الكتاب: الينابيع الفقهية
المؤلف: علي أصغر مرواريد
الجزء: ٣٦ق١
الوفاة: معاصر
المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن
تحقيق:
الطبعة: الأولى
سنة الطبع: ١٤١٣ - ١٩٩٣ م
المطبعة:
الناشر: مؤسسة فقه الشيعة - بيروت - لبنان
ردمك:
ملاحظات: أشرف على جمع أصولها الخطية وترتيبها حسب التسلسل الزمني وعلى تحقيقها وإخراجها وعمل قواميسها علي أصغر مرواريد

الينابيع الفقهية 2
كتاب الوكالة
كتبا الغصب
كتاب الجعالة
كتاب اللقطة
كتاب إحياء الموات
كتاب الشفعة
كتاب الصيد والذبائح
تعريف الكتاب 1

حقوق الطبع محفوظة للمؤلف
الطبعة الأولى
1413 ه‍ - 1993 م
مؤسسة فقه الشيعة
بيروت - لبنان
حارة حريك - شارع دكاش - بناية كليوباترا
ص. ب 209 / 25 - تلفون: 836763 - فاكس 04625848 - 357
تعريف الكتاب 2

الينابيع الفقهية 2
كتاب الوكالة
كتبا الغصب
كتاب الجعالة
كتاب اللقطة
كتاب إحياء الموات
كتاب الشفعة
كتاب الصيد والذبائح
أشرف على جمع أصولها الخطية وترتيبها حسب التسلسل
الزمني وعلى تحقيقها واخراجها وعمل قواميسها
علي أصغر مرواريد
تعريف الكتاب 3

الفهرست الاجمالي للمتون
الإشراف
الخلاف
نزهة الناظر
إرشاد الأذهان
الرسالة الفخرية
البيان
النفلية
الموجز الحاوي
الإقتصاد
المبسوط
تبصرة المتعلمين
تلخيص المرام
الدروس الشرعية
الألفية
المحرر مسائل ابن طي
تعريف الكتاب 4

التعريف
سلسلة الينابيع الفقهية
موسوعة فقهية متكاملة جمعت بين دفتيها أهم المتون الفقهية
الأصلية بتحقيق رائع وتنقيح أكاديمي، ومن أحدث المناهج
العلمية لفن التحقيق.
تعني الموسوعة بالتقسيم الموضوعي للأبواب الفقه الإسلامي -
كافة أبوابه - وبذلك تهئ للباحث والمحقق والأستاذ أسهل
الطرق لاستنباط ما يحتاجه، واستخلاص ما يبتغيه، بعيدا
عن عناء الاستقصاء والبحث.
تميزت هذه الدورة الكبرى باعتمادها الأصول الخطية
الأصلية لكل المتون الفقهية بمثابة الأصول الأساسية لتحقيق
النصوص التي بقيت لفترة ليست بالقصيرة أسيرة الطبعات السقيمة.
بالإضافة إلى احتوائها النصوص التي تطبع لأول مرة، موزعة
حسب الأبواب الفقهية.
تفيد المتخصصين بدراسة الفقه المقارن واختلاف الفتاوى
على مدى عشرة قرون.
مقدمة المشرف 5

إهداء وشكر...
إلى...
كل انسان يؤمن بأن الشريعة السمحاء أساس جميع القوانين في العالم...
وإلى...
الذين يهتمون بشؤون المجمعات البشرية وشيعون إلى اصطلاحها عن طريق
القسم الإسلامية.
والى...
كل الذين يعشقون الفقه الإسلامي باعتبار أفضل السبل وأنجح القوانين
المستمدة من أصول القرآن للوصل إلى الكمال الإنسان من الجوانب
المادية والروحية...
أقدم هذا الجهد المتواضع...
ولا يسعني - في غمرة سعادتي وسروري وأنا أرى سلسلة الينابيع
الفقهية هذه قد عانقت النور - إلا أن أتقدم بجزيل شكري وعظيم
امتناني لكل الذين ساهموا من قريب أو بعيد بإيجاز هذا العمل الجليل
من العلماء والفضلاء الذين قدموا لنا مساعدتهم ومشورتهم الخالصة،
ومن الأخوة العاملين والمحققين معنا... داعيا الله لهم جميعا التوفيق
والسداد وأن يجزل لهم الثواب وحسن العاقبة...
إنه سميع مجيب.
علي أصغر مرواريد
مقدمة المشرف 6

بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المشرف 8

كتاب الوكالة
1

الفهرست الاجمالي للمتون
كتاب الوكالة
الاشراف
الخلاف 3
نزهة الناظر
إرشاد الناظر
إرشاد الأذهان 65
الرسالة الفخرية
البيان
النفلية
الموجز الحاوي
الاقتصاد
المبسوط 13
تبصرة المتعلمين 63
تلخيص المرام 71
الدروس الشرعية
الألفية
المحرر
مسائل ابن طي 75
2

الخلاف
كتاب الوكالة
مسألة 1: يجوز وكالة الحاضر، ويلزم الخصم مخاصمة الوكيل، وله أن
يوكل أيضا كذلك.
وبه قال الشافعي، وابن أبي ليلى، وأبو يوسف، ومحمد.
وقال أبو حنيفة: وكالة الحاضر تصح، غير أنها لا تلزم خصمه، إلا أن يرضى
بها، ومتى أبي ذلك كان على خصمه أن يخاصمه بنفسه، وأجبر على ذلك إن
امتنع.
دليلنا: أن الأخبار الواردة في جواز التوكيل عامة في الحاضر والغائب،
فمن خصص فعليه الدلالة.
وأيضا الأصل جواز ذلك، والمنع يحتاج إلى دليل.
مسألة 2: ليس من شرط سماع البينة على الوكالة من الوكيل إحضار
خصم من خصومه، أو غريم من غرمائه. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: من شرطه ذلك، فإذا أحضره وادعى حق الموكل على
خصمه أو غريمه، وتوجه الجواب على المدعى عليه، فحينئذ يسمع الحاكم بينة
الوكيل.
فجوز سماع الدعوى قبل ثبوت الوكالة، وألزم الخصم الجواب، وجعل
تقديم الدعوى شرطا في سماع البينة بناء منه على أصله، لأن عنده لا يلزم وكالة
3

الحاضر إلا برضا الخصم، ولا يجوز القضاء على الغائب.
وهذا عندنا جائز على ما بيناه، لأنا لا نعتبر رضا الخصم، ويجوز القضاء على
الغائب، وقد مضى الكلام في جواز وكالة الحاضر وإن لم يرض الخصم،
وسيجئ الكلام في القضاء على الغائب في موضعه.
مسألة 3: إذا عزل الموكل وكيله عن الوكالة في غيبة من الوكيل،
فلأصحابنا فيه روايتان:
إحديهما: أنه ينعزل في الحال وإن لم يعلم الوكيل، وكل تصرف يتصرف
فيه الوكيل بعد ذلك يكون باطلا. وهو أحد قولي الشافعي، أو أحد وجهيه.
والثانية: أنه لا ينعزل حتى يعلم الوكيل ذلك، وكلما يتصرف فيه يكون
واقعا موقعه إلى أن يعلم، وهو قول الشافعي الآخر. وبه قال أبو حنيفة.
دليلنا على ذلك: أخبار الطائفة، وهي مختلفة، وقد ذكرناها في الكتابين
المتقدم ذكرهما.
ومن راعى العلم، استدل على ذلك، بأن قال: أن النهي لا يتعلق به حكم في
حق المنهي، إلا بعد حصول العلم به.
وهكذا أبواب نواهي الشرع كلها، ولهذا لما بلغ أهل قبا أن القبلة قد حولت
إلى الكعبة وهم في الصلاة داروا وبنوا على صلاتهم، ولم يؤمروا بالإعادة،
فكذلك نهى الموكل وكيله عن التصرف ينبغي أن لا يتعلق به حكم في حق
الوكيل إلا بعد العلم، وهذا القول أقوى من الأول، وقد رجحناه في الكتابين.
مسألة 4: إذا وكل رجل رجلا في الخصومة عنه، ولم يأذن له في الإقرار،
فأقر على موكله بقبض الحق الذي وكل في المخاصمة فيه، لم يلزمه إقراره عليه
بذلك، سواء كان في مجلس الحكم أو في غيره. وبه قال مالك، والشافعي،
وابن أبي ليلى، وزفر.
4

وقال أبو حنيفة ومحمد: يصح إقراره على موكله في مجلس الحكم، ولا
يصح في غيره.
وقال أبو يوسف: يصح في مجلس الحكم وفي غيره.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، فمن ألزمه بإقرار وكيله فعليه الدلالة.
مسألة 5: إذا أذن له في الإقرار عنه، صح إقراره، ولزم الموكل ما أقربه،
فإن كان معلوما لزمه ذلك، وإن كان مجهولا رجع في تفسيره إلى الموكل دون
الوكيل.
وللشافعي فيه قولان، وفي أصحابه من قال مثل ما قلناه.
وقال ابن سريج: لا يصح من الوكيل الإقرار عن الموكل بحال، ولا يصح
الوكالة في ذلك.
دليلنا: أنه لا مانع من ذلك، والأصل جوازه.
وأيضا قوله عليه السلام: المؤمنون عند شروطهم، وهذا شرط إن يلزمه ما يقر
به الوكيل، فيجب أن يكون ذلك جائزا.
مسألة 6: إذا وكل رجل رجلا في تثبيت حد القذف، أو القصاص عند
الحاكم، أو إقامة البينة عليه، فالتوكيل صحيح. وبه قال جميع الفقهاء، إلا
أبا يوسف، فإنه قال: لا يصح التوكيل في تثبيت الحد بحال.
دليلنا: عموم الأخبار في جواز التوكيل، والأصل أيضا جوازه، والمنع
يحتاج إلى دلالة.
مسألة 7: يصح التوكيل في استيفاء الحدود التي للآدميين وإن لم يحضر
الموكل.
واختلف أصحاب الشافعي على ثلاثة طرق:
5

فذهب أبو إسحاق المروزي، أن الصحيح ما ذكره في كتاب الجنايات من:
أن التوكيل صحيح مع غيبة الموكل.
ومنهم من قال: أن الصحيح ما ذكره هاهنا من: اعتبار حضور الموكل.
ومنهم من قال: المسألة على قولين.
واختار أبو الطيب الطبري قول المروزي.
وقال أبو حنيفة: لا يجوز استيفاؤها مع غيبة الموكل.
دليلنا: أن الأصل جواز ذلك، والمنع يحتاج إلى دلالة، ومن قال: لا
يجوز إلا مع حضور الموكل استدل بقول النبي صلى الله عليه وآله: إدرأوا
الحدود بالشبهات، قال: وفي استيفاء هذا الحد شبهة، لأنه لا يدري الوكيل هل
عفي عن هذا القصاص الموكل فيه أو لم يعف؟ وما ذكرناه أولى.
مسألة 8: إذا وكله في تصرف سماه له، ثم قال: وقد أذنت لك أن تصنع
ما شئت كان ذلك إذنا في التوكيل.
وللشافعي فيه وجهان، أحدهما: مثل ما قلناه.
والثاني: ليس له ذلك، لأنه ما صرح بالإذن فيه.
دليلنا: أنه إذا قال: (أذنت لك أن تعمل ما شئت) دخل فيه التوكيل، لأنه
من جملة ما يشاء، فحمل قوله على عمومه أولى.
مسألة 9: جميع من يبيع مال غيره، ستة أنفس: الأب، والجد، ووصيهما،
والحاكم، وأمين الحاكم، والوكيل. لا يصح لأحد منهم أن يبيع المال الذي في
يده من نفسه إلا لاثنين: الأب، والجد، ولا يصح لغيرهما. وبه قال مالك،
والشافعي.
وقال الأوزاعي: يجوز ذلك للجميع.
وقال زفر: لا يجوز لأحد منهم أن يبيع من نفسه شيئا.
6

وقال أبو حنيفة: يجوز للأب، والجد، والوصي إلا أنه اعتبر في الوصي أن
يشتريه بزيادة ظاهرة، مثل أن يشترى ما يساوى عشرة بخمس عشرة، فإن اشتراه
بزيادة درهم لم يمض ذلك البيع. قاله استحسانا.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأخبارهم أنه يجوز للأب أن يقوم جارية ابنه الصغير
على نفسه، ويستبيح وطؤها بعد ذلك.
وأيضا روي أن رجلا أوصى إلى رجل في بيع فرس له، فاشتراه الوصي
لنفسه، واستفتى عبد الله بن مسعود، فقال: ليس له ذلك، ولا يعرف له مخالف.
وإن قيل: عندكم أن البيع من صحة انعقاده التفرق بالأبدان، ولا يتصور
ذلك بين الإنسان وبين نفسه.
قيل: أجيب عن ذلك بجوابين:
أحدهما: أن البيع قد يلزم من غير التفرق، وهو أن يقول بعد العقد: (أجزت
هذا البيع، أو أمضيته) فإنه يلزم ولا يحتاج إلى التفرق.
والثاني: أنه إذا عقد الأب أو الجد هذا العقد، فإنه يقوم من موضعه حتى يلزم
العقد ويمضى، فيكون ذلك بمنزلة افتراق المتبايعين.
مسألة 10: إذا أطلق الوكالة في البيع، فإطلاقها يقتضي أن يبيع بنقد ذلك
البلد، بثمن المثل حالا، فإن خالف في ذلك، كان البيع باطلا. وبه قال مالك،
والشافعي.
وقال أبو حنيفة: لا يقتضي الإطلاق الحلول، ولا نقد البلد، ولا عوض المثل.
فإذا باعه بخلاف ذلك صح، حتى قال: لو أن السلعة تساوى ألوفا، فباعها بدانق
إلى أجل، صح البيع.
دليلنا: أنه إذا باع بما وصفناه صح بيعه بلا خلاف، وإذا خالف لم يدل
دليل على جواز بيعه، فوجب المنع منه.
7

مسألة 11: إذا اختلف الخياط وصاحب الثوب، فقال صاحب الثوب:
أذنت لك في قطعه قميصا، وقال الخياط: أذنت لي في قطعه قباء، وقد فعلت.
فالقول قول الخياط.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه.
والثاني: القول قول صاحب الثوب. وبه قال ابن أبي ليلى.
دليلنا على ما ذهبنا إليه: أن صاحب الثوب مدع بذلك أرش القطع على
الخياط، فعليه البينة، وإلا فعلى الخياط اليمين.
مسألة 12: إذا كان لرجل على غيره دين، فجاء آخر فادعى أنه وكيله في
المطالبة، وأنكر ذلك الذي عليه الدين، فإن كان مع الوكيل بينة أقامها وحكم
له بها، وإن لم يكن معه بينة، وطالب من عليه الدين باليمين لا يجب عليه، فإن
ادعى عليه علمه بذلك لم يلزمه أيضا اليمين. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: يلزمه اليمين، بناء منه على أصله أنه لو صدقه، أجبر على
التسليم إليه.
ونحن نبني على أصلنا أنه لو صدقه من عليه الدين في توكيله، لم يجبر على
التسليم إليه.
دليلنا: الأصل براءة الذمة، وإيجاب اليمين عليه يحتاج إلى دليل شرعي،
ولا دليل في الشرع يدل عليه.
مسألة 13: إذا صدقه من عليه الدين في توكيله، لم يجبر على التسليم إليه.
وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: إن كان ذلك دينا، أجبر على الدفع إليه، وإن كان عينا
فالمشهور من مذهبه أنه لا يجبر عليه.
وعنه رواية أخرى شاذة: أنه يجبر عليه.
8

دليلنا: أنه لا دليل على إجباره على ذلك، ولأن ذمته مرتهنة بالوديعة
والدين وغيره، ولا يقطع على براءتها بالدفع إلى الوكيل المدعى له ذلك،
وتصديقه إياه، لأن لصاحبه أن يكذبهما، فيجب أن لا يجب عليه التسليم.
مسألة 14: إذا وكل رجلا في كل قليل وكثير، لم يصح ذلك. وبه قال
جميع الفقهاء، إلا ابن أبي ليلى، فإنه قال: يصح ذلك.
دليلنا: أن في ذلك غررا عظيما، لأنه ربما ألزمه بالعقود ما لا يمكنه الوفاء
به، وما يؤدى إلى ذهاب ما له، مثل أن يزوجه بأربع حرائر، ثم يطلقهن قبل
الدخول، فيلزمه نصف مهورهن، ثم يتزوج بأربع أخر، وعلى هذا أبدا. ويشترى
له من الأرضين والعقارات وغيرها مالا يحتاج إليه، وفي ذلك غرر عظيم، فما
يؤدى إليه فهو باطل.
وأيضا فإنه لا دليل على صحة هذه الوكالة في الشرع.
مسألة 15: يكره أن يتوكل مسلم لكافر على مسلم.
ولم يكره ذلك أحد من الفقهاء.
دليلنا: إجماع الفرقة، لأنه لا دليل على جوازه.
مسألة 16: إذا وكل رجلا في بيع ماله، فباعه، كان للوكيل والموكل
المطالبة بالثمن.
وبه قال الشافعي. وقال أبو حنيفة: للوكيل المطالبة به، وليس ذلك للموكل.
دليلنا: أن الثمن قد ثبت أنه للموكل دون الوكيل، ويدخل في ملكه في
مقابلة المبيع الذي زال ملكه بالعقد، وإذا كان الثمن ملكا له كان له المطالبة به،
ولأن المطالبة بالثمن من حقوق العقد لا من شرائطه - مثل خيار المجلس والتفرق
بالأبدان، فإن ذلك من شرط العقد - فلأجل ذلك يتعلق بالعاقد دون الموكل.
9

مسألة 17: لا يصح إبراء الوكيل من دون الموكل، من الثمن الذي على
المشتري. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: يصح إبراء الوكيل بغير إذن موكله.
دليلنا: أن الإبراء تابع للملك، وإذا كان الوكيل لا يملك الثمن، فلا
يصح منه الإبراء، وإنما قلنا أنه لا يملك، لأنه لا يملك هبته بلا خلاف، فلو ملكه
لصح منه هبته.
مسألة 18: إذا وكل رجلا في شراء سلعة، فاشتراها بثمن مثلها، فإن ملكها
يقع للموكل من غير أن يدخل في ملك الوكيل. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: يدخل أولا في ملك الوكيل، ثم ينتقل الملك إلى
الموكل.
دليلنا: أنه لو وكله في شراء من يعتق عليه لم ينعتق عليه، فلو كان الملك
قد انتقل إليه لوجب أن ينعتق عليه، فلما أجمعنا أنه لا ينعتق على الوكيل لو
اشترى من ينعتق عليه إذا اشتراه لنفسه، دل ذلك على أنه لا ينتقل الملك إلى
الوكيل.
مسألة 19: إذا وكل مسلم ذميا في شراء خمر، لم يصح الوكالة، فإن
ابتاعه الذمي له، لم يصح البيع.
وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: يصح التوكيل، ويصح البيع، وعنده أن المسلم لا يملك
الخمر إذا تولى الشراء بنفسه، ولا يصح ذلك، ويملكه بشراء الوكيل الذمي.
دليلنا: أن عقود البيع تحتاج إلى دلالة شرعية، ولا دليل في الشرع على
صحة هذا العقد، فوجب أن يكون باطلا. على أنا بينا في المسألة الأولى: أن شراء
الوكيل يقع لموكله. فإذا كان كذلك، فوجب أن لا يصح شراؤه، كما لو
اشتراه بنفسه.
10

مسألة 20: إذا وكله في بيع فاسد، مثل أن يوكله في البيع والشراء إلى
أجل مجهول مثل قدوم الحاج، وإدراك الثمار، لم يملك بذلك التوكيل البيع
الصحيح وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: يملك بذلك البيع الصحيح، فإذا باع أو اشترى إلى أجل
معلوم صح البيع والشراء.
دليلنا: أنه لو لم يوكله في هذا العقد، فيجب أن لا يصح، وإنما وكله في
غيره، فإذا فسد، فيجب فساد الوكالة.
مسألة 21: إذا وكل صبيا في بيع أو شراء أو غيرهما، لم يصح التوكيل.
وإن تصرف، لم يصح تصرفه. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: يصح توكيله، وإذا تصرف صح تصرفه إذا كان يعقل ما
يقول، ولا يفتقر ذلك إلى إذن وليه.
دليلنا: قوله عليه السلام: رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يحتلم،
وعن المجنون حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ.
ورفع القلم يقتضي أن لا يكون لكلامه حكم.
وأنه لا دلالة على صحة هذه الوكالة، فيجب بطلانها.
مسألة 22: إذا وكله في شراء شاة بدينار أعطاه، فاشترى به شاتين يساوى
كل واحدة منهما دينارا، فإن الشراء يلزم الموكل، فيكون الشاتان له. وبه قال
أكثر أصحاب الشافعي.
وقال الشافعي في كتاب الإجارات: أن إحديهما تلزمه بنصف دينار، وهو
بالخيار في الأخرى، إن شاء أمسكها بالنصف الآخر، وإن شاء ردها، ويرجع
على الوكيل بنصف دينار.
وقال الطبري: لا وجه لهذا القول، إلا أن يكون بناء على ما حكي عنه من أنه
11

يجوز بيع الموقوف.
وحكى المروزي في الجامع عن الشافعي أنه قال: إذا وكله في بيع سلعة
فباعها بما لا يتغابن الناس بمثله، كان له أن يرد.
وهذا أيضا بناء على ما ذكرناه من ذلك القول.
قال أبو الطيب الطبري: والمذهب الصحيح الأول.
وقال أبو حنيفة: يلزم الوكيل البيع في إحدى الشاتين بنصف دينار، ولا
يلزم الموكل في الأخرى بنصف دينار، ويرجع الموكل عليه بنصف دينار.
دليلنا: أن شراء الشاتين وقع للموكل بماله، وقد بينا أن عقد الوكيل
للموكل، فيجب أن يكون شراءهما له.
وأيضا روي عن النبي عليه السلام أنه عرض له جلب، فأعطى عروة البارقي
دينارا ليشتري به شاة للأضحية، فاشترى به شاتين، ثم باع إحديهما بدينار، فجاء
إلى رسول الله صلى الله عليه وآله بشاة ودينار، فقال: هذه الشاة وهذا ديناركم،
فقال النبي كيف صنعت؟ فذكر له ما صنع، فقال له النبي: بارك الله لك في
صفقة يمينك.
مسألة 23: إذا قال: إن قدم الحاج، أو جاء رأس الشهر، فقد وكلتك في
البيع، فإن ذلك لا يصح. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: يصح.
دليلنا: أنه لا دليل على صحة هذا العقد، وعقد الوكالة يحتاج إلى دليل.
12

المبسوط
كتاب الوكالة
الوكالة جائزة بلا خلاف بين الأمة.
وروي عن جابر بن عبد الله أنه قال: أردت الخروج إلى خيبر فأتيت رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلمت عليه وقلت له: إني أريد الخروج إلى خيبر،
فقال لي: إذا أتيت وكيلي فخذ منه خمسة عشر أو سقا فإن ابتغى منك آية فضع
يدك على ترقوته، فأثبت لنفسه صلى الله عليه وآله وكيلا، وروي أنه
صلى الله عليه وآله وكل عمرو بن أمية الضمري في قبول نكاح أم حبيبة وكانت
بالحبشة، ووكل أبا رافع في قبول نكاح ميمونة بنت الحارث الهلالية خالة
عبد الله بن العباس، ووكل عروة بن الجعد البارقي في شراء شاة، ووكل حكيم
بن حزام في شراء شاة.
وروي أن عليا عليه السلام وكل أخاه عقيلا في مجلس أبي بكر أو عمر
فقال: هذا عقيل فما قضي عليه فعلي وما قضي له فلي، وروي عنه عليه السلام أنه
قال: إن للخصومة قحما وإن الشيطان يحضرها، وروي أنه وكل عبد الله بن جعفر
في مجلس عثمان ولم ينكر أحد من الصحابة ذلك فدل على أنه إجماع، وإن
كان فعله عليه السلام عندنا حجة لكن ذلك حجة على المخالف.
فإذا ثبت جواز الوكالة فالكلام بعده في بيان ما يجوز التوكيل فيه وما
لا يجوز، ونأتي به على ترتيب كتب الفقه.
13

أما الطهارة فلا يصح التوكيل فيها وإنما يستعين بغيره في صب الماء عليه -
على كراهية فيه - أو غسل أعضائه - على خلاف فيه، لأن عندنا لا يجوز ذلك
مع القدرة -، وينوي هو بنفسه رفع الحدث، وذلك ليس بتوكيل، إنما هو
استعانة على فعل عبادة.
وأما الصلاة فلا يجوز التوكيل فيها ولا تدخلها النيابة، إلا ركعتي الطواف
تبعا للحج.
وأما الزكاة فيصح التوكيل في إخراجها عنه وفي تسليمها إلى أهل
السهمان، ويصح من أهل السهمان التوكيل في قبضها.
وأما الصيام فلا يصح التوكيل فيه ولا تدخله النيابة ما دام حيا، فإذا مات
وعليه صوم أطعم عنه وليه أو صام عنه في الموضع الذي كان وجب عليه وفرط
فيه.
وأما الاعتكاف فلا يصح التوكيل فيه بحال ولا تدخله النيابة بوجه.
وأما الحج فلا تدخله النيابة مع القدرة عليه بنفسه، فإذا عجز عنه بزمانة أو
موت دخلته النيابة.
وأما البيع فيصح التوكيل مطلقا في إيجابه وقبوله وتسليم المال فيه
وتسلمه، وكذلك يصح التوكيل في عقد الرهن وفي قبضه.
وأما التفليس فلا يتصور فيه التوكيل.
وأما الحجر فللحاكم أن يحجر بنفسه وله أن يستنيب غيره في ذلك.
وأما الصلح ففي معنى البيع ويصح التوكيل فيه.
والحوالة يصح التوكيل فيها أيضا، وكذلك يصح في عقد الضمان،
وكذلك الشركة يصح التوكيل فيها، وكذلك الوكالة فيوكل رجلا في توكيل
آخر عنه، ويصح أيضا في قبول الوكالة فيها عنه.
وأما الإقرار فهل يصح التوكيل فيه أم لا؟ نبينه في كتاب الإقرار.
وأما العارية فيصح التوكيل فيها لأنها هبة منافع.
14

وأما الغصب فلا يصح التوكيل فيه، وإذا وكل رجلا في الغصب فغصب له
كان الحكم متوجها على الذي باشر الغصب، كما يتوجه عليه أن لو غصبه بغير
أمر أحد.
وأما الشفعة فيصح التوكيل في المطالبة بها، وكذلك يصح في القراض
والمساقاة والإجارات وإحياء الموات، وكذلك يصح التوكيل في العطايا
والهبات والوقف.
والالتقاط لا يصح التوكيل فيه، فإذا وكل غيره في التقاط لقطة تعلق
الحكم بالملتقط لا بالآمر وكان الملتقط أحق بها.
والميراث لا يصح التوكيل فيه إلا في قبضه واستيفائه.
والوصايا يصح التوكيل في عقدها وقبولها.
وأما الوديعة فيصح التوكيل فيها أيضا.
وقسم الفئ فللإمام أن يتولى قسمته بنفسه وله أن يستنيب غيره فيه.
وأما الصدقات وهي الزكاة وقد بينا حكمها في التوكيل.
وأما النكاح فيصح التوكيل فيه في الولي والخاطب، وكذلك التوكيل في
الصداق يصح أيضا، ويصح التوكيل في الخلع لأنه عقد بعوض، ولا يصح
التوكيل في القسم لأن القسم يدخله الوطء ولا تصح النيابة فيه.
وأما الطلاق فيصح التوكيل فيه، فيطلق عنه الوكيل مقدار ما أذن له فيه.
وأما الرجعة ففيها خلاف، ولا يمنع أن يدخلها التوكيل.
وأما الإيلاء والظهار واللعان فلا يصح التوكيل فيها لأنها أيمان.
وأما العدد فلا تدخلها النيابة فلا يصح فيها التوكيل.
والرضاع فلا يصح فيه التوكيل، لأنه يختص التحريم بالمرضع والمرضع.
وأما النفقات فيصح فيها التوكيل في صرفها إلى ما تحب.
وأما الجنايات فلا يصح التوكيل فيها، وكل من باشر الجناية تعلق به
حكمها.
15

