما العطية المؤخرة: إذا أوصى بعتق أو أوصى بمحاباة دفعة واحدة،
نظرت: فإن لم يكن فيه عتق فإنه يسوى بينهم، لأن حال استحقاق وجوبه
واحدة، وهو بعد الموت، فإن خرج كله من الثلث صح الكل، وإن لم يخرج
من الثلث عندنا يقدم الأول فالأول فيدخل النقص على الأخير، وإن اشتبهوا أقرع
بينهم، وعند المخالف يقسط عليهم، وإذا كان فيه العتق والتدبير فعندنا أنه يقدم
العتق، وفيهم من وافقنا على ذلك، وفيهم من لم يقدم، وإذا جمع بينهم وكانت
عطية منجزة ومؤخرة، فإن عندنا يقدم المنجزة، وكذلك عند بعض من خالفنا،
وفيهم من قال: لا يقدم، وإنما قلنا ذلك لأن العطية سابقة فوجب تقديمها ولأنها
لزمت من جهة المعطي، والمؤخرة لم تلزم بعد.
إذا كان له عبدان فقال لأحدهما: إن مت من مرضي هذا فأنت حر، وقال
للآخر: إن مت فأنت حر فهذان تدبيران تدبير مقيد وتدبير مطلق، فإن لم يمت من
ذلك المرض وبرأ بطل التدبير المقيد، وإن مات بعد ذلك لم يعتق ذلك
العبد، وإن مات من ذلك المرض فإن خرجا من الثلث عتقا وإن لم يخرجا من
341

الثلث أقرع بينهما.
ولو أوصى بثلث ماله لأهل بيته قال: تغلب أهل بيته هم الآباء والأجداد وبنو
الآباء وبنو الأجداد، ولا يدخل تحته الأولاد، والصحيح عندنا أن الأولاد يدخلون
فيه.
وإن أوصى بثلثه لذريته قال: تغلب ذريته أولاده وأولاد أولاده، وهذا
صحيح، وإن قال: أعطوا ثلث مالي لعترتي، قال: تغلب، وابن الأعرابي: أن عترته
ذريته: أولاده وأولاد أولاده، وهذا هو الصحيح، وقال القتيبي: أمته هو عترته لقول
أبي بكر: نحن عترة رسول الله صلى الله عليه وآله.
إذا قال: أعطوا ثلث مالي لأولاد فلان، فإنه يدفع إلى أولاده للصلب، ولا
يدفع إلى ولد ولده.
إذا قال: أعطوا ثلث مالي إلى موالي، قيل فيه ثلاثة أوجه: أحدها هذه الوصية
لمولى الأعلى، لأن الإطلاق ينصرف إليه، والوجه الثاني يستويان فيه مولى الأعلى
ومولى الأسفل، لأن الاسم يتناولهما، والوجه الثالث يبطل الوصية، والوجه الثاني
أقرب.
إذا أوصى لرجل بعبد له، وكان له مال غائب أو أوصى بثلث ماله وكان له
مال غائب، فإن هذه الوصية تصح لأنها وصية بثلث ماله، لكن لا يدفع إلى
الموصى له مع صحتها لأن من شرط صحة الوصية أن يحصل للورثة مثلا ما
يحصل للموصى له، وهاهنا ما سلم إلى الورثة شئ فلم يحصل لهم شئ، لكن هل
يسلم إليه ثلث العبد أم لا؟ فيه وجهان:
أحدهما: يسلم إليه ثلثه لأنه قد استحق هذا الثلث، لأنه إن سلم مال الغائب
فإنه يستحق كل العبد، وإن لم يسلم له فالثلث من هذا قد استحقه على كل حال
وهو الأقوى عندي.
والوجه الثاني: لا يدفع إلى الموصى له شئ من العبد لأن من شرط الوصية
أن يبقى للورثة مثلا ما قد حصل للموصى له، وهاهنا ما حصل للورثة شئ ولم
342

يكن للورثة الخيار.
فصل: في ذكر الأوصياء:
لا تصح الوصية إلا إلى من جمع صفات خمسة: البلوغ والعقل والإسلام،
والعدالة والحرية، ومتى اختل شئ منها بطلت الوصية.
وإنما راعينا البلوغ لأن الصبي لا يجوز أن يكون وصيا لقوله عليه السلام:
رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يحتلم، وفي بعضها " حتى يبلغ "، وإذا كان
كذلك لم يكن لكلامه حكم، ومن كان كذلك لا يجوز أن يكون وصيا ولأنه
مولى عليه في نفسه، فلا يجوز أن يكون وليا لغيره.
وراعينا العقل لأن من ليس بعاقل ليس بمكلف ومن لا يكون مكلفا لا يجوز
أن يكون وصيا، لقوله عليه الصلاة والسلام: رفع القلم عن المجنون حتى يفيق.
والإسلام لا بد منه، لأن الكافر فاسق، والمسلم لا يجوز أن يوصي إلى كافر
ولا فاسق لأنهما ليسا من أهل أمانة والوصية أمانة.
فأما إن أوصى كافر إلى مسلم صحت وصيته ووصية الكافر إلى الكافر،
والذمي إلى الذمي، فإن كان غير رشيد في دينه فلا يصح أن يكون وصيا، وإن
كان رشيدا فهل يجب أن يكون أمينا أو لا؟ قيل فيه وجهان: أحدهما يصح،
والآخر لا يصح لأنه فاسق، والفاسق لا يولي الولاية.
ويجب أن يكون عدلا لأن الوصية أمانة ولا يؤتمن إلا العدل.
والحرية شرط، لأن المملوك لا يملك من نفسه التصرف، وفيه خلاف،
وحكم المدبر وأم الولد والمكاتب والذي نصفه حر حكم العبد سواء.
إذا ثبت أن هذه الخمسة أوصاف شرط في صحة الوصية، فمتى تعتبر هذه
الأوصاف؟ قيل فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: حين وفاة الموصي، لأن نظره وتصرفه تثبت بعد الوفاة، فعلى هذا
تصح الوصية إلى عبد ومكاتب ومجنون ومدبر وأم ولد لأنه يجوز أن يكون حال
343

الموت ممن تصح الوصية إليهم، ومنهم من قال: يعتبر في الحالين معا حين
الموت وحين الوصية في الطرفين معا لأن حال الوفاة حال ثبوت التصرف وحال
الوصية حال القبول، فوجب اعتبار الشروط فيهما، وهذا هو الأقوى.
وفي الناس من قال: يعتبر في عموم الأحوال من حين الوصية إلى حين
الوفاة لأن في جميع هذه الأحوال يصح منه القبول والرد، ومن التزم بالأول قال:
لأنه لا يجوز القبول والرد قبل الموت.
وأما المرأة فتصح أن تكون وصيا بلا خلاف إلا من عطاء فإنه لم يجزها.
لوصي إذا تغيرت حاله نظرت، فإن كان تغير حاله بالكبر والمرض فإنه
يضاف إليه أمين آخر، ولا يخرج من يده، لأن الكبر والمرض لا ينافيان الأمانة،
وإن كان تغير حاله بفسق أخرجت الوصية من يده، لأن الفاسق لا يكون أمينا.
وأما الأعمى فهل يحص أن يكون وصيا وأمينا؟ قيل فيه وجهان: أحدهما
لا يصح لأنه ليس له نظر والوصية تفتقر إلى النظر، والثاني تصح لأن شهادة
الأعمى تقبل والعمى لا يمنع من الأمانة.
فأما من يصح أن يوصى عليهم فلا يخلو الورثة: إما أن يكونوا أولادا أو غير
أولاد.
فإن كانوا غير أولاد مثل الأب والجد والعم والأخ وابن العم وابن الأخ فلا
يصح أن يوصي عليهم، ويستنيب من ينوب عنه بالتولية عليهم، إلا في قدر الثلث،
وقضاء الديون سواء كانوا مولى عليهم أو لم يكونوا كذلك، وليس له أن يوصي
إلى من يلي عليهم، لأنه لما لم يملك التولية عليهم في حال الحياة كذلك لا يملك
أن يستنيب من ينوب عنه في حال موته.
وإن كان الورثة أولادا نظرت، فإن كان له أب أو جد فليس له أيضا أو
يوصي إلى من يلي عليهم، إلا في قدر الثلث وقضاء الديون، لأن الأب والجد
لا يليان بتولية، ألا ترى أن الحاكم لا يلي من اليتيم مع وجود الأب والجد، ويلي
عليهم مع عدمهما.
344

وإن لم يكن له أب ولا جد فلا يخلو حال الأولاد من أحد أمرين: إما أن
يكونوا كبارا أو صغارا.
فإن كانوا كبارا فلا يصح أن يوصي إلى من يلي عليهم أيضا، إلا في قدر
الثلث وقضاء الدين، لأنه لا يلي على أولاده الكبار في حال حياته، كذلك لا يملك
أن يستنيب من ينوب عنه بالتولية عليهم، إلا أن يكونوا بالخيار إن شاءوا أجازوا
ليقضي الدين والثلث من غير تركته، وإن شاءوا يدفعون من عند أنفسهم إلا أن
يكون قد أوصى بشئ من ماله بعينه، وعين عليها، فحينئذ ليس لهم الخيار، وفي
هذه الفصول ليس له أو يوصي إلى من يلي عليهم، إلا في قدر الثلث وقضاء الدين.
وإن كان الأولاد صغارا فإنه يصح أن يوصي إلى من يلي عليهم، لأنه يملك
التولية في حال الحياة وكذلك له أن يستنيب من ينوب عنه بعد وفاته.
وأما إن كان بعضهم كبارا وبعضهم صغارا فإنه يصح أن يوصى في حق
الصغار، ولا يصح في حق الكبار.
وإذا أوصى إلى رجلين فلا يخلو حال الموصي من ثلاثة أحوال: أحدها أن
يكون أوصى إليهما وإلى كل واحد منهما، الثاني أوصى إليهما ونهى كل واحد
منهما أن ينفرد بالتصرف، الثالث إذا أطلق فقال: أوصيت إليكما.
فإذا أوصى إليهما وإلى كل واحد منهما، فإنه صحيح، فإن اجتمعا على
التصرف جاز، وإن انفرد أحدهما بالتصرف جاز أيضا، لأنه مأذون في ذلك،
كما لو وكل وكيلين على الاجتماع والانفراد.
فإن تغير حال أحدهما نظرت، فإن كان تغيره بمرض أو كبر فإن الحاكم
يضيف إليه أمينا ليقوي يده، ويكون الوصي كما كان، ويكون هذا الأمين معينا
معه يعاونه في تصرفه، وإن كان تغير حاله بموت أو فسق أو جنون بطل تصرفه،
وليس للحاكم أن يقيم مقامه وصيا آخر لأنه إذا كان للموصي وصي فليس للحاكم
أن ينصب وصيا آخر لأن الموصي قد رضي بتصرف واجتهاد الذي لم يتغير
حاله.
345

الثاني: إذا أوصى إليهما، ونهى كل واحد منهما أن ينفرد بالتصرف، فإن
هاهنا إن اجتمعا على التصرف صح، وإن انفرد أحدهما بالتصرف لم يصح
ذلك، وتصرفه مردود، لأن الموصي لم يرض باختياره وتصرفه وحده، فإن تغير
حال أحدهما فليس للذي بقي ولم يتغير أن يتصرف، وللحاكم أن يقيم مقامه آخر
وينضاف إلى الذي بقي ليتصرفا.
فإن رأى الحاكم أن يفوض النظر والتصرف كله إلى الذي لم يتغير حاله
وحده هل له ذلك أم لا؟ قيل فيه وجهان: أحدهما له ذلك، ويكون وصيا
للموصي وأمينا للحاكم، والوجه الثاني لا يصح لأن الموصي لم يرض باجتهاده
وحده.
فإن تغير حالهما جميعا فإن الحاكم يقيم مقامهما رجلين أمينين، فإن أراد أن
يقيم مقامهما رجلا واحدا فهل له ذلك أم لا؟ قيل فيه وجهان على ما معنى،
وهذان الفصلان لا خلاف فيهما.
الثالث: إذا أطلق فقال: أوصيت إليكما، فإن الحكم في هذا الفصل كالحكم
في الفصل الثاني إذا أوصى إليهما ونهى كل واحد منهما أن يتصرف وينفرد
بتصرفه في جميع الأشياء، قال أبو يوسف: يجوز لكل واحد منهما ذلك.
وإذا تشاح الوصيان وكانت الوصية إلى كل واحد منهما مجتمعا ومنفردا
قسم بينهما التركة قسمة المقارنة، لا قسمة العدل، وضربت السهام وجعل في يدل
كل واحد منهما نصفه، ليتصرف فيه، ولا ينقطع تصرف كل واحد منهما عما في
يد صاحبه.
وأما إذا كانت الوصية مطلقة فلا تجوز القسمة، وكذلك إذا كانت الوصية
تتضمن نهي كل واحد منهما عن الانفراد بالتصرف، وفي الناس من قال: إذا
كانت الوصية مطلقة جاز أن يقسم التركة ويحفظ كل واحد منهما نصيبه تحت
يده وحرزه، ويجتمعا على التصرف ولا ينفرد أحدهما به.
وقد ذكرنا أن الجد أولى بالتولية، فإذا أوصى إلى رجل وكان له أب يعني
346

جد المولى عليه فلا تصح الوصية عندنا، وفيهم من قال: تصح، الوصية إلى
أجنبي مع وجود الجد.
إذا مات الرجل وخلف أطفالا ومعهم الأم فإن لا تلي بنفسها على الأطفال إلا
أن يكون الأب أوصى إليها، وقال بعضهم: لها أن تلي بنفسها.
رجل له أطفال ومعهم الأم فأوصى إلى رجل لينظر في مال الأطفال مع
وجود أمهم قال من أجاز لها التولي بنفسها: إن الوصية باطلة لأنها أولى، وعندنا
أنها صحيحة، لأنا بينا أنه ليس لها ذلك، لأنه لا دلالة عليه.
امرأة لها أطفال فأوصت إلى رجل بالنظر في أموال أطفالها، فمن قال: لها
الولاية بنفسها، قال: وصيتها إلى الأجنبي صحيحة، لأنه تلي بنفسها كما لو أوصى
الأب إلى رجل كذلك هي مثله، وعندنا أن الوصية تبطل، لأنها لا تملك شيئا.
رجل أوصى بجارية لرجل فاتت بولد مملوك إما من زنا أو من زوج شرط
عليه عندنا، وعندهم وإن لم يشرط، فهل ذلك المملوك للموصى له أم لا؟
نظرت، فإن أتت به بعد الوصية وقبل موت الموصي، فإن الولد للموصي، لأنها
أتت به على ملكه، وإن أتت به بعد موت الموصي وبعد القبول، فيكون الولد
والجارية للموصى له، وإن أتت به بعد موت الموصي وقبل القبول، قيل فيه
قولان: مبنيان على القولين، فمن قال: لموصى له يملك بالموت والقبول، فإن
الولد يكون للوارث، ومن قال: إنه مراعى فإن قبل تبينا أنه بالموت ملكه، فإن
الولد يكون للموصى له.
فرع:
على هذا لو أوصى لرجل بجارية ولا مال له غيرها ولم تخرج من الثلث فاستحق
الموصى له ثلث الجارية بالوصية، فإن أتت بولد من زوج أو من زنا من
بعد موت الموصي وقبل القبول بنيت على القولين، فمن قال: إن الموصى له
يملك بالموت والقبول، فإن الولد لورثة الموصي، ومن قال: هو مراعى فإن قبل
347

