الكتاب: الينابيع الفقهية
المؤلف: علي أصغر مرواريد
الجزء: ٤٠ق٢
الوفاة: معاصر
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤١٣ - ١٩٩٣ م
المطبعة:
الناشر: مؤسسة فقه الشيعة - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: أشرف على جمع أصولها الخطية وترتيبها حسب التسلسل الزمني وعلى تحقيقها وإخراجها وعمل قواميسها علي أصغر مرواريد

سلسلة الينابيع الفقهية 2
القصاص والديات
أشرف على جمع أصولها الخطية وترتيبها حسب التسلسل
الزمنى وعلى تحقيقها واخراجها وعمل قواميسها
على أصغر مرواريد
1

الخلاف الخلاف
تأليف شيخ الطائفة
أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (قدس سره)
385 - 460 ه‍. ق
3

كتاب الجنايات
مسألة 1: يقتل الحر بالحرة إذا رد أولياؤها فاضل الدية وهو خمسة آلاف
درهم، وبه قال عطاء إلا أنه قال: ستة آلاف درهم، وروي ذلك عن الحسن
البصري، ورواه عن علي عليه السلام.
وقال جميع الفقهاء: إنه يقتل بها، ولا يرد أولياؤها شيئا، ورووا ذلك عن
علي عليه السلام وابن مسعود.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم وأيضا قوله تعالى: والأنثى بالأنثى، فدل
على أن الذكر لا يقتل بالأنثى.
مسألة 2: لا يقتل مسلم بكافر سواء كان معاهدا أو مستأمنا أو حربيا، وبه
قال في الصحابة علي عليه السلام وعمر وعثمان، وزيد بن ثابت، وفي التابعين
الحسن البصري وعطاء وعكرمة، وفي الفقهاء مالك والأوزاعي والثوري
والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق، وإليه ذهب أبو عبيدة وأبو ثور.
وذهبت طائفة إلى أنه يقتل بالذمي ولا يقتل بالمستأمن ولا بالحربي، ذهب
إليه الشعبي والنخعي وأبو حنيفة وأصحابه، والمستأمن عند أبي حنيفة كالحربي.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا قوله تعالى: ولن يجعل الله
للكافرين على المؤمنين سبيلا، ولم يفصل، والمراد بالآية النهي لا الخبر لأنه لو
5

كان المراد الخبر لكان كذبا.
وروى أبو هريرة وعمران بن حصين وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن
النبي صلى الله عليه وآله قال: لا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده.
وروى أبو داود عن أحمد بن محمد بن حنبل، ومسدد عن يحيى بن سعيد
عن سعيد بن أبي عروة عن قتادة عن الحسن البصري عن قيس بن عباد قال:
انطلقت أنا والأشتر إلى علي فقلنا له: هل عهد إليك رسول الله شيئا لم يعهده إلى
الناس عامة؟ فقال: لا إلا ما في كتابي هذا، فأخرج كتابا من قراب سيفه فإذا فيه
مكتوب: المؤمنون تتكافأ دماؤهم وهم يد على من سواهم، ويسعى بذمتهم أدناهم
ألا لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده.
مسألة 3: إذا قتل كافر كافرا ثم أسلم القاتل لم يقتل بالكافر، وبه قال
الأوزاعي، وقال جميع الفقهاء أنه يقتل به.
دليلنا: عموم قوله " لا يقتل مسلم بكافر " فمن خصه فعليه الدلالة.
مسألة 4: إذا قتل الحر عبدا لم يقتل به سواء كان عبد نفسه أو عبد غيره،
فإن كان عبد نفسه عزر وعليه الكفارة، وإن كان عبد غيره عزر وعليه قيمته، وهو
إجماع الصحابة، وبه قال الشافعي.
وقال النخعي: أقتله به سواء كان عبده أو عبد غيره، وقال أبو حنيفة: يقتل
بعبد غيره ولا يقتل بعبد نفسه.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا قوله تعالى: الحر بالحر والعبد
بالعبد، فلما قال " الحر بالحر " دل على أنه لا يقتل بالعبد، ولما قال العبد بالعبد
دل على أنه لا يقتل عبد بحر وإلا كان تكرارا.
وروى عمرو بن دينار عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله قال: لا
يقتل حر بعبد - وهذا نص -، وروي عن علي عليه السلام أنه قال: من السنة أن لا
6

يقتل حر بعبد، وقوله " من السنة " يعني به سنة رسول الله صلى الله عليه وآله،
وهذا حديث مشهور، وفيه إجماع، روي ذلك عن علي عليه السلام وأبي بكر
وعمر وعبد الله بن الزبير وزيد بن ثابت ولا مخالف لهم.
مسألة 5: إذا جنى العبد تعلق أرش الجناية برقبته فإن أراد السيد أن يفديه
كان بالخيار بين أن يسلمه برقبته أو يفديه بمقدار أرش جنايته، وللشافعي فيه
قولان: أحدهما يفديه بأقل الأمرين من قيمته أو أرش جنايته، والثاني بالخيار بين
أن يفديه بأرش الجناية بالغا ما بلغ أو يسلمه للبيع، وهذا مثل ما قلناه.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 6: إذا قتل عبدا عشرة أعبد فأراد سيده أن يقتلهم كان له إذا رد على
مواليهم ما يفضل عن قيمة عبده، وقال الشافعي: له أن يقتلهم ولا يجب عليه رد
شئ.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 7: إذا اختار قتل خمسة وعفا عن الخمسة كان عليه أن يرد على
موالي الخمسة الذين يقتلهم ما يفضل عن نصف قيمة عبده وليس له على الذين
عفا عنهم شئ، وقال الشافعي: له أن يقتل الخمسة وليس عليه لمواليهم شئ،
وله على موالي الذين عفا عنهم نصف الدية يلزم كل واحد منهم عشر القيمة.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 8: دية العبد قيمته ما لم تتجاوز دية الحر فإن تجاوزت لم يلزم أكثر
من دية الحر، وكذلك القول في دية الأمة قيمتها ما لم تتجاوز دية الحرة فإن
تجاوزت لم يلزمه أكثر من دية الحرة، وبه قال أبو حنيفة ومحمد إلا أنه قال: إلا
7

عشرة دراهم من دية الحر في الموضعين.
وقال الشافعي: ديته قيمته بالغا ما بلغ، وكذلك القول في الأمة ديتها قيمتها
بالغا ما بلغ، وبه قال مالك والثوري وأبو يوسف وأحمد وإسحاق.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا الأصل براءة الذمة وما ذكرناه مجمع عليه،
وما زاد عليه ليس عليه دليل.
مسألة 9: لا يقتل الوالد بولده سواء قتله بالسيف خذفا أو ذبحا وعلى أي
وجه كان، وبه قال في الصحابة عمر بن الخطاب، وفي الفقهاء ربيعة والأوزاعي
والثوري وأبو حنيفة وأصحابه والشافعي وأحمد وإسحاق.
وقال مالك: إن قتله خذفا بالسيف فلا قود وإن قتله ذبحا أو شق بطنه فعليه
القود، وبه قال عثمان البتي.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده
عن عمر بن الخطاب أن النبي صلى الله عليه وآله قال: لا يقتل والد بولد، وروى
عمرو بن دينار عن طاووس عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله قال: لا
تقام الحدود في المساجد ولا يقتل والد بولده.
مسألة 10: الأم إذا قتلت ولدها قتلت به، وكذلك أمها وكذلك أمهات
الأب وإن علون، فأما الأجداد فيجرون مجرى الأب لا يقادون به لتناول اسم الأب
لهم.
وقال الشافعي: لا يقاد واحد من الأجداد والجدات والأم وأمهاتها في
الطرفين بالولد، وهو قول باقي الفقهاء لأنه لم يذكر فيه خلاف.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا قوله تعالى: كتب عليكم
القصاص... الآية، وكذلك قوله: النفس بالنفس... الآية، ولم يفصل فوجب
حملها على العموم إلا ما أخرجه الدليل.
8

مسألة 11: لا ترث الزوجة من القصاص شيئا وإنما القصاص يرثه الأولياء
فإن قبلوا الدية كان لها نصيبها منها، وقال الشافعي: لها نصيبها من القصاص.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 12: إذا كان أولياء المقتول جماعة فعفا أحدهم لم يسقط حق الباقين
من القصاص وكان لهم ذلك إذا ردوا على أولياء المقاد منه مقدار ما عفي عنه.
وقال الشافعي: إذا عفا بعض الأولياء عن القود سقط القصاص ووجب
للباقين الدية على قدر حقهم، وبه قال باقي الفقهاء.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم وأيضا قوله تعالى: ومن قتل مظلوما فقد
جعلنا لوليه سلطانا، وهذا ولي، وأيضا فقد ثبت لجمعهم حق القصاص قبل أن
يعفو بعضهم، فمن ادعى سقوط هذا الحق عند عفو بعضهم فعليه الدلالة.
مسألة 13: الأطراف كالأنفس فكل نفسين جرى القصاص بينهما في
الأنفس جرى في الأطراف سواء اتفقا في الدية أو اختلفا فيها كالحرين والحرتين والحر
والحرة والعبدين والأمتين، والعبد والأمة، والكافرين والكافرتين، والكافر
والكافرة، ويقطع أيضا الناقص بالكامل دون الكامل بالناقص، وكل شخصين
لا يجري القصاص بينهما في الأنفس كذلك في الأطراف كالحر والعبد،
والكافر والمسلم طردا وعكسا، وبه قال الشافعي.
إلا أن عندنا إذا اقتص للحرة من الرجل الحر في الأطراف ردت فاضل
الدية، وقال أبو حنيفة: الاعتبار في الأطراف بالتساوي في الديات فإن اتفقا في
الدية جرى القصاص بينهما في الأطراف كالحرين، والمسلمين والكافرين،
والكافر والمسلم، فإن الدية عنده واحدة، والحرتين، والكافرتين والمسلمتين،
والكافرة والمسلمة، بلى إن اختلفا في الدية سقط القصاص بينهما في الأطراف
كالرجل بالمرأة والمرأة بالرجل، وكذلك لا يقطع العبد بالحر عنده لأن قيمة
9

العبد لا يدرى كم هي، ولا يتفقان أبدا في الدية والقيمة عنده، ولا يقطع عبد بعبد
لأن القيمة لا تتفقان فيهما حقيقة وإنما هو تقريب، فعنده أن أطراف العبد لا تؤخذ
قودا بحال، فقد أمن العبد أن يؤخذ أطرافه قودا، والكلام معه في فصلين: هل
يجري القصاص بين الرجل والمرأة في ما دون النفس؟ وهل يجب القصاص
على العبد فيما دون النفس أم لا؟
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم وأيضا قوله تعالى: والعين بالعين والأنف
بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص، ولم يفصل.
مسألة 14: إذا قتل جماعة واحدا قتلوا به أجمعين بشرطين:
أحدهما: أن يكون كل واحد منهم مكافئا له، أعني إذا انفرد كل واحد منهم
بقتله قتل وهو أن لا يكون فيهم مسلم مشارك الكفار في قتل كافر ولا والد
شارك غيره في قتل ولده.
والثاني: أن يكون جناية كل واحد منهم لو انفرد بها كان منها التلف، فإذا
حصل هذا في الحياة والجناية قتلوا كلهم به، وبه قال في الصحابة علي عليه
السلام وعمر بن الخطاب والمغيرة بن شعبة وابن عباس وفي التابعين سعيد بن
المسيب والحسن البصري وعطاء وفي الفقهاء مالك والأوزاعي والثوري
وأبو حنيفة وأصحابه والشافعي وأحمد وإسحاق إلا أن عندنا أنهم لا يقتلون بواحد
إلا إذا رد أولياؤه ما زاد على دية صاحبهم، ومتى أراد أولياء المقتول قتل كل
واحد منهم كان لهم ذلك ورد الباقون على أولياء هذا المقاد منه ما يزيد على
حصة صاحبهم، ولم يعتبر ذلك أحد من الفقهاء.
وقال محمد بن الحسن: القياس أن لا يقتل جماعة بواحد ولا تقطع أيدي
بيد، إلا أنا تركنا القياس في القتال للأثر، وتركنا الأثر في القطع على القياس.
وذهبت طائفة إلى أن الجماعة لا تقتل بالواحد لكن ولي المقتول يقتل منهم
واحدا ويسقط من الدية بحصته ويأخذ من الباقين الباقي من الدية على عدد الجناة،
10

ذهب إليه في الصحابة عبد الله بن الزبير ومعاذ، وفي التابعين ابن سيرين
والزهري.
وذهبت طائفة إلى أن الجماعة لا تقتل بالواحد ولا واحد منهم، ذهب إليه
ربيعة بن أبي عبد الرحمان وأهل الظاهر داود وأصحابه.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم وأيضا قوله تعالى: ولكم في القصاص
حياة يا أولى الألباب، ومعناه أنه إذا علم أنه إذا قتل قتل ولا يقتل فيبقي الحياة، فلو
كانت الشركة تسقط القصاص لبطل حفظ الدم بالقصاص لأن كل من أراد قتل
غيره شاركه آخر في قتله فبطل القصاص.
وقال الله تعالى: ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في
القتل، ومن قتله ألف أو واحد فقتل مظلوما فوجب أن يكون لوليه سلطان في
القود به، وروى أبو شريح الكعبي أن النبي صلى الله عليه وآله قال: ثم أنتم
يا خزاعة قد قتلتم هذا القتل من هذيل وأنا والله عاقلته فمن قتل بعده قتيلا فأهله
بين خيرتين، إن أحبوا قتلوا وإن أحبوا أخذوا الدية، ولم يفصل بين الواحدة
والجماعة وهو إجماع الصحابة، وروي عن علي عليه السلام وعمر وابن عباس
والمغيرة.
وروى سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب قتل نفرا خمسا أو سبعا برجل
قتلوه قتل غيلة، وقال عمر: لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم جميعا.
وروي عن علي عليه السلام أنه قتل ثلاثة قتلوا واحدا، وعن المغيرة بن شعبة
أنه قتل سبعة بواحد، وعن ابن عباس أنه إذا قتل جماعة واحدا قتلوا به ولو كانوا
مائة.
مسألة 15: إذا ثبت أنه يقتل الجماعة بالواحد فأولياء المقتول مخيرون بين
العفو عنهم، وبين أن يقتلوا الجميع ويردوا فاضل الدية، وبين أن يقتلوا واحدا
ويرد الباقون بحصتهم من الدية على أولياء المقاد منه.
11

وقال الشافعي: أولياؤه مخيرون بين العفو عنهم ويأخذون من كل واحد
منهم بمقدار ما يصيبه من الدية، وبين أن يقتلوا واحدا منهم ويعفوا عن الباقين
ويأخذوا منهم بمقدار ما يصيبهم من الدية.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 16: إذا قطع رجل يد إنسان وآخر رجله وأوضحه الثالث فسرى
إلى نفسه فهم قتلة فإن أراد ولي الدم قتلهم قتلهم وليس له أن يقتص منهم ثم
يقتلهم.
وقال الشافعي: له أن يقطع قاطع اليد ويقتله، وكذلك يقطع رجل قاطع الرجل
ويقتله وكذلك يوضح الذي أوضحه ويقتله.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 17: إذا اشترك جماعة في جرح يوجب القود على الواحد كقلع
العين وقطع اليد ونحو ذلك فعليهم القود، وبه قال الشافعي وربيعة ومالك
وأحمد وإسحاق، وقال الثوري وأبو حنيفة: لا يقطع الجماعة بالواحد.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا قوله تعالى: والعين بالعين، إلى
قوله عز وجل: والجروح قصاص، ولم يفصل.
وروي أن رجلين شهدا عند علي عليه السلام على رجل بالسرقة فقطعه، ثم
أتياه بآخر وقالا: هذا الذي سرق وأخطأنا على الأول، فرد شهادتهما على الثاني
وأوجب عليهما دية يد، وقال: لو علمت أنكما تعمدتما لقطعتكما، وموضع الدلالة
أنه أوجب القصاص بالجناية الحكمية فبأن يوجبه بالجناية المباشرة أولى.
مسألة 18: إذا ضربه بمثقل يقصد بمثله القتل غالبا كاللت والدبوس
والخشبة الثقيلة والحجر الثقيل فعليه القود، وكذلك إذا قتله بكل ما يقصد به
12

القتل غالبا مثل أن حرقة أو غرقه أو غمه حتى تلف أو هدم عليه بيتا أو طينه عليه
بغير طعام حتى مات أو والى عليه بالخنق فقتله، ففي كل هذا القود، فإن ضربه
بعصا خفيفة فقتله نظرت: فإن كان نضو الخلقة ضعيف القوة والبطش يموت مثله
منها فهو عمد محض، وإن كان قوي الخلقة والبطش لم يكن عمدا محضا، وبه
قال مالك وابن أبي ليلى وأبو يوسف ومحمد والشافعي.
وذهبت طائفة إلى أنه متى قتله بالمثقل - أي مثقل كان - فلا قود، وكذلك
لجميع ما ذكرناه ذهب إليه الشعبي والنخعي والحسن البصري وأبو حنيفة،
وفصل أبو حنيفة فقال: لا قود إلا إذا قتله بمحدد أو بالنار أو بمثقل حديد كالعمود
ونحوه ففيه القود.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا قوله تعالى: ومن قتل مظلوما فقد
جعلنا لوليه سلطانا، وهذا قتل مظلوما، وأيضا ما روي عن النبي صلى الله عليه
وآله من حديث أبي شريح الكعبي، وقد قدمناه في من قتل بعده قتيلا فأهله بين
خيرتين، إن أحبوا أخذوا الدية وإن أحبوا قتلوا، ولم يفصل.
وروى سعيد عن هشام عن زيد عن جده أنس، أن جارية كان لها أوضاح
فوضح رأسها يهودي بحجر، فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وآله وبها
رمق فقال لها: من قتلك؟ فلان قتلك؟ إلى أن قالت: نعم، برأسها، فأمر به
رسول الله صلى الله عليه وآله فقتل بين حجرين، فدل على وجوب القود بالمثقل.
مسألة 19: إذا أخذ صغيرا فحبسه ظلما فوقع عليه حائط أو قتله سبع أو
لسعته حية أو عقرب فمات كان عليه ضمانه، وبه قال أبو حنيفة، وقال الشافعي: لا
ضمان عليه.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا طريقة الاحتياط تقتضيه، وأما إذا
مات حتف أنفه فلا ضمان عليه بلا خلاف.
13

مسألة 20: إذا طرحه في النار على وجه لا يمكنه الخروج منها فمات، كان
عليه القود بلا خلاف، فإن طرحه بحيث يمكنه الخروج فلم يخرج حتى مات إما
أن يكون بالقرب من موضع ليس فيه نار بأن يكون على طرف لو تحرك
لخرج منها، أو يقول: أنا أقدر على الخروج لكني لا أخرج، فأقام حتى مات، لم
يكن عليه قود بلا خلاف، وهل فيه الدية؟ للشافعي فيه قولان: أحدهما فيه الدية
لأنه الجاني بإلقائه، والثاني لا دية لأنه أعان على نفسه، وإنما عليه ضمان ما جنته
النار بإلقائه فيها، وهذا هو الصحيح، فذهب إليه.
الدليل على ذلك: أن الأصل براءة الذمة فلا يعلق عليها إلا ما يقوم عليه
دليل، ولا دليل على وجوب الدية في ذلك.
مسألة 21: إذا ألقاه في لجة البحر فهلك كان عليه القود سواء كان يحسن
السباحة أو لم يكن يحسنها بلا خلاف بيننا وبين الشافعي.
وإن ألقاه بقرب الساحل وكان مكتوفا سواء يحسن السباحة أو لم يحسنها
مثل ذلك، وإن كان يحسن السباحة وكان مخلى وعلم من حاله أنه أمكنه
الخروج فلم يفعل ذلك حتى هلك فلا قود عليه، وفي الدية طريقان، وفي
أصحابه من قال على قولين مثل مسألة النار، ومنهم من قال: لا ضمان هاهنا قولا
واحدا، وهو الصحيح.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 22: إذا ألقاه في لجة البحر فقبل وصوله إلى الماء ابتلعته سمكة،
للشافعي في وجوب القود عليه قولان: أحدهما عليه القود لأنه أهلكه بنفس الإلقاء،
وهو الصحيح الذي نذهب إليه، والثاني أنه لا قود عليه لأن الهلاك حصل بغيره،
كما لو رماه من شاهق فاستقبله آخر بسيف فقده بنصفين فإن القود على القاتل
بالسيف دون الرامي.
14

دليلنا: أن نفس الإلقاء قد حصل به الهلاك ألا ترى أنه لو لم تبلعه الحوت
كان هالكا، فكان الحوت أتلفه بعد أن حصل فيه ما فيه هلاكه كما لو قتله ثم
ألقاه.
مسألة 23: يدخل قصاص الطرف في قصاص النفس ودية الطرف
تدخل في دية النفس، مثل أن يقطع يده ثم يقتله أو يقلع عينه ثم يقتله فليس عليه
إلا قتله أو دية النفس ولا يجمع بينهما، وبه قال أبو حنيفة.
وقال الشافعي: لا يدخل قصاص الطرف في قصاص النفس وتدخل دية
الطرف في دية النفس.
وقال أبو سعيد الإصطخري: لا تدخل دية الطرف في دية النفس مثل
القصاص.
وقال أبو حامد: يدخل قصاص الطرف في قصاص النفس وديته في ديتها
إلا أن له أن يقطع يده ثم يقتله لا على وجه القصاص لكن ليقتله على الوجه الذي
قتله، كما لو أجافه ثم قتله فإن له ذلك على أحد القولين وإن كانت الجائفة لا
قصاص فيها، قال: ولو على وجه القصاص لجاز أن يقتص من الطرف ثم يعفو
عن قود النفس على مال، وأجمعوا على أن ذلك ليس له فعلم أنه لم يكن ذلك
على وجه القصاص.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا الأصل براءة الذمة، وما أوجبناه
مجمع عليه، وما زاد عليه يحتاج إلى دليل.
مسألة 24: إذا قطع مسلم يد مسلم فارتد المقطوع ثم عاد إلى الإسلام قبل
أن يسري إلى نفسه ثم مات كان عليه القود، وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما
قلناه، والثاني أنه لا قود عليه.
دليلنا: قوله تعالى: النفس بالنفس، وقوله تعالى: الحر بالحر والأنثى
15

بالأنثى، ولم يفصل.
مسألة 25: إذا قطع مسلم يد مسلم فارتد المقطوع وثبت على الردة مدة
يكون فيها سراية فلا قود بلا خلاف ثم أسلم فهل يجب كمال الدية أم لا؟
للشافعي فيه قولان: أحدهما يجب كمال الدية، وهو الصحيح، والثاني يجب
نصف الدية، وقال: يجب على العاقلة الدية كاملة إن لم يمكث، وإن مكث فعلى
قولين، والذي يقوى عندي أنه يجب عليه القود فإن قبلت الدية كانت كاملة.
دليلنا: أن الإسلام وجد في الطرفين حال الإصابة، وحال استقرار الدية
فيجب أن تكون الدية كاملة.
مسألة 26: إذا قطع مسلم يد مسلم فارتد ولحق بدار الحرب أو قتل في
حال الردة أو مات فلا قصاص عليه في اليد، وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما
قلناه وهو اختيار أبي العباس، والثاني عليه القصاص وهو المذهب، واختاره
أبو حامد.
دليلنا: أنا قد بينا أن قصاص الطرف داخل في قصاص النفس، وإذا كان
لو مات لم يجب عليه قصاص النفس، فكذلك قصاص الطرف لأنه داخل فيه.
مسألة 27: إذا جنى جان على يد عبد غيره في حال الرق فقطع يده ثم
أعتق فجنى عليه آخران حال الحرية فقطع أحدهما يده والآخر رجله ثم مات فإنه
يجب على الجاني في حال الرق ثلث قيمة العبد وقت جنايته ما لم يتجاوز ثلث
الدية، فإن تجاوز وجب عليه ثلث الدية، وللشافعي فيه قولان: أحدهما للسيد أقل
الأمرين من أرش الجناية أو ثلث الدية، والآخر للسيد أقل الأمرين من
ثلث القيمة أو ثلث الدية مثل ما قلناه.
دليلنا: أنه لما جنى عليه جان كان هو ملك للسيد فلما أعتق جنى عليه
16

آخران في غير ملكه، ولو جنى عليه جان في ملكه وآخران في غير ملكه ثم مات
عبدا مثل أن باعه السيد بعد جناية الأول فجنى الآخران عليه في ملك المشتري
ثم مات كان عليهم قيمته على كل واحد ثلثها، وهكذا لو جنى عليه الأول ثم ارتد
ثم جنى عليه آخران وهو مرتد ثم مات كان على الجاني قبل الردة ثلث قيمته ثبت
أن على الجاني حال الرق ثلث قيمته إذا مات بعد العتق.
مسألة 28: الإمام عندنا لا يأمر بقتل من لا يجب قتله لأنه معصوم لكن
يجوز ذلك في الأمير، فمتى أمر غيره بقتل من لا يجب قتله وعلم المأمور ذلك
فقتله فإن القود على القاتل بلا خلاف، وإن لم يعلم أن قتله واجب إلا أنه اعتقد أن
الإمام لا يأمر بقتل من لا يجب قتله فقتله، قال الشافعي: لا قود على القاتل والقود
على الإمام، والذي يقتضيه مذهبنا أن هذا المأمور إن كان له طريق إلى العلم بأن
قتله محرم فأقدم عليه من غير توصل إليه فإن عليه القود، وإن لم يكن من أهل
ذلك فلا شئ عليه، وعلى الآمر القود.
دليلنا: أنه إذا كان متمكنا من العلم بذلك فلم يفعل فقد أتى من قبل نفسه،
وباشر قتلا لم يجز له فوجب عليه القود، وإذا لم يكن متمكنا فلا قود عليه بلا
خلاف، وأن القود على الآمر.
مسألة 29: إذا أكره الأمير غيره على قتل من لا يجب قتله فقال له: إن قتلته
وإلا قتلتك، لم يحل له قتله بلا خلاف، فإن خالف وقتل فإن القود على المباشر
دون الملجئ، وفرض الفقهاء ذلك في الإمام والمتغلب مثل الخوارج وغيرهم،
والخلاف في الإمام والأمير واحد.
وللشافعي فيه قولان:
أحدهما: يجب عليهما القود كأنهما باشرا قتله معا، وبه قال زفر قال: وإن عفا
الأولياء فعلى كل واحد منهما نصف الدية والكفارة.
17

والقول الثاني: على الملجئ وحده القود، وعلى المكره نصف الدية، فإن
عفا عن الإمام فعليه نصف الدية، وعلى كل واحد منهما الكفارة.
ولا يختلف مذهبه أن الدية عليها نصفان، وعلى كل واحد منهما الكفارة،
وإن على الإمام القود، وهل على المكره القود؟ على قولين.
وقال أبو حنيفة ومحمد: القود على المكره وحده ولا ضمان على المكره من
قود ولا دية ولا كفارة، وقال أبو يوسف: لا قود على الإمام ولا على المكره، أما
المكره فلأنه ملجأ، وأما الإمام فلأنه ما باشر القتل.
دليلنا: قوله تعالى: ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا، وهذا مقتول
ظلما، وعليه إجماع الصحابة.
وروي أن رجلين شهدا عند علي عليه السلام على رجل بالسرقة فقطعه علي
عليه السلام ثم أتياه بآخر وقالا: هذا الذي سرق وأخطأنا على الأول، فرد
شهادتهما على الثاني، وقال: لو علمت أنكما تعمدتما على الأول لقطعتكما،
فموضع الدلالة أنه عليه السلام قضى بالقصاص على من ألجأ الحاكم إلى القطع
بالشهادة مع قدرة الحاكم على الامتناع من قتله بأن يعدل عن النظر، والمكره
أغلظ حالا من الحاكم فإنه ملجأ إليه على وجه لا يمكنه إلا قتله خوفا على نفسه،
فإذا كان على الشاهد القود فبأن يكون على المكره أولى وأحرى، وهذا دليل
الشافعي وليس فيه دلالة لأنه قياس ونحن لا نقول به، ومعولنا على الآية قوله
تعالى: الحر بالحر والأنثى بالأنثى، وعلى إجماع الفرقة.
وأيضا ما روى عثمان بن عفان أن النبي صلى الله عليه وآله قال: لا يحل دم
امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث، كفر بعد إيمان، أو زنا بعد إحصان، أو قتل نفس
بغير نفس، وهذا قتل نفسا بغير نفس فيجب أن يحل دمه.
مسألة 30: اختلفت روايات أصحابنا في أن السيد إذا أمر غلامه بقتل غيره
فقتله على من يجب القود؟ فرووا في بعضها أن على السيد القود، وفي بعضها أن
18

على العبد القود ولم يفصلوا.
والوجه في ذلك أنه إن كان العبد مميزا عاقلا يعلم أن ما أمره به معصية فإن
القود على العبد، وإن كان صغيرا أو كبيرا لا يميز، ويعتقد أن جميع ما يأمره
سيده به واجب عليه فعله كان القود على السيد، والأقوى في نفسي أن نقول: إن
كان العبد عالما بأنه لا يستحق القتل أو متمكنا من العلم به فعليه القود وإن كان
صغيرا أو مجنونا فإنه يسقط القود ويجب فيه الدية.
وقال الشافعي: إن كان العبد صغيرا لا يعقل ويعتقد أن كلما يأمره به سيده
فعليه فعله أو كان كبيرا أعجميا جاهلا يعتقد طاعة مولاه واجبة وحتما في كل ما
يأمره، ولا يعلم أنه لا طاعة في معصية الله تعالى، فعلى السيد القود لأن العبد
ينصرف عن رأيه فكان كالآلة بمنزلة السكين والسيف، فعلى السيد القود وحده.
وإن كان هذا العبد بهذه الصفة مملوكا لغيره ويعتقد أن أمر هذا الأمير طاعة
في كل ما يأمره به فالحكم فيه كالحكم في عبد نفسه، وإن أمره بقتله فقال:
اقتلني، فقتله، هدر دمه لأنه كالآلة له في قتل نفسه، وإن قال له: أقتل نفسك أيها
العبد، فقتل العبد نفسه وكان كبيرا لا ضمان على الآمر، وإن كان صغيرا لا يعقل
أو كان مجنونا فقال له: أقتل نفسك، فقتلها كان على الآمر الضمان.
وإن كان المأمور حرا صغيرا لا يعقل أو كبيرا جاهلا وأمره بقتله فالقود على
الآمر لأنه كالآلة، وإن قال له: أقتل نفسك، فإن كان كبيرا فلا شئ على الآمر،
وإن كان صغيرا لا يميز فعلى الآمر القود فإن كان المأمور عاقلا مميزا إما بالغا أو
صبيا مراهقا فأمره بقتل رجل فقتله فالحكم متعلق بالمأمور ويسقط الآمر وحكمه
معا، وقد ذكرت الكلام في الجمع بين الأخبار، وسنبين ما يتعلق بهذه المسألة إن
شاء الله تعالى.
وجملة القول في هذه المسائل أن المأمور إذا كان عاقلا مميزا فالضمان عليه،
وإن لم يكن عاقلا ولا مميزا إما لصغر أو جنون فالضمان على الآمر.
19

مسألة 31: إذا جعل السم في طعام نفسه وقربه إلى الغير ولم يعلمه أنه
مسموم فأكله فعليه القود، وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه، والثاني لا
قود عليه بل عليه الدية.
دليلنا: أنه كالقاتل له لأنه عرضه لأكل الطعام وألجأه إليه بالإباحة لأكله
ولم يعلمه، ألا ترى أنه لو أعلمه أن فيه السم لم يختر شربه ولا أكله.
مسألة 32: إذا جعل السم في طعام غيره وجعله في بيت مالكه فدخل
المالك بيته فوجد طعامه فأكله، فعلى الجاعل القود، وللشافعي فيه قولان:
أحدهما لا ضمان عليه قولا واحدا، والثاني أن الحكم فيها كما لو جعله في طعام
نفسه وقدمه إليه، وهو على قولين على ما مضى.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 33: إذا قتل مرتد نصرانيا له ذمة ببذل جزية أو عهد، فإن رجع إلى
الإسلام فإنه لا يقاد به، وإن لم يرجع فإنه يقاد به، وللشافعي فيه قولان: أحدهما
عليه القود على كل حال، وهو اختيار الشافعي والمزني، والثاني لا قود عليه، وهو
اختيار أبي حامد، سواء رجع إلى الإسلام أو أقام على الكفر.
دليلنا: على أنه لا يقتل إذا رجع: قوله: لا يقتل مسلم بكافر، ولم يفصل.
ودليلنا: على أنه يقتل إذا لم يرجع: قوله تعالى: النفس بالنفس، وقوله:
الحر بالحر، ولم يفصل، وقوله تعالى: ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا،
وهذا قتل مظلوما.
مسألة 34: إذا قتل نصراني مرتدا وجب عليه القود، وليس للشافعي فيه
نص، ولأصحابه فيه ثلاثة أوجه: قال أبو إسحاق: لا قود له ولا دية، ومنهم من
قال: عليه القود فإن عفا فعليه الدية، وقال أبو الطيب بن سلمة: عليه القود فإن عفا
20

فلا دية له.
دليلنا: قوله تعالى: النفس بالنفس، والحر بالحر، ولم يفصل.
في أن المحصن إذا زنا يجب قتله
مسألة 35: إذا زنا وهو محصن فقد وجب قتله وصار مباح الدم، وعلى
الإمام قتله فإن قتله رجل من المسلمين فلا قود عليه، وللشافعي فيه قولان: أحدهما
- وهو المذهب - مثل ما قلناه، وفي أصحابه من قال: عليه القود، وليس بمذهب.
دليلنا: إجماع الصحابة، روي ذلك عن علي عليه السلام وعمر ولم
يخالفهما أحد.
روى سعيد بن المسيب أن رجلا من أهل الشام يقال له رزين جبيري وجد
مع امرأته رجلا فقتله وقتلها فأشكل على معاوية بن أبي سفيان القضاء فيه فكتب
معاوية إلى أبي موسى الأشعري يسأل له عن ذلك علي بن أبي طالب عليه
السلام، فقال له علي عليه السلام: إن هذا الشئ ما هو بأرضنا عزمت عليك
لتخبرني، فقال أبو موسى الأشعري: كتب إلى في ذلك معاوية، فقال علي: أنا
أبو الحسن - وفي بعضها القرم - إن لم يأت بأربعة شهداء فليعط برمته، وروي عن
عمران رجلا قتل إنسانا وجده مع امرأة أخيه فأهدر عمر دمه.
مسألة 36: روى أصحابنا أن من أمسك إنسانا حتى جاء آخر فقتله أن
على القاتل القود وعلى الممسك أن يحبس أبدا حتى يموت، وبه قال ربيعة.
وقال الشافعي: إن كان أمسكه متلاعبا مازحا فلا شئ عليه، وإن كان
أمسكه عليه للقتل أو ليضربه ولم يعلم أنه يقتله فقد عصى وأثم وعليه التعزير،
وروي ذلك عن علي عليه السلام، وإليه ذهب أهل العراق أبو حنيفة وأصحابه.
وقال مالك: إن كان متلاعبا لا شئ عليه، وإن كان للقتل فعليهما القود
معا كما لو اشتركا في قتله.
21

دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم لأنهم ما رووا خلافا لما بيناه، وروي عن
النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: يقتل القاتل ويصبر الصابر، قال أبو عبيدة:
معناه يحبس الحابس فإن المصبور " المحبوس ".
مسألة 37: إذا كان معهم ردءا ينظر لهم فإنه تسمل عينه ولا يجب عليه
القتل، وقال أبو حنيفة: يجب على الردء القتل دون الممسك، وقال مالك: يجب
على الممسك دون الردء على ما حكيناه، وقال الشافعي: لا يجب القود إلا على
المباشر دون الممسك والردء.
دليلنا: ما قدمناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 38: إذا جنى على عين غيره فبخسها وقلع حدقته كان للمجني عليه
أن يقتص منه لكنه يتولى بنفسه لأنه لا يدري كيف يستوي، فربما فعل أكثر مما
يجب بلا خلاف، وله أن يوكل فإذا وكل كان للوكيل أن يقتص منه بأي شئ
يمكن ذلك سواء كان ذلك بإصبعه أو حديدة، وإن أذهب ضوءها ولم يجن
على العين شيئا فإنه يبل قطن ويترك على الأشفار، ويقرب مرآة محماة بالنار إلى
عينه فإن الناظر يذوب وتبقى العين صحيحة.
وللشافعي في الوكيل قولان: أحدهما أن له أن يقتص بإصبعه، والثاني ليس
له أن يقتص إلا بحديدة، وأما إذا ذهب ضوؤها فله أن يفعل به مثل ما فعل به،
فإن أذهب وإلا فإن أمكن إذهاب الضوء بدواء استعمل، فإن لم يمكن قرب إليها
حديدة محماة حتى يذهب بصره، فإن لم يذهب وخيف أن تذهب الحدقة ترك
وأخذت الدية دية العين لئلا يأخذ أكثر من حقه.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 39: روى أصحابنا أن عمد الصبي والمجنون وخطأهما سواء فعلى
22

هذا يسقط القود عنهما والدية على العاقلة مخففة، وللشافعي فيه قولان: أحدهما
مثل ما قلناه، والآخر أن الدية في قتلهما دية العمد المحض معجلة حالة في مالهما،
وقال في المجنون: إذا سرق شيئا فهو كالسكران والسكران كالصاحي.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، ولأن الأصل براءة الذمة، وما ذكرناه
مجمع على وجوبه، وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: رفع القلم عن
ثلاثة، أحدهم الصبي حتى يبلغ.
مسألة 40: القتل العمد يوجب القود فقط فإن اختار الولي القصاص فعل،
وإن اختار العفو فعل وسقط حقه من القصاص، ولا يثبت له الدية على القاتل إلا
برضاه، وإنما يثبت المال على القاتل إذا اصطلحوا على مال قليلا كان أو كثيرا،
فأما ثبوت الدية عليه بغير رضاه، فلا، وبه قال أبو حنيفة ومالك.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما: أن موجب القتل أصلان: القود أو الدية، وهو
اختيار أبي حامد.
والقول الثاني: موجبه القود فقط، والولي بالخيار بين أن يقتله أو يعفو، فإن
قتل فلا كلام، وإن عفا على مال سقط القود وتثبت الدية بدلا عن القود، فتكون
الدية على هذا بدلا عن بدل، وعلى القولين معا تثبت الدية بالعفو سواء رضي
الجاني بذلك أو سخط، وبه قال في التابعين سعيد بن المسيب والحسن البصري
وعطاء، وفي الفقهاء أحمد وإسحاق.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا قوله تعالى: النفس بالنفس، وقال
عز وجل: كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر، فمن جعله أكثر من ذلك
فقد ترك الآية.
مسألة 41: الدية يرثها الأولاد ذكورا كانوا أو إناثا " للذكر مثل حظ
الأنثيين " وكذلك الوالدان، ولا يرث الإخوة والأخوات من قبل الأم منها شيئا
23

ولا الأخوات من قبل الأب وإنما يرثها بعد الوالدين والأولاد الإخوة من الأب
والأم والأب أو العمومة، فإن لم يكن واحد منهم وكان هناك مولى كانت الدية
له، فإن لم يكن هناك مولى كان ميراثه للإمام والزوج والزوجة يرثان من الدية،
وكل من يرث الدية يرث القصاص إلا الزوج والزوجة فإنه ليس لهما من
القصاص شئ على حال.
وقال الشافعي: الدية يرثها جميع ورثته، وكل من ورث تركة من المال
يرث الدية الذكور والإناث وسواء كان الميراث بنسب أو سبب هو الزوجية أو
ولاء العقل موروث كالمال، فكل من يرث الدية يرث القصاص، وكل من يرث
القصاص يرث الدية، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه.
وقال مالك: يرثه العصبات من الرجال دون النساء، فلا يرثنه فإن عفوا
على مال كان المال لمن يرث الدية من الرجال، وقال ابن أبي ليلى: يرثه ذوو
الأنساب من الرجال والنساء، ولا يرثه ذو سبب وهو الزوجية، قال: لأن الزوجية
تزول بالوفاة وهذا يورث للتشفي، ولا تشفي بعد زوال الزوجية.
دليلنا: إجماع الفرقة.
مسألة 42: إذا كان أولياء المقتول جماعة لا يولي على مثلهم جاز لواحد
منهم أن يستوفي القصاص وإن لم يحضر شركاؤه سواء كانوا في البلد أو كانوا
غائبين بشرط أن يضمن لمن لم يحضر نصيبه من الدية، وقال جميع الفقهاء: ليس
له ذلك حتى يستأذنه إن كان حاضرا أو يقدم إن كان غائبا.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا قوله تعالى: ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه
سلطانا، وهذا ولي فيجب أن يكون له السلطان.
مسألة 43: إذا كان بعض الأولياء رشيدا لا يولي عليه وبعضهم يولي عليه
لصغر أو جنون، كان للكبير أن يستوفي القصاص في حق نفسه دون حق المولى
24

عليه بشرط أن يضمن له نصيبه من الدية، وإن كان الولي واحدا مولى عليه لجنون
وله أب أو جد لم يكن لأحد أن يستوفى له حتى يبلغ سواء كان القصاص في
الطرف أو في النفس، أو يموت فيقوم وارثه مقامه.
وقال الشافعي: إذا كانوا جماعة بعضهم مولى عليه لم يكن للكبير العاقل أن
يستوفي حقه ولا حق الصغير بل يصبر حتى يبلغ الطفل، ويفيق المجنون أو
يموت فيقوم وارثه مقامه، وبه قال أبو يوسف وعمر بن عبد العزيز، وإن كان
الوارث واحدا مولى عليه لم يكن لأبيه ولا لجده أن يستوفى له بل يصبر حتى
يبلغ - مثل ما قلناه - سواء كان القصاص في الطرف أو في النفس.
وقال أبو حنيفة: إن كان بعضهم كبارا وبعضهم صغارا فللكبير أن يستوفي
القصاص في حقه وحق الصغير، حتى قال: إن قتل الزوج وله أطفال كان
للزوجة أن تستوفى حقها وحق الأطفال، وإن قتلت ولها أطفال كان لزوجها أن
يستوفي حقه وحق الأطفال، قال أبو يوسف: قلت لأبي حنيفة: كيف يستوفيه
بعضهم وهو بينهم؟ قال: لأن الحسن بن علي قتل عبد الرحمان بن ملجم وهو
بعضهم والحق لجماعتهم، فقلت له: ذاك لأن له الولاية بالإمامة.
وإن كان الوارث واحدا طفلا كان لوالده أن يستوفيه له طرفا كان أو نفسا.
وإن كان الولي الوصي كان له ذلك في الطرف، والقياس أن له ذلك في
النفس لكنا منعناه استحبابا.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا قوله: فقد جعلنا لوليه سلطانا،
والكبير ولي وجب أن يكون له السلطان، وإنما قلناه أنه يضمن لأن حق الغير
يتعلق به فلا يجوز أن يبطل حق الغير.
مسألة 44: إذا وجب القصاص لابنين فعفاه أحدهما عن القصاص سقط
حقه ولم يسقط حق أخيه إذا رد على أولياء المعفو عنه نصف الدية، وقال
الشافعي: يسقط حقهما لأن القصاص لا يبعض وكان لأخيه نصف الدية.
25

دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم وأيضا قوله: فقد جعلنا لوليه سلطانا، ولم
يفصل.
مسألة 45: يجوز التوكيل في استيفاء القصاص بلا خلاف ويجوز للوكيل
استيفاؤه بمشهد منه بلا خلاف فأما في حال غيبته فالذي يقتضيه مذهبنا أنه يجوز
أيضا، ولأصحاب الشافعي فيه ثلاث طرق: أحدها يجوز قولا واحدا مثل ما قلناه
على ظاهر قوله في الجنايات، ومنهم من قال: لا يجوز قولا واحدا على ما قال في
الوكالة، ومنهم من قال على قولين: أحدهما يجوز - مثل ما قلناه - وهو الصحيح
عندهم، والآخر لا يجوز وبه قال أبو حنيفة.
دليلنا: أنه لا مانع من ذلك، والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 46: يجوز التوكيل باستيفاء القصاص بغيبة منه، وللشافعي فيه
قولان: أحدهما عقد الوكالة باطل إذا قال لا يستوفيه إلا بمشهد منه، والثاني
صحيح إذا قال يستوفيه بغيبة منه.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 47: إذا قتل واحد مثلا عشرة أنفس ثبت لكل واحد من أولياء
المقتولين القود لا يتعلق حقه بحق غيره، فإن قتل بالأول سقط حق الباقين، فإن
بادر واحد منهم بقتله سقط حق كل واحد من الباقين، وبه قال الشافعي إلا أنه
قال: يسقط حق الباقين إلى بدل - وهو كمال الدية في ماله خاصة -، وقال
أبو حنيفة: تتداخل حقوقهم من القصاص فليس لواحد منهم أن ينفرد بقتله بل
يقتل بجماعتهم، فإن قتلوه فقد استوفوا حقوقهم، وإن بادر واحد بقتله فقد استوفى
حقه وسقط حق الباقين لا إلى بدل.
وقال عثمان البتي: يقتل بجماعتهم فإذا قتل سقط من الديات واحدة وكان
26

ما بقي من الديات في تركته يأخذها أولياء القتلى بالحصص.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم وأيضا قوله تعالى: فقد جعلنا لوليه سلطانا،
فمن قال يتداخل فعليه الدلالة، فأما إثبات البدل فالأصل براءة الذمة، وإثبات
الدية يحتاج إلى دليل على أنا قد بينا أن الدية لا تثبت إلا بالتراضي وذلك مفقود
هاهنا وأيضا قوله تعالى: النفس بالنفس، ولم يقل نفس بالنفس، وقال: الحر
بالحر، ولم يقل بأحرار.
مسألة 48: إذا قطع يد رجل وقتل آخر قطعناه باليد وقتلناه بالآخر، وبه
قال الشافعي، وقال مالك: يقتل ولا يقطع لأن القصد إتلاف نفسه.
دليلنا: قوله تعالى: إن النفس بالنفس والعين بالعين... الآية، وعليه إجماع
الفرقة وأخبارهم.
مسألة 49: إذا قطع رجل يد رجل فقطع المجني عليه يد الجاني ثم اندمل
المجني عليه وسرى القطع إلى نفس الجاني كان هدرا، وبه قال أبو يوسف ومحمد
والشافعي، وقال أبو حنيفة: على المجني عليه الضمان فيكون عليه كمال يد
الجاني.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم وأيضا روي عن علي عليه السلام وعمر
أنهما قالا: من مات من حد أو قصاص فلا دية له الحق قتله، ولا مخالف لهما في
الصحابة.
مسألة 50: إذا قتل رجل رجلا ووجب القود عليه فهلك القاتل قبل أن
يستقاد منه سقط القصاص إلى الدية، وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: يسقط
القصاص لا إلى بدل.
دليلنا: قوله عليه السلام: لا يطل دم امرئ مسلم، فلو أسقطناه لا إلى بدل
27

لأطللنا دمه، ولو قلنا بقول أبي حنيفة لكان قويا لأن الدية لا تثبت عندنا إلا
بالتراضي بينهما وقد فات ذلك.
مسألة 51: إذا قتل اثنان رجلا وكان أحدهما لو انفرد بقتله قتل به دون
الآخر لم يخل من أحد أمرين: إما أن يكون القود لم يجب على أحدهما
لمعنى فيه أو في فعله فإن كان المعنى فيه مثل أن شارك أجنبيا في قتل ولده أو نصرانيا
في قتل نصراني أو عبدا في قتل عبد فعلى شريكه القود دونه.
وإن كان القود لم يجب عليه لمعنى في فعله مثل أن كان عمدا محضا
شارك من قتله خطأ أو عمدا فلا قود على واحد منهما، وبه قال الشافعي.
وقال مالك: على العامد القود سواء سقط عن شريكه لمعنى فيه أو في فعليه،
وبه قال الحسن البصري والنخعي.
وقال أبو حنيفة: لا قود عليه سواء سقط القود عن شريكه لمعنى فيه أو في
فعله.
دليلنا على مالك: ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: ألا إن في
قتيل العمد الخطأ قتيل السوط والعصا مائة من الإبل منها أربعون خلفة في بطونها
أولادها فأوجب في عمد الخطأ الدية وهذا عمد الخطأ لأنها روح خرج عن عمد
خطأ، وعليه إجماع الفرقة وأخبارهم.
دليلنا على أبي حنيفة: قوله تعالى: ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه
سلطانا فلا يسرف في القتل، وهذا قد قتل ظلما فوجب أن يكون لوليه سلطانا،
وأيضا قوله عليه السلام: ثم أنتم يا خزاعة قد قتلتم هذا القتيل من هذيل وأنا والله
عاقلته فمن قتل بعده قتيلا فأهله بين خيرتين إن أحبوا قتلوا، وإن أحبوا أخذوا
الدية، ولم يفصل.
28

مسألة 52: إذا قتل رجل عمدا ووجب القود على قاتله وله ابنان أو أكثر
من ذلك كان لهم قتله قودا مجتمعين بلا خلاف، وعندنا أن لكل واحد من
أوليائه قتله منفردا ومجتمعا، ولا يقف ذلك على إذن الباقين، فإن بادر أحدهم
فقتله لا يخلو الباقون من أحد أمرين: إما أن يكونوا عفوا عن نصيبهم أو لم يعفوا،
فإن لم يعفوا ضمن هذا القاتل نصيبهم من الدية، وإن كانوا قد عفوا ضمن بمقدار
ما عفا الأولياء المقاد منهم من الدية، ولا يجب عليه القود بحال سواء علم بعفوهم
أو لم يعلم أو حكم الحاكم بسقوط القود أو لم يحكم، لأن حكم الحاكم بسقوط
القود إذا عفا بعضهم باطل لا يجب المصير إليه، وهو أحد الروايات عن مالك.
وقال الشافعي وباقي الفقهاء: إنه إذا عفا أحدهم سقط القود، فإن بادر أحدهم
فقتله فإن كان قبل عفو الباقين فهل عليه القود أم لا؟ على قولين، وإن قتله بعد
عفوه قبل حكم الحاكم، فإن كان قبل علمه بالعفو فهل عليه القود أم لا؟ على
قولين، والصحيح أن عليه القود، والصحيح في التي قبلها أنه لا قود عليه، وإن قتل
بعد العفو بعد العلم فمبنية على ما قبلها، فإن قلنا عليه القود قبل العلم فهاهنا أولى،
فإذا قلنا " لا قود " فهاهنا على قولين " هذه ثلاث مسائل على قولين ".
وإن قتل بعد حكم الحاكم فعليه القود قولا واحدا علم بحكمه أو لم يعلم،
وإن عفوا معا عنه ثم عادا أو أحدهما فقتله فعلى من قتله القود فهذه وفاق ولا
خلاف فيها " فهذه ثلاث مسائل على قول واحد ".
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم وقد ذكرناها، وأيضا قوله: ومن قتل
مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا، ولم يفرق بين الاجتماع والانفراد.
مسألة 53: إذا قطع يد رجل من الكوع ثم قطع آخر تلك اليد من
المرفق قبل اندمال الأول ثم سرى إلى نفسه فمات، فهما قاتلان عليهما القود، وبه
قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: الأول قاطع والثاني هو القاتل، يقطع الأول ولا يقتل
29

ويقتل الثاني به لأنه قطع سراية الأول بدلالة أنه لا يتجدد منه الألم بعد قطع
الثاني.
دليلنا: أن القتل حدث عن القطعين وألمهما باق فليس بأن يضاف إلى
الثاني بأولى من أن يضاف إلى الأول، فالواجب أن يضاف إليهما إذ لا ترجيح.
مسألة 54: إذا قطع رجل يد غيره من الكوع وجاء آخر فقطع ذراعه من
المرفق ثم أراد القصاص من قاطع الذراع نظر فيه: فإن كان له ذراع بلا كف
قطع به بلا خلاف، وإن أراد دية كان له نصف الدية إلا قدر حكومة ذراع لا
كف له، وإن كان القاطع كاملا وليس له ذراع بلا كف عليها وأراد قطعه من
المرفق كان له ذلك وعليه أن يرد عليه دية اليد من الكوع، وللشافعي فيه قولان:
أحدهما له قطع ذلك ولم يذكر رد شئ، والآخر ليس له أن يقطع من المرفق
بحال.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا قوله: والجروح قصاص، وذلك عام.
مسألة 55: إذا قتل غيره بما يجب فيه القود من السيف والحرق والغرق أو
الخنق أو منع الطعام أو الشراب وغير ذلك مما ذكرناه، فإنه لا يستقاد منه إلا
بحديد ولا يقتل كما قتل.
وقال الشافعي: في جميع ذلك يقتل بمثل ما قتل، وقال أبو حنيفة: لا
يستقاد منه إلا فيما قتل، بمثل الحديد أو النار وما عداهما لا يوجب القود ولا يستقاد منه إلا
بالحديد مثل ما قلناه.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم وأيضا قوله عليه السلام: لا قود إلا
بحديدة، وهذا خبر معناه النهي، واستدل الشافعي بقوله تعالى: فمن اعتدى عليكم
فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم، وبقوله عز وجل: كتب عليكم القصاص،
30

والقصاص أن تقتل بمثل ما قتل.
وروى البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: من حرق
حرقناه، ومن غرق غرقناه، وعن أنس أن يهوديا رض رأس أنصارية بين حجرين
فأدركت وبها رمق، فقيل: أقتلك فلان أقتلك فلان؟ حتى ذكر لها اليهودي
فأومأت برأسها أن نعم، فسئل اليهودي فاعترف، فأمر رسول الله أن يرض رأسه
بين حجرين، وهذا الخبر دليل على أبي حنيفة في وجوب القود في الرض لأنه
ينفيه.
مسألة 56: إذا جرحه فسرى إلى نفسه ومات ووجب القصاص في النفس
فلا قصاص في الجرح سواء كان مما لو انفرد كان فيه القصاص أو لم يكن فيه
القصاص، وبه قال أبو حنيفة.
وقال الشافعي: إذا كان مما لو انفرد كان فيه القصاص كان وليه بالخيار
بين أن يقتص في الجرح ثم يقتل وبين أن يقتل فحسب، وإن كان مما لو انفرد
واندمل لا قصاص فيه مثل الهاشمة والمنقلة والمأمومة والجائفة وقطع اليد من
بعض الذراع، والرجل من بعض الساق، فإذا صارت نفسا فهل لوليه أن يقتص
فيهما ثم يقتل أم لا؟ على قولين: أحدهما ليس ذلك له، والثاني له ذلك.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وروى العباس بن عبد المطلب أن النبي
صلى الله عليه وآله قال: لا قصاص في المنقلة.
مسائل الشجاج والجراح
مسألة 57: الجراح عشرة: الحارصة - وهي الدامية - فيها بعير، وفي
الباضعة بعيران وفي الملاحمة ثلاثة أبعرة، وفي السمحاق أربعة أبعرة، وفي
الموضحة خمسة أبعرة، وفي جميعها يثبت القصاص عندنا، وقال جميع الفقهاء:
ليس فيها شئ مقدر بل فيها الحكومة، ولا قصاص في شئ منها إلا الموضحة،
31

وروى المزني في الدامية القصاص، وقال أبو حامد: يمكن أن يكون في الثلاثة
قصاص.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا قوله تعالى: والجروح قصاص،
وذلك عام.
مسألة 58: الموضحة فيها نصف العشر خمس من الإبل بلا خلاف، وفيها
القصاص أيضا بلا خلاف، وما بعدها من الهاشمة فيها عشرة، والمنقلة فيها خمسة
عشر بعيرا، والمأمومة فيها ثلث دية النفس بلا خلاف أيضا، ولا قصاص فيها ولا
فيما فوق الموضحة بلا خلاف.
ولا يجوز عندنا أن يوضح ويأخذ فضل ما بينهما، وقال الفقهاء: له أن
يوضح ويأخذ فضل ما بين الجنايتين، فإن كانت هاشمة له أن يوضح ويأخذ
خمسا، وإن كانت منقلة له أن يوضح ويأخذ عشرا، وكذلك في المأمومة.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 59: إذا قطع يمين غيره قطعت يمينه بلا خلاف، فإن لم يكن له
يمين قطعت يساره عندنا، فإن لم يكن له يسار قطعت رجله اليمنى، فإن لم تكن
له قطعت رجله اليسرى، وقال جميع الفقهاء: إن لم يكن يمين يسقط القصاص.
وقال شريك: يقطع اليمين باليمين فإن لم يكن له يمين قطعت اليسرى،
وكذلك تقطع اليسرى باليسرى، فإن لم تكن له قطعت اليمنى.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 60: إذا قطع يدا كاملة الأصابع ويده ناقصة إصبع فالمجني عليه
بالخيار بين العفو على مال وله دية اليد خمسون من الإبل، وبين أن يقتص ويأخذ
يدا ناقصة إصبعا قصاصا ويأخذ دية الإصبع المفقودة، وبه قال الشافعي.
32

وقال أبو حنيفة: المجني عليه بالخيار بين أن يأخذ دية يد كاملة ويعفو وبين
أن يقتص فيأخذ يدا ناقصة إصبعا ولا يأخذ دية الإصبع المفقودة.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا قوله تعالى: فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه
بمثل ما اعتدى عليكم، والمثل مثلان: مثل من طريق الصورة، ومثل من طريق
القيمة، فلما لم يكن هاهنا مثل من طريق الصورة والخلقة وجب أن يكون له مثل
من حيث القيمة فيأخذ قيمة الإصبع المفقودة.
مسألة 61: إذا قطع يدا شلاء ويده صحيحة لا شلل بها لا قود عليه، وبه
قال جميع الفقهاء، وقال داود: له أخذ الصحيحة بالشلاء.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا قوله تعالى: فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه
بمثل ما اعتدى عليكم، وأيضا قوله تعالى: وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به.
مسألة 62: إذا ثبت أنه لا قصاص فيها ففيها ثلث دية الصحيحة، وقال
جميع الفقهاء: فيها الحكومة.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وطريقة الاحتياط تقتضي ذلك لأن ما
اعتبرناه أكثر من الحكومة فتبرأ الذمة بيقين.
مسألة 63: إذا قطع إصبع رجل فسرت إلى كفه فذهب كله ثم اندملت
فعليه في الإصبع والكف القصاص، وقال الشافعي: عليه القصاص في الإصبع
دون الكف، وقال أبو حنيفة وأصحابه: لا قصاص عليه أصلا.
دليلنا: قوله تعالى: فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم،
وهذا قد اعتدى بالإصبع والكف، وقال: فإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به
وقال تعالى: والجروح قصاص.
33

مسألة 64: إذا أوضح رأسه فذهب ضوء عينه كان عليه القصاص في
الموضحة وضوء العين معا، وبه قال الشافعي في أحد قوليه، وفي القول الآخر: لا
قصاص في الضوء مثل الكف، وفي أصحابه من قال: في الضوء القصاص قولا
واحدا مثل ما قلناه، وقال أبو حنيفة: لا قصاص في الموضحة، وإنما القصاص في
الضوء كقوله في الإصبع، وقال أبو يوسف ومحمد: لا يسقط القصاص في
الموضحة بالسراية إلى ضوء العين.
دليلنا: ما قدمناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 65: إذا قطع يد رجل كان للمجني عليه أن يقتص من الجاني في
الحال والدم جار، ولكنه يستحب له أن يصبر لينظر ما يكون منها من اندمال أو
سراية، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة ومالك: لا يجوز له أن يأخذ القصاص حتى يعلم ما يكون
من اندمال أو سراية إلى النفس، فإن اندمل القطع وجب القصاص، وإن سرى إلى
النفس سقط القصاص فيه وأخذ القصاص في النفس، وإن سرى إلى المرفق واندمل
سقط القصاص عنده في الجناية والسراية معا.
دليلنا: ما قدمناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 66: إذا قطع يدي غيره ورجليه وأذنيه لم يكن له أن يأخذ ديتها
كلها في الحال بل يأخذ دية النفس في الحال وينتظر حتى تندمل، فإن اندملت
كان له دياتها كلها كاملة، وإن سرت إلى النفس كان له دية واحدة، وأما
القصاص فله أن يقتص في الحال على ما مضى.
ووافقنا أصحاب الشافعي في القصاص، واختلفوا في الدية على قولين.
أحدهما: أن له أن يأخذ دياتها كلها في الحال، وإن بلغت ديات النفس،
وقال أبو إسحاق: ليس له أن يأخذ أكثر من دية النفس في الحال.
34

والقول الثاني: ليس له أن يأخذ شيئا من دياتها في الحال قبل الاندمال لأن
الدية إنما تستقر حال الاندمال.
دليلنا: أن ما قلناه مجمع على استحقاقه له لأنه لا يخلو أن يندمل أو يسري
إلى النفس، فإن اندملت كان له ما أخذ وزيادة يطلب بها، وإن سرت إلى النفس
فله دية النفس التي أخذها.
مسألة 67: شعر الرأس واللحية والحاجبين وأهداب العينين متى أعدم
إنبات شئ منها ففيها الدية، ففي شعر الرأس واللحية دية كاملة، وفي شعر
الحاجبين خمسمائة، وفي أهداب العينين الدية، وما عدا هذه الأربعة فيها الحكومة
في جميع الجسد، وبه قال علي عليه السلام، وروي أن أبا بكر قضى في شعر
الرأس بعشر من الإبل، وقضى زيد فيه بثلث الدية، وروي عن زيد في العين
القائمة ثلث الدية.
وقال أبو حنيفة: في الأربعة الدية - ولم يفصل - وفي الباقي حكومة، وقال
الشافعي: ليس في شئ من الشعر دية وفي جميعه حكومة.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا روي أن رجلا أفرع قدرا على
رأس رجل فتمعط شعره، فأتى عليا عليه السلام فقال له: اصبر سنة، فصبر سنة فلم
ينبت فقضى عليه بالدية، ولا مخالف له في الصحابة.
مسألة 68: إذا جرح غيره ثم أن المجروح قطع من موضع الجرح لحما
فإن كان ميتا لا بأس والقود على الجاني بلا خلاف، وإن كان لحما حيا ثم سرى
إلى نفسه كان على الجاني القود، وعلى أولياء المقتول أن يردوا نصف الدية على
أولياء الجاني، وكذلك لو شارك السبع في قتل غيره أو جرحه غيره فجرحه
هو نفسه فمات.
واختلف أصحاب الشافعي على طريقين في من قطع لحما حيا، أحدهما القود
35

على شريك السبع، والجارح نفسه بعد جراحة غيره على قولين: أحدهما يجب
عليه القود، والآخر لا قود عليه، ويلزمه نصف الدية، ومن أصحابه من قال: لا قود
على الجاني قولا واحدا، وعليه نصف الدية، ولم يختلفوا في شريك السبع
والجارح نفسه بعد جراحة غيره أنها على قولين.
دليلنا: عموم الأخبار التي وردت في أنه إذا اشترك جماعة في قتل واحد
كان على جميعهم القود وعلى كل واحد منهم بالشرط الذي قدمناه، ولم يفصلوا
بين أن يكون الجماعة غير المجني عليه وهو من جملتهم أو يكون السبع من
جملتهم، فيجب أن يكون على الجاني في هذه المسائل القود.
مسألة 69: إذا قطع الأنملة العليا من إصبع رجل ثم قطع المجني عليه
الأنملة التي تحتها ثم سرى إلى نفسه، فإن كان لحما ميتا فعلى القاطع الفداء بلا
خلاف، وإن كان القطع في لحم حي فعلى ما مضى من الخلاف، وكذلك إن
قطع إصبع رجل فأصابه فيها الآكلة فقطع الكف كله خوفا على الجملة وسرى
إلى نفسه فمات فهذا القطع في خوف الآكلة لا يكون إلا في لحم حي، والخلاف
فيه مثل المسألتين الأولتين.
وعند أبي حنيفة القاتل هو الثاني في المسائل الثلاث، وقد مضى أصل هذه
المسألة، وهو إذا قطع رجل يد غيره من الكوع وآخر ذراعه من المرفق فسرى
إلى نفسه، فعندنا وعند الشافعي هما واحد، وعند أبي حنيفة القاتل الثاني لأنه أزال
موضع الجناية من الأول وقطع سرايته، وقد مضى الكلام عليه.
مسألة 70: في الإصبع الزائدة إذا قطعت ثلث دية الإصبع الصحيحة
الأصلية سواء قطعت مع الإصبع الصحيحة الأصلية أو قطعت منفردة.
وقال الشافعي: ليس منها شئ مقدر بل فيها حكومة فإن أحدثت شيئا عند
الاندمال لزمه ما بين كونه عبدا لا شين فيه وبين كونه عبدا به شين فينظر كم
36

ذلك من القيمة فيلزمه بمقدار ذلك من دية الحر، وإن لم يحدث شيئا بل أحدث
جمالا حال الاندمال فيها وجهان: قال أبو العباس: لا شئ فيها، وقال أبو إسحاق:
فيها الحكومة، وكيف يقوم؟ على وجهين: أحدهما يقوم والدم جار، والثاني يقوم
إذا قرب من الاندمال، حكاه الساجي عنه.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 71: اليد الشلاء والإصبع الشلاء فيها ثلث دية اليد الصحيحة أو
ثلث الإصبع الصحيحة، وقال الشافعي: فيها حكومة، ولا تقدير فيها.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 72: إذا قطع أذن غيره قطعت أذنه، فإن أخذ الجاني أذنه فألصقها
فالتصقت، كان للمجني عليه أن يطالب بقطعها وإبانتها.
وقال الشافعي: ليس له ذلك ولكن واجب على الحاكم أن يجبره على
قطعها لأنه حامل نجاسة لأنها بالبينونة صارت ميتة فلا تصح صلاته ما دامت هي
معه.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 73: يقطع ذكر الفحل بذكر الفحل الخصي الذي سلت بيضتاه
وبقى ذكره، وبه قال أبو حنيفة والشافعي، وقال مالك: لا قود عليه فيه لأنه لا
منفعة فيه.
دليلنا: قوله تعالى: والجروح قصاص، وقوله عز وجل: فمن اعتدى
عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم، وقال تعالى: فإن عاقبتم فعاقبوا بمثل
ما عوقبتم به، وعموم الأخبار يقتضي ذلك.
37

مسألة 74: في ذكر العنين ثلث دية الذكر الصحيح، وقال جميع الفقهاء:
فيه حكومة.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 75: في الخصيتين الدية بلا خلاف، وفي كل واحدة منهما نصف
الدية عند الفقهاء، وروى أصحابنا أن في اليسرى منهما ثلثي الدية لأن الولد قالوا
يكون منها.
دليلنا: أخبار أصحابنا وقد ذكرناها في الكتاب الكبير.
مسألة 76: إذا قطع طرف غيره ثم اختلفا، فقال الجاني: كان الطرف
فاسدا، فلا قود ولا دية كاملة فيه، وقال المجني عليه: كان صحيحا، ففيه القود أو
الدية كاملة، فإن كان الطرف ظاهرا مثل اليدين والرجلين والعينين والأنف وما
أشبهها فالقول قول الجاني مع يمينه، أو يقيم المجني عليه البينة، وإن كان الطرف
باطنا فالقول قول المجني عليه، وبه قال الشافعي نصا.
واختلف أصحابه فمنهم من قال: المسألة على قولين فيهما: أحدهما القول
قول الجاني فيهما، الثاني القول قول المجني عليه فيهما، إلا أن الصحيح في الظاهر
أن القول قول الجاني، وفي الباطن القول قول المجني عليه، ومنهم من قال: على
ظاهرها، مثل ما قلناه، وقال أبو حنيفة: القول قول الجاني، وهو قوي.
دليلنا: قوله صلى الله عليه وآله: البينة على المدعي واليمين على المدعى
عليه، والأعضاء الظاهرة لا يتعذر على المجني عليه إقامة البينة عليها فلأجل ذلك
لزمته البينة، وليس كذلك الباطنة لأنه يتعذر إقامة البينة عليها فلأجل ذلك كان
القول قوله.
ونصر قول أبي حنيفة قوله عليه السلام: البينة على المدعي واليمين على
المدعى عليه، والمجني عليه هو المدعي، فلأجل ذلك لزمته البينة أو يمين الجاني
38

المدعى عليه، ولأن الأصل براءة الذمة في الجاني، وشغلها يحتاج إلى دليل.
واحتج الشافعي بما رواه ابن عباس عنه عليه السلام أنه قال: البينة على
المدعي واليمين على المدعى عليه إلا في القسامة، فجعلها في القسامة على المدعي،
وإنما كان كذلك لأن ولي الدم لا يمكنه إقامة البينة على القاتل في العادة لأن
القاتل يطلب خلوات المقتول.
مسألة 77: إذا قلع سن مثغر كان له قلع سنه، فإذا قلع ثم عاد سن
الجاني كان للمجني عليه أن يقلعه ثانيا أبدا، وللشافعي فيه ثلاثة أوجه: أحدها مثل
ما قلناه، والثاني لا شئ له، والثالث ليس له قلعها وله الدية.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 78: إذا قلع سن مثغر وأخذ ديتها ثم نبت السن لم يجب عليه رد
الدية، وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه، والثاني يجب عليه ردها.
دليلنا: أن إيجاب ذلك يحتاج إلى دليل، ولا دلالة.
مسألة 79: السن الزائدة فيها ثلث دية السن الأصلي، وقال جميع الفقهاء:
فيها الحكومة، وليس فيها شئ مقدر ولا تبلغ الحكومة سن الأصل.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 80: إذا وجب لإنسان قصاص في نفس أو طرف فلا ينبغي أن
يقتص بنفسه فإن ذلك للإمام أو من يأمره به الإمام بلا خلاف، وإن بادر
واستوفاه بنفسه وقع موقعه ولا شئ عليه، وللشافعي فيه قولان: أحدهما
المنصوص عليه أن عليه التعزير، والثاني لا شئ عليه.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، ومن أوجب عليه التعزير فعليه الدلالة.
39

مسألة 81: أجرة من يقيم الحدود ويقتص للناس من بيت المال.
وقال الشافعي: ذلك من خمس الخمس الذي كان للنبي، فإن كان هناك
ما هو أهم منه مثل تقوية المقاتلة وسد الثغور كان على المقتص منه الأجرة، وقال
أبو حنيفة: على المقتص المستوفي دون المستوفي منه.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، ولأن الأصل براءة الذمة، وعلى من شغلها
الدلالة.
مسألة 82: إذا قطع يد عبد ففيه نصف قيمته يستوفيها منه سيده ويمسك
العبد، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: على الجاني نصف قيمته، ويكون السيد بالخيار بين أن
يمسكه ويستوفي نصف قيمته، وبين أن يسلم العبد إلى الجاني ويطالبه بكمال
قيمته.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا وجوب نصف القيمة على الجاني
مجمع عليه، والتخيير إليه في تسليم العبد، والمطالبة بكمال القيمة يحتاج إلى
دليل.
مسألة 83: إن قطع يدي عبد كان عليه كمال قيمته ويتسلم العبد.
وقال الشافعي: عليه كمال القيمة ولسيده إمساك عبده والمطالبة بالقيمة.
وقال أبو حنيفة: السيد بالخيار بين أن يمسك عبده ولا شئ له وبين أن
يسلم العبد ويأخذ كمال قيمته، وليس له إمساك عبده والمطالبة من جنايته.
وقال أبو يوسف ومحمد: السيد بالخيار بين أن يسلم العبد ويطالب بكل
قيمته وبين أن يمسكه ويطالب بما نقص لا بكل قيمته.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا فإذا وجب عليه كمال قيمته لا
يجوز أن يمسك عنده العبد لأنه لم يبق لسيده حق لم يستوفيه ويكون قد حصل
40

للسيد الجمع بين البدل والمبدل وذلك لا يجوز.
مسألة 84: إذا قطع إصبع غيره، فقال المجني عليه: قد عفوت عن عقلها
وقودها، ثم اندملت صح العفو عن العقل والقود معا، وبه قال أبو حنيفة
والشافعي.
وقال المزني: لا يصح العفو عن دية الإصبع لأنه عفو عما لم يجب بدليل
أن المجني عليه لو أراد المطالبة بدية الإصبع لم يكن له، ولأنه عفا عن مجهول
لأنه لا يدري هل يندمل فتستقر دية إصبع أو يسري إلى النفس فيختلف ذلك.
دليلنا: إجماع الفرقة وأيضا فإنه حق له يجوز له إسقاطه كالقصاص فيها.
وقوله " أنه لم يجب " باطل فإن الحق واجب بالجناية، وإنما يتأخر
الاستقرار إلى حين الاندمال.
وقوله " لا يملك المطالبة " لا يدل على أنه غير ثابت كما أن المال المؤجل
ثابت الاستحقاق وإن لم يملك المطالبة في الحال، والدليل على أنه واجب
بالقطع أنه لو كان له عبد فقطعت يده وباعه والدم جار فاندمل عند المشتري
كان بذل تلك الجناية للبائع، فلو لا أنها وجبت حين القطع وقبل البيع لم يكن
للبائع فيه حق.
مسألة 85: إذا قطع إصبع غيره فعفا عنها المجني عليه ثم سرى إلى نفسه،
كان لولي المقتول القود ويجب عليه أن يرد على الجاني دية الإصبع التي عفا عنها
المجني عليه، وإن أخذ الدية أخذ دية النفس لا دية الإصبع.
وقال الشافعي: إذا عفا عن الإصبع سقط القصاص في النفس لأن القصاص
لا يتبعض.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا قوله تعالى: فقد جعلنا لوليه
سلطانا، وأيضا قوله: النفس بالنفس، فمن ادعى أن العفو عن الإصبع قد أسقط
41

القصاص فعليه الدلالة.
مسألة 86: إذا قطع إصبع غيره صح من المجني عليه أن يعفو عنها وعما
يحدث منها من الدية، فإذا فعل ذلك ثم سرى إلى النفس كان عفوه ماضيا من
الثلث لأنه بمنزلة الوصية، فإن لم يخرج من الثلث كان له مقدار ما يخرج منها.
وقال الشافعي: لا يخلو أن يقول ذلك بلفظ الوصية أو بلفظ العفو أو الإبراء،
فإن قال بلفظ الوصية فهل تصح الوصية للقاتل؟ فيه قولان: أحدهما تصح،
والآخر لا تصح، فإذا قال: لا تصح، كانت الدية كلها للورثة، وإذا قال: تصح،
كانت الدية له إن خرجت من الثلث وإلا له مقدار ما يخرج منه، وإن قال بلفظ
العفو والإبراء فهل العفو والإبراء من المريض وصية أم لا؟ على قولين: فإذا قال:
وصية، فهو كالوصية وقد مضى، والثاني إسقاط وليس بوصية فعلى هذا صح
الإبراء عما وجب له، وهو دية الإصبع ولم يصح فيما عداه لأنه إبراء عما لم
يجب، وذلك لا يصح.
دليلنا: قوله تعالى: والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له،
وذلك عام، وأيضا الأصل جوازه، والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 87: ميراث من لا وراث له لبيت المال يختص به الإمام وهو يعقل
عنه سواء كان مسلما أو ذميا.
وقال الشافعي: إن كان مسلما فالمسلمون يعقلون عنه وهم يرثونه فميراثه
لبيت المال، وإن كان ذميا لا يعقلون عنه وتكون الدية في رقبته إذا وجبت عليه
قال: ينقل إلى بيت المال إذا لم يكن له وارث على سبيل الفئ.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وقد مضت هذه في كتاب قسمة الغنائم.
مسألة 88: كل جرح لو اندمل وجب فيه القصاص، فإذا سرى إلى
42

النفس كفى فيه القصاص في النفس ودخل ذلك فيه، وبه قال أبو حنيفة
وأصحابه.
وقال الشافعي: يجب القصاص فيها ثم في النفس نحو أن يقطع يده أو رجله
أو يقلع عينه أو أوضحه فسرى إلى النفس وجب أن يستقاد منه في الجرح ثم في
النفس.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم وقد بينا فيما مضى أن قصاص الطرف
يدخل في النفس.
مسألة 89: إذا قطع يد رجل ثم قتله كان لولي الدم أن يقطع يده ثم
يقتله، وبه قال أبو حنيفة والشافعي، وقال أبو يوسف ومحمد: ليس له القصاص في
الطرف كما لو سرى إلى النفس.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 90: إذا قطع يده ثم قتله فولي الدم بالخيار بين أن يقتل ولا يقطع
وبين أن يقطع ويقتل وبين أن يقطع ويعفو عن القتل، فإذا قتل هذا لم يجب عليه
دية اليد التي قطعها، وبه قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد، وقال أبو حنيفة: إذا عفا
بعد قطع اليد فعليه دية اليد التي قطعها.
دليلنا: أنه استوفى حقه، ومن استوفى حقه لا يرجع عليه بإسقاط حق آخر
له، ولأن الأصل براءة الذمة، وإيجاب الدية يحتاج إلى دليل.
مسألة 91: إذا حلق لحية غيره فنبتت كان عليه ثلث الدية، وعند الفقهاء لا
شئ عليه، وإن لم تنبت فقد ذكرنا الخلاف فيه.
دليلنا: إجماع الفرقة.
43

مسألة 92: في الشفتين الدية كاملة بلا خلاف، وفي الشفة السفلى منهما
ستمائة دينار لأنها تمسك الطعام والشراب، وفي العليا أربعمائة دينار، وقال
جميع الفقهاء: إنهما سواء.
دليلنا: إجماع الفرقة.
مسألة 93: في إبهام اليد أو الرجل ثلث دية الأصابع من اليد أو الرجل في
أظهر الروايات، وقال جميع الفقهاء: الأصابع كلها سواء في كل واحدة عشر
من الإبل.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 94: في البيضتين الدية كاملة بلا خلاف، وفي اليسرى ثلثا الدية
على ما روي في بعض الروايات لأن منها يخلق الولد، وفي الرواية الأخرى أن
الدية فيهما سواء، وبه قال جميع الفقهاء.
دليلنا: الأخبار التي رويناها.
مسألة 95: في العين العوراء إذا كانت خلقة أو ذهب بآفة من قبل الله الدية
كاملة، وخالف جميع الفقهاء في ذلك.
دليلنا: إجماع الفرقة.
مسألة 96: في العين القائمة إذا خسفت ثلث ديتها صحيحة، وبه قال زيد
بن ثابت، وقال جميع الفقهاء: فيها الحكومة.
دليلنا: إجماع الفرقة.
44

كتاب الديات
مسألة 1: روى أصحابنا أن قوله تعالى: وإن كان من قوم بينكم وبينهم
ميثاق، فيه كناية عن المؤمن المتقدم ذكره في الكنايتين بقتل الخطأ في قوله
تعالى: وإن كان من قوم عدو لكم، وليس بكناية عن المعاهد لأنه لم يجر له
ذكر، وقال الشافعي: إنه كناية عن الذمي إذا قتل في دار الإسلام.
دليلنا: أن ما قلنا أشبه بسياق الآية لأن المؤمن جرى له ذكر في موضعين
في قوله تعالى: ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن
يصدقوا، ثم قال: وإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة،
وذلك أيضا كناية عن المؤمن بلا خلاف، فلما قال: وإن كان من قوم بينكم
وبينهم ميثاق، يجب أن يكون كناية عنه أيضا، والذمي لم يجر له ذكر فلا يجوز
أن يكنى عنه، وعليه إجماع الفرقة.
مسألة 2: القتل على ثلاثة أضرب: عمد محض، وخطأ محض، وشبيه
بالعمد، وبه قال أبو حنيفة والشافعي.
وقال مالك: القتل ضربان: عمد محض، وخطأ محض، وما سميناه بشبيه
العمد جعله عمدا وأوجب فيه القود.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا ما رواه عبد الله بن عمر أن النبي
45

صلى الله عليه وآله قال: إلا في قتيل العمد الخطايا بالسوط والعصا مائة من الإبل
مغلظة منها أربعون خلفة في بطونها أولادها.
وروى عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله خطب يوم الفتح بمكة
- وذكر الحديث إلى أن قال -: ألا أن دية الخطأ شبيه العمد ما كان بالسوط
والعصا مائة من الإبل منها أربعون خلفة في بطونها أولادها، وهذا نص لأن النبي
صلى الله عليه وآله سماه عمد الخطأ، وخطأ العمد أوجب فيه الدية، ومالك
يسميه عمدا ويوجب فيه القود، وهذا خلاف النص، وعليه إجماع الصحابة لأنه
ذهب إليه علي عليه السلام وعمر وعثمان وابن مسعود وزيد بن ثابت والمغيرة بن
شعبة، كل هؤلاء سموه عمد الخطأ وإن اختلفوا في قدر الدية على ما يأتي ذكره
ولا مخالف لهم.
وشبهة مالك أن قال: قولنا عمد الخطأ متضاد لا يوصف به فعل واحد كما
لا يوصف بقائم قاعد، وأسود أبيض، ومتحرك ساكن.
والجواب: إن هذا مسلم في فعل واحد وليس كذلك هاهنا لأن الذي هو
عمد فعله وما أخطأ فيه، والذي أخطأ فيه هو قصده وما عمد فيه، فبطل أن يكون
هاهنا فعل واحد وصف بصفتين ضدين وإنما اتصف بذلك لأنه من جارحتين
عمد بواحدة وأخطأ في أخرى وذلك غير مستحيل لأنه قد يعمد بيمينه ويخطأ
بيساره، وذلك غير بعيد.
مسألة 3: الدية المغلظة هي ما تجب عن العمد المحض وهي مائة من
مسان الإبل.
وقال الشافعي: يجب في العمد المحض، وعن شبيه العمد أثلاث، ثلاثون
حقة، وثلاثون جذعة وأربعون خلفة في بطونها أولادها، وبه قال عمر وزيد بن
ثابت والمغيرة بن شعبة، ورووه عن علي عليه السلام، وبه قال مالك في قتل
الوالد ولده، فأما العمد المحض في حق الأجنبي فإنما يجب عليه القود فقط،
46

والمال يجب بالصلح بمنزلة ثمن المبيع، وبقول الشافعي قال محمد بن الحسن.
وقال أبو حنيفة والثوري وأبو يوسف: المغلظة أرباع: خمس وعشرون بنت
مخاض وخمس وعشرون بنت لبون وخمس وعشرون حقة وخمس وعشرون
جذعة.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا طريقة الاحتياط تقتضي ما قلناه لأن
المسان أعلى الأسنان.
مسألة 4: دية العمد المحض حالة في مال القاتل، وبه قال الشافعي، وقال
أبو حنيفة: هي مؤجلة عليه في ثلاث سنين.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا فقد ثبت وجوبها عليه والوجوب عندنا على
الفور إلا ما دل الدليل عليه، والتأجيل يحتاج إلى شرع أو صلح.
مسألة 5: دية العمد شبيه الخطأ مغلظة أثلاثا، ثلاث وثلاثون منها بنت
لبون، وثلاث وثلاثون منها حقة وأربع وثلاثون منها خلفة كلها طروقة الفحل،
وروي ثلاثون بنت مخاض وثلاثون بنت لبون، وأربعون خلفة، وهي في مال
القاتل تستأوى منه في سنة.
وقال الشافعي: هي أثلاث مثل دية العمد سواء، على ما حكيناه عنه في دية
العمد، والتأجيل مثل دية الخطأ في ثلاث سنين وهي تلزم القاتل.
وقال أبو حنيفة: هي أرباع، على ما مضى عنه في العمد المحض.
وقال مالك: شبيه العمد يوجب القود دون الدية، وقال ابن شبرمة: دية شبيه
العمد حالة في مال القاتل.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم على الطريقين الذين ذكرناهما، وروى
عبد الله بن عمر وعمرو بن حزم وعبادة بن صامت أن النبي صلى الله عليه وآله
قال: ألا أن دية الخطأ شبيه العمد ما كان بالسوط والعصا مائة من الإبل منها
47

أربعون خلفة.
مسألة 6: دية الخطأ تغلظ في الشهر الحرام، وفي الحرم.
وقال الشافعي: تغلظ في ثلاث مواضع، في الحرم والشهر الحرام وإذا قتل
ذا رحم محرم مثل الأبوين والإخوة والأخوات وأولادهم، وبه قال في الصحابة
عمر وعثمان وابن عباس، وفي التابعين سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وعطاء
وطاووس والزهري.
وقال أبو حنيفة ومالك: لا تغلظ في موضع من المواضع، وبه قال في
التابعين النخعي والشعبي، ورووه عن ابن مسعود.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا طريقة الاحتياط.
معنى التغليظ
مسألة 7: إذا ثبت أنها تغلظ في هذه المواضع فالتغليظ هو أن يلزم دية
وثلث من أي أجناس الديات كان، وقال من وافقنا في التغليظ: إنها لا تغلظ إلا في
أسنان الإبل وغيرها يؤخذ قيمتها.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
وأيضا روي عن عمر بن الخطاب أنه قال: من قتل في الحرم أو قتل ذا
محرم أو قتل في الشهر الحرام فعليه دية وثلث.
وروى سفيان عن ابن أبي نجيح عن أبيه أن عثمان بن عفان قضى في امرأة
قتلت بمكة بستة آلاف درهم وألفي درهم تغليظا لأجل الحرم.
وروى نافع بن جبير أن رجلا قتل رجلا في الشهر الحرام في الحرم، فقال
ابن عباس: الدية اثنا عشر ألفا وأربعة آلاف تغليظا لأجل الحرم وأربعة آلاف
للشهر الحرام، ولا مخالف لهم.
48

مسألة 8: إذا قتل أو قطع في غير الحرم ثم لجأ إلى الحرم لم يقتل ولم
يقطع بل يضيق عليه في المطعم والمشرب حتى يخرج فيقام عليه الحد.
وقال الشافعي: يستقاد منه في الطرف والنفس معا في الحرم.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: يستفاد منه في الطرف، فأما في النفس فلا يستقاد
منه حتى يخرج ويضيق عليه ويهجر ولا يبايع ولا يشاري حتى يخرج، قالوا:
والقياس يقتضي أن يقتل به لكنا لا نقتله استحسانا.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا قوله تعالى: ومن دخله كان آمنا،
وذلك عام في جميع الأحكام، وقال تعالى: أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا
ويتخطف الناس من حولهم.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: إن أعتى الناس على الله القاتل
غير قاتله، والقاتل في الحرم والقاتل يدخل الجاهلية، وقوله " والقاتل في الحرم "
يعني قودا وقصاصا لأن القاتل ابتداء قد دخل تحت قوله " القاتل غير قاتله ".
مسألة 9: دية قتل الخطأ أرباع، عشرون منها بنت مخاض، وعشرون ابن
لبون ذكر، وثلاثون منها بنت لبون، وثلاثون منها حقة، وبه قال عثمان وزيد بن
ثابت.
وقد روي خمس وعشرون بنت لبون، وبه قال علي عليه السلام والحسن
البصري والشعبي.
وقال الشافعي: هي أخماس، عشرون بنت مخاض، وعشرون ابن لبون
ذكر، وعشرون بنت لبون وعشرون حقة، وعشرون جذعة، جميع أسنان
الزكاة، وبه قال ابن مسعود، وفي التابعين سليمان بن يسار وعمر بن عبد العزيز
والزهري، وفي الفقهاء ربيعة ومالك والليث بن سعد والثوري، وقال أبو حنيفة:
هي أخماس أيضا، وخالف في فصل فقال مكان بني لبون بني مخاض، وبه قال
النخعي وأحمد وإسحاق، ويروونه عن ابن مسعود.
49

دليلنا على الروايتين: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 10: الدية ستة أصول: على أهل الإبل مائة من الإبل، وعلى أهل
الذهب ألف دينار، وعلى أهل الورق عشرة آلاف درهم، وعلى أهل البقر مائتا
بقرة، وعلى أهل الحلل مائتا حلة، وعلى أهل الغنم ألف شاة، وبه قال أبو يوسف
ومحمد وأحمد بن حنبل إلا أنهم قالوا في الشاة أنها ألفان.
وقال أبو حنيفة: لها ثلاثة أصول: الإبل مائة أو ألف دينار أو عشرة آلاف
درهم ولا يجعل الإعواز شرطا بل يكون بالخيار في تسليم أي الثلاثة شاء.
وللشافعي فيه قولان:
قال في القديم: الأصل مائة من الإبل فإن أعوزت انتقلت إلى أصلين ألف
دينار أو اثني عشر ألف درهم إلا أن للإبل مزية وهو أنها متى وجدت لم يعدل
عنها، وبه قال أبو بكر وعمر وأنس بن مالك.
وقال في الجديد: إن أعوز الإبل انتقل إلى قيمة الإبل حين القبض ألف
دينار أو اثني عشر ألف درهم، فالدية الإبل والقيمة بدل عنها لا عن النفس.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
وروي عن عمر أنه قضى في الدية بألف دينار أو عشرة آلاف درهم.
وروي عن علي عليه السلام أنه قال لأصحابه: وددت أن يكون مكان كل
عشرة منكم واحد من بني فراس بن غنم صرف الدينار والدرهم ولا مخالف
لهما.
وروى أصحاب الشافعي عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي عليه السلام وابن
عباس وأبي هريرة وأبي الدرداء أن الورق اثنا عشر ألف درهم.
قال محمد بن الحسن: ويمكن استعمال الخبرين فنقول: من يقل اثنا عشر
ألفا أراد من وزن ستة، ومن يقل عشرة آلاف أراد من وزن سبعة فلا يتعارضان
على هذا، وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: كانت الدية على عهد
50

رسول الله صلى الله عليه وآله ثمانمائة دينار فلم تزل كذلك حتى استخلف عمر
فصعد فخطب فقال: ألا أن الإبل قد غلت وفرضها على أهل الذهب ألف دينار،
وعلى أهل الورق اثنا عشر ألف درهم، وعلى أهل البقر مائة بقرة، وعلى أهل
الغنم ألفي شاة، وعلى أهل الحلل مائتي حلة، ورواه عطاء عن جابر مثل ذلك.
مسألة 11: الموضحة هي التي توضح عظم الرأس حتى يظهر العظم أو
يقرع بالمرود إذا كان هناك دم لا يعلم الإيضاح حتى يقرع العظم المرود،
وفيها خمس من الإبل سواء كانت في الرأس أو على الوجه أو على الأنف، وبه
قال الشافعي.
وقال سعيد بن المسيب: إن كانت على الرأس، مثل ما قلناه، وإن كانت
على الوجه فيها عشر من الإبل لأن الشين بها أكثر.
وقال مالك: إن كانت على الأنف ففيها حكومة وليس فيها مقدر، وإن
كانت على الرأس، مثل ما قلناه.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
وأيضا روى عمرو بن حزم أنه كان في الكتاب الذي كتب النبي صلى الله
عليه وآله إلى أهل اليمن: في الموضحة خمس من الإبل، وروى عمرو بن شعيب
عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وآله قال: في المواضح خمس خمس،
وروى عمر ومعاذ أن النبي صلى الله عليه وآله قال: في الموضحة خمس من
الإبل، وروي ذلك عن علي عليه السلام وزيد بن ثابت ولا مخالف لهما.
مسألة 12: الموضحة في البدن مثل الساعد والساق والفخذ، أو غير ذلك
من المواضع التي إذا جرحت أوضحت عن العظم فيها نصف عشر دية ذلك
العضو، وقال الشافعي: لا مقدر فيه بل فيه الحكومة.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأما القصاص فيها فلا خلاف في وجوبه.
51

مسألة 13: في الهاشمة عشر من الإبل، وبه قال أبو حنيفة والشافعي، وروي
ذلك عن زيد وغيره.
وقال مالك: لا أعرف الهاشمة وأعرف الموضحة ففي الموضحة خمس من
الإبل، وفيما زاد من هشم العظم حكومة.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا قد روي ذلك عن زيد ولا مخالف
له في الصحابة.
مسألة 14: قد ذكرنا في كتاب الجنايات أن ما دون الموضحة من الشجاج
ففيه القصاص خلافا لجميع الفقهاء، وفيها أيضا مقدر لأن في الحارصة وهي
الدامية بعيرا، وفي الباضعة بعيرين، وفي المتلاحمة ثلاثة أبعرة، وفي السمحاق
أربعة أبعرة، وفي الموضحة خمسا.
وقال جميع الفقهاء: فيها الحكومة، وقال أبو إسحاق: فيها الحكومة إذا لم
يمكن معرفتها وكميتها من الموضحة، فإذا أمكن معرفة مقدارها من الموضحة بأن
تكون بجنبها موضحة اعتبر بها، فإن كان نصفها أو ثلثها أو ربعها أو خمسها ففيها
بحساب ذلك من دية الموضحة.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 15: في الجائفة ثلث الدية بلا خلاف، فإن جرحه فأجافه وخرج من
ظهره فهما جائفتان، وبه قال الشافعي نصا، وفيه قول آخر أنها جائفة واحدة، وبه
قال أبو حنيفة، وقال أصحاب الشافعي: وليس بشئ.
دليلنا: أنه إذا ظهر من ظهره يسمى كل واحدة منهما بأنها جائفة ما في بطنه
وما في ظهره، فيجب أن تكونا جائفتين.
وروي عن أبي بكر في رجل رمى رجلا بسهم فأنفذه فقضى فيه أبو بكر بثلثي
الدية، ولا مخالف له.
52

مسألة 16: إن جرحه في وجهه فشق الجلد واللحم وكسر العظم ووصل
إلى جوف الفم، للشافعي فيه وجهان: أحدهما جائفة فيها ثلث الدية لأنها دخلت
إلى جوف، والثاني ليست جائفة وتكون في هاشمته وما زاد عليها إلى الفم حكومة
ولا أعرف فيه نصا، وينبغي أن يكون فيها حكومة فيما زاد على الهاشمة.
والذي يقتضيه مذهبنا أن كذا الحكم بدية الهاشمة، والحكومة إليه كذا لأنه
لا خلاف فيه، وما زاد عليه يحتاج إلى دليل، والأصل براءة الذمة، وأما الجائفة
فلا تسمى بهذا إلا إذا كانت في الجوف، ألا ترى أن ما يصل إلى الدماع يسمى
مأمومة ولا يسمى جائفة، ولا يمكن القول بذلك، وينبغي أن يكون فيها حكومة
فيما زاد على الهاشمة.
مسألة 17: إذا قطع أذنيه ففيهما الدية، وبه قال أبو حنيفة والشافعي، وقال
مالك: فيهما حكومة لأن فيهما جمالا بلا منفعة.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وروى عمرو بن حزم أن النبي صلى الله
عليه وآله قال: وفي الأذنين الدية، وقد روي ذلك عن علي عليه السلام وعمر ولا
مخالف لهما.
مسألة 18: إذا جنى على أذنيه جناية فشلتا ففيهما ثلثا ديتهما، وللشافعي فيه
قولان: أحدهما أن في شللهما الدية مثل اليدين إذا جنى عليهما فشلتا، والثاني فيهما
حكومة.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وما قالوه في اليدين فالقول فيهما عندنا
مثل القول في الأذنين.
مسألة 19: في شحمة الأذن ثلث دية الأذن، وكذلك في خرمها، وقال
الشافعي: فيها بحساب ما نقص من الأذن.
53

دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 20: في العقل الدية كاملة بلا خلاف، فإن جنى عليه جناية ذهب
فيها عقله لم يدخل أرش الجناية في دية العقل، سواء كان مقدرا أو حكومة،
وسواء كان أرش الجناية أقل من دية العقل أو أكثر منها أو مثلها.
وللشافعي فيه قولان: قال في الجديد مثل ما قلناه، وقال في القديم: إن كان
أرش الجناية دون دية العقل دخل في دية العقل، وإن كان أرش الجناية أكثر من
دية العقل دخلت دية العقل فيه، مثل أن يقطع يديه ورجليه فيذهب عقله فيدخل
الأقل منهما في الأكثر، وبه قال أبو حنيفة.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا قوله عليه السلام: في اليدين الدية
وفي الرجلين الدية وفي العقل الدية، وهذا موجود كله، وروى أبو المهلب أن رجلا
رمى رجلا بحجر فأصابه في رأسه فذهب سمعه وعقله ولسانه وذكره، فقضى عمر
بأربع ديات ولا مخالف له.
مسألة 21: إذا جنى عليه جناية فادعى أنه ذهب بصره ولا يبصر بعينه شيئا
فهذا لا يمكن إقامة البينة عليه، فروى أصحابنا أنه يستقبل به عين الشمس فإن
أغمضها ودمعتا علم أنه كاذب وإن بقيتا مفتوحتين زمانا علم أنه صادق ويستظهر
عليه بالأيمان.
وقال الشافعي: نريه رجلين عدلين إن كانت الجناية عمدا وإن كانت خطأ
رجلا وامرأتين فإن قالا: صدق، أوجبنا الدية أو القصاص إذا قالا: لا يرجى عود
البصر، وإن قالا: كذب، سقط قوله، وإن لم يشهدا بذلك لم يلزمه أكثر من الدية.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 22: في العين العوراء إذا كانت خلقة أو ذهبت بآفة من جهة الله
54

الدية كاملة، وخالف جميع الفقهاء في ذلك وقالوا: فيها نصف الدية.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 23: إذا جنى على عينه جناية فادعى نقصان الضوء في إحدى
العينين قيس إلى العين الأخرى باعتبار مدى ما يبصر بها من أربع جوانب بلا
خلاف، فإن ادعى النقصان فيهما قيس عندنا عيناه إلى عين من هو من أبناء سنه
فما نقص عن ذلك حكم له به مع يمينه، وقال الفقهاء: القول قول المجني عليه
مع يمينه بلا اعتبار ذلك.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 24: في الأربعة أجفان الدية كاملة وفي كل جفنين من عين واحدة
خمس مائة دينار، في الأسفل منها ثلث ديتها، وفي العليا ثلثا ديتها، وبه قال
الشافعي إلا أنه قال: في كل واحد منهما نصف ديتها، وقال مالك: فيها
الحكومة.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 25: إذا جنى على أهداب العينين فأعدم إنباتها ففيها الدية كاملة، وبه
قال أبو حنيفة، وقال الشافعي: فيها حكومة.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 26: في النافذة في الأنف إذا لم ينسد ثلث الدية، فإن انسد كان فيها
عشر دية الأنف مائة دينار، وقال الشافعي: فيهما معا الحكومة إلا أنها إذا لم تنسد
كان أكثر.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
55

مسألة 27: إذا جنى على أنفه فصار أشل كان فيه ثلثا دية الأنف، وقال
الشافعي فيه قولان: أحدهما الدية كاملة، والثاني فيه الحكومة.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 28: في ذهاب الشم بالأنف الدية بلا خلاف، فإن اختلفتا في ذهابه
روى أصحابنا أنه يقرب منه الحراق فإن نحى أنفه علم أنه كاذب، وإن لم ينح
علم أنه صادق واستظهر عليه باليمين.
وقال الشافعي: يعتقل بالروائح الطيبة والكريهة، فإن هش للطيبة وتكره
للمنتنة علم أنه كاذب، وإن لم يفعل شيئا من ذلك حلف وكان القول قوله مع
يمينه.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم مع أن هذا قريب من قولنا.
مسألة 29: إذا أخذ منه دية الشم ثم عاد شمه لم يجب عليه رد الدية لأنه هبة
من الله مجددة، وقال الشافعي: يجب عليه ردها.
دليلنا: أن وجوب الرد يحتاج إلى دليل، وقد أجمعنا على أنه بالاستحقاق
أخذه.
مسألة 30: في الشفتين الدية كاملة بلا خلاف، وفي السفلى عندنا ستمائة
دينار، وفي العليا أربعمائة دينار، وبه قال زيد بن ثابت، إلا أنه قال: في العليا ثلث
الدية، وفي السفلى ثلثا الدية.
وقال أبو حنيفة والشافعي ومالك: هما سواء، ورووا ذلك عن علي عليه
السلام وأبي بكر وابن مسعود.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
56

مسألة 31: في الشفتين القصاص، وبه قال أكثر الفقهاء، وهو الذي نص
عليه الشافعي، وبه قال أصحابه، وقال أبو حامد: لا قصاص فيهما عندي لأنه قطع
لحم من لحم من غير مفصل ينتهي إليه.
دليلنا: إجماع الفرقة، وقوله تعالى: والجروح قصاص، والمنع يحتاج
إلى دليل.
مسألة 32: إذا جنى على لسانه فذهب بعض كلامه اعتبر بحروف المعجم
كلها، وهي ثمانية وعشرون حرفا، ولا تعد " لا " فيها لأنها قد دخلت في الألف
واللام، فإن كان النصف ففيه نصف الدية، وما زاد أو نقص فبحسابه لكل
حرف جزء من ثمانية وعشرين، وبه قال الشافعي وأكثر أصحابه أبو إسحاق وغيره،
وهو ظاهر مذهبهم.
وقال أبو سعيد الإصطخري: الاعتبار بحروف اللسنية دون الحلقية
والشفوية، فإن الحاء والخاء من حروف الحلق، والباء والواو والفاء من حروف
الشفة، ولاحظ للسان فيها فلا يعتد عليه بما لم يذهب، فعلى قول أبي سعيد إن
كانت حروف اللسان نصفها ففيها كمال الدية، وعلى قولنا وقول الشافعي فيها
نصف الدية.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
وما اعتبره أبو سعيد من أن الاعتبار بالحروف اللسنية دون الحلقية والشفوية
فلا يعتد عليه بما لم يذهب منه، أجاب عنه أبو إسحاق فقال: هذه وإن لم تكن من
حروف اللسان فإنه لا ينتفع بها إلا مع وجود اللسان فلهذا كان الاعتبار بكمالها.
مسألة 33: إذا جنى على لسانه فادعى أنه قد ذهب نطق لسانه، وقال
الجاني: لم يذهب، فالذي رواه أصحابنا عن علي عليه السلام أنه قال: يغرز لسانه
بإبرة، فإن خرج منه دم أسود علم أنه صادق، وإن خرج دم أحمر علم أنه كاذب
57

وأن لسانه صحيح، ولم أعرف للفقهاء نصا، والذي يقتضيه مذهبهم أن القول
قول المجني عليه كما قالوا في العين والشم وغيره.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 34: في لسان الأخرس إذا قطع ثلث دية اللسان الصحيح، وقال
الشافعي وجميع الفقهاء: فيه الحكومة، ولا مقدر فيه.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 35: إذا قطع لسانه ثم اختلفا فقال الجاني: لم يزل أبكم لا يقدر
على الكلام، وادعى المجني عليه أنه كان ناطقا، فالقول قول الجاني مع يمينه بلا
خلاف لأنه لا يتعذر إقامة البينة على سلامة لسانه، فإن سلم له السلامة في الأصل،
وادعى أنه كان أخرس حين القطع كان على الجاني البينة، وإلا فعلى المجني عليه
اليمين، وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه، والثاني أن القول قول الجاني
لأن الأصل براءة الذمة.
دليلنا: أنه قد اعترف بسلامة عضوه، وادعى أنه كان أخرس بعد ذلك
حين القطع كان عليه البينة لقول النبي صلى الله عليه وآله: البينة على المدعي
واليمين على المدعى عليه.
مسألة 36: إذا قطع لسان ناطق فأخذ منه الدية ثم ثبت وتكلم، ولم يجب
عليه رد الدية، ولأصحاب الشافعي فيه طريقان: منهم من قال مثل ما قلناه قولا
واحدا، ومنهم من قال على قولين كالقولين في سن المثغر إذا عاد.
دليلنا: أن إيجاب الرد عليه يحتاج إلى دليل لأن الأصل أخذه له
بالاستحقاق.
58

مسألة 37: إذا جنى على لسانه فذهب كلامه واللسان صحيح بحاله
وحكم له بالدية ثم عاد فتكلم كان مثل الأولى سواء لا يجب عليه الرد، وقال
الشافعي: يجب عليه رد الدية هاهنا قولا واحدا، لأنه لما تعلق بعد أن لم يكن
علمنا أن كلامه ما كان ذهب، وإنما ارتفع لمانع.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
تعداد الأسنان وديتها
مسألة 38: الأسنان كلها فيها الدية بلا خلاف، وعندنا أنها ثمانية
وعشرون سنا، الأصلية اثنا عشر في مقاديم الفم وستة عشر في مواخيره، ففي التي
في مقاديم الفم في كل واحدة خمس من الإبل أو خمسون دينارا، وفي التي في
مواخيره في كل واحدة خمسة وعشرون دينارا، الجميع ألف دينار.
وقال الشافعي: الأسنان اثنان وثلاثون الأصلية في كل سن خمس من الإبل
والمقاديم والمواخير سواء، فإن قلعت واحدة كان فيها خمس من الإبل، وبه قال
ابن عباس ومعاوية.
وقال عمر بن الخطاب: في السن خمس من الإبل، وهي التي تبين عند
الكلام والأكل، فأما الأضراس ففي كل ضرس بعير.
وإن قلعت دفعة واحدة، فللشافعي فيها قولان: المشهور منهما أن فيها مائة
وستين إبلا، والقول الآخر فيها دية كاملة لا أكثر منها.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا ما قلناه مجمع على وجوبه، وما زاد
عليه لا دليل على وجوبه، والأصل براءة الذمة.
مسألة 39: إذا كسر سن صبي قبل أن تسقط فعادت سنه مع أخواتها على
هيئتها من غير زيادة ولا نقصان، كان على الجاني حكومة، وللشافعي فيه وجهان:
أحدهما مثل ما قلناه، والثاني لا حكومة فيها لأنه ما جرحه.
59

دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا طريقة الاحتياط تقتضيه.
مسألة 40: إذا قلع سن كثير مثغر وجبت له الدية في الحال بلا خلاف،
فإن أخذها ثم عادت سنه لم يجب عليه رد الدية، وللشافعي فيه قولان: أحدهما
وهو اختيار المزني مثل ما قلناه، والثاني ترد عليه.
دليلنا: أن إيجاب الرد يحتاج إلى دليل، والأصل أخذه لها بالاستحقاق.
مسألة 41: إذا اضطربت أسنانه لمرض فقلعها قالع وجب فيها الدية،
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه، والثاني فيها الحكومة لأنها نقصت عن
أخواتها في المنافع.
دليلنا: ظواهر الأخبار في إيجاب الدية في السن ولم تفصل.
مسألة 42: إذا جنى على سنه يعني سقطت ثم أعادها في مغرزها بحرارة
دمها فثبتت ثم قلعها بعد هذا قالع كان عليه الدية، وقال الشافعي: لا شئ عليه
لأنه قد أحسن فإنه كان عليه أن يقلعها وإلا أجبره السلطان على قلعها لأنها ميتة
ألصقها ببدنه فلا تصح صلاته فيها مثل الأذن.
دليلنا: إجماع الفرقة على أن السن لا يلحقها حكم الميتة فأما الدية فعموم
الأخبار تدل عليها.
مسألة 43: إذا ندرت سنة فغرز في مغرزها عظما طاهرا قام مقامها كسن
حيوان زكى يؤكل لحمه، أو كانت من فضة أو ذهب، فإذا ثبتت هذه ثم قلعها
قالع لا شئ عليه، وللشافعي فيه وجهان: أحدهما مثل ما قلناه، والثاني عليه
حكومة لأنه أعدم الجمال والمنفعة بقلع ما هو ظاهر فهو كالسن الأصلي.
دليلنا: الأصل براءة الذمة، وشغلها يحتاج إلى دليل، وأيضا فما أزال عن
60

جسمه شيئا.
مسألة 44: قد مضى أن سن الصبي إذا قلع لا دية له في الحال، ويصبر على
وقت عود مثلها، فإن مات في أثناء ذلك أو نبت منه شئ قبل تمامه ثم مات لم
يكن عليه أكثر من الحكومة، وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه في التي لم
تنبت قبل موته، وفي التي نبت بعضها أن عليه بقدر ما لم تنبت من الدية، والثاني
لا شئ عليه.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم على أن في سن الصبي الحكومة، ولم
يفصلوا، وطريقة الاحتياط تقتضي ذلك.
مسألة 45: إذا ضرب سنه فاسودت كان عليه ثلثا دية سقوطها، وقال
الشافعي: فيه الحكومة.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا دليل الاحتياط يقتضيه لأن ما
ذكرناه أكثر من اعتبار الحكومة على ما يرونه.
مسألة 46: إذا قلعها قالع بعد اسودادها كان عليه ثلث ديتها صحيحة وقال
الشافعي: عليه ديتها كاملة.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 47: إذا اختلف النوع الواحد من الثنايا، والرباعيات، وكانت
إحدى الثنيتين أقصر من الأخرى أو إحدى الرباعيتين أقصر من الأخرى لم ينقص
من ديتها شئ.
وقال الشافعي: ينقص عن الجاني بقدر ما قصرت عن قرينتها واعتبرت
عادة الناس، لأن العادة أن كل نوع منها يتفق بل تكون الثنايا في العادة أطول
61

من الرباعيات.
دليلنا: أن الأخبار التي جاءت في أن في كل سن خمسا من الإبل مطلقة
عامة، ولم يفصلوا بين المتفق منها والمختلف.
مسألة 48: إذا قطع إحدى اليدين من الكوع وجب فيها نصف الدية، وبه
قال جميع الفقهاء، وقال أبو عبيد بن خربوذ: لا يجب نصف الدية إلا إذا قطعت
من المنكب لأن اسم اليد يقع على ذلك أجمع.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا قوله تعالى: فاقطعوا أيديهما، فأطلق اسم اليد،
وقطع رسول الله صلى الله عليه وآله يد سارق رداء صفوان من الكوع، فدل
على أن الاسم يقع عليه بذلك.
مسألة 49: إذا ضرب يده فشلت كان فيها ثلثا ديتها، وقال الشافعي: فيها
جميع ديتها.
دليلنا: إجماع الفرقة، ولأن الأصل براءة الذمة، وما قلناه مجمع عليه، وما
قالوه ليس عليه دليل.
مسألة 50: في الخمس أصابع من يد واحدة خمسون من الإبل بلا خلاف،
وروى أصحابنا أن في الإبهام منها ثلث ديتها، وفي الأربع أصابع منها ثلثا ديتها
بالسوية، وقال الشافعي: الخمسة متساوية في كل واحدة عشر من الإبل، وقد
روي ذلك أيضا في أخبارنا، وبه قال في الصحابة علي عليه السلام، وابن مسعود
وابن عباس، وزيد بن ثابت، وإحدى الروايتين عن عمر، وعنه رواية أخرى أنه
كان يفضل، وقال: في الخنصر ست، وفي البنصر تسع، وفي الوسطى عشر، وفي
السبابة اثنا عشر، وفي الإبهام ثلاثة عشر، فأوجب فيها خمسين من الإبل وخالف
في التفضيل.
62

دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 51: في كل أنملة من الأصابع الأربع ثلث ديتها، وفي الإبهام نصف
ديتها لأن لها مفصلين، وبه قال أبو حنيفة.
وقال الشافعي: في أنملة الإبهام ثلث ديتها مثل غيرها، قال: لأن لها ثلاث
أنامل ظاهرتان وباطنة.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا لو اعتبرنا الأنملة الباطنة للزم أن يكون في
كل إصبع أربع أنامل، وقد أجمعنا على خلافه.
مسألة 52: إذا جنى على إصبع أو مفصل منه فشلت كان فيها ثلث ديتها،
وقال الشافعي: فيها ديتها.
دليلنا: إجماع الفرقة.
مسألة 53: في شلل الرجل ثلثا دية الرجل، وقال الشافعي: فيه دية الرجل كاملة.
دليلنا: إجماع الفرقة.
مسألة 54: الخلاف في أصابع الرجلين مثل الخلاف في أصابع اليدين
في تفضيل الإبهام عندنا، وعند الفقهاء هي متساوية.
دليلنا: إجماع الفرقة، ولم يذكر فيها خلاف عن أحد.
مسألة 55: إذا كسر يده فجبرت، فإن انجبرت على الاستقامة كان عليه
خمس دية اليد، وإن انجبرت على عثم كان عليه ثلاثة أرباع دية كسره، وقال
الشافعي: فيهما معا الحكومة، وفي الجبر على عثم أكثر.
63

دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 56: من قطعت إحدى يديه في الجهاد وبقيت الأخرى فقطعهما
إنسان كان فيها نصف الدية، وبه قال جميع الفقهاء، وقال الأوزاعي: كمال الدية
دية اليدين.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا الأصل براءة الذمة، وما قلناه
مجمع عليه، وما قاله ليس عليه دليل، وأيضا قول النبي صلى الله عليه وآله: في
اليد خمسون من الإبل.
مسألة 57: إذا قلع عين أعور أو من ذهبت فرد عينه بآفة من جهة الله
تعالى، كان بالخيار بين أن يقتص من إحدى عينه أو يأخذ تمام دية كاملة ألف
دينار، وإن كان قلعت عينه فأخذ ديتها أو استحقها، وإن لم يأخذها ففي العين
الأخرى نصف الدية، وبه قال الزهري ومالك والليث بن سعد وربيعة وأحمد
وإسحاق، والمسألة مشهورة بذلك.
وقال أبو حنيفة والشافعي وأصحابهما والنخعي والثوري: هو بالخيار بين أن
يقتص وبين أن يعفو، وله نصف الدية.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
وروي عن عمر وعثمان أنهما قالا: في عين الأعور الدية، ولا مخالف لهما.
وروى أبو مجاز قال: كنت عند عبد الله بن عمر فأتاه رجل فسأله عن عين
الأعور فقال عبد الله: كان عمر بن الخطاب أوجب فيها الدية، فقال الرجل: إنما
أسأله - يعني أسأل ابن عمر -، فقال: نخبرك عن عمر وتسألني، فأقر عمر على ما
ذهب إليه، وأنكر أن يسأل هو عنها، ثبت أنهم أجمعوا على هذا، وإلى هذا ذهب
أحمد، فإنه قال: نأخذ بقول عمر وابنه.
64

مسألة 58: إذا قلع الأعور إحدى عيني من له عينان كان المجني عليه
بالخيار بين أن يقلع عينه أو يعفو ويأخذ دية عينه خمسمائة دينار، وبه قال
أبو حنيفة والشافعي.
وقال مالك: إن عفا فله دية عين الأعور - وهي ألف دينار عنده -، وإن شاء
قلع عينه، قال: لأنه إذا عفا عنه فقد عفا عن جميع بصره.
دليلنا: إجماع الفرقة وأيضا قوله صلى الله عليه وآله: وفي العين خمسون
من الإبل، ولا يلزمنا ذلك في عين الأعور لأنا قد قلنا ذلك بدليل.
مسألة 59: إذا كسر صلبه فشلت رجلاه كان عليه دية في كسر الصلب،
وثلثا الدية في شلل الرجلين، وقال الشافعي: فيه دية وحكومة، فالدية عنده في
شلل الرجلين والحكومة في كسر الصلب.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 60: إذا كسر صلبه فذهب مشيه وجماعه معا كان عليه ديتان.
وفي أصحاب الشافعي من قال: دية واحدة، وظاهر قول الشافعي أن عليه
ديتين، دية في ذهاب الجماع ودية في ذهاب المشي مثل ما قلناه، هكذا قال
أبو حامد قال: لأنه قال في " الأم ": لو كسر صلبه فذهب جماعه ولم يذهب مشيه
ففيه الدية، وهذا أوجبه بشرط أن لا يذهب مشيه، فالظاهر أنه إن ذهب مشيه كان
فيه ديتان.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 61: إذا كسر ظهره فاحدودب أو صار لا يقدر على القعود فعليه
الدية، وقال الشافعي: فيه الحكومة.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم فإنهم لا يختلفون في ذلك.
65

مسألة 62: إذا كسر رقبته فصار كالملتفت ولم يعد إلى ما كان عليه، كان
عليه الدية، وقال الشافعي: فيه الحكومة.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 63: دية المرأة نصف دية الرجل، وبه قال جميع الفقهاء، وقال ابن
علية والأصم: هما سواء في الدية.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا روى عمرو بن حزم أن النبي صلى
الله عليه وآله قال: دية المرأة على النصف من دية الرجل، وروى معاذ نحو هذا
عن رسول الله صلى الله عليه وآله، وهو إجماع الأمة، وروي ذلك عن علي عليه
السلام، وعن عمر وابن عباس وزيد بن ثابت، ولا مخالف لهم.
مسألة 64: المرأة تعاقل الرجل إلى ثلث ديتها في الأروش المقدرة، فإذا
بلغتها فعلى النصف، وبه قال عمر بن الخطاب وسعيد بن المسيب والزهري
ومالك وأحمد وإسحاق.
وقال ربيعة: تعاقله ما لم يزد على ثلث الدية أرش الجائفة والمأمومة، فإذا زاد
فعلى النصف، وعمر جعلها كالرجل في الجائفة وجعلها على النصف فيما زاد
عليها، وبه قال الشافعي في القديم.
وقال الحسن البصري: تعاقله ما لم تبلغ نصف الدية أرش اليد أو الرجل،
فإذا بلغتها فعلى النصف.
وقال الشافعي في الجديد: لا تعاقله في شئ منها بحال بل معه على النصف
فيما قل أو كثر في أنملة الرجل ثلاثة أبعرة وثلث، وفي أنملتها نصف هذا بعير
وثلثان، وكذلك فيما زاد على هذا، ورووا ذلك عن علي عليه السلام، وذهب
إليه الليث بن سعد من أهل مصر، وبه قال أهل الكوفة ابن أبي ليلى وابن شبرمة
والثوري وأبو حنيفة وأصحابه، وهو قول عبيد الله بن الحسن العنبري.
66

وقال قوم: تعاقله ما لم تبلغ نصف عشر الدية أرش السن والموضحة فإذا
بلغتها فعلى النصف، ذهب إليه ابن مسعود وشريح.
وقال قوم: تعاقله ما لم تبلغ عشر أو نصف عشر الدية أرش المنقلة، فإذا
بلغتها فعلى النصف، ذهب إليه زيد بن ثابت وسليمان بن يسار.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده
عن النبي صلى الله عليه وآله قال: المرأة تعاقل الرجل إلى ثلث ديتها.
وقال ربيعة: قلت لسعيد بن المسيب: كم في إصبع المرأة؟ فقال: عشر،
قلت: ففي إصبعين؟ قال: عشرون، قلت: ففي ثلاث؟ قال: ثلاثون، قلت: ففي
أربع؟ قال: عشرون، قلت له: لما عظمت مصيبتها قال عقلها قال: هكذا السنة،
قوله " هكذا السنة " دال على أنه أراد سنة النبي صلى الله عليه وآله وإجماع
الصحابة والتابعين.
مسألة 65: في حلمتي الرجل دية، وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما
قلناه، والثاني فيهما حكومة، وهو أصحهما عندهم.
دليلنا: إجماع الفرقة على الأخبار المروية في أن كل ما في البدن منه اثنان
ففيهما الدية، وهي على عمومها إلا ما أخرجناه بدليل.
مسألة 66: إذا وطئ زوجته فأفضاها، فإن كان لها دون تسع سنين كان
عليه ضمانها بديتها مع المهر الواجب بالدخول، وبه قال الشافعي، وقال
أبو حنيفة: إفضاؤها غير مضمون على زوجها.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 67: إذا وطئ امرأة مكرهة فأفضاها وجب عليه الحد لأنه زان،
ووجب عليه مهرها لوطئها، ووجب عليه الدية لأنه أفضاها، فإن كان البول
67

مستمسكا فلا زيادة على الدية، وإن كان مسترسلا ففيه حكومة، وبه قال
الشافعي، وقال أبو حنيفة: يجب عليه الحد كما قلناه، والمهر لا يجب لوجوب
الحد والإفضاء، فإن كان البول مستمسكا ففيه ثلث الدية، وإن كان مسترسلا ففيه
الدية ولا حكومة.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 68: إذا وطئ امرأة بشبهة فأفضاها مثل أن كان النكاح فاسدا
ووجد على فراشه امرأة فظن أنها زوجته فوطئها فأفضاها فالحد لا يجب للشبهة
عند الفقهاء.
وروى أصحابنا أن عليه الحد خفيا، وعليها الحد ظاهرا في التي وجدها على
فراشه، وتجب الدية، فإن أفضاها فإن كان البول مسترسلا فعليه الدية مع
الحكومة، وإن كان مستمسكا فالدية بلا حكومة، وبه قال الشافعي، وقال
أبو حنيفة: لا حد.
وأما المهر فينظر في الإفضاء، فإن كان البول مستمسكا فعليه ثلث الدية،
ويجب المهر معه، وإن كان مسترسلا وجبت الدية، ولم يجب المهر بل يدخل
المهر في الدية.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا وجوب المهر ثابت، ودخوله في
الدية يحتاج إلى دليل.
وروت عائشة عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: أيما امرأة نكحت بغير
إذن وليها فنكاحها باطل، فإن مسها فلها المهر بما استحل من فرجها، ولم يفصل.
مسألة 69: في الخصيتين الدية بلا خلاف، وفي اليسرى منهما ثلثا الدية،
وفي اليمنى ثلثها، وبه قال سعيد بن المسيب قال: لأن النسل منها، كما رواه
أصحابنا، وقال جميع الفقهاء أنهما متساويتان.
68

دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 70: في الذكر الدية وفي الخصيتين معا الدية، فإن قطعهما قاطع
كان عليه الديتان، فإن قطع الخصيتين ثم قطع الذكر أو قطع الذكر ثم
الخصيتين كان فيهما الديتان، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة ومالك: إذا قطع الخصيتين ثم قطع الذكر كان في
الخصيتين الدية، وفي الذكر الحكومة لأن الخصيتين إذا قطعتا ذهبت منفعة
الذكر، فإن الولد لا يخلق من مائه فهو كالسليل.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا روي عن النبي صلى الله عليه وآله
أنه قال: وفي الذكر الدية، وروي ذلك عن علي عليه السلام، ولا مخالف له.
وقوله " منفعة الذكر بطلت " لا نسلم به بل منفعته الإيلاج والالتذاذ وكل
هذا موجود فيه، وإنما لا يخلق الولد من مائه لعيب في الماء فإنه يرق ويضعف
عن أن ينعقد منها الولد، وليس ذلك لعيب في الذكر.
مسألة 71: العين القائمة، واليد الشلاء والرجل الشلاء، ولسان الأخرس
والذكر الأشل، كل هذا وما في معناه يجب فيه ثلث دية صحيحة.
وروي عن أبي بكر أنه قال: في العين القائمة ثلث الدية، وعن زيد بن ثابت:
في العين القائمة مائة دينار، وقال الشافعي: لا يجب في جميع ذلك مقدر وإنما
يجب فيه حكومة.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 72: كل عضو فيه مقدر إذا جنى عليه فصار أشل وجب فيه ثلثا
ديته.
وقال الشافعي: نظر فيها فإن لم يكن هناك غير الجمال ففيه الحكومة قولا
69

واحدا كاليدين والرجلين والذكر، وإن كانت المنفعة قائمة كالأنف والأذنين
فعلى قولين: أحدهما حكومة لأنه صيره أشل، والثاني ديته لأنه ما أذهب منفعته.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 73: في الترقوتين وفي كل واحد منهما، وفي الأضلاع وكل واحد
منها شئ مقدر عند أصحابنا.
ولأصحاب الشافعي فيه طريقان: أحدهما أنه يجب فيه الحكومة قولا واحدا،
والثاني المسألة على قولين: - نقله المزني، واختاره أبو حامد - قال: المسألة على
قولين: أحدهما فيه الحكومة وهو الأظهر، والثاني أن في كل ضلع وفي كل
ترقوة جملا وبه قال عمر.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 74: إذا لطم غيره في وجهه فاسود الموضع كان فيها ستة دنانير،
فإن أخضر كان فيها ثلاثة دنانير فإن احمر كان فيها دينار ونصف، وكذلك
حكم الرأس، وإن كان على جسده فعلى النصف من ذلك، وقال الشافعي: فيه
حكومة.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 75: متى كسر عظما فانجبر مستقيما بغير شين فيه مقدر، ومتى
ضربه بمثقل فلم يشن لزمه مقدر، ومتى جرحه فاندمل بغير شين لزمه أرشه، وقال
الشافعي في الأولى: فيها حكومة، وفي الثانية: لا شئ عليه، وفي الثالثة: على
وجهين، المذهب أن فيه حكومة.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
70

مسألة 76: قد ذكرنا أن الجراح عشرة، وكل واحد منها له مقدر إذا
كانت في الرأس والوجه، فأما إن كانت في الجسد ففيها بحساب ذلك من
الرأس منسوبا إلى العضو الذي هي فيه إلا الجائفة فإن فيها مقدرا في الجوف وهو
ثلث الدية، مثال ذلك في الموضحة إذا كانت في الرأس أو في الوجه فيها نصف
عشر الدية، وإن كانت الموضحة في اليد ففيها نصف عشر دية اليد، وإن كانت
في الإصبع ففيها نصف عشر دية الإصبع وهكذا باقي الجراح، وقال الشافعي:
جميع ذلك فيه حكومة إلا الجائفة فإن فيها ثلث الدية، مثل ما قلناه بلا خلاف.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 77: دية اليهودي والنصراني مثل دية المجوسي ثمانمائة درهم،
واختلف الناس فيها على أربعة مذاهب:
فقال الشافعي: ثلث دية المسلم، فإن كانت الإبل معه موجودة ثلاثة
وثلاثون وثلث، وإن أعوزت انتقل في الجديد إلى قيمتها، وفي القديم إلى أصل
مقدر ألف دينار أو اثني عشر ألف درهم، وبه قال عمر وعثمان وسعيد بن
المسيب وعطاء، وفي الفقهاء أبو ثور وإسحاق.
وقال قوم: هي على النصف من دية المسلم، ذهب إليه عمر بن عبد العزيز،
وعروة بن الزبير، وفي الفقهاء مالك بن أنس.
وذهب قوم إلى أنها مثل دية المسلم لا يفترقان، ذهب إليه ابن مسعود، وهو
إحدى الروايتين عن عمر وعثمان، وبه قال في التابعين الزهري، وفي الفقهاء
الثوري وأبو حنيفة وأصحابه.
وقال أحمد بن حنبل: إن كان القتل عمدا فدية المسلم، وإن كان خطأ
فنصف دية المسلم، كقول مالك، والذمي والمعاهد والمستأمن في كل هذا
سواء، وأما دية المجوسي فسنذكر الخلاف فيه بين السلف والفقهاء.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا الأصل براءة الذمة، وشغلها
71

يحتاج إلى دليل.
مسألة 78: دية المجوسي ثمانمائة درهم، وبه قال مالك والشافعي، وهو
إجماع الصحابة، وقال عمر بن عبد العزيز: ديته دية اليهودي نصف دية
المسلم، فلم يفرق عمر بن عبد العزيز بينه وبين أهل الكتاب، وقال أبو حنيفة: ديته مثل دية المسلم.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
وروى ابن المسيب عن عمر بن الخطاب أنه قال: دية المجوسي ثمانمائة
درهم، وروى الزهري عن عمر وعثمان وابن مسعود أن دية المجوسي ثمانمائة
درهم ولا مخالف لهم.
مسألة 79: من لم تبلغه الدعوة لا يجوز قتله قبل دعائه إلى الإسلام بلا
خلاف، وإن بادر إنسان فقتله لم يجب عليه القود بلا خلاف أيضا، وعندنا لا
يجب عليه الدية، وبه قال أبو حنيفة.
وقال الشافعي: يلزمه الدية، وكم يلزمه؟ فيه وجهان: منهم من قال: يلزمه
دية المسلم لأنه ولد على الفطرة، والمذهب أنه يلزمه أقل الديات ثمانمائة درهم دية
المجوسي.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، وشغلها يحتاج إلى دليل.
مسألة 80: كل جناية لها على الحر أرش مقدر من ديته لها من العبد مقدر
من قيمته، ففي أنف الحر ولسانه وذكره ديته، وفي كل واحد منها في العبد قيمته،
وفي يد الحر نصف ديته، ومن العبد نصف قيمته، وفي إصبع الحر عشر ديته،
وفي العبد عشر قيمته، وفي موضحة الحر نصف عشر ديته، وفي العبد نصف
عشر قيمته، وبه قال سعيد بن المسيب، وهو مروي عن علي عليه السلام وعمر،
72

ولا مخالف لهما، وبه قال الشافعي.
وقال مالك: في العبد ما نقص، إلا فيما ليس له بعد الاندمال نقص وهي
الموضحة والمنقلة والمأمومة والجائفة، ففي كل هذا مقدر من قيمته، وما عدا هذه
من الأطراف وغيرها خالفنا فيه.
وعن أبي حنيفة روايتان: فروى الحسن بن زياد اللؤلؤي عنه كقولنا، وروى
أبو يوسف وأهل الإملاء عنه فقال: كل شئ فيه من الحر ديته ففيه من العبد قيمته
إلا الحاجبين والشارب والعنفقة واللحية، وكذا يجئ على قولهم في أذنيه لأن
عندهم الأذن جمال بلا منفعة.
وقال محمد بن الحسن في العبد: ما نقص بكل حال كالبهيمة سواء.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا فهو قول علي عليه السلام وعمر،
ولا مخالف لهما في الصحابة فدل على أنه إجماع.
مسألة 81: إذا جنى على عبد جناية تحيط بقيمته كالأنف واللسان والذكر
واليدين والرجلين لزمته قيمته، ويتسلم العبد من سيده، وقال الشافعي: لزمته
قيمته، والعبد لسيده.
وقال أبو حنيفة: السيد بالخيار بين أن يمسكه ولا شئ له وبين أن يسلمه
ويأخذ كمال قيمته، فأما أن يمسكه ويطالب بقيمته فليس له ذلك، ولو كان
ذلك لجمع له بين البدل والمبدل، وذلك لا يجوز.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 82: إن كانت الجناية عليه ما يجب بها نصف قيمته مثل قطع يده
أو قلع عينه أمسكه سيده وطالب بذلك لا غير، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: سيده بالخيار بين أن يمسكه ويطالب بنصف قيمته، وبين أن
يسلمه إلى الجاني ويطالبه بكمال قيمته، وقد روى ذلك أصحابنا وهو الأقوى.
73

دليلنا: ما قدمناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 83: في ذكر العبد قيمته ولا يتجاوز به دية الحر، وقال الشافعي:
فيه قيمته بالغا ما بلغ، وقال أبو حنيفة: فيه قيمته إلا عشرة دراهم إذا بلغ دية الحر،
وكذلك في كل ما يجب به قيمته إذا بلغ قيمة دية الحر أو ما زاد.
دليلنا: ما قدمناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 84: دية النفس على العاقلة في قتل الخطأ، وفي أطرافه كذلك بلا
خلاف، وفي العمد في ماله خاصة بلا خلاف، وفي شبيه العمد عندنا في ماله،
وعند الشافعي على العاقلة، وكذلك القول في الأطراف.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، ولأن ذمة العاقلة بريئة في الأصل، وشغلها
يحتاج إلى دليل.
مسألة 85: إذا قتل عبدا عمدا وقطع أطرافه فالدية في ماله خاصة،
وكذلك إن كان شبيه العمد، وإن كان خطأ محضا فعلى العاقلة سواء قتله أو
قطع أطرافه.
وقال الشافعي: إن قتله عمدا أو قطع أطرافه مثل ما قلناه، وإن قتله خطأ أو
شبيه العمد أو قطع أطرافه كذلك فعلى قولين: أحدهما في ذمته، وبه قال مالك،
والثاني على عاقلته، وهو أصحهما عندهم.
وقال أبو حنيفة: أما بدل نفسه فعلى العاقلة، وبدل أطرافه فعلى الجاني في
ماله في الخطأ وشبيه العمد، ولا يحمل على العاقلة.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 86: ما كان عمدا محضا لا يحمل على العاقلة سواء كان عمدا لا
74

قصاص فيه كقطع اليد من نصف الساعد أو المأمومة أو الجائفة، وكذلك إذا
قتل الوالد ولده عمدا، وبه قال أبو حنيفة والشافعي.
وقال مالك: إذا كانت الجناية لا قصاص فيها بحال كالمنقلة والمأمومة
والجائفة فأرشها على العاقلة.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا الأصل براءة ذمة العاقلة، ولا يجوز شغلها إلا
بدليل.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: لا تعقل العاقلة لا عمدا ولا
صلحا ولا اعترافا، وهذا نص.
مسألة 87: الصبي إذا كان عاقلا مميزا فالحكم فيه وفي المجنون إذا قتلا
سواء، فإن كان القتل خطأ محضا فالدية مؤجلة على العاقلة، وإن كان عمدا
محضا فحكمه حكم الخطأ والدية في الموضعين على العاقلة، ووافقنا الشافعي في
الخطأ المحض، وقال في العمد المحض: فيه قولان: أحدهما عمده في حكم
الخطأ وبه قال أبو حنيفة، والثاني عمده في حكم العمد.
فإذا قال: في حكم الخطأ، فالدية على العاقلة مؤجلة، والكفارة في ماله،
ووافقه أبو حنيفة في أنها مخففة مؤجلة على العاقلة، وكان يحكى عنه أنها حالة على
العاقلة، وهذا أصح.
وإذا قال: عمده في حكم العمد، فالقود يسقط، والدية مغلظة حالة في ماله
كما لو قتل الوالد ولده.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم على أن عمد الصبي والمجنون خطأ،
وذلك عام في حكم القتل والدية وكل حكم إلا ما خرج بدليل، وروي عن
النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: رفع القلم عن ثلاث، عن الصبي حتى يحتلم،
وعن المجنون حتى يفيق، وعن النائم حتى ينتبه.
75

مسألة 88: إذا جنت أم الولد كان أرش جنايتها على سيدها عند جميع
الفقهاء إلا أبا ثور فإنه قال: أرش جنايتها في ذمتها تتبع به بعد العتق، وعندنا أن
جنايتها مثل جناية المملوك سواء، على ما مضى القول فيه من أن السيد بالخيار
بين أن يؤدى أرش جنايتها أو يسلمها.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم على أنها مملوكة يجوز بيعها.
مسألة 89: إذا جنت أم الولد وغرم السيد الجناية ثم جنت جناية أخرى
كان عليه أيضا، وهكذا أبدا، وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه، وهو
اختيار المزني، والثاني لا يجب على السيد أكثر من قيمتها، فإذا غرمها ثم جنت
شارك المجني عليه أولا فتكون قيمتها بينهما، وبه قال أبو حنيفة.
دليلنا: إجماع الفرقة على أن جناية المملوك على سيده، ولم يفصلوا
فوجب حمله على عمومه.
مسألة 90: إذا اصطدم فارسان فماتا فعلى عاقلة كل واحد منهما نصف دية
صاحبه والباقي هدرا إذا كان ذلك خطأ محضا، وبه قال الشافعي ومالك وزفر.
وقال أبو حنيفة: على عاقلة كل واحد منهما كمال دية صاحبه، وبه قال
أبو يوسف ومحمد وإسحاق.
دليلنا: أن ما ذكرناه مجمع على لزومه لهم، وما زاد عليه ليس عليه دليل،
والأصل براءة الذمة.
وروي عن علي عليه السلام أنه قال: إذا اصطدم الفارسان فماتا فعلى عاقلة
كل واحد منهما نصف دية صاحبه، ولا يعرف له مخالف، ولأنهما إذا اصطدما
فماتا فقد مات كل واحد منهما من صدمته وصدمة صاحبه، فصار موت كل
واحد منهما بفعل اشتركا فيه، فما قابل جنايته على نفسه هدر، وما قابل جناية
صاحبه عليه مضمون، فوجب على عاقلة كل واحد منهما نصف دية صاحبه، كما
76