وأما القصاص فيصح التوكيل في إثباته، فيصح في استيفائه بحضرة الولي،
وهل يصح في غيبته أم لا؟ فيه خلاف، وعندنا يصح.
وأما الديات فيصح التوكيل في تسليمها وتسلمها، والقسامة فلا يصح
التوكيل فيها لأنها أيمان.
وأما الكفارات فيصح التوكيل فيها كما يصح في الزكاة.
وأما قتال أهل البغي فللإمام أن يستنيب فيه.
وأما الحدود فللإمام أيضا أن يستنيب في إقامتها، ولا يصح التوكيل في
إثباتها لأنه لا يسمع الدعوى فيها.
وأما حد القذف فحق الآدميين، فحكمه حكم القصاص يصح التوكيل فيه.
وأما الأشربة فلا يصح التوكيل فيها، وكل من شرب الخمر فعليه الحد دون
غيره.
وأما الجهاد فلا تصح النيابة فيه بحال، لأن كل من حضر الصف توجه
فرض القتال إليه وكيلا أو موكلا، وقد روى أصحابنا أنه تدخله النيابة.
وأما الجزية فهل يصح فيها التوكيل أم لا؟ وكذلك الاحتطاب
والاحتشاش فيه خلاف، والأقوى أن لا يدخلها التوكيل.
وأما الذبح فيصح التوكيل فيه، وكذلك السبق والرماية، لأنه إجارة
أو جعالة وكلاهما يصح فيه التوكيل.
وأما الأيمان فلا يصح التوكيل فيها، وكذلك النذور.
وأما القضاء فتصح الاستنابة فيه.
وأما الشهادات فتصح الاستنابة فيها فتكون " شهادة على شهادة " وذلك
ليس بتوكيل.
وأما الدعوى فيصح التوكيل فيها، لأن كل أحد لا يكمل المخاصمة
والمطالبة.
وأما العتق والتدبير والكتابة فيصح التوكيل فيها.
16

وأما الأحياء فلا يصح التوكيل فيه لأنه يختص بفعله.
فإذا ثبت ذلك فجملة من يحصل في يده مال للغير ويتلف فيها على ثلاثة
أضرب: ضرب لا ضمان عليهم بلا خلاف، وضرب عليهم الضمان، وضرب فيه
خلاف.
فالذين لا ضمان عليهم فهم " الوكيل " و " المرتهن " و " المودع "
و " الشريك " و " المضارب " و " الوصي " و " الحاكم " و " أمين الحاكم "،
و " المستأجر " عندنا و " المستعير " عندنا، وفيه خلاف، فإذا تلف مال الغير في
أيديهم من غير تعد منهم وتفريط فلا ضمان عليهم.
والذين عليهم الضمان فهم " الغاصب " و " السارق "، و " المستعير " عند
قوم، و " المساوم " و " المبتاع بيعا فاسدا إذا قبض المبيع "، فهؤلاء إذا تلف
المال في أيديهم كان عليهم الضمان، سواء تعدوا فيه أو لم يتعدوا.
وأما المختلف فيه فهم الصناع الذين يتقلبون الأعمال مثل القصار والصباغ
والحائك والصائغ وغيرهم، فإذا تلف المال الذي يسلموه للعمل في أيديهم فهل
عليهم الضمان أم لا؟ قيل فيه قولان:
أحدهما: يلزمهم، تعدوا فيه أو لم يتعدوا.
والثاني: لا ضمان عليهم إلا أن يتعدوا، وكلا الوجهين رواه أصحابنا، والأخير
هو الأقوى والأظهر.
فأما بيان من يجوز له التوكيل ومن لا يجوز له التوكيل، فكل من يصح
تصرفه في شئ مما تدخله النيابة صح التوكيل فيه، سواء كان الموكل رجلا أو
امرأة، عدلا أو فاسقا، حرا أو مكاتبا، مسلما أو كافرا، حاضرا أو غائبا، لأن
المكاتب لم يملك التصرف بإذن من جهة سيده فيكون تصرفه موقوفا على إذنه
وإنما يملك المكاتب التصرف في كسبه بالكتابة، فمتى أراد التصرف في شئ
تدخله النيابة كان له أن يباشره بنفسه، وكان له أن يوكل فيه من غير أن يرجع
إلى السيد في شئ من ذلك.
17

وأما العبد الذي ليس بمكاتب فينظر فيه:
فإن كان مأذونا له في التجارة لم يكن له أن يوكل إلا بإذن سيده، لأنه
كالوكيل لسيده ولا يجوز للوكيل أن يوكل فيما جعل إليه إلا بإذن الموكل.
وإن كان غير مأذون له في التجارة فلا يجوز له أيضا أن يوكل وكيلا، لأنه
لا يملك التصرف حتى يأذن له سيده.
فأما ما يملكه العبد بغير إذن السيد فله التوكيل فيه إذا دخلت فيه النيابة،
مثل " الطلاق " و " الخلع " فإنه يملك التصرف في ذلك بنفسه من غير أن تقف
صحته على إذن غيره.
وأما المحجور عليه لسفه فله التوكيل في الطلاق والخلع وطلب القصاص
إذا ثبت له، لأن له أن يطلق ويخلع ويطالب بالقصاص من غير أن يقف ذلك
على إذن وليه، وذلك مما تدخله النيابة فيصح دخول التوكيل فيه، فأما ما سوى
ذلك من بيع أو شراء أو غيره فلا يصح التوكيل فيه لأنه لا يملك بنفسه.
وأما المحجور عليه لفلس فله التوكيل في الطلاق والخلع وطلب القصاص
لما ذكرناه، وله التوكيل في التصرف في الذمة، لأنه لا يملك ذلك ولم يحجر
عليه فيه، وأما التصرف في أعيان أمواله فلا يصح توكيله فيه لأنه حجر عليه فيها
فلا يملك التصرف ولا التوكيل في شئ منها.
وجملته أن كلما لا يملكه بنفسه أو يملكه لكن لا تدخل النيابة فيه فلا يصح فيه
التوكيل، وأما ما يملك التصرف فيه وتدخله النيابة فيصح فيه التوكيل.
هذا كله في من يصح أن يوكل.
فأما الكلام في صحة ما يجوز أن يتوكل فيه لغيره، فجملته أن كل ما يصح
أن يتصرف فيه لنفسه صح أن يتوكل فيه لغيره إذا كان مما تدخله النيابة.
فأما المرأة فإنها تتوكل لزوجها في طلاق نفسها عند الفقهاء، وفيه خلاف
بين أصحابنا، والأظهر أنه لا يصح ذلك، وأما هل يصح أن تتوكل في طلاق
ضرتها وغيرها من النساء؟ قيل فيه وجهان، وعندي أنه لا يمنع من ذلك مانع.
18

وأما العبد فيصح أن يقبل النكاح لنفسه بإذن سيده، وهل يصح أن يتوكل
لغيره في قبول النكاح له أم لا؟ ينظر: فإن كان بغير إذن سيده لم يصح، وإن
كان بإذن سيده قيل فيه وجهان، وعندي أنه يجوز.
وأما الفاسق فيصح أن يقبل النكاح لنفسه بلا خلاف، وهل يصح أن
يتوكل لغيره في قبول النكاح أم لا؟ قالوا فيه وجهان، وعندنا أنه يجوز ذلك ولا
مانع يمنع منه.
وكل ما عدا هذه المسائل الثلاث مما يصح أن يتصرف فيه لنفسه وتدخل
النيابة فيه فإن توكيله يصح فيها.
فأما ما لا يملك التصرف فيه بنفسه فلا يصح أن يتوكل فيه، مثل أن يتزوج
الكافر المسلمة فإنه لا يصح منه أن يتوكل فيه لأنه لا يملك تزويجها، وعند
الشافعي أن المرأة لا يصح منها أن تتوكل في النكاح لأنه لا يصح نكاح تتولاه
بنفسها، وعندنا يصح منها النكاح والوكالة في النكاح.
وأما ما يملك التصرف فيه لكن لا تدخله النيابة فلا يصح أن يتوكل فيه
لغيره.
وإذا ادعى رجل على رجل واستحضره الحاكم لمخاصمة المدعي كان له أن
يحضره وكان له أن يقعد ويوكل غيره في الخصومة، رضي خصمه بذلك أم لم
يرض، ولزمه أن يخاصم وكيله إن أراد المخاصمة، وكذلك إن حضر كان له أن
يجيب بنفسه أو يوكل غيره في الجواب عنه، ولا يجبر على الجواب بنفسه،
وكذلك للمدعي التوكيل في الخصومة على ما ذكرناه.
إذا وكل رجل رجلا بحضرة الحاكم في خصوماته واستيفاء حقوقه صحت
الوكالة وانعقدت، فإذا قدم الوكيل بعد ذلك واحدا من خصومه أو ممن له عليه
حق وكان ذلك بعينه من الموكل فادعى الوكيل الوكالة وطالب الخصم بحق
موكله كان للحاكم أن يحكم له بالوكالة، ويمكنه من المخاصمة على قول من
يقول: إن للحاكم أن يحكم بعلمه، ومن قال: لا يحكم بعلمه، لا يمكن التوكيل من
19

ذلك ولا يحكم له بالوكالة حتى يقيم البينة على وكالته.
وكذلك إذا وكله في غير مجلس الحكم ولم يشاهد الحاكم توكيله إياه،
فإذا حضر لمخاصمة خصم الموكل ومطالبة غريمه لم يحكم له الحاكم بالوكالة
ولم يمكنه من المخاصمة والمطالبة إلا بعد أن يقيم البينة على وكالته، لأنه مخاصم
عن غيره فلم يكن له ذلك حتى يثبت السبب الذي به يستحق النيابة عن موكله،
فإذا أقام البينة على وكالته كان له حينئذ أن يخاصم ويطالب، وليس من شرط
البينة أن يقدم خصما من خصوم الموكل ولا غريما من غرمائه.
إذا أوجب رجل لرجل عقد الوكالة كان بالخيار، بين أن يقبل ذلك وبين
أن يرده فلا يقبله، فإن أراد أن يقبل في الحال كان له ذلك، وله أن يؤخر ذلك
فيقبله أي وقت أراد، ولهذا أجمع المسلمون على أن الغائب إذا وكل رجلا ثم بلغ
الوكيل ذلك بعد مدة فقبل الوكالة، انعقدت.
فإذا ثبت هذا فله أن يقبل لفظا، وله أن يقبل فعلا مثل أن يتصرف في الذي
وكله فيه، وكذلك إذا أودعه مالا وأحضر المال بين يديه فلا فرق بين أن يقبل
الوديعة لفظا، وبين أن يقبلها فعلا بأن يأخذها ويحرزها، فإذا حصل القبول
وانعقدت الوكالة كان لكل واحد منهما أن يثبت عليها وله أن يفسخها لأن
الوكالة عقد جائز كعقد الجعالة.
فإذا ثبت ذلك فالعقود على أربعة أضرب: ضرب جائز من الطرفين،
وضرب لازم من الطرفين، وضرب لازم من طرف وجائز من طرف، وضرب
مختلف فيه.
فأما الجائز من الطرفين فمثل الجعالة والشركة والوكالة والمضاربة
والوديعة والعارية وما أشبهها.
والضرب اللازم من الطرفين مثل البيع والإجارة، والنكاح على الصحيح
من المذهب، لأن الزوج وإن كان يملك رفع العقد بالطلاق فليس ذلك بفسخ
للعقد المتقدم، وهو بمنزلة أن يعتق العبد المبيع فإنه يزول الملك ويرتفع العقد،
20

ولا يجعل البيع في معنى العقد الجائز.
والضرب الثالث الذي يلزم من وجه ولا يلزم من وجه فهو الرهن بعد
القبض، فإنه لازم من جهة الراهن وجائز من جهة المرتهن، وكذلك الكتابة
جائزة من جهة العبد ولازمة من جهة السيد.
أما الضرب المختلف فيه فهو السبق والرمي، وقيل فيهما قولان: أحدهما أنه
جعالة، وهو الأقوى، فعلى هذا يكون جائزا من الطرفين، والقول الثاني أنه إجارة
فهو لازم من الطرفين.
فإذا ثبت أن الوكالة عقد جائز من الطرفين فإن لكل واحد منهما الفسخ.
فأما الوكيل فله أن يفسخ الوكالة ويعزل نفسه سواء حضر الموكل أو
غاب، وإذا فسخها لم يكن له بعد ذلك أن يتصرف فيما وكل فيه
فأما إذا فسخ الموكل الوكالة نظر: فإن كان الوكيل حاضرا انفسخت ولم
يجز له أن يتصرف بعد ذلك، وإذا كان الوكيل غائبا قيل فيه وجهان:
أحدهما: أن الوكالة تنفسخ في الحال ولا يقف الفسخ على علم الوكيل، فإذا
تصرف الوكيل بعد ذلك كان تصرفه باطلا.
والثاني: أن الوكالة لا تنفسخ حتى يعلم الوكيل ذلك، فإذا علم حينئذ
انفسخ فتقف صحة الفسخ على علمه.
وكلا الوجهين قد رواه أصحابنا.
ومتى تصرف قبل العلم وبعد الفسخ من الموكل صح تصرفه، فعلى هذا
إذا وكل رجلا في استيفاء القصاص فيجئ به الوكيل ليقتص منه فعزله الموكل
قبل الضرب وضرب الوكيل قبل العلم بالعزل عنقه فمن قال: إن الوكالة تنفسخ
وإن لم يعلم الوكيل، قال: هذه جناية خطأ من الوكيل، ومن جعل العلم شرطا
قال: الاستيفاء وقع موقعه.
فأما إذا مات الموكل أو أعتق العبد الموكل في بيعه أو باعه الموكل قبل
بيع الوكيل فإنه تنفسخ الوكالة بلا خلاف.
21

وقد ذكرنا أن عقد الوكالة جائز، ولكل واحد من المتعاقدين فسخه أي
وقت شاء، فإذا ثبت هذا فلا فرق بين أن يقول " فسخت الوكالة " أو " أبطلت
الوكالة " أو " نقضتها " أو " عزلتك عنها " أو " صرفتك عنها " أو " أزلتك
عنها " وما أشبه ذلك من الألفاظ التي تقتضي الفسخ والعزل وتصرح بمعناه
وتؤدي مؤداه.
فأما ما تنفسخ به الوكالة فمثل " الموت " و " الجنون " و " الإغماء "، فإذا
مات أحدهما أو جن أو أغمي عليه بطلت الوكالة، لأن الموت يبطل الملك مثل
البيع والعتق، والجنون والإغماء يثبت عليه الولاية فيصير محجورا عليه مثل
الصبي وتوكيل الصبي لا يصح، فأما " النوم " فلا يبطل الوكالة لأنه لا يسقط
فرض الصلاة والإغماء والجنون يسقطان فرض الصلاة، ويثبتان عليه الولاية
والنوم لا يثبتها له.
فأما إذا حجر عليه لسفه بطل توكيله والتصرف في أعيان أمواله وفي ذمته،
ولم يبطل في الطلاق والخلع والقصاص، لأن الحجر لا يمنع هذه الأشياء ويمنع
ما عداها، وكذلك الوكيل إذا حجر عليه تبطل وكالته لأنه لا يصح تصرفه لنفسه
فكذلك لا يصح تصرفه عن غيره، ولا يبطل توكيله في الطلاق والخلع وطلب
القصاص لما بيناه.
وإن حجر عليه لفلس بطلت الوكالة في أعيان أمواله ولم تبطل في التصرف
في الذمة وفي الطلاق والخلع وطلب القصاص، لأن الحجر عليه لا يمنع من هذه
ويمنع من ما عداها.
إذا وكل الرجل رجلا في الخصومة ولم يأذن له في الإقرار فأقر على موكله
بقبض الحق الذي وكله في المخاصمة فيه لم يلزمه إقراره عليه بذلك، سواء كان
بمجلس الحاكم أو في غيره إذا لم يأذن له في الإقرار عليه.
فأما إذا أذن له في الإقرار عليه ووكله فيه فإنه يصح ذلك لأنه لا مانع منه،
وفي الناس من قال: لا يصح أصلا، فمن قال " يصح " فإذا أقر الوكيل لزم
22

الموكل إقراره، ومن قال " لا يصح " فإذا أقر الوكيل لم يلزم الموكل إقراره، لأن
الإقرار إخبار عن حق واجب عليه، وإخبار الرجل عن حق واجب على غيره
لا يثبت إلا بشهادة، وهذا ليس بشهادة فلا يثبت بها الحق، لأنه لو قال: رضيت بما
يشهد به علي فلان لفلان من الحقوق، فشهد عليه ذلك الرجل الذي أشار إليه لم
يلزمه ذلك.
فمن قال يصح التوكيل به قال: إذا أقر الوكيل عليه بما أذن له فيه لزمه
إقراره.
ومن قال: لا يصح التوكيل فيه، اختلفوا فمنهم من قال: يكون توكيله والإذن
عنه في الإقرار عنه إقرارا منه لأنه أخبر عن حق عليه لخصمه، وقال غيره: لا يكون
ذلك إقرارا لأن التوكيل في الشئ لا يكون إثباتا لنفس ذلك الشئ الموكل فيه
كما أن التوكيل في البيع لا يكون بيعا، وكذلك الأمر بالأمر لا يكون أمرا، لأن
النبي صلى الله عليه وآله قال: مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع،
فكان ذلك منه أمرا للآباء دون الأولاد، هذا إذا أذن له في الإقرار بشئ معلوم.
فأما إذا أذن له في الإقرار بشئ مجهول مثل أن يقول له: وكلتك في الإقرار
على بحق، فمن قال يصح توكيله في ذلك قال: يصح توكيله هاهنا، فإذا أقر
الوكيل بالمجهول لم يثبت الإقرار ورجع إلى الموكل في تفسيره، ومن قال:
لا يصح ولا يكون إقرارا، فلا معنى لذلك التوكيل فيه، وجوده وعدمه بمنزلة.
هذا كله إذا وكله في الإقرار عنه.
فأما إذا وكله في الإبراء والصلح صح ذلك لأنه تصرف مستأنف يصح
التوكيل فيه، وليس كذلك الإقرار فإنه إخبار عن حق سابق، وقد بينا أن ذلك
لا يصح إلا على وجه الشهادة وهذا ليس بشهادة.
إذا وكل رجل رجلا في تثبيت حد القذف أو القصاص عند الحاكم وإقامة
البينة عليه فإن التوكيل صحيح بلا خلاف، إلا أبا يوسف فإنه قال: لا يصح
التوكيل في تثبيت الحد بحال.
23

هذا في حدود الآدميين.
فأما التوكيل في استيفائها فإنه يجوز أيضا، وليس من شرط استيفائها حضور
الموكل لأنه لا مانع منه، وفي الناس من قال: لا يصح إلا بحضرة الموكل.
فأما حدود الله تعالى فإنه لا يصح التوكيل في تثبيتها إجماعا، لأن مستحقها
هو الله تعالى وهو غير مطالب بها ولا مستنيب في المطالبة، لأنه أمر بسترها
وتغطيتها، فلم يصح التوكيل فيها، بمنزلة حق الآدمي إذا لم يطالب، وأما
التوكيل في استيفائها فإنه يجوز إذا أقامت البينة به أو أقر من قد وجب عليه، فإنه
يجوز للإمام أن يستنيب في إقامة الحد عليه، لأن النبي صلى الله عليه وآله
والأئمة عليه السلام لم يكونوا يقيمون الحدود بأنفسهم وإنما يستنيبون في إقامتها
غيرهم، ولا خلاف أنه ليس من شرط إقامة هذه الحدود حضور الموكل الذي هو
الإمام، لأنه ليس له العفو فلا فائدة لحضوره.
إذا وكل إنسان رجلا في التصرف في مال ببيع وشراء وغيرهما فهل يجوز
التوكيل للوكيل فيما جعل إليه أم لا؟ فإنه لا يخلو حال الوكالة من أحد أمرين:
إما أن تكون مطلقة أو مقيدة بالإذن في التوكيل.
فإن كانت مطلقة لم تخل من ثلاثة أحوال: إما أن يكون ذلك العمل الذي
وكله فيه عملا يترفع مثله عنه، مثل أن يكون وكله في البيع والشراء وما جرت
عادته بالابتذال في السوق بذلك، أو يكون ذلك عملا لا يترفع عن مثله لكنه
مستنشر كثير لا يمكنه القيام به بنفسه، أو يمكنه القيام به.
فإن كان ذلك العمل مما يترفع عن مثله جاز له التوكيل فيه لأن إطلاق
التوكيل فيه لمثله في مثل ذلك العمل يقتضي الإذن في التوكيل.
فإن كان لا يترفع عن مثله لكنه مستنشر كثير لا يمكنه القيام بنفسه جاز له
أن يوكل فيه، لأن إطلاق ذلك يقتضي الإذن في التوكيل، فإذا ثبت أن له أن
يوكل فهل يجوز له التوكيل في جميعه أم لا يجوز إلا في قدر ما يفضل عن كفايته
بنفسه؟ قيل فيه وجهان:
24

أحدهما: يجوز التوكيل في الجميع، لأن إطلاق الوكالة يقتضي ذلك.
والثاني - وهو الأولى -: أنه لا يجوز له التوكيل إلا في القدر الفاضل عن
كفايته بنفسه، لأن هذا التوكيل إنما جوز له لأجل الحاجة الداعية إليه، لأنه
لا يمكنه القيام بنفسه، فلم يجز إلا في قدر الحاجة.
وأما إذا كان ذلك العمل مما لا يترفع عن مثله ويمكنه القيام بنفسه فإنه لا
يجوز له أن يوكل فيه، لأنه أذن له في عقود معينة ولم يأذن له في التوكيل، كما
لو وكله في البيع لم يجز له أن يتزوج له، ولأنه رضي بأمانته ولم يرض بأمانة
غيره، فلا يجوز له أن يأتمن على ماله من لم يرض هو بأمانته.
وأما إذا كانت الوكالة مقيدة بالإذن في التوكيل جاز له ذلك لأنه عقد أذن
له فيه، فإذا ثبت هذا فإن وكل عن الموكل كانا وكيلين له، فكان له أن يعزلهما
متى شاء ويعزل أحدهما إن أراد، وليس لأحد الوكيلين أن يعزل صاحبه، فإن
مات الموكل بطلت وكالتهما، وإن مات أحدهما لا تبطل وكالة الآخر، لأنه ليس
توكيل له.
فأما إذا وكله عن نفسه كان وكيلا له، وله أن يعزله، فإن مات الموكل
بطلت وكالتهما، وإن مات الوكيل الأول بطلت وكالته ووكالة وكيله لأنه فرع
له، وإن مات الوكيل الثاني لم تبطل وكالة الأول لأنه ليس بفرع له.
إذا وكله في تصرف سماه له ثم قال: وقد أذنت لك في أن تصنع ما شئت،
فهل يكون ذلك إذنا في التوكيل؟ فالأولى أن يقال: إن ذلك إذن له لأنه جعل
الخيار إليه، وقيل: ليس له ذلك لأنه ما صرح بالإذن فيه العمل مما يمكنه
مباشرته بنفسه وقوله " تصنع ما شئت " راجع إلى التصرف الذي سماه له دون
غيره.
إذا ولى الإمام رجلا القضاء في ناحية فهل له أن يستنيب في القضاء أم لا؟
ينظر: فإن جعل إليه أن يستنيب في القضاء كان له ذلك، وإن أطلق ذلك ولم
يصرح بالإذن في الاستنابة، فإن أمكنه مباشرة ذلك بنفسه لم تجز الاستنابة فيه،
25

وإن لم يمكنه ذلك لكثرته وانتشاره جاز له الاستنابة فيه، وهل تجوز له الاستنابة
في الجميع؟ قيل فيه وجهان مثل الوكالة المطلقة.
إذا اختلف الموكل والوكيل فلا يخلو اختلافهما من ثلاثة أحوال: أحدها أن
يختلفا في التلف، والثاني أن يختلفا في الرد، والثالث أن يختلفا في التصرف.
فإن اختلفا في التلف فادعى الوكيل تلف المال الذي سلمه الموكل إليه
ليتصرف فيه وأنكر الموكل تلفه، أو ادعى تلف الثمن الذي قبضه بعد ما أقر له
الموكل بالقبض غير أنه أنكر التلف، فالقول قول الوكيل في ذلك، لأنه أمين قد
ادعى في الأمانة ما يتعذر إقامة البينة عليه، فكان القول قوله فيه، كالوصي إذا ادعى
الإنفاق على اليتيم فإن القول قوله مع يمينه، لأنه يتعذر عليه إقامة البينة على كل
ما ينفقه من قليل وكثير، وكذلك الوكيل يتعذر عليه إقامة البينة على التلف لأنه
قد يتلف المال ظاهرا أو باطنا.
وكذلك كل أمين ادعى تلف الأمانة، من أب أو جد أو حاكم أو أمين
حاكم أو شريك أو مضارب أو مرتهن أو ملتقط أو مستأجر، أو أجير مشترك -
عند من ينفي عنه الضمان - أو مودع.
وإن اختلفا في الرد فادعى الوكيل رد المال الذي سلمه إليه أو رد الثمن
وأنكر الموكل ذلك نظر: فإن كان وكيلا بغير جعل قبل قوله في ذلك مع
يمينه لأنه قبض المال لمنفعة غيره دون منفعته فهو كالمودع يدعي رد الوديعة
على صاحبها، وإن كان وكيلا بجعل قيل فيه قولان:
أحدهما: أن القول قول الموكل مع يمينه لأن الوكيل قبض المال لمنفعة
نفسه وهو " الجعل "، فهو كالمرتهن يدعي رد " الرهن " أو المستعير يدعي رد
" العارية " أو المستأجر يدعي رد " العين المستأجرة ".
والوجه الثاني: أن القول قول الوكيل لأنه أخذ العين بمنفعة الموكل، لأنه
لا ينتفع بعين المال والجعل لا يتعلق بقبض العين ولا يتعلق بها، فقبضه لهذا
المال مثل القبض المودع للعين المودعة، ومثله قبض الوكيل بغير جعل،
26

