الكتاب: الينابيع الفقهية
المؤلف: علي أصغر مرواريد
الجزء: ٢٠
الوفاة: معاصر
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤١٠ - ١٩٩٠ م
المطبعة:
الناشر: دار التراث - بيروت - لبنان / الدار الإسلامية - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: أشرف على جمع أصولها الخطية وترتيبها حسب التسلسل الزمني وعلى تحقيقها وإخراجها وعمل قواميسها علي أصغر مرواريد

ينابيع الفقهية
الطلاق
حقوق الطبع محفوظة
الطبعة الأولى 1410 ه‍. 1990 م
دار التراث - دار الاسلامية
سلسلة الينابيع الفقهية
الطلاق
أشرف على جمع أصولها الخطية وترتيبها حسب التسلسل
الزمنى وعلى تحقيقها واخراجها وعمل قواميسها
على أصغر مرواريد
1

بسم الله الرحمن الرحيم
فقه الرضا المنسوب
للإمام علي بن موسى الرضا ع
153 - 202 ه‍ ق
2

باب طلاق السنة والعدة والحامل
اعلم يرحمك الله أن الطلاق على وجوه لا يقع إلا على طهر من غير جماع بشاهدين
عدلين مريدا للطلاق، فلا يجوز للشاهدين أن يشهدا على رجل طلق امرأته، إلا على إقرار
منه ومنها أنها طاهرة من غير جماع ويكون مريدا للطلاق، ولا يقع الطلاق بإجبار ولا إكراه
فمنه: طلاق السنة وطلاق العدة وطلاق الغلام وطلاق المعتوه وطلاق الغائب وطلاق
الحامل والتي لم يدخل بها والتي يئست من الحيض والأخرس.
ومنه: التخيير والمباراة والنشوز والشقاق والخلع والإيلاء، وكل ذلك لا يجوز إلا أن
يتبع بطلاق.
أما طلاق السنة: إذا أراد الرجل أن يطلق امرأته يتربص بها حتى تحيض
وتطهر ثم يطلقها تطليقة واحدة في قبل عدتها بشاهدين عدلين في مجلس واحد، فإن
أشهد على الطلاق رجلا واحدا ثم أشهد بعد ذلك برجل آخر لم يجز
ذلك الطلاق إلا أن يشهدهما جميعا في مجلس واحد بلفظ واحد،
ولا على سكر، فإذا طلقها على هذا تركها حتى تستوفى قروءها وهي ثلاثة أطهار أو ثلاثة
أشهر إن كانت ممن لا تحيض ومثلها تحيض، فإذا رأت أول قطرة من دم الثالث فقد بانت
منه ولا تتزوج حتى تطهر فإذا طهرت حلت للأزواج والزوج خاطب من الخطاب والأمر إليها
إن شاءت زوجت نفسها منه وإن شاءت لم تزوجه، فإن تزوجها ثانية بمهر جديد، فإن أراد
طلاقها ثانية من قبل أن يدخل بها طلقها بشاهدين عدلين ولا عدة عليها منه
3

وكل من طلق امرأته من قبل أن يدخل بها فلا عدة عليها منه، فإن كان سمى لها صداقا
فلها نصف الصداق فإن لم يكن سمى لها صداقا فلا صداق لها ولكن يمتعها بشئ قل أم
كثر على قدر يساره. فالموسع يمتع بخادم أو دابة والوسط بثوب والفقير بدرهم أو خاتم، كما
قال الله تبارك وتعالى: ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف.
فإذا أراد المطلق للسنة أن يطلقها ثانية بعد ما دخل بها طلقها مثل تطليقته الأولى على
طهر من غير جماع بشاهدين عدلين يتربص بها حتى تستوفى قروءها فإن زوجته نفسها بمهر
جديد وأراد أن يطلقها الثالثة وقد بانت منه ساعة طلقها ولا تحل للأزواج حتى تستوفى
قروءها ولا يحل لها حتى تنكح زوجا غيره، وروي أنها لا تحل له أبدا إذا طلقها طلاق
السنة على ما وصفناه، وسمي طلاق السنة الهدم لأنه متى استوفت قروءها وتزوجها الثانية
هدم طلاق الأول، وروي أن طلاق الهدم لا يكون إلا بزوج ثان.
وأما طلاق العدة: فهو أن يطلق الرجل امرأته على طهر من غير جماع بشاهدين
عدلين ثم يراجعها من يومه أو من غد أو متى ما يريد من قبل أن تستوفى قروءها وهو أملك
بها، وأدنى المراجعة أن يقبلها أو ينكر الطلاق فيكون إنكاره للطلاق مراجعة فإذا أراد أن
يطلقها ثانية لم يجز ذلك إلا بعد الدخول بها فإن دخل بها وأراد طلاقها تربص بها حتى
تحيض وتطهر ثم يطلقها في قبل عدتها بشاهدين عدلين فإن أراد مراجعتها راجعها، وتجوز
المراجعة بغير شهود كما يجوز التزويج وإنما تكره المراجعة بغير شهود من جهة الحدود
والمواريث والسلطان، فإن طلقها الثالثة فقد بانت منه ساعة طلقها الثالثة لا تحل له حتى
تنكح زوجا غيره، فإذا انقضت عدتها منه وتزوجها رجل آخر وطلقها أو مات عنها وأراد
الأول أن يتزوجها فعل، فإن طلقها ثلاث تطليقات على ما وصفته واحدة بعد واحدة فقد
بانت منه ولا تحل له بعد تسع تطليقات أبدا.
واعلم أن كل من طلق تسع تطليقات على ما وصفت لم تحل له أبدا، والمحرم إذا
تزوج في إحرامه فرق بينهما ولا تحل له أبدا، ومن تزوج امرأة لها زوج دخل بها أو لم يدخل بها
أو زنى بها لم تحل له أبدا، ومن خطب امرأة في عدة للزوج عليها رجعة أو تزوجها وكان عالما
لم تحل له أبدا، فإن كان جاهلا وعلم من قبل أن يدخل بها تركها حتى تستوفى عدتها من
4

زوجها ثم يتزوجها، فإن كان دخل بها لم تحل له أبدا عالما كان أو جاهلا فإن ادعت المرأة
أنها لم تعلم أن عليها عدة لم تصدق على ذلك، والغلام إذا طلق للسنة فطلاقه جائز، ومن
ولغ بالصبي لا تحل له أخته أبدا.
واعلم أن خمسا يطلقن على كل حال ولا يحتاج الزوج ينظر طهرها: الحامل والغائب
عنها زوجها والتي لم يدخل بها والتي لم تبلغ الحيض والتي قد يئست من الحيض، فأما التي لم
تحض أو قد يئست من الحيض فعلى وجهين، وإن كان مثلها لا تحيض فلا عدة عليها وإن كان
مثلها تحيض فعليها العدة ثلاثة أشهر، وطلاق الحامل فهو واحد وأجلها أن تضع ما في
بطنها وهو أقرب الأجلين، فإذا وضعت أو أسقطت يوم طلقها أو بعد متى كان فقد بانت منه
وحلت للأزواج، فإن مضى بها ثلاثة أشهر من قبل أن تضع فقد بانت منه ولا تحل للأزواج
حتى تضع فإن راجعها من قبل أن تضع ما في بطنها أو تمضى لها ثلاثة أشهر ثم أراد طلاقها
فليس له ذلك حتى تضع ما في بطنها وتطهر ثم يطلقها.
وأما المخير: فأصل ذلك أن الله تعالى أنف لنبيه ص من مقالة قالها
بعض نسائه: أ يرى محمد أنه لو طلقنا لم نجد أكفاء من قريش يتزوجونا؟ فأمر الله نبيه
ص أن يعتزل نساءه تسعة وعشرين يوما فاعتزلهن في مشربة أم إبراهيم
ع ثم نزلت هذه الآية يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها إلى
قوله تعالى: وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة إلى آخر الآية، فاخترن الله ورسوله
فلم يقع طلاق.
وأما الخلع: فلا يكون إلا من قبل المرأة وهو أن تقول لزوجها: لا أبر لك قسما ولا أطيع
لك أمرا ولأوطئن فراشك ما تكرهه، فإذا قالت هذه المقالة فقد حل لزوجها ما يأخذ منها وإن
كان أكثر مما أعطاها من الصداق وقد بانت منه وحلت للأزواج بعد انقضاء عدتها منه، فحل
له أن يتزوج أختها من ساعة.
وأما المباراة: فهو أن تقول لزوجها: طلقني ولك ما عليك، فيقول لها: على أنك إن
رجعت في شئ مما وهبته لي فأنا أملك ببضعك، فيطلقها على هذا وله أن يأخذ منها دون
الصداق الذي أعطاها وليس له أن يأخذ الكل.
5

وأما النشوز: فقد يكون من الرجل ويكون من المرأة، فأما الذي من الرجل فهو يريد
طلاقها فتقول له: أمسكني ولك ما عليك وقد وهبت ليلتي لك ويصطلحان على هذا، فإذا
نشزت المرأة كنشوز الرجل فهو الخلع إذا كان من المرأة وحدها، فهو أن لا تطيعه وهو ما
قال الله تعالى: واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن،
فالهجران أن يحول إليها ظهره في المضجع والضرب بالسواك وشبهه ضربا رفيقا.
وأما الشقاق: فيكون من الزوج والمرأة جميعا، كما قال الله تعالى: وإن خفتم شقاق
بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها، يختار الرجل رجلا والمرأة تختار رجلا
فيجتمعان على فرقة أو على صلح، فإن أرادا إصلاحا فمن غير أن يستأمرا وإن أرادا
التفريق بينهما فليس لهما إلا بعد أن يستأمرا الزوج والزوجة.
شرح آخر في طلاق السنة والعدة
طلاق السنة: إذا أراد الرجل أن يطلق امرأته تركها حتى تحيض وتطهر ثم يشهد
شاهدين عدلين على طلاقها ثم هو بالخيار في المراجعة من ذلك الوقت إلى أن تحيض بما قد
جعله الله له في المهلة وهو ثلاثة أقراء، والقرء: البياض بين الحيضتين وهو اجتماع الدم في
الرحم فإذا بلغ تمام حد القرء دفعته فكان الدفق الأول الحيض، فإن تركها ولم يراجعها حتى
تخرج الثلاثة الأقراء فقد بانت منه في أول قطرة من دم
الحيضة الثالثة وهو أحق برجعتها إلى أن تطهر، فإن طهرت فهو خاطب من الخطاب إن
شاءت زوجته نفسها تزويجا جديدا وإلا فلا، فإن تزوجها بعد الخروج من العدة
تزويجا جديدا فهي عنده على اثنتين، وقد أروي عن العالم ع أنه قال: الفقيه
لا يطلق إلا طلاق السنة، قال: وإذا أراد الرجل أن يطلقها طلاق العدة تركها حتى تحيض
ثم تطهر ثم يشهد شاهدين عدلين على طلاقها ثم يراجعها ويواقعها ثم ينتظر بها الحيض
والطهر ثم يطلقها بشاهدين التطليقة الثانية ثم يواقعها متى شاء من أول الطهر إلى آخره،
فإذا راجعها فحاضت ثم طهرت وطلقها الثالثة بشاهدين فقد بانت منه، ولا تحل له حتى
تنكح زوجا غيره وعليها استقبال العدة منه وقت التطليقة الثالثة.
6

وعلى المتوفى زوجها عدة أربعة أشهر وعشرة أيام، وعلى الأمة المطلقة عدة خمسة
وأربعين يوما، وعلى المتعة مثل ذلك من العدة، وعلى الأمة المتوفى عنها زوجها عدة شهرين
وخمسة أيام، وعلى المتعة مثل ذلك، وإن نكحت زوجا غيره ثم طلقها أو مات عنها فراجعها
الأول ثم طلقها طلاق العدة ثم نكحت زوجا غيره ثم راجعها الأول وطلقها طلاق العدة الثالثة لم تحل له أبدا.
وخمس يطلقن على كل حال متى طلقن: الحبلى التي قد استبان حملها والتي لم تدرك
مدرك النساء والتي قد يئست من الحيض والتي لم يدخل بها زوجها، والغائب إذا غاب
أشهرا فليطلقهن أزواجهن متى شاؤوا بشهادة شاهدين، وثلاث لا عدة عليهن: التي لم
يدخل بها زوجها والتي لم تبلغ مبلغ النساء والتي قد يئست من الحيض، وبالله التوفيق.
باب الإيلاء واللعان
واعلم يرحمك الله أن الإيلاء أن يحلف الرجل أن لا يجامع امرأته فله إلى أن يذهب
أربعة أشهر فإن فاء بعد ذلك وهو أن يرجع إلى الجماع فهي امرأته وعليه كفارة اليمين وإن
أبي أن يجامع بعد أربعة أشهر، قيل له: طلق فإن فعل وإلا حبس في حظيرة من قصب
وشدد عليه في المأكل والمشرب حتى يطلق، وقد روي: إنه إذا امتنع من الطلاق ضربت عنقه
لامتناعه على إمام المسلمين، والأخرس إذا أراد الطلاق ألقى على امرأته قناعا يرى أنها
قد حرمت عليه فإذا أراد مراجعتها رفع القناع عنها يرى أنها قد حلت له.
وأما اللعان فهو أن يرمي الرجل امرأته بالفجور وينكر ولدها فإن أقام عليها أربعة
شهود عدول رجمت وإن لم يقم عليها بينة لا عنها فإن امتنع من لعانها ضرب حد المفتري ثمانين جلدة
وإن لاعنها درئ عنه الحد، واللعان أن يقوم الرجل مستقبل القبلة فيحلف أربع
مرات بالله أنه لمن الصادقين فيما رماها به ثم يقول له الإمام: اتق الله فإن لعنة الله شديدة ثم
يقول الرجل: لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين فيما رماها به، ثم تقوم المرأة مستقبلة القبلة
فتحلف أربع مرات بالله أنه لمن الكاذبين فيما رماها به ثم يقول الإمام: اتقي الله فإن غضب
7

الله شديد ثم تقول المرأة: إن غضب الله عليها إن كان من الصادقين فيما رماها به، ثم يفرق
بينهما فلا تحل له أبدا ولا يتوارثان: لا يرث الزوج المرأة ولا ترث المرأة الزوج ولا الأب الابن
ولا الابن الأب، فإن دعا أحد ولدها الزانية جلد الحد وإن ادعى الرجل بعد الملاعنة أنه
ولده لحق به ونسب إليه، وروي في خبر آخر أنه لا ولا كرامة له ولا عز أنه لا يرد إليه، فإن
مات الأب ورثه الابن وإن مات الابن لم يرثه أبوه.
8

المقنع
في الفقه
للشيخ أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي
الملقب بالصدوق المتوفى 381 ه‍ ق
9

باب الطلاق
اعلم أن الطلاق لا يقع إلا على طهر من غير جماع، بشاهدين عدلين في مجلس
واحد بكلمة واحدة. ولا يجوز أن يشهد على الطلاق في مجلس رجل. ويشهد بعد ذلك الثاني
ولا يقع الطلاق بإكراه ولا إجبار ولا على سكر، إلا أن يكون الرجل مريد للطلاق.
والطلاق على وجوه كثيرة:
منها: طلاق السنة. وهو أنه إذا أراد الرجل أن يطلق امرأته، انتظر بها حتى تحيض
وتطهر، فيطلقها تطليقة واحدة ويشهد على ذلك شاهدين عدلين. ثم يدعها حتى تستوفى
قروءها، وهي: ثلاثة أطهار أو ثلاثة أشهر إن كانت ممن لا تحيض ومثلها تحيض، فإذا رأت
أول قطرة من دم ثالث فقد بانت منه وحلت للزواج. وهو خاطب من الخطاب والأمر إليها،
إن شاءت زوجت نفسها منه وإن شاءت لا. وعلى الزوج نفقتها والسكنى ما دامت في
عدتها. وهما يتوارثان حتى تنقضي العدة.
ومنها طلاق العدة. وهو أنه إذا أراد الرجل أن يطلق امرأته، طلقها على طهر من
غير جماع بشاهدين عدلين. ويراجعها من يومه ذلك أو بعد ذلك قبل أن تحيض ويشهد على
رجعتها ويواقعها حتى تحيض، فإذا خرجت من حيضها طلقها تطليقة أخرى من غير جماع
ويشهد على ذلك ثم يراجعها متى شاء قبل أن تحيض ويشهد على رجعتها ويواقعها ويكون
معها إلى أن تحيض الحيضة الثانية. فإذا خرجت من حيضها طلقها الثالثة بغير جماع
ويشهد على ذلك فإذا فعل ذلك فقد بانت منه ولا تحل له حتى تنكح زوجا غيره.
11

وأعلم أن أدنى المراجعة أن ينكر الطلاق أو يقبلها ويجوز التزويج والمراجعة بغير شهود،
إلا أنه يكره من جهة المواريث والسلطان والحدود.
واعلم أن خمسا يطلقن على كل حال: الحامل المبين حملها. والغائب عنها زوجها.
والتي لم يدخل بها، والتي قد يئست من الحيض أو لم تحض، وهو على وجهين: إن كان مثلها
لا تحيض فلا عدة عليها، وإن كان مثلها تحيض فعليها العدة ثلاثة أشهر.
واعلم أن أولات الأحمال، أجلهن أن يضعن حملهن وهو أقرب الأجلين، وإذا وضعت أو
أسقطت يوم طلقها أو بعده متى ما كان، فقد بانت منه وحلت للزواج. وإذا مضى بها ثلاثة
أشهر من قبل أن تضع فقد بانت منه ولا تحل للزواج حتى تضع، فإن راجعها من قبل أن
تضع ما في بطنها أو يمضى بها ثلاثة أشهر، ثم أراد طلاقها، فليس له حتى تضع ما في بطنها ثم
تطهر ثم يطلقها.
وسئل الصادق ع عن المرأة الحامل يطلقها زوجها ثم يراجعها، ثم
يطلقها ثم يراجعها، ثم يطلقها الثالثة فقال: قد بانت منه ولا تحل له حتى تنكح زوجا غيره
وطلاق الحامل واحد. وعدتها أقرب الأجلين. والمرأة إذا فسد حيضها، فلا تحيض إلا في
الأشهر أو السنين تطلق لغرة الشهور. وتعتد كما تعتد التي قد يئست من المحيض.
وإذا طلق الرجل امرأته قبل أن يدخل بها، فليس عليها عدة ولها نصف المهر إن
كان فرض لها مهرا وتتزوج من ساعتها.
وأما التخيير: فأصل ذلك أن الله تبارك وتعالى أنف لنبيه ص في
مقالة قالتها بعض نسائه وهي حفصة. أ يرى محمد أنه لو طلقنا أنا لا نجد أكفاء من قريش
يتزوجنا؟ فأمر الله عز وجل نبيه أن يعزل نساءه تسعة وعشرين يوما (ليلة)، فاعتزلهن
ص في مشربة أم إبراهيم. ثم نزلت هذه الآية: يا أيها النبي قل لأزواجك
إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها، فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا. وإن كنتن
تردن الله ورسوله والدار الآخرة، فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما فاخترن الله و
رسوله ص، فلم يقع الطلاق ولو اخترن أنفسهن لبن. وروي ما
للناس والتخيير؟ إنما ذلك شئ خص الله به نبيه ص.
12

وأما الخلع فلا يكون إلا من قبل المرأة وهي أن تقول لزوجها: لا لك أمرا أبر لك قسما
ولا أطيع ولا أغتسل لك من جنابة ولأطئن فراشك غيرك ولأدخلن بيتك من تكرهه ولا
أقيم حدود الله فإذا قالت هذا لزوجها فقد حل له ما أخذ منها وإن كان أكثر مما أعطاها من
الصداق وقد بانت منه وحلت للزواج بعد انقضاء عدتها وحل له أن يتزوج أختها من
ساعته ويقول: إن رجعت في شئ مما وهبتنيه فأنا أملك ببضعك، فإن هو راجعها رد عليها ما
أخذ منها وهي على تطليقتين وكان الخلع له تطليقة واحدة وعدتها عدة المطلقة ولا تخرج من
بيتها حتى تنقضي عدتها وإذا طلقها فليس لها متعة ولا سكنى ولا نفقة.
وأما المباراة فهي أن تقول المرأة لزوجها: طلقني ولك مالي عليك. فيتركها. إلا أنه
يقول: على أنك إن رجعت على بشئ مما وهبته لي، فأنا أملك ببضعك. ولا ينبغي أن يأخذ
منها أكثر من مهرها والمختلعة يحل لزوجها ما أخذ منها لأنها تفتري في الكلام.
وأما النشوز فهو ما قال الله تبارك وتعالى في كتابه: وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا
أو إعراضا، فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا، والصلح خير. وهو أن تكون المرأة
عند الرجل فيكرهها فيقول لها: إني أريد أن أطلقك، فتقول له: لا تفعل فإني أكره أن يشمت
بي ولكن أمسكني ولك ما عليك فيصطلحان على هذا. فإذا نشزت المرأة كنشوز الرجل
فهو خلع. وإذا كان من المرأة وحدها فهو أن لا تعطيه في فراشه وهو ما قال الله: واللاتي
تخافون نشوزهن، فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن. والهجر أن يحول إليها
ظهره. والضرب بالسواك وغيره ضربا رقيقا.
وأما الشقاق فقد يكون من المرأة والرجل جميعا وهو ما قال الله عز وجل: وإن خفتم
شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها. فيختار الرجل رجلا وتختار المرأة
رجلا فيجتمعان على فرقة أو على صلح فإن أراد الإصلاح أصلحا من غير أن يستأمرا وإن
أراد أن يفرقا فليس لهما إلا بعد أن يستأمرا الزوج والمرأة.
والإيلاء أن يقول الرجل لامرأته: والله لأغيظنك ولأشق عليك ولأسوأنك ولا
أقربك ولا أجامعك إلى كذا وكذا. فيتربص به أربعة أشهر، فإن فاء وهو أن يصالح أهله
ويجامع فإن الله غفور رحيم. وإن طلق فإن الله سميع عليم. وإن أبي أن يجامع قيل له طلق،
13

النصرانية، والنصراني يحصن اليهودية.
واعلم أن المفقود إذا رفعت امرأته أمرها إلى الوالي فأجلها أربع سنين ثم يكتب
إلى الصقع الذي فقد فيه، فيسأل عنه. فإن أخبر عنه بحياة صبرت وإن لم يخبر عنه بحياة و
لا موت حتى تمضى أربع سنين دعي ولي الزوج المفقود فقيل له: هل للمفقود مال؟ فإن كان
له مال أنفق عليها حتى تعلم حياته من موته، فإن لم يكن له مال قيل للولي: أنفق عليها.
فإن فعل فلا سبيل لها إلى أن تتزوج ما أنفق عليها، وإن أبي ينفق عليها أجبره الوالي على
أن يطلقها في استقبال العدة وهي طاهرة، فيصير طلاق الولي طلاق الزوج. وإن لم يكن
لها ولي طلقها السلطان. فإن جاء زوجها قبل أن تنقضي عدتها من يوم طلقها الوالي فبدا له أن
يراجعها فهي امرأته، وهي عنده على تطليقتين، فإن انقضت عدتها قبل أن يجئ الزوج
فقد حلت للأزواج ولا سبيل للأول عليها وعدتها أربعة أشهر وعشرة أيام.
والأخرس إذا أراد الطلاق ألقى على امرأته قناعا يرى أنها قد حرمت عليه، فإذا
أراد أن يراجعها رفع القناع عنها يرى أنها قد حلت له.
والمعتوه إذا أراد الطلاق طلق عنه وليه.
وإذا نعى الرجل إلى أهله أو خبروها أنه طلقها، فاعتدت ثم تزوجت فجاء زوجها
الأول بعد، فالأول أحق بها من الآخر دخل الآخر بها أو لم يدخل ولها من الآخر المهر بما
استحل من فرجها وليس للآخر أن يتزوجها أبدا.
وإذا شهد شاهدان عند امرأة بأن زوجها طلقها فتزوجت ثم جاء زوجها، ضربا
الحد وضمنا الصداق واعتدت المرأة ورجعت إلى زوجها الأول. فإن نعى إلى امرأة زوجها
فاعتدت وتزوجت. ثم قدم زوجها فطلقها وطلقها الأخير. فإنها تعتد عدة واحدة ثلاثة
قروء.
ومن طلق امرأته في مجلس واحد وهي حائض فليس طلاقه بشئ وكذلك إذا قال
الرجل لامرأته: أنت مني خلية أو برية أو بائنة. فليس بشئ.
والمتوفى عنها زوجها التي لم يدخل بها، إن كان فرض لها صداقا فلها صداقها الذي
فرض لها ولها الميراث. وعدتها أربعة أشهر وعشرا كعدة التي دخل بها، وإن لم يكن فرض
14

فإن فعل وإلا حبس في حظيرة من قصب وشدد عليه في المأكل والمشرب حتى يطلق.
وروي أنه إن امتنع من الطلاق ضربت عنقه لامتناعه على إمام المسلمين ولا يقع الإيلاء إلا
بعد الجماع. وإذا إلى الرجل من امرأته لم يفرق بينهما حتى يوقف الرجل، وإلا فهي امرأته
وإن أتى لها سنة.
وإذا ظاهر الرجل من امرأته فقال: هي عليه كظهر أمه. وسكت فعليه الكفارة من قبل أن يجامع. فإن جامع من
قبل أن يكفر لذمته كفارة أخرى. فإن قال: هي عليه كظهر أمه
إن فعل كذا وكذا أو فعلت كذا وكذا. فليس عليه شئ، حتى يفعل ذلك الشئ ويجامع.
فتلزمه الكفارة. فإن واقعها من قبل أن يكفر، لزمته كفارة أخرى. ومتى جامع من قبل أن
يكفر لذمته كفارة أخرى. وروي في رجل قال لامرأته: هي عليه كظهر أمه أنه ليس عليه
شئ إذا لم يرد به التحريم.
وأما اللعان فهو أن يرمي الرجل امرأته بالفجور وينكر ولدها. فإن أقام عليها
أربعة شهود عدول رجمت. وإن لم يقم عليها شهودا لا عنها. فإن امتنع من لعانها ضرب حد
المفتري ثمانين جلدة. فإن لا عنها درئ عنه الحد.
واللعان هو أن يقوم الرجل فيحلف أربع مرات بالله إنه لمن الصادقين في ما رماها
به. ثم يقول الإمام: اتق الله فإن لعنة الله شديدة. ثم يقول الرجل: لعنة الله عليه إن كان من
الكاذبين في ما رماها به. ثم تقوم المرأة فتحلف أربع مرات بالله إنه لمن الكاذبين في ما رماها
به. ثم يقول لها الإمام: اتق الله. فإن غضب الله شديد. ثم تقول المرأة: غضب الله عليها إن
كان من الصادقين في ما رماها به. ثم يفرق بينهما ولا تحل له أبدا ودرئ عنها الحد. فإن لم
تفعل رجمت. فإن دعي أحد ولدها ابن الزانية جلد الحد. فإن ادعى الرجل به بعد الملاعنة
نسب إليه. فإن مات الأب ورثه الابن. وإن مات الابن لم يرثه الأب وميراثه لأمه. فإن ماتت أمه
فميراثه لأخواله.
وإذا قذف الرجل امرأته وهي خرساء فرق بينهما. ولا يحصن الحر المملوكة ولا
مملوك الحرة. والعبد إذا قذف امرأته تلاعنا كما يتلاعن الحر ويكون اللعان بين الحرة
والمملوك. وبين العبد والأمة، وبين المسلم واليهودية والنصرانية. واليهودي يحصن
15

لها مهرا فلا مهر لها وعليها العدة، ولها الميراث. وفي حديث آخر إن لم يكن دخل بها وقد
فرض لها مهرا فلها نصفه ولها الميراث وعليها العدة وهو الذي أعتمده وأفتى به.
وعدة الأمة إذا توفي عنها زوجها أربعة أشهر وعشرا. وروي شهران وخمسة أيام.
وعدة الأمة المطلقة التي لا تحيض شهر ونصف.
والعبد إذا كانت تحته أمة وطلقها تطليقة ثم أعتقا جميعا كانت معه على تطليقة
واحدة. ولا بأس أن تحج المتوفى عنها زوجها وتنقلب إلى أهلها، إن شاءت.
والحبلى المطلقة ينفق عليها حتى تضع حملها وهي أحق بولدها أن ترضعه بما تقبله
امرأة أخرى. إن الله يقول: لا تضار والدة بولدها. وسئل الصادق ع عن قوله
تعالى: لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده. فقال: كانت المرأة ترفع يدها على
زوجها، إذا أراد مجامعتها فتقول: لا أدعك. إني أخاف أن أحبل فاقتل ولدي. ويقول
الرجل: لا أجامعك إني أخاف أن تعلقي فاقتل ولدي فنهى الله أن يضار الرجل المرأة
والمرأة الرجل. وقوله: وعلى الوارث مثل ذلك. فإنه نهى أن يضار بالصبي وهو أن يضار
أمه في رضاعه وليس لها أن تأخذ في رضاعه فوق حولين كاملين. فإن أرادا فصالا عن
تراض منهما كان حسنا. والفصال الفطام.
ولا يضار الرجل المرأة إذا طلقها ليضيق عليها حتى تنتقل قبل أن تنقضي عدتها:
فإن الله قد نهى عن ذلك فقال: ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن.
16

الهداية بالخير
للشيخ أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي
الملقب بالصدوق المتوفى 381 ه‍ ق
17

كتاب الطلاق
باب طلاق السنة
قال الصادق ع: طلاق السنة هو أنه إذا أراد الرجل أن يطلق
امرأته، تربص بها تحيض وتطهر، ثم يطلقها في قبل عدتها بشاهدين عدلين. فإذا مضت بها
ثلاثة قروء أو ثلاثة أشهر، فقد بانت منه. وهو خاطب من لخطاب والأمر إليها، إن شاءت
تزوجته وإن شاءت فلا.
باب طلاق العدة
قال الصادق ع: طلاق العدة هو أنه إذا أراد الرجل أن يطلق امرأته
تربص بها حتى تحيض وتطهر، ثم يطلقها من قبل عدتها بشاهدين عدلين. ثم يراجعها. ثم
يطلقها، ثم يراجعها. ثم يطلقها. فإن طلقها الثلاثة، فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا
غيره. فإن تزوجها رجل ولم يدخل بها، ثم طلقها أو مات عنها، لم يجز للزوج الأول أن
يتزوجها حتى يتزوجها رجل ويدخل بها، ثم يطلقها أو يموت عنها. فحينئذ يجوز للزوج الأول
أن يتزوجها بعد خروجها من عدتها.
19

باب الظهار
الظهار على وجهين. أحدهما أن يقول الرجل للمرأة هي عليه كظهر أمه. ويسكت
فعليه الكفارة من قبل أن يجامع، فإن جامع من قبل أن يكفر، لزمه كفارة أخرى. فإن
قال: هي كظهر أمه إن فعل كذا وكذا وفعلت كذا وكذا فليس عليه شئ حتى يفعل ذلك
الشئ فيجامع فتلزمه الكفارة إذا فعل ما حلف عليه.
والكفارة تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين. فمن لم يستطيع
فإطعام ستين مسكينا. فمن لم يقدر يتصدق بما يطيق. وقد روي أنه يصوم ثمانية عشر
يوما.
ولا يقع الظهار إلا على موضع الطلاق، ولا يقع حتى يدخل الرجل بأهله.
20

باب اللعان
إذا قذف الرجل امرأته ضرب ثمانين جلدة، ولا يكون اللعان إلا بنفي الولد فإذا
قال الرجل لامرأته إني رأيت رجلا بين فخذيك يجامعك وينكر ولدها فحينئذ الحكم فيه أن
يشهد الرجل أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين في ما رماها به... فإذا شهد قال له الإمام
اتق الله فإن لعنة الله شديدة ثم يقول له: قل لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين في ما رماها
به. فإن نكل ضرب الحد ثمانين جلدة. فإن قال ذلك، قال الإمام للمرأة اشهدي أربع مرات
أنه لمن الكاذبين في ما رماك به. فإن شهدت قال لها: أيتها المرأة اتقي الله، فإن غضب الله
شديد ثم يقول لها: قولي غضب الله على إن كان من الصادقين في ما رماها به. فإن نكلت
رجمت وإن قالت ذلك فرق بينه وبينها. ثم لا تحل له إلى يوم القيامة.
فإن دعي رجل ولدها ابن زانية ضرب الحد. وإن أقر الرجل بالولد بعد الملاعنة
ضم إليه ولده ولم يرجع إليه امرأته. وإن مات الأب ورثه الابن. وإن مات الابن لم يرثه الأب
باب عدة المطلقة المتوفى عنها زوجها.
قال الصادق ع: إذا طلق الرجل ثم مات عنها قبل أن تنقضي عدتها
ورثته وعليها العدة أربعة أشهر وعشرة أيام. فإن طلقها وهي حبلى، ثم مات عنها، ورثته
واعتدت بأبعد الأجلين، إن وضعت ما في بطنها قبل أن تمضى أربعة أشهر وعشرة أيام لم
تنقض عدتها حتى تنقضي أربعة أشهر وعشرة أيام. فإن مضى أربعة أشهر وعشرة أيام ولم
تضع ما في بطنها، لم تنقض عدتها حتى تضع ما في بطنها.
21

المقنعة
في الأصول والفروع
للشيخ المفيد أبي عبد الله محمد بن النعمان الحارثي
البغدادي المعروف بابن المعلم
336 - 413 ه‍ ق
23

باب فراق الرجال النساء بتحريمهن على أنفسهن بالأيمان والظهار والطلاق
وحكم الإيلاء
وإذا حلف الرجل بالله تعالى ألا يجامع زوجته ثم أقام على يمينه
كانت المرأة بالخيار إن شاءت صبرت عليه أبدا وإن شاءت خاصمته إلى الحاكم، فإن
استعدت عليه أنظره الحاكم أربعة أشهر ليراجع نفسه في ذلك يرتئي في أمره، فإن كفر عن
يمينه ورجع إلى زوجته فلا حق لها عليه، وإن قام على عضلها والامتناع من وطئها خيره
الحاكم بين أن يكفر ويعود إلى زوجته أو يطلق، فإن أبي الرجوع والطلاق جميعا وأقام على
الإصرار بها حبسه وضيق عليه في المطعم والمشرب حتى يفئ إلى أمر الله عز وجل ويرجع إلى
زوجته، أو يطلق المرأة فتعتد منه وتتصرف في نفسها كيف شاءت.
ولا يكون إيلاء إلا باسم الله عز وجل، ومن حلف أن لا يطأ زوجته بالطلاق أو العتاق
أو ما أشبه ذلك لم يكن موليا وألزمه الحاكم، إن رافعته الزوجة إليه واستعدت عليه الرجوع
إلى زوجته أو طلاقها على كل حال، وليس في اليمين بغير أسماء الله تعالى كفارة وإنما
الكفارة في اليمين بالله عز وجل حسب ما بيناه. حلف بالله أن لا يطأ زوجة له لم يكن دخل
بها بعد لم يلزمه حكم الإيلاء وكان في ذلك بالخيار، ومن كانت زوجته مرضعا فحلف أن
لا يقربها خوفا من أن تحمل فينقطع لبنها ويضر ذلك بولدها لم يلزمه حكم الإيلاء لأنه حلف في
صلاح.
25

باب حكم كالظهار
وإذا قال الرجل لامرأته وهي طاهر من غير جماع بمحضر من رجلين مسلمين عدلين:
أنت على كظهر أمي أو أختي أو ابنتي أو عمتي أو خالتي، وذكر واحدة من المحرمات عليه
وأراد بذلك تحريمها على نفسه حرم بذلك عليه وطؤها حتى يكفر والكفارة عتق رقبة، فإن لم
يجد صام شهرين متتابعين فإن لم يقدر على الصيام أطعم ستين مسكينا، فإن لم يجد الإطعام
كان في ذمته إلى أن يخرج منه ولم يجز له أن يطأ زوجته حتى يؤدى الواجب عليه في ذلك، فإن
طلقها سقطت عنه الكفارة فإن راجعها وجبت عليه، فإن نكحت زوجا غيره فطلقها
الزوج فقضت العدة وعادت إلى زوجها الأول بنكاح مستقبل حلت له، ولم تلزمه كفارة
ما كان منه في الظهار.
وإذا قال الرجل لامرأته وهي حائض وقد كان دخل بها قبل ذلك: أنت على كظهر
أمي، أو قال لها ذلك في طهر قد وطئها فيه من غير أن تكون حاملا، أو قاله ولم يشهد عليه
بذلك رجلان مسلمان عدلان كان كاللغو من الكلام ولم يقع به ظهار، وإن قاله لها قبل أن
يدخل بها وهي حائض وقع إذا شهد به عليه رجلان مسلمان عدلان، وإن حلف بالظهار أنه
لا يفعل شيئا ثم فعله لم يقع بذلك ظهار، وإذا ظاهر من أربع نسوة له أو ثلاث كان عليه بعدد
النساء كفارات.
والظهار يقع بالحرة والأمة إذا كانت زوجة، وإن كانت الأمة ملك يمينه لم يقع به ظهار.
والعبد إذا ظاهر من زوجته - سواء كانت حرة أو أمة بشرط الظهار الذي يقع به التحريم
على ما قدمنا - كان عليه من جملة الكفارات التي تقدم ذكرها صوم شهر واحد دون ما سوى
ذلك من العتق والإطعام.
وإذا ظاهر الرجل من امرأته فهي بالخيار إن شاءت صبرت عليه أبدا حتى يكفر ويعود
إليها أو يفارقها بموت أو طلاق وإن شاءت خاصمته إلى الحاكم، فإن خاصمته إليه وعظه
وأنظره ثلاثة أشهر فإن عاد إليها وكفر وإلا ألزمه الطلاق. ومن ظاهر فجامع قبل أن يكفر
لزمته كفارتان.
26

باب أحكام الطلاق:
وإذا دخل الرجل بالمرأة وكانت ممن ترى الدم بالحيض وكانا مجتمعين في بلد واحد ثم
أراد طلاقها لم يجز له ذلك حتى يستبرئها بحيضة، فإذا طهرت من دمها طلقها بلفظ الطلاق
مرة واحدة فقال لها: أنت طالق أو هي طالق وأومأ إليها بعينه أو فلانة بنت فلان طالق،
ويشهد على نفسه بذلك رجلين مسلمين عدلين، فإذا فعل ذلك فقد بانت منه بواحدة وهو
أملك برجعتها ما لم تخرج من عدتها.
فإن بدا له من فراقها وهي في العدة وأراد مراجعتها أشهد نفسين من المسلمين على أنه
قد راجعها فقال: اشهدا على أنني قد راجعت فلانة، فإذا قال ذلك عادت إلى نكاحه ولم
يكن لها الامتناع عليه، ولو لم يشهد على رجعته كما ذكرناه ويقول فيها ما شرحناه وعاد إلى
استباحة زوجته فوطئها قبل خروجها من عدتها أو قبلها أو أنكر طلاقها لكان بذلك
مراجعا لها وهدم فعاله هذا حكم عدتها.
وإنما ندب إلى الإشهاد على الرجعة وسن له ذلك ذلك احتياطا فيها لثبوت الولد منه
واستحقاقه الميراث بذلك ودفع ادعاء المرأة استمرار الفراق المانع للزوج من الاستحقاق،
ومتى تركها حتى تخرج من عدتها فلم يراجعها بشئ مما وصفناه فقد ملكت نفسها وهو
كواحد من الخطاب، إن شاءت أن ترجع إليه رجعت بعقد جديد ومهر جديد وإن لم تشأ
الرجوع إليه لم يكن له عليها سبيل وهذا الطلاق يسمى طلاق السنة.
فإن طلقها على ما وصفناه في طهر لا جماع فيه بمحضر من رجلين مسلمين عدلين، ثم راجعها
قبل أن تخرج من عدتها ثم طلقها بعد ذلك تطليقة أخرى على طهر من غير جماع بشاهدين
عدلين، ثم راجعها قبل أن تخرج من عدتها ثم طلقها ثالثة في طهر من غير جماع بمحضر من
شاهدين مسلمين، فقد بانت منه بالثلاث وعليها أن تستقبل العدة بعد التطليقة الثالثة
ولا تحل له حتى تنكح زوجا غيره وهذا الطلاق يسمى طلاق العدة.
ومن طلق امرأته بعد دخوله بها وهو معها في مصر فلفظ بطلاقها وهي حائض كان
الطلاق باطلا غير واقع بها، وكذلك إن طلقها وهي في طهر قد جامعها فيه ولم تكن حاملا
27

كان طلاقه باطلا بدعيا غير واقع. ومن طلق ولم يشهد عليه رجلان مسلمان عدلان في الحال
لم يقع بالمرأة شئ من الطلاق على كل حال.
ومن كان غائبا عن زوجته فليس يحتاج في طلاقها إلى ما يحتاج إليه الحاضر من
الاستبراء لكنه لا بد له من الإشهاد، فإذا أشهد رجلين من المسلمين على طلاقه لها وقع بها
الطلاق سواء كانت طاهرا أو حائضا وعلى كل حال، فإن راجعها قبل خروجها من العدة
كان أملك بها، وإن لم يراجعها حتى تنقضي عدتها فقد ملكت نفسها وهو كواحد من
الخطاب.
ومن أراد أن يطلق زوجة لم يدخل بها بعد طلقها أي وقت شاء بمحضر من رجلين
مسلمين عدلين ولم ينتظر بها طهرا كما ذكرنا ذلك في الحاضرة المدخول بها على ما شرحناه.
وليس لمن طلق امرأة قبل الدخول بها عليها رجعة وهي أملك بنفسها حين يطلقها، إن
شاءت أن تتزوج بغيره من ساعتها فعلت ذلك إذ ليس له عليها عدة بنص القرآن، وإن
شاءت أن تعود إليه جاز ذلك لهما بعقد جديد ومهر جديد. وكذلك من طلق صبية لم تبلغ
المحيض وإن كان قد دخل بها إذا لم تكن في سن من تحيض. ومن طلق آيسة من المحيض
فذلك حكمها أيضا لأنه لا عدة عليها منه. والمختلعة والمبارئة كذلك وإن كانت العدة واجبة
عليها وسنبين ذلك في بابه إن شاء الله تعالى.
والحامل المستبين حملها تطلق بواحدة في أي وقت شاء الانسان، ولا بد في طلاقها من
الإشهاد إذ هو شرط في جميع ضروب الفراق. والتي قد يئست من المحيض تطلق على كل
حال بالشهود. والتي لم تبلغ المحيض إذا لم تكن في سن من تحيض تطلق أيضا على كل
بالشهود. وإنما يحتاج في الطلاق إلى الاستبراء لمن ترى دم الحيض من النساء بعد الدخول
بهن إذا كن مع الأزواج في مصر واحد. فأما من وصفنا حالهن من النساء فطلاقهن حسب ما ذكرناه.
28

باب الخلع والمباراة:
والخلع: ضرب من الطلاق ولا يقع إلا على عوض من المرأة، وذلك أن تكون المرأة قد
كرهت زوجها وآثرت فراقه وتعصي أمره وتخالف قوله وتمنعه نفسها وتراوده على فراقها
فله حينئذ أن يلتمس منها على طلاقها ما شاء من المال والمتاع والعقار، فيقول لها: إن أردت
أن أفارقك فادفعي إلى ألف دينار أو ألف درهم أو ما شاء مما يختار، وإن كان لها عليه مهر
قال: اجعليني في حل من مهرك وأعطيني بعد ذلك كذا وكذا حتى أخلي سبيلك، فإذا أجابته
إلى ملتمسه قال لها: قد خلعتك على كذا وكذا درهما أو دينارا أو كيت وكيت فإن رجعت في
شئ من ذلك فأنا أملك ببضعك، فإذا قال لها ذلك بمحضر من رجلين مسلمين عدلين وهي
طاهر من الحيض طهرا لم يقربها فيه بجماع، فقد بانت منه وملكت نفسها في الحال وليس له
عليها رجعة ولها أن تعقد على نفسها لمن شاءت بعد خروجها من عدتها، فإن اختارت
الرجوع إليه واختار هو ذلك جاز لهما الرجوع إلى النكاح بعقد مستأنف ومهر جديد، وإن لم
تؤثر الرجوع إليه لم يكن له عليها سبيل، فإن رجعت عليه بشئ مما تقرر بينه وبينها قبل
خروجها من العدة كان له رجعتها، وإن كرهت ذلك، فإن رجعت عليه بذلك بعد خروجها
من العدة لم يلتفت إلى رجوعها ولم يكن لها عليه فيما أخذه منها سبيل.
ولا يقع خلع إلا على ما يقع عليه الطلاق وهو أن تكون المرأة طاهرا من حيض طهر لم
يحصل فيه جماع ويشهد بالخلع رجلان مسلمان، فإن خلعها وهي حائض أو في طهر قد
لمسها فيه أو لم يشهد على خلعه لها نفسين من المسلمين لم يقع الخلع بها كما لا يقع الطلاق إلا
29

أن تكون حاملا أو غائبة عن زوجها أو ممن لم يدخل بها بعد أو آيسة من محيض فيكون
حكمها في ذلك الحكم الذي ذكرناه في باب الطلاق. ولا يقع خلع ولا مباراة ولا طلاق إلا
بالإشهاد الذي وصفناه وإن كانت المرأة مسترابة وعلى كل حال حسب ما قدمناه.
وأما المباراة: فهو ضرب من الخلع لأنه لا يقع إلا على عوض وذلك أن تكره المرأة
الرجل ويكره الرجل المرأة فيظهر ذلك منهما بأفعالهما ويعلم كل واحد منهما ذلك من
صاحبه، فتختار المرأة حينئذ الفراق فتقول للرجل: أنا كارهة لك وأنت أيضا كذلك فخل
سبيلي لأتصرف في نفسي، فيقول لها: لك علي دين فاتركيه حتى أخلي سبيلك، أو يقول لها:
قد أخذت مني كذا وكذا فرديه علي أو بعضه لأخلي سبيلك فتجيبه إلى ذلك فيطلقها عليه.
ولا يجوز له إذا كان كارها لها أن يأخذ منها على الطلاق لها أكثر مما أعطاها، وفي الخلع
يحل له أن يأخذ أضعافه. ومتى أراد طلاقها على المباراة طلقها على السنة في طهر بمحضر من
رجلين مسلمين عدلين حسب ما قدمناه، وإذا طلقها على عوض لم يكن له عليها رجعة إلا
أن تختار هي الرجعة فيستأنف نكاحها بعقد مبتدأ ومهر جديد.
ولا يقع شئ من الطلاق بيمين ولا بشرط، ولا يقع طلاق ثان في عدة يملك المطلق
فيها الرجعة بعد تطليقة أولة أو ثانية إلا برجعة بينهما على ما شرحناه.
باب الحكم في أولاد المطلقات من الرضاع وحكمهم بعده وهم أطفال:
وإذا طلق الرجل امرأته ولها منه ولد يرضع كان عليه أن يعطيها أجر رضاعه، فإن بذل
لها شيئا في ذلك فلم تقنع به ووجد من يرضعه بذلك القدر من الأجر كان له انتزاعه منها
ودفعه إلى مرضعة غيرها بالأجر، فإن اختارت أمه رضاعه بذلك الأجر كانت أحق به. وليس
على الأب بعد بلوغ الصبي سنتين أجر رضاع، فإن اختارت أمه رضاعه تبرعا بعد ذلك لم
يكن له منعها منه ما لم يضر ذلك به.
والحد الذي يجوز فصل الصبي عن الرضاع فيه من الزمان بلوغه أحدا وعشرين
شهرا، فإن فصل منه دون ذلك كان ظلما له. وأقصى الرضاع حولان كاملان كما قال الله
عز وجل لمن أراد إتمامه.
30

وإذا فصل الصبي من الرضاع كان الأب أحق بكفالته من الأم والأم أحق بكفالة
البنت حتى تبلغ تسع سنين إلا أن تتزوج، فإن تزوجت بغير الأب كان الأب أحق بكفالته ابنته
حينئذ، وإن مات الأب قامت أمه مقامه في كفالة الولد. فإن لم يكن له أم وكان له أب قام
مقامه في ذلك. فإن لم يكن له أب ولا أم كانت الأم التي هي الجدة أحق به من البعداء.
وعلى الرجل أن ينفق على المطلقة بالسنة ما دامت في العدة وليس عليه إنفاق على
المختلعة والمبارئة في عدتهما، ولا نفقة للمطلقة على العدة بعد التطليقة الثالثة إلا أن تكون
حاملا، ولا نفقة للمتمتع بها في حال العقد ولا في عدتها بعد الفراق، ونفقة ولدها وأجرة
رضاعه إلى وقت فصاله لازم لأبيه كما يلزم ذلك الأولاد من سائر الأزواج.
باب عدد النساء:
وإذا طلق الرجل زوجته بعد الدخول بها وجب عليها أن تعتد منه ثلاثة أطهار إن
كانت ممن تحيض، وإن لم تكن تحيض لعارض ومثلها في السن من تحيض اعتدت منه بثلاثة
أشهر، وإن كانت قد استوفت خمسين سنة وارتفع عنها الحيض وآيست منه لم يكن عليها
عدة من طلاق، وقد روي أن القرشية من النساء والنبطية تريان الدم إلى ستين سنة فإن ثبت ذلك
فعليهما العدة حتى تجاوز الستين، وإن كانت حاملا فعدتها أن تضع حملها، ولو وضعته
بعد الطلاق بساعة واحدة أو أقل منها لخرجت بذلك من العدة وحلت للأزواج.
ولا يجوز أن يخرج الرجل امرأته من منزلها بعد طلاقها حتى تخرج من عدتها، قال الله
عز وجل: لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة، فإن أتت في منزله
بفاحشة يستحق عليها الحد أخرجها منه لقيام عليها حد الله تعالى، وإن لم تأت بشئ من
ذلك كان عليه إقرارها فيه حتى تقضي العدة، وعليه أن ينفق عليها ما دامت في عدتها منه إلا
أن يكون قد فارقها بخلع أو مباراة أو بالثلاث على ما بيناه في طلاق العدة ووصفناه فليس
لها عليه في العدة من ذلك سكنى ولا إنفاق.
وإن كانت الزوجة أمة فعدتها قرءان وهما طهران إن كانت كانت ممن تحيض، وإن كانت
قد ارتفع عنها المحيض لعارض فهي لا ترى الدم له فعدتها خمسة وأربعون يوما، وإن
31

كانت حاملا فعدتها أن تضع حملها على ما بيناه.
ومن طلق صبية ثم تبلغ المحيض وكان قد دخل بها فعدتها ثلاثة أشهر إن كانت في سن
من تحيض وهو أن تبلغ تسع سنين، وإن صغرت عن ذلك لم يكن عليها عدة من طلاق.
ومن طلق امرأة لم يدخل بها فلا عدة عليها منه، قال الله عز وجل: يا أيها الذين آمنوا
إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة
تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا.
ومن تزوج بامرأة ولم يسم لها مهرا ثم طلقها قبل الدخول بها فليس لها عليه مهر ولها
عليه متعة كما تلوناه من قول الله عز وجل. والمتعة على الموسر أن يدفع إلى المطلقة بحسب
حاله وعادة أمثاله من خمسة دنانير إلى ما فوقها أو قيمة ذلك من الثياب أو جارية تخدمها
وأشباه ذلك، وعلى المتوسط أن يمتع بثلاثة دنانير فما فوقها أو عدلها من الثياب وغيرها،
وعلى المعسر أن يمتع بالدرهم أو الخاتم وما أشبه ذلك. ويعتبر حال الانسان وحال المرأة وحال
الزمان فيحكم بظاهر ذلك على ما جرت به العادات.
والعبد إذا كان تحته الحرة فطلاقها الأقصى ثلاث تطليقات وعدتها ثلاثة أقراء، والحر
إذا كان تحته الأمة فطلاقها الأقصى تطليقتان وعدتها قرءان والأقراء هي الأطهار، فإن كانت
الحرة ممن لا تحيض ومثلها من تحيض فعدتها ثلاثة أشهر وإن كانت الأمة ممن لا تحيض
ومثلها من تحيض فعدتها خمسة وأربعون يوما.
وإذا توفي الرجل عن زوجة حرة فعليها أن تعتد لوفاته أربعة أشهر وعشرة أيام سواء
كان قد دخل بها أو لم يدخل بها وإن كانت صبية أو بالغا، قال الله عز وجل: والذين يتوفون
منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا. وإن كانت الزوجة أمة
اعتدت من زوجها إذا مات عنها بشهرين وخمسة أيام على النصف من عدة الحرة سواء
كانت صغيرة أو كبيرة دخل بها أو لم يدخل بها.
والمعتدة من الطلاق ليس عليها حداد ولها أن تلبس المصبوغ من الثياب والزينة
كلها، والمعتدة من الوفاة تعتد وتمتنع من الطيب كله ومن الزينة كلها. ولا تبيت المطلقة عن
بيتها الذي طلقت فيه ولا تخرج منه إلا لحاجة صادقة، وتبيت المعتدة من الوفاة أين شاءت
32

وتنتقل عن منزلها متى شاءت وليس حكمها في هذا الباب حكم المطلقات.
وإذا طلق الرجل امرأته وهو غائب عنها ثم ورد الخبر عليها بذلك وقد حاضت من يوم
طلقها إلى ذلك الوقت ثلاث حيض فقد خرجت من عدتها ولا عدة عليها بعد ذلك، فإن
كانت حاضت أقل من ثلاث حيض احتسب به من العدة وثبت عليه تمامها، وإذا مات عنها
زوجها في غيبته ووصل خبر وفاته إليها بعد سنة أو أقل من ذلك أو أكثر اعتدت لوفاته من
يوم بلغها الخبر بذلك ولم تحتسب بما مضى من الأيام التي لم تعلم بوفاته فيها. والفرق بين
الأمرين أن المعتدة من الوفاة يجب عليها الحداد فإذا لم تعلم بموت زوجها لم تحتد والمعتدة من
الطلاق ليس يجب عليها حداد وإنما يجب أن تمتنع من الأزواج وهي - إن لم تعلم بطلاق
زوجها - ممتنعة من العقود عليها والأزواج.
وإذا توفي الرجل عن زوجة مملوكة فاعتدت منه نصف العدة أو أقل من ذلك ثم
أعتقت وجب عليها أن تتم العدة أربعة أشهر وعشرة أيام، فإن أعتقت وقد جازت في
عدتها النصف من عدة الإماء تممت عدتها بشهرين وخمسة أيام ولم يجب عليها عدة الحرائر.
وعدة المتمتع بها من الفراق قرءان وهما طهران فإن كانت ممن لا تحيض فعدتها خمسة
وأربعون يوما كما ذكرناه في عدد الإماء، وعدتها من وفاة الزوج شهران وخمسة أيام.
ومن كان عنده أربع زوجات فطلق واحدة منهن طلاق السنة تطليقة واحدة يملك فيها
الرجعة لم يجز له أن يعقد على امرأة نكاحا حتى تخرج المطلقة من العدة، فإن خلع واحدة من
الأربع أو بارئها لم يحرم عليه العقد على امرأة أخرى في الحال نكاحا لأنه ليس له على
المختلعة والمبارئة رجعة، وكذلك إن كانت التي طلقها لم يدخل بها جاز له العقد في الوقت
على أختها وغيرها من النساء لأنه لا عدة له عليها، وكذلك إن طلقها طلاق العدة ثلاثا لم
يحرم عليه العقد على غيرها إذ لا رجعة له عليها حسب ما قدمناه.
وإذا كانت عدة امرأة قد دخل بها فطلقها طلاق السنة لم يجز له العقد على أختها حتى
تخرج المطلقة من عدتها، فإن خلعها أو بارأها أو طلقها قبل الدخول بها أو طلقها للعدة ثلاثا
فلا حرج عليه أن يعقد على أختها في الحال إذ لا رجعة له عليها كما ذكرناه.
وإذا غاب الرجل عن امرأته غيبة لم يعرف فيها خبره وكان له ولي ينفق عليها أو في
33

يدها مال له تنفق منه على نفسها كانت في حباله إلى أن تعرف له موتا أو طلاقا أو ردة عن
الاسلام، وإن لم يكن له ولي ينفق عليها ولا مال في يدها تنفق منه واختارت الحكم في ذلك
رفعت أمرها إلى سلطان الزمان ليبحث عن خبره في الأمصار وانتظرت أربع سنين، فإن
عرفت له خبرا من حياة ألزمه السلطان النفقة عليها أو الفراق، وإن لم تعلم له خبرا
اعتدت عدة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرة أيام وتزوجت إن شاءت، فإن جاء
زوجها وهي في العدة أو قد قضتها ولم تتزوج كان أملك بها من غير نكاح يستأنفه بل بالعقد
الأول عليها، وإن جاء وقد خرجت من العدة وتزوجت لم يكن له عليها سبيل.
باب لحوق الأولاد بالآباء وثبوت الأنساب وأقل الحمل وأكثره:
ومن ولدت زوجته على فراشه وقد دخل بها ولدا لستة أشهر من يوم وطئها وكان
الولد تاما فهو ولده بحكم الشريعة وقضاء العادة ولا يحل له نفيه ولا إنكاره، وإن ولدته
حيا تاما لأقل من ستة أشهر من يوم لامسها فليس بولد له في حكم العادة وهو بالخيار إن
شاء أقربه وإن شاء نفاه عنه غير أنه لو نفاه فخاصمته المرأة وادعت أنه منه واختلفا في
زمان الحمل كان عليه ملاعنتها، ونحن نبين حكم اللعان فيما يلي هذا الباب إن شاء الله.
وإذا طلق الرجل امرأته فاعتدت فتزوجت وجاءت بولد لستة أشهر منذ يوم دخل بها الثاني فهو
له، وإن جاءت به لأقل من ستة أشهر فهو للأول، وكذلك من باع أمة قد وطئها فجاءت بولد
لستة أشهر منذ يوم ملكها مبتاعها فهو له، وإن جاءت به لأقل من ذلك فهو لبائعها. ولا يجوز
لأحد أن يبيع جارية قد وطئها حتى يستبرئها بحيضة، فإن كانت ممن لا تحيض اعتزلها بخمسة
وأربعين يوما ثم باعها.
ولا يحل لأحد أن يطأ جارية قد ابتاعها أو ورثها من سيد لها حتى يستبرئها بحيضة، فإن
لم تكن ممن تحيض استبرأها بخمسة وأربعين يوما وقد روي أنه لا بأس للإنسان أن يطأ
الجارية من غير استبراء لها إذا كان بائعها قد أخبره باستبرائها وكان صادقا في ظاهره
مأمونا والاستبراء لها على كل حال أحوط في الدين.
ومن وطء زوجة له أو جارية في الفرج وظهر بها حمل وجب عليه الاعتراف به سواء
34

كان قد عزل الماء عنها أو لم يعزله ولا يجوز له نفيه عنه لأنه كان يعزل الماء، وولد المتعة لا حق
بأبيه لا يحل له نفيه.
وأقل الحمل أربعون يوما وهو زمان انعقاد النطفة وأقله لخروج الولد حيا ستة أشهر
وذلك أن النطفة تبقى في الرحم أربعين يوما ثم تصير علقة أربعين يوما
ثم تصير مضغة أربعين ثم تصير عظما أربعين يوما ثم تكتسي لحما وتتصور ويلجها الروح في عشرين يوما فذلك
ستة أشهر.
الحمل على التمام لأقل من ستة أشهر، قال الله عز وجل: حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله
وفصاله ثلاثون شهرا، والفصال من الرضاع في أربعة وعشرين شهرا فيكون الحمل
على ما بيناه في ستة أشهر.
ولا يكون زمان الحمل أكثر من تسعة أشهر على ما ذكرناه، وإنما تلتبس مدة الحمل
على كثير من الناس لأن من النساء من يرتفع حيضهن قبل حملهن لعارض مدة من الزمان
فتظن أن ذلك من أيام العمل وليس ذلك إلا لما ذكرناه.
ولو أن رجلا تزوج بامرأة ودخل بها ثم اعتزلها بعد الدخول وجاءت بولد لأكثر من
تسعة أشهر من يوم دخل بها لم يكن الولد منه وكان له نفيه إلا أن تخاصمه المرأة فيه وتخالفه
في وقت الجماع فيجب عليه عند نفيه ملاعنتها، وإن اعترف به خوفا أو سبب من الأسباب
ألحقناه به وورثناه منه على الظاهر في الأحكام.
وإذا غاب الرجل عن امرأته فبلغها أنه قد طلقها فاعتدت وتزوجت وحملت من
الزوج الثاني، وجاء الغائب فأنكر الطلاق ولم يكن عليه بينة به كان أملك بها الثاني،
ووجب عليها منه العدة وعادت إلى زوجها الأول بالنكاح المتقدم، وكان الولد لاحقا
بالثاني دون الأول ولم يحل للزوج الأول دعواه.
35

باب اللعان:
وإذا قذف الرجل زوجته الحرة بالفجور وادعى أنه رأى معها رجلا يطأها في فرجها
وكان له على ذلك بينه أربعة رجال عدول يشهدون له به - وجب على المرأة الرجم، وإن لم
يكن له يشهدون أربعة كما ذكرناه لاعن المرأة.
وصفة اللعان أن يجلس الحاكم مستدبر القبلة ويوقف الرجل بين يديه والمرأة عن يمينه
ثم يقول له: قل أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما ذكرته عن هذه المرأة من الفجور، فإذا
قالها مرة، قال له: اشهد ثانية، فإذا شهد ثانية طالبه بها ثالثة فإذا شهد ثالثة طالبه بها رابعة،
فإذا شهد أربع مرات أنه لمن الصادقين قال له الحاكم: اتق الله عز وجل واعلم أن لعنة
الله شديدة وعقابه أليم فإن كان حملك على ما قلت غيرة أو سبب من الأسباب مراجع التوبة
فإن عقاب الدنيا أهون من عقاب الآخرة، فإن رجع عن قوله جلده حد المفتري ثمانين
جلدة ورد امرأته عليه، وإن أقام على ما ادعاه قال له: قل أن لعنة الله على إن كنت من
الكاذبين.
فإذا قالها قال الحاكم للمرأة ما تقولين فيما رماك به هذا الرجل؟ فإن اعترفت به
رجمها حتى تموت، وإن أنكرته قال لها: اشهدي بالله أنه لمن الكاذبين فيما قد قذفت به من
الفجور، فإذا شهدت مرة فقالت: أشهد بالله أنه لمن الكاذبين فيما رماني به، طالبها بشهادة
ثانية. فإن شهدت طالب بها ثالثة، فإذا شهدت طالبها بها رابعة فإن شهدت وعظها كما وعظ
الرجل وقال لها: اتقي الله فإن غضب الله شديد وإن كنت قد اقترفت ما رماك به فتوبي إلى
36

الله تعالى فعقاب الدنيا أهون من عقاب الآخرة، فإن اعترفت بالفجور رجمها، وإن أقامت
على تكذيب الزوج قال لها: قولي أن غضب الله علي إن كان من الصادقين، فإذا قالت
ذلك فرق الحاكم بينهما ولم تحل له أبدا وقضت منه العدة منذ تمام لعانها له، وإن نكلت عن
اللعان وجب عليها الحد، ومتى نكل الرجل عن اللعان وجب عليه الحد كما يجب عليها
بالنكول.
وإن أنكر رجل ولد زوجة له في حباله أو بعد فراقها بمدة الحمل - إن لم تكن نكحت
زوجا غيره - أو أنكر ولدها لأقل من ستة أشهر من فراقه لها وإن كانت قد نكحت زوجا
غيره ولم يدعه الثاني لاعنها كما يلاعنها بدعوى مشاهدته فجورها، فإن قذفها بغير نفي
الولد بعد طلاقه لها وخروجها من العدة يحد حد المفتري ولا لعان بينه وبينها.
وفي قذف زوجته بفجور ولم يدع معاينة له فلا لعان بينه وبينها ولكن يجلد حد المفتري
وكذلك إن قال لها: يا زانية أو قد زنيت، فإنه يجلد حد المفتري، وإن قال: وجدت معها رجلا
في إزار ولا أعلم ما كان عزر على ذلك وأدب ولم يفرق بينه وبين المرأة.
وإذا قذف الرجل امرأته بما فيه حكم الملاعنة وكانت خرساء لا يصح منها ملاعنة فرق
بينهما وجلد الحد ولم تحل له أبدا، وإذا قال الرجل لامرأته لم أجدك عذراء عزر تأديبا ولم
يفرق بينهما.
ولا تلاعن المرأة وهي حامل حتى تضع حملها، ولا لعان في شئ من القذف حتى
يقول الزوج: رأيت بعيني كيت وكيت، ويذكر الجماع في الفرج أو ينكر الولد، ولا لعان بين
المسلم والذمية ولا بين الحر والأمة ولكن يؤدب الرجل على قذفها بالفجور.
ومن كانت له أمة فأنكر ولدها كان أعلم وشأنه ولا يجب عليه بذلك حد ولا لعان،
ومتى جحد الرجل ولده من الحرة ولا عنها ثم رجع عن الجحد وأقر بالولد ضرب حد
المفتري ورد إليه نسب الولد، فإن مات الأب وله مال ورثه الولد، وإن مات الولد وله مال لم
يرثه الأب لأنه قد كان أنكره ويوشك أن يكون إقراره به طمعا في ميراثه فلا يمكن منه بل
يحرمه، وترث الولد أمه إن كانت باقية، وإن مضت قبله ورثه أخوته من قبل أمه، فإن لم يكن
له إخوة لأم ورثه أخواله وأقاربه من قبل أمه، ولا ترثه الإخوة من قبل الأب ولا قريب به من
قبله.
37

باب السراري وملك الأيمان:
وللرجل أن يطأ بملك اليمين ما شاء من العدد ويجمع بينهن في الاستباحة، ولا يجمع بين
أم وابنتها في الوطء ولا بين الأختين على ما قدمناه ويجمع بينهن في الملك والاسترقاق،
ولا بأس أن يطأ اليهودية والنصرانية بملك اليمين، ولا يجوز له وطء المجوسية على حال
وله استرقاقها للخدمة والتجارة فأما وطؤها فحرام، وكذلك الصابئات والوثنيات حرام
وطؤهن بالعقود وملك الأيمان.
ولا يجوز لأحد أن يطأ بملك اليمين أمة قد كان أبوه وطئها بعقد أو ملك يمين، ولا يجوز
للأب مثل ذلك في من وطئه الابن. وإذا نظر الأب إلى جارية قد ملكها نظر شهوة حرمت على
ابنه ولا تحرم على الأب بنظر الابن إلى ذلك دون غيره، وإن كانت جارية بين شريكين لم يحل
لأحدهما وطؤها حتى تخلص له.
ومن تزوج بأمة ثم طلقها تطليقتين على العدة يطلقها ثم يراجعها ثم يطلقها وملكها
من بعد لم تحل له بملك اليمين حتى تنكح زوجا غيره، ولو ملكها غيره ثم وطئها وباعها
فابتاعها هو لم تحل له أيضا بملك اليمين حتى يتزوج بها رجل فيدخل بها ثم يطلقها وتقضي
منه العدة.
ولو ملك رجلان جارية وظنا أن وطئها جائز لهما فوطئاها في طهر واحد فحملت لكان
الواجب تأديبهما، ويقرع على الولد ويلحق بمن خرج اسمه في القرعة منهما ويلزم نصف
قيمته لصاحبه الآخر.
والقرعة أن يكتب على سهم أو في قرطاس اسم الولد واسم أحد الرجلين، ثم يكتب
في سهم آخر اسم الولد واسم الآخر، ويخلطا في سهام أو قراطيس مشتبهة ويقول المقرع
وهو الحاكم: اللهم أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون بين لنا أمر هذا المولود لنقضي
فيه بحكمك. ثم يخلط السهام بيده ويأخذ منها واحدا فأي سهم خرج أولا عليه اسم
أحدهما لحق الولد به.
وإذا ابتاع الرجل جارية حبلى لم يحل له وطؤها حتى تمضى عليها أربعة أشهر، فإذا
38

مضى ذلك عليها وطئها إن أحب دون الفرج، فإن وطئها فيه فليعزل عنها، واجتناب وطئها
أحوط حتى تضع ما في بطنها، فإن وطئها قبل مضى الأربعة الأشهر أو بعد ذلك ولم يعزل عنها لم
يحل له بيع الولد لأنه قد غذاه و أنماه بنطفته، وينبغي أن يجعل له من ماله بعد وفاته قسطا
ويعوله في حياته ولا ينسب إليه بالبنوة.
ولا بأس أن يملك الانسان أمة من الرضاع وأخته منه وابنته وخالته وعمته منه لكنه
محرم عليه وطؤهن كما يحرم عليه وطء الأحرار بالرضاع حسب ما بيناه. ولا بأس أن ينكح
قابلته ما لم تكن ربته في حجرها، فإن كانت قد ربته كره له نكاحها.
ومن وطئ جارية رجل حراما ثم ملكها بعد ذلك لم يحرم عليه وطؤها، وليس حكم
الإماء في هذا الباب حكم الأحرار. ولا بأس بابتياع ما سبا أهل الضلالة إذا كانوا ممن
يستحقون السبي ولا يحرم ذلك وطء الإماء منهم بملك اليمين، ومناكح الناصبة كلها حرام
ولا يحل لهم نكاح بعقد ولا ملك يمين لأسباب لا يحتمل شرحها هذا الكتاب.
وإذا ابتاع الانسان أمة ومعها ولد لها صغار لا يحل له أن يفرق بينها وبينهم، فإن كانوا
كبارا قد استغنوا عن الأمهات جاز له التفرقة بينهم وبينها، وإن رضيت الأم بالتفرقة بينها
وبين أولادها الأصاغر لم يحرج المولى بذلك.
وإذا زوج الرجل أمته من حر أو عبد حرم عليه وطؤها والنظر إلى فرجها ولم يجز له
تقبيلها بشهوة ولا التلذذ منها بشئ حتى يفارقها الزوج وتقضي منه العدة.
39

الانتصار
للسيد الشريف المرتضى علم الهدي أبي القاسم
علي بن الحسين الموسوي
355 - 436 ه‍ ق
41

كتاب الطلاق
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن الطلاق لا يقع مشروطا وإن وجد شرطه، وخالف
باقي الفقهاء في ذلك وأوقعوا الطلاق عند وقوع شرطه الذي علقه المتلفظ به.
والدليل على صحة ما ذهبنا إليه بعد إجماع الطائفة أن تعليق الطلاق بالشرط غير
مسنون والمشروع في كيفية الطلاق غيره فيجب أن لا يتعلق به حكم الفرقة لأن الفرقة حكم
شرعي والشرع هو الطريق إليه، وإذا انتفى الدليل الشرعي انتفى الحكم الشرعي.
فإن قيل: وما الدليل على أن الطلاق المشروط غير مشروع؟ قلنا: لا شبهة في أن الله
عز وجل ما شرع لمريد الطلاق أن يعلقه بشرط ربما حصل ذلك وربما لم يحصل وهو من
ثبوته وفقده على غرر وكيف يسوع لقاصد إلى أمر فعل ما لا يطابق غرضه وما يجوز معه ألا
يحصل مراده، وإنما شرع له أن يتلفظ بالتطليقة الواحدة في الطهر الذي لا جماع فيه وأن
يقول: أنت طالق، وهذا مما لا يخفى على متأمل على أن ثبوت الزوجية متيقن فلا ينتقل عنه
إلى التحريم إلا بيقين، ولا يقين في الطلاق المشروط.
مسألة:
ومما انفردت الإمامية به القول: بأن شهادة عدلين شرط في وقوع الطلاق ومتى فقد لم
يقع الطلاق، وخالف باقي الفقهاء في ذلك.
43

والحجة لنا بعد إجماع الطائفة قوله تعالى: يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن
لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم، إلى قوله: فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف
أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذوي عدل منكم، فأمر تعالى بالإشهاد، وظاهر الأمر في عرف
الشرع يقتضي الوجوب فليس لهم أن يحملوا ذلك هاهنا على الاستحباب، فلا يخلو قوله
تعالى وأشهدوا ذوي عدل منكم، من أن يكون راجعا إلى الطلاق كأنه قال: إذا طلقتم
النساء فطلقوهن لعدتهن وأشهدوا، أو أن يكون راجعا إلى الفرقة أو إلى الرجعة التي عبر
تعالى عنها بالإمساك ولا يجوز أن يرجع ذلك إلى الفرقة لأنها ليست هاهنا شيئا يوقع
ويفعل وإنما هو العدول عن الرجعة، وإنما يكون مفارقا لها بأن لا يراجعها فتبين بالطلاق
السابق على أن أحدا لا يوجب في هذه الفرقة الشهادة وظاهر الأمر يقتضي الوجوب، ولا
يجوز أن يرجع الأمر بالشهادة إلى الرجعة، لأن أحدا لا يوجب فيها الإشهاد وإنما هو مستحب
فيها فثبت أن الأمر بالإشهاد راجع إلى الطلاق.
فإن قيل: كيف يرجع إلى الطلاق مع بعد ما بينهما؟ قلنا: إذا لم يلق إلا بالطلاق وجب
عوده إليه مع بعد وقرب، فإن قيل: أي فرق بينكم في حملكم هذا الشرط على الطلاق وهو
بعيد منه في اللفظ وذلك مجاز وعدول عن الحقيقة. وبيننا إذا حملنا الأمر بالإشهاد هاهنا على
الاستحباب ليعود إلى الرجعة القريبة منه في ترتيب الكلام؟ قلنا: حمل ما ظاهره الوجوب
على الاستحباب خروج عن عرف الشرع بلا دليل، ورد الشرط إلى ما بعد عنه إذ لم يلق بما
قرب ليس بعدول عن حقيقة ولا استعمال توسع وتجوز، والقرآن والخطاب كله مملوء من
ذلك.
قال الله تعالى: إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه
وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا، والتسبيح وهو متأخر في اللفظ لا يليق إلا بالله تعالى
دون رسوله عليه وآله السلام.
مسألة:
ومما انفردت الإمامية به أن الطلاق لا يقع إلا بلفظ واحد وهو قوله: أنت طالق، ولا يقع
44

بفارقتك وسرحتك ولا باعتدي وحبلك على غاربك وبخلية وبرية وبتة وبتلة وكل لفظ ما
عدا ما ذكرناه، واختلف الفقهاء في ألفاظ الطلاق، فقال أبو حنيفة: لفظ الطلاق الصريح ما
تضمن الطلاق خاصة والباقي كنايات ويقع الطلاق بها مع النية.
وقال الشافعي: صريح الطلاق ثلاثة ألفاظ الطلاق والفراق والسراح وباقي الألفاظ
كنايات لا يقع الطلاق بها إلا مع مقارنة النية لها ويقع من ذلك ما ينويه، وقسم الكنايات إلى
قسمين ظاهرة، نحو قوله خلية وبرية وبتة وباين وبتلة وحرام، والكنايات الباطنة نحو قوله
اعتدي واستبرئي رحمك وتقنعي وحبلك على غاربك.
وقال مالك: الكنايات الظاهرة إذا لم ينو بها شيئا وقع الطلاق الثلاث وإن نوى واحدة
أو اثنتين فإن كانت المرأة غير مدخول بها كان على ما نواه وإن كانت مدخولا بها وقعت
الثلاث على كل حال.
وأما الكنايات الباطنة فقال في كلمتين منها وهي قوله: اعتدي أو استبرئي رحمك إن لم
ينوبها شيئا وقعت تطليقة رجعية وإن نوى شيئا كان على ما نواه ومالك يجعل الكنايات
الظاهرة وهاتين الكلمتين من صريح الطلاق. والحجة لما نذهب إليه بعد
إجماع الطائفة أن الطلاق يتبعه حكم شرعي لا يثبت إلا بأدلة الشرع، ولا خلاف في وقوعه
باللفظة التي ذكرناها وما عداها من الألفاظ لم يقم دليل على وقوعه بها، فيجب نفي وقوعه،
لأن الحكم الشرعي لا بد من نفيه إذا انتفى الطريق إليه ومضافات ألفاظ القرآن كلها واردة
بلفظ الطلاق، مثل قوله تعالى: يا أيها النبي إذا طلقتم النساء، وما أشبه ذلك، وطلقتم مشتق
من لفظة الطلاق دون غيره من الألفاظ فينبغي أن لا يتعلق الحكم إلا بهذه اللفظة.
فإن قيل: معنى طلقتم فارقتم، والفراق قد يكون بألفاظ مختلفة، قلنا: هذا خلاف
الظاهر لأن لفظ طلقتم مشتق من حدث فيه طاء ولام وقاف، كما أن ضرب مشتق من حدث
فيه ضاد وراء وباء، ومن فعل ما فيه معنى الضرب لا يقال ضرب وكذلك لا يقال في من فعل
ما فيه معنى الطلاق طلق فإن قيل لفظة الطلاق شرعية قلنا معاذ الله هذه لفظة لغوية
معروفة في خطاب أهل اللغة وإنما يتبعها أحكام شرعية لا تعرف في اللغة.
45

مسألة:
ومما انفردت الإمامية به: اعتبارهم في اللفظ بالطلاق النية وإن المتلفظ بذلك إذا لم ينو
الطلاق بعينه فلا حكم في الشريعة لكلامه، وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك ويذهبون إلى أن
ألفاظ الطلاق الصريحة لا تفتقر إلى النية، وإنما يفتقر إلى النية كنايات الطلاق.
والحجة لنا بعد إجماع الطائفة أن الفرقة الواقعة بين الزوجين حكم شرعي ولا تثبت
الأحكام الشرعية إلا بأدلة شرعية، وقد علمنا أنه إذا تلفظ بالطلاق ونواه فإن الفرقة
الشرعية تحصل بلا خلاف بين الأمة وليس كذلك إذا لم ينو ولا دليل من إجماع ولا غيره
يقتضي حصول الفرقة من غير نية، فإن ذكروا في ذلك أخبارا يروونها فكلها أخبار آحاد
لا توجب علما ولا عملا وهي معارضة بأخبار ترويها الشيعة تتضمن أن الطلاق بغير نية
لا حكم له ولا تأثير، ومما يمكن أن يعارضوا به ما يروونه عن النبي ع من قوله:
الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى.
والمراد أن الأحكام إنما تثبت للأعمال في الشريعة بالنيات لأن من المعلوم أن النيات
لا تدخل العمل في أن يكون عملا، وإذا كان الفرقة بين الزوجين من أحكام الطلاق
الصحيح، وقد نفى النبي عليه وآله السلام الأحكام الشرعية عما لم تصاحبه النية من
الأعمال فوجب أن لا يقع طلاق لا نية معه، وبمثل هذه الطرق نعلم أن طلاق المكره لا يقع،
فإن الشافعي ومالكا والأوزاعي يوافقوننا في أنه لا يقع، وإنما يخالف فيه أبو حنيفة وأصحابه
لأنا إذا كنا قد دللنا على أن الطلاق يفتقر إلى النية والاختيار والمكره والمجبر لا نية له في
الطلاق وإنما أكره على لفظه فيجب أن لا يقع طلاقه.
ويمكن أن يعارضوا زائدا على ما ذكرناه بما رووه عن ابن عباس عن النبي ص
من قوله: رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه، وإنما المراد لا محالة
أحكام هذه الأمور المتعلقة بها.
فإن قيل المراد به رفع الإثم، قلنا: نحمله على الأمرين لأنه لا تنافي بينهما، وأيضا بما روته
عائشة من أن النبي ص قال: لا طلاق ولا عتاق في إغلاق، وفسر أبو عبيد
القاسم بن سلام الإغلاق هاهنا بالإكراه.
46

وبمثل ما ذكرناه أيضا نعلم أن طلاق السكران غير واقع، ووافقنا في ذلك ربيعة
والليث بن سعد وداود، وخالف باقي الفقهاء وقالوا: إن طلاق السكران يقع، وإنما قلنا: إن
أدلتنا تتناول السكران، لأن السكران لا قصد له ولا إيثار، وقد بينا أن الطلاق يفتقر إلى
الإيثار والاختيار، وعلى مثل ما ذكرناه نعتمد في أن طلاق الغضبان الذي لا يملك اختياره
لا يقع، وإن خالف باقي الفقهاء في ذلك.
فإن استدلوا بما يروونه عنه ع من قوله: ثلاث جدهن جد وهزلهن جد
النكاح والطلاق والعتاق، والهزل مما لا نية فيه وقد جعله النبي ع في الطلاق مثل
الجد.
قلنا: هذا أيضا خبر واحد، وقد دللنا على أن أخبار الآحاد لا يعمل بها في الشريعة ثم
نقول: إذا سلمناه أن الهزل ليس هو الذي لا يقصد ولا يعتمد ولا نية لصاحبه، وإنما هو
الفعل الذي ليس الغرض فيه صحيحا موافقا للحكمة، فإن اللاعب بالشطرنج وما جرى
مجراها يسمى هازلا غير جاد، وإن كان ناويا قاصدا من حيث كان غرضه غير حكمي
فكأنه أراد إن طلق وغرضه بالطلاق الذي قصده ونواه إضحاك ضاحك أو إرضاء من لا
يجب إرضاؤه فإن الطلاق يقع ويكون في حكم الجد في الوقوع واللزوم وإن كان هزلا من
حيث فقد الغرض الحكمي.
فإن قيل: فيجب إذا سمعنا متلفظا بالطلاق على الشرائط التي يقترحونها إذا ادعى
أنه لم ينو الطلاق بقلبه أن نصدقه.
قلنا: كذلك نقول فإن كان صادقا فيما قال فلا تبعة عليه وإن كان كاذبا في نفي النية فقد
أثم وحرج، وعلى الظاهر أنه لم يطلق كما أنه لو طلق مسرا من كل أحد ولم يقف على حاله
سواء فإنه يكون مطلقا فيما بينه وبين الله تعالى وعلى الظاهر غير مطلق، فإن قيل: فما
تقولون في من تلفظ بالطلاق ثم مات ولم يدر هل نوى أم لم ينو؟ قلنا: إذا سمعنا تلفظه
بالطلاق ولا إكراه ولا إمارة لنفي الاختيار فالظاهر أنه وقع عن إيثار ونية، وإنما يخرج عن
هذا الظاهر إذا قال لنا: ما نويت الطلاق وأنكر النية ودفعها، فأما إذا مات عقيب القول
فهو مطلق على الظاهر محكوم عليه في الشريعة بالفرقة.
47

مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن الطلاق في الحيض لا يقع، وخالف باقي الفقهاء في
ذلك وذهبوا إلى وقوعه إلا ابن علية فإنه روي عنه أن الطلاق في الحيض لا يقع.
والحجة لنا بعد إجماع الطائفة أنه لا خلاف أن الطلاق في الحيض بدعة ومعصية، وإن
اختلف في وقوعه ولأن الله قال: تعالى (فطلقوهن لعدتهن) وفسروا ذلك بالطهر الذي لا جماع
فيه، وإذا ثبت أن الطلاق في الحيض بدعة ومخالف لما أمر الله تعالى بإيقاع الطلاق عليه
ثبت أنه لا يقع لأنا قد بينا أن النهي بالعرف الشرعي يقتضي الفساد وعدم الاجزاء.
وأيضا فإن الطلاق حكم شرعي بغير شبهة ولا سبيل إلى إثبات الأحكام الشرعية إلا
بأدلة شرعية، وقد ثبت بإجماع أنه إذا طلق في طهر مع باقي الشرائط وقعت الفرقة ولم يثبت
مثل ذلك في طلاق الحيض فيجب نفي وقوعه، ويمكن أن نورد عليهم على سبيل المعارضة ما
يروونه من أن ابن عمر طلق امرأته وهي حائض، فسأل عمر النبي ص عن
ذلك فردها عليه ولم يره شيئا، وهذا صريح في عدم وقوعه وتأثيره.
فإن قالوا: المراد بذلك لم يره إثما أو لم يره طلاقا بائنا، قلنا: الظاهر من لفظة شئ مع
النفي عدم التأثيرات كلها، ولو أراد ما ذكرتم لعدل عن هذه العبارة إلى أن يقول: لم يره
إثما، أو بائنا على أنا نحمل ذلك على ما قلتم، وقلنا: لأن اللفظ إذا احتمل الكل حمل على
جميعه.
ونعارض أيضا بما يروونه من أن ابن عمر طلق امرأته وهي حائض فقال النبي
ص الله عليه وآله لعمر أبيه: مره ليراجعها ثم ليدعها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم ليطلقها إن
شاء، وأمر النبي ص ظاهره الوجوب، وإذا أمر بالمراجعة وأوجبها دل على أن
الطلاق لم يقع.
فإن قيل: إذا كان الطلاق في الحيض لا يقع، فأي معنى لقوله ع مره
فليراجعها، والرجعة لا تكون إلا بعد طلاق سبق.
قلنا: معنى فليراجعها - أي يردها إلى منزله ولا يفارقها، فإن ابن عمر كان فارقها واعتزلها لما
طلقها في الحيض، وظن أن طلاقه واقع فأخبره النبي ص بأن قوله
48

غير مؤثر، وأن الطلاق لم يقع وأمره بالعود إلى ما كان عليه.
وقد يقول أحدنا لمن تلفظ بما ظن أنه طلاق واقع وليس هو على الحقيقة كذلك رد
زوجتك إليك وراجعها ولا تفارقها وليس هناك طلاق واقع، فإن قيل أي فرق بين ترككم
ظاهر قوله فليراجعها الذي لا يفيد إلا الرجعة بعد الطلاق وبين تركنا ظاهر الإيجاب في قوله
مره فليراجعها، وحملنا ذلك على الاستحباب ليسلم ظاهر لفظ الرجعة.
قلنا: الفرق بين الأمرين أن ظاهر الأمر في الشريعة الوجوب وحمله على غيره مجاز وليس
لفظة رجوع يقتضي وقوع الطلاق قبلها، لأنا قد بينا أنه قد يقال لمن لم يطلق وأخرج امرأته
واعتزلها ظنا أنه قد طلق: ردها وراجعها وأعدها، وذلك حقيقة غير مجاز.
مسألة:
ومما انفردت الإمامية به القول: بأن الطلاق الثلاث بلفظ واحد لا يقع، وباقي الفقهاء
يخالفون في ذلك.
وقد روي أن ابن عباس رحمة الله عليه وطاووسا يذهبان إلى ما تقوله الإمامية وحكى
الطحاوي في كتاب الاختلاف أن الحجاج بن أرطاة كان يقول: ليس الطلاق الثلاث
بشئ.
وحكي في هذا الكتاب عن محمد بن إسحاق أن الطلاق الثلاث يرد إلى واحدة، دليلنا
بعد الاجماع المتردد أن ندل على أن المشروع في الطلاق إيقاعه متفرقا، وقد وافقنا مالك وأبو
حنيفة على أن الطلاق الثلاث في الحال الواحدة محرم مخالف للسنة إلا أنهما يذهبان
ذلك إلى وقوعه، وذهب الشافعي إلى أن الطلاق الثلاث في الحال الواحدة غير محرم.
والذي يدل على صحة ما ذهبنا إليه قوله تعالى: الطلاق مرتان، ولم يرد بذلك الخبر لأنه
لو أراده لكان كذبا وإنما أراد الأمر فكأنه قال تعالى: طلقوا مرتين، ويجري مجرى قوله تعالى:
ومن دخله كان آمنا، والمراد يجب أن تؤمنوه، والمرتان لا تكونان إلا واحدة بعد أخرى، ومن
جمع الطلاق في كلمة واحدة لا يكون مطلقا مرتين، كما أن من أعطى درهمين دفعة واحدة لم
يعطهما مرتين.
فإن قيل: العدد إذا ذكر عقيب الاسم لم يقتض التفريق مثاله إذا قال: له على مائة
49

درهم مرتان، وإذا ذكر العدد عقيب فعل اقتضى التفريق مثاله: أدخل الدار مرتين أو
ضربت مرتين، والعدد في الآية عقيب اسم لا فعل، قلنا: قد بينا أن قوله تعالى: الطلاق
مرتان، معناه طلقوا مرتين، فالعدد مذكور عقيب فعل لا اسم.
فإن قيل: إذا ثبت وجوب تفريق الطلاق فلا فرق بين أن يكون في طهر واحد أو
طهرين وأنتم لا تجوزون تفريقه في طهر واحد، قلنا: إذا ثبت وجوب التفريق فكل من
أوجبه يذهب إلى أنه لا يكون إلا في طهرين، فإن قيل: فإذا كان الثلاث لا يقع، فأي معنى
لقوله تعالى: لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا، وإنما المراد أنك إذا خالفت السنة في
الطلاق وجمعت بين الثلاث وتعديت ما حده الله تعالى لم تأمن إن تتوق نفسك إلى المراجعة
فلا تتمكن منها.
قلنا: قوله تعالى: لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا، مجمل غير مبين فمن أين لكم
أنه أراد ما ذكرتم، والظاهر غير دال على الأمر الذي يحدثه الله تعالى والأشبه بالظاهر أن
يكون ذلك الأمر الذي يحدثه الله تعالى متعلقا يتعدى حدود الله، لأنه تعالى قال: وتلك حدود
الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا، ويشبه أن
يكون المراد لا تدري ما يحدثه تعالى من عقاب يعجله في الدنيا على من تعدى حدوده، وهذا
أشبه مما ذكرناه، وأقل الأحوال أن يكون الكلام يحتمله فيسقط تعلقهم.
وقد قيل بأن قوله تعالى: لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا، متعلق بالنهي عن
إخراجهن من بيوتهن لئلا يبدو له في المراجعة، وهذا أيضا مما يحتمله الكلام، فمن أين لهم
أن المراد ما ذكروه، وقد تعلقوا في أن الطلاق الثلاث في حال واحدة ليس ببدعة بما رواه
سهل بن سعد الساعدي قال: لا عن رسول الله ص بين الزبير
العجلاني وزوجته فلما تلاعنا قال الزوج: إن أمسكتها فقد كذبت عليها هي طالق ثلاثا،
فقال النبي عليه وآله السلام لا سبيل لك عليها. وموضع الاستدلال منه أن العجلاني كان
قد طلق في وقت لم يكن له أن يطلق فيه فطلق ثلاثا فبين له النبي ع حكم
الوقت وأنه ليس له أن يطلق فيه ولم يبين له حكم العدد، ولو كان ذلك العدد محرما وبدعة
لبينه.
50

والجواب أنه لا دلالة للشافعي في هذا الخبر، لأن الفرقة بلعان الزوج قد كانت واقعة
عنده، وإنما تلفظ بالطلاق الثلاث بعد ما بانت منه فلم يكن لقوله حكم، فإن قال: فألا
أنكر النبي ص على العجلاني في التلفظ بالثلاث في وقت واحد، قلنا: فألا
أنكر ع عليه اعتقاده أن طلاقه يؤثر بعد اللعان والعذر في ترك إنكار هذا هو
العذر في ترك إنكار ذاك على أن خبر العجلاني وما أشبهه من الأخبار خبر واحد وقد بينا أن
أخبار الآحاد لا توجب علما ولا عملا وهو معارض بأخبار كثيرة تتضمن أن إيقاع
التطليقات الثلاث في الحال الواحدة بدعة وخلاف السنة فإن احتج من يذهب إلى أن
الطلاق الثلاث يقع وإن كان بدعة بما روي في حديث ابن عمر من أنه قال للنبي ص
: أ رأيت لو طلقتها ثلاثا، فقال ع: إذا عصيت ربك وبانت منك
امرأتك، فالذي يبطل ذلك أنه لا تصريح في قوله: أ رأيت لو طلقتها ثلاثا بأنني كنت أفعل
ذلك بكلمة واحدة وحالة واحدة، ويجوز أن يكون مراده أنني لو طلقتها ثلاثا في ثلاثة
أطهار يتخللها المراجعة فلا شبهة في أن من طلق امرأته ثلاثا في ثلاثة أطهار أنه يسمى
مطلقا ثلاثا.
فإذا قيل: لا فائدة على هذا الوجه في قوله ع: إذا عصيت ربك وبانت منك
امرأتك.
قلنا: يحتمل ذكر المعصية أمرين:
أحدهما أن يكون النبي ص كان يعلم من زوجة ابن عمر خيرا وبرا
يقتضيان المعصية بفراقها، والأمر الآخر أنه مكروه للزوج أن يخرج نفسه من التمكن من
مراجعة المرأة، لأنه لا يدري كيف يتقلب قلبه، وربما دعته الدواعي القوية إلى مراجعتها فإذا
خرج أمرها من يده ربما هم بالمعصية، ومن أبان زوجته بالتطليقات الثلاث في الأطهار
الثلاثة، والمراجعة في خلال ذلك فهو محرم لها على نفسه حتى تنكح زوجا غيره، ووجه
كراهية ذلك له ما ذكرناه.
وجواب ثان في تأويل الخبر وهو أن يحمل قوله ع: بانت زوجتك، على أنها
إذا خرجت من العدة بانت، فإن المطلق ثلاثا بلفظ واحد يقع منه تطليقة واحدة على
51

الصحيح من مذهبنا، فإذا طلقها بكلمة واحدة ثلاثا وخرجت من العدة بانت منه، وإنما
عصى ربه لأنه أبدع بالجمع بين التطليقات الثلاث في الحالة الواحدة.
فإن تعلقوا أيضا بما رووه من أن عبد الرحمن طلق امرأته تماضر ثلاثا فجوابه أنه يجوز أن
يكون طلقها في أطهار ثلاثة مع مراجعة تخللت، وليس في ظاهر الخبر أنه طلقها بلفظ واحد
أو حالة واحدة، وهذه الطريقة التي سلكناها يمكن أن تنصر في جميع أخبارهم التي يتعلقون
بها مما يتضمن وقوع طلاق ثلاث فقد فتحنا طريق الكلام على ذلك كله ونهجناه فلا معنى
للتطويل بذكر جميع الأخبار على أن أخبارهم معارضة بأخبار موجودة في رواياتهم وكتبهم
تقتضي أن الطلاق الثلاث لا يقع منها ما رواه ابن سيرين أنه قال: حدثني من لا أنهم أن ابن عمر
طلق امرأته ثلاثا وهي حائض فأمره النبي ص بأن يراجعها وبما رواه
الحسن قال: أتى عمر برجل قد طلق امرأته ثلاثا بفم واحد فردها عليه ثم أتى برجل آخر
طلق امرأته ثلاثا بفم واحد فأبانها منه، فقيل له: إنك بالأمس رددتها عليه، فقال: خشيت
أن يتتابع فيه السكران والغيران. وروي عن ابن عباس رحمة الله عليه أنه كان يقول: أن
الطلاق كان على عهد رسول الله ص وعهد أبي بكر وصدر من إمارة عمر طلاق الثلاث واحدة ثم جعلها عمر بعد ذلك ثلاثا.
وروى عكرمة عن ابن عباس قال: طلق ركانة بن يزيد امرأته ثلاثا في مجلس واحد،
فحزن عليها حزنا شديدا، فسأله رسول الله: كيف طلقتها؟ فقال: طلقتها ثلاثا، قال: أ في
مجلس واحد؟ قال: نعم، قال ع فإنما تلك واحدة فارجعها إن شئت، قال:
فراجعها والأخبار المعارضة لأخبارهم أكثر من أن تحصى.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن الطلاق بعد الطلاق وإن كان في طهرين أو طهر واحد
لا يقع إلا بعد تخلل المراجعة بجماع، والفقهاء كلهم يخالفون في ذلك، لأن أبا حنيفة وإن
جعل ذلك بدعة فإنه يذهب إلى وقوعه ولزومه، والحجة لنا بعد إجماع الطائفة إنا قد دللنا
على أن إيقاع الطلاق بعد الطلاق من غير مراجعة بدعة وخلاف للسنة، وقد بينا أن
التحريم في الشرع يتبعه الفساد ونفي الأحكام الشرعية.
52

وأيضا فإن من طلق على الترتيب الذي ذكرناه وقع طلاقه وأثر ومن أتبع
الطلاق الطلاق من غير مراجعة لا إجماع عليه ولا دليل على وقوع طلاقه فيجب أن يحكم بنفيه.
فإن قيل: كيف تذهبون إلى أن المطلق ثلاثا بكلمة واحدة يقع من طلاقه واحدة وهو
مبدع مخالف للسنة، وعندكم أن البدعة لا يلحقها حكم شرعي؟ قلنا: إنما أبدع من جمع
بين الثلاث في ضمن قوله ثلاثا إلى قوله أنت طالق فألغينا من كلامه ما هو خلاف السنة وهو
قوله ثلاثا وأسقطنا حكمه وأوجبنا وقوع تطليقة واحدة، لأنه بقوله أنت طالق متلفظ بلفظ
الطلاق المسنون فيه فيجب إذا تكامل باقي الشرائط أن تقع واحدة، وجرى ذلك مجرى أن
يقول أنت طالق، ويتبع ذلك بلفظ لا تأثير له مثل قوله وقام زيد ودخلت الدار، وقد علمنا أنه
لو أتبع ذلك بشئ مما ذكرناه ولم يخرج لفظه بالطلاق من أن يكون واقعا وإن أتبعه بهذيان لا
حكم له.
فإذا قيل: لم يسن له أن يقول لها أنت طالق ثم يقول ثلاثا فيجب أن لا يقع طلاقه، قلنا، ولم
يسن له أن يقول أنت طالق ثم يشتمها ومع ذلك لو فعل خالف السنة ووقع طلاقه، لأنا قد
بينا أنه ما خالف السنة فيما وقع به الطلاق. وإنما خالفها في غيره، ومخالفونا يوقعون الطلاق
باللفظ الذي خولف به السنة.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية قولهم: بأن الطلاق لا يقع إلا بالتعيين والتمييز، فإذا قال
الرجل لأربع نسوة: إحداكن طالق فكلامه لغو لا حكم له في الشريعة.
وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والليث إذا لم ينو واحدة بعينها حين قال فإنه يختار
أيتهن شاء فيوقع الطلاق عليها والباقيات نساؤه. وقال مالك: إذا لم ينو واحدة بعينها طلق
عليه جميع نسائه. وقال الشافعي: إذا قال لامرأتيه إحداكما طالق ثلاثا منع منهما حتى
يبين، فإن قال لم أرد هذه كان إقرارا منه بالأخرى.
والحجة لنا على صحة ما ذهبنا إليه الاجماع المتكرر، وأيضا فإن الطلاق حكم شرعي
وقد ثبت وقوعه ولزومه مع التعيين، ولا دليل قاطع على وقوعه مع الجهالة فيجب نفي
وقوعه، وأيضا فلا خلاف في أن المشروع في الطلاق تسميه المطلقة والإشارة إليها بعينها
53

ورفع الجهالة عنها، وإذا لم يفعل ذلك فقد تعدى المشروع، وقد بينا أن الفساد تابع لما خالف
الشرع، ومذهب مالك أبعد من مذهب الجماعة لأنه إنما طلق واحدة وإن كانت لا بعينها
فكيف يطلق عليه جميع نسائه، وقول غيره من الفقهاء في هذه المسألة أقرب إلى الصواب.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية: إن تعليق الطلاق بجزء من أجزاء المرأة أي جزء كان
لا يقع به طلاق، وخالف باقي الفقهاء في ذلك، فقال أبو حنيفة وأصحابه إلا زفر: إذا علق
الطلاق بما يعبر به عن جملة البدن مثل الرأس والجسد والبدن أو عن جزء شائع مثل ربعك
أو نصفك وقع الطلاق ولا يقع بما عدا ذلك.
وقال الشافعي: إذا علقه بكل بعض من أبعاضها مثل يدك أو رجلك أو شعرك أو غير
ذلك من الأبعاض وقع الطلاق، ووافقه على ذلك ابن أبي ليلى وزفر ومالك والليث وابن
حي.
دليلنا على ما ذهبنا إليه بعد إجماع الطائفة أن تعليق الطلاق ببعضها ليس من الألفاظ
المشروعة في الطلاق فيجب أن لا يقع، وأيضا فإن الطلاق حكم شرعي، وقد ثبت أنه إذا
علقه بها وكملت الشرائط وقع، ولم يثبت أنه إذا علقه ببعضها وقع، والحكم الشرعي يجب
نفيه بانتفاء دليل شرعي عليه.
ومما يمكن أن يستدل به قوله تعالى: يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فجعل الطلاق واقعا
بما يتناوله اسم النساء واليد والرجل لا يتناولهما هذا الاسم بغير شبهة، وفرق أبي حنيفة بين
الرقبة والرأس والفرج وبين اليد والرجل، لأنهم يقولون: عنده كذا وكذا رأسا من العبيد
والإماء وكذا كذا رقبة وكذا فرجا غير صحيح، لأن جميع ما ذكروه مجاز واستعارة، وكلامنا
على الحقائق، ولأن اليد قد يعبر بها أيضا عن جميع البدن لأنهم رووا عن النبي ص
أنه قال: على اليد ما أخذت حتى ترده، وأراد به الجملة وقال الله تعالى: تبت يدا أبي
لهب وتب، وقال تعالى: فبما كسبت أيديكم، وإنما أراد الجملة دون البعض.
54

كتاب الظهار
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن الظهار لا يثبت حكمه إلا مع القصد والنية، وخالف
باقي الفقهاء في ذلك ولم يعتبروا النية فيه، ومنع الليث بن سعد والمزني وداود من وقوع
ظهار السكران، وأجازه باقي الفقهاء، وكل شئ احتججنا به في أن النية معتبرة في
الطلاق فهو حجة هاهنا فلا معنى لإعادته
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية: أن الظهار لا يقع إلا على طهر لا جماع فيه بمحضر من شاهدين
فمتى اختل شرط مما ذكرناه لم يقع ظهار، وخالف باقي الفقهاء في ذلك.
والحجة لنا بعد إجماع الطائفة أن الظهار حكم شرعي، وإنما يثبت في الموضع الذي
يدل الشرع على ثبوته فيه، وإذا وقع مقارنا للشروط التي ذكرناها لا خلاف بين الأمة في لزوم
حكمه، وليس كذلك إذا اختل بعض هذه الشروط لأنه لا دليل شرعي على لزومه مع فقد
الشروط التي اعتبرناها فيجب نفي وقوعه.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول بأن الظهار لا يقع بيمين ولا مشروطا بأي شرط كان،
55

وخالف باقي الفقهاء في ذلك، والحجة لنا في هذه المسألة الحجة التي تقدمتها بلا فصل فلا
معنى للتكرار.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن الظهار لا يثبت حكمه مع الجهالة ولا بد فيه من
التعيين والتمييز إما بالإشارة أو التسمية، ومن قال لنسائه: إحداكن على كظهر أمي، لا
حكم لقوله، وخالف باقي الفقهاء في ذلك، والحجة لنا بعد الاجماع المتردد أن الظهار حكم
شرعي وقد ثبت بالاتفاق أنه يقع مع التعيين ولم يثبت أنه واقع مع الجهالة.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن الظهار لا يقع إلا بلفظ الظهر ولا يقوم مقامها تعليقه
بجزء من أجزاء الأم أو عضو منها أي عضو كان وخالف باقي الفقهاء فقال أبو حنيفة
وأصحابه: إذا قال: أنت على كيد أمي أو كرأسها، وذكر شيئا يحل له النظر إليه منها لم يكن
مظاهرا، فإن قال: كبطنها أو كفخذها وما أشبه ذلك كان مظاهرا لأنه يجري مجرى الظهر
في أنه لا يحل له النظر إليه. وقال ابن القسم قياس قول مالك: أنه يكون مظاهرا بكل شئ
من الأم، وقال الثوري والشافعي: إذا قال: أنت على كرأس أمي أو كيدها، فهو مظاهر لأن
التلذذ بذلك منها محرم عليه.
والحجة لنا بعد إجماع الطائفة ما تقدم من أن الظهار حكم شرعي وقد ثبت وقوعه
ولزومه إذا علق بالظهر ولم يثبت ذلك في باقي الأعضاء، وأيضا فإن الظهار مشتق من لفظة
الظهر، فإذا علق باليد وما أشبهها بطل الاسم المشتق من الظهر ولم يجز إجزاؤه.
فإذا قيل: في اليد معنى الظهر، قلنا: الاتفاق في معنى التحريم لا يوجب أن يكون اليد
ظهرا، والاسم المشتق من الظهر دون غيره.
مسألة:
ومما يظن انفراد الإمامية به القول: بأن من ظاهر ثم جامع قبل أن يكفر لزمته
كفارتان، ووافق الإمامية في ذلك الزهري وقتادة، وخالف باقي الفقهاء وأوجبوا كفارة
واحدة.
56

دليلنا الاجماع المتردد واعتبار اليقين ببراءة الذمة، فإن ذلك لا يحصل إلا مع
الكفارتين دون الواحدة.
فإن قيل: إذا كانت الكفارة إنما تلزم بالعود وهو إمساكها زوجة. والمقام على استباحة
التمتع بها دون الجماع بدلالة قوله تعالى: من قبل أن يتماسا، فبالعود تلزم كفارة واحدة،
والجماع لا يوجب كفارة أخرى.
قلنا: الواجب بحكم الظهار إذا وقع العود الكفارة، فإذا جامع قبل أن يكفر لا يمتنع
أن تلزمه كفارة أخرى عقوبة.
57

كتاب الإيلاء
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن الإيلاء لا يكون إلا باسم الله تعالى دون غيره، ولو قال:
إن قربتك فلله على صوم أو صلاة لم يكن موليا وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: إذا قال: إن
قربتك فلله على صلاة لا يكون موليا، وقال زفر ومحمد ومالك وابن حي والشافعي: هو مول،
وإذا قال: لله على صوم، كان موليا في قولهم جميعا.
والحجة لنا بعد إجماع الطائفة إن الإيلاء يتعلق به حكم شرعي، وقد علمنا تعلقه في
الموضع الذي نتفق عليه ولم يدل دليل على ثبوت حكمه في موضع الخلاف فيجب نفي ثبوته.
مسألة:
ومما انفردت الإمامية به: إن الإيلاء لا يقع في حال الغضب الذي لا يضبط الانسان معه
نفسه ولا مع الإكراه ولا بد فيه من القصد، وخالف باقي الفقهاء في ذلك، والحجة لنا ما تقدم
في كتاب الطلاق وأنه لا يقع مع الغضب والإكراه.
مسألة:
ومما ظن انفراد الإمامية به: إن من حلف أن لا يقرب زوجته وهي مرضع خوفا من أن تحمل
فينقطع لبنها فيضر ذلك بولدها لا يكون موليا، وخالف في ذلك باقي الفقهاء. وروي عن
58

الأوزاعي موافقة الإمامية. وقال مالك: لا يكون موليا لأنه أراد صلاح ولده ولم يرد بالامتناع
من الجماع الإضرار بالامرأة.
والحجة لنا بعد إجماع الطائفة أن انعقاد الإيلاء حكم شرعي، وقد ثبت انعقاده في
موضع الاتفاق ولم يثبت في موضع الخلاف وانعقاده حكم شرعي فيجب نفيه بنفي الدليل
الشرعي.
فإن احتجوا بعموم قوله تعالى: للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر، فالجواب
أن العموم يخص بالدليل، وبعد فالآية تقتضي وجوب التربص في من آلى، ونحن نمنع من
كون من قال للمرضعة: لا أقربك في الرضاع، موليا فالاسم لا يتناوله، فإن قيل: هذا يوجب
أن لا ينعقد الإيلاء في مصلحة للرجل أو لزوجته أو لولده على كل حال في غير الرضاع أيضا
قلنا: كذلك نقول وإليه نذهب.
59

كتاب اللعان
مسألة:
ومما كان الإمامية منفردة به - فإن جمهور الفقهاء على خلافه - القول: بأن الرجل إذا قال
لامرأته: يا زانية، وما جرى مجرى ذلك لا يوجب اللعان بينهما وإنما يكون قاذفا، والذي
يوجب اللعان أن يقول رأيتك تزنين ويضيف الفاحشة منها إلى مشاهدته أو ينفي ولدا أو
حملا، ووافق مالك والليث في هذه الجملة.
والحجة لنا إجماع الطائفة، وأيضا فإن اللعان يتعلق به أحكام شرعية، فالطريق إلى
إثبات ما يوجبه أدلة الشرع، وقد ثبت في الموضع الذي ذكرناه بالاتفاق أنه يوجب اللعان
ولم يثبت ذلك فيما عداه فيجب نفي إيجابه للعان.
مسألة:
ومما انفردت الإمامية به: أن من قذف امرأته وهي خرساء أو صماء لا تسمع شيئا فرق
بينهما وأقيم عليه الحد ولم تحل له أبدا ولا لعان بينهما.
وخالف باقي الفقهاء في ذلك، فقال أبو حنيفة وأصحابه: إذا قذف الأخرس امرأته لم
يحد ولم يلاعن. وقال الأوزاعي: إذا قذف امرأته وهي خرساء لحق به ولدها ولا حد عليه ولا
لعان. وقال مالك والشافعي: يلاعن الأخرس إذا قذف امرأته بالإشارة.
دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه الاجماع المتردد، وإنما وجبت الفرقة والحد على الزوج إذا
60

قذف زوجته وهي خرساء لأن الذي يسقط الحد عن الزوج اللعان، والملاعنة للخرساء
لا تصح.
وقول الأوزاعي الولد يلحق بمن قذف امرأته وهي خرساء، صحيح لأن اللعان إذا لم
يصح وقوعه بينهما لخرس المرأة فالولد لاحق به، وأما نفيه الحد عنه فغلط منه لأنه قاذف
ولم يبطل عنه الحد اللعان فالحد لازم فيه.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن من لاعن زوجته وجحد ولدها ثم رجع بعد ذلك فأقر
بالولد فإنه يضرب حد المفتري ويورث الولد منه ولا يورث هو من ذلك الولد ويورث من
هذا الولد أخوته من قبل أمه ولا يورث منه أخوته من جهة أبيه، ولست أعرف موافقا
للإمامية من مخالفها في هذه المسألة.
والدليل على صحة هذا المذهب الاجماع المتردد، وأيضا فإن الاحتياط فيه لأن إقراره
بالولد بعد نفيه يغلب الظن بأن المقصد به الطمع في الميراث فإذا حرم الميراث كان ذلك
صارفا عن هذا المقصد ومقتضيا أن الإقرار بعد الجحود مع حرمان الميراث إنما هو لتحري
الحق والصدق دون غيره.
61

مسائل كتاب العدد وأكثر الحمل
مسألة:
ومما يظن انفراد الإمامية به القول: بأن الآيسة من النساء من المحيض إذا كانت في سن
من لا تحيض لا عدة عليها متى طلقت، وكذلك من لم تبلغ المحيض إذا لم يكن مثلها من
تحيض لا عدة عليها، وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك ويوجبون العدة على الآيسة من
المحيض وعلى التي لم تبلغه على كل حال وعدة هؤلاء عندهم الأشهر، وهذا المذهب ليس
بمذهب لجميع الإمامية وإن كان فيهم من يذهب إليه ويعول على أخبار آحاد في ذلك لا حجة
فيها فليس بمذهب لجميع الإمامية فيلحق بما أجمعوا عليه.
والذي أذهب أنا إليه أن على الآيسة من المحيض والتي لم تبلغه العدة على كل حال
من غير مراعاة للشرط الذي حكيناه عن أصحابنا.
والذي يدل على صحة هذا المذهب قوله تعالى: واللائي يئسن من المحيض من
نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر، واللائي لم يحضن وهذا صريح في أن الآيسات من
المحيض واللائي لم يبلغن عدتهن الأشهر على كل حال، لأن قوله تعالى: واللائي لم يحضن،
معناه واللائي لم يحضن كذلك.
فإن قيل: كيف تدعون أن الظاهر يقتضي إيجاب العدة على من ذكرتم على كل حال.
وفي الآية شرط وهو قوله تعالى: إن ارتبتم؟
قلنا: أول ما نقوله أن الشرط المذكور في الآية لا ينفع أصحابنا لأنه غير مطابق لما
62

يشرطونه وإنما يكون نافعا لهم الشرط لو قال تعالى: إن كان مثلهن لا تحيض في اليائسات
وفي اللائي لم يبلغن المحيض إذا كان مثلهن تحيض وإذا لم يقل تعالى ذلك وقال تعالى: إن
ارتبتم، وهو غير الشرط الذي يشرطه أصحابنا فلا منفعة لهم به.
وليس يخلو قوله تعالى: إن ارتبتم، من أن يريد به ما قال جمهور المفسرين وأهل العلم
بالتأويل من أنه تعالى أراد به إن كنتم مرتابين في عدة هؤلاء النساء وغير عالمين بمبلغها،
فقد رووا ما يقوى ذلك من أن سبب نزول هذه الآية هو ما ذكرناه من فقد العلم، فروى
مطرف عن عمرو بن سالم قال: قال أبي بن كعب: يا رسول الله إن عددا من عدد النساء لم
تذكر في الكتاب الصغار والكبار وأولات الاحتمال، فأنزل الله عز وجل: واللائي يئسن
من المحيض، إلى قوله: وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن، فكان سبب نزول هذه
الآية الارتياب الذي ذكرناه.
ولا يجوز أن يكون الارتياب بأنها آيسة أو غير آيسة لأنه تعالى قد قطع في الآية على
اليائس من المحيض بقوله تعالى: واللائي يئسن من المحيض، والمشكوك في حالها
والمرتاب في أنها تحيض أولا تحيض لا تكون آيسة، والمرجع في وقوع الحيض منها أو
ارتفاعه إليها وهي المصدقة على ما تخبر به فيه، فإذا أخبرت بأن حيضها قد ارتفع قطع
عليه، ولا معنى للارتياب مع ذلك، وإذا كان الحيض المرجع فيه إلى النساء ومعرفة الرجال
به مبنية على إخبار النساء وكانت الريبة المذكورة في الآية منصرفة إلى اليأس من
المحيض، فكان يجب أن يقول تعالى: إن ارتبتن أو إن ارتبن، لأنه حكم يرجع إلى النساء
ويتعلق بهن فهن المخاطبات به، فلما قال تعالى: إن ارتبتم، فخاطب الرجال دون النساء
علم أن المراد هو الارتياب في العدة ومبلغها.
فإن قيل: ما أنكرتم أن يكون الارتياب هاهنا إنما هو لمن تحيض أو لا تحيض ممن هو في
سنها على ما يشرطه بعض أصحابكم.
قلنا: هذا يبطل بأنه لا ريب في سن من تحيض مثلها من النساء أولا تحيض لأن المرجع
فيه إلى العادة، ثم إذا كان الكلام مشروطا فالأولى أن يعلق الشرط بما لا خلاف فيه دون ما
فيه الخلاف. وقد علمنا أن من شرط وجوب الإعلام بالشئ والاطلاع عليه فقد العلم
63

ووقوع الريب ممن يعلم بذلك ويطلع عليه، فلا بد إذا من أن يكون ما علقنا نحن الشرط به
وجعلنا الريبة واقعة فيه مرادا، وإذا ثبت ذلك لم يجز أن يعلق الشرط بشئ آخر مما ذكروه أو
غيره، لأن الكلام يستقل بتعلق الشرط بما ذكرنا أنه لا خلاف فيه ولا حاجة به بعد
الاستقلال إلى أمر آخر، أ لا ترى أنه لو استقل بنفسه لما جاز اشتراطه.
فكذلك إذا استقل مشروطا بشئ لا خلاف فيه فلا يجب تجاوزه ولا تخطيه إلى غيره.
مسألة:
ومما يظن أن الإمامية مجمعة عليه ومنفردة به القول: بأن عدة الحامل المطلقة أقرب
الأجلين، وتفسير ذلك أن المطلقة إذا كانت حاملا ووضعت قبل مضى الأقراء الثلاثة فقد
بانت بذلك وإن مضت الأقراء الثلاثة قبل أن تضع حملها بانت بذلك أيضا.
وقد بينا في جواب المسائل الواردة من أهل الموصل الفقهية أنه ما ذهب جميع أصحابنا
إلى هذا المذهب ولا أجمع العلماء منا عليه، وأكثر أصحابنا يفتي بخلافه، ويذهب إلى أن
عدة من ذكرنا حاله وضعها الحمل، وإن من ذهب إلى خلاف ما نصرناه إنما عول على خبر
يرويه زرارة عن أبي جعفر ع وقد بينا أنه ليس بحجة توجب العلم، وسلمناه مع
ذلك وتأولناه واستوفينا هناك من الكلام ما لا طائل في إعادته هاهنا وفي الجملة فإذا كانت
هذه المسألة مما لا يجمع أصحابنا عليها ويختلفون فيها فهي خارجة عما بنينا هذا الكتاب
عليه.
فإن قيل: فما حجتكم على كل حال على أن عدة المطلقة إذا كانت حاملا هي وضعها
للحمل دون الأقراء؟ فإن احتججتم بقوله تعالى: وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن
حملهن، عورضتم بعموم قوله تعالى: والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء؟
الجواب عن ذلك أنه لا خلاف بين العلماء في أن آية وضع الحمل عامة في المطلقة وغيرها
وأنها ناسخة لما تقدمها مما يكشف عن ذلك أن قوله تعالى: والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة
قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن، إنما هو في غير الحوامل، فإن من
64

استبان حملها لا يقال فيها لا يحل لها أن تكتم ما خلقه الله تعالى في رحمها، وإذا كانت هذه
خاصة في غير الحوامل لم تعارض آية الوضع وهي عامة في كل حامل من مطلقة وغيرها.
مسألة:
ومما انفردت به الإمامية، إن عدة الحامل المتوفى عنها زوجها أبعد الأجلين، وتصوير هذه
المسألة أن المرأة إذا كانت حاملا فتوفي عنها زوجها ووضعت حملها قبل أن تنقضي العدة
أربعة أشهر وعشرة أيام لم تنقض بذلك عدتها حتى تمضى أربعة أشهر وعشرة أيام، فإن
مضت عنها أربعة أشهر وعشرة أيام ولم تضع حملها لم يحكم لها بانقضاء العدة حتى تضع
الحمل فكان العدة تنقضي بأبعد هذين الأجلين مدة إما مضى الأشهر أو وضع الحمل وهذه
المسألة يخالف فيها الإمامية جميع الفقهاء في أزماننا هذه إلا أن الفقهاء يحكون في كتبهم
ومسائل خلافهم خلافا قديما فيها، وأن أمير المؤمنين صلوات الله عليه وعبد الله بن عباس رحمة
الله عليهما كانا يذهبان إلى مثل ما تفتي به الإمامية الآن فيها.
للإمامية الاجماع المتردد في هذا الكتاب، وأيضا فإن العدة عبادة يستحق بها الثواب،
وإذا بعد مداها زادت مشقتها وكثر الثواب عليها ومن وضعت حملها عقيب وفاة زوجها لا
مشقة عليه في العدة، وإذا مضت عليها أربعة أشهر وعشرة أيام كانت المشقة أكثر
والثواب أوفر فقولنا أولى من قولهم.
فإن احتجوا بظاهر قوله تعالى وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن، وأنه عام في
المتوفى عنها زوجها وغيرها عارضناهم بقوله تعالى: والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا
يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا، وأنه عام في الحامل وغيرها، ثم لو كانت آيتهم
التي ذكروها عامة الظاهر جاز أن نخصها بدليل وهو إجماع الفرقة المحقة الذي قد بينا
أن الحجة فيه.
مسألة:
ومما انفردت الإمامية القول: بأن أقل ما يجوز أن ينقضي به عدة المطلقة التي تعتد بالأقراء
ما زاد على ستة وعشرين يوما ولو بساعة أو دوينها، مثال ذلك أن يكون طلقها زوجها وهي
65

طاهر فحاضت بعد طلاقه لها بساعة فبتلك الساعة إذا كانت في الطهر فهي محسوبة لها قرءا
واحدا، ثم حاضت ثلاثة أيام وهي أقل أيام الحيض وطهرت بعدها عشرة أيام وهي أقل
الطهر، ثم حاضت بعد ذلك ثلاثة أيام وطهرت بعدها عشرة أيام ثم حاضت فعند أول قطرة
تراها من الدم قد بانت، وباقي الفقهاء يخالف في ذلك.
أما الشافعي وإن كان قوله في القرء أنه الطهر مثل قولنا واحتسب أيضا للمرأة
بالطهر الذي يقع فيه الطلاق حسب ما نذهب إليه فإنه يذهب إلى أن أقل الطهر خمسة
عشر يوما فأقل ما تنقضي به العدة على مذهبه اثنان وثلاثون يوما ولحظتان، مثال ذلك أن
يطلقها في آخر جزء من أجزاء طهرها ثم تحيض فيحصل لها قرء بذلك، ثم تحيض يوما
وليلة وهو أقل الحيض عنده، ثم تطهر خمسة عشر يوما وهو أقل الطهر عنده، ثم تحيض
يوما وليلة ثم تطهر خمسة عشر يوما، ثم يبتدئ بها الحيض لحظة واحدة فتنقضي عدتها
باثنين وثلاثين يوما ولحظتين.
فأما أبو يوسف ومحمد فإنهما ذهبا إلى أن أقل ما يمكن أن تنقضي به العدة تسعة
وثلاثون يوما ولحظة واحدة، لأنه يطلقها في آخر جزء من الطهر فتحيض عقيبه بثلاثة أيام
وهو أقل الحيض عندهما، ثم تطهر خمسة عشر يوما وهو أقل الطهر عندهما ثم تحيض ثلاثة
أيام ثم تطهر خمسة عشر يوما ثم تحيض ثلاثة أيام ثم تطهر لحظة واحدة.
وأبو حنيفة يذهب إلى أن أقل ما تنقضي به العدة ستون يوما ولحظة واحدة، لأنه يعتبر
أكثر الحيض وأقل الطهر، وأكثر الحيض عنده عشرة أيام فكأنه يطلقها في آخر أجزاء
الطهر ثم تحيض عشرة أيام وتطهر خمسة عشر يوما ثم تحيض عشرة أيام وتطهر خمسة عشر
يوما ثم تحيض عشرة أيام، ثم تطهر لحظة واحدة.
والحجة لما ذهبنا إليه بعد إجماع الفرقة المحقة عليه أن الله تعالى أمر المطلقة بالتربص
ثلاثة أقراء، والصحيح عندنا أن القرء المراد في الآية هو الطهر دون الحيض.
وصح أيضا أن أقل الحيض ثلاثة أيام وأقل الطهر عشرة أيام، وقد دللنا في باب
الحيض من هذا الكتاب على أن أقل الطهر هو عشرة أيام، ودللنا في ما كنا أمليناه من
مسائل الخلاف المفردة على أن أقل الحيض ثلاثة أيام ولم يبق إلا أن تدل على أن القرء هو
66

الطهر.
والذي يدل على ذلك بعد الاجماع المتكرر أن لفظة القرء في وضع اللغة مشتركة بين
الحيض والطهر، وقد نص القوم على ذلك في كتبهم، ومما يوضح صحة الاشتراك أنها
مستعملة في الأمرين بغير شك ولا دفاع، وظاهر الاستعمال للفظة بين شيئين يدل على أنها
حقيقة في الأمرين إلى أن يقوم دليل يقهر على أنها مجاز في أحدهما، وإذا ثبت أنها حقيقة في
الأمرين فلو خلينا والظاهر لكان يجب انقضاء عدة المطلقة بأن يمضى عليها ثلاثة أقراء من
الحيض والطهر معا لوقوع الاسم على الأمرين، غير أن الأمة أجمعت على أنها لا تنقضي إلا
بمرور ثلاثة أقراء من أحد الجنسين إما من الطهر أو من الحيض، وإذا ثبت ذلك وكانت
الأطهار التي نعتبرها تسبق ما يعتبره أبو حنيفة وأصحابه، لأنه إذا طلقها وهي طاهرة انقضت
عدتها عندنا، وعند الشافعي بدخولها في الحيضة الثالثة، وعندهم تنقضي بانقضاء الحيضة
الثالثة، وإذا سبق ما نعتبره لما يعتبرونه والاسم يتناوله وجب انقضاء العدة به.
فأما الشافعي وإن وافقنا في هذه الجملة فقولنا: إنما كان أولى من قوله، لأنه يذهب إلى
أن أقل الطهر بين الحيضتين خمسة عشر يوما وذلك عندنا باطل، فلهذا الوجه اختلف قولنا
فيما تنقضي به العدة.
فإن قيل: قد ذهب بعض أهل اللغة إلى أن القرء مشتق من الجمع من قولهم قريت
الماء في الحوض إذا جمعته وقرأته أيضا بالهمز وذهب آخرون إلى أن المراد به الوقت،
واستشهدوا بقول أهل اللغة أقرأ الأمر إذا حان وقته، فإن كان الأصل الجمع فالحيض أحق
به، لأن معنى الاجتماع لا يوجد إلا في الحيض دون الطهر، وإن كان الأصل الوقت فالحيض
أيضا أحق به لأن الوقت إنما يكون وقتا لما يتجدد ويحدث، والحيض هو الذي يتجدد والطهر
ليس بمتجدد بل هو الأصل ومعناه عدم الحيض.
فالجواب أن أهل اللغة قد نصوا على أن القرء من الأسماء المشتركة بين الطهر
والحيض، وأنها من الألفاظ الواقعة على الضدين، ومن لا يعرف ذلك لا يكلم فيما طريقه
اللغة، وهذا القدر كاف في بطلان السؤال.
ومما قيل: إن معنى الاجتماع حاصل في حال الطهر، لأن الدم يجتمع في حال الطهر
67

وترسله الرحم في زمان الحيض، فأما الوقت فقد يكون للطهر والحيض معا وليس أحدهما
بالوقت أخص من الآخر.
وقولهم: إن الحيض حادث والطهر ليس بحادث وإنما هو ارتفاع الحيض، فالحيض
أشبه بالوقت من الطهر، ليس بشئ لأن الوقت يليق بكل متجدد من حدوث أمر وارتفاع
أمر، أ لا ترى أن الحمى تؤقت بوقت وهي حادثة وارتفاعها وزوالها يؤقتان بوقت من حيث
كانا متجددين.
فإن قيل: ظاهر القرآن يقتضي وجود استيفاء المعتدة لثلاثة أقراء كوامل وعلى قولكم
الذي شرحتموه لا تستوفى ثلاثة أقراء وإنما يمضى عليها قرءان وبعض الثالث، ومن ذهب
إلى أن القرء الحيض يذهب إلى أنها تستوفي ثلاث حيض كوامل.
فالجواب: إن كل من ذهب إلى أن القرء هو الطهر يذهب إلى أنه يعتد بالطهر الذي
وقع فيه الطلاق، ولا أحد من الأمة يجمع بين القول بأن القرء هو الطهر وأن لا بد من ثلاثة
أقراء كوامل، فلو سلمنا أن ظاهر الآية يقتضي كمال الأقراء الثلاثة لجاز ولجاز الرجوع عن
هذا الظاهر بهذه الأدلة.
ومما يجاب به أيضا: إن القرء في اللغة اسم لما اعتيد إقباله وإدباره ما اعتيد إدبار لأنهم
يقولون: أقرأ النجم إذا طلع وأقرأ إذا غاب، والأقراء المذكور في الآية هو اسم لإدبار
الأطهار، فعلى ما ذكرناه يحصل للمعتدة إدبار ثلاثة أطهار فتستوفي على ذلك أقراء ثلاثة.
ومما قيل أيضا: إن القرء إذا كان من أسماء الزمان عبر باسم الثلاثة منه عن الاثنين
وبعض الثالث كما قال تعالى: الحج أشهر معلومات، وأشهر الحج شهران وبعض الثالث،
وأيضا فإن من كتب كتابا جاز أن يقول: لثلاث خلون، وإن كان قد مضى يومان وبعض
الثالث وكذلك يقول لثلاث بقين وإن كان قد بقي يومان وبعض الثالث ويمكن أن يقال في
ذلك مجاز، وحمل الآية على الحقيقة أولى: فالجواب الأول الذي اعتمدناه أولى.
فإن استدلوا على أن القرء هو الحيض بأن الصغيرة والآيسة من المحيض ليستا من ذوات
الأقراء بلا خلاف وإن كان الطهر موجودا فيهما، ويقال للتي تحيض أنها من ذوات الأقراء،
فدل ذلك على أن القرء هو الحيض.
68

فالجواب عنه: إن القرء اسم الذي يتعقبه الحيض وليس باسم لما لا يتعقبه حيض،
والصغيرة والآيسة ليس لهما قرء لأنه لا طهر لهما يتعقبه حيض.
فإن استدلوا بما يروى عن النبي من قوله لفاطمة بنت أبي حبيش: دعي الصلاة أيام
أقرائك، وهذا لا شبهة في أن المراد به الحيض دون الطهر.
فالجواب عنه: إن أخبار الآحاد غير معمول بها في الشريعة، وبعد فيعارض هذا الخبر
بقوله ع في خبر ابن عمر: إنما السنة أن تستقبل بها الطهر ثم تطلقها في كل قرء
تطليقة، فقد ورد الشرع باشتراك هذا الاسم بين الطهر والحيض.
مسألة:
ومما يظن انفراد الإمامية به القول: بأن الإحداد لا يجب على المطلقة وإن كانت بائنا،
والإحداد هو أن تمتنع المرأة من الزينة بالكحل والامتشاط والخضاب ولبس المصبوغ
والمنقوش وما جرى مجرى ذلك من ضروب الزينة.
وقد وافق الإمامية في ذلك قول الشافعي الجديد ومالك والليث بن سعد، وقال أبو
حنيفة وأصحابه والثوري: على المطلقة المبتوتة من الإحداد مثل ما على المتوفى عنها زوجها.
دليلنا إجماع الطائفة المحقة، وأيضا فإن الإحداد حكم شرعي، والأصل انتفاء الأحكام
الشرعية، فمن أثبتها كان عليه الدليل، وإنما أوجبنا الإحداد على المتوفى عنها زوجها
وخرجنا عن حكم الأصل بدليل ليس هو هاهنا ثابتا.
مسألة في أكثر الحمل:
ومما انفردت به الإمامية القول: بأن أكثر مدة الحمل سنة واحدة.
وخالف باقي الفقهاء في ذلك، فقال الشافعي: أكثر الحمل أربع سنين، وقال الزهري
والليث وربيعة: أكثره سبع سنين، وقال أبو حنيفة: أكثره سنتان، وقال الثوري والبستي:
أكثره سنتان، وعن مالك ثلاث روايات إحداها مثل قول الشافعي أربع سنين والثاني خمس
سنين والثالث سبع سنين.
واعلم أن الفائدة في تحديد أكثر الحمل أن الرجل إذا طلق زوجته فاتت بولد بعد
69

الطلاق لأكثر من ذلك الحد لم يلحقه، وهذا حكم مفهوم لا بد من تحقيقه.
والذي يدل على صحة ما ذهبنا إليه بعد الاجماع المتردد أنا نرجع في تحديد الحمل إلى
نصوص وتوقيف وإجماع وطرق علمية، ولا نثبته من طريق الظن ومخالفونا يرجعون فيه
إما إلى أخبار آحاد توجب الظن أو إلى طرق اجتهادية لا توجب العلم وأكثر ما فيها الظن
فتحديدنا أولى، وأيضا فإنه لا خلاف في أن السنة مدة للحمل وإنما الخلاف فيما زاد عليها
فصار ما ذهبنا إليه مجمعا على أنه حمل، وما زاد عليه إذا كان لا دليل عليه نفينا كونه حملا،
لأن كونه حملا يقترن به إثبات حكم شرعي والأحكام الشرعية تحتاج في إثباتها إلى الأدلة
الشرعية، فإن قالوا: نراعي في هذه اللفظة العادة، قلنا: العادة والعهد في ما قلناه دون ما
قالوه، لأنا لا نعهد حملا يكون أربع سنين ولا سبع سنين، وإنما يدعي ذلك من قوله ليس ثابتا
فإن قالوا قد روى الشافعي أن ابن عجلان ولد لأربع سنين، قلنا: إنما عمل في ذلك على ظنه
وحسن اعتقاده في الراوي، ومثل هذا لا يجوز بالظنون وهو معارض بما يروونه عن عائشة
أنها كانت تقول: أكثر الحمل سنتان، وروى سليم بن عباد قال: كانت عندنا بواسط امرأة
بقي الحمل في جوفها خمس سنين، وإذا تعارضت الأخبار سقط الاحتجاج بها وثبت ما
حددنا به أكثر الحمل.
70

المسائل الناصريات
للسيد الشريف المرتضى علم الهدي أبي القاسم
علي بن الحسين الموسوي
355 - 436 ه‍ ق
71

المسألة الحادية والستون والمائة:
لا يقع الطلاق بغير السنة في أحد القولين هذا صحيح عندنا أن الطلاق لا يقع إلا على الوجه
المسنون المشروع وهو أن يطلق زوجته طلقة واحدة في طهر لا جماع فيه والشهادة
معتبرة في الطلاق وهذا معنى قولنا طلاق السنة فإن خالف في شئ لم يقع طلاقه ووافقنا
باقي الفقهاء في أن الطلاق في الحيض أو في طهر فيه جماع بدعة. لكنهم ذهبوا إلى وقوعه
فوافقنا مالك وأبو حنيفة على أن الطلاق الثلاث في حال، واحدة محرم إلا أنهما يذهبان إلى
أنه يقع وقال الشافعي: الطلاق الثلاث غير محرم. دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه الاجماع
المتردد ذكره. وأيضا فإن وقوع الطلاق هو إثبات حكم شرعي وقد ثبت أن هذه الأحكام
تحصل وتثبت عند وقوع الطلاق على وجه السنة فمن ادعى ثبوتها مع الطلاق البدعي
فقد ادعى شرعا زائدا فعليه الدليل وأما الذي يدل على أن الطلاق الثلاث في الحال
الواحدة بدعة وغير مسنون فهو قوله تعالى الطلاق مرتان. وظاهر هذا الكلام الخبر والمراد
به الأمر لأنه لو لم يكن كذلك لكان كذبا فكأنه تعالى قال: فطلقوهن مرتين. ولو قال ذلك لم
يجز إيقاع تطليقتين بكلمة واحدة، لأن جميعها في كلمة واحدة فلم يطلق مرتين. كما أن من
أعطى درهمين دفعة واحدة فلم يعطهما مرتين، فإن قيل فهذا يقتضي إيقاع الطلقتين في
طهر واحد فأنتم تأبون ذلك قلنا إذا ثبت وجوب تفريق الطلقتين فلا أحد يذهب إلى
وجوب تفرقهما في طهرين وكذا وجب تفرقهما في طهر واحد. وأيضا ما روي عن ابن عباس
رضي الله عنه أنه قال: كان الطلاق الثلاث على عهد النبي وأبي بكر وصدرا من أيام عمر
73

طلقة. فقال عمر: لقد تعجلتم أمرا كان فيه إناة. وألزمهم الثلاث. وأيضا ما روي عن ابن
عمر أنه قال: طلقت امرأتي وهي حايض ثلاثا فأمرني النبي ص أن أراجعها
حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم ليطلقها إن شاء فأمر ص بالفصل بين
التطليقتين بحيضة وطهر. ومخالفنا لا يوجب ذلك. وفي خبر آخر أن النبي ص
قال لابن عمر: ما هكذا أمرك ربك وقد أخطأت السنة. والسنة أن تستقبل الطهر وطلقها
لكل قرء وهذا أيضا يمنع من إيقاع الثلاث في طهر واحد.
فأما تعلق من خالفنا بأن الطلاق الثلاث واقع بدعة بما رواه سهل بن سعد
الساعدي قال: لا عن رسول الله ص بين العجلاني وزوجته. فلما تلاعنا قال
الزوج: إن أمسكتها فقد كذبت عليها هي طالق ثلاثا. فقال النبي ص
لا سبيل لك عليها وموضع الاستدلال منه أن العجلاني كان قد طلق في وقت لم يكن له أن
يطلق فيه. فطلق ثلاثا فبين له النبي ص حكم الوقت وأنه ليس له أن يطلق
في هذه الحالة ولم يبين له حكم العدد ولو كان محرما لبينه. والجواب عنه أنه لا دلالة للشافعي
في هذا الخبر لأنه يذهب إلى أن الفرقة كانت واقعة بلعان الزوج وإنما قال هي طالق ثلاثا
بعد ما بانت منه وصارت أجنبية فلم يكن لقوله حكم فإن ألزمنا وجوب الانكار على
عويم العجلاني لأنه اعتقد جواز إيقاع الثلاث في كلمة واحدة أجبناه بأنه كان يعتقد بأن
طلاقه يلحقها بعد اللعان وعندك أنه لا يلحقها، لأنها أجنبية بعد اللعان ولم ينكر ص
بعد ذلك. وفي ترك إنكار هذا هو عذرنا في ترك إنكار الأول. وقوله ص
لا سبيل لك عليها ليس بإنكار وإنما هو إخبار لأنها صارت أجنبية منه وهو محتمل لأنها
صارت أجنبية باللعان أو بالطلاق، فإن احتج من يذهب أن الطلاق الثلاث يقع سنة كان
أو بدعة بما روي في حديث ابن عمر أنه قال للنبي ص: أ رأيت لو طلقتها ثلاثا
فقال إذا عصيت ربك وبانت منك امرأتك فالجواب عنه أن قوله أ رأيت لو طلقتها ثلاثا
لا تصريح فيه بأنني أفعل ذلك في حالة واحدة أو كلمة واحدة ويجوز أن يكون المراد أنني
أطلقها ثلاثا في ثلاثة أطهار بعد تخلل المراجعة فقد يسمى من طلق امرأته ثلاثا في أطهار
ثلاثة أنه مطلق ثلاثا كما يسمى بذلك من طلق ثلاثا بكلمة واحدة.
74

فإن قيل: أي فائدة على هذا الجواب في قوله عصيت ربك وفي أي شئ عصى إذا
كان الترتيب ما رتبتموه؟
قلنا: يحتمل وجهين: أحدهما أن يكون النبي ص علم من زوجة ابن
عمر الخير والبر والموافقة له وأنه متعد للصواب في فراقها وتكون المعصية من حيث
فارق خيرا موافقا بغير استحقاق والوجه الآخر أن اخراج الزوج نفسه من التمكن من
مراجعة المرأة مكروه له ومن طلق ثلاثا في ثلاثة أطهار لا تحل له هذه المرأة إلا بعد نكاحها
لغيره وهو لا يدري مما ينقلب به قلبه ولهذا حمل العلماء قوله: وطلقوهن لعدتهن، بأنه أراد به
الواحدة ليملك المراجعة بدلالة قوله لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا. ومن أبان
زوجته بالتطليقات الثلاث في الأطهار الثلاثة والمراجعة بينها فقد حرمها على نفسه إلا بعد
أن تنكح زوجا غيره ويكره له ذلك. والجواب الثاني في معنى الخبر هو أن يحمل قوله بانت
زوجتك إذا خرجت من العدة فإن المطلق ثلاثا بلفظ واحد تبين بالثلاث وهي بدعة وإنما
تبين له أن يطلق واحدة.
فإن قيل ليس في الخبر أن زوجتك تبين بعد انقضاء العدة. والظاهر أنها تبين في
الحال.
قلنا إذا كان الظاهر ما ادعيته قلنا إن نعدل عنه إلى إضمار فيه وزيادة عليه للأدلة
التي قدمناها كما نفعل ذلك في كتاب الله تعالى فيؤول ظواهره ويزيد فيه الزيادات للأدلة
القاطعة. فإن تعلقوا بما روي أن عبد الرحمن طلق امرأته " تماضر " ثلاثا فالجواب عنه ليس في
الخبر أنه طلقها بلفظ واحد وفي حالة واحدة. ويجوز أن يكون طلقها في أطهار ثلاثا يخللها
مراجعة على ما تقدم ذكره وهذه الطريقة يمكن أن نسلك في كل خبر يتعلقون به متضمن
وقوع طلاق ثلاث فقد نبهنا على طريق الكلام فيه.
المسألة الثانية والستون والمائة:
الطلاق لا يتبع الطلاق حتى يتحلل بينهما الرجعة في أحد القولين. هذا صحيح وهو
الذي نذهب إليه وقد دللنا على أن الطلاق إذا وقع عقيب الطلاق من غير رجعة كان بدعة
75