لو جرح كل واحد منهما صاحبه وجرح نفسه فماتا، فما فعله في نفسه هدر وما
قابل فعل صاحبه فيه مضمون، كذلك هاهنا.
مسألة 91: إذا اصطدما متعمدين للقتل فقصد كل واحد منهما قتل صاحبه
كان ذلك عمدا محضا، والدية في تركة كل واحد منهما لورثة صاحبه مغلظة،
وللشافعي فيه قولان: قال أبو إسحاق مثل ما قلناه، وقال الباقون: إنه شبيه العمد
فالدية على عاقلته، على ما مضى، وقال أبو حنيفة: هو خطأ والدية على عاقلتهما
على ما مضى.
دليلنا: أنه إذا قصد كل واحد منهما القتل كان ذلك عمدا، فمن جعله شبيه العمد فعليه الدلالة.
مسألة 92:
لا فرق بين أن يقعا مستلقيين أو مكبوبين أو أحدهما مكبوبا
والآخر مستلقيا، وبه قال أصحاب الشافعي كلهم.
وقال المزني: إن كان أحدهما مكبوبا والآخر مستلقيا، فالمكبوب هو القاتل
وحده، والمستلقى مقتول، فعلى عاقلة المكبوب كمال دية المستلقى.
دليلنا: عموم الخبر الذي قدمناه لأن عليا عليه السلام لم يفصل.
مسألة 93: يمكن أن يكون القتل بحجر المنجنيق عمدا محضا يجب به
القود.
وقال الشافعي: لا يمكن ذلك بل لا يكون ذلك إلا عمد الخطأ، والدية
مغلظة على العاقلة عنده، وأما على مذهب أبي حنيفة لا يكون إلا خطأ.
دليلنا: أنه لا يمتنع أن يقصد أن يصيب إنسانا بعينه فيصيبه فيقتله، فيجب
أن يكون عمدا محضا عندنا وعند الشافعي، واستبعاده لذلك في غير موضعه.
77

مسألة 94: إذا اصطدمت السفينتان من غير تفريط من القائم بهما في شئ
من أسباب التفريط بريح فهلكتا وما فيهما من المال والأنفس أو بعضه، كان ذلك
هدرا ولا يلزم واحدا منهما لصاحبه شئ، وللشافعي فيه قولان: أحدهما عليهما
الضمان، والآخر لا ضمان عليهما كما قلناه.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، ولا دليل على شغلها، فعلى من ادعى شغلها
الدليل.
مسألة 95: إذا قال لغيره وقد خاف الغرق: ألق متاعك في البحر وعلى
ضمانه، فألقاه، كان عليه ضمانه، وبه قال جماعة من الفقهاء إلا أبا ثور فإنه قال: لا
ضمان عليه.
دليلنا: إجماع الفرقة بل إجماع الأمة، وأبو ثور لا يعتد به لأنه شاذ.
مسألة 96: دية قتل الخطأ على العاقلة، وبه قال جميع الفقهاء، وقال
الأصم: إنه يلزم القاتل دون العاقلة، قال ابن المنذر: وبه قالت الخوارج.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا إجماع الأمة والأصم لا يعتد به،
مع أن خلافه قد انقرض.
وروى المغيرة بن شعبة أن امرأتين قتلت إحديهما الأخرى ولكل واحدة
منهما زوج وولد وجعل النبي صلى الله عليه وآله دية المقتولة على عاقلة القاتلة،
وهو إجماع الصحابة.
روي أن امرأة ذكرت عند عمر بن الخطاب بسوء، فأرسل إليها فأجهضت
ذا بطنها، فاستشار الصحابة فقالوا له: إنما أنت مؤدب لا شئ عليك، فقال لعلي
عليه السلام: ما تقول؟ فقال: إن اجتهدوا فقد أخطؤوا وإن تعمدوا فقد غشوك
عليك الدية، فقال له: عزمت عليك لو قسمتها على قومك، فأضاف قومه إلى
علي عليه السلام تحاشيا لما بينهما - أي قومي قومك -.
78

وروي عن عمر أنه قضى علي عليه السلام بدية موالي صفية بنت عبد المطلب
لأنه هو العاقلة، فقضى بدية مواليها عليه، ولا مخالف لهم في ذلك.
مسألة 97: دية الخطأ مؤجلة ثلاث سنين كل سنة ثلثها، وبه قال جميع
الفقهاء إلا ربيعة فإنه قال: أجلها خمس سنين، وفي الناس من قال: إنها حالة غير
مؤجلة.
دليلنا: إجماع الفرقة بل إجماع الأمة، وخلاف ربيعة لا يعتد به وقد
انقرض، وأيضا فيه إجماع الصحابة لأنه روي عن علي عليه السلام، وعن عمر
أنهما جعلا دية الخطأ على العاقلة في ثلاث سنين ولا مخالف لهما.
مسألة 98: العاقلة كل عصبة خرجت من الوالدين والمولودين وهم
الإخوة وأبناؤهم إذا كانوا من جهة أب وأم أو من جهة أب، والأعمام وأبناؤهم
وأعمام الأب وأبناؤهم والموالي، وبه قال الشافعي وجماعة أهل العلم، وقال
أبو حنيفة: يدخل الوالد والولد فيها ويعقل القاتل.
دليلنا: أن ما اعتبرناه مجمع على أنه من العاقلة الذين يجب عليهم الدية،
ولا دليل على أن الوالدين والولد منهم، والأصل براءة ذمتهم.
وروى ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وآله قال: لا ترجعوا بعدي كفارا
يضرب بعضكم رقاب بعض لا يؤخذ الرجل بجريرة ابنه ولا الابن بجريرة أبيه،
وهذا نص.
وروى سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن امرأتين من هذيل اقتتلتا فقتلت
إحديهما الأخرى، ولكل واحدة منهما زوج وولد، فقضى رسول الله صلى الله
عليه وآله بدية المقتولة على عاقلة القاتلة، وبرئ الزوج والولد ثم ماتت القاتلة
فجعل النبي صلى الله عليه وآله ميراثها لبنيها والعقل على العصبة، وفي بعضها:
جعل ميراثها لزوجها وولدها.
79

مسألة 99: القاتل لا يدخل في العقل بحال مع وجود من يعقل عنه من
العصبات وبيت المال، وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: القاتل كأحد العصبات
يعقل كما يعقل واحد منهم.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، ودخوله في العقل يحتاج إلى دليل، وعموم
الأخبار التي قدمناها تقتضي أن الدية على العاقلة كلها في رواية ابن مسعود
وجابر.
مسألة 100: قال الشافعي: لا يحمل كل واحد من العاقلة أكثر من نصف
دينار إن كان موسرا، وربع دينار إن كان معسرا، ويؤخذ الأقرب فالأقرب،
وكلما أخذت من الأقرب وفضل من الدية شئ أخذت من الذين يلونهم على
ترتيب الميراث، فإذا لم يبق أحد من العاقلة وبقى من الدية شئ، كانت في بيت
المال.
وعندنا أنها تؤخذ جميعها منهم، ويؤخذ منهم على قدر أحوالهم، وما لا
يجحف ببعضهم ويستوي القريب والبعيد في ذلك.
دليلنا: أن الأخبار عامة في أن الدية على العاقلة، فمن نقلها أو بعضها إلى
بيت المال أو قدم بعضها على بعض وقدر معينا فعليه الدلالة.
مسألة 101: الدية لا تنتقل من العصبات إلى أهل الديوان سواء كان القاتل
من أهل الديوان أو لم يكن من أهله، وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة ومالك:
الدية على أهل الديوان دون العصبات.
دليلنا: عموم الأخبار أن العاقلة عليها الدية ولم يقم دليل على أنها تتحول
عنهم إلى أهل الديوان، فعلى من ادعى ذلك الدلالة.
مسألة 102: ابتداء الدية المؤجلة من حين وجوب الدية حكم الحاكم
80

بإثباتها أو لم يحكم، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: ابتداء المدة من حين حكم الحاكم بها، واختلف أصحابه
متى تتحول الدية على العاقلة على مذهبين: منهم من قال: تجب على القاتل ثم
تتحول عنه إلى العاقلة عقيب وجوبها عليه بلا فصل، كالوكيل بالشراء يملك من
البائع ثم يتحول عنه إلى موكله عقيب الملك بلا فصل، ومنهم من قال: لا تتحول
إلا بتحويل الحاكم إليهم كالحوالة عليهم بذلك.
دليلنا: أن موجب الدية الجناية فيجب إذا حصلت أن تجب الدية، ولا يقف
ذلك على حكم الحاكم.
مسألة 103: إذا حال الحول على موسر من أهل العقل توجهت المطالبة
عليه، فإن مات بعدها لم تسقط بوفاته بل تتعلق بتركته كالدين، وبه قال
الشافعي، وقال أبو حنيفة: تسقط بوفاته.
دليلنا: أن وجوبه عليه مجمع عليه، وسقوطه بموته يحتاج إلى دليل ولا
دلالة في الشرع على ذلك فيبقي وجوبه على ما كان.
مسألة 104: الدية الناقصة مثل دية المرأة، ودية اليهودي والنصراني
والمجوسي ودية الجنين تلزم أيضا في ثلاث سنين كل سنة ثلثها.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه، والثاني عليه في السنة الأولى
ثلث دية الكاملة عنده، والباقي في السنة الثانية، فعلى هذا دية اليهودي والنصراني
تحل في أول سنة لأنها ثلث الكاملة عنده، ودية المجوسي تحل أيضا لأنها أقل من
الثلث، وكذلك دية الجنين عنده خمسون دينارا وهي أقل من الثلث، ودية المرأة
على ثلث دية الكاملة في أول سنة، والباقي في الثانية.
دليلنا: عموم الأخبار التي وردت في أن دية الخطأ في ثلاث سنين ولم
يفصل.
81

مسألة 105: الموسر عليه نصف دينار، والمتوسط ربع دينار يوزع على
الأقرب فالأقرب حتى ينفذ العاقلة، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: على كل واحد منهم من ثلاثة إلى أربعة، والغني والمتوسط
سواء، ويقسم الواجب على العاقلة فلا يبدأ بالأقرب فالأقرب، فخالف الشافعي في
ثلاثة فصول: في قدر الواجب، والفرق بين الموسر والمتوسط، وهل يسقط على
القريب والبعيد أم لا؟
دليلنا على أن الأقرب فالأقرب أولى: قوله تعالى: وأولوا الأرحام بعضهم
أولى ببعض، وذلك عام في جميع الأشياء، وأيضا فلا يخلو أن يكون على
الأقرب وحده أو على من قرب وبعد كما قالوا، أو على الأقرب فالأقرب كما قلناه،
فبطل أن يكون كلها على الأقرب لأنه لا خلاف في ذلك، وبطل أن يقال: يكون
على الكل، لما قلناه في الآية حتى يتعلق بالعصبات فكان الأقرب فالأقرب
كالميراث والولاية في النكاح.
وأما المقدار فمقدار ربع دينار على المتوسط لا خلاف في أنه يلزمه، وما زاد
عليه فليس عليه دليل، والموسر نصف دينار أيضا مثل ذلك حتى يكون فرقا بينه
وبين المتوسط، ولأنه يلزمه من النفقة مدان والمتوسط مد.
مسألة 106: القدر الذي تحمله العاقلة عن الجاني هو قدر جنايته قليلا كان
أو كثيرا، وبه قال الشافعي، ونقله المزني حتى قال: لو كان أرش الجناية درهما
لحملته، وبه قال البتي.
وروي في بعض أخبارنا أنها لا تحمل إلا نصف العشر أرش الموضحة فما
فوقها، وما نقص عنه ففي مال الجاني، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه.
وقال قوم: إنها تحمل ثلث الدية فما زاد، وما نقص من ذلك في مال
الجاني، ذهب إليه سعيد بن المسيب وعطاء مالك وأحمد وإسحاق.
وذهبت طائفة إلى أنها تحمل ما زاد على الثلث فما فوق ذلك، وما دون
82

ذلك ففي مال الجاني، ذهب إليه الزهري، وقال في القديم على قولين: أحدهما
تحمل الدية فأما دونها ففي مال الجاني، والثاني تحمل ما قل وكثر وهو قوله في
الجديد.
دليلنا: عموم الأخبار التي وردت في أن الدية على العاقلة ولم يفصلوا، وإذا
قلنا بالرواية الأخرى فالرجوع في ذلك إلى تلك الرواية، وقد أوردناها.
وروى المغيرة بن شعبة أن امرأتين ضرتين اقتتلتا فضربت إحديهما الأخرى
بحجر أو مسطح فألقت جنينا ميتا، فقضى رسول الله صلى الله عليه وآله بدية
الجنين على عصبة المرأة - يعني القاتلة - وهذا أقل من الثلث، وقصة المجهضة
تدل على ذلك أيضا سواء.
مسألة 107: إذا جنى الرجل على نفسه جناية خطأ محض كان هدرا لا
يلزم العاقلة ديته، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه والشافعي وربيعة ومالك والثوري.
وقال قوم: إن الدية على عاقلته له إن كان حيا وقد قطع يد نفسه، ولورثته
إن كان ميتا، ذهب إليه الأوزاعي وأحمد وإسحاق.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، ولا دليل على أن هؤلاء يلزمهم بهذه الجناية
شئ.
وأيضا روي أن عوف بن مالك الأشجعي ضرب مشركا بالسيف فرجع
السيف إليه فقتله فامتنع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله من الصلاة عليه،
وقالوا: بطل جهاده مع رسول الله، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وآله فقال:
مات مجاهدا مات شهيدا، فالظاهر عن هذا جميع حكمه، ولو كانت الدية على
عاقلته لبين ذلك، وأوضحه لأنه وقت الحاجة.
مسألة 108: الدية في قتل الخطأ تجب ابتداء على العاقلة، وفي أصحابنا من
قال: ترجع العاقلة على القاتل بها، ولا أعرف به نصا، وللشافعي فيه قولان:
83

أحدهما يجب على القاتل ابتداء ثم يتحملها عنه العاقلة، وبه قال أبو حنيفة، والثاني
مثل ما قلناه.
دليلنا: أن كل خبر ورد في أن الدية على العاقلة تضمن ابتداء، وليس في
شئ منها أنها تجب على القاتل وتنتقل إلى العاقلة.
مسألة 109: المولى من أسفل لا يعقل عن المولى من فوق شيئا، وبه قال
أبو حنيفة، وأحد قولي الشافعي، وهو أصحهما عندهم، وقال في " الأم " - وهو
الضعيف - أنه يحمل.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، فعلى من شغلها الدلالة.
مسألة 110: إذا كانت العاقلة أكثر من الدية التي تقسم فيهم على الغني
نصف دينار، وعلى المتحمل ربع دينار، قسم على جميعهم بالحصص، وللشافعي
فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه، والثاني للإمام أن يخص من شاء منهم على الغني
نصف دينار وعلى المتوسط ربع دينار.
دليلنا: أن الدية وجبت على العاقلة كلهم فمن خص بها قوما دون قوم
فعليه الدلالة.
مسألة 111: إذا كانت العاقلة كثيرين متساوين في الدرجة بعضهم غائب
وبعضهم حاضر، كانت الدية عليهم كلهم ولا يخص بها الحاضر دون الغائب،
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه، والثاني يخص بها الحاضر دون
الغائب.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 112: الحليف لا يعقل ولا يعقل عنه، وبه قال أبو حنيفة والشافعي،
84

وقال محمد بن الحسن: يعقل، وروي ذلك عن مالك.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، فمن قال: هو يعقل أو يعقل عنه، فعليه
الدلالة.
عقد الموالاة
مسألة 113: عقد الموالاة صحيح، وهو أن يتعاقد الرجلان لا يعرف
نسبهما على أن يرث كل واحد منهما صاحبه، ويعقل عنه، ويرث إذا لم يكن له
وارث نسيب، وبه قال أبو حنيفة في صحة العقد غير أنه قال: لا يرث أحدهما
صاحبه ما لم يعقل عنه، فإذا عقل أحدهما عن صاحبه لزم وأيهما مات ورثه
الآخر، وقال الشافعي: هذا عقد باطل لا يتعلق به حكم.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وقد استوفيناها في الفرائض.
مسألة 114: روى أصحابنا أن الذمي إذا قتل خطأ ألزم الدية في ماله
خاصة، فإن لم يكن له مال كان عاقلته الإمام لأنهم إليه يؤدون جزيتهم كما يؤدى
العبد الضريبة إلى مولاه، وقال جميع الفقهاء: إن عاقلة الذمي ذمي مثله إذا كان
عصبته، فإن كان حربيا لم يكن عاقلة الذمي وإن كان عصبته، وإن كانوا مسلمين
فكذلك لا يكونون عاقلة الذمي وإن كانوا عصبته، فإن لم يكن له عاقلة ففي ماله،
ولا يعقل عنه من بيت مال المسلمين.
دليلنا: إجماع أصحابنا على الرواية التي ذكرناها لأنهم لم يرووا خلافها،
ولأن ميراثه إذا لم يكن له وارث ينتقل إلى الإمام، فيجب أن تكون جنايته عليه.
مسألة 115: إذا كان القتل عمدا لا يجب به قود بحال مثل قتل الوالد
ولده، وكذلك الأطراف، وكذلك إذا جنى جناية لا يجب بها قود بحال
كالجائفة والمأمومة فالكل حال في مال الجاني، وبه قال الشافعي، إلا أنه زاد
85

" وما دون الموضحة " فإن عنده ليس فيه قصاص وإنما يجب به الأرش، وقد بينا
أن عندنا فيه قصاص، وقال أبو حنيفة: كل هذا مؤجل على الجاني ثلاث سنين.
دليلنا: أنه قد ثبت وجوب ذلك عليه، ومن ادعى التأجيل في ذلك فعليه
الدلالة. مسألة 116: إذا بنى حائطا مستويا في ملكه فمال إلى الطريق أو إلى دار
جاره ثم وقع فأتلف أنفسا وأموالا كان عليه الضمان، وللشافعي فيه وجهان:
ظاهر المذهب أنه لا ضمان عليه سواء أشهد أو لم يشهد طولب بنقضه أو لم
يطالب.
وقال أبو حنيفة: ينظر فإن كان قبل المطالبة بنقضه وقبل الإشهاد عليه فلا
ضمان، وإن كان قد طولب بنقضه وأشهد عليه به فوقع بعد القدرة على نقضه
فعليه الضمان، وإن كان قبل القدرة على نقضه فلا ضمان.
وقال ابن أبي ليلى: إن كان الحائط قد انشق بالطول فلا ضمان، وإن انشق
بالعرض فعليه الضمان.
دليلنا: أنه إذا مال إلى طريق المسلمين أو إلى دار جاره فقد حصل في
ملك الغير فيلزمه ضمانه، كما لو ترك في الطريق حجرا، ولأنه قد استحق إزالته
عليه فإذا لم يفعل ضمن كما لو وضع حجرا في طريق المسلمين، ويقوى في
نفسي أنه لا ضمان عليه لأن الأصل براءة الذمة، وليس هاهنا دليل على وجوب
الضمان.
مسألة 117: إذا سقط حائط إلى طريق المسلمين فعثر إنسان بترابه فمات لم
يلزم ضمانه صاحب الحائط، وبه قال الشافعي ومحمد، وقال أبو يوسف: يضمن.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، فمن شغلها فعليه الدلالة.
86

مسألة 118: إذا أشرع جناحا إلى طريق المسلمين أو إلى درب نافذا وغير
نافذ وبابه فيه أو أراد إصلاح ساباط على وجه لا يضر بأحد من المارة فليس لأحد
معارضته ولا منعه منه، وبه قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: له ذلك ما لم يمنعه
مانع فأما إن اعترض عليه معترض أو منعه مانع كان عليه قلعه.
دليلنا: أن الأصل جوازه، والمنع يحتاج إلى دليل.
وروي أيضا أن عمر بن الخطاب مر بباب العباس فقطر ماء من ميزاب فأمر
عمر بقلعه، فخرج العباس فقال: أو تقلع ميزابا نصبه رسول الله صلى الله عليه
وآله بيده؟ فقال: والله لا يحمل من ينصب هذا الميزاب إلى السطح إلا ظهري،
فركب العباس ظهر عمر فصعد فأصلحه، وهذا إجماع فإن أحدا لم ينكره، والنبي
صلى الله عليه وآله أيضا فعله، ولأن هذه الأجنحة والساباطات والسقائف سقيفة بني النجار وسقيفة
بني ساعدة وغير ذلك إلى يومنا هذا لم ينقل أن أحدا اعترض
فيها ولا أزيلت باعتراض معترض عليها، ثبت أن إقرارها جائز بإجماع المسلمين.
مسألة 119: من أخرج ميزابا إلى شارع فوقع على إنسان فقتله أو متاع
فأتلفه كان ضامنا، وبه قال جميع الفقهاء إلا بعض أصحاب الشافعي فإنه قال: لا
ضمان عليه لأنه محتاج إليه، قال أصحابه: ليس هذا بشئ.
دليلنا: إجماع الأمة، وهذا القول شاذ لا يعتد به.
مسألة 120: دية الجنين التام إذا لم تلجه الروح مائة دينار، وقال جميع
الفقهاء: ديته عبد أو أمة، وقال الشافعي: قيمتها نصف عشر الدية خمسون دينارا
أو خمس من الإبل.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وطريقة الاحتياط تقتضي أيضا ذلك لأن الذمة
تبرأ معه بيقين.
87

مسألة 121: إذا كان هناك حركة فضربها فسكنت بضربه فلا ضمان، وبه
قال جميع الفقهاء.
وقال الزهري: إذا سكنت الحركة ففيه الغرة لأنها إذا سكنت فالظاهر أنه قتله
في بطن أمه.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة ولم يقم دليل على أن بهذا يجب عليه شئ،
وأيضا فإن الحركة يجوز أن تكون للجنين، ويجوز أن تكون لريح فلا يلزم
الضمان بالشك.
مسألة 122: إذا ألقت نطفة وجب على ضاربها عشرون دينارا، وإذا ألقت
علقة وجب أربعون دينارا، وإذا ألقت مضغة وجب ستون دينارا، وإذا ألقت عظاما
وبه عقد قبل أن يشق فيه السمع والبصر وجب فيه ثمانون دينارا، فإذا تم خلقه
بأن شق سمعه وبصره وتكاملت صورته قبل أن تلجه الروح فهو الجنين يجب فيه
مائة دينار، وعندهم فيه غرة عبد أو أمة، وبكل ذلك عندنا تصير أم ولد وتنقضي
به عدتها، وأما الكفارة فلا تجب بإلقاء الجنين على ضاربها.
وقال الشافعي: إذا تم الخلق تعلق به أربعة أحكام: الغرة والكفارة،
وانقضاء العدة، وتكون أم ولد، وإن شهدن أربع قوابل أنه قدر تصور الخلق وإن
خفي ذلك على الرجال قبل ذلك، وإن شهدن أنه مبتدأ خلقة بشر غير أنه ما
خلق فيه تصوير، ولا تخطيط فالعدة تنقضي به، والأحكام الثلاثة فعلى قولين، وإن
ألقت مضغة وأشكلت على القوابل لم تتعلق بها الأحكام الثلاثة غير العدة قولا
واحدا، والعدة على قولين.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 123: من أفزع غيره وهو يجامع حتى عزل عن زوجته الحرة كان
عليه عشر دية الجنين، عشرة دنانير، وكذلك إذا عزل الرجل عن زوجته الحرة
88

بغير اختيارها فإن عليه عشرة دنانير، وخالف جميع الفقهاء في ذلك.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 124: دية الجنين مائة دينار سواء كان ذكرا أو أنثى.
وقال الشافعي: يعتبر بغيره ففيه نصف عشر دية أبيه أو عشر دية أمه ذكرا
كان أو أنثى.
وقال أبو حنيفة: يعتبر بنفسه فإن كان ذكرا فنصف عشر ديته لو كان حيا
وإن كان أنثى فنصف عشر ديتها لو كانت حية، وإنما نحقق هذه المعاني لنبين
الخلاف معهم في جنين الأمة.
دليلنا: إجماع الفرقة على أن دية الجنين مائة دينار، وأخبارهم على عمومها
ولم يفصلوا ولم يدل دليل على خصوصها.
مسألة 125: إذا ضرب بطنها فألقت جنينا، فإن ألقته قبل وفاتها ثم ماتت
ففيها ديتها، وفي الجنين إن كان قبل أن تلجه الروح مائة دينار على ما مضى، وإن
كان بعد أن ولجه الروح فالدية كاملة، سواء ألقته حيا ثم مات أو ألقته ميتا إذا
علم أنه كان حيا، وإن مات الولد في بطنها وكان تاما حيا ففيه نصف دية الذكر،
ونصف دية الأنثى.
وقال الشافعي: فعليه ديتها، وفي الجنين الغرة سواء ألقته ميتا أو حيا ثم
مات، وبه قال أبو حنيفة إلا في فصل، وهو إذا ألقته ميتا بعد وفاتها فإنه قال: لا
شئ فيه بحال.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وهذه قضية أمير المؤمنين عليه السلام في من
ضرب امرأة على بطنها فماتت، ومات الولد في بطنها فقضى باثني عشر ألفا
وخمسمائة وخمسة آلاف درهم ديتها ونصف دية الذكر، ونصف دية الأنثى لما
أشكل الأمر فيه، ولا يختلف أصحابنا فيه.
89

مسألة 126:
دية الجنين موروثة عنه ولا يكون لأمة خاصة، وبه قال
أبو حنيفة والشافعي، وقال الليث بن سعد: تكون لأمه، ولا تورث عنه لأنه بمنزلة
عضو من أعضائها.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا تخصيص الأم بذلك يحتاج إلى
دليل شرعي.
مسألة 127: كل موضع أوجبنا دية الجنين فإنه لا يجب فيه كفارة القتل،
وبه قال أبو حنيفة، وقال الشافعي: كل موضع يجب فيه الغرة يجب فيه الكفارة.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، وشغلها يحتاج إلى دليل، والأخبار التي
رويت عن النبي صلى الله عليه وآله أنه أوجب الغرة لم يذكر فيها الكفارة، فلو
كانت واجبة لذكرها لأن الوقت وقت الحاجة.
مسألة 128: إذا قتل الإنسان نفسه لا تتعلق بقتله دية بلا خلاف، ولا
تتعلق به الكفارة أيضا عندنا، وقال الشافعي: يجب عليه الكفارة تخرج من
تركته.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، وشغلها يحتاج إلى دليل، ولو قلنا تجب
عليه كان قويا لقوله تعالى: ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة، ولم يفصل.
مسألة 129: دية جنين اليهودي والنصراني والمجوسي عشر ديته ثمانون
درهما، وقال الشافعي: فيه الغرة قيمتها عشر دية أمه مائتا درهم إن كانت يهودية
أو نصرانية لأن ديتها عنده ألفان، وقال في المجوسي عشر دية أمه أربعون درهما.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، ولأنا قد دللنا على أن دية اليهودي
والنصراني ثمانمائة درهم مثل دية المجوسي.
90

مسألة 130: إذا كان الجنين متولدا بين مجوسي ونصرانية أو نصراني
ومجوسية فالحكم أيضا فيه مثل ذلك سواء، وقال الشافعي: نقدره بأعلاهما دية،
إن كانت أمه نصرانية ففيه عشر ديتها، وإن كانت مجوسية فنصف عشر دية أبيه
النصراني لأنه لو تولد بين مسلم وكافرة اعتبرنا دية المسلمة فكذلك هاهنا.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 131: إذا ضرب بطن امرأة فألقت جنينا حرا مسلما واستهل - أي
صاح وصرخ - ثم مات فعليه الدية كاملة بلا خلاف، وإن لم يستهل بل كان
فيه حياة مثل أن تنفس أو شرب اللبن فالحكم فيه كما لو استهل، وبه قال
الأوزاعي والثوري وأبو حنيفة وأصحابه والشافعي، وقال الزهري ومالك: فيه
الغرة ولا تجب فيه الدية كاملة.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم وأيضا قوله عليه السلام: وفي النفس مائة
من الإبل، وهذه نفس.
مسألة 132: إذا أخرج الجنين رأسه ثم مات كان الجنين مضمونا، وبه قال
الشافعي، وقال مالك: غير مضمون لأنه إنما يثبت له أحكام الدنيا إذا انفصل.
دليلنا: عموم الأخبار التي رويناها، وعليه إجماع الفرقة.
مسألة 133: في جنين الأمة عشر قيمتها ذكرا كان أو أنثى، وبه قال أهل
المدينة والشافعي ومالك، وقال أبو حنيفة: فيه عشر قيمته إن كان ذكرا، ونصف
عشر قيمته إن كان أنثى، فاعتبره بنفسه.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 134: في جنين الذمية عشر ديتها، وقال جميع الفقهاء: فيه أرش ما
91

نقص من أمه.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 135: إذا ثبت أن في جنين الأمة عشر قيمتها فمتى تعتبر قيمتها؟
فعندنا أنه تعتبر حال الجناية دون حال الإسقاط، وللشافعي فيه قولان: أحدهما
مثل ما قلناه، وبه قال أبو إسحاق، والقول الثاني تعتبر حال الإسقاط، وبه قال
المزني والإصطخري.
دليلنا: أن الجناية سبب الإسقاط فيجب أن يكون الاعتبار بحال حصولها.
مسألة 136: إذا داس بطن غيره حتى أحدث كان عليه أن يداس بطنه
حتى يحدث أو يفتديه بثلث الدية، وحكي عن أحمد بن حنبل مثل ذلك،
وخالف جميع الفقهاء في ذلك ولم يوجبوا فيه شيئا.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 137: إذا قطع رأس ميت أو شيئا من جوارحه ما يجب فيه الدية
كاملة لو كان حيا كان عليه مائة دينار دية الجنين في جميع ما يصيبه مما يجب
فيه مقدر وأرش في الحي من حساب المائة على حساب ما يحق للحي من الألف،
ولم يوافقنا في ذلك أحد من الفقهاء ولم يوجبوا فيه شيئا، وعندنا أنه يكون ذلك
للميت يتصدق به عنه، ولا يورث ولا ينقل إلى بيت المال.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وقد أوردناها في الكتاب الكبير.
92

كتاب القسامة
مسألة 1: إذا كان مع المدعي للدم لوث وهو تهمة للمدعى عليه بأمارات
ظاهرة بدئ به في اليمين يحلف خمسين يمينا، ويستحق ما سنذكره، وبه قال
ربيعة ومالك والليث بن سعد والشافعي وأحمد بن حنبل، وقال أبو حنيفة: لا
أعتبر اللوث ولا أراعيه ولا أجعل اليمين في جنبة المدعي.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده
عن النبي صلى الله عليه وآله ومسلم عن خالد عن ابن جريح عن عطاء عن أبي
هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله قال: البينة على المدعي واليمين على المدعى
عليه إلا في القسامة.
فوجه الدلالة هو أنه جعل اليمين على من أنكر، واستثنى القسامة ثبت أنها
تكون فيها على من أنكر، فإذا ثبت أنها لا تكون على من أنكر علم أنها على من
أثبت.
وروى الشافعي عن مالك عن أبي ليلى بن عبد الله بن عبد الرحمان بن زيد
عن سهل بن أبي خثيمة أنه أخبره رجال من كبراء قومه أن عبد الله بن سهل و
محيصة خرجا إلى خيبر من جهد أصابهما فتفرقا في حوائجهما فأتى محيصة
فأخبر أن عبد الله بن سهل قد قتل وطرح في بئر أو عين فأتى يهودا فقال: أنتم
والله قتلتموه، قالوا: والله ما قتلناه، فأقبل حتى قدم على قومه فذكر ذلك لهم،
93

فأقبل هو وأخوه حويصة - وهو أكبر منه - وعبد الرحمان بن سهل أخو المقتول
إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فأقبل محيصة يتكلم وهو الذي كان بخيبر،
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لمحيصة: أسرك؟ - يريد بذلك السن -
فتكلم حويصة ثم تكلم محيصة بعده فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: إما أن
يدرأ صاحبكم وإما أن يأذنوا بحرب من الله، فكتب رسول الله صلى الله عليه وآله
إليهم في ذلك، فكتبوا إليه إنا والله ما قتلناه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله
لحويصة ومحيصة وعبد الرحمان بن سهل: تحلفون وتستحقون دم صاحبكم،
قالوا: لا، قال: فيحلف يهودا، فقالوا: ليسوا بمسلمين، فوداه النبي من عنده فبعث
إليهم بمائة ناقة حمراء حتى إذا دخلت عليهم الدار، قال سهل: لقد ركضني منها
ناقة حمراء، وروى سفيان والليث بن سعد وحماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن
بشير بن يسار عن سهل بن أبي خثيمة فذكر نحو حديث أبي ليلى بن عبد الرحمان،
وفيه تحلفون وتستحقون دم صاحبكم أو قاتلكم، قالوا: أمر لم نشاهده فكيف
نحلف؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله: أفتبرئكم يهود بخمسين يمينا؟ قالوا:
كيف نرضى أيمان قوم كفار؟ فوداه النبي صلى الله عليه وآله من عنده.
ولنا من حديث الشافعي ثلاثة أدلة:
أحدها: أنه صلى الله عليه وآله ابتدأ فخاطب المدعي باليمين فثبت أن اليمين
عليهم ابتداء.
والثاني: قال " تحلفون وتستحقون " فأثبت الاستحقاق لهم بالأيمان منهم،
وعند أبي حنيفة يحلفون لا يحلفون ولا يستحقون بأيمانهم شيئا.
والثالث: أنه نقلها إلى اليهود لما لم يحلف المدعون، وعند أبي حنيفة ليس
في الإيمان نقل بحال، وهذه الأدلة الثلاثة من حديث سفيان.
ودلالة رابعة: وهو قوله أفتبرئكم يهود بخمسين يمينا، وعند أبي حنيفة إذا
حلفت اليهود لزمها الضمان والنبي صلى الله عليه وآله أبرأهم باليمين.
قال الطحاوي: يجب على المدعى عليه في القسامة شيئان: اليمين والدية
94

جميعا.
مسألة 2: إذا حلف المدعون على قتل عمد وجب القود على المدعى عليه،
وبه قال ابن الزبير، وإليه ذهب مالك وأحمد بن حنبل والشافعي في القديم، وقال
في الجديد: لا يشاط به الدم، وإنما تجب به الدية مغلظة حالة في ماله، وبه قال
عمر وأبو حنيفة، وإن خالف في هذا الأصل.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا ما قدمناه من الأخبار يدل على
ذلك لأن النبي صلى الله عليه وآله قال للأنصار: تحلفون وتستحقون دم
صاحبكم، فأثبت لهم دم صاحبهم، وفي الخبر الآخر " تستحقون صاحبكم أو
قاتل صاحبكم " وحديث حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار عن
سهل بن أبي خثيمة أن النبي صلى الله عليه وآله قال للأنصار: يحلف خمسون
منكم على رجل منهم فيدفع برمته، ومعناه القتل كما روي عن علي عليه السلام
في رجل وجد مع امرأته رجلا فقتله فقال: إن أتى بأربعة شهداء وإلا فليعط برمته،
يعني القود، وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قتل بالقسامة رجلا من بني
نصر بن مالك برجل منهم، وهذا نص.
مسألة 3: القسامة يراعى فيها خمسون من أهل المدعي يحلفون، فإن لم
يكونوا أحلف الولي خمسين يمينا، وقال من وافقنا في القسامة: أنه لا يحلف إلا
ولي الدم خمسين يمينا.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا الخبر الذي قدمناه من رواية حماد
بن زيد من قوله للأنصار " يحلف خمسون منكم على رجل منهم فيدفع برمته "
يدل على ما قلناه، فإن قالوا هذا منسوخ قلنا لا نسلم ما تدعونه، ومن ادعى النسخ
فعليه الدلالة.
95

مسألة 4: القسامة في قتل الخطأ خمسة وعشرون رجلا، وقال الشافعي لا
فرق بين أنواع القتل ففي جميعها القسامة خمسون رجلا.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 5: إذا حلف أولياء المقتول خمسين يمينا على قتل العمد وكان
القاتل واحدا قتل بلا خلاف بين من أوجب القود، وإن حلف على جماعة فمثل
ذلك على ما شرطناه في قتل الجماعة بواحد وبه قال الشافعي ومالك وأحمد بن
حنبل على ما يقولونه في قتل الجماعة بواحد.
وقال أبو العباس: إذا حلف على قتل جماعة لم يقتلوا به، ولكن يختار واحدا
منهم فيقتله.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم وعموم الأخبار التي وردت في قتل
الجماعة بواحد يتناول هذا الموضع.
مسألة 6: إذا وجد قتيلا بين الصفين في فتنة أو في قتال أهل البغي والعدل
قبل أن تنشب الحرب بينهم كان ديته على بيت المال.
وقال الشافعي: إذا كان قد التحم القتال فاللوث على غير طائفة التي هو
منها، وإن كان لم يلتحم فاللوث على طائفته سواء كانا متقاربين أو متباعدين.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأيضا الأصل براءة الذمة، فإيجاب اللوث عليهم
يحتاج إلى دليل.
مسألة 7: إذا وجد قتيل من ازدحام الناس إما في الطواف أو الصلاة أو
دخول الكعبة أو المسجد أو بئرا أو مصنع لأخذ الماء أو قنطرة، كانت ديته على
بيت المال، وقال الشافعي: ذلك لوث بينهم لأنه يغلب على الظن إنهم قتلوه.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
96

مسألة 8: كل موضع قلنا قد حصل اللوث على ما فسرناه فللولي أن يقسم
سواء كان بالقتيل أثر القتل أو لم يكن أثر القتل، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: إن كان به أثر القتل، كقولنا، وإن لم يكن أثر القتل فلا
قسامة بلى إن كان قد خرج الدم من غير أنفه فلا قسامة لأنه يخرج من قبل خنق
ويظهر من غير قتل وإن خرج الدم من أذنه فهذا مقتول لأنه لا يخرج إلا بخنق
شديد، وبتعب عظيم.
دليلنا: أن المعتاد موت الإنسان بالأمراض، وموت الفجأة نادر فالظاهر من
هذا أنه مقتول كما أن من به أثر القتل يجوز أن يكون جرح نفسه ولا يترك
لذلك القسامة، ولا ينبغي أن يحمل على النادر إلا بدليل، وقد يقتل الإنسان غيره
بأخذ نفسه أو عصر خصيته، وإن لم يكن هناك أثر.
مسألة 9: يثبت اللوث بأشياء: بالشاهد الواحد، وبوجود القتل في دار قوم،
وفي قريتهم التي لا يدخلها غيرهم ولا يختلط به سواهم، وكذلك محلتهم، وغير
ذلك، ولا يثبت اللوث بقول المقتول عند موته " دمي عند فلان " وبه قال
الشافعي وأبو حنيفة.
وقال مالك: لا يثبت اللوث إلا بأمرين: شاهد عادل مع المدعي، وقوله عند
موته: دمي عند فلان.
دليلنا: أن الأصل في القسامة قصة الأنصار، ولم يكن هناك شاهد ولا
قول من المقتول، فأوجب النبي صلى الله عليه وآله القسامة، فدل على ما قلناه،
وبطلان مذهب مالك في الفصلين، فأما قوله " قول المقتول " فلا يصح اعتباره
لقول النبي صلى الله عليه وآله: البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه، وهذا
مدع.
مسألة 10: إذا كان ولي المقتول مشركا والمدعى عليه مسلما لم يثبت
97

القسامة، وبه قال مالك، وقال الشافعي وأبو حنيفة: أنه تثبت القسامة فإذا حلفوا
ثبت القتل على المسلم.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، وإثبات القتل على المسلم بيمين المشرك
يحتاج إلى دليل، وأيضا فلو أوجبنا القتل عليه بيمينهم لوجب أن يقاد به، وقد بينا
أنه لا يقاد مسلم بكافر، ولو أوجبنا عليه الدية لأوجبنا بيمين كافر ابتداء على مسلم
مالا، مع علمنا بأنهم يستحلون أموال المسلمين ودماءهم.
مسألة 11: إذا قتل عبد وهناك لوث فلسيده القسامة، وبه قال الشافعي،
واختلف أصحابه على طريقين، قال أبو العباس: فيه القسامة قولا واحدا على
القولين في تحمل العاقلة، وقال غيره: على قولين بناء على قيمته، وهل تحملها
العاقلة أم لا؟ فإنه على قولين، فإذا قالوا تحملها العاقلة كان فيها القسامة وإذا قلنا لا
تحملها العاقلة فلا قسامة لأنه كالبهيمة.
دليلنا: عموم الأخبار الواردة في وجوب القسامة في القتل، ولا دليل
يخصها.
مسألة 12: يثبت عندنا في الأطراف قسامة، مثل العينين واللسان واليدين
والرجلين والشم وغير ذلك.
وقال جميع الفقهاء: لا قسامة في الأطراف، وإنما هي في النفس وحدها إلا
أن الشافعي قال: إذا ادعى قطع طرف يجب فيه الدية كاملة، كان على المدعى
عليه اليمين، وهل يغلظ اليمين أم لا؟ على قولين: أحدهما لا يغلظ مثل سائر
الأموال، والثاني يغلظ، وكيف يغلظ؟ مثل ما يغلظ في النفس، فإن كان المدعى
عليه واحدا حلف خمسين يمينا، وإن كانوا جماعة فعلى قولين: أحدهما يحلف
كل واحد بما يحلف الواحد، والثاني يحلف الكل خمسين يمينا على عدد
الرؤوس، وإن كانت الجناية ما يجب فيها دون الدية كقطع يد أو رجل فهذا
98

يجب فيها نصف الدية، وقدر ما يغلظ فيها قولان: أحدهما خمسون يمينا ولو
كانت أنملة لأن الاعتبار بحرمته، والثاني التغليظ مقسوم على قدر الدية، والواجب
في اليد نصف الدية يحلف نصف الخمسين خمسا وعشرين يمينا، هذا إذا كان
المدعى عليه واحدا.
وإن كانوا جماعة ففيها خمسة أقوال: أحدها على كل واحد خمسون يمينا،
والثاني على كل واحد خمسة وعشرون يمينا، والثالث على كل واحد عشرة
أيمان، والرابع على كل واحد خمسة أيمان، والخامس على كل واحد يمين
واحدة، على القول الذي يقول إنه لا تغلظ الأيمان.
وعند أصحابنا أن ما يجب فيه الدية في الأطراف فالقسامة فيه ستة أنفس
بستة أيمان، فإن لم يكونوا كررت على المدعي ستة أيمان وفيما نقص بحسابه،
فإن امتنع المدعي حلف المدعى عليه ستة أيمان أو ما يلزم بحصة ذلك منهم وإن
كانوا جماعة لا نص لهم فيه، والذي يقتضيه المذهب أنه لا يغلظ على كل واحد
منهم.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 13: إذا كان المدعي واحدا فعليه خمسون يمينا بلا خلاف،
وكذلك المدعى عليه إن كان واحدا فعليه خمسون يمينا، وإن كان المدعون
جماعة فعليهم خمسون يمينا عندنا ولا يلزم كل واحد خمسون يمينا، وكذلك
في المدعى عليه إن كان واحدا لزمته خمسون يمينا وإن كانوا جماعة لم يلزمهم
أكثر من خمسين يمينا.
وللشافعي فيه قولان في الموضعين أحدهما مثل ما قلناه في الموضعين،
والثاني يلزم كل واحد خمسون يمينا في الموضعين إلا أنه قال: أصحهما أن في
جنبة المدعي خمسين يمينا بالحصص من الدية " للذكر مثل حظ الأنثيين " فإن
تبعض في واحد يمينا تامة وأصحهما في جنبة المدعى عليه أن يلزم كل واحد
99

خمسون يمينا.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا الأصل براءة الذمة، وما قلناه
مجمع على لزومه، وما قالوه ليس عليه دليل.
مسألة 14: إذا لم يكن لوث ولا شاهد، وتكون دعوى محضة فاليمين في
جنبة المدعى عليه بلا خلاف، وهل تغلظ أم لا؟ عندنا أنه لا يلزم أكثر من يمين
واحدة، وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه، والثاني أنها تغلظ خمسين
يمينا.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم وأيضا الأصل براءة الذمة.
مسألة 15: إذا قتل رجل وهناك لوث وله وليان أخوان أو ابنان فادعى
أحد الوليين أن هذا قتل أبي وكذبه الآخر وقال: ما قتله هذا، فلا يقدح هذا
التكذيب في اللوث، وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه وهو اختيار
المزني، والآخر يقدح، وهو الصحيح عندهم.
دليلنا: أنه قد ثبت اللوث قبل التكذيب، فمن قال: إن التكذيب أثر فيه،
فعليه الدلالة وأيضا فبثبوت اللوث ثبت حق للوليين فإذا كذب أحدهما لم يسقط
حق الآخر، وأيضا فإن اليمين مع اللوث في الدماء كاليمين مع الشاهد في
الأموال، ولو أن أحد الابنين ادعى مالا لأبيه فأقام شاهدا واحدا وكذبه أخوه فقال:
لا حق لأبينا على هذا، لم يقدح هذا التكذيب في شاهد أخيه وكان له أن يحلفه،
وكذلك لا يقدح التكذيب في اللوث وله أن يحلف.
مسألة 16: إذا ادعى رجل على رجل أنه قتل وليا له وهناك لوث وحلف
المدعي القسامة واستوفى الدية فجاء آخر وقال: أنا قتلته وما قتله ذلك، كان
الولي بالخيار بين أن يصدقه ويكذب نفسه، ويرد الدية ويستوفي منه حقه وبين أن
100

يكذب المقر ويثبت على ما هو عليه.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما ليس له أن يدعي على المقر لأن قوله في الأول
" ما قتله إلا فلان " إقرار منه أن هذا المقر ما قتله فلا تقبل منه دعواه عليه، والقول
الثاني له أن يدعي عليه لأن قول الولي " قتله فلان " إنما هو إخبار عن غالب ظنه،
والمخبر يخبر عن قطع ويقين وكان أعرف بما قال.
دليلنا: قول النبي صلى الله عيلة وآله: إن إقرار العاقل جائز على نفسه،
وهو إذا قبل من الثاني فقد كذب نفسه في الأول فقبل منه ذلك وإقرار الثاني
مقبول على نفسه لعموم الخبر.
101

كتاب كفارة القتل
مسألة 1: لا تجب الكفارة بقتل الذمي والمعاهد، وخالف جميع الفقهاء في
ذلك فأوجبوا فيه الكفارة.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، وشغلها يحتاج إلى دليل، وقوله تعالى: وإن
كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم
وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة، قد بينا أن الضمير في
" كان " راجع إلى المؤمن الذي تقدم ذكره فكأنه قال: وإن كان المؤمن من قوم
بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله بأن يكون نازلا بينهم أو أسلم عندهم ولم
يخرج إلينا أو كان أسيرا في أيديهم.
مسألة 2: إذا قتل مسلما في دار الحرب متعمدا لقتله مع العلم بكونه مؤمنا
وجب عليه القود سواء أسلم عندهم ولم يخرج إلينا أو خرج وعاد، أو كان عندنا
فدخل إليهم لحاجة، وبه قال الشافعي، وقال مالك: فيه الدية والكفارة على كل
حال، وقال أبو حنيفة: إن كان أسلم عندهم ولم يخرج إلينا فالواجب الكفارة
بقتله فقط ولا قود ولا دية بحال.
دليلنا: قوله تعالى: النفس بالنفس، وقوله تعالى: ومن قتل مظلوما فقد
جعلنا لوليه سلطانا، ولم يفصل.
103

مسألة 3: إذا قتل مؤمنا في دار الحرب قاصدا إلى قتله ولم يعلمه بعينه
وإنما ظنه كافرا، فلا دية عليه، وليس عليه أكثر من الكفارة.
وقال الشافعي: عليه الدية في أحد القولين والقول الآخر لا دية، كما قلناه،
والكفارة عليه قولا واحدا، وقال مالك: عليه الدية والكفارة، وقال أبو حنيفة: لا
دية عليه.
دليلنا: قوله تعالى: وإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة
مؤمنة، ولم يذكر الدية، وأيضا الأصل براءة الذمة، وشغلها يحتاج إلى دليل.
مسألة 4: إذا حصل له تحرم بدار الإسلام مثل أن يسلم عندهم وخرج إلينا
ثم عاد إليهم أو كان مسلما في دار الإسلام فخرج إليهم وكان مطلقا - يعني لا
يكون ممنوعا من الهجرة عن دار الحرب متصرفا لنفسه - فمتى قتل مع عدم العلم
بإيمانه سواء قصد قتله بعينه أو لم يقصد فلا دية ولا قود، وفيه الكفارة.
وقال أبو يوسف ومحمد: فيه الدية والكفارة.
وقال أبو حنيفة: فيه الدية والكفارة، سواء قصده بعينه أو لم يقصده.
وقال الشافعي: إن قصده بعينه ففيه الدية على أحد القولين، والقول الآخر لا
دية وفيه الكفارة، مثل ما قلناه، وإن لم يقصده بعينه فلا دية وفيه الكفارة.
دليلنا: الآية، وأن الله تعالى أوجب الكفارة ولم يذكر الدية، وأيضا الأصل
براءة الذمة، وشغلها يحتاج إلى دليل.
مسألة 5: إذا قتل أسيرا في أيدي الكفار وهو مؤمن وجبت فيه الدية
والكفارة، سواء قصده بعينه أو لم يقصده، وبه قال أبو يوسف ومحمد، وقال
أبو حنيفة: لا ضمان عليه.
وقال الشافعي: إن قصده بعينه فعليه الدية والكفارة على أحد القولين،
والقول الآخر كفارة بلا دية، وإن لم يقصده بعينه فالكفارة بلا دية.
104

دليلنا: قوله تعالى: ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى
أهله، وهذا مؤمن، وأيضا قوله عليه السلام: في النفس مائة من الإبل، وهذه نفس،
ولم يفصل.
مسألة 6: قتل العمد يجب فيه الكفارة، وبه قال الشافعي ومالك
والزهري، وقال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه: لا كفارة فيه، سواء أوجب القود
كما قتل أجنبيا أو لم يوجب القود نحو أن يقتل ولده.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وطريقة الاحتياط أيضا تقتضيه.
وروى واثلة بن أسفع قال: أتينا رسول الله صلى الله عيلة وآله في صاحب
لنا قد استوجب النار بالقتل فقال: أعتقوا عنه رقبة يعتق الله بكل عضو منها عضوا
منه من النار، وهذا قتل عمدا فإنهم قالوا استوجب النار بالقتل ولا يستحق النار إلا
بقتل العمد.
وروي أن عمر بن الخطاب قال: يا رسول الله إني وأدت في الجاهلية، فقال:
أعتق عن كل موؤودة رقبة.
مسألة 7: يجب بقتل العمد ثلاث كفارات على الجمع: العتق، والصيام
والإطعام، وخالف جميع الفقهاء في ذلك.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 8: الكفارة تجب بقتل العبد عمدا كان أو خطأ، وبه قال جميع
الفقهاء في الخطأ والعمد على ما مضى، وحكي عن مالك أنه قال: لا كفارة بقتل
العبد، والصحيح عنه وفاقه للفقهاء.
دليلنا: إجماع الفرقة وقوله تعالى: ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة،
ولم يفصل، وقال: وإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة، ولم
105

يفصل.
مسألة 9: تجب الكفارة في حق الصبي والمجنون والكافر، وبه قال
الشافعي، وقال أبو حنيفة: لا كفارة على واحد من هؤلاء.
دليلنا: قوله تعالى: ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة، ولم يفصل،
طريقة الاحتياط تقتضي ذلك، وإن قلنا لا تجب على هؤلاء كان قويا لقوله صلى
الله عيلة وآله: رفع القلم عن ثلاثة عن المجنون حتى يفيق، وعن الصبي حتى
يبلغ.
فأما الكافر فيلزمه على كل حال، ولأنه لا خلاف أن الصوم لا يجب على
هؤلاء وهو بدل عن العتق فيجب أن لا يجب عليهم المبدل، ولأن نية القربة لا
تصح من الصبي والمجنون ومحال أن يجب عليه شئ على وجه القربة.
مسألة 10: إذا اشترك جماعة في قتل رجل كان على كل واحد منهم
الكفارة، وبه قال جميع الفقهاء، إلا عثمان البتي فإنه قال: عليهم كلهم كفارة
واحدة، وحكي ذلك عن الشافعي قال أصحابه: ليس بشئ.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم وقوله تعالى: ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير
رقبة مؤمنة، وكل واحد منهم قاتل.
مسألة 11: إذا لم يجد الرقبة انتقل إلى الصوم بلا خلاف، وإن لم يقدر على
الصوم أطعم ستين مسكينا مثل كفارة الظهار، وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل
ما قلناه، والثاني أن الصوم في ذمته أبدا حتى يقدر عليه.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 12: الكفارة لا تكون بالأسباب، ومعناه إذا نصب سكينا في غير
106

ملكه فوقع عليها إنسان فمات، أو وضع حجرا في غير ملكه فتعقل به إنسان
فمات، أو حفر بئرا في غير ملكه فوقع فيها إنسان فمات، أو رش ماء في الطريق
أو بالت دابته فيها ويده عليها فزلق عليه إنسان فمات، أو شهد رجلان على رجل
بالقتل فقتل ثم رجعا فقالا: تعمدنا ليقتل، فعليهما القود بلا كفارة، وإن قالا:
أخطأنا، كان عليهما الدية بلا كفارة، ولا يسمى فاعل شئ من هذه الأفعال قاتلا،
وبه قال أبو حنيفة، وقال الشافعي: كل ذلك يجب فيه الدية والكفارة ويسمى
قاتلا.
دليلنا: قوله تعالى: ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة، وهذا ما قتل، ولا
يسمى قاتلا لأن القاتل في اللغة من باشر القتل، وأيضا الأصل براءة الذمة عن
الكفارة فمن أوجبها فعليه الدلالة.
وأما الدلالة على أنه بجميع ذلك لا يسمى قاتلا، أنه لو سمي بذلك لوجب
أن يكون متى فعل ذلك في ملكه فوقع عليه إنسان فمات أن يسمى قاتلا،
وأجمعنا على خلافه، ولأنه لو سمي قاتلا لوجب أن يكون متى تعمد ذلك أن
يجب عليه القود، وقد أجمعنا على خلافه، وأيضا فلو كان قاتلا لوجب أن يكون
فيه عمد يجب به الدية في ماله، وأجمعنا على خلافه.
ولأنه إذا حفر بئرا فوقع فيها إنسان فما مات من فعله لأن فعله هو الحفر وما
مات به، وإنما تجدد بعد تقضي فعله، وانقطاعه ما كان فيه التلف فلم يكن به
قاتلا، كما لو أعطى غيره سيفا فقتل به لا يكون قاتلا، ولأن الذي فعله الحفر
والمحفور الذي هو البئر ليس من فعله، وإذا وقع فيها واقع فالحافر ما باشر قتله
وإنما وقع في المحفور، وذلك ليس من فعله.
مسألة 13: إذا كان الرجل ملففا في كساء أو في ثوب فشهد شاهدان على
رجل أنه ضربه فقده باثنين، ولم يشهدا بجناية غير الضرب وقد قتله الجاني، وقال
الجاني: ما كان حيا حين الضرب، كان القول قول الجاني مع يمينه، وبه قال
107

أبو حنيفة وهو أحد قولي الشافعي الصحيح عندهم، وله قول آخر: أن القول قول
الولي مع يمينه.
دليلنا: أن الأصل براءة ذمة الجاني، وشغلها يحتاج إلى دليل.
فإن قالوا: الأصل كونه حيا وزواله يحتاج إلى دليل، قلنا: الأصل براءة
الذمة تقابلا وسقطا.
في قصة سحرة فرعون مع موسى
مسألة 14: السحر له حقيقة ويصح منه أن يعقد ويرقى ويسحر فيقتل
ويمرض ويكوع الأيدي ويفرق بين الرجل وزوجته، ويتفق له أن يسحر بالعراق
رجلا بخراسان فيقتله عند أكثر أهل العلم أبي حنيفة وأصحابه ومالك والشافعي.
وقال أبو جعفر الأسترآبادي من أصحاب الشافعي: لا حقيقة له وإنما هو
تخيل وشعبذة، وبه قال المهري من أهل الظاهر، وهو الذي يقوى في نفسي،
ويدل على ذلك قوله تعالى مخبرا في قصة فرعون والسحر: فإذا حبالهم وعصيهم
يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى فأوجس في نفسه خيفة موسى، وذلك أن القوم
جعلوا من الحبال كهيئة الحيات وطلوا عليها الزئبق، وأخذوا الموعد على وقت
تطلع فيه الشمس حتى إذا وقعت على الزئبق تحرك فخيل لموسى أنها حيات
تسعى ولم يكن لها حقيقة، فكان هذا في أشد وقت السحر، فألقى موسى عصاه
فأبطل عليهم السحر فآمنوا به.
وأيضا فإن الواحد منا لا يصح أن يفعل في غيره وليس بينه وبينه اتصال،
ولا اتصال بما اتصل بما فعل فيه فكيف يفعل من هو ببغداد في من هو بخراسان
وأبعد منها؟ ولا ينفي هذا قوله تعالى: ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس
السحر، لأن ذلك لا يمنع منه، وإنما الذي منعنا منه أن يؤثر التأثير الذي يدعونه
فأما أن يفعلوا ما يتخيل عنده أشياء فلا يمنع منه.
ورووا عن عائشة أنها قالت: مكث رسول الله صلى الله عيلة وآله ستة أشهر
108

- وفي رواية أخرى أياما - يخيل إليه أنه يأتي النساء ولا يأتيهن وذكر تمام
الحديث.
وروى زيد بن أرقم قال: سحر رسول الله صلى الله عيلة وآله رجل من
اليهود واشتكى من ذلك أياما فأتاه جبرئيل فقال له: إن رجلا من اليهود سحرك
وعقد لك عقدا في بئر كذا، فبعث عليا فأخرجه، وكلما حل عقدا وجد رسول
الله صلى الله عيلة وآله راحة فلما حل الكل فكأنما نشط من عقال، وهذا نص،
وهذه أخبار لا يعمل عليها في هذا المعنى، وقد روي عن عائشة أنها قالت: سحر
رسول الله صلى الله عيلة وآله فلم يعمل فيه السحر، وهذا يعارض ذلك.
مسألة 15: من استحل عمل السحر فهو كافر، ووجب قتله بلا خلاف،
ومن لم يستحله وقال: هو حرام إلا أني استعمله، كان فاسقا لا يجب قتله، وبه قال
أبو حنيفة والشافعي.
وقال مالك: الساحر زنديق إذا عمل السحر، وقوله لا أستعمله غير مقبول،
ولا تقبل توبة الزنديق عنده.
وقال أحمد بن حنبل وإسحاق: يقتل الساحر، ولم يتعرضا لكفره، وقد
روى ذلك أيضا أصحابنا.
دليلنا: أن الأصل حقن الدماء، ومن أباحها يحتاج إلى شرع ودليل، ومن
أوجب قتله استدل بأن عمر قال: اقتلوا كل ساحر وساحرة، قال الراوي: فقتلت
ثلاث سواحر، وحفصة زوجة النبي صلى الله عيلة وآله جارية لها سحرتها فبعثت
بها إلى عبد الرحمان بن زيد فقتلها.
ويدل على صحة ما قلناه ما روي عنه أنه قال: أمرت أن أقاتل الناس حتى
يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها منعوا مني دمائهم وأموالهم إلا بحقها، وروي أن
عائشة باعث مدبرة لها سحرتها باعتها من الأعراب.
109

مسألة 16: إذا أقر أنه سحر فقتل بسحره متعمدا لا يجب عليه القود، وبه قال
أبو حنيفة، وقال الشافعي: عليه القود.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة فإن هذا مما يقتل به يحتاج إلى دليل، وأيضا
قد بينا أن الواحد منها لا يصح أن يقتل غيره بما لا يباشره إلا أن يسقيه ما يقتل به
على العادة مثل السم، وليس السحر بشئ من ذلك.
وقد روى أصحابنا أن الساحر يقتل، والوجه في هذه الرواية أن هذا من
الساحر إفساد في الأرض، والسعي فيها به، ولأجل ذلك وجب فيه القتل.
مسألة 17: إذا قال: أنا أعرف السحر وأحسنه لكني لا أعمل به، لا شئ
عليه، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة، وقال مالك: هذا زنديق وقد اعترف بذلك
فوجب قتله ولا تقبل توبته.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة وحقن دمه، ومن أباحه فعليه الدلالة.
110

كتاب صول البهيمة
مسألة 1: إذا صالت البهيمة على إنسان فلم يتمكن من دفعها إلا بقتلها فلا
ضمان عليه، وبه قال ربيعة، ومالك وأحمد وإسحاق والشافعي، وقال أبو حنيفة:
عليه ضمانها بالقيمة، بعد أن وافقنا على جواز قتلها.
دليلنا: إجماع الفرقة وبراءة الذمة، وأيضا قوله تعالى: ما على المحسنين
من سبيل، وهذا محسن لأنه فعل ما يجب عليه فعله لأن دفع المضرة عن النفس
واجب، وعلى قول آخرين أنه مستحب له فعله، وأيضا قوله لا يحل مال امرئ
مسلم إلا عن طيبة نفس منه، وأيضا قوله صلى الله عيلة وآله: جرح العجماء
جبار، ويحتمل أن يكون أراد جنايتها على غيرها إذا أضيف الجرح إلى فعلها،
ويحتمل أن تكون هي مفعولة فيها ونحن نحمله على الأمرين، وأيضا فلا خلاف أنه
إن صال عليه آدمي فدفعه فقتله لم يلزمه ضمانه فالبهيمة أولى بذلك.
مسألة 2: إذا عض رجل على يد رجل في حال الخصومة أو غيرها فانتزع
يده من العاض فسقطت سن العاض فلا ضمان عليه، وبه قال جميع الفقهاء،
وقال ابن أبي ليلى: عليه الضمان.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى، وروي أن رجلا خاصم رجلا فعض
أحدهما يد صاحبه فانتزع المعضوض يده من العاض فذهبت ثنيته فأتى النبي
111

صلى الله عيلة وآله فأخبره بذلك فأهدر سنه وقال: أيدع يده في فيك تعضها
كأنها في فحل؟
مسألة 3: إذا طلع في بيت رجل فنظر إلى حرمته فله أن يرمي عنه فإذا
فعل فذهبت فلا ضمان عليه، وقال الشافعي وقال أبو حنيفة: ليس له على ذلك، فإن
فعله لزمه الضمان.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا براءة الذمة دليل هاهنا، وروى
أبو هريرة أن النبي صلى الله عيلة وآله قال: من أطلع عليك فحذفته بحصاة
ففقأت عينه فلا جناح عليك، فإذا ثبت أنه لا جناح عليه فلا ضمان لأن أحدا لا
يفصل بين الأمرين.
مسألة 4: إذا كان لرجل بهائم فأرسلها ليلا فأتلفت زرعا فعليه ضمانه، وبه
قال الشافعي، وقال أبو حنيفة: لا ضمان عليه.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وروي أن ناقة البراء بن عازب دخلت
حافظا فأفسدته فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عيلة وآله فقضى أن على أهل
الأموال حفظها نهارا، وعلى أهل المواشي حفظها ليلا، وإن على أهلها بالليل
الضمان.
مسألة 5: إذا كان راكب دابة أو قائدها فعليه ضمان ما تتلفه بيديها وليس
عليه ضمان ما تتلفه برجلها، وبه قال أبو حنيفة، وقال الشافعي: يلزمه ضمان
الجميع ما تتلفه باليد والرجل.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم وأيضا الأصل براءة الذمة، وشغلها يحتاج
إلى دليل، وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عيلة وآله قال: الرجل جبار،
والمعدن جبار، وفي الركاز الخمس، وقوله الرجل جبار يعني جنايتها هدر لا
112

تضمن، فأما إذا كان سائقها فإنه يضمن الجميع بلا خلاف.
مسألة 6: إذا دخل رجل دار قوم بإذنهم فعقره كلبهم كان عليهم ضمانه،
وبه قال أبو حنيفة، وللشافعي فيه قولان.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
مسألة 7: إذا دخل رجل دار قوم بغير إذنهم فوقع في بئر لم يكن عليهم
ضمانه، وللشافعي فيه قولان.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا الأصل براءة الذمة.
113

المبسوط
في فقه الإمامية
تأليف شيخ الطائفة
أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (قدس سره)
385 - 460 ه‍. ق
115

كتاب الجراح
فصل: في تحريم القتل ومن يجب عليه القصاص ومن لا يجب عليه:
قال الله تعالى: ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، يعني إلا بالقود،
وقال تعالى: ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق، وقال: وإذا الموؤودة سئلت بأي
ذنب قتلت، وقال تعالى: ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا، وقال: ومن
يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا
عظيما.
وتمسك ابن عباس بظاهر هذه الآية فقال: لا توبة لقاتل العمد، وقال:
نسخت هذه الآية قوله: ولا تقتلوا النفس التي حرم الله... إلى قوله: إلا من تاب،
لأن هذه الآية نزلت قبل قوله: ومن يقتل مؤمنا متعمدا، بستة أشهر، واحتج بما
روي عن النبي عليه السلام أنه قال: ما نازلت ربي في شئ كما نازلته في توبة
قاتل العمد فأبى على، والصحيح أن له التوبة لقوله تعالى: وهو الذي يقبل التوبة
عن عباده.
وروى عبد الله بن مسعود قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وآله: أي
الكبائر أكبر؟ قال: أن تجعل لله ندا، وهو خلقك، قلت: ثم أي؟ قال: أن تقتل
ولدك من أجل أن يأكل معك، وفي بعضها قلت: ثم أي؟ قال: أن تزني بحليلة
جارك.
117

وروى ابن مسعود أن النبي عليه السلام قال: أول ما ينظر الله بين الناس في
الدماء، وروي عن النبي عليه السلام أنه قال: من أعان على قتل امرئ مسلم
بشق كلمة لقي الله مكتوبا بين عينيه: " آيس من رحمة الله ".
وروى ابن مسعود أن النبي عليه السلام مر بقتيل فقال: من لهذا؟ فلم يذكر
له أحد، فغضب وقال: والذي نفسي بيده لو اشترك فيه أهل السماء والأرض
لأكبهم الله في النار، وهو أيضا معلوم حظره بدلالة العقل وإجماع الأمة.
فأما القصاص ووجوبه فدليله قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم
القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى، وقال تعالى: ومن
قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل، وقال تعالى: ولكم في
القصاص حياة، وهذه أخصر كلمة وأعم فائدة، لأن معناها إذا علم القاتل أنه إذا
قتل قتل كف عن القتل فلم يقتل فلا يقتل، فصار حياة للجميع، وهو أخصر من
قول العرب: القتل أنفى للقتل، لأن قولهم أربعة عشر حرفا وكلمة القرآن عشرة
أحرف، ثم لفظ القتل متكرر، وعذوبة اللفظ بينهما ما بين السماء والأرض.
وقال تعالى: وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس... إلى قوله: والجروح
قصاص، فإن قيل: هذا إخبار عن شرع من تقدم، فالجواب عنه أن ذلك وإن
كان شرعا لمن تقدم فقد صار شرعا لنا بدليل الإجماع، على أنه قرئ النفس
بالنفس نصبا والعين بالعين رفعا، فالنصب إخبار عن شرع من قبلنا، والرفع
استئناف حكم لنا، وقرأ أبو عمرو: والجروح قصاص، والمعنى ما قلناه.
وروى أنس قال: كسرت الربيع بنت معوذ - وهي عمة أنس - ثنية جارية
من الأنصار، فطلب القوم القصاص فأتوا النبي عليه السلام فأمر
صلى الله عليه وآله بالقصاص، فقال أنس بن النضر عم أنس بن مالك: لا والله لا تكسر ثنيتها
يا رسول الله، فقال رسول الله: يا أنس، كتاب الله القصاص، فرضي القوم وقبلوا
الأرش، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن من عباد الله من لو أقسم على الله
لأبره.
118

فموضع الدلالة أن النبي عليه السلام قال: كتاب الله القصاص، وليس في
الكتاب السن بالسن إلا هذا، فثبت بالدليل بذلك أنه شرع لنا.
وروي عن النبي عليه السلام أنه قال: لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى
ثلاث: كفر بعد إيمان، أو زنا بعد إحصان، أو قتل نفس بغير نفس، وروي عن
أبو شريح الكعبي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله:... ثم أنتم يا خزاعة
قتلتم هذا القتيل من هذيل وأنا والله عاقلته، فمن قتل بعده قتيلا فأهله بين خيرتين،
إن أحبوا قتلوا وإن أحبوا قبلوا الدية.
كل شخصين تكافأ دماءهما واستوت حرمتهما، جرى القصاص بينهما،
والتكافؤ في الدماء والتساوي في الحرمة أن يحد كل واحد منهما بقذف صاحبه،
فإذا تكافأ الدمان قتل كل واحد منهما بصاحبه، فيقتل الحر بالحر والحرة
بالحرة، والحر بالحرة إذا ردوا فاضل الدية عندنا، وعندهم لا يرد، والحرة بالحر
بلا خلاف، والعبد بالعبد، والأمة بالأمة، والأمة بالعبد، والعبد بالأمة، واليهودي
بالنصراني، والمجوسي باليهودي والنصراني بالمجوسي، فالشرك كله ملة
واحدة، ولهذا توارثوا كلهم بعضهم من بعض.
إذا قتل مسلم كافرا لم يقتل به سواء كان معاهدا أو مستأمنا أو حربيا،
فالمعاهد هو الذمي، والمستأمن من دخل إلينا بأمان في رسالة أو حاجة من تجارة
ونحوها، والحربي من كان مباينا مقاطعا في دار الحرب وفيه خلاف، فإذا ثبت
أنه لا قود عليه فعليه التعزير وعليه الدية والكفارة.
فأما إن قتل كافر كافرا ثم أسلم القاتل قبل القود، أو جرح كافر كافرا ثم
أسلم الجارح ومات المجروح، فإنه يستوفى منه حال إسلامه ما وجب عليه حال
كفره عند الجماعة، وقال الأوزاعي: لا يقتل به، وهو الصحيح عندي لعموم
الأخبار.
حكى الساجي حكاية في قتل المؤمن بالكافر، فقال: حدثنا موسى بن
إسحاق الأنصاري قال: حدثنا علي بن عمروس الأنصاري قال: تقدم إلى أبي
119

يوسف في مسلم قتل كافرا فأراد أن يقيده به، وكان على رأس أبي يوسف رجل
في يده رقاع فناوله الرقاع وحبس منها رقعة، فقال: ما تلك الرقعة؟ فقال: فيها
شعر، فقال: هاتها، فأعطاه فإذا فيها شعر لشاعر بغدادي، كان يكنى أبا المصرخي
يقول:
يا قاتل المسلم بالكافر جرت وما العادل كالجائر
يا من ببغداد وأطرافها من فقهاء الناس أو شاعر
جار على الدين أبو يوسف بقتله المسلم بالكافر
فاسترجعوا وابكوا على دينكم واصطبروا فالأجر للصابر
فأخذ أبو يوسف الرقعة ودخل على الرشيد فأخبره، فقال له: احتل فيها، فلما
كان المجلس الثاني قال أبو يوسف لأولياء القتيل: ائتوني بشاهدين عدلين
يشهدان عندي أنه كان يؤدى الجزية عن يد، فتعذر ذلك عليهم فأهدر دمه
وأخذوا الدية.
إذا قتل الحر عبدا لم يقتل به، سواء كان عبد نفسه أو عبد غيره، فإن كان
عبد نفسه عزرناه وعليه الكفارة، وإن كان عبد غيره عزر وعليه الكفارة والقيمة
وفيه خلاف.
إذا قتل عبد عبدا عمدا محضا قتل به، فيقتل العبد بالعبد، والأمة بالأمة،
والعبد بالأمة، والأمة بالعبد، لقوله: والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى، ولم يفصل،
فإذا ثبت أن القود يجب على القاتل، فإن القود لسيده لأن العبد ملكه، وهذا بدل
ملكه فكان بدل الملك للمالك، وهو بالخيار بين القتل والعفو، فإن قتل فلا
كلام وإن عفا على مال تعلقت قيمة المقتول برقبة القاتل، ولم تخل قيمة القاتل من
ثلاثة أحوال: إما أن تكون وفق قيمة المقتول أو أكثر أو أقل.
فإن كانت قيمته وفق قيمة المقتول فسيده بالخيار بين أن يفديه أو يسلمه
للبيع، فإن فداه زال الأرش عن رقبة عبده ولا كلام، وإن سلمه للبيع نظرت، فإن
بيع بوفق القيمة فلا كلام، وإن بيع بأكثر كان الفضل لسيده، وإن بيع بأقل فلا
120

شئ على السيد لأنه ليس عليه أكثر من تسليم عبده وقد فعل.
وإن كانت قيمته أكثر فسيده بالخيار أيضا بين أن يفديه أو يسلمه للبيع، فإن
فداه فلا كلام، وإن سلمه للبيع نظرت، فإن أمكن أن يباع منه بقدر ما تعلق
برقبته كان الباقي لسيده، وإن لم يمكن إلا بيع الكل بيع وأخذ من قيمته بحسب
أرش جنايته والباقي لسيده.
وإن كانت قيمته دون قيمة المقتول، فالسيد أيضا بالخيار بين أن يسلمه للبيع
أو يفديه، فإن سلم للبيع نظرت: فإن بيع بما تعلق برقبته مثل أن اشتراه راغب
فزاد فيه فلا كلام، وإن اشترى بقيمته فذاك الفضل يسقط، ولم يكن على سيده
شئ، وإن أراد السيد أن يفديه فبكم يفديه؟ قال قوم: يفديه بقيمته لا غير، لأنه لا
يجب عليه أكثر من قيمة عبده، وقال آخرون: يفديه بأرش الجناية بالغا ما بلغت،
والأول أقوى، والثاني أظهر في رواياتنا.
وهذه مسألة تتكرر، فنقول: إذا جنى العبد تعلق أرش الجناية برقبته، فإن
أراد السيد أن يفديه فبكم يفديه؟ عند قوم بأقل الأمرين من قيمته أو أرش جنايته
لأنه إن كانت قيمته أقل فليس عليه غير قيمة عبده، وإن كانت الجناية أقل فليس
عليه غيرها، وعند آخرين بالخيار بين أن يفديه بأرش الجناية بالغا ما بلغت، أو
يسلمه للبيع، لأنه قد يرغب فيه راغب فيشتريه بذلك القدر أو أكثر، وهذا أظهر
في رواياتنا على ما بيناه.
فإن قتل عشرة أعبد عبدا لرجل دفعة واحدة، فالقود عليهم كلهم مثل
الأحرار، فإذا ثبت هذا فسيد العبد المقتول بالخيار بين القصاص والعفو، فإن
اقتص فلا كلام، غير أن عندنا إن زادت أثمانهم على قيمة عبده وجب عليه رد ما
فضل، وإن كان ثمنهم وفقا لقيمته أو دونها فلا شئ عليه، ولم يعتبر ذلك أحد.
وإن اختار العفو، فإن عفا عن الكل تعلقت قيمة عبده برقابهم، فيكون في
رقبة كل واحد منهم عشر قيمته، وكان ذلك القدر ككل القيمة على ما فصلناه
إذا قتل عبد عبدا، ويكون سيده على ما شرحناه حرفا بحرف، فإن عفا عن خمسة
121

وقتل خمسة كان له لأنه لو اختار قتل الكل أو العفو عن الكل كان له، وإذا قتل
خمسة وعفا عن خمسة تعلق برقبة كل واحد منهم عشر قيمته، فيلزم الخمسة
نصف قيمته.
فأما إن قتل عبد واحد عبدين لرجلين لكل واحد منهما عبد ينفرد به، فإن
عفوا على مال تعلق برقبة كل واحد منهما، ويكون سيده بالخيار على ما فصلناه
إذا قتل عبدا واحدا، وإن اختار القود قدمنا الأول لأن حقه أسبق، فإذا قتله سقط
حق الثاني لأن حقه متعلق برقبته، فإذا هلك سقط حقه كما لو مات.
وإن اختار الأول العفو على مال تعلقت قيمة عبده برقبته، وكان سيد الثاني
بالخيار فإن عفا على مال تعلقت قيمته أيضا برقبته فصارت القيمتان في رقبته،
ويكون سيده بالخيار على ما فصلناه في الواحد، وإن اختار الثاني القصاص فعل،
فإذا قتله سقط حق الأول عن رقبته لأنه تعلق بها لا غير، فإذا هلك تلف حقه كما
لو مات.
فإن قتل عبدا بين شريكين، كانا بالخيار بين القود والعفو، فإن عفوا تعلقت
القيمة برقبته ويكون سيده بالخيار على ما فصلناه إذا كان العبد المقتول لواحد،
وإن قتلاه فلا كلام، وإن عفا أحدهما على مال ثبت نصف قيمة عبده برقبة القاتل،
وإن عفا مطلقا فعلى قولين، فإذا سقط القود سقط حق السيد الآخر من القود لأن
القود لا يتبعض، وعندنا لا يسقط حق الآخر من القود إذا رد مقدار ما عفا عنه
الأول، وكذلك القول في وليي الحر إذا عفا أحدهما لم يسقط حق الآخر من
القود، فمن قال: يسقط حق الآخر، يقول: ثبت قيمة نصيبه برقبة القاتل فقد تعلق
برقبته كل قيمة العبد المقتول، فيكون الحكم فيه كما لو عفوا.
وإن اعتقاه بعد الوفاة لم ينفذ العتق لأن الميت لا يلحقه العتق، وإن اعتقاه
قبل أن يقتل ثم قتله عبد كان القصاص والعفو إلى وارثه دون المعتق، فإن لم
يكن له وارث مناسب كان القصاص لمولاه، فيكون بالخيار بين القود والعفو على
فصلناه في السيد سواء.
122

دية العبد إذا قتل قيمته، ما لم تزد قيمته على دية الحر، فإن زاد عليه لم يكن
فيه إلا دية الحر، وكذلك في الأمة قيمتها ما لم تزد على دية الحرة وفيه خلاف،
فإذا ثبت هذا، فالكلام في فصلين: في قيمته وضمان أطرافه، أما قيمته فما ذكرناه
سواء قتله عمدا أو خطأ، وأما أطرافه، فإن ذهبت بالجناية مثل أن يقطع يده قاطع
ففيها نصف قيمته، وإن غصبه فذهبت يده عند الغاصب فعليه قيمة ما نقص وإن
كان ذلك ثلثي قيمته، وإن توالت عليه جناية وضمان يد، مثل أن غصبه فضمنه
باليد ثم قطع يده فضمنها بالجناية، فعليه أكثر الأمرين من ضمانه الجناية أو اليد،
فإن كان ضمان الجناية أقل فعليه ضمان اليد، وإن كان ضمان اليد أقل كان
ضمانه نصف القيمة أرش الجناية، لأنه قد ضمنه بكل واحد منهما.
إذا قتل الرجل ولده لم يقتل به بحال سواء قتله حذفا بالسيف أو ذبحا،
وعلى أي وجه قتله عندنا وعند أكثرهم، وقال بعضهم: يقتل به على تفصيل له،
فإذا ثبت أنه لا يقاد به فعليه التعزير والكفارة، وإذا قتله جده فلا قود أيضا،
وكذلك كل جد وإن علا، فأما الأم وأمهاتها وأمهات الأب يقدن عندنا بالولد،
وعندهم لا يقدن كالآباء.
إذا تداعى رجلان لقيطا لم نلحقه بهما معا، خلافا لمن ألحقه بهما وبالمرأتين،
فإذا لم نلحقه بهما أقرعنا بينهما، فمن خرج اسمه ألحقناه به، وعندهم بالقافة أو
يترك حتى يبلغ فينتسب إلى من شاء منهما.
فإن بادرا فقتلاه قبل أن يلحق بواحد منهما، فلا قود على واحد منهما لأن
كل واحد منهما يجوز أن يكون هو الأب، فإن رجعا عن الاعتراف به معا لم يقبل
رجوعهما لأنه قد حكم بأن أحدهما أبوه فلا يقبل رجوعه عنه، كرجل ادعى لقيطا
ثم قال: ليس مني، لم يقبل منه، فإذا لم نقبل رجوعهما معا لم يقتل واحد منهما،
فإن رجع أحدهما وأقام الآخر على اعترافه، ثبت نسبه من المعترف وانتفى عن
المنكر، لأنهما قد اتفقا على أن هذا أبوه، فحكمنا بقولهما أن أحدهما أبوه باعترافهما
وإقرارهما وسقط الآخر.
123

فأما أبوه فلا قود عليه وعليه نصف الدية لوارث الولد، وأما الآخر فهو أجنبي شارك
الأب في قتل ولده فعليه القود، وعندنا يجب أن يرد على ورثته نصف
الدية، فإن عفا عنه سقط عنه القود ووجب عليه نصف الدية، وعلى كل واحد
منهما الكفارة لأنهما اشتركا في دمه.
فأما إن أتت امرأة بولد على فراشي رجلين، مثل أن طلقها ثلاثا فنكحت في
عدتها ثم أتت بولد لتمام أكثر مدة الحمل من طلاق الأول ولستة أشهر من وطء
الثاني، فإنا نقرع بينهما، فمن خرجت القرعة عليه ألحقناه به وانتفى عن الآخر، فإن
بادرا فقتلاه قبل ثبوت نسبه منهما فلا قود على واحد منهما، لجواز أن يكون هو
الأب، فإن جحداه لم يقبل منهما ولم يقتل واحد منهما أيضا.
وإن جحد أحدهما ولم يجحده الآخر، لم ينتف عن الجاحد أيضا ولم يقتل
واحد منهما، ويفارق إذا اعترفا به ثم اتفقا على أنه لأحدهما، لأن الثبوت كان
بالاعتراف فسقط بالاعتراف أنه لأحدهما، وهاهنا ثبوته بالفراش، فإذا جحد
أحدهما أنه أبوه لم يزل الفراش بجحوده، فلم يقبل منه ولهذا لا يقتل واحد منهما
به أيضا.
رجل له زوجة وله منها ولد، فقتل هذا الرجل زوجته لم يرثها، وورثها ولده
ولم يرث القصاص من أبيه، لأنه لو قتله أبوه لم يملك القصاص عليه، وإن لم
يقتلها لكن قذفها كان لها عليه حد القذف، فإن ماتت سقطت الحد عنه، لأن
وارثها ولده منها، ولا يرث الحد على أبيه كما لا يحد بقذف ابنه.
فإن كانت بحالها ولم يكن هكذا، لكن لها ولد من غيره، فقتلها الزوج لم
يرثها وورثها ولدها من غيره، وورث القصاص على زوج أمه لأن زوج أمه لو
قتله قتل به، وهكذا إن قذفها ورث الحد ولدها من غيره، لأنه لو قذفه لحد عليه.
فإن كان له زوجة له منها ولد ولها ولد من غيره، فقتلها، ورث ولدها منه
وولدها من غيره التركة دون الزوج، والقصاص يسقط عن الزوج لأن أحد
ورثتها ولده وولده لا يرث عليه القصاص، فيسقط ما قابل نصيب ولده ويسقط
124

نصيب الآخر لأن القصاص لا يتبعض، ويقتضي مذهبنا أن نقول: إن له القصاص
بشرط أن يرد نصيب ولدها منه، فأما الدية يجب عليه لهما، لولده منها النصف
وللآخر النصف، فإن كانت بحالها لكن قذفها وجب لها الحد، فإن لم يستوف
حتى ماتت لم يرث ولده عليه الحد وكان للآخر أن يحده كاملا بلا خلاف.
وفصلوا بين القصاص والحد، بأن القصاص لا يتبعض والحد يرثه الكل،
وكل واحد منهم، فلو كانوا عشرة فعفا تسعة كان للعاشر أن يحد، وليس
كذلك القصاص، لأنهم إذا كانوا عشرة فعفا واحد سقط القود، وقد قلنا أن عندنا
لا فرق بينهما، وأنه لا يسقط القصاص غير أنه يحتاج في القصاص أن يرد حق
الغير، وليس كذلك الحد فإنه لا يسقط منه شئ وله الاستيفاء على الكمال.
رجل له زوجة له منها ولدان أحدهما قتل أباه ثم قتل الآخر أمه، فإن
القصاص على الثاني وهو قاتل الأم دون قاتل الأب، فيكون القود على الثاني لكن
فرضوا إذا كان الأول قتل أباه، وإنما قيل القصاص على الثاني لأن الأول لما قتل
أباه لم يرث منه شيئا لأنه قاتل، وورثه زوجته وولده، فورث ولده سبعة أثمان
ماله وسبعة أثمان القصاص على أخيه، وورثت الزوجة ثمن المال وثمن القصاص
على ولدها، فلما قتل الآخر أمه لم يرث منها شيئا وورث قاتل الأب ما خلفت وهو
ثمن تركتها وثمن ما ورثته من زوجها من المال، وثمن ما ورثته من القصاص عليه،
فلما ملك بعض قصاص نفسه سقط عنه القصاص وكان له قتل أخيه بأمه،
فلقاتل الأم على قاتل الأب سبعة أثمان دية أبيه، ولقاتل الأب على قاتل الأم القود،
فإن قتله فلا كلام، وإن عفا عنه ثبت له عليه دية أمه وله عليه سبعة أثمان دية أبيه.
وهذه المسألة لا تصح على أصلنا، لأن عندنا أن المرأة لا ترث من القصاص
شيئا بحال وإنما ترث من الدية، فإذا ثبت ذلك فلقاتل الأب القود على قاتل الأم،
ولقاتل الأم على قاتل الأب القود، لأنه المختص بوراثة قصاصه وحده.
فأما إذا كانوا أربعة إخوة، فقتل الثاني الكبير، ثم قتل الثالث الصغير، فعلى
الثالث القود دون الثاني، لأن الثاني لما قتل الكبير لم يرث منه شيئا وورثه الثالث
125

والصغير نصفين بينهما، وورثا القود على أخيهما نصفين، فلما قتل الثالث الرابع
لم يرث منه شيئا وورثه قاتل الكبير، فورث منه تركته من مال نفسه وما ورثه من
مال الكبير وما ورثه من القود وهو النصف، وورث جميع القود على أخيه
الثالث، فسقط عنه القود، ووجب عليه نصف الدية لأخيه الثالث، وكان له قتل
أخيه الثالث بالصغير، فإن قتله فذاك، وإن عفا عنه ثبت له عليه كمال دية أخيه
وثبت لقاتل الصغير على قاتل الكبير نصف دية الكبير.
فإن كانت بحالها ولم يكونوا أربعة بل كانوا ثلاثة فقتل أحدهم واحدا منهم
لم يرثه وورثه غير قاتله، وورث القصاص على أخيه القاتل، فإن قتله فبأخيه وإن
عفا عنه وجب له عليه دية أخيه.
إن كان له زوجة وله ابنان فأبانها، ثم إن أحدهما قتل أباه وقتل الآخر منهما
أمه، فعلى كل واحد منهما القود هاهنا بلا خلاف، لأن الزوجة بائن منه لا ترث،
والأول لما قتل أباه لم يرثه وورث أخوه ماله وورث القصاص على أخيه، فلما
قتل الآخر أمه لم يرث منها شيئا، وورثها قاتل الأب وورث على أخيه القصاص
بأمه، فثبت لكل واحد منهما على أخيه القود.
فإن بادر أحدهما فقتل صاحبه كان لورثة المقتول قتل القاتل المستقيد، فإن
لم يبادر أحدهما بذلك، ولكنهما تشاحا، فليس لواحد منهما مزية على صاحبه،
فيقرع بينهما، وأيهما خرجت قرعته كان له أن يتقدم بالقصاص، فإذا اقتص منه
كان لورثة المقتول قتل القاتل قودا، فإن وكل من خرجت القرعة له صحت
الوكالة لأنه يستوفي حقه من القود في حياته، وإن وكل من خرجت عليه القرعة
فالوكالة صحيحة، لكنه إذا قتل بطلت وكالته.
وإن عفا كل واحد منهما عن صاحبه على مال وجب له عليه دية قتله،
فيكون لقاتل الأم على قاتل الأب دية أبيه، ولقاتل الأب على قاتل الأم دية الأم.
لا يقتل الكامل بالناقص، ويقتل الناقص بالكامل، ويقتل الكافر بالمسلم،
والعبد بالحر، والولد بالولد إجماعا.
126

كل نفسين جرى القصاص بينهما في النفس جرى القصاص بينهما في
الأطراف سواء اتفقا في الدية أو اختلفا فيها، كالحرين والحرتين والحر والحرة،
والعبدين والأمتين والأمة والعبد، والكافرين والكافرتين والكافر والكافرة،
ويقطع الناقص بالكامل، ولا يقطع الكامل بالناقص كما قلناه في النفس سواء.
وكل شخصين لا يجري القصاص بينهما في الأنفس كذلك لا يجري في
الأطراف، كالحر والعبد، والكافر والمسلم، هذا قولنا طردا وعكسا، وعند
جماعة، غير أن عندنا، إذا اقتص للمرأة من الرجل في بعض أطرافها ردت فاضل
الدية إذا كان ذلك فوق ثلث الدية، كما قلناه في النفس سواء.
إذا قتل جماعة واحدا قتلوا به أجمعين بشرطين:
أحدهما: أن يكون كل واحد منهم مكافئا له، أعني لو انفرد بقتله قتل به وهو
ألا يكون فيهم مسلم يشارك الكفار في قتل كافر، ولا والد يشارك غيره في
قتل ولده.
والثاني: أن تكون جناية كل واحد منهم لو انفرد بها كان منها التلف.
غير أن عندنا أنهم متى قتلوا الجماعة ردوا فاضل الدية ومتى أراد أولياء
المقتول قتل واحد كان لهم ورد الباقون على أولياء المقاد منه ما يصيبهم من
الدية، لو كانت دية، ولم يعتبر ذلك أحد، وفيها خلاف من وجه آخر.
إذا جرحه أحدهما مائة جراحة والآخر جراحة واحدة فمات، فهما قاتلان
وعليهما القود، فإذا تقرر هذا فالولي بالخيار بين أن يقتلهما معا، وبين أن يعفو
عنهما ويأخذ من كل واحد منهما نصف الدية، وبين أن يقتل أحدهما ويعفو عن
الآخر فيأخذ منه نصف الدية عندهم، وعندنا يؤخذ منه نصف الدية فيرده على
أولياء المقاد منه.
وجملته أن الحكم فيه كما لو جرحه كل واحد منهما جرحا واحدا، فإن
أجافه أحدهما وجرحه الآخر غير جائفة فمات منهما فهما قاتلان، وأولياء المقتول
مخيرون على ما قلناه.
127

إذا قطع واحد يده وآخر رجله، وأوضحه الثالث فسرى إلى نفسه فهم قتلة
كلهم، وولي المقتول مخير بين أن يقتص أو يعفو، فإن اقتص كان له أن يقتص
في الجراح فيقطع القاطع ثم يقتله ويوضح الذي أوضحه ثم يقتله، لأن
القصاص هذا، وإن عفا نظرت فإن عفا عن الكل أخذ الدية أثلاثا، وإن عفا عن
واحد على ثلث الدية كان له قتل الآخرين، غير أن عندنا أنه يحتاج أن يرد فاضل
الدية.
إذا قطع واحد يده وآخر رجله وأوضحه الثالث، ثم اندملت الموضحة
وسرى القطعان إلى نفسه فمات، فلوليه مع صاحب الموضحة الخيار بين أن
يقتص منه موضحة وبين أن يعفو على مال، وأما الآخران فهما قاتلان، لأن التي
اندملت لا سراية لها بعد الاندمال، فلا قود على صاحبها، ويكون الآخران كأنه لا
ثالث معهما، والحكم على ما مضى.
فإن كانت بحالها، فادعى صاحب الموضحة أن الموضحة اندملت والسراية
من القطعين، فصدقه الولي وكذبه القاطعان، نظرت في ما يختار الولي.
فإن اختار القصاص بعد تصديقه على القاطعين، كان له، لأنه لا ضرر عليهما
في نفوذ تصديقه فإن للولي القصاص منهما، وله العفو كيف اختار، لأنها لو كانت
اندملت أو عفا على مال فالقود على هذين، وإن لم تكن اندملت فلوليه أن يقتلهما
ويعفو عن الثالث.
وإن اختار الولي العفو على مال لم يقبل منه ولم ينفذ تصديقه على القاطعين
وكان القول قولهما أنها ما اندملت، لأنه يجر إلى نفسه وعليهما ضرر فيما يذكره،
أما الجر فإنه يأخذ من هذين كمال الدية ومن الذي صدقه أرش جنايته، ولو لم
يندمل لم يكن له أكثر من الدية، وأما الضرر عليهما فإنهما إذا لم تندمل كان
عليهما ثلثا الدية، وإذا اندملت فعليهما كمال الدية، فكان عليهما ضرر في تصديقه،
ولهذا لم ينفذ تصديقه عليهما.
إذا اشترك جماعة في جرح يوجب القود على الواحد، كقلع العين وقطع
128

اليد، فعليهم القود عندنا، وعند جماعة وفيه خلاف.
فإذا ثبت هذا، فإنا نقطع الجماعة بالواحد إذا اشتركوا في الجراح معا ولم
ينفرد أحدهم ببعضه، ومعناه أن يضعوا السكين على موضع واحد ويمرها الكل
على المكان حتى لا يتميز فعل أحدهم عن فعل الثاني، فهاهنا نقطعهم لأن كل
واحد منهم قاطع، غير أن عندنا أنه إذا قطعهم رد فاضل الدية كما قلناه في النفس
سواء، وإن اختار قطع واحد قطعه ورد الباقون على المقطوع قودا ما يلزمهم من
ذلك.
وأما إن قطع واحد البعض والآخر ما بقي، أو وضع أحدهما سكينا من
فوق والآخر سكينا من أسفل وغمزا حتى التقيا السكينان، فلا قود هاهنا، لأن كل
واحد منهما جارح يد، وليس بقاطع، وفعلهم لا يتجزأ، فلأجل هذا يبطل القود.
لا قصاص على الصبي والمجنون إذا قتلا، لما رواه علي عن النبي
عليه السلام أنه قال: رفع القلم عن ثلاثة، عن الصبي حتى يحتلم، وعن النائم حتى
ينتبه، وعن المجنون حتى يفيق، وروي عن علي عليه السلام أنه قال: لا قصاص
على من لم يبلغ، ولا مخالف له.
فإذا ثبت هذا، فإن اختلف الصبي وولي القتيل بعد بلوغ الصبي فقال وليه:
قتلته وأنت بالغ فعليك القود، وقال: بل وأنا صبي، فالقول قول الجاني لأن
الأصل الصغر حتى يعلم زواله.
وإن اختلف هو والمجنون، فقال: قتلته وأنت عاقل، فقال: بل وأنا مجنون،
نظرت، فإن كان يعرف له حال جنون وإفاقة، فالقول قول الجاني لأنه أعرف
بوقته، وإن لم يعرف له حال جنون وإفاقة، فالقول قول الجاني لأنه أعرف بوقته،
وإن لم يعرف له حال جنون فالقول قول الولي، لأن الأصل صحته وسلامته حتى
يعلم أنه مجنون.
فإذا ثبت هذا، فإن كان القتل خطأ فالدية على العاقلة بلا خلاف، وإن كان
عمدا فلا قود عليه وكان خطأ الدية على العاقلة على مقتضى إطلاق أخبارنا، وقال
129

بعضهم: هو عمد الخطأ الدية في ماله خاصة مغلظة، وأما الكفارة ففي ماله خاصة.
فصل: في صفة قتل العمد وجراح العمد:
إذا جرحه بما له حد يجرح ويفسح ويبضع اللحم كالسيف والسكين
والخنجر، وما في معناه مما يحدد فيجرح كالرصاص والنحاس والذهب والفضة
والخشب والقصب والليطة والزجاج، فكل هذا فيه القود إذا مات فيه، صغيرا
كان الجراح أو كبيرا، صغيرة كانت الآلة أو كبيرة لقوله تعالى: ومن قتل
مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا، وهذا قد قتل مظلوما.
وأما إن جرحه بما يثقب البدن ولا يجرح كالمسلة والمخيط - وهو شئ
عريض رأسه حاد ولا يحدد غير رأسه - فمات فعليه القود للآية، وأما إن كان
صغيرا كالإبرة ونحوها فغرزه فيه فمات، فإن كان غرزه في مقتل كالعين
وأصول الأذنين، والخاصرة والخصيتين فعليه القود لأنه مقتل، وإن كان في غير
مقتل كالرأس والفخذ والصلب والعضد، فإن كان لم يزل ضمنها حتى مات
فعليه القود للآية، ولأن الظاهر أنه منه، وأما إن مات من ساعته، قال قوم: عليه
القود لأن له سراية في البدن كالمسلة، وقال آخرون. لا قود في هذا لأن هذا لا
يقتل غالبا كالعصا الصغير، والأول أقوى للآية.
إذا ضربه بمثقل يقصد به القتل غالبا كاللت والدبوس والخشبة الثقيلة
والحجر فقتله فعليه القود، وكذلك إذا قتله بكل ما يقصد به القتل غالبا، مثل أن
حرقة أو غرقه أو غمه حتى تلف أو هدم عليه بيتا، أو طينه عليه بغير طعام حتى
مات، أو والى عليه بالخنق، ففي كل هذا القود.
فأما إن قتله بعصا خفيفة صقيلة، نظرت فإن كان نضو الخلقة ضعيف القوة
والبطش يموت مثله منه، فهو عمد محض، وإن كان قوي الخلقة والبطش لم يكن
عمدا عند قوم، وكذلك عندنا، وفي جملة ما ذكرناه خلاف.
ونحن نشرح هذه الجملة:
130

أما المثقل فمعروف، فمتى قتله به فعليه القود، وأما الخنق فإن خنقه بيده أو
بيديه أو لف على حلقه حبلا أو منديلا ولم يزل يوالي حتى مات فعليه القود،
وهكذا إن جعل على نفسه شيئا منع خروج نفسه مثل مخدة أو ثوب أو سده
بيده مدة يموت في مثلها، فمات، فعليه القود، وإن مات في مدة لا يموت في مثلها
غالبا فهو عمد الخطأ فيه الدية مغلظة على العاقلة، هذا إذا لم يرسله حتى مات.
فأما إن خنقه مدة يموت في مثلها غالبا فلم يمت فأرسله، ثم مات نظرت، فإن
كان منقطع النفس ولم يتردد نفسه فعليه القود، لأنه أرسله وهو في حكم
المذبوح، وإن تردد نفسه ولم يزل زمنا ضمن أمنه حتى مات، فعليه أيضا القود،
لأن الظاهر أنه مات من ذلك الخنق، فإن برئ وزال الألم بعد ذلك فلا ضمان
عليه، لأنه مات من غير الخنق، مثل الجراحة إذا اندملت ثم مات.
فأما إن خنقه بحبل جعل له خراطة فأدخلها في حلقه ثم جعله على كرسي أو
شئ عال وشد الحبل من فوقه بشئ ثم رفع ذلك الكرسي من تحته فتعلق
بنفسه فعليه القود وإن مات من ساعته، لأنه لا قتل بالخنق أعجل ولا أوخى منه.
وإذا ضربه بسوط أو عصا ضعيفة، فإن والى عليه العدد الذي يموت منه
غالبا فعليه القود، وهذا يختلف باختلاف الإنسان، فإن كان نضو الخلقة ضعيف
الجسم مات غالبا من العدد القليل، وإن كان قوي الخلقة والجسم، لم يمت غالبا
إلا من العدد الكثير، فإن كان عددا لا يموت منه غالبا لكنه مات لشدة حر أو برد
لأن مثل هذا العدد يقتل في هذا الزمان، فعليه القود، وإن كان الزمان معتدلا فلا
قود، لأن هذا العدد لا يقتل في هذا الزمان غالبا.
وجملته أن هذا يختلف باختلاف حال الإنسان في نفسه، وباختلاف
الزمان، فإن كان مثله يموت من هذا العدد في هذا الزمان، فعليه القود، وإن كان
مثله لا يموت من هذا العدد في هذا الزمان فلا قود، لكنه عمد الخطأ ففيه الدية
مغلظة في ماله عندنا خاصة.
وإذا أخذ حرا فحبسه فمات في حبسه، فإن كان يراعيه بالطعام والشراب
131

فمات في الحبس فلا ضمان، صغيرا كان أو كبيرا، وقال بعضهم: إن كان كبيرا
مثل هذا، وكان صغيرا فإن مات حتف أنفه فلا ضمان، وإن مات بسبب مثل أن
لدغته حية أو عقرب أو قتله سبع أو وقع عليه حائط أو سقف فقتله فعليه الضمان،
وهذا الذي يقتضيه مذهبنا وأخبارنا.
فأما إن منعه الطعام أو الشراب أو هما أو طين عليه البيت فمات، فإن مات
في مدة يموت فيها غالبا فعليه القود، وإن كان لا يموت فيها غالبا فلا قود، وفيه
الدية، وهذا يختلف باختلاف حال الإنسان والزمان، فإن كان جائعا أو عطشانا
والزمان شديد الحر، مات في الزمان القليل، وإن كان شبعان وريان والزمان
معتدل أو شديد البرد لم يمت في الزمان الطويل، فيعتبر هذا فيه، فإن كان في
مدة يموت مثله فيها فعليه القود، وإن كان لا يموت غالبا فيها فعليه الدية.
وإذا طرحه في النار نظرت فإن أسعر له نارا في حفرة حتى إذا تجحمت ألقاه
فيها فلم يمكنه الخروج منها حتى مات، فعليه القود، وإن كانت النار على بسيط
الأرض فمات، فإن لم يمكنه التخلص منها مثل أن كان ضعيف الخلقة أو كبيرا
أو مكتوفا أو غير مكتوف لكن النار قهرته ومنعته من الخروج فعليه القود، وأما
إن أمكنه الخروج منها فلم يفعل حتى مات، - وإنما يعلم هذا منه بأن يقول: أنا
قادر على الخروج ولست أخرج - أو كان بقرب البئر ومعلوم أنه لو انقلب
حصل خارجا عنها، فلا قود، لأنه أعان على قتل نفسه.
وأما الدية قال قوم: فيه الدية لأنه هو الجاني بإلقائه في النار، وترك
التخلص مع القدرة لا يسقط الضمان عن الجاني، كما لو جرحه فترك
المجروح مداواة نفسه حتى مات فإنه ضامن، وقال آخرون: لا دية وإنما عليه
ضمان ما شيطته النار، لأنه لما قدر على الخلاص فلم يفعل كان هو الذي أهلك
نفسه وأتلفها، فهو كما لو خرج منها ثم عاد فيها، ويفارق الجراح إذا لم يداو
نفسه لأن السراية عنه حصلت، ولم يزدد ذلك بترك التداوي، وليس كذلك
النار لأنها تستأنف إحراقا وإتلافا غير الأول، فلهذا لم يكن عليه الدية، وهذا أقوى
132

لأن الأصل براءة الذمة.
وأما إذا ألقاه في الماء فغرق وهلك نظرت، فإن ألقاه في لجة البحر فعليه
القود سواء كان يحسن السباحة أو لا يحسنها، لأن البحر مهلك على كل حال،
وإن كان بقرب الساحل، فإن لم يكن يحسن السباحة أو كان يحسنها غير أنه
كان مكتوفا لم يمكنه الخروج منه، فعليه القود، لأنه يقتل غالبا، وإن كان يحسن
السباحة ولم يكن مكتوفا وعلم من حاله أنه أمكنه الخروج فلم يفعل حتى هلك
فلا قود، وفي الدية قولان مثل النار سواء.
فأما إن طرحه في الماء بقرب الساحل وكان ممن يمكنه الخروج منه أو
ممن يقدر على الخروج فلم يخرج حتى ابتلعه الحوت، فلا قود وفيه الدية لأنه
السبب في هلاك نفسه، وإن ألقاه في لجة البحر فقبل وصوله إلى الماء التقمه
الحوت، قال قوم: عليه القود لأنه أهلكه بنفس الإلقاء، بدليل أنه لو لم يأخذه
الحوت كان هلاكه فيه، فكان الحوت أتلفه بعد أن حصل منه ما فيه هلاكه، كما
لو قتله ثم ألقاه، وقال آخرون: لا قود، لأنه ما هلك بنفس الإلقاء ولا قصد هلاكه
به، وإنما هلك بشئ آخر، كما لو رمى به من شاهق فاستقبله غيره بالسيف فقده
بنصفين، فإن القود على الثاني لأن هلاكه به، ولا قود على الدافع، والقولان قويان
غير أن الأول أقواهما.
إذا جنى عليه رجل جناية صيره بها في حكم المذبوح، ثم وجأه الآخر مثل
أن قطع الأول حلقومه ومريئه ثم جاءه الآخر فقده باثنين، أو أبان الأول حشوته
وأمعاءه ثم ذبحه الآخر، فالأول قاتل عليه القود، والثاني ليس بقاتل ولا شئ
عليه، غير التعزير لأن الأول صيره في حكم المذبوح، لأن الحياة التي فيه غير
مستقرة، والثاني عليه التعزير لأنه أتلفه ميتا، ولو قلنا يلزمه دية الميت لكان قويا،
ولأن الفعل الأول سقط حكم جنايته بدليل أنه لا تصح توبته ولا وصيته ولا
إسلامه ولا كفره فصار كالمذبوح ولم يكن الثاني قاتلا، هذا إذا صيره الأول في
حكم المذبوح.
133

وإن كانت بالعكس من هذا، فجرحه الأول جرحا تبقى معه حياة مستقرة ثم
وجاه الآخر، مثل أن جرحه الأول في حلقه، فوسطه الثاني، أو شق الأول بطنه ثم
ذبحه الثاني، فلا فصل بين أن يكون جرح الأول يكون معه حياة أو لا تكون
هناك حياة مستقرة وحركة غير حركة المذبوح، فالباب واحد، فالأول جارح
والثاني قاتل، بعكس ما قلناه، ولأن فيه حياة مستقرة عقيب جرح الأول بدليل
أن حركته تزيد على حركة المذبوح، فإذا قتله الثاني فقد قتل من فيه حياة مستقرة
فكان هو القاتل، كما لو قتل عليلا قد أشرف على الموت وفيه حياة مستقرة،
ولأنه أحكام الحياة ثابتة فيه إجماعا من الوصية وغيرها، - ويروى أن عمر بن
الخطاب لما جرح كان فيه جرحان، فدخل الطبيب فسقاه لبنا فخرج من
الجرح، فقال: أعهد إلى الناس، فعهد وأوصى وأجمعوا على تنفيذ عهده
ووصاياه -.
فإذا كان حكم الحياة قائما فيه كان القاتل هو الثاني، وإذا ثبت أن القاتل هو
الثاني والأول هو الجارح، كان لكل واحد منهما حكم نفسه، أما الأول فالولي
ينظر في جراحة، فإن كان لا قود فيه كان له المال وكان في الحياة بالخيار بين
العفو والقتل، وإن كان جرح الأول فيه القود مثل أن قطع يده ثم قتله الثاني،
كان في الأول بالخيار بين القطع والعفو على مال، وهكذا في الثاني بالخيار بين
القتل والعفو على مال، فيأخذ كل الدية.
وهكذا حكم الحيوان في إباحة أكله، فإن قطع الذئب الحلقوم والمرئ أو
شق جوفها وأبان حشوتها فأدركها صاحبها وفيه حياة، لم يحل له ذبحها وأكلها
لأن حركتها حركة المذبوح، فهي كالميتة، وإن كان الذئب إنما عقرها عقرا لم
يصيرها في حكم المذبوح، مثل أن شق جوفها أو حلقها فأدركها صاحبها وفيها
حياة مستقرة فذبحها جاز أكلها، لأن فيها حياة مستقرة.
إذا جرح رجلا جرحا، ثم جاء آخر فوجأه بذبح أو بغيره، لم يخل من
أحد أمرين، إما أن يذبحه الثاني بعد اندمال الأول أو قبله، فإن ذبحه بعد الاندمال،
134

فالأول جارح والثاني قاتل لأنه قتله بعد استقرار الجرح الأول، فينظر فيه، فإن
كان جرحا لا قود فيه فلوليه أرشه، وهو في الثاني بالخيار بين العفو والقتل، وإن
كان الأول فيه القصاص مثل أن قطع يده فهو في الأول بالخيار بين القطع
والعفو، وفي الثاني بالخيار بين العفو والقتل، إذا كان بعد اندمال الأول.
فأما إن كان الثاني قبل اندمال الأول، فالأول جارح والثاني قاتل،
كالمسألة قبلها سواء، لأن قتل الثاني قطع سراية الأول، فهو كما لو اندملت
الأولى.
قالوا: أليس لو جرحاه معا فسرى إلى نفسه فهما قاتلان؟ هلا قلتم هاهنا
مثله، قيل: الفصل بينهما إذا جرحاه، أن كل واحد من الجرحين سرى، ولم
يقطع الثاني سراية الأول، فكان تلفه بهما، فلهذا كانا قاتلين، وليس هكذا هاهنا
لأن قتل الثاني قتل سراية الأول، فكان القتل من فعل الثاني وحده، ولهذا كان
الثاني هو القاتل وحده وليس الحكم فيه كما لو قتله الثاني بعد اندمال الأول، وقد
مضى حكمه.
فأما إذا كان القاتل هو الجارح - وهو إذا جرحه ثم عاد فقتله - لم يخل من
أحد أمرين: إما أن يكون بعد اندمال الأول، أو قبله.
فإن كان بعد الاندمال فلكل واحد منهما حكم نفسه، كما لو كانا جارحين
سواء، لأن القتل حصل بعد استقرار الجرح الأول، فكان لكل واحد منهما حكم
نفسه، فالولي ينظر في الأول، فإن كان مما لا قود فيه ففيه الأرش ثم هو بالخيار
بعد هذا بين القتل والعفو على كمال الدية.
وإن كان الأول فيه القصاص، مثل أن قطع يده ثم عاد فقتله، فهو في الأول
بالخيار بين القطع والعفو على مال، فله نصف الدية، ثم بالخيار بين القتل والعفو
على مال، فيكون له كل الدية، هذا إذا عاد فقتله بعد اندمال الأول.
فأما إن عاد فقتله قبل الاندمال مثل أن قطع يده ثم قتله، فالولي بالخيار بين
القصاص والعفو، فإن اختار القصاص كان له القطع، والعفو والقتل بعده، ولا
135

يدخل قصاص الطرف في قصاص النفس، وإن اختار العفو دخل أرش الطرف
في دية النفس، فلا يكون له غير الدية. وأرش الطرف يدخل في دية النفس، وقود
الطرف لا يدخل في قود النفس، وقال بعضهم: لا فصل بينهما، فلا يدخل أرش
الطرف في دية النفس كما لا يدخل قصاصه في قصاص النفس.
والذي يقتضيه مذهبنا أنه يدخل كل واحد منهما في بدل النفس، أما الأول
فلا إشكال فيه، وأما القصاص فلأن أصحابنا رووا أنه إذا مثل إنسان بغيره فقتله
فلم يكن غير القتل، وليس له التمثيل بصاحبه، وقال بعضهم: إن له أن يقطع يده
ثم يقتله ولا يكون ذلك قصاصا بل يكون للمماثلة، كما لو أجافه ثم قتله كان
للولي أن يجيفه ثم يقتله، وإن كان لا قصاص في الجائفة.
إذا جرح رجلا جرحا يكون منه التلف، فالكلام في فصلين: إذا داوى
المجروح نفسه، وإذا خاط جرح نفسه.
فأما إن داوى جرحه بسم فهو على ثلاث أضرب سم يقتل في الحال، وسم يقتل ولا
يقتل والغالب أنه لا يقتل، وسم يقتل ولا يقتل، والغالب أنه يقتل.
فإن كان السم سم ساعة، وكان مجهزا منفرا في الحال فداوى به نفسه، إما
بأن يشربه متداويا أو وضعه على الجرح، فمات، فلا فصل بين أن يعلمه قاتلا أو لا
يعلمه، الباب واحد، فإنه لا قود على الجارح في النفس لأن المجروح هو الذي
قتل نفسه، فإذا قتلها قطع سراية الجرح، ومات من فعل نفسه، فهو كما لو جرحه
ثم ذبح هو نفسه، فإنه لا قود على الجارح، ويكون كأنه اندمل ذلك الجرح،
فإن لم يكن فيه قصاص فعليه الأرش، وإن كان فيه القصاص فولي القتيل بالخيار
بين أن يقتص وبين أن يعفو على مال، هذا إذا كان السم موجبا.
وأما إن كان السم لا يقتل غالبا فلا قود في النفس على الجارح، لأن القتل
حصل بفعلين أحدهما عمد محض وهو فعل الجارح، والآخر عمد الخطأ وهو
فعل المجروح، لأنه عمد في فعله وأخطأ في قصده، فهو كما لو جرحه جارح ثم
جرح نفسه عمد الخطأ فإنه لا قود على الجارح، فإذا ثبت أنه لا قود عليه، فما
136

قابل فعل المجروح هدر، وما قابل فعل الجاني مضمون، وعليه الكفارة لأنه
شاركه في قتل نفسه، وعليه نصف الدية مغلظة حالة في ماله لأنها وجبت عن
عمد محض.
وأما إن كان السم يقتل غالبا قال قوم: على الجارح القود لأنه مات عن
عمدين محضين، فإن المجروح داوى نفسه بما يقتل غالبا فهو كما لو جرح نفسه
فمات من الجرحين معا، وسقط القود بفعل المجروح لا لمعنى في فعله، فكان
على شريكه القود كما لو شارك الأب في قتل ولده فإن عليه القود.
وقال آخرون: لا قود على الجارح، لأنهما وإن كانا عمدين محضين
فأحدهما غير مضمون بحال، قال هذا القائل وهكذا كل من هلك بعمدين
محضين أحدهما لا يضمن شيئا بحال، فهذا حكمه، كما لو شارك الأسد في قتل
إنسان أو شارك القتيل الغير في قتل نفسه، فالكل على قولين.
ومنهم من قال: لا قود على الجارح هاهنا.
وفي شريك شريك الأسد قولان، والفصل بينهما أن شريك الأسد شارك
غيره في عمد محض فلهذا كان عليه القود، وليس كذلك هاهنا لأنه شارك
غيره وذلك الغير مثل عمد الخطأ فإنه إنما داوى نفسه طلبا للمصلحة، فبان
مفسدة، فإذا كان شريكه جنى عمد الخطأ لم يكن عليه القود.
فكان تحقيق الخلاف، هل فعل المجروح عمد محض أو عمد الخطأ؟ فمن
قال: عمد محض فالشريك على قولين، ومن قال: عمد الخطأ قال: لا قود على
شريكه.
والذي يقتضيه مذهبنا أن فعل المجروح عمد الخطأ لا يجب به قود، وفعل
الجاني عمد محض يجب فيه القود بشرط رد فاضل الدية على ما بيناه، فمن قال:
عليه القود، فالولي بالخيار بين القصاص والعفو على مال، فإن قتل فلا كلام غير
أن عندنا يرد نصف الدية، وإن عفا على مال فله نصف الدية مغلظة في ماله،
وهكذا من قال: لا قود عليه، قال: عليه نصف الدية مغلظة حالة في ماله لأنها
137

وجبت عن عمد محض.
فأما إذا خيط جرحه بالإبرة لم يخل من أحد أمرين: إما أن يخاط في لحم
ميت أو حي، فإن كان في لحم ميت فوجود الخياطة وعدمها سواء، فإنه لا سراية
منه بحال، والقاتل الجارح، والولي بالخيار بين القصاص والعفو على كل الدية،
وإن خيط في لحم حي لم يخل من ثلاثة أحوال: إما أن يكون المجروح هو الذي
خاط نفسه، أو بعض العوام، أو الإمام.
فإن كان هو الذي خاط نفسه أو غيره بأمره الباب واحد، فإذا سرى إلى
نفسه فمات فالحكم فيه كالقسم الثالث من السم، فمنهم من قال: ليس على
الجارح القود، ومنهم من قال: عليه القود كما لو شارك سبعا، وقد مضى قولنا
أنه لا يسقط عنه القود.
فإن كان الذي خاطه بعض العوام، كأنه حضر بعض العوام وقهره
فخاطه، فالأول جارح، والخياط جارح، فإذا سرى إلى نفسه فمات فهو كما لو
جرحاه معا سواء، فسرى إلى نفسه فمات فعليهما القود معا، والولي بالخيار بين
القتل والعفو على حال في غير موضع.
وإن كان الذي خاطه له هو الإمام، لم يخل من أحد أمرين: إما أن يكون
المجروح مولى عليه أو غير مولى عليه، فإن كان غير مولى عليه فإن كان بالغا
عاقلا فالإمام عندهم كأحد العوام، وعليهما القود، وإن كان المجروح مولى عليه
كالصبي والمجنون فخاطه فمات، فمنهم من قال: على الإمام القود والجارح معا،
ومنهم من قال: لا قود عليهما، لأنه إذا سقط عن الإمام سقط عن الجارح، وعلى
كل واحد منهما نصف الدية مغلظة، ومن قال: يجب على الإمام نصف الدية،
قال بعضهم: يجب في بيت المال، وقال آخرون: على عاقلته، وخطأ الإمام وعمد
الخطأ سواء.
وعندنا لا يتقدر ذلك في الإمام لأنه لا يفعل إلا ما له فعله لعصمته، فإن فعل
ما له فعله من مصلحته، فأدى ذلك إلى موته كانت الدية في بيت المال.
138

إذا قطع مسلم يد نصراني له عهد وذمة مؤبدة أو إلى مدة فأسلم وسرت
الجناية إلى نفسه وهو مسلم ثم مات فلا قود على القاطع، وهكذا لو قطع حر يد
عبد فأعتق فسرت إلى نفسه، فلا قود على القاطع، لأن التكافؤ إذا كان معدوما
حال القطع موجودا حال السراية، فلا قود في القطع ولا في السراية، كالصبي إذا
قطع يد بالغ ثم بلغ الصبي وسرى القطع، فلا قود على الصبي.
فإذا ثبت أنه لا قصاص ففيه دية حر مسلم، لأن الجناية إذا وقعت مضمونة
كان الاعتبار بأرشها حال الاستقرار، بدليل أنه لو قطع يدي مسلم ورجليه ففيه
ديتان، فإن سرى إلى نفسه ففيه دية واحدة، ولو قطع إصبعا ففيه عشر الدية، فإن
صارت نفسا ففيه الدية اعتبارا بحال الاستقرار.
فأما إن قطع يد مرتد ثم أسلم ثم مات، أو يد حربي ثم أسلم ثم مات، فكان
القطع حال كفره والسراية حال إسلامه، فلا قود لما مضى، والدية لا تجب هاهنا
لأن الجناية إذا لم تكن مضمونة لم تكن سرايتها مضمونة، كما لو قطع الإمام
سارقا فسرى إلى نفسه، أو قطع رجلا قصاصا فسرى إلى نفسه، فلا ضمان في
السراية.
إذا أرسل على نصراني سهما فأسلم ثم وقع فيه السهم أو على عبد فأعتق ثم
وقع فيه السهم أو على مرتد فأسلم ثم وقع فيه السهم فقتله، فلا قود في هذه
الثلاث مسائل لما مضى، لأن الاعتبار بالقصد إلى تناول نفس مكافئة حين
الجناية، وحين الجناية هو الإرسال، والتكافؤ غير موجود حينئذ، فلا قصاص،
وفيه دية مسلم لأن الإصابة حصلت وهو محقون الدم فكان مضمونا بالدية.
فأما إذا أرسل إلى حربي سهما فأسلم ثم وقع فيه فقتله فلا قود، وقال قوم:
فيه الدية، وقال بعضهم: لا دية فيه، لأنه أرسل السهم وكان له الإرسال، فلما أسلم
لم يمكنه تداركه فهو غير مفرط في الرمي ولا في الإصابة، فلهذا لا دية فيه، ويفارق
المرتد لأنه أرسل إليه السهم وهو مفرط حين الإرسال، لأن قتل المرتد إلى الإمام لا
إلى آحاد الناس، وقتله بالسيف لا بالسهم، فلما كان مفرطا كان عليه الضمان
139

قال: وإن لحق المرتد بدار الحرب فلم يقدر عليه الإمام فلا ضمان عليه، إذا قتله،
والأول أقوى عندنا لأن الإصابة صادفت مسلما محقون الدم، فكان عليه الضمان
كما لو أرسله إلى مرتد فأصابه وهو مسلم.
فقد حصل من هذه الجملة في القطع والسراية: أنه إذا قطع يد نصراني ثم
أسلم ومات أو يد عبد فأعتق ثم مات، لا قود عليه وعليه الدية، وإن قطع يد
حربي أو مرتد ثم أسلم ثم مات، لا قود ولا دية، وحصل في الرمي إذا رمى في هذه
المسائل الأربع أن لا قود فيها، وفيها الدية اعتبارا بحال الإصابة، فاعتبرنا
القصاص بحال الجناية، والمال بحال الإصابة.
إذا قطع مسلم يد مسلم فارتد المقطوع ثم سرى إلى نفسه فمات، فيه
مسألتان: إحديهما إذا ارتد ثم أسلم ثم مات مسلما، والثانية إذا ارتد ثم مات في
الردة.
فالأولى: إذا ارتد ثم أسلم ثم مات مسلما: فالكلام فيها في ثلاثة أحكام:
الكفارة والقود، والدية.
فأما الكفارة فواجبة بكل حال سواء مكث مرتدا زمان سرت فيه الجناية إلى
نفسه أو لم يمكث، لأن الكفارة تجب بقتل نفس لها حرمة، وقد قتل نفسا لها
حرمة، لأن الحرمة موجودة في الطرفين حال الجناية وحال السراية، فأوجبنا عليه
الكفارة.
وأما القود فلا يخلو المقطوع من أحد أمرين، إما أن يقيم على الردة مدة
يسري فيها الجراح أو لا يقيم، فإن أقام مدة يسري الجرح فيها ثم عاد إلى
الإسلام فلا قود، لأن القصاص إنما يجب بالقطع وكل السراية، بدلالة أنه لو
قطع مسلم يد مسلم فارتد المقطوع ومات على ردته لا قود عليه، ولو قطع يد
مرتد فأسلم المرتد ومات مسلما لا قود فيه، فإذا كان وجوبه بالقطع وكل
السراية، فإن بعض السراية هاهنا هدر، لأنها حال الردة، فقد مات من أمرين
مضمون وغير مضمون، فسقط القود، لأن القصاص لا يتبعض.
140

وأما إن عاد إلى الإسلام قبل أن يكون لها سراية حال الردة ثم مات، قال
قوم: لا قود لأنه حصل حال السراية حالة لو مات فيها لا قود، فوجب أن يسقط
القود رأسا، وقال آخرون: عليه القود لأن الجناية وكل السراية حال التكافؤ،
فكان عليه القود وهو الأقوى عندي.
وأما الدية فتصور المسألة إذا كان القطع خطأ أو عفا على مال، فإذا قطع
يده ثم ارتد ثم عاد إلى الإسلام ومات لم يخل من أحد أمرين: إما أن يسلم قبل أن
يكون لها سراية أو بعد أن كان لها سراية.
فإن أسلم قبل أن تحصل فيها سراية حال الردة وجبت الدية كاملة، لأنها
جناية مضمونة سرت إلى النفس وهي مضمونة، واعتبار الدية بحال الاستقرار، وهو
حال الاستقرار مسلم، فأوجبنا فيه كمال الدية.
وإن ثبت في الردة مدة تكون فيها سراية ثم أسلم، قال قوم: فيه نصف الدية
لأن التلف حصل من أمرين: مضمون وغير مضمون، فالمضمون القطع وبعض
السراية، وغير المضمون بعض السراية فكان فيه نصف الدية، كما لو قطع يده
ثم ارتد المقطوع فقطع آخر يده وهو مرتد فمات، ففيه نصف الدية على القاطع
الأول.
وقال آخرون: فيه كمال الدية لأن الجناية إذا كانت مضمونة كان الاعتبار
فيها بحال الاستقرار، وحال الاستقرار هو حر مسلم، فكان فيه كمال الدية، لأنه قد
وجد الكمال في الطرفين، وهذا الأقوى. هذا إذا ارتد بعد أن جرح ثم عاد إلى
الإسلام فمات.
والثانية: إن كان المجني عليه مرتدا أو قتل في الردة فلا قود في النفس ولا
دية ولا كفارة. لأن هذه الأحكام تجب لحرمة النفس، بدليل أنه لو قتل مرتدا أو
حربيا لا ضمان عليه، فإذا كان وجوبها لحرمة النفس، فإذا ارتد سقطت حرمته،
فوجب أن لا يجب فيه دية ولا قود ولا كفارة.
وأما القصاص في اليد المقطوعة في حال الإسلام، قال قوم: لا قصاص فيها،
141

وقال الآخرون: فيها القصاص، وهو الأقوى، لظاهر الآية، فالمجني عليه قد مات
مرتدا، من الذي يستوفي القصاص؟ قال قوم: يستوفيه وليه المسلم، وهو الذي
يقتضيه مذهبنا، لأن عندنا يرث المسلم الكافر، ومن قال: لا يرث المسلم الكافر،
قال منهم قوم: يستوفيه الإمام، وقال آخرون: يستوفيه وليه المناسب دون كل
أحد، لأن القصاص يجب للتشفي والمناسب هو صاحب التشفي، فإن اقتص فلا
كلام وإن عفا على مال عندنا يكون لورثة المسلم، وعندهم لبيت المال فيئا، قالوا:
ولا يمتنع أن يكون القصاص له وإذا حصل العفو على المال كان لغيره، ألا ترى
أنه لو كان عليه ديون وله ابن فقتل كان القصاص لولده؟ ولو عفا ثبت المال
لغرمائه.
ومتى عفا فهل يثبت المال أم لا؟ وإذا ثبت فما قدره؟ يأتي في التفريع على
قول من قال: لا قود في الطرف، فإذا قال: لا قصاص في الطرف، قال قوم: لا
يجب المال أيضا لأن حكم الطرف تابع للنفس، وقال آخرون: يثبت أرش الطرف لأن
الطرف إذا كان مضمونا حين القطع، لم يسقط حكمه بسقوط حكم
السراية.
ألا ترى أنه لو قطع يد رجل ثم جاء آخر فقتله في الحال فقد قطع الثاني
حكم سراية القطع، ولم يغير حكم القطع، فكذلك إذا كان القطع لحكم
السراية هو الردة وجب أن لا يغير حكم السراية.
فمن قال: لا ضمان في الطرف فلا كلام، ومن قال: يضمن، فما الذي
يضمن؟ قالوا: يجب عليه أقل الأمرين من أرشه أو الدية، فإن كان الأرش أقل من
الدية مثل أن قطع يده فعليه أرش الطرف لا غير، لأن السراية كانت حال الردة
والسراية غير مضمونة، فلا يزيد أرش الطرف على السراية، وإن كان الأرش أكثر
من الدية مثل أن قطع يديه ورجليه وأذنيه، ففيه الدية لا غير، لأنه لو فعل هذا
بمسلم فسرت إلى نفسه وهو مسلم كان فيه الدية فقط، وقال بعضهم: يجب أرش
الجناية بالغا ما بلغ ولو كان ديات.
142

والذي يقوى في نفسي ويقتضيه مذهبنا أنه لا قود عليه في قطع الطرف ولا
دية، لأنا قد بينا أن الطرف يدخل قصاصه في قصاص النفس، وكذلك ديته،
وهاهنا النفس غير مضمونة، ويجب أن لا يجب فيها القصاص ولا الدية بحال.
إذا فقأ عيني عبد أو قطع يديه أو قطع رجليه، وقيمته ألفا دينار، لم يخل من
أحد أمرين: إما أن يندمل أو يسري إلى نفسه.
فإن اندمل وهو رقيق وجب على الجاني ألفا دينار، لأن الجناية متى اندملت
فما وجب بالجناية يستقر بالاندمال، والذي وجب بها ألفا دينار، وعندنا لا يجب
أكثر من ألف دينار لأنه لا يزاد في ضمان أطرافه على أطراف الحر، كالنفس
عندنا سواء.
وأما إن أعتق ثم اندملت حال الحرية استقر أيضا على الجاني ألفا دينار،
وعندنا ألف دينار، لما مضى، ويكون جميعه لسيده لأنه ملك السيد حال
الجناية، فكان ما استقر بالاندمال له.
وإن سرت إلى نفسه فمات، نظرت:
فإن مات قبل العتق، فالواجب عندنا ألف دينار لأنه لا يزاد قيمته في باب
الضمان على دية الحر، وعند بعضهم يجب ألفا دينار، ويكون ما يستقر على
المتلف لسيده بلا خلاف، لأنه تلف على ملكه.
وإن أعتق ثم سرت إلى نفسه فمات وهو حر فإنه يجب فيه دية الحر عندنا
وعند جماعة ممن خالف فيما تقدم، وقال بعضهم: يستقر لموته ألفا دينار لأن
أرش الجناية يستقر بالاندمال مرة وبالسراية أخرى، ولو استقرت بالاندمال
لوجب ألفا دينار، فكذلك إذا استقر بالسراية إلى النفس.
قال من خالف: هذا غلط لأنها جناية مضمونة سرت إلى النفس وهي
مضمونة، فوجب أن يعتبر بدل النفس بحال الاستقرار.
ألا ترى أنه لو قطع يدي حر ورجليه وأذنيه وقلع عينيه ففيه أربع ديات،
فإن سرت إلى نفسه وجب فيه دية واحدة اعتبارا بحال الاستقرار، وهكذا لو قطع
143

أنملة وجب فيها أرشها، فإن سرت إلى النفس كان فيها الدية اعتبارا بحال
الاستقرار، وهكذا لو قطع يدي نصراني ثم أسلم وجب فيه دية مسلم اعتبارا بحال
الاستقرار، وهكذا لو قلع عين عبد قيمته ألف درهم فأعتق ثم سرت إلى نفسه،
كان فيه دية حر مسلم اعتبارا بحال الاستقرار.
وعلى هذا لو قطع يدي نصراني ثم تمجس وسرى إلى نفسه - وقيل: إنه يقر
على دينه - وجب فيه دية مجوسي ثمان مائة درهم اعتبارا بحال الاستقرار، ومن
قال: لا يقر عليه، فهو مرتد والواجب فيه أقل الأمرين من أرش الجناية أو دية
نصراني، وعلى قول بعضهم أرش الجناية بالغا ما بلغت.
وأما الكلام في من يستحقه: فإن الذي يستحقه هاهنا هو السيد وحده، لأن
الجناية أوجبت ألفي دينار كلها للسيد، وإذا أعتق وسرت إلى نفسه وهو حر نقص
السراية نصف ما قد كان ملكه السيد حين الجناية، وأقل أحواله أن يكون ذلك
دون غيره.
قالوا: هلا قلتم لوارثه - أعني العبد اعتبارا بوارثه حال الوفاة دون من كان
يملكه حين الجناية - كما قلتم في من قطع يد نصراني فأسلم ثم سرت إلى نفسه
كانت الدية لورثته المسلمين دون من كان وليه حين الجناية؟
قلنا: الفصل بينهما، إذا قطعت يد النصراني كان الواجب فيها له، فإذا أسلم
فسرت كان المالك لها هو، فمات عنها وهي له فكانت لوارثه حين الوفاة، وفي
مسألتنا كان المالك للأرش حين الجناية هو السيد، فإذا أعتق العبد لم يتحول
ملك عبده لعقبه، فلهذا كان لسيده دون ورثة العبد.
قالوا: فهلا جعلتم الدية بين السيد وورثة العبد؟ لأن الجناية كانت حال
الرق والسراية حال الحرية، كما قلتم إذا قلع عين عبد قيمته ألف دينار فأعتق
فسرى إلى نفسه فمات، ففيه دية مسلم حر نصفها لورثته ونصفها لسيده.
قلنا: الفصل بينهما، أنه إذا كانت قيمته ألف دينار كان في يده نصف قيمته
خمس مائة دينار، فإذا أعتق فمات كان الواجب ألف دينار، زاد بالسراية حال
144

الحرية خمس مائة دينار، فكانت الزيادة حال الحرية لوارثه، والواجب حال الرق
لسيده، وليس كذلك في مسألتنا، لأنه لما سرت حال الحرية نقص الأرش بها،
فكان للصاحب ألفا دينار فنقص ألف دينار بالسراية، ولم يزد حال الحرية شئ،
فلهذا لم يكن لوارثه شئ بحال، فأقل أحواله أن يتفرد بما بقي له.
فوزان هذا من مسألتنا أن يكون قيمته ألفي دينار فقطع قاطع يده ففيه ألف
دينار، ثم أعتق ثم مات ففيه دية حر مسلم كلها للسيد، لأنه ما زاد بالسراية شئ،
فبان الفصل بينهما، وعندنا أنها مثل الأولى، لأنه لا يضمن يده بأكثر مما يضمن به
يد الحر سواء.
وهذا أصل في باب الجنايات: متى اندمل الجرح فذاك الواجب بالجرح
يستقر بالاندمال، وإن صار الجرح نفسا استقر بالسراية بدل النفس، ثم ينظر فيه،
فإن زاد بالسراية حال الحرية كان بدل النفس بين السيد والورثة، وإن نقص
بالسراية أو لم يزد ولم ينقص كان كله للسيد.
إذا قطع يد عبد ثم أعتق العبد ثم سرى إلى نفسه فمات فالكلام في ثلاثة
فصول: في القود، وقدر الواجب، وفي من يستحق ذلك الواجب:
أما القود فلا يجب عليه لأن القود إنما يجب بالقصد إلى تناول نفس مكافئة
حال الجناية، وهذا لا يكافئه حال الجناية، فلا قود فيه، ألا ترى أن عبدا لو قطع
يد عبد وأعتق القاطع ثم مات المقطوع، كان على القاطع القود اعتبارا بحال
الجناية، وهكذا لو قطع يد هذا العبد حر نصراني أو حر مستأمن ثم أعتق ثم
سرى إلى نفسه ومات، فلا قود على القاطع، لأنه حر فلا يقتل بالعبد.
فإذا ثبت أنه لا يقتل به وجب عليه دية حر مسلم، لأن الجناية إذا كانت
مضمونة فسرت إلى النفس وهي مضمونة كان الاعتبار ببدل النفس حال
الاستقرار، وهو حين الاستقرار حر مسلم، فلهذا كان فيه كمال الدية، ولا يدخل
على هذا إذا قطع يدي عبد قيمته ألف دينار، فلم يزل يتناقص حتى صار يساوى
عشرة دراهم، ثم مات، فإن عليه أكثر ما كانت قيمته إلى حين الوفاة، لأنا قلنا:
145