تبين أنه بالموت ملك، فإن الموصى له يملك من الولد ثلثه كما يملك من الأم
ثلثها لأنه نماؤها، وعلى القولين جميعا إن النماء لا يضم إلى ثلثي الورثة، ويحسب
على الورثة، ليتوفر على الثلث، لأن الموصي مات ولم يخلف النماء على ملكه.
رجل أوصى إلى رجل بجهة من الجهات فليس له أن يتصرف في غير تلك
الجهة، مثل أن يوصي إليه في تفرقة الثلث على المساكين والفقراء، أو يوصي إليها
برد الوديعة فإنه ليس له أن يتصرف في غيره، وفيه خلاف، وإنما قلنا ذلك لأنه
لا دليل عليه في جواز تصرفه في غير ما أسند إليه.
رجل له جارية حبلى فأعتقها في مرضه المخوف فإنها تعتق، ويسري العتق
إلى الحمل، لأنه كالجزء منها، ثم ينظر، فإن خرجت من الثلث عتقت هي وعتق
حملها وإن لم يخرجا من الثلث كأنه لا مال له إلا هي، فإنه يعتق ثلثها ويرق
ثلثاها، ومن الحمل ثلثه يعتق ويرق ثلثاه، وكيف يقوم؟
قال قوم: تقوم الجارية حاملة مع ولدها، وهو الصحيح، لأن الحمل جزء
منها، وقال آخرون: تقوم الجارية حاملة، والولد إذا انفصل، لأنهما شخصان
كالعبدين والأمتين، فعلى هذا يقال: كم كانت قيمة الجارية حين أعتقها حبلى؟
قالوا: مائه، كم كان قيمة الولد منفصلا؟ قالوا: مائة، فيصير مائتين، فإن كان ثلث
ماله مائتين، أعتقا معا وإن كانت ثلثه مائة عتق من كل واحد منهما بحسابه.
وإنما لم تقوم الجارية إذا انفصل الولد لأن الحبل نقص في بنات آدم زيادة
في البهائم وقيمتها حبلى أقل من قيمتها إذا وضعت، فلو قومت بعد الوضع لأضر
بالورثة.
ولا يقرع بين الأمة والولد كما قلنا في العبدين إذا أعتقا ولم يخرجا من
الثلث، لأن العبدين أصلان كل واحد منهما أصل وهاهنا الولد تبع للأم.
وذلك مثل أن تكون جارية بين رجلين، فكاتباها، فوطئ أحدهما وأحبلها
ثم عجزت نفسها، ففسخ الكتابة فإن نصف الجارية هي أم ولد له، ونصف الولد
صارا حرا ونصفه مملوكا، فإن كان معسرا لم يقوم عليه، وإن كان موسرا قوم
348

عليه، وكيف تقوم؟ على القولين: أحدهما تقوم حبلى مع الولد، والثاني تقوم هي
حبلى والولد إذا انفصل.
رجل له جارية حبلى بمملوك فأعتق حملها في مرضه المخوف، ثم أعتقها
هي، نظرت، فإن خرجا من الثلث عتق الحمل لأنه يقدم في العتق الأسبق وتعتق
الأم بعده فيعتقان جميعا، وإن لم يخرجا من الثلث، فإن كان قيمة الولد قدر
الثلث، يعتق الولد وترق الأم، ولا يقرع بينهما، لأن الولد أسبق، ولو كان قيمة
الولد أكثر من الثلث فإنه يعتق منه بقدر الثلث، ويرق الباقي، وإن كان قيمته أقل
من الثلث فيعتق الولد ويعتق من الأم بقدر ما بقي من الثلث.
فإن أتت بولدين توأمين نظرت، فإن خرجوا من الثلث عتقوا كلهم، وإن
خرج الولدان عتقا وترق الأم، وإن لم يخرجا من الثلث أقرع بينهما، لأنها
شخصان وجمع عتقهما كالعبدين سواء.
المسألة بحالها فاتت بثلاثة أولاد، فإن خرجوا من الثلث عتقوا كلهم الأم
والأولاد، وإن خرجوا الأولاد من الثلث عتقوا، ورقت الأم، وإن خرج الولدان من
الثلث أقرع بينهم.
وكيف يقرع؟ على وجهين: أحدهما أنه يكتب ثلاث رقاع، رقعتين
بالحرية وواحدة بالرق، فمن خرجت باسمه رقعة الحرية عتق، والوجه الثاني أنه
يكتب رقعتان إحديهما بالحرية والثاني بالرق، فمن خرج باسمه رقعة الرق رق
صاحبها، ويعتق الآخران، وإن خرجت رقعة الحرية يعتق هذا الذي خرجت له
ويكتب رقعتان أخريان بالحرية والرق فمن خرجت رقعته بالحرية عتق.
جارية له حبلى فقال: متى أعتقت نصف حملك فاتت حرة، فإنه جعل عتق
نصف حملها صفة لعتقها، ثم قال: نصف حملك حر نظرت، فإن خرجا من
الثلث عتق نصف الحمل بالمباشرة وعتقت الأم بالصفة، وعتق النصف الباقي من
الحمل بالسراية، لأن الحمل إذا أعتق نصفه سرى إلى الباقي، فقد حصل عتقهم في
حالة واحدة.
349

فأما إذا لم يخرجا من الثلث ففيه مسألتان:
إحديهما: يقال: كم قيمة الثلث؟ فقالوا: مائة وقيمة الحمل مائة وقيمة الأم
خمسون، فلما عتق نصف الحمل فقد خرج نصف الثلث، بقي من الحمل نصفه
وهو خمسون، فيكون الخمسون بين الحمل وقيمة الأم أقرع بينهما، فإن خرجت
القرعة للحمل عتق الحمل كله ورقت الأم، وإن خرجت القرعة على الأم لم يعتق
كلها لكن يسوي بينهما وبين الحمل، يكون ذلك الخمسون نصف يضاف إلى
الحمل، ويعتق من الأم نصفها خمسة وعشرون فكأنه عتق من الحمل ثلاثة أرباعه
ومن الأم نصفها وهو خمسة وعشرون بالقيمة، لأنه ينبغي أن كل جزء يعتق من
الأم ينعتق من الحمل مثله، وعندنا لا ينعتق إلا ما باشره بالعتق، وما علقه بصفة
باطل ويسري العتق إلى النصف الآخر.
المسألة الثانية: كان قيمة الأم مائة والثلث مائة، وقيمة الحمل مائة، فأعتق
نصف الحمل، يعتق صفة بالمباشرة، بقي من الحمل خمسون، ثم يقرع بينهم،
فإن خرجت القرعة على الحمل عتق كله ورقت الأم وإن خرجت القرعة على الأم
لم يعتق الكل لكن يسوى بينهما ذلك الخمسون، ويعتق من الأم ثلثها ومن
الحمل نصف الثلث صار يعتق من الحمل ثلثاه، ومن الأم ثلثها، وعندنا مثل
الأولى سواء.
إذا أوصى إلى غيره فهل للوصي أن يوصي إلى غيره أم لا؟ قيل فيه ثلاث
مسائل:
أحدها: إذا أطلق فقال: أوصيت إليك، ولم يقل: فإذا مت أنت فوصي
فلان، ولا قال: فمن أوصيت إليه فهو وصيي، فإن هذا له أن يوصي إلى غيره، وفي
أصحابنا من قال: ليس أن يوصي، وفيه خلاف.
المسألة الثانية: إذا قال: أوصيت إليك فإذا مت أنت فوصيي فلان، فإن هذه
وصية صحيحة، لأنهما وصيتان رتبت إحداهما على الأخرى، وليس فيه خلاف،
ودليله تولية النبي صلى الله عليه وآله من أنفذه إلى غزاة مؤتة لأنه قال: إن قتل
350

فلان ففلان، على الترتيب.
المسألة الثالثة: إذا قال: أوصيت إليك فمن أوصيت إليه فهو وصيي، قال
قوم: إنها تصح، وقال آخرون: لا تصح، وفيها خلاف، والأقوى عندي أنها تصح
وإنما لا يصح ما يقول أبو حنيفة من أن الوصي إذا أوصى في أمر أطفال نفسه لا
يدخل في ذلك التصرف في أطفال الموصى إليه، وعند أبي حنيفة تصح لأنها
لا تتبعض إذا قال: أوصيت إليك ومتى أوصيت إلى فلان فهو وصيي، كان
صحيحة، وفي الناس من قال: لا يصح.
فصل: في ما يجوز للوصي أن يصنعه في أموال اليتامى:
يجب على الوصي أن يخرج من مال اليتيم جميع ما يتعلق به، فأما الفطرة
فلا تجب عليه، وقال قوم: تجب، وعلى الأول إجماع الفرقة، وكذلك لا زكاة في
أموالهم الصامتة وإنما تجب في الغلات والمواشي، وعلى الوصي إخراجها منها،
وقد مضت في الزكاة، والخلاف فيها.
وأما جنايته فإن جنى جناية نظرت، فإن كانت الجناية على مال فإنه يلزمه في
ماله ويخرج من ماله، وإن كانت الجناية على النفس فلا يخلو أن تكون عمدا أو
خطأ: فإن كانت خطأ فالدية تجب على عاقلته منجزا ويجب في ماله الكفارة، وإن
كان عمدا فعندنا أن عمد الصبي وخطؤه واحد، فيلزم أيضا العاقلة، وفيهم من
قال: عمده عمد، غيره أنه لا يوجب القود، وإنما يجب به الدية مغلظة في ماله، لأنه
غير مكلف، والكفارة أيضا في ماله.
وأما النفقة فإنه ينفق عليه بالمعروف، فإن أنفق عليه أكثر من المعروف، فإن
تلك الزيادة يضمن الوصي لأنها غير مأذون فيها، فإن بلغ الصبي وادعى بأنه أنفق
أكثر من المعروف نظرت: فإن كان ذلك القدر معروفا ويعلم أنه أنفق أكثر مما
ينفق بالمعروف فإنه يضمن، وإن كان معروفا ولم يعلم ذلك القدر أنه أنفق،
فالقول قول الوصي مع يمينه، لأنه أمين.
351

فإن اختلفا في المدة فقال الصبي: أنفقت خمس سنين لأن أبي مات مذ
خمس سنين، وقال الوصي: أنفقت عشر سنين، فالقول قول الصبي لأن الأصل أن
لا موت.
وأما التزويج فليس الوصي أن يزوجه لأنه ليس من أهله، وربما اتهم،
وكذلك ليس له أن يزوج الصغيرة التي يلي عليها، لأن ولاية النكاح لا تستفاد
بالوصية.
إذا ثبت هذا فإن بلغ هذا الصغير نظرت: فإن بلغ رشيدا، فإنه يدفع إليه
ماله وبطل ولاية الوصي، وإن بلغ غير رشيد نظرت: فإن كان مجنونا فالحكم
فيه كالحكم في الصبي سواء، وإن كان غير مجنون غير أنه كان سفيها سواء كان
غيره رشيد في ماله أو غير رشيد في ديته فإنه لا ينفك الحجر عنه بالبلوغ بلا
خلاف، ويكون ولاية الوصي على ما كانت في جميع الأشياء، ويجب عليه الزكاة
ويخرج عنه الوصي.
وإن جنى جناية فإن كانت الجناية على مال فإنه يخرج مما في يديه، ويلزم
في ماله، وإن كان الجناية على النفس فإن كانت خطأ فالدية على عاقلته،
والكفارة في ماله، وإن كانت عمدا فإنه يقاد به، لأنه مكلف إلا أن يعفو على مال
فإنه يجب في ماله.
وأما التزويج فإن كان لا يحتاج إليه فإنه لا يزوجه، وإن احتاج إليه من
حيث أنه يتبع النساء فإنه يزوجه حتى لا يزني ويحد، لأن التزويج أسهل من الحد
عليه، ولا يزوجه أكثر من واحدة؟ لأن فيها كفاية، وإن طلقها فالطلاق يقع، فإن
كان مطلقا فلا يزوجه، لكن يسريه لأنه ليس فيه أكثر من أن يحبلها، ولا يسريه
أكثر من واحدة لأنه كفايته.
وأما نفقته فإنه ينفق عليه بالمعروف، فإن أنفق أكثر من ذلك كان ضامنا
للزيادة، وإن كان ممن يتلف الطعام الرطب ويرميه ويفسده، فإنه يجلس ويطعمه.
وأما الكسوة فإنه ينظر: فإن كان ممن لا يخرق إذا خلق وبلى فإنه يلبسه
352

الجديد، وإن كان ممن يخرق السلب فإنه يلبسه إذا أخرج ويحف، فإذا رجع إلى
البيت نزع عنه، ويدع إليه إزارا يأتزر به.
إذا قال: أعطوا فلانا كذا وكذا، فإن هذه وصية بشيئين، كما قلناه في الإقرار
ويرجع إليه بما يفسره فبأي شئ فسره يلزمه ذلك، وكذلك إذا قال: لفلان كذا
وكذا دينارا، يلزمه ديناران، وفيهم من قال: يلزمه دينار واحد وشئ واحد، وهذا
فاسد لأنه لا يعطف الشئ على نفسه، فإذا ثبت هذا في الإقرار فالوصية مثل ذلك،
وقد قلنا في الإقرار: أن الإقرار بكذا وكذا دينارا أنه يكون أحد وعشرين دينارا
وفي الوصية مثل ذلك.
فإن قال: كذا وكذا دينارا من دنانيري، نظرت: فإن كان له دنانير فإنه
يدفع إليه ما قلناه على الخلاف، فإن لم يكن له دنانير فالوصية تبطل.
إذا قتلت أم الولد مولاها فإنها تنعتق عند المخالف من رأس المال، وعندنا
من نصيب ولدها إذا كان ولدها باقيا، وإن لم يكن ولدها باقيا تكون والباقي
الورثة.
والمدبر إذا قتل مولاه فمن قال: إن التدبير عتق بصفة، قال: ينعتق، ومن قال:
إن التدبير وصية، - وهو مذهبنا - يبنيه على القاتل، فمن قال: الوصية للقاتل
تصح، قال: إنه يعتق، ومن قال: لا تصح الوصية للقاتل، فلا ينعتق هذا إذا
خرج من الثلث، فأما إذا لم يخرج من الثلث فلا ينعتق بحال.
من له الدين إذا قتل من له عليه الدين والدين كان مؤجلا، فيحل بموته لأن
الأجل كان حقا لمن عليه الدين، فلما مات تعجل حقة لأنه يؤدي دينه ويبرئ
وحظه في تعجيل ما عليه لتبرئ ذمته.
الوصي هل تقبل شهادته للموصي؟ نظرت: فإن كان وصيا في تفرقة شئ
بعينه ويكون ثلث المال موجودا في الحال فإنه تقبل شهادته له، لأنه غير متهم، ولا
يجر إلى نفسه.
وإن كان وصيا في تفرقة مشاع، أو يكون وصيا في جميع مال اليتيم،
353