ويفارق المستعير والمرتهن، لأن حقوقهما متعلقة بالعين، فقد حصل من جملة هذه
ثلاثة أقسام:
أحدها: يكون القول قول من يدعي الرد، وهو " الوكيل بلا جعل "
و " المودع " إذا ادعيا الرد.
والثاني: القول قول من يدعى عليه الرد وهو " المرتهن " و " المكتري "
و " المستعير " إذا ادعوا الرد.
والثالث: على وجهين، وهو " الوكيل بجعل " و " المضارب " و " الشريك "،
و " الأجير المشترك " - عند من يجعل قبضه قبض أمانة -، ففي كل هذه
وجهان، والوجه الأول أقواها.
وأما إذا اختلفا في التصرف فادعى الوكيل التصرف مثل أن يقول: بعت
المال الذي وكلتني في بيعه، فينكر الموكل ويقول: ما بعته بعد، أو يصدقه في
البيع ويكذبه في قبض الثمن والوكيل يدعي القبض، قيل فيه قولان:
أحدهما: أن القول قول الوكيل، لأنه يملك هذا العقد والقبض، فإذا ادعى
ذلك كان القول قوله، كما لو ادعى الأب تزويج ابنته البكر فأنكرت البكر كان
القول قوله فيه، سواء ادعى تزويجها قبل بلوغها أو بعده.
والثاني: أن القول قول الموكل، لأن الوكيل إذا ادعى قبض الثمن وأنكره
الموكل فقد أقر الوكيل على موكله بحق الأجنبي فكان القول قول الموكل في
ذلك، كما إذا ادعى على الموكل أنه قبض الثمن من المشتري بنفسه فإنه لا يقبل
قول الوكيل على موكله بلا خلاف، والصحيح الأول.
إذا ادعى الوصي تسليم المال إلى اليتيم بعد بلوغه وأنكر اليتيم ذلك كان
القول قول اليتيم، وعلى الوصي البينة على التسليم لقوله تعالى " فإذا دفعتم إليهم
أموالهم فأشهدوا عليهم " فأمر بالإشهاد، فلو كان الوصي يقبل قوله لما أمر
بالإشهاد ولا أطلق الدفع، كما قال في رد الوديعة " فليؤد الذي اؤتمن أمانته
وليتق الله ربه "، ولأن الوصي يدعي تسليم المال إلى من يأتمنه عليه، فهو كما
27

وكل رجل رجلا في قضاء دينه عنه لغريمه فادعى الوكيل على الغريم القضاء
وأنكر الغريم ذلك كان القول قوله، لأنه يدعي التسليم إلى من لم يأتمنه عليه،
وتفارق دعوى الإنفاق على اليتيم حيث قلنا: القول قول الوصي، لأنه يتعذر عليه
إقامة البينة عليه لأنه يتكرر ويكثر ويقل، وليس كذلك رد الجميع فإنه لا يتكرر
ولا يتعذر عليه إقامة البينة عليه.
إذا ثبت هذا فكل أمين رد الأمانة على من لم يأتمنه وأنكر ذلك المدعى عليه
كان القول قوله فيه دون المدعي، مثل المودع يدعي رد الوديعة على ورثة
المودع، والملتقط يدعي رد اللقطة على صاحبها أو وارثه، ومن هبت الريح بثوب
إلى داره إذا ادعى رده على صاحبه أو وارثه، والأب أو الجد إذا ادعى رد المال
على الابن إذا بلغ لأنه لم يأتمنه، وكذلك الحاكم وأمينه إذا ادعيا رد المال على
اليتيم بعد بلوغه، وكذلك الشريك أو المضارب إذا ادعى رد المال على ورثة
صاحب المال، وكذلك كل من حصل في يده حيوان لغيره من طائر أو بهيمة أو
غير ذلك، لأن جميع هؤلاء يدعون رد المال على من يأتمنهم عليه فلم يقبل قولهم
فيه.
إذا وكل رجل رجلا ببيع مال ثم سلم إليه المال فباعه الوكيل وقبض
الثمن، فطالبه الموكل بتسليم الثمن الذي قبضه، أو طالبه برد المال الذي وكله في
بيعه قبل أن يبيعه، وجب عليه رده، ولا يجب الرد على الوكيل إلا بعد مطالبة
الموكل.
إذا ثبت أنه يجب رده عليه فلا كلام، وإن أخر الرد لم يخل من أحد أمرين:
إما أن يكون لعذر، أو لغير عذر.
فإن كان لعذر فأخر الرد حتى يزول العذر لم يصر ضامنا بذلك، لأنه إنما
يجب عليه الرد حسب ما جرت به العادة من ارتفاع الأعذار، لأن الأمانة لا تبطل إلا
بالتفريط ولا تفريط مع قيام العذر.
فإذا ثبت هذا فإن تلف المال قبل زوال العذر فلا ضمان عليه لأنه تلف بحكم
28

الإمساك المتقدم، وإن تلف بعد زوال العذر وإمكان الرد لزمه الضمان، لأنه أخر
الرد بعد وجوبه مع الإمكان.
فأما إذا لم يكن له عذر، مثل أن يكون المال معه حاضرا وهو فارع غير
متلبس بشغل فأخره إلى وقت آخر مثل أن يقول: أرده عليك غدا، صار ضامنا
بذلك لأنه متعد بترك الرد مع الإمكان، فإن ادعى بعد ذلك التلف وذكر أنه
كان قد تلف قبل المطالبة أو ادعى الرد قبل المطالبة لم يقبل قوله في ذلك، لأنه
صار خائنا بتأخيره الرد مع الإمكان وبطلت أمانته فلم يقبل قوله.
فأما إذا قال: كان هذا المال تلف قبل المطالبة، أو رددته قبل المطالبة وأنا
أقيم البينة على ذلك، فهل تقبل بينته أم لا؟ قيل فيه وجهان:
أحدهما - وهو الصحيح -: أنها تسمع منه، لأنه يقيمها على تلف أو رد لو
صدقه لم يلزمه الضمان، فكذلك إذا قامت عليه البينة.
والثاني: أنها لا تسمع بينته، لأنه كذبها بقوله " أرده عليك وقتا آخر " لأن
ذلك يقتضي سلامته وبقاءه في يده، وفي الناس من قال: هذا القول أرجح
وأصح لأنه بقوله الثاني مكذب لقوله الأول ومكذب لبينته بقوله الأول فلم تسمع
منه.
وأما إذا صدقه على تلفه فقد أقر ببراءته فلا يجوز له مطالبته، وليس كذلك
إذا قامت البينة لأنه لم يبرئه صاحب المال بل هو مكذب لها فكأنه لم يقم البينة
ولم يبرئه صاحب المال فلزمه الضمان.
إذا كان لرجل قبل رجل مال فطالبه بتسليمه إليه فقال: لا أسلمه إليك
حتى تشهد على نفسك بالتسليم، فهل له ذلك أم لا؟ اختلف أصحاب الشافعي
في ذلك، فأكثرهم فصلوا الحال فيه فقالوا:
إن كان هذا المطالب بالتسليم يقبل قوله في التلف والرد - مثل المودع
والوكيل بلا جعل - لم يكن له ذلك وكان عليه أن يرد بلا إشهاد، ومتى ما أخر
الرد لزمه الضمان لأنه لا حاجة به إلى الشهادة، لأن أكثر ما يتوقعه منه أن يدعي
29

عليه المال، فإذا ادعى هو الرد كان القول قوله مع يمينه فسقط دعواه عن نفسه
بقوله، وإذا لم تكن به حاجة إلى البينة لم يكن له الامتناع من الرد.
وإن كان ممن لا يقبل قوله في الرد - كالوكيل بجعل والمرتهن - نظر:
فإن لم تكن له عليه بينة بتسليم ذلك المال إليه لم يكن له أن يطالبه
بالإشهاد، وكان عليه التسليم من غير بينة لأنه لا حاجة به إلى البينة، لأن أكثر ما
يتوقعه منه أن يدعي عليه، فإذا ادعاه عليه كان له أن يقول: ليس لك عندي
شئ، فيكون القول قوله مع يمينه فيسقط دعواه بقوله.
وأما إذا كان له عليه بالتسليم بينة كان له أن يمتنع حتى يشهد لأن به حاجة
إلى ذلك، لأنه إذا ادعي عليه ذلك المال فإن أنكر قال: ما لك عندي شئ، أقام
البينة عليه، ولا يقبل قوله ولا يمينه في الرد إن ادعاه، فإذا ثبت أن له ذلك فإن
امتنع لم يجب عليه الضمان.
وقال ابن أبي هريرة: إن له أن يمتنع في هذه المسائل من الرد حتى يشهد
على نفسه بالتسليم لأن له غرضا في ذلك وهو إسقاط اليمين عن نفسه وخاصة في
زماننا لأن الأمناء الباعة يحفظون أنفسهم عن الأيمان حتى لا يعتقد فيهم الخيانة
فإذا كان فيه غرض صحيح كان له الامتناع.
والأول أصح، لأن اليمين إذا كانت صادقة فهو مأذون له فيها لقول رسول
الله صلى الله عليه وآله: ولا تحلفوا بالله إلا وأنتم صادقون، ولأنه يستحق
بذلك الأجر، ولا اعتبار بعادة العامة.
إذا ادعى على وكيله أنه طالبه برد المال الذي له في يده فامتنع من الرد مع
الإمكان فهو ضامن، فأنكر الوكيل ذلك وقال: ما طالبتني برده فلا ضمان علي،
كان القول قول الوكيل مع يمينه لأنه ادعى عليه الخيانة والأصل أمانته.
فإذا ثبت هذا فإن حلف كان على أمانته، فإن كان المال قد تلف فلا ضمان
عليه، وإن نكل ردت اليمين على الموكل، فإذا حلف أنه طالبه فمنعه من غير عذر
لزمه الضمان، وكذلك إن أقام عليه البينة بذلك لزمه الضمان أيضا.
30

إذا قال لرجل: وكلتك في بيع متاعي وقد سلمته إليك وقبضته مني،
فقال: ما أعطيتني شيئا، كان القول في ذلك قوله مع يمينه لأن الأصل أنه ما
أعطاه شيئا، وعلى المدعي البينة، فإن أقام عليه البينة بالتسليم إليه حكم عليه
بذلك، فإن قال: صدقت البينة غير أن ذلك المال قد تلف، أو قال: رددته
عليك، لم يقبل منه ذلك لأنه صار خائنا بجحوده التسليم، والخائن إذا ادعى
فلا ضمان على المودع، وأما الوكيل فإن كان سلمها إليه بحضرته أو في غيبته
وأشهد عليه أو لم يشهد عليه، فمن قال: لا يلزمه الإشهاد، لم يرجع الموكل عليه
بشئ، ومن قال: يلزمه ذلك، رجع عليه بقيمة ذلك المال.
تلف المال أو رده لم يقبل قوله في ذلك، فإن قال: أنا أقيم البينة على التلف أو
الرد قبل المخاصمة والجحود، فهل تسمع بينته؟ قيل فيه وجهان على مضى قبل
هذه المسألة.
فأما إذا قال: ليس لك عندي شئ، كان القول قوله في ذلك مع يمينه
وعلى صاحبه البينة، فإن أقام عليه البينة بالتسليم إليه ثم قال: صدقت البينة وقد
تلف ذلك المال أو رددته، كان القول قوله لأنه صادق في إنكاره، لأن الأمانة إذا
تلفت أو ردت لم يبق للمؤتمن على الأمين شئ.
إذا دفع إلى وكيله مالا وقال له: اقض به دين فلان الذي علي، فادعى
الوكيل قضاءه وأنكر صاحب الحق كان القول فيه قوله، لأن الموكل لو ادعى
عليه لم يقبل قوله فقول الوكيل أولى أن لا يقبل، ولأن الأمين يدعي رد الأمانة
على من لم يأتمنه فلم يقبل قوله عليه، كالوصي إذا ادعى تسليم المال على اليتيم،
فإذا ثبت أن القول قول صاحب الحق فإذا حلف سقط دعوى الوكيل وكان له
مطالبة الموكل بالمال، وهل للموكل مطالبة الوكيل بالمال الذي سلم إليه؟
نظر:
فإن كان قضاه بحضرته لم يكن له الرجوع به عليه لأن المفرط في ذلك هو
الموكل دون وكيله.
31

وإن كانت بغيبته كان له الرجوع على الوكيل، لأنه فرط في ترك الشهادة
عليه بذلك، سواء صدقه الموكل أو كذبه لأنه يقول مع التصديق: إنما أمرتك
بقضاء مبرئي ولم تفعل ذلك فعليك الضمان.
فأما إذا صدقه صاحب الحق في القضاء ثبت القضاء وبرئ الموكل من
الدين ولم يكن له مطالبة الوكيل بشئ لأنه أمره بإبراء ذمته وقد فعل ما أمره به.
فأما إذا كان ذلك في الإيداع فأمره أن يودع المال الذي أعطاه إياه رجلا
سماه له، فادعى الوكيل تسليمه إلى المودع وأنكر المودع ذلك كان القول قوله
مع يمينه، فإن حلف أسقط دعوى الوكيل، وهل يرجع الموكل على الوكيل أم
لا؟ ينظر:
فإن كان تسليمه إلى المودع بحضرته لم يرجع عليه لأنه غير مفرط فيه.
وإن كان بغيبته فهل يكون مفرطا بترك الإشهاد؟ قيل فيه وجهان:
أحدهما: لا يكون مفرطا لأنه لا فائدة في الشهادة لأن أكثر ما فيه أن يثبت بها
إيداع بالشهادة، فإذا ثبت كان للمودع أن يدعي التلف أو الرد، وإذا ادعى ذلك
كان القول قوله مع يمينه.
والثاني: أن الوكيل يكون مفرطا في تركه الإشهاد، لأنه أمره بإثبات الإيداع
كما أمره بإثبات القضاء في المسألة الأولى، فإذا لم يشهد فقد ترك ما أمره به.
فمن قال: يكون مفرطا، رجع به عليه كما قلنا في القضاء، ومن قال:
لا يكون مفرطا، لم يرجع به عليه، وهو الأقوى.
فأما إذا صدقه المودع على ذلك نظر: فإن كانت الوديعة باقية كان
الموكل بالخيار، بين أن يتركها في يده وبين أن يسترجعها، وإن كانت تالفة
إذا وكله بجعل فادعى الموكل عليه خيانة لم تسمع منه دعوى الخيانة حتى
يعينها فيقول: خنتني - مثلا - بعشرة دراهم، فإذا صير دعواه مقدرة معلومة
سمعت، فإن أنكر الوكيل كان القول قوله فيه، فإذا حلف أسقط الدعوى وطالبه
بالجعل، وإن نكل حلف الموكل، فإذا حلف ثبت دعواه ولزمه قدر الجناية وقد
32

لزم الموكل للوكيل قدر الجعل.
فإن كانا من جنس واحد تساويا في قدر الجعل وتقاصا، وإن اختلفا في
القدر تقاصا في مقدار ما يتساويان فيه، ويرجع صاحب الفضل على صاحبه
بالفضل.
وإن كانا من جنسين لم يتقاصا ورجع كل واحد منهما على صاحبه بحقه، فإذا ثبت هذا
فإذا وكله في البيع فشرط له جعلا فباع الوكيل كان له أن يطالب
الموكل بالجعل قبل تسليم الثمن.
وجملة ذلك أن العمل الذي يستحق به عوضا على ضربين: ضرب يقف
استحقاق تسليم الأجرة على تسليمه، وضرب لا يقف على تسليمه.
فالأول مثل الثوب ينسجه الحائك أو يخيطه الخياط أو يصبغه الصباغ أو
يقصره القصار وما أشبه ذلك، وليس له أن يطالب صاحب الثوب بالأجرة حتى
يسلم إليه الثوب، لأنه عمل يمكن تسليمه فوقف استحقاق الأجرة عليه، إلا أن
يكون الصانع في ملك صاحب الثوب فيكون له المطالبة بالأجرة قبل تسليم
الثوب إليه، لأنه إذا كان في ملكه فكلما فرع من جزء من العمل يصير ذلك
مسلما إلى صاحبه، وإذا لم يكن الصانع في ملك صاحب الثوب فتلف الثوب في
يده فمن قال: إن يده يد أمانة، لم يستحق الأجرة ولم يجب عليه الضمان، سواء
تلف قبل العمل أو بعده، ومن قال: إن يده يد ضمان، فإن كان بعد العمل قوم
عليه معمولا فإذا غرم القيمة استحق الأجرة، وإن كان قبل العمل قوم عليه غير
معمول ولم يستحق شيئا من الأجرة لأنه ما عمل شيئا.
وأما الذي لا يقف استحقاق الأجرة على تسليمه فهو مثل أن يكون يوكله في
البيع ويجعل له أجرة، فإذا باع طالبه بالجعل قبل تسليم الثمن إليه لأنه استحقه
بالبيع، فالبيع تصرف مجرد فلا يمكن تسليمه، وما لا يمكن تسليمه لا يقف
استحقاق الأجرة عليه، وكذلك إذا استأجر راعيا يرعى مواشيه فرعاها المدة
المعلومة كان له مطالبته بالأجرة قبل التسليم، لأن الرعي عمل مجرد لا يمكن
33

تسليمه فلا يقف استحقاق الأجرة عليه.
فأما إذا وكله فقال له: وكلتك في بيع هذا المال فإن بعته وسلمت الثمن
إلي فلك عندي درهم، لم يستحق الدرهم حتى يبيع ويسلم إليه الثمن، لأنه جعل
البيع والتسليم شرطين في استحقاق الدرهم.
إذا أعطى وكيله عشرة دراهم مثلا وأمره أن يشترى له طعاما بعشرة،
فصرف الوكيل تلك الدراهم في حاجته صارت قرضا له عليه وتبطل الوكالة،
لأنه إن كان قد أمره أن يشتري طعاما بتلك الدراهم بعينها فقد أذن له في
التصرف بشئ معين وقد تلف بصرفه إياه في حاجته، فتعذر التصرف للموكل
فيما أمره به بعينه، فهو كما لو وكله في بيع عبد فمات العبد قبل أن يبيعه فإنه
تبطل الوكالة، وأيضا فإنه تعذر عليه التصرف على الوجه المأذون فيه.
وأما إذا كان أذن له في شراء الطعام مطلقا ولم يعين الشراء بها بطلت
وكالته أيضا، لأن إطلاق ذلك يقتضي أن يشتري الطعام في الذمة وينقد فيه تلك
الدراهم، فإذا صرفها في حاجته فقد تعذر عليه أن ينقدها في الطعام فبطلت
وكالته، وكذلك لو صرفت تلك الدراهم منه لمثل ما ذكرناه.
فإذا ثبت أن الوكالة تبطل فإن عزل من ماله مثل تلك الدراهم واشترى
لموكله بها طعاما وقع الشراء له دون موكله، لأنه إن كان اشترى الطعام بعينه
فهو يريد أن يحصل الملك في المثمن للموكل بثمن ليس له وذلك لا يجوز، لأن
المثمن إنما يحصل ملكه بالبيع لمن يكون له الثمن ولا يجوز أن يحصل ملك
الثمن لرجل والمثمن لغيره.
وأيضا فإنه أمره أن يشتري له الطعام بدراهم بعينها أو في الذمة وينقدها فيه،
وهذا خلاف ذلك فهو تصرف للموكل لم يأذن له فيه، فلهذا قلنا: إنه يقع له
دونه، وإن كان اشتراه لموكله في الذمة لم يقع له أيضا لأنه خلاف المأذون له
فيه، وإذا تصرف الوكيل تصرفا لم يأذن له فيه موكله كان ذلك له دونه.
إذا وكله في التصرف في المال وسلم المال إليه فتعدى الوكيل فيه، مثل أن
34

يكون أعطاه ثوبا وإذن له في بيعه فلبسه الوكيل واستعمله فقد صار متعديا
بذلك، فإذا ثبت هذا فإن الأمانة تبطل بالتعدي ويصير ضامنا للمال كالمودع إذا
تعدى في الوديعة، فإذا ثبت بطلان الأمانة فهل يصح تصرفه بعد ذلك في المال
أم لا؟ قيل فيه وجهان:
أحدهما: لا يصح لأن التوكيل ائتمان، فإذا تعدى بطل ذلك الائتمان كما لو
تعدى المودع.
والثاني: أنه لا يبطل التصرف ويكون الإذن باقيا، لأن التوكيل يشتمل على
أمرين: تصرف وأمانة، فإذا تعدى بطل أحدهما وبقى الآخر، كالرهن يشتمل على
أمانة ووثيقة، فإذا تعدى في الرهن بطلت الأمانة وبقيت الوثيقة، فكان له بعد
تعديه أن يتمسك بالرهن متوثقا به، ويفارق الوديعة لأنها أمانة مجردة.
فإذا تقرر الوجهان فمن قال: يبطل التصرف، لم يكن له أن يتصرف في
ذلك المال، ومن قال: لا يبطل، كان له التصرف فيه، فإن باعه وسلمه إلى
المشتري زال عنه الضمان، لأنه سلم المال الذي تعدى فيه إلى صاحبه، فهو كما
لو رده على الموكل قبل التصرف.
وقال قوم: إن بنفس البيع يزول عنه الضمان لأنه الملك صار لغير الموكل
وما وجد من الوكيل تعديا في جنبته، فإن سلم الثمن من المشتري حصل في يده
أمانة، لأنه أخذه بإذن صاحبه ولم يوجد منه فيه تعد، ويفارق المبيع الذي كان
في يده لأنه كان تعدى فيه.
فإذا وكله في بيع ماله في سوق بعينها فخالفه وباعه في غيرها بثمن مثلها أو
أكثر جاز، لأن المقصود تحصيل الثمن ولا غرض في تعيين الموضع.
وإن أمره ببيعه من زيد مثلا فباعه من غيره لم يصح البيع لأن له غرضا في
تعيين المشتري لتحصل المسامحة له في الثمن إن كان قد سمى للوكيل مقدارا
دون المثل، وإن كان أطلق ذلك فقد قصد أن يحصل المبيع للمسمى تخصيصا
له بها وقضاء لحقه.
35

إذا وكله في الشراء بعين المال فاشترى الوكيل في الذمة لم يصح، لأن له
غرضا في الشراء بعين المال وهو أن لا يلزمه البيع مع تلف الثمن، إذا كان معينا
بطل البيع بتلفه قبل تسليمه، وإن كان غير معين لم يبطل البيع بتلف الثمن.
وإن أمره أن يشتري له في الذمة فاشترى له بعين المال فهل يصح ذلك أم
لا؟ قيل فيه وجهان:
أحدهما: لا يصح، لأن له غرضا في أن يكون الثمن في الذمة حتى لا يبطل
البيع بتلف الثمن.
والثاني: أنه يصح، لأنه زاده خيرا لأنه عقد له عقدا لا يلزمه في جميع
الأحوال، والأول أقوى وأولى.
جملة من يبيع مال غيره ستة أنفس: " الأب " و " الجد " و " وصيهما "
و " الحاكم " و " أمين الحاكم " و " الوكيل "، ولا يصح لأحد منهم أن يبيع المال
الذي في يده من نفسه إلا لاثنين، الأب والجد، ولا يصح لغيرهما لأنه لا دلالة على
ذلك، وبيعهما يصح، لإجماع الفرقة على أنه يجوز للأب أن يقوم جارية ابنه
الصغير على نفسه ويطأها بعد ذلك، وقد ذكرنا أن الوكيل لا يجوز له أن يبيع
مال الموكل من نفسه.
فإذا ثبت هذا فكذلك لا يجوز له أن يشتري مال الموكل لابنه الصغير لأنه
يكون في ذلك البيع قابلا موجبا فتلحقه التهمة وتضاد الغرضان، وكذلك
لا يجوز أن يبيعه من عبده المأذون له في التجارة، لأنه وإن كان القابل غيره
فالملك يقع له فتلحقه التهمة فيه ويبطل الغرضان، فأما إذا باعه من ابنه الكبير أو
والده فهل يجوز أم لا؟ قيل فيه وجهان:
أحدهما - وهو الأولى -: أنه يجوز لأنه لا مانع منه، ولأن الملك يقع لغيره
والعاقد غيره، فهو مثل الأجنبي.
والثاني: لا يجوز، لأنه متهم في حق ابنه ووالده.
36

وأما إذا باعه من مكاتبه فقيل فيه وجهان، ومن قال في الأولى " لا يجوز "
قال هاهنا مثله، ومن أجاز هناك - وهو الصحيح - أجاز هاهنا.
إذا أذن الموكل لوكيله في بيع ماله من نفسه فقال له: بعه من نفسك، أو
خيره بين أن يبيعه من نفسه وبين أن يبيعه من غير، قيل فيه قولان: أحدهما يجوز،
وهو الصحيح، وقال قوم: لا يجوز، كما لا يجوز أن يتزوج بنت عمه من نفسه،
وهذا عندنا أيضا جائز.
إذا وكل المتداعيان رجلا في الخصومة ليخاصم عنهما كل واحد قيل في
صحته قولان:
أحدهما: يجوز، لأنه يمكنه استيفاء الحجج في الجنبتين معا فيدعي عن
أحدهما وينكر عن الآخر، فإن كانت للمدعي بينة أحضرها، فإذا سمعها الحاكم
قال له: هل لموكلك قدح فيها؟ فيجب عما عنده، وإن لم تكن له بينة توجهت
اليمين على موكله المدعى عليه فيحضره الحاكم حتى يحلف.
والثاني: لا يجوز، وهو الأحوط، لأنه لا بد في إيراد الحجج في المخاصمة من
الاستقصاء والمبالغة، وذلك يتضاد الغرضان فيه، فصار في معنى البيع من نفسه.
إذا وكل رجلا في البيع لم يخل من أحد أمرين: إما أن يطلق الوكالة فيه أو
يقيدها.
فإن قيدها فقال له مثلا: بع حالا، أو بع مؤجلا، أو بنقد البلد أو بغيره، وما
أشبه ذلك من الشرائط، فعلى الوكيل أن يتصرف له في ذلك البيع حسب ما
أذن له فيه، وإذا خالفه لم يجز البيع إلا أن تكون له الخيرة في المخالفة، مثل أن
يكون أذن له في البيع فباعه بأكثر.
وإن أذن له في البيع مؤجلا فباعه حالا بثمن حال نظر: فإن كان ذلك
المال الذي باع به مما لا ضرر على الموكل في إمساكه مثل الدراهم والدنانير وما
أشبه ذلك لزمه البيع، وإن كان المال الذي باعه فيه ضرر مثل المتاع الجافي
كالقطن والطعام والحطب وغيرها لم يلزمه البيع حالا، لأن هاهنا له غرضا في
37

التأجيل إذا كان ذلك المال مما عليه في إمساكه ضرر، وما ليس بمتجاف
لا ضرر في إمساكه ولا فائدة في تأخيره.
وإذا باع معجلا فقد زاده خيرا فلذلك لزمه، ويقوى في نفسي أنه لا يلزمه
على كل حال، لأن له غرضا في أن يكون في ذمته فيأمن بذلك الخطر ومقاساة
الحفظ، هذا إذا قيد الوكالة إما بالتأجيل أو بالتعجيل.
فأما إذا أطلق فإن إطلاقها يقتضي أن يبيع بنقد البلد بثمن المثل حالا، فإن
خالف كان البيع باطلا، وفيه خلاف.
فأما إذا وكله في الشراء فلا يجوز أن يشتري إلا بثمن المثل، ومتى اشتراه
بأكثر لم يلزم الموكل بلا خلاف، وهل يملك الوكيل بإطلاق الوكالة الخيار
الثلاث؟ قيل فيه وجهان:
أحدهما: أنه يملك لنفسه ولموكله وللمشتري.
والثاني: أنه يملك لنفسه دون المشتري، لأنه لاحظ في شرط الخيار
للمشتري، وهذا أولى.
إذا وكل رجلا في شراء جارية بعينها فاشتراها بعشرين دينارا ثم اختلف
الوكيل والموكل، فقال الموكل: أذنت في شرائها بعشرة دنانير ولم آذن لك في
الشراء بعشرين فالجارية لك، وقال الوكيل: أذنت لي في شرائها بعشرين فهي
لك، فإنه ينظر:
فإن كان للوكيل بينة على إذن الموكل بعشرين أقامها وحكم على الموكل
بصحة الدعوى وحصلت الجارية له ولزمه الثمن.
وإن لم يكن للوكيل بينة كان القول قول الموكل في ذلك مع يمينه،
لأنهما اختلفا في التوكيل في الشراء بالزيادة التي يدعيها الوكيل، وذلك
اختلاف في أصل التوكيل، في ذلك المقدار وهو العشرة الزائدة، وإذا اختلفا في
أصل التوكيل فالقول قول الموكل.
إذا اختلف صاحب الثوب والخياط، فقال صاحب الثوب: أذنت لك في
38