الجناية إذا سرت إلى ضمان النفس كان الاعتبار بحال الاستقرار، وضمان العبد
ضمان الأموال، وليس لضمان النفوس، فبان الفصل بينهما.
فإذا ثبت أن الواجب دية حر مسلم فللسيد أقل الأمرين من نصف قيمته أو
كمال ديته، فإن كان نصف القيمة أقل فليس له الزيادة عليها، لأن الزيادة على
ذلك حدثت بالسراية حال الحرية، ولا حق له فيما زاد بالسراية حال الحرية،
وإن كان نصف القيمة أكثر من الدية، فله كمال الدية، لأن الواجب بالجناية
نقص بالسراية حال الحرية، فكان النقص من حق السيد، فكان الباقي له بعد
النقصان بدلالة أن الباقي بقية ملكه، وهكذا الحكم فيه إذا كان نصف القيمة وفق
الدية فإن له كمال الدية، لأن السراية حال الحرية لم يزد بها شئ، فلهذا كان كله
له.
فأما إذا حصلت عليه جناية حال الرق وجناية حال الحرية، ففيه مسألتان:
إحديهما: إذا جنى عليه جان حال الرق فقطع يده، وجان حال الحرية
فقطع رجله.
والثانية: إذا جنى عليه جان حال الرق فقطع يده، وجانيان حال الحرية
أحدهما قطع يده الأخرى والآخر رجله، والأولى أسهل من الثانية، وإنما يتبين
الكلام في الثانية إذا تكلم على الأولى.
وجملته إذا قطع حر يد عبد فأعتق العبد ثم قطع آخر رجله ثم سرى إلى
نفسه فمات، فالكلام فيها في أربعة فصول: في القود قدر الواجب، ومن عليه، وله.
أما القود فلا يجب على الأول في الطرف، لأنه ليس بكفء له حال الجناية،
ولا القود في النفس، لأن القطع إذا لم يضمن بالقود لم يضمن سرايته بالقود.
وأما الجاني حال الحرية فعليه القود في الطرف والنفس معا، لأنه قصد إلى
تناول نفس مكافئة له حال الجناية، فأوجبنا عليه القود، وذلك أن النفس إذا
خرجت عن عمدين محضين، فإذا سقط عن أحدهما - وهو الأول لا لمعنى في
فعله، لكن لكمال فيه - لم يسقط عن الثاني، كما لو شارك الأجنبي الأب في قتل
146

ولده، والحر العبد في قتل عبد، والمسلم الكافر في قتل كافر، فالقود يجب على
الأجنبي وعلى العبد وعلى الكافر، دون من شاركه، لأن القود يسقط عمن شاركه
لا لمعنى في فعله، بل لكمال في نفسه، فلهذا كان عليه القود.
وقال بعضهم: عليه القود في الطرف لما مضى، وأما في النفس فلا قود عليه
فيها لأنها تلفت عن سراية جرحين: أحدهما حال الرق، والآخر حال الحرية،
فامتزجت السراية عن جرحين أحدهما يوجب القود دون الآخر فسقط القود في
النفس، كما لو قتل حران من نصفه حر ونصفه عبد، فإنه لا قود على واحد منهما،
والأول أصح عندنا لما مضى.
والفرق بين المسألتين أنهما إذا قتلا من نصفه حر فكل واحد قصد إلى تناول
نفس غير مكافئة له حال الحياة، فلهذا لم يجب القود على واحد منهما، يؤيد هذا
أن القود في الطرف لم يجب، وليس كذلك في مسألتنا لأنه قصد إلى تناول
نفس مكافئة حال الجناية، فلهذا كان عليه القود، يؤيد هذا أن القود في الطرف
وجب، وإذا سرت إلى نفسه فقطعه بعد العتق كان كأنه قتله بعد العتق ولو قتله
بعد العتق كان عليه القود في النفس، كذلك إذا سرت جنايته حال الحرية، فدل
على ما قلناه.
فأما قدر الواجب، فإنه دية حر مسلم لأن الجناية كانت مضمونة فسرت إلى
نفس مضمونة، كان فيها الدية اعتبارا ببدل النفس حال الاستقرار.
فإذا ثبت أن الدية دية حر مسلم، فإن وجوبها على الجارحين معا نصفين،
لأن الجنايات إذا صارت نفسا كانت تتقسط على عدد الجناة لا الجنايات، ولا
تفاضل بينها وإن كان أحدهما أكثر، بدليل أنه لو جرحه أحدهما جرحا واحدا
والآخر مائة جرح، فمات فكانت الدية نصفين على عدد الجناة، لا عدد
الجنايات.
قالوا: هلا جعلتموها على المفاضلة؟ كما قلتم: لو قطع حر يد عبد ثم قطع
آخر يده الأخرى، ثم سرى إلى نفسه، كانت عليهما قيمته، وعلى الأول منهما أكثر
147

مما على الثاني. قلنا: الفصل بينهما أن الواجب في العبد قيمته واعتبار القيمة فيه
بحال الجناية لأنه إتلاف مال، فكان الأول أكثر من الثاني، لأن الثاني جنى عليه
وقد نقصت قيمته بالجرح الأول، فلا يجب عليه كما يجب على الأول، وليس
كذلك هاهنا، لأن الجناية صارت نفسا وكان الاعتبار ببدل النفس حال
الاستقرار، وهما حال الاستقرار متفقان فيما يجب على كل واحد منهما، فإن الحر
لا ينقص بدل نفس بالجناية عليه، فلهذا كانا سواء.
فأما مسألة العبد التي فيها ست طرق فهي تشرح فيما بعد إن شاء الله
تعالى.
فإذا ثبت أن الواجب عليهما الدية نصفين، فالكلام في المستحق لذلك
فيكون للسيد منها أقل الأمرين من نصف قيمة العبد أو نصف الدية، فإن كان
نصف قيمته أقل من نصف الدية فلا شئ له غير أرش الجناية، لأن الزيادة
حصلت بالسراية حال الحرية، فلا حق له فيها، وإن كان نصف القيمة أكثر من
نصف الدية، فليس له إلا نصف الدية، لأن نصف القيمة نقصت بالجناية حال
الحرية، فليس له إلا نصف الدية.
قالوا: كيف قلتم في هذه المسألة للسيد أقل الأمرين من نصف القيمة أو
نصف الدية؟ وقلتم في المسألة قبلها: عليه أقل الأمرين من نصف قيمته أو كمال
الدية.
قلنا: الفصل واضح وذلك أن الجاني في الأولى واحد لا غير، فكان عليه
بدل النفس كله، وكانت جنايته على ملك السيد، فلهذا كان له أقل الأمرين من
نصف قيمته أو كمال الدية، وليس كذلك في مسألتنا لأن فيها جانيين، جان
حال الرق وجان حال الحرية. فعلى كل واحد منهما نصف الدية، فلو أوجبنا له
أكثر من نصف الدية جعلنا بعض ذلك على الجاني حال الحرية، ولا شئ له
على من جنى حال الحرية، فلهذا كان له أقل الأمرين من نصف قيمته أو نصف
الدية.
148

والكلام بعده في جنس الدية.
وجنسها مائة من الإبل لأنها دية حر مسلم، وكانت من الإبل لأن الاعتبار
بحال الاستقرار، وهو حال الاستقرار حر مسلم، فلهذا كانت الدية من الإبل،
فيكون للسيد منها أقل الأمرين من نصف قيمته أو نصف الدية، فيكون للوارث
النصف والباقي للسيد، فإن أراد وارث المجني عليه أن يعطي السيد نصف قيمة
العبد ويستبقي الإبل لنفسه لم يكن له ذلك إلا برضا السيد، لأن حق السيد بعين
الإبل، فلا يدفع عن حقه بغير رضاه.
وأما الكلام في التفريع عليها: إذا قطع حر يد عبد ثم أعتق ثم عاد فقطع
يده الأخرى ثم اندمل الجرحان معا فلكل واحد حكم نفسه.
أما القطع حال الرق فلا قود عليه، لأنه حر قطع يد عبد، وعليه نصف قيمة
العبد بالاندمال، لأن كل قطع اندمل فالواجب به يستقر بالاندمال، ويكون
للسيد لأنه جناية على مملوكه.
وأما القطع حال الحرية فعليه القود، لأنه حر قطع يد حر مكافئة له،
فالمقطوع بالخيار بين القصاص والعفو، فإن اقتص فلا كلام فيه، وإن عفا على
مال كان له نصف الدية، لأن في اليد نصف الدية، ويكون له لا حق للسيد فيها
لأنها دية يد حر فكانت له دون من كان سيده.
فإن قطع يده حال الرق ثم قطع رجله حال الحرية ثم سرى إلى نفسه
ومات، فأما القطع حال الرق فلا قود عليه فيه لأنه حر قطع يد عبد، وأما القطع
حال الحرية فعليه القطع لأنه يكافئه، وأما النفس فلا قود فيها لأن السراية كانت
عن قطعين أحدهما حال الرق والآخر حال الحرية، أحدهما مضمون والآخر غير
مضمون فلا قود فيه، كما لو قطع يده عمد الخطأ والأخرى عمدا محضا فلا
قصاص في النفس.
فإذا ثبت هذا فإن مات عن هذه السراية ففيه دية حر مسلم، لأن الجناية إذا
صارت نفسا كان الاعتبار فيها بحال الاستقرار، وهو حين الاستقرار حر مسلم.
149

فأما المستحق فللسيد منها أقل الأمرين من نصف قيمته أو نصف الدية، لأنه
إن كانت قيمته أقل من نصف الدية فما زاد فبالسراية حال الحرية، فلا شئ له
فيها، والباقي للوارث، وإن كان نصف القيمة أكثر من نصف الدية فللسيد نصف
الدية عندنا، لأن دية العبد لا تزاد على دية الحر، وعندهم لأن ما وجب له بالجناية
حال الرق نقص بالسراية حال الحرية، فكان الباقي بعد النقصان له، والباقي
للوارث، وأما الوارث فهو بالخيار بين القصاص وبين العفو، فإن عفا على مال
كان له ما زاد على حق السيد وإن اختار القصاص قطع يده.
فإن كان حق السيد نصف الدية فقد استوفى حقه فلا شئ له مع القطع،
وإن كان حق السيد أقل من نصف الدية، كان قطع الوارث هذه اليد بنصف
الدية، وما فضل على ما كان للسيد يكون للوارث، فهذا الوارث يجتمع له
القصاص في اليد والمال، فما زاد على نصيب السيد إذا كان نصيبه دون نصف
الدية.
فإن قطع حر يده حال الرق وحر آخر يده حال الحرية، ثم ذبح
المقطوع، لم يخل من ثلاثة أحوال: إما أن يذبحه القاطع الأول أو الثاني أو
أجنبي.
فإن ذبحه القاطع الأول، وهو الذي قطع يده حال الرق، وذبحه حال
الحرية، استقر حكم القاطع حال الحرية سواء اندمل قطعه أو لم يندمل، لأن
الأول لما ذبحه حال الحرية قطع سراية القطع حال الحرية، فالوارث بالخيار بين
أن يقتص من القاطع حال الحرية وبين أن يعفو على مال، فإن قطع فلا كلام،
وإن عفا على مال كان له نصف دية الحر، لأنها يد حر تكون كلها للوارث لا حق
للسيد فيها، لأنه حق وجب بالجناية عليه حال الحرية.
وأما القطع حال الرق فلا يخلو من أحد أمرين: إما أن يكون القاطع ذبحه
بعد الاندمال أو قبله، فإن كان ذبحه بعد الاندمال، فقد استقر القطع حال الرق
واستقر به نصف القيمة تكون للسيد، لأنه أرش وجب بالجناية على ملكه، وأما
150

الوارث فهو بالخيار بين قتله والعفو، لأنه ذبحه وهو حر فإن قتل فلا كلام، وإن
عفا على مال، كان له كمال الدية لأنه ذبح حرا مسلما، فأما إن ذبحه قبل
الاندمال، دخل أرش الطرف في بدل النفس، لأن الذبح بعد القطع بمنزلة
السراية بعد القطع.
فأما القصاص في الطرف فلا يدخل في قصاص النفس عند قوم، وعندنا
يدخل.
فمن قال: لا يدخل، سقط هاهنا لعدم التكافؤ حال القطع، فيكون عليه
القود في النفس، فإن اختار الوارث القود سقط حق السيد لأنه لا يجتمع القصاص
وأخذ دية اليد قبل الاندمال بحال، وإن عفا على مال وجبت دية حر مسلم اعتبارا
بحال الاستقرار ويكون للسيد منها أقل الأمرين من نصف قيمته أو نصف الدية
كما جنى عليه جان حال الرق، وجان حال الحرية، ويكون الباقي للوارث، هذا
إذا ذبحه الأول.
فأما إن ذبحه الثاني، فإذا فعل الثاني هذا فقد قطع يده حال الحرية، وذبحه
حال الحرية، واستقر حكم القطع في حال الرق، وصار كالمندمل، لأن ذبح
الثاني قطع سراية القطع الموجود حال الرق فلا فصل بين أن يكون الثاني ذبحه
بعد اندمال القطع حال الرق أو قبل الاندمال الباب واحد، ويكون على القاطع
حال الرق نصف قيمته بالغا ما بلغ، ما لم يزد على نصف دية الحر عندنا كما لو
اندمل، ويكون ذلك للسيد لأنه إنما جنى على مملوكه.
وأما القاطع حال الحرية فقد قطع يد حر ثم ذبحه، فلا يخلو: إما أن يكون
الذبح بعد اندمال القطع أو قبله، فإن كان بعد اندماله فلكل واحد منهما حكم
نفسه، فالولي بالخيار بين أربعة أشياء: من قطع، وقتل، وله العفو عنهما، فتكون
له الدية في النفس، ونصف الدية في اليد، وله أن يعفو عن اليد، فتكون له الدية
ويقتص من النفس، وله أن يقتص في اليد ويأخذ الدية للنفس، هذا إذا قتله بعد
الاندمال.
151

فأما إن ذبحه قبل الاندمال، فالولي بالخيار بين العفو والقود، فإن اختار
القود قطع وقتل، وإن اختار العفو كان دية واحدة لأنه قطع صار نفسا فدخل بدله في
بدل النفس.
وإن كان الذابح أجنبيا فقد قطع سراية القطعين معا، فكأنه ذبحه بعد
اندمال كل واحد من القطعين، فلا قود على القاطع حال الرق، وعليه نصف
قيمة العبد لسيده، وعلى القاطع حال الحرية القود في الطرف، والوارث بالخيار
بين القصاص والعفو.
وأما الثالث فقد ذبح حرا مسلما فوارثه بالخيار بين أن يقتص في النفس،
وبين أن يعفو فيكون له كمال الدية لأن دية النفس لا تنقص بقطع أطرافها.
فأما إذا جنى عليه جان حال الرق فقطع يده ثم أعتق، فجنى عليه آخران
حال الحرية فقطع أحدهما يده والآخر رجله، فالكلام فيها في أربعة فصول: في
القود، وقدر الواجب من المال، وفي من يجب ذلك عليه، وله.
فأما القود، فلا يجب على القاطع حال الرق قود في الطرف ولا في النفس،
لأنه غير مكافئ حال الجناية، ولا في السراية لأن القود إذا لم يجب في القطع لم
يجب في سرايته، وأما القاطعان حال الحرية فعلى كل واحد منهما القود في
القطع، وأما القود في النفس فالأصح عندنا وعندهم أن عليهما القود في النفس،
وحكي عن بعضهم أن القطع في الطرف عليهما دون القود في النفس.
وأما الواجب فهو الدية، دية حر مسلم لأن الجناية إذا كانت مضمونة، فإذا
سرت إلى النفس وهي مضمونة كان الاعتبار بحال الاستقرار، وهو حال الاستقرار
حر مسلم، فكان فيه كمال الدية.
فإذا ثبت أن الواجب هو الدية، فعلى كل واحد من الجناة ثلثها، لأن النفس
هلكت بجنايتهم، وقد وجب فيها الدية، فكانت عليهم أثلاثا ثلثها على الجاني حال
الرق، والثلثان على من جنى حال الحرية.
وأما من يجب ذلك له، فإن الواجب على من جنى حال الحرية لورثته لا
152

يستحق السيد شيئا منه بحال، لأنهما جنيا على مال غيره، ولا يستحق على من
جنى على غير ملكه شيئا بوجه، وأما الجاني حال الرق فقد جنى على ملك السيد
وقد استقر بهذه الجناية ثلث الدية.
وما للسيد من هذا الواجب؟ قال قوم: له أقل الأمرين من أرش الجناية أو
ثلث الدية، وقال آخرون: له أقل الأمرين من ثلث القيمة أو ثلث الدية، والأول
أصح عندنا لأن الأول لما جنى عليه هو ملك للسيد فلما جنى عليه آخران بعد
العتق وليس بملك للسيد، فكانت جنايتهما حال الحرية في حكم المعدومة في
حق السيد، إذ لا فرق بين عدمها وبين وجودها، ولا حق له فيها، وإذا كانت
كالمعدومة كان الجاني حال الرق كالمنفرد بالجناية.
ولو انفرد بها ثم أعتق العبد ثم سرى إلى نفسه كان على الجاني أقل الأمرين
من أرش الجناية أو كمال الدية، فإذا شارك من لا حق للسيد فيه صار عليه
الثلث، وكان هذا الثلث مع الآخرين ككل الدية معه وحده، فأوجبنا عليه أقل
الأمرين من أرش الجناية أو ثلث الدية، لأنه إن كان الأرش بأقل من ثلثها فلا شئ
له في الزيادة وإن كان أكثر من ثلثها فما وجب على الجاني في ملكه إلا ثلثها فلا
يستحق عليه أكثر منها.
فإذا أردت التفريع على هذا القول، قابلت بين أرش الجناية وقدر ما يجب
على هذا الجاني من الدية، فجعلت للسيد الأقل منها.
بيانه: قطع الجاني حال الرق إصبعه، فأرشها عشر الدية، ثم أعتق فجنى
آخران عليه حال الحرية ثم سرى إلى نفسه، للسيد أقل الأمرين من أرش الجناية
أو ثلث الدية.
فإن كان أرش الجناية حال القطع نصف القيمة مثل أن قطع يده فللسيد
أقل الأمرين من أرش الجناية وهو نصف القيمة أو ثلث الدية، وإن كان أرش
الجناية حال الرق كل قيمته مثل أن قطع يديه فللسيد أقل الأمرين من أرش
الجناية وهو كمال قيمته أو ثلث الدية، فإن كان أرش الجناية حال الرق أكثر من
153

قيمته مثل أن قطع يديه ورجليه وأذنيه، فللسيد أقل الأمرين من أرش الجناية، وهو
كل القيمة أو ثلث الدية، لأن الجناية متى وجب بها قيم كثيرة فإنها إذا صارت
نفسا كان الواجب فيها بدل النفس لا غير، ويدخل أرش الجناية في بدل النفس،
فلهذا كان الواجب قيمة واحدة.
ومعنى ما قلناه من أن الاعتبار بأرش الجناية لا بعدد الجناة إنما قصد به أن
يقابل بين أرش الجناية وما لزمه من الدية، فيكون للسيد الأقل منهما، وإلا فلا بد
من معرفة عدد الجناة لمعنى آخر وهو أن يعلم بذلك حصة الجاني حال الرق،
فإن ذلك لا يعلم إلا بعد معرفة عدد الجناة.
فأما من قال: عليه أقل الأمرين من ثلث القيمة أو ثلث الدية، قال: لأنه لو
جنى عليه جان وهو ملك للسيد، فلما أعتق جنى عليه آخران في غير ملكه كان،
ولو جنى عليه جان في ملكه وآخران في غير ملكه ثم مات عبدا مثل أن باعه
السيد بعد جناية الأول فجنى الآخران عليه في ملك المشتري ثم مات كان عليهم
قيمته على كل واحد ثلثها.
وهكذا لو جنى عليه الأول ثم ارتد ثم جنى عليه آخران وهو مرتد ثم مات،
كان على الجاني قبل الردة ثلث قيمته، كما أن على الجاني حال الرق ثلث قيمته
إذا مات عبدا.
فلو أعتق العبد بعد جناية الأول وجنى عليه آخران حال الحرية كان
الواجب على الجاني حال الرق ثلث الدية، فكان عليه ثلث القيمة إذا مات عبدا
وثلث الدية إذا مات حرا، ووجب للسيد من ذلك أقل الأمرين من ثلث قيمته
وثلث الدية، لأنه إن كان ثلث القيمة أقل من ثلث الدية فلا شئ للسيد فيما زاد
على ثلثه بالسراية حال الحرية، وإن كان ثلث الدية أقل مما وجب عليه بالجناية
في ملكه فله ثلث الدية، فلا يلزمه أكثر مما وجب عليه بالجناية في ملكه.
فعلى هذا القول إذا أردت التفريع فلا تنظر إلى أرش الجناية قل أو كثر،
وانظر إلى عدد الجناة، ثم انظر ما الذي يجب عليه إذا مات عبدا، فقابل بينه وبين
154

ما يجب عليه إذا مات حرا، واجعل للسيد الأقل منهما.
بيانه: جنى جان حال الرق وآخران حال الحرية، للسيد أقل الأمرين من
ثلث قيمته أو ثلث الدية، جنى جان حال الرق وثلاثة حال الحرية للسيد أقل
الأمرين من ربع قيمته أو ربع الدية، جان جنى حال الرق وتسعة حال الحرية،
للسيد أقل الأمرين من عشر قيمته أو عشر الدية.
فإذا ثبت هذا فعلى هذين القولين أجر المسائل كلها.
فأما إن كان بالضد من هذا، فكان عدد الجناة حال الرق أكثر:
جانيان حال الرق وجان حال الحرية، قال قوم: للسيد أقل الأمرين من
أرش الجناية أو ثلثي الدية، وقال آخرون: له أقل الأمرين من ثلثي القيمة أو ثلثي
الدية.
ثلاثة حال الرق وواحد حال الحرية، قولان أحدهما للسيد أقل الأمرين من
أرش الجناية أو ثلاثة أرباع الدية، والثاني له أقل الأمرين من ثلاثة أرباع القيمة أو
ثلاثة أرباع الدية.
تسعة حال الرق وجان حال الحرية، قولان أحدهما للسيد أقل الأمرين من
أرش الجناية أو ثلاثة أرباع الدية، والثاني له أقل الأمرين من ثلاثة أرباع القيمة أو
ثلاثة أرباع الدية.
تسعة حال الرق وجان حال الحرية قولان أحدهما: للسيد أقل الأمرين من
أرش الجناية أو تسعة أعشار الدية، والثاني: له أقل الأمرين من تسعة أعشار القيمة
أو تسعة أعشار الدية.
فإن اتفق العددان خمسة حال الرق وخمسة حال الحرية، قولان: أحدهما له
أقل الأمرين من أرش الجناية أو نصف الدية، والثاني: له أقل الأمرين من نصف
القيمة أو نصف الدية، وهكذا لو جنى عليه جان حال الرق وجان حال الحرية،
الباب واحد، وقد يتيسر أحد القولين، وهو إذا اتفق أرش الجناية وقدر ما لزمه من
الدية على وجه واحد، مثل أن كان أرش الجناية وما وجب عليه من الدية نصف
الدية فهاهنا لا تظهر الفائدة لأنك إن راعيت أرش الجناية كان ونصف الدية
سواء، وإن راعيت نصف القيمة كان ونصف الدية سواء، بلى متى اختلفا ظهرت
الفائدة.
155

الإمام عندنا لا يأمر بقتل من لا يستحق القتل لعصمته، وأجاز الفقهاء ذلك
بناء على مذهبهم، فأما خليفة الإمام فيجوز فيه ذلك، والحكم فيهما سواء بلا
خلاف، فيفرض في خليفة الإمام.
فإذا أمر خليفة الإمام رجلا بقتل رجل بغير حق نظرت: فإن كان المأمور
عالما بذلك لم يجز له قتله، ولا يحل له أن يطيعه لقوله عليه السلام: لا طاعة
لمخلوق في معصية الخالق، فإن خالف وقبل منه وأطاعه في قتله فعلى القاتل
القود والكفارة، لأنه قد قتله صبرا، والآمر لا قود عليه ولا كفارة لكنه آثم بما فعل
وعصى بلا خلاف.
وإن كان المأمور يعتقد أن قتله حق وأن الإمام أو خليفته لا يقتل إلا بحق
وأن طاعته فيما أمر به من هذا واجبة، فلا قود على المأمور عندهم، لأنه فعل ما هو
عنده فرض وطاعة، وعلى الآمر القود لأن المأمور كالآلة، فإذا أمر بقتله فكأنه
استعمل آلته في قتله، فكان عليه القود، والولي بالخيار بين القصاص والعفو، ولم
يذكر فيه خلاف، والذي يقتضيه مذهبنا أن على المأمور القتل لأنه المباشر،
للظواهر كلها.
فأما إن أكرهه على قتله فقال: إن قتلته وإلا قتلتك، لم يحل له قتله، وإن
كان خائفا على نفسه، لأن قتل المؤمن لا يستباح بالإكراه على قتله، فإن خالف
وقتل فقد أتى كبيرة بقتل نفس محترمة، فأما الضمان فعندنا أن القود على القاتل،
وعند قوم منهم، وقال بعضهم: عليه وعلى الآمر القود، كأنهما باشرا قتله واشتركا
فيه.
فإن اختار الولي قتلهما معا كان له، وإن عفا عنهما فعلى كل واحد منهما
نصف الدية، والكفارة، وقال آخرون: على الآمر القود وحده، وعلى المكره
نصف الدية، فإن عفا الولي عن الإمام فعليه نصف الدية، وعلى كل واحد منهما
الكفارة، فلا يختلف قول الفريقين أن الدية عليهما نصفين وأن على كل واحد
منهما الكفارة، وفيه خلاف ذكرناه في الخلاف.
156

فأما الكلام في من خرج على الإمام ودعا إلى نفسه وانفرد في منعة
كالخوارج والغلاة والبغاة، فالحكم فيه كالحكم في خليفة الإمام سواء حرفا
بحرف.
وأما المتغلب باللصوصية - وهو من خرج متغلبا على موضع لقطع الطريق
واللصوصية - فإذا أمر غيره بقتل رجل ظلما فقتله المأمور، فإن علم المأمور أنه
ظلم فالقود عليه بلا خلاف، وإن كان جاهلا أنه بغير الحق، فالقود عليه دون
الآمر بلا خلاف، لأن مخالفة طاعته والهرب منه قربة، وإن أكرهه هذا اللص على
قتل رجل فقتله فعندنا أن القود على القاتل مثل غيره، وقال قوم: القود عليهما،
وفيهم من قال: حكمه حكم الإمام إذا أكره غيره على قتل غيره بغير حق، وقد
مضى، وفيهم من قال: على قولين.
إذا كان له عبد صغير لا يعقل، ويعتقد أن كل ما يأمره سيده فعليه فعله، أو
كان كبيرا أعجميا يعتقد طاعة مولاه واجبة وحتما في كل ما يأمره، ولا يعلم أنه
لا طاعة في معصية الله.
فإذا كان كذلك، فإذا أمره بقتل رجل فقتله فعلى السيد القود، لأن العبد
يتصرف عن رأي مولاه، فكان كالآلة له بمنزلة السكين والسيف، وكان على
السيد القود وحده، قالوا: أليس لو أمره بسرقة فسرق لا قطع على السيد؟ هلا
قلتم مثله هاهنا؟ قلنا: الفصل بينهما من وجهين.
أحدهما: أن القود يجب بالقتل بالمباشرة وبالسبب، فجاز أن يجب القود
بالأمر لأنه من الأسباب، وليس كذلك القطع في السرقة لأنه لا يجب إلا عن
مباشرة، ولا يجب بالسبب، فلهذا لم يكن هذا السبب مما يجب به القطع عليه.
والثاني: أن القود لما دخلت النيابة في استيفائه جاز أن يجب القود بالاستنابة
فيه، والقطع في السرقة لما لم تدخل الاستنابة فيه لأن المسروق منه لا يستنيب
في قطع اللص بحال، فكذلك لم يجب القطع به بالاستنابة فيه، فبان الفصل
157

بينهما، هذا فصل الفقهاء، والذي رواه أصحابنا أن العبد آلته كالسيف والسكين
مطلقا، فلا يحتاج إلى ما ذكروه.
فأما إن كان هذا العبد بهذه الصفة مملوكا لغيره، ويعتقد أن أمر هذا الآمر
طاعة في كل ما يأمره، فأمره بقتل غيره فقتله فالحكم فيه كما لو كان عبد نفسه،
والقود على الآمر عندهم، ويقتضي مذهبنا أن القود على القاتل إن كان بالغا.
وأما إن أمره بقتله فقال: اقتلني، فقتله هدر دمه، لأنه كالآلة له قتل نفسه بها،
وإن قال له: اقتل نفسك أيها العبد، فقتل العبد نفسه، فإن كان العبد كبيرا فلا
ضمان على الآمر، لأن كل عبد وإن كان جاهلا يعلم أنه لا يجب عليه قتل نفسه
بأمر غيره، وإن كان العبد صغيرا أو مجنونا لا يعقل، فقال له: اقتل نفسك،
فقتلها، كان الضمان على الآمر لأن الصغير قد يعتقد هذا حقا، فكان الصغير
كالآلة للآمر، فكان عليه الضمان.
فأما إن كان المأمور حرا صغيرا لا يعقل أو كبيرا جاهلا، فأمره بقتل رجل
فالقود على الآمر، لأنه كالآلة له، وإن قال له: اقتل نفسك، فإن كان كبيرا فلا
شئ على الآمر لما مضى، وإن كان صغيرا لا تمييز له فعلى الآمر القود لأنه كالآلة
في قتل نفسه، هذا إذا كان المأمور لا يعقل لصغر أو جهالة مع الكبر.
فأما إن كان المأمور عاقلا مميزا، إما بالغا أو صبيا مراهقا فأمره بقتل رجل
فقتله فالحكم يتعلق بالمأمور، ويسقط الآمر وحكمه، لأنه إذا كان عاقلا مميزا فقد
أقدم على ما يعلم أنه لا يجوز باختياره، فإن كان عبدا كبيرا فعليه القود، وإن كان
صغيرا فلا قود ولكن تجب الدية متعلقة برقبته.
وما تلك الدية؟ فمن قال: إن عمده في حكم العمد، فالدية مغلظة حالة في
رقبته. ومن قال: عمده في حكم الخطأ فالدية مخففة مؤجلة في رقبته، وعندنا أن
خطأه وعمده سواء.
وإن كان المأمور حرا، فإن كان بالغا فالقود عليه، وإن كان غير بالغ فلا
قود، ووجبت الدية، فمن قال: عمده عمد، قال: الدية مغلظة حالة في ماله، ومن
158

قال: عمده خطأ، فالدية مخففة مؤجلة على العاقلة وهو مذهبنا.
فأما إن كان مراهقا عاقلا مميزا فأكرهه خليفة الإمام على قتل رجل فقتله،
فلا قود عندهم على المكره قولا واحدا، وهل على المكره؟ على قولين:
فمن قال: عمد الصبي عمد، فعلى المكره القود لأنه قتل عمد، فالمكره
كأجنبي شارك الأب في قتل ولده، فعلى الأجنبي القود، وكذلك هاهنا على
المكره القود، وعلى المكره نصف الدية مغلظة حالة في ماله.
ومن قال: عمده في حكم الخطأ، قال: لا قود على المكره لأنه شارك
الخاطئ لكن عليه نصف الدية حالة مغلظة، وعلى المكره نصف الدية مخففة
مؤجلة على العاقلة.
والذي تقتضيه عموم أخبارنا أن المراهق إذا جاز عشر سنين فإنه يجب عليه
القود، وأن عمده عمد، وقد بينا أن الإكراه لا يصح في القتل فالقود هاهنا عليه
خاصة.
وأما إذا لم يكن عاقلا ولا مميزا فعمده وخطأه سواء في الدية فإذا انفرد
بالقتل كانت على عاقلته الدية، وإن أكرهه غيره على ذلك ينبغي أن نقول أن
الدية بينهما نصفان ولا قود، لأن فعل المكره كأنه فعل المكره ولا عقل له ولا
تميز يمنعه منعه، غير أنه لا يجب عليه القود لأنه شاركه فعل الخاطئ.
إذا سقاه سما يقتل غالبا، فإن أكرهه على ذلك مثل أن أوجره إياه وصبه في
حلقه، وذكر أنه يقتل غالبا، فعليه القود، لأنه قتله بما يقتل به غالبا كالسيف
والسكين والمثقل، وإن قال الساقي: لا يقتل غالبا، فإن صدقه الولي، فلا قود،
وإن كذبه وأقام الولي البينة أنه يقتل غالبا فعليه القود، كما لو ثبت ذلك باعترافه،
وإن لم يكن معه بينة ومع الساقي بينة أنه سم لا يقتل غالبا فلا قود عليه، وعليه
الدية، لأن البينة إذا ثبتت لم يلتفت إلى قول الولي.
فإن لم يكن مع واحد منهما بينة فقال الولي: يقتل غالبا، وقال الساقي: لا
يقتل غالبا، فالقول قول الساقي، لأنه اعترف بصفة ما سقاه، ولأن الأصل براءة
159

ذمته، فإن قالت البينة: هذا السم يقتل النضو النحيف والضعيف الخلقة، ولا يقتل
القوي الشديد، فإن كان المقتول نضوا فعليه القود، وإن كان قويا فلا قود عليه،
وعليه الدية.
وإن كان السم يقتل غالبا وقال الساقي: لم أعلم أنه يقتل غالبا، قال قوم: لا
قود عليه لأنه ذكر شبهة، والقود يسقط بالشبهة، وعليه الدية، وقال آخرون: لا
يقبل قوله وعليه القود وهو الأقوى عندي، لأنه قد فعل فعلا يقتل غالبا وقوله: لم
أعلم أنه يقتل غالبا، لا يقبل قوله فيه.
فإن كان السم يقتل غالبا فجعله في طعام، فإن لم يكسر الطعام حدته ولم
يعدله فهو كالسم البحت، وإن عدله وأخرجه عن القتل غالبا فلا قود، هذا كله إذا
أكرهه على أكله أو شربه، وأما إن لم يكرهه فناوله فشرب فمات فعليه القود.
فأما إن جعل السم في الطعام فأكله الغير لم يخل من أحد أمرين: إما أن
يجعله في طعام نفسه أو طعام غيره.
فإن جعله في طعام نفسه وأطعمه إياه، فإن قال: هذا سم، فأخذه وأكل، فلا
ضمان على المطعم، سواء قال له: فيه سم يقتل غالبا أو لم يقل لأنه هو المختار
لقتل نفسه، فهو كما لو ناوله سيفا فقتل به نفسه.
وأما إن لم يعلمه فقدمه إليه أو ناوله فأكل منه، قال قوم: عليه القود، وهو
الأقوى عندي، لأنه لم يختر شرب ذلك بدليل أنه لو علم به لم يأكله، وقال
آخرون: لا قود عليه، لأنه الذي أكله باختياره، فكان شبهة في سقوط القود عنه،
فمن قال: عليه القود، فلا كلام، ومن قال: لا قود، قال: عليه الدية بلا شبهة، لأنه
مات بسبب كان منه بغير علمه، فأقل الأحوال وجوب الدية.
فأما إن جعل هذا الطعام المسموم في دار نفسه فدخل الغير فأكله، فلا
ضمان على صاحب الطعام، لأن الآكل هو الذي تعدى بدخول دار غيره بغير
أمره، فإذا هلك فلا ضمان على صاحب الدار كما لو دخل إليها فسقط في بئر
فمات فلا ضمان.
160

فأما إن خلطه بطعام غيره ضمن صاحب الطعام لأنه أتلفه على مالكه، فإن
جعله في بيت مالكه ولا علم له بالسم فدخل بيت نفسه فوجد طعامه فأكله،
فالأقوى عندي أن عليه القود، وقال قوم: لا ضمان عليه بحال، وقال قوم: لا قود
وعليه الدية.
إذا كتفه وقيده وطرحه في أرض مسبعة فافترسه السبع فأكله، فلا ضمان
عليه لأنه بمنزلة الممسك والذابح غيره، ولو أمسكه على غيره فقتله الغير فلا
ضمان على الممسك.
وإذا رماه بين يدي السبع في فضاء أو رمى بالسبع بالقرب منه، فقتله
السبع، قالوا: لا ضمان عليه لأن السبع يفر مما جرى هذا المجرى، ويقوى في
نفسي أن عليه الضمان في المسألتين.
وإذا حبسه مع السبع في موضع من بيت أو بئر فقتله السبع فعليه القود،
لأنه اضطره إلى قتله، هذا إذا بقر بطنه أو قتله، فأما إن جرحه جرحا فسرى إلى
نفسه نظرت: فإن كان جرحا يقتل غالبا فعليه القود، وإلا فلا قود عليه، وعليه
الدية، لأنه بمنزلة الآلة، فهو كما لو تلبس هو بالجناية فإنه هكذا.
وأما الحية فإن كتفه وألقاه في أرض ذات حيات فقتلته فلا ضمان لما مضى،
وإن ألقاه إلى حية أو ألقى الحية عليه فلا ضمان أيضا، وإن حاصره معها في مضيق
فقتلته قالوا: لا قود لأن الحية تهرب من الإنسان في مضيق غالبا، ويفارق الأسد،
لأنه يقتل في المضائق غالبا، فبان الفصل بينهما.
فأما إن أمسك حية فأنهشه إياها فلا فرق بين أن يضغطها أو لا يضغطها
الحكم واحد، لأنها تعض سواء ضغطها أو لم يفعل ذلك، فإن قتله الحية.
فإن كانت تقتل غالبا مثل حيات السراة والأصحر قرب الطائف وأفاعي
مكة، وثعبان مصر، وعقارب نصيبين، فعليه القود لأنها تقتل غالبا.
وإن كانت لا تقتل غالبا مثل ثعبان الحجاز، وعقرب صغيرة، قال قوم: لا
قود لأنه لا يقتل غالبا وعليه الدية، وقال آخرون: عليه القود لأنه من جنس ما
161

يقتل غالبا، وهكذا الحكم فيه إذا ألقمه أو أعضه إياه فجرحه الأسد فالحكم فيه
كالحية سواء، لأنه جعله كالآلة.
إذا قتل مرتد نصرانيا له ذمة ببذل أو جزية أو عهد، قال قوم: عليه القود،
وقال آخرون: لا قود عليه، سواء رجع إلى الإسلام أو أقام على الكفر، ويقوى في
نفسي أنه إن أقام على الكفر أنه يجب عليه القود، وإن رجع فلا قود عليه.
فمن قال: لا قود عليه، قال: عليه دية نصراني، فإن رجع كانت في ذمته وإن
مات أو قتل في ردته تعلقت بتركته يستوفى منها، والباقي لبيت المال عندهم،
وعندنا: لورثته المسلمين.
ومن قال: عليه القود، فإن رجع إلى الإسلام فالقود بحاله، وولي القتيل
بالخيار بين القود والعفو، وأخذ الدية، فإن اختار القود قتله قودا، وكان مقدما على
القتل بالردة، لأنه حق لآدمي، وإن اختار العفو قتل بالردة وكانت الدية في تركته
والباقي لمن ذكرناه.
فإن جرح مسلم نصرانيا ثم ارتد الجارح ثم سرى إلى نفسه فمات، فليس
على المرتد قود، لعدم التكافؤ حال الجناية، ويفارق هذا إذا قتله وهو مرتد لوجود
التكافؤ حال القتل.
فرع:
فأما إن قتل نصراني مرتدا ففيها ثلاثة أوجه:
قال قوم: لا قود عليه ولا دية.
وقال آخرون: عليه القود، فإن عفا عنه فعليه الدية، وهو الأقوى عندي، لأن
المرتد وإن وجب قتله فإنما قتله إلى أهل ملته، والإمام، فإذا قتله غيره كان القود
عليه، كمن وجب عليه القصاص، فإن قتله غير ولي المقتول كان عليه القود.
وقال بعضهم: عليه القود فإذا عفا عنه فلا دية أما القود فلأنه قتل من يعتقد
مكافئا له، لأنه عاد عنده إلى دين حق فقد قتل من لا يجوز له قتله، فكان عليه
162

القود، وأما الدية فإنما تجب عليه بقتل نفس لها حرمة، وهذه لا حرمة لها،
والصحيح عندهم الأول، لأنه لا ضمان عليه بحال، لأنه مباح الدم لكفره، فإذا
قتله نصراني فلا قود عليه كالحربي، وقد بينا أن الأقوى عندنا الثاني لقوله النفس
بالنفس، ولقوله تعالى: الحر بالحر، وذلك على عمومه إلا ما خصه الدليل.
فأما من زنا وهو محصن فقد وجب قتله وصار مباح الدم، وعلى الإمام قتله،
فإن قتله رجل من المسلمين قال قوم: عليه القود لأنه قتله من ليس إليه القتل، كما
لو وجب عليه القود فقتله غير الولي، وقال آخرون: لا قود عليه، وهو الأقوى
عندي، لما روي أن رجلا قتل رجلا فادعى أنه وجده مع امرأته، فقال
أمير المؤمنين عليه السلام: عليه القود إلا أن يأتي ببينة فأوجب عليه القود مع عدم
البينة ونفاه مع قيام البينة.
وروي أن سعدا قال: يا رسول الله أرأيت إن وجدت مع امرأتي رجلا أمهله
حتى آتي بأربعة شهداء؟ قال: نعم، فدل على أنه إذا أتى بأربعة شهداء لم يمهله،
وفي بعضها قال: يا رسول الله أقتله؟ قال: كفى بالسيف شا - أراد أن يقول شاهدا
فوقف -، فقال: لا.
وروي عن علي بن أبي طالب عليه السلام أن النبي عليه السلام قال لأبي
بكر: لو وجدت مع امرأتك رجلا ما كنت صانعا به؟ قال: أقتله، وقال لعمر: لو
وجدت مع امرأتك رجلا ما كنت صانعا به؟ قال: أقتله، فقال لسهيل بن
بيضاء: لو وجدت مع امرأتك رجلا ما كنت صانعا به؟ قال: أقول لها لعنك
الله يا خبيثة، وأقول له لعنك الله يا خبيث، فقال رسول الله
صلى الله عليه وآله: سهيل أراد التأول.
فموضع الدلالة أن النبي عليه السلام أقر أبا بكر وعمر على ما قالا.
وروى سعيد بن المسيب، أن رجلا من أهل الشام يقال له ابن خيبري وجد
مع امرأته رجلا فقتله وقتلها فأشكل على معاوية القضاء فيه، فكتب معاوية إلى أبي
موسى الأشعري يسأل له عن ذلك علي بن أبي طالب، فقال له علي عليه السلام:
163

إن هذا الشئ ما هو بأرضنا، عزمت عليك لتخبرني، فقال أبو موسى الأشعري:
كتب إلى في ذلك معاوية، فقال على: أنا أبو حسن وفي بعضها القود إن لم يأت
بأربعة شهداء فليعط برمته.
وروى الشعبي قال: غزا معنا رجل فاستخلف أخاه على امرأته فاتته امرأة
فقالت له: هل لك في امرأة أخيك عندها رجل يحدثها؟ فنصب السلم فعلا على
السطح فإذا هي تنتف له دجاجة وهو يرتجز ويقول:
وأشعث غرة الإسلام مني خلوت بعرسه ليل التمام
أبيت على ترائبها ويمشي على جرداء لا حقة الحزام
كأن مواضع الربلات منها قيام ينظرون إلى قيام
قال: فنزل فقتله ورمى بجيفته إلى الطريق، فبلغ ذلك عمر فقال: أنشد الله
عبدا عنده علم هذا القتيل إلا أخبرني، فقام الرجل فأخبره بما كان فأهدر عمر
دمه، وقال: أبعده الله، وأسحقه الله، قالوا: إنما أهدر دمه لأنه علم صحته.
إذا أمسك رجلا فجاء آخر فقتله، فعلى القاتل القود بلا خلاف، وأما
الممسك فإن كان مازحا متلاعبا فلا شئ عليه، وإن كان أمسكه للقتل أو
ليضربه ولم يعلم أنه يقتله فقد عصى ربه.
وروى أصحابنا أنه يحبس حتى يموت، وقال بعضهم: يعزر ولا شئ عليه
غيره وقال بعضهم: إن كان مازحا عزر، وإن كان للقتل فعليهما القود.
وأما الرائي فلا يجب عليه القود عندنا وعند جماعة، وروى أصحابنا أنه
تسمل عينه، وقال قوم: يجب عليه القتل.
إذا جنى عليه جناية أتلف بها عضوا مثل إيضاح رأس أو قطع طرف، فإن
كان بآلة يكون فيها تلف هذا العضو غالبا فعليه القود، وإن كان بآلة لا يقطع
غالبا فهو عمد الخطأ، فلا قود، لأن الأطراف تجري مجرى النفس، بدليل أنا
نقطع الجماعة بالواحد كما نقتل الجماعة بالواحد.
ثم ثبت أنه لو قتله بآلة يقصد بها القتل غالبا فعليه القود، وإن لم يكن القتل
164

بها غالبا فلا قود فكذلك الأعضاء، وذلك مثل أن رماه بحجر صغير فأوضحه،
وكان هذا مما يوضح غالبا ولا يقتل غالبا، فإن مات منه فالقصاص واجب في
الموضحة، دون النفس، لأنا نعتبر كل واحد من الأمرين على طبقته.
إذا جنى على عين الرجل، فإن قلع الحدقة وأبانها وجعله نحيفا فعليه القود
لقوله: والعين بالعين، وليس للمجني عليه أن يليه بنفسه، لأنه أعمى لا يرى كيف
يصنع، فربما جنى فأخذ أكثر من حقه، لكنه يوكل، فإذا وكل قال قوم: له أن
يقتص بإصبعه فإنه إذا ألوى أصبعه ومكنها من الحدقة تناولها من محلها بسرعة،
لأنه أقرب إلى المماثلة، ومنهم من قال: لا يقتص بالإصبع، لكن بالحديد، لأن
الحديد إذا عوج رأسه كان أعجل وأوخى من الإصبع، وهو الأقوى عندي.
وأما إن جنى عليها فذهب بضوئها، والحدقة باقية، مثل أن لكمه أو لطمه أو
دق رأسه بشئ فنزل الماء في عينيه، فعليه القود في الضوء لأن ضوء العين
كالنفس، ويصنع بالجاني مثل ما صنع من لكمة أو لطمة أو ما فعل به، عندهم لا
لأن هذا فيه القصاص، لكنه به يستوفى القصاص.
فإن ذهب البصر بذلك فلا كلام، وإن لم يذهب، فإن أمكن أن يذهب به
بعلاج كدواء يذر فيها أو شئ يوضع عليها، فيذهب البصر دون الحدقة، فعل،
فإن لم يمكن ذلك قرب إليها حديدة محمية حتى يذهب بصره، فإن لم يذهب
وخيف أن يذهب الحدقة، ترك وأخذت دية العين لئلا يأخذ المجني عليه أكثر
من حقه.
والذي رواه أصحابنا في هذه القضية أن يحمى حديدة ويبل قطن يوضع
على الأجفان لئلا يحترق، وتقرب منه الحديدة حتى تذوب الناظرة وتبقى الحدقة.
إذا قتل الصبي أو المجنون رجلا فلا قصاص على واحد منهما لقوله
عليه السلام: رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يحتلم وعن النائم حتى ينتبه وعن
المجنون حتى يفيق، ويجب فيها الدية، وما تلك الدية؟ قال قوم: هو في حكم
العمد، وقال آخرون: هو في حكم الخطأ، وهو مذهبنا، فمن قال: في حكم العمد،
165

قال: الدية مغلظة حالة في ماله، ومن قال: في حكم الخطأ على ما نذهب إليه،
قال: الدية مخففة مؤجلة على العاقلة.
وأما السكران فالحكم فيه كالصاحي، وأما من جن بسبب هو غير معذور
فيه مثل أن يشرب الأدوية المحمية، يذهب عقله فهو كالسكران.
إذا قطع ذكر رجل وأنثييه فعليه القود فيهما، لأن كل واحد منهما عضو له
حد ينتهي إليه يقتص عليهما ويقطعهما مع تلك الجلدة، وأما الشفران - فهما
الإسكتان المحيطان بالفرج بمنزلة الشفتين من الفم، وهو للنساء خاصة - فظاهر
مذهبنا يقتضي أن فيهما القصاص، ولا قود فيهما بحال عند قوم، لأنه لحم ليس له
حد ينتهي إليه فهو كالأليتين ولحم العضد والفخذ، وعضلة الساق، وكل هذا لا
قصاص فيه، ففي الشفرين الدية، وفي الذكر والأنثيين القصاص، فإن عفا ففي كل
واحد منهما كمال الدية، في الذكر الدية، وفي الأنثيين كمال الدية.
فإن كان المجني عليه خنثى مشكل له ذكر الرجال وفرج النساء، فقطع
قاطع ذكره وأنثييه وشفريه، لم يخل حاله من أحد أمرين: إما أن يصبر حتى يتبين
أمره أو لا يصبر.
فإن صبر حتى بان أمره لم يخل من أحد أمرين: إما أن يتبين ذكرا أو أنثى.
فإن بان ذكرا نظرت في الجاني، فإن كان رجلا فعليه القود في الذكر
والأنثيين وحكومة في الشفرين، لأنهما من الرجل خلقة زائدة، وإن كان الجاني
امرأة فلا قود عليها في شئ ولكن عليها في الذكر والأنثيين ديتان، لأن هذا خلقة
أصلية، وعليها حكومة في الشفرين لأنهما من الرجل خلقة زائدة، هذا إذا بان
رجلا.
فأما إن بان امرأة نظرت في الجاني، فإن كان رجلا فلا قود، لأن الذكر
والأنثيين منها خلقة زائدة، وهي من الرجل خلقة أصلية، وعليه فيهما حكومة وعليه
في الشفرين الدية، وإن كان الجاني امرأة فلا قصاص هاهنا، لأنه لا قصاص في
الشفرين، لكن عليها في الشفرين الدية، وفي الذكر والأنثيين حكومة، هذا إذا صبر
166

حتى بان أمره.
فإن لم يصبر لم يخل من أحد أمرين: إما أن يطالب بالقصاص أو بالدية.
فإن طالب بالقصاص فلا قصاص، لأنا لا نعلم فيما وجب له القصاص، فإنه
يحتمل أن يكون له القصاص في الذكر والأنثيين، ويحتمل أن يكون أنثى فلا
قصاص له بحال.
وإن قال: أطالب بالدية، لم يخل من أحد أمرين: إما أن يطالب بالدية ويعفو
عن القصاص، أو لا يعفو.
فإن طالب بها وعفا عن القصاص صح عفوه عن القصاص وأعطى من الدية
اليقين - وهو دية الشفرين -، لأنا نقطع أن حقه لا يقصر عنهما، ويعطيه حكومة
في الذكر والأنثيين، لأنه اليقين، فإن بان امرأة فقد استوفى حقه، وإن بان رجلا
بان أنه يستحق دية في الذكر، ودية في الأنثيين، وحكومة في الشفرين فيكمل
ذلك له مع الذي استوفاه.
وأما إن قال: أطالب بالدية ولا أعفو عن القصاص حتى يتبين الأمر، قلنا له:
لا دية لك مع بقاء القصاص، لأنه إن كان كل القصاص في الذكر والأنثيين فلا
دية لك في الشفرين فمن المحال أن يكون لك الدية مع بقاء القصاص.
فإن قال: فإذا لم يكن لي دية فهل أستحق أن آخذ حكومة ما أم لا؟ قال
بعضهم: لا يعطي شيئا بحال، لأنا نجهل حكومة ما ذا تستحق، لأنه إن كان ذكرا
فله حكومة الشفرين، وإن كان أنثى فله حكومة الذكر والأنثيين، فإذا جهلنا
الحكومة في ذلك فلا حكومة لك، وقال آخرون - وهو الأصح -: إن له
حكومة، لأن الجهل بعين الحكومة ليس جهلا بأن له حكومة، وأن حقه لا ينفك
عن حكومة، سواء بان امرأة أو رجلا، فعلى هذا يجب أن يدفع إليه حكومة.
فمن قال: لا يدفع إليه فلا كلام، ومن قال: له حكومة، فما هي؟ قال
بعضهم: له حكومة ما قطع منه آخرا لأنه يكون تقويما بعد الجناية والتقويم بعد
الجناية دون التقويم قبلها، وليس بشئ، والصحيح أن يعطي حكومة الشفرين،
167

لأنه أقل ما يأخذ حكومته، فإنها دون ذكر الرجل وأنثييه.
إذا قتل عمدا محضا ما الذي يجب عليه؟
قال قوم: القتل أوجب أحد شيئين، القود أو الدية، فكل واحد منهما أصل
في نفسه، فإن اختار أحدهما ثبت وسقط الآخر وإن عفا عن أحدهما سقط الآخر
فعلى هذا موجب القتل القود أو الدية.
وقال آخرون: القتل أوجب القود فقط، والولي بالخيار بين أن يقتل أو
يعفو، فإن قتل فلا كلام، وإن عفا على مال سقط القود، وثبتت الدية، بدلا عن
القود، فتكون الدية على هذا بدلا عن بدل وعلى المذهبين معا تثبت الدية بالعفو
سواء رضي الجاني ذلك أو لم يرض، وفيه خلاف.
والذي نص أصحابنا عليه واقتضته أخبارهم أن القتل يوجب القود، والولي
بالخيار بين أن يقتل أو يعفو، فإن قتل فلا كلام، وإن عفا لم تثبت الدية إلا برضا
الجاني، وإن بذل القود ولم يقبل الدية لم يكن للولي عليه غيره، فإن طلب الولي
الدية وبذلها الجاني، كانت فيه الدية مقدرة على ما نذكره في الديات، فإن لم
يرض بها الولي جاز أن يفادي نفسه بالزيادة عليها على ما يتراضيان عليه.
وإذا قلنا: إن القتل يوجب القتل فقط، فإن عفا عن الدية لم يسقط، لأنه عفا
عما لم يجب له كما لو عفا عن الشفعة قبل البيع، وإن عفا عن القود، فإما أن يعفو
على مال أو على غير مال أو يطلق، فإن عفا على مال ثبت المال، وإن عفا على غير
مال سقط القود ولم يجب المال، وإن أطلق قال قوم: يسقط القود إلى غير مال،
وهو الذي يقتضيه مذهبنا، لأن الذي وجب له هو القود، فإذا عفا عنه فقد عفا عن
كل ما وجب له، ومنهم من قال: يجب المال بمجرد العفو.
ومن قال: يوجب أحد شيئين، القود أو الدية، فالكلام في فصلين: إذا اختار
وإذا عفا.
فإن اختار الدية تعينت وسقط القود لأنه إذا كان مخيرا فيهما فإذا اختار
أحدهما تعين وسقط الآخر، فإن أراد العدول بعد هذا إلى القود لم يكن له، لأنه
168

يعدل عن الأدنى إلى ما هو أعلى، وإن اختار القصاص تعين وسقطت الدية، فإن
أراد هاهنا أن يعفو على مال، قال قوم: ليس له ذلك، وقال آخرون: يجوز أن
يعدل عنه إلى الدية فإنه لا يمتنع أن يعود إلى ما كان له بعد تركه.
فأما العفو فإن عفا عن الدية ثبت القصاص، وإن عفا عن القصاص أولا فإما
أن يعفو على مال أو غير مال أو يطلق، فإن عفا على غير مال سقط المال، لأنه قد
وجب له أحد شيئين، فإذا عفا عن أحدهما ثبت الآخر، وقوله: على غير مال،
إسقاط بعد ثبوته، وإن عفا على مال ثبت المال لأنه وجب له أحدهما لا بعينه، فإذا
عفا عن أحدهما على ثبوت الآخر ثبت، وإن عفا مطلقا ثبت المال.
والفرق بين هذا وبين القول الأول أن هاهنا أوجب أحد شيئين، القود أو
المال، فإذا عفا عن أحدهما مطلقا علم أنه أراد استبقاء الآخر، وليس كذلك إذا
قيل: أوجب القود فقط، لأن الواجب هناك القود لا غير، فإذا أطلق العفو لم
يجب شئ لأنه قد عفا عن كل ما وجب له، فلهذا لم يجب له شئ.
إذا كان القتل قتلا يجب به الدية، وهو الخطأ المحض، وعمد الخطأ، وعمد
لا يجب به القود: مثل أن قتل الوالد ولده، أو قتل المسلم كافرا، وجبت الدية،
وكانت ميراثا لجميع ورثته ممن يرث تركته من المال الذكور منهم والإناث،
وسواء كان الميراث بنسب أو سبب - وهي الزوجية أو ولاء - ولم يختلفوا أن
العقل موروث كالمال لقوله تعالى: ومن يقتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية
مسلمة إلى أهله، والأهل عبارة عن جميع هؤلاء.
وأما الكلام في القصاص، وهو إذا قتل عمدا محضا فإنه كالدية في الميراث،
يرثه من يرثها، فالدية يرثها من يرث المال، والقود يرثه من يرث الدية والمال معا،
هذا مذهب الأكثر، وقال قوم: يرثه العصبات من الرجال دون النساء، وفيه
خلاف، والأقوى عندي الأول، وإن كان الثاني قد ذهب إليه جماعة من أصحابنا،
وذكرناه نحن في النهاية ومختصر الفرائض، فأما الزوج والزوجة فلا خلاف بين
أصحابنا أنه لاحظ لهما في القصاص، ولهما نصيبهما من الميراث من الدية.
169

فإذا ورثه ورثته فإن كانوا أهل رشد لا يولي عليهم فليس لبعضهم أن يستوفيه
بغير إذن شريكه، وإن كان شريكه حاضرا فحتى يستأذنه وإن كان غائبا فحتى
يحضر الغائب، ولا خلاف في هذين الفصلين عندهم، وعندنا له أن يستوفيه
بشرط أن يضمن للباقين ما يخصهم من الدية.
وأما إن كان بعضهم رشيدا لا يولي عليه وبعضهم يولي عليه، مثل أن كانوا
إخوة بعضهم صغار أو مجانين، وبعضهم عقلاء بالغون، لم يكن للكبير أن
يستوفي حق الصغير، بل يصبر حتى يبلغ الطفل ويفيق المجنون أو يموت، فيقوم
وارثه مقامه، وفيه خلاف.
وعندنا أن للرشيد أن يستوفي حق نفسه من الدية والقصاص، فإن اقتص
ضمن للباقين نصيبهم من الدية، وإن أخذ الدية كان للصغار إذا بلغوا القصاص
بشرط أن يرد على أولياء القاتل ما غرمه من الدية، أو عفا عنه بعضهم، فإن لم يرد
لم يكن له غير استيفاء حقه من الدية، ويبطل القصاص.
فإن كان الوارث واحدا يولي عليه مجنون أو صغير وله أب أو جد، مثل أن
قتلت أمه وقد طلقها أبوه فالقود له وحده، وليس لأبيه أن يستوفيه بل يصبر حتى
إذا بلغ كان ذلك إليه، وسواء كان القصاص طرفا أو نفسا، وسواء كان الولي
أبا أو جدا أو الوصي الباب واحد، وفيه خلاف.
فإذا ثبت أنه ليس للوالد أن يقتص لولده الطفل أو المجنون، فإن القاتل
يحبس حتى يبلغ الصبي ويفيق المجنون، لأن في الحبس منفعتهما معا، للقاتل
بالعيش ولهذا بالاستيثاق، فإذا ثبت هذا وإن أراد الولي أن يعفو على مال، فإن
كان الطفل في كفاية لم يكن ذلك له لأنه يفوت عليه التشفي، وعندنا: له ذلك،
لأن له القصاص على ما قلناه إذا بلغ، فلا يبطل التشفي، وإن كان فقيرا لا مال له،
قال قوم: له العفو على مال، لأن المال خير من التشفي، وقال آخرون: ليس له
العفو على مال، لأنه إذا لم يكن له مال كانت نفقته في بيت المال، قالوا: والأول
أصح، وعندنا له ذلك لما بيناه.
170

إذا وجب القصاص لاثنين فعفا أحدهما عن القصاص لم يسقط حق أخيه
عندنا، وله أن يقتص إذا رد على أولياء القاتل قدر ما عفا عنه، ويسقط حقه فقط،
وقال بعضهم: يسقط حقه وحق أخيه، وادعوا أنه إجماع الصحابة، وقد بينا أنا
نخالف فيه قالوا: إذا ثبت ذلك فإن حق الذي لم يعف ثبت في الدية، وأما حق
العافي سقط من القصاص، ويثبت له المال إن عفا على مال أو مطلقا، وإن عفا على
غير مال سقط المال.
إذا وجب القصاص لمفلس لم يخل من أحد أمرين: إما أن يجب له قبل
الحجر عليه أو بعده.
فإن كان قبل الحجر فهو كالموسر، وفيه المسائل الثلاث، إن عفا على مال
ثبت المال، وإن عفا على غير مال سقط، وإن عفا مطلقا عندنا يسقط، وقال
بعضهم: لا يسقط المال.
وأما إن كان بعد الحجر عليه، فالحكم فيه وفي من مات وعليه دين وخلف
قودا وفي المحجور عليه لسفه وفي المريض سواء، والكلام في هؤلاء الأربعة نتكلم
عليهم في الجملة.
فلهم العفو عن القود، فإذا عفوا ففيه المسائل الثلاث، إن عفوا على مال ثبت
المال وإذا وجب صرف في حقه، أما المفلس فيقسم الدية بين الغرماء، وكذلك
وارث الميت والمحجور عليه لسفه يستوفيه له وليه، والمريض يستوفيه لنفسه
كسائر الأموال، وإن عفوا مطلقا فمن قال: أوجب أحد شيئين، ثبت المال وصرف
في حقوقه على ما مضى، ومن قال: يوجب القود فقد سقط حق القود، ولم يجب
المال، وليس للغرماء إجباره على العفو على مال لأنه إنما يجب بالاختيار
والاختيار اكتساب، فليس لهم إجباره على اكتساب المال، فإن عفوا على غير مال
فإن المفلس ووارث الميت الذي عليه الدين والمحجور عليه لسفه الحكم فيهم
واحد، وهو كما لو عفوا مطلقا وقد مضى شرحه.
والذي رواه أصحابنا أنه إذا كان عليه دين لم يكن لوليه العفو على غير مال،
171

ولا القود إلا أن يضمن حق الغرماء، وأما المريض فإنه يعتبر ذلك في حقه من
الثلث.
إذا وجب له على غيره قصاص لم يخل من أحد أمرين: إما أن يكون نفسا أو
طرفا.
فإن كان نفسا فلولي الدم أن يقتص بنفسه لقوله تعالى: ومن قتل مظلوما
فقد جعلنا لوليه سلطانا، وليس له أن يضرب رقبته إلا بسيف غير مسموم، لما
روي عن النبي عليه السلام أنه قال: إن الله كتب عليكم الإحسان، فإذا قتلتم
فأحسنوا القتلة، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته، فإذا أمر بذلك في البهائم
ففي الآدميين أولى.
فإن كان معه سيف كال غير مسموم أو صار مسموم لم يكن له، لأن في
الكال تعذيبه، والمسموم لا يمكن غسله لأنه يهريه، ويقتضي مذهبنا جوازه لأنه
يغتسل أولا ويتكفن ثم يقام عليه القود، ولا يغسل بعد موته فإن حصرت الآلة في
سيف صارم غير مسموم مكن من الاستيفاء بضرب الرقبة، فإن ضرب الرقبة
وقطع الرأس فقد استوفى حقه، وإن ضرب على غير الرقبة سألناه فإن قال:
عمدت إليه قال قوم: يعزر لأنه جنى عليه بأن جرحه في غير موضع الجرح، وإن
قال: أخطات نظرت، فإن كان مما لا يخطأ فيه في العادة مثل أن ضرب رجله أو
فخذه أو وسطه لم يقبل قوله أنه أخطأ وإن كان قد يخطأ ولا يخطأ والغالب أنه
لا يخطأ، كما لو ضربه في حرف رأسه لم يقبل قوله وعزر، وإن كان مثله يخطأ
به مثل أن ضربه على رأسه بالقرب من الرقبة أو على أكتافه بالقرب من الرقبة،
فالقول قوله مع يمينه أنه أخطأ، فإن حلف وإلا عزر.
فإذا ثبت هذا فهل له أن يكمل الاستيفاء أم لا؟ قال بعضهم: ليس له ذلك،
ويقال له: وكل من يحسن الاستيفاء، وقال آخرون: يمكن ثانيا ليستوفيه والذي
نقوله: إن كان لا يحسن وكل وإن كان يحسن استوفاه.
وأما إن كان القصاص في الطرف، لم يمكن ولي القطع من قطعه بنفسه،
172

لأنه لا يؤمن أن يكون من حرصه على التشفي أن يقطع منه في غير موضع
القطع، فيجني عليه، ويفارق النفس، لأنه قد استحق إتلاف جملتها.
التوكيل في إثبات القصاص جائز، فإن استوفاه الوكيل بمشهد منه جاز لأنه
ليس فيه تغرير بهدر الدماء، وإن أراد الاستيفاء بغيبة من الموكل، منهم من قال:
يجوز، ومنهم من قال: لا يجوز إلا بمشهد منه، والذي يقتضيه مذهبنا أنه يجوز.
وأما التوكيل بالاستيفاء بغيبة منه، منهم من قال: العقد باطل إذا قيل لا
يستوفيه إلا بمشهد منه، وقال آخرون: يصح التوكيل.
إذا قال: يستوفيه بغيبة منه - وهو الصحيح عندنا - فمتى اقتص الوكيل قبل
عفو الموكل وقع الاقتصاص موقعه، سواء قيل يصح التوكيل أو لا يصح، لأنه
إن كان صحيحا فلا إشكال فيه، وإن كان فاسدا فهو استيفاء بإذن فلا يضر فساد
العقد.
فأما إن عفا الموكل عن القود، فإن حكم العفو وتصرف الوكيل لا يختلف،
سواء قيل الوكالة صحيحة أو فاسدة، فإذا عفا الموكل عن القود، ففيها ثلاث
مسائل:
إحداها: عفا بعد أن قتل الوكيل كان عفوه باطلا لأنه عفا لا عن حق.
الثانية: عفا عن القود، وعلم به الوكيل فلم يلتفت إلى هذا، وقتل القاتل
فالحكم متعلق بالوكيل وحده، وكان عليه القود لأنه قتله بعد علمه بالعفو، فهو
كما لو قتله ابتداء.
الثالثة: قتله الوكيل بعد العفو، وقبل العلم بالعفو، قال قوم: لا ضمان عليه،
وقال آخرون: عليه الدية، وذلك أنه مبني على أنه هل يصح عفوه أم لا؟ فقال
بعضهم: صح، وقال آخرون: لم يصح، وهذه أصل المسألة.
الموكل إذا فسخ الوكالة بغير علم الوكيل هل تنفسخ الوكالة أم لا، على
وجهين بناء على هذه المسألة أحدهما: يصح وهو الصحيح عندهم، والآخر: لا
يصح، وقد روى أصحابنا القولين والأولى أنه لا يصح، فمن قال: لا يصح عفوه،
173

كان وجود العفو وعدمه سواء إذا قتله قصاصا، ولا ضمان على أحد بقتله، ومنهم
من قال: على الوكيل الكفارة، ومن قال: عفوه صحيح، قال: قتل نفسا محقونة
الدم غير أنه لا قود عليه، لأنه قتل بسبب سائغ غير مفرط فيه، كالقاتل بتأويل
سائغ جائز لا قود عليه، غير أن عليه الدية، لأن عفوه قد صح.
فإذا ثبت أن عليه الدية فإنها دية مغلظة يجب في ذمته عند قوم، وقال
آخرون: مؤجلة على العاقلة، لأنه إنما قتله معتقدا أنه مباح الدم وأخطأ ظنه فيه،
فكان بمنزلة الخطأ، والأول عندهم أصح.
فمن قال: على العاقلة، فلا تفريع، ومن قال: عليه، فهل يرجع بها على
موكله أم لا؟ الصحيح عندهم أنه لا يرجع عليه بشئ، لأنه قد عفا عن القود فقد
أحسن في فعله، وقال بعضهم: يرجع به عليه لأنه غره بالعفو من غير علمه،
والذي يقتضيه أظهر رواياتنا أن عليه الدية، ويرجع بها على الذي عفا لأنه لم
يعلمه العفو، فمن قال: يرجع، فلا تفريع، ومن قال: لا يرجع، فقد استقرت الدية
عليه.
وأما الموكل فهل يستحق بالعفو شيئا أم لا؟ نظرت: فإن عفا على غير مال
لم يجب المال، وإن عفا مطلقا فعلى قولين: فمن قال: أوجب القتل القود، على ما
نقوله، قال: لا يثبت المال، ومن قال: أحد شيئين، قال: وجبت الدية في تركة
المقتول، وهكذا إذا عفا على مال وجبت الدية في تركة المقتول، ولورثة هذا
الجاني الذي قتله الوكيل الدية على الوكيل، وللموكل عليهم الدية، يرجع
الموكل عليهم، ويرجعون هم على الوكيل، ويرجع الوكيل على الموكل على ما
قلناه، ولا يرجع الموكل على الوكيل بشئ.
إذا وجب القصاص على حامل أو على حائل فلم يقتص منها حتى حملت
فإنه لا يستقاد منها وهي حامل لقوله: والأنثى بالأنثى، ولم يقل الأنثى وحملها
بالأنثى وقال: فلا يسرف في القتل، وقال: فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم،
وهذا يزيد على المثل.
174

فإذا وضعته فعليها أن ترضعه اللبأ الذي لا يقوم بدنه إلا به، لأنه يقال المولود
به يعيش، فإذا شرب اللبأ، فإن كان هناك امرأة راتبة ترضعه بأجرة أو غير أجرة
قتلت لأن له من يعيش به، وإن لم يكن هناك من ترضعه ولم توجد بهيمة ولا
إنسان لم يجز قتلها.
وأما إن وجد بهيمة يشرب لبنها أو امرأة مترددة غير راتبة أو نساء كذلك
بهذه الصورة، فالمستحب لولي الدم التأني والصبر حتى يستقل بنفسه عن اللبن،
لأن عليه في اختلاف الألبان مشقة، فإن لم يفعل وأبي إلا اختيار القصاص كان له
ذلك، لأن لهذا الطفل ما يعيش به ويستقل، هذا إذا ثبت أنها حامل بقول القوابل
أو باعتراف ولي الدم.
فأما إن ادعت أنها حامل وأنكر الولي ولم يكن هناك قوابل، قال قوم: لا
يؤخذ بقولها حتى يشهد أربع قوابل عدول بذلك، ومنهم من قال: يؤخر ذلك
حتى يتبين أمرها، والأول أقوى، والثاني أحوط.
إذا حكم الحاكم بقتل الحامل قصاصا فقتلها الولي ففيها ثلاث فصول: في
الإثم، والضمان، ومن عليه الضمان:
أما المأثم فإن كانا عالمين بأنها حامل أثما معا بقتل الجنين، الحاكم بتمكينه
والولي بالمباشرة، وإن كانا جاهلين فلا إثم عليهما، وإن كان أحدهما عالما
والآخر جاهلا، فالعالم مأثوم والآخر معذور.
فأما الكلام في الضمان، فإن الحامل غير مضمونة لأن قتلها مستحق، وأما
الجنين فينظر فيه، فإن لم تلقه فلا ضمان عندهم، لأنه لا يقطع بوجوده فلا يضمن
بالشك، وإن ألقت الحمل نظرت: فإن ألقته ميتا ففيه الغرة والكفارة، - والغرة
رقبة جيدة قيمتها عشر دية أمه أو نصف عشر دية أبيه عند قوم، وعندنا عشر دية
أمه - وإن ألقته حيا ضمنا من قتلها فمات، ففيه دية كاملة والكفارة.
فإذا ثبت أنه مضمون فالضمان على من؟ لا يخلو من أربعة أحوال: إما أن
يكونا عالمين، أو الحاكم عالما والولي جاهلا، أو يكون الولي عالما والحاكم
175

جاهلا، أو جاهلين.
فإن كانا عالمين فالضمان على الحاكم لأن الولي طلب بحقه وهو لا يعلم
حقه فقضى له بذلك وفوضه إليه، فكان الضمان عليه.
وإن كان الحاكم عالما والولي جاهلا فمثل ذلك.
وإن كان الحاكم جاهلا والولي عالما، فالضمان على الولي دون الحاكم
لأنه قتل الجنين مع العلم بحاله، فكان التفريط منه.
وإن كانا جاهلين قال قوم: على الحاكم الضمان لأنهما تساويا في الجهالة
وانفرد بالتمكين، وقال آخرون: على الولي، لأنهما تساويا في الجهالة وانفرد
بالمباشرة، وقال قوم: الضمان على الولي بكل حال دون الحاكم، لأن الحاكم
مكنه من قتل واحد فقتل هو اثنين، ولأنه هو المباشر، وهذا هو الأقوى عندي.
فكل موضع قلنا: الضمان على الولي، فالدية على عاقلته والكفارة في ماله،
لأنه قتل خطأ، وكل موضع قيل: على الحاكم، فهذا من خطأ الحاكم، فقال
قوم: على عاقلته كغير الإمام، وقال آخرون: في بيت المال لأن خطأ الحاكم
يكثر، وكذلك الإمام عندهم، فلو جعل على عاقلته تأدوا بالديات، فمن قال:
الدية على عاقلته، قال: الكفارة في ماله، ومن قال: في بيت المال فالكفارة على
قولين أحدهما: في ماله، والثاني: في بيت المال.
والذي نقول: إن خطأ الحاكم على بيت المال، فأما الإمام فلا يخطأ عندنا،
وإنما قلنا ذلك، لما رواه أصحابنا من أن ما أخطات الحكام فهو في بيت المال.
إذا قتل واحد جماعة، كأنه قتل في التقدير عشرة واحدا بعد واحد، وجب
لولي كل قتيل عليه القود، لا يتعلق حقه بحق غيره، فإن قتل بالأول سقط حق
الباقين إلى بدل النفس، فيكون لكل واحد في تركته كمال الدية، وإن قام واحد
فقتله سقط حق كل واحد من الباقين إلى كمال الدية.
وقال بعضهم: تتداخل حقوقهم من القصاص، فليس لواحد منهم أن ينفرد
بقتله بل يقتل بجماعتهم، فإن قتلوه فقد استوفوا حقوقهم، وإن بادر واحد فقتله فقد
176

استوفى حقه وسقط حق الباقين، وهكذا نقول، غير أنا نقول: أن لكل واحد أن
ينفرد بقتله ولا تتداخل حقوقهم.
فإذا ثبت ذلك فقتل واحد جماعة لم يخل من ثلاثة أحوال: إما أن يقتلهم واحدا بعد
واحد، أو دفعة واحدة، أو أشكل الأمر.
فإن قتلهم واحدا بعد واحد قدمنا الأول فالأول، فيقال له: اختر، فإن اختار
القصاص استوفى حقه وسقط حق الباقين عندنا، لا إلى مال، وعند بعضهم إلى
الديات، وإن اختار الدية وبذلها الجاني عندنا يقال للثاني: اختر، على ما قلناه
للأول كذلك، حتى نأتي على أخيرهم.
فإن سبق الأوسط أو الأخير فثبت القتل استحب للإمام أن يبعث إلى الأول
فيعرفه ذلك، فإن لم يفعل ومكن هذا من قتله فقد أساء، وسقط حق الباقين عندنا
لا إلى مال، وعندهم إلى الديات والترتيب مستحق، فإن جاء رجل فثبت عنده
القصاص فقضى له ثم وافى آخر فثبت القصاص لنفسه، وكان قبل الأول، قدمنا
حق من قتله أولا، وإن كان ولي أحدهم غائبا أو صغيرا وولي الآخر كبيرا لكنه قد
قتل ولي الصغير أو الغائب أولا صبرنا حتى يكبر الصغير ويقدم الغائب، فإن قتله
الحاضر البالغ فقد أساء وسقط حق الصغير والغائب عندنا لا إلى مال وعندهم
إلى الدية.
وإن كان قد قتلهم دفعة واحدة مثل أن أمر السيف على حلوقهم أو جرحهم
فماتوا في وقت واحد، أو حرقهم أو غرقهم أو هدم عليهم بيتا فليس بعضهم أولى
من صاحبه، فيقرع بينهم فكل من خرج اسمه كان التخيير إليه، ثم يقرع بين
الباقين أبدا. وإن أشكل الأمر قلنا للقاتل: من قتلته أولا؟ فإن أخبرنا عملنا على قوله، وإن
لم يخبرنا أقرعنا بينهم، كما لو كان دفعة واحدة.
إذا قطع يد رجل وقتل آخر قطعناه باليد، وقتلناه بالآخر عندنا، وقال
بعضهم: يقتل ولا يقطع، فإن قتل أولا ثم قطع آخر قطعناه أيضا بالثاني وقتلناه
177

بالأول، لأنه يمكن استيفاء الحقين معا.
فأما إن كان هذا في الأطراف، قطع إصبع رجل ويد آخر وجب عليه
القصاص في الإصبع للأول، وللآخر في اليد، فيكون لمن قطعت إصبعه الخيار
بين القصاص والعفو، فإن عفا وجب له دية إصبع عشر من الإبل، غير أنا نراعي
رضا القاطع بذلك ويكون الثاني بالخيار بين القطع والعفو.
فإن اختار الأول القصاص قطعنا له الإصبع، وتكون من قطعت يده بالخيار
بين قطعه وبين العفو، فإن عفا كان له كمال الدية، وإن اقتص كان له دية إصبع
عشر من الإبل.
وإن كانت بالضد من هذا قطع أولا يد رجل ثم قطع إصبعا من آخر،
وجب لكل واحد منهما القصاص على الترتيب، يقطع يده أولا باليد، ويكون
للثاني دية إصبع، وإن عفا الأول على مال كان الثاني بالخيار بين قطع إصبعه
وبين العفو عنها، ولا يقدم قطع الإصبع على قطع اليد، لأن فيه نقصان حق
الأول لأنه وجب له قطع يد كاملة.
فرع على هذه المسألة:
إذا قطع يد واحد وقتل آخر، قلنا: يقطع ويقتل، يقطع بالأول، ويقتل
بالثاني، فإن سرى القطع إلى من قطعت يده فمات فلوليه أن يأخذ من تركة
الجاني نصف الدية لأن يد المجني عليه صارت نفسا، والقطع إذا صار نفسا
دخل أرشه في بدلها، وصار الواجب فيها الدية، فاقتضى أن يرجع وليه في تركة
القاتل بكمال الدية لكن المجني عليه قد قطع يده أولا، فقد استوفى ما قام مقام
نصف الدية فكأنه استوفى نصف الدية وبقى له نصفها يستوفيه.
فرع هذه:
رجل قطع يدي رجل قطعنا يديه بيديه، ثم سرى إلى نفس المجني عليه
178

فمات، وجب القود على الجاني، لأن جرحه صار نفسا فلولي القتيل الخيار بين
العفو والقتل، فإن قتل فلا كلام، وإن عفا على مال لم يثبت له لأنه قد استوفى فيه
ما قام مقام الدية، وهما يداه، فلهذا لم يكن له العفو على مال، وليس هاهنا قتل
أوجب قودا ولا يعفى فيه على مال إلا هذه المسألة.
فإذا قطع يد رجل وقتل آخر ففيه ثلاث مسائل:
إحداها: ما تقدم أنه قطع بالأول وقتل بالثاني، ثم سرى القطع إلى المجني
عليه فمات، وقد قلنا: يرجع ولي المقتول في تركة القاتل بنصف الدية على ما
قلناه.
الثانية: قطع واحدا وقتل آخر ثم مات الجاني ثم سرى القطع إلى المجني
عليه فقد مات الجاني وعليه قطع وقتل في حق الأول، وفي حق الثاني القتل وقد
فات القود بوفاته، فلولي القتيل الثاني كمال الدية في تركته، وأما ولي الأول فكان
له القطع والقتل، فينظر فيه: فإن مات الجاني قبل أن يقتص من يده ففي تركته
كمال الدية، وإن مات بعد أن أخذت يده قودا أخذ من تركته نصف الدية، لأنه
بقطع اليد قبض ما قام مقام نصف الدية، والذي يقتضيه مذهبنا أنه متى مات لا
يجب في تركته الدية في المسائل كلها لأنها تثبت برضا القاتل وقد مات.
الثالثة: قطع يد واحد وقتل آخر ثم سرى القطع إلى المجني عليه فمات
والجاني بحاله، فإنه قد وجب عليه القود بالقتل والقطع، والقود بقطع اليد، إلا
أنه يقتل بمن قتله آخرا، لأنه وإن كان قطع الأول سبق فقد وجب قتله بالثاني
قبل وجوب القتل عليه بالمقطوع، لأن المقطوع مات بعد أن باشر قتل الثاني،
فإن قتله بالثاني كان للأول الدية، وإن عفا الثاني كان للأول قطعه وقتله، والعفو
على ما يرى.
فرع:
رجل قطع أنملة العليا من إصبع رجل وجب القصاص فيها، لأن لها مفصلا
179

معينا فهو كاليد، فإن مكن المجني عليه من القصاص فقطع أنملتين العليا
والوسطى سألناه، فإن قال: عمدت إليه، فعليه القصاص في الوسطى وله هذه
الوسطى بلا عناء والمقتضي منه أن يأخذ الأنملة الوسطى قودا، وإن قال: أخطات،
فالقول قوله، لأن هذا مما يتم فيه الخطأ، ووجب عليه دية أنملة ثلاثة أبعرة وثلث،
لأن في كل إصبع عشرا من الإبل وفي كل إصبع ثلاث أنامل، وفي الإبهام
عشرة، وفي أنملة منها خمس، لأن الإبهام له أنملتان لا غير.
وأما الدية قال قوم: في ماله لأنه ثبت باعترافه وهو مذهبنا، وقال آخرون:
على العاقلة.
فرع:
يهودي قطع يد مسلم فقطع المسلم يده قصاصا فاندمل اليهودي وسرى
القطع إلى نفس المسلم، فلولي المسلم الخيار في قتل اليهودي والعفو، فإن قتله
فلا كلام، وإن عفا على مال ثبت المال وكم الذي يجب؟ قال
قوم: يثبت له دية مسلم إلا سدسا، لأن المسلم قد أخذ يد اليهودي
وقيمتها ألفان، لأن ديته أربعة ألف عندهم، وذلك سدس دية المسلم، فقد أخذ ما
قام مقام سدس ديته، فكان له أخذ ما بقي.
وقال آخرون: يرجع عليه بنصف دية مسلم، لأن المسلم لما قطع يد
اليهودي بيده فقد رضي أن يأخذ منه بدل يده يدا هي دون يده، وإذا رضي بهذا
فكأنه كان مسلما قطع يده فأخذ يده بيده ثم سرى إلى نفسه، فليس لوليه إلا
نصف ديته، فكذلك هاهنا، وهذا هو الأصح عندهم، ويقوى عندي الأول، غير
أن دية اليهودي عندنا ثمانمائة فيرجع عليه بدية المسلم إلا أربعمائة درهم.
فإن كانت بحالها فقطع اليهودي يدي مسلم فقطع المسلم يدي اليهودي،
وسرى إلى نفس المسلم واندمل اليهودي، فلولي المسلم القود في النفس، فإن قتل
فلا كلام، وإن عفا على مال قال قوم: يستحق ثلثي دية مسلم لأن في يدي
180

اليهودي دية اليهودي وديته أربعة آلاف، فقد أخذ ما قام مقام ثلث دية المسلم،
فيكون له ما بقي، وقال آخرون: لا يستحق شيئا لأنه قد رضي أن يأخذ يدي
اليهودي بيديه، فقد استوفى بيديه ما قام مقام دية نفسه، كما لو كان الجاني
مسلما، وعلى ما قلناه يقتضي أن له أن يرجع عليه بدية المسلم إلا دية اليهودي،
وهي ثمانمائة.
وعلى هذا لو قطعت امرأة يد رجل فقطع يدها بيده ثم اندملت يدها وسرى
القطع إلى نفس الرجل فلوليه القصاص في نفس المرأة، وله العفو، فإن اقتص فلا
كلام، فإن عفا قال قوم: يرجع بثلاثة أرباع دية الرجل لأن في يدها نصف ديتها
وديتها نصف دية الرجل، فقد أخذ منها ما قام مقام ربع دية الرجل، فيرجع بما
بقي، وكذلك نقول، وقال آخرون: يرجع عليها بنصف دية الرجل لأنه قد
رضي أن يأخذ يدها بيده.
فإن كانت بحالها فقطعت يدي رجل فقطع يديها بيديه ثم اندملت يداها
وسرى القطع إلى نفس الرجل، فلولي الرجل القصاص والعفو، فإن اقتص فلا
كلام، وإن عفا فعلى الوجهين، أحدهما يأخذ نصف دية الرجل لأنه قد استوفى
ديتها، وهي تقوم مقام نصف دية الرجل، فكان له ما بقي، والثاني: لا يرجع
بشئ لأنه قد رضي يديها بيديه والأول أصح عندنا.
فإن قطعت يدي الرجل ورجليه فقطع يديها ورجليها، واندملت فسرى
القطع إلى الرجل، تطرق أحد الوجهين هاهنا وليس لولي الرجل إلا القصاص أو
العفو، ولا مال له لأنا إن اعتبرنا قيمة ما أخذ منها فقد أخذ ما قام مقام ديتها، وهي
دية الرجل فلا يرجع، وإن قلنا الاعتبار به، فإن رضي ذلك بيديه ورجليه فلا
يرجع أيضا بشئ.
إن قطع رجل يد رجل فقطع المجني عليه يد الجاني ثم اندمل المجني عليه
وسرى القطع إلى نفس الجاني كان هذا هدرا عندنا، وعند جماعة، وقال قوم:
على المجني عليه الضمان فيكون عليه كمال دية الجاني.
181

إذا قتل رجل رجلا ووجب القود عليه فهلك القاتل قبل أن يستقاد منه،
سقط القصاص إلى الدية عند قوم، وقال آخرون: يسقط القود إلى غير مال، وهو
الذي يقتضيه مذهبنا.
إذا قطع رجل يد رجل فاقتص منه، ثم سرى إلى نفس المقتص فمات، ثم
سرى إلى نفس المقتص منه فمات، كانت نفس المقتص منه قصاصا عن نفس
المقتص، لأنه استوفى منه قطعا بقطع، فلما سرى القطع إلى نفس المقتص - وهو
المجني عليه - استحقت نفس الجاني قصاصا، فلما سرى إلى نفسه القطع كانت
السراية عن قصاص اليد إلى نفس مستحقه قودا، فوقع القصاص موقعه بعد أن
أخذت يده قصاصا.
ومثل هذا ما نقول فيه إذا قطع يد رجل ثم عاد القاطع فقتله، وجب على
الجاني قصاص في الطرف وقصاص في النفس، فلو أن ولي المجني عليه قطع يد
الجاني فمات بالسراية عن هذا القطع، كان فيه استيفاء ما وجب عليه من
القصاص في النفس بالسراية الحادثة عن قطعه، فكذلك هاهنا.
فإن كانت بحالها فقطع المجني عليه يد الجاني، ثم سرى القطع إلى
الجاني، ثم سرى القطع إلى المجني عليه، فقد هلك الجاني قبل موت المجني
عليه، فهل يكون نفسه قصاصا عن نفس المجني عليه أم لا؟ قال قوم: يكون
قصاصا لأن السراية إلى نفسه وجبت عن قصاص، فوجب أن يكون قصاصا كما
لو سرى إلى نفسه بعد أن سرى إلى نفس المجني عليه، وقال آخرون: - وهو
الأصح عندنا - أن نفسه هدر، ولا يكون قصاصا لأن السراية حصلت قبل وجوب
القصاص عليها، فلو قلنا: يكون قصاصا عن نفسه، كان هذا سلفا في القصاص،
وذلك لا يجوز.
إذا جنى رجل على رجل جناية، فقطع يده أو رجله، في الجملة جناية يجب
فيها القود، ثم عفا المجني عليه عن الجاني، ثم سرى القطع إلى المجني عليه
فمات، فالذي رواه أصحابنا أن لوليه القصاص إذا رد على ولي المعفو عنه دية ما
182

عفا له عنه، وكذلك إن أخذ الدية كان له الدية إلا القدر المعفو عنه.
وقال المخالف: لا قصاص لوليه على الجاني، لأن الجناية إذا صارت نفسا
كانت بمنزلة الجناية الواحدة، ولو كانت واحدة تقتل بها فعفا عن بعضها سقط
القود في الكل، فكذلك هاهنا، ولأن المجني عليه إذا عفا ثم سرى إلى نفسه
كانت السراية عن جناية لا قصاص فيها، وهذه لا توجب القصاص كما لو كانت
خطأ، أو جنى والد على ولده، فإذا ثبت أنه لا قصاص على الجاني كان لولي
المجني عليه أن يرجع على الجاني فينظر فيه، فإن كان المجني عليه عفا على مال
كان لوليه أن يرجع بكمال الدية، وإن كان عفوه على غير مال كان لوليه أن
يرجع بنصف الدية لأن المجني عليه قد عفا عن نصفها، هذا إذا كانت الجناية
توجب القود.
فأما إن كانت عمدا لا يوجب القود مثل أن يقطع يده من نصف الساعد أو
جرحه في عضده أو ظهره، ثم عفا المجني عليه عن القصاص ثم مات العافي
فلوليه القصاص هاهنا، لأن عفوه عن القصاص كلا عفو، فإنه عفا عن القصاص
فيما لم يجب له فيه القصاص، ويكون وليه بالخيار بين القصاص والعفو، فإن قتل
فلا كلام وإن عفا على مال وجبت له كمال الدية.
فإن قطع يد رجل ثم إن المجني عليه عفا عن القاطع فعاد القاطع فقتل
العافي، قال قوم: لولي المقتول القصاص والعفو على مال، فيكون له كمال الدية،
لأن القتل عنده بعد الجرح بمنزلة قتله بعد اندمال الجرح، فكأنه قتله قبل أن
قطع يده، وإن قتله قبل القطع كان وليه بالخيار كذلك هاهنا، وقال بعضهم: لا
قصاص عليه في النفس، لكن لوليه نصف الدية، أما القصاص يسقط لأن القتل
بعد القطع بمنزلة السراية فهو كالجناية الواحدة عفا عن بعضها فسقط القصاص
عن جميعها، وأما الدية فله نصف الدية لأنه بالعفو قد استوفى نصف الدية،
والصحيح عندهم غير هذين، وهو أن لوليه القصاص أو العفو على نصف الدية
وهو مذهبنا.
183

أما القصاص فلأن القصاص في الطرف لا يدخل في قصاص النفس،
بدليل أنه لو قطع يده فسرى إلى نفسه كان لوليه القطع والقتل معا، فلما عفا عن
القصاص في الطرف لم يدخل في قصاص النفس، فكان له القصاص فيها،
ويفارق الدية لأن أرش الطرف يدخل في بدل النفس، بدليل أنه لو قطع يده
فسرى إلى نفسه كان فيه دية النفس لا غير، ولم يستحق دية اليد ودية النفس
أيضا، فلهذا دخل أرش الطرف في دية النفس، فأوجبنا عليه نصف الدية فبان
الفصل بينهما.
إذا اشترك نفسان في قتل نفس لم يخل من ثلاثة أحوال: إما أن يكونا ممن
لو قتله كل واحد منهما قتل به، أو لا يقتل به واحد منهما، أو يقتل به أحدهما دون
الآخر.
فإن كان كل واحد منهما ممن يقتل به مثل حرين قتلا حرا أو عبدين قتلا
عبدا أو مشركين قتل مشركا قتلا معا به.
وإن كان كل واحد منهما ممن لا يقتل به مثل حرين قتلا عبدا أو مسلمين
قتلا مشركا أو أب وجد قتلا ولدا، فلا قصاص على واحد منهما، وهكذا لو كانا
ممن يقتلان به فقتلا خطأ أو عمد الخطأ فلا قصاص.
وإن كان أحدهما لو انفرد بقتله قتل به دون الآخر لم يخل من أحد أمرين:
إما أن يكون القود لم يجب على أحدهما لمعنى فيه أو في فعله، فإن كان لمعنى فيه
مثل أن شارك أجنبيا في قتل ولده أو نصرانيا في قتل نصراني أو عبدا في قتل
عبد، فعلى شريكه القود دونه، وإن كان القود لم يجب عليه لمعنى في فعله مثل
أن كان عمدا محضا شارك من قتله خطأ أو عمد الخطأ فلا قود على واحد منهما،
وقال بعضهم: على العامد القود، سواء سقط عن شريكه لمعنى فيه أو في فعله،
وهو الأقوى عندي.
فأما إذا قتله ومعه صبي أو مجنون وكان القتل عمدا منهما، فالكلام أولا في
حكم قتل الصبي والمجنون، هل له عمد أم لا؟ أما قتله عمدا فهو مشاهد، لكن
184

الكلام في حكمه، وقال قوم: عمده عمد، وقال آخرون: عمده في حكم الخطأ،
وهو مذهبنا لقوله عليه السلام: رفع القلم عن ثلاثة، عن الصبي حتى يبلغ، وعن
المجنون حتى يفيق وعن النائم حتى ينتبه، وعلى القولين معا لا قود عليه، وأما
الدية فمن قال: عمده عمد، فالدية مغلظة حالة في ماله، ومن قال: خطأ، على ما
قلناه فالدية مخففة مؤجلة على عاقلته.
فإذا شارك العامد صبيا في قتل العمد، فمن قال: عمده عمد، فعلى
الشريك القود، ومن قال: خطأ، قال: لا قود على شريكه، لأنه شارك من لا قود
عليه في فعله، والأول شارك من لا قود عليه لا لمعنى في فعله، وعلى ما قلناه على
العامد القود وإن قلنا أن عمد الصبي خطأ، لكن يجب القود بشرط أن يرد على
أوليائه فاضل الدية كما قلناه في البالغين.
فإذا ثبت هذا فإن كان فعل شريكه غير مضمون، مثل أن شارك سبعا في
قتل إنسان، أو شارك رجلا في قتل نفسه مثل أن جرحه وجرح نفسه، أو جرحه
مرتدا ثم أسلم فجرحه آخر في حال إسلامه، فإنه لا ضمان على أحدهما بحال.
وهل على شريكه القود؟ قال قوم: لا قود عليه لأنه أحسن حالا من شريك
الآخر الخاطئ، فإن الخاطئ يضمن بوجه، والسبع لا ضمان في فعله بوجه، وقال
آخرون: عليه القود، وهو مذهبنا، لأنهما عامدان لا قود على أحدهما لا لمعنى في
فعله، فهو كشريك الأب في قتل ولده، وهذا أصل في كل نفسين قتلا رجلا.
فعلى ما فصلناه، إذا قتل الرجل عمدا وله وليان ابنان أو أخوان أو عمان
الباب واحد، ونفرض في الابنين - لأنه أوضح - قتل أبوهما عمدا فهما بالخيار
بين القتل والعفو، فإن عفوا على مال ثبت لهما الدية على القاتل، وإن عفوا على
غير مال سقط القود على غير مال، وإن عفوا مطلقا قال قوم: ثبت المال، وقال
آخرون: لا يثبت، وهو مذهبنا.
وإن عفا أحدهما سقط القود عندهم، وعندنا لا يسقط القود إذا رد بمقدار ما
عفا الآخر، وإن اختارا القود كان ذلك لهما، غير أنه لا يمكنهما استيفاؤه معا، فإما
185

أن يوكلا غيرهما أو يوكل أحدهما أخاه في استيفائه، فإن أراد أحدهما أن يقتص
لم يكن ذلك له إلا بإذن أخيه عندهم، لأن القصاص لهما فلا يستوفيه أحدهما،
وعندنا له ذلك بالشرط الذي تقدم.
فإن بادر أحدهما فقتله، عندنا: لا قود عليه، وقالوا: لا يخلو من أحد أمرين:
إما أن يقتله قبل عفو أخيه أو بعد عفوه.
فإن قتله قبل عفوه فهل عليه القود أم لا، على قولين.
فإن قتله بعد عفوه، لم يخل من أحد أمرين: إما أن يكون بعد حكم الحاكم
بسقوط القود عن القاتل، أو قبل حكمه.
فإن كان قبل حكمه فإن قتله قبل العلم بالعفو فهل عليه القود أم لا؟ على
القولين، غير أن الصحيح هاهنا أن عليه القود، والصحيح في التي قبلها أنه لا قود
عليه، وأما إن قتله بعد العفو قبل العلم بالعفو، فإنها مبنية على التي قبلها، فمن قال:
عليه القود إذا قتله قبل العلم، فالعفو هاهنا أولى، ومن قال: لا قود عليه إذا قتل قبل
العلم بالعفو، فهل عليه القود أم لا؟ على قولين، هذه الثلاث مسائل على قولين إذا
قتله قبل حكم الحاكم.
فأما إن قتله بعد حكم الحاكم بسقوط القود عن القاتل فعليه القود قولا
واحدا، سواء علم بحكمه أو لم يعلم، وإن عفا أحدهما ثم عاد فقتله فعليه القود قولا
واحدا، وكذلك عندنا، وإن عفوا معا ثم عادا أو أحدهما فعلى من قتله القود.
هذه الثلاث مسائل عليه القود فيها قولا واحدا، وعندنا يجب في الأخيرتين
القود وهما القتل بعد العفو منهما أو من أحدهما، فأما المتقدمة فلا توجب القود
بحال بل لكل واحد منهما القود بعد عفو صاحبه، بشرط أن يرد دية ما قد عفا
عنه، وكذلك لو كانوا مائة فعفا تسعة وتسعون، كان للباقي القود بالشرط الذي
ذكرناه.
وأما التفريع على كل واحد من القولين على مذهبهم:
فإذا قال: على الولي القاتل القود، حكم بأن قاتل الأب قتل ظلما لا على
186

وجه القصاص، وفات أن يستقاد منه بمنزلة أن قتله أجنبي أو مات حتف أنفه،
فتعلقت الدية بتركته، ويقتل به الولي القاتل قصاصا، فإذا ثبت أن الدية تعلقت
بتركته فهي في تركته نصفها للولي الذي لم يقتل، ونصفها لورثة الولي القاتل.
وإذا قيل: لا قود على الولي القاتل لم يخل الولي الذي لم يقتل من أحد
أمرين: إما أن يكون قد عفا عن القود أو لم يعف عنه.
فإن لم يكن عفا عنه فعلى الولي القاتل نصف دية قاتل الأب، لأنه قتله وهو
يستحق نصفه، فقد أتلف حقه وحق أخيه، وأوجبنا عليه حق أخيه.
فإذا ثبت أن عليه الدية، فإن للولي الذي لم يعف نصف الدية لأن حقه سقط
عن القود بغير اختيار، فانتقل نصيبه إلى الدية، فكان له نصفه، فقد تقرر أن على
الولي القاتل نصف دية قاتل الأب، وللولي الذي لم يقتل نصف دية أبيه، وعلى
من يستحقها؟ قال قوم: يستحقه على أخيه، وقال آخرون: يجب هذا النصف
للولي الذي لم يقتل في تركة قاتل الأب.
فمن قال: وجب للولي الذي لم يقتل نصف الدية على أخيه دون تركة قاتل
أبيه، نظرت: فإن أبرأ الورثة عن هذا النصف الذي وجب له على أخيه لم يصح،
لأنه أبرأ غير محل حقه، وإن أبرأ أخاه عنه صح الإبراء لأنه أبرأ محل حقه، وليس
لورثة قاتل الأب حق بحال، فلا يرجعون على الولي القاتل بشئ، لأن الحق
سقط عنه بكل حال، وأنه لما قتل قاتل أبيه استوفى نصيبه منه، ووجب عليه
بذلك نصف الدية لأخيه وقد أبرأه عنه أخوه فلم يبق عليه حق.
ومن قال: نصف الدية له في تركة قاتل أبيه، فعلى هذا له ذلك في تركة
قاتل أبيه، ولورثة قاتل الأب نصف الدية على أخيه، فإن أبرأ الذي لم يقتل أخاه
عن نصف الدية لم يبرأ لأن حقه على غير أخيه، وإن أبرأ ورثة قاتل أبيه عن نصف
الدية صح الإبراء، وسقط حقه الذي وجب له عليهم، ولورثة قاتل الأب نصف
الدية على الولي القاتل، يرجعون بها عليه كما لو كان عليه ألف دينار لرجل،
ولهم ألف دينار على رجل، ثم أبرأهم من له الدين برؤوا منه، وكان لهم أن يطالبوا
187

بحقهم على الغير، كذلك هاهنا، هذا إذا كان قبل عفو أحدهما.
وأما إن كان بعد العفو لم يخل من أحد أمرين: إما أن يعفو على مال أو غير
مال، فإن عفا على مال أو مطلقا - وقيل إن إطلاقه يجب به المال - فالحكم فيه
كما لو كان هذا قبل أن عفا أخوه، إذ لا فصل بين أن يثبت المال في ذمته بالعفو،
أو القود، ويكون الحكم على ما قلناه حرفا بحرف، وأما إن عفا على غير مال أو
مطلقا - وقيل إطلاقه لا يجب به المال -، سقط حق العافي عن القصاص، ويجب
الدية معا، ويثبت لغير العافي نصف الدية في ذمة قاتل الأب، فإذا قتله فقد قتل
من له نصف الدية في ذمته، ووجب بقتله عليه كمال الدية ويسقط عن الدية نصفها
في مقابلة ما له في ذمته، ويجب عليه لورثة قاتل الأب نصف الدية.
إذا قطع يد رجل من الكوع، ثم قطع آخر تلك اليد من المرفق قبل
اندمال الأول، ثم سرى إلى نفسه فمات، فهما قاتلان عندنا وعند جماعة، وقال
قوم: الأول قاطع والثاني هو القاتل، يقطع الأول ولا يقتل، ويقتل الثاني به.
فإذا ثبت أن عليهما القتل فولي القتيل بالخيار إن اختار القود قطع الأول، ثم
قتله، وإن قطعه ثم أراد العفو على مال لم يكن له، لأنه لو عفا ثبت له نصف الدية،
لأنهما قاتلان، وقد أخذ اليد منه، وهي تقوم مقام نصف الدية، وليس له المال.
وأما الثاني فقد قطع ذراعا لا كف عليه، ينظر فيه: فإن كان للقاطع مثله
قطعت به، فإن قتله بعد ذلك فلا كلام، وإن اختار العفو على مال كان له نصف
الدية إلا قدر حكومة ذراع لا كف فيه، وإن كان القاطع كاملا وليس له ذراع
لا كف عليه، فهل للولي قطعه من المرفق أم لا؟ قال قوم: له ذلك، وهو مذهبنا،
وقال آخرون: لا يقطع من المرفق، لئلا يعفو الولي بعد قطعه، فيكون قد ظلمه
بأن أخذ منه يدا كاملة، وهو ذراع عليه كف بذراع لا كف عليها، وهذا لا
يجوز.
وأصل هذه المسألة، إذا أجافه وأراد المجني عليه القود من الجائفة، نظرت،
فإن كان بعد الاندمال لم يكن له، وإن كان قبل الاندمال وبعد السراية منها، فله
188

قتله، وقال قوم: له أن يجيفه ثم يقتله، وقال آخرون: ليس له ذلك، وهكذا كل
جرح لا قصاص فيه، إذا صارت نفسا.
وعندنا: ليس له في جميع ذلك إلا القتل فقط، فأما قاطع اليد من المرفق
بقطع اليد من المرفق المقطوعة من الكوع، فعندنا وإن جاز ذلك فإنما يجوز إذا
رد دية اليد إلى الكوع، ومن أجاز ذلك لم يوجب رد شئ أصلا.
إذا وجب قتله لجماعة من الأولياء كالإخوة والأعمام، فقد قلنا: إن على
مذهبنا أن لكل واحد أن ينفرد بقتله، بشرط أن يضمن حصة الباقين، وعندهم ليس
له ذلك، بل يوكلون من يستوفي لهم، فإن تشاحوا ولم يفعلوا، وقال كل واحد:
أنا أتولى قتله، أقرع بينهم، فمن خرج اسمه كان ذلك إليه، لكن ليس له الآن قتله
إلا بإذنهم، لأن حقوقهم قائمة وإنما ثبت له حق التقديم والقتل.
إذا قتل رجل رجلا يجب به القود، استقيد منه بالسيف لا غير أو ما جرى
مجراه، وعندهم: يقتل بمثل ما قتل به، فإن قتله بالسيف أو حرقة أو غرقه أو خنقه
أو منعه الطعام والشراب حتى مات قتل بمثله، وقال بعضهم: لا قود عليه فيما قتله
به غير مثقلة الحديد والنار، وما عدا هذين من الأشياء لا يجب القتل به، فالكلام
معه في ما عدا الحديد والنار، هل يجب به القود أم لا؟ وفي القتل بالنار والحديد
هل يقتل بمثل ما قتله به أم لا؟
فعند قوم: يقتل بمثل ما قتل، ومن قال: لا يجب القود إلا في المثقلة أو النار،
قال: لا يستقاد إلا بالسيف، فمن قال: لا يقتل بمثل ما قتل، قال: كل آلة قتل بها
فإنه يقتل بها إلا ثلاثة: السحر، واللواط، وإذا أوجره الخمر.
فإذا قتله بالسحر فلا يقتل بلا خلاف، لأن إتيان السحر معصية، وأما إذا لاط
بغلام أو جارية فقتلهما أو أوجره الخمر حتى مات، قال قوم: يفعل به من جنس ما
فعل، إن لاط فإنه يتخذ آلة شبه آلة اللواط فيصنع به مثل ما صنع، وأما في
الخمر فإنه يوجر الماء مكان الخمر حتى يموت لأنه أشبه بما فعل.
وقال الأكثر: أنه يقتل بالسيف كما لو قتله بالسحر، وهو مذهبنا، فأما ما
189

عدا هذه الأشياء، فإن حرقة بالنار حرق بمثلها عندهم، وكذلك الماء والحبس.
فإذا فعل به مثل ما فعل فإن مات فذاك، وإن لم يمت فما ذا يصنع به؟ قال
قوم: يوالي عليه بذلك حتى يموت، إلا إذا قتله بقطع اليدين، والجائفة فإنه يصنع
به مثل ما صنع، فإن مات وإلا فقد تعذرت الموالاة فيما كان منه، لأنه لا محل لها
سوى هذا فيقتل بالسيف، وقال آخرون: يفعل به مثل ذلك، فإن مات وإلا قتل
بالسيف، وقد بينا أن عندنا في جميع ذلك لا يقتل إلا بالسيف.
إذا جرحه فسرى إلى نفسه ومات، ووجب القصاص في النفس، فهل يجب
القصاص في الجرح أم لا؟ لم يخل الجرح من أحد أمرين: إما أن يكون جرحا
لو انفرد وجب فيه القصاص أو لا قصاص فيه لو انفرد، فإن كان لو انفرد فيه
القصاص إذا سرى إلى النفس كان وليه بالخيار بين أن يقتل وبين أن يقتص في
الجرح، ثم يقتل، وقال قوم: ليس له غير القتل، وهو مذهبنا.
وإن كان مما لو انفرد واندمل لا قصاص فيه مثل الهاشمة والمنقلة والمأمومة
والجائفة، وقطع اليدين من بعض الذراع، والرجل من نصف الساق، فهذه إذا
صارت نفسا قال قوم: ليس له القصاص، وقال قوم آخرون: له ذلك، وعلى ما
قلناه ليس له ذلك.
فصل: في القصاص والشجاج وغير ذلك:
قد مضى الكلام في القصاص في النفس، وهاهنا القصاص فيما دون النفس،
قال الله تعالى: النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف... إلى قوله:
والجروح قصاص، ففصل الأعضاء وعم في آخر الآية.
في القصاص فيما دون النفس شيئان: جرح يشق، وعضو يقطع، فأما
العضو الذي يقطع فكل عضو ينتهي إلى مفصل كاليد والرجل والعين والأنف
واللسان والأذن والذكر، ففي كلها قصاص لأن لها حدا ينتهي إليه.
وإنما يجب القصاص فيها بثلاثة شرائط:
190

الأول: التساوي في الحرية، وهي أن يكونا حرين مسلمين، أو يكون المجني
عليه أكمل.
الثاني: الاشتراك في الاسم الخاص، يمين بيمين، ويسار بيسار، فإنه لا
يقطع يمين بيسار ولا يسار بيمين.
الثالث: السلامة، فإنا لا نقطع اليد الصحيحة باليد الشلاء.
فأما غير الأطراف من الجراح التي فيها القصاص وهو ما كان في الرأس
والوجه لا غير، فإن القصاص يجب فيها بشرط واحد، وهو التكافؤ في الحرية أو
يكون المجني عليه أكمل، وأما التساوي في الاسم الخاص فهذا لا يوجد في
الرأس، لأنه ليس له رأسان ولا السلامة من الشلل، فإن الشلل لا يكون في
الرأس.
والقصاص في الأطراف والجراح في باب الوجوب سواء، وإنما يختلفان
من وجه آخر، وهو أنا لا نعتبر المماثلة في الأطراف بالقدر من حيث الكبر
والصغر، ونعتبره في الجراح بالمساحة على ما نبينه فيما بعد.
والفصل بينهما أنا لو اعتبرنا المماثلة في الأطراف في القدر والمساحة أفضي
إلى سقوط القصاص فيها، لأنه لا يكاد يدان يتفقان في القدر، وليس كذلك
الجراح، لأنه يعرف عرضه وطوله وعمقه، فيستوفيه بالمساحة، فلهذا اعتبرناها
بالمساحة، فبان الفصل بينهما.
قد ذكرنا في الخلاف الشجاج وأن الذي يقتص منها الموضحة فحسب
وحدها وما عداها فيه الدية، أو الحكومة أو الخلاف فيها.
والكلام في كيفية القصاص، وجملته أنا نعتبر في القصاص المماثلة، وينظر
إلى طول الشجة وعرضها، لأن عرضها يختلف باختلاف الحديدة، فإن كانت
الحديدة غليظة كانت الشجة عريضة، وإن كانت دقيقة كان الشجة دقيقة،
فاعتبرناه مساحة طولها وعرضها، فأما الأطراف فلا يعتبر فيها الكبر والصغر، بل
تؤخذ اليد الغليظة بالدقيقة، والسمينة بالهزيلة، ولا نعتبر المساحة لما تقدم، وإنما
191

نعتبر الاسم في السلامة مع التكافؤ في الحرية، قال الله تعالى: وكتبنا عليهم فيها
أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن،
فاعتبر الاسم فقط، فلهذا راعيناه. وليس كذلك الشجاج، لأنا إذا اعتبرنا المساحة
طولا وعرضا لم يسقط القصاص، فأما عمق الشجة فلا نراعيه وإنما نراعي إيضاح
العظم فقط، لأنا لو اعتبرنا العمق لم يمكن أخذ القصاص، فإن أحد الرأسين قد
يكون أغلظ من الآخر وأسمن وأكثر لحما منه، فلا يمكن اعتبار المماثلة، فالعمق في
الشجة كالمساحة في الأطراف، والمساحة في الشجاج كالاسم في الأطراف.
فإذا ثبت ذلك، فالقصاص يجوز من الموضحة قبل الاندمال عند قوم،
وقال قوم: لا يجوز إلا بعد الاندمال، وهو الأحوط عندنا، لأنها ربما صارت نفسا.
وأول ما يعمل أن يجعل على موضع الشجة مقياسا من خيط أو خشبة، فإذا
عرف قدرها حلق مثل ذلك المكان بعينه من رأس الشاج، ليكون أسهل على
المقتص منه، لأنه لو كان الشعر قائما ربما جنى فأخذ أكثر من حقه، فإن لم يحلقه
فقد ترك الاحتياط وكان جائزا، لأن استيفاء القصاص ممكن.
فإذا حلق ذلك المكان جعل ذلك المقياس عليه، وخط على الطرفين خطأ
بسواد أو حمرة حتى لا يزيد على قدر حقه ثم يضبط المقتص منه لئلا يتحرك
فيجني عليه أكثر من ذلك، وتكون الزيادة هدرا، لأنه هو الذي يجني على نفسه.
فإذا ضبط وضع الحديد من عند العلامة، وأوضحه إلى العلامة الثانية، فإن
قيل: هذا سهل، استوفاه دفعة واحدة، وإن قيل: هذا يشق عليه، استوفى بعضها
اليوم وبعضها غدا كما نقول في القصاص في الأطراف، يؤخر عن شدة الحر
والبرد إلى اعتدال الزمان.
ولا يحلق رأس الجاني والمجني عليه من ثلاثة أحوال: إما أن يتفقا في القدر
والمساحة، أو يكون رأس المجني عليه أكبر أو أصغر.
فإن كانا سواء نظرت، فإن كانت الشجة في بعض الرأس أو في كله
استوفى الكل على ما فصلناه.
192

وإن كان رأس المجني عليه أكبر، مثل أن يكون من جبهته إلى قفاه شبرا
ونصف شبر، والجاني شبر فقط نظرت، فإن كانت الموضحة في بعض رأس
المجني عليه، وذلك القدر جميع رأس الجاني، فإنه يستوفي جميع رأسه، لأنه
مثله في المساحة، وإن كانت الشجة في جميع رأس المجني عليه كان ثلثيها كل
رأس الجاني، فإنه يستوفي جميع رأسه من أوله إلى آخره، ولا ينزل عن الرأس
إلى جبهة لأن الجبهة عضو آخر، ولا عن رأسه إلى قفاه لأن القفاء عضو آخر، ولا
يوضح موضع آخر لئلا يصير موضحتين بموضحة واحدة.
فإذا لم يأخذ إلا ذلك القدر نظرنا تاما قدر ما بقي، فأخذنا منه مالا بقدر ما
بقي، فإن كان الباقي هو الثلث أخذ منه أرش ثلث موضحته كما قلنا إذا قطع يدا
كاملة ويده ناقصة إصبع، فالمجني عليه يقطع اليد ويأخذ دية إصبع كذلك
هاهنا.
فأما إن كان رأس المجني عليه أصغر من رأس الجاني أخذنا قدر مساحتها
من رأس الجاني إن شاء بدأ من الجبهة إلى حيث تنتهي المساحة، وإن شاء بدأ من
القفاء إلى حيث تنتهي المسافة لأن هذا السمت محل للاقتصاص، لكنه بقدر طول
الجناية لا يزداد عليها، وكذلك لو اختار أن يأخذ من وسط الرأس بقدر المساحة
لأن هذا السمت محل للقصاص.
فإذا ثبت أنه يستوفي قدر المساحة نظرت: فإن لم يزد عليها فلا كلام، وإن
زاد عليها فإن كان عامدا فالزيادة موضحة يجب فيها القود، لأنه ابتداء إيضاح
على وجه العمد، فإذا ثبت أنها موضحة منفردة لم يمكن أخذ القصاص فيها من
رأسه لأن محلها ما اندمل ولكنه يصبر حتى إذا اندمل أخذ القصاص في محل
الاندمال، هذا إذا قال: عمدت، فإن قال: أخطات، فالقول قوله لأنه الجاني، فكان
أعرف بصفة الجناية، فإذا حلف كان عليه أرش موضحة كاملة لما مضى.
ما كان في الرأس يسمى شجاجا، فإذا كان مثله في البدن يسمى جرحا،
فكل جرح على البدن ينتهي إلى عظم كالعضد والساعد والكف والفخذ والساق
193

والقدم فالقصاص فيه واجب، والكلام في كيفيته على ما شرحناه سواء، وإن عفا
كان فيه حكومة دون المقدر عندهم، وعندنا فيه مقدر شرحناه في النهاية وتهذيب
الأحكام، وقال بعضهم: لا قصاص في الجراح في البدن وفيه حكومة.
إذا شجه دون الموضحة مثل أن شجه متلاحمة قال قوم: فيه القود، وقال
آخرون: لا قود فيها، والأول أقوى للظاهر، ومن قال: لا قصاص فيها، قال: لأنه
يفضى إلى أخذ موضحة بمتلاحمة، وذلك أنه قد يكون رأس المشجوج غليظ
الجلد كثير اللحم فيكون سمك المتلاحمة فيها نصف أنملة، ويكون رأس الشاج
رقيق الجلد قليل اللحم فيكون سمك الموضحة فيه نصف أنملة أو أقل، فإذا أقدنا
منه شجة سمكها نصف أنملة أوضحناه بمتلاحمة وهذا لا سبيل إليه.
فإذا ثبت أنه لا قصاص فيها فإن لم يعلم قدرها من الموضحة ففيها الحكومة،
وهو أن يصبر حتى يندمل ثم يقومه عبدا وحرا على ما يأتي ذكره، ويأخذ منه
الحكومة، وإن علمت قدرها من الموضحة وإنما يعلم ذلك بأن يكون برأس
المشجوج موضحة بقرب هذه المتلاحمة، فيدخل الميل في الموضحة فيعرف
قدر سمكها، ثم يدخل الميل في المتلاحمة فيعرف قدر سمكها. ثم يعتبر السمكين
بحساب ذلك، فيعرف قدرها، فإن كان نصف موضحة أخذ منه نصف دية
موضحة، وما زاد أو نقص فبحسابه.
وإن أشكل الأمر قال قوم: ينظر فإن تحققنا النصف وشككنا في الزيادة
رجعنا إلى التقويم، فإن كانت القيمة نصف موضحة علمنا أنها نصف موضحة
والشك مطروح، وإن كانت القيمة أقل من نصف موضحة، تبينا الغلط في
التقويم، لأنا قد تحققنا النصف فلا نتركه بغير يقين، وإن بان التقويم أكثر من
نصف موضحة تبينا أن الزيادة على النصف كانت موجودة وصار ما شككنا فيه
من الزيادة معلوما، وأخذنا القيمة كما لو قطع بعض لسانه فتحققنا الثلث،
وشككنا في الزيادة، فاعتبرناه بالحروف، فبان نقصان النصف زال الشك
باليقين، وأوجبنا النصف.
194

ومنهم من قال: إذا شككنا في الزيادة أوجبنا أكثر الأمرين كما قلنا في من
غصب عبدا فقطع يده، فإنا نوجب أكثر الأمرين من نصف قيمته أو ما نقص.
قال بعضهم: هذا غلط لأنه إذا غصبه فقطع يده فقد ضمنه باليد وبالجناية
فأوجبنا عليه أكثر الأمرين، وهاهنا إنما ضمنه بالجناية فقط، فلهذا لم نوجب أكثر
الأمرين، قال هذا.
ويمكن عندي أخذ القصاص فيما دون الموضحة، بأن يكون بالقرب من
المتلاحمة موضحة، فيعرف قدر سمكها، فإذا عرف أنها نصف موضحة ووجدنا
في رأس الشاج موضحة بالقرب في ذاك المكان فيعرف سمكها، فيعلم كم
عمق نصف موضحة في رأسه، فيدخل الحديد بقدر ذلك ويشق قدر طولها
وعرضها، وهذا مذهبنا.
فأما إن أخذ أرشها، ففيها مقدر عندنا، ولا يحتاج إلى تكلف ما قالوه من
الحكومة.
قد ذكرنا أن القصاص يجري في الأطراف من المفاصل في اليدين،
والرجلين، والأذنين، والعينين، والأنف، والأسنان، واللسان، والذكر لقوله:
النفس بالنفس والعين بالعين... الآية، فنص على ما نص، ونبه على اليدين
والرجلين إذا كان لها حد ينتهي إليه أمكن اعتباره بغير زيادة.
وإنما يجب بثلاثة شروط: الاتفاق في الحرية، والسلامة، والاشتراك في
الاسم الخاص، يمين بيمين، ويسار بيسار، ولا يعتبر القدر والمساحة بل تؤخذ
اليد الغليظة السمينة باليد الدقيقة الهزيلة الضعيفة، لظاهر الآية.
ولما تقدم من أن اعتبار المساحة يؤدى إلى سقوط القصاص، لتعذر الاتفاق
بين الأيادي على صورة واحدة كبرا وصغرا فإذا ثبت ذلك، ففي اليد أربع
مسائل:
إحداها: قطع يده من مفصل الكوع، فيقطع بها يده من مفصل الكوع،
ويكون المجني عليه بالخيار بين أخذ القصاص والعفو على مال، وإذا عفا، كان
195

فيها نصف الدية خمسون من الإبل.
الثانية: إن قطع يده من بعض الذراع فلا قصاص فيها من بعض الذراع،
لأن نصف الذراع لا يمكن قبول قطعه خوفا على إتلافه أو أخذ أكثر من حقه،
فيكون المجني عليه بالخيار بين العفو على مال، وله دية يد وحكومة فيما زاد عليها
من الذراع، وبين القصاص فيقتص اليد من الكوع، ويأخذ حكومة فيما بقي من
الذراع.
الثالثة: قطع من مفصل المرفق فله القصاص من المرفق، لأنه مفصل،
والمجني عليه بالخيار بين أن يعفو فيأخذ دية اليد خمسين من الإبل، وحكومة في
الساعدين، وبين أن يقتص من المرفق، فإن قال: أنا أقتص من الكوع وآخذ منه
حكومة في الذراع لم يكن له، لأنه إذا أمكنه استيفاء حقه أجمع قودا فلا معنى
لاستيفاء بعض وأخذ الحكومة فيما بقي.
ويفارق المسألة قبلها حيث كان له القصاص في الكوع وأخذ الحكومة فيما
بقي من الذراع، لأنه لا يمكنه استيفاء جميع حقه قصاصا، لأن نصف الذراع لا
مفصل له، وهكذا إذا قطع يده من مفصل المنكب على هذا التفصيل.
الرابعة: خلع كتفه واقتلع العظم الذي هو المشط من ظهره، سئل أهل
الخبرة فإن قالوا: يمكن استيفاء ذلك قصاصا ولا يخاف عليه الجائفة، استوفاه
قصاصا لأن له حدا ينتهي إليه، وإن قالوا: لا نأمن عليه الجائفة، فالمجني عليه
بالخيار بين العفو وأخذ دية اليد خمسون من الإبل وفيما زاد على ذلك حكومة،
وبين أن يأخذ القصاص من المنكب وفيما زاد عليه حكومة.
إذا قطع يدا كاملة الأصابع، ويده ناقصة إصبع، فالمجني عليه بالخيار بين
العفو على مال، وله دية خمسون من الإبل، وبين أن يقتص فيأخذ يدا ناقصة
إصبع قصاصا ويأخذ دية الإصبع المفقودة، وفيه خلاف، ويقوى في نفسي أن
ليس له دية الإصبع إلا أن يكون قد أخذ ديتها، فيلزمه ذلك.
وكل عضو يؤخذ قودا إذا كان موجودا وجب أن يؤخذ ديته إذا كان
196

مفقودا، مثل أن قطع إصبعين وله إصبع واحدة.
فإن كانت يده شلاء فقطع صحيحة فالمجني عليه بالخيار بين أن يأخذ الدية
وبين أخذ الشلاء بالصحيحة، ويرجع فيه إلى أهل الخبرة، فإن قالوا: متى قطعت
الشلاء بقيت أفواه العروق مفتحة ولا ينحسم ولا ينضم بشئ ولا يؤمن التلف
بقطعها، لم يقطعها، لأنا لا نأخذ نفسا بيد، وإن قالوا: ينحسم ويبرأ في العادة،
أخذنا بها، لأنه قد رضي بأخذ ما هو أنقص من حقه، فهو كالضعيفة بالقوية.
إذا قطع يدا شلاء ويده صحيحة لا شلل فيها، فلا قود عليه عندنا وعند
جميعهم، وقال داود: يقطع الصحيحة، غير أن عندنا أن فيها ثلث اليد الصحيحة،
وعندهم فيها الحكومة.
إذا قطع إصبع رجل فسرت إلى كفه فذهب كفه ثم اندملت فعليه في
الإصبع التي باشر قطعها دون السراية القصاص، ولا يجب القصاص في السراية،
وقال بعضهم: لا قصاص فيها أصلا، والذي يقتضيه مذهبنا أن فيهما معا
القصاص.
ومن قال: لا قصاص في الكف، قال: ضمان بدلها على الجاني دون العاقلة،
وكان المجني عليه بالخيار بين العفو عن القصاص وأخذ الدية وبين القصاص في
الإصبع، وأخذ الدية فيما بقي، فإن عفا عن القود كان له دية يد كاملة خمسون
من الإبل، وإن اختار القطع قطع الإصبع بإصبعه، وأخذ منه دية أربع أصابع،
أربعين من الإبل، مع الكف التي تحتها، فدخل ما تحت الأصابع التي لا قصاص
فيها في حكمها في باب الدية.
فأما ما تحت الإصبع التي باشر قطعها وذهب ما تحتها بالسراية، قال
بعضهم: ليس له المطالبة بأرشها، لأنه لما دخل ما تحت الأصابع في حكم
الأصابع في الدية دخل ما تحت هذه الإصبع في حكم الإصبع في القود، وقال
آخرون: لا يدخل ما تحتها في حكمها، وله المطالبة بأرشها، لأنها تلفت عن جناية
مضمونة، فكانت السراية مضمونة وهو الأقوى.
197

إذا اختار المجني عليه أن يأخذ قود الإصبع فأخذه، كان له المطالبة بدية ما
بقي في الحال، وليس عليه أن يصبر حتى ينظر ما يكون من الكف بعد القطع،
لأن القصاص وجب في إصبعه ودية الباقي واجبة في ذمته لا يؤثر فيها اندمال
القصاص ولا سرايته إلى الكف ولا إلى النفس، فإذا لم يؤثر فيما عليه من الدية فلا
معنى لتأخير استيفاء دية ما بقي، ولو قطع يده فسرى إلى نفسه كان للولي قطع
يد الجاني، فلو أراد أخذ الدية فيما بقي لم يكن له.
والفصل بينهما أن هذا القصاص لو سرى إلى نفس الجاني، فقد استوفى حقه
فلهذا صبرنا بعد القطع لننظر ما يكون فيه، وليس كذلك هاهنا، لأن هذا
القصاص لو سرى إلى الكف كان هدرا، وهكذا قلنا لو أوضحه فذهب ضوء
عينه، كان فيها القصاص، فلو اقتص المجني عليه من الموضحة لم يكن له أخذ
دية العين لننظر ما يكون من السراية، لأنها لو سرت إلى ضوء العين فقد استوفى
حقه، فلهذا انتظرناه وأمهلنا.
فقد ثبت أن القصاص فيما باشر قطعه ثابت بلا شك، وإنما الكلام في أخذ
الدية فيما بعد القصاص، فإن كانت سراية الجاني إلى ما لا يستحق أخذه قودا، فله
أخذ الدية في الحال، وإن كانت إلى ما يستحق أخذه قودا بالسراية إلى ضوء
العين، لم يكن له أخذ الدية قبل أن ينظر ما يكون من حديث هذا القصاص.
ومن لم يثبت له القصاص في الإصبع إذا سرى إلى الكف، اختلفوا في
الموضحة إذا سرت إلى ضوء العين، فقال بعضهم: لا قصاص في الموضحة مثل
الإصبع سواء، وقال قوم منهم: لا يسقط القصاص في الموضحة بالسراية إلى
ضوء العين، وهو الأقوى للآية.
إذا قطع يد رجل كان للمجني عليه أن يقتص من الجاني في الحال، والدم
حار، لكن يستحب له أن يصبر لينظر ما يكون فيها من اندمال أو سراية، وفيه
خلاف، ويقتضي مذهبنا التوقف لأنه إن سرى إلى نفس دخل قصاص الطرف
في النفس عندنا على ما بيناه.
198

إذا قطع أطراف غيره يديه ورجليه وأراد أن يأخذ الدية قال قوم: له أن
يأخذ دية الأطراف ولو بلغت ديات، مثل أن قطع يديه ورجليه وأذنيه، فله أن
يستوفي ثلاث ديات قبل الاندمال، كما له أن يستوفي القصاص قبل الاندمال،
وقال بعضهم: له أن يستوفي دية النفس ولا يزيد عليها، وإن كانت الجنايات
أوجبت ديات كثيرة، وهو الذي يقتضيه مذهبنا، وقال قوم: ليس له أخذ دية
الطرف قبل الاستقرار، وله أخذ القود في الطرف في الحال.
[القصاص في الموضحة]
إذا شجه موضحة ففيها القصاص، والشعر النابت في محلها لا قصاص فيه
لأنه تبع الموضحة، والشعر الذي حول الموضحة فإن نبت بحاله فلا كلام، وإن
لم ينبت ففيه حكومة ولا قصاص فيها، وأما ضوء العينين، فإن كان ذهب
بالسراية، قال قوم: فيه القصاص، وهو مذهبنا، وقال قوم: لا قصاص فيه.
فإذا ثبت أن فيهما القصاص فالمجني عليه بالخيار بين العفو وبين استيفاء
القود، فإن عفا وجبت له دية موضحة، وحكومة في الشعر الذي لم ينبت حولها،
وفي الضوء الدية، وإن اختار القصاص اقتص في الموضحة ثم يصبر، فإن سرى
القصاص إلى ضوء العين وقع القصاص موقعه، وإن لم يسر إلى ضوء العين،
ففيه القصاص.
فإن أمكن الاستيفاء بأن يقرب إليها حديدة محماة يؤمن معها على الحدقة
فعل حتى يذهب الضوء، وإن لم يمكن داواها بدواء يذهب بالضوء من غير
خوف على الحدقة من كافور أو غيره، فإن لم يمكن إذهاب الضوء إلا بذهاب
الحدقة، لم يكن القصاص فيه، لأنه استحق الضوء فلا يجوز أن يأخذ معه عضوا
آخر، وأما الشعر الذي على نفس الموضحة فلا شئ فيه وإن لم ينبت لأنه تبع
للموضحة، والشعر الذي حولها فإن نبت فلا شئ فيه، وإن لم ينبت فلا قصاص
فيه، وفيه حكومة لأنه يمكن أخذه بنفسه، سواء نبت مثله في رأس الجاني أو لم
199

ينبت، لأنه وإن ذهب ذلك من رأس الجاني فلا ضمان فيه، لأنها سراية عن
قصاص إلى ما لا يجب فيه القصاص.
إذا لطمه فذهب ضوء عينيه لطم مثلها، فإن ذهب ضوء عينيه استوفى
القصاص، وإن لم يذهب الضوء يستوفي بما يمكن من حديدة حارة أو دواء يذر
فيها من كافور وغيره على ما بيناه.
فإن كانت بحالها فذهب ضوء عينيه وابيضت وشخصت لطم مثلها، فإن
ذهب الضوء وحصل فيها البياض وشخصت، فقد استوفى حقه، وإن ذهب الضوء
لكنها لم تبيض ولم يشخص، فإن أمكن أن يعالج بما تبيض وتشخص فعل
ذلك بهما، وإن لم يمكن فلا شئ فيه، لأنه إنما اندمل قبيحا بشين، كما لو شجه
موضحة فاقتص منه واندملت موضحة الجاني حسنة جميلة واندملت موضحة
المجني عليه وحشة قبيحة، لم يجب لأجل الشين شئ.
فإن كانت اللطمة ضعيفة لا يذهب بها ضوء العين فذهب، فلا قصاص هاهنا
في العين لأنا إنما نوجب القود في النفس والجرح معا إذا كان ذلك بآلة تقتل
غالبا، وإن لم تقتل غالبا فلا قود فيها، وقد قيل في الموضحة: إن كانت بحجر
يوضح مثله ففيها القصاص، وإن كانت بحجر لا يوضح مثله فلا قصاص، وفيها
الدية كاملة، كما نقول في النفس سواء إن قتله غالبا قتل به، وإن كان مما لا يقتل
غالبا لم يقتل به، إلا أنه قد يوضح غالبا ما لا يقتل غالبا، وإلا فلا فصل بينهما من
جهة المعنى.
الشعر لا يضمن بالدية عند قوم، وإن أزال شعر جميع بدنه، وإنما يجب فيه
الحكومة إذا عدم الإنبات وفيه خلاف، وعندنا فيه ما يضمن.
فمن قال: لا يضمن، قال: فيها الحكومة فمتى أزال فإن لم يعد فالحكم على
ما مضى وإن عاد ونبت كالذي كان، فلا شئ فيه، وإن كانت اللحية كثيفة
فعادت خفيفة، ففيها حكومة، سواء عادت قبيحة أو أحسن منها، وإن كانت خفيفة
فعادت كثيفة، فإن عادت قبيحة ففيها حكومة الشين والقباحة، وإن عادت أحسن
200

فلا شئ عليه.
وعندنا: يضمن شعر الرأس إذا لم يعد بكمال الدية، وكذلك شعر اللحية
وشعر الحاجبين بنصف الدية وشعر الأشفار مثله، وإن عاد ففي شعر اللحية ثلث
الدية، وفي الباقي حكومة، وكذلك ما عدا هذا الشعر فيه الحكومة.
إذا جرح رجل رجلا ثم إن المجروح قطع من موضع الجرح لحما ثم
سرى إلى نفسه فمات، لم يخل من أحد أمرين: إما أن يقطع لحما ميتا أو لحما
حيا.
فإن قطع لحما ميتا كان وجود هذا القطع وعدمه سواء، وعلى الجاني
القود، لأن قطع اللحم الميت لا سراية فيه.
وإن قطع لحما حيا قال قوم: لا قود على الجاني، وقال آخرون: عليه القود،
وهو الذي يقتضيه مذهبنا لأنه هلك من عمدين أحدهما مضمون والآخر هدر، فهو
كما لو شارك السبع في قتل غيره أو جرحه غيره وجرح نفسه، ومن قال: لا
قود عليه، قال: عليه نصف الدية.
[القصاص في الأصابع]
إذا قطع الأنملة العليا من إصبع رجل ثم قطع المجني عليه الأنملة التي
تحتها ثم سرى إلى نفسه، فإن قطع لحما ميتا فعلى القاطع القود، وإن كان
القطع من لحم حي فعلى ما مضى، منهم من قال: لا قود، ومنهم من قال: عليه
القود، وهو الأقوى عندنا.
إذا قطع إصبع رجل فأصابه فيها الآكلة فقطع الكف كله خوفا على الجملة
لكنه سرى إلى نفسه فمات، فهذا القطع خوف الآكلة لا يكون إلا في لحم حي،
وقد سرى من فعلين أحدهما مضمون والآخر غير مضمون، فالحكم على ما مضى،
فهذه الثلاث مسائل الحكم فيها واحد، والخلاف واحد.
إذا قطع يد رجل فيها ثلاث أصابع سليمة وإصبعان شلاوان، ويد القاطع
201