لا تقبل شهادته، لأنه يثبت بهذا تصرفا ويجر إلى نفسه نفعا فهو متهم في هذه
الحال، وكذلك إذا أوصى إليه بتفرقة شئ بعينه، ولم يخرج من الثلث، فإنه
لا تقبل شهادته، لما ذكرناه من التهمة.
إذا أوصى لعبد نفسه أو لعبد ورثته صحت الوصية عندنا لأن الوصية للوارث
صحيحة، وقال المخالف: لا تصح في الموضعين، لأن مال العبد لمولاه والوصية
للوارث لا تصح، وإن أوصى لمكاتبة فإن الوصية صحيحة بلا خلاف، وهكذا إن
أوصى لمكاتب ورثته فإنها تصح بلا خلاف.
وأما الوصية للمدبر نظرت: فإن خرج من الثلث صحت له الوصية بلا
خلاف وإن لم يخرج من الثلث لم تصح وأم الولد تصح لها الوصية بلا خلاف،
فعندنا لأن الوصية للعبد جائزة، وعندهم لأنها تنعتق بالموت.
وأما الوصية لعبد الغير من الأجانب، فإن عندنا لا تصح على ما روي، وعند
المخالف تصح كما لو أوصى لسيده ولكن العبد يقبل، لأنه مضافا إليه، وهل يفتقر
إلى إذن السيد في القبول أم لا؟ قيل فيه وجهان: أحدهما لا يفتقر، والثاني
يفتقر، قالوا: والأول أصح لأنه بمنزلة الاحتشاش والاحتطاب.
إذا أوصى بثلث ماله فمتى يعتبر الثلث إخراجه؟ قال قوم: الاعتبار بإخراج
الثلث وقت لزومها، وهو بعد الوفاة، وهو الصحيح، ومنهم من قال: يعتبر حال
الوصية حين أوصى، فإذا ثبت هذا، فإن كان له مال فإنه يصح وتلزم الوصية
بالموت، وإن لم يكن له مال حين الوصية ثم وجد مالا بعد ذلك، فإنه يلزم
الوصية بهذه الصفة، وهكذا إن كان له مال فزاد حال اللزوم والوفاة، فإنه تلزم
الوصية في جميعه.
ومن قال: يعتبر حال الوصية، فإن كان له مال فإنه تلزم الوصية وإن لم
يكن له مال ثم ظهر له بعد الوصية، فإن الوصية تبطل في المال الذي ظهر،
وهكذا إن كان له مال ثم زاد بعد الوصية، فإن الوصية لا تثبت في الزيادة.
وإذا أوصى ببناء مسجد أو بناء سقاية أو أوصى بالوقف على المسجد
354

والسقاية فإنه يصح لأنه قربة، فأما إن أوصى بثلث ماله لأهل الذمة وأهل الحرب،
فإنه تصح لهم عند المخالف، وعندنا يصح للذمي إذا كانوا أقاربه.
ولو أوصى ببناء كنيسة وبيعة لم تصح بلا خلاف، لأن دعاءهم وصلاتهم
فيها ضلالة وكفر وبدعة.
وأما إن أوصى ببناء بيت ليسكن فيه المجتازون من أهل الذمة صحت لأنها
منفعة والوصية بالمنفعة لهم صحيحة، وعندنا أيضا صحيحة، لأنه ربما سكنها
المجتازون من المسلمين، وإن أوصى بقناديل الكنيسة والسرج فيها وفي البيع
نظرت: فإن كان يراد للتعظيم وتكريم البيعة، فلا تصح، وإن أراد به الضوء
والانتفاع فإنه يصح، وإن أوصى بكتب التوراة والإنجيل كانت الوصية باطلة،
لأنهم بدلوها وغيروها، وما كان كذلك لا تصح الوصية به.
إذا أوصى لميت كانت باطلة، سواء علم أنه ميت أو ظن أنه حي وكان ميتا
وفيه خلاف:
من ليس له وارث لا قريب ولا بعيد ولا مولى نعمة ولا حامي جريرة لا
يصح أن يوصي بجميع ماله، وفيه خلاف.
تصح الوصية للذمي إذا كانوا أقاربه ولا تصح لأهل الحرب، وفيه خلاف.
إذا أوصي إليه أو أوصي له، من الناس من قال: ليس له القبول إلا بعد الموت
في هذين الفصلين، وأما إن كان أوصي إليه قيل فيه وجهان: منهم من قال: له أن
يقبل قبل الموت في حال حياته، ومنهم من قال: ليس له إلا بعد الوفاة، فمن قال:
له أن يقبل حال حياته فقبل فله الرد بكل حال سواء كان في وجه الموصي أو
غيبته، وقال قوم: إن رد في حال حياته فليس له أن يرده إلا في وجهه، وإن كان
غائبا حين يبلغه ويعلمه، وإن كان بعد الموت فليس له الرد إلا بعجز أو خيانة أو
إقرار بالخيانة، وعندنا ليس له أن يرد بعد الموت، وله أن يرد في حال الحياة إذا
علم، سواء كان في وجهه أو لم يكن، وفيه خلاف ذكرناه في الخلاف.
رجل باع كر طعام قيمته اثنا عشر دينارا بكر شعير قيمته ستة دنانير فقد
355

حابى بنصف ماله، وليس له المحاباة بأكثر من الثلث، فالوجه في هذا أن يفسخ
السدس من كل طعامه قيمته ديناران، ويرد إلى الورثة، فيحصل للورثة كر شعير
قيمته ستة دنانير وسدس الطعام قيمته ديناران، فيحصل معهم ثمانية دنانير ثلثا
المال، وحصل مع المشتري خمسة أسداس الكر من الطعام قيمته عشرة دنانير،
وله ستة دنانير قيمة الكر الشعير فحصل له أربعة دنانير بالمحاباة.
هذا على مذهب من أجاز التفاضل بين الحنطة والشعير، فأما على ما نذهب
إليه من المنع من ذلك فلا يصح، والوجه في ذلك أن يفسخ البيع في ثلث كر
من الطعام وثلث كر من الشعير فيحصل للموصى له ثلثا كر من الطعام قيمته
ثمانية دنانير بثلثي كر من الشعير قيمته أربعة دنانير، ويحصل معه من فضل القيمة
أربعة دنانير وهو قدر الثلث، ويحصل مع الورثة ثلثا كر من الشعير وثلث كر من
الطعام.
إذا باع كر طعام جيد بكر طعام ردي، وكان قيمة الجيد اثنا عشر دينارا
وقيمة الردئ ستة دنانير، فقد حابى بنصف ماله هاهنا، ولا يمكن أن يفسخ
السدس من الطعام الجيد لأنا إن فسخنا في الطعام الجيد لكان بيع الطعام
بالطعام متفاضلا وذلك لا يصح، وفي الأول يمكن لأن الجنسين مختلفان عند من
أجازه.
وعندنا أن الوجه في ذلك ما قلناه في المسألة الأولى سواء، وهو أن يفسخ
الثلث في الطعام الجيد فيدفع ثلث الطعام الجيد إلى الورثة، ويدفع الثلث الطعام
الردئ إليهم، وقيمة ذلك أجمع ثمانية دنانير، وهو ثلثا تركة الميت، ويدفع إلى
الموصى له ثلث الطعام الردئ قيمته ديناران، وثلثا الطعام الجيد قيمته ثمانية
دنانير، يكون عشرة، له قيمة طعامه ستة دنانير، وأربعة دنانير قدر المحاباة.
إذا باع في مرضه عبدا قيمته مائتان بمائة، فقد حابى بنصف عبده، فلا يخلو
حاله من أحد أمرين: إما أن يبرأ أو لا يبرأ، فإن برأ فقد لزم البيع، لأن العطاء
المنجز يلزم في حق المعطى، فإن لم يبرأ أو مات فلا يخلو حاله من أن يكون قد
356

خرج من الثلث أو لم يخرج.
فإن خرج من ثلثه مثل أن يكون له مائة دينار أخرى، فالورثة يأخذون المائة
وثمن العبد مائة، فيلزم البيع لأنه خرج من الثلث.
وإن لم يخرج من الثلث مثل أن يكون لا مال له غيره، فإنه يلزم البيع في
نصف العبد ما هو في مقابلة ثمن مثله وفي ثلثه بالمحاباة، لزم في الجملة البيع في
خمسة أسداس العبد ولم يلزم في السدس العبد، والورثة بالخيار إن شاءوا أجازوا
السدس، فإن أجازوه لزم البيع في الكل وإن لم يجيزوه يقال للمشتري: قد
تبعضت عليك صفقتك ولك الخيار إما أن تختار ما لزم في العبد وهو خمسة
أسداس، وإما أن تفسخ، فإن اختار المقام يكون العبد بينهم للمشتري خمسة
أسداس وللورثة سدسه، وإن اختار الفسخ فإنه يسترجع المائة الذي دفعه،
ويحصل العبد للورثة.
فإن قال المشتري: أعطوني ثلث العبد الذي حاباه لأنه قد أوصي لي به، لم
يكن له ذلك، ويقال له: كان المحاباة في ضمن البيع، فإذا لم يسلم البيع لم
تصح المحاباة، وهذا مثل أن يقول: أعطوا فلانا مائة ليحج عني، وكان أجرة مثله
خمسين، فإن حج هذا المنصوص عليه فإنه يستحق المائة، وإن لم يحج وقال: لا
أحج لكن أعطوني ما زاد على أجرة المثل لأنه قد أوصي لي، فإنه لا يدفع إليه
كذلك هاهنا.
فإن قال المشتري: أنا أدفع قيمة السدس حتى يحصل لي جميع العبد، لم
يلزم الورثة ذلك، لأن حق الورثة في العبد لا في الثمن.
وأما إن اشترى في مرضه عبدا قيمته مائة دينار بمائتي دينار، فقد غبن هاهنا
بمائة، فإن برأ صح الشراء ولزم البيع، وإن مات فالورثة بالخيار في الإجازة، فإن
أجازوا فذاك، وإن لم يجيزوه يقال للبائع: قد تبعضت عليك صفقتك، ولك
الخيار إن شاء فسخ وإن شاء أمضى، والحكم في هذه كالحكم في التي قبلها إذا
حاباه.
357

إذا دبر عبدين في مرضه ثم مات نظرت: فإن خرجا من الثلث عتقا، فإن
استحق أحدهما بطل العتق في من استحق ويصح في الثاني، وإن لم يخرجا من
الثلث لكن خرج أحدهما من الثلث فإنه يقرع بينهما، فمن خرج اسمه عتق، فإن
استحق هذا الذي خرجت عليه القرعة ينعتق الثاني ويسلم إلى مستحقه، ويعتق
الثاني لأنا إنما منعنا لأجل المزاحمة، فإذا زالت المزاحمة واتسع المال عتق.
المسألة بحالها فقال لعبده: إن مت فأنت حر، وقال لعبد آخر: إن مت فأنت
حر من فاضل ثلثي، فإن خرجا من الثلث عتقا جميعا، وإن لم يخرجا من الثلث
قدم الأول ويعتق، فإن خرج الأول مستحقا بطل عتقه، ولم يعتق الثاني.
ويفارق المسألة الأولى لأن هناك منعنا لأجل المزاحمة، وليس كذلك
هاهنا لأنه علق عتقه بفاضل ثلثه، ولم يفضل هاهنا شئ.
وإذا أوصى لرجل بعبد بعينه ولآخر بمائة دينار، فإن خرجا من الثلث استحق
كل واحد منهما ما أوصي له به، وإن لم يخرجا من الثلث يقسط عليهما، فإن رد
صاحب العبد الوصية فإن صاحب المائة يستحق جميع المائة التي أوصي له بها،
فأما إن أوصى لرجل بعبد ولآخر بفاضل ثلثه، فإن خرجا من الثلث استحق كل
واحد منهما، وإن لم يخرج من الثلث ورد صاحب العبد وصيته فإن الثاني
لا يستحق إلا قدر الفاضل، ولا يستحق الثلث.
من دبر عبدا له ومات وخرج من الثلث عتق، فإن استحق نصف العبد فإنه
لا يقوم عليه النصف الذي خرج مستحقا لأنه لا يملكه لأن بالموت يزول ملكه إلا
ما استثناه وهذا ما استثنى شيئا.
فأما إن أعتق عبدا في مرضه وخرج من الثلث ثم استحق نصفه، فإن هاهنا
يقوم عليه، لأنه ملكه حين حصول العتق، وهكذا إن باع نصفه في مرضه أو وهب
له عبده فإنه لا يقوم النصف الآخر.
358

الدروس الشرعية
كتاب الوصايا
بكسر الواو وفتحها، وهي الولاية على إخراج حق أو استيفائه، أو على طفل
أو مجنون يملك الموصي الولاية عليه بالأصالة كالأب والجد له، أو بالعرض
كالوصي عن أحدهما المأذون له في الإيصاء، ولو نهي لم يوص، ومع الإطلاق
اختلف فيه الشيخان، فجوز الإيصاء الشيخ ومنعه المفيد وفي مكاتبة الصفار
للعسكري عليه السلام دلالة على الجواز.
وللوصي شروط:
أحدها: العقل، فلا تصح الوصية إلى المجنون ولو طرأ الجنون على الوصي
بطلت وصيته، وفي عودها بعود العقل عندي تردد، وجزم الفاضل بأنها لا تعود،
ولو كان الجنون يعتوره أدوارا فالأقرب الصحة، وتحمل على أوقات الإفاقة،
والفرق بينه وبين الأول انصراف الوصية من ابتدائها إلى أوقات الإفاقة، وانصرافها
هناك إلى دوام عقله الذي لم يدم، ولو قلنا بعود ولاية الأول فلا إشكال.
وثانيها: البلوغ إن كان منفردا، فلا تصح الوصية إلى الصبي حتى ينضم إلى
الكامل وينفذ تصرف الكامل حتى يبلغ الصبي فيشتركان.
وثالثها: الإسلام، إذا كان الموصي مسلما أو كان كافرا والوصية على أطفال
المسلمين، ولو أوصى إلى الكافر مثله على ما لا يتعلق بالمسلم صح، ولو أوصى
الكافر إلى المسلم صح وتصرف فيما يجوز للمسلم التصرف فيه من تركته دون
359