قطعه قميصا فقطعته قباء، وقال الخياط: أذنت لي في قطعه قباء وقد قطعت على
حسب إذنك، فالقول قول الخياط، وإن اختلف في أصل القطع كان القول قول
صاحب الثوب.
وقيل: إن القول قول صاحب الثوب أيضا في كيفية القطع، والأول أولى،
لأن على القول الأول يدعي صاحب الثوب على الخياط أرش القطع فعليه البينة،
لأن الأصل براءة الذمة، فعلى صاحب الثوب البينة.
فإن قيل: إن الموكل أيضا يدعي على الوكيل غرامة لأنه يلزمه بقوله ويمينه
غرامة ثمن الجارية، قيل: ليس ذلك مما يدعي الموكل وإنما يثبت ذلك
لصاحب الجارية، وليس كذلك في مسألة الثوب لأن صاحب الثوب يدعي على
الخياط أرش ما نقص بالقطع.
فإذا ثبت أن القول الموكل فإنه يحلف ويبرأ من دعوى الوكيل عليه،
فإذا حلف وبرئ رجع الوكيل إلى مخاصمة البائع والحكم معه في العقد الذي
جرى بينهما، وينظر:
فإن كان قد اشترى تلك الجارية بعين مال الموكل وذكر حال العقد أنه
يشتريها لموكله بماله الذي في يده بطل البيع ورجعت الجارية إلى البائع، لأنه
قد ثبت أنه اشتراها لموكله وقد ثبت للموكل بقوله ويمينه أن ذلك عقد غير
مأذون للوكيل فيه.
وإن كان قد اشتراها بعين مال الموكل ولم يذكر حال العقد أنه يشتريها
لموكله نظر: فإن صدقه البائع في أن المال للموكل فالحكم على ما ذكرناه، وإن
كذبه فإن القول قول البائع، لأن الظاهر أن المال الذي في يد الوكيل لنفسه دون
موكله، ولأن الأصل أن العقد الذي عقده صحيح تام، والوكيل يدعي بطلانه
بقول يخالف هذين، فلذلك جعلنا القول قول البائع مع يمينه، فإذا حلف البائع
كانت يمينه على نفي العلم لأنه يمين متعلق بنفي فعل غيره، وذلك لا يكون على
القطع فيحلف، والله أنه لا يعلم أن هذا الثمن الذي اشتراها به لموكله، فإذا حلف
39

سقطت دعوى الوكيل ولزمه البيع، هذا كله إذا كان الشراء بعين مال في يده.
فأما إذا اشترى في الذمة فإن كان أطلق العقد ولم يذكر أنه يشتري لموكله
لزمه البيع، لأن التصرف لغيره في الذمة يلزمه إذا لم يلزم ذلك الغير الذي
تصرف له فيه، وإذا كان قد ذكر أنه يشتريها لموكله قيل فيه وجهان:
أحدهما: أنه يبطل البيع ولا يلزم الوكيل، لأنه ذكر أنه يشتري لغيره فأوجب
البائع على علم من ذلك فحصل الإيجاب من الموكل، فإذا بطل في حقه لم
يصح في حق الوكيل، كالرجل إذا تزوج امرأة لغيره ويذكر أنه تزوجها لفلان
وهو وكيل له فيعقد النكاح على ذلك، فإذا لم يصح في حق الموكل لم يصح
النكاح في حق الوكيل.
والثاني: أنه يلزم الوكيل لأنه تصرف في الذمة مطلقا لغيره، فإذا لم يلزم
ذلك الغير لزمه هو كما لو لم يذكر أنه يشتري لموكله.
والأول أصح.
إذا ثبت هذا فكل موضع أبطلنا البيع في حق الوكيل رجعت الجارية إلى
بائعها، وكل موضع قلنا: إنه صحيح في حقه، ثبت له ملكها في الظاهر، وأما في
الباطن فإنه ينظر: فإن كان الوكيل يعلم فيما بينه وبين الله تعالى أنه كاذب فيما
ادعاه على موكله من الإذن ملكها في الباطن فيثبت الملك ظاهرا وباطنا، وإن
كان يعلم أنه صادق فيما ادعاه على موكله كان ملك الجارية في الباطن للموكل
دون الوكيل، لأن الشراء حصل للموكل في الباطن.
إذا ثبت هذا فما ذا يعمل الوكيل بعد ذلك؟ قال قوم: على الحاكم أن يرفق
بالأمر للمأمور فيقول: إن كنت أمرته أن يشتريها بعشرين فقل " بعته إياها
بعشرين "، ويقول للآخر: قل " قبلت " ليحل له الفرج ولمن يبتاعه منه، هذا إذا
قال: بعتكها بعشرين.
وإن قال الموكل: إن كنت أمرتك أن تشتريها بعشرين فقد بعتك إياها
بعشرين، وقبل الوكيل ذلك فمن الناس من قال: لا يصح لأنه علقه بشرط
40

والبيع بشرط لا يصح، ومنهم من قال: يصح لأنه لم يشرط إلا ما يقتضيه إطلاق
العقد، لأنه إنما يصح بيعه لهذه الجارية من الوكيل إن كان قد أذن له في الشراء
بعشرين، فإذا اقتضاه الإطلاق لم يضر إظهاره وشرطه كما لو شرط في البيع
تسليم الثمن وتسليم المثمن وما أشبه ذلك.
إذا تقرر هذا فإن أجاب الموكل إلى ذلك وباعها من وكيله واشتراها منه
ثبت الملك للوكيل ظاهرا وباطنا، وثبت له على موكله عشرون وهي التي وزنها
عنه بحكم الحاكم فلا يكون متطوعا بها، وقد ثبت للموكل على الوكيل عشرون
بهذا البيع فيتقاصان فيه.
وإن امتنع الموكل من إيجاب البيع لوكيله لم يجبر عليه لأنه لا يجوز
الإجبار على البيع، فإذا ثبت أنه لا يجبر عليه فقد حصل له في يد وكيله جارية
ملكها له في الباطن، والوكيل معترف له بذلك، وحصل للوكيل عليه عشرون
التي وزنها عنه، فما ذا يعمل بالجارية؟ اختلفوا فيه على ثلاثة أوجه:
فقال بعضهم: إن الجارية تصير ملكا للوكيل ظاهرا وباطنا، كما يقول في
المتبايعين إذا تحالفا فإن المبيع يحصل للبائع ملكا ظاهرا وباطنا.
وقال بعضهم: لا يستمتع بها ولا يستحلها، ويجوز له بيعها لأنه وزن عشرين
عن الموكل، والجارية للموكل بقوله، فكان له أن يستوفي دينه من ماله، لأن من
عليه الدين إذا جحد كان له أن يتوصل إلى استيفاء دينه من ماله، وهذا هو الأولى،
ومنهم من قال: لا يجوز له بيعها، لأنه لا يجوز له أن يكون وكيلا في البيع لمال
غيره لنفسه، كالمرتهن.
وقال بعضهم: على هذا الوجه يرون رجلا يدعي عليه دينا عند الحاكم
ويذكر أن هذه الجارية ملك له رهنها عنده بحقه وقد حل عليه الحق وامتنع عن
بيعها، فيأمر الحاكم بيعها فتباع باذنه.
وإذا بيعت الجارية نظر: فإن كان ثمنها وفق حقه أمسكه، وإن كان أقل من
حقه أمسك ذلك المقدار الذي حصل له، وبقى الباقي عليه في ذمته، وإن كان
41

أكثر من حقه أخذ منه قدر حقه، وما فضل يتوصل في رده إلى مال موكله.
إذا أمره أن يشتري له جارية فاشترى غيرها لم يصح الشراء في حق
الموكل، لأنه اشترى له ما لم يأذن له فيه، والموكل لا يلزمه البيع في الحال ولا
فيما بعد إذا أجازه، فأما الوكيل فإنه ينظر:
فإن كان اشتراها بعين مال الموكل وذكر حين الشراء أنه يشتريها لموكله
بماله بطل البيع في حق الوكيل أيضا.
وإن اشتراها بعين مال موكله ولم يذكر حال العقد أنه يشتريها لموكله بماله
نظر: فإن صدقه البائع بطل البيع أيضا فيه، وإن كذبه فيه كان القول قول
البائع، لأن الظاهر أن ما في يد الوكيل ملك له والظاهر صحة البيع، فقدم قوله
لذلك، فإذا حلف فإنه يحلف على نفي العلم كما ذكرناه في المسألة الأولى، فإذا
حلف ثبت البيع في حق الوكيل.
وأما إذا اشتراها الوكيل بثمن في الذمة نظر: فإن أطلق ذلك لزمه في حقه،
وإن ذكر أنه يشتريها لموكله فالمسألة على وجهين: أحدهما يبطل في حقه أيضا،
والثاني يصح فيه، والأول أصح.
وإذا وكله في تزويج امرأة بعينها فزوجه امرأة أخرى بطل النكاح في حق
الموكل وفي حق الوكيل بلا خلاف، غير أن أصحابنا رووا أنه يلزم الوكيل
نصف مهرها.
إذا كان لرجل على رجل مال في ذمته من قرض أو غيره أو كان له في يده
مال وديعة أو غصب أو غير ذلك، فجاءه رجل فقال له: أنا وكيل فلان في
قبض ماله منك، نظر:
فإن أنكر الذي عليه الدين ذلك نظر: فإن كان للوكيل بينة أقامها وكان له
استيفاء المال منه، فإن لم تكن للوكيل بينة فالقول قول من عليه الحق بلا يمين،
فإن قال: هو يعلم أني وكيله فحلفوه على ذلك، لم يحلف.
فإذا ثبت أنه لا يجبر على التسليم فإنه بالخيار، إن شاء سلم المال إليه، وإن
42

شاء لم يسلم إليه، وإن شاء سلمه بشرط أن يضمنه للموكل إذا حضر وكذب
الوكيل.
وكذلك الملتقط إذا أعطاه رجل منعة اللقطة أنه بالخيار بين أن يمسكها
وبين أن يسلمها إليه بشرط الضمان، وإذا بان أن صاحبها غيره.
فإذا ثبت أنه بالخيار، فإن أمسكه فلا كلام.
وإن سلم إليه ثم حضر الموكل، فإن صدقه على ذلك فقد برئ ووقع
التسليم موقعه، وإن كذبه كان القول قوله مع يمينه، لأن الأصل أنه ما وكله، فإذا
حلف نظر:
فإن كان ذلك عينا وكانت في يد الوكيل باقية استرجعها الموكل، وكان
له أن يطالب أيهما شاء، لأن المودع لم يبرأ بتسليمها إلى من ليس بوكيل، وإن
كانت تالفة كان للموكل أن يرجع على أيهما شاء بقيمتها، لأن الذي عليه الحق
أعطاه إلى من ليس بوكيل له، والذي قبضه قبض مال غيره وأجاز له القبض
فلزمه الضمان.
فإذا ثبت أن له أن يرجع على أيهما شاء فإذا رجع على أحدهما لم يرجع
ذلك على صاحبه، لأنه إن رجع على الدافع فإنه يقول: ظلمني بأخذ هذا المال
مني وما كان له علي حق لأن وكيله استوفاه مني وتلف في يده، وما أقر بأنه
مظلوم فيه فلا رجوع له به على غيره، وإن رجع على الوكيل لم يرجع على
الدافع لأنه يقول: قد استوفيت حق الموكل منه وقد برئ وتلف ماله في يدي
فلا ضمان علي وقد ظلمني بهذا، وما أقر بأنه مظلوم فلا رجوع له به على غيره.
فأما إذا كان ذلك دينا لم يكن للموكل أن يرجع على الوكيل، لأنه ليس
بوكيل له على زعمه، وما أخذ عين مال له، ويفارق ذلك إذا كان ذلك في
العين، لأنه وإن لم يكن وكيلا فهو قابض عين ماله بتعد منه فيه فلزمه الضمان،
وله الرجوع على الدافع لأن تسليمه لم يصح فيكون الحق باقيا عليه.
فإذا قبض الحق منه نظر: فإن كان المال الذي أعطاه الوكيل باقيا أخذه
43

الدافع، لأنه يقول: هو مال الموكل وقد ظلمني برجوعه علي، وإن كان ذلك
المال قد تلف في يد الوكيل لم يرجع عليه بشئ، لأنه مقر بأنه وكيل أمين وقد
قبض ذلك المال بحق وهو مال الموكل وتلف في يده فلا ضمان عليه، فإذا
كان مقرا بذلك لم يكن له عليه به رجوع، وقال بعضهم: له أن يرجع على أيهما
شاء مثل العين، والصحيح الأول.
فأما إذا قال له: قد مات صاحب المال وأنا وارثه، فصدقه على ذلك لزمه
تسليمه إليه، لأنه مقر بأنه لا يستحق غيره وأنه يبرأ بالدفع إليه، وإن كذبه كان
للمدعي أن يطالبه باليمين أنه لا يعلم أن مورثه مات وأنه وارثه، لأنه لو أقر بذلك
لزمه التسليم، فإذا أنكر توجهت عليه اليمين.
وأما إذا جاء رجل فقال صاحب المال: أحالني عليك بما له عليك، فأقر له
بذلك، فهل يلزمه التسليم أم لا؟ قيل فيه وجهان:
أحدهما: يلزمه، وبه نقول، لأنه أقر بأنه لا يستحق غيره لأن الحق يتحول عندنا
بالحوالة، فهو بمنزلة الوارث.
والثاني: أنه لا يلزمه التسليم، لأنه لا يأمن أن يجحد صاحب الحق الحوالة
ويطالبه بالمال فيكون بمنزلة الموكل والوكيل، وهذا هو الأحوط إذا كان ما قبل
الحوالة. فأما إذا كان قبلها فإنه يلزمه تسليم المال إليه.
إذا ثبت هذا فمن قال: يلزمه التسليم بإقراره، كان له أن يحلفه أنه لا يعلم أنه
أحاله عليه بالحوالة إذا كذبه، ومن قال: لا يلزمه التسليم بإقراره، لم يكن له أن
يحلفه أنه لا يعلم أنه أحاله عليه بالحوالة إذا كذبه، فتحصل في الجملة ثلاث
مسائل:
إحداها: مسألة الوكيل، إذا صدقه الذي عليه الحق فلا يلزمه التسليم.
والثانية: مسألة الوارث، إذا صدقه من عليه الحق لزمه التسليم.
الثالثة: مسألة المحال عليه وصدقه من عليه الحق، هل يلزمه الحق؟ على
الوجهين الأولين بلا خلاف.
44

إذا وكل رجلا في بيع سلعة نقدا وأطلق له ذلك اقتضى أن يبيعه نقدا، فإن
باعه نسيئة كان البيع باطلا لأنه خالف أمره، وإن كان أطلق له ذلك فالإطلاق
يقتضي النقد، لأنه البيع المعتاد في الغالب.
فإذا ثبت ذلك فمتى باع الوكيل تلك السلعة نسيئة فادعى الموكل أنه أذن
له مطلقا أو قيده بالنقد، وإن كان الوكيل خالفه لم يخل من أحد أمرين: إما أن
يصدقه الوكيل والمشتري أو يكذباه.
فإن صدقاه نظر: فإن كانت السلعة باقية ردت إليه، وإن كانت تالفة كان له
أن يغرم أيهما شاء، لأن الوكيل تعدى ببيعه نسيئة والمشتري تعدى بقبضه، فإن
رجع على الوكيل رجع عليه بعينه، ورجع الوكيل على المشتري في الحال
بالقيمة، وإن رجع على المشتري لم يرجع المشتري على الوكيل، لأن التلف
كان في يد المشتري فاستقر عليه الضمان.
فأما إذا كذباه وادعيا أنه أذن في البيع نسيئة كان القول قول الموكل، لأنه
اختلاف في كيفية الإذن، ولو اختلفا في أصل الإذن كان القول قول الموكل
فكذلك إذا اختلفا في كيفيته، فإذا حلف الموكل حلف على القطع والبت أنه
أذن له في البيع بالنقد أو أطلق له ذلك، لأنها يمين على فعله.
فإذا حلف نظر: فإن كانت السلعة باقية استرجعها، وإن كانت تالفة كان له
أن يغرم أيهما شاء لما قدمناه.
فإن غرم المشتري غرمه جميع القيمة، ولم يكن له أن يرجع على الوكيل
بشئ لأنه اختص بتلف السلعة في يده.
وإن غرم الوكيل غرمه جميع القيمة، ولم يكن للوكيل الرجوع على
المشتري في الحال، لأنه يزعم أن الثمن مؤجل عليه فلا يستحق في الحال، فإذا
حل الأجل كان له أن يرجع على المشتري بأقل الأمرين، إن كان الثمن المسمى
أقل من القيمة رجع به عليه، لأنه يزعم أنه لا يستحق عليه إلا ذلك المقدار، وإن
كانت القيمة أقل لم يرجع عليه إلا بقدر القيمة، لأنه ما غرم إلا ذلك المقدار،
45

وتفارق المسألة التي قبلها وهي إذا صدقاه في دعواه، لأنهم أقروا ببطلان البيع
ووجوب القيمة حالة، وفي هذه المسألة لم يقر الوكيل ولا المشتري ببطلان البيع
ووجوب القيمة حالا، وإنما جعلنا له الرجوع بالقيمة ليمينه.
إذا وكل رجلا في شراء سلعة مطلقا لم يجز للوكيل أن يشتريها معيبة،
ويفارق المضارب فإن له أن يشتري للقراض الصحيح والمعيب، لأن القصد
الربح ويطلب الربح في المعيب والصحيح، وليس كذلك الوكالة في الشراء،
لأن القصد به أن يكون المشتري للقنية، فإن كان عبدا للخدمة، وإن كان ثوبا
فللبس والبدلة، وعلى هذا سائر الأموال، فلهذا لم يكن له شراء المعيب بإطلاق
الإذن.
فأما إذا اشترى سلعة واعتقد أنها سليمة فبان بها عيب كان له الرد لأمرين:
أحدهما أن الموكل أقام الوكيل مقامه، وإذا كان للموكل رده إذا أصاب به عيبا،
فكذلك الوكيل، والآخر أن الوكيل لا يأمن فوات الرد بالعيب إذا أخر الرد حتى
يحضر موكله، بموت البائع أو غيبته.
إذا ثبت هذا فإن حضر الموكل قبل أن يرد الوكيل فأراد الوكيل الرد فأبى
ذلك الموكل كان له إمساكها، وليس للوكيل ردها، لأن الحق للموكل دون
الوكيل، ويفارق المضارب حيث يقول: إن له رد السلعة بالعيب وإن أبي ذلك
رب المال، لأن له حقا في تلك السلعة فلا يسقط برضا غيره عنه.
وأما إذا أراد أن يرده والموكل غائب لم يحضر بعد فقال له: لا ترده حتى
نستطلع رأي الموكل فيه فربما رضي به، لم يلزم الوكيل ذلك، لأن حقه في الرد
قد ثبت له في الحال فلا يلزمه تأخيره، وإن قال له البائع: قد بلغ الموكل أن
السلعة معيبة وقد رضي بعيبها، وأنكر الوكيل ذلك كان له رد السلعة بالعيب،
وليس عليه أن يحلف ما رضي به الموكل، وإن ادعى علم الوكيل بذلك يحلف
بالله ما يعلم أنه رضي به، فإذا حلف رد السلعة، فإذا حضر الموكل بعد ذلك فإن
قال: ما كنت رضيت بالعيب، فقد وقع الرد موقعه، وإن قال: كنت قد رضيت
46

به قبل الرد، وصدقه البائع على ذلك أو كذبه، وأقام البينة على ذلك لم يقع
الرد موقعه وكان له استرجاع السلعة وإمساكه معه، هذا إذا رد الوكيل.
فأما إذا أمسك السلعة حتى إذا حضر الموكل نظر: فإن رضي بالعيب
أمسكه، وإن لم يرض به وأراد الوكيل أن يرده على البائع فإن كان الوكيل ذكر
حين البيع أنه يشتريه لموكله وأنه أمسكه فربما رضي به، وقد حضر ولم يرض به
كان له رده، وإن كان لم يذكر حال البيع أنه يشتريه لموكله نظر:
فإن صدقه البائع على ذلك كان له رده.
وإن كذبه كان القول قول البائع أنه لا يعلم أنه اشتراه لموكله، لأن الظاهر
أنه يشتريه لنفسه، فإذا حلف لزم الشراء للوكيل ورجع الموكل على الوكيل
بالمال الذي أعطاه، هذا كله إذا أذن له في شراء سلعة لا بعينها.
فأما إذا أذن له في شراء سلعة بعينها فاشتراها ثم أصابها معيبة فهل له ردها أم
لا؟ قيل فيه وجهان:
أحدهما: ليس له ذلك، لأنه لما عين السلعة قطع اجتهاده فيها.
والثاني: له ذلك، لأن إطلاق التوكيل يقتضي السلامة من العيوب، كما لو
لم يعين السلعة.
إذا وكل رجلا في البيع نسيئة فباع نقدا نظر:
فإن كان باعه نقدا بأقل من ثمنه مؤجلا، مثل أن يكون الثمن مؤجلا مائة
ونقدا ثمانين فباع بثمانين لمن يصح البيع، لأنه لما أمره بالبيع مؤجلا قصد أن
يكون الثمن أكثر منه إذا كان الثمن نقدا، فقد خالفه فلم يصح البيع.
فأما إذا باعه نقدا بثمنه مؤجلا، مثل أن يبيعه بمائة صح البيع، إلا أن يكون
له في ذلك غرض، وهو أن لا يأمن على الثمن إذا قبضه خوفا من ظالم، فيكون له
في تأخيره غرض، فإذا كان كذلك لم يصح البيع.
وإن وكل في الشراء بثمن معجل فاشترى له بثمن مؤجل نظر:
فإن اشتراه مؤجلا بثمنه مؤجلا لم يصح البيع، لأنه زاد في المقدار الذي
47

اقتضاه إطلاق إذنه، لأن ثمن المبيع مؤجلا أكثر من ثمنه معجلا.
وإن اشتراه مؤجلا بمقدار ثمنه معجلا جاز ذلك، لأنه زاده خيرا، إلا أن
يكون له في نقد الثمن في الحال غرض، وهو أن يكون الثمن حاضرا عنده ولا
يأمن إذا أمسكه، فله غرض في تعجيل الثمن لتبرأ ذمته منه، فيبطل البيع إلا أن
يكون ذلك الثمن مما يجبر البائع على تسليمه إذا عجل له، فيصح البيع حينئذ،
لأنه يمكنه تعجيل الثمن وتسليمه إلى صاحبه فيتخلص من الغرر بإمساكه.
وإذا وكل رجلا في كل قليل وكثير لم يصح ذلك، لأن في ذلك غررا
عظيما، لأنه ربما ألزمه بالعقود مالا يمكنه الوفاء به، فربما أدى ذلك إلى ذهاب
ماله، من ذلك أنه يزوجه في الحال بأربع نسوة ويطلقهن عليه قبل الدخول
فيغرم لكل واحدة نصف مهرها ثم يتزوج له بأربع أخر وعلى هذا، ومن ذلك
أن يشتري له من العقار والأراضي ما لا حاجة به إليها، وغير ذلك من أنواع
التصرف، لأنه أطلق ذلك فتناول الإذن جميع ما يضره وينفعه، والعقد إذا تضمن
مثل هذا الغرر كان باطلا.
إذا وكله في شراء عبد ولم يذكر فيه نوعه لم يصح ذلك، لأن فيه غررا على
ما بيناه، لأن العبيد تختلف أثمانهم فربما اشترى له عبدا بثمن لا يمكنه الوفاء به.
وإن عين له نوعا بأن يقول " تركي " أو " زنجي " نظر: فإن سمى له ثمنا
جاز، وإن أطلق ذلك ففيه وجهان:
أحدهما: لا يجوز، وهو الأحوط، لأن أثمان العبيد من النوع الواحد تختلف،
فيكون في ذلك غرر.
والثاني: أنه يجوز، لأنه إذا عين النوع وأطلق الثمن لم يتفاوت الثمن كما
يتفاوت في النوعين.
إذا وكله في بيع جميع ما يملكه صح التوكيل، لأن ما يملكه محصور، فلا
غرر في توكيله في بيعه.
إذا أذن له في شراء عبد وصفه فاشتراه بمائة ثم اختلف هو والموكل فقال
48

الموكل: اشتريته بثمانين، وقال الوكيل: بمائة، والعبد يساوي مائة قيل فيه
قولان:
أحدهما: أنه يقبل قول الوكيل عليه، كما يقبل قوله في التسليم والتلف.
الثاني: لا يقبل قوله عليه لأنه يتعلق بغيره.
وكذلك كلما اختلفا فيه مما يتعلق بحق غيرهما من بائع أو مشتري أو
صاحب حق فإنه على قولين، والأول أصح.
إذا وكل المسلم ذميا أو مستأمنا صح التوكيل، لأنه ليس من شرط
التوكيل الدين كما ليس من شرطه العدالة، فإن أسلم زاد إسلامه تأكيدا.
ويكره أن يتوكل المسلم الكافر على مسلم وليس بمفسد للوكالة، لأنه إذا
وكل مسلما مرتدا فإن ردته لا تؤثر في عمله وإنما تؤثر في ماله، وكذلك إن كان
الوكيل مسلما ثم ارتد لم تبطل الوكالة، لأن الردة لا تمنع منها ابتداء فلا تمنع
استدامتها.
وإن وكل المرتد مسلما في بيع ماله والتصرف فيه كان ذلك مبنيا على
الخلاف في زوال ملك المرتد، فمن قال " يزول ملكه ولا يصح تصرفه " قال: لم
يصح توكيله، ومن قال " لا يزول ملكه يصح تصرفه " قال: تصح وكالته،
وسنقول ما عندنا في ذلك في موضعه.
وإن وكله الموكل وهو مسلم ثم ارتد فهل يبطل توكيله؟ مبني أيضا على ما
قدمناه.
إذا وكل الرجل امرأته في بيع أو شراء أو غيره مما عدا النكاح صح، فإن
طلقها لم تبطل وكالتها، لأن الطلاق لا يمنع من ابتداء الوكالة فلا يقطع
استدامتها.
إذا أذن لعبده في التصرف في ماله ثم باعه أو أعتقه فهل يبطل أم لا؟ قيل
فيه وجهان:
أحدهما: لا يبطل، لأن البيع والعتق لا يمنعان ابتداء الإذن فكذلك لا يقطعان
49