وبينا أن الطلاق البدعي لا يقع ولا حكم له في الشرع وفي ما معنى من ذلك كفاية.
المسألة الثالثة والستون والمائة:
إذا قال الرجل لامرأته أنت طالق ثلاثا لم تطلق إلا واحدة. هذا صحيح وهو الذي
يذهب إليه أصحابنا وقد قال الشاذ منهم أن الطلاق الثلاث لا يقع شئ منه والقول على
ما قدمناه. وخالف جميع الفقهاء في ذلك. دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه الاجماع المتردد ذكره.
وأيضا فإن من قال لزوجته أنت طالق ثم قال ثلاثا وتكاملت شرايط الطلاق كلها من طهر
لا جماع فيه وشهادة واختيار، فقد تلفظ بالواحدة التي سنت له وإنما أتبعها بلفظ ثلاثا فلقي
ما أتبعها به وسقط وجرى مجرى أن يقول أنت طالق وتبعه بلفظ لا حكم له في الشريعة مثل
أن يقول دخلت الدار وأكلت الخبر وما جرى مجرى ذلك. وقد علمنا أنه إذا أتبع هذه اللفظة
وهي قوله أنت طالق بكل لفظ لا يؤثر حكما في المطلقة، فإن حكم اللفظة الأولى باق وواقع
ولا تأثير لما أتبعها به. فإن قيل لم يسن له أن يقول لها أنت طالق ثم يقول ثلاثا فيجب أن
لا يقع طلاقه. قلنا ولم يسن له أن يقول لها أنت طالق ثم يشتمها أو يقذف غيرها ومع ذلك
فلو فعل خلاف ما سن له وبما يكون به عاصيا لم يخرج اللفظة الأولى من وقوع الطلاق بها
ونفوذ حكمها.
ومما يدل أيضا على ذلك ما روي عن ابن عباس أنه قال: الطلاق الثلاث على عهد
النبي ص وأبي بكر وصدر من أيام عمر طلقة واحد، فقال عمر: لقد تعجلتم
أمرا كان لكم فيه أناة. وألزمهم الثلاث.
المسألة الرابعة والستون والمائة:
وإن قال لا ربع نسوة له: إحداكن طالق، فالاحتياط أن يطلق كل واحدة منهن ثم
يراجعهن. عندنا أنه إذا لم يعين الطلاق في واحدة من نسائه حتى تتميز من غيرها، لم يقع
الطلاق.
76

وإذا قال لأربع نسوة أو أقل منهن إحداكن طالق، فكلامه لغو لا حكم له. وقال
أبو حنيفة وأصحابه والثوري وعثمان البتي والليث، إذا لم ينو واحدة بعينها حين قال، فإنه
يختار أيتهن شاء، فيوقع الطلاق عليها والباقيات نساؤه. وقال مالك إذا لم ينو واحدة بعينها
طلق عليه جميع نسائه. وقال الشافعي إذا قال لامرأتيه إحداكما طالق ثلاثا، منع منهما حتى
يبين. فإن قال لم أرد هذه كان إقرارا منه بالأخرى.
دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه الاجماع المتكرر ذكره. وأيضا فإن المسنون في الطلاق
المشروع فيه أن يسمي المطلقة ويشير إليها بعينها ويرفع الجهالة في أمرها، وإذا قال إحداكن
فطالق فما ميز ولا فرق ولا بين فهو بخلاف المشروع في الطلاق وإنما يعرف وقوع
حكم له، الطلاق بأن يشرع لنا فإذا كان لا شرع في ذلك ولا حكم له،
فلا تقع الفرقة به. فأما ما يذهب إليه من يقول أن الجميع يطلقن، فبعيد من الصواب، لأن
المطلقة واحدة فإن كانت بغير عينها فكيف يجوز إيقاع الطلاق على الجميع وليس هذا
بمثل أن يطلق امرأة بعينها ثم ينساها، لأن التحريم هناك تعلق بعين وهي هنا تعلق لا بعين.
المسألة الخامسة والستون: والمائة:
الخلع فرقة بائنة وليست كل فرقة طلاقا كفرقة الردة واللعان. عندنا أن الخلع إذا
تجرد عن لفظ الطلاق بانت به المرأة وجرى مجرى الطلاق في أنه ينقص من عدد الطلاق
وهذه فائدة اختلاف الفقهاء في أنه طلاق أو فسخ، لأن من جعله فسخا لا ينقص به من عدد
الطلاق شيئا فيحل له، وإن خلعها ثلاثا. وقال أبو حنيفة وأصحابه ومالك والثوري
والأوزاعي والبتي والشافعي في أحد قوليه أن الخلع تطليقة ثابتة. وللشافعي قول آخر أنه
فسخ وروي ذلك عن ابن عباس وهو قول أحمد وإسحاق.
والدليل على صحته ما ذهبنا إليه الاجماع المتقدم ذكره ويدل على ذلك أيضا ما روي
أن ثابت بن قيس لما خلع زوجته بين يدي النبي ص لم يأمره بلفظ الطلاق.
فلما خالعها قال لها رسول الله ص اعتدي. ثم التفت إلى أصحابه فقال هي
واحدة. فهذا دلالة على أنه طلاق وليس بفسخ. على أن الفسخ لا يصح في النكاح
77

ولا الإقالة.
المسألة السادسة والستون والمائة:
والمختلعة لا يلحقها الطلاق وهذا صحيح. وإليه يذهب أصحابنا وهو مذهب
الشافعي. وقال أبو حنيفة والثوري والأوزاعي لا يلحقها الطلاق ما دامت في العدة. وقال
الحسن ومالك: يلحقها الطلاق عن قرب. فمالك يقول: إذا خالعها فوصل بالطلاق
الخلع، وإن لم يصل به، لم يلحقها. والحسن يقول: إن طلقها في المجلس، لحق. وإن تفرقا
عن المجلس ثم طلق، لم يلحقها.
دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه بعد الاجماع المتردد، أن الطلاق لا يقع عندنا عقيب
الطلاق إلا بعد رجعة. فأما أن يقع طلاق على مطلقة بغير رجعة، يتحلل، فغير صحيح.
وقد دللنا قبل هذه المسألة على هذا الموضوع.
وإذا كان الخلع طلاقا بائنا فلا يجوز أن يقع بالمختلعة طلاق، إلا بأن يعقد عليها
عقدا جديدا، لأن الطلاق على ما تقدم لا يتبع الطلاق. فأما الشافعي فهو وإن وافقنا في هذه
المسألة، فإنه يسلك في نصرة مذهبه طرقا من القياس معروفة، فيقول: إذا كانت المختلعة
لا يستباح وطؤها إلا بنكاح جديد ولا يلحقها الطلاق كالأجنبية ولا خصائص النكاح من
اللعان والظهار والإيلاء والرجعة والتوارث مرتفعة عن المختلعة فلا يلحقها الطلاق.
المسألة السابعة والستون والمائة:
لا يأخذ الزوج إلا ما أعطاها أو دون ما أعطاها. عندنا أنه يصح أن يخلع امرأته على
أكثر مما أعطاها وأقل منه وعلى كل شئ تراضيا به وإنما يقول أصحابنا في المباراة: أنه
لا يجوز أكثر ما أعطاها. وقال الشافعي يجوز الخلع بالمهر الذي عقد عليه النكاح. وأكثر
منه وأقل.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: إذا كان النشوز من قبل المرأة جاز له أن يأخذ منها
ما أعطاها ولا يزداد. فإن كان النشوز من قبله، لم يحل له أن يأخذ شيئا. فإن فعل، جاز في
الفتيا. وقال الزهري وأحمد وإسحاق لا يصح إلا بقدر المهر والذي يدل على صحة
78

مذهبنا، بعد الاجماع المتقدم قوله تعالى: ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن
تخافا ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به. ولم يفرق بين القليل والكثير. فأما
تعلقهم بحديث خولة أنها لما شكت إلى رسول الله ص حال زوجها، فقال
أ تردين عليه حديقته؟ فقالت نعم فأمره أن يأخذ منها ما ساق إليها ولا يزيد عليه. فالجواب
عنه أن ذلك إنما جاز لأن الزوج لم يطلب أكثر من الحديقة ورضي به، لأنه روي في هذا الخبر
أنه قال يا رسول الله دفعت إليها حديقة هي خير مالي فاردد بها على. فقال لها النبي ص
أتردين عليه حديقته؟ فقالت نعم. فأمره أن يأخذ منها ما ساق إليها ولا يزيد
عليه: لأنه رضي بذلك وإنما الخلاف إذا تراضى الزوجان على أكثر من المهر.
المسألة الثامنة والستون والمائة:
ولا يكون الزوج مؤليا حتى يدخل بأهله. هذا صحيح وهو الذي يذهب إليه
أصحابنا. وباقي الفقهاء يخالفون فيه. والذي يدل على صحته ما ذكرناه الاجماع المتردد
ذكره وأيضا أنه لا خلاف في أن حكم الإيلاء شرعي وقد ثبت بلا خلاف في المدخول بها وطئ
أثبته في غير المدخول بها فقد أثبت حكما شرعيا زائدا على ما وقع عليه الاجماع فعليه
الدليل فإن تعلقوا بقوله تعالى: للذين يؤلون من نسائهم تربصوا أربعة أشهر
فإن فاءوا، فإن الله غفور رحيم. فإن اللفظ عام لجميع النساء المدخول بهن وغير المدخول بهن.
فالجواب أن اللفظ لو كان عاما على ما ادعى لجاز تخصيصه، بدليل كيف. وفي اللفظ
ما يدل على التخصيص بالمدخول بها لأنه تعالى قال فإن فاءوا المراد بالفئة العود إلى
الجماع بلا خلاف وإنما يعاود الجماع من دخل بها واعتاد جماعها وهذا واضح.
المسألة التاسعة والستون والمائة:
العود في الظهار هو إرادة المماسة. ليس لأصحابنا نص صريح في تعيين ماهية العود في
الظهار والذي يقوى في نفسي أن العود هو إرادة استباحة ما حرمه الظهار من الوطي. وإذا
كان الظهار اقتضى تحريما فأراد المظاهر دفعة، فقد عاد. وإلى هذا الذي ذكرناه ذهب أبو حنيفة
79

وأصحابه وبين أبو حنيفة عن حقيقة مذهبه بأن قال: إن كفارة الظهار لا تستقر في الذمة
بحال ولكن قيل للمظاهر إذا أردت أن تدفع التحريم وتستبيح الوطي فكفر وإن لم ترد أن
تطأ فلا تكفر، فإن وطء ثم لم يكفر يلزمه الكفارة و لكن يقال له عند الوطء الثاني مثل ذلك
وجرى ذلك مجرى قولهم إذا أردت أن تصلي تطوعا صحة لأن الطهارة شرط في استباحة صحة
الصلاة من غير أن تكون واجبة عليهم. كذلك قيل إذا أردت أن تستبيح الوطء الذي
حرمته بالظهار فقدم العتق، ليس لأن العتق يجب في ذمته، استباح الوطء أو لم يستبحه. وقال
الشافعي: العود هو أن يمسكها زوجة بعد الظهار مع قدرته على الطلاق. وذهب مالك
وأحمد إلى أن العود هو العزم على الوطء وذهب الحسن وطاووس والزهري إلى أن العود هو
الوطء. وذهب داود إلى: أن العود هو تكرار لفظ الظهار. وذهب مجاهد إلى أن الكفارة يجب
بمجرد الظهار ولا يعتبر العود.
والدليل على بطلان قول مجاهد: إن الله تعالى جعل العود شرطا في وجوب
الكفارة فقال تعالى: والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة. بشرط
العود فمن أسقطه، أسقط نصف الآية.
وأما الذي يبطل مذهب مالك وأحمد في أن العود هو العزم على الوطء فهو أن
موجب الظهار هو تحريم الوطء لا تحريم الغريمة. ويجب أن يكون العود هو الاستباحة
ولا يكون العود هو الغريمة على أن الغريمة لا تأثير لها في سائر الأصول ولا تتعلق بها الأحكام
ولا وجوب الكفارات، ولأن النبي ص قال: إن الله تعالى عفا لأمتي عما
حدثت به نفوسها ما لم يتكلموا به ويعملوا به.
وأما الذي يدل على فساد قول من ذهب إلى أن العود هو الوطء فهو ظاهر
الكتاب. لأن الله تعالى قال: فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا. فلو كان العود هو الوطء،
لما أمر باخراج الكفارة قبله.
فأما الذي بطل مذهب الشافعي في أن العود هو إمساكها على النكاح فهو أن
الظهار لا يوجب تحريم العقد وترك الفرقة وإمساك المرأة، فيكون العود هو إمساكها على
النكاح لأن العود إنما يقتضي الرجوع إلى أمر مخالف يوجب الظهار فدل ذلك على أن العود
80

هو استباحة الوطء ودفع ما حرمه الظهار منه. وأيضا قوله تعالى: ثم يعودون لما قالوا. ولفظ
ثم يقتضي التراخي. فمن جعل العود هو البقاء على النكاح فقد جعله عائدا عقيب القول
بلا تراخ وذلك بخلاف مقتضى الآية.
وأما الكلام على من ذهب إلى أن العود هو أن يعيد القول مرتين، فإجماع السلف
والخلف قد تقدم على خلاف هذا القول ومن جدد خلافا قد سبقه الاجماع لم يلتفت إلى
خلافه، فإن قال إنما قلت ذلك لأنه تعالى قال ثم يعودون بما قالوا فظاهر ذلك يقتضي العود في
القول لا في معناه ومقتضاه قلنا أما الظاهر فلا يدل على قول من ذهب إلى أن العود هو إعادة
القول مرتين لأنه تعالى قال ثم يعودون لما قالوا والظاهر يقتضي العود في نفس القول لا في
مثله وإنما يضمر من ذهب إلى هذا المذهب لفظة الميل وليست في الظاهر فقد عدل عن
الظاهر لا محالة ومن حمله على ما ذكرناه فقد فعل الأولى لأن الظهار إذا اقتضى تحريم الوطء
فمن أثر دفع هذا التحريم واستباحة الوطء فقد عاد فيما قاله، لأنه قال ما اقتضى تحريمه
وعاد برفع تحريمه، فمعنى يعودون لما قالوا أي يعودون القول فيه كقوله ع
العائد في هبته، كالكلب يعود في فيئه. وإنما هو عائد في الموهوب لا الهبة وكقوله اللهم أنت
رجاؤنا أي مرجونا وقال تعالى: واعبد ربك حتى يأتيك اليقين. يعني الموقن به وقال
الشاعر:
وإني لأرجوكم على بطء سعيكم * كما في بطون الحاملات. رجاوا
المسألة السبعون والمائة:
المتوفى عنها زوجها تقتد من يوم يبلغها نعى الزوج وكذلك المطلقة الذي يذهب
إليه أصحابنا أن الرجل إذا طلق امرأته وهو غائب عنها ثم ورد الخبر عليها بذلك وقد
حاضت من يوم طلقها إلى ذلك الوقت ثلاث حيض فقد خرجت من عدتها ولا عدة عليها
بعد ذلك وإن كانت حاضت أقل من ثلاث احتسبت من العدة وثبت عليه تمامها وإذا مات
عنها في غيبته ووصل خبر وفاته إليها وقد مضت مدة اعتدت لوفاته من يوم بلوغ الخبر
بالوفاة ولم تحتسب بما مضى من الأيام وفي أصحابنا من لم يفرق بين المطلقة وبين المتوفى عنها
81

زوجها في الغيبة وإنما يراعى في ابتداء العدة وقت وقوع الطلاق والموت إلا أنه يراعي هذا
القائل أن يكون ما بين البلدين مسافة يمكن العلم معها بوقت الوفاة أو الطلاق فإذا كانت
كذلك ثبت على ما تقدم وراعت في العدة ابتداء الوفاة، فإن كانت المسافة لا يحتمل معها أن
تعلم المرأة بالحال إلا في الوقت الذي علمت به اعتدت من يوم يبلغها عدة كاملة.
وقال أبو حنيفة وأصحابه ومالك وابن سيرين والثوري وابن حي والليث
والشافعي: عدة المطلقة والمتوفى عنها زوجها محسوبة من يوم الطلاق ويوم الوفاة. وقال
ربيعة: في الوفاة من يوم يأتيها الخبر. وهو قول الحسن البصري وروي عن ابن مسعود
وابن عباس وابن عمر أنه من يوم مات ويوم طلق.
والذي يدل على صحته ما ذهبنا إليه بعد الاجماع من القول الأول الذي حكيناه
اتفاق الفرقة عليه ولا اعتبار بالشاذ ووجه الفرق بين المطلقة والمتوفى عنها زوجها إن المعتدة
من الطلاق لا يجب عليها حداد وإنما يجب أن تمتنع من الأزواج وهي وإن لم تعلم بطلاق
زوجها ممتنعة من العقد عليها فلم يضرها في مرور زمان العدة عليها. فقد علمها.
وليس كذلك المعتدة عن الوفاة لأن الواجب عليها الحداد وهي عبادة ولا يكفي فيها مرور
الزمان ويمكن أن يستدل على ذلك أيضا بقوله تعالى: و الذين يتوفون منكم ويذرون
أزواجا، يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا. والتربص يقتضي قولا يقع من جهتين
ولا يجوز أن يكون المراد به مرور الزمان لأن مرور الزمان من غير علم ولا تعمد لا يسمى
تربصا.
فإن قيل فقد قال الله تعالى: والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء، فأضاف
التربص إليهن وأنتم تقولون إن مرور الزمان في المطلقة يكفي. قلنا: لو خلينا والظاهر لقلنا
في الأمرين. قولا واحدا، لكن قام الدليل على أن المطلقة يكفي فيها مرور الوقت وحملنا
قوله والمطلقات يتربصن بأنفسهن على من علمت بوقت طلاقها منهن ولم يخف عليها
المسألة الحادية والسبعون والمائة:
إذا تزوجت المرأة في عدتها ودخل بها زوجها الثاني فرق بينهما وتعتد من الأول ثم من
82

الثاني. هذا صحيح. وذهب إلى مثله الشافعي فقال: إذا طلق الرجل امرأته ونكحت في
عدتها غيره ووطأها الثاني وهما جاهلان بتحريم الوطء فإن عليها العدة للثاني وبقية العدة
للأول ولا تتداخل العدتان. وقال أبو حنيفة: تتداخل. فتأتي المرأة بثلاثة أقراء بعد مفارقتها
للثاني ويكون ذلك عن بقية عدة الأول وعن عدة الثاني.
دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه أن العدة حق لكل واحد من الزوجين، فلا مداخلة
بينهما وإنما لم يملك الزوج اسقاط العدة لأن فيها حقا لله تعالى وليست بحق خالص للآدمي
وأيضا فعلى ما قلناه إجماع الصحابة، لأنه روي: أن امرأة نكحت في العدة ففرق بينهما أمير
المؤمنين وقال ع: أيما امرأة نكحت في عدتها، فإن لم يدخل بها زوجها الذي
تزوجها، فإنها تعتد من الأول ولا عدة عليها للثاني وكان خاطبا من الخطاب. وإن كان
دخل بها فرق بينهما وتأتي ببقية العدة عن الأول ثم تأتي عن الثاني بثلاثة أقراء مستقبلة.
وروي مثل ذلك عن عمر بعينه. وإن طليحة كانت تحت رشيد الثقفي فطلقها، فنكحت في
العدة فضربها عمر وضرب زوجها بخفقة وفرق بينهما. ثم قال أيما امرأة نكحت في عدتها فإن لم
يدخل بها زوجها الذي تزوجها فإنها تعتد عن الأول ولا عدة عليها للثاني وكان خاطبا من
الخطاب وإن كان دخل بها فرق بينهما وآتت ببقية عدة الأول ثم تعتد عن الثاني ولا تحل له
أبدا ولم يظهر خلاف لما فعل فصار إجماعا.
83

الكافي
في الفقه
لأبي الصلاح تقي الدين ابن نجم الدين عبد الله الحلبي
347 - 447 ه‍ ق
85

فصل في الطلاق وأحكامه:
صحة الطلاق الشرعي تفتقر إلى شروط يثبت حكمه بتكاملها ويرتفع باختلال
واحدها: منها كون المطلق ممن يصح تصرفه ومنها إيثاره الطلاق ومنها قصده إليه ومنها
تلفظه بصريحه دون كناياته ومنها كونه مطلقا من الشروط ومنها توجهه إلى المعقود عليها
ومنها تعيينها ومنها الإشهاد ومنها إيقاعه في طهر لا مساس فيه بحيث يمكن اعتباره
واشترطنا صحة التصرف احترازا من الصبي والمجنون والسكران وفاقد
التحصيل بأحد الآفات، واشترطنا الإيثار احترازا من المكره، واشترطنا القصد احترازا
من الحلف واللغو والسهو، واشترطنا إطلاق اللفظ احترازا من مقارنة الشروط كقوله:
أنت طالق إن دخلت الدار، وإن دخلت الدار فأنت طالق.
واشترطنا صريح قوله: أنت طالق أو هي فلانة (كذا)، احترازا من الكنايات كقوله:
أنت حرام أو بائنة أو خلية أو برية أو ألحقي بأهلك أو حبلك على غاربك أو اعتدى أو
لا حاجة لي فيك، وأشباه ذلك.
واشترطنا تعيين المطلقة احترازا من قوله: زوجتي طالق، وله عدة أزواج أو أحد
زوجاتي طالق، من غير تعيين لها بقول ولا عزم.
واشترطنا الإشهاد احترازا من وقوعه بغير شهادة، واشترطنا الطهر الخالص
احترازا من الحيض والنفاس ومما حصل فيه مباشرة، وقلنا بحيث يمكن لصحته ممن
لا يمكن ذلك فيها، وهي التي لم يدخل بها والتي لم تبلغ والآيسة والحامل والغائبة لتعذر
87

العلم به فيهن وقبح التكليف مع التعذر.
فإذا تكاملت هذه الشروط فهو على ضربين: رجعي وبائن، والبائن على ثلاثة أضرب:
طلاق العدة والخلع والمباراة، ولكل حكم.
أما الرجعي فصفته أن يطلق واحدة ويدعها تعتد في سكناه ونفقته، ويحل له النظر
إليها وهو أملك برجعتها ما لم تخرج عن العدة، وإذا أراد مراجعتها فليشهد عليها، ويجوز
من دون الإشهاد وهي زوجته بالعقد الأول، وتبقى معه على تطليقتين، فإن لم يراجع حتى
خرجت من العدة ملكت نفسها عليه وصار كبعض الخطاب، فإن تراضيا بالمراجعة فبعقد
جديد ومهر جديد وهي معه على اثنين.
وأما طلاق العدة فمختص بمن يمكن اعتبار طهرها بكونها مدخولا بها مستقيمة
الحيض والطهر، فإذا عزم على ذلك فليرقب طهرها بعد الحيض فيطلقها بمحضر من
شاهدي عدل ثم يراجعها فيها أي وقت شاء منه بشاهدي عدل ويطأها فيه، فإذا حاضت و
طهرت طلقها ثانية بشاهدي عدل ثم يراجعها فيه بشاهدي عدل ويطأها، فإذا حاضت و
طهرت الثالثة (كذا) طلقها ثالثة بشاهدي عدل، فإذا لفظ بها حرمت عليه حتى تنكح زوجا
غيره وتبين منه وتعتده، ويلزمه سكناها ونفقتها إلى أن يتلفظ بالثالثة فيسقط فرضها عنه و
تحرم رؤيتها، فإن حملت في بعض المراجعتين أو يئست من الحيض فهو بالخيار بين الإقامة
عليها وبين تطليقها.
فصل في العدة وأحكامها:
سبب العدة شيئان: طلاق وموت وما يجري مجراه.
فأما الطلاق فإن وقع من حر أو عبد بحرة أو أمة، قبل الدخول أو بعده وقبل أن تبلغ
تسع سنين أو بعد ما يئست من الحيض ومثلها لا تحيض فلا عدة عليها، وإن كان بحرة بعد
الدخول وقبل الحيض أو بعد ارتفاعه لعلة ومثلها من تحيض فعدتها ثلاثة أشهر وإن كانت
أمة فخمسة وأربعون يوما، وإن كانت الحرة ممن تحيض فعدتها ثلاثة قروء والأمة قرءان، فإن
أعتقت وهي في العدة تممتها عدة الحرة - والقرء الطهر بين الحيضتين -.
88

وإن كانت الحرة أو الأمة حاملا فعدتها أن تضع ما في بطنها، وعدة المتمتع بها قرءان،
فإن كانت ممن لا تحيض فخمسة وأربعون يوما، وعدة الأمة الموطوءة إذا أعتقت عدة الحرة.
وحكم المعتدة في الطلاق الرجعي ملازمة منزل مطلقها ولا تخرج منه إلا باذنه،
ولا يخرجها إلا أن تؤذيه أو تأتي في منزله ما يوجب الحد فيخرجها لإقامته ويردها إليه
ولا تبيت إلا فيه، ويخرجها للأذى من غير رد وتحل لها الزينة، والبائنة تسكن حيث شاءت،
ولا تبيت خارجة عن بيت سكناها وتحل لها الزينة، ونفقة عدة الطلاق الرجعي واجبة،
ولا تجب للبائن إلا أن تكون حاملا.
وأما عدة الحرة من الوفاة قبل الدخول وبعده ومع الحيض وارتفاعه فأربعة أشهر و
عشر، فإن كانت حاملا فعدتها أبعد الأجلين، وتعتد الأمة بشهرين وخمسة أيام، فإن كانت
حاملا فبأبعد الأجلين، فإن طلق الحر أو العبد أمة أو حرة فتوفي وهي في العدة وكان الطلاق
رجعيا فعليها أن تعتد بأبعد الأجلين حاملا كانت أم خلية، وإن كانت بائنا لم يلزمها إلا عدة
الطلاق.
وعدة أم الولد لوفاة سيدها أربعة أشهر وعشرا، وكذلك حكم المتمتع بها لوفاة المتمتع
قبل انقضاء أيامها تعتد أربعة أشهر وعشرا، فإن توفى بعد ما انقضت أيامها وهي في العدة لم
يلزمها غير عدة المتعة المذكورة، وإذا أعتقت الأمة المتوفى عنها زوجها قبل خروجها من
العدة فعليها تكميل عدة الحرة، وتعتد المرتد عنها زوجها عدة الوفاة.
ويلزم المعتدة للوفاة الحداد باجتناب الزينة في الهيئة واللباس ومس الطيب وتبيت
حيث شاءت، وإذا كانت المتوفى عنها زوجها حاملا أنفق عليها من مال ولدها حتى تضع.
وحكم جميع العدد المنع من الأزواج، وإذا طلق الغائب أو مات فعليها أن تعتد لكل
منهما من يوم بلغها الطلاق أو الوفاة لكون العدة من عبادات النساء وافتقار العبادة إلى نية
تتعلق بابتدائها.
فصل في أحكام الأولاد:
السنة في المولود حال وضعه تحنيكه بماء الفرات أو بماء فيه عسل والأذان في إذنه اليمنى
89

والإقامة في اليسرى، فإذا كان يوم السابع حلق رأسه وتصدق بزنته ذهبا أو فضة وختن
وعق عن الذكر بذكر وعن الأنثى بأنثى وتصدق بلحم العقيقة على فقراء المؤمنين، تعطى
منها للقابلة الورك بالرجل (كذا) ولا يعطي منها الجزار شيئا، وإن طبخ لحمها وجمع له
فقراء المؤمنين فهو أفضل، ويسمى في هذا اليوم بأحسن الأسماء، وهي أسماء الأنبياء
والأوصياء ع وذراريهم، وأفضل ذلك أسماء شريعتنا.
وأقل الطهر عشرة أيام وأكثره ثلاثة أشهر، وأقل الحمل ستة أشهر وأكثره تسعة
أشهر والريب ثلاثة أشهر، فتصير الغاية في أكثر الحمل سنة كاملة.
وإذا طلق الرجل زوجته أو مات عنها فتزوجت وجاءت بولد لستة أشهر فما زاد من
يوم دخل الثاني بها فالولد لا حق به، وإن كان لأقل من ستة أشهر لم يلحق به، فإن كان لمدة
طلاقها أو الوفاة عنها سنة فما دونهما فهو لا حق بالأول، وإن كان لأكثر من ذلك لم يلحق
به، وكذلك الحكم فيها إذا لم تتزوج بعد الطلاق أو الوفاة وجاءت بولد لسنة فما دونها في
لحوقه بالمطلق أو المتوفى، ولا يلحق به بعد السنة.
وإذا باع الرجل أمة كان يطأها فجاءت بولد لستة أشهر من ملك الثاني فما فوقها
فهو لاحق به، وإن كان لأقل من ذلك فهو لاحق بالأول فإن أنكره فهو رق للثاني، فإن عتقها
فتزوجت فجاءت بولد لستة أشهر فهو للزوج، وإن كان لأقل منها فهو للمعتق فإن أنكره
فهو حر لا يلحق بأحد، وإن لم تتزوج وجاءت بولد لسنة من يوم عتقها فما دونها فهو
للمعتق إن اعترف به، وإن أنكره أو كان لأكثر من سنة لم يلحق به وكان سائبة.
وإذا تزوج الرجل أو ملك أمة فوطئ في الفرج فجاءت بولد حي لستة أشهر فهو
لاحق به وإن عزل الماء، وإن كان لأقل من ستة أشهر لم يلحق به، ولم يحل له الاعتراف به
فإن اعترف به ألحق به على الظاهر، وإن أنكره و كانت المدة معلومة فلا لعان بينهما، وإن
تعذر العلم بها وما يجري مجراه في الحكم تلاعنا.
ولا يحل لزوج امرأة ولا سيد أمة أن يعترف بولد يعلم أنه لم يطأ أمه منذ سنة أو منذ أقل
من ستة أشهر حاضرا كان أم غائبا، وإذا ثبت ذلك حكم به وإن لم يثبت لا عن الحرة دون
الأمة، ولا يلحق بالزوج ولد التي لم يدخل بها حاضرة كانت أم غائبة.
90

وإذا بلغ الزوجة وفاة الزوج وطلاقه فاعتدت وتزوجت، ثم حضر فأنكر الطلاق ولم
يكن له بينة فهي زوجته وعليه اعتزالها إن كان الثاني وطئها ثلاثة قروء، فإن ظهر بها حمل
فإلى أن تضع فإن لم تضع لتسع كملها سنة، فإن جاءت بولد لأقل منها وكان لستة أشهر
فما فوقها من يوم دخل بها الثاني فهو لاحق به، وإن كان لأقل منها فهو لاحق بالأول فإن
أنكره تلاعنا، وإن لم يكن الثاني قربها فليستبرئها بحيضة ثم يطأها إن شاء.
وولد المتعة كولد الزوجة في جميع الأحكام المذكورة إلا اللعان في إنكاره فإنه لا لعان بين
المتمتعين، ولا يجوز لأحد أن يبيع أمة موطوءة ولا يطأ مبتاعة حتى يستبرئها بحيضة إن كانت
ممن تحيض وإلا بخمسة وأربعين يوما.
وإذا طلق الزوجة وله منها ولد يرضع فهي أحق برضاعه وكفالته ولها أجر الرضاع،
فإن طلبت شططا فوجد من يرضعه بالأجر القصد فرضيت به فهي أحق به وإن أبت سلم
إلى المرضعة، ولها كفالته على كل حال ولها تسليمه إلى أبيه.
وأما الخلع فهو أن تكره الزوجة صحبة الرجل وهو راغب فيها فتدعوه إلى تسريحها،
فله إجابتها والامتناع حتى تقول له: لأن لم تفعل لأعصين الله فيك ولا أطيعه في حفظ نفسي
عليك ولأوطئن فراشك غيرك، فلا يحل له لذلك إمساكها، ويجوز له والحال هذه أن يأخذ منها
أضعاف ما أعطاها، فإذا أراد خلعها فليقل: قد خلعتك على كذا فأنت طالق، مع تكامل
جميع الشروط المذكورة، فإذا قال ذلك بانت منه ولا سكنى لها ولا نفقة، ولا يحل له النظر
إليها وأمرها بيدها، فإن اختار مراجعتها في العدة وبعدها ورضيت فبعقد جديد ومهر
جديد، ولا تحل لغيره حتى تخرج من العدة.
وأما المباراة فمن شرطها أن يكره كل واحد من الزوجين صاحبه فيصطلحا على
المباراة على أن ترد ما أخذت منه أو بعضه، ولا يحل له أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها، فإذا
أراد مباراتها فليقل: قد بارأتك على كذا وكذا فأنت طالق، مع تكامل الشروط فإذا لفظ
بذلك بانت منه وسقط عنه فرض سكناها ونفقتها وحرم عليه ما كان حلالا منها، فإن آثر
مراجعتها في العدة أو بعدها ورضيت فبعقد جديد ومهر جديد بخلاف غيره (كذا).
91

وللمختلعة والمباراة الرجوع بما افتدته أو بعضه ما دامت في العدة، وإذا رجعت بشئ
منه كان الزوج أملك برجعتها بالعقد الأول ولا خيار لهما بعد العدة، وإذا طلق للسنة أو خلع
أو بارأ ثلاثا ساوى تطليقه للعدة ثلاثا وتحريمها حتى تنكح زوجا غيره، وهذا مختص بحرائر
النساء سواء كان المطلق حرا أو عبدا، فأما الأمة إذا كانت زوجة فاقتضى طلاقها بحر
أو عبد تطليقتان.
فصل في الظهار:
لا يكون الظهار ظهارا شرعيا إلا بقصد من المظاهر إلى التحريم لزوجته حرة كانت أو
أمة غبطة أو متعة، وصريح قول: أنت على كظهر أمي أو أحد المحرمات، دون ما عداه من
الألفاظ مطلقا من الاشتراط، بمحضر من شاهدي عدل في طهر لا مساس فيه بحيث يمكن
اعتباره، فإن اختل شرط لم يكن ظهارا، وإذا تكاملت حرمت على المظاهر منها حتى يكفر
بعتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا، فإن
وطئها قبل التكفير فعليه كفارتان.
وإن أصر على تحريمها فزوجة الغبطة خاصة حرة كانت أو أمة بالخيار بين الصبر عليه
ومرافعته إلى الحاكم، وعلى الحاكم أن يأخذه بالتكفير والرجوع إلى مباشرتها أو الطلاق،
فإن امتنع أنظره ثلاثة أشهر، فإن فاء إلى أمر الله تعالى وإلا ضيق عليه في المطعم والمشرب
حتى يفئ إلى أمر الله سبحانه من طلاق أو رجوع إليها وتكفير، فإذا طلق المظاهر قبل
التكفير فتزوجت المرأة ثم طلقها الثاني أو مات عنها وتزوج بها الأول لم يحل له وطؤها حتى
يكفر، وإذا ظاهر من عدة أزواج حرمن ولزمته للعزم على وطء كل منهن كفارة.
ولا يصح الظهار في ملك اليمين، ويلزم العبد المظاهر من زوجته الحرة أو الأمة إذا أراد
وطأها أن يكفر بالصوم إلا أن يبيحه السيد ما معه يكون معتقا فيلزمه العتق، وفرضه في
الصوم كفرض الحر.
92

الضرب الثاني من الأحكام:
ما يقتضي تحريم المعقود عليها غبطة على ضربين: أحدهما مصاحب للعقد والآخر
يقتضي فسخه، والأول ضربان: إيلاء وظهار، والثاني على ضروب ثلاثة: طلاق ولعان وارتداد
لكل حكم نبينه.
فصل في بيان حكم الإيلاء:
الإيلاء حلف الزوج بما ينعقد به الأيمان من أسماء الله تعالى خاصة أن لا يقرب زوجته
ولا يلزم حكمه إلا بعد الدخول، فمتى قربها حنث ولزمته كفارة يمين، فإن استمر اعتزاله لها
فهي بالخيار بين الصبر عليه ومرافعته إلى الحاكم.
فإن ترافعا فكان إيلاؤه في صلاحه لمرض يضر به الجماع أو في صلاح الزوجة لمرض أو
حمل أو رضاع، فعلى الحاكم إنظاره وعلى الزوجة التصبر عليه حتى تزول العذر، فإن لم
يكن هناك عذر أمره بما يقتضي حنثه والكفارة عن يمينه، فإن فعل وإلا أنظره أربعة أشهر،
فإن فعل وإلا ألزمه بالطلاق، فإن امتنع ضيق عليه في المطعم والمشرب حتى يفئ إلى أمر
الله من مباشرة أو طلاق.
فإن حلف أن لا يقرب أمته أو متعته فعليه الوفاء فإن حنث كفر، وإن أقام على مقتضى
الإيلاء لم يكن لهما عليه حكم على كل حال.
فصل في اللعان:
اللعان أن يقذف الرجل حرا كان أو عبدا زوجته بنكاح الغبطة حرة كانت أو أمة
بمعاينة الزنى أو ينكر حملها أو يجحد ولدها فتنكر ما قذفها به، ففرض الحاكم بينهما أن يجلس
مستدبر القبلة ويوقف الرجل بين يديه ووجهه إلى القبلة والمرأة عن يمينه كذلك ويخوفهما
الله تعالى، فإن رجع الزوج عن القذف جلده حد المفتري إلا أن تعفو عنه الزوجة، وإن
أقرت رجمها إن كانت حرة وإن كانت أمة جلدها خمسين جلدة على كل حال.
93

وإن أصر قال له: قل: أشهد بالله أني فيما ذكرته عن هذه المرأة لمن الصادقين، فإذا
قالها أعادها عليه حتى يكمل أربع شهادات كذلك، ثم يعظه ويخوفه الله تعالى ويغلظ عليه
ويحذره الدخول في لعنة الله، فإن رجع عن القذف جلده وإن أصر قال له: قل إن لعنة الله
على إن كنت من الكاذبين، فإذا قالها أقبل على المرأة فوعظها وخوفها، فإن أقرت رجمها
وإن أصرت قال لها: قولي أشهد بالله أنه فيما رماني به لمن الكاذبين، فإذا شهدت كررها حتى
تشهد أربع شهادات كذلك، فإذا شهدت أربعا خوفها الله وقال: إن لعنة الله شديدة
وعذاب الدنيا أيسر من عذاب الآخرة، فإن أقرت رجمها وإن أصرت قال لها: قولي إن
غضب الله على إن كان من الصادقين، فإذا قالتها فرق بينهما، فلا تحل له أبدا.
وإذا قذف الرجل مطلقته بما يوجب اللعان وهي في العدة وكان الطلاق رجعيا تلاعنا،
وإن كان بائنا جلد مع فقد البينة والإقرار حد المفتري، وإذا قذفها وهي حامل أخر اللعان
إلى أن تضع، وإذا قذفها وهي صماء أو خرساء فرق بينهما وجلد حد المفتري، وإذا قال لها:
يا زانية، أو زنى بك فلان، أو ما يفيد ذلك ولم يدع معاينة ولا بينة له وأنكرت فعليه حد
المفتري، ولا لعان بينهما.
وإذا قذفها بما يوجب اللعان وهي حامل واعترف بالحمل تلاعنا ولحق به الولد، وإذا
أنكر الحمل أو عين الولد فتلاعنا لم يلحق به ما أصر، فإن رجع عن الانكار ورثه الولد ومن
يتعلق بنسبه ونسب الأب، ولا يرثه الأب ولا من يتعلق بنسبه ولا نسب الولد.
وإذا قذف متعته ولم تكن له بينة جلد حد المفتري، وإن قذف أمته فهو مأزور ولا لعان
بينهما ولا يجب عليه حد، وإن أنكر ولدها لم يلحق به وهو أعلم بنفسه، ولا يحل له مع وطء
الأمة والشبهة إنكاره، وإذا أنكر الرجل ولدا قد أقربه حد حد المفتري ولم يسمع إنكاره،
فصل في أحكام الردة:
الردة إظهار شعار الكفر بعد الإيمان بما يكون معه منكر نبوة النبي ص
أو بشئ من معلوم دينه كالصلاة والزكاة والزنى وشرب الخمر، فأما ما يعلم كونه كافرا
له باستدلال من جبر أو تشبيه أو إنكار إمامة إلى غير ذلك فليس بردة وإن كان كفرا.
وإذا ارتد المؤمن وكان ولد على الفطرة قتل على ردته وإن كان ذميا أو كافرا غيره
94

أسلم بعد كفر عرضت عليه التوبة، فإن رجع إلى الحق وإلا قتل، فإن أسلم هذا المرتد ثم
ارتد ثانية قتل على ردته.
وتعتد زوجة المرتد عدة الوفاة قتل أم أفلت فإذا خرجت من العدة حللت للأزواج، فإن
رجع إلى الاسلام من يصح ذلك منه وزوجته في العدة فهو أحق بها بالنكاح الأول، وإن
خرجت عن العدة قبل رجوعه إلى الاسلام فلا سبيل له عليها إلا أن يختار مراجعتها فبعقد
جديد ومهر جديد.
95

النهاية
في مجرد الفقه والفتاوى
للشيخ الأجل أبي جعفر محمد بن الحسن بن علي بن الحسن الطوسي
المشتهر بشيخ الطائفة والشيخ الطوسي
385 - 460 ه‍ ق
97

كتاب الطلاق
باب أقسام الطلاق وشرائطه:
الطلاق على ضربين: طلاق السنة وطلاق العدة، وهو ينقسم أقساما: منها طلاق التي لم
يدخل بها والتي دخل بها ولم تبلغ المحيض ولا في سنها من تحيض والتي لم تبلغ المحيض
وفي سنها من تحيض، والمستحاضة والمستقيمة الحيض والحامل المستبين حملها والآيسة من
المحيض وفي سنها من تحيض والآيسة من المحيض ولا تكون في سنها من تحيض، وطلاق
الغائب عن زوجته وطلاق الغلام والعبد.
وما يلحق بالطلاق وإن لم يكن طلاقا في الحقيقة على ضربين: ضرب منه يوجب
البينونة مثل الطلاق وضرب آخر يوجب التحريم وإن تقع فرقة، فالقسم الأول اللعان
والارتداد عن الاسلام والقسم الثاني الظهار والإيلاء، ويدخل في هذا الباب ما يؤثر في
بعض أنواع الطلاق وهو الخلع والمباراة. ويدخل فيه أيضا ما يكون كالسبب للطلاق وهو
النشوز والشقاق، ونحن نبين كل ذلك في أبوابه إن شاء الله، وجميع أقسام الطلاق التي
قدمناها فلا بد فيها من اعتبار العدة بعده إلا ما نستثنيه منه إن شاء الله.
فأما شرائط الطلاق فعلى ضربين: ضرب منه عام في سائر أنواعه وضرب منه خاص في
بعضه، فأما الذي هو عام فهو أن يكون الرجل غير زائل العقل ويكون مريدا للطلاق غير
مكره عليه ولا مجبر، ويكون طلاقه بمحضر من شاهدين مسلمين ويتلفظ بلفظ مخصوص
أو ما يقوم مقامه إذا لم يمكنه، والضرب الآخر في الطلاق وهو الخاص من القسمين هو ألا
99

تكون المرأة حائضا لأن هذا القسم مراعى في المدخول بها غير غائب عنها زوجها مدة
مخصوصة على ما سنبينه فيما بعد.
فإن طلق الرجل امرأته وهو زائل العقل بالسكر أو الجنون أو المرة أو ما أشبهها كان
طلاقه غير واقع، فإن احتاج من هذه صورته إلا السكران إلى الطلاق طلق عنه وليه فإن لم
يكن له ولي طلق عنه الإمام أو من نصبه الإمام، فإذا طلق الرجل امرأته وهو مريض فإنهما
يتوارثان ما دامت في العدة، فإن انقضت عدتها ورثته ما بينها وبين سنة ما لم تتزوج فإن
تزوجت فلا ميراث لها وإن زاد على السنة يوم واحد لم يكن لها ميراث، ولا فرق في جميع هذه
الأحكام بين أن تكون التطليقة هي الأولى أو الثانية أو الثالثة وسواء كان له عليها رجعة أو لم
يكن فإن الموارثة ثابتة بينهما على ما قدمناه هذا إذا كان المرض يستمر به إلى أن يتوفى،
فإن صح من مرضه ذلك ثم مات لم يكن لها منه ميراث إلا إذا كان طلاقا يملك فيه رجعتها فإنها
ترثه ما لم تخرج من العدة.
ومتى طلق الرجل وهو غير مريد للطلاق أو كان مكرها عليه كان طلاقه غير واقع ومتى
طلق ولم يشهد شاهدين ممن ظاهره الاسلام كان طلاقه غير واقع، فإن أشهد رجلين واحدا
بعد الآخر ولم يشهدهما في مكان واحد لم يقع أيضا طلاقه فإن طلق بمحضر من رجلين
مسلمين ولم يقل لهما: اشهدا، وقع طلاقه وجاز لهما أن يشهدا بذلك، وشهادة النساء لا تقبل
في الطلاق لا على الانفراد ولا مع الرجال، ومتى طلق ولم يشهد ثم أشهد بعد ذلك بأيام كان
الطلاق واقعا من الوقت الذي أشهد فيه وكان على المرأة العدة من ذلك اليوم.
وإذا أراد الطلاق ينبغي أن يقول: فلانة طالق، أو يشير إلى المرأة بعد أن يكون قد
سبق العلم بها من الشهود فيقول: هذه طالق، فمتى قال غير ذلك من كنايات الطلاق لم يقع
طلاقه مثل أن يقول لها: اعتدي أو أنت خلية أو برية أو باتة أو حبلك على غاربك أو الحقي
بأهلك أو أنت على حرام، أو جعل إليها الخيار فاختارت نفسها فإن ذلك كله لا يؤثر في
الطلاق ولا تحصل به بينونة ولا تحريم على حال، فإن قيل للرجل: هل طلقت فلانة؟
فقال: نعم، كان الطلاق واقعا وما ينوب مناب قوله: أنت طالق بغير العربية بأي لسان كان
فإنه تحصل به الفرقة.
100

ولا يقع الطلاق إلا باللسان فإن كتب بيده: أنه طالق امرأته وهو حاضر ليس بغائب
لم يقع الطلاق، وإن كان غائبا وكتب بخطه أن فلانة طالق، وقع الطلاق وإن قال لغيره:
اكتب إلى فلانة امرأتي بطلاقها لم يقع الطلاق، فإن طلقها بالقول ثم قال لغيره: اكتب
إليها بالطلاق، كان الطلاق واقعا بالقول دون الأمر.
وإذا وكل الرجل غيره بأن يطلق عنه لم يقع طلاقه إذا كان حاضرا في البلد فإن كان
غائبا جاز توكيله في الطلاق، ومتى أراد عزل الوكيل فليعلمه ذلك فإن لم يمكنه فليشهد
شاهدين على عزله، فإن طلق الوكيل وكان طلاقه قبل العزل وقع طلاقه وإن كان بعد
العزل كان باطلا، ومتى وكل رجلين على الطلاق لم يجز لأحدهما أن يطلق فإن طلق لم يقع
طلاقه إلا برضا الآخر فإن اجتمعا عليه وقع الطلاق.
ومن لم يتمكن من الكلام مثل أن يكون أخرس فليكتب الطلاق بيده إن كان ممن
يحسنه فإن لم يحسن فليومئ إلى الطلاق كما يومئ إلى بعض ما يحتاج إليه، فمتى فهم من
إيمائه الطلاق وقع طلاقه، وقد روي أنه ينبغي أن يأخذ المقنعة فيضعها على رأسها ويتنحى
عنها فيكون ذلك منه طلاقا، فإذا أراد مراجعتها أخذ القناع من رأسها، متى علق الطلاق
بشرط من الشروط كان باطلا وكذلك العتاق، ولا يقع الطلاق قبل العقد على حال من
الأحوال.
ومن شرائط الطلاق العامة أن يطلقها تطليقة واحدة فإن طلقها أكثر من ذلك ثنتين أو
ثلاثا أو ما زاد عليه لم يقع أكثر من واحدة، وإذا جمعت الشرائط كلها فإن كان المطلق مخالفا
وكان ممن يعتقد وقوع الثلاث لزمه ذلك ووقعت الفرقة به وإنما لا يقع الفرقة إذا كان الرجل
معتقدا للحق.
وأما الشرائط الخاصة فهو الحيض لأن الحائض لا يقع طلاقها إذا كان الرجل حاضرا
ويكون قد دخل بها، فإن طلقها وهي حائض كان طلاقه باطلا وكذلك إن طلقها في طهر قد
قربها فيه لم يقع الطلاق، ومتى لم يكن قد دخل بالمرأة وطلقها وقع الطلاق وإن كانت حائضا
وكذلك إن كان عنها غائبا شهرا فصاعدا وقع طلاقه إذا طلقها وإن كانت حائضا، ومتى
عاد من غيبته وصادف امرأته حائضا، وإن لم يكن واقعها لم يجز له طلاقها حتى تطهر إن شاء الله.
101

باب كيفية أقسام الطلاق
إذا أراد الرجل أن يطلق امرأته التي دخل بها وهو غير غائب عنها طلاق السنة
فليطلقها وهي طاهر طهرا لم يقربها فيه بجماع ويشهد على ذلك شاهدين تطليقة واحدة ثم
يتركها حتى تخرج من العدة، فإذا خرجت من العدة ملكت نفسها وكان خاطبا من الخطاب
وما لم تخرج من عدتها فهو أملك بها برجعتها، فمتى خرجت من عدتها وأراد أن يتزوجها
عقد عليها عقدا جديدا بمهر جديد.
فإن أراد بعد ذلك طلاقها فعل معها ما فعل في الأول من استيفاء الشروط و يطلقها
تطليقة أخرى ويتركها حتى تخرج من العدة فإذا خرجت من العدة ملكت نفسها مثل
الأول، فإن أراد أن يعقد عليها عقدا آخر فعل كما فعل في الأولين بمهر جديد وعقد جديد،
فإذا أراد بعد ذلك طلاقها طلقها على ما ذكرناه ويستوفي شرائط الطلاق فإذا طلقها الثالثة لم
تحل له حتى تنكح زوجا غيره، فإن تزوجت فيما بين التطليقة الأولى أو الثانية أو الثالثة
زوجا بالغا ودخل بها ويكون التزويج دائما هدم ما تقدم من الطلاق وكذلك إن تزوجت
بعد التطليقات الثلاث هدم الزوج الثلاث تطليقات وجاز لها أن ترجع إلى الأول بعقد
جديد ومهر جديد.
ومتى أراد أن يطلقها طلاق العدة فليطلقها كما قدمناه في طهر لم يقربها فيه بجماع
بمحضر من شاهدين فإذا فعل ذلك فليراجعها قبل أن تخرج من عدتها ولو بيوم واحد
وليواقعها ثم يستبرئها بحيضة، فإذا طهرت طلقها ثانية حسب ما طلقها الأولة ثم
يراجعها قبل أن تخرج من عدتها فإذا راجعها وأراد أن يطلقها الثالثة واقعها ثم استبرأها
بحيضة فإذا طهرت طلقها الثالثة وقد بانت منه ساعة طلقها، ولا تحل له حتى تنكح زوجا
غيره إلا أنه لا يجوز لها أن تتزوج إلا بعد خروجها من العدة، فإذا تزوجت زوجا غيره
تزويج الدوام وكان بالغا ودخل بها ثم طلقها أو مات عنها جاز له أن ترجع إلى الأول بعقد
جديد ومهر جديد.
فإن طلقها بعد ذلك ثلاث تطليقات أخر طلاق العدة لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره فإذا
تزوجت زوجا غيره حسب ما قدمناه ثم طلقها أو مات عنها جاز لها أن ترجع إلى الأول بمهر
102

جديد وعقد جديد، فإن طلقها بعد ذلك ثلاث تطليقات أخر طلاق العدة لم تحل له أبدا،
ومتى أراد المراجعة يستحب له أن يشهد شاهدين مسلمين على ذلك، فإن لم يفعل كان ذلك
جائزا غير أن الأفضل ما قدمناه، وأدنى ما تكون به المراجعة أن ينكر طلاقها أو يقبلها أو
يلمسها فإن بذلك أجمع ترجع إلى العقد الأول.
وإنما يستحب الإشهاد لأنه متى لم يشهد على المراجعة وأنكرت المرأة ذلك وشهد لها
بالطلاق شاهدان فإن الحاكم يبينها منه ولم يكن له عليها سبيل، وإن لم يشهد في حال
المراجعة ثم أشهد بعد ذلك كان أيضا جائزا، ومتى أنكر الرجل الطلاق وكان ذلك قبل
انقضاء العدة كان ذلك أيضا رجعة، ومتى راجعها لم يجز له أن يطلقها تطليقة أخرى
طلاق العدة إلا بعد أن يواقعها ويستبرئها بحيضة، فإن لم يواقعها أو عجز عن وطئها وأراد
طلاقها طلقها طلاق السنة، ومتى واقعها وارتفع حيضها وأراد طلاقها استبرأها بثلاثة شهر
ثم يطلقها بعد ذلك.
والزوج الذي يحلل الرجوع إلى الأول هو أن يكون بالغا حرا كان أو عبدا ويكون
التزويج دائما ويدخل بها، فمتى اختل شئ من ذلك بأن يكون الزوج غير بالغ أو يكون
مع بلوغه لم يدخل بها أو يكون العقد متعة لم يجز لها الرجوع إلى الأول.
وإذا أراد الرجل أن يطلق امرأة لم يدخل بها طلقها أي وقت شاء سواء كانت حائضا
أو لم تكن كذلك إلا أنه يستوفى الشرائط كلها حسب ما قدمناه ويطلقها تطليقة واحدة، فإذا
طلقها فقد بانت منه في الحال وكان خاطبا من الخطاب فإن أراد مراجعتها كان ذلك بعقد
جديد ومهر جديد، فإن تزوجها ثانيا ثم طلقها قبل الدخول بها فقد بانت منه بتطليقتين
وهو خاطب من الخطاب فإن تزوجها ثالثا ثم أراد طلاقها قبل الدخول بها طلقها، فإذا
طلقها فقد بانت منه ولا تحل له حتى تنكح زوجا غيره.
وإذا أراد أن يطلق امرأة قد دخل بها ولم تكن قد بلغت مبلغ النساء ولا مثلها في السن
قد بلغ ذلك وحد ذلك دون تسع سنين فليطلقها أي وقت شاء فإذا طلقها فقد بانت منه في
الحال وهو خاطب من الخطاب، ومتى كان لها تسع سنين فصاعدا ولم تكن حاضت بعد وأراد
طلاقها فليصبر عليها ثلاثة أشهر ثم يطلقها بعد ذلك إن شاء.
103

وحكم الآيسة من المحيض ومثلها لا تحيض حكم التي لم تبلغ مبلغ النساء سواء في أنه
يطلقها أي وقت شاء وحد ذلك خمسون سنة فصاعدا، ومتى كانت آيسة من المحيض
ومثلها تحيض استبرأها بثلاثة أشهر ثم طلقها بعد ذلك وحد ذلك إذا نقص سنها عن خمسين
سنة.
وإذا أراد أن يطلق امرأته وهي حبلى مستبين حملها فليطلقها أي وقت شاء، فإذا طلقها
واحدة كان أملك برجعتها ما لم تضع ما في بطنها فإذا راجعها وأراد طلاقها للسنة، لم يجز له
ذلك حتى تضع ما في بطنها، فإن أراد طلاقها للعدة واقعها ثم طلقها بعد المواقعة فإذا فعل
ذلك فقد بانت منه بتطليقتين وهو أملك برجعتها، فإن راجعها وأراد طلاقها ثالثة واقعها ثم
يطلقها فإذا طلقها الثالثة لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره، ولا يجوز لها أن تتزوج حتى تضع
ما في بطنها، فإن كانت حاملا باثنين فإنها تبين من الرجل عند وضعها الأول ولا تحل
للأزواج حتى تضع جميع ما في بطنها.
وإذا أراد الرجل طلاق زوجته وهو غائب عنها فإن خرج إلى السفر وقد كانت طاهرا
طهرا لم يقربها فيه بجماع جاز له أن يطلقها أي وقت شاء، ومتى كانت طاهرا طهرا قد قربها
فيه بجماع فلا يطلقها حتى يمضي ما بين شهر إلى ثلاثة أشهر ثم يطلقها بعد ذلك أي وقت
شاء ومتى أراد طلاقها، فليطلقها تطليقة واحدة ويكون هو أملك برجعتها ما لم تمض لها ثلاثة
أشهر وهي عدتها إذا كانت من ذوات الحيض، فإذا راجعها أشهد على المراجعة كما أشهد
على الطلاق، فإن لم يشهد على المراجعة وبلغ الزوجة الطلاق فاعتدت وتزوجت لم يكن له
عليها سبيل وكذلك إن انقضت عدتها ولم تتزوج لم يكن له عليها سبيل إلا بعقد مستأنف
ومهر جديد.
ومتى طلقها وأشهد على طلاقها ثم قدم أهله وأقام معها ودخل بها وأتت المرأة بولد
ثم ادعى أنه كان قد طلقها لم يقبل قوله ولا بينته وكان الولد لا حقا به، ومتى كان عند
الرجل أربع نساء وهو غائب عنهن وطلق واحدة منهن لم يجز له أن يعقد على أخرى إلا بعد
أن يمضي تسعة أشهر لأن في ذلك مدة الأجلين: فساد الحيض ووضع الحمل، ومتى كان
للرجل زوجة معه في البلد غير أنه لا يصل إليها فهو بمنزلة الغائب عن زوجته، فإذا أراد
104

طلاقها فليصبر إلى أن يمضي ما بين شهر إلى ثلاثة أشهر ثم يطلقها إن شاء، وإذا أراد
الرجل أن يطلق المسترابة صبر عليها ثلاثة أشهر ثم طلقها بعد ذلك أي وقت شاء.
والغلام إذا طلق وكان ممن يحسن الطلاق وقد أتى عليه عشر سنين فصاعدا جاز
طلاقه وكذلك عتقه وصدقته ووصيته، ومتى كان سنه أقل من ذلك ولا يكون ممن يحسن
الطلاق فإنه لا يجوز طلاقه ولا يجوز لوليه أن يطلق عنه، اللهم إلا أن يكون قد بلغ وكان
فاسد العقل فإنه والحال على ما ذكرناه جاز طلاق الولي عنه.
والحر إذا كان تحته أمة فطلاقها تطليقتان فإذا طلقها ثنتين لم تحل له حتى تنكح زوجا
غيره، فإن وطئها مولاها لم يكن ذلك محللا للزوج من وطئها حتى تدخل في مثل ما خرجت
منه من نكاح، فإن اشتراها الذي كان زوجها لم يجز له وطؤها حتى يزوجها رجلا ويدخل
بها ثم يطلقها أو يموت عنها فإذا حصل ذلك جاز له بعد ذلك وطؤها بالملك، ومتى طلقها
واحدة ثم أعتقت بقيت معه على تطليقة واحدة فإن تزوجها بعد ذلك وطلقها الثانية لم تحل
له حتى تنكح زوجا غيره، والعبد إذا كان تحته حرة فطلاقها ثلاث تطليقات فإن كانت تحته
أمة فطلاقها تطليقتان حسب ما قدمناه، فإن طلقها واحدة ثم أعتقا معا بقيت على واحدة
فإن أعتقا جميعا قبل أن يطلقها شيئا كان حكمها حكم الحرة من كونها على ثلاث
تطليقات.
باب اللعان والارتداد
إذا انتفى الرجل من ولد زوجة له في حباله أو بعد فراقها بمدة الحمل إن لم تكن نكحت
زوجا غيره أو أنكر ولدها لأقل من ستة أشهر من وقت فراقه لها وإن كانت نكحت زوجا
غيره وجب عليه ملاعنتها، وكذلك إن قذفها بالفجور وادعى أنه رأى معها رجلا يفجر بها
مشاهدة وعيانا ولم يقم بذلك أربعة من الشهود كان عليه ملاعنتها.
وصفة اللعان أن يجلس الإمام أو من نصبه الإمام مستدبر القبلة ويوقف الرجل بين
يديه والمرأة عن يمينه قائمين ولا يقعدان ويقول له: قل: أشهد بالله أني من الصادقين فيما
ذكرته عن هذه المرأة من الفجور، فإذا قالها مرة قال له: اشهد ثانية، فإذا شهد أمره بأن
105

يشهد ثالثة فإذا شهد طالبه بأن يشهد رابعة فإذا شهد أربع شهادات بالله إنه لمن
الصادقين، قال له الحاكم: اتق الله عز وجل واعلم أن لعنة الله شديدة وعقابه أليم، فإن
كان حملك على ما قلت غيره أو سبب من الأسباب فراجع التوبة فإن عقاب الدنيا أهون
من عقاب الآخرة، فإن رجع عن قوله جلده حد المفتري ثمانين جلدة وردت امرأته عليه.
وإن أقام على ما ادعاه قال له قل: إن لعنة الله علي إن كنت من الكاذبين، وإذا قالها،
قال للمرأة: ما تقولين فيما رماك به هذا الرجل؟ فإن اعترفت به رجمها حتى تموت وإن
أنكرت قال لها: أشهدي بالله إنه لمن الكاذبين فيما قذفك به من الفجور، فإن شهدت مرة
قال لها: اشهدي ثانية فإذا شهدت أمرها أن تشهد ثالثة فإذا شهدت ثالثة طالبها أن تشهد
رابعة فإذا شهدت وعظها كما وعظ الرجل، وقال لها: اتق الله عز وجل فإن غضب الله شديد
وإن كنت قد اقترفت ما قد رماك به فتوبي إلى الله فعقاب الدنيا أهون من عقاب الآخرة،
فإن اعترفت بالفجور رجمها وإن أقامت على تكذيب الزوج قال لها: قولي: إن غضب الله
علي إن كان من الصادقين، فإذا قالت ذلك فرق الحاكم بينهما ولا تحل له أبدا وكان عليها
العدة من وقت لعانها.
ومتى نكل الرجل عن اللعان قبل استكمال الشهادات كان عليها الحد حسب ما
قدمناه، فإن أكذب نفسه بعد مضى اللعان لم يكن عليه شئ ولا ترجع إليه امرأته وإن
اعترف بالولد قبل انقضاء اللعان ألحق به وورثه أبوه وهو يرث أباه وكان عليه الحد، فإن
اعترف به بعد مضي اللعان ألحق به ويرثه ولده وهو لا يرث ابنه ويكون ميراث الابن لأمه أو
لمن يتقرب إليه من جهة الأم دون الأب ومن يتقرب إليه به وكان عليه الحد على ما روي في
بعض الروايات، والأظهر ما ذكرناه أولا أنه لا حد عليه بعد مضى اللعان.
ومتى نكلت المرأة عن اللعان قبل استيفاء الشهادات كان عليها الرجم، فإن اعترفت
بالفجور بعد مضى اللعان لم يكن عليها شئ إلا أن تقر أربع مرات على نفسها بالفجور، فإذا
أقرت أربع مرات أنها زنت في حال إحصانها كان عليها الرجم وإن كانت غير محصنة
كان عليها الحد مائة جلدة، ومتى قذف الرجل امرأته بالزنى ولم يدع المشاهدة مثل الميل في
المكحلة لم يثبت بينهما لعان وكان عليه حد المفتري، وكذلك إن قال لها: يا زانية أو قد زنيت،
106

ولم يقم بذلك بينة أربعة شهود كان عليه حد المفتري، وإن قال: وجدت معها رجلا في إزار
ولا أدري ما كان بينهما، عزر وأدب ولم يفرق بينهما.
ومتى قذفها بالفجور وادعى المشاهدة وهي في حباله أو يكون قد طلقها طلاقا يملك فيه
رجعتها ثبت بينهما لعان، فإن قذفها بعد انقضاء عدتها أو في عدة لا رجعة له عليها فيها لم
يثبت بينهما لعان وكان عليه حد المفتري، وإذا قذف امرأته بما يجب فيه الملاعنة وكانت
خرساء أو صماء لا تسمع شيئا فرق بينهما وجلد الحد إن قامت عليه بينة، وإن لم تقم به بينة لم
يكن عليه حد ولم تحل له أبدا ولم يثبت أيضا بينهما لعان، ولا يكون اللعان بين الرجل وامرأته
إلا بعد الدخول بها فإن قذفها قبل الدخول بها كان عليه الحد وهي امرأته لا يفرق بينهما.
وإذا كان الزوج مملوكا والمرأة حرة أو يكون الرجل حرا والمرأة مملوكة أو يهودية أو
نصرانية ثبت بينهما اللعان، فإن كانت له أمة يطأها بملك اليمين لم يكن بينهما لعان وهو
أبصر بشأنه معها، وإن كانت الزوجة متعة فلا لعان بينهما، وإذا انتقى الرجل من ولد امرأة
حامل منه جاز له أن يتلاعنا إلا أنها إن اعترفت ونكلت عن الشهادات لم يقم عليها الحد
إلا بعد وضع ما في بطنها.
وإذا طلق الرجل امرأته قبل الدخول بها فادعت عليه أنها حامل منه فإن أقامت
البينة إنه أرخى سترا وخلا بها ثم أنكر الولد لاعنها ثم بانت منه وعليه المهر كملا، وإن لم
تقم بذلك بينة كان عليه نصف المهر ووجب عليها مائة سوط بعد أن يحلف بالله تعالى أنه ما
دخل بها.
وإذا قذف الرجل امرأته فترافعا إلى الحاكم فماتت المرأة قبل أن يتلاعنا فإن قام
رجل من أهلها مقامها فلاعنه فلا ميراث له، وإن أبى أحد من أوليائها أن يقوم مقامها أخذ
الزوج الميراث وكان عليه الحد ثمانين سوطا، وإذا قذف امرأته بعد مضي اللعان بينهما كان
عليه حد القاذف وإذا قال لامرأته: لم أجدك عذراء لم يكن عليه الحد تاما وكان عليه
التعزير.
وأما المرتد عن الاسلام فعلى ضربين: فإن كان مسلما ولد على فطرة الاسلام فقد بانت
امرأته في الحال وقسم ماله بين ورثته ووجب عليه القتل من غير أن يستتاب وكان على
107

المرأة منه عدة المتوفى عنها زوجها، وإن كان المرتد ممن كان قد أسلم عن كفر ثم ارتد
استتيب فإن عاد إلى الاسلام كان العقد ثابتا بينه وبين امرأته وإن لم يرجع كان عليه القتل،
ومتى لحق هذا المرتد بدار الحرب ثم رجع إلى الاسلام قبل انقضاء عدة المرأة وهي ثلاثة
أشهر كان أملك بها فإن رجع بعد انقضاء عدتها لم يكن له عليها سبيل، وإن مات الرجل
وهو مرتد قبل انقضاء العدة ورثته المرأة وكان عليها عدة المتوفى عنها زوجها وإن ماتت هي
لم يرثها الزوج وهو مرتد عن الاسلام.
باب الظهار
الظهار هو قول الرجل لامرأته أنت علي كظهر أمي أو بنتي أو أختي أو عمي أو خالتي
أو يذكر بعض المحرمات عليه، وتكون المرأة طاهرا طهرا لم يقربها فيه بجماع ويشهد على
ذلك رجلين مسلمين ويقصد بذلك التحريم فإذا فعل ذلك حرم عليه وطؤها ولا تحل له ذلك
حتى يكفر، ومتى اختل واحد من هذه الشرائط التي ذكرناها فإنه لا يقع ظهار.
ثم إنه ينقسم قسمين: قسم منه يجب فيه الكفارة قبل المواقعة والثاني لا تجب فيه
الكفارة إلا بعد المواقعة، فالقسم الأول: هو أنه إذا تلفظ بالظهار على ما قدمناه ولا يعلقه
بشرط فإنه يجب عليه الكفارة قبل مواقعتها، فإن واقعها قبل أن يكفر كان عليه كفارة
أخرى.
والضرب الثاني: لا تجب فيه الكفارة إلا بعد أن يفعل ما شرط أنه لا يفعله ويواقعها
فمتى واقعها كانت عليه كفارة واحدة، فإن كفر قبل أن يواقع ثم واقع لم يجزئه ذلك عن
الكفارة الواجبة بعد المواقعة وكان عليه إعادتها، ومتى فعل ما ذكر أنه لا يفعله وجبت عليه
الكفارة أيضا قبل المواقعة، فإن واقعها بعد ذلك كان عليه كفارة أخرى إذا فعل ذلك
متعمدا فإن فعله ناسيا لم يكن عليه أكثر من كفارة واحدة.
والكفارة عتق رقبة فإن لم يجده كان عليه صيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع كان
عليه إطعام ستين مسكينا، والصوم لا يجز له إلا بعد العجز عن الرقبة وكذلك الإطعام لا
يجزئه إلا بعد العجز عن الصوم، فإن عجز عن ذلك كله لم يجز له أن يطأ المرأة وجاز له
108

المقام معها.
فإن طلبت مفارقته ورفعته إلى الحاكم أجله ثلاثة أشهر فإن كفر وإلا ألزمه طلاقها إذا
كان متمكنا من الكفارة، فإن لم يكن متمكنا منها لم يلزم الطلاق فإن طلق المظاهر امرأته
قبل أن يكفر سقطت عنه الكفارة فإن راجعها قبل أن تخرج من العدة لم يجز له وطؤها حتى
يكفر، فإن خرجت من العدة ثم عقد عليها عقدا مستأنفا لم تكن عليها كفارة وجاز له
وطؤها.
ومتى ظاهر الرجل من امرأته مرة بعد أخرى كان عليه بعدد كل مرة كفارة فإن عجز
عن ذلك لكثرته فرق الحاكم بينه وبين امرأته، وكذلك إن ظاهر الرجل من نساء له جماعة
بكلام واحد كان عليه عن كل واحدة منهن كفارة ولم يجز له وطء واحدة منهن، وإذا حلف
الرجل بالظهار لم يلزمه حكمه وإذا قال الرجل: أنت علي كيد أمي أو كرجلها أو شعرها
أو شئ من أعضائها، وقصد بذلك الظهار لزمه حكمه، ولا يقع ظهار على الإكراه ولا على
الإجبار ولا على الغضب ولا في حال السكر ولا في إضرار.
وعلى الرجل أن يكفر بعدد كل مرة يواقعها كفارة إذا كان لم يكفر قبل المواقعة،
والظهار لا يقع إلا على المدخول بها، ومتى أراد أن يصوم في كفارة ظهار كان عليه أن
يصوم شهرين متتابعين، فإن صام شهرا وصام من الشهر الثاني شيئا جاز له أن يفرق
ما بقي عليه وإن لم يصم من الثاني شيئا وأفطر وجب عليه استئناف الصيام.
ومتى أفطر قبل أن يصوم شهرا لمرض جاز له البناء عليه ومتى دخل في الصوم ثم
قدر على الرقبة جاز له البناء على الصوم وإتمامه ويستحب له أن يترك الصوم ويعتق
الرقبة، ومتى عجز عن إطعام ستين مسكينا صام ثمانية عشر يوما فإن عجز عن ذلك أيضا
كان حكمه ما قدمناه من أنها يحرم عليه وطؤها إلى أن يكفر، والإطعام يكون لكل رجل
نصف صاع وهو مدان أربعة أرطال ونصف بالعراقي.
والظهار يقع بالحرة والأمة سواء كانت الأمة زوجة أو موطوءة بملك يمين في أنه متى
ظاهر منها لم يجز له وطؤها إلا بعد الكفارة، والعبد إذا ظاهر من امرأته كان ظهاره واقعا إلا
أنه لا يجب عليه من الكفارة إلا الصوم، والصوم عليه شهر واحد لا أكثر منه.
109

والإيلاء
وأما الإيلاء فهو أن يحلف الرجل بالله تعالى ألا يجامع زوجته ثم أقام على يمينه، فإذا فعل
ذلك كانت المرأة بالخيار إن شاءت صبرت عليه أبدا وإن شاءت خاصمته إلى الحاكم، فإن
استعدت عليه أنظره الحاكم بعد رفعها إليه أربعة أشهر ليراجع نفسه ويرتئي في أمره، فإن
كفر عن يمينه وراجع زوجته فلا حق لها عليه وإن أقام على عضلها والامتناع من وطئها
خيره الحاكم بين أن يكفر ويعود إلى زوجته أو يطلق، فإن أبي الرجوع والطلاق جميعا وأقام
على الإضرار بها حبسه الحاكم في حظيرة من قصب وضيق عليه في المطعم والمشرب حتى
يفئ إلى أمر الله ويرجع إلى زوجته أو يطلقها، فإن طلقها كان عليها العدة من يوم طلقها وهو
أملك برجعتها ما لم تخرج من العدة فإن خرجت من عدتها لم يكن له عليها رجعة.
ولا يكون الإيلاء إلا بأسماء الله تعالى ومتى آلى بغير اسم الله تعالى أو حلف بالطلاق
أو العتاق وما أشبه ذلك، ألا يطأ زوجته فليرجع إليها وليطأها وليس عليه كفارة، ومتى آلى
ألا يقرب زوجته وهي مرضعة خوفا من حملها فيضر ذلك بالولد لم يلزمه الحاكم حكم الإيلاء
لأنه حلف في صلاح، ولا يقع الإيلاء إلا بعد الدخول بها فإن آلى قبل الدخول بها لم يكن له
تأثير والمتمتع بها لا يقع بها إيلاء على حال، وإذا ادعت المرأة على الرجل أنه لا يقربها وزعم
الرجل أنه يقربها كان عليه اليمين بالله تعالى أن الأمر على ما قال ويخلي بينه وبينها وليس
عليه شئ.
باب الخلع والمباراة والنشوز والشقاق:
الخلع والمباراة مما يؤثران في كيفية الطلاق وهو أن كل واحد منهما متى حصل مع
الطلاق كانت التطليقة بائنة، والفرق بينهما أن الخلع لا يكون إلا بشئ من جهة المرأة
خاصة والمباراة تكون من جهة المرأة والرجل معا ولا يختص ذلك واحدا منهما دون الآخر،
وإنما يجب الخلع إذا قالت المرأة لزوجها إني لا أطيع لك أمرا ولا أقيم لك حدا ولا أغتسل
لك من جنابة ولأوطئن فراشك من تكرهه إن لم تطلقني، فمتى سمع منها هذا القول
أو علم من حالها عصيانه في شئ من ذلك وإن لم تنطق به وجب عليه خلعها.
فإذا أراد خلعها اقترح عليها شيئا معلوما تعطيه سواء كان ذلك مثل المهر الذي
110

أعطاها أو أكثر منه أو أنقص حسب ما يختاره أي ذلك فعل جاز وحل له ما يأخذ منها، فإذا
تقرر بينهما على شئ معلوم طلقها بعد ذلك وتكون تطليقة بائنة لا يملك فيها رجعتها، اللهم
إلا أن ترجع المرأة فيما بذلته من مالها فإن رجعت في شئ من ذلك كان له الرجوع أيضا في
بعضها ما لم تخرج من العدة، فإن خرجت من العدة ثم رجعت في شئ مما بذلته لم يلتفت
إليها ولم يكن له أيضا عليها رجعة، فإن أراد مراجعتها قبل انقضاء عدتها إذا لم ترجع هي
فيما بذلته أو بعد انقضائها كان ذلك بعقد مستأنف ومهر جديد.
والخلع لا يقع إلا أن تكون المرأة طاهرا طهرا لم يقربها فيه بجماع أو تكون غير مدخول
بها أو يكون غائبا عنها زوجها المدة التي قدمناها أو لم تكن قد بلغت مبلغ النساء أو تكون
قد أيست من المحيض، وإن مات الرجل أو المرأة بعد الخلع قبل انقضاء العدة لم يقع بينهما
توارث، لأنه قد انقطعت العصمة بينهما.
وأما المباراة فهي ضرب من الخلع إلا أنه تكون الكراهة من جهة الرجل والمرأة من
كل واحد منهما لصاحبه، فمتى عرفا ذلك من حالهما أو قالت المرأة لزوجها: أنا كرهت
المقام معك وأنت أيضا قد كرهت المقام معي فبارئني، أو يقول الرجل: مثل ذلك على أن
تعطيني كيت وكيت أو تتركي على بعض المهر، ويقترح عليها شيئا معلوما ويكون ذلك دون
المهر الذي أعطاها ولا يكون أكثر منه، فإذا بذلت من نفسها ذلك طلقها حينئذ تطليقة
واحدة للسنة بشرائط الطلاق وتكون التطليقة بائنة لا رجعة له عليها إلا أن ترجع في شئ
من ذلك كان له أيضا الرجوع في بعضها ما لم تخرج من العدة فإن خرجت من عدتها لم يكن
لأحدهما على الآخر سبيل إلا بعقد مستأنف ومهر جديد.
وأما النشوز فهو أن يكره الرجل المرة وتريد المرأة المقام معه وتكره مفارقته ويريد
الرجل طلاقها، فتقول له: لا تفعل إني أكره أن تشمت بي ولكن أنظر ليلتي فاصنع فيها ما
شئت، وما كان سوى ذلك من نفقة وغيرها فهو لك وأعطيك أيضا من مالي شيئا معلوما
ودعني على حالتي، فلا جناح عليهما أن يصالحا بينهما على هذا الصلح.
وأما الشقاق فهو أنه إذا كره كل واحد من الزوجين الآخر ووقع بينهما الخصومة ولا
يصطلحان لا على المقام ولا على الطلاق فلا بأس أن يبعث الرجل حكما من أهله وتبعث
111

المرأة حكما من أهلها ويجعلا الأمر إليها على ما يريان من الصلاح، فإن رأيا من الصلاح
الجمع بينهما جمعا ولم يستأذنا ولم يكن لهما مخالفتها وإن رأيا من الصلاح التفريق بينهما لم
يفرقا حتى يستأذنا فإذا استأذناهما ورضيا بالطلاق فرقا بينهما، وإن رأي أحد الحكمين
التفريق والآخر الجمع لم يكن لذلك حكم حتى يصطلحا على أمر واحد إما جمع أو تفريق.
باب العدد وأحكامها
إذا طلق الرجل زوجته قبل الدخول بها لم يكن عليها منه عدة وحلت للأزواج في
الحال وإن قد كان فرض لها المهر كان عليه نصف ما فرض لها وإن لم يكن سمي لها مهرا
كان عليه أن يمتعها على قدر حاله إن كان موسرا بجارية أو ثوب تبلغ قيمته خمسة دنانير
فصاعدا وإن كان متوسطا فيما بين الثلاثة دنانير إلى ما زاد عليها وإن عليها وإن كان
معسرا بخاتم وما أشبهه أو دينار فما زاد عليه، وتعتبر المتعة على ما جرت به عادة أمثال
ذلك الرجل وأمثال تلك المرأة في المتعة.
وإذا دخل بها ثم أراد طلاقها فإن كانت لم تبلغ المحيض ومثلها لا تحيض، وحد ذلك
ما دون التسع سنين لم يكن عليها منه عدة ووجب عليه المهر كملا إذا سمي لها المهر وإن لم
يكن قد سمي المهر كان عليه مثل مهر نسائها، ولا يجاوز خمسمائة درهم، وإن كانت
لا تحيض ومثلها تحيض كان عليها أن تعتد بثلاثة أشهر فإذا مضت فقد بانت منه وملكت
نفسها، وإن كانت ممن تحيض حيضا مستقيما كان عليها أن تعتد بثلاثة أقراء وهي الأطهار
فإذا رأت الدم من الحيضة الثالثة فقد ملكت نفسها ولم يكن له عليها سبيل إلا أنه لا يجوز
لها أن تتزوج إلا بعد أن تطهر من حيضها وتغتسل، فإن عقدت على نفسها قبل الغسل
كان العقد ماضيا غير أنها تكون تاركة فضلا ولا يجوز لها أن تمكن الزوج من نفسها إلا بعد
الغسل، وإذا مات الرجل أو المرأة قبل أن تنقطع العصمة بينهما فإنه يرث كل واحد منهما
صاحبه.
وإذا كانت المرأة مسترابة فإنها تراعى الشهور والحيض، فإن مرت بها ثلاثة أشهر
بيض لم تر فيها دما فقد بانت منه بالشهور وإن مرت بها ثلاثة أشهر إلا يوما ثم رأت الدم
112

كان عليها أن تعتد بالأقراء، فإن تأخرت عنها الحيضة الثانية فلتصبر من يوم طلقها إلى تمام
التسعة أشهر فإن لم تر دما فلتعتد بعد ذلك بثلاثة أشهر وقد بانت منه وإن رأت الدم فيما
بينها وبين التسعة أشهر ثانيا واحتبس عليها الدم الثالث فلتصبر تمام السنة ثم تعتد بعد
ذلك بثلاثة أشهر تمام الخمسة عشر شهرا وقد بانت منه، وأيهما مات ما بينه وبين الخمسة
عشر شهرا ورثه صاحبه.
وإذا حاضت المرأة حيضة واحدة ثم ارتفع حيضها وعلمت أنها لا تحيض بعد ذلك
فلتعتد بعد ذلك بشهرين وقد بانت منه، وإذا كانت المطلقة مستحاضة وتعرف أيام حيضها
فلتعتد بالأقراء وإن لم تعرف أيام حيضها اعتبرت صفة الدم واعتدت أيضا بالأقراء، فإن
اشتبه عليها دم الحيض بدم الاستحاضة ولم يكن لها سبيل إلى الفرق بينهما اعتبرت عادة
نسائها في الحيض فتعتد على عادتهن في الأقراء، فإن لم تكن لها نساء أو كن مختلفات العادة
اعتدت بثلاثة أشهر وقد بانت منه.
ومتى كانت المرأة لها عادة بالحيض في حال الاستقامة ثم اضطربت أيامها فصارت
مثلا بعد أن كانت تحيض كل شهر لا تحيض إلا في شهرين أو في ثلاثة أو فيما زاد عليه فلتعتد
بالأقراء على ما جرت به عادتها في حال الاستقامة وقد بانت منه، وإذا كانت المرأة لا تحيض
إلا في ثلاث سنين أو أربع سنين مرة واحدة وكان ذلك عادلا لها فلتعتد بثلاثة أشهر وقد
بانت منه ليس عليها أكثر من ذلك.
وإذا طلقها وكانت حاملا فعدتها أن تضع حمله وإن كان بعد الطلاق بلا فصل وحلت
للأزواج سواء كان ما وضعته سقطا أو غير سقط تاما أو غير تام، وإن كانت حاملا باثنين
ووضعت واحدا فقد ملكت نفسها غير أنه لا يجوز لها أن تعقد على نفسها إلا بعد وضع جميع
ما في بطنها، فإن ارتابت بالحمل بعد أن طلقها أو ادعت ذلك صبر عليها تسعة أشهر ثم تعتد
بعد ذلك ثلاثة أشهر وقد بانت منه، فإن ادعت بعد انقضاء هذه المدة حملا لم يلتفت إلى
دعواها وكانت باطلة.
وإذا طلق الرجل امرأته طلاقا يملك فيه رجعتها فلا يجوز له أن يخرجها من بيته ولا لها
أن تخرجها من بيته ولا لها أن تخرج إلا أن تأتي بفاحشة مبينة والفاحشة أن تفعل ما يجب فيه
113

عليها الحد. فإذا فعلت ذلك أخرجت وأقيم عليها الحد وقد روي: أن أدنى ما
يجوز له معه اخراجها أن تؤذي أهل الرجل فإنها متى فعلت ذلك جاز
له اخراجها، ومتى اضطرت المرأة إلى الخروج أو أرادت قضاء حق فلتخرج بعد نصف
الليل ولترجع إلى بيتها قبل الصبح، وإذا كانت عليها حجة الاسلام جاز لها أن تخرج فيها
غير أن يأذن لها زوجها، فإن أرادت أن تحج تطوعا فلا يجوز لها ذلك إلا بعد
انقضاء عدتها، اللهم إلا أن يأذن لها الزوج في الخروج إليه.
ومتى كانت التطليقة بائنة لا يملك فيها الرجعة جاز له اخراجها في الحال ولا تلزمه
أيضا نفقتها، اللهم إلا أن تكون حاملا فتلزمه النفقة عليها حتى تضع ما في بطنها. وإذا لم
تكن حاملا لزمته النفقة عليها ما دام له عليها رجعة، فإذا انقطعت العصمة سقطت عنه
النفقة على كل حال، وإذا طلقها وهي آيسة من المحيض ومثلها تحيض كان عدتها ثلاثة
أشهر، وإن كانت آيسة من المحيض ومثلها لا تحيض فليس عليها منه عدة وبانت في الحال
وحلت للأزواج.
والحرة إذا كانت تحت مملوك فعدتها مثل عدتها إذا كانت تحت حر لا يختلف الحكم فيه،
والأمة إذا كانت تحت حر وطلها فعدتها قرءان إن كانت ممن تحيض وإن كانت ممن
لا تحيض ومثلها تحيض فعدتها خمسة وأربعون يوما، فإن طلقها طلاقا يملك فيه الرجعة ثم
أعتقت وجب عليها أن تعتد عدة الحرة، وإن كانت التطليقة بائنة فعدتها عدة الأمة حسب
ما قدمناه، والمتمتع بها إذا انقضى أجلها فعدتها قرءان، وإن كانت ممن لا تحيض ومثلها
تحيض فعدتها خمسة وأربعون يوما.
وعدة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرة أيام إذا كانت حرة سواء كانت زوجة
على طريق الدوام أو متمتعا بها وسواء دخل بها الرجل أو لم يدخل، وإن كانت أمة فإن
كانت أم ولد لمولاها فعدتها أيضا مثل عدة الحرة أربعة أشهر وعشرة أيام وإن كانت مملوكة
ليست أم ولد فعدتها شهران وخمسة أيام، فإن طلقها الرجل ثم مات عنها فإن كان طلاقا
يملك فيه رجعتها كان عدتها أربعة أشهر وعشرة أيام إذا كانت أم ولد وإن لم تكن أم ولد
كانت عدتها شهرين وخمسة أيام حسب ما قدمناه، وإن لم يملك رجعتها فعدتها عدة المطلقة
114

حسب ما قدمناه.
وإذا مات عنها زوجها ثم عتقت كان عدتها أربعة أشهر وعشرة أيام وكذلك إن كانت
الأمة يطأها بملك يمين وأعتقها بعد وفاته كان عليها أن تعتد أربعة أشهر وعشرة أيام، فإن
أعتقها في حال حياته كان عدتها ثلاثة قروء أو ثلاثة أشهر حسب ما قدمناه، وإذا طلق
الرجل زوجته الحرة ثم مات عنها فإن كان طلاقا يملك فيه الرجعة فعدتها أبعد الأجلين:
أربعة أشهر وعشرة أيام وإن لم يملك رجعتها كان عدتها عدة المطلقة، وإن مات الرجل عن
زوجته وهي حامل فعدتها أيضا أبعد الأجلين فإن وضعت قبل انقضاء أربعة أشهر وعشرة
أيام كان عليها أن تستوفى تمام ذلك، وإن مضى بها المدة المذكورة ولم تضع ما في بطنها فعليها
أن تعتد إلى أن تضع ما في بطنها.
ولا نفقة للتي مات عنها زوجها من تركة الرجل، فإن كانت حاملا أنفق عليها من
نصيب ولدها الذي في بطنها ويجوز لها أن تبيت في الدار التي مات فيها زوجها حيث
شاءت، وعليها الحداد إذا كانت حرة فإن كانت أمة لم يكن عليها حداد، والحداد هو ترك
الزينة وأكل ما فيه الرائحة الطيبة وشمه.
وإذا مات الرجل غائبا ثم جاء نعيه إلى المرأة وجب عليها أن تعتد من يوم يبلغها
الخبر لأن عليها الحداد، وإذا طلقها وهو غائب فلتعتد من يوم طلقها ويكون عدتها بالشهور
ثلاثة أشهر فإن كان قد انقضى ثلاثة أشهر من يوم طلقها جاز لها أن تتزوج في الحال، وإن لم
يكن قد انقضى ذلك كان عليها أن تستوفى المدة وقد بانت منه هذا إذا قامت البينة لها على
أنه طلقها في يوم معلوم، فإن لم تقم لها بينة بأكثر من أنه طلقها كان عليها أن تعتد من يوم
يبلغها، وعدة اليهودية والنصرانية مثل عدة الحرة المسلمة إذا مات عنها زوجها أربعة
أشهر وعشرة أيام.
وإذا غاب الرجل عن زوجته غيبة لم يعرف فيها خبره فالأمر إليها في ذلك إن صبرت
كان لها وإن لم تصبر ورفعت خبرها إلى الإمام كان عليه أن يلزم وليه النفقة عليها، فإن أنفق
لم يكن لها بعد ذلك خيار ووجب عليها الصبر أبدا، وإن لم يكن ولي أو يكون غير أنه لا يكون
في يده مال للغائب فعلى الإمام أن يبعث من يتعرف خبره في الآفاق وتصبر أربع سنين.
115

فإن وجد له خبر لم يكن لها سبيل إلى التزويج وكان على الإمام أن ينفق عليها من بيت
المال وإن لم يعرف له خبر بعد أربع سنين من يوم رفعت أمرها إلى الإمام اعتدت من الزوج
عدة المتوفى عنها زوجها ثم لتتزوج إن شاءت، فإن جاء زوجها كان أملك بها ما لم تخرج من
العدة أو تكون قد خرجت غير أنها لم تكن قد تزوجت، فإن كانت تزوجت بعد انقضاء
عدتها فلا سبيل للأول عليها وكانت زوجة للثاني.
116

المراسم العلوية
لأبي يعلى حمزة بن عبد العزيز الديلمي
الملقب بسلار
المتوفى: 463 ه‍ ق
117

كتاب الفراق
وهو على ضربين: بطلاق وغير طلاق. فالفراق بالطلاق يكون على ضروب:
النشوز:
وهي أن تعصي المرأة الرجل وهي مقيمة معه فليهجرها بأن يترك مضاجعتها، فإن
احتاجت إلى الزيادة ضربها ضربا لا يؤذي عظما ولا لحما، فإن أقامت على الخلاف فخيف منه
شقاق بعث الحاكم رجلين مأمونين أحدهما من أهل الرجل والآخر من أهل المرأة لتدبر
الإصلاح، فإن رأيا بالفرقة رأيا أعلما الحاكم ليدبر أمر الطلاق وليس للحاكم جبر الرجل على
فراقها إلا أن يمنع واجبا.
الإيلاء:
إذا حلف الزوج أن لا يجامع زوجته فالمرأة بالخيار إن شاءت صبرت عليه، وإن
شاءت رفعته إلى الحاكم فيعرض عليه العود، فإن فعل وإلا أنظره أربعة أشهر. فإن كف عن
يمينه وجامع فلا شئ وإن أقام على اليمين وأبي الرجوع ألزمه الطلاق، فإن لم يطلق ولم
يرجع حبسه وضيق عليه في المطاعم والمشارب حتى يفئ أو يطلق.
ولا إيلاء لمن لم يدخل بها، ومن يخاف من وطئها أن يقطع لبنها فحلف بعلها أن لا يطأها
لهذا الغرض فليس بإيلاء، ولا إيلاء إلا باسم الله تعالى.
119

والآخر، الظهار:
والظهار أن يقول الرجل لزوجته: أنت على كظهر أمي، أو أختي أو ابنتي، أو واحدة
من المحرمات فإنها يحرم عليه وطؤها حتى يكفر. وإن طلقها ونكحت زوجا غيره ثم
طلقها ثم راجعها المظاهر وجب عليه أيضا التكفير متى أراد وطأها.
ولا ظهار إلا في طهر لم يقرب فيه بجماع بشهادة عدلين وأن تكون زوجته لا أمة.
والشروط فيه تبطله كالطلاق.
والمرأة بالخيار بين أن تصبر عليه وبين أن ترفعه إلى الحاكم فيعظه وينظره ثلاثة أشهر،
فإن كفر وعاد وإلا ألزمه الطلاق.
فمن وطئ قبل الكفارة لزمه كفارتان.
والآخر: الطلاق لغير ما ذكرناه وهو على ضربين: طلاق العدة وطلاق السنة.
فأما طلاق العدة: فهو أن يطلق مدخولا بها على الشروط واحدة ثم يراجعها قبل أن
تخرج من عدتها ثم يطلقها أخرى ثم يراجعها قبل أن تخرج من عدتها ثم يطلقها ثالثة وقد
بانت منه. ويستقبل العدة، ولا تحل له حتى تنكح زوجا غيره.
فأما طلاق السنة: فهو أن يطلقها على الشروط واحدة وهو أملك بها ما دامت في
العدة، فإذا خرجت من عدتها فهو كأحد الخطاب إن شاءت راجعته بعقد جديد.
وشروط الطلاق على ضربين: أحدهما يرجع إلى الزوج، والآخر يرجع إلى الزوجة.
فما يرجع إلى الزوج: فإن يكون مالكا أمره ويدخل فيه أن لا يكون قد بلغ به السكر
أو الحرد أو الجنون أو الغضب إلى حد لا يحصل معه ولا يكون مكرها وأن يتلفظ بالطلاق
موحدا، وأن يشهد على ذلك شاهدين، وألا يقع الطلاق إلا في طهر المرأة - إن كانت ممن
تحيض - الذي لم يقربها فيه بجماع، وأن لا يعلقه بشرط، ولا يجعله يمينا.
وما يرجع إلى المرأة: أن لا تخبر بالطهر أو بالحيض أو باليأس منه إلا وهي كذلك.
ثم تنقسم الشروط قسمة أخرى على ضربين: أحدهما عام في كل مطلقة، والآخر
خاص في مطلقة مخصوصة.
فالإشهاد عام والطهر خاص في من تحيض خاصة إذا كان زوجها حاضرا في بلدها،
120

فأما الغائب عنها زوجها فإنه - إذا أراد طلاقها - طلقها على كل حال، وكذلك التي لم
ويلحق بذلك الخلع والمباراة لأن طلاقهما بائن. ومعنى الخلع والمباراة أن المرأة لا تخلو أن
تكون مختارة فراق زوجها وهو لا يختار ذلك، أو يكون هو أيضا مختارا له. فإن ظهر كراهتها
هي له وعصيانها كان له أن يطالب على تسريحها عوضا ويجوز أن يكون زائدا على ما
وصل إليها منه فإذا أجابته على ذلك قال لها: قد خلعتك على كذا وكذا فإن رجعت في شئ
منه، فلي الرجعة عليك وأنا أملك بك. فإن رجعت رجع، فهذا هو الخلع وهو بائن.
وإن كانت الكراهة بينهما، ثم قالت هي له: سرحني، جاز أن يأخذ منها عوضا مثل ما
أعطاها من مهر وغيره ولا يتجاوزه ثم يطلقها بائنا.
وشروط الخلع والمباراة شروط الطلاق إلا أنهما يقعان بكل زوجة. وأما الفراق بغير
الطلاق فعلى ضربين: بموت وغير موت. فما هو بموت معروف، وما هو بغير موت فنكاح
المتعة فراقه بتصرم الأجل. والمرتد عنها زوجها تبين بغير طلاق.
وكل من دلس نفسه وعلم به فلم ترض به زوجته فإنها تبين منه بغير طلاق.
والعمة والخالة إذا أنكح عليهما بنتا أختهما أو أخيهما فلم ترضيا، واختارتا الفراق
اعتزلتا بعليهما وبانتا بغير طلاق. ومن نكح عليها أمة بالعقد ولم ترض بذلك فارقت بعلها
بغير طلاق إلى غير ذلك مما هو غير البائن بالطلاق.
ومن ذلك: اللعان:
وهو بضربين: أحدهما أن يدعي الرجل أنه رأى رجلا يطأ امرأته المسلمة الحرة
الصحيحة من الصمم والخرس في فرجها ثم لا يكون له شهود بذلك. والآخر بأن ينفي
من تدعي امرأته بأنه ولده ويزعم أنه ليس منه. فحينئذ يقعد الحاكم مستدبر القبلة ويقيمه
بين يديه ويقيم المرأة عن يمينه، ثم يقول له: قل: أشهد بالله أني لمن الصادقين فيما ذكرته عن
هذه المرأة أو أن هذا ليس بولدي. يقول ذلك أربع مرات، ثم يعظه بعد الأربع ويقول له: لعنة
الله تعالى شديدة ولعلك حملك على ذلك حامل. فإن رجع عن ذلك جلده حد المفتري وردها
إليه، وإن لم يرجع قال له: قل: إن لعنة الله على إن كنت من الكاذبين. فإذا قال ذلك قال
121

للمرأة: ما تقولين فيما قذفك به فإن أقرت رجمت، وإن أنكرت قال لها: قولي: أشهد بالله
أنه لمن الكاذبين فيما قذفني به. فإذا قالت ذلك أربعا وعظها ثم قال لها: إن غضب الله تعالى
شديد. فإذا اعترفت رجمها، وإن أبت قال لها: قولي: أن غضب الله على إن كان من
الصادقين. فإذا قالت ذلك فرق بينهما، ولم تحل له أبدا وقضت العدة على ما حددنا.
وإذا قذف امرأته الصماء أو الخرساء فلا لعان بينهما وإنما يجلد حد المفتري ويفرق بينهما
ولا تحل له أبدا.
ولا لعان بين المسلم والذمية، ولا بين الحر والأمة، ولا تلاعن الحامل حتى تضع، ولا لعان
حتى يقال: رأيت رجلا يطأها في فرجها أو ينكر الولد.
يدخل بها تطلق على كل حال ولا ينتظر بها طهرا.
وينقسم طلاق السنة قسمين: بائن وغير بائن.
فالبائن: طلاق من لم يدخل بها، ومن لم تبلغ المحيض، والآيسة منه، والحامل المستبينة
حملها وإن دخل بهن. ومعنى " البائن " أنه متى طلقها تملك نفسها ولا يجوز أن يراجعها إلا
بعقد جديد.
وإذا كنا قد ذكرنا الفراق بضروبه، فلنذكر ما يلزمه.
ذكر: ما يلزمه:
وهو على ضربين: أحدهما يلزم المطلق والآخر يلزم المطلقة. فما يلزم المطلق نفقة
العدة إلا أن تكون المعتدة متمتعا بها فلا نفقة لها، ونفقة الولد إن كان ممن يرتضع واختارت
أمه رضاعه فهي أحق به وتأخذ على ذلك مثل ما تأخذه الأجانب، فإن طلبت زائدا على
ذلك فهو بالخيار في أن يعطيها إياه أو ينتزعه منها ويسلمه إلى أجنبية، وفصاله الأقل أحد
وعشرون شهرا والأكمل عامان، فإذا فصل فلا يخلو أن يكون ذكرا أو أنثى، فالذكر للأب
أحق بكفالته من الأم، والأنثى الأم أحق بكفالتها حتى تبلغ تسع سنين أو تتزوج الأم بغير
أبيها فحينئذ يكون الأب أحق بها.
والمتمتع بها يلزم أيضا لها مثل ذلك. ويلزم المطلق أيضا أن لا يخرج المطلقة من بيته حتى
122

تقضي عدتها.
ذكر: ما يلزم المرأة:
المفارقات على ضربين: متوفى عنها زوجها، وغير متوفى عنها زوجها. فالمتوفى عنها
زوجها على ضربين: حرة وأمة، فعدة الحرة أربعة أشهر وعشرة دخل بها أو لم يدخل بها وعدة
الأمة نصف عدة الحرة وهي شهران وخمسة أيام، وكذلك حكم المتمتع بها.
فإن توفي عنها زوجها وهو غائب فيلزمها تعتد حين يبلغها الخير ولو بلغها بعد وفاته
بسنة أو أقل أو أكثر، وعليها الحداد وهو ترك الزينة والطيب. ولها أن تبيت حيث شاءت
ليس كالمطلقة التي لا تبيت إلا ببيتها الذي طلقت فيه.
ثم المتوفى عنها زوجها على ضربين: حامل وغير حامل. فالحامل عدتها أبعد الأجلين
فإن وضعت في دون أربعة أشهر وعشرة أيام تممت أربعة أشهر وعشرا أو شهرين وخمسة إن
كانت أمة أو متمتعا بها، وإن وضعت بعد ذلك اعتدت بالولادة.
وتلحق بذلك من غاب عنها زوجها ولم يترك لها نفقة فإنها ترفع أمرها إلى الحاكم ليطلبه
أربع سنين فإن لم يعرف له خبرا فإنها تعتد عدة المتوفى عنها زوجها، فإن جاء زوجها
- وهي في العدة - فهو أملك بها، وإن جاء زوجها - وقد خرجت من العدة - فلا سبيل له عليها.
فأما إذا غاب وله عليها نفقة فهو أملك بها ولو بقي في السفر أبدا.
فأما غير المتوفى عنها زوجها فعلى ضربين: أحدهما تجب عليها عدة والأخرى لا تجب
عليها عدة.
فمن لا تجب عليها عدة: من لم تبلغ المحيض وليست في سن من تحيض وغير
المدخول بها، والآيسة من الحيض وليست في سن من تحيض. وقد حد في القرشية
والنبطية ستون سنة، وفي غيرها خمسون سنة.
فأما من تجب عليها العدة فعلى ضربين: حرة وأمة. وهما على ضربين: أحدهما تعتد
بالأقراء والآخر تعتد بالشهور، فمن تعتد بالأقراء الحرة وعدتها ثلاث حيضات، وعدة الأمة
والمتمتع بها حيضتان. وأما من تعتد بالشهور فالمدخول بها التي لم تحض وهي في سن من
123

تحيض وهو تسع سنين، ومن ارتفع حيضها ومثلها من تحيض، فإن كانت حرة فعدتها ثلاثة
أشهر، وإن كانت أمة أو متمتعا بها فالنصف من ذلك.
فأما الحوامل من المطلقات فعدتهن وضع الحمل ولو بعد الطلاق بساعة، والغائب
عنها زوجها إذا طلقها فإن بلغها ذلك وقد مضى لها من الحيض أول الأيام - إن كانت ممن
تحيض - قدر العدة. أن تكون قد وضعت حملا فقد برئت من العدة. وإن كان قد مضى بعضه
احتسبت به وتممت الباقي.
ولا حداد على مطلقة. ومن طلق طلاقا يملك فيه الرجعة وأراد العقد على أخت المطلقة
أو كانت رابعة وعنده ثلاثة فلا يجوز له حتى تخرج من العدة وفي الطلاق البائن فجائز.
124

جواهر الفقه
للقاضي عبد العزيز بن البراج الطرابلسي
400 - 481 ه‍ ق
125

باب مسائل يتعلق بالخلع:
مسألة:
إذا أصدقها مائة ثم خالعها قبل دخوله بها، فهل يسقط جميع الصداق أو
نصفه؟
الجواب:
إذا خالعها كما ذكر في المسألة سقط جميع الصداق على ما نبينه، وذلك أن
الخلع عندنا لا يكون إلا بطلاق، وإذا كان كذلك كان قد طلقها قبل دخوله بها وإذا كان
مطلقا لها كذلك، وجب الرجوع بنصف الصداق وإذا رجع عليها بذلك استقر لها
النصف وإذا استقر لها النصف وسقط بالخلع، فلم يكن لها شئ، وبأن ذلك سقوط
الجميع.
مسألة: إذا تخالعا واختلفا في النقد أو القدر أو الجنس. كيف الحكم في ذلك؟
الجواب: إذا اختلفا في شئ من ذلك كان القول قول الزوجة مع يمينها، لقول رسول
الله ص: البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه، والزوج ههنا هو
المدعي لأنه يدعي ما تنكره الزوجة، فكان عليه البينة فإذا لم يكن بينة، كان القول قول
الزوجة كما قدمناه.
مسألة: إذا تخالعا على الشرط مثل أن يقول الزوج، إن أعطيتني كذا، فأنت طالق،
هل يصح الخلع على ذلك أم لا؟
127

الجواب: لا يصح ذلك لأن الخلع عندنا طلاق والطلاق لا يقع عندنا بشرط.
مسألة: إذا كان عنده جارية وهي حامل فقال لزوجته خالعتك على حمل هذه
الجارية، هل يقع الخلع والطلاق أم لا؟
الجواب: لا يصح الخلع ولا يقع الطلاق بذلك لأن العوض التي هو الحمل مجهول،
والمجهول لا يصح الخلع ولا وقوع الطلاق، والقول بمهر المثل ووقوع الطلاق لا يصح
لأن الأصل ثبوت العقد وبراءة الذمة، وعلى من يدعي خلاف ذلك الدليل ولا دليل عليه.
مسألة: إذا اختلف الزوجة في مرضها بأكثر من مهر مثلها، هل يصح ذلك أم لا،
فإن صح فهل يكون ذلك من صلب مالها أم لا؟
الجواب: الخلع بما ذكر في هذه المسألة صحيح، لأن المرض لا يبطل المخالعة بمهر
المثل أو أكثر منه، ويكون ذلك من صلب مالها، لقوله سبحانه: فلا جناح عليهما في ما افتدت
به. ولم يفرق بين حال المرض وغيره، فوجب حمله على عمومه إلا أن يدل دليل.
مسألة: إذا قالت المرأة لزوجها طلقني طلقة بمائة، فقال أنت طالق ثلاثا بمائة. هل
يقع بذلك طلاق أم لا؟
الجواب: إذا قال الزوج ذلك طلقت المرأة بواحدة وكان عليها المائة، لأن التلفظ
بالطلاق الثلاث عندنا لا يقع منه إلا طلقة واحدة والزوجة لم تطلب منه الثلاث، فلا يلزم
ذلك لو كان الثلاث يصح، وكيف وهو عندنا لا يصح.
مسألة: إذا قالت طلقني طلقة بمائة، فقال أنت طالق بمائة وطالق وطالق. ما الذي
يقع من ذلك؟
الجواب: الذي وقع من ذلك هو الأولى، لأن العوض حصل في مقابلتها، والثانية
والثالثة لم يقع منها شئ لأنه طلقها بعد أن بانت الزوجة بالأولى وطلاق البائن باطل.
مسألة: إذا قالت طلقني بمائة، فقال لها أنت طالق وطالق ولم يذكر المائة، كيف
القول في ذلك؟
الجواب: القول في ذلك أن نقول أنها طلقت بالمائة فإن المائة في مقابلة الأولى
وكانت المرأة بائنا بها، ولم يقع الثانية ولا الثالثة لمثل ما ذكرناه أولا في المسألة المتقدمة.
وإن
128

قال في مقابلة الثانية، كانت الأولى رجعية، ولم يقع الثانية ولا الثالثة. وإن قال في مقابلة
في الثالثة، كانت هذه الطلقة واقعة وبطلت الثانية والثالثة.
مسألة: إذا قال لها خالعتك على ما في هذا الظرف من الخل، فخرج خمرا، هل وقع
الخلع أم لا؟ فإن وقع فهل تقبض الخمر أم لا؟
الجواب: إذا قال لها ذلك صح الخلع، لأنه في مقابلة ما يصح تملكه بذله في ذلك، فأما
إذا ظهر أن الخل خمر فإن الواجب قبض بدل الخمر لأن الخل له مثل فيجب فيه ذلك.
مسألة: إذا كان له زوجتان فقالتا طلقنا بمائة، فطلقهما على الفور، ثم ارتدتا بعد
ذلك. هل يصح ذلك أم لا؟ فإن صح كيف القول في كيفية قبض المائة منهما؟
الجواب: إذا طلقها على ما ذكرنا، كان الطلاق صحيحا ووقع بائنا والردة غير مؤثرة
في ذلك، لأنها حدثت بعد ثبوت عقد الخلع، وأما كيفية قبض المائة فإنه يجب عندنا أن
يقبض من كل واحدة منهما النصف من ذلك.
مسألة: إذا قال لزوجته طلقتك بمائة وأنت ضامنة لذلك، وأنكرت الزوجة ما ادعى
به عليها. كيف الحكم في ذلك؟
الجواب: الحكم فيه أن البينونة صحيحة، لاعتراف الزوج وإقراره بذلك، وأما
ما ادعى به على الزوجة فالقول قولها مع يمينها، لأنه يدعي عليها عقد معاوضة والأصل أن
لا عقد هذا إذا لم يثبت له بينة على دعواه، وأما إن ثبت له على ذلك بينة حكم له بها.
باب مسائل يتعلق بالطلاق:
مسألة: إذا قال الزوج لزوجته أنت طالق ولم ينو الفرقة والبينونة، هل يقع الطلاق أم لا؟
الجواب: الطلاق عندنا لا يقع إلا بنية فمتى تعرى من ذلك لم يقع، لقول رسول الله
ص: إنما الأعمال بالنيات.
مسألة: إذا قال لها أنت طالق إن قام زيد أو إن دخل عمر والدار، هل يقع الطلاق
129

أم لا؟
الجواب: إذا قال لها ذلك، لم يقع طلاقه لأنه علقه بشرط وكل طلاق علق بشرط فإنه
عندنا لا يصح ولا يقع.
مسألة: إذا قال لها أنت طالق ملئ البلد أو ملئ الدنيا. هل يقع طلاقه أم لا؟
الجواب: إذا كان على الشرائط وحصل نية الفرقة وقعت طلقة رجعية، وإن لم يكن على
ذلك. لم يقع شئ. وكذلك لو قال لها بألف طالق أو بمائة طالق لأن الباب في ذلك كله واحد.
مسألة: إذا قال لها إن بدأتك بكلام فأنت طالق، فقالت له إن بدأتك بكلام فعبدي
حر، هل يقع طلاق وعتق إن بدأ أحدهما بصاحبه أم لا؟
الجواب: لا يقع ههنا طلاق ولا عتق، لأنهما جميعا عندنا لا يقعان بشرط وذلك
مشروط.
مسألة: إذا قال لها أنت طالق طلاق الجرح والسنة، أو طلاق الجرح، أو لرضى فلان،
هل يقع طلاق أم لا؟
الجواب: أما قوله أنت طالق طلاق الجرح والسنة أو طلاق الجرح أو لرضى فلان، فإنه إن
كانت النية حاصلة والشروط، وقعت واحدة رجعية، وإن لم يكن ذلك حاصلا لم يقع شئ فإن
قال أردت بقولي لرضى فلان، إن رضي فلان كان الطلاق أيضا غير واقع، لأنه يكون بشرط
والطلاق عندنا لا يقع بذلك كما ذكرناه في غير موضع.
مسألة: إذا قال لزوجته أنت طالق، وقال أردت أن أقول أنت طاهر، أو قال لها:
طلقتك وقال أردت أن أقول أمسكتك فسبق لساني بذلك، هل يقع طلاق أم لا؟
الجواب: إذا قال ما ذكر في المسألة، قبل قوله في الحكم والباطن فيما بينه وبين الله
تعالى، لقول النبي ص الأعمال بالنيات. وأيضا اللفظ لا يكون مفيدا لما وضع
في اللغة إلا بالنية والقصد فإذا قال ما نويت، قبل قوله.
مسألة: هل يصح أن ينوي الرجل بقوله أنت طالق أكثر من طلقة واحدة أم لا؟
الجواب: لا يصح أن ينوي بذلك أكثر من طلقة واحدة، وإن نوى أكثر منها لم يقع غير الواحدة لأن الأصل
بقاء العقد، ووقوع الواحدة بصريح الطلاق مع النية
130

مجمع عليه، وما زاد على ذلك وبغير الصريح ليس عليه دليل فصح ما ذكرناه. مسألة: رجل طلق زوجته طلقة رجعية وارتجعها قبل انقضاء عدتها ولم تعلم
بالرجعة، فقضت عدتها وتزوجت رجلا أخر، ثم حضر الزوج وادعى أنه ارتجعها في عدتها
وثبت ذلك له. ما الحكم في ذلك؟
الجواب: إذا ثبت له ارتجاعها قبل انقضاء عدتها بطل نكاحها من الزوج
الثاني، دخل بها أو لم يدخل، لأنه تزوج بامرأة لها زوج وذلك لا يجوز، وأيضا فلا خلاف أنه لو لم
يدخل الثاني بها لردت على الأول، وإذا ثبت له الرجعة ثبتت الزوجية وبطل النكاح الثاني
كما قدمناه.
مسألة: هل يصح الإيلاء من الذمي أم لا؟
الجواب: يصح ذلك منه، لقول الله تعالى تبارك الذين يولون من نسائهم.
وهذا عام في الذمي والمسلم.
مسألة: إذا قال له رجل، فارقت زوجتك؟ قال: نعم. هل يقع طلاق أم لا؟
الجواب: إذا قال ذلك حكم بطلقة واحدة لإقراره بإيقاعه بها، فإن قال إنما أردت
بقولي نعم، الإقرار بطلاق تقدم مني قبل هذه الزوجية، وصدقته المرأة، فالأمر على ما ذكره،
وإن كذبته كان عليه البينة، لأن ذلك غير معذور، وإن لم يكن له بينة كان القول قوله مع يمينه.
مسألة: إذا كان له زوجة، فقال له أخر أ لك زوجة؟ فقال: لأهل يقع بذلك طلاق
أم لا؟
الجواب: لا يقع بذلك طلاق لأنه كاذب.
مسألة: إذا قال لزوجته أنت طالق واحدة في اثنين. ما الحكم في ذلك؟
الجواب: إذا قال ذلك ونوى الطلاق وقعت واحدة رجعية كان عارفا بالحساب أو
الضرب أو لا يكون عارفا بذلك.
مسألة: إذا قال لها أنت طالق واحدة لا يقع عليك. هل يقع طلاق أم لا؟
الجواب: إذا قال ذلك لم يقع طلاق لعدم البينة منه لذلك.
مسألة: إذا قال لها أنت طالق لا. هل يقع طلاق أم لا؟
131

الجواب: إذا نوى الإيقاع مع هذا القول وقعت واحدة، وإن قال إنما أردت بقولي
لا أنه لا يقع قبل قوله.
مسألة: إذا قال لها أنت طالق طلقة قبلها طلقة، هل يقع قبل ذلك طلاق أم لا؟
الجواب: إذا قال ذلك وقعت طلقة واحدة رجعية مع النية لذلك، وقوله قبلها طلقة
عندنا لغو، لا تأثير له.
مسألة: إذا قال لها أنت طالق نصف طلقة أو ربع طلقة أو ثلث طلقة أو ما أشبه ذلك،
هل يقع من ذلك طلاق أم لا؟
الجواب: لا يقع من ذلك شئ لأن الطلقة لا تبعض ولأنه بقوله ذلك غيرنا وللطلاق لما
ذكرناه، وهو مذهب شيخنا المرتضى رحمه الله ومذهب الشيخ أبو جعفر الطوسي إلى وقوع
واحدة مع النية.
مسألة: إذا قال لها أنت طالق ثلاثا، هل يقع من ذلك طلاق أم لا؟
الجواب: إذا قال ذلك وقعت واحدة مع النية، لأن الاستثناء بغير مشيئة الله تعالى
لا يدخل في الطلاق. ومشيئة الله تعالى إذا دخله فإنها يحله كما يحل الإقرار والأيمان والعتق.
مسألة: إذا قال لها أنت طالق طلقة، لا، بل طلقتين ما الذي يقع من ذلك؟
الجواب: إذا قال ذلك وكانت الشروط حاصلة، وقعت طلقة واحدة رجعيا.
فإن قيل: أ ليس لو قال لفلان على درهم لا بل درهمان لزمه درهمان، فما أنكرتم
من مثل ذلك فيما ذكره في الطلاق، وإلا فما الفرق بينهما.
قلنا: الفرق بين ذلك أن إيقاع الطلقتين في وقت واحد عندنا لا يصح، ويصح
ذلك في الإقرار.
مسألة: رجل له زوجتان، الواحدة اسمها هند والأخرى اسمها نعم. فقال يا هند
وقالت له نعم لبيك. فقال أنت طالق. ما الحكم في ذلك؟
الجواب: إذا كان الأمر على ما ذكر، سئل هذا الرجل عمن نواه، فإن قال علمت أن
نعما أجابتني إلا أنني وجهت الطلاق إلى هند دون نعم، قبل قوله وطلقت هند ولم يطلق نعم،
فإن قال لم أعلم أن التي أجابتني نعم وظننت أنها هند فطلقت التي أجابتني، ظنا مني بأنها
132

هند، وقع الطلاق على هند ولم يطلق نعم، لأن المدعي والقصد والنية منه إلى من
عينه والتي عينها وقصد ونوى طلاقها هند، فوقع طلاقها دون الأخرى.
باب مسائل يتعلق بالظهار
مسألة: هل يصح من الكافر الظهار أم لا؟
الجواب: لا يصح منه ذلك ولا التكفير أيضا، لأن الظهار حكم شرعي، والجاحد
للشرع لا يصح ذلك منه ولا يصح منه الكفارة عن ذلك أيضا لأنها عبادة تفتقر فيها
إلى نية القربة، والكافر لا يصح منه مع كفره التقرب إلى الله تعالى، وإذا لم تصح الكفارة
منه لم يصح الظهار منه، لأنه لم يفرق بينهما أحد.
مسألة: هل يصح الظهار بالمملوكة أم لا؟
الجواب: يصح ذلك لقول الله تبارك وتعالى، الذين يظاهرون من نسائهم. ولم
يفرق بين مملوكة وغيرها.
مسألة: إذا قال الرجل لزوجته أنت على كظهر أمي، ونوى بذلك الطلاق، هل
يكون ذلك ظهارا أو طلاقا.
الجواب: لا يكون ذلك ظهارا ولا طلاقا، لأن الطلاق عندنا لا يقع بشئ من
الكنايات والظهار أيضا لا يقع إلا بالقصد إليه دون القصد إلى غيره.
واللعان:
مسألة: إذا كان زوج المرأة صبيا فقال لها: يا زانية هل يكون ذلك منه قذفا لها أم
لا، فإن لم يكن قذفا، فهل له أن يلاعن إذا بلغ أم لا؟
الجواب: لا يكون ذلك قذفا، ولا يجب عنه به حد، لقول رسول الله ص
: رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يحتلم. وأما اللعان عند بلوغه إذا أراده
فليس له ذلك، لأن اللعان إنما يكون لتحقيق القذف، وقد بينا القول بأنه لا قذف له.
مسألة: إذا أتى الملاعن بلفظ الحلف بدلا من لفظ الشهادة في اللعان، فقال أقسم
بالله أو أحلف بالله. هل يكون ذلك مجزيا له أم لا؟
الجواب: إذا أتى بذلك على ما ذكر، لم يكن مجزيا له لأنه خلاف النص وذلك لا يجوز.
133

مسألة: إذا كان المتلاعنان يعرفان الكلام بالعربية والعجمية، فبأيهما يوقعان
اللعان؟
الجواب: إذا كانا يعرفان ذلك أوقعا اللعان بالعربية دون العجمية، لأنها لفظ
القرآن ولا ينبغي مع الاختيار العدول عن ذلك. وإن كانا لا يعرفان العربية، أو أحدهما،
جاز حينئذ أن يوقعها من لا يعرفها بالعجمية.
مسألة: إذا ولدت المرأة ولدين توأمين إما في دفعة واحدة أو ولد أحدهما بعد
الآخر، فهل لزوجها أن ينفي عنه أحدهما دون الآخر أم لا؟
الجواب: إذا كان الأمر على ذلك وأراد نفي أحدهما، لم يصح، بل إذا أقر بالواحد،
لحقه الآخر ولم يجز له أن ينفيه عن نفسه، لأنهما رجل واحد والحمل الواحد لا يكون من
اثنين، وإذا لم يكن من اثنين وأقر بأحدهما لحق الآخر به، وإن أراد نفي الحمل جملة من غير
إقرار بأحدهما دون الآخر كان ذلك جائزا.
مسألة: إذا تزوج رجل أمة، وأتت بولد فقذفها ولاعنها وبانت باللعان فيه، ثم
عادت إليه بالملك، هل يجوز له وطؤها أم لا؟
الجواب: لا يجوز له وطؤها بملك اليمين لقول رسول الله ص
المتلاعنان لا يجتمعان أبدا.
مسألة: إذا قال رجل لزوجته يا زانية فقالت له: زنيت بك. ما الحكم في ذلك؟
الجواب: إذا قال لزوجته ما ذكر في المسألة، كان الزوج قاذفا للزوجة، لأن قوله
يا زانية صريح في القذف، ولا يحتمل سواه. وأما قول الزوجة زنيت بك فليس بصريح في
القذف ولأنه يحتمل ثلاثة أوجه، منها القذف ومعناه أنه أرادت: أنك زنيت بي قبل عقد
النكاح على فأنت زان، فأنا زانية. ومنها أن يكون أقرت على نفسها بالزنى من غير قذف
لزوجها، ويكون مرادها بذلك: أنك وطأتني وأنت ظان بأنني زوجتك، مع علمي بأنك
أجنبي فكنت أنا زانية وأنت غير زان. ومنها لا يكون أقرت بالزنى ولا قذفته، بل أرادت
الجحود والنفي، كأنها قالت في مقابلة قوله " يا زانية " زنيت بك تريد: ما زنيت أنا ولا أنت. مثل
أن يقول القائل لغيره تعديت، فيقول في مقابلة ذلك تعديت معك، ويقول لغيره يا سارق
134

فيقول في مقابلة ذلك سرقت. ومع احتمال القول لما ذكرنا لا يكون صريحا في القذف وعلى
هذا يكون الزوج كما قدمناه قاذفا دون الزوجة، ويجب الحد عليه بذلك ويرجع إلى الزوجة
فيما قالته فإن قالت أردت الوجه الأول، كانت مقرة بالزنى على نفسها وقذفت بالزنى فيسقط
عن الزوج حد القذف ويلزمها بإقرارها حد الزنى، ويجب عليها حد القذف للزوج بقذفها
له بذلك. وإن قالت أردت الوجه الثاني وهو أني زنيت أنا ولم تزن أنت، كانت مقرة على
نفسها بالزنى ولم يقذف زوجها، فيسقط عن الزوج حد الزنى بإقرارها ولا يلزمها حد القذف
لأنا ما قذفته. فإن ادعى زوجها أنها أرادت قذفه كان القول قولها مع يمينها، لأنها أعلم بما
إرادته في نفسها فإن حلفت سقطت دعواه وإن نكلت عن اليمين ردت على الزوج، فإن
حلف تحقق القذف عليها ووجب عليها الحد. فإن قالت أردت الوجه الثالث الذي هو
الجحود والنفي، فالحد قد وجب على الزوج بقذفه إلا أن تسقط بالبينة أو باللعان، والمرأة
ما أقرت بالزنى ولا بقذف، فلا يجب عليها حد زنا ولا حد قذف، فإن صدقها زوجها على ذلك
كان عليه الحد، إلا أن يسقط بالبينة. وإن أكذبها وقال إنها أرادت القذف، كان القول قولها
مع يمينها. فإذا حلفت، سقطت دعواه، وإن نكلت عن اليمين رددناها
عليه، فإن حلف تحقق عليها بيمينه الإقرار بالزنى وقذفها له، ويسقط عنه حد القذف ويجب عليها حد القذف.
إلا أنه لا يلزمها حد الزنى لأنه لا يجب بالنكول أو اليمين.
مسألة: إذا كان لرجل أربع زوجات فقذفهن ووجب عليه الحد، وكان له أن يسقط
باللعان، فهل يلاعن جميعهن في حال واحدة، أو يلاعنهن مفردات.
الجواب: إذا قذف الأربع لم يجز أن يلاعنهن دفعة واحدة، بل يلاعنهن عن كل
واحدة منهن مفردة. لأن اللعان بيمين، واليمين لا يصح في حق جماعة أن يتداخل بغير
خلاف.
مسألة: المسألة بعينها ولم يقع منهن رضي بأن يبتدئ بواحدة منهن في اللعان
وتشاححن في ذلك. ما الحكم فيه؟
الجواب: إذا لم يحصل الرضى ممن يتقدم في اللعان وحصل المشاحة في ذلك، أقرع
بينهن فمن خرج اسمها منهن ابتدئ بملاعنتها.
135

مسألة: إذا قذف الرجل زوجته بالزنى، ولم يلاعن وحد على ذلك، ثم قذفها بذلك
الزنى، فهل يجب عليه حد آخر أم لا؟
الجواب: لا يجب عليه حد آخر. لأن كذبه قد ثبت بالعجز عن البينة، والقذف إنما
يكون بأن يحتمل الصدق والكذب وهذا قد حكم بكذبه.
مسألة: إذا قذفها بذلك ولاعنها، ثم قذفها ثانيا بذلك الزنى، هل يجب عليه حد أم
لا؟
الجواب: لا يجب عليه حد لأنه باللعان قد حكم بصدقه، والقذف إنما يكون كما
قدمناه بأن يحتمل الصدق والكذب.
مسألة: إذا قذف الرجل امرأة واختلفا، فقال الرجل: للمرأة قذفتك وأنت
صغيرة فعلى التعزير. وقالت المرأة بل قذفتني وأنا كبيرة فعليك الحد، ولم يكن لأحدهما بينة.
ما الحكم في ذلك؟
الجواب: إذا لم يكن لأحدهما بينة، كان القول قول الرجل مع يمينه. لأن الأصل
الصغر فإذا حلف لم يحد بل يعزر يعاد إلى اللعان فتنظر فيه. وإن كان القذف وقع منه وهي
من الصغر في حد لا توطأ مثلها معه، كان تعزيره تعزيرا أدبيا ولم يجز له أن يسقطه باللعان،
وإن كان في حد توطأ مثلها معه، كان عليه التعزير وعليه أن يلاعن ليسقطه به.
مسألة: المسألة بعينها، وشهد للمرأة شاهدان بأنه قد قذفها وهي كبيرة وشهد
للرجل شاهدان بأنه قذفها وهي صغيرة. ما الحكم في ذلك؟
الجواب: إذا كانت البينتان مؤرختان تاريخا مطلقا، كان الحكم لبينة المرأة لأنها
أبتت ما أثبتت البينة الأخرى وزيادة، فوجب تقدمها لزيادتها. وإن كان التاريخ تاريخا
واحدا كانت متعارضتين، وحكم ذلك بالقرعة.
باب مسائل يتعلق بالعدة:
مسألة: إذا لزم الزوجة العدة بالطلاق واستحقت السكنى لذلك فهل تستحقه في
منزل الزوج أو غيره؟
136

الجواب: إذا استحقت ذلك بالطلاق الذي يستحق به السكنى، استحقته في منزل
الزوج لقول الله سبحانه: لا يخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة.
يعني بذلك البيت الذي تسكنه المرأة، وليس بملك لها. بدليل أنه تعالى نهى عن اخراجها
منه إلا مع إتيانها بفاحشة مبينة، والذي يكون ملكا لها لا يجوز أن تخرج منه على حال.
مسألة: المسألة وباع الزوج المنزل ما حكمها في تكميل عدتها فيه وفي بيعه؟
الجواب: إذا كانت الزوجة معتدة بالأقراء أو بالحمل، وباع زوجها المنزل، لم
يصح بيعه لذلك. لأن مدة استحقاق البائع مجهولة. واستثناء منفعة مجهولة في بيع لا
يصح، إن كانت معتدة بالشهور فالبيع يصح ويجري مجرى البيع مع الإجارة في أنه لا
يفسدها عندنا. فكما للمستأجر يكمل العدة فكذلك يكمل المدة مع المعتدة.
مسألة: المسألة وباع الزوج وعليه دين. ما الحكم في ذلك؟
الجواب: إذا كان عليه دين وباع المنزل، وكانت المطلقة قد استحقت السكنى وما
حجر عليه فهو أحق ما يسكن من صاحب الدين لأن حقها يختص بغير المنزل، وحقوقهم
لا تختص به وإن كان قد حجر عليه ثم طلقت الزوجة استحقت السكنى، كانت هي
كالغرماء ولم يقدم عليهم، لأن حقهم مقدم على حقها فيسوى بينهم وبينها كذلك.
مسألة: إذا طلق الرجل زوجته واستحقت السكنى في منزله المملوك، ومات المطلق
قبل انقضاء عدتها، وورث الميت جماعة، وأرادوا قسمة المنزل، هل يصح ذلك لهم أم لا؟
الجواب: لا يصح لهؤلاء الوراث، قسمة ذلك، إلا بعد أن تقضي العدة، لأن المرأة
استحقت السكنى في الدار على الصفة التي هي عليها، فليس لهم تغيير ذلك عما هو عليه
إلا بعد زوال استحقاقها بانقضاء مدة عدتها.
مسألة: إذا أمر الرجل زوجته بالخروج إلى بعض الأمصار، وأطلق ذلك،
فخرجت ثم اختلفا، وقالت الزوجة نقلتني، وقال الزوج لا أنقلك. كيف القول في ذلك؟
الجواب: إذا اختلفا على ما ذكرناه، كان القول قول الزوج، ووجب عليها الرجوع
إلى المنزل فتعتد فيه، لأن الاختلاف الحادث بينهما اختلاف في نية الزوج، وهو أعلم بما أراده
من ذلك.
137

مسألة: المسألة بعينها ومات الزوج واختلفت الزوجة مع الوارث، ما الجواب؟
الجواب: إذا كان الأمر على ذلك كان القول قول الزوجة، لأنها والوارث قد تساويا
في فقد العلم بما أراده الزوج، وظاهر قوله موافق لدعوى الزوجة، لأن قوله لها أخرجي إلى
المصر الفلاني ظاهره النقلة، فوجب ما ذكرناه.
مسألة: إذا ابتاع العبد المأذون له في التجارة، بالدين جارية، هل يجوز لسيده
وطؤها أم لا؟
الجواب: إذا كان على العبد دين لم يجز له وطؤها، لحق الغرماء فإن قضى الدين
جاز له ذلك، وإن لم يكن على العبد دين، كان له وطؤها لأنها مملوكة ولم يتعلق بها حق
الغير.
مسألة: إذا باع الرجل جارية ثم بان بها حمل، وادعى أنه منه، هل تقبل دعواه
ويلحق به الولد أم لا؟
الجواب: إن صدقه المشتري في ما ادعاه ألحق به الولد وانفسخ البيع، وإن كذبه
وكان قد أقره في وقت البيع بوطئها وأتت بالولد بعد الاستبراء لأقل من ستة أشهر، لحق
الولد به، صارت الجارية أم ولده، وإن انفسخ البيع وإن أتت به لأكثر من ستة أشهر من وقت
الاستبراء لم يلحق الولد به، بل يكون مملوكا له، ثم يتأمل حاله، فإن كان المشتري لم يطأها
وأتت بالولد لأقل من ستة أشهر من وقت الوطء لم يلحق به، وإن أتت به لستة أشهر أو
أكثر من ذلك، كان لا حقا به فتكون الجارية أم ولده. وإن كان البائع والمشتري وطئاها
جميعا من غير أن يستبرئها واحد منهما، يستخرج واحد ذلك منهما بالقرعة، فمن خرج
الحق الولد به، وإن كذب المشتري البائع ولم يكن البائع أقر في وقت البيع بأنه قد وطأها لم
يقبل إقراره لأن الملك قد انتقل إلى المشتري في الظاهر، فلم يقبل قوله في إقراره في ما هو
ملك لغيره.
138

المهذب
للقاضي عبد العزيز بن البراج الطرابلسي
400 - 481 ه‍ ق
139

باب النشوز:
قال الله: واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع
واضربوهن، فعلق تعالى هذه الأحكام بالنشوز إذا ظهرت أماراته ودلائله وذلك يظهر
بقوله أو فعل.
أما القول فمثل أن تكون المرأة تلبي الرجل إذا دعاها وتخضع له بالقول إذا كلمها ثم
تمنع عن ذلك وعن القول الجميل عند مخاطبته، وأما الفعل فمثل إن كانت تقوم إليه إذا
دخل عليها وتسارع إلى فراشه إذا دعاها إليه، ثم تترك ذلك فتصير لا تقوم ولا تسارع إلى
فراشه بل إذا دعاها إلى ذلك صارت إليه بكراهة ودمدمة وأمثال ذلك، فإذا ظهر
ما ذكرناه أو ما جرى مجراه وعظها بما يأتي ذكره لقوله تعالى الذي قدمناه.
وأما إن نشزت فامتنعت عليه وأقامت على ذلك وتكرر منها جاز له ضربها، فإن
نشزت أول مرة جاز له أن يهجرها في المضجع ويضربها أيضا، فأما الموعظة بأن يخوفها بالله
تعالى ويعرفها أن عليها طاعة زوجها، ويقول: اتقي الله وراقبيه وأطيعيني ولا تمنعيني حقي
عليك.
والهجران في المضجع هو أن يحول ظهره إليها، وقال بعض الناس: ترك كلامها، إلا
أنه لا يقيم عليه أكثر من ثلاثة أيام، وأما الضرب فهو ضرب تأديب كما يضرب الصبيان
على الذنب، ولا يضربها ضربا مبرحا ولا مزمنا ولا مدميا ويفرقه على بدنها ويتقى وجهها،
وإذا ضربها كذلك فليكن بالمسواك، وذكر بعض الناس أنه يكون بمنديل ملفوف أو درة
141

ولا يكون بخشب ولا سوط.
باب الشقاق والحكمين:
إذا ظهر بين الزوجين الشقاق وكان النشوز منها فقد تقدم ما فيه، وإن كان من الزوج
فلا يخلو من أن يكون منه النشوز أو دلائله، فإن كان النشوز منه وهو أن يمنعها حقها من
كسوة ونفقة ونحو ذلك، فإن الحاكم يلزمه أن يضم الزوجين إلى جانب عدل يتفقد
أحوالهما ويكشف أمورهما، وإن ظهرت إمارات النشوز وهو إن كان يستدعيها إلى فراشه
ثم امتنع وكان مقبلا عليها ثم أعرض عنها وظهر منه دليل الزهد فيها فلا بأس أن تطيب
المرأة نفسه بأن تترك بعض حقها من كسوة ونفقة ونحو ذلك، وأن يترك القسم لقوله
تعالى: فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير.
فإن أشكل الأمر فادعى كل واحد منهما النشوز ولم يعلم الناشز منهما أسكنهما الحاكم
إلى جانب ثقة يشرف عليهما ويعلم الناشز منهما لأن الحاكم لا يمكنه أن يتولى ذلك بنفسه،
فإن أخبره بنشوز واحد منهما حكم بينهما فيه بالواجب، وإن علم النشوز من كل واحد منهما
على صاحبه وانتهى الأمر بينهما إلى المضاربة والمشاتمة وتخريق الثياب وإلى ما لا يجوز من
قول أو فعل ولم يفعل الزوج الصفح ولا الفرقة فهذا هو الموضع الذي تناوله قوله تعالى: وإن
خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها.
فإذا كان كذلك بعث الحاكم حكمين ليحكما على ما يؤدى إليه اجتهادهما ولم يلتفت
إلى رضا الزوجين بذلك، وقال لهما: إن رأيتما الإصلاح فأصلحا وإن رأيتما الفراق فبطلاق
أو خلع فافعلا، فإن كانت المصلحة في الصلح فلا بد من اجتماع الحكمين عليه لأن الصلح
من جهة كل واحد منهما، فإن كانت المصلحة في الخلع فلا بد أيضا أن يجتمعا لأنه عقد
معاوضة يبذل أحدهما عنها ويقبل الآخر للزوج، وإن كانت المصلحة في الطلاق فليس
يفتقر إلى اجتماعهما لأن الذي من جهتها لا صنع له في الطلاق.
ويستحب أن يكون حكم الزوج من أهله وحكم المرأة من أهلها للظاهر، فإن بعث
142

من غير أهلها كان جائزا، وينبغي أن يكون الحكمان ذكرين حرين عدلين ولهما الإصلاح
من غير استئذان، وليس لهما الفرقة بالطلاق وغيره إلا بعد أن يستأذناهما، وقد ذكرنا في
كتابنا " الكامل في الفقه " في هذا الموضع أنه على طريق التوكيل، والصحيح أنه على
طريق الحكم لأنه لو كان توكيلا لكان تابعا للوكالة وبحسب شرطها، وإذا فوضا أمر الخلع
والفرقة إلى الحكمين والأخذ لكل واحد منهما من صاحبه كان عليهما الاجتهاد فيما يريانه،
هذا فيما يتعلق بالشقاق أو الفراق.
وأما فيما عدا هذا النوع من الحقوق مثل إثبات دين على صاحبه واستيفاء حقه منه
وقبض ديونه، فهذا توكيل لا مدخل للحكم فيه لأنه لا مدخل له في الشقاق بينهما، وإذا
غاب أحد الزوجين لم يكن للحكمين أن يفعلا شيئا لأنا وإن أجزنا القضاء على الغائب
فإنما يقضى عليه وأما يقضى له فلا، وهاهنا لكل واحد منهما حق له وعليه فلم يجز، وإذا
غلب على عقل الزوجين أو أحدهما لم يكن لهما إمضاء شئ لأن زوال العقل يزيل حكم
الشقاق ولو كان ذلك وكالة لأزاله أيضا.
وإذا شرط الحكمان شرطا كان مما يصلح في الشرع لزومه لزم، وإن كان مما لا يلزم
مثل أن شرطا عليها ترك بعض النفقة أو القسم أو شرطا عليه أن لا يسافر بها فكل ذلك
لا يلزم الوفاء به، وإن اختار الزوجان المقام على ما فعله الحكمان كان جميلا، وإن اختار
تركه كان ذلك لهما.
باب الخلع:
الخلع جائز في الشريعة لقول الله: ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن
يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به،
يتضمن ذلك رفع الجناح في أخذ الفدية منها عند خوف التقصير في إقامة الحدود المحدودة
في حق الزوجية فدل ذلك على جواز ما ذكرناه، والخلع منه ما هو محظور ومنه ما هو مباح.
فأما المحظور فهو أن يكره المرأة ويعضلها بغير حق لتفتدي نفسها منه، وقبلها يكون
143