غيره، كالخمس.
ورابعها: العدالة، والمشهور اعتبارها، فتبطل الوصية إلى الفاسق لأنه
لا يركن إليه لظلمه، ولو كان عدلا ففسق بعد موت الموصي بطلت خلافا لابن
إدريس ولا تعود بعودها.
وخامسها: إذن المولى، فلو أوصى إلى عبد الغير أو مكاتبه أو مدبره أو أم
ولده، ولو أوصى إلى عبد نفسه أو مدبره أو مكاتبه أو أم ولده لم يصح عند
الشيخ، وجوز المفيد وسلار الوصية إلى المدبر والمكاتب مطلقا.
وسادسها: انتفاء من هو أولى من الوصي، كما لو أوصى بالولاية على أطفاله
وله أب أو جد فإنها لاغية، ويحتمل صحتها من ثلث ماله لأنه يملك إخراجه
بالكلية فتملك الولاية عليه أولى.
ولو أوصى بإخراج حقوق أو استيفائها كان جائزا، ويشكل بأن الاستيفاء
ولاية على مال الطفل فلا يملكها الأجنبي، نعم لو عين المستوفي لتلك الحقوق
جاز.
ولا ولاية للأم على الأطفال، فلو نصبت عليهم وصيا لغا، ولو أوصت لهم
بمال ونصبت عليهم قيما لهم صح في المال خاصة، وقال ابن الجنيد: للأم
الرشيدة الولاية بعد الأب وهو شاذ.
وسابعها: كفاية الوصي، فلو أوصى إلى هرم يعجز عن التصرف أو إلى
مريض مدنف أو إلى سفيه ففي بطلانها من رأس أو صحتها ويضم الحاكم إليه
مقويا نظر، ينشأ من وجوب العمل بقوله ما أمكن ومن عدم الفائدة المقصودة
بالوصية.
ولو عجز في الأثناء ضم الحاكم إليه قطعا ولا ينعزل، ولو سلبه السفه العدالة
بطلت الوصية إليه على القول باشتراطها، ولو ضم إلى أحد هؤلاء كافيا وشرط
الاجتماع فالصحة قوية.
ثم هذه الشروط معتبرة منذ الوصية إلى حين الموت فلو اختل أحدها في
360

حالة من ذلك بطلت، وقيل: يكفي حين الوصية، وقيل: حين الوفاة.
ولا يشترط الذكورة في الوصي ولا البصر، بل تصح الوصية إلى المرأة،
ونقل فيه الشيخ إجماعنا، ورواية السكوني عن علي عليه السلام بالمنع من
الوصية إليها محمولة على التقية أو الكراهة.
وتصح إلى المكفوف، ولا اتحاد الوصي، فتجوز الوصية إلى اثنين فصاعدا،
وينصرف الإطلاق إلى الاجتماع، فليس لأحدهما التفرد ولو تشاحا أجبرهما
الحاكم على الاجتماع، ولو تصرف أحدهما مع التشاح نفذ فيما تمس الضرورة
إليه كمؤونة اليتيم وعلف دوابه، ولو نهاهما عن الانفراد فكذلك، ويحتمل هنا أن
لا يمضي ذلك الضروري بل يرفع الأمر إلى الحاكم.
ولو تعذر اجتماعهما جاز للحاكم عزلهما ونصب غيرهما، وله عزل أحدهما
والضم إليه وليس له جعله منفردا، وقال الحلبي: له جعله منفردا إذا كان أعلم
وأقوى فيتبعه الباقون من الأوصياء.
ولا يملكان قسمة المال ولا قسمة الأطفال، ولو عجز أحدهما أو فسق أو جن
فالأقرب وجوب ضم آخر إلى الباقي، ولا يشترط مع عزلهما تعدد منصوب
الحاكم، بل لو نصب واحدا جاز إذا كان فيه كفاية، ولو سوع لهما التصرف
على الانفراد جاز اقتسام المال والأطفال.
ولو تغير أحدهما استقل الآخر، ويجوز أن يوزع ولايتهما على المال
والأطفال فلا يشارك كل منهما صاحبه، وجوز الشيخ في النهاية انفرادهما إذا لم
يكن شرط عليهما الاجتماع، وتبعه ابن البراج لرواية يزيد عن الصادق عليه السلام
وهي غير صريحة.
ويجوز جعل وصيين على الترتيب مثل " أوصيت إلى زيد فإن مات فإلى
عمرو، أو إن بلغ ولدي رشيدا فإليه ".
361

فروع:
لو أوصى إلى زيد ثم أوصى إلى عمرو أشركا ولا انفراد ولا يعزل الأول
بالوصية إلى الثاني.
فلو قبل أحدهما دون الآخر قيل: يتصرف وحده، بخلاف ما إذا أوصى
إليهما معا فإنه ينعزل القابل برد صاحبه، وفي الفرق نظر لأن الضم قد حصل في
الموضعين فإن كان شرط ثبت فيهما وإلا انتفى فيهما.
نعم لو أوصى إلى زيد ثم قال: ضممت إليه عمروا فقبل عمرو خاصة، لم
يكن له الانفراد لأنه جعله مضموما، وهل ينعزل أو يضم الحاكم إليه؟ فيه نظر،
وجزم الفاضل بالثاني، وليس للصغير المنضم ما أنفذه البالغ بعد كماله إذا كان
موافقا للشرع، ولو مات الصبي أو بلغ غير أهل للوصية ففي انفراد الآخر نظر، من
ثبوت ولايته وعدم حصول ما يزيلها ومن دلالة لفظ الموصي على الضم في وقت
إمكانه عادة، وجزم جماعة بالأول.
درس [1]:
لا يجب على الوصي القبول بل له الرد في حياة الموصي، وينعزل إن بلغه
الرد، وإن لم يبلغه أو لم يعلم بالوصية حتى مات فالمشهور التزامه إلا مع العجز،
لرواية منصور بن حازم ومحمد بن مسلم عن الصادق عليه السلام، وفي المختلف
يجوز الرد إذا لم يعلم بالوصية حتى مات للجرح والضرر، ولم نعلم له موافقا
عليه.
وقال الصدوق: إذا أوصى إلى ولده وجب عليه القبول، وكذا إلى أجنبي إذا
لم يجد غيره، وهما مرويان قويان، ويجوز القبول متأخرا عن الإيجاب.
وصيغة الوصية " أوصيت إليك أو فوضت إليك، أو جعلتك وصيا، أو
أقمتك مقامي في أمر أولادي أو حفظ أموالي، أو كذا " ولو قال: أنت وصيي،
واقتصر، فإن كان هناك قرينة حال حمل عليه وإلا أمكن البطلان، ويحتمل
362

التصرف فيما لا بد منه كحفظ المال ومؤنة اليتيم.
ولو قبل الوصي فعلا جاز، كما لو باع العين الموصى ببيعها، وعلى ما قلناه
من اللزوم بالموت وعدم الرد فلا عبرة بقبول الوصي وعدمه، بل العبرة بعدم الرد
الذي يبلغ الموصي، فإن حصل وإلا التزم.
والوصي أمين لا يضمن إلا مع التعدي أو التفريط، وله أن يوكل فيما جرت
العادة بالتوكيل فيه، وفي غيره على الأقوى.
واستيفاء دينه مما في يده من غير مراجعة الحاكم سواء أمكنه إثباته عند
الحاكم أم لا على الأقوى، وفي النهاية: لا يجوز أن يأخذ من تحت يده إلا ما يقوم
له به البينة، وابن إدريس ظاهره جواز ذلك مع فقد البينة.
وكذا يقضي دين غيره مع علمه بعد إحلافه، وقيل: لا بد من الثبوت عند
الحاكم وحكمه وهو قوي، ومنع ابن إدريس من شرائه لنفسه لامتناع كونه
موجبا قابلا، وجوزه الشيخ للأصل ومكاتبة الهمداني.
وكذا له البيع على الطفل من ماله، وهل له الولاية على تزويج الطفل أو
الطفلة؟ المروي الجواز، وحمله بعضهم على الإذن له في التزويج، ومنع بعضهم
منه على الإطلاق، وبه فحوى رواية وله تزويج من بلغ فاسد العقل مع المصلحة.
وروى محمد بن مسلم جواز تفويض المضاربة إلى الوصي على نصف
الربح مع صغر الأولاد، وبها قال الجماعة.
وقال ابن إدريس: الوصية إنما تنفذ في ثلث المال قبل موته، والربح تجدد
بعد موته فلا تنفذ فيه الوصية.
ويجوز أن يوصي إليه بجعل إذا لم يزد عن أجرة المثل وإن زاد اشترط
الخروج من الثلث في الزائد أو إجازة الورثة، ولو لم يجعل له فله أجرة المثل عن
عمله، وفي النهاية والسرائر: له قدر كفايته، وفي التبيان والمبسوط: له أقل
الأمرين، هذا مع الحاجة.
ومع الغنى يستعفف وجوبا عند ابن إدريس للآية، واستحبابا عند الشيخ
363

وابن الجنيد والفاضل لأن الاستعفاف مشعر به.
ويقبل قوله في الإنفاق على الطفل وماله بالمعروف مع اليمين، ولو ادعى
تقدم موت الموصي فأنكر الموصى عليه ولا بينة حلف المنكر، وكذا لو ادعى دفع
المال إليه وأنكره.
ويقتصر الوصي على ما عين له، فلو جعل له النظر في ماله الموجود لم ينظر
فيما يتجدد، ولو أطلق دخل المتجدد، وروى الحلبي في الصحيح عن الصادق
عليه السلام في الوصي يعزل الدين في بيته فيتلف يضمن للغرماء، وعليه الشيخ
والقاضي إذا تمكن من الدفع، وفي المختلف إن تلف جميع المال ضمن وإلا
تخير الغرماء، فإن أخذوا من الورثة رجعوا على الوصي المفرط.
ومن مات ولا ولي لأولاده فأمرهم إلى الحاكم، فينصب عليهم أمينا إما دائما
أو في وقت معين أو شغل معين، ويشترط فيه العدالة وباقي الشرائط، ويملك
الحاكم عزله متى شاء ولو فقد الحاكم أو تعذر مراجعته جاز لآحاد المؤمنين
العدول التصرف بما فيه صلاح لأنه من باب التعاون على البر والتقوى ولشمول
ولاية الإيمان.
ويجوز للموصي الرجوع في الوصية ما دام حيا ولا تثبت الوصاية والرجوع
إلا بشهادة ذكرين عدلين مسلمين.
364

كتاب الوصية
وهي فعلية من وصى يصي إذا وصل الشئ بغيره، لأن الموصي يصل تصرفه
بعد الموت بما قبله، ويقال: وصي للموصي والموصى له.
وفي الشرع هي تمليك العين أو المنفعة بعد الوفاة، أو جعلها في جهة
مباحة.
ولا بد فيها من الإيجاب مثل " أعطوه داري أو سكناها أو أعتقوا فلانا أو
حجوا عني أو تصدقوا أو ابنوا مسجدا أو له كذا بعد وفاتي أو أوصيت له أو جعلت
له " ولو قال: هو له من مالي بعد وفاتي فكذلك.
ولو قال: هو له من مالي، ولم يعلم منه إرادة ما بعد الوفاة فهو إقرار فاسد، إلا
أن يتبعه بقوله بسبب صحيح أو حق واجب وشبهه، ولو قال: هو له، واقتصر
وعلم إرادة ما بعد الوفاة كان وصية وإلا فهو إقرار لازم، ولو قال: عينت له كذا
بعد وفاتي أو عزلت له أو أرصدت له، فهو كناية تفتقر إلى القرينة، ومع عدمها
لا شئ للموصى له.
وتقع الوصية بغير العربية وإن قدر عليها كسائر العقود الجائزة، ووصية
الأخرس ومن عجز عن النطق بالإشارة المقطوع بها، أو الكتابة كذلك، ولو
كتب القادر على النطق أو أشار لم يجب العمل بها ولو شوهد كاتبا أو علم خطه.
وفي النهاية إذا عمل الورثة ببعضها لزمهم العمل بجميعها، لمكاتبة الهمداني
365

إلى أبي الحسن عليه السلام وهي قاصرة الدلالة، وربما حمل على أن العمل
بالبعض دل على علمهم بالوصية فيجب الجميع، ولو قال للشاهد: اشهد علي بما
في هذا الكتاب فإني عالم به، لم يصر متحملا حتى يقرأه عليه فيقر به، أو يتلفظ
المشهد به، وقيل: إذا حفظه الشاهد عنده تسلط على الشهادة في الحياة والممات،
وهو بعيد لأنه غرر وخطر.
ثم الوصية إن كانت في جهة عامة أو للفقراء مثلا أو بالعتق وشبهه لم يعتبر
فيها القبول، وإلا اعتبر من الموصى له أو وليه مع الغبطة.
ولا يشترط في القبول الاتصال بالإيجاب، بل لو قبل بعد الوفاة جاز وإن
تراخي القبول، ما لم يرد، وقال: ابن زهرة: لا قبول إلا بعد الوفاة لأن التمليك
بعدها، فكيف يقبل قبلها؟ واختاره الفاضل في المختلف وابن إدريس،
والمحقق جوز الأمرين.
ولو رد في حياة الموصي فله القبول بعد وفاته على المشهور، وإن رد بعد
الوفاة وقبل القبول بطلت، وإن رد بعد القبول والقبض لغا الرد إجماعا، وإن رد
بعد القبول وقبل القبض فقولان مبنيان على أن القبض شرط في اللزوم أو
الصحة، كالوقف والهبة، أو لا كالبيع، وقوى الشيخ الأول.
ويكفي في القبول الفعل الدال عليه صريحا، كالأخذ والتصرف فيه لنفسه،
ولو مات قبل القبول فلوارثه القبول سواء كان موته قبل الموصي أو بعده، وهو
اختيار المعظم، وقيل: تبطل الوصية واختاره في المختلف، وهو حق إن علم
تعلق غرضه بالموروث لا غير، وبه يجمع بين صحيحة محمد بن مسلم الدالة على
البطلان ورواية محمد بن قيس الدالة على الصحة.
وقال المحقق: إن مات الموصى له قبل الموصي بطلت، وإن مات بعده
فلوارثه.
وللورثة التصرف في القبول والرد، كما للموصى له قبول البعض، ثم إن
كان موته قبل موت الموصي لم تدخل العين في ملكه، وإن كان بعده ففي
366

دخولها وجهان مبنيان على أن الملك يحصل للموصى له بوفاة الموصي متزلزلا
فإن قبله استقر عليه وإن رده انتقل إلى الوارث، كما أن التركة تنتقل بالوفاة إلى
الورثة، أو بالوفاة والقبول، أو يكون القبول كاشفا.
فعلى الأول وهو ظاهر فتوى الشيخ وابن الجنيد وتصريح التذكرة تدخل
في ملك الميت، ويلزمه أحكامه من قضاء ديونه ووصاياه والعتق عليه لو كان
ممن ينعتق عليه والإرث أيضا، والشيخ منع من الإرث وإلا لا اعتبر قبوله فيدور،
وأجيب بأن المعتبر قبول الوارث في الحال.
وكذا على الثالث وعلى الثاني لا يدخل.
تنبيه:
قال المعظم: لو لم يخلف الموصى له وارثا رجعت الوصية إلى ورثة
الموصي، وقال ابن إدريس: للإمام، لأنه وارث عند عدم الوارث.
درس [1]:
تجب الوصية على كل من عليه حق يجب إخراجه بعد موته سواء كان لله
أو للآدمي، ويتضيق عند أمارة الموت.
وتستحب الوصية بالشهادتين والإقرار بالنبي صلى الله عليه وآله والأئمة
عليه السلام، وصدق النبي صلى الله عليه وآله في جميع ما جاء به، وملازمة
التقوى لله في طاعة أمره واجتناب نهيه، ومن كان وصى نفسه فهو أولى من
إسنادها إلى غيره كما قاله أمير المؤمنين عليه السلام.
ويعتبر في الموصي شروط ثلاثة.
أولها: التمييز، فلا تنفذ وصية المجنون والسكران ولا غير المميز، وفي المميز
أقوال أشهرها صحة وصيته بالمعروف والبر إذا بلغ عشرا للأخبار الصحيحة،
وقال الحلبي: تمضي لدون العشر في البر، وقال ابن الجنيد: لثمان في الذكر
وسبع في الأنثى، وتفرد ابن إدريس برد وصية من لم يبلغ.
367