لا شلل بها، فلا قود على القاطع، لأنا نعتبر التكافؤ في الأطراف، والشلاء لا
تكافئ الصحيحة.
فإذا ثبت أنه لا قود عليه، فإن رضي الجاني أن يقطع يده بتلك اليد لم يجز
قطعها بها، لأن القود إذا لم يجب في الأصل لم يجز استيفاؤه بالبدل، كالحر إذا
قتل عبدا، ثم قال القاتل: قد رضيت أن يقتلني السيد به لم يجز قتله، وللمجني
عليه القصاص في الأصابع الثلاث السليمة، وهو بالخيار بين العفو والاستيفاء.
فإن عفا عن القصاص أخذ في السليمة ثلاثين من الإبل، ويأخذ حكومة في
الشلاوين يتبعهما ما تحتهما من الكف، وكذلك الأصابع الصحيحة يتبعها ما
تحتها، وعندنا في الشلاوين ثلث ديتهما صحيحتين.
وإن اختار القصاص في السليمة كان له ذلك، فيأخذ ما ذكرناه في
الشلاوين يتبعهما ما تحتهما، ويأخذ القصاص في السليمة، وقال قوم: يتبعها ما
تحتها في القصاص كما يتبعها في الدية وقال بعضهم: لا يتبعها وهو الأقوى، فمن
قال: الكف يتبع الأصابع في القصاص، فإذا قطع الأصابع فقد استوفى حقه،
وإذا قيل: لا يتبع الأصابع في القصاص، كان للمجني عليه أخذ الحكومة فيما
تحتها، وتلك الحكومة لا يبلغ بها دية إصبع واحدة.
إذا قطع يدا كاملة الأصابع ويده تنقص إصبعين، كان المجني عليه بالخيار
بين القود والعفو على مال بغير رضا الجاني، بلا خلاف عندهم، وهذا أصل عليهم
في ثبوت الدية بغير رضا الجاني، وعندنا لا تثبت الدية في موضع لا في النفس
ولا في الأطراف إلا برضا الجاني.
فإذا كان بالخيار، فإن اختار العفو عفا وأخذ كمال الدية لأنه إنما يأخذ دية
يده ويده كاملة، وإن اختار القصاص أخذ الموجود ودية المفقود، فيأخذ دية
إصبعين عشرين من الإبل، وقال بعضهم: إن أخذ القصاص لم يكن له أخذ المال
معه، وكذلك يقول إذا كان ذلك خلقة أو ذهبت بآفة من الله، وإن كان قد أخذ
ديتها أو استحقها على غيره وجب عليه رد المال.
202

وأما إن قطع يدا تامة كاملة سليمة وفي يده إصبعان شلاوان، فالمجني عليه
بالخيار بين القصاص والعفو، فإن اختار العفو أخذ دية كاملة، وإن اختار
القصاص أخذ التي فيها إصبعان شلاوان، ولا شئ له سوى ذلك.
والفصل بينهما أنها إذا كانت ناقصة إصبعين فهناك فقد منفعة ونقصان
عدد، فلهذا أخذ معها دية المفقود، وليس كذلك هاهنا، لأن هاهنا فقد منفعة
وكمال عدد وجمال، فلهذا لم يأخذ مع القصاص شيئا كمن رضي أن يقتل العبد
بالحر، والكافر بالمسلم، فإنه يأخذه قصاصا ولا شئ له، كذلك هاهنا.
إذا كانت له إصبع زائدة فقطع يدا نظرت: فإن كانت مثل يده في الزيادة،
وكانت الزيادة من المقطوع في محل الزائدة من القاطع، مثل أن كانت مع
الخنصرين منهما أو مع الإبهامين منهما قطعنا يده بيده، لأنهما في الخلقة سواء وفي
الزيادة.
وإن كانت المقطوعة ذات خمس أصابع وللقاطع إصبع زائدة، لم يخل
الزيادة من أحد أمرين: إما أن يكون على ساعد القاطع أو على كفه، فإن كانت
على ساعد القاطع مثل أن كانت على آخر الذراع منه عند الكوع أو أعلى منه،
قطعنا يده بتلك لأنا نأخذ له مثل يده، والزيادة تسلم للقاطع، وإن كانت الزيادة
على كف القاطع لم يقطع يده بيده، لأنها تزيد إصبعا فلا يقطعها بما هي ناقصة
إصبع، كما لو كانت يده ذات خمس أصابع والمقطوعة أربع أصابع، فإذا تقرر
أنا لا نقطع التي فيها إصبع زائدة بتلك، لم تخل الزائدة من ثلاثة أحوال: إما أن
تكون منفردة كإحدى الأصابع، أو ملتصقة بواحدة منها، أو يكون على إصبع من
الأصابع.
فإن كانت منفردة كإحدى الأصابع مثل أن كانت إلى جنب الخنصر أو
الإبهام، كان المجني عليه بالخيار بين أن يعفو فيأخذ دية كاملة، وبين أن يقتص
فيأخذ خمس أصابع قصاصا ويترك الزائدة لا يأخذها ولا يأخذ الكف، وهل
يتبع الكف الأصابع في القصاص فلا يأخذ لأجل تركها حكومة؟ على ما مضى،
203

منهم من قال: يأخذ أرش الكف، ومنهم من قال: يتبع الكف، والأول أقوى.
وإن كانت الزائدة ملتصقة بإحدى الأصابع، كان المجني عليه بالخيار بين
أن يعفو فيأخذ دية كاملة، وبين أن يقتص فيأخذ أربع أصابع قودا، وهل يتبعها
ما تحتها؟ على ما مضى من الوجهين، وليس له أخذ الخامسة لأنها ملتصقة
بالزيادة، فمتى فتق ما بينهما أدخل الألم على الزائدة التي لا حق له فيها، فلهذا لم
يكن له أخذها قصاصا، وله ديتها عشر من الإبل، ويتبعها ما تحتها في الدية وجها
واحدا.
وإن كانت الزائدة نابتة على إصبع نظرت: فإن كانت نابتة على الأنملة
العليا، فالحكم فيه كما لو كانت الزائدة ملتصقة، وقد مضى، وإن كانت نابتة
على الأنملة الثانية كان له القصاص في ثلاث أصابع وفي الأنملة العليا، ودية
الأنملتين الباقيتين، وإن كانت نابتة على السفلى، كان له القصاص في أربع
أصابع والأنملتين العليا والوسطى ودية الأنملة السفلى التي عليها الإصبع الزائدة
يتبعها ما تحتها في الدية، وأما الكف التي تحت الأصابع فعلى ما مضى من
الوجهين.
وجملته أن كل إصبع أخذت قصاصا من أصلها ففي المحل الذي كانت
عليه من الكف وجهان، وكل موضع أخذنا الدية في إصبع أو أنملة منها، كان ما
تحتها من الكف تبعا لها وجها واحدا.
قد مضى الكلام إذا كانت يد القاطع أكمل من يد المجني عليه، فأما إن
كانت يد القاطع ذات خمس أصابع، ويد المقطوع ذات ست أصابع،
فللمقطوع القصاص لأنا نأخذ ناقصا بكامل، ويكون بالخيار بين العفو
والاستيفاء، فإن عفا على مال ثبت له دية كاملة وحكومة في الإصبع الزائدة، وإن
اختار القصاص اقتص وكان له حكومة في الإصبع الزائدة، فلا يبلغ تلك
الحكومة دية إصبع أصلية بحال، لأنا لا نأخذ في الخلقة الزائدة ما نأخذ في
الأصلية.
204

فإذا ثبت ذلك وفرضنا أنه قطعت الزائدة وحدها، لأنها أوضح، إذ لا فرق
بين قطعها وحدها أو مع اليد، فلا يخلو من أحد أمرين: إما أن يكون لها شين بعد
الاندمال أو لا شين لها.
فإن كان لها شين فالأرش عندنا على كل حال ثلث الإصبع الصحيحة،
وعندهم أن يقال: هذا الحر لو كان عبدا فلا شين فيه كم كان قيمته؟ قالوا: مائة،
وإذا كان به شين؟ قالوا: خمسة وتسعون، قلنا: فقد بان أن النقص نصف العشر
من القيمة، فيؤخذ منه نصف عشر دية الحر وهذا أصل في التقويم، وهو أن العبد
أصل للحر فيما لا مقدر فيه، والحر أصل للعبد فيما فيه مقدر.
وأما إن لم يكن لها شين بحال أو اندملت وأحدثت جمالا، فعندنا مثل ذلك
لعموم الأخبار، وعندهم الحكم فيها وفي من شج في وجهه دون الموضحة فاندملت
وأحدثت جمالا واحد. قال قوم: لا شئ له فيها، لأنه لا نقص هاهنا، وقال
بعضهم: عليه الضمان، لأنه إصبع على كف مضمونة، فكانت مضمونة كالأصلية،
وكيفية التقويم أن يقوم والدم جار، لأنه إن قوم بعد الاندمال لم يظهر هناك
نقص، فإذا قوم والدم جار فلا بد من ظهور النقص.
قيل لهذا القائل: إذا قومته والدم جار أفضي إلى أن يوجب الأرش الكثير
مع الشين اليسير، والأرش اليسير مع الشين الكثير، فإن هذا يوجب قدر
حكومة، والدم جار، وقد يندمل مع يسير من الشين فأوجب الأرش الكثير مع
الشين اليسير.
فقال: لا يمتنع هذا، لأنه قد يوضح موضحة واحدة من جبهته إلى قفاه
فيكون فيها خمس من الإبل، وقد يوضح أربع مواضع في هذا السمت من رأسه
فيوجب عشرين من الإبل، وهذه أقل شئ.
وحكي عن هذا القائل أنه قال: أقومه عند أقرب أحوال الاندمال، ولا أقومه
والدم جار، وهذا أجود عندهم لأنه أقرب إلى الاندمال، ولا يؤدى إلى ما ألزم في
الأول.
205

إذا قطع يدا عليها أربع أصابع أصلية وإصبع زائدة، مثل أن كان له البنصر
والوسطى والسبابة والإبهام أصلية ليس له خنصر أصلية وفي محلها إصبع زائدة،
وإنما يعلم ذلك بضعفها ودقتها وميلها عن الأصابع، ولهذا القاطع يد كاملة
ليس فيها إصبع زائدة، فليس للمجني عليه القصاص في كف الجاني لأن يده
كاملة فلا يأخذها بناقصة، والناقصة الإصبع الزائدة فلا يأخذ بها إصبعا أصلية
كما لا يأخذ ذكر الفحل بذكر الخنثى، وله القصاص في الأربع الأصابع وهو
بالخيار، فإن اختار الدية أخذ أربعين من الإبل في الأربع الأصلية، وحكومة في
الزائدة، ويكون الكف تبعا للأصلية الزائدة، وإن اختار القصاص أخذه من
الأصلية، وهل يتبعها ما تحتها من الكف؟ على ما مضى، وأخذ حكومة في الزائدة
يتبعها ما تحتها من الكف.
فإن كانت بالضد منها كانت المقطوعة كاملة ويد القاطع فيها أربع أصابع
أصلية وإصبع زائدة، وكان الخنصر على ما فصلناه فللمجني عليه القصاص في
الكف لأنه يأخذ ناقصا بكامل، فإن اختار الدية فله دية كاملة خمسون من الإبل،
وإن اختار القصاص قطع الكف ولا شئ له سواها، لأن الزائدة بمنزلة الشلاء
الأصلية، ولو كانت شلاء أصلية فأخذ القصاص لم يكن له معها سواها، وإنما
يأخذ القصاص في الكف إذا كانت الزائدة مكان الخنصر في محل الأصلية، فأما
إن كانت في محل آخر، غير محل المفقودة فلا يأخذ القصاص في الكف هاهنا،
لأنا لا نأخذ إصبعا في محل بإصبع في محل آخر.
وأما إن كان في يد كل واحد منهما إصبع زائدة فإن اختلفا في المحل فلا
قصاص، وإن كانا في المحل سواء وكانتا في الخلقة سواء أخذنا القصاص، وإن
اختلفا في الخلقة فكانت إحديهما أكثر أنامل لم يأخذ الكاملة بالناقصة.
[القصاص في الأنملة]
إذا قطع من رجل أنملة لها طرفان، فإن كان للقاطع مثلها في تلك
206

الإصبع، كان عليه القصاص، لأنهما قد تساويا، وإن لم يكن له مثلها أخذنا
القصاص في الموجودة وحكومة في المفقودة، وإن كانت أنملة القاطع لها
طرفان، والمقطوعة لها طرف واحد فلا قصاص على الجاني، لأنا لا نأخذ زائدة
بناقصة، وله دية أنملة ثلث دية إصبع ثلاث من الإبل وثلث.
إذا قطع الأنملة العليا من سبابة رجل ثم قطع الأنملة الوسطى من سبابة آخر
لم يكن له العليا، والجاني له الأعليان معا، وجب القصاص عليه في أنملتيه لهما،
ثم ينظر فيه فإن جاءا معا قطعنا العليا لصاحب العليا، ثم الوسطى لصاحب
الوسطى، وإن جاء صاحب العليا أولا قطعنا له العليا فإن جاء صاحب الوسطى
قطعنا له الوسطى.
فأما إن جاء صاحب الوسطى أولا قلنا: لا قصاص لك في الوسطى الآن،
لأن عليه عليا، فلا نأخذ أعليين بواحدة، وأنت بالخيار بين العفو عن الوسطى
وأخذ الدية، وبين أن تصبر حتى تنظر ما يكون من صاحب العليا.
ثم ينظر، فإن عفا أخذ الدية، وإن صبر نظرت فإن حضر صاحب العليا
فأخذ القصاص فيها، كان لصاحب الوسطى أخذ القصاص في الوسطى، فإن
حضر وعفا ولم يقتص العليا، قيل لصاحب الوسطى: أنت بالخيار بين العفو على
مال فتأخذ دية أنملة، وبين أن تصبر فلعل العليا من الجاني تذهب فيما بعد ثم
تستوفى الوسطى منه، هذا قولهم.
وكذلك قالوا في من قطع كفا لرجل لا أصابع عليها، وكف القاطع لها
أصابع قيل له: ليس لك القصاص في كفه، وإن اختار أخذت الحكومة، وإلا
فاصبر حتى لعل أصابع القاطع تذهب قصاصا أو لغيره، ويبقى له كف لا
أصابع لها، فتأخذها قصاصا، فإن صبر فلا كلام، وإن بادر فأخذ الوسطى والعليا
معا من الجاني قبل عفو صاحب العليا، قلنا له: قد أخذت زيادة أنملة لا حق لك
فيها، وليس لك مثلها فعليك ديتها، وسقط قصاص العليا لفوات محلها، ووجبت
له الدية على الجاني.
207

فالجاني له دية أنملة على صاحب الوسطى، وعليه دية أنملة لصاحب العليا،
فيأخذ الجاني من صاحب الوسطى ويدفعها إلى صاحب العليا.
وقد روى أصحابنا في من قطع كفا لا أصابع لها أن للمقطوع قطع يد
الجاني الكاملة إذا رد دية الأصابع، فعلى هذا إذا عفا صاحب العليا جاز لصاحب
الوسطى أن يقتص منه ويرد دية الأنملة العليا على الذي عفي عنه.
فإن قطع العليا من سبابة رجل، والعليا والوسطى من سبابة آخر، وللقاطع
ذلك من سبابته، فعليه القصاص لهما.
فإذا جاء معا قلنا لصاحب العليا: أنت بالخيار، فإن اختار العفو على مال فله
ديتها، ولصاحب العليا والوسطى القصاص فيهما، وإن اختار صاحب العليا
القصاص اقتص منهما، وكان لصاحب الوسطى الخيار، فإن اختار عفا وأخذ دية
أنملتين، وإن اختار اقتص وأخذ دية أنملة واحدة.
فأما إن جاء صاحب العليا أولا فالحكم فيه كما لو جاءا معا وقد مضى.
وإن جاء صاحب الوسطى والعليا أولا قيل له: ليس لك القصاص لأن حق
صاحب العليا أولا أسبق، فإما أن يعفو أو يصبر، فإن عفا أخذ دية أنملتين، وإن
صبر فحضر صاحب العليا فالحكم فيه كما لو حضرا معا، ينظر ما يكون من
صاحب العليا على ما فصلناه.
وإن كانت بحالها ولم يكن هكذا ولكن قطع الوسطى والعليا من رجل،
والعليا من آخر، ففيها المسائل الثلاث أيضا، إن حضرا معا نظرت، فإن اقتص
صاحب العليا والوسطى سقط قصاص صاحب العليا إلى دية أنملة، وإن عفا
صاحب العليا والوسطى على مال فله دية أنملتين، ولصاحب العليا القصاص، وإن
حضر صاحب العليا والوسطى أولا فالحكم كما لو حضرا معا وقد مضى، وإن
حضر صاحب العليا أولا، قلنا: ليس لك القصاص لأن حق الآخر أسبق، فإن
صبر وإلا عفا وأخذ الدية، فإن أخذ فلا كلام، وإن صبر حتى حضر الآخر فالحكم
فيه كما لو حضرا معا، وإن بادر صاحب العليا فقطع العليا فقد أساء بالتقدم
208

واستوفى حقه، ولصاحب الوسطى والعليا أن يقتص الوسطى ويأخذ دية العليا أو
يعفو على مال، ويأخذ دية أنملتين.
إذا قطع يمين رجل، فإن كان للقاطع يمين قطعت بها، وإن لم يكن له
يمين وله يسار لم يقطع يسار بيمين، وهكذا لو قطع يسار رجل، فإن كان له
يسار قطعت بها، وإن لم يكن له يسار لم يقطع يمينه بها، فلا تقطع يمنى بيسرى،
ولا يسرى بيمنى عند جميعهم.
وقال شريك: أقطع اليمنى باليمنى، فإن لم يكن يمنى قطعت اليسرى،
وأقطع اليسرى باليسرى، فإن لم يكن قطعت اليمنى، وهو مذهبنا.
إذا قطع أذن رجل فأبانها ثم ألصقها المجني عليه في الحال فالتصقت، كان
على الجاني القصاص لأن القصاص عليه بالإبانة وقد أبانها، فإن قال الجاني:
أزيلوا أذنه ثم اقتصوا مني، قال قوم: تزال لأنه ألصق بنفسه ميتة، فإزالتها إلى
الحاكم والإمام، فإذا ثبت هذا وقطع بها أذن الجاني ثم ألصقها الجاني فالتصقت
فقد وقع القصاص موقعه، لأن القصاص بالإبانة وقد أبينت.
فإن قال المجني عليه: قد التصق أذنه بعد أن أبنتها أزيلوها عنه، روى
أصحابنا أنها تزال ولم يعللوا، وقال من تقدم: إنها تزال لما تقدم لأنه من الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا يستقيم أيضا على مذهبنا.
فأما الصلاة في هذه الإذن الملتصقة فلا تصح عندهم، لأنه حامل نجاسة في
غير موضعها لغير ضرورة، فلم تصح بها الصلاة، وهكذا يقتضيه مذهبنا، وهكذا
قالوا إذا جبر عظمه بعظم ميتة، فإن لم يخف عليه التلف أزيل عنه، فإن لم يفعل
لم يصح صلاته، وإن خاف التلف أقر عليه لأن النجاسة تزول حكمها، وعندنا:
الصلاة تصح في هذه، لأن العظم لا ينجس عندنا بالموت إلا إذا كان عظم ما هو
نجس العين من الكلب والخنزير.
فإن قطع النصف من أذن الجاني قصاصا فألصقها فالتصقت كان للمجني
عليه إبانتها بعد الاندمال، فيقطع الأصل والذي اندمل منها، لأن القصاص لا
209

يحصل له إلا بالإبانة.
فأما إن قطع أذن رجل فلم يبنها بل تعلقت بجلده كان عليه القصاص لأنها
قد انتهت إلى حد يمكن فيه المماثلة، وكذلك لو قطع يمين رجل فتعلقت
بالجلدة كان له القصاص، لأنها قد انتهت إلى حد يمكن فيه المماثلة، فإذا ثبت هذا
اقتص منه إلى الجلدة ثم يسأل أهل الطب فإن قالوا: المصلحة في تركها، تركت
وإن قالوا: المصلحة في قطعها، قطعت.
[القصاص في الذكر]
القصاص واجب في الذكر لقوله تعالى: والجروح قصاص، ولأن له حدا
ينتهي إليه مثل اليد، فإذا ثبت ذلك، فإنا نقطع ذكر الشاب القوي بذكر الشاب
وذكر الشيخ، سواء كان ممن ينتشر عليه أو لا ينتشر، وبذكر الصبي الذي يقوم
عليه أو لا يقوم لصغره، للظاهر، والمراعي الاشتراك في الاسم الخاص، مع تمام
الخلقة، والسلامة من الشلل، ويقطع ذكر الفحل القوي بذكر الخصي الذي سلت
بيضتاه وبقى ذكره، وقال بعضهم: لا قود عليه لأنه لا منفعة فيه، والأول أقوى
للظاهر.
وأما إن قطع ذكر أشل وبه شلل وهو الذي قد استرسل فلا ينتشر ولا يقوم
ولا ينقبض ولا ينبسط، كالخرقة فلا قود بقطعه كاليد السليمة بالشلاء لا يقطع
بها.
والأغلف يقطع بالمختون للآية.
إذا كان له خصيتان فقطعهما قاطع وللقاطع ذكر وهو فحل، فعلى القاطع
القود للآية، وإن قطع إحديهما قال قوم: يسأل أهل الخبرة، فإن زعموا أن الباقية
لا يخاف عليها في هذا الموضع قطعنا بها كما قلنا بالأصابع سواء، وإن زعموا أن
الباقية لا يؤمن عليها ذهاب منافعها، فلا قود هاهنا، لأنه يفضى إلى أخذ عضوين
بعضو واحد.
210

فإذا قيل يستفاد أخذ ولا كلام، وإذا قيل: لا قود، أو قيل: له القود فعفا على
مال فله نصف الدية، لأن كل عضوين فيهما الدية ففي كل واحد منهما نصف
الدية كاليدين والرجلين، وروى أصحابنا أن في اليسرى ثلثي الدية لأن منها يكون
الولد.
إذا قطع طرف الرجل ثم اختلفا فقال الجاني: كان أشل، فلا قود على ولا
دية وإنما على حكومة، عندهم وعندنا ثلث ديته صحيحا، وقال المجني عليه: بل
كان صحيحا سليما فعليك القود، فإذا عفوت فلي الدية، لم يخل الطرف من أحد
أمرين: إما أن يكون من الأعضاء الظاهرة كاليدين والرجلين والعينين والأنف
والأذنين، أو من الباطنة كالذكر والخصيتين ونحو ذلك مما لا يظهر.
فإن كان في الظاهر، قال قوم: القول قول الجاني إلا أن يقيم عليه البينة، وإن
كان من الباطن فالقول قول المجني عليه، لأنه مغيب عن أبصار الناس ولا يجوز
كشفه لهم.
فالتفريع على هذه الطريقة أن نقول: هذا إذا لم يسلم الجاني أن هذا العضو
الظاهر كان سليما في الأصل، فالقول قوله على ما قلناه، فأما إن سلم الجاني أن
هذا العضو الظاهر كان صحيحا في الأصل لكنه كان أشل حين القطع، فعلى هذا
قال قوم: القول قول المجني عليه، وهو الصحيح عندنا وعندهم، لأنه سلم الجاني
سلامة العضو وادعى حدوث الشلل فيما بعد فعليه البينة، وقال آخرون: القول
قول الجاني أيضا.
فأما إن منع الجاني من سلامة العضو وهي المسألة الأولى، فقد قلنا: القول
قول الجاني إلا أن يقيم المجني عليه البينة، فإن أقام البينة فأي بينة تقبل منه؟
فمن قال: القول قول الجاني مع تسليم السلامة لم يقبل من المجني عليه
البينة، حتى يشهد بأن العضو كان سليما حين الجناية، لأن الجاني قد سلم السلامة
في الأصل، وإنما يدعي الشلل حين الجناية.
ومن قال: القول قول المجني عليه، إذا سلم الجاني سلامة العضو، فالمجني
211

عليه هاهنا بالخيار بين أن يقيم البينة على السلامة حين القطع أو على سلامته في
أصل الخلقة، لأنه متى ثبت سلامته سقط قول الجاني، فإنا إنما جعلنا القول قوله إذا
منع السلامة، فمتى ثبت السلامة بطل أن يكون القول قوله.
فينظر في البينة التي أقامها المجني عليه، فإن أقامها على السلامة حين الجناية
فلا حاجة إلى يمينه مع بينته، وإن أقامها على السلامة في أصل الخلقة فعليه أن
يحلف أنه لم يزل سليما إلى حين القطع، لجواز أن يكون الشلل حدث بعد ذلك
فلا يقطع.
وفي الناس من قال: القول قول الجاني في الظاهرة والباطنة، وفيهم من قال:
القول قول المجني عليه فيهما معا، والصحيح عندي أن القول قول الجاني في
الظاهرة، والقول قول المجني عليه في الباطنة.
[القصاص في الأنف]
القصاص يجري في الأنف لقوله تعالى: والأنف بالأنف، وقوله: والجروح
قصاص، ويؤخذ الأنف الكبير بالصغير، والدقيق بالغليظ، والأقنى بالأفطس،
لتساويهما في الاسم.
فإن كان المقطوع مجذوما نظرت، فإن لم يكن سقط منه شئ قطع به
الأنف الصحيح، لأن الجذام علة، ونحن نأخذ الصحيح بالعليل، وإن كان قد
تناثر بعضه بالجذام فالمجني عليه بالخيار بين أن يأخذ بقدره من الدية فيما بقي،
وبين أن يقتص فيما بقي، وإن كان الذاهب مما يمكن القصاص فيه، وهو إن ذهب
بالجذام جانبه فأما إن ذهب طرفه فلا، وليس له إلا الدية فيما بقي، وكيف تؤخذ
الدية والقصاص في بعضه؟ على ما يأتي فيما بعد.
ويؤخذ أنف الشام بالأخشم - وهو الذي لا يشم به -، لأن عدم الشم علة،
وذلك غير مانع من القصاص، كما نأخذ الأذن الصحيحة بالصماء، فالذي يريد
أن يؤخذ قودا ويجب فيه كمال الدية هو المارن من الأنف، - والمارن ما لأن منه،
212

وهو ما نزل عن قصبة الخياشيم التي هي العظم - لأن له حدا ينتهي إليه، فهو من
قصبة الأنف كاليد من الساعد والرجل من الساق.
ثم ينظر، فإن قطعت كله فالمجني عليه بالخيار بين القود أو كمال الدية، لأن
في الأنف الدية، وإن قطعه مع قصبة الأنف فهو كما لو قطع اليد من الساعد،
المجني عليه بالخيار بين أن يعفو وله كمال الدية في المارن، وحكومة في القصبة
كما لو قطع يده من نصف الساعد، فإن له أن يعفو، أو يأخذ كمال الدية
وحكومة في الساعد، وإن اختار أخذ القصاص في المارن، وحكومة في القصبة
كالساعد سواء.
وأما إن قطع بعض المارن نظرنا إلى قدره بالأجزاء، فإن كان ثلثا أو عشرا
عرفنا، ثم يأخذ بحسابه من أنف القاطع، ولا يأخذ بالمساحة لأنه قد يكون
نصف المقطوع ككل أنف القاطع فيفضي إلى أن يأخذ أنفا بنصف أنف، وهذا
لا سبيل إليه، فإن قطع أحد المنخرين كان له القصاص فيه، لأن له حدا ينتهي
إليه، فهو كإحدى الإصبعين لأن بينهما حاجزا.
[القصاص في الأذن]
في الأذن القصاص لقوله: والأذن بالأذن، ولقوله تعالى: والجروح
قصاص، وتقطع الكبيرة بالصغيرة، والثخينة بالرقيقة، والسمينة بالهزيلة، للاتفاق
في الاسم الخاص والتمام في الخلقة، ويأخذ السميعة بالصماء لما مضى، لأن
الصمم آفة في غير إشراف الأذن، والأذن سليمة كذكر الخصي الذي لا ينزل.
فإن قطع الأذن كلها كان بالخيار بين القطع وبين كمال دية الأذن، فإن
قطع البعض منها مسحناه ليعلم قدره بالأجزاء ثلثا أو ربعا أو عشرا ثم يأخذ
ذلك الجزء من أذن القاطع، فلا تعتبر المساحة لأنا لو اعتبرناها ربما كان نصف
المقطوعة ككل أذن القاطع، فيأخذ أذنا كاملة بنصف أذن، وهذا لا سبيل إليه.
وتقطع الأذن التي لا ثقبة فيه بالمثقوبة لأن الثقب ليس بنقص، وإنما يراد
213

للزينة والجمال، فإن انخرم الثقب فلا قصاص، لأنا لا نأخذ الكامل بالناقص،
ويقال للمجني عليه: أنت بالخيار بين أن تأخذ الدية فيها وتترك بقدر النقصان
فيها من الدية، أو تأخذ القصاص إلى حد الخرم، وحكومة فيما بقي.
فإن قطع يدا أظافيرها خضر أو مستخبثة أو محنية قطعنا يده، وإن كان لا
علة بأظافيره، فإن لم يكن له أظافير أصلا فلا قود على القاطع، لأنها نقصان
خلقة، ولا نأخذ الكامل بالناقص، وله دية كاملة.
[القصاص في الأسنان]
ويجري القصاص في الأسنان لقوله تعالى: والسن بالسن، ومتى قلع سنا لم
يخل من أحد أمرين: إما أن يكون سن مثغر أو غير مثغر.
فإن كان سن غير مثغر فلا قصاص في الحال ولا دية، لأنه يرجى عودها،
فهو كما لو نتف شعره، فإنه لا شئ فيه في الحال، لأنه يرجى عوده، ويصبر
المجني عليه حتى تساقط أسنانه التي هي أسنان اللبن وتعود.
فإذا سقطت وعادت لم يخل المقلوعة من أحد أمرين: إما أن تعود أو لا تعود
فإن لم تعد سئل أهل الخبرة فإن قالوا: لا يؤيس من عودها إلى كذا وكذا من
الزمان، صبر ذلك القدر، فإن لم تعد علم أنه قد أعدم إنباتها وأيس من عودها،
فالمجني عليه بالخيار بين القصاص وبين العفو على مال وأخذ دية سن، كما لو
قلع سن من قد أثغر - والمثغر هو الغلام الذي قد أسقطت سن اللبن، ونبتت
مكانها، يقال: أثغر الغلام يثغر وأثغر لغتان -.
وأما إن عادت السن في هذا الوقت أو مع عود الأسنان نظرت، فإن عادت
أقصر من غيرها، كان الظاهر أن القصر لأجل القلع، فعليه من الدية بقدر ما
نقصت بحساب ذلك، فإن عادت تامة غير قصيرة نظرت، فإن عادت متغيرة
صفراء أو خضراء أو سوداء فالظاهر أنه من فعله فعليه حكومة، وإن عادت كالتي
كانت من غير تغير ولا نقصان فلا دية فيها ولا قصاص.
214

وأما إسالة الدم، فإن كان عن جرح في غير مغرزها - وهو اللحم الذي
حول السن ويحيط بها - ففيه حكومة لأنها جناية على محل السن، وإن كان الدم
من نفس مغرزها، قال قوم: فيها حكومة، وقال آخرون: لا حكومة فيها ولا شئ
عليه، والأول أقوى، ومن قال بالثاني قال: لأنه لم يجرح محل الدم، فهو كما لو
لطمه فرعف فإنه لا حكومة عليه.
هذا إذا عاش المجني عليه، فأما إن مات نظرت: فإن مات بعد أن آيس من
عودها فقد استقر الضمان عليه، ووليه بالخيار بين القصاص والدية، وإن مات قبل
الإياس من عودها فلا قصاص لأن الحدود تدرأ بالشبهات، والشبهة أنا لا نعلم
عودها، وأما الدية قال قوم: لا دية، لأنا لا نعلم أنه أعدم إنباتها كما لو نتف شعره،
ثم مات قبل أن يعود الشعر، وقال آخرون: عليه الدية لأن القلع متحقق والعود
متوهم، فلا يسقط حقه بأمر متوهم وهو الأقوى.
وأما إن قلع سن مثغر نظرت، فإن قال أهل الخبرة: هذه لا تعود أبدا،
فالمجني عليه بالخيار بين القصاص والعفو، وإن قالوا: لا يرجى عودها إلى كذا
وكذا، فإن عادت وإلا فلا تعود، لم يكن للمجني عليه قصاص ولا دية كما قلنا في
سن غير المثغر.
ثم ينظر فيه، فإن لم تعد إلى ذلك الوقت كان المجني عليه بالخيار بين
القصاص أو الدية، وأما إن عادت هذه السن نظرت، فإن عادت قبل الإياس من
عودها فهي كسن غير المثغر وقد مضى، وإن عادت بعد الإياس من عودها إما بعد
المدة المحدودة أو قبل المدة وقد قالوا: إنها لا تعود أبدا، فهل هذه العائدة هي
الأولى أو هبة مجددة من عند الله؟
قال قوم: هي تلك المقلوعة، كما قلنا في سن غير المثغر أو إذا لطمه أو جنى
على رأسه فذهب ضوء عينيه ثم عاد، إن هذا هو الأول.
وقال آخرون: هذه هبة مجددة من عند الله تعالى، لأن العادة ما جرت
بعود سن المثغر بعد قلعها، والإياس من عودها، فإذا عادت علمنا أنه هبة مجددة
215

من عند الله، ويفارق الذي لم يثغر، لأن العادة قد جرت بالعود، ويفارق ضوء
العين لأن الضوء لا يعود بعد ذهابه، وإنما يحول دونه حائل فإذا زال الحائل
أبصر بالضوء الأول لا بضوء مجدد.
فإذا تقرر ذلك لم يخل المجني عليه من أحد أمرين: إما أن يكون أخذ
القصاص من الجاني أو الدية.
فإن كان أخذ الدية، فمن قال: إن عودها هبة مجددة، قال: لا يرد شيئا لأنه
أخذ دية سنه، وقد وهب الله له سنا آخر، ومن قال: هذه تلك، قال: عليه رد
الدية، لأنه إنما أخذ الدية بدلا عن سنه، وقد عادت، فكان عليه رد بدلها.
وإن كان المجني عليه أخذ القصاص فمن قال: هذه هبة مجددة، قال: لا
شئ عليه، لأنه أخذ القصاص في سنة، وقد وهب الله له سنا، ومن قال: هذه
تلك، قال: عليه رد دية سن الجاني، لأنا بينا أنه أخذ القصاص بغير عوض، ولا
قصاص عليه، لأنه إنما أخذ سن الجاني قصاصا ولا قصاص عليه فيما أخذه
قصاصا فيكون عليه الدية.
فإن كانت المسألة بحالها، فأخذ المجني عليه القصاص في سنة، ثم عادت
سن الجاني ولم تعد سن المجني عليه، فمن قال: هذه هبة مجددة، قال: لا شئ
للمجني عليه، لأنه أخذ سن الجاني قصاصا، وقد وهب الله له سنا، ومن قال: هذه
تلك، فهل للمجني عليه قلعها ثانيا؟ قال قوم: له ذلك لأنه أعدم سن المجني
عليه، فله قلعها أبدا حتى بعدم إنباتها، وهو الذي يقتضيه مذهبنا، وقال آخرون:
ليس له قلعها لجواز أن يكون هبة مجددة فلا يقلع، ويكون ذلك فيقلع، فلا
نوجب القصاص بالشك.
فحصل من هذا إذا عادت ثلاثة أقوال: أحدها لا شئ للمجني عليه، والثاني
له قلعها أبدا، والثالث ليس له قلعها وله الدية، فإن قلع سنه وأخذ سن الجاني
قصاصا ثم عادت سن المجني عليه فعدى الجاني فقلع هذه الثانية أيضا، فما الذي
يجب على الجاني؟
216

فمن قال: هذه هبة مجددة، كان كأنه قلع غير تلك السن، وليس للجاني
مثلها فيسقط القصاص وله الدية، ومن قال: هذه تلك، قال: قد كان وجب
للجاني عليه بعودها دية سنه، فلما عدا الجاني فقلعها وجب عليه بقلعها ديتها
للمجني عليه، فقد وجب لكل واحد منهما على صاحبه دية سن فيتقاصان.
فإن كانت بحالها فعادت سن الجاني بعد القصاص دون سن المجني عليه،
فعدا المجني عليه فقلعها بعد العود، فمن قال: هذه هبة مجددة، فقد قلع المجني
عليه سنا بغير حقها فعليه ديتها، ومن قال: هذه تلك، فمن قال: له قلعها كلما
نبت، قال: قد استوفى حقه، ومن قال: ليس له قلعها وإنما له الدية وكان على
الجاني دية سنه، فلما قلع سن الجاني وجب للجاني عليه دية سنه فيه فتقاصا.
السن الزائدة ما خرجت عن سمت الأسنان وصف الأسنان إما خارجة عن
الصف أو داخلة في جوف الفم، فإذا قلعها قالع لم يخل من أحد أمرين: إما أن
يكون للجاني سن زائدة أو لا يكون، فإن لم يكن له سن زائدة فلا قصاص، وعليه
حكومة لا يبلغ بها دية سن، وعندنا يجب فيها ثلث دية السن الأصلي، وإن كان
للجاني سن زائدة، فإن كانت في غير محل المقلوعة فلا قصاص أيضا لأنا لا نأخذ
عضوا في محل بعضو في محل آخر كما لا نأخذ السبابة بالوسطى، ويكون عليه
ثلث دية السن الأصلي عندنا، وعندهم الحكومة، وإن كان للجاني سن زائدة في
محلها كان المجني عليه بالخيار بين أن يقتص منه، وبين أن يعفو على مال وله ما
ذكرناه، فإن اختار القصاص فلا فصل بين أن يكونا سواء أو أحدهما أكبر من
الآخر لاشتراكهما في الاسم.
إذا وجب لرجل على غيره قود في نفس أو طرف لم يكن له أن يستوفيه منه
بنفسه بغير سلطان، لأنه من فروض الأئمة، فإن خالف وبادر واستوفى حقه وقع
موقعه ولا ضمان عليه، وعليه التعزير، وقال بعضهم: لا تعزير عليه، والأول أصح
لأن للإمام حقا في استيفائه.
إذا وجب القصاص في يمين رجل فقال المجني عليه: أخرج يمينك
217

اقتصها، فأخرج يساره فقطعها المجني عليه، فهل عليه القود والضمان بقطع
يساره؟ نظرت، فإن كان الجاني أخرجها وقد سمع من المجني عليه: أخرج
يمينك، فأخرج يساره مع العلم بأنها يساره والعلم بأن القود لا يسقط عن يمينه
بقطع يساره، فإذا اجتمعت في الجاني هذه الأوصاف الثلاثة، فلا ضمان على
المجني عليه بقطع هذه اليد من قود ولا دية، لأنه بذل يده للقطع عمدا بغير
عوض.
فإذا ثبت أنها قد ذهبت هدرا، فهل على القاطع التعزير أم لا؟ فإن كان
جاهلا بأنها يساره فلا تعزير عليه لأنه ما قصد قطعها بغير حق، وإن قطعها مع
العلم بحاله فعليه التعزير، لأنه قطع يدا عمدا بغير حق.
وليس إذا سقط حق الآدمي بالبذل سقط حق الله تعالى، كما لو قال له:
اقتل عبدي فقتله، سقط عنه الضمان الذي هو للسيد، ولم يسقط حق الله من
الكفارة.
فإذا ثبت أن يساره هدر، فالقود باق في يمينه، لأنه وجب عليه حق فبذل
غيره لا على سبيل العوض، فلم يسقط عنه الحق، كما لو وجب عليه قطع يمينه،
فأهدى إلى المجني عليه مالا وثيابا لا على سبيل العوض عن اليمين، فقبل ذلك
المجني عليه لم يسقط القصاص به عن اليمين، والذي يقتضيه مذهبنا أنه يسقط عنه
القود، لأنا قد بينا فيما تقدم أن اليسار تقطع باليمين إذا لم تكن يمين، وما ذكروه
قوي.
وأما من وجب عليه قطع اليمين في السرقة فأخرج يساره فقطعت سقط
القود عنه في اليمين بلا خلاف، لأنه من حقوق الله وهي مبنية على التسهيل
والتخفيف.
فإذا ثبت أن القصاص باق في يمينه، فإن له قطع اليمين قصاصا، لكن ليس
له قطعها حتى يندمل يساره، لأنا لو قطعنا يمينه قبل اندمال اليسار، ربما سرى
إلى نفسه عن القطعين فتلف بسراية قطعين أحدهما بحق والآخر بغير حق، فإذا
218

اندملت يساره قطع يمينه. وإن سرت إلى نفسه كانت نفسه هدرا لأن القطع إذا
لم يكن مضمونا كانت السراية غير مضمونة، وسقط القصاص عن يمينه بفواته،
ويكون فواته إلى دية اليد يجب للمجني عليه في تركته، لأن القصاص سقط بغير
اختيار المستقيد فكان سقوطه إلى مال.
وأما إن اختل شرط من هذه الشروط الثلاثة، فقال: ما سمعت منه أخرج
يمينك بل طرق سمعي أخرج يسارك، أو قال: سمعته يقول أخرج يمينك
وكنت على إخراجها فدهشت فأخرجت يساري معتقدا أنها يميني، أو قال: سمعته
وعلمت أنها يساري لكني ظننت أن قطعها يسقط القود عن يميني.
فمتى قطعها على هذا فهل استوفى حقه أم لا؟ لم يخل المقتص من أحد
أمرين: إما أن يكون جاهلا بأنه قطع اليسار أو عالما بها.
فإن كان جاهلا بذلك فلا قود عليه بقطع يسار الجاني، لأنه قطعها معتقدا
أنه يستوفي حقه بها، فكان شبهة في سقوط القود فيها، ولأنه قطعها ببذل مالكها
فلا قود عليه، وقال قوم: لا دية عليه أيضا لأنه قطعها ببذل صاحبها كالتي قبلها
والصحيح أن عليه ديتها، لأنه بذلها عن يمينه، فكان البذل على سبيل المعاوضة،
فإذا لم يصح كان على القابض الرد، فإذا عدمت كان عليه رد بدلها، كما لو
قبض المشتري سلعة عن بيع فاسد فعليه ردها، وإن كان مفقودا كان عليه رد
بدلها.
فأما إن كان المقتص عالما بأنها يساره فقطعها فهذا القطع مضمون لأنه إنما
بذلها بعوض، فلم يسلم له، فكان على القابض الضمان لما قدمناه، فإذا ثبت أنه
مضمون فما ذلك الضمان؟
قال قوم: مضمون بالقود لأنه قطع يد غيره بغير حق مع العلم بالتحريم.
وقال آخرون: - وهو الصحيح - أنه لا قصاص، لأنه مضمون بالدية لأنه قد
بذلها للقطع، فكان شبهة في سقوط القود عنه، فإذا ثبت أن على المقتص دية
اليسار، فإن القود باق له في يمين الجاني لأن يساره لم يصر بدلا عن يمينه، ولا
219

عوضا عنها، فكان القصاص باقيا في يمينه فعليه القصاص في يمينه، وله دية
يساره، غير أن المقتص ليس له قطع اليمين في الحال حتى ينظر ما يكون من
قطع اليسار لما قلناه في المسألة قبلها.
فإذا توقف فإما أن يندمل أو يسري، فإن اندملت اليسار فقد استقر على
المقتص دية اليسار، وله قطع اليمين، فإن استوفاها قصاصا فعليه أن يدفع دية
اليسار، وإن عفا عن اليمين وجب له دية اليمين، وعليه دية اليسار فيتقاصان.
وإن سرى قطع اليسار إلى النفس فعليه ضمان على النفس، لأنها سراية عن قطع
مضمون سرى إلى النفس وهي مضمونة، فكان عليها ديتها، فعليه دية نفس يدخل
فيها ضمان الطرف، وله من هذه النفس قطع يمينها، وقد فات بغير اختياره
فيكون له دية اليمين، وهو نصف الدية، وعليه دية النفس فيتقاصان بالنصف،
ويفضل له عليه نصف الدية يستوفى منه.
وقال بعضهم: إذا قطع يساره فسرى إلى نفسه كان المستوفي ليمينه
قصاصا فيسقط حقه منها، ويكون عليه كمال الدية، كمن وجب له قطع يد رجل
فقطعه ثم عاد فقتله، فإن عليه كمال الدية كذلك هاهنا، هذا إذا اتفقا من غير
اختلاف.
فأما إن قطع يساره ثم اختلفا فقال الباذل: بذلتها لتكون بدلا عن يميني، فلي
ديتها، وقال القاطع المقتص: بل بذلتها مع العلم بأنها لا تكون بدلا عن يمينك
فهدرت، فالقول قول الباذل لأن الاختلاف في نيته وإرادته وهو أعلم بها، فإن
حلف ثبت أنه بذلها على سبيل العوض، فيكون الحكم على ما مضى، فإن نكل
رددنا اليمين على المقتص يحلف ما بذلها إلا وهو يعلم أنها لا تكون بدلا عن
اليمين، فإذا حلف كانت هدرا، وبقى له القصاص في يمينه، هذا إذا اختلفا.
فأما إن اتفقا على قطعها باليمين، مثل أن تراضيا به فقطعت على هذا لم يكن
بدلا عن يمينه، لأن ما لا يقع قصاصا عن الشئ، لم يقع قصاصا عنه بالتراضي،
كما لو قتل عبده عبدا لرجل فقال له السيد: اقتلني بعبدك أو اقتل عبدي الآخر
220

بعبدك، ففعل لم يقع القصاص موقعه، فإذا تقرر هذا فلا قود على المقتص في
اليسار، لأنه بذلها لتكون بدلا عن اليمين، وكان شبهة في سقوط القصاص عنه،
وعليه دية هذه اليسار لأنه بذلها على سبيل العوض، فإذا لم يسلم ما في مقابلها
رجع إلى بدلها كما قلنا في المبيع والثمن.
فإذا ثبت أن على المقتص دية يساره فهل له قطع يمين الباذل أم لا؟ قال
بعضهم: ليس له قطعها لأن رضاه بقطع اليسار مكان اليمين عفو منه عن اليمين،
فلهذا سقط القصاص عنها. وقال آخرون: لا يسقط، وله قطع يمينه، لأنه أخذ
اليسار بدلا عن اليمين، فإذا لم يصح أخذها عن اليمين واليمين قائمة، كان له
الرجوع إلى عين ماله، كرجل باع عبدا بثمن معين فتلف الثمن قبل القبض،
رجع سيد العبد إلى عين ماله حين لم يسلم له الثمن، كذلك هاهنا يرجع
المقتص إلى ما وجب له، وهو قطع اليمين.
فمن قال: لا يسقط القصاص عن يمينه، قال: له على المقتص دية يساره،
وللمقتص قطع اليمين، فإن سرى قطع اليسار إلى النفس أو اندملت كان الحكم
على ما مضى، ومن قال: ليس له قطع يمينه، فله ديتها، وعليه دية يسار الباذل،
فإن كانت الديتان سواء تقاصا، وإن اختلفا مثل أن كان أحدهما رجلا والآخر
امرأة تقاصا فيما اتفقا، ورجع صاحب الفضل بالفضل، هذا الكلام فيه إذا كانا
عاقلين.
فأما إن كان أحدهما مجنونا نظرت، فإن كان الجاني عاقلا ثم جن قبل
القصاص منه، والمجني عليه المقتص عاقل، فقال له العاقل: أخرج يمينك
لأقطعها، فأخرجها فقطعها فقد استوفى حقه من المجنون، لأنه قبض ما كان واجبا
عليه، فوقع الاستيفاء موقعه لا ببذل المجنون، فهو كما لو وثب على حقه من
القصاص واستوفاه وقع موقعه، ولا يراعى جهة المقتص منه كذلك هاهنا.
وإن قال لهذا المجنون: أخرج يمينك، فأخرج يساره فقطعها نظرت في
المقتص، فإن كان جاهلا بأنها يسار المجنون فلا قود عليه للشبهة، وعليه دية
221

يسار المجنون، وإن كان عالما بأنها يساره فعليه القود في يساره، لأن المجنون لا
يصح منه البذل، فهو كما لو قطع يساره كرها، فقد وجب عليه للمجنون قطع
اليسار، وله قطع يمين المجنون.
فإن كانت بالضد وهو أن جن المجني عليه والجاني عاقل، فقال له
المجنون: أخرج يسارك، فأخرجها له فقطعها المجنون هدرت، ولا ضمان عليه،
سواء اعتقد أنه يستوفيها بدلا عن يمينه أو لم يعتقد ذلك، لأن من بذل يده
للمجنون يقطعها فقطعها فهو الذي أبطل حق نفسه، كما لو بذل له ثوبا فخرقه،
وإن قال له المجنون: أخرج يمينك، فأخرجها فقطعها المجنون ذهبت هدرا أيضا
لأنه لا استيفاء للمجنون، فيكون كأنها سقطت باكلة، فيكون للمجنون ديتها.
فأما إن وثب المجنون فقطع يمين الجاني فهل يكون قصاصا أم لا؟ قال
بعضهم: يكون قصاصا لأن المجنون إذا كان له حق معين فأتلفه كان بمنزلة
الاستيفاء، كما لو كان له وديعة عند غيره فهجم عليها فأتلفها، فلا ضمان على
المودع، وقال بعضهم: - وهو الأقوى - إنه لا يكون ما فعله استيفاء لحقه ولا
يكون قصاصا، لأن المجنون لا يصح منه استيفاء حقه بحال، ويفارق الوديعة لأنه
إذا أتلفها فلا ضمان على المودع، لأنها تلفت بغير جناية ولا تفريط كان منه، فهو
كما لو أتلفها غير المجنون، فلهذا سقط عنه الضمان وليس كذلك هاهنا لأن
الضمان لا يسقط عنه بذهاب يمينه، وإن كان هلاكها بغير تفريط كان منه. فبان
الفصل بينهما.
فمن قال: قد استوفى حقه فلا كلام، ومن قال: ما استوفى حقه، كان حقه
مضمونا لأن إتلاف المجنون مضمون فقد ذهبت يمين الجاني بقطع المجنون،
فوجبت ديتها بقطعه، وللمجنون دية هذه اليمين.
ومن قال: عمد المجنون عمد، فدية اليمين عنده عليه، وله ديتها يتقاصان،
ومن قال: عمده في حكم الخطأ، قال: دية يمين الجاني على عاقلة المجنون، ولهذا
المجنون دية هذه اليمين على الجاني يستوفي المجنون دية يمينه من الجاني،
222

ويستوفي الجاني دية يمينه من عاقلة المجنون.
إذا قطع يدي رجل ورجليه فالظاهر أن عليه ديتين: دية في اليدين ودية في
الرجلين، فإن مات بعد الاندمال استقرت الديتان على الجاني، وإن سرى القطع
إلى نفسه فعليه دية واحدة، لأن أرش الجناية يدخل في بدل النفس.
فإذا ثبت هذا فقطع يدي رجل ورجليه، ثم مات المجني عليه ثم اختلفا،
فقال الولي: مات بعد الاندمال فعليك أيها الجاني كمال الديتين، وقال الجاني:
مات بالسراية من القطع، وليس على إلا دية واحدة، قال بعضهم: القول قول
الولي.
وصورة المسألة أن المجني عليه مات بعد القطع بمدة يمكن اندمال القطع
فيها، فعلى هذا يكون القول قول الولي لأن الظاهر أنه قد وجب على الجاني ديتان
بدليل أن للولي المطالبة بهما قبل الاندمال على قول بعضهم، فإذا كان الظاهر هذا
احتمل أن يكون القول قول الجاني أنه ما اندمل، واحتمل أن يكون القول قول
الولي أنه قد اندمل، فتقابلا، وكان الظاهر وجوب الديتين، فلا نسقطهما بأمر
محتمل.
وإن كان بين الموت والقطع مدة لا يمكن الاندمال فيها، مثل أن يكون
مات بعد يوم أو خمسة، فالقول قول الجاني هاهنا، لأن الظاهر معه، لأنه لا يمكن
الاندمال في هذه المدة، ويكون القول قوله مع يمينه أنه مات من سراية القطع،
لجواز أن يكون الموت بحادث غير القطع، مثل أن لدغته حية أو عقرب، هذا إذا
اتفقا على المدة.
فأما إن اختلفا فيها، فقال الجاني: مات قبل أن تمضى مدة يندمل في مثلها،
وقال الولي: بل مضت مدة يندمل في مثلها، فالقول قول الجاني لأن الأصل بقاء
المدة حتى يعلم انقضاؤها، وبقاء الجناية والسراية حتى يعلم برؤها.
فإن كانت المسألة بالضد من هذا، فقطع يد رجل فمات المقطوع ثم اختلفا
فقال الجاني: مات بعد الاندمال، فعلى نصف الدية، وقال الولي: بل قبل
223

الاندمال فعليك كمال الدية، لم يخل من أحد أمرين: إما أن تمضى مدة يندمل
في مثلها، أو لا تمضى.
فإن كان هذا بعد مضى مدة يندمل في مثلها، فالقول قول الجاني لأن الظاهر
معه، وهو أن الواجب نصف الدية، والولي يدعي دية كاملة، والأصل براءة ذمته،
فكان القول قوله.
وإن كان قبل أن تمضى مدة يمكن الاندمال فيها، فالقول قول الولي لأن
الظاهر معه، وأن الاندمال لم يحصل، فكان القول قول الولي لأن الأصل أنها ما
مضت فالولي في هذه كالجاني في تلك.
فرع:
رجل قطع يدي رجل ورجليه واختلفا فقال القاطع: مات من السراية فعلى
دية واحدة، وقال الولي: مات من غير سراية وهو أنه شرب سما فمات، أو قال:
قتل فعليك كمال الديتين، فليس بينهما هاهنا خلاف في مدة، وإنما الخلاف فيما
مات المجني عليه منه، فمع كل واحد منهما ظاهر يدل على ما يدعيه: مع المجني
عليه ظاهر لأن الأصل أنه ما شرب السم، ومع الولي ظاهر وهو أن الأصل
وجوب الديتين على القاطع.
وقال بعضهم: يحتمل وجهين أحدهما: أن القول قول الولي كما إذا أوضحه
موضحتين ثم انخرق ما بينهما وصارت واحدة، ثم اختلفا، فقال الجاني: انخرق
ما بينهما بالسراية فعلى دية موضحة واحدة، وقال المجني عليه: أنا خرقت بينهما
فعليك دية موضحتين، فالقول قول المجني عليه، ولا فصل بينهما.
ويحتمل أن يكون القول قول الجاني لأن الأصل أن المجني عليه ما شرب
السم، فقد ثبت أن كل واحد منهما معه ظاهر يدل على ما يدعيه ويجري مجرى
مسألة الملفوف في الكساء إذا قطعه قاطع بنصفين ثم اختلفا، فقال القاطع: كان
ميتا حين القطع، وقال الولي: كان حيا حين القطع، فإنهم يقول بعضهم: القول
224

قول القاطع لأن الأصل براءة ذمته، وقال غيره: القول قول الولي لأن الأصل
بقاء الحياة، كذلك هاهنا.
إذا وجب القصاص على إنسان وأراد أن يقتص منه، فإن الإمام يحضر عند
الاستيفاء عدلين متيقظين فطنين احتياطا للمقتص منه، لئلا يدعي من له الحق أنه
ما استوفاه، وأنه هلك بغير قصاص، وليتأمل الآلة، فيكون صارما غير مسموم،
لأنه إن كان مسموما هراه.
فإن حضر العدلان واستوفى بحضرتهما فلا كلام، وإن استوفى حقه بغير محضر منهما، فإن استوفاه بصارم غير مسموم فقد استوفى حقه، ولا شئ عليه،
لأنه استوفى حقه على واجبه، وإن استوفى بسيف كال فقد أساء لأنه عذبه عليه،
لأنه ما استوفى أكثر من حقه، وإن استوفاه بصارم مسموم فقد استوفى حقه، وعليه
التعزير لأنه بمنزلة جناية عليه بعد استيفاء القصاص، فهو كما لو قتله ثم عاد
فقطعه أو حرقة فإنا نعزره كذلك هاهنا.
فأما إن كان في طرف فالحكم على ما مضى، فإن استوفى القطع بصارم
غير مسموم فلا كلام، وإن كان بسيف كال فقد أساء ولا شئ عليه، وإن كان
بسيف مسموم فمات فقد مات عن سراية مضمونة وغير مضمونة، فهو كما لو قطع
يد مرتد ثم أسلم فجرحه مسلم ثم مات، أو قطع يد رجل ثم قطع آخر رجله
ظلما ثم سرى إلى نفسه فكل هذا سواء، فما قابل المضمون ضمن، وما قابل غيره
هدر، فيكون عليه نصف الدية وعليه التعزير.
يعطي الذي يقيم الحدود ويقتص للناس من بيت المال أرزاقهم، عندنا وعند
جماعة، وإن لم يكن بيت مال أو كان موجودا لكن هناك ما هو أهم منه كسد
الثغور وتقوية المقاتلة كانت الأجرة على المقتص منه عند قوم، وقال آخرون:
أجرة القصاص على المقتص المستوفي دون المستوفي منه وهو الأقوى.
إذا قطع يد عبد ففيه نصف قيمته يستوفيها ويمسك العبد مولاه، وقال
بعضهم: على الجاني نصف قيمته، ويكون السيد بالخيار بين إمساكه ويستوفي
225

نصف قيمته، وبين أن يسلم العبد إلى الجاني ويطالبه بكمال قيمته، وإن قطع
يدي عبد أو رجليه كان عليه كمال قيمته، ويسلم العبد عندنا، وعند جماعة
يمسكه مولاه.
إذا قطع رجل يد عبد والآخر يده الأخرى كان عليهما كمال قيمته، على
كل واحد منهما نصفه، ويمسك المولى العبد هاهنا بلا خلاف وفي الأول
خلاف، وفيهم من سوى بين المسألتين فجعل العبد بين الجانبين وهو الأقوى.
فصل: في عفو المجني عليه بموت:
يمكن فرض المسألة إذا قطع يده أو رجله أو قلع عينه ثم عفا عنه، لكنا
نفرضها فيما إذا قطع إصبعه عمدا فإنه أوضح وأوسع للتفريع، فإذا قطع إصبعه
عمدا ثم عفا المجني عليه لم يخل من ثلاثة أحوال: إما أن يندمل الإصبع، أو
يسري إلى الكف أو إلى النفس.
فإن اندملت وقد قال: عفوت عن عقلها وقودها، فلا قصاص عليه في
الإصبع، لأنه عفا عنه، وكان واجبا حين العفو، وأما دية الإصبع فقد صح العفو
عنها أيضا، وقال بعضهم: لا يصح العفو، والأول هو الصحيح، ولا فصل فيه إذا
اندملت بين أن يقول: عفوت عن عقلها وقودها، أو يزيد فيقول: وما يحدث فيها،
أو لا يزيد عليه، لأنه لا زيادة بعد الاندمال.
وإن قال: عفوت عن الجناية، ولم يزد على هذا، كان عفوا عن القود دون
العقل لأنه ما عفا عن المال، فإن اختلفا فقال المجني عليه: عفوت عن الجناية فقط،
وقال الجاني: عفوت عن القود والعقل، فالقول قول المجني عليه، لأنهما يختلفان
في إرادته فكان صاحبها أعلم بذلك، هذا إذا اندملت.
وأما إذا سرت إلى الكف واندملت فلا قود في الإصبع الذي باشر قطعها
لأنه قد عفا عنه، ولا عقل في الإصبع، لأنه قد عفا عنه أيضا وأما الكف بعد
الإصبع فلا قود فيها لأنه لا قصاص في الأطراف بالسراية، ويجب على الجاني
226

دية ما بعد الإصبع، وهو أربع أصابع أربعون من الإبل، ويكون الكف تبعا
للأصابع وسواء قال: عفوت عن عقلها وقودها وما يحدث فيها، أو لم يقل: وما
يحدث منها، لأن الحادث هاهنا وجوب دية ما بعد الإصبع، فهو عفو وإبراء عما
لم يجب فلا يصح العفو عنه.
فأما إذا سرى إلى نفسه فالقود في النفس لا يجب لأنه عفا عن القود في
الإصبع، وإذا سقط فيها سقط في الكل لأن القصاص لا يتبعض، وهذا القصاص
يسقط عن النفس سواء قلنا: تصح الوصية من القاتل أو لا نقول، لأن القولين معا
فيما كان مالا.
فأما القصاص فإنه يصح لأنه ليس بمال بدليل أنه قد يعفو عن القود من لا
يصح أن يعفو عن المال، وهو المحجور عليه لسفه، فلو كان القصاص مالا ما
صح عفو السفيه عنه، والذي رواه أصحابنا أنه إذا جنى عليه فعفا المجني عليه عنها
ثم سرى إلى نفسه كان لأوليائه القود إذا ردوا دية ما عفا عنه على أولياء المقتص
منه، فإن لم يردوا لم يكن لهم القود.
فأما دية النفس فلا يخلو: إما أن يقول: عفوت عنها وما يحدث من عقلها، أو
لا يقول: عما يحدث من عقلها، فإن قال: وما يحدث منها من عقلها، لم يخل من
أحد أمرين: إما أن يكون بلفظ الوصية أو بلفظ العفو والإبراء.
فإن كان بلفظ الوصية فهذه وصية لقاتل، وهل تصح الوصية له أم لا؟ قال
قوم: لا تصح لقوله عليه السلام: ليس لقاتل شئ، وقال آخرون: تصح الوصية
له لقوله عليه السلام: إن الله أعطى لكل ذي حق حقه فلا وصيه لوارث، دل على
أنها لغير وارث، وهذا غير وارث، والذي يقتضيه مذهبنا أنها تصح للقاتل لأنه لا
مانع منه، فمن قال: لا تصح الوصية للقاتل، قال: تكون الدية ميراثا، ومن قال:
تصح، كانت الدية كلها له، إن خرجت من الثلث، وإن لم تخرج منه كان له
منها بقدر الثلث.
وأما إن كان بلفظ العفو والإبراء، فهل الإبراء والعفو من المريض وصية أم
227

لا؟ قال قوم: هو وصية لأنه يعتبر من الثلث، وقال آخرون: هو إسقاط وإبراء
وليس بوصية لأن الوصية نقل ملك فيما يأتي والإبراء والعفو إسقاط في الحال
فلهذا لم يكن العفو كالوصية، وعندنا أنه ليس بوصية وهل يعتبر من الثلث؟
لأصحابنا فيه روايتان قد مضتا.
فمن قال: عفوه كالوصية، فالحكم فيه كما لو كان بلفظ الوصية، وقد
مضى، ومن قال: هو إبراء وليس بوصية، فعلى هذا صح الإبراء عما وجب له،
وهو دية الأصابع ولم يصح فيما عداه، ولأنه إبراء عما لم يجب والإبراء عما لم
يجب لا يصح.
فأما إن قال: عفوت عن الجناية وقودها وعقلها، ولم يقل: وما يحدث منها،
قال بعضهم: لا قصاص في النفس لأنه عفا عن البعض فيسقط، وأما دية النفس
فباقية بحالها لأنه ما أوصى بها ولا عفا.
وأما دية الإصبع وحدها ينظر فيه، فإن كانت بلفظ الوصية فهل تصح أو
لا؟ فمن قال: الوصية للقاتل تصح، صح له دية الإصبع، ومن قال: لا تصح له،
لم تصح دية الإصبع، فإن كان ذلك بلفظ العفو والإبراء فمن قال: هو
كالوصية، فالحكم على ما مضى، ومن قال: إسقاط، صح الإبراء عن عقل
الإصبع بكل حال، لأنه عفا عما وجب له عليه.
إذا جنى عبد على حر جناية يتعلق أرشها برقبته، كأنها موضحة فتعلق برقبته
أرش موضحة، ثم إن المجني عليه أبرأ، ففيه ثلاث مسائل: إن أبرأ العبد فقال:
أبرأتك أيها العبد عنها، لم يصح لأنه أبرأ من لا حق له عليه، وإن أبرأ السيد برأ
وسقط عن رقبة العبد، لأنها وإن كانت متعلقة برقبة العبد، فالعبد يعود على السيد
فلهذا صح، وإن عفا مطلقا فقال: عفوت عن أرش هذه الجناية، صح وكان
راجعا إلى سيده، وهذه وصية لغير القاتل فصحت.
وإذا قتل حر حرا خطأ لم يخل من أمرين: إما أن يثبت هذا عليه بالبينة أو
باعترافه.
228

فإن كان ثبوتها عليه بالبينة، فالدية على عاقلته، وفيه المسائل الثلاث: إن
أبرأ الجاني لم يصح الإبراء، لأنه إبراء من لا حق له عليه، وإن أبرأ العاقلة صح،
وإن أطلق فقال: عفوت عن أرش هذه الجناية وأبرأت عن أرشها، صح وإن كان
راجعا إلى العاقلة وهي وصية لغير القاتل فيصح.
وإن كان ثبوت القتل باعترافه فالدية في ذمته، وفيها ثلاث مسائل: إن أبرأ
العاقلة لم يصح لأنه لا حق له عليهم، وإن أبرأ القاتل فقال: أبرأتك عنها، أو
أطلق فقال: أسقطت عقل هذه الجناية، كانت هذه وصية للقاتل، وهل تصح؟
على قولين، وقلنا إن عندنا يصح.
ذمي قتل مسلما خطأ، فإن كان ثبوته بالبينة كانت الدية على عاقلته وفيه
المسائل الثلاث، وروى أصحابنا أن عاقلته الإمام، وإن كان باعترافه فالدية في
ذمته، وفيه المسائل الثلاث، فإن كانت إبراء له فهي وصية للقاتل، فيكون على ما
مضى من الخلاف.
ولا فصل بين الذمي والمسلم في هذا، لكن هناك فصل يخالف المسلم
فيه، وهو أن المسلم إن كان له عاقلة فالدية على عاقلته، وإن لم يكن له عاقلة ففي
بيت المال، والذمي إذا لم يكن له عاقلة فالدية في ذمته دون بيت المال عندهم،
وقد قلنا ما عندنا فيه.
وفصلوا بينهما بأن المسلم عصبة المسلم، بدليل أنهم يرثونه إذا لم يكن له
وارث، فلهذا عقلوا عنه، وليس كذلك الذمي لأنه إذا لم يكن له وارث نقل ما له
إلى بيت المال فيئا لا ميراثا، وعندنا: لا فرق بينهما في أن كل واحد منهما إذا لم
يكن له وارث كان ميراثه للإمام، فلهذا عقل عنه.
إذا جنى عبد على حر جناية لها أرش مقدر، ونفرضها في الموضحة لم يخل
من أحد أمرين: إما أن يكون عمدا أو خطأ.
فإن كانت خطأ تعلق برقبة العبد خمس من الإبل أخماسا، فإن اشتراه
المجني عليه من سيده بما تعلق له برقبته من الإبل فهل يصح أو لا؟ قال قوم:
229

يصح، وقال بعضهم: لا يصح، لأن الثمن مجهول بدليل أن الإبل وإن كانت
معلومة العدد والسن فإنها مجهولة النوع واللون، بدلالة أنه لو أسلم إليه في خمس
من الإبل على هذا القدر من الصفة لم يصح، فإذا كان مجهولا كان باطلا، ومن
قال: يصح - وهو الأقوى - قال: لأنه حق وهو مال مستقر يملك المطالبة به،
فيصح أن يكون ثمنا في البيع كالدين المعلوم.
فمن قال: البيع باطل، فلا كلام، ومن قال: صحيح، ملك المجني عليه
العبد، وسقط الأرش عن رقبته، فإن أصاب المشتري بالعبد عيبا كان له
رده، فإذا رده عاد الأرش إلى رقبته.
فإن كانت الجناية عمدا تعلق برقبته القود في الموضحة، فإن قال المجني
عليه لسيده: بعني هذا العبد بأرش هذه الجناية، كان يجب هذا عفوا عن
القصاص وثبوت الأرش في رقبته، وجعله ثمنا له، فيسقط القصاص ويثبت الأرش
في رقبته، وهل يصح أن يكون ثمنا يملكه به من سيده؟ على ما مضى إذا كانت
خطأ.
كل جرح لو اندمل وجب فيه القصاص، إذا سرى إلى النفس وجب فيه
القصاص عند بعضهم، مثل أن قطع يده أو رجله أو قلع عينه أو أوضحه فله
القطع في الجرح والقتل، وفيه خلاف، وقد بينا فيما مضى أن الذي يقتضيه
مذهبنا أنه ليس له إلا القتل، وأما قصاص الطرف، فإنه يدخل في قصاص البدن.
فأما إن قطع يده ثم قتله فكذلك، له القصاص في الطرف والنفس، وهو
الأقوى عندي، وقال بعضهم: لا قصاص في الطرف هاهنا أيضا، فمن قال: له
القطع والقتل بعده، قال: هو بالخيار بين أن يقتل ولا يقطع وقد ترك بعض
حقه، وبين أن يقطع ويعفو عن القتل، فإذا فعل هذا لم يجب عليه دية اليد التي
قطعها، وقال بعضهم: إذا عفا بعد قطع اليد فعليه دية اليد التي قطعها.
230

كتاب الديات
قال الله تعالى: وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا خطأ
فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا فإن كان من قوم عدو لكم
وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة
إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة.
فذكر الله تعالى في الآية ديتين وثلاث كفارات، ذكر الدية والكفارة بقتل
المؤمن في دار الإسلام فقال: ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة
إلى أهله.
وذكر الكفارة دون الدية بقتل المؤمن في دار الحرب في صف المشركين
إذا حضر معهم الصف فقتله مسلم ففيه الكفارة دون الدية، فقال: وإن كان من
قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة، لأن قوله: " وإن كان " كناية عن
المؤمن الذي تقدم ذكره، وقوله: " من قوم " معناه في قوم، لأن حروف الصفات
يقوم بعضها مقام بعض.
ثم ذكر الدية والكفارة بقتل المؤمن في دار المعاهدين فقال: وإن كان من
قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة، وعند المخالف
أن ذلك كناية عن الذمي في دار الإسلام، وما قلنا أليق بسياق الآية، لأن
الكنايات في " كان " كلها عن المؤمن، فلا ينبغي أن يصرفها إلى غيره بلا دليل.
231

وروى مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن أبي حزم عن أبيه عن جده أنه قال:
كان في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وآله لعمرو بن حزم إلى
أهل اليمن: وفي النفس مائة من الإبل، وعليه أيضا إجماع الأمة وإن اختلفوا في
تفصيلها.
فصل
في أقسام القتل وما يجب به من الديات
القتل على ثلاثة أضرب:
الأول: عمد محض، وهو أن يكون عامدا إلى قتله بآلة تقتل غالبا كالسيف
والسكين واللت والحجر الثقيل عامدا في قصده، وهو أن يقصد قتله بذلك، فمتى
كان عامدا في قصده عامدا في فعله فهو العمد المحض.
الثاني: خطأ محض، وهو ما لم يشبه شيئا من العمد، بأن يكون مخطئا في
فعله مخطئا في قصده، مثل أن رمى طائرا فأصاب إنسانا فقد أخطأ في الأمرين
معا.
الثالث: عمد الخطأ أو شبه العمد، والمعنى واحد، وهو أن يكون عامدا في
فعله مخطئا في قصده، فأما عامدا في فعله، فهو أن يعمد إلى ضربه لكنه بآلة لا
تقتل غالبا كالسوط والعصا الخفيفة، والخطأ في القصد أن يكون قصده تأديبه
وزجره وتعليمه لكنه مات منه، فهو عامد في فعله مخطئ في قصده.
وأما الديات فتنقسم ثلاثة أقسام أيضا بانقسام القتل:
الأولى: مغلظة في السن والصفة والاستيفاء: فالسن ثلاثون حقة، وثلاثون
جذعة، وأربعون خلفة، والصفة أن تكون الأربعون حوامل، والاستيفاء أن يكون
حالة في مال القاتل، وهي كل دية وجبت بالعمد المحض، غير أن عندنا أنها
كلها مسان من الإبل وتؤخذ من ماله خاصة في سنة، وقال بعضهم: تؤخذ في
ثلاث سنين.
232

الثانية: مخففة من ثلاثة أوجه: السن والصفة والاستيفاء، فالسن عشرون بنت
مخاض وعشرون ابن لبون ذكرا وعشرون بنت لبون وعشرون حقة وعشرون
جذعة، والصفة لا يطلب منه حوامل. والاستيفاء أن تكون مؤجلة ثلاث سنين على
العاقلة، وهي كل دية وجبت بالخطأ المحض.
الثالثة: مغلظة من وجه مخففة من وجه، فالتغليظ بالسن والصفة على ما قلناه
في العمد، والتخفيف في الأجل، عندنا تؤخذ في سنتين من ماله خاصة، وعند
بعضهم على العاقلة في ثلاث سنين، مثل الخطأ المحض وفيه خلاف.
وقال بعضهم: القتل ضربان عمد محض، وخطأ محض، وعمد الخطأ لا
نعرفه، وقال: شبه العمد عمد يوجب القود.
وقسم الدية ثلاثة أقسام:
الأولى: مغلظة، وهو ما وجب بالعمد إلا أنه قسمها أرباعا، وقد روي ذلك في
أخبارنا.
الثانية: مخففة، وهي الواجبة بالخطأ.
الثالثة: ما وجب بقتل الوالد ولده حذفا بالسيف، وفيه دية مغلظة ثلاثون
حقة وثلاثون جذعة وأربعون خلفة - الخلفة هي الحامل وقيل إن التي يتبعها
ولدها -.
والمعتبر الحامل في الدية ولا يختص بسن، وقال بعضهم: تكون ثنايا.
ومتى أحضر الإبل واختلف ولي الدم وصاحب الإبل في كونها حوامل
رجع إلى أهل الخبرة فعمل به، ومتى أحضرها حوامل فأزلقت - يعني أسقطت
قبل الإقباض -، كان عليه بدلها حوامل، وإن أزلقت بعد الإقباض فلا شئ عليه.
وقد ذكرنا أن القتل ثلاثة أقسام: عمد محض وخطأ محض وخطأ شبه
العمد، فهكذا الجناية على الأطراف تنقسم هذه الأقسام إذا جنى على رأسه أو على
طرفه فأوضحه فإن كان عامدا في فعله وقصده، وهو أن ضربه عمدا بآلة يوضح
غالبا فهو عمد محض، وإن كان مخطئا في فعله وقصده فهو خطأ محض، وإن
233

كان عامدا في فعله مخطئا في قصده، مثل أن عمد بحجر لا يوضح غالبا فكان
موضحة فهو عمد الخطأ، فلا تفترق النفس والأطراف في أقسام الجناية عليهما.
وإنما يفترقان في فصل وهو أنه قد يكون في الأطراف عمدا، وفي النفس
عمد الخطأ، وهو إذا ضربه بحجر يوضح غالبا ولا يقتل غالبا فيكون في الموضحة
عمدا محضا، وفي النفس عمد الخطأ.
قد ذكرنا أن الدية تغلظ في العمد المحض وعمد الخطأ، وتخفف في الخطأ
المحض، فهذه مخففة أبدا إلا في ثلاثة مواضع: المكان والزمان والرحم.
أما المكان فالحرم، والزمان فالأشهر الحرم، والرحم بأن يقتل ذا رحم
بالنسب كالأبوين والإخوة والأخوات وأولادهم وفيه خلاف.
وفي من غلظ من لا يغلظ بالزيادة في الدية، وإنما يغلظ بأسنان الإبل، وعندنا
أنها تغلظ بأن يوجب دية وثلث، وقطع الأطراف يغلظ أيضا بالزمان والمكان
والرحم عنده، ولم يذكر أصحابنا التغليظ إلا في النفس.
إذا قتل أو قطع طرفا في الحرم استقيد منه بلا خلاف، وإن قطع في الحل
أو قتل ثم لجأ إلى الحرم، فقال بعضهم: يستقاد فيه، وعندنا لا يستقاد فيه، بل
يضيق عليه في المطعم والمشرب حتى يخرج فيستقاد منه، وبه قال قوم في النفس
دون الطرف فأما إذا دخل الكعبة أو المسجد الحرام فلا خلاف أنه لا يقتل فيهما
حتى يخرج.
الدية إذا كانت على العاقلة لم يخل العاقلة من أحد أمرين: إما إن يكون من
أهل الإبل أو من غير أهلها.
فإن كان أهل الإبل كالعرب وغيرهم ممن يقتنوا الإبل ويتمولونها كلفناهم
الواجب عليهم من إبلهم، ولا ننظر إلى إبل البلد، فإن كانت إبلهم عرابا كلفناهم
منها وإن كانت إبل البلد بخاتا، وإن كانت إبلهم بخاتا كان لهم أن يعطوا منها
وإن كانت إبل البلد عرابا، فإن كانت إبلهم أدون من إبل البلد وأعطوا من إبل
البلد قبل منهم، فإذا تقرر هذا نظرت، فإن كانت إبل العاقلة كلها نوعا واحدا
234

كان الواجب عليهم منه، وإن اختلفت أنواعه أخذنا من كل واحد منهم من نوع
إبله لأنها بمنزلة الزكاة.
فأما أن يكون العاقلة من غير أهل الإبل، لم يخل من أحد أمرين: إما أن
يكون بالبلد إبل أو لا يكون، فإن كان في البلد إبل كلفوا من إبل البلد، فإن لم
يكن في البلد إبل كلفوا من إبل أقرب البلدان إلى هذا البلد، كما نقول في زكاة
الفطرة تخرج من غالب قوت البلد، فإن لم يكن فيه غالب قوت كلف من قوت
أقرب البلدان بهذا المكان.
وعندنا، إن كانت العاقلة من غير أهل البلد أخذ منهم ما هم من أهله، لأن
الدية عندنا إما مائة من الإبل أخماسا أو أرباعا، وروي ذلك أجمع، أو مائتان من
البقر، أو ألف من الغنم، أو ألف دينار، أو عشرة ألف درهم، أو مائتا حلة، وكل
واحد من هذه الأجناس الستة أصل في نفسه، وليس بعضها بدلا عن بعض، هذا
إذا كانت على العاقلة.
فأما إن كانت على القاتل، وهو إذا قتل عمدا أو اعترف بالخطأ أو كان شبيه
العمد فالحكم فيه كالحكم في العاقلة سواء عندنا وعندهم وقد مضى شرحه، وإن
كانت إبله نوعا واحدا أخذنا وإن كانت أنواعا إن شاء أعطى نوعا واحدا، وإن
شاء من كلها بالحصة.
وإن كانت له إبل من غير إبل البلد، فأراد أن يعدل عن إبله إلى إبل البلد،
فإن كانت دون إبله لم يكن له، وإن كانت فوقها فقد تطوع بالفضل، وهكذا لو
طلب الولي غير إبله، وكانت أعلى من إبله لم يكن له، وهكذا في القيمة إن طلب
الولي القيمة وأبي القاتل إلا الإبل أو بذل القاتل القيمة وأبي الولي إلا الإبل لم يكن
له عندهم، لأن الواجب الإبل فلا يعدل عن الواجب بغير تراض، كما لو أتلف
على رجل طعاما فعليه مثله، ولا يعدل عن المثل بغير تراض.
والذي يقتضيه مذهبنا أنه إذا كان من أهل الإبل وبذل القيمة - قيمة مثله -
كان له ذلك، وإن قلنا ليس له ذلك كان أحوط، فأما إن كان من أهلها فطلب
235

الولي منه القيمة، لم يكن له ذلك، فأما إن كانت إبله مراضا أو نحافا أو جربة لم
يقبل منه إلا السمينة.
قد قلنا أنه إذا كان من أهل الإبل فالأحوط أن لا يعدل عنها مع وجودها
لقوله عليه السلام: وفي النفس مائة من الإبل، فإن أعوزت الإبل بأن لا توجد إبل
أو توجد بأكثر من ثمن مثلها، قال قوم: ينتقل إلى قيمة الإبل حين القبض ألف
دينار أو اثني عشر ألف درهم، فالدية على هذا الإبل، والقيمة بدل عنها لا عن
النفس.
وقال بعضهم: ينتقل إلى أحد أصلين ألف دينار أو اثني عشر ألف درهم
كل واحد منهما بدل عن النفس لا عن الإبل، فتكون الدية ثلاثة أصول: مائة من
الإبل أو ألف دينار أو اثنى عشر ألف درهم، كل واحد منها بدل عن النفس، إلا
أن للإبل مزية وهو أنها متى وجدت لم يعدل عنها.
وقد قلنا أن عندنا ستة أصول كل واحد أصل في نفسه، وليس بعضها بدلا
عن بعض، بل كل واحد منها بدل عن النفس، وهي مائة من الإبل أو ألف دينار
أو عشرة ألف درهم أو مائتا بقرة أو ألف شاة من الغنم أو مائتا حلة، وكل من
كان من أهل واحد من ذلك أخذ ذلك منه مع الوجود، فإذا لم يوجد أخذ أحد
الأجناس الأخر، وسواء كانت بقيمة الإبل أو دونها أو فوقها.
[دية الموضحة]
في الموضحة خمس من الإبل سواء كانت في الرأس أو على الوجه أو على
الأنف وفيه خلاف، والمعتبر الاسم صغرت الموضحة أو كبرت، لأنها لو كانت
مثل غرز إبرة أو نقر في طول الرأس كله فالمقدر لا يختلف في الصغر والكبر،
لظاهر الخبر، أنه عليه السلام قال: في الموضحة خمس من الإبل، ولم يفصل، ولا
فصل بين أن يكثر شينها أو يقل لما مضى، ولا فرق بين أن يكون في مؤخر رأسه
أو مقدمه لظاهر الخبر، ولا فرق بين أن يكون على الجبهة أو على الجبين أو تحت
236

الشعر لا يرى أو يكون مشاهدا، الباب واحد.
إذا أوضحه موضحتين ففي كل واحد منهما خمس من الإبل لقوله: في
الموضحة خمس من الإبل، ولقوله: وفي المواضح خمس خمس.
فإن عاد الجاني فخرق ما بينهما حتى صارتا واحدة ففيها أرش واحد لأنه
صيرهما واحدة بفعله كما لو أوضحه ابتداء منه، لأن فعل الواحد يبني بعضه على
بعض بدليل أنه لو قطع يده ورجله ثم عاد فقتله فالدية واحدة لأن الجاني واحد.
فإن كانت بحالها ولم يخرق بينهما، لكن سرت الموضحة فذهب ما بينهما،
ففي الكل أرش موضحة واحدة، لأن السراية من فعل الجاني سرت.
فأما إن جنى أجنبي فشق ما بينهما ففي الكل أرش ثلاث مواضح: اثنتان من
الأول، والثالثة من الثاني، لأن فعل الاثنين لا يبني بعضه على بعض، فأما إن شق
ما بينهما المجني عليه فالفعل هدر، وعلى الجاني أرش موضحتين، كما لو قطع
رجل يديه ثم قتل هو نفسه، فإن فعله هدر وعلى الجاني دية اليدين.
فإن اختلفا فقال الجاني: أنا شققت ما بينهما فعلى موضحة واحدة، وقال
المجني عليه: بل أنا فعلت ذلك فعليك أرش موضحتين، فالقول قول المجني
عليه، لأن الظاهر أرش موضحتين، فلا يقبل قول الجاني في إسقاط ذلك، وهذا
يدل على أنه إذا قطع يدي رجل ورجليه ومضت مدة يندمل فيها ثم مات، فقال
الجاني: مات بالسراية فعلى دية واحدة، وقال الولي: مات بغير سراية، وجب أن
يكون القول قول الولي لأن الظاهر وجوب ديتين حتى يعلم غيره.
فإن شجه فكان بعضها موضحة وبعضها سمحاقا وبعضها متلاحمة، وبعضها
خارصة فالكل موضحة واحدة لأنها لو كانت كلها موضحة لم تزد على أرش
موضحة.
فإن مد السكين إلى قفاه فأوضح الرأس والقفاء، ففي موضحة الرأس مقدر،
وفي الزيادة إلى القفاء حكومة، لأنهما عضوان محلهما مختلف، فإن مد السكين إلى
جبهته فأوضح الرأس والجبهة معا قال قوم: هما موضحتان، لأنهما عضوان، وقال
237

آخرون: موضحة واحدة لأنه إيضاح واحد في محل الإيضاح وهو الأقوى،
والأول قوي.
فإن أوضحه موضحتين فعليه أرشهما، فإن عاد الجاني فأخذ السكين فنقب
من أحدهما إلى الأخرى فجعلهما واحدة في الباطن اثنتين في الظاهر، قال قوم:
هما موضحتان اعتبارا بالظاهر، كما لو شجه هاشمتين في الظاهر دون الباطن،
فإنهما هاشمتان، وقال آخرون: موضحة واحدة اعتبارا بالباطن، هذا كله في
الشجاج في الرأس والوجه.
فأما إذا جرحه على الأعضاء في محل ينتهي إلى عظم كالساعد والعضد
والساق والفخذ ففيها القصاص وأما الأرش ففيها حكومة عندهم، وليس فيها
مقدر، وعندنا: فيها مقدر وهو نصف عشر دية ذلك العضو.
[دية الهاشمة]
الهاشمة هي التي تزيد على الإيضاح حتى تهشم العظم، وفيها عشر من الإبل
عندنا وعند جماعة، ثم ينظر فإن كانت خطأ فهي أخماس عندهم، وعندنا أرباع،
كما قلنا في دية النفس، وإن كانت عمد الخطأ ففيها عشر أثلاثا بلا خلاف، وفي
عمد الخطأ عليه في ماله وفي الخطأ على العاقلة وعندهم: الجميع على العاقلة،
وإن كانت عمدا محضا ففي الإيضاح القصاص، ولا قصاص فيما زاد عليه من
الهشم وغيره بلا خلاف، ويكون المجني عليه بالخيار بين أن يعفو عن القصاص
على مال فيكون له على الجاني عشر مغلظة حالة، وبين أن يقتص من الموضحة
ويأخذ لأجل الهشم خمسا.
فإن كان بعضها هشما وبعضها إيضاحا وبعضها سمحاقا وبعضها متلاحمة،
وبعضها باضعة، فالكل هاشمة واحدة، لأنها لو كانت بطونها هشما كان الكل
هاشمة كما قلنا في الموضحة.
فإن كان هناك هشم من غير شق لحم ولا جرح، قال قوم: فيها حكومة
238

لأنه كسر عظم فأشبه عظم الساعد والساق، وقال قوم: فيها خمس من الإبل لأنه
لو أوضح من غير كسر كان فيها خمس ولو أوضح وكسر كان فيها عشر وجب
إذا كان هناك هشم من غير إيضاح أن يكون فيها خمس، ويفارق كسر الساعد
والساق، لأنه لو كان هناك إيضاح من غير كسر لم يكن فيها مقدر، فكذلك
في كسر العظم من هذا المكان، والذي يقتضي مذهبنا أن نقول أن فيها عشرا من
الإبل لتناول الاسم له.
فإن أوضحه في موضعين وهشم العظم في كل واحدة منهما، غير أنه اتصل
الهشم في الباطن فصارت هاشمة واحدة، وظاهرهما بينهما لحم وجلد قائم فهما
هاشمتان.
[دية المنقلة]
فأما المنقلة - ويقال لها المنقولة -، ففيها خمس عشرة من الإبل بلا خلاف
لأن النبي عليه السلام قال: وفي المنقلة خمس عشرة، ولا قصاص فيها بلا
خلاف، والمجني عليه بالخيار بين أن يعفو عن قود الإيضاح منها ويأخذ كمال
ديتها خمس عشرة، وبين أن يقتص في الموضحة ويأخذ منه ما زاد عليها عشرا من
الإبل على ما قلناه في الهاشمة.
[دية المأمومة والدامغة]
فأما المأمومة فهي التي تبلغ أم الرأس، - وأم الرأس الخريطة التي فيها
الدماع لأن الدماع في خريطة من جلد رقيق -، والدامغة تزيد على المأمومة بأن
يخرق الخريطة ويصل إلى أم الدماع، والواجب فيهما سواء ثلث الدية بلا
خلاف، لقوله عليه السلام: في المأمومة ثلث الدية، والمجني عليه بالخيار بين أن
يعفو عن قود الموضحة ويأخذ كمال ديتها ثلث الدية، وبين أن يقتص من الجاني
موضحة ويأخذ ما بقي إلى المأمومة ثمانية وعشرين بعيرا وثلث بعير.
239

فإن أوضحه واحد ثم زاد آخر هشما ثم زاد آخر فجعلها منقلة ثم زاد آخر
فجعلها مأمومة، فعلى الأول ما بين الموضحة والهاشمة خمس، وعلى الثاني ما بين
الهاشمة والمنقلة خمس، وعلى الثالث ما بين المنقلة والمأمومة ثمانية عشر وثلث ما
دون الموضحة عندنا فيه مقدر.
[دية الخارصة والباضعة]
الخارصة، وهي الدامية، فيها بعير وفي الباضعة بعيران، وفي المتلاحمة ثلاثة
أبعر، وفي السمحاق أربعة أبعر، ومن خالف جعلوها خمسة، جعلوا الدامية غير
الخارصة، وفيهم من جعلها ستة زاد بعد الدامية الدامغة.
وأيها كان فلا قصاص في شئ منها عندهم وفيها حكومة لا يبلغ أرش
المقدر في الموضحة والاعتبار فيها بالشين فكلما كان الشين أكثر كانت الحكومة
أكثر.
وقال بعضهم: هذا إذا لم يعلم قدرها من الموضحة، فأما إن علم قدرها منها
وذلك يعلم بأحد أمرين: إما أن يكون إلى جنب موضحة فيعرف عمقها وعمق
الموضحة فيعلم قدرها أو تكون هذه الشجة في عمق الموضحة يمد حد السكين
في اللحم فيبعضه فيعرف قدر ذلك.
فإذا علمنا بالمساحة نصفا أوجبنا فيه ذلك أو ما زاد أو نقص بحسابه، فإن
تحقق النصف وشك في الزيادة رجع إلى التقويم، فإن بان بالتقويم النصف فلا
كلام وإن بان دون النصف أخذ النصف وعلم غلط المقوم، وإن كان أكثر من
النصف بالتقويم أوجب الأكثر، لأن ذلك الشك في الزيادة قد ظهر بالتقويم.
كما يقال فيه إذا قطع لسانه: اعتبر بالمساحة، فإن كان قطع نصفه أوجب
نصف الدية، وما زاد أو نقص بحسابه، فإن علم النصف وشك في الزيادة اعتبر
بالحروف، فإن بان أنه قد ذهب نصفها فلا كلام، وإن كان قد ذهب دون
النصف أخذ نصف الدية وتركت الحروف، وإن كان قد ذهب من الحروف
240

أكثر أوجب بقدر الحروف، لأنا تبينا بها أن الزيادة على النصف التي شككنا فيها
قد ذهب بالشك، فلهذا أوجبنا أكثر من النصف، قد قلنا ما عندنا في الجراح وأما
اللسان فالاعتبار عندنا بالحروف لا غير على ما سيجئ بيانه.
وكل شجة فيما عدا الرأس والوجه ففيها الحكومة، وإذا انتهت الشجة إلى
العظم في عضو كالعضد والساعد والفخذ ففيه القود، وفي الموضحة فيها عندنا
نصف عشر دية ذلك العضو، وعندهم فيه حكومة، وفيما عداه مقدر ذكرنا
شرحه في تهذيب الأحكام.
[دية الجائفة]
وأما الجائفة ففيها ثلث الدية بلا خلاف، لقوله عليه السلام: في الجائفة ثلث
الدية، والجائفة هي التي تخرق إلى الجوف من بطن أو ظهر أو صدر أو ثغرة نحر
أو من جنب أو من غيره، فكل هذا جائفة، فأما إن جرح موضعا ثم مده إلى محل
الجائفة فأجافه مثل أن يجرح فخذه ولم يزل يمد السكين حتى وصلت إلى محل
الجائفة فأجافه أو قطع كتفه ولم يزل حتى مد السكين فأجافه، فعليه ثلث الدية،
وحكومة فيما جنى على غير محلها كما لو أوضحه ثم مد السكين إلى قفاه، فعليه
دية موضحة وحكومة في الزيادة إلى القفاء.
فإن أجافه رجل وجاء آخر فأدخل السكين في نفس هذه الجائفة، ففيها
خمس مسائل:
إحداها: إن لم يجرح شيئا ولم يحصل بها جناية فعليه التعزير، لأنه آذاه ولا
أرش، لأنه ما جرحه.
الثانية: وسعها من باطن دون الظاهر، أو من ظاهر دون الباطن فعليه حكومة
لأنها جراحة هي دون الجائفة.
الثالثة: وسعها من ظاهر وباطن معا، فهذه جائفة لأنه لو انفرد بهذا القدر كان
جائفة.
241

الرابعة: أدخل السكين فلم يؤثر في الثقب شيئا لكنه طعن عضوا من الأعضاء
الشريفة كالكبد والطحال فعليه حكومة لأنه لا مقدر فيها.
الخامسة: كانت الجائفة واسعة، فأبان حشوته، فالأول جارح عليه ثلث الدية
والثاني قاتل عليه كمال الدية.
فإن خيط جائفته ثم جاء آخر ففتقها ففيه ثلاث مسائل: نظرت.
الأولى: فإن كان قبل الاندمال فلا ضمان عليه، وعليه التعزير لأنه ما جرحه
وإنما آذاه.
الثانية: وإن كان قد التحم بعض من داخل أو خارج ففتق ما التحم، ففيها
حكومة لأنه بعض جائفة.
الثالثة: اندملت ثم جاء ففتقها فهي جائفة فعليه ثلث الدية، فإن أجافه جائفتين
جميعا من ظاهر إلى داخل فعليه ثلثا الدية.
فأما إن جرحه فأجافه وأطلعها من ظهره، قال قوم: هما جائفتان، ومنهم من
قال: جائفة واحدة، وهو الأقوى، لأن الجائفة ما نفذت إلى الجوف من ظاهر.
فإن جرحه في وجنتيه فشق الجلد واللحم وكسر العظم، ودخل إلى جوف
الفم، قال قوم: هي جائفة فيها ثلث الدية، لأنها وصلت إلى جوف الفم، وقال
آخرون: ليست جائفة لأن الجائفة أن يصل إلى جوف يكون منه التلف غالبا،
وهذا معدوم فعلى هذا تكون هاشمة، وما زاد عليها إلى الفم حكومة، وعندنا فيه
مقدر ذكرناه في النهاية وغيره.
[دية الأذنين]
الأذنان فيهما الدية وتجب بقطع أشرافهما وهو الأذن والمعروف الجلد
القائم بين العذار والبياض التي حولها، وفي كل واحدة منهما نصف الدية لقوله
عليه السلام في كتاب عمرو بن حزم: وفي الأذنين الدية.
فإن قطع بعض الأذن ففيها بحساب ذلك من الدية سواء قطع من أعلاها
242

أو من أسفلها، فإن جنى عليهما فشلتا واستحشفتا، قال قوم: فيهما الدية، وقال
آخرون: فيهما حكومة، وعندنا فيهما ثلثا الدية.
فإن قطعهما قاطع بعد الشلل فمن قال: إذا شلتا فيهما الدية، قال: إذا قطعنا
بعد هذا ففيها حكومة، ومن قال: ففي شللهما حكومة، قال: ففي قطعهما بعد
الشلل الدية، كما لو جنى على عضو فيها حكومة ثم قطعه قاطع، فعلى القاطع
القود، وعندنا يجب على من قطعهما بعد الشلل ثلث الدية لا تمام الدية.
[دية السمع]
في السمع الدية بلا خلاف لقوله عليه السلام: وفي السمع الدية، فإذا ثبت
ذلك فقال المجني عليه: ذهب سمعي سئل الجاني.
فإن صدقه، قال قوم: يسأل أهل الخبرة، فإن قالوا: قد أسند الصمم وأيس
منه، أخذ منه الدية في الحال، وإن قالوا: إنه يصبر إلى مدة فإن عاد سمعه وإلا فقد
استقر صبرنا إلى ذلك الوقت، فإن لم يعد فقد استقرت الدية.
وإن كذبه الجاني فقال: ما ذهب سمعه صيح به عند غفلاته وتأمل عند
صوت الرعد، فإن ظهر أنه قد سمع فالقول قول الجاني، لأن الظاهر معه، ويلزمه
اليمين لجواز أن يكون ما شوهد منه اتفاقا، فيحلف ليزول الاحتمال، وإن لم يحس
بشئ أصلا فالقول قول المجني عليه، لأن الجناية قد حصلت والظاهر أنه صادق
لأنه لو لم يفزع عند الصوت ولا يمكن إقامة البينة عليه، فالقول قوله مع يمينه،
لجواز أن يكون ما سمع على سبيل الاحتراز والتجلد فحلفناه ليزول الإشكال.
فأما إن ذهب سمع إحديهما ففيها نصف الدية، فإن ذكر أنه قد نقص سمعه
فلا سبيل إلى معرفة صدقه بحال ويكون المرجع فيه إليه أن يحلف أنه قد نقص
ثم الحاكم يجتهد في إيجاب حكومة فيه بقدر ما نقص، فإن ذكر أنه نقص سمع
إحديهما سددناها وأطلقنا الصحيحة وأقمنا رجلا يكلمه ويحدثه وهو يتباعد عنه إلى
حيث يقول إنه لا يسمع ما يقول، فإذا قال هذا أعيد عليه الصوت والكلام، فإنه
243

يبين كذبه فإذا عرفنا مدى صوته سددنا الصحيحة وأطلقنا العليلة، ولا يزال يكلمه
حتى ينتهي إلى حيث يقول أنه لا يسمع، فإذا قال هذا أعيد عليه الكلام ليظهر
صدقه، فإذا عرفنا هذا مسحنا المسافتين معا، ونظرنا ما بينهما، فأوجبنا عليه
بالحصة من الدية، وهذا مثل ما رواه أصحابنا من اعتبار الخرس من أربع
جوانب.
فأما إن قطع أذنيه فذهب سمعه كله فعليه ديتان دية في الأذنين ودية في
السمع.
[دية العقل]
في العقل الدية بلا خلاف لقوله عليه السلام في كتاب عمرو بن حزم: وفي
العقل الدية، وروى جابر عنه عليه السلام مثله.
فإذا ثبت ذلك، فإن ذهب عقله كله ففيه الدية وإن ذهب بعضه فإن كان
مقدرا وإنما يعرف هذا بأن يجن يوما ويفيق يوما فيعلم أن نصفه قد ذهب أو يجن
يوما ويفيق يومين، أو يجن يومين ويفيق يوما، فإذا كان معروفا بالزمان أوجبنا
من الدية بحسابه، وإن كان الذاهب من عقله غير مقدر، مثل أن صار يخاف من
غير خوف، ويفزع من الصياح، ويستوحش في غير موضعه، فهذا مدهوش لا
يعلم قدر ما زال من عقله، فالواجب فيه أرش الجناية على ما يراه الحاكم.
ومتى جنى عليه جناية ذهب بها عقله لم يخل الجناية من أحد أمرين: إما أن
يكون فيها أرش أو لا أرش فيها.
فإن لم يكن فيها أرش كاللطمة واللكمة ودق الرأس بما لا يشج ولا يكسر
شيئا فليس في شئ من هذا أرش، وإنما عليه التعزير فيعزر وعليه دية العقل
كاملة.
وإن كانت الجناية لها أرش قال قوم: لا يدخل أرشها في دية العقل، سواء
كان أرشها دون دية العقل، كالموضحة والمنقلة والمأمومة وغيرها، أو كان مثل
244

دية العقل أو أكثر، كما لو قطع يديه ورجليه وقلع عينيه، فإنه يجب عليه في
الجناية ما يجب فيها لو انفردت، ودية العقل واجبة مع ذلك وهذا هو مذهبنا،
وقال بعضهم: إن كان أرش الجناية دون دية العقل، دخل في دية العقل
كالموضحة والجائفة والمأمومة، وكسر الساعد والعضد ونحو هذا، وإن كان
أرش الجناية أكثر من دية العقل دخلت دية العقل فيه كما لو قطع يديه ورجليه
فذهب عقله.
وجملته أن الأقل منها يدخل في الأكثر وإذا ثبت أن دية الأطراف لا تدخل
في ديته، فإنه لا قصاص فيه لأن محله مختلف فيه، منهم من قال: محله الدماع،
ومنهم من قال: القلب، ومنهم من قال: بينهما، فإذا كان كذلك لا يمكن القود.
[دية العينين]
وفي العينين الدية لقوله عليه السلام: وفي العينين الدية، وفي إحديهما نصف
الدية بلا خلاف، وإذا جنى عليه جناية فذهب بها ضوء عينيه فعليه الدية لما رواه
معاذ أن النبي عليه السلام قال: وفي البصر الدية، فإذا ثبت أن فيهما وفي ضوئهما
الدية فلا فصل بين أن تكونا صغيرتين أو كبيرتين، مليحتين أو قبيحتين، عمشاوين
أو صحيحتين.
ومتى جنى عليه جناية فادعى المجني عليه أنه قد ذهب ضوءه مثل أن لطمه
أو أوضحه أو دق رأسه، فذكر أن ضوءه ذهب أريناه رجلين عدلين من أهل
الخبرة بذلك إن كانت الجناية عمدا أو رجلا وامرأتين إذا كانت خطأ، فإن زعموا
أن البصر بحاله سقط قوله، وإن قالوا: قد ذهب بصره قيل فهل يرجى عوده؟
نظرت، فإن قالوا: لا يرجى فقد استقر القصاص أو الدية، وإن قالوا: يرجى عوده
لكنه لا نحده غير أنا لا نيأس من عوده إلا بموته فعليه القود أو الدية، لأنه قد علق
بمدة تفضي إلى سقوط الضمان وإن قالوا: يرجى إلى سنة ولا يرجى بعدها، أمهلناه
لأنه لا يموت بالتأخير إلى مدة معلومة، فإن انتهت المدة ولم يعد استقر القصاص
245

أو الدية.
فإن مات قبل انتهاء المدة استقر القصاص أو الدية لأنه قد تحقق عدم البصر
فإن اختلفا فقال الجاني: بصره عاد قبل وفاته، وقال وليه: لم يعد، فالقول قول
الولي لأن الأصل أنه ما عاد حتى يعلم عوده.
فإن كانت بحالها ولم يمت في المدة لكن جاء أجنبي فقلع العين كان على
الأول القود أو الدية، وعلى الثاني حكومة، وعندنا عليه ثلث دية العين لأن الأول
ذهب بالضوء، والثاني قلع عينا لا ضوء لها فهي كعين الأعمى، فإن اختلف
الجانيان فقال الأول: عاد ضوءهما فلا شئ على لأنك قلعتها بعد عوده، وقال
الثاني: ما كان عاد فلا قود على ولا دية، فالقول قول الثاني مع يمينه، فإن قال
المجني عليه: صدق الأول قد كان عاد بصري، قلنا له فقد أبرأت الأول عن
الضمان، وشهادتك لا تقبل على الثاني، لأنك تريد أن تلزمه القول لك أو الدية
بقولك، فلهذا لم يقبل قوله.
إذا جنى عليه فنقص بصره، فإن ذكر أنه قد نقص بصره في العينين معا لم
يمكن معرفة قدره ولا سبيل إلى معرفة ذلك إلا من جهته، فكان القول قوله مع
يمينه، فإذا حلف قضى له الحاكم بقدر ما يؤدى اجتهاده إليه، وروي في أخبارنا
أن عينيه تقاسان إلى عين من هو في سنه ويستظهر عليه بالأيمان.
فأما إذا نقص ضوء إحديهما أمكن اعتباره بالمسافة، وهو أن يعصب العليلة
ويطلق الصحيحة وينصب له شخص على نشز أو تل أو ربوة أو في مستوي من
الأرض فكلما ذكر أنه يبصره فلا يزال يباعد عليه حتى ينتهي مدى بصره، فإذا
قال: قد انتهى، غير ما عليه لون الشخص حتى يعلم صدقه من كذبه، لأن قصده
أن يبعد المدي فإنه كلما بعد وقصر مدى البصر العليلة، كان أكثر لحقه، فلهذا
غيرنا الشخص، فإذا عرفنا قدر المسافة ذرعا عصبنا الصحيحة، وأطلقنا العليلة
ونصبنا له شخصا ولا يزال يتباعد عنه حتى يقول: لا أبصره بعد هذا، وقصده
هاهنا تقليل المسافة ليكثر حقه فإذا فعل هذا أردنا بالشخص من ناحية إلى ناحية
246

وكلفناه أن ينظر إليه، فإن اتفقت المسافتان علم صدقه، وإن اختلفتا علم كذبه، فلا
يزال معه حتى يسكن النفس إلى صدقه، فيمسح المسافة هاهنا، وينظر ما بين
المسافتين، فيؤخذ بالحصة من الدية مثل السمع سواء.
وإن زعم أهل الخبرة والطب أن بصره يقل إذا بعدت المسافة، ويكثر إذا
قربت، وأمكن هذا في المذارعة عملت عليه، بيانه: أن يقال الرجل يبصر إلى مائة
ذراع، وهذا منتهى بصره، فإذا أراد أن يبصر على مائتي ذراع احتاج إلى ضعفي
ذلك البصر لبعده، فعلى هذا إذا أبصر بالصحيحة إلى مائتي ذراع والبصر بالعليلة
إلى مائة علمنا أنه قد نقص ثلثا ضوئها لأنها لا تستدرك المائة التي بعد هذه المائة
إلا بضعفي بصره، فيعلم أنه قد نقص ثلثا ضوئها، فنوجب ثلثي الدية، وهذا عندي
أنه لا يضبط.
فإن قلع عينا فيها بياض على بياضها أو سوادها أو على الناظر غير أنه لا
يحجز البصر، وعين الجاني ليس ذلك عليها قلعناها بها لأن هذا لا يغير حكمها،
فهو كالثؤلول على اليد ويد الجاني لا شئ عليها فإنها تقطع بها، فإن نقص بصره
بهذا البياض وضوءهما فإن عرف لذلك قدر أوجبت الدية بالحصة فيها، وأما
القصاص فلا يجب لأنه لا يؤخذ السليمة الصحيحة بالناقصة وإن لم يعرف قدر
نقصان الضوء ففيها حكومة وإن جنى عليها فبدرت أو شخصت أو أحولت ففيها
حكومة لأنه شين.
إذا قلع عينه فقال المجني عليه: كانت بصيرة، وقال الجاني: كانت عمياء،
فإن لم يسلم له الجاني ذلك بل قال: ولد أعمى فالقول قول الجاني مع يمينه،
لأن هذا مما لا يتعذر على المجني عليه إقامة البينة به، فإن هذا لا يخفى على أهله
وعشيرته وجيرانه ومعامليه، وإن سلم أنه كان يبصر بها لكنه خالفه فقال: ذهبت
ثم جنيت عليها، قال قوم: القول قول المجني عليه لأن الأصل السلامة حتى يعلم
غيرها، وقال آخرون: الأصل براءة ذمة الجاني فالقول قوله مع يمينه، وهما
جميعا قويان والأول أقوى.
247

فأما الكلام فيما يصح تحمل الشهادة عليه أنه كان يبصر فهو أن يتبع
الشخص بصره، ويتوقى بعينه ما يتوقى البصير في طرفه ونحوه، ويشاهد بتجنب
البئر في طرفه وغيرها، ويعتدل في العطفات خلف من يطلبه فإذا شاهدوه هكذا
فقد تحملوا الشهادة على أنه بصير لأن هذه أفعال البصير، وهكذا الشهادة على
صحة اليدين فهو أن يشاهد يبطش بهما بصنعة يعملها أو كتابة ونحو ذلك.
فإذا عرف هذا عرف السلامة، ويصح أن يشهد لليدين بالصحة وكذلك
الصبي والمعتوه متى علم أنه صحيح فهو على الصحة حتى يعلم غيرها، ولا فرق
بين الصغير والكبير في هذا الباب أكثر من المنازعة بين الجاني وبين وليه إذا كان
مولى عليه، وبينه وبين المجني عليه إذا كان رشيدا وإذا توجهت اليمين على الرشيد
حلف، وإذا توجهت على المولى عليه لم يحلف ولا وليه وترك حتى إذا بلغ
الصبي وعقل المجنون حلف.
[دية الأجفان]
في الأربعة أجفان الدية كاملة، وفي كل واحدة منهما مائتان وخمسون
دينارا وروى أصحابنا أن في السفلى ثلث ديتها، وفي العليا ثلثاها، وقال بعضهم:
فيها الحكومة ومتى قلعت الأجفان والعينان معا ففي الكل ديتان، فإن جنى على
أهدابهما فأعدم إنباتها ففيها حكومة عند بعضهم، وقال قوم: فيها الدية وهو الذي
يقتضيه مذهبنا.
فإن أتلف الشعر والأجفان، قال قوم: فيه دية فقط والشعر تبع، كما لو
قطع اليد وعليها شعر، وقال آخرون: في الأجفان دية وحكومة في الشعر لأن
شعر العينين فيها جمال ومنفعة، وشعر اليد لا جمال فيه ولا منفعة، ويقتضي
مذهبنا أن فيها ديتين.
248

[دية الأنف]
وفي الأنف الدية بلا خلاف لقوله عليه السلام: وفي الأنف الدية، وفي
الأنف إذا أوعى جذعا مائة من الإبل، ومعنى أوعى استوعب -، وعن علي
عليه السلام في الأنف مائة من الإبل، فإذا ثبت أن فيه الدية فإنما الدية في المارن - وهو
ما لأن منه وهو دون قصبة الأنف - وذلك المنخران والحاجز إلى القصبة.
فإن كان قطع كل المارن ففيه الدية كاملة وإن قطع بعضه ففيه بالحصة
مساحة كما قلنا في الأذن، فإن شق الحاجز بين المنخرين ففيه حكومة سواء
اندمل أو بقي منفرجا غير أنه إذا كان منفرجا فالحكومة فيه أكثر منه إذا كان
ملتحما.
فإن قطع أحد المنخرين قال قوم: فيه ثلث الدية لأن هناك حاجزا
ومنخرين فإذا قطع منخرا واحدا ففيه ثلث الدية وقال بعضهم: فيه نصف الدية
وهو مذهبنا لأنه ذهب بنصف المنفعة ونصف الجمال.
فإن قطع المارن وأبانه فأعاده المجني عليه والدم جار فالتزق والتحم فعلى
الجاني كمال الدية، لأنه لا يقر على هذا فالإمام يجبره على قلعه لأنه ميتة لا تصح
صلاته معه، فأما إن لم يبن المارن لكنه تعلق بجلده، فأعاده والدم جار فالتزق فلا
دية لأنه ما أبانه وعليه حكومة لأنها جناية اندملت ولا مقدر فيها فإن قطع الأنف
والقصب معا فعليه دية وحكومة في الزيادة.
فإن جنى على أنفه فصار أشل، قال قوم: فيه الدية كاملة، وقال آخرون: فيه
حكومة، وعندنا: فيه ثلثا الدية، فأما إن جنى على أنفه فاعوج ففيه حكومة كما لو
جنى على إصبعه فاعوجت.
إذا جنى على أنفه فذهب شمه ففيه الدية بلا خلاف لقوله عليه السلام: في
الشم الدية، فإن اختلف هو والجاني فقال: ذهب شمي، وقال الجاني: ما ذهب
وهو بحاله، اغتفل بالروائح الطيبة والمنتنة من خلفه فإن هش الطيب وتنكر
المنتنة علمنا أنه كذب، وكان القول قول الجاني، وإن لم يتغير لذلك فالقول
249

قوله مع يمينه، وله الدية.
فإن ادعى نقص شمه كان القول قوله لأنه لا يتوصل إليه إلا من جهته،
والجناية قد حصلت فالقول قوله، والحاكم يوجب فيه بقدر ما يؤدى إليه اجتهاده
من الحكومة فإن أخذ دية الشم ثم عاد شمه رد الدية لأنا تبينا أنه ما زال شمه وأنما
حال دونه حائل ثم ذهب الحائل.
فإن قطع أنفه فذهب شمه ففيه ديتان كما لو قطع أذنه فذهب سمعه، فإذا
أخذنا دية الشم ثم إن المجني عليه وضع يده على أنفه فستره فقال الجاني: قد عاد
شمه ولولا هذا ما وضع يده على أنفه فالقول قول المجني عليه، لأنه قد يضع يده
على أنفه حكا وعبثا وامتخاطا وسترا من الحر والبرد وغير ذلك، وقد يضع لما
قال الجاني، فإذا احتمل هذا سقط قول الجاني، وكان القول قول المجني عليه أنه
ما عاد.
[دية الشفتين]
في الشفتين الدية كاملة وفي السفلى عندنا ثلثاها وفي العليا ثلث الدية، وبه
قال بعض الصحابة، وقال المخالف: بينهما نصفين، وسواء كانتا غليظتين أو
دقيقتين أو طويلتين أو قصيرتين لا يختلف الحكم فيه.
فأما إن جنى عليها جان فيبستا حتى صارتا مقلصتين لا تنطبقان على الأسنان
أو استرختا فصارتا لا تتقلصان عن الأسنان إذا كشر أو ضحك ففيهما الدية لأنهما
في حكم المتلفتين، ولا يبقى فيهما منفعة بجمال، فإن لم تيبسا بكل حال لكن
تقلصتا بعض التقلص ففيه الحكومة، وقال بعضهم: فيه الدية بالحصة، والأول
أقوى لأن هذا يتعذر الوصول إليه.
فإن شق الشفة فاندمل ملتئما أو غير ملتئم ففيه حكومة إلا أنه إذا لم يندمل
ملتئما كانت الحكومة أكثر، وقد روى أصحابنا فيه المقدر في الحالين.
وفي كل جرح في سائر الأعضاء سواء اندمل على صحة أو على فساد
250

وشرحه طويل ذكرناه في تهذيب الأحكام.
وحد الشفة السفلى عرضا ما تجافى عن الأسنان واللثة فيما ارتفع عن جلد
الذقن، وحد عرض العليا ما تجافى عن الأسنان واللثة إلى اتصاله بالمنخرين
والحاجز بينهما والطول حد طول الفم إلى جانبيه، وليست حاشية الشدقين منهما،
فإن قطع بعضهما ففيها الدية بحسابه على ما قلناه في الأذنين يعتبر بالمساحة.
وفي الشفتين القود إذا قطعهما متعمدا بلا خلاف لأن لهما حدا ينتهي إليه،
وقال بعضهم: لا قصاص فيهما لأنه قطع لحم من لحم من غير مفصل.
[دية اللسان]
في اللسان الدية كاملة بلا خلاف لقوله عليه السلام: وفي اللسان الدية، فإن
جنى على لسانه فذهب نطقه ففيه كمال الدية، فإن ذهب ذوقه ففيه الدية، وإذا
جنى على لسانه فذهب بعض كلامه فالصحيح عندنا وعندهم أنه يعتبر بحروف
المعجم كلها وهي ثمانية وعشرون حرفا، ولا تعد " لا " فيها لأنه قد ذكر فيها
الألف واللام، فإن كان النصف منها ففيه نصف الدية وما زاد أو نقص فبحسابه.
وقال بعضهم: الاعتبار بالحروف اللثية دون الحلقية والشفوية، فإن " الحاء
والخاء " من حروف الحلق، " والباء والواو والفاء " من الحروف الشفوية لاحظ
للسان فيها فلا يعتد عليه بما لم يذهب به، والأول أصح لأن هذه الحروف وإن لم
تكن من حروف اللسان فإنه لا ينتفع بها إلا مع وجود اللسان.
فعلى قول من اعتبر حروف اللسان فقط إن كان نصفها ففيها كمال الدية،
وعلى قول من اعتبر الكل نصف الدية، فإذا ذهب بحرف واحد فمن اعتبر الكل
قال: فيه جزء من ثمانية وعشرين جزءا من الدية، سواء كان حرفا خف على
اللسان وقل هجاؤه، أو ثقل على اللسان وكثر هجاؤه كالسين والشين، والصاد
والتاء والثاء لأن كل ما فيه مقدر لم يختلف المقدر باختلاف قدره كالأصابع.
وإذا جنى عليه فذهب من الحروف حرف تزول معه الكلمة بزواله مثل أن
251

أعدم " الحاء " فصار محمد " ممد "، ومكان أحمد " أمد "، فعليه دية الحاء
وحدها ولا دية عليه في حروف باقي الكلمة، وإن كان قد ذهب معناها لأنه ما
أتلفها وإن كان قد ذهب منفعة غيره.
ألا ترى أنه لو قصم ظهره فشلت رجلاه فعليه ديتان دية في الظهر ودية في
الرجلين، وعندنا ثلثاهما، ولو ذهب مشيه مع سلامة الرجلين لم يكن عليه إلا دية
الظهر وحده.
وإذا ذهب من كل كلمة حرف فقام غيره مقامه فصار يقول مكان محمد
مخمد، فجعل مكان " الحاء " " خاء " فعليه دية الحاء وحدها، لأنها ما أذهب
غيرها، فإن جنى عليه بعد الأول جان آخر فذهبت " الخاء " التي كان يأتي بها
مكان الحاء لم يجب عليه إلا دية الخاء وحدها، لأنها أصلية في نفسها، وإن وقعت
مكان غيرها.
فإن جنى عليه وكان سريع الكلام فزادت السرعة أو ثقيل الكلام فزاد ثقلا
أو كان لا يفصح بقلب الراء غينا لكنه يأتي بها مضطربة، فزاد الاضطراب حتى
صارت غينا صحيحة أو كان يأتي بالراء صحيحة فغيرها تغييرا ولم يذهب بها
جملة، ففي كل هذا حكومة لأنه أدخل نقصا فيها ولم يذهب بأصلها.
فإن قطع بعض اللسان نظرت، فإن قطع ربعه فذهب ربع الكلام أو نصفه
فذهب نصف الكلام، ففيه من الدية بحساب ذلك لأنه وافق القطع والكلام معا،
فإذا قطع ربع اللسان فذهب نصف الكلام أو نصف اللسان فذهب ربع الكلام
كان فيه نصف الدية بلا خلاف، واختلفوا في تعليله منهم من قال: الجناية إذا
كانت على عضو ذي منفعة أوجبت الدية في أغلظ الأمرين، فإن كانت دية المنفعة
أكثر أوجبتها وإن كانت دية ما أتلف أكثر أوجبتها.
فإن قطع ربع اللسان فذهب نصف الكلام أوجبت نصف الدية لأن دية
المنفعة أكثر، ولو قطع نصف لسانه فذهب ربع كلامه أوجبت نصف الدية
اعتبارا بالقدر المقطوع لأن المنافع أقل، وقال بعضهم: إن قطع ربع لسانه
252

وذهب نصف كلامه أوجبت نصف الدية اعتبارا باللسان، وذلك أنه قد قطع
الربع وشل ربع آخر بعد قطعه، لأنا اعتبرنا ذلك بالحروف، فوجدناها نصف
الكلام، فعلمنا أنه قطع الربع وشل الربع الآخر، فأوجبنا نصف الدية، ربعها
بقطع ربعه، وربعها بشلل ربعه، فإذا ثبت هذا بانت فائدة الخلاف في التفريع.
وإذا قطع ربع اللسان فذهب نصف الكلام أخذ منه نصف الدية، فإن جاء
آخر فقطع ما بقي منه وهو ثلاثة أرباعه فمن قال: الاعتبار بأغلظ الأمرين، قال:
عليه ثلاثة أرباع الدية، ومن قال: الاعتبار بالمساحة، قال: عليه نصف الدية في
النصف الصحيح وحكومة فيما بقي وهو ربع لسانه، فإنا حكمنا بأن ربعه أشل.
وأما إن قطع نصف لسانه فذهب ربع كلامه ثم جاء آخر فقطع ما بقي،
فمن قال بأغلظ الأمرين قال: عليه ثلاثة أرباع الدية لأنه قد ذهب ثلاثة أرباع
الكلام، ومن قال بالقول الآخر قال: عليه نصف الدية.
إذا قطع لسان صبي فإن كان قد بلغ حدا ينطق بكلمة بعد كلمة، مثل قوله
" بابا وماما " ونحوه، فقد علم أنه لسان ناطق، فإن قطع قاطع فعليه الدية كلها
كلسان الكبير الناطق، وإن كان طفلا لا نطق له بحال كمن له شهر وشهران
فكان يحرك لسانه لبكاء أو لغيره فما تغير باللسان ففيه الدية، لأن الظاهر أنه
لسان ناطق فإن أماراته لا تخفى.
فإن بلغ حدا ينطق فلم ينطق فقطع لسانه ففيه حكومة لأن الظاهر أنه لا
نطق له، فهو كلسان الأخرس غير أن عندنا فيه ثلث دية اللسان الصحيحة
كالأخرس، فإن ترعرع الغلام واشتد فتكلم ببعض الكلام، بان لنا أنه لسان
ناطق، وإن تأخر نطقه لعلة نعتبره بالحروف فينظركم قدر ما ذهب منها، فإن
كان الذاهب ثلثها فله ثلث الدية، وقد قبض الحكومة من هذا الثلث، فيعطى معه
كمال ثلث الدية.
في لسان الأخرس عندنا ثلث الدية، وعندهم فيه حكومة.
إذا قطع لسانه ثم اختلفا فقال الجاني: لم يزل أبكم لا يقدر على الكلام،
253

وقال المجني عليه: بل كنت ناطقا، فلم يسلم أصل السلامة فالقول قول الجاني
مع يمينه، لأنه لا يتعذر إقامة البينة عليه، لأنه من الأعضاء الظاهرة، وإن سلم له
السلامة في الأصل فادعى أنه أخرس حين القطع، قال قوم: القول قول المجني
عليه لأن الأصل السلامة، وقال آخرون: القول قول الجاني، لأن الأصل براءة
ذمته، والأول أقوى.
فإن قطع لسان ناطق فأخذت منه الدية، ثم نبت وتكلم به، فهل عليه رد
الدية أم لا؟ قال قوم: يرد، وقال آخرون: لا يرد، كاختلافهم في سن المثغر،
والأقوى هاهنا أنه لا يرد، لأن عود اللسان بعيد في العادة، فإذا عاد علمنا أنه هبة
من الله مجددة، وليس كذلك السن لأن الظاهر في العادة أنها لا تعود، ألا ترى
أن الشيخ قد تذهب أسنانه فإذا كبر فضلا تنبت أسنانه.
فأما إن جنى على لسانه فذهب كلامه واللسان صحيح بحاله، أخذنا الدية
منه، فإن عاد وتكلم رد الدية لأنه لما نطق بعد أن لم ينطق، علمنا أن كلامه ما
كان ذهب إذ لو كان ذاهبا ما عاد، لأن انقطاعه بالشلل، والشلل لا يزول، وليس
كذلك إذا نبت لسانه لأنا نعلم أنه هبة مجددة من الله تعالى، فلهذا لم يرد الدية.
إذا خلق للسان طرفان فقطع أحدهما، فإن ذهب كل الكلام - فلهذا لم ترد
الدية - ففيه كمال الدية وإن ذهب نصف الكلام ففيه نصف الدية، لأن الظاهر أن
هذا هو اللسان، فإن قطع أحدهما فلم يذهب من الكلام شئ نظرت، فإن كان
مخرج الطرفين سواء، لا يرجح أحدهما على الآخر أوجبنا فيه ما يخصه من الدية
من كل اللسان لأن الكل لسان واحد غير أنه مشقوق، وإن كان مخرجهما مختلفا
كان أحد الطرفين كان في جانب، ففيه حكومة كالإصبع الواحدة، إلا أنه لا يبلغ
بهذه الحكومة بقدر قياس اللسان لأنها زيادة فلا يوجب فيها ما يوجب في
الأصل.
فإن كان قطع الطرفين معا فذهب الكلام، فإن كان الطرفان سواء فلا
كلام، وإن كان أحدهما في حكم الزائد أوجبت الحكومة في الزائد والدية جميعا،
254

كما لو قطع إصبعا عليها إصبع زائدة.
[دية الأسنان]
الأسنان والأضراس كلها سواء، والثنايا والرباعيات في كل واحدة خمس
من الإبل عند بعضهم وفيه خلاف، وعندنا: في جميعها الدية كاملة، في اثني عشر
المقاديم ستمائة دينار خمسون خمسون، وفي ستة عشر في مواخير الفم أربعمائة
في كل واحدة خمسة وعشرون دينارا.
فإذا قلع السن بسنخها، فالسن ما شاهدته زائدا عن اللثة، - والسنخ أصلها
المدفون في اللثة، - فإذا قلعها من أصلها ففيها خمس من الإبل، لأن أصلها كأصل
الإصبع، فإن قطع منها ظاهرها كله دون سنخها، ففيها دية سن كما لو قطع
إصبعا من أصلها الذي هو الكف، وإن جاء آخر فقطع سنخها كان فيه حكومة
كما لو قطع رجل إصبع رجل ثم جاء آخر فقطع أصلها إلى الكوع، كان على
قاطعها دية إصبع وعلى قاطع ما تحتها حكومة.
فإن قطع بعض الظاهر منها ففيه الدية بالحصة، فإن كان النصف فنصف
دية السن وما زاد أو نقص بحسابه، فإن جاء آخر، فقلع ما بقي من الظاهر وكل
سنخها قال قوم: يجب من الدية بقدر ما بقي من الظاهر، وحكومة في سنخها، لأن
ما بقي من الظاهر فيه كمال دية السن.
وقال بعضهم: لهذا تفصيل.
إن قطع نصف الظاهر منها طولا وبقى نصف الظاهر وكل سنخها، فإذا
قلعها قالع بسنخها بعد هذا كان عليه نصف الدية، يتبعه ما تحته من السنخ
وحكومة فيما بقي من السنخ وهو القدر الذي ما كان عليه شئ من الظاهر، كما
لو قطع رجل إصبع رجل فجاء الآخر فقطع الأخرى مع ما تحتها من الكف ما
كان تحت تلك المقطوعتين، فإنه يجب فيه دية إصبع يتبعها ما تحتها وحكومة
في أصل الأخرى.
255

فأما إن كان قطع نصفها عرضا كأنه قطعها فذهب نصفها مع كمال
العرض، ففيها نصف الدية فإن جاء آخر فقلع ما بقي مع السنخ كان عليه ما
يخصه مما بقي من الظاهر من الدية يتبعها ما تحتها من السنخ كما لو قطع من
إصبع أنملتين فجاء آخر فقطع ما بقي منها وهو أنملة مع سنخ الإصبع، فإن
الباقي يتبع تلك الأنملة.
إذا اختلف المجني عليه والجاني الثاني، فقال الجاني: قطع الأول نصفها،
وقال المجني عليه: بل قطع الأول ربعها، فالقول قول المجني عليه، لأن الأصل
أنه لا قطع حتى يعلم ما قدر القطع.
إذا انكشفت اللثة عن سنخ السن لعلة ثم جنى عليها جان فقطع بعضها،
نظرت إلى ما كان ظاهرا منها قبل زوال اللثة فاعتبرته وأوجبت فيه بالحصة من
الدية، فإن اختلفا في قدر الظاهر ولم يعلم قدره، فالقول قول الجاني لأن الأصل
براءة ذمته، فأما سن المثغر " يقال في اللغة ثغر الغلام فهو مثغور إذا أسقطت سن
اللبن معه " و " أثغر واثغر إذا نبت بعد سقوطها "، ويقال " ثغرت الرجل إذا
كسرت سنه ".
فإذا ثبت هذا، فإذا قلع سن إنسان لم يخل من أحد أمرين: إما أن يكون سن
صغير لم يسقط بعد أو سن كبير.
فإن كان سن صغير لم يسقط بعد وهو سن اللبن فالذي رواه أصحابنا أن في
كل سن بعيرا ولم يفصلوا، وقال المخالف: لا تؤخذ الدية في الحال لأن الغالب
أنها تعود، فإذا وقعت لم يخل من أحد أمرين: إما أن لا تعود أو تعود.
فإن لم تعد وهو أن سقطت أخواتها ونبتت ولم تعد هي، أخذنا الدية لأنا
تحققنا أنه قد أعدم إنباتها، فهو كما لو قلع سن الكبير فلم تعد، وأما إن عادت مع
أخواتها نظرت:
فإن عادت مثل أخواتها في القدر والقوة والنقاء فلا دية عليه، لأن هذه تلك،
لكن عليه حكومة أم لا؟ قال بعضهم: لا حكومة عليه لأنه ما جرحه، وقال
256

آخرون: فيه حكومة وهو الأقوى، لأنه لا ينفك قلعها عن جرح.
فإن عادت ناقصة القدر فكانت أقصر من أخواتها فعليه بقدر ما قصرت عن
أخواتها بالحصة من الدية، لأن هذا النقصان في الظاهر من ذلك القلع، فهو كما
لو كسر هذا القدر منها.
فإن عادت بطول أخواتها إلا أنها عادت شاختين مثل أن حصل فيها ثلمة في
الوسط فعليه بقدر تلك الثلمة من الدية، كما لو كسر من سنه ذلك القدر، فإن
عادت في قدر أخواتها وقوتهن لكنها متغيرة إلى خضرة أو سواد ففيها حكومة
لأجل الشين، فإن عادت مثل أخواتها بكل حال إلا أنها لم تعد في صف الأسنان
بل مالت إلى داخل الفم أو خارجه، ففيها حكومة لأجل الشين، فإن عادت مثل
أخواتها بكل حال إلا أنه نبت معها سن زائدة من داخل الفم أو خارجه فلا شئ
عليه، لأن تلك الزيادة لم تنبت من قلع السن.
فأما الكبير وهو المثغر - وهو من سقطت عنه سن اللبن وعادت سن الكبر
فقلعها قالع - فعليه الدية في الحال، لأن الغالب أنها لا تعود. فإذا أخذت منه الدية
لم يخل من أحد أمرين: إما أن لا تعود أو تعود، فإن لم تعد فقد استقرت له الدية،
وإن عادت السن فهل ترد الدية أم لا؟ قال قوم: ترد لأنها سن عادت بعد أن تلفت
كالصغر، وقال آخرون: لا ترد - وهو الأقوى -، لأن الغالب أنها لا تعود، فإن
عادت علمنا أنها هبة مجددة.
إذا اضطربت سنه لمرض أو كبر فقلعها قالع، قال قوم: فيها حكومة لأنها
نقصت عن الأسنان في المنافع، وقال آخرون: - وهو الصحيح عندنا - فيها دية
سن كاملة، ولا فصل بين أن يكون ربطها بالذهب أو الفضة أو لم يربطها الباب
واحد.
إذا جنى عليها جان فنفضت - يعني تحركت من أصلها فطالت عن الأسنان
مضطربة - سئل أهل الخبرة، فإن قالوا: إنها يستقر أمرها بذهاب أو ثبوت إلى سنة
صبر سنة، فإن ذهبت وسقطت ففيها الدية، لأنها ندرت بجنايته، وإن عادت كالتي
257

كانت فلا دية فيها، فإن قلعها قالع ففيها كمال الدية، وعلى الأول حكومة لأجل
تلك الجناية التي نفضت بها.
إذا نفضت سنه بالجناية، سئل المجني عليه فإن قال: عادت كالتي كانت،
فإن قلعها قالع بعد هذا كان عليه كمال الدية لأنها سن صحيحة صحت بعد علة
وعلى الأول حكومة، وإن قال المجني عليه: عادت ضعيفة فعلى الأول حكومة،
والثاني قال قوم: عليه دية، وقال آخرون: عليه حكومة كما لو ضعفت بالكبر
والمرض الباب واحد لما مضى وإنما يفترقان في فصل، وهو أن الحكومة في هذه
أقل من الحكومة في التي اضطربت بالكبر والمرض، لأن هذه قد أخذ فيها
حكومة مرة فقلت الحكومة الثانية، وفي المرض لم يأخذ الحكومة.
إذا جنى عليها فندرت - أعني سقطت - ثم أعادها في مغرزها بحرارة دمها
فثبتت، ثم قلعها بعد هذا قالع فلا شئ عليه، لأنه كان عليه قلعها وإلا أجبره
السلطان على قلعها لأنها ميتة ألصقها ببدنه، فلا تصح صلاته معها، مثل الأذن،
وعندنا لا يجب ذلك لأن العظم عندنا لا ينجس بالموت، ويفارق الأذن لأنها
تنجس لأن الأذن فيها حياة ولا حياة في السن، لكن عليه حكومة، والأول عليه
ديتها لأنه قلعها.
إذا ندرت سنه فغرز في مغرزها عظما ظاهرا قام مقامها كسن الحيوان الذكي
الذي يؤكل لحمه أو كانت من ذهب أو فضة، فإذا ثبتت ثم قلعها قالع قال قوم:
لا شئ عليه فيها لأنه ما أعدم سنا، وقال آخرون: عليه حكومة لأنه أعدم الجمال
والمنفعة بقلع ما هو ظاهر منها، فهو كالسن الأصلي، والأول أقوى لأن الأصل
براءة الذمة.
قد ذكرنا إذا قلع سن الصبي الذي لم يثغر أنه لا دية عليه في الحال، ويصبر
إلى وقت عود مثلها، وفرعنا عليها:
فإن مات في أثناء المدة نظرت، فإن مات قبل أن ينبت شئ منها بحال قال
قوم: عليه الدية، لأن القلع معلوم متحقق والعود متوهم، وقال آخرون: لا تجب
258

الدية وهو الأقوى، لأن العادة أنها تعود لو لم يمت.
فأما إن مات بعد أن نبت شئ منها لكنه دون طول الأسنان، قال قوم: عليه
بقدر ما بقي من تمام طولها، وقال آخرون: لا شئ عليه لأن الموت هو الذي
قطع الطول والتمام وهو الأقوى، ولأن الأصل براءة الذمة.
فإن قلع الأسنان كلها، وعددها التي يقسم عليها الدية عندنا ثمانية وعشرون
سنا وعندهم اثنان وثلاثون سنا، فإنه يعد الأسنان فيها، فإن قلع واحدة بعد
واحدة ففي كل واحدة ما ذكرناه، وعندنا لا فرق بين أن يقلعها واحدة بعد
واحدة أو يقلعها موضعا واحدا، وعندهم: إذا قلع واحدة بعد واحدة ففي كل
واحدة خمس من الإبل، وإن قلعها دفعة واحدة، وإنما يتصور بأن يتساقط
بالسراية عن جناية، قال قوم: في كل واحدة خمس من الإبل، يكون في الجميع
مائة وستون، وقال بعضهم: فيها دية واحدة مثل ما قلناه لكنه لا يفضل بعضها
على بعض.
[دية اللحيين]
في اللحيين الدية وهو إذا قلعها من صبي قبل نبات الأسنان فيها أو ممن لا أسنان
له وهو كبير، وهما اللذان مجتمع رأسهما الذقن والرأسان الآخران في
أصول الأذنين، لأنهما من تمام الخلقة، وفيهما الجمال والمنفعة، فإن قلعهما مع
الأسنان ففي الأسنان ما ذكرناه، وفيهما الدية لا يدخل ما يجب في إحديهما في
الأخرى لأن لكل واحد منهما دية تخصه، فالأسنان لا يدخل فيهما اللحيان،
واللحيان لا تدخل فيهما الأسنان، وقد يتفرد اللحيان عن الأسنان في الصبي
والكبير.
إذا ضرب سن الرجل فلم يتغير منها إلا لونها، فإن كان التغير مع بقاء قوتها
ومنافعها ففيها حكومة، وقد روى أصحابنا فيها مقدرا ذكرناه في النهاية، فإن كان
خضرة دون السواد ففيها حكومة، وإن صارت صفراء ففيها حكومة دون
259