الحال بينهما عامرة والأخلاق ملتئمة ويتفقا على الخلع فتبذل له شيئا على طلاقها.
وأما المباح فإن يخافا ألا يقيما حدود الله مثل أن تكره المرأة زوجها، أما لخلقه أو دينه
أو ما جرى مجرى ذلك مما في نفسها من كراهتها له، فإذا كانت في نفسها على هذه الصفة
خافت ألا يقيم حدود الله عليها في حقه، وهو أن تكره الإجابة له فيما هو حق له عليها فيحل
لها أن تفتدي نفسها بغير خلاف، وذلك لقوله تعالى هاهنا: فإن خفتم ألا يقيما حدود الله
فلا جناح عليهما فيما افتدت به.
ويجوز الخلع عند المضاربة والقتال ولا يجوز في حال الحيض ولا في طهر قاربها فيه
بجماع ولا يقع أيضا بمجرده، فلا بد من التلفظ فيه بالطلاق، فإن كان الخلع بصريح
الطلاق كان طلاقا، وإن كان بغير صريح الطلاق مثل أن تقول لزوجها: خالعني أو
فاسخني أو فارقني بكذا وكذا، وأجابها لم يصح ذلك ولم يقع، والبذل في الخلع غير مقدر
إن شاء اختلعا بقدر المهر أو بأكثر منه أو أقل فجميع ذلك جائز، وإذا أوقع كما ذكرناه
صحيحا وقعت الفرقة، وإذا طلقها طلقة بدينار على أن له الرجعة لم يصح الطلاق.
وإذا شرطت المرأة أنها متى أرادت الرجوع فيما بذلته كان لها وتثبت الرجعة كان
صحيحا، وقد قدمنا القول بأن الخلع لا بد فيه من لفظ الطلاق فليس يقع صحيحا إلا
كذلك، وإذا حصل كذلك لم يمكن أن يلحقها طلاق آخر ما دامت في العدة لأن الرجعة
غير ممكنة فيها، وإذا قال لزوجته: أنت طالق ثلاثا في كل سنة واحدة، لم يقع من ذلك
شئ لأنه طلاق بشرط وكل طلاق بشرط لا يصح عندنا على وجه، فكل ما جرى هذا
المجرى من المسائل في هذا الباب فهو عندنا غير صحيح.
وإذا قالت لزوجها: طلقني ثلاثا بألف درهم فقال: طلقتك ثلاثا بألف درهم، لم
يصح ذلك ولا يقع منه طلاق لأن الطلاق الثلاث عندنا لا يقع بلفظ واحد ولا يصح،
وإذا قلنا بذلك أن نقول أنها تقع واحدة لأنها إنما بذلت العوض في الثلاث، فإذا لم يصح
الثلاث وجب أن يبطل من أصله، وإذ قالت الزوجة: اخلعني على ألف درهم راضية،
فقال: خالعتك بها، صح ذلك ولزم المسمى، وإذا ذكر القدر والجنس دون النقد فقالت:
144

خالعني بألف درهم، فقال: خالعتك بها، صح ذلك وكان عليها ألف درهم من غالب
نقد البلد.
وإذا ذكر القدر دون الجنس والنقد فقالت: خالعني بألف، فقال: خالعتك بألف،
فإن اتفقا على الإرادة وإنهما أرادا الدراهم أو الدنانير لزم الألف من غالب نقد البلد، فإن
اتفقا على أنهما أرادا معا بالألف ألف درهم راضية وجب ما اتفقت إرادتهما عليه، إما
مطلقا فيجب من غالب نقد البلد أو معينا فيجب ما عيناه، وإذا اتفقا على أنهما ما أراد
جنسا من الأجناس ولا كان لهما إرادة فيه كان الخلع فاسدا.
وإذا اختلفا في النقد واتفقا في القدر والجنس كان القول قولها مع يمينها وعلى الرجل
البينة فيما يدعيه لأنه مدع، وإذا اختلفا فقال أحدهما: ذكرنا النقد وهي راضية، وقال
الآخر: بل أطلقنا، ولها غالب نقد البلد كانت هذه المسألة مثل المسألة المتقدمة عليها،
وإذا اختلفا في المسألة الثالثة وهي إذا لم تذكر جنسا ولا نقدا واختلفا في الإرادة لم يصح
الخلع أصلا.
وإذا قال الرجل: خالعتك على ألف في ذمتك، فقالت: خالعتني على ألف ضمنها
لك غيري، كان عليها الألف لأنها قد أقرت بالألف وادعت الضمان، وإذا قال:
خالعتك على ألف في ذمتك، فقالت: خالعتني على ألف يزنها لك والدي أو أخي كان
عليها الألف لمثل ما قدمناه، وإذا قال: خالعتك على ألف في ذمتك، فقالت: بل خالعتني
على ألف في ذمة زيد كان عليه البينة وعليها اليمين لمثل ما قدمناه.
وإذا قالت له: طلقني على ألف، فقال: أنت طالق إن شئت، أو قال لها: إن ضمنت
لي ألفا فأنت طالق، أو قال: فإن أعطيتني فأنت طالق، أو ما يجري المجرى من المسائل فإنه
لا يصح ولا يقع به خلع ولا طلاق، لأن الطلاق عندنا لا يصح بشرط وذلك كله بشرط فلا
يصح.
فإن خالعها على ألف درهم من غير شرط اقتضى ذلك ما قدمناه من ألف درهم فضة
غالب نقد البلد، وإن كانت رديئة كان له المطالبة ببدلها، وإذا قالت له: طلقني طلقة
145

بألف، فقال لها: أنت طالق بألف وطالق وطالق، وقعت الأولى بائنة لأن العوض جعل
في مقابلتها، ولم يقع الثانية ولا الثالثة لأنه طلقها بعد أن بانت منه بالأولى وذلك لا يصح.
وإذا خالعها على ثوب موصوف في الذمة مثل أن خالعها على ثوب مروي وصفه
وضبطه بالصفات كان الخلع صحيحا ولزم العوض لأنه عوض معلوم، والعوض إذا كان
معلوما في الخلع لزم ووجب عليها أن تسلم إليه ما وجب له في ذمتها على الصفة، فإذا
سلمته إليه وكان سليما على الصفة لزمه وإن كان معيبا كان مخيرا بين إمساكه وبين رده،
فإن أراد إمساكه فذلك إليه وإن أراد رده كان له الرجوع عليها بالذي خالعها به، لأن
الذي وجب له في ذمتها ما كان سليما من العيوب فإذا رده كان له المطالبة ببدله.
وإذا خالعها على ثوب بعينه على أنه مروي فكان كتانا كان الخلع صحيحا لأنه خلع
بعوض فإن اختار إمساكه لم يكن له ذلك لأنه عقد الخلع على جنس فبان غيره، كما لو
عقد على عين فبان غيرها، لأن اختلاف الأجناس كاختلاف الأعيان فإذا رده كان
مستحقا للقيمة لا غيرها، وإذا خالعها على أن ترضع ولده سنتين صح ذلك، فإن عاش
الولد حتى ارتضع السنتين فقد استوفى حقه، وإن انقطع لبنها وجف بطل البذل وكان له
الرجوع عليها بأجرة المثل في رضاع مثله.
وإذا قال له أبو زوجته: طلقها وأنت برئ من مهرها، فطلقها طلقت ولم يبرأ من
مهرها لأنها إن كانت رشيدة لم يملك أبوها التصرف في مالها بغير إذنها، وإن كان يلي عليها
لصغر أو جنون أو سفه لم يصح لأنه إنما ملك التصرف فيما فيه نظر لها وحظ ولا نظر لها في
ذلك كما لو كان لها دين فأسقطه، فإذا كان ما ذكرناه صحيحا ولم يبرأ من مهرها لم يلزم
أباها ضمان ذلك لأنه لم يضمن على نفسه شيئا ويقع الطلاق رجعيا لأن العوض لم يسلم.
وإذا اختلف المتخالعان في جنس العوض أو قدره أو تعجيله أو تأجيله أو في عدد
الطلاق كان القول قول المرأة لأنهما قد اتفقا على البينونة وإنما اختلفا فيما لزمها، فالرجل
مدع بالزيادة فعليه البينة إلا في عدد الطلاق فإن القول فيه قول الرجل مع يمينه، وإذا قال
لزوجته: طلقتك بألف وضمنت ذلك، وأنكرت كان القول قولها مع يمينها لأنه يدعي
عليها عقد معاوضة والأصل أن لا عقد غير أنه يحكم بالبينونة لاعترافه بذلك.
146

وإذا اختلعت الأمة نفسها بعوض وكان ذلك بإذن سيدها صح لأنه وكلها ويقتضي
أن تخلع نفسها بمهر مثلها، فإن فعلت بذلك أو بأقل منه وكانت مأذونا لها في التجارة
دفعت ذلك ذمتها يستوفى منها إذا أعتقت، وإن اختلعت نفسها بأكثر من مهر مثلها كان
جائزا.
وإن كان الخلع بغير إذن سيدها فإما أن يكون منجزا أو معلقا بصفة، فإن كان منجزا
فإما أن يكون بدين أو بمعين، فإن كان بدين في الذمة ثبت ذلك في ذمتها تطالب به إذا
أعتقت، وإن خالعها بشئ بعينه كالعبد المعين كان الخلع صحيحا والطلاق بائنا وإن
كان معلقا بصفة لم يصح الخلع، وإذا اختلعت المكاتبة بإذن سيدها كان الحكم فيها
كالحكم في الأمة، فإن كان ذلك بغير إذنه صح ذلك لأن الحق لها.
وإذا كان للرجل امرأتان فخالعهما على ألف درهم قسمت الألف بينهما على قدر
ما تزوجهما به من المهر، فإن تراضى الزوجان بينهما على شئ كان جائزا، وإذا خالعها
على عبد وجب القتل عليه وقتل العبد بذلك كان للرجل الرجوع عليها بقيمته.
وإذا خالعها على عبد معين فإذا هو نصراني أو هو معروف بالإباق لم يكن له رجوع
عليها به، وإذا وكلت المرأة في الخلع وكيلها فإما أن تطلق أو تقدر البذل، فإن أطلقت
وخلعها بمهر مثلها نقدا بنقد البلد فقد حصل ما أقرته به، وإن كان بأقل من مهر مثلها نقدا
أو بمهر مثلها إلى أجل كان أيضا جائزا، وكذلك: إذا اختلعها بأكثر من مهر مثلها وقد
قدرت البذل وفعل بذلك القدر كان صحيحا، وإن كان بأكثر مما قدرته لم يصح الخلع
لأنه أوقع الخلع على ما لم تأذن له فيه، فأما الرجل إذا وكل وكيلا في الخلع فالحكم فيه كما
ذكرناه في وكيل المرأة.
والخلع في المرض يصح لأنه عقد معاوضة فهو جار مجرى البيع، فإن كان الزوج هو
المريض فخالع زوجته على ما هو قدر مهر مثلها كان ذلك جائزا، وإن كان أكثر من مهر
مثلها كان أيضا جائزا، وإن كان المريض هو المرأة فاختلعت نفسها بمهر مثلها كان من
صلب مالها، وإن كان أقل من مهر مثلها كان أيضا جائزا، وإذا اختلعت نفسها بعبد
147

قيمته مائة فخرج نصفه مستحقا كان ذلك باطلا.
في شروط الخلع:
واعلم أن الشروط التي تقع الخلع معها هي شروط الطلاق وسيأتي ذكرها فيما بعد.
وأما المباراة فهو ضرب من الخلع إلا أن الكراهة تكون من كل واحد من الزوجين
للآخر، فإذا عرف كل واحد منهما ذلك من الآخر أو قالت المرأة لزوجها: إني قد كرهت
المقام معك وقد كرهت أيضا أنت المقام معي فبارئني، أو يقول الزوج لها مثل ذلك ثم
يقول: على أن تسقطي عني بعض المهر أو تعطيني كذا وكذا، وكان أقل من المهر الذي
أعطاها ولا يكون أكثر منه، فإذا أجابته إلى ذلك وبذلت له من نفسها ما أراده منها
طلقها طلقة واحدة للسنة - وسيأتي ذكر طلاق السنة فيما بعد - ويكون الطلقة بائنة لا سبيل له
عليها إلا أن ترجع هي في شئ مما بذلته، وإن فعلت ذلك كان له الرجوع أيضا في
بعضها إن لم تكن خرجت من عدتها، فإن كان قد خرجت من العدة لم يجز لها الرجوع في
ذلك ولم يكن للزوج أيضا عليها سبيل إلا بعقد ومهر جديدين إن أرادا المراجعة، وأما
النشوز فقد تقدم ذكره.
باب الطلاق
قال الله تعالى: يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن الآية، فجعل تعالى
الطلاق بيد الرجل دون النساء وأباحهم ذلك، فإذا اختار الرجل طلاق زوجته كان له
ذلك بسبب وبغير سبب لأنه مباح له إلا أن طلاق الزوجة بغير سبب مكروه، فإن فعل
ذلك كان تاركا للأفضل ولم يكن عليه شئ.
ويفتقر في صحة الطلاق الشرعي إلى شروط متى حصلت ثبت حكمه، ومتى لم يحصل
أو اختل بعضها لم يقع الطلاق، وهذه الشروط على ضربين: أحدهما عام في جميع أنواع
الطلاق والآخر يختص بنوع واحد.
148

فأما العام: فهو كون المطلق كامل العقل ومن يصح تصرفه وكونه قاصدا إليه، وأن
ينوي الفرقة والبينونة به والتلفظ بلفظ الطلاق المخصوص به مع التمكن من ذلك دون
كناياته أو ما قام مقام اللفظ المخصوص به عند عدم التمكن من ذلك، وتعيين الزوجة التي
في عقد نكاحه وشهادة شاهدين مجتمعين في مجلس واحد وإيقاعه متعريا من الشروط.
وأما المخصوص بنوع واحد من أنواعه له فهو إيقاعه له بالمدخول بها وهي طاهرة في
طهر لم يقربها فيه بجماع، وهو حاضر غير غائب عنها.
باب بيان ما يقع به الطلاق
" وما لا يقع من صريح لفظ، أو كناية أو شرط، أو استثناء
أو صفة، وغير ذلك "
صريح الطلاق لفظة واحدة وهي قول الرجل لزوجته: أنت طالق أو فلانة طالق أو
هي طالق، وكل واحد من ذلك جائز يقع الطلاق به إذا قارنه نية الفرقة والبينونة، فإن
تجرد من النية لم يقع الطلاق.
فأما كنايات الطلاق فلا يقع بشئ منها طلاق عندنا، وهي قوله: سرحتك أو أنت
مسرحة أو مطلقة أو خلية أو برية أو بائن أو بتلة أو حرام أو اعتدي أو استبرئي رحمك أو
اذهبي أو ألحقي بأهلك أو حبلك على غاربك، وكل ما جرى مجرى ذلك لا يقع به طلاق
حصل معه نية أو لم تحصل، ولسنا نحتاج فيما ذكرناه مع قولنا بأن الطلاق لا يقع بشئ منه إلى
ذكر المسائل التي تورد في ذلك وتبنى عليه أو يتفرع منها، لأن ذلك عندنا يعزل مع
ما ذكرناه.
وإذا قال لها: أنت طالق إن دخلت الدار أو أنت طالق إن قدم زيد أو إن حضر عمرو
أو إذا جاء رأس الشهر أو إن أكل زيد، لم يقع به طلاق ولا بكل ما يكون شرطا مما لم
نذكره، وإذا قال لها: أنت طالق، فهو صريح في الطلاق كما قدمناه، ولا يصح أن ينوي به
أكثر من طلقة واحدة، فإن نوى أكثر من ذلك وقعت واحدة ولم يقع أكثر منها، وإذا قال
لها: أنت طالق طلاقا أو أنت الطلاق أو أنت طلاق، لم يقع الطلاق بشئ من ذلك إلا
149

بقوله: أنت طالق طلاقا، إذا نوى، ويكون قوله طلاقا تأكيدا.
وإذا كتب بطلاقها ولم يتلفظ به ولم ينوه لم يقع طلاق، فإن تلفظ به وكتبه وقع باللفظ
إذا كان معه النية للفرقة، فإن كتب ونوى ولم يتلفظ بذلك لم يقع به طلاق، هذا إذا كان
قادرا على اللفظ، فإن لم يكن قادرا على ذلك ونوى الطلاق وقع طلقة واحدة بغير زيادة
عليها، فإن خيرها في الطلاق مثل أن يقول لها: جعلت أمرك إليك أو أمرك بيدك أو
طلقي نفسك، لم يقع به طلاق.
والوكالة في الطلاق جائزة مع الغيبة دون الحضور، فإذا وكل في ذلك جاز للوكيل أن
يطلق في الحال ويجوز له أن يؤخر ذلك.
وإذا قال لزوجته قبل دخوله بها: أنت طالق ثلاثا، وقع من ذلك واحدة بائنة فإن
قال لها وهي غير مدخول بها: أنت طالق أنت طالق أنت طالق، فإنها تطلق بالأولى فتبين
بها ولا يلحقها طلقة ثانية ولا ثالثة بغير خلاف، وإذا قال لها: أنت طالق غرة شهر رمضان
أو رأس الهلال أو نصف الشهر أو في انسلاخه أو ما جرى مجرى ذلك، لم يقع به طلاق.
وإذا قال لها: كلما طلقتك فأنت طالق، ثم قال لها: أنت طالق، طلقت طلقة واحدة
بقوله: أنت طالق بالمباشرة، ولم يقع بالصفة شئ آخر، وإذا قال لها: كلما وقع عليك
طلاقي فأنت طالق، ثم قال لها: أنت طالق، فإنها تطلق واحدة بالمباشرة لا غير.
وإذا قال لغير المدخول بها: أنت طالق طلقة بعدها طلقة، طلقت طلقة بائنة ولا يقع
بها طلقة أخرى لأنها بانت بالأولى، فإن قال: أنت طالق طلقة قبلها طلقة، وقعت طلقة
واحدة بالمباشرة ولا تقع التي قبلها.
وإذا قال: أنت طالق أنت طالق، ونوى الإيقاع وقعت واحدة ولم يقع ما زاد عليها
سواء كان مدخولا بها أو غير مدخول بها إلا أنها تكون بائنة في غير مدخول بها كما قدمناه
ولم يقع بها بعد ذلك شئ، وإن كانت مدخولا بها فالأولى طلقه ويسأل عن الثانية
والثالثة، فإن قال: أردت تأكيد الأولى بها، قبل ذلك منه ولم تقع إلا طلقة كما ذكرناه
لأن الكلام يؤكد بالتكرار، وإن قال غير ذلك لم يلتفت إليه ولم يقع غير واحدة.
150

وإذا أكره الرجل على الطلاق فتلفظ به ليدفع به المكروه عن نفسه لم يقع طلاقه، وإذا
زال عقله بمرض أو جنون أو سكر ببنج أو شئ من الأودية أو شئ من المسكرات أو
ما أشبه ذلك لم يقع طلاقه.
وإذا قال له انسان: فارقت زوجتك، فقال: نعم، لزمه طلقة واحدة بإقراره لإيقاعها،
فإن قال: أردت بقولي " نعم " إقرارا مني بطلاق كان مني قبل هذه الزوجية، فإن
صدقته الزوجة كان الأمر على ما حكاه وإن كذبته كان عليه البينة، فإن لم يكن له بينة
كان القول قوله مع يمينه.
وإذا قيل له: خليت امرأتك، أو قيل له: أ لك زوجة، فقال: لا، لم يكن ذلك طلاقا،
وإذا قال لها: أنت طالق هكذا، مشيرا بإصبع فطلقت طلقة واحدة، فإن أشار إليها
بأصبعين أو أكثر كان مثل أصبع واحدة سواء.
وإذا قال لها: أنت طالق واحدة في اثنتين، وقصد الإيقاع وقعت واحدة سواء كان
من أهل الحساب أو لم يكن، وإذا قال لها: أنت طالق واحدة لا يقع عليك، لم يقع بها
طلقة لفقد النية للإيقاع، وإذا قال لها: أنت طالق أو لا؟ لم يقع به طلاق بغير خلاف لأنه
استفهام.
وإذا قال لها: أنت طالق اثنين، وقعت طلقة في الحال بقوله أنت طالق، إذا نوى
الفرقة وما عدا ذلك لغو، وإذا قال لها: أنت طالق نصف تطليقة أو ثلث تطليقة، لم يقع
طلاق جملة، وكذلك إذا قال: أنت طالق نصف طلقة أو ثلث طلقة أو سدس طلقة،
وما جرى مجرى ذلك لم يقع منه طلاق، وإذا قال: أنت طالق وطالق وطالق وقعت
الأولى إذا نوى الإيقاع ولم يقع ما زاد على ذلك.
وإذا كان له أربع زوجات فقال لهن: أوقعت منكن طلقة واحدة، لم يقع شئ، فإن
قال لهن: أوقعت منكن طلقة واحدة واحدة لم يقع أيضا شئ، فإن قال لهن: أوقعت
بينكن أربع تطليقات، ونوى طلقة كل واحدة منهن طلقت كل واحدة منهن.
وإذا قال: أنت طالق، ثلاثا إلا طلقة أو قال: إلا طلقتين أو قال: أنت طالق ثلاثا
151

إلا اثنتين أو قال: أنت طالق ثلاثا إلا اثنتين إلا واحدة، إذا نوى الفرقة أو لم ينو لم يقع
شئ، وكذلك إذا قال: أنت طالق خمسا إلا اثنتين، وكل ما جرى مجرى ذلك فإنه لا يقع
إلا واحدة مع النية.
والاستثناء إذا دخل معه في الطلاق لم يقع معه طلاق، ولو كان شرطا لم يقع ذلك
معه كما قدمناه لكنه إنما يرد لإيقاف الكلام عن النفوذ، ولو كان شرطا لوجب، إذا قال:
أنت طالق إن لم يشأ الله أن تطلقي، لأنا نعلم أنه تعالى لا يشاء الطلاق لأنه مباح، وهو
تعالى لا يريد المباح عند أكثر مخالفينا فدل ذلك على ما ذكرناه من أنه ليس بشرط، وإنما
هو لإيقاف الكلام عن النفوذ.
باب أقسام الطلاق
ولواحقه، وما يتعلق بذلك
الطلاق ضربان: أحدهما طلاق السنة والآخر طلاق العدة، وينقسم ذلك أقساما:
وهو طلاق المدخول بها وهي ممن تحيض وطلاق التي لم يدخل بها وهي ممن تحيض
والمدخول بها ولم تبلغ المحيض ولا في سنها من تحيض وطلاق التي لم تبلغ المحيض وفي سنها
من تحيض، والحامل المستبين حملها والآئسة من المحيض وليس في سنها من تحيض
والغائب عنها زوجها، وطلاق الغلام وطلاق المماليك وطلاق المريض.
وأما لواحق الطلاق فضربان: أحدهما له مدخل في بعض ضروب الطلاق ويقتضي
الفرقة والبينونة والآخر لا مدخل له في ذلك وإن اقتضى الفرقة والبينونة أو كان كالسبب
في ذلك، فأما الأول من هذين الضربين فهو النشوز والخلع والمباراة والشقاق وقد سلف
ذكر ذلك، وأما الثاني فهو الظهار والإيلاء واللعان والارتداد، وسيأتي بيان جميع ذلك فيما
بعد.
باب صفة طلاق السنة
طلاق السنة: هو: أن يطلق الرجل زوجته وهو غير غائب عنها على الشروط التي سلف
152

ذكرها من كونها غير حائض وكونها طاهرا في طهر لم يقربها فيه بجماع، و غير ذلك مما
قدمنا ذكره طلقة واحدة، ويتركها حتى تخرج من عدتها، فإذا خرجت منها ملكت نفسها
ولم يكن له عليها بعد ذلك سبيل وكان خاطبا من الخطاب، ومتى لم تخرج من عدتها كان
أملك برجعتها وله ردها، وإذا خرجت من العدة وأراد تزويجها لم يجز له ذلك إلا بعقد
جديد ومهر جديد.
فإذا تزوجها كذلك ودخل بها ثم أراد طلاقها فعل بها مثل ما فعله في الطلقة الأولى
من استيفاء الشروط، ويطلقها طلقة ثانية ويتركها حتى تنقضي عدتها، فإذا خرجت منها
كانت أملك بنفسها ولم يكن له عليها سبيل، فإن أراد بعد ذلك العقد عليها عقد عليها
عقدا جديدا بمهر جديد، فإن أراد طلاقها بعد ذلك فعل بها كما فعل في الطلقتين الأوليين
من استيفاء الشروط وطلقها، فإذا طلقها الثالثة لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره.
فإن تزوجت بين الطلقة الأولى والثانية أو بين الثانية والثالثة زوجا بالغا تزويج دوام
ودخل بها هدم هذا التزويج ما تقدم من الطلاق، وكذلك إذا تزوجت على هذه الصفة بعد
الطلقة الثالثة فإنه يهدم التطليقات الثلاث، ويجوز لها الرجوع إلى الزوج الأول بعقد جديد
ومهر جديد أبدا.
باب طلاق العدة:
طلاق العدة مخصوص بمن ترى دم الحيض، وصفته أن يطلقها على الشروط السالف
ذكرها، فإذا طلقها كذلك راجعها قبل انقضاء عدتها ولو بيوم أو يومين، فإذا أراد أن
يطلقها طلقة ثانية جامعها ثم استبرأها بحيضة وطلقها الثانية كما طلقها الأولى على
الشروط التي ذكرناها، فإذا طلقها استرجعها قبل أن تنقضي عدتها، فإذا أراد طلاقها
جامعها ثم استبرأها بحيضة وطلقها طلقة ثالثة على الشروط التي تقدم ذكرها، فإذا طلقها
الثالثة فقد بانت منه في الحال ولم تحل له حتى تنكح زوجا غيره، ولا يجوز لها أن تتزوج
غيره أيضا حتى تنقضي عدتها.
153

فإذا قضتها وتزوجت زوجا بالغا تزوج دوام ودخل بها ثم طلقها أو مات عنها، جاز لها
الرجوع إلى الأول بعقد جديد ومهر جديد، فإن راجعها كذلك وطلقها ثلاث تطليقات
أخر كما قدمناه لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره، فإذا تزوجت به على الصفة المقدم
ذكرها وطلقها أو مات عنها جاز لها الرجوع إليه بعقد جديد ومهر جديد، فإن طلقها بعد
ذلك ثلاث تطليقات أخر يكمل بها مع ما تقدم ذكره تسع تطليقات لم تحل له أبدا.
والزوج الذي يحلل رجوع المرأة إلى الأول هو أن يكون بالغا حرا كان أو عبدا،
ويكون تزويجه بها تزويج الدوام ويدخل بها، فإن اختل شئ من ذلك بأن يكون غير بالغ
أو كان بالغا ولا يدخل أو يكون بالغا وقد دخل بها ويكون التزويج متعة فإنه لا يجوز لها
الرجوع إلى الأول مع ذلك.
وأما المراجعة فأقل ما تحصل به أن يقبلها أو يلامسها أو ينكر طلاقها عند انقضاء
عدتها، فأي شئ فعل من ذلك كان رجعة، وإن أراد المراجعة من غير هذا الوجوه بأن
يختار ذلك ويتلفظ بها كان أيضا رجعة، والأفضل له أن يشهد على المراجعة شاهدين، فإن
لم يشهد على ذلك كان جائزا إلا أن الأفضل له.
والأحوط ما ذكرناه لأنه متى لم يشهد على ذلك وأنكرته المرأة وشهد له شاهدان
بالطلاق حكم به لها وثبت عليه الطلاق ولم يكن له عليها سبيل، و إذا راجعها وأراد أن
يطلقها طلقة أخرى للعدة لم يجز له ذلك حتى يجامعها ويستبرئها بحيضة كما ذكرناه، فإن
لم يجامعها أو عجز عن ذلك لم يجز له طلاقها للعدة، فإن أراد طلاقها وهو كذلك طلقها
للسنة.
باب طلاق المدخول بها
وهي ممن تحيض
هذا الطلاق قد تقدم بيانه فيما ذكرناه من صفة طلاق السنة والعدة، ولا حاجة إلى
إعادته.
154

باب طلاق التي لم يدخل بها
وهي ممن تحيض
إذا أراد الرجل طلاق هذه الزوجة طلقها واحدة أي وقت أراد على الشروط التي
قدمناه ذكرها إلا الحيض فإنه يجوز أن يطلقها وهي حائض أو غير حائض، فإذا طلقها
فقد بانت منه في الحال فإن كان بعد ذلك كان خاطبا من الخطاب، وجاز لها أن تتزوج
بعد حال الطلاق وليس عليها عدة، فإذا أراد مراجعتها لم يجز له ذلك إلا بعقد جديد ومهر
جديد، فإن راجعها وطلقها قبل الدخول بها فقد بانت منه أيضا بتطليقتين وهو بعد ذلك
خاطب من الخطاب، فإن أراد مراجعتها كان بعقد جديد ومهر جديد، فإن طلقها قبل
الدخول بها طلقة ثالثة، لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره على الشرط الذي تقدم ذكره.
ومن طلق زوجته قبل الدخول بها فعلى ضربين: إما أن يكون سمي لها مهرا أو
لا يكون سمي لها مهرا، فإن كان الأول وجب لها عليه نصفه وإن كان الثاني كان عليه
أن يمتعها على قدر حاله، فإن كان موسرا كان ذلك جارية أو دابة أو ثوبا قيمته خمسة
دنانير أو ما زاد على ذلك، وإن كان متوسط الحال فمن ثلاثة دنانير أو ما زاد عليها، وإن
كان معسرا فدينار أو خاتم أو ما جرى مجرى ذلك، ويعتبر في المتعة ما جرت العادة به من
حال المرأة والرجل.
باب طلاق المدخول بها ولم تبلغ المحيض
ولا في سنها من تحيض
إذا أراد الرجل طلاق زوجة له مدخول بها وهي لم تبلغ المحيض ولا في سنها من
تحيض وحد ذلك دون تسع سنين فليطلقها أي وقت أراد طلاقها، فإذا طلقها بانت منه
وصار عند ذلك خاطبا من الخطاب، فإن كان سمى لها مهرا وجب ذلك لها عليه على
كماله، وإن لم يكن سمى لها مهرا كان لها مهر مثل نسائها ولا يتجاوز بذلك مهر السنة
خمس مائة درهم، فإن كان لها تسع سنين وزائدا على ذلك ولم يكن حاضت بعد وأراد
155

طلاقها فينبغي له أن يصبر عليها ثلاثة أشهر ثم يطلقها بعد ذلك.
باب طلاق التي لم تبلغ المحيض وفي سنها من تحيض
إذا كان للرجل زوجة لم تبلغ المحيض وفي سنها من تحيض وأراد طلاقها، فينبغي له
أن يستبرئها بثلاثة أشهر، فإذا فعل ذلك طلقها إن أختار طلاقها.
باب
طلاق الحامل المستبين حملها
طلاق هذه المرأة إذا أراد زوجها طلقها أي وقت شاء، فإذا طلقها واحدة فهو أملك
برجعتها ما لم تضع حملها، فإذا استرجعها على هذا الوجه ثم أراد أن يطلقها طلاق السنة لم
يجز له ذلك حتى تضع حملها، فإن أراد أن يطلقها للعدة الطلقة التي قدمنا ذكرها جاز له
ذلك، وينبغي له إذا أراد ذلك أن يواقعها ثم يطلقها، فإذا فعل ذلك بانت منه بتطليقة
وهو أملك برجعتها، فإن استرجعها وأراد أن يطلقها واقعها ثم يطلقها بعد المواقعة، فإذا
فعل ذلك بانت منه بتطليقتين وهو أملك برجعتها، فإن استرجعها ثم أراد أن يطلقها
الثالثة واقعها ثم طلقها، فإذا طلقها الثالثة لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره، وليس لها أن
تتزوج حتى تضع حملها، فإن كانت حاملا باثنين فهي تبين من بعلها بوضعها الأول إلا
أنه لا يحل لها أن تتزوج حتى تضع الباقي من حملها.
باب طلاق الآيسة
من المحيض وفي سنها من تحيض
إذا كانت المرأة آئسة من المحيض وفي سنها من تحيض وأراد زوجها طلاقها فينبغي له
أن يستبرئها بثلاثة أشهر، فإذا استبرأها بذلك طلقها إن شاء، وحد من كانت كذلك أن
ينقص سنها عن خمسين سنة، فإن أراد طلاقها من غير استبراء بما ذكرناه لم يجز له ذلك.
156

باب طلاق الآيسة
من المحيض وليس في سنها من تحيض
إذا كانت المرأة آئسة من المحيض وليس في سنها من تحيض وحد ذلك أن يكون
سنها خمسين سنة أو أكثر من ذلك وأراد زوجها طلاقها طلقها أي وقت شاء، فإذا طلقها
بانت منه في الحال وكان بعد ذلك خاطبا من الخطاب.
باب طلاق الغائب عنها زوجها
الرجل الغائب عن زوجته إذا أراد طلاقها، فإن كان لما خرج عنها كانت طاهرة في
طهر لم يقربها فيه بجماع طلقها أي وقت شاء، وإن كانت طاهرة طهرا قد قربها فيه بجماع
وأراد طلاقها لم يجز له ذلك حتى يمضى لها ما بين شهر إلى ثلاثة أشهر ثم يطلقها بعد ذلك
أي وقت شاء.
وإذا أراد طلاقها طلقها طلقة واحدة، فإذا فعل ذلك كان أملك برجعتها ما لم تخرج
من عدتها وهي ثلاثة أشهر إن كانت ممن تحيض، فإذا راجعها فينبغي له أن يشهد على
المراجعة، فإن لم يشهد على ذلك وبلغ الزوجة الطلاق ثم اعتدت وكملت عدتها لم يكن له
عليها سبيل تزوجت أو لم تتزوج إلا بعقد جديد ومهر جديد، فإن طلقها وأشهد على طلاقها
ثم قدم من غيبته ودخل بها وأقام معها وجاءت بولد ثم ادعى أنه كان طلقها، لم يقبل
دعواه في ذلك إلا ببينة وإن أحضر بينة كان الولد لاحقا به.
وإذا كان له أربع نسوة، وغاب عنهن ثم طلق واحدة منهن وأراد أن يتزوج غيرها لم
يجز له ذلك حتى يمضى التي طلقها تسعة أشهر لأن في ذلك مدة الأجلين: وضع الحمل
وفساد الحيض، وإذا كان لرجل زوجة وهي معه في البلد غير أنه لا يصل إليها بالجملة،
كان حكمه حكم الغائب عن زوجته إذا أراد طلاقها، في أنه يصبر إلى أن يمضى ما بين
شهر إلى ثلاثة أشهر ثم يطلقها أي وقت أراد طلاقها.
157

باب طلاق الغلام
الغلام إذا كان يحسن الطلاق وكان سنه عشر سنين أو أكثر من ذلك وأراد الطلاق
كان ذلك جائزا، وكذلك يجوز صدقته وعتقه ووصيته، وإن كان سنه أقل من عشر سنين
أو يكون ممن لا يحسن الطلاق لم يجز طلاقه ولم يجز أيضا لوليه إن كان له ولي أن يطلق
عنه إلا أن يكون قد بلغ وهو مع ذلك فاسد العقل، فإنه إذا كان كذلك جاز لوليه أن
يطلق عنه.
باب طلاق المماليك
إذا كان للعبد زوجة حرة فطلاقها ثلاث تطليقات، فإن كانت الزوجة مملوكة كان
طلاقها طلقتين، فإن طلقها واحدة ثم عتقا جميعا بقيت معه على تطليقة واحدة، فإن عتقا
قبل أن يطلقها شيئا كان حكمها في الطلاق كحكم الحرة في أن طلاقها ثلاث تطليقات،
وإن كانت للحر زوجة مملوكة فطلاقها تطليقتان، فإذا طلقها كذلك لم تحل له حتى تنكح
زوجا غيره، فإن وطئها سيدها لم تحل للزوج بذلك ولا تحل له إلا بأن تدخل في مثل
ما خرجت منه من الزوجية، فإذا اشتراها الزوج الذي طلقها لم يحل له أيضا وطأها حتى
يزوجها من رجل يدخل بها ثم يطلقها أو يموت عنها، فإذا كان كذلك حل له وطؤها
بالملك، فإن طلقها واحدة ثم أعتقت بقيت معه على طلقة واحدة، وإن تزوجها بعد ذلك
وطلقها طلقة ثانية لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره.
باب طلاق المريض
لا يجوز طلاق المريض، فإن طلق كان طلاقه واقعا وورثته الزوجة ما بينه وبين سنة
إن لم يبرأ من مرضه ولا تتزوج المرأة، فإن برأ المريض ثم مرض بعد ذلك ومات لم ترثه
المرأة، وكذلك إن تزوجت المرأة بعد خروجها من عدتها لم يكن لها منه ميراث، فإن لم
تتزوج ومضى لها سنة ويوم لم يكن لها بعد ذلك ميراث، وهو يرث المرأة ما دامت في العدة
158

فإن خرجت منها لم يكن له ميراث، ولا فرق في ذلك بين أن يكون التطليقة أولة أو ثانية
أو ثالثة.
وإذا أعتقت الأمة تحت عبد وهي مريضة فاكتسبت مالا وأعتق العبد كان لها
الخيار، فإن اختارت الفسخ بطلت الزوجية وإن ماتت لم يرثها ولم ترثه هي أيضا،
والصغيرة إذا زوجها أخوها أو عمها ثم بلغت مريضة واختارت الفسخ، لم يرث واحد منها
الآخر.
باب الرجعة
قال الله تعالى: وبعولتهن أحق بردهن، أراد بذلك رجعتهن، والرد هو الرجعة، وقال
تعالى: الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، فبين بذلك أن الطلاق
مرتان ومعناه طلقتان، ثم قال تعالى: فإمساك بمعروف، بأن يراجعها لأن الإمساك
هاهنا هو الرجعة، وقال تعالى: فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن
بمعروف، وقال في موضع آخر: أو فارقوهن بمعروف، فخير بين الإمساك الذي هو
الرجعة وبين المفارقة.
وقال تعالى: يا أيها النبي إذا طلقتم النساء إلى قوله لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا،
يعني الرجعة، فالرجعة معلوم جوازها من الشرع على كل حال، فإذا كان كذلك فالاعتبار
في الطلاق بالزوجة إن كانت حرة فثلاث تطليقات، وإن كانت أمة فتطليقتان سواء
كانت تحت حر أو عبد، وعدة المرأة تكون بالأقراء أو بالحمل أو بالشهور، فإذا كانت
عدتها بالأقراء أو بالحمل قبل قولها في انقضاء عدتها.
فإذا قالت: قد خرجت من العدة، قبل قولها في ذلك مع يمينها لأنها مؤتمنة على
فرجها، لقوله تعالى: ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن، يريد الحيض
والحمل كذلك جاء في التفسير، فإن ادعت ما يمكن صدقها قبل قولها مع يمينها وإن ادعت
ما لا يمكن صدقها فيه، لم يقبل قولها لأن كذبها قد علم وتحقق.
159

فأما كيفية ما يمكن كونها صادقة فيه فجملته أنه لا يخلو من أن تكون من ذوات
الأقراء أو من ذوات الحمل، فإن كانت من ذوات الأقراء فإما أن تكون حرة أو أمة.
فإن كانت حرة فطلقها في حال طهرها فإن أقل ما يمكن فيه انقضاء عدتها ستة
وعشرون يوما ولحظتان تبيين ذلك، أنه ربما طلقها في آخر جزء من طهرها، فإذا مضى
جزء وراث الدم ثلاثة أيام وعشرة أيام طهرا وثلاثة أيام بعد ذلك دما فيكون قد حصل
لها قرءان في ستة عشر يوما ولحظة، فإذا رأت بعد ذلك عشرة أيام طهرا ثم رأت بعد ذلك
لحظة دما فقد خرجت من العدة فتكون الجميع ستة وعشرين يوما ولحظتين، وأقل ما يمكن
أن تنقضي به عدة الأمة ثلاثة عشر يوما ولحظتان، فإذا ادعت المرأة انقضاء عدتها في أقل
من المدة التي ذكرناها لم يقبل قولها لأن ذلك لا يمكن بمجرى العادة.
وإن كانت عدتها بالوضع فأقل ما يمكن أن تضع فيه ثمانون يوما لأنه يحتمل أن
يتزوجها الرجل فيدخل بها وتحبل، فتبقى النطفة أربعين يوما ثم تصير علقة أربعين يوما ثم
تصير مضغة، فإن وضعت ما يتصور فيه خلقة آدمي أو مضغة حلت، ولا فرق بين ما يتصور
فيه خلقت آدمي وبين المضغة لأنها مبتدأ خلق البشر، فإن ادعت وضع الحمل دون ذلك
كله لم يقبل قولها لأنه غير ممكن، وهذا وإن كان قولا للمخالفين فالاحتياط يقتضي أن
نقول به لأنها تخرج من العدة بذلك إجماعا، ولأنه ليس لنا في ذلك نص معين فنقول بما
يتضمنه فيه.
وإذا قالت: وضعت الحمل وسرق أو مات، صدقت في ذلك لأنها مؤتمنة عليه ولا
تطالب بإظهار الولد، وإنما يقبل قولها في انقضاء العدة بالحمل فأما في إلحاق النسب
والاستيلاد والطلاق إذا علق به فلا يقبل قولها فيه بل يرجع ذلك إلى الزوج، فإذا قال:
هي ولدته وليس مني، فإنه يلحقه نسبه لأجل الفراش إلا أن ينفيه باللعان، فإن قال:
ما ولدته هي بل استوهبته أو سرقته أو التقطته أو أسرته، لم يقبل قولها ويكون القول قوله
مع يمينه لأن إقامتها البينة على أنها ولدته ممكن لها، فإذا لم تقمها كان القول قوله مع يمينه.
وأما الأمة إذا أتت بولد وادعت أنه من سيدها رجع إلى السيد في ذلك، فإن قال:
160

هي ولدته وليس مني أو استوهبته أو التقطته أو سرقته أو ما أشبه ذلك، كان القول قوله
على كل حال لأنها ليست فراشا.
وإذا كانت معتدة بالشهور فطلقت كانت عدتها ثلاثة أشهر من وقت الطلاق، فإن
كانت ممن توفي عنها زوجها فأربعة أشهر وعشر من وقت الوفاة، لا يرجع في ذلك إلى
قبول القول لأنه مشاهد إلا أن يختلفا فيقول الرجل: طلقتك في شعبان، تقول المرأة: في
رجب، فيكون القول قوله مع يمينه لأن الأصل عدم الطلاق.
فإن كان ذلك بالعكس فقال الزوج: طلقتك في رجب، وقالت المرأة: بل في
شعبان، كان القول قولها لأنها تطول على نفسها العدة، غير أنه تسقط النفقة عن الزوج فيما
زاد على ما أقربه إلا أن تثبت بينة، كما إذا اختلفا فقال الزوج: طلقتك قبل الدخول،
وتقول هي: بعد الدخول، فإنما يقبل قول الزوج في سقوط نصف المهر فيسقط عنه ويقبل
قول الزوجة في وجوب العدة لأنه نصيبها.
والمطلقة طلقة رجعية لا يحرم تقبيلها ولا وطؤها، فمتى فعل زوجها ذلك كان رجعة،
وليس من شرط صحة الرجعة الإشهاد وإنما هو احتياط واستحباب، وإذا قال الرجل
لامرأته: راجعتك إن شئت، لم يصح لأنه لا اعتبار هاهنا بمشيئتها.
وإذا كانت الزوجة أمة فطلقها طلقة رجعية وادعى أنه كان راجعها وكذبته كان
القول قوله، فإن صدقته فالقول قولها ويحكم بصحة الرجعة، فإن قال السيد: كذبت هي
وأن الزوج ما راجعها، لم يقبل لأن الرجعة استباحة بضع يتعلق بالزوجين وليس بزوج فلا
يقبل ذلك منه.
وإذا طلقها طلقة رجعية واختلفا في الإصابة فقال الزوج: طلقتك بعد أن أصبتك ولي
عليك الرجعة ولك كمال المهر وعليك العدة، وقالت المرأة: طلقتني قبل أن تصيبني
فليس على عدة ولا لك على رجعة ولي عليك نصف المهر، كان القول قولها مع يمينها لأن
الطلاق إذا كان عن نكاح لا يعلم الإصابة به فيه فالظاهر وقوع الفرقة وحصول البينونة،
فإن ادعى الرجل الإصابة كان مدعيا لأمر باطن يريد أن يدفع به الظاهر، فإذا حلفت
161

سقطت دعواه وليس له عليها رجعة، ولا تجب عليها العدة والسكنى، والنفقة لا تجب عليه
وإن كان مقرا به لأنه ليس يقبل هذا الإقرار فلا حكم له، وإذا كان المهر في يده كان لها
عليه نصفه لأنها لا تدعي أكثر منه، وإن كان في يدها لم يجز للزوج أن يسترجع فيه
النصف لأنه أقر بأن جميع المهر لها، ولا يمكنه أن يسترجع شيئا لا يدعيه.
هذا إذا كان الزوج هو المدعي للإصابة وأنكرت الزوجة ذلك، فأما إن ادعت
الزوجة الإصابة وأنكر الزوج ذلك مثل أن تقول: طلقتني بعد الإصابة، و يقول الزوج:
طلقتك قبل الإصابة، فهي معترفة بثبوت الرجعة والعدة وتدعي كمال المهر، والزوج
معترف بأنه لا رجعة له عليها ولا يجب له عليها عدة، ولها عليه نصف المهر فإن القول قوله
مع يمينه لأن الأصل عدم الإصابة، والظاهر أن الفرقة قد وقعت والبينونة حصلت وعليها
البينة فيما تدعيه، فإن حلف سقطت دعواها وكان عليها العدة لأنها أقرت بوجوبها عليها،
ولا يجب لها سكنى ولا نفقة لأنها أقرت بأنها لا تستحقه والمهر يجب نصفه سواء كان في
يده أو في يدها، لأنه حلف أنه طلقها قبل الدخول فليس لها إلا النصف، فإن كان دفع
الجميع استرجع النصف، فإن تعلق في ذلك بالخلوة وأن لها تأثيرا في ذلك لم يلتفت إليه
لأن الخلوة لا تأثير لها هاهنا.
وإذا طلق الرجل زوجته ثلاثا مفترقات مشروعة لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره
ويصيبها ثم يطلقها أو يموت عنها وتعتد منه، فتحل للأول حينئذ.
والخصي على ضربين: مسلوب ومحبوب، فالمسلوب هو الذي سلب بيضتاه وبقي ذكره
وهذا إذا تزوجت به ووطئها حلت للأزواج لأنه أولج وإن كان لا ينزل، والإنزال غير
معتبر به في باب الإباحة لأنه لو التقى الختانان من السالم الصحيح ثم أكسل حلت للأول.
وأما المجبوب فإن لم يبق من ذكره شئ كان الوطء معدوما ولم يتعلق به إباحة، فإن
بقي ما لا يتبين فليس يبيحها للأول لأنه لا يغيب ولا يدخل، وإن بقي قدر ما يغيب منه إذا
أولج ويلتقي معه الختانان فإن ذلك يبيحها للأول، ولا فرق في ذلك بين أن يكون الزوج
حرا والمرأة أمة أو المرأة حرة والزوج عبدا، أو كانا مملوكين أو حرين أو كانت ذمية.
162

الطلاق بالنساء فإن كانت أمة فطلقتان، وإن كانت حرة فثلاث تطليقات سواء
كان الزوج حرا أو عبدا، فالحر إذا طلق زوجته الأمة طلقتين ثم ملكها لم تحل له إلا بعد
زوج يصيبها، ولا يجوز له وطؤها بملك اليمين إلا بعد ذلك أيضا.
وإذا قيل لرجل: أطلقت امرأتك؟ فقال: نعم بمحضر عدلين لزمه الطلاق في الظاهر
لأن معنى قوله نعم أي نعم طلقتها، فإن كان صادقا لزمه الطلاق ظاهرا وباطنا، وإن كان
كاذبا لزمه في الحكم ولم يلزمه فيما بينه وبين الله، وإذا رجع زوجته بلفظ النكاح مثل أن
يقول لها: تزوجتك أو نكحتك، كان رجعة إذا قصد ذلك.
وإذا تزوجت المطلقة ثلاثا بزوج فوجدها على فراشه فظن أنها أجنبية، فوطئها حلت
للأول لأن شرط الإباحة قد حصل وهو الوطء في نكاح صحيح، والمطلقة ثلاثا إذا
وجدها رجل على فراشه فظن أنها أمته أو زوجته فوطئها لم تحل للأول لأنه لم يطأها في
عقد، وإذا تزوجها الزوج الثاني إلى مدة كان ذلك متعة، ولم يحل مع ذلك للأول.
باب الظهار
قال الله تعالى: والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا، وعن الصادق
ع: قال: جاء رجل إلى النبي ص فقال يا رسول الله: ظاهرت
من امرأتي، قال: اذهب فأعتق رقبة، قال: ليس عندي، قال: فصم شهرين، قال:
لا أستطيع، قال: اذهب فأطعم ستين مسكينا، فقال: والذي بعثك بالحق لا أعرف بين
لابتيها أحدا أحوج إليه مني ومن عيالي، قال: اذهب وكل وأطعم عيالك.
فالظهار محرم في الشريعة، ألا ترى قوله تعالى: الذين يظاهرون منكم من نسائهم
ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم إلى قوله تعالى: فإطعام ستين مسكينا،
فبين في ذلك حكمه وذكر تحريمه بأنه قول منكر وزور، ثم ذكر الكفارة فأوجب فيها عتق
رقبة ثم صوم شهرين متتابعين ثم إطعام ستين مسكينا فإن ذلك مرتب، فثبت بذلك أن
للظهار حكما في الشريعة وأن الكفارة تتعلق بها.
163

فالظهار الحقيقي الذي ورد به الشرع هو أن يشبه الرجل جملة زوجته بظهر أمه أو إحدى
المحرمات عليه فيقول: أنت على كظهر أمي أو بنتي، أو يذكر غيرهما من المحرمات عليه
كالأخت أو ابنتها أو العمة أو الخالة وما جرى مجرى ذلك، فليس يصح حتى ينوي الرجل
به التحريم ويشهد عليه شاهدين في مجلس واحد، وتكون الزوجة طاهرا طهرا لم يقربها فيه
بجماع، فإن اختل مما ذكرناه شئ لم يصح الظهار، وكذلك لا يقع صحيحا إذا كان
مشروطا ولا يقع أيضا صحيحا إذا كانت المرأة حائضا، ولا يقع إلا بزوجة مدخول بها
حرة كانت أو أمة.
فإن كانت ملك يمين لم يقع بها ظهار وكذلك لا يقع بالتي لم يدخل بها، ويقع بالزوجة
إذا كانت حاملا، فإن قال لها: أنت مني كظهر أمي أو أنت معي أو عندي أو ما جرى
مجرى ذلك، كان مظاهرا لأن حروف الصفات يقوم بعضها مقام بعض، وكذلك إذا
قال: نفسك علي كظهر أمي، أو جسمك أو بدنك أو ما جرى مجرى ذلك كان ظهارا،
فإن شبه زوجته بعضو من أعضاء الأم غير الظهر مثل أن يقول: أنت علي كبطن أمي أو
كفرج أمي أو كرأس أمي، أو شبه عضوا من أعضاء زوجته بظهر أمه مثل أن يقول:
فرجك أو رجلاك أو رأسك، وما جرى مجرى ذلك وكذلك قوله: رجلك على كرجل
أمي أو بطنك علي كبطن أمي أو فرجك علي كفرج أمي وما أشبه ذلك، ونوى الظهار
كان بجميع ذلك مظاهرا.
فإن قال لها: أنت علي كأمي أو مثل أمي كان ذلك كناية، يحتمل مثل أمي في
الكرامة ويحتمل مثلها في التحريم فالتحريم يرجع إليه، فإن قال: مثلها في الكرامة، لم يكن
ظهارا، وإن قال: أردت مثلها في الترحيم، كان ظهارا وإن أطلق لم يكن ظهارا، لأنها
كناية لم يتعلق الحكم بمجردها إلا ببينة.
فإن قال لها: أنت على كظهر أبي، لم يكن ظهارا نوى أو لم ينو، فإن شبه زوجته
بإحدى جداته من قبل أبيه أو من قبل أمه قريبة كانت أو بعيدة، كان بذلك مظاهرا لأن
الأم يطلق عليها حقيقة ومجازا، وإن كان في ذلك خلاف إلا أن الظاهر عندنا ما ذكرناه،
164

فإن شبهها بامرأة تحل له لكنها محرمة في الحال مثل المطلقة ثلاثا أو أخت امرأته
أو عمتها أو خالتها فإنه لا يكون مظاهرا، فإن شبهها بامرأة محرمة عليه على التأبيد غير الأمهات مثل
البنات وبنات الأولاد من البنين والبنات والأخوات وبناتهن والعمات والخالات فعندنا
إنهن يجرين مجرى الأمهات.
فأما النساء المحرمات عليه بالرضاع والمصاهرة فالظاهر أنه لا يكون بهن مظاهرا.
فإذا قال لزوجته: ما ذكرنا أن الظاهر يقع به ويثبت معه التحريم مع الشروط التي
بيناها في ذلك، حرم عليه وطؤها ولم يحل له ذلك منها حتى يكفر، فإن واقعها مرة واحدة
قبل أن يكفر كان عليه كفارة أخرى، فإن واقعها أكثر من مرة كان عليه لكل مرة
كفارة.
وإذا كان للرجل من الزوجات أكثر من واحدة فظاهر منهن في حال واحدة كان عليه
لكل واحدة منهن كفارة، وقد روي أن عليه كفارة واحدة، والاحتياط يقتضي ما ذكرناه
أولا، وإذا ظاهر الرجل من زوجته مرة بعد أخرى كان عليه لكل مرة كفارة.
والكفارة الواجبة في الظهار ما تضمنته الآية وهو عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين
متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا، ولا يجزئ للمظاهر الصوم إلا بعد العجز عن
العتق ولا يجزئه إطعام إلا بعد العجز عن الصوم، فإن كفر بواحدة وهو قادر على أن يكفر
بما قبلها كان عليه أن يكفر بالكفارة المتقدمة، دون ما يليها، فإن لم يكفر بواحدة من
الثلاث الكفارات، لم يجز له وطؤها وكان له القيام معها، فإن طلبت فراقه ورافعته إلى
الحاكم أجله ثلاثة أشهر، فإن كفر وإلا ألزمه طلاقها، فإن كان غير قادر على الكفارة لم
يلزمه الطلاق.
وإذا أراد المظاهر الصوم فعليه أن يصوم شهرين متتابعين، فإن صام شهرا وصام من
الثاني شيئا كان له أن يصوم ما بقي عليه متفرقا، وإن لم يصم من الثاني شيئا وأفطر كان
عليه أن يبتدئ الصوم من أوله، فإن أفطر قبل أن يتم صوم الشهر الأول لمرض جاز له
البناء على ما تقدم، وإذا دخل المظاهر في الصوم وقدر على الرقبة كان له المضي في صومه،
165

والأفضل له أن يعدل إلى الرقبة، وإذا عجز عن الإطعام صام ثمانية عشر يوما، فأعجز عن
ذلك أيضا لم يجز له وطء زوجته التي ظاهر منها وبقي على ذلك إلى أن يكفر، والإطعام
نصف صاع لكل رجل.
وإذا طلق المظاهر زوجته قبل أن يكفر سقطت الكفارة عنه، فإن راجعها قبل أن
تنقضي عدتها لم يجز له وطؤها حتى يكفر، فإن خرجت من عدتها وعقد عليها بعد ذلك
عقدا جديدا لم يلزمه كفارة وجاز له وطؤها، وإذا ظاهر العبد من زوجته كان ظهاره واقعا
وكان عليه الكفارة، والكفارة الواجبة عليه في ذلك صوم شهر واحد لا غير، وإذا حلف
الرجل بالظهار له يلزمه حكمه ولا يقع الظهار إلا مع الاختيار، ولا يقع مع الإكراه ولا
للغضب ولا السكر ولا في إصرار.
وإذا قال لزوجته: أنت طالق كظهر أمي، لم يقع بذلك ظهار نوى ذلك أو لم ينوه،
وكذلك لو قال: أنت حرام كظهر أمي، لم يكن ظهارا، وإذا كان له زوجتان فقال
لإحداهما: أنت علي كظهر أمي، ثم قال للأخرى: شركتك معها، لم يكن قوله للثانية
ظهارا، وإذا قال لزوجته: أنت علي كظهر أمي إن شاء زيد، لم يكن ظهارا وقد ذكر
بعض أصحابنا أن ذلك ظهار، والظاهر من المذهب الأول، وإذا قال لها: أنت علي
كظهر أمي إن شاء الله، لم ينعقد بذلك ظهار، وإذا قال لها: أنت على كظهر أمي يوما أو
يومين أو شهرا أو شهرين أو سنة أو سنتين، لم يكن بذلك مظاهرا.
باب الإيلاء
قال الله تعالى للذين يولون من نسائهم تربص أربعة أشهر الآية، والإيلاء معلوم من
دين الاسلام وهو في اللغة عبارة عن اليمين عن كل شئ، فأما في الشرع فمخصوص بيمين
الرجل على أن لا يطأ زوجته، ومذهبنا أن يحلف على أن لا يطأها أكثر من أربعة أشهر، فإن
حلف على أربعة أو ما دونها لم يكن موليا وإنما قلنا ذلك لقوله تعالى: للذين يولون من
نسائهم تربص أربعة أشهر، فأضاف إليهم بلفظ الملك مدة الأربعة فثبت أن ما بعدها
166

ليس له، وأيضا فلو لا أنه نزلت بالفئة ما يقتضي الغفران لما أخبر عن الغفران عنه.
وصفته أن يحلف الرجل بالله تعالى أن لا يجامع زوجته ويقيم على يمينه، فإن فعل ذلك
كانت الزوجة مخيرة بين المقام معه والصبر عليه وبين مخاصمته ومرافعته إلى الحاكم، فإن
استعدت عليه أنظره الحاكم بعد مرافعتها إليه أربعة أشهر ليراجع نفسه ويرتئي في أمره،
فإن كفر عن يمينه وراجع زوجته فلا حق لها عليه، وإن أقام على الامتناع من مجامعتها خيره
الحاكم بين أن يكفر ويرجع إلى زوجته أن يطلقها، فإن امتنع من الرجوع إليها والطلاق
جميعا وثبت على الإضرار بها ضيق الحاكم عليه في المطعم والمشرب، وذكر أنه يحبسه في
حظيرة من قصب حتى يفئ إلى أمر الله تعالى ويراجع زوجته أو يطلق، فإن طلقها فهو
أملك بردها ما لم تخرج من عدتها، فإن خرجت من عدتها لم يكن له عليها سبيل.
ولا يقع الإيلاء بالزوجة إلا بعد الدخول بها، فإن آلى الرجل قبل الدخول بها لم يلزمه
الإيلاء، ولا يكون الإيلاء إلا باسم الله تعالى، فإن آلى بغير اسم الله أو حلف بالطلاق أو
العتاق لم يكن بذلك إيلاء، ويراجع زوجته ولا شئ عليه.
وإذا ادعت الزوجة على الرجل أنه لا يقربها وأنكر هو ذلك وذكر أنه يقربها، كان عليه
اليمين بأن الأمر على ما ادعاه ولم يكن عليه شئ، وإذا كانت المرأة متمتعا بها لم يقع بها
إيلاء، وإذا حلف أن لا يجامع زوجته وهي مرضعة خوفا من انقطاع لبنها، فيستضر بذلك
ولدها لم يكن عليه شئ لأنه حلف في صلاح، وإذا هجر الرجل زوجته سنة أو أكثر أو
أقل لم يكن ذلك إيلاء، ويراجع زوجته وليس عليه شئ.
فأما ألفاظ الإيلاء فمثل قوله: والله لا آتيك والله لا أدخل ذكري في فرجك والله
لا أغيب ذكري في فرجك والله لا أوطئك، لا أصبتك لا باشرتك لا جامعتك لا لامستك
لا باضعتك وما جرى مجرى ذلك، فجميعه محتمل عندنا، فإن نوى به الجماع في الفرج
كان إيلاء، وإن لم ينو ذلك لم يكن إيلاء ولا يثبت به حكم الإيلاء جملة.
فإذا قال: إن وطئتك فأنت طالق ثلاثا، كان ذلك باطلا ولا حكم له عندنا، وإذا
قال لها: أنت علي حرام، لم يتعلق بذلك حكم عندنا لا طلاق ولا ظهار ولا عتاق ولا يمين
167

في إيلاء ولا غيره نوى ذلك أو لم ينو.
وإذا قال لها: إن أصبتك فعبدي حر عن ظهاري إن تظاهرت لم يتعلق بذلك حكم
لا عتاق ولا ظهار لأنه مشروط، وهما لا يتعلقان بشروط ولا يتعلق به إيلاء لأنه ليس
بيمين بالله تعالى، وإذا قال لها: والله لا أصبتك، ثم قال لزوجته له أخرى: قد أشركتك
معها في الإيلاء، لم تكن شريكتها في ذلك وكان موليا في الأولى دون الثانية لأن اليمين
بالله تعالى ينعقد لأجل حرمة اللفظ، وهو أن يحلف بالله تعالى أو بشئ من صفات ذاته،
وقوله: قد أشركتك معها في الإيلاء، لفظ لا حرمة له، واليمين بالله بالكنايات لا ينعقد،
فسقط ذلك في حق الزوجة الثانية وثبت في الأولى.
وإذا آلى منها بالطلاق فقال لها: أنت طالق إن أصبتك، ثم قال لأخرى: قد
أشركتك معها، لم يكن موليا من واحدة منهما لأنه لم يحلف بالله تعالى.
وإذا آلى من امرأته تربص أربعة أشهر ثم وقف لها، فإن اختلفا في المدة فقالت: قد
انقضت، وقال الرجل: ما انقضت، كان القول قوله مع يمينه لأن الأصل أنها ما انقضت،
فإن اختلفا في ابتداء المدة كان القول أيضا قول الرجل مع يمينه لأن الأصل أن لا يمين،
وإذا آلى من الرجعية صح الإيلاء لأنها في حكم الزوجات، فإذا كان كذلك فإن المدة
تحسب عليه ما دامت في العدة من وقت اليمين لأنها مباحة الوطء وإذا ادعى الإصابة
وأنكرت المرأة ذلك كان القول قوله مع يمينه، فإن كانت بكرا لم يجر الحكم فيها بمثل ذلك
لأن الإيلاء لا يصح إلا بعد الدخول وقد ذكرنا ذلك فيما تقدم.
وإذا آلى من زوجته ثم ارتدا أو أحدهما لم تحسب المدة عليه لأنها إنما تحسب إذا كان
المانع من الجماع اليمين وهاهنا المانع اختلاف الدين، وأيضا فإنه لا يمكنه الفئة بعد
التربص ولا الطلاق.
وإذا آلى من زوجته وهو صحيح ثم جن فالمدة محسوبة عليه لأن العذر من جهته في
زوجته تامة، فإذا انقضت المدة وهو مجنون لم يكن عليه مطالبة لأنه غير مكلف، وإذا آلى
منها ثم جنت هي فإن فرت منه ولم تقم في يده لم تحسب المدة عليه لأن العذر من جهتها،
168

فإن كانت في يده كانت المدة محسوبة عليه لأنه متمكن من وطئها، فإن انقضت المدة
وهي منونة لم يقف ولا مطالبة عليه في حقها لأن الحق يختص بها وليست من أهل
المطالبة به لكن يقلل له: اتق الله ووفها حقها بطلاق أو وطء، فإن طلق فلا كلام وإن
وفاها حقها بالوطئ حنث هاهنا لأنه عاقل قاصد إلى المخالفة.
الذمي يصح منه الإيلاء كما يصح من المسلم، فإذا ترافعا ذميان إلى حاكم المسلمين
في ذلك كان مخيرا بين أن يحكم بينهما أو يعرض عنهما ويتركهما مع أهل ملتهما في ذلك.
169

" كتاب اللعان والارتداد "
قال الله تعالى: والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة
أحدهم أربع شهادات بالله الآيات، فبين في ذلك اللعان وترتيبه وكيفيته.
وروي عن رسول الله ص أنه أتاه عويم العجلاني فقال: يا رسول الله
أ رأيت الرجل يجد مع امرأته رجلا أ يقتله فيقتلونه أم كيف يصنع؟ فقال ع: قد
أنزل الله فيك وفي صاحبتك فات بها، فجاء بها فتلاعنا.
واللعان معلوم من دين الاسلام بغير إشكال، وصفته أن يجلس الحاكم مستدبر القبلة
ويقف الرجل بين يديه والمرأة عن يمينه ولا يقعدهما، ثم يقول الرجل: أشهد بالله أنني لمن
الصادقين فيما ذكرت عن هذه المرأة من الفجور، فإذا قال ذلك مرة قال له: أشهد بالله ثانية،
فإذا شهد ثانية قال له: أشهد ثالثة، فإذا شهد ثالثة قال: أشهد رابعة، فإذا شهد أربع مرات
أنه لمن الصادقين، قال له: اتق الله تعالى واعلم أن لعنة الله شديدة وعقابه أليم، فإن كان
حملك على على ما قلت غيرة أو سبب من الأسباب فراجع التوبة فإن عقاب الدنيا أهون من
عقاب الآخرة، فإن رجع عن قوله جلده حد المفتري ثمانين جلدة ورد عليه زوجته، وإن لم
يرجع عن ذلك وأقام على ما ادعاه قال له: قل إن لعنة الله على إن كنت من الكاذبين.
فإذا قال ذلك قال للمرأة: ما تقولين فيما رماك به هذا الرجل، فإن اعترفت به رجمها
حتى تموت، فإن لم تعترف وأنكرته قال لها: اشهدي بالله أنه لمن الكاذبين فيما قذفك به
170

من الفجور، فإذا شهدت مرة وقالت: أشهد بالله أنه لمن الكاذبين فيما قذفني به، طالبها
بأن تشهد ثانية فإذا شهدت بذلك طالبها بها ثالثة فإذا شهدت طالبها بها رابعة فإذا
شهدت ذلك، وعظها كما وعظ الرجل ثم قال لها: اتقي الله فإن غضب الله شديد فإن
كنت قد افتريت ما قذفك به فتوبي إلى الله فإن عقاب الدنيا أهون من عقاب الآخرة، فإن
اعترفت بالفجور رجمها وإن أقامت على تكذيب الرجل قال لها: قولي إن غضب الله على
إن كان من الصادقين، فإذا قالت ذلك فرق بينهما ولم تحل له أبدا وقضت العدة منه منذ
لعانها له، فإن نكل الرجل أو المرأة عن اللعان قبل أن تكمل الشهادات كان على الذي
نكل منهما الحد إن كان الرجل، وإن كانت المرأة عليها الرجم.
وإذا كان له زوجة حرة فقذفها بالفجور وادعى عليها المشاهدة لرجل يطأها في الفرج
وكان له بينة تشهد بذلك وشهدت به البينة ثبت اللعان بينهما لأن البينة إنما أسقطت الحد
دون اللعان.
وإذا أنكر الرجل ولد زوجته وهي في حباله أو بعد فراقها بمدة الحمل إن لم تكن
نكحت زوجا غيره، وأنكر ولدها لأقل من ستة أشهر من فراقه لها، فإن كانت قد نكحت
زوجا غيره ولم يدعه الثاني لاعنها بدعوى مشاهدته بفجورها، فإن كان قذفها بغير نفي
الولد، بغير طلاقه لها وبعد انقضاء عدتها لم يكن بينه وبينها لعان وجلد حد المفتري، وإذا
أكذب الرجل نفسه بعد اللعان لم يكن عليه شئ ولا ترجع زوجته إليه وقد روي أن عليه
الحد، والظاهر أنه ليس عليه ذلك.
وإذا اعترف بالولد قبل انقضاء اللعان ألحق به وتوارثا وكان عليه الحد، وإن اعترف
به بعد اللعان ألحق به ولم يرث الابن، والابن يرثه ويكون ميراث الابن لأمه ولمن يتقرب
إليه منها دون أبيه ومن يتقرب إليه به، وإن اعترفت المرأة بالفجور بعد تقضي اللعان لم
يكن عليها شئ إلا أن تقر على نفسها بالفجور أربع مرات، فإن أقرت كذلك بأنها زنت
وهي محصنة كان عليها الرجم، وإن كانت غير محصنة كان عليها الحد مائة جلدة.
وإذا قال الرجل للمرأة: يا زانية أو قد زنيت، ولم يقم بينة بذلك أربعة شهود كان
171

عليه حد المفتري، وإن قذفها ولم يدع المشاهدة مثل الميل في المكحلة لم يكن بينهما لعان
وكان عليه أيضا حد المفتري، وإذا قال: وجدت معها رجلا في إزار ولم أعلم ما كان بينهما،
عزر ولم يفرق بينهما.
وإذا قذفها بما يجب فيه اللعان وكانت صماء أو خرساء فرق بينهما ولم يكن بينهما لعان
لأن اللعان إنما يكون باللسان، ولم تحل له أبدا وعليه حد المفتري إن قامت بينة القذف
عليه، وإن لم يقم عليه بذلك بينة لم يكن عليه شئ، وإذا قذفها قبل الدخول بها لم يكن
لعان لأن اللعان إنما يثبت بعد الدخول وكان عليه الحد.
ولا لعان بين الرجل ومملوكته ولا بينه وبين زوجته المتمتع بها، وإن كانت له امرأة
يهودية أو نصرانية ثبت اللعان بينهما، وقد ذكر أنه لا لعان بينهما والصحيح ثبوته بينهما، وإذا
انتفى من ولد امرأة وهي حامل صحت الملاعنة بينهما، فإن نكلت عن ذلك قبل استكمال
الشهادات لم يقم عليها الحد حتى تضع حملها، وإذا ولدت زوجة الرجل توأمين وأنكر
واحدا منهما واعترف بالآخر، لم يجز له ذلك لأن الحمل واحد.
وإذا طلق زوجته قبل الدخول بها وادعت أنها حامل منه وأنكر الولد، فإن قامت لها
بينة بذلك بأنه خلا بها وأرخى الستر ثبت اللعان بينهما وكان عليه المهر على كماله، وإن لم
تقم بينة بذلك كان عليه نصف المهر وكان عليها الحد بعد أن يحلف بالله تعالى أنه لم
يدخل بها.
وإذا قذف زوجته وادعى المشاهدة مثل الميل في المكحلة وهي في عصمته أو يكون قد
طلقها طلاقا يملك فيه رجعتها ثبت اللعان بينهما، وإن قذفها بعد انقضاء عدتها أو في عدة لا
رجعة له عليها فيها لم يكن بينهما لعان وكان عليه حد الفرية، وإذا قذف زوجته وترافعا
إلى الحاكم وماتت الزوجة قبل الملاعنة وقام من أهلها رجل مقامها ولاعنها لم يكن له منها
ميراث، وإن لم يقم من أوليائها أحد مقامها في الملاعنة كان للزوج ميراثه منها وعليه الحد
ثمانون جلدة، وإذا قذف زوجته بعد اللعان كان عليه حد القاذف ثمانون جلدة.
فإن قال لها لم أجدك عذراء كان عليه التعزير ولم يجب حدا كاملا، وإذا قذفت الأمة
172

ووجب بقذفها التعزير ثم ماتت كان لسيدها المطالبة به لأنها كانت ملكه وهو أولى
الناس بها.
وإذا ادعت الزوجة عليه أنه قال: يا زانية، فأنكر ذلك وقال: ليست بزانية، ثم قامت
البينة عليه بأنه قال لها ذلك وأنه يكذب نفسه يلزمه الحد لقيام البينة، وليس له أن يلاعن
لأنه قد تقدم الإقرار منه بأنها ليست بزانية، فليس له أن يحقق كونها زانية بلعانها مع تقدم
إنكاره، وإذا قال الصبي لزوجته: يا زانية، لم يكن ذلك قذفا ولا يلزمه به الحد بغير خلاف
لأن القلم مرفوع عن الصبي حتى يبلغ، فإذا بلغ وأراد أن يلاعن لم يجز له ذلك لأن
اللعان إنما يكون لتحقيق القذف وقد ذكرنا أنه لا قذف له. والمطلقة طلاقا رجعيا إذا
قذفها زوجها في حال عدتها كان عليه الحد وله إسقاطه باللعان لأنها في حكم الزوجات،
فلو أبانها أو خلع أو فسخ ثم قذفها بزنى أضافه إلى حال الزوجية كان الحد لازما، فإن كان
هناك نسب كان له إسقاطه باللعان وإن لم يكن هناك نسب لم يكن له أن يلاعن، وإذا
كان له أن يلاعن وينفي النسب وكان الولد قد انفصل كان له أن يلاعن لنفسه وإن لم
يكن انفصل وكان حملا وأراد تأخير اللعان إلى أن ينفصل كان له ذلك، وإن أراد اللعان
في الحال كان له ذلك أيضا. وإذا قذف زوجته بإصابة رجل لها في دبرها كان عليه الحد
وله إسقاطه باللعان، فإن قذف أجنبيا أو أجنبية بذلك كان عليه حد القذف.
وإذا قال لزوجته: يا زانية بنت الزانية، كان قاذفا لها ولأمها بالزنى وعليه الحد لكل
واحدة منها حد كامل، وله اسقاط حد الأم بالبينة حسب لأنها أجنبية وله اسقاط حد
البنت بالبينة وباللعان لأنها زوجة، وإذا أعطى واحدة منهما عن حقه لم يسقط حق
الآخر، ومن طالب منهما بذلك قبل صاحبه كان له ذلك، فإن اتفقا في حال المطالبة كان
ذلك من باب التخيير.
وقد بينا فيما سلف كيفية اللعان، فأما مكانه فينبغي أن يلاعن بينهما في أشرف
المواضع، فإن كان بمكة فبين الركن والمقام وإن كان بمدينة ففي مسجد النبي ص
عند المنبر وإن كانت ببيت المقدس ففي المسجد عند الصخرة وإن كان في غير
173

ذلك من البلاد ففي المسجد الجامع، وأما وقت ذلك فبعد العصر، وأما الجمع فيعتبر لقوله
تعالى: وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين.
ومن شرط صحة اللعان الترتيب فيبدأ بلعان الزوج وبعده لعان المرأة، فإن خالف
الحاكم ذلك وبدأ بلعان المرأة لم يعتد به، وإن حكم لم ينفذ حكم به، وإذا كانت المرأة
حائضا وأرادت اللعان لم تدخل المسجد لذلك بل يلاعن على بابه، ويخرج الحاكم إليها
يستوفي اللعان عليها.
وإذا قذف الرجل زوجته ومات أحدهما، فإن كان الميت هي الزوجة وكان موتها قبل
اللعان فقد ماتت على حكم الزوجية يرثها الزوج وليس له أن يلاعن لنفي الزوجية لأنها
قد زالت بالموت، وإن كان موتها بعد اللعان فقد ماتت بعد ثبوت أحكام اللعان ولا يؤثر
موتها شيئا أكثر من سقوط الحد عنها بلعان الزوج لا بموتها، فإن مات الزوج قبل اللعان فقد
مات على حكم الزوجية وورثته المرأة لبقاء الزوجية.
وإذا قال لزوجته: أنت أزنى الناس، لم يكن قاذفا بظاهره لأنه يتحقق أنها لا تكون
أزنى الناس كلهم لأن الناس لا يكون كلهم زناة، فإن قال: أردت أنها أزنى من الناس
كلهم، قيل له قد فسرت كلامك بمحال ويسقط حكمه، وإن قال: أردت أنها أزنى الناس
من زناة الناس، كان قاذفا لها ولجماعة غير معينين، وإذا لم يعين المقذوف لم يكن عليه
شئ.
وإذا قال لزوجته: زنيت وأنت صغيرة، فإن فسر ذلك بما لا يحتمل القذف مثل أن
يقول: زنيت ولك سنتان أو ثلاث سنين، علم كذبه لأن ذلك لا يتأتى فيها ولا يجب
عليه حد ولا تعزير قذف بل تعزير سب وشتم ولا يكون له اسقاط ذلك باللعان، وإن فسر
ذلك بما يحتمل القذف مثل أن يقول: زنيت ولك تسع سنين أو عشر سنين، فهذه يتأتى
فيها الزنى وقد قذفها به إلا أنه لا حد عليه لأن الصغيرة ناقصة، لا يجب الحد برميها لكن
تعزير قذف وله إسقاطه باللعان.
وإذا قذف زوجته وهي أمة عمرو فله إسقاطه باللعان، وإذا قال رجل لزوجته:
174

يا زانية، فقالت: بل أنت زان، كان كل واحد منهما قاذفا للآخر، ولا حد على واحد منهما
وعليهما التعزير، وإذا قال لزوجته ولأجنبية: زنيتما أو أنتما زانيتان، كان قاذفا لهما ووجب
عليه الحد، ويخرج عن حد الأجنبية بالبينة حسب وعن حد الزوجة بالبينة أو باللعان.
وإذا قذف أربع زوجات كان عليه الحد وله إسقاطه باللعان، وينبغي أن يلاعن كل
واحدة لعانا منفردا لأنه يمين واليمين لا يتداخل في حق الجماعة بغير خلاف، فإن تراضين
باللعان بمن يبدأ بلعانها بدأ بها، وإن تشاححن في ذلك أقرع بينهن وبدأ بمن خرجت لها
القرعة، وإذا قذف زوجته وادعى عليها أنها أقرت بالزناء وأنكرت وأقام شاهدين فشهدا
عليها أنها أقرت بالزناء لم يثبت ذلك عليها إلا أن يشهد عليها بذلك أربعة شهود عدول،
وإذا قذف امرأة ثم اختلفا فقال: قذفتها وهي صغيرة، فعلى الرجل التعزير وقالت: بل
قذفني وأنا كبيرة، فعليه الحد ولم يكن لأحدهما بينة، كان القول قوله مع يمينه لأن الأصل
الصغر، فإذا حلف عزر ولم يجب عليه حد.
والمرتد عن دين الاسلام على ضربين: أحدهما أن يكون مولودا على فطرة الاسلام
والآخر يكون قد أسلم بعد كفر ثم ارتد بعد هذا الاسلام، فإن كان مسلما مولودا على
فطرة الاسلام ثم ارتد فقد بانت منه زوجته في الحال وقسم ما له بين ورثته وقتل من غير أن
يستتاب وكان على زوجته أن تعتد عدة المتوفى عنها زوجها.
وإن كان ممن أسلم بعد كفر ثم ارتد استتيب، فإن عاد إلى الاسلام كان العقد بينه
وبين زوجته ثابتا وإن لم يعد إلى الاسلام قتل، فإن لحق بدار الحرب ثم عاد إلى الاسلام
قبل خروج زوجته من عدتها لم يكن له عليها سبيل، فإذا مات المرتد قبل انقضاء العدة
ورثته الزوجة واعتدت منه عدة المتوفى عنها زوجها، وإن ماتت الزوجة وهو مرتد لم يرث
منها شيئا على حال.
175

باب العدد والاستبراء:
قال الله تعالى: والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر
وعشرا الآية، وقال تعالى: والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء، وقال: ثم
طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها، وقال: وأولات
الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن، وقال: وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم الآية.
والعدة ضربان: أحدهما عدة طلاق والآخر عدة وفاة.
فعدة الطلاق ضربان: عدة طلاق الحرة وعدة طلاق الأمة، فعدة طلاق الحرة
ضربان: طلاق التي ترى المحيض وطلاق الآئسة من المحيض وفي سنها من تحيض.
فأما عدة التي ترى الحيض فثلاثة أقراء وهي الأطهار سواء كان الذي طلقها حرا أو
عبدا، وأما عدة الآئسة من المحيض وفي سنها من تحيض فثلاثة أشهر سواء كان الذي
طلقها حرا أو عبدا أيضا.
وأما عدة طلاق الأمة فضربان: عدة التي ترى المحيض وعدة الآئسة من المحيض وفي
سنها من تحيض، فأما عدة التي ترى المحيض فهي قرءان سواء كان الذي طلقها حرا أو
عبدا، وأما عدة الآئسة من المحيض وفي سنها من تحيض فخمسة وأربعون يوما، وعدة
المتمتع بها إذا انقضى أجلها وكان الرجل حيا، مثل عدة الأمة المطلقة سواء.
وأما عدة الوفاة فضربان: عدة الحرة المتوفى عنها زوجها وعدة الأمة المتوفى عنها
زوجها وليست أم ولد، فأما عدة الحرة المتوفى عنها زوجها فأربعة أشهر وعشرة أيام سواء
كانت زوجة دوام أو متمتعا بها وسواء كان الزوج حرا أو عبدا، وأما عدة الأمة من وفاة
زوجها وليست أم ولد فهي شهران وخمسة أيام سواء كان زوجها حرا أو عبدا وسواء كانت
زوجة دوام أو متعة.
وإذا طلق الرجل زوجته ولم يكن دخل بها فلا عدة عليها، وإن كان دخل بها ولم تبلغ
المحيض ولا في سنها من تحيض فلا عدة عليها، ولها أن تعقد النكاح على نفسها في الحال
سواء كانت حرة أو أمة، وإذا طلق الرجل زوجته وهي آئسة من المحيض وليس في سنها
176

من تحيض وقد تقدم ذكر حد ذلك فلا عدة أيضا عليها، ولها أن تعقد النكاح على نفسها
في الحال سواء كانت أيضا حرة أو أمة.
وعدة الحامل المطلقة أن تضع حملها ولو كان بعد الطلاق بغير فصل، وتحل للأزواج
سواء كان ما وضعته تاما أو غير تام سقطا أو غير سقط، فإن كانت حاملا باثنين فوضعت
أحدهما فقد ملكت نفسه إلا أنه لا يجوز لها العقد على نفسها لرجل حتى تضع ما في بطنها
وقد تقدم ذكر ذلك، وإذا وضعت جميع ما في بطنها جاز لها العقد على نفسها، فإن ارتابت
بالحمل بعد الطلاق أو ادعت ذلك صبر عليها تسعة أشهر ثم تعتد بعد ذلك بثلاثة أشهر،
فإذا فعلت ذلك بانت من الزوج.
وإذا كانت لرجل زوجة مملوكة وهي أم ولد منه ومات عنها كان عليها أن تعتد منه
مثل عدة الحرة أربعة أشهر وعشرا، وإن لم تكن أم ولد كانت عدتها شهرين وخمسة أيام كما
قدمناه، فإن طلقها طلاقا رجعيا وكانت أم ولد لسيدها ثم مات عنها كانت عدتها أربعة
أشهر وعشرا كما تقدم ذكره، وإن لم تكن أم ولد كانت عدتها شهرين وخمسة أيام، وإن لم
يكن الطلاق رجعيا كانت عدتها عدة الطلاق.
وإذا كان للحر زوجة مملوكة وطلقها طلقة رجعية ثم أعتقت كان عليها مثل عدة
الحرة، وإن كانت الطلقة بائنة كانت عدتها عدة الأمة، فإن طلقها ومات عنها ثم أعتقت
كانت عدتها مثل عدة الحرة، وكذلك إن كانت مملوكة له وهو يطأها بملك اليمين وأعتقها
بعد موته، فإن أعتقها في حال حياته اعتدت بثلاثة أقراء أو بثلاثة أشهر على ما تقدم
ذكره، وإذا طلق زوجة له حرة طلاقا يملك فيه الرجعة ومات عنها كانت عدتها أبعد
الأجلين أيضا، فإن وضعت حملها قبل انقضاء أربعة أشهر وعشرة أيام كان عليها أن
تكمل ذلك، وإن قضت أربعة أشهر وعشرة أيام ولم تضع حملها كانت عدتها أن تضع
حملها.
وإن كان غائبا عن زوجته وطلقها اعتدت بثلاثة أشهر من يوم يبلغها الخبر بذلك،
فإن ثبت لها بينة مقبولة بتعيين اليوم الذي كان طلقها فيه كان لها أن تبني عدتها عليه،
فإن كانت المدة قد انقضت قبل وصول الخبر إليها بالطلاق جاز لها العقد على نفسها، وإن
177

لم تقم لها بينة بذلك وجب عليها أن تعتد من يوم وصول الخبر إليها بالطلاق على كل حال.
وإذا طلق زوجته وهي مستحاضة وكانت عارفة بأيام حيضها كان عليها أن تعتد
بالأقراء، فإن لم تكن عارفة بذلك اعتبرت صفات الدم على ما قدمناه في باب الحيض
واعتدت أيضا بالأقراء، فإن لم يتميز لها ذلك والتبس عليها دم الحيض بدم الاستحاضة
اعتبرت عادة نسائها في الحيض واعتدت على عادتهن بالأقراء، وإن كانت نساؤها
مختلفات العادة، أو لم تكن لها نساء كان عليها أن تعتد بالشهور.
وإذا طلق زوجته طلاقا رجعيا لم يجز له أن يخرجها من بيته، ولا تخرج هي أيضا إلا
بأن تأتي بفاحشة مبينة والفاحشة أن تفعل ما يجب عليها به الحد، فإذا فعلت ذلك
أخرجت وأقيم عليها الحد، وقد روي أن أقل ما يجوز اخراجها معه أن تؤذي أهل زوجها،
فإن فعلت ذلك جاز اخراجها، وإذا ادعت المرأة الضرورة إلى الخروج أو أرادت قضاء
حق فلتخرج بعد أن يمضى نصف الليل وتعود إلى بيتها قبل الفجر، وإذا أرادت الحج
وكان ما تريده من ذلك حجة الاسلام جاز له الخروج فيها من غير إذن زوجها، فإن كانت
حجة التطوع لم يجز لها أن تخرج إلا بعد أن تنقضي عدتها أو يأذن لها الزوج في ذلك.
وإذا كان الطلاق لا يملك فيه الزوج الرجعة فإنه يجوز له اخراج المرأة في الحال، ولا
تكون لها عليه نفقة إلا أن تكون حاملا وله عليها رجعة فإن النفقة تجب لها عليه، فإن
انقطعت العصمة بينهما لم تكن لها نفقة.
وإذا مات الرجل عن زوجته اعتدت كما قدمناه ولم تكن لها نفقة من تركة زوجها،
فإن كانت حاملا أنفق عليها من نصيب ولدها الذي هي حامل به، ويجوز للمتوفى عنها
زوجها المبيت في غير الدار التي توفي فيها زوجها وعليها الحداد إن كانت حرة، فإن كان
مملوكة لم يكن عليها حداد، والحداد هو ترك الزينة والطيب وأكل ما فيه الرائحة الطيبة.
وإذا مات الرجل وهو غائب اعتدت زوجته من يوم يبلغها الخبر لأن عليها الحداد، ولم
يجر في العدة من اليوم الذي مات فيه مجرى المطلقة في أنها تعتد من يوم طلقها لأجل
ما ذكرناه من الحداد، وليس على المطلقة ذلك فجاز لها ما لا يجوز للمتوفى عنها زوجها،
ومن ذلك من قد تزوج بيهودية أو نصرانية ثم مات عنها كانت عدتها مثل عدة الحرة
178

المسلمة أربعة أشهر وعشرة أيام.
وقد ذكرنا أن المطلقة إذا كانت من ذوات الحيض كانت عدتها ثلاثة أقراء وهي
الأطهار، فإذا كان كذلك وطلقها في طهر فإنها تعتد ببقية ذلك الطهر وإن بلحظة، فإذا
دخلت في الحيض حصل لها قرء فإذا طهرت دخلت في القرء الثاني، فإذا حاضت حصل
قرءان فإذا طهرت دخلت في القرء الثالث، فإذا حصل لها ثلاثة أقراء انقضت عدتها،
وإذا طلقها في آخر طهر وبقي بعد التلفظ بالطلاق جزء وقع منه الطلاق وهو مباح، وتعتد
بالجزء الذي بقي طهرا إذا كان طهرا لا يجامعها فيها فيه، وإذا اختلفا فقالت المرأة:
طلقتني، وقد بقي من الطهر جزء فاعتد بذلك قرءا وقال الرجل: لم يبق شئ تعتدين به،
كان القول قول المرأة لأن قولها مقبول في الحيض والطهر.
وإذا كانت المرأة معتدة بالشهور فلا يحتاج أن يرجع إلى قولها لأن قدر الشهر معلوم،
وهو ثلاثة أشهر إن كانت مطلقة وأربعة أشهر وعشرا إن كان زوجها قد توفي عنها، إلا
أن يختلفا في وقت الطلاق فيكون القول قول الزوج كما لو اختلفا في أصل الطلاق لأن
الأصل أن لا طلاق، وإذا كانت المرأة معتدة بوضع الحمل فادعت أن عدتها قد انقضت
بإسقاط كان القول قولها وتبين بوضع أي شئ وضعته.
وإذا كانت المرأة ممن تحيض وتطهر وتعتد بالأقراء، وانقطع عنها الدم لعارض من
مرض أو رضاع لم تعتد بالشهور بل تتربص حتى تأتي بثلاثة أقراء وإن طالت مدتها، وإن
انقطع لغير عارض ومضى لها ثلاثة أشهر بيض لم تر فيها دما فقد انقضت عدتها، وإن رأت
الدم قبل ذلك ثم ارتفع حيضها لغير عذر أضافت إليها شهرين، وإن كان لعذر صبرت
تمام تسعة أشهر ثم اعتدت بعدها بثلاثة أشهر، فإن ارتفع الدم الثالث لعذر صبرت تمام
سنة ثم اعتدت ثلاثة أشهر بعد ذلك.
وإذا تزوج صبي صغير امرأة فمات عنها كان عليها عدة الوفاة أربعة أشهر وعشرا سواء
كانت حاملا أو غير حامل وسواء ظهر بها حمل بعد وفاة الزوج أو كان موجودا مع حال
وفاته، فإن لم تعتد عنه وكان الحمل لاحقا بإنسان وطء شبهة أو رجل تزوجها تزويجا فاسدا
179

كان النسب يلحقه وتكون معتدة عن ذلك الوطء بوضع الحمل، وتنقطع العدة بالشهور
لأنه لا يصح أن يكون معتدة عن رجلين في حالة واحدة، فإذا انقضت العدة بوضع الحمل
اعتدت حينئذ بالشهور، فإن كان الحمل من زنى، لم يقطع الاعتداد بالشهور في حال
الحمل، والزنى لا يقطع حكم العدة لأنه لا عدة له.
وإذا كان الباقي من ذكر المجبوب قدر الحشفة من ذكر السليم في تمكنه إيلاجه كان
حكمه حكم السليم يلحقه النسب وتعذر زوجته بالأقراء وبوضع الحمل، فإن كان جميع
ذكره مقطوعا يلحقه النسب لأن الخصيتين إذا كانتا باقيتين فالإنزال ممكن ويمكنه أن
يساحق وينزل، فإن حملت عنه اعتدت بالوضع وإن لم تكن حاملا اعتدت بالشهور، ولا
يمكن أن تعتد بالأقراء لأن عدة الأقراء إنما تكون عن طلاق بعد دخول والدخول متعذر من
جهته.
فأما الخصي الذي قطعت خصيتاه وبقي ذكره فإن حكمه حكم الفحل، يلحقه
النسب وتعتد منه المرأة بالأقراء والحمل لأنه لا يصح منه استيلاد بمجرى العادة، وإذا
كانت المرأة آئسة من المحيض ومثلها لا تحيض لم يكن عليها عدة مثل الصغيرة التي
لا تحيض مثلها، لم تكن عليها عدة.
وإذا تزوج عبد أمة وطلقها بعد الدخول طلقة ثبت له عليها الرجعة لأنه قد بقي لها
طلقة، فإن أعتقت في أثناء العدة ثبت لها خيار الفسخ كما سلف لأنها في معنى الزوجات،
فإن اختارت الفسخ انقطع حق الزوج من الرجعة وكان لها أن تبني على عدتها عدة الحرة
لا عدة أمة ولا يجب عليها استئناف هذه العدة.
وإذا طلق الرجل زوجته طلقة رجعية وجرت في عدتها ثم راجعها، انقطعت عدتها
بالرجعة لأنها تصير فراشا، فإن طلقها بعد ذلك بعد الدخول بها كان عليها استئناف
العدة، وإن لم يكن دخل بها استأنفتها أيضا، فإن خالعها ثم تزوجها ثم طلقها استأنفت
أيضا العدة ولم يجز لها أن تبني على ما تقدم.
وإذا كان لرجل زوجتان أو أكثر منهما وطلق منهما واحدة غير معينة ثم مات قبل
180

التعيين للمطلقة، فإن كانتا غير مدخول بهما وجب على كل واحدة منهما أن تعتد أربعة
أشهر وعشرا احتياطا، وإن كانتا مدخولا بهما وكانتا حاملين اعتدت كل واحدة منهما أبعد
الأجلين، وإن كانتا غير حاملين وكان الطلاق رجعيا كان على كل واحدة منهما عدة أربعة
أشهر وعشرا، وإن كان الطلاق بائنا، وهو معين ولم يكن مضى بعد مدة وطلق ومات
عقيب الطلاق، كان على كل واحدة منهما أن تعتد ما يقارب من ثلاثة أقراء أو أربعة
أشهر وعشرا للاحتياط، وإن كان قد مضى بعض العدة بأن يكون قد حاضت كل واحدة
منهما حيضة ثم توفي عنها زوجها كان على كل واحدة منهما أن تأتي بأطول الأمرين غير
معين.
فإن طلق واحدة غير معينة فيقال: افرض الطلاق في أيهما شئت، فإذا فرض في
إحديهما طلقت والأخرى على الزوجية، وعليها ابتداء العدة في وقت
الطلاق كما لو كان الطلاق معينا، فإن اختلفت حال الزوجتين وكانت الواحدة منهما مدخولا بها والأخرى
ليست كذلك، أو الواحدة منهما حاملا والأخرى ليست كذلك أعني غير حامل، أو
إحديهما رجعية والأخرى بائنة، كان على كل واحدة منهما أن تأتي بالعدة، كما يجب عليها
أن تأتي بها لو كانت على صفة صاحبتها.
وإذا طلق الرجل زوجته واستحقت السكنى في منزله وباع الزوج هذا المنزل، فإن
كانت تعتد بالأقراء أو بالحمل لا يصح البيع لأن مدة استحقاق البائع مجهولة واستثناء
مدة مجهولة في البيع غير جائز، وإن كانت تعتد بالشهور كان البيع صحيحا، فإن
استحقت المرأة السكنى في منزله وحجر عليه كانت هي أحق بالسكنى من الغرماء لأن
السكنى يختص بعين الدار وحقوقهم غير مختصة بها، فإن كان قد حجر عليه ثم طلقت
المرأة واستحقت السكنى، كانت هي أسوة الغرماء لأن حقهم متقدم على حقها فلم يجز
تقديمها عليهم لكن يسوى بينها وبينهم.
وإذا طلقت المرأة وهي في منزل لا يملكه زوجها، إما بأن يكون مستعارا أو مستأجرا
ويتضيق انقضاء مدة الإجارة عند حال الطلاق، فإن رضي صاحب المنزل بإقرارها فيه
181

كان على الزوج إسكانها فيه، وإن لم يرض بذلك أو طلب أكثر من أجرة مثله لم يلزم
الزوج أن يسكنها فيه، وسقط حق الزوجة من سكنى الدار بعينها وثبت حقها من السكنى
في ذمة زوجها، فإن كان موسرا كان عليه أن يستأجر لها موضعا بقدر سكنى مثلها في
أقرب المواضع من الموضع الذي كانت فيه إن تمكن من ذلك، وإن كان معسرا وعليه
ديون كانت الزوجة تستحق السكنى في ذمته والغرماء أيضا يستحقون ديونهم في ذمته،
فإن كان طلقها بعد الحجر ضربت مع الغرماء بقدر حقها من السكنى، وإن كان الطلاق
قبل الحجر ثم حجر عليه، فإن المرأة تضرب مع الغرماء في حقها لأن حقها وحقهم متساو
في الثبوت في الذمة.
وإذا أمر الرجل زوجته بالانتقال من المنزل الذي هي ساكنة فيه إلى منزل آخر
فانتقلت ببدنها ولم تنقل مالها وعيالها ثم طلقها كان عليها العدة في المنزل الثاني دون
الأول، والاعتبار بالمنزل الذي تكون مقيمة فيه لا بالمال والعيال، وإذا أمرها بالانتقال من
منزلها إلى منزل آخر فخرجت من المنزل الأول إلى الثاني وعادت إلى الأول لنقل مالها أو
بعض حوائجها ثم طلقها، فإنها تعتد في المنزل الثاني الذي انتقلت إليه لأنه قد صار منزلا
لها ورجوعها إلى الأول إنما كان لحاجة، فإذا أمرها بالانتقال من منزلها الذي تسكنه إلى
منزل آخر فخرجت من الأول ولم تصل إلى الثاني حتى طلقها وهي بين المنزلين كان عليها
أن تعتد في الثاني لأنها مأمورة بالانتقال إليه.
وإذا أمرها بالخروج من بلدها إلى بلد آخر ثم طلقها، فإن كان طلاقه لها حصل قبل
خروجها من منزلها اعتدت في منزلها لأن الطلاق صادفها وهي مقيمة فيه، وإن كان
طلقها بعد فراقها لمنزلها ولم تفارق بنيان البلد كان عليها الرجوع إلى منزلها الأول وتعتد فيه
لأنها لم تفارق البلد.
وإن كان خروجها لأنه أذن لها في الحج أو الزيارة أو النزهة ولم يأذن في إقامة مدة
مقدرة ففارقت البلد وطلقها لم يلزمها الرجوع إلى منزلها لأنه ربما كان الطريق مخوفا
وتنقطع عن الرفاق، فإذا أرادت الرجوع كان لها أن تعتد في منزلها، وإن تعذر في وجهها
182

وكان أذن لها في النزهة أو الزيارة كان لها أن تقيم ثلاثة أيام، فإذا قضتها أو قضت الحج
ولم تجد رفقة وكان الطريق آمنا وعلمت من حالها أنها إذا رجعت إلى البلد أمكنها أن
تقضي ما بقي من عدتها وجب ذلك عليها، وإن كانت لا تتمكن من ذلك لزمها الرجوع
لأنها مأمورة وليست مأمورة بالإقامة.
فإن كان أمرها بالإقامة في البلد الآخر مدة معينة أو شهرا معينا أو شهرين معينين
ففارقت بلدها وطلقها، فإنه إن كان طلقها قبل وصولها إلى البلد الآخر كان حكمها كما
ذكرناه في طلاقه لها بين المنزلين، وإن كان طلقها بعد وصولها إليه جاز لها أن تقيم فيه المدة
التي أذن لها بالمقام فيها.
وإذا أحرمت المرأة وطلقها الزوج وجبت العدة عليها، فإن كان الوقت ضيقا تخاف
من فوات الحج إن أقامت العدة كان عليها أن تخرج وتقضي حجها ثم ترجع لتقضي
ما بقي عليها من العدة إن كان بقي عليها منها شئ، فإن لم يكن الوقت ضيقا وكان واسعا
أو كانت محرمة بعمرة فإنها تقيم وتقضي العدة ثم تحج وتعتمر.
فإن طلقها ولزمتها العدة ثم أحرمت كان عليها ملازمة المنزل لقضاء العدة لأن وجوب
العدة سابق ومتقدم لإحرامها وهي مفرطة في إدخال الإحرام عليها، فإذا قضت ما عليها
من العدة وكانت محرمة بعمرة فإنها لا تفوت فتأتي بها، فإن كانت محرمة بحج فإن لم تكن
فاتها أتت به وإن كان قد فات كان عليها أن تتحلل بعمرة وكان عليها القضاء من قابل.
وإذا أذن الرجل لزوجته في الخروج إلى بلد وأطلق ذلك فخرجت ثم طلقها واختلفا
فقالت الزوجة: نقلتني، وقال الرجل: لم أنقلك، كان القول قول الرجل وعليها الرجوع إلى
المنزل وتعتد فيه، لأنه اختلاف في نية الزوج وهو أعلم بما أراد، فإن مات واختلفت
الزوجة مع ورثته كان القول قولها لأنهم استووا في الجهل بما أراد، وظاهر قوله موافق
لدعوى المرأة لأن ظاهر أمره لها بالخروج إلى موضع كذا وظاهره النقلة.
وإذا طلقت البدوية أو مات عنها زوجها وكان لها السكنى وجب عليها العدة في بيتها
الذي تسكنه، فإن ارتحل جميع الحي ارتحلت معهم واعتدت في المكان الذي يرتحلون إليه
183

لأنها لا يمكنها المقام بعدهم وحدها في الموضع الذي ارتحلوا منه، فإن ارتحل الحي إلا أهلها
وكان في أهلها منعة لم يجز لها أن ترتحل وكان عليها الإقامة معهم وتعتد لأنه يمكنها مع ذلك
المقام في بيتها من غير ضرر يلحقها في مقامها لذلك، فإن انتقل أهلها وبقي من الحي قوم
فيهم منعة كانت مخيرة بين المقام وتعتد في بيتها وبين الخروج مع أهلها وتعتد حيث يرتحلون
إليه لأن في تأخرها عليها ضررا باستيحاشها من أهلها، فإن مات أهلها وبقي من الحي قوم
فيهم منعة كان عليها المقام وتعتد.
وإذا طلق الرجل زوجته وهي في منزل تخاف من انهدامه واحتراقه أو وصول
اللصوص إليه أو الدعار وأرادت الانتقال منه، كان لها ذلك لأن ما جاء فيه عذر يبيحها
ذلك، وإذا وجب على المطلقة حق وكان يمكن استيفاؤه من غير خروجها من منزلها لم يجز
اخراجها لذلك لأنه يمكن استيفاؤه مع مقامها في منزلها، فإن كان عليها حق تجحده
وكانت بارزة تدخل وتخرج فإنها تخرج ويقام عليها إن وجب عليها ويستوفى ما عليها من
حق، وإن كانت غير بارزة لا تدخل ولا تخرج فإن الحاكم يقيم عليها الحد في منزلها
ويبعث من ينظر بينها وبين خصمها في بيتها.
وإذا طلق الرجل زوجته فاستحقت السكنى ولم يكن للرجل ذلك وجب عليه أن
يستأجر لها منزلا، فإن كان غائبا استأجر الحاكم من ماله لأنها استحقت السكنى فوجب
أن يوفي ما تستحقه كالدين، فإن لم يكن له مال ورأى الحاكم أن يقترض عليه ويستأجر
لها فعل ذلك وكان دينا في ذمته، فإن استأجرت ذلك بغير أمر الحاكم لها فيه مع القدرة
على استئذانه كانت مطوعة ولم يكن لها الرجوع على الزوج بشئ، فإن لم تقدر على
استئذان الحاكم جاز لها ذلك.
وإذا طلق زوجته وهي في منزلها وأقامت فيه حتى كملت عدتها ولم تطالبه بأجرة ثم طلقها
لم يلزمه ذلك، لأن الظاهر من من سكونها التطوع بالمقام في منزلها، فلم يجز لها المطالبة
بالبدل، فإن استأجرت دارا وسكنتها ولم تطالبه بالأجرة حتى انقضت عدتها ثم طالبته بعد ذلك
بها لم يلزمه ذلك لأنها إنما تستحق أجرة السكنى على الزوج إذا سكنت حيث يسكنها، فأما إذا
184

سكنت هي حيث شاءت لم يكن لها عليه شئ، فإن استأجرت منزلا أو سكنت في منزلها بعض
العدة ولم تطالب ثم طالبت كان لها أجرة السكنى من وقت المطالبة ولا شئ لها على ما تقدم من
سكناها، لأنها فيما تقدم سكنت حيث أرادت فلم تستحق أجرة ذلك، وفي المستقبل يسكنها
زوجها حيث شاء فاستحقت الأجرة عليه.
وإذا اتفق السفر لرجل مع زوجته في سفينة وطلقها وكان له منزل غير السفينة يأوي
إليه كان لها الخيار في الرجوع إلى المنزل وتعتد فيه، وإن لم يكن له منزل يأوي إليه غير
السفينة كان حكمها حكم الدار، وإذا كان لها بيوت منفرد كل بيت منها بباب وغلق
اعتدت في بيت منها، فإن كانت كبيرة أو صغيرة وليس فيها بيوت وكان معها محرم فإنه
يخرج من السفينة ويترك المرأة في بيتها حتى تعتد، وإن لم يكن معها محرم خرجت من
السفينة واعتدت في أقرب المواضع إليها مثل الدار.
والمعتدة التي تستحق السكنى تلازم البيت وليس لها أن تخرج منه بغير حاجة، فإن
اضطرت إلى الخروج بأن تخاف من غرق أو حرق أو هدم، كان لها الخروج سواء كانت
معتدة عن طلاق أو وفاة، فإن لم تكن مضطرة إلى الخروج لكن تريده لحاجة من ابتياع
قطن أو بيع غزل جاز لها الخروج لذلك نهارا ولا يجوز لها ليلا، وعلى المعتدة من الوفاة
الحداد، وهو تجنبها لكل ما يدعو إلى أن تشتهي وتميل النفس إليه من مثل الطيب وليس
المطيب والخضاب وغير ذلك، فإذا تجنبت ذلك فقد حدت، فأما غير هذه المعتدة من
المعتدات فلا يلزمها ذلك.
والأدهان على ضربين: طيب وغير طيب، فأما الطيب فهو كدهن البنفسج والبان
والورد وما جرى مجرى ذلك، وهذا لا يجوز للمعتدة استعماله في شعرها ولا بدنها، وأما
الضرب الآخر وهو ما ليس بطيب فهو كالشيرج والزيت، وهذا لا يجوز استعمالها له في
شعرها لأن يرجله ويحسنه، ويجوز أن تستعمله في بدنها لأنه ليس فيه طيب ولا زينة لها،
فإن كان لها لحية لم يجز لها أن تدهنها. فأما الكحل الأسود الذي هو الأثمد فلا يجوز لها أن تكتحل به ولا أن تختضب
185

حاجبيها لأنه زينة، فإن احتاجت إلى الكحل اكتحلت ليلا ومسحته نهارا، وأما الأبيض
الذي هو التوتيا فلها أن تكتحل به في الليل والنهار وعلى كل حال، وأما الصبر فإن النساء
يكتحلن به لأنه يحسن العين ويطري الأجفان، والمعتدة ينبغي لها أن تجتنبه. وأما
الكلكون فلا يجوز لها استعماله لأنه زينة، وكذلك جميع ما يحسن به وجوه النساء من
اسفيذاج وما جرى مجراه، وأما ليس الحلي فهي ممنوعة منه لأنه من الزينة.
وأما الثياب ففيها زينتان: إحديهما تحصل بحسب الثوب وهو ستر العورة وجميع
البدن، قال الله تعالى: خذوا زينتكم عند كل مسجد، والزينة الأخرى تكون بصبغ
الثوب وغيره، وإذا أطلق كان المراد الثاني والأول هي غير ممنوعة منه.
وما يحصل به الزينة من الصبغ على ضروب: منها ما يدخل على الثوب لنفي الوسخ
عنه مثل السوداء والكحلي وهذا لا تمنع المعتدة منه، ومنها ما يدخل على الثوب لتزيينه
مثل الحمرة والصفرة وغيرهما فالمعتدة ممنوعة من ذلك لأنه زينة، ومنها ما يدخل على
الثوب ويكون مترددا بين الزينة وغيرها مثل صبغة أزرق وأخضر، فإن كان ذلك مشبعا
يضرب إلى السواد لم تمنع المعتدة منه، وإن كان صافية يضرب إلى الحمرة فهي ممنوعة
منه.
وأما الملبوس من الثياب فإن كان منه مرتفعا فاخرا مثل الديبقي والقصب والسابوري
وغير ذلك مما يعمل من القطن والكتان والصوف والوبر، فالمعتدة غير ممنوعة منه أيضا.
والحداد يلزم المرأة الحرة الكبيرة المسلمة، والأمة إذا كانت زوجة و الكافرة إذا مات
زوجها سواء كان الزوج مسلما أو كافرا، والصغيرة إذا مات زوجها عنها يأخذها وليها
بذلك.
وإذا طلق الرجل زوجته ودخلت في العدة لم يجز لها أن تتزوج حتى تنقضي عدتها،
فإن نكحت قبل ذلك بطل النكاح وليس تنقطع عدتها بنفس النكاح ما لم يدخل الثاني
بها لأن الفراش لا يثبت بالنكاح الفاسد، فإن فرق بينهما قبل الدخول لم يكن عليها للثاني
عدة وعليها أن تمضى في عدتها عن الأول إلى أن تكملها ثم يتأمل حالهما، فإن كان عالمين
186

بتحريم النكاح كان عليهما التعزير وإن لم يكونا عالمين لم يكن عليها تعزير.
وإن كان أحدهما عالما بذلك عزر دون الآخر، فإن دخل الثاني بها وكانا عالمين كانا
زانيين، وإن كانا غير عالمين بتحريم النكاح أو الوطء فإن الوطء وطء شبهة لا يجب الحدية
ويثبت به الفراش ويلحق النسب، وتجب به العدة وتنقطع عدة الأول لأنها صارت فراشا
للثاني ولا يجوز أن تكون معتدة عن الأول وهي فراش للثاني، ويجب عليها أن تأتي بكل
واحدة من العدتين على الانفراد ولا يدخل إحداهما في الأخرى.
وإن كان أحدهما عالما والآخر غير عالم، فإن كان الذي هو غير عالم هو الرجل والمرأة
عالمة فهو وطء شبهة لا حد عليه والمرأة تصير فراشا له ويلحقه النسب، وتجب عليها العدة
والمرأة زانية عليها الحد ولا مهر لها، وإن كانت هي التي ليست عالمة والرجل هو العالم
فالمرأة غير زانية ولا حد عليها ولها المهر والرجل زان يجب عليها الحد ولا يلحقه النسب ولا
تجب له العدة.
وإذا اجتمع على امرأة عدتان وكانت هي والزوج جاهلين أو كان الزوج جاهلا
وكانت غير حامل تعتد بالأقراء أو بالشهور فإنها تكمل عدة الأول ثم تعتد عن الثاني، وإذا
لم تكن اعتدت عن الأول بشئ اعتدت منه بثلاثة أقراء أو ثلاثة أشهر، فإن كانت
اعتدت عنه ببعض العدة فإنها تتم ذلك وتعتد عن الثاني عدة كاملة، وإنما قدمت العدة
عن الأول لأنها سابقة.
فإن كانت المرأة معتدة بالحمل فإنه إن لحق الحمل بالأول دون الثاني اعتدت منه
عن الأول، فإذا وضعت استأنفت عدة الثاني، وإن لحق الحمل بالثاني دون الأول
اعتدت به عن الثاني ثم تأتي بالعدة عن الأول أو باقيها إن كانت قد أتت ببعضها، فإن
أمكن أن يكون الحمل من كل واحد منهما أقرع بينهما فمن خرج اسمه ألحق به واعتدت به
عنه ثم استأنفت العدة من الآخر.
وإذا وطئ الرجل زوجته في العدة كانت ذلك منه رجعة وحكمنا بالمراجعة، ويكون
وطؤها بعد ذلك وطئا في الزوجية وينقطع حكم العدة، وإذا كانت الزوجة مدخولا بها
187

وخالعها زوجها ولزمتها العدة ثم تزوجها في عدتها انقطعت العدة.
وإذا طلقت الأمة ودخلت في العدة وباعها سيدها وهي معتدة كان البيع صحيحا،
فإن كان المشتري لها لم يعلم بذلك من حالها كان له الخيار لأن ذلك نقص ويفوت
الاستمتاع مدة العدة، فإن فسخ استرجع الثمن وردها على سيدها وإن لم يفسخ لزمه البيع
ولم يجز له وطؤها حتى تنقضي عدتها، وإذا انقضت لم تحل له حتى يستبرئها، وكذلك
الحكم إذا كان عالما بذلك من حالها، ولا يدخل الاستبراء في العدة لأنهما حقان
مقصودان لآدميين.
وإذا نامت امرأة على فراش رجل فظن أنها أمته ووطئها ثم ظهر أنها امرأة حرة
أجنبية كان هذا الوطء وطء شبهة ليس فيه حد، ويلحق النسب ويكون الولد حرا
ويثبت مهر المثل، وعلى هذه الحرة أن تعتد عدة الحرة.
وإذا وجد رجل امرأة على فراشه وظن أنها زوجته ثم ظهر أنها أمة لغيره وكان قد
وطئها لم يجب في ذلك حد، فأما المهر فيجب مهر المثل ويلحق النسب لأنه وطء شبهة
ويكون الولد حرا لاعتقاده حريته ويكون عليه قيمته لسيد الأمة، وتعتبر القيمة بحال
الوضع لأنها حال الإتلاف وعليها عدة أمة لأنها أمة وجوب العدة.
ويجب الاستبراء للأمة المشتراة وكذلك المسبية، وتستبرئ كل واحدة منهما بقرء،
وكذلك المدبرة إذا مات سيدها فإنها تنعتق وتستبرئ بقرء، وكذلك أم الولد إذا مات
عنها سيدها فإنها تعتد عنه عدة وفاة أربعة أشهر وعشرا، وإن أعتقها في حياته اعتدت
بثلاثة أقراء.
وإذا زوج أم الولد سيدها غيره حرم وطؤها على السيد، وإذا مات السيد وهي زوجة لم
يجب عليها عنه استبراء، وإن لم يمت السيد أولا ومات الزوج كان عليها عدة وفاة مثل عدة
الحرة أربعة أشهر وعشرا، فإن مات سيدها قبل انقضاء عدتها لم يجب عليها عنه عدة
واستبراء، وإذا انقضت عدتها عن الزوج قبل موت السيد عادت إلى سيدها وليس عليه
أن يستبرئها، فإن مات سيدها بعد انقضاء عدتها من الزوج لزمها الاستبراء عنه.
188

وإذا مات سيدها وزوجها ولم يعلم الميت منهما أولا اعتدت أربعة أشهر وعشرا لأنه إن
كان سيدها مات أولا فليس عليها منه عدة لأنها تحت زوج، فإذا مات زوجها بعد ذلك
كان عليها أن تعتد منه عدة الحرة للوفاة، فإذا انقضت عدتها لم يكن عليها من السيد
استبراء، هذا إن كان بين موتهما أقل من أربعة أشهر وعشر، فإن كان بين موتهما أكثر من
ذلك كان كما ذكرناه وتعتد من وقت موت الثاني عدة الحرة احتياطا كما قدمناه.
وإذا ملك أحد أمة بابتياع وكان البائع قد وطئها لم يجز للمشتري وطؤها إلا بعد أن
يستبرئها، وكذلك إن أراد المشتري تزويجها لم يجز له وطؤها إلا بعد أن يستبرئها، وكذلك
إن أراد أن يعتقها ويتزوجها قبل الاستبراء لم يكن له، ذلك وكذلك إذا اشتراها ووطئها
وأراد تزويجها قبل الاستبراء لم يجز له ذلك، وإذا ملك رجل أمة بهبة أو ابتياع أو إرث أو
من غنيمة لم يجز له وطؤها حتى يستبرئها كبيرة كانت أو صغيرة بكرا أو ثيبا تحبل أو
لا تحبل إلا أن تكون صغيرة لا تحيض مثلها أو كبيرة كذلك فإنه ليس على هاتين استبراء.
وإذا باع انسان أمة لامرأة وقبضتها المرأة ثم أعادتها إليه بإقالة كان الأحوط له أن
لا يطأها حتى يستبرئها، وإن لم تكن قبضتها لم يكن عليه استبراء، وإذا اشترى رجل أمة
فاستبرأت قبل أن يقبضها بحيضة ثم قبضها بعد ذلك لم يعتد بذلك الاستبراء، فإن وصى
بجارية وقبل الوصية بها ملكها بنفس القبول، فإن استبرأت قبل أن يقبضها لم يعتد بذلك
الاستبراء، فإن ورث أمة واستبرأها قبل القبض جاز له أن يعتد بذلك الاستبراء لأن
الموروث في حكم المقبوض، وإذا اشترى أمة حاملا كان استبراؤها بوضع الحمل، فإن
وضعت بعد لزوم العقد وانقضاء الخيار وقع به الاستبراء.
وإذا عجزت المكاتبة وفسخ سيدها الكتابة ورجعت إلى ملكه لم يحل له وطؤها حتى
يستبرئها، وكذلك إذا زوج أمته ثم طلقت وكذلك إذا ارتد السيد أو الأمة فإنها تحرم
عليه، فإذا عاد المرتد إلى الاسلام لم تحل له حتى يستبرئها، وإذا اشترى مجوسية فاستبرأت
وأسلمت لم تعتد بذلك الاستبراء لأنه لم تقع به استباحة الوطء، وكذلك إن اشترى
مجوسية وكاتبها وأسلمت واستبرأت وهي مسلمة مكاتبة ثم عجزت نفسها لم تعتد بذلك
189

الاستبراء لأنه لم تقع به استباحة الوطء.
وكل جنس تعتد الحرة به فإن الأمة تعتد به إلا أنهما تختلفان في مقداره ولا تتساويان
في وضع الحمل، وأما الأقراء فالحرة تعتد بثلاثة أقراء والأمة تعتد بقرءين والأمة المسبية
والمشتراة بقرء، فأما المشهور فالمطلقة الحرة تعتد بثلاثة أشهر والأمة بخمسة وأربعين يوما،
وأما المسبية والمشتراة فإنها تعتد بشهر، فإن انقطع دمها لعارض استبرأت بخمسة وأربعين
يوما.
ومن اشترى أمة وادعى أنها حامل وأنه يستحق ردها فإنها تعرض على القوابل، فإن
شهدن بأنها حامل كان له الرد، فإن صدق المشتري البائع في أن الحمل كان حاصلا في
حال البيع كان له الرد على كل حال، فإن اختلفا في ذلك ووضعت الحمل لأكثر من
أقصى مدة من وقت العقد فيعلم أنه من المشتري ويتحقق حدوثه بعد البيع فلا يملك به
الرد، وإن أتت به لأقل من ستة أشهر من وقت البيع فيتحقق أنه من البائع ويعلم أنه
كان في حال البيع فيكون له الرد، فإن أمكن أن تأتي به لأكثر من ستة أشهر دون أقصى
مدة الحمل كان القول قول البائع مع يمينه لأن الأصل أن لا عيب.
وإذا باع رجل أمة فظهر بها حمل فادعى البائع أنه منه وأنها أم ولده كان مضمون هذا
الإقرار أن نسب الولد لا حق به وأنها أم ولده وأن البيع باطل، فإن صدقه المشتري في ذلك
ثبت أنها أم ولده وانفسخ البيع، وإن كذبه فإن لم يكن أقر في حال البيع أنه قد وطئها لم
يقبل إقراره في هذا الحال لأن الملك قد انتقل إلى المبتاع في الظاهر فإقراره لا يقبل في ملك
الغير، فإن أقر البائع في حال البيع أنه وطئها فإذا أتت بالولد بعد الاستبراء لأقل من ستة
أشهر فإن نسبه يلحق البائع بالإقرار المتقدم ويصير أم ولده وينفسخ البيع، فإن أتت به
لأكثر من ستة أشهر من وقت الاستبراء لم يلحق البائع.
باب المفقود وعدة زوجته:
إذا خرج رجل إلى بلد وعلم أنه مقيم فيه وأنه حي فالزوجية بينه وبين زوجته باقية
190

ولا يجوز لها أن تتزوج حتى يحصل لها العلم اليقين بموته، فإن فقد ولم يعلم خبره ولا هل هو
حي أو ميت، لم يزل ملكه عن ماله، فأما زوجته فإنها ما دامت ساكنة فأمرها إليها فإن
رفعت أمرها إلى السلطان أجلها من يوم رفعت خبرها إليه إلى أربع سنين ويبعث في
الآفاق من يبحث عن خبره، فإن عرف له خبر كان عليها أن تصبر أبدا وإن لم يعرف له
خبر وانقضت أربع سنين وكان لهذا الغائب ولي ينفق عليها كان عليها الصبر أبدا، وإن لم
يكن له ولي فرق الحاكم بينهما فاعتدت عدة الوفاة، فإن قدم الغائب في زمان العدة كان
أملك بها وإن قدم بعد انقضاء العدة لم يكن له عليها سبيل، فإن قدم الغائب بعد موتها
وكانت قد خرجت من العدة أو تزوجت لم يرثها على حال.
باب إلحاق الأولاد بالآباء، وأحكام ذلك:
إذا دخل رجل بزوجته وأتت بولد تام على فراشه لستة أشهر من اليوم الذي وطئها فيه
كان عليه الإقرار به ولم يجز له إنكاره ولا نفيه عن نفسه، وإن أتت به لأقل من ستة أشهر
جاز له إنكاره ونفيه عن نفسه، فإن نفاه عن نفسه ورافعته زوجته إلى الحاكم كان عليه
ملاعنتها، فإن أقر الرجل به ثم نفاه بعد ذلك عن نفسه لم يكن لهذا النفي تأثر وكان الولد
لازما له ولا حقا به، وإذا كان هذا الولد من زوجة متمتع بها كان عليه أيضا الإقرار به ولم
يجز له نفيه.
وإذا كانت الزوجة غير مدخول بها أو دخل بها الزوج وغاب عنها غيبة تزيد على مدة
الحمل وجاءت بولد لم يكن والدا له وكان له نفيه عن نفسه، وإن كانت له جارية لم
يطأها أو كان قد وطئها ثم غاب عنها غيبة تزيد على مدة الحمل وجاءت بولد لم يكن
والدا له ووجب نفيه عن نفسه، وإذا كان لرجل زوجة أو جارية وكان يطأهما ويعزل عنهما
وجاءت واحدة منهما بولد وجب عليه الإقرار به ولم يجز له نفيه عن نفسه.
وإذا اشترك رجلان أو أكثر منهما في مملوكة ووطئها جميعهم في طهر واحد ثم جاءت
بولد أقرع الحاكم بينهم فمن خرج اسمه كان الولد لاحقا به، وإذا وطئ رجل مملوكة له
191

وباعها من قبل أن يستبرئها ثم وطئها المشتري لها قبل أن يستبرئها أيضا وباعها هذا
الثاني للآخر فوطئها أيضا قبل أن يستبرئها ثم جاءت بولد كان لاحقا بالذي عنده
المملوكة.
وإذا طلق رجل زوجته ثم تزوجت وجاءت بولد لأقل من ستة أشهر كان لاحقا
بالزوج الأول وإن كان لستة أشهر كان لاحقا بالزوج الثاني، وإذا باع رجل مملوكته
ووطئها المشتري وجاءت بولد لأقل من ستة أشهر كان لاحقا بالمولى الأول، وإن كان
لستة أشهر كان لاحقا بالمولى الذي هي عنده.
وإذا وصل الخبر إلى المرأة بطلاق زوجها لها أو بموته ثم اعتدت وتزوجت وجاءت بولد
ثم جاء زوجها وأنكر الطلاق وعلم أن شهادة الذين شهدوا بطلاقه أو بموته كانت شهادة
زور فرق بينها وبين الزوج الثاني ثم تعتد منه وتعود إلى الأول بالعقد المتقدم دون عقد
جديد ويكون الولد لاحقا بالزوج الذي جاء منه وفرق بين المرأة وبينه.
وإذا وطئ رجل امرأة فجورا فحملت منه ثم تزوجها لم يجز له إلحاق الولد بنفسه،
وكذلك إن وطئ مملوكة لغيره فحملت منه ثم ابتاعها منه لم يجز له أيضا إلحاق الولد
بنفسه، وإذا وطئ رجل جاريته ووطئها بعده بلا فصل رجل آخر فجورا وجاءت بولد
واشتبه الأمر عليه فيه كان لاحقا به، فإن غلب على ظنه بشئ من الأمارات أنه ليس
منه لم يجز له إلحاقه بنفسه ولم يجز له أيضا بيعه، فإن حضرته الوفاة وصى له بشئ من ماله
ولا يورثه ميراث الأولاد.
وإذا ابتاع رجل جارية حاملا ثم وطئها قبل أن يمضى لها أربعة أشهر وعشرة أيام لم
يجز له بيع الولد لأنه غذاه بنطفته وعليه أن يدفع إليه شيئا من ماله ويعتقه، وإن وطئها بعد
مضى أربعة أشهر وعشرة أيام وكان يعزل عنها فإنه يجوز له بيع الولد أيضا، وإذا كان
لرجل زوجة أو جارية يتهمها بفجور وجاءت بولد لم يجز له نفي الولد وكان عليه الإقرار وإنما
يجوز له مع العلم بأنه ليس منه، وإذا كانت له مملوكة لم يطأها وجاءت بولد كان له بيعه
على كل حال.
192

واعلم أن أقل الحمل أربعون يوما وهو مدة انعقاد النطفة وأقله بخروج الولد حيا ستة
أشهر كما قدمناه لأن النطفة تبقى في الرحم أربعين يوما ثم تصير علقة أربعين يوما ثم تصير
مضغة أربعين يوما ثم تصير عظاما أربعين يوما ثم تكتسي لحما ويتصور وتلجها الروح إلى
عشرين يوما فذلك ستة أشهر، وأكثر الحمل تسعة أشهر ولا يكون حمل على التمام لأقل
من ستة أشهر، قال الله تعالى: حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون
شهرا، والفصال من الرضاع في أربعة وعشرين شهرا فيكون الحمل الباقي من ثلاثين
شهرا وهو ستة أشهر، ولا يكون مدة الحمل على ما ذكرناه أكثر من تسعة أشهر.
وإذا افتقر الحاكم في الحكم إلى القرعة في من تقدم ذكره من الولد الذي يحكم بين
الرجلين فيه بذلك، فينبغي أن يقصد إلى سهم أو قرطاس فيكتب عليه اسم الرجل
الواحد واسم الولد، ويكتب على سهم أو قرطاس اسم الرجل الآخر واسم الولد ويخلط
ذلك في سهام أو قراطيس متشابهة ثم يقول المقرع: اللهم أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا
فيه يختلفون بين لنا أمر هذا المولود لنقضي فيه بحكمك، ثم يخلط السهام بيده ويأخذ منها
واحدا واحدا فمن خرج اسمه لحق به الولد.
193

فقه القرآن
لسعيد بن عبد الله بن الحسين بن هبة الله بن الحسن الراوندي
المتوفى 573 ه‍ ق
195

كتاب الطلاق
كل آية من القرآن فيها ذكر الطلاق وهي كثيرة يعلم منها جواز الطلاق، ومعنى
الطلاق حل عقدة النكاح لأن المرأة تكون في حظر من النكاح فإذا طلقت تطلقت
وللطلاق أقسام وشرائط لا بد من معرفتها ليتم الغرض ونحن نذكر جميع ذلك على سبيل
الجملة أولا ثم نتبع الأدلة من الكتاب والسنة على التفصيل إنشاء الله تعالى، ثم نذكر
ما يلحق بالطلاق وما يؤثر في بعض أنواع الطلاق وما يكون كالسبب للطلاق، ونبين جميع
ذلك في أبواب بعون الله تعالى.
باب أقسام الطلاق وشرائطه:
وجوه الطلاق عشرة وهي على ضربين: ثلاثة منها لا تحتاج إلى العدة وهي: طلاق
التي لم يدخل بها والتي دخل بها ولم تبلغ المحيض ولا في سنها من تحيض والآيسة من
المحيض ولا يكون في سنها من تحيض، والسبعة الباقية لا بد من اعتبار العدة بعدها وهي:
طلاق التي لم تبلغ المحيض وفي سنها من تحيض، وطلاق الآيسة من المحيض، والمستقيمة الحيض
والحاملة المستبين حملها والمستحاضة، وطلاق الغائب عن زوجته وطلاق الغلام والعبد.
وأما شرائطه فعلى ضربين: عام في سائر أنواعه وخاص في بعضه، فالعام خمسة: أن
يكون الرجل غير زائل العقل ويكون مريدا للطلاق غير مكره عليه ولا مجبر ويكون طلاقه
بمحضر من شاهدين مسلمين، ويتلفظ بلفظ مخصوص أو ما يقوم مقامه عند العجز،
197

والخاص يراعى في المدخول بها غير غائب عنها مدة مخصوصة، وهو اثنان: أن لا تكون المرأة
حائضا أو في طهر يقربها فيه إذا لم يكن بها حبل.
ونحن نتكلم على هذه الفصول فصلا فصلا إنشاء الله تعالى.
فصل: في طلاق التي لم يدخل بها:
قال الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن
تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن، خاطب الله تعالى بهذه الآية المؤمنين
بأنه إذا نكح واحد منهم مؤمنة نكاحا صحيحا ثم طلقها قبل أن يمسها يعني قبل أن يدخل
بها فإنه لا عدة عليها منه ويجوز لها أن تتزوج بغيره في الحال، وأمرهم أن يمتعوها ويسرحوها
سراحا جميلا إلى بيت أهلها وأن يخليها تخلية حسنة إن كانت في بيت أهلها، وهذه المتعة
واجبة إن كان لم يسم لها مهرا وإن كان سمى مهرا لزمه نصف المهر، وإن لم يبين لها
صداقا متعها على قدر عسره ويسره وهو السراح الجميل، وهذا مثل قولنا سواء.
وروى أصحابنا: أنه يمتعها إن كان موسرا فبدابة أو مملوك، وإن كان متوسطا فبثوب
وما أشبهه وإن كان فقيرا فبخاتم وما أشبهه، وقال سعيد بن المسيب: إن هذه الآية نسخت
بإيجاب نصف المهر المذكور في البقرة، والصحيح الأول أنه لا ناسخ ولا منسوخ في ذلك،
ولكل آية من هذه الآيات حكم ثابت لأنا اتفقنا على أن بضع حرة لا تحل بغير مهر أو
عوض والنكاح من دون ذكر المهر ينعقد ويصح، فإن طلقها قبل أن يجامعها فإنه لا يخلو
من أن يكون سمى لها مهرا أو لم يسم، فإن لم يسم لها مهرا وجب عليه أن يمتعها على
ما ذكرناه بالآية التي قدمناها وبقوله تعالى: وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على
المتقين، ويمكن أن يقال: أن الإشارة بهذه الآية إلى المتعة الواجبة التي قدمناها وأومأ بما
قبل هذه الآية من قوله: حقا على المحسنين، إلى المتعة المستحبة على ما ذكرنا.
والمراد بالقراءتين " تماسوهن " أو " تمسوهن " الجماع بلا خلاف، وإنما قال:
" تعتدونها " فخاطب الرجال لأن العدة حق للزوج ربما استبرأ من أن يلحق به من ليس
198

من صلبه أو يلحق بغيره من هو من صلبه. قال الجرجاني: أصله أنهم كانوا يقولون فيما توفر
عددا عددته فاعتد أي وفرته عليه فاسترفأه كما يقال: كلته فاكتال وزنته فاتزن.
ومما يوضح ما ذكرناه قوله تعالى: لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن
أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف
حقا على المحسنين، المفروض من صداقها داخل في دلالة الآية وإن لم يذكر لأن التقدير
ما لم تمسوهن ممن قد فرضتم لهن أو لم تفرضوا لهن فريضة، لأن أو تنبئ عنه إذا لو كان
على الجمع لكان بالواو.
والفريضة المذكورة في الآية الصداق بلا خلاف لأنه يجب بالعقد للمرأة فهو فرض
بوجوبه بالعقد ومتعة للتي لم يدخل بها، وقد روي أيضا أنها لكل مطلقة وذلك على وجه
الاستحباب، و " متاعا " حال من قوله: " قدره " والعامل فيه الظرف ويجوز أن يكون
مصدرا والعامل " ومتعوهن "، ويحتمل نصب " حقا " أيضا على وجهين: أحدهما: أن
يكون حالا من قوله " بالمعروف " والعامل فيه معنى عرف حقا، الثاني: على التأكيد
لجملة الخبر كأنه قيل: أخبركم به حقا.
وإنما خص التي لم يدخل بها بالذكر في رفع الجناح دون المدخول بها في الذكر، وإن
كان حكمها واحدا لأمرين: أحدهما: لإزالة الشك في الحرج على هذا المطلق، والثاني:
لأن له أن يطلق أي وقت شاء، وليس كذلك حكم المدخول بها لأنه يجب أن يطلقها
للعدة على ما نذكره، وفي الآية دلالة على أن هذا العقد بغير مهر صحيح لأنه لو لم يصح لما
جاز فيه الطلاق ولا وجبت فيه المتعة.
ثم قال: " وإن طلقتموهن من قبل أن تماسوهن، الآية، وقد قدمنا أن الآية الأولى
متضمنة حكم من لم يدخل بها ولم يسم لها مهرا إذا طلقها، وهذه تضمنت حكم التي
فرض لها صداق إذا طلقت قبل الدخول وأحد الحكمين غير الآخر، وقال جميع أهل
التأويل: أنه إذا طلق الرجل من سمى لها مهرا معلوما قبل أن يدخل بها فإنه يستقر لها
نصف المهر، فإن كانت ما قبضت شيئا وجب على الزوج تسليم نصف المهر، فإن كانت
199

تسلمت جميع المهر وجب عليها رد نصفه ويستقر لها النصف الآخر، " إلا أن يعفون "
معناه من يصح عفوها من الحرائر البالغات غير المولى عليها لفساد عقلها فيترك ما يجب لها
من نصف الصداق.
وقوله تعالى: أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح، قال مجاهد والحسن وعلقمة: أنه الولي
وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام، غير أنه لا ولاية لأحد عندنا إلا للأب
أو الجد مع وجود الأب على البكر وغير البالغة، وأما من عداهما فلا ولاية إلا بتولية من
المرأة، وروي عن علي ع أنه الزوج والأول هو المذهب وهو أظهر، فمن جعل
العقد للزوج قال: تقديره الذي بيده عقدة نكاحه، ومن جعله للولي قال: تقديره الذي
بيده عقدة نكاحها، ومن جعل العفو للزوج قال: له أن يعفو عن جميع نصفه، ومن جعله
للولي قال أصحابنا: له أن يعفو عن بعضه وليس له أن يعفو عن جميعه، فإن امتنعت المرأة
لم يكن لها ذلك إذا اقتضت المصلحة ذلك عن أبي عبد الله ع، واختار الجبائي
أن يكون المراد به الزوج، قال: لأنه ليس للولي أن يهب مال المرأة.
وقوله تعالى: وأن تعفوا أقرب للتقوى، خطاب للزوج والمرأة جميعا في قول ابن عباس
وقيل: للزوج وحده وإنما جمع لأنه لكل زوج، وقول ابن عباس أقوى لأنه العموم، وإنما
كان العفو أقرب للتقوى من وجهين: أحدهما: لاتقاء ظلم كل واحد صاحبه ما يجب من
حقه، الثاني: أنه ادعى إلى اتقاء معاصي الله للرغبة فيما رغب فيه بالعفو عما له، وتقدير
" فنصف ما فرضتم " أي فعليكم نصف ما فرضتم.
فصل:
في طلاق التي دخل دخل بها ولم تبلغ المحيض ولا تكون في سنها من
تحيض:
قال الله تعالى: واللائي لم يحضن، بعد قوله: واللائي يئسن من المحيض من نسائكم
إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللاتي لم يحضن، للصغار وتقديره واللائي لم يحضن لا
200

عدة عليهن وحذف لدلالة الكلام عليه، وهذا التقدير أولى من أن يقال: تقديره واللائي لم
يحضن فعدتهن ثلاثة أشهر لأن قوله " إن ارتبتم " في الأولى يخرج من الفائدة.
فعلى هذا إذا أراد الرجل أن يطلق امرأة قد دخل بها ولم تكن قد بلغت مبلغ النساء
ولا مثلها في السن قد بلغ ذلك وحد ذلك دون تسع سنين فيطلقها أي وقت شاء فإذا طلقها
فقد بانت منه في الحال ولا عدة عليها، وحكم الآيسة من المحيض ومثلها لا تحيض حكم
التي لم تبلغ مبلغ النساء في أنه متى طلقها لا عدة عليها وقد بانت منه في الحال ويطلقها أي
وقت شاء، وحد ذلك للهاشمية ستون سنة وللأجنبية خمسون سنة فصاعدا.
وقال المرتضى: على الآيسة من المحيض والذي لم تبلغه العدة على كل حال من غير
مراعاة الشرط الذي حكيناه عن أصحابنا، قال: والذي يدل على صحة هذا القول قوله:
واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن،
وهذا صريح في الآيسات من المحيض واللائي لم يبلغن عدتهن الأشهر على كل حال، لأن
قوله: واللائي لم يحضن، معناه واللائي لم يحضن كذلك، قال: وإذا كانت هذه عدة المرتاب
بها فغير المرتاب بها أولى بذلك.
ثم قال: فإن قيل: كيف يدعون أن الظاهر يقتضي إيجاب العدة على من ذكرتم على كل
حال وفي الآية شرط وهو قوله " إن ارتبتم "؟ الجواب: أول ما نقوله أن الشرط المذكور في
الآية لا ينفع من خالف من أصحابنا لأنه غير مطابق لما يشرطونه، وإنما يكون نافعا لهم
الشرط لو قال تعالى: إن مثلهن لا تحيض في الآيسات وفي اللائي لم يبلغن المحيض إذا
كان مثلهن تحيض، وإذا لم يقل تعالى ذلك وقال: " إن ارتبتم " وهو غير الشرط الذي يشرطه
أصحابنا فلا منفعة لهم فيه.
وليس يخلو قوله تعالى " إن ارتبتم " من أن يريد به ما قاله جمهور المفسرين وأهل العلم
بالتأويل من أنه تعالى أراد به إن كنتم مرتابين في عدة هؤلاء النساء وغير عالمين بمبلغها،
فقد رووا ما يقوى ذلك من أن سبب نزول هذه الآية هو ما ذكرناه من فقد العلم، فروى
مطرف عن عمرو بن سالم قال: قال أبي بن كعب: يا رسول الله إن عددا من عدد النساء لم
يذكر في الكتاب الصغار والكبار وأولات الأحمال فأنزل الله تعالى: واللائي يئسن من
201

المحيض، إلى قوله تعالى: وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن،
وكان سبب نزول هذه الآية الارتياب الذي ذكرناه، ولا يجوز أن يكون الارتياب
بأنها آيسة أو غير آيسة لأنه تعالى قد قطع في الآية على الناس من المحيض بقوله تعالى:
" واللائي يئسن " والمشكوك في حالها والمرتاب في أنها تحيض أو لا تحيض لا تكون آيسة،
والمرجع في وقوع الحيض منها أو ارتفاعه إليها وهي المصدقة على ما تخبر به، فإذا أخبرت
بأن حيضها قد ارتفع قطع عليه ولا معنى للارتياب مع ذلك.
وإذا كان المرجع في الحيض إلى النساء ومعرفة الرجال به مبنية على إخبار النساء
وكانت الريبة المذكورة في الآية منصرفة إلى اليأس من المحيض، فكان يجب أن يقول
تعالى: إن ارتبتم أو ارتبن، لأنه حكم يرجع إلى النساء ويتعلق بهن فهن المخاطبات به فلما
قال تعالى: " إن ارتبتم " فخاطب الرجال دون النساء علم أن المراد هو الارتياب في العدة
ومبلغها.
ثم قال: فإن قيل: ما أنكرتم أن يكون الارتياب هاهنا إنما هو بمن تحيض أولا تحيض
ممن هو في سنها على ما يشرطه بعض أصحابكم، قلنا: هذا يبطل بأنه لا ريب في سن من
تحيض مثلها من النساء أو لا تحيض لأن المرجع فيه إلى العادة، ثم إذا كان الكلام مشروطا
فالأولى أن يعلق الشرط بما لا خلاف فيه دون ما فيه الخلاف وقد علمنا أن من شرط وجوب
الإعلام بالشئ والاطلاع عليه فقد العلم ووقوع الريب، فمن يعلم بذلك ويطلع عليه
فلا بد إذا من أن يكون ما علقنا نحن الشرط به وجعلنا الريبة واقعة فيه مرادا،
وإذا ثبت ذلك لم يجز أن يعلق الشرط بشئ آخر مما ذكروه أو بغيره، لأن الكلام
مستقل بتعلق الشرط بما ذكرناه أنه لا خلاف فيه ولا حاجة فيه به بعد الاستقلال إلى أمر
آخر، ألا ترى أنه لو استقل بنفسه لما جاز اشتراطه وكذلك إذا استقل مشروطا بشئ لا
خلاف فيه، ولا يجب تجاوزه ولا تخطيه إلى غيره.
وقد سلم الشيخ أبو جعفر الطوسي " رض " أن الآية لا تدل على صحة هذا الباب
بظاهرها، وإنما تبين الأخبار الواردة عن آل محمد عليه وعليهم السلام ذلك، منها ما روي عن
عبد الرحمن بن الحجاج قال أبو عبد الله ع: ثلاث يتزوجن على كل حال: التي لم
202