وثانيها: الرشد، فلا تنفذ وصية السفيه إلا في البر والمعروف عند المفيد
وسلار والحلبي، وظاهر ابن حمزة عدم نفوذ وصيته مطلقا، والفاضل أنفذها مطلقا
تارة ومنعها مطلقا تارة أخرى، وفي حكمه من جرح نفسه ليموت لرواية أبي
ولاد، أما لو أوصى ثم جرح لم تبطل وقال ابن إدريس: تصح مع ثبوت عقله.
وثالثها: الحرية، فلا تنفذ وصية العبد وإن قلنا يملك للحجر عليه، ولو عتق
ففي نفوذها قولان للفاضل، وأولى بالنفوذ إذا علق الوصية على حريته.
ولا يشترط إسلامه، فتنفذ وصية الكافر للمسلم إلا بما لا يملكه المسلم، وتنفذ
للكافر مطلقا، ولو أوصى بعمارة هيكل وكان في أرض يصح فيها ذلك جاز،
وكذا يصح برمه وبعمارة قبور الأنبياء والصلحاء كما يصح من المسلم ذلك،
وبفك أسراء الكفار من أيدي المسلمين، ولو أوصى به المسلم احتمل الجواز
لجواز المفاداة والمنع لأنها وصية لحربي، والأول مختار الفاضل، وتصح وصية
المفلس إذ لا ضرر فيه على الغرماء.
ويعتبر في الموصى به أمور ثلاثة:
أولها: أن يكون مما يملك بالنظر إلى الموصي والموصى له، فلا تصح
الوصية بالحر مطلقا، ولا بالفضلات والحشرات، ولا بالمحرم في شرعنا إلا أن
يكونا ذميين، أما الكلب فالوصية بأحد الأربع أو بجرو قابل للتعليم صحيحة وإلا
فلا، وأما السباع فالأقرب الجواز تبعا للانتفاع بجلودها وريشها.
ولا تنفذ الوصية في الوقف، ولا في المستولدة، ولا بجلد الميتة وإن كان من
المستحل لمثله، ولا بالسرجين النجس.
وثانيها: موافقة مصرفه الشرع، فلو أوصى بمعونة الظالمين وكتابة التوراة
والإنجيل وكتب الظلال بطل، وكذا لو أوصى بعود لهو أو طبلة أو زمرة، ولو
أوصى بعود من عيدانه أو بطبل من طبوله صرف إلى عود يملك، فلو لم يكن له
سوى عود اللهو بطل إلا أن يقصد رضاضه أو يقبل الإصلاح، وفي المبسوط
يصرف الإطلاق إلى عود اللهو فيبطل إلا أن يقصد رضاضه أو يفرض له منفعة
368

مع زوال الصفة المحرمة، وإن عين عود السقف أو العصا أو القناة فلا إشكال ولو
جمع بين المحرم والمحلل صحت في المحلل لا غير.
ولو أوصى بإخراج وارث من الإرث لغت الوصية. وقيل: يخرج من الثلث
عملا بدلالة التضمن أو الالتزام، ويضعف بأن الفاسد يفسد ما يستلزمه، وقال
الصدوق إن كان الولد المخرج قد أصاب أم ولد أبيه صح إخراجه، لواقعة علي
بن السري وولده جعفر، ولو أوصي له بدف منعه الشيخ لتحريم استعماله،
ويشكل بجوازه في الأملاك والختان عنده.
وثالثها: خروجه من الثلث أو إجازة الوارث سواء كان عينا أو منفعة، موجودا
بالفعل كالدار والثمرة الموجودة في الحال، أو مضمون الوجود كالحمل، أو
مشكوكا فيه كالآبق والطير في الهواء والسمك في الماء، أو موجودا بالقوة كما
تحمله الأمة أو الدابة أو الشجرة، أو موجودا على التدريج كسكنى الدار، فإن
الوصية بجميع ذلك نافذة.
والطريق إلى خروج المنافع من الثلث بتقويم العين بمنافعها الموصاة بها إما
على التأبيد أو على التوقيت، ثم تقوم مسلوبة المنافع فالتفاوت هو الموصى به ولو
قدر خروجها عن المنفعة كان المخرج من الثلث جميع القيمة.
ولو أوصى بأحد شيئين أو أشياء، أو بلفظ مشترك كالقوس، أو متواطئ
كالعبد والبعير والشاة تخير الوارث واعتبر قيمة ما يتخيره من الثلث، ولا يكون
اختياره لما يزيد عن الثلث إجازة إلا مع علمه بذلك والقصد إليه.
وإجازة الوارث معتبرة بعد الوفاة إجماعا وقبلها عند الأكثر لصحيح منصور
بن حازم، ودعوى الشيخ الإجماع، ومنعه المفيد وابن إدريس لعدم استحقاقهم
حينئذ.
قلنا مساوقة الاستحقاق كافية، فلو أجاز بعضهم مضى في نصيبه، فلو كان له
ابن وبنت فأوصى بنصف ماله فإن أجازا فمن ستة وإن ردا فمن تسعة، وإن أجاز
أحدهما ضرب الوقف من إحديهما وهو الثلث في الأخرى يبلغ ثمانية عشر، فإن
369

شئت ضربت نصيب من أجاز في وفق مسألة الرد ونصيب من رد في وفق مسألة
الإجازة، وإن شئت قسمت السدس عليهما فمن أجاز أخذ قسمة الموصى له.
وهل الإجازة تنفيذ لما أوصى به أو ابتداء عطية؟ جماعة على الأول فلا
يشترط فيها إيجاب وقبول وقبض كما يشترط في العطية، ولا يكون للمجيز بسببها
ولاء في العتق، ولو كان المجيز مريضا لم يعتبر من ثلث ماله وجمع الفاضل بين
التنفيذ واعتبار إجازة المريض من الثلث وكأنهما متنافيان.
ولو أجاز بعض الزائد على الثلث نفذ، ولا يلزم منه رد ما زاد على المجاز فلو
ألحق بإجازة الباقي صح إجازة لا ابتداء هبة.
والمعتبر بالثلث حين الوفاة لا حين الوصية ولا ما بينهما ولا ما بعد الوفاة،
ويحسب من ماله عوض أطرافه ونفسه لو جنى عليه، ولو كان له مال غائب تنجز
ثلث الحاضر للموصى له على الأصح، ثم إذا حضر الغائب أخذ منه أقل الأمرين
من ثلثه ومن تمام الوصية.
درس [2]:
منجزات المريض المشتملة على تفويت المال بغير عوض كالهبة والعتق،
والوقف أو على محاباة كالبيع بالثمن الناقص أو الشراء بالزائد حكمها حكم
الوصية في أصح القولين، نعم لو برئ لزمت من الأصل ولو باع بثمن المثل
فالأقرب الصحة.
ولو باع الربوي بمثله ككر بكر وتساوي ما باعه ضعف ما أخذه وليس له
سواه بطلت في الثلث حذرا من الربا، وكذا غير الربوي عند الفاضل، لمقابلة
أجزاء المبيع بإجزاء الثمن، وضابطه أن يسقط الثمن من قيمة المبيع وينسب
الثلث إلى الباقي فيصح البيع بتلك النسبة.
ولو أعتق المريض أمته وهي ثلث ماله، وأصدقها الثلث الآخر ودخل ومات
صح العتق والنكاح عند الشيخ، وبطل المسمى لزيادته عن الثلث، وقيل: لها
370

مهر المثل لأنه كالجناية فيدور، فلو كان مهر مثلها بقدر المسمى صح العتق في
شئ ولها من مهر المثل شئ، وللورثة شيئان بإزاء ما عتق لا بإزاء مهر المثل، لأنه
من الأصل، فالتركة أربعة أشياء فيعتق ثلاثة أرباعها ولها ثلاثة أرباع مهر المثل،
ومنه يعلم لو زاد مهر المثل أو نقص، ويلزم منه فساد النكاح.
ولا فرق بين المرض المخوف وغيره، والأقرب منعه من التنجيز إذا اشتمل
على خطر كخوف إتلاف العين وتعذر بدلها، سواء كان المرض مخوفا أم لا،
وما لا يسمى مرضا كالطلق والمحاربة لا حجر فيه، والإقرار مع التهمة كالوصية.
ولو رتب الوصية ب‍ " ثم " أو ب‍ " الفاء " أو ب‍ " الواو " على الأصح قدم الأول
فالأول مع قصور الثلث ويدخل النقص على الأخير، ولو اشتبه الأول أقرع، ولو
جمع بينهما وزع الثلث على الجميع، وقد سبق قول الشيخ بتقديم العتق
والتدبير على الوصايا مطلقا.
ولو أعطى منجزا في مرضه قدم على المعلق بالموت وإن تأخر في لفظه، إلا
أن ينص على التسوية أو تقديم المؤخرة.
وفي تقديم بعض المنجزات على بعض بحسب السبق تردد، وقطع
الفاضل بعدم التقديم لأنه قصد إلى الجميع، والشيخ بالبدأة بالأول فالأول لأنه
ممنوع من التصرف فيما زاد على الثلث.
وقال ابن حمزة: مع العطف في الوصية والقصور يقدم الأول فالأول، ولو
أوصى لواحد بكرة ولآخر ضحوة يقدم الأخير لأنه رجوع، وقال الشيخ في
الخلاف: لو أوصى بثلثه لزيد ثم أوصى بثلثه لعمرو ولم يجيزوا فالثانية ناسخة
للأولى بإجماعنا، وتبعه ابن إدريس وزاد فيه أنه لو لم يقل: " بثلثي " وأوصى لآخر
فإنه يقدم الأول.
وفي الخلاف والمبسوط: لو أوصى له بماله ولآخر بثلثه وأجازوا، بطل
الأخير، ولو بدأ بالثلث وأجازوا، أعطي الأول الثلث والأخير الثلثين، وفي المبسوط
لو أوصى له بنصف ولآخر بثلث ولآخر بربع ولم يجيزوا، قدم الأول بالثلث،
371

والجمع بين الأول وبين هذا مشكل لأن تجاوز الثلث إن كان علة في الرجوع
ثبت في الموضعين وإلا انتفى فيهما، إلا أن يجعل إضافة الثلث إلى الموصي في
الموضعين قرينة، لأن الثلث الثاني هو الأول، ولا يطرد في الوصية بالكل
وبالنصف لأن ذلك ليس له، ويلزم من هذا أنه لو قال: سدسي لفلان، ثم قال:
ثلثي أو ربعي لآخر، إنه يكون رجوعا، وفي المختلف لا رجوع في جميع الصور
إلا أن يصرح به أو تدل قرينة عليه.
تنبيه:
يستحب إقلال الوصية، فالخمس أفضل من الربع وهو أفضل من الثلث
ونص عليه علي عليه السلام، وقال ابن حمزة: الثلث مع غنى الورثة أفضل
والربع مع توسطهم والخمس مع فقرهم، وهو تخصيص للعموم وخروج عن
المشهور، وقال علي بن بابويه: إذا أوصى بماله كله فهو أعلم، ويلزم الوصي إنفاذه
لرواية عمار: إن أوصى به كله فهو جائز له، وحملها الشيخ على من لا وارث له،
فجوز الوصية بجميع المال ممن لا وارث له، وهو فتوى الصدوق وابن الجنيد
لرواية السكوني.
ومنع الشيخ في الخلاف من الزيادة على الثلث مطلقا، وهو مختار ابن
إدريس والفاضل، ولو أجاز الوارث النصف ثم ادعوا جهالة التركة حلفوا على
ما ظنوا، ولو كانت الوصية بمعين لم تسمع منهم، والفرق بناؤهم على الأصل في
الأول وعلى خلافه في الثاني، ولو قيل: بالسوية، كان وجها.
درس [3]:
يعتبر في الموصى له أمور ثلاثة:
الأول: وجوده، فلا تصح الوصية للمعدوم وإن علقه بالموجود، كقوله: لما
تحمل المرأة، أو لمن يوجد من أولاد زيد.
372

والميت معدوم، ولو ظن وجوده فظهر ميتا بطل. ولو قال: ثلثي لفلان فإن
مات قبلي أو كان ميتا فهو لفلان صح، وكذا لو قال: هو لزيد فإن قدم عمرو فله،
فإن مات الموصي قبل قدومه ثم قدم بعد موته، ففي مستحقه وجهان لحصول
الصفة، وسبق استحقاق الحاضر.
وثانيها: صحة تملكه، فلو أوصى للملك أو للحائط أو للدابة بطل، إلا أن
يقصد الصرف إلى علفها، ولو جمع بين من يملك وبين من لا يملك أعطي
المالك النصف.
وتصح الوصية للحمل بشرط انفصاله حيا لدون ستة أشهر من حين الوصية،
أو فوقها إلى سنة مع خلو المرأة من زوج أو مولى، ولو كانت مشغولة لم يأخذ
لاحتمال تجدده، وربما قيل: يستحق، عملا بالعادة الغالبة من الوضع لأقصى
الحمل، وقال ابن إدريس: يشترط قبول وليه بعد انفصاله حيا، وفي المختلف
يمكن عدم اشتراطه لوجوب ذلك على الولي مع المصلحة، فإذا امتنع سقطت
وصارت الولاية إلى الشارع، وقد حصل بالإيجاب، وفي هذه المقدمات منع
ظاهر.
ولو تعدد الحمل قسم الموصى به على العدد بالسوية وإن اختلفوا في
الذكورة والأنوثة، ولو قال: إن كان في بطنها ذكر فله ديناران وإن كان أنثى
فدينار، فاجتمعا استحقا، بخلاف إن كان الذي في بطنها ذكر، فإنه لو ظهر أنه
أنثى لم يكن لها شئ لعدم قيد الاستحقاق.
ولو أوصى لحملها من فلان فنفاه باللعان، فالأقرب عدم استحقاقه مع ظن
تعلق الغرض بنسبه، ولو أوصى للحمل من الزنى صح إذ لا معصية فيه، إلا أن
يقصد المعصية.
ولا تصح الوصية للمرتد عن فطرة لعدم صحة تملكه، ومن قال بدخول
المكاتب بسبب ملكه لزمه صحة الوصية له، ولا تصح الوصية لعبد الغير وإن
تشبث بالحرية، إلا المكاتب على ما اخترناه، ولو تحرر منه شئ صح بحسابه، ولو
373