استدامته.
والثاني: يبطل، لأن ذلك ليس بتوكيل في الحقيقة، وإنما هو استخدام له
بحق الملك، فإذا باع أو أعتق زال ذلك الملك فبطل الاستخدام، وهذا أقوى.
فأما إذا توكل العبد لرجل أجنبي بإذن سيده صح التوكيل، فإذا أعتقه
سيده أو باعه فهل يبطل ذلك أم لا؟ اختلفوا فيه.
فمنهم من قال على وجهين، كالفرع الذي قبله، لأن الوكالة متعلقة بإذن
سيده هاهنا، فوجب أن تسقط بزوال ملكه كما يسقط التصرف بزوال ملكه.
ومنهم من قال: لا يبطل وجها واحدا، لأن هذا توكيل في الحقيقة، والبيع
والعتق لا يمنع ابتداء توكيله فكذلك لا يقطع استدامته، ويفارق إذن سيده، لأن
ذلك ليس بتوكيل في الحقيقة وإنما هو إلزام بحق الملك وقد زال ملكه.
إذا وكل المكاتب رجلا في التصرف في المال الذي في يده صح ذلك،
لأن له التصرف في ذلك المال بنفسه، وذلك التصرف تدخله النيابة، فيصح
التوكيل فيه.
وليس للمكاتب أن يتوكل لغيره بغير جعل، لأن حق سيده يمنع من
التبرع بمنافعه.
إذا وكل رجل عبدا في شراء نفسه من سيده فهل يصح ذلك أم لا؟ قيل
فيه وجهان:
أحدهما: يصح، كما لو وكله في شراء عبد آخر بإذن سيده.
والثاني: لا يصح ذلك، لأن يد العبد كيد سيده، وإيجابه وقبوله باذنه بمنزلة
إيجاب سيده وقبوله، فإذا كان كذلك وأوجب له سيده فقبله هو صار كان السيد
هو الموجب القابل للبيع، وذلك لا يصح فكذلك هاهنا، والأول أقوى.
إذا ثبت الوجهان فمن قال " لا يصح " فلا كلام، ومن قال " يصح "، فإن
ذكر حال الشراء أنه يشتري نفسه لغيره وقع الشراء له وطالب السيد الموكل
بالثمن، وإن أطلق العبد ذلك ثم اختلفا فقال السيد: اشتريت نفسك مني لا
50

للموكل، وطالبه بالثمن وقال العبد: لم أشتر نفسي لي وإنما اشتريتها لموكلي،
كان القول قول السيد، لأن الظاهر من تصرفه أنه لنفسه دون غيره.
العبد المأذون له في التجارة لا يجوز أن يتوكل لغيره، ولا يجوز أن يوكل
غيره إلا بإذن سيده، لأن الإذن في التجارة لا يقتضي الإذن في التوكيل، ولهذا
نقول: إن العبد المأذون له في التجارة لا يملك أن يكري نفسه ويعقد على منافعه
عقد الإجارة.
إذا وكل رجلا في بيع مال له فباعه كان له أن يسلمه إلى المشتري، لأن
إطلاق الإذن في البيع يقتضي التسليم، لأن ذلك من موجبه ومقتضاه، وهل
يقتضي الإذن في تسليم الثمن من المشتري أم لا؟ قيل فيه وجهان:
أحدهما: يقتضي ذلك، لأنه من موجب عقد البيع كتسليم المبيع.
والثاني: لا يقتضيه، لأنه ربما لم يأتمنه في قبض الثمن.
فإذا ثبت هذا فإن باع السلعة وسلمها وأفلس المشتري وتعذر عليه أداء الثمن
إلى الموكل فمن قال: إن إطلاق الإذن في البيع يقتضي الإذن في تسليم الثمن، لم
يكن له أن يسلم المبيع إلا مع تسليم الثمن، فإذا لم يفعل ذلك كان للموكل أن
يغرمه قيمة المبيع لأنه تعدى بتسليم مال من غير قبض ثمنه، ومن قال: لا يقتضي
ذلك، لم يكن له أن يغرم الوكيل لأنه ما تعدى في التسليم.
وكذلك إذا وكله في الشراء اقتضى ذلك الإذن في التسليم، وهل يقتضي
الإذن في تسليم المبيع؟ على الوجهين كما ذكرناه.
إذا وكله في تثبيت ما له على خصمه فثبته عليه لم يكن له أن يقبضه منه، لأنه
وكله في التثبيت ولم يوكله في قبض المال.
وإن وكله في قبض المال فجحد الذي عليه المال فهل يكون ذلك التوكيل
متضمنا لجواز التثبيت أم لا؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا يتضمن ذلك، كما إذا وكله في التثبيت لم يتضمن الإذن في
القبض، ولأنه يكون أمينا على القبض و يكون أمينا في الخصومة فلا يصلح لهما.
51

والثاني: أنه يتضمن الإذن في التثبيت، لأنه طريق إلى القبض، فكان الإذن في
القبض إذنا في تثبيت الحق.
إذا وكله في قبض حق له على رجل ثم مات الذي عليه الحق فهل للوكيل
مطالبة الورثة أم لا؟ نظر: فإن قال: وكلتك في قبض حقي من فلان، لم يكن له
المطالبة من الورثة، لأن اللفظ لم يتناول إلا المورث، وإن قال: وكلتك في قبض
حقي الذي على فلان، كان للوكيل مطالبة الورثة، لأن ذلك من المطالبة بحقه
الذي كان على فلان الميت.
إذا وكل رجلا في بيع مال له فباعه كان للوكيل والموكل المطالبة بالثمن،
فكان للموكل لأن الثمن ملك له، فإذا كان له جاز له المطالبة به، هذا في المطالبة
بالثمن الذي ثبت بالعقد الذي عقده الوكيل، فأما الإبراء منه فليس للوكيل
ذلك، وإذا أبرأ الوكيل بغير إذن الموكل لم يصح، لأن الثمن لا يملكه الوكيل
فلا يصح منه الإبراء.
وإذا أذن له في شراء شئ فاشتراه له وذكر حال العقد أنه يشتريه لموكله،
كان للبائع أن يطالب أيهما شاء من الوكيل والموكل بالثمن، ويكون دخول
الوكيل في هذا التصرف بمنزلة دخول الضامن في الضامن، فإن أعطاه كان له
الرجوع على الموكل بما وزن عنه، لأنه توكل باذنه في الشراء وذلك يتضمن
تسليم الثمن، فكان الإذن في الشراء إذنا فيه وفي ما يتضمنه، فإن أبرئ الوكيل
لم يبرأ الموكل، وإن أبرئ الموكل برئ الوكيل، كالضامن والمضمون عنه،
فإنه إذا أبرئ الضامن لم يبرأ المضمون، وإن أبرئ المضمون برئ الضامن، لأن
المضمون عنه أصل والضامن فرع، وكذلك الموكل أصل والوكيل فرع، هذا
في مطالبة البائع.
وكذلك إن كان وكيلا في البيع فإن للمشتري أن يطالب من شاء منهما
بتسليم المبيع إليه.
إذا وكله في بيع عبد ثم أعتقه أو باعه بطلت الوكالة، وكذلك إن وكله في
52

نقل امرأته إلى داره ثم طلقها بطلت الوكالة، لأن التصرف الذي أذن فيه قد بطل
بإعتاقه وبيعه وطلاقه، لأن ملكه قد زال، كما لو مات العبد.
إذا وكل رجلين في التصرف،
فإن صرح لكل واحد منهما بالتصرف على الانفراد فكل واحد منهما
وكيل منفرد، وتصرف أحدهما لا يقف على موافقة الآخر عليه، فإن مات أحدهما
أو غاب أو عزل نفسه كان للآخر التصرف.
فأما إذا أطلق ذلك فقال: وكلتكما في التصرف في كذا، كان الظاهر من ذلك أن
ذلك توكيل لهما على الاشتراك، فليس لأحدهما أن ينفرد بتصرف
حتى يوافقه الآخر عليه، ومتى غاب أحدهما لم يكن للآخر التصرف، وإن مات أو
عزل نفسه لم يكن للآخر التصرف، وليس للحاكم أن يقيم آخر مكانه حتى
يتصرف مع هذا وينضاف إليه.
إذا وكل وكيلين وكالة مشتركة فغاب أحدهما، وحضر الآخر عند الحاكم
وادعى الوكالة وأقام على ذلك شاهدين " أن فلانا وكل هذا الرجل وفلان
الغائب " سمعها الحاكم وحكم له بثبوت الوكالة، ثم ينظر: فإن كانت الوكالة
على الانفراد ثبت له التصرف، وإن كانت على الاشتراك لم يثبت له التصرف
حتى يحضر الآخر ويوافقه على تصرفه، فإذا حضر وادعى الوكالة عند الحاكم
حكم له بها، لأن سماع البينة على جملة التوكيل قد تقدم فلا معنى لإعادتها.
إذا وكل رجلا في شراء سلعة فاشتراها بثمن مثلها فإن ملكها يقع للموكل
من غير أن يدخل في ملك الوكيل، بدلالة أنه لو اشترى الوكيل أبا نفسه أو ولده
للموكل ينعتق عليه، فلو كان الملك انتقل إليه لانعتق عليه ولم ينتقل إلى
الموكل.
إذا وكل مسلم ذميا في شراء خمر لم تصح الوكالة، وإن ابتاع الذمي لم
يصح البيع، لأن المسلم لا يملك الخمر بلا خلاف، وعقد الوكالة قد بينا أنه عقد
من الموكل فوجب أن لا يملك به.
53

إذا وكله في بيع فاسد مثل البيع إلى أجل مجهول لم يملك بهذا التوكيل
البيع الصحيح، فلو باع الوكيل إلى أجل معلوم لم يصح لأنه ما وكله فيه.
إذا وكل صبيا في بيع أو شراء أو غيرهما لم يصح التوكيل، وإن تصرف
لم يصح تصرفه، لأنه لا دليل على صحته.
إذا وكله في بيع سلعة بمائة فباعها بمائة صح لأنه امتثل أمره، وإن باعها
بأكثر فكذلك لأنه زاده خيرا، وإن باعها بأقل من مائة لا يجوز، لأنه خالف أمره
على وجه يضر الموكل.
وأما إذا وكله في شراء سلعة بمائة فاشتراها بها صح، وإن اشتراها بأكثر لم
يصح، لأنه خالفه على وجه يضر به، وإن اشتراها بدونها جاز لأنه زاده خيرا،
والإذن في الشراء بالمائة يتضمن الإذن في الشراء بدونها، لأنه أعود إليه وأنفع له.
وإن أذن له في شرائها بمائة ونهاه عن شرائها بخمسين فإن اشتراها بمائة
صح، وإن اشتراها بما دون المائة وفوق الخمسين جاز، لأن الإذن بالمائة تضمن
الإذن فيما دونها، وإن اشتراها بخمسين لم يصح، لأنه خالف صريح لفظه
واشترى شيئا نهاه عنه، وإن اشتراها بدون الخمسين فهل يصح؟ على وجهين -
مثل ما قدمناه -:
أحدهما: يصح، لأن الإذن في المائة يتضمن الإذن فيما دونها إلا حيث صرح
فيه بالنهي عنه.
والثاني: لا يصح، لأنه صرح بالنهي عن الشراء بخمسين، فتضمن ذلك النهي
عن الشراء بما دونه.
إذا أعطاه دينارا وقال: اشتر به شاة، فاشترى به شاتين نظر:
فإن كانت كل واحدة منهما لا تساوي دينارا لم يصح الشراء فيهما، لأن
إطلاق إذنه اقتضى أن يشتري له شاة تساوي دينارا إما بالدينار أو بما دونه، لأنه لو
اشترى شاة واحدة بدينار ولا تساوي دينارا لم يصح، وإن اشترى شاة بخمسة
دوانيق ولا تساوي دينارا لم يصح وإن كانت تساوي أكثر من خمسة دوانيق،
54

لأنه لم يحصل له شاة تساوي دينارا وهو مقصوده.
فأما إذا اشترى شاتين كل واحدة منهما تساوي دينارا فالظاهر أن الشراء لم
يلزم الموكل وتكون الشاتان له، لأن العقد وقع عنه ولحديث عروة البارقي، فإن
باع الوكيل إحدى الشاتين قبل أن يأذن له الموكل في ذلك قيل فيه وجهان:
أحدهما: يصح لحديث عروة البارقي، لأنه باع إحدى الشاتين فأمضى
رسول الله صلى الله عليه وآله ذلك.
والثاني: لا يصح، لأنه لم يأذن له في البيع، وعلى هذا يكون عروة وكيلا
مطلقا في التصرف، فكان له البيع والشراء على الإطلاق.
فأما إذا كانت إحدى الشاتين تساوي دينار والأخرى تساوى دونه فإنه يلزم
البيع فيهما أيضا، لمثل ما قلناه في حق الموكل، فإن باع التي تساوي دينارا من
غير إذنه لم يصح البيع، لأنه لم يأذن له ولم يحصل المقصود بالوكالة، وإن باع
الأخرى فعلى الوجهين المتقدمين.
إذا وكل في بيع عبد بمائة فباعه بمائة وثوب قيل فيه وجهان:
أحدهما: يصح، لأنه زاده خيرا كما لو باعه بمائتين.
والثاني: لا يجوز، لأنه أذن له في البيع بجنس فباعه بجنس آخر لم يؤذن له
فيه، والأول أقوى.
فإذا ثبت هذا فمن قال " يجوز " فلا كلام، ومن قال " لا يجوز " بطل البيع
في القدر الذي قابل الثوب، وفي الباقي على قولين مبني على تفريق الصفقة: فمن
قال " لا تفرق " بطل في الجميع، ومن قال " تفرق " صح في الباقي ويلزمه البيع
فيه بحصته، وذلك مثل أن يساوي الثوب الذي مع المائة مائة درهم فيمسك
المشتري نصف العبد بنصف الثمن وهو المائة يكون بالخيار، لأن الصفقة
تبعضت عليه.
إذا وكله في شراء عبد بمائة فاشترى نصفه بخمسين لم يجز، لأنه قصد
جميع العبد فلم يحصل له ذلك، ويلزم الوكيل دون الموكل، وإن أذن له في
55

شراء عبد بثوب فاشتراه بنصف الثوب جاز لأنه زاده خيرا، كما لو أذن له في
الشراء بمائة فاشتراه بخمسين.
إذا وكله في شراء عبدين وأطلق ذلك فإن اشتراهما صفقة واحدة جاز، وإن
اشتراهما صفقتين كل واحد صفقة جاز، لأنه لم يعين له وأطلق.
فأما إذا أذن له في شراء عبد فاشتراه صفقتين لم يصح، لأنه إذا اشترى نصفه
حمل له فيه شركة وهو عيب.
فأما إذا قال: اشترهما صفقة واحدة، فإن اشتراهما من رجل واحد جاز لأنهما
صفقة واحدة، وإن اشتراهما من رجلين من كل واحد عبدا قيل فيه قولان:
أحدهما يصح، والآخر لا يصح، وهو الأولى، فمن قال " لا يصح " فلا كلام، ومن
قال " يصح " فهل يصح في حق الموكل في هذه المسألة؟ على وجهين: أحدهما
يجوز اعتبارا بالقبول وأنه واحد وكونه صفقتين من طريق الحكم، والثاني لا يجوز
لأنهما صفقتان.
إذا علق الوكالة بصفة مثل أن يقول: إن قدم الحاج أو جاء رأس الشهر فقد
وكلتك في البيع، فإن ذلك لا يصح لأنه لا دليل عليه.
فأما إذا وكله في السلم في الطعام فسلف في حنطة جاز، وإن سلف في
شعير لم يجز، لأن إطلاق الطعام في العادة يرجع إلى الحنطة دون الشعير،
والاعتبار في الوكالة بالعادة.
إذا وكله في شراء خبز مطلقا يرجع إلى عادة البلد، فما غلب على خبزه
صح شراؤه، وما كان شاذا لا يصح شراؤه، مثل أن يكون ببغداد فإنه يصح
شراء خبز الحنطة دون خبز الشعير والذرة، وإن كان بطبرستان رجع إلى خبز
الأرز.
إذا كان له على رجل دراهم فأمره أن يسلفها لرجل في طعام أو غيره
فسلف ذلك المقدار سلفا في الطعام الذي ذكره صح ذلك، فإذا اشترى ذلك
الطعام سلفا بمال لزم الإذن ذلك المال الذي هو رأس مال السلم، فإذا وزن
56

المال المأذون له ذلك للتسلف كان قضاء له من نفسه إلى من له عليه الدين، فإنه
يدفع إلى بائع الطعام بإذن صاحب الدين، فكان بمنزلة دفعه إليه أو إلى وكيله.
وإن لم يكن له عليه مال فأذن له أن يسلف رجلا في إطعام يشتريه له ففعل
ذلك صح، وكان ما وزنه من المال قرضا له على الآمر لأنه أذن له في قضاء
دينه، فإذا قضاه رجع به عليه، ويكون في المسألة الأولى قضاء الدين عنه، وفي
الثانية قضاء الدين الذي على موكله.
إذا ادعى رجل على أنه وكيل فلان الغائب فأقام على ذلك شاهدا واحدا لم
يقبل يمينه معه، لأن الولايات لا تقبل فيها شهادة مع اليمين، كالوصية وغيرها،
وإنما يختص ذلك بالأموال، وإن أقام الوكيل شاهدا وامرأتين لا يقبل أيضا لمثل
ما قلناه، ولأنه لا دليل على ذلك.
إذا ادعى رجل أنه وكيل فلان الغائب وأقام على ذلك شاهدين فشهد
أحدهما أنه وكله، وشهد الآخر أنه وكله لكن عزله لم يحكم له بالوكالة بتلك
الشهادة، لأن الشاهد الثاني ما أثبت للمشهود له وكالة ثابتة في الحال، فوجود
شهادته وعدمها بمنزلة واحدة.
فأما إذا شهدا له بالوكالة فحكم الحاكم بها ثم قال أحد الشاهدين: كان قد
عزله بعد أن وكله، لم يقبل ذلك منه، لأنه ابتداء الرجوع عن الشهادة بعد حكم
الحاكم بها، وإن قال ذلك قبل أن يحكم الحاكم لم يحكم لأنه رجع قبل
الحكم، ولا يجوز للحاكم أن يحكم بعد الرجوع.
إذا شهد له أحدهما بالوكالة فقال: أشهد أنه وكله يوم الخميس، وقال الآخر:
أشهد أنه وكله يوم الجمعة، لم يحكم بالوكالة بهذه الشهادة، لأنها شهادة على عقد
ولم يتفقا على عقد واحد.
فأما إذا شهد أحدهما أنه أقر أنه وكله يوم الخميس وشهد الآخر أنه أقر أنه
وكله يوم الجمعة صحت الشهادة وتثبت بها الوكالة، لأن هذه شهادة على إقراره
والشهادة على الإقرار لا تكون إلا متفرقة، لأن المشهود عليه لا يكلف أن يجئ إلى
57

الشهود فيقر بين أيديهم دفعة واحدة، وكذلك إذا شهد أحدهما أنه أقر عنده
بالعربية أنه وكيله، وشهد الآخر أنه أقر عنده بالعجمية أنه وكيله، لأن هذا إقرار
والشهادة على الإقرار المتفرق مقبولة.
إذا شهد أحدهما فقال: أشهد أنه قال له: وكلتك، وشهد الآخر أنه قال:
أذنت لك في التصرف، لم يثبت بذلك، لأنها شهادة على عقد، والعقد بقوله
" وكلتك " غير العقد بقوله " أذنت لك في التصرف "، فلم تتفق شهادتهما على
عقد واحد، وكذلك إذا شهد أحدهما أنه قال له: جعلتك وكيلا، وقال الآخر:
أشهد أنه قال له: جعلتك جريا، لما ذكرناه، والجري الوكيل.
إذا شهد أحدهما أنه وكله في التصرف وشهد الآخر أنه أذن له في التصرف
أو سلطه على التصرف في ماله ثبتت الوكالة بتلك الشهادة، لأنهما لم يحكيا لفظ
العقد، فاختلافهما في الأداء في اللفظ لا يؤثر في الشهادة.
إذا ادعى أنه وكيل فلان الغائب في استيفاء حقه من فلان وأقام على وكالته
شاهدين فشهدا له بذلك، فقال الذي عليه الحق للوكيل: إنك لا تستحق على
المطالبة فاحلف أنك تستحق ذلك، لم يحلف الوكيل على تلك الدعوى ولا
تسمع تلك الدعوى، لأن فيها طعنا على الشهود، لأنهم أثبتوا له بشهادتهم
استحقاق المطالبة.
فأما إذا ادعى توكيل فلان الغائب في استيفاء حقه من فلان فقال الذي عليه
الحق: قد عزلك موكلك، فأنكر الوكيل ذلك لم تسمع عليه دعواه، ولا
يحلف الوكيل، لأنه يدعي على الموكل ولا تدخل النيابة في اليمين، فإن قال:
أنت تعلم أن موكلك عزلك، كان له مطالبة الوكيل باليمين لأنها دعوى عليه
دون الموكل، وتفارق دعوى العزل لأنها دعوى على الموكل دون الوكيل.
فإن أقام الذي عليه الحق بينة أن موكله عزله سمعت، وإن شهد له ابنا
الموكل الغائب لم تقبل شهادتهما، لأنها شهادة على أبيهما، وشهادة الابن على
الأب غير مقبولة عندنا، وعند المخالف تقبل.
58

فأما إذا لم تكن له بينة وأخذ الوكيل المال، ثم رجع الموكل وكان المال
قد تلف في يد الوكيل، فادعى الموكل أنه كان عزله قبل قبض المال وعلم
الوكيل ذلك، فادعى العزل وعلم الوكيل به وشهد بذلك ابناه قبلت شهادتهما،
لأن بهذه الشهادة يثبت أن ماله باق في ذمة من كان عليه، فتكون هذه شهادة
لأبيهما، وشهادة الابن تقبل لأبيه عندنا، ولا تقبل عند المخالف.
إذا ادعى أنه وكيل فلان الغائب في استيفاء حقه من فلان وثبتت وكالته عند
الحاكم، ثم ادعى الذي عليه الحق أن الموكل أبرأه أو قضاه الحق، وأنكر
الوكيل ذلك لم تسمع تلك الدعوى عليه، لأن ذلك يؤدي إلى بطلان الوكالة
في استيفاء الحقوق بغيبة الموكل، فما من خصم يطالبه الوكيل بالمال إلا ويدعي
ذلك حتى يسقط المطالبة عن نفسه، فإن طالبه باليمين لم يكن له ذلك، ولم
يلزم الوكيل اليمين، لأنه لو أقر بالقضاء أو الإبراء لم يثبت بإقراره فلم يحلف
عليها، إلا أن يدعي أنه يعلم ذلك فينكر، فيحلف عليه، وتكون اليمين على نفي
العلم.
إذا كان للغائب وكيل فادعى رجل على الموكل مالا في وجه الوكيل عند
الحاكم وأقام عليه البينة وحلف معها حكم على موكله بالمال، فإذا رجع
الموكل فإن صدقه في ذلك أو كذبه فالحكم على ما مضى، وإن ادعى أنه كان
عزله قبل الدعوى والمحاكمة لم يؤثر ذلك في الشهادة والحكم، لأن عندنا
يصح القضاء على الغائب وإن لم يكن له وكيل حاضر.
إذا شهد الوكيل لموكله بمال نظر: فإن لم يكن وكيلا في ذلك المال قبلت
شهادته، لأن هذا المال إذا ثبت بشهادته لم يثبت له فيه تصرف، فلا يجر بها نفعا
ولا يدفع بها مضرة، وإن كان وكيلا في ذلك المال لا تقبل شهادته، لأنه يثبت له
التصرف فيه إذا ثبت لموكله فهو متهم في تلك الشهادة.
وإن شهد بعد العزل بذلك المال لموكله نظر: فإن كان قد شرع في
الخصومة عليه لم تقبل شهادته، لأنه كان خصما في ذلك لموكله وهو يشهد
59

لموكله به فلم تقبل، لأن شهادة الخصم لا تقبل، وإن كان لم يشرع الخصومة فيه
قيل فيه وجهان:
أحدهما: تقبل، لأنه لم يكن خصما في ذلك، ولا يثبت له التصرف فيه إن
ثبت للمدعي، لأنه معزول.
والثاني: أنها لا تقبل، لأنه بالوكالة صار خصما وإن لم يخاصم، فهو كما لو
عزله بعد أن خاصم، والأول أقوى.
إذا شهد السيد لمكاتبه بأنه وكيل فلان لم يقبل لأنه يكون شاهدا لملكه كما
لو شهد لنفسه، وإن شهد له ابناه قبلت شهادتهما، لأن شهادة الابن تقبل لأبيه
عندنا، وعند المخالف لا تقبل شهادتهما لمكاتب أبيهما.
إذا وكل المضمون له المضمون عنه في إبراء الضامن صح، فإذا أبرأه برئ
الضامن ولم يبرأ المضمون عنه.
وإن وكل الضامن في إبراء المضمون عنه صح، فإن أبرأ المضمون عنه برئ، و
برئ هو لأنه فرعه.
فأما إذا وكل الضامن في إبراء نفسه أو وكل المضمون عنه في إبراء نفسه
فالأقوى أنه يصح ذلك، لأنه استنابة في إسقاط الحق عن نفسه، كما لو وكل
العبد في إعتاق نفسه، وفي الناس من قال: لا يصح، لأنه توكيل في التصرف في
حق نفسه وإسقاط الحق عن ذمته، والإنسان لا يملك إسقاط حق نفسه. والأول
أولى، لأنه لا خلاف أن توكيل الضامن يصح في إبراء المضمون عنه وإن كان
يبرأ هو بذلك.
هذا على مذهب من يقول: إن بالضمان لا ينتقل المال إلى ذمة الضامن
وللمضمون له أن يطالب أيهما شاء.
فأما من قال بالانتقال فلا وجه لهذا التفريع، فإنه متى وكل المضمون عنه
في إبراء الضامن يصح، لأن المال في ذمة الضامن، وتوكيل الضامن في إبراء
المضمون عنه لا وجه له، لأنه لا حق عليه في إبراء نفسه على ما مضى.
60

إذا وكله في إبراء غرمائه لم يدخل هو في الجملة، وكذلك في حبس
غرمائه ومخاصمتهم، وكذلك إذا وكله في تفرقة ثلثه في الفقراء والمساكين لم
يجز أن يصرف إلى نفسه منه شيئا وإن كان فقيرا مسكينا، لأن المذهب الصحيح
أن المخاطب لا يدخل في أمر المخاطب إياه في أمر غيره، فإذا أمر الله تعالى نبيه
بأن يأمر أمته أن يفعلوا كذا لم يدخل هو في ذلك الأمر، فإن صرح له بأن
يبرئ نفسه أيضا معهم فعلى ما مضى من الوجهين.
إذا وكل رجلا في قبض دين له على غيره فادعى الوكيل أنه قبضه منه
وسلمه إليه، أو قال: تلف في يدي، وصدقه من عليه الدين وقال الموكل: لم
يقبضه منه، قال قوم: إن القول قول الموكل مع يمينه ولا يقبل قول الوكيل ولا
المدين إلا ببينة، لأن الموكل يدعي المال على المدين دون الوكيل، لأنه يقول: أنا
لا أستحق عليك شيئا لأنك لم تقبض المال وإن مالي باق على المدين، ولهذا إذا
حلف المدعي طالب الذي عليه الدين، ولا يثبت بيمينه على الوكيل شئ، فإذا
كان كذلك كان بمنزلة أن يدعي من عليه الدين دفع المال إليه وهو ينكره
فيكون القول قوله، وكذلك هاهنا، وهذا أقوى.
إذا وكله بالبيع والتسليم وقبض الثمن فباعه وسلم المبيع، فادعى قبض
الثمن وتلفه في يده أو دفعه إليه، فأنكر الموكل أن يكون قبضه من المشتري كان
القول قول الوكيل مع يمينه، لأن الوكيل مدعى عليه، لأنه يدعي أنه سلم المبيع
ولم يقبض الثمن فصار ضامنا فيكون القول قول الوكيل مع يمينه، لأن الأصل
أنه أمين وأنه لا ضمان عليه، ويخالف المسألة الأولى لأن المدعى عليه هو الذي
عليه الدين وهو الخصم فيه، وفي المسألة الأولى إذا جعلنا القول قول الموكل لم
نوجب على الوكيل غرامة، وفي المسألة الثانية نوجب غرامته، فجعلنا القول قول
الوكيل في الثانية.
إذا كان بالضد من ذلك فادعى المشتري دفع الثمن إلى الوكيل وأنكر
الوكيل ذلك وصدقه الموكل كان القول قول الموكل إذا ادعى، ولم يجز له
61