الخضرة، لأن السن يصفر من غير علة، فإن قلعها قالع بعد هذا فعليه الدية لأنها
سن بحالها وإنما لحقها شين فهو كالإصبع إذا لحقها شين فقطعت، فإن فيها ديتها.
فإن ذهب مع هذا التغيير بعض منافعها كأنها ضعفت عن القوة التي كانت
عليها في عض المأكول ونحو ذلك، ففيها حكومة لأجل الشين والضعف معا،
فإن ذهب مع هذا التغير كل منافعها حتى لا يقوى على أن يعض بها شيئا، فهذه
بمنزلة اليد الشلاء فعليه الدية لأن كل ما كان في إتلافه الدية كان في الشلل منه
الدية، فإن قلعها قالع بعد ذلك فعليه حكومة.
فإن نبتت أسنان الصبي سودا ثم ثغر ثم نبتت سوداء فقلعها قالع فعليه الدية
لأن هذا السواد ليس بمرض ولا عيب، وإنما هو خلقة، فأما إن نبتت أسنانه بيضا
ثم ثغر ثم نبتت سوداء، فإن قال أهل الخبرة: ليس هذا السواد لعلة ولا مرض،
فمتى قلعها قالع فعليه الدية، وإن قالوا: هو لعلة ومرض، فعلى قالعها حكومة،
لأنها ليست بصحيحة.
فإن نبتت الأسنان على قدر واحد وطول واحد العليا والسفلى سواء أو
كانت العليا طوالا والسفلى قصارا، أو كانت السفلى طوالا والعليا قصارا، أو كانتا
جميعا قصارا الباب واحد، في الكل الدية، فإن اختلف النوع الواحد وهو الثنايا
والرباعيات فكانت إحدى الثنيتين أقصر من الأخرى أو إحدى الرباعيتين أقصر
من الأخرى، نقصت عن الجاني من ديتها بقدر ما قصرت عن قرينتها ولأن العادة
أن كل نوع منها ينقص طوله، - بل تكون الثنايا في العادة أطول من
الرباعيات - فاعتبرت عادة الباقي منها، فما قصرت عن قرينته في العادة نقصانا
ظاهرا نقص عن الجاني بقدر ذلك من الدية.
ويقوى في نفسي أنه لا ينقص لأنه لا دليل عليه.
ولو ذهبت حدة السن بكلال لا كسر، ففيها ديتها تامة إذا قلعها، لأن هذا
الكلل لا يقصر شيئا من طرفها، لأن سن الصبي تنبت حادة وعلى طول الوقت
يلحقها كلل، فتذهب حدتها، فهذه التي لا ينقص شئ من أرشها، فأما إن ذهب
260

منه ما جاوز حد الكلال، نقص الجاني من ديتها بقدر ما ذهب منها، فإن السن قد
يقصر طولها على تطاول الوقت، فيكون كأنه كسر بعضها.
[دية اليدين]
في اليدين الدية بلا خلاف لقوله عليه السلام: وفي اليدين الدية، ولقوله:
وفي اليد خمسون من الإبل، وفي كل واحدة منهما نصف الدية.
فإذا ثبت أن فيها نصف الدية فإن اليد التي يجب هذا فيها هي الكف إلى
الكوع وهو أن يقطعها من المفصل الذي بينها وبين الذراع، فإن قطع أكثر من
ذلك كان فيها دية وحكومة بقدر ما يقطع، فإن كان من نصف الذراع أو
المرفق أو العضد أو المنكب ففي الزيادة حكومة، وكلما كانت الزيادة أكثر
كانت الحكومة أكثر، وعندنا أن جميع ذلك فيه مقدر ذكرناه في تهذيب
الأحكام.
وقال بعضهم: إن اليد التي يجب فيها نصف الدية أن يقطعها من المنكب،
ومتى ضرب يده فشلت، عندنا: فيها ثلثا الدية وعندهم فيه الدية كاملة.
وأما الأصابع إذا قطعها وحدها دون الكف ففيها نصف الدية، والواجب
فيها بالسوية كل إصبع عشر من الإبل، وروى أكثر أصحابنا أن في الإبهام ثلث
الدية، وفي الأربع ثلثي دية اليد، وروي عن بعض الصحابة المفاضلة بين
الأصابع ذكرناه في الخلاف.
فأما الأنامل ففي كل أنملة من الأصابع ثلث دية الإصبع إلا الإبهام فإن في
كل أنملة منها نصف ديتها، لأن لها أنملتين وفيها خلاف.
[دية الرجلين]
والحكم في الرجلين على ما مضى في اليدين، ففيهما الدية بلا خلاف، وفي
واحدة منهما نصف الدية، وحد ما يجب فيه نصف الدية أن يقطع من مفصل
261

الساق، والقدم وهو الذي يقطع من الساق عندهم، فإن قطعها من نصف الساق
ففيها دية رجل وحكومة، فإن قطعها من الركبة فكذلك وإن قطعها من الفخذ
كذلك إلا أنه كلما قطع معها أكثر كانت الحكومة أكثر، وعندنا في جميع
ذلك مقدر مثل ما قلناه في اليد ذكرناه في الكتاب المقدم ذكره.
فإن جنى عليها فشلت ففيها ثلثا ديتها وعندهم كمال الدية، والخلاف في
أصابع الرجلين كالخلاف في أصابع اليدين في كل واحدة عشر من الإبل،
يتساوى فيه عندهم، وعندنا في الإبهام ثلث دية الرجل، وفي كل أنملة ثلث دية
الإصبع إلا الإبهام، فإن لها مفصلين ففي كل واحدة منها نصف ديتها.
الأعرج معروف، والأعسم قال قوم: هو الأعسر، وقال آخرون: هو من في
رسغه ميل يعني اعوجاج عند الكوع، فإذا قطع قاطع رجل الأعرج ويد
الأعسم ففي كل واحدة منها نصف الدية، لظاهر الخبر، لأنه لم يفصل.
فأما إن جنى على يده فكسرها ثم جبرت فانجبرت مستقيمة ففيها حكومة
عندهم وعندنا فيه مقدر، وإن انجبرت عسماء فكذلك أيضا إلا أن الحكومة فيه
إذا انجبرت عسماء أكثر مما فيها إذا انجبرت مستقيمة.
فإن انجبرت عسماء فقال الجاني: أنا أكسرها وأجبرها مستقيمة، لم يكن له
ذلك لأنها جناية قد استقر أرشها، فعليه حكومة عندهم، وعندنا مقدر، فإن بادر
فكسرها ثم جبرها مستقيمة لم يسقط عنه تلك الحكومة، لأنه بمنزلة جرح استقر
أرشه، فإذا ثبت أنه لا يرد من الحكومة شيئا فإن عليه في الكسر الثاني حكومة
عندهم، وعندنا مقدر آخر.
إذا خلق لرجل يدان على كوع أو يدان وذراعان على مرفق أو يدان
وذراعان وعضدان على منكب، نظرت: فإن كان يبطش بإحداهما دون الأخرى،
فالباطشة هي الأصل، والأخرى زائدة، فإن كانتا باطشتين لكن إحديهما أكثر
بطشا فهي الأصل والضعيفة زائدة، وسواء كانت التي هي أبطش على سمت
الخلقة أو مائلة عن سمتها.
262

فإن كانتا في البطش سواء وإحديهما على غير سمت الخلقة، فالأصلية هي
التي على سمت الخلقة، فإن كانتا سواء وإحديهما ناقصة فالكاملة أصلية والناقصة
زائدة، وإن كانتا سواء وإحديهما زائدة إصبع لم يرجح بالزيادة في هذا الفصل،
فكل موضع حكمنا بأنها أصلية ففيها القود في العمد، والدية في الخطأ، وفي
الأخرى حكومة.
فإن كانتا سواء بكل حال في الخلقة وسمت الخلقة والبطش والتمام، فهما
يد وزيادة، فإن قطعهما قاطع فعليه القود وحكومة في العمد ودية وحكومة في
الخطأ وعندنا في الزائدة ثلث الدية.
فإن قطع إحديهما فلا قود، لكن فيها نصف دية وحكومة، لأنه قطع نصف
يد وزيادة، قال بعضهم: في إحديهما حكومة فإن قطع إصبعا من إحديهما ففيها
دية إصبع خمس من الإبل، وحكومة على ما فصلناه إذا قطع إحديهما وفي أناملها
كذلك نصف دية أنملة وحكومة، هذا إذا جنى على اليدين.
فأما إن جنى ذو اليدين فقطع يدا لرجل، فلا قود عليه في إحديهما لأنا لا
نعرف الأصلية ولا قود عليه فيها، لأنها يد وزيادة، فلا يأخذ الفضل قودا، هذا
الكلام في اليدين.
فأما إذا خلق له قدمان على ساق، أو قدمان وساقان على ركبة، أو قدمان
وساقان وفخذان على ورك، فالحكم على ما فصلناه في اليدين.
وفي الرجلين تفصيل، وهو أنك تنظر فإن كانت إحديهما أطول فكانت
يمشي عليها ولا يمكنه المشي على القصيرة، لأن الطويلة تمنع وصولها إلى
الأرض.
فإذا قطع قاطع الطويلة نظرت: فإن لم يقدر على المشي على القصيرة فعليه
القود أو الدية في التي قطعها، لأنها أصلية وإن قدر أن يمشي على القصيرة، فعليه
حكومة في الطويلة، لأنا تبينا أن القصيرة هي الأصلية وإنما لم يقدر أن يمشي عليها
لطول الزائدة، فإن قطعت القصيرة بعد الطويلة، ففيها القود أو الدية فإن جنى على
263

الطويلة فشلت ففيها الدية في الحال كاملا عندهم، وعندنا ثلثاها، لأن الظاهر أنها
أصلية ولا يمكن الصبر هاهنا لينظر هل يمشي على القصيرة أم لا، لأن الشلاء
تمنعها أن تصل إلى الأرض.
فإن قطع قاطع الطويلة الشلاء فعليه حكومة عندهم وعندنا ثلث الدية، ثم
ينظر فيه: فإن لم يقدر على أن يمشي على القصيرة فقد استقر الحكم على ما مضى،
وإن قدر أن يمشي على القصيرة تبينا أنها الأصلية والطويلة زائدة، وقد أخذ
صاحبها دية الأصلية، وإنما له الحكومة فيرد الدية على الجاني إلا قدر ما يجب فيها
من الحكومة.
[دية الأليتين]
في الأليتين الدية لأنهما من تمام الخلقة، وفيهما الجمال والمنفعة، وفي
إحديهما نصف الدية، فإن جرح إحديهما ولم ينته إلى العظم فلا قود، لأنه شق
لحم وفيه حكومة، فأما المرأة ففيهما ديتها لما مضى، والأليتان الماكمتان - وهو ما
علا وأشرف على الظهر، وعن استواء الفخذين، فإن الظهر مسطوح من الكتفين
إلى الأليتين، والفخذان مستويان إلى الأليتين - وينبغي أن يكون فيهما القود إذا
أخذهما إلى العظم الذي تحتهما لا يفضل يمين عن يسار في الدية بلا خلاف، وإن
كانت المنفعة باليمين أكثر.
ومن قطعت يده في الجهاد فنبتت له أخرى، كان فيها نصف الدية عند
جميع الفقهاء إلا الأوزاعي فإنه قال: دية اليدين، وإن صح التقدير، فالأول
أصح لظاهر الخبر.
في عين الأعور إذا كان خلقة الدية كاملة أو يأخذ إحدى عيني الجاني
ونصف الدية، وإن كانت قلعت فاستحق ديتها أو اقتص منها كان فيها نصف
الدية، وعند المخالف فيها قصاص عين واحدة أو نصف الدية، ولم يفصلوا،
ومنهم من قال: فيها الدية كاملة، فأما إن قلع الأعور عينا واحدة من عين ذي
264

العينين فذو العينين عندنا بالخيار بين أن يقلع عين الأعور أو يعفو على مال وله
نصف الدية، لأنه دية عينه التي قلعت وقال بعضهم: له أن يقلعها أو يعفو وله ألف
دينار دية عين الأعور عنده.
[دية الصلب]
إذا كسر صلبه فعليه الدية، ولا تؤخذ الدية في الحال بل يصبر فإن ذهب
مشيه ففيه الدية لقوله عليه السلام: وفي الصلب الدية، فإذا صبرنا وذهب مشيه
ففيه الدية، فأما إن صار يمشي على عكاز بيديه أو بإحداهما ففيه الحكومة، وعندنا
فيه مقدر ذكرناه في الموضع المقدم ذكره وإن لم يحتج إلى عكاز لكنه يمشي
راكعا ففيه حكومة دون ذلك، وعندنا فيه مقدر، فإن اعتدل صلبه ومشى بغير
عكاز ففيه حكومة دون ما مضى.
فأما إن ذهب جماعه فإن كان معه علامة تدل على صدقه، فالقول قول
المجني عليه مع يمينه في ذهاب جماعه، وإن لم يكن معه وشهدت بينتان من أهل
العلم أن مثل هذا قد يذهب به الجماع، فالقول قول المجني عليه، لأن الظاهر معه،
وهذا لا يتوصل إليه إلا من جهته، فإذا حلف فله كمال الدية ولا حكومة لأنه ما
جنى على الذكر، وإنما الحاصل من جنايته إعدام منفعة الظهر مع سلامة العضو،
فهو كما لو جنى على يده فشلت وحدها أو على عينيه فذهب ضوؤهما ففيهما الدية
لأنه أتلف منافعها.
فإن شل ذكره بذلك ففيه دية في الذكر وحكومة في كسر الصلب لأنه
أبطل منفعة الذكر بمعنى حل في نفس الذكر وذاته وكسر الصلب، فلهذا كان
عليه الحكومة والدية كما لو كسر ظهره فشلت رجلاه، فإن فيه دية وحكومة،
ويفارق هذا إذا ذهب جماعه والذكر سليم لأنه ما حل في الذكر فساد وإنما
تعطل الجماع لمعنى في غيره فلهذا لم يجب مع الدية حكومة فبان الفصل
بينهما.
265

إن كسر صلبه فذهب مشيه وجماعه معا، قال قوم: فيه دية واحدة، وقال
آخرون: فيه ديتان، وهو مذهبنا.
إن جنى على رقبته، فإن اعوجت حتى صار كالملتفت ولم تعد إلى ما كان،
ففيه حكومة، فإن صار بحيث لا يقدر أن يلتفت أصلا أو يلتفت بشدة أو صار يبلع
الريق والمأكول بشدة ففي كل هذا حكومة عندهم، وقد روى أصحابنا أنه إذا
صار أصور فيه الدية، فإن صيره بحيث لا يزدرد شيئا، فإن مات فعليه القود، وإن
عاش قالوا: لا شئ عليه، وينبغي أن يقول أن عليه حكومة.
[دية المرأة]
دية المرأة على النصف من دية الرجل إجماعا، إلا ابن علية والأصم فإنهما
قالا: هما سواء، فأما أرش الجنايات المقدرة فالمرأة تعاقل الرجل إلى ثلث الدية
عندنا، وفيه خلاف كثير ذكرناه في الخلاف.
[دية الثديين]
في ثديي المرأة ديتها لأنهما من أصل الخلقة، وفيهما الجمال والمنفعة، وفي
كل واحد منهما نصف ديتها، فإن جنى عليهما فشلا ففيهما الدية، فإن لم يشلا
لكنهما استرخيا ففيهما حكومة، لإعدام الجمال والاسترخاء.
فإن كان فيهما لبن فانقطع فحكومة، وإن لم يكن فيهما لبن فعاد وقت نزول
اللبن فيهما ولم ينزل فإن قال أهل الخبرة: إنما لا ينزل للجناية ففيها حكومة، وإن
قالوا: قد ينقطع بجناية وغير جناية فحكومة، ووقت نزوله في العادة الحامل
لأربعين يوما، فإذا وضعت فشرب اللبأ منها لم يدر منها لبن حتى تمضى ثلاث أو
مدة النفاس ثم يدر لبنها، فإذا لم يعاود في وقت عوده في العادة حينئذ سئل أهل
الخبرة، ويكون على ما مضى.
فإن قطع الثديين مع شئ من جلد الصدر ففيها حكومة ودية في الجلدة،
266

فإن قطعهما مع شئ من جلد الصدر فأجافه فيهما فدية وحكومة في الجلدة،
وأرش الجائفتين مع ذلك.
إذا قطع من الثديين الحلمتين - وهما اللتان كهيئة الذكر في رأس الثدي
يلتقمهما الطفل - ففيهما الدية، لأنهما من تمام الخلقة، وفيهما الجمال والمنفعة، فأما
حلمتا الرجل قال قوم: فيهما الحكومة، وقال آخرون: فيهما الدية، وهو مذهبنا.
[دية الإسكتين]
الإسكتان والشفران عبارة عن شئ واحد - وهو اللحم المحيط بالفرج
إحاطة الشفتين بالفم -، وهما عند أهل اللغة عبارة عن شيئين، قال بعضهم:
الإسكتان هو اللحم المحيط بشق الفرج، والشفران حاشيتا الإسكتين، كما أن
للعينين جفنين ينطبقان عليهما، وشفرهما هي الحاشية التي تنبت فيها أهداب العين،
فالإسكتان كالأجفان والشفران كشفري العين.
فإذا ثبت هذا فمتى جنى عليهما جان فقطع ذلك منها فعليه ديتها، فإن
اندمل المكان فخرجت في موضع الاندمال فعلى الجاني الحكومة، لأنه جناية
على لحم، فإن جنى عليهما فشلتا ففيهما الدية، وعلى مذهبنا ينبغي أن يكون ثلثا
الدية، ولا فصل بين أن يكونا غليظتين أو دقيقتين، قصيرتين أو طويلتين، لأن
الاعتبار بالاسم.
الرتق " انسداد في داخل الفرج "، والقرن " عظم داخل الفرج يمنع
الجماع "، فإذا قطع شفرتها ففيها ديتها، لأن العيب داخل الفرج فهما بمنزلة
شفتي الأخرس، ولو كان أخرس كان في شفتيه الدية، والمخفوضة وغيرها سواء،
فإن قطع الركب معهما ففي الركب حكومة، والركب - هو الجلد الثاني فوق
الفرج، وهو منها بمنزلة شفرة الرجل -، وفيه حكومة.
267

[دية الإفضاء]
الإفضاء أن يجعل مدخل الذكر وهو مخرج المني والحيض والولد
ومخرج البول واحدا، فإن مدخل الذكر ومخرج الولد واحد وهو أسفل الفرج،
ومخرج البول من ثقبة كالإحليل في أعلى الفرج، وبين المسلكين حاجز دقيق،
والإفضاء إزالة ذلك الحاجز، وقال كثير من أهل العلم: الإفضاء أن يجعل
مخرج الغائط ومدخل الذكر واحدا، وهذا غلط، لأن ما بينهما حاجز عريض
قوي.
ثم الفقهاء فرعوا على الإفضاء إذا كان البول مستمسكا وغير مستمسك
وإنما يصح هذا التفريع على ما قلناه من رفع الحاجز الذي بين مخرج البول
ومدخل الذكر، وعلى ما قالوه فلا صنع لمخرج البول هاهنا.
فإذا تقررت صورة الإفضاء فإذا أفضي الرجل امرأة لم يخل من ثلاثة
أحوال: إما أن تكون زوجته أو أجنبية مكرهة أو موطوءة بشبهة.
فإن كانت زوجته استقر المسمى بالتقاء الختانين إن كان لها مهر مسمى،
وإن كانت مفوضة استقر لها مهر مثلها، وإذا أفضاها بعد هذا فعليه الدية بالإفضاء.
ثم ينظر: فإن كان البول مستمسكا فلا زيادة على الدية، وإن كان مسترسلا
ففيه حكومة بعد الدية، وقال بعضهم: الإفضاء غير مضمون على زوجها، وإنما
يستقر المهر بالإفضاء فقط، وعندنا أنه إن وطئها قبل تسع سنين كان مضمونا
بالدية، ويلزمه مع ذلك النفقة عليها حتى تموت، وإن كان الإفضاء بعد تسع
سنين لم يكن مضمونا، ولا فصل في ذلك بين أن تكون المرأة بكرا أو ثيبا فإن
كانت ثيبا فالمهر والدية والحكومة على ما فصلناه، وكذلك إن كانت بكرا،
ويسقط إزالة البكارة لأن إزالتها مستحق.
وإن كانت مكرهة فعليه الحد لأنه زان ولا حد عليها لأنها مكرهة، ولها المهر
وعليه الدية بالإفضاء، ثم ينظر: فإن كان البول مستمسكا فلا زيادة على الدية،
وإن كان مسترسلا ففيه حكومة وعليه الحد وأما المهر فلا يجب لوجوب الحد،
268

وأما الإفضاء فينظر: فإن كان البول مستمسكا ففيه ثلث الدية، وإن كان مسترسلا
فعليه الدية، ولا حكومة، وهو مذهبنا الأول غير أنه لا يجب بها المهر لأنه زنا.
فإذا ثبت هذا نظرت: فإن كانت ثيبا فلا كلام، وإن كانت بكرا وجب المهر
والدية، وقال قوم: لا يجب أرش البكارة فإنه يدخل في دية الإفضاء، ومنهم من
قال: يجب أرش البكارة وهو مذهبنا، لأنه لا دليل على دخوله في أرش الإفضاء.
فإذا ثبت وجوب الدية بالإفضاء، نظرت: فإن وجبت عن عمد فهي مغلظة
حالة في ماله، وإنما يكون عمدا محضا إذا كانت صغيرة وبدنه كبير، ويعلم أن
مثلها لا يطيق ذلك، فمتى فعل ذلك فقد أفضاها عمدا محضا، فالدية مغلظة حالة
في ماله وإن وجبت عن عمد الخطأ فالدية مغلظة مؤجلة عندنا في ماله، وعندهم
على العاقلة، وعمد الخطأ أن تكون كبيرة قد تفضي مثلها وقد لا تفضي، فإذا وجد
الإفضاء علمنا أنه عامد في فعله مخطئ في قصده، فلهذا كان عمد الخطأ.
وأحال بعضهم أن يتصور في الإفضاء خطأ محض، وقال بعض المتأخرين:
- وهو جيد - أنه قد يتصور الخطأ المحض وهو إذا كان له زوجة قد وطئها،
ويعلم أن وطئه لا يفضيها بعد هذا، فأصاب على فراشه امرأة فأفضاها يعتقدها
زوجته، فإنه خطأ محض، كما لو رمى حربيا فوقع على مسلم فقتله كان خطأ
محضا بلا إشكال.
فأما إذا وطئها بشبهة فأفضاها مثل أن كان النكاح فاسدا أو وجد على فراشه
امرأة يظنها زوجته فوطئها فأفضاها فالحد لا يجب للشبهة، والمهر يجب للدخول،
ويجب الدية للإفضاء، فإن كان البول مستمسكا فالدية بلا حكومة، وإن كان
مسترسلا فعليه حكومة، وقال بعضهم: لا حد كما قلنا، وأما المهر فينظر في
الإفضاء، فإن كان البول مستمسكا ففيه ثلثا الدية، ويجب المهر معه، وإن كان
مسترسلا وجبت الدية ولم يجب المهر بل يدخل في الدية.
269

[دية الذكر]
في الذكر بلا خلاف الدية لقوله عليه السلام: وفي الذكر الدية، وسواء كان
طويلا أو قصيرا، غليظا أو دقيقا، والشاب والشيخ والطفل الصغير سواء في
ذلك.
فإن جنى عليه فصار أشل ففيه الدية، لأن كل عضو كان في إتلافه الدية
كان في شلله الدية، فإن قطعه قاطع بعد هذا ففيه حكومة، وعندنا يلزمه ثلثا
الدية، ومن قطعه بعد ذلك فعليه ثلث الدية، فإن جنى عليه فعاب وصار به دمل
أو برص أو جراح أو تغوص رأسه ففيه حكومة، فإن قطع قاطع هذا المعيب ففيه
كمال الدية كما لو قطع اليد العسماء.
فإن قطع بعضه طولا مثل أن يشقه باثنين فعليه ما يخصه من الدية، فإن
قطع الحشفة وحدها ففيها كمال الدية لأن الجمال والمنفعة بها كالإصبع في
اليد، فإن قطع قاطع ما بقي ففيه حكومة، كما لو قطع الكف بلا أصابع عليها،
فإن قطع منه قطعة دون الحشفة نظرت: فإن كان البول يخرج من مكان الجرح
وجب عليه أكثر الأمرين من الحكومة أو بقدره من الدية، أيهما كان أكثر.
فإن جنى عليه فأجافه واندمل ففيه حكومة لأنه جوف لا يخاف منه التلف
غالبا، وإن قطع بعض الحشفة فعليه ما يخصه من الدية وفي اعتبارها قال قوم:
من كل الذكر لأنها منه، وقال آخرون: من الحشفة، وبعض قصبة الذكر ففيه
كمال الدية كما لو قطع من الأصابع شيئا من الكف.
فإن جنى على ذكره فذكر أنه قد ذهب جماعه والعضو صحيح بحاله، لم
تجب الدية، لأن ذهاب الجماع عيب في غيره، وإلا فإنما هو مجرى وطريق.
[دية الخصيتين]
في الخصيتين الدية لقوله عليه السلام: وفي الخصيتين الدية، وفي كل
واحدة منهما نصف الدية، وفي بعض رواياتنا أن في اليسرى ثلثي الدية وفي
270

اليمنى ثلثها، لأن الولد يكون من اليسرى.
فإذا ثبت أن في الذكر الدية، وفي الخصيتين الدية، فإن قطعهما قاطع أو
قطع الذكر ثم قطع الخصيتين ففيهما ديتان، وكذلك إن قطع الخصيتين أولا
ثم الذكر، عندنا وعند جماعة، وقال بعضهم: في الخصيتين الدية وفي الذكر
حكومة لأن الخصيتين إذا قطعتا ذهبت منفعة الذكر، فإن الولد لا يخلق من مائه،
فهو كالشلل.
كل عضو فيه مقدر إذا جنى عليه فذهب منفعته أو لم يكن في الأصل فيه
منفعة وإنما فيه جمال الحظوة فقط كالعين القائمة، - وهي التي في صورة البصيرة
غير أنه لا يبصر بها -، واليد الشلاء والرجل الشلاء كذلك هي في صورة
الصحيحة، غير أنه لا يبطش بها، وكذلك لسان الأخرس في صورة لسان الناطق
غير أنه لا ينطق به، وكذلك ذكر الأشل، كل هذا وما في معناه عندهم فيه
حكومة، وعندنا يجب في جميع ذلك ثلث دية العضو.
[دية اللحية]
فأما اللحية وشعر الرأس والحاجبين فإنه يجب فيه عندنا الدية، وعند بعضهم
حكومة، فمن قال: إن فيها حكومة، قال: كل عضو جنى عليه فصار أشل نظرت:
فإن لم يبق هناك غير الجمال ففيه حكومة كاليدين والرجلين والذكر، وإن
كانت المنفعة قائمة كالأنف والأذنين قال بعضهم: فيه حكومة لأنه صيره أشل
وقال آخرون: فيه ديته لأنه قد أذهب منفعته، وعندنا إذا جنى على عضو فصار
أشل وجب عليه ثلثا دية ذلك العضو.
فإذا ثبت ذلك فالجناية إذا وقعت لم تخل من أحد أمرين: إما أن يكون فيها
مقدر أو لا مقدر فيها.
فإن كان فيها مقدر كالأنف واللسان والعينين والأذنين واليدين والرجلين
ونحو هذا كالموضحة والهاشمة والمنقلة والمأمومة والجائفة، فهي مقدرة في الحر
271

من ديته وفي العبد من قيمته، فالحر أصل للعبد فيما فيه مقدر، وكلما كان مقدرا
في الحر من ديته كان مقدرا في العبد من قيمته وهذا يأتي.
وما لا مقدر فيه كالباضعة والخارصة والمتلاحمة والسمحاق عندهم، وكسر
عظم أو شق لحم في غير الوجه والرأس، عندنا: جميع ذلك فيه مقدر، وعندهم
حكومة.
ولا يخلو من أحد أمرين: إما أن يكون لها شين ونقص بعد الاندمال أو لا
يكون ذلك لها.
فإن كان لها شين ونقص بعد الاندمال فإن كان المجني عليه عبدا ففيه ما
نقص من قيمته، فيقال: كم قيمته وليس هذا الشين به؟ فإذا قالوا: مائة، قلنا: وكم
قيمته وبه هذا الشين؟ قالوا: تسعون، قلنا: فقد نقص عشر القيمة، فيوجب فيه ما
نقص وعلى هذا كل الحكومات في المملوكات أرش الجنايات عليها ما نقصت على
ما فصلناه، وإن كان حرا لم يمكن تقويمه لكنه يقدر بالعبد، فيقال: ولو كان
عبدا وليس به هذا الشين كم قيمته؟ قالوا: مائة، قلنا: وبه هذا الشين؟ قالوا:
تسعون، قلنا: فقد نقص عشر قيمته، فيجب في الحر عشر ديته، فالعبد أصل للحر
فيما ليس فيه مقدر، والحر أصل للعبد فيما فيه أرش مقدر، وهكذا يقوم المبيع إذا
كان معيبا تعتبر قيمته ويوجب بحصة ذلك من ثمنه.
بيانه: إذا اشترى عبدا فأصاب به عيبا بعد أن حدث به عيب عنده، فامتنع
الرد بالعيب ونحوه، فإن المشتري يرجع على البائع بأرش العيب وهو أن يقال:
كم قيمته ولا عيب به؟ قالوا: مائة، قلنا: وكم قيمته وهذا العيب به؟ قالوا:
تسعون، قلنا: فالعيب عشر قيمته، فيجب على البائع أن يرد عشر ثمنه.
وإنما قلنا يرجع بالحصة من الثمن لا ما بين القيمتين، لأنه قد يشترى بعشرة
ما قيمته مائة فإذا قومناه كان النقص عشرة، فإذا رد البائع هذا القدر بقي المبيع
بغير ثمن، وإذا كان الاعتبار بالحصة من الثمن لم يعز المبيع عن الثمن بحال وهذا
مما يغلط فيه الفقهاء أبدا فيوجبون الأرش ما بين القيمتين.
272

وأما إن لم يكن هناك شين ولا نقص كما لو قطع إصبعا زائدة أو نتف
لحية امرأة أو قلع سنا زائدة، أو كانت شجة في وجهه فزادته بعد الاندمال حسنا
قال قوم: لا حكومة فيه لأن الحكومة لأجل النقص، ولا نقص هاهنا، وقال قوم:
فيها الحكومة وهو الأقوى.
فمن قال: لا ضمان، فلا كلام، ومن قال: عليه الضمان فالكلام في كيفيته،
فإن كانت إصبعا زائدة قوم عند أقرب الأحوال إلى الاندمال، فإن لم يكن هناك
نقص قوم والدم جار، فيقوم على ما يمكن، وقد روى أصحابنا في الإصبع الزائدة
ثلث دية الإصبع الصحيحة فلا يحتاج إلى ما قالوه.
وأما إن كان نتف لحية امرأة لم يمكن اعتبارها بالعبد الذي إذا ذهبت لحيته
كان أكثر لقيمته لأنه يخرج فيه نقص فيعتبرها بعبد متى ذهبت لحيته نقصت
قيمته، كالذي له أربعون سنة وخمسون سنة، فيقال: كم يساوى هذا العبد وله
لحية؟ قالوا: مائة، قلنا: وكم يساوى ولا لحية له؟ قالوا: تسعون، قلنا: قد نقص
عشر القيمة، فيكون في لحيتها عشر ديتها، وإن كانت الجناية قلع سن زائدة روى
أصحابنا أن فيها ثلث دية السن الصحيحة، وعندهم يقال: هذه الزائدة خلفها سن
أصلية في صف الأسنان لو قلعت وليس خلفها أصلية لأثبت هناك ثلمة، فيقال:
لو لم يكن هناك ثلمة كم كان يساوى؟ قالوا: مائة، قلنا: وبه هذه الثلمة؟ قالوا:
تسعون، قلنا: قد نقص العشر من قيمته فيوجب العشر من ديتها.
فإن كانت الجناية قطع أنملة لها طرفان فقد قلنا: إن إحديهما أصلية
والأخرى زائدة فيها حكومة، فلا يمكن اعتبار هذه بشئ، فتكون الحكومة
بحسب ما يقدره الحاكم باجتهاده ولا يبلغ الحكومة ما يجب في أصل ذلك
الشين.
كل شئ فيه أرش مقدر يمكن معرفة ما ذهب منه بحسابه إذا قطع بعضه،
كالسن الأصلي والأذن والأنف واللسان ويوجب فيه ما يخصه من الدية وقد مضى.
273

[دية الترقوة]
الترقوة هي العظم المعروف الممتد من عند ثغرة النحر إلى المنكب، ولكل
واحد ترقوتان، فإذا كسر الترقوة والضلع فعندنا فيه مقدر ذكرناه في الكتاب
المقدم ذكره، وقال بعضهم: فيه حكومة، وروي عن بعض الصحابة أن فيه
جملا، وبه قال بعضهم.
فمن قال: فيه مقدر، فلا كلام، ومن قال: فيه حكومة، قال: ينظر، فإن جبر
مستقيما على ما كان عليه بغير شين بحال ففيه حكومة، وإن جبر مستقيما مع شين
ففيه حكومة زائدة على ما مضى، وإن عاد معوجا ففيه حكومة أكثر، وكذلك إن
كان بعجر - يعني عقد ناتئة - فإن العظم قد ينعقد إذا جبر فيظهر فيه كالعقد،
وهي العجر والعجر والعجر جمع عجرة، - وهي كل ما نتأ وظهر ذلك على
البدن - وكذلك يقال للعروق إذا ظهرت معقدة في عروقه عجر، ولهذا قيل
للسرة إذا علت سرة معجرة، قال ابن الأعرابي: يقال لكل ما كان من هذا على
الظهر عجر، وما كان منه على البطن بجر، وهو مأخوذ من العيب ولهذا استعير في
الهموم والأحزان قال علي عليه السلام: أشكو عجري وبجري، أي همومي
وأحزاني.
فإذا ثبت هذا فمتى عاد بعجر زادت الحكومة لأنه أكثر شينا.
فأما إن لكمه أو ضربه بمثقل فلم تقبح أو بحد سيف فلم يجرح، فإن حصل
منها شين ففيها حكومة، وإن زال الشين بعد هذا رد الحكومة، وإن لم يحصل
شين فلا غرم، لأنه ما جرح ولا كسر عظما ولا أثر شينا.
وجملته ثلاث مسائل: متى انجبر العظم مستقيما بغير شين ففيه حكومة،
ومتى ضربه بمثقل فلم يشن المكان فلا حكومة، ومتى جرحه فاندمل بغير شين
قال قوم: فيه حكومة وهو الصحيح، وقال آخرون: لا حكومة.
274

[دية الكفار]
دية اليهودي والنصراني عندنا مثل دية المجوسي سواء ثمانمائة درهم وقال
بعضهم: دية اليهودي والنصراني ثلث دية المسلم، ودية المجوسي ثمان مائة درهم
مثل ما قلناه، وقال قوم: ديته دية المسلم سواء وفيه خلاف.
الكفار على خمسة أصناف:
الأول: من له كتاب يتمسك به وهو اليهودي ومن جرى مجراهم من
السامرة، والنصارى ومن جرى مجراهم وهم الصابئة عندهم، وعندنا الصابئة
ليسوا من أهل الكتاب وعندهم كلهم لهم كتاب، ودماؤهم تحقن بأحد أسباب
ثلاث، ذمة مؤبدة، أو عهد إلى مدة، أو أمان مطلق وهو أن يدخل إلينا في تجارة أو
رسالة أو حاجة فدية هؤلاء ثلث دية مسلم عندهم، وعندنا ما قلناه.
الثاني: من لا كتاب له لكن له شبهة كتاب وهم المجوس، فهم يقرون على
أديانهم بأحد الأمور الثلاثة التي ذكرناها بلا خلاف لقوله عليه السلام: سنوا بهم
سنة أهل الكتاب، وديتهم ثمانمائة درهم بلا خلاف.
الثالث: من لا كتاب له ولا شبهة كتاب وهم عبدة الأوثان ومن عبد ما
استحسن كالشمس والقمر والشجر والبقر والكواكب ونحو ذلك، فهؤلاء تحقن
دماؤهم بأحد أمرين: عهد إلى مدة وأمان مطلق فأما ذمة مؤبدة فلا، ودياتهم ديات
المجوس ثمانمائة.
الرابع: من كفر بعد إيمانه وهم المرتدون، فهؤلاء لا يقرون على كفرهم بوجه
لا بذمة ولا عهد ولا أمان مطلق، ودماؤهم هدر، وفي هذا المعنى أهل الحرب
يعني من كان حربا لنا وليس بيننا وبينه عهد ولا عقد، على أي دين كانوا وبأي
دين تمسكوا فالكل على إباحة الدم.
الخامس: من لم تبلغه الدعوة ولم يبلغه أن الله بعث رسولا، قال بعضهم: لا
أظن أحدا لم تبلغه الدعوة إلا أن يكون قوم خلف الترك فهؤلاء المشركون لا
يحل قتالهم ابتداء قبل العلم بالدعوة لكن إن بادر مبادر فقتل منهم فلا قود عليه
275

بلا خلاف، والدية تجب عند قوم بقتله، وقال آخرون: لا تجب الدية بقتله، وهدر
دمه، وهو الأقوى عندي لأن الأصل براءة الذمة.
كل من جنى عليه جناية فيها أرش مقدر كان المقدر من ديته فدية المسلم
مائة من الإبل وفي يده خمسون، وفي إصبعه عشر من الإبل وفي موضحته نصف
عشر الدية خمس من الإبل، والمرأة خمسون وفي يدها خمس وعشرون وفي
موضحتها اثنان ونصف، وعندنا أنها تعاقل الرجل إلى ثلث الدية فيكون في
إصبعها عشر من الإبل وفي ثلاث أصابع ثلاثون، وفي أربع عشرون.
فإذا فرضنا في المشركين فرضناها في الدراهم، فإنه أسهل، ففي واحد من
أهل الكتاب عندنا ثمانمائة درهم، وعند بعضهم أربعة ألف، وفي يده عندنا
أربعمائة وفي موضحته أربعون درهما وفي إصبعه ثمانون، والمرأة على النصف من
دية المجوسي مثل ذلك وعندهم على هذا التدريج كل مشرك على قدر ديته
على ما مضى من الخلاف.
كل جناية لها في الحر أرش مقدر من ديته لها من العبد مقدر من قيمته، وفي
أنف الحر ولسانه وذكره ديته، وفي كل واحد منها في العبد قيمته، في يده نصف
قيمته، وفي إصبعه عشر قيمته، وفي موضحته نصف عشر قيمته وفيه خلاف
ذكرناه في الخلاف.
فإذا تقرر هذا نظرت في الجناية: فإن كان قدرها قيمته كالأنف واللسان
والذكر واليدين والرجلين، وجب على الجاني ذلك ويتسلم العبد، وممن وافقنا
في ذلك من قال: يمسك السيد عبده ويطالب الجاني بكمال القيمة وقال
بعضهم: سيده بالخيار بين أن يمسكه ولا شئ له وبين أن يسلمه ويأخذ كمال
قيمته، فأما أن يمسكه ويطالب بقيمته فليس له ذلك، لأنه لو كان له ذلك لكنا
جمعنا له بين البدل والمبدل، وهذا قريب من مذهبنا.
إذا قتل حر عبدا فقيمته في ذمته، وكذلك إن قطع أطرافه، وكذلك إن
قتله عمد الخطأ عندنا، وإن قتله خطأ محضا فالقيمة على عاقلته عندنا، وكذلك
276

أطرافه وقال قوم: عليه في ماله، وكذلك القول في أطرافه سواء، وقال بعضهم:
بدل النفس على العاقلة، وبدل أطرافه على الجاني في ماله.
لا يحمل على العاقلة ما كان عمدا محضا سواء كان عمدا لا قصاص فيه
كقطع اليد من نصف الساعد أو المأمومة والجائفة، وكذلك إذا قتل الوالد ولده
عمدا، وخالف بعضهم في الدية فيما لا قصاص فيه على العاقلة إلا إذا رمى الوالد
ولده حذفا فإنه وفاق والدية عليه.
إذا كان إنسان على شفير بئر أو حافة نهر أو جانب سطح أو قلة جبل
فصاح به صائح صيحة شديدة فسقط فمات، فإن كان الذي صيح به رجلا
عاقلا فلا شئ على الصائح، لأنه ما سقط من صحته وإنما وافقت سقطته صيحة
هذا.
وإن كان الذي سقط صبيا أو معتوها فعلى الصائح الدية والكفارة، لأن مثل
هذا يسقط من شدة الصيحة، والدية على عاقلته، وهكذا لو كان جالسا في غفلة
فاغتفله الصائح فصاح به مفزعا له فسقط، فمات فالدية على عاقلته، والكفارة في
ماله.
فأما إن صاح ببالغ فذهب عقله قال قوم: لا شئ عليه، لأن البالغ العاقل
لا يذهب عقله بصيحة يصاح به، وإن كان صبيا فذهب عقله فعلى عاقلته الدية.
وإن شهر سيفه في وجه رجل فذهب عقله أو مات فلا شئ عليه ولو كان
هذا صبيا فذهب عقله أو مات أو كان مجنونا فمات فالدية على عاقلته والكفارة في
ماله، لأن مثل هذا يحصل بمثل هذا من هذا الصياح والتخويف ثم ينظر: فإن
كان فعله عمدا فالدية مغلظة في ماله عندنا، وعندهم على العاقلة وإن كان إنما
صاح به خطأ فالدية مخففة على العاقلة بلا خلاف.
فإن ذكرت امرأة عند الإمام بسوء فبعث إليها فماتت فلا شئ عليه، وإن
كانت حاملا فأسقطت فالضمان على الإمام لإجماع الصحابة عليه، روي أن امرأة
ذكرت عند عمر فأرسل إليها فأجهضت ما في بطنها، فقال للصحابة: ما تقولون؟
277

فقال له عبد الرحمان بن عوف: إنما أنت مؤدب فلا شئ عليك، فقال لعلي
عليه السلام: ما تقول؟ فقال: إن علموا فقد غشوك وإن اجتهدوا فقد أخطؤوا عليك
الدية، فقال لعلي: عزمت عليك أن لا تقوم حتى تقسمها على قومك فهم قومي
فأضافهم إليه انبساطا إليه وتقربا.
إذا شهر سيفه في طلب رجل ففر من بين يديه فألقى نفسه من سطح أو جبل
أو في بئر أو نار فهلك فلا ضمان على الطالب، لأنه إنما ألجأه إلى الهرب وما
ألجأه إلى الوقوع، بل ألقى نفسه في مهلكة باختياره، فالطالب
صاحب سبب والواقع مباشرة، ومتى اجتمعت مباشرة وسبب غير ملجئ فلا ضمان على
صاحب السبب كالحافر والدافع فإن الضمان على الدافع دون الحافر.
فإن كانت بحالها وكان المطلوب أعمى فوقع فالضمان على الطالب لأنه
سبب ملجئ فإن الأعمى لم يعلم ذلك، ولا اختار إيقاع نفسه في مهلكة، وإذا
كان السبب ملجئا تعلق الضمان بصاحب السبب كما لو حفر بئرا فوقع فيها
أعمى، فعلى الحافر الضمان لأنه ألجأه إلى الوقوع، ويفارق إذا كان بصيرا لأنه ما
ألجأه إلى الوقوع فلهذا لم يضمن.
فوزان الأعمى من البصير أن يكون البصير وقع في بئر لم يعرفها أو انخسف
السقف من تحته فوقع، فإن الضمان على صاحب السبب لأنه ألجأه إليه، فكان
كالأعمى سواء.
وإذا طلب بصيرا فهرب منه فاعترضه سبع فقتله فلا ضمان على الطالب،
سواء كان المطلوب بصيرا أو أعمى، لأن السبع له قصد واختيار، فكان من
الطالب سبب غير ملجئ، ومن السبع المباشرة، فلا ضمان على سبب كالدافع
والحافر سواء، فإن اضطره إلى مضيق مع السبع فعليه الضمان، لأن السبع
يفترس في المضيق غالبا.
لو رمى به من شاهق - والغالب أنه إذا وقع على الأرض هلك - فاعترضه
من تحته رجل بالسيف فقده بنصفين فهلك، قال قوم: عليهما الضمان سواء لأنه
278

قد حصل من كل واحد منهما ما يكون فيه التلف غالبا، فهو كما لو رمياه معا أو
جرحاه معا فهلك، وقال آخرون: الضمان على الثاني وحده، لأن الأول جان
والثاني موجئ فهو كما لو جرحه الأول وذبحه الثاني، فإن الضمان على الثاني
وحده.
ويفارق إذا جرحاه معا لأن كل واحد منهما حصل منه سبب متلف
واشتركا في الضمان، وهاهنا المتلف الثاني وحده، فإن الأول دفعه وهو صحيح
وكان في سلامة ما لم يعترضه، فلهذا كان على الثاني، وهكذا إذا كان المدفوع
ملك الإنسان كالعبد والبهيمة كان على هذين القولين، والثاني أقوى.
إذا جنت أم الولد كان أرش جنايتها على سيدها بلا خلاف، إلا أبا ثور فإنه
قال: أرش جنايتها في ذمتها تتبع به بعد العتق، فإذا ثبت أن عليه الضمان فالذي
عليه أقل الأمرين من أرش جنايتها أو قيمتها، فإن كان الأرش أقل فليس للمجني
عليه أكثر من أرش جنايته، وإن كان الأرش أكثر فليس عليه إلا القيمة لأنه هو
القدر الذي هو قيمتها.
وإن كانت الجناية من عبد قن فعند الفقهاء تعلق برقبة العبد دون السيد،
فإن أراد أن يفديه فداه بأكثر الأمرين، إما أرش الجناية أو قيمته، وعندنا مثل ذلك
أم الولد سواء، ومتى كان الأرش أكثر من قيمة أم الولد لم يلزمه أكثر من القيمة،
فإذا غرم القيمة ثم جنت بعد هذا هل عليه الضمان أم لا؟ قال قوم: عليه الضمان
كلما جنت ولو ألف مرة، وقال آخرون: لا يجب على السيد أكثر من قيمتها فإذا
غرمها ثم جنت يشارك المجني عليه أولا فيكون قيمتها بينهما، والأول هو الذي
يقتضيه مذهبنا.
ومن قال: عليه أقل الأمرين كلما جنت فلا كلام، فتنظر إلى الأرش والقيمة
فيوجب على السيد أقل الأمرين، ومن قال: لا يجب أكثر من قيمة واحدة، فعلى
هذا متى غرم قيمتها فلا شئ عليه بعدها، ويكون المجني عليهم مشتركين في
ذلك القدر أبدا وفيه ثلاث مسائل:
279

الأولى: قيمتها ألف جنت جناية أرشها ألف على السيد كلها، فإن جنت مرة
أخرى جناية أرشها ألف كان الثاني والأول مشتركين في الألف نصفين، فإن
جنت ثالثا جناية أرشها ألف اشترك الثلاثة في قدر قيمتها.
الثانية: قيمتها ألفان جنت جناية أرشها ألف فأخذ من السيد ألف، فإن جنت
ثانيا جناية أرشها ألف فعلى السيد أيضا لأنه ما غرم قيمتها، وهذا الألف تمام قيمتها
فلا غرم عليه سواه، فإن جنت ثالثا جناية أرشها ألف اشترك الثلاثة في قدر
قيمتها، وهي ألفان، لكل واحد منهم ثلث الألفين، وعلى هذا أبدا.
الثالثة: قيمتها ألف وخمسمائة، جنت جناية أرشها ألف فعلى السيد ذلك،
فإن جنت ثانيا جناية أرشها ألف فليس على السيد إلا خمسمائة، وهي تمام القيمة
ثم يشارك الأول والثاني في الألف وخمسمائة بالسوية، فالأول أخذ ألفا، والثاني
خمسمائة فيأخذ الثاني من الأول مائتين وخمسين، ليكون مع كل واحد سبعمائة
وخمسون كمال قيمتها نصفين.
إذا اصطدم الفارسان فماتا فعلى عاقلة كل واحد منهما نصف الدية لصاحبه،
والباقي هدر، وفيه خلاف، وإن كان إنسان جالسا على طريق فعثر به غيره عثرة
يقتل مثلها الجالس، فماتا معا كان على عاقلة كل واحد منهما تمام الدية.
والفرق بينهما أن كل واحد منهما مات بسبب انفرد به صاحبه، لأن الجالس
قتله العاثر مباشرة، والعاثر مات بسبب كان من الجالس، فلهذا كان على عاقلة
كل واحد منهما كمال دية صاحبه، فهو كما لو حفر بئرا في غير ملكه ثم جاء
رجل فجرح الحافر وسقط الجارح في البئر فإن الجارح قتل الحافر مباشرة،
والحافر قتل الجارح بسبب، وهكذا لو نصب سكينا في غير ملكه وحفر آخر بئرا
في غير ملكه فوقع الحافر على السكين فمات ووقع الناصب في البئر فمات،
فعلى عاقلة كل واحد منهما كمال دية صاحبه، لأنه مات بقتل انفرد صاحبه به،
وليس كذلك مسألة الصدمة لأن كل واحد منهما مات بفعل اشتركا فيه، فلهذا
لم يكن على عاقلة كل واحد منهما كمال دية صاحبه، كما لو جرح نفسه
280

وجرحه غيره.
ولا فصل بين أن يكونا بصيرين أو أعميين أو أحدهما أعمى والآخر بصيرا،
لأنهما إن كانا أعميين القتل خطأ من كل واحد منهما بلا إشكال، فعلى عاقلة كل
واحد منهما نصف دية صاحبه مخففة، وإن كانا بصيرين فإن كان ذلك خطأ
فهما كالأعميين وقد مضى، وإن كان من كل واحد منهما على وجه القصد
والعمد، قال قوم: هو شبه العمد لأن الصدمة لا يكون منها القتل غالبا فيكون على
عاقلتهما الدية مغلظة، وقال بعضهم: يكون ذلك عمدا محضا فوجب القود، فعلى
هذا في تركة كل واحد منهما نصف دية صاحبه حالة مغلظة وهو الصحيح
عندنا.
فأما إذا مات الفرسان فعلى كل واحد منهما نصف قيمة دابة صاحبه، فإن
كانت القيمتان سواء تقاصا، وإن اختلفا فإنهما يتقاصان ويترادان الفضل، ولا
يكون ضمان القيمة على العاقلة لأن العاقلة لا يعقل البهائم، وأما الديتان فعليهما إن
كان خطأ على ما بيناه، ولا يجئ أن يتقاصوا إلا أن تكون العاقلة ترث كل واحد
منهما فإنهما يتقاصان.
ولا فرق بين أن يكونا على فرسين أو بغلين أو حمارين، أو أحدهما على
فرس والآخر على بغل أو حمار أو كان أحدهما على فيل والآخر على فرس أو
جمل، لأنهما اشتركا في الجناية فكانا في الضمان سواء، كما لو جرح أحدهما
رجلا مائة جرح وجرح نفسه أو غيره جرحا واحدا فمات كانا في الضمان سواء،
وإن اختلفا في أرش الجناية.
ولا فصل بين أن يكونا مقبلين أو مدبرين، أو أحدهما مقبلا والآخر مدبرا،
لأن الاعتبار بحصول الاصطدام ولا فصل بين أن يكونا مكبوبين أو مستقليين أو
أحدهما مكبوبا والآخر مستلقيا، وقال بعضهم: إن كان أحدهما مكبوبا والآخر
مستلقيا فالمكبوب هو القاتل وحده، والمستلقى مقتول فعلى عاقلة المكبوب كمال
دية المستلقى، وإذا كانا ماشيين أو أحدهما راكبا والآخر ماشيا فالحكم مثل
281

ذلك، ويتصور المسألة إذا كان الماشي طويلا والراكب على شئ قصير حتى
يقع الاصطدام بينهما في أبدانهما والحكم في الضمان على ما مضى.
فإذا تقرر هذا لم يخل المصطدمان من ثلاثة أحوال: إما أن يكونا حرين أو
عبدين أو أحدهما حرا والآخر عبدا.
فإن كانا حرين: فإن كانا كبيرين فقد مضى الحكم فيهما وإن كانا
صغيرين، فإن كان الركوب منهما فالحكم فيه كما لو كانا كبيرين على عاقلة
كل واحد منهما نصف دية صاحبه، وإن كان الولي هو الذي أركبهما فالحكم فيه
كما لو كانا بأنفسهما، لأن للولي ذلك، لأنه من الأدب وله تعليمهما، وإن أركبهما
أجنبيان فعلى كل واحد من المركبين نصف دية الصغيرين معا، لأنه فعل ما ليس
له فعله، فلا يهدر شئ من دم الصغيرين، لأن كل واحد منهما وإن مات بفعله
وفعل صاحبه، فما قابل فعل نفسه لا يهدر، لأن سبب ذلك وقع من المركب له،
فكان مفرطا فيه، فلذلك كان الضمان عليه.
فإذا ثبت ذلك، فإن عاقلة كل واحد من المركبين إنما يضمن مثل ما يضمن
عاقلة صاحبه، سواء كان الصغيران مسلمين أو كافرين، أو أحدهما مسلما والآخر
كافرا لأنه إن كانت الديتان كاملتين أو ناقصتين فعلى عاقلة كل واحد منهما
نصف الديتين، فإن كانت إحديهما ناقصة والأخرى كاملة فكذلك أيضا لأن
عاقلة كل واحد منهما يعقل نصف دية كاملة ونصف دية ناقصة، فلهذا قلنا: لا
يضمن إحدى العاقلتين أكثر من الأخرى.
هذا إذا كانا ذكرين فأما إن كان المصطدمان امرأتين نظرت: فإن كانتا
حاملتين فأسقطت كل واحدة منهما جنينا ميتا فعلى عاقلة كل واحدة منهما
نصف دية الجنينين معا لأن كل واحدة منهما قتلت جنينها هي وصاحبتها،
والمرأة إذا قتلت جنينها فالدية على عاقلتها، فأوجبنا على عاقلة كل واحدة منهما
نصف دية الجنين، كالمركبين الصغيرين إذا كانا المركبان أجنبيين، وعندنا أن
دية الجنين عليهما في مالهما خاصة، فعلى هذا يلزم كل واحدة منهما نصف دية
282

الجنين في مالها.
وأما إذا كانا عبدين: هدرت قيمة كل واحد منهما لأنه مات من فعله وفعل
صاحبه، فما قابل فعل نفسه هدر، وما قابل فعل غيره مضمون، وهو نصف
القيمة، إلا أن محل تعلق نصف القيمة رقبة العبد الجاني وقد هلكت الرقبة، فبطل
محل تعلق القيمة كما لو قتل عبد عبدا تعلقت قيمته برقبته، فإن هلك سقطت
القيمة لفوات محلها.
وإن مات أحدهما قبل صاحبه تعلق نصف القيمة برقبة الباقي منهما يباع
فيها، فإن كان هلك قبل ذلك سقطت القيمة لفوات محلها وهذا الميت أخيرا
مات بسبب كان منه ومن الذي مات أولا، فاقتضى أن يتعلق نصف قيمته برقبة
الميت أولا، فلما مات بعد ثبوت الأول بطل محل الحق قبل موت الثاني، فلهذا
هدرت قيمته.
فأما إن كان أحدهما حرا والآخر عبدا: قدمنا الكلام فيه إذا مات أحدهما
قبل صاحبه، فإنه أوضح ينظر فيه: فإن مات العبد أولا وجب نصف قيمته لأنه
هلك من فعله وفعل غيره، وكان ما قابل فعل نفسه هدرا، وأين تجب نصف
القيمة؟ قال قوم: على عاقلة الحر، وقال آخرون: في ذمته، وأين وجب كانت
لسيد العبد يستوفيها منه، وأما إن مات الحر أولا وجب بموته نصف ديته لما
مضى، وكان هذا النصف متعلقا برقبة العبد يباع فيها، فإن كانت قيمة العبد مثل
نصف الدية استوفى ذلك من ثمنه، وإن كانت قيمته أقل من نصف الدية فليس
لمن وجبت له نصف الدية إلا قيمة العبد، وما زاد على ذلك هدر، وإن كانت قيمة
العبد أكثر من نصف الدية بيع منه بقدر نصف الدية وكان الباقي لسيده.
فإن هلك هذا العبد نظرت: فإن مات حتف أنفه سقط ما كان متعلقا برقبته
إلى غير بدل وإن قتله قاتل وجبت عليه قيمته، ويحول ما كان متعلقا برقبته إلى
قيمته، ويستوفي ممن وجبت القيمة عليه.
فأما إن ماتا معا منه، وجب بموت العبد نصف قيمته، وهل يجب على عاقلة
283

الحر أو تركته؟ قال قوم: على عاقلته وقال آخرون: في ماله، ويكون ذلك
لسيده وقد وجب بموت الحر نصف ديته، وكان من سبيلها أن تكون متعلقة برقبة
العبد ولكنها تحولت إلى قيمته لأن العبد إذا جنى يتعلق أرش الجناية برقبته فمتى
قتله قاتل يحول الأرش إلى قيمته، كذلك هاهنا، قد قتل الحر فوجب تعلق
نصف الدية بنصف قيمته لورثة الحر فقد وجب لسيد العبد نصف قيمة عبده،
ووجب لورثة الحر نصف الدية معلقة بنصف قيمة العبد، فينظر فيه:
فإن كان نصف الدية ونصف القيمة سواء فمن قال: نصف قيمة العبد في
تركة الحر فقد وجب ذلك لسيده، ووجب لورثة الحر نصف الدية معلقة بنصف
القيمة فيتقاصان لأنه لا معنى لأن يستوفي السيد من تركة الحر نصف قيمة عبده،
ثم يسترده وارث الحر منه، ومن قال: نصف قيمة العبد على عاقلة الحر قال: إن
كان وارث الحر هو العاقلة تقاصا على ما مضى، وإن كان الوارث غيره فالسيد
يستوفي نصف القيمة من العاقلة ثم وارثه يستوفي نصف الدية من السيد، ولا يبقى
للسيد شئ.
فأما إن كان نصف القيمة أقل من نصف الدية فالقدر الذي يقابل من ذلك
نصف قيمة العبد، الحكم فيه كما لو كان نصف القيمة ونصف الدية سواء، وما
فضل من نصف الدية على نصف القيمة هدر، لأنه لم يبق للفضل محل يتعلق به.
فإن كان نصف القيمة أكثر من نصف الدية، عندنا لا اعتبار بالزيادة ولا
يلزم الحكم على ما مضى، وفيهم من قال: الفضل للسيد فمن قال: يتعلق نصف
قيمة العبد بتركة الحر استوفاه السيد منها، ومن قال: على العاقلة قال: يستوفي
السيد من العاقلة.
إذا كانوا عشرة فرموا حجرا بالمنجنيق فقتل الحجر واحدا لم يخل من أحد
أمرين: إما أن يكون واحدا منهم أو من غيرهم.
فإن كان من غيرهم فقد اشتركوا في قتله، فهو كما لو جرحه كل واحد
منهم جرحا فمات فإن كان الرامي خطأ فعلى عاقلة كل واحد منهم عشر ديته
284

مخففة وإن كانوا عامدين لقتله وقصدوه بعينه، قالوا: يكون عمد الخطأ، ولا يكون
قتل المنجنيق عمدا بوجه لأنه لا يمكن قصد رجل بعينه بالقتل غالبا وإنما يتفق
وقوعه على رجل فلا يكون عمدا محضا فالقود ساقط، والدية مغلظة على عاقلة
كل واحد منهم عشرها، ويقوى في نفسي أن يكون ذلك عمدا محضا يوجب
القود فإن قلنا: عمد الخطأ فالدية في مالهم خاصة على ما تقرر.
فأما إن كان واحدا منهم فقد مات بجنايته على نفسه، وجناية التسعة عليه،
فما قابل جنايته على نفسه هدر، وما قابل جناية التسعة مضمون فعلى عاقلة كل
واحد من التسعة عشر ديته، فيكون لوارثه تسعة أعشار الدية.
وإن قتل الحجر اثنين منهم، فعلى عاقلة كل واحد من الميتين عشر دية
صاحبه لأنه مات من جنايته على نفسه وجناية التسعة عليه، والميت أحد التسعة
وعلى عاقلة كل واحد من الباقين عشر دية كل واحد من الميتين، فيكون عاقلة
كل واحد من الثمانية تعقل خمس الدية: العشر لوارث هذا الميت، والعشر
لوارث الميت الآخر، فيحصل لورثة كل واحد من الميتين تسعة أعشار الدية،
وهكذا على هذا الحساب إن قتل الحجر ثلاثة أو أربعة أو سبعة.
فأما إن رجع الحجر على العشرة فقتلهم أجمعين، فعلى كل واحد منهم
تسعة أعشار الدية لورثة كل ميت العشر، لأن كل واحد منهم مات من جنايته
هدر وما قابل جناية التسعة عليه مضمون فيكون على عاقلة كل واحد من الباقين
عشر ديته فيكون لورثة كل واحد منهم تسعة أعشار الدية على تسع عواقل،
وهذا الضمان يتعلق بمن مد الحبال ورمى بالحجر دون من وضع الحجر أو
أمسك الخشب، لأن المباشرة منهم دون غيرهم، كمن جعل سهما في قوس
رجل فنزع صاحب القوس ورمى به فالضمان على الرامي دون من وضع السهم
في القوس، فأما من أمسك الخشب فلا دخل له في الرمي.
إذا كان الرجل واقفا فجاء رجل آخر فصدمه فماتا معا فدية المصدوم على
عاقلة الصادم لأنه انفرد بقتله، فهو كما لو جرحه فقتله، وعندنا أن الدية عليه في
285

ماله خاصة وأما دية الصادم فهل هدرت أم لا؟ لم يخل المصدوم من أحد أمرين:
إما أن يكون واقفا في ملكه أو في غير ملكه.
فإن كان واقفا في ملكه فدية الصادم هدر، لأنه فرط بدخول ملك غيره، فهو
كما لو حفر ذلك الغير بئرا في ملكه فدخل الصادم فوقع فيها فمات، فلا ضمان
على الحافر، وسواء كان المصدوم واقفا في ملكه أو جالسا أو مضطجعا الباب
واحد.
وإن كان المصدوم واقفا في غير ملكه نظرت:
فإن كان في موضع واسع كالصحراء أو الطريق الواسع فالحكم فيهما
كما لو كان واقفا في ملكه، وقد مضى، لأن له أن يقف في الموضع الواسع كما
يقف في ملكه، فأما إن انحرف المصدوم هاهنا واستقر ثم صدمه الآخر فهو
كالواقف ودية الصادم هدر، وإن انحرف المصدوم فوافقت الصدمة انحرافه،
فوقع الصدم والانحراف معا وماتا معا فعلى كل واحد منهما نصف دية صاحبه،
لأنه مات من جنايته على نفسه وجناية الآخر عليه لأن انحرافه فعل منه.
فأما إن كان واقفا في موضع ضيق، وهو أن وقف في طريق ضيق
للمسلمين فصدمه هاهنا وماتا معا فدية الصادم مضمونة لأنه تلف بسبب فرط فيه
الواقف، وذلك أنه وقف في موضع ليس له أن يقف فيه، كما إذا جلس في
طريق ضيق فعثر به آخر فماتا فعلى عاقلة الجالس كمال دية العاثر لأنه مات
بسبب كان منه وهو جلوسه، ولا فصل بين أن يكون جالسا وبين أن يكون واقفا
فصدمه، فإن أحدهما مات بسبب والآخر بالمباشرة.
ويفارق هذا إذا اصطدما حيث قلنا: على عاقلة كل واحد منهما نصف الدية،
لأن كل واحد منهما مات بفعله وفعل صاحبه وهاهنا مات كل واحد منهما بفعل
انفرد به صاحبه.
ويفارق أيضا إذا كان واقفا في موضع واسع لأنه غير مفرط فهدر دم
الصادم وهاهنا فرط.
فإذا تقرر هذا ففي مسألة الجالس قال قوم: إنها مضمونة،
286

وقال آخرون: إنها غير مضمونة، والأول أقوى.
إذا اصطدمت السفينتان فتكسرتا وهلكتا وما فيهما، لم يخل من ثلاثة
أحوال: إما أن يكون القائمان بهما مفرطين أو لم يفرطا أو فرط أحدهما دون
الآخر.
فإن كانا مفرطين: مثل أن أمكنهما الحبس والإمساك بطرح الأنجر - وهي
الحديدة الثقيلة كأنها صليب - أو بالرجال أو أمكن صرفها عن سمت الاصطدام
فلم يفعلا، أو كان هناك نقصان رجال أو نقصان آلة فكله تفريط، فإذا اصطدمتا
لم يخل ما فيهما من أحد أمرين: إما أن تكون أموالا أو غيرها.
فإن كانت أموالا كالذهب والفضة والعبيد والبهائم والأثاث والمتاع
نظرت: فإن كان القائم بهما مالكا كل واحد منهما قائم في ملكه وما فيها ملكه
ضمن كل واحد منهما نصف سفينة صاحبه بما فيها، والباقي هدر، كما قلنا في
اصطدام الفارسين إذا ماتت الدابتان كل واحد منهما يضمن نصف قيمة دابة
صاحبه، وهكذا إذا اصطدم الرجلان ومع كل واحد منهما زجاج فتكسر أو
كان معهما بيض فتكسر، وإن كان القيم بهما غير مالكين مثل أن كانا أجيرين أو
استأجرا السفينتين أو استؤجرا للعمل فيها، ضمن هاهنا كل واحد منهما نصف
السفينتين، لأن التلف منهما والملك للغير، هذا إذا كان فيهما أموال.
فأما إن كان فيهما أحرار، فلا فصل في هذا بين أن يكون القيم بهما مالكين
أو أجيرين الباب واحد، ينظر فيه، فإن كانا عامدين وقيل: إن هذا يتلف غالبا
فعليهما القود لأنهما قد اشتركا في قتل من كان في السفينتين عمدا، فيقرع بينهما
فمن خرجت قرعته قتل به، ويكون دية الباقين في تركتهما حالة مغلظة لأنهما عن
عمد محض، وعندنا إذا قتل سقط حق الباقين على ما مضى، وإن قيل: قد يقتل
هذا وقد لا يكون منه التلف فهو شبه العمد، فتجب الدية على عاقلتهما مغلظة
مؤجلة على عاقلة كل واحد منهما نصف ديات القتلى، وعندنا في أموالهما، وأما
الكفارة في أموالهما على كل واحد منهما بعدد القتلى كفارات، هذا إذا كان القيم
287

بهما حرين.
فأما إن كانا عبدين لغير مالك السفينة، فالحكم في العبدين كالحكم في
الحرين حرفا بحرف، في جميع ما قلناه إلا في فصل، وهو محل الضمان، فإن
الديات وقيمة المتلف كلها تتعلق برقبة العبد، وفي الحر بخلافه، تكون الدية على
عاقلة الحر وفي المملوك رقبة العبد.
فأما إن اصطدمتا من غير تفريط: وهو أن تسير السفينتان بعدة وافية من
رجال وآلة وعدل بهما عن سمت الاصطدام فهاجت الريح وغلب الموج وخرج
الأمر عن أيديهم وقهرتهم الريح فاصطدمتا وتكسرتا قال قوم: عليهما الضمان،
وقال آخرون: لا ضمان عليهما، وهو الأقوى عندي، فمن قال: عليهما الضمان
فالحكم فيه كما لو كانا مفرطين وقد مضى، وتكون الدية هاهنا مخففة مؤجلة على
عاقلتهما والكفارة في أموالهما، ومن قال: لا ضمان فلأن التلف كان من غير تفريط
وفيها أربع مسائل:
الأولى: إذا كانت السفينتان وما فيهما لهما، فلا ضمان على واحد منهما، فإن
ما قابل جنايته على ماله هدر، وما قابل جنايته على مال غيره مضمون.
الثانية: كانت السفينتان معهما بأجرة وكان ما فيهما من الأموال ودائع
ومضاربات فلا ضمان أيضا لأن جميع ذلك لا يضمن إلا بالتفريط.
الثالثة: كانت السفينتان معهما بأجرة، وما كان فيهما من الأموال حملاها
بأجرة إلى بلد، فعلى هذا كل واحد منهما أجير مشترك فالسفينتان لا ضمان
عليهما لأنهما معهما بأجرة، وأما الأموال فإن كانت يد أصحابها عليها فلا ضمان
أيضا لأن الأجير المشترك لا يضمن ما يعمل فيه إذا كانت يد صاحبه عليه، وإن
لم تكن يد صاحبه عليه قال قوم: يضمن، وقال آخرون: لا يضمن، وهو مذهبنا
لأنهما ما فرطا.
الرابعة: لم تكن السفينتان معهما بأجرة بل جعل المتاع فيهما أصحاب
المتاع، واستؤجرا ليسيراهما من مكان إلى مكان، فكل واحد منهما أجير
288

مشترك في السفينة والمتاع معا فيكون على ما فصلناه.
فأما إذا كان أحدهما مفرطا والآخر غير مفرط، فحكم المفرط بمنزلة أن لو
كانا مفرطين حرفا بحرف وقد مضى، وحكم غير المفرط بمنزلة أن لو كانا غير
مفرطين في جميع ما ذكرناه من المسائل الأربع، وقد مضى، فكل موضع قلنا:
مفرط، فعليه الضمان وكل موضع قلنا: غير مفرط فإنه لا ضمان عليه.
فإن اختلف قيم السفينة ورب المال، فقال رب المال: فرطت، وأنكر القيم
فالقول قول القيم مع يمينه، لأنه أمين قد ادعي عليه التفريط مثل المودع.
وإذا اصطدمتا فانكسرت إحديهما فالحكم كما لو تكسرتا معا في هذه
المكسورة على ما فصلناه من التفريط وعليه.
وإن شدت سفينة بشاطئ البحر واقفة عن السير فوافت سفينة سائرة
فصدمتها وكسرتها وهلك ما فيها، فإنه غير مفرط فينظر فيه: فإن كان فيها ودائع
ومضاربات فلا ضمان لأنه غير مفرط وكذلك إن كان فيها رجال فلا ضمان،
وأما إن كان فيها أموال فحملها بكرى فهذا أجير مشترك، فعلى ما مضى من
الخلاف، وأما السفينة الصادمة فإن كان القيم بها مفرطا فعليه الضمان، وإن لم
يكن مفرطا قال قوم: يضمن، وقال آخرون: لا يضمن وهو مذهبنا.
إذا كانوا في سفينة فثقلت ونزلت في الماء وخافوا الهلاك والغرق فألقى
بعض ما فيها لتخف رجاء للسلامة ففيها ثلاث مسائل:
الأولى: إذا ألقى بعضهم متاع نفسه فلا ضمان على أحد سلموا من ذلك أو لم
يسلموا، لأنه اختار إتلاف ماله لغرض له فيه.
الثانية: أخذ مال غيره فألقاه في البحر بغير إذن صاحبه، فعليه ضمانه، سلموا
أو لم يسلموا، لأنه أتلف مال غيره بغير إذنه من غير أن يلجئه صاحب المال إليه
كما لو أتلف غير هذا المال.
الثالثة: قال واحد منهم لبعض أرباب الأموال: ألق متاعك في البحر ليخف
عنا ما نحن فيه، فقبل منه فلا ضمان على من سأله، سواء نجوا أو هلكوا لأنه
289

استدعى منه إتلاف ماله من غير عوض ضمنه له، كما لو قال له: أعتق عبدك
فأعتق أو طلق زوجتك فطلق فلا شئ عليه، وإذا قال له: ألق متاعك في البحر
وعلى ضمانه، فألقاه فإن عليه ضمانه بلا خلاف، إلا أبا ثور، فإنه قال: لا ضمان
عليه لأنه ضمان ما لم يجب.
فأما إذا لم يخافوا الغرق وقال لغيره: ألق متاعك في البحر ففعل، لا يلزمه
بلا خلاف، وكذلك إذا قال له: حرق ثيابك وعلى ضمانه، لا يلزمه بلا خلاف،
وإنما لزمه في الأول لأن له فيه غرضا من نجاة نفسه وما معه، وإذا قال له: ألق
متاعك في البحر على أني وركبان السفينة ضمناء، فألقاه، قال بعضهم: ضمنه
دونهم، وقال آخرون: إنما يضمن ما يخصه، فأما أن يكون عليه ضمان جميع
المتاع فلا.
والأولى أن يبين أولا الضمان في حق الجماعة، وجملته أنه على ضربين
ضمان اشتراك، وضمان اشتراك وانفراد.
الضرب الأول: فضمان الاشتراك مثل أن يكون على رجل ألف فقال:
عشرة أنفس لمن له الألف ضمنا لك الألف التي لك على فلان، فيكون جميعهم
ضمناء، وكل واحد منهم ضامن لعشر الألف، فله أن يطالبهم بالألف معا،
ويطالب كل واحد بعشر الألف كما لو وكلهم في بيع عبد أو أوصى إليهم في
تركته أو باعهم عبدا فقتلوه أجمعون.
الضرب الثاني: ضمان اشتراك وانفراد مثل أن يقول: ضمنا لك وكل
واحد منا الألف الذي لك على فلان، فيكون الجميع ضمناء لكله وكل واحد
منهم ضامن لكله، فأما إن قال واحد من العشرة: ضمنت لك أنا وأصحابي مالك
على فلان، وسكت أصحابه وما كانوا وكلوه بذلك ضمن هو عشر الألف لأنه لم
يضمن الكل، وإنما يضمن بالحصة.
فإذا تقرر هذا كان إلقاء المتاع في البحر على هذا، فإن كان الضمان ضمان
اشتراك ضمن كل واحد ما يخصه، وإن كان ضمان اشتراك وانفراد ضمن كل
290

واحد منهم كل المتاع.
وإن كان قال: ألقه على أني وركبان السفينة ضمناء، فسكتوا ضمن بالحصة
أيضا، وإن قال: على أني وكل واحد منهم ضامن، ضمن الكل، وإن قال: على أني
وهم ضمناء وقد ضمنت بإذنهم، فأنكروه ضمن دونهم، وإن قال: على أني أؤديه
من مالهم، ضمن دونهم، وإن قال: أنا ألقيه وأخذه فألقاه قال قوم: يضمن الكل،
وهو الأقوى، وقال غيرهم: بالحصة.
إذا خرق السفينة فغرق ما فيها نظرت فإن كان كله مالا متاعا ونحوه فعليه
ضمانه، سواء كان ذلك عمدا أو خطأ، أو عمد الخطأ، وإن كان ما فيها أحرارا
فإن كان خرقه عمدا محضا، مثل أن قلع منها لوحا وقيل يغرق غالبا وهو إن
كانت في لجة البحر بعيدة من الشاطئ فهو عمد محض عليه القود كما لو قتلهم
مباشرة أجمعين، وإن كان خطأ محضا مثل أن كان في يده فأس أو حجر فسقط
فيها فانخرقت فالدية مخففة مؤجلة على عاقلته، والكفارة في ماله، وإن كان عمد
الخطأ مثل أن أخذ الفأس ليصلح موضعا فقلع لوحا ليدخل غيره أو يصلح
مسمارا فانخرقت فهو عمد الخطأ لأنه عمد في فعله وأخطأ في قصده، فالدية مغلظة
عندنا في ماله، وعندهم على العاقلة مؤجلة والكفارة في ماله بلا خلاف.
إذا تجارح رجلان فجرح كل واحد منهما صاحبه وادعى أنه جرح صاحبه
دفعا عن نف سه فقال: أنه لا ضمان عليه، وأنكر الآخر، فالقول قول المنكر، لأن
الظاهر حصول الجناية وهو يدعي الإسقاط، فكان القول قوله.
إذا سلم ولده إلى السابح ليعلمه السباحة فغرق ضمنه لأنه تلف بالتعليم،
فهو كما لو ضرب المعلم الصبي على التعليم فمات، ولأنه فرط فيه لأنه كان من
سبيله أن يحتاط في حفظه وإحكام شكوته وملازمة رجله، فإذا لم يفعل فقد فرط
فعليه الضمان، وهو عمد الخطأ، تكون الدية مغلظة مؤجلة في ماله عندنا وعندهم
على العاقلة والكفارة في ماله.
فإن كان المتعلم للسباحة كبيرا فإنه لا ضمان عليه بحال، لأن البالغ العاقل
291

متى غرق في تعلم السباحة فهو الذي ترك الاحتياط في حق نفسه، فلا ضمان على غيره.
فصل: في العاقلة:
اختلفوا في معنى تسمية أهل العقل بأنهم عاقلة.
منهم من قال: العقل اسم للدية وعبارة عنها، وسمي أهل العقل عاقلة
لتحملهم ذلك، يقال: عقلت عنه إذا تحملتها عنه، وعقلت له إذا دفعت الدية إليه.
ومنهم من قال: إنما سميت بالعاقلة لأنها مانعة والعقل المنع، وذلك أن العشيرة
كانت تمنع عن القاتل بالسيف في الجاهلية، فلما جاء الإسلام منعت عنه بالمال،
فلهذا سميت عاقلة.
وقال أهل اللغة: العقل الشد، ولهذا يقال: عقلت البعير، إذا ثنيت ركبته
وشددتها، وسمي ذلك الحبل عقالا، فسمي أهل العقل عاقلة لأنها تعقل الإبل
بفناء ولي المقتول والمستحق للدية.
يقال: عقل يعقل عقلا فهو عاقل، وجمع العاقل عاقلة، وجمع العاقلة
عواقل، والمعاقل جمع الديات.
وأي هذه المعاني كان، فلا يخرج أن معناه هو الذي يضمن الدية وبذلها
لولي المقتول.
وأجمع المسلمون على أن العاقلة تحمل دية الخطأ، إلا الأصم فإنه قال: على
القاتل، وبه قالت الخوارج ودية عمد الخطأ عندنا في مال القاتل مؤجلة سنتين
مغلظة، وعند بعضهم على العاقلة مغلظة حالة عنده، ودية القتل إذا كان خطأ
مخففة في ثلاث سنين في كل سنة ثلثها بلا خلاف، إلا ربيعة فإنه قال: خمس
سنين.
والعاقلة كل عصبة خرجت عن الوالدين والمولودين، وهم الإخوة
وأبناؤهم، والأعمام وأبناؤهم، وأعمام الجد وأبناؤهم، وأعمام الأب وأبناؤهم،
292

والموالي، وقال بعضهم: يدخل الوالد والولد فيها ويعقل للقاتل، والأول أقوى
عندي لما روي من قصة أمير المؤمنين عليه السلام والزبير حيث تنازعا ميراث
موالي صفية فقال أمير المؤمنين: نحن نعقل ونرث.
فإذا ثبت أن الولد لا يعقل فلا فصل بين أن يكون ولدها ابن عمها أو لا
يكون ابن عمها، فإنه لا يعقل عنها، وإن قلنا أنه يعقل من حيث إنه ابن عم كان
قويا، فأما القاتل فلا يدخل في العقل بحال مع وجود من يعقل من العصبات
وبيت المال، وقال بعضهم: القاتل كأحد العصبات يعقل مثل ما يعقل واحد
منهم، والأول أقوى، وقال بعض أصحابنا: إن العاقلة ترجع على القاتل بالدية،
ولست أعرف به نصا ولا قولا لأحد.
فإذا تقرر أن العاقلة من خرج عن الوالدين والمولودين، فإنه يبدأ بالأقرب
منهم فالأقرب على ترتيب الميراث، فلا يلزم ولد أب وهناك من هو أقرب،
فالأقرب الإخوة ثم أبناؤهم ثم الأعمام ثم أبناؤهم ثم أعمام الأب ثم أبناؤهم ثم
أعمام الجد ثم أبناؤهم، فإذا لم يبق أحد من العصبات فالمولى، فإذا لم يكن مولى
فبيت المال، وأكثر ما يحمله كل رجل من العاقلة نصف دينار إن كان موسرا
وربع دينار إن كان متجملا لأن هذا القدر لا خلاف فيه وما زاد عليه ليس عليه
دليل، والأصل براءة الذمة.
فإن كان له أخ والعقل دينار فعليه نصف دينار والباقي في بيت المال فإن
كان له أخوان فعلى كل واحد منهما نصفه، فإن كان له أخ وابن أخ فعلى كل
واحد منهما نصف دينار، وإن كان العقل خمسة دنانير وله عشرة إخوة فعلى كل
واحد نصف دينار، وإن كان له خمسة إخوة وخمسة أعمام فعلى كل واحد منهم
نصف دينار، وعلى هذا أبدا.
فإن اجتمع له أخوان فإن كانا لأب أو لأب وأم فهما سواء، وإن كان
أحدهما لأب والآخر لأب وأم قال قوم: هما سواء لأنهما تساويا في القرابة وانفرد
أحدهما بالأم ولا مدخل لها في العقل، وقال آخرون: إن الأخ للأب والأم ثم
293

الأخ للأب لأنه يدلي بأم والإدلاء بالأم كالتقدم بدرجة، بدلالة أنه أولى بالميراث،
وهو الأقوى الذي يليق بمذهبنا.
فإذا ثبت أنها على العاقلة فلا فصل بين أن يكون القاتل من أهل الديوان أو
لم يكن من أهله، فإن الدية عن عصبته لا تتحول، والديوان أن يدون الإمام
الدواوين فيجعل كل طائفة فرقة، ويجعل على كل فرقة عريفا يقبض لهم العطاء
ويفرقه فيهم، ويكون قتالهم في موضع واحد، وقال بعضهم: الدية على أهل
الديوان دون العصبات، والأول مذهبنا.
فإذا ثبت ذلك، فإن كانوا رجالا عقلوا، فأما النساء والصبيان والمجانين فلا
عقل عليهم بلا خلاف، وأما الشباب الضعفى والزمنى والشيوخ الذين لا قوة لهم
ولا نهضة فيهم، فهم من أهل العقل، لأنهم من أهل النصرة بوجه، لأنه وإن لم يكن
فيه نصرة بالسيف ففيهم نصرة بالرأي والمشورة.
قد قلنا إن الدية مؤجلة على العاقلة في ثلاث سنين، فأما ابتداء المدة فعند
قوم من حين وجوب الدية حكم الحاكم بابتدائها أو لم يحكم، وقال قوم: ابتداء
المدة من حين حكم الحاكم، والذي يقتضيه مذهبنا الأول.
وأما بيان وقت الابتداء فجملته أن الجناية لا تخلو من أحد أمرين: إما أن
تكون نفسا أو دون النفس.
فإن كانت نفسا لم تخل من أحد أمرين: إما أن يكون القتل يوجبه أو
بالسراية.
فإن كان يوجبه مثل أن رماه بسيف فوسطه أو قطع الحلقوم والمرئ أو
رمى سهما إلى طائر، فأصاب إنسانا فقتله في الحال، فالمدة من حين الموت، لأن
الابتداء من حين الوجوب، والوجوب بالموت، فكان الابتداء من ذلك الوقت.
وإن كان بالسراية مثل أن جرحه فلم يزل زمنا حتى مات، فابتداء المدة من
حين الموت أيضا لا من حين الجرح، لأن الطرف إذا صار نفسا كان تبعا لها،
ودخل أرشه في بدلها، فكان الاستقرار بالموت، والوجوب حينئذ، فلهذا كان
294

الابتداء من حين الموت.
وإن كانت دون النفس لم تخل أيضا من أحد أمرين: إما أن يندمل بغير
سراية أو بعد السراية.
فإن اندملت من غير سراية مثل أن قطع إصبعه ثم اندملت بعد شهر فابتداء
المدة من حين القطع لا من حين الاندمال، لأن الوجوب حين القطع، وما زاد
بالاندمال شئ، وإنما استقر به المقدار فلا يراعى وقته، ألا ترى أنه لو قطع يد
يهودي ثم أسلم ثم اندملت كان فيها دية يد يهودي اعتبارا بحال الجرح.
وإن كان الاندمال بعد السراية مثل أن قطع إصبعه فسرى إلى الكف
وسقط واندملت بعد مدة فابتداء المدة من حين الاندمال لا من حين القطع، ولا
من حين سقطت اليد لأن الاعتبار فيما يكون منه بالسراية بحال الاستقرار، وحال
الاستقرار بعد الاندمال، فهو كالسراية إلى النفس، ويفارق إذا اندملت من غير
سراية، لأن بالاندمال بان الاستقرار فيما وجب بالقطع، وليس كذلك إذا سرت
لكنا لا نعلم الاستقرار ولا أرشه إلا بالاندمال، فلهذا روعي الاندمال.
فإذا ثبت ابتداء المدة، فالكلام بعد هذا فيما يحل بانقضائها، وجملته أن
الأرش لا يخلو من ثلاثة أحوال: إما أن يكون دية أو دونها أو أكثر منها.
فإن كان دية حل عند انقضاء كل حول منها ثلثها لأنا قدرنا أنها في ثلاث
سنين، فإذا انقضت السنة الثالثة استوفى الثلث الثالث.
وإن كان دون الدية، فإن كان ثلث الدية فما دون كالجائفة أو الخارصة
كان الاستيفاء عند انقضاء الحول، لأن العاقلة لا تعقل حالا، وإن كان أكثر من
الثلث دون الثلثين حل الثلث عند انقضاء السنة الأولى، والباقي عند انقضاء السنة
الثانية وإن كان أكثر من الثلثين ودون الدية كان الثلث الأول عند انقضاء الأولى
والثلث الثاني عند انقضاء الثانية والباقي عند انقضاء الثالثة.
وإن كان أكثر من الدية مثل أن قطع يدين وقلع عينين، فإن كان المستحق
له اثنين حل على العاقلة لكل واحد منهما ثلث الدية، وإذا انقضت ثلاث سنين
295

استوفى من العاقلة، وإن كان المستحق واحدا لم يجب له على العاقلة في كل سنة
أكثر من ثلث الدية، لأن العاقلة لا تعقل لواحد أكثر من هذا في كل حول، فيكون
الواجب عليهم له سدس من دية العينين، وسدس من دية اليدين، فإذا مضت ست
سنين فقد استوفى الديتين معا.
من كان من أهل الإبل إذا حالت عليهم الحول والإبل موجودة عندهم
قبضنا منها، وإن لم تكن عندهم وكانت موجودة في البلد فعليهم الإبل يجمعون
ما على كل واحد منهم ويشترون به الإبل، فإن أعوزت الإبل فلم تكن موجودة
في البلد، أو كانت موجودة لكن بأكثر من ثمن المثل انتقلوا عنها إلى البدل، عندنا
إلى أحد الأجناس الستة التي تقدم بيانها، ومن قال: انتقل إلى بدل مقدر فذاك
ومن قال: إلى القيمة، اعتبر قيمتها حين قبض البدل لأنه الآن يعدل عن الواجب له
إلى بدله فإذا قبض منهم البدل برئت الذمة عن الواجب في هذا الحول، فإذا حال
الحول الثاني صنع بهم ما صنع في الأول، فإذا حال الثالث صنع أيضا مثل
ذلك.
وإن كانت بحالها فحال الحول والإبل معوزة فإن أعطى القيمة برئت الذمة
عن الإبل، فإن وجدت الإبل بعد قبض القيمة لم يكن للولي المطالبة بالإبل، لأنه
قد قبض بدل ما في ذمته وبرئت ذمته عنها، فإن دافع ومنع ومطل بدفع القيمة
حتى مضت مدة والإبل معوزة ثم وجدت طولب بالإبل لأنها باقية في ذمته ما لم
يؤخذ البدل عنها.
والذي يتحمل العقل عن القاتل من العاقلة من كان منهم غنيا أو متجملا،
وأما الفقير فلا يتحمل شيئا منها، ويعتبر الغنى والفقر حين المطالبة والاستيفاء،
وهو عند دخول الحول، ولا يعتبر ذلك قبل المطالبة، فمن كان غنيا عند الحول
طالبناه وإن كان فقيرا تركناه، وإن كان غنيا قبل ذلك، وهكذا زكاة الفطرة
والدين إلى أجل وغير أجل إن كان غنيا وإلا فنظرة إلى ميسرة، وكذلك نصنع
عند كل حول إن كان غنيا أو متجملا طالبناه وإن كان فقيرا تركناه وإذا حال
296

الحول على موسر توجهت المطالبة عليه، فإن مات بعد هذا لم يسقط عنه بل
يتعلق ما وجب عليه في تركته كالدين وقال بعضهم: يسقط بوفاته والأول أقوى.
فأما الدية الناقصة وهي دية المرأة وهي نصف دية الرجل، ودية اليهودي
والنصراني ودية المجوسي ودية الجنين على ما مضى من الخلاف فيه فكيف
تحمل العاقلة؟ قال بعضهم: في ثلاث سنين لأنها دية نفس، وقال آخرون: في
أول السنة ثلث الكاملة وما بقي في السنة الثانية، والأول أشبه بمذهبنا، ومن قال:
ثلث الدية الكاملة، فإن كان ما وجب مثل ثلث الدية أو دونه وجب في سنة
واحدة، وإن كان أكثر أخذ ثلث الدية الكاملة في أول السنة وما يبقى في الثانية.
قد مضى أن قدر ما يتحمله الغني كل واحد نصف دينار والمتجمل ربع
دينار، وقال بعضهم: على كل واحد من ثلاثة إلى أربعة، والغني والمتوسط سواء.
ومن قال بالأول يقسم على الأقرب فالأقرب حتى تنفد العاقلة، ومن قال
بالثاني قال: يقسم على جميع العاقلة لا يبدأ بالأقرب فالأقرب والذي يقتضيه
مذهبنا أن لا يقدر ذلك بل يقسمه الإمام على ما يراه من حاله من الغنى والفقر
وأن يفرقه على القريب والبعيد، وإن قلنا يقدم الأولى فالأولى كان قويا لقوله
تعالى: وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض، وذلك عام.
فمن قال: يجب على الغني نصف دينار وعلى المتوسط ربع دينار، فهل
يجب عليه ذلك في كل سنة حتى يتكامل في ثلاث سنين دينار ونصف، أو
يكون النصف عليه في ثلاث سنين في كل سنة دانق وعلى المتوسط نصف
دانق؟ قال قوم: هذا النصف على كل واحد في ثلاث سنين، ومنهم من قال: في
كل سنة.
وسواء قيل: يلزمه النصف في كل سنة أو كل ثلاث سنين، نظرت: فإن
كانت الإبل موجودة فعليهم جميع ذلك، ولا يقبل منهم سهم من حيوان، لأنه
يشق على الدافع ويضيع على المدفوع إليه، فإن أعوزت الإبل انتقل إلى ما مضى
القول فيه من البدل على الخلاف فيه.
297

روى أصحابنا أنه لا يحمل على العاقلة إلا أرش الموضحة فصاعدا، فأما ما
دونه ففي مال الجاني، وفي الناس من قال: يحمل عليهم قليله وكثيره، وفيه خمس
مذاهب ذكرناه في الخلاف.
إذا جنى الرجل على نفسه مثل أن قطع يد نفسه أو قتل نفسه، فإن كانت
الجناية عمدا محضا كانت هدرا، وإن كان قتل نفسه خطأ مثل أن ضرب رجلا
بسيف فرجع السيف إليه أو رمى طائرا فعاد السهم إليه كانت أيضا هدرا عندنا،
وعند أكثر الفقهاء وفيها خلاف.
المولى على ضربين: مولى من فوق وهو المعتق المنعم، ومولى من أسفل
وهو المعتق المنعم عليه.
فأما المولى من فوق فإنه يعقل عن المولى من أسفل بلا خلاف لما روي عن
النبي عليه السلام أنه قال: الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب ولا
يورث، فشبهه بالنسب، وبالنسب يتحمل العقل فكذلك بالولاء فإذا ثبت أنه
يعقل فإنما يعقل إذا لم تكن للعاقل عصبة أو كان له عصبة لا يتسع لحمل الدية
وفضل فضل فالمولى يتحمل عنه بلا خلاف فيه أيضا.
فإذا ثبت أنه يعقل بعد العصبات، فالترتيب فيه إذا وجبت الدية وحال
الحول فرقنا الثلث على العصبات على الإخوة وأبنائهم ثم على الأعمام وأبنائهم ثم
على الأعمام وأبنائهم ثم على أعمام الأب وأبنائهم، وعلى هذا الترتيب أبدا، فإذا لم
يبق له عصبة مناسب يحمل الموالي ما بقي، فإن اتسعوا لما بقي وإلا فعلى عصبة
المولى، ثم على مولى المولى، وإن لم يتسعوا فعلى عصبة مولى المولى، فإن لم
يتسعوا فعلى مولى مولى المولى، فإن لم يتسعوا فعلى عصبتهم على ترتيب الميراث
سواء، فإن لم يتسعوا وفضل ففي بيت المال يؤخر بيت المال عن الموالي
كما يؤخر في الميراث عنهم.
فإن لم يكن في بيت المال مال فما الذي يصنع بالفضل؟ فالحكم في هذه
الفضلة وفي كل الدية إذا لم يكن للقاتل عصبة ولا مولى، ولا في بيت المال مال،
298

واحد، قال قوم: يغرمه القاتل إذا قيل الدية تجب في الابتداء عليه، وإنما العاقلة
تحملها عنه لأنها عليه وجبت، فإذا لم يكن هناك من ينوب عنه عاد الغرم عليه،
ومن قال: يجب على العاقلة ابتداء فلا غرم عليه لأنه ما وجب عليه بالقتل غرم،
فعلى هذا تتأخر الدية حتى يحدث من يحملها من بيت المال.
فأما المولى من أسفل فهل يعقل عن المولى من فوق أم لا؟ قال قوم: يعقل،
وقال آخرون: لا يعقل، وهو الصحيح عندنا، لأنه لا دليل عليه، فمن قال: لا
يعقل، فلا كلام ومن قال: يعقل، قال: يؤخرون عن المولى من فوق، فإذا لم يبق
أحد منهم عقل المولى من أسفل، فإن لم تكن فحينئذ في بيت المال.
إذا قتل خطأ ووجبت الدية لم تخل العاقلة من ثلاثة أحوال: إما أن تكون
حاضرة في بلد القتل أو غائبة أو بعضها حاضرا وبعضها غائبا.
فإن كانت كلها حاضرة مثل أن كانت له إخوة وبنوهم وأعمام وبنوهم في
ذلك البلد قسطنا الدية على الأقرب فالأقرب، فإن اتسعوا لها وإلا فالباقي على
الموالي أو في بيت المال على ما مضى، وإن كانت الدرجة متفقة إخوة كلهم بنو
إخوة كلهم لم تخل الدية من ثلاثة أحوال: إما أن تكون وفق عددهم أو أكثر من
عددهم أو أقل.
فإن كانت وفق العدد وضعناه على الموسر نصف دينار وعلى المتجمل
ربع دينار، فعددنا الموسر والمتجمل فكان وفق الدية ألزمناهم الدية، ولا كلام.
فإن كانت الدية أكثر من عددهم وهو إن وزعنا عليهم على ما مضى، وبقى
بقية من الدية نقلت الفضلة إلى الموالي أو إلى بيت المال.
وإن كانت الدية أقل من عددهم مثل أن ألزمناهم كل غنى نصف دينار،
وكل متجمل ربع دينار، فقلت الدية وبقى قوم من العاقلة، فما الحكم فيه؟ قال
قوم: يوزع على الكل بالحصة، فيلزم الغني ما يخصه بالحصة من نصف دينار،
والمتجمل ما يخصه من ربع دينار حتى يكونوا في العقل سواء، وقال آخرون:
للإمام أن يخص بالعقل من شاء منهم على الغني نصف دينار وعلى المتجمل
299

ربع دينار ولا شئ على الباقين، لأن في توزيعها على الكل بالحصص مشقة،
وربما لزم على جنايتها أكثر منها، وهذا أقوى، فمن قال: يوزع على الكل فلا
كلام، ومن قال: يخص الإمام بالعقل من يرى منهم، فعل ما يراه.
فأما إن كانت العاقلة غائبة مثل أن كان القاتل ببغداد والعاقلة بالشام، فعلى
حاكم بغداد أن يكتب إلى حاكم الشام بالحادثة، ويعرفه صورة الحال، فإذا ثبت
ذلك عند حاكم الشام وزعها على عاقلة القاتل، كما لو كان القاتل عندهم
بالشام وقد فصلناه.
وإن كان بعض العاقلة حاضرا وبعضها غائبا لم يخل من أحد أمرين: إما أن
تكون درجة العاقلة مختلفة أو متفقة.
فإن كانت مختلفة إخوة وأعمام نظرت: فإن كان الأقرب هو الحاضر
فالحاضر أولى، لأنهم انفردوا بقرب الدرجة والدار معا، وفيهم المسائل الثلاثة،
وإن كان الأبعد هو الحاضر، فالغائب أولى، لأن قرب الدرجة مقدم على قرب
الدار، وفيهم المسائل الثلاثة.
وإن كانت الدرجة سواء كانوا إخوة كلهم وبعضهم حاضر وبعضهم غائب،
قال قوم: الحاضر أولى لأنهم تساووا في الدرجة وانفرد هؤلاء بقرب الدار، وقال
آخرون: يقسط على من غاب وحضر، وهو الأقوى عندي، لأنه حق يتعلق
بالتعصيب فاستوى فيه الغائب والحاضر كالميراث فمن قال: يقسط على الكل
ففيها المسائل الثلاثة: إما أن تكون الدية وفق العدد أو تكون الدية أكثر أو أقل
من عددهم وقد مضى.
ومن قال: يوزع على كل من كان حاضرا ففيها المسائل الثلاث إن كانت
وفق العدد فلا كلام، وإن كانت الدية أكثر نقل الفضل إلى أقربهم إليه بلدا، فإن
فضل منها نقلنا إلى من هو أبعد منهم، فأما إن كانت الدية أقل من عدد الحاضرين
فالحكم على ما مضى إذا كانوا كلهم حاضرين، وكل موضع نقلنا الفضل ففي
المنقول المسائل الثلاث.
300

الحليف لا يعقل ولا يعقل عنه، والحليف أن يتحالف قوم على التناصر
والتعاضد ودفع الظلم عنهم، وتكون اليد واحدة وكذلك العريد لا
يعقل ولا يعقل عنه، والعريد هو الرجل ينضوي إلى قوم ويختلط بهم فيصير معدودا من
جملة القبيلة، وقال بعضهم: الحليف يعقل.
فأما عقد الموالاة فهو أن يتعاقد الرجلان لا يعرف نسبهما على أن يرث كل
واحد منهما صاحبه، ويعقل عنه. عندنا أن ذلك صحيح، وبه قال قوم، غير أنهم
قالوا: لا يرث أحدهما صاحبه، ما لم يعقل عنه، فإذا عقل أحدهما عن صاحبه لزم
وأيهما مات ورثه الآخر، وقال قوم: هذا عقد فاسد لا يتعلق به حكم.
والعاقلة قد بينا أنها عصبة الرجل، وإنما يعقل عنه من كان مناسبا معروف
النسب منه، فأما إذا علم أنه من القوم ولم يعرف وجه النسب، ولا كيفيته فيهم لم
يعقلوا عنه، مثل أن يكون الرجل من النوبة لا يعقل عنه النوبة حتى تعرف كيفية
النسب بينهم، لأنا وإن علمنا أن المرجع إلى أب واحد فلا نعلم قبيلته ولا عصبته
من ذلك، وكذلك لو كان من قريش أو عقيل لم تعقل عنه قريش ولا عقيل
حتى يعلم من أي بطن هو، ومن عاقلته وكذلك كل قبيلة تجري هذا المجرى
كالترك والزنج ونحو ذلك، لأنا نعلم أن الناس كلهم يرجعون إلى أب واحد
آدم ونوح عليهما السلام.
ومتى قتل رجل خطأ ولم يعرف كيفية نسبه لم يعقل عنه الناس من حيث
النسب، وإن علمنا أن الأب واحد حتى نعلم كيفية النسب، وهكذا اللقيط ومن
كان مجهول النسب الباب واحد، لا يعقل منه المسلمون من حيث القرابة
والنسب، ولكن يعقل عنه الإمام من بيت المال لأن ميراثه ينقل إلى بيت المال.
فإذا ثبت أنه لا عقل له حتى يعرف وجه النسب وكيفيته، فالكلام في ما
يثبت به النسب.
فمتى كان مجهول النسب فإن كان بالغا عاقلا فانتسب إلى رجل فذكر أنه
ولده لم يثبت نسبه حتى يقع الاعتراف به من الطرفين، فيقول: أنا ابنك، فيدعيه
301

فيقول: صدقت، أو يبتدئ بالدعوة فيقول: أنت ابني، فيقول: صدقت أنا ابنك،
فإذا تقارا على هذا ثبت النسب.
وإن انتسب إلى ميت فقال: أنا ابن فلان الميت، فإن صدقه كل الورثة ثبت
نسبه بلا خلاف، وإن أقر اثنان وكانا عدلين مرضيين ثبت بشهادتهما أيضا النسب
عندنا، ولا يثبت عند بعضهم إلا باعتراف الكل.
فأما إن كان صغيرا فإنه يثبت نسبه بالاعتراف به، ولا يعتبر من جهة الطفل
قوله لأنه لا حكم لقوله، وإذا ثبت نسبه بذلك لم يزل ولم يسقط بقول الباقين،
ليس هذا مناسبا له بالشائع الذائع، خلافا لمالك فإنه يقول: متى ادعى نسبا وقد
شاع وذاع في الناس أنه غير مناسب له لم يثبت نسبه.
فإذا ثبت أنه لا يدفع نسبه بالشياع، فمتى ثبت نسبه، فإن لم ينازع فيه
أصلا فلا كلام، وإن جاء رجل فادعى أن هذا ولدي وأقام بينة بذلك حكم له
بالبينة وأسقط ما كان ثبت بالاعتراف، لأن البينة مقدمة على الاعتراف، فإذا
حكمنا له بالبينة فجاء آخر فادعاه وأقام البينة أنه ولده ولد على فراشه، حكمنا له
به وأسقطنا غيره، لأن بينته شهدت له بالنسب مضافا إلى سببه، فهو كما لو تنازعا
فرسا فأقام أحدهما البينة أنه له وأقام الآخر البينة أنه نتج في ملكه كان من شهد
بالنتاج أولى لأنه أضاف الملك إلى سببه فمتى استقر سببه منه ثبت النسب، فمتى
قتل حكمنا له بأن له عاقلة.
إذا قتل الذمي خطأ فالذي رواه أصحابنا أن ديته على الإمام لأنه عاقلتهم من
حيث يؤدون إليه الجزية ولا شئ على عاقلته، وقال المخالفون: الدية على عاقلته
من أهل الذمة، وإنما يعقل عنه منها من كان بينه وبينها النصرة والموالاة في
الدين، فأما أهل الحرب فلا يعقلون عن أهل الذمة وإن كانوا عصباتهم لأن النصرة
بينهم ساقطة والموالاة منقطعة، بدلالة أنه لا يرث الحربي ولا يرثه، وهكذا إذا كان
عصبته مسلمين لم يعقلوا عنه لأن موالاة الدين بينهم منقطعة، وإن لم يكن له عاقلة
من أهل الذمة فالدية في ماله ولا يعقل عنه من بيت مال المسلمين.
302

ولو رمى ذمي سهما إلى طائر ثم أسلم ثم وقع السهم في مسلم فقتله لم يعقل
عنه أهل الذمة، لأن الإصابة حصلت منه وهو مسلم، ولا يعقل عنه المسلمون، لأن
الإرسال حصل منه وهو ذمي، فتكون الدية في ذمته.
وهكذا إذا رمى مسلم سهما إلى طائر ثم ارتد ثم وقع السهم في مسلم فقتله،
فلا يعقل عنه المسلمون لأنه أصابه وهو مرتد، ولا يعقل عنه الكفار لأنه أرسله وهو
مسلم، فتكون الدية في ماله.
فأما إن انتقل يهودي إلى نصرانية أو مجوسية، فمن قال: لا يقر عليه قال: هو
كالمرتد لا يعقل عنه أهل الذمة الذين انتقل عنهم ولا أهل الذمة الذين انتقل
إليهم، ومن قال: يقر عليه، فكأنه نصراني الأصل يقر على نصرانيته فيعقل أهل
الذمة من قراباته سواء كانت القرابة من اليهود أو المجوس أو النصارى، لأن الكفر
كله ملة واحدة.
إذا كان القتل عمدا لا يجب به قود بحال، مثل قتل الوالد ولده، وكذلك
الأطراف، وكذلك إذا جنى جناية لا يجب بها قود بحال، كالجائفة والمأمومة
وما دون الموضحة، فالكل حال عند قوم في مال الجاني، وقال غيرهم: كل هذا
مؤجل على الجاني في ثلاث سنين، وعندنا: كل ذلك في ماله في سنة، لأن دية
العمد عندنا تؤدي في سنة.
فصل: في وضع الحجر وميل الحائط:
إذا وضع حجرا في طريق المسلمين أو في ملك غيره فتعقل به رجل فوقع
فمات، فالدية على عاقلته، والكفارة في ماله، وعندنا أن الدية في ماله أيضا، لأنه قد
تعدى فيه، فكان كالدافع له، وإن نصب مكان الحجر سكينا فوقع عليها إنسان
فمات فكذلك لما مضى، وإن وضع حجرا في هذا المكان ونصب بالقرب منه
سكينا فتعقل بالحجر فوقع على السكين فمات فكذلك أيضا.
فأما إن كان هذا من رجلين وضع أحدهما في هذا المكان حجرا ونصب
303

الآخر بقربه سكينا فتعقل رجل بالحجر فوقع على السكين فمات، فالدية على
الواضع وحده لأنه كالدافع له على السكين، وهكذا لو وضع أحدهما حجرا
وحفر الآخر بقربه بئرا فتعقل رجل بالحجر فوقع في البئر، فالضمان على واضع
الحجر كما لو دفعه في البئر، وجملته أن واضع الحجر كالدافع، هذا إذا وضعه
في طريق المسلمين أو في ملك غيره.
فأما إن كان هذا في ملكه وضع حجرا أو نصب سكينا أو وضع الحجر
ونصب السكين فتعقل رجل بالحجر فوقع على السكين أو وقع فمات، فلا
ضمان على واضع الحجر بحال، لأنه فعل ما له فعله، والتعدي كان من الهالك
لأنه فرط بدخوله ملك الغير فهدر دمه.
فأما إن كان هذا من اثنين وضع المالك الحجر ونصب الأجنبي سكينا
فتعقل رجل بالحجر فوقع على السكين فمات، فالضمان على صاحب السكين
دون واضع الحجر، لأن الناصب هو المتعدي دون صاحب الحجر، وهكذا لو
نصب المالك السكين ثم وضع أجنبي الحجر فالضمان على الأجنبي بكل حال
لأنه هو المتعدي.
إذا حفر الرجل بئرا فوقع فيها إنسان فمات أو وقعت فيها بهيمة فهلكت،
نظرت:
فإن حفرها في ملكه فلا ضمان عليه، لأن له أن يصنع في ملكه ما شاء، وإن
حفرها في موات ليملكها، فإذا وصل إلى الماء ملكها بالإحياء، فهو كما لو حفرها
في ملكه، إذ لا فصل بين أن يحفرها في ملكه وبين أن يحفرها حفرا يملكها به، وإن
حفرها في موات لينتفع بها ويتصرف ولم يقصد الملك مثل أن نزل بالمكان
بدوي أو مار في قافلة فلا ضمان أيضا لأنه ما تعدى بالحفر، وهكذا إذا استأجر
رجلا فحفر له بئرا في ملكه الباب واحد، لأنه بمنزلة من حفر بئرا في البادية.
وإما إن حفرها في غير ملكه بغير إذن مالكها، فالضمان على الحافر لأنه
تعدى بحفرها، فإن أبرأه المالك وقال: قد برئت ورضيت بحفرك، وأقره عليه
304

زال الضمان عنه، كما لو أمره بالحفر ابتداء، وقال بعضهم: لا يزول الضمان لأنه
أبرأه عن ضمان ما لم يجب، والأول أقوى.
فأما إن حفرها في طريق المسلمين نظرت:
فإن كان الطريق ضيقا فعليه الضمان، سواء حفرها بإذن الإمام أو بغير إذنه،
لأنه لا يملك الإذن فيما فيه تضييق على المسلمين وإلحاق الضرر بهم.
وإن كان الطريق واسعا لا يضيق على المسلمين حفرها، ويقصد نفع
المسلمين بها، فإن كان بإذن الإمام فلا ضمان عليه، لأن للإمام أن يأذن بما فيه
منفعة للمسلمين، من غير إضرار بهم ولا تضييق عليهم، وأما إن حفرها بغير إذن
الإمام فإن قصد تملكها بالحفر وتكون له ملكا، فعليه الضمان لأنه تعدى بالحفر
ولم يملك به لأن أحدا لا يملك أن يتملك طريق المسلمين، فكان عليه الضمان،
وإن حفرها طلبا للثواب لمنفعة المسلمين، قال قوم: لا ضمان عليه لقوله عليه
السلام: البئر جبار، والمعدن جبار، وفي الركاز الخمس، وقال آخرون: عليه
الضمان لقوله عليه السلام: وفي النفس مائة من الإبل، والأول أقوى.
وهكذا الحكم في بناء مسجد في طريق المسلمين، إن كان الطريق ضيقا
فعليه الضمان، وإن كان واسعا فإن بناه بإذن الإمام فلا ضمان، وإن بناه بغير إذنه
فإن كان لنفسه ينتفع هو به فعليه الضمان، وإن كان لمنفعة الناس فعلى ما مضى
عند قوم يضمن وعند آخرين لا يضمن.
وهكذا في من فرش البواري في المسجد أو بنى فيه حائطا أو سقف فيه سقفا
أو علق عليه قنديلا فوقع على إنسان فمات أو تعقل بالبادية فوقع فمات، فإن
كان بإذن الإمام فلا ضمان، وإن كان بغير إذنه فعلى ما مضى من الخلاف،
وأصل هذا كله البئر، وكل موضع قلنا عليه الضمان معناه الدية عندنا في ماله،
وعندهم على عاقلته، والكفارة في ماله بلا خلاف.
إذا بنى حائطا في ملكه فوقع فأتلف أنفسا وأموالا ففيه خمس مسائل:
أحدها: بناه مستويا في ملكه فسقط دفعة واحدة فلا ضمان، لأن له أن يفعل
305

في ملكه ما شاء من غير تفريط، كما لو حفر في ملكه بئرا فوقع فيها إنسان فلا
ضمان عليه.
الثانية: بناه مائلا إلى ملكه فوقع فأتلف فلا ضمان له، لأن له أن يصنع في
ملكه ما شاء.
الثالثة: بناه مائلا إلى الطريق فعليه الضمان لأن الإنسان إنما له أن يرتفق بهذا
الطريق بشرط السلامة، فأما إن أتلف أشياء فعليه الضمان كمن أشرع جناحا إلى
طريق المسلمين فوقع على إنسان فقتله فعليه الضمان.
الرابعة: بناه مستويا في ملكه فمال بنفسه إلى ملكه فلا ضمان، لأنه لو بناه
مائلا في الأصل إلى ملكه كان لا ضمان.
الخامسة: بناه مستويا في ملكه فمال إلى الطريق ثم وقع، قال قوم: لا ضمان
عليه، وقال بعضهم: عليه الضمان، لأنه يستحق إزالته عليه، بدليل أن للحاكم
مطالبته بنقضه، والأول أقوى لأنه بناه في ملكه ومال بغير فعله فوجب ألا يضمن.
إذا كان حائط بين دارين تشقق وتقطع وخيف عليه الوقوع غير أنه مستويا
مال إلى دار أحدهما فلا يملك أحدهما مطالبة جاره بنقضه، لأنه ما حصل في
ملك واحد منهما في هواء ولا غيره، فإن مال إلى دار أحدهما كان لمن مال إلى
داره مطالبة شريكه بنقضه، لأن الحائط إذا مال إلى هواء دار الجار فقد حصل في
ملكه، وله مطالبته بإزالته، كما لو عبر غصن من شجرته إلى دار جاره فإنه يطالب
بإزالته بتعريج أو قطع.
وعندنا أن المسألة الخامسة إذا بناه مستويا في ملكه فمال إلى الطريق أو إلى
دار جاره فقد قلنا: أنه قال قوم: لا ضمان سواء أشهد أو لم يشهد، أو طالبه بنقضه
أو لم يطالب، وقال بعضهم: إذا وقع وأتلف أنفسا وأموالا فإن كان قبل المطالبة
بنقضه وقبل الإشهاد عليه فلا ضمان، وإن كان قد طولب بنقضه وأشهد عليه فوقع
بعد القدرة على نقضه فعليه الضمان، وإن كان قبل القدرة على نقضه فلا ضمان،
وهذا قوي.
306

وقال ابن أبي ليلى: إن كان الحائط قد انشق بالطول فلا ضمان وإن كان
بالعرض فعليه الضمان.
إذا أراد أن يشرع جناحا إلى شارع المسلمين أو إلى درب نافذ أو غير نافذ
وبابه فيه، أو أراد إصلاح ساباط نظرت: فإن كان على صفة تستضر به المارة
والمجتازون منع منه، وإن لم يستضروا به لم يمنع منه.
وحد الاستضرار، قال قوم: أن يكون على صفة لا تناله الأحمال الثقال
الجافية، والكنائس والعمارات على الجمال، وقال بعضهم: لا يناله رمح الفارس
إذا كان منصوبا، والأول أصح لأن الرمح لا حد له ولأنه لا ينصبه وإنما يحطه
على كتفه، فمتى فعله على حد لا يستضر به أحد فليس لأحد معارضته فيه، ولا
منعه منه، وقال قوم: إنما له ذلك ما لم يمنعه مانع، فأما إن اعترض عليه معترض
أو منعه مانع كان عليه قلعه وهو الأقوى عندي.
فمن قال: عليه قلعه، فإن سقط على إنسان فقتله أو مال فأتلفه فالضمان على
صاحبه لأنه إنما له أن ينتفع بذلك بشرط السلامة، كما لو بل طينا في الطريق أو
طرح ترابا فيه، فإنه بشرط السلامة بدليل أنه لو عثر به إنسان فمات كان عليه
الضمان.
وأما قدر الضمان، فإنه إذا سقطت خشبة من هذا الجناح على إنسان فقتله
فعليه نصف الدية، لأنه هلك من فعل مباح ومحظور، وذلك أن بعض الخشبة
وضعها في ملكه، فما أتلف ذلك القدر لا ضمان، وإنما الضمان بما كان خارجا
عنه، ولا فصل بين أن يقع الطرف الخارج عليه وبين أن يقع ما كان في ملكه
عليه، لأن الخشبة إنما تقتل بثقلها، فإذا وقع أحد طرفيها عليه ناله ثقل الطرفين،
فإن انقصف القدر الخارج منها إلى الشارع فوقع ولم يقع ما كان في ملكه
فعليه كمال الدية، لأن الواقع منها في غير ملكه، وذلك القدر يضمن به كل
الدية.
وأما المرازيب فلكل أحد نصيبها للخبر والإجماع، ولأن به حاجة داعية إلى
307

ذلك إلا أنه لو وقع على إنسان فقتله فالحكم فيه كخشب الجناح سواء، وقال
بعضهم: هاهنا لا ضمان عليه، لأنه محتاج إلى فعله مضطر إليه، والأول هو
الصحيح.
إن بالت دابة في الطريق فزلق به إنسان فمات فالدية عليه، سواء كان راكبا
أو قائدا أو سائقا لأن يده عليها، كما لو بال هو في هذا المكان، ومثله إذا أكل شيئا
فرمى بقشره في الطريق كالبطيخ والخيار والباقلاء، وكذلك لو رش في
الطريق ماء، الباب واحد في أن يضمن جميع ذلك.
وأما إن وضع جرة على جدار داره فسقطت وأتلفت فلا ضمان عليه، لأنه
إنما وضعها في ملكه، فهو كما لو كان الحائط مستويا فوقع دفعة واحدة فإنه لا
ضمان عليه.
إذا مر رجل بين الرماة وبين الهدف فأصابه سهم من الرماة فهو قتل خطأ،
لأن الرامي ما قصده وإنما قصد الهدف، فإن كان مع هذا المار صبي فقربه إلى
طريق السهم فوقع فيه السهم فقتله، فعلى من قربه الضمان دون الرامي، لأن
الرامي ما قصده، والذي قربه عرضه لذلك، ويفارق الممسك والذابح فإن
الضمان على الذابح لأنه قصد القتل وكان منه، وهاهنا الرامي ما قصد القتل،
وإنما الذي قربه هو الذي أتلفه، فلهذا كان عليه الضمان، فالذي قربه هاهنا
كالذابح، والرامي كالممسك وفيها نظر.
فصل: في مسألة الزبية:
إذا كان جماعة على رأس بئر فهوى واحد منهم فجذب ثانيا وجذب الثاني
ثالثا فوقعوا فيها وماتوا، فالحكم فيهم يسهل به تقديم كلام عليها.
وجملته إذا حصل رجل في بئر مثل أن وقع فيها أو نزل لحاجة فوقع فوقه
آخر نظرت، فإن مات الأول فالثاني قاتل كما لو رماه بحجر فقتله، إذ لا فرق بين
أن يرميه بحجر فيقتله وبين أن يرمي نفسه عليه فيقتله.
308

وإذا ثبت أن الثاني قاتل نظرت في القتل، فإن كان عمدا محضا مثل إن
وقع عمدا فقتله وكان مما يقتل غالبا لثقل الثاني وعمق البئر فعلى الثاني القود،
وإن كان لا يقتل غالبا فالقتل عمد الخطأ تجب به الدية مغلظة مؤجلة عندنا عليه،
وعندهم على العاقلة، وإن كان وقع الثاني خطأ أو اضطر إلى الوقوع فيها فالقتل
خطأ وتجب الدية مخففة على العاقلة، وأما إن مات الثاني دون الأول كان دمه
هدرا لأنه رجل وقع في بئر فمات فيها، والأول لا صنع له في وقوعه، وغير مفرط
في حقه، وإن ماتا معا فعلى الثاني الضمان على ما قلناه إذا مات الأول وحده، ودم
الثاني هدر كما لو مات الثاني وحده.
فإن كانت بحالها وكانوا ثلاثة فحصل الأول في البئر ثم وقع الثاني
ثم وقع الثالث بعضهم على بعض، فإن مات الأول فقد قتله الثاني والثالث معا لأنه
مات بثقلهما فالضمان عليهما نصفين، وإن مات الثاني وحده فلا شئ على الأول،
والثالث هو الذي قتل الثاني، فالضمان عليه وحده على ما مضى، وإن مات الثالث
كان دمه هدرا لأنه لا صنع لغيره في قتله، فإن ماتوا جميعا ففي الأول كمال الدية
على الثاني والثالث، وفي الثاني كمال الدية على الثالث وحده ودم الثالث هدر.
فإذا ثبت هذا عدنا إلى مسألة الزبية، فإذا كانوا على رأس بئر فهوى واحد
فيها فجذب إليه ثانيا فوقعا معا نظرت: فإن مات الأول كان دمه هدرا، لأنه هو
الذي طرح الثاني على نفسه، فهو كما لو طرح على نفسه حجرا أو قتلها بسكين
وإن مات الثاني فالضمان على الأول لأنه هو الذي قتله بجذبه وطرحه فهو كما لو
كان واقفا عند البئر فرمى به فيها فمات، إذ لا فرق بين أن يرمي به فيها من فوق
وبين أن يجذبه من أسفل يرميه فيها، وإن ماتا معا فدم الأول هدر ودم الثاني
مضمون على ما فصلناه.
فإن كانت بحالها فجذب الأول ثانيا، والثاني ثالثا فوقع بعضهم على بعض
وماتوا، فقد مات الأول بفعله وفعل الثاني، أما فعله فإنه طرح الثاني على نفسه،
وأما فعل الثاني فإنه جذب الثالث فوقع هو والثالث عليه، فيكون الثاني والأول
309

كالمصطدمين لأنه قد مات كل واحدة منهما من جناية على نفسه وجناية الآخر
عليه، فعلى كل واحد منهما نصف الدية لأن ما قابل فعل نفسه هدر، وما قابل
فعل غيره مضمون، وأما الثالث فقد جنى عليه وما جنى هو لأنه جذب وما جذب،
ففيه كمال الدية، على من تجب؟ قال قوم: على الثاني لأنه هو الذي باشر جذبه
وقال آخرون: ديته على الثاني والأول معا لأن الثاني باشر جذبه، والأول باشر
جذب الثاني، فكأنهما قد جذباه معا.
فإن كانت بحالها فجذب الأول ثانيا والثاني ثالثا والثالث رابعا فوقعوا
فماتوا،
ففي الأول ثلثا الدية لأنه مات من فعله وفعل الثاني والثالث، أما فعل الثاني
فبأن جذب ثالثا، وأما فعل الثالث فلأنه جذب رابعا، وأما فعله فإنه جذب الثاني
على نفسه، فما قابل فعل نفسه هدر، وما قابل فعل غيره مضمون، فيكون فيه ثلثا
الدية ثلثها على الثاني وثلثها على الثالث، ولا شئ على الرابع، لأنه جذب وما
جذب.
وأما الثاني ففيه أيضا ثلثا الدية، لأنه مات من فعله وفعل
الثالث والأول، لأن الثالث جذب إليه رابعا، والأول جذبه فطرحه في البئر، فما قابل فعل نفسه هدر،
وما قابل فعل غيره مضمون، فيكون فيه ثلثا الدية ثلثها على الأول وثلثها على
الثالث.
وأما الثالث فما الذي يجب بقتله؟ قال قوم: نصف الدية لأنه مات من فعله
وفعل الثاني، أما الثاني فلأنه باشر جذبه، وأما فعل نفسه فلأنه طرح الرابع على
نفسه، فيكون على الثاني نصف الدية والنصف هدر، وقال آخرون: فيه ثلث
الدية، لأنه مات من فعله وفعل الثاني والأول معا، لأن الثاني وإن كان قد باشر
جذبه فإن الأول قد جذب الثاني، وقد جذب هو الرابع على نفسه، فما قابل فعل
نفسه هدر وما قابل فعل غيره مضمون، فيكون فيه ثلثا الدية، ثلثها على الثاني
وثلثها على الأول.
310

وأما الرابع ففيه كمال الدية لأنه قتل وما قتل، فإنه جذب وما جذب، وعلى
من تجب؟ قال قوم: على الثالث وحده، لأنه هو الذي باشر جذبه، وقال آخرون:
على الثالث والثاني والأول لأنهم كلهم جذبوه، فعلى كل واحد منهم ثلث الدية
وعلى هذا أبدا وإن كثروا. وقد روي في هذا أثرا، أما أصحابنا فقد رووه من
جهات.
وروى المخالف عن سماك بن حرب عن حنش الصنعاني أن قوما من
اليمن حفروا زبية للأسد فوقع فيها الأسد واجتمع الناس على رأسه، فهو فيها
واحد فجذب ثانيا وجذب الثاني ثالثا ثم جذب الثالث رابعا فقتلهم الأسد فوقع
ذلك إلى علي عليه السلام فقال: للأول ربع الدية لأنه هلك فوقه ثلاثة، وللثاني
ثلثا الدية، لأنه هلك فوقه اثنان، وللثالث نصف الدية لأنه هلك فوقه واحد، وللرابع
كمال الدية، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: هو كما قال
على، قالوا: وهذا حديث ضعيف، والفقه على ما بينا في الأربعة وروايتنا خاصة
مطابقة لما بيناه أولا بعينه.
والذي رواه أصحابنا في هذه بأن الأول فريسة للأسد وألزمه ثلث الدية
للثاني وألزم الثاني ثلثي الدية للثالث، وألزم الثالث الدية كاملة للرابع، وفقه هذه
الرواية على ما بيناه.
فصل: في دية الجنين:
إذا ضرب بطن امرأة فألقت جنينا كاملا وهو الحر المسلم فديته عندنا مائة
دينار، وعندهم فيه غرة عبد أو أمة بقيمة نصف عشر الدية، والغرة من كل شئ
خياره، فروى أبو هريرة قال: اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحديهما الأخرى
بحجر فقتلتها، فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقضى رسول
الله صلى الله عليه وآله في دية جنينها غرة عبد أو أمة، وفي بعضها غرة عبد أو وليدة، فقال
جمل بن مالك بن النابغة الهذلي: يا رسول الله كيف أغرم دية من لا شرب ولا
311

أكل ولا نطق ولا استهل فمثل ذلك يطل - وفي بعضها مطل -؟ فقال النبي
عليه السلام: إن هذا من إخوان الكهان من أجل سجعه الذي سجع، - وفي
بعضها: أسجع كسجع الجاهلية، هذا كلام شاعر -.
ومثل هذا الخبر رواه أصحابنا - وبينا الوجه فيه في كتاب الاستبصار
وتهذيب الأحكام - وهو أنه لا يمتنع أن تكون الغرة قيمتها دية الجنين الذي قدمنا
ذكره.
فإن ألقت جنينا ميتا بضربة ففيه الدية مائة دينار، وعندهم غرة لما مضى وفيه
الكفارة، وإن ألقت جنينين ففيهما ديتان مائتا دينار، وعندهم غرتان، وإن ألقت
ثلاثة أجنة فثلاثمائة دينار وعندهم ثلاث غرر وثلاث كفارات، وإن كان الجاني
اثنين فعليهما الدية وكفارتان كما لو قتلا رجلا فالدية واحدة، وعلى كل واحد
كفارة، وعلى هذا أبدا.
فإذا ثبت هذا فإنما يجب ذلك بالجنين الكامل، وكماله بالإسلام والحرية،
أما إسلامه فبأبويه أو بأحدهما، وأما الحرية فمن وجوه: أن تكون أمه حرة أو تحبل
الأمة في ملكه أو يتزوج امرأة على أنها حرة فإذا هي أمة أو يطأ على فراشه امرأة
يعتقدها زوجته الحرة فإذا هي أمة، ففي كل هذا يكون حرا بلا خلاف، وعندنا إذا
كان أبوه أيضا حرا، وإن كانت الأم مملوكة، فإن الولد يلحق بالحرية عندنا، وفي
كل هذه المواضع ما تقدم ذكره من مائة دينار أو غرة.
فإذا ثبت أنها تجب في الجنين الكامل، فإنما تجب بأن يضرب بطنها فيقتله
وينفصل عنها، فأما إن كانت هناك حركة فسكتت بضربه فلا ضمان، وقال
الزهري: إذا سكنت الحركة ففيه الغرة لأنها إذا سكنت فالظاهر أنه قتله في بطن
أمه، والأول أصح لأنه يحتمل أن تكون حركة الجنين ويحتمل أن يكون ريحا
فيفشي فلا يجب شئ، وإذا احتمل فلا يجب شئ بشك لأن الأصل براءة الذمة.
وأما الكلام في بيان ما هو جنين وما ليس بجنين فجملته أربع مسائل:
إحداها: إذا ألقت ما فيه تصوير كالإصبع والعين والظفر فهو كالخلقة التامة
312

فتعلق به أربعة أحكام تصير به أم ولد، وتنقضي به العدة، وتجب فيه الدية أو
الغرة والكفارة.
الثانية: أن تشهد أربع من القوابل أنه قد تصور وتخلق ولكن الرجال لا
يعرفون ذلك، فإذا شهدن بذلك ثبت ما قلن وتعلقت به الأحكام الأربعة الدية
والكفارة وصارت أم ولد وانقضت به العدة.
الثالثة: شهدن أنه مبتدأ خلق بشر غير أنه ما خلق فيه تصوير ولا تخطيط،
فالعدة تنقضي به، وأما الأحكام الثلاثة فقال بعضهم: يتعلق كل ذلك به
كالعدة، وقال آخرون: لا يتعلق به شئ من هذه الأحكام الثلاثة، والأول تشهد
به رواياتنا.
الرابعة: ألقت مضغة، عندنا فيه ثمانون دينارا، وعندهم لا يتعلق به الأحكام
الثلاثة والعدة على قولين.
دية الجنين عندنا تعتبر بنفسه، فإن كان ذكرا فعشر ديته لو كان حيا، وإن
كان أنثى فعشر ديتها لو كانت حيا، وقال بعضهم: يعتبر بنفسه أيضا لكنه إن
كان ذكرا فنصف عشر ديته لو كان حيا وإن كان أنثى فعشر ديتها لو كانت
حيا، وقال قوم: يعتبر بغيره فيجب فيه نصف عشر دية أبيه أو عشر دية أمه.
وفائدة الخلاف في ذلك في جنين الأمة، فمن قال: لا فرق بين الذكر
والأنثى، استدل بظاهر الخبر وأن النبي عليه السلام قضى في الجنين بغرة عبد أو
أمة ولم يفصل، ولأنه لو فرق بينهما أفضي ذلك إلى الخصومة والمجاذبة بين
القوابل، هل هو أنثى أم لا لنقصان الخلقة، فحسم المادة واعتبر بغيره ليسقط
الخلاف والفرق بين الذكر والأنثى.
إذا ضرب بطنها فألقت جنينا، فإن ألقته قبل وفاتها ثم ماتت ففيها ديتها وفي
الجنين الغرة سواء ألقته ميتا أو حيا ثم مات، وإن ألقته بعد وفاتها ففيها ديتها، وفي
الجنين الغرة سواء ألقته ميتا أو حيا ثم مات، وفيهم من قال: إذا ألقته ميتا بعد
313

وفاتها لا شئ فيه بحال، وعندنا: إن ألقته ميتا ففيه الدية كاملة سواء ألقته حيا في
حياتها ثم مات أو بعد موتها ثم مات.
إذا ثبت أن في الجنين دية أو غرة فإنها موروثة عنه، ولا يكون لأمه بلا
خلاف، إلا الليث ابن سعد، فإنه قال: يكون لأمه ولا يورث عنه، قال: لأنه بمنزلة
عضو من أعضائها بدليل أنه يحيا بحياتها ويموت بموتها.
ويرثها من يرث الدية فإن كان له أبوان مثل أن خرج ميتا قبل وفاتها وله
أب كان لأمه الثلث، والباقي للأب، وإن كانت أمه ماتت قبل أن تلقيه فلا شئ
لها لأنها ماتت قبل وجوب الدية، فيكون الكل للأب، فإن لم يكن أب فلعصبته،
فإن كانت الأم هي التي ضربت بطنها فألقته أو فعل ذلك أبوه أو هما فلا شئ
لمن فعل ذلك بها لأنه قاتل ولا ميراث لقاتل.
وكل موضع تجب فيه الغرة تجب فيه الكفارة عند قوم، وقال قوم: لا
كفارة وهو الأقوى، لأن الأصل براءة الذمة.
إذا قتل الرجل نفسه فلا دية له سواء قتلها عمدا أو خطأ وعليه الكفارة كما
لو قتل عبد نفسه لأن الكفارة حق لله، والدية فلا تجب لأنها حق المقتول، ومن
قتل نفسه فقد أسقط حق نفسه وبقى حق الله بحاله وتتعلق الكفارة بتركته كما
تتعلق حقوق كثيرة بتركته، وإن تجددت بعد موته مثل أن جرح غيره ثم يموت
المجروح فإن ديته تتعلق بتركته، ومثل أن يحفر بئرا ثم يموت فيقع فيها إنسان
فيموت فتتعلق ديته بتركته.
فإن اصطدمت امرأتان حاملتان فماتتا فألقت كل واحدة منهما جنينا ميتا،
فعلى عاقلة كل واحدة منهما نصف دية صاحبتها لأن كل واحدة منهما ماتت
بجنايتها على نفسها وجناية صاحبتها عليها، فما قابل جناياتها هدر وما قابل جناية
صاحبتها مضمون.
وأما دية الجنين فعلى عاقلة كل واحدة منهما دية جنين كامل نصف دية
جنينها ونصف دية جنين صاحبتها، ولا يهدر منها شئ، ويفارق هذا ديتها لأن
314

ذلك حق لهما فهدر بفعلهما، وهذه جناية على الغير فلم يهدر منه شئ، لأنهما
اشتركا في قتل كل واحد من الجنين.
فإذا تقرر هذا فعلى كل واحدة منهما أربع كفارات، لأن كل واحدة منهما
شاركت صاحبتها في قتل أربعة أنفس قتل نفسها وقتل صاحبتها، وقتل جنينها
وجنين صاحبتها، فيكون عليهما ثماني كفارات، وعلى مذهبنا لا كفارة أصلا.
قد مضى أن الواجب في الجنين الدية إما مائة دينار أو غرة، فمن أوجب الغرة
احتاج إلى بيان فصلين سنها وصفتها.
أما سنها فلها سبع أو ثمان، وهو بلوغ حد التخيير بين الأبوين، فإن كان لها
أقل من هذا لم يقبل لقوله عليه السلام: في الجنين غرة عبد أو أمة، والغرة من كل
شئ خياره، ومن كان لها دون هذا السن، فليست من خيار العبد وأما أعلى السن
فإن كانت جارية فما بين سبع إلى عشرين، وإن كان غلاما فما بين سبع إلى
خمس عشرة سنة، لأن الغرة فيهما إلى هذا السن، وقال بعضهم: إن الشاب
والكهل والشيخ الجلد كل هؤلاء من الغرر، لأنه قد يكون من خيار العبيد لعقله
وفضله وجلده ورأيه.
فأما صفتها فإن تكون سالمة من العيوب لأن الغرة غير المعيب، وأما الخصي
فلا يقبل منه سواء سلت بيضتاه أو قطع ذكره أو سلتا وقطع الذكر، لقوله غرة
وهذا ناقص.
وأما قيمتها فنصف عشر دية الحر المسلم خمسون دينارا ولا يقبل منه دون
هذه القيمة لأنه أدنى مقدر ورد به الشرع، وفي الجنايات نصف عشر الدية أرش
موضحة، هذا في جنين المسلم.
فإن كان الجنين كافرا مضمونا اعتبرنا بابويه، وأوجبنا عشر دية أبيه،
وعندهم عشر دية أمه أو نصف عشر دية أبيه، وتكون غرة عندهم بهذا القدر، وإن
كان جنين مجوسي فلا يكون غرة بنصف عشر ديته لأنه أربعون درهما فأخذ هذا
المقدار لأنه موضع ضرورة، هذا إذا كان بين أبوين متفقين في قدر الدية.
315