تحض ومثلها لا تحيض، قال، قلت: وما حدها؟ قال: إذا أتى لها أقل من تسع سنين والتي لم
يدخل بها والتي قد يئست من المحيض ومثلها لا تحيض، قال: قلت وما حدها؟ قال: إذا
كان لها خمسون سنة.
وقد تقدم أن قوله: واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة
أشهر، محمول على الآيسة من المحيض وفي سنها من تحيض وفي التي لم تحض وفي سنها من
تحيض لأن الله تعالى شرط فيه ذلك وقيده بالريبة، ولما كان الخطاب بقوله: " من نسائكم " مع
الرجال قال أيضا قال أيضا " إن ارتبتم " لأن النساء يرجعن في تعرف أحوالهن إلى العلماء،
وقد ذكرنا تقدير قوله " واللائي لم يحضن " من قبل وإذا كانت الآية مجملة فتفصيل ذلك
يعلم من أهل التنزيل والتأويل، وهم الأئمة المعصومون بعد رسول الله عليه وعليهم
السلام وقال تعالى: خلق الانسان علمه البيان.
فصل:
في طلاق الآيسة من المحيض وفي سنها من تحيض:
بين الله كيفية العدد باختلاف أحوال النساء فقال: واللائي يئسن من المحيض من
نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر، يعني أن الآيسة من المحيض إذا كانت ترتاب
بنفسها ولا تدري انقطع حيضها لكبر أو عارض ولا تدرون أنتم أيضا مقدار سنها فعدتها
ثلاثة أشهر، وهي التي قلنا: أن مثلها تحيض لأنها لو كانت في سن من لا تحيض لم يكن معنى
للارتياب في سنها، فإذا أراد زوجها طلاقها فليصبر عليها ثلاثة أشهر ثم يطلقها بعد ذلك
إن شاء، وحكم التي لم تبلغ المحيض وفي سنها من تحيض وهي التي كان لها تسع سنين
فصاعدا ولم تكن حاضت بعد حكم الآيسة وفي سنها من تحيض في جميع ما ذكرناه.
وقال قتادة: اللائي يئسن الكبار واللائي لم يحضن الصغار، وقد ذكرنا أن
قوله: واللائي لم يحضن، تقديره واللائي لم يحضن إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر وحذف
لدلالة الكلام الأول عليه، وقال بعض المفسرين: إن الله سبحانه لما بين هذه المسائل الأربع
على لسان نبيه ص ورواها أهل بيته المعصومون ع وكان قد
203

أشار بهذه الآية إلى مسألة من هذا الفصل وهي الأولى وإلى مسألة من الفصل الأول وهي
الثانية، كان من أعجب الحكم الإلهية ومن لطيف الفصاحة وغريب البراعة، فعلى هذا لا
يكون قوله: واللائي لم يحضن، مشروطا مقيدا بجميع ما قيدت الجملة الأولى به بل يقدر
خبر المبتدأ فيه على ما وردت به الأحاديث الصحيحة.
فصل:
في طلاق المستقيمة الحيض:
قال الله تعالى: والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء، أمر سبحانه بذلك أنه
إذا أراد الرجل أن يطلق امرأته التي دخل بها وهو غير غائب عنها وهي ممن تحيض حيضا
مستقيما فليطلقها وهي طاهر طهرا لم يقربها فيه بجماع وشهد على ذلك شاهدين تطليقة
واحدة ولتعتد هي ثلاثة أقراء وهي الأطهار، فإذا رأت الدم من الحيضة الثالثة فقد ملكت
نفسها ولم يكن له عليها سبيل.
فالقرء الطهر عندنا وبه قال أكثر الصحابة والتابعين والفقهاء والمفسرين، وأصل
القرء في اللغة يحتمل وجهين:
أحدهما: الاجتماع ومنه: قرأت القرآن لاجتماع حروفه، فعلى هذا يقال: أقرأت
المرأة إذا حاضت في قول الأصمعي والكسائي، فتأويل ذلك اجتماع الدم في الرحم، ويجئ
على هذا الأصل أن يكون القرء الطهر لاجتماع الدم في جملة البدن، هذا قول الزجاج.
والوجه الثاني: أن يكون أصل القرء وقت الفعل الذي يجري على عادة في قول أبي
عمرو بن العلاء وقال: هو يصلح للحيض والطهر، يقال: هذا قارئ الرياح أي وقت
هبوبها، فعلى هذا يكون القرء الحيض لأنه وقت اجتماع الدم في الرحم على العادة المعروفة
فيه ويكون الطهر لأنه وقت ارتفاعه على عادة جارية فيه.
واستشهد أهل العراق بأشياء على أن المراد الحيض، منها قوله ع في
مستحاضة سألته: دعي الصلاة أيام أقرائك، واستشهد أهل المدينة بقوله تعالى:
فطلقوهن لعدتهن، أي طهر لم تجامع فيه كما يقال: جئت لغرة الشهر، وتأوله غيرهم
204

لاستقبال عدتهن وهو الحيض وتدل الآية على ذلك لأن معناه في طهر لم يجامعن فيه، وهو
اختيار ابن جرير، وقال أبو مسلم: لما أوجب الله على من أراد تطليق امرأته أن يطلقها
طاهرة غير مجامعة وأوجب عليها التربص إلى أن ترى ثلاثة قروء، نظرنا فكان المراد ثلاثة
أطهار لأنه لا خلاف أن السنة في الطلاق أن يكون عند الطهر.
فإن قيل: الظرف إما مكان أو زمان والقرء ليس واحدا عند الطهر.
قلنا: الظرف هنا زمان والتقدير مدة انقضاء ثلاثة قروء والقروء جمع القرء، فإن قيل:
كيف أضاف الثلاثة إلى قروء وهي جمع الكثرة ولم يضفها إلى أقراء وهي جمع القلة؟،
فالجواب عنه: أن المعنى في قوله تعالى: والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء، أي
ليتربصن كل واحدة من المطلقات ثلاثة أقراء، فلما أسند ثلاثة إلى جماعتهن والواجب
على كل واحدة منهن ثلاثة أتى بلفظة قروء ليدل على الكثرة المرادة.
فإن قيل: لو كان المراد بالأقراء في الآية الأطهار لوجب استيفاء ثلاثة الأطهار بكمالها كما
أن من كانت عدتها بالأشهر وجب عليها ثلاثة أشهر على الكمال، وقد أجمعنا على أنه لو
طلقها في آخر الطهر الذي ما قربها فيه أنه لا يلزمها أكثر من طهرين آخرين وذلك دليل
على فساد ما قلتموه، قلنا: يسمى القرآن الكاملان وبعض الثالث ثلاثة أقراء كما يسمى
الشهران وبعض الثالث ثلاثة أشهر في قوله تعالى: الحج أشهر معلومات، وإنما هو شوال
وذو القعدة وبعض ذي الحجة.
وقال بعض الفقهاء: إن لفظ الخبر في قوله: يتربصن بأنفسهن، في تقدير الأمر لأن المعنى
فرض عليهن أن يتربصن والأولى أن يحمل على معنى الخبر لأنه مما لا بد منه، وما حل هذا
المحل فالخبر به أولى من الأمر لأن المأمور قد يفعل وقد لا يفعل والمخبر عنه لا بد من كونه
وهذا التربص لا بد منه.
وهذا لا يحتاج فيه إلى نية وعزم، فالمطلقة ربما انقضت عدتها ولم تعتد وذلك أن تطلق
ولا يبلغها الطلاق إلا وقد مضت أيام الأقراء لأن ابتداء عدتها وقت طلاقها من غير صنع
منها، ولهذا قال قوم: ابتداء عدتها وقت سماعها وهذا ليس بصحيح في الطلاق وإنما هو
العدة بعد الوفاة إذا سمعت بها، لأنها وإن لم تسمع فهي مطلقة وأوجب الله عليها العدة
205

بسبب الطلاق، وكل مطلقة يلزمها هذا التربص إلا من لم يدخل بها ما عدا الآيسة من
المحيض ولا يكون في سنها من تحيض، وما عدا التي لم تبله المحيض ولا يكون في سنها من
تحيض.
فصل:
في طلاق الحامل المستبين حملها:
قال الله تعالى: وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن، اعلم أن الرجل إذا أراد أن
يطلق امرأته وهي حبلى مستبين حملها فليطلقها أي وقت شاء، وعدتها أن تضع حملها وإن
كان بعد الطلاق بلا فصل وحلت للأزواج سواء كان ما وضعته سقطا أو غير سقط تاما
أو غير تام، فقد بين الله تعالى بقوله: أن يضعن حملهن، أن عدة الحامل من الطلاق وضع
الحمل الذي معها، فإن وضعت عقيب الطلاق فقد ملكت نفسها ويجوز لها أن تعقد لغيره
على نفسها غير أنه لا يجوز له وطؤها لأن نفاسها كالحيض سواء، فإذا طهرت من نفاسها
حل له ذلك.
وإن كانت حاملا باثنين ووضعت واحدا لم تحل للأزواج حتى تضع جميع الحمل لقوله
تعالى: أن يضعن حملهن، فأما انقطاع الرجعة فقد روى أصحابنا أنها إذا وضعت واحدا
انقطع عصمتها من الأول ولا يجوز لها العقد لغيره حتى تضع الآخر، فأما المطلق فإنه إن
كان طلقها أول مرة ووضعت واحدا وهي حامل بآخر فليس له أن يراجعها وإنما كانت
الرجعة له من غير رضاها قبل الوضع، فأما إن أرادا أن يعقدا بمهر جديد قبل وضع الثاني
فإنه يجوز ذلك وكذلك بعد التطليقتين إذا كانت المرأة حرة، وقال ابن عباس: هذه الآية في
المطلقة خاصة لما قلناه.
فصل: في طلاق المستحاضة وطلاق الغائب عن زوجته وطلاق الغلام
والعبد:
قال الله تعالى: يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة، هذه
206

الآية بعمومها يتناولها كما يتناول غيرها مما نذكره:
وأما المستحاضة إذا كانت مطلقة وتعرف أيام حيضها فلتعتد بالأقراء، فإن لم تعرف
أيام حيضها اعتبرت صفة الدم واعتدت أيضا بالأقراء، فإن اشتبه عليها دم الحيض بدم
الاستحاضة ولم يكن لها سبيل إلى الفرق بينهما اعتبرت عادة نسائها في الحيض، فتعتد على
عادتهن في الأقراء، فإن لم يكن لها نساء أو كن مختلفات العادة اعتدت بثلاثة أشهر وقد بانت
منه.
وأما طلاق الغائب عن زوجته فإن خرج إلى السفر وهي في طهر لم يقربها فيه بجماع
طلقها أي وقت شاء، ومتى كانت طاهرا طهرا قد قربها فيه فلا يطلقها حتى يمضي ما بين شهر
إلى ثلاثة أشهر ثم يطلقها ويكون عدتها ثلاثة أشهر.
والغلام إذا طلق وكان ممن يحسن الطلاق وقد أتى عليه عشر سنين فصاعدا جاز
طلاقه فإن لم يحسن الطلاق فإنه لا يجوز طلاقه، ولا يجوز لوليه أن يطلق عنه إلا أن يكون قد
بلغ وكان فاسد العقل، فإنه والحال على ما ذكرناه جاز طلاق الولي عنه، والعبد إذا تزوج
فلا يخلو إما أن يكون مولاه زوجه جاريته فالفراق بينهما بيده وليس للزوج طلاق على حال،
ومتى للزوج طلاق على حال، ومتى عقد الرجل لعبده على أمة غيره باذنه كان الطلاق بيد
العبد وكذلك إن عقد على حرة، وهذا كله مما بينه رسول الله ص لقوله
تعالى: وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس.
باب بيان شرائط الطلاق:
فأول ما نقول في ذلك: أن تعليق الطلاق بجزء من أجزاء المرأة أي جزء كان لا يقع به
طلاق ودليلنا بعد الاجماع قوله تعالى: يا أيها النبي إذا طلقتم النساء، فجعل الطلاق واقعا بما
يتناوله اسم النساء، واليد والرجل لا يتناولهما هذا الاسم بغير شبهة، ولا يطعن على ما
ذكرنا بقوله: تبت يدا أبي لهب وبقوله: فبما كسبت أيديكم، وإن عبر بها عن جميع البدن لأن
ذلك مجاز وكلامنا على الحقائق لقول الله مخاطبا لنبيه ع والمراد به أمته، ومعناه إذا
أردتم طلاق النساء كما قال: إذا قمتم إلى الصلاة، والنبي ع داخل تحت هذا
207

الخطاب وهذه مسألة فيها خلاف.
وقال قوم: تقديره يا أيها النبي قل لأمتك إذا طلقتم النساء، فعلى هذا يجوز أن يكون
النبي ع خارجا من الحكم ويجوز أن يكون حكمه حكمهم كخطاب الرئيس
الذي يدخل فيه الأتباع، وأجمعت الأمة أن حكم النبي حكم أمته في الطلاق.
والطلاق في الشرع قد ذكرنا أنه عبارة عن تخلية المرأة على عقدة من عقد النكاح،
بأن يقول: أنت طالق، يخاطبها أو يقول: هذه طالق ويشير إليها أو يقول: فلانة بنت فلان
طالق، وعندنا لا يقع الطلاق إلا بهذا اللفظ المخصوص ولا يقع الطلاق بشئ من كنايات
الطلاق أراد به الطلاق أو لم يرد، وفيه خلاف.
ومن شرط وقوع الطلاق عندنا أن يكون الرجل ثابت العقل مريدا للطلاق غير مكره
عليه ويتلفظ بما قدمناه، وفحوى قوله تعالى: إذا طلقتم النساء، يدل على جميع ذلك ويكون
بمحضر من شاهدي عدل لقوله: وأشهدوا ذوي عدل منكم، على ما نذكره، وإن كانت
مدخولا بها غير حامل ويكون الزوج حاضرا غير غائب، فلا بد من أن تكون طاهرا طهرا لم
يقربها فيه بجماع لقوله: وطلقوهن لعدتهن، ومعناه أن يطلقها وهي طاهر في طهر لا جماع
فيه معها ويستوفى باقي الشروط أي طلقوهن مستقبلات لعدتهن كقولك: أتيته لليلة بقيت
من المحرم، أي مستقبلا لها.
فصل:
وفي قراءة رسول الله ص في " قبل عدتهن " وإذا طلقت المرأة في الطهر
الذي ذكرناه طلقت مستقبلة لعدتها، والمراد أن يطلقن في طهر لم يجامعن فيه ثم يخلين حتى
تنقضي عدتهن، قاله ابن عباس ومجاهد والحسن وابن سيرين وقتادة والضحاك والسدي،
فمتى طلقها وقصد به إيقاع الطلاق على ما ذكرناه وقع تطليقة واحدة وهو أملك برجعتها
ما لم تخرج من العدة، فإن خرجت قبل أن يراجعها كان كواحد من الخطاب، ومتى تلفظ
بثلاث تطليقات مع الشرائط كلها وقعت واحدة، وخالف جميع الفقهاء في ذلك وقالوا: يقع
الثلاث، وفي أصحابنا من يقول: متى تلفظ بالثلاث لا يقع شئ وذلك محمول على أنه إذا لم
208

يحصل جميع شرائط الطلاق، والعمل على ما قدمناه، ومتى طلقها في الحيض والحال
ما ذكرناه فلا يقع طلاقها لأنه خلاف المأمور به، وهو منهي عنه والنهي يدل على فساد المنهي
عنه وعند الفقهاء أنه يقع الطلاق وإن كان بدعة، ولم يبين المفسرون معنى اللام في قوله
" لعدتهن " وكيف صار هذا اللفظ عبارة عما فسروه به من أن المراد طاهر من غير جماع،
والقول في ذلك أن اللام لام العلة والسبب.
فإن قيل: علة الفعل ما يولد عنه، يعني الفعل يتولد من العلة ولم يتولد الطلاق من
العدة وإنما تولد من إيثار الزوج مفارقة المرأة، والجواب: أن ذلك يحتاج إلى بيان لأن في
الكلام حذفا وإيجازا كأنه قال: تعهدوا بطلاقهن هذه الحالة لأجل عدتهن، أي ليعتددن في
الوقت لأن ابتداء عدتها الطهر الذي طلق فيه، " ثم أحصوا عدتها " أي احفظوا أقراءها،
وإن مضت الثلاثة منها ولم تراجعوهن فلا سبيل إلى المراجعة من بعد، ومثل هذا اللام قوله:
أقم الصلاة لدلوك الشمس، ولقول النبي ع: صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته.
وقال أبو علي المرزوقي: اللام في قوله " لعدتهن " ظرف للطلاق بمنزلة وقت له والدليل
عليه قوله تعالى: لأول الحشر، فجعل له أولا، وقيل: العدة هنا الحيض والمعنى فطلقوهن
قبل الحيض، وإحصاء العدة حفظ وقت الطلاق ثم أيام الطهر والحيض إلى أن يقع
البينونة.
فصل:
ثم قال تعالى: واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن، غلظ الله أمر
المطلقين بالوعيد أي لا تخرجوهن زمان العدة لأنه لا يجوز اخراجها من بيتها، وأمر المطلقات
ألا يخرجن باختيار أنفسهن قبل انقضاء عدتهن.
وعندنا وعند جميع الفقهاء يجب عليه السكنى والنفقة والكسوة إذا كانت المطلقة
رجعية وإن كانت بائنة فلا نفقة لها ولا سكنى، وقال عطاء والضحاك وقتادة: لا يجوز أن
تخرج من بيتها حتى تنقضي عدتها إلا عند الفاحشة، وقال الحسن وعامر والشعبي ومجاهد
وابن زيد: الفاحشة هاهنا الزنى تخرج لإقامة الحدة وقال ابن عباس: الفاحشة البذاء على
209

أهله وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام، وقال قتادة: الفاحشة هي
النشوز، وقال ابن عمر: هو خروجها قبل انقضاء العدة، وفي رواية عن ابن عباس أن كل
معصية لله ظاهرة فهي فاحشة.
وقوله: تلك حدود الله، يعني ما تقدم ذكره من كيفية الطلاق والعدة وترك اخراجها من
بيتها إلا عند الفاحشة حدود الله فالحدود نهايات تمنع أن يدخل في الشئ ما ليس منه
أو يخرج عنه ما هو منه، فقد بين الله بالأمر والنهي الحدود: ومن يتعد
حدود الله، أي من يتجاوز حدود الله فقد فعل ما يستحق به العقاب ويحرم معه الثواب.
ثم قال: لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا، أي يغير رأي الزوج في محبة الطلاق
فيكون تطليقه على ما أمر الله به يملك الرجعة فيما بين الواحدة والثانية وما بين الثانية
والثالثة، إذا لم يكن خلعا على الحرة المطلقة التي دخل بها وقد ذكرناها، وقال: الضحاك: أي
لعل الله يحدث بعد ذلك أمر الرجعة في العدة، وقيل: معناه لعل الله يحدث بعد ذلك شهوة
المراجعة.
فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف، قيل: أي إذا بلغن إلى
القرء الثالث وذلك قرب انقضاء عدتهن ومعناه إذا قاربن أجلهن الذي هو الخروج من
عدتهن، لأنه لا يجوز أن يكون المراد فإذا انقضى أجلهن، لأنه عند انقضاء أجلهن لا يملك
رجعتها وقد ملكت نفسها وقد بانت منه بواحدة ثم تتزوج من شاءت هو أو غيره، وإنما
المعنى إذا قاربن الخروج من عدتهن فأمسكوهن بأن تراجعوهن بمعروف بما يجب لها من
النفقة والكسوة والمسكن وحسن الصحبة، أو فارقوهن بمعروف بأن تتركوهن حتى
يخرجن من العدة، والمعروف عند الفراق الصداق أو المتعة وحسن الثناء.
فصل:
ثم قال تعالى: وأشهدوا ذوي عدل منكم، فالإشهاد عندنا شرط في وقوع الطلاق لأن
ظاهر الأمر بذلك يقتضيه والأمر شرعا على الإيجاب إلا إذا دل دليل على كونه ندب، فمتى
طلق الرجل ولم يشهد شاهدين ممن ظاهره الاسلام كان طلاقه غير واقع، وإن أشهد رجلا
210

بعد آخر ولم يشهدهما في مكان واحد لم يقع أيضا طلاق، فإن طلق بمحضر رجلين مسلمين ولم
يقل لهما اشهدا وقع طلاقه وجاز لهما أن يشهدا بذلك، وشهادة النساء لا تقبل في الطلاق،
ومتى فقدا لم يقع الطلاق.
فإن قيل: ما الدليل على صحة جميع ما ذكرتم
قلنا: الحجة لنا بعد الاجماع قوله: يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن، إلى
قوله: وأشهدوا ذوي عدل منكم، فأمر تعالى فيه بالإشهاد وظاهر الأمر في عرف الشرع كما
قدمنا يقتضي الوجوب فليس لهم أن يحملوا ذلك هاهنا على الاستحباب لفقد الدليل عليه،
ولا يخلو قوله " وأشهدوا " من أن يكون راجعا إلى الطلاق كأنه قال: إذا طلقتم النساء
فطلقوهن لعدتهن وأشهدوا أو أن يكون راجعا إلى الفرقة أو إلى الرجعة التي عبر تعالى عنها
بالإمساك.
ولا يجوز أن يرجع ذلك إلى الفرقة التي ليست هاهنا شيئا يوقع ويفعل وإنما هو العدول
عن الرجعة، وإنما يكون مفارقا لها بأن لا يراجعها فتبين بالطلاق السابق على أن أحدا
لا يوجب في هذه الفرقة الشهادة وظاهر الأمر في الشرع يقتضي الوجوب، ولا يجوز أن يرجع
الأمر بالشهادة إلى الرجعة لأن أحدا لا يوجب فيها الإشهاد وإنما هو يستحب فيها فثبت أن
الأمر بالإشهاد راجع إلى الطلاق.
فإن قيل: كيف يرجع إلى الطلاق مع بعد ما بينهما؟
قلنا: إذا لم يلق إلا بالطلاق وجب عوده إليه مع قرب وبعد، فإن قيل: أي فرق بينكم في
حملكم هذا الشرط على الطلاق وهو بعيد منه في اللفظ وهو مجاز وعدول عن الحقيقة، وبيننا
إذا حملنا الأمر بالإشهاد هاهنا على الاستحباب ليعود إلى الرجعة القريبة منه في ترتيب
الكلام؟
قلنا: حمل ما ظاهره الوجوب على الاستحباب خروج عن عرف الشرع بلا دليل، ورد
الشرط إلى ما بعد عنه إذا لم يلق بما قرب ليس بعدول عن الحقيقة ولا استعمال التوسع
والتجوز في القرآن والخطاب كله مملوء من ذلك، قال الله تعالى: إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا
ونذيرا لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه، والتسبيح وهو متأخر في اللفظ
211

لا يليق إلا بالله دون رسوله.
ثم قال: وأقيموا الشهادة لله، أي لوجه الله خالصا لا للمشهود له ولا للمشهود عليه
ولا لغرض من الأغراض سوى إقامة الحق ودفع الظلم، " ذلكم يوعظ ب " أي ذلكم الحث
على إقامة الشهادة لوجه الله ولأجل القيام بالقسط يوعظ به " ومن يتق الله " جملة اعتراضية.
فصل:
وقد فسرنا الآيات المتصلة بها إلى قوله تعالى: أسكنوهن منه حيث سكنتم من
وجدكم، يقول الله مخاطبا لمن طلق زوجته بأمره: أن يسكنها حيث يسكن هو، وقد بينا أن
السكنى والنفقة يجبان للرجعية بلا خلاف، أما المبتوتة فلا سكنى لها ولا نفقة عندنا إلا إذا
كانت حبلى وهو مذهب الحسن، وقد روت فاطمة بنت قيس عن النبي ص
أنه قال: لا نفقة للمبتوتة، وقال الشافعي ومالك: لها السكنى بلا نفقة، وقال أهل العراق: لها
السكنى والنفقة معا وبه قال ابن مسعود وعمر.
وقوله: وجدكم، أي ملككم، قاله السدي وقال ابن زيد: هو إذا قال صاحب المسكن:
لا أنزل هذه بيتي وليس من وجده ويجوز له حينئذ أن ينقلها إلى غيره، والوجد ملك ما يجده
المالك له وذلك أنه قد يملك المالك ما يغيب عنه وقد يملك ما هو حاضر له فذلك وجده،
ويحتمل وجها آخر وهو أن يكون أسكنوهن أمرا بالإنفاق عليهن، أي نزلوهن منزلة أنفسكم
من وجدكم من وجدكم ولينفق كل واحد عليهن على قدر غناه وفقره.
ولفظ الإسكان والإحلال والإنزال على ما قلنا يستعمل كثيرا في هذا المعنى، يقال: أحلني
فلان من نعمته محل نفسه أي أشركني فيها حتى شاطرنيها وذلك أولى، لأن الأمر بالسكنى قد
تقدم من قوله: لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن، ثم قال: ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن،
معناه لا تدخلوا الضرر عليهن بالتقصير في النفقة والسكنى والكسوة وحسن العشرة
وتضيقوا عليهن في السكنى والنفقة ليخرجن، أي لا تؤذوهن فتحوجوهن إلى الخروج،
أمر الله بالسعة.
وقد تكون المضارة من واحد كما يقال: طارقت النعل، ويمكن أن يكون هاهنا من كل
212

واحد منهما لصاحبه، والتضييق قد يكون في الرزق وفي المكان وفي الأمر، وإن كن أولات
حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن، أمر من الله بالإنفاق على الحامل المطلقة إذا كانت
مبتوتة ولا خلاف في ذلك، وإنما يجب أن ينفق عليها بسبب ما في بطنها، وإنما يسقط نفقتها
بالوضع.
باب عدة المتوفى عنها زوجها وعدة المطلقة على اختلاف أحوالها:
قال الله تعالى: والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر
وعشرا، أمر تعالى أن يكون عدة كل متوفى عنها زوجها أربعة أشهر و عشرة أيام سواء كانت
مدخولا بها أو غير مدخول بها حرة كانت أو أمة لأن الله لم يخص، فإن كانت حبلى فعدتها
أبعد الأجلين من وضع الحمل أو مضي أربعة الأشهر والعشرة أيام، وهو المروي عن أمير
المؤمنين ع ووافقنا في الأمة الأصم، وخالف باقي الفقهاء في ذلك وقالوا عدة الأمة
نصف عدة الحرة شهران وخمسة أيام، وإليه ذهب قوم من أصحابنا، وقالوا في عدة الحامل:
أنها بوضع الحمل، وعندنا أن وضع الحمل يختص عدة المطلقة.
والذي يجب على المعتدة في عدة الوفاة اجتنابها الزينة والكحل والأثمد وترك النقلة
عن المنزل في قول ابن عباس، وقال الحسن: إن الواجب عليها الامتناع من الزوج لا غير،
وعندنا أنه يجوز لها أن تبيت في الدار التي مات فيها زوجها حيث شاءت وعليها الحداد إذا
كانت حرة، وإن كانت أمة فليس عليها حداد، والحداد هو ترك الزينة وأكل ما فيه الرائحة
الطيبة وشمه.
فإن احتج مخالفنا في هذا بظاهر قوله تعالى: وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن،
وأنه عام في المتوفى عنها زوجها وفي غيرها، عارضناهم بقوله: والذين يتوفون منكم، الآية،
وأنه عام في الحامل وغيرها، ثم لو كانت آيتهم التي ذكروها عامة الظاهر جاز أن نخصها
بدليل وهو إجماعنا الإمامية، وفيه الحجة.
213

فصل:
وقوله تعالى: الذين، رفع بالابتداء و: يتوفون منكم، صلة الذين و: يذرون أزواجا،
عطف عليه وخبر الذين قيل فيه أربعة أقوال:
أحدها:
أن كون الجملة على تقدير والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا أزواجهم
يتربصن.
الثاني: يتربصن بعدهم أي يتربصن أزواجهم بعدهم.
الثالث: أن يكون الضمير في يتربصن لما عاد إلى مضاف في المعنى كان بمنزلته على
تقدير يتربصن أزواجهم، هذا قول الزجاج والأول قول العباس والثاني قول الأخفش،
ونظيره قول الزجاج أن يقول: إذا مات وخلف ابنتين ترثان الثلثين بالفرض، المعنى ترث
ابنتاه الثلثين.
الرابع: أن يعدل عن الإخبار عن الأزواج لأن المعنى عليه والفائدة فيه، ذهب إليه
الكسائي والفراء وأنكره أبو العباس والزجاج لأنه لا يكون مبتدأ لا خبر له ولا خبر إلا عن
مخبر عنه، و " يذرون أزواجا " أي يتركونها.
فإن قيل: كيف قال " وعشرا " وإنما العدة بالأيام والليالي ولذلك لم يجز أن يقول عشرا
من الرجال والنساء؟، قيل: لتغليب الليالي على الأيام إذا اجتمعت في التاريخ وغيره لأن
ابتداء شهور الأهلة الليالي عند طلوع الهلال، فلما كانت أوائل غلبت لأن الأوائل أقوى من
الثواني، ولا يقدح هذا في قولهم: إذا اختلط الذكر والأنثى كان الغلبة للذكر، قال ابن
المسيب وأبو العالية: إنما زاد الله تعالى هذه العشرة على أربعة أشهر لأن فيها ينفخ الروح في
الولد، ومعنى التربص أن تحبس نفسها عن الأزواج وتترك الزينة والطيب.
فصل:
وهذه الآية التي قدمناها ناسخة لقوله تعالى: والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا
وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير اخراج، وإن كانت هذه مقدمة عليها في التلاوة،
ولا خلاف في نسخ العدة سنة كاملة إلا أن أبا حذيفة قال: العدة أربعة أشهر وعشرا وما زاد
214

على الحول يثبت بالوصية والنفقة، فإن امتنع الورثة من ذلك كان لها أن تتصرف في نفسها.
وأما حكم الوصية عندنا فباق لم ينسخ وإن كان على وجه الاستحباب، وحكي عن
الحسن أنها منسوخة بآية الميراث فلا وصية لوارث، وهذا فاسد لأن آية الميراث لا تنافي
الوصية فلا يجوز أن تكون ناسخة لها، فمن نصب وصية فالتقدير فليوصوا وصية والرفع
أي فعليهم وصية أو لأزواجهم وصية وقيل: لا يجوز غير الرفع لأنه لا يمكن الوصية بعد الوفاة
ولأن الفرض كان لهن وصوا أو لم يوصوا، قال الرماني: وهذا غلط لأن المعنى والذين تحضرهم
الوفاة منكم، ولذلك قال تعالى: " يتوفون " على لفظ الحال الذي يتطاول.
وأما قوله: الفرض كان لهن وإن لم يوصوا، فقد قال قتادة والسدي: إنما كان لهن
بالوصية، على أنه لو كان على ما زعم لم ينكر أن يوجبه الله على الورثة إن فرط الزوج في
الوصية.
ومتاعا إلى الحول غير اخراج، كأنه قال: متعوهن متاعا في مساكنهن لا إخراجا،
ويجوز أن تكون الإقامة في مساكنهن.
قال الحسن: فإن خرجن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن من معروف، دليل على
سقوط النفقة والسكنى بالخروج لأنه إنما جعل لهن ذلك بالإقامة إلى الحول، فإن خرجن قبله
بطل الحق الذي وجب بالإقامة، وإنما احتاج إلى هذا التخريج من يوجب النفقة للمعتدة عن
الوفاة، فأما من قال: لا نفقة لها ولا سكنى فلا يحتاج إلى ذلك وهو مذهبنا، لأن المتوفى عنها
زوجها لا نفقة لها، فإن كانت حاملا أنفق عليها من نصيب ولدها الذي في بطنها.
وقد قدمنا أن الرجل إذا طلق زوجته قبل الدخول بها لم يكن عليها منه عدة وكذلك
التي لم تبلغ المحيض ومثلها لا تحيض إذا طلقها وحد ذلك ما دون تسع السنين لم يكن عليها
منه عدة وإن دخل بها، وكذلك إن كانت آيسة ومثلها لا تحيض فليس عليها منه عدة إذا
طلقها وإن كانت مدخولا بها، والدليل على هاتين المسألتين من القرآن ما ذكرناه من قبل،
ويمكن أن يستدل بقوله تعالى: وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن، الآية، على أن لا عدة
على من لم يدخل بها وقد صرح تعالى بذلك في قوله: يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات
ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها.
215

فأما من طلق من تحيض حيضا مستقيما فعدتها ثلاثة أطهار، لقوله تعالى: والمطلقات
يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء، وإنما أطلق سبحانه الكلام ههنا إطلاقا ولم يقيد لأن الأغلب
في العادة أن تكون المرأة مستقيمة الحيض وما سوى هذه الحالة يكون نادرا، وإذا طلقها
وهي حامل فعدتها أن تضع حملها، لقوله تعالى: وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن،
والآيسة من المحيض وفي سنها من تحيض والتي لا تحيض وفي سنها من تحيض فعدة كل
واحدة منهما إذا كانت حرة ثلاثة أشهر إذا طلقها زوجها، وقد بينا حكمهما من قبل يدل
عليه قوله: واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم، الآية.
والحرة إذا كانت تحت مملوك فعدتها مثل عدتها إذا كانت تحت حر لا يختلف الحكم فيه،
لأن الله تعالى لم يفصل في كتابه بين الحالتين، والأمة إذا كانت تحت حر وطلقها فعدتها قرآن
إن كانت ممن تحيض، وإن كانت لا تحيض ومثلها تحيض فعدتها خمسة وأربعون يوما،
واستدل عليه بعض المفسرين بقوله: فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على
المحصنات من العذاب، وقال: هذا على العموم، هذا كله إذا كانت الحرة والأمة مدخولا
بهما.
والأمة إذا كانت أم ولد وتوفي عنها زوجها فعدتها مثل عدة الحرة، وإن كانت مملوكة
ليست أم ولد فعدتها شهران وخمسة أيام، والتي لم يدخل بها إذا مات عنها الزوج فعدتها
أربعة أشهر وعشرا لعموم قوله تعالى: والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن
بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا، ويجب على ورثته أن يعطوها المهر كملا، ويستحب لها أن
تترك نصف المهر وإن لم تفعل كان لها المهر كله.
باب كيفية الطلاق الثلاث وحكم المراجعة والتراجع والعضل:
قوله تعالى: الطلاق مرتان، يدل على صحة قولنا: الطلاق الثلاث لا يقع بلفظ واحدة
فإنه تعالى لم يرد بذلك الخبر لأنه لو أراده لكان كذبا وإنما أراد الأمر فكأنه تعالى قال: طلقوهن
مرتين، ويجري مجرى قوله: ومن دخله كان آمنا، والمراد يجب أن تؤمنوه، والمرتان لا تكون إلا
واحدة بعد واحدة، ومن جمع الطلاقين في كلمة واحدة لا يكون مطلقا مرتين كما أن من
216

أعطى درهمين مرة واحدة لم يعطها مرتين.
فإن قيل: العدد إذا ذكر عقيب الاسم لم يقتض التفريق، مثاله إذا قال: له على مائة
درهم مرتان، وإذا ذكر العدد عقيب فعل اقتضى التفريق، مثاله: إذا دخل الدار مرتين
فضربه ضربتين، والعدد في الآية عقيب اسم لا فعل، قلنا: قد بينا أن قوله: الطلاق مرتان،
معناه طلقوا مرتين والعدد عقيب فعل لا اسم صريح.
فإن قيل: إذا كان الثلاث لا تقع فأي معنى لقوله تعالى: لا تدري لعل الله يحدث
بعد ذلك أمرا، وإنما المراد أنك إذا خالفت السنة في الطلاق وجمعت بين الثلاث وتعديت
ما حده الله تعالى لم تأمن أن تتوق نفسك إلى المراجعة فلا تتمكن منها، قلنا: قوله: لا تدري
لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا، مجمل غير مبين، فمن أين أنه أراد ما ذكرتم والظاهر غير دال
على ما هو الأمر الذي يحدثه الله؟ والأشبه بالظاهر أن يكون ذلك الأمر الذي يحدثه الله متعلقا
بقوله: ومن يتعد حدود الله، لأنه قال: تلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه
لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا، فيشبه أن يكون المراد لا تدري ما يحدثه الله من عقاب
يعجله الله في الدنيا على من تعدى حدوده وهذا أشبه مما ذكروه، وأقل الأحوال أن يكون
الكلام يحتمله فسقط تعلقهم، وقيل: يتعلق قوله: لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا، بالنهي عن
إخراجهن من بيوتهن لعله يبدو له في المراجعة وهذا أيضا يحتمل، فمن أين أن المراد
ما ذكره؟
فصل:
وأبان سبحانه بقوله: الطلاق مرتان، عدد الطلاق لأنه كان في صدر الاسلام بغير عدد
قال قتادة: كان الرجل يطلق امرأته في صدر الاسلام ما شاء من واحدة إلى عشر ويراجعها
في العدة فنزل قوله تعالى: الطلاق مرتان، يعني طلقتين.
فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، فبين أن عدد الطلاق ثلاثة، فقوله: مرتان إخبار
عن طلقتين بلا خلاف واختلفوا في الثالثة: فقال ابن عباس: أو تسريح بإحسان، الطلقة
الثالثة وقال غيره: فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره، التطليقة الثالثة،
217

وهو الأقوى.
وقيل: في قوله: الطلاق مرتان قولان: أحدهما: ما قاله ابن عباس ومجاهد أن معناه
البيان عن تفصيل الطلاق في السنة، وهو أنه إذا أراد طلاقها ينبغي أن يطلقها في طهر لم
يقربها فيه بجماع تطليقة واحدة ثم يتركها حتى تخرج من العدة، والثاني: ما قاله عروة
وقتادة: أن معناه البيان عن عدد الطلاق الذي يوجب البينونة مما لا يوجبها. وفي الآية بيان
أنه ليس بعد التطليقتين إلا الفرقة الباينة، وقال الزجاج: في الآية حذف، لأن التقدير عدد
الطلاق الذي يملك فيها الرجعة مرتان، بدلالة قوله: فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان.
والمرتان هما دفعتان.
ومعنى قوله فإمساك أي فالواجب عليه إمساك والإمساك خلاف الطلاق. قال
الزجاج: ظاهره خبر ومعناه أمر كأنه قال فليمسكها بعد ذلك بمعروف، أي بما يعرف به إقامة
الحق في إمساك المرأة أو تخلية سبيلها بوجه حسن، وقوله بمعروف أي على وجه جميل سائع
في الشريعة لا على وجه الإضرار بهن.
أحدهما: إنها الطلقة الثالثة، وروي أن رجلا سأل النبي ص فقال:
الطلاق مرتان فأين الثالثة؟ فأجابه ع: أو تسريح بإحسان. وقال السدي
والضحاك هو ترك المعتدة حتى تبين بانقضاء العدة، وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله
عليهما السلام، والتسريح مأخوذ من السرح، وهو الانطلاق، وقد ذكرنا أن أصحابنا
استدلوا بهذه الآية على أن الطلاق الثلاث لا تقع بمرة لأنه تعالى قال: الطلاق مرتان، ثم ذكر
الثالثة على الخلاف في أنه قوله: أو تسريح بإحسان، أو قوله، فإن طلقها فلا تحل له من بعد.
ومن طلق بلفظ واحد فلا يكون أتى بالمرتين ولا بالثالثة، كما أنه لما أوجب في اللعان أربع
شهادات فلو أتى بلفظ واحد لما وقع موقعه، وكما لو رمى بسبع حصيات في الجمار دفعة
واحدة لم يكن مجزئا له فكذا الطلاق، ومتى ادعوا في ذلك خبرا فعليهم أن يذكروه لنتكلم
عليه.
218

فصل:
أما قوله: فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره، فالمعنى فيه التطليقة
الثالثة على ما روي عن أبي جعفر ع، وبه قال الضحاك والسدي والجبائي
والنظام وغيرهم، وقال مجاهد: هو تفسير لقوله: أو تسريح بإحسان، فإنه التطليقة الثالثة
وهو اختيار الطبري.
وقوله: فإن طلقها، يعني الزوج إن بانت منه بأن يختر أن يراجعها في الثالث: فلا تحل
له، أي فلا يجوز نكاحها ولا جماعها: حتى تنكح زوجا غيره، أي حتى تتزوج زوجا آخر
فيطأها ذلك الزوج، لأن المراد بالنكاح هاهنا الجماع لا التزويج وإن كان الأصل في النكاح
التزوج، لأنهم أجمعوا على أنه إن تزوجت ولم تجامع لم تحل لنكاح الزوج الأول، وأهل المدينة
اختلفوا في النكاح أ أصله الجماع أم التزويج؟ وعند أكثر الكوفيين أن أصله الجماع وتسمية
التزويج به كما يسمى الشئ باسم ما هو من سببه.
وصفة الزوج الذي يحل المرأة للزوج الأول أن يكون بالغا ويعقد عليها عقدا صحيحا
دائما ويذوق عسيلتها بأن يطأها وتذوق عسيلته بلا خلاف بين أهل العلم.
ولا يجوز لأحد أن يتزوجها في العدة، فأما العقود الفاسدة أو عقود الشبهة فإنما لا تحل
للزوج الأول ومتى وطئها بعقد صحيح في زمان يحرم فيه وطؤها مثل أن تكون حائضا أو محرمة
أو معتكفة فإنها تحل للأول لأن الوطء يدخل في نكاح صحيح وإنما حرم الوطء لأمر طارئ
عليه، هذا عند أكثر أهل العلم، وقال مالك: الوطء في الحيض لا يحل للأول وإن وجب به
المهر كله والعدة.
ثم قال تعالى: فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله، بين
سبحانه أن الزوج الثاني إن طلقها فلا حرج على الزوج الأول إذا خرجت هي من عدة
الزوج الثاني ورأيا أمارة الخير بينهما وظنا الصلاح لأنفسهما بعد ذلك في التزويج أن يتراجعا
بعقد مستأنف، وموضع " أن يتراجعا " خفض عند الخليل وتقديره في أن يتراجعا وقال
الزجاج موضعه النصب، وموضع أن الثانية نصب بلا خلاف يظن وإنما جاز حذف في
" أن يتراجعا " لطولها بالصلة ولو كان مصدرا لم يجز.
219

وقوله تعالى: فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا، يدل على أن الوطء في عقد
الشبهة لا يحل للزوج الأول لأن الطلاق لا يلحق نكاح الشبهة، وإنما جعل الظن شرطا لأنه في
المستقبل فلا يحصل العلم به، ومعناه إن عرفا من أخلاقهما وطرائقهما ما يقوي في
ظنونهما أنهما يقومان بحدود الله تعالى.
فصل:
وقوله تعالى: الطلاق مرتان فإمساك بمعروف، يدل على صحة المراجعة بعد التطليقة
الأولى وقبل انقضاء العدة، وكذلك يدل على صحة المراجعة بعد التطليقة الثانية قبل
انقضاء العدة من غير اعتبار رضا المرأة إذا لم يكن خلعا لأنه تعالى قال: فإمساك بمعروف،
وهو المراجعة ولم يعتبر رضاها، والتراجع الذي ذكره الله تعالى في قوله: فإن طلقها فلا جناح
عليهما أن يتراجعا، هو أن يتعاقدا بعد العدة من موت الزوج الثاني أو طلاقه بمهر جديد
وعقد مستأنف، ورضاها لا بد منه هاهنا لأنه الآن خاطب من الخطاب وهي أجنبية وقد أشار
إليه بقوله: أن يتراجعا، واعتبر هاهنا في التراجع فعليهما وما اعتبر في التراجع هناك بقوله:
فإمساك، إلا فعله.
ثم قال تعالى: وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن
بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا، والمعنى إذا بلغن قرب انقضاء عدتهن لأن بعد انقضاء
العدة ليس له إمساك، والإمساك أيضا هاهنا هو المراجعة قبل انقضاء العدة، وبه قال ابن
عباس والحسن ومجاهد وقتادة، وعلى هذا يقال لمن دنا من البلد فلان بلغ البلد.
والمراد بالمعروف هاهنا الحق الذي يدعو إليه العقل أو الشرع للمعرفة بصحته
خلاف المنكر الذي يزجر عنه العقل أو السمع لاستحالة المعرفة بصحته، فما يجوز
المعرفة بصحته معروف وما لا يجوز المعرفة بصحته منكر. والمراد به هاهنا أن يمسكها على
الوجه الذي أباحه الله له من القيام بما يجب لها من النفقة وحسن العشرة وغير ذلك،
ولا يقصد الإضرار بها.
220

فصل:
وقوله تعالى: ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا، معناه لا تراجعونهن لا لرغبة فيهن بل
لطلب الإضرار بهن، أما في تطويل العدة أو طلب المعاداة أو غير ذلك فإنه غير جائز، ويجوز أن
يكون المراد بالمضارة التضييق عليها في العدة في النفقة والمسكن، كما قال: أسكنوهن من
حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن، ومن يفعل ذلك، أي المراجعة
للضرر، فقد ظلم نفسه، فالإشارة إلى الإمساك ضرارا.
ولا تتخذوا آيات الله هزوا: يعني ما ذكره من الأحكام في النكاح والطلاق مما يجوز فيه
المراجعة وما لهم على النساء من التربص حتى يفيئوا أو يوقعوه مما ليس لهم وغير ذلك، أي
لا يتركوا العمل بحدود الله فيكونوا مقصرين كما يقول للرجل الذي لا يقوم بما يكلفه
ويتوانى فيه: إنما أنت لاعب.
وروي عن أبي الدرداء وأبي موسى: كان الرجل يطلق أو يعتق ثم يقول: إنما كنت
لاعبا، فأعلم الله أن فرائضه لا يجوز اللعب فيها، ولذلك قال النبي ص:
من طلق لاعبا أو أعتق لاعبا فقد جاز عليه لأن الحاكم يجب عليه الحكم على ظاهر الشرع
إذا شهد البينة، والأولى أن يكون المراد لا تستخفوا بآيات الله وفروضه ولا تتخذوا آيات الله
هزوا، أي ذات استهزاء بها، وهذا توكيد كأنه قال: اعملوا عليها ولا تستهينوا بها.
فصل:
ثم قال تعالى: وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن
إذا تراضوا بينهم بالمعروف، قال قتادة والحسن: إن هذه الآية نزلت في معقل بن يسار حين
عضل أخته أن ترجع إلى الزوج الأول، فإنه كان طلقها وخرجت من العدة ثم أرادا أن
يجتمعا بعقد آخر على نكاح آخر فمنعه من ذلك فنزلت الآية فيه، وقال أسدي: نزلت في
جابر بن عبد الله عضل بنت عم له.
والوجهان لا يصحان على مذهبنا لأن عندنا أنه لا ولاية للأخ ولا لابن العم عليها وإنما
هي ولية نفسها فلا تأثير لعضلهما، والوجه في ذلك أن تحمل الآية على المطلقين لأنه خطاب
221

لهم بقوله تعالى: وإذا طلقتم النساء، فكأنه قال: لا تعضلوهن بأن تراجعوهن عند قرب
انقضاء عدتهن ولا رغبة لكم فيهن وإنما تريدون الإضرار بهن فإن ذلك مما لا يسوع في الدين
والشرع كما قال في الأولى: ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا.
ولا يطعن على ذلك بقوله: أن ينكحن أزواجهن، لأن المعنى فيه من يصير أزواجهن
كما أنهم لا بد لهم من ذلك إذا حملوا على الزوج الأول لأن بعد انقضاء العدة لا يكون زوجا،
ويكون المراد من كان أزواجهن فما لهم إلا مثل ما عليهم، ويجوز أن يحمل العضل في الآية
على الجبر والحيلولة بينهن وبين التزويج دون ما يتعلق بالولاية لأن العضل هو الحبس والمنع
والضيق، وهذا الوجه حسن وتقدير أن ينكحن من أن ينكحن فمحل فمحل " أن " جر
عند الخليل ونصب عند سيبويه.
وإنما قال " ذلك " ولم يقل ذلكم كما تقدم من قوله " طلقتم " لأن تقديره ذلك يا محمد أو
يا أيها القبيل. " يوعظ به من كان يؤمن "، وإنما خص المؤمن بالوعظ لأنه ينتفع به فنسب إليه
كما قال: هدى للمتقين، ولأنه أولى بالاتعاظ.
فصل:
قال الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن
لتذهبوا ببعض ما أتيتموهن، اختلفوا في معنى ذلك فقال الزهري والجبائي وغيرهما: هو أن
يحبس الرجل المرأة عنده لا حاجة له إليها وينتظر موتها حتى يرثها فنهى الله عن ذلك وهو
المروي عن أبي جعفر ع، وقال الحسن ومجاهد: معناه ما كان يعمله أهل الجاهلية
من أن الرجل إذا مات وترك امرأته قال ابنه من غيرها أو وليه ورثت امرأته كما ورثت ماله
فألقى عليها رداءه أنها امرأته على العقد الذي كان مع أبيها ولا يعطيها شيئا وإن شاء
زوجها وأخذ صداقها، روى ذلك أبو الجارود عن الباقر ع قال أبو مجلز: ثم كان
هو بالميراث أولى بها من ولي نفسها.
أما قوله تعالى: فلا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن، قيل في من عني بهذا النهي
أربعة أقوال:
222

أحدها: قال ابن عباس: هو الزوج أمره الله بتخلية سبيلها إذا لم يكن له فيها حاجة
ولا يمسكها إضرارا بها حتى تفتدي ببعض مالها.
الثاني: قال الحسن هو الوارث، نهى عن منه المرأة من التزويج كما تفعله الجاهلية على
ما بيناه.
الثالث: قال مجاهد المراد الولي.
الرابع: قال ابن زيد المطلق يمنعها من التزويج كما كانت قريش تفعل في الجاهلية،
ينكح الرجل منهم المرأة الشريفة فإذا لم توافقه فارقها على أن لا تتزوج إلا باذنه ويشهد
عليها بذلك ويكتب كتابا فإذا خطبها خاطب فإن أعطته وأرضته أذن لها وإن لم تعطه
عضلها فنهى الله عن ذلك، والأول أظهر الأقاويل، والعضل هو التضييق بالمنع من التزويج.
وقوله تعالى: إلا أن يأتين بفاحشة مبينة، قيل فيه قولان: أحدهما: ما قال الحسن أنه
يعني به الزنى وقال: إنه إذا أطلع منها على ريبة فله أخذ الفدية. الثاني: قال ابن عباس: هو
النشوز، والأولى حمل الآية على كل معصية لأن العموم يقتضي ذلك وهو المروي عن أبي
جعفر ع.
وقوله: لا تعضلوهن، يحتمل أن يكون جزما بالنهي ويحتمل أن يكون نصبا بالعطف
على " أن يرثوا النساء كرها "، ويقرأ بهذا التقدير عبد الله: ولا أن تعضلوهن بإثبات أن،
وقيل في سبب نزول هذه الآية: إن أبا قيس بن الأسلت لما مات عن زوجته كبشة بنت معن
بن عاصم أراد ابنه أن يتزوجها فجاءت إلى النبي ص فقالت: يا نبي الله
لا أنا ورثت زوجي ولا أنا تركت فأنكح، فنزلت هذه الآية، ذكره أبو جعفر ع
وغيره.
فصل:
ثم أمر الله سبحانه المؤمنين بأداء حقوقهن التي أوجبها عليهم من إمساك بمعروف أو
تسريح بإحسان، فقال: وعاشروهن بالمعروف، أي خالطوهن وخالقوهن من العشرة التي
هي المصاحبة، فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا يعني في
223

إمساكهن على كره منكم خيرا كثيرا من ولد يرزقكم أو عطفكم عليهن بعد الكراهية،
والهاء في " فيه " يحتمل أن يرجع إلى قوله " شيئا " ويحتمل أن يعود إلى الذي تكرهونه.
وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج: المعنى إن أردتم تخلية المرأة سواء استبدلت
مكانها أو لم تستبدل، وإنما خص الله الاستبدال بالنهي لأن مع الاستبدال قد يتوهم جواز
الاسترجاع لما أعطي من حيث أن الثانية تقوم مقام الأولى فيكون لها ما أعطته الأولى فيبين
الله أن ذلك لا يجوز.
ومعنى قوله تعالى: وآتيتم إحداهن قنطارا، ليس ما أعطيتموهن موقوفا على التمسك
بهن دون تخليتهن فيكون إذا أردتم الاستبدال جاز لكم أخذه بل هو تمليك صحيح لا يجوز
الرجوع فيه، والمراد بذلك ما أعطي المرأة مهرا لها ويكون دخل بها، فأما إذا لم يدخل بها و
طلقها جاز له أن يسترجع نصف ما أعطاها، فأما ما أعطاها على وجه الهبة فظاهر الآية
يقتضي أنه لا يجوز الرجوع في شئ منه لكن علمنا بالسنة أن ذلك سائغ له ولو كان
مكروها، والقنطار المال الكثير، قيل هو دية الانسان، وقيل هو مل ء جلد تور ذهبا.
وكيف تأخذونه وقد أفضي بعضكم إلى بعض، قال السدي وابن زيد: هذه الآية
منسوخة بقوله: إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله، الآية، والصحيح أنها محكمة ليست
منسوخة إذ لا يتنافى حكما الآيتين لأن الزوج يجوز له أن يأخذ الفدية من المختلعة لأن النشوز
فيها هو في حكم المكره، وفي الآية الأخرى الزوج مختار للاستبدال فلا حاجة إلى نسخ
إحديهما بالأخرى.
والإفضاء في الآية كناية عن الجماع قاله ابن عباس ومجاهد والسدي، وقيل: إنه الخلوة
وإن لم يجامع، فليس له أن يسترجع نصف المهر مع الجماع ومع الدخول في الثيب، وأما
البكر فإن خلا بها ووجدت بخاتم ربها من بعد فلها نصف المهر، وكلتا الروايتين رواهما
أصحابنا واختلفوا فيه، والأول أقوى لأن الإفضاء كناية عن الجماع.
وقوله تعالى: وأخذن منكم ميثاقا غليظا، قيل: هذا الميثاق قوله: إمساك بمعروف
أو تسريح بإحسان، وهو المروي عن أبي جعفر ع، وقال مجاهد: هو كلمة النكاح
التي يستحل بها الفرج وهذا الكلام وإن كان ظاهره الاستفهام فالمراد به التهديد
224

والتوبيخ.
باب ما يجب على المرأة في عدتها:
نستدل أولا على أن عدة الحامل وضعها ثم نشرع في ذكره:
إن قيل: ما حجتكم على أن عدة المطلقة إذا كانت حاملا هي وضعها الحمل دون
الأقراء، فإن احتججتم بقوله: وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن، عورضتم بعموم
قوله: والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء؟
الجواب عنه: أنه لا خلاف بين العلماء في أن آية وضع الحمل عامة في المطلقة وغيرها
وأنها ناسخة لما تقدمها، ومما يكشف عن ذلك أن قوله: والمطلقات يتربصن بأنفسهن
ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن، إنما هو في عدة غير الحامل، فإن
من استبان حملها لا يقال فيها: لا يحل لها أن تكتم ما خلق الله في رحمها، وإذا كانت هذه
خاصة في غير الحوامل لم يعارض آية الوضع وهي عامة في كل حامل من مطلقة وغيرها.
وقيل في معنى قوله تعالى: ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن، ثلاثة أقوال:
أحدها قال إبراهيم: الحيض وثانيها قال: قتادة الحبل وثالثها قال ابن عمر: هو الحبل
والحيض، وبه قال الحسن وهو الأقوى لأنه أعم، وإنما لم يحل لهن الكتمان لظلم الزوج بمنعه
المراجعة في قول ابن عباس، وقال قتادة: لنسبة الولد إلى غير والده كفعل الجاهلية.
ثم شرط بقوله: إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر، أي من كانت مؤمنة فهذه صفتها لا
أنه يلزم المؤمنة دون غيرها. وخرج ذلك مخرج التهديد، ثم قال: وبعولتهن أحق بردهن،
يعني أزواجهن أحق برجعتهن وذلك يختص الرجعيات وإن كان أول الآية عاما في جميع
المطلقات، الرجعية والبائنة، ويسمى الزوج بعلا لأنه عال على المرأة بملكه لزوجيتها.
وقوله تعالى: ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف، قال الضحاك: لهن من حسن العشرة
المعروف على أزواجهن مثل ما عليهن من الطاعة فيما أوجبه عليهن لهم، وقال ابن عباس:
لهن على أزواجهن من التصنيع والبر بهن مثل ما لأزواجهن عليهن وقال الطبري: على
أزواجهن ترك مضارتهن كما أن ذلك عليهن لأزواجهن.
225

ثم قال: وللرجال عليهن درجة، أي فضيلة: منها الطاعة ومنها أنه يملك التخلية ومنها
زيادة الميراث على قسم المرأة والجهاد هذا قول مجاهد وقتادة، وقال ابن عباس: منزلة في
الأخذ عليها بالفضل في المعاملة حتى قال: ما أحب أن أستوفي منها جميع حقي ليكون لي
عليها الفضيلة والدرجة والمنزلة، وقيل: إن في الآية نسخا لأن التي لم يدخل بها لا عدة عليها
بلا خلاف إذا طلقت، قال الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات، إلى قوله:
فما لكم عليهن من عدة تعتدونها، ولأن الحامل عدتها وضع ما في بطنها لقوله تعالى:
وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن.
فصل:
وجاء في التفسير أن الذي حرم على المرأة كتمانه مما خلق الله في رحمها هو الولد، وهو
أن تكون حبلى فتكتم الحبل لتطلق فتتزوج زوجا تؤثره ونهيت عن ذلك لأمرين:
أحدهما: أنها تلحق الولد بغير والده كما ذكرناه.
والثاني: أنها تمنع الزوج فسخه في المراجعة لأن عدة الحوامل وضع الحمل فهي أبعد
مدى من مدة القرء، ويقويه قوله: هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء، وأنكر أبو علي
على إبراهيم قوله أنه المحيض وقال: لا يكون إلا الحبل، لأن الدم لا يكون حيضا حتى
يخرجهن الرحم وإذا خرج فليس في الرحم وأمر الله تعالى أن لا يكتمن ما خلق الله في
أرحامهن.
وقال محمد بن جرير: المراد الحبل والحيض هاهنا ولا معنى لصرف المعنى إلى أحدهما،
كان الغرض نهيهن عما يكون سببا لمنع حق الزوج من مراجعتها في العدة إن أراد وكل
واحد منهما كالآخر لأن يوضع الحمل تنقضي العدة كما تنقضي بانقضاء القرء، قال علي بن
عيسى: إن كتمت الحبل محبة لفراقه ثم علم به ردها صاغرة عقوبة لما كتمته، وقال
عبد الجبار: الآية تدل على بقاء الزوجية بعد الطلاق الرجعي ما دامت في العدة، فلهذا
سماهم بعولا ولأن للطلاق تأثيرا يزال بالرد ما بقيت العدة.
وأن الرجعة تصح من دون الإشهاد وإنما أمر الله فيها بالإشهاد احتياطا وسنة، لأن
226

الرجل كان قد أشهد على طلاقها، فإذا راجع قبل انقضاء العدة ولم يشهد فإن أنكرت
المرأة المراجعة بعد انقضاء العدة ولم يكن للرجل بينة على المراجعة وكان لها بينة على
الطلاق فرق الحاكم بينهما على ظاهر الشرع، فالاحتياط هو الإشهاد في المراجعة ويصح من
دونه لأنه تعالى جعلها حقا للبعل، وله أن يراجع بغير رضاء منها لأن الله جعله أحق بذلك،
ويدل الظاهر على أن له الرجعة في كل مطلقة يلزمها العدة ولا يكون تطليقا بائنا وقال تعالى
في موضع آخر: يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة: فلما أمر
بالتطليق وأن يكون بعدة تحصى، بين تعالى في هذه الآية العدة ما هي فقال: ثلاثة قروء وقال
في آيات أخر بيان العدد كلها على ما ذكرناه، وقد ذكرنا من قبل أنه تعالى إنما قال: ثلاثة
قروء ولم يقل: ثلاثة أقراء على جمع القليل لأنه لما كانت كل مطلقة مستقيمة الحيض على ما
ذكرناه يلزمها هذا، دخلت معنى الكثرة فأتى ببناء الكثرة للإشعار بذلك فالقروء كثيرة إلا
أنها ثلاثة ثلاثة في القسمة.
باب ما يكون كالسبب للطلاق:
وهو على ضربين: النشوز والشقاق، ولكل واحد منهما حكم دون حكم الآخر، أما
النشوز فقد قال الله تعالى: وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن
يصلحا بينهما صلحا وأصلح خير، وهو أن يكره الرجل المرأة وتريد المرأة المقام معه وتكره
مفارقته ويريد الرجل طلاقها فتقول له: لا تفعل إني أكره أن يشمت بي، فكلما يلزمك من
نفقة وغيرها لي فهو لك وأعطيك أيضا من مالي شيئا معلوما ودعني على حالتي، فلا جناح
عليهما أن يصالحا بينهما على هذا الصلح، ومعنى الآية أن امرأة علمت من زوجها كراهة
بنفسه عنها إلى غيرها وارتفاعا بها عنها إما لبغضه وإما لكراهة منه شيئا منها، إما دمامتها و
إما سنها وكبرها أو غير ذلك.
أو إعراضا: يعني انصرافا بوجهه أن يبغض منافعه التي كانت لها منه فلا جناح:
ولا حرج عليهما أن يصلحا بينهما صلحا، بأن تترك المرأة له يومها أو تضع عنه بعض ما
يجب لها من نفقة أو كسوة أو غير ذلك تستعطفه بذلك وتستديم المقام في حباله والتمسك
227

بالعقد الذي بينه وبينها من النكاح، ثم قال تعالى: والصلح خير، ومعناه الصلح بترك
بعض الحق استدامة للخدمة وتمسكا بعقد النكاح خير من طلب الفرقة، وقال بعض
المفسرين: الصلح خير من النشوز والإعراض، والأول أشبه.
هذا إذا كان بطيبة من نفسها، فإن لم يكن كذلك فلا يجوز له إلا ما يسوع في الشرع
من القيام بالكسوة والنفقة والقسمة وألا يطلق، ونحو هذه الجملة روى مخالفونا عن علي
ع وعن عمر وابن عباس وعائشة وابن جبير وجماعة.
وقال ابن عباس: خشيت سودة بنت زمعة أن يطلقها رسول الله ص
قالت: لا تطلقني وأجلسني مع نسائك ولا تقسم لي فنزلت: وإن امرأة خافت من بعلها
نشوزا أو إعراضا، قال أبو جعفر ع: هي بنت محمد بن مسلمة فتزوج عليها شابة
فأثر الشابة عليها فأبت الأولى أن تقر على ذلك فطلقها تطليقة حتى إذا بقي من أجلها
يسيرا، قال: إن شئت راجعتك وصبرت على الأثرة وإن شئت تركتك حتى يخلو أجلك، ثم
طلقها الثانية وفعل بها مثل ما فعله أولا، فقالت بل: راجعني وأصبر على الأثرة، فراجعها
فذلك الصلح الذي بلغنا أنزل الله فيه: وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا.
وأحضرت الأنفس الشح أي أحضرت أنفس كل واحد من الرجل والمرأة الشح
بحقه قبل صاحبه فشح المرأة بترك حقها من النفقة والكسوة والقسمة وغير ذلك، وشح
الرجل إنفاقه على التي لا يريدها.
وإن قيل: وإن امرأة ليس فيه أن الرجل نشز على امرأة والخوف ليس معه يقين، قلنا
عنه جوابان: أحدهما: أن الخوف في الآية بمعنى العلم، تقديره وإن امرأة علمت، والثاني:
أنها لا تخاف النشوز من الرجل إلا وقد بدا منه ما يدل على النشوز والإعراض من أمارات
ذلك.
ثم نفى الله أن يقدر أحد على التسوية بين النساء في حبهن لأن ذلك تابع لما فيه من
الشهوة وميل الطبع وذلك من فعل الله، وليس بذلك نفي القدرة عن التسوية والنفقة
والكسوة.
ثم قال: وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته، المعنى أن الزوجين اللذين تقدم ذكرهما
228

متى أبي كل واحد منهما مصالحة الآخر، بأن تطالب المرأة نصيبها من النفقة والقسمة
وحسن العشرة ويمتنع الزوج من إجابتها إلى ذلك لميله إلى الأخرى ويتفرقا حينئذ بالطلاق
فإن الله يغني كل واحد بفضله.
فصل:
ثم قال تعالى: الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض، أي أنهم
يقومون بأمرهن وبتأديبهن، فدلت الآية على أنه يجب على الرجل أن يدبر أمر المرأة وأن
ينفق عليها لأن فضله وإنفاقه معا علة لكونه قائما عليها مستحقا لطاعتها، فالصالحات
مطيعات لله ولأزواجهن حافظات لما غاب عنه أزواجهن من ماله وما يجب من رعايته و
حاله وما يلزم من صيانتها نفسها لله.
واللاتي تخافون نشوزهن: النشوز هاهنا معصية الزوج وأصله الرفع على الزوج من
قولهم: هو على نشز من الأرض، أي ارتفاع والنشوز يكون من قبل المرأة على زوجها خاصة
والشقاق منهما.
فعظوهن فإن رجعن وإلا فاهجروهن في المضاجع، وعن الباقر ع: هجر
المضاجعة هو أن يحول ظهره إليها وقال ابن جبير هو هجر الجماع، وقال بعضهم: اهجروهن
اربطوهن بالهجار أي الحبل، وهذا تعسف في التأويل ويضعفه قوله: في المضاجع، ولا يكون
الرباط في المضاجع، فأما الضرب فإنه غير مبرح بلا خلاف، قال أبو جعفر ع: هو
بالسواك فإن أطعنكم فلا تطلبوا العلل في ضربهن وسوء معاشرتهن.
ثم قال: وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها، ويجعلا الأمر
إليهما على ما يريان من الصلاح، فإن رأيا من الصلاح الجمع بينهما جمعا ولم يستأذنا ولم
يكن لهما مخالفتهما، وإن رأيا من الصلاح التفريق بينهما لم يفرقا حتى يستأذنا فإن
استأذناهما ورضيا بالطلاق فرقا بينهما، وإن رأى أحد الحكمين التفريق والآخر الجمع لم
يكن لذلك حكم حتى يصطلحا على أمر واحد إما جمع وإما تفريق، ومعنى الآية أي إن
علمتم والأولى والأصح أن يحمل على خلاف الأمن، لأنه لو علم الشقاق يقينا لم يحتج إلى
229

الحكمين، فإن أريد به الظن كان قريبا مما قلناه.
والشقاق الخلاف والعداوة، والحكم السلطان الذي يترافعان إليه، قاله جماعة وقال
قوم: هنا وكيلان وعندنا أنهما حكمان، والضمير في " بينهما " عائد إلى الحكمين، أي إذا أراد
إصلاحا في أمر الزوجين يوفق الله بينهما، قاله ابن عباس وابن جبير.
باب ما يؤثر في أنواع الطلاق:
وهو أيضا على ضربين: الخلع والمباراة، وهما يؤثران في كيفية الطلاق فإن كل واحد
منهما متى حصل مع الطلاق كانت التطليقة بائنة.
أما الخلع فإنه يكون من جهة المرأة خاصة، ويجب إذا قالت المرأة لزوجها: إن لم
تطلقني لأوطئن فراشك من تكرهه، فمتى سمع منها هذا القول أو علم هذا من حالها وإن
لم تنطق به وجب عليه خلعها، وقد سمى الله تعالى في كتابه الخلع افتداء فقال: فلا جناح
عليهم فيما افتدت به، والفدية العوض الذي تبذله المرأة لزوجها تفتدي نفسها منه به،
وهذا هو الخلع في الشرع، وإنما استعمل هذا في الزوجين لأن كل واحد منهما لباس لصاحبه.
والأصل في الخلع الكتاب والسنة قال تعالى: ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن
شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله، الآية، فإذا أراد خلعها اقترح عليها شيئا معلوما تعطيه
سواء كان ذلك مثل المهر الذي أعطاها أو أكثر منه أو أنقص حسبما يختاره، أي ذلك فعل
جاز وحل له ما يأخذ منها، فإذا تقرر بينهما على شئ معلوم طلقها بعد ذلك وتكون تطليقة
بائنة لا يملك رجعتها إلا أن ترجع المرأة فيما بذلته من مالها قبل العدة، فإن رجعت في شئ
من ذلك في العدة كان له الرجوع أيضا في بعضها ما لم تخرج من العدة فإذا خرجت من العدة
لم يلتفت إليها إذا رجعت فيما بذلته ولم يكن عليها أيضا رجعة فإن أراد كان بعقد جديد.
أما قوله تعالى: ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا، أي إلا أن
يظنا، ومن ضم الياء من يخافا فتقديره أن لا يخافا على أن لا يقيما حدود الله، وقال أبو علي
الفارسي: خاف يتعدى إلى مفعول واحد وذلك المفعول يكون تارة أن وصلتها وتارة غيرها،
ولا يلزم حمزة سؤال من قال ينبغي أن يكون فإن خيفا وكذا لا يلزم من خالفه لم يقل فإن
230

خافا لأمرين: أحدهما: أن يكون الصرف من الغيبة إلى الخطاب كما قال: الحمد لله ثم قال:
إياك نعبد، وقال: ما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون، والآخر يكون
الخطاب في قوله: فإن خفتم، مصروفا إلى الولاة والفقهاء الذين يقومون بأمور الكافة.
فإن قيل: كيف قال: فلا جناح عليهما، وإنما الإباحة لأخذ الفدية؟، قيل: لأنه لو خص
بالذكر لأوهم أنها عاصية، فإن كانت الفدية له جائزة فبين الإذن لهما لئلا يوهم أنه كالربا
المحرم على الأخذ والمعطى.
وذكر الفراء أنه كقوله تعالى: يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان، وإنما هو من الملح دون
العذب مجاز للاتساع، وهذا هو الذي يليق بمذهبنا لأن الذي يبيح الخلع عندنا هو ما لولاه
لكانت المرأة به عاصية فهما اشتركا في أن لا يكون عليهما جناح إذا كانت تعطي ما قد نفى
عن الزوج فيه الإثم فاشتركت فيه لأنها إذا أعطت ما يطرح الإثم احتاجت هي إلى مثل
ذلك أي أنها نفت عن نفسها الإثم بأن افتدت، لأنها لو أقامت على النشوز والإضرار
لأثمت وكان عليها في النشوز جناح فخرجت عنه بالافتداء.
وأما المباراة فهي أن تكون الكراهية من جهة الرجل والمرأة معا من كل واحد منهما
لصاحبه ولم يختص ذلك واحد منهما، فمتى عرفا ذلك من حالهما أو قالت المرأة لزوجها: أنا
أكره المقام معك وأنت تكره المقام معي أيضا فباريني، أو يقول الرجل مثل ذلك على أن
تعطيني كيت وكيت ويكون ذلك دون المهر، فإذا بذلت ذلك من نفسها طلقها حينئذ تطليقة
وتكون بائنة على ما ذكرناه، لأن المباراة ضرب من الخلع والفرق بينهما ما ذكرناه والآية تدل
عليهما.
والخلع بالفدية على ثلاثة أوجه:
أحدها: أن تكون المرأة عجوزا ودميمة فيضار بها لتفتدي به نفسها فهذا لا يحل له
الفداء، لقوله: وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج، الآية.
الثاني: أن يرى الرجل امرأته على فاحشة فيضار بها لتفتدي في خلعها فهذا يجوز وهو
معنى قوله: ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة،
الوجه الثالث: أن يخافا ألا يقيما حدود الله لسوء خلق أو قلة نفقة من غير ظلم أو
231

نحو ذلك، فتجوز الفدية خلعا كان أو مباراة على ما فصلناه.
باب ما يلحق بالطلاق:
وهو أيضا على ضربين: ضرب يوجب التحريم وإن لم تقع الفرقة وضرب يوجب
البينونة مثل الطلاق، فالقسم الأول الظهار والإيلاء والقسم الثاني اللعان والارتداد، ونحن
نفرد لكل واحد منهما فصلا مفردا إنشاء الله تعالى.
فصل: في الظهار:
قال الله تعالى: الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي
ولدنهم، هذه الآية نزلت في خولة بنت ثعلبة وزوجها أوس أخو عبادة بن الصامت في
قول قتادة، وكان مجادلتها إياه مراجعتها في أمر زوجها وكان ظاهر منها وهي تقول: كبرت
سني ودق عظمي وأن أوسا تزوجني وأنا شابة غنيمة فلما علت سني ظاهر مني، ورسول الله
ص ساكت لا يجيبها لأنه لم يكن نزل عليه وحي في ذلك ولا حكم، ثم قالت:
إلى الله أشكو حالي فلي صبية إن ضممتهم إلي جاعوا وإن ضمهم إليه ضاعوا، فعاودت
النبي ع فسألته رخصة.
إن قيل: لم قال: والله يسمع تحاوركما، بعد قوله: قد سمع الله قول التي تجادلك؟ قلنا:
ليس ذلك تكريرا لأن أحد المسموعين غير الآخر والأول ما حكمته عن زوجها من الظهار
والثاني ما كان تجري بينهما وبين النبي ع من الكلام في ذلك.
قال ابن عباس: هو أول من ظاهر في الاسلام فكان الرجل في الجاهلية إذا قال لامرأته:
أنت علي كظهر أمي، حرمت عليه كما هو في الاسلام فأنزل الله في قصة الظهار الآيات،
ولا خلاف أن الحكم عام في جميع من يظاهر وإن نزلت الآية في سبب، وقال صاحب النظم:
إن بعض المفسرين قال: ليس قولهم: أنت علي كظهر أمي، مأخوذا من الظهر الذي هو
العضو لأنه لو كان من ذلك لكان البطن أولى به من الظهر بل إنما هو من قولهم: ظهر علي
كذا، إذا ملكه وكما يقولون: نزل عنها، إذا طلقها يقولون: ظهر عليها إذا ملكها وعلاها
232

بالزوجية وملك النكاح فكأنه قال: ملكي إياك حرام علي كما أن ملكها على حرام.
وكان أهل الجاهلية إذا قال الرجل منهم لامرأته: أنت علي كظهر أمي، بانت منه
وطلقت وفي شريعة الاسلام لا تبين المرأة إلا أنه لا يجوز له وطؤها بل يحرم وهو ينقسم إلى
قسمين:
قسم: يجب فيه الكفارة قبل المواقعة، وهو أنه إذا تلفظ بالظهار ولا يعلقه بشرط
أو علقه بشرط غير الوطء ثم حصل ذلك الشرط.
والقسم الثاني: أن يقول: أنت علي كظهر أمي إن واقعتك، فإنه لا تجب الكفارة هنا
عليه إلا بعد المواقعة.
والظهار لا يقع إلا على المدخول بها وشروطه كشروط الطلاق سواء من كون المرأة في
طهر لم يقربها فيه بجماع ويكون بمحضر شاهدين ويقصد التحريم ولا يكون على الغضب
ولا على الإجبار، فإن اختل شئ من ذلك لم يقع به ظهار.
ومعنى قوله: الذين يظاهرون منكم من نسائهم، أي الذين يقولون لنسائهم: أنتن علي
كظهر أمي، ومعناه أن ظهركن علي حرام كظهر أمي فقال الله: ما هن أمهاتهم، أي ليست
أزواجهم أمهاتهم على الحقيقة وليس أمهاتهم على الحقيقة إلا اللائي ولدنهم من الأم
وجداته وإلا اللائي أرضعنهم، ثم أخبر أن القائل لهذا يقول منكرا قبيحا وكذبا.
ثم قال: والذين يظاهرون من نسائهم، يعني الذين يقولون هذا القول الذي حكيناه:
ثم يعودون لما قالوا، اختلفوا في معنى العود فقال طاووس: الذين كانوا يظاهرون في الجاهلية
ثم عادوا في الاسلام إلى مثل ذلك فظاهروا، وقال قتادة: العود هو العزم على عودها، وقال
قوم: فيه تقديم وتأخير وتقديره والذين يظاهرون من نسائهم فتحرير رقبة من قبل أن
يتماسا، فإن لم يجد فصيام شهرين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا ثم يعودون لما قالوا.
وقال آخرون معناه ثم يعودون لنقض ما قالوا.
والذي هو مذهبنا أن العود المراد به الوطء أو نقض القول الذي قاله، فإنه لا يجوز له
الوطء إلا بعد الكفارة إذا كان الظهار مطلقا، وجعل الأخفش لما قالوا من صلة " فتحرير
رقبة " فالمعنى الذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون فتحرير رقبة، أي عليهم تحرير رقبة لما
233

قالوا يعني لأجل ما قالوا وهذا أيضا حسن، وقال أحمد بن يحيى: معناه الذين يعودون لتحليل
ما حرموه فقد عادوا فيه وهو في موضعه لا حاجة إلى تقديم وتأخير، والأقاويل كلها متقاربة
لأن من عزم على غشيانها فقد عاد.
ثم بين تعالى كيفية الكفارة فقال: فتحرير رقبة، فإن أول ما يلزمه من الكفارة عتق
رقبة والتحرير هو أن يجعل الرقبة المملوكة حرة بالعتق بأن يقول المالك: إنه حر، والرقبة
ينبغي أن تكون مؤمنة أو في حكم المؤمن سواء كان ذكرا أو أنثى صغيرة أو كبيرة إذا كانت
صحيحة الأعضاء فإن الاجماع واقع على أنه يقع الاجزاء بها.
وتحرير الرقبة واجب في الظهار المطلق قبل المجامعة أو في المشروط بغير الوطء كأن
يقول: إن فعلت كذا فأنت علي كظهر أمي، فإذا فعله وجب عليه الكفارة أيضا قبل الوطء
لقوله: فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا، أي من قبل أن يجامعها فيتماسا وهو قول ابن عباس
وقال الحسن يكره للمظاهر أن يقبل والذي يقتضيه الظاهر أن لا يقربها بجماع ولا بمماسة
شهوة.
فمن لم يجد الرقبة وعجز عنها فصيام شهرين متتابعين، والتتابع عند العلماء أن
يوالي بين أيام الشهرين الهلاليين أو يصوم ستين يوما إن بدأ من نصف شهر ونحوه لا يفطر
بينهما، فإن أفطر بعد أن صام شهرا ومن الثاني بعضه ولو يوما فقد أخطأ إلا أنه يبني، فإن
أفطر قبله لعذر بنى أيضا وإن أفطر من غير عذر استأنف، فمن لم يقدر على الصوم
فإطعام ستين مسكينا يعطي عندنا لكل مسكين نصف صاع، فإن لم يقدر أعطاه مدا.
وقال بعض المفسرين: التحرير واجب قبل المجامعة لنص القرآن في الظهار المطلق
ولم يذكر الله في الطعام ولكن أجمعت الأمة على أنه قبل التماس، ويمكن أن يقال: إن الآية
تدل على جميع ذلك لأن الثاني هاهنا بدل من الأول والثالث من الثاني، ومتى نوى بلفظ الظهار
الطلاق لم يقع به طلاق، والإطعام لا يجوز إلا للمسكين.
قال الله تعالى: للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاءوا فإن الله غفور
234

رحيم وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم.
اعلم أن الإيلاء لا يقع إلا بعد الدخول بها، ومتى آلى بغير اسم الله أو حلف بالطلاق أو
ما أشبهه أن لا يطأها فليطأها وليس عليه كفارة، ولا خلاف بين أهل التأويل أن معنى
يؤلون يحلفون، والإيلاء في الآية الحلف على اعتزال النساء وترك جماعهن على وجه
الإضرار بهن وكأنه قيل للذين يؤلون أن يعتزلوا النساء تربص أربعة أشهر.
فإذا حلف الرجل أن لا يجامع زوجته كانت المرأة بالخيار إن شاءت صبرت عليه أبدا
وإن شاءت خاصمته إلى الحاكم، فإن استعدت عليه أنظره الحاكم بعد رفعها إليه أربعة
أشهر ليرتئي في أمرها، فإن كفر وراجع وإلا خيره الحاكم بعد ذلك بين أن يكفر ويعود
أو يطلق، فإن أقام على الإضرار بها حبسه الحاكم وضيق عليه في المطعم والمشرب حتى يفئ
إلى أمر الله فيكفر ويرجع أو يطلق، واليمين التي يكون بها الرجل موليا هي اليمين بالله
أو بشئ من صفاته التي لا يشركه فيها غيره على وجه لا يقع موقع اللغو الذي لا فائدة فيه
وهو المروي عن ع، وقال جماعة: هو في الجماع وغيره من الإضرار نحو الحلف أن
لا يكلمها.
وقوله: حتى يفئ إلى أمر الله، أي حتى يرجع من الخطأ إلى الصواب، فإن قيل: ما
الذي يكون به المولي فائيا؟، قيل: عندنا يكون فائيا بأن يجامع وبه قال ابن عباس، وقال
الحسن، يكون فائيا بالعزم في حال القدرة إلا أنه ينبغي أن يشهد على فيئه وهذا عندنا
يكون للمضطر الذي لا يقدر على الجماع، ويجب عندنا على الفائي كفارة، وبه قال ابن
عباس وجماعة ولا عقوبة عليه وهو المروي عنهما عليهما السلام وقال الحسن: لا كفارة عليه
لقوله تعالى: فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم، فإنه ليس فيه أن يتبعه بكفارة.
ومتى حلف أنه لا يجامع أقل من أربعة أشهر لا يكون موليا لأن الإيلاء على أربعة أشهر أو
أكثر ولا يجوز له وطؤها في تلك المدة وإن لم يجب عليه أحكام الإيلاء الآخر، ومتى حلف أنه
لا يقربها وهي مرضعة خوفا من أن تحبل فيضر ذلك بولدها لا يلزمه حكم الإيلاء على ما
ذكرناه آنفا، ويجوز أن يكون في الآية تقديم وتأخير ويكون تقديره: للذين يؤلون تربص
أربعة أشهر من نسائهم، ويجوز أن يكون معناه للذين يؤلون من أجل نسائهم.
235

والفقهاء جعلوا " من " متعلقة بالإيلاء حتى إذا استعملوها معه قالوا: آلى من امرأته، إذا
حلف الحلف الموصوف، وقال أبو مسلم: هي متعلقة باللام في: للذين يؤلون، كما يقولون
لك: مني النصرة والمعونة، والصحيح أن الإيلاء يستغني عن من والمعروف آلى عن
امرأته، والأحسن من هذا كله أن يكون " من " ههنا للتبعيض أي من آلى من جملة نسائه على
واحدة أو على بعضهن أو على جميعهن، وقال النحويون: اللام يفيد الاستحقاق كما يقول
اللعن للكفار.
وقوله: من نسائهم، يتعلق بالظرف كما يقول: لك مني نصرة ولك مني معونة أي
للمولين من نسائهم تربص أربعة أشهر، وليس من يتعلق بيؤلون لأن اللغة تحكم أن يقال:
آلى على امرأته، وقول القائل: آلى فلان من امرأته، وهم إنما توهمه من هذه الآية لما سمع
الله تعالى يقول: للذين يؤلون من نسائهم، ظن أن من يتعلق بيؤلون فكرروا في كتاب الإيلاء
" آلى من امرأته " والصواب ما ذكرته.
فصل: في اللعان:
قال الله تعالى: والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة
أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين، إذا قذف الرجل امرأته بالفجور وادعى أنه
رأى معها رجلا يفجر بها مشاهدة ولم يقم به أربعة من الشهود كان عليه ملاعنتها، وكذلك
إذا انتفى من ولد زوجة له في حباله أو بعد فراقها مدة الحمل، ومعنى الآية أن من رمى زوجته
بالزنى تلاعنا إذا لم تكن صماء أو خرساء إذا لم يكن له شهود أربعة.
والملاعنة أن يبدأ الرجل فيحلف بالله أنه صادق فيما رماها به ويحتاج أن يقول: أشهد
بالله أني لصادق، لأن شهادته أربع مرات تقوم مقام أربعة شهود في دفع الحد عنه، ثم يشهد
الخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين فيما رماها به، وإذا جحدت المرأة ذلك
شهدت أربع شهادات أنه لمن الكاذبين فيما رماها به وتشهد الخامسة أن غضب الله عليها
إن كان من الصادقين. ثم يفرق بينهما ولا يجتمعان أبدا كما فرق رسول الله ص بين هلال بن
236

أمية وزوجته وقضى أن الولد لها ولا يدعى لأب ولا ترمى هي ولا يرمي ولدها. وعند أصحابنا
أنه لا لعان بينهما ما لم يدخل بها، واللعان عندنا يحصل بتمام اللعان من غير حكم الحاكم،
وتمام اللعان إنما يكون إذا تلاعن الرجل والمرأة جميعا على ما ذكرنا.
فصل: في الارتداد:
قال الله تعالى: ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر، وقال سبحانه: ولا تنكحوا
المشركات حتى يؤمن، استدل بعض المفسرين بمجموع الآيتين على أن المرتد عن الاسلام
تبين عنه امرأته لعموم الآيتين.
وعندنا أن المرتد على ضربين: فإن كان مسلما ولد على فطرة الاسلام فقد بانت منه
امرأته في الحال وقسم ماله بين ورثته ووجب عليه القتل من غير أن يستتاب، وتعتد زوجته
عدة المتوفى عنها زوجها. وإن كان المرتد ممن كان أسلم عن كفر ثم ارتد استتيب، فإن عاد
كان عقد زوجته ثابتا وإن لم يرجع كان عليه القتل، وإن هرب إلى دار الحرب تعتد زوجته
ثلاثة أشهر.
والأولى أن نقول: إن هذا الحكم يعلم بالسنة قال الله تعالى: وأنزلنا إليك الذكر لتبين
للناس ما نزل إليهم، وقال تعالى: ما آتاكم الرسول فخذوه، فتدل الآيتان عليه جملة أو من
فحوى كل واحدة من الآيتين.
باب الزيادات:
إنما خص الله المؤمنات في قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات، لئلا
ينكح المؤمنون إلا كل مؤمنة عفيفة كما قال ع: تخيروا لنطفكم، فيجب أن يتنزه
عن مزاوجة الفواسق والفواجر والكوافر، وفائدة ثم في قوله: ثم طلقتموهن، نفي التوهم
عمن عسى يتوهم بين أن يطلقها وهي قريبة العهد من النكاح، وبين أن يبعد عهدها من
النكاح ويتراخى بها المدة في حبالة الزوج ثم يطلقها.
237

وقرئ تعتدونها مخففا أي تعتدون فيها، والمراد بالاعتداء ما في قوله: ولا تمسكوهن ضرارا
لتعتدوا، والعامل في الظرف من قوله: إذا نكحتم، ما يتعلق به لكم والتقدير إذا نكحتم
المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن لم يثبت لكم عليهن عدة، والسراح الجميل هو
دفع المتعة بحسب الميسرة والعسرة بغير جفوة ولا أذية.
وعن حبيب بن أبي ثابت قال: كنت قاعدا عند علي بن الحسين عليهما السلام فجاء
رجل فقال: إني قلت: يوم أتزوج فلانة فهي طالق، فقال: اذهب وتزوجها فإن الله تعالى بدأ
بالنكاح قبل الطلاق وقرأ هذه الآية.
مسألة:
إن قيل: قد أمر الله بطلاق العدة في قوله تعالى: فطلقوهن لعدتهن، فكيف تقدمون أنتم
طلاق السنة على طلق العدة؟، قلنا: إن طلاق السنة أيضا طلاق العدة الذي ذكره الله إلا
أن أصحابنا قد اصطلحوا على أن يسموا الطلاق الذي لا يزاد عليه بعد المراجعة طلاق
السنة، والطلاق الذي يزاد عليه شرط المراجعة طلاق العدة، ومما يعضده ما روى بكير بن
أعين عن أبي جعفر ع أنه قال: الطلاق أن يطلق الرجل المرأة على طهر من
غير جماع ويشهد رجلين عدلين على تطليقه ثم هو أحق برجعتها ما لم تمض ثلاثة قروء،
فهذا الطلاق الذي أمر الله به في القرآن وأمر به رسول الله في سنته، وكل طلاق لغير العدة
فليس بطلاق.
وعن حريز: سألت أبا عبد الله ع عن طلاق السنة فقال: على طهر من غير
جماع بشاهدي عدل، ولا يجوز الطلاق إلا بشاهدين والعدة وهو قوله: فطلقوهن لعدتهن،
الآية.
مسألة:
عن زرارة عن أبي جعفر ع قال: سألته عن رجل قال لامرأته: أنت علي
حرام، قال: لو كان لي عليه سلطان لأوجعت رأسه وقلت: الله أحلها لك فمن حرمها
238

عليك، إنه لم يزد على أن كذب فزعم أن ما أحل الله له حرام ولا يدخل عليه طلاق
ولا كفارة، فقلت: يقول الله: يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك
والله غفور رحيم قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم، فجعل عليه فيه الكفارة، فقال: إنما حرم
عليه جاريته مارية فحلف أن لا يقربها وإنما جعل عليه الكفارة في الحلف ولم يجعل عليه في
التحريم، وهذا إشارة إلى الإيلاء.
مسألة:
فإن قيل: إن أخلعت الزوجة في مرضها بأكثر من مهر مثلها هل يصح ذلك أم لا؟
وإن صح فهو يكون ذلك من صلب مالها أم لا؟ قلنا: الخلع على هذا صحيح لأن المرض
لا يبطل المخالعة بمهر المثل أو أكثر منه ويكون ذلك من صلب مالها، لقوله تعالى: ولا جناح
عليهما فيما افتدت به، ولم يفرق بين حال مرض وغيره فوجب حمله على عمومه إلا أن يدل
دليل.
مسألة:
فإن قيل: كيف عدي قوله: للذين يؤلون، بمن وهو معدى بعلى؟ قلنا: قد ضمن في هذا
القسم المخصوص معنى البعد فكأنه قيل يبعدون من نسائهم مؤلين أو مقسمين، ويجوز أن
يراد لهم من نسائهم تربص أربعة أشهر، كقولك: لي منك كذا.
والإيلاء من المرأة أن يقول: والله لا أقربك أربعة أشهر فصاعدا أو: لا أقربك على الإطلاق،
ولا يكون فيما دون أربعة أشهر، فإن قيل: كيف موقع الفاء في قوله تعالى: فإن فاءوا؟ قيل:
موقع صحيح لأن قوله: فإن فاءوا، وإن عزموا، تفصيل لقوله: للذين يؤلون، والتفصيل
يعقب المفصل كما تقول: أنا نزيلكم هذا الشهر فإن أحمدتكم أقمت عندكم إلى آخره
وإلا لم أقم إلا ريثما أتحول.
239

مسألة:
وقوله تعالى: والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء، أراد المدخول بهن التي تحيض
واللفظ مطلق في تناول الجنس صالح لكله وبعضه فجاء في أحد ما يصلح له كالاسم
المشترك، وفي ذكر الأنفس هاهنا تهييج لهن على التربص وزيادة بعث وذلك أن أنفس النساء
طوامح إلى الرجال، فأمرن أن يقمعن أنفسهن ويغلبنها على الطموح ويجبرنها على
التربص، وفي قوله تعالى: تربص أربعة أشهر، لأنهن يستنكفن هناك فلم يحتج إلى ذكر
أنفسهن.
مسألة:
فإن قيل: هل يصح الإيلاء من الذمي؟ قلنا: يصح منه ذلك، لقوله تعالى: للذين
يؤلون من نسائهم، وهذا عام في الذمي والمسلم.
240

غنية النزوع
إلى علمي الأصول والفروع
لحمزة بن علي بن زهرة الحسيني الإسحاقي الحلبي
511 - 585 ه‍ ق
241

فصل:
وأما ما يقتضي تحريم الحلائل من النساء فعلى ضربين: أحدهما يصاحب ما يقتضي
تحليلهن، والثاني يوجب فسخه.
فالأول: الدخول في الإحرام والصوم الواجب وحدوث دم الحيض والنفاس والإيلاء
والظهار.
والثاني: الطلاق واللعان والارتداد على ما نبينه.
فصل في الإيلاء:
يفتقر الإيلاء الشرعي - الذي يتعلق به إلزام الزوج بالفيئة أو الطلاق بعد مطالبة
الزوجة بذلك - إلى شروط: منها أن يكون الحالف بالغا كامل العقل، ومنها أن يكون المولى
منها زوجة دوام، ومنها أن يكون الحلف بما ينعقد به الأيمان من أسماء الله تعالى خاصة، ومنها
أن يكون ذلك مطلقا من الشروط، ومنها أن يكون مع النية والاختيار من غير غصب
ملجئ ولا إكراه، ومنها أن تكون المدة التي حلف أن لا يطأ الزوجة فيها أكثر من أربعة
أشهر، ومنها أن تكون الزوجة مدخولا بها، ومنها أن لا يكون الإيلاء في صلاحه لمرض يضر به
الجماع أو في صلاح الزوجة لمرض أو حمل أو إرضاع.
يدل على ذلك كله إجماع الطائفة، وأيضا فإن وقوع الإيلاء وتعلق الأحكام به طريقة
243

الشرع ولا خلاف في ثبوت ذلك مع تكامل ما ذكرناه وليس على ثبوته مع اختلال بعضه
دليل فوجب نفيه، ويخص ما اشترطناه من كونها زوجة دوام ما قدمناه في فصل المتعة.
ويحتج على المخالف فيما اعتبرناه من كون اليمين بأسماء الله تعالى خاصة بما رووه
من قوله ع من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت، ويحتج عليه في النية بقوله
ع: إنما الأعمال بالنيات، والمراد أن أحكام الأعمال إنما تثبت بالنية لما علمناه من
حصول الأعمال في أنفسها من غير نية، ويحتج عليه في الإكراه بما رووه من قوله ع:
رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه، ويدخل في ذلك رفع الحكم والمأثم لأنه
لا تنافي بينهما، ويخص كون المدة أكثر من أربعة أشهر قوله تعالى: للذين يؤلون من نسائهم
تربص أربعة أشهر، فأخبر سبحانه أن له التربص هذه المدة فثبت أن ما يلزمه من الفيئة أو
الطلاق يكون بعدها، ويخص كونها مدخولا بها قوله تعالى: فإن فاءوا فإن الله غفور
رحيم، لأن المراد بالفيئة العود إلى الجماع بلا خلاف ولا يقال: عاد إلى الجماع، إلا لمن تقدم
منه فعله وهذا لا يكون إلا في المدخول بها.
ولا يصح اعتماد المخالف فيما ذكرناه من الشروط على ظاهر قوله تعالى: للذين
يولون من نسائهم تربص أربعة أشهر، لأنا نخص ذلك بالدليل، على أنا نمنع من تسمية من
أخل ببعض ما اشترطناه موليا فعليهم أن يدلوا على ذلك حتى تتناوله الآية ولا دليل لهم
عليه.
وإذا تكاملت هذه الشروط في الإيلاء فمتى جامع حنث ولزمته كفارة يمين، وإن استمر
اعتزاله لها فهي بالخيار بين الصبر عليه وبين مرافعته إلى الحاكم، فإن رافعته إليه أمره
بالجماع والتكفير، فإن أبي أنظره أربعة أشهر من حين المرافعة لا من حين اليمين ليراجع
نفسه، فإن مضت هذه المدة ولم يجب إلى ما أمره فعليه أن يلزمه بالفيئة أو الطلاق، فإن أبي
ضيق عليه في التصرف والمطعم والمشرب حتى يفعل أيهما اختاره.
ولا تقع الفرقة بين الزوجين بانقضاء المدة وإنما يقع بالطلاق بدليل إجماع الطائفة، وأيضا
قوله تعالى: وإن عزموا الطلاق فأضاف الطلاق إلى الزوج كما أضاف الفيئة إليه فكما أن الفيئة لا
تقع إلا بفعله فكذلك الطلاق، وقوله تعالى: فإن الله سميع عليم، لأنه يفيد أن هناك ما يسمع،
244

فصل في الظهار:
يفتقر صحة الظهار الشرعي إلى شروط: منها أن يكون المظاهر بالغا كامل العقل
ولا يصح من صبي ولا مجنون ولا سكران، ومنها أن يكون مؤثرا له فلا يصح من مكره
ولا غضبان لا يملك مع غصبه الاختيار، ومنها أن يكون قاصدا به التحريم فلا يقع بيمين
ولا مع سهو ولا لغو، ومنها أن يكون متلفظا بقوله: أنت على كظهر أمي، أو إحدى
المحرمات عليه، فلو علق ذلك بغير الظهر من رأس أو يد أو غيرهما لم يصح، ومنها أن
يكون ذلك مطلقا من الاشتراط فلو قال: أنت كظهر أمي إن كان كذا، لم يصح وإن
حصل الشرط، ومنها أن يكون موجها ذلك إلى معقود عليها سواء كانت حرة أو أمة دائما
نكاحها أو مؤجلا فلو قال: إذا تزوجت فلانة فهي علي كظهر أمي، لم يقع بها ظهار وإن
تزوجها، ومنها أن يكون معينا لها فلو قال وله عدة أزواج: زوجني أو إحدى زوجاتي على
كظهر أمي، من غير تمييز لها بنية أو إشارة أو تسمية لم يصح، ومنها أن تكون طاهرا من
الحيض أو النفاس طهرا لم يقربها فيه بجماع إلا أن تكون حاملا أو ليست ممن تحيض ولا في
سنها من تحيض أو غير مدخول بها أو مدخولا بها وهي غائبة عن زوجها فإنه لا اعتبار بهذا
الشرط فيها، ومنها أن يكون الظهار منها بمحضر من شاهدي عدل.
ويدل على ذلك كله ما قدمناه في اعتبار شروط الإيلاء من إجماع الطائفة ونفي الدليل
الشرعي على وقوعه مع اختلال بعضها، ولا يقدح فيما اعتمدناه من الاجماع خلاف من قال
من أصحابنا بوقوع الظهار مع الشرط وبحصول التحريم وثبوت حكم الظهار مع تعليق
ولا يوصف بذلك إلا الطلاق دون انقضاء المدة، وأيضا فإن الأصل بقاء العقد فمن ادعى
أن انقضاء المدة طلقة بائنة أو رجعية فعليه الدليل. ومن آلى أن لا يقرب زوجته المعقود
عليها عقد متعة أو أمته لزمه الوفاء، ومتى لم يف حنث وعليه الكفارة، ولا حكم لها عليه إذا
استمر على مقتضى الإيلاء.
اللفظ بغير الظهر وبنفي وقوعه بغير المدخول بها لتميزه من جملة المجتمعين باسمه
ونسبه، على أن قوله تعالى: والذين يظاهرون من نسائهم، ينافي تعليقه بغير الظهر، وعدم
245

وقوعه بغير المدخول بها لأن الظهار مشتق من لفظ الظهر، وغير المدخول بها توصف بأنها
من نساء الزوج.
وإذا تكاملت شروط الظهار حرمت الزوجة عليه، فإن عاد لما قال بأن يريد استباحة
الوطء لزمه أن يكفر قبله بعتق رقبة، فإن لم يجد صام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع أطعم
ستين مسكينا.
ويدل على أن العود شرط في وجوب الكفارة ظاهر القرآن، ولأنه لا خلاف أن المظاهر لو
طلق قبل الوطء، لا تلزمه الكفارة وهذا يدل على أن الكفارة لا تجب بنفس الظهار، ويدل
على أن العود ما ذكرناه أن الظهار إذا اقتضى التحريم وأراد المظاهر الاستباحة وآثر رفعه
كان عائدا لما قال، ومعنى قوله: ثم يعودون لما قالوا، أي المقول فيه كقوله سبحانه: واعبد
ربك حتى يأتيك اليقين، أي الموقن به، وكقوله ع الراجع في هبته، أي في
الموهوب، وكما يقال: اللهم أنت رجاؤنا، أي مرجونا.
ولا يجوز أن يكون المراد بالعود الوطء على ما ذهب إليه قوم لأنه تعالى قال: فتحرير رقبة
من قبل أن يتماسا، فأوجب الكفارة بعد العود وقبل الوطء فدل على أنه غيره.
ولا يجوز أن يكون العود إمساكها بعد الظهار زوجة مع القدرة على الطلاق على ما قال
الشافعي لأن العود يجب أن يكون رجوعا إلى ما يخالف مقتضى الظهار، وإذا لم يقتض فسخ
النكاح لم يكن العود الإمساك عليه، ولأنه تعالى قال: ثم يعودون لما قالوا، وذلك يقتضي
التراخي، والقول بأن العود هو البقاء على النكاح قول بحصول عقيب الظهار من غير
فصل فهو بخلاف الظاهر.
وإذا جامع المظاهر قبل التكفير فعليه كفارتان: إحديهما كفارة العود، والأخرى عقوبة
الوطء قبل التكفير، بدليل إجماع الطائفة، ولأن بذلك يحصل اليقين ببراءة الذمة، وإن
استمر المظاهر على التحريم فزوجة الدوام وإن كانت أمة بالخيار بين الصبر على ذلك وبين
المرافعة إلى الحاكم، وعلى الحاكم أن يخيره بين التكفير واستباحة الجماع وبين الطلاق، فإن
لم يجب إلى شئ من ذلك أنظره، فإن فاء إلى أمر الله تعالى في ذلك وإلا ضيق عليه في المطعم
والمشرب حتى يفئ، ولا يلزمه الحاكم بالطلاق إلا إذا كان قادرا على الكفارة وأقام على
246

التحريم مضارة بدليل إجماع الطائفة.
وإذا طلق قبل التكفير سقطت عنه الكفارة، فإن راجع في العدة لم يجز له الوطء حتى
يكفر، فإن خرجت من العدة واستأنف العقد عليها جاز له الوطء من غير تكفير، ومن
أصحابنا من قال: لا يجوز له الوطء إلا أن يكفر على كل حال، وظاهر القرآن معه لأنه يوجب
الكفارة بالعودة من غير فصل.
وإذا ظاهر من زوجتين له فصاعدا ألزمه مع العود لكل واحدة منهن كفارة سواء
ظاهر من كل واحدة على الانفراد أو جمع بينهن في ذلك كله بكلمة واحدة، وإذا كرر كلمة
الظهار لزمه بكل دفعة كفارة، فإن وطئ التي كرر عليها قبل أن يكرر يلزمه كفارة واحدة
عن الوطء وكفارات التكرار بدليل الاجماع المشار إليه.
وفرض العبد في الكفارة الصوم وفرضه فيه كفرض الحر لظاهر القرآن، ومن
أصحابنا من قال: الذي يلزمه شهر واحد، ومن أصحابنا من قال: لا يصح الظهار من
المنكوحة بملك اليمين، ومنهم من قال: يصح، وفي ذلك نظر.
فصل في الطلاق:
يفتقر صحة الطلاق الشرعي إلى مثل ما افتقر إليه الظهار من الشروط، ولا يصح
إلا من عاقل مختار قاصد إلى التحريم به غير حالف ولا ساه ولا حاك عن غيره ولا لاعب،
متلفظ بصريحه - وهو لفظ الطلاق دون كناياته نحو: أنت حرام أو بائنة أو خلية أو برية أو
الحقي بأهلك أو حبلك على غاربك وما أشبه ذلك، وإن قارنته النية - مطلق له من
الاشتراط، موجه به إلى معقود عليها عقد دوام، معين لها، معلق له بجملتها دون أبعاضها،
بمحضر من شاهدي عدل في طهر لا جماع فيه إلا في حق من استثنيناه.
ويدل على ذلك ما قدمناه من الدليل في شروط الإيلاء.
ويخص اعتبار لفظ الطلاق أنه الذي ورد به القرآن وتعلقت به الأحكام فيجب أن
لا يتعلق بغيره، ولا يقال لمن فعل ما فيه معنى الطلاق " مطلق " كما لا يقال لمن فعل ما فيه
معنى الضرب " ضارب ".
247

ويخص تعليق الطلاق بالشرط أن ذلك غير مشروع لأن الله سبحانه لم يشرع لمريد
الطلاق أن يعلقه بأمر يجوز حصوله وارتفاعه لأن ذلك لا يطابق مراده وإذا لم يكن مشروعا
لم يتعلق به شئ من الأحكام الشرعية، وبمثل ذلك يبطل تعليق الطلاق بالأبعاض لأنه ليس
من الألفاظ المشروعة في الطلاق فيجب أن لا يقع، وأيضا قوله تعالى: يا أيها النبي إذا طلقتم
النساء، يدل على ذلك لأنه علق الطلاق بما يتناوله اسم النساء واليد أو الرجل لا يتناولهما
ذلك.
ويخص اعتبار الشهادة قوله تعالى: فطلقوهن لعدتهن، إلى قوله: وأشهدوا ذوي عدل
منكم، لأن ظاهر الأمر في الشرع يقتضي الوجوب وهذا يوجب عود ذلك إلى الطلاق وإن بعد
عنه لأنه لا يليق إلا به دون الرجعة التي عبر عنها بالإمساك لأنه لا خلاف في أن الإشهاد عليها
غير واجب، كما وجب عود التسبيح إليه تعالى مع بعد ما بينهما في اللفظ في قوله: إنا أرسلناك
شاهدا ومبشرا ونذيرا لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه، من حيث لم يلق
إلا به.
وحمل الأمر بالإشهاد على الاستحباب ليعود إلى الرجعة عدول عن الظاهر في عرف
الشرع بغير دليل، ولا يجوز أن يكون الأمر بالإشهاد متعلقا بقوله تعالى أو فارقوهن بمعروف،
لأن المراد بذلك هاهنا ترك المراجعة والاستمرار على موجب الطلاق المقتضي للفرقة وليس
بشئ يتجدد فعله فيفتقر إلى إشهاد.
ويخص اعتبار الطهر أنه لا خلاف في أن الطلاق في الحيض بدعة ومعصية وقد فسر
العلماء قوله تعالى: فطلقوهن لعدتهن، بالطهر الذي لا جماع فيه وإذا ثبت أنه مخالف لما قد
أمر الله تعالى لم يقع ولم يتعلق به حكم شرعي.
ويحتج على المخالف بما رووه من أن ابن عمر طلق زوجته ثلاثا بلفظ واحد وهي
حائض فسأل عمر النبي ص عن ذلك فردها عليه ولم يره شيئا، وظاهر ذلك
نفي التأثيرات كلها والتخصيص ببعضها يفتقر إلى دليل، وبما رووه من طريق آخر من
قوله ص لعمر: مره فليراجعها ثم ليدعها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم
ثم ليطلقها إن شاء، وظاهر الأمر على الوجوب، وإذا أوجب المراجعة دل ذلك
248

على أن الطلاق لم يقع والمراد بالمراجعة على هذا ردها إليه وترك اعتزالها لأنه كان
فارقها ظنا منه لوقوع الطلاق وذلك يقال على سبيل الحقيقة لمن طلق زوجته طلاقا فاسدا
ولمن ظن وقوعه فأخرجها من منزله واعتزلها.
وإذا تقرر ما ذكرناه من شروط الطلاق فاعلم أنه على ضروب: أربعة: واجب ومحظور
ومستحب ومكروه، فالواجب طلاق المولى بعد التربص لأن عليه أن يفئ أو يطلق على
ما قدمناه وطلاق الخلع على ما نبينه، والمحظور طلاق المدخول بها في الحيض أو الطهر الذي
جامعها فيه قبل أن يظهر بها حمل ولا خلاف في حظره وإنما الخلاف في وقوعه على ما بيناه،
والمستحب طلاق من كانت الحال بينه وبين زوجته فاسدة بالشقاق وتعذر الانفاق وعجز
كل واحد منهما عن القيام بما يجب عليه لصاحبه، والمكروه طلاقه إذا كانت الحال بينهما
عامرة وكل واحد قيم بحق صاحبه.
والنساء في الطلاق على ضربين: منهن من ليس في طلاقها سنة ولا بدعة، ومنهن من في
طلاقها ذلك، فالضرب الأول: الآيسة من الحيض لصغر أو كبر والحامل وغير المدخول بها
والغائب عنها زوجها، والضرب الثاني: المدخول بها لا غير إذا كانت حائلا من ذوات
الأقراء وطلاقها للسنة في طهر لا جماع فيه وللبدعة في حيض أو طهر فيه جماع.
ثم اعلم أن الطلاق على ضربين: رجعي وبائن. والبائن على ضروب أربعة: طلاق
غير المدخول بها وطلاق العدة والخلع والمباراة.
أما الرجعي فهو أن يطلق المدخول بها واحدة ويدعها تعتد في سكناه ونفقته، ويحل له
النظر إليها ومراجعتها بالعقد الأول ما دامت في العدة وليس لها عليه في ذلك خيار، وتجوز
المراجعة من غير إشهاد والإشهاد أولى، وإن قال: قد راجعتك، كان حسنا، وإن لم يقل ذلك
ووطأها أو قبلها بشهوة كان ذلك رجعة بدليل إجماع الطائفة وقوله تعالى: وبعولتهن أحق
بردهن في ذلك، فسمي المطلق طلاقا رجعيا بعلا ولا يكون كذلك إلا والمرأة بعلة، وهذا
يقتضي ثبوت الإباحة لأنها تابعة للزوجية ولم يشترط الشهادة ولا لفظ المراجعة.
فإن خرجت من العدة ملكت نفسها، فإن آثر مراجعتها فبعقد جديد ومهر جديد،
وتبقى معه على طلقتين أخراوين، فإن كمل طلاقها ثلاث مرات في ثلاثة أطهار مع تخلل
249

مراجعته لها - على ما سندل عليه - ولم تكن تزوجت فيما بينهما سواه لم تحل له حتى تنكح
زوجا غيره نكاح دوام ويكون بالغا ويدخل بها ويفارقها وتنقضي عدتها منه.
ويهدم الزوج الثاني التطليقات الثلاث وإن تكررت من الأول أبدا ويبيح المرأة بالعقد
المستأنف، وكذا إن تزوجت فيما بين الأولى والثانية أو الثانية أو الثالثة هدم ذلك ما تقدم من الطلاق
على الأظهر الأكثر من روايات أصحابنا، ومنهم من قال: لا يهدم الزوج الثاني ما دون
الثلاث ومتى رجعت إلى الأول كانت معه على ما بقي من الأول تمام الثلاث، وظاهر قوله
تعالى: فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره، معه لأنه يدل على تحريمها عليه
بالثالثة حتى تنكح زوجا غيره من غير فصل.
وأما غير المدخول بها فإنه إذا طلقها واحدة بانت منه وملكت نفسها في الحال، فإن
اختار مراجعتها ورضيت فبعقد جديد ومهر جديد، فإن راجعها وطلقها قبل الدخول تمام
ثلاث مرات لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره، وهذا مختص بحرائر النساء، فأما الأمة فأقصى
طلاقها حرا كان الزوج أو عبدا طلقتان.
وأما طلاق العدة فيختص بالمدخول بها المستقيمة الطهر والحيض، وصفته أن يطلقها
في طهر لا جماع فيه بشاهدي عدل ثم يراجعها قبل أن تخرج من عدتها ويطأها فإذا حاضت
وطهرت طلقها ثانية بشاهدي عدل فإذا فعل ذلك حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره،
ولا يهدم الزوج الثاني هذه التطليقات الثلاث أبدا بل متى طلقها على هذا الوجه تسع
تطليقات ينكحها بينها رجلان حرمت عليه أبدا على ما قلناه فيما مضى.
وأما الخلع فيكون مع كراهة الزوجة خاصة الرجل، وهو مخير في فراقها إذا دعته إليه
حتى تقول له لئن لم تفعل لأعصين الله بترك طاعتك ولأوطئن فراشك غيرك، أو يعلم منها
العصيان في شئ من ذلك فيجب عليه والحال هذه طلاقها، ويحل له أخذ العوض على
ذلك - سواء بذلته له ابتداء أو بعد طلبه منها وسواء كان مثل المهر الذي دفعه إليها أو أكثر -
بدليل إجماع الطائفة، وأيضا قوله تعالى: ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن
يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم إلا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به،
250

ولا يقع الخلع بمجرده بل لا بد من التلفظ معه بالطلاق فيقول مريده: قد خلعتك على كذا
وكذا فأنت طالق، والدليل على ذلك إجماع الطائفة لأن من قال من أصحابنا: لفظ الخلع
كاف في الفرقة، لا يؤثر خلافه في دلالة الاجماع، وأيضا فلا خلاف بين الأمة في حصول
الفرقة بما ذكرناه وليس على حصولها بمجرد لفظ الخلع دليل.
وأما طلاق المباراة فيكون مع كراهة كل واحد من الزوجين صاحبه، ويجوز للزوج أخذ
البدل عليه إذا لم يزد على ما أعطاها من المهر ولا يحل له أخذ الزيادة عليه، ويقول من يريد
ذلك: قد بارئتك على كذا وكذا فأنت طالق، و ذلك لفظه بدليل الاجماع المشار إليه، فإذا
تلفظ بالطلاق في الخلع والمباراة بانت الزوجة منه بواحدة ولم يملك رجعتها في العدة بالعقد
الأول إلا أن تعود فيما بذلت له أو في بعضه فيها، ولا خيار لها في العود بشئ من ذلك بعد
العدة في التطليقتين، وإذا كمل هذا الطلاق ثلاث مرات على الوجه الذي بيناه فيما مضى
حرمت المطلقة على الأول حتى تنكح زوجا غيره على ما قدمناه وذلك بدليل إجماع الطائفة،
وتسقط السكنى والنفقة في الطلاق البائن بدليل الاجماع المشار إليه ولأن الأصل براءة الذمة
وشغلها بإيجاب شئ من ذلك يفتقر إلى دليل.
ومن طلق ثلاثا بلفظ واحد كان مبدعا في قوله " ثلاثا " ووقعت واحدة إذا تكاملت
الشروط على الصحيح من المذهب لأنه إذا تلفظ بالطلاق مع تكامل شروطه المسنونة وجب
وقوعه وما أبدع من قوله " ثلاثا " لا حكم له في الشرع لأنه مخالف للسنة ولا تأثير له في إفساد
ما قد تكاملت شروطه الشرعية من الطلاق، ولا فرق بين أن يتبع الطلاق بقوله: " ثلاثا "
وبين أن يتبعه بشتم المرأة وكما أن ذلك وإن كان بخلاف السنة غير مانع من وقوع الطلاق
فكذلك ما نحن فيه.
ويدل على أن قوله " ثلاثا " بدعة بعد إجماع الطائفة قوله تعالى: الطلاق مرتان، والمراد
بذلك الأمر لأنه لو كان خبرا لكان كذبا فكأنه قال: طلقوا مرتين، كما قال الله تعالى: ومن
دخله كان آمنا، أي فأمنوه ولا يكون الطلاق مرتين بحصول واحدة بعد أخرى، وكما أن
من أعطى درهمين دفعة واحدة لم يوصف بأنه معط مرتين ولا يكون كذلك حتى يفرق الإعطاء
لهما في وقتين فكذلك المطلق.
251

وليس لهم أن يقولوا: العدد في الآية مذكور عقيب اسم وإذا ذكر عقيب الاسم لم
يقتض التفريق كما إذا قال: له على عشرة، مرتين وإنما يقتضيه إذا ذكره عقيب فعل كما إذا
قال: أعطه مرتين أو أدخل الدار مرتين، لأنا قد بينا أن معنى قوله تعالى: الطلاق مرتان، الأمر
والعدد والحال هذه في الآية مذكور عقيب فعل.
فإن قيل: ليس فيما ذكرتموه أكثر من وجوب التفريق فلم قلتم: أنه لا بد أن يكون في
طهرين مع تحلل المراجعة؟ قلنا: لا جماع الطائفة على ذلك، ولأنه إذا ثبت وجوب التفريق
فكل من أوجبه قال بما ذكرناه والقول بأحد الأمرين دون الآخر خروج عن إجماع الأمة.
ويحتج على المخالف في ذلك أيضا بما رووه عن ابن عمر من قوله: طلقت زوجتي وهي
حائض فقال لي النبي ص: ما هكذا أمرك ربك إنما السنة أن تستقبل بها
الطهر فتطلقها في كل قرء مرة، ويحتج عليهم في أن التلفظ بالثلاث بدعة وغير واقع ثلاثا
بما رووه من قوله ص في حديث ابن عمر: إذن عصيت ربك، حين قال له:
أ رأيت لو طلقتها ثلاثا. وبما رووه من أن رجلا طلق زوجته ثلاثا في مجلس واحد فحزن عليها
حزنا شديدا فسأله النبي ع: كيف طلقتها. قال: طلقتها ثلاثا في مجلس واحد،
فقال ع: إنما تلك واحدة فراجعها إن شئت، فراجعها، والأخبار في ذلك كثيرة.
فإن احتج من ذهب إلى وقوع الثلاث بلفظ واحد وإن كان بدعة بما روي في حديث
ابن عمر من قوله ع: إذن عصيت ربك وبانت منك امرأتك، فغير معول على
مثله لأن أول ما فيه أنه خبر واحد ثم هو معارض بغيره ثم يحتمل أن يكون ع أراد
بقوله: بانت منك امرأتك، إذا خرجت من العدة، لأنا قد بينا أنه يقع بذلك واحدة، على أن
قول ابن عمر: أ رأيت لو طلقتها ثلاثا، يحتمل أن يكون أراد في ثلاثة أطهار يتخللها المراجعة
ويحتمل ذكر المعصية على هذا لأمرين: أحدهما أن اخراج الزوج نفسه من التمكن من
مراجعة المرأة حتى تنكح زوجا غيره مكروه لأنه يدرس كيف يتقلب قلبه وربما هم بالمعصية،
والثاني أن النبي ص لا يمتنع أن يكون عالما من زوجة ابن عمر صلاحا وخيرا
يوجبان المعصية بفراقها، ومع ما ذكرناه في الخبر من الاحتمال يسقط به الاستدلال.
252

فصل في اللعان:
تقف صحة اللعان بين الزوجين على أمور: منها أن يكونا مكلفين سواء كانا أو
أحدهما من أهل الشهادة أم لا، ومنها أن يكون النكاح دواما، ومنها أن تكون الزوجة
مدخولا بها. وحكم المطلقة طلاقا رجعيا إذا كانت في العدة كذلك، ومنها أن لا تكون صماء
ولا خرساء، ومنها أن يقذفها الزوج بزنى يضيفه إلى مشاهدته بأن يقول: رأيتك تزنين،
ولو قال: يا زانية، لم يثبت بينهما لعان، أو ينكر حملها أو يجحد ولدها ولا يقيم أربعة من الشهود
بما قذفها به وأن تكون منكرة لذلك، ويدل على هذا كله إجماع الطائفة وأيضا فلا خلاف في
صحة اللعان مع تكامل ما ذكرناه وليس على صحته مع اختلال بعضه دليل.
وصفة اللعان أن يجلس الحاكم بينهما مستدبر القبلة ويوقفهما بين يديه المرأة عن يمين
الرجل موجهين إلى القبلة ويقول للرجل: قل أشهد بالله إني فيما ذكرته عن هذه المرأة من
الفجور لمن الصادقين، فإذا قال ذلك أمره أن يعيده تمام أربع مرات، فإذا شهد الرابعة قال
له الحاكم: اتق الله عز وجل واعلم أن لعنته شديدة وعذابه أليم فإن كان حملك على ما قلت
غيرة أو غيرها فراجع التوبة فإن عقاب الدنيا أهون من عقاب الآخرة، فإن رجع عن قوله
جلده حد المفتري، وإن أصر على ما ادعاه قال له: قل إن لعنة الله على إن كنت من
الكاذبين، فإذا قالها أقبل على المرأة وقال لها: ما تقولين فيما رماك به. فإن اعترفت رجمها،
وإن أقامت على الانكار قال لها: قولي أشهد بالله أنه فيما رماني به لمن الكاذبين، فإذا قالت
طالبها بإتمام أربع شهادات كذلك، فإذا شهدت الرابعة وعظها كما وعظ الرجل، فإن
اعترفت رجمها، وإن أصرت على الانكار قال لها: قولي: إن غضب الله على إن كان من
الصادقين، فإذا قالت ذلك فرق الحاكم بينهما ولم تحل له أبدا على ما قدمناه فيما مضى من
الكتاب.
ولفظ الشهادة وعدد الشهادات والترتيب واجب في اللعان، فلو قال: أحلف بالله، أو:
أقسم بالله، أو نقص شيئا من العدد أو بدأ الحاكم بالمرأة أولا لم يعتد باللعان ولم تحصل
الفرقة وإن حكم الحاكم بذلك لأن ما قلناه مجمع على صحته وليس على صحة ما خالفه دليل،
ولأن ما عدا ما ذكرناه مخالف لظاهر القرآن لأنه تعالى ذكر لفظ الشهادة والعدد والترتيب من
253

حيث أخبر أنها تدرأ عن نفسها العذاب بلعانها والمراد بالعذاب عندنا الحد وعند أبي
حنيفة الحبس ولا يثبت واحد منهما إلا بعد لعان الزوج فصح ما قلناه.
فصل في الردة:
متى أظهر المرء الكفر بالله تعالى أو برسوله ع أو الجحد بما يعم فرضه
والعلم به من دينه ص كوجوب الصلاة أو الزكاة أو ما جرى مجرى ذلك
بعد إظهاره التصديق به كان مرتدا.
وهو على ضربين: أحدهما أن يكون مولودا على فطرة الاسلام، والثاني أن يكون إسلامه
بعد كفر.
فالأول تبين زوجته منه في الحال ويقسم ماله بين ورثته ويجب قتله من غير أن يستتاب
بدليل إجماع الطائفة، ويحتج على المخالف بما رووه من قوله ع: من بدل دينه
فاقتلوه، وقوله: لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث كفر بعد إيمان أو زنا بعد إحصان
أو قتل نفس بغير نفس، ولم يشترط الاستتابة فمن اشترطها في هذا الموضع فعليه الدليل.
والثاني - وهو المرتد عن إسلام حصل بعد كفر يستتاب، فإن رجع إلى الاسلام كان
العقد ثابتا بينه وبين زوجته، فإن أسلم ثم ارتد ثانية قتل من غير أن يستتاب، ومتى لحق
بدار الحرب وعاد إلى الاسلام والمرأة لم تخرج عن عدتها كان أملك بها من غيره.
ولا تقتل المرتدة بل تحبس حتى تسلم أو تموت في الحبس بدليل إجماع الطائفة، ويحتج
على المخالف بما رووه من نهيه ص عن قتل المرتدة ونهيه عن قتل النساء
والولدان ولم يفصل، وروى أصحابنا أن الزنديق - وهو من يبطن الكفر ويظهر الاسلام -
يقتل ولا تقبل توبته.
فصل في العدة:
العدة على ضربين: عدة من طلاق وما يقوم مقامه، وعدة من موت أو ما يجري مجراه.
والمطلقة على ضربين: مدخول بها وغير مدخول، وغير المدخول بها لا عدة عليها
254

بلا خلاف.
والمدخول بها لا تخلو إما أن تكون حاملا أو حائلا.
فإن كانت حاملا فعدتها أن تضع الحمل حرة كانت أو أمة بلا خلاف يعتد به، وقوله
تعالى: وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن، يدل على ذلك، ولا يعارض هذه الآية قوله
تعالى: والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء، لأن آية وضع الحمل في المطلقة وغيرها وناسخة
لما تقدمها بلا خلاف، ويبين ذلك أن قوله سبحانه: والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء، في
غير الحوامل لأنه تعالى قال: ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن، ومن كانت مستبينة
الحمل لا يقال فيها ذلك، وإذا كانت خاصة في غير الحوامل لم يعارض آية الحمل لأنها عامة في
وإن كانت حائلا فلا يخلو إما أن تكون ممن تحيض أم لا، فإن كانت ممن تحيض فعدتها
إن كانت حرة ثلاثة قروء بلا خلاف، وإن كانت أمة فعدتها قرءان بلا خلاف إلا من داود، فإن
عتقت في العدة تممتها عدة الحرة، والقرء المعتبر الطهر بين الحيضتين بدليل إجماع الطائفة،
وإن كانت لا تحيض ومثلها تحيض فعدتها إن كانت حرة ثلاثة أشهر بلا خلاف، وإن كانت
أمة فخمسة وأربعون يوما، وإن كانت لا تحيض لصغر أو كبر وليس في سنها من تحيض فقد
اختلف أصحابنا في وجوب العدة عليها فمنهم من قال: لا تجب، ومنهم من قال: يجب أن
تعتد بالشهور، وهو اختيار المرتضى رضي الله عنه وبه قال جميع المخالفين، وطريقة
الاحتياط تقتضي ذلك، وأيضا قوله تعالى: واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن
ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن، وهذا نص، وقوله تعالى: وإن ارتبتم، معناه على ما
ذكره جمهور المفسرين إن كنتم مرتابين في عدة هؤلاء النساء وغير عالمين بمقدارها، فقد
روي أن أبي بن كعب قال: يا رسول الله أن عددا من عدد النساء لم تذكر في الكتاب
الصغار والكبار وأولات الأحمال، فأنزل الله تعالى: واللائي يئسن، إلى قوله: وأولات
الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن.
ولا يجوز أن يكون الارتياب بأنها يائسة من الحيض أو غير يائسة لأنه تعالى قد قطع
في من تضمنته الآية باليأس من المحيض بقوله: واللائي يئسن، والمرتاب في أمرها
255

لا تكون يائسة، وإذا كان المرجع في حصول حيض المرأة وارتفاعه إلى قولها وكانت
مصدقة فيما تخبر به من ذلك وأخبرت بأحد الأمرين لم يبق للارتياب في ذلك معنى وكان يجب
لو كانت الريبة راجعة إلى ذلك أن يقول: إذا ارتبن، لأن الحكم في ذلك يرجع إلى النساء
ويتعلق بهن.
ولا يجوز أن يكون الارتياب بمن تحيض أو لا تحيض ممن هو في سنها لأنه لا ريب في ذلك
من حيث كان المرجع فيه إلى العادة، على أنه لا بد فيما علقنا به الشرط وجعلنا الريبة واقعة
فيه من مقدار عدة من تضمنته الآية من أن يكون مرادا من حيث لم يكن معلوما لنا قبل
الآية، وإذا كانت الريبة حاصلة فيه بلا خلاف تعلق الشرط به واستقل بذلك الكلام ومع
استقلاله يتعلق الشرط بما ذكرناه ولا يجوز أن يعلق بشئ آخر كما لا يجوز فيه لو كان مستقلا
اشتراطه.
وأما ما يقوم مقام الطلاق:
فانقضاء أجل المتمتع بها وعدتها قرءان إن كانت ممن تحيض وخمسة وأربعون يوما إن
كانت ممن لا تحيض بدليل إجماع الطائفة.
والمتوفى عنها زوجها إن كانت حرة حائلا فعدتها أربعة أشهر وعشرة أيام سواء كانت
صغيرة أو كبيرة مدخولا بها أو غير مدخول بها بلا خلاف، وقد دخل في هذا الحكم المطلقة
طلاقا رجعيا إذا توفي زوجها وهي في العدة لأنها زوجته على ما بيناه فيما مضى وهذه عدة
المتمتع بها إذا توفي عنها زوجها قبل انقضاء أيامها وعدة أم الولد لوفاة سيدها وعدتها لو زوجها
سيدها وتوفي زوجها.
وإن كانت الوفاة بعد ما انقضت أيام المتمتع بها فعدتها شهران وخمسة أيام سواء كانت
في العدة أم لا، وهذه عدة الزوجة إذا كانت أمة، فإن عتقت وهي في العدة فعليها أن تكمل
عدة الحرة كل ذلك بدليل إجماع الطائفة.
وإن كان المتوفى عنها زوجها حاملا فعليها أن تعتد عندنا خاصة بأبعد الأجلين، فإن
وضعت قبل انقضاء الأيام المعينة لها لم تنقض عدتها حتى تكمل تلك المدة، وإن كملت قبل
وضع الحمل لم تنقض عدتها حتى تضع الحمل، بدليل الاجماع المشار إليه، وطريقة الاحتياط،
256

ولأن العدة عبادة تستحق عليها الثواب وإذا كان الثواب فيما ذهبنا إليه أوفر لأن المشقة فيه
أكثر كان أولى من غيره.
وقوله تعالى: وألات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن، معارض بقوله تعالى: والذين
يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا.
وأما ما يجري مجرى الموت فشيئان:
أحدهما: غيبة الزوج التي لا تعرف الزوجة معها له خبرا فإنها إذا لم تختر الصبر
على ذلك ورفعت أمرها إلى الإمام ولم يكن له ولي يمكنه الانفاق عليها فيلزمه الإمام ذلك حتى
يجب عليها الصبر ويبعث الإمام من يتعرف خبره في الآفاق، فإن لم يعرف له خبر حتى
انقضت أربع سنين من يوم رفعت أمرها إلى الإمام فعدتها عدة المتوفى عنها زوجها.
والثاني: الارتداد عن الاسلام على الوجه الذي لا يقبل التوبة منه بدليل الاجماع المشار
إليه، فأما ما تصح التوبة منه فقد روي أن عدتها ثلاثة أشهر.
وحكم العدة في الطلاق الرجعي أن لا تخرج المرأة من بيت مطلقها إلا باذنه، ولا يجوز
له اخراجها منه إلا أن تؤذيه أو تأتي فيه بما يوجب الحد فيخرجها لإقامته ويردها، ولا تبيت
إلا فيه، ولا يردها إذا أخرجها للأذى، وروي أن أقل ما يحصل به الأذى أن تخاصم أهل
الرجل.
وتجب النفقة في عدة الطلاق الرجعي بلا خلاف، ولا تجب في عدة البائن بدليل إجماع
الطائفة ولأن الأصل براءة الذمة وشغلها يحتاج إلى دليل إلا أن تكون حاملا فإن النفقة
تجب لها بلا خلاف لقوله تعالى: وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن،
ولا نفقة للمتوفى عنها زوجها إذا كانت حائلا بلا خلاف، وإن كانت حاملا أنفق عليها
عندنا خاصة من ماله ولدها حتى تضع الحمل.
وتبيت المتوفى عنها زوجها حيث شاءت، ويلزمها الحداد بلا خلاف وهو اجتناب الزينة
في الهيئة ومس الطيب واللباس، ولا يلزم المطلقة وإن كانت بائنة كل ذلك بدليل الاجماع
المشار إليه. ودلالة الأصل وقوله تعالى: قل من حرم زينة الله التي أخرج لعبادة، وتلزم عدة
الوفاة للغائب عنها زوجها من يوم يبلغها الخبر بلا خلاف بين أصحابنا ولأن العدة من
257

عبادات المرأة فلا تصح إلا بنية في ابتدائها، وهذا حكم العدة من الطلاق على خلاف بين
أصحابنا في ذلك.
فصل في أحكام الأولاد:
السنة في المولود أن يحنك عند وضعه بماء الفرات إن وجد أو بماء عذب، فإن لم يوجد
إلا ملحا جعل فيه عسل أو تمر، وأن يؤذن في أذنه اليمنى ويقام في اليسرى، وأن يحلق رأسه
في اليوم السابع ويتصدق بزنة شعره ذهبا أو فضة، وأن يختن ويسمى بأحسن الأسماء،
وأفضلها اسم النبي ص أو أحد الأئمة من أهل بيته ع.
وأن يعق في هذا اليوم عن الذكر بذكر من الضأن وعن الأنثى بأنثى، ويعطي القابلة
ربع العقيقة ويكون ذلك الورك بالرجل إلا أن تكون ذمية فإنها لا تعطى من اللحم شيئا بل
تعطى قيمته، ويطبخ الباقي من اللحم ويدعى إلى تناوله جماعة من فقراء المؤمنين وإن فرق
اللحم عليهم جاز والأول أفضل، ولا يأكل الأبوان من العقيقة شيئا ولا خلاف بين أصحابنا
في ذلك كله إلا في العقيقة فإن منهم من يقول: أنها واجبة، ومنهم من يقول: سنة مؤكدة.
ولا تجبر الحرة على رضاع ولدها وتستحق أجرة على أبيه، فإن كان قد مات استحقته
من مال الولد، وهي أحق برضاعه إلا أن تطلب من الأجر برضاعته أكثر مما قد رضي به
غيرها. والمطلقة أحق بالذكر من الأب مدة الرضاع وبعدها الأب أحق به، فإن كان أنثى
فالأم أحق بها إلى سبع سنين إلا أن تتزوج فيكون الأب أحق على كل حال، كل ذلك بدليل
إجماع الطائفة.
واعلم أن أقل الحمل ستة أشهر لقوله تعالى: وحمله وفصاله ثلاثون شهرا، وقوله:
والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة، وأكثره في غالب
العادة تسعة أشهر بلا خلاف وينضاف إلى ذلك أشهر الريب وهي ثلاثة أشهر وهي أكثر
أيام الطهر بين الحيضتين فتصير أكثر مدة الحمل سنة بدليل إجماع الطائفة ولأن ما ذهبنا
إليه من أكثر مدة الحمل مجمع عليه وليس على قول من ذهب إلى أن أكثره سنتان أو أربع أو
سبع دليل.
258

وعلى ما ذكرناه إذا طلق الرجل زوجته أو مات عنها فتزوجت وجاءت بولد لستة
أشهر فصاعدا من يوم دخل الثاني بها فهو لاحق به، وإن أتت به لأقل من ستة أشهر لحق
بالأول إن كان مدة طلاقها أو الوفاة عنها سنة فما دونها، وإن كان مدة ذلك أكثر من سنة
لم يلحق به، ولا يحل للرجل الاعتراف بالولد في الموضع الذي قلنا أنه لا يلحق به فيه.
259

الوسيلة إلى نيل الفضيلة
لعماد الدين أبي جعفر محمد بن علي بن حمزة الطوسي
المعروف بابن حمزة
261

كتاب الطلاق
فصل في بيان أقسام الطلاق:
الطلاق أربعة أضرب: واجب ومندوب إليه ومحظور ومكروه.
فالأول: طلاق المولى بعد انقطاع مدة التربص إذا لم يف، والثاني: طلاق الرجل زوجته
حالة الشقاق، والحال بينهما غير عامرة ولا يقوم كل واحد منهما بحق صاحبه، والثالث:
طلاق الرجل في أحد موضعين: طلاق الحائض المدخول بها ولم يغب عنها زوجها والتي
خرجت من المحيض وواقعها الزوج في ذلك الطهر قبل أن يستبين حملها، والرابع: أن
يطلق زوجته والحال عامرة بينهما، يقوم كل واحد منهما بحق صاحبه.
والمطلق ثلاثة: حر بالغ وغير بالغ وعبد.
والمطلقة ضربان: مدخول بها وغير مدخول بها. فالمدخول بها ثمانية أصناف: حائض
حالة الطلاق وغير حائض وقد بلغت المحيض أو لم تبلغ ومثلها تحيض، والتي لم تبلغ
ومثلها لا تحيض والحامل والمسترابة والتي أيست من المحيض ومثلها تحيض والآيسة
ومثلها لا تحيض.
وإذا طلق زوجته وزال حكم الزوجية لم يخل: إما أمكن الرجوع أو لم يمكن، فإن أمكن
كان بأحد ثلاثة أوجه: إما بالرجعة أو تجديد العقد أو باستئناف العقد بعد تزوج الغير بها
263

وطلاقها بعد الدخول واعتدادها منه. وإن لم يمكن رجوع الرجل إليها فقد حرم عليه العقد
عليها أبدا وذلك إذا تزوج الرجل امرأة وطلقها تسع تطليقات طلاق العدة، وتزوجت بين
كل ثلاث زوجا بالغا تزويجا دائما صحيحا ودخل بها.
والنساء ضربان: إما يكون لطلاقها سنة وبدعة وهي التي اجتمع فيها ثلاثة أشياء:
كونها من ذوات الأقراء حائلا به غير غائب عنها زوجها شهرا فصاعدا، أو لا يكون
لطلاقها سنة وبدعة وهي خمسة أصناف: من لم تبلغ المحيض والآيسة من المحيض
والحامل وغير المدخول بها والغائب عنها زوجها شهرا فصاعدا، وزمان السنة: إذا كان
طاهرا لم يقربها زوجها فيه وزمان البدعة: إذا كانت حائضا أو طاهرا وقربها الزوج فيه.
والطلاق ضربان: طلاق السنة وطلاق العدة، وكلاهما يحتاج في صحته إلى أربعة عشر
شرطا: ثمانية منها ترجع إلى المطلق وهي كونه عاقلا مميزا مالكا أمره غير حرد ولا غضبان
ولا سكران على وجه لا يعرف ما يأتي وما يذر، قاصدا باللفظ إلى البينونة ناويا لها.
واثنان يرجعان إلى المطلقة وهما: كونها طاهرا، ولم يقربها زوجها فيه بجماع في
الفرج، وثلاثة منها ترجع إلى اللفظ وهي: التلفظ بصريح القول إن أمكنه أو ما يقوم مقامه
إن لم يمكنه وأن تكون غير كتابية ولا مشروطة، وواحد منها يرجع إلى الغير وهو حضور
شاهدين عدلين في مجلس واحد.
ويفارق طلاق العدة طلاق السنة بوجهين: أحدهما أن طلاق العدة إنما يصح بالرجعة
قبل انقضاء العدة بغير عقد ومهر جديد فإذا راجعها لزمه المواقعة في حال طهرها وطلقها
إذا طهرت بعد أن تحيض إن شاء، وطلاق السنة إنما يصح إذا راجعها بعقد بعد انقضاء
عدتها على مهر جديد من غير حاجة إلى المواقعة في صحة الطلاق الثاني.
والآخر: هو أن طلاق العدة إذا طلقها تسع تطليقات وتزوجت بعد كل ثلاث زوجا
صحيح البعولية بنكاح دائم ودخل بها لم تحل له أبدا، وطلاق السنة إذا طلقها أكثر من ذلك
وتزوج بها بعد البينونة كثير من الرجال جاز له أن يراجعها أبدا إذا بانت من الزوج
واعتدت، فإذا طلقها واحدة للسنة وخرجت من العدة، أو طلقها اثنتين ملكت نفسها
وزوجها خاطب من الخطاب إن شاء، وإن لم تخرج من العدة كان أملك برجعتها، فإن
264