أوصى لعبده صح وعتق من الوصية وفاضلها له وإن قصرت عن قيمته سعى في
الباقي سواء كانت الوصية بجزء مشاع أو معين على الأقوى، وقيل: إذا بلغت
قيمته ضعف الوصية بطلت، ولم نجد به مقنعا، ولو أوصى لعبد وارثه فالأقرب
البطلان، وفي المبسوط يصح.
وثالثها: كونه غير حربي، فتبطل الوصية للحربي وإن كان رحما إلا أن يكون
الموصي من قبيله، ويظهر في المبسوط والمقنعة صحة الوصية له مع كونه رحما،
وأما الذمي فكالوقف، ومنع القاضي من الوصية للكافر مطلقا، وفي رواية محمد
بن مسلم: أعطه وإن كان يهوديا أو نصرانيا لقوله تعالى " فمن بدله بعد ما
سمعه... " الآية، وتصح للمرتد عن غير فطرة لا عنها، إلا أن يقول بملك
الكسب المتجدد.
ولو أوصى للكافر بمصحف أو عبد مسلم بطل على الأقوى، تعظيما لشعائر
الله، ولو أوصى المسلم لذوي قرابته لم يدخل الكفار، وكذا لأهل قريته، ولو
كان الموصي كافرا لم يدخل المسلمون عملا بالقرينة.
درس [4]:
لا يشترط تعيين الموصى له على الأقرب لعموم الآية، فلو أوصى لأحد هذين
أو أحد هؤلاء أو رجل أو امرأة صح ويتخير الوصي أو الورثة، ويمكن قويا القول
بالقرعة مع الانحصار كأحد هذين، وضعيفا التشريك بينهما أو الوقف حتى
يصطلحا.
ولو أوصى لمواليه فكما مر في الوقف، وكذا القول في الجيران والعشيرة
ومستحق الزكاة والسبيل.
ولو أوصى للفقراء بربع وللمساكين بخمس وجب التمييز، ولو أطلق أحد
اللفظين ففي دخول الآخر خلاف سبق، والقراء - حافظوا القرآن استقلالا - فلا
يكفي القراءة من المصحف على الأصح، نعم لا يخرج عن ذلك بسهو أو غلط في
374

بعض الأحيان، والعلماء - الفقهاء والمفسرون والمحدثون إذا علموا الطريق
وفي دخول الأدباء وجه لتوقف علم الشريعة عليها.
والوصية للقبيلة المتبددة يتناول الموجود، ولا تجب التسوية ولا الاستغراق،
والأرامل اللاتي فارقن أزواجهن بموت وشبهه، والأيامى الخاليات من البعل،
والعزاب من لا أزواج لهم، وفي المتسري نظر من إباء العرف ومن الحث على
إزالة العزوبة بالتزويج، والأعقل والأعلم والأزهد والأورع والأتقى وغيره من
صفات المبالغة الظاهر حمله على الإمام، ولو علم عدم إرادته نزل على من يغلب
على الظن اتصافه بذلك.
وإطلاق الوصية يقتضي التسوية، ولو فضل أتبع، وفي الأعمام والأخوال
صحيح زرارة بالتفضيل كالإرث، وعليه الشيخ وابن الجنيد، والقرابة المعروفون
بنسبه وقصرهم ابن الجنيد على الأب الرابع تأسيا بالنبي صلى الله عليه وآله في
تفرقة الخمس، وقال الشيخان: يقصر على من تقرب باب وأم مسلمين، وفي
الخلاف لم أجد عليه دليلا، وربما احتج بعضهم عليه بقول النبي صلى الله عليه وآله
: قطع الإسلام أرحام الجاهلية، ويتوجه عليه المطالبة لصحة السند أولا
وبوجه الدلالة ثانيا وبمساواة باقي أقسام الكفر لكفر الجاهلية ثالثا.
ولو أوصى لجارحه بعد الجرح صحت الوصية وإن كان الجرح قاتلا، ولو
أوصى لزيد ثم قتله زيد ففي بطلان الوصية نظر من التنزيل على المنع من الإرث
وعدمه، وأطلق في الخلاف الصحة، وأطلق ابن الجنيد المنع لقاتل العمد.
وتصح الوصية للوارث كما تصح للأجنبي للآية والحديث المنافي محمول
على نفي وجوب الوصية الذي كان قبل نزول الفرائض.
ولا حجر على الموصى له فيما يدفع إليه، بل يصنع به ما شاء إلا أن يعين
الموصي وجها، ولو أوصى بعتق نسمة أجزأ الذكر والأنثى والخنثى، ولو قيدها
بالإيمان وجب، فإن ظنه فظهر الخلاف أجزأت ولو تعذر أعتق من لا يعرف
بنصب رواه علي بن حمزة، واستضعفه القاضي ورده ابن إدريس، وقال المحقق:
375

إذا لم يوجد من يعلم إيمانه جاز عتق مجهول الحال لأصالة الإيمان في المسلمين،
وعليه منع ظاهر، ولو قيدها بثمن معين أتبع فإن تعذر إلا بالأقل دفع إليها الباقي،
وإن تعذر كاملة أجزأ الشقص، ولو قال: أعتقوا رقابا أو عبيدا أو أعبدا، وجب
ثلاثة فصاعدا.
فروع لابن الجنيد:
الأول: لو قال: إذا حج عني عبدي بعدي فهو حر، وخرج من الثلث فليس
للورثة منعه من الحج وعتق إذا حج وإن لم يكن سواه سعى في ثلثي قيمته فإذا
أداها أمر بالحج فإن حج عتق كله وإلا رق، ويشكل بأنه تعليق للعتق بشرط،
وجوز في المختلف للوارث منعه من الحج.
الثاني: لو قال: أعتقوها على أن لا تتزوج، ففعلوا ثم تزوجت لم يبطل عتقها،
ولو قال: أعتقوها إن تابت من الغناء، ففعلوا ثم رجعت بطل عتقها، وسوى بينهما
في المختلف ولم يذكر الحكم، لو قال نصراني: هي حرة إن أقامت على دينها،
فأقامت عتقت، فلو أسلمت لم يبطل عتقها وإن تهودت بطل، والفرق انتقالها إلى
الأعلى في الأول والأدون في الثاني.
الثالث: لو أوصى بثلثه لرجلين فقبل أحدهما خاصة أو كان أحدهما ميتا
فالثلث للقابل والحي، ويشكل بعدم قصد الموصي.
درس [5]:
لا تصح الوصية بملك الغير ولو أجاز الغير احتمل النفوذ، ولو قال: إن
ملكت مال فلان فقد أوصيت به للفقراء، احتمل الصحة لأنه أولى من الوصية
بالمعدوم وهي جائزة، واحتمل المنع لأن مالكه يتمكن من الوصية به، فلو تمكن
غيره منه لكان الشئ الواحد محلا لتصرف مالكين وهو محال، ويجاب بأن
المحال اجتماعهما على الجمع لا على البدل.
376

وتصح الوصية بالمجهول للأصل ولقوله صلى الله عليه وآله إن الله تصدق
عليكم عند وفاتكم بثلث أموالكم زيادة في حسناتكم، وقد لا يعلم المكلف ثلث
ماله فلو أوصى بالنصيب أو القسط أو بمال قليل أو حقير أو كثير أو عظيم أو جليل
أو خطير عين الوارث ما شاء إذا لم يعلم من الموصي إرادة قدر معين، أما الجزء
فالعشر لرواية أبان بن تغلب، فإن أضيف إلى جزء آخر فعشره كجزء من ثلثي
لصحيحة عبد الله بن سنان، وتمثل بالجبال العشرة، وروى البزنطي عن أبي
الحسن عليه السلام السبع، وروي أنه سبع الثلث وحملها الشيخ على الندب،
والسهم الثمن لرواية صفوان وهو الأظهر، وروى طلحة بن زيد أنه العشر، وفي
كتابي الفروع أنه السدس كما قاله علي بن بابويه، والشئ السدس، والكثير
محمول على النذر عند الشيخ وأنكره ابن إدريس فيحمل على ما يفسره الوارث
وهو حسن.
ولو عين الموصي أبوابا فنسي الوصي بابا منها أو أبوابا صرف في وجوه البر
على الأشهر لمكاتبة الهادي عليه السلام وفي الحائرية، واختاره ابن إدريس يعود
ميراثا.
ويدخل جفن السيف وحليته في الوصية به على الأظهر لرواية ابن جميل،
وفي الصندوق ما فيه من مال لهذه الرواية، وفي السفينة ما فيها من طعام لرواية
عقبة بن خالد في رجل قال: هذه السفينة لفلان ولم يسم ما فيها، وفيها طعام،
أيعطاها الرجل وما فيها؟ قال: هي للذي أوصي له بها، إلا أن يكون صاحبها متهما
وهي غير صريحة في المطلوب، والعمل بالقرينة هنا متوجه، وحمل المفيد
الجراب المشدود على الصندوق المقفل، وكذا حمل الوعاء المختوم، وقال
القاضي: لو أوصى له بسلة زعفران دخل، وكذا قال: يدخل الشرب في الوصية
بالضيعة وما شابهه إذا كان عدلا، فإن كان متهما لم تنفذ الوصية في أكثر من ثلثه،
وقيد في النهاية بهذا القيد أيضا، وكأنهما يريانه إقرارا.
ولو أوصى له بعبد ولآخر بتمام الثلث صح، فإن مات العبد قبل الموصي
377

بطلت الوصية به وأعطي الآخر القيمة، فلو كان قيمته مائة وباقي المال خمسمائة
أعطي الثاني مائة، ويشكل بأن الثلث الآن أنقص من الأول، وكذا لو عاب أو
رخص.
ولو ضم الواجب كالحج والدين إلى المتبرع به وحصرها في الثلث وقصر،
قدم الواجب ودخل النقص على الأخير للنص وفتوى الجماعة، والقول بأنه
يكمل الواجب من الأصل، ليس الأخير مذهبنا.
ولو أوصى بجزء مشاع كالثلث والربع نزل على الإشاعة في جميع
التركة، فله من كل عين أو منفعة ذلك الجزء، ومؤونة القسمة هنا من التركة على
تردد لأنه صار شريكا، ومن وجوب التسليم إلى الموصى له الموقوف على القسمة
ومالا يقسم باق على الشركة.
درس [6]:
إذا أوصى له بعبد من عبيده تخير الوارث، ولا ينزل على الإشاعة بحيث
يكون للموصى له عشرهم لو كانوا عشرة مثلا، ولهم إعطاء الصحيح والمعيب،
ولو ماتوا إلا واحدا تعين للوصية، ولو ماتوا أجمع قبل موته أو بعده ولما يفرط
الوارث بطلت، ولو قتلوا لم تبطل ويطالب بقيمة ما عين له، ولو كان قتلهم قبل
موته فالظاهر البطلان لتعلق الوصية بالعين لا بالقيمة، بخلاف ما بعد الموت لأن
الموصي يملك العين فيملك بدلها.
والشاة تقع على المعز والضأن والذكر والأنثى، ولو قال: أعطوه عشرا من
الشياه جاز إعطاء الذكور والإناث، وكذا عشرة، ولو قال أعطوه عشرا من الإبل،
فالإناث وإن قال: عشرة، فالذكور.
ولو أوصى له بمثل نصيب ابنه وليس له سواه فالنصف، واحتمل الفاضل
الجميع، ويضعف بأنه خلاف الظاهر إذا الظاهر توريث ابنه، فلو رد فالثلث على
الاحتمالين، ولو كان له ابنان فالثلث، وهكذا، ولو أوصى بمثل نصيب أحد وراثه
378

حمل على أقلهم نصيبا ما لم يعين غيره.
ولو ترك ابنا وأربع زوجات فله سهم من ثلاثة وثلاثين، ولو قال: مثل
نصيب الابن فله ثمانية وعشرون من ستين يزاد على أصل المسألة اثنين وثلاثين،
ولو ردوا فهي من ثمانية وأربعين، ولو أجاز بعضهم ضربت وفق مسألة الإجازة في
مسألة الرد، والوفق بالجزء من اثني عشر فتضرب أربعة في ستين أو خمسة في
ثمانية وأربعين تبلغ مائتين وأربعين.
فمن أجاز أخذ نصيبه من مسألة الإجازة مضروبا في وفق مسألة الرد، ومن
رد أخذ نصيبه من مسألة الرد مضروبا في وفق مسألة الإجازة، فبإجازة الابن
خاصة للموصى له مائة وثمانية، وللابن مائة واثنا عشر، وللزوجات عشرون،
وبإجازة الزوجات خاصة للموصى له أربعة وثمانون ولهن ستة عشر وللابن مائة
وأربعون.
ولو أجاز بعضهن فله نصيبها من المجاز وهو سهم واحد مزيد على ثلث
التركة وهو ثمانون، وإن شئت مع إجازة البعض أن تدفع الثلث إلى الموصى له
ويقسم الباقي بين الوراث فريضة على تقديري الإجازة وعدمها، فيأخذ الموصى له
التفاوت منه، فيدفع هنا إلى الموصى له ثمانين، ثم يقسم الباقي وهو مائة وستون
فريضة، للزوجات عشرون وللابن مائة وأربعون، هذا على تقدير الرد، وفي تقدير
الإجازة للابن مائة واثنا عشر وللزوجات الأربع ستة عشر، ويظهر من ذلك بأن
الزائد عن الثلث في مسألة الإجازة وهي ستون ثمانية أسهم وقد صارت مضروبة
في أربعة فيكون اثنين وثلاثين سهما، فتقسيمها فريضة فيكون للزوجات أربعة
وللابن ثمانية وعشرون، فالتفاوت بين نصيبي الابن ثمانية وعشرون وبين نصيب
كل واحدة من الزوجات سهم، فبالإجازة من البعض يدفع ذلك التفاوت.
ولك طريق ثالث وهو أن تنظر ما زاد على الثلث في مسألة الإجازة، فتقسمه
بين الورثة فريضة، فإن انقسم صحت المسألتان من مسألة الإجازة، وإن انكسر
ضربت مسألة الإجازة في مخرج الكسر وقد عرفت أن الزائد على الثلث هنا
379

ثمانية، فتقسمها على الورثة فينكسر في مخرج الربع فتضرب أربعة في ستين
فتبلغ مائتين وأربعين ويبقى الزائد على الثلث اثنان وثلاثون فتقسم بين الورثة كما
مر.
فلو أجاز الزوجات دون الابن صحت المسألة من ستين، لأن الموصى له
يأخذ نصيبهن من الزائد وهو سهم، ويبقى للابن سبعة.
ولو أوصى له بضعف نصيب ولده أعطي مثليه، وبضعفيه ثلاثة أمثاله وفي
المبسوط أربعة أمثاله، وبثلاثة أضعافه أربعة أمثاله، والأصل فيه أن ضعف الشئ
هو ومثله، وضعفاه هو ومثلاه وهكذا، وعلى قول المبسوط كل ضعف مثلان.
ولو أوصى بنصيب وارث فإن قصد عزله من الإرث فالأقرب البطلان وإلا
حمل على المثل، وأطلق في الخلاف البطلان، وأطلق بعض الأصحاب الصحة
والحمل على المثل.
ولو أوصى بنصيب من لا نصيب له كالكافر والقاتل والعبد حمل على مثله،
ولو قال: بمثل نصيبه، قال: في المبسوط يبطل إذ لا نصيب له، وفي المختلف
يبطل إن علم كونه لا نصيب له لكونه قاتلا، وإلا صحت الوصية.
تتمة:
يجوز الرجوع في الوصية " صريحا " مثل قوله: رجعت، أو لا تعطوه ما
أوصيت له به، أو " كناية " يفهم منها ذلك مثل قوله: هو ميراث أو حرام على
الموصى له، أو " فعلا " يستلزم الرجوع كالبيع لمتعلق الوصية، أو الوصية به
لآخر، أو الهبة وإن لم تقبض وكذا الرهن، وكذا لو طحن الحنطة أو عجن الدقيق
أو نسج الغزل أو خلط الزيت المعين بغيره.
ولو أوصى له بمائة ثم أوصى له بمائة فهي واحدة، ولو كانت الثانية بمائتين
تداخلتا وكان الجميع مائتين.
ولو أوصى له بدار فانهدمت قبل الموت وخرجت عن الاسم بطلت عند
الشيخ، وقال الفاضل: يعطي العرصة.
380