الرد على المشتري، لأنه يدعي أنه لم يدفع الثمن إليه ولا إلى وكيله، وله أن يرد
على الوكيل، لأنه قد أقر بقبض الثمن منه فلم يجز أن يرجع عليه، وكان القول
قوله مع يمينه أنه ما قبض ولا وكيله، وهكذا إذا اختلفا في الثمن، تحالفا وترادا
فطالبه بالبينة كان القول قوله مع يمينه.
إذا وكل رجلا في بيع ماله وقبض ثمنه فادعى أنه قبض الثمن وتلف في
يده أو دفعه إليه وصدقه المشتري على ذلك فقال الموكل: ما قبضته من
المشتري، كان القول قول الوكيل على أصح الوجهين، فإذا حلف برئ.
فإن وجد المشتري بالمبيع عيبا كان له رده بالعيب، وإن أقام البينة على أنه
دفع إلى الموكل أو إلى الوكيل ثمنه كان له رد المبيع على أيهما شاء ومطالبته
بالثمن، وإن لم تكن له بينة لم تكن له مطالبة الموكل لأنه لم يثبت له دفع الثمن
إليه، وله مطالبة الوكيل بالثمن ورد المبيع إليه، لأنه أقر بقبض الثمن منه، وليس
للوكيل مطالبة الموكل، ويكون القول قول الموكل مع يمينه أنه لا يعلم أنه قبض
الثمن من المشتري، فإذا حلف لم يكن له مطالبته إلا أن يقيم بينة على ما يدعيه من
قبض الثمن من المشتري وتلفه في يده أو دفعه إليه.
وهكذا إذا اختلفا البائع والمشتري في العيب جعلنا القول قول البائع، وإن
اختلفا بعد ذلك في قدر الثمن تحالفا وترادا، وإن قال البائع: رد المبيع وما
نقص في يدك، قلنا: ليس لك أن تطالبه بالنقصان بالعيب إلا ببينة ويمينك أنه
حدث في يد المشتري، للمنع من فسخ البيع، فإذا فسخ البيع واختلفا في العيب
كان القول قول المشتري، لأن ذمته على البراءة مما يدعيه عليه.
وكذلك إذا باع رجل من رجل جارية وهي مزوجة فاختلفا في تزويجها
فقال البائع: أنت زوجتها، وقال المشتري للبائع: أنت زوجتها، كان القول قول
البائع، فإذا اختلفا في مقدار الثمن تحالفا وترادا، ولا يلزمه نقصان القيمة
بالتزويج.
62

تبصرة المتعلمين
الفصل السابع: في الوكالة:
ولا بد فيها من الإيجاب والقبول - وإن كان فعلا أو متأخرا - والتنجيز.
وهي جائزة من الطرفين، ولو عزله الموكل بطل تصرفه مع علمه بالعزل،
وتبطل بالموت والجنون والإغماء وتلف متعلقها وفعل الموكل، وتصح فيما لم
يتعلق غرض الشرع بإيقاعه مباشرة.
ولا يتعدى الوكيل المأذون إلا في تخصيص السوق، ولو عمم التصرف
صح مع المصلحة إلا في الإقرار.
والإطلاق يقتضي البيع حالا بثمن المثل بنقد البلد، وابتياع الصحيح،
وتسليم المبيع في البيع وتسليم الثمن في الشراء، والرد بالعيب.
ولا يقتضي وكالة الحكومة القبض.
ويشترط أهلية التصرف فيهما والحرية، ولو توكل العبد أو وكل بإذن مولاه
صح، ولا يوكل الوكيل بغير إذن، وللحاكم التوكيل عن السفهاء والبله،
ويستحب لذوي المروءات.
ولا يتوكل الذمي على المسلم، ولا يضمن الوكيل إلا بتعد ولا تبطل وكالته
به، والقول قوله - مع اليمين وعدم البينة - في عدمه، وفي العزل والعلم به
والتلف والتصرف، وفي الرد قولان.
63

والقول قول منكر الوكالة، وقول الموكل لو ادعى الوكيل الإذن في البيع
بثمن معين، فإن وجدت العين استعيدت، وإن فقدت أو تعذرت فالمثل أو القيمة
إن لم يكن مثليا.
ولو زوجه فأنكر الموكل الوكالة حلف، وعلى الوكيل المهر وقيل نصفه،
ويجب على الموكل طلاقها مع كذبه.
ولو وكل اثنين لم يكن لأحدهما الانفراد بالتصرف إلا أن يأذن لهما، ولا
تثبت إلا بشاهدين، ولو أخر الوكيل التسليم مع القدرة والمطالبة ضمن.
64

إرشاد الأذهان
المقصد السابع: في الوكالة:
وفيه مطلبان:
الأول: في أركانها:
وهي أربعة:
الأول: الموكل: ويشترط أن يملك مباشرة ذلك التصرف بملك أو ولاية،
فلا يصح توكيل الصبي والمجنون والمحجور عليه في المال والعبد، ولو وكل
العبد في الطلاق والمحجور عليه للفلس والسفه فيما لهما فعله صح.
وللأب والجد أن يوكلا عن الصبي، وكذا للوصي - وليس للوكيل أن
يوكل إلا بالإذن الصريح أو القرينة، ولو وكله في شراء نفسه من مولاه صح -
وللحاضر أن يوكل في الطلاق كالغائب على رأي، وللحاكم أن يوكل عن
السفهاء.
ويكره لذوي المروءات مباشرة الخصومة، بل يوكلون من ينازع.
الثاني: الوكيل: ويعتبر فيه البلوغ والعقل والإسلام إن كان الغريم مسلما،
ولا يشترط الإسلام إن كان الغريم كافرا، وينبغي أن يكون فاهما عارفا باللغة،
ولا تبطل بارتداد الوكيل، ولا تصح نيابة المحرم في المحرم عليه كعقد النكاح
وشراء الصيد.
65

وللمرأة أن تتوكل حتى في عقد نفسها وطلاقها، وللعبد أن يتوكل بإذن
المولى وإن كان في عتق نفسه، والمحجور عليه للسفه والفلس في المال وغيره.
الثالث: فيما يصح فيه الوكالة: وله شرطان: أن يكون مملوكا للموكل،
وقبوله للنيابة.
فلو وكله في طلاق زوجة سينكحها أو عتق عبد سيشتريه لم يصح، ولو
وكله فيما يتعلق غرض الشارع بإيقاعه مباشرة كالنكاح والقسمة والعبادات مع
القدرة - إلا في الحج المندوب وأداء الزكاة - لم يصح، ولو وكله فيما لا يتعلق
غرض الشارع بالمباشرة صح، كالبيع وعقد النكاح والطلاق - وإن كان
الزوج حاضرا. على رأي، أو كان الوكيل فيه الزوجة على رأي - والمطالبة
بالحقوق واستيفائها.
ولا يجوز في المعاصي، كالسرقة والغصب والقتل، بل أحكامها تلزم
المباشر، وفي صحة التوكيل بإثبات اليد على المباحات كالاصطياد إشكال،
وكذا الإشكال في التوكيل في الإقرار، ولا يقتضي ذلك إقرارا، ولا يشترط في
توكيل الخصومة رضا الغريم.
ولو وكله على كل قليل وكثير صح، ويعتبر المصلحة في فعل الوكيل،
ولو وكله في شراء عبد صح وإن لم يعينه.
الرابع: الصيغة: ولا بد من إيجاب مثل: وكلتك واستنبتك وبع وأعتق،
وقبول إما لفظا أو فعلا، ويجوز تأخيره عن الإيجاب، ويشترط التنجيز، فلو علقه
بشرط بطل، ولو نجزه وشرط تأخير التصرف جاز.
المطلب الثاني: في الأحكام:
الوكالة جائزة من الطرفين، فلو عزله انعزل إن علم بالعزل، وإلا فلا، ولو
عزل نفسه بطلت، وتبطل بموت أحدهما وخروجهما عن التكليف ولو بالإغماء،
وبفعل الموكل متعلق الوكالة، وبتلفه لا بالنوم المتطاول، والتعدي، وعتق العبد
66

وبيعه، وطلاق الزوجة، أما لو أذن لعبده ثم باعه أو أعتقه بطل الإذن.
والإطلاق يقتضي البيع بثمن المثل بنقد البلد حالا، وتسويغ البيع على
ولده أو زوجته لا على نفسه إلا مع الإذن، فيجوز حينئذ أن يتولى طرفي العقد على
رأي، ولو قدر له أجل النسيئة لم يتخطاه، وإن أطلق يقيد بالمصلحة عرفا.
ووكيل البيع لا يملك تسليم المبيع قبل توفية الثمن، وبعده لا يجوز له
المنع، ولا يملك قبض الثمن، ووكيل الشراء يملك تسليم الثمن، وقبض
المبيع كقبض الثمن، ولا يملك وكيل الحكومة والإثبات الاستيفاء وبالعكس.
ولو اشترى معيبا بثمن مثله جاهلا بالعيب وقع عن الموكل، ولو علم افتقر
إلى الإجازة، ولو كان بغبن فكذلك عالما كان أو جاهلا، ثم إن ذكر الموكل في
العقد لم يقع عنه ولا عن الموكل إلا بالإجازة، وإلا وقع عن الوكيل، وللوكيل
الرد بالعيب مع حضور الموكل وغيبته، ولو رضي الموكل بطل رده.
وإذا قال له: افعل ما شئت، أو وكله في مقدار يعجز عنه اقتضى الإذن في
التوكيل للأمين، ولو قال له: بع من زيد في زمان، أو في سوق له فيه غرض، أو
صرح فيه بالنهي عن غيره أو بحال لم يجز العدول، ولو باع بأزيد، أو باع حالا
بمثل ما أذن في النسيئة، أو اشترى نسيئة بمثل ما أذن نقدا صح، إلا أن يصرح بالمنع.
ولو قال: اشتر شاة بدينار، فاشترى شاتين به ثم باع إحديهما بالدينار،
صح، لكن يفتقر في البيع إلى إجازته، وليس لوكيل الخصومة الإقرار ولا الصلح
ولا الإبراء.
ولو قال: صالح عن الدم الذي استحقه بخمر، ففعل حصل العفو بخلاف
ما لو: صالح على خنزير.
ولو وكله في شئ لم ينطلق في غيره، فلو وكله في شراء فاسد لم يملك
الصحيح، ولو وكله في الشراء بالعين فاشتري في الذمة أو بالعكس لم يقع عن
الموكل، فإن اشترى في الذمة ولم يصرح بالإضافة وقع عنه.
67

والوكيل أمين وإن كان بجعل، ويقع الشراء للموكل لا له، وكل موضع
يبطل الشراء للموكل فإن أضاف في العقد لم يقع عن أحدهما، وإلا قضى على
الوكيل، وكذا لو أنكر الوكالة ولا بينة، فإن كان الوكيل كاذبا فالملك له باطنا
وظاهرا، وإلا ظاهرا، فيقول الموكل: إن كان لي فقد بعته منه، ولو امتنع استوفى
الوكيل ما غرمه، ويرد الفاضل أو يرجع، وليس له التصرف بغير ذلك من وطء
وانتفاع.
ولو وكل اثنين وشرط الاجتماع أو أطلق لم يكن لأحدهما الانفراد ولا
القسمة، ولو مات أحدهما بطلت، وليس للحاكم أن يضم إليه، ولو شرط الانفراد
جاز.
ولو قال: اقبض حقي من فلان، فمات بطلت بخلاف: اقبض حقي الذي
عليه.
ولو وكل المديون في الشراء بالدين صح، ويبرأ بالتسليم إلى البائع، ولا
تثبت إلا بعدلين اتفقا لا بشاهد وامرأتين، ولا بشاهد ويمين، ولا موافقة الغريم.
ولو اختلفا في تاريخ الإيقاع أو في اللغة أو في العبارة لم يقبل، ولو كان
ذلك في الإقرار قبل.
ويجب التسليم مع المطالبة والقدرة، فإن أخر ضمن، ولو وكله في القضاء
ولم يشهد ضمن، بخلاف الإيداع، وللبائع مطالبة الوكيل مع جهل الوكالة
والموكل مع علمه، وتقبل شهادة الوكيل لموكله فيما لا ولاية له، ولو عزل قبلت
في الجميع، ما لم يكن أقام بها أو شرع في المنازعة.
مسائل النزاع:
لو أنكر المالك الإذن في البيع بذلك الثمن وادعى الأزيد، فالقول قوله مع
اليمين، ثم تستعاد العين إن أمكن، وإلا المثل أو القيمة، فإن صدق المشتري
الوكيل وتلفت السلعة في يده رجع المالك على من شاء، فإن رجع على
68

المشتري لم يرجع المشتري على الوكيل، وإن رجع على الوكيل رجع الوكيل
على المشتري بالأقل من ثمنه وما غرمه.
ولو قال: ما أذنت في الشراء إلا بعشرة وكان الشراء بأزيد، حلف ويغرم
الوكيل الزائد إن أنكر البائع الوكالة وإلا اندفع الشراء، ولو أنكر الغريم وكالة
الغائب له فلا يمين، ولو صدقه لم يؤمر بالتسليم إليه، والقول قول منكر الوكالة،
وقول الوكيل في التلف وعدم التفريط، والقيمة معه وإيقاع العقد والابتياع له أو
للموكل، وقول الموكل في الرد وإن لم يكن يجعل على رأي، وفي قدر الثمن
المشتري به على رأي.
ولو أنكر وكالة التزويج حلف وألزم الوكيل بالمهر، وقيل بالنصف، وقيل
بالبطلان، ويجب على الموكل الطلاق مع كذبه ودفع نصف المهر، وهو جيد.
ولو قال: قبضت الثمن وتلف في يدي، وكان ذلك بعد التسليم قدم قوله،
إذ الموكل يطلب جعله خائنا بالتسليم قبل الاستيفاء، ولو كان قبل التسليم قدم
قول الموكل لأن الأصل بقاء حقه، وكل من عليه حق فله الامتناع من التسليم
إلى المستحق ووكيله، إلا بالإشهاد.
ولو ادعى على الوكيل قبض الثمن فجحد، فأقيم بينة القبض، فادعى تلفا أو
ردا قبل الجحود لم يقبل قوله لخيانته، ولا بينته لعدم سماع دعواه، ولو ادعى بعد
الجحود ردا سمعت دعواه ولا يصدق لخيانته وتسمع بينته، ولو ادعى التلف
صدق ليبرأ من العين، ولكنه خائن فيلزمه الضمان.
69

تلخيص المرام
كتاب الوكالة
الخامس:
يشترط في الوكالة الإيجاب والقبول وإن تأخر قولا وفعلا، وجواز تصرفهما
والتنجيز، ويجوز تعليق التصرف ولا اعتبار برضا الغريم، وهي جائزة من
الطرفين، ولو لم يعلمه العزل لم ينعزل على رأي، فلو قبض الوكيل بعد العزل
من دون العلم وقع موقعه، ولو كان بعد العفو من دونه ضمن ويرجع على
الموكل، ولا يفتقر عزل الوكيل نفسه إلى علم الموكل.
وتبطل بالموت والجنون والإغماء منهما، والحجر على الموكل فيما يمنعه
الحجر، وبموت أحد الوكيلين المشروط اجتماعهما، ومع الحياة لا يتصرف
أحدهما منفردا، وكذا لو أطلق، ولو نص على الانفراد صح، وفعل الموكل
متعلق الوكالة أو تلفه، ولو قال: اقبض حقي من فلان، فمات بطلت، ولو أتى
ب‍ " على " لم تبطل.
ومن عليه دين إذا أمر بشراء شئ به برئ عند التسليم، وكذا الوكيل يبرأ عنه
لو تعدى في المأذون في بيعه.
وإطلاق الوكالة يقتضي البيع بثمن المثل حالا بنقد البلد وتسليم المبيع
والثمن في الشراء وشراء الصحيح، ولو خالف وقف على الإجازة، وتستعاد
العين مع بقائها، أو القيمة أو المثل مع تلفها، ولو أنكر المالك قدر الثمن بعد
71

يمينه فإن وافق المشتري الوكيل على الثمن وتلفت السلعة في يد المشتري بتسليم
الوكيل، رجع البائع على أيهما شاء، ورجع الوكيل على المشتري إن رجع
عليه بالأقل من ثمنه وما اغترمه، وليس لوكيل البيع خاصة قبض الثمن، ويملك
الرد بالعيب، وليس لوكيل الحكومة قبض الحق ولا العكس.
ويجوز للمكاتب التوكيل، وللقن أن يتوكل في شراء نفسه وأن يوكل فيما
يملكه كالطلاق، وكذا المحجور عليه، وللمأذون له في التجارة أن يوكل فيما
تقتضي العادة بالتوكيل فيه، ولولي الطفل والمجنون وللحاكم عن السفيه
وللغائب في الطلاق وللحاضر على رأي، وللوكيل مع الإذن ومع إطلاق
المشيئة فإن وكل عن موكله فهما مستقلان لا تبطل بموت أحدهما وبعزله وكالة
الآخر، وإن وكل عن نفسه كان له عزله، ولو مات الأول بطلت وكالته.
ويستحب لذوي المروءة التوكيل، وتوكيل العارف، ولا تصح نيابة
المحرم وقبولها في المحرم عليه، وللمرأة أن تتوكل في طلاق نفسها على رأي،
وغيرها وعقد النكاح، وللعبد في عتق نفسه ومع إذن مولاه في غيره، وللمكاتب
بجعل.
ومسائل الوكالة بالنسبة إلى الإسلام والكفر ثمان، فكل ما ثبت فيه حكم
الكفر على الإسلام باطل، وهو صورتان، والباقي جائز عدا وكالة المسلم للذمي
على المسلم فإنه مكروه.
ولو ارتد الوكيل لم تبطل وكالته، وكذا لو وكل زوجته أو عبده ثم طلق
أو أعتق، ولو أذن لعبده ثم أعتقه بطل الإذن، ولا يتعدى الوكيل المأذون إلا إذا
باع في سوق مأمور بغيرها، ولا ينتقل إلى الوكيل، ويقضى عليه بما يشتري به إذا
لم يذكر الموكل وأنكرها ويكون الشراء للموكل باطنا مع صدق الوكيل، فإن
قال الموكل: إن كان لي فقد بعته للوكيل صح، وإلا استوفى الوكيل ما أدى
ويرجع بالباقي على الموكل أو دفعه، ولو ذكره وأنكر أو كان يبطل الشراء
بالنسبة إليه لم يقع عن أحدهما، وكل ما لا غرض للشارع في مباشرته كالبيع
72

صح التوكيل فيه بخلاف ما قصد به المباشرة كالصلاة.
ولا تثبت الوكالة إلا بشاهدين اتفقا على عقد واحد، ولو شهدا في تاريخين
إيقاعا أو بعبارتين كالعربية والعجمية أو أحدهما بلفظ الوكالة والآخر بلفظ
الاستنابة لم تقبل، ولو شهدا بالإقرار في الكل قبلت، ويقضي الحاكم بعلمه، ولو
صدق الغريم الوكيل فيها والموكل غائب وكان المدعى عينا لم يؤمر بالتسليم،
ومعه لو أنكر المالك الوكالة وتلفت يرجع على أيهما شاء، ولا يرجع أحدهما
على الآخر، ولو كان دينا لم يؤمر بالتسليم على إشكال إلا أن الرجوع يختص
بالغريم ويرجع هو على الوكيل مع البقاء والتلف بالتفريط، ولا يضمن لو تلف
بغير تفريط، ولو كذبه لم يتوجه عليه يمين، ولا يضمن الوكيل إلا مع التفريط
ولا تبطل وكالته، ولو طالبه فأخر التسليم مع المكنة ضمن، ولا يضمن مع عدم
أحدهما، وقيل: كل من في يده مال له الامتناع من التسليم حتى يشهد صاحبه
بالقبض، والقول قول منكر الوكالة وقول الوكيل في التفريط والتلف، ومطالبة
الموكل ودعوى الابتياع له أو للموكل، وقول الموكل في دفع المال إليه،
بخلاف ولي الطفل في الإنفاق وفي الصرف على رأي، وفي قدر ثمن المبيع.
ولو زوجه فأنكر الوكالة فالعقد باطل ظاهرا، ويطلق مع صدق الوكيل
وجوبا، ويدفع نصف المهر، وللبائع أن يطالب بالثمن المشتري الوكيل إن
جهل الوكالة، وللموكل إن علمها، ولو ادعى الغريم عزل الوكيل أو الإبراء فلا
يمين إلا أن يدعي العلم، ولو شهد ولد الموكل بالعزل لم يقبل، ولو قبض
الوكيل مع عدم البينة فتلف فحضر الموكل وادعى العزل وعلم الوكيل ومشهد
ابناه قبل، ولو أقر الوكيل بقبض الدين من الغريم وصدقه، وأنكر الموكل، قيل:
القول قوله، ولو أقر الوكيل بقبض ثمن المبيع المأمور به وبتسليمه وبقبض ثمنه،
ثم تلف وصدقه المشتري فالقول قول الوكيل، لأنه الغارم حيث سلم ولم يأخذ
الثمن، ولو ظهر به عيب رده على الموكل على رأي، ويجوز أن يأذن لوكيله في
بيع ماله من نفسه ولا يضمن الوكيل في الإيداع إذا لم يشهد، وكذا في قضاء
73

الدين على رأي، ويجوز أن يوكل في كل قليل أو كثير على رأي.
ويقتصر الوكيل على المصلحة، ولو وكله في شراء عبد افتقر إلى وصفه،
ومع الإطلاق تصح على رأي، وفي صحة التوكيل بالإقرار، إشكال ينشأ من أن
الإقرار إخبار، وإخبار الرجل عن غيره لا يثبت إلا بشهادة، وهي منفية هنا، وعلى
التقديرين فليس التوكيل بالإقرار إقرارا.
ولو أعطاه مالا يشتري به شيئا فصرفه في غيره صار قرضا وبطلت وكالته،
ولو عزل من ماله مساويه واشترى به المأمور وقع الشراء له دون الموكل،
وقيل: الأحوط أن لا يجوز وكالة الواحد عن المتخاصمين، ولو وكله في شراء عبد
فاشترى نصفه بنصف الثمن لم يصح، وكذا لو اشتراه بالثمن صفقتين، ولو وكله
في شراء عبدين صح صفقة وصفقتين، إلا أن يعين الوحدة، ولو وكله في شراء
طعام قيل: انصرف إلى الحنطة دون الشعير للعادة، ولو وكله في شراء خبز
انصرف إلى غالب البلد.
74

المسائل لابن طي
المقصد السابع: في الوكالة:
وفيه مسائل:
مسألة [1]: إذا وكلت شخصا يبرئ ذمتي من حق وجهلت حاله هل يكفي في
ترك الفحص عن الوصول أم لا؟
الجواب: يكفي الظن.
مسألة [2]: إذا أذن لغيره في تفريق مال في قبيل وهو منهم جاز أن يشركهم،
ولا فرق بين أن يقول: ضعه فيهم أو ادفعه إليهم، ولو حصل شاهد قال: عمل به.
مسألة [3]: يجوز للفقير والشريف أن يوكلا في قبض، والخمس، وكذا
يجوز التوكيل في النذر.
مسألة [4]: الفرق بين التوكيل والإذن أنه يعتبر في الموكل الاختصاص بما
وكل فيه، بخلاف الإذن ولأنه يمكن توجه الإذن إلى المالك المحجور عليه
بخلاف الوكالة، ولهذا لو وكل عبد ثم أعتقه بطلت الوكالة لأنها إذن لا توكيل
حقيقة.
75

مسألة [5]: لو ادعى إنسان أنه وكيل في بيع سلعة قبل منه ويصح الشراء
منه، ولو قبله ثم رده إليه وتلف لم يضمن من قبله ويبرأ برده إليه.
مسألة [6]: هل يجوز المقاصة نيابة عن الغير؟ نعم يجوز.
مسألة [7]: لو وكل شخص في بيع سلعة فباع ملك ملزومات ذلك العقد
من الفسخ والالتزام بالغبطة سواءا كان وكيلا خاصا أو عاما.
مسألة [8]: الوكالة إن كانت تبرعا ساوت الوديعة في قبول قوله في الرد.
مسألة [9]: الوكيل لا يبيع ولا يشتري من نفسه ولا لنفسه إلا أن يأذن له
بخلاف الولي والوصي، قال: يجوز مطلقا.
مسألة [10]: كل من وكل في شئ وذلك الشئ لا ينضبط له وحده،
يجوز أن يوكل فيه آخر قضية لقرينة الحال وكذا الوصي.
مسألة [11]: إذا وكله في شراء شئ ولم يتعرض لنقد الثمن عنه، أو أذن له
في البيع ولم يأذن له في قبض الثمن، لكن العادة قاضية بأن من باع في ذلك
المكان أو اشترى يقبض وينقد كان ذلك إذنا فيهما.
مسألة [12]: قوله: ولو قال لوكيل الغائب أبرأني موكلك أو دفعت إليه لم
ينفعه وألزم التسليم، قال: صحيح.
مسألة [13]: قال: يجوز للولي أن يوكل غيره في تزويج المولى عليه، قال:
76

ولا فرق في ذلك بين ولاية الإجبار كالأب والجد وبين الاختيار كالوكيل، أراد
به العام حملا للمطلق هنا على المقيد في باب الوكالة.
مسألة [14]: إذا أغمي على الوكيل أو الموكل هل تبطل وكالته؟ وهل لا
فرق بين قصر الزمان وطوله وسواء كان من قبل الله أو من قبله أم لا؟ نعم تبطل
مطلقا.
مسألة [15]: إذا وكله أن يدفع إلى غيره دينا والمدفوع إليه ثقة لا يجوز
الدفع إليه من دون الإشهاد ولو غلب على ظنه عدم الإنكار.
مسألة [16]: يجوز التوكيل في الخمس والزكاة ولا يفتقر إلى العلم بكونه
وكيلا إلا بقوله حسب، ولكن لا بد من علم الدافع إليه أنه وكيل، فلو كان يظن
أنه يقبض لنفسه مع قصد القابض أنه يقبض لغيره فلا بد من العلم في الدافع
ومع ذلك ينبغي تعيين الوكيل للمالك بأنه يقبض لفلان قال السيد: لأنه قد
يكون مطلعا على مالا يطلع عليه الوكيل.
مسألة [17]: فيما إذا وكل إنسان إنسانا في بيع شئ فباعه وظهر مغصوبا
بعد قبض الثمن وتلفه في يد الوكيل مع علم المشتري بالوكالة، هل يرجع على
الموكل بالثمن من حيث أنه لم تثبت يده على الثمن فلا يرجع عليه ومن حيث أن
قبض الوكيل كقبضه؟
مسألة [18]: لو وكله في بيع عين في بلد، فحملها الوكيل إلى البلد، فهل لو
ردها من غير بيع فلا ضمان أم لا؟ لا يجوز الرد لغير حاجة أو إذن، ولو رد
وتلفت في الطريق ضمن.
77