فإن اختلفا في الدية كالمتولد بين مجوسي ونصرانية أو نصراني ومجوسية،
فعندنا لا يختلف الحال فيه لأن عندنا أن دية الجميع سواء، ومن فاضل قال:
يعتبر بأعلاهما دية إن كانت أمه نصرانية ففيه عشر ديتها وإن كانت مجوسية
فنصف عشر دية أبيه النصراني لأنه لو تولد بين مسلم وكافرة اعتبر دية المسلم
كذلك هاهنا.
فأما في الذبيحة فإن كان الأب مجوسيا فلا اعتبار به بكل حال لا تحل
ذبيحته ولا مناكحته، وإن كان الأب نصرانيا والأم مجوسية فعلى قولين:
أحدهما: الاعتبار بالأب، لأن الانتساب إلى الآباء.
والثاني: الاعتبار بأمه لأنه إذا اجتمع التحريم والتحليل غلب التحريم.
وعندنا لا فرق بين الجميع في أنه لا يحل مناكحته ولا أكل ذبيحته.
وأما إن كان الجنين عبدا ففيه عشر قيمته إن كان ذكرا وكذلك عشر قيمته
إن كان أنثى، وعندهم نصف عشر قيمة أمه.
إذا ضرب بطن نصرانية ثم أسلمت ثم ألقت جنينا ميتا فكان الضرب وهي
نصرانية وهو نصراني والإسقاط وهي وجنينها مسلمان، أو ضرب بطن أمه ثم
أعتقت ثم ألقت جنينا فكان الضرب وهما مملوكان والإسقاط وهما حران،
فالواجب فيه غرة عبد أو أمة قيمته خمسون دينارا.
وعندنا مائة دينار، لأن الجناية إذا وقعت مضمونة ثم سرت إلى النفس كان
اعتبار الدية بحال الاستقرار، كما لو قطع يدي عبد ثم أعتق ثم سرى إلى نفسه
ففيه دية حر، وكذلك لو قطع يدي ذمي ثم أسلم ثم سرى إلى نفسه ففيه دية
مسلم اعتبارا بحال الاستقرار.
وإن ضرب بطن حربية ثم أسلمت ثم أسقطت، سقط الضمان لأن هذه الجناية
ما وقعت مضمونة، فلا تتبع حال الاستقرار إلا بحال الجناية، لأنها لم تسر إلى
النفس ولا إلى غيرها فلهذا لم يعتبر بحال الاندمال، ولأنها إذا اندملت لم يزد شئ
على ما وجب بالجناية وإنما يستقر بالاندمال ما وجب بالجناية، فلهذا كان
316

الاعتبار بحال الجناية، وليس كذلك إذا سرت لأنها إذا سرت زاد الضمان فلهذا
كان الاعتبار بحال الاستقرار.
فإذا تقرر أن الواجب فيه غرة عبد أو أمة أو مائة دينار على مذهبنا كما يجب
في المسلم الأصلي والحر الأصلي فإن للسيد من ذلك أقل الأمرين من عشر قيمة
أمه أو الغرة، فإن كانت عشر قيمة أمه أقل من الدية فليس له إلا عشر قيمة أمه، لأن
الزيادة عليها بالعتق والحرية، ولا حق لها فيما زاد بالحرية لأنها زيادة في غير
ملكه، وإن كانت دية الجنين أقل من عشر القيمة كان له الدية كلها لأنه قد نقص
حقه بالعتق، فكأنه قد جنى بالعتق على حقه فنقص فلهذا كان له الدية.
إذا قطع رجل يدي عبد ثم أعتق ثم سرى إلى نفسه فمات وجبت الدية
اعتبارا بحال الاستقرار، ويكون للسيد أقل الأمرين من قيمة العبد أو الدية على ما
فصلناه، ومتى كان عشر القيمة أقل كان له عشر القيمة، وما فضل يكون لوارث
الجنين.
وإذا وجبت الدية في الجنين عندنا أو الغرة عندهم كان ذلك على العاقلة
إن كان خطأ، وإن كان عمد الخطأ أو عمدا كان في ماله، وعندهم على العاقلة لما
رواه المغيرة بن شعبة أن رسول الله صلى الله عليه وآله قضى في الجنين بغرة عبد
أو أمة على عصبة القاتل، ولأن الجناية على الجنين لا تكون إلا خطأ عندهم أو شبه
العمد، فأما العمد المحض فلا يتصور.
فالخطأ أن يرمي طائرا فيقع على بطنها، والعمد لا يتصور لأن العمد ما كان
عامدا في قصده عامدا في فعله، وفي الجنين لا يتصور أن يعمد كذلك لأنا لا
نتحقق الجنين، فإن كبر بطنها قد يكون بالجنين وبالريح والعلة، وإذا احتمل
الأمرين خرج من أن يكون عمدا محضا فثبت أنه شبه العمد.
فإذا ثبت ذلك ثبت أنه على العاقلة عندهم لأنه دية نفس، وإن لم يكن دية
كاملة، لأن ما كان دية نفس حملته، وإن لم يكن دية كاملة، كدية المرأة ودية
اليهودي والنصراني والمجوسي، ويحملها في ثلاث سنين كالكاملة، وقال
317

آخرون: يعقل منها في أول سنة ثلث الكاملة، فعلى هذا دية الغرة تعقلها في سنة أو
ثلاث سنين على القولين، وعندنا يحملها في ثلاث سنين.
إذا ألقت امرأة جنينا فادعت أن هذا ضربها على بطنها فألقته من ضربه،
فأنكر، فالقول قوله لأن الأصل أنه ما ضربها، وإن اعترف بالضرب وأنكر أن
تكون أسقطته، وقال: التقطته أو استعارته، فالقول أيضا قوله لأنه مما يتعذر عليها
إقامة البينة والأصل براءة الذمة.
فأما إن اعترف بالضرب واعترف بالإسقاط ثم اختلفا، فقالت: أسقطته من
الضرب، وأنكر وقال: من غير الضرب، نظرت، فإن أسقطته عقيب الضرب
فالقول قولها، وعليه الضمان، لأن الظاهر أنه سقط من ضربه، وأن أسقطته بعد
الضرب بأيام يمكن أن يكون سقوطه من غير الضرب، فإن كان معها بينة أنها لم
يكن ضمنة وجعة متألمة من الضرب حتى سقط فعليه الضمان، وإن لم تكن بينة
فالقول قوله، لأنه يحتمل أن يكون الإسقاط من الضرب ومن غيره، والأصل براءة
ذمته، هذا إذا ألقته ميتا.
وهكذا إذا ألقته حيا ثم مات إن كان الإسقاط عقيب الضرب والموت عند
الإسقاط فعليه الضمان، لأن الظاهر أنه من ضربه، ويكون الواجب فيه الدية كاملة،
وإن مات بعد أيام فإن كان معها بينة تشهد أنه لم يزل ضمنا وجعا متألما من حين
وضعته إلى أن مات فعليه الضمان، وإن لم يكن لها بينة فالقول قوله لأن الأصل
براءة ذمة.
وأصل هذا إذا قطع رجل إنسان ثم مات ثم اختلف الجاني وولي الميت،
فقال الولي: مات من القطع، وأنكر الجاني، نظرت فإن مات عقيب القطع
فالقول قول الولي، وإن مات بعد مدة يندمل الجراح في مثلها، فإن كان مع
الولي بينة أنه لم يزل ضمنا من الجناية حتى مات فعلى الجاني الضمان، وإن لم
يكن له بينة فالقول قول الجاني لأنه يحتمل أن يكون من سراية القطع مات،
ويحتمل أن يكون من شئ تجدد غير القطع، والأصل براءة ذمته.
318

إذا ضرب بطن امرأة فألقت جنينا حرا مسلما.
فإن استهل - أي صاح وصرخ - ثم مات ففيه الدية كاملة إن كان ذكرا،
وإن كان أنثى فديتها عندنا في ماله، وعندهم على العاقلة، والكفارة في ماله بلا
خلاف، وفي وجوب الدية كله إجماع.
وأما إن لم يستهل نظرت فإن كان فيه حياة مثل أن يتنفس أو شرب اللبن
فالحكم فيه كما لو استهل عندنا وعند جماعة، وقال بعضهم: فيه الغرة ولا تجب
فيه الدية كاملة.
فإذا ثبت هذا فإن استهل أو تحقق حياته ومات عقيب الإسقاط فالحكم على
ما مضى، وإن مضت مدة ثم مات ثم اختلف وارثه والجاني، فقال الوارث: مات
من جنايتك، وأنكر الجاني، نظرت: فإن كان مع الوارث بينة أنه لم يزل ضمنا
وجعا متألما حتى مات فالقول قول الوارث، وإن لم يكن له بينة فالقول قول
الجاني، لأن الأمر محتمل، والأصل براءة ذمته، ويقبل هاهنا من البينة ما يقبل
على الولادة شاهدان أو شاهد وامرأتان أو أربع نسوة، وقال بعضهم: لا يقبل إلا
قول الرجلين، والأول أصح عندنا، هذا إذا خرج وفيه حياة.
فأما إن خرج يختلج ولم يسمع له نفس، فهذا ميت، لأنه قد يختلج الشئ
من غيره، ألا ترى أن من أخذ قطعة من لحم فعصرها في يده ثم أرسلها اختلجت،
فكذلك هذا المولود قد خرج من مكان ضيق في مسلك حرج ضيق فاحتمل
أن يكون اختلاجه لذلك لا لأنه حي، فلا توجب فيه الدية بالشك.
فإذا ثبت أن فيه الدية الكاملة إذا استهل، والغرة إذا لم تعلم حياته، فقد فرع
على هذين الموضعين، فقيل: إذا ألقت جنينا ومات، واختلف وارثه والجاني،
فقال الوارث: استهل ثم مات، ففيه كمال الدية، وقال الجاني: ما استهل وليس
فيه غير الغرة، فالقول قول الجاني، لأن الأصل أنه ما استهل والأصل براءة ذمته،
فإن اعترف الجاني بذلك وجبت الدية كاملة تكون في ماله عندنا وعندهم يكون
على عاقلته منها بقدر الغرة خمسون دينارا، والباقي عليه لأن العاقلة لا تعقل
319

اعترافا.
فإن اختلفا كذلك وأقام الجاني البينة أنه خرج ميتا، وأقام الوارث البينة أنه
استهل، قدمنا بينة الوارث لأنها انفردت بزيادة خفيت على بينة الجاني، كما قلنا:
متى مات وخلف ولدين مسلما ونصرانيا فأقام المسلم البينة أنه مات مسلما وأقام
النصراني البينة أنه مات نصرانيا، كانت بينة المسلم أولى لأنها تشهد بزيادة وهو
حدوث الإسلام فيه.
فإن ضرب بطنها فألقت جنينين نظرت:
فإن ألقتهما ميتين كان على عاقلة الضارب غرتان، وكفارتان في ماله، سواء
كانا ذكرين أو أنثيين أو أحدهما ذكرا والآخر أنثى، وعلى ما بيناه من مذهبنا يلزمه
في ماله دية جنينين، إن كانا ذكرين فمائتا دينار، وإن كانا أنثيين فمائة دينار، وإن
كان ذكرا وأنثى فمائة وخمسون دينارا لأن المراعي عندنا عشر ديته في نفسه دون
غيره، ويلزمه الكفارتان في ماله أيضا.
وإن خرجا حيين ثم ماتا في الحال فإن كانا ذكرين فعليه ديتان كاملتان،
وكفارتان في ماله، وعندهم ديتان على العاقلة، وإن كانا أنثيين كان عليه عندنا
وعندهم على عاقلته ديتا امرأتين، وفي ماله كفارتان، وإن كان أحدهما ذكرا
والآخر أنثى كان على عاقلته أو في ماله عندنا دية الذكر كاملة، ودية الأنثى
والكفارتان في ماله.
وإن خرج أحدهما حيا والآخر ميتا، فإن كانا ذكرين ففي الذي خرج ثم
مات دية كاملة، وفي الذي خرج ميتا دية الجنين عشر ديته، لو كان حيا، والغرة
عندهم، والجميع عندنا في ماله وعندهم على العاقلة، وفي مال الضارب
كفارتان.
وإن كان أحدهما ذكرا والآخر أنثى.
فإن اتفقا على أن الذكر خرج حيا ثم مات، والأنثى خرجت ميتة، ففي
الذكر الدية كاملة وفي الأنثى دية الجنين، ويلزمان من ذكرناه عندنا في ماله،
320

وعندهم على العاقلة، والكفارتان على الضارب، فإن كانت بالضد من هذا فاتفقا
على أن الذي خرج حيا ثم مات هو الأنثى والذي خرج ميتا هو الذكر، وجبت
دية امرأة كاملة، والغرة، والكفارتان على ما مضى ذكره من الخلاف.
فإن اختلفا فقال الوارث: الذي خرج حيا ثم مات هو الذكر، والذي خرج
ميتا هو الأنثى، وخالف الضارب في ذلك، فإن كان مع الوارث بينة حكمنا بدية
ذكر كاملة وبدية الجنين عن الأنثى، وإن لم تكن بينة كان القول قول الجاني، لأن
الأصل ألا حياة والأصل براءة ذمة الضارب وذمة عاقلته عما زاد على الغرة، فإذا
حلف حكمنا على الضارب بدية امرأة ودية جنين في الذكر.
وإن اعترف الجاني فقال: الذي خرج حيا ثم مات هو الذكر وفيه الدية
كاملة والأنثى خرجت ميتة ففيها الغرة، وأنكرت عاقلته ذلك وقالت: بل الذي
خرج حيا هو الأنثى، والذي خرج ميتا هو الذكر، ولم يكن مع الوارث بينة
وكان الضرب خطأ محضا، عندنا كان القول قولهم مع أيمانهم، فإذا حلفوا لم
يجب عليهم إلا دية الأنثى وغرة في الذكر، ووجب على الجاني بقية الدية التي
اعترف بها وأنكرها العاقلة لأن العاقلة قد بينا أنها لا تعقل اعترافا.
إذا ضرب بطن امرأة فألقت جنينا حيا ممن يعيش مثله، وهو إذا كان له ستة
أشهر فصاعدا، فإذا خرج هذا الجنين حيا ثم مات في الحال ففيه الدية كاملة، فإن
كان خطأ على العاقلة، والكفارة في ماله، لأنا قد تحققنا جناية عقيب الضرب،
والظاهر أنه مات من الضرب، كما نقول في من ضرب رجلا فمات عقيب الضرب
وجب على الضارب القود، لأن الظاهر أنه مات من ضربه.
إذا كان الجنين حيا لكنه لا يعيش مثله، وهو إذا كان له أقل من ستة أشهر ثم
مات عقيب الإسقاط، فإن فيه الدية كاملة كالتي قبلها سواء، لا فرق بينهما عندنا
وعند الأكثر، وقال بعضهم: فيه الغرة، والأول هو الصحيح لأنا تحققنا حياته
عقيب الضرب، وأنه مات من ضربه، لأنه لو لم يضربه ربما بقي وعاش فهو
كما لو كان له ستة أشهر.
321

إذا ألقت من الضرب جنينا حيا ثم قتله آخر ففيه مسألتان:
الأولى: إن كان فيه حياة مستقرة يعيش اليوم واليومين، فقتله آخر فعليه
القصاص إن كان عمدا، وإن كان خطأ فالدية على العاقلة والكفارة في ماله في
الحالين، والضارب لا شئ عليه غير التعزير، لأن الألم لا يضمن بالمال.
الثانية: كانت فيه حياة غير مستقرة وكانت حركته حركة المذبوح، فالأول
قاتل عليه الدية والكفارة، والثاني جان لا ضمان عليه، وعليه التعزير.
فإن خرج حيا فقتله قاتل قبل العلم بأن الحياة مستقرة أو غير مستقرة فلا
قود عليه لأنا لا نتحقق استقرار الحياة لكنا نوجب فيه الدية إن كان خطأ مخففة،
وإن كان عمد الخطأ فمغلظة.
إذا ضرب بطنها فألقت يدا وماتت ولم يخرج الجنين، ففيها الدية الكاملة،
وفي الجنين الغرة، لأنها إذا ألقت يدا كان الظاهر أنه جنى عليه فأبان يده وماتت
من ذلك، وكان فيه الغرة، وهكذا إذا ألقت يدين أو أربع أيد أو رأسين لا يحتمل
أن تكون لحي واحد، فإنه قد يخلق هكذا، ويحتمل أن تكون لأخيه فإذا احتمل
الأمران فالأصل براءة ذمته، فلا يوجب عليه إلا ضمان جنين واحد.
فإن ضرب بطنها فألقت يدا ثم ألقت بعدها الجنين، لم يخل من أحد أمرين:
إما أن لا تزال وجعة ضمنة متألمة حتى ألقته، أو برئت ثم ألقته، فإن لم تزل ضمنة
حتى ألقته ففيه مسائل: إن ألقته ميتا ففيه الغرة، يدخل أرش اليد فيها.
وإن ألقته حيا ثم مات عقيب السقوط ففيه الدية، ويدخل بدل اليد في الدية.
وإن ألقته حيا وعاش لم يضمن الجنين، ويكون عليه ضمان اليد وحدها،
وكم يضمن؟ تسأل القوابل، فإن قلن: هذه يد من لم تخلق فيه الحياة والروح،
ففيه نصف دية الجنين، وإن قلن: هذه يد من خلقت فيه الحياة ففيها نصف الدية،
لأنا لو تحققنا حياته كان فيه الدية، وكان في يده نصف الدية، هذا إذا لم تزل
ضمنة حتى ألقت.
322

فأما إن زال الألم وبرئت ثم ألقته ضمن اليد دون الجنين، لأنه بمنزلة من
قطع يد رجل ثم اندملت فإنه يضمن اليد وحدها، فإذا ألقته بعد هذا ففيه المسائل
الثلاث:
إن ألقته ميتا ففي اليد نصف دية الجنين.
وإن ألقته حيا ثم مات عقيب الإسقاط أو عاش، ففي هذين الفصلين أرى
عدول القوابل، فإن قلن: يد من لم تخلق له حياة، ففيها نصف الغرة، وإن قلن:
يد من خلقت فيه الحياة، فنصف الدية.
وإن ضرب بطنها فألقت جنينا وماتا نظرت: فإن مات قبل وفاتها أو خرج
ميتا ثم ماتت ورثت نصيبها منه ثم ورثها ورثتها، وإن ماتت أولا ثم خرج حيا ثم
مات أو خرج قبل موتها ثم ماتت ثم مات هو، ورث نصيبه منها وورثه ورثته.
وإن اختلفا فقال وارثها: مات الجنين أولا فورثته، وقال ولي الجنين: بل
ماتت أولا فورثها ثم مات، لم يورث أحدهما من صاحبه إذا لم يعلم كيف وقع
ويكون تركة كل واحد منهما لورثته، ولا يرث أحدهما صاحبه.
وأما إن ألقت جنينا ميتا أو حيا فمات ثم ماتت ثم ألقت جنينا حيا ثم مات،
ففي الأول دية الجنين وفيها الدية، وفي الثاني الدية ترث من الأول نصيبها ثم يرث
الثاني منها نصيبه، وأما إن خرج رأسه ثم مات ففيها الدية والجنين مضمون هاهنا،
قال بعضهم: غير مضمون لأنه إنما يثبت له أحكام الدنيا إذا انفصل، فأما قبل أن
ينفصل فلا، والأول أصح لأنا تحققنا كون الجنين حين الضرب، وليس كذلك
إذا سكن الحركة لأنا لم نتحقق الجنين.
فإذا ثبت أنه مضمون فإن كان ميتا ففيه دية الجنين، وإن كان فيه حياة مثل
أن خرج رأسه وصرخ أو تنفس ففيه الدية لأنا تحققنا حياته حين الضرب.
إذا ضرب بطن أمة فألقت جنينا ميتا مملوكا ففيه عشر قيمة أمه ذكرا كان أو
أنثى، وعند قوم: غرة تامة مثل جنين الحرة، وهو الذي رواه أصحابنا، وقال قوم:
فيه عشر قيمته إن كان أنثى وإن كان ذكرا فنصف عشر جنين الحر، فالواجب في
323

الجنين الحر لا يختلف ذكرا كان أو أنثى، والواجب في جنين الأمة يختلف
بالذكورية والأنوثية، وقد يجب عنده في الذكر دون ما يجب في الأنثى، وهو إذا
اتفقت القيمتان فكانت قيمة كل واحد منهما عشرين دينارا فيكون في الأنثى
ديناران عشر قيمتها، وفي الذكر دينار واحد نصف عشر قيمته.
وأما إذا خرج حيا ثم مات عشر قيمته بلا خلاف فمن قال: يعتبر بعشر قيمة
أمه، فمتى يعتبر قيمتها؟ قال: يعتبر قيمتها يوم الضرب، وقال بعضهم: يعتبر قيمتها
يوم الإسقاط والأول أقوى.
فإن ضرب بطن مدبرة أو معتقة نصفه عندهم أو مكاتبة أو أم ولد فألقت
جنينا ميتا ففيه عشر قيمة أمه، لأنه جنين مملوك، فإن وطئ أمة بشبهة يعتقدها
زوجته الحرة أو أمته فأحبلها فالولد حر لاعتقاده أنه حر، وإن وضعته حيا فعليه
قيمته يوم وضعته حيا، فإن قتله قاتل بعد هذا فعليه القود إن كان عمدا، وإن كان
خطأ أو شبه العمد فكمال الدية.
فإن أحبلها الواطئ بحر فضرب رجل بطنها فألقته ميتا ففيه دية الجنين الحر
لأنه جنين خرج ميتا من ضربه، ويكون عشر قيمة أمه لو كانت حرة، وتكون هذه
الدية على الجاني للواطئ فإنه أبوه إن لم يكن له وارث سواه.
وأما أبوه فعليه لسيد الأمة في الجنين عشر قيمتها لأنه لو خرج ميتا من
الضرب كان هذا له على الضارب، فإذا أعتق بسببه فقد حال بين سيدها وبين هذا
القدر فألزم هذا السيد الأمة، فيكون لسيد الأمة على الواطئ عشر قيمة أمه وللواطئ
على الجاني الغرة.
فإذا ثبت هذا قابلنا بين الغرة وعشر القيمة، فإن كانا سواء أخذ الواطئ من
الجاني الغرة وأخذ السيد من الواطئ عشر القيمة، وإن كانت الغرة أكثر كان
الفضل للواطئ لأنه أبوه وإن كانت الغرة أقل كان على الواطئ تمام عشر القيمة
لسيدها.
إذا جنى على نصرانية فألقت جنينا ميتا ففيها غرة عبد قيمة عشر دية أمه،
324

وعندنا عشر دية أمه.
فإن قالت أمه: هذا الجنين مسلم لأني حملت به من مسلم بالزنى، لم يلتفت
إلى قولها لأن المسلم إن كان قد فعل هذا فلا يلتحق النسب به بالزنى.
فإن قالت: ما زنا لكنه أصابني بشبهة والولد مسلم، نظرت في العاقلة
والجاني، فإن أنكروا ذلك فالقول قول العاقلة والجاني معا مع اليمين على العلم،
لأنا لا نعلم أن هذا وطئها لأنها يمين على النفي على فعل الغير، فإذا حلفوا فعلى
العاقلة غرة جنين نصراني، وإن اعترفت العاقلة والجاني معا بذلك فعليهما دية
جنين مسلم، وهكذا لو اعترف العاقلة وحدها، فإن اعترف الجاني بذلك
وأنكرت العاقلة حلفت وكان عليه غرة جنين ذمي، قيمته قيمة عشر دية أمه، وكان
الفضل إلى غرة هي في جنين الحر المسلم على الجاني، لأنه قد اعترف بذلك،
والعاقلة لا تعقل اعترافا.
إذا وطئ مسلم وذمي ذمية في طهر واحد فاتت بولد يمكن أن يكون من كل
واحد منهما فضرب بطنها رجل فألقت جنينا ميتا فعلى الضارب الكفارة لأنه لا
يخلو من أن يكون مسلما أو ذميا، وأيهما كان فعليه الكفارة، وأما الضمان فالذي
يوجب في الحال دية جنين ذمية عشر ديتها لأنه يحتمل أن يكون مسلما فوجب
عليه الأقل لأن الأصل براءة ذمته، ثم ينظر فيه فإن الحق بالذمي فقد استوفى الحق
من الجاني، وإن الحق بالمسلم استوفى من الجاني تمام دية جنين حر مسلم.
إذا كانت الجارية بين شريكين فحملت بمملوك فضرب إنسان بطنها فألقته
ميتا نظرت: فإن كان أجنبيا فعليه الكفارة وضمان الجنين عشر قيمة أمه يكون
ذلك للسيدين لأن الجنين بينهما، وإن كان الضارب أحد الشريكين فعليه الكفارة
لأنه لو كان الجنين كله له كان عليه الكفارة، وأما ضمان الجنين فما قابل نصيب
نفسه ساقط لأنه لا يضمن لنفسه ملك نفسه، وعليه ضمان نصيب شريكه نصف
عشر قيمة أمه، هذا إذا لم يعتق أحد الشريكين نصفه منهما.
فأما إن حملت بمملوك ثم ضرب أحد الشريكين بطنها ثم أعتق أحد
325

الشريكين نصيبه منها بعد الضرب، ثم أسقطت الجنين ميتا بعد العتق لم يخل
المعتق من أحد أمرين: إما أن يكون هو الضارب أو غير الضارب.
فإن كان المعتق لنصيبه هو الضارب، لم يخل من أحد أمرين: إما أن يكون
موسرا أو معسرا.
فإن كان معسرا عتق نصيبه منها ومن الحمل لأن الحامل إذا أعتقت سرى
العتق إلى حملها فإذا أعتق نصفها سرى إلى نصف حملها، واستقر الرق في نصيب
شريكه منها ومن حملها، فعلى الضارب الكفارة، وأما الجنين فقد وضعته ونصفه
مملوك ونصفه حر، فأما النصف المملوك فعليه ضمانه لشريكه وهو نصف
عشر قيمة الأم، وأما النصف الحر ففيه نصف الغرة اعتبارا بحال الاستقرار، ولمن
يكون هذا النصف؟ مبني على من نصفه حر إذا اكتسب بما فيه من الحرية ثم مات
فهل يورث عنه أم لا؟ قال قوم: لا يورث عنه ويكون للسيد الذي
يملك نصفه لأنه ناقص بما فيه من الرق، فإذا لم يورث كان أحق الناس بما خلفه سيده الذي
يملك نصفه، وقال آخرون: يورث عنه لأنه مال ملكه بالحرية فوجب أن يورث
عنه، وقال بعضهم: يكون ما خلفه لبيت المال.
فإذا ثبت هذا كان النصف من الغرة بمنزلة ما خلفه هذا الجنين بما فيه من
الحرية، فمن قال: يكون لسيده الذي يملك نصفه، كان نصف الغرة له على
الضارب، ومن قال: يورث عنه، ورث هذا النصف من الغرة فأما أمه فلا ترث منه
شيئا لأن نصفها مملوك ويكون لورثتها بعدها، فإن لم يكن له وارث مناسب لم
يكن لسيده الذي أعتقه شئ منها لأنه قاتل، ويكون ذلك لعصبة مولاه الذي
أعتق، وإن لم تكن عصبة فلبيت مال المسلمين، وعلى قول بعضهم يكون لبيت
المال على كل حال، هذا إذا كان المعتق معسرا.
فأما إن كان موسرا عتق نصيبه منها ومن جنينها وسرى العتق إلى نصيب
شريكه منها ومن جنينها.
ومتى سرى قيل فيه ثلاثة أقوال: أحدها: يعتق نصيب شريكه باللفظ، الثاني:
326

باللفظ ودفع القيمة، الثالث: مراعى.
فإن دفع القيمة تبينا أنه عتق باللفظ، وإن لم يدفع فنصف شريكه على
الرق، فمن قال: العتق باللفظ ودفع القيمة أو قال: مراعى فلم يدفع القيمة حتى
أسقطته فقد أسقطته ميتا ونصفه حر فيكون الحكم فيه كما لو كان المعتق معسرا
حرفا بحرف، وقد مضى، لأنه إذا كان معسرا ألقته ميتا ونصفه حر فلهذا كانا في
الحكم سواء، ومن قال: يعتق باللفظ أو قال: مراعى، فدفع القيمة قبل أن يسقط
ثم أسقطته حرا ميتا فعلى الضارب المعتق نصف قيمة الأم يتبعها جنينها فيه، لأن
الجنين يتبع أمه في الإبدال، كما لو باعها حاملا فإن جنينها يتبعها وأما الجنين
ففيه دية جنين حر وهو الغرة، وأنها تورث كلها لأن كله حر يكون لأمه منها الثلث
إن لم يكن له إخوة لأنها حرة حين وضعته والباقي للأب، فإن لم يكن رد عندنا
على الأم وعندهم لورثته، فإن لم يكن له ورثة لم يرث مولاه الذي أعتق شيئا لأنه
قاتل، وإن كان لمولاه عصبة كان لهم وإلا فلبيت المال، هذا إذا كان المعتق هو
الضارب.
وأما إذا كان المعتق هو الذي لم يضربها لم يخل أيضا من أحد أمرين: إما
أن يكون معسرا أو موسرا.
فإن كان معسرا عتق نصيبه من الجنين ومنها، واستقر الرق في نصيب
شريكه منها ومن جنينها، فعلى الضارب الكفارة وقد أسقطته ميتا ونصفه حر فأما
نصيب الضارب فإنه هدر لأنه مملوك له، وأما نصيب المعتق فقد صار حرا وفيه
نصف الغرة، ولمن كان هذا النصف؟ فمن قال: لسيده الذي لم يعتق، فالذي لم
يعتق هو الضارب، فإنه لا ضمان عليه لأنه لو لم يكن ضاربا انصرف إليه، فإذا
كان ضاربا لا يضمن لأنه لو ضمن ضمن لنفسه وإنما عاد هذا الحق إليه لأنه ليس
بميراث وإنما هو حق يملك والقتل لا يمنعه ومن قال: يكون نصف الغرة موروثا
لم ترث أمه شيئا لأن نصفها حر ويكون لغير أمه من ورثته، فإن لم يكن له وارث
مناسب فلمولاه الذي أعتق لأنه ليس بقاتل فإن لم يكن هناك مولى ولا عصبة
327

مولى فلبيت المال، هذا إذا كان المعتق معسرا.
فأما إن كان موسرا سرى إلى نصيب شريكه منها ومن جنينها، فمن قال:
يسري باللفظ ودفع القيمة أو قال: مراعى فلم يدفع القيمة حتى أسقطت فقد
أسقطت ميتا ونصفه حر فيكون الحكم فيه كما لو كان المعتق معسرا وقد مضى،
ومن قال: يعتق باللفظ أو مراعى بدفع القيمة ثم الغرة منها فعلى المعتق نصف
قيمة الأمة للضارب يتبعها جنينها فيه.
وأما الجنين ففيه الغرة على الضارب فتكون الغرة عليه، وتكون له نصف
قيمة الأم وهذه الغرة كلها تورث، فلأمه الثلث والباقي فلورثته، فإن لم يكن له
وارث مناسب فلمولاه الذي أعتقه لأنه ليس بقاتل، فإن لم يكن له عصبة فلعصبة
مولاه، وإلا فلبيت المال وعندنا كله للإمام.
328

كتاب القسامة
القسامة عند الفقهاء كثرة اليمين، فالقسامة من القسم وسميت قسامة لتكثير
اليمين فيها وقال أهل اللغة: القسامة عبارة عن أسماء الحالفين من أولياء المقتول
فعبر بالمصدر عنهم، وأقيم المصدر مقامهم، يقال: أقسمت إقساما وقسامة، فأيها
كان فاشتقاقه من القسم الذي هو اليمين.
إذا ادعى الرجل دما على قوم لم يخل من أحد أمرين: إما أن يكون معه ما
يدل على صدق ما يدعيه أو لا يكون.
فإن لم يكن معه ذلك، فالقول قول المدعى عليه مع يمينه، فإن حلف برئ
وإن لم يحلف رددنا اليمين على المدعي فيحلف ويستحق ما ادعاه إن كان قتلا
عمدا استحق القود، وإن كان غير العمد استحق الدية.
ولا فصل بين هذا وبين سائر الدعاوي إلا في صفة اليمين، فإن الدعوى إذا
كانت قتلا ودما هل تغلظ الأيمان فيه أم لا؟ قال قوم: تغلظ، وقال آخرون: لا
تغلظ، وسيجئ الكلام فيه.
وإن كان معه ما يدل على دعواه ويشهد القلب بصدق ما يدعيه فهذا يسمى
لوثا، مثل أن يشهد معه شاهد واحد، أو وجد القتيل في برية وهو طري والدم
جار وبالقرب منه رجل معه سكين عليها دم، والرجل ملوث بالدم، أو وجد في
قرية لا يدخلها غير أهلها، فالظاهر أن أهلها قتلوه، وإن كان يخلطهم غيرهم نهارا
329

ويفارقهم ليلا، فإن وجد القتيل نهارا فلا لوث، وإن وجد ليلا فالظاهر أن أهل
القرية قتلوه.
وحكم المحلة الطارقة من البلد وحكم القرية واحد، وهكذا لو وجد في دار
فيها قوم قد اجتمعوا على أمر من طعام أو غيره فوجد قتيل بينهم فهذا لوث
فالظاهر أنهم قتلوه.
فمتى كان مع المدعي لوث فالقول قوله يبدأ باليمين يحلف خمسين يمينا
ويستحق، فإن كان حلف على قتل عمد، عندنا يقاد المدعى عليه به، وقال قوم:
لا يقاد، وفيه خلاف، وقال قوم: لا أحكم باللوث ولا أعده ولا أراعيه ولا أجعل
اليمين في جنبة المدعي.
فإذا وجد قتيل في قرية لا يختلط بهم غيرهم وادعي عليهم الدم كان عليهم
خمسون رجلا من صالحي القرية يحلفون ما قتلوه، فإن كان أقل من خمسين
رجلا كانت اليمين عليهم بالحصة، فإن كانوا خمسة حلف كل واحد عشرة
أيمان، وإذا كان واحدا حلف خمسين يمينا، فإذا حلفوا وجبت الدية على باقي
الخطة إن كان موجودا وعلى سكان القرية إن كان مفقودا.
وقال بعض أصحاب هذا القول: على سكانها بكل حال قال: فإن كان
وجد في مسجد الجامع حلف خمسون رجلا من أهل المسجد خمسين يمينا فإذا
حلفوا كانت الدية عليهم لأن الدار قد صارت لهم.
ومذهبنا أن اليمين في جهة المدعي لكن يحلف خمسون رجلا من أولياء
المقتول خمسين يمينا أن المدعى عليه قتله، فإن نقصوا كررت عليهم من الأيمان ما
تكون خمسين يمينا، فإن لم يكن إلا واحد حلف خمسين يمينا واستحق القود إن
حلف على عمد، فإن أبي أن يحلف حلف من المدعى عليهم خمسون رجلا
خمسين يمينا، فإن نقصوا حلفوا خمسين يمينا بالتكرار، فإن كان المدعى عليه
واحدا، حلف خمسين يمينا، فإذا حلف برئ من ذلك، وكانت الدية على القرية
أو المحلة التي وجد فيها، فأما إن وجد في الجامع أو شارع عظيم فديته على بيت
330

المال.
وقتل الخطأ فيه خمسة وعشرون يمينا على شرح يمين العمد سواء، وما
رأيت أحدا من الفقهاء فرق.
فإذا ثبت أن البدأة بيمين المدعي لم تخل الدعوى من ثلاثة أحوال: إما أن
يكون قتل خطأ، أو عمد الخطأ أو عمد محض.
فإن كان خطأ محضا نظرت: فإن كان اللوث شاهدا حلف يمينا واحدة مع
يمينه واستحق الدية، لأنه إثبات مال يثبت بالشاهد واليمين، وإن كان اللوث
غير الشاهد حلف مع اللوث عندنا خمسا وعشرين يمينا وعندهم خمسين يمينا
ووجبت الدية على العاقلة.
وإن كان عمد الخطأ حلف مع الشاهد يمينا واحدة، ومع عدم الشاهد
خمسا وعشرين يمينا عندنا، وخمسين عندهم، وتثبت به دية مغلظة عندنا في مال
المدعى عليه وعندهم على العاقلة.
وإن كانت الدعوى عمدا محضا يوجب القود، حلف المدعي خمسين يمينا
مع اللوث، سواء كان اللوث شاهدا أو غير شاهد، فإذا حلف ثبت بيمينه قتل عمد
يوجب القود، فإذا ثبت هذا بيمينه قتل المحلوف عليه عندنا وعند جماعة، وقال
بعضهم: لا يقتل به، فإذا حلف الولي قضى له بالدية المغلظة حالة في مال القاتل،
فمن أوجب الدية قال: الدية مغلظة حالة في مال القاتل.
ومن قال: يجب القود، نظرت: فإن كان المحلوف واحدا قتل ولا كلام،
وإن حلف على جماعة فكذلك يقتلون به، غير أن على مذهبنا يردون فاضل
الدية، وقال بعضهم: لا يقتلون لكن يختار الولي واحدا منهم فيقتله به، وهذا عندنا
يجوز للولي أن يفعله غير أن على الباقين أن يردوا على أولياء المقتول الثاني ما
يخصهم من الدية.
فأما صورة اللوث فالأصل فيه قصة الأنصار وقتل عبد الله بن سهل بخيبر
والسبب الذي قضى فيه رسول الله صلى الله عليه وآله هو أن خيبرا كانت دار
331

يهود محضة لا يخلطهم غيرهم، وكانت العداوة بينهم وبين الأنصار ظاهرة، لأن
الأنصار كانوا مع النبي عليه السلام لما فتحها فقتلوهم وسبوهم فاجتمع أمران:
عداوة معروفة وانفراد اليهود بالقرية، وقد خرج عبد الله بن سهل بعد العصر
فوجد قتيلا قبل الليل وقيل بعد المغرب، فغلب في ظن كل من عرف الصورة
أن بعض اليهود قتله.
فإذا ثبت هذا فحكم غيرهم حكمهم، فمتى كان مع المدعي ما يغلب على
الظن صدق ما يدعيه من تهمة ظاهرة أو غيرها فهو لوث، فمن ذلك إذا كان البلد
صغيرا ينفرد به أهله، أو كانت القرية منفردة، وكذلك إن كانت محلة من محال
البلد في بعض أطرافه بهذه الصورة أو حلة من حلال العرب - فهذه الصورة -،
فمتى دخل إليهم من بينهم وبينه عداوة فوجد قتيلا بينهم فهذه وخيبر سواء لا
يختلفان فيه.
ومتى عدم الشرطان أو أحدهما فلا لوث، مثل أن وجد قتيلا في قرية لا
ينفرد بها أهلها، وكانت مستطرقة، ولا عداوة بينهم وبين القتيل فلا لوث لأن
جواز أن يقتله أهل القرية لجواز أن يقتله غيرهم بينهم، لكنه لا عداوة بينهم، أو
كانت هناك عداوة والقرية مستطرقة فلا لوث، لأن جواز أن يقتله لجواز أن يقتله
غيرهم فبطل اللوث.
فأما إذا اجتمع قوم في بيت أو حجرة أو دار كبيرة أو بستان في دعوة أو
مشاورة أو سبب فتفرقوا عن قتيل بينهم، كان هذا لوثا سواء كان بينه وبين القوم
عداوة أو لا عداوة بينهم، والفرق بين الدار والقرية أن الدار لا يدخلها أحد إلا بإذن
صاحبها، وليس كذلك القرية المستطرقة لأنه يدخلها كل أحد، فلأجل ذلك لم
يكن لوثا في القرية، وكان لوثا في الدار.
وأما إن وجد قتيل في الصحراء والقتيل طري والدم جار وهناك رجل
بالقرب منه ملوث بالدم، ومعه سكين ملوثة بالدم وليس في المكان سواهما ولا
أثر، فهو لوث عليه، وإن كان في المكان غيرهما كالسبع والذئب والوحش الذي
332

يقتل الإنسان أو يرى رجل آخر يعدو موليا، والأثر أن يشاهد الدم مترششا في
غير طريق هذا الموجود معه ونحو هذا، فكل ذلك يبطل اللوث في حق هذا لأن
هذه الأشياء أحدثت شكا واشتراكا في قتله فلم يغلب في الظن أن هذا قتله.
وإذا وقع قتال بين طائفتين كأهل العدل والبغي أو قتال فتنة بين طائفتين
فوجد هناك قتيل بين إحدى الطائفتين لا يدرى من قتله نظرت: فإن اختلط
القتال بينهم والتحمت الحرب ثم تفرقوا عن قتيل كان اللوث على غير طائفته،
فإن كان الصفان متفرقين وكان ما بينهما قريب تصل السهام والنشاب من كل
واحد منهما إلى الآخر، فوجد قتيل في أحد الصفين فاللوث على غير طائفته.
وإن لم يكن بينهم رمى بالنشاب ولا اختلاط بالقتال، فلا فصل بين أن
يتقارب الصفان أو يتباعدا، فإذا وجد قتيل في أحد الصفين فاللوث على أهل
صفه، وهذه صورة طلحة وجد قتيلا في صفه، فقيل: إن مروان رماه فقتله.
فأما إن ازدحم الناس في موضع وتضايقوا لمعنى كالطواف والصلاة وعند
دخول المسجد والكعبة أو عند بئر أو مصنع لأخذ الماء أو قنطرة أو جسر كان
لوثا عليهم لأنه يغلب على الظن أنهم قتلوه، وروى أصحابنا في مثل هذا أن ديته
على بيت المال.
فأما ثبوت اللوث بالقول ينظر فيه:
فإن كان مع المدعي شاهد عدل كان هذا لوثا فإن ادعى قتله خطأ أو عمد
الخطأ حلف معه يمينا واحدة واستحق الدية لأن هذه دعوى مال، والمال يثبت
بالشاهد واليمين، وإن كان القتل عمدا محضا يثبت هذا القتل بالقسامة، وهل
يثبت القود على ما مضى من الخلاف؟ عندنا يثبت وعندهم لا يثبت.
وأما إن لم يكن المخبر عدلا لم يخل من أحد أمرين: إما أن يكون ممن لقوله
حكم في الشرع، أو لا حكم لقوله.
فإن كان لقوله حكم في الشرع كالعبيد والنساء، فإن أخبارهم في الدين
مقبولة، والنساء في القتل لا يقبلن، نظرت: فإن أتت طائفة من نواحي متفرقة ولم
333

يكن هذا عن اجتماع يقع به التواطؤ على ما أخبروا به، وكل واحد منهم يقول: قد
قتل فلان فلانا، فهذا لوث لأنه إذا قبل قولهم في الإخبار وقع الخبر منهم على
وجه متجرد عن التواطؤ عليه غلب على الظن صدق قولهم، وكان لوثا، هذا إذا لم
يبلغوا حدا يوجب خبرهم العلم، فإن بلغوا ذلك خرج عن حد غلبة الظن.
وأما إن كانوا لا حكم لقولهم في الشرع كالصبيان والكفار فأقبلوا متفرقين
من كل ناحية على ما صورناه في المسألة قبلها قال قوم: لا يكون لوثا لأنه لا
حكم لقولهم في الشرع، وقال آخرون: - وهو الأصح عندهم - أنه لوث لأنه
يوجب غلبة الظن فإنهم أتوا به متفرقين من غير اجتماع ولا تواطئ، فكان هذا أكثر
من تفرق جماعة عن قتيل، وعندنا إن كان هؤلاء بلغوا حد التواتر ولا يجوز منهم
التواطؤ ولا اتفاق الكذب، فإن خبرهم يوجب العلم ويخرج من باب الظن، فأما
إن لم يبلغوا ذلك الحد فلا حكم لقولهم أصلا.
ومتى حصل اللوث على جماعة مثل أن وجد القتيل في قرية أو محلة أو دار
وهناك لوث نظرت: فإن عين الولي واحدا منهم فقال: هذا قتله، كان له أن
يقسم عليه، وهكذا لو ادعي على جماعة يتأتى منهم القتل، فإن ادعي على جماعة لا
يتأتى منهم الاشتراك في قتل واحد مثل أن ادعي على أهل بغداد فقال: كلهم
قتلوه، ونحو هذا قلنا: هذا محال لا يسمع منك، فإن رجعت إلى عدد يصح منهم
الاشتراك في قتله وإلا فانصرف لأن النبي عليه السلام قال: يحلف خمسون
منكم على رجل منهم فيدفع برمته وإنما قصد عليه السلام أن يبين أنه لا تقبل
الدعوى إلا على من يصح منه قتله كالواحد، وما في معناه، فدل على ما قلناه.
كل موضع حصل اللوث على ما فسرناه، فللولي أن يقسم سواء كان
بالقتيل أثر القتل أو لم يكن أثر القتل، وقال قوم: إن كان به أثر القتل مثل هذا،
وإن لم يكن أثر فلا قسامة، بلى كان قد خرج الدم من أنفه فلا قسامة لأنه يخرج
من خنق ويظهر من غير قتل، فإن خرج من أذنه فهذا مقتول لأنه لا يخرج من
أذنه إلا بخنق شديد، وسبب عظيم يخرج من أذنه، وهذا أقوى.
334

إذا وجد قتيل في دار قوم فاللوث على من كان في جوف الدار، وإن ادعي
القتل على واحد منهم وأنكر وقال: ما كنت في الدار، فالقول قوله أنه ما كان في
الدار، ولم يكن للولي أن يقسم عليه حتى يثبت أنه كان مع القوم في الدار إما
باعترافه أو بالبينة، لأن اللوث دليل على من كان في الدار، وليس بدليل على أنه
كان في الدار، فيكون القول قول المنكر مع يمينه، فإن حلف برئ، وإن لم
يحلف حلف الولي أنه كان في الدار فإذا ثبت أنه كان في الدار ثبت كونه فيها فله
أن يقسم عليه.
وهذا كما قلنا: إذا أتت امرأة بولد وقالت لزوجها: هذا منك، فالقول قوله،
إلا أن تقيم البينة أنها ولدته على فراشه، فإذا أقامت البينة ثبت وإلا لم يثبت لأن
الفراش يلحق به النسب، والفراش لا يثبت به الولادة، فإن أقامت البينة أنها ولدته
لحق بالفراش إلا أن ينفيه باللعان، فإن لم تكن بينة وحلف أنها ما ولدته انتفى
بغير لعان.
قد ذكرنا أقسام اللوث وأصنافه، وقال بعضهم: لا لوث إلا بأحد أمرين:
الأول: شاهد عدل مع المدعي، فأما ما عداه من الدار والقرية فلا.
الثاني: أن يقول الرجل عند وفاته دمي عند فلان، معناه قاتلي فلان فهذا
لوث، وما عداه فلا لوث، وهذا الأخير عندنا ليس بلوث أصلا.
إذا وجد اللوث الذي ذكرناه كان للولي أن يقسم على من يدعي عليه سواء
شاهد القاتل أو لم يشاهد أو شاهد هو موضع القتل أو لم يشاهد، لأن قصة
الأنصار كذا جرت لأن عبد الله بن سهل قتل بخيبر فعرض النبي عليه السلام على
أخيه وكان بالمدينة، لأن اليمين قد تكون تارة على العلم، وتارة على غالب الظن
مثل أن يجد بخطه شيئا وقد نسيه أو يجد بخط أبيه في " روزنامجة " شيئا أو يخبره
من هو ثقة عنده ولا تقبل شهادته عند الحكام، فإنه يجوز عندهم أن يحلف على
جميع ذلك، وعندنا لا (يجوز أن يحلف إلا على العلم.
فإن قيل: أليس لو اشترى رجل بالمغرب له عشرون سنة عبدا بالمشرق له
335

مائة سنة ثم باعه من ساعته فادعى المشتري أن به عيبا وأنه آبق وقد أبق فيما
سلف، حلف البائع أنه ما أبق وإن جاز أن يكون أبق خمسين سنة قبل أن يولد
البائع، فإذا جاز ذلك جاز هاهنا؟ قيل: عندنا أنه لا يجوز له أن يحلف أنه ما
أبق، وإنما يحلف أنه لا يعلم أنه أبق لأنها يمين على نفي فعل الغير وعلى من ادعى
الإباق البينة.
إذا أراد ولي الدم أن يحلف فالمستحب للحاكم أن يستثبته ويعظه ويحذره
ويعرفه ما في اليمين الكاذبة، ويبين له أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة
مثل اللعان، وإن كانت اليمين في الأموال، قال قوم: مثل ذلك يعظه ويخوفه،
وقال آخرون: لا يفعل لأن المال أخفض رتبة من الدم، ويفارق اللعان لأنه إذا
ثبت أوجب قتلا أو حدا والأول أحوط لأن فيه تحذيرا من اليمين الكاذبة.
إذا كان المقتول مسلما والمدعى عليه مشركا أقسم ولي الدم على ذلك
واستحق بلا خلاف فيه، لأن قصة الأنصار كانت مع اليهود، فإن كانت بالضد
وكان المقتول مشركا والمدعى عليه القتل مسلما قال قوم: مثل ذلك يقسم وليه
ويثبت القتل على المسلم، وقال قوم: لا قسامة لمشرك على مسلم، والأول أقوى
عندنا لعموم الأخبار، غير أنه لا يثبت به القود وإنما يثبت به المال.
إذا قتل عبد لمسلم وهناك لوث على ما فصلناه فهل لسيده القسامة أم لا؟
قال قوم: له ذلك، وقال آخرون: ليس له ذلك، والأول أقوى عندي لعموم
الأخبار ولأن القسامة لحرمة النفس وهذا موجود هاهنا.
فمن قال: لا قسامة، قال: هو كالبهيمة توجد مقتولة في محلة فالقول قول
المدعى عليه مع يمينه، ويحلف ويبرئه.
ومن قال: فيه القسامة على ما قلناه قال: إذا حلف المولى نظرت: فإن كان
القاتل حرا والقتل عمدا، فلا قود، وتكون قيمته حالة في مال القاتل، وإن كان
خطأ قال قوم: تحمله العاقلة، وقال آخرون: لا تحمله وهو الأقوى، لأن عندنا لا
تحمل على العاقلة إلا ما تقوم به البينة، وتكون في مال القاتل خاصة.
336

وإن كان القاتل عبدا، فإن كان القتل عمدا قيد به العبد عندنا، وقال قوم: لا
يقاد به، وإن كان خطأ تعلقت قيمة المقتول برقبته يباع فيها.
والمدبر والمدبرة والمعتق نصفه وأم الولد والمأذون له في التجارة كالعبد
القن سواء، لأنه رق، والمكاتب كذلك إن كان مشروطا عليه، وإن كان مطلقا
وتحرر بعضه انفسخت بقدر ما بقي مملوكا تعلق برقبته يباع فيه، وانفسخت
الكتابة وبقدر ما تحرر فيه يكون في ذمته.
وإن كان المقتول عبدا لمكاتب فقد قلنا: في العبد قسامة، فالمكاتب في
عبده كالحر في عبده له القسامة لأن له فيه فائدة، وهو أن يثبت ذلك فيأخذ قيمة
عبده يستعين بها على كتابته.
إذا وجد الرجل قتيلا في داره وفي الدار عبد المقتول كان لوثا على العبد،
وللورثة أن يقسموا ويثبتوا القتل على العبد، وتكون فائدته أن يملكوا قتله عندنا إن
كان عمدا، وفيه فائدة أخرى وهي أن الجناية إذا ثبتت تعلق أرشها برقبته، فربما
كان رهنا فإذا مات كان للوارث أن يقدم حق الجناية على حق الرهن فإذا كانت
فيه فائدة كان لهم أن يقسموا.
إذا كان لأم الولد عبد فقتل فهل لها القسامة أم لا؟ لا يخلو العبد من أحد
أمرين: إما أن يكون لخدمتها أو يكون ملكا لها.
فإن كان لخدمتها مثل أن يخدمها أفرد السيد لها عبدا يخدمها ولم يملكها
فالقسامة لسيدها لأنه ملكه، فإذا حلف ثبت القتل على المدعى عليه، وقد مضى
حكمه، وإن لم يحلف السيد حتى مات قام وارثه مقامه في القسامة، فإن حلف
الوارث فالحكم فيه كما لو حلف المورث وقد مضى.
فإن أوصى السيد بثمن العبد المقتول لأم الولد قبل القسامة صحت الوصية
والوصية تصح مع الغرر والخطر، لأنها تصح بالموجود والمعدوم والمجهول
والمعلوم، - ألا ترى يصح أن يوصى بثمرة نخلة سنين فكذلك هاهنا - وإن
كانت القيمة ما وجبت قبل القسامة والوصية تصح لأم الولد لأنها تلزم بوفاة
337

سيدها وهي تنعتق بوفاة سيدها عندهم من أصل المال، وعندنا من نصيب ولدها
ولا يصح للعبد القن لأنه لا يصير حرا في الحال.
فإذا صحت الوصية، فإن حلف لورثة ثبتت القيمة، وكانت وصية لأن
الوارث لا يمتنع أن يحلف على إثبات حق إذا ثبت كان لغيره كما لو خلف
تركة ودينا له وعليه،
فإن وارثه يحلف على الدين، وإن كان إذا ثبت كان لغيره.
فإذا ثبت أن القيمة وصية نظرت: فإن كانت وفق الثلث أو أقل فالقيمة لها،
وإن كانت أكثر من الثلث فالفضل موقوف على الإجازة، فإن أجازه الورثة جاز،
وإلا بطل.
وإن لم يقسم الوارث فهل ترد القسامة عليها فتحلف؟ قال قوم: لا تحلف
لأنها أجنبية، وهو الصحيح عندي، وقال قوم: تحلف لأن لها به تعلقا، وهو أنه إذا
ثبت القتل كانت القيمة لها، ومثل ذلك إذا خلف دينا عليه ودينا له وله شاهد،
حلف وارثه مع شاهده وإن لم يحلف فهل يرد على الغرماء؟ على قولين، وهكذا
لو كان للمفلس دين له به شاهد واحد حلف مع شاهده، فإن لم يحلف فهل
يحلف الغرماء أم لا؟ على قولين وهكذا إذا أحبل الراهن الجارية المرهونة وادعى
أن بإذن المرتهن، فالقول قول المرتهن ولا يخرج من الرهن، فإن لم يحلف ردت
اليمين على الراهن فإن حلف خرجت من الرهن، وإن لم يحلف فهل يرد اليمين
عليها أم لا؟ على قولين، والصحيح عندي في جميع هذه المواضع أنه لا يرد
اليمين على الأجنبي، هذا إذا لم يكن العبد ملكا لها وإنما رتبه السيد لخدمتها.
فأما إن كان العبد قد ملكها سيدها إياه فهل لها القسامة أم لا؟ فمن قال: أن
العبد إذا ملك لم يملك - وهو الصحيح عندنا - فالحكم على هذا كما لو كان
لخدمتها وقد مضى، ومن قال: إذا ملك العبد ملك، فهل لها القسامة أم لا؟ على
وجهين.
أحدهما: لها ذلك لأنه ملك لها وليس هناك أكثر من أنها منقوصة بالرق،
وهذا لا يمنع القسامة كالمكاتب إذا كان له عبد.
338

والوجه الثاني: ليس لها أن تقسم لأنه وإن كان ملكها فهو غير ثابت، ألا
ترى أن للسيد أن ينتزعه منها متى شاء، وتصرفها فيه لا يصح إلا بإذن سيدها،
فلهذا قلنا: لا تقسم، وتفارق المكاتب لأن له فيه تصرفا وتنمية المال، ولهذا كان له
القسامة.
فمن قال: تقسم، أقسمت وثبت لها، ومن قال: لا تقسم، أقسم سيدها،
وهكذا الحكم في كل عبد قن إذا دفع سيده إليه عبدا فالحكم فيه مثل ذلك.
إذا جرح الرجل وهو مسلم وهناك لوث مثل أن حصلوا في بيت فتفرقوا
عن جرح مسلم ثم ارتد المجروح ومات في الردة فلا قسامة عندهم، لأنه إذا ارتد
لا يورث فصار ماله فيئا فإذا لم يكن له ولي يقسم سقطت القسامة، ولو كان
موروثا لجماعة المسلمين لا قسامة لأن وارثه غير معين، ولأن الجرح في حال
الإسلام مضمون، فإذا ارتد فالسراية غير مضمونة، فلو أثبتنا القسامة أثبتناها فيما
دون النفس، وهذا لا سبيل إليه.
وعندنا أن القسامة تثبت إذا كان له ولي مسلم فإنه يرثه عندنا وإن لم يكن له
وارث سقطت القسامة لأن ميراثه للإمام عندنا، ولا يمين عليه والأمر إليه، فإذا
أقسم الولي يثبت له أرش الجرح الذي وقع في حال الإسلام، لأن السراية غير
مضمونة، والقسامة عندنا تثبت فيما دون النفس على ما سنبينه.
فأما إن عاد إلى الإسلام ومات نظرت: فإن عاد قبل أن يكون للجرح سراية
وجبت الدية كاملة، وهل يسقط القود؟ على قولين، عندنا لا يسقط، وإن رجع
بعد أن حصل لها سراية حال الردة فلا قود، وهل يجب كمال الدية أم لا؟ قال
قوم: فيه كمال الدية، وقال آخرون: نصف الدية، والأول أقوى، سواء وجبت
الدية أو نصفها فللولي أن يقسم لأن الذي يثبته بدل النفس غير أنه قد يكون ناقصا
وقد يكون كاملا.
إذا تفرق قوم عن عبد وقد قطعت يده فهو لوث عليهم، فإن أعتق فسرى إلى
نفسه فمات ففيه كمال الدية، لأن اعتبار الدية بحال الاستقرار، وهو حين الاستقرار
339

حر، ويكون للسيد منها أقل الأمرين أرش الجناية أو الدية، فإن كان أرش الجناية
أقل فليس له إلا أرشها، وما زاد عليها زاد حال الحرية، وحال الحرية الحق لغيره،
وإن كان أرش الجناية أكثر من الدية فله كمال الدية، لأن الحرية نقص لها، فكان
له الدية وحده، فكل موضع كان له وحده فالقسامة عليه وحده، وكل موضع
اشترك في البدل هو والوارث فالقسامة عليه وعلى الوارث بالحصة.
إذا قطع الطرف أو جرح الرجل وهناك لوث فلا قسامة، ويكون الناظر
عن نفسه المجروح، وعندنا في الأطراف قسامة على ما سنبينه.
إذا قتل ولد الرجل وهناك لوث ثبت لوالده القسامة، فإن أقسم فلا كلام،
وإن ارتد والده قبل أن يقسم فالأولى ألا يمكنه الإمام من القسامة وهو مرتد كيلا
يقدم على يمين كاذبة، فإن من أقدم على الردة أقدم على اليمين الكاذبة، ثم ينظر
فيه، فإن عاد إلى الإسلام أقسم، وإن مات في الردة بطلت القسامة لأن ماله ينقل
إلى بيت المال ولا يقوم غيره فيها مقامه، لأنه لا يورث عنه.
وعندنا أنه يرثه المسلمون من أهله فإن كان من يرثه يقوم مقامه في الولاية
عن المقتول كان له أن يقسم فإن لم يكن له وارث أصلا سقطت القسامة، ومتى
خالف في حال الردة وأقسم وقعت موقعها عندنا لعموم الأخبار.
وقال شاذ منهم: لا يقع موقعها، لأنه ليس من أهل القسامة وهذا غلط لأن
هذا من أنواع الاكتساب، والمرتد لا يمنع من الاكتساب للمال في مهلة الاستنابة،
فإذا أقسم تثبت الدية بالقسامة ووقفت، فإن عاد إلى الإسلام فهي له، وإن مات، أو
قتل في ردته كان فيئا عندهم، وعندنا لورثته، فإن لم يكن فللإمام، هذا إذا ارتد
بعد موت ولده.
فأما إن ارتد قبل موت ولده وهناك وارث فلا قسامة له، فإن لم يكن له
قسامة فكأنه ميت، وتكون القسامة لمن هو وارثه لو لم يكن له أن يقسم، ويستحق
الدية، فإن عاد والداه إلى الإسلام بعد هذا فلا حق له فيها ولا قسامة، لأن الميراث
إذا سقط عن الأقرب باختلاف الدين لم يعد إليه، والذي يقتضي مذهبنا أنه إن عاد
340

إلى الإسلام قبل قسمة المال إن كانوا اثنين فصاعدا كان له الدية، وإن كان واحدا
أو بعد القسمة فلا شئ له، هذا الكلام في الحر إذا قتل له قتيل وارتد.
فأما إذا قتل عبد لرجل وهناك لوث ففيه المسألتان معا.
إذا ارتد سيده بعد القتل لم يمكنه الحاكم من القسامة، فإن حلف صحت
القسامة وثبتت القيمة بقسامته ووقفت، فإن مات أو قتل كان لورثته عندنا، وإن
لم يكن فللإمام، وعندهم يكون فيئا بكل حال، وإن عاد إلى الإسلام كانت القيمة
له.
وأما إن ارتد السيد أولا ثم قتل العبد وهناك لوث فللسيد أيضا القسامة.
فإذن تصح منه القسامة سواء ارتد قبل قتل العبد أو بعد قتله، والفصل بينه
وبين الحر أن الحر يستحق الدية ميراثا واختلاف الدين يمنع من الميراث، فلهذا
لا يقسم إذا ارتد قبل قتل ولده وليس كذلك هاهنا، لأنه يقسم طلبا لملكه،
وطلب الملك لا يمنع الكفر منه، فبان الفصل بينهما.
إذا كانت الدعوى قتلا لم تخل من أحد أمرين: إما أن يكون قتلا يوجب
المال أو القود.
فإن كان قتلا يوجب المال وهو الخطأ أو عمد الخطأ نظرت: فإن كان مع
المدعي شاهد واحد حلف مع شاهده يمينا واحدة، واستحق الدية لأنه إثبات
المال، والمال يثبت بالشاهد واليمين، ولا قسامة هاهنا، وإن كان معه لوث ولم
يكن معه شاهد حلف خمسون رجلا من قومه أو حلف هو خمسين يمينا فغلظت
الأيمان مع اللوث دون الشاهد، وعندنا خمس وعشرون يمينا على ما مضى بيانه.
فإن كان قتلا يوجب القود، وهو العمد المحض، فلا فصل بين أن يكون
معه شاهد أو لوث، فإن اليمين مغلظة في جنبه، فإذن في العمد تغلظ الأيمان سواء
كان معه شاهد أو لوث، وفي الخطأ وعمد الخطأ تغلظ مع اللوث دون الشاهد.
فإذا ثبت أنها مغلظة نظرت: فإن كان المدعي واحدا حلف خمسين يمينا،
وإن كانوا أكثر، قال قوم: يحلف كل واحد خمسين يمينا، وقال آخرون: يحلف
341

الكل خمسين يمينا بالحصة من الدية، وهو الذي يقتضي مذهبنا.
فإن كان الدية بينهما نصفين كأنهما أخوان أو ابنان حلف كل واحد خمسا
وعشرين يمينا، وإن كان له ابن وبنت حلف الابن ثلثي الخمسين، وجملته أربعة
وثلاثون يمينا وتحلف المرأة سبعة عشر يمينا تكمل لأنها لا تتبعض والنقصان لا
يجوز، وعلى هذا أبدا.
وإن حلف المدعي ثبت ما ادعاه، وإن نكل رددنا اليمين على المدعى عليه
تغلظ أيضا لأن النبي عليه السلام قال للأنصار: أتبرئكم يهود بخمسين يمينا؟ فنقلها
إلى جهتهم مغلظة.
فإذا ثبت أنها مغلظة، فإن كان المدعى عليه واحدا حلف خمسين يمينا وإن
كانوا جماعة قال قوم: يحلف كل واحد خمسين يمينا، وقال آخرون: يحلف
الكل خمسين يمينا، وهو مذهبنا، ولكن على عدد الرؤوس الذكر والأنثى فيه
سواء، فإن كانوا خمسة حلف كل واحد عشرة أيمان، وإن كانوا خمسين حلف
كل واحد يمينا واحدة.
والأقوى في المدعى عليه أن يحلف كل واحد خمسين يمينا وفي المدعي أن
على الكل خمسين يمينا، والفرق بينهما أن كل واحد من المدعى عليهم ينفي عن
نفسه ما ينفيه الواحد إذا انفرد وهو القود، فلهذا حلف كل واحد ما يحلف الواحد
إذا انفرد، وليس كذلك المدعي لأن الكل سواء يثبتون ما يثبته الواحد إذا انفرد،
هذا إذا كان هناك لوث وكانت جنبة المدعي أقوى.
فأما إن لم يكن لوث ولا شاهد، فاليمين في جنبة المدعى عليه ابتداء، لأن
اليمين في الأصول في جنبة أقوى المتداعيين سببا، والأصل براءة ذمة المدعى
عليه، فلهذا كان القول قوله وهل تكون اليمين مغلظة أم لا؟ قال قوم: تكون
مغلظة، وقال آخرون: لا تغلظ وهو مذهبنا.
فمن قال: لا يغلظ، كانت كالدعوى في الأموال إن كان المدعى عليه واحدا
حلف يمينا واحدة، وإن كانوا جماعة حلف كل واحد يمينا واحدة، وإن حلفوا
342

برؤا وإن نكلوا رددنا اليمين على المدعي فإن كان واحدا حلف يمينا واحدة،
كالأموال سواء.
ومن قال: يغلظ قال: إن كان المدعى عليه واحدا حلف خمسين يمينا وإن
كانوا جماعة فعلى قولين: أحدهما: يحلف كل واحد خمسين يمينا.
والثاني: يحلفون خمسين يمينا على عدد الرؤوس.
فإن حلفوا برؤا وإن نكلوا عنها ردت على المدعي، فإن كان واحدا حلف
خمسين يمينا، وإن كانوا جماعة فعلى قولين:
أحدهما: يحلف كل واحد خمسين يمينا.
والثاني: يحلف الكل خمسين يمينا بالحصة من الدية، والفصل بين المدعي
والمدعى عليه قد مضى.
فأما إذا كانت الدعوى دون النفس فعندنا فيه قسامة وعندهم لا قسامة فيها،
ولا يراعى أن يكون معه لوث ولا شاهد، لأنه لا يثبت بهما في الأطراف حكم،
ولكن إذا ادعى قطع طرف أو جناية في ما دون النفس فيما يوجب القصاص فهل
يغلظ لأجل حرمة النفس فيها أم لا؟ على قولين:
أحدهما: لا يغلظ لأن التغليظ لأجل حرمة النفس فإنه يجب بقتلها الكفارة
وليس للأطراف هذه الحرمة.
والثاني: يغلظ، وعندنا فيها القسامة غير أنها في أشياء مخصوصة وهي كل
عضو يجب فيه الدية كاملة مثل اليدين والرجلين والعينين وما أشبهها وتغلظ
الأيمان بعدد ما يجب فيها من القسامة، ويجب القسامة فيها ستة رجال يحلفون،
فإن لم يكونوا حلف المدعي ستة أيمان، فإن رد اليمين على المدعى عليه كان مثل
ذلك وقد فصلناه في النهاية.
فمن قال: لا يغلظ، فالحكم فيها كما لو كانت الدعوى مالا، والقول قول
المدعى عليه مع يمينه، فإن كان واحدا حلف يمينا واحدة، وإن كانوا جماعة
343

حلف كل واحد يمينا واحدة، فإن حلفوا برؤا وإن نكلوا رددنا اليمين على
المدعي، فإن كان واحدا حلف يمينا واحدة وإن كانوا جماعة حلف كل واحد
يمينا واستحق على ما نقوله في الأموال.
ومن قال: يغلظ قال: ينظر، فإن كانت الجناية مما يجب به الدية كقطع
اليدين والرجلين أو قلع العينين والأنف واللسان والذكر، فالحكم فيها كالحكم
إذا كانت الدعوى نفسا، وإن قلنا: يغلظ، فإن كان المدعى عليه واحدا حلف
خمسين يمينا، وإن كانوا جماعة فعلى قولين:
أحدهما: يحلف كل واحد منهم ما يحلف الواحد.
والثاني: يحلف الكل خمسين يمينا على عدد الرؤوس، وقد مضى مذهبنا
وشرحه في ذلك.
وإن كانت الجناية ما يجب فيها دون الدية كقطع يد أو رجل، وهذا يجب
فيه نصف الدية، وفرض الكلام فيها أوضح، ولكن ما قدر التغليظ فيها؟ قولان:
أحدهما: خمسون يمينا أيضا لأن الاعتبار بحرمة الدية، ولو كانت أنملة
حلف خمسين يمينا.
والقول الثاني: التغليظ مقسوم على قدر الدية، والواجب في النصف نصف
الدية فيحلف نصف الخمسين خمسا وعشرين يمينا، وعندنا التغليظ قائم،
والقسامة قائمة، غير أنها على النصف مما قد مضى بيانه، وهو ثلاثة أيمان لأن
كمالها ستة أيمان ثم على حساب ذلك.
فإذا تقرر ذلك لم يخل المدعى عليه من أحد أمرين: إما أن يكون واحدا أو
خمسة وفرضه في الخمسة أوضح.
فإن كان واحدا فكم يحلف؟ على قولين: أحدهما خمسين يمينا، والثاني
خمسة وعشرين يمينا.
وإن كانوا خمسة فكم يحلفون؟ فمن قال: يحلف كل واحد ما يحلف
الواحد إذا انفرد، قال: يحلف كل واحد على قولين: أحدهما خمسين يمينا
344

والثاني خمسة وعشرين يمينا، لأن الواحد هكذا يحلف، ومن قال يحلف الكل ما
يحلف الواحد قال: يقسم عليهم ما يحلفه الواحد، فكم يقسمه عليهم؟ على قولين:
فمن قال: الواحد يحلف خمسين يمينا قسم عليهم خمسين يمينا على عدد
رؤوسهم، فيحلف كل واحد عشرة أيمان، ومن قال: يحلف الواحد خمسا
وعشرين يمينا قسم عليهم خمسا وعشرين يمينا فيحلف كل واحد منهم خمسة
أيمان، هذا إذا حلفوا.
فإن لم يحلفوا رددنا اليمين على المدعي، فإن كان واحدا حلف، وكم
يحلف؟ على قولين: أحدهما خمسين يمينا، والثاني خمسا وعشرين يمينا، وإن
كانوا خمسة فكم يحلفون؟ على القولين:
من قال: يحلف كل واحد ما يحلفه الواحد، فالواحد على قولين: أحدهما
خمسين يمينا والثاني خمسا وعشرين يمينا، وكذلك كل واحد من الخمسة على
قولين.
فمن قال: يحلف الواحد خمسين يمينا، قسم عليهم الخمسين فيحلف كل
واحد عشرة أيمان.
ومن قال: يحلف الواحد خمسا وعشرين يمينا، قسم بينهم ذلك فيحلف
كل واحد خمسة أيمان، وتكون القسمة بينهم هاهنا على قدر استحقاقهم من الدية،
لا على عدد الرؤوس وفي المدعى عليهم على عدد الرؤوس، وقد مضى تفسيره.
فيخرج من الجملة إذا كانوا خمسة كم يحلف كل واحد منهم؟ خمسة
أقوال إذا كانت الجناية قطع يد أحدهما يحلف كل واحد خمسين يمينا، والثاني
خمسا وعشرين، والثالث عشرة، والرابع خمسة، والخامس يمينا واحدة على
القول الذي يقال لا يغلظ وقد مضى أصولها.
إذا ادعي على محجور عليه لسفه لم تخل الدعوى من أحد أمرين: إما أن
يكون قتل عمد أو غير عمد.
فإن كان القتل عمدا لم يخل من أحد أمرين: إما أن يقر أو ينكر، فإن أقر
345

استوفيناه منه، لأنه أقر فيما لا يلحقه فيه التهمة، وهكذا لو أقر بالزنى أو شرب الخمر
حددناه، وإن لم يقر فإن كان مع المدعي لوث أو شاهد حلف خمسين يمينا، فإذا
حلف فمن قال: يقاد به، قال: يقتل، ومن قال: لا يقاد به، قال: يغرمه الدية
مغلظة، وإن لم يكن مع المدعي لوث فالقول قول المدعى عليه، فإن حلف برئ،
وإن لم يحلف رددنا اليمين على المدعي فيحلف، فإذا حلف قتلناه لأنها يمين
المدعي مع نكول المدعى عليه فقامت مقام البينة أو اعتراف المدعى عليه.
ويفارق هذا يمين المدعي مع اللوث لأنها لا يحل محلها، فلهذا لم يقتل من
لم يقل بالقود وجملته أن حكم السفيه في هذا الفصل وحكم غير السفيه سواء
حرفا بحرف.
وإن كانت الدعوى قتل الخطأ أو عمد الخطأ فإن كان مع المدعي لوث
حلف خمسين يمينا، وإن كان معه شاهد حلف يمينا واحدة واستحق الدية، وإن
لم يكن مع المدعي لوث ولا شاهد لم يخل المدعى عليه من أحد أمرين: إما أن
يقر أو ينكر.
فإن أقر لم يلزمه ذلك لأنه أقر بمال، وإقراره بالمال لا يقبل منه، وكذلك
ما يقر به من الديون والمعاملات لا يقبل منه، لأنه يسقط معنى الحجر، فلهذا لم
يقبل منه هذا فيما لم يلزمه، فأما فيما بينه وبين الله عز وجل ينظر فيه: فكلما لو
ثبت عليه بالبينة غرمناه في الحكم، فإذا أقر به لزمه فيما بينه وبين الله كإتلاف
نفس أو مال، وإن كان مما لو قامت به البينة لم يغرمه فكذلك إذا أقر به لا يلزمه
فيما بينه وبين الله كالديون والبيوع والمعاملات.
والفصل بينهما أن الحق بالإتلاف يلزمه بغير رضا من له الحق، فلزمه فيما
بينه وبين الله، والدين برضا من له الحق، فصاحب الحق فرط في حق نفسه،
فلهذا لم يلزمه فيما بينه وبين الله، هذا إذا أقر.
فأما إن أنكر هذا المدعى عليه فإما أن يحلف أو ينكل، فإن حلف سقط حق
المدعي وإن نكل فهل يرد اليمين على المدعي أم لا؟ على قولين بناء على يمين
346

المدعي مع نكول المدعى عليه، فإنها على قولين أحدهما: كالبينة على المدعى
عليه، والثاني: كاعترافه، فإذا قلنا: يحل محل البينة حلف المدعي وإذا قيل:
كاعتراف المدعى عليه لم نرد اليمين على المدعي لأنه لو اعترف المدعى عليه لم
يلزمه، فلا معنى لردها على المدعي.
وإذا ثبت هذا فكلما يسقط عنه حال الحجر عليه، فمتى زال الحجر عليه فهل
يغرمه أم لا؟ قال قوم: لا يغرم شيئا بحال، لأن الحجر لحفظ ماله فلو غرمناه بعد
الحجر سقطت فائدة الحجر، وقال بعضهم: ينظر فيه فإن كان ألزمه عن إتلاف
غرمه بعد زوال الحجر عنه، وإن كان عن دين أو معاملة لم يلزمه بعد زوال الحجر
عنه، والفصل بينهما أن البينة لو قامت بالإتلاف لزمه فألزمناه باعترافه، والبينة لو
كانت بالدين لم يلزمه فكذلك باعترافه.
فأما المحجور عليه لفلس فمتى ادعي عليه القتل لم يخل من أحد أمرين: إما
أن يكون عمدا أو غيره.
فإن كان عمدا محضا فالحكم فيه كما لو كان الحجر لسفه وقد مضى، إن
اعترف قتل وإن لم يعترف وكان مع المدعي لوث أو شاهد حلف خمسين
يمينا، وكان له القود عند قوم، وعند آخرين الدية، وإن لم يكن معه شاهد ولا
لوث فالقول قول المدعى عليه، فإن حلف برئ وإن لم يحلف رد اليمين على
المدعي فيحلف ويستحق القود.
وإن كانت الدعوى قتل الخطأ أو عمد الخطأ، فإن اعترف لزمه وإن لم
يعترف وكان مع المدعي شاهد حلف يمينا واحدة، وإن كان معه لوث حلف
خمسين يمينا واستحق به الدية، وإن لم يكن هناك شاهد ولا لوث فالقول قول
المدعى عليه مع يمينه فإن حلف برئ، وإن لم يحلف رددنا اليمين على المدعي
فيحلف ويستحق الدية.
فإذا تقرر هذا فكل موضع ثبت المال فهل يشارك من ثبت له المال أم لا؟
نظرت: فإن كان ثبوته لسبب قبل الحجر ينظر فيه، فإن كان ثبوته بالبينة شارك
347

الغرماء لأن الحجر عليه لأجل من كان له دين قبل الحجر، وقد ثبت لهذا دين
قبل الحجر، فإن كان ثبوته باعترافه فهل يشارك الغرماء؟ على قولين، هذا فيما
كان سبب ثبوته قبل الحجر.
فأما إن كان ثبوته بعد الحجر ثبت المال في ذمته، ولم يشارك من ثبت له
ذلك من الغرماء، سواء ثبت بالبينة أو بالاعتراف، إلا في فصل واحد، وهو إذا
كان ثبوت ما ثبت عليه عن إتلاف وجناية، فحينئذ يكون أسوة للغرماء، كان
ثبوته بعد حصول الحجر عليه.
فإن ادعي على رجلين أنهما قتلا رجلا وليا له وله على أحدهما لوث ولا لوث
له على الآخر، مثل أن كان أحدهما مع القتيل في الدار، والآخر لم يكن في الدار،
فإنه يحلف على من عليه اللوث خمسين يمينا، ويستحق القود، عندنا بشرط أن
يرد نصف الدية، وعند قوم نصف الدية، وأما الآخر فالقول قوله مع يمينه، فإن
حلف برئ، وإن نكل رددنا اليمين على المدعي فيحلف ويستحق القود، بشرط
رد نصف الدية عندنا، لأنه لو كان عليهما لوث حلف عليهما، ولو لم يكن عليهما
لوث كان القول قولهما، فكذلك إذا كان على أحدهما لوث ولا لوث على الآخر
وجب أن يعطي كل واحد منهما حكم نفسه.
فإن ادعى حقا ومعه حجة تثبت بها، مثل أن ادعى مالا وله شاهد أو قتلا
ومعه لوث أو شاهد، أو نكاحا ونسبا ومعه شاهدان نظرت: فإن ثبت الحق
بحجته استوفى حقه بها، وإن لم يكن له حجة فالقول قول المدعى عليه مع يمينه،
فإن حلف برئ وإن لم يحلف رددنا اليمين على المدعي ولم يحكم بالنكول،
خلافا لجماعة.
فإن كانت اليمين في جنبة المدعي ابتداء، مثل أن ادعى قتلا ومعه لوث أو
مالا وله به شاهد واحد، فإن حلف مع شاهده استحق وإن لم يحلف رد اليمين
على المدعى عليه، فإن حلف برئ وإن لم يحلف ونكل عن اليمين فهل يرد على
المدعي بعد أن كانت في جنبته ولم يحلف؟ نظرت:
348

فإن كان استحق بيمين الرد غير ما كان يستحقه بيمين الابتداء، وهو القسامة
عند قوم، يستحق بها الدية، فإن ردت إليه استحق القود بها، فإذا كان الاستحقاق
بها غير ما كان يستحقه بيمين الابتداء وجب أن يرد عليه.
وإن كان ما يستحقه بيمين الرد هو الذي يستحقه بيمين الابتداء مثل القسامة
يستحق عندنا بها القود إذا حلف ابتداء، وإذا ردت عليه استحق القود أيضا،
وهكذا في الأموال إن حلف مع شاهده استحق المال، وإن حلف يمين الرد
استحق المال أيضا فهل يرد عليه اليمين أم لا؟
قال قوم: لا يرد لأن اليمين إذا كانت في جنبة أحد المتداعيين فإذا بذلها
لخصمه لم ترد عليه إذا كان استحقاقه بها هو الذي استحقه بيمين الابتداء، كيمين
المدعى عليه ابتداء إذا لم يحلف ردت على المدعي، فإن لم يحلف لم يرد على
المدعى عليه بعد أن زالت عنه، ولأن يمينه حجته فإذا قعد عنها فقد أبطلها فلا
يسمع منه ثانيا، كما لو ادعى حقا وأقام شاهدين ثم قال: هما فاسقان لم يقبلا بعد
هذا.
وقال آخرون: - وهو الصحيح عندنا - أنها ترد عليه لأمور ثلاثة: أحدهما
يمين الابتداء قامت في جنبته بسبب وهو قوة جنبته بالشاهد أو اللوث وسبب
الثانية غير سبب الأولى لأنه يستحقها لنكول خصمه، فإذا كانت كل واحدة تصير
في جنبته لسبب غير سبب الأخرى، فإذا قعد عن أحدهما لم يكن تركا لهما.
كما لو قال: من جاء بعبدي فله دينار، ومن جاء بجاريتي فله دينار فجاء
رجل بالعبد وأبرأه من الدينار ثم مضى فجاء بالجارية لم يسقط الدينار، لأنه
يستحق الثاني بسبب غير سبب الأول فإذا سقط الأول لم يكن إسقاطا للثاني،
وهكذا إذا اشترى عبدا فأصاب به عيبا كان له رده، فإن رضي سقط رده، فإن
أصاب به عيبا ثانيا كان له رده به، ولم يكن رضاه بالأول رضا منه بالثاني،
ويفارق هذا يمين المدعى عليه ابتداء لأنها لو ردت إليه عادت بالسبب الذي
كانت في جنبته ابتداء، وهو كونه مدعى عليه، والأصل براءة ذمته، فلهذا لم
349

نرده.
وهاهنا يعود لغير السبب الأول، ولأنه إذا كان معه لوث كان له أن يحلف،
فإذا لم يحلف فكأنه لا لوث بدليل أن المدعى عليه يحلف، وكأنه لا لوث معه
صارت اليمين في جنبة المدعى عليه ابتداء، فإذا نكل عنها وجب أن يرد على
المدعي، ولأن للمدعي أن يرد اليمين على المدعى عليه غرضا صحيحا وهو إذا
كان معه لوث كانت يمينه على غالب الظن والظنة والتهمة ينصرف إليه، فإذا
بذلها للمدعى عليه فلم يحلف زالت عنه الظنة وانصرفت عنه التهمة، فلهذا جاز أن
يرد عليه.
ويفارق قولهم أبطل حجته لأنه إذا قعد عن حجته فإنما أخرها وما أبطلها
لغرض له، فوجب أن لا يبطل عنه جملة، ألا ترى أنه لو ادعى حقا وله به بينة
فاستحلف المدعى عليه فحلف كان له إقامة البينة وإثبات الحق عندهم وإن كان
قد أخرها وقعد عنها.
فأما صفة الدعوى وبما ذا تكون معلومة؟ فالدعوى تتحرر بثلاثة أشياء: بأن
يسأل عن القاتل، ونوع القتل، وصفة القتل، فالقاتل يقال وحده أو معه غيره،
والنوع أن يقال عمدا أو خطأ أو عمد الخطأ، فإن أنواعه تختلف، فإذا قال: عمدا
قيل: صف العمد، فإذا قال: ضربه بما يقتل غالبا قاصدا إلى قتله، فقد تحررت
الدعوى.
وإنما اعتبرنا هذا التفصيل لأنه لو لم يفصل لم يمكن الحكم لأنه لا يدري
بما ذا يحكم، ولأن الحكم يختلف باختلاف عدد القاتلين وبأنواع القتل عمدا أو
خطأ أو عمد الخطأ، ويختلف عنده المحض، فإنه قد يعتقد العمد المحض عمد
الخطأ ولا يدري، فلهذا قلنا: لا يتحرر إلا بهذا التفصيل، فإذا
ثبت هذا نظرت: فإن قال: قتله وحده عمدا، ووصف عمدا يوجب القود، حلف المدعي مع
اللوث خمسين يمينا، فإذا حلف ثبت عندنا به القود، وعند قوم يثبت به الدية دون
القود.
350

وأما إن قتله ومعه غيره ففيه أربع مسائل: قال: قتله وآخران
عمدا، أو قتله عمدا وآخران خطأ أو قتله عمدا وآخران لا أعرف صفة
قتلهما، أو قتله وعدد لا أعلم مبلغه.
الأولى: فإن قال: قتله وآخران معه عمدا محضا، ووصف " عمدا " يوجب
القود، فإن كانوا حضورا سئلوا، فإن اعترفوا بذلك قتلوا وإن حضر واحد وغاب
الآخران حلف خمسين يمينا، لأنه لو حضر الكل لزم الكل خمسون يمينا
فكذلك إذا حضر واحد، ولأن القسامة لا تفتتح بأقل من خمسين يمينا فإذا
حلف، فهل يقتل هذا الحاضر أم لا؟ عند قوم يقتل وعند آخرين لا يقتل، والأول
أقوى عندنا.
فإذا حضر الثاني سألناه، فإن اعترف بذلك قتل، وإن أنكر حلف الولي،
وهل يحلف خمسين يمينا؟ قال بعضهم: يحلف خمسين يمينا لأنه لو حضر الكل
لزم الكل في كل واحد خمسين يمينا فكذلك إذا حضر واحد بعد واحد، وقال
آخرون: يحلف خمسا وعشرين يمينا لأنه لو حضر مع الأول حلف عليهما
خمسين يمينا فوجب أن يكون حصة كل واحد نصفها، ويفارق الأول لأن
القسامة افتتحت به، فلهذا حلف خمسين يمينا، والثاني حكمه على الأول لأن
القسامة ما افتتحت به، فلهذا حلف خمسة وعشرين يمينا، فإذا حلف ثبت القود
عندنا، وعند قوم الدية.
فإذا حضر الثالث سئل فإن اعترف قتلناه بالشرط الذي قدمناه، وإن أنكر
حلف الولي، وكم يحلف؟ قال قوم: خمسين يمينا، وقال آخرون: ثلث الخمسين
ستة عشر يمينا وثلثي يمين فتكمل سبعة عشر يمينا لما مضى، فإذا حلف فهل
يقتل؟ على ما مضى من الخلاف.
الثانية: وإن قال: قتله وآخران خطأ، حلف على الأول خمسين يمينا، فإذا
حلف فلا قود، لأنه قد اعترف أنه شارك الخاطئ، ولا قود على من شارك
الخاطئ، ويكون عليه ثلث الدية مغلظة حالة في ماله.
351

فإذا حضر الثاني سألناه، فإن اعترف فعليه ثلث الدية مخففة في ماله لأن
العاقلة لا يعقل اعترافا، وإن أنكر حلف الولي، وكم يحلف؟ عند قوم خمسين
يمينا، وعند آخرين نصفها، ويكون ثلث الدية على العاقلة.
فإذا حضر الثالث سئل، فإن اعترف فعليه ثلث الدية في ماله، وإن أنكر
حلف الولي، وكم يحلف؟ قال قوم: خمسين يمينا، وقال آخرون: سبعة عشر
يمينا، ويجب ثلث الدية مؤجلة مخففة على العاقلة.
الثالثة: قال: قتله عمدا وآخران لا أعرف صفة قتلهما، فإذا حضر الأول حلف
خمسين يمينا أنه قتل عمدا لأنه حقق القتل عليه، فله أن يحلف على إثباته، فإذا
حلف لا يقتله، ولكن يصبر حتى يحضر الآخران، فإذا حضرا سألناهما عن صفة
القتل.
فإن قالا: عمدنا ووصفا عمدا فيه القود، قتلناهما لأنهما اعترفا به، والأول
يجب عليه القود عندنا، وعند قوم لا يجب لأنه ثبت بالقسامة، وإن قالا: قتلناه
خطأ، فلا قود على الأول لأنه شارك الخاطئ وعلى الآخرين ثلثا الدية مخففة في
مالهما.
وإن أنكر الآخران القتل جملة، قال قوم: لا يحلف عليهم لأنه لا يدري على
ما يحلف، وإذا حلف: لا يدري الحاكم بما ذا يحكم، وقال آخرون: يحلف لأنه
ادعى قتلا فيحلف عليه، لأن جهلنا بصفة القتل ليس جهلا بوقوع القتل فلهذا
حلفناه، فإذا حلف الولي حبس حتى يصف القتل لأنه قد ثبت عليه القتل فيلزمه
أن يصف القتل.
الرابعة: قال: قتله عمدا ومعه عدد لا أعرف مبلغهم عمدوا معه، وذكر عددا
يتأتى منهم الاشتراك في قتله، فهل يقسم على الأول؟ من قال: لا يقتل بالقسامة،
لم يقسم عليه، لأن الواجب بيمينه الدية، وهو لا يدري قدر ما يلزمه منها، ومن
قال: يقاد بالقسامة، فمنهم من قال: يحلفه لأنه إذا كان الواجب القود فلا يضر
الجهل بمبلغ العدد، فإن على الكل القود، وقال آخرون: لا يقسم لأنه قد يعفو
352

عن القتل ولا يدري ما يخصه من الدية، فلهذا لا يحلف، ويقتضي مذهبنا أنه لا يقاد
منه إلا بشرط أن يرد الباقون ما يخصهم من ديته، وهذا مجهول، هذا الكلام فيه إذا
فصلناه عليه، فذكر نوع القتل أنه عمد ووصف العمد بما يوجب القود.
فأما إن ذكر أنه عمد ثم وصفه بشبه العمد، فقال: ضربه بسوط أو لكمة أو
بعصا خفيفة فمات، فهل للولي القسامة أم لا؟ قال قوم: لا يقسم، لأنه ادعى عمدا
وفسره بشبه العمد، فأسقط الدية عن العاقلة بالدعوى وعن نفسه بالتفسير، فلا
قسامة، وقال آخرون: له أن يقسم لأنه قد حقق الدعوى وإنما أخطأ في تفسير
العمد فلا يسقط به دعواه، وهو الأقوى عندي.
إذا ادعى الولي القتل فاستحلفه الحاكم قبل تحرير الدعوى، وهو إن أخل
بذكر القاتل أو نوع القتل أو بصفته أو بالكل، لم يعتد بهذه اليمين، لكنه يفصل
عليه القتل وأنواع القتل والصفة، فإذا تحررت أعاد اليمين.
وإنما قلنا: لا نعتد باليمين الأولى، لأنه إذا لم تتحرر الدعوى كانت كلا
دعوى ولو استحلفه قبل الدعوى لم يعتد بها، ولأنه إذا حلف لم يمكنه أن يحكم
بما استحلفه عليه، ولهذا حلفه بعد التحرير.
إذا ادعى الدم وهناك لوث لم يخل الوارث من أحد أمرين: إما أن يكون
واحدا أو كثيرا، فإن كان واحدا حلف خمسين يمينا، وإن كانوا جماعة قال قوم:
يحلف كل واحد خمسين يمينا، وقال آخرون: يحلف الكل خمسين يمينا على
قدر استحقاقهم الدية، وهو الأصح عندنا.
فإذا تقررت، فمن قال: يحلف كل واحد خمسين يمينا حلف كل واحد
خمسين يمينا اختلفوا في قدر الاستحقاق من الدية أو اتفقوا، ومن قال: يحلف
الكل خمسين يمينا قال: يقسط على حصصهم من الدية، فإن كانوا خمسة حلف كل
واحد عشرة أيمان، وإن كانوا امرأة ورجلين حلفت المرأة عشرة أيمان، و
كل واحد من الرجلين عشرين يمينا، وعلى هذا أبدا، ولو كانوا مائة حلف كل واحد
يمينا واحدة.
353

إذا قتل رجل وهناك لوث وخلف ابنين كبيرا وصغيرا أو كبيرين حاضرا
وغائبا أو كبيرين حاضرين، فادعى القتل أحدهما وكذبه أخوه فقال: ما قتل هذا
أبانا، كان للكبير أن يحلف قبل بلوغ الصغير، وللحاضر أن يحلف قبل قدوم
الغائب.
وأما المكذب فهل له أن يحلف أم لا؟ اختلفوا في هذا التكذيب، هل يقدح
في اللوث أم لا؟ على قولين: أحدهما: لا يقدح فيه، ويكون تكذيب أخيه ساقطا،
وقال آخرون: يقدح في اللوث، فعلى هذا يسقط اللوث، وتكون دعوى دم بلا
لوث، فمن قال: يقدح في اللوث فلا كلام، ومن قال: لا يقدح في اللوث، وهو
الأقوى عندي قال: يكون المكذب كالكبير مع الصغير، والحاضر مع الغائب،
فلكل واحد منهما أن يحلف.
فإذا ثبت أن له أن يحلف فلا يثبت له حق بأقل من خمسين يمينا لأن
القسامة لا تفتتح بأقل من خمسين يمينا وكان الخمسون في القسامة كاليمين
الواحدة في الأموال، ثم ثبت أنه لو ادعى مالا حلف يمينا واحدة، فوجب أن يقسم
هاهنا خمسين يمينا فإذا حلف هذا خمسين يمينا وأخذ نصيبه من الدية ثم كبر
الصغير أو قدم الغائب وأراد أن يطالب بحقه حلف واستحق، وكم يحلف؟ فمن
قال: يحلف كل واحد خمسين يمينا، حلف هذا خمسين يمينا كما لو كان كبيرا
معه، ومن قال: يحلف الكل خمسين يمينا، حلف هذا خمسا وعشرين يمينا كما
لو كان حاضرا معه، وقيل: يحلف الكل خمسين يمينا، ويفارق الأول حين قلنا:
يحلف خمسين يمينا، لأنه افتتح القسامة، فلهذا لم يقبل منه إلا خمسين يمينا، وإذا
قدم ثالث ورابع وأكثر فعلى هذا المنهاج.
إذا خلف ثلاث بنين وهناك لوث فمات أحدهم وخلف ابنين لم يخل من
أحد أمرين: إما أن يموت قبل أن يبتدئ باليمين، أو في أثناء اليمين.
فإن مات قبل أن يبتدئ باليمين قام وارثه مقامه، لأن الوارث يقوم مقام
مورثه في الحجج والبراهين، بدليل أنه لو مات وخلف دينا له به شاهد واحد
354

كان لوارثه أن يحلف مع الشاهد، ويستحق كما كان يحلف المورث.
فإذا ثبت أنه يقوم مقامه فكم يحلف هذا الوارث؟ من قال: يحلف كل
واحد خمسين يمينا حلف كل واحد خمسين يمينا، لأن أحدا لا يستحق شيئا بأقل
من خمسين يمينا على هذا، وقال قوم: يحلفان ما كان يحلف أبوهما إذا قيل:
يحلف الكل خمسين يمينا والأب كان يحلف ثلث الخمسين فيحلف هذان ثلث
الخمسين، وثلثها سبعة عشر يمينا لأنه يجبر الكسر، فيحلف كل واحد من هذين
تسعة أيمان لأنا نجبر الكسر، هذا إذا مات قبل الابتداء بالقسامة.
فأما إن مات في أثناء القسامة، بطلت قسامته ولم يعتد بها، لأن الخمسين
كاليمين الواحدة، ولو كانت يمينا واحدة فشرع فيها ثم مات لم يعتد بها، ولأنا
لو قلنا: يبني ولا يستأنف، حكمنا له الدية بيمين غيره، وأحد لا يحلف يمينا
يستحق بها غيره ابتداء الحق، فإن غلب على عقله في أثناء القسامة أو جن لم
يبطل ما مضى من يمينه، ويترك حتى إذا أفاق بنى، لأن الحالف واحد فجاز أن
يبني بعض يمينه على بعض ولأنه ليس فيه أكثر من تفريق الصفة في وقتين وهذا
لا يمنع صحتها ولا يقطعها، كما لو استخلف الحاكم بعضها ثم تشاغل عنه ثم
عاد فأكملها كذلك.
إذا قال أحد الابنين: فلان قتل أبي، فقال الآخر: بل قتله هو وفلان رجل
آخر، فالثاني يكذب الأول في نصف دعواه لأنه ادعى على واحد، والثاني على
اثنين، فالأول يكذب الثاني في القاتل الثاني، فيكون ما قتله إلا فلان وحده.
فمن قال: التكذيب لا يقدح في اللوث حلف الأول على من ادعي عليه
واستحق نصف الدية، وحلف الثاني على من ادعي عليه - وهو القاتل الأول
والثاني -، واستحق على كل واحد منهما ربع الدية.
ومن قال: يقدح التكذيب في اللوث، حلف الأول على من ادعي عليه وأخذ
منه ربع الدية، لأنه إنما قدح في نصف دعواه، وحلف الابن الآخر عليه أيضا
ويستحق ربع الدية، وأما القاتل الثاني فلا يحلف الابن الثاني عليه، لأن الابن
355

الأول قد كذبه فيه، وأسقط اللوث في حقه، فيكون القول قوله للابن الثاني، فإن
حلف برئ وإن لم يحلف حلف الابن الثاني عليه، واستحق ربع الدية.
إذا قال أحد الابنين: قتل أبي عبد الله بن خالد، ورجل آخر لا أعرفه، وقال
الآخر: زيد بن عامر ورجل لا أعرفه، فليس هاهنا تكذيب لأنه يكون الذي جهله
كل واحد منهما هو الذي عرفه الآخر، ويحتمل غيره فلا يقع التكذيب مع
الاحتمال فيحلف كل واحد منهما على من عينه بالدعوى ويستحق عليه ربع
الدية.
فإن عاد بعد هذا فقال كل واحد منهما: قد عرفت الرجل الآخر الذي ما
كنت أعرفه وهو الذي عينه أخي، فقال صاحب عبد الله بن خالد: الرجل الآخر
هو زيد بن عامر، وقال صاحب زيد بن عامر: الرجل الآخر هو عبد الله بن خالد،
قلنا: فيحلف كل واحد منهما على من عرفه بعد أن جهله ويستحق ربع الدية
وكم يحلف؟ قال قوم: خمسين يمينا، وقال آخرون: خمسا وعشرين يمينا،
لأنهما يحلفان على ثان.
فإن كانت بحالها فعاد كل واحد منهما فقال الذي كان مع عبد الله بن
خالد: قد عرفته وليس هو زيد بن عامر، وقال الآخر الذي كان مع زيد بن عامر:
قد عرفته وليس هو عبد الله بن خالد، قلنا: فقد كذب كل واحد منهما صاحبه في
الذي عينه، وكذبه في الذي استدركه.
فمن قال: لا يقدح التكذيب في اللوث قال: فقد استقر ما أقسما عليه أولا
ويحلف كل واحد منهما على الذي استدركه ويستحق ربع الدية، وكم يحلف
كل واحد منهما؟ قال قوم: خمسين يمينا، وقال آخرون: خمسا وعشرين يمينا.
ومن قال: التكذيب يقدح في اللوث، قال: بطلت القسامة على عبد الله بن
خالد وعلى زيد بن عامر لأنا قد بينا أنهما قد أقسما عليهما بلا لوث ويسترد من
كل منهما ما أخذه منه، وبطلت القسامة في المستدرك أيضا لأن كل واحد يمنع
ما يثبت صاحبه.
356

فيكون تقدير المسألة، قال أحدهما: قتله الزيدان، وقال الآخر: قتله العمران
بلا فصل بينهما، فتبطل القسامة في الكل وتكون الدعوى بلا لوث.
إذا قال أحدهما: قتل أبي زيد بن عامر، وقال الآخر: ما قتله زيد وإنما قتله
عبد الله بن خالد، فكل واحد منهما يكذب أخاه في من عين القتل عليه فمن قال:
التكذيب لا يقدح في اللوث، حلف كل واحد منهما على من ادعي عليه واستحق
عليه نصف الدية، ومن قال: يقدح في اللوث قال: يسقط اللوث، وكان القول
قول المدعى عليه ابتداء، فإن حلف، وإلا حلف المدعي، واستحق عليه نصف
الدية.
إذا كان الولي واحدا فادعى القتل على رجل ومعه لوث وحلف معه
واستحق الدية، ثم قال: غلطت عليه ما هذا قتله، لزمه هذا الإقرار وسقطت قسامته،
وعليه رد ما أخذه من المدعى عليه لأنه إقرار في حق نفسه.
فإن كانت بحالها ولم يكذب نفسه ولكن شهد أن هذا المدعى عليه كان
يوم القتل في بلد بعيد يستحيل كونه في موضع القتل سقط اللوث، وحكمنا
ببطلان القسامة لأن هذه البينة أقوى من اللوث، فإن كانت بحالها فشهدت البينة
بذلك، وزادت فقالت: إنما قتله فلان، سقطت القسامة على ما قلنا، وقولهما بل
قتله فلان ساقط، لأنهما شهدا على من لا يدعيه الولي.
فإن كانت بحالها ولم يكن شاهدان، ولكن جاء رجل فقال: هذا الذي
ادعي عليه القتل وأخذت منه الدية، ما قتله أنا قتلته والضمان على دونه، لم يقدح
هذا القول في اللوث لأنه أجنبي وليس بشاهد ولا حق عليه، وإن كان أقر به لمن
لا يدعيه، فهو كرجل قال: هذه الدار التي في يدي لزيد، فقال زيد: ليست لي، لم
يلزمه التسليم لأنه يقر بها لمن لا يدعيها، وهكذا لو أصدقها ألفا فأقبضها ثم طلقها
وذكر أنه طلقها بعد الدخول فقالت زوجته: بل قبل الدخول وعلى رد نصف
المهر إليه، لم يلزمها الرد لأنها تقر به لمن لا يدعيه.
وقد روى أصحابنا مثل هذا، وهي قضية الحسن عليه السلام وهو أن الدية
357

تلزم في بيت المال، ولا تلزم المقر ولا الذي عليه اللوث، وأمضاه أمير المؤمنين عليه
السلام.
فأما صفة اليمين التي يقسم بها وما يحتاج إليه، يحتاج إلى أربعة أشياء:
ذكر القاتل والمقتول ويقول: قتله منفردا بقتله لم يشترك معه غيره عمدا أو
خطأ.
الأول: يحلف باسم من أسماء الله أو بصفة من صفات ذاته يقول: " والله أو
بالله أو تالله "، وصفات الذات مثل " وعزة الله وجلال الله وكبرياء الله وعظمة
الله " وما في معناه من علم الله ونحوه، لأن اليمين بغير الله وبغير صفة من صفات
الذات لا يصح.
وأما زيادة صفة مع الاسم كقوله: " الذي لا إله إلا هو، عالم خائنة الأعين
وما تخفي الصدور "، فليس بشرط وإنما هو تغليظ يقصد به التأكيد، وهذا يأتي.
الثاني: يقول: إن فلانا قتل فلانا، ويوقع في نسب كل واحد منهما حتى
يزول الاشتراك فيه أو يشير إليه فيقول: إن هذا قتل فلان بن فلان الفلاني لأنه
يدعي عليه القتل، فإذا لم يذكر القاتل والمقتول في يمينه فما حلف على شئ.
والثالث: يقول: قتله منفردا بقتله، وإن كان على اثنين قال: قتلاه منفردين
بقتله، لأنه قد يكون قتله هو وغيره فلا يلزم هذا كل الضمان، ويقول: ما شاركه
فيه، فإن اقتصر على الأول جاز - أعني قوله منفردين بقتله -، وإن لم يقل: ما
شاركه غيره فيه، فإن ذكره كان تأكيدا، وقيل: إن في ذكره فائدة، وهو أنه قد
يكون هو المكره والمباشر المكره، والمكره شريكه حكما بأن عليهما الدية، فقوله:
ما شاركه فيه غيره، يعني شريكه حكما، وعندنا لا يحتاج إلى ذلك لأجل هذا،
لأن المكره عندنا لا يتعلق به حكم من قود أو دية على ما مضى في الجنايات ومتى
كان اثنين أو أكثر ذكرهم على ما شرحناه.
الرابع: يذكر نوع القتل عمدا أو خطأ لأن ذلك يختلف في القود وقدر الدية
فلا يدري الحاكم بما ذا يحكم.
358

والنية في اليمين نية الحاكم والفائدة في اعتبار هذه الصفات أن كل أحد لا
يعلم أن الأمر هكذا، فربما يعتقد أن النية نية الحالف فيغير اليمين عن جهتها، فلهذا
حلف بهذه الأوصاف.
وأما إعراب اليمين، فالصحيح أن يكون اسم الله مخفوضا بحرف القسم،
فيقول " والله " فإن خالف هذا ولحن فقال " والله رفعا " أو " والله نصبا " قال
قوم: يجزئه لأنه لا يغير معنى، والأقوى عندي أنه إن كان من أهل الإعراب
والمعرفة أن لا يجزئه، وإن كان لا يعرف ذلك أجزأه.
إذا كانوا في بيت فتفرقوا عن جريح ثم مات المجروح، فاللوث قائم عليهم،
يحلف الولي على ما شرحناه على من يغلب على ظنه أنه هو القاتل، فإن ادعى
الجاني على الولي أن المقتول قد برئ من الجراح الذي يدعي أنه مات منه، زاد
الولي في يمينه وأنه ما برئ من جراحك حتى مات منها.
وهذا غير صحيح لأن الجاني متى ادعى أنه برئ من الجراح كان معترفا
بالجناية، فكيف جعل للولي أن يحلف مع اعتراف الجاني؟ قيل: قد يقول هذا
ولا يكون معترفا بالجراح لأنه يقول: اليمين في جنبتك أيها الولي، فاللوث ثابت
علي لكن الجراح الذي يحلف أنه مات بها ليس كذلك فإني أعلم أنه برئ منها
فيلزمه أن يحلف ما برئ من جراحة.
فلئن قالوا: فلا تصح المسألة من وجه آخر، وهو أنه إن كان بين الجرح
وبين الموت مدة يندمل في مثلها فالقول قول الجاني أنه برئ منها، وإن كان
بينهما مدة لا يندمل في مثلها، فالقول قول الولي.
قيل: أجيب عن هذه أربعة أجوبة:
أحدها: المسألة إذا كانت المدة يمكن أن يندمل فيها الجراح لكن الولي
أقام البينة أنه لم يزل ضمنا وجعا متألما منها حتى مات، فقال: كذا كان ولكن
أعلم أن الموت بسبب آخر، فاليمين على الولي هاهنا، لأنه يمكن ما يقوله الجاني.
والثاني: منهم من قال: الخلاف إنما وقع بينهما في قدر المدة، فقال الجاني:
359

قد مضت مدة يندمل فيها، وأنكر الولي، فالقول قول الولي لأن الأصل أنها ما
مضت مدة يندمل فيها.
الثالث: ومنهم من قال: المسألة مع عدم اللوث يدعي الولي ذلك، ولا لوث
معه، فالقول قول الجاني، فإن حلف برئ، وإن لم يحلف حلف الولي واستحق،
فهذه يمين الرد لا يمين الابتداء.
الرابع: ومنهم من قال: المسألة إذا مضت مدة يندمل فيها الجراح وادعى
الجاني أنه مات بسبب آخر وما برئ منها، فإن كان هناك لوث فالقول قول
الولي لأجل اللوث فأما مع عدم اللوث فالقول قول الجاني.
وأما الكلام في صفة يمين المدعى عليه فيحتاج أن يذكر فيها ستة أشياء: ما
قتل فلان فلانا، ولا أعان على قتله، ولا ناله من فعله ولا بسبب فعله شئ، ولا
وصل إلى شئ من بدنه، ولا أحدث شيئا مات منه.
الأول: أما ذكر القتل فلا بد منه، لأنه هو الذي يدعى عليه، وعنه يبرأ بيمينه
ولا بد من قوله.
الثاني: ولا أعان على قتله لأنه يكون معينا قاتلا وهو إذا شاركه غيره.
الثالث: ولا ناله من فعله لأنه قد يرميه بسهم أو غيره فيقتله.
الرابع: ولا بسبب فعله لأنه قد يرميه بحجر فيقع على حجر فيطير الثاني عن
مكانه فيقع عليه فيقتله.
الخامس: ولا وصل إلى بدنه شئ لأنه قد يسقيه السم فيموت منه.
السادس: ولا أحدث شيئا مات منه، لأنه قد ينصب سكينا أو يحفر بئرا فيكون
تلفه من ذلك.
قالوا: إذا كانت الدعوى لا تسمع إلا محررة وهو أن يذكر نوع القتل
وصفة القتل فإذا ذكرها حلف ما تحرر عليه، فأي حاجة دعت إلى شرط ستة
أشياء في يمينه؟
قيل: المسألة مقدرة في من لا يعبر عن نفسه لصغر أو جنون، فنصب الحاكم
360

له أمينا يستوفي له اليمين فيحتاط له، لأن موضوع أمر الطفل والمجنون على هذا،
ألا ترى أن من ادعى حقا على صبي أو مجنون أو غائب أو ميت وأقام به البينة، لم
يقض له بها حتى يحلف مع بينته احتياطا لمن لا يعبر عن نفسه، ولو كان ممن
يعبر عن نفسه لم يحلف المدعي مع يمينه فلهذا يحتاط في اليمين.
وأيضا فإن هذه اليمين مفروضة في من أطلق الدعوى وإذا سمعت منه مطلقة
غير محررة حررت على الحالف، وقد يجوز أن تسمع الدعوى غير محررة في
الدم، فعلى هذا يحتاج إلى هذا التحرير، ومن قال: لا تسمع إلا محررة لا يحتاج
إلى هذا التفصيل.
قد ذكرنا أنه يحلف " والله الذي لا إله إلا هو عالم خائنة الأعين وما تخفي
الصدور "، وقد قلنا: إن هذه الزيادة على سبيل الاحتياط والتغليظ باللفظ، ليقع
بها الزجر والردع، وإن اقتصر على قوله " والله " أجزأه لأن ذلك قدر اليمين بلا
خلاف، ولقوله تعالى: " أربع شهادات بالله " ولقول النبي عليه السلام: والله
لأغزون قريشا، ولقوله عليه السلام للأعرابي الذي طلق زوجته: والله ما أردت إلا
واحدة، وقوله لابن مسعود حين أخبره بقتل أبي جهل فقال: والله إنك قتلته؟
فقال: والله إني قتلته، فاقتصر في جميع ذلك على الحلف بالله وحده.
فأما إذا لم يكن له لوث فاليمين في جنبة المدعى عليهم، وإنما تصح الدعوى
إذا عين المدعى عليه إن كان واحدا أو جماعة يتأتى منهم الاشتراك في قتله، فأما
إن ادعي على خلق لا يتأتى منهم الاشتراك في قتله مثل أن ادعي أن أهل بغداد
اشتركوا في قتله لم تقبل منه هذه الدعوى لأنه يدعي المحال.
وكل موضع سمع دعواه فهل يغلظ الأيمان عليه أم لا؟ قيل فيه قولان: فمن
قال: لا يغلظ، حلف كل واحد يمينا ولو كانوا ألفا، وإذا قيل: يغلظ، فإن كان
واحدا حلف خمسين يمينا، وإن كانوا جماعة قال قوم: يحلف كل واحد خمسين
يمينا، وقال آخرون: يحلف الكل خمسين يمينا على عدد رؤوسهم.
قد مضى أن المحجور عليه إذا أقر بالقتل فإن كان عمدا يوجب القود قتل،
361

وإن كان يوجب المال رددناه، وإذا وجب عليه القتل فعفا الولي على مال فعندنا
لا يثبت المال إلا برضا القاتل، والمحجور عليه ممنوع من ذلك، ومن قال: يثبت
المال بمجرد العفو على مال، قال: يثبت المال عليه في ماله لأنه ما أقر بجناية
توجب المال ولكن بالعفو لزمه، ومثل هذا لا يكون في البيع والشراء.
إذا ادعي على العبد القتل لم يخل من أحد أمرين: إما أن يكون عمدا أو
خطأ.
فإن كان عمدا نظرت: فإن أقر به لزمه القود عندهم، وعندنا لا يقبل إقراره،
قالوا: فإن عفا عنه على مال صح، وعندنا لا يصح لما مضى.
وإن كان القتل خطأ، لم يقبل إقرار العبد به بلا خلاف، لأنه متهم على
مولاه فيما يباع به ويخرج به عن ملك سيده، فإذا لم يقبل إقراره عدلت الدعوى
إلى سيده يحلف على العلم، فيحلف لا يعلم أن عبده قتل، وإن أنكر العبد فالقول
قوله مع يمينه فإن حلف برئ وإن نكل فهل يرد اليمين على المدعي؟ الحكم فيه
وفي المحجور عليه إذا كان يوجب المال واحد، إن قيل يمين المدعى عليه كالبينة
ردت، وإن قيل: كالإقرار، لم يرد.
إذا كان المدعى عليه سكران ينبغي أن لا يحلفه الحاكم حتى يفيق، لأن
اليمين للزجر والردع، والسكران لا ينزجر بها ولا يرتدع، فإن خالف الحاكم
وحلفه قال قوم: يقع موقعها، وقال قوم: لا يقع موقعها، وهو الأقوى عندي، لأن
جميع أحكام السكران عندنا غير معتد بها من طلاق وعتاق وغيره.
إذا اعترف رجل أنه قتل فلانا عمدا لزمه إقراره، فإن قامت البينة أن هذا
المقر كان يوم القتل في بلد بعيد، لا يمكن كونه قاتلا ولا عند القتيل، سقطت
البينة لأنه يكذبها وإذا كذب بينة سقطت.
فإن ادعى رجل على رجل أنه قتل وليا له وهناك لوث، فحلف المدعي
واستوفى منه الدية، ثم قامت البينة أن هذا المدعى عليه كان غائبا حين القتل على
مسافة لا يمكن أن يشاهد موضع القتل حكم ببطلان القسامة واسترجعت الدية،
362

لأن البينة أقوى من يمين المدعي مع اللوث، لأنها تخبر عن إحاطة ويقين،
والحالف إنما حلف على غالب ظنه، فقد مناها عليه، فيسترد الدية.
وإن كانت بحالها فجاء رجل آخر فقال: ما قتله المحلوف عليه وأنا الذي
قتلته والضمان على، فهل للحالف أن يدعي على المقر؟ قال قوم: ليس له أن
يدعي عليه، لأن قول الولي في الابتداء ما قتله إلا فلان وحده إقرار منه أن هذا المقر
ما قتله، فلا يقبل منه دعواه عليه، وقال آخرون: له أن يدعي عليه، لأن قول الولي
ما قتله فلان وحده، لم يقطع، وإنما قاله بغالب ظنه، وهذا المعترف يخبر عن
قطع ويقين، فكان أعرف بما اعترف به، فلهذا كان له مطالبته به.
ويفارق هذا إذا قال: أنا قتلته، ثم قامت البينة أن هذا المعترف كان غائبا عن
موضع القتل، حيث قلنا: لا تقبل هذه البينة، لأنه مكذب لها، وهاهنا غير مكذب
لهذا المعترف، فبان الفصل بينهما.
والأقوى عندي الأول لأنا بينا أنه لا يجوز له أن يحلف إلا على علم، وإذا
ثبت ذلك فكأنه قال: أنا أعلم أن الثاني ما قتله، فيكون مكذبا له، على أنا قد بينا
قضية الحسن عليه السلام في مثل هذا وأن الدية من بيت المال.
إذا أقسم الولي وأخذ الدية مائة من الإبل، ثم قال: هذه الإبل التي أخذتها
حرام احتمل هذا ثلاثة أشياء: أحدها: لأني أقسمت كاذبا، وكان القاتل غير هذا.
الثاني: حلفت مع اللوث واستوفيت، وهذا عندي حرام، فإن مذهبي مذهب
أبي حنيفة.
الثالث: أن الذي سلم هذه الإبل ما كان يملكها، وإنما كانت في يده غصبا.
فإن قال: لأنه غير قاتل، فعليه رد الإبل.
وإن قال: لأني على مذهب أبي حنيفة قلنا: على مذهبنا إن ذلك باطل، فلا
يلتفت إليه، وعند من خالفك يقول: أنت تقول ذلك باجتهاد والحاكم قد حكم
باجتهاد فيقر حكمه، وصار المال لك، وقولك لا يحل لا يؤثر في حكمه.
363

فإن قال: لأنه غصبها، نظرت: فإن عين المغصوب، فقد لزمه ردها لأنه قد
اعترف له بها، ولا يرجع على الدافع بشئ لأنه يقبل قوله على نفسه، ولا يقبل
قوله على غيره، كرجل اشترى عبدا ثم قال: قد كان البائع أعتقه لزمه رفع يده
عنه، ولا يرجع على البائع بشئ، وإن لم يعين الغاصب قيل له: هذه الإبل لك
في الظاهر لك التصرف فيها كيف شئت، كرجل قال: هذه الدار التي في يدي
غصب لا حق لي فيها، ولم يعين المغصوب منه، فإنها تقر في يده.
وإن اختلفا في الفصل الأول فقال الذي أخذت منه الدية: قولك حرام
أردت أنك ادعيت دعوى باطلة، وحلفت يمينا كاذبة، وأخذت مني الإبل حراما،
فقال الولي: ما أردت هذا، فالقول قول الولي لأنه أعرف بما نواه، ولأنه قد حلف
يمينا واستحق فلا يقبل قول غيره عليه في نقضها.
364

كتاب كفارة القتل
قال الله تعالى: وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا خطأ
فتحرير رقبة مؤمنة... الآية، فذكر في هذه الآية ديتين وثلاثة كفارات، أوجب
الدية والكفارة بقتل المؤمن في دار الإسلام خطأ، فقال تعالى: ومن قتل مؤمنا
خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله، وأوجب الكفارة بقتل المؤمن في دار
الحرب فقال: وإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة، وأوجب
الدية والكفارة بقتل الكافر إذا كان ذميا عندهم، فقال: وإن كان من قوم بينكم
وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة، وعندنا أن هذا في المؤمن
إذا كان بين المعاهدين وقد بيناه فيما مضى.
والقتل على أربعة أضرب: واجب ومباح ومحظور يأثم به ومحظور لا يأثم
به، فالواجب القتل بالردة وبالزنى واللواط والمحاربة إذا قدر عليه قبل التوبة،
والمباح القتل قصاصا أو دفعا عن نفسه، والمحظور الذي يأثم به أن يقتله صبرا
مع العلم بحاله، والمحظور الذي لا يأثم به أن يقتله خطأ.
وكذلك الوطء على ثلاثة أضرب: مباح ومحظور يأثم به ومحظور لا يأثم
به، فالمباح في زوجته وملك يمينه، والمحظور الذي يأثم به هو الزنى مع العلم
بحاله، والمحظور الذي لا يأثم به ما كان بشبهة أو نكاح فاسد.
وهكذا إتلاف الأموال ضربان: محظور يأثم به ومحظور لا يأثم به، فالذي
365

يأثم به أن يتلف مال غيره عمدا بغير حق، والذي لا يأثم به أن يتلف مال غيره
خطأ.
ومعنى قوله تعالى: إلا خطأ، فيه ثلاث تأويلات:
أحدها: أن معنى " إلا " لكن إن قتله خطأ فتحرير رقبة، وهو استثناء منقطع
كقوله: لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم.
والوجه الثاني: في المعنى " ولا خطأ " بوضع " إلا " موضع " ولا "، مثل
قوله تعالى: لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم، ومعنا، " ولا الذين
ظلموا ".
والوجه الثالث: ومنهم من قال: هذا الاستثناء يرجع إلى مضمر محذوف،
فكان تقديره: وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا فإن قتله أثم بقتله إلا أن يقتله خطأ فلا
يأثم به.
والرابع: غلط ذكره بعضهم أن قتله متعمدا يزيل اسم الإيمان، فلا يكون
مؤمنا إلا إذا قتله خطأ فإنه لا يزول عنه اسم الإيمان.
إذا تقرر وجوب الكفارة بالقتل، فإن كان المقتول مسلما في دار الإسلام ففيه
الدية بلا خلاف والكفارة عند الفقهاء، وإن كان مؤمنا في دار الحرب فإن قتله
مسلم في دار الحرب نظرت:
فإن قتله ولم يقصده بعينه مثل أن يتوهم فقتل فبان مسلما، أو قتلوا في غارة
فبان فيهم مسلم، أو رمى سهما في صف المشركين لم يقصد رجلا بعينه فأصاب
مسلما فقتله، فعليه الكفارة دون الدية، سواء أسلم عندهم ولم يخرج إلينا أو أسلم
عندهم وخرج إلينا ثم عاد في حاجة، أو كان مسلما في دار الإسلام فخرج في
حاجة من تجارة أو رسالة، الباب واحد.
وأما إن قصده بعينه نظرت: فإن علمه مسلما فقتله عمدا مع العلم بحاله،
فعليه القود، وإن قصده بعينه فقتله ولم يعلمه مسلما فعليه الكفارة ولا دية عندنا،
وقال قوم: عليه الدية إذا كان غير مضطر إلى قتله، فإن كان مضطرا إليه فقد فصل
366

ذلك في كتاب " السير "، وقال قوم: على أي وجه قتله ففيه الدية والكفارة،
وقال آخرون: فإن كان أسلم عندهم ولم يخرج إلينا فعليه الكفارة بقتله فقط ولا
قود ولا دية بحال، سواء قتله عمدا أو خطأ، وعلى أي وجه قتله.
وإن كان قد حصل له تحرم بدار الإسلام مثل أن أسلم عندهم وخرج إلينا
أو كان مسلما من أهل دار الإسلام فخرج إليهم نظرت: فإن قتله في صف
المشركين فلا كفارة ولا دية، وإن كان أسيرا في أيديهم فالحكم فيه كما لو لم
يخرج إلينا فيه الكفارة ولا قود، وقال قوم: فيه الدية دون الكفارة، وإن لم يكن
أسيرا ولا في الصف وكان مطلقا منصرفا في دار الحرب في تجارة ففيه الدية
والكفارة، سواء قصده بعينه أو لم يقصده.
والخلاف هاهنا في الأسير إذا قصده بعينه لا ضمان، قال قوم: فيه الدية،
وفي المطلق المنصرف عند قوم لا دية إذا لم يقصده بعينه وعند آخرين فيه الدية
بكل حال، وقد قلنا: إن عندنا لا تجب الدية بقتله على أي وجه كان، وإنما تجب
به الكفارة فقط للظاهر، فأما إن كان أسيرا فينبغي أن نقول: فيه الدية والكفارة معا
لأنه غير مختار في كونه هناك.
إذا قتل آدميا محقون الدم بحق الله ففيه الكفارة، كبيرا كان أو صغيرا حرا
كان أو عبدا ذكرا كان أو أنثى مسلما كان أو كافرا، وقال بعضهم: القتل العمد
المحض لا كفارة فيه، وعندنا أن قتل الكافر لا كفارة فيه، وفي الناس من قال:
قاتل العمد إنما تجب عليه الكفارة إذا أخذت منه الدية، وأما إذا قتل قودا فلا
كفارة عليه وهو الذي يقتضيه مذهبنا.
تجب كفارة القتل في حق الصبي والمجنون والكافر، وقال قوم: لا تجب
في حق هؤلاء، والأول أقوى لعموم الآية.
إذا اشترك جماعة في قتل واحد كان على كل واحد الكفارة إجماعا إلا
الشعبي فإنه قال: عليهم كفارة واحدة.
فكل من أوجبنا عليه الكفارة فهي عتق رقبة مؤمنة لقوله تعالى: فتحرير رقبة
367

مؤمنة، وهو إجماع.
فإذا ثبت أنها مؤمنة فإنما تجب عليه مع وجودها في الفاضل عن كفايته على
الدوام، فإن لم يجد ففرضه الصيام لقوله تعالى: فتحرير رقبة مؤمنة، فختمها ثم
قال: فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع عندنا يلزمه إطعام
ستين مسكينا، وقال قوم: يكون الصوم في ذمته أبدا حتى يقدر عليه.
قالوا: إذا فعل شيئا فتلف به آدمي فإذا وجبت الدية وجبت الكفارة،
فأوجب والكفارة بالأسباب مثل أن ينصب سكينا في غير ملكه فوقع عليها إنسان
فمات أو وضع حجرا في غير ملكه فتعقل به إنسان فمات أو حفر بئرا في غير
ملكه فوقع فيها إنسان فمات ويده عليها أو رش ما في الطريق أو بالت دابته فيها
ويده عليها فزلق به إنسان فمات أو شهدا على رجل بالقتل فقتل ثم رجعا فقالا:
تعمدنا ليقتل، فعليهما القود والكفارة وإن قالا: أخطأنا، فعليهما الكفارة والدية.
وأصله أن الكفارة مع الدية تجب متى وجبت، وقال قوم: كل هذا يجب به
الدية دون الكفارة، والكفارة عند هذا لا تجب بالأسباب، وهو الذي يقتضيه
مذهبنا والخلاف في فصلين، هل تجب به الكفارة أم لا؟ وهل يسمى قاتلا؟ عند
الأول يسمى قاتلا وتجب به الكفارة، وعند الآخر لا تجب به الكفارة، ولا يسمى
قاتلا، وهو الصحيح عندنا.
فصل: في ذكر الشهادة على الجنايات:
الحقوق على ضربين: حق لله، وحق لآدمي.
فإن كان حقا لله فلا مدخل للناس فيه، وهي تنقسم ثلاثة أقسام:
أحدها: لا يثبت إلا بأربعة رجال عدول وهو الزنى واللواط فقط.
الثاني: ما لا يثبت إلا بشاهدين وهو القطع في السرقة والحد في شرب
الخمر.
الثالث: اختلف فيه وهو الإقرار بالزنى، قال قوم: يثبت بشاهدين لأنه إثبات
368

إقرار كسائر الإقرارات، وقال آخرون: لا يثبت إلا بأربعة شهود لأنه إقرار بفعل،
فوجب أن لا يثبت إلا بما يثبت به ذلك الفعل، كالإقرار بالقتل، والأول أقوى.
وإنما تتصور هذه المسألة فيه إذا قذف رجل رجلا فوجب عليه حد القذف،
فقال: قد أقر بالزنى هذا الذي قذفته فأنكر، فأقام المدعي البينة على إقراره فهل
يثبت ذلك بشاهدين أم لا؟ على ما مضى من القولين، والقصد من هذا أنه إذا ثبت
إقراره بالزنى لم يحد قاذفه، فأما إن ادعى رجل على رجل أنه أقر بالزنى فلا يلتفت
إلى دعواه لأنه متى ثبت بإقراره سقط برجوعه، فلا يمكن إقامة البينة عليه.
وأما حقوق الآدميين فإنها تنقسم أيضا ثلاثة أقسام:
أحدها: ما لا يثبت إلا بشاهدين ذكرين، ولا يثبت بشاهد وامرأتين ولا بشاهد
ويمين، وهو كل ما لم يكن مالا ولا المقصود منه المال وتطلع عليه الرجال
كالوكالة والوصية لأنه إثبات نظر وتصرف، وكذلك الوديعة والنكاح والخلع
والطلاق والجراح الذي يوجب القصاص والعتق والنسب ونحو هذا.
الثاني: ما يثبت بشاهدين وشاهد وامرأتين وشاهد ويمين، وهو كل ما كان
مالا أو المقصود منه المال، فالمال الدين والقرض والغصب، والمقصود منه المال
كل عقد معاوضة كالبيع والصرف والسلم والرهن والصلح والحوالة والضمان
والعارية والقراض والمساقاة والإجارات والمزارعة والوصية له والجراح الذي لا
يوجب القود كالخطأ وشبه العمد والعمد المحض الذي لا يوجب القصاص
كالجائفة والمأمومة، ومثل أن كان القاتل صبيا أو مجنونا، ومثل قتل الوالد
ولده، والحر العبد والمسلم الكافر ونحو هذا.
الثالث: ما يثبت بشاهدين وشاهد وامرأتين وأربع نسوة، وهو الولادة
والاستهلال والرضاع عندهم، والعيوب تحت الثياب، وزيد في أقسامه مسألة
أخرى، وهو إذا ضرب بطنها فألقت جنينا حيا ثم مات، وادعى الوالد أنه لم يزل
ضمنا وجعا حتى مات وأقام أربع نسوة بذلك قبل شهادتهن، وهذا كالذي قبله،
وإنما يختلفان في فصل واحد هذا تقبل فيه النساء على الانفراد ولا يقبل فيه شاهد
369

ويمين، والذي قبله يقبل فيه الشاهد واليمين، ولا تقبل النساء على الانفراد.
فإذا ثبت هذا فالذي يتعلق من هذه الأقسام بهذا الباب ما يقبل في الجراح
وما لا يقبل، وقد ذكرناه فإن ادعى جناية عمد وأقام شاهدا وامرأتين ثم قال:
عفوت عن هذه الجناية لم يصح لأنه عفا عما لم يثبت، وقد ذكرنا في النهاية أن
الزنى يثبت به الرجم بثلاثة شهود وامرأتين، والحد بشاهدين وأربع نسوة، ولا
يثبت الحد بدون ذلك.
إذا ادعى موضحة عمدا لم يثبت إلا بشاهدين لأنها شهادة على ما يثبت به
القصاص، فلا يقبل في إيجاب القصاص وإنما الأرش يثبت عندنا برضا الجاني،
ومن قال: يوجب العمد أحد أمرين: إما القصاص أو المال لم يقبل فيه أيضا لأنه
ربما اختار الولي القصاص فيكون أثبت القصاص بشاهد وامرأتين، فلهذا لم يثبت،
وليس كذلك السرقة والغرم لأن الغرم قد ينفك عن القطع، فإنه قد يسرق من
غير حرز، ومن أبيه ومن ولده، ومن بيت المال، فيغرم ولا يقطع، وقد يبرد
السرقة فيقطع، فإذا كان أحدهما ينفرد عن صاحبه صح أن يقبل في أحدهما
دون صاحبه، فبان الفصل بينهما.
فأما الهاشمة والمنقلة والمأمومة إذا أقام بذلك شاهدا وامرأتين قال قوم: لا
يثبت، لأنها جناية تتضمن قصاصا فإنها موضحة وزيادة، فلو ثبت كان له
القصاص في الموضحة، والمال فيما زاد عليها، فلهذا لم يقبل، وقال آخرون:
تقبل لأنها شهادة على هاشمة، والقصاص لا يجب في الهاشمة، وهو الأقوى
عندي، فمن قال: لا يقبل فلا كلام، ومن قال: يقبل قال: يؤخذ أرش الهاشمة ولم
يقتص في الموضحة.
وأما كيفية الشهادة فجملته أنا لا نثبت القصاص بالشهادة، وهناك شبهة
واحتمال يسقط معه القصاص، فإذا قالا: ضربه بالسيف فمات منه أو قتله به
قبلناها، وإن قالا: ضربه بالسيف فأنهر دمه فمات مكانه، قبلنا لأنه علم أنه مات
منه، هذا في القتل.
370

فأما فيما دون النفس إن قالا: ضربه بالسيف فأوضح أو ضربه بالسيف
فوجدناه موضحا لم يقبل ذلك، لأنه قد يضربه بالسيف والإيضاح من غيره
ويجداه موضحا من غير الضربة، بلى إن قال: ضربه بالسيف فأوضحه أو ضربه
بالسيف فوجدناه موضحا بالضربة قبلناها، لأنهما قد أضافا القتل إليه، فإن قالا:
ضربه بالسيف فسال دمه لم يقبل لجواز أن يكون سيلان دمه من غير الضربة،
وإن قالا: فأسال دمه قبلناها في
الدامية، وهكذا إن قال: أسال دمه فمات قبلناها في الدامية فقط،
لأنه أقل ما يسيل به الدم وما زاد على هذا محتمل.
فإن قالا: ضربه بالسيف فأوضحه فوجدنا في رأسه موضحتين فلا قصاص،
لأنا لا نعلم أي الموضحتين شهدا بها، كما لو شهدا أنه قطع يده فوجدناه مقطوع
اليدين فلا قصاص، لأنا لا ندري أي اليدين قطع لكنا نوجب أرش موضحة
وأرش اليد، لأن جهلنا بعين الموضحة ليس جهلا بأنه قد أوضحه، فأوجبنا أرش موضحة.
فإن قالا: ضربه بالسيف فأوضحه، فلا قصاص في هذه الموضحة لأنا لا
نعلم أنها بحالها من جنايته، وقد يكون صغيرا فزاد غيره فيها، وقد يكون هناك
موضحة صغيرة فوقعت هذه مكانها فلا قصاص حتى يقولا: فأوضحه هذه الموضحة.
فإن جرحه ثم مات بعد ذلك واختلفا، فقال الولي: مات من الجرح، وقال
الجاني: من غيره، لم يخل من أحد أمرين: إما أن يكون الموت بعد مدة لا يندمل
في مثلها، أو يندمل في مثلها.
فإن كان في مدة لا يندمل في مثلها مثل أن جرحه غدوة فمات عشيا
نظرت: فإن قال الجاني: اندمل الجرح وبرئ منه ومات، فالقول قول الولي بغير
يمين، لأن الجاني يقول محالا، وإن قال الجاني: ما اندمل ولكن الموت بغير
ذلك، فالقول قول الولي لأن الظاهر غير ما قال الجاني، ومع يمينه لأن ما يقول
الجاني محتمل.
371

وإن مضت مدة يندمل في مثلها فاختلفا، فقال الولي: مات منها وما اندملت،
وقال الجاني: اندملت فالقول قول الجاني مع يمينه لأن الأصل براءة ذمته، وإن
صدقه الجاني وقال: ما اندملت ولكن كان الموت من غيرها، فالقول قول الولي
مع يمينه لأنه يحتمل ما قال الجاني.
وإن مضت مدة طويلة فالقول قول الجاني كما قلنا، فإن أقام الولي البينة أنه
لم يزل ضمنا وجعا متألما منها حتى مات قبلنا هذه الشهادة، وجاز الحكم بها وإن
كانت المدة طويلة لموضع الشهادة، كالمدة القصيرة، وهو أنك تنظر في
الجاني، فإن قال: ما كان وجعا ولا ضمنا منها سقط قوله، والقول قول الولي بغير
يمين، لأن الجاني قد كذب الشهود، وإن قال الجاني: صدق الشاهدان إنه
كذلك لكن الموت كان من غيرها بسبب حدث، فالقول قول الولي مع يمينه،
لأن ما قاله الجاني محتمل، وما كذب البينة.
إذا شهد شاهدان على رجلين أنهما قتلا زيدا، فشهد اللذان شهدا عليهما على
الأولين أنهما هما اللذان قتلاه، سئل الولي فإن صدق الأولين قبلناها، وإن صدق
الآخرين أو الكل بطلت الشهادة.
قالوا: هذه المسألة محالة لا يتصور على قول من لا يسمع الدعوى إلا
محررة، ولا تسمع الشهادة ممن شهد بها قبل أن يستشهد، والآخران قد شهدا قبل
أن يستشهدا، فكيف يسمعها الحاكم؟ ويرجع إلى المدعي فيسأله عن حال
الكل.
قال قوم: إنا لا نسمع الشهادة من الشاهد قبل أن يستشهد، إذا كان
المشهود له بالغا عاقلا رشيدا، فأما إن كان ممن لا يعبر عن نفسه لصغر أو جنون
أو لميت، فإنها تقبل لأنه لو حضر الشاهدان ابتداء فشهدا عند الحاكم بحق لصبي
سمعها وعمل بها، وحكم للصبي بالحق، فإذا كان كذلك فالشهادة هاهنا لمن لا
يعبر عن نفسه وهو الميت، والدليل على أن الحق له أنه إذا ثبت قضي منه ديونه
وتنفذ وصاياه فلهذا قبلت، وعلى هذا كل من شهد لميت بحق سمعت شهادته قبل
372