تزوجها بعد الواحدة أو الاثنين رجل بالغ بنكاح دائم صحيح ودخل بها هدم ما تقدم من
الطلاق، ويقال له: طلاق الهدم، وقال بعض الأصحاب: لا يهدم وإنما يهدم الثلاث، والأول
صحيح.
ويجوز له استئناف العقد عليها بمهر جديد بعد انقضاء عدتها وإن لم يتزوج، ولا يجوز
ذلك بعد الثلاث إلا بعد أن تنكح زوجا غيره وتدخل في مثل ما خرجت منه ثم يخرج منه،
وإن ارتفع حيضها بعد الرجعة والوقاع في طلاق العدة استبرأها بثلاثة أشهر ثم طلقها،
وإن لم ترتفع حيضها وواقعها صح أن يطلقها الأخرى على ما ذكرنا، وإن عجز عن الوقاع
طلقها للسنة لأن طلاق العدة لا يصح بغير وقاع.
وطلاق البدعة ضربان: بدعة في الزمان وهو طلاقها حائضا أو طاهرا وقد واقعها في
طهرها، وبدعة في القول وهو الطلاق المعلق بشرط، وإيقاع الطلاق ثلاثا بلفظة واحدة
ولا يقع كلاهما، وقال بعض أصحابنا: تقع واحدة من ثلاث والأول هو الصحيح.
وإن واقع زوجته وأراد طلاقها ولم تبلغ المحيض وبلغت مثلها في السن صبر بعد
الوقاع ثلاثة أشهر ثم طلقها وإن لم تبلغه هي ولا مثلها طلقها متى شاء، وإن كانت آيسة من
المحيض ومثلها تحيض فحكمها حكم من لم تبلغ المحيض وبلغت مثلها، وإن كانت مثلها
لا تحيض فهي في حكم من لم تبلغ المحيض ولا مثلها.
والحامل إذا استبان حملها طلقها متى شاء فإن أراد طلاقها للسنة صبر بعد الطلاق
حتى تضع الحمل ثم عقد عليها ثانيا، وإن أراد طلاقها للعدة طلقها ثم راجعها وواقعها ثم
طلقها متى شاء حتى يستوفي ثلاثا، فإذا استوفى لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره على ما ذكرنا
ولا يجوز لها التزوج حتى تضع حملها، فإن كانت حاملا باثنين فارقت الزوج الأول بوضع
الولد وحلت للأزواج بوضع الثاني، والمسترابة حكمها في الطلاق حكم من لم تبلغ المحيض
ومثلها بلغت وحكمها في العدة سيجئ إن شاء الله في بابها.
ولا تحيض التي لها دون تسع سنين والتي لها فوق خمسين سنة من غير القرشية والنبطية
وفوق ستين سنة لهما، والمستحاضة التي استمر بها الدم وقد دخل بها ضربان: إما يحل وطؤها
ويجوز له طلاقها في الوقت الذي يحل له فيه وطؤها أو لا يحل له وطؤها لثلاثة أشياء: لإطباق
265

الدم عليها ولنسيانها العدد والوقت، ولا يجوز له طلاقها احتياطا. وروي: أنها تترك
الصلاة والصوم في كل شهر سبعة أيام وتصلي وتصوم الباقي.
وعلى هذا يصح صومها وصلاتها وطلاقها فيما عدا السبعة الأيام، والغائب عنها
زوجها مدة شهر فصاعدا حكمها حكم غير المدخول بها في صحة طلاقها على كل حال،
وإن كان الزوج غير مدخول بها طلقها متى شاء، فإذا طلقها ملكت نفسها في الحال ولم
تلزمها العدة.
ومن لم تبلغ ضربان: إما لم تبلغ عشر سنين فصاعدا ولا يصح منه الطلاق، ولا من وليه
له أو بلغ وكان مميزا ويصح طلاقه وعتقه وصدقته ووصيته بالمعروف، أو كان سفيها فاسد
العقل ويطلق عنه وليه أو الإمام أو من يأمره الإمام.
وطلاق الحرة ثلاث تحت حر كانت أو عبد، وطلاق الأمة اثنتان تحت عبد كانت أو حر،
فإن عتقت الأمة قبل الطلاق صار طلاقها ثلاثا وإن عتقت بعد واحدة كان طلاقها اثنتين،
وحكم طلاق العبد قد ذكرناه في فصل عقد العبيد والإماء، وللغائب الرجعة ما لم تمض
ثلاثة أشهر من وقت الطلاق والحاضر إذا لم يمكنه الوصول إليها في حكم الغائب، وإذا
طلق غير المدخول بها ثم استأنف العقد وطلق قبل الدخول ثم عقد ثالثا وطلق قبل
الدخول، لم يحل له العقد عليها رابعا إلا بعد أن تنكح زوجا غيره.
ولا يصح التوكيل في الطلاق إلا للغائب، فإن وكل وفارقه الوكيل وأراد عزله أعلمه
فإن لم يمكنه أشهد على عزله، فإن لم يشهد وطلق الوكيل نفذ طلاقه، وما يكون في حكم
الطلاق أربعة أشياء:
الكتابة من الأخرس ومن الغائب بأربعة شروط: أن يكتب بخطه ويشهد عليه
ويسلم من الشاهدين ولا يفارقهما حتى يقيما الشهادة ويعلما المطلقة،
والإيماء من الأخرس على وجه يفهم منه الطلاق أو إلقاء مقنعة على رأسها مع التنحي
عنها، فإذا أراد الرجعة كشف المقنعة عن رأسها.
والثالث قوله: نعم إذا قيل له: طلقت فلانة.
والرابع: تطليقها بما يفيد مفاد العربية من اللغات، وإذا طلق الأمة مرتين لم تحل له حتى
266

تنكح زوجا غيره ومواقعة سيدها إياها وبابتياعها لم تحلل له.
ولا تبين المرأة من الزوج بما يخالف السنة من الطلاق إلا إذا كانت مؤمنة، والزوج
مخالف.
والمفقود زوجها ولم تجد ما تنفق من ماله ولا وليا ينفق عليها ولم ترض رفعت الحال إلى
الحاكم حتى ينفق عليها من بيت المال وطلبه أربع سنين في الآفاق، فإن وجد خبر حياته
لزمها الصبر وإن وجد الخبر بموته اعتدت وملكت نفسها وإن لم يجد له خبرا بموت ولا حياة
أمر الحاكم بعد انقضاء أربع سنين ولي الغائب بتطليقها، فإن لم يكن له ولي طلقها الحاكم
فإذا طلقها اعتدت عنه عدة الوفاة، فإن رجع قبل انقضاء العدة كان أملك بها وإن رجع بعد
انقضائها لم يكن له عليها سبيل، ولا يصح الطلاق قبل العقد.
وإذا طلق المريض زوجته بائنا أو رجعيا ومات أحدهما وهي في العدة توارثا، فإن
خرجت من العدة لم يرثها الرجل وورثته هي إلى مضي سنة كاملة ما لم تتزوج قبل
انقضائها.
فصل في بيان العدة وأحكامها:
العدة ضربان: عدة طلاق أو ما هو في حكمه، وعدة وفاة، فعدة الطلاق تلزم المدخول
بها ولا عدة على غير المدخول بها، وهي ضربان: عدة الحرة وعدة الأمة.
فالحرة ثمانية أضرب: حامل وحائل مستقيمة الحيض والتي لم تبلغ المحيض ومثلها
تحيض والآيسة من المحيض ومثلها تحيض والمسترابة والتي تزوجها في عدتها رجل و
دخل بها وفرق بينهما، ومضطربة الحيض ومستحاضة.
فالحامل عدتها أقرب الأجلين، ومعنى ذلك أن الرجل إذا طلق امرأته حاملا ووضعت
حملها عقيب الطلاق بلحظة بانت منه بوضع الأول ولم يجز لها أن تتزوج إلا بعد وضع جميع ما
في بطنها، والسقط وغير السقط وإن كان علقة في ذلك سواء، وإن مضت على ذلك ثلاثة
أشهر ولم تضع الحمل بانت منه ولم يجز لها التزوج إلا بعد وضع الحمل.
والحائل المستقيمة الحيض وإن كانت تحيض في كل ثلاث سنين مرة اعتدت بالشهور
267

وإن حاضت لأقل من ذلك اعتدت بالأقراء.
وأقل ما تنقضي به العدة ستة وعشرون يوما ولحظتان، وهي لامرأة عادتها في الأقراء
أقل أيام الحيض وأقل أيام الطهر، فإذا طلقها طاهرا فحاضت عقيب الطلاق بلحظة ثلاثة
أيام وطهرت عشرة وحاضت ثلاثة وطهرت عشرة ثم حاضت، فإذا رأت من الدم أول
قطرة بانت وحلت للأزواج إن لم تتقدم عادتها، فإن تقدمت لم تحل إلا بعد انقضاء ثلاثة الأيام
من حيضها.
وأقل ما تنقضي به عدة الحامل أربعون يوما لأن في هذه المدة تصير النطفة علقة، والتي
لم تبلغ المحيض ولا مثلها والآيسة من المحيض ومثلها لا تحيض لا عدة عليهما، وقال:
المرتضى رضي الله عنه: عليهما العدة مثل عدة من لم تبلغ المحيض ومثلها تحيض.
والآيسة من المحيض ومثلها تحيض عدتها ثلاثة أشهر، والمسترابة عدتها أربعة
أنواع: أحدها:
ثلاثة أشهر، وهي إذا مرت بها ثلاثة أشهر بيض لم تر فيها دما.
وثانيها: خمسة عشر شهرا، وهي إذا مرت بها ثلاثة أشهر بيض ورأت قبل انقضاء
ثلاثة أشهر ولو بيوم دما لزمها الاعتداد بالأقراء، فإن احتبس الدم الثاني لعذر صبرت إلى
تمام تسعة أشهر من حال الطلاق، فإن رأته واحتبس الثالث صبرت تمام السنة واعتدت
بعدها ثلاثة أشهر، وإن مات أحدهما قبل انقضاء المدة توارثا.
وثالثها: خمسة أشهر، وهي إذا مرت بها ثلاثة أشهر فرأت الدم قبل انقضائها واحتبس
الدم الثاني لغير عذر صبرت بعدها شهرين وقد بانت منه.
ورابعها: سنة وهي إذا مرت بها ثلاثة أشهر بيض ورأت الدم قبل انقضائها واحتبس
الثاني بعذر صبرت تمام تسعة أشهر فإن لم تر دما اعتدت بعد ذلك بثلاثة أشهر.
والتي تزوجها رجل في عدة للمطلق له عليها رجعة ودخل بها ثلاثة أضرب: إما علما
التحريم أو جهلاه أو علم أحدهما وجهل الآخر، فإن علما معا فقد زنيا ولزم من ذلك
أمران لهما: الحد، والتحريم أبدا، وإن جهلا معا حصل التحريم أبدا ولزم للرجل ثلاثة
أشياء: الفراش والعدة ولحوق الولد، وللمرأة عليه شيئان: المهر والنفقة وسقط الحد والإثم.
268

وإن علم أحدهما دون الآخر سقط حق العالم ولزمه الحد ولم يسقط حق الجاهل وسقط
الحد، والتحريم لازم وللزوج الأول عليها رجعة، ولم يخل: إما جاءت بولد أم لم تجئ، فإن
جاءت بولد انقضت عدة الأول بوضع الحمل واستأنفت العدة عن الثاني وإن لم تجئ بولد
أتمت العدة للأول واستأنفت للثاني.
وأما المضطربة الحيض فعدتها بالأقراء إذا رأت بين الدمين نقاء، وهي إذا تغيرت
عادتها ورأت الدم في كل شهرين أو ثلاثة بعد ما كانت ترى في كل شهر أو بالعكس من
ذلك، وإن لم تربين الدمين نقاء فهي مستحاضة وهي على ثلاثة أضرب: إما عرفت أيام
حيضها وتعتد بالأقراء أو لم تعرف وتميز لها الدم فكذلك أو لم يتميز لها الدم ويلزمها الاعتداد
بالأقراء على عادة نساء أهلها أو على عادة أترابها إن لم يكن لها من أهلها نساء، فإن فقدت
اعتدت بالشهور.
والغائب عنها زوجها وإن كانت من ذوات الأقراء كان عليها مثل عدة الشهور من
يوم طلقها ما لم تشتبه فإن اشتبه اعتدت من يوم وصول الخبر إليها.
والأمة أم ولد، وغيرها، فأم الولد إذا تزوجها غير سيدها ثم طلقها بعد الدخول بها
وعتقت في العدة فعدتها عدة الحرائر، وإن لم يكن له عليها رجعة أو لم تعتق في العدة كان
حكمها حكم الإماء.
وغير أم الولد إن كانت من ذوات الشهور فعدتها خمسة وأربعون يوما وإن كانت من
ذوات الأقراء فعدتها قرءان، والكتابية عدتها عدة المسلمة والمتمتع بها عدتها مثل عدة
الإماء.
وما هو في حكم الطلاق ثمانية أشياء: الفسخ والبينونة باللعان وارتداد الزوج
واختيار الحرة الفراق إذا تزوج عليها أمة زوجها واختيار العمة والخالة الفراق إذا تزوج
زوجها بغير رضي منها بنت أخيها أو أختها.
والفراق من النكاح الفاسد: أو شبهة الوطء، والمعتدة عن الطلاق: بائن وغير بائن،
والبائن: حامل وغير حامل، فالحامل يلزم لها النفقة والسكنى لمكان الحامل وغير الحامل
لا يجب لها ذلك.
269

وغير البائن من الرجعيات تلزم لها النفقة والسكنى في البيت الذي طلقت فيه إلا لعذر
ولا يجوز لها الخروج منها إلا لحجة الاسلام أو قضاء حق، وخرجت بعد انتصاف الليل
ورجعت إليه قبل الصحيح، ولم تخل: إما تكون معها أحماؤها في بيتها أو لا تكون، فإن
كانت وأتت بفاحشة مبينة وأقلها أن تؤذي أهل الرجل بلسانها كان للرجل اخراجها
عنه إلى غيره، وإن بدأت عليها أحماؤها لزمها الانتقال عنها دونها وإن كانت في بيت
منفرد لم يلزم الانتقال عنه، وإن وجب عليها الحد حدت خارجه وردت إليه.
وأما عدة الوفاة، فيلزم المدخول بها وغير المدخول بها، والحرة والأمة والمتمتع بها
والكتابية وأم الولد، إلا لمن عقد عليها عقدا فاسدا أو انفسخ نكاحها أو فسخ، فعدة غير
المدخول بها من الحرائر أربعة أشهر وعشر وعدة المدخول بها كذلك إذا كانت حائلا ويلزم
الاعتداد من يوم الوفاة إذا مات حاضرا ومن يوم وصول الخبر إن مات غائبا، والاعتداد
بالشهور الهلالية.
وإن كانت حاملا فعدتها أبعد الأجلين من وضع الحمل وانقضاء أربعة أشهر وعشر،
والأمة عدتها على النصف من عدة الحرة وإن كانت حاملا فعدتها أيضا أبعد الأجلين، وإن
مات الزوج وقد طلقها وهي في عدة له عليها فيها رجعة لزمتها عدة الوفاة، وكذلك حكم
الأمة إذا كانت عند سيدها ومات عنها أو زوجها من غيره ومات عنها وهي في عدة له عليها
فيها رجعة كانت عدتها عدة الحرائر.
والمدبرة إذا مات عنها سيدها وقد وطأها بملك اليمين أو أعتقها قبل وفاته فعدتها
عدة الحرائر وإن كانت حاملا فعدتها أبعد الأجلين، وإن لم يطأها فلا عدة عليها وإن لم
يدبرها فعدتها عدة الإماء، والمتمتع بها عدتها مثل عدة الحرة في عدة الوفاة.
ويلزم الحداد كل زوجة صحيحة الزوجية تعتد عن الوفاة وهو الامتناع عن كل
ما تتوق إليه النفس من المطعوم والملبوس والمشموم والمضمخ به، والكحل وما يصفي اللون
أو يحسن ولزوم موضع الاعتداد، فالأولى أن يكون الموضع الذي كانت مقيمة فيه، ويجوز لها
الخروج إلى غيره ولا يلزم لها النفقة إلا إذا كانت حاملا فينفق عليها من نصيب ولدها.
270

فصل في بيان أحكام الرجعة:
إنما تصح الرجعة للرجل على امرأته بشرطين: أحدهما أن تكون المطلقة مدخولا بها
والثاني أن يكون الطلاق بائنا.
والبائن سبعة أضرب: طلاق من لم يدخل بها وطلاق من لم تبلغ المحيض ولا مثلها
والآيسة من المحيض هي ومثلها وطلاق المختلعة والطلاق بعد المباراة والطلاق الثالث
للحرة والثاني للأمة، والحقيقة كل طلاق لا يكون للزوج المراجعة فيه إلا بعقد جديد ومهر
مستأنف أو بعد أن تنكح زوجا غيره بائن، وكل طلاق يكون له المراجعة بغير تجديد عقد
رجعي.
فإذا طلق الرجل زوجته بإيثاره واحدة أو اثنتين ولم تخرج من العدة كان له الرجوع
فيها من غير تجديد عقد ومهر، وإن خرجت من العدة كان بائنا ولم يكن له الرجوع فيه إلا
بتجديد عقد، وإن طلقها ثلاثا لم يكن لها الرجوع فيها إلا بعد أن تنكح زوجا غيره على
الشروط المعتبرة، وحكم التطليقتين مع الأمة حكم الثلاث مع الحرة.
والحامل كان له الرجعة عليها ما لم تضع ما في بطنها ولم يطلقها ثلاثا، وانقضاء العدة
لذوات الأقراء بثلاث حيض ولذوات الشهور بثلاثة أشهر للحرة وبانقطاع الدم الأول للأمة
إن كانت من ذوات الأقراء وبخمسة وأربعين يوما لذوات الشهور، فإن اختلفا في تقديم
الطلاق وتأخيره من غير بينة كان القول قول من ادعى التأخير إلا في النفقة للزوجة
ويلزمها الاعتداد من الوقت الذي تدعي.
والمراجعة ضربان: قول وفعل، فالقول أحد ستة ألفاظ: راجعتها وارتجعت ورددت
وأمسكت وتزوجت ونكحت، والفعل أربعة: الوطء والقبل واللمس بشهوة وإنكار
الطلاق، ويزداد للأخرس واحد وهو كشف المقنعة عن رأسها والإشهاد فيها مستحب.
فصل في بيان النكاح المحلل للزوج الأول:
إذا تزوج الرجل المطلقة ثلاثا طلاق السنة ولم يشرط طلاقها ولا ارتفاع النكاح بينهما
ولا فساد العقد إذا أباحها للأول ودخل بها وكان النكاح دائما صحيحا حلت للأول بخمس
271

شرائط:
أولها: أن يتزوج بها نكاحا شرعيا صحيحا دائما بعد ما خرجت من العدة.
وثانيها: أن يتزوج بها بعد ما اعتدت عدة كاملة.
وثالثها: أن تكون ممن يصح منه الدخول ويذوق كل واحد منهما عسيلة الآخر.
ورابعها: أن تبين منه بينونة شرعية.
وخامسها: أن تعتد منه عدة وافية، فإن اختل شئ من ذلك لم تحل للأول، وإن جامعها
في غير الموضع المعهود لم يحلل.
فصل في بيان الخلع:
الخلع: بذل المرأة مالا لزوجها فدية لنفسها لكراهيته ولا يجوز ذلك إلا مع اضطراب
الحال بينهما، والفصل يشتمل على بيان ستة أشياء: بيان ماهية الخلع وقد ذكرناه، وبيان
ما يوجب الخلع وكيفيته وقدر الفدية وجنسها والشروط التي يحتاج في صحته إليها.
وما يوجب الخلع أربعة أشياء: قولا من المرأة، أو حكمها، فالقول أن تقول: أنا لا أطيع
لك أمرا ولا أقيم لك حدا أو لا أغتسل لك من جنابة ولأوطئن فراشك من تكرهه، والحكم أن
يعرف ذلك من حالها.
وكيفيته تحصل باجتماع ثلاثة شروط: أن يبتدئ أحدهما بلفظة الخلع ويقرن به
الفدية ويجيبه الآخر إليه بأن يقول الرجل: خالعتك على مائة دينار، أو تقول المرأة اختلعت
نفسي منك على ما ذكرنا، فاجا به الآخر إليه، وأما قدر الفدية فموكول إليهما قل أم كثر
وإن زاد على المهر، وأما جنسها فيجب أن يكون مما يصح تملكها شرعا.
والشروط التي تحتاج في صحته إليه ثمانية أشياء: أن يخالع باللفظ الصريح دون
الكناية ويراعى شروط صحة الطلاق فيه وأن تكون المرأة طاهرا طهرا لم يقربها فيه بجماع
إذا كانت المرأة لطلاقها سنة وبدعة ويعين قدر العوض وجنسه ونقده، وعراه من الشرط
272

والوصف ويطلقها واحدة على الصحيح من القول.
فإن خالف شيئا من ذلك بطل الخلع ولم يخل: إما أطلقا أو قيدت المرأة بالرجوع فيما
افتدت والرجل بالرجوع في بعضها وكلاهما جائز، فإن أطلقا لم يكن لأحدهما الرجوع
بحال إلا برضا الآخر وإن قيدا لم يخل: إما لزمتها العدة أو لم تلزم، فإن لزمتها جاز
الرجوع ما لم تخرج من العدة فإن خرجت منها أو لم تلزم العدة لم يكن لهما الرجوع بحال إلا
بعقد جديد ومهر مستأنف، ويجوز شرط تعجيل الفدية وتأجيله.
فصل في بيان المباراة والنشوز:
المباراة إنما تكون من جهة الزوجين معا فإذا التمس أحدهما من الآخر وقال: أنا
كرهت المقام معك وأنت كرهته معي فبارئني على كذا لتعطي المرأة زوجها أو تترك له شيئا
من مهرها، وأجابه الآخر إليه صح بشرطين: تكون الفدية أقل من المهر وبتطليقها واحدة،
ويجوز رجوعها فيما بذلت بشرطين الرجوع قبل انقضاء العدة وإرادة الزوج الرجوع في
البضع.
وأما النشوز فقد يكون من جهة الرجل ومن جهة المرأة أيضا، فما يكون من جهة
الرجل هو أن يكره المقام معها وتكره هي فراقه، وإمارته غير خافية لمنعه إياها حقوقها من
النفقة والقسم وغير ذلك، فإن طيبت نفسه بالفعل الجميل والقول اللطيف أو تركت
حقوقها أو بعضها له وإعطاؤه شيئا من مالها قبل فلا جناح عليهما أن يصالحا بينهما، فإن أصر وآذاها
ليأخذ منها شيئا أو يترك له حقها أو يخالعها كان عضلا، فإن بذلت بذلك واختلعت
لم يملكه وكان لها فيه الرجوع وله الرجوع في البضع ما لم تخرج من العدة، وهذا الطلاق
رجعي ولزم الحاكم أن يأمرها بالمعاشرة بالمعروف.
وما يكون من جهة المرأة يظهر تارة بالقول وتارة بالفعل، فالقول ترك التلبية إذا دعا
والخطاب بخلاف ما عودته من المقال والقول الجميل بعد خضوعها له فيه، والفعل ترك
طاعته والإصرار على عصيانه وترك المبادرة إلى أمره والإجابة له في الأمور بتكره ودمدمة،
فإذا كان ذلك أمرها بتقوى الله وعرفها عاقبة ترك طاعة الزوج وأحسن نصيحتها
273

ووعظها، فإن أصرت هجرها في المضجع إن شاء فإن أصرت ضربها ضربا رقيقا، وإن ادعى
كلاهما النشوز أسكنهما الحاكم بحيث يطلع عليهما ثقة ليعرف حالهما فإذا عرف أخبر
الحاكم به ليحكم بالواجب فيه.
فصل في بيان الشقاق:
إذا وقع بين الزوجين نشوز لم يخل: إما تراقي إلى ما لا يحل من قول وفعل أو لم يتراق.
فإن تراقى بعث الحاكم حكما من أهله وحكما من أهلها ليدبر الأمر، فإن جعلا إليهما
الإصلاح والطلاق أنفذا ما رأياه صلاحا من غير مراجعة وإن أطلقا لهما القول وحضر
كلا الزوجين ولم يكن أحدهما مغلوبا على عقله ورأيا الإصلاح أصلحا من غير مراجعة، وإن
رأيا التفريق بينهما بطلاق أو خلع لم يمضيا إلا بعد المراجعة فإن رضيا فذاك وإن أبيا ألزمها
الحاكم القيام بالواجب، وإن رأى الحاكم أن يبعث الحكمين من غير أهلهما جاز، وإن كان
أحد الزوجين غائبا لم يفصل بينهما وإن كان مغلوبا على عقله بطل حكم الشقاق.
وإن لم يتراق الأمر بينهما إلى ما لا يحل وأمكن الإصلاح أصلح الحاكم بينهما وإن لم يمكن
كان في حكم ما تراقى.
فصل في بيان الظهار:
الظهار في الشريعة: عبارة عن قول الرجل لزوجته: أنت علي كظهر أمي أو بنتي
أو واحدة من المحرمات نسبا أو رضاعا أو عضو من أعضائها وسمي أو بعضك وسمي،
وعين العضو أو لم يعين علي كظهر أمي أو إحدى المحرمات، وإذا ظاهر مطلقا حرم عليه وطؤها
بنفس الظهار والكفارة بالعزم على الرجوع، وإذا ظاهر مشروطا حرم الوطء بوقوع الشرط ولزمته
الكفارة بالوقاع وبالعزم على الرجوع بعد وقوع الشرط، فإن تكرر منه لفظ الظهار لم يخل: إما تكرر
منه متواليا أو متراخيا.
فالأول لم يخل: إما أراد به التأكيد أو الظهار، فإن أراد التأكيد لم يلزمه غير واحد وإن
274

أراد الظهار كان الجميع ظهارا، والثاني: يكون الجميع ظهارا وإن ظاهر عن جميع أزواجه
بلفظة واحدة وقال: أنت علي كظهر أمي كان مظاهرا من الجميع.
وإنما يكون الظهار شرعيا باجتماع عشرة شروط، منهما اثنان مما يتعلق بالمرأة وهما:
كون المرأة غير مدخول بها وكونها طاهرا طهرا لم يواقعها فيه، والباقي يتعلق بالزوج
خمسة منها ترجع إلى الإثبات، وهي: التلفظ بالصريح دون الكناية والنية والقصد بها إلى
التحريم وأن يكون بإيثار واختيار ويشهد عدلين حرين، وثلاثة ترجع إلى النفي، وهي: انتفاء
الغضب والسكر والقصد به إلى الإضرار.
فإن ظاهر مطلقا عزم على الرجوع لزمته كفارة، فإن وطأها عمدا قبل أن يكفر لزمته
كفارتان وإن وطأها ناسيا لم تلزمه غير واحدة وإن تكرر منه الوطء قبل التكفير عن الأول لم
يلزمه غير واحدة، وإن كفر عن الوطء الأول لزمته عن الثانية وعلى هذا.
والمشروط إذا وقع الشرط كان في حكم المطلق ويقع الظهار في الطلاق الرجعي دون
البائن فإن راجع لزم حكم الظهار، وإن خرجت من العدة واستأنف عليها العقد لم يلزم وإن
ظاهر ثم طلق بائنا وجدد العقد قبل الخروج من العدة لزم الحكم وبعد الخروج لم يلزم، وإن
رفعت المرأة الحال إلى الحاكم بعد الظهار وفقد عزم العود أنظره الحاكم ثلاثة أشهر، فإن
عاد وإلا ألزمه الطلاق إذا لم يكن عاجزا عنها.
فإن آلى منها بعد الظهار وقبل التكفير لزمه حكمان متعاكسان: حكم الإيلاء وحكم
الظهار، فإن كفر زال حكم الظهار وإن جامع لزمته ثلاث كفارات، وإن طلق فقد وفى حكم
الإيلاء وبقي حكم الظهار وما دامت في العدة، والظهار يقع بأم الولد والمدبرة وبالأمة إذا كانت
زوجة.
فصل في بيان الإيلاء:
الإيلاء في الشريعة: يمين الرجل على أن لا يطأ زوجته وأنما يصح باجتماع عشرة شروط
ستة منها ترجع إلى المولى، وهي: أن يكون عاقلا ويتلفظ باليمين وتقترن بها النية ويريد بها
275

الإضرار ويوقع على مدة تزيد على أربعة أشهر ولا يعلقها بشرط، ومنها ما يتعلق بالمرأة
شيئان: أن يكون مدخولا بها طاهرا طهرا لم يواقعها فيه، ويتعلق منها شيئان بغيرهما وهو
أن يولي بالله تعالى أو بأسمائه الحسنى.
وإنما يقع الإيلاء بالتي تزوجها بنكاح الغبطة حرة كانت أو أمة دون غيرها، وإن حلف
لمصلحة لم يكن موليا وإذا آلى كانت المرأة مخيرة بين الصبر والاستعداد، فإن استعدت
ضرب له الحاكم مدة أربعة أشهر ليفئ أو يطلق فإن فاء وجامع لزمته كفارة اليمين وإن طلق
فقد وفى عليها حقها، وإن امتنع عنهما حبسه الحاكم في حظيرة من قصب ليفئ أو يطلق، وإن
سوف حتى تنقضي المدة المحلوف عليها لم يحنث وسقطت الكفارة وأثم، وإن فاء قبل
انقضاء المدة فقد أحسن وإن طالبته بالفيئة قبل انقضائها لم يسعها.
وفيئة القادر الجماع وفيئة العاجز بالمرض أو الحبس أو غير ذلك باللسان، وهي
الاعتذار والوعد بذلك إذا زال المانع، فإذا زال فاء فيئة القادر أو طلق، فإن استمهل أمهل،
والأمة إذا كانت زوجة كانت في حكم الحرة في الإيلاء ولا حق لسيدها فيه.
فصل في بيان أحكام اللعان:
اللعان: عبارة عن أيمان مخصوصة على وجه مخصوص يحلفها الزوجان بعد قذفه
إياها، فإذا قذف الرجل زوجته لم يخل: إما يمكن اسقاط الحد باللعان كما يمكن إسقاطه
بالبينة أو لا يمكن، فإن أمكن كان باجتماع سبعة شروط: أن يكون كل واحد من الزوجين
بالغا، عاقلا ويكون النكاح دائما والمرأة مدخولا بها، غير خرساء ولا صماء والرجل
بصيرا إلا في الانتفاء عن الولد.
وإن لم يمكن الحد باللعان كان في ستة مواضع: أن تكون المرأة غير مدخول بها أو تكون
صماء أو خرساء أو لا يدعي الرجل المشاهدة مثل الميل في المكحلة إذا قذفها بالزنى في
حبالته، أو يكون أعمى وقذفها بالزنى فإن نفى الولد صح منه اللعان، أو قذفها بالزنى في
276

عدة منه وكان الطلاق بائنا ولم يكن هناك ولد، فإن أقام بينة وإلا كان موجبه الحد إلا إذا
عفت المرأة.
فإذا قذف زوجته وقد دخل بها وهي في حبالته أو في عدة رجعية منه وادعى المشاهدة
وكان بصيرا والمرأة غير صماء ولا خرساء وقد اجتمع فيهما شروط اسقاط الحد باللعان،
كان مخيرا: إن شاء أسقط الحد بالبينة وإن شاء أسقطه باللعان، فإن أقام بينة رجمت المرأة
وورثها، وإن تلاعنا انفسخ النكاح بينهما وحرمت عليه أبدا وسقط الحد، وإن تلاعنا على
نفي الولد لم يلحق النسب بالأب، وإن كانت المرأة صماء أو خرساء وقذفها وأقام بينة رجمت
مثل السميعة البصيرة، وإن لم يقم بينة انفسخ النكاح بينهما بغير طلاق وحرمت عليه أبدا
ولزمه الحد.
ولا يجوز للرجل اللعان إلا بعد أن رأى عيانا وقد أدخل الميل في المكحلة، ولا ينفي
الولد إلا بعد أن يرى رجلا يطأ زوجته في طهر لم يواقعها فيه وراعى ذلك وجاءت بولد لمدة
الحمل، أو طلق زوجه واعتدت وتزوجت وجاءت بولد لأقل من ستة أشهر من يوم الفراق
أو غاب عنها غيبة وجاءت بولد لأكثر من مدة الحمل من وقت غيبته عنها أو دخل بها ولم
يجامعا في الفرج ولم يسبق ماؤه إليها وظهر به الحمل.
فإذا خلا الأمر من أحد هذه الوجوه الأربعة لم يجز له نفي الولد، فإذا نفى الولد أو قذفها في
حبالته أو في العدة التي له فيها عليها رجعة وعجز عن البينة، فإن تلاعنا سقط الحد
وانفسخ النكاح ولم يلتحق الولد، فإن لم يجب الرجل وأجابت المرأة لزمه حد القذف وثبت
النكاح والتحق الولد، وإن أجاب الرجل دون المرأة لزمها الرجم ولم ينفسخ النكاح ولم
يلتحق الولد ولم يلزم الرجل حد.
وإن مات الرجل قبل اللعان بطل حكمه ولزم لها الميراث وعليها العدة، وإن ماتت
المرأة قبله وقام وليها مقامها، فإن أجاب إليه ولا عن سقط الحد عنه والميراث عنها وإن لم
يجب إليه أو لم يكن لها ولي يقوم مقامها فيه لزمه الحد وثبت له الميراث، وإن كانت المرأة
حاملا وأجابا إلى اللعان إن شاءا تلاعنا وإن شاءا تركا حتى تضع حملها، فإن وجب في ذلك
عليها حد آخر إلى وضع الحمل.
277

واللعان يصح عند الحاكم وخليفته ومن يرضى به الزوجان، فإن أراد الحاكم أن
يلاعن بينهما وكانت المرأة مخدرة استوفى اليمين على الرجل في مجلس الحكم وبعث إليها
من يستوفي اليمين عليها في منزلها بأربعة شهود وأقلها واحد، وإن كانت برزة أحضرها
وجلس الحاكم مستدبر القبلة وأقامهما بين يديه تجاه القبلة والمرأة على يمينه بمحضر من
العدول وقال للرجل: قل أشهد بالله أنه لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنى.
وإن كان لنفي الولد قال مكان من الزنى: وأن هذا الولد من الزنى وليس مني وكرر عليه
أربع مرات، فإذا بلغ إلى كلمة اللعنة غلظ عليه أمر الإقدام على اليمين الكاذبة ووعظه
وزجره وعرفه وبال العاقبة وقال له: قل أن لعنة الله علي إن كنت من الكاذبين، فإن مر في
اليمين أمر من يضع يده على فيه ويسكته تهويلا لليمين، فإن رجع حد والزوجية بحالها وإن
مر فيها قال الحاكم للمرأة: ما تقولين فيما رماك به فإن اعترفت رجمت وإن أنكرت قال لها،
قولي: أشهد بالله أنه لمن الكاذبين فيما قذفني به، وكرر عليها أربعا ثم وعظها وزجرها
وخوفها كما فعل بالرجل، فإن مرت فيها أمر من يضع يده على فيها ويسكتها كما فعل
بالرجل.
فإن لم ترتدع قال لها، قولي: إن غضب الله علي إن كان من الصادقين فيما رماني به،
فإذا فعل ذلك الحاكم وفرع من اللعان فقد حصل موجبه من انتفاء الولد إن كان
وانفساخ النكاح وتحريم التأبيد وسقوط التوارث، ولا يصح اللعان بخلاف ألفاظ القرآن
أو بما يفيد مفادها إذا لم يعرف العربية.
فصل في بيان الفسخ بالارتداد:
الزوجان إذا ارتد أحدهما أو كلاهما لم يخل حالهما من ثلاثة أوجه: إما ولدا على فطرة
الاسلام أو أسلما عن الكفر أو ولد أحدهما على الفطرة، وأسلم الآخر عن الكفر، فإن ولد
معا على الفطرة وارتد أحدهما انفسخ النكاح بينهما بنفس الارتداد لأن توبته لا تقبل، وإذا
ظفر به قتل وصار ماله لورثته المسلمين، وإن ارتد كلاهما صار مالهما لورثتهما المسلمين
ولبيت المال إن لم يكن لهما وارث مسلم وسواء دخل بها الزوج أو لم يدخل في انفساخ
النكاح إذا ارتد أحدهما.
278

وإن ولد أحدهما على فطرة الاسلام دون الآخر وارتد المولود على فطرة الاسلام انفسخ
النكاح بنفس الردة، وإن ارتد الآخر لم يخل: إما دخل بها الزوج أو لم يدخل فإن دخل بها
وكان الزوج هو المرتد انتظرت به انقضاء العدة فإن رجع قبل انقضائها كان أحق بها وإن
رجع بعد الانقضاء فقد ملكت نفسها، وإن ارتدت المرأة ورجعت قبل انقضاء العدة فهو
أحق بها وإن رجعت بعد انقضائها فقد بانت منه، وإن أسلما معا عن كفر وارتد أحدهما ولم
يدخل بها الزوج بطل النكاح في الحال، وإن دخل بها كان الأمر موقوفا على ما ذكرناه في
الرجوع.
279

إصباح الشيعة
بمصباح الشريعة
لنظام الدين أبي الحسن سلمان بن الحسن بن سليمان الصهرشتي
280

كتاب الطلاق
الطلاق ضربان، طلاق السنة وطلاق العدة وكل منهما ثلاث، ومن طلق مدخولا بها
جاز له أن يتزوجها بلا توسط نكاح الغير، فإذا تزوجها ثانيا ثم طلقها بالشرائط فله
الرجوع إليها قبل انقضاء العدة أو التزويج بها بعد ذلك فإذا تزوجها ثالثا ثم طلقها لم يكن
له الرجوع إليها في العدة ولا يتزوج بما بعدها حتى تنكح زوجا غيره، وطلاق العدة من ذلك
هو ما يراجعها الزوج بعده قبل انقضاء العدة. وطلاق السنة هو ما لم يراجعها حتى تخرج من
العدة.
والطلاق إما واجب أو مندوب أو محظور أو مباح أو مكروه.
فالواجب طلاق المولى بعد تربص أربعة أشهر أو الفئة.
والمندوب طلاق من تعذر الاتفاق بينه وبينها وفسدت الحال بالشقاق.
والمحظور طلاق الحائض بعد الدخول ولم يغب عنها شهرا أو في طهر قربها فيه
بجماع قبل أن يظهر بها حمل.
ومتى لم تكن حائضا أو كانت وقد غاب عنها زوجها شهرا فصاعدا أو لم يقربها في
الطهر المذكور أو قربها فيه وهي حامل وطلقها كان الطلاق مباحا.
281

والمكروه طلاق من كانت الحال بينها وبين الزوج عامرة وكل منهما يقدر على القيام
بحق صاحبه.
فصل:
شروط صحة الطلاق أن يكون المطلق بالغا كاملا العقل غير مكره ولا غضبان
بحيث لا يملك مع غضبه الاختيار، وأن يكون قاصدا إلى التحريم به غير حالف ولا ساه ولا
حاك ولا لاعب متلفظا بصريحه، وأن يكون مطلقا من الاشتراط وموجها إلى معقود
عليها، وأن يكون معينا لها ويعلقه بجملتها دون أبعاضها، وأن تكون هي طاهرا من الحيض
والنفاس طهرا لم يقربها فيه بجماع إلا أن تكون حاملا أو ليست ممن تحيض أو غير مدخول
بها أو مدخولا بها وهي غائبة عن زوجها، وأن يكون بمحضر من شاهدي عدل.
من دام زوال عقله في العادة واحتاج إلى الطلاق طلق عنه وليه فإن لم يكن له ولي
فالإمام أو نائبه، وإذا أشهد رجلين واحدا بعد الآخر ولم يشهدهما في مكان واحد لم يقع
الطلاق، وإذا طلق ولم يشهد ثم أشهد بعد أيام وقع الطلاق من وقت الإشهاد وتعتد منه، وإذا
كتب بيده أنه طلق زوجته وهو حاضر لم يقع طلاقه، وإن كتب وهو غائب. بخطه: فلانة
طالق، وقع وإن قال لغيره: اكتب إلى فلانة امرأتي بطلاقها، لم يقع.
والأخرس يكتب الطلاق بيده وإن لم يحسن أومأ إلى الطلاق بما يفهم منه كما يومئ
إلى سائر أغراضه وقد وقع وقد روي أنه يضع المقنعة على رأسها ويتنحى عنها، وإذا راجعها
أخذ المقنعة عن رأسها.
ويجوز للغائب توكيل الغير في الطلاق بخلاف الحاضر. إذا أراد عزل الوكيل
فليعلمه إن أمكنه وإلا فليشهد شاهدين. إذا وكل رجلين في طلاق امرأته لم يجز لأحدهما
الانفراد ولم يقع الطلاق إلا بعد اتفاقهما عليه، ولا يصح أن يوكل امرأة في طلاق نفسها،
وإذا طلق غير مدخول بها أو مدخولا بها قد غاب عنها زوجها شهرا فصاعدا وقع
الطلاق في حال الحيض، وإن كان غاب تلك المدة ثم عاد وهي حائض لم يجز أن يطلقها
حتى تطهر وإن لم يجامعها بعد العود، ولا يعتبر رضاء المرأة في طلاقها ولا في رجوع الزوج
إليها.
282

فصل:
صريح الطلاق أن يقول: أنت أو هي أو فلانة طالق، أو ما يكون بمعناه بأي لسان كان
ولا يقع الطلاق بشئ من الكنايات نوى ذلك أو لا كقوله: أنت خلية أو بريئة أو بتلة أو بائن
أو حرام أو اذهبي أو الحقي بأهلك أو حبلك على غاربك أو فرجك على حرام. أو قال:
سرحتك أو فارقتك أو أنت مفارقة، وأراد الإخبار عن الماضي. أو قال: أنت طالق طلاق الحرج
أو جعل الأمر إليها فاختارت نفسها.
إذا قال: طلقتك أو أنت مطلقة ونوى الطلاق وقع.
إذا قال: أنت الطلاق، لم يقع لأنه ليس بصريح الطلاق. وإذا قال: أنت طالق،
ونوى أكثر من واحد لم يقع إلا واحد، والطلاق الثلاث في طهر واحد بلفظ واحد أو ثلاث
مرات لا يقع منها إلا واحدة في المدخول بها وغيرها.
إذا قيل له: طلقت امرأتك؟ فقال: نعم، لزمه في الحكم طلقة
واحدة، وإن ادعى أنه أراد طلاقا سابقا على هذه الزوجية وصدقته المرأة صدق وإن كذبته
فعليه البينة وإن فقدت البينة وادعى علمها بذلك فأنكرت فالقول قوله مع اليمين.
إذا قيل له: هل لك زوجة فقال: لا، لم يكن طلاقا.
إذا قال: أنت طالق غدا أو في غرة شهر كذا، لم يقع شئ، فإن جعل ذلك نذرا على
نفسه وجب الوفاء (به) إن لم يمنع منه مانع حيض أو غيره.
إذا قال: أنت طالق أن شاء الله، لم يقع. ولا يقع طلاق المرأة قبل التزوج يعتقد وقوع
الطلاق الثلاث والطلاق المشروط والطلاق قبل النكاح من المخالفين فطلق على بعض
تلك الوجوه وقع بذلك الفرقة بخلاف معتقد الحق.
فصل:
من أراد أن يطلق زوجته طلاق العدة وقد دخل بها وهو غير غائب عنها فليطلقها في
طهر لم يقربها فيه بجماع أو قربها فيه وقد ظهر بها حمل بمحضر من شاهدي عدل ثم
ليراجعها قبل انقضاء العدة ولو بيوم وليواقعها ثم يستبرئها بحيضة، فإذا طهرت فليطلقها
283

ثانية كالأولى ثم يراجعها قبل انقضاء العدة ويواقعها، ثم يستبرئها بحيضة ثم يطلقها
الثالثة وقد بانت منه في الحال، ولا تحل له حتى تنكح زوجا غيره بعد العدة، فإذا تزوجت
بالغا غيره تزويج الدوام وقد دخل بها ثم طلقها أو مات عنها واعتدت جاز أن ينكحها
الأول بمهر وعقد جديدين.
فإذا طلقها ثلاثا أخر كذلك ثم تزوجت بآخر ثم فارقها وتزوجها الأول ثم طلقها
ثلاثا آخر تتمة تسع (تطليقات) كل ذلك على ما سبق لم تحل للأول أبدا، ومتى راجعها لم يجز
له أن يطلقها طلاق العدة إلا بعد أن يواقعها ويستبرئها بحيضة، فإن لم يواقعها أو عجز
عن وطئها وأراد طلاقها طلقها طلاق السنة، فإن واقعها وارتفع حيضها استبرأها بثلاثة
أشهر ثم يطلقها إن شاء.
ويطلق الحبلى ومستبينة الحمل متى شاء وهو أملك برجعتها تضع الحمل، وإذا أراد
أن يطلقها طلاق العدة قبل وضع الحمل واقعها ثم طلقها ثم راجعها ثم راجعها ثم طلقها
الثالثة ولم تحل له حتى تتزوج بآخر ولا يجوز لها التزوج حتى تضع الحمل، فإن كانت حامل
باثنين بانت من الزوج عند وضع الأول ولا تحل لغيره حتى تضع الثاني.
وأما طلاق السنة فإن يطلق مدخولا بها غير غائب عنها في طهر لم يجامعها فيه
أو جامعها بعد ظهور الحمل بحضرة شاهدين طلقة واحدة، ثم يتركها حتى تخرج من العدة
أو تضع الحمل ثم يتزوجها ثانيا، ثم يطلقها كما مر وتنقضي عدتها ثم يجدد العقد عليها ثالثا،
ثم يطلقها على الشرائط طلقة ثالثة فإنها لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره، فإن تزوجت فيما
بين التطليقات بالغا دائما ودخل بها هدم الطلاق السابق هكذا أبدا، وللزوج الرجوع
قبل تمام العدة من الطلقتين الأوليين ولزوج غير المدخول بها أن يطلقها متى شاء حائضا
كانت أولا، صغيرة أولا، بلغت أولا، إذا اجتمعت الشروط الآخر وتبين بالطلاق في الحال،
فإن تزوجها ثانيا ثم طلقها قبل الدخول ثم تزوجها ثالثا ثم طلقها قبل الدخول لم تحل له
حتى تنكح زوجا آخر.
ومن لم تبلغ تسع سنين طلقها من لم دخل بها متى شاء وقد بانت في الحال وإن بلغت
ذلك صبر عليها ثلاثة أشهر ثم طلقها، وحكم الآيسة من الحيض ومثلها لا تحيض وحد
284

ذلك خمسون سنة حكم غير البالغة، وإن أراد أن يطلق آيسة من الحيض ومثلها تحيض
استبرأها بثلاثة أشهر ثم طلقها وحد ذلك دون الخمسين.
ومن غاب عن زوجته وكانت حائضا أو في طهر لم يجامعها فيه فلا يطلقها حتى يمضى
ما بين شهر إلى ثلاثة فإذا طلقها كان أملك برجعتها ما لم يمض ثلاثة أشهر وهي عدتها إذا
كانت ذات حيض، فإذا راجعها أشهد على المراجعة فإن لم يشهد وبلغها الطلاق و
اعتدت فلا سبيل له عليها تزوجت أولا إن كان أشهد وقدمها وقد تزوجت فالزوجة
زوجته وعلى الزوج الثاني مهر المثل وعليها العدة منه، وإن طلق امرأته غائبا وأشهد ثم
قدمها وقاربها فاتت بولد ثم ادعى الطلاق لم يقبل قوله ولا بينته وألحق الولد به.
ومن طلق إحدى زوجاته الأربع غائبا عنهن طلاقا رجعيا لم يجز أن يعقد على الأخرى
إلا بعد مضى تسعة أشهر مدة الأجلين فساد الحيض ووضع الحمل، وإن لم يكن غائبا عنهن
جاز أن يتزوج بأخرى بعد عدة المطلقة، وفي الطلاق البائن يجوز أن يتزوج بأخرى عقيب
الطلاق.
ومن لا يصل إلى زوجة في بلده فهو كالغائب عنها يطلقها بعد مضى شهر إلى
ثلاثة، والمسترابة يطلقها بعد مضى ثلاثة أشهر، والغلام ابن عشر سنين يجوز طلاقه إذا
أحسن ذلك وإن كان أقل سنا من ذلك أو لا يحسن الطلاق فلا، ولا يجوز لوليه أن يطلق
عنه إلا أن يكون قد بلغ فاسد العقل.
وإذا كانت تحت حر أمة فطلقها ثنتين لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره ولا يحللها له وطء
مولاها إياها فإن اشتراها زوجها لم يكن له وطؤها حتى يزوجها من غيره ثم تفارقه وتعتد
منه، وطلاق الحرة تحت العبد ثلاث، وطلاق الأمة ثنتان تحت حر كان أو عبد.
فصل:
الطلاق البائن طلاق غير المدخول بها وطلاق المدخول بها وقد طلقت طلقتين و
الآيسة من المحيض ومثلها لا تحيض ومن لم تبلغ المحيض ومثلها لا تحيض وهي من لم
تبلغ تسع سنين والمخالعة أي الطلقات الثلاث كان إلا إذا رجعت المرأة فيما بذلت من مالها
285

قبل انقضاء العدة فللزوج إذن الرجوع إليها في الطلقة الأولى والثانية، وأدنى ما يكون به
المراجعة أن ينكر طلاقها أو يقبلها أو يلامسها يجوز للزوج أن يراجعها وهي لا تعلم بذلك
ويستحب الإشهاد على المراجعة ويصح المراجعة ما بقي من العدة لحظة.
إذا قال: راجعتك إن شئت، لم يصح الرجعة إذ لا اعتبار بمشيئتها في الرجعة.
إذا ادعت العدة بعد مدة تحتمل ذلك وادعى ثم مراجعتها قبل الانقضاء فالقول
قولها مع اليمين لأنها مؤتمنة على فرجها وانقضاء عدتها، فإن كان الزوج سبق بالدعوى
وقد أشهد على الرجعة وادعت انقضاء العدة قبل مراجعته فالقول قوله مع يمينه ما لم يظهر
انقضاؤها ويحلف على أنه لم يعلم بانقضائها قبل المراجعة، وإن اتفقت دعواهما في وقت
واحد أقرع بينهما فمن خرجت عليه فالقول قوله مع اليمين.
إذا طلقها طلاقا رجعيا ثم ارتد وكان قد أسلم عن كفر استتيب فإن عاد إلى
الاسلام قبل انقضاء العدة ثلاثة أشهر كان أملك بها وبعدها لا شئ، وإذا ارتدت المرأة دون
الزوج لا يصح أن يراجعها الزوج في حال الردة فإن أسلمت قبل انقضاء العدة فله
الرجوع.
فصل:
الإيلاء أن يحلف الرجل أن لا يطأ زوجته أبدا أو مدة تزيد على أربعة أشهر فإن حلف
لما نقص منها لم يوجب حكما وإن علقه بما زاد على المدة المذكورة غالبا كخروج الدجال و
نزول عيسى ونحو ذلك، أو أطلق ولم يعلقه بزمان ثبت الحكم.
ولا ينعقد الإيلاء بغير اسم الله تعالى فشروط الإيلاء: أن يكون الحالف بالغا كامل
العقل، وأن يكون المولى منها زوجة دوام، وأن يكون الحلف ما ينعقد به الأيمان من أسماء
الله خاصة، وأن يكون ذلك مطلقا من الشروط، وأن يكون مع النية والاختيار من غير
غصب ملجئ ولا إكراه، وأن يكون المدة التي حلف ألا يطأها فيها أكثر من أربعة أشهر، و
أن تكون الزوجة مدخولا بها، وأن لا يكون إيلاؤه في صلحه لمرض يضر به الجماع أو في صلاح
286

الزوجة أو حمل أو رضاع.
فمن آلى بهذه الشروط فمتى جامع حنث ولزمته كفارة يمين، وإن استمر اعتزاله
لها فهي بالخيار بين الصبر عليه وبين مرافعته إلى الحاكم، فإن رافعته إليه أمره بالجماع
والتكفير فإن أبي أنظره أربعة أشهر من حين المرافعة لا من حين اليمين ليراجع نفسه، فإن
مضت هذه المدة ولو يجب إلى ما أمره فعليه أن يلزمه الفئة أو الطلاق، فإن أبي ضيق عليه
في التصرف والمطعم والمشرب حتى يفعل أيهما اختار، ولا تقع الفرقة بانقضاء المدة وإنما
تقع بالطلاق.
ومن آلى أن لا يقرب زوجته المعقود عليها عقد متعة أو أمته لزمه الوفاء، ومتى لم يف
حنث وعليه الكفارة ولا حكم لها عليه إذا استمر على مقتضى الإيلاء.
إذا آلى العبد من زوجته الأمة ثم اشتراها انفسخ النكاح فإن أعتقها ثم تزوجها
لا يعود حكم الإيلاء، وكذا لو آلى من زوجته الحرة فاشترته ثم أعتقته وتزوجت به.
إذا آلى من الرجعية (جاز و) صح الإيلاء لأنها في حكم الزوجات وتحسب عليه المدة
من وقت اليمين.
إذا آلى منها ثم ارتد أحدهما أو كلاهما لم يحسب المدة عليه لأنها إنما يحسب إذا كان
المانع من الجماع اليمين وهاهنا المانع اختلاف الدين.
فصل:
شروط صحة الظهار أن يكون المظاهر بالغا كامل العقل مؤثرا له قاصدا به
التحريم متلفظا بقوله: أنت على كظهر أمي أو إحدى المحرمات عليه موجها ذلك إلى
معقود عليها سواء كانت حرة أو أمة دائما نكاحها أو مؤجلا، وأن يكون ذلك مطلقا من
الاشتراط على قول، وأن يكون معينا لها وأن يكون في طهر لم يقربها فيه بجماع إلا أن تكون
حاملا أو ليست ممن تحيض أو غير مدخول بها أو مدخولا بها وهي غائبة عن زوجها، وأن
يكون بمحضر من عدلين فإن فقد شئ من ذلك فلا حكم له.
وإذا تكاملت الشروط حرمت الزوجة عليه، فإن عاد لما قال بأن يريد استباحة الوطء
لزمه أن يكفر قبله بعتق رقبة فإن لم يجد صام شهرين متتابعين فإن لم يستطع أطعم ستين
287

مسكينا، وإذا جامع المظاهر قبل التكفير فعليه كفارتان إحداهما للعود والأخرى عقوبة
للوطء قبل التكفير، ولا يصح الظهار ولا الكفارة من الكافر لأن الكفارة عبادة تحتاج إلى
نية والنية لا تصلح من الكافر.
إذا قال لها: أنت علي كيد أمي أو كرجلها أو نفسها أو رأسها أو شعرها، أو شئ آخر
من أعضائها وقصد بذلك الظهار لزمه حكمه. وإن قال: أنت على كأمي وأراد مثلها في
التحريم كان ظهارا وإلا فلا.
إذا قال: أنت معي أو عندي كظهر أمي، ونحو ذلك كان ظهارا. إذا قال: أنت على
288

كظهر أختك أو عمتك أو خالتك، أو ذكر من بانت منه بثلاث تطليقات لم يكن ظهارا.
وإذا كان له أربع زوجات فظاهر منهن بكلام واحد وقع الظهار منهن ووجب عليه
أربع كفارات.
والظهار المعلق بشرط لا يجب فيه الكفارة إلا بعد حصول الشرط فإذا حصل
ووطأ قبل أن يكفر لزمته كفارتان ومتى كفر قبل الوطء عامدا لزمه إعادتها بعده أما ناسيا
فلا.
إذا ظاهر منها وطلقها وخرجت من العدة ثم استأنف عقدها فلا كفارة. إذا ظاهر منها
مرة بعد أخرى ونوى بكل منهما الاستئناف دون التأكيد فعليه لكل مرة كفارة، فإن عجز
عن ذلك فرق الحاكم بينهما وإن أراد التأكيد فللكل واحدة، ومتى حلف بالظهار لم يلزمه
حكمه.
إذا قال: أنت على كظهر أمي إن دخلت الدار، ففيه قولان والأقوى أن الظهار
المشروط يصح والمظاهر منها يحرم لمسها وتقبيلها ووطؤها فيما دون الفرج لتناول لفظ
التماس ذلك.
إذا قال: أنت على كظهر أمي يوما أو شهرا أو سنة، أو نحو ذلك لم يقع. إذا عجز عن
الكفارة ورافعته إلى الحاكم أجله ثلاثة أشهر فإن كفر فيها وإلا ألزمه الطلاق إن تمكن من
ذلك وإلا صام ثمانية عشر يوما، وإن عجز عن ذلك حرم وطؤها حتى يكفر وإن لم يجد رقبة
مؤمنة جاز أن يعتق غير مؤمنة ولا يجزئ في الكفارة إعتاق الأعمى والمقعد والزمن لأن بذلك
289

ينعتق
إذا شرع في الصوم ثم قدر على الرقبة ترك الصوم وأعتق ندبا والإطعام لكل
مسكين نصف صاع بالعراقي وإذا ظاهر العبد فكفارته صوم شهر واحد لا غير.
فصل:
الخلع يكون مع كراهة الزوجة الرجل خاصة وهو مخير في فراقها إذا دعته إليه حتى
تقول له: لئن لم تفعل لأعصين الله بترك طاعتك ولأوطئن فراشك غيرك، أو يعلم منها
العصيان في شئ من ذلك فيجب عليه إذن طلاقها ويحل له أخذ العوض على ذلك سواء
بذلته له ابتداء أو بعد طلبه منها، وسواء كان مثل المهر الذي دفعه إليها أو أكثر، ولا يقع الخلع
بمجرده بل لا بد من التلفظ معه بالطلاق فيقول: قد خلعتك على كذا فأنت طالق.
إذا شرطت له أن لها الرجوع فيما بذلته متى شاءت جاز ولها أيضا ذلك بدون الشرط
قبل انقضاء العدة خاصة وليس للزوج الرجوع إليها في العدة إلا بعد رجوعها فيما بذلته.
ولا يقع الخلع في حال الحيض ولا بشرط، ومتى كان البذل في الخلع خنزيرا أو خمرا
أو ميتة بطل الخلع ووقع الطلاق رجعيا.
إذا قال: خالعتك على ما في هذه الجرة من الخل، فبان خمرا كان له مثل تلك الجرة
خلا.
إذا خالعها على أن ترضع ولده حولين صح فإن جف اللبن أو مات الولد فله أجرة
المثل لرضاع مثله في الحولين وإن كان ذلك بعد أن أرضعت سنة فله أجرة المثل لسنة.
التوكيل في الخلع من الغائب جائز وإذا قدر المال للوكيل فخالعه لم يصح الخلع
وأما طلاق المباراة فيكون مع كراهة كل واحد من الزوجين صاحبه ويجوز للزوج أخذ البدل
عليه إذا لم يزد على ما أعطاها ولا يحل له أخذ الزيادة عليه يقول لها: قد بارئتك على كذا
فأنت طالق، ويكون التطليقة بائنة لا رجعة فيها إلا إذا رجعت فيما بذلته قبل العدة فله
الرجوع إذن وأما بعد العدة فلا، ويسقط السكنى والنفقة في الطلاق البائن.
فصل:
صحة اللعان بين الزوجين يقف على أمور منها أن يكونا مكلفين سواء كانا
290

أو أحدهما من أهل الشهادة أو لا وأن يكون النكاح دواما وأن تكون الزوجة مدخولا بها
وحكم المطلقة طلاقا رجعيا إذا كانت في العدة كذلك وألا تكون صماء ولا خرساء وأن
يقذفها الزوج بالزنى يضيفه إلى مشاهدته بأن يقول: رأيتك تزنين، ولو قال: يا زانية، لم يثبت
بينهما لعان أو ينكر حملها أو يجحد ولدها ولا يقيم أربعة من الشهود بما قذفها به وأن تكون
منكرة لذلك.
وصفة اللعان أن يجلس الحاكم بينهما مستدبر القبلة ويوقفهما بين يديه المرأة عن يمين
الرجل موجهين إلى القبلة ويقول للرجل: قل أشهد بالله إني فيما ذكرته عن هذه المرأة من
الفجور لمن الصادقين، فإذا قال ذلك أمره أن يعيده تمام أربع مرات فإذا شهد الرابعة قال
له الحاكم: اتق الله عز وجل واعلم أن لعنة الله شديدة وعذابه أليم فإن كان حملك على
ما قلت غيرة أو غيرها فراجع التوبة فإن عقاب الدنيا أهون من عقاب الآخرة، فإن رجع
عن قوله جلده حد المفتري فإن أصر على ما ادعاه قال له: قل أن لعنة الله على إن كنت من
الكاذبين، فإذا قالها أقبل على المرأة وقال لها: ما تقولين فيما رماك به، فإن اعترفت رجمها
وإن أقامت على الانكار قال: قولي أشهد بالله إنه فيما رماني به لمن الكاذبين، فإذا قالت
طالبها بإتمام أربع شهادات كذلك فإذا شهدت الرابعة وعظها كما وعظ الرجل فإن
اعترفت رجمها وإن أصرت على الانكار قال لها: قولي أن غضب الله على إن كان من
الصادقين، وإذا قالت ذلك فرق الحاكم بينهما ولا تحل له أبدا.
إذا طلق امرأته قبل الدخول بها فادعت أنها حامل عنه فإن أقامت البينة أنه
أرخى سترا أو خلا بها ثم أنكر الرجل الولد لا عنها وبانت منه ولزمه المهر كملا وإن لم تقم
البينة لزمه نصف المهر ووجب عليها مائة سوط بعد أن يحلف الرجل أنه ما دخل بها
ولا يصح اللعان من الأعمى بمطلق القذف لأن الاعتبار فيه بدعوى المشاهدة وإنما يصح
منه بنفي الولد.
من علم أن زوجته زنت في طهر لم يقربها فيه بجماع وظهر بها حمل يجوز أن يكون
من ذلك الزنى يجب عليه قذفها ولعانها ونفي الولد وإلا قد استلحق نسبا ليس منه وذلك
291

غير سائغ ولا يجوز نفي الولد لمخالفة اللون ولا لاستعمال القيافة.
لو تزوج ابن أقل من تسع سنين امرأة فاتت بولد فإن نسبه لا يلحقه لفقد جريان
العادة بوجود الولد من مثله في السن كما لو أتت بولد لأقل من ستة أشهر فإنه لا يلحقه وينتفي
بلا لعان لأن اللعان إنما يستعمل حيث يمكن أن يكون الولد منه ويلحق بابن عشر سنين لجواز
البلوغ فيه وإن كان نادرا كما لو أتت بولد لستة أشهر ولا فرق بين الغلام والجارية في إمكان
بلوغهما في تسع سنين بالاحتلام والجارية بالحيض.
لا يصح قذف الأخرس ولعانه إلا إذا كان معقول الإشارة مفهوم الكناية كما في سائر
عقوده ويتعلق باللعان أربعة أحكام: سقوط الحد وانتفاء الولد والتحريم المؤبد وزوال
الفراش. وإذا انطلق لسان الأخرس فأنكر اللعان قبل رجوعه فيما عليه من لزوم الحد
وإلحاق النسب دون ماله من زوال التحريم وعود الفراش.
الرجل إذا كذب نفسه بعد اللعان أقيم عليه الحد وألحق به النسب ويرثه الابن
ولا يرث الابن ولا يزول التحريم ولا يعود الفراش وإن اعترفت المرأة بالزنى بعد اللعان
أربع مرات رجمت.
من قذف امرأة بانت منه قذفا أضافه إلى حال الزوجية فليس له أن يلاعن إلا أن
يكون هناك حمل فينفيه ويلزم الأجنبي الحد بالقذف سواء كان الزوج نفى نسب ولدها أو لم
ينف أو لم يكن لها ولد.
إذا قذف زوجته برجل بعينه لزمه الحد في حق الزوجة وفي حق المقذوف وله
الخروج عن ذلك بالبينة واللعان.
إذا قذف زوجته ثم مات أحدهما قبل اللعان فإن كان الميت الزوجة فليس له
الملاعنة لنفي الزوجية لأنها زالت بالموت ويرثها هو لأنها ماتت على حكم الزوجية، فإن كان
لها ولد فله أن يلاعن لنفيه وإن كان بعد موته لأنه لا ينتفي عنه بالموت بخلاف الزوجية،
فإذا لاعن ونفى نسب الولد لم يرثه وإذا لاعن لنفي النسب لم ينتف توارث الزوجين، وإن لم
يكن (له) ولد فعلى الزوج حد القذف لورثتها فإن طالبوه به فله أن يلاعن لإسقاطه، وروي
أنه إن لم يلاعن ورثها وحد للقذف وإن لاعن لم يرث ولم يحد وإن كان الميت الزوج فإرثها
292

والنسب ثابت وليس لباقي الورثة أن ينفوا نسبه باللعان لاستقراره بالموت.
ومن شرط صحة اللعان الترتيب يقدم لعان الزوج على لعان الزوجة فإن خالف
وحكم لم يعتد به ولم ينفذ الحكم وكذا إن أخل أحدهما بترتيب اللعان فقدم اللعن على
الشهادة أو أتى به في أثنائها أو قال بدل الشهادة: أحلف بالله أو أقسم أو أولى لم يجزئه
ويلاعن في أشرف البقاع بكل صقع كالجامع إلا أن تكون المرأة حائضا، والذميان يلاعن
بينهما حيث يعتقدان تعظيمه.
إذا جاء الزوج بثلاثة شهود فشهدوا معه على المرأة رجمت بشهادتهم، وروي: أن
الزوج يلاعن ويحد الشهود، فأما إن قذفها ثم جاء بهم فشهدوا عليها لم يقبل شهادتهم
لأنهم قذفه إلا أن يلاعن هو. من كان حاضرا متمكنا من نفي الولد فلم ينف على الفور فليس
له نفيه بعد فإن ادعى أنه لم يعرف أن له نفيه وكان قريب عهد بالإسلام أو لم يخالط أهل
الشرع قبل قوله مع اليمين وإلا فلا، وإن كان غير متمكن من النفي لعذر لم يبطل نفيه إن
أشهد على إقامته على النفي وإن لم يشهد بطل.
فصل:
العدة ضربان عدة من طلاق وما يقوم مقامه، وعدة من موت وما يجري مجراه،
والمطلقة ضربان: مدخول بها وغير مدخول بها، وغير المدخول بها لا عدة عليها. والمدخول
بها إما حامل أو حائل، فعدة الحامل وضع الحمل حرة كانت أو أمة. والحائل إما أن تكون ممن
تحيض أو لا، فإن كانت ممن تحيض فعدتها إذا كانت حرة ثلاثة قروء، وإن كانت أمة فقرءان
فإن أعتقت في العدة فعدتها عدة الحرة والقرء المعتبر الطهر بين الحيضتين. وإن كانت
لا تحيض ومثلها تحيض فعدتها إن كانت حرة ثلاثة أشهر وإن كانت أمة فخمسة وأربعون
يوما، وإن كانت لا تحيض لصغر أو كبر وليس في سنها من تحيض فقيل: لا يجب عليها
العدة وقيل: يجب أن تعتد بالشهور، وهو اختيار المرتضى رضي الله عنه. وأما ما يقوم مقام
الطلاق فانقضاء أجل المتمتع بها وعدتها قرءان إن كانت ممن تحيض وخمسة وأربعون
يوما إن كانت ممن لا تحيض والمتوفى عنها زوجها إن كانت حرة حائلا فعدتها أربعة أشهر وعشرة
293

أيام صغيرة كانت أو كبيرة، كانت مدخولا بها أو لا وكذا المطلقة طلاقا رجعيا إذا توفي
زوجها وهي في العدة وهذه عدة المتمتع بها إذا توفي زوجها قبل انقضاء أيامها وعدة أم
الولد بوفاة سيدها وعدتها لو زوجها سيدها وتوفي زوجها، وإن كانت الوفاة بعد ما انقضت
أيام المتمتع بها فعدتها شهران وخمسة أيام سواء كانت في العدة أم لا، وهذه عدة الزوجة إذا
كانت أمة وروي: أن عدة الأمة المنكوحة كعدة الحرة في وفاة الزوج، فإن أعتقت وهي في
العدة فعليها أن تكمل عدة الحرة وإن كانت المتوفى عنها زوجها حائلا فعليها (أن تكمل
عدة الحرة وإن كانت المتوفى عنها زوجها حاملا فعليها) أن تعتد بأبعد الأجلين فإن وضعت
قبل انقضاء الأيام المعينة لها لم ينقض عدتها حتى تكمل تلك المدة وإن كمل قبل وضع الحمل
لم ينقض عدتها حتى تضع.
وأما ما يجري مجرى الموت فشيئان:
أحدهما غيبة الزوج التي لا تعرف الزوجة معها له خبرا، فإنها إذا لم تختر
الصبر على ذلك ورفعت أمرها إلى الإمام ولم يكن له ولي يمكنه الانفاق عليها فيلزمه الإمام
ذلك حتى تجبر على الصبر، ينفق الإمام عليها من بيت المال ويبعث من يتعرف خبره في
الآفاق فإن لم يعرف له خبرا حتى انقضت أربع سنين من يوم رفعت أمرها إلى الإمام فرق
الإمام بينهما وعليها عدة المتوفى عنها زوجها، فإن قدم زوجها قبل تزوجها كان أملك بها، و
إن تزوجت بعد خروجها من العدة فقدم فلا سبيل له عليها.
والثاني الارتداد عن الاسلام على الوجه الذي لا يقبل التوبة منه وهو من كان
مولودا على فطرة الاسلام فإنه إذا ارتد تبين زوجته في الحال منه ويقسم ميراثه بين ورثته
ويجب قتله من غير أن يستتاب، فأما ما يصح التوبة منه فقد روي أن عدته ثلاثة أشهر وهو
أن يرتد عن الاسلام الذي حصل بعد كفر فإنه يستتاب فإن أسلم ثم ارتد ثانية قتل
بلا استتابة، ومتى لحق بدار الحرب وعاد إلى الاسلام وزوجته بعد في العدة فهو أملك بها.
إذا طلقها في طهر لم يقربها فيه بجماع اعتدت ببقية ذلك الطهر ولو كانت بلحظة
فأقل ما يمكن أن يكون عدتها إذا كانت حرة ستة وعشرون يوما ولحظتان وذلك إذا طلقها
في آخر طهرها بلحظة ثم رأت ثلاثة أيام دما وعشرة طهرا ثم ثلاثة أخرى دما وعشرة طهرا
294

ثم رأت الدم وقد خرجت من العدة، هذا إذا كان مدخولا بها ذات حيض وأدنى ما يمكن
أن ينقضي عدة الأمة ثلاثة عشر يوما ولحظتان بمثل ذلك، والمسترابة إن مرت بها ثلاثة أشهر
بيض لم تر فيها دما بانت بالشهور، وإن مرت بها ثلاثة أشهر إلا يوما ثم رأت الدم قيل:
اعتدت بالأقراء، وإن تأخرت عنها الحيضة الثانية فلتصبر من يوم طلقها إلى تمام تسعة
أشهر فإن لم تر دما فلتصبر بعد ذلك بثلاثة أشهر وقد بانت منه وإن رأت الدم ثانيا فيما بينها
وبين التسعة أشهر واحتبس عليها الدم الثالث فلتصبر تمام سنة ثم تعتد بثلاثة أشهر تمام
خمسة عشر شهرا وقد بانت منه وأيهما مات ما بينه وبين الخمسة عشر شهرا ورثه صاحبه.
إذا حاضت المطلقة حيضة واحدة ثم ارتفع حيضها لعارض وعلمت أنها لا تحيض
بعد أضافت إلى ذلك شهرين وتمت عدتها والمستحاضة إن لم تعرف أيام حيضها تعتبر (ذلك)
بصفة الدم وإلا فبعادة نسائها في الحيض ثم تعتد بالأقراء فإن فقد ذلك فثلاثة أشهر، ومن
كانت لها عادة مستقيمة بالحيض فاضطربت أيامها فلتعتد بالأقراء على سابق عادتها.
إذا جرت عادة المطلقة بأنها لا تحيض إلا في ثلاثة سنين أو أربع مرة واحدة فلتعتد
بثلاثة أشهر. الحامل باثنين المعتبر أن لا تنقضي عدتها حتى تضعهما جميعا. إذا
ارتابت بالحمل بعد الطلاق أو ادعت ذلك صبر عليها تسعة أشهر ثم تعتد بثلاثة أشهر وإن
ادعت بعدها حملا لم يلتفت إلى دعواها. إذا تزوجت قبل انقضاء العدة ووطأها الزوج
عالما بتحريم ذلك يلزمهما الحد ولا يلحق النسب ولا ينقطع عدتها، وإن لم تعلم التحريم
أو جهل كونها معتدة يلحقه النسب وتصير المرأة فراشا للثاني وينقطع عدتها عن الأول،
فإذا فرق بينهما وكانت حاملا فعليها عدتان تعتد للأول ثم للثاني وإن أتت بولد لدون أكثر
زمان الحمل من وقت طلاق الأول ولدون ستة أشهر من وقت وطء الثاني يلحق الولد
بالأول واعتدت عنه بوضعه وينتفي عن الثاني بغير لعان وما دامت حاملا فهي معتدة منه
يلزمه نفقتها وسكناها ويثبت له عليها الرجعة إن كان الطلاق رجعيا.
فإذا وضعت انقطع عدتها من الأول وتستأنف للثاني ثلاثة أقراء، وإن لم يمكن أن
يكون الولد من أحدهما بأن تولد لأكثر من أقصى مدة الحمل من وقت طلاق الأول ولدون
ستة أشهر من وقت وطء الثاني فإنه ينتفي عن الثاني بلا لعان، وكذا عن الأول إن كان
295

طلاقها بائنا ولا تعتد عن واحد منهما، وإذا وضعت اعتدت عن الأول كملا ثم عن الثاني وإن
كان رجعيا يلحق الولد بالأول ويلزمه النفقة والسكنى وتعتد عنه بوضعه، فإذا اعتدت عن
الأول استأنفت للثاني ثلاثة أقراء وإن أمكن يكون الولد للثاني دون الأول كأن تأتي به لأكثر
من أقصى مدة الحمل من وقت طلاق الأول ولستة أشهر فصاعدا من وقت وطء الثاني،
فإن كان طلاق الأول بائنا انتفى عنه بلا لعان وألحق بالثاني وتعتد عنه فإذا وضعت كملت
عدة الأول، وإن كان الطلاق رجعيا فالولد يمكن أن يكون من الثاني فإذا وضعت أقرع بينهما
فمن خرج اسمه ألحق به ويلزمه النفقة والحضانة وأجرة الرضاع والعدة بثلاثة أقراء.
وحكم العدة في الطلاق الرجعي أن لا تخرج المرأة من بيت مطلقها إلا باذنه ولا يجوز
له اخراجها منه إلا أن تؤذيه أو تأتي فيه بما يوجب الحد فيخرجها لإقامته ويردها ولا تبيت
إلا فيه ولا يردها إذا أخرجها للأذى وروي أن أقل ما يحصل به الأذى أن تخاصم أهل
الرجل، وتجب النفقة في عدة الطلاق الرجعي بخلاف البائن إلا أن تكون حاملا فلها
النفقة إذن ولا نفقة للمتوفى عنها زوجها إلا إذا كانت حاملا فينفق عليها إذن من مال ولدها
حتى تضع وتبيت هي حيث شاءت.
من وطأ امرأة على ظن أنها أمته فبانت حرة أجنبية فلا حد فيه وعليه مهر المثل
والنسب لاحق والولد حر وعليها عدة الحرة، وإن وطأها على ظن أنها زوجته فبانت أمة
لغيره فكذلك إلا في أن عليه قيمة الولد لسيد الأمة ويعتبر بحال الوضع وعليها عدة الإماء.
إذا ساحق من قطع ذكره بأسره زوجته وأنزل فحملت عنه ثم طلقها اعتدت عنه
بوضع الحمل، وإن لم تحمل اعتدت بالشهور دون الأقراء لأن العدة بالأقراء إنما تكون عن
طلاق بعد دخول والدخول من جهته متعذر.
إذا شرعت الصغيرة في الاعتداد بالشهور ثم رأت الدم قبل انقضاء العدة
انتقلت إلى الاعتداد بالأقراء تعتد بما مضى من الزمان قرءا ولا تستأنف ثلاثة أقراء. إذا
شكت المرأة أ هي حائل أو حامل قبل انقضاء العدة ونكحت زوجا على ارتيابها بطل
النكاح وإن حدثت الريبة بعد انقضاء العدة صح.
إذا اشترى من غيره أمة في العدة عالما بذلك لم يحل له وطؤها حتى تنقضي عدتها ثم
296

يستبرئها ولا يدخل الاستبراء في العدة لأنهما حقان مقصودان لآدميين، منفصلان غير
متداخلين.
إذا خلا بها ولم يجامعها ثم طلقها فلا مهر لها كملا ولا عدة وقيل: يجب المهر والعدة
ما لم يمنع من الجماع مانع، هذا إذا كانت بكرا فيعلم به عدم الوطء، وإن كانت ثيبا حكم
في الظاهر بالإصابة إلا أنه لا يحل لها جميع الصداق إلا بالوطئ.
إذا طلقها ثم راجعها ثم خالعها قبل الدخول استأنفت العدة احتياطا وقيل:
لا تستأنف، وإذا خالعها ثم تزوجها ثم طلقها قبل الدخول استأنفت.
لا عدة في النكاح الفاسد والمفسوخ عليها إن لم يدخل بها فارقها بموت أو غيره وإن
دخل بها فعليها العدة إلا عدة الوفاة فلا تعتد بحال.
من طلق امرأته طلاقا رجعيا ثم مات عنها فعدتها أربعة أشهر وعشرة أيام وفي غير
الرجعي عدة المطلقة.
إذا طلق إحدى زوجتيه ولم يعينها ثم مات قبل التعين اعتدتا معا إن كانتا حائلتين
وكان الطلاق رجعيا بأربعة أشهر وعشرة أيام، وكذا إن كانتا غير مدخول بهما احتياطا، وإن
كانتا مدخولا بهما وحاملين فأقصى الأجلين وإن كان الطلاق بائنا فعدة المطلقة.
الأمة إذا مات عنها زوجها ثم عتقت أو كان يطأها بملك يمين فأعتقها بعد وفاته فعليها
عدة الحرائر.
إذا طلق المرأة زوجها الغائب عنها فلتعتد من يوم الطلاق لا يوم بلوغ الخبر إلا إذا
علم الطلاق بلا تعيين وقته فحينئذ تعتد من يوم بلوغ الخبر، فأما من جاء نعى زوجها إليها
فيجب عليها أن تعتد من يوم بلوغ الخبر لا يوم الوفاة لأن عليها الحداد وعلى كل زوجة الحداد
سوى المملوكة غير الزوجة.
والحداد هو تجنب ما تشتهيه النفس من الطيب ولبس الثياب المطيبة واللباس الفاخر
والحلي والثياب المصبوغة بصبغ يتزين به والتدهن بالأدهان الطيبة في الرأس والبدن وشم
الرائحة الطيبة وأكل ما فيه طيب والاكتحال بالسواد وبما فيه طيب فإن احتاجت إلى
المداواة به اكتحلت به ليلا ومسحته نهارا، فأما الأبيض منه كالتوتياء وغيره فلا بأس به
297

ليلا ونهارا.
من اشترى أمة لم يجز له وطؤها إلا بعد الاستبراء وكذا إن اشتراها من امرأة أو ممن
زعم أنه استبرأها، استبرأها احتياطا.
إذا اشترى جارية أو أوصي له بها فقبل الوصية واستبرأت بحيضة قبل القبض
لم يعتد بذلك الاستبراء، فأما إذا ورثها واستبرأها قبل القبض فإنه يعتد بذلك لأن الموروث
في حكم المقبوض.
أقل الحمل ستة أشهر وأكثره تسعة وقيل: سنة، وعلى هذا من طلق زوجته أو مات
عنها فتزوجت وجاءت بولد لستة أشهر فصاعدا من يوم دخل الثاني بها فهو لاحق به،
وإن أتت به لأقل من ستة أشهر لحق بالأول إن كان مدة طلاقها أو الوفاة عنها سنة فما
دونها وإن كانت أكثر من سنة لم يلحق به ولا يحل للرجل الاعتراف بالولد حيث قلنا أنه
لا يلحق به.
298

السرائر
الحاوي لتحرير الفتاوى
لأبي منصور محمد بن إدريس محمد العجلي الحلي
558 - 598 ه‍ ق
299

كتاب الطلاق:
الطلاق جائز لقوله تعالى: الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، فأبان
بها عدد الطلاق لأنه كان في صدر الاسلام بغير عدد.
روى عروة عن قتادة قال: كان الرجل في صدر الاسلام يطلق امرأته ما شاء من واحد
إلى عشر ويراجعها في العدة، فنزل قوله: الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح
بإحسان، فبين أن عدد الطلاق ثلاث فقوله: مرتان، إخبار وهو بمعنى الأمر لأنه لو كان إخبارا
محضا لكان كذبا لأنه قد يطلق أقل من مرتين بل معناه: وطلقوا مرتين. واختلف الناس في
الثالثة فقال ابن عباس: أو تسريح بإحسان الثالثة، وقال غيره: فإن طلقها فلا تحل له من
بعد حتى تنكح زوجا غيره الثالثة، وهذا مذهبنا.
وقال تعالى: يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن، أي لاستقبال عدتهن
في طهر لم يجامعها فيه إذا كانت مدخولا بها بلا خلاف.
والأولى أن يكون اللام بمعنى في لأن عندنا لا يجوز طلاق الطاهر التي وطئها زوجها
في طهرها بل في طهر لم يطأها فيه، فإذا طلقها فيه حسب من جملة الأطهار فصار الطلاق واقعا هاهنا في
بعض العدة.
وقال السيد المرتضى في الناصريات لما قال: إن الطلاق الثلاث في مجلس واحد من دون تخلل
المراجعة بين التطليقات لا يجوز، ثم قال: وإخراج الزوج نفسه من التمكين من مراجعة المرأة
مكروه له، ومن طلق ثلاثا في ثلاثة أطهار لا تحل له هذه المرأة إلا بعد نكاحها لغيره وهو
301

لا يدري ما يتقلب به قلبه، قال: ولهذا حمل العلماء قوله: فطلقوهن لعدتهن، بأنه أراد به الواحدة
لتملك المراجعة بدلالة قوله: لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا، ومن أبان زوجته
بالتطليقات الثلاث في الأطهار الثلاثة والمراجعة بينهما فقد حرمها على نفسه إلا بعد أن تنكح
زوجا غيره ويكره له ذلك، هذا آخر كلام المرتضى فأحببت إيراده ليعلم القول في معنى:
فطلقوهن لعدتهن.
فإذا ثبت ذلك من جواز الطلاق فإنه يجوز طلاق الصغيرة التي لم تحض، والكبيرة
التي يئست من المحيض وليس في سنها من تحيض، والتي يئست من المحيض وفي سنها من
تحيض، والحائل والحامل والمدخول بها وغير المدخول بها بلا خلاف لعموم آيات الطلاق.
وهو على أربعة أضرب: واجب ومحظور ومندوب ومكروه.
فالواجب: طلاق المولي بعد التربص لأن عليه أن يفئ أو يطلق أيهما فعل فهو واجب
فإن امتنع منهما حبسه الحاكم ولا يطلق عليه عندنا.
والمحظور: طلاق الحائض بعد الدخول أو في طهر قربها فيه قبل أن يظهر بها حمل
بلا خلاف، وإنما الخلاف في وقوعه فعندنا لا يقع وعند المخالف يقع مع كونه بدعة.
فأما المكروه: فإذا كانت الحال بينهما عامرة والأخلاق ملتئمة وكل واحد منهما قيم بحق
صاحبه.
والمندوب: إذا كانت الحال بينهما فاسدة بالشقاق وتعذر الاتفاق وكل واحد يعجز منهما
عن القيام بما يجب عليه لصاحبه فالمستحب الفرقة، فهذه أقسام الطلاق.
أما أقسام النكاح فثلاثة: محظور ومستحب ومكروه، لأنه لا واجب فيه عندنا.
فالمحظور حال العدة والردة والإحرام، والمستحب: إذا كان بالرجل إليه حاجة وله ما ينفق
عليها، والمكروه: إذا لم يكن به إليه حاجة ولا معه ما ينفق عليها خوفا من الإثم.
فإذا تقرر أقسام الطلاق فكل طلاق واقع يوجب تحريما ويزول ذلك التحريم بثلاثة
أشياء: مراجعة ونكاح قبل زوج ونكاح بعد زوج.
فالرجعة إذا طلقها بعد الدخول دون الثلاث بغير عوض والمراجعة أن يقول:
راجعتك، أو يلمسها بشهوة أو يقبلها أو يطأها أو ينكر طلاقها، هذا كله قبل خروجها من
302

العدة، ولا تفتقر مراجعتها إلى رضاها ولا ولي ولا عقد بلا خلاف، ولا إلى إشهاد عندنا.
وزواله بنكاح من غير زوج إذا بانت منه بأقل من ثلاث، وهو أن يطلقها طلقة
أو طلقتين قبل الدخول أو بعده بعوض أو بغير عوض وصبرت حتى انقضت عدتها، وكذلك
إذا زال النكاح بالفسخ حلت له قبل زوج غيره.
وأما التحريم الذي لا يزول إلا بزوج ونكاح جديد مخصوص ودخول مخصوص
فإن تبين بالثلاث مدخولا بها أو غير مدخول بها، فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره.
وصحة الطلاق الشرعي تفتقر إلى شروط يثبت حكمه بتكاملها ويرتفع باختلال
واحدها، منها: كون المطلق ممن يصح تصرفه ولا يكون ممن رفع القلم عنه بأن يكون
عاقلا بالغا، لأن طلاق المجنون والصبي ما لم يبلغ غير صحيح، ومنها: إيثاره الطلاق،
ومنها: قصده إليه، ومنها: تلفظه بصريحه دون كناياته، ومنها: كونه مطلقا من الشروط، و
منها: توجهه إلى معقود عليها، ومنها: تعيينها، ومنها: الإشهاد بعدلين مجتمعين في مكان واحد، و
منها: إيقاعه في طهر لا مساس فيه بحيث يمكن اعتباره، ومنها: أن لا يقع على غضب
ولا حرد ولا يجعله يمينا.
اشترطنا صحة التصرف احترازا من الصبي والمجنون والسكران وفاقد
التحصيل بأحد الآفات. واشترطنا الإيثار احترازا من المجبر والمكره. واشترطنا القصد
احترازا من الخلف واللغو والسهو وإيقاعه بغير نية. واشترطنا إطلاق اللفظ احترازا من
مقارنة الشروط كقوله: أنت طالق إن دخلت الدار أو جاء رأس الشهر. واشترطنا صريح
قوله: أنت طالق أو هي طالق أو فلانة طالق احترازا من الكنايات كقوله: أنت حرام أو بائنة
أو بتلة أو بتة أو خلية أو برية أو حبلك على غاربك أو الحقي بأهلك، وأشباه ذلك. واشترطنا
العقد احترازا من إيقاعه قبله كقوله: إن تزوجت فلانة فهي طالق. وأشرطنا تعيين المطلقة
احترازا من قوله: زوجتي طالق، وله عدة أزواج أو: إحدى زوجاتي طالق، من غير تعيين لها
بقول. واشترطنا الإشهاد احترازا من وقوعه بغير شهادة عدلين مجتمعين. واشترطنا الطهر
للحائض احترازا من الحيض والنفاس ومما حصل فيه مباشرة وقلنا: بحيث يمكن
لصحته بمن لا يمكن ذلك فيها، وهي التي لم يدخل بها أو دخل بها وغاب عنها زوجها غيبة
303

مخصوصة والتي لم تبلغ والآيسة المخصوصة والحامل والغائبة على ما قدمناه.
ويبطل تعليق الطلاق بالأبعاض لأنه ليس من الألفاظ المشروعة في الطلاق فيجب
لا يقع، وأيضا قوله تعالى: يا أيها النبي إذا طلقتم النساء، يدل على ذلك لأنه علق الطلاق بما
يتناوله اسم النساء واليد أو الرجل لا يتناولهما ذلك.
ويخص اعتبار الشهادة قوله تعالى: فطلقوهن لعدتهن، إلى قوله: وأشهدوا ذوي عدل
منكم، لأن ظاهر الأمر في الشرع يقتضي الوجوب، وهذا يوجب عود ذلك إلى الطلاق وإن بعد
عنه لأنه لا يليق إلا به دون الرجعة التي عبر عنها بالإمساك، لأنه لا خلاف في أن الإشهاد عليها غير
واجب كما وجب عود التسبيح إليه تعالى مع بعد ما بينهما في اللفظ في قوله تعالى: إنا أرسلناك
شاهدا ومبشرا ونذيرا لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه، من حيث لا يليق
إلا به تعالى، وحمل الإشهاد على الاستحباب ليعود إلى الرجعة عدول عن الظاهر في عرف
الشرع بغير دليل، ولا يجوز أن يكون الأمر بالإشهاد متعلقا بقوله: أو فارقوهن بمعروف، لأن
المراد بذلك هاهنا ترك المراجعة والاستمرار على موجب الطلاق المقتضي للفرقة وليس
بشئ يتجدد فعله فيفتقر إلى إشهاد.
ويخص اعتبار الطهر أنه لا خلاف في أن الطلاق في الحيض بدعة ومعصية، وقد فسر
العلماء قوله تعالى: فطلقوهن لعدتهن، بالطهر الذي لا جماع فيه على ما حررناه وذكرناه فيما
مضى وإذا ثبت أنه مخالف لما أمر الله تعالى لم يقع ولم يتعلق به حكم شرعي.
والنساء في الطلاق على ضربين: منهن من ليس في طلاقها سنة ولا بدعة ومنهن من في
طلاقها ذلك. فالضرب الأول الآيسة من المحيض لصغر أو كبر والحامل وغير المدخول
بها والغائب عنها زوجها غيبة مخصوصة، والثاني المدخول بها لا غير إذا كانت حائلا من
ذوات الأقراء فطلاقها للسنة في طهر لا جماع فيه والبدعة في حيض أو في طهر فيه جماع.
واعلم أن الطلاق على ضربين: رجعي وبائن. والبائن على ضروب أربعة: طلاق غير
المدخول بها، وطلاق من لم تبلغ الحيض، ومن جاوزت خمسين سنة مع تغيير عادتها سواء
كانت قرشية أو عامية أو نبطية.
على الصحيح من الأقوال، لأن في بعض الأخبار اعتبار القرشية والنبطية بستين سنة ومن
304

عداهما بخمسين سنة، والأول هو المذهب المعمول عليه.
وكل طلاق كان في مقابلته بذل وعوض من المرأة وهو المسمى بالخلع والمباراة، ونحن
نذكر أحكامهما فيما بعد إن شاء الله.
فأما الطلاق الرجعي فهو أن يطلق المدخول بها واحدة ويدعها تعتد ويجب عليه
السكنى لها والنفقة والكسوة ولا يحرم عليه النظر إليها ووطؤها ويحرم عليه العقد على
أختها وعلى خامسة إذا كانت هي رابعة.
وعقد الباب أنها عندنا زوجة،
وقال المخالف: حكمها حكم الزوجة، وقال شيخنا أبو جعفر في مبسوطه: بل هي عندنا
زوجة، لأن المخالف قال: حكمها حكم الزوجات، قال هو ردا عليه: بل هي عندنا زوجة،
ونعم ما قال رحمه الله.
وله مراجعتها ما دامت في العدة وإن لم تؤثر هي ذلك وليس لها عليه في ذلك خيار،
وتجوز المراجعة من غير إشهاد والإشهاد أولى، وتصح عندنا المراجعة بالقول أو بالفعل، فالقول
أن يقول: قد راجعتك، فإن لم يقل ذلك ووطئها أو قبلها أو لامسها أو ضمها بشهوة فقد
راجعها.
وروى أصحابنا: أو ينكر طلاقها. والدليل على ذلك أجمع إجماعنا وقوله تعالى: وبعولتهن
أحق بردهن في ذلك، فسمي المطلق طلاقا رجعيا بعلا ولا يكون كذلك إلا والمرأة بعلة وهذا
يقتضي ثبوت الإباحة، ولم يشترط الشهادة ولا لفظ المراجعة قولا.
فإن خرجت من العدة ملكت نفسها، فإن آثر مراجعتها كان ذلك بعقد جديد ومهر
جديد وتبقى معه على طلقتين أخريين، فإن كمل طلاقها ثلاث مرات في ثلاثة أطهار مع
تخلل مراجعته لها - على ما سندل عليه - ولم تكن تزوجت فيما بينهما بسواه، لم تحل له حتى
تنكح زوجا غيره نكاح دوام ويكون بالغا ويدخل بها واطئا في قبلها ويفارقها وتنقضي
عدتها منه، ويهدم الزوج الثاني التطليقات الثلاث وإن تكررت من الأول أبدا إلا أن يكون
طلاق عدة بعد تسع تطليقات ينكحها بينها زوجان، وتبيح المرأة بالعقد المستأنف، وكذلك
إن تزوجت فيما بين الأولى والثانية أو الثالثة هدم ذلك ما تقدم من الطلاق،
305

على الأظهر الأكثر المعمول عليه من أقوال أصحابنا ورواياتهم لأن في بعضها لا يهدم الزوج
الثاني ما دون الثلاث، وتمسك به بعضهم وقال: متى رجعت إلى الأول كانت معه على ما بقي من
تمام الثلاث، وظاهر قوله تعالى: فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره، معه لأنه
يدل على تحريمها عليه بالثالثة حتى تنكح زوجا غيره من غير فصل، إلا أن الاجماع من
المحصلين على ما اخترناه والأخبار المتواترة مخصصة لما قدمناه.
فأما غير المدخول بها فإنه إذا طلقها واحدة بانت منه وملكت نفسها في الحال، فإن
اختار مراجعتها ورضيت هي كان ذلك بعقد جديد ومهر جديد ولو قلنا: بعقد جديد، كان
كافيا وإن لم نقل: بمهر جديد، غير أنا اتبعنا ألفاظ أصحابنا المصنفين. فإن راجعها وطلقها
قبل الدخول بها تمام ثلاث مرات لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره وهذا مختص بحرائر
النساء.
فأما الإماء فأقصى طلاقهن حرا كان الزوج أو عبدا طلقتان لأن الاعتبار عندنا بعدد
الطلقات بالنساء، فأما إيقاعه فبيد الرجال.
وأما طلاق العدة فيختص بالمدخول بها المستقيمة الطهر والحيض، وصفته أن يطلقها
في طهر لا جماع فيه ثم يراجعها قبل أن تخرج من عدتها ولو بساعة واحدة، فإذا أراد طلاقها
ثانيا طلاق العدة وطأها فإذا حاضت وطهرت طلقها ثم يراجعها قبل خروجها من عدتها
ولو بساعة واحدة، فإذا راجعها حينئذ وأراد طلاقها ثالثا وطئها فإذا وطئها فإذا حاضت
وطهرت طلقها، فإذا فعل ذلك حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره بالصفات التي ذكرناها
أولا، ولا يهدم الزوج الثاني هذه التطليقات الثلاث أبدا بل متى طلقها مطلق على هذا
الوجه والكيفية تسع تطليقات ينكحها بينها زوجان حرمت عليه أبدا على ما قلناه فيما
مضى.
فالفرق بين طلاق العدة وطلاق غير العدة المسمى عند بعض أصحابنا بطلاق السنة
وإن كان الكل عند التحقيق في التسمية طلاق السنة: هو أن طلاق العدة لا بد لمن أراده بعد
طلاقها الأول أن يراجعها قبل خروجها من العدة فإذا أراد طلاقها ثانيا أو ثالثا فلا بد من
وطئها، وليس كذلك طلاق السنة لأنه إن أراد طلاقها بعد طلاقها الأول فليس من شرطه
306

مراجعتها قبل خروجها من عدتها ولا وطؤها إذا أراد طلاقها ثانيا وثالثا، فيتفق طلاق العدة
وطلاق السنة في المرة الأولى من الطلاق ويختلفان في الطلاق الثاني والثالث فليلحظ ذلك.
وشئ آخر وهو أن الانسان يمكنه أن يبين زوجته في طلاق السنة، ولا تحل له حتى تنكح
زوجا غيره في مجلس واحد ويوم واحد وأقل من ذلك بعد تخليل المراجعة بين الطلقات
الثلاث، بأن يطلقها بمحضر من الشاهدين العدلين ويراجعها بالقول أو التقبيل على ما مضى،
ثم يطلقها ثم يراجعها ثم يطلقها وقد بانت منه ساعة طلقها، ولا تحل له حتى تنكح زوجا
غيره وإن كان ذلك في يوم واحد ومجلس واحد.
فإن قيل: فأصحابكم لا يجيزون ولا يوقعون الثلاث طلقات في مجلس واحد بل يوقعون
منها واحدة وبعضهم لا يوقع شيئا منها، فكيف ذهبتم إلى إيقاع الثلاث في مجلس واحد.
قلنا: أصحابنا ما منعوا من ذلك إلا من دون تخلل المراجعة بين التطليقات الثلاث
أو قولهم: أنت طالق، ثلاثا لأنه إذا طلقها ولم يراجعها ثم طلقها ثانيا وثالثا لا يقع الطلاق لأن
طلاق الطالق لا يقع، وليس كذلك ما ذهبنا إليه لأنا اعتبرنا المراجعة بين التطليقات الثلاث
فليتأمل ذلك ويلحظ.
وما أورده شيخنا أبو جعفر في نهايته من كيفية طلاق السنة وقوله: إذا أراد الرجل أن
يطلق امرأته التي دخل بها وهو غير غائب عنها طلاق السنة فليطلقها وهي طاهر طهرا لم
يقربها فيه بجماع ويشهد على ذلك شاهدين تطليقة واحدة، ثم يتركها حتى تخرج من العدة،
فإذا خرجت من العدة ملكت نفسها وكان خاطبا من الخطاب، وما لم تخرج من عدتها فهو
أملك برجعتها، متى خرجت من عدتها وأراد أن يتزوجها عقد عليها عقدا جديدا بمهر جديد،
فإن أراد بعد ذلك طلاقها فعل معها ما فعل في الأول من استيفاء الشروط فيطلقها طلقة أخرى
ويتركها حتى تخرج من العدة، فإذا خرجت من العدة ملكت نفسها مثل الأول، فإن أراد أن
يعقد عليها عقدا آخر فعل كما فعل في الأولتين بمهر جديد وعقد جديد، فإذا أراد بعد ذلك
طلاقها طلقها على ما ذكرناه ويستوفي شرائط الطلاق، فإذا طلقها الثالثة لم تحل له حتى تنكح
زوجا غيره، فإن تزوجت فيما بين التطليقة الأولى أو الثانية أو الثالثة زوجا بالغا ودخل بها
ويكون التزويج دائما هدم ما تقدم من الطلاق، وكذلك إن تزوجت بعد التطليقات الثلاث
307

هدم الزوج الثلاث تطليقات وجاز لها أن ترجع إلى الأول أبدا بعقد جديد ومهر جديد، هذا
آخر كلام شيخنا في نهايته في كيفية طلاق السنة.
قال محمد بن إدريس: هذا منه رحمه الله على جهة التقريب وعلى لفظ الخبر دون أن يكون
من طلق للسنة على غير ذلك الوجه لا يسمى طلاق السنة، وقد حقق القول في الاستبصار
وأورد أخبارا بأنه يجوز على خلاف الوجه والكيفية التي أوردها في نهايته وإنها تبين منه في
يوم واحد إذا تخللت المراجعة، ثم ذكر في نهايته وقال: الطلاق على ضربين طلاق السنة
وطلاق العدة، ثم قال: وهو ينقسم أقساما: منها طلاق التي لم يدخل بها والتي دخل بها ومن لم
تبلغ المحيض ولا في سنها من تحيض والتي لم تبلغ الحيض وفي سنها من تحيض والمستحاضة
والمستقيمة الحيض والحامل المستبين حملها والآيسة من المحيض وفي سنها من تحيض
والآيسة من المحيض وفي سنها من لا تحيض، وعدد أقساما أخر وهذه أجمع راجعة إلى قوله:
الطلاق على ضربين طلاق السنة وطلاق العدة، لأن كل واحد من الأقسام التي ذكرناها لا بد
فيه من أن يكون إما للسنة أو للعدة، وإنما ذلك راجع إلى من يطلق أو إلى من تطلق لا إلى جنس
الطلاق بل إلى عدد المطلق أو المطلقة.
ثم قال رحمه الله: وما يلحق بالطلاق وإن لم يكن طلاقا في الحقيقة على ضربين: ضرب منه
يوجب البينونة مثل الطلاق، وضرب آخر يوجب التحريم وإن لم يقع فرقة، فالقسم الأول
اللعان والارتداد عن الاسلام والقسم الثاني الظهار والإيلاء، ويدخل في هذا الباب ما يؤثر في
بعض أنواع الطلاق وهو الخلع والمباراة. وقوله رحمه الله: ويدخل في هذا الباب ما يؤثر في
بعض أنواع الطلاق، على رأيه واختياره في أن الخلع بمجرده لا يقع به فرقة ولا بينونة إلا أن
يتبع بطلاق، فلأجل هذا قال ما قال ولا يجعله حكما منفردا عن الطلاق، فأما على ما يذهب إليه
غيره من أصحابنا مثل السيد المرتضى وغيره: فإن الخلع بمجرده يقع به البينونة والفرقة،
وسنبين ذلك عند المصير إليه إن شاء الله.
ويدخل فيه أيضا ما يكون كالسبب للطلاق وهو النشوز والشقاق
وشرائط الطلاق على ضربين: ضرب منه عام في سائر أنواعه وضرب منه خاص في بعضه.
308

فأما الذي هو عام فهو أن يكون الرجل غير زائل العقل ويكون مريدا للطلاق غير
مكره عليه ولا مجبر ويكون طلاقه بمحضر من عدلين ويتلفظ بلفظ مخصوص أو ما يقوم مقامه
إذا لم يمكنه على ما نبينه.
والضرب الآخر وهو أن لا تكون المرأة حائضا لأن هذا خاص مراعى في المدخول بها
غير غائب عنها زوجها غيبة مخصوصة على ما نبينه فيما بعد، ومعظم هذه الشروط قدمناها
فيما مضى.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: فإن طلق الرجل امرأته وهو زائل العقل بالسكر
أو الجنون أو المرة أو ما أشبهها كان طلاقه غير واقع، فإن احتاج من هذه صورته -
إلا السكران - إلى الطلاق طلق عنه وليه، فإن لم يكن له ولي طلق عنه الإمام أو من نصبه
الإمام.
وذهب في مسائل خلافه في كتاب الخلع إلى غير ما ذهب إليه في نهايته فقال مسألة: ليس
للولي أن يطلق عمن له عليه ولاية لا بعوض ولا بغير عوض، ثم استدل فقال: دليلنا إجماع
الفرقة وأيضا الأصل بقاء العقد وصحته وأيضا قوله ع: الطلاق لمن يأخذ بالساق
والزوج هو الذي له ذلك دون غيره، هذا آخر كلامه.
قال محمد بن إدريس: الأولى أن يكون غير السكران مثل السكران وأن لا يلي غير الزوج
الطلاق لقوله تعالى: فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره، فأضاف الطلاق
إلى الزوج فمن جعل لغيره الطلاق فيحتاج إلى دليل، وأيضا فالرسول ع قال:
الطلاق بيد من أخذ بالساق، والذي يأخذ بالساق الزوج فمن جعله بيد غيره يحتاج إلى
دليل، وأيضا الأصل بقاء الزوجية بينهما فمن أبانها منه بطلاق غيره يحتاج إلى دليل. فإن
قيل: هذا وال عليه ناظر في مصالحه فله أن يفعل ما شاء مما هو راجع إلى مصالحه قلنا:
لا خلاف أن الصبي لا يطلق عليه وليه وهو ناظر في أموره. وأيضا فالطلاق من شرطه مقارنة
نية المطلق الذي هو الزوج وهذا غير موجود في هؤلاء، ولنا في هذه المسألة نظر والذي وقع
التحقيق لنا من ذلك أنه لا يجوز طلاق غيره عليه بحال لما قدمناه من الأخبار وبقاء الزوجية
بينهما فمن أبانها منه بطلاق غيره يحتاج إلى دليل.
309

وقال شيخنا في نهايته أيضا: وإذا طلق الرجل امرأته وهو مريض فإنهما يتوارثان
ما دامت في العدة، فإذا انقضت عدتها ورثته ما بينها وبين سنة ما لم تتزوج، فإن تزوجت
فلا ميراث لها، وإن زاد على السنة يوم واحد لم يكن لها ميراث، ولا فرق في جميع هذه الأحكام
بين أن تكون التطليقة هي الأولة أو الثانية أو الثالثة وسواء كان له عليها رجعة أو لم يكن فإن
الموارثة ثابتة بينهما على ما قدمناه، هذا إذا كان المرض يستمر به إلى أن يتوفى، فإن صح من
مرضه ذلك ثم مات لم يكن لها ميراث إلا إذا كان طلاقا يملك فيه رجعتها فإنها ترثه ما لم تخرج
من العدة، هذا آخر كلامه في نهايته رحمه الله.
قال محمد بن إدريس: والذي تقتضيه أصول مذهبنا أن الطلاق إذا كان رجعيا ورثها
الزوج ما دامت في العدة فإذا خرجت من العدة لا يرثها وهي ترثه بعد خروجها من العدة إلى
سنة ما لم تتزوج أو يبرأ من مرضه ذلك، فأما إذا كان الطلاق غير رجعي وهو الطلاق البائن
فإنه لا يرثها ساعة طلقها وإن كانت في العدة وهي ترثه مدة السنة على ما قدمناه لأنها بعد
الطلاق البائن غير زوجة له والعصمة انقطعت بينهما ولولا الاجماع لما ورثته، ولا إجماع معنا
على أنه يرثها بعد الطلاق البائن.
وشيخنا أبو جعفر فقد رجع عما قاله في نهايته في مسائل خلافه فقال: مسألة: المطلقة
التطليقة الثالثة في حال المرض ترث ما بينها وبين سنة إذا لم يصح من ذلك المرض ما لم تتزوج،
فإن تزوجت فلا ميراث لها والرجل يرثها ما دامت في العدة الرجعية فأما في البائنة فلا يرثها
على حال، دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم وقد ذكرناها في الكتاب الكبير، هذا آخر كلامه في
الجزء الثاني من مسائل خلافه في كتاب المواريث.
وقال أيضا في الجزء الثالث من كتاب الطلاق مسألة: المريض إذا طلقها طلقة لا يملك
رجعتها فإن ماتت لم يرثها بلا خلاف وإن مات هو من ذلك المرض ورثته ما بينها وبين سنة ما لم
تتزوج، فإن تزوجت بعد انقضاء عدتها لم ترثه، وإن زاد على السنة يوم واحد لم ترثه. ثم قال
مسألة: إذا سألته أن يطلقها في مرضه فطلقها لم يقطع ذلك الميراث منه. ثم قال: دليلنا عموم
الأخبار الواردة بأنها ترثه إذا طلقها في المرض ولم يفصلوا فوجب حملها على عمومها.
ثم قال في الجزء الثالث من استبصاره في باب طلاق المريض لما أورد الأخبار في أنها
310

ترثه: إذا طلقها في حال مرضه ما بينها وبين سنة ما لم تتزوج أو يبرأ من مرضه ذلك، ثم قال:
دليلنا على أن الذي أختاره هو أنه إنما ترثه بعد انقضاء العدة إذا طلقها للإضرار بها، ويحمل
على هذا التفصيل جميع ما تقدم من الأخبار المجملة، يدل على ذلك ما رواه الحسين بن سعيد
عن أخيه الحسن عن زرعة عن سماعة قال: سألته ع عن رجل طلق امرأته وهو
مريض، قال: ترثه ما دامت في عدتها وإن طلقها في حال إضرار فهي ترثه إلى سنة فإن زاد على
السنة يوم واحد لم ترثه، وتعتد أربعة أشهر وعشرا عدة المتوفى عنها زوجها.
قال محمد بن إدريس: الصحيح ما ذهب إليه في مسائل خلافه من قوله: إذا سألته أن
يطلقها في مرضه فطلقها لم يقطع ذلك الميراث منه، والدليل عليه ما استدل به رحمه الله من
قوله: عموم الأخبار يقتضي ذلك ولم يفصلوا فوجب حملها على عمومها، ومن العجب أنه
يخصص العموم في استبصاره بخبر سماعة الذي رواه زرعة وهما فطحيان، فإن كان
يعمل بأخبار الآحاد فلا خلاف بين من يعمل بها أن من شرط العمل بذلك أن يكون راوي
الخبر عدلا والفطحي كافر فكيف يعمل بخبره ويخصص بخبره العموم المعلوم
والمخصص يكون دليلا معلوما. فهذا لا يجوز عند الجميع لا عند من يعمل بأخبار الآحاد
ولا عند من لا يعمل بها.
ومتى جعل إليها الخيار فاختارت نفسها فقد اختلف قول أصحابنا في ذلك،
فبعض يوقع الفرقة بذلك وبعض لا يوقعها ولا يعتد بهذا القول ويخص هذا الحكم
بالرسول ع وهذا هو الأظهر الأكثر المعمول عليه بين الطائفة، وهو خيرة شيخنا أبي
جعفر والأول خيرة السيد المرتضى، دليلنا أن الأصل بقاء العقد. وقال شيخنا أبو جعفر وأيضا
إجماع الفرقة على هذا وأخبارهم، وقد ذكرناها في الكتابين المقدم ذكرهما وبينا الوجه في
الأخبار المخالفة لها ومن خالف في ذلك لا يعتد به لأنه شاذ منهم.
وإذا قال: أنت على حرام لا يحصل بذلك طلاق ولا ظهار ولا إيلاء ولا يمين بلا خلاف
بين أصحابنا في ذلك ولا يحرم عليه، فإن قيل للرجل: هل طلقت فلانة. فقال: نعم، كان
ذلك إقرارا منه بطلاق شرعي وما ينوب مناب قوله: أنت طالق، بغير العربية بأي لسان
كان فإنه يحصل به الفرقة إذا تعذر عليه لفظ العربية، فأما إذا كان قادرا على التلفظ
311

بالطلاق بالعربية وطلق بلسان غيرها فلا تقع الفرقة بذلك لأنه ليس عليه دليل والأصل بقاء
العقد ولا يقع الطلاق إلا باللسان.
قال شيخنا أبو جعفر في نهايته: فإن كتب بيده أنه طلق امرأته وهو حاضر ليس بغائب
لم يقع الطلاق، وإن كان غائبا وكتب بخطه: أن فلانة طالق، وقع الطلاق. وإن قال لغيره:
اكتب إلى فلانة امرأتي بطلاقها لم يقع الطلاق، فإن طلقها بالقول ثم قال لغيره: اكتب إليها
بالطلاق كان الطلاق واقعا بالقول دون الأمر.
قال محمد بن إدريس: لا يقع الطلاق إذا كتب بخطه: أن فلانة طالق، وإن كان غائبا
بغير خلاف من محصل لأنا نراعي لفظا مخصوصا يتلفظ به المطلق، ومن كتب فما تلفظ
بغير خلاف والأصل بقاء العقد وثبوته، فمن أوقع بالكتابة طلاقا وفرقة يحتاج إلى دليل، و
شيخنا أبو جعفر فقد رجع عما قاله في نهايته في مسائل خلافه فقال مسألة: إذا كتب بطلاق
زوجته ولم يقصد الطلاق لا يقع بلا خلاف، وإن قصد به الطلاق فعندنا أنه لا يقع به شئ، ثم
قال: دليلنا إجماع الفرقة وأيضا الأصل بقاء العقد ولا دليل على وقوع الطلاق بالكتابة، هذا
آخر كلامه في مسائل خلافه.
وقال في نهايته: وإذا وكل الرجل غيره بأن يطلق عنه لم يقع طلاقه إذا كان حاضرا في
البلد فإن كان غائبا جاز توكيله في الطلاق.
قال محمد بن إدريس: يصح التوكيل في الطلاق حاضرا كان الموكل أو غائبا بغير
خلاف بين المسلمين وقد استوفينا الكلام على ذلك في باب الوكالة بما أغنى عن إعادته.
ومتى أراد عزل الوكيل فليعلمه ذلك فإن لم يمكنه فليشهد شاهدين على عزله فإن
طلق الوكيل وكان طلاقه قبل العزل وقع طلاقه وإن كان بعد العزل كان باطلا.
ومتى وكل رجلين على الطلاق ولم يشرط في وكالتهما الانفراد والاجتماع لم يجز لأحدهما
أن يطلق، فإن طلق بانفراده لم يقع طلاقه وإذا اجتمعا عليه وقع.
ومن لم يتمكن من الكلام مثل أن يكون أخرس فليكتب الطلاق بيده إن كان ممن
يحسن الكتابة، فإن لم يحسن فليومئ إلى الطلاق كما يومئ إلى بعض ما يحتاج إليه، فمتى فهم
من إيمائه ذلك وقع طلاقه.
312

وقد روي: أنه ينبغي أن يأخذ المقنعة فيضعها على رأسها ويتنحى فيكون ذلك منه
طلاقا وإذا أراد مراجعتها أخذ القناع من رأسها وهذه الرواية يمكن حملها على من لم يكن له
كناية مفهومة ولا إشارة معقولة.
ومتى علق الطلاق بشرط من الشروط أو صفة من الصفات وكذلك العتاق كان باطلا
على ما قدمناه.
ومن شرائط الطلاق العامة:
أن يطلقها تطليقة واحدة فإن طلقها ثنتين أو ثلاثا بأن يقول: أنت طالق، ثلاثا لغير
المدخول بها أو قال ذلك للمدخول بها لم يقع على الصحيح من المذهب إلا واحدة.
وقال بعض أصحابنا: لا يقع من ذلك شئ والأول هو الأظهر من المذهب.
فإن قال لغير المدخول بها: أنت طالق أنت طالق أنت طالق، بانت منه بالأولى
وبطل الطلاق الثاني والثالث بغير خلاف، فإن قال ذلك للمدخول بها لا يقع إلا الطلاق
الأول دون الثاني والثالث لأن طلاق الطالق لا يصح فإن تخللت المراجعة صح على
ما قدمناه.
وقد كتب إلي بعض الفقهاء الشافعية وكان بيني وبينه مؤانسة ومكاتبة: هل يقع الطلاق
الثلاث عندكم. وما القول في ذلك عند فقهاء أهل البيت ع. فأجبته: أما مذهب
أهل البيت فإنهم يرون: أن الطلاق الثلاث بلفظ واحد في مجلس واحد وحالة واحدة من دون
تخلل المراجعة لا يقع منه إلا واحدة ومن طلق امرأته تطليقة واحدة وكانت مدخولا بها كان له
مراجعتها بغير خلاف بين المسلمين، وقد روي أن ابن عباس وطاووسا يذهبان إلى ما تقوله
الشيعة، وحكى الحاوي في كتاب الاختلاف أن الحجاج بن أرطاة كان يقول: ليس الطلاق
الثلاث بشئ. وحكي في هذا الكتاب عن محمد بن إسحاق: أن الطلاق الثلاث يرد إلى
واحدة. ودليل الشيعة على ما ذهبت إليه بعد إجماع أهل البيت ع فإن فيه الحجة من
وجوه يطول شرحها لا يحتمل هذا الموضع ذكرها لأنه يوحش المبتدئ لسماعه، ولقول الرسول
ع المتفق عليه: خلفت فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما أن تمسكتم بهما
313

لن تضلوا، فقرن ع العترة إلى الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه
وجعل حكمها حكمه. وقال ع: مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من أتاها نجا ومن
تخلف عنها هلك، مطابقا لقول الله سبحانه: فأنجيناه وأصحاب السفينة، وقد دلوا على أن
المشروع في الطلاق إيقاعه متفرقا وقد وافقهم مالك وأبو حنيفة على أن الطلاق الثلاث في الحال
الواحدة محرم مخالف للسنة، إلا أنهما يذهبان مع ذلك إلى وقوعه وفي هذا القول ما فيه.
والذي يدل على صحة ما ذهبت الشيعة إليه قوله تعالى: الطلاق مرتان، ومن المعلوم أنه تعالى لم
يرد بذلك الخبر لأنه لو أراده لكان كذبا وإنما أراد الأمر فكأنه قال تعالى: طلقوا مرتين وجرى
مجرى قوله تعالى: والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء، وكقوله تعالى: ومن دخله كان
آمنا، والمراد بذلك يجب أن يؤمنوه والمرتان لا تكونان إلا واحدة بعد أخرى ومن جمع الطلاق في
كلمة واحدة لا يكون مطلقا مرتين كما أن من أعطى درهمين مرة واحدة لم يعطهما مرتين.
فإن احتج من يذهب إلى أن الطلاق الثلاث يقع وإن كان بدعة بما روي في حديث ابن عمر
من أنه قال للنبي ع: أ رأيت لو طلقتها ثلاثا. فقال ع: إذن عصيت ربك
وبانت منك امرأتك. فالذي يبطل ذلك أنه لا تصريح في قوله: أ رأيت لو طلقتها ثلاثا. فإني
كنت أفعل ذلك بكلمة واحدة وحالة واحدة، ويجوز أن يكون مراده إني لو طلقتها ثلاثا في
ثلاثة أطهار تخللها المراجعة، ولا شبهة في أن من طلق امرأته ثلاثا في ثلاثة أطهار أنه يسمى
مطلقا ثلاثا.
فإن قيل: لا فائدة على هذا الوجه في قوله ع: إذن عصيت ربك وبانت منك
امرأتك.
قلنا: يحتمل ذكر المعصية أمرين أحدهما أن يكون النبي ع كان يعلم من
زوجة ابن عمر خيرا وبرا يقتضيان المعصية بفراقهما، والأمر الآخر أنه مكروه للزوج أن
يخرج نفسه من التمكين من مراجعة المرأة لأنه لا يدري كيف يتقلب قلبه فربما دعته الدواعي
القوية إلى مراجعتها، فإذا أخرج أمرها من يده ربما هم بالمعصية.
فإن احتجوا أيضا بما رووه من أن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق طلق امرأته تماضر -
بضم التاء وكسر الضاد - ثلاثا، قلنا: يجوز أن يكون طلقها في أطهار ثلاثة مع مراجعة تخللت
314

وليس في ظاهر الخبر أنه طلقها ثلاثا بلفظ واحد في حالة واحدة. وهذه الطريقة التي سلكناها
يمكن أن تطرد في جميع أخبارهم التي يتعلقون بها مما يتضمن وقوع طلاق ثلاث، فقد فتحنا
طريق الكلام على ذلك كله ونهجناه فلا معنى للتطويل بذكر جميع الأخبار، على أن أخبارهم
معارضة بأخبار موجودة في رواياتهم وكتبهم يقتضي أن الطلاق الثلاث لا يقع، منها: ما رواه
ابن سيرين أنه قال: حدثني من لا أتهم أن ابن عمر طلق امرأته ثلاثا وهي حائض فأمره
النبي ع أن يراجعها.
وبما رواه الحسن قال: أتى عمر برجل قد طلق امرأته ثلاثا بفم واحد فردها عليه، ثم أتى
بعد ذلك برجل آخر قد طلق امرأته ثلاثا بفم واحد فأبانها منه فقيل له: إنك بالأمس رددتها
عليه، فقال: خشيت أن يتتابع - بالياء المنقطة من تحت بنقطتين يقال: تتابع الناس في الشر
وتتابع الناس في الخير بالباء المنقطة من تحتها نقطة واحدة التي قبل العين، وفي الشر تتابع
بنقطتين قبل العين - فيه السكران والغيران.
وروي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه كان يقول: إن الطلاق كان على عهد رسول الله
ص وعهد أبي وصدر من إمارة عمر طلاق الثلاث واحدة، ثم جعلها عمر بعد
ذلك ثلاث.
وروى عكرمة عن ابن عباس قال: طلق ركانة - بالراء المضمومة والنون - ابن عبد ربه
امرأته ثلاثا في مجلس واحد فحزن عليها حزنا شديدا، فسأله رسول الله ص:
كيف طلقتها. فقال طلقتها ثلاثا، فقال: في مجلس واحد. قال: نعم، قال ع: إنما
تلك واحدة فراجعها إن شئت، قال: فراجعها. والأخبار المعارضة لأخبارهم أكثر من أن تحصى
أو تستقصى.
ودليل آخر على أصل المسألة وهو أن يقال: الطلاق الثلاث بلفظ واحد في حالة واحدة
من غير أن يتخلله مراجعة لا يقع منه إلا واحدة، والدليل على ذلك من كتاب الله تعالى ومن
سنة نبيه ص ومن إجماع المسلمين، ومن قول أمير المؤمنين علي ع
ومن قول ابن عباس رحمه الله ومن قول عمر بن الخطاب.
فأما كتاب الله فقد تقرر أنه نزل بلسان العرب وعلى مذاهبها في الكلام، قال الله جلت
315

عظمته: قرآنا عربيا غير ذي عوج، وقال تعالى: وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم
ثم قال سبحانه في آية الطلاق: الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، فكانت
الثالثة في قوله عز وجل: أو تسريح بإحسان، على قول ابن عباس. أو في قوله تعالى: فإن طلقها
فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره، فوجدنا المطلق إذا قال لامرأته: أنت طالق، أتى
بلفظ واحد يتضمن تطليقة واحدة وإذا قال لها عقيب هذا اللفظ: ثلاثا، لم يخل من أن تكون
إشارة به إلى طلاق وقع فيما سلف ثلاث مرات أو إلى طلاق يكون في المستقبل ثلاثا أو إلى
الحال. فإن كان أخبر عن الماضي فلم يقع الطلاق إذن باللفظ الذي أورده في الحال وإنما أخبر
عن أمر كان، وإن كان أخبر عن المستقبل فيجب أن لا يقع بها طلاق حتى يأتي الوقت ثم
يطلقها ثلاثا على مفهوم اللفظ والكلام. وليس هذان القسمان مما جرى الحكم عليهما ولا
تضمنهما المقال، فلم يبق إلا أنه أخبر عن الحال وذلك كذب ولغو بلا إشكال لأن الواحدة
لا تكون أبدا ثلاثا، فلأجل ذلك حكمنا عليه بتطليقة واحدة من حيث تضمنه اللفظ الذي
أورده وأسقطنا ما لغا فيه واطرحناه إذا كان على مفهوم اللغة التي نطق بها القرآن فاسدا
وكان مضاددا لأحكام الكتاب.
وأما السنة فإن النبي ص قال: كل ما لم يكن على أمرنا هذا فهو رد، وقال عليه
السلام: ما وافق الكتاب فخذوه وما خالفه فاطرحوه. وقد بينا أن المرة لا تكون مرتين وأن
الواحدة لا تكون ثلاثا فأوجبت السنة إبطال طلاق الثلاث.
وأما إجماع الأمة فإنهم مطبقون على أن كل ما خالف القرآن والسنة فهو باطل وقد تقدم
وصف خلاف الطلاق الثلاث للقرآن والسنة فحصل الاجماع على إبطاله.
وأما قول أمير المؤمنين ع: فإنه قد تظاهر عنه الخبر المستفيض أنه قال: إياكم
والمطلقات ثلاثا في مجلس واحد فإنهن ذوات أزواج.
وأما قول ابن عباس رحمه الله فإنه كان يقول: ألا تعجبون من قوم يحلون المرأة لرجل
واحد وهي تحرم عليه ويحرمونها على آخر وهي حلال له فقالوا له: يا بن عباس ومن هؤلاء
القوم فقال: هم الذين يقولون للمطلق ثلاثا في مجلس واحد: قد حرمت عليك امرأتك
316

ظهره وردها عليه، وبعد ذلك رفع إليه رجل قد طلق كالأول فأبانها منه، فقيل له في اختلاف
حكمه في الرجلين فقال: قد أردت أن أحمله على كتاب الله عز وجل فخشيت أن يتتابع فيه
السكران والغيران، فاعترف بأن المطلقة ثلاثا ترد إلى واحدة على حكم الكتاب وأنه إنما
أبانها منه بالرأي والاستحسان، فعملنا من قوله على ما وافق القرآن ورغبنا عما ذهب إليه
من جهة الرأي والاستحسان.
على أنه لا خلاف بين أهل اللسان العربي وأهل الاسلام أن المصلي لو قال في ركوعه:
سبحان ربي العظيم، فقط ثم قال في عقبه: ثلاثا، لم يكن مسبحا ثلاثا. ولو قرأ الحمد مرة ثم قال
في آخرها بلفظه: عشرا، لم يكن قارئا لها عشرا. وقد أجمعت الأمة على أن الملاعن لو قال في
شهادته: أشهد بالله أربعا أني لمن الصادقين، لم يكن شاهدا أربع مرات على الحقيقة حتى
يفصلها. ولو أن حاجا رمى بسبع حصيات في دفعة واحدة لم يجزئه ذلك عن سبع متفرقات.
فهذا بين واضح لمن تدبره وأعطى النظر حقه وحرره وأنصف عن نفسه ووزن الحق
بميزان عقله وترك التقليد جانبا وحب المذهب والنشوء والعادة وراء ظهره واعتقد المعاد
والحساب وسؤال منكر ونكير في رمسه واستدرك في يومه ما فرط في أمسه.
وأيضا فقد قال الله تعالى: إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة، فأمر
بإحصاء العدة ثبت أنه أراد في كل قرء طلقة لأنه لو أمكن الجمع بين الثلاث لما احتاج إلى
إحصاء العدة في غير المدخول بها وذلك خلاف الظاهر.
فإن قيل: العدد إذا ذكر عقيب الاسم لم يقتض التفريق مثاله: إذا قال: له على مائة درهم
مرتان، وإذا ذكر عقيب فعل اقتضى التفريق مثاله: أدخل الدار مرتين، أو ضربته مرتين. والعدد
في آية الطلاق وهو قوله تعالى: الطلاق مرتان، عقيب الاسم لا الفعل.
قلنا قوله: الطلاق مرتان، يعني طلقوا مرتين لأنه لو كان خبرا لكان كذبا، فالعدد مذكور
عقيب فعل لا اسم فهذا آخر الجواب أحببت إيراده هاهنا لئلا يشذ.
وقد روى أصحابنا روايات متظاهرة بينهم متناصرة وأجمعوا عليها قولا وعملا أنه: إن
كان المطلق مخالفا وكان ممن يعتقد وقوع الطلاق الثلاث لزمه ذلك ووقعت الفرقة به وإنما
لا تقع الفرقة إذا كان الرجل معتقدا للحق.
317

فأما الشرائط الخاصة:
فهو الحيض لأن الحائض لا يقع طلاقها إذا كان الرجل حاضرا ويكون قد
دخل بها فإن طلقها وهي حائض كان طلاقه باطلا، وكذلك إن طلقها في طهر قد
قربها فيه لم يقع الطلاق.
ومتى لم يكن دخل بالمرأة وطلقها وقع الطلاق وإن كانت حائضا وكذلك إن كان
عنها غائبا بمقدار ما يعرف من حالها وعادتها وقع طلاقه.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: شهرا فصاعدا وقع طلاقه إذا طلقها وإن كانت حائضا، وليس
الاعتبار بالشهر الذي اعتبره رحمه الله بل الاعتبار بما يعرفه من حال امرأته إما شهرا أو شهرين أو
ثلاثة على قدر عادتها، وقد حقق هذا في استبصاره ورجع عن إطلاق ما في نهايته في المكان الذي
أشرنا إليه.
ومتى عاد من غيبته وصادف امرأته حائضا وإن لم يكن واقعها لم يجز له طلاقها حتى
تطهر لأنه صار حاضرا، ولا يجوز للحاضر أن يطلق امرأته وهي حائض بغير خلاف بيننا
فهذا فقه المسألة.
وقال شيخنا في نهايته: ومتى كان للرجل زوجة معه في البلد غير أنه لا يصل إليها فهو بمنزلة
الغائب عن زوجته، فإذا أراد طلاقها فليصبر إلى أن يمضى ما بين شهر إلى ثلاثة أشهر ثم
يطلقها إن شاء.
قال محمد بن إدريس: الذي تقتضيه أصول مذهبنا وإجماعنا منعقد عليه أنه لا يجوز
للحاضر أن يطلق زوجته المدخول بها وهي حائض بغير خلاف بيننا على ما قدمناه إذا كانت
مستقيمة الحيض غير مسترابة ولو بقي لا يقربها ولا يطأها سنة أو أكثر من ذلك، وإنما
الاستبراء لمن لا تحيض وفي سنها من تحيض على ما بيناه وحمل الحاضر والحاضرة في البلد
على تلك قياس وهو باطل عندنا، والأصل الزوجية فمن أوقع الطلاق يحتاج إلى دليل قاهر،
وما ذكره شيخنا خبر واحد أورده إيرادا لا اعتقادا كما أورد أمثاله مما لا يعمل عليه ولا يعرج
عليه، ولولا إجماعنا على طلاق الغائب وإن كانت زوجته حائضا لما صح فلا نتعداه ونتخطاه.
وقد قلنا أنه يستحب الإشهاد على المراجعة فإن لم يفعل كان جائزا، وأدنى ما يكون به
318

المراجعة أن ينكر طلاقها أو يقول: ما نويت الطلاق، فيقبل قوله في الحكم ما لم تخرج من
العدة، فإن خرجت من العدة لم يقبل منه في الحكم، أو يقبلها أو يلمسها فإن بذلك أجمع
ترجع إليه وتنقطع العدة، وإنما يستحب الإشهاد لأنه متى لم يشهد على المراجعة وأنكرت
المرأة ذلك وشهد لها بالطلاق شاهدان فإن الحاكم يبينها منه ولم يكن له عليها سبيل، فإن لم
يشهد في حال المراجعة ثم أشهد بعد ذلك كان أيضا جائزا.
ومتى أنكر الطلاق وكان ذلك قبل انقضاء العدة كان ذلك أيضا رجعة على ما قدمناه،
فإن كان ذلك بعد انقضاء العدة فلا سبيل له عليها ولا يقبل قوله على ما ذكرناه.
ومتى راجعها لم يجز له أن يطلقها تطليقة أخرى طلاق العدة إلا بعد أن يواقعها
ويستبرئها بحيضة، فإن لم يواقعها أو عجز عن وطئها وأراد طلاقها طلقها طلاق السنة
على ما حررناه فيما مضى وشرحناه.
ومتى واقعها وارتفع حيضها وهي في سن من تحيض وأراد طلاقها استبرأها بثلاثة أشهر ثم
يطلقها بعد ذلك، وإذا أراد أن يطلق امرأة قد دخل بها ولم تكن قد بلغت مبلغ النساء و
لا مثلها في السن قد بلغ - وحد ذلك دون تسع سنين - فليطلقها أي وقت شاء، فإذا طلقها
فقد بانت منه في الحال على الصحيح من المذهب.
وقال بعض أصحابنا: يجب عليها العدة ثلاثة أشهر، وهو اختيار السيد المرتضى والأول
أظهر بين الطائفة وعملهم عليه وفتاويهم به وصائرة إليه، وقد تكلمنا في باب النكاح في هذه
المسألة وبلغنا فيها أبعد الغايات وأقصى النهايات وقلنا: إن قيل: إن عندكم إذا دخل بالمرأة
زوجها ولم تبلغ تسع سنين فقد حرمت عليه أبدا فكيف يطلقها. وأزلنا الشبهة المعترضة في
ذلك بما لا معنى لإعادته.
ومتى كان لها تسع سنين فصاعدا ولم تكن حاضت بعد وأراد طلاقها فليصبر عليها
ثلاثة أشهر ثم يطلقها بعد ذلك، وحكم الآيسة من المحيض ومثلها لا تحيض حكم التي لم
تبلغ مبلغ النساء سواء في أنه يطلقها أي وقت شاء، وحد ذلك خمسون سنة على ما قدمناه. و
متى كانت آيسة ومثلها تحيض استبرأها بثلاثة أشهر ثم يطلقها بعد ذلك، وحد ذلك إذا
أنقص سنها عن خمسين سنة.
319

وإذا أراد أن يطلق امرأته وهي حبلى مستبين حملها فليطلقها أي وقت شاء بغير
خلاف بين أصحابنا.
على خلاف بينهم هل الحبلى المستبين حملها تحيض أم لا. وأدل دليل وأوضح قيل على أنها لا تحيض
إجماعهم على صحة طلاقها سواء كان ذلك في حال رؤية الدم أو حال نقاء، فلو كانت تحيض
ما صح طلاقها في حال رؤية الدم لأن إجماعهم منعقد على أن طلاق الحائض لا يقع ولا يصح
فتحقق به ما قلناه.
فإذا طلقها واحدة كان أملك برجعتها ما لم تضع ما في بطنها، فإذا راجعها وأراد طلاقها
للسنة،
قال شيخنا أبو جعفر في نهايته: لم يجز له ذلك حتى تضع ما في بطنها.
قال محمد بن إدريس: لا أرى لمنعه وجها ولا مانع يمنع منه من كتاب ولا سنة متواترة
ولا إجماع منعقد والأصل الصحة والمنع يحتاج إلى دليل مع قوله تعالى: فإن طلقها، والطلاق
مرتان، وغير ذلك من عمومات آيات الطلاق، وإنما هو خبر واحد أورده في نهايته إيرادا
لا اعتقادا وقد بينا ما في أخبار الآحاد.
فإن أراد طلاقها للعدة واقعها ثم يطلقها بعد المواقعة فإذا فعل ذلك فقد بانت منه
بتطليقتين وهو أملك برجعتها، فإن راجعها وأراد طلاقها ثالثة واقعها ثم طلقها فإذا طلقها
الثالثة لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره ولا يجوز لها أن تتزوج حتى تضع ما في بطنها، فإن
كانت حاملا باثنين فإنها لا تبين من الرجل إلا بعد وضعها الأخير منهما لقوله تعالى:
وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن، فإذا وضعت الأول ما وضعت حملها جميعه.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: فإن كانت حاملا باثنين فإنها تبين من الرجل عند
وضعها الأول ولا تحل للأزواج حتى تضع جميع ما في بطنها. وهذا قول عجيب لأنه لو كانت قد
بانت من الرجل بوضعها الأول وانقضت العدة لحلت للأزواج فلو لم تكن بعد في العدة لما كان
التزويج محظورا ولا انتظار وضع جميع ما في بطنها معتبرا في تحليل العقد عليها لغيره.
إلا أن شيخنا أبا جعفر رجع عما ذكره في نهايته في الجزء الثالث من مسائل خلافه، فقال
مسألة: إذا طلقها وهي حامل فولدت توأمين بينهما أقل من ستة أشهر فإن عدتها لا تنقضي
320

حتى تضع الثاني منهما. وبه قال أبو حنيفة وأصحابه ومالك والشافعي وعامة أهل العلم،
وقال عكرمة: تنقضي عدتها بوضع الأول، وقد روى أصحابنا: أنها تبين بوضع الأول غير أنها
لا تحل للأزواج حتى تضع الثاني، والمعتمد الأول دليلنا قوله تعالى: وأولات الأحمال أجلهن أن
يضعن حملهن، وهذه ما وضعت حملها، هذا آخر كلامه رحمه الله. وقد ذهب بعض أصحابنا
إلى: أن الحامل عدتها أقرب الأجلين، من جملتهم ابن بابويه ومعنى ذلك أنها إن مرت بها ثلاثة
أشهر فقد انقضت عدتها ولا تحل للأزواج حتى تضع ما في بطنها وإن وضعت الحمل بعد طلاقه
بلا فصل بانت منه وحلت للأزواج، وهذا المذهب في العجب كالأول والصحيح من الأقوال
والأظهر بين الطائفة أن عدتها بوضع الحمل يعضد ذلك قوله تعالى: وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن.
وإذا أراد الرجل طلاق زوجته وهو غائب عنها فإن خرج إلى السفر وقد كانت طاهرا
طهرا لم يقربها فيه بجماع جاز له أن يطلقها أي وقت شاء، ومتى كانت طاهرا طهرا قد قربها
فيه بجماع فلا يطلقها حتى يمضى زمان يعرف من حالها أنها حاضت وطهرت فيه، وذلك
بحسب ما يعرف من عادتها في حيضها إما شهر أو شهران أو ثلاثة أشهر.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: فلا يطلقها حتى يمضى ما بين شهر إلى ثلاثة أشهر
أو أربعة أشهر ثم يطلقها بعد ذلك أي وقت شاء، إلا أنه رحمه الله حرر ما أجمله في كتابه
الاستبصار في الجزء الثالث فقال في باب طلاق الغائب لما أورد الأخبار واختلف في التحديد
فقال: الوجه في الجمع بين هذين الخبرين والخبر الأول أن نقول: الحكم يختلف باختلاف عادة
النساء في الحيض فمن علم من حال امرأته أنها تحيض في كل شهر حيضة يجوز له أن
يطلق بعد انقضاء الشهر، ومن يعلم أنها لا تحيض إلا كل ثلاثة أشهر أو خمسة أشهر
لم يجز له أن يطلقها إلا بعد مضى هذه المدة، فكان المراعي في جواز ذلك مضى حيضة وانتقالها إلى
طهر لم يقربها فيه بجماع ولك يختلف على ما قلناه، هذا آخر كلامه رحمه الله في باب طلاق
الغائب في الاستبصار ونعم ما قال وحرر وأوضح المسألة تغمده الله برحمته وحشره مع
أئمته.
فإن قيل: إذا مضى ثلاثة أشهر بيض فلا حاجة بنا في الاستبراء إلى أكثر منها لأن بها تخرج
321

من العدة وإن كانت من ذوات الأقراء المستقيمة الحيض.
قلنا: الاستبراء غير العدة لأن الاجماع منعقد على أن من وطئ زوجته في طهرها فلا يجوز له
أن يطلقها فيه حتى تحيض وتطهر، ثم يطلقها في الطهر الذي لم يقربها فيه بجماع فإذن تحقق
ما قلناه وإن كان أكثر من ثلاثة أشهر.
ومتى أراد الغائب أن يطلق امرأته وراعى ما قلناه، فليطلقها تطليقة واحدة ويكون هو
أملك برجعتها ما لم تخرج من عدتها إما بالأقراء إن كانت مستقيمة الحيض أو بالشهور إن
كانت مسترابة وفي سنها من تحيض وهي ثلاثة أشهر.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: ويكون هو أملك برجعتها ما لم يمض لها ثلاثة أشهر وهي عدتها
إذا كانت من ذوات الحيض، ولا أرى لقوله هذا وجها يستند إليه ولا دليلا يعول عليه وكيف
صارت هذه على كل حال تعتد بالأشهر الثلاثة مع قوله تعالى: والمطلقات يتربصن أنفسهن
ثلاثة قروء، ولا خلاف بيننا أنها إذا شهد لها شهود بالطلاق وتاريخه وكان قد مضى لها من يوم
طلقها ثلاثة قروء فإنها تحل للأزواج.
فإذا أراد الغائب الذي طلق زوجته مراجعتها قبل خروجها من عدتها أشهد على المراجعة
كما أشهد على الطلاق، فإن لم يشهد على المراجعة وبلغ الزوجة الطلاق فاعتدت وتزوجت لم
يكن له عليها سبيل، وكذلك إن انقضت عدتها ولم تتزوج لم يكن له عليها سبيل إلا بعقد
مستأنف.
ومتى طلقها وأشهد على طلاقها ثم قدم أهله وأقام معها ودخل بها وأتت المرأة بولد ثم
دعي أنه كان طلقها لم يقبل قوله ولا بينته وكان الولد لاحقا به.
وفقه ذلك أن ظاهر حاله ودخوله عليها ووطؤوه لها والمقام عندها بعد طلاقه أنه راجعها
وأنها زوجته، فلا يلتفت إلى دعواه ولا بينته بالطلاق لأن له مراجعتها بعد طلاقه وقد رأيناه
مراجعا له وفاعلا لجميع ما يفعله الزوج فحكمنا عليه بالظاهر.
ومتى كان عند الرجل نساء وهو غائب عنهن فطلق واحدة منهن لم يجز له أن يعقد على
أخرى إلا بعد أن يمضى تسعة أشهر لأن في ذلك مدة الأجلين فساد الحيض ووضع الحمل هذا
إذا كان طلاق المطلقة أول طلاقها أو ثاني طلاقها، فأما إن كان طلاقا ثالثا فلا بأس أن يعقد
322