المسائل لابن طي
المقصد الثالث: الوصية:
وفيه مسائل
مسألة [1]: لو أوصى إلى شخص بأن يخرج عنه في صلاة يجوز أن يخرج
عن موصيه إذا حضرته الوفاة وإن لم يأذن له الموصي.
مسألة [2]: إذا أوصى الميت بالصلاة سقط عن الولد الأكبر واستحق الأخير
الأجرة، ولو قال لولده: إن شئت أن تستأجر عني من مالي وإن شئت تصلي،
فصلى صح وأيهما فعل برئ، ولو قال: إن شئت أن تستأجر من مالك وإن شئت
تصلي بنفسك، قيل: لم يصح لأن هذا ليس إليه ويجب أن يصلي عن أبيه حينئذ.
مسألة [3]: الميت إذا أوصى بصلاة يجب إخراجها من الأصل أم لا؟ الأحوط
ذلك، وقيل: من الثلث.
مسألة [4]: لو كان على شخص دين ومهر ومات وتركته قاصرة عن المهر
والدين، هل تقسط التركة على المهر والدين أو تصرف التركة في المهر؟ وهل
يكون فرق بين تقديم الدين على المهر وبالعكس أم لا؟
الجواب: بل تقسط التركة على الدين والمهر، سواء تقدم أو تأخر ما لم يكن
381

المهر لزم بتزويج في المرض ولم يدخل، فإنه يبطل ويصرف في الدين.
مسألة [5]: منع الجمهور من الوصية للوارث، ويرون أنه من أوصى لوارثه
فقد استقل ما فرض الله تعالى، وابن بابويه من أصحابنا منع من ذلك أيضا.
مسألة [6]: الصوم الواجب كالقضاء لرمضان والكفارة، ويخرج من الأصل
مع الوصية وبدونها، وكذا السدر والكافور والماء والأرض التي يدفن فيها مع
تعذر المسبلة، والكفارات المخيرة والمرتبة كالعتق كل هذه من الأصل أيضا،
والمندوب والمجهول من الثلث لكن يخرج في المخيرة القدر المجزئ عن الأصل
والزائد من الثلث.
مسألة [7]: الوصي لا يصح أن يستأجر على شرط الخيار له ولا لغيره، لأنه
أنما يملك إيقاع العقد اللازم، وكذا كل مأذون له كالوكيل وغيره.
مسألة [8]: إذا أوصى إلى شخص بإخراج حج مثلا أو غيره من التركة، هل
للوصي أن يبيع من التركة وينفذ ما أوصى به أو يتوقف على إذن الورثة؟ أو أن
بذلوا المال الذي يبيع به الوصي من التركة لأجله فليس له التصرف وإن أبوا
ذلك باع أفتنا مأجورا؟
قال: الأحوط الاستئذان وإن بذلوا المال فلا يبع.
مسألة [9]: لو أوصى لرجل بشئ ليصلي به أو يحج، هل يفتقر إلى عقد مع
نفسه أو يكتفي بمجرد الوصية في الكل؟ وعلى تقدير ألا يقبل ويرد الوصية هل
يستأجر غيره أو يبطل ويعود ميراثا أفتنا مأجورا؟
الجواب: قبوله كاف عن العقد، ولو رد استؤجر غيره.
382

مسألة [10]: إذا أوصى بالكرم الفلاني لزيد وهو حامل ثمره وما علمنا نفي
الثمرة ولا إثباتها هل تدخل في الوصية أم لا؟ قال: لا تدخل. مسألة
[11]: لو أوصى بسيف دخل الجفن والحلية.
مسألة [12]: إذا نسي الوصي وجها صرفه في وجوه البر، وقيل: يعود ميراثا
والتفصيل أولى، فمع الوجوب يعود ميراثا ومع الندب في وجوه البر، إلا مع
التخصيص بذلك الوجه فيعود ميراثا مطلقا.
مسألة [13]: الوصي بنفس فسقه يزول وكذا الوكيل وتظهر الفائدة في
تصرفاته.
مسألة [14]: لو أوصى إلى اثنين فمات أحدهما أو فسق ضم الحاكم إليه، هذا
نقل عن شيخنا رحمه الله.
مسألة [15]: لو ضمن الولي أو الوصي ما في ذمة الموصى إليه أو المولى عليه
صح فله الرجوع إن نواه عند الضمان.
مسألة [16]: الولاية في مال الصبي والسفيه والمجنون للأب والجد للأب
ومع عدمهما للوصي، وتختص ولاية الحاكم على المفلس والغائب.
مسألة [17]: لو أوصى بزائد عن الثلث فأجاز الوارث ثم رجع الموصي
بطلب الوصية والإجازة، فلو عاد الموصي أوصى ثانيا هل للموصى له أو لا تملك
العين الموصى بها أو لا؟
383

قال: لا تستصحب الإجازة بل يفتقر إلى إجازة ثانية.
مسألة [18]: شخص أوصى بوصايا ونصب له وصيا وأوصى للوصي بقدر
أجرته فأجاز الورثة الوصايا إلا أجرة الوصي الموصى بها؟
قال: تخرج أجرته من الأصل على عمله في الوصايا الواجبة منها ومن الثلث
في المندوبة.
مسألة [19]: شخص عند موته قالت له امرأته: ما توكل على أولادك؟ قال:
أنت وكيلتهم، قال: صارت وصيتهم بذلك.
مسألة [20]: إذا أوصى أن يتصدق عنه كان مصرفه مصرف الزكاة دون
غيرهم.
مسألة [21]: لو أوصى بما لا يخرج من الثلث إلا بالإجازة والوارث طفل
يعجل ما يخرج من الثلث والباقي موقوف إلى أن يبلغ، قال: إذا كان مال غيره
يؤخر وإلا فلا.
مسألة [22]: يجوز رد الوصية بالولاية والمال بعد الموت، والأشبه المنع في
الولاية إلا مع العذر.
مسألة [23]: لو نصب إنسان وصيا على أطفاله وله على الإنسان مال وتعذر
الاستيفاء إلا بأخذ عروض، والوصي رأى في ذلك مصلحة فأخذ الوصي بذلك
المال بستانا للأطفال، فهل يجوز للولي إذا رأى في بيعه مصلحة وما لهم حاجة إلى
بيعه غير أن البيع أعود وأصلح لهم أو لا؟ وعلى تقديره هل يجوز بيعه بنقيصة
384

عما أخذه أم لا؟
قال: يجوز إذا كان البيع أصلح ولو كان بنقيصة إن
كان الأخذ في زمان
كان فيه مصلحة بذلك الثمن.
مسألة [24]: إذا أوصى إنسان بالصدقة من ثمرة بستانه بقدر ينهض به الثلث
فهل للورثة بيع هذا البستان المذكور مع إعلام المشتري؟ وعلى تقدير الصحة
وفقد الوصي هل يتولى الإخراج الورثة أو لا بد من إذن الحاكم؟
قال: صحة البيع قوية، وإذا لم يعين صارفا فالحاكم.
مسألة [25]: الوصي لو كان له ملك أقل من مال
اليتيم جاز أن يتجر في مال اليتيم بقدر ما معه لا غير لنفسه، ويجوز لليتيم مع المصلحة مطلقا.
مسألة [26]: إذا قال إنسان بأن وصي فلان استأجرني عنه للصلاة بكذا وأنا
قد صليتها، ثم أوصى عند وفاته برد المال المذكور إلى الوصي المذكور، هل
يكون من ثلث ماله لاعترافه بالصلاة؟ وما حكم الوصي في هذا المال إذا أوصل
إليه؟ وإذا امتنع من قبضه ما حكم ورثة الموصي؟
قال: إن علم أنه تبرع منه كان من الثلث وإلا فهو من الأصل، وإذا امتنع
الوصي قبضها الوارث واستأجر بها، فإن لم يكن فالحاكم.
مسألة [27]: إذا أوصى بعتق رقبة مؤمنة يجزئ ولد المؤمن وإن لم يكمل
عقله.
مسألة [28]: إذا أوصى بالحبوة يصح إذا خرجت من الثلث وبطلت الحبوة،
وإن لم تخرج من الثلث وقفت على إجازة المحبو خاصة.
385

مسألة [29]: قوله: لا يجوز له نصب وصي على ولده الصغير أو المجنون مع
الجد بل الولاية للجد، في بطلانها مطلقا إشكال، قال: يبطل إذا لم يصرح أو يعلم
من قصده الولاية على غير الأطفال أو في المال أي الثلث.
مسألة [30]: هل يشترط العدالة في الوصي، قال: الأحوط ذلك، وقيل: لا
يشترط، وفي الأب الفاسق إشكال، قال: له الولاية.
مسألة [31]: هل يعتبر الشرط حال الوصية أو الوفاة؟ خلاف أقربه الأول،
فلو أوصى إلى طفل أو مجنون أو كافر ثم مات بعد زوال المانع الأقرب البطلان.
مسألة [32]: لو أوصى إنسان إلى رجل فاسق وقلتم: الوصية باطلة لأجل
الفسق، فهل يبطل ما أوصى به الوصي من الواجبات أو غيرهما أو يكون الإيصاء
إلى الفاسق باطل ويجب على الورثة إنفاذ ما أوصى به في الواجبات أو غيرها؟
ولو تصرف هذا الوصي الفاسق الذي هو وصي فيها ببيع وغيره يكون جميع
تصرفه فيه باطل أم لا؟
قال: لا يبطل الوصايا قطعا ويجب على الوارث إنفاذ ما أوصى به في
الواجبات وغيرها والحاكم ولو تصرف كان باطلا والحال هذه إن قلنا ببطلان
وصيته.
مسألة [33]: لو أوصى بنصف ماله فأجاز الورثة وظنوا أنه قليل فبان كثير،
قال: يعطي نصف الذي ظنوا وثلث الباقي.
مسألة [34]: لو أجاز الورثة الوصية، فإذا قلنا ليس لهم الرجوع بعد الوفاة
فهل لهم الرجوع في حياة الموصي؟ قال: الظاهر لا.
386

مسألة [35]: لو كان للوصي على الميت مال فباع بعض عقار الميت لنفسه
بماله عليه، فتنازع عليه الوصي وورثة الميت في الابتياع، فهل يقبل دعواه بغير
بينة؟ ولو كان للميت متاع غير العقار هل يكون للوصي بيعه والاستيفاء منه؟
وهل يحكم بعدم صحة بيع العقار إذ له التخصيص في الاستيفاء بأي عوض
شاء؟
قال: لا بد من البينة ولا يبيع إلا ما الأعود بيعه على الوارث ولو تخطأه
وقف على الإجازة.
مسألة [36]: لو قال: جعلت لك أن تضع ثلثي في من شئت، فله أن يأخذ كما
يعطي غيره صحيح.
مسألة [37]: قوله: ولو نازعه في تاريخ موت أبيه إذ به تكثر النفقة أو دفع
المال إليه بعد البلوغ فالقول قوله مع يمينه، قال: يقدم قول الولد.
مسألة [38]: قوله: ولو تشاحا لم ينفرد أحدهما بالتصرف إلا فيما لا بد منه
كأكل اليتيم ولبسه، ويحتمل المنع مع نهيه عن التفرد فيضمن المنفق، قال: لا
ضمان إذا اقتصر على ما لا بد منه.
مسألة [39]: قال: للوصي أخذ أجرة المثل عن نظره في مال الطفل، وقيل:
قدر الكفاية، وقيل: أقلهما، فهل يأخذ أجرة مثله في صنعته وتجارته لو كان أو
أجرة مثل من يعمل مثل عمله في هذا الحال الأخير حق؟ نعم.
مسألة [40]: قوله: ولو أوصى إليه بتفريق ثلثه فامتنع الوارث عن إخراج
ثلث ما في يده، فالأقرب إخراج الثلث كله مما في يده، وهل إذا امتنع الوارث
387

من إخراج الوصية بالكلية والوصي قادر على الإخراج فهل له أن يقطع بقدر
المال المذكور وإن كره الوارث أم لا؟ نعم له الاقتطاع.
مسألة [41]: لو أوصى له بحنطة فطحنها - إلى قوله - على إشكال في ذلك
كله، فهل هذا رجوعا أم لا؟ وكذا في جعل الخبز فتيتا؟ لا إشكال إن حصلت
قرينة الرجوع كان رجوعا.
مسألة [42]: لو أوصى بثلث ماله لزيد ثم باع المال لم يكن البيع رجوعا
بخلاف ثلث معين أو عين مخصوصة.
مسألة [43]: الوارث إذا أجاز الوصية قبل الوفاة لزمه حكم الإجازة؟ قال:
نعم يلزمه، وأيضا الطفل الموقوف الوصية على إجازته إن كان موسرا أخر نصيبه
وإلا صبر عليه ولا يوقف شئ قريب.
مسألة [44]: في إنسان قال لإنسان مريض: أوص لي بكرمك الفلاني وأنا
أقضي عنك صلاة كذا كذا سنة، فقال المريض: أوصيت لك، ومات المريض
فهل يلزم المقضى له بالكرم وجوبا أو ندبا؟
قال: إن كان قد أوصى له بالكرم في مقابلة الصلاة وعينها لم يكن له أخذه
إلا بالصلاة.
مسألة [45]: لو قال المريض: خذ هذا البستان وصلي عني به، فهل يصلى
عنه بمهما شاء أو بقدر قيمته؟ قال: بل بالقيمة.
مسألة [46]: قال: ليس للولي أو الوصي أن يأخذ أحدهم أجرة مع الغنى،
388

وأما مع فقره فله أقل الأمرين من الأجرة والكفاية، وحد الغنى الذي لا يجوز معه
التناول ما يحرم عليه الزكاة فعلا وقوة، هذا إذا عمل الفقير عملا جرت العادة
بمثله كحق النظر وطي القماش ونشره وأمر العمال، أما لو تولى عملا جرت
العادة بالاستئجار عليه قاصدا الرجوع بالأجرة أو استأجر نفسه من نفسه لذلك
العمل، فإن الأولى استحقاق الأجرة هنا غنيا كان أو فقيرا.
مسألة [47]: قال السيد: لو أوصى بمال لأشخاص بدين في ذمته ليس
للوصي أن يسلم أحدا شيئا إلا بعد إحلافه أن الحق باق في ذمته لجواز إبرائه من
غير علمه؟
قال شيخنا: هذا يقوى إن بقي الموصي حيا بعد هذا الإيصاء بزمان، وإن قل
لجواز الإيفاء أيضا.
مسألة [48]: قال لا تصح الوصية للخائن.
مسألة [49]: لو تمكن الوصي من إنفاذ ما أوصى إليه وجب إنفاذه وإن لم
يكن معه شاهد، ولو شهد رجل واحد بالوصية وضم إليه اليمين هل يثبت الجميع
أو النصف؟
الجواب: يثبت الجميع، وإذا انفرد الرجل ثبت الربع.
مسألة [50]: لو أوصى بقدر في صلاة وصدقة مندوبة فهل تقسط عليهما أو
تختص به الصلاة إذا كنا نعلم أن ذمته مشغولة أم لا؟
قال: بل تختص به الصلاة وإن تأخرت في الإيصاء، وقيل: بل يقدم
المندوب عليها مع تأخيرها مع قصور الثلث.
389