أن يستشهد.
ومنهم من قال: الشهادة بالحق على ضربين:
أحدهما: رجل له حق به شاهدان يعرفهما فشهدا له به قبل أن يستشهدهما،
فهذه مردودة.
الثاني: رجل له شاهدان بحق ولا يعرف الحق فشهدا له به أو عرف الحق
ولم يعرف أن له به شهودا فشهدا له به قبل أن يستشهدهما، فقد فعلا خيرا
واكتسبا ثوابا وفضلا، لأنهما عرفاه ما لم يعرفه من حقه، وعلى هذا قوله عليه وآله
السلام: خير الشهود من شهد قبل أن يستشهد، فكذلك هاهنا ما كان الولي يعلم
أن له بحقه هؤلاء الشهود، فشهدوا له به فلهذا سمعها الحاكم وسأل الولي.
ومنهم من قال: شهد الآخران قبل أن يستشهدا، وقد عرف الحق بذلك
وعلمه وكان بالغا عاقلا والحاكم قد سمع ذلك وسأل الولي عنهما، لأن القتل
يحتاط له بحفظ الدماء، فإذا قال الآخران: القاتلان هما الأولان وأوردا شبهة فلهذا
سمع.
فإذا ثبت هذا فالمسألة صحيحة من هذه الوجوه، فإذا سأل الحاكم الولي عن
ذلك ففيها ثلاث مسائل:
أحدها: تصدق الولي الأولين، فالحاكم يحكم بشهادتهما ويقتل الآخرين،
لأنهما شهدا وهما عدلان على حق لا يجران بشهادتهما خيرا ولا يدفعان ضررا ولا
يتهمان على الآخرين.
الثانية: صدق الولي الأولين والآخرين بطلت الشهادة كلها، بطلت شهادة
الأولين لأنه صدق الآخرين، وإذا صدق الآخرين فقد كذب الأولين، وبطلت
شهادة الآخرين، لأمرين: أحدهما لما صدق الأولين فقد كذب الآخرين، والثاني
أن الآخرين متهمان بأنهما يدفعان ضررا.
الثالثة: صدق الآخرين بطلت شهادة الكل، بطلت شهادة الأولين لأنه قد
كذبهما وبطلت شهادة الآخرين لأنهما يدفعان عن أنفسهما ضررا.
373

إذا ادعي على رجل أنه أقر بقتل وليه عمدا فأقام شاهدين، فشهد أحدهما أنه
أقر بقتله عمدا، وشهد الآخر على إقراره بالقتل فقط، فقد ثبت القتل بشاهدين، وقد
شهد بالصفة واحد، قلنا له: قد ثبت أنك قتلته، بين صفة القتل، فإن بين نظرت:
فإن قال: عمدا، قتلناه باعترافه بذلك، وإن قال: قتلته خطأ، سألنا الولي،
فإن قال: صدق، ثبت عليه دية الخطأ مؤجلة في ماله لأنه قد ثبت باعترافه، وإن
كذبه فالقول قول المدعى عليه، لأن صفة القتل لا تثبت بشاهد واحد، فإن حلف
ثبتت عليه دية الخطأ وإن نكل حلف الولي وثبت أنه قاتل عمدا، فيكون عليه
موجب قتل العمد فإن جحد القتل لم يلتفت إلى جحده، وقيل: قد ثبت أنك
قاتل فإن وصفت القتل وإلا جعلناك ناكلا، وحلف الولي واستحق، هذا إذا
كانت الشهادة على إقراره.
فأما إن كانت على فعله فادعى على رجل أنه قتل فلانا عمدا وأقام شاهدين
شهد أحدهما أنه قتله عمدا وشهد الآخر أنه قتله فقط، فقد ثبت القتل بشاهدين
وشهد بصفته واحد يرجع إلى المشهود عليه، فإن قال: قتلته عمدا، قتلناه، وإن
قال: خطأ، سألنا الولي فإن صدقه فالدية في ماله مؤجلة، وإن كذبه الولي كان
للولي أن يحلف القسامة لأنه لوث عليه، وذلك أنه قد شهد شاهدان بالقتل وانفرد
أحدهما بالعمد ولو كان له بالقتل شاهد واحد كان لوثا، فبأن يكون لوثا إذا كان
له شاهدان بالقتل وأحدهما بالصفة أولى وأحرى.
فإن حلف الولي استحق القود عندنا وعند بعضهم الدية مغلظة في ماله، فإن
لم يحلف الولي مع لوثه فالقول قول المدعى عليه يرد اليمين عليه، فإن حلف
ثبت دية الخطأ عليه لأنه قد أثبت صفة القتل باعترافه، وإن لم يحلف قال قوم:
يرد اليمين على الولي، وقال آخرون: لا يرد، فمن قال: لا يرد أو قال: يرد، فلم
يحلف ألزم المشهود عليه أخف الديات دية الخطأ مؤجلة في ماله أيضا لأنا لا نلزم
العاقلة الدية بقتل مبهم حتى يعلم الخطأ، وقد ثبت القتل منه، فالظاهر أن الحق
عليه حتى يعلم غيره.
374

إذا ادعي على رجل أنه قتل وليا له وأقام شاهدين فشهد أحدهما أنه قتله
غدوة والآخر أنه قتله عشية، أو شهد أحدهما أنه قتله بالسكين والآخر أنه قتله
بالسيف لم يثبت القتل بشهادتهما، لأن شهادتهما لم تكمل على فعلة واحدة، فإن
قتله بكرة غير قتله عشيا وقتله بالسيف غير قتله بالعصا، فهو كما لو شهد أنه زنا
بها في هذا البيت والآخر أنه زنا في بيت آخر لم يثبت الزنى بشهادتهم، لأن
شهادتهم لم تكمل على فعل واحد.
فإذا ثبت أن القتل لا يثبت بهذه الشهادة، فهل يكون هذا لوثا أم لا؟ قال
قوم: كل واحد منهما يكذب صاحبه بوجه ومثل هذا يوجب القسامة، وقال
آخرون: لا يوجب القسامة، والأول أقوى لأنهما قد اتفقا على القتل، وإن اختلفا
في كيفيته.
إذا ادعي رجل أنه قتل وليا له فأقام شاهدين فشهد أحدهما أنه قتله وشهد
الآخر أنه أقر بقتله لم يثبت القتل بشهادتهما، لأن شهادتهما لم تثبت على أمر
واحد، فإن إقراره بالقتل غير قتله مباشرة فلم يثبت القتل بهما، لكنه يكون لوثا
لأن كل واحد منهما تقوي ما شهد به صاحبه، فإن من شهد عليه بالإقرار لا يكذب
من شهد عليه بالقتل، ومن شهد بالقتل لا يكذب من شهد على إقراره، فلهذا كان
لوثا، فإذا ثبت أنه لوث كان له أن يحلف مع أيهما شاء.
ثم لا يخلو القتل من أحد أمرين: إما أن يكون خطأ أو عمدا.
فإن كان خطأ حلف مع أيهما شاء يمينا واحدة، لأنه إثبات مال، فإن حلف
مع من شهد له بالقتل فالدية على العاقلة، لأنها دية ثبتت بالبينة لا بإقراره، وإن
حلف مع من شهد له بالإقرار فالدية في ماله في ثلاث سنين لأنها تثبت بإقراره.
وإن كان القتل عمدا نظرت: فإن كان عمدا لا يوجب القود بحال، مثل أن
قتل ولده أو مسلم قتل كافرا، حلف مع أيهما شاء يمينا واحدة، لأنه إثبات مال
ومع أيهما حلف فالدية مغلظة في ماله، لأن من قتل عمدا أو أقر بقتل العمد كانت
الدية في ماله، وإن كان عمدا يوجب القود حلف مع أيهما شاء خمسين يمينا، فإذا
375

حلف مع أيهما شاء وجب القود عندنا وعند قوم الدية مغلظة في ماله.
وإن ادعي على رجل أنه قتل وليا له ولم يقل عمدا ولا خطأ وأقام شاهدا
واحدا فشهد له بما ادعاه، قال قوم: لا يكون لوثا لأنه لو حلف مع شاهده لم
يمكن الحكم له بيمينه، لأنا لا نعلم صفة القتل فيستوفى موجبه، فسقطت الشهادة.
إذا شهد شاهدان أن أحد هذين قتل هذا كان لوثا يحلف الولي مع من يدعى
القتل عليه، لأنه قد ثبت أن القتيل قتله أحدهما فهو كما لو وجد بينهما، وإذا شهد
شاهدان أن هذا قتل أحد هذين، لم يكن لوثا لأن اللوث أن يغلب على الظن
صدق ما يدعيه الولي ولكل واحد منهما ولي ولا يعلم أن الشاهدين شهدا له، فلا
يغلب على الظن صدق ما يدعيه فلم يكن لوثا.
إذا شهد شاهد على رجل أنه قتل زيدا وشهد عليه آخر أنه قتل عمرا كان
لوثا عليهما في حقهما، لأن لولي كل واحد منهما شاهدا يشهد له بما يدعيه عليه،
فكان لوثا عليه في حقهما.
إذا كان الرجل ملففا بثوب أو كساء فشهد شاهدان على رجل أنه ضربه
فقده باثنين، ولم يثبتا حياته حين الضرب، واختلف الولي والجاني، فقال الولي:
كان حيا حين الضرب وقد قتلته، وقال الجاني: ما كان حيا حين الضرب.
قال قوم: القول قول الجاني، وقال آخرون: القول قول الولي، لأنه قد
تحققت حياته قبل الضرب وشككنا في وجودها حين الضرب، والأصل الحياة
فوجب أن يبني على اليقين، كمن تيقن الطهر وشك في الحدث أو تيقن الحدث
وشك في المطهر فإنه يبني على اليقين، ولأن الأصل حياته والجاني يدعي ما لم
يكن، والأول أقوى، وهو أن القول قول الجاني لأن الأصل براءة ذمته.
إذا قتل الرجل عمدا محضا فوجب القود وله وارثان ابنان أو أخوان، فشهد
أحدهما على أخيه أنه عفا عن القود والمال، سقط القود عن القاتل، سواء كان هذا
الشاهد عدلا تقبل شهادته أو لا تقبل شهادته، لأن قوله قد عفا عن القصاص
اعتراف بسقوط حق نفسه منه، وإذا سقط حق نفسه منه سقط كله لأنه متى أسقط
376

بعض الورثة حقه من القود سقط كله، وعلى مذهبنا لا يسقط القود لكنه إن أراد
القود لزمه أن يرد بمقدار ما أقر أن أخاه عفا عنه على ما بيناه.
قالوا: وهذا مثل ما نقوله: أن العبد إذا كان بين شريكين موسرين فأقر
أحدهما أن شريكه أعتق نصيبه منه عتق العبد كله، لأن قوله: قد أعتق شريكي
نصيبه، اعتراف منه بأن نصيبه قد انعتق، فإن الموسر متى أعتق شركا له من عبد
عتق نصيبه ونصيب شريكه، فإذا قال: أعتق شريكي نصيبه، فقد أقر أنه قد عتق
نصيب نفسه منه أيضا، واعترافه بأن نصيب نفسه قد عتق منه يفيد أن نصيب
شريكه قد عتق أيضا لأنه لا يجوز أن يعتق نصفه ويبقى نصفه الآخر على الرق،
فلهذا عتق كله.
فإذا ثبت أن القود قد سقط بقي الكلام في الدية.
فأما نصيب الشاهد منها فثابت لأنه ما عفا عنها وإنما اعترف بأن حقه سقط
من القود بغير رضاه، فثبت له نصيبه من المال، وقد قلنا: إن عندنا لم يسقط نصيبه
من القود بشرط رد دية ما أقر بالعفو.
وأما نصيب المشهود عليه منها، فينظر إلى الشاهد: فإن لم يقبل شهادته
حلف المشهود عليه ما عفا عن القصاص والدية، واستحق نصيبه منها، وإن كان
الشاهد عدلا مقبول الشهادة حلف القاتل مع شاهده وسقط عنه المال، لأن إسقاط
المال يثبت بالشاهد واليمين.
فإذا ثبت أن القاتل يحلف مع شاهده فكيف يحلف؟ قيل: إنه يحلف لقد
عفا عن القود والدية، قالوا: فالقود قد سقط باعتراف الأخ وإنما الكلام في الدية
فكيف يحلف القاتل أنه ما عفا عن القود والمال، وأي فائدة فيه؟ قلنا: أما عندنا
فلم يسقط حقه من القود أصلا باعتراف أخيه، وإنما هو شاهد واحد.
ومن قال: سقط، له جوابان:
أحدهما: يحلف القاتل لقد عفا عن المال، ويجزئه ومنهم من قال: يحلف
مطلقا أنه قد عفا عن المال، والشاهد شهد للقاتل أن أخاه عفا عن القود والمال.
377

الثاني: ومنهم من قال: لا بد أن يحلف القاتل أنه قد عفا عن القود والمال لأنه
قد يعفو عن الدية ولا يسقط حقه منها، ولا من القصاص.
إذا ادعى رجل على رجل أنه جرحه، قطع يده أو رجله أو قلع عينه، فأنكر
وأقام المدعي شاهدين وهما وارثاه، أخواه أو عماه بذلك، لم يخل الجرح من
أحد أمرين: إما أن يكون قد اندمل أو لم يندمل.
فإن شهدا بعد اندمال الجرح قبلنا وحكمنا بها للمشهود له، لأن شهادته
للأخ مقبولة، وهذه الشهادة بعد الاندمال لا تجر نفعا ولا يدفع بها ضررا.
وإن كانت الشهادة قبل اندمال الجراحة لم تقبل هذه الشهادة لأنهما متهمان
فإن الجرح قد يصير نفسا فيجب الدية على القاتل ويستحقها الشاهدان فلهذا لم
تقبل.
فإن قبلت، نظرت: فإن سرت إلى النفس بطلت الشهادة، وإن اندمل الجرح
لم يحكم بتلك الشهادة لأنها وقعت مردودة.
فإن أعادا الشهادة بذلك قال قوم: لا تقبل، لأنها ردت لأجل التهمة
والشهادة إذا ردت لأجل التهمة لم تقبل فيما بعد، كما لو ردت لفسقه، وقال قوم:
إذا أعادها قبلت، وهو الصحيح عندنا، لأنه حين الشهادة كان متهما لأجل
الميراث وقد زال ما يتهم لأجله بالاندمال، فوجب أن تقبل.
ويفارق الفاسق لأن التهمة في نفس الإقامة، وهاهنا التهمة لأجل الميراث وقد
زال، فبان الفصل بينهما.
فرع:
إذا ادعى مريض على رجل مالا فأنكر المدعى عليه، فأقام المدعي شاهدين
بذلك أخويه أو عميه وهما وارثاه، قال قوم: لا تقبل لأنهما متهمان، لأن المريض
قد يموت فيكون المال لهما، وقال آخرون: مقبولة غير مردودة، وهو الأصح
عندي لأنهما لا يجران منفعة ولا يدفعان مضرة، لأن الحق إذا ثبت ملكه المريض،
378

فإذا مات ورثاه عن المريض لا عن المشهود عليه، وليس كذلك إذا كانت
الشهادة بالجناية لأنه متى مات المجني عليه وجبت الدية بموته على القاتل
يستحقها الشاهدان على المشهود عليه فلهذا ردت.
إذا ادعى على رجل أنه جرحه، قطع يده أو رجله ونحو هذا، فأنكر المدعى
عليه وأقام المدعي شاهدين بذلك وهما أخواه، وهناك من يحجبهما عن الميراث
إن مات، مثل أن كان له ابن فشهد له إخوة بالحق قبلناها لأنهما لا يتهمان بذلك
ثم ينظر فيه:
فإن مات المشهود له من ذلك قبل موت ابنه حكمنا على المشهود عليه
بالدية.
وإن مات من يحجبهما من الميراث وصارا وارثين لم يخل من أحد أمرين:
إما أن يكون قبل الحكم بشهادتهما أو بعده.
فإن كان بعد ذلك لم يقدح في شهادتهما، لأن حكم الحاكم إذا نفذ
بشهادة لم يقدح فيه تغير الشهود، كما لو حكم بشهادة عدلين، ثم فسقا، فإنه لا
يغير الحكم.
وإن صارا وارثين قبل الحكم بالشهادة طرحت، ولم يحكم بها، لأنهما صارا
متهمين بعد الإقامة وقبل الحكم بها، فهو كما لو سمع الحاكم شهادة عدلين فقبل
الحكم بها فسقا لم يحكم.
إذا ادعي على رجل أنه قتل وليا له وأقام المدعي شاهدين بذلك، فشهد
شاهدان من عاقلة القاتل بفسق الشاهدين، فهل تقبل شهادة العاقلة بما يسقط به
شهادة الشاهدين أم لا؟ فإن كان القتل عمدا يوجب القود قبلنا شهادة العاقلة
لأنهما لا يدفعان ضررا ولا يجران نفعا، وإن كانت الشهادة بالاعتراف قبلت
شهادة العاقلة أيضا لأنها لا تعقل للاعتراف وإن كانت الشهادة على فعل الخطأ
فهاهنا متى ثبت القتل فالدية على العاقلة نظرت:
فإن كانا غنيين موسرين يصل الضمان إليهما حين حؤول الحول ردت
379

لأنهما يدفعان بها ضرر الضمان عن أنفسهما، وإن كانا فقيرين أو كانا من أباعد
العصابات على صفة لا يصل الضمان إليهما حتى يموت من هو أقرب إلى القاتل،
قبلها قوم وردها آخرون، والأول أقوى.
ومنهم من قال: أقبل الأباعد ولا أقبل الأقرب المعسر، والفصل أن الأقرب
معدود في من يعقل، وإنما خرج بصفة هي الفقر والاعتبار باليسار والإعسار حين
حؤول الحول، وقد يكون هذا موسرا حين حؤوله، فلهذا ردت، وليس كذلك
الأباعد لأنهم ليسوا من العاقلة التي تضمن ولا يعدان من الجملة فلهذا سمعت فبان
الفصل بينهما.
فصل: في حكم الساحر إذا قتل بسحره:
السحر له حقيقة عند قوم، وهو أن الساحر يعقد ويرقى ويسحر فيقتل
ويمرض ويكوع الأيدي، ويفرق بين الرجل وزوجته، ويتفق له أن يسحر
بالعراق رجلا بخراسان فيقتله، وقال قوم: لا حقيقة له وإنما هو تخيل وشعبذة،
وهو الذي يقوى في نفسي، وفي رواياتنا أن السحر له حقيقة لكن ما ذكروا تفصيله
كما ذكره الفقهاء.
ولا خلاف بينهم أن تعليمه وتعلمه وفعله محرم لقوله تعالى: ولكن
الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر، فذم على تعليم السحر، وقد روي عن ابن
عباس أنه قال: ليس منا من سحر أو سحر له، وليس منا من تكهن أو تكهن له،
وليس منا من تطير أو تطير له.
فإذا ثبت أنه محرم فالسحر عندهم اسم جامع لمعان مختلفة.
فإذا قال: أنا ساحر، قلنا: صف السحر، فإن وصفه بما هو كفر فهو مرتد
يستتاب، فإن تاب وإلا قتل، وإن وصفه بما ليس بكفر لكنه قال: أنا أعتقد إباحته،
حكمنا بأنه كافر يستتاب، فإن تاب وإلا قتل لأنه اعتقد إباحة ما أجمع المسلمون
على تحريمه، كما لو اعتقد تحليل الزنى فإنه يكفر.
380

وإن قال: أنا ساحر أعمل السحر وأعتقد أنه حرام لكني أعمله، لم يكفر
بذلك ولم يجب قتله، وقال بعضهم: هو زنديق لا تقبل توبته ويقتل، وقال قوم:
يقتل الساحر، ولم يذكروا هل هو كافر أم لا؟ وهو الموجود في أخبارنا، وقال
قوم: السحر آلة يقتل به كالسيف والعصا وغير ذلك.
فإذا سحر رجلا فمات من سحره سئل:
فإن قال: سحري يقتل غالبا وقد سحرته وقتلته عمدا، فعليه القود كما لو أقر
أنه قتله بالسيف عمدا، وقال قوم: لا قود عليه بناء على أصله أنه لا يقتل إلا إذا قتل
بالسيف، وأما إذا قتل بالمثقل فلا قود لكنه قال: إن تكرر الفعل منه قتلته حدا
لأنه بمنزلة الخناق، وهو من السعي في الأرض بالفساد، والأول يقتضيه مذهبنا.
وإن قال: سحري لا يقتل غالبا غير أنه قد يقتل وقد لا يقتل، والغالب أنه لا
يقتل، قلنا: فهذا عمد الخطأ، فعليك الدية مغلظة حالة في مالك، لأنها تثبت
باعترافك.
وإن قال: أنا أسحر وأقتل به غالبا وقد سحرت جماعة وقتلتهم به، ولم يعين
أحدا فلا قود عليه، لأنه إذ لم يعين المقتول لم يكن هناك ولي يطالب به، والقتل
بالإقرار إذا عين المقتول وهناك ولي يطالب به، وليس هاهنا واحد منهم، وقال
قوم: أقتله هاهنا لأنه تكرر الفعل وأقتله حدا وهو قوي على أصلنا.
فإن قال: سحري يقتل لكنه لا يقتل غالبا وقد سحرت فلانا فمرض من
سحري ولكنه مات بسبب آخر غير سحري، أقسم أولياؤه أنه مات منه، وكانت
الدية في ماله إذا كان لازما على فراشه حتى مات، وإن كان يدخل ويخرج،
فالقول قول الساحر مع يمينه، ولا دية عليه، وهو الأقوى.
وجملته أنه إذا سحر رجلا فمرض بسحره ثم مات واختلفا فقال الساحر:
مات من غير سحري، وقال الولي: بل من سحرك، فالحكم في هذه المسألة كما
لو جرح رجلا وبقى مدة يندمل فيها ثم مات، فاختلفا فقال الولي: مات من
السراية، وقال الجاني: اندمل ثم مات، فقد قلنا: إن كان مع الولي بينة أنه لم يزل
381

ضمنا وجعا متألما من ذلك حتى مات، فالقول قول الولي، وإن لم يكن له بينة
فالقول قول الجاني، لأنه يمكن ما يقول كل واحد منهما، والأصل براءة ذمته.
فإن قال الساحر: أرقى ولكني لا أوذي به أحدا، نهى فإن عاد عزر، وإن
قال: أحسن السحر وأعرفه لكني لا أعمل به فلا شئ عليه، وقال قوم: قد اعترف
أنه زنديق، قيل: ولا توبة له، والأول أقوى عندي لأنه لا دليل على وجوب قتله،
والأصل براءة الذمة.
382

كتاب الدفع عن النفس وصول البهيمة
إذا قصد رجل دم رجل أو ماله أو حريمه فله أن يدفعه بأيسر ما يمكن دفعه به،
فإن كان في موضع يلحقه الغوث إذا صاح دفعه عن نفسه بالصياح، وإن كان في
موضع لا يلحقه الغوث دفعه باليد، فإن لم يندفع باليد دفعه بالعصا، فإن لم يندفع
بالعصا دفعه بالسلاح.
فإذا فعل ذلك فأتى الدفع على نفس المدفوع كان دمه هدرا، لما روي عن النبي
عليه السلام أنه قال: من قتل دون ماله فهو شهيد، وسواء كان القاصد ذكرا أو أنثى
صغيرا أو كبيرا عاقلا أو مجنونا، فالحكم سواء.
وأما المواضع التي له أن يدفع فيها عن نفسه والذي ليس له:
إذا قصده من وراء حائل من نهر أو حائط أو حصن، لم يكن له دفعه إلا أن
يكون نهرا صغيرا يخاف المقصود على نفسه أن يرميه فيه وغلب على ظنه أنه يرميه،
فله أن يبدأه بالرمي ليدفعه عن نفسه، فإن قصده فله دفعه ما دام مقبلا نحوه، فإن ولى
عنه مدبرا لم يكن له ضربه.
وكذلك إذا دخل لص داره فله دفعه عنها ما دام على قصد ما فيها وأخذه، فإن
ولى وانصرف وجب الكف عنه، وكذلك قطاع الطريق إذا ولوا عن القتال وجب
383

الكف عنهم، لأن الضرب إنما يجوز على طريق الدفع فإذا ولى فقد زال ذلك، ولم
يكن له الضرب، وهكذا إذا قصده فضربه فأثخنه وعطله لم يكن له أن يجهز عليه
لأنه في معنى المولي وأكثر.
فأما إن ضربه فقطع يده وهو مقبل إليه فسرى القطع إلى نفسه، فإن ذلك هدر
لأنها سراية عن مباح.
فإن قصده فضربه دفعا فقطع يده فولى المقطوع فضربه ضربة أخرى وهو مولى
فقطع يده الأخرى فالأولة هدر، والثانية مضمونة، فإن اندملت كان له الخيار بين أن
يقتص في اليد أو يعفو ويأخذ نصف الدية، وإن سرت إلى النفس فلا قصاص في
النفس، لكن يجب القصاص في اليد أو نصف دية النفس.
فإن قصده فقطع يده فولى فقطع رجله ثم أقبل عليه فقطع يده الأخرى وسرى
ذلك إلى نفسه فمات، كان عليه ثلث الدية لأن الروح خرجت عن جرحين مباح
ومحظور.
فإن قطع يده مقبلا وأقام على إقباله فقطع الأخرى ثم ولى فقطع رجله ثم سرى
إلى نفسه فمات كان عليه نصف الدية.
والفصل بينهما أن القطعين المباحين تواليا فصارا كالقطع الواحد فلم يضمن،
وفي المسألة قبلها قطع يده قطعا مباحا فلما ولى لزمه الكف، فإذا قطع يده كان ذلك
قطعا محظورا، فلما أقبل بعد ذلك فقطع يده حصل بين القطعين ما ليس من جنسهما
فلم يبتن أحدهما على الآخر.
إذا صال حر على إنسان فقتله دفعا عن نفسه فلا ضمان عليه، وكذلك إن
صال عليه عبد فقتله، فلا ضمان عليه أيضا كالحر، وأما إن صالت بهيمة على آدمي
فله أن يدفعها عن نفسه، فإذا دفعها عن نفسه وأتلفها بالدفع فلا ضمان عليه عندنا
وفيه خلاف.
ولو عض يده إنسان فانتزع يده من فيه فبدرت ثنيتا العاض كانت هدرا عندنا و
384

عند جميع الفقهاء إلا ابن أبي ليلى فإنه قال: عليه ضمانهما، ولو عضه كان له فك
لحييه بيده الأخرى ليخلص يده، فإن لم يقدر كان له أن يلكم فكه لأنه موضع
حاجة، فإن لم يقدر كان له أن يبعج بطنه.
وإن كان قد عض قفاه كان له أن يتحامل عليه برأسه مصعدا أو منحدرا، فإن
لم يقدر كان له أن يلكم فكه، فإن لم يقدر بعج بطنه، فإن قدر على خلاص نفسه
بغير بعج البطن فبعج كان عليه الضمان، وقال بعضهم: لا يضمن، والأول أصح
لأنه لا حاجة به إلى ذلك.
إذا وجد الرجل مع امرأته رجلا يفجر بها وهما محصنان كان له قتلهما، و
كذلك إذا وجده مع جاريته أو غلامه، وإن وجده ينال منها دون الفرج كان له منعه و
دفعه عنها، فإن أبي الدفع عليه فهو هدر فيما بينه وبين الله تعالى.
فأما في الحكم فإن أقام البينة على ذلك فلا شئ عليه، وإن لم يكن له بينة
فالقول قول ولي المقتول أنهم لا يعلمون ذلك منه، ولهم القود، لما روي أن سعدا
قال: يا رسول الله أرأيت لو وجدت مع امرأتي رجلا أمهله حتى آتي بأربعة
شهداء؟ قال: نعم.
ولو اطلع عليه رجل من ثقب فطعنه بعود أو رماه بحصاة وما أشبههما فذهبت عينه لم يضمن، وقال قوم: ليس له أن يفعل هذا فإن فعل ضمن، والأول مذهبنا،
ولا فرق بين أن يكون الموضع الذي يطلع منه واسعا أو ضيقا، أو كيف ما كان، ولا
فرق بين أن يطلع عليه من ملكه أو من غير ملكه أو من طريق، أو من طريق أو من غيره
بعد أن يطلع على حريمه فالحكم فيه سواء.
فإن اطلع عليه فخذفه بحصاة أو بعود فذهبت عينه فلا شئ عليه، فإن مات من
ذلك لم يكن عليه كفارة ولا إثم لأنه مات من جرح مباح.
فإن ارتدع عن الاطلاع لم يكن له أن يناله بشئ، ومتى ناله به كان عليه القود
أو العقل إذا كان مما لا قود فيه، فإن طعنه في أول اطلاعه فجرحه جرحا أو رماه
بحجر يقتل مثله كان عليه القود، لأنه إنما أذن له أن يناله بالشئ الخفيف الذي يردع
385

البصر ولا يقتل النفس، فإن رماه بالشئ الخفيف فلم يرتدع استغاث عليه إن كان
في موضع يلحقه الغوث، فإن لم يكن استحب أن ينشده، فإن لم يمتنع فله أن
يضرب بالسلاح أو يناله بما يردعه، فإن أتى على نفسه وجرحه فلا عقل ولا قود.
وإن أخطأ في الاطلاع لم يكن له أن يناله بشئ لأنه لم يقصد الاطلاع، فإن
ناله قبل أن يرتدع بشئ فقال: ما عمدت ولا رأيت شيئا، لم يكن على الرامي
شئ، لأن الاطلاع ظاهر ولا يعلم ما في قلبه، ولو كان أعمى فناله بشئ ضمنه
لأن الأعمى لا يبصر بالاطلاع.
فأما إذا اطلع عليه ذو رحم محرم لنسائه لم يكن له رميه لأنه له النظر إليهن،
فإن رماه فجنى عليه كان عليه الضمان، وإن كان فيهن امرأة متجردة لم يكن له أن
يطلع عليها، لأنه لا يجوز أن ينظر إليها على هذا الوجه، فإن لم يرتدع كان له رميه و
إن جنى عليه لم يلزمه الضمان كالأجنبي سواء.
إذا دخل رجل منزل رجل ليلا أو نهارا بسلاح فأمره بالخروج فلم يفعل فله ضربه
وإن أتى بالضرب على نفسه، فإن قتله وادعى أنه قتله دفعا عن داره لا يصدق القاتل
أو الجارح إلا ببينة، فإن لم يقم البينة لزمه الضمان.
وإن أقام بينة فشهدت أنهم رأوا هذا مقبلا إليه بسلاح شاهر فضربه فقتله أهدر
لأن الظاهر أنه قصده، وأن القاتل دفعه عن نفسه، ولو أنهم رأوه داخلا داره ولم
يذكروا معه سلاحا أو ذكروا معه سلاحا غير شاهر فقتله، قيد منه، ولا يطرح القود إلا
بمكابرة على دخول الدار، فإن شهر عليه السلاح وتقوم البينة بذلك وأتى بسلاح
شهدوا أنه أقبل عليه به من عصا أو قوس أو سيف أو غيره فقتله أهدر.
إذا التقى الرجلان وهما ظالمان بأن يقتتلا على عصبية أو نهب أو غشي
بعضهم بعضا في هزيمة لم يسقط عن واحد من الفريقين مما أصاب من صاحبه
عقل ولا قود لأن كل واحد منهما ظالم فيما فعله، لما روي عن النبي عليه وآله
السلام أنه قال: إذا اقتتل المسلمان بسيفيهما فهما في النار.
فأما إن وقف أحدهما عن القتل فقصده صاحبه، كان له دفعه عن نفسه، وإن
386

أتى عليه، لأنه ترك قصده وكان القاصد ظالما فله أن يدفعه عن نفسه.
فصل: في الضمان على البهائم:
الماشية إذا أفسدت زرعا لقوم فليس يخلو: إما أن تكون يد صاحبها عليها أو لا
تكون، فإن كانت يده عليها فعليه ضمان ما أتلفت لأن جنايتها كجنايته، وفعلها
كفعله، وإن لم يكن يد صاحبها عليها لم يخل: إما يكون ذلك ليلا أو نهارا.
فإن كان نهارا فلا ضمان على مالكها إجماعا لقوله عليه السلام: جرح العجماء
جبار، وقال بعضهم: إن هذا فيما كانت عادة الناس فيه هذا، فأما هذه القرى العامرة
التي يتقارب العرجان فيها وبينها علف وكلأ يرعى، فالعادة أن رب الدابة يرعاها فيه
ويحفظها ولا يحفظ رب الزرع زرعه، فإذا أفسدت زرعا لزمه ضمانه لمالكه، لأن
التفريط كان منه والأول مذهبنا.
وإن أفسدت ليلا فإن لم يكن من صاحب البهيمة تفريط في حفظها، بأن آواها
إلى مبيتها وأغلق عليه الباب، فوقع الحائط أو نقب لص نقبا فخرجت وأفسدت
فلا ضمان على مالكها، لأنه غير مفرط، وإن كان التفريط منه بأن أرسلها نهارا
وواصله بالليل أو أطلقها ابتداء ليلا فأفسدت الزرع، فعلى مالكها الضمان عندنا و
عند جماعة، وقال قوم: لا ضمان عليه.
إذا كان لرجل كلب عقور فلم يحفظه فأتلف شيئا كان عليه ضمانه، لأنه مفرط
في حفظه، وكذلك لو كان له سنور معروفة بأكل الطيور وغير ذلك من أموال الناس
فعليه حفظها، فإن لم يفعل وأتلف شيئا فعليه ضمانه.
وأما إن كان في دار رجل كلب عقور فدخل رجل داره بغير إذنه فعقره فلا ضمان
عليه لأن الرجل مفرط في دخول داره بغير إذنه، وأما إن دخلها باذنه فعقره الكلب
فعليه ضمانه، وقال قوم: لا ضمان عليه، والأول مذهبنا نصا.
إذا كان راكبا دابة فعليه ضمان ما يتلف بيديها أو بفيها أو برجلها أو بذنبها،
وكذلك إن كان قائدا أو سائقا فحكمه كما لو كان راكبا عليه ضمان ما يتلفه، وكذلك
387

إن كان سائقا قطارا من الإبل أو جماعة من البقر أو الغنم فإن يده على الجميع وعليه
ضمان ما يتلفه.
وقال قوم في التي يسوقها مثل ذلك، فأما التي هو راكبها أو قائدها فإنها إن
أتلفت بيديها أو بفيها فعليه الضمان، وإن أتلفت برجلها أو ذنبها فلا ضمان، وهذا
مذهبنا.
إذا وقف بهيمة في طريق المسلمين فعليه ضمان جنايتها، سواء كان الطريق
واسعا أو ضيقا، لأنه إنما جوز له الانتفاع بهذه المرافق بشرط السلامة، فلزمه ضمان
ما يحدث من ذلك، كما لو قام فعثر به إنسان فمات.
فأما إن حفر بئرا في غير ملكه فوقع فيها إنسان وتلف فعليه ضمانه، وكذلك
إن نصب غرضا في غير ملكه فرمى إليه فأصاب إنسانا فعليه الضمان، ولو كان
الغرض في ملكه لم يكن عليه الضمان، وأما إن حفر بئرا في ملكه فدخل عليه غيره
بغير إذنه فوقع فيها فمات، فلا ضمان عليه، وإن استدعاه فأدخله أو غطى رأس البئر
ولم يعلمها فوقع فيها فعليه الضمان، وقال قوم: لا ضمان عليه والأول أصح
عندنا، ولو كان المأذون له ضريرا فوقع، قال قوم: عليه الضمان، وقال آخرون: لا
ضمان عليه، والأول أصح.
إذا كان في داره كلب عقور فدخل عليه إنسان بغير إذنه فعقره كلبه فلا ضمان
عليه، وقال بعضهم: عليه ضمانه كالبئر سواء، وسواء أشلاه عليه أو لم يشله، وقال
بعضهم: عليه الضمان بكل حال، وهو مذهبنا.
388

نزهة الناظر
في الجمع بين الأشباه والنظائر
تأليف المحقق يحيى بن سعيد الحلي
389

فصل
[مواضع وجوب الدية]
تجب الدية في ثمانية وخمسين شيئا:
في شعر الرأس الدية كاملة إذا لم ينبت، فإن نبت وكان المجني عليه رجلا
ففيه الأرش وإن كان امرأة ففيه مهر نسائها، وقال الشيخ المفيد في المقنعة: في
شعر الرأس إذا أصيب فلم ينبت مائة دينار، وكذلك قال في شعر اللحية.
وفي ذهاب العقل بعد انتظاره سنة ولم يرجع الدية كاملة، وكذا تجب
الدية كاملة إذا رجع بعد مضي السنة ولو بأدنى وقت، فإن رجع قبل مضي السنة
ففيه الأرش.
وفي ذهاب البصر منفردا عن العينين الدية كاملة، وفي ذهاب العينين
والبصر معا الدية كاملة، فإن كان ذلك بضربتين أو ضربات ففيه لكل واحدة
دية، وفي كل واحدة من العينين نصف الدية، وفي عين الأعور الدية كاملة إذا
كان العور خلقة وقد ذهبت بآفة من جهة الله تعالى، وبه قال الشيخ في النهاية
ومسائل الخلاف.
هذا إذا كانت الجناية خطأ، وإذا كانت الجناية عمدا فهو مخير بين أن يقلع
عين الجاني ويأخذ نصف الدية أو يترك ويأخذ الدية كاملة، وبه قال الشيخ
391

أبو جعفر في النهاية، وهو الصحيح، وروى ذلك أحمد بن محمد عن ابن
أبي نجران عن عاصم بن حميد عن محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام أن
أمير المؤمنين عليه السلام قضى بذلك. ورواه محمد ابن علي بن محبوب عن
محمد بن حسان عن ابن أبي عمران الأرمني عن عبد الله بن الحكم عن أبي عبد الله
عليه السلام.
وقال الشيخ في مسائل الخلاف: إنه بالخيار بين أن يقبض عن إحدى
عينيه أو يأخذ الدية كاملة، وبه قال الشيخ المفيد في المقنعة.
وإن كانت العوراء قد ذهبت في قصاص أو جنى عليه جان وأخذ ديتها أو
عفا عن الجاني لم يكن له أكثر من نصف الدية إذا كانت الجناية خطأ، فإن
كانت عمدا فله قلع عين الجاني أو يصطلحان على شئ إما نصف الدية أو أكثر
أو أقل.
وفي أهداب العينين جميعا الدية كاملة، وفي كل منهما ربع الدية على ما
ذكره الشيخ أبو جعفر في المبسوط ومسائل الخلاف، وهو مذهب أبي حنيفة،
وقال ابن إدريس: فيه حكومة، وهو مذهب الشافعي، وقال مصنف الوسيلة: في
كل هدب ثلث دية الجفن.
وفي أشفار العينين جميعا الدية إلا سدسها، وفي الأسفلين منهما نصف الدية،
وفي كل واحد ربع الدية، وفي الأعلين ثلث الدية، وفي كل واحد منهما
السدس، وهو المذكور في كتاب ظريف، وبه قال الشيخ المفيد في المقنعة
والشيخ أبو جعفر في النهاية وسلار في الرسالة، وقال الشيخ أبو جعفر في
المبسوط: في الأربعة الأجفان الدية كاملة، وفي كل واحد مائتان وخمسون
دينارا، وقال فيه أيضا: وروى أصحابنا أن في السفلى ثلث ديتها وفي العليا ثلثيها،
وقال في مسائل الخلاف: في الأربعة الأجفان الدية كاملة، وفي كل جفنين من
عين واحدة خمسمائة دينار في الأسفل منها ثلث ديتها وفي العليا ثلثا ديتها، وقال
في المبسوط في فصل القصاص: في شعر الأجفان نصف الدية، وقال مصنف
392

الوسيلة: في الجفن الأعلى من كل عين ثلث ديتها وفي الأسفل نصف ديتها.
وفي الأذنين معا الدية كاملة، وفي كل واحدة منهما نصف الدية، وفيما
قطع منهما بحسابه، وفي السمع دية كاملة، وفي الأنف إذا قطع فاستؤصل الدية
كاملة، وفيما قطع منه بحسابه، وفي المارن الدية كاملة، وقال أبو الصلاح: في
أرنبة الأنف نصف الدية، وفي ذهاب الشم الدية كاملة، وفي الخدين الدية كاملة،
وفي كل واحد منهما نصف الدية، وفي الشفتين الدية كاملة، وفي السفلى منهما
ستمائة دينار، وفي العليا أربعمائة دينار، وهو مذهب الشيخ أبي جعفر في مسائل
الخلاف والاستبصار والنهاية، وبه قال صاحب الوسيلة، رواه الحسن بن محبوب
عن أبي جميلة عن أبان بن تغلب عن أبي عبد الله عليه السلام قال: في الشفعة السفلى
ستة آلاف وفي العليا أربعة آلاف لأن السفلى تمسك الماء وذهب الشيخ
أبو جعفر في المبسوط والمفيد في المقنعة وسلار في الرسالة وأبو الصلاح في
الكافي إلى: أن في السفلى ثلثي الدية وفي العليا ثلث الدية، وذهب ابن أبي عقيل
إلى:
أن الشفتين متساويتان، رواه سماعة ولم يسنده إلى أحد من الأئمة في
التهذيب وأسنده في الاستبصار إلى أبي عبد الله عليه السلام.
وفي كتاب ظريف بن ناصح: إذا قطعت الشفعة العليا فاستؤصلت فديتها
نصف الدية خمسمائة دينار، ودية الشفة السفلى إذا قطعت فاستؤصلت ثلثي الدية
كملا ستمائة وستة وستون دينارا وثلثا دينار. ويمكن حمل قوله على أنه إذا قطعت
إحديهما منفردة عن الأخرى، فأما إذا قطعتا معا فليس فيهما إلا الدية.
وفي اللحية الدية كاملة، فإذا نبتت ففيها ثلث الدية، وسيأتي الخلاف في
ذلك، وفي اللحيين الدية كاملة، وفي كل واحد منهما نصف الدية، وبه قال
مصنف الوسيلة.
وفي الأسنان الدية كاملة، وتقسم عليها الدية ثمانية وعشرون سنا: اثنى عشر
في مقاديم الفم وهي أربع ثنايا وأربع رباعيات وأربع أنياب لكل واحد خمسون
دينارا، وستة عشر في آخر الفم لكل سن منها خمسة وعشرون دينارا.
393

وفي السن الزائدة إذا قلعت ثلث دية السن الأصلي، وقال الشيخ المفيد في
المقنعة والشيخ أبو جعفر في مسائل الخلاف: فيه الأرش.
وفي سن الصبي قبل أن يتغير بعير، وبه قال مصنف الوسيلة، جاء بالبعير
خبران: أحدهما رواه السكوني وهو عامي، والآخر رواه محمد بن الحسن ابن
شمون وهو غال. وقال الشيخ في المبسوط: والذي رواه أصحابنا أن في كل سن
بعير ولم يفصلوا. وقال أبو الصلاح: فيه عشرة دنانير، وذهب المفيد في المقنعة
والشيخ أبو جعفر في النهاية إلى أن فيه الأرش، وهو اختيار ابن إدريس. هذا إذا
نبت فإن لم ينبت ففيها ديتها كاملة.
وفي اللسان الدية كاملة، فإن كان من أخرس ففيه ثلث الدية، وفي ذهاب
الذوق الدية كاملة، وفي ذهاب الكلام الدية كاملة، وتقسم الدية على ثمانية
وعشرين حرفا لكل حرف جزء من ثمانية وعشرين جزء من الدية، روى هذا
السكوني، وبه قال الشيخ أبو جعفر في المبسوط والنهاية. روى الحسين بن سعيد
عن حماد بن عيسى عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام: أن الدية
تقسم على تسعة وعشرين حرفا.
وفي الضوء كله من العينين والشجج الدية، وهو المذكور في كتاب
ظريف بن ناصح. وفي النفس الدية كاملة، فإن نقص اعتبر بالساعات لأن الفجر
يطلع، والنفس في الشق الأيمن من الأنف فإذا مضت ساعة صار إلى الشق الأيسر
ثم يقاس بنفس غيره فما نقص أخذ بحساب ذلك من الدية، روى ذلك محمد
بن يحيى عن محمد بن الحسين عن محمد بن إسماعيل عن صالح بن عقبة عن
رفاعة عن أبي عبد الله عليه السلام.
وفي العنق إذا انكسر فصار أصورا الدية كاملة، وفي الكتفين الدية كاملة،
وفي كل واحد منهما نصف الدية، وفي العضدين الدية كاملة وفي كل واحد
منهما نصف الدية، وفي الساعدين الدية كاملة وفي كل واحد منهما نصف الدية،
وفي أصابع اليدين الدية كاملة، وفي كل واحد منهما عشر الدية، وفي كل أنملة
394

ثلث عشر الدية إلا الإبهام ففي كل أنملة منها نصف العشر لأن لها مفصلين، وهو
مذهب الشيخ المفيد في المقنعة والشيخ أبي جعفر في النهاية والمبسوط وسلار في
الرسالة، وهو اختيار ابن إدريس، وقد روي أن في الإبهام ثلث دية أصابع اليد،
وهو مذهب الشيخ أبي جعفر في الاستبصار ومسائل الخلاف وأبي الصلاح
ومصنف الوسيلة، وهو المذكور في كتاب ظريف بن ناصح.
وفي الترقوتين الدية كاملة، وفي كل واحدة نصف الدية، وقال مصنف
الوسيلة: والترقوة إن كسرها وجبرت على غير عثم ففيها دية النفس وإن جبرت
على عيب ففيها أربعون دينارا، وهذا القسم الأخير مذكور في كتاب ظريف بن
ناصح.
وفي الثديين الدية كاملة، وفي كل واحد منهما نصف الدية، وفي الحلمتين
الدية كاملة، وهو مذهب الشيخ أبي جعفر في المبسوط وفي مسائل الخلاف،
وخص مصنف الوسيلة ذلك بالمرأة فقال: في قطع الحملة من ثدي المرأة ديتها،
وفي حملة الرجل ثمن الدية، وفي كتاب ظريف بن ناصح ثمن الدية مائة وخمسة
وعشرون دينارا ذكره مطلقا، فيكون على ما ذكرناه في الحلمتين ربع الدية سواء
كان من رجل أو امرأة.
وفي القلب إذا فزع فطار الدية كاملة، وفي الصدر الدية كاملة، وفي
الأضلاع الدية كاملة، على قول بعض أصحابنا، وفي كتاب ظريف بن ناصح:
إن دية كل ضلع مما يخالط القلب إذا كسر خمسة وعشرون دينارا، ودية كل
ضلع مما يلي العضدين عشرة دنانير إذا كسر، وأطلق ذلك ابن إدريس فقال:
في كل ضلع خمسة وعشرون دينارا.
وفي البطن الدية كاملة، على ما روي أن في كل ما في الإنسان منه شئ
واحد ففيه الدية كاملة، وفي كسر الصلب إذا صار لا ينزل المني في حال الجماع،
وكذلك إذا ذهب الإنزال بغير الكسر، وهو قول الشيخ أبي جعفر في المبسوط،
وفي كسر الصلب إذا صار لا يقدر على القعود الدية كاملة.
395

وفي قطع النخاع الدية كاملة، وفي كسر البعصوص إذا لم يقدر على
استمساك الغائط الدية كاملة، وفي كسر العجان إذا لم يقدر على استمساك
البول والغائط الدية كاملة كما تقدم في كسر البعصوص، وإذا كسر البعصوص
وأصابه سلس البول ودام إلى الليل ففيه الدية كاملة، فإن دام إلى نصف النهار ففيه
ثلثا الدية، وإن دام إلى ضحوة ففيه ثلث الدية، وكذا الحكم في العجان إذا كسر
وأصابه سلس البول.
وفي قطع الذكر الدية كاملة، وفي الحشفة الدية كاملة، فإن كان عنينا ففيه
ثلث الدية، وفي الأنثيين الدية كاملة، وفي اليسرى ثلثا الدية لأن الولد يكون منها،
وفي اليمنى ثلث الدية، وبه قال الشيخ في النهاية ومسائل الخلاف ومصنف
الوسيلة، وروى ذلك علي بن إبراهيم عن أبيه عن أبي نصر عن عبد الله بن سنان
عن أبي عبد الله عليه السلام، وذهب الشيخ المفيد في المقنعة وأبو الصلاح في
الكافي إلى أنهما متساويتان في الدية، وهو اختيار ابن إدريس، وهو مذهب
المخالفين، وقال الشيخ في المبسوط: وفي بعض رواياتنا أن في اليسرى ثلثي
الدية.
وفي فرج المرأة ديتها كاملة، وفي الإسكتين - وهو اللحم المحيط بالفرج
إحاطة الشفتين بالفم - الدية كاملة، وفي كل واحد منهما نصف الدية، وفي
الشفرتين - وهما حاشيتا الإسكتين - ديتها كاملة، وقال الشيخ أبو جعفر في
المبسوط: الشفران والإسكتان عبارة عن شئ واحد وهو اللحم المحيط بالفرج
إحاطة الشفتين بالفم، وهو عند أهل اللغة عبارة عن شيئين وإليه ذهب مصنف
الوسيلة.
وفي إفضاء الصبية بالجماع قبل بلوغها تسع سنين ديتها كاملة والنفقة عليها
إذا كانت زوجته حتى تموت، والإفضاء هو أن يصير مخرج المني والحيض
والولد واحدا لأن بينهما حاجزا رقيقا، فإن وطأها بعد تسع سنين لم يكن عليه
شئ، وأما الإفضاء بالأصابع أو غيرها ففيه الدية خاصة سواء كانت زوجته أو
396

غير زوجته.
وفي الأليتين إذا قطعهما إلى العظم الدية كاملة، وفي كل واحدة منهما
نصف الدية، وفي الفخذين الدية كاملة، وفي كل واحد منهما نصف الدية، وفي
الساقين الدية كاملة، وفي كل واحد منهما نصف الدية، وفي القدمين الدية كاملة،
وفي كل واحد منهما نصف الدية، وفي أصابع الرجلين الدية كاملة، وفي كل
واحد منها عشر الدية، وقال المفيد في المقنعة وأبو جعفر في النهاية وأبو الصلاح
في الكافي وسلار في الرسالة وهو اختيار ابن إدريس، وذهب أبو جعفر في مسائل
الخلاف والمبسوط: إلى أن في الإبهام ثلث دية الأصابع الخمس، وهو المذكور
في كتاب ظريف بن ناصح.
وجميع ما ذكرناه مما يجب فيه الدية كاملة إن كان في الحر ففيه ديته وإن
كان في الحرة ففيه ديتها وهي نصف دية الحر، وإن كان في ذمي ففيه ديته وهي
ثمانون دينارا إن كان ذكرا وإن كان أنثى ففيها أربعون دينارا، وإن كان في
مملوك أو مملوكة ففيه قيمتهما ما لم يزد قيمته على دية الحر وقيمتها على دية
الحرة، وإن زادت على دية الحر أو الحرة ردت إليهما.
خبران يتعلقان بهذا الفصل:
الحسن بن سعيد عن محمد بن خالد البرقي عن ابن أبي عمير عن هشام بن
سالم قال: كلما في الإنسان اثنان ففيهما الدية وفي أحدهما نصف الدية، وما كان
واحدا ففيه الدية، ورواه محمد بن علي بن بابويه في كتاب من لا يحضره الفقيه في
باب ما يجب الدية ونصف الدية عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي
عبد الله عليه السلام.
وعن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: ما كان في الجسد منه اثنان ففيه الدية، مثل العينين واليدين.
397

فصل
[مواضع يجب فيها ثلث الدية أو ثلثاها]
يجب ثلث الدية كملا أو ثلثاها بالنسبة إلى العضو في ثمانية مواضع:
في الشفة السفلى، على ما ذهب إليه المفيد في المقنعة وأبو جعفر في المبسوط
وأبو الصلاح في الكافي وسلار في الرسالة، والصحيح ما ذكرناه في الفصل الذي
قبل هذا الفصل.
وفي سلس البول إذا دام إلى الظهر، وفي البيضة اليسرى، وفي العضو الذي
ضرب فصار أشل سواء كان مما يجب فيه الدية كاملة أو أقل، وفي نزول الماء
إلى العينين باللطمة في الوجه أو غيرها، وفي السن إذا ضربت فانصدعت ولم
تسقط، وكذلك إذا ضربت فاسودت. وقال مصنف الوسيلة: وفي اسودادها
وانصداعها ثلث ديتها، وفي قلع السوداء أو المصدوعة ثلث ديتها وفي كتاب
ظريف بن ناصح: إذا اسودت السن إلى الحول فلم تسقط فديتها دية الساقطة
خمسون دينارا، فإذا انصدعت ولم تسقط فديتها خمسة وعشرون دينارا، وما
انكسر منه فبحسابه من الخمسين دينارا، فإن أسقط بعد وهي سوداء فديتها اثنا
عشر دينارا ونصف، وما انكسر منها فبحسابه من الخمسة والعشرين دينارا.
وإذا فك عظم من عضو فتعطل به ذلك العضو فيه ثلثا دية ذلك العضو
الذي هو فيه.
فصل
[فيما يجب فيه نصف الدية]
يجب نصف دية الرجل في خمسة مواضع: في الحاجبين معا، وفي كل
واحد منهما ربع الدية، وفيما أصيب منهما فبحساب ذلك، وفي رواية الأنف وهو
الحاجز بين المنخرين، وفي أحد العضوين إذا كان فيها معا دية الرجل وهذا
القسم يشمل أقساما كثيرة.
398

وفي كتاب ظريف بن ناصح أيضا: وقضى علي عليه السلام في صدع
الرجل إذا أصيب فلم يستطع الأمان إذا انحرف نصف الدية خمسمائة دينار.
وفيه أيضا: والصدر إذا رض فديته خمسمائة دينار. وفيه أيضا: إذا قطعت الشفة
العليا فاستؤصلت فديتها نصف الدية خمسمائة دينار، وفيما قطع منها فبحساب
ذلك.
وجميع ما ذكرناه في هذا الفصل إنما يلزم ذلك إذا كان في الرجل، وإذا
كان في الحرة ففيها نصف ديته، وإن كان من ذمي ففيه نصف ديته، وإن كان
المملوك ففيه نصف قيمته ما لم يتجاوز دية الحر فإن تجاوز رد إلى دية الحر.
فصل
[فيما يجب فيه ثلث الدية]
يجب ثلث الدية في سبعة وثلاثين موضعا:
في اللحية إذا حلقت فنبتت، رواه سهل بن زياد عن محمد بن الحسن بن
شمون عن عبد الله بن عبد الرحمن عن مسمع عن أبي عبد الله عليه السلام. وقال
سلار: في شعر اللحية أو الرأس إذا لم ينبت الدية، فإن نبت ففيه ربع الدية.
وفي لسان الأخرس وذكر العنين وذكر الخصي، رواه الحسن بن محبوب
عن أبي أيوب عن بريد بن معاوية عن أبي جعفر عليه السلام.
وفي الظهر إذا كسر ثم صلح، وفي المأمومة في الرأس وفي الجائفة في
البدن وفي النافذة في الأنف ثلث الدية، على ما رواه محمد بن الحسن بن شمون،
وفي كل جانب من الأنف ثلث الدية، على ما رواه غياث وخبر آخر رواه محمد
بن عبد الرحمن العزرمي.
وفي شق الشفتين حتى تبدو الأسنان ثلث الدية فإن بدت والتأمت فخمس
الدية، وفي البيضة اليمنى ثلث الدية وقد تقدم الخلاف فيها، وفي سلس البول
بكسر البصعوص أو العجان إذا دام السلس إلى ضحوة ثم انقطع ثلث الدية.
399

ومن داس بطن إنسان حتى يحدث وجب أن يداس بطنه حتى يحدث، لخبر
رواه السكوني، وقال ابن إدريس: لا قصاص فيه لأن فيه تعزيرا بالنفس.
وإذا ضربت المرأة فارتفع حيضها انتظر بها سنة فإن لم يرجع إليها حلفت
ووجب على ضاربها ثلث دية المرأة.
ووجب على القاتل في الحرم أو في الأشهر الحرم - وهي رجب وذو القعدة
وذو الحجة والمحرم - الدية كاملة وثلث الدية، وإليه ذهب أبو جعفر في النهاية
والمبسوط والتهذيب والمفيد في المقنعة وسلار في الرسالة ومصنف الوسيلة،
وروى ذلك ابن أبي عمير عن أبان بن عثمان عن زرارة عن أبي عبد الله عليه
السلام في الحرم، ورواه الحسين بن سعيد عن فضالة بن أيوب عن كليب بن
معاوية عن أبي عبد الله عليه السلام في الأشهر الحرم.
وفي فتق السرة ثلث الدية، وفي كل فتق ثلث دية العضو الذي هو فيه سواء
كان مما يجب فيه الدية أو أقل، رواه محمد بن عيسى عن يونس عن صالح بن
عقبة عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام، وفي كتاب ظريف بن
ناصح.
وفي قرحة لا تبرأ ثلث دية العضو الذي هو فيه، رواه محمد بن علي بن
محبوب عن أحمد بن محمد ومحمد بن عبد الجبار عن الحسن بن علي بن فضال
عن عبد الله بن أيوب عن الحسن بن عثمان عن أبي عمرو الطبيب عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل افتض جارية بإصبعه
فخرق مثانتها فلا تملك بولها فجعل لها ثلث الدية مائة وستة وستون دينارا وثلثي
دينار، وقضى لها عليه بصداق مثل نساء قومها.
وفي كتاب ظريف بن ناصح في الشفة العليا إذا أصلبت فبينت بينا فاحشا
فديتها ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون دينارا وثلث دينار، ففي المنكب إذا رض فعثم ثلث
دية النفس، وفي المرفق إذا رض فعثم ثلث دية النفس، وفي الساق إذا كسرت
فعثمت ثلث دية النفس، وفي الفخذ إذا كسرت فعثمت ثلث دية النفس، وفي
400

الركبة إذا رضت فعثمت ثلث دية النفس، وفي الورك إذا رض فعثم ثلث دية
النفس، وفي الساق إذا كسر فعثم ثلث دية النفس، وفي الكعب إذا رض فجبر
على غير عثم ولا عيب ثلث الدية ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون دينارا وثلث دينار.
وذكرت هذه الأقسام الثمانية في كتاب ظريف بن ناصح منفردة.
فأما ما يجب في الثلث مما يبلغ ثلث دية النفس، ففي العين القائمة إذا
خسفت بها ثلث ديتها صحيحة، وبه قال الشيخ أبو جعفر في المبسوط ومسائل
الخلاف والنهاية، وجاءت بذلك أخبار صحيحة، وذهب الشيخ المفيد في
المقنعة وأبو الصلاح إلى أن فيها الربع، وجاء بذلك خبر ضعيف رواه عبد الله بن
سليمان عن أبي عبد الله عليه السلام. وذهب المفيد وأبو الصلاح أيضا إلى أن العين
القائمة إذا انطبقت وذهب سوادها يجب فيها ربع الدية.
وفي قطع اليد الشلاء ثلث ديتها صحيحة سواء كان مما يجب فيه الدية
كاملة أو أقل، وفي شعر العين الأعلى ثلث دية العين، وقد تقدم الخلاف.
وفي شحمة الأذنين ثلث دية الأذن، وفي خرمها ثلث دية الشحمة أيضا، وبه
قال الشيخ في مسائل الخلاف ومصنف الوسيلة، ويدل عليه ما رواه معاوية بن
عمار في الخبر المتقدم إن في كل فتق ثلث الدية.
وفي السن الأسود إذا قلعت ثلث ديتها صحيحة، على أصح القولين لخبرين
صحيحين، وبه قال الشيخ في مسائل الخلاف ومصنف الوسيلة، وهو اختيار ابن
إدريس.
وفي كتاب ظريف بن ناصح: ديتها اثنا عشر دينارا ونصف، وقال
الشيخ في النهاية في باب ديات الأعضاء والجوارح: فيه ربع دية السن
الصحيح، روي خبر ضعيف رواه عبد الله بن بكير وهو فطحي. وروى أحمد بن
محمد عن علي بن الحكم وغيره عن أبان عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه
السلام قال: كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول: إذا اسودت الثنية جعل فيه
الدية.
وفي السن الزائدة إذا أقلعت منفردة ثلث دية السن الأصلي، وقال الشيخ:
401

الأرش بين قيمته جرا.
وفي الإصبع الزائد ثلث دية الإصبع الأصلي، وفي العظم إذا رض ثلث دية
العضو الذي هو فيه سواء كان مما يجب فيه الدية كاملة أو أقل، فإن صلح من
غير عثم ولا عيب فيه أربعة أخماس دية رضه، وفي كتاب ظريف: ودية الرسغ
إذا رض فجبر على غير عثم ولا عيب ثلث دية اليد مائة وستة وستون دينارا وثلثا
دينار.
وفيه أيضا: وفي الكعب إذا رض ثلث دية اليد مائة وستة وستون دينارا
وثلثا دينار.
فصل
[أقسام الجراحات وديتها]
الجراحات ستة عشر:
أولها الحارصة وهي شبه الخدش
وفيها بعير، والدامية وهي التي تشق اللحم
وفيها بعيران، ثم الباضعة وهي التي تبضع اللحم وفيها ثلاثة أبعرة وسمى ابن
إدريس الباضعة المتلاحمة، ثم السمحاق وهي التي تبلغ القشرة التي بين اللحم
والعظم وفيها أربعة أبعرة، ثم الموضحة وهي التي تبلغ العظم وفيها خمسة أبعرة،
ثم الهاشمة وهي التي تهشم العظم وتكسره من غير أن تفسد وفيها عشرة أبعرة، ثم
المنقلة وهي التي تحوج إلى نقل عظم من موضع إلى موضع وفيها خمسة عشر
بعيرا، ثم المأمومة وهي التي تبلغ أم الرأس وهي الخريطة التي فيها الدماع وهو
المخ وفيها الثلث الدية ثلاثة وثلاثون بعيرا إن كان من أصحاب الإبل ولم يلزمه
ثلث البعير الذي تكمل به ثلث المائة وهو مذهب المرتضى في الانتصار
والناصريات والمفيد في المقنعة وأبو جعفر في النهاية، ثم الدامغة وهي التي تخرق
الخريطة وتصل إلى جوف الدماع وفيها ما في المأمومة، ثم الجائفة في البدن
وهي التي تبلغ في الجوف وفيها ما في المأمومة في الرأس.
واعلم أن أصحابنا اتفقوا على ديات ست من هذه الجراحات، وهي:
402

السمحاق والموضحة والهاشمة والمنقلة والمأمومة والجائفة، واختلفوا في الحارصة
والدامية والباضعة، فذهب المرتضى في الانتصار والمفيد في المقنعة وسلار في
الرسالة وابن إدريس إلى ما ذكرته في الحارصة والدامية والباضعة، وقال أبو جعفر
وأبو الصلاح في الكافي ومصنف الوسيلة: الحارصة هي الدامية وفيها بعير ثم
الباضعة وهي التي تبضع اللحم وفيها بعيران ثم المتلاحمة وهي التي تنفذ في
اللحم وفيها ثلاثة أبعرة، والصحيح ما ذهبنا إليه، يدل عليه ما رواه محمد بن علي
بن محبوب عن أحمد بن محمد عن الحسن بن علي عن ظريف عن منصور بن
حازم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: في الحارصة شبه الخدش بعير وفي الدامية
بعيران وفي الباضعة وهي دون السمحاق ثلاث من الإبل.
الحسين بن سعيد عن القاسم بن عروة عن ابن بكير عن زرارة عن أبي
عبد الله عليه السلام قال:... في الباضعة ثلاث من الإبل.
وعنه عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حماد عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه
السلام قال:... في الباضعة ثلاث من الإبل.
فإن احتج بما رواه سهل بن زياد عن محمد بن الحسن بن شمون عن عبد الله
بن عبد الرحمن عن مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال
أمير المؤمنين علي عليه السلام: قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم... في
الدامية بعيرا وفي الهاشمة بعيرين وفي المتلاحمة ثلاثة أبعرة.
وبما رواه علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله
عليه السلام مثله في الحكم.
والجواب: إن الأخبار التي استدللنا بها أعدل رجالا، لأن سهل ابن زياد
ضعيف ومحمد بن الحسن غال والسكوني من رجال العامة.
وهذه الجراحات إنما يكون هذا حكمها إذا كانت في الرأس والوجه، فأما
إذا كانت في البدن ففيها بحساب ذلك من الرأس منسوبا إلى العضو الذي هي
فيه. مثال ذلك: الموضحة في الرأس والوجه ففيها نصف عشر الدية، فإن كانت
403

في اليد ففيها نصف عشر الدية، وإن كانت في الإصبع ففيها نصف عشر دية
الإصبع، وهكذا في باقي الجراحات.
وقال الشيخ في النهاية: والقصاص ثابت في جميع الجراحات إلا المأمومة
خاصة لأن فيها تعزيرا بالنفس، وليس فيها أكثر من ديتها. وذهب الشيخ في
مسائل الخلاف والمبسوط: إلى أن القصاص لا يثبت في المأمومة والجائفة
والهاشمة والمنقلة، وهو اختيار ابن إدريس.
فصل
[المواضع التي لا تجب فيها الدية]
لا تجب الدية في ثلاثين موضعا:
من قتل نفسه، والحربي، والمرتد عن فطرة، روى عمار الساباطي عن أبي
عبد الله عليه السلام: أن دمه مباح لكل من سمع منه ذلك.
ومن قتله القصاص قتلا كان أو جرحا، ومن قتله الحد جلدا كان أو رجما أو
غير ذلك على أصح القولين، وإليه ذهب الشيخ في النهاية، ويدل على ذلك ما
رواه علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حماد عن الحلبي عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: أيما رجل قتل في القصاص أو الحد فلا دية له.
ويدل عليه أيضا ما رواه جعفر بن بشير عن معلى بن عثمان عن أبي عبد الله
عليه السلام قال:... من قتله القصاص أو الحد لم يكن له دية.
ويدل عليه أيضا ما رواه علي عن محمد بن عيسى عن يونس عن مفضل بن
صالح عن زيد الشحام قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل قتله
القصاص هل له دية؟ فقال: لو كان ذلك لم يقتص من أحد، ومن قتله الحد فلا
دية له.
فإن كان في شئ من حدود الآدميين فإن ديته من بيت المال مستدلا على
ذلك بما رواه الحسن بن محبوب عن الحسن بن صالح الثوري عن أبي عبد الله
404

عليه السلام قال: كان علي عليه السلام يقول: من ضربناه حدا من حدود الله
تعالى فمات فلا دية له علينا، ومن ضربناه حدا في شئ من حقوق الناس فمات
فإن ديته علينا، والعمل بالأخبار الأولة أولى لأن الحسن بن صالح زيدي بتري.
ومن سب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو أحدا من الأئمة فدمه هدر
لكل من سمع ذلك منه، روي خبر مرسل في التهذيب في باب القصاص في
قتيل الزحام معناه أن عبد الله النجاشي سأل أبا عبد الله عليه السلام فقال: إني
قتلت سبعة ممن يشتم أمير المؤمنين عليه السلام؟ فقال: عليك لكل رجل كبش
تذبحه بمنى لأنك قتلتهم بغير إذن الإمام، ولو أنك قتلتهم باذنه لم يكن عليك
شئ.
وروي في باب الحد في الفرية أنه حلال الدم ولم يتعرض للكبش.
ومن زعم أنه نبي حل قتله ولا دية له، رواه أحمد بن محمد عن ابن فضال
عن حماد بن عثمان عن ابن أبي يعفور قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إن
بزيعا يزعم أنه نبي؟ قال: إن سمعته يقول ذلك فاقتله.
ومن طلب إنسانا على نفسه أو ماله فدفعه فأدى إلى قتله فلا دية له، ومن
دخل دار قوم ليسرق متاعهم فقتلوه فلا دية له، وإذا قتل الأب ولده خطأ كان
ديته على عاقلة الأب يأخذها منه ورثته دون الأب فإن لم يكن للولد وارث فلا دية
له، ومن مات في زحام يوم الجمعة أو يوم عرفة أو غيرهما من الأيام أو على جسر
وما أشبه ولم يعرف قاتله وليس له وارث فلا دية له، فإن كان له وارث فله الدية
من بيت المال.
والمرأة إذا جامعها زوجها بعد بلوغها تسع سنين فماتت من ذلك الجماع
فلا دية لها، وإذا أعنف الرجل بزوجته أو المرأة بزوجها فمات أحدهما وهما غير
متهمين فلا دية لهما، على ما ذكره الشيخ في النهاية، وجاء به حديث ضعيف رواه
يونس عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام. والصحيح أن عليهما الدية
دون القود لأن الأصل يقتضي ذلك، وبه قال الشيخ في التهذيب والاستبصار
405

وسلار في الرسالة، وهو اختيار ابن إدريس، ويدل على ذلك أيضا ما رواه
الحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير عن عماد عن الحلبي وهشام بن سالم والنضر
وعلي بن النعمان جميعا عن ابن مسكان عن سليمان بن خالد: أنه سئل عن رجل
أعنف بزوجته فزعم أنها ماتت من عنفه؟ قال: الدية كاملة ولا يقتل الرجل.
والصبي إذا دخل دار قوم فوقع في بئر فمات، فإن كان أصحاب الدار
مأمونين وليس بينهم وبين أهل الصبي عداوة أو دخل بغير إذنهم فلا دية له، وإن
كان بينهم عداوة ضمنوا الدية إن دخل عليهم بإذنهم.
ومن غشيه دابة فزجرها عنه صاحبها أو رفست غيره فمات فلا دية له، وإن
كان راكبها ضربها أو ركضها فصدمت إنسانا أو رفسته فمات فعلى فاعل ذلك
الدية، وإذا انقلبت من غير أمر صاحبها فقتلت إنسانا أو جرحته فلا دية له، ومن
ركب دابة وسار عليها أو كان يقودها فأصابت إنسانا برجليها أو بإحداهما فقتلته
فلا دية له إلا أن يضربها راكبها أو غيره فتكون الدية على فاعل ذلك، ويضمن
راكبها ما تصيبه بيديها أو بإحداهما في الموضعين معا سواء ضربها أو لم يضربها،
فإن كان واقفا عليها أو ساقها من ورائها ضمن ما تصيبه بيديها أو برجليها ضربها
أو لم يضربها.
ومن آجر دابته إنسانا فرمت به فقتلته فلا دية له على صاحبها سواء كان
معها أو لم يكن إلا أن يكون ضربها أو نفرها فإن كان فعل ذلك وجب عليه
الدية، ومن وقع من علو على غيره ولم يدفعه دافع ولا تعمد هو ذلك فمات
الأعلى أو الأسفل أو ماتا معا فلا دية، فإن تعمد هو ذلك أو دفعه دافع كانت
الدية على فاعل ذلك.
ومن عبث بمجنون فلا دية له على ما ذكره الشيخ في النهاية، والصحيح أن
لأولياء المجنون ديته من بيت المال، يدل على ذلك ما رواه الحسن بن محبوب
عن علي بن رئاب عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام: عن رجل قتل مجنونا؟
فقال: إن كان المجنون أراده فدفعه عن نفسه فلا شئ عليه من قود ولا دية
406

ويعطي ورثته الدية من بيت المال.
ومن حذر غيره ورمى فلا قصاص عليه ولا دية، لما رواه أحمد بن محمد عن
محمد بن إسماعيل بن بزيع عن محمد بن الفضيل عن أبي الصباح الكناني عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: كان صبيان في زمان علي عليه السلام يلعبون بأخطار
لهم فرمى أحدهم بخطره فدق رباعية صاحبه فرفع ذلك إلى أمير المؤمنين عليه
السلام فأقام الرامي البينة بأنه قال: حذار، فأدرأ أمير المؤمنين عليه السلام
القصاص، ثم قال: قد أعذر من حذر. وهذا الخبر وإن ورد على سبب خاص في
الصبيان فلفظه للعموم وهو قوله عليه السلام " قد أعذر من حذر "، ولفظة " من "
للعموم على ما تقدم في كتب أصول الفقه.
ومن دخل في دار قوم بغير إذنهم فعقره كلبهم فمات فلا دية له، وإن دخل
عليهم بإذنهم فعليهم الدية، وروى أبو الجوزاء عن الحسين بن علوان عن عمرو بن
خالد عن زيد بن علي عن آبائه عن علي عليه السلام: أنه كان يضمن صاحب
الكلب إذا عقر نهارا ولا يضمنه إذا عقر ليلا، وإذا دخلت دار قوم بإذنهم فعقرك
كلبهم فهم ضامنون، وإذا دخلت بغير إذنهم فلا ضمان عليهم، هذا آخر الخبر.
والمسلم إذا كان عند قوم مشركين ليس بينهم وبين المسلمين ميثاق فقتله
المسلمون خطأ فلا دية له ويجب على قاتله كفارة قتل الخطأ وقد تقدم، وإن كان
بينهم ميثاق وجب على قاتله الدية والكفارة المذكورة، وإن كان قاتله تعمد ذلك
وجب عليه القود، وأما الكفارة في قتل العمد فقد تقدم ذكرها.
وإذا اغتلم البعير وجب على صاحبه حفظه، فإن قتل إنسانا أو أتلف شيئا
قبل أن يعلم به صاحبه لم يكن عليه دية ولا غيرها، وإن علم به وفرط في حفظه
كان ضامنا لما يتلفه. وروى سهل بن زياد عن محمد بن الحسن بن شمون عن
عبد الله بن عبد الرحمان عن مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد الله عليه السلام: أن
أمير المؤمنين عليه السلام كان إذا صال الفحل أول مرة لم يضمن صاحبه فإن ثنى
ضمنه صاحبه.
407

وروى علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم: البئر جبار، والعجماء جبار، والمعدن جبار.
وروى الحسن بن محبوب عن المعلى عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه
السلام قال: سألته عن رجل غشيه رجل على دابة فأراد أن يطأه فزجر الدابة
فنفرت بصاحبها فطرحته وكان جراحة أو غيرها؟ فقال: ليس عليه ضمان، إنما
زجر عن نفسه وهي الجبار.
وروى علي بن إبراهيم عن أبيه عن بعض أصحابنا عن أبي الصباح الكناني
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من أحدث حدثا في الكعبة قتل.
وروى محمد بن علي بن محبوب عن سلمة بن الخطاب عن علي بن سيف
بن عميرة عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال: من أشار
بحديدة في مصر قطعت يده، ومن ضرب فيها قتل.
وروى محمد بن الحسن الصفار عن إبراهيم بن هاشم عن النوفلي عن
السكوني عن جعفر عن أبيه عليهما السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم: من شهر سيفه فدمه هدر.
وروى محمد بن إسماعيل بن بزيع عن حمزة بن زيد عن علي بن سويد عن
أبي الحسن موسى عليه السلام قال: إذا قام قائمنا قال: يا معشر الفرسان سيروا في
وسط الطريق، ويا معشر الرجال سيروا على جانبي الطريق، فأيما فارس أخذ على
جانبي الطريق فأصاب رجلا عيب ألزمناه الدية، وأيما رجل أخذ في وسط
الطريق فأصابه عيب فلا دية له.
408

تبصرة المتعلمين
في أحكام الدين
للشيخ جمال الدين أبي منصور الحسن بن سديد الدين
يوسف بن زين الدين علي بن محمد مطهر الحلي المشتهر بالعلامة الحلي
والعلامة على الإطلاق
647 - 726 ه‍. ق
409

كتاب القصاص والديات
وفيه فصول:
الأول:
القتل: إما عمد، وهو أن يقصد بفعله إلى القتل، كمن يقصد قتل إنسان بفعل
صالح له ولو نادرا، أو يقصد إلى فعل يقتل غالبا وإن لم يقصد القتل.
وأما شبيه عمد، وهو أن يكون عامدا في فعله مخطئا في قصده، كمن يضرب
تأديبا فيموت.
وأما خطأ محض، بأن يكون مخطئا في الفعل والقصد معا كمن يرمي طائرا
فيصيب إنسانا، وكذا أقسام الجراح.
ويثبت القصاص بالأول مع صدوره من البالغ العاقل، في النفس
المعصومة المتكافئة، سواء كان مباشرة كالذبح والخنق، أو تسبيبا كالرمي
بالسهم والحجر والضرب المتكرر بالعصا بحيث لا يحتمله مثله، والإلقاء إلى
الأسد فيفترسه، وكذا لو جرحه فسرت الجناية فمات، ويدخل قصاص الطرف
وديته في قصاص النفس وديتها، ولو جرحه ثم قتله فإن فرق اقتص منهما وإلا
فالنفس.
ولو أكره غيره على القتل اقتص من القاتل، وكذا لو أمر، ويخلد الآمر
السجن به، وإن كان عبد الآمر.
411

ولو أمسكه واحد وقتله آخر ونظر ثالث قتل القاتل وخلد الممسك
[السجن] وسملت عين الناظر.
الفصل الثاني: في شرائط القصاص:
وهي خمسة:
الأول: الحرية:
إذا كان القاتل حرا، فلا يقتص من الحر للعبد، ولا للمكاتب،
ولا لأم الولد، ولا المدبر، بل يلزمه قيمته يوم قتل ولا يتجاوز دية الحر، ولا بقيمة الأمة دية
الحرة، ولا بدية عبد الذمي دية مولاه، ولا بدية أمته دية الذمية.
ويقتل الحر بمثله، وبالحرة مع رد نصف الدية، والحرة بمثلها وبالحر، ولا
يؤخذ منها الفضل، وكذا في قصاص الجراح والأطراف ما لم يبلغ ثلث دية
الحر فينتصف دية المرأة، ويقتص لها من الرجل مع رد الفضل، وله منها، ولا
رد.
ويقتل العبد بالأمة والأمة بمثلها وبالعبد.
ولو قتل العبد حرا كان ولي الدم مخيرا بين قتله واسترقاقه، ولا خيار
لمولاه، ولو جرح اقتص المجروح أو استرقه إن استوعب الجناية قيمته وإلا
فبالنسبة، أو يباع فيؤخذ من ثمنه الأرش.
ولو كانت الجناية خطأ فلمولاه أن يفديه بأرش الجناية، والأقوى: بأقل
الأمرين من القيمة وأرش الجناية، ولو قتل مولاه قيد به إن اختار الولي، ولو قتل
عبدا مثله عمدا قتل به، ولو قتل خطأ للمولى فكه بقيمته أو دفعه، وله فاضل قيمته
عن قيمة المقتول، ولا يضمن النقص.
والمكاتب المشروط أو المطلق الذي لم يؤد شيئا كالقن، وإن كان قد أدى
شيئا قيد بالحر لا القن، بل يسعى في نصيب الحرية ويباع، أو يسترق في نصيب
الرقية.
412

ولو قتل خطأ فعلى الإمام في نصيب الحرية، وللمولى الخيار بين فك الرقية
بالأرش أو تسليم الرق للرقية.
ولو قتل الحر حرين قتل بهما، ولو كان القاتل عبدا على التعاقب اشتركا
فيه ما لم يحكم به للأول فيكون للثاني.
الثاني: الإسلام:
إذا كان القاتل مسلما، فلا يقتل مسلم بكافر وإن كان ذميا، بل يعزر ويغرم
دية الذمي، ويقتل الذمي بمثله، وبالذمية بعد رد فاضل ديته، والذمية بمثلها،
وبالذمي ولا رد.
ولو قتل الذمي مسلما عمدا دفع هو وماله إلى أولياء المقتول إن شاؤوا قتلوه
وإن شاؤوا استرقوه، وقيل: يسترق أولاده الصغار أيضا، ولو أسلم بعد القتل
فكالمسلم.
ولو قتل خطأ لزمته الدية في ماله، فإن لم يكن له مال فالعاقلة الإمام دون
أهله.
الثالث: أن لا يكون القاتل أبا:
فلا يقتل الأب بالولد بل يؤخذ منه الدية، ويعزر ويكفر، ولو قتل الولد أباه
قتل به، وكذا الأم لو قتلت ولدها قتلت به.
الرابعة: العقل:
فلو قتل المجنون أو الصبي لم يقتلا، بل أخذت الدية من العاقلة، لأن
عمدهما خطأ، ولو قتل البالغ صبيا قتل به، ولو قتل العاقل مجنونا أخذ منه
الدية، إلا أن يقصد دفعه فيكون هدرا، والأعمى كالمبصر على الأقوى.
413

الخامس: أن يكون المقتول معصوم الدم:
فلو قتل مرتدا أو من أباح الشرع قتله لم يقتل به.
الفصل الثالث: في الاشتراك:
إذا اشترك جماعة في قتل حر مسلم كان للولي قتل الجميع بعد رد فاضل
دية كل واحد عن جنايته عليه، وله قتل البعض ويرد الآخرون قدر جنايتهم على
المقتص منه، ولو فضل للمقتولين فضل قام به الولي، وإن فضل منهم كان له،
وكذا البحث في الأطراف.
ولو قتلت امرأتان رجلا قتلتا به ولا رد، ولو كن أكثر قتلن به بعد رد الفاضل
عليهن، وللولي قتل البعض، وترد الباقيات قدر جنايتهن.
ولو اشترك رجل وامرأة في قتل رجل فللولي قتلهما بعد رد الفاضل على الرجل، وله قتل
الرجل، وترد المرأة ديتها عليه، وله قتل المرأة وأخذ نصف الدية
من الرجل.
ولو اشترك عبد وحر في قتل حر فللولي قتلهما بعد رد نصف الدية على
الحر وما يفضل من قيمة العبد عن جنايته على مولاه.
ولو قتل الحر رد السيد عليه نصف الدية، أو سلم العبد إليه، ولو زادت قيمته
على النصف كان الزيادة للمولى، ولو قتل العبد رد الحر على المولى ما فضل عن
نصف الدية وإلا كان تمامها لأولياء المقتول.
ولو اشترك عبد وامرأة في قتل الحر فللولي قتلهما، ولو فضلت قيمة العبد
عن جنايته رد الولي على مولاه الفاضل، وله قتل المرأة واسترقاق العبد إن كانت
قيمته بقدر الجناية أو أقل، وإلا كان الفاضل لمولاه.
ولو قتل العبد وقيمته بقدر الجناية أو أقل كان للولي أخذ نصف الدية من
المرأة، ولو كانت القيمة أكثر ردت المرأة عليه الفاضل، فإن استوعبت دية الحر
وإلا كان الفاضل لورثة المقتول.
414

الفصل الرابع: فيما يثبت به القتل:
وهو ثلاثة:
الأول: الإقرار، ويكفي المرة من أهله، ولو أقر بقتله عمدا فأقر آخر أنه الذي
قتل ورجع الأول سقط القصاص وكانت الدية على بيت المال، ولو أقر واحد
بقتله عمدا وأقر آخر أنه قتل خطأ كان للولي الأخذ بقول من شاء منهما ولا سبيل
له على الآخر.
الثاني: البينة، وهي عدلان، ويثبت ما يوجب الدية - كالخطأ والهاشمة -
بشاهد وامرأتين، أو بشاهد ويمين.
الثالث: القسامة، وهي تثبت مع اللوث وهو أمارة يغلب معها الظن بصدق
المدعي كالشاهد الواحد، فللولي معه إثبات الدعوى بأن يحلف هو وقومه
خمسين يمينا، ولو لم يكن للمدعي قسامة كررت عليه الأيمان، ولو لم يحلف
حلف المنكر خمسين يمينا هو وقومه، ولو لم يكن له أحد كررت الخمسون عليه،
ولو نكل ألزم الدعوى.
والأعضاء الموجبة للدية كالنفس، ولو نقصت فبالحساب، ولا يثبت اللوث
بالفاسق الواحد ولا الصبي ولا الكافر.
ولو أخبر جماعة الفساق أو النساء مع الظن بانتفاء المواطاة ثبت اللوث،
ولو كانوا كفارا أو صبيانا لم يثبت اللوث إلا أن يبلغوا حد التواتر.
ولو وجد قتيلا في دار قوم أو محلتهم أو قريتهم كان لوثا، ولو وجد بين
قريتين وهو إلى أحدهما أقرب فهو لوث، ولو تساوت مسافتهما تساويا في اللوث،
ولو وجد في فلاة وجهل قاتله، أو في عسكر أو سوق فديته على بيت المال، ومع
انتفاء اللوث يكون الدعوى فيه كغيرها من الدعاوي.
الفصل الخامس: في كيفية القصاص:
قتل العمد يوجب القصاص ولا يثبت الدية إلا صلحا، وكذا الجراح، ولا
415

قصاص إلا بالسيف، ويقتصر على ضرب العنق، ولا يضمن سراية القصاص مع
عدم التعدي.
ولو كان القصاص لجماعة وقف على الاجتماع، ولو طلب البعض الدية
ودفعها القاتل كان للباقي القصاص بعد رد نصيب الآخرين على القاتل، وكذا لو
عفا البعض.
ولو مات القاتل قبل القصاص أخذت الدية من تركته، ولو كان المقتول
مقطوع اليد في قصاص أو أخذ ديتها كان للولي القصاص بعد رد دية اليد، ولو
قطعت من غير جناية ولم يأخذ ديتها فلا رد.
ويثبت القصاص في الطرف لكل من يثبت له القصاص في النفس، ويقتص
للرجل من المرأة ولا رد، وللمرأة من الرجل مع الرد فيما زاد على الثلث.
ويعتبر سلامة العضو، فلا يقطع الصحيح بالأشل، ويقطع الأشل
بالصحيح إذا كان مما ينحسم، وتساوي المساحة في الشجاج طولا وعرضا لا
نزولا بل يعتبر الاسم كالموضحة.
ويثبت القصاص فيما لا تعزير فيه، ولا قصاص فيما فيه تعزير كالمأمومة
والجائفة وكسر العظام، ولا يقتص للذمي من المسلم، ولا للعبد من الحر، ويقطع
الأنف الشام بفاقده، والأذن الصحيحة بالصماء، ولا يقطع الذكر الصحيح
بالعنين، وتقلع عين الأعور الصحيحة بعين السليم قصاصا وإن عمي، وينتظر بسن
الصبي سنة فإن عادت فالأرش وإلا فالقصاص.
والملتجئ إلى الحرم يضيق عليه في المطعم والمشرب ليخرج ويقتص منه،
ولو جنى في الحرم اقتص منه فيه.
ولو قطع يد رجل وإصبع آخر اقتص للأول وكان للثاني الدية، ولو قطع
الإصبع أولا اقتص صاحبها ثم صاحب اليد ورجع بدية الإصبع.
416

الفصل السادس: في دية النفس:
دية الحر المسلم في العمد مائة من مسان الإبل، أو مائتا بقرة، أو مائتا حلة
هي أربعمائة ثوب من برود اليمن، أو ألف شاة، أو ألف دينار، أو عشرة آلاف
درهم، وتستأدى في سنة واحدة من مال الجاني، ولا يثبت إلا بالتراضي.
ودية شبيه العمد، من الإبل: ثلاث وثلاثون بنت لبون، وثلاث وثلاثون
حقة، وأربع وثلاثون ثنية طروقة الفحل، أو ما ذكرنا في مال الجاني، وتستأدى
في سنتين.
ودية الخطأ، من الإبل: عشرون بنت مخاض، وعشرون ابن لبون، وثلاثون
بنت لبون، وثلاثون حقة، أو ما ذكرنا من باقي الأصناف، وتؤخذ من العاقلة في
ثلاث سنين.
ودية المرأة: النصف من ذلك، ودية الذمي: ثمان مائة درهم، والذمية
أربع مائة درهم، ودية العبد: قيمته ما لم تتجاوز دية الحر فيرد إليها. ودية الأمة
قيمتها فإن تجاوزت دية الحرة ردت إليها.
ودية الأعضاء بنسبة القيمة، فكل ما في الحر كمال ديته ففي العبد كمال
قيمته، لكن ليس للمولى المطالبة بها إلا بعد دفع العبد إلى الجاني، وما فيه دونه
بحسابه، وما لا تقدير فيه ففيه الأرش.
وجناية العبد تتعلق برقبته لا بالمولى، لكن له فكه بأرش الجناية.
الفصل السابع: فيما يوجب ضمان الدية:
وهو اثنان:
الأول: المباشرة، بأن يقع التلف من غير قصد، كالطبيب يعالج فيتلف
المريض بعلاجه والنائم إذا انقلب على غيره فمات، ومن حمل على رأسه متاعا
فأصاب غيره، وكسر المتاع فإنه يضمنها، ولو وقع على غيره من علو فمات
ضمن ديته، ولو أوقعه غيره فالدية على الدافع.
417

ولو اشترك ثلاثة في هدم حائط فوقع على أحدهم فمات كان على الباقين
ثلثا ديته، ولو أخرج غيره من منزله ليلا ضمنه إلا أن تقوم البينة بموته أو بقتل
غيره له.
الثاني: التسبيب، كمن حفر بئرا في غير ملكه فوقع فيها إنسان، أو نصب
سكينا أو طرح المعاثر في الطريق، ولو كان ذلك في ملكه لم يضمن، ولو دخل
دار قوم بإذنهم فعقره كلبهم ضمنوا جنايته، ولو كان بغير إذن فلا ضمان.
ومن ركب دابة ضمن ما تجنيه بيديها، وكذا لو قادها، ولو وقف بها ضمن
جنايتها بيديها ورجليها، وكذا لو ضربها غيره فالدية على الضارب، ولو ركبها
اثنان تساويا في الضمان، ولو كان صاحبها معها ضمن دون الراكب، ولو ألقت
الراكب ضمن المالك إن كان بتنفيره وإلا فلا، ولو اجتمع المباشر والسبب كان
الضمان على المباشر.
الفصل الثامن: في ديات الأعضاء:
في شعر الرأس الدية كاملة، وكذا في اللحية إذا لم ينبتا، ولو نبتا فالأرش،
وفي شعر المرأة ديتها فإن نبت فمهرها، وفي الحاجبين خمس مائة دينار، وفي كل
واحد النصف، وفي الأهداب الأرش وكذا باقي الشعر.
وفي كل واحد من العينين نصف الدية، وفي كل جفن ربع الدية، أما عين
الأعور الصحيحة ففيها الدية كاملة إن كان العور خلقة أو بشئ من قبل الله
تعالى، وفي خسف العوراء الثلث.
وفي الأنف الدية كاملة، وكذا في مارنه أو كسر مفسد، ولو جبر على غير
عيب فمائة دينار، وفي شلله ثلثا ديته، وفي الروثة - وهي الحاجز - نصف الدية،
وفي أحد المنخرين نصف الدية.
وفي كل إذن نصف الدية، وتقسط الدية على أجزائها، وفي الشحمة ثلث
418

ديتها وكذا في خرمها، وفي كل شفة نصف الدية، وفي بعضها بحسابه، ولو
تقلصت قال الشيخ: فيه ديتها، ولو استرختا فثلثا الدية.
وفي لسان الصحيح أو الطفل الدية، ولو قطع بعضه اعتبر بحروف المعجم
وهي ثمانية وعشرون حرفا، فيقسط الدية عليها فما نقص أخذ قسطه، وفي لسان
الأخرس ثلث الدية، وفي بعضه بالحساب مساحة، ولو ادعى الصحيح ذهاب
نطقه صدق مع القسامة.
وفي الأسنان الدية، وهي ثمانية وعشرون: اثنا عشر مقاديم في كل واحدة
خمسون، وستة عشر مآخير في كل واحدة خمسة وعشرون، وفي الزائد منفردة
ثلث دية الأصلية، ولا دية لها مع الانضمام.
وفي اسوداد السن ثلثا ديتها، وفي انصداعها من غير سقوط ثلثا ديتها، وفي
سن الصبي الذي لم يثغر الأرش إن نبت وإلا فدية المثغر.
وفي العنق إذا كسر وصار الإنسان أصور الدية، وكذا لو جنى عليه بما يمنع
الازدراد، ولو زال فالأرش.
وفي اللحيين الدية لو انفردا عن الأسنان كالصبي وفاقد الأسنان، ومع
الأسنان ديتان.
وفي كل يد نصف الدية، وحدها المعصم، وفي شلل اليد ثلثا ديتها، وفي
الشلاء ثلث الصحيحة، وكذا للزائدة، وفي كل إصبع من اليدين عشر الدية،
ويقسط على ثلاث أنامل، وفي الإبهام على اثنين، وفي الزائدة ثلث الأصلية، وكذا
الشلاء، وفي الشلل الثلثان.
وفي الظفر عشرة دنانير إن لم ينبت أو نبت أسود، ولو نبت أبيض فخمسة.
وفي الظهر إذا كسر الدية، وكذا لو أصيب فاحدودب أو صار بحيث لا يقدر
على القعود، ولو صلح فثلث الدية، ولو ذهب مشيه وجماعه فديتان، وفي النخاع
الدية.
وفي كل واحد من ثديي المرأة نصف ديتها، وكذا في حلمتهما، ولو انقطع
419

لبنهما أو تعذر نزوله فالأرش، وفي حلمة الرجل نصف الدية عند الشيخ وثمنها
عند ابن بابويه.
وفي الذكر الدية، وكذا في الحشفة، وفي العنين ثلث الدية، وفي الخصيتين
الدية، وفي كل واحدة النصف، وفي أدرة الخصيتين أربع مائة دينار، فإن فحج
فلم يقدر على المشي فثمانمائة.
وفي كل واحد من شفري المرأة نصف ديتها.
وفي إفضاء المرأة ديتها، ويسقط عن الزوج بعد بلوغها، ولو كان قبله ضمن
الزوج مع المهر الدية والإنفاق عليها حتى يموت أحدهما، ولو لم يكن زوجا
وكان مكرها فالمهر والدية، ومع المطاوعة الدية، ولو كانت المكرهة بكرا فلها
أرش البكارة أيضا.
وفي كل واحدة من الأليتين نصف الدية، وفي كل واحدة من الرجلين
نصف الدية، وحدها مفصل الساق وأصابعهما كاليدين.
وفي كل واحد من الساقين والفخذين نصف الدية، وفي كسر الضلع
خمسة وعشرون دينارا إن كان مما يخالط القلب، وإن كان مما يلي العضدين
فعشرة.
وفي كسر البعصوص إذا لم يملك الغائط الدية وكذا في العجان إذا لم
يملك البول ولا الغائط.
وفي الترقوة إذا كسرت وجبرت على غير عيب أربعون دينارا.
ومن داس بطن إنسان حتى أحدث ديس بطنه، أو يفتدي ذلك بثلث الدية،
ومن افتض بكرا بإصبعه حتى خرق مثانتها فلم تملك بولها فعليه ديتها ومثل مهر
نسائها.
وفي كسر عظم من عضو خمس دية ذلك العضو، فإن صلح على غير عيب
فأربعة أخماس دية كسره، وفي موضحته ربع دية كسره، وفي رضه ثلث ديته،
فإن برئ على غير عيب فأربعة أخماس دية رضه، وفي فكه من العضو بحيث
420

تتعطل ثلثا دية العضو، فإن صلح على غير عيب فأربعة أخماس دية فكه.
الفصل التاسع: في ديات المنافع:
في العقل الدية، وفي نقصه الأرش، ولو عاد لم يرتجع الدية.
وفي السمع: الدية، وفي سمع إحدى الأذنين النصف، ولو نقص سمع
إحديهما قيس إلى الأخرى ويؤخذ بحسب التفاوت بين المسافتين، ولو نقص
سمعهما قيس إلى المساوي له في السن.
وفي ضوء كل عين نصف الدية، وفي نقصان ضوء إحداهما بحسابه، وكذا
في نقصان ضوئهما، ويعتبر بالقياس إلى عيني مساويه في السن.
وفي الشم الدية، ولو قطع الأنف فذهب الشم فديتان، وفي نقصانه الأرش
بما يراه الحاكم.
وفي الذوق الدية، وفي نقصانه الأرش، ولو أصيب فتعذر عليه الإنزال حالة
الجماع فالدية، وفي سلس البول الدية، وفي الصوت الدية.
الفصل العاشر: في ديات الجراح:
الشجاج ثمانية:
الحارصة: وهي التي تقشر الجلد، وفيها بعير.
والدامية: وهي التي تأخذ يسيرا في اللحم، وفيها بعيران.
والمتلاحمة: وهي التي تأخذ في اللحم أكثر، وفيها ثلاثة أبعرة.
والسمحاق: وهي التي تنتهي إلى الجلدة المغشية للعظم، وفيها أربعة أبعرة.
والموضحة: وهي التي توضح العظم، وفيها خمسة أبعرة.
والهاشمة: وهي التي تهشم العظم، وفيها عشرة أبعرة.
والمنقلة: وهي التي تحوج إلى نقل العظم، وفيها خمسة عشر بعيرا.
والمأمومة: وهي التي تصل إلى أم الدماع، وفيها ثلث الدية، وكذا الجائفة:
421

وهي التي تبلغ إلى الجوف، ودية النافذة في الأنف ثلث الدية، فإن صلح فخمس
الدية.
وفي أحد المنخرين إلى الحاجز عشر الدية، وفي شق الشفتين حتى تبدو
الأسنان ثلث الدية، ولو برئت فالخمس، وفي كل واحد نصف ذلك، وفي
النافذة في شئ من أطراف الرجل مائة دينار.
وفي احمرار الوجه بالجناية دينار ونصف، وفي اخضراره ثلاثة، وفي
اسوداده ستة، ولو كانت في البدن فعلى النصف، ويتساوى الشجاج في الرأس
والوجه، أما البدن فبنسبة العضو الذي يتفق فيه من دية الرأس.
ويتساوى المرأة والرجل في الدية والقصاص فيما دون ثلث الدية، فإذا
بلغت الجناية ثلث الدية صارت المرأة على النصف.
وكل ما فيه الدية من الرجل ففيه من المرأة ديتها، وكذا من الذمي، ومن
العبد قيمته، وما فيه مقدر من الحر فهو بنسبته من دية المرأة والذمي وقيمة العبد.
والإمام ولي من لا ولي له، يقتص أو يأخذ الدية، وليس له العفو.
الفصل الحادي عشر: في دية الجنين والميت:
في النطفة بعد استقرارها في الرحم عشرون دينارا، وفي العلقة أربعون، وفي
المضغة ستون، وفي العظم ثمانون، وإذا تمت خلقته ولم تلجه الروح فمائة، وفيما
بين ذلك بحسابه.
ودية جنين الذمي عشر دية أبيه، والمملوك عشر قيمة أمه المملوكة سواء
الذكر والأنثى، ولو ولجته الروح فدية كاملة في الذكر ونصف في الأنثى، ولو
قتلت المرأة ومات معها فدية للمرأة ونصف الديتين للجنين إن جهل حاله، ولو
ألقته المرأة مباشرة أو تسبيبا فعليها ديته لوارثه، ولا يسهم لها.
ومن أفزع مجامعا فعزل فعليه عشرة دنانير، ويرث دية الجنين من يرث
المال، الأقرب فالأقرب، ودية جراحاته وأعضائه بنسبة ديته.
422

ولو ضرب الحامل فألقت جنينا حيا فمات بالإلقاء قتل به إن كان عمدا،
وإلا أخذت الدية.
وفي قطع رأس الميت الحر المسلم مائة دينار، وفي قطع جوارحه بحساب
ديته، وكذا في جراحة وشجاجه، وتصرف هذه الدية في وجوه البر.
الفصل الثاني عشر: في الجناية على الحيوان:
من أتلف حيوانا مأكولا بالذكاة فعليه الأرش لمالكه، وإن كان بغيرها فعليه
القيمة يوم الإتلاف، وفي قطع جوارحه أو كسر شئ من أعضائه الأرش.
وإن كان غير مأكول وهو مما يقع عليه الذكاة، فإن كان بالذكاة فالأرش،
وكذا في قطع أعضائه مع استقرار الحياة، وإن كان بغيرها فالقيمة، وإن لم تقع
عليه الذكاة فالقيمة، ففي كلب الصيد أربعون درهما، وفي كلب الغنم والحائط
عشرون درهما، وفي كلب الزرع قفيز من بر، وفي جنين البهيمة عشر قيمتها.
الفصل الثالث عشر: في العاقلة:
قد بينا أن دية الخطأ على العاقلة، وهم: العصبة والمعتق وضامن الجريرة
والإمام.
أما العصبة: فهم المتقربون إلى الميت بالأبوين أو بالأب، والأقرب دخول
الآباء والأولاد في العقل، ولا يدخل القاتل فيه، ولا تعقل المرأة ولا الصبي ولا
المجنون، ولا تعقل العاقلة عمدا ولا عبدا ولا مدبرا ولا أم ولد ولا ما دون
الموضحة ولا ما يثبت بالإقرار ولا صلحا ولا جناية الإنسان على نفسه ولا ما تجنيه
البهيمة ولا إتلاف المال.
وعاقلة الذمي الإمام إن لم يكن له مال.
وتقسط الدية على الأقرب فالأقرب، وتقديره إلى الإمام، أو من ينصبه
للحكومة، ولا ترجع العاقلة على الجاني.
423

ولو زادت الدية عن العصبة أخذت من الموالي، فإن اتسعت فمن عصبة
الموالي، فإن اتسعت فمن موالي الموالي وهكذا، ولو زادت الدية عن العاقلة أجمع
كان الزائد على الإمام، ولو زادت العاقلة وزع بالحصص، ولو غاب بعض
العاقلة لم يخص بها الحاضر.
ولو قتل الأب ولده عمدا أخذت منه الدية لغيره من الوراث، وإن لم يكن
وارث فالإمام، ولو كان خطأ فالدية على العاقلة.
424

إرشاد الأذهان
للشيخ جمال الدين أبي منصور الحسن بن سديد الدين يوسف بن زين الدين
علي بن محمد مطهر الحلي المشتهر بالعلامة الحلي والعلامة على الإطلاق
647 - 726 ه‍. ق
425

كتاب الجنايات
الجناية إما على نفس أو طرف.
وهي إما عمد محض يحصل بقصد المكلف إلى الجناية بما يؤدي إليها ولو
نادرا، لا بالقصد إلى الفعل الذي يحصل به الموت، إذا لم يكن قاتلا غالبا،
كضرب الحصاة والعود الخفيف.
وإما خطأ محض، وهو: ما لا قصد فيه إلى الفعل، كما لو زلق فسقط على
غيره، أو ما لا قصد فيه إلى الشخص كما لو رمى صيدا فأصاب إنسانا.
وإما شبه عمد: بأن يقصد الفعل ويخطأ في القصد، كالطبيب الذي يقصد
العلاج فيؤدى إلى الموت، أو المؤدب الذي يقصد التأديب فيتلف.
وهنا مقاصد:
الأول: في قتل العمد:
وفيه مطالب:
الأول: في سببه:
وهو إما مباشرة: كالذبح والخنق وسقي السم والضرب بالسيف والسكين
والحجر الغامز، والجرح في المقتل ولو بغرز الإبرة.
وإما تسبيب: كالرمي بالسهم والحجر، والخنق بالحبل حتى يموت، أو
الضرب بالعصا مكررا ما لا يحتمله مثله، أو يحتمله لكن أعقبه مرضا ومات به، أو
427

الحبس عن الطعام والشراب مدة لا يصبر مثله، أو طرحه في النار فاحترق وإن
قدر على الخروج، إلا مع العلم بالتخاذل، أو سرت جراحته وإن ترك التداوي
تخاذلا، أو فصده فلم ينقطع الدم حتى مات، إلا أن يترك شده الموجب للقطع،
أو رمى به في الماء ولم يمكنه الخروج، إلا أن يمسك نفسه تحته مع القدرة على
الخروج، أو أوقع نفسه أو غيره على إنسان قصدا فمات، ولو كان الوقوع لا
يقتل مثله غالبا فشبيه عمد، أو أقر أنه قتله بسحره.
ولو قدم إليه طعاما مسموما فأكله عالما فلا قصاص ولا دية، وإن جهل
فالقود، ولو جعل السم في طعام صاحب المنزل فأكله، قال الشيخ: عليه القود،
ولو حفر بئرا في طريق ودعا غيره مع الجهل فوقع فمات قتل، ولو داوى جرحه
بسمي مجهز فعلى الجارح قصاص الجرح خاصة، وإن كان غير مجهز والغالب
التلف أو السلامة فعليه نصف دية النفس، ولو ألقاه إلى الحوت فالتقمه فالقود،
ولو ألقاه إلى البحر فالتقمه الحوت قبل الوصول ففي القود نظر، ولو ألقاه إلى أسد
ولا مخرج له أو أغرى العقور به فقتله أو أنهشه حية قاتلا فمات أو طرحها عليه
فنهشته فالقود، ولو جرحه وعضه الأسد وسرتا قتل الجارح بعد رد نصف الدية،
وكذا لو شاركه الأب أو شارك حر عبدا في عبد، ولو ألقاه مكتوفا في مسبعة
فافترسه السبع اتفاقا فالدية، ولو كان به بعض الجوع فحبسه عالما بجوعه حتى
مات جوعا فالقصاص، كما لو ضرب المريض بما يقتل مثله المريض دون
الصحيح، ولو لم يعلم جوعه احتمل القصاص أو الدية أو نصفها.
وإما بشرط كحفر البئر فإن التردي عليه المشي عند الحفر لا بالحفر، ولا
يتعلق القصاص بالشرط.
المطلب الثاني: في اجتماع العلل:
لا اعتبار بالشرط مع المباشرة، كالممسك مع القاتل والحافر مع الدافع.
وإن اجتمع المباشر والسبب، فقد يغلب السبب: بأن تباح المباشرة، كقتل
428

القاضي مع شهادة الزور، فالقصاص على الشهود، وقد يغلب المباشر، كما لو
ألقاه من عال فقده إنسان نصفين، فلا قصاص على الدافع، بخلاف الحوت.
ولو اعتدلا كالإكراه على القتل، فالقصاص على المباشر، ويحبس المكره
دائما، ولو أكرهه على صعوده شجرة فزلق فعليه الدية، ولو قال: اقتلني وإلا
قتلتك، سقط القصاص والدية دون الإثم.
ولو اجتمع المباشر مع مثله قدم الأقوى، فلو جرحه حتى جعله كالمذبوح
وقتله الثاني فالقود على الأول، ولو قتل من نزع أحشاؤه وهو يموت بعد يومين أو
ثلاثة قطعا فالقود على القاتل لاستقرار الحياة، بخلاف حركة المذبوح، ولو قطع
أحدهما يده من الكوع والآخر من المرفق وسرتا تساويا، ولو قطع أحدهما يده
وقتله آخر انقطعت سراية الأول، ولو قتل مريضا مشرفا فالقود، ولو أمسك واحد
وقتل ثان ونظر ثالث قتل القاتل وخلد الممسك السجن وسملت عين الناظر،
ولو قهر الصبي والمجنون على القتل فالقصاص عليه، لأنهما كالآلة، ولو كان
مميزا غير بالغ حرا فالدية على عاقلته، ولو كان مملوكا فالدية في رقبته، ويتحقق
الإكراه فيما دون النفس، فلو أكرهه على قطع يد أحدهما فاختار فالأقرب
القصاص على الآمر.
ولو اجتمع سببان ضمن من سبق سببه بالجناية، كواضع الحجر في الطريق
لو عثر به فوقع في بئر حفرها آخر في الطريق، فالضمان على واضع الحجر، ولو
كان أحدهما عاديا اختص بالضمان، ولو نصب سكينا في بئر محفورة في الطريق
فوقع إنسان فقتله السكين فالضمان على الحافر.
ولو قال: ألق متاعك في البحر لتسلم السفينة وعلي ضمانه، ضمن وإن
شاركه صاحب المتاع في الحاجة، ولو اختص لم يحل له الأخذ، بخلاف: مزق
ثوبك وعلي ضمانه، أو ألق متاعك مجردا عن: علي ضمانه، ولو قال: وعلي
ضمانه مع الركاب فامتنعوا، فقال: أردت التساوي، ألزم بحصته خاصة، ولو
ادعى إذنهم حلفوا، ولو قال للمميز: اقتل نفسك، فلا شئ على الملزم، وإلا القود،
429

ولو أكره العاقل على قتل نفسه فلا ضمان عليه، إذ لا يتحقق هذا الإكراه، ولو علم
الولي التزوير وباشر القصاص فالقود عليه دون الشهود.
ولو جرحاه فاندمل جرح أحدهما وسرى الآخر، فالآخر قاتل يقتل بعد رد
دية الجرح، والأول جارح، ولو صدق الولي مدعي اندمال جرحه لم يقبل في
حق الآخر، فعلى الآخر نصف الجناية، وعلى المصدق جناية الجرح.
المطلب الثالث: في العقوبة:
يجب بقتل العمد العدوان: كفارة الجمع على ما سبق، والقصاص مع
الشرائط الآتية، ولا تجب الدية إلا صلحا، فلو عفا عن القصاص ولم يشترط المال
سقط ولا دية، ولو عفا على مال لم يسقط القود، ثم إن رضي الجاني سقط ووجب
المال، وإلا القود، ولو لم يرض الولي بالدية جاز أن يفتدي بأكثر، ولو لم يرض
الجاني بالدية فالقود، إلا أن يتراضيا على الأقل، ولو هلك قاتل العمد فالدية على
رأي، وكذا لو هرب فلم يقدر عليه حتى مات، ولو لم يكن له مال سقطت.
وتؤخر الحامل حتى تضع وترضع إن فقد غيرها وإن تجدد حملها بعد
الجناية، ولو ادعته وتجردت دعواها عن شهادة القوابل فالوجه التصديق، ولو بان
الحمل بعد القصاص فالدية على القاتل مع علمه، ولو جهل فعلى الحاكم إن علم.
ولا يضمن المقتص سراية القصاص مع عدم التعدي، فإن اعترف بالتعمد
اقتص في الزائد، وإن اعترف بالخطأ أخذت ديته، ويصدق في الخطأ مع اليمين.
ويثبت القصاص في الطرف لكل من يثبت له القصاص في النفس، ولا
يقتص إلا بالسيف غير الكال والمسموم وإن قتل بغيره، ويقتصر على ضرب
العنق من غير تمثيل وإن كان قد فعله، وأجرة القصاص على بيت المال، فإن
ضاق فعلى القاتل، ويقضى بالقصاص مع التيقن لا مع اشتباه التلف بغير
الجناية، فيقتص حينئذ في الجرح خاصة.
430

ويرث القصاص والدية وارث المال، عدا الزوج والزوجة في القصاص،
ويرثان من الدية إن رضي الأولياء بها، ولو عفا الولي عن القصاص فلا دية لهما،
ولو عفا عن دية الخطأ فلهما نصيبهما.
ويستحب للإمام إحضار عارفين عند الاستيفاء، ولو اتحد مستحق القصاص
فالأولى إذن الحاكم، وليس واجبا على رأي، وإن تعدد وجب الاتفاق أو الإذن،
ولا يجوز لأحدهم المبادرة على رأي، فإن بادر ضمن حصص الباقين، ولو كان
المستحق صغيرا فللولي استيفاء حقه على رأي.
ولو اختار بعض المتعددين الدية ورضي القاتل فللباقين القصاص بعد رد
نصيب المفادي، ولو لم يرض القاتل جاز القصاص لطالبه بعد رد نصيب شريكه
من الدية، ولو عفا البعض جاز للباقي القصاص بعد رد نصيب العافي من الدية
على القاتل، ولو اقتص مدعي العفو على شريكه على مال فصدقه أخذ المال، وإلا
الجاني والشريك على حاله في شركة القصاص.
وللولي القصاص من دون ضمان الدية للديان على رأي، ولو اقتص الوكيل
بعد علم العزل فعليه القصاص، وإلا فلا شئ، ولو استوفى بعد العفو جاهلا
فالدية، ويرجع على الموكل.
ولو عفا مقطوع اليد فقتله القاطع قتل بعد رد دية اليد على إشكال، وكذا
لو قتل مقطوع اليد قصاصا أو أخذ ديتها، وإلا فلا رد، ولو قطع كفا بغير أصابع
قطعت كفه بعد رد دية الأصابع.
ولو برئ بعد الاقتصاص في النفس مع ظن الموت، فإن ضربه الولي
بالممنوع اقتص بعد القصاص منه، وإلا قتله من غير قصاص.
ويدخل قصاص الطرف في قصاص النفس مع اتحاد الجاني والضربة، فلو
تكرر الجاني أو ضربه الواحد ضربتين لم يدخل، وتدخل دية الطرف في دية
النفس مع اتحاد الجاني.
431

المطلب الرابع: في الاستيفاء مع الاشتراك:
لو اشترك الأب أو من لا يقتص منه مع من يقتص اقتص من الشريك
بعد رد الآخر عليه فاضل جنايته، ولو كان الشريك سبعا رد الولي، ولو اشترك
جماعة في قتل واحد فللولي قتل واحد ويرد الباقون ما فضل عن جنايته، وقتل
أكثر فيرد ما فضل عن دية المقتول ويرد الباقون دية جنايتهم على المقتولين، وقتل
الجميع ويرد ما فضل عن دية المقتول فيأخذ كل منهم ما فضل من ديته عن
جنايته.
ولو قتله امرأتان قتلتا به ولا رد، ولو كان ثلاثا قتلن ورد الولي نصف الدية
بين الثلاث، ولو قتل اثنتين ردت الباقية ثلثي ديتها عليهما، ولو قتله رجل وامرأة
فقتلهما الولي رد دية المرأة على الرجل، ولو قتل الرجل خاصة ردت المرأة على
ورثة الرجل ديتها، ولو قتل المرأة خاصة أخذ من الرجل نصف الدية مع
التراضي.
ولو قتله حر وعبد فقتلهما الولي رد نصف دية الحر عليه، والزائد من قيمة
العبد عن النصف ما لم تتجاوز دية الحر على مولاه، وإن قتل الحر دفع المولى
العبد إلى ورثته ما لم تتجاوز قيمته النصف، وما ساوى النصف إن زادت، أو
يفديه بنصف الدية، وإن قتل العبد ولم تزد قيمته على النصف أخذ من الحر
نصف الدية مع التراضي، وإن زادت أعاد الحر على مولاه الزيادة، فإن كملت
الدية وإلا أخذ الولي التمام، ولو قتله عبد وامرأة فقتلهما الولي فلا رد إن لم تتجاوز
قيمة العبد النصف، وإلا رد الزائد على مولاه إن لم تتجاوز دية الحر، ولو قتل
المرأة أخذ العبد إن لم تزد قيمته على النصف، أو قدر النصف، وإن قتل العبد ولم
تزد قيمته على النصف أخذ من المرأة ديتها، وإن زادت ردت المرأة الزيادة ما لم
تتجاوز دية الحر، فإن نقصت فالتمام للولي، ويقدم الرد على الاستيفاء.
وتحصل الشركة بفعل كل منهم ما يقتل لو انفرد أو يكون له شركة في
السراية مع قصد الجناية، ولا يشترط تساوي الجناية، فلو جرحه وأخذ جرحا
432

وآخر مائة وسرى الجميع تساويا.
ولو قطع يد رجل وقتل آخر قدم القطع، وإن بدأ بالقتل، فإن سرى
القطع أخذت نصف الدية من تركته، ولو اقتص من قاطع يديه ثم سرت
جراحته فللولي القصاص في النفس، ولو قطع يهودي فاقتص المسلم وسرت
جراحته فللولي قتل الذمي، ولو طلب الدية أخذ، إلا دية يد ذمي، ولو اقتص
الرجل من يد المرأة ثم سرت جراحته فللولي القصاص، ولو طلب الدية أخذ إلا
الربع، ولو قطعت يده ورجله فاقتص ثم سرت فللولي القصاص لا الدية،
لاستيفاء ما يقوم مقامها.
وفي الكل إشكال ينشأ: من أن للنفس دية والمستوفي وقع قصاصا.
ولو اقتص من قاطع اليد ثم مات المجني عليه بالسراية ثم الجاني وقع
القصاص بالسراية موقعه، ولو تقدمت سراية الجاني فهدر، ويأخذ الولي نصف
الدية على إشكال.
ولو قتل الحر حرين فلوليهما قتله خاصة، فإن قتله أحدهما فللآخر الدية، ولو
قتلهما عبد دفعة تساويا، وعلى التعاقب يشتركان إن لم يحكم به للأول فيكون
للثاني، ويكفي في الحكم للأول اختيار الولي استرقاقه وإن لم يحكم الحاكم.
ولو قطع الحر يمين رجلين قطعت يمينه للأول ويسراه للثاني، ولو قطع يد
ثالث قيل: الدية، وقيل: الرجل، ولو لم يكن له يد ولا رجل فالدية.
ولو قتل العبد عبدين اشترك الموليان إن لم يختر مولى الأول استرقاقه قبل
الجناية الثانية فيكون للثاني، ولو اختار الأول المال فضمنه المولى فللثاني
القصاص والاسترقاق، وإن لم يضمن واسترقه الأول فقتله الثاني سقط حق الأول،
وإن استرقه اشتركا، ولو قتل عبدا لاثنين واختار أحدهما المال ملك بقدر حصته،
فإن قتله الآخر رد على شريكه بقدر نصيبه، ولو قتل عشرة أعبد عبدا فعلى كل
واحد عشر، فإن قتلهم مولاه أدى إلى مولى كل من فضل له من قيمة عبده عن
جنايته الفاضل، ولو لم يزد فلا رد، ولو طلب الدية تخير مولى كل واحد بين
433

دفع عبده أو ما يساوي جنايته منه، وبين فكه بالأقل على رأي، وبالأرش على
رأي، ولو قتل بعضا رد كل باق عشر الجناية، فإن قصر عن قيمة المقتولين أتم
مولى المقتول ما يعوز بعد إسقاط ما يصيبهم من الجناية.
المطلب الخامس: في شرائط القصاص:
وهي خمسة:
الأول: كون القتيل محقون الدم:
فلا يقتل المسلم بالمرتد والحربي والزاني المحصن واللائط والهالك بسراية
القصاص أو الحد ولا دية، وهؤلاء معصومون بالنسبة إلى الكافر، ومن عليه
القصاص معصوم في حق غير المستحق، فيقتص منه لو قتله.
الثاني: كون القاتل مكلفا:
فلا قصاص على المجنون والصبي وإن كان مميزا، بل تؤخذ الدية من
عاقلتهما، ولو قتل ثم جن قتل، ويصدقان لو ادعيا القتل حال الجنون أو الصبوة،
ويقتل البالغ بالصبي لا المجنون بل الدية، إلا أن يقصد الدفع فلا دية أيضا، وفي
السكران إشكال أقربه سقوط القود إلى الدية عليه، وكذا المبنج نفسه وشارب
المرقد، ولا قود على النائم بل الدية على خاصته، والأعمى كالمبصر على رأي.
الثالث: انتفاء أبوة القاتل:
فعلى الأب في قتل ولده الدية وإن تعمد، وكذا الجد وإن علا، ويقتل الابن
بأبيه والأم بولدها والجدات وإن كن للأب به والأجداد للأم وإن كانوا ذكورا
وجميع الأقارب، ولو قتل المجهول أحد المتداعيين قبل القرعة فلا قود وكذا لو
قتلاه، أما لو رجع أحدهما فإنه يقتل بعد دفع نصف الدية وعلى الأب نصف
الدية، ولو ولد على فراش المدعيين كالأمة أو الموطوءة بالشبهة فلا قود عليهما
434

وإن رجع أحدهما، بخلاف الأول لثبوت البنوة بالفراش لا الدعوى، وفيه نظر،
ولا يرث الولد القصاص ولا الحد، بل له الدية عن مورثه وللآخر القصاص والحد
كملا، ولو قتل أحد الأخوين أباه والآخر أمه فلكل القصاص على صاحبه ويقرع
في التقديم، ولو سبق أحدهما فلورثة الآخر القصاص منه.
الرابع: التساوي في الدين:
فلا يقتل مسلم وإن كان عبدا بكافر وإن كان ذميا حرا، بل يعزر ويغرم دية
الذمي. وإن اعتاد قتل الذمي قيل: يقتل بعد رد فاضل دية المسلم، ويقتل الذمي
بمثله وبالذمية بعد رد فاضل ديته عنها، والذمية بمثلها وبالذمي ولا رجوع، ولو
أسلم فلا قود، ويقتل الذمي بالمرتد، وبالعكس على إشكال إلا أن يرجع،
واليهودي بالنصراني والحربي وبالعكس، وولد الرشدة بالزنية، ولو قتل الذمي
مسلما عمدا دفع هو وماله إلى ورثة المسلم، ويتخيرون بين قتله واسترقاقه، قال
الشيخ: ويدفع ولده الصغار أيضا ويسترقون، وفيه نظر، فإن أسلم قبل
الاسترقاق فالقود خاصة.
ويشترط التكافؤ حال الجناية، فلو قطع مسلم يد ذمي فأسلم ثم سرت، أو
حر يد عبد فأعتق ثم سرت، أو صبي يد بالغ ثم بلغ ثم سرت فلا قود ولا
قصاص بل دية النفس، ولو قطع يد مرتد أو حربي فسرت بعد إسلامه فلا شئ،
ولو أسلم الذمي أو الحربي أو المرتد بعد الرمي قبل الإصابة فالدية كملا، وكذا
العبد لو أصابه السهم حرا، ولو قطع يد مسلم مثله فسرت مرتدا اقتص وليه
المسلم أو الإمام في اليد خاصة، وقال الشيخ: لا قصاص فيها، لدخوله في
قصاص النفس، ولو عاد عن غير فطرة قبل حصول السراية اقتص في النفس،
وكذا بعده على رأي، ولو كانت خطأ فالدية كملا، ولو جرح مسلم ذميا ثم
سرت بعد الردة فدية الذمي، ولو قتل المسلم مرتدا فلا قصاص ولا دية، ولو قتله
ذمي فالقود.
435

الخامس: التساوي في الحرية:
فلا يقتل حر بعبد ولا مكاتب تحرر أكثره ولا مدبر ولا أم ولد، فإن اعتاد
قيل: يقتل مع رد الفاضل، ويقتل بمثله وبالحرة مع رد فاضل ديته، والحرة
بمثلها وبالحر ولا غرم على رأي، ويقتل العبد بمثله وبالحر كله أو بعضه وبالأمة،
والأمة بمثلها وبالعبد، ويقتل المدبر وأم الولد والمكاتب المشروط وغير المؤدى
بالعبد وبالعكس، ولا يقتل من تحرر بعضه بعبد، ويقتل بمساويه في الحرية
وبالأزيد وبالحر.
ولو اشترى المكاتب أباه ثم قتله اقتص منه، ولو قتل غير أبيه من عبيده فلا
قصاص، ولو قتل المولى عبده عزر وكفر، قيل: ويتصدق بقيمته، ولو كان لغيره
غرم قيمته ما لم تتجاوز دية الحر فيقتصر عليها، ويقدم قوله في قدرها مع اليمين،
ولا تتجاوز بقيمة الأمة دية الحرة، ولو كان عبدا ذميا لذمي لم تتجاوز بالذكر دية
الذمي وبالأنثى دية الذمية.
ولا يضمن المولى جناية عبده، لكن يتخير الولي بين قتله واسترقاقه، وفي
الخطأ يتخير مولاه بين دفعه للاسترقاق وفكه بالأقل من الدية والقيمة أو بالأرش
على الخلاف، ولو جرح حرا اقتص في العمد، وإن طلب الدية فكه مولاه
بالأرش أو دفعه للاسترقاق، ولا يقتل وإن أحاطت الجناية بقيمته، ولو زادت قيمته
فالزائد للمولى.
ولو قتله مثله فلمولى المقتول قتله، ولو طلب الدية استعبده إن ساواه في
القيمة أو قصر، وإلا استرق بقدر قيمة المقتول، وفي الخطأ يتخير مولى القاتل في
فكه بقيمته أو دفعه ليسترق، ولو فضل منه شئ فله ولا يضمن الإعواز.
ولو افتك المولى المدبر فهو على تدبيره، ويبطل لو سلمه ليسترق في الخطأ
أو استرقه الولي في العمد، ويستسعي من انعتق بعضه لو قتل عبدا في نصيب
الحرية ويسترق نصيب الرقية، فتبطل كتابته أو يفديه مولاه أو يباع، وفي الخطأ
يفدي الإمام نصيب الحرية، ويتخير المولى بين فك الرقبة بنصيبها من الجناية أو
436

تسليم الحصة.
ولو قتل العبد مولاه عمدا فللولي القصاص، ولو قتل عبده فللمولى القصاص
وإن كانت قيمة الجاني أكثر، أما لو كان العبد لغيره لم يكن له القتل إلا بعد رد
الفاضل، وكذا الأمة لو قتلها عبد.
ولو سرت جناية الحر على العبد وقد تحرر فللمولى أقل الأمرين من قيمة
الجناية والدية عند السراية، كأن يقطع يد من قيمته الدية، ثم يقطع الآخر يده
بعد الحرية، ثم ثالث رجله، فللمولى ثلث الدية بعد النصف، ولو قطع يده ثم
سرت بعد الحرية فلا قصاص بل دية الحر، وللسيد نصف قيمته وقت الجناية
والباقي للورثة، فلو قطع آخر رجله بعد العتق وسرتا فعلى الأول نصف الدية
وعلى الثاني القصاص بعد رد نصف الدية، ولو اتحد القاطع وبرئ فللمولى
نصف القيمة وللمعتق القصاص في الثانية أو نصف الدية إن رضي الجاني، ولو
سرتا فللولي القود بعد رد ما يستحقه المولى، ولو اقتص في الرجل أخذ المولى
نصف قيمته وقت الجناية وفاضل دية اليد للولي إن زادت.
المقصد الثاني: في جناية الطرف:
فإن تعمد الجاني فالقصاص، وإلا الدية، ويتحقق العمد كما في القتل
وكالشروط هناك، ويقتص للرجل من المرأة وبالعكس، ولا رد ما لم يتجاوز
ثلث الدية فتنتصف المرأة، وكذا يتساويان في الدية ما لم يبلغ الثلث فتنتصف
المرأة.
ويشترط أمور ثلاثة:
الأول: تساويهما في السلامة:
فلا يقطع الصحيح بالأشل وإن بذله الجاني، ويقطع الأشل بالصحيح ما
لم يحكم العارف بعدم حسمه، ويقتص للكامل من الناقص ولا يضم أرش، ولا
يجوز العكس فيثبت الدية.
437

وحدقة العمياء ولسان الأخرس وذكر العنين كالأشل، وذكر الخصي
والشيخ والصبي والأغلف وأنف فاقد الشم وأذن الأصم والمثقوبة وسن الصبي
إذا لم يعد بعد سنة والمجذوم إذا لم يسقط منه شئ يساوي المقابل.
ولو قلع الأعور حدقة عين صحيح قلعت عينه وإن عمي، وبالعكس له
واحدة، وفي استرجاع التفاوت قولان، ولو كانت أذن المجني عليه مخرومة
اقتص إلى حد الخرم وأخذ أرش الباقي.
ولو عادت سن المتغر ناقصة أو متغيرة فالحكومة، ولو عادت كهيئتها
فالوجه الأرش، ولو عادت سن الصبي قبل السنة فالحكومة، ولو مات قبل اليأس
فالأرش، ولو عادت سن الجاني فليس للمقتص إزالتها، بخلاف الأذن.
ولو قطع ناقص الإصبع يد كامل اقتص، قال الشيخ: ويأخذ دية
الإصبع، واشترط في موضع آخر أخذه لديتها، ولو قطع إصبعا فسرت إلى
الكف فله القصاص في الكف، وليس له القصاص في الإصبع وأخذ دية الباقي،
ولو قطع يده مع بعض الذراع اقتص من الكوع وأخذ حكومة الزائد، ولو
قطع من المرفق اقتص لا غير، ولو كان ظفر المجني عليه متغيرا أو مقلوعا اقتص
في الإصبع، لكمال ديتها من غير ظفر.
ولا قصاص فيما فيه تغرير كالجائفة والمأمومة، ولا في الهاشمة والمنقلة، ولو
أذهب ضوء العين سملت عينه. وفي الحاجبين وشعر الرأس واللحية القصاص،
فإن نبت فالأرش خاصة، ولو خيف ذهاب منفعة البيضة بعد قطع الأخرى
فالدية.
وفي الشفرين القصاص، فإن قطعهما ذكر فالدية، ولو قطع الذكر فرجي
الخنثى، فإن ظهر رجلا فالقصاص في المذاكير وفي الشفرين حكومة، وإن بان
أنثى فالدية في الشفرين والأرش في المذاكير، - ويظهر من ذلك حكم الأنثى لو
قطعت - ولا يجاب لو طلب القصاص قبل الظهور، ولو طلب الدية أعطي أقلهما
وكذا الحكومة، ولو طلب دية أحدهما وتأخير قصاص الآخر لم يكن له، ولو
438

كان القاطع خنثى اقتص مع ظهور الاتفاق، وإلا الدية في الأصلي والحكومة في
الزائد.
الثاني: الاتفاق في المحل:
فتقطع اليمنى بمثلها لا باليسرى، والسبابة بمثلها لا بالوسطى، ولا زائدة
بمثلها مع تفاوت المحل، ولو قطع اليمنى فاقدها قطعت يسراه، فإن فقدت
فالرجل، ولو قطع أيدي جماعة على التعاقب قطعت أربعة بالأول فالأول وللباقي
الدية.
ولو بذل يسراه فقطعها المقتص جاهلا فالوجه بقاء القصاص، ويؤخر حتى
يندمل ويدفع إليه دية اليسرى، إلا أن يبذل مع سماع الأمر باليمنى وعلمه بعدم
إجزاء اليسرى، ولو قطعها مع العلم ففي القصاص إشكال والأقرب الدية، وكل
موضع يضمن الدية في اليسرى يضمن السراية، وإلا فلا، ولو اتفقا على قطعها بدلا
لم يجز وعليه الدية وله القصاص، ولو اختلفا فالقول قول البذل لو أنكر دعوى
بذلها مع العلم لا بدلا، ولو بذل للمجنون فقطع فهدر وحق المجنون باق، ولو
سبق المجنون فاقتص من غير بذل لم يسقط قصاصه، ودية فعله على عاقلته.
ويعتبر في الشجة الطول والعرض لا النزول بل الاسم، فيقاس بخيط ويشق
بقدره دفعة أو دفعات إن شق على الجاني، ولو كان رأس الشاج أصغر
استوعبناه وأخذ أرش الزائد بنسبة المتخلف إلى أصل الجرح، ولو انعكس لم
يستوعب في القصاص، بل اقتصر على قدر المساحة.
ويقتص في السن مع اتفاق المحل، فلا يقلع ضرس ولا ضاحك بثنية،
ولا أصلية بزائدة، ولا زائدة بزائدة مع تغاير المحل، وكذا الأصابع.
الثالث: التساوي في العدد:
فلو قطع يدا زائدة إصبعا ويده كذلك اقتص منه، ولو كانت الزائدة
439

للجاني خارجة عن الكف اقتص في الكف، وإن كانت في سمت
الأصابع قطع الأصابع وأخذ حكومة الكف، ولو اتصلت بالبعض قطعت الأربع وأخذ دية
الإصبع وحكومة الكف، ولو كانت للمجني عليه فله القصاص ودية الزائدة، ولو
كانت إحدى الخمس زائدة للجاني قطعت، فإن الناقص يؤخذ بالكامل، إلا أن
يختلف المحل، فيأخذ دية الزائدة ويقتص في أربع، وكذا لو كانت للمجني
عليه، ولو تساويا اقتص مع اتفاق المحل.
ولو كان لقاطع اليد ست أصول قطع خمس أصابعه ودفع حكومة اليد،
ولو كان فيها زائدة واشتبهت فلا قصاص، ولو كان لإصبع أربع أنامل متساوية
فقطع صاحبها أنملة معتدل قطعت واحدة، وهل يطالب بما بين الربع والثلث؟
إشكال، ولو كان لأنملة طرفان ثبت القصاص مع التساوي، وإلا اقتص وأخذ
أرش الآخر، ولو كانت للجاني فلا قصاص وللمجني دية أنملته.
ولو قطع الوسطى ممن لا عليا له اقتص بعد رد دية العليا، ولو قطع عليا
ووسطى من شخصين أخر ذو الوسطى إلى أن يقتص ذو العليا، فإن عفا فلذي
الوسطى القصاص بعد رد دية العليا، ولو سبق ذو الوسطى بالقصاص فعليه دية
العليا، ولذي العليا على الجاني الدية.
ولو ادعى الجاني نقصان إصبع قدم قول مدعي السلامة - سواء ادعى زوالها
طارئا، أو نفي السلامة أصلا - على إشكال، ولو ادعى قاطع اليدين والرجلين
الموت بالسراية صدق باليمين مع قصر الزمان، والولي مع احتمال الاندمال، فإن
اختلفا في المدة قدم قول الجاني، ولو قطع يدا وانعكست الدعوى قدم قول
الجاني مع مضي مدة إمكان الاندمال، وإلا قول الولي، ولو اختلفا في المدة قدم
قول الولي على إشكال، ولو ادعى الولي حياة المقطوع بنصفين في الكساء أو
الموت بالسراية، وادعى الجاني موته أو موت المجروح بشرب السم، تعارض
أصل السلامة وعدم الشرب مع أصل البراءة وعدم الموت بالسراية، فيرجح
الجاني.
440

ولو قطع إصبع رجل ويد آخر اقتص للأول ثم للثاني، ويرجع بدية
إصبعه عليه للمتأخر من ذي الإصبع واليد، ولو قطع عدة أعضاء خطأ فعليه ديتها
وإن كانت أضعاف الدية إن اندملت، وإلا فالدية، وهل له المطالبة بالجميع قبل
الاندمال؟ الوجه لا، ولو اندمل البعض ثم سرى الباقي أخذ دية المندمل ودية
النفس.
ويؤخر القصاص في شدة الحر والبرد إلى اعتدال النهار، ولا قصاص بغير
الحديد، ولو قلع العين قلعت بحديدة معوجة، ولو قطع بعض الأنف نسبناه إلى
الأصل وأخذ من الجاني بتلك النسبة لا بقدر المساحة، وكل عضو يقاد فمع
عدمه الدية، كأن يقطع إصبعين وله واحدة، ولو طلب القصاص قبل الاندمال
فله.
ويقتص من الجماعة للواحد، فلو قطع يده اثنان قطع يدهما ورد الفاضل،
وله قطع أحدهما، فيرد الآخر عليه قدر جنايته وتحصل الشركة بالاشتراك في
الفعل، ولو قطع كل جزء أو وضعا اليد متوسطة بين آلتيهما واعتمدا فلا شركة،
وعلى كل واحد قصاص جنايته لا قطع يده.
ويقسم قيمة العبد على أعضائه كالحر، فما فيه واحد فيه القيمة، وفي الاثنين
القيمة، وفي كل واحد النصف وهكذا، فالحر أصل للعبد في المقدر، وبالعكس
في غيره، ولو جنى الحر بما فيه الكمال تخير المولى بين دفعه وأخذ قيمته وبين
إبقائه بغير شئ، ولو قطع يده ثم آخر رجله فعلى كل واحد النصف والعبد للمولى.
تتمة في العفو:
ويصح من المستحق قبل الثبوت عند الحاكم وبعده لا قبل الاستحقاق،
ومن وليه مع الغبطة - إما بعوض أو مجانا - ومن الوارث، فإن استحق الطرف
والنفس فعفا عن أحدهما لم يسقط الآخر، ولو عفا مقطوع الإصبع قبل الاندمال
441