على أخرى بعد طلاقها الثالث بلا فصل لأنها قد بانت منه في الحال فلا يكون جامعا بين
خمس نساء، وليس كذلك إذا كان الرجل مسافرا وتحته امرأة واحدة وطلقها طلاقا شرعيا
وأراد أن يعقد على أختها في حال سفره، فإذا انقضت عدتها على ما يعلمه من عادتها فله
العقد على أختها ولا يلزمه أن يصبر تسعة أشهر لأن القياس عندنا باطل وكذلك التعليل
فليلحظ الفرق بين المسألتين ويتأمل.
وكذلك إن كانت المطلقة التي هي الرابعة غير مدخول بها أو مدخولا بها وهي لم تبلغ
تسع سنين أولها من السنين أكثر من خمسين سنة أو خمسون وقد تغيرت عادتها، فإن هاتين
المرأتين لا يجب عليهما العدة على الأظهر من الأقوال فليلحظ ذلك.
ومتى كان للرجل زوجة معه في البلد غير أنه لا يصل إليها فهو بمنزلة الغائب عن زوجته إذا
أراد طلاقها وقد قدمنا حكمه فلا وجه لإعادته.
هكذا أورده شيخنا في نهايته، والصحيح أن من كان حاضرا في البلد لا يجوز له أن يطلق
زوجته وهي حائض بلا خلاف بين أصحابنا.
وإذا أراد الرجل أن يطلق المسترابة التي لا تحيض وفي سنها من تحيض بعد دخوله بها
صبر عليها مستبرئا لها بثلاثة أشهر ثم يطلقها بعد ذلك أي وقت شاء.
وقد روي: أن الغلام إذا طلق وكان ممن يحسن الطلاق وقد أتى عليه عشر سنين فصاعدا
جاز طلاقه وكذلك عتقه وصدقته ووصيته، ومتى كان سنه أقل من ذلك أو لا يكون ممن يحسن
الطلاق فإنه لا يجوز طلاقه ولا يجوز لوليه أن يطلق عنه.
والأولى ترك العمل بهذه الرواية لأنها مخالفة لأصول المذهب والأدلة المتظاهرة ولقول الرسول
ع: رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم، ورفع القلم عنه يدل على أنه لا حكم
لأفعاله، وأيضا فقد بينا أن أخبار الآحاد لا يعمل عليها ولا يلتفت إليها لأنه لا توجب علما
ولا عملا، وإن كان قد أوردها شيخنا أبو جعفر في نهايته فعلى جهة الإيراد دون الاعتقاد كما
أورد أمثالها مما لا يعمل هو عليه.
ثم قال شيخنا في نهايته: ومتى كان سنه أقل من ذلك ولا يكون ممن يحسن الطلاق فإنه لا يجوز
طلاقه ولا يجوز لوليه أن يطلق عنه، اللهم إلا أن يكون قد بلغ وكان فاسد العقل
323

فإنه والحال ما ذكرناه جاز طلاق الولي عنه.
قال محمد بن إدريس: إذا كان يعقل أوقات الصلوات فإنه يطلق بنفسه ولا خيار لزوجته، وإن
لم يعقل ذلك كان لزوجته الخيار فإن اختارت الفسخ فلا حاجة إلى طلاق الولي، وإن لم يفسخ
فلا يجوز للولي أن يطلق عنه لقول النبي ع: الطلاق بيد من أخذ بالساق.
والحر إذا كان تحته أمة فطلاقها تطليقتان لأن المعتبر في الطلاق بالزوجة إن كانت حرة
فطلاقها ثلاث سواء كانت تحت حر أو عبد، وإن كانت أمة فطلاقها اثنتان سواء كانت
تحت حر أو عبد فإذا طلقها طلقتين لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره، فإن وطئها مولاها لم
يكن ذلك محللا للزوج من وطئها حتى يدخل في مثل ما خرجت منه من نكاح، فإن اشتراها
الذي كان زوجها لم يحل له وطؤها حتى يزوجها رجلا ويدخل بها ويكون التزويج دائما
ويطأها في قبلها ثم يطلقها أو يموت عنها وتقضي العدة، فإذا حصل ذلك جاز له حينئذ
وطؤها بالملك، ومتى طلقها واحدة ثم أعتقت بقيت معه على تطليقة واحدة. فإن تزوجها بعد
ذلك وطلقها الثانية لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره.
والعبد إذا كان تحته حرة فطلاقها ثلاث تطليقات على ما بيناه، فإن كان تحته أمة
فطلاقها تطليقتان حسب ما قدمناه، فإن طلقها واحدة ثم أعتقا بقيت معه على تطليقة
واحدة.
على ما رواه أصحابنا في الأخبار، وتحقيق الفتوى بذلك لي فيه نظر فإن كان على الرواية إجماع
عملنا بها وإلا طلبنا دليلا غيره ليعمل به.
فإن أعتقا جميعا قبل أن يطلقها شيئا كان حكمها حكم الحرة من كونها على ثلاث
تطليقات.
وقد قلنا: أن طلاق المكره لا يقع وكذلك سائر عقوده بغير خلاف بين أصحابنا، وروي
عن الرسول ع أنه قال: لا طلاق ولا عتاق في إغلاق،
بكسر الألف وسكون الغين المعجمة قال أبو عبيد القاسم بن سلام: الإغلاق الإكراه.
قال شيخنا أبو جعفر الطوسي في مسائل خلافه في الجزء الثالث في كتاب الطلاق مسألة:
الاستثناء بمشيئة الله يدخل في الطلاق والعتاق سواء كانا مباشرين أو معلقين بصفة وفي
324

اليمين بهما وفي الإقرار وفي اليمين بالله فيوقف الكلام ومن خالفه لم يلزمه حكم ذلك، وبه قال
أبو حنيفة وأصحابه والشافعي وطاووس والحكم، وقال مالك والليث بن سعد: لا يدخل في
غير اليمين بالله وهو ما ينحل بالكفارة وهو اليمين بالله فقط، ثم استدل على ما اختاره
فقال: دليلنا أن الأصل براءة الذمة وثبوت العقد، وإذا عقب كلامه بلفظ إن شاء الله في هذه
المواضع فلا دليل على زوال العقد في النكاح أو العتق ولا على تعلق حكم بذمته، فمن ادعى
خلافه فعليه الدلالة، وروى ابن عمر: أن النبي ع قال: من حلف على يمين وقال في
إثرها: إن شاء الله، لم يحنث فيما حلف عليه، وهو على العموم في كل الإيمان بالله وبغيره.
قال محمد بن إدريس: لا يدخل الاستثناء بمشيئة الله تعالى - عندنا بغير خلاف بين أصحابنا
معشر الشيعة الإمامية - إلا في اليمين بالله حسب، لأنه لا أحد من أصحابنا قديما وحديثا
يتجاسر ويقدم على أن رجلا أقر عند الحاكم بمال لرجل آخر وقال بعد إقراره: إن شاء الله،
لا يلزمه ما أقر به. فأما شيخنا أبو جعفر فهو محجوج بقوله فإنه رجع عما حكيناه عنه في الجزء
الثالث أيضا في كتاب الأيمان فقال مسألة: لا يدخل الاستثناء بمشيئة الله إلا في اليمين فحسب،
وبه قال مالك، وقال أبو حنيفة: يدخل في اليمين بالله وبالطلاق وبالعتاق وفي الطلاق
والعتاق وفي النذور والإقرارات، دليلنا أن ما ذكرناه مجمع على دخوله فيه وما قالوه ليس عليه
دليل، هذا آخر كلامه.
قال محمد بن إدريس: اختار رضي الله عنه في المسألة الأولى مذهب أبي حنيفة واختار في المسألة
الثانية مذهب مالك ثم استدل على صحة المسألتين، ولعمري إن الأدلة لا تتناقض وإنما حداه
على ذلك الدخول مع القوم في فروعهم وكلامهم، ولو لزم طريقة أصحابه من التمسك بأصول
مذهبهم وترك فروع مخالفيه كان أولى وأحوط وأسلم له ولمن يقف على كتبه وتصنيفه ممن
يقلده ويتبع أقواله، نسأل الله التوفيق.
325

باب اللعان والارتداد:
اللعان مشتق من اللعن وهو الإبعاد والطرد يقال: لعن الله فلانا، يعني أبعده الله و
طرده، فيسمى المتلاعنان بهذا الاسم لما يتعقب اللعن من المأثم والإبعاد والطرد، فإن أحدهما
لا بد أن يكون كاذبا فيلحقه المأثم ويتعلق عليه الإبعاد والطرد من رحمة الله تعالى ورضاه،
فإذا ثبت هذا فثبوت حكمه في الشرع بالكتاب والسنة والإجماع قال الله تعالى: والذين
يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم... إلى آخر الآيات، فذكر تعالى اللعان
وكيفيته وترتيبه.
فموجب القذف عندنا في حق الزوج الحد وله إسقاطه باللعان وموجب القذف في
حق المرأة الحد ولها إسقاطه باللعان، ويقف صحة اللعان بين الزوجين على أمور:
منها:
أن يكونا مكلفين سواء كانا أو أحدهما من أهل الشهادة والحرية أم لا إذا كان اللعان
بنفي الولد، فأما إذا كان اللعان بنفي أضافه الزوج القاذف إلى مشاهدة ومعاينة فلا يثبت
إلا بين الحر والحرة والمسلم والمسلمة.
لأن بين أصحابنا في ذلك خلافا، فذهب شيخنا المفيد في مقنعته إلى: أن اللعان لا يثبت بين الحر
والمملوكة وبين المسلم والكافرة.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: وإذا كان الزوج مملوكا والمرأة حرة أو يكون الرجل حرا
أو المرأة مملوكة أو يهودية أو نصرانية ثبت بينهما اللعان وأطلق كل واحد منهما ما ذهب إليه
326

ويمكن العمل بقول كل واحد منهما على ما حررناه.
فنقول: لا يثبت بينهما لعان إذا كان بالقذف وادعاء المشاهدة للزنى ويثبت إذا كان بنفي الولد
على ما ذهب إليه شيخنا أبو جعفر، وما اخترناه وذهبنا إليه اختاره شيخنا أبو جعفر في
استبصاره لما اختلفت الأخبار عليه فحرره على ما حررناه فقال في الجزء الثالث في
الاستبصار في باب اللعان: يثبت بين الحر والمملوكة والحرة والمملوك، فأورد الأخبار في ذلك
ثم جاء بخبر أورده في آخر الأخبار مخالف لتلك الأخبار فقال رحمه الله: فالوجه في هذا الخبر
أحد شيئين: أحدهما أن يكون محمولا على التقية لأن ذلك مذهب بعض العامة على ما قدمنا
القول فيه، والآخر أن نقول: بمجرد القذف لا يثبت اللعان بين اليهودية والمسلم ولا بينه وبين
الأمة وإنما يثبت بمجرد القذف اللعان في الموضع الذي إن لم يلاعن وجب عليه حد القذف،
وذلك غير موجود في المسلم مع اليهودية ولا مع الأمة لأنه لا يضرب حد القاذف إذا قذفها و
لكن يعزر على ما نبينه في كتاب الحدود إن شاء الله، وكان اللعان يثبت بين هؤلاء بنفي الولد
لا غير، هذا آخر كلامه رحمه الله. وبهذا القول أعمل وأفتى لأن اللعان حكم شرعي يحتاج مثبته
إلى دليل شرعي والأصل براءة الذمة في الموضع الذي نفيناه ولا معناه إجماع من طائفتنا على
ذلك.
ومنها:
إن يكون النكاح دواما.
ومنها:
أن تكون الزوجة مدخولا بها عند بعض أصحابنا.
والأظهر الأصح أن اللعان يقع بالمدخول بها وغير المدخول بها لقوله تعالى: والذين يرمون
أزواجهم ولم يكن لهم شهداء، الآية هذا إذا كان يقذف من يدعي فيه المشاهدة، فأما إذا كان
بنفي الولد والحمل فلا يقع اللعان بينهما بذلك لأن قبل الدخول القول قول الزوج مع يمينه
ولا يلحق الولد به بلا خلاف بين أصحابنا في ذلك ولا يحتاج في نفيه إلى لعان، فعلى هذا
التحرير من قال من أصحابنا: لا يصح اللعان إلا بعد الدخول، يريد بنفي الولد. ومن قال:
يصح اللعان قبل الدخول، يريد بالقذف وادعاء المشاهدة له فليلحظ ذلك ويتأمل.
327

وحكم المطلقة طلاقا رجعيا إذا كانت في العدة كذلك.
ومنها:
أن لا تكون صماء ولا خرصاء:
ومنها:
أن يقذفها الزوج بزنى يضيفه إلى مشاهدة بأن يقول: رأيتك تزنين، فلو قال: يا زانية، لم
يثبت بينهما لعان أو ينكر حملها أو يجحد ولدها ولا يقيم أربعة من الشهود بما قذفها به وإن
تكون منكره لذلك.
وصفة اللعان أن يجلس الحاكم بينهما مستدبر القبلة ويوقفهما بين يديه المرأة عن يمين
زوجها متوجهين إلى القبلة، ويقول للرجل: قل أشهد بالله أني فيما ذكرته عن هذه المرأة من
الفجور لمن الصادقين، فإذا قال ذلك أمره أن يعيد تمام أربع مرات فإذا شهد الرابعة قال له
الحاكم: اتق الله عز وجل واعلم أن لعنة الله شديدة وعذابه أليم فإن كان حملك على ما قلت
غيرة " بفتح الغين " وسبب من الأسباب فراجع التوبة فإن عقاب الدنيا أهون من عقاب
الآخرة. والبدأة بالرجل واجبة مراعاة والترتيب في الشهادة ولفظها أيضا مراعى فإن بدأ
بلعان المرأة أولا لا يعتد بذلك، فإن رجع عن قوله في قذفه جلده حد المفتري، وإن أصر على
ما ادعاه قال له: قل أن لعنة الله على إن كنت من الكاذبين.
فإذا قالها أقبل على المرأة وأقامها.
لأنها تكون قاعدة عند لعان زوجها وقال بعض أصحابنا: تكون قائمة عند لعان الزوج،
والأول الأظهر وهو الذي اختاره شيخنا في مبسوطه.
وقال لها: ما تقولين فيما رماك به، فإن اعترفت رجمها لأنها بتصديقها له في أربع
شهاداته كأنها قد أقرت أربع مرات بالزنى وإجماع أصحابنا أيضا عليه، وإن أقامت على ا
لإنكار قال لها: قولي أشهد بالله أنه فيما رماني به لمن الكاذبين، فإذا قالت ذلك طالبها بإتمام
أربع شهادات كذلك فإذا شهدت الرابعة وعظها كما وعظ الرجل، فإن اعترفت رجمها وإن
أصرت على الانكار قال لها: قولي أن غضب الله على إن كان من الصادقين، فإذا قالت ذلك
فرق بينهما الحاكم ولم تحل له أبدا على ما قدمناه فيما مضى من الكتاب.
328

ولفظ الشهادة وعدد الشهادات والترتيب واجب في اللعان وشرط فيه على ما قدمناه
فلو قال: أحلف بالله أو أقسم بالله، أو نقص شئ من العدد أو بدأ الحاكم بالمرأة أو لا لم يعتد
باللعان ولم يحصل الفرقة به وإن حكم الحاكم بذلك.
لأن ما قلناه مجمع على صحته وليس على صحة ما خالفه دليل ولأن ما عدا ما ذكرناه مخالف
لظاهر القرآن لأنه تعالى ذكر لفظ الشهادة والعدد والترتيب من حيث أخبر أنها تدرأ عن
نفسها العذاب بلعانها، والمراد بالعذاب عندنا الحد وعند أبي حنيفة الحبس، ولا يثبت واحد
منهما إلا بعد لعان الزوج فصح ما قلناه.
فإذا استوفى اللعان الحاكم بينهما فرق بينهما ولم تحل له أبدا وكان عليها العدة من وقت
لعانها ومتى نكل الرجل عن اللعان قبل استكمال الشهادات كان عليه الحد إذا كان
قذفا، فإن أكذب نفسه بعد مضى اللعان لم يكن عليه شئ ولا ترجع إليه امرأته، وإن اعترف
بالولد أو كان اللعان بنفيه بعد انقضاء اللعان لم يكن عليه شئ ولا ترجع إليه امرأته، وإن
اعترف بالولد قبل انقضاء اللعان ألحق به وورثه أبوه وهو يرث أباه وليس عليه الحد، وإن
اعترف به بعد مضى اللعان ألحق به ويرثه ولده وهو لا يرث ولده ويكون ميراث الولد لأمه
أو لمن يتقرب إليه من جهتها دون الأب ومن يتقرب إليه به ولا يجب عليه الحد وروي: أنه
يجب عليه الحد، والأظهر ما ذكرناه لأن الأصل براءة الذمة.
ومتى اعترفت المرأة بالزنى قبل شروع الزوج في اللعان فلا ترجم إلا أن تعترف وتقر
أربع مرات، ومتى نكلت عن اللعان قبل استيفاء شهاداتها ولعانها كان عليها الرجم، فإن
اعترفت بالفجور بعد مضى اللعان لم يكن عليها شئ إلا أن تقر أربع مرات على نفسها
بالفجور، فإذا أقرت أربع مرات أنها زنت في حال إحصانها كان عليها الرجم وإن
كانت غير محصن كان عليها الجلد مائة جلدة.
وإذا قذف امرأته بما يجب فيه الملاعنة على ما قدمناه وكانت خرساء أو صماء لا تسمع
شيئا فرق بينهما وجلد الحد إن قامت عليه بينة، وإن لم تقم بينة به لم يكن عليه حد ولم تحل له
أبدا ولم يثبت أيضا بينهما لعان.
فأما إن كان الزوج أخرس والمرأة غير خرساء.
329

فقد قال شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه مسألة: الأخرس إذا كان له إشارة معقولة أو كناية
مفهومة يصح قذفه ولعانه ونكاحه وطلاقه ويمينه وسائر عقوده، ثم استدل فقال: دليلنا قوله
تعالى: والذين يرمون أزواجهم، الآية ولم يفرق، وأيضا إجماع الفرقة وأخبارهم على ذلك، هذا
آخر كلامه. ولا أقدم على أن الأخرس. المذكور يصح لعانه لأن أحدا من أصحابنا غير من
ذكرناه لم يوردها في كتابه ولا وقفت على خبر بذلك ولا إجماع عليه والقائل بهذا غير معلوم،
فأما الآية التي استشهد شيخنا بها فالتمسك بها بعيد، لأنه لا خلاف أنه غير قاذف ولا رام على
الحقيقة فالنطق منه بالشهادات في حال اللعان متعذر والأصل براءة الذمة واللعان حكم
شرعي يحتاج في إثباته إلى دليل شرعي وأيضا لو رجع عن اللعان عند من جوزه له وجب
عليه الحد والرسول ع قال: إدرأوا الحدود بالشبهات ومن المعلوم أن في إيمائه
وإشارته بالقذف شبهة هل أراد به القذف أو غيره وذلك غير معلوم يقينا كالناطق بلا خلاف،
وإن قلنا: يصح منه اللعان، كان قويا معتمدا لأنه يصح منه الإقرار والأيمان وأداء الشهادات
وغير ذلك من الأحكام.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: وإذا طلق الرجل امرأته قبل الدخول بها فادعت عليه
أنها حامل منه، فإن أقامت البينة أنه أرخى سترا أو خلا بها ثم أنكر الولد لاعنها ثم بانت منه
وعليه المهر كملا، وإن لم تقم بذلك بينة كان عليه نصف المهر ووجب عليها مائة سوط بعد
أن يحلف بالله أنه ما دخل بها.
قال محمد بن إدريس مصنف هذا الكتاب: ما ذكره رحمه الله ذهابا إلى قول من يذهب إلى أن
الخلوة بمنزلة الدخول، والأظهر والأصح عند المحصلين من أصحابنا أن الخلوة وإرخاء الستر
لا تأثير لهما والقول قول الزوج ولا يلزمه سوى نصف المهر ولا لعان بينهما، وإلى هذا يذهب
شيخنا في مسائل خلافه في الجزء الثاني في كتاب الصداق فقال مسألة: إذا طلقها بعد أن
خلا بها وقبل أن يمسها اختلف الناس فيه على ثلاثة مذاهب: فذهبت طائفة إلى أن وجود
الخلوة وعدمها سواء وترجع عليه بنصف الصداق ولا عدة عليها، وهو الظاهر من روايات
أصحابنا. ثم استدل بأدلة ظاهرة قوية على صحة ذلك وقد أوردنا نحن ذلك في كتابنا هذا في
كتاب الصداق وجنحنا القول في ذلك.
330

وإذا قذف الرجل امرأته الحامل منه جاز أن يتلاعنا إلا أنها إن اعترفت
ونكلت عن الشهادات لم يقم عليها الحد إلا بعد وضع ما في بطنها، وإذا قذف الرجل امرأته
فترافعا إلى الحاكم فماتت المرأة قبل أن يتلاعنا فقد ماتت على حكم الزوجية ويرثها
الزوج ويرث وارثها من جهة النسب، الحد على الزوج لأن حد القذف عندنا موروث لأنه
من حقوق الآدميين إلا أنه لا يرثه إلا ذوو الأنساب دون ذوي الأسباب، فإن عفا الوارث
إلا واحدا استحقه جميعه لأنه لا يتبعض.
وقد روي أنه: إذا قذف الرجل امرأته فترافعا إلى الحاكم فماتت المرأة قبل أن
يتلاعنا، فإن قام رجل من أهلها مقامها ولاعنه فلا ميراث له، وإن أبي أحد من أوليائها أن
يقوم مقامها أخذ الزوج الميراث وكان عليه الحد ثمانين سوطا.
أورد هذه الرواية شيخنا أبو جعفر في نهايته إيرادا لا اعتقادا كما أورد أمثالها ولم يوردها غيره
من أصحابنا ولا أودعها كتابه ولا ضمها تصنيفه، لا شيخنا المفيد ولا السيد المرتضى
ولا غيرهما من الجلة المشيخة المتقدمين.
وشيخنا أبو جعفر قد لوح بالرجوع بل صرح عما أورده في نهايته في مبسوطه ومسائل خلافه
فقال في مبسوطه: الأحكام المتعلقة باللعان أربعة: سقوط الحد عن الزوج وانتفاء النسب
وزوال الفراش والتحريم على التأبيد، فهذه الأحكام عند قوم تتعلق بلعان الزوج، فإذا وجد
منه اللعان بكماله سقط الحد وانتفى النسب وزال الفراش وحرمت المرأة على التأبيد، ويتعلق
به أيضا وجوب الحد على المرأة، فأما لعان المرأة فإنه لا يتعلق به أكثر من سقوط حد الزنى
عنها وحكم الحاكم لا تأثير له في إيجاب شئ من هذه الأحكام، فإذا حكم بالفرقة فإنما تنفذ
الفرقة التي كانت وقعت بلعان الزوج لا أنه يبتدئ إيقاع فرقة، وقال قوم وهو الذي يقتضيه
مذهبنا: أن هذه الأحكام لا تتعلق إلا بلعان الزوجين معا فما لم يحصل اللعان بينهما فإنه
لا يثبت شئ من ذلك، هذا آخر كلامه رحمه الله في مبسوطه.
وقال في مسائل خلافه مسألة: إذا قذف الرجل زوجته ووجب عليه الحد فأراد اللعان فمات
القاذف أو المقذوفة انتقل ما كان لها من المطالبة بالحد إلى ورثتها ويقومون مقامها في المطالبة،
وقال الشافعي وقال أبو حنيفة ليس لهم ذلك، بناه على أصله أن ذلك من حقوق الله دون
331

الآدميين دليلنا ما تقدم من أن ذلك من حقوق الآدميين، فإذا ثبت ذلك فكل من قال بذلك
قال بهذا ولم يفرق، هذا آخر المسألة.
وقال أيضا مسألة، إذا لاعن الزوج تعلق بلعانه سقوط الحد عنه وانتفاء النسب وزوال
الفراش وحرمت المرأة على التأبيد ويجب على المرأة الحد، ولعان المرأة لا يتعلق به أكثر من
سقوط حد الزنى عنها وحكم الحاكم لا تأثير له في إلحاق شئ من هذه الأحكام، فإذا حكم
بالفرقة فإنما تنفذ الفرقة التي كانت وقعت بلعان الزوج لا أنه يبتدئ إيقاع فرقة وبهذا قال
الشافعي، وذهبت طائفة: إلى أن هذه الأحكام تتعلق بلعان الزوجين معا فما لم يوجد اللعان
بينهما لم يثبت شئ منها، ذهب إليه مالك وأحمد وداود وهو الذي يقتضيه مذهبنا، ثم استدل
فقال: دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم فإنها دالة على ما قلناه وروى ابن عباس أن النبي
ع قال: المتلاعنان لا يجتمعان أبدا.
هذا آخر استدلاله في مسألته رحمه الله وهذا مثل ما ذكره في مبسوطه، وأيضا الرواية التي
أوردها في نهايته مخالفة لأصول المذهب وقد بينا أن أخبار الآحاد لا يعمل بها لأنها لا توجب
علما ولا عملا، وأيضا فإن الله تعالى قال: والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا
أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين والخامسة أن لعنة الله عليه إن
كان من الكاذبين، ثم قال: ويدروا عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات، وما قال أن يشهد
وليها فعلق تعالى الأحكام بشهادته وشهادتها، فمن قال: يقوم غيرها مقامها، يحتاج إلى دليل
وأيضا فعندنا أنها أيمان وليست شهادات لقول الرسول ع: لولا الأيمان لكان لي ولها
شأن، فسمي اللعان يمينا والأيمان عندنا لا يدخلها النيابة بغير خلاف، فكيف يحلف وليها
عنها؟
وقال في التبيان: وفرقة اللعان تحصل عندنا بتمام اللعان من غير حكم الحاكم وتمام اللعان إنما
يكون إذا تلاعن الرجل والمرأة معا، وقال قوم: تحصل بلعان الزوج الفرقة، وقال أهل العراق:
لا تقع الفرقة إلا بتفريق الحاكم بينهما ومتى رجمت عند النكول ورثها الزوج لأن زناها
لا يوجب التفرقة بينهما وإذا جلدت إذا لم يكن دخل بها فهما على الزوجية، وذلك يدل على أن
الفرقة، إنما تقع بلعان الرجل والمرأة معا، هذا آخر كلامه في التبيان لتفسير القرآن.
332

وإذا قال الرجل لامرأته: لم أجدك عذراء، لم يكن عليه الحد تاما وكان عليه التعزير.
ذكر شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه في كتاب اللعان فقال مسألة: إذا قال رجل الرجل
زنأت في الجبل، فظاهر هذا أنه أراد صعدت في الجبل ولا يكون صريحا في القذف بل يحمل على
الصعود، فإن ادعى عليه القذف كان القول قوله مع يمينه، فإن نكل ردت على المقذوف، فإن
حلف حد وبه قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد، وقال أبو حنيفة: هو قذف بظاهره يجب به
الحد، دليلنا أن الأصل براءة الذمة وشغلها يحتاج إلى دليل، وأيضا قوله زنأت في الجبل
حقيقته الصعود فأما الرمي بالزنى فإنما يقال فيه زنيت ولا يقال زنأت أ لا ترى أن القائل
يقول: زنأت أزنؤ زنا، يعني صعدت، وزنيت أزنى زنا وزناء بالمد والقصر لغتان يعني فعلت
الزنى فإحدى الصيغتين تخالف الأخرى، وقال الشاعر وهي امرأة: أشبه أبا أمك أو
أشبه عمل ولا تكونن كهلوف وكل
يصبح في مضجعه قد انجدل وارق إلى الخيرات زنا في الجبل
وأيضا لو كانت هذه اللفظة تحتمل لوجب ألا تحمل على القذف بالمحتمل لأن الحدود
موضوعة على أنها تدرأ بالشبهات، هذا آخر المسألة.
قال الجوهري في كتابه كتاب الصحاح: وعمل اسم رجل وقالت امرأة ترقص ولدها:
أشبه أبا أمك أو أشبه عمل وارق إلى الخيرات زنا في الجبل.
عمل اسم رجل وهو خاله تقول لا تجاوزنا في الشبه. وقال السيد المرتضى في الدرر والغرر لما
أنشد البيت قال: روى أبو زيدان قيس بن عاصم المنقري أخذ صبيا له يرقصه وأم ذلك
الصبي منفوسة وهي بنت زيد الفوارس بن ضرار الضبي فجعل قيس يقول له: أشبه
أبا أمك أو أشبه عمل، يريد عملي والوكل: الجبان، والهلوف - بكسر الهاء وفتح اللام
وتشديدها والفاء - الهرم المسن وهو أيضا الكبير اللحية، فعلى قول المرتضى الشعر لقيس بن
عاصم، وعلى قول الشيخ أبي جعفر والجوهري الشعر لامرأة، وعلى قول المرتضى لا يكون
عمل اسم رجل وعلى قول الجوهري هو اسم رجل وهو الأولى والأشبه.
فأما المرتد عن الاسلام فعلى ضربين: فإن كان مسلما ولد على فطرة الاسلام فقد بانت
منه امرأته في الحال وقسم ماله بين ورثته ووجب عليه القتل من غير أن يستتاب، وكان على
333

المرأة منه عدة المتوفى عنها زوجها، فعلى هذا تكون وارثة من جملة الورثة لأنه ساعة ارتد
صار بمنزلة الميت وإن لم يقتل بأن هرب إلى بلد أهل الحرب، فلأجل هذا لزمها عدة المتوفى
عنها زوجها.
فإن كان المرتد ممن كان قد أسلم عن كفر ثم ارتد استتيب، فإن عاد إلى الاسلام كان
العقد ثابتا بينه وبين امرأته وإن لم يرجع كان عليه القتل، ومتى لحق هذا المرتد بدار الحرب
ثم رجع إلى الاسلام قبل انقضاء عدة المرأة - وهي إما ثلاثة أقراء أو ثلاثة أشهر بحسب
حالها - كان أملك بها، فإن رجع بعد انقضاء عدتها لم يكن له عليها سبيل، فإن مات الرجل
وهو مرتد قبل انقضاء العدة ورثته المرأة وكان عليها عدة المتوفى عنها زوجها، وإن ماتت
هي لم يرثها وهو مرتد عن الاسلام.
ولا تقتل المرتدة بل تحبس وإن كانت قد ارتدت عن فطرة الاسلام حتى تسلم أو تموت
والزنديق من يبطن الكفر ويظهر الإيمان يقتل ولا تقبل توبته على ما رواه أصحابنا وأجمعوا
عليه.
334

باب الظهار والإيلاء:
يفتقر صحة الظهار الشرعي إلى شروط:
منها:
أن يكون المظاهر بالغا كامل العقل، لأنه لا يصح من صبي ولا مجنون ولا سكران، وفي
صحته من الكافر خلاف.
فقال شيخنا أبو جعفر: لا يصح الظهار من الكفار ولا التكفير، ثم قال في استدلاله: دليلنا أن
الظهار حكم شرعي لا يصح ممن لا يقر بالشرع كما لا يصح منه الصلاة وغيرها، وأيضا
فإن الكفارة لا تصح منه لأنها تحتاج إلى نية القربة ولا يصح ذلك مع الكفر وإذا لم تصح
منه الكفارة لم يصح منه الظهار لأن أحدا لا يفرق بينهما، وقال رحمه الله: يصح الإيلاء من
الذمي كما يصح من المسلم، ثم استدل فقال: دليلنا قوله تعالى: للذين يؤلون من نسائهم،
وذلك عام في المسلم والذمي.
قال محمد بن إدريس: فرقه رحمه الله بين المسألتين فرق عجيب واستدلاله عليهما ظريف ولو
قلب وعكس كان أولى وهاهنا يحسن قول القلب تصب لأن الإيلاء لا يكون إلا بالله تعالى
وبأسمائه، والكافر لا يعرف الله تعالى فلا ينعقد يمينه ولا نيته في تكفيره فالأولى لا يصح منه
الإيلاء، لأن ما احتج به شيخنا على أن الظهار لا يصح من الكافر قائم في إيلاء الكافر، والذي
يقوى في نفسي أن الظهار يصح من الكافر لقوله تعالى: الذين يظاهرون من نسائهم، وهذا
عام في جميع من يظاهر، وفي مقدوره الخروج منه بالكفارة بأن يسلم ويعرف الله تعالى كما أنه
335

مخاطب بالصلاة والطهارة وكذلك المحدث مخاطب بالصلاة لأن في مقدوره الطهارة، وإنما
وجب هذا الحكم لحرمة اللفظة وهو قوله: أنت على كظهر أمي، فهذا اللفظ الذي سماه الله
تعالى منكرا من القول وزورا، وقد تلفظ به الكافر وقاله فيجب أن تتعلق به أحكامه.
ومنها:
أن يكون مؤثرا له فلا يصح من مكره ولا غضبان لا يملك نفسه.
ومنها:
أن يكون قاصدا به التحريم فلا يقع بيمين ولا مع السهو واللغو.
ومنها:
أن يكون متلفظا بقوله: أنت على كظهر أمي،
على الصحيح من أقوال أصحابنا لأن الظهار حكم شرعي وقد ثبت وقوعه ولزومه إذا علق
بالظهر وأضيف إلى الأم ولم يثبت ذلك في باقي الأعضاء ولا المحرمات، وأيضا فإن الظهار
مشتق من لفظ الظهر فإذا علق بالبطن وما أشبهها بطل الاسم المشتق من الظهر ولم يجز
إجزاؤه. وقال بعض أصحابنا: إذا ذكر لفظة الظهر وقع إذا أضافه إلى بعض محرمات النسب
كأن يقول: أنت على كظهر بنتي أو عمتي أو أختي، فإن لم يذكر لفظة الظهر بل ذكر الأم كأن
يقول: أنت على كبطن أمي، وقع الظهار. وإن تعرى من ذكر اللفظتين معا فلا يقع الظهار
ولا يتعلق بذلك أحكامه. والأول هو الذي تقتضيه الأدلة وأصول مذهبنا وهو اختيار السيد
المرتضى، والثاني اختيار شيخنا أبي جعفر الطوسي ومذهبه.
ومنها:
أن يكون ذلك مطلقا من الاشتراط، على الأظهر من المذهب لأن بعض أصحابنا يوقعه مشروطا
ويجعله على ضربين مشروطا وغير مشروط وهو مذهب شيخنا أبي جعفر في نهايته والأول هو
المذهب والأظهر بين أصحابنا الذي تقتضيه أصول مذهبهم لأنه لا خلاف بينهم أن حكمه حكم
الطلاق ولا خلاف بينهم أن الطلاق لا يقع إذا كان مشروطا وهو اختيار السيد المرتضى و
شيخنا المفيد وجلة المشيخة من أصحابنا والأصل براءة الذمة وتحليل الزوجة فمن حرم
وطأها يحتاج إلى دليل وإجماعنا منعقد على الموضع الذي أجمعنا عليه وما عداه لا دلالة على
336

وقوع الظهار معه لأنه حكم شرعي يحتاج في إثباته إلى دليل شرعي.
ومنها:
أن يكون ذلك (موجها) إلى معقود عليها سواء كانت حرة أو أمة دائما نكاحها.
وقال بعض أصحابنا: أو مؤجلا ولا يقع بملك اليمين على الصحيح من المذهب، وقال شيخنا
أبو جعفر في نهايته: أنه يقع الظهار بملك اليمين، والأول اختيار السيد المرتضى وشيخنا المفيد
وهو الحق اليقين يعضده قوله تعالى: والذين يظاهرون من نسائهم، وملك يمين المظاهر ما هو
من جملة نسائه.
ومنها:
أن يكون معينا لها فلو قال وله عدة أزواج: زوجتي أو إحدى زوجاتي على كظهر أمي،
من غير تعيين لها بنية أو إشارة أو تسمية لم يصح.
ومنها:
أن تكون طاهرا من الحيض والنفاس طهرا لم يقربها فيه بجماع، إلا أن تكون حاملا
أو ليست ممن تحيض ولا في سنها من تحيض أو غير مدخول بها،
على الصحيح من مذهب أصحابنا والأظهر من أقوالهم، وقد ذهب بعض أصحابنا وهو
شيخنا أبو جعفر في نهايته: إلى أن الظهار لا يقع بغير المدخول بها، والقرآن قاض بصحة ما
اخترناه لأن الآية على عمومها وهو قوله تعالى: والذين يظاهرون من نسائهم، وهي قبل
الدخول بها يتناولها هذا الاسم بغير خلاف، وما اخترناه اختيار السيد المرتضى وشيخنا المفيد.
أو مدخولا بها وهي غائبة عن زوجها غيبة مخصوصة.
على ما قدمناه في أحكام الطلاق لأنا قد بينا أن أحكام الظهار أحكام الطلاق وشرائطه
شرائطه في جميع الأشياء إلا ما أخرجه الدليل.
ومنها:
أن يكون الظهار منها بمحضر من شاهدي عدل.
337

يدل على ذلك كله إجماع أصحابنا ونفي الدليل الشرعي على وقوعه مع اختلال بعض
الشروط، ولا يقدح فيما اعتمدناه من الاجماع خلاف من خالف من أصحابنا بوقوع الظهار مع
الشرط وثبوت حكمه مع تعلق اللفظ بغير الظهر وإضافته إلى غير الأم من المحرمات ونفى
وقوعه بغير المدخول بها ووقوعه بملك اليمين لتميزه من جملة المجمعين باسمه ونسبه، على
أن قوله تعالى: والذين يظاهرون من نسائهم، ينافي تعليقه بغير الظهر وعدم وقوعه بغير
المدخول بها لأن الظهار مشتق من لفظ الظهر على ما قدمناه وغير المدخول بها توصف بأنها
من نساء الزوج حسب ما بيناه.
فإذا تكاملت شروط الظهار حرمت الزوجة عليه، فإن عاد لما قال بأن يريد استباحة
الوطء لزمه أن يكفر قبله بعتق رقبة، فإن لم يجد صام شهرين متتابعين فإن لم يستطع أطعم
ستين مسكينا لأن هذه الكفارة عندنا على الترتيب، ولا يحرم عليه تقبيلها ولا ضمها
ولا عناقها.
وقال بعض أصحابنا: يحرم عليه تقبيلها قبل أن يكفر كما يحرم وطؤها، واستدل بقوله تعالى:
من قبل أن يتماسا، وهذا لا دلالة فيه لأن المسيس هاهنا بلا خلاف المراد به الوطء.
ويستدل على أن العود شرط في وجوب الكفارة بظاهر القرآن لأنه لا خلاف أن المظاهر لو طلق
قبل الوطء لا يلزمه الكفارة، وهذا يدل على أن الكفارة لا يجب بنفس الظهار، ويدل على أن
العود ما ذكرناه أن الظهار إذا اقتضى التحريم وأراد المظاهر الاستباحة وآثر رفعه كان عائدا
لما قال، ومعنى: ثم يعودون لما قالوا، أي للمقول فيه كقوله سبحانه: واعبد ربك حتى يأتيك
اليقين، أي الموقن به كقوله ع: الراجع في هبته، أي في الموهوب وكذا يقال: اللهم
أنت رجاؤنا، أي مرجونا. ولا يجوز أن يكون المراد بالعود الوطء على ما ذهب إليه قوم لأنه تعالى
قال: فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا، فأوجب الكفارة بعد العود وقبل الوطء فدل على أنه
غيره، ولا يجوز أن يكون العود إمساكها زوجة مع القدرة على الطلاق على ما قاله الشافعي لأن
العود يجب أن يكون رجوعا إلى ما يخالف مقتضى الظهار، وإذا لم يقتض فسخ النكاح لم يكن
العود الإمساك عليه، ولأنه تعالى قال: ثم يعودون لما قالوا، وذلك يقتضي التراخي. والقول
بأن العود هو البقاء على النكاح قول بحصوله عقيب الظهار من غير فصل وهو بخلاف الظاهر.
338

وإذا جامع المظاهر قبل التكفير فعليه كفارتان: إحديهما كفارة العود والأخرى عقوبة
الوطء قبل التكفير، بدليل إجماعنا ولأن بذلك يحصل اليقين لبراءة الذمة، وإن استمر
المظاهر على التحريم فزوجة الدوام بالخيار بين الصبر على ذلك وبين المرافعة إلى الحاكم،
وعلى الحاكم أن يخيره بين التكفير واستباحة الجماع وبين الطلاق، فإن لم يجب إلى شئ من
ذلك أنظره ثلاثة أشهر فإن فاء إلى أمر الله تعالى في ذلك وإلا ضيق عليه في المطعم والمشرب
حتى يفئ ولا يلزمه الحاكم بالطلاق ولا يطلق عليه.
وإذا طلق قبل التكفير سقطت عنه الكفارة، فإن راجع في العدة لم يجز له الوطء حتى
يكفر، وإن خرجت من العدة واستأنف العقد عليها جاز له الوطء من غير تكفير.
ومن أصحابنا من قال: لا يجوز له الوطء حتى يكفر على كل حال، وظاهر القرآن معه لأنه
يوجب الكفارة بالعود من غير فصل، والأكثر بين الطائفة الأول
وإذا ظاهر من زوجتين له فصاعدا لزمه مع العود لكل واحدة منهن كفارة سواء
ظاهر من كل واحدة على الانفراد أو جمع بينهن في ذلك كله بكلمة واحدة، وإذا كرر كلمة
الظهار لزمه بكل دفعة كفارة، فإن وطء التي كرر أقول عليها قبل أن يكفر يلزمه كفارة
واحدة عن الوطء وكفارات التكرار.
وفرض العبد في كفارة الظهار الصوم وفرضه فيه كفرض الحر لظاهر القرآن.
ومن أصحابنا من قال: الذي يلزمه شهر واحد والأول الأظهر.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: ومتى ظاهر الرجل امرأته مرة بعد أخرى كان عليه بعدد كل
مرة كفارة، فإن عجز عن ذلك لكثرته فرق الحاكم بينه وبين امرأته.
قال محمد بن إدريس: والأولى أن يستغفر الله تعالى بدلا عن الكفارة ولا يفرق الحاكم بينه
وبين زوجته لأن التفريق بينهما يحتاج إلى دليل ولا دليل على ذلك، إلا أن شيخنا رجع في
استبصاره وقال: يستغفر الله ويطأ زوجته وتكون الكفارة في ذمته إذا قدر عليها كفر.
والصحيح أن الاستغفار كفارة لمن لا يقدر على الكفارة رأسا.
وإذا حلف الرجل بالظهار لم يلزمه حكمه إذا قال: أنت على كظهر أمي، ولم ينو الظهار
لم يقع. وكذلك إذا قال: أنت على كظهر أمي، ونوى به الطلاق لم يكن طلاقا ولا ظهارا.
339

إذا قال: أنت على حرام، لم يتعلق بذلك عند أصحابنا حكم من الأحكام لا ظهار
ولا طلاق ولا إيلاء ولا يمين ولا غير ذلك على ما قدمناه.
قال شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه في كتاب الظهار مسألة: المكفر بالصوم إذا وطء
زوجته التي ظاهر منها في حال الصوم عامدا نهارا كان أو ليلا بطل صومه ولزمه استئناف
الكفارتين، فإن كان وطؤه ناسيا مضى في صومه ولم يلزمه شئ، ثم استدل فقال: دليلنا إجماع
الفرقة وطريقة الاحتياط وأيضا فإن الله تعالى قال: فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا،
وهذا وطء قبل الشهرين فيلزمه كفارتان على ما مضى القول فيه، هذا آخر استدلاله رحمه الله.
قال محمد بن إدريس: أما وجوب الكفارة الأخرى فصحيح وأما استئناف الكفارة المأخوذ فيها
بالصوم إذا وطء ليلا فبعيد لا وجه له ولا دليل على استئناف الصيام، لأن الاستئناف ما جاءنا
إلا في المواضع المعروفة المجمع عليها، وهي إن وطء بالنهار عامدا من غير عذر المرض قبل أن
يصوم من الشهر الثاني شيئا فيجب عليه الاستئناف للكفارة التي موجبها الظهار وكفارة أخرى
للوطء عقوبة على ما قدمناه، فأما إذا وطء ليلا فعليه كفارة الوطء ولا يجب عليه استئناف
ما أخذ فيه لأنه لا دليل عليه من كتاب ولا سنة ولا إجماع والأصل براءة الذمة، فأما إذا وطء
بالنهار عامدا بعد أن صام من الشهر الثاني شيئا فعليه كفارة الوطء فحسب ويبني على ما صام
ولا يجب عليه الاستئناف، فليلحظ ذلك فهذا الذي يقتضيه أصول مذهبنا.
وقال شيخنا في مسائل خلافه مسألة: إذا وجبت عليه الكفارة بعتق رقبة في كفارة ظهار أو قتل
أو جماع أو يمين أو يكون قد نذر عتق رقبة فإنه يجزئ في جميع ذلك ألا تكون مؤمنة إلا في القتل
خاصة.
قال محمد بن إدريس: اختلف أصحابنا في ذلك والأظهر الذي يقتضيه أصول المذهب أن جميع
الرقاب في الكفارات وغيرها لا تجزئ إلا المؤمنة أو بحكم المؤمنة، ولا تجزئ الكافرة لأن الله
تعالى قال: ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون، والكافر خبيث بغير خلاف و
النهي يدل على فساد المنهي عنه والإعتاق يسمى إنفاقا، وأيضا طريقة الاحتياط تقتضيه لأن الذمة مشغولة بالكفارة
بغير خلاف ولا تبرأ بيقين إلا إذا كفر بالمؤمنة لأن غيرها فيه خلاف، وهذا اختيار السيد
340

المرتضى وغيره من المشيخة، والأول اختيار شيخنا أبي جعفر الطوسي رحمه الله إلا أنه رجع عنه
في التبيان فقال في تفسير قوله تعالى: " ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ": وفي الفقهاء من استدل
بهذه الآية على أن الرقبة الكافرة لا تجزئ في الكفارة، وضعفه قوم وقالوا: العتق ليس بإنفاق،
والأولى أن يكون ذلك صحيحا لأن الانفاق يقع على كل ما يخرج لوجه الله عتقا كان أو غيره،
هذا آخر كلامه رحمه الله في كتاب التبيان لتفسير القرآن.
وقال شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه مسألة: عتق المكاتب لا يجزئ في الكفارة سواء أدى من
مكاتبته شيئا أو لم يؤد.
قال محمد بن إدريس: الصحيح أنه إذا لم يؤد شيئا من مكاتبته يجوز عتقه ويجزئ في الكفارة
لأنه بعد عبد لم يتحرر منه شئ بغير خلاف وبهذا قال في نهايته، هذا إذا كانت المكاتبة
مطلقة، فأما إذا كانت مشروطة فإنه يجوز إعتاقه سواء أدى من كتابته شيئا أو لم يود لأنه عندنا
رق وأحكامه أحكام الرق في جميع الأشياء إلا ما خرج بالدليل وعتق أم الولد عندنا جائز في
الكفارات وكذلك عتق المدبر الذي يبتدأ بتدبيره لا عن نذر قد حصل شرطه لأنه إذا
حصل شرطه فقد انعتق.
وقال رحمه الله في مسائل خلافه مسألة: إذا أعتق عبدا مرهونا وكان موسرا أجزأه وإن كان
معسرا لا يجزئه.
قال محمد بن إدريس: لا يجزئ عتق العبد المرهون قبل فكه من الرهن سواء كان الراهن
موسرا أو معسرا لأن العتق تصرف بغير خلاف، وإجماع أصحابنا أن تصرف الراهن في
الرهن غير صحيح ولا ماض، وأنه لا يجوز له التصرف فيه بغير خلاف بينهم، وأنه منهي عن
التصرف فيه، وكل تصرف يتصرف فيه فإنه باطل والنهي يدل على فساد المنهي عنه، ثم
ما قال بهذا أحد من أصحابنا ولا وجدته مسطورا في تصنيف أحد منهم، وشيخنا إن كان قال
هذا عن أثر رواية متلقى بالقبول أو أخبار متواترة جاز العمل به إذا لم يمكن تأويله، وإن كان
قاله من تلقاء نفسه على سبيل الاستدلال والاستحسان فلا يعول على ذلك، فكيف ولم يرد به
رواية لا من طريق الآحاد ولا من طريق التواتر؟
ثم استدل رحمه الله على ما ذهب إليه في صدر المسألة فقال: دليلنا على أن عتق الموسر جائز
341

قوله تعالى: فتحرير رقبة مؤمنة، ولم يفصل، وعلى أن عتق المعسر لا يجزئ إن ذلك يؤدى إلى
إبطال حق العتق فلا يجوز ذلك وعليه إجماع الفرقة لأنهم أجمعوا على أنه لا يجوز من الراهن
التصرف في الرهن وذلك عام في جميع ذلك، هذا آخر استدلاله وهذا الاستدلال قاض عليه
وحاكم على فساد ما ذهب إليه لأن جميع ما استدل به على أن عتق المعسر لا يجزئ لازم له في
عتق الموسر حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة فالمخصص يحتاج إلى دليل فإني ما
استجملت له رحمه الله مع جلالة قدره هذا القول.
ثم قال رحمه الله في مسائل خلافه إذا كان له عبد قد جنى جناية عمد فإنه لا يجزئ إعتاقه في
الكفارة وإن كان خطأ جاز ذلك، ثم قال في استدلاله: دليلنا إجماع الفرقة لأنه لا خلاف بينهم
إذا كانت جناية عمد أنه ينتقل ملكه إلى المجني عليه، وإن كان خطأ فدية ما جناه على مولاه
لأنه عاقلته وعلى هذا لا بد مما قلناه، هذا آخر استدلاله.
قال محمد بن إدريس: ما قاله رحمه الله في صدر المسألة غير واضح، وكذلك ما قاله في استدلاله
لأنه قال: وإن كان خطأ جاز، وأطلق الكلام والصحيح أنه لا يجزئ إلا إذا ضمن دية الجناية،
فأما قبل التزامه وضمانه فلا يجوز لأنه قد تعلق برقبة العبد الجاني حق الغير فلا يجوز إبطاله، و
ما قاله في استدلاله: أن مولاه عاقلته، فغير صحيح لأنه لا خلاف بين أصحابنا أن السيد غير
عاقلة العبد وإجماعهم منعقد على هذا وشيخنا قائل به أيضا في غير كتابه هذا في هذا الموضع.
وقال في مبسوطه في كتاب الظهار: إذا كان له عبد قد جنى فأعتقه قال بعضهم إن كان جنى
عمدا أنفذ العتق وإن كان خطأ فعلى قولين، ومنهم من عكس هذا فقال: إن كان خطأ لم ينفذ
العتق وإن كان عمدا فعلى قولين، والذي يقتضيه مذهبنا أنه إن كان عمدا نفذ العتق لأن القود
لا يبطل بكونه حرا، وإن كان خطأ فلا ينفذ لأنه يتعلق برقبته والسيد بالخيار بين أن يفديه
أو يسلمه، هذا آخر كلامه رحمه الله في مبسوطه. وهذا بخلاف ما ذكره في مسائل خلافه وهو
قوي يمكن القول به والاعتماد عليه.
وقال أيضا في مسائل خلافه مسألة: إذا كان له عبد غائب يعرف خبره وحياته فإن إعتاقه
جائز في الكفارة بلا خلاف وإن لم يعرف خبره ولا حياته لا يجزئه.
قال محمد بن إدريس: وأخبار أصحبنا المتواترة عن الأئمة الأطهار وإجماعهم منعقد على: أن
342

العبد الغائب يجوز عتقه في الكفارة إذا لم يعلم منه موت لأن الأصل الحياة، وهو موافق في
نهايته على ذلك وقائل به ولا يلتفت إلى خلاف ما عليه الاجماع.
إذا كان عليه كفارتان من جنس واحد فأعتق عنها أو صام بنية التكفير دون التعيين
أجزأه بلا خلاف، وإن كانت من أجناس مختلفة فلا بد فيها من نية التعيين عن كل كفارة
وإن لم يعين لم يجزئه.
إذا أدخل الطعام أو الشراب في حلقه بالإكراه لم يفطر بلا خلاف، وإن ضرب حتى أكل
أو شرب فعندنا لا يفطر ولا يقطع التتابع ولا يلزمه أن ينوي التتابع في الصوم بل يكفيه نية
الصوم فحسب، والمعتبر في وجوب الكفارات المرتبة حال الأداء دون حال الوجوب.
من قدر حال الأداء على الإعتاق لم يجزئه الصوم، وإن كان غير واجد لها حين الوجوب
يجب أن يطعم في كفارة اليمين خاصة ما يغلب على قوته وقوت أهله لا من غالب قوت
البلد، فأما غيرها من الكفارات فلا يلزمه من قوت أهله بل الواجب عليه الإطعام مما يسمى
طعاما وإطعاما لأن دليل كفارة اليمين قوله تعالى: من أوسط ما تطعمون أهليكم، ولم يذكر في
غيرها من الكفارات ذلك، ولا يجوز اخراج القيم في الكفارات ويجوز اخراج القيم عندنا في
الزكوات.
إذا كسى خمسة وأطعم خمسة في كفارة اليمين لم يجزه لأنه لم يمتثل ظاهر الآية.
وقال شيخنا أبو جعفر في التبيان في تفسير آية الظهار: والرقبة ينبغي أن تكون مؤمنة سواء
كانت ذكرا أو أنثى صغيرة أو كبيرة إذا كانت صحيحة الأعضاء فإن الاجماع واقع على أنه يقع
الاجزاء بها، وقال الحسن وكثير من الفقهاء: إن كانت كافرة أجزأت فهذا يدلك على رجوعه
عما قاله في نهايته من أنها تجزئ إن كانت كافرة.
343

باب الإيلاء:
يفتقر الإيلاء الشرعي الذي يتعلق به إلزام الزوج بالفيئة - بفتح الفاء، أو الطلاق بعد
مطالبة الزوجة بذلك إلى شروط: منها أن يكون الحالف بالغا كامل العقل، ومنها أن يكون
المولى منها زوجة دوام، ومنها أن يكون الحلف بما ينعقد به الأيمان عند أهل البيت عليهم
السلام لأنه لا ينعقد اليمين عندهم إلا بأسماء الله تعالى دون سائر المحدثات، ومنها أن
يكون ذلك مطلقا من الشروط، ومنها أن يكون مع النية والاختيار من غير غصب ولا إكراه
ولا إجبار، ومنها أن تكون المدة التي حلف ألا يطأ الزوجة فيها أكثر من أربعة أشهر،
ومنها أن تكون الزوجة مدخولا بها، ومنها ألا يكون إيلاؤه في صلاحه لمرض يضر به
الجماع أو في صلاح الزوجة لمرض أو حمل أو رضاع لأنه لا خلاف في ثبوت ذلك مع تكامل
ما ذكرناه وليس على ثبوته مع اختلال بعضها دليل فوجب نفيه.
ومتى تكاملت هذه الشروط في الإيلاء فمتى جامع حنث ولزمته كفارة يمين، وإن استمر
اعتزاله لها فهي بالخيار بين الصبر عليه وبين مرافعته إلى الحاكم، فإن رافعته إليه - ولو بعد
الإيلاء بلا فصل أو بعده ولو تطاول الزمان - أمره بالجماع والتكفير، فإن أبي أنظره أربعة
أشهر من حين المرافعة لا من حين اليمين ليراجع نفسه ويرتئي في أمره، فإن مضت هذه
المدة ولم يجب إلى ما أمره فعليه أن يلزمه الفيئة أو الطلاق فإن أبي ضيق عليه في التصرف
والمطعم والمشرب حتى يفعل أيهما اختار.
ولا تقع الفرقة بين الزوجين بانقضاء المدة وأنما يقع بالطلاق،
344

بدليل قوله تعالى: وإن عزموا الطلاق، فأضاف الطلاق إلى الزوج كما أضاف الفيئة إليه
فكما أن الفيئة لا تقع إلا بفعله وكذلك الطلاق، وأيضا الأصل بقاء العقد فمن ادعى أن
انقضاء المدة طلقة بائنة أو رجعية فعليه الدليل.
ويخص ما اشترطناه من كونها زوجة دوام بقوله تعالى: وإن عزموا الطلاق، والنكاح
المؤجل لا طلاق فيه.
ونحتج على المخالف فيما اعتبرناه من كون اليمين بأسماء الله تعالى خاصة بما رووا من قوله
ع: من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت.
ونحتج عليه في النية بقوله ع: الأعمال بالنيات، والمراد أن أحكام الأعمال إنما يثبت
بالنية لما علمنا من حصول الأعمال في أنفسها من غير نية.
ونحتج عليه في الإكراه بما رووه من قوله ع: رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما
استكرهوا عليه، ويدخل في ذلك رفع الحكم والمأثم لأنها لا تنافي بينهما.
ويخص كون المدة أكثر من أربعة أشهر قوله تعالى: الذين يؤلون من نسائهم تربص
أربعة أشهر، فأخبر سبحانه أن له التربص هذه المدة فثبت أن ما يلزمه من الفيئة أو الطلاق
يكون بعدها.
ويخص كونها مدخولا بها قوله تعالى: فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم، لأن المراد
بالفيئة العود إلى الجماع بلا خلاف، ولا يقال عاد إلى الجماع إلا لمن تقدم منه فعله وهذا
لا يكون إلا في المدخول بها.
ومتى آلى ألا يقرب زوجته وهي مرضعة خوفا من حملها فيضر ذلك بالولد لم يلزمه
الحاكم حكم الإيلاء لأنه حلف في صلاح، وكذلك إن حلف ألا يقربها خوفا على نفسه من
مرض به أو بها فلا يلزمه الحاكم حكم الإيلاء لأن هذا في صلاح والإيلاء لا يكون إلا في إضرار
بالمرأة، وكذلك إن حلف ألا يقربها في الموضع المكروه فلا يلزمه الحاكم حكم الإيلاء لأن هذا
ليس بإضرار للمرأة.
وإذا ادعت المرأة على الرجل أنه لا يقربها وزعم الرجل أنه يقربها، كان عليه اليمين
بالله تعالى إن الأمر على ما قال ويخلى بينه وبينها وليس عليه شئ.
345

إذا قال: والله لا جامعتك لا أصبتك لا وطئتك، وقصد به الإيلاء كان إيلاء وإن لم يقصد
لم يكن بها مؤليا وهي حقيقة في العرف في الكناية عن الجماع، وكذلك إذا قال: والله
لا باشرتك لا لامستك لا باضعتك، وقصد بها الإيلاء والعبارة عن الوطء كان مؤليا وإن لم
يقصد لم يكن مؤليا، فإن قال: و الله لا جمع رأسي ورأسك شئ لا ساقف رأسي ورأسك شئ
لا جمع رأسي ورأسك مخدة، كل هذه لا ينعقد بها إيلاء ولا حكم لها، لأن الأصل براءة الذمة
وثبوت الإيلاء وحكمه بهذه الألفاظ يحتاج إلى دليل ولا دليل على ذلك.
إذا طلق المولى طلقة كانت رجعية، إذا قال: إن أصبتك فأنت على حرام، لم يكن مؤليا
ولا يتعلق به حكم على ما بيناه. إذا قال: إن أصبتك فلله على أن أعتق عبدي، لا يكون مؤليا،
وعندنا أن الإيلاء لا يقع بشرط لأن ثبوت الإيلاء شرط يحتاج إلى دليل.
الإيلاء يقع بالرجعية لأنها زوجة عندنا ويحتسب من مدتها زمان العدة. إذا آلى من أربع
نسوة فقال: والله لا وطئتكن، فلا يحنث بوطئ واحدة منهن وكذلك إن وطء اثنين أو ثلاثا
منهن، فإن وطء الرابعة حنث ولزمته اليمين ولذلك لا يوقف إلا للأخيرة، فأما إن قال: والله
لا وطئت واحدة منكن فأي واحدة وطئ يحنث ووجبت عليه الكفارة وانحلت في حق
الباقيات، فإن وطئ بعدها أخرى لا يجب عليه سوى الكفارة الأولى، فأما إن قال: والله
لا وطئت كل واحدة منكن، فمن وطئ منهن وجبت عليه في حقها الكفارة ولم تنحل في
حق الباقيات، ومتى وطئ واحدة من الباقيات كان عليه الكفارة. والفرق واضح بين هذه
الثلاث المسائل فليلحظ.
346

باب الخلع والمباراة والنشوز والشقاق:
سمى الله تعالى الخلع في كتابه افتداء فقال: فلا جناح عليهما فيما افتدت به، والفدية
العوض الذي تبذله المرأة لزوجها تفتدي نفسها منه به.
ومنه: فداك أبي وأمي، أي هما فداؤك. ومنه يقال: فدى الأسير، إذا افتدى من المال فإن فودي
رجل برجل قيل: مفاداة، هذا حقيقة الخلع في الشرع، فأما اللغة فهو الخلع واشتقاقه
من: خلع يخلع، وإنما استعمل هذا في الزوجين لأن كل واحد منهما لباس لصاحبه، قال الله
تعالى: هن لباس لكم وأنتم لباس لهن، فلما كان كل واحد منهما لباسا لصاحبه استعمل في
ذلك الخلع في كل واحد منهما لصاحبه.
والأصل في الخلع الكتاب والسنة. فالكتاب قوله تعالى: ولا يحل لكم أن تأخذوا مما
آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح
عليهما فيما افتدت به، فرفع الجناح في أخذ الفدية منها عند خوف التقصير في إقامة
الحدود المحدودة في حقوق الزوجية فدل على جواز الفدية.
والخلع والمباراة مما يؤثران في كيفية الطلاق وهو أن كل واحد منهما متى حصل مع
الطلاق كانت التطليقة بائنة لا رجعة للزوج على المرأة في العدة إلا أن ترجع فيما بذلته
وافتدت به قبل خروجها من العدة فله حينئذ الرجوع في بضعها على ما يأتي بيانه إن شاء الله
تعالى.
وفرق أصحابنا بين الخلع والمباراة فلم يختلفوا في أن المباراة لا تقع إلا بلفظ الطلاق، واختلفوا في
347

الخلع فقال المحصلون منهم فيه ذلك مثل ذلك، وقال قوم منهم: يقع بلفظ الخلع، وفرقوا أيضا بين
حكميهما فقالوا: الخلع لا يكون إلا بكراهة من جهة المرأة دون الرجل ويجوز أن يأخذ منها مهر
مثلها وزيادة أو المهر المسمى وزيادة أو أنقص من ذلك كيف ما اتفقا عليه من قليل وكثير،
والمباراة تكون الكراهة منهما جميعا ولا يجوز أن يأخذ منها أكثر من المهر، وقال بعضهم: دون المهر
فأما مثل المهر أو أكثر فلا يجوز. والصحيح أنه يجوز أن يأخذ مثل المهر فأما أكثر منه فلا يجوز.
فأما إذا كانت الحال بين الزوجين عامرة والأخلاق ملتئمة واتفقا على الخلع فبذلت له
شيئا على طلاقها لم يحل له ذلك وكان محظورا لإجماع أصحابنا على أنه لا يجوز له خلعها
إلا بعد أن يسمع منها ما لا يحل ذكره من قولها: لا أغتسل لك من جنابة ولا أقيم لك حدا
ولأوطئن فراشك من تكرهه، أو يعلم ذلك منها فعلا وهذا مفقود هاهنا فيجب ألا يجوز الخلع،
وأيضا قوله تعالى: ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله،
وهذا نص فإنه حرم الأخذ منها إلا عند الخوف من إقامة الحدود.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: وإنما يجب الخلع إذا قالت المرأة لزوجها: إني لا أطيع لك أمرا
ولا أقيم لك حدا ولا أغتسل لك من جنابة ولأوطئن فراشك من تكرهه إن لم تطلقني، فمتى
سمع منها هذا القول أو علم من حالها عصيانه في شئ من ذلك وإن لم تنطق به وجب عليه
خلعها.
قال محمد بن إدريس: قوله رضي الله عنه: وجب عليه خلعها، على طريق تأكيد الاستحباب
دون الفرض والإيجاب لأن الشئ إذا كان عندهم شديد الاستحباب أتوا به بلفظ الوجوب
على ما بيناه في غير موضع وإلا فهو مخير بين خلعها وطلاقها وإن سمع منها ما سمع بغير
خلاف لأن الطلاق بيده ولا أحد يجبره على ذلك، فإذا أراد خلعها اقترح عليها مهما أراد على
ما ذكرناه.
ولا يصح البذل إلا على ما يملكه المسلمون فإن خلعها على ما لا يملكه المسلمون وكان
عالما بذلك كان الخلع غير صحيح، فأما إن خلعها على ما في هذه الجرة من الخل فخرج خمرا
كان الخلع صحيحا وله عليها مثل ملأ الجرة من الخل إن وجد وإلا فقيمته وكذلك إذا تزوجها
على ذلك حرفا فحرفا، فإذا تقرر بينهما على شئ معلوم طلقها بعد ذلك وتكون التطليقة
348

بائنة لا يملك رجعتها اللهم إلا أن ترجع المرأة فيما بذلته من مالها، فإن رجعت في شئ من
ذلك كان له الرجوع في بضعها ما لم تخرج من العدة فإن خرجت من العدة ثم رجعت في
شئ مما بذلته لم يلتفت إليها ولم يكن له عليها أيضا رجعة.
فإن أراد مراجعتها قبل انقضاء عدتها - إذا لم ترجع هي فيما بذلته أو بعد انقضائها -
كان ذلك بعقد مستأنف، فإن رجعت في البذل قبل خروجها من عدتها فقد قلنا له الرجوع
في بعضها إلا أن يكون قد تزوج بأختها أو برابعة مع الثلاث الباقيات عنده فلا يجوز له
الرجوع في بضعها وإن كان لها الرجوع في البذل، لأن الشارع جوز لها الرجوع فيما بذلته
قبل خروجها من عدتها، وهذه قد رجعت قبل خروجها من عدتها وجوز له الرجوع في
بضعها إذا أمكنه ذلك وحل له وهذا لم يحل له هاهنا الرجوع لأنه أتى من قبل نفسه بفعاله
والمنع لها من الرجوع فيما بذلته يحتاج إلى دليل ولا دليل عليه.
والخلع لا يقع إلا أن تكون المرأة طاهرة طهرا لم يقربها فيه بجماع، أو يكون غير مدخول
بها، أو يكون غائبا عنها زوجها غيبة مخصوصة على ما قدمناه في أحكام الطلاق لأن حكمه
حكمه، أو يكون قد أيست من المحيض وليس في سنها من تحيض، وأن يحضر الشاهدان
العدلان.
وجميع أحكام الطلاق معتبرة في الخلع لأنه طلاق إلا أن في مقابلته عوضا تبذله المرأة
لكراهتها المقام مع الزوج، فإن قدم لفظ الخلع وعقب بلفظ الطلاق كان جائزا، وإن لم يقدم
لفظ الخلع بل مجرد لفظ الطلاق في مقابلة العوض وقعت أحكام الخلع على كل حال.
فأما ما ذهب إليه بعض أصحابنا إلى أنه يقع الفرقة بمجرد الخلع دون أن يتبع بطلاق، على
ما حكيناه عنهم فغير معتمد لأن الأصل الزوجية فمن أبانها بهذا يحتاج إلى دليل ولا دليل له
من كتاب ولا سنة ولا إجماع والأصل بقاء الزوجية.
فإن مات الرجل أو المرأة بعد الخلع وقبل انقضاء العدة لم يقع بينهما توارث لأنه قد
انقطعت العصمة بينهما سواء كان ذلك من الرجل في حال مرضه أو لم يكن وليس هذا
الحكم حكم الطلاق في المرض لا عن عوض.
وحمله على ذلك قياس ونحن لا نقول به فليلحظ ذلك، وإلى هذا القول يذهب شيخنا أبو جعفر
349

في استبصاره لما توسط بين الأخبار ولنا في ذلك نظر.
وأما المباراة:
فأحكامها أحكام الخلع سواء حرفا حرفا إلا ما قدمناه من الفرق الذي فرق به أصحابنا
فلا حاجة بنا إلى تفصيل أحكامها لأن أحكام الخلع قد فصلناها، فهي خلع إلا العبارة
والفروق المقدم ذكرها فحسب.
قال شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه مسألة: الصحيح من مذهب أصحابنا أن الخلع بمجرده
لا يقع ولا بد معه من التلفظ بالطلاق، وفي أصحابنا من قال: لا يحتاج معه إلى ذلك بل نفس
الخلع كاف، إلا أنهم لم يبينوا أنه طلاق أو فسخ، هذا آخر كلامه رحمه الله.
قال محمد بن إدريس: من ذهب من أصحابنا إلى: أنه لا يحتاج معه إلى طلاق بل نفس الخلع
كاف، قالوا: إنه يجري مجرى الطلاق وأنها تبقى معه إذا تزوجها على طلقتين، من جملة من
ذهب إلى ذلك السيد المرتضى ذكر في الناصريات في المسألة الخامسة والستين والمائة، فقال:
الخلع فرقة بائنة وليست كل فرقة طلاقا كفرقة الردة واللعان، قال السيد المرتضى: عندنا أن
الخلع إذا تجرد عن لفظ الطلاق بانت به المرأة وجرى مجرى الطلاق في أنه ينقص من عدد
الطلاق وهذه فائدة اختلاف الفقهاء في أنه طلاق أو فسخ، لأن من جعله فسخا لا ينقص به من
عدد الطلاق شيئا فيحل وإن خالعها ثلاثا، وقال أبو حنيفة وأصحابه ومالك والثوري
والأوزاعي والبتي والشافعي في أحد قوليه: إن الخلع تطليقة بائنة، وللشافعي قول آخر: أنه
فسخ، وروي ذلك عن ابن عباس وهو قول أحمد وإسحاق، الدليل على صحة ما ذهبنا إليه
الاجماع المتقدم ذكره، ويدل على ذلك أيضا ما روي من أن ثابت بن قيس لما خلع زوجته بين
يدي النبي ع لم يأمره بلفظ الطلاق، فلما خالعها قال لها رسول الله ص
: اعتدي، ثم التفت إلى أصحابه فقال: هي واحدة، فهذا دلالة على أنه طلاق وليس
بفسخ على أن الفسخ لا يصح في النكاح ولا الإقالة، هذا آخر كلام السيد المرتضى ألا تراه قد
جعله طلاقا فكيف. قال شيخنا أبو جعفر مقاله مع اطلاعه على مقالات أصحابنا، وهذا السيد
المرتضى من أعيانهم وكثيرا يحكي عنه شيخنا مقالاته واختباراته.
350

الخلع جائز بين الزوجين ولا يفتقر إلى حاكم، ومتى اختلفا في النقد واتفقا في القدر
والجنس أو اختلفا في تعيين القدر أو إطلاق اللفظ أو اختلفا في الإرادة بلفظ القدر من الجنس
والنقد فعلى الرجل البينة، فإذا عدمها كان القول قول المرأة مع يمينها لأنها الغارمة المدعى
عليها، ولا يقع الخلع بشرط ولا صفة لأنا قد بينا أنه طلاق وأن أحكامه أحكام الطلاق.
إذا اختلعها أجنبي من زوجها بعوض بغير إذنها لم يصح ذلك.
إذا خالع أربع نسوة صفقة واحدة بألف أو تزوج أربعا بمهر مسمى، فالذي يقتضيه
مذهبنا أن المهر صحيح وينقسم بينهن بالسوية وكذلك في الخلع، ويكون الفداء صحيحا
ويلزم كل واحدة منهن حصتها بالسوية.
فأما النشوز:
فهو أن يكره الرجل المرأة وتريد المقام معه وتكره مفارقته، ويريد الرجل طلاقها
فتقول له: لا تفعل إني أكره أن تشمت بي ولكن أنظر ليلتي فاصنع فيها ما شئت وما كان
سوى ذلك من نفقة وغيرها فهي لك وأعطيك أيضا من مالي شيئا معلوما ودعني على حالي،
فلا جناح عليهما أن يصالحا بينهما على هذا الصلح.
وقال بعض أصحابنا وهو ابن بابويه في رسالته: وقد يكون النشوز من قبل المرأة لقوله تعالى:
واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن، وهذا القول أقوى من
الأول لظاهر القرآن، والأول مذهب شيخنا أبي جعفر في نهايته.
ويحل للزوج ضربها بنفس النشوز عندنا بعد الوعظ لها والهجران في المضجع لظاهر
التنزيل وهو قوله تعالى: واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع
واضربوهن، فاقتضى ظاهره متى خاف النشوز منها حل له الموعظة والهجران والضرب.
أما الموعظة: فإنه يخوفها بالله تعالى ويعرفها أن عليها طاعة زوجها ويقول: اتق الله
وراقبيه وأطيعيني ولا تمنعيني حقي عليك. والهجران في المضجع: أن يعتزل فراشها، وروي
من طريق أصحابنا أن الهجران هو أن يحول ظهره إليها في المضجع. وأما الضرب: فهو أن
يضربها ضرب تأديب كما يضرب الصبيان على التأديب ولا يضربها ضربا مبرحا ولا مدميا
351

ولا مزمنا، وروي في بعض أخبارنا أنه يضربها بالسواك وذلك على جهة الاستحباب وإلا له
أن يضربها بالسوط ضرب أدب لأن ظاهر الآية يقتضي ذلك.
قال شيخنا في مبسوطه: وروى بعض الصحابة قال: كنا معاشر قريش يغلب رجالنا نساءنا
فقدمنا المدينة فكانت نساؤهم تغلب رجالهم فاختلطت نساؤنا بنسائهم فذئرن على
أزواجهن، فقلت: يا رسول الله ذئر النساء على أزواجهن، فرخص في ضربهن.
قال محمد بن إدريس: ذئر بالذال المعجمة المفتوحة والياء المنقطة بنقطتين من تحتها المهموزة
المكسورة والراء الغير المعجمة، ومعناه اجترأ واجترأن قال عبيد بن الأبرص.
ولقد أتانا عن تميم أنهم ذئروا لقتلى عامر وتغضبوا.
وأما الشقاق:
فاشتقاقه من الشق وهو الناحية والجانب وكان كل واحد من الزوجين في ناحية من
الآخر وجانب، وفي عرف الشرع فهو أنه إذا كره كل واحد من الزوجين الآخر ووقع بينهما
الخصومة ولا يصطلحان لا على المقام ولا على الفراق والطلاق، فالواجب على الحاكم أن
يبعث حكما من أهل الزوج وحكما من أهل المرأة - وبعثهما على طريق التحكيم عندنا
لا على طريق التوكيل على ما يذهب إليه بعض المخالفين - فإن رأيا من الصلاح الإصلاح
بينهما فعلا من غير استئذان، وإن رأيا الفراق والطلاق فليس لهما ذلك وأعلما الحاكم ليدبر
الأمر فيما بينهما، إلا أن يكون الرجل قد وكل الحكم المبعوث من أهله في طلاق الزوجة
فللحكم حينئذ أن يطلق قبل الاستئذان إن رأى ذلك صلاحا، وكذلك المرأة إن وكلت ا
لحكم المبعوث من أهلها في البذل فله ذلك من دون إعلامها.
وقال شيخنا أبو جعفر في مبسوطه: والمستحب أن يكون حكم الزوج من أهله وحكم المرأة من
أهلها للظاهر وإن بعث من غير أهلها جاز.
قال محمد بن إدريس: ذلك على طريق الإيجاب دون الاستحباب لظاهر القرآن.
ويكون الحكمان حرين ذكرين عدلين.
ذكر سلار في رسالته فقال: وشروط الخلع والمباراة شروط الطلاق إلا أنهما يقعان بكل زوجة.
352

قال محمد بن إدريس: معنى قوله: يقعان بكل زوجة، يريد أنه بائن لا رجعة مع واحد منهما سواء
كان الخلع أو المباراة مصاحبا للطلقة الأولة أو الثانية لأنه لما عدد البوائن ذكر ذلك، وقال
الراوندي من أصحابنا: أراد المتمتع بها، وهذا خطأ محض لأن المباراة لا بد فيها من طلاق
والمتمتع بها لا يقع بها طلاق.
353

باب العدة:
إذا طلق الرجل زوجته قبل الدخول بها لم يكن عليها منه عدة وحلت للأزواج في
الحال، فإن كان قد فرض لها مهرا وسماه كان عليه نصف ما فرض، وإن لم يكن سمى لها
مهرا كان عليه أن يمتعها على قدر حاله وزمانه، إن كان موسرا بجارية أو ثوب تبلغ قيمته
عشرة دنانير أو خمسة فصاعدا، وإن كان متوسطا فما بين الثلاثة الدنانير إلى ما زاد
عليها، وإن كان معسرا بدينار أو بخاتم وما أشبهه على قدر حاله كما قال تعالى: على
الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين، والمعتبر بالمتعة حال
الرجال دون النساء وبمهر المثل حال النساء دون حال الرجال.
وجملة الأمر وعقد الباب أن يقال: العدة على ضربين: عدة من طلاق وما يقوم مقامه
وعدة من وفاة وما يجري مجراها.
والمطلقة:
على ضربين: مدخول بها وغير مدخول بها.
فغير المدخول بها لا عدة عليها بلا خلاف على ما قدمناه.
والمدخول بها لا تخلو: إما أن تكون حاملا أو حائلا.
فإن كانت حاملا فعدتها أن تضع جميع حملها على ما بيناه في أبواب الطلاق وشرحناه
وحكينا مقالة بعض أصحابنا في ذلك حرة كانت أو أمة بغير خلاف يعتد به وقوله تعالى:
وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن، يدل على ذلك ولا يعارض هذه الآية قوله تعالى:
والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء، لأن آية وضع الحمل عامة في المطلقة وغيرها
وناسخة لما تقدمها بلا خلاف، يبين ذلك أن قوله سبحانه: والمطلقات يتربصن بأنفسهن
ثلاثة قروء، في غير الحوامل لأنه تعالى قال: ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن،
ومن كانت مستبينة الحمل لا يقال فيها ذلك وإذا كانت خاصة في غير الحوامل لم يعارض آية
الحمل لأنها عامة في المطلقة وغيرها.
وإن كانت حائلا فلا يخلو: أن تكون ممن تحيض أو لا تحيض.
354

فإن كانت ممن تحيض فعدتها إن كانت حرة ثلاثة قروء بلا خلاف، وإن كانت أمة
فعدتها قرءان بلا خلاف عندنا وعند باقي الفقهاء إلا من داود، فإن عتقت في العدة
وكانت العدة رجعية تممتها عدة الحرة وإن كانت العدة بائنة فلا يجب عليها تمام العدة للحرة
بل يجب عليها الخروج مما أخذت فيه من عدة الأمة. والقرء بفتح القاف عندنا هو الطهر بين
الحيضتين.
فإن كانت لا تحيض ومثلها تحيض فعدتها إن كانت حرة ثلاثة أشهر بلا خلاف، وإن
كانت أمة فخمسة وأربعون يوما، وإن كانت لا تحيض لصغر لم تبلغ تسع سنين أو لكبر بلغ
خمسين سنة مع تغير عادتها وهما اللتان ليس في سنهما من تحيض:
فقد اختلف أصحابنا في وجوب العدة عليها فمنهم من قال: لا يجب، ومنهم من قال: يجب
أن تعتد بالشهور، وهي ثلاثة أشهر وهو اختيار السيد المرتضى وبه قال جميع المخالفين،
ويحتج لصحة ما ذهب إليه بأن قال: طريقة الاحتياط تقتضي ذلك وأيضا قوله تعالى:
واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن،
وهذا نص وقوله تعالى: إن ارتبتم، معناه على ما ذكرناه جمهور المفسرين: إن كنتم مرتابين
في عدة هؤلاء النساء أو غير عالمين بمقدارها، فقد روي أن أبي بن كعب قال: يا رسول الله
إن عددا من عدد النساء لم تذكر في الكتاب الصغار والكبار وأولات الأحمال، فأنزل الله
تعالى: واللائي يئسن من المحيض، إلى قوله: وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن،
ولا يجوز أن يكون الارتياب بأنها آيسة من المحيض أو غير آيسة لأنه تعالى قطع في من
تضمنته الآية باليأس من المحيض بقوله: واللائي يئسن، والمرتاب في أمرها لا تكون
آيسة. وإذا كان المرجع في حصول حيض المرأة وارتفاعه إلى قولها كانت مصدقة فيما
تخبر به من ذلك وأخبرت بأحد الأمرين لم يبق للارتياب في ذلك معنى، وكان يجب لو كانت
الريبة راجعة إلى ذلك أن يقول: إن ارتبن، لأن الحكم في ذلك يرجع إلى النساء ويتعلق بهن.
ولا يجوز أن يكون الارتياب بمن تحيض أو لا تحيض ممن هو في سنها لأنه لا ريب في ذلك
من حيث كان المرجع فيه إلى العادة، على أنه لا بد فيما علقنا به الشرط وجعلنا الريبة واقعة
فيه من مقدار عدة من تضمنته الآية من أن يكون مرادا من حيث لم يكن معلوما لنا قبل
355

الآية، وإذا كانت الريبة حاصلة بلا خلاف تعلق الشرط به واستقل بذلك الكلام ومع
استقلاله يتعلق الشرط بما ذكرناه ولا يجوز أن يعلق بشئ آخر كما لا يجوز فيه لو كان
مستقلا اشتراطه، فهذا جملة ما يتمسك به من نصر اختيار المرتضى.
والقول الآخر أكثر وأظهر بين أصحابنا وعليه يعمل العامل منهم وبه يفتي المفتي
والروايات بذلك ظاهرة متواترة، وأيضا الأصل براءة الذمة من هذا التكليف فمن علق عليها
شيئا يحتاج إلى دليل، وهو مذهب شيخنا المفيد وشيخنا أبي جعفر في سائر كتبه، فأما
الآية فلا تعلق فيها بحال لا تصريحا ولا تلويحا لأنه تعالى شرط في إيجاب العدة ثلاثة أشهر
إن ارتابت، والريبة لا تكون إلا في من تحيض مثلها، فأما من لا تحيض مثلها فلا ريبة عليها
ولا يتناولها الشرط المؤثر.
وأما ما يقوم مقام الطلاق:
فانقضاء أجل المتمتع بها وعدتها قرءان إن كانت ممن تحيض وخمسة وأربعون
يوما إن كانت ممن لا تحيض.
فأما عدة المتوفى عنها زوجها:
إن كانت حرة حاملا فعدتها أربعة أشهر وعشرة أيام سواء كانت صغيرة أو كبيرة
مدخولا بها أو غير مدخول بها بلا خلاف، وقد دخل في هذا الحكم المطلقة طلاقا رجعيا
إذا توفي زوجها وهي في العدة لأنها زوجة على ما بيناه، ولا تتمم على ما مضى لها من
عدتها قبل موت الزوج بل يجب عليها استئناف عدة الوفاة وهي أربعة أشهر وعشرة أيام
من وقت موته لقوله تعالى: والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة
أشهر وعشرا، أراد تعالى تربص بعد الموت لا قبل الموت، وهذه عدة المتمتع بها إذا
توفي عنها زوجها قبل انقضاء أيامها على الصحيح من المذهب.
وقد ذهب بعض أصحابنا: إلى أن عدة المتمتع بها إذا مات زوجها عنها وهي في جباله
شهران وخمسة أيام والقرآن قاض عليه، فإن مات بعد خروجها من حباله وانقضاء أيامه
356

قبل خروجها من عدتها فلا يجب عليها إلا تمام العدة التي أخذت فيها دون عدة الوفاة لأنها
ليست زوجة للميت، وكذلك المطلقة طلاقا بائنا لا رجعة للمطلق فيه ومات زوجها عنها
قبل خروجها من عدتها التي لا رجعة له عليها فيها فإنها تتمم العدة التي أخذت فيها دون
عدة الوفاة لأنها ليست زوجة للميت على ما قدمناه.
وقد روي أن عدة أم الولد لوفاة سيدها وعدتها لو زوجها سيدها وتوفي عنها زوجها
أربعة أشهر وعشرة أيام.
والأولى في أم الولد أن لا عدة عليها في موت مولاها لأنه لا دليل عليه من كتاب ولا سنة
مقطوع بها ولا إجماع والأصل براءة الذمة وهذه ليست زوجة بل باقية على الملك والعبودية
إلى حين وفاته، فأما عدة الأمة المتوفى عنها زوجها سواء كانت أم ولد أو لم تكن فأربعة
أشهر وعشرة أيام، على الصحيح من المذهب، والذي يقتضيه أصول أصحابنا ويعضده
ظاهر القرآن لأن الله تعالى قال: والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن
أربعة أشهر وعشرا، وهذه زوجة بلا خلاف.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: عدتها إذا لم تكن أم ولد شهران وخمسة أيام على النصف
من عدة الحرة المتوفى عنها زوجها، إلا أنه رجع عن هذا في كتابه التبيان لتفسير القرآن
واختار ما اخترناه.
فإن توفي زوج الجارية وكان قد طلقها وهي في العدة، فإن كان أول طلاقها وله عليها
الرجعة فالواجب عليها أن تعتد من وقت موته أربعة أشهر وعشرة أيام تستأنف ذلك
ولا تعتد بما مضى من الأيام ولا تبني عليها، وإن كان ثاني طلاقها وهي في العدة التي لا رجعة له
عليها فتتمم ما أخذت فيه ولا تستأنف عدة الوفاة.
فإن كانت مطلقة وأخذت في العدة ثم أعتقها مولاها وهي في العدة، فإن كانت
لا رجعة للزوج عليها فيها بنت على عدة الأمة، وإن كان له عليها الرجعة تممت عدة الحرة،
وإن كانت المتوفى عنها زوجها حاملا فعليها أن تعتد عندنا خاصة بأبعد الأجلين، فإن وضعت
قبل انقضاء أربعة أشهر وعشرة أيام لم تنقض عدتها حتى تكمل تلك المدة، وإن كملت المدة
قبل وضع الحمل لم تنقض عدتها حتى تضع حملها.
357

لإجماع أصحابنا على ذلك وطريقة الاحتياط لأن العدة عبادة وتكليف تستحق عليها الثواب
فإذا كان الثواب فيما ذهبنا إليه أوفر لأن المشقة فيه أكثر كان أولى من غيره، وقوله تعالى:
وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن، معارض بقوله تعالى: والذين يتوفون منكم
ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا، وإذا عملنا بما ذهبنا إليه نكون
عاملين بالآيتين معا، والمخالف لا يمكنه العمل بآية عدة المتوفى عنها زوجها وهي الأربعة أشهر
والعشرة الأيام إذا كانت حاملا ووضعت قبل مضى المدة فيترك الآية هاهنا رأسا.
وأما ما يجري مجرى الموت فشيئان:
أحدهما:
غيبة الزوج التي لا تعرف الزوجة معها له خبرا ولا لها نفقة، وأنه إذا لم تختر الصبر على
ذلك ورفعت أمرها إلى الإمام في حال ظهوره أو إلى نوابه في هذه الحال، ولم يكن له ولي يمكنه
الانفاق ولا له مال ينفق عليها منه أنفق عليها الإمام من بيت المال، وبعث من يتعرف خبره في
الآفاق والجهات التي سافر إلى نحوها، فإن لم يعرف له خبر حتى انقضت أربع سنين من يوم
رفعت أمرها إلى الإمام بالاعتداد عنه أربعة أشهر وعشرة أيام عدة المتوفى عنها
زوجها، فإن قدم وهي في العدة قبل خروجها منها فهو أملك بها بالعقد الأول، وإن جاء بعد
خروجها من العدة فقد اختلف قول أصحابنا في ذلك.
فقال بعضهم: الزوج أملك بها وقال آخرون هي أملك بنفسها وهو خاطب من الخطاب لأن لها
أن تتزوج بعد خروجها من العدة بلا فصل فلو كان أملك بها لما جاز لها التزويج، وهذا اختيار
شيخنا أبي جعفر في مبسوطه فإنه رجع عما ذكره في نهايته، وهذا الذي يقوى في نفسي لأنها قد
خرجت من العدة خروجا شرعيا من عدة شرعية فقد بانت منه وحلت للأزواج بغير خلاف، ولا
دلالة على عودها إليه من غير عقد جديد، فإن عودها إليه وكونه أملك بها حكم شرعي يحتاج في
إثباته إلى دليل شرعي، ولا دلالة على ذلك من كتاب ولا سنة ولا إجماع منعقد لأنا قد بينا أن
أصحابنا مختلفون في ذلك والأصل براءة الذمة.
فأما إذا تزوجت فلا خلاف بينهم في أن الثاني أحق بها من الأول، وهذا حكم باطل في
358

حال غيبة الإمام ع وقصور يده فإنها مبتلاة وعليها الصبر إلى أن تعرف موته
أو طلاقه على ما وردت به الأخبار عن الأئمة الأطهار.
والثاني:
الارتداد عن الاسلام على الوجه الذي لا يقبل التوبة منه.
وحكم العدة في الطلاق الرجعي لا تخرج من بيت مطلقها إلا باذنه ولا يجوز له
اخراجها منه وهي أحق بالسكنى فيه، فإن باعه وكانت عدتها بالأقراء التي هي الأطهار
أو بالحمل فالبيع غير صحيح، وإن كانت عدتها بالشهور فالبيع صحيح وتكون مدة الشهور
مستثناة ولا يجوز له اخراجها منه إلا أن تؤذي أهله أو تأتي فيه بما يوجب الحد فيخرجها
لا قامته ولا يجب عليه ردها إليه.
وقال بعض أصحابنا: يخرجها لإقامته ويردها ولا تبيت إلا فيه ولا يردها إذا أخرجها للأذى،
والأظهر ألا يردها في الموضعين لأن ردها يحتاج إلى دليل.
ويجب عليه النفقة في عدة الطلاق الرجعي ولا يجب في عدة البائن إلا أن تكون حاملا
فإن النفقة تجب على الزوج لها بلا خلاف لقوله تعالى: وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن
حتى يضعن حملهن، ولا نفقة لبائن حامل غير المطلقة الحامل فحسب لدليل الآية، وإلحاق
غيرها بها قياس ونحن لا نقول به لا لمتمتع بها ولا لمفسوخ نكاحها وغير ذلك، ولا نفقة
للمتوفى عنها زوجها إذا كانت حائلا بلا خلاف، وإن كانت حاملا أنفق عليها عندنا خاصة
من مال ولدها الذي يعزل له حتى تضع،
على ما روي في الأخبار وذهب إليه شيخنا أبو جعفر في جميع كتبه، والذي يقوى في نفسي
وتقتضيه أصول مذهبنا ألا ينفق عليها من المال المعزول لأن الانفاق حكم شرعي يحتاج إلى
دليل شرعي والأصل ألا إنفاق، وأيضا النفقة لا تجب للوالدة الموسرة، وهذه الأم لها مال فكيف
تجب النفقة عليها؟ فإن كان على المسألة إجماع منعقد من أصحابنا قلنا به وإلا بقينا على نفي
الأحكام الشرعية إلا بأدلة شرعية، وما اخترناه وحررناه مذهب شيخنا محمد بن محمد بن
النعمان المفيد في كتابه التمهيد فإنه قال: إن الولد إنما يكون له مال عند خروجه إلى الأرض
359

حيا فأما وهو جنين لا يعرف له موت من حياة فلا ميراث له ولا مال على الانفاق، فكيف ينفق
على الحبلى من مال من لا مال له لولا السهو في الرواية أو الإدغال فيها، هذا آخر كلامه رحمه
الله وقد أشبع القول فيه وجنح الكلام والاحتجاج، فمن أراد الوقوف عليه وقف من كتابه
الذي أشرنا إليه ونبهنا عليه وهو كتاب التمهيد فإن فيه أشياء حسنة ومناظرات شافية.
وتبيت المتوفى عنها زوجها حيث شاءت ويلزمها الإحداد بلا خلاف إذا كانت حرة
صغيرة كانت أو كبيرة.
قال محمد بن إدريس: ولي في الصغيرة نظر لأن لزوم الحداد حكم شرعي وتكليف سمعي
والتكاليف لا تتوجه إلا إلى العقلاء، وإنما ذهب شيخنا في مسائل خلافه: إلى أن الصغيرة
يلزمها الحداد، ولم يدل بإجماع الفرقة ولا بالأخبار وهذه المسألة لا نص لأصحابنا عليها
ولا إجماع.
والحداد هو اجتناب الزينة في الهيئة ومس الطيب واللباس وكل ما تدعو النفس إليه
سواء كان طيبا أو غيره، ولا تلزم المطلقة إن كانت بائنا كل ذلك بدليل إجماع الطائفة
ودلالة الأصل، وقوله تعالى: من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق.
ويلزم عدة الوفاة للغائب عنها زوجها من يوم يبلغها الخبر لا من يوم الوفاة بغير
خلاف بين أصحابنا.
وذهب بعض أصحابنا: إلى أن حكم المعتدة من طلاق زوجها الغائب كذلك، والأظهر والأكثر
المعمول عليه الفرق بين الموضعين، وهو أن في عدة الطلاق تعتد من يوم طلقها إذا قامت بينة
عدول تضبط التاريخ.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: وإذا كانت المرأة مسترابة فإنها تراعى الشهور والحيض.
فإن مرت بها ثلاثة أشهر بيض لم تر فيها دما فقد بانت منه بالشهور، وإن مرت بها ثلاثة أشهر
إلا يوما ثم رأت الدم كان عليها أن تعتد بالأقراء، فإن تأخرت عنها الحيضة الثانية فلتصبر
من يوم طلقها إلى تمام التسعة أشهر، فإن لم تر دما فلتعتد بعد ذلك بثلاثة أشهر وقد بانت منه،
وإن رأت الدم فيما بينها وبين التسعة أشهر ثانيا واحتبس عليها الدم الثالث فلتصبر تمام
السنة ثم تعتد بعد ذلك بثلاثة أشهر تمام الخمسة عشر شهرا وقد بانت منه، وأيهما مات ما بينه و
360

بين الخمسة عشر شهرا ورثه صاحبه.
قال محمد بن إدريس: الذي تقوى في نفسي أنها إذا احتبس الدم الثالث بعد مضى تسعة
أشهر اعتدت بعدها بثلاثة أشهر تمام السنة، لأنها تستبرأ بتسعة أشهر وهي أقصى مدة الحمل
فيعلم أنها ليست حاملا، ثم تعتد بعد ذلك عدتها وهي ثلاثة أشهر.
وشيخنا أبو جعفر رجع عما ذكره في نهايته في الجزء الثالث من استبصاره وقال بما اخترناه
فإنه قال في باب: إن المرأة إذا حاضت فيما دون الثلاثة أشهر كانت عدتها بالأقراء، فأورد الخبر
الذي ذكره في نهايته وهو عن عمار الساباطي الذي قال فيه: تكون عدتها إلى تمام الخمسة
عشر شهرا، ثم أورد خبرا بعده عن ابن محبوب عن مالك بن عطية عن سودة بن كليب قال:
سئل أبو عبد الله ع عن رجل طلق امرأته تطليقة على طهر من غير جماع بشهود
طلاق السنة وهي ممن تحيض فمضى ثلاثة أشهر فلم تحيض إلا حيضة واحدة ثم ارتفعت
حيضتها حتى مضت ثلاثة أشهر أخرى ولم تدر ما رفع حيضتها؟ قال: إن كانت شابة
مستقيمة الحيض فلم تطمث في ثلاثة أشهر إلا حيضة ثم ارتفع طمثها ولا تدري ما رفعها فإنها
تتربص من يوم طلقها ثم تعتد بعد كل ثلاثة أشهر ثم تتزوج إن شاءت.
قال محمد بن الحسن: هذا الخبر ينبغي أن يكون العمل عليه لأنها تستبرئ بتسعة أشهر وهو
أقصى مدة الحمل فيعلم أنها ليست حاملا ثم تعتد بعد ذلك عدتها وهي ثلاثة أشهر، والخبر
الأول نحمله على ضرب من الفضل والاحتياط بأن تعتد إلى خمسة عشر شهرا، هذا آخر كلام
شيخنا أبي جعفر في استبصاره.
وإذا حاضت المرأة حيضة واحدة ثم ارتفع حيضها وعلمت أنها لا تحيض بعد ذلك
لكبر فلتعتد بعد ذلك بشهرين وقد بانت منه على ما رواه أصحابنا، وإذا كانت المطلقة
مستحاضة وتعرف أيام حيضها فلتعتد بالأقراء وإن لم تعرف أيام حيضها اعتبرت صفة الدم
واعتدت أيضا بالأقراء، فإن اشتبه عليها دم الحيض بدم الاستحاضة ولم يكن لها طريق إلى
الفرق بينهما اعتبرت عادة نسائها في الحيض فتعتد على عادتهن في الأقراء.
هكذا ذكره شيخنا في نهايته، والأولى تقديم العادة على اعتبار صفة الدم لأن العادة أقوى.
فإن لم يكن لها نساء لهن عادة رجعت إلى اعتبار صفة الدم.
361

وهذا مذهبه في جمله وعقوده.
فإن لم يكن لها نساء أو كن مختلفات العادة اعتدت بثلاثة أشهر وقد بانت منه.
هذا على قول من يقول بكون حيض هذه في كل شهر ثلاثة أيام أو عشرة أيام أو سبعة أيام، ففي
الثلاثة الأشهر يحصل لها ثلاثة أطهار. فأما على قول من يقول: تجعل
عشرة أيام طهرا وعشرة أيام حيضا، فتكون عدتها أربعين يوما ولحظتين.
ومتى كانت المرأة لها عادة بالحيض في حال الاستقامة، ثم اضطربت أيامها فصارت
مثلا بعد أن كانت تحيض كل شهر لا تحيض إلا في شهرين أو ثلاثة أشهر وصار ذلك عادة لها
فلتعتد بالأقراء التي قد صارت عادة لها لا بالعادة الأولى وقد بانت منه.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته: ومتى كانت المرأة لها عادة بالحيض في حال الاستقامة ثم
اضطربت أيامها فصارت مثلا بعد أن كانت تحيض كل شهر لا تحيض إلا في شهرين أو ثلاثة
أو ما زاد عليه فلتعتد بالأقراء على ما جرت به عادتها في حال الاستقامة وقد بانت منه.
قال محمد بن إدريس: قوله رحمه الله فلتعتد بالأقراء على ما جرت به عادتها في حال الاستقامة،
إن أراد بذلك في الشهر والشهرين والثلاثة من غير تجاوز الثلاثة الأشهر ولم يصر ذلك عادة
لها بل هي عارفة بعادتها الأولى، فلتعتد بما قال من عادتها الأولى في حال استقامة أقرائها. وإن
أراد أن العادة الأولى اضطربت عليها واختلفت وصارت ناسية لأوقاتها وأيامها غير عالمة بها
ثم صار حيضها في الشهرين والثلاثة عادة لها ثابتة مستمرة توالت عليها شهران متتابعان
ترى الدم فيهما أياما سواء في أوقات سواء، فلتجعل ذلك عادة لها وتعتد بذلك لا بالعادة الأولى
التي نسيتها واضطربت عليها. فأما ما زاد على الثلاثة الأشهر فصارت لا ترى الدم إلا بعد
ثلاثة أشهر، فإن هذه تعتد بالأشهر الثلاثة البيض بغير خلاف لقولهم ع: أمران
أيهما سبق فقد بانت به وكان ذلك عدة لها وقد سبقت الثلاثة الأشهر البيض، فهذا تحرير
الحديث وفقهه.
وإذا كانت المرأة لا تحيض إلا في ثلاث سنين أو أربع سنين مرة واحدة وكان ذلك عادة
لها فلتعتد بثلاثة أشهر وقد بانت منه ليس عليها أكثر من ذلك لما قدمناه من سبق الأشهر
الثلاثة البيض.
362

وإذا طلق امرأة، فإن ارتابت بالحمل بعد أن طلقها أو ادعت ذلك صبر عليها تسعة
أشهر ثم تعتد بعد ذلك بثلاثة أشهر وقد بانت منه، فإن ادعت بعد انقضاء هذه المدة حملا لم
يلتفت إلى دعواها وكانت باطلة.
هكذا أورده شيخنا في نهايته، والأولى عندي أنها تبين وتنقضي عدتها بعد التسعة الأشهر
ولا يحتاج إلى استئناف عدة أخرى بثلاثة أشهر، لأنه لا دليل عليه لأن في ذلك المطلوب من
سبق الأشهر البيض الثلاثة أو وضع الحمل، وإنما ذلك خبر واحد أورده شيخنا في نهايته
إيرادا لا اعتقادا.
وقال شيخنا في نهايته: وعدة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرة أيام إذا كانت حرة،
سواء كانت زوجة على طريق الدوام أو متمتعا بها، وسواء دخل بها الزوج أو لم يدخل، وإن
كانت أمة، فإن كانت أمة فإن كانت أم ولد لمولاها فعدتها أيضا مثل عدة الحرة أربعة أشهر
وعشرة أيام، وإن كانت مملوكة ليست أم ولد فعدتها شهران وخمسة أيام.
وقد قلنا: إن الصحيح من الأقوال والأظهر بين أصحابنا أن المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر
وعشرة أيام سواء كانت حرة أو أمة أم ولد كانت أو غير أم ولد الظاهر القرآن، وشيخنا فقد
رجع عما ذكره في نهايته في كتابه التبيان لتفسير القرآن.
وقال رحمه الله في نهايته: فإن طلقها الرجل ثم مات عنها فإن كان طلاقها طلاقا يملك فيه
رجعتها كان عدتها أربعة أشهر وعشرة أيام إذا كانت أم ولد، وإن لم تكن أم ولد كانت عدتها
شهرين وخمسة أيام حسب ما قدمناه، وقد قلنا نحن ما عندنا في ذلك.
وقال: وإن لم يملك رجعتها فعدتها عدة المطلقة حسب ما قدمناه، وإذا مات عنها زوجها ثم
عتقت كان عدتها أربعة أشهر وعشرة أيام، وكذلك إن كانت الأمة يطأها بملك اليمين وأعتقها
بعد وفاته كان عليها أن تعتد أربعة أشهر وعشرة أيام، فإن أعتقها في حال حياته كان عدتها
ثلاثة قروء أو ثلاثة أشهر حسب ما قدمناه.
قال محمد بن إدريس: قد ورد حديث بما ذكره رحمه الله فإن كان مجمعا عليه فالإجماع هو الحجة،
وإن لم يكن مجمعا عليه فلا دلالة على ذلك والأصل براءة ذمتهما من العدة لأن إحديهما غير
متوفى عنها زوجها - أعني من جعل عتقها بعد موته - فلا يلزمها عدة الوفاة والأخرى غير
363

مطلقة - أعني من أعتقها في حال حياته - فلا يلزمها عدة المطلقة، ولزوم العدة حكم شرعي
يحتاج في إثباته إلى دليل شرعي ولا دلالة على ذلك من كتاب ولا سنة مقطوع بها ولا إجماع
منعقد والأصل براءة الذمة.
وقال رحمه الله في نهايته: وإذا طلق الرجل زوجته الحرة ثم مات عنها، فإن كان طلاقا يملك
فيه الرجعة فعدتها أبعد الأجلين أربعة أشهر وعشرة أيام، وإن لم يملك رجعتها كان عدتها عدة
المطلقة.
قال محمد بن إدريس: قوله رحمه الله: فعدتها أبعد الأجلين، عبارة غير متعارفة بين الفقهاء في
هذا الموضع وإنما يقال ذلك عندنا في الحامل المتوفى عنها زوجها فحسب، وإنما مقصوده رحمه
الله أن الطلاق وإن كان يملك المطلق فيه الرجعة ثم مات وهي في العدة فالواجب عليها أن
تعتد منذ يوم مات أربعة أشهر وعشرة أيام، ولا تحتسب بما اعتدت به ولا يبني عليه، وتستأنف
عدة الوفاة التي هي أطول من العدة التي كانت فيها، أعني عدة الطلاق فلأجل ذلك قال: أبعد
الأجلين، لأن الرجعية عندنا زوجة فتناولها - إذا مات عنها زوجها - ظاهر القرآن من قوله
تعالى: والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا، وهذا
وذر زوجة فيجب عليها التربص منذ يوم مات أربعة أشهر وعشرا.
لأنه تعالى أراد أن يتربص منذ يوم مات فإذا بنت على ما اعتدت من عدة الطلاق ما تربصت
منذ يوم مات أربعة أشهر وعشرا.
فأما إذا كان عدة الطلاق لا يملك فيه الرجعة فتتمم على ما اعتدت إلى أن تستوفى عدة
الطلاق دون عدة الوفاة لأنه ما مات عن زوجة ولا مات لها زوج هي في حباله بل هو أجنبي منها
وهي أجنبية منه، فهذا الفرق بين الموضعين والمميز بين المسألتين.
وعدة اليهودية والنصرانية مثل عدة الحرة المسلمة إذا مات عنها زوجها أربعة أشهر
وعشرة أيام، وقد قدمنا أن المتوفى عنها زوجها عليها الحداد إذا كانت حرة، فإن كانت أمة
لم يكن عليها حداد.
هكذا ذكره شيخنا في نهايته ورجع عنه في مبسوطه وقال يلزمها الحداد لعموم الخبر المروي عن
الرسول ع من قوله: لا تحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على أحد فوق الثلاث
364

في جملة العدة، وإلى هذا يذهب السيد المرتضى في كتاب الانتصار ونعم ما قال فإن
الصحيح معه في ذلك على ما حررناه وأوضحناه فليلحظ ببصر التأمل.
إذا زوج صبي صغير امرأة فمات عنها لزمها عدة الوفاة أربعة أشهر وعشرا.
المعتدة بالأشهر إذا طلقت في آخر الشهر اعتدت بالأهلة بلا خلاف، فإن طلقت في وسط
الشهر سقط اعتبار الهلال في هذا الشهر واحتسب بالعدد، فتنتظر قدر ما بقي من الشهر و
تعتد بعدة هلالين ثم تتمم من الشهر الرابع ثلاثين يوما وتلفق الأنصاف والساعات.
إذا طلقها واعتدت ثم أتت بولد لأكثر من ستة أشهر من وقت انقضاء العدة إذا كانت
العدة بالأشهر الثلاثة لم يلحقه، لأنا قد دللنا على أن زمان الحمل لا يكون أكثر من تسعة
أشهر.
إذا خلا بها ولم يدخل بها لم يجب عليها العدة ولا يجب لها جميع المسمى إذا طلقها بعد
ذلك سواء كانت ثيبا أو بكرا.
لأنه الذي تقتضيه أصول مذهبنا ولا يلتفت إلى رواية ترد بخلاف ذلك لأن الأصل براءة الذمة
من المهر والعدة وشغلها يحتاج إلى دليل.
الأمة إذا كانت تحت عبد وطلقها طلقة ثم أعتقت ثبت له عليها رجعة بلا خلاف ولها
اختيار الفسخ، فإن اختارت الفسخ بطل حق الرجعة بلا خلاف، وعندنا أنها تتم عدة
الحرة ثلاثة أقراء على ما قدمناه.
إذا تزوج امرأة ودخل بها ثم خلعها ثم تزوجها وطلقها قبل الدخول بها لا عدة عليها
لقوله تعالى: ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة، وهذه طلقها في
هذا العقد الثاني قبل المسيس.
إذا طلقها طلقة رجعية ثم راجعها ثم طلقها بعد الدخول بها فعليها استئناف العدة
بلا خلاف، وإن طلقها ثانيا قبل الدخول بها فعليها استئناف العدة بلا خلاف، وإن طلقها
ثانيا قبل الدخول فعليها أيضا استئناف العدة لأن العدة الأولى قد انقضت بالرجعة.
كل موضع تجتمع على المرأة عدتان فإنهما لا يتداخلان بل تأتي بكل واحدة منهما على
الكمال تقدم الأولى ثم الثانية.
365

إلا على زوج فإنها تحد أربعة أشهر وعشرا، وهذا عام وبهذا أفتى.
والحداد هو: ترك الزينة وأكل ما فيه الرائحة الطيبة وشمه وليس الثياب المزعفرات
والملونات التي تدعو النفس إليها وتميل الطباع نحوها، والكحل بأنواع ما يحسن العين،
وكذلك ما يرجل الشعر ويحسنه.
لأن الحداد هو المنع يقال: حدت المرأة على زوجها، أي امتنعت مما ذكرناه. وأحدت
بالرباعي والثلاثي فمصدر الثلاثي حدادا والرباعي إحدادا.
سواء كانت صغيرة أو كبيرة، ويجب على ولي الصغيرة أن يمنعها مما ذكرناه وقد قلنا
ما عندنا في ذلك وحررناه فيما تقدم وبيناه، ولا حداد على مطلقة عندنا سواء كان بائنا
طلاقها أو رجعيا.
الأقراء عندنا هي الأطهار دون الحيض فإذا رأت المطلقة المستقيمة الحيض الدم من
الحيضة الثالثة فقد انقضت عدتها، وأقل ما يمكن أن ينقضي به عدد ذوات الأقراء إذا كانت
حرة غير متمتع بها ستة وعشرون يوما ولحظتان، والمتمتع بها والأمة ثلاثة عشر يوما
ولحظتان، لأنا قد بينا في كتاب الحيض أن أقل الحيض ثلاثة أيام وأقل الطهر عشرة أيام،
فإذا ثبت ذلك ثبت ما قلناه وبان ما قدرناه، ويكون التقدير أن يطلقها في آخر جزء من
طهرها ثم ترى الدم بعد لحظة فيحصل لها قرء واحد فترى بعد ذلك الدم ثلاثة أيام ثم ترى
الطهر عشرة أيام ثم ترى الدم ثلاثة أيام ثم ترى الطهر عشرة أيام ثم ترى الدم لحظة، فقد
مضى بها ستة وعشرون يوما ولحظتان وقد انقضت عدتها. وفي الأمة إذا طلقها في آخر طهرها
ثم ترى الدم ثلاثة أيام ثم ترى الطهر عشرة أيام ثم ترى الدم لحظة، فقد انقضت عدتها في
ثلاثة عشر يوما ولحظتين.
هكذا أورده شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه، والذي يجب تحصيله وتحقيقه أن يقال: أقل
ما ينقضي به عدة من ذكرناه في ستة وعشرين يوما ولحظة في الحرة المطلقة، فأما الأمة المطلقة
والحرة المستمتع بها فثلاثة عشر يوما ولحظة فحسب في الموضعين، وما بنا حاجة إلى اللحظتين
لأن اللحظة التي ترى فيها الدم الثالث ليست من جملة العدة التي هي الأطهار بلا خلاف بيننا
فإذا ثبت ذلك فاللحظة التي رأت فيها الدم غير داخلة في جملة العدة فلا حاجة بنا إلى دخولها
366

على من رأت الدم قبل عادتها، لأن ذلك دم غير متيقن بأنه دم الحيضة الثالثة لأنه ربما انقطع
لدون ثلاثة أيام فيكون من باقي الطهر الأخير، فأما المستقيمة الحيض فنجعل المعتاد
كالمتيقن، فتحريره رحمه الله مستقيم واضح بخلاف ما ذهب إليه وناظر عليه في مسائل
خلافه لأنه ذهب فيها: إلى انقضاء العدة برؤية الدم سواء كانت لها عادة أو لم يكن، وقال
الشافعي: إن كانت لها عادة بانت برؤية الدم وإلا بمضي أقل الحيض.
إذا طلقها وهي من ذوات الأقراء فادعت أن عدتها قد انقضت في مدة يمكن انقضاء
العدة على ما بيناه فيما مضى وشرحناه قبل قولها في ذلك لأن إقامة البينة لا يمكن على ذلك
ولأنها مصدقة على الحيض والطهر، فإن ادعت انقضاء عدتها في زمان لا يمكن ذلك فيه لم
يقبل قولها لأنا نعلم كذبها.
367

شرائع الاسلام
في مسائل الحلال والحرام
لأبي القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن بن أبي زكريا
يحيى بن الحسن بن سعيد الهذلي المشتهر بالمحقق وبالمحقق الحلي
602 - 676 ه‍ ق
369

كتاب الطلاق
والنظر في الأركان والأقسام واللواحق.
وأركانه أربعة:
الركن الأول: المطلق:
ويعتبر فيه شروط أربعة:
الأول: البلوغ، فلا اعتبار بعبارة الصبي قبل بلوغه عشرا، وفي من بلغ عشرا عاقلا
وطلق للسنة رواية بالجواز فيها ضعف، ولو طلق وليه لم يصح لاختصاص الطلاق بمالك
البضع وتوقع زوال حجره غالبا، فلو بلغ فاسد العقل طلق وليه مع مراعاة الغبطة ومنع منه
قوم وهو بعيد.
الشرط الثاني: العقل، فلا يصح طلاق المجنون ولا السكران ولا من زال عقله
بإغماء أو شرب مرقد لعدم القصد، ولا يطلق الولي عن السكران لأن زوال عذره غالب
فهو كالنائم، ويطلق عن المجنون ولو لم يكن له ولي طلق عنه السلطان أو من نصبه للنظر
في ذلك.
الشرط الثالث: الاختيار، فلا يصح طلاق المكره، ولا يتحقق الإكراه ما لم يكمل
أمور ثلاثة، كون المكره قادرا على فعل ما توعد به، وغلبة الظن بأنه يفعل ذلك مع امتناع
المكره، وأن يكون ما توعد به مضرا بالمكره في خاصة نفسه أو من يجري مجرى نفسه كالأب
والوالد سواء كان ذلك الضرر قتلا أو جرحا أو شتما أو ضربا، ويختلف بحسب منازل
371

المكرهين في منازل الإهانة، ولا يتحقق الإكراه مع الضرر اليسير.
الشرط الرابع: القصد، وهو شرط في الصحة مع اشتراط النطق بالصريح، فلو لم
ينو الطلاق لم يقع كالساهي والنائم والغالط، ولو نسي أن له زوجة فقال: نسائي طوالق، أو
زوجتي طالق ثم ذكر لم يقع به فرقة، ولو أوقع وقال: لم أقصد الطلاق، قبل منه ظاهرا ودين
بنيته باطنا وإن تأخر تفسيره ما لم تخرج عن العدة لأنه إخبار عن نيته. ويجوز الوكالة في
الطلاق للغائب إجماعا وللحاضر على الأصح، ولو وكلها في طلاق نفسها قال الشيخ:
لا يصح، والوجه الجواز.
تفريع: على الجواز لو قال: طلقي نفسك ثلاثا، فطلقت واحدة قيل: يبطل، وقيل: يقع
واحدة، وكذا لو قال: طلقي واحدة، فطلقت ثلاثا قيل: يبطل، وقيل: يقع واحدة، وهو
أشبه.
الركن الثاني: في المطلقة: وشروطها خمسة:
الأول: أن تكون زوجة، فلو طلق الموطوءة بالملك لم يكن له حكم وكذا لو طلق
أجنبية وإن تزوجها، وكذا لم علق الطلاق بالتزويج لم يصح سواء عين الزوجة كقوله: كل
من أتزوجها:
الثاني: أن يكون العقد دائما، فلا يقع الطلاق بالأمة المحللة ولا المستمتع بها ولو
كانت حرة.
الثالث: أن تكون طاهرة من الحيض والنفاس، ويعتبر هذا في المدخول بها، الحائل،
الحاضر زوجها لا الغائب عنها مدة يعلم انتقاها من القرء الذي وطأها فيه إلى آخر، فلو
طلقها وهما في بلد واحد أو غائبا دون المدة المعتبرة وكانت حائضا أو نفساء كان الطلاق
باطلا علم بذلك أو لم يعلم، أما لو انقضى من غيبته ما يعلم انتقالها فيه، من طهر إلى آخر
ثم طلق صح ولو اتفق في الحيض، وكذا لو خرج في طهر لم يقربها فيه جاز طلاقها مطلقا،
وكذا لو طلق التي لم يدخل بها وهي حائض كان جائزا.
ومن فقهائنا من قدر المدة التي يسوع معها طلاق الغائب بشهر عملا برواية يعضدها
372

الغالب في الحيض، ومنهم من قدرها بثلاثة أشهر عملا برواية جميل عن أبي عبد الله عليه
السلام، والمحصل ما ذكرناه ولو زاد عن الأمد المذكور، ولو كان حاضرا وهو لا يصل
إليها بحيث يعلم حيضها فهو بمنزلة الغائب.
الرابع: أن تكون مستبرئة، فلو طلقها في طهر واقعها فيه لم يقع طلاقه، ويسقط اعتبار
ذلك في اليائسة وفي من لم تبلغ الحيض وفي الحامل والمسترابة بشرط أن يمضي عليها ثلاثة
أشهر لم تر دما معتزلا لها، ولو طلق المسترابة قبل مضي ثلاثة أشهر من حين المواقعة لم يقع
الطلاق.
وهو أن يقول: فلانة طالق، أو يشير إليها بما يرفع الاحتمال، فلو كان له واحدة فقال:
زوجتي طالق، صح لعدم الاحتمال، ولو كان له زوجتان أو زوجات فقال: زوجتي طالق،
فإن نوى معينة صح ويقبل تفسيره، وإن لم ينو قيل: يبطل الطلاق لعدم التعيين، وقيل:
يصح وتستخرج بالقرعة، وهو أشبه.
ولو قال: هذه طالق أو هذه، قال الشيخ: يعين للطلاق من شاء، وربما قيل بالبطلان
لعدم التعيين.
ولو قال: هذه طالق أو هذه وهذه، طلقت الثالثة ويعين من شاء من الأولى أو الثانية،
ولو مات استخرجت واحدة بالقرعة، وربما قيل بالاحتمال في الأولى والأخيرتين جميعا فيكون
له أو يعين للطلاق الأولى أو الأخيرتين معا، والإشكال في الكل ينشأ من عدم تعيين المطلقة.
ولو نظر إلى زوجته وأجنبية فقال: إحداكما طالق، ثم قال: أردت الأجنبية، قبل. ولو كان له
زوجة وجارة كل منهما سعدي فقال: سعدي طالق، ثم قال: أردت الجارة، لم يقبل لأن
إحداكما يصلح لهما وإيقاع الطلاق على الاسم يصرف إلى الزوجة وفي الفرق نظر.
ولو ظن أجنبية زوجته فقال: أنت طالق، لم تطلق زوجته لأنه قصد المخاطبة. ولو كان
له زوجتان: زينب وعمرة، فقال: يا زينب، فقالت عمرة: لبيك، فقال: أنت طالق،
طلقت المنوية لا المجيبة، ولو قصد المجيبة ظنا أنها زينب، قال الشيخ: تطلق زينب، وفيه
إشكال لأنه وجه الطلاق إلى المجيبة لظنها زينب فلم تطلق المجيبة لعدم القصد ولا زينب
لتوجه الخطاب إلى غيرها.
373

الركن الثالث: في الصيغة:
والأصل أن النكاح عصمة مستفادة من الشرع لا يقبل التقايل فيقف رفعها على
موضع الإذن، فالصيغة المتلقاة لإزالة قيد النكاح: أنت طالق أو فلانة أو هذه وما شاكلها
من الألفاظ الدالة على تعيين المطلقة، فلو قال: أنت الطلاق أو طلاق أو من المطلقات، لم
يكن شيئا ولو نوى به الطلاق وكذا لو قال: أنت مطلقة، وقال الشيخ رحمه الله: الأقوى أنه
يقع إذا نوى الطلاق، وهو بعيد عن شبه الانشاء. ولو قال: طلقت فلانة؟ فقال: نعم، قال
الشيخ: لا يقع، وفيه إشكال ينشأ من وقوعه عند سؤاله: هل طلقت امرأتك؟ فيقول: نعم.
ولا يقع الطلاق بالكناية ولا بغير العربية مع القدرة على التلفظ باللفظة المخصوصة
ولا بالإشارة إلا مع العجز عن النطق. ويقع طلاق الأخرس بالإشارة الدالة، وفي رواية يلقي
عليها القناع فيكون ذلك طلاقا وهي شاذة. ولا يقع الطلاق بالكتابة من الحاضر وهو قادر
على التلفظ، نعم لو عجز عن النطق فكتب ناويا به الطلاق صح، وقيل: يقع بالكتابة إذا
كان غائبا عن الزوجة، وليس بمعتمد.
ولو قال: هذه خلية أو بريئة أو حبلك على غاربك أو الحقي بأهلك أو بائن أو حرام أو
بتة أو بتلة، لم يكن شيئا نوى الطلاق أو لم ينوه. ولو قال: اعتدي، ونوى به الطلاق قيل:
يصح، وهي رواية الحلبي ومحمد بن مسلم عن أبي عبد الله ع ومنعه كثير، وهو
الأشبه. ولو خيرها وقصد الطلاق، فإن اختارته أو سكتت ولو لحظة فلا حكم، وإن اختارت
نفسها في الحال قيل: يقع الفرقة بائنة، وقيل: يرع رجعية، وقيل: لا حكم له، وعليه الأكثر،
ولو قيل: هل طلقت فلانة؟ فقال: نعم، وقع الطلاق، ولو قيل: هل فارقت أو خليت أو
أبنت؟ فقال: نعم، لم يكن شيئا.
ويشترط في الصيغة تجريدها عن الشرط والصفة في قول مشهور لم أقف فيه على
مخالف منا، ولو فسر الطلقة باثنتين أو ثلاث قيل: يبطل الطلاق، وقيل: يقع واحدة بقوله
طالق ويلغى التفسير، وهو أشهر الروايتين، ولو كان المطلق مخالفا، يعتقد أثلاث لزمته. ولو
قال: أنت طالق للسنة، صح إذا كانت طاهرة وكذا لو قال للبدعة، ولو قيل: لا يقع، كان
حسنا لأن البدعي لا يقع عندنا والآخر غير مراد.
374

تفريع:
إذا قال: أنت طالق في هذه الساعة إن كان الطلاق يقع بك، قال الشيخ رحمه الله:
لا يصح لتعليقه على الشرط، وهو حق إن كان المطلق لا يعلم، أما لو كان يعلمها على
الوصف الذي يقع معه الطلاق ينبغي القول بالصحة لأن ذلك ليس بشرط بل أشبه
بالوصف وإن كان بلفظ الشرط.
ولو قال: أنت طالق أعدل طلاق، أو أكمله أو أحسنه أو أقبحه أو أحسنه وأقبحه، صح
ولم تضرر الضمائم، وكذا لو قال: ملاء مكة، أو ملاء الدنيا. ولو قال: لرضا فلان، فإن عني
الشرط بطل وإن عني الغرض لم يبطل، وكذا لو قال: إن دخلت الدار، بكسر الهمزة لم
يصح ولو فتحها صح إن عرف الفرق فقصده. ولو قال: أنا منك طالق، لم يصح لأنه ليس
محلا للطلاق. ولو قال: أنت طالق نصف طلقة، أو ربع طلقة أو سدس طلقة، لم يقع لأنه لم
يقصد الطلقة. ولو قال: أنت طالق، ثم قال: أردت أن أقول: أنت طاهر، قبل منه ظاهرا
ودين في الباطن بنيته.
ولو قال: يدك طالق، أو رجلك طالق، لم يقع وكذا لو قال: رأسك أو صدرك أو وجهك،
وكذا لو قال: ثلثك أو نصفك أو ثلثاك. ولو قال: أنت طالق قبل طلقة،
أو بعدها أو قبلها أو معها، لم يقع شئ سواء كانت مدخولا بها أو لم تكن. ولو قيل: يقع طلقة واحدة بقوله: أنت
طالق مع طلقة أو بعدها أو عليها، ولا يقع لو قال: قبلها طلقة أو بعد طلقة، كان حسنا. ولو
قال: أنت طالق نصفي طلقة، أو ثلاثة أثلاث طلقة، قال الشيخ رحمه الله: لا يقع، ولو قيل:
يقع واحدة بقوله: أنت طالق وتلغى الضمائم إذ ليست رافعة للقصد، كان حسنا، ولا كذا
لو قال: نصف طلقتين.
فرع:
قال الشيخ رحمه الله: إذا قال لأربع: أوقعت بينكن أربع طلقات، وقع لكل واحدة طلقة
وفيه إشكال لأنه إطراح للصيغة المشترطة. ولو قال: أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا، صحت
واحدة إنوى بالأول الطلاق وبطل الاستثناء. ولو قال: أنت طالق غير طالق، فإن نوى
375

الرجعة صح لأن إنكار الطلاق رجعة وإن أراد النقض حكم بالطلقة. ولو قال: طلقة إلا
طلقة، لغا الاستثناء وحكم بالطلقة بقوله: طالق. ولو قال: زينب طالق، ثم قال: أردت
عمرة، وهما زوجتان قبل. ولو قال: زينب طالق بل عمرة، طلقتا جميعا لأن كل واحدة منهما
مقصودة في وقت التلفظ باسمها وفيه إشكال ينشأ من اعتبار النطق بالصيغة.
الركن الرابع: الإشهاد:
ولا بد من حضور شاهدين يسمعان الانشاء سواء قال لهما: اشهدا أو لم يقل، وسماعهما
التلفظ شرط في صحة الطلاق حتى لو تجرد عن الشهادة لم يقع، ولو كملت شروطه الآخر،
وكذا لا يقع بشاهد واحد ولو كان عدلا ولا بشهادة فاسقين بل لا بد من حضور شاهدين
ظاهرهما العدالة، ومن فقهائنا من اقتصر على اعتبار الاسلام فيهما والأول أظهر، ولو شهد
أحدهما بالإنشاء ثم شهد الآخر به بانفراده لم يقع الطلاق، أما لو شهدا بالإقرار لم يشترط
الاجتماع، ولو شهد أحدهما بالإنشاء والآخر بالإقرار لم يقبل، ولا تقبل شهادة النساء في
الطلاق لا منفردات ولا منضمات إلى الرجال، ولو طلق ولم يشهد ثم أشهد كان الأول لغوا
ووقع حين الإشهاد إذا أتى باللفظ المعتبر في الانشاء.
النظر الثاني: في أقسام الطلاق:
ولفظه يقع على البدعة والسنة.
فالبدعة: طلاق الحائض بعد الدخول مع حضور الزوج معها ومع غيبته دون المدة
المشترطة، وكذا النفساء أو في طهر قربها فيه وطلاق الثلاث من غير رجعة بينها والكل
عندنا باطل لا يقع معه طلاق.
والسنة تنقسم أقساما ثلاثة: بائن ورجعي وطلاق العدة.
فالبائن ما لا يصح للزوج معه الرجعة وهو ستة: طلاق التي لم يدخل بها واليائسة
ومن لم تبلغ المحيض والمختلعة والمباراة ما لم ترجعا في البذل والمطلقة ثلاثا بينها رجعتان.
والرجعي هو الذي للمطلق مراجعتها فيه سواء راجع أو لم يراجع.
376

وأما طلاق العدة: فهو أن يطلق على الشرائط ثم يراجعها قبل خروجها من عدتها
ويواقعها ثم يطلقها في طهر غير طهر المواقعة ثم يراجعها ويواقعها ثم يطلقها في طهر آخر،
فإنها تحرم عليه حتى تنكح زوجا غيره، فإن نكحت ثم حلت ثم تزوجها فاعتمد ما
اعتمده أولا حرمت في الثالثة حتى تنكح زوجا غيره، فإن نكحت ثم حلت فنكحها ثم فعل
كالأول حرمت في التاسعة تحريما مؤبدا، ولا يقع الطلاق للعدة ما لم يطأها بعد المراجعة، ولو
طلقها قبل المواقعة صح ولم يكن للعدة، وكل امرأة استكملت الطلاق ثلاثا حرمت حتى
تنكح زوجا غير المطلق سواء كانت مدخولا بها أو لم تكن راجعها أو تركها.
مسائل ست:
الأولى: إذا طلقها فخرجت من العدة ثم نكحها مستأنفا ثم طلقها وتركها حتى قضت
العدة ثم استأنف نكاحها ثم طلقها ثالثة حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره، فإذا فارقها
واعتدت جاز له مراجعتها، ولا تحرم هذه في التاسعة ولا يهدم استيفاء عدتها تحريمها في
الثالثة.
الثانية: إذا طلق الحامل وراجعها جاز له أن يطأها ويطلقها في الثانية للعدة إجماعا،
وقيل: لا يجوز للسنة، والجواز أشبه.
الثالثة: إذا طلق الحائل ثم راجعها، فإن واقعها وطلقها في طهر آخر، صح إجماعا،
وإن طلقها في طهر آخر من غير مواقعة فيه روايتان: إحديهما لا يقع الثاني أصلا والأخرى
يقع وهو الأصح، ثم لو راجع وطلقها ثالثا في طهر آخر حرمت عليه، ومن فقهائنا من حمل
الجواز على طلاق السنة والمنع على طلاق العدة، وهو تحكم، وكذا لو أوقع الطلاق بعد
المراجعة وقبل المواقعة في الطهر الأول فيه روايتان أيضا، لكن هنا الأولى تفريق الطلقات
على الأطهار إن لم يقع وطء، أما لو وطئ لم يجز الطلاق إلا في طهر ثان إذا كانت المطلقة ممن
يشترط فيها الاستبراء.
الرابعة: لو شك المطلق في إيقاع الطلاق لم يلزمه الطلاق لرفع الشك وكان النكاح
باقيا.
377

الخامسة: إذا طلق غائبا ثم حضر ودخل بالزوجة ثم ادعى الطلاق لم يقبل دعواه
ولا بينته تنزيلا لتصرف المسلم على المشروع فكأنه مكذب لبينته، ولو كان أولد لحق به
الولد.
السادسة: إذا طلق الغائب وأراد العقد على رابعة أو على أخت الزوجة صبر تسعة
أشهر لاحتمال كونها حاملا، وربما قيل سنة احتياطا نظرا إلى حمل المسترابة، ولو كان
يعلم خلوها من الحمل كفاه ثلاثة أقراء أو ثلاثة أشهر.
النظر الثالث: في اللواحق: وفيه مقاصد:
الأول: في طلاق المريض:
يكره للمريض أن يطلق ولو طلق صح، وهو يرث زوجته ما دامت في العدة الرجعية
ولا يرثها في البائن ولا بعد العدة، وترثه هي سواء كان طلاقها بائنا أو رجعيا ما بين الطلاق
وبين سنته ما لم تتزوج أو يبرأ من مرضه الذي طلقها فيه، فلو برأ ثم مرض ثم مات لم ترثه إلا
في العدة الرجعية. ولو قال: طلقت في الصحة ثلاثا، قبل منه ولم ترثه والوجه أنه لا يقبل
بالنسبة إليها.
ولو قذفها وهو مريض فلاعنها وبانت باللعان لم ترثه لاختصاص الحكم بالطلاق،
وهل التوريث لمكان التهمة؟ قيل نعم، والوجه تعلق الحكم بالطلاق في المرض لا باعتبار
التهمة، وفي ثبوت الإرث مع سؤالها الطلاق تردد أشبهه أنه لا إرث وكذا لو خالعته أو بارأته.
فروع:
الأول: لو طلق الأمة مريضا طلاقا رجعيا فأعتقت في العدة ومات في مرضه ورثته في
العدة ولم ترثه بعدها لانتفاء التهمة وقت الطلاق، ولو قيل ترثه كان حسنا، ولو طلقها بائنا
فكذلك، وقيل: لا ترثه لأنه طلقها في حال لم يكن لها أهلية الإرث. وكذا لو طلقها كتابية ثم
أسلمت.
الثاني: إذا ادعت المطلقة أن الميت طلقها في المرض وأنكر الوارث وزعم أن الطلاق
في الصحة فالقول قوله تساوي الاحتمالين وكون الأصل عدم الإرث إلا مع تحقق السبب.
378

الثالث: لو طلق أربعا في مرضه وتزوج أربعا ودخل بهن ثم مات فيه كان الربع بينهن
بالسوية، ولو كان له ولد تساوين في الثمن.
المقصر الثاني: في ما يزول به تحريم الثلاث: إذا وقعت الثلاث على الوجه المشترط حرمت المطلقة حتى تنكح زوجا غير المطلق،
ويعتبر في زوال التحريم شروط أربعة: أن يكون الزوج بالغا وفي المراهق تردد أشبهه أنه
لا يحلل، وأن يطأها في القبل وطئا موجبا للغسل، وأن يكون ذلك بالعقد لا بالملك ولا
بالإباحة، وأن يكون العقد دائما لا متعة. ومع استكمال الشرائط يزول تحريم الثلاث، وهل
يهدم ما دون الثلاث؟ فيه روايتان أشهرهما أنه يهدم.
فلو طلق مرة وتزوجت المطلقة ثم تزوج بها الأول بقيت معه على ثلاث مستأنفات وبطل
حكم السابقة، ولو طلق الذمية ثلاثا فتزوجت بعد العدة ذميات بانت منه وأسلمت حل
للأول نكاحها بعقد مستأنف وكذا كل مشرك، والأمة إذا طلقت مرتين حرمت حتى تنكح
زوجا غيره سواء كانت تحت حر أو عبد ولا تحل للأول بوطئ المولى، وكذا لا تحل لو ملكها
المطلق لسبق التحريم على الملك، ولو طلقها مرة ثم أعتقت ثم تزوجها أو راجعها بقيت معه
على واحدة استصحابا للحال الأولى، فلو طلقها أخرى حرمت عليه حتى يحللها زوج.
والخصي يحلل المطلقة ثلاثا إذا وطأ وحصلت فيه الشرائط وفي رواية لا يحلل، ولو وطأ
الفحل قبلا فأكسل حلت للأول لتحقق اللذة منهما، ولو تزوجها المحلل فارتد فوطئها في
الردة لم يحل لانفساخ عقده بالردة.
فروع:
الأول: لو انقضت مدة فادعت أنها تزوجت وفارقها وقضت العدة وكان ذلك ممكنا
في تلك المدة، قيل: يقبل لأن في جملة ذلك ما لا يعلم إلا منها كالوطء، وفي رواية إذا كانت ثقة
صدقت.
الثاني: إذا دخل المحلل وادعت الإصابة فإن صدقها حلت للأول، وإن كذبها قيل:
379

يعمل الأول بما يغلب على ظنه من صدقها أو صدق المحلل، ولو قيل: يعمل بقولها على كل
حال، كان حسنا لتعذر إقامة البينة لما تدعيه.
الثالث: لو وطأها محرما كالوطء في الإحرام أو في الصوم الواجب قيل: لا يحل لأنه
منهي عنه، فلم يكن مرادا للشارع، وقيل: يحل لتحقق النكاح المستند إلى العقد
الصحيح.
المقصر الثالث: في الرجعة:
تصح المراجعة نطقا كقوله: راجعتك، وفعلا كالوطء، ولو قبل أو لامس بشهوة كان
ذلك رجعة ولم يفتقر استباحته إلى تقدم الرجعة لأنها زوجته. ولو أنكر الطلاق كان ذلك
رجعة لأنه يتضمن التمسك بالزوجية، ولا يجب الإشهاد في الرجعة بل يستحب. ولو قال:
راجعتك إذا شئت أو إن شئت، لم يقع ولو قالت: شئت، وفيه تردد، ولو طلقها رجعية
فارتدت فراجع لم يصح كما لم يصح ابتداء الزوجية، وفيه تردد ينشأ من كون الرجعية
زوجة، ولو أسلمت بعد ذلك استأنف الرجعة إن شاء.
ولو كان عنده ذمية فطلقها رجعيا ثم راجعها في العدة قيل: لا يجوز لأن الرجعة كالعقد
المستأنف، والوجه الجواز لأنها لم تخرج عن زوجيته فهي كالمستدامة، ولو طلق وراجع
فأنكرت الدخول بها أولا وزعمت أنه لا عدة عليها ولا رجعة وادعى هو الدخول، كان
القول قولهما مع يمينها لأنها تدعي الظاهر، ورجعة الأخرس بالإشارة الدالة على المراجعة،
وقيل: بأخذ القناع عن رأسها، وهو شاذ.
وإذا ادعت انقضاء العدة بالحيض في زمان محتمل فأنكر فالقول قولها مع يمينها، ولو
ادعت انقضاءها بالأشهر لم يقبل وكان القول قول الزوج لأنه اختلاف في زمان إيقاع
الطلاق، وكذا لو ادعى الزوج الانقضاء فالقول قولها لأن الأصل بقاء الزوجية أولا، ولو
كانت حاملا، فادعت الوضع قبل قولها ولم تكلف إحضار الولد، ولو ادعت الحمل فأنكر
الزوج وأحضرت ولدا فأنكر ولادتها له فالقول قوله لإمكان إقامة البينة بالولادة.
وإذا ادعت انقضاء العدة فادعى الرجعة قبل ذلك فالقول قول المرأة، ولو راجعها
380

فادعت بعد الرجعة انقضاء العدة قبل الرجعة فالقول قول الزوج إذ الأصل صحة الرجعة،
ولو ادعى أنه راجع زوجته الأمة في العدة فصدقته فأنكر المولى وادعى خروجها قبل الرجعة
فالقول قول الزوج، وقيل: لا يكلف اليمين لتعلق حق النكاح بالزوجين، وفيه تردد.
المقصر الرابع: في جواز استعمال الحيل:
يجوز التوصل بالحيل المباحة دون المحرمة في اسقاط ما لولا الحليلة لثبت، ولو توصل
بالمحرمة أثم وتمت الحليلة، فلو أن امرأته حملت ولدها على الزنى بامرأة لتمنع أباه من
العقد عليها أو بأمة يريد أن يتسرى بها فقد فعلت حراما وحرمت الموطوءة على قول من
ينشر الحرمة بالزنى، أما لو توصل بالمحلل كما سبق الولد إلى العقد عليها في صورة الفرض
له يأثم.
ولو ادعي عليه دين قد برأ منه بإسقاط أو تسليم فخشي من دعوى الإسقاط أن ينقلب
اليمين على المدعي لعدم البينة فأنكر الاستدانة وحلف جاز بشرط أن يوري ما يخرجه عن
الكذب، وكذا لو خشي الحبس بدين يدعى عليه فأنكره. والنية إبداء نية المدعي إذا كان
محقا ونية الحالف إذا كان مظلوما في الدعوى، ولو أكره على اليمين أنه لا يفعل شيئا محللا
فحلف ونوى ما يخرج به عن الحنث جاز، مثل أن يوري أنه لا يفعله بالشام أو بخراسان أو
في السماء أو تحت الأرض.
ولو أجبر على الطلاق كرها فقال: زوجتي طالق، ونوى طلاقا سالفا أو قال: نسائي
طوالق، وعني نساء الأقارب جاز، ولو أكره على اليمين أنه لم يفعل فقال: ما فعلت كذا،
وجعل ما موصولة لا نافية صح، ولو اضطر إلى الإجابة بنعم فقال: نعم، وعني الإبل أو قال:
نعام، وعني نعام البر قصدا للتخلص لم يأثم، وكذا لو حلف ما أخذ جملا ولا ثورا ولا عنزا
وعني بالجمل السحاب وبالثور القطعة الكبيرة من الأقط وبالعنز الأكمة لم يحنث، ولم اتهم
غيره في فعل فحلف ليصدقنه فطريق التخلص أن يقول: فعلت ما فعلت، فأحدهما صدق،
ولو حلف ليخبرنه بما في الرمانة من حبة، فالمخرج أن يعد العدد الممكن فيها فذلك وأمثاله
سائغ.
381