مسألة [51]: إذا أوصى أن يتصدق عنه كل سنة في يوم معين بثمر بستان
كيوم الغدير مثلا فتأخرت الثمرة عن ذلك الزمان أو أثمرت وتعذر قبض الثمن
في الوقت، فهل يسقط أو يؤخر إلى القابل؟ قال: بل يؤخر إلى الغدير المقبل.
مسألة [52]: لو أوصى إنسان إلى غيره بالتصرف في شئ وجعل شخص
آخر ناظر عليه فمات الوصي فهل للناظر التصرف في ذلك الشئ في الوجوه
التي عينها الموصي أو تبطل هذه الوصية لفقد الوصي؟
قال: إن فهم منه مراجعة الناظر وأن الناظر لا عمل له بطل نظره، وإن أراد
كونهما وصيين لم تبطل على قول.
مسألة [53]: لو أوصى إنسان بأن يتصدق عنه كل سنة بخمسين درهما مثلا
من ثمرة بستان، فانتقل البستان إلى الورثة ومنهم مكلف وطفل والصدقة على
الحصص بالنسبة، فمن يتولى الصدقة عن الطفل على تقدير عدم الوصي أو لا
شئ على الطفل؟ وإذا فاتت الصدقة ولم يفعل في الوقت المعين فهل يجب
القضاء؟
قال: إذا خرجت الصدقة من الثلث أخرجها الحاكم مع فقد الوصي، فإن
تعذر فبعض المؤمنين وتقضى.
مسألة [54]: لو كان لإنسان على ميت مال وله وصي وأولاد صغار، فجاء
يطلب حقه فأبى الوصي أن يسلمه إلا ببينة فهل يجوز للوصي أن يمكنه من أخذ
قدر حقه أم لا؟
قال: يجوز حلف أولاء ولا يكون مأثوما ولا ضمان على الوصي ولا الآخذ.
مسألة [55]: إذا أوصى لشخص فمات الموصى له قبل الموصي أو القبض،
390

وقلنا لوارثه القبول والملك، فهل هو كالإرث أو الوصية؟ وجهان لم يقل شيئا.
مسألة [56]: لو أوصى إنسان بصلاة على سنين معدودة وقال: بكسوفاتها،
وأطلق فكم يكون مقدار ما يستأجر له من الكسوفات؟
قال: الأولى لكل عام صلاة كسوف وصلاة خسوف لأنه الغالب في
الكثرة.
مسألة [57]: لو أوصى إنسان ببستان يخرج عنه من الثلث في حج مثلا ولم
يكن مثمرا ثم أثمر قبل أن يستأجر به فهل النماء للورثة أو يستأجر به مع الأصل
في الوجه المذكور أفتنا مأجورا؟ قال: النماء للورثة.
مسألة [58]: إذا ادعى أحد الأوصياء على أصحابه الخيانة، هل له إحلافه أم
لا؟ وإذا أشهد بعض الأوصياء لبعض بالولاية على التصرف هل يقبل أم لا؟
قال: إن كان الأوصياء مجتمعين ومنفردين فله إحلافه وإلا كان أمره إلى
الحاكم، وإن شهد الآخر بالولاية على ما ليس للآخر فيه ولاية قبلت شهادته وإلا
فلا.
مسألة [59]: إذا أوصى بتركته أجمع لأحد ولديه فهل تبطل هذه الوصية أو
يختص الموصى له بالثلث ثم يقسمان الباقي مع عدم الإجازة؟
مسألة [60]: لو مات إنسان وعليه دين ولم يخلف شيئا غير الكفن، قال
الشيخ: يسقط الدين فهل يسقط في الدنيا والآخرة لا إلى بدل أو يأخذ من حسناته
في الآخرة أو يعوض الله سبحانه بكرمه؟
الجواب: أما في الآخرة فلا يسقط الدين بل هو باق في ذمة المديون ويأخذ
391

الله تعالى من ذلك المديون أو يعوض عنه بكرمه.
مسألة [61]: لو كان على الميت دين ففي جواز قضائه من دون إذن الحاكم
نظر، ولو كان الدين للأطفال على الميت استوفاه الوصي للطفل، فلو صدقه الورثة
كان له إخراج الدين مع امتناعهم من ذلك.
مسألة [62]: لو أقر الوارث العدل أن مورثه أوصى لزيد بالثلث حلف زيد
معه إن كان وارثا غيره، فإن أقام آخر شاهدين بالوصية له بالثلث ولم تجز الورثة
فالأقرب تشاركهما مع اتحاد المجلس أو الإطلاق وإلا حكم للأخير، وإن لم يكن
عدلا فالثلث لمن أقام البينة، وهل يأخذ المقر له من حصة المقر شيئا؟ إشكال أقربه
الأخذ، ذكره في التحرير.
مسألة [63]: لو شهد عدل من أهل الذمة مع الضرورة قبل وثبت الجميع
مع اليمين وإلا الربع، وكذا الذمية مع الضرورة.
مسألة [64]: إذا أوصى بتفريق ثلثه فامتنع الورثة من إخراج ثلث ما في
أيديهم كان للوصي أن يخرج الثلث مما في يده تجانس أو اختلف، ذكره في
" القواعد " واستشكله في " التحرير ".
مسألة [65]: لا تقبل شهادة الورثة بعزل الوصي ولا بانضمام غيره إليه، وكذا
لو شهد أجنبي مع التهمة ولا بتخصيصه، ولو شهد تقيان من الورثة بعين أو دين
قبلت شهادتهما وإن خرجت ولاية الوصي عما شهدوا به.
مسألة [66]: لو أوصى له أن يصلي بما له من الدين صح ولا تحتاج إلى
392

استئجار.
مسألة [67]: لو أوصى له بشئ منجزا ولم يخرج من الثلث جاز له التصرف
في حياة الموصي وبعد موته؟ يقف على الإجازة فيما زاد على الثلث.
مسألة [68]: لو أوصى له بشئ ولم يجز الوارث صح في ثلثه، وللوارث
الخيار في أي ثلث أراد إذا قسمه أثلاثا.
مسألة [69]: لو أوصى إنسان أن يستأجر عنه من يصلي يعمل فيه بقرائن
الأحوال، فإن كان يعلم منه أن قصده براءة الذمة يجوز أن يصلي الولي عنه،
بخلاف ما إذا أوصى إلى شخص معين يصلي عنه لا يجوز.
مسألة [70]: لو أوصى إليه بأن يتصدق وكانت صدقة مندوبة لا بد فيها من
أربعة: الإيجاب والقبول والقبض ونية القربة.
مسألة [71]: إذا مات وفي ذمته خمس أو زكاة وكذا إذا كان عليه دين أو
حج أو صلاة أو غير ذلك من الحقوق، هل يجب على الوصي أو الوارث
إخراجها إذا علما بها أو لا؟
الجواب: إن كان وصيا بلفظ عام أو خاص وجب إخراجه وكذلك يجب
الإخراج على الوارث العالم بذلك بغير إشكال، أما الصلاة فلا يجب الاستئجار
عنها إلا مع الإيصاء لعدم تعلقها بالمال وإنما هي عمل من الأعمال تنفع نفس
الموصي.
مسألة [72]: هل يجوز للوصي تسليم الأجرة قبل العمل أم لا؟ وهل يجوز
393

للوصي الإقالة في ذلك أم لا مع أنه بالاستئجار زالت وصيته؟
الجواب: لا يجوز إلا أن يعلم من قصد الموصي الإذن في التسليم عملا
بالعادات المستمرة وإن كان وصيا في تحصيل الحج عنه، وبالجملة إن كان
هناك قرينة تدل على عموم وصيته فله الإقالة مع المصلحة وإلا فلا.
مسألة [73]: الفرق بين الذي في بطنها وما في بطنها أن في بطنها يصدق على
الذكر والأنثى في الشاملة، والذي في بطنها يختص بالصفة لأن التقدير الحمل
الذي في بطنها، فإذا خالف الصفة لم يدخل في الوصية.
مسألة [74]: إذا أوصى بمال يشترى به ملك يكون وقفا على من يقرأ شيئا من
القرآن ويهدي ثوابه له وعين المقري أنه يكون فلان، ثم أن الوصي لم يتهيأ له
شراء ذلك لتعذره، فهل يجوز للوصي أو لذلك المقرئ أنه يتجر بالمال ليزداد
إلى أن يجد ملكا يشتريه بذلك المال وبما زاد عليه من ربح ثم يوقفه ليزداد ثوابه
أم لا؟ وكذا المال الموصى به للزيارة هل يجوز التصرف فيه بالتجارة مع تعذر
المستأجر كذلك ليزداد بالربح أم لا؟
الجواب: إذا عين الموصي المال وشخصه وأفرده لم تجز التجارة فيه أصلا
لأنه تبديل للوصية وهو منهي عنه ويترقب الممكن من إنفاذه فيما أوصى به، وكذا
الكلام في المال المرصد للزيارة.
مسألة [75]: إذا قال إنسان للموصى إليه بإخراج حجة أو صدقة أو غيرها من
القرب: أعطني إياها وأنا أملكك بعضها أما بالنذر أو العهد أو اليمين أو الجعالة،
فهل يصح ذلك أم لا؟ وما المانع من ذلك؟
الجواب: هذا تبديل ولا يحل على الوصي فعل ذلك ولا ما أخذه أما بالنسبة
إلى الأخير فلا إثم عليه إذا كان لا يتوصل إلى ذلك إلا به، نعم لو تبرع من غير
394

مواطاة فلا حرج فيه.
مسألة [76]: قال دام ظله: يجوز للوصي إقراض مال الطفل مع المصلحة
كالولي، قوله في كتاب الوصايا: ولو أوصى بأشياء تطوعا فإن رتب بدأ بالأول
فالأول، معنى الترتيب أن يقول: حجوا عني، ثم تصدقوا وهكذا، وقوله: فإن جمع
أخرجت من الثلث، معنى الجمع أنه لو كان له وكيل يتصدق عنه وآخر يستأجر
عنه للحج وآخر للصوم وهكذا، وأوقع الوكلاء العقود دفعة واحدة وإلا فلا يتهيأ
معنى الكلام بغير هذا والله أعلم.
مسألة [77]: قال عميد الدين رحمه الله: إذا أوصى إنسان إلى غيره بأن يقف
على أقوام عينا أو يدفع إليهم مالا فقبل الموصى إليه ثم رد الوصية وبلغ الموصي،
ثم أن الموصي مات؟ لهم مطالبة الورثة بالوقف والمال، فإن لم يكن ورثة
فالحاكم، ولو امتنع الوصي من القبول لهم أيضا مطالبة الورثة أو الحاكم.
مسألة [78]: لو مات إنسان وأوصى لصغير بثلث ماله فهل يجب على الوصي
قبول الوصية أم لا؟ ولو تصرف هذا الوصي في بعض ما أوصى للصغير به هل
يكون ذلك قبولا؟ ولو مات الطفل فقال الوصي: إني قبلت قبل موته، وقال ورثة
الموصي: لم يقبل، فهل يصدق في ذلك من غير يمين أم لا؟ ولو قال: لم أقبل،
وقال ورثة الطفل: بل قبلت، ويصدق أم لا؟
الجواب: القول قول ورثة الموصي والقول قول الوصي في عدم القبول.
مسألة [79]: إذا أوصى إنسان بأن يذبح عليه رأسين معز أو ثلاثة أكيال
طحين وأطعمها عليه فهل يجوز للوصي أن يأكل من ذلك أم لا؟ وهل يصح أن
يأكل قطعتين أم لا لأن العادة قاضية بجلوس خمسة خمسة والقطاع كذلك
395

خمسة خمسة؟
الجواب: يعمل بقرينة الحال.
مسألة [80]: على القول بجواز تصرف بعض المؤمنين في مال الأيتام إذا لم
يكن وصيا ولا حاكما فهل للمتصرف أخذ الأجرة أو أقل الأمرين أو لا؟ وما يقول
مولانا دام ظله في شخص توفي وخلف عقار كرم عنب وتين وخلف ورثة
وما لهم شئ غيره وإن خلوة يتلف كل أصل فيه، فهل يجوز بيعه أم لا؟ أفتنا
مأجورا؟
الجواب: إن كان طلقا صح بيعه من الوصي أو الوارث الكامل، وإن كان
وقفا فلا ويعتبر في بيع الوصي المصلحة.
مسألة [81]: هل تصح الوصية للقاتل؟ قيل: لا، لعموم قول النبي صلى الله عليه وآله
: ليس للقاتل شئ، ولأنه مال يملك بالموت فاقتضى أن يمنع منه
القاتل كالميراث على أن الميراث أقوى التمليكات.
مسألة [82]: لو أوصى بثمرة بستان للحج دائما كل سنة وفضل عن أجرة
الحج فضلة لا تكفي لحجة أخرى، هل للوصي وللوارث التكسب بها مع
الضمان؟ يحتمل ذلك للأصل، والمنع لعدم دخوله في ملك الوارث، فلو
تكسب وربح وكان الشراء بالعين احتمل صرفه إلى الحج وإلى الوارث على
بعد لأنه ليس له وسبيله سبيل حج الإسلام.
مسألة [83]: لو أوصى الميت أن يطعموا عليه كذا كذا رأس معز مثلا وذبحوا
البعض وتركوا البعض، يجب عليهم أن يذبحوا الباقي في وقت آخر ويدعوا
المؤمنين وتكون هذه الجلود للورثة.
396

قال السيد:
مسألة [84]: لو أوصى بحجة الإسلام في ملك معين أو أوصى بدين كذلك،
ثم نما هذا الملك قبل إخراجها في وجهة لمن يكون النماء؟ وكذا لو عينه في
حجة مندوبة؟
الجواب: النماء المتصل تابع، والمنفصل إن كان قد حصل في حال الحياة
فهو من التركة وبعد الوفاة للورثة مع عدم قصور الأصل عن الوجه الموصى
بصرفه.
مسألة [85]: إذا كانت الوصية في الحج بغلة بستان أو دار فمؤونتها على
الوارث لأنها ملكه ويحتمل تقديمها على الوصية لتوقفها عليها.
مسألة [86]: لو أوصى بحمل الجارية صح، ولو جنى عليه جان كانت الدية
للموصى له بخلاف ما لو كان حمل دابة فإنه إذا جنى فسقط ميتا بطلت الوصية
لأن فيه ما نقص من الأم خاصة.
مسألة [87]: إذا أجاز بعض الورثة بشرط أن يجيز شريكه في الميراث، ثم لما
أجاز لم يعد شريكه يجيز؟ قال: تلزمه الإجازة وليس له فسخها.
397