عن الجناية صح ولا دية.
فلو سرت إلى الكف فله دية الكف وسقطت جناية الإصبع، ولو سرت إلى
النفس فلوليه القصاص فيها بعد رد دية الإصبع، ولو قال عفوت عنها وعن
سرايتها، قال الشيخ: صح من الثلث لأنه كالوصية، ولو قيل: لا يصح لأنه إبراء
مما لم يجب كان وجها.
ولو أبرأ العبد الجاني بما يتعلق برقبته لم يصح، وإن أبرأ سيده صح، ولو
قال: عفوت عن أرش الجناية صح، ولو أبرأ القاتل خطأ لم يصح، ولو أبرأ
العاقلة أو قال: عفوت عن أرش الجناية صح، ولو أبرأ العاقلة في العمد أو شبهه لم
يبرأ القاتل، ولو أبرأ القاتل أو قال: عفوت عن الجناية سقط حقه.
وحكم الخطأ الثابت بالإقرار حكم شبيهه، ولو عفا بعد قطع يد من يستحق
قتله قصاصا فاندملت صح العفو، وإن سرت ظهر بطلان العفو، وكذا لو عفا بعد
الرمي قبل الإصابة.
المقصد الثالث: في الدعوى:
وفيه بحثان:
الأول:
يشترط في دعوى القتل أمور خمسة:
الأول: التكليف في المدعي حالة الدعوى لا الجناية.
فلا تسمع دعوى الصبي والمجنون، بل يدعي لهما وليهما، وتسمع الدعوى
وإن كان حال الجناية حملا.
الثاني: استحقاقه حالة الدعوى، فلا يسمع دعوى الأجنبي، وتسمع دعوى
المستحق وإن كان أجنبيا وقت الجناية، ولا تسمع دعوى استحقاق القصاص من
الزوج والزوجة، وتسمع دعواهما للعمد، ويثبت لهما الدية.
الثالث: تعلق الدعوى بشخص معين أو أشخاص معينين.
442

فلو قال: قتله أحد هؤلاء العشرة ولا أعرف عينه أحلفوا، وكذا في دعوى
الغصب والسرقة، أما في المعاملات فإشكال، ينشأ من تقصيره بالنسيان،
والأقرب السماع، ولو أقام بينة سمعت وأفادت اللوث لو خص الوارث أحدهم،
ولو ادعي على جماعة يتعذر اجتماعهم كأهل البلد لم تسمع، وكذا لو ادعي على
غائب لامتناع المباشرة منه، ولو رجع إلى الممكن صح، ولو ادعى أنه قتل مع
جماعة لا يعرف عددهم سمعت وقضي بالصلح.
الرابع: تحرير الدعوى في كونه عمدا أو خطأ أو شبيها به، وانفراد القاتل
واشتراكه.
وفي سماع الدعوى المطلقة نظر، أقربه السماع، ويستفصله الحاكم، وليس
تلقينا بل تحقيقا للدعوى، ولو لم يبين طرحت ولم يحكم بالبينة عليها.
الخامس: عدم التناقض، فلو ادعي على شخص الانفراد ثم ادعى على غيره
الشركة لم تسمع الثانية، وكذا لو ادعي على الثاني الانفراد، ولو أقر الثاني ثبت
حق المدعي، ولو ادعى العمد ففسره بالخطأ أو بالعكس لم تبطل دعوى أصل
القتل، ولو قال: ظلمته بأخذ المال وفسر بكذب الدعوى والقسامة استرد، ولو
فسر بأنه حنفي لا يرى القسامة لم يعترض، وكذا لو قال: هذا المال حرام، ولو
فسره بنفي ملك الباذل، فإن لم يعين المالك أقر في يده، وإلا دفعه إلى من عينه،
ولا يرجع على القاتل من غير بينة.
البحث الثاني: فيما به تثبت الدعوى:
وفصوله ثلاثة:
الأول: الإقرار:
ويكفي المرة على رأي من البالغ العاقل المختار الحر، فلو أقر الصبي أو
المجنون أو السكران أو المكره أو العبد لم يثبت، ولو صدق المولى عبده ثبت،
ولو اعترف السفيه أو المفلس بالعمد لزم، ولا يقبل في الخطأ في حق الغرماء بل
443

في حقه لو زال حجره، ولو أقر بقتله عمدا فأقر آخر بقتله خطأ تخير الولي تصديق
أحدهما ولا سبيل له على الآخر، ولو أقر الثاني بقتله ورجع الأول درئ عنهما
القصاص والدية وأخذت الدية من بيت المال.
الفصل الثاني: في البينة:
وشروطها أربعة:
الأول: العدد، ولا يثبت موجب القصاص إلا بعدلين وإن عفا على مال،
ويثبت ما تجب به الدية بهما وبرجل وامرأتين وبشاهد ويمين، كالخطأ والمأمومة
والهاشمة وغيرها، ولو شهدت بهاشمة مسبوقة بإيضاح لم يثبت الهشم في حق
الأرش كما لم يثبت الإيضاح، ولو شهدت أنه رمى زيدا فمرق فأصاب غيره خطأ
ثبت الخطأ.
الثاني: خلوص الشهادة عن الاحتمال، مثل ضربه بالسيف فمات، أو فأنهر
دمه فمات، أو فأجراه فمات في الحال، أو لم يزل مريضا حتى مات وإن طالت
المدة، أو ضربه فأوضحه هذه، ولو قالوا أوضحه مطلقا ووجدت موضحتان
فالدية، ولو قال: اختصما ثم افترقا وهو مجروح، أو ضربه فوجدناه مشجوجا أو
فجرى دمه لم يقبل، ولو قال: أسال دمه فمات قبلت في الدامية، ولو شهد بأنه
جرح وأجرى الدم لم يقبل حتى يشهد بالقتل، ولو شهد بأنه قتله بالسحر لم
يقبل.
الثالث: الاتحاد، فلو اختلفا في الزمان أو المكان أو الآلة لم يثبت، وفي كونه
لوثا إشكال، ينشأ من التكاذب، ولو شهد أحدهما بالإقرار والآخر بالفعل لم يثبت
وكان لوثا، ولو شهد أحدهما بالإقرار بمطلق القتل والآخر بالإقرار بالعمد ثبت أصل القتل
وصدق الجاني في العمدية وعدمها، ولو شهد بالقتل عمدا والآخر
444

بالمطلق ثبت اللوث وحلف المدعي القسامة، ولو قال أحدهما قتله عمدا وقال
الآخر خطأ ففي ثبوت أصل القتل إشكال، ولو شهدا بالقتل على واحد وآخران به
على غيره فلا قصاص، والدية عليهما في العمد وفي الخطأ على عاقلتهما، ويحتمل
تخيير الولي، ولو شهدا عليه بالعمد فأقر آخر أنه القاتل وبرئ الأول احتمل
التخيير في قتل أحدهما، وفي الرواية المشهورة: تخييره في قتل المشهود عليه فيرد
المقر عليه نصف الدية، وقتل المقر ولا رد، وقتلهما فيرد الولي على المشهود عليه
نصف الدية خاصة، وفي أخذ الدية منهما.
الرابع: انتفاء التهمة، فلو شهدا على اثنين فشهد المشهود عليهما به من غير
تبرع، فإن صدق الولي الأولين خاصة حكم بهما، وإلا طرح الجميع، ولو شهدا
على أجنبي فهما دافعان، ولو شهد أجنبيان على الشاهدين من غير تبرع تخير الولي،
ولو شهد الوارث بالجرح قبل الاندمال لم تسمع، ولو أعادها بعده قبلت،
ولو شهدا على الجرح وهما محجوبان ثم مات الحاجب أو بالعكس فالنظر إلى
حال الشهادة.
وقضى علي عليه السلام في ستة غلمان غرق أحدهم في الفرات - فشهد اثنان
على الثلاثة بالتغريق والثلاثة على الاثنين به - فقسمت الدية أخماسا: على الثلاثة
خمسان، والثلاثة على الاثنين.
الفصل الثالث: القسامة:
وأركانها ثلاثة:
الأول: في المحل:
إنما تثبت في موضع اللوث، وهو: أمارة يغلب على الظن معها صدق
المدعي وإن لم يوجد أثر القتل، كالشاهد الواحد، أو جماعة الفساق أو النساء
مع ظن ارتفاع المواطاة، أو جماعة الصبيان والكفار إن بلغوا التواتر، ولو وجد
445

قتيلا وعنده ذو سلاح عليه دم، أو في دار قوم، أو محلة منفردة عن البلد لا يدخلها
غيرهم، أو في صف مقابل للخصم بعد المراماة فلوث، وكذا في محلة مطروقة
بينهم وبينه عداوة، أو في قرية كذلك، ولو انتفت العداوة فلا لوث، ولو وجد
بين قريتين فاللوث لأقربهما أو لهما مع التساوي، ولو وجد في زحام أو على
قنطرة أو بئر أو جسر أو جامع عظيم أو شارع أو في فلاة فالدية على بيت المال،
وقول المجروح: قتلني فلان ليس لوثا، ولو وجد قتيلا في دار فيها عبده فلوث.
ويرتفع اللوث بالشك: كأن يوجد بقرب المقتول مع ذي السلاح
الملطخ سبع - ولو قال الشاهد: هذا قتل أحد هذين لم يكن لوثا، بخلاف قتله
أحد هذين - أو يدعي الجاني الغيبة عن الدار إذا ادعى الولي القتل على أحدهم،
فإذا حلف سقط بيمينه أثر اللوث، فإن أقام على الغيبة بينة بعد الحكم بالقسامة
بطلت القسامة واستعيدت الدية، ولو ظهر اللوث في أصل القتل دون كونه عمدا
أو خطأ لم يسقط القسامة، والأقرب أن تكذيب أحد الورثة يبطل اللوث بالنسبة
إليه فلو قال أحدهما: قتل أبانا زيد وآخر لا أعرفه، وقال الآخر: قتله عمرو وآخر
لا أعرفه فلا تكاذب، ومع انتفاء اللوث يكون اليمين واحدة على المنكر كغيره
من الدعاوي.
الثاني: في الكيفية:
ويحلف المدعي مع اللوث خمسين يمينا في العمد والخطأ على رأي، وفيما
يبلغ الدية من الأعضاء على رأي، وإلا فبالنسبة من الخمسين، ولو كان للمدعي
قوم حلف كل واحد يمينا إن كانوا خمسين، وإلا كررت عليه، ولو كان
المدعون جماعة قسطت الخمسون عليهم بالسوية، ولو لم يكن له قسامة وامتنع
منها أحلف المنكر خمسين يمينا إن لم يكن له قوم، وإلا أحلف كل واحد يمينا،
فإن نكل ولم يكن له قسامة ألزم الدعوى، ولو تعدد المدعى عليهم فعلى كل
واحد خمسون.
446

ويشترط ذكر القاتل والمقتول بما يرفع الاشتباه، والانفراد والشركة ونوع
القتل، ولا يجب أن النية نية المدعي، ولو ثبت اللوث على أحد المنكرين حلف
المدعي قسامة خمسين يمينا له وأحلف الآخر يمينا واحدة، فإن قتل رد عليه
النصف.
الركن الثالث: الحالف:
وهو: كل مستحق قصاص أو دية، أو دافع أحدهما عنه، أو قوم أحدهما
معه.
ويشترط علمه، ولا يكفي الظن، ولا يقسم الكافر على المسلم، وللمولى مع
اللوث إثبات القسامة في عبده، ولو ارتد المولى منع القسامة، فإن حلف قيل:
صح، ويقسم المكاتب في عبده، فإن عجز قبل الحلف والنكول حلف السيد،
وإن كان بعد النكول لم يحلف، ولو مات الولي حلف وارثه إن لم ينكل الميت،
ولو قتل عبده فأوصى بقيمته لمستولدته ومات فللورثة أن يقسموا وإن كانت القيمة
للمستولدة، لأن لهم حظا في تنفيذ الوصية، فإن نكلوا فللمستولدة القسامة على
إشكال، وكذا الإشكال في قسامة الغرماء لو نكل الوارث، فإن لم يقسموا فلهم
يمين المنكر.
ومن قتل ولا وارث له فلا قسامة، ولو غاب أحد الوليين حلف الحاضر
خمسين وأثبت حقه ولم يرتقب، فإن حضر الغائب حلف خمسا وعشرين وكذا
لو كان أحدهما صغيرا، ولو جن قبل الإكمال ثم أفاق أكمل، ولو مات في الأثناء
قال الشيخ: يستأنف الوارث لئلا يثبت حقه بيمين غيره.
ولا يشترط في القسامة حضور المدعى عليه، وإذا استوفى بالقسامة فأقر آخر
بقتله منفردا لم يكن للولي إلزامه على رأي، ولو التمس الولي حبس المتهم قيل:
يجاب إليه.
447

تتمة:
تجب كفارة الجمع بالقتل العمد العدوان، والمرتبة بالخطأ مع المباشرة لا
التسبيب في المسلم وإن كان عبدا صغيرا أو مجنونا، وفي قتل المولى عبده، ولو
قتل مسلما في دار الحرب من غير ضرورة عالما فالقود والكفارة، ولو ظن كفره
فالكفارة، ولو ظهر أسيرا فالدية والكفارة، ولو اشترك جماعة فعلى كل واحد
كفارة كاملة، وتجب على العامد وإن قتل قودا وعلى قاتل نفسه، ولو تصادمت
الحاملتان ضمنت كل واحدة أربع كفارات إن ولجت الروح الحمل، ولو لم
تلجه الروح فلا كفارة فيه، ولا تجب بقتل الكافر مطلقا.
448

كتاب الديات
ومقاصده ستة:
الأول: في الموجب:
وهو: الإتلاف مباشرة أو تسبيبا.
الأول: المباشرة:
وهي: فعل ما يحصل معه الإتلاف لا مع القصد، فالطبيب يضمن ما يتلف
بعلاجه إن قصر، أو عالج طفلا أو مجنونا لم يأذن الولي، أو بالغا لم يأذن ولو
كان حاذقا، وإن أذن له البالغ فآل إلى التلف ضمن على رأي في ماله، وهل يبرأ
بالإبراء قبله؟ فيه قولان.
ويضمن العاقلة ما يتلفه النائم بانقلابه وإن كانت ظئرا للضرورة، وإن كانت
للفخر فالدية في مالها.
ويضمن المعنف بزوجته بجماعه قبلا أو دبرا ويضمنه في ماله، وكذا الزوجة
وحامل المتاع إذا كسره أو أصاب به غيره والصائح بالمريض أو المجنون أو
الطفل أو العاقل مع غفلته أو بالمفاجأة بالصيحة مع التلف في ماله، وكذا
المشهر سيفه في الوجه، ولو فر فألقى نفسه في بئر أو من سقف أو صادفه في هربه
سبع قال الشيخ: لا ضمان، ولو كان أعمى ضمن، أو مبصرا ولا يعلم البئر أو
انخسف به السقف أو اضطره إلى مضيق فافترسه الأسد ضمن، والصادم هدر.
449

ويضمن دية المصدوم في ماله إذا لم يفرط - بأن يقف في المضيق - على
إشال، ولو تعثر بالجالس في المضيق ضمن الجالس، ولو تعثر بقائم فالعاثر هدر
والقائم مضمون عليه، لأن القيام من مرافق المشي بخلاف القعود، ولو مات
المتصادمان فلورثة كل نصف ديته ونصف قيمة فرسه على الآخر ويقع التقاص
في الدية، ولو ركب الصبيان بأنفسهما أو أركبهما الوليان فنصف دية كل منهما
على عاقلة الآخر، ولو أركبهما أجنبي فديتهما عليه، ولو كانا عبدين تهادرا ولا
يضمن المولى، ولو مات أحد المتصادمين فعلى الآخر نصف ديته، ولو كانا
حاملين فعلى كل واحدة نصف دية الجنين، ولو مر بين الرماة فديته على عاقلة
الرامي، إلا أن يسمع التحذير ويتمكن من العدول، ولو قرب البالغ صبيا
فالضمان عليه لا على الرامي على إشكال.
ويضمن الختان حشفة الغلام لو قطعها، ولو وقع على غيره من علو قصدا
والوقوع قاتل قتل، وإلا فالدية، ولو اضطر أو قصد الوقوع لغير ذلك فالدية
على العاقلة، ولو ألقاه الهواء أو زلق فلا ضمان، ولو أوقعه غيره ضمنهما، ولو
قمصت المركوبة بنخس ثالثة فصرعت الراكبة فالدية على الناخسة إن ألجأت،
وإلا القامصة، وقيل: بينهما، وقيل: عليهما الثلثان.
ويضمن المخرج ليلا حتى يرجع، فإن عدم فالدية، وإن وجد مقتولا
فالقصاص، ولو ادعاه على غيره بالبينة برئ، ولو وجد ميتا ففي الضمان إشكال،
ولو أنكر الولد أهله صدقت الظئر ما لم يعلم كذبها فتضمن الدية إلا أن تحضره أو
من يشتبه به، ولو استأجرت أخرى وسلمته ضمنته.
وعن الصادق عليه السلام في لص جمع الثياب ووطأ المرأة مكرها وقتل
ولدها الثائر فلما خرج قتلته، ضمن أولياء اللص دية الولد، ودفع أربعة آلاف
درهم إلى المرأة من تركته لمكابرتها على فرجها، وليس عليها ضمانه.
وعنه عليه السلام في امرأة أدخلت ليلة البناء بها صديقها إلى الحجلة فقتله
زوجها فقتلت الزوج، تضمن المرأة دية الصديق وقتلها بالزوج.
450

وعن علي عليه السلام في أربعة سكروا فجرح اثنان وقتل اثنان، أن دية
المقتولين على المجروحين، ووضع أرش الجراحات منها.
الثاني: التسبيب:
وهو ما لا يحصل التلف إلا معه بغيره كوضع الحجر في الطريق أو ملك
غيره فتلف العاثر، فيضمن في ماله، ولو وضعه في ملكه أو مباح لم يضمن، وكذا
لو نصب سكينا فمات العاثر، أو حفر بئرا في الطريق أو ملك غيره، فلو رضي
المالك به أو كان في الطريق لمصلحة المسلمين فلا ضمان.
ويضمن معلم السباحة في ماله لو غرق الصغير لا البالغ الرشيد، ولو رمى
مع غيره بالمنجنيق فقتله سقط ما قابل فعله وضمن الباقون في مالهم حصصهم،
ويتعلق الضمان بمن يمد الحبال لا ممسك الخشب وغيره، وكذا لو اشتركوا في
هدم حائط فوقع على أحدهم.
ويضمن الراكب والقائد ما تجنيه الدابة بيديها ورأسها، فإن وقف أو ضربها
أو ساقها ضمن جناية يديها ورجليها، ولو ركبها اثنان تساويا، ولو كان صاحبها
معها ضمن دون الراكب، ولو ألقت الراكب لم يضمن المالك وإن كان معها، إلا
أن ينفرها، ولو أركب مملوكه الصغير ضمن جناية الراكب، ويتعلق برقبة البالغ
وفي المال يتبع.
والآذن لغيره في دخول منزله يضمن جناية الكلب، وإلا فلا، ويجب حفظ
الصائلة فيضمن جنايتها لو أهمل، ولو جهل حالها أو لم يفرط فلا ضمان، ولا
يضمن الدافع والهر كذلك، ولو جنت الداخلة ضمن صاحبها مع التفريط، ولا
يضمن صاحب الأخرى جنايتها.
ولو سقط الإناء الموضوع على حائطه فلا ضمان لما يتلف به، ولا يضمن
صاحب الحائط بوقوعه على أحد، فإن بناه مائلا إلى الطريق، أو بناه في غير ملكه،
أو مال بعد بنائه إلى الطريق أو غير ملكه وتمكن من الإزالة ضمن، ولو وقع قبل
451

التمكن فلا ضمان، ولا يضمن ناصب الميزاب إلى الطريق بوقوعه، وكذا
الرواشن.
ولو أجج نارا في ملكه لم يضمن لو سرت إلى غيره، إلا مع الزيادة عن قدر
الحاجة وغلبة الظن بالتعدي كأيام الهواء، ولو عصفت بغتة فلا ضمان، ولو أجج
في ملك غيره ضمن الأنفس والأموال، ولو قصده قيد بالنفس مع تعذر الفرار.
ولو بالت دابته في الطريق قال الشيخ: يضمن لو زلق فيه غيره، ولو ألقى
قمامة المنزل المزلقة أو رش الدرب قال: يضمن، والوجه تخصيص الضمان بمن
لم يشاهد القمامة والرش.
ولو اصطدمت سفينتان ضمن القيمان كل منهما نصف السفينتين وما فيهما
من مالهما مع التفريط، وكذا الحمالان، ولو كانا مالكين فلكل على صاحبه
نصف قيمة ما أتلفه، ولو لم يفرطا بأن غلبهما الهواء فلا ضمان، ولا يضمن صاحب
الواقفة لو وقعت عليها الأخرى، ويضمن صاحب الواقفة لو فرط، ولو أصلح
السفينة حال السير أو أبدل لوحا أو أراد رم موضع فانهتك ضمن في ماله.
ولو وقع في زبية الأسد فتعلق بثان والثاني بثالث والثالث برابع، فعن علي
عليه السلام: أن الأول فريسة الأسد وعليه ثلث دية الثاني، وعلى الثاني ثلثا دية
الثالث، وعلى الثالث دية الرابع.
ويحتمل وجوب دية الثاني على الأول والثالث على الثاني والرابع على
الثالث، ولو شرك بين مباشر الإمساك والمشارك بالجذب، فعلى الأول دية
ونصف وثلث، وعلى الثاني نصف وثلث، وعلى الثالث ثلث.
ولو جذب الأول ثانيا إلى بئر والثاني ثالثا وماتوا بوقوع كل منهم على
صاحبه، فالأول مات بفعله وفعل الثاني فيسقط مقابل فعله، والثاني مات بجذبه
الثالث وبجذب الأول فيسقط مقابل فعله، ولا ضمان على الثالث وله دية كاملة،
فإن رجحنا المباشر فديته على الثاني، وإلا عليهما.
ولو صاح بصغير فارتعد وسقط من سطح ضمن، ولو خوف حاملا
452

فأجهضت ضمن الجنين، ولو حفر في ملكه بئرا فسقط جدار جاره فلا ضمان، ولو
حفر بئرا قريبة العمق فعمقها آخر فالضمان على الأول، ويحتمل التساوي.
(ولو تصادمت مستولدتان بعد التكون علقة، وقيمة إحديهما مائتان
والأخرى مائة، فلصاحب النفيسة مائة وعشرون، وعلى صاحب الخسيسة مائة،
لأنها أقل الأمرين، وله سبعون، فيفضل عليه ثلاثون).
المقصد الثاني: في من تجب عليه:
يجب دية العمد وشبهه على الجاني في ماله، ودية الخطأ على العاقلة، فهنا
مطالب:
الأول:
جهة العقل أربعة: العصوبة، والعتق، وضمان الجريرة، والإمامة.
فالعصبة كل من يتقرب بالأب أو بالأبوين من الذكور البالغين العقلاء،
كالأخوة وأولادهم والعمومة وأولادهم وإن كان غيرهم أولى بالميراث، قال
الشيخ: ولا يدخل الآباء والأولاد، ولا يشركهم القاتل ولا الفقير، ويعتبر فقره
عند المطالبة، ويقدم المتقرب بالأبوين على المتقرب بالأب.
ويعقل المولى من أعلى لا من أسفل، ويعقل الضامن لا المضمون، وتقدم
العصبة ثم المعتق ثم ضامن الجريرة ثم الإمام، ولا تعقل العاقلة عبدا ولا صلحا
ولا عمدا مع وجود القاتل وإن أوجبت الدية كقتل الأب ولده، ولا ما يجنيه على
نفسه خطأ ولا إقرارا، ودية جناية الذمي في ماله وإن كانت خطأ، فإن عجز فعلى
الإمام، وتحمل العاقلة دية الموضحة فما زاد، وللشيخ قولان فيما دونهما.
الثاني: في كيفية التوزيع:
وتقسط على الغني نصف دينار وعلى الفقير ربع دينار، وقيل: بحسب ما
يراه الإمام، وتؤخذ من الأقرب، فإن ضاقت فمن الأبعد أيضا، فإن ضاقت فمن
453

المعتق، فإن ضاق فمن عصبة المعتق، فإن ضاقت فمن معتق المعتق، فإن ضاقت
فمن عصبة معتق المعتق، فإن ضاقت فمن معتق معتق المعتق، فإن فقد فمن معتق
أب المعتق، فإن فقد فمن عصبة معتق أب المعتق وهكذا، ولو زادت الدية عن
العاقلة أجمع فمن الإمام، وقيل: من القاتل، ولو زادت العاقلة عن الدية لم يخص
البعض، ولو غاب البعض لم يخص الحاضر.
ويستأدى دية الخطأ في ثلاث سنين من حين الموت، وفي الطرف من حين
الجناية، وفي السراية من حين الاندمال، ولا يتوقف الأجل على الحاكم، ولو مات
بعض العاقلة بعد الحلول لم تسقط عن تركته، ولو هرب قاتل العمد وشبيهه أو
مات أخذت من الأقرب إليه ممن يرث ديته، فإن فقد فمن بيت المال.
قال الشيخ: ويستأدى الأرش بعد حول إن لم يزد على الثلث، وإلا أخذ
الزائد بعد الحول الثاني، ولو كان أكثر من الدية كاليدين والرجلين لاثنين حل
لكل واحد ثلث بعد سنة، وإن كان لواحد حل له ثلث لكل جناية سدس.
الثالث: في الأحكام:
فلا يعقل إلا من عرف كيفية انتسابه إلى القاتل، ولا يكفي كونه من القبيلة،
ولو قتل الأب ولده خطأ فالدية على العاقلة، وأجود القولين منعه من الإرث فيها لا
في التركة، ولا يضمن العاقلة جناية بهيمة ولا إتلاف مال وإن كان المتلف صبيا
أو مجنونا.
ولو رمى طائرا ذميا ثم أسلم فقتل السهم مسلما، لم تعقل عصبته المسلمون
لأنه حال الرمي ذمي، ولا الكفار لتجدد إسلامه، فيضمن الدية في ماله، ولو رمى
طائرا مسلما ثم ارتد ثم أصاب مسلما لم تعقل عصبته المسلمون على إشكال، ولا
الكفار.
والشركاء في عتق عبد واحد كالواحد يلزمهم نصف دينار، فإن مات
أحدهم لم يضمن عصبته أكثر من حصته.
454

والمتولد بين عتيقين يعقله مولى الأب، فإن كان الأب رقيقا عقله مولى الأم،
فإن أعتق الأب انجر الولاء، فإن جنى الولد قبل جر الولاء فأرش الجناية على
مولى الأم والزائد بالسراية بعد الانجرار على الجاني، لأنه نتيجة جناية قبل الجر
فلا يحمله مولى الأب، وحصل بعد الجر فلا يحمله مولى الأم، وهو بين موال فلا
يحمله الإمام.
المقصد الثالث: في دية النفس:
المقتول إما مسلم ومن هو بحكمه، أو كافر، والثاني لا دية له إلا أن يكون
يهوديا أو نصرانيا أو مجوسيا، فديته ثمانمائة درهم إن كان ذكرا حرا، وإن كان
عبدا فقيمته ما لم تتجاوز دية مولاه، وإن كان أنثى فأربعمائة درهم، وإن كانت أمة
فقيمتها ما لم تتجاوز دية الذمية، وحكم أطفالهم حكمهم، وفي المسلم عبد الذمي
إشكال.
وأما المسلم ومن هو بحكمه من الأطفال المولودين على الفطرة أو الملتحق
بإسلام أحد أبويه، فإن كان حرا ذكرا وكان القتل عمدا فديته أحد الستة: إما
ألف دينار، أو ألف شاة، أو عشرة آلاف درهم، أو مائتا حلة هي أربعمائة ثوب
من برود اليمن، أو مائة من مسان الإبل، أو مائتا بقرة، وتستأدى في سنة واحدة
من مال الجاني، ويتخير الجاني في بذل أيها شاء، ولا تجزئ المراض ولا القيمة.
ودية شبه العمد ثلاث وثلاثون حقة وثلاث وثلاثون بنت لبون وأربع
وثلاثون ثنية طروقة الفحل، أو أحد الخمسة المذكورة من مال الجاني في سنتين،
ويرجع في معرفة الحامل إلى العارف، فإن ظهر الغلط وجب البدل، وكذا لو
أزلقت قبل التسليم وإن أحضر، وإن كان بعده فلا شئ.
ودية الخطأ المحض أحد الخمسة، أو مائة من الإبل: عشرون بنت مخاض
وعشرون ابن لبون ذكر وثلاثون بنت لبون وثلاثون حقة من مال العاقلة،
وتستأدى في ثلاث سنين وإن كانت دية طرف.
455

ولو قتل في الشهر الحرام أو الحرم ألزم دية وثلثا، ولا تغليظ في الأطراف،
ولو رمى في الحل فقتل في الحرم غلظ، وفي العكس إشكال، ويضيق على
الملتجئ إلى الحرم إلى أن يخرج فيقتص منه، ولو جنى في الحرم اقتص منه فيه،
قال الشيخ: وكذا في مشاهد الأئمة عليهم السلام.
ودية الأنثى نصف ذلك، وولد الزنى كالمسلم على رأي، وكالذمي على
رأي، ولا دية لغير الذمي وإن كانوا أهل عهد أو لم تبلغهم الدعوة، ودية العبد
قيمته ما لم تتجاوز دية الحر فيرد إليها.
ودية جنين الحر المسلم مائة دينار إذا تم ولم تلجه الروح ذكرا كان أو
أنثى، وجنين الذمي عشر دية أبيه، والمملوك عشر قيمة أمه المملوكة، وتعتبر
قيمتها وقت الجناية لا الإلقاء، ولو كان الحمل زائدا عن واحد فلكل واحد دية.
ولو ولجته الروح فدية كاملة للذكر ونصف للأنثى بشرط تيقن الحياة، ولو
لم يتم خلقته قيل: غرة، والمشهور في النطفة بعد استقرارها عشرون دينارا وفي
العلقة أربعون، وفي المضغة ستون، وفي العظم ثمانون، وفيما بعد ذلك بحسابه.
ولو قتلت ومات معها بعد علم حياته فدية للمرأة ونصف الديتين للجنين إن
جهل حاله، ولو علمت الذكورة أو الأنوثة حكم بديتها، ولو ألقته ضمنت وإن
كان تسبيبا، ولو أفزعت فالدية على المفزع، ولو أفزع المجامع فعزل فعليه
عشرة دنانير.
ولو أسلمت الذمية بعد الضرب ثم ألقته لزمه دية جنين مسلم، ولو ضرب
الحربية فلا شئ لعدم الضمان حال الضرب، ولو كانت أمة فأعتقت فللمولى
عشر قيمة أمته يوم الجناية.
ولو اعترف الجاني بحياته ضمن العاقلة جنينا غير حي والضارب الباقي، ولو
أنكر فأقام هو والولي بينتين حكم للولي، ولو ألقته فمات بعد الإلقاء، أو بقي ضمنا
حتى مات، أو كان صحيحا ومثله لا يعيش قتل الضارب مع العمد، ولو كانت
حياته مستقرة فقتله آخر عزر الأول وقتل الثاني مع العمد، ولو لم تكن مستقرة
456

عزر الثاني وقتل الأول، ولو اشتبه فلا قود وعليه الدية، ولو وطأها ذمي ومسلم
واشتبه أقرع وألزم الضارب دية جنين من ألحق به.
ولو ألقت عضوا فدية عضو الجنين، وكذا لو ألقت أربعة أيد، ولو ماتت لزمه
ديتها ودية الجنين، ولو ألقت العضو ثم الجنين تداخلت دية العضو في دية الجنين،
سواء كان ميتا أو حيا غير مستقر الحياة، ولو استقرت حياته ضمن دية اليد، ولو
تأخر وحكم العارفون بأنها يد حي فنصف الدية، وإلا فنصف المائة.
ويرث دية الجنين وارث المال الأقرب فالأقرب، ودية جراحاته وأعضائه
بنسبة ديته، وفي قطع رأس الميت مائة دينار، وفي جوارحه وشجاجه بحسب
ذلك، ويصرف في وجوه البر لا الوارث، وقال المرتضى: لبيت المال.
تتمة:
من أتلف مأكول اللحم أو غيره مما يقع عليه الذكاة بالذكاة ضمن الأرش،
وليس للمالك دفعه وأخذ القيمة على رأي، ولو أتلفه لا بالذكاة أو ما لا يقع عليه
الذكاة فالقيمة، ففي كلب الصيد أربعون درهما، وفي كلب الغنم كبش أو
عشرون، وفي كلب الحائط عشرون، وفي كلب الزرع قفيز بر، ولا قيمة لغيرها
من الكلاب، وهذه التقديرات للقاتل، أما الغاصب فالقيمة وإن زادت، ولو أتلف
على الذمي خنزيرا فالقيمة عند مستحليه وفي أطرافه الأرش، ولو أتلف الذمي خمرا
أو آلة لهو لمثله ضمنها، ولو كان مسلما لمسلم أو لذمي متظاهر فلا ضمان، ولو
كان لذمي مستتر ضمن بقيمته عند مستحليه، ولو جنت الماشية على الزرع ضمن
مالكها مع التفريط لا بدونه، وقيل: يضمن ليلا لا نهارا، وعن علي عليه السلام في
بعير عقل أحد الأربعة يده فوقع في بئر فاندق. يضمن الثلاثة حصته.
المقصد الرابع: في دية الأطراف:
كل ما لا تقدير فيه ففيه الأرش، وفي شعر الرأس أو اللحية الدية، فإن نبتا
457

فالأرش، وفي شعر المرأة ديتها، فإن نبت فمهر نسائها، وفي الحاجبين خمسمائة
دينار، وفي أحدهما النصف، وفي البعض بالحساب، وفي الأهداب الأرش - ولا
شئ مع الأجفان - وقال الشيخ: الدية، ومع الأجفان ديتان.
وفي العينين الدية، وفي كل واحدة النصف، وفي الأجفان الدية، وفي كل
واحد الربع على رأي، وفي البعض بالحساب، ولا يتداخل مع العين، وفي
صحيحة الأعور خلقة أو بآفة من الله الدية، ولو استحق أرشها فالنصف، وفي
خسف العوراء الثلث.
وفي الأنف الدية، وكذا في مارنه أو كسر ففسد، ولو جبر على غير عيب
فمائة، وفي شلله ثلثا ديته، وفي الروثة - وهي: الحاجز - نصف الدية، وفي أحد
المنخرين النصف، وقيل: الثلث.
وفي الأذنين الدية، وفي كل واحدة النصف، وفي البعض بالحساب، وفي
شحمتها ثلث ديتها، وفي خرمها ثلث ديتها.
وفي الشفتين الدية وفي كل واحدة النصف، وقيل: الثلث في العليا، وقيل:
أربعمائة وفي السفلى الباقي وفي البعض بالنسبة مساحة، وحد السفلى: ما يتجافى
عن اللثة مع طول الفم، والعليا: ما يتجافى عنها متصلا بالمنخرين مع طول الفم،
وليست حاشية الشدقين منهما، فإن تقلصت فالحكومة، وقيل: ديتها، وفي
الاسترخاء الثلثان.
وفي اللسان الدية، وفي الأخرس الثلث، وفي البعض بنسبة ما يسقطه من
حروف المعجم - وهي: ثمانية وعشرون حرفا - فلو أسقط نصفها فنصف الدية
وإن قطع ربعه، وبالعكس، وفي الأخرس بالمساحة، ولو ازداد سرعة أو ثقلا أو
انتقل الفاسد إلى الصحيح فالحكومة، فإن جنى آخر بعد ذهاب بعض الحروف
أخذ بنسبة ما ذهب من الباقي، ولو قطعه آخر بعد إعدام الكلام فعليه الثلث، وفي
لسان الطفل الدية، فإن بلغ حد الكلام ولم يتكلم فالثلث، فإن تكلم بعد حسب
الذاهب من الحروف وأخذ من الجاني بنسبته، ويصدق الصحيح في ذهاب نطقه
458

عند الجناية مع القسامة بالإشارة، ولو أذهب النطق ثم عاد فللشيخ قولان في
استعادة الدية، ولو أنبت الله اللسان بعد قطعه فلا استرجاع - وكذا سن المتغر -
ولو كان له طرفان فأذهب أحدهما ونطق بالحروف فالأرش.
وفي الأسنان الدية، وتقسم على ثمانية وعشرين: اثنا عشر مقاديم - ثنيتان
ورباعيتان ونابان ومثلها من أسفل - وستة عشر ما خير، وهي: من كل جانب
ضاحك وثلاثة أضراس، ففي كل سن من المقاديم خمسون دينارا، وفي كل من
المآخير خمسة وعشرون، وفي الزائدة منفردة الثلث، ولا شئ مع الانضمام، فإن
اسودت بالجناية ولم تسقط أو انصدعت فالثلثان، وفي المسودة الثلث، ودية السن
في الظاهر مع السنخ، ولو كسر الظاهر خاصة فالدية، فإن قلع آخر السنخ
فعليه حكومة، فإن نبت سن الصغير فالأرش، وإلا الدية.
وفي العنق إذا كسر فاضور أو منع الازدراد فالدية، فإن زال فالأرش، وفي
اللحيين من الطفل أو من لا أسنان له الدية، ولو قلعا مع الأسنان فديتان، وفي
نقصان المضغ أو تصلبهما الأرش.
وفي اليدين الدية، وفي كل واحدة النصف، وحدهما: المعصم، فإن قطع
معها بعض الزند فالدية وحكومة، وإن قطعت من المرفق أو المنكب فدية
واحدة، ولو كان على المعصم كفان باطشان فالأزيد هو الأصلي وإن كانت
منحرفة عن الساعد، ولو تساويا فلا قصاص في إحديهما وفيه نصف دية اليد
وزيادة حكومة، وفي الذراعين الدية، وكذا في العضدين، وفي كل إصبع من
اليدين أو الرجلين مائة دينار، وفي كل أنملة ثلثها، إلا في الإبهام فالنصف، وفي
الزائدة ثلث الأصلية سواء الإصبع والأنملة، وفي شلل الإصبع ثلثا ديتها، وفي
قطع المشلولة الثلث وإن كان خلقة، وفي الظفر عشرة دنانير إن لم ينبت أو نبت
أسود، فإن نبت أبيض فخمسة، ولو قطعت اليد دخلت الأصابع في ديتها، فإن
قطع الكف بعد الأصابع فالحكومة.
وفي الظهر إذا كسر أو احدودب أو تعذر القعود فالدية، فإن صلح فالثلث،
459

ولو كسر الصلب وجبر على غير عيب فمائة دينار، فإن عثم فألف، ولو شلت
الرجلان بكسره فدية وثلثان، ولو ذهب مشيه وجماعه بكسره فديتان.
وفي قطع النخاع الدية، وفي الذكر وإن كان للصبي أو المشلول أو الحشفة
فما زاد الدية، ولو قطع بعض الحشفة ينسب المقطوع إلى باقيها خاصة، ولو
قطع الحشفة وآخر الباقي فعلى الأول دية وعلى الثاني حكومة، وفي العنين
الثلث.
وفي الخصيتين الدية، وفي كل واحدة النصف، وقيل: في اليسرى الثلثان،
وفي أدرة الخصيتين أربعمائة دينار، فإن فحج وتعذر المشي فثمانمائة وفي الأليتين
الدية، وفي كل واحدة النصف.
وفي الرجلين الدية، وفي كل واحدة النصف، وحدهما: مفصل الساق،
وفي الساقين الدية، وكذا في الفخذين، وفي الشفرين دية المرأة، وفي كل واحد
النصف، وفي الركب حكومة.
وفي إفضائها ديتها إلا من الزوج للبالغة، فإن كان قبله ضمن الزوج المهر
والدية وأنفق حتى يموت أحدهما، وإن أكرهها غير الزوج فالمهر والدية، ولا مهر
لو طاوعته وعليه الدية، ولو كانت بكرا فلها أرش البكارة زائدا عن المهر، فإن
افتض بكرا بإصبعه فخرق مثانتها بحيث لا تملك بولها فالدية ومهر المثل.
وفي الثديين ديتها، وفي كل واحد النصف، ولو انقطع اللبن أو تعذر نزوله
منهما فالحكومة، فإن قطع معهما شئ من جلد الصدر فديتهما والحكومة، وفي
الحلمتين ديتهما، وكذا في حلمتي الرجل على رأي، وقيل: في حلمتي الرجل
الثمن.
وفي كل ضلع يخالط القلب إذا كسر خمسة وعشرون دينارا، وفيما يلي
العضدين عشرة، وفي كسر البعصوص بحيث لا يملك الغائط، أو العجان بحيث
لا يملك الغائط والبول الدية.
وفي كسر عظم من عضو خمس دية العضو، فإن صلح على غير عيب
460

فأربعة أخماس دية كسره، وفي موضحته ربع دية كسره، وفي رضه ثلث ديته،
فإن صلح على غير عيب فأربعة أخماس دية رضه، وفي فكه بحيث يتعطل العضو
ثلثا ديته، فإن صلح على غير عيب فأربعة أخماس دية فكه.
وفي الترقوة إذا كسرت فجبرت على غير عيب فأربعون دينارا ومن داس
بطن إنسان حتى أحدث اقتص منه، أو فدى نفسه بثلث الدية.
المقصد الخامس: في دية المنافع:
في العقل الدية، وفي بعضه الأرش بحسب نظر الحاكم، فإن ذهب بالشجة
لم يتداخل وإن اتحدت الضربة، فإن عاد لم تسترجع، وروي لو ضربه على رأسه
فذهب عقله انتظر سنة، فإن مات فالدية في النفس، وإن بقي ولم يرجع فالدية
للعقل، ولو اشتبه زوال عقله روعي في الخلوة، ولا يحلف لأنه يتجانن في
الجواب.
وفي السمع الدية سواء ذهب أو وقع في الطريق ارتتاق، ولو حكم
العارفون بالعود بعد مدة، فإن انقضت ولم يعد استقرت، ومع الشك يصاح
بصوت منكر عظيم عند الغفلة، فإن تحقق دعواه وإلا أحلف القسامة وحكم له،
وفي ذهاب سمع أحد الأذنين النصف، ولو نقص سمعها قيس إلى الأخرى عند
ركود الهواء: بسدها وإطلاق الصحيحة ويصاح به إلى حد الخفاء، ثم يعكس
الحال ويؤخذ بنسبة التفاوت في المساحة، ولو نقص سمعهما فعل به ذلك مع
أبناء سنه، ويجب تعدد المسافات، فإن تساوت صدق، وإلا فلا، ولو ذهب بقطع
الأذنين فديتان.
وفي ضوء العينين مع بقاء الحدقة الدية، وفي كل واحد النصف، ويستوي
الأعمش والأخفش وذو البياض غير المانع من أصل النظر، ولو عاد فالأرش،
ويصدق في ذهابه مع القسامة، ولو ادعى نقصان إحديهما قيس إلى الأخرى:
بسدها وفتح الصحيحة - لا في الغيم، ولا في الأرض المختلفة في الارتفاع - ثم
461

العكس بعد تعدد الجهات - ويصدق مع التساوي ثم يأخذ بنسبة التفاوت في
المساحة من الدية، ولو نقصا قيس إلى عين أبناء سنه، ولو ادعى ذهاب ضوء
المقلوعة قدم قوله مع اليمين.
وفي الشم الدية، ويصدق في ادعائه عقيب الجناية بعد تقريب الطيبة و
المنتنة، وفي النقصان الأرش بحسب ما يراه الحاكم.
وفي النطق كمال الدية وإن بقي في اللسان فائدة الذوق، ولو بقيت الشفوية
والحلقية سقط من الدية بنسبته، وكذا لو بقي غيرها، ولو نطق بالحرف ناقصا
فالأرش، ولو كان يحسن بعض الحروف ففي إلحاقه بضعيف القوي نظر، أقربه
نقص الدية، ولو كان بجناية جان نقص، وفي الصوت الدية وإن أبطل حركة
اللسان، وفي الذوق الدية.
وفي منفعة المشي والبطش كمال الدية، وفي قوة الإمناء والإحبال الدية،
وفي قوة الإرضاع حكومة، وفي إبطال الالتذاذ بالجماع والطعام إن أمكن الدية،
ولو تعطل المشي بخلل في غير الرجل فعطل الرجل فالأقرب الدية، وفي سلس
البول الدية، وقيل: إن دام إلى الليل الدية وإلى الظهر النصف وإلى ارتفاع النهار
الثلث.
المقصد السادس: في دية الشجاج:
في الحارصة - وهي: التي تقشر الجلد - بعير.
وفي الدامية - وهي: الآخذة في اللحم يسيرا - بعيران.
وفي الباضعة - وهي: النافذة في اللحم - ثلاثة.
وفي السمحاق - وهي: البالغة إلى الجلد الرقيق على العظم - أربعة.
وفي الموضحة - وهي: التي تكشف هذه الجلدة عن العظم - خمسة.
وفي الهاشمة - وهي: التي تهشم العظم - عشرة أرباعا، أو أثلاثا في الخطأ
وشبهه.
462

وفي المنقلة - وهي: المحوجة إلى نقل العظم - خمسة عشر بعيرا.
وفي المأمومة - وهي: البالغة أم الرأس، وهي: الخريطة الجامعة للدماغ -
ثلث الدية.
وفي النافذة في الأنف ثلث الدية، فإن برأت فالخمس، وإن كان في أحد
المنخرين فنصف ذلك.
وفي شق الشفتين حتى تبدو الأسنان ثلث ديتهما، فإن برأت فالخمس، وإن
كان في إحديهما فنصف ذلك.
وفي الجائفة - وهي: البالغة إلى الجوف من أي الجهات، ولو من ثغرة
النحر - ثلث الدية، ولو جرح في عضو وأجاف لزمه ديتان.
وفي النافذة في أحد أطراف الرجل مائة دينار.
وفي احمرار الوجه باللطم دينار ونصف، وفي اخضراره ثلاثة، وفي الاسوداد
ستة، فإن كان في البدن فالنصف.
ولو أوضح اثنين فديتان، فإن أوصلهما الجاني أو سرتا واتحدتا فواحدة، ولو
أوصل أجنبي فديتان، وعلى الأجنبي ثالثة، ولو أوصلهما المجروح فديتان وسقط
فعله، فلو ادعى الجاني الشق منه قدم قول المجني عليه مع اليمين، ويؤخذ في
الواحدة بأبلغ نزولها.
ولو شجه في عضوين فديتان وإن اتحدت الضربة، والرأس والجبهة واحدة.
ويجب دية الهاشمة بالهشم وإن لم يكن جرح، وللمجروح القصاص في
الموضحة ودية الزائد في الهاشمة وهي خمسة، وكذا المأمومة.
ولو أوضح فهشم ثان ونقل ثالث وأم رابع، فعلى الأول خمسة، وكذا
الثاني والثالث، وعلى الرابع ثمانية عشر بعيرا.
ولو أدخل سكينه في جائفة غيره ولم يزد عزر، ولو وسعها باطنا وظاهرا
فجائفة، وإن وسعها في أحدهما فحكومة، ولو أبرز حشوته فالثاني قاتل، فإن فتق
الخياطة قبل الالتئام فالأرش، ولو التحم البعض فالحكومة والجميع جائفة
463

أخرى، ولو أخرج الرمح من ظهره فجائفتان على رأي.
وفي شلل كل عضو مقدر الدية ثلثاها، وفي قطعه بعده الثلث، والشجاج
في الوجه والرأس واحد، وفي البدن بنسبة دية العضو المجروح من دية الرأس.
وتتساوى المرأة والرجل في ديات الأعضاء والجراح حتى يبلغ ثلث دية
الرجل، ثم يصير على النصف، سواء كان الجاني رجلا أو امرأة، ففي ثلاث
أصابع ثلاثمائة، وفي أربع مائتان، وكذا القصاص، فيقتص لها من الرجل ولا رد
إلى أن تبلغ الثلث ثم يقتص مع الرد.
وكل ما فيه دية الرجل ففيه من المرأة ديتها، ومن الذمي ديته، ومن العبد
والأمة قيمتهما، والمقدر في الحر مقدر في غيره بنسبة ديته.
والإمام ولي من لا ولي له، يقتص في العمد ويستوفي الدية في الخطأ وشبهه،
وليس له العفو عنهما.
ومع تعدد الجنايات تتعدد الديات وإن اتحد الجاني، فلو سرت جناياته أو
قتل قبل الاندمال تداخلت.
فهذا خلاصة ما أفدناه في هذا الكتاب.
ومن أراد التطويل بذكر الفروع والأدلة وذكر الخلاف فعليه بكتابنا
المسمى ب‍ " منتهى المطلب "، فإنه بلغ الغاية وتجاوز النهاية.
ومن أراد التوسط فعليه بما أفدناه في التحرير، أو تذكرة الفقهاء، أو قواعد
الأحكام أو غير ذلك من كتبنا.
والله الموفق لكل خير، والحمد لله رب العالمين.
وصلى الله على محمد النبي وآله الطاهرين.
464

تلخيص المرام
في معرفة الأحكام
للشيخ جمال الدين أبي منصور الحسن بن سديد الدين
يوسف بن زين الدين علي بن محمد مطهر الحلي المشتهر بالعلامة الحلي
والعلامة على الإطلاق
647 - 726 ه‍. ق
465

كتاب الجراح والديات
وفيه فصول:
الأول:
يثبت القصاص في النفس بإزهاق المعصومة المكافئة عمدا ظلما، ويتحقق
العمد بقصد المكلف إلى القتل لسببه غالبا، والأولى في النادر إذا وقع به التحقق
لا بالقصد إلى الفعل الذي يتفق به مع فقد قصد القتل.
ويتعلق الحكم بالمباشرة كالذبح والخنق وسقي السم القاتل وضرب
المحدد والمثقل وغيرهما، والجرح في المقتل ولو برأس الإبرة وبالتسبيب كرمي
السهم وحجر المنجنيق والخنق بالحبل ولما يترك حتى يموت أو يرسله منقطع
النفس أو إذا حبس نفسه يسيرا لا يقتل بمثله غالبا مع قصد القتل على رأي،
ولا معه أو اشتبه الدية، أو ضربه بعصا مكررا ما لا يحتمل بالنسبة إلى بدنه وزمانه
فمات، أو دونه فمرض منه ومات، أو منعه الطعام والشراب مالا يحتمل مثله البقاء
فيه، أو طرحه في النار أو اللجية وإن كان قادرا على الخروج إلا أن يعلم تركه
تخاذلا، والوجه أن لا دية بل أرش ما جنته النار، أو جرحه فمات وإن ترك
المداواة، بخلاف ترك شد الفصد والإلقاء في الماء إذا أمسك نفسه عنه مع
القدرة على الخروج ولا دية، أو سرت جراحة العمد أو ألقى نفسه عليه وهو يقتل
غالبا وإلا فشبيه العمد.
467

ودم الملقى هدر أو أقر أنه قتله بسحره على إشكال، أو قدم له طعاما مسموما
فأكله ولما يعلم، وينتفيان معه ومع التميز أو جعل السم في طعام صاحب المنزل
فأكله على إشكال، أو حفر بئرا في طريق ودعا جاهلا فوقع فمات، أو ألقاه في
البحر فالتقمه الحوت قبل وصوله على إشكال، أو ألقاه إلى الحوت فالتقمه، أو
أغرى به كلبا عقورا فقتله، أو ألقاه إلى أسد بحيث لا يمكنه التخلص سواء كان في
برية أو بنيان، أو أنهشه حية قاتلا فمات، أو ألقاها عليه فنهشته فمات.
ولو داوى المجروح نفسه بسم مجهز فالقاتل المجروح ويقتص من الجارح في
الجراح، وإن كان غير مجهز وغالبه السلامة فاتفق الموت سقط عن
الجارح نصف الدية، وللولي القتل بعد رده، وكذا لو كان غير مجهز والغالب
معه التلف، وكذا لو خاط جرحه في لحم حي فسرى منهما، ولو جرحه فقطع
المجروح لحما ميتا فلا اعتداد، وبالحي يشارك، ولو قطع إصبعه فأصابته آكلة
فقطع المجروح كفه خوفا شارك، ولو عضه الأسد بعد الجرح وسرتا ثبت
القود والأولى رد فاضل الدية، وكذا لو شاركه الأب، أو اشترك عبد وحر في
عبد، ولو كتفه وألقاه في مسبعة فافترس اتفاقا فالدية.
ويقدم المباشر، فلو أوقعه في بئر حفرها آخر أو قد المعترض المدفوع قبل
وصوله أو قتل الممسك أو قتل مكرها بالغا عاقلا حرا أو عبدا، فالقاتل هو دون
الحافر والموقع والممسك والمكره، ويحبسان أبدا.
وتسمل عين الناظر، ولو كان المأمور غير مميز كالطفل والمجنون
فالقصاص على المكره، ولو كان مميزا غير بالغ فلا قود والدية على عاقلة المباشر
إن كان حرا وإلا تعلقت برقبته ولا قود، ولو قال: اقتلني وإلا قتلتك، حرم القتل
ويسقط الضمان، ولو أمر المميز بقتل نفسه فلا شئ على الملزم، وفي تحقق الإكراه
إشكال، ولو كان غير مميز فالقود، وفي العبد القيمة، ويتحقق الإكراه فيما دون
النفس، فالقصاص على الآمر ولو أكرهه على قطع يد أحدهما فغير المكره،
فالأولى توجه القصاص على الآمر.
468

ولو أمره خليفة الإمام بالقتل، فقتل عمدا ظلما اقتص من المأمور وإن اعتقد
حقيته، ولو جرحه اثنان فاندمل أحدهما فالقاتل الآخر يرد عليه دية المندمل
ويقتل، ولو ادعاه أحدهما وصدق الولي لم ينفذ في حق الآخر، ولو جعل حياته
غير مستقرة وذبحه الآخر فعلى الأول القود وعلى الثاني دية الميت، ولو كانت
حياته مستقرة فالقاتل الذابح وإن كان جرح الأول مما يقتل غالبا، أما لو قطع
كفه والآخر ذراعه فهلك فهما قاتلان.
ولو اتحد الجاني دخلت دية الطرف في دية النفس إجماعا، وفي تداخل
القصا صلى الله عليه وآله خلاف، أقربه التداخل إن كان بضربة واحدة، وإلا فلا، ولو جرح وسرى دخل.
ويتخير الولي في قتل الجماعة القاتلين بعد أن يرد فاضل دية المقتول فيأخذ
كل فاضل ديته عن جنايته وقتل بعضهم ويرد الباقون دية جنايتهم، فإن فضل
للمقتولين فعلى الولي، وكذا في الأطراف.
وتثبت الشركة بفعل كل منهم ما يقتل لو انفرد أو ما يكون له شركة في
السراية مع قصد الجناية، ولا يعتبر التساوي فلو جرح واحد جرحا وآخر مائة
تساووا إن سرى الجميع في القود والدية، وكذا في الطرف فلو انفرد كل بقطع
جزء من يده أو جعلا يده بين أليتيهما واعتمدا فلا قصاص في اليد بل في الجرح.
ولو قتلته امرأتان قتلتا ولا رد، ويرد لو كن أكثر فاضل ديتهن بالسوية إن
تساووا في الدية وإلا أكمل لكل واحدة فاضل ديتها عن أرش جنايتها، ولو
شارك امرأة فعليهما الدية نصفين وللولي قتلهما ويرد على الرجل فاضل جنايته
على رأي، وقتل المرأة ولا رد ويأخذ من الرجل قدر الجناية، وقتل الرجل وترد
عليه المرأة قدر جنايتها على رأي، ويجب الرد مقدما فيما يثبت فيه.
ولو شارك عبدا في حر عمدا، فللولي قتلهما ويرد على الحر فاضل جنايته على رأي،
وعلى السيد إن زادت قيمته، وقتل الحر ويؤدي السيد إلى ورثته قدر
الجناية أو يسلم العبد، وقتل العبد ورد الحر الزائد عن جنايته إن كان، وإلا فإلى
469

الورثة.
ولو كان المشارك امرأة، فللولي قتلهما ولا رد إلا أن تزيد قيمة العبد عن
جنايته فيختص، وقتل المرأة واسترقاق العبد إلا أن يزيد فيرد الزائد، وقتل العبد
فترد المرأة دية جنايتها، يعطي الولي أجمع أو ما فضل عن رد العبد إن زادت قيمته
على الجناية إن فضل.
وتقتل المرأة بالحر ولا رد على رأي، وبالعكس مع رد نصف الدية،
ويتساويان في الأطراف قصاصا ودية ما لم تبلغ ثلث دية الحر فترجع إلى
النصف، فيقتص لها منه مع الرد.
ويقتل العبد بالعبد وبالأمة، والأمة به وبها، ويقتلان بالحر، ولا يقتل حر
بعبد ولا أمة وإن اختار الجاني، ويغرم قيمتهما لمولاهما يوم القتل إلا أن تتجاوز
قيمة العبد دية الحر، وقيمة الأمة دية الحرة فيردان إليها، ولو كان ذميا لمثله لم
يتجاوز بقيمة الذكر دية الذمي ولا بالأنثى دية الذمية، وإن اعتاد قيل: يقتل وإن
كان سيدا غرم الكفارة وعزر، وقيل: يتصدق بقيمته، وروي القتل مع العادة.
ويقتل العبد بالحر، وإن اختار الولي الاسترقاق فعل، وليس لمولاه الفك
مع كراهية الولي، ولا يضمن المولى، ولو جرح فللمجروح القصاص، ولو طلب
الدية فكه مولاه بها، فإن امتنع استرقه إن أحاطت وإلا المساوي، ولو اختار بيعه
بيع وله من الثمن ما يساوي الأرش والزائد للمولى.
ولو قتل العبد مثله عمدا فالقود للمولى وله الاسترقاق إن طلب الدية
وتساوت القيمتان أو نقصت قيمة القاتل، ولا يضمن مولاه، ولو تبرع فك بقيمة
الجناية، وإن زادت فللمولى منه المساوي، ولو أخطأ فللمولى الفك بقيمته والدفع
وله الفاضل وليس عليه ما يعوز، ولا يتخير مولى المقتول، ويحلف الجاني على
القيمة يوم القتل مع عدم البينة لا المولى.
والمدبر كالقن يقتل في العمد وللمولى الاسترقاق، وفي الخطأ يفكه مولاه
بأرش الجناية أو يسلمه للرق، وفي عتقه بالموت حينئذ خلاف، ومع العتق في
470

السعي خلاف، وهل السعي في قيمته أو دية المقتول؟ فيه خلاف.
والمشروط وغير المؤدي كالقن، والمؤدي لو قتل مملوكا عمدا يسعى في
نصيب الحرية ويسترق في نصيب الرقية، أو يباع، وفي الخطأ يتعلق بالإمام
نصيب الحرية ويتخير مولاه في الباقي بين الفك والتسليم للاسترقاق.
ولو قتل العبد مولاه جاز للولي القصاص، ولو قتل عبدا لمولاه فله القتل.
وكل موضع للمولى الفك فإنما يفكه بأرش الجناية، وقيل بأقل الأمرين،
وقيمة العبد تقسم على أعضائه كالحر، ففي الواحد كمال القيمة وفي الاثنين
الكمال وفي كل النصف، وما لا يقدر في الحر ففي العبد الأرش.
أما الغاصب إذا ذهبت يد العبد لا بجنايته ففيه الأرش وإن كان ثلثي القيمة،
ولو اتحد فعليه أكثر الأمرين، ويتخير المولى لو جنى الحر بما فيه القيمة بين الدفع
وأخذها وبين الإمساك ولا شئ، ولو قطع يده فللمولى نصف القيمة، وكذا في
غير المستوعب، ولو قطع آخر رجله فله إمساك كل بالنصف ولا دفع على
رأي.
ولو قتل حر حرين فلأوليائهما قتله خاصة، ولو قطع يمين رجلين قطعت
يمينه بالأول ويساره بالثاني فلو قطع يد ثالث قيل: الدية، وقيل: الرجل، وكذا
الرابع، ولو قطع ولا يد ولا رجل فالدية، ولو قتلهما عبد مرتبا فهو لأولياء الأخير،
وروي الاشتراك ما لم يحكم للأول.
ويكفي في الاسترقاق اختيار المولى الرق ولا يفتقر إلى الحاكم، وإذا اختار
ولي الأول وقتل بعده فللثاني.
ولو قتل عبد عبدين لمالكين مختصين عمدا اشتركا، إلا أن يتخير الأول
الرق فللثاني على رأي، ولو اختار الأول المال وضمن المولى فللثاني القتل ويبقى
المال على المولى، فلو لم يضمن ورضي الأول بالرق تعلق به حق الثاني، فإن قتل
سقط الأول، وإن استرق اشتركا، ولو قتل واحد لاثنين وطلب واحد القيمة استرق
نصيبه وللآخر القود مع رد قيمة حصة شريكه.
471

ولو قتل عبدان عبدا فللمولى قتلهما وأداء ما فضل عن جناية كل واحد إلى
مولاه إن ثبت، ولو طلب الدية تخير مولى كل واحد بالفك والتسليم للرق مع
الاستيعاب وقدر جنايته لا معه وقتل واحد، ويرد الآخر قدر جنايته إلى المقتول،
فإن لم ينهض بقيمته أتم مولى الأول الناقص لو قتل المساوي.
ولو قتل العبد حرا عمدا فأعتق صح، وفيه وجه آخر، ولا يسقط القود وكذا
البيع والهبة، وفي الخطأ لا يصح إلا أن يتقدم ضمان الدية أو دفعها على قول.
ولو جرح الحر مملوكا فسرت فللمولى القيمة كملا، ولو تخلل العتق
فللمولى الأقل من قيمة الجناية والدية عند السراية، كما لو قطع يده المساوية
خمسمائة وتحرر، وقطع آخر أخرى، وثالث رجله وسرى الجميع، وقيل: له هنا
الأقل من ثلث القيمة وثلث الدية ولا قود، ولورثة العبد ما زاد عن قيمة الجناية، ولو
قطع آخر رجله بعد العتق وسرى الجرحان فعلى الأول الدية وعلى الثاني
القصاص بعد الرد، ولو اتحد القاطع فعليه نصف قيمته وقت الجناية للمولى.
والقصاص في الجناية حال الحرية أو الدية للمعتق خاصة، ولو سرتا ثبت
القصاص في الرجل، والأول القصاص في النفس بعد رد ما يستحقه المولى، ولو
اقتصر على الرجل فللمولى نصف قيمة المجني عليه وقت الجناية والفاضل للوارث
إن زادت ديتها عن نصف القيمة.
ولا يقتل مسلم بكافر حربيا كان أو ذميا أو مستأمنا بل يعزر ويغرم دية
الذمي، وقيل: يقتل بالذمي إن اعتاد بعد الرد، ويقتل الذمي بمثله وبالذمية بعد
الرد، والذمية بمثلها وبه ولا رد، ولو قتل الذمي مسلما عمدا دفع هو وماله إلى
أوليائه ليسترقوه أو يقتلوه، وقيل: يسترق أولاده الصغار، ولو أسلم قبل
الاسترقاق لم يكن إلا القتل، ولو قتل الكافر مثله وأسلم لم يقتل به وألزم الدية إن
كان له دية.
ويقتل ولد الرشدة بولد الزنية لإسلامهما، ولو قطع مسلم يد ذمي، أو صبي
يد بالغ ثم سرت بعد زوال الأوصاف فدية النفس ولا قصاص ولا قود، أما لو كان
472

مرتدا أو حربيا فلا دية أيضا.
ولو رمى ذميا أو حربيا أو مرتدا أو عبدا بسهم فأصابه بعد زوال الأوصاف،
فلا قود وتثبت الدية، ولو قطع يد مسلم فسرت مرتدا فلا قود والأولى القصاص
في اليد للولي وإلا للإمام، ولو عاد قبل السراية ثبت القود، ولو عاد بعد حصول
بعضها فالأولى القود، ولو كانت خطأ ثبتت الدية.
ولو وجب القصاص على مسلم فقتله غير الولي فالقود، ولو وجب قتله بزنى
وشبهه فقتله غير الإمام فلا قود ولا دية.
ولا يقتل الأب وإن علا بالابن، بل تؤخذ الدية، ولا يثبت له عليه قصاص
موروث، ويرد عليه فاضل النصيب ويقتص الآخر إن وجد، ويقتل الابن بأبيه وإن
علا وبالأم وبالعكس، ويقتل بالأقارب كالجدات من قبلها أو قبله، والإخوة من
الطرفين، والأعمام والأخوال وبالعكس، ولو قتل الولد أحد المتداعيين أو هما
قبل القرعة فلا قود، ولو رجعا لم يقتل، أما لو رجع أحدهما قبل القتل أو بعده
فالقصاص على الراجع بعد الرد وعلى الآخر نصف الدية وعليهما كفارتان، ولو
كان مولودا على فراشها كالأمة أو الموطوءة بالشبهة، لم يقتل الراجع.
ولو قتل أحد الولدين الأب والآخر الأم، فلكل القود وإن لم تبن منه، ويقرع
في التقديم ولو بدر أحدهما اقتص وارث الآخر، ولو قتل ثاني الأربعة الإخوة
الكبير ثم ثالثهم الصغير فعلى الثالث القود، والوجه أن لورثة الثالث قتل الثاني
بعد رد النصف.
ولا يقتل كل من المجنون والصبي بمثله وبالعاقل، بل الدية على العاقلة، ولو
قتل ثم جن فالقود، وروي الاقتصاص من الصبي إذا بلغ عشرا أو خمسة أشبار،
وتقام عليه الحدود، ولو ادعى الولي بعد الإفاقة والبلوغ القتل في وقتهما فأنكرا،
فالقول قول الجاني وتثبت الدية.
ويقتل البالغ بالصبي على الأصح، ولو قتل العاقل مجنونا فالدية على
القاتل في العمد وشبهه وعلى العاقلة في الخطأ، ولو قصد الدفع فهدر.
473

والأولى ثبوت القود في السكران، وألحق المبنج نفسه وشارب المرقد
لا لعذر به، وفي الأعمى، ولا قود على النائم وعليه الدية، ولا في قتل كل من أباح
الشرع دمه، أو هلك بسراية القصاص أو الحد، ولا دية.
الثاني:
يجب بقتل العمد القصاص لا الدية، ولا يسقط لو عفا الولي على مال،
ولا يثبت المال إلا مع رضا الجاني، ولو عفا ولم يشرط سقط ولا دية، ولو بذل
القود فليس للولي غيره، ولو طلب الدية فبذلها صح، ولا يجبر لو امتنع، ولو لم
يرض الولي جاز الفداء بالأزيد، ولا يقتص إلا مع تيقن التلف بالجناية، ولو اشتبه
اقتصر على قصاص الجناية.
ويرث القصاص وارث المال عدا الزوج والزوجة فلهما النصيب من الدية
في العمد إن أخذت، وفي الخطأ، ويرث الدية وارث المال، والخلاف
كالقصاص، ويقتص الولي الواحد، والأولى التوقف على إذن الإمام على رأي،
ويتأكد في الطرف ولو تعدد لم يجز إلا بالاجتماع، وقيل: لكل المبادرة
ويضمن.
وينبغي للإمام إحضار شاهدين عارفين، واعتبار الآلة فيضمن المقتص في
الطرف لو جنى سمها، ويمنع من الاستيفاء بالوكالة ولو فعل أساء، ولا يقتص إلا
بالسيف، ولا يجوز التمثيل بل يقتصر على ضرب العنق وإن جنى بالتمثيل
والتغريق والإحراق والمثقل، وأجرة الحداد على بيت المال فإن فقد أو عارض
الأهم فعلى المجني عليه، ولا يضمن المقتص سراية القصاص إلا مع التعدي، فإن
اعترف بالتعمد اقتص في الزائد، وبالخطأ ديته والقول قوله فيه مع اليمين.
ويقتص في الطرف لكل من يقتص منه في النفس ومالا فلا، ولو حضر
بعض الأولياء قيل: يضمن ويستوفى، وكذا في الصغير، ولو كان الولي صغيرا أو
مجنونا، قيل: لا يطالب الأب والجد بالقصاص فيهما ويحبس القاتل حتى يبلغ أو
474

يفيق المجنون، ويشترك الأولياء فيه ولو طلب البعض الدية لم يسقط القود
للباقين، إلا على رواية بعد رد النصيب، ولو عفا فكذلك والرد هنا على الجاني،
ولو أقر أحد الوليين بعفو الآخر على مال لم يقبل ولهما القود، وللمقر القتل بعد
رد النصيب على الجاني إن كذبه، وفيه نظر وإلا عليه.
ويقتل الأجنبي أو الذمي أو المتعمد لو شاركوا الأب أو المسلم، أو المخطئ
ويردون عليهم النصف وفي الخطأ العاقلة، وفي شركة السبع يرد الولي،
وللمحجور عليه لفلس أو سفه استيفاء القصاص، ولو عفا على مال، ورضي قسم
على الغرماء ولو قتل قسمت ديته في الديون والوصايا، وفي استيفاء ورثته
القصاص من دون ضمان الدية خلاف، ولو قتل جماعة مرتبا اشترك الأولياء في
القود، ولا يتعلق حق واحد بالآخر، فإن استوفى الأول سقط الباقون بلا بدل، ولو
بدر أحدهم أساء وسقط حق غيره، ولو اقتص الوكيل بعد العلم بالعزل فعليه
القصاص، ولو عفا قبله فعليه الدية ويرجع على الموكل.
وتؤخر الحامل حتى تضع، والوجه حتى ترضع إن لم يكن غير لبنها
وإلا فلا وإن تجدد، ولو ادعته فشهدت القوابل ثبت وإلا فلا على رأي، ولو قتلت
فبانت حاملا فالدية على القاتل، ولو جهل المباشر ضمن الحاكم مع علمه.
ولو قطع يد غير مقتوله استوفي وإن تقدم القتل، فلو مات المقطوع حينئذ
بالسراية قيل: يستوفي من تركة الجاني نصف الدية، ولو قطع يديه فاقتص ثم
سرى الأول جاز للولي القصاص في النفس، ولو كان القاطع ذميا لمسلم فللولي
قتله، ولو طلب الدية فله دية المسلم لا دية الذمي، ولو كان امرأة فللولي القصاص
أو ثلاثة أرباع الدية، ولو قطع يده ورجله ثم سرى بعد القصاص فللولي
القصاص في النفس لا الدية، على إشكال في الجميع.
ولو هلك قاتل العمد فلا قصاص وفي الدية إشكال، ولو اقتص من قاطع
اليد ثم مات المجني عليه بالسراية ثم الجاني بها وقع القصاص موقعه في النفس
والطرف، ولو تقدمت سراية الجاني فدمه هدر لا قصاص.
475

ولو عفا مقطوع اليد فقتله القاطع فللولي القصاص بعد رد دية اليد، وكذا
لو قتل مقطوع اليد في قصاص أو أخذ ديتها، ولو قطعت لغير جناية ولا أخذ دية
فلا دية ولا رد، وكذا في الكف الكامل ومقطوع الأصابع، ولو ضربه الولي
للقصاص بالممنوع وتركه ظانا للموت وكذب فلا يقتص بالقصاص منه،
وبالسائغ له القصاص ولا يقتص منه. وحكم في الطرف حكم النفس في
الموجب وغيره.
ويشترط التساوي في السلامة، فلا تقطع الصحيحة بالشلاء ولو بذل
الجاني، وبالعكس إذا حكم الحاكمون بأنها لا تنحسم فالدية وإلا اقتص وتقطع
اليمنى بها فإن فقدت فاليسرى فإن فقدت فالرجل، ولو قطع أيدي جماعة مرتبا
قطعت يداه ورجلاه الأول فالأول وللباقي الدية.
ويعتبر في الشجاج تساوي المساحة في البعدين والاسم عمقا، ولا يثبت
القصاص فيما فيه تغرير كالجائفة والمأمومة والهاشمة والمنقلة وكسر الأعضاء
ويثبت في الحارصة والباضعة والسمحاق والموضحة وكل ما لا تغرير فيه
والسلامة غالبة.
ويستحب الصبر في القصاص إلى الاندمال على رأي، ولو قطع ما يزيد على
الدية خطأ اقتصر على الدية حتى يندمل فيستوفي أولا فيقتص على رأي، وتأخير
القصاص في الأعضاء إلى اعتدال النهار، ولا يقتص إلا بالحديد بأن يقاس بخيط
ويعلم طرفاه في موضع الاقتصاص ثم يقطع ما بينهما، ويجوز التغريق، والأولى
قلع عين القالع بحديدة ولا ينتقل إلى عضو لو استوعب القصاص، وفي الزائد
بنسبة المتخلف إلى أصل الجرح، ولو استوعب الجناية العضو للصغر اقتص
بمقداره لا مستوعبا.
ولو ألصق المقتص منه الأذن قيل: للجاني الإزالة، ويقتضي المذهب بطلان
الصلاة فيها، وكذا لو قطع بعضها، ولو قطعها فتعلقت بجلدة ثبت القصاص.
ويقتص في العين ولو عمي الأعور الجاني ولا رد، وبالعكس قيل: يقتص في
476

الأصابع، وكل عضو يعاد موجودا فالدية مع عدمه.
كما يقطع إصبعين ذو واحدة أو كفا تاما ناقص إصبعا، وقيل: يطالب
الكامل بدية الإصبع الناقصة بعد القطع، ولو اندملت براية قطع الإصبع إلى
الكف ثبت القصاص فيهما، والأولى أنه ليس له القصاص في الإصبع وأخذ دية
الباقي، ولو قطع يده من الكوع فالقصاص، فإن قطع معها بعض الذراع اقتص
في اليد والحكومة في الزائد، ولو قطع من المرفق اقتص منه، ولا يقتص في اليد
ويأخذ أرش الزائد.
ولو ساوى قاطع الكف المقطوع في زيادة إصبع فالقصاص، وإن
اختصت بالجاني خارجة عن الكف فكذلك، وفي سمت الأربع منفصلة ثبت
القصاص في الخمس وفي الكف الحكومة، ولو اتصلت ببعضها ثبت في أربع
والحكومة في الأخرى والكف، ولو اختصت بالآخر فالقصاص وديتها، وهو ثلث
الأصلية، ولو كانت خامسة المجني زائدة اقتص في أربع وله أرش الخامسة، ولو
انعكس فالقصاص مع اتحاد المحل، ولو تساوي الجاني في تعدد طرفي الأنملة
اقتص، وإن اختص فللمجني الدية، ولو اختص المجني اقتص وأخذ أرش الزائد.
ولو قطع عليا أنملة والوسطى الآخر اقتص للأول إن سبق وللآخر الوسطى،
ويؤخر الثاني إن سبق، فإن اقتص الأول اقتص وإن عفا اقتص بعد رد دية العليا،
ولو بادر استوفى وعليه دية العليا، ولصاحب العليا على الجاني دية أنملته، ولو
قطع العليا من واحد وهي والوسطى من آخر واجتمعا اقتص لصاحب العليا،
وللآخر في الأخرى وأخذ دية العليا، ولو عفا الأول أو أخذ دية اقتص الثاني
منهما، وكذا لو جاء صاحب العليا أولا، ولو سبق صاحبهما آخر ولو تقدم قطعهما
قدم صاحبهما وأخذ صاحب العليا الدية ولو عفا اقتص الآخر، ولو سبق صاحب
العليا آخر ولو بادر أساء واستوفى ولصاحبهما الآخر الدية.
ولو أخرج قاطع اليمنى يسارا فلم يعلم المقتص قيل: سقط القود، ويمكن
الثبوت ويؤخر حتى يندمل، ولا دية إن سمع آمر إخراج اليمنى وعلم عدم الإجزاء
477

وأخرجها قصدا، ولو قطعها مع العلم وفوات أخذها قيل: سقط القود إلى الدية،
ومع الجهل الدية، ولو سرت ضمن النفس، ويسقط عنه النصف باليمنى وضمان
السراية تابع لضمان دية اليسار، ولو قال: بذلها مع العلم لا بدلا فأنكر فالقول
قول الباذل، ولو اتفقا على بذلها بدلا لم يقع، وعلى القاطع الدية وله القصاص
في اليمين على إشكال.
وليس للمجنون ولاية الاستيفاء، فلو بذل له فهدر، ولو وثب المجنون
فاستوفى قيل: وقع موقعه، وقيل: الدية على العاقلة والقصاص باق، ولو أبرأ
الحر العبد الجاني مما يتعلق برقبته لم يصح على إشكال، وإن أبرأ السيد أو قال:
عفوت عن أرشها، صح.
ولو قطع يد رجل بعد قطع إصبع آخر اقتص للأول ثم للثاني ويرجع
بدية إصبع، ولو عكس اقتص في اليد وألزم دية الإصبع، ولو عفا مقطوع
الإصبع قبل الاندمال واندمل فلا قصاص ولا دية، وكذا لو عفا عن الجناية، ولو
عفا عنها فسرى إلى الكف سقط القصاص في الإصبع وله دية الكف، ولو عفا
عنها وعن السراية قيل: صح كالوصية.
ولو أوضحه فله القصاص فيها لا في الشعر النابت عليها ولا دية فيه، والمجاور
إن ثبت فلا شئ وإلا ففيه الأرش وإن ذهب من الجاني فلا ضمان.
ولو قطع يديه ورجليه خطأ وادعى الموت بالسراية مع مضي الزمان
أحلف، فإن ادعى الولي شرب السم فالأولى أنه كذلك، وإن أمكن الاندمال
أحلف الولي، ولو اختلفا في المدة أحلف الجاني، ولو قطع يده فادعى الاندمال
أحلف إن مضت مدة يمكن فيها، ولو اختلفا في المدة أحلف الولي على إشكال.
ولو ادعى الجاني شرب السم أو موت الملفوف في الكساء المقدود أحلف
الجاني، ولو ادعى شلل العضو المقطوع الظاهر فعلى المجني البينة، وفي الباطن
على الجاني، ولو سلم في الظاهر يقدم السلامة فعليه المجني البينة، ولو منعه يخير المجني
بين إقامة البينة عليه والحلف على الاستمرار وعلى السلامة حين القطع.
478

واحدة ويسترد النصف وفي الضوء بوضع قطن مبلول على الأجفان ويقابل
المرآة المحمة تجاه الشمس حتى يذوب، ولو طمه فذهب وابيضت العينان
وشخصتا وأمكن القصاص في الجميع فعل، وإلا اقتص في الضوء ولا شئ في
الآخر.
وفي الأنف وأحد المنخرين والحاجبين وشعر الرأس واللحية، ولو ثبت فلا
قصاص، وفي الذكر يستوي الشاب والشيخ والطفل والبالغ والفحل والمسلول
والأغلف والمختون، ولا يقاد صحيح بعنين بل فيه ثلث الدية، وفي الخصيتين
وإحديهما إلا أن يخاف ذهاب منفعة الأخرى فالدية، وفي الشفرين، وعلى الرجل
ديتها ولو قطع ذكر خنثى وأنثييه وشفرته اقتص من المساوي فيما ساواه وأخذ
الحكومة في الباقي والدية من المخالف في عضو من التحق به والحكومة في الآخر.
ولو طالب قبل البيان بالقصاص لم يجب إليه، وبالدية يعطي دية الأقل،
ويكمل لو ظهر الخلاف ويعطي حكومة الباقي، ولو طالب فدية أحدهما مع بقاء
القصاص في الآخر لم يلتفت إليه، وبالحكومة مع بقائه يعطي أقل الحكومتين
بقطع المجذوم بالصحيح إذا لم يسقط منه شئ، والشام والأقنى والدقيق والكبير
بالمخالف، والسامعة بالصماء، وينسب المقطوع من الأنف والأذن إلى الأصل
ويؤخذ من الجاني بحسابه، وتؤخذ الأذن الصحيحة بالمثقوبة قيل: لا بالمخرومة،
بل الدية ناقصة أو يقتص إلى حد الخرم ويأخذ حكومة في الباقي، ولو قطع ذو
أظفار ما لا ظفر فيه فالدية كاملة لا القصاص.
وفي السن القصاص بشرط اتحاد المحل، ولو قطعت من مثغر فعادت
ناقصة أو متغيرة أو كهيئتها فالحكومة، ومن غيره إن عادت في سنة فالحكومة وإلا
فالقصاص، وقيل: في سن الصبي مطلقا بعير، ولو مات قبل اليأس من عودها
فللوارث الأرش، ولو عادت سن الجاني فليس للبالغ المجني عليه إزالتها ولا يقلع
سن لضرس ولا بالعكس، ولا أصلية زائدة بزائدة مع تغاير المحل وكذا
479

الثالث:
يشترط في مدعي القتل التكليف وقت الدعوى لا الجناية، والدعوى على
من تصح منه المباشرة، ولو رجع إلى الممكن قبل، والتحرير قيل: لا، فلو قال:
قتله أحدهما سمعت بينته فيه للوث لو خصص، ولو ادعى القتل مع جماعة
مجهولة العدد سمعت وقضي بالصلح، ولو لم يبين العمد من غيره طلب منه ولو
لم يبين طرحت وسقطت بينته، ولو ادعى على آخر بعد إفراد الأول لم يسمع
سراة أو شركه، ولو ادعى العمد ففسره بالخطأ أو بالعكس لم يبطل أصل
الدعوى.
ويثبت بالإقرار مرة على رأي، من المكلف الحر، ويثبت العمد في المحجور
للسفه أو الفلس ويقتص والخطأ ولا يشارك، ولو أقر بالعمد والآخر بالخطأ يخير
الولي تصديق أحدهما ولا سبيل على الآخر - وقضى الحسن في حياة أبيه عليهما
السلام بأداء الدية من بيت المال في من أقر عمدا ورجع بعد إقرار آخر أنه هو -.
ويثبت موجب القصاص بشهادتين خاصة على رأي، ويثبت بهما وبواحد
وامرأتين أو يمين موجب الدية، كالخطأ والهاشمة وفيه نظر ومعه لا يقتص في
الموضحة، ولو أنكر لم يلتفت بشرط الخلوص عن الاحتمال، ولو صدق وادعى
الموت بغير الجناية أحلف، ولو قال: ضربه فأوضحه أو فأجرى دمه قبلت، ولو
قال: اختصما ثم افترقا وهو مجروح، أو ضربه فوجدناه مشجوجا أو فجرى دمه
لم يقبل، ولو قال: أسال دمه فمات، قبلت في الدامية، ولو قال: أوضحه أو قطع
يده، فوجدنا موضحتين أو قطعتين فالدية، ولا يكفي أوضحه حتى تعين.
ولو تغاير الشاهدان في الزمان أو الآلة أو المكان أو في الفعل، فالإقرار لم
يثبت، ولو كان لوثا في الأخير وفي الأول على إشكال، فإن كان خطأ حلف يمينا
واحدة فإن حلف مع الفعل فالدية على العاقلة وإن حلف مع الإقرار فعليه في
ماله مخففة، ولو شهد أحدهما بالإقرار مطلقا وعين الآخر العمد ثبت الإطلاق
وألزم الجاني البيان فلا يقبل وإن أنكر، وإن قال: عمدا قبل، وإن قال: خطأ
480

وصدق قبل وإلا أحلف.
أما لو شهدا بالفعلين وادعى الولي العمد وأنكر الجاني كان الواحد لوثا
وأحلف الولي القسامة إن شاء، ولو شهد المشهود عليهما على الشاهدين بقتله غير
متبرعين وصدقهما الولي أو صدق الجميع، سقط الجميع وإن صدق الأولين
يثبت الآخرين.
ولو شهدا لمورثهما بالجرح بعد الاندمال قبلت لا قبله على إشكال، ولو
اندمل فأعاداها قبلت، ولو شهدا للمريض المورث قبل، والفرق استحقاق الدية
ابتداء والتركة انتقالا.
ولو جرحت العاقلة شهود القتل غير الخطأ أو لم يصل إليهما العقل قبلت
وإلا فلا، ولو تعارضت البينتان في القاتل سقط عنهما إلى الدية عليهما، ويحتمل
التخيير كالإقرار منهما بالانفراد، وفي الخطأ على عاقلتهما ولو بشراء المقر بالانفراد
عمدا المشهود عليه به فللولي قتل المشهود ويرد المقر عليه نصف الدية وقتل المقر
ولا رد وقتلهما بعد رد النصف خاصة على المشهود لا غير وأخذ الدية منهما، وفي
التشريك نظر، ولا قسامة بدون التهمة فللولي يمين واحدة فإن نكل أحلف
المدعي واحدة على رأي.
واللوث أمارة يغلب معها الظن بالصدق، كالشاهد العدل وجماعة الفساق
أو النساء المأمون تواطؤهم، أو الغالب على الظن ارتفاعه، وجماعة الصبيان،
والكفار، بشرط بلوغ التواتر ووجدانه عند المتشحط بدمه متسلحا بالمتلطخ، أو
في دار قوم أو محلة منفردة لا يدخلها غيرهم، أو في صف مقابل بعد المراماة،
لا شهادة الصبي والفاسق والكافر المأمون عند نحلته وقول المقبول فأنكر فلان،
وشهادة العدل بالقتل من غير تعين للصفة، ولو وجد في قرية مستطرقة أو حلة أو
محلة منفرد، كذلك فلوث مع العداوة وإلا فلا، والأقرب من القريتين يختص
باللوث ويتساويان معه، ودية المقتول على قنطرة أو بئر أو جسر أو جامع عظيم
أو شارع أو فلاة، على بيت المال.
481

ولا لوث مع احتمال الشركة كالأسد الموجود مع المتلطخ، ولو قال
الشاهد: قتله أحدهما فلوث، ولو قال: قتل أحدهما فلا، ولا يشترط فيه وجود أثر
القتل ولا في القسامة حضور الجاني.
ويثبت اللوث على عبد المورث لفائدة التسلط وافتكاك الرهن، ولو ادعى
القتل على واحد من أهل الدار ثبت بالقسامة فإن أنكر الكون أحلف، ولا لوث
للتعلق بالكون فيها الثابت بالبينة والإقرار خاصة.
والقسامة في العمد خمسون يمينا فإن كان للولي قوم أحلف كل واحد يمينا
إن بلغوا وإلا كررت عليهم حتى يكمل، وكذا لو فقدوا وادعى جماعة قسمت
الحصص، ولو تعدد المدعى عليه فالأولى إحلاف كل واحد خمسين، وقيل:
تقسم الخمسين على عدد الرؤوس بالسوية بين الذكر والأنثى، ولو اتحد فأحضر
خمسين يقسمون ببراءته حلف كل واحد يمينا، وإن نقصوا كررت عليهم حتى
يبلغوا.
ولو لم يكن للولي قسامة ولا حلف فله إحلاف المنكر خمسين إن لم يكن له
قسامة وإلا كان كأحدهم، ولو امتنع ولو لم يكن له من يقسم ألزم وقتل بعد رد
اليمين.
وفي الخطأ نسبة العمد خمسون على رأي، وفي الأعضاء المساوية خمسون
وإلا فبالنسبة على رأي، ولا قسامة إلا مع العلم لا الظن بما يقسم عليه.
والأولى عدم قبول قسامة الكافر على المسلم، وللمولى مع اللوث القسامة
على الحر، وللمكاتب في عبده، ولو ارتد الولي بعد القتل منع القسامة إلا أن
يرجع، فإن خالف وقعت موقعها على إشكال، فإن ارتد قبل القسامة فالقسامة
للوارث خاصة، فإن عاد قبل القسمة شارك إلا أن يكون المرتد سيدا فإنه يقسم
قبل القتل وبعده.
ولو أوصى بعبده لأم ولده بعد القتل قبل القسامة، فالأولى أنه لا يصح
قسامتها بل للوارث وتأخذه بالوصية، ولو ملكها إياه فكذلك، ولو قيل بالملك
482

ففي القسامة إشكال، والفرق حينئذ مع المكاتب انقطاع تصرف المولى عنه،
ويقسم السيد في العبد الميت بالسراية حرا إن كانت الدية أقل وإلا شارك
بالحصة.
وشرط اليمين ذكر القاتل والمقتول بالتعيين والانفراد وإعلامه والنوع
والإعراب إن كان عارفا وإلا كفى ما يعرف معه القصد، والأولى أنه لا يجب.
إن النية نية المدعي ولو اختص اللوث بأحد المنكرين أحلف الولي له
خمسين وعلى الآخر واحدة، فإن قتل رد النصف، ويقسم الحاضر من الوليين
خمسين ولا يجب الارتقاب فإن حضر حلف خمسة وعشرين، وكذا مع الصغير،
ولو تعدد المدعى عليه فإن صدقوا قتلوا، وإن حضر أحد الثلاثة حلف الولي
خمسين، وقبل ولم يرتقب، فإن حضر ثان فالأولى إحلاف الولي خمسين أيضا،
وكذا في الثالث، ولو كذب أحد الوليين الآخر فلا تأثير وأحلف خمسين على من
ادعى وللآخر خمسين على الآخر ويثبت لكل نصف الدية أو القود مع الرد.
ولو مات الولي فالوارث بمنزلته، ولو كان في الأثناء استأنف، ولو جن بنى
بعد الإقامة، ولو استوفى بعد حلف القسامة الدية فشهد اثنان بالغيبة المنافية
استعيدت وبطلت القسامة، ولو قال بعد الاستيفاء: هذه حرام، وفسر بالكذب
استعيدت وبأنه لا يرى القسامة لا اعتراض وبأنها غير مملوكة للباذل ألزم الدفع
إلى من عينه ولا رجوع، ولو فقد أقرت، ولو قال بعدها آخر: أنا قتلته منفردا، قيل:
تخير الولي، ولو التمس الولي حبس المتهم ليحضر البينة ففي الإصابة إشكال.
الرابع:
ضابط العمد أن يكون القاتل قاصدا في فعله ونيته، وشبيهه أن يكون قاصدا
في فعله خاصة، والخطأ أن يكون مخطئا فيهما.
ودية العمد مائة بعير من المسان، أو مائتا بقرة، أو مائتا حلة - والحلة ثوبان
من برود اليمن -، أو ألف دينار أو ألف شاة، أو عشرة آلاف درهم، وهي أصول:
483

فيخير الجاني، ويستأدى في سنة من ماله، وله البذل من إبل البلد وغير وإبله
وغيرها، أعلى أو أدون إذا لم تكن مراضا مع الصفة، والأولى عدم قبول القيمة مع
الوجود.
ودية الشبه ثلاث وثلاثون حقة وثلاث وثلاثون بنت لبون وأربع وثلاثون
ثنية طروقة الفحل، وروي ثلاثون بنت لبون وثلاثون حقة وأربعون خلفه،
ويرجع إلى العارفين في الحمل فيرجع لو ظهر الغلط، ولو أزلقت قبل التسليم
أبدل لا بعده، ويستأدى في سنتين من ماله، فإن مات أو هرب فمن الأقرب ممن
يرث الدية، فإن فقد فمن بيت المال.
ودية الخطأ عشرون بنت مخاض وبنت لبون وحقة وجذعة أرباعا،
ويستأدى في ثلاث سنين كل سنة عند تمامها ثلث الدية تامة أو ناقصة أو دية
طرف من مال العاقلة.
ولا يضمن الجاني شيئا، وهم الذكور من الأقارب الذين هم على حاشية
النسب على رأي، والمعتق وبه ضامن الجريرة لا المضمون عنه، والإمام كالإخوة
وأولادهم والعمومة وأولادهم وكل متقرب بالأب، ولا يشترط إرثهم في الحال،
دون المتقرب بالأم والزوج والزوجة على رأي، والأقرب دخول الآباء والأولاد
وابن المرأة الذي هو ابن ابن عمها.
ولا يعقل المرأة ولا الصبي ولا المجنون وإن ورثوا من الدية، ولا يكلف الفقير
عند المطالبة - وهو حول الحول - ولا أهل الديوان ولا أهل البلد مع فقد
التعصيب ولا الحليف ولا المولى من أسفل بل من أعلى، ويقدم المتقرب بالأبوين
على المتقرب بالأب.
ولا يضمن الغمص عن الموضحة على رأي، والأرش إن نقص عن الثلث أخذ
من العاقلة عند نهاية السنة على رأي، والأرش إن نقص عن الثلثين حل الثلث
بانسلاخ الحول والباقي بانسلاخ الثاني، ولو زاد على الدية كقطع الأطراف
حل له ثلث، لكل جناية سدس عند الحول، وإن تعدد حل لكل واحد الثلث.
484

ولا يعقل العاقلة عبدا قنا أو مدبرا أو مكاتبا أو أم ولد، ولا صلحا ولا إقرارا ولا
عمدا مع وجود القاتل وإن أوجب الدية كالأب والمسلم والحر، ولا ما يجنيه على
نفسه قتلا أو جرحا، ولا المسبب والذمي في ماله وإن أخطأ، ولو عجز فالإمام.
ولا يجتمع الضامن مع العصبة ولا المعتق، ولا يضمن الإمام مع وجوده
موسرا، والأولى عدم رجوعهم على الجاني والتقسيط برأي الإمام.
والترتيب في التوزيع بين القريب والبعيد بمعنى الاقتصار على القريب مع
الوفاء لكثرتهم أو لقصور الواجب وإلا فشاركهم من بعدهم، ولو زادت الدية عن
العصبة أخذ من الموالي، ولو اتسعت أخذ عن عصبة الموالي، فإن زادت فعلى
مولى الموالي ثم عصبة مولى المولى، ولو زادت فالفاضل على الإمام، ولو زادت
العاقلة فالأولى التوزيع بالحصص، ولو غاب بعضهم لم يخص الحاضر.
وابتداء الأجل في النفس من حين الموت وفي الطرف من حين الجناية وفي
السراية من وقت الاندمال، ولا يفتقر في الأجل إلى الحاكم، ولو مات الموسر بعد
حلول أخذها لزمه من التركة، ولو كانت غائبة كوتب إلى الوالي ليوزع، ولو
فقدت أو عجزت أخذت من الجاني فإن عجز فمن الإمام.
ولا يعقل إلا من عرف كيفية انتسابه، ولا يكفي كونه من القبيلة، ولو أقر
بنسب مجهول ألحق به، فإن أقام آخر بينة ألحق به، فإن ادعى ثالث ولادته على
فراشه قضي له وأبطل الأولان.
ويدفع الأب القاتل للولد عمدا الدية منه إلى الوارث فإن فقد فالإمام، وفي
الخطأ الدية على العاقلة ولا يرث الأب على رأي، ولو لم يرثه إلا العاقلة فلا دية،
وكذا لو قتل أباه خطأ.
ولا يضمن العاقلة بهيمة ولا إتلاف مال، ولو رمى الذمي طائرا فأسلم، فقتل
مسلما لم يعقل عنه عصبة من الذمة ولا المسلمين على رأي، بل في ماله، وكذا
المسلم لو رماه فارتد فأصاب مسلما.
وتغلظ على القاتل في الشهر الحرام بثلث الدية من أي الأجناس كان،
485

وألحق حرم مكة، ولا تغليظ في الطرف، ولو رمى في الحل إلى الحرم فأصاب فيه
غلظ وفي العكس إشكال، ويضيق على الملتجئ إلى الحرم في المطعم والمشرب
ليخرج، ولو جنى فيه اقتص فيه، وألحق به المشاهد.
ودية المرأة النصف مما عد، ودية الخنثى المشكل نصفهما، وولد الزنى
المسلم كالمسلم على رأي، ودية الذمي ثمانمائة درهم من أي الثلاثة كان والمرأة
على النصف وروي كالمسلم، وروي أربعة آلاف ونزلا على المعتاد، ولا دية
لغيرهم وإن كانوا ذوي عهد أو لم تبلغهم الدعوة، ودية العبد قيمته فإن تجاوزت
الحر ردت، فالأمة قيمتها وترد إلى الحرة لو زادت.
وتؤخذ من الجاني الحر في غير الخطأ وفيه من عاقلته، ولو جني عليه بغير
المستوعب فللمولى المطالبة بدية الجناية لا الدفع وأخذ القيمة، ولو جنى العبد
خطأ تخير المولى في الدفع ليسترق أو مساويه قنا كان أو مدبرا أو أم ولد.
ويضمن الطبيب ما يتلف بعلاجه وإن كان عارفا، والمراد أن البالغ العاقل
أو ولي غيرهما على رأي في ماله، وفي براءته بالإبراء المتقدم خلاف، ويضمن
عاقلة النائم ما يتلفه من الأنفس بانقلابه أو حركته على رأي، ويضمن كل من
الزوجين صاحبه مع الإعناف قبلا أو دبرا أو ضما، والموت، والحامل للمتاع
على رأسه إذا أصاب به إنسانا أو كسره في ماله، ولو صاح بالمريض والمجنون
والطفل، أو اغتفل الكامل وفاجأه فمات - والأولى إن البالغ كذلك - في ماله
على رأي، وكذا المشهر سيفه في وجه إنسان، ولو فر فألقى نفسه في بئر أو على
سقف أو صادفه سبع فأكله قيل: لا ضمان، ولو كان المطلوب أعمى ضمن ديته،
أو مقصرا وقع في بئر لا يعلمها، أو انخسف به السقف، أو اضطره إلى مضيق
فافترسه الأسد.
ودية المصدوم في مال الصادم والصادم هدر إن كان في ملك المصدوم أو
مباح أو طريق واسع أو مضيق مع الفصل، أما لا معه فيه مع وقوف المصدوم
فقيل: لا ضمان، ولو مات المتصادمان الحران، فلورثة كل نصف ديته فارسان أو
486

راجلان أو بالتفريق، وعلى كل واحد نصف قيمة فرس الآخر إن تلفتا بالتصادم،
ويتقاص في الدية، ولو قصداه فعمد.
وفي الصبيين نصف دية كل واحد على عاقلته وإن أركبهما وليهما، وعلى
الأجنبي ضمانهما كملا لو أركبهما.
والعبدان البالغان هدر، ولو مات أحد الحرين فعلى الباقي نصف دية
التالف، وروي الكمال.
والحاملتان سقط نصف دية كل واحدة ويثبت الباقي، وأما الجنين فيثبت
في مال كل واحدة نصف دية الجنين.
ولو جلس في الطريق فعثر به آخر، فماتا، فدية كل واحد على عاقلة الآخر،
ولو أصاب المار بين الرماة سهم فالدية على عاقلة الرامي، ولو قال: حذار،
فلا ضمان، ولو قرب الصبي المصاحب من طريق السهم لا قصدا فالضمان على
المقرب لا الرامي على إشكال، وروي أن عليا عليه السلام ضمن ختانا قطع حشفة
غلام.
ولو اضطره إلى الوقوع أو قصده لغير القتل، فخطأ محض، ولو ألقاه الهواء
أو زلق فلا ضمان والواقع هدر على كل تقدير، ولو دفعه غيره فديته ودية الأسفل
على الدافع، وقضى أمير المؤمنين عليه السلام أن " دية الراكبة نصفان بين
الناخسة والمنخوسة "، وقيل عليهما الثلثان، وقيل على الناخسة مع الإلجاء وعلى
القامصة لا معه، والمخرج لغيره ليلا ضامن حتى العود، فإن عدم فالدية.
وإن وجد قتيلا فأقام بينة على أنه برئ وإلا فالدية على رأي في ماله، وإن
وجد ميتا فإشكال.
وتصدق الظئر لو أنكر الولد أهله ما لم يعلم الكذب فالدية أو إحضاره أو من
يحتمل، فلو دفعته إلى أخرى بغير إذن ضمنت الدية إذا جهل خبره، ولو انقلبت
فقتلته فالدية في مالها إن طلبت الفخر وإلا فالعاقلة.
وروي عن الصادق عليه السلام: في لص جمع الثياب ووطئ المرأة وقتل
487

ولدها ثم حمل الثياب ليخرج فقتلته: بأربعة آلاف درهم في ماله بالإكراه ويضمن
مواليه دية الغلام ولا شئ عليها في قتله، وروي عنه عليه السلام، " في امرأة أدخلت
صديقها ليلة البناء الحجلة فاقتتل هو والزوج فقتله الزوج، فقتلته هي " بضمانها
دية الصديق وقتلها بالزوج، وروي عن علي عليه السلام " في أربعة سكروا
فجرح اثنان وقتل اثنان " قضى دية المقتولين على المجروحين بعد دفع
جراحهما، وعن الصادق عليه السلام، جعل دية المقتولين على مقابل الأربعة
وجراحة الباقيين من دية المقتولين، وروي عن علي عليه السلام " في ستة غلمان
فغرق واحد فشهد اثنان على الباقي بالتغريق وبالعكس " قضى ثلاثة أخماس
الدية على الاثنين والخمسين على الثلاثة.
والواضع حجرا أو سكينا والحافر بئرا في ملك غيره أو طريق مسلوك
ضامنان، إلا إذا وضعها في ملكه أو مباح، ولو حفر في ملك غيره أو في الطريق
المسلوك لمصلحة المسلمين فلا ضمان على رأي، ولو بنى في الطريق مسجدا
قيل: لا يضمن إن كان بإذن الإمام.
ولو سلم ولده لمعلم السباحة ضمن في ماله بالتفريط، ولو كان بالغا عاقلا
فلا ضمان، ويضمن من يمد حبال المنجنيق ما يجنيه الحجر على أحدهم بعد وضع
نصيبه، دون ممسك الخشب والمساعد بغيره، ولو قصدوا أجنبيا فعمد، وإلا
فخطأ، وقيل: يضمن الهادمان ثالثهم إذا وقع عليهم، والأولى الشركة.
ويضمن الملاحان المالكان بتصادم السفينتين مفرطين لكل على الآخر
نصف قيمة ما أتلفه، وكذا الحمالان لو أتلفا أو أحدهما، وغير المالكين يضمن كل
نصفهما وما فيهما في مالهما، وبدون التفريط لا ضمان، ولو وقعت سفينة على واقفة
فلا ضمان على الواقفة ولا على الأخرى إلا أن يفرط الواقع، ويضمن الملاح ولو
أصلحها سائرة أو بدل لوحا فغرقت بفعله، المال والنفس في ماله.
وصاحب الحائط إذا بناه في غير ملكه أو في ملكه مائلا إلى غير ملكه أو
مستويا فمال إلى الطريق أو إلى غير ملكه وتمكن من الإزالة، ولا ضمان إذا بناه في
488

ملكه أو مباح فتلف بالوقوع أو وقع في الطريق فمات إنسان بعثاره، أو لم
يتمكن من إزالة المائل.
ويجوز نصب الميازيب إلى الطرق والرواشن ولا يضمن ما يتلف بوقوعها على
رأي، ولو أجج نارا في ملكه لم يضمن لو سرت إلى غيره إلا أن يزيد عن قدر
الحاجة مع غلبة الظن بالتعدي كوقت الأهوية، ولو عصفت بغتة لم يضمن، ولو
أججها في ملك غيره ضمن النفس والمال في ماله، ولو قصد إتلاف النفس وتعذر
الفرار فالقود، ولو بالت دابته في الطريق أو رشه أو ألقى قمامة منزله المزلقة فيه
وزلق إنسان ضمن على رأي.
ولا يضمن جناية الإناء الموضوعة على حائطه، ويجب حفظ الدابة الصائلة،
فيضمن مع الإهمال لا مع عدمه أو الجهل، ولو جنى على الصائلة للدفع
فلا ضمان، ويضمن لغيره.
ويضمن جناية الهر الضارية المملوكة ويجوز قتلها، وصاحب الداخلة على
أخرى ضامن مع التفريط في الحفظ لا صاحب الأخرى، وصاحب الكلب ضامن
للداخل باذنه وإلا فلا، وراكب الدابة وقائدها ضامنان لما تجنيه بيديها ورأسها
لا ما تجنيه برجليها وذنبها، والواقف بها والضارب والسائق ضمناء لما تجنيه بيديها
ورجليها، ويتساوى الرديفان ولو كان المالك ضمن دون الراكب، ولو ألقته لم
يضمن المالك إلا بالتفريط، ويضمن المولى لو أركب مملوكه جنايته، ومنهم من
اشترط الصغر فلو كان بالغا تعلقت برقبته إن كانت على نفس أو مال، ولا يضمن
المولى والأقرب، والاتباع في المال لا السعي.
ولو جهل المباشر السبب ضمن المسبب كالمغطي لما حفره في غير ملكه
مع دفع غيره الجاهل ثالثا، ولو حفرها في ملكه وغطاها ضمن المدعو إلى
الدخول، ولو اجتمع سببا هلاك على التعاقب فالحوالة على الأول، كالملقي
حجرا في غير ملكه مع الحافر إذا عثر ثالث ويختص بالعادي منهما وكالحافر
مع ناصب السكين فيها إذا وقع ثالث، ولو هلك كل من الواقعين بوقوع الآخر
489

فالضمان على الحافر، ولو وضع في الطريق حجرا فعثر به إنسان ودحرجه ثم
عثر به آخر، فالوجه تعلق الضمان بالمد حرج، ولو وضع وحده وآخران آخر
تحته فعثر بهما آخر، فالوجه التشريك أثلاثا.
ولو أمره بإلقاء المتاع في البحر لتسلم السفينة فلا ضمان، ولو قال: وعلي
ضمانه، ضمن دفعا للخوف ولو فقد الخوف ففي الضمان مع التضمين نظر، ولو
قال: مزق ثوبك وعلي ضمانه أو أخرج نفسك، فلا ضمان، ولو قال: ألقه مع
الخوف وعلي ضمانه مع الركبان، فامتنعوا، صدق في إرادة التساوي وألزم
بحصته، والركبان إن قنعوا لزمهم، ولو ادعى الإذن عليهم فأنكروا بعد الإلقاء
حلفوا وضمن الجميع.
ولو وقع الأول في الزبية فتعلق بثان والثاني بثالث والثالث برابع، فالأول
فريسة ويغرم أهله ثلث الدية للثاني وأهل الثاني ثلثيهما للثالث وأهل الثالث الدية
لأهل الرابع، ويمكن إلزام الأول بالدية للثاني والثاني للثالث والثالث للرابع،
وإن قيل بالتشريك بين مباشر الإمساك والمشارك في الجذب، فعلى الأول
ديتان إلا سدسا وعلى الثاني خمسة أسداس وعلى الثالث ثلث.
ولو وقع في بئر فجذب آخر فالجاذب هدر ويضمن الآخر في ماله، ولو
جذب الثاني ثالثا فماتوا بوقوع كل على صاحبه، فعلى الثاني النصف للأول
وعلى الأول النصف للثاني وللثالث الدية على الثاني إن رجحت المباشرة، وإلا
فعلى الأولين بالسوية، فلو جذب رابعا فللأول الثلثان على الثاني والثالث وللثاني
الثلثان على الأول والثالث وللثالث الثلثان على الأولين وللرابع الدية على الثالث
مع ترجيح المباشرة، وإلا فعلى الثلاثة.
الخامس:
كل غير مقدر فيه الحكومة، وهي الأرش في العبد للمولى وفي الحر جزء من
الدية نسبته إليها نسبة ما تنقص تلك الجناية من قيمته لو كان عبدا إن أفاد شيئا أو
490

نقص قيمة، وإن فقدهما فالأقرب إنه كذلك، والأولى حينئذ النظر إلى ما قبل
الاندمال من الحالات المؤثرة في النقصان، ويعتبر أقرب الحالات إليه.
وفي شعر الرأس الدية وكذا اللحية وإن نبتا فالأرش على رأي، وفي شعر
المرأة ديتها، فإن نبت فمهر نسائها، وفي الحاجبين خمسمائة دينار وفي كل واحد
النصف وما أصيب منه بالحساب، وفي الأهداب الدية إن لم ينبت ومع الأجفان
ديتان على رأي.
وفي العينين الدية وفي كل واحدة النصف ويستوي الصحيحة والعمشاء
والحولاء والجاحظة، وفي الأجفان الدية وفي كل واحد الربع على رأي، وفي
البعض بالحساب، ولا يتداخل ديتها ودية العين، وفي عين الأعور خلقة أو بآفة من
الله تعالى الدية، وإن استحق أرشها أو ذهبت قصاصا فالنصف، وفي خسف
العوراء الثلث سواء كان بخلقة أو بجناية.
وفي الأنف الدية إذا استؤصل، وفي مارنه - وهو مالان - الدية، ولو كسر
ففسد الدية، فإن جبر صحيحا فمائة دينار فإن مثل فالثلثان، وفي الروثة - وهي
الحاجز - على قول النصف، وفي أحد المنخرين النصف وروي الثلث، وفي
النافذة فيه ثلث الدية ومع الصلاح الخمس، وفي أحد منخريه نصف ذلك.
وفي الأذنين الدية وفي كل واحدة النصف وفي البعض بالحساب، وفي
شحمها ثلث ديتها وفي خرمها ثلث ديتها.
وفي الشفتين الدية وفي كل واحدة النصف على رأي، وفي البعض
بالحساب، وحد السفل عرضا ما تجافى عن اللثة مع طول الفم والعليا ما تجافى
عن اللثة متصلا بالمنخرين والحاجز مع طوله وليس حاشية الشدقين بينهما، ولو
تقلصت فالدية على قول، ولو تقلصتا بعض التقلص فالأولى الحكومة، ولو
استرختا فثلثا الدية، ولو شقتا فبدت الأسنان فالثلث ولو برأتا فالخمس وفي
إحديهما نصف ذلك.
وفي لسان الصحيح الدية والأخرس الثلث، ويعتبر النقص في الأخرس
491

بالمساحة وفي الصحيح بالحروف الثمانية والعشرين، ويتساوى اللسنية وغيرها
فيؤخذ نصيب ما يعدم، فإن عدمت أجمع فالدية، ولو صار نطقه سريعا أو زاد
سرعة أو ثقل أو ازداد ثقلا أو صار ينقل الفاسد إلى الصحيح أو غير الحرف تغيرا
لم يذهب جملته به فالحكومة، ولو أعدم البعض قدمت فائدة الباقي، فدية المفقود
خاصة، ولا اعتبار بالمساحة، ولو جنى آخر اعتبر بالباقي وأخذ بنسبة ما ذهب بعد
جناية الأول، ولو قطعه بعد المعدم فالثلث.
وفي لسان الطفل الدية، ولو بلغ حد النطق ولم ينطق فالثلث، فإن نطق
بعده اعتبر بالحروف فيتمم مع أحد الناقص، ويصدق مدعي ذهاب النطق إذا
كان صحيحا مع القسامة، وروي ضرب لسانه بإبرة فيصدق مع اسوداد الدم لا
احمراره، ولو عاد كلامه بعد ذهابه لم تستعد الدية على رأي، ولو نبت اتفاقا لم
تستعد إجماعا، ولو تعدد طرفاه واختلف مخرجهما فذهب أحدهما اعتبر
بالحروف، فالأرش إن نطق بالجميع، ولو قطعهما فدية وحكومة، ولو تساوى
مخرجهما ففيه ما يخصه من جميع اللسان، ولو قطعهما فلا بحث.
وفي الأسنان الدية، وتقسم على اثني عشر مقاديم وستة عشر مآخير، ففي
المقاديم ستمائة دينار بالسوية والباقي في المآخير كذلك، وتستوي البيضاء
والسوداء خلقة والصفراء، وإن جنى عليها، ولا دية للزائد مع الانضمام ولا معه
الثلث، إلا على رأي، ولو اسودت ولم تسقط فثلثا ديتها وفيها حينئذ الثلث، وفي
انصداعها ولا سقوط ثلثا ديتها على رواية، ولو اضطربت لمرض أو كبر فالأولى
الدية في قلعها، والدية في الظاهر مع سنخها والأقرب أن في كسر البارز ديتها ففي
السنخ بعده الحكومة، وفي قطع بعض الظاهر ما يخصه بالحصة، فلو قلع آخر
الباقي وكل السنخ قيل: يجب من الدية بقدر الظاهر وحكومة في السنخ، وقيل:
إن قطع بعض الظاهر طولا فعليه ديته يتبعه ما تحته وحكومة في تابع الأول، وإن
كان عرضا فدية الباقي خاصة.
والتفصيل حسن: فلو قال المجني عليه: قطع الأول الربع، فقال الثاني:
492

النصف أحلف المجني عليه، فإن انكشفت اللثة لعارض ثم جنى اعتبر بالنسبة إلى
الظاهر فالقول قول الجاني، ولو كانت إحدى الثنايا أقصر من أخواتها خلقة
فالأولى الكمال، وينتظر سن الصبي فإن نبت فالأرش وإلا الدية على رأي، ولو
أنبت موضع المقلوعة عظما فقلعه قالع فالأولى الأرش.
في ذكر العنق الموجب للاصورار له الدية وكذا الجناية المانعة عن
الازدراد، فإن زال فالأرش وفي اللحيين الدية ومع الأسنان ديتان، وفي نقصان
المضغ بالجناية عليهما أو تصلبهما الأرش.
وفي اليدين الدية وفي كل واحدة النصف، وحدها المعصم، وإن قطعت
الأخرى في جهاد، ولو قطعت مع شئ من الزند ففي اليد ديتها وفي الزائد
حكومة، ولو قطعت المرفق أو المنكب، ولو كان له يدان على زند فدية
وحكومة، وتتميز الأصلية بالبطش أو بزيادته أو بكمال الأصابع أو الكون على
سمت الخلقة، فإن تساوتا فإحداهما أصلية، ففيهما الدية وحكومة، وقيل: ثلث
الأصلية، وفي إحديهما نصف دية وحكومة، وفي قطع إصبع من إحديهما نصف
دية وحكومة، ولا يقتص منه لو قطع يد غيره.
والأولى أن في الذراعين الدية وكذا العضدين وفي كل واحد النصف، وفي
أصابع اليدين وكذا الرجلين، وفي كل واحدة العشر على رأي، ويقسم كل
إصبع فيهما على ثلاث أنامل بالسوية، وفي الإبهام على اثنتين، وفي الزائد ثلث
الأصلية، وفي شلل كل واحدة ثلثا ديتها وفي قطعها بعده الثلث، وكذا في الشلل
خلقة، وفي الظفر إذا لم ينبت أو نبت أسود عشرة دنانير فإن نبت أبيض فخمسة.
وفي الظهر إذا كسر أو أصيب فاحدودب أو تعذر القعود، وإن جبر على عثم
الدية ولو صلح فالثلث، ولو شلت الرجلان بكسره فدية وثلثا دية للرجلين، ولو
ذهب مشيه وجماعه فديتان، وفي قطع النخاع الدية.
وفي ثدي المرأة ديتها وفي كل واحد النصف فإن انقطع لبنهما أو تعذر
نزوله فالحكومة، وفي الزائد من جلد الصدر الحكومة، ولو جاف حينئذ الصدر
493

فالدية والحكومة ودية الجائفة، وفي حلمتي المرأة ديتها وفي الرجل ديته على
رأي، فيهما.
وفي الحشفة فما زاد وإن استؤصل الدية، ويستوي الشاب والشيخ والصبي
والمسلول، وفي قطع بعضها بحساب نسبة الدية من مساحة الكمرة، فلو قطع
آخر ما بعد الحشفة فالأرش، وفي العنين الثلث وفيما قطع بحسابه، وفي
الخصيتين الدية وفي كل واحدة النصف، وروي في اليسرى الثلثان وفي إدرتهما
أربعمائة دينار، فإن فحج فلم يقدر على المشي فثمانمائة، وفي الشفرين الدية وفي
كل واحد النصف، وتستوي السليمة والرتقاء، وفي الركب حكومة.
وفي الإفضاء الدية في ماله إلا أن يكون زوجا بعد البلوغ، وقبله يضمن
الزوج مع الدية المهر وينفق حتى يموت أحدهما، وغير الزوج المكره عليه المهر
والدية، وغيره الدية خاصة، وفي المكرهة البكر زيادة أرش البكارة على إشكال،
والأولى تصور الخطأ فيه، كالواجد امرأة على فراشه إذا أفضاها ظنا أنها زوجته.
وفي الأليتين الدية وفي كل واحدة النصف، وكذا الرجلان وحدهما مفصل
الساق وفي الزائد حكومة فإن كانت إحديهما أطول يمشي عليها فالدية، فإن تعذر
بعد القطع استقرت وإن قدر على المشي فالحكومة والدية في القصيرة، فإن شلت
الطويلة فثلثا الدية فإن قطعت بعده فإن تعذر المشي فالثلث وإن أمكن أخذ
الحكومة فيهما، وفي الساقين الدية وكذا الفخذين وفي كل واحد منهما النصف.
وفي كسر الضلع المخالط للقلب خمسة وعشرون دينارا وفيما يلي العضدين
عشرة.
وفي كسر البعصوص أو العجان إذا لم يملك بوله أو غائطه الدية.
وفي كسر عظم من عضو خمس دية ذلك العضو فإن صلح على غير عيب
فأربعة أخماس دية كسره، وفي موضحته ربع دية كسره، وفي رضه ثلث دية
العضو فإن برأ على غير عيب فأربعة أخماس دية الرض.
وفي فكه بحيث يتعطل ثلثا ديته فإن صلح فأربعة أخماس دية فكه. وفي
494

الترقوة إذا كسرت فجبرت على غير عيب أربعون دينارا على قول، ومن داس
بطن غيره حتى أحدث اقتص بمثله أو يفتدي بثلث الدية.
ومن افتض بكرا بإصبعه فخرق مثانتها فلم تملك بولها فعليه ديتها، وقيل:
الثلث ومهر نسائها، فإن ضربها على بطنها فارتفع حيضها المستقيم انتظر بها سنة
فإن عاد وإلا حلفت وغرم ثلث ديتها.
وفي العقل الدية وفي بعضه الأرش، وقيل: بقدر الزمان ولا قصاص، ولو
شجه فذهب فلا تداخل، وروي التداخل إن كان بضربة، وروي إذا ضرب على
رأسه فذهب انتظر سنة فإن مات فالدية وإن بقي ولم يرجع فالدية، ولو عاد بعد
ذهابه فلا ارتجاع.
وفي السمع الدية إن يئس وإلا انتظر المدة المؤمل فيها العود، فإن لم يعد
استقرت، ولو أكذب المجني عليه أو قال: لا أعلم، اعتبر بالصوت القوي، وصيح
بعد استغفاله فإن تحقق وإلا أحلف القسامة وحكم له، ولو ذهب سمع واحدة
فالنصف، ولو نقص سمع إحديهما قيس إلى الأخرى بسد الناقصة وإطلاق
الصحيحة والصياح به مرتين وقت سكون الهواء بحيث يخفى عنه فإن تساوت
المسافتان صدق، ثم عكس وأخذ التفاوت، وروي الاعتبار من الأربع، ولو ذهب
بقطع الأذنين فديتان.
وفي ضوء العينين الدية ويصدق مدعيه بشاهدين أو شاهد وامرأتين من أهل
الخبرة، فإن أيس العود أو رجى في مدة غير معلومة أو معلومة فانقضت أو مات
ولم يعد استقرت، وإن عاد فالأرش، والقول قول المجني عليه أو وليه مع يمينه
في عدم العود، ولو قلعهما بعده آخر واختلفا أحلف الثاني فإن صدق المجني عليه
الأول برئ ولم يقبل قوله على الثاني، ولو ادعى الذهاب والعين قائمة أحلف
القسامة، وروي مقابلة الشمس وتصديقه مع فتحهما، ولو ادعى نقصان إحديهما
قيس إلى الأخرى كالسمع، وفيهما يقاس إلى أقرانه فيأخذ التفاوت بعد
الاستظهار بالأيمان، ولا يقاس في الغيم ولا الأرض المختلفة، ولو ادعى قالع العين
495

عدم الضوء أحلف.
وفي الشم الدية، ولو ادعاه اعتبر بالطيب وضده واستظهر بالقسامة، وروي
الاعتبار بدمع عينيه وتنحية أنفه عقيب تقريب الحراق، ولو عاد لم يستعد، ولو
ذهب بقطع الأنف، فديتان، ولو ادعى النقص أحلف وأخذ ما يراه الحاكم.
وفي الذوق الدية، ويحلف مدعيه ويقضي الحاكم في النقصان بما يراه.
ولو أصيب فتعذر الإنزال حالة الجماع فالدية، وفي الصوت الدية، وفي
السلس الدية إن دام إلى الليل والثلثان إلى الزوال والثلث إلى ارتفاع النهار على
قول، ولو ضربه فذهب سمعه وبصره ولسانه وعقله وفرجه وانقطع جماعه، فست
ديات، ونقل طريف: نصف الدية في صدع الرجل إذا أصيب فلم يقدر أن يلتفت
إلا ما انحرف الرجل، وفي قرحة لا تبرأ ثلث دية العظم الذي هي فيه.
السادس:
الشجاج ثمان.
الحارصة: وهي التي تقشر الجلد، وفيها بعير، والدامية على رأي، وهي التي
تأخذ في اللحم يسيرا، وفيها بعيران.
والمتلاحمة: وهي الآخذة كثيرا، وفيها ثلاثة أبعرة.
والسمحاق: وهي البالغة إلى الجلدة التي على العظم، وفيها أربعة.
والموضحة: وهي الكاشفة، وفيها خمسة.
والهاشمة للعظم: وفيها عشرة أرباعا في الخطأ وأثلاثا في الشبيه، ويتعلق
الحكم بالكسر وإن فقد الجرح.
والمنقلة: وهي التي تحوج إلى نقل العظم، وفيها خمسة عشر.
والمأمومة: وهي التي تبلغ أم الرأس، وفيها ثلث الدية، وله القصاص في
الموضحة وأخذ الباقي فيها.
والدامغة: وهي التي تخرق أم الرأس، وديتها كالمأمومة.
496

ولو أوضحه اثنين وهشمه فيهما واتصل باطنا قيل: تعددتا، ولو أوصل
الجاني بين الموضحتين أو سرتا اتحدتا، ولو أوصل ثالث فثلاث، ولو أوصله
المجني عليه سقط فعله منها، ولو ادعى الجاني الوصل أحلف المجني عليه، وكذا
يحلف به الولي لو ادعى الجاني موت المقطوع يديه ورجليه بالسراية في مدة
يمكن فيها، ولو اختلفت مقادير الشجة أخذ دية الأبلغ، ولو شجه في عضوين
فاثنتان وإن كان بضربة واحدة، والأقرب أن الشجة في الرأس والجبهة واحدة،
ولو أوضح فهشم ثان فنقل ثالث، فعلى الأول خمسة وعلى الثاني ما بين الأولى
والثانية وعلى الثالث ما بين الثانية والثالثة، وكذا لو فعل آخر مأمومة، وفي الجمع
مع تعلق الحكم بالهشم إشكال.
وفي الجائفة، وهي الواصلة إلى الجوف ولو من النحر الثلث، ولو جرح
وأجاف لزمه ديتهما، كما لو شق الكتف حتى حاذى الجنب ثم أجاف، ولو
أدخل آخر سكينه فيما أجافه غيره عزر، وإن وسعها ظاهرا أو باطنا فجائفة أخرى،
وفي أحدهما الحكومة، ولو أبرز حشوته فهو قاتل.
ولو فتق الخياطة قبل الالتئام عزر، والأقرب الأرش، وبعد البعض الحكومة
وبعد التمام جائفة، ولو أجافه اثنين فثلثان، ولو طعن في صدره فأخرج من ظهره
فاثنتان على رأي، وقيل: في نافذة شئ من أطراف الرجل مائة دينار.
وفي احمرار الوجه باللطمة دينار ونصف وفي اخضراره الضعف وفي
الاسوداد ضعفاه على رأي، وفي البدن على النصف، وفي شلل كل عضو مقدر
ثلثاه وفي قطعه بعده ثلثه.
وتتساوى الشجاج في الرأس والوجه، ويؤخذ في البدن بنسبة دية العضو
من دية الرأس.
ويتساوى الرجل والمرأة في الجراح دية وقصاصا، ما لم يبلغ الثلث
فتنتصف المرأة، وكل ما في الرجل ديته ففي المرأة ديتها، وكذا الذمي، ومن العبد
قيمته ومقدر الحر مقدر فيهم بالنسبة من ديتها ودية الذمي وقيمة العبد.
497

وفي قتل عبد المسلم الذمي وعبد المكاتب، والمسلم عبد الذمي نظر، و
للإمام القصاص ممن لا ولي لمستحقه وأخذ الدية في الخطأ، والأولى إنه ليس له
العفو فيهما.
ودية جنين الحر التام عشر دية أبيه لمسلم أو ذمي ذكرا أو أنثى على رأي،
والعبد عشر قيمة أمه المملوكة، وكذا جنين البهيمة، ولو تعدد تعددت ولا كفارة،
ولو ولجت فيه الروح فدية كاملة للذكر ونصف للأنثى ولا تجب إلا مع يقين
الحياة والكفارة مع المباشرة ولا اعتبار بالسكون بعد الحركة.
وفي العظم ثمانون وفي المضغة ستون وفي العلقة أربعون، وتنقضي العدة
وتصير أم ولد، وفي النطفة عشرون بعد إلقائها في الرحم، ولو أفزع المجامع
فعزل، فعشرة، ولو اختاره ولا إذن قيل: يلزمه العشرة لأمه الحرة ولا دية في الأمة
ولا إثم ولو كرهت. وفيما بين كل مرتبة بحسابه واختلف في تفسيره، وتقسم دية
جنين الأمة والذمي والبهيمة خمسة أجزاء، فالنطفة خمسها وهكذا.
ولو مات بقتل المرأة فالدية لها ونصف الديتين للجنين مع الجهل على
رأي، ولو ألقت حملها مباشرة أو تسبيبا فعليها ديته، والكفارة مع حياته، ولو
أفزعت فالدية على المفزع ويرث ديته وارث المال، ودية أعضائه وجراحاته
بالنسبة من ديته.
وتعتبر قيمة الأمة المسقط عند الجناية لا الإلقاء، ويضمن دية مسلم لو ألقته
الذمية مسلمة بضربة ذمية لا الحربية، ولو أعتقت الأمة قيل: الأقل من عشر القيمة
والدية، والأولى عشر القيمة وقت الجناية، ولو قال أهله: كان حيا، فصدق ضمنت
العاقلة في الخطأ غير الحي والمصدق الباقي، ولو أنكر وأقام كل بينة، قدمت بينة
الولي.
ولو ضربها فمات عند سقوطه أو وقع صحيحا وكان لا يعيش مثله، فالقاتل
الضارب، ويقتل في العمد والدية في غيره، ويكفر، ولو قتله آخر وحياته مستقرة
فلا ضمان على الملقي بل يعزر، وإلا فالأول قاتل ويعزر الثاني، ولو جهل حاله
498

عند الولادة قيل: الدية، ولو وطئها مسلم وذمي للشبهة أقرع وألزم الجاني بنسبة
من ألحق، ولو ألقت عضوا وماتت فدية لها ودية للجنين، ولو ألقت أربع أيد فدية
جنين واحد، ولو ألقت الجنين حينئذ ميتا أو حيا فمات تداخلت الديتان، ومستقر
الحياة دية اليد ولو تأخر وقال العارفون: إنها يد حي فنصف دية وإلا فخمسون،
وتستأدى دية الخطأ فيه من مال العاقلة في ثلاث سنين، ولو ادعت الضرب
والإسقاط والنسبة فالقول قوله في الجميع إلا في النسبة مع تسليمها والتعاقب،
ولو وقع حيا فمات، فإن أقام الوارث البينة بأنه لم يزل متألما حتى مات فالقول
قوله، وفي قبول الشاهد والمرأتين أو الأربع نظر.
وفي قطع رأس الميت الحر المسلم مائة دينار، وفي قطع جوارحه
وجراحاته بحسابه ويصرف في البر، وقيل: في بيت المال.
ولو أتلف مأكولا لغيره بالذكاة لزمه التفاوت لا غير على رأي، ولا بها القيمة
وقت الإتلاف، ولو بقي ما ينتفع به كالصوف فللمالك يوضع من القيمة، وفي
أعضائه وجراحاته الأرش، وغير المأكول المذكي بها يضمن الأرش، وكذا
جوارحه، وكسر عظامه مع استقرار الحياة ولا بها القيمة حيا.
ولو جرح المساوي عشرة فنقص واحدا ثم جرحه آخر كذلك وسرتا،
فيحتمل أن يقال بالتساوي لأن كل واحد منهما جنى درهما، والسراية بينهما فإن
جنى الأول ثلاثة والثاني درهما وسرتا لزم الأول ستة والثاني أربعة وينعكس
بالعكس، ويضعف بعدم دخول الأرش في الدية والتزام القول بكون الثاني يجب
عليه أكثر من الأول وقد جنى على قيمته أقل، أجابوا عن الأول: بأن الدخول إنما
يكون في النفس التي لا ينقص بدلها بإتلاف بعضها كالآدمي أما البهائم فلا،
ويحتمل عدم دخول الأرش الأول ودخول الثاني وإلزام كل منهما بنصف قيمته
بعد جناية الأول، لأن الأول جنى على غير مجني عليه فعليه أرشه ثم جنى الثاني
فدخلت في بدل النفس لأنه جنى على مجني عليه فعلى الأول خمسة ونصف
والباقي على الثاني، ويضعف بالأول.
499

ويحتمل دخول نصف أرش كل واحد بدل النفس وعلى كل منهما قيمته
يوم الجناية، لأنه لو انفرد دخل كل الأرش فمع المشاركة لا يدخل أرشه في
مضمون غيره كقطع اليد مع قتل الغير، فعلى الأول خمسة ونصف وعلى الثاني
خمسة، ويرجع الأول عليه بنصف أرش جناية الثاني وهو النصف الداخل في
نصف البدل لجنايته على ما دخل في ضمان الأول، كالجاني على المغصوب إذا
رجع المالك على الغاصب رجع عليه، وله أن يرجع على الأول بخمسة ويبرئ
ذمته وعلى الثاني بخمسة، فلو جنى الأول ثلاثة والثاني درهما فعلى الأول ستة
ونصف وعلى الثاني أربعة ويرجع الأول على الثاني بدرهم ونصف، ويضعف
بالوجهين.
ويحتمل دخول نصف الأرش وعلى كل واحد نصف قيمته يوم الجناية،
ولا رجوع لأنه إنما يكون لو ضمن الأول الكمال فلم يجن الثاني على ما دخل في
ضمان الأول، فعلى الأول خمسة ونصف وعلى الثاني خمسة، يقسط العشرة على
المجموع، فيكون على الأول خمسة ونصف من عشرة ونصف من عشرة وعلى
الثاني خمسة من عشرة ونصف من عشرة.
والأصل فيه أن يجعل المجموع أصلا والقيمة فائدة فمن كان له من
المجموع شئ ضرب في الفائدة والمجتمع يقسم على عشرة ونصف، يأخذ من
كل عشرة ونصف واحدا، فنصيب الأول إذا ضرب في عشرة بلغ خمسة
وخمسين، فإذا أخذ من كل عشرة ونصف درهم كان عليه خمسة دراهم وسبع
درهم وثلثا سبع درهم، وإذا ضرب نصيب الثاني بلغ خمسين فعليه أربعة دراهم
وثلثا درهم وثلثا سبع درهم، ويضعف بعدم دخول نصف الأرش في البدل.
ويحتمل دخول أرش جناية كل واحد وعلى كل منهما نصف قيمته يوم
جنايته، فعلى الأول خمسة وعلى الثاني أربعة ونصف، ويضعف بالنقص على
المالك. ويحتمل دخول أرش جناية كل واحد وإيجاب كمال القيمة يوم الجناية
500

على كل منهما وضم إحديهما إلى الأخرى وبسطه على عشرة، فعلى الأول عشرة
من تسعة عشر من عشرة وعلى الثاني تسعة، فإن جنى الأول خمسة والثاني
واحدا، فعلى الأول ستة وثلثان وعلى الثاني ثلاثة وثلث، وإليه مال الشيخ
ويضعف بإلزام الثاني زيادة على جنايته.
ويحتمل بسط العشرة على تسعة ونصف لأن الأول أتلف نصف نفس
قيمتها عشرة والثاني أتلف نصف نفس قيمتها تسعة، فعلى الأول خمسة من تسعة
ونصف من عشرة وعلى الثاني أربعة ونصف، ويضعف بإلزام كل واحد أكثر
من قيمة نصف المقتول يوم جنى عليه، فإن أتلف كل واحد من الثلاثة درهمين
فعلى الأول على كل واحد ثلاثة وثلث وعلى الثاني يكون على الأول أربعة وثلثان
وعلى كل واحد من الآخرين درهمان وثلثان وعلى الثالث على الأول أربعة وثلثان
وعلى الثاني أربعة وعلى الثالث ثلاثة وثلث، ويرجع الأول بالثلثين على الثاني
وهما على الثالث، ويرجع الثاني على الثالث بثلثين وعلى الرابع على الأول ثمانية
وثلثان وعلى الثاني أربعة وعلى الثالث ثلاثة وثلث، الجميع اثنا عشر على الأول
أربعة وثلثان من اثني عشر من عشرة، وعلى الثاني أربعة، وعلى الثالث ثلاثة
وثلث، وعلى الخامس على الأول ثلاثة وثلث، وعلى الثاني درهمان وثلثان، وعلى
الثالث درهمان وضاع درهمان، وعلى السادس على الأول عشرة وعلى الثاني
ثمانية وعلى الثالث ستة، يقسم العشرة على المجموع، فعلى الأول عشرة من أربعة
وعشرين من عشرة، وهي أربعة وسدس، وعلى الثاني ثمانية وهي ثلاثة وثلث،
وعلى الثالث ستة وهي درهمان ونصف، وعلى السابع يكون الأول قد أتلف ثلث
نفس قيمتها عشرة فعليه ثلاثة وثلث، والثاني أتلف ثلثها وقيمتها ثمانية فعليه
درهمان وثلثان، والثالث أتلف ثلثها وقيمتها ستة فعليه درهمان، فالمجموع ثمانية
يقسم عليها عشرة، حصة كل واحد منهم ما يقابل ما أتلفه، ولو كان إحدى
الجنايات من المالك سقط ما قابل جنايته.
وفي كلب الصيد أربعون درهما وخصصه قوم السلوقي، وفي كلب الغنم
501

كبش، وروي عشرون درهما، وقيل: في كلب الحائط عشرون، وفي كلب
الزرع قفيز، ولا قيمة في غيرها من الكلاب وغيرها من المحرمات، والتقدير للقاتل
أما الغاصب فالقيمة.
ولو أتلف على ذمي خنزيرا ضمن بقيمته عند مستحليه وفي أطرافه الأرش،
وكذا الخمر وآلات اللهو بشرط الاستتار، ولو أتلف المسلم، ولا ضمان مع
الاشتهار ولا إذا كانت لمسلم.
ويضمن صاحب الماشية إذا حث على الزرع ليلا لا نهارا، والأولى اشتراط
التفريط في التضمين ليلا ونهارا، وقضى أمير المؤمنين عليه السلام في بعير لأربعة
عقله أحدهم فوقع في بئر فانكسر أن على الشركاء حصته.
وكفارة العمد هي الثلث مع العفو ومع القود قيل: لا يحد فيه.
502