وكتب محمد بن مطهر:
مسألة [19]: لو وكله في شراء سلعة فاشتراها ثم سلم الوكيل الثمن إلى
البائع وتسلم السلعة وتلفت في يد الوكيل ثم ظهر مستحقه فهل للمالك الرجوع
على الموكل؟ قال عميد الدين: يرجع على الموكل.
مسألة [20]: قال: إذا وكل في بيع متاع بثمن مثله ثم تجدد نقد كان
للوكيل البيع بذلك النقد.
مسألة [21]: لو كان لإنسان وكيلا مطلقا فاشترى لموكله دابة، وتصرف
الوكيل دون موكله إما بالإذن الحادثة أو الإذن العام، هل يسقط الرد أم لا؟
الجواب: إذا كان وكيلا في الشراء ووكيلا في التصرف سقط، والوكيل
العام وكيلا في التصرف فيسقط الرد وإلا فلا.
مسألة [22]: ذكر الشيخ ثلاث صور في الوكالة:
الأولى: لو قال: وكلتك على كل قليل وكثير، قيل: لا يصح للغرر،
وقيل: يصح وينضبط بالمصلحة.
الثاني: أن يقول: وكلتك بما إلى من تطليق زوجاتي وعتق عبيدي، وهذه
تصح لأن الفعل الذي هو متعلق الوكالة معلوم ليس فيه جهالة ولا ضرر.
الثالث: لو قال: بما إلي من كل قليل وكثير، فإشكال ينشأ من أن فيه جهالة
ومن أن ما إليه منوط بالمصلحة وإصالة الصحة والمسألة الأولى أعم والثانية أخص
من الكل والثالثة بينهما.
مسألة [23]: الولاية إما أن تكون لازمة كولاية الأب والجد أو زائلة
كالوكيل، فالأولى لو زالت بجنون أو إغماء أو غير ذلك، ثم زال المانع عادت،
78

لأن سببها وهو الأبوة مثلا باقية، بخلاف الثانية لأن سببها وهو العقل وقد زال
بالإغماء فلا يعود إلا بأمر جديد.
79

كتاب الغصب
81

الخلاف
كتاب الغصب
مسألة 1: من غصب شيئا يضمن بالمثلية، فإن أعوز المثل ضمن بالقيمة، فإن
لم يقبض القيمة بعد الإعواز حتى مضت مدة يختلف فيها القيمة، كان له المطالبة
بقيمته حين القبض لا حين الإعواز، وإن حكم الحاكم بالقيمة عند الإعواز، لم
يؤثر حكمه فيه، وكان له المطالبة بقيمته يوم القبض، ولا يلتفت إلى حكم الحاكم
به. وبه قال أبو حنيفة والشافعي.
وقال محمد وزفر: عليه قيمته يوم الإعواز.
دليلنا: أن الذي ثبت في ذمته هو المثل، وحكم الحاكم عليه بالقيمة لا
ينقل المثل إلى القيمة، بدلالة أنه متى زال الإعواز قبل القبض طولب بالمثل، وإذا
كان الذي ثبت في الذمة هو المثل اعتبر بدل مثله حين قبض البدل، ولا ينظر إلى
اختلاف قيمته بعد الإعواز ولا قبل الإعواز.
مسألة 2: إذا غصب ما لا مثل له، ومعناه لا يتساوى قيمة أجزائه من غير
جنس الأثمان - كالثياب، والحطب، والخشب، والحديد، والصفر، والرصاص،
والعقار، وغير ذلك من الأواني وغيرها - فإنها تكون مضمونة بالقيمة. وبه قال
جميع الفقهاء.
وقال عبيد الله بن الحسن العنبري البصري: يضمن كل هذا بالمثل.
83

دليلنا: ما رواه ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله قال: من أعتق شقصا
له من عبد قوم عليه، فأوجب صلى الله عليه وآله الضمان بالقيمة دون المثل.
ولأنه لا يمكن الرجوع فيه إلى المثل، لأنه إن ساواه في العدد خالفه في
الثقل، وإن ساواه فيهما خالفه من وجه آخر وهو القيمة، فإذا تعذرت المثلية كان
الاعتبار بالقيمة.
مسألة 3: إذا جنى على حمار القاضي، كان مثل جنايته على حمار
الشوكي، سواء في أن الجناية إذا لم يسر إلى نفسه يلزمه أرش العيب. وبه قال
أبو حنيفة والشافعي.
وقال مالك: إن كان حمار القاضي، فقطع ذنبه، ففيه كمال قيمته، لأنه إذا
قطع ذنبه فقد أتلفه عليه، لأنه لا يمكنه ركوبه، لأن القاضي لا يركب حمارا
مقطوع الذنب. ويفارق حمار الشوكي، لأنه يمكنه حمل الشوك على حمار
مقطوع الذنب، ولم يقل هذا في غير ما يركبه من بهائم القاضي - مثل الثور
وغيره - وكذلك لو قطع يد حماره.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، وقدر ما أوجبناه مجمع على لزومه، والزائد
عليه يحتاج إلى دليل.
مسألة 4: إذا قلع عين دابة، كان عليه نصف قيمتها، وفي العينين جميع
القيمة. وكذلك كل ما في البدن منه اثنان، ففي الاثنين جميع القيمة، وفي
الواحد نصفها.
وقال أبو حنيفة: في العين الواحدة ربع القيمة، وفي العينين نصف القيمة،
وكذلك في كل ما ينتفع بظهره ولحمه.
وقال الشافعي ومالك: عليه الأرش ما بين قيمته صحيحا ومعيبا.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
84

وروي عن عمر أنه قضى في عين الدابة بربع قيمتها.
ورووا ذلك عن علي عليه السلام، وهذا يدل على بطلان قول من يدعي
الأرش.
فأما قولنا فدليله: إجماع الفرقة، وطريقة الاحتياط.
مسألة 5: إذا قتل عبدا كان عليه قيمته ما لم تتجاوز قيمته دية الحر عشرة
آلاف درهم، وكذلك إن كانت أمة ما لم تتجاوز قيمتها خمسة آلاف درهم دية
الحرة، وإن كان دون الدية لم يلزمه أكثر من ذلك. وبه قال أبو حنيفة، إلا أنه
قال: إن كان قيمته عشرة آلاف نقص منه عشرة دراهم، وكذلك في دية
المملوكة.
وقال الشافعي: يلزمه قيمته بالغا ما بلغ.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأخبارهم، فإنهم لا يختلفون في ذلك.
وأيضا الأصل براءة الذمة، وما قلناه لازم له بالإجماع، والزائد يحتاج إلى
دليل.
مسألة 6: إذا مثل بمملوك غيره، لزمه قيمته، وانعتق. وبه قال مالك.
وقال الشافعي: لا ينعتق.
والتمثيل: أن يقطع أنفه أو أذنه.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأخبارهم.
وروى عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده أن النبي صلى الله عليه وآله
قال: من مثل بعبده عتق عليه.
مسألة 7: كل جناية مقدرة من الحر بحساب ديته، فهي مقدرة من العبد
بقيمته مثل اليد، والرجل، والأنف، والعين، والموضحة، والمنقلة وغير ذلك. وبه
85

قال الشافعي.
وقال مالك: في ذلك أرش ما نقص، إلا في أربعة مواضع: الموضحة،
والمنقلة، والمأمومة، والجائفة فإن فيها المقدر كما قلناه.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأخبارهم.
مسألة 8: الحارصة والباضعة مقدرة في الحر، وكذلك في العبد بحساب
قيمته.
وقال جميع الفقهاء: فيهما الأرش، لأنهما غير مقدرة في الحر.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وسنبين ذلك في الجنايات.
مسألة 9: إذا جنى على ملك غيره جناية لها أرش.
قال الشافعي: فالمالك يمسكه، لأنه ملكه، ويطالب الجاني بأرشها بكل
حال، قليلا كان أرش الجناية أو كثيرا، سواء ذهب بالجناية منفعة مقصودة أو غير
مقصودة، وسواء وجب بالمقصودة كمال قيمة المجني أو دون ذلك.
وقال أبو حنيفة: ينظر فيه:
إن لم يذهب بالجناية منفعة مقصودة - مثل أن يخرق يسيرا من الثوب، أو
قطع إصبعا من العبد - أو جنى عليه حارصة أو دامية أو باضعة فإنه يمسك ملكه،
ويطالب بالأرش على ما قال الشافعي.
وإن ذهب بها منفعة مقصودة، مثل أن خرق الثوب بطوله، أو قطع يدا
واحدة من العبد، فالسيد بالخيار بين أن يمسك العبد ويطالب بأرش الجناية،
وبين أن يسلم العبد برمته ويأخذ منه كمال قيمته.
وقال: وإن وجب بالجناية كمال قيمة الملك - وهذا إنما يكون في الرقيق
خاصة مثل أن يقطع يديه، أو رجليه، أو يقلع عينيه، أو يقطع لسانه، أو أنفه -
فالمالك بالخيار بين أن يمسكه ولا شئ له على الجاني، وبين أن يسلمه إلى
86

الجاني ويأخذ كمال قيمته.
وقال أبو يوسف ومحمد: في هذا الفصل السيد بالخيار من أن يسلمه ويأخذ
كمال قيمته، وبين أن يمسكه ويأخذ من الجاني ما نقص بالقطع، ويسقط
التخيير.
والذي تقتضيه أخبارنا ومذهبنا: أنه إذا جنى على عبد جناية تحيط بقيمة
العبد، كان بالخيار بين أن يسلمه ويأخذ قيمته، وبين أن يمسكه ولا شئ له، وما
عدا ذلك فله الأرش إما مقدارا أو حكومة على ما مضى القول فيه.
وما عدا المملوك من الأملاك إذا جنى عليه فليس لصاحبه إلا أرش
الجناية.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وقد ذكرناها في الكتاب الكبير المقدم
ذكره.
مسألة 10: إذا غصب جارية، فزادت في يده بسمن، أو صنعة، أو تعليم
قرآن فزاد بذلك ثمنها، ثم ذهب عنها ذلك في يده حتى عادت إلى الصفة التي
كانت عليها حين الغصب، كان عليه ضمان ما نقص في يده.
وهكذا لو غصب حاملا، أو حائلا، فحملت في يده ضمنها وحملها في
الموضعين معا. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: لا يضمن شيئا من هذا أصلا، ويكون ما حدث في يده أمانة،
فإن تلف بغير تفريط فلا ضمان، وإن فرط في ذلك - مثل أن جحد ثم اعترف أو
منع ثم بذل - فعليه ضمان ذلك.
دليلنا: أن هذا النماء إنما حدث في ملك المغصوب منه، لأن ملكه لم يزل
عنه، وإذا حدث في ملكه لزم الغاصب ضمانه إذا حال بينه وبين ملكه.
مسألة 11: المنافع تضمن بالغصب كالأعيان مثل: منافع الدار، والدابة،
87

والعبيد، والثياب. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: لا تضمن المنافع بالغصب بحال، فإن غصب أرضا فزرعها
ببذره، كانت الغلة له، ولا أجرة عليه إلا أن تنقص الأرض بذلك، فيكون عليه
نقصان ما نقص.
وزاد على هذا، فقال: لو آجرها وأخذ أجرتها، ملك الأجرة دون مالكها.
دليلنا: قوله تعالى: فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم،
والمثل مثلان، مثل من حيث الصورة، ومثل من حيث القيمة، فلما لم يكن
للمنافع مثل من حيث الصورة، وجب أن يلزمه من حيث القيمة، وعلى المسألة
إجماع الفرقة، وأخبارهم تدل عليها.
مسألة 12: المقبوض ببيع فاسد لا يملك بالعقد، ولا بالقبض. وبه قال
الشافعي.
وقال أبو حنيفة: يملك بالقبض.
دليلنا: أنه لا دليل على أنه يملك بهذا القبض، فمن ادعى ذلك كان عليه
الدلالة، لأن الأصل أنه على ملك مالكه.
مسألة 13: إذا غصب جارية حاملا ضمنها، وضمن ولدها. وبه قال
الشافعي.
وقال أبو حنيفة: يضمنها وحدها دون حملها.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
ولأن ذمته قد اشتغلت بالغصب، ولا تبرأ قطعا إلا بضمان الجارية وولدها،
فوجب عليه ذلك لتبرأ ذمته بيقين.
مسألة 14: إذا غصب ثوبا قيمته عشرة، فبلغت عشرين لزيادة السوق، ثم
88

عاد إلى عشرة أو دونها، ثم هلك قبل الرد، كان عليه قيمته أكثر ما كانت من
حين الغصب إلى حين التلف. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: عليه قيمته يوم الغصب.
دليلنا: أنه إذا أدى ما قلناه برئت ذمته بلا خلاف، وإذا أدى ما قاله لم يدل
دليل على براءتها، فالاحتياط يقتضي ما قلناه.
مسألة 15: إذا لم يتلف الثوب وكان قائما بحاله رده، ولا يرد ما نقص من
القيمة. وبه قال جميع الفقهاء، إلا أبا ثور، فإنه قال: يرده، وما نقص من قيمته، فإن
كانت قيمته يوم الغصب عشرة، ثم بلغت عشرين، ثم عاد إلى عشرة، رده ومعه
عشرة.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، فمن علق عليها شيئا فعليه الدلالة.
مسألة 16: إذا أكره امرأة على الزنى، وجب عليه الحد، ولا حد عليها.
ولو كانت هي زانية، وهو واطئ بشبهة كان عليها الحد، ولم يكن عليه
الحد، ولا يلزمه المهر في الموضعين.
وقال الشافعي: متى وجب عليه الحد دونها لزمه المهر.
وقال أبو حنيفة: متى سقط عنه الحد دونها لزمه المهر.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، فمن علق عليها المهر فعليه الدلالة.
وقول النبي صلى الله عليه وآله ونهيه عن مهر البغي، دليل على أبي حنيفة.
واستدل الشافعي على ما قاله بقوله عليه السلام: أيما امرأة نكحت بغير إذن
وليها، فنكاحها باطل، فإن مسها فلها المهر بما استحل من فرجها، فأوجب المهر
وهذا ليس بصحيح، لأن ذلك يتناول العقد دون الإكراه.
مسألة 17: السارق يقطع ويغرم ما يسرقه. وبه قال الشافعي. وقال
89

أبو حنيفة: الغرم والقطع لا يجتمعان، فإن غرم لم يقطع، وإن قطع لم يغرم.
دليلنا: قوله تعالى: السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما، ولم يفرق.
مسألة 18: يصح غصب العقار، ويضمن بالغصب. وبه قال الشافعي
ومحمد بن الحسن.
وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: لا يصح غصب العقار ولا يضمن بالغصب.
دليلنا: قوله تعالى: فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم.
والمثل مثلان، مثل من حيث الصورة، ومثل من حيث القيمة، فلما لم يكن
للعقار مثل من طريق الصورة، وجب أن يكون له مثل من طريق القيمة.
مسألة 19: إذا غصب ثوبا فصبغه، كان للغاصب قلع الصبغ بشرط أن
يضمن ما ينقص من قيمة الثوب. وبه قال الشافعي وأصحابه.
وقال المزني: ليس للغاصب قلع الصبغ، لأنه لا منفعة له فيه، سواء كان
الصبغ أسود أو أبيض.
وقال أبو حنيفة: إن كان مصبوغا بغير سواد فرب الثوب بالخيار بين أن
يسلمه إلى الغاصب ويأخذ منه قيمته أبيض، وبين أن يأخذ الثوب هو ويعطيه قيمة
صبغه.
وإن كان مصبوغا بالأسود فرب الثوب بالخيار بين أن يسلمه إلى الغاصب
ويأخذ منه قيمته أبيض، وبين أن يمسكه مصبوغا، ولا شئ عليه للغاصب.
قال الطحاوي: فإن نقص الثوب بالصبغ قال أبو حنيفة: لا ضمان على
الغاصب. قال الطحاوي، والذي يجئ على قوله أن عليه ما نقص.
وقال أبو يوسف: الصبغ بالسواد وغيره سواء.
دليلنا: أن الصبغ عين مال الغاصب فله قلعه، ويلزمه قيمة ما نقص من
الثوب، لأنه بجنايته حصل.
90

مسألة 20: إذا غصب شيئا، ثم غيره عن صفته التي هو عليها أو لم يغيره
مثل إن كانت نقرة فضربها دراهم، أو حنطة فطحنها، أو دقيقا فعجنه وخبزه، أو
شاة فذبحها وقطعها لحما وشواها أو طبخها، لم يملكه. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: إذا غير الغصب تغييرا أزال به الاسم والمنفعة المقصودة
بفعله ملكه. فاعتبر ثلاث شرائط: أن يزول به الاسم، والمنفعة المقصودة، وأن
يكون ذلك بفعله، فإذا فعل هذا ملك، لكن يكره له التصرف فيه قبل دفع قيمة
الشئ.
وحكى ابن جرير عن أبي حنيفة أنه قال: لو أن لصا نقب، فدخل دكان
رجل، فوجد فيه بغلا وطعاما ورحى، فصمد البغل، وطحن الطعام ملك الدقيق،
فإن انتبه صاحب الدكان كان للص قتاله ودفعه عن دقيقه، فإن أتى الدفع عليه،
فلا ضمان على اللص.
دليلنا: أنه ثبت أن هذا الشئ قبل التغيير كان ملكه، فمن ادعى أنه زال
ملكه بعد التغيير فعليه الدلالة.
وروى قتادة، عن الحسن، عن سمرة عن النبي عليه السلام قال: على اليد ما
أخذت حتى تؤديه.
وقال النبي صلى الله عليه وآله: لا يحل مال امرء مسلم إلا بطيب نفس منه.
وما طابت نفس صاحب الحنطة بطحنها، فوجب أن لا يحل ولا يملكها.
مسألة 21: إذا غصب منه عصيرا فاستحال خمرا، ثم صار خلا، رده إلى
صاحبه. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: إذا صار خلا ملكه، وعليه قيمته.
فأما إذا غصب منه خمرا، فاستحال خلا، يرد الخل بلا خلاف.
دليلنا: أن زوال ملكه يحتاج إلى دلالة، وهذا عين ماله التي كان يملكها،
وإنما تغيرت صفته.
91

مسألة 22: إذا غصب ساجة، فبنى عليها أو في مجنبها، أو لوحا فأدخله في
سفينة، كان عليه رده. سواء كان فيه قلع ما بناه في ملكه، أو لم يكن فيه قلع ما
قد بناه في ملكه. وبه قال الشافعي.
وحكى محمد في الأصول: أنه متى كان عليه ضرر في ردها لم يلزمه ردها.
وظاهر هذا أنه لا يلزمه ردها متى كان عليه في ردها ضرر، سواء بنى عليها أو في
مجنبها.
وقال الكرخي: أن مذهب أبي حنيفة: أنه إن لم يكن في ردها قلع ما بناه في
حقه - مثل أن بناها على بدن الساجة - فقد لزمه.
وإن كان في ردها قلع ما بناه في حقه - مثل أن كان البناء مع طرفيها ولا
يمكنه ردها إلا بقلع هذا - لم يلزمه ردها. والمناظرة على ما حكاه محمد.
وتحقيق الكلام معهم: هل ملكها بذلك أم لا؟ فعنده قد ملكها، كما قال:
إذا غصب شاة، فذبحها وشواها، أو حنطة فطحنها. وعندنا وعند الشافعي ما
ملكها.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء، من أن الساجة في ملكه قبل البناء
عليها، فمن ادعى زواله بالبناء فعليه الدلالة.
وروى سمرة أن النبي عليه السلام قال: على اليد ما أخذت حتى تؤديه.
وهذه يد قد أخذت ساجة، فعليها أن تؤديها.
وأيضا قوله صلى الله عليه وآله: لا يحل مال امرء مسلم إلا بطيب نفس منه،
يدل عليه، لأنه ما طابت نفسه بالبناء على ساجته.
وروي عنه صلى الله عليه وآله أنه قال: لا يأخذن أحدكم متاع أخيه جادا
ولا لاعبا، من أخذ عصا أحد فليردها.
وعنه صلى الله عليه وآله أنه قال: ليس لعرق ظالم حق ولم يرد حقيقة
العرق، وإنما أراد به كل شئ وضع عليه ظلما، وهذا داخل فيه.
92

مسألة 23: إذا غصب طعاما، فأطعم مالكه فأكله مع الجهل بأنه ملكه،
فإنه لا تبرأ ذمة الغاصب بذلك. وهو المنصوص للشافعي.
قال الربيع: وفيها قول آخر: أن ذمته تبرأ. وبه قال أهل العراق.
دليلنا: أنه ثبت اشتغال ذمته بالغصب، فمن ادعى براءتها بعد ذلك فعليه
الدلالة، وليس هاهنا دليل على أنه إذا أطعمه برئت ذمته.
مسألة 24: إذا حل دابة، أو فتح قفصا وفيه طائر، ووقفا ثم ذهبا، كان عليه
الضمان. وبه قال مالك.
وقال أبو حنيفة، وظاهر قول الشافعي - نص عليه في اللفظ وهو قوله - في
القديم: أنه لا ضمان عليه قولا واحدا.
دليلنا: هذا كالسبب في ذهابهما، لأنه لو لم يحل، أو لم يفتح القفص لما
أمكنهما الذهاب، فوجب عليه ضمانهما.
مسألة 25: إذا حل الدابة، أو فتح القفص، فذهبا عقيب الفتح، والحل من
غير وقوف، كان عليه الضمان. وبه قال مالك، وهو أحد قولي الشافعي.
وقال في القديم وهو الأصح عندهم: أنه لا ضمان عليه. وبه قال أبو حنيفة.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 26: إذا غصب دابة أو عبدا أو فرسا، فأبق العبد أو شرد الفرس أو
ند البعير، كان عليه القيمة، فإذا أخذها صاحبها ملك القيمة بلا خلاف، ولا
يملك هو المقوم، فإن رد انفسخ ملك المالك عن القيمة، وعليه ردها إلى
الغاصب، ويسلم العين منه. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: إذا ملك صاحب العين قيمتها ملكها الغاصب بها، وكانت
القيمة عوضا عنها، فإن عادت العين إلى يد الغاصب نظرت، فإن كان المالك
93

أخذ القيمة بتراضيهما، أو بينة تثبت عند الحاكم، وحكم الحاكم بها، لم يكن
للمالك سبيل إلى العين.
وإن كان المالك قد أخذ القيمة بقول الغاصب مع يمينه، لأنه هو الغارم
نظرت، فإن كانت القيمة مثلها أو أكثر فلا سبيل للمالك عليها، وإن كان
أقل من قيمتها فللمالك رد القيمة واسترجاع العين، لأن الغاصب ظلم المالك في
قدر ما أخبره به من القيمة.
فالخلاف في فصلين:
أحدهما: أن الغاصب بدفع القيمة ملك أم لا؟ عندنا ما ملك، وعندهم قد
ملك.
والثاني: إذا ظهرت العين، صاحبها أحق بها، ترد عليه، وعند أبي حنيفة لا
ترد.
دليلنا: أنه قد ثبت أن العين كان ملكا لمالكها، فمن ادعى زواله إلى ملك
غيره فعليه الدلالة.
وأيضا أخذ القيمة لا يخلو من أحد أمرين: إما أن يكون ذلك عوضا عن
العين، أو لأجل الحيلولة كما قلناه.
فبطل أن يقال عوضا يملكها به الغاصب، من وجوه ثلاثة:
أحدها: لو كانت عوضا يملك به، لكان بيعا يتعلق به خيار الشرط
والشفعة.
والثاني: لو كان بيعا لم يصح أن ينجز للمالك تلك القيمة بدلا عن العين
الفائتة بالإتلاف، لأن البيع عندنا باطل، وعندهم يقف، حتى إذا عاد العبد تسلمه
المشتري، وإن لم يعد يرد البائع الثمن، فلما ثبت أن ملكا يتعجل للمالك هاهنا
والعبد أبق بطل أن يكون بيعا، أو عوضا.
والثالث: لو كان بيعا، لوجب أن يكون للغاصب الرجوع بالقيمة متى تعذر
عليه الوصول إلى العبد، فلما ثبت أن الغاصب لا يرجع بالقيمة على المالك وإن
94

تعذر عليه أن يصل إلى العبد الآبق بطل أن يكون هذا عوضا عنه، وثبت أن الأخذ
لأجل الحيلولة.
مسألة 27: إذا باع عبدا، وقبضه المشتري أو لم يقبضه، فادعى مدع أن
العبد له، وصدقه البائع، وكذبه المشتري، فإنه لا يقبل إقرار البائع على
المشتري، لأنه إقرار على الغير، وللمدعي أن يرجع على البائع بقيمة العبد.
وللشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه.
والآخر: أنه لا ضمان عليه.
ومنهم من قال: يلزمه القيمة، قولا واحدا كما قلناه.
دليلنا: أنه إذا صدقه البائع، فقد أقر بأنه باع ما لا يملك، وأتلف ملك
الغير ببيعه إياه فيلزمه قيمته.
مسألة 28: إذا كان في يد مسلم خمر أو خنزير، فأتلفه متلف، فلا ضمان
عليه بلا خلاف، مسلما كان المتلف أو مشركا.
وإن كان ذلك في يد ذمي، فأتلفه متلف مسلما كان أو ذميا، فعليه ضمانه،
وهو قيمته عند مستحليه. وبه قال أبو حنيفة.
وقال الشافعي: لا ضمان عليه.
دليلنا: إجماع الفرقة، وأخبارهم.
وقال أبو حنيفة: ثم ينظر: فإن كان المتلف مسلما، فعليه قيمة ذلك خمرا
كان أو خنزيرا، ولا يضمن المسلم الخمر بالمثل. وإن كان المتلف ذميا، فعليه
قيمة الخنزير ومثل الخمر.
قال الطحاوي: وإن أسلم المتلف وكان ذميا قبل أن يأخذ منه مثل الخمر
سقط عن ذمته، وإن أسلم قبل أن يأخذ منه قيمة الخنزير لم يسقط عن ذمته
بإسلامه.
95

وعندنا يضمن الخمر والخنزير بقيمتهما عند مستحليهما بدليل أخبارنا
وإجماع الفرقة على ذلك.
مسألة 29: إذا غصب ماله مثل - كالحبوب والأدهان - فعليه مثل ما تلف
في يديه، يشتريه بأي ثمن كان بلا خلاف.
وإن كان مما لا مثل له - كالثياب والحيوان - فعليه أكثر ما كانت قيمته من
حين الغصب إلى حين التلف. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: عليه قيمة يوم الغصب، ولا اعتبار بما زاد بعد هذا أو نقص.
دليلنا: أن كل زمان يأتي عليه وهو في يده، فإنه مأمور برده على مالكه،
وكل حال كان مأمورا يرد الغصب فيها، لزمته قيمته في تلك الحال، مثل حال
الغصب.
مسألة 30: إذا غصب ما لا يبقى، كالفواكه الرطبة - مثل التفاح،
والكمثرى، والموز، والرطب ونحوها - فتلف في يده، وتأخرت المطالبة بقيمته،
فعليه أكثر ما كانت قيمته من حين الغصب إلى حين التلف، ولا يراعى ما وراء
ذلك. وبه قال الشافعي.
وقال أبو يوسف: عليه قيمته يوم الغصب، فجرى على ذلك القياس في غير
الأشياء الرطبة.
وقال أبو حنيفة: عليه قيمته يوم المحاكمة.
وقال محمد: عليه قيمته في الوقت الذي انقطع عن أيدي الناس.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء، فأما بعد التلف قبل المحاكمة
فليس بمأمور برده بعينه، وإنما هو مأمور برد قيمته، فلا اعتبار إلا برد قيمته حين
توجه الأمر إليه بالرد دون حال المحاكمة.
96