المقصر الخامس: في العدد:
والنظر في ذلك يستدعي فصولا:
الأول:
لا عدة على من لم يدخل بها سواء بانت بطلاق أو فسخ عدا المتوفى عنها زوجها، فإن
العدة تجب مع الوفاة ولو لم يدخل، والدخول يتحقق بإيلاج الحشفة وإن لم ينزل، ولو كان
مقطوع الأنثيين لتحقق الدخول بالوطئ، أما لو كان مقطوع الذكر سليم الأنثيين قيل: تجب
العدة لإمكان الحمل بالمساحقة، وفيه تردد لأن العدة تترتب على الوطء، نعم لو ظهر حمل
اعتدت منه بوضعه لإمكان الإنزال، ولا يجب العدة بالخلوة منفردة عن الوطء على الأشهر،
ولو خلا ثم اختلفا في الإصابة فالقول قوله مع يمينه.
الفصل الثاني: في ذات الأقراء:
وهي مستقيمة الحيض، وهذه تعتد بثلاثة أقراء وهي الأطهار على أشهر الروايتين إذا
كانت حرة سواء كانت تحت حر أو عبد، ولو طلقها وحاضت بعد الطلاق بلحظة احتسبت
تلك اللحظة قرءا ثم أكملت قرءين آخرين، فإن رأت الدم الثالث فقد قضت العدة، هذا
إن كانت عادتها مستقرة بالزمان، فإن اختلفت صبرت إلى انقضاء أقل الحيض أخذا
بالاحتياط، وأقل زمان تنقضي به العدة ستة وعشرون يوما ولحظتان، ولكن الأخيرة ليست
من العدة وإنما هي دلالة على الخروج منها، وقال الشيخ رحمه الله: هي من العدة لأن الحكم
بانقضاء العدة موقوف على تحققها، والأول أحق.
ولو طلقها في الحيض لم يقع، ولو وقع في الطهر ثم حاضت مع انتهاء التلفظ بحيث لم
يحصل زمان يتخلل الطلاق والحيض صح الطلاق لوقوعه في الطهر المعتبر، ولم يعتد بذلك
الطهر لأنه لم يتعقب الطلاق ويفتقر إلى ثلاثة أقراء مستأنفة بعد الحيض.
فرع: لو اختلفا فقالت: كان قد بقي من الطهر جزء بعد الطلاق، وأنكر فالقول قولها
لأنها أبصر بذلك والمرجع في الحيض والطهر إليها.
382

الفصل الثالث: في ذات الشهور:
وهي التي لا تحيض وهي في سن من تحيض، تعتد من الطلاق والفسخ مع الدخول
بثلاثة أشهر إذا كانت حرة، وفي اليائسة والتي لم تبلغ روايتان: إحديهما أنهما تعتدان بثلاثة
أشهر والأخرى لا عدة عليهما وهي الأشهر، وحد اليأس أن تبلغ خمسين سنة، وقيل: في
القرشية والنبطية ستين سنة، ولو كان مثلها تحيض اعتدت بثلاثة أشهر إجماعا، وهذه
تراعي الشهور والحيض فإن سبقت الأطهار فقد خرجت من العدة وكذا إن سبقت
الشهور، أما لو رأت في الثالث حيضا وتأخرت الثانية أو الثالثة صبرت تسعة أشهر
لاحتمال الحمل ثم اعتدت بعد ذلك بثلاثة أشهر، وهي أطول عدة، وفي رواية عمار تصبر
سنة ثم تعتد بثلاثة أشهر، ونزلها الشيخ في النهاية على احتباس الدم الثالث وهو تحكم.
ولو رأت الدم مرة ثم بلغت اليأس أكملت العدة بشهرين، ولو استمر بالمعتدة الدم
مشتبها رجعت إلى عادتها في زمان الاستقامة واعتدت به، ولو لم تكن لها عادة اعتبرت صفة
الدم واعتدت بثلاثة أقرء، ولو اشتبه رجعت إلى عادة أمثالهما ولو اختلفن اعتدت بالأشهر،
ولو كانت لا تحيض إلا في ستة أشهر أو خمسة أشهر اعتدت بالأشهر، ومتى طلقت في أول
الهلال اعتدت بثلاثة أشهر أهلة، ولو طلقت في أثنائه اعتدت بهلالين وأخذت من الثالث
بقدر الفائت من الشهر الأول، وقيل: تكمل ثلاثين، وهو أشبه.
تفريع: لو ارتابت بالحمل بعد انقضاء العدة والنكاح لم يبطل، وكذا لو حدثت الريبة
بالحمل بعد العدة وقبل النكاح، وأما لو ارتابت به قبل انقضاء العدة لم تنكح ولو انقضت
العدة، ولو قيل بالجواز ما لم يتيقن الحمل كان حسنا، وعلى التقديرات لو ظهر حمل بطل
النكاح الثاني لتحقق وقوعه في العدة.
الفصل الرابع: في الحامل:
وهي تعتد في الطلاق بوضعه ولو بعد الطلاق بلا فصل سواء كان تاما أو غير تام ولو
كان علقة بعد أن يتحقق أنه حمل ولا عبرة بما يشك فيه، ولو طلقت فادعت الحمل صبر
عليه أقصى الحمل وهي تسعة أشهر ثم لا يقبل دعواها، وفي رواية سنة وليست مشهورة، ولو
383

جان حملها اثنين بانت بالأول ولم تنكح إلا بعد وضع الأخير، والأشبه أنها لا تبين إلا بوضع
الجميع، ولو طلق الحائل طلاقا رجعيا ثم مات في العدة استأنفت عدة الوفاة، ولو كان بائنا
اقتصر على إتمام عدة الطلاق.
فروع:
الأول: لو حملت من زنى ثم طلقها الزوج اعتدت بالأشهر لا بالوضع، ولو
وطئت بشبهة ولحق الولد بالواطئ لبعد الزوج عنها ثم طلقها الزوج اعتدت بالوضع من
الواطي ثم استأنفت عدة الطلاق بعد الوضع.
الثاني: إذا اتفق الزوجان في زمان الطلاق واختلفا في زمان الوضع كان القول قولها
لأنه اختلاف في الولادة وهي فعلها، ولو اتفقا في زمان الوضع واختلفا في زمان الطلاق
فالقول قوله لأنه اختلاف في فعله، وفي المسألتين إشكال لأن الأصل عدم الطلاق وعدم
الوضع فالقول قول من ينكرهما.
الثالث: لو أقرت بانقضاء العدة ثم جاءت بولد لستة أشهر فصاعدا منذ طلقها
قيل: لا يلحق به، والأشبه إلحاقه ما لم يتجاوز أقصى الحمل.
الفصل الخامس: في عدة الوفاة:
تعتد الحرة المنكوحة بالعقد الصحيح أربعة أشهر وعشرا إذا كانت حائلا صغيرة
كانت أو كبيرة بالغا كان زوجها أو لم يكن دخل بها أو لم يدخل، وتبين بغروب الشمس
من اليوم العاشر لأنه نهاية اليوم، ولم كانت حاملا اعتدت بأبعد الأجلين، فلو وضعت قبل
استكمال الأربعة أشهر وعشرة أيام صبرت إلى انقضائها، ويلزم المتوفى عنها زوجها الحداد،
وهو ترك ما فيه زينة من الثياب والأدهان المقصود بهما الزينة والطيب، ولا بأس بالثوب
الأسود والأزرق لبعده عن شبهة الزينة، وتستوي في ذلك الصغيرة والكبيرة والمسلمة
والذمية، وفي الأمة تردد أظهره لا حداد عليها، ولا يلزم الحداد المطلقة بائنة كانت أو رجعية،
ولو وطئت المرأة بعقد الشبهة ثم مات اعتدت عدة الطلاق حائلا كانت أو حاملا وكان
384

الحكم للوطء لا للعقد إذ ليست زوجة.
تفريع:
لو كان له أكثر من زوجة فطلق واحدة لا بعينها فإن قلنا: التعيين شرط فلا طلاق، وإن لم
نشترطه ومات قبل التعيين فعلى كل واحدة الاعتداد بعدة الوفاة تغليبا لجانب الاحتياط
دخل بهن أو لم يدخل، ولو كان حوامل اعتددن بأبعد الأجلين، وكذا لو طلق إحداهن بائنا
ومات قبل التعيين فعلى كل واحدة الاعتداد بعدة الوفاة، ولو عين قبل الموت انصرف إلى
المعينة وتعتد من حين الطلاق لا من حين الوفاة، ولو كان رجعيا اعتدت عدة الوفاة من حين
الوفاة.
والمفقود إن عرف خبره أو أنفق على زوجته وليه فلا خيار لهما، ولو جهل خبره ولم يكن
من ينفق عليها فإن صبرت فلا بحث وإن رفعت أمرها إلى الحاكم أجلها أربع سنين
وفحص عنه، فإن عرف خبره صبرت وعلى الإمام أن ينفق عليها من بيت المال، وإن لم
يعرف خبره إما بالاعتداد عدة الوفاة ثم تحل للأزواج، فلو جاء زوجها وقد خرجت من
العدة ونكحت فلا سبيل له عليها، وإن جاء وهي في العدة فهو أملك بها، وإن خرجت من
العدة ولم تتزوج فيه روايتان أشهرهما أنه لا سبيل له عليها.
فروع:
الأول: لو نكحت بعد العدة ثم بان موت الزوج جان العقد الثاني صحيحا ولا عدة
سواء كان موته قبل العدة أو معها أو بعدها، لأن العقد الأول سقط اعتباره في نظر الشرع
فلا حكم لموته كما لا حكم لحياته.
الثاني:
لا نفقة على الغائب في زمان العدة ولو حضر قبل انقضائها نظرا إلى حكم
الحاكم بالفرقة، وفيه تردد.
الثالث: لو طلقها الزوج أو ظاهرها واتفق في زمان العدة صح لأن العصمة باقية، ولو
اتفق بعد العدة لم يقع لانقطاع العصمة.
385

الرابع: إذا أتت بولد بعد مضي ستة أشهر من دخول الثاني لحق به ولو ادعاه الأول،
وذكر أنه وطأها سرا لم يلتفت إلى دعواه، وقال الشيخ: يقرع بينهما. وهو بعيد.
الخامس: لا يرثها الزوج لو ماتت بعد العدة وكذا لا ترثه، والتردد لو مات أحدهما
في العدة والأشبه الإرث.
الفصل السادس: في عدة الإماء والاستبراء:
عدة الأمة في الطلاق مع الدخول قرآن، وهما طهران وقيل: حيضتان، والأول أشهر،
وأقل زمان تنقضي به عدتها ثلاثة عشر يوما ولحظتان، والبحث في اللحظة الثانية كما في
الحرة، وإن كانت لا تحيض وهي في سن من تحيض اعتدت بشهر ونصف سواء كانت تحت
حر أو عبد، ولو أعتقت ثم طلقت فعدتها عدة الحرة، وكذا لو طلقت طلاقا رجعيا ثم أعتقت
في العدة أكملت عدة الحرة، ولو كانت بائنا أتمت عدة الأمة.
وعدة الذمية كالحرة في الطلاق والوفاة وفي رواية تعتد عدة الأمة وهي شاذة، وعدة الأمة
من الوفاة شهران وخمسة أيام، ولو كانت حاملا اعتدت بأبعد الأجلين، ولو كانت أم ولد
لمولاها كانت عدتها أربعة أشهر وعشرا، ولو طلقها الزوج رجعية ثم مات وهي في العدة
استأنفت عدة الحرة، ولو لم تكن أم ولد استأنفت للوفاة عدة الأمة، ولو كان الطلاق بائنا
أتمت عدة الطلاق حسب، ولو مات زوج الأمة ثم أعتقت أتمت عدة الحرة تغليبا لجانب
الحرية، ولو كان المولى وطأها ثم دبرها اعتدت بعد وفاته بأربعة أشهر وعشرة أيام، ولو
أعتقها في حياته اعتدت بثلاثة أقراء.
وكل من يجب استبراؤها إذا ملكت بالبيع يجب استبراؤها لو ملكت بغيره من
استغنام أو صلح أو ميراث أو غير ذلك، ومن يسقط استبراؤها هناك يسقط في الأقسام
الأخر، ولو كان للإنسان زوجة فابتاعها بطل نكاحه وحل وطؤها من غير استبراء، ولو
ابتاع المملوك أمة واستبرأها كفى ذلك في حق المولى لو أراد وطأها، وإذا كاتب الانسان أمته
حرم عليه وطؤها، فإن انفسخت الكتابة حلت ولا يجب الاستبراء، وكذا لو ارتد المولى أو
المملوكة ثم عاد المرتد لم يجب الاستبراء، ولو طلقت الأمة بعد الدخول لم يجز للمولى الوطء
386

إلا بعد الاعتداد وتكفي العدة عن الاستبراء، ولو ابتاع حربية فاستبرأها فأسلمت لم يجب
استبراء ثان، وكذا لو ابتاعها واستبرأها محرما بالحج كفى ذلك في استحلال وطئها إذا
أحل.
الفصل السابع: في اللواحق: وفيه مسائل:
الأولى: لا يجوز لمن طلق رجعيا أن يخرج الزوجة من بيته إلا أن تأتي بفاحشة، وهي أن
تفعل ما يجب به الحد فتخرج لإقامته، وأدنى ما تخرج له أن تؤذي أهله، ويحرم عليها الخروج
ما لم تضطر، ولو اضطرت إلى الخروج خرجت بعد انتصاف الليل وعادت قبل الفجر، ولا
تخرج في حجة مندوبة إلا باذنه، وتخرج في الواجب وإن لم يأذن، وكذا فيما تضطر إليه ولا
وصلة لها إلا بالخروج، وتخرج في العدة البائنة أين شاءت.
الثانية: نفقة الرجعية لازمة في زمان العدة وكسوتها ومسكنها يوما فيوما مسلمة
كانت أو ذمية، أما الأمة فإن أرسلها مولاها ليلا ونهارا فلها النفقة والسكنى لوجود
التمكين التام، وإن منعها ليلا أو نهارا فلا نفقة لعدم التمكين التام، ولا نفقة للبائن
ولا سكنى إلا أن تكون حاملا فلها النفقة والسكنى حتى تضع وتثبت العدة مع الوطء
بالشبهة، وهل تثبت النفقة لو كانت حاملا؟ قال الشيخ: نعم، وفيه إشكال ينشأ من توهم
اختصاص النفقة بالمطلقة الحامل دون غيرها من البائنات.
فروع: في سكنى المطلقة:
الأول: لو انهدم المسكن أو كان مستعارا أو مستأجرا فانقضت المدة جاز له
اخراجها ولها الخروج لأنه إسكان غير سائغ، ولو طلقت في مسكن دون مستحقها جاز لها
الخروج عند الطلاق إلى مسكن يناسبها وفيه تردد.
الثاني: لو طلقها ثم باع المنزل فإن كانت معتدة بالأقراء لم يصح البيع لأنها تستحق
سكنى غير معلومة فيتحقق الجهالة، ولو كانت معتدة بالشهور صح لارتفاع الجهالة.
الثالث: لو طلقها ثم حجر عليه الحاكم قيل: هي أحق بالسكنى لتقدم حقها على
387

الغرماء، وقيل: تضرب مع الغرماء بمستحقها من أجرة المثل، والأول أشبه، أما لو حجر
عليه ثم طلق كانت أسوة مع الغرماء إذ لا مزية لها.
الرابع: لو طلقها في مسكن لغيره استحقت السكنى في ذمته، فإن كان له غرماء
ضربت مع الغرماء ضربت مع الغرماء بأجرة مثل سكناها، فإن كانت معتدة بالأشهر
فالقدر معلوم، وإن كانت معتدة بالأقراء أو بالحمل ضربت مع الغرماء بأجرة سكنى أقل
الحمل أو أقل الأقراء، فإن اتفق وإلا أخذت نصيب الزائد، وكذا لو فسد الحمل قبل أقل
المدة رجع عليها بالتفاوت.
الخامس: لو مات فورث المسكن جماعة لم يكن لهم قسمته إذا كان بقدر مسكنها إلا
بإذنها أو مع انقضاء عدتها لأنها استحقت السكنى فيه على صفة، والوجه أنه لا سكنى بعد
الوفاة ما لم تكن حاملا.
السادس: لو أمرها بالانتقال فقلت رحلها وعيالها ثم طلقت وهي في الأول اعتدت
فيه، ولو انتقلت وبقي عيالها ورحلها ثم طلقت اعتدت في الثاني، ولو انتقلت إلى الثاني ثم
رجعت إلى الأول لنقل متاعها ثم طلقت اعتدت في الثاني لأنه صار منزلها، ولو خرجت من
الأول فطلقت قبل الوصول إلى الثاني اعتدت في الثاني لأنها مأمورة بالانتقال إليه.
السابع: البدوية تعتد في المنزل الذي طلقت فيه، فلو ارتحل النازلون به رحلت معهم
دفعا لضرر الانفراد، وإن بقي أهلها فيه أقامت معهم ما لم يتغلب الخوف بالإقامة، ولو رحل
أهلها وبقي من فيه منعة فالأشبه جواز النقل دفعا لضرر الوحشة بالانفراد.
الثامن: لو طلقها في السفينة فإن لم تكن مسكنا أسكنها حيث شاء وإن كانت مسكنا
اعتدت فيها.
التاسع: إذا سكنت في منزلها ولم تطالب بمسكن فليس لها المطالبة بالأجرة لأن الظاهر
منها التطوع بالأجرة، وكذا لو استأجرت مسكنا فسكنت فيه لأنها تستحق السكنى حيث
يسكنها لا حيث تتخير.
المسألة الثالثة: لا نفقة للمتوفى عنها زوجها ولو كانت حاملا، وروي أنه ينفق عليها
من نصيب الحمل، وفي الرواية بعد ولها أن تبيت حيث شاءت.
388

المسألة الرابعة: لو تزوجت في العدة لم يصح ولم تنقطع عدة الأول، فإن لم يدخل بها
الثاني فهي في عدة الأول، وإن وطأها الثاني عالما بالتحريم فالحكم كذلك حملت أو لم تحمل،
ولو كان جاهلا ولم تحمل أتمت عدة الأول لأنها أسبق واستأنفت أخرى للثاني على أشهر
الروايتين، ولو حملت وكان هناك ما يدل على أنه للأول اعتدت بوضعه له وللثاني بثلاثة أقراء
بعد وضعه، وإن كان هناك ما يدل على أنه للثاني اعتدت بوضعه له وأكملت عدة للأول بعد
الوضع، فلو كان ما يدل على انتفائه عنهما أتمت بعد وضعه عدة للأول واستأنفت عدة للأخير
ولو احتمل أن يكون منهما قيل: يقرع بينهما ويكون الوضع عدة لمن يلحق به، وفيه إشكال
ينشأ من كونها فراشا للثاني بوطئ الشبهة فيكون أحق به.
الخامسة: تعتد زوجة الحاضر من حين الطلاق أو الوفاة، وتعتد من الغائب في
الطلاق من وقت الوقوع وفي الوفاة من حين البلوغ ولو أخبر غير العدل، لكن لا تنكح إلا
مع الثبوت وفائدته الاجتزاء بتلك العدة، ولو علمت الطلاق ولم تعلم الوقت اعتدت عند
البلوغ.
السادسة: إذا طلقها بعد الدخول ثم راجع في العدة ثم طلق قبل المسيس لزمها
استئناف العدة لبطلان الأولى بالرجعة، ولو خالعها بعد الركعة قال الشيخ هنا: الأقوى أنه
لا عدة، وهو بعيد لأنه خلع عن عقد يتعقبه الدخول، أما لو خالعها بعد الدخول ثم تزوجها في
العدة وطلقها قبل الدخول لم تلزمها العدة، لأن العدة الأولى بطلت بالفراش المتجدد ولم
يحصل والعقد الثاني لم يحصل معه دخول، وقيل: يلزمها العدة لأنها لم تكمل العدة للأول،
والأول أشبه.
السابعة: وطء الشبهة يسقط معه الحد وتجب العدة، ولو كانت المرأة عالمة بالتحريم
وجهل الواطي لحق به النسب ووجبت له العدة وتحد المرأة ولا يسقط مهرها، ولو كانت
الموطوءة أمة لحق به الولد وعلى الواطي قيمته لمولاه حين سقط ومهر الأمة، وقيل: العشر إن
كانت بكرا ونصف العشر إن كانت ثيبا وهو المروي.
الثامنة: إذا طلقها بائنا ثم وطأها بشبهة قيل: تتداخل العدتان لأنهما لواحد، وهو
حسن حاملا كانت أو حائلا.
389

التاسعة: إذا نكحت في العدة الرجعية وحملت من الثاني اعتدت بالوضع من الثاني
وأكملت عدة الأول بعد الوضع وكان للأول الرجوع في تلك العدة دون زمان الحمل.
390

كتاب الخلع والمباراة
والنظر في: الصيغة والفدية والشرائط والأحكام:
أما الصيغة:
فإن يقول: خلعتك على كذا أو فلانة مختلعة على كذا، وهل يقع بمجرده؟ المروي
نعم، وقال الشيخ: لا يقع حتى يتبع بالطلاق، ولا يقع بفاديتك مجردا عن لفظ الطلاق
ولا فاسختك ولا أبنتك ولا نبأتك ولا بالتقايل، وبتقدير الاجتزاء بلفظ الخلع، هل
يكون فسخا أو طلاقا؟ قال المرتضى رحمه الله: هو طلاق، وهو المروي، وقال الشيخ
رحمه الله: الأولى أن يقال فسخ، وهو تخريج، فمن قال: هو فسخ لم يعتد به عدد
الطلقات، ويقع الطلاق مع الفدية بائنا وإن انفرد عن لفظ الخلع.
فروع:
الأول: لو طلبت منه طلاقا بعوض فخلعها مجردا عن لفظ الطلاق لم يقع على القولين،
ولو طلبت خلعا بعوض فطلق به لم يلزم البذل على القول بوقوع الخلع بمجرده فسخا، ويقع
الطلاق رجعيا ويلزم على القول بأنه طلاق أو أنه يفتقر إلى الطلاق.
الثاني: لو ابتدأ فقال: أنت طالق بألف أو عليك ألف، صح الطلاق رجعيا ولم
يلزمها الألف ولو تبرعت بعد ذلك بضمانها لأنه ضمان ما لم يجب، ولو دفعتها إليه كانت
هبة مستأنفة ولا تصير المطلقة بدفعها بائنة.
391

الثالث: إذا قالت: طلقني بألف، كان الجواب على الفور، فإن تأخر لم يستحق
عوضا وكان الطلاق رجعيا.
النظر الثاني: في الفدية: كل ما صح أن يكون مهرا صح أن يكون فداء في الخلع، ولا تقدير فيه بل يجوز ولو
كان زائدا عما وصل إليها من مهر وغيره، وإذا كان غائبا فلا بد من ذكر جنسه ووصفه
وقدره ويكفي في الحاضر المشاهدة، وينصرف الإطلاق إلى غائب نقد البلد ومع التعيين
إلى ما عين، ولو خالعها على ألف ولم يذكر المراد ولا قصد فسد الخلع، ولو كان الفداء مما
لا يملكه المسلم كالخمر فسد الخلع وقيل: يكون رجعيا، وهو حق إن أتبع بالطلاق وإلا
كان البطلان أحق، ولو خالعها على خل فبان خمرا صح وكان له بقدره خل، ولو خلع على
حمل الدابة أو الجارية لم يصح.
ويصح بذل الفداء منها ومن وكيلها، وممن يضمنه بإذنها، وهل يصح من المتبرع؟
فيه تردد، والأشبه المنع، أما لو قال: طلقها على ألف من مالها وعلى ضمانها أو على عبدها
هذا وعلى ضمانها، صح، فإن لم ترض بدفع البذل صح الخلع وضمن المتبرع وفيه تردد،
ولو خالعت في مرض الموت صح، وإن بذلت أكثر من الثلث وكان من الأصل، وفيه قول:
أن الزائد عن مهر المثل من الثلث، وهو أشبه.
ولو كان الفداء رضاع ولده صح مشروطا بتعيين المدة، وكذا لو طلقها على نفقته
بشرط تعيين القدر الذي يحتاج إليه من المأكل والكسوة والمدة، ولو مات قبل المدة كان
للمطلق استيفاء ما بقي، فإن كان رضاعا رجع بأجرة مثله، وإن كان اتفاقا رجع بمثل
ما كان يحتاج إليه في تلك المدة مثلا أو قيمة، ولا يجب عليها دفعه دفعة بل أدوارا في المدة
كما كان يستحق عليها لو بقي.
ولو تلف العوض قبل القبض لم يبطل استحقاقه ولزمها مثله وقيمته إن لم يكن مثليا،
ولو خالعها بعوض موصوف، فإن وجد ما دفعته على الوصف وإلا كان له رده والمطالبة بما
392

وصف، ولو كان معينا فبان معيبا رده وطالب بمثله أو قيمته وإن شاء أمسكه مع الأرش،
وكذا لو خالعها على عبد على أنه حبشي فبان زنجيا أو ثوب على أنه نقي فبان أسمر، أما لو
خالعها على أنه إبريسم فبان كتانا صح الخلع وله قيمة الإبريسم وليس له إمساك
الكتان لاختلاف الجنس.
ولو دفعت ألفا وقالت: طلقني بها متى شئت، لم يصح البذل ولو طلق كان رجعيا
والألف لها، ولو خالع اثنتين بفدية واحدة صح وكانت بينهما بالسوية، ولو قالتا: طلقنا
بألف، فطلق واحدة كان له النصف، ولو عقب بطلاق الأخرى كان رجعيا ولا عوض له
لتأخر الجواب عن الاستدعاء المقتضي للتعجيل، ولو خالعها على عين فبانت مستحقة
قيل: يبطل الخلع. ولو قيل: يصح ويكون له القيمة أو المثل إن كانت مثليا، كان حسنا.
ويصح البذل من الأمة، فإن أذن مولاها انصرف الإطلاق إلى الافتداء بمهر المثل،
ولو بذلت زيادة عنه قيل: يصح وتكون لازمة لذمتها تتبع بها بعد العتق واليسار وتتبع
بأصل البذل مع عدم الإذن، ولو بذلت عينا فأجاز المولى صح الخلع والبذل، وإلا صح
الخلع دون البذل ولزمها قيمته أو مثله تتبع به بعد العتق، ويصح بذل المكاتبة المطلقة ولا
اعتراض للمولى أما المشروطة فكالقن.
النظر الثالث: في الشرائط:
ويعتبر في الخالع شروط أربعة: البلوغ وكمال العقل والاختيار والقصد، فلا يقع مع
الصغر ولا مع الجنون ولا مع الإكراه ولا مع السكر ولا مع الغضب الرافع للقصد، ولو
خالع ولي الطفل بعوض صح إن لم يكن طلاقا، ويبطل مع القول بكونه طلاقا، ويعتبر في
المختلعة أن تكون طاهرا طهرا لم يجامعها فيه إذا كانت مدخولا بها غير يائسة وكان حاضرا
معها، وأن تكون الكراهية من المرأة ولو قالت: لأدخلن عليك من تكرهه، لم يجب عليه
خلعها بل يستحب وفيه رواية بالوجوب، ويصح خلع الحامل مع رؤية الدم كما يصح
طلاقها ولو قيل: أنها تحيض، وكذا التي لم يدخل بها ولو كانت حائضا، وتخلع اليائسة وإن
393

وطأها في المخالعة.
ويعتبر في العقد حضور شاهدين دفعة ولو افترقا لم يقع وتجريده عن شرط، ويصح
الخلع من المحجور عليه لتبذير أو فلس ومن الذمي والحربي، ولو كان البذل خمرا أو
خنزيرا صح، ولو أسلما أو أحدهما قبل الإقباض ضمنت القيمة عند مستحليه، والشرط
إنما يبطل إذا لم يقتضه العقد، فلو قال: فإن رجعت رجعت، لم يبطل هذا الشرط لأنه من
مقتضى الخلع وكذا لو شرطت هي الرجوع في الفدية، أما لو قال: خالعتك إن شئت، لم
يصح ولو شاءت لأنه شرط ليس من مقتضاه، وكذا لو قال: خالعتك إن ضمنت لي ألفا،
أو إن أعطيتني ألفا أو ما شاكله، وكذا: متى أو مهما أو أي وقت أو أي حين.
النظر الرابع: في الأحكام: وفيه مسائل:
الأولى: لو أكرهها على الفدية فعل حراما، ولو طلق به صح الطلاق ولم تسلم إليه
الفدية وكان له الرجعة.
الثانية: لو خالعها والأخلاق ملتئمة لم يصح الخلع ولا يملك الفدية، ولو طلقها والحال
هذه بعوض لم تملك العوض وصح الطلاق وله الرجعة.
الثالثة: إذا أتت بفاحشة جاز عضلها لتفدي نفسها، وقيل: هو منسوخ ولم يثبت.
الرابعة: إذا صح الخلع فلا رجعة له ولها الرجوع في الفدية ما دامت في العدة ومع
رجوعها يرجع إن شاء.
الخامسة: لو خالعها وشرط الرجعة لم يصح وكذا لو طلق بعوض.
السادسة: المختلعة لا يلحقها طلاق بعد الخلع لأن الثاني مشروط بالرجعة، نعم لو
رجعت في الفدية فرجع جاز استئناف الطلاق:
السابعة: إذا قالت: طلقني ثلاثا بألف، فطلقها قال الشيخ: لا يصح لأنه طلاق
بشرط، والوجه أنه طلاق في مقابلة بذل فلا يعد شرطا، فإن قصدت الثلاث ولاء لم يصح
البذل وإن طلقها ثلاثا مرسلا لأنه لم يفعل ما سألته، وقيل: يكون له الثلث لوقوع
394

الواحدة، أما لو قصدت الثلاث التي يتخللها رجعتان صح، فإن طلق ثلاثا فله الألف
وإن طلق واحدة قيل: له ثلث الألف، لأنها جعلته في مقابلة الثلاث فاقتضى تقسيط
المقدار على الطلقات بالسوية، وفيه تردد منشأه جعل الجملة في مقابلة الثلث بما هي فلا
يقتضي التقسيط مع الانفراد، ولو كانت معه على طلقة فقالت: طلقني ثلاثا بألف،
فطلق واحدة كان له ثلث الألف، وقيل: له الألف إن كانت عالمة والثلث إن كانت
جاهلة، وفيه إشكال.
الثامنة: لو قالت: طلقني واحدة بألف، فطلقها ثلاثا ولاء وقعت واحدة وله الألف،
ولو قالت: طلقني واحدة بألف، فقال: أنت طالق فطالق فطالق، طلقت بالأولى ولغا
الباقي، فإن قال: الألف في مقابلة الأولى، فالألف له وكانت المطلقة بائنة، ولو قال: في
مقابلة الثانية، كانت الأولى رجعية وبطلت الثانية والفدية، ولو قال: في مقابلة الكل،
قال الشيخ: وقعت الأولى وله ثلث الألف، وفيه إشكال من حيث إيقاعه ما التمسته.
التاسعة: إذا قال أبوها: طلقها وأنت برئ من صداقها، وطلق صح الطلاق رجعيا
ولم يلزمها الإبراء ولا يضمنه الأب.
العاشرة: إذا وكلت في خلعها مطلقا اقتضى خلعها بمهر المثل نقدا بنقد البلد، وكذا
الزوج إذا وكل في الخلع فأطلق، فإن بذل وكيلها زيادة عن مهر المثل بطل البذل ووقع
الطلاق رجعيا ولا يضمن الوكيل، ولو خلعها وكيل الزوج بأقل من مهر المثل بطل الخلع،
ولو طلق بذلك البذل لم يقع لأنه فعل غير مأذون فيه.
ويلحق بالأحكام مسائل النزاع وهي ثلاثة:
الأولى: إذا اتفقا في القدر واختلفا في الجنس فالقول قول المرأة.
الثانية: لو اتفقا على ذكر القدر دون الجنس واختلفا في الإرادة قيل: يبطل، و قيل:
على الرجل البينة، وهو أشبه.
الثالثة: لو قال: خالعتك على ألف في ذمتك، فقالت: بل في ذمة زيد، فالبينة عليه
واليمين عليها. ويسقط العوض مع يمينها، ولا يلزم زيدا. وكذا لو قالت: بل خالعك فلان
395

والعوض عليه. أما لو قالت: خالعتك بكذا. وضمنه عني فلان أو برأه عني فلان، لزمها
الألف ما لم تكن بينة، لأنها دعوى محضة، ولا يثبت على فلان شئ بمجرد دعواها.
وأما المباراة: فهو أن يقول: بارأتك على كذا فأنت طالق، وهي تترتب على كراهية
كل واحد من الزوجين صاحبه، ويشترط اتباعه بلفظ الطلاق، فلو اقتصر المباري على
لفظ المباراة لم يقع به فرقة، ولو قال بدلا من بارأتك: فاسختك أو أبنتك، أو غيره من
الألفاظ صح إذا أتبعه بالطلاق إذ المقتضي للفرقة التلفظ بالطلاق لا غير، ولو اقتصر على
قوله: أنت طالق بكذا، صح وكان مباراة إذ هي عبارة عن الطلاق بعوض مع منافاة بين
الزوجين.
ويشترط في المباري والمباراة ما شرط في المخالع والمخالعة، وتقع الطلقة مع العوض
بائنة ليس للزوج معها رجوع إلا أن ترجع الزوجة في الفدية فيرجع لها ما دامت في العدة،
وللمرأة الرجوع في الفدية ما لم تنقض عدتها، والمباراة كالخلع لكن المباراة تترتب على
كراهية كل واحد من الزوجين صاحبه ويترتب الخلع على كراهية الزوجة، ويأخذ في
المباراة بقدر ما وصل إليها منه ولا تحل له الزيادة وفي الخلع جائز، وتقف الفرقة في المباراة
على التلفظ بالطلاق اتفاقا منا وفي الخلع على الخلاف.
396

كتاب الظهار
والنظر فيه يستدعي بيان أمور خمسة:
الأول: في الصيغة:
وهي أن يقول: أنت علي كظهر أمي، وكذا لو قال: هذه، أو ما شاكل ذلك من
الألفاظ الدالة على تميزها، ولا عبرة باختلاف ألفاظ الصلات كقوله: أنت مني أو
عندي، ولو شبهها بظهر إحدى المحرمات نسبا أو رضاعا كالأم أو الأخت فيه روايتان
أشهرهما الوقوع، ولو شبهها بيد أمه أو شعرها أو بطنها قيل: لا يقع اقتصارا على منطوق
الآية، وبالوقوع رواية فيها ضعف، أما لو شبهها بغير أمه بما عدا لفظة الظهر لم يقع قطعا.
ولو قال: أنت كأمي أو مثل أمي، قيل: يقع إن قصد به الظهار، وفيه إشكال منشأه
اختصاص الظهار بمورد الشرع والتمسك في الحل بمقتضى العقد، ولو شبهها بمحرمة
بالمصاهرة تحريما مؤبدا كأم الزوجة وبنت زوجته المدخول بها وزوجة الأب والابن لم يقع
به الظهار، وكذا لو شبهها بأخت الزوجة أو عمتها أو خالتها، ولو قال: كظهر أبي أو أخي
أو عمي، لم يكن شيئا وكذا لو قالت هي: أنت علي كظهر أمي وأبي:
ويشترط في وقوعه حضور عدلين يسمعان نطق المظاهر، ولو جعله يمينا لم يقع، ولا
يقع إلا منجزا فلو علقه بانقضاء الشهر أو دخول الجمعة لم يقع على الأظهر، وقيل: يقع،
وهو نادر، وهل يقع في إضرار؟ قيل لا، وفيه إشكال منشأه التمسك بالعموم، وفي وقوعه
موقوفا على الشرط تردد أظهره الجواز، ولو قيده بمدة كأن يظاهر منها شهرا أو سنة قال
397

الشيخ: لا يقع، وفيه إشكال مستند إلى عموم الآية وربما قيل: إن قصرت المدة عن زمان
التربص لم يقع، وهو تخصيص للعموم بالحكم المخصوص وفيه ضعف.
فروع:
لو قال: أنت طالق كظهر أمي، وقع الطلاق ولغا الظهار قصد الظهار أو لم يقصده،
وقال الشيخ: إن قصد الطلاق والظهار صح إن كانت المطلقة رجعية فكأنه قال: أنت
طالق، أنت علي كظهر أمي، وفيه تردد لأن النية لا تستقل بوقوع الظهار ما لم يكن اللفظ
الصريح الذي لا احتمال فيه، وكذا لو قال: أنت حرام كظهر أمي.
ولو ظاهر إحدى زوجتيه إن ظاهر ضرتها ثم ظاهر الضرة وقع الظهاران، ولو ظاهرها
إن ظاهر فلانة الأجنبية وقصد النطق بلفظ الظهار صح الظهار عند مواجهتها به، وإن قصد
الظهار الشرعي لم يقع ظهار وكذا لو قال: أجنبية، ولو قال: فلانة، من غير وصف فتزوجها
وظاهرها قال الشيخ: يقع الظهاران، وهو حسن.
الثاني: في المظاهر:
ويعتبر فيه البلوغ وكمال العقل والاختيار والقصد، فلا يصح ظهار الطفل ولا المجنون
ولا المكره ولا فاقد القصد بالسكر أو الإغماء أو الغضب، ولو ظاهر ونوى
الطلاق لم يقع الطلاق لعدم اللفظ المعتبر ولا الظهار لعدم القصد، ويصح ظهار الخصي والمجبوب إن قلنا
بتحريم ما عدا الوطء مثل الملامسة، وكذا يصح الظهار من الكافر ومنعه الشيخ التفاتا إلى
تعذر الكفارة والمعتمد ضعيف لإمكانها بتقديم الاسلام، ويصح من العهد.
الثالث: في المظاهرة:
ويشترط أن تكون منكوحة بالعقد الدائم فلا تقع على الأجنبية ولو علقه على النكاح،
وأن تكون طاهرا طهرا لم يجامعها فيه إذا كان زوجها حاضرا وكان مثلها تحيض، ولو كان
398

غائبا صح وكذا لو كان حاضرا وهي يائسة أو لم تبلغ، وفي اشتراط الدخول تردد والمروي
اشتراطه وفيه قول آخر مستنده التمسك بالعموم، وهل يقع بالمستمتع بها؟ فيه خلاف
والأظهر الوقوع، وفي الموطوءة بالملك تردد والمروي أنه يقع كما يقع بالحرة، ومع الدخول
يقع ولو كان الوطء دبرا صغيرة كانت أو كبيرة مجنونة أو عاقلة، وكذا يقع بالرتقاء
والمريضة التي لا توطأ.
الرابع: في الأحكام:
وهي مسائل:
الأولى: الظهار محرم لاتصافه بالمنكر وقيل: لا عقاب فيه لتعقيبه بالعفو.
الثانية: لا تجب الكفارة بالتلفظ وإنما تجب بالعود وهو إرادة الوطء، والأقرب أنه
لا استقرار لها بل معنى الوجوب تحريم الوطء حتى يكفر، ولو وطئ قبل الكفارة لزمه
كفارتان ولو كرر الوطء تكررت الكفارة.
الثالثة: إذا طلقها بعد الظهار رجعيا ثم راجعها لم تحل له حتى يكفر، ولو خرجت من
العدة ثم تزوجها ووطأها فلا كفارة، وكذا لو طلقها بائنا وتزوجها في العدة ووطأها، وكذا
لو ماتا أو مات أحدهما أو ارتدا أو ارتد أحدهما.
الرابعة: لو ظاهر من زوجته الأمة ثم ابتاعها فقد بطل العقد، ولو وطأها بالملك لم
تجب عليه الكفارة، ولو ابتاعها من مولاها غير الزوج ففسخ سقط حكم النهار، ولو
تزوجها الزوج بعقد مستأنف لم تجب الكفارة.
الخامسة: إذا قال: أنت علي كظهر أمي إن شاء زيد، فقال: شئت، وقع على القول
بدخول الشرط في الظهار، ولو قال: إن شاء الله، لم يقع ظهار به.
السادسة: لو ظاهر من أربع بلفظ واحد كان عليه عن كل واحدة كفارة، ولو ظاهر
من واحدة مرارا وجب عليه بكل مرة كفارة فرق الظهار أو تابعه ومن فقهائنا من فصل،
ولو وطأها قبل التكفير لزمه عن كل وطء كفارة واحدة.
399

السابعة: إذا أطلق الظهار حرم عليه الوطء حتى يكفر، ولو علقه بشرط جاز الوطء ما
لم يحصل الشرط ولو وطئ قبله لم يكفر، ولو كان الوطء هو الشرط يثبت الظهار بعد فعله
ولا تستقر الكفارة حتى يعود، وقيل: تجب بنفس الوطء، وهو بعيد.
الثامنة: يحرم الوطء على المظاهر ما لم يكفر سواء كفر بالعتق أو الصيام أو الإطعام،
ولو وطأها في خلال الصوم استأنف، وقال شاذ منا: لا يبطل التتابع لو وطئ ليلا، وهو
غلط، وهل يحرم عليه ما دون الوطء كالقبلة والملامسة؟ قيل: نعم لأنه مماسة، وفيه
إشكال ينشأ من اختلاف التفسير.
التاسعة: إذا عجز المظاهر عن الكفارة أو ما يقوم مقامها عدا الاستغفار قيل: يحرم
عليه حتى يكفر، وقيل: يجزيه الاستغفار، وهو أكثر.
العاشرة: إن صبرت المظاهرة فلا اعتراض، وإن رفعت أمرها إلى الحاكم خيره بين
التكفير والرجعة أو الطلاق وأنظره ثلاثة أشهر من حين المرافعة، فإن انقضت المدة ولم يختر
أحدهما ضيق عليه في المطعم والمشرب حتى يختار أحدهما، ولا يجبره على الطلاق تضييقا
ولا يطلق عنه.
400

كتاب الإيلاء
والنظر في أمور أربعة:
الأول: في الصيغة:
ولا ينعقد الإيلاء إلا بأسماء الله تعالى مع التلفظ ويقع بكل لسان مع القصد إليه،
واللفظ الصريح: والله لا أدخلت فرجي في فرجك، أو يأتي باللفظة المختصة بهذا الفعل أو
ما يدل عليها صريحا، والمحتمل كقوله: لا جامعتك أو لا وطأتك، فإن قصد الإيلاء صح،
ولا يقع مع تجرده عن النية، أما لو قال: لا أجمع رأسي ورأسك في بيت أو مخدة أو
لا ساقفتك، قال الشيخ في الخلاف: لا يقع به إيلاء، وقال في المبسوط يقع مع القصد،
وهو حسن، ولو قال: لا جامعتك في دبرك، لم يكن موليا.
وهل يشترط تجريد الإيلاء عن الشرط؟ للشيخ فيه قولان أظهرهما اشتراطه، فلو علقه
بشرط، أو زمان متوقع كان لاغيا. ولو حلف بالعتاق أن لا يطأها أو بالصدقة أو بالتحريم
لم يقع ولو قصد الإيلاء، ولو قال: إن أصبتك فعلي كذا، لم يكن إيلاء، ولو آلى من زوجة
وقال للأخرى: شركتك معها، لم يقع بالثانية ولو نواه إذ لا إيلاء إلا مع النطق باسم الله،
ولا يقع إلا في إضرار فلو حلف لصلاح اللبن أو لتدبير في مرض لم يكن له حكم الإيلاء
وكان كالأيمان.
الثاني: في المؤلي:
ويعتبر فيه البلوغ وكمال العقل والاختيار والقصد، ويصح من المملوك حرة كانت
401

زوجته أو أمة ومن الذمي ومن الخصي، وفي صحته من المجبوب تردد أشبهه الجواز ويكون
فئته كفئة العاجز.
الثالث: في المؤلي منها:
ويشترط أن تكون منكوحة بالعقد لا بالملك وأن تكون مدخولا بها، وفي وقوعه
بالمستمتع بها تردد أظهره المنع، ويقع بالحرة والمملوكة والمرافعة إلى المرأة لضرب المدة ولها
بعد انقضائها المطالبة بالفئة ولو كانت أمة ولا اعتراض للمولى، ويقع الإيلاء بالذمية كما
يقع بالمسلمة.
الرابع: في أحكامه: وهي مسائل:
الأولى: لا ينعقد الإيلاء حتى يكون التحريم مطلقا أو مقيدا بالدوام أو مقرونا بمدة
تزيد عن أربعة أشهر أو مضافا إلى فعل لا يحصل إلا بعد انقضاء مدة التربص يقينا أو
غالبا كقوله وهو بالعراق: حتى أمضي إلى بلد الترك وأعود، أو يقول: ما بقيت، ولا يقع
لأربعة أشهر فما دون ولا معلقا بفعل ينقضي قبل هذه المدة يقينا أو غالبا أو محتملا على
السواء، ولو قال: والله لا وطأتك حتى أدخل هذه الدار، لم يكن إيلاء لأنه يمكنه
التخلص من التكفير مع الوطء بالدخول وهو مناف للإيلاء.
الثانية: مدة التربص في الحرة والأمة أربعة أشهر سواء كان الزوج حرا أو عبدا،
والمدة حق للزوج وليس للزوجة مطالبته فيها بالفئة فإذا انقضت لم تطلق بانقضاء المدة ولم
يكن للحاكم طلاقها، وإن رافعته فهو مخير بين الطلاق والفئة، فإن طلق فقد خرج من
حقها وتقع الطلقة رجعية على الأشهر وكذا إن فاء، وإن امتنع من الأمرين حبس وضيق
عليه حتى يفئ أو يطلق ولا يجبره الحاكم على أحدهما تعيينا. ولو آلى مدة معينة ودافع بعد
المرافعة حتى انقضت المدة سقط حكم الإيلاء ولم يلزمه الكفارة مع الوطء، ولو أسقطت
حقها من المطالبة لم تسقط المطالبة لأنه حق متجدد فيسقط بالعفو ما كان لازما لا
402

ما يتجدد.
فروع:
الأول: لو اختلفا في انقضاء المدة فالقول قول من يدعي بقاءها، وكذا لو اختلفا في
زمان إيقاع الإيلاء فالقول قول من يدعي تأخيره.
الثاني: لو انقضت مدة التربص وهناك ما يمنع من الوطء كالحيض والمرض لم يكن
لها المطالبة لظهور عذره في التخلف، ولو قيل: لها المطالبة بفئة العاجز عن الوطء، كان
حسنا، ولو تجددت أعذارها في أثناء المدة قال في المبسوط: تنقطع الاستدامة عدا الحيض،
وفيه تردد، ولا تنقطع المدة بأعذار الرجل ابتداء ولا اعتراضا ولا تمنع من المرافعة انتهاء.
الثالث: إذا جن بعد ضرب المدة احتسبت المدة عليه وإن كان مجنونا، فإن انقضت
المدة والجنون باق تربص به حتى يفيق.
الرابع: إذا انقضت المدة وهو محرم ألزم بفئة المعذور وكذا لو اتفق صائما، ولو واقع أتى
بالفئة وإن أثم وكذا في كل وطء محرم كالوطء في الحيض والصوم الواجب.
الخامس: إذا ظاهر ثم آلى صح الأمران وتوقف بعد انقضاء مدة الظهار، فإن طلق
فقد وفي الحق وإن أبي ألزم التكفير والوطء لأنه أسقط حقه من التربص بالظهار وكان
عليه كفارة الإيلاء.
السادس: إذا آلى ثم ارتد قال الشيخ: لا يحتسب عليه مدة الردة لأن المنع بسبب
الارتداد لا بسبب الإيلاء، والوجه الاحتساب لتمكنه من الوطء بإزالة المانع.
المسألة الثالثة: إذا وطئ في مدة التربص لزمته الكفارة إجماعا، ولو وطئ بعد المدة
قال في المبسوط: لا كفارة، وفي الخلاف يلزمه، وهو الأشبه.
الرابعة: إذا وطأ المولى ساهيا أو مجنونا أو اشتبهت بغيرها من حائله قال الشيخ:
بطل حكم الإيلاء لتحقق الإصابة، ولا تجب الكفارة لعدم الحنث.
الخامسة: إذا ادعى الإصابة فأنكرت فالقول قوله مع يمينه لتعذر البينة.
403

السادسة: قال في المبسوط: المدة المضروبة بعد الترافع لا من حين الإيلاء، وفيه تردد.
السابعة: الذميان إذا ترافعا كان الحاكم بالخيار بين الحكم بينهما وبين ردهما إلى أهل
نحلتهما.
الثامنة: فئة القادر غيبوبة الحشفة في القبل وفئة العاجز إظهار العزم على الوطء مع
القدرة. ولو طلب الإمهال مع القدرة، أمهل ما جرت العادة به، كتوقع خفة المأكول أو
الأكل إن كان جائعا، أو الراحة إن كان متعبا.
التاسعة: إذا آلى من الأمة ثم اشتراها وأعتقها وتزوجها لم يعد الإيلاء، وكذا لو آلى
العبد من الحرة ثم اشترته وأعتقته وتزوج بها.
العاشرة: إذا قال لأربع: والله لا وطأتكن، لم يكن موليا في الحال وجاز له وطء ثلاث
منهن ويتعين التحريم في الرابعة ويثبت الإيلاء، ولها المرافعة ويضرب لها المدة ثم نفقة بعد
المدة، ولو ماتت واحدة قبل الوطء انحلت اليمين لأن الحنث لا يتحقق إلا مع وطء الجميع،
وقد تعذر في حق الميتة إذ لا حكم لوطئها، وليس كذلك لو طلق واحدة أو اثنتين أو ثلاثا
لأن حكم اليمين هنا باق في من بقي لإمكان الوطء في المطلقات ولو بالشبهة، ولو قال:
لا وطئت واحدة منكن، تعلق الإيلاء بالجميع وضربت المدة لهن عاجلا، نعم لو وطئ
واحدة حنث وانحلت اليمين في البواقي ولو طلق واحدة أو اثنتين أو ثلاثا كان الإيلاء ثابتا
في من بقي، ولو قال: في هذه أردت واحدة معينة، قبل قوله لأنه أبصر بنيته، ولو قال:
لا وطأت كل واحدة منكن، كان موليا من كل واحدة كما لو آلى من كل واحدة منفردة،
وكل من طلقها فقد وفاها حقها ولم ينحل اليمين في البواقي، وكذا لو وطأها قبل الطلاق
لزمته الكفارة وكان الإيلاء حينئذ في البواقي باقيا.
الحادية عشرة: إذا آلى من الرجعية صح ويحتسب زمان العدة من المدة، وكذا لو طلقها
رجعيا بعد الإيلاء وراجع.
الثانية عشرة: لا تتكرر الكفارة بتكرر اليمين سواء قصد التأكيد أو لم يقصد أو قصد
بالثانية غير ما قصد بالأولى إذا كان الزمان واحدا، نعم لو قال: والله لا وطأتك خمسة
404

أشهر فإذا انقضت فوالله لا وطأتك سنة، فهما إيلاءان ولها المرافعة لضرب مدة التربص
عقيب اليمين، ولو وافقته فماطل حتى انقضت خمسة أشهر فقد انحلت اليمين، قال الشيخ:
ويدخل وقت الإيلاء الثاني، والوجه بطلان الثاني لتعلقه على الصفة على ما قرره الشيخ.
الثالثة عشرة: إذا قال: والله لا وطأتك سنة إلا مرة لم يكن موليا في الحال لأن له
الوطء من غير تكفير، ولو وطأ وقع الإيلاء ثم ينظر فإن تخلف من المدة قدر التربص
فصاعدا صح وكان لها المرافعة وإن كان دون المدة بطل حكم الإيلاء.
405

كتاب اللعان
والنظر في أركانه وأحكامه
وأركانه أربعة:
الركن الأول: في السبب: وهو شيئان:
الأول: القذف:
ولا يترتب اللعان به إلا على رمي الزوجة المحصنة المدخول بها بالزنى قبلا أو دبرا مع
دعوى المشاهدة وعدم البينة، فلو رمى الأجنبية تعين الحد ولا لعان وكذا لو قذف الزوجة
ولم يدع المشاهدة، ولو كان له بينة فلا لعان ولا حد وكذا لو كانت المقذوفة مشهورة
بالزنى، ويتفرع على اشتراط المشاهدة سقوط اللعان في حق الأعمى بالقذف لتعذر
المشاهدة ويثبت في حقه بنفي الولد.
ولو كان للقاذف بينة فعدل عنها إلى اللعان قال في الخلاف: يصح، ومنع في المبسوط
التفاتا إلى اشتراط عدم البينة في الآية وهو الأشبه، ولو قذفها بزنى أضافه إلى ما قبل
النكاح فقد وجب الحد، وهل له إسقاطه باللعان؟ قال في الخلاف: ليس له اللعان
اعتبارا بحالة الزنى، وقال في المبسوط: له ذلك اعتبارا بحالة القذف، وهو أشبه، ولا يجوز
قذفها مع الشبهة ولا مع غلبة الظن وإن أخبره الثقة أو شاع أن فلانا زنى بها.
وإذا قذف في العدة الرجعية كان له اللعان، وليس له ذلك في البائن بل يثبت
بالقذف الحد ولو أضافه إلى زمان الزوجية، ولو قذفها بالسحق لم يثبت اللعان ولو ادعى
المشاهدة ويثبت الحد، ولو قذف زوجته المجنونة ثبت الحد ولا يقام عليه الحد إلا بعد
406

المطالبة فإن أفاقت صح اللعان، وليس لوليها المطالبة بالحد ما دامت حية، وكذا ليس له
مطالبة زوج أمته بالتغرير في قذفها فإن ماتت قال الشيخ: له المطالبة، وهو حسن.
السبب الثاني: إنكار الولد:
ولا يثبت اللعان بإنكار الولد حتى تضعه لستة أشهر فصاعدا من حين وطئها ما لم
يتجاوز حملها أقصى مدة الحمل وتكون موطوءة بالعقد الدائم، ولو ولدته تاما لأقل من ستة
أشهر لم يلحق به وانتفى عنه بغير لعان، أما لو اختلفا بعد الدخول في زمان الحمل تلاعنا
ولا يلحق الولد حتى يكون الوطء ممكنا والزوج قادرا، فلو دخل الصبي لدون تسع فولدت
لم يلحق به، ولو كان له عشر فما زاد لحق بها لإمكان البلوغ في حقه ولو كان نادرا، ولو
أنكر الولد لم يلاعن إذ لا حكم للعانه ويؤخر اللعان حتى يبلغ الرشد وينكره، ولو مات
قبل البلوغ أو بعده ولم ينكره ألحق به وورثته الزوجة والولد.
ولو وطئ الزوج دبرا فحملت ألحق به لإمكان استرسال المني في الفرج وإن كان
الوطء في غيره، ولا يلحق الولد الخصي المجبوب على تردد، ويلحق ولد الخصي أو
المجبوب. ولا ينتفي ولد أحدهما إلا باللعان تنزيلا على الاحتمال وإن بعد، وإذا كان
الزوج حاضرا وقت الولادة ولم ينكر الولد مع ارتفاع الأعذار لم يكن له إنكاره بعد ذلك
إلا أن يؤخره بما جرت العادة به كالسعي إلى الحاكم، ولو قيل: له إنكاره بعد ذلك ما لم
يعترف به، كان حسنا، ولو أمسك عن نفي الحمل حتى وضعت جاز له نفيه بعد الوضع
على القولين لاحتمال أن يكون التوقف لتردده بين أن يكون حملا أو ريحا، ومتى أقر بالولد
صريحا أو فحوى لم يكن له إنكاره بعد ذلك مثل أن يبشر به فيجيب بما يتضمن الرضا
كأن يقال له: بارك الله لك في مولودك، فيقول: آمين، أو يقول: إن شاء الله، أما لو قال
مجيبا: بارك الله فيك أو أحسن الله إليك، لم يكن إقرارا.
وإذا طلق الرجل وأنكر الدخول فادعته وادعت أنها حامل منه، فإن أقامت بينة أنه
أرخى سترا لاعنها وحرمت عليه وكان عليه المهر، وإن لم تقم بينة كان عليه نصف المهر
407

ولا لعان وعليها الحد مائة سوط، وقيل: لا يثبت اللعان ما لم يثبت الدخول وهو الوطء ولا
يكفي إرخاء الستر ولا يتوجه عليه الحد لأنه لم يقذف ولا أنكر ولدا يلزمه الإقرار به، ولعل
هذا أشبه، ولو قذف امرأته ونفى الولد وأقام بينة سقط الحد ولم ينتف الولد إلا باللعان، ولو
طلقها بائنا فاتت بولد يلحق به في الظاهر ولم ينتف إلا باللعان، ولو تزوجت المطلقة وأتت
بولد لدون ستة أشهر من دخول الثاني ولتسعة أشهر فما دون من فراق الأول لم ينتف عنه
إلا باللعان.
الركن الثاني: في الملاعن:
ويعتبر كونه بالغا عاقلا، وفي لعان الكافر روايتان أشهرهما أنه يصح وكذا القول في
المملوك، ويصح لعان الأخرس إذا كان له إشارة معقولة كما يصح طلاقه وإقراره، وربما
توقف شاذ منا نظرا إلى تعذر العلم بالإشارة وهو ضعيف إذ ليس حال اللعان بزائد عن
حال الإقرار بالقتل، ولا يصح اللعان مع عدم النطق وعدم الإشارة المعقولة، ولو نفى ولد
المجنونة لم ينتف إلا باللعان، ولو أفاقت فلاعنت صح وإلا كان النسب ثابتا والزوجية
باقية، ولو أنكر ولد الشبهة انتفى عنه ولم يثبت اللعان، وإذا عرف انتفاء الحمل لاختلال
شروط الالتحاق أو بعضها وجب إنكار الولد واللعان لئلا يلتحق بنسبه من ليس منه،
ولا يجوز إنكار الولد للشبهة ولا للظن ولا لمخالفة صفات الولد لصفات الواطئ.
الركن الثالث: في الملاعنة:
ويعتبر فيها البلوغ وكمال العقل والسلامة من الصمم والخرس وأن تكون منكوحة
بالعقد الدائم، وفي اعتبار الدخول بها خلاف المروي أنه لا لعان قبله وفيه قول بالجواز،
وقال ثالث بثبوته بالقذف دون نفي الولد، ويثبت اللعان بين الحر والمملوكة وفيه رواية
بالمنع وقال ثالث بثبوته بنفي الولد دون القذف، ويصح لعان الحامل لكن لا يقام عليها
الحد إلا بعد الوضع، ولا تصير الأمة فراشا بالملك، وهل تصير فراشا بالوطئ؟ فيه روايتان
408

أظهرهما أنها ليست فراشا، ولا يلحق ولدها إلا بإقراره ولو اعترف بوطئها، ولو نفاه لم
يفتقر إلى لعان.
الركن الرابع: في كيفية اللعان:
ولا يصح إلا عند الحاكم أو من ينصبه لذلك، ولو تراضيا برجل من العامة فلاعن
بينهما جاز، ويثبت حكم اللعان بنفس الحكم، وقيل: يعتبر رضاهما بعد الحكم، وصورة
اللعان أن يشهد الرجل بالله أربع مرات أنه لمن الصادقين فيما رماها به، ثم يقول: أن عليه
لعنة الله إن كان من الكاذبين، ثم تشهد المرأة بالله أربعا أنه لمن الكاذبين فيما رماها به،
ثم تقول: أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين.
ويشتمل اللعان على واجب ومندوب:
فالواجب التلفظ بالشهادة على الوجه المذكور وأن يكون الرجل قائما عند التلفظ وكذا
المرأة، وقيل: يكونان جميعا قائمين بين يدي الحاكم، وأن يبدأ الرجل أولا بالتلفظ على
الترتيب المذكور وبعده المرأة وأن يعينها بما يزيل الاحتمال كذكر اسمها واسم أبيها أو
صفاتها المميزة لها عن غيرها، وأن يكون النطق بالعربية مع القدرة ويجوز بغيرها مع
التعذر، وإذا كان الحاكم غير عارف بتلك اللغة افتقر إلى حضور مترجمين ولا يكفي
الواحد، ويجب البدء بالشهادات ثم باللعن وفي المرأة تبدأ بالشهادات ثم بقولها: أن
غضب الله عليها، ولو قال أحدهما عوض أشهد بالله: أحلف أو أقسم، أو ما شاكله لم يجز.
والمندوب أن يجلس الحاكم مستدبر القبلة وأن يقف الرجل عن يمينه والمرأة عن يمين
الرجل وأن يحضر من يسمع اللعان، وأن يعظه الحاكم ويخوفه بعد الشهادات قبل ذكر
اللعن وكذا في المرأة قبل ذكر الغضب، وقد يغلظ اللعان بالقول والمكان والزمان، ويجوز
اللعان في المساجد والجوامع إذ لم يكن هناك مانع من الكون في المسجد، فإن اتفقت المرأة
حائضا أنفذ الحاكم إليها من يستوفي الشهادات، وكذا لو كانت غير برزة لم يكلفها الخروج
409

عن منزلها وجاز استيفاء الشهادات عليها فيه، وقال الشيخ: إن اللعان أيمان وليست
بشهادات، ولعله نظر إلى اللفظ فإنه بصورة اليمين.
النظر الثاني:
وأما أحكامه: فتشتمل على مسائل:
الأولى: يتعلق بالقذف وجوب الحد في حق الرجل وبلعانه سقوط الحد في حقه
ووجوب الحد في حق المرأة، ومع لعانهما ثبوت أحكام أربعة: سقوط الحدين وانتفاء الولد
عن الرجل دون المرأة وزوال الفراش والتحريم بالمؤبد، ولو أكذب نفسه في أثناء اللعان أو
نكل ثبت عليه الحد ولم تثبت عليه الأحكام الباقية، ولو نكلت هي أو أقرت رجمت
وسقط الحد عنه ولم يزل الفراش ولا يثبت التحريم، ولو أكذب نفسه بعد اللعان ألحق به
الولد لكن يرثه الولد ولا يرثه الأب ولا من يتقرب به، وترثه الأم ومن يتقرب بها ولم يعد
الفراش ولم يزل التحريم، وهل عليه الحد؟ فيه روايتان أظهرهما أنه لا حد، ولو اعترفت بعد
اللعان لا يجب عليها الحد إلا أن تقر أربع مرات وفي وجوبه معها تردد.
الثانية: إذا انقطع كلامه بعد القذف وقبل اللعان صار كالأخرس ويكون لعانه
بالإشارة وإن لم يحصل اليأس منه.
الثالثة: إذا ادعت أنه قذفها بما يوجب اللعان فأنكر فأقامت بينة لم يثبت اللعان
وتعين الحد لأنه يكذب نفسه.
الرابعة: إذا قذف امرأته برجل على وجه نسبهما إلى الزنى كان عليه حدان وله اسقاط
حد الزوجة باللعان، ولو كان له بينة سقط الحدان.
الخامسة: إذا قذفها فأقرت قبل اللعان قال الشيخ: لزمها الحد إن أقرت أربعا وسقط
عن الزوج، ولو أقرت مرة فإن كان هناك نسب لم ينتف إلا باللعان وكان للزوج أن
يلاعن لنفيه لأن تصادق الزوجين على الزنى لا ينفي النسب إذ هو ثابت بالفراش، وفي
اللعان تردد.
410

السادسة: إذا قذفها فاعترفت ثم أنكرت فأقام شاهدين باعترافها قال الشيخ:
لا يقبل إلا بأربعة ويجب الحد، وفيه إشكال ينشأ من كون ذلك شهادة بالإقرار لا بالزنى.
السابعة: إذا قذفها فماتت قبل اللعان سقط اللعان وورثها الزوج وعليه الحد للوارث،
ولو أراد دفع الحد باللعان جاز، وفي رواية أبي بصير: إن قام رجل من أهلها فلاعنه فلا
ميراث له وإلا أخذ الميراث، وإليه ذهب الشيخ في الخلاف، والأصل أن الميراث يثبت
بالموت فلا يسقط باللعان المتعقب.
الثامنة: إذا قذفها ولم يلاعن فحد ثم قذفها به قيل: لا حد، وقيل: يحد تمسكا بحصول
الموجب، وهو الأشبه وكذا الخلاف فيما لو تلاعنا ثم قذفها به وهنا سقوط الحد أظهر، ولو
قذفها به الأجنبي حد، ولو قذفها فأقرت ثم قذفها الزوج أو الأجنبي فلا حد، ولو قذفها
ولاعن فنكلت ثم قذفها الأجنبي قال الشيخ: لا حد كما لو أقام بينة، ولو قيل يحد كان
حسنا.
التاسعة: لو شهد أربعة والزوج أحدهم فيه روايتان إحديهما ترجم المرأة والأخرى تحد
الشهود ويلاعن الزوج، ومن فقهائنا من نزل رد الشهادة على اختلال بعض الشرائط أو
سبق الزوج بالقذف وهو حسن.
العاشرة: إذا أخل أحدهما بشئ من ألفاظ اللعان الواجبة لم يصح ولو حكم به
حاكم لم ينفذ.
الحادية عشرة: فرقة اللعان فسخ وليست طلاقا.
411

المختصر النافع
لأبي القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن بن أبي زكريا
يحيى بن الحسن بن سعيد الهذلي المشتهر بالمحقق وبالمحقق الحلي
602 - 676 ه‍ ق
413

كتاب الطلاق:
والنظر في أركانه وأقسامه ولواحقه:
الركن الأول: في المطلق: ويعتبر فيه البلوغ والعقل والاختيار والقصد. فلا اعتبار
بطلاق الصبي. وفي من بلغ عشرا رواية بالجواز فيها ضعف. ولو طلق عنه الولي لم يقع
إلا أن يبلغ فاسد العقل ولا يصح طلاق المجنون، ولا السكران، ولا المكره، ولا المغضب،
مع ارتفاع القصد.
الركن الثاني: في المطلقة: ويشترط فيها الزوجية والدوام والطهارة من الحيض
والنفاس، إذا كانت مدخولا بها، وزوجها حاضرا معها ولو كان غائبا صح. وفي قدر الغيبة
اضطراب، محصله: انتقالها من طهر إلى آخر. ولو خرج في طهر لم يقربها فيه صح طلاقها
من غير تربص ولو اتفق في الحيض. والمحبوس عن زوجته كالغائب. ويشترط رابع وهو أن
يطلق في طهر لم يجامعها فيه. ويسقط اعتباره في الصغيرة واليائسة والحامل.
أما المسترابة. فإن تأخرت الحيضة صبرت ثلاثة أشهر ولا يقع طلاقها قبله وفي اشتراط
تعين المطلقة تردد.
الركن الثالث: في الصيغة: ويقتصر على طالق تحصيلا لموضع الاتفاق. ولا يقع
بخلية ولا برية، وكذا لو قال: اعتدي. ويقع لو قال هل طلقت فلانة؟ فقال: نعم. ويشترط
تجريده عن الشرط والصفة. ولو فسر الطلقة باثنين أو ثلاث صحت واحدة وبطل التفسير.
415

وقيل. يبطل الطلاق. ولو كان المطلق يعتقد الثلاثة لزم.
الركن الرابع: في الإشهاد: ولا بد من شاهدين يسمعانه. ولا يشترط استدعاؤهما إلى
السماع، ويعتبر فيهما العدالة. وبعض الأصحاب يكتفى بالإسلام. ولو طلق ولم يشهد ثم
أشهد، كان الأول لغوا ولا تقبل فيه شهادة النساء.
النظر الثاني في أقسامه: وينقسم إلى بدعة وسنة:
فالبدعة: طلاق الحائض مع الدخول وحضور الزوج أو غيبته دون المدة المشترطة
وفي طهر قد قربها فيه.
وطلاق الثلاث المرسلة. وكله لا يقع. وطلاق السنة ثلاث: بائن، ورجعي، وللعدة. فالبائن ما لا يصح معه الرجعة.
وهو طلاق اليائسة على الأظهر. ومن لم يدخل بها. والصغيرة. والمختلعة والمباراة ما لم
ترجعا في البذل. والمطلقة ثلاثا بينها رجعتان.
والرجعي ما يصح معه الرجعة ولو لم يرجع. وطلاق العدة ما يرجع فيه ويواقع ثم
يطلق. فهذه تحرم في التاسعة تحريما مؤبدا. وما عداها تحرم في كل ثالثة حتى تنكح غيره.
وهنا مسائل خمسة:
الأولى: لا يهدم استيفاء العدة تحريم الثلاثة.
الثانية: يصح طلاق الحامل للسنة كما تصح للعدة على الأشبه.
الثالثة: يصح أن يطلق ثانية في الطهر الذي طلق فيه وراجع فيه ولم يطأ لكن لا يقع
للعدة.
الرابعة: لو طلق غائبا ثم حضر ودخل بها ثم ادعى الطلاق لم تقبل دعواه ولا بينته،
ولو أولدها لحق به.
الخامسة: إذا طلق الغائب وأراد العقد على أختها، أو على خامسة تربص تسعة أشهر احتياطا.
416

النظر الثالث: في اللواحق وفيه مقاصد:
الأول: يكره طلاق المريض، ويقع لو طلق. ويرث زوجته في العدة الرجعية، وترثه
هي ولو كان الطلاق بائنا إلى سنة، ما لم تتزوج أو يبرأ من مرضه ذلك.
المقصد الثاني: في المحلل:
ويعتبر فيه البلوغ والوطء في القبل بالعقد الصحيح الدائم. وهل يهدم ما دون
الثلاث؟ فيه روايتان أشهرهما: أنه يهدم. ولو ادعت أنها تزوجت ودخل وطلقها فالمروي:
القبول إذا كانت ثقة.
المقصد الثالث: في الرجعة:
تصح نطقا، كقوله: راجعت وفعلا كالوطء والقبلة واللمس بالشهوة. ولو أنكر
الطلاق كان رجعة.
ولا يجب في الرجعة الإشهاد بل يستحب. ورجعة الأخرس بالإشارة، وفي رواية بأخذ
القناع. ولو ادعت انقضاء العدة في الزمان الممكن قبل.
المقصد الرابع: في العدد، والنظر في فصول:
الأول: لا عدة على من لم يدخل بها عدا المتوفى عنها زوجها. ونعني بالدخول الوطء
قبلا أو دبرا، ولا تجب بالخلوة.
الثاني: في المستقيمة الحيض. وهي تعتد بثلاثة أطهار على الأشهر إذا كانت حرة وإن
كانت تحت عبد. وتحتسب بالطهر الذي طلقها فيه ولو حاضت بعد الطلاق بلحظة، وتبين
برؤية الدم الثالث. وأقل ما تنقضي به عدتها ستة وعشرون يوما ولحظتان، وليست الأخيرة
من العدة بل دلالة الخروج.
الثالث: في المسترابة: وهي التي لا تحيض، وفي سنها من تحيض، وعدتها ثلاثة أشهر.
وهذه تراعى الشهور والحيض وتعتد بأسبقهما. أما لو رأت في الثالث حيضة وتأخرت الثانية
417

أو الثالثة، صبرت تسعة أشهر لاحتمال الحمل ثم اعتدت بثلاثة أشهر. وفي رواية عمار
تصبر سنة ثم تعتد بثلاثة أشهر.
ولا عدة على الصغيرة ولا اليائسة على الأشهر. وفي حد اليأس روايتان، أشهرهما:
خمسون سنة. ولو رأت المطلقة الحيض مرة ثم بلغت اليأس أكملت العدة بشهرين.
ولو كانت لا تحيض إلا في خمسة أشهر أو ستة اعتدت بالأشهر.
الرابع: في الحامل: وعدتها في الطلاق بالوضع ولو بعد الطلاق بلحظة، ولو لم يكن تاما
مع تحققه حملا. ولو طلقها فادعت الحمل تربص بها أقصى الحمل. ولو وضعت توأما بانت به
على تردد، ولا تنكح حتى تضع الآخر.
ولو طلقها رجعيا ثم مات استأنفت عدة الوفاة. ولو كان بائنا اقتصرت على إتمام عدة
الطلاق.
الخامس: في عدة الوفاة: تعتد الحرة بأربعة أشهر وعشرة أيام إذا كانت حايلا،
صغيرة كانت أو كبيرة دخل بها أو لم يدخل وبأبعد الأجلين إن كانت حاملا. ويلزمها الحداد
وهو ترك الزينة دون المطلقة. ولا حداد على أمة.
السادس: في المفقود: لا خيار لزوجته إن عرف خبره أو كان له ولي ينفق عليها. ثم
إن فقد الأمران ورفعت أمرها إلى الحاكم أجلها أربع سنين. فإن وجده وإلا أمرها بعدة الوفاة
ثم أباحها النكاح، فإن جاء في العدة فهو أملك بها. وإن خرجت وتزوجت فلا سبيل له. وإن
خرجت ولم تتزوج فقولان، أظهرهما: أنه لا سبيل له عليها.
السابع: في عدد الإماء والاستبراء:
عدة الأمة في الطلاق مع الدخول قرآن، وهما طهران على الأشهر. ولو كانت مسترابة
فخمسة وأربعون يوما، تحت عبد كانت أو تحت حر. ولو أعتقت ثم طلقت لزمها عدة الحرة.
وكذا لو طلقها رجعيا ثم أعتقت في العدة، أكملت عدة الحرة. ولو طلقها بائنا أتمت عدة
الأمة. وعدة الذمية كالحرة في الطلاق والوفاة على الأشبه.
وتعتد الأمة من الوفاة بشهرين وخمسة أيام. ولو كانت حاملا اعتدت مع ذلك بالوضع.
418

وأم الولد تعتد من وفاة الزوج كالحرة. ولو طلقها الزوج رجعية ثم مات وهي في العدة
استأنفت عدة الحرة. ولو لم تكن أم ولد استأنفت عدة الأمة للوفاة.
ولو مات زوج الأمة ثم أعتقت أتمت عدة الحرة، تغليبا لجانب الحرية ولو وطئ المولى
أمته ثم أعتقها اعتدت بثلاثة أقراء. ولو كانت زوجة الحر أمة فابتاعها بطل نكاحه، وله
وطؤها من غير استبراء.
تتمة:
لا يجوز لمن طلق رجعيا أن يخرج الزوجة من بيته إلا أن تأتي بفاحشة، وهو ما يجب به
الحد.
وقيل أدناه أن تؤذي أهله.
ولا تخرج هي فإن اضطرت خرجت بعد انتصاف الليل وعادت قبل الفجر. ولا يلزم
ذلك في البائن ولا المتوفى عنها زوجها، بل تبيت كل واحد منهما حيث شاءت.
وتعتد المطلقة من حين الطلاق حاضرا كان المطلق أو غائبا إذا عرفت الوقت. وفي
الوفاة من حين يبلغها الخبر.
419

كتاب الخلع والمباراة:
والكلام في العقد والشرائط واللواحق:
وصيغة الخلع: بأن يقول: خلعتك أو فلانة مختلعة على كذا.
وهل يقع بمجرده؟ قال " علم الهدي " نعم. وقال " الشيخ ": لا حتى تتبع بالطلاق، ولو
تجرد كان طلاقا عند " المرتضى "، وفسخا عند " الشيخ " لو قال بوقوعه مجردا.
وما صح أن يكون مهرا، صح فدية في الخلع، ولا تقدير فيه، بل يجوز أن يأخذ منها زائدا
عما وصل إليها منه. ولا بد من تعيين الفدية وصفا أو إشارة.
أما الشرائط: فيعتبر في الخالع البلوغ، وكمال العقل، والاختيار، والقصد.
وفي المختلعة مع الدخول، الطهر الذي لم يجامعها فيه، إذا كان زوجها حاضرا، وكان
مثلها تحيض. وأن يكون الكراهية منها خاصة صريحا. ولا يجب لو قالت: لأدخلن عليك من
تكره بل يستحب. ويصح خلع الحامل مع الدم لو قيل إنها تحيض.
ويعتبر في العقد حضور شاهدين عدلين وتجريده عن الشرط. ولا بأس بشرط يقتضيه
العقد، كما لو شرط الرجوع إن رجعت.
وأما اللواحق فمسائل:
الأولى: لو خالعها والأخلاق ملتئمة لم يصح، ولم يملك الفدية.
420

الثانية: لا رجعة للخالع. نعم لو رجعت في البذل رجع إن شاء ويشترط رجوعها في
العدة، ثم لا رجوع بعدها.
الثالثة: لو أراد مراجعتها ولم ترجع في البذل افتقر إلى عقد جديد في العدة أو بعدها.
الرابعة: لا توارث بين المختلعين ولو مات أحدهما في العدة لانقطاع العصمة بينهما.
والمباراة: هو أن يقول: بارأتك على كذا. وهي تترتب على كراهية الزوجين كل منهما
صاحبه. ويشترط اتباعها بالطلاق على قول الأكثر.
والشرائط المعتبرة في الخالع والمختلعة مشترطة هنا. ولا رجوع للزوج إلا أن ترجع هي
في البذل. وإذا خرجت من العدة فلا رجوع لها. ويجوز أن يفاديها بقدر ما وصل إليها منه
فما دون، ولا يحل له ما زاد عنه.
421

كتاب الظهار:
وينعقد بقوله: أنت على كظهر أمي، وإن اختلفت حروف الصلة. وكذا يقع لو شبهها
بظهر ذوي رحم نسبا، ورضاعا. ولو قال كشعر أمي أو يدها لم يقع، وقيل: يقع برواية فيها
ضعف.
ويشترط أن يسمع نطقه شاهدا عدل. وفي صحته مع الشرط روايتان، أشهرهما:
الصحة. ولا يقع في يمين ولا إضرار ولا غضب ولا سكر.
ويعتبر في المظاهر البلوغ، وكمال العقل، والاختيار، والقصد. وفي المظاهرة طهر لم
يجامعها فيه، إذا كان زوجها حاضرا ومثلها تحيض. وفي اشتراط الدخول تردد، المروي:
الاشتراط.
وفي وقوعه بالمتمتع بها قولان، أشبههما: الوقوع، وكذا الموطوءة بالملك، والمروي:
إنها كالحرة.
وههنا مسائل:
الأولى: الكفارة تجب بالعود وهو إرادة الوطء. والأقرب أنه لا استقرار لوجوبها.
الثانية: لو طلقها وراجع في العدة لم تحل حتى يكفر. ولو خرجت فاستأنف النكاح،
422

فيه روايتان، أشهرهما: إنه لا كفارة.
الثالثة: لو ظاهر من أربع بلفظ واحد لزمه أربع كفارات. وفي رواية كفارة واحدة
وكذا البحث لو كرر ظهار الواحدة.
الرابعة: يحرم الوطء قبل التكفير. فلو وطئ عامدا لزمه كفارتان. ولو كرر لزمه بكل
وطء كفارة.
الخامسة: إذا أطلق الظهار حرمت مجامعتها حتى يكفر. ولو علقه بشرط لم تحرم حتى
يحصل الشرط. وقال بعض الأصحاب: أو يواقع وهو بعيد، ويقرب إذا كان الوطء
هو الشرط.
السادسة: إذا عجز عن الكفارة قيل يحرم وطؤها حتى يكفر. وقيل تجزى
بالاستغفار وهو أشبه.
السابعة: مدة التربص ثلاثة أشهر من حين المرافعة. وعند انقضائها يضيق عليه
حتى يفئ أو يطلق.
423

كتاب الإيلاء
ولا ينعقد إلا باسم الله سبحانه. ولو حلف بالطلاق أو العتاق لم يصح، ولا تنعقد إلا
في الإضرار. فلو حلف لصلاح لم ينعقد كما لو حلف لاستضرارها بالوطئ أو لإصلاح اللبن
ولا يقع حتى يكون مطلقا أو أزيد من أربعة أشهر. ويعتبر في المولى البلوغ، وكمال
العقل، والاختيار، والقصد. وفي المرأة الزوجية، والدخول. وفي وقوعه بالمتمتع بها قولان،
المروي: أنه لا يقع.
وإذا رافعته أنظره الحاكم أربعة أشهر. فإن أصر على الامتناع ثم رافعته بعد المدة،
خيره الحاكم بين الفيئة والطلاق فإن امتنع حبسه وضيق عليه في المطعم والمشرب حتى
يكفر ويفئ، أو يطلق. وإذا طلق وقع رجعيا، وعليها العدة من يوم طلقها. ولو ادعى الفيئة
فأنكرت فالقول قوله مع يمينه.
وهل يشترط في ضرب المدة المرافعة؟ قال الشيخ: نعم والروايات مطلقة. ولنتبع ذلك
بذكر:
424

كتاب اللعان:
والنظر في أمور أربعة:
الأول: السبب، وهو أمران.
الأول: قذف الزوجة بالزنى مع ادعاء المشاهدة وعدم البينة. ولا يثبت لو قذفها في عدة
بائنة، ويثبت لو قذفها في رجعية.
الثاني: إنكار من ولد على فراشه لستة أشهر فصاعدا من زوجة موطوءة بالعقد
الدائم، ما لم يتجاوز أقصى الحمل. وكذا لو أنكره بعد فراقها ولم تتزوج، أو بعد أن تزوجت
وولدت لأقل من ستة أشهر منذ دخل.
الثاني: في الشرائط:
ويعتبر في الملاعن البلوغ وكمال العقل. وفي لعان الكافر قولان أشبههما: الجواز،
وكذا المملوك. وفي الملاعنة البلوغ، وكمال العقل، والسلامة من الصمم والخرس.
ولو قذفها مع أحدهما بما يوجب اللعان حرمت عليه.
وأن يكون عقدها دائما. وفي اعتبار الدخول قولان، المروي: أنه لا يقع قبله. وقال
ثالث بثبوته بالقذف دون لنفي للولد. ويثبت بين الحر والمملوكة، وفيه رواية بالمنع، وقول
ثالث بالفرق. ويصح لعان الحامل، لكن لا يقام عليها الحد حتى تضع.
425

الثالث: الكيفية:
وهو أن يشهد الرجل أربعا بالله، أنه لمن الصادقين فيما رماها به، ثم يقول إن لعنة
الله عليه إن كان من الكاذبين. ثم تشهد المرأة أربعا أنه لمن الكاذبين فيما رماها به. ثم تقول:
إن غضب الله عليها إن كان من الصادقين.
والواجب فيه النطق بالشهادة، وأن يبدأ الرجل بالتلفظ باللفظ العربي مع القدرة
والمستحب أن يجلس الحاكم مستدبر القبلة، وأن يقف الرجل عن يمينه، والمرأة عن يساره،
وأن يحضر من يسمع اللعن. ووعظ الرجل بعد الشهادة قبل اللعن. وكذا المرأة قبل ذكر
الغضب.
الرابع: في الأحكام: وهي أربعة:
الأول: يتعلق بالقذف وجوب الحد على الزوج. وبلعانه سقوطه وثبوت الرجم على
المرأة إن اعترفت أو نكلت، ومع لعانها سقوطه عنها، وانتفاء الولد عن الرجل، وتحريمها
عليه مؤبدا. ولو نكل عن اللعان، أو اعترف بالكذب حد للقذف.
الثاني: لو اعترف بالولد في أثناء اللعان لحق به وتوارثا وعليه الحد. ولو كان بعد اللعان
لحق به وورثه الولد ولم يرثه الأب ومن لا يتقرب به، وترثه الأم، ومن يتقرب بها. وفي سقوط
الحد هنا روايتان، أشهرهما: السقوط. ولو اعترفت المرأة بعد اللعان بالزنى لم يثبت الحد
إلا أن تقر أربعا على تردد.
الثالث: لو طلق فادعت الحمل منه فأنكر، فإذا أقامت بينة أنه أرخى عليها الستر
لاعنها وبانت منه، وعليه المهر كملا. وهي رواية علي بن جعفر عن أخيه. وفي " النهاية ": وإن
لم تقم بينة لزمه نصف المهر وضربت مائة سوط. وفي إيجاب الجلد: إشكال.
الرابع: إذا قذفها فماتت قبل اللعان فله الميراث وعليه الحد للوارث. وفي رواية " أبي
بصير " إن قام رجل من أهلها فلاعنه فلا ميراث له. وقيل: لا يسقط الإرث لاستقراره
بالموت، وهو حسن.
426

الجامع للشرائع
للشيخ أبي زكريا يحيى بن أحمد بن يحيى بن الحسن
بن سعيد الهذلي
601 - 689 أو 690 ه‍ ق
427

باب الطلاق:
الطلاق مشروع في الاسلام، ولا يصح طلاق المكره والسكران وغير القاصد له
كالساهي والنائم، والقاصد له من يراها أجنبية فبانت زوجته، والغضبان بحيث
لا يحصل معه، ولا يصح الطلاق إلا بصريحه وتعيين المطلقة باسم أو صفة أو إشارة أو
نية، ويكلف تفسيرها وإن تلفظ بكناية ك‍ " برية " وبتة وبتلة واعتدي وخلية لم يقع بهن بائن
ولا رجعي، وأن يشهد على إيقاعه شاهدان عدلان ولا يصح بشهادة النساء ولا رجل
وامرأتين، وأن يشهدهما معا فإن أشهد واحدا بعد الآخر لم يقع وإن طلق ولم يشهد ثم أشهد
فمن حيث أشهد وتعتد منه، وأن يتلفظ به موحدا فإن خالف لم يقع وقيل يقع واحدة.
وأن تكون المطلقة زوجة دائمة، فإن طلق قبل أن ينكح لم يقع عينها أو أجملها، وأن
يكون في طهرها الذي لم يجامعها فيه إلا أن تكون غير مدخول بها أو المطلق غائبا عنها شهرا
فصاعدا أو حاملا بينة الحمل، أو ممن لا تحيض مثلها لصغر وهو دون التسع، أو كبر ببلوغ
الستين في القرشية والنبطية والخمسين في غيرهما، وإن دخل بهن فإنهن يطلقن على كل
حال فإن دخل بمن لا تحيض وتحيض مثلها تركها ثلاثة أشهر ثم طلقها، فإن كان قد اختلط
عليها الدم فقد ذكرنا حكمها في باب الحيض في باب البكر وذات العادة.
ولا يقع الطلاق بشرط ولا صفة ولا يصح طلاق الصبي ولا طلاق الولي عنه ما لم
يبلغ عشر سنين رشيدا فحينئذ يصح طلاقه خاصة، وإن كان للمجنون إفاقة طلق فيها وإن
أطبق طلق عنه وليه وإلا فالإمام أو من نصبه، وطلاق الأخرس بكتابة أو إيماء. أو إشارة أو
429

وضع المقنعة على رأسها والتنحي عنها، وإن طلق بغير العربية وهو يحسنها أو كتب بالطلاق
فقط لم يقع، فإن لم يحسن بالعربية جاز بلغة غيرها.
والطلاق ضربان، رجعي وبائن، فالبائن طلاق غير المدخول بها والخلع والمباراة
والمخيرة ومن لا عدة عليها كالصغيرة والكبيرة على قول وإن دخل بهن وثالث طلاق
الحرة وثاني طلاق الأمة، ولا يتوارثان في الطلاق البائن والفسخ ويتوارثان في عدة الرجعي
من مال ودية، فإن طلق إحدى أزواجه أو إحدى زوجتيه وتزوج بأخرى ثم مات ولا ولد له
وجهلت المطلقة كان ربع الربع أو ثلثه أو نصفه لهذه المعلومة، وإن كان له ولد فنصف ذلك
والباقي منه بين الثنتين فصاعدا.
وينقسم إلى سنة وعدة وطلاق العدة أن يراجعها في العدة ويطأها وإذا حصل من
ذلك تسع تطليقات ينكحها بينها زوجان حرمت عليه أبدا، وطلاق السنة أن يطلقها قبل
الدخول أو بعده ثم يتزوجها تزويجا جديدا ولا يلزم المواقعة، وكلما طلقها ثلاثا حرمت عليه
حتى تنكح زوجا غيره بالغا نكاحا دائما صحيحا ويدخل بها في قبلها ويخرج منه وحلت
للأول، ولا يحرم أبدا فإن اختلت هذه أو بعضها لم يحللها للأول، ولو وطأها حائضا أو في إحرام
منها أو منه أو منهما أو ظانا أنها أجنبية لا حلها ويهدم ما دون الثلاث كالثلاث ويستأنف ثلاثا. وقيل لا
يهدم ما دونها ويبني عليها.
وطلاق الحرة ثلاث تحت حر أو عبد وطلاق الأمة اثنان كذلك، ولا طلاق بعد طلاق من
دون رجعة، والبائن لا يلحقها الطلاق، والحامل البينة الحمل تطلق للعدة بأن يراجعها
ويطأها قبل الوضع وللسنة بأن يتزوجها بعد الوضع، فإن تزوج المطلقة ثلاثا على أن يطلقها
بعد الدخول بها صح النكاح وبطل الشرط، وترث مطلقة المريض مطلقها طلاقا رجعيا، وفي
بائن الطلاق إلى تمام حول ما لم تتزوج بغيره أو يمت بعد البرء منه فإن مات بعد الحول بلحظة
لم ترثه، فإن كانت هي المؤثرة للطلاق كالمختلعة لم ترثه وقيل ترثه ولم يرثها بكل حال.
وإذا قيل له: أطلقت فلانة؟ فقال: نعم، وقع الطلاق حينئذ واعتدت إذ ذاك رواه
السكوني، وإذا وكله في الطلاق ثم عزله ولم يعلمه فطلق وقع طلاقه، أشهد على عزله أم لم
يشهد تمكن من إعلامه أم لم يتمكن، وإذا طلق أحد الوكيلين في الطلاق لم يقع حتى يجتمعا
430

عليه، وإذا طلق الزوجة ثلاثا في لفظة أو ألفاظ من غير رجعة أو في طهرها الذي جامعها فيه
أو حيضها أو بغير شاهدين عدلين وقع إن كان يراه وحلت لغيره، وإن كان لا يراه لم يقع
وعند بعض أصحابنا يقع من الثلاث واحدة مع الشروط.
ولا يحلل الأمة المطلقة اثنتين وطء المولى لها، ولو ملكها المطلق لم يحل له وطؤها بالملك
حتى يحللها زوج بالشروط، ومن كان مع زوجته في البلد بحيث لا يمكنه الوصول إليها
فبحكم الغائب، والغائب عن زوجته سنين إذا قدم وطلقها وهي حائض لم يصح،
والمطلقة الرجعية يستحب لها الزينة وله الدخول إليها بغير إذن والسفر بها وجماعها.
أحكام الرجعة:
وصح الرجعة بالقول نحو: راجعت ونكحت ورجعت ورددت وشبهه، وبالفعل كالقبلة
والوطء واللمس بشهوة وأخذ الأخرس مقنعة مطلقته عن رأسها، وإنكار الطلاق
رجعة رضيت المرأة أم سخطت، والإشهاد على الرجعة مستحب ويراجع المطلقة الحبلى ما لم تضع
حملها، فإن انقضت عدة الرجعية بالأقراء أو الشهور أو وضع الحمل بانت منه.
فإن طلقها غائبا ثم قدم وأقام معها وأولدها ادعى أنه كان طلقها وأقام البينة لم يقبل
قوله وألزم، وإذا طلق غائبا إحدى الأربع لم يعقد على أخرى حتى تمضى لها أقصى زمان
الحمل.
وإذا طلق الأمة واحدة حر أو عبد ثم أعتقت أو أعتقا معا بقيت على واحدة، فإن أعتقا
قبل أن يطلقها أصلا فإنها على ثلاث، وإذا أخبرت مطلقها أنها تزوجت زوجا غيره ودخل بها وفارقها
لمدة يمكن فيها حل له نكاحها.
وإذا صدق المولى زوج أمته المطلقة في أنه راجعها في العدة وكذبته فالقول قولها.
وإذا طلق الحرة وخرجت من العدة ثم ادعى الرجعة في العدة فالقول قولها، وإن قال
لها: راجعتك، فقالت: قد انقضت عدتي، وصدقها ممكن لم تصح الرجعة، فإن قال: طلقتك
في شوال، فقالت: بل في شعبان، فالقول قوله مع يمينه فإن عكس فالقول قولها في العدة،
ولا يسقط عنه النفقة في الزائد على ما أقر به إلا بالبينة، وإن قال: طلقتك قبل الدخول،
431

فقالت: بعده، فعليه نصف المهر وعليها العدة وإذا زوج عبده أمته وفرق بينهما ثم زوجه
إياها وفرق بينهما حرمت على العبد إلا أن يزوج.
ولا يقع التخيير إلا على طهر من غير جماع فيه وبشاهدين كالطلاق وإنما الخيار لهما
ما داما في مجلسهما فإذا تفرقا فلا خيار لها، ويقع الطلاق عليها قبل قيامها منه وهي تطليقة
واحدة بائن وروي أنها رجعية، وقيل: إن ذلك كان لرسول الله ص خاصة،
والكتابي إذا طلق زوجته واحدة ثم أسلما فتزوجها فهي عنده على باقي الثلاث، فإذا طلق
الرجل امرأته فذكرت أنها كانت حائضا حين طلاقه فالقول قولها مع يمينها، فإن كانت
حاضرة وأقرت بالطهر ثم ادعت بعد طلاقها خلافه لم يقبل منها.
باب العدد:
إنما تلزم عدة الطلاق المدخول بها، فإن كانت حرة حائلا ذات أقراء فعدتها ثلاثة أقراء
تحت حر أو عبد وهي الأطهار، وإذا طلقها في بعض القرء حسب بقرء كامل، فإن طلقها في
آخر القرء فحاضت بلا فصل صح الطلاق واستأنفت الأقراء، فإن كانت أمة تحت حر
أو عبد فقرءان، فإن كانتا ممن لا تحيض ومثلهما تحيض فعدة الحر ثلاثة أشهر وعدة الأمة
خمسة وأربعون يوما.
ولا عدة على المطلقة التي لا تحيض لصغر أو كبر، وقال بعض أصحابنا: تعتدان عدة
من تحيض مثلها ولا تحيض، وعدة الحرة والأمة الحاملتين وضع الحمل لتمام وغيره وأدناه
النطفة والعلقة ولو بعد طلاقها بلحظة، فإن حملت باثنين فبوضعهما معا وروى أصحابنا
انقطاع عصمتها بالأول، ولا تحل لغيره حتى تضع الآخر، وأدنى ما تنقضي به عدة الحرة
المطلقة ستة وعشرون يوما ولحظتان بأن تحيض أقل الحيض وتطهر أقل الطهر، وعدة الأمة
ثلاثة عشر يوما ولحظتان، ويكره لهما التزويج حتى تغتسلا من الحيض، وعدة السرية
يعتقها المولى ثلاثة أشهر أو ثلاثة أقراء، وإن تزوجت قبل ذلك فالتزوج باطل وحرمت على
المتزوج أبدا إن علم حالها أو دخل بها.
وعدة المرأة تحيض في كل ثلاث سنين أو أربع مرة ثلاثة أشهر، وإذا استرابت المرأة
432

ومرت بها ثلاثة أشهر بيض فهي عدتها فإن رأت فيها دما اعتدت بالأقراء، فإن لم تحض
الثانية إلى تمام تسعة أشهر اعتدت بثلاثة أشهر وبانت بها، وإن حاضت ثانية ما بينها وبين
التسعة ولم تحض الثالثة صبرت تمام خمسة عشر شهرا وقد بانت بها ويتوارثان في هذه المدة،
فإن حاضت حيضة ثم ارتفع لكبر اعتدت بعدها شهرين وبانت، وإن اختلط على المرأة
الحيض بالاستحاضة فعدتها بما قررناه في باب الحيض، فإن اختلط عليها اختلاطا تاما
اعتدت بثلاثة أشهر، وإن طلقها فادعت الحمل صبرت تسعة أشهر ثم أتمت الحول ودعواها
حملا بعد ذلك باطلة، وإذا طلق الأمة رجعيا ثم أعتقت في العدة أتمت عدة الحرة وإن كان بائنا
فعدة الأمة.
وعدة الزوجة لوفاة الزوج الكبير والصغير دخل بها أم لم يدخل صغيرة أو كبيرة
أربعة أشهر وإلى غروب الشمس من اليوم العاشر والأمة كذلك، وقيل: على النصف إلا أن
تكون أم ولد لمولاها فإن طلقها الزوج رجعيا ثم مات عنها في العدة استأنفت عدة الوفاة،
وإن كان بائنا أتمت عدة الطلاق، وعدة الحامل حملا يمكن كونه من المتوفى أبعد الأجلين، إن
وضعت لدون أربعة أشهر وعشرا أتمتها وإن نقصت ولم تضع فالوضع. وعدة السرية لوفاة
سيدها أربعة أشهر وعشر، فإن تزوجت قبل تقضيها فالتزويج باطل وكذلك إن وطأ المدبرة
مولاها ثم مات، وقد بينا عدة المتعة في موضعها ولا عدة على الزانية.
وذكرنا حكم الإماء في الاستبراء في ما مضى، وعلى الحرة لوفاة زوجها الحداد وهو ترك
الحلية والكحل الأسود والخضاب وما يحسن اللون وجميل اللباس وأكل الطيب وشمه،
وليس على الأمة حداد، ولا بأس أن يحتد الانسان على حميمه ثلاثة أيام لا أكثر منها، وليس
على غير المتوفى عنها بعلها حداد، فإن كانت صغيرة لم يلزمها حداد، وعدة الكتابية كعدة
المسلمة وعليها الحداد في عدة الوفاة.
ولا يلزم المتوفى عنها زوجها ملازمة البيت ولها الخروج نهارا.
ولا سكنى لها ولا نفقة فإن كانت معسرة حاملا أنفق عليها من نصيب الحمل،
وللمطلقة الرجعية النفقة والسكنى تلاحظ ولا تخرج إلا في الحج المفروض
وفي قضاء حق بعد نصف الليل وترجع قبل الصبح ولا تخرج نهارا، وإن كانت بائنا
433

فلا سكنى ولا نفقة إلا أن تكون حاملا فلها السكنى والنفقة، وإذا وجب على الرجعية حد
أخرجت للحد ثم ردت إلى البيت، وإذا كانت مع بيت أحمائها فبذت عليهم أخرجت إلى
بيت آخر، فإن بذوا عليها أخرجوا عنها وإن لم يكونوا عندها لم تخرج.
وتعتد لوفاة الزوج الغائب حين تبلغها الخبر وتحتد، وإذا شهدت البينة بطلاق
الغائب في يوم معلوم فعدتها منذ ذلك الوقت، فإن كان قد مضى قدر العدة تزوجت في الحال
وإن لم يشهدوا بوقت معلوم فمنذ يوم بلغها، وإذا طلق الأمة رجعيا فأعتقت في العدة
فاختارت الفسخ فلا رجعة له وبنت على عدة الحرة، وإذا طلق زوجته رجعيا فارتدت فليس
له رجعتها ويقف على انقضاء العدة.
وامرأة المفقود إن كان له ولي يقوم بنفقتها فلتصبر، وإن لم يكن رفعت أمرها إلى
السلطان وليطلبه أربع سنين، فإن عرف له خبر موت أو حياة عمل بموجبهما وإن لم يعرف
خبرا اعتدت عدة الوفاة، فإن جاء زوجها وهي في العدة أو بعد مضيها ولم تتزوج فهو أملك
بها، وإن تزوجت فلا سبيل له عليها وهي زوجة الثاني، فإن تعذر السلطان فهي مبتلاة
فلتصبر، ولا يتداخل العدتان فإن تزوجت المعتدة ودخل بها الزوج فرق بينهما وأتمت العدة
للأول واستأنفت عدة من الثاني، فإن حملت من الثاني اعتدت منه بالوضع ثم أتمت العدة
للأول.
وإن طلق إحدى امرأتيه ومات قبل البيان اعتدتا بطولي العدتين.
وتعتد الموطوءة بالشبهة وعقد الشبهة والمفسوخ نكاحها بعد الدخول والملاعنة عدة
الطلاق وبوضع الحمل إن كان، وكذا المرتد عنها زوجها لاعن فطرة، فإن قتل في العدة
أو مات اعتدت عدة الوفاة وإن ارتد عن فطرة فعدة الوفاة مذ حين ارتد وإن لم يقتل.
وإذا باع المطلق زوجته رجعيا المسكن والعدة بالشهور صح البيع والسكنى مستثناة
معلومة، وإن كانت بالحمل أو الأقراء لم يصح البيع للجهالة، والمعتدة بالأشهر إذا طلقها في
أثناء الشهر احتسب بما بقي وأتمت قدر ما مضى منه وتلفق الساعات والأنصاف، والخلوة
لا توجب العدة ولا تقرر المهر تامة كانت أو ناقصة.
وإذا طلق الزوج رجعيا ثم راجع في العدة وطأها أم لم يطأها ثم طلقها استأنفت العدة،
434

فإن تزوجها ودخل بها ثم خالعها ثم تزوجها ولم يطأها ثم طلقها فلا عدة عليها ولها نصف
المسمى فإن وطأها استأنف العدة، والمرأة مؤتمنة على الحيض والطهر فإن ادعت فراغها
من العدة وصدقها ممكن قبل قولها، فإن طلقها فاعتدت بشهر ثم رأت الدم اعتدت بالأقراء
وتعد ما مضى طهرا.
وإن قال الزوج: طلقتك يوم الجمعة وولدت يوم الخميس فعليك العدة، وادعت العكس
أو قال: لم تنقض عدتك بالولادة وادعت انقضائها بها فالقول قول الزوج، فإن شكا هل
كان الطلاق قبل الولادة أو بعدها؟ فعليها العدة والأولى أن لا يراجعها فيها، فإن اتفقا
على أن الطلاق يوم الجمعة وادعى الزوج أن الولادة يوم الخميس وقالت المرأة: يوم السبت،
فالقول قولها لأنه فعلها، فإن حقق أحدهما وشك الآخر فإن الشاك نأكل محكوم عليه به.
والمطلقة الرجعية فراش، فلو أتت بولد لأقصى مدة الحمل مذ وقت العدة لحقه وإن كان
الأكثر منها لم يلحقه لأنها بعد انقضاء العدة ليست بفراش، وإن أتت به البائنة والرجعية
لدون أقصى مدة الحمل مذ وقت الطلاق لحق به، وإن أتت به البائن لأكثر من مدة الحمل لم
يلحقه ولا لعان، فإن قال لزوجته: استعرته أو التقطته فالبينة عليها فإن تعذرت حلف
وبطلت دعواها.
والمفسوخ نكاحها حاملا ليس لها نفقة ولا سكنى، وقيل لها النفقة لأنها للحمل وهو
قوي، فإذا تزوجت المطلقة الرجعية رجلا مع الجهل وحملت منه فللمطلق رجعتها حاملا
وبعد الوضع إلى انقضاء عدتها بالأقراء، ونفقتها حاملا على الثاني على قول وبعد الوضع في
النفاس على الأول، وقيل: لا تجب عليه لأنه ليس بزمان عدة.
435

باب الخلع والمباراة والنشوز والشقاق:
يصح بذل كل ما صح كونه صداقا عوضا في الخلع من كل زوجة دائم نكاحها عاقلة
غير سفيهة، فإن كانت أمة أو مكاتبة فبإذن المولى فإن كان في يدهما مال وأذن لأمته في
التجارة أو كانت مكتسبة وإلا ففي ذمتهما إلى أن تعتقا من كل زوج بالغ عاقل، فإن كان
سفيها أو عبدا صح خلعهما ويسلم العوض إلى ولي السفيه ومولى العبد، وليس للولي أن
يخلع الطفلة بمالها ولا امرأة الطفل، والسبب المبيح للعوض أن تقول له زوجته مع رغبته فيها:
لا أطيع لك أمرا، أو لأوطئن فراشك ولا أقيم حد الله فيك، أو يعلم ذلك من حالها، وحل له
أن يأخذ ما بذلته وإن كان فوق المهر.
والخلع يقع بمجرده ويكون محسوبا بطلقة بائنة فلو فعل ذلك بها ثلاثا لحرمت عليه إلا
بزوج على الشروط، وإن بذلت له على أن يطلقها وفعل كانت بائنة، فإن كان البذل خمرا أو
خنزيرا وهما مسلمان أو مجهولا كشاة من قطيع وغائب لم يوصف ودينار مطلق ونقد البلد
مختلف لا غالب فيه وحمل الجارية كانت التطليقة رجعية، فإن لفظ بالخلع والحال هذه
فكذلك، وقيل يكون باطلا أصلا.
وإن وقع الخلع أو الطلاق على ما في هذه الجرة من الخل أو على هذا العبد فبان خمرا أو
العبد وقفا وقع بائنا ورجع بمثل الخل وقيمة العبد، ولا يقع الخلع بالكتابة ولا بشرط
ولا بصفة وإنما يقع على مثل موضع الطلاق وشروطه وقد بيناها ولا رجعة له، وكذلك في
المباراة إلا أن ترجع المرأة في البذل أو في بعضه فله الرجوع في بضعها وتصير طلقة
436

رجعية إذا كانت في العدة، فإن لم يكن معتدة أو خرجت منها أو كانت ثالثة أو تزوج أختها
أو كانت رابعة فتزوج بدلها فلا رجوع لها، وإن لم ترجع في ما بذلته جاز له تزويجها مستأنفا.
وإن كان الزوجان ملتئمين وبذلت له على خلعها لم يصح الخلع ولم يملك العوض ويقع
طلقة رجعية إن كان تلفظ بصريح الطلاق وكذا لو أكرهها على البذل، فإن منعها حقها
فبذلت له على الخلع وقع صحيحا ولم يكن منع الحق إكراها، وقال بعض المخالفين يكون
إكراها وحكم فيها بحكم ما قبلها، ويصح أن توكل المرأة في بذل العوض، ومتى بذلت ثم
افترقا قبل الخلع لم يكن له الخلع إلا أن يحضر وتبذل أو توكل فيه.
ولا توارث بين المختلعين، وله أن ينكح أختها في العدة ورابعة بدلها وليس له نظرها
وعدتها عدة المطلقة ولا يلحقها الطلاق، ولو قال لزوجته: إن أعطيتني ألفا أو متى أعطيتني
ألفا فأنت طالق أو فقد خلعتك لم يقع طلاق ولا خلع، فإن قال لها: أنت طالق وعليك ألف،
وقع الطلاق رجعيا ولم يلزمها شئ، فإن بذلت له على أن يخلعها فتلفظ بالطلاق صح
وكذلك بالعكس.
وإذا خالعها على سلعة على أنها على صفة فخرجت بخلافها أو خرجت معيبة
فرضيها فلا كلام، وإن سخطها فله قيمتها بالصفة: المشروطة وصحيحة وإذا خالع أربعا
بألف صح وعلى كل واحدة منه على قدر مهر مثلها وكذلك لو تزوجهن على ألف، وقيل
يكون بالسوية، وخلع المشركين صحيح، فإن كان على غير مال كالخمر وأسلما قبل
التقابض فقيمة ذلك عند أهله، ويصح اشتراط تأجيل العوض في الخلع.
وإن اختلفا في قدر البذل أو جنسه أو تأجيله ولا بينة قيل: يتحالفان ويجب مهر المثل،
وقيل: تحلف الزوجة، وإن ادعى عليها أنها بذلت على خلعها فأنكرت ولا بينة فالقول
قولها مع يمينها، وإذا وكلت بخلعها على قدر مخصوص فبذل أكثر منه أو الرجل بالعكس لم
يصح، فإن بذل له أجنبي على خلعها عوضا من غير إذنها لم يصح فإن شهد شاهد أنه
خالعها بألف وشهد الآخر بألفين لم يحكم بهما لاختلافهما، ولا يثبت الخلع شاهد واحد ويمين،
ويملك الزوج العوض في الخلع وهو في ضمانها حتى يقبضه.
437

أحكام المباراة:
والمباراة أن تكون الكراهة منهما فله أن يأخذ منها مثل المهر لا أكثر منه وهي بائن،
وشروط المباراة وأحكامها في ما سوى ذلك كالمختلعة، وروى الحسن بن محبوب عن أبي
رباب عن حمران قال: سمعت أبا جعفر يتحدث قال: المباراة تبين من ساعتها من غير
طلاق ولا ميراث بينهم لأن العصمة قد بانت ساعة كان ذلك بينها وبين الزوج، وروى جعفر
بن محمد بن حكيم عن جميل عن أبي عبد الله ع قال: المباراة تكون من غير أن
يتبعها الطلاق، وقال الشيخ أبو جعفر الطوسي رحمه الله: جميع أصحابنا المحصلين من
تقدم وتأخر على أن الفرقة في المباراة لا تقع ما لم يتبعها بطلاق.
أحكام النشوز:
إذا نشزت المرأة عن طاعة زوجها وعظها، فإن لم ينجع اعتزل فراشها أو حول
ظهره إليها، فإن لم ينجع فله ضربها بسواك وشبهه ما لم يؤذ عظما ولا لحما.
الشقاق:
وإن ادعى أحد الزوجين على الآخر النشوز جعلهما الحاكم إلى جنب ثقة عدل ليعرف
حالهما، فإن بلغت حالهما التضارب والتسابب وما لا يحل من قول أو فعل وهما مقيمان على
الشقاق بعث الحاكم عدلا من أهله وعدلا من أهلها ليدبر الحال، فإن جعل الزوجان الأمر
إليهما في الاصطلاح والفراق أصلحا ولم يفرقا، وإن اختلفا فلا حكم لهما، وإذا غاب أحد
الزوجين لم تنفسخ الوكالة بغيبته فإن غلب على عقلهما بطلت الوكالة، وإذا خافت امرأة
نشوز زوجها أو إعراضه فتركت له بعض حقوقها كالمهر أو النفقة أو حقها من يومها
وليلتها حل ذلك له.
438

باب الظهار والإيلاء:
يصح الظهار من الزوج البالغ العاقل المختار القاصد له ولا يصح قبل النكاح،
ولا ظهار للسكران والمكره والساهي والغضبان بحيث لا يحصل حرا أو عبدا مسلما أو
كافرا بكل زوجة، وملك يمين بحضور شاهدي عدل وكون الزوجة مدخولا بها طاهرا طهرا
لم يقربها فيه بجماع إلا من لا يعتبر ذلك فيها في الطلاق، معينة بقول أو إشارة أو نية بلفظ
هو: أنت على كظهر أمي، أو إحدى محرماته نسبا ورضاعا أو بعض أعضائهن أو شعرهن
على رواية ضعيفة أو كأمي إن نواه، فإن قال هي كظهر مطلقته البائن أو كظهر أبيه أو
كزوجة فلان لم تحرم.
والظهار موجب للتحريم ويحل منها النظر والقبلة وما دون الفرج، ولا يقع مشروطا
وقيل يقع مشروطا، وتجب كفارة الظهار بالعود وهو أن يعزم على استباحة وطئها لأنه قصد
التحريم فإذا قصد الإباحة فقد عاد في القول فيه، فإن وطأها قبل أن يكفر فعليه كفارة
أخرى عقوبة وتتكرر الكفارة بتكرر الجماع إلا في الساهي والجاهل، وإن كرر عليها الظهار
فلكل مرة كفارة.
وإن ظاهر من نسوة بلفظ أو ألفاظ فلكل منهن كفارة ويصح ظهار المطلقة الرجعية
والإيلاء منها، وإذا ظاهرها ثم طلقها قبل العود فلا كفارة ويصح، فإن راجعها في العدة
فالظهار بحاله وليست عودا، وإن خلا أجلها أو كان بائنا ثم تزوجها لا عن زوج أو عنه
فلا كفارة عليه.
439

وكفارة ظهار العبد صوم لشهر واحد، وإذا جامع المظاهر منها ليلا في الشهرين لم يبطل
صومه وعليه كفارة أخرى، وإذا جامعها نهارا عمدا قبل أن يصوم من الثاني شيئا
استأنف الشهرين وكفارة أخرى، وإن كان بعد أن صام منه ولو يوما أتمها وكفر بأخرى،
والكفارة عتق رقبة صغيرة أو كبيرة مسلمة أو كافرة ذكرا أو أنثى، فإن لم يجد فصيام
شهرين متتابعين، فإن لم يطق فإطعام ستين مسكينا لكل مسكين نصف صاع: أربعة
أرطال ونصف بالبغدادي مما يسمى طعاما، ولا يكرر إطعام الواحد مرارا لأنه خلاف
النص ولا يطعم كافرا ولا عبدا.
وإذا ظاهر زوجته ثم لاعنها أو آلى منها لم يكن عائدا، ومن قال: يصح بشرط، قال:
لا تجب الكفارة حتى يحصل الشرط ويعزم على العود، وإذا عزم على العود فمات أو رجع
عن العزم لم تسقط الكفارة، ويجب الكفارة في ما فضل عن قوته وقوت عياله يومهم وليلتهم
إلا دار سكناه وخادمه، وإذا شرع في الصوم لعجزه عن الرقبة ثم وجدها فالأفضل له
العتق ويجوز له إتمام الصوم.
ولا يجزئ في الكفارة الأعمى والزمن والمجذوم ومن نكل به مالكه خاصة لأنهم
قد عتقوا بذلك، ويجزئ المدبر بعد نقض تدبيره وأم الولد والأعور والمجبوب والخصي
والمريض والآبق ما لم يعرف موته، ولا يجزئ القيمة في الكفارات، وإذا اشترى من يعتق
عليه لم يجزه عن الكفارة وإن نوى وقيل يجزئ إن نوى، وإن أعتق حصته في عبد بينه وبين
غيره لم يجزه.
وقيل: إن كان موسرا ونوى عند التلفظ بالعتق أجزأ لأنه يسري بخلاف المعسر، وإن
أعتق عبده المرهون وهو موسر لم يجزه إلا أن يجيزه مرتهنه، فإن أعتق ربع عبده عن كفارته لم
يجزه وسرى في باقيه، وإن قدم الكفارة على العود لم يجزه وأعادها بعده، فإن جنى عبده
عمدا أو خطأ فأعتقه أجزأ وضمن سيده الخطأ ويحرم عليه أمته ومتعته بالظهار حتى يكفر
ولا رفع لهما، ولو ظاهر من أمة ثم شراها لا نفسخ النكاح وحلت بالملك ولا كفارة، وإن ظاهر
من أمته فباعها ثم شراها فكذلك، فإن ظاهر منها وأعتقها عن كفارة عليه حل له أن
ينكحها ولا كفارة.
440

وإن رفعته امرأته إلى الحاكم أنظره ثلاثة أشهر فإن كفر ووطأ وإلا ألزمه الطلاق
ولا يطلق عنه، فإن أبي حبسه وضيق عليه في طعامه وشرابه حتى يطلق أو يكفر ويطأ، فإن
نوى بالطلاق الظهار أو بالظهار الطلاق لم يقعا، فإن قال: هي حرام، فليس بشئ وإن نوى
ما نوى.
وإذا اشترى عبدا شرط البائع عليه إعتاقه فأعتقه عن الكفارة لم يجزه، ويجزئ
المكاتب قبل الأداء وبعد أداء البعض وهو مشروط عليه، ويجوز التوكيل في العتق، ولو أعتق
عن كفارة غيره تبرعا أجزأه ويكون سائبة ويجزئ المالك إعتاق عبده المغصوب وعتق
الحمل ولا يسري إلى الحامل وقيل لا يجزئ، ولو كان عليه كفارة فارتد ثم أعتق لم يصح
عتقه.
ويجزئ في الكفارة صوم شهرين هلاليين مما يصح صومه تبرعا كيف كانا، وإن صام
بعض الشهر أتمه بالعدد، وقيل: يصوم ما لحقه وقدر ما مضى منه، وهو قوي، وينوي كل ليلة
أو كل يوم إلى الزوال فإن زالت ولم ينو لم يجزه، ولا يجب عليه نية التتابع، ويجوز الإطعام
متواليا ومتفرقا. وإذا قالت لزوجها: أنت على كظهر أمي لم يكن شيئا.
ويجوز في الكفارة إعتاق المعتق بالصفة وإن وجدت لأن العتق بالصفة عندنا باطل،
ويجوز ظهار الأخرس وإعتاقه بإشارته، فإذا ظاهر وعاد فآلى منها قبل التكفير صح إيلاؤه
وإن كان الوطء محرما كما لو آلى محرما وصائما، فإن وطأها فعليه ثلاث كفارات وإن
خرجت مدة الإيلاء فإن طلق خرج منه وبقي حكم الظهار ما دامت في العدة، ولا يحل لها
تمكين المظاهر من الوطء لأنه محرم قبل التكفير ومتى لم يقدر المظاهر على الكفارة صام ثمانية
عشر يوما وحلت له، فإن لم يقدر فهي حرام عليه ويجب أن يطلقها لأنه قادر عليه وقيل
لا يجب.
441

الإيلاء:
والإيلاء يمين لا تنعقد إلا بالله وأسمائه الخاصة كما تقدم، ولا يصح إلا من زوج بالغ
عاقل مختار قاصد وإن كان عبدا أو كافرا بزوجة مدخول بها دائم نكاحها بشرط أن لا
يقصد صلاحا في يمينه، وأن يحلف أن لا يطأها بصريح اللفظ أو ما يفيده إضرارا بها أكثر من
أربعة أشهر ولا يعلقه بشرط، وقيل: يقع بشرط ومدة التربص مذ حين المرافعة، فإذا مضت
الأربعة ألزم الفئة وهي الجماع في القادر والعزم عليها من العاجز أو يطلق.
وتطليقة الظهار والإيلاء واحدة رجعية، وإن لم يفعل حبس في حظيرة قصب وأطعم
ربع الطعام وسقي ربع الشراب حتى يفعل، ولا يطلق عنه الحاكم، وإن جامع فكفارة يمين
وقد شرحناها في ما مضى، وإن آلى منها لمرض به أو بها أو رضاع فليس بإيلاء، ويفعل الأولى
على ما سبق في الأيمان، ولو حلف على سنة ألزمه الحاكم بعد الأربعة الأشهر على ما ذكرنا، فإن
لم تطالبه حتى مضت السنة لم يحنث، فإن حلف على شهر وكان قد تعين عليه فيه الجماع
جامع ولا كفارة، وإن لم يتعين عمل على الأولى، والعبد يكفر بالصوم والكافر لا يصح
منه التكفير حتى يسلم، وإذا ادعى الزوج جماعها وأنكرته فالقول قوله مع يمينه.
باب اللعان:
كل من قذف وأقام بينة لم يجد، ولا يصح اللعان إلا من زوج عاقل بالغ حر أو عبد
مسلم أو كافر أعمى أو بصير إن نفى الأعمى الولد بأحد الأمرين: رميها بالزنى عينا، أو نفي
حملها عن نفسه أو جحد ولدها ولم يكن أقر به ولا نفاه على الفور مع التمكن ولا تلفظ بما
يؤذن باعترافه به ومن الزوجة الحرة و الأمة المسلمة أو الكافرة البريئة من الصم والخرس
المدخول بها، ويحد لغير المدخول بها وروي إن طلقها قبل الدخول وادعت الحمل منه ولها
بينة بالخلوة لاعن لنفيه.
فإن قذف زوجته الصماء أو الخرساء بموجب اللعان فلا لعان وحد لهما وحرمتا عليه
أبدا، فإن أقام البينة رجمتا، وقيل: لا لعان بين المتمتعين ويحد لقذفها، فإن قذف ملك يمينه لم
442

يحد وإن أنكر ولدها فهو أعلم بشأنه والقول قوله ولا لعان، وإن قذف منكوحته بشبهة
أو من وطأها بشبهة حد ولم يلاعن وإن أنكر ولدها لاعن لنفيه وحرمت عليه أبدا.
ويصح لعان مطلقته الرجعية، وأما البائن كالمختلعة فيحد لها ولا لعان بينهما إلا في نفي
الولد إن أتت به، ولأقصى مدة الحمل إن لم يكن نكحت غيره أو لأقل من أقله مذ وطأ الثاني
إن كانت نكحته. ولا يلاعن وله بينة وقيل بالخيار فإن قذفها وجاء بثلاثة شهداء لاعن
وحدوا وإن لم يكن قذف حدت إن عدلوا، وموجب قذفه الحد وبلعانه يسقط وينتفي الولد
ويجب الحد عليها وبلعانها يسقط عنها الحد وبهما يزول الفراش وتحرم على الأبد.
وإن قذفها بالفجور بلا عيان فعليه الحد ولا لعان، وإن قذفها بالمشاهدة فعفت عن
الحد أو لم تطالب به فلا لعان، وإن لاعن زوجته فنكلت عن اللعان أو عن إتمامه أو اعترفت
ولو مرة فعليها الحد، فإن قذفها ولم يلاعنها فاعترفت سقط عنه الحد ولا تحد حتى تقر تمام
أربع مرات، فإن تلاعنا ثم قذفها شخص بالزنى حد ويسقط نسب الولد من أبيه دون أمه،
فإن تلاعنا ثم أكذب نفسه لم يرجع الفراش ولم يرتفع التحريم وورثه الولد ولم يرثه وورثته
أمه وأخواله وورثهم ولا يرث أعمامه ولا يرثونه، وإن لم يعترف به بعد اللعان لم يرث أخواله
على الرواية وهم يرثونه وقيل يرثهم لثبوت النسب.
فإن كرر قذفها بذلك بعد مضى اللعان لم يحد وبغيره يحد، وإن اعترفت بالزنى بعد
اللعان لم تحد حتى تقر أربع مرات، وإن قذفها وطالبت بالحد ثم غابت لاعن وسقط عنه
الحد، وإن لاعنت بعد لعانه في غيبته صح وسقط الحد عنها، فإن قذفها ثم مات قبل أن
يلاعن ورثته، فإن قذفها ثم ماتت قبل أن يلاعن فروي أنه: إن لاعن فلا حد عليه
ولا ميراث له وإن لم يلاعن فله الإرث وعليه الحد، وإذا لاعن للقذف فالولد ولده إلا أن
يقذفها بالزنى به ويجب البدء بلعان الزوج، وأن يتلاعنا بألفاظ الكتاب وإن لم يحسنا
بلغتهما فإن أبدل الرجل اللعنة بالغضب والمرأة الغضب باللعنة لم يصح.
ويستحب أن يكونا قائمين حال لعانهما وتجلس المرأة حتى يفرع الرجل وأن يكونا
مستقبلي القبلة حال اللعان لاستقبال الحاكم، ولا يصح اللعان إلا بالحاكم أو خليفته،
ويستحب أن يعظم عليهما الأمر وأن يعظهما بعد الشهادة الرابعة، وأن يكون بحضور جماعة
443

وفي وقت كبعد العصر ومكان بمكة بين الركن والمقام وبالمدينة بمسجدها عند منبره
ع - وفي هذه السنة وهي سنة أربع وخمسين وست مائة في شهر رمضان احترق المنبر
وسقوف المسجد ثم عمل بدل المنبر - وبالمسجد الأعظم عند القبلة والمنبر في سائر البلاد،
والفرقة بين المتلاعنين باللعان دون حكم الحاكم.
وإذا ولدت ولدين فأقر بأحدهما وبينهما أقل من أقل الحمل لزمه الآخر، وإن لاعن
لنفي أحدهما انتفى الآخر، فإن كان بينهما ستة أشهر لم يتلازما في نفي ولا إثبات، وإذا قذف
زوجته وهو صبي عزر، وإن أنكر ولدها وله دون عشر سنين انتفى بلا لعان، وإن مات اعتدت
بالشهور، وإن كان له عشر سنين أخر حتى يبلغ فإن لاعن فقد انتفى عنه، فإن مات قبل
اللعان فهو ولده واعتدت.
وإن كان الزوج مقطوع الذكر والأنثيين أو غاب عنها أكثر من أقصى الحمل أو لم يدخل
بها، أو لم يدخل بها، أو دخل وجاءت به لأقل من أقل الحمل لم يلحقه ولا لعان، ويصح
اللعان بنفي الولد بعد موته، وإن أنكر الحمل ولاعن في الحال أو أخره حتى تضع جاز، وإن
قذفها ولاعنها في الحال فنكلت لم تحد حتى تضع وترضع الولد إن لم يكن له من ترضعه.
وإن قذف زوجته الصغيرة ولا يمكن الزنى بها أو يمكن عزر، وإن قذف المجنونة بزنى
حال جنونها أو قذفها بزنى حال إفاقتها لم يلاعن لإسقاط الحد والتعزير حتى تفيق ويطالب
بهما، فإن أفاقت فطالبته بهما أو أنكر ولدها ثم جنت فله اللعان لإسقاط الحد والتعزير ونفي
الولد، فإذا فعل وأفاقت حدت وعزرت إلا أن تلاعن.
فإن أنكر الزوج القذف فشهد واحد أنه قذف وآخر أنه أقر به أو شاهد أنه قذف يوم
الجمعة وآخر يوم الخميس لم يثبت، فإن شهدا أنه قذفهما وإياها لم يقبل شهادتهما، فإن
شهدا أنه قذفها ثم قالا كان قذفنا جميعا لم يحكم بشهادتهما، فإن ردت شهادتهما لما ذكرناه ثم
عفوا عنه وصلح الأمر ثم شهدا أنه قذفها قبلت.
ولعان الأخرس بالإيماء والإشارة كعقوده وإيقاعاته، والبرزة تحضر مجلس الحكم
والمخدرة يرسل الحاكم إليها بعد لعان الزوج في مجلسه من يأخذ عليها اللعان في بيتها
أربعة وأقله شخص واحد.
444

قواعد الأحكام
في مسائل الحلال والحرام
للشيخ جمال الدين أبي منصور الحسن بن سديد الدين يوسف بن زين الدين
علي بن محمد بن مطهر الحلي المشتهر بالعلامة الحلي والعلامة على الإطلاق
647 - 726 ه‍ ق
445

كتاب الفراق
وفيه أبواب:
الباب الأول: في الطلاق: وفيه مقاصد:
المقصد الأول: في أركانه: وفيه فصول:
الأول: المطلق:
ويشترط فيه أمور أربعة:
الأول: البلوغ: فلا يصح طلاق الصبي وإن كان مميزا ولو بلغ عشرا إلا
على رواية ضعيفة، ولو طلق وليه لم يصح. نعم لو بلغ فاسد العقل صح طلاق وليه
عنه، لو سبق الطلاق لم يعتد به.
الثاني: العقل: فلا يصح طلاق المجنون المطبق ولا السكران ولا المغمى عليه
بمرض أو بشرب مرقد، ولو كان المجنون يفيق في وقت فطلق فيه صح ويطلق عنه
الولي فإن لم يكن له ولي طلق عنه السلطان، ولا يطلق الولي ولا السلطان عن
السكران ولا النائم وإن طال نومه ولا المغمى عليه ولا من يعتوره الجنون أدوارا. نعم
لو امتنع من الطلاق وقت إفاقته مع مصلحية الطلاق ففي الطلاق عنه إشكال.
الثالث: الاختيار: فلا يقع طلاق المكره وهو من توعده القادر المظنون فعل
ما توعد به لو لم يفعل مطلوبه بما يتضرر به في نفسه أو من يجري مجرى نفسه كالأب
447

والولد وشبههما ممن جرح أو شتم أو ضرب أو أخذ مال وإن قل أو غير ذلك،
ويختلف بحسب اختلاف المكرهين في احتمال الإهانة وعدمها ولا إكراه مع الضرر
اليسير والإكراه يمنع سائر التصرفات إلا إسلام الحربي، ولو ظهرت دلالة اختياره
صح طلاقه بأن يخالف المكره مثل أن يأمره بطلقة فيطلق اثنتين أو بطلاق زوجة
فيطلق غيرها أو هي مع غيرها أو بطلاق إحدى زوجتيه لا بعينها فيطلق معينة أو
يأمره بالكناية فيأتي بالصريح، ولو ترك التورية بأن يقصد بقوله: أنت طالق، أي
من وثاقي أو يعلقه بشرط في نيته أو بالمشيئة مع علمه بالتورية واعترافه بأنه لم
يدهش بالإكراه لم يقع.
الرابع: القصد: فلا يقع طلاق الساهي والغافل والغالط وتارك النية وإن
نطق بالصريح ومن سبق لسانه من غير قصد، ولو كان اسمها طالق فقال: يا
طالق أو أنت طالق، وقصد الانشاء وقع وإلا فلا، ولو كان اسمها طارقا فقال:
يا طالق أو أنت طالق، ثم ادعى أنه التف لسانه قبل، ولو نسي أن له زوجة
فقال: زوجتي طالق، لم يقع ويصدق ظاهرا في عدم القصد لو ادعاه وإن تأخر ما لم
تخرج العدة ودين بنيته باطنا، ولو قال لزوجته: أنت طالق، لظنه أنها زوجة الغير
لم يقع ويصدق في ظنه، ولو قال: زوجتي طالق، بظن خلوة وظهر أن وكيله زوجه
لم تقع، ولو لقن الأعجمي الصيغة وهو لا يفهمها فنطق بها لم يقع، وكما يصح
إيقاعه مباشرة يصح التوكيل فيه للغائب إجماعا و للحاضر على رأي، ولو وكلها في
طلاق نفسها صح على رأي، ولو قال: طلقي نفسك ثلاثا، فطلقت واحدة أو
بالعكس صحت واحدة على رأي.
الفصل الثاني: المحل:
وهي الزوجة ولها شروط ينظمها قسمان:
448

الأول: العامة:
وهي أن يكون العقد دائما والتعيين على رأي والبقاء على الزوجية، فلا يقع
الطلاق بالتمتع بها ولا الموطوءة بالشبهة ولا بملك اليمين ولا بالتحليل، ولو طلق
الأجنبية لم يصح وإن علقه بالتزويج سواء عينها أو أطلق مثل: كل من أتزوجها
فهي طالق.
وأما التعيين فإن يقول: فلانة طالق أو هذه، ويشير إلى حاضرة أو زوجتي
وليس له سواها، ولو تعددت ونوى واحدة وقع وإلا فلا على رأي ويقبل تفسيره،
ولو طلق واحدة غير معينة لا نية ولا لفظا قيل: بطل وقيل: يصح، ويعين للطلاق من
شاء وهو أقوى فإن مات قبله أقرع ولو قال: هذه طالق أو هذه وهذه، قيل: طلقت
الثالثة ويعين من شاء من الأولى والثانية وهو حق إن قصد العطف على إحديهما،
ولو قصده على الثانية عين الأولى أو الثانية والثالثة، ولو مات قبل التعيين أقرع
ويكفي رقعتان مع المبهمة على القولين وعلى ما اخترناه لا بد من ثالثة.
ولو قال للزوجة والأجنبية: إحداكما طالق، وقال أردت الأجنبية، قبل ولو
قال: سعدي طالق، واشتركتا فيه قيل: لا يقبل لو ادعى قصد الأجنبية ولو قال
لأجنبية: أنت طالق، لظنه أنها زوجته لم تطلق زوجته لأنه قصد المخاطبة ولو قال:
يا زينب، فقالت سعدي: لبيك، فقال: أنت طالق، فإن عرف أنها سعدي ونواها
بالخطاب طلقت وإن نوى زينب طلقت زينب، ولو ظنها زينب وقصد المجيبة
فالأقرب بطلانه لأنه قصد المجيبة لظنها زينب فلم تطلق ولا زينب لعدم توجه
الخطاب إليها، وأما البقاء على الزوجية فإن لا تكون مطلقة سواء كان الطلاق
رجعيا أو بائنا ولا مفسوخة النكاح بردة أو عيب أو لعان أو رضاع أو خلع ويقع مع
الظهار والإيلاء لأنهما يوجبان تحريما لا فسخا.
449

فروع على القول بالصحة مع عدم التعيين:
أ: إذا طلق غير معينة حرمتا عليه جميعا حتى يعين ويطالب به وينفق حتى
يعين ولا فرق بين البائن والرجعي.
ب: لو قال: هذه التي طلقتها تعينت للطلاق، ولو قال: هذه التي لم أطلقها،
تعينت الأخرى إن كانت واحدة وإلا عين في البواقي.
ج: لو قال: طلقت هذه بل هذه، طلقت الأولى دون الثانية لأن الأولى إذا
تعين الطلاق فيها لم يبق ما يقع على الثانية.
د: هذا التعيين تعيين اختيار فلا يفتقر إلى القرعة بل له أن يعين من شاء.
ه‍: هل يقع الطلاق بالمعينة من حين الإيقاع أو من حين التعيين؟ الأقرب
الثاني فيجب العدة من حين التعيين.
و: لو وطئ إحديهما وقلنا يقع الطلاق باللفظ كان تعينا فإن قلنا بالتعيين لم
يؤثر الوطء، والأقرب تحريم وطئهما معا وإباحة من شاء منهما.
ز: يجب عليه التعيين على الفور ويعصي بالتأخير ولو ماتت إحديهما لم يتعين
الأخرى للطلاق وله تعيين من شاء، فإن عين الميتة فلا ميراث إن قلنا أن الطلاق
يقع من وقت وقوعه، ولو ماتتا معا كان له تعيين من شاء وليس لورثة الأخرى
منازعته ولا تكذيبه ويرثهما معا إن قلنا بوقوع الطلاق بالتعيين، ولو مات قبلهما ولم
يعين فالأقوى أنه لا تعيين للوارث ولا قرعة بل توقف الحصة حتى تصطلحا، ولو
ماتت واحدة قبله وواحدة بعده فإن قال الوارث: الأولى هي المطلقة والثانية زوجة،
ورثت الثانية ولم يرث من الأولى لأنه أقر بما يضره ولو عكس وقف ميراثه من
الأولى وميراث الثانية منه حتى يصطلح الورثة جميعهم، ولو كان له أربع فقال:
زوجتي طالق، لم تطلق الجميع بل واحدة كما لو قال: إحداكن طالق أو واحدة
منكن طالق.
ح: لو طلق واحدة معينة ثم أشكلت عليه منع منهما وطولب بالبيان وينفق
450

عليهما إلى أن يبين، فإن عين واحدة للطلاق أو النكاح لزمه ولهما إحلافه لو كذبتاه،
ولو قال: هذه بل هذه، طلقتا معا لأنه أقر بطلاق الأولى ورجع عنه فلم يقبل
رجوعه وقبل إقراره في الثانية، ولو قال: هذه بل هذه أو هذه، طلقت الأولى
وإحدى الأخريين وطولب ببيانها ولو قال: هذه أو هذه بل هذه، طلقت الأخيرة
وإحدى الأوليين ولو قال: هذه أو هذه بل هذه أو هذه، طلقت واحدة من
الأوليين وواحدة من الأخريين وطولب بالبيان فيهما.
وهل يكون الوطء بيانا؟ إشكال، أقربه ذلك وعلى العدم لو عينه في الموطوءة
فقد وطئها حراما إن لم تكن ذات عدة أو قد خرجت وعليه المهر وتعتد من حين
الوطء، ولو ماتتا قبله وقف نصيبه من كل منهما ثم يطالب بالبيان، فإن عين
وصدقه ورثة الأخرى ورثوا الموقف وإن كذبوه قدم قوله مع اليمين لأصالة بقاء
النكاح فإن نكل حلفوا وسقط ميراثه عنهما معا، ولو مات الزوج خاصة ففي الرجوع
إلى بيان الوارث إشكال، والأقرب القرعة ويحتمل الإيقاف حتى تصطلحا.
القسم الثاني: الشرائط الخاصة: وهي أمران:
الأول: الطهر من الحيض والنفاس، وهو شرط في المدخول بها الحائل الحاضر
زوجها، أو من هو بحكمه وهو الغائب أقل من مدة يعلم انتقالها من القرء الذي
وطئها فيه إلى آخر، ولو طلق الحائض والنفساء قبل الدخول أو مع الحمل أو مع
الغيبة مدة يعلم انتقالها من القرء الذي وطئها فيه إلى آخر صح وقدر قوم الغيبة
بشهر وآخرون بثلاثة، ولو طلق إحديهما بعد الدخول أو عدم الحبل والحضور أو
حكمه فعل حراما وكان باطلا سواء علم بذلك أو لم يعلم، ولو خرج مسافرا في طهر
لم يقربها فيه صح طلاقها وإن صادف الحيض ولا يشترط الانتقال حينئذ إلى قرء
آخر، ولو كان حاضرا وهو لا يصل إليها بحيث لا يعلم حيضها فكالغائب.
الثاني: الاستبراء: ولو طلق في طهر واقعها فيه لم يصح إلا أن تكون يائسة أو
451

لم تبلغ المحيض أو حاملا أو مسترابة وقد مضى لها ثلاثة أشهر لم تر دما معتزلا لها،
فإن طلق المسترابة قبل مضى ثلاثة أشهر من حين الوطء لم يقع، فإذا حاضت بعد
الوطء صح طلاقها إذا طهرت.
الفصل الثالث: الصيغة: ويشترط فيها أمور:
الأول: التصريح وهو قوله: أنت أو هذه أو فلانة أو زوجتي طالق، ولو
قال: أنت طلاق أو الطلاق أو من المطلقات أو مطلقة على رأي أو طلقت فلانة على
رأي، لم يقع ولو قيل: طلقت فلانة؟ فقال: نعم، قيل: يقع، ولو قال: كل امرأة
لي طالق، وقع وفي النداء إشكال، ولا يقع بالكنايات جمع وإن نوى بها الطلاق
كقوله: أنت خلية أو برية أو حبلك على غاربك أو الحقي بأهلك أو بائن أو حرام
أو بتة أو بتلة أو اعتدي، وإن نوى به على رأي أو خيرها وقصد الطلاق فاختارت
نفسها في الحال على رأي، ولا يقع إلا بالعربية مع القدرة، ولا يقع بالإشارة إلا مع
العجز عن النطق كالأخرس وفي رواية يلقى القناع عليها، ولا بالكتابة وإن كان
غائبا على رأي ولو عجز عن النطق فكتب ونوى صح.
الثاني: التنجيز: فلو علقه على شرط أو صفة لم يقع كقوله: أنت طالق إن
دخلت الدار أو إذا جاء رأس الشهر أو إن شئت، ولو فتح إن وقع في الحال، ولو
قال: أنت طالق لرضى فلان، فإن قصد الغرض صح وإن قصد الشرط بطل، ولو
قال: أنت طالق الآن إن كان الطلاق يقع بك، فإن جهل حالها لم يقع وإن
كانت طاهرا وإن علم طهرها وقع، ولو قال: أنت طالق إلا أن يشاء زيد، لم
يصح وكذا لو قال: إن شاء الله.
الثالث: عدم التعقيب بالمبطل: فلو قال للطاهر المدخول بها: أنت طالق
للبدعة، فالأقرب البطلان لأن البدعي لا يقع وغيره ليس بمقصود، ولو قال: أنت
طالق نصف طلقة أو ربع طلقة، لم يقع وكذا لو قال: نصف طلقتين، أما لو قال:
452