مسألة 31: إن غصب ما يجري فيه الربا - مثل الأثمان، والمكيل،
والموزون - فجنى عليه جناية استقر أرشها، مثل إن كان الغصب دنانير وسبكها،
أو طعاما فبله، فاستقر نقصه، فعليه رده بعينه، وعليه ما نقص. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: المالك بالخيار بين أن يسلم العين المجني عليه إلى
الغاصب، ويطالبه بالبدل، وبين أن يمسكها ولا شئ عليه له، فإن أراد الإمساك
والمطالبة بأرش النقصان لم يكن له.
دليلنا: أن الخيار الذي أثبته أبو حنيفة يحتاج إلى دليل، وليس في الشرع
ما يدل عليه، والأصل بقاء عين ملكه وحصول الجناية عليها.
مسألة 32: إذا غصب جارية، فاتت بولد مملوك، ونقصت قيمتها
بالولادة، فعليه ردها وأرش نقصها، فإن كان الولد قائما رده، وإن كان تالفا رد
قيمته. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: إن كان الولد تالفا فعليه أرش النقص، وإن كان الولد باقيا
جبرت الأرش بقيمة الولد، فإن كان الأرش مائة وقيمة الولد مائة فلا شئ عليه،
وإن كان قيمة الولد أقل - مثل إن كانت قيمة الولد خمسين وأرش النقص مائة -
يرد الولد ويضمن خمسين درهما باقي الأرش.
دليلنا: أن هذا النقص حصل في يد الغاصب، فوجب عليه ضمانه كما لو
مات الولد، ولأنه إذا ضمن ما قلناه برئت ذمته بلا خلاف، فالأحوط ضمانه.
مسألة 33: إذا غصب مملوكا أمرد فنبتت لحيته، فنقص ثمنه، أو جارية
ناهدا، فسقطت ثدياها، أو رجلا شابا فابيضت لحيته، فعليه ما نقص في هذه
المسائل كلها. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة في الناهد والشاب مثل ما قلناه.
وقال في الصبي: إذا نبتت لحيته فلا ضمان عليه.
97

دليلنا: أن هذا نقصان حصل في يد الغاصب، فوجب عليه الضمان، ولأن
بالتزام ذلك تبرأ ذمته بيقين، فالأحوط التزامه.
مسألة 34: إذا غصب عبدا، ومات العبد، واختلفا، فقال الغاصب: رددته
حيا ومات في يدك أيها المالك. وقال المالك: بل مات في يدك أيها
الغاصب. وأقام كل واحد منهما البينة بما ادعاه سقطتا، وعدنا إلى الأصل وهو
بقاء العبد عند الغاصب حتى يعلم أنه رده. وبه قال الشافعي.
وقال أبو يوسف: تقدم بينة المالك، ويأخذ البدل، لأن الأصل الغصب.
وقال محمد: تقدم بينة الغاصب، لأن الأصل براءة ذمته.
دليلنا: أن كل واحد منهما مدع موت العبد عند صاحبه، وتكافئا، ولا
ترجيح، فسقطتا وبقى الأصل، وهو بقاء العبد عند الغاصب حتى يعلم أنه رده.
وإن عملنا في هذه المسألة على القرعة كان أيضا جائزا.
مسألة 35: إذا غصب ماله مثل - مثل الأدهان، والحبوب، والأثمان،
ونحوها - فجنى عليه جناية واستقر أرشها، فعليه رد العين ناقصة وعليه أرش
النقصان لا غير. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: نظر فيه، فإن كان الأرش في يد مالكه - مثل إن كان في
يده زيت فصب غيره الماء فيه، أو كان في يده دينار فكسره غيره وهو في يده -
فرب المال بالخيار بين أن يمسك ماله ناقصا ولا شئ له، وبين أن يسلمه إلى
الجاني ويأخذ منه كمال قيمته.
قال: فإن غصب الزيت أولا وصب فيه الماء فنقص، فالمالك بالخيار بين
أن يأخذ عين ماله ولا شئ له لأجل النقص، وبين أن يترك ماله على الغاصب
ويأخذ منه مثل زيته، ففرق بين أن يغصب أولا فيصب فيه الماء عنده، وبين أن
يصب فيه الماء وهو في يد مالكه، فأوجب المثل إذا غصب، والقيمة إذا لم
98

يغصب.
دليلنا: على أنه ليس عليه غير الأرش قد مضى.
ودليلنا: على أنه لا يضمن بالقيمة: هو أن العين إذا كان لها مثل فلا معنى
لإيجاب القيمة مع القدرة على مثلها.
مسألة 36: إذا غصب عبدا قيمته ألف، فزاد في يده فبلغ ألفين، فقتله قاتل
في يد الغاصب، فللسيد أن يرجع بالألفين على من شاء منهما، فإن رجع على
القاتل بهما لم يرجع القاتل على الغاصب، لأن الضمان استقر عليه، وإن رجع
على الغاصب رجع الغاصب على القاتل، لأن الضمان استقر عليه. وبه قال
الشافعي.
وقال أبو حنيفة: إن رجع على القاتل فالحكم على ما قلناه، وإن ضمن
الغاصب فليس له أن يضمنه أكثر من ألف، وهو قيمة العبد حين الغصب، ثم يأخذ
الغاصب من القاتل ألفين، ألف منهما لنفسه بدل ما أخذ السيد منه، والألف الآخر
يتصدق بها.
دليلنا: على أن له مطالبة الغاصب: أنه قتل العبد في يديه، وقيمته ألفان، وهو
مأمور برده على مالكه، فإذا هلك في يده استقر ضمانه عليه.
مسألة 37: إذا غصب ألف درهم من رجل، وألفا من آخر، فخلط الألفين،
فالألفان شركة بين المالكين بردهما عليهما. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: يملك الغاصب الألفين معا، ويضمن لكل واحد منهما بدل
ألفه، بناه على أصله في تغيير الغصب في يد الغاصب.
دليلنا: ما تقدم من أن انتقال ذلك إلى ملكه وزواله عن ملك مالكه
يحتاج إلى دلالة.
99

مسألة 38: إذا غصب حبا فزرعه، أو بيضة فاحتضنتها الدجاجة، فالزرع
والفروخ للغاصب، وبه قال أبو حنيفة. وقال الشافعي: هما معا للمغصوب منه.
وقال المزني: الفروخ للمغصوب منه، والزرع للغاصب.
دليلنا: أن عين الغصب قد تلفت، وإذا تلفت فلا يلزم غير القيمة، ومن
يقول: أن الفروخ هو عين البيض. وإن الزرع هو عين الحب مكابر، بل المعلوم
خلافه.
مسألة 39: إذا غصب عبدا، فمات في يده، فعليه قيمته، سواء كان قنا أو
مدبرا أو أم ولد، وسواء مات بسبب، أو مات حتف أنفه. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة في غير أم الولد بقولنا.
وأما أم الولد فإن ماتت بسبب - مثل أن لدغتها عقرب، أو سقط عليها
حائط - كقولنا، وإن ماتت حتف أنفها فلا ضمان عليه.
دليلنا: أنه مضمون بالقيمة، فإذا تلف في يد الغاصب فعليه ضمانه، كالعبد
القن. هذا دليل الشافعي.
ودليلنا: طريقة الاحتياط، لأنه إذا ضمنها برئت ذمته بيقين، وإن لم يضمنها
فليس على براءة ذمته دليل.
مسألة 40: إذا غصب حرا صغيرا، فتلف في يده، فلا ضمان عليه. وبه قال
الشافعي.
وقال أبو حنيفة إن مات حتف أنفه كقولنا، وإن مات بسبب - مثل أن لدغته
عقرب أو حية أو أكله سبع أو سقط عليه حائط - فعليه الضمان.
دليلنا: أن الأصل براءة الذمة، فمن شغلها فعليه الدلالة.
وإن قلنا بقول أبي حنيفة كان قويا، ودليله طريقة الاحتياط على ما بيناه.
100

المبسوط
كتاب الغصب
تحريم الغصب معلوم بالأدلة العقلية، وبالكتاب والسنة والإجماع، قال الله
تعالى: " لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم "،
والغصب ليس عن تراض، وقال تعالى: " إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما
إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا "، ومن غصب مال اليتيم فقد ظلمه،
وقال تعالى: " ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم
أو وزنوهم يخسرون "، وما أشبه ذلك.
وروى أنس عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: لا يحل مال امرئ مسلم
إلا عن طيب نفس منه، وروى الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود أن
النبي صلى الله عليه وآله قال: حرمة مال المسلم كحرمة دمه، وروى عبد الله بن
السائب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: لا يأخذ أحدكم
متاع أخيه جادا ولا لاعبا من أخذ عصا أخيه فليردها، وروى يعلى بن مرة الثقفي
أن النبي صلى الله عليه وآله قال: من أخذ أرضا بغير حقها كلف أن يحمل ترابها
إلى المحشر، وروي عنه عليه السلام أنه قال: من أخذ شبرا من الأرض بغير حقه
طوقه يوم القيامة من سبع أرضين، وروي عنه أنه قال: ليأتين على الناس زمان
لا يبالي الرجل بما يأخذ مال أخيه بحلال أو حرام، وروي عن الحسن عن سمرة
أن النبي صلى الله عليه وآله قال: على اليد ما أخذت حتى تؤدي.
101

والإجماع ثابت على أن الغصب حرام.
فإذا ثبت تحريم الغصب فالأموال على ضربين: حيوان أو غير حيوان.
فأما غير الحيوان فعلى ضربين: ماله مثل ومالا مثل له.
فما له مثل ما تساوت أجزاؤه، ومعناه تساوت قيمة أجزائه فكل هذا له مثل
كالحبوب والأدهان والتمور والأقطان والخلول التي لا ماء فيها والأثمار ونحو هذا
كله له مثل، فإذا غصب غاصب من هذا شيئا فإن كان قائما رده وإن كان تالفا
فعليه مثله، لقوله تعالى: " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى
عليكم "، ولأن مثله يعرف مشاهدة وقيمته تعرف بالاجتهاد، وما يعلم يقدم على
ما يجتهد فيه، ولأنه إذا أخذ المثل أخذ وفق حقه، وإذا أخذ القيمة ربما زاد أو
نقص فكان المثل أولى.
فإذا ثبت أنه يضمن بالمثل فإن كان المثل موجودا طالبه به واستوفاه، وإن
أعوز المثل طالبه بقيمته، فإن لم يقبض القيمة بعد الإعواز، حتى مضت مدة
يختلف فيها القيمة طالبه بقيمته حين القبض لا حين الإعواز، فإن كان الحاكم قد
حكم عليه بقيمته حين الإعواز فتأخر القبض لم يكن له إلا قيمته يوم القبض، ولا
يلتفت إلى حكم الحاكم لأن الذي في ذمته المثل، وحكم الحاكم لا يؤثر فيما
يتعلق بالذمة، هذا إذا كانت العين تالفة.
فأما إذا جنى عليها جناية فنقص منها شئ أو غصب طعاما أو تمرا فتسوس
كان عليه أرش ما نقص، ولا يجب عليه المثل لأنه لا مثل لما نقص وكان الضمان
بالأرش.
فإن غصب ما لا مثل له، ومعناه ما لا يتساوى أجزاؤه أي لا يتساوى قيمة
أجزائه فلا يخلو من أحد أمرين: إما أن يكون من جنس الأثمان أو من غير جنسها،
فإن كان من غير جنسها كالثياب والخشب والحديد والرصاص والنحاس
والعقار ونحو ذلك من الأواني كالصحاف وغيرها، فكل هذا وما في معناه
مضمون بالقيمة، فإذا ثبت أنه مضمون بالقيمة، فإذا تلف كان عليه قيمته، فإن
102

تراخي وقت القبض لم يكن له إلا القيمة التي تثبت في ذمته حين التلف وإن
اختلفت القيمة اختلافا متباينا، وأما إذا جنى على هذه جناية فأتلف البعض مثل
أن خرق الثوب أو كسر الآنية فعليه ما نقص لا شئ له غيره، هذا إذا كان من
غير جنس الأثمان.
وأما إذا كان من جنس الأثمان لم يخل من أحد أمرين: إما أن يكون مما فيه
صنعة أو لا صنعة فيه، فإن كان مما لا صنعة فيه وهو النقرة، فعليه قيمة ما أتلف
من غالب نقد البلد.
ثم لا يخلو نقد البلد من أحد أمرين: إما أن يكون من جنسه أو من غير
جنسه.
فإن كان من غير جنسه مثل أن أتلف فضة وغالب نقد البلد دنانير، أو أتلف
ذهبا وغالب نقد البلد دراهم، فعليه قيمته من غالب نقد البلد كما لو أتلف ما لا
مثل له، وإن كان غالب نقد البلد من جنسه مثل أن أتلف فضة وغالب نقد البلد
دراهم، نظرت: فإن كان الوزن والقيمة سواء أخذ وزنها من غالب نقد البلد، وإن
اختلفا فكانت قيمتها أكثر من وزنها من غالب نقد البلد أو أقل من وزنها فله قيمتها،
ولكنه لا يمكنه أخذ ذلك من غالب نقد البلد، لأنه ربا فيقوم بغير جنسه، ويأخذ
قيمته ليسلم من الربا، ويأخذ كمال حقه، هذا إذا لم يكن فيها صنعة.
فأما إذا كان فيها صنعة لم يخل من أحد أمرين: إما أن يكون استعمالها
مباحا أو محظورا، فإن كان استعمالها مباحا كحلي النساء، وحلي الرجال، مثل
الخواتيم والمنطقة، وكان وزنها مائة وقيمتها لأجل الصنعة مائة وعشرون نظرت:
فإن كان غالب نقد البلد من غير جنسها قومت به لأنه لا ربا فيه، وإن كان غالب
نقده من جنسها مثل أن كانت ذهبا وغالب نقده نصف قيمتها قيل فيه قولان:
أحدهما تقوم بغير جنسها ليسلم من الربا، والصحيح أنها تجوز، لأن الوزن بحذاء
الوزن، والفضل في مقابلة الصنعة، لأن الصنعة لها قيمة غير أصل العين بدليل أنه
يصح الاستئجار على تحصيلها، ولأنه لو كسره إنسان فعادت قيمته إلى مائة كان
103

عليه أرش النقص، فيثبت بذلك أن الصنعة لها قيمة في المتلفات وإن لم يكن لها
قيمة في المعاوضات.
وإن كان استعمالها حراما وهي آنية الذهب والفضة قيل فيه قولان: أحدهما
اتخاذها مباح والمحرم الاستعمال، والثاني محظور لأنها إنما تتخذ للاستعمال،
فمن قال: اتخاذها حرام، وهو الصحيح، قال: سقطت الصنعة، وكانت كالتي لا
صنعة فيها وقد مضى، ومن قال: اتخاذها مباح كانت كالحلي وقد مضى.
وأما الحيوان فهو على ضربين: آدمي وغير آدمي.
فأما غير الآدمي فهو كالثياب وما لا مثل له، فإن أتلفها فكمال القيمة، وإن
جنى عليها فقيمة ما نقص يقوم بعد الاندمال، فيكون عليه ما بين قيمته صحيحا
قبل الاندمال وجريحا بعد الاندمال فهو كالثياب سواء، وإنما يختلفان من وجه
واحد، وهو أن الجناية على الثياب لا تسري إلى باقيه، والجناية على البهيمة تسري
إلى نفسها، ولا يختلف باختلاف المالكين ولا باختلاف المملوك أو المالك.
فإن أتلف بهيمة ففيها ما ذكرنا، سواء كانت للقاضي أو لغير القاضي، وأما
المملوك ففيه ما نقص أيضا سواء كان مما ينتفع بظهره دون لحمه كالبغال، أو
بلحمه دون ظهره كالغنم والطيور، أو بظهره ولحمه معا كالإبل والبقر، وروى
أصحابنا في عين الدابة نصف قيمتها، وفي العينين كمال قيمتها، وكذلك قالوا في
سائر الأطراف: ما في البدن منه اثنان ففيه كمال القيمة.
فأما الكلام في الآدميين فهم على ضربين: أحرار وعبيد، فإن كان عبدا
نظرت: فإن قتله ففيه قيمته، وإن زادت على دية الحر لم يلزم أكثر من ذلك، وإن
مثل به لزمه قيمته وانعتق عليه، وإن جنى عليه جناية دون التمثيل فلا يخلو من
أحد أمرين: إما أن يكون لها في الحر أرش مقدر أو لا أرش له، فإن كان فيه أرش
من الحر مقدر كالأطراف والعينين والموضحة ونحو ذلك ففيه مقدر أيضا من
أصل قيمته بحساب قيمته كما يضمن من الحر من ديته، وأما الخارصة والباضعة
ففيها بحساب ذلك من دية الحر أيضا لأن هذه مقدرة عندنا في الحر.
104

وأما الأحرار فإن قتل حرا ففيه ديته، وإن جني عليه نظرت: فإن كان فيها
مقدر ففيها ذلك المقدر، وإن لم يكن فيها مقدر ففيه حكومة، وهو أن يقوم لو
كان حرا ولا جناية عليه، ثم يقوم وبه جناية، فيلزم بحساب ذلك.
إذا جنى على ملك غيره جناية يحيط أرشها بقيمة ذلك الملك كان المالك
بالخيار بين أن يمسكه ولا شئ له، وبين أن يسلمه ويأخذ قيمته على الكمال،
وذلك مثل أن يقطع يدي العبد أو رجليه أو يقطع عينيه، وما أشبه ذلك، وإن
جني على ذلك جناية لا تأتي على جميع ثمنه كان للمالك المطالبة بالأرش إما
مقدرا أو حكومة على ما مضى ويمسك الملك.
إذا غصب جارية فزادت في يده بسمن أو صنعة أو تعليم قرآن فزاد لذلك
في ثمنها ثم ذهب عنها ذلك في يده حتى عادت إلى الصفة التي كانت عليها حين
الغصب، كان عليه ضمان ما نقص في يده، وهكذا لو غصب حاملا أو حائلا
فحملت في يده أو أسقطت فنقص بذلك ثمنها ضمن.
فأما إذا كان لزيادة سوق فلا يضمن بلا خلاف، وذلك مثل أن يغصب
جارية قيمتها مائة فزادت السوق فبلغت ألفا ثم رجعت إلى مائة لا ضمان بلا
خلاف، فإذا تقرر أنه يضمن الزيادة فالتفريع عليه:
إذا غصبها فساوت مائة فسمنت حتى بلغت ألفا ثم هزلت حتى عادت إلى
المائة فعليه ردها وما نقصت وما نقصت وهو تسعمائة، لأن الزيادة حدثت
مضمونة، وهكذا لو كانت تساوي مائة فتعلمت القرآن فبلغت ألفا ثم نسيت
وعادت إلى مائة ردها وتسعمائة، لأن الزيادة وإن كانت أثرا فقد حدثت مضمونة،
فإذا ذهبت في يده كان عليه الضمان.
فإن كانت تساوي مائة فسمنت فبلغت ألفا وتعلمت القرآن فبلغت ألفين، ثم
هزلت وعادت إلى مائة ردها وما نقصت وهو ألف وتسعمائة لأنهما زيادتان يضمن
كل واحد منهما على الانفراد، فإذا اجتمعتا ضمتا.
وإذا زادت ثم نقصت، ثم زادت بعد النقصان لم تخل الزيادة بعد النقصان
105

من أحد أمرين: إما أن تكون من جنس الأول أو من غير جنسه، فإن كانت من غير
جنس الأول مثل أن سمنت فبلغت ألفا ثم هزلت فعادت إلى مائة ثم تعلمت
القرآن فبلغت ألفا، فإنه يردها وقيمتها ألفا، ويضمن ما نقصت بالهزال.
وهكذا لو تعلمت القرآن فبلغت ألفا ثم نسيت فبلغت مائة ثم سمنت فبلغت
ألفا فإنه يردها وما نقصت، لأن الزيادة حدثت مضمونة فضمنها بالتلف في يده، ثم
زادت من وجه آخر فكان عليه ردها بزيادتها وضمان النقصان، فيردها وقيمتها
ألف ويرد معها تسعمائة.
وإن كانت الزيادة من جنس الأول مثل أن سمنت فبلغت ألفا ثم هزلت
فعادت إلى مائة ثم سمنت فعادت إلى الألف أو تعلمت القرآن فبلغت ألفا ثم
نسيت فعادت إلى مائة ثم تعلمت القرآن فعادت إلى الألف قيل فيه وجهان:
أحدهما: لا يضمن شيئا بل يردها بحالها لأنه عاد إلى المغصوبة ما ذهب منها
فلا ضمان عليه، مثل رجل غصب عبدا فأبق وأخذنا قيمته منه، ثم رجع العبد
فإنه يرده إلى سيده ويسترجع القيمة.
والوجه الثاني: عليه الضمان لأن هذا السمن غير الأول وهذا التعلم غير
الأول فكان عليه ضمان الأول، والأول أقوى لأن الأصل براءة الذمة، فمن قال:
يضمن الأول، فالحكم فيه كالجنسين وقد مضى، ومن قال: يسقط ضمان الأول،
نظرت: فإن عادت إلى الألف ردها بحالها ولا شئ عليه وإن اختلف ذلك
فعادت إلى الأقل أو الأكثر دخل الأقل في الأكثر مثل أن بلغت بالسمن ألفا ثم
عادت إلى مائة فعليه تسعمائة، فإن سمنت وبلغت خمسمائة ردها وخمسمائة لأنه
عاد من النقصان تسعمائة أربعمائة، فكان عليه خمسمائة، وإن عادت إلى الألف
وأكثر ردها بحالها ولا شئ عليه.
فإن غصب جارية سمينة مفرطة السمن قيمتها لفرط سمنها مائة فهزلت
وحسنت فصارت تساوي ألفا أو لم ينقص من قيمتها شئ ردها بحالها ولا شئ
عليه، وهكذا لو غصبها وقيمتها ألف فسمنت فرجعت إلى مائة ثم هزلت فعادت
106

إلى ألف ردها ولا شئ عليه لأنه ما نقص منها ماله قيمة فلم يضمن شيئا.
ولو غصب عبدا قيمته ألف فخصاه فبلغ ألفين رده وقيمة الخصيتين، لأنه
ضمان مقدر المنافع تضمن بالغصب كالأعيان سواء.
وجملته أن كل منفعة تضمن بعقد الإجارة فإنها تضمن بالغصب كمنافع
الدار والدابة والعبيد والثياب المقبوض عن بيع فاسد فإنه لا يملك بالبيع الفاسد
ولا ينتقل به الملك بالعقد، وإذا وقع القبض لم يملك به أيضا لأنه لا دليل عليه،
وإذا لم يملك به كان مضمونا.
فإن كان المبيع قائما رده، وإن كان تالفا رد بدله إن كان له مثل، وإلا
قيمته لأن البائع دخل على أن يسلم له الثمن المسمى في مقابلة ملكه، فإذا لم يسلم
له المسمى اقتضى الرجوع إلى عين ماله، فإذا هلكت كان له بدلها، وكذلك
العقد الفاسد في النكاح يضمن المهر مع الدخول، وكذلك الإجارة الفاسدة،
الباب واحد.
فإذا ثبت هذا فالكلام في الأجرة والزيادة في العين، فأما الأجرة فلا يخلو
المبيع من أحد أمرين: إما أن يكون له منافع أو لا يكون، فإن لم يكن له منافع
تستباح بالإجارة كالغنم والشجر والطير لم يضمن الأجرة لأنه لا منافع لها، وإن
كان له منافع تستباح بالإجارة كالعقار والثياب والحيوان ونحو ذلك، فعليه
أجرة المثل مدة بقائها عنده، لأن المشتري دخل على أن يكون له ملك الرقبة،
والمنافع حادثة في ملكه بغير عوض، فإذا كان العقد فاسدا كانت المنافع حادثة
في ملك البائع لأن المشتري ما ملك الرقبة، وإذا كانت في ملك البائع
والمشتري قد استوفاها بغير إذن مالكها بغير حق، كان عليه ضمانها.
وإنما قلنا إنه لا يملك بالعقد الفاسد لأنه إذا كان المبيع عبدا والبيع فاسدا
فقال له البائع: أعتق عبدك أيها المشتري، فأعتقه لم ينفذ عتقه لأنه غير مالك،
هذا الكلام في المنافع.
فأما الكلام في الزيادة كالسمن وتعليم الصنعة والقرآن فهل يضمنها
107

القابض أم لا؟ فالصحيح أنه يضمنها، وفي الناس من قال: لا يضمن ذلك
الحادث، فمن قال: الزيادة مضمونة، فالحكم فيها كالحكم في الغصب وقد
فصلناه، ومن قال: لا يضمن الزيادة، يقول: يكون أمانة، فإن تلف بغير تفريط فلا
ضمان، فلو قبضها وقيمتها مائة فسمنت وبلغت ألفا ثم ماتت، فإنه يحدث ما زاد في
القيمة لأجل الزيادة، وعليه بعد ذلك أكثر ما كانت قيمته من حين القبض إلى
حين التلف.
من غصب جارية حاملا ضمنها وحملها معا، وولد المشتراة شراء فاسدا مثل
ذلك، وفي الناس من قال: لا يضمن.
إذا غصب جارية فوطئها الغاصب لم يخل من ثلاثة أحوال: إما أن يكونا
جاهلين بالتحريم أو عالمين، أو أحدهما جاهلا والآخر عالما.
فإن كانا جاهلين لقرب عهدهما بالإسلام، أو لبعدهما من بلاد الإسلام،
ويعتقدون الملك بالمغصوب فإن الوطء لم يكن حراما ولا حد عليهما، لقوله
عليه السلام: ادرءوا الحدود بالشبهات، والمهر واجب لأنه وطء بشبهة، فإن كانت ثيبا
فلا شئ عليه سوى المهر، وإن كانت بكرا فعليه أرش البكارة وقيل: إنه عشر
قيمتها، رواه أصحابنا.
وكذلك الحكم لو افتضها بإصبعه لزمه أرش البكارة، وإذا جمع بينهما
وجبا معا وعليه أجرة مثلها من حين القبض إلى حين الرد، لأن المنافع تضمن
بالغصب على ما بيناه، هذا إذا لم يحبلها.
فأما إذا أحبلها، فالحكم في الحد والمهر والأرش على ما مضى، وأما الولد
فنسبه لاحق بالواطئ، لأنه أحبلها بوطئ شبهة، فيكون الولد حرا، فإذا وضعت
فعليه ما نقصت بالوضع، لأنها مضمونة باليد الغاصبة، ولأن سبب النقص كان
منه فلزمه ضمان ما نقصت.
فإذا ولدت لم يخل من أحد أمرين: إما أن تضعه حيا أو ميتا، فإن وضعته
حيا فعليه قيمته لأنه كان من سبيله أن يكون مملوكا لسيدها، وإذا حررناه وجب
108

عليه قيمته ووقت التقويم يوم يسقط حيا لأنه الوقت الذي حال بين السيد وبين
التصرف فيه لأنه قبل ذلك لم يملك التصرف فيه، وإن خرج ميتا فلا ضمان
عليه لأنه لا يعلمه حيا قبل هذا ولأنه ما حال بينه وبين سيده في وقت التصرف،
هذا إذا وضعته لغير سبب.
فأما إذا ضرب أجنبي بطنها فألقت الجنين ميتا، فعلى الضارب الضمان لأنها
لما ألقته عقيب الضرب، كان الظاهر أنه سقط بجنايته، ويفارق إذا سقط لنفسه لأن
الأصل الموت حتى يعلم غيره.
فإذا ثبت أن عليه الضمان فعليه دية الجنين وهو عشر دية أمه لو كانت حرة،
ويكون ذلك ميراثا للغاصب لأنه أبوه، فكان ميراثا له، ولا ترث الأم منه شيئا
لأنها مملوكة، وللسيد على الغاصب ما في الجنين المملوك إذا سقط ميتا بالجناية
وهو عشر قيمة أمه لأنه كان من سبيله أن يكون مملوكا، ويكون لسيده على
الجاني عشر قيمة أمه، فلما صيره الغاصب حرا حول ما كان يجب على يده لسيده
على الجاني إلى نفسه وأوجبنا لسيد هذا الجنين عشر قيمة أمه.
فيكون للغاصب على الجاني دية جنين حر، وللسيد على الغاصب ما في
الجنين المملوك عشر قيمة أمه، فيقابل بينهما، فإن