نصفي طلقة أو ثلاثة أثلاث طلقة، فالأقرب الوقوع ولو قال: أنت طالق نصف
وثلث وسدس طلقة، وقعت طلقة ولو قال: نصف طلقة وثلث طلقة وسدس
طلقة، لم يقع شئ ولو قال: أنت طالق، ثم قال: أردت أن أقول طاهر، قبل منه
ظاهرا ودين في الباطن بنيته.
ولو قال: أنت طالق قبل طلقة أو بعدها أو قبلها أو معها، لم يقع وإن كانت
مدخولا بها ويحتمل الوقوع لو قال: مع طلقة أو قبل طلقة أو بعدها أو عليها دون
قبلها طلقة أو بعد طلقة، ولو قال: أنت طالق ثلاثا أو اثنين، قيل: بطل وقيل: يقع
واحدة، والمخالف يلزمه ما يعتقده، ولو قال: أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا، صحت
واحدة وبطل الاستثناء وكذا لو قال: طلقة إلا طلقة.
ولو قال: أنت طالق غير طالق، فإن قصد الرجعة صحا معا فإن إنكار
الطلاق رجعة وإن قصد النقض لزم الطلاق، ولو قال: زينب طالق، ثم قال:
أردت عمرة، قبل إن كانتا زوجتين ولو قال: زينب طالق بل عمرة، طلقتا جميعا
على إشكال ينشأ من اشتراط النطق بالصيغة وكذا لو قال لأربع: أوقعت بينكن
أربع طلقات، ولو قال: أنت طالق أعدل طلاق أو أحسنه أو أقبحه أو أحسنه
وأقبحه أو مل ء مكة أو مل ء الدنيا أو طويلا أو عريضا أو صغيرا، وقع ولم يضر
الضمائم.
الرابع: إضافة الطلاق إلى المحل: فلو قال: يدك طالق أو رجلك أو رأسك أو
صدرك أو وجهك أو ثلثك أو نصفك أو أنا ملك طالق، لم يقع.
الخامس: الانشاء فلو قصد الإخبار لم يقع ويصدق في قوله لو قصده.
الفصل الرابع: الإشهاد:
وهو ركن في الطلاق ويشترط فيه: سماع شاهدين ذكرين عدلين النطق
بالصيغة، فلو طلق ولم يشهد ثم أشهد لم يقع وقت الإيقاع ووقع حين الإشهاد إن
453

قصد الانشاء، وأتى به بلفظه وإلا فلا، ويكفي سماعهما وإن لم يأمرهما بالشهادة،
ولا يقبل شهادة الفاسق وإن تعدد ولا مع انضمامه إلى عدل، ولو شهد فاسقان
ثم تابا سمعت شهادتهما إن انضم إليهما في السماع عدلان وإلا فلا.
ولا بد من اجتماعهما حال التلفظ، فلو أنشأ بحضور أحدهما ثم أنشأ بحضور
الآخر لم يقع، ولو أنشأ بحضور أحدهما ثم أنشأ بحضورهما معا وقع الثاني، ولو قصد
في الثاني الأخبار بطلا، ولو شهدا بالإقرار لم يشترط الاجتماع ولو شهد أحدهما
بالإنشاء والآخر بالإقرار لم يقبل، ولا يشترط اجتماعهما في الأداء بل في التحمل
للإنشاء.
ولا يقبل شهادة النساء وإن انضممن إلى الرجال، ولو أشهد من ظاهره
العدالة وقع وإن كانا في الباطن فاسقين أو أحدهما وحلت عليهما على إشكال، أما
لو كان ظاهرا على فسقهما فالوجه البطلان، ولو كان أحدهما الزوج ففي صحة إيقاع
الوكيل إشكال، فإن قلنا به لم يثبت.
المقصد الثاني: في أقسام الطلاق:
وهو إما واجب كطلاق المولى والمظاهر فإنهما يجب عليهما إما الطلاق أو
الفئة وأيهما أوقعه كان واجبا، وإما مندوب كما في حالة الشقاق إذا لم يمكن
الاتفاق، وإما مكروه كما في حالة التئام الأخلاق، وإما محظور كطلاق الحائض
والنفساء والموطوءة في مدة الاستبراء، وأيضا الطلاق إما بدعي أو شرعي.
فالأول: طلاق الحائض والنفساء مع الدخول والحضور وعدم الحمل،
والموطوءة في طهر المواقعة إذا كانت غير يائسة ولا صغيرة ولا حامل، والطلاق
ثلاثا. والكل باطل إلا الأخير فإنه يقع واحدة.
وأما الشرعي: فأما طلاق عدة أو سنة.
فالأول يشترط فيه: الرجوع في العدة والمواقعة، وصورته أن يطلق على
454

الشرائط ثم يراجع في العدة ويواقع ثم يطلقها في غير طهر المواقعة، ثم يراجعها في
العدة ويطأها ثم يطلقها في طهر آخر، فتحرم عليه حتى تنكح غيره، فإذا فارقته ثم
عادت إليه ففعل كالأول ثم تزوجت بالمحلل ثم فارقته وعادت إلى الأول وصنع
كما تقدم حرمت عليه أبدا في التاسعة.
وأما طلاق السنة بأن يطلق على الشرائط ثم يتركها حتى تخرج من العدة و
يعقد عليها ثانيا عقدا جديدا بمهر جديد ثم يطأها ثم يطلقها في طهر آخر ويتركها
حتى تخرج العدة ثم يتزوجها بعقد جديد ومهر جديد ثم يطأها ثم يطلقها في طهر
آخر فتحرم عليه حتى تنكح غيره، ولا تهدم عدتها تحريمها في الثالثة ولا تحرم هذه
مؤبدا، وقد يراد بطلاق السنة ما يقابل البدعي وهو الشرعي فيكون أعم.
ولو راجع في العدة وطلق قبل المواقعة صح ولم يكن طلاق عدة ولا سنة
بالمعنى الأخص وكذا لو تزوجها وطلق قبل الدخول، ولو طلق الحامل وراجعها
جاز أن يطأها ويطلقها ثانية للعدة إجماعا، وفي السنة قولان، فإن راجعها بعد طلاق
العدة ثم طلقها ثالثا للعدة حرمت بدون المحلل، ولو طلق الحائل ثم راجعها فإن
واقعها وطلقها في طهر آخر صح إجماعا وإن طلقها في طهر آخر من غير مواقعة
فأصح الروايتين الوقوع، فإن راجع وطلقها ثالثا في طهر آخر حرمت عليه ولم يكن
طلاق عدة ولا سنة بالمعنى الأخص، وكذا لو أوقع الطلاق قبل المواقعة في الطهر الأول
بعد طلاق آخر فيه على أقوى الروايتين لكن الأولى تفريق الطلاق على الأطهار،
ولو وطئ وجب التفريق إن وجب الاستبراء وإلا فلا، وأيضا الطلاق إما بائن
أو رجعي.
فالأول: ما لا رجعة فيه للزوج إلا بعقد مستأنف وهو ستة أقسام:
أ: طلاق غير المدخول بها في قبل أو دبر دخولا موجبا للغسل.
ب: اليائسة وهي من بلغت خمسين أو ستين على ما تقدم وإن دخل بها.
ج: من لم يبلغ المحيض وهي من لها دون تسع سنين وإن دخل بها.
455

د: المختلعة ما لم ترجع في البذل فإن رجعت في العدة انقلب رجعيا بمعنى أن
للزوج الرجوع في البضع، وهل يتبعه وجوب الانفاق وتحريم الرابعة والأخت؟
الأقرب ذلك مطلقا في النفقة مع العلم.
ه‍: المباراة ما لم ترجع في البذل فإن رجعت في العدة انقلب رجعيا كالمختلعة.
و: المطلقة ثلاثا بينها رجعتان.
والثاني: ما للزوج فيه رجعة سواء راجع أو لا، وهو كل ما عدا الأقسام الستة
وكل امرأة استكملت الطلاق ثلاثا بينها رجعتان حرمت حتى تنكح زوجا غير
المطلق سواء كانت مدخولا بها أو لا وسواء كانت الرجعة بعقد مستأنف أو لا، ولو
شك في إيقاع الطلاق لم يلزمه إيقاعه وكان النكاح باقيا ولو شك في عدده لزمه
اليقين وهو الأقل، ولو طلق الغائب لم يكن له التزويج بالرابعة ولا بالأخت إلا
بعد مضى سنة لاحتمال الحمل ولو علم الخلو كفاه العدة، ولو حضر ودخل ثم
ادعى الطلاق لم يقبل دعواه ولا بينته فلو أولد لحق به الولد.
المقصد الثالث: في لواحقه: وفيه فصول:
الأول: في طلاق المريض:
وهو مكروه ويتوارثان في العدة الرجعية وترثه في البائن إن مات في مرضه إلى
سنة ما لم تتزوج وفي الأمة والكافرة إشكال إذا أعتقت أو أسلمت، ولا ميراث مع
اللعان والفسخ للردة أو تجدد التحريم المؤبد المستند إليها برضاع وفي المستند إليه
كاللواط نظر وفي العيب إشكال إن كان من طرفه، ولو أسلم وأسلمن فاختار
أربعا لم ترثه البواقي، ولو أقر مريضا بالطلاق ثلاثا في الصحة لم يقبل بالنسبة إليها،
ولو ادعت الطلاق في المرض وادعى الوارث في الصحة قدم قوله مع اليمين، ولو
ارتدت المطلقة ثم مات في السنة بعد عودها أو ارتد هو فالأقرب الإرث.
456

الفصل الثاني: في الرجعة:
ويصح لفظا مثل راجعتك وإنكار الطلاق، وفعلا كالوطء، والتقبيل أو
اللمس بشهوة، والأخرس بالإشارة الدالة عليها وقيل: يأخذ القناع من رأسها،
ويشترط في الوطء والتقبيل واللمس صدوره عن قصد، فلو وطئ نائما أو ظن أنها
غير المطلقة لم تحصل الرجعة.
فلا بد من التجريد عن الشرط فلو قال: راجعتك إن شئت، لم يصح وإن
قالت: شئت، ويستحب الإشهاد وليس شرطا لكن لو ادعى بعد العدة وقوعها فيها
لم يقبل دعواه إلا بالبينة، ولو راجع بعد الطلاق فأنكرت الدخول قدم قولها مع
اليمين، ولو ادعت انقضاء العدة بالحيض مع الاحتمال وأنكر صدقت مع اليمين،
ولو ادعت بالأشهر فإن اتفقا على وقت الإيقاع رجع إلى الحساب فإن اختلفا فيه
بأن تقول: طلقت في رمضان، ويدعي هو في شوال قدم قول الزوج مع اليمين، ولو
ادعى الزوج الانقضاء قدم قولها مع اليمين.
ولو كانت حاملا فادعت الوضع صدقت ولم تكلف إحضار الولد حتى لو
ادعت الانقضاء لوضعه ميتا أو حيا ناقصا أو كاملا صدقت مع اليمين، ولو ادعت
الحمل فأنكر فأحضرت ولدا فأنكر ولادتها له قدم قوله لإمكان البينة هنا، ولو ادعت
الانقضاء فادعى الرجعة قبله قدم قولها مع اليمين، ولو راجع فادعت بعد الرجعة
الانقضاء قبلها قدم قوله مع اليمين لأصالة صحة الرجعة، ولو كذبها مولاها في تصديق
زوجها على وقوع الرجعة في العدة وادعى خروجها قبل الرجعة لم يقبل منه، ولا يمين على
الزوج لتعلق النكاح بالزوجين على إشكال، ولو ارتدت بعد الطلاق ففي المنع من الرجعة
إشكال ينشأ من كون الرجعية زوجة ومن عدم صحة الابتداء، فكذا الرجعة فإن رجعت
رجع في العدة إن شاء وكذا الإشكال لو طلق الذمية، والأقرب جواز الرجوع ولو منعنا
الرجعة افتقر إلى أخرى بعد الاسلام.
ولا يشترط علم الزوجة في الرجعة ولا رضاها فلو لم تعلم وتزوجت بغيره
457

ردت إليه - وإن دخل الثاني - بعد العدة ولا يكون الثاني أحق بها، ولو لم يكن
بينة حلف الثاني على عدم علمه بالرجوع فإن نكل حلف الأول وردت إليه، ولو
صدقه الثاني والمرأة ردت إليه ولو صدقه الثاني خاصة قبل في حقه وتحلف هي على
نفي العلم ولا ترد إلى الأول وانفسخ نكاحها من الثاني بإقراره فيثبت لها نصف
المهر ومع الدخول الجميع، ولو ادعى الرجعة عليها أولا فإن صدقته لم يقبل على
الثاني وفي الرجوع بالمهر إشكال ينشأ من أنها أقرت ومن أنها فوتت، وإن كذبته
حلفت إن قلنا بالغرم وإلا فلا فإن نكلت حلف الزوج وغرمت، فإذا زال النكاح
الثاني وجب عليها تسليم نفسها إلى الأول وتستعيد المهر.
فروع:
أ: لو أقر بالرجعة في العدة قبل قوله لأنه يملك الرجعة حينئذ.
ب: لو قال: راجعتك للمحبة والإهانة، فإن فسر بأني كنت أحبها أو
أهينها في النكاح فراجعتها إليه صح، ولو قال: كنت أحبها قبل النكاح أو أهينها
فراجعتها إليه، لم يصح الرجعة لأنه لم يردها إلى النكاح.
ج: لو قال: راجعتك، صح وإن لم يقل إلى النكاح.
د: لو أخبرت بانقضاء العدة فراجع ثم كذبت نفسها في إخبارها صحت
الرجعة.
ه‍: صريح الرجعة راجعت ورجعت وارتجعت، والأقرب - في رددتها إلى
النكاح وأمسكت - الصحة مع النية وفي التزويج إشكال، وكذا أعدت الحل
ورفعت التحريم.
و: لو ادعى الرجعة في وقت إمكان إنشائها قدم قوله مع احتمال تقديم قولها
فحينئذ لا يجعل إقراره إنشاء، ولو أنكرت الرجعة ثم صدقت حكم بالرجعة وإن
كان في إنكارها إقرار بالتحريم لأنها جحدت حق الزوج ثم أقرت ويرجح جانبه،
458

ولو أقرت بتحريم رضاع أو نسب لم يكن لها الرجوع، ولو زعمت أنها لم ترض بعقد
النكاح ثم رجعت فالأقوى القبول لحق الزوج.
الفصل الثالث: في المحلل:
والنظر في أمور ثلاثة:
الأول: من يقع به التحليل:
وهو كل امرأة طلقت ثلاثا إن كانت حرة وطلقتين إن كانت أمة ممن يحل
على الزوج الرجوع إليها بعد التحليل، فلو تزوجت من طلقت تسعا للعدة لم تحل وإذا
طلقت مرة أو مرتين ثم تزوجت ففي الهدم روايتان أقربهما ذلك، فلو تزوجت بعد
طلقة ثم رجعت إلى الأول بقيت على ثلاث مستأنفات وبطل حكم السابقة، وإذا
طلقت الحرة ثلاثا حرمت على الزوج حتى تنكح غيره، والأمة تحرم بطلقتين ولا
اعتبار بالزوج في عدد الطلاق، ولو راجع الأمة أو تزوجها بعد طلقة وبعد عتقها
بقيت معه على واحدة، ولو سبق العتق الطلاق حرمت بعد ثلاث.
الثاني: المحلل: ويشترط فيه أربعة:
أ: البلوغ فلا اعتبار بوطئ الصبي وإن كان مراهقا على إشكال.
ب: الوطء قبلا حتى تغيب الحشفة ولا يشترط الإنزال بل لو أكمل حلت.
ج: استناد الوطء إلى العقد الدائم فلو وطئ بالملك أو الإباحة أو المتعة لم تحل
على الزوج.
د: انتفاء الردة فلو تزوجها المحلل مسلما ثم وطئها بعد ردته لم تحل لانفساخ
عقده، أما لو وطئها حراما مستندا إلى عقد صحيح باق على صحته كالمحرم أو في
الصوم الواجب أو في حال الحيض فإشكال ينشأ من كونه منهيا عنه فلا يكون مرادا
459

للشارع ومن استناد النكاح إلى عقد صحيح.
الثالث: في الأحكام:
لو انقضت مدة فادعت التزويج والمفارقة والعدة قبل مع الإمكان وإن بعد،
وفي رواية إن كانت ثقة، فلو دخل المحلل فادعت الإصابة فإن صدقها حلت للأول
وإن كذبها فالأقرب العمل بقولها لتعذر البينة عليها، وقيل: يعمل بما يغلب على
الظن من صدقه وصدقها، فإن رجعت قبل العقد لم تحل عليه وإلا لم يقبل
رجوعها.
ولو طلق الذمية ثلاثا فتزوجت بعد العدة ذميا ثم بانت منه وأسلمت حلت
للأول بعقد مستأنف وكذا كل مشرك، ولو وطئ الأمة مولاها لم تحل على الزوج
إذا طلقها مرتين ولو ملكها المطلق لم تحل عليه إلا أن تنكح زوجا غيره، ولا تأثير
للوطء المستند إلى العقد الفاسد أو الشبهة في التحليل، والمجبوب إذا بقي من ذكره
ما يغيب في فرجها قدر الحشفة حلت بوطئه وكذا الموجوء والخصي، ولا فرق بين
أن يكون المحلل حرا أو عبدا عاقلا أو مجنونا وكذا الزوجة، ولو كانت صغيرة فوطئها
المحلل قبل بلوغ التسع فكالوطء في الحيض.
المقصد الرابع: في العدد: وفيه فصول:
الأول: غير المدخول بها:
لا عدة على من لم يدخل بها الزوج من طلاق أو فسخ، والدخول يحصل
بغيبوبة الحشفة أو ما سواها في قبل أو دبر أنزل أو لم ينزل وسواء كان صحيح
الأنثيين أو مقطوعهما، ولو كان مقطوع الذكر خاصة قيل وجبت العدة لإمكان
الحمل بالمساحقة ولو ظهر حمل اعتدت بوضعه وكذا لو كان مقطوع الذكر
والأنثيين على إشكال، ولا تجب العدة بالخلوة المنفردة عن الوطء وإن كانت
460

كاملة ولو اختلفا حينئذ في الإصابة فالقول قوله مع يمينه، ولو دخل بالصغيرة وهي
من نقص سنها عن تسع أو اليائسة وهي من بلغت خمسين أو ستين إن كانت
قرشية أو نبطية فلا اعتبار به ولا يجب لأجله عدة طلاق ولا فسخ على رأي، أما
الموت فيثبت فيه العدة وإن لم يدخل، وإن كانت صغيرة أو يائسة دخل أو لا.
الفصل الثاني: في عدة الحائل من الطلاق: وفيه مطلبان:
الأول: في ذوات الأقراء:
الحرة المستقيمة الحيض تعتد بثلاثة أقراء وهي الأطهار في الطلاق والفسخ
سواء كان زوجها حرا أو عبدا وتحتسب الطهر بعد الطلاق وإن كان لحظة، ولو
حاضت مع انتهاء لفظ الطلاق لم تحتسب طهر الطلاق قرءا وافتقرت إلى ثلاثة أقراء
مستأنفة بعد الحيض وإذا رأت الدم الثالث خرجت من العدة، وأقل زمان تنقضي
به العدة ستة وعشرون يوما ولحظتان، الأخيرة دلالة على الخروج لا جزء فلا يصح
فيه الرجعة، ولو اتفق عقد الثاني فيه صح.
ولو اختلفت عادتها صبرت في الثالث إلى انقضاء أقل الحيض - والمرجع في
الطهر والحيض إليها - فلو قالت: كان قد بقي بعد الطلاق زمان يسير من الطهر،
فأنكر قدم قولها وإن تضمن الخروج من العدة المخالف للأصل، ولو ادعت
الانقضاء قبل مضى أقل زمان تنقضي به العدة لم يقبل دعواها، فإن صبرت حتى
مضى زمان الأقل ثم قالت: غلطت والآن انقضت عدتي، قبل قولها وإن أصرت
على الدعوى ففي الحكم بانقضاء عدتها إشكال ينشأ من ظهور كذبها ومن قبول
دعواها لو استأنفتها فيجعل الدوام كالاستئناف، ولا يشترط في القرء أن يكون بين
حيضتين.
فلو طلقها قبل أن ترى الدم ثم ابتدأت بالحيض احتسب الطهر بين الطلاق
و ابتداء الحيض قرء وزمان الاستحاضة كالطهر، ولو استمر الدم مشتبها رجعت إلى
461

عادتها المستقيمة فإن لم يكن رجعت إلى التمييز، فإن فقدته رجعت إلى عادة نسائها
فإن اختلفن اعتدت بالأشهر، ولو كان حيضها في كل ستة أشهر أو خمسة أشهر
اعتدت بالأشهر.
ولو اعتدت من بلغت الحيض ولم تحض بالأشهر ثم رأت الدم بعد انقضاء
العدة لم يلزمها الاعتداد بالأقراء ثانيا، ولو رأته في الأثناء اعتدت بالأقراء وتعتد
بالطهر السابق قرء، ولو رأت الدم مرة ثم بلغت سن اليأس أكملت العدة
بشهرين، ولو كان مثلها تحيض اعتدت بثلاثة أشهر وتراعى الشهور والحيض
أيهما سبق خرجت العدة، أما لو رأت الدم في الثالث و تأخرت الحيضة الثانية أو
الثالثة صبرت تسعة أشهر لتعلم براءة رحمها ثم اعتدت بعد ذلك بثلاثة أشهر، وفي
رواية تصبر سنة ثم تعتد بثلاثة ونزلها قوم على احتباس الدم الثالث.
المطلب الثاني: في ذوات الشهور:
الحرة التي لا تحيض وهي في سن من تحيض، المدخول بها تعتد من الطلاق
والفسخ وإن كان الوطء عن شبهة بثلاثة أشهر، فإن طلقت في أول الهلال اعتدت
بالأهلة نقصت أو كملت وإن طلقت في أثناء الشهر اعتدت بهلالين ثم أخذت من
الثالث كمال ثلاثين على رأي، ولو انقضت العدة ونكحت آخر فارتابت بالحمل
من الأول لم يبطل النكاح وكذا لو لم تنكح جاز نكاحها، ولو ارتابت قبل
الانقضاء لم تنكح وإن انقضت العدة، والأقرب جواز نكاحها إلا مع تعين الحمل،
وعلى كل تقدير لو ظهر حمل بطل نكاح الثاني.
الفصل الثالث: في عدة الحامل من الطلاق:
وتنقضي العدة من الطلاق والفسخ بوضع الحمل في الحامل وإن كان بعد
الطلاق بلحظة، وله شرطان:
462

الأول: أن يكون الحمل ممن له العدة أو يحتمل أن يكون منه كولد اللعان،
أما المنفى قطعا كولد الصبي أو المنتزح فلا تنقضي به عدة ولو أتت زوجة البالغ
بولد لدون ستة أشهر لم يلحقه، فإن ادعت أنه وطئ قبل العقد للشبهة احتمل
انقضاء العدة به، والأقرب العدم لأنه منفي عنه شرعا. نعم لو صدقها انقضت به،
ولو طلق الحامل من زنا منه أو من غيره اعتدت بالأشهر لا بوضع الحمل، ولو كان
الحيض يأتيها اعتدت بالأقراء لأن حمل الزنى كالمعدوم.
الثاني: وضع ما يحكم بأنه حمل علما أو ظنا فلا عبرة بما يشك فيه وسواء
كان الحمل تاما أو غير تام حتى العلقة إذا علم أنها حمل ولا عبرة بالنطفة، ولو
وضعت أحد التوأمين بانت من الأول ولم تنكح إلا بعد وضع الأخير والأقرب تعلق
البينونة بوضع الجميع، وأقصى مدة بين التوأمين ستة أشهر ولا تنقضي بانفصال
بعض الولد، فلو ماتت بعد خروج رأسه ورثها ولو خرج منه قطعة كيده لم يحكم
بالانقضاء حتى تضع الجميع، ولو خرج ما يصدق عليه اسم الآدمي ناقصا كيد
علم بقاؤها فالأولى الانقضاء.
ولو طلقت فادعت الحمل صبر عليها أقصى الحمل وهو سنة على رأي ثم لا
يقبل دعواها وقيل: تسعة أشهر، ولو طلق رجعيا ثم مات في العدة استأنفت عدة
الوفاة وإن قصرت عن عدة الطلاق كالمسترابة على إشكال، ولو كان بائنا أتمت
عدة الطلاق، ولو كان البائن مبهما ومات قبل التعيين اعتدت الحامل بأبعد أجلي
الحمل والوفاة، وغيرها بأبعد أجلي الطلاق كالمسترابة والوفاة.
فروع:
أ: لو أتت بولد لأقل من ستة فإن لم تنكح زوجا غيره لحق به، ولو كانت
رجعية حسبت السنة من وقت الطلاق لا من وقت انقضاء العدة على إشكال.
ب: لو نكحت ثم أتت بولد لزمان يحتمل من الزوجين لحق بالثاني إن كان
463

النكاح صحيحا إذ لا سبيل إلى بطلان الصحيح وإن كان فاسدا أقرع، ومدة
احتمال الثاني تحسب من الوطء لا من العقد الفاسد، وعدة النكاح الفاسد تبتدئ
بعد التفرق بانجلاء الشبهة لا بعد آخر وطئه على إشكال.
ج: لو وطئت للشبهة ولحق الولد بالواطئ لبعد الزوج عنها ثم طلقها الزوج
اعتدت بالوضع من الواطئ ثم استأنفت عدة الطلاق بعد الوضع.
د: لو اتفق الزوجان على زمان الطلاق واختلفا في وقت الولادة هل كان قبله
أو بعده؟ قدم قولها مع اليمين لأنه اختلاف في فعلها، ولو اتفقا على زمان الوضع
واختلفا في وقت الطلاق هل كان قبل الوضع أو بعده؟ قدم قوله لأنه اختلاف في
فعله، وفيه إشكال من حيث أن الأصل عدم الطلاق والوضع وكان قول منكرهما
مقدما.
ه‍: لو أقرت بانقضاء العدة ثم جاءت بولد لستة أشهر منذ طلقها قيل: لا
يلحق به ويحتمل الإلحاق إن لم يتجاوز أقصى الحمل أو لم تكن ذات بعل.
و: لو ادعت تقدم الطلاق فقال: لا أدري، فعليه يمين الجزم أو النكول ولو
جزم الزوج فقالت: لا أدري، فله الرجعة ولا يقبل دعواها مع الشك.
ز: لو رأت الدم على الحبل لم تنقض عدتها عن صاحب الحمل بتلك الأقراء
لأن المقصود من الأقراء براءة رحمها وهذه الأقراء لم تدل عليها.
ح: لو وضعت ما يشتبه حكم بقول أربع من القوابل الثقات فإن حكمن
بأنه حمل انقضت العدة وإلا فلا.
الفصل الرابع: في عدة الوفاة:
تعتد الحرة لوفاة زوجها بالعقد الدائم إن كانت حائلا بأربعة أشهر وعشرة أيام
صغيرة كانت أو كبيرة مسلمة أو ذمية دخل بها الزوج أو لا صغيرا كان أو كبيرا
حرا أو عبدا سواء كانت من ذوات الأقراء أو لا، ولا يشترط أن تحيض حيضة في
464

المدة والشهور تعتبر بالأهلة ما أمكن، ولا تعتبر بالأيام إلا أن ينكسر الشهر الأول
بأن يكون الباقي من الشهر أكثر من عشرة أيام وتبين بغروب الشمس من اليوم
العاشر، ولو كانت عمياء ولم يتفق لها من يخبرها اعتدت بمائة وثلاثين يوما،
والحامل تعتد بأبعد الأجلين من وضع الحمل ومضى أربعة أشهر وعشرة أيام.
ويجب عليها الحداد حاملا كانت أو حائلا صغيرة أو كبيرة مسلمة أو ذمية
وفي الأمة إشكال، وهو ترك الزينة في الثياب والبدن والادهان المقصود بها الزينة
والتطيب مثل الطيب في البدن والثوب والصبغ في الثوب إلا الأسود والأزرق
لبعدهما عن الزينة، ولا تمس طيبا ولا تدهن بمطيب كدهن الورد والبنفسج
وشبههما ولا بغيره في الشعر ويجوز في غيره، ولا تختضب بالحناء في يديها ورجليها
ولا بالسواد في حاجبيها ولا تخضب رأسها ولا تستعمل الإسفيذاج في الوجه ولا
تكتحل بالسواد ولا بما فيه زينة، ويجوز بما ليس فيه زينة كالتوتياء ولو احتاجت
للعلة جاز ليلا فإن تمكنت من مسحه بالنهار وجب، ولا تتحلى بالذهب ولا
بالفضة ولا تلبس الثياب الفاخرة وكل ما فيه زينة ولا تحرم التنظيف ولا دخول
الحمام ولا تسريح الشعر ولا السواك ولا قلم الأظفار ولا السكنى في أطيب
المساكن ولا فرش أحسن الفرش ولا تزيين أولادها وخدمها.
فروع:
أ: لو مات الزوج في عقد فاسد لم تعتد عدة الوفاة بل تعتد مع الدخول بالوضع
أو بالأقراء أو بالأشهر وإلا فلا عدة.
ب: لو طلق المريض بائنا ثم مات في العدة ورثت وأكملت عدة الطلاق
ولا ينتقل إلى عدة الوفاة بخلاف الرجعي.
ج: لو طلق إحدى امرأتيه ومات قبل التعيين أو عينه واشتبه فإن لم يكن
دخل اعتدتا معا للوفاة وإن كان قد دخل وحملتا اعتدتا بأبعد الأجلين وإن لم
465

تحملا اعتدتا بعدة الوفاة، ولو كانتا من ذوات الأقراء اعتدتا بأبعد الأجلين من مضى
الأقراء وعدة الوفاة، ولو كان الطلاق رجعيا اعتدتا للوفاة، وإذا اعتدتا بأبعد
الأجلين فابتداء عدة الوفاة من حين الموت وعدة الطلاق من وقته إن كان قد طلق
معينة ثم اشتبه حتى لو مضى من وقت الطلاق قرء اعتبر وجود قرئين في عدة
الوفاة، وإن كان الموت عقيب الطلاق اعتبر ثلاثة أقراء فيها، وإن كان قد طلق
واحدة غير معينة ومات قبله فإن قلنا: الطلاق من حين وقوعه، فكالأول وإن
قلنا: من حين التعيين، اعتبر ابتداء الأقراء من وقت الموت لعدم التعيين، ولو عين
قبل الموت انصرف الطلاق إلى المعينة.
د: لا حداد على غير المتوفى عنها كالمطلقة بائنا ورجعيا والأمة وإن كانت
أم ولد من مولاها وإن أعتقها، ولا الموطوءة بالشبهة ولا بالنكاح الفاسد ولا
المفسوخ نكاحها.
ه‍: لو تركت الإحداد في العدة احتسبت بعدتها وفعلت محرما.
و: لا يجب الإحداد في موت غير الزوج ولا يحرم عليها أكثر من ثلاثة أيام
ولا ما دونها.
الفصل الخامس: في المفقود عنها زوجها:
إذا غاب الرجل عن امرأته فإن عرف خبره بأنه حي وجب الصبر أبدا وكذا
لو أنفق عليها وليه، ولو جهل خبره ولم يكن من ينفق عليها فإن صبرت فلا كلام
وإلا رفعت أمرها إلى الحاكم فيؤجلها أربع سنين ويبحث عنه الحاكم هذه المدة
فإن عرف حياته صبرت أبدا وعلى الإمام أن ينفق عليها من بيت المال وإن لم
يعرف حياته أمرها بالاعتداد عدة الوفاة بعد الأربع ثم حلت للأزواج، ولو صبرت
بعد الأربع غير معتدة لانتظار خبره جاز لها بعد ذلك الاعتداد متى شاءت.
466

فروع:
أ: ضرب أربع سنين إلى الحاكم فلو لم ترفع خبرها إليه فلا عدة حتى يضرب
لها المدة ثم تعتد ولو صبرت مائة سنة، وابتداء المدة من رفع القضية إلى الحاكم
وثبوت الحال عنده لا من وقت انقطاع الخبر فإذا انقضت المدة لم تفتقر إلى غير الأمر
بالعدة، ولو لم يأمرها الحاكم بالعدة فاعتدت فالأقرب عدم الاكتفاء.
ب: لو جاء الزوج وقد خرجت من العدة ونكحت فلا سبيل له عليها وإن
جاء وهي في العدة فهو أملك بها، ولو جاء بعد العدة قبل التزويج فقولان الأقرب
أنه لا سبيل له عليها.
ج: لو نكحت بعد العدة ثم ظهر موت الزوج كان العقد الثاني صحيحا ولا
عدة سواء كان موته قبل العدة أو بعدها لسقوط اعتبار عقد الأول في نظر الشرع.
د: هذه العدة كعدة الموت لا نفقة فيها على الغائب وعليها الحداد على
إشكال، ولو حضر قبل انقضائها ففي عدم الرجوع عليه بالنفقة إشكال.
ه‍: لو طلقها الزوج أو ظاهر منها أو آلى فاتفق في العدة صح لبقاء العصمة
ولو اتفق بعدها لم يقع.
و: لو أتت بولد بعد مضى ستة أشهر من دخول الثاني لحق به، ولو ادعاه
الأول وذكر الوطء سرا لم يقبل، وقيل: يقرع وليس بجيد.
ز: لا توارث بينها وبين الزوج لو مات أحدهما بعد العدة ويتوارثان في العدة.
ح: لو غلط في الحساب فأمرها بالاعتداد فاعتدت وتزوجت قبل مضى مدة
التربص بطل الثاني والأقرب أنها تحرم عليه مؤبدا مع الدخول، ولو تبينا موت
الزوج الأول قبل العدة فالأقرب صحة الثاني، ولو عاد الزوج من سفره فإن لم يكن
قد تزوجت وجب لها نفقة جميع المدة وإن كانت قد تزوجت سقطت نفقتها من حين
التزوج لأنها ناشز، فإذا فرق بينهما فإن لم يكن دخل بها الثاني عادت نفقتها في
الحال وإن دخل فلا نفقة على الثاني لأنه شبهة ولا على الأول لأنها محبوسة عليه
467

لحق غيره.
ولو رجع بعد موتها ورثها إن لم تخرج مدة التربص والعدة ويطالب الثاني بمهر
مثلها، ولو بلغها موت الأول اعتدت له بعد التفريق وإن مات الثاني فعليها عدة
وطء الشبهة، ولو ماتا فإن علمت السابق وكان هو الأول اعتدت عنه بأربعة أشهر
وعشرة أيام أولها يوم موت الثاني، لأن العدة لا تجتمع مع الفراش الفاسد وفراشه
قائم إلى وقت موته، وإن سبق الثاني فإن كان بين المدتين ثلاثة أقراء مضت عدة
الثاني فتعتد عن الأول وإن كان أقل أكملت العدة ثم اعتدت من الأول، ولو لم
تعلم السابق أو علمت المقارنة اعتدت من الزوج ثم من وطء الشبهة.
ط: الأقرب أن الحاكم بعد مدة البحث يطلقها للرواية الصحيحة والعدة عدة
الوفاة للاحتياط من غير منافاة.
الفصل السادس: في عدة الإماء والاستبراء: وفيه مطلبان:
الأول: في العدة:
عدة الأمة في الطلاق قرءان وإن كان زوجها حرا وأقل ما يقعان فيه ثلاثة
عشر يوما ولحظتان، الثانية دلالة الخروج، وهل حكم الفسخ للبيع حكم الطلاق؟
الأقرب ذلك وكذا الفسخ للعيب، وإن كانت من ذوات الحيض ولم تحض فعدتها
خمسة وأربعون يوما ولو كانت حاملا فعدتها وضع الحمل، وفي الوفاة شهران وخمسة
أيام والحامل بأبعد الأجلين، ولو كانت أم ولد لمولاها فعدتها من موت زوجها أربعة
أشهر وعشرة أيام، والذمية كالحرة في الطلاق والوفاة وقيل: كالأمة ولو أعتقت ثم
طلقت فكالحرة ولو طلقت رجعيا ثم أعتقت أكملت عدة الحرة ولو كانت بائنا
أكملت عدة الأمة.
ولو طلق الزوج أم ولد المولى رجعيا ثم مات في العدة استأنفت عدة الحرة، ولو
لم تكن أم ولد استأنفت عدة أمة ولو كانت بائنا أتمت عدة الطلاق، ولو مات
468

زوج الأمة ثم أعتقت أكملت عدة حرة، ولو دبر المولى موطوءته اعتدت لوفاته
بأربعة أشهر وعشرة أيام ولو أعتقها في حياته اعتدت بثلاثة أقرء، ولا اعتبار بحرية
الزوج ورقه في جميع ما تقدم، والمعتق بعضها كالحرة والمكاتبة المشروطة والتي لم تؤد
كالأمة ولو أدت في الأثناء فكالحرة، ولو أعتقت بعد مضى قرئين أو شهر ونصف
خرجت من العدة، ولو التحقت الذمية بعد الطلاق بدار الحرب فسبيت في أثناء
العدة فالأقرب إكمال عدة الحرة.
المطلب الثاني: في الاستبراء:
وهو التربص الواجب بسبب ملك اليمين عند حدوثه وزواله، فمن ملك جارية
موطوءة ببيع أو غيره من استغنام أو صلح أو ميراث أو أي سبب كان لم يجز له
وطؤها إلا بعد الاستبراء، فإن كانت حبلى من مولى أو زوج أو وطء شبهة لم ينقض
الاستبراء إلا بوضعه أو مضى أربعة أشهر وعشرة أيام، فلا يحل له وطؤها قبلا قبل
ذلك ويجوز في غير القبل ويكره بعدها، ولو كانت من ذوات الأقراء استبرئت
بحيضة وإن بلغت سن الحيض ولم تحض فبخمسة وأربعين يوما وكذا يجب على
البائع الاستبراء.
ويسقط استبراء المشتري بأخبار الثقة بالاستبراء أو إذا كانت لامرأة أو
كانت صغيرة أو يائسة أو حاملا أو حائضا، ولو كان له زوجة فاشتراها بطل
النكاح وحل له وطؤها من غير استبراء، واستبراء المملوك كاف للمولى، ولو فسخ
كتابة أمته لم يجب الاستبراء، ولو عاد المرتد من المولى أو الأمة حل الوطء من غير
استبراء، ولو طلق الزوج لم تحل على المولى إلا بعد العدة وتكفي عن الاستبراء، ولو
أسلمت الحربية بعد الاستبراء لم يجب استبراء ثان وكذا لو استبرأها في حال
الإحرام، ولو مات مولى الأمة المزوجة أو أعتقها ولم يفسخ لم يجب الاستبراء على
الزوج، ولو باعها من رجل ولم يسلم ثم تقايلا أورد بعيب لم يجب الاستبراء،
469

وهل يحرم في مدة الاستبراء غير الوطء من وجوه الاستمتاع؟ إشكال.
ولو وطئ المشتري في مدة الاستبراء أو استمتع بغيره وحرمناه لم يمنع ذلك
كون المدة محسوبة من الاستبراء، ولا يمنع وجوب الاستبراء من تسليم الجارية إلى
المشتري، ويجوز بيع الموطوءة في الحال ولا يجوز تزويجها إلا بعد الاستبراء وإن
أعتقها أو باعها.
الفصل السابع: في اجتماع العدتين:
لو طلق بائنا ووطئ في العدة للشبهة استأنفت عدة كاملة وتداخلت
العدتان، ولو وطئ المطلقة رجعيا بظن أنها غير الزوجة وجب استئناف العدة، فإن
وقع في القرء الأول أو الثاني أو الثالث فالباقي من العدة الأولى يحسب للعدتين ثم
تكمل الثانية وله أن يراجع في بقية الأولى دون الثانية، ولو وطئ امرأة بالشبهة ثم
وطئها ثانيا تداخلت العدتان ولا فرق بين كون العدتين في جنس واحد أو جنسين
بأن تكون إحديهما بالأقراء والثانية بالحمل.
ولو طلق رجعيا ووطئها بظن أنها غيرها بعد مضى قرء فحملت وانقطع الدم
كان له الرجعة قبل الوضع لأن الحمل لا يتبعض فيكون محسوبا من بقية الأولى
وجميع الثانية، ولو طلقها رجعيا ثم راجعها ثم طلقها قبل الوطء استأنفت عدة
كاملة ولو فسخت النكاح في عدة الرجعي ففي الاكتفاء بالإكمال إشكال، ولو
خالعها بعد الرجعة قيل: لا عدة وليس بجيد، أما لو خالعها بعد الدخول ثم تزوجها
في العدة ثم طلقها قبل الدخول فلا عدة على رأي.
ولو تزوجت المطلقة في العدة بغير المطلق لم يصح ولم تنقطع عدة الأول، فإن
وطئها الثاني عالما بالتحريم فهي في عدة الأول وإن حملت ولا عدة للثاني، ولو
كان جاهلا ولم تحمل أتمت عدة الأول لسبقها واستأنفت أخرى للثاني. وهل
للأول أن يتزوجها إن كان بائنا في تتمة عدته؟ الأقرب المنع لأن وطء الثاني يمنع
470

من نكاحها بعد امتداد الزمان فمع القرب أولى ولأن التزويج يسقط عدته فيثبت
حكم عدة الثاني فيمتنع عليه الاستمتاع، وكل نكاح لم يتعقبه حل الاستمتاع كان
باطلا، ولو كان رجعيا جاز له الرجعية لأن طريقها طريق الاستدامة ولهذا جوزناها
في الإحرام.
ولو حملت فإن كان الحمل من الأول اعتدت بوضعه له وللثاني بثلاثة أقراء
بعد الوضع ولا تداخل، وإن كان من الثاني اعتدت بوضعه له وأكملت عدة
الأول بعد الوضع وله الرجعة في الإكمال دون زمان الحمل، ولو انتفى عنهما
أكملت بعد وضعه عدة الأول واستأنفت عدة الأخير، ولو احتمل أن يكون منهما،
قيل: يقرع فتعتد بوضعه لمن يلحق به، والأقرب أنه للثاني لأنها فراشه، ولو
نكحت في الرجعية فحملت من الثاني اعتدت له بوضعه ثم أكملت بعد الوضع عدة
الأول وللأول الرجعة في تتمة العدة لا زمان الحمل.
ولا تتداخل العدتان إذا كانتا لشخصين والحد يسقط مع وطء الشبهة وتجب
العدة وإن كانت المرأة عالمة، ويلحق به الولد وتحد المرأة ولا مهر مع علمها
بالتحريم، ولو كانت الموطوءة أمة وجبت عليه قيمة الولد لمولاه يوم سقط حيا ولحق
به وعليه المهر لمولاها، وقيل العشر أو نصفه، وعدة الطلاق من حين وقوعه حاضرا
كان الزوج أو غائبا، والوفاة من حين بلوغ الخبر للحداد فيشكل في الأمة وتعتد
وإن كان المخبر فاسقا إلا أنها لا تنكح إلا بعد الثبوت، ولو لم تعلم وقت الطلاق
اعتدت من حين البلوغ، ولو تزوجت بعد عدة الطلاق ولم تعلم بالطلاق صح
النكاح إذا صادف خروج العدة، وكذا الأمة المتوفى عنها زوجها إن لم توجب
الحداد إذا لم تعلم بوفاته بخلاف الحرة.
الفصل الثامن: في السكنى: وفيه مطالب:
الأول: في المستحق لها:
471

المطلقة إن كانت رجعية استحقت السكنى والنفقة مدة العدة حاملا كانت أو
حائلا يوما فيوما، وإن كانت بائنة لم تستحق نفقة ولا سكنى سواء بانت بطلاق أو
خلع أو فسخ إن كانت حائلا، وإن كانت حاملا استحقت بالنفقة والسكنى إلى
أن تضع ولا فرق بين الذمية والمسلمة في الاستحقاق وعدمه، أما الأمة فلا يجب
على السيد تسليمها إلى الزوج دائما لأن له حقا في خدمتها ولكن له أن يستخدمها في
وقت الخدمة ويسلمها إلى الزوج في وقت الفراع، فإن سلمها إلى الزوج دائما
استحقت النفقة والسكنى في زمان النكاح والعدة الرجعية، ولو رجعت المختلعة في
البذل استحقت النفقة والسكنى من حين علم الزوج.
والموطوءة للشبهة لا سكنى لها ولا نفقة وكذلك المنكوحة نكاحا فاسدا وأم
الولد إذا أعتقها سيدها، أما لو كانت إحداهن حاملا فإنها تستحق النفقة والسكنى
على إشكال، ولا نفقة للمتوفى عنها زوجها ولا سكنى، فإن كانت حاملا قيل: ينفق
عليها من نصيب الحمل والأقرب السقوط، ولو طلقها رجعيا ناشزا لم تستحق سكنى
لأنها في صلب النكاح لا تستحقها إلا أن تكون حاملا وقلنا: النفقة للحمل، ولو
أطاعت في أثناء العدة استحقت وكذا لو نشزت في أثناء العدة سقطت السكنى فإن
عادت استحقت، ولو فسخت نكاحه لردته عن غير فطرة استحقت ولو فسخ
نكاحها لردتها لم تستحق.
المطلب الثاني: في صفة السكنى:
ولا يجوز للمطلقة رجعيا أن تخرج من بيتها الذي طلقت فيه ما لم تضطر، ولا
يجوز للزوج اخراجها إلا أن تأتي بفاحشة مبينة وهو أن تفعل ما يوجب حدا فتخرج
لإقامته، وأدنى ما تخرج له أن تؤذي أهل الزوج وتستطيل عليهم بلسانها، ولو كان
منزلها في طرف البلد وخافت على نفسها جاز نقلها إلى موضع مأمون، وكذلك إذا
كانت بين قوم فسقة أو خافت انهدام المنزل أو كان مستعارا أو مستأجرا فانقضت
472

مدته جاز له اخراجها ولها أيضا الخروج، ولو طلقت في مسكن دون مستحقها فإن
رضيت بالمقام فيه وإلا جاز لها الخروج والمطالبة بمسكن يناسبها.
ولو تمكن الزوج من ضم بقعة أخرى إليها تصير باعتبارها مسكنا لمثلها لزمه
ذلك، ولو كان مسكن أمثالها لكنه يضيق عنها وعن الزوج وجب عليه الارتحال
عنها، وإذا سكنت في مسكن أمثالها بعيدة عن الزوج وأهله فاستطالت عليه
وعليهم لم تخرج منه بل يؤدبها الحاكم بما تنزجر به، ولو اتفقا على الانتقال من
مسكن أمثالها إلى غيره مثله أو أزيد أو أدون لم يجز ومنعها الحاكم من الانتقال لأن
حق الله تعالى تعلق بالسكنى بخلاف مدة النكاح، ولو طلقت في مسكن أزيد من
أمثالها بأن يكون دارين تنفرد كل واحدة بمرافقها جاز للزوج بناء حاجز بينهما، ولو
أراد الزوج أن يساكنها فإن كانت المطلقة رجعية لم يمنع وإن كانت بائنة منع إلا
أن يكون معها من الثقات من يحتشمه الزوج.
فروع:
أ: إذا اضطرت إلى الخروج خرجت بعد نصف الليل وعادت قبل الفجر.
ب: لا تخرج في الحجة المندوبة إلا باذنه وتخرج في الواجب وإن لم يأذن
وكذا ما تضطر إليه ولا وصلة لها إلا بالخروج، وتخرج في البائنة أين شاءت وإن
كانت حاملا والمتوفى عنها زوجها تخرج أين شاءت وتبيت أي موضع أرادت.
ج: لو ادعى عليها غريم أحضرها مجلس الحكم إن كانت برزة وإلا فلا، ولو
وجب حد أو قصاص أو امتنعت من أداء دين جاز للحاكم اخراجها لإقامته
وحبسها حتى تخرج من الدين.
د: البدوية تعتد في المنزل الذي طلقت فيه وإن كان بيتها من وبر أو شعر،
فلو ارتحل النازلون به ارتحلت معهم وإن بقي أهلها فيه أقامت معهم إن أمنت ولو
ارتحل أهلها وبقي من فيه منعة وتأمن معهم، فالأقرب جواز الارتحال مع الأهل دفعا
473

ضرر الوحشة بالتفرد عنهم، أما لو هربوا عن الموضع لعدو فإن خافت هربت معهم
وإلا أقامت لأن أهلها لم ينتقلوا.
ه‍: لو طلقها وهي في السفينة فإن كانت مسكنا لها اعتدت فيها وإلا
أسكنها حيث شاء، وهل له إسكانها في سفينة تناسب حالها؟ الأقرب ذلك.
و: لو طلقت وهي في دار الحرب لزمها الهجرة إلى دار الاسلام إلا أن تكون
في موضع لا تخاف على نفسها ولا دينها.
ز: لو حجر الحاكم بعد الطلاق عليه كانت أحق بالعين مدة العدة، ولو سبق
الحجر ضربت مع الغرماء بأجرة المثل والباقي من أجرة المثل في ذمة الزوج، وتضرب
بأجرة جميع العدة بخلاف الزوجة فإنها تضرب بأجرة يوم الحجر، وكذا تضرب
بالأجرة لو كان المسكن لغيره ثم حجر عليه.
ح: إذا خرجت ضربت بأجرة المثل فإن كانت معتدة بالأشهر فالأجرة معلومة،
وإن كانت معتدة بالأقراء أو بالحمل ضربت مع الغرماء بأجرة سكنى أقل الحمل
أو مدة العدة فإن لم تكن عادة فأقل مدة الأقراء، فإن لم تضع أو لم تجتمع الأقراء
أخذت نصيب الزائد تضرب به أيضا، ولو فسد الحمل قبل أقل المدة رجع عليها
بالتفاوت.
ط: لو طلقها غائبا أو غاب بعد الطلاق ولم يكن له مسكن مملوك ولا
مستأجر استدان الحاكم عليه قدر أجرة المسكن وله أن يأذن لها في الاستدانة عليه،
ولو استأجرت من دون إذنه فالوجه رجوعها عليه.
ي: لو سكنت في منزلها ولم تطالب بمسكن فليس لها المطالبة بالأجرة لأن
الظاهر منها التطوع ولو قالت: قصدت الرجوع، ففيه إشكال ولو استأجرت مسكنا
فسكنت فيه لم تستحق أجرته لأنها تستحق السكنى حيث يسكنها لا حيث تتخير،
ولو طلقت وهي في منزلها كان لها المطالبة بمسكن غيره أو بأجرة مسكنها مدة
العدة.
474

يا: لو مات بعد الطلاق الرجعي سقط حقها في بقية العدة إلا مع الحمل على
رأي.
يب: لا تسلط للزوج في غير الرجعي بل لها أن تسكن حيث شاءت.
يج: لو طلقها ثم باع المنزل فإن كانت معتدة بالأقراء لم يصح البيع لتحقق
الجهالة وإن كانت معتدة بالأشهر صح والحمل كالأقراء.
المطلب الثالث: في إذن الانتقال:
لو كانت تسكن منزلا لزوجها أو استأجره أو استعاره فأذن لها في الانتقال ثم
طلقها وهي في المنزل الثاني اعتدت فيه، ولو طلقها وهي في الأول قبل الانتقال
اعتدت فيه، ولو طلقت في طريق الانتقال اعتدت في الثاني والانتقال إنما هو
بالبدن لا بالمال، فلو انتقلت إلى الثاني ولم تنتقل رحلها سكنت فيه ولو نقلت
رحلها ولم تنتقل بعد سكنت في الأول، ولو انتقلت إلى الثاني ثم رجعت إلى الأول
لنقل رحلها أو لغرض آخر فطلقت فيه اعتدت في الثاني، ولو أذن لها في السفر ثم
طلقها قبل الخروج اعتدت في منزلها سواء نقلت رحلها وعيالها إلى البلد الثاني أو
لا.
ولو خرجت من المنزل إلى موضع اجتماع القافلة أو ارتحلوا فطلقت قبل مفارقة
المنازل فالأقرب الاعتداد في الثاني، ولو كان سفرها للتجارة أو الزيارة ثم طلقت
فالأقرب أنها تتخير بين الرجوع والمضي في سفرها، ولو نجزت حاجتها من السفر ثم
طلقت رجعت إلى منزلها إن بقي من العدة ما يفضل عن مدة الطريق وإلا فلا، ولو
أذن لها في الاعتكاف ثم طلقها خرجت وقضته إن كان واجبا سواء تعين زمانه على
إشكال أو لا، ولو أذن لها في الخروج إلى منزل آخر ثم طلقها في الثاني ثم اختلفا
فقالت: نقلتني فأنا أعتد في الثاني، وقال: ما نقلتك، احتمل تقديم قولها لأن
الإذن في المضي إليه للنقلة وتقديم قوله لأنه اختلاف في قصده وهو أقرب.
475

الباب الثاني: في الخلع: وفيه مقصدان:
الأول: في حقيقته:
وهو إزالة قيد النكاح بفدية، وسمي خلعا لأن المرأة تخلع لباسها من لباس
زوجها. قال الله تعالى: هن لباس لكم وأنتم لباس لهن. وفي وقوعه بمجرده من
غير اتباع بلفظ الطلاق قولان، وهل هو فسخ أو طلاق فينقص به عدده؟ قولان.
وهو إما حرام كأن يكرهها لتخالعه وتسقط حقها فلا يصح بذلها ولا يسقط حقها
ويقع الطلاق رجعيا إن تبع به وإلا بطل وكذا لو منعها حقها من النفقة
وما تستحقه حتى خالعته على إشكال، وإما مباح بأن تكره المرأة الرجل فتبذل له
مالا ليخالعها عليه، وإما مستحب بأن تقول: لأدخلن عليك من تكره، وقيل:
يجب، ولو خالعها والأخلاق ملتئمة لم يصح الخلع ولا يملك الفدية ولو طلقها
حينئذ بعوض لم يملكه ووقع رجعيا، ولو أتت بالفاحشة جاز عضلها لتفدي نفسها
وقيل: أنه مفسوخ، فلو ضربها لنشوزها جاز حينئذ خلعها ولم يكن إكراها.
ويجوز الخلع بسلطان وغيره وليس له الرجعة سواء أمسك العوض أو دفعه،
نعم لو رجعت هي في البذل جاز له الرجوع في العدة، وليس له أن يتزوج بأختها
ولا برابعة بعد رجوعها في البذل، وهل له ذلك قبله؟ إشكال فإن جوزناه فرجعت
في العدة فالأقرب جواز رجوعها، وليس له حينئذ أن يرجع ولو كانت ثالثة
فالأقرب أنه لا رجعة لها في بذلها، ولو رجعت ولما يعلم حتى خرجت العدة
476

فالأقرب صحة رجوعها ومنع رجوعه، ولو رجع ولم يعلم برجوعها فصادف رجوعها
والعدة صح، ولا يصح طلاقها قبل الرجوع في البذل ولا بعده ما لم يرجع في
النكاح بعد رجوعها.
المقصد الثاني: في أركانه: وفيه مطالب:
الأول: الخالع:
ويشترط فيه: البلوغ والعقل والاختيار والقصد، فلا يقع من الصغير وإن
كان مراهقا، ولا من المجنون المطبق ولو كان يعتوره أدوارا صح حال إفاقته ولو
ادعت وقوعه حالة جنونه وادعى حالة الإفاقة أو بالعكس فالأقرب تقديم مدعي
الصحة، ولا من المكره إلا مع قرينة الرضا كأن تكرهه على الخلع بمائة فيخلعها
بمائتين أو بفضة فيخلعها بذهب ولو ادعى الإكراه لم يقبل إلا مع البينة ويكفي
القرينة فإنه من الأمور الباطنة، ولا يقع مع السكر الرافع للقصد ولو لم يرفع قصده
صح ويقبل قوله مع اليمين، ولا يقع مع الغضب الرافع للقصد ولا مع الغفلة أو السهو.
ولو خالع ولي الطفل بمهر المثل صح إن قلنا هو فسخ وإلا فلا ولو خالع
بدونه لم يصح إلا مع المصلحة، ولو خالع السفيه بعوض المثل صح ولا يقبضه بل
وليه، وإن سلمته إليه لم تبرأ فإن كان باقيا أخذه وليه وبرئت وإن أتلفه كان
للولي مطالبتها به لا بمهر المثل، وليس لها الرجوع على السفيه بعد فك الحجر لأنها
سلطته على إتلافه بتسليمه إليه، ولو أذن لها الولي في الدفع إليه فالأقرب براءة
ذمتها، وفي الصبي لو أذن لها الولي إشكال وكذا المجنون أقربه عدم البراءة، وهل
لها الرجوع على الولي مع جهلها؟ أقربه ذلك لأنه سبب.
وهل للعبد الخلع بغير إذن مولاه؟ أقربه ذلك، إن جعلناه طلاقا أو فسخا على
إشكال. والعوض لمولاه وعوض المكاتب له، ولو دفعت إلى العبد فأتلفه رجعت
477

عليه بعد عتقه بخلاف المحجور عليه لأنه حجر عليه لحفظ ماله، فلو جعلنا عليه
رجوعا بعد الحجر لم يفد الحجر شيئا، ويصح الخلع من المريض وإن كان بدون مهر
المثل ويصح خلع المحجور عليه للفلس وخلع المشرك ذميا وحربيا، فإن تعاقدا
الخلع بعوض صحيح ثم ترافعا أمضاه الحاكم، وإن كان فاسدا كالخمر والخنزير
ثم ترافعا بعد التقابض فلا اعتراض وإن كان قبله لم يأمره بإقباضه وأوجب
القيمة، وإن تقابضا البعض أوجب بقدر الباقي من القيمة، ولو أسلما ثم تقابضا ثم
ترافعا أبطل القبض وأوجب القيمة.
المطلب الثاني: في المختلعة:
ويشترط فيها ما تقدم في الخالع، وأن تكون طاهرا طهرا لم يقربها فيه بجماع إن
كانت مدخولا بها غير يائسة وكان الزوج حاضرا معها، وأن تكون الكراهة منها،
ويصح خلع الحامل وإن رأت الحيض وغير المدخول بها معه واليائسة وإن وطئها
في طهر المخالعة، ولو وطئ الصغيرة جاز له خلعها إذا بذل الولي، وللولي الخلع
عن المجنونة ويبذل مهر مثلها فما دون، ولو خالعت المريضة بمهر المثل صح من
الأصل ولو زاد فالزيادة من الثلث، ولو خالعت على مائة مستوعبة مهر مثلها
أربعون صح له ستون.
ولو خالعت الأمة فبذلت بإذن مولاها صح، فإن أذن في قدر معين فبذلته
تعلق بما في يدها إن كانت مأذونا لها في التجارة، وإن لم تكن مأذونا لها في التجارة
تعلق بكسبها ولو لم تكن ذات كسب تعلق بذمتها تتبع به إذا أعتقت وأيسرت، ولو
قيل: يتعلق بالسيد مع الإذن مطلقا، كان حسنا ولو بذلت عينا باذنه استحقها
وكذا لو بذلتها فأجاز، ولو أطلق الإذن انصرف إلى مهر المثل ومحله ما تقدم، ولو لم
يأذن صح الخلع وتعلق العوض بذمتها دون كسبها تتبع به بعد العتق، وكذا لو أطلق
فزادت على مهر المثل أو عين قدرا فزادت عليه كانت الزيادة في ذمتها تتبع به، ولو
478

خالعته على عين من مال سيدها وقع الخلع بعوض فاسد إن لم يجز المولى وعليها مثلها
أو قيمتها تتبع به بعد العتق.
والمكاتبة إن خلعت نفسها فكالقن إن كانت مشروطة يتعلق بما في يدها مع
الإذن وبذمتها مع عدمه وإن كانت مطلقة فلا اعتراض للمولى، وبذل السفيهة
فاسد لا يوجب شيئا وكذا الصبية وإن أذن الولي.
المطلب الثالث: الصيغة:
وهو أن يقول: خلعتك على كذا أو فلانة مختلعة على كذا، ولا يقع:
بفاديتك، مجردا عن لفظ الطلاق ولا: فاسختك ولا أبنتك ولا بتتك ولا
بالتقايل، ويقع بلفظ الطلاق ويكون بائنا مع الفدية وإن تجرد عن لفظ الخلع،
وإذا قال: خلعتك على كذا، فلا بد من القبول إن لم يسبق السؤال فإن سبق وجب
أن يقع عقيبه بلا فصل، ولا بد من سماع شاهدين عدلين لفظه كالطلاق ولو افترقا
لم يقع.
ويشترط تجريده من شرط لا يقتضيه الخلع ولو شرط ما يقتضيه صح مثل: إن رجعت
رجعت، أو شرطت هي الرجوع في الفدية. أما لو قال: خلعتك إن شئت، لم
يصح. وإن شاءت أو إن ضمنت لي ألفا أو إن أعطيتني وما شاكله، وكذا متى
أو مهما أو أي وقت أو أي حين. ولو قال: خلعتك على ألف على أن لي الرجعة، لم
يصح وكذا لو طلق بشرط الرجعة بعوض، ولو نوى بالخلع الطلاق ففي وقوعه إشكال
ولو نوى: بفسخت، إذا فسخ لعيب الطلاق لم يقع، وهل يلزم النكاح؟ الأقرب
ذلك كما لو طلقها لكن هنا تطلق لا هناك.
ولو طلبت منه طلاقا بعوض فخلعها مجردا عن لفظ الطلاق لم يقع على القول
بأنه طلاق ولا على الآخر، ولو طلبت منه خلعا بعوض فطلق به وقع الطلاق رجعيا
ولم يلزم البذل إن قلنا أنه فسخ ويلزم على أنه طلاق أو مفتقر إليه، ولو ابتدأ
479

فقال: أنت طالق بألف أو وعليك ألف، صح الطلاق رجعيا ولم يلزمها الألف
ولو تبرعت بعد ذلك بضمانها لأنه ضمان ما لم يجب ولو دفعتها فهي هبة ولا يصير
الطلاق بائنا، ولو قالت: طلقتني بألف، فالجواب على الفور، فإن أخر فالطلاق
رجعي ولا عوض ويصح الإيقاع منه ومن وكيله، وهل يتولى البذل والإيقاع
وكيل واحد عنهما؟ الأقرب الجواز.
المطلب الرابع: في الفدية:
وهي العوض عن نكاح قائم لم يعرض له الزوال لزوما ولا جوازا، فلا يقع
الخلع بالبائنة ولا بالرجعية ولا بالمرتدة عن الاسلام وإن عادت في العدة،
ويشترط في الفدية: العلم والتمول، وكل ما يصح أن يكون مهرا صح أن يكون
فدية ولا تقدير فيه بل يجوز أن يكون زائدا عما وصل إليها من مهر وغيره، ولو
بذلت ما لا يصح تملكه مطلقا أو لا يصح تملكه للمسلم كالخمر فسد الخلع فإن
أتبع بالطلاق كان رجعيا.
ولو خلعها على عين مستحقه إما مغصوبة أو لا، فإن علم فسد الخلع إن لم
يتبعه بالطلاق وإن أتبعه كان رجعيا، وإن لم يعلم استحقاقها قيل: بطل الخلع،
ويحتمل الصحة ويكون له المثل أو القيمة إن لم يكن مثليا، ولو خلعها على خل
فبان خمرا صح وكان له بقدره خل، ولو خالعها على غير معين القدر أو الجنس أو
الوصف أو حمل الدابة أو الجارية بطل وكذا لو قال: خلعتك، ولم يذكر شيئا ولا
ينصرف إلى مهر المثل، ولو كان غائبا فلا بد من ذكر جنسه وقدره ووصفه بما يرفع
الجهالة، ويكفي المشاهدة في الحاضرة عن معرفة القدر فلو رجعت فالقول قوله مع
اليمين، وإطلاق النقد والوزن ينصرف إلى غالب البلد ولو عين انصرف إليه.
ويصح البذل منها ومن وكيلها أو وليها عنها وممن يضمنه بإذنها، وهل يصح
من المتبرع؟ الأقرب المنع أما لو قال: طلقها على ألف من مالها وعلى ضمانها أو
480

على عبدها هذا وعلى ضمانه، صح، فإن لم ترض بدفع البذل صح الخلع وضمن
المتبرع على إشكال، ويصح جعل الإرضاع فدية بشرط تعيين المدة والمرتضع، وكذا
النفقة بشرط تعيين المدة وقدرها من المأكول والملبوس، فإن عاش الولد استوفاه فإن
كان زهيدا فالزيادة للزوج وإن كان رغيبا فالزيادة عليه، ولو مات استوفى الأب
قدر نصيبه من الباقي، فإن كان رضاعا رجع بأجرة المثل وإن كان نفقة رجع بالمثل
أو القيمة إن لم يكن مثليا، ولا يجب دفعه معجلا بل أدوارا في المدة.
ولو خلعها على أن تكفل بولده عشر سنين جاز إذا بينا مدة الرضاع من ذلك
حولا أو حولين إن كان فيه رضاع ولا يحتاج إلى تقدير اللبن بل مدته، ويفتقر إلى
تعيين نفقة باقي المدة قدرا وجنسا في الطعام والأدم والكسوة، فإذا انقضت مدة
الرضاع كان للأب أن يأخذ ما قدر من الطعام والأدم كل يوم ويقوم هو بما يحتاج
إليه الصبي وله أن يأذن لها في إنفاقه، ولو مات في مدة الرضاع لم يكن له أن يأتي
بغيره للرضاع، ولو لم يحمل الصبي إليها للرضاع مع إمكانه حتى انقضت المدة ففي
استحقاقه العوض نظر، ولو تلفت الفدية قبل القبض لزمها مثله أو قيمته إن لم يكن
مثليا.
ولو كانت مطلقة موصوفة فوجدها دون الوصف كان له الرد والمطالبة بما
وصف، ولو كانت معينة فبانت معيبة فله الرد والمطالبة بالمثل أو القيمة إن لم يكن
مثليا أو الإمساك بالأرش، ولو شرط كون العبد حبشيا فبان زنجيا أو بان الثوب
الأبيض أسمر فكذلك، ولو شرط كونه إبريسما فبان كتانا فله قيمة الإبريسم
وليس له إمساك الكتان لمخالفة الجنس، ولو خالع اثنتين بفدية واحدة صح
وكانت عليهما بالسوية.
المطلب الخامس: في سؤال الطلاق:
لو قالت: طلقني بألف، فالجواب على الفور فإن تأخر فالطلاق رجعي ولا
481

فدية ولو قالت: طلقني بها متى شئت، لم يصح البذل وكان الطلاق رجعيا ولو
قالتا: طلقنا بألف، فطلق واحدة كان له نصف الألف فإن عقب بطلاق الأخرى
كان رجعيا ولا فدية لتأخر الجواب ولو قال: أنتما طالقتان طلقتا واستحق العوض
أجمع، ولو قالت: طلقني ثلاثا على أن لك على ألفا، فطلقها قيل: لا يصح، لأنه
طلاق بشرط والوجه أنه طلاق في مقابلة عوض فلا يعد شرطا، فإن قصدت الثلاث
ولاء لم يصح البذل وإن طلقها ثلاثا مرسلا لأنه لم يفعل ما سألته، وقيل له ثلث
الألف لوقوع الواحدة، وفيه نظر، ولو قصدت ثلاثا برجعتين صح فإن طلق ثلاثا
فله الألف وإن طلق واحدة قيل: له الثلث، وفيه نظر لأن مقابلة الجميع بالجملة
لا يقتضي مقابلة الأجزاء بالأجزاء.
ولو قالت: طلقني واحدة بألف، فطلقها ثلاثا ولاء فإن قال: الألف في
مقابلة الأولى، فله الألف ووقعت بائنة ولغت الباقيتان وإن قال: في مقابلة
الثانية، فالأولى رجعية ولا فدية والباقيتان باطلتان ولو قال: في مقابلة الجميع،
وقعت الأولى قيل: وله ثلث الألف، ولو قيل: الألف، كان وجها حيث أوقع
ما طلبته ولو قالت: إن طلقتني فأنت برئ من الصداق، لم يصح الإبراء لوقوعه
مشروطا وكان الطلاق رجعيا.
ولو قالت: طلقني على ألف، فقال: أنت طالق، ولم يذكر الألف فله أن
يقول: لم أقصد الجواب، ليقع رجعيا ولو كانت معه على طلقة فقالت: طلقني ثلاثا
بألف، فطلق واحدة كان له ثلث الألف وقيل: له الألف مع علمها، لأن معناه
كمل لي الثلاث لتحصيل البينونة والثلث مع جهلها بأنه لم يبق لها إلا طلقة واحدة،
فإن ادعى علمها قدم قولها مع اليمين وكذا لو قالت: بذلت في مقابلة طلقة في هذا
النكاح وطلقتين في نكاح آخر، ولو كانت على طلقتين فطلقها اثنتين مع علمها
استحق الجميع ومع جهلها الثلثين، وإن طلق واحدة استحق الثلث مع جهلها
ومع علمها النصف لأنها بذلت الألف في تكملة الثلاث، ويحتمل الثلث لأن هذه
482

الطلقة لم يتعلق بها من تحريم العقد شئ.
ولو قالت: طلقني عشرا بألف، فطلقها واحدة فله عشر الألف فإن طلقها
ثانية فله خمسها فإن طلق ثالثة فالجميع على إشكال ولو قالت: طلقني ثلاثا بألف،
فقال: أنت طالق واحدة بألف وثنتين مجانا، فالأقرب أن الأولى لا تقع لأنه
ما رضي بها إلا بألف وهي ما قبلت إلا بثلثها واثنتان بعدها لا يقعان إلا أن يأتي
بصيغة الطلاق الشرعي فتقع الثانية، ويحتمل أن يكون له بالأولى ثلث الألف
ويحتمل بطلان الفدية ووقوع الأولى رجعية، ولو قال: أنت طالق واحدة مجانا
واثنتين بثلثي الألف، وقعت الأولى رجعية وبطلت الثنتان ولو قالت طلقني:
نصف طلقة بألف أو طلق نصفي بألف، فطلق وقع رجعيا وفسدت الفدية ولو
قال: أبوها طلقها وأنت برئ من صداقها، فطلق صح الطلاق رجعيا ولم يلزمها
الإبراء ولا يضمنه الأب، ولو كانت معه على طلقة فقالت: طلقني ثلاثا بألف
واحدة في هذا النكاح واثنتين في غيره، لم يصح في الاثنتين، فإذا طلق الثالثة
استحق ثلث الألف.
المطلب السادس: في بقايا مباحث الخلع والتنازع:
لو قال: طلق زوجتك وعلى ألف، لزمه الألف مع الطلاق ولا يقع الطلاق
بائنا، أما لو قال: خالعها على ألف في ذمتي، ففي الوقوع إشكال ولو اختلع بوكالتها
ثم بان أنه كاذب بطل ولا ضمان ولو كان المختلع أباها وهي صغيرة صح بالولاية
لا بالوكالة، ولو اختلفا في أصل العوض قدم قولها مع اليمين وحصلت البينونة من
طرفه ولها المطالبة بحقوق العدة، ولو اتفقا على القدر واختلفا في الجنس فالقول قول
المرأة، ولو اتفقا على ذكر القدر وإهمال الجنس واختلفا في الإرادة قيل يبطل
وقيل يقدم قولها وهو أقرب، ولو اتفقا على ذكر القدر ونية الجنس الواحد صح الخلع.
483

ولو قالت: سألتك ثلاث تطليقات بألف فأجبتني، فقال: بل سألت
واحدة، فقد اتفقا على الألف وتنازعا في مقدار المعوض فيقدم قولها في جعل الألف
في مقابلة الثلاث، فإن أقام شاهدا واحدا حلف معه لأن قصده إثبات المال وقوله
في عدد الطلاق، فإن أقامت المرأة شاهدا واحدا على عدده لم تحلف معه ولم تقبل
شهادته، ولو ادعى عليها الاختلاع فأنكرت وقالت: اختلعني أجنبي، قدم قولها مع
اليمين في نفي العوض وبانت بقوله ولا شئ له على الأجنبي لاعترافه، وكذا لو
قال: خالعتك على ألف في ذمتك، فقالت: بل في ذمة زيد، أما لو قالت: خالعتك
بكذا وضمنه عني فلان أو يزنه عني، لزمها ألف ما لم يكن بينة.
ولو اتفقا على ذكر القدر واختلفا في ذكر الجنس بأن ادعى ألف درهم
فقالت: بل ألفا مطلقا، فإن صدقته في قصد الدراهم فلا بحث وإلا قدم قولها
وبطل الخلع ولو قال: خالعتك على ألف في ذمتك، فقالت: بل على ألف لي في
ذمة زيد، قدم قولها ولو قال: خالعتك على ألف لك في ذمة زيد، فظهر براءة ذمته
لزمها الألف وكذا لو خالعها على ألف في منزلها فلم يكن فيه شئ.
ويصح التوكيل في الخلع من الرجل في شرط العوض وقبضه وإيقاع الطلاق،
ومن المرأة في استدعاء الطلاق وتقدير العوض وتسليمه، ويصح التوكيل من كل
منهما مطلقا ويقتضي ذلك مهر المثل، فإذا أطلقت المرأة اقتضى الخلع بمهر المثل حالا
بنقد البلد، فإن خالع بدون أو مؤجلا أو بأدون من نقد البلد صح وإن زاد فالأقرب
بطلان الخلع، ولو كان التوكيل في الطلاق بعوض أو أتبعه بالطلاق قيل: وقع
رجعيا ولا فدية ولا يضمن الوكيل وفيه نظر، وكذا البحث لو عينت له قدرا
فخالع عليه أو دونه أو أكثر، أما لو خالع على شئ من مالها وضمن فإن الضمان
عليه إذا لم ترض ويصح الخلع، ولو بذل خمرا أو خنزيرا فسد البذل مع إسلام
أحدهما وصح الطلاق رجعيا إن أتبع به.
ولو أطلق الزوج فطلق بمهر المثل حالا من نقد البلد صح وكذا إن كان أكثر
484

أو أجود نقدا، ولو كان دون مهر المثل أو مؤجلا أو أدون من نقد البلد بطل الخلع
وكذا إن كان طلاقا أو أتبع به وكذا لو عين له قدرا فطلق أو خالع منه بأقل منه
أو أدون، ولو قال له: طلقها يوم الخميس فطلق يوم الجمعة فالأقرب البطلان ولو
طلقها يوم الأربعاء بطل، وإذا خالعها أو بارأها ثبت العوض المسمى ولم يسقط ما
لكل واحد منهما من حق لا ماض ولا مستقبل سواء كان الحق من جهة النكاح
كالصداق وغيره أو من غير جهة سوى النفقة المستقبلة ما لم ترجع في العوض ففي
استحقاق النفقة حينئذ إشكال.
ولو خالعها على نفقة عدتها لم يصح لاستلزام الثبوت النفي وإن كانت حاملا
لتجدد استحقاق نفقة كل يوم فيه، ولو خالعها على نفقة ماضية صح مع علمها
جنسا وقدرا ولو قالت: بعني عبدك وطلقني بألف، صح وبسطت على مهر المثل
وقيمته، ولو خالعها قبل الدخول بنصف مهرها فلا شئ له عليها إذا لم تقبضه،
ولو خالعها بالجميع لزمها دفع النصف وإن لم تكن قبضته.
المطلب السابع: في المباراة:
وصيغتها: بارأتك على كذا فأنت طالق، ولو قال عوض بارأتك: فاسختك
وأبنتك وبتتك وغير ذلك من الكنايات، صح لأن الاعتبار إنما هو بصيغة الطلاق
وهي العلة في البينونة، ولو حذف هذه الألفاظ واقتصر على قوله: أنت طالق على
كذا أو بكذا، صح وكان مباراة إذ موضوعها الطلاق بعوض.
ويشترط فيها ما يشترط في الخلع من: بلوغ الزوج وعقله وقصده واختياره
وكذا المرأة، وأن تكون طاهرا طهرا لم يقربها فيه بجماع إن كانت مدخولا بها غير
يائسة وكان الزوج حاضرا، وأن يكون الكراهية من كل منهما لصاحبه وأن يكون
الفدية بقدر المهر أو أقل فيحرم عليه الزيادة بخلاف الخلع، وإتباعها بلفظ الطلاق
إجماعا هنا وفي الخلع خلاف، ويقع الطلاق بائنا ما لم ترجع في الفدية في العدة،
485

وليس للرجل عليها رجعة فإن رجعت في العدة كان له الرجوع ومباحث الرجوع هنا
كالخلع، وإذا خرجت العدة ولم ترجع أو كانت الطلقة ثالثة أو لا عدة فيها لم يكن
لها الرجوع، وجميع مباحث الخلع آتية هنا.
486

الباب الثالث: في الظهار: وفيه مقصدان:
الأول: في أركانه: وهي أربعة:
الأول: الصيغة: وهي: أنت على كظهر أمي أو هذه أو زوجتي أو فلانة.
وبالجملة بكل لفظ أو إشارة يدل على تميزها عن غيرها، فلا اعتبار باختلاف
ألفاظ الصفات مثل: أنت مني أو عندي أو معي، ولو حذف حرف الصلة فقال:
أنت كظهر أمي، وقع ولو حذف لفظة الظهر وقال: أنت على كأمي أو مثل
أمي، فإن نوى الكرامة والتعظيم أو أنها كأمه في الكبر والصفة لم يكن شيئا وإن
قصد الظهار قيل: وقع، وفيه إشكال. ولو قال: جملتك أو ذاتك أو جسمك أو
كلك على كظهر أمي، وقع. ولو قال: أنت أمي أو زوجتي أمي، فهو كقوله:
أنت كأمي، ولو قال: أمي امرأتي أو مثل امرأتي، لم يكن شيئا.
ولو شبه عضوا من امرأته بظهر أمه، فالأقرب عدم الوقوع كأن يقول: يدك
على كظهر أمي أو فرجك أو ظهرك أو بطنك أو رأسك أو جلدك، ولو عكس
فقال: أنت على كيد أمي أو شعرها أو بطنها أو فرجها، فالأقرب عدم الوقوع أيضا
وكذا لو قال: كروح أمي أو نفسها، فإن الروح ليست محلا للاستمتاع ولو قال:
أنت على حرام، فليس بظهار وإن نواه وكذا: أنت على حرام كظهر أمي، على
إشكال.
أما لو قال: أنت على كظهر أمي حرام أو أنت حرام أنت كظهر أمي أو أنت
487

طالق أنت كظهر أمي للرجعية أو أنت كظهر أمي طالق، وقع ولو قال: أنت طالق
كظهر أمي، وقع الطلاق ولغا الظهار وإن قصدهما، وقيل: إن قصدهما والطلاق
رجعي وقعا، فكأنه قال: أنت طالق أنت كظهر أمي، وفيه نظر فإن النية غير
كافية من دون الصيغة، ويقعان معا لو قال أنت: كظهر أمي طالق، على إشكال
ولو قال: أنا مظاهر أو على الظهار، لم يصح ولو ظاهر من واحدة ثم قال لأخرى:
شركتك معها أو أنت شريكتها أو كهي، لم يقع بالثانية سواء نوى به الظهار أو
أطلق.
الركن الثاني: المظاهر: ويشترط: بلوغه ورشده واختياره وقصده، فلا يقع
ظهار الصبي وإن كان مميزا ولا المجنون المطبق ولا من يناله أدوارا إلا وقت
صحته ولا المكره ولا فاقد القصد كالسكران والمغمى عليه والغضبان غضبا يرفع
قصده والنائم والساهي والعابث به، ولو ظاهر ونوى به الطلاق أو بالعكس لم
يقع أحدهما، ويصح من العبد والكافر على رأي والخصي والخنثى والمجبوب إن
حرمنا ضروب الاستمتاع، ولا يصح من المرأة.
الركن الثالث: المظاهرة: ويشترط أن تكون مملوكة الوطء له فلا يقع
بالأجنبية وإن علقه على النكاح، وأن تكون طاهرا طهرا لم يقربها فيه بجماع إن
كان زوجها حاضرا وهي ممن تحيض مثلها وقت الإيقاع لا الشرط ولو كان غائبا
صح، وكذا لو كانت يائسة أو صغيرة وإن كان حاضرا، وهل يشترط العقد فيه؟
نظر، المروي أنه يقع بالموطوءة بملك اليمين، وهل يشترط كون العقد دائما؟ خلاف،
أقربه الوقوع بالمستمتع بها، وهل يشترط الدخول المروي اشتراطه؟ وقيل: لا
للعموم، وعلى الاشتراط يقع مع الوطء دبرا أو في حال صغرها أو جنونها ويقع
بالرتقاء والمريضة التي لا توطأ، ولا فرق في الوقوع بين أن تكون حرة أو أمة مسلمة
أو ذمية، والأقرب اشتراط التعيين.
الركن الرابع: المشبه بها: لا خلاف في صحته إذا شبه بالأم بلفظ الظهر،
488

وهل يقع لو شبهها بغيرها من المحرمات نسبا أو رضاعا كالأخت والعمة والخالة
وبنت الأخ وبنت الأخت والأم من الرضاعة وغيرها؟ خلاف أقربه الوقوع إن
جاء بصيغة الظهر، ولو شبهها بعضو غيره من غير الأم كيد الأخت ورجلها لم يقع
قطعا، ولو شبهها بمحرمة بالمصاهرة على التأبيد كأم زوجته وبنتها مع الدخول وزوجة
الأب والابن لم يقع، وكذا لو شبهها بمحرمة لا على التأبيد كأخت الزوجة وعمتها
أو خالتها، وهل تدخل الجدة تحت الأم إن اقتصرنا عليها؟ إشكال، ولو شبهها بظهر
أبيه أو أخيه أو ولده لم يقع، وكذا لو شبهها بالأجنبية أو زوجة الغير أو الملاعنة
وإن تأبد تحريمها.
المقصد الثاني: في أحكامه:
الظهار حرام لاتصافه بالمنكر وقيل لا عقاب فيه لتعقبه بالعفو، ويشترط في
صحته حضور شاهدين عدلين يسمعان نطق المظاهر، ولا يقع يمينا ولا معلقا ولا في
إضرار على رأي، فلو حلف به أو علقه بانقضاء شهر أو دخوله أو قصد به الإضرار لم
يقع، وهل يقع موقوفا على شرط؟ الأقرب ذلك ولو قال: أنت على كظهر أمي إن
دخلت الدار أو إن شاء زيد فدخلت أو شاء، وقع وفي الفرق بينه وبين المعلق نظر،
ولو علقه بظهار الضرة ثم ظاهرها وقعا، ولو علقه بظهار فلانة الأجنبية فإن قصد
المواجهة باللفظ والنطق به صح الظهار مع المواجهة به للأجنبية وإن قصد الشرعي
لم يقع وكذا لو قال: أجنبية، ولو قال: فلانة، من غير وصف فتزوجها وظاهرها
وقعا معا.
ولو علقه بمشيئة الله وقصد الشرط لم يقع وإن قصد التبرك وقع، ولو قال:
أنت على كظهر أمي إن لم يشأ الله، فإن كان عدليا وقع إن عرف التحريم وإن
كان أشعريا فإشكال، ولو علق بالنقيضين وقع في الحال أو في الزمان المقيد به، ولو
علق بأمرين على الجمع لم يقع مع أحدهما ويقع على البدل، وإذا كان منجزا أو
489

وقع شرطه أفاد تحريم وطء الزوجة حتى يكفر، والأقرب تحريم غيره من ضروب
الاستمتاع لا تحريمه عليها.
ولا يحل الوطء حتى يكفر بالعتق أو الصيام أو الإطعام على الترتيب، ولو
وطئ خلال الصوم استأنف وقيل: لا يبطل التتابع لو وطئ ليلا، وهل يكفي
الاستئناف عن كفارة الوطء قبل إكمال التكفير؟ إشكال والأقرب أن الوطء إن
وقع ليلا وجب الإتمام مطلقا والتكفير ثانيا، وكذا إن وقع نهارا بعد أن صام من
الثاني شيئا وإن كان قبله استأنف وكفر ثانيا، ولو عجز عن الكفارة وما يقوم
مقامها كفاه الاستغفار وحل الوطء على رأي، ولا يجبره الحاكم على التكفير بل إن
رفعت المرأة أمرها إليه خيره بين التكفير والرجعة وبين الطلاق، وينظره للفكر ثلاثة
أشهر من حين الترافع فإن خرجت ولم يختر أحدهما حبسه الحاكم وضيق عليه في
مطعمه ومشربه حتى يتخير أحدهما، ولا يجبر على الطلاق بعينه ولا يطلق عنه
وإن صبرت لم يعترف.
ولو كان الظهار مشروطا جاز الوطء ما لم يحصل الشرط ولا كفارة قبله، ولو
كان الوطء هو الشرط ثبت الظهار بعد فعله فلا تستقر الكفارة حتى يعود وقيل:
تجب بنفس الوطء، وليس بجيد، ويجب تقديم الكفارة على الوطء في المطلق
وما وقع شرطه مع نية العود، ولا يجب الكفارة بالتلفظ بالعود وهو إرادة الوطء
وليست مستقرة بل معنى الوجوب تحريم الوطء حتى يكفر، فإن وطئ قبل التكفير
لزمه كفارتان وتتكرر الكفارة بتكرر الوطء، ولو وطئ ثانيا بعد أن أدى كفارة
واحدة عن الأول أو عن أحدهما على إشكال وجبت ثالثة فإن نواها عن الظهار فلا
شئ عن الثاني.
ولو طلق رجعيا وفاها حقها فإن راجعها في العدة لم تحل له حتى يكفر، ولو
خرجت من العدة ثم تزوجها أو كان الطلاق بائنا، وتزوجها في العدة فلا كفارة لو
وطئها ولو ماتا أو أحدهما سقطت الكفارة، والارتداد كالطلاق الرجعي إن كان
490

عن غير فطرة أو كان من المرأة تجب الكفارة مع العود في العدة، ولو ظاهر ولم ينو
العود ثم أعتق لم يجزئه لأنه كفر قبل الوجوب.
ولو اشترى زوجته بطل العقد وحل له وطؤها قبل الكفارة، ولو اشتراها غير
الزوج ففسخ ثم تزوجها الزوج بعقد آخر سقطت الكفارة ولو قال: أنتن على
كظهر أمي، فعليه عن كل واحدة كفارة، ولو كرر الظهار من واحدة وجب عليه
بكل مرة كفارة سواء فرق الظهار أو تابعه على رأي، ولو وطئها قبل التكفير عن
الجميع وجب عليه عن كل وطء كفارة واحدة.
ويصح الظهار مطلقا ومقيدا بمدة على رأي فإن قصرت المدة عن زمان التربص
وقع على إشكال، ويحرم وطؤها في تلك المدة قبل الكفارة، ولو وطئ ناسيا للظهار
فكفارة واحدة.
491

الباب الرابع: في الإيلاء: وفيه مقصدان:
الأول: في أركانه: وهي أربعة:
الأول: الحالف ويعتبر فيه: البلوغ والعقل والاختيار والقصد، ويقع من
المملوك سواء كان زوجته حرة أو أمة، ومن الذمي والخصي والمجبوب على إشكال
فيكون فئته كالعاجز، ومن المطلق رجعيا ويحتسب زمان العدة من مدة التربص
وكذا لو طلق رجعيا بعد الإيلاء ثم راجع، ومن المظاهر.
الثاني: المحلوف عليه: وهو ترك جماع زوجته ويشترط كونها منكوحة بالعقد
الدائم فلا يقع بالمستمتع
بها على الأقوى ولا بالموطوءة بالملك، وأن يكون مدخولا بها، ويقع بالحرة والأمة والمرافعة لها لا للمولى وكذا طلب حقوق الزوجية بعد
المدة، ويقع بالذمية كالمسلمة والرجعية، ولفظه الصريح: تغيب الحشفة والفرج
والإيلاج والنيك، أما الجماع والوطء فإنه يقع مع الإيلاء إن قصد، وفي المباضعة
والملامسة والمباشرة مع النية إشكال أقربه الوقوع، ولو قال: لا جمع رأسي
ورأسك مخدة أو لا ساقفتك أو لأطيلن غيبتي عنك، قيل: يقع مع القصد، ولو
قال: لا وطأتك في الحيض ولا في النفاس أو في دبرك، فهو محسن وليس بمولى.
الثالث: الصيغة: ولا ينعقد إلا بأسماء الله تعالى مع التلفظ بأي لسان كان
مع القصد، فلو حلف بغير الله أو بغير أسماء صفاته لم ينعقد كما لو حلف بالعتاق
والظهار والصدقة والتحريم والكعبة والنبي والأئمة ع، أو التزام صوم
492

أو صلاة وغير ذلك لم ينعقد، وكذا لا ينعقد لو قال: إن وطئتك فلله على صلاة
أو صوم، ولو قال: إن وطئتك فعبدي حر عن الظهار، لم يكن إيلاء لكن لو وطأ
ألزم بعتق العبد لإقراره، وهل يلزم بعتقه معجلا؟ الأقرب المنع، ولو قال: فهو حر عن
ظهاري إن ظاهرت، لم يقع شئ ولا يلزم بالعتق، وإن ظاهر ألزم بعتقه أو عتق غيره،
وهل يشترط تجريده عن الشرط؟ قولان، ولو آلى من زوجته وقال للأخرى: شركتك
معها، لم يكن إيلاء في الثانية وإن نواه لعدم نطقه بالله تعالى.
ولا يقع إلا في إضرار فلو حلف لصلاح اللبن أو للمرض لم يكن إيلاء بل
كان يمينا، ولو قال لأربع: والله لا وطئتكن، لم يكن موليا في الحال، وله وطء
ثلاث فتعين التحريم في الرابعة، ويثبت لها الإيلاء بعد وطئهن ولها المرافعة، وتجب
الكفارة بوطئ الجميع، ولو وطئ واحدة قرب من الحنث وهو محذور ولا يصير به
موليا، ولو ماتت إحداهن قبل الوطء انحلت اليمين بخلاف ما لو طلق إحداهن أو
ثلاثا لأن حكم اليمين ثابت في البواقي لإمكان وطء المطلقات ولو بالشبهة، ولو
وطئهن حراما فالأقرب ثبوت الإيلاء في البواقي بخلاف ما لو وطئ الميتة إذ لا
حكم لوطئها على إشكال.
ولو قال: لا وطئت واحدة منكن، وأراد لزوم الكفارة بوطئ أي واحدة كان
تعلق الإيلاء بالجميع وضربت المدة لهن عاجلا، فإن وطئ واحدة حنث وانحلت
اليمين في البواقي، ولو طلق واحدة أو اثنتين أو ثلاثا كان الإيلاء ثابتا في الباقي،
ولو قال: هنا أردت واحدة معينة، قبل قوله ولو أراد واحدة مبهمة ففي كونه موليا
إشكال، فإن أثبتناه كان له أن يعين واحدة فيختص الإيلاء بها ويقول: هي التي
أردتها أو أنشأت تعيينها عن الإبهام، ويحتمل أن لا يكون موليا لأن كل واحدة ترجو
ألا تكون هي المعينة، ولو أطلق اللفظ فعلى أي الاحتمالين يحمل إشكال.
ولو قال: وطئت كل واحدة منكن، كان موليا من كل واحدة كما لو آلى من
كل واحدة بانفرادها فمن طلقها وفاها حقها ولم ينحل اليمين في البواقي، وكذا لو
493

وطئها قبل الطلاق لزمته الكفارة وكان الإيلاء ثابتا في البواقي، ولو قال: لا
وطئتك سنة إلا مرة، لم يكن موليا في الحال إذ له الوطء من غير تكفير، فإن وطئ
وقد بقي أكثر من أربعة أشهر صح الإيلاء وكان لها المرافعة وإلا بطل حكمه
وكذا لو قال: لا جامعتك إلا عشر مرات أو ما زاد، فإذا استوفى العدد صار موليا
إن بقيت المدة ولو قال: والله لا جامعتك إن شئت، فقالت شئت، انعقد إن قلنا
بالمشروط. وهل يختص المشيئة بالمجلس؟ إشكال.
الرابع: المدة، الإيلاء أن يحلف على الامتناع مطلقا أو مؤبدا أو مدة تزيد على
أربعة أشهر أو مضافا إلى فعل لا يحصل إلا بعد انقضاء مدة التربص قطعا أو ظنا
كقوله: وهو بالعراق حتى أمضي إلى الهند وأعود أو ما بقيت، ولو قال: لا
وطئتك أربعة أشهر أو ما نقص أو حتى أرد إلى بغداد من الموصل، وهو مما يحصل
في الأربعة قطعا أو ظنا أو محتملا للأمرين على السواء لم يكن موليا، ولو قال:
حتى أدخل الدار، فليس بإيلاء لإمكان التخلص من التكفير بالدخول وهو مناف للإيلاء،
ولو حلف لا يطأها أربعة أشهر فما دون ثم أعاد اليمين في آخر الأشهر مرة
أخرى ولم يزل يفعل كذلك لم يكن موليا.
ولو قال: والله لا أجامعك أربعة أشهر، فإذا انقضت فوالله لا أجامعك أربعة
أشهر وهكذا لم يكن موليا فإن المطالبة بعد المدة تقع بعد انحلال اليمين، ولو قال:
والله لا جامعتك خمسة أشهر، فإذا انقضت فوالله لا جامعتك سنة فهما إيلاءان،
ولها المرافعة بضرب مدة التربص عقيب اليمين، فلو رافعته فماطل حتى انقضت المدة
الأولى انحلت اليمين ويدخل وقت الإيلاء الثاني إن قلنا بوقوعه معلقا على الصفة،
فإن طلق في الخامس انحلت اليمين الأولى، فإن عقد ثانيا فيه رافعته بعد مضيه للثاني.
ولو قال: والله لا وطئتك حتى ينزل عيسى من السماء أو يخرج الدجال،
انعقد ولو قال: حتى يلج الجمل في سم الخياط، فكذلك ولو قال: حتى يقدم
زيد، وهو يحصل في أقل من أربعة أشهر لم يكن إيلاء، فإن مضت أربعة ولم يقدم
494

لم يكن لها المطالبة لأنه ينتظر قدومه كل ساعة، ولو قال: إلى أن يموت زيد، فإن
ظن بقاءه أزيد من المدة انعقد وإلا فلا، ولو كان الوطء يجب بعد شهر مثلا
فحلف أن لا يطأها إلى شهرين ففي انعقاده نظر.
المقصد الثاني: في أحكامه:
إذا وقع الإيلاء فإن صبرت فلا بحث وإن رفعت أمرها إلى الحاكم أنظره
أربعة أشهر لينظر في أمره، فإن وطئ لزمته الكفارة وخرج عن الإيلاء وليس
للزوجة مطالبته بالفيئة في هذه المدة، ولا فرق بين الحر والعبد ولا بين الحرة
والأمة في مدة التربص وهي حق للزوج، وإذا انقضت لم تطلق بانقضائها وليس
للحاكم طلاقها، فإذا وافقته بعد المدة تخير بين الفيئة والطلاق فإن طلق خرج من
حقها ويقع الطلاق رجعيا وكذا إن فاء، ولو امتنع من الأمرين حبس وضيق عليه في
المطعم والمشرب حتى يفئ أو يطلق ولا يجبر على أحدهما عينا.
ولو آلى مدة ودافع بعد المواقفة حتى انقضت سقط الإيلاء ولا كفارة مع
الوطء، ولو أسقطت حقها من المطالبة لم يسقط لتجدده كل وقت، قيل: والمدة
المضروبة من حين الترافع لا من حين الإيلاء، وفيه نظر، وفئة القادر غيبوبة
الحشفة في القبل والعاجز إظهار العزم على الوطء مع القدرة، ويمهل ما جرت العادة
بإمهاله كخفة المأكول والأكل والراحة مع التعب، ولو وطئ في مدة التربص
عامدا لزمته الكفارة إجماعا وكذا بعدها على رأي، ولو وطئ ساهيا أو مجنونا أو
مشتبهة بغيرها بطل الإيلاء ولا كفارة لعدم الحنث.
ولو اختلفا في انقضاء المدة صدق مدعي البقاء مع اليمين ويصدق مدعي تأخر
الإيلاء لو اختلفا في زمن وقوعه مع اليمين، ولو انقضت مدة التربص وهناك ما يمنع
الوطء كالحيض والمرض لم يكن لها المطالبة على رأي لظهور عذره ويحتمل المطالبة
بفئة العاجز، ولو تجددت أعذارها في الأثناء قيل تنقطع الاستدامة عدا الحيض ولا
495

ينقطع بأعذار الرجل ابتداء ولا اعتراضا ولا يمنع من المرافعة انتهاء، ولو جن بعد
ضرب المدة احتسبت المدة عليه وإن كان مجنونا، فإن انقضت وهو مجنون تربص به حتى يفيق ولو انقضت وهو محرم أو صائم ألزم بفئة العاجز.
فإن واقع حراما كالوطء في الحيض أو الصوم الواجب أتى بالفئة وأثم، ولو
ارتد احتسب زمان الردة عليه على رأي لتمكنه من الوطء بالرجوع، ولو ادعى
الإصابة قدم قوله مع اليمين لتعذر البينة، ولو ظاهر ثم آلى صحا معا ويوقف بعد
انقضاء مدة الظهار، فإن طلق خرج من الحقين وإن امتنع ألزم التكفير والوطء
لأنه أسقط حقه من التربص بالظهار وكان عليه كفارة الإيلاء، ولا تتكرر
الكفارة بتكرر اليمين سواء قصد التأكيد أو المغايرة مع اتحاد الزمان، ولو اشترى
الأمة المولى منها وأعتقها وتزوجها لم يعد الإيلاء وكذا لو اشترته وأعتقه ثم تزوج
بها، والذميان إذا ترافعا تخير الحاكم في الحكم بينهما وفي الرد إلى مذهبهما.
496

الباب الخامس: في اللعان: ومقاصده ثلاثة:
الأول: السبب:
وهو القذف وإنكار الولد فهنا فصلان:
الأول: القذف:
إنما يكون سببا في اللعان لو رمى زوجته المحصنة المدخول بها بالزنى قبلا أو دبرا
مع دعوى المشاهدة وعدم البينة، فلو رمى الأجنبية أو المشهورة بالزنى أو غير المدخول
بها أو رمى بغير الزنى أو لم يدع المشاهدة فلا لعان، ولفظه الصريح: يا زانية أو قد
زنيت أو زنيت بك أو زنى فرجك دون عينك ويدك، ولفظ النيك وإيلاج الحشفة
صريح، ولا لعان بكنايات القذف مثل: لست حرة وأما أنا فلست بزان، ولو
قال: أنت أزنى الناس أو أزنى من فلان، لم يكن قاذفا حتى يقول: في الناس زناة
وأنت أزنى منهم.
ولو ثبت زنا فلان بالبينة والقاذف جاهل لم يكن قاذفا وإن كان عالما فهو
قاذف، ولو قال لها: يا زان، فهو قاذف ولو قال: رأيتك تزنين، فهو قاذف ولو
كان أعمى، نعم لا يثبت في طرفه اللعان لتعذر المشاهدة فتعين الحد، ويثبت في
طرفه بنفي الولد ولو كان له بينة فلا حد ولا لعان، ولو عدل عنها إلى اللعان قيل:
يصح وقيل: لا وهو الأقرب، ولو كان العقد فاسدا فلا لعان بل وجب الحد، ولو
497

طلق رجعيا ثم قذف فله اللعان، وإن كان بائنا فلا لعان بل يحد وإن أضافه إلى
زمان الزوجية.
ولو قذف الزوجة ثم أبانها كان له اللعان فلو قالت: قذفني قبل أن يتزوجني،
فقال: بل بعده، أو قالت: قذفني بعد ما بنت منه، فقال: بل قبله، قدم قوله، ولو
قالت الأجنبية: قذفني، فقال: كانت زوجتي، حينئذ فأنكرت الزوجية قدم قولها،
ولو قذف أجنبية ثم تزوجها وجب الحد ولا لعان، ولو تزوجها ثم قذفها بزنى
أضافه إلى ما قبل النكاح ففي اللعان قولان مأخذهما اعتبار حال الزنى أو القذف،
ولا يجوز قذفها مع الشبهة ولا مع غلبة الظن وإن أخبره الثقة أو شاع.
ولو قذف بالسحق فالحد ولا لعان وإن ادعى المشاهدة، ولو قذف المجنونة
حد ولا يقام عليه إلا بعد مطالبتها مع الإفاقة، ولو أفاقت صح اللعان وليس لوليها
المطالبة بالحد ما دامت حية وإن ماتت فلوارثها المطالبة، وكذا ليس للمولى مطالبة
زوج أمته بالتعزير إلا بعد موتها، ولو نسبها إلى زنا هي مستكرهة عليه ففي كونه
قذفا إشكال ولا لعان وكذا لا لعان لو كان وطء شبهة من الجانبين، ولو قذف
نسوة بلفظ واحد تعدد اللعان ولا يتحد برضاهن بلعان واحد.
ولو قال: زنيت وأنت صغيرة، وجب التعزير وإن قال: وأنت مشركة أو
مجنونة، فكذلك إن عهد لها ذلك وإلا فالحد ويحتمل سقوطه إذا لم يعهد لأنه جاء
بمحال، ولو ادعت القذف فأنكر فأقامت شاهدين فله أن يلاعن إن أظهر لإنكاره
تأويلا وإلا فلا لعان ووجب الحد لأنه يكذب نفسه، فإن أنشأ قذفا آخر فله
اللعان واندفع عنه ذلك الحد أيضا إلا إذا كان صورة إنكاره: ما قذفت ولا زنيت،
فإن قذفه بعده يناقض شهادة الإبراء إلا أن يمضى مدة يحتمل فيها طريان الزنى، ولو
امتنعا عن اللعان فلما عرضا للحد رجعا إليه جاز، ولو حد فأراد أن يلاعن بعده
مكن إن كان لنفي الولد وإلا فلا فائدة فيه فلا يمكن منه.
498

الفصل الثاني: في إنكار الولد:
وإنما يثبت اللعان بنفي الولد إذا كان يلحقه ظاهرا بأن تضعه الزوجة بالعقد
الدائم لستة أشهر فصاعدا من حين وطئه ما لم يتجاوز أقصى مدة الحمل، وكل ولد
لا يمكن كونه منه في النكاح لم يلحقه نسبه ولم يحتج إلى لعان كما لو ولدته تاما
لأقل من ستة أشهر من حين وطئه أو لأكثر من أقصى الحمل لم يلحق به وانتفى
بغير لعان.
ولو تزوج المشرقي مغربية وأتت بولد لستة أشهر لم يلحق به لعدم الإمكان
عادة ولا لعان، ولو دخل وله أقل من عشر سنين فولدت لم يلحق به وإن كان له
عشر لحق به لإمكان البلوغ في حقه ولو نادرا، ولو أنكر لم يلاعن إلى أن يبلغ
رشيدا، فإن مات قبل البلوغ أو بعده ولم ينكره ألحق به وورثته الزوجة والولد ولا
عبرة بالإنكار المتقدم، ولو تزوج وطلق في مجلس واحد قبل غيبته ثم مضت ستة
أشهر فولدت لم يلحقه، ويلحق ولد الخصي على إشكال وولد المجبوب دون ولد
الخصي المجبوب على إشكال، ولو وطئ دبرا أو قبلا وعزل ألحق الولد ولم ينتف
إلا باللعان.
ولو تصادفا على أنها استدخلت منيه من غير جماع فحملت منه فالأقرب عدم
اللحوق بها إذ لا مني لها هنا، وبالجملة إنما يلحق الولد إذا كان الوطء ممكنا
والزوج قادرا، ولو اختلفا بعد الدخول في زمان الحمل تلاعنا، ولو اعترف بتولده
منه عن زنا بها وادعى الطلاق سرا احتمل اللعان لو كذبته، ولو طلق وأنكر
الدخول قيل: إن أقامت بينة أنه أرخى سترا لاعنها وحرمت عليه وكان عليه
المهر وإن لم تقم بينة كان عليه نصفه ولا لعان وعليها مائة سوط، والأقرب انتفاء
اللعان ما لم يثبت الوطء ولا يكفي الإرخاء ولا حد عليه إذ لم يقذف ولا أنكر ولدا
يلزمه الإقرار به.
ولو كان الزوج حاضرا وقت الولادة وسكت عن الانكار المقدور قيل: لم
499

يكن له إنكاره بعد إلا أن يؤخر بما جرت العادة به كالسعي إلى الحاكم وانتظار
الصبح والأكل والصلاة وإحراز ماله، ويحتمل أن له إنكاره ما لم يعترف به، أما
لو اعترف به لم يكن له إنكاره إجماعا، ولو أمسك عن نفي الحمل حتى وضعت جاز
له نفيه بعد الوضع إجماعا لاحتمال استناد الإمساك إلى الشك في الحمل، وكل من
أقر بولد صريحا أو فحوى لم يكن له إنكاره بعد، والصريح ظاهر والفحوى أن يجيب
المبشر بما يدل على الرضا مثل أن يقال له: بارك الله لك في مولودك هذا، فيقول:
آمين أو إن شاء الله، ولو قال مجيبا: بارك الله فيك أو أحسن الله إليك أو رزقك الله
مثله، لم يكن إقرارا.
ولو قذف امرأته ونفي الولد وأقام بينة سقط الحد ولم ينتف الولد إلا باللعان،
ولو طلقها بائنا فاتت بولد يلحق به في الظاهر لم ينتف إلا باللعان، ولو تزوجت
بغيره وأتت بولد لدون ستة أشهر من وطء الثاني ولأقصى مدة الحمل فما دون من
فراق الأول لحق بالأول ولم ينتف إلا باللعان، ولو قال: لم تزن وهذا الولد ليس
مني، فلا حد ووجب اللعان ولو قال: هذا الولد من زنا أو زنت فاتت بهذا الولد
منه، وجب الحد ويثبت اللعان ولو قال: ما ولدته وإنما التقطته أو استعرته،
فقالت: بل هو ولدي منك، لم يحكم عليه إلا بالبينة لإمكان إقامتها على الولادة
والأصل عدمها، ويقبل شهادة النساء.
المقصد الثاني: في أركانه: وفيه فصول:
الأول: الملاعن:
ويشترط كونه: بالغا عاقلا ولا يشترط العدالة ولا الحرية ولا انتفاء الحد
عن قذف عنه ولا الاسلام، فيقبل لعان الكافر والأخرس إن عقلت إشارته قبل
لعانه بالإشارة وإلا فلا، ولو انقطع كلامه بعد القذف وقبل اللعان صار
كالأخرس لعانه بالإشارة وإن لم يحصل اليأس من نطقه، ولا بد من الزوجية فلا
500

يقبل لعان الأجنبي بل يجب حد القذف، ولو ادعى عليه الولد للشبهة فأنكره انتفى
عنه ولم يثبت اللعان وإن اعترف بالوطئ، أما لو اعترف بالوطئ ونفي وطء غيره
واستدخال المني سقط اللعان وألحق به، ولو ارتد فلاعن ثم عاد إلى الاسلام في
العدة عرف صحته وإن أصر ظهر بطلانه، ولو ظن صحة النكاح الفاسد فلاعن لم
يندفع الحد باللعان الفاسد على إشكال، وكذا لا يندفع عن المرتد المصر الملاعن على
إشكال.
ولو قذف الطفل فلا حد ولا لعان وكذا المجنون، ولو أتت امرأته بولد ألحق
به نسبه ولا سبيل إلى نفيه مع زوال عقله، فإذا عقل كان له نفيه حينئذ
واستلحاقه، ولو ادعى القذف حال جنونه صدق إن عرف منه ذلك وإلا فلا،
ولو لاعن الأخرس ثم نطق فأنكر القذف واللعان لم يقبل إنكار القذف ويقبل في
اللعان فيما عليه فيطالب بالحد ويلحقه النسب، بمعنى أنه يرثه الولد ولا يرث هو
الولد ولا تعود الزوجية، فإن قال: أنا ألاعن للحد ونفي النسب، فالأقرب إجابته
لأنه إنما لزمه بإقراره أنه لم يلاعن، فإذا أراد أن يلاعن أجيب.
الفصل الثاني: في الملاعنة:
ويعتبر فيها: البلوغ وكمال العقل والسلامة من الصمم والخرس وأن تكون زوجة
بالعقد الدائم، والأقرب عدم اشتراط الدخول، وقيل يشترط وقيل: يشترط في نفي الولد دون
القذف ويثبت بين الحر والمملوكة وروي المنع، وقيل: يثبت في نفي الولد دون
القذف، ولو قذف طفلة لا يجامع مثلها فلا حد لتيقن كذبه لكنه يعزر للسب لا
للقذف، ولو كانت بنت ثمان سنين ثبت القذف فيحد وليس لوليها المطالبة به
ولا لها بل إذا بلغت طالبت وله إسقاطه باللعان.
ولو قذف المجنونة بزنى أضافه إلى حال الصحة أو قذفها صحيحة ثم جنت لم
يكن لها ولا لوليها المطالبة بالحد، فإذا أقامت طالبت وله إسقاطه باللعان وليس له
501

اللعان حالة الجنون إذ لا نسب ولا حد ينفيهما، فأما إن نفى ولدها فكذلك لا يلاعن
حالة الجنون بل إذا أفاقت لاعنها وانتفى النسب وإلا كان النسب والزوجية
باقيين، ولو قذف زوجته الصماء أو الخرساء حرمتا عليه أبدا ولا لعان، وفي اللعان
لنفي النسب إشكال. ويصح لعان الحامل لكن لو أقرت أو نكلت لم يقم عليها الحد
إلا بعد الوضع، والأمة ليست فراشا بالملك ولا بالوطئ على أشهر الروايتين، ولا
يلحق ولدها به إلا بإقراره ولو اعترف بوطئها فكذلك، ولو نفاه انتفى من غير لعان
وتصير فراشا بالعقد الدائم، وكذا المستمتع بها ليست فراشا بالعقد ولا بالوطئ.
الفصل الثالث: في الكيفية:
وصورته أن يقول الرجل أربع مرات: أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما قذفتها
به، ثم يعظه الحاكم ويخوفه فإن رجع حد وسقط اللعان وإن أصر قال له: قل أن
لعنة الله علي إن كنت من الكاذبين، فإذا قال ذلك قال للمرأة: قولي أشهد بالله إنه
لمن الكاذبين فيما رماني به أربع مرات، فإذا قالت ذلك وعظها وخوفها وقال لها:
إن عقاب الدنيا أهون من عقاب الآخرة، فإن رجعت أو نكلت رجمها وإن أصرت
قال لها: قولي أن غضب الله علي إن كان من الصادقين.
ويجب فيه أمور:
أ: إيقاعه عند الحاكم أو من نصبه لذلك، ولو تراضيا برجل من العامة
فلاعن بينهما جاز ويثبت حكم اللعان بنفس الحكم، وقيل: يعتبر رضاهما بعد
الحكم.
ب: التلفظ بالشهادة على الوجه المذكور فلو قال: أحلف أو أقسم أو شهدت
بالله أو أنا شاهد بالله، أو ما شابه ذلك لم يجز.
ج: إعادة ذكر الولد في كل مرة يشهد فيها الرجل إن كان هناك ولد وليس
502

على المرأة إعادة ذكره.
د: ذكر جميع الكلمات فلا يقوم معظمها مقامها.
ه‍: ذكر لفظ الجلالة فلو قال: أشهد بالرحمن أو بالقادر لذاته أو بخالق البشر
فالأقرب عدم الوقوع، نعم لو أردف ذكر الله تعالى بذكر صفاته وقع.
و: يجب ذكر اللعن والغضب فلو بدل كلا منهما بمساويه كالبعد والطرد أو
السخط أو أحدهما بالآخر لم يقع.
ز: أن يخبر بالصدق على ما قلناه فلو قال: أشهد بالله أني صادق أو من
الصادقين، من غير الإتيان بلام التأكيد أو: أني لصادق أو أني لبعض الصادقين
أو أنها زنت، لم يقع وكذا المرأة لو قالت: أشهد بالله أنه لكاذب أو كاذب أو من
الكاذبين، من غير لام التأكيد لم يجز وكذا لا يجوز: لعنة الله علي إن كنت كاذبا
أو غضب الله علي إن كان صادقا.
ح: النطق بالعربية مع القدرة ويجوز مع التعذر النطق بغيرها، فيفتقر الحاكم
إلى مترجمين عدلين ولا يكفي الواحد ولا يشترط الزائد.
ط: الترتيب على ما ذكرناه بأن يبدأ الرجل بالشهادات أربعا ثم باللعن ثم
المرأة بالشهادات أربعا ثم بالغضب.
ي: قيام كل منهما عند لفظه وقيل: يجب قيامهما معا بين يدي الحاكم.
يا: بدأة الرجل أولا بالشهادات ثم باللعن وتعقب المرأة، فلو بدأت المرأة لم
يجز.
يب: تعيين المرأة بما يزيل الاحتمال إما بأن يذكر اسمها واسم أبيها أو
يصفها بما يميزها من غيرها أو يشير إليها إن كانت حاضرة.
يج: الموالاة بين الكلمات.
يد: إتيان كل واحد منهما باللعان بعد إلقائه عليه، ولو بادر به قبل أن يلقنه
الإمام لم يصح كما لو حلف قبل الإحلاف.
503

وأما المستحب فأمور:
أ: جلوس الحاكم مستدبر القبلة ليكون وجههما إليها.
ب: وقوف الرجل عن يمين الحاكم والمرأة عن يمين الرجل.
ج: حضور من يسمع اللعان.
د: وعظ الحاكم وتخويفه بعد الشهادات قبل اللعان وكذا المرأة قبل الغضب.
ه‍: التغليظ بالمكان بأن يلاعن بينهما في أشرف البقاع، فإن كان بمكة فبين
الركن والمقام فإن كان ببيت المقدس ففي المسجد عند الصخرة فإن كان بالمدينة
فعند منبر النبي ص فإن كان في الأمصار ففي الجوامع.
و: التغليظ بالزمان بأن يلاعن بعد العصر.
ز: جمع الناس لهما.
المقصد الثالث: في الأحكام:
إذا قذف تعلق به وجوب الحد عليه، وإذا لاعن تعلق بلعانه سقوط الحد عنه
ووجوبه في حق المرأة، ويتعلق بلعانهما معا أحكام أربعة:
أ: الفراق فلا تصير فراشا.
ب: التحريم المؤبد فلا تحل عليه أبدا.
ج: سقوط الحدين.
د: انتفاء الولد عن الرجل دون المرأة، ولو شرط مولاه رقية الولد من الحرة ففي
حريته لو لاعن الأب لنفيه إشكال وكذا الإشكال في العكس بغير شرط، ولا
تفتقر الفرقة إلى تفريق الحاكم بينهما بل يحصل بنفس اللعان ولا يحصل الفرقة بلعان
الزوج خاصة، ولو فرق الحاكم بينهما قبل إكمال لعانهما كان التفريق لغوا وإن
كان بعد لعان ثلاث مرات من كل منهما أو بعد اختلال شئ من ألفاظ اللعان
504

الواجبة، وفرقة اللعان فسخ لا طلاق ولا يعود الفراش إن أكذب نفسه بعد إكمال
اللعان ولا يحل العقد عليها.
ولو أكذب نفسه في أثناء اللعان أو نكل ثبت عليه الحد ولم يثبت شئ من
أحكام اللعان الباقية، ولو أكذب نفسه بعد اللعان لحق به الولد لكن
يرثه الولد ولا يرثه الأب ولا من يتقرب به، وترثه الأم ومن يتقرب بها، ولم يعد الفراش ولم يزل
التحريم المؤبد، وفي ثبوت الحد عليه روايتان أقربهما الثبوت لما فيه من زيادة هتكها
وتكرار قذفها وظهور كذب لعانه.
فإن عاد عن إكذاب نفسه وقال: لي بينة أقيمها أو ألاعن، لم يسمع منه لأن
البينة واللعان لتحقيق ما قاله فقد أقر بكذب نفسه، ولو اعترف بالولد بعد موته لم
يرث منه لكن لو كان له ولد ورثه مع عدم الولد، ولا يرث هو ابن الابن، ولو أقام
بينة ثم أكذبها ففي توجه الحد عليه نظر، ولو لم يكذب نفسه ولا لاعن ثبت الحد فإن
أقيم بعضه فبذل اللعان أجيب إليه، ولو نكلت هي أو أقرت رجمت وسقط عنه الحد
ولم يزل الفراش ولا يثبت التحريم، ولو اعترفت بعد اللعان لم يجب الحد فإن أقرت
أربعا ففي وجوبه إشكال، ولو أضاف زناها إلى رجل فعليه حدان، وله اسقاط حد
الزوجة باللعان ولا يسقط به حد الآخر ولو أقام بينة سقطا معا.
ولو قذفها فأقرت قبل اللعان سقط الحد عنه بالمرة ولا يجب الحد عليها إلا بأربع
مرات، ولو كان هناك نسب لم ينتف إلا باللعان وللزوج أن يلاعن لنفيه على إشكال،
إذ تصادق الزوجين على الزنى لا يوجب نفي النسب لثبوته بالفراش، ولو قذفها فاعترفت
ثم أنكرت فأقام شاهدين على اعترافها ففي القبول بهما أو بالأربعة إشكال، أقربه القبول
في سقوط الحد عنه لا في ثبوته عليها، ولو قذفها فماتت قبل اللعان سقط اللعان وورث
وعليه الحد للوارث وله دفعه باللعان، قيل: ولو لاعنه رجل من أهلها فلا ميراث ولا
حد، والأقرب ثبوت الميراث، ولو ماتت بعد إكمال لعانه وقبل لعانها فهو كالموت قبل
اللعان في الميراث ولو مات حينئذ ورثته.
505

ولو قذف ولم يلاعن فحد ثم قذفها به قيل: لا حد، والأقرب ثبوته وكذا الخلاف لو
تلاعنا والأقرب سقوطه، أما لو قذفها به الأجنبي فإنه يحد، ولو قذفها فأقرت ثم قذفها به
الزوج أو الأجنبي فلا حد، ولو لاعن ونكلت ثم قذفها الأجنبي قيل: لا حد، كالبينة
والأقرب ثبوته، ولو شهد أربعة أحدهم الزوج حد الجميع على رأي ويسقط حد الزوج
باللعان وقيل: بذلك إن اختلف بعض الشرائط أو سبق الزوج بالقذف، وإلا حدت،
وإذا كانت المرأة غير برزة أنفذ الحاكم إليها ليستوفى الشهادات عليها في منزلها ولم
يكلفها الخروج وكذا لو كانت حائضا.
واللعان في المسجد ولا يشترط حضورهما معا، فلو لاعن في المسجد وهي على بابه
جاز، واللعان أيمان وليست شهادات، فيصح من الأعمى وإذا قذف الزوجة وجب الحد
إلا أن يسقطه باللعان، ولا يجب اللعان عينا ولا يطالبه أحد بأحدهما إلا الزوجة، نعم
لوارثها المطالبة بالحد بعد موتها ولو أراد اللعان من غير مطالبة لم يكن له ذلك إن لم يكن
نسب، وإن طلب نفي النسب احتمل أن يلاعن بينهما الحاكم بأن يطلب المرأة اللعان
وعدمه.
المقصد الرابع: في اللواحق:
لو شهدا بقذفه الزوجة وقذفهما لم يقبل للتهمة، فإن أبرآه ثم أعاداها لم يقبل
لأنها ردت للتهمة فلا تقبل بعد، ولو ادعيا قذفهما ثم أبرأه وزالت العداوة ثم شهدا
بقذف زوجته قبلت لأنهما لم يردا في هذه الشهادة أولا، ولو شهدا ثم ادعيا قذفهما
فإن أضافا الدعوى إلى ما قبل الشهادة بطلت لاعترافهما بأنه كان عدوا لهما حين
الشهادة وإن لم يضيفاها، فإن كان ذلك قبل الحكم لم يحكم لأنه لا يحكم
بشهادة عدوين وإن كان بعده لم يبطل، ولو شهدا أنه قذف زوجته وأمهما بطلت
لأنها ردت في البعض للتهمة، ولو شهد أحدهما أنه أقر بالقذف بالعربية والآخر
أنه أقر بالعجمية أو في وقتين قبلت ولو شهدا بالقذف بطلت.
506

ولو ولدت توأمين بينهما أقل من ستة أشهر فاستلحق أحدهما لحقه الآخر ولا
يقبل نفيه ولو نفى أحدهما وسكت عن الآخر لحقاه، ولو ولدت الأول فنفاه باللعان
ثم ولدت الآخر لأقل من ستة أشهر افتقر إلى لعان آخر على إشكال، فإن أقر
بالثاني لحقه وورثه الأول وهو لا يرث الأول، وهل يرث من الثاني؟ إشكال، ولو
كان بينهما ستة أشهر فصاعدا فلكل حكم نفسه فإن لاعن من الأول واستلحق
الثاني أو ترك نفيه لحقه وإن كانت قد بانت باللعان لإمكان وطئه بعد وضع
الأول، ولو لاعنها قبل وضع الأول فاتت بآخر بعد ستة أشهر لم يلحقه الثاني لأنها
بانت باللعان وانقضت عدتها بوضع الأول، ولو مات أحد التوأمين فله أن يلاعن
لنفيهما.
والقذف قد يجب بأن يرى امرأته قد زنت في طهر لم يطأها فيه فإنه يلزمه
اعتزالها حتى ينقضي العدة، فإن أتت بولد لستة أشهر من حين الزنى ولأكثر من
أقصى مدة الحمل من وطئه لزمه نفيه ليخلص من الإلحاق المستلزم للتوارث والنظر
إلى بناته وأخواته، ولو أقرت بالزنى وظن صدقها فالأقرب أنه لا يجب القذف،
ولا يحل له القذف بدون الرؤية وإن شاع أن فلانا يزني بها، وإذا عرف انتفاء
الحمل لاختلال بعض شرائط الإلحاق وجب الانكار، ولا يحل الانكار للشبهة ولا
للظن ولا لمخالفة صفات الولد صفات الواطئ، ولو شاهد زناها في حباله جاز له
اللعان وإن لم يكن له ولد للتشفي، ولو غاب عن زوجته سنين فبلغها وفاته
فاعتدت وتزوجت وأولدها الثاني ثم قدم الأول فسخ النكاح وردت إليه،
والأولاد للثاني لا للأول.
507

اللمعة الدمشقية
للشيخ أبي عبد الله شمس الدين محمد بن الشيخ جمال الدين مكي بن الشيخ شمس الدين
محمد بن حامد بن أحمد المطلبي العاملي الشاطي الجزيني المشتهر بالشهيد الأول
734 - 786 ه‍ ق
509

كتاب الطلاق
وفيه فصول: الأول: في أركانه:
وهي الصيغة والمطلق والمطلقة والإشهاد. والصريح: أنت أو هذه أو فلانة أو زوجتي
مثلا طالق. فلا يكفي: طلاق، ولا من المطلقات، ولا مطلقة، ولا طلقت فلانة على
قول، ولا عبرة بالسراح والفراق والخلية والبرية وإن قصد الطلاق، وطلاق الأخرس
بالإشارة وإلقاء القناع، ولا يقع بالكتب حاضرا كان أو غائبا، ولا بالتخيير وإن
اختارت نفسها في الحال، ولا معلقا على شرط أو صفة ولو فسر الطلقة بأزيد من الواحدة
لغا التفسير.
ويعتبر في المطلق البلوغ والعقل، ويطلق الولي عن المجنون لا عن الصبي ولا
السكران، والاختيار فلا يقع طلاق المكره، والقصد فلا عبرة بعبارة الساهي والنائم
والغالط.
ويجوز توكيل الزوجة في طلاق نفسها وغيرها، ويعتبر في المطلقة الزوجية والدوام
والطهر من الحيض والنفاس إذا كانت مدخولا بها حائلا حاضرا زوجها معها، والتعيين
على الأقوى.
الفصل الثاني: في أقسامه:
وهي إما حرام وهو طلاق الحائض إلا مع المصحح له وكذا النفساء وفي طهر جامعها
511

فيه والثلاث من غير رجعة وكله لا يقع لكن يقع في الثلاث واحدة. وإما مكروه وهو
الطلاق مع التئام الأخلاق. وأما واجب وهو طلاق المولى والمظاهر. وأما سنة وهو الطلاق
مع الشقاق وعدم رجاء الاجتماع والخوف من الوقوع في المعصية.
ويطلق الطلاق السني على كل طلاق جائز شرعا وهو ما قابل الحرام وهو ثلاثة:
بائن وهو ستة: طلاق غير المدخول بها، واليائسة، والصغيرة، والمختلعة، والمباراة ما
لم يرجعا في البذل، والمطلقة ثالثة بعد رجعتين.
ورجعي وهو ما للمطلق فيه الرجعة رجع أو لا.
وطلاق العدة وهو أن يطلق على الشرائط ثم يرجع في العدة ويطأ ثم يطلق في طهر
آخر وهذه تحرم في التاسعة أبدا وما عداه في كل ثالثة للحرة.
والأفضل في الطلاق أن يطلق على الشرائط ثم يتركها حتى تخرج من العدة ثم
يتزوجها إن شاء وعلى هذا، وقد قال بعض الأصحاب: إن هذا الطلاق لا يحتاج إلى
محلل بعد الثلاث، والأصح احتياجه إليه. ويجوز
طلاق الحامل أزيد من مرة ويكون طلاق عدة إن وطأ وإلا فسنة بمعناه الأعم، والأولى تفريق الطلقات على الأطهار لمن
يطلق ويراجع، ولو طلق مرات في طهر واحد فخلاف أقربه الوقوع مع تحلل الرجعة وتحتاج
مع كمال الثلاث إلى المحلل، ولا يلزم الطلاق بالشك.
ويكره للمريض الطلاق فإن فعل توارثا في الرجعية وترثه في البائن والرجعي إلى سنة
ما لم يتزوج أو يبرأ من مرضه، والرجعة يكون بالقول مثل رجعت وارتجعت، وبالفعل
كالوطء والتقبيل واللمس بشهوة، وإنكار الطلاق رجعة ولو طلق الذمية جاز مراجعتها
ولو منعنا من ابتداء نكاحها دواما، ولو أنكرت الدخول عقيب الطلاق حلفت.
ورجعة الأخرس بالإشارة وأخذ القناع ويقبل قولها في انقضاء العدة في الزمان
المحتمل وأقله ستة وعشرون يوما ولحظتان، والأخيرة دلالة على الخروج لا جزء، وظاهر
الروايات أنه لا يقبل منها غير المعتاد إلا بشهادة أربع من النساء المطلقات على باطن
أمرها، وهو قريب.
512

الفصل الثالث: في العدد:
لا عدة على من لم يدخل بها الزوج إلا في الوفاة فتجب أربعة أشهر وعشرة أيام إن
كانت حرة ونصفها إن كانت أمة دخل بها أو لا، وفي باقي الأسباب تعتد ذات الأقراء
المستقيمة الحيض مع الدخول بثلاثة أطهار، وذات الشهور وهي التي لا يحصل بها
الحيض المعتاد وهي في سن الحيض بثلاثة أشهر، والأمة بطهرين أو خمسة وأربعين يوما،
ولو رأت الدم في الأشهر مرة أو مرتين انتظرت تمام الأقراء، فإن تمت وإلا صبرت تسعة
أشهر أو سنة فإن وضعت ولدا أو اجتمعت الأقراء فذاك وإلا اعتدت بعدها بثلاثة أشهر
إلا أن يتم الأقراء قبلها.
وعدة الحامل وضع الحمل وإن كان علقة في غير الوفاة وفيها بأبعد الأجلين من وضعه
ومن الأشهر، ويجب الحداد على المتوفى عنها وهو ترك الزينة من الثياب والأدهان
والطيب والكحل الأسود، وفي الأمة قولان، والمروي: أنها لا تحد.
والمفقود إذا جهل خبره ولم يكن له ولي ينفق عليها طلب أربع سنين ثم يطلقها
الحاكم بعدها وتعتد، والمشهور أنها تعتد عدة الوفاة وتباح للأزواج، فإن جاء في العدة
فهو أملك بها وإلا فلا سبيل له عليها تزوجت أو لا، وعلى الإمام أن ينفق عليها من بيت
المال طول المدة.
ولو أعتقت الأمة في أثناء العدة أكملت عدة الحرة إن كان الطلاق رجعيا أو عدة
وفاة، والذمية كالحرة في الطلاق والوفاة على الأشهر، وتعتد أم الولد من وفاة زوجها
وسيدها عدة الحرة، ولو أعتق السيد أمته فثلاثة أقراء، ويجب الاستبراء بحدوث الملك
وزواله بحيضة إن كانت تحيض أو بخمسة وأربعين يوما إذا كانت لا تحيض وهي في
سن المحيض.
الفصل الرابع: في الأحكام:
يجب الانفاق في العدة الرجعية كما كان في صلب النكاح، ويحرم عليها الخروج من
منزل الطلاق، ويحرم عليه الإخراج إلا أن تأتي بفاحشة يجب بها الحد أو تؤذي أهله،
513

ويجب الانفاق في الرجعية على الأمة إذا أرسلها مولاها ليلا ونهارا، ولا نفقة للبائن إلا
أن تكون حاملا، ولو انهدم المسكن أو كان مستعارا فرجع مالكه أو مستأجرا انقضت
مدته أخرجها إلى مسكن يناسبها، وكذا لو طلقت في مسكن لا يناسبها أخرجها إلى
مسكن مناسب، ولو مات فورث المسكن جماعة لم يكن لهم قسمته إذا كانت حاملا
وقلنا: لها السكنى، وإلا جازت القسمة. وتعتد زوجة الحاضر من حين السبب وزوجة
الغائب في الوفاة من حين بلوغ الخبر، وفي الطلاق من حين الطلاق.
514

كتاب الخلع والمباراة
وصيغة الخلع أن يقول: خالعتك على كذا أو أنت مختلعة، ثم يتبعه بالطلاق في القول
الأقوى. ولو أتى بالطلاق مع العوض أغنى عن لفظ الخلع، وكل ما صح أن يكون مهرا
صح أن يكون فدية، ولا تقدير فيه فيجوز على أزيد مما وصل إليها منه ويصح بذل الفدية
منها ومن وكيلها وممن يضمنه بإذنها. وفي المتبرع قولان أقربهما المنع، ولو تلف العوض
قبل القبض فعليها ضمانه مثلا أو قيمة وكذا لو ظهر استحقاقه، ويصح البذل من الأمة
بإذن المولى فإن عين قدرا وإلا انصرف إلى مهر المثل، ولو لم يأذن تبعت به بعد العتق.
والمكاتبة المشروطة كالقن أما المطلقة فلا اعتراض عليها، ولا يصح الخلع إلا مع
كراهيتها ولو لم تكره بطل البذل ووقع الطلاق رجعيا، ولو أكرهها على الفدية فعل
حراما ولا يملكها بالبذل وطلاقها رجعي، نعم لو أتت بفاحشة جاز عضلها لتفدي نفسها
وإذا أتم الخلع فلا رجعة للزوج، وللزوجة الرجعة في البذل ما دامت في العدة، فإذا
رجعت رجع هو إن شاء، ولو تنازعا في القدر حلفت وكذا لو تنازعا في الجنس أو الإرادة،
ولو قال: خلعتك على ألف في ذمتك، فقالت: بل في ذمة زيد، حلفت على الأقوى.
والمباراة كالخلع إلا أنها يترتب على كراهية الزوجين فلا يجوز له الزيادة على ما
أعطاها ولا بد فيها من الاتباع بالطلاق، ولو قلنا: في الخلع، لا يجب. ويشترط في الخلع
والمباراة شروط الطلاق.
515

كتاب الظهار
وصيغته: هي كظهر أمي أو أختي أو ابنتي، ولو من الرضاع على الأشهر. ولا اعتبار
بغير لفظ الظهر ولو بالتشبيه بالأب أو الأجنبية أو أخت الزوجة أو مظاهرتها منه، ولا يقع
إلا منجزا وقيل: يصح تعليقه على الشرط لا الصفة، وهو قوي. والأقرب صحة توقيته.
ولا بد من حضور عدلين وكونها طاهرا من الحيض والنفاس وأن لا يكون قد قربها في
ذلك الظهر وأن يكون المظاهر كاملا قاصدا. ويصح من الكافر والأقرب صحته بملك
اليمين. والمروي اشتراط الدخول ويكفي الدبر.
ويقع الظهار بالرتقاء والقرناء والمريضة التي لا توطأ وتجب الكفارة بالعود وهو إرادة
الوطء بمعنى تحريم وطئها حتى يكفر، ولو وطأ قبل التكفير فكفارتان ولو كرر تكررت
الواحدة وكفارة الظهار بحالها، ولو طلقها بائنا أو رجعيا وانقضت العدة حلت له من غير
تكفير وكذا لو ظاهر من أمة ثم اشتراها، ويجب تقديم الكفارة على المسيس، ولو ماطل
رافعته إلى الحاكم فينظره ثلاثة أشهر حتى يكفر ويفئ أو يطلق ويجبره على ذلك بعدها
لو امتنع.
516

كتاب الإيلاء
وهو الحلف على ترك وطء الزوجة الدائمة للإضرار بها أبدا أو مطلقا أو زيادة على
أربعة أشهر، ولا ينعقد إلا باسم الله تعالى متلفظا به بالعربية وغيرها، ولا بد من
الصريح كإدخال الفرج في الفرج أو اللفظة المختصة بذلك. ولو تلفظ بالجماع والوطء
وأراد الإيلاء صح، ولو كنى بقوله: لا جمع رأسي ورأسك مخدة ولا ساقفتك، وقصد
الإيلاء حكم الشيخ بالوقوع. ولا بد من تجريده عن الشرط والصفة، ولا يقع لو جعله يمينا
أو حلف بالطلاق أو العتاق، ويشترط في المولى الكمال والاختيار والقصد، ويجوز من
العبد والذمي.
وإذا تم الإيلاء فللزوجة المرافعة مع امتناعه عن الوطء فينظره الحاكم أربعة أشهر ثم
يجبره بعدها على الفئة أو الطلاق ولا يجبره على أحدهما عينا، ولو آلى مدة معينة ودافع
حتى انقضت سقط حكم الإيلاء، ولو اختلفا في انقضاء المدة قدم قول مدعي البقاء، ولو
اختلفا في زمان إيقاع الإيلاء حلف من يدعي تأخره.
ويصح الإيلاء من الخصي والمجبوب وفئته العزم على الوطء مظهرا له معتذرا من
عجزه، وكذا لو انقضت المدة وله مانع من الوطء، ومتى وطأ لزمته الكفارة سواء كان في
مدة التربص أو بعدها.
ومدة الإيلاء من حين الترافع، ويزول حكم الإيلاء بالطلاق البائن وبشراء الأمة ثم
عتقها، ولا تتكرر الكفارة بتكرر اليمين قصد التأكيد أو التأسيس إلا مع تغاير الزمان،
وفي الظهار خلاف أقربه التكرار فإذا وطأ المولى ساهيا أو مجنونا أو لشبهة بطل حكم
517

الإيلاء عند الشيخ، ولو ترافع الذميان إلينا تخير الإمام بين الحكم بينهم بما يحكم على
المولى مسلما وبين ردهم إلى نحلتهم، ولو آلى ثم ارتد حسب عليه من المدة زمان الردة
على الأقوى.
518

كتاب اللعان
وله سببان:
أحدهما: رمى الزوجة المحصنة المدخول بها بالزنى قبلا أو دبرا مع دعوى المشاهدة،
قيل: وعدم البينة. والمعنى بالمحصنة العفيفة فلو رمى المشهورة بالزنى فلا حد ولا لعان،
ولا يجوز القذف إلا مع المعاينة كالميل في المكحلة لا بالشياع أو غلبة الظن.
الثاني: إنكار من ولد على فراشه بالشرائط السابقة وإن سكت حال الولادة على
الأقوى ما لم يسبق الاعتراف به صريحا أو فحوى، مثل أن يقال له: بارك الله لك في
هذا الولد فيؤمن أو يقول: إن شاء الله، بخلاف بارك الله فيك وشبهه. ولو قذفها ونفى
الولد وأقام بينة سقط الحد ولم ينتف عنه الولد إلا باللعان، ولا بد من كون الملاعن
كاملا ولو كان كافرا. ويصح لعان الأخرس بالإشارة المعقولة إن أمكن معرفته، ويجب
نفي الولد إذا عرف اختلال شروط الإلحاق ويحرم بدونه وإن ظن انتفاءه عنه أو خالفت
صفاته صفاته.
ويعتبر في الملاعنة الكمال والسلامة من الصمم والخرس والدوام إلا أن يكون اللعان
لنفي الحد وفي الدخول قولان. ويثبت بين الحر والمملوكة لنفي الولد أو التعزير، ولا يلحق
ولد المملوكة إلا بالإقرار ولو اعترف بوطئها، ولو نفاه انتفى بغير لعان.
القول في كيفية اللعان وأحكامه:
ويجب كونه عند الحاكم أو من نصبه، ويجوز التحكيم فيه للعالم المجتهد فيشهد
519

الرجل أربع مرات أنه لمن الصادقين فيما رماها به، ثم يقول: إن لعنة الله عليه إن كان
من الكاذبين، ثم تشهد المرأة أربع شهادات أنه لمن الكاذبين فيما رماها به، ثم تقول:
إن غضب الله عليها إن كان من الصادقين.
ولا بد من التلفظ بالشهادة على الوجه المذكور، وأن يكون الرجل قائما عند إيراده
وكذا المرأة، وقيل: يكونان معا قائمين في الإيرادين. وأن يتقدم الرجل أولا، وأن يميز
الزوجة عن غيرها تمييزا يمنع المشاركة، وأن يكون باللفظ العربي إلا مع التعذر فيفتقر
الحاكم إلى مترجمين عدلين إن لم يعرف تلك اللغة.
وتجب البدأة بالشهادة ثم اللعن، وفي المرأة بالشهادة ثم الغضب، ويستحب أن
يجلس الحاكم مستدبر القبلة، وأن يقف الرجل عن يمينه والمرأة عن يمين الرجل، وأن
يحضر من يسمع، وأن يعظه الحاكم قبل كلمة اللعنة ويعظها قبل كلمة الغضب، وأن
يغلظ بالقول والمكان كبين الركن والمقام بمكة وفي الروضة بالمدينة وتحت الصخرة في
الأقصى وفي المساجد بالأمصار أو المشاهد الشريفة.
وإذا لاعن الرجل سقط عنه الحد ووجب على المرأة، فإذا أقرت أو نكلت وجب
الحد، وإن لاعنت سقط. ويتعلق بلعانها أحكام أربعة: سقوط الحدين عنهما، وزوال
الفراش، ونفي الولد عن الرجل، والتحريم المؤبد. ولو أكذب نفسه في أثناء اللعان
وجب عليه حد القذف، وبعد لعانه قولان وكذا بعد لعانهما لكن لا يعود الحل ولا يرث
الولد وإن ورثه الولد. ولو أكذبت نفسها بعد لعانها فكذلك ولا حد عليها إلا أن تقر
أربعا على خلاف، ولو قذفها برجل وجب عليه حدان وله اسقاط أحدهما باللعان، ولو
أقام بينة سقط الحدان، ولو قذفها فماتت قبل اللعان سقط اللعان وورثها وعليه الحد
للوارث وله أن يلاعن لسقوطه، ولا ينتفي الإرث بلعانه بعد الموت إلا على رواية. ولو
كان الزوج أحد الأربعة فالأقرب حدها إن لم يختل الشرائط بخلاف ما إذا سبق الزوج
بالقذف أو اختل غيره من الشرائط فإنها لا تحد، ويلاعن الزوج وإلا حد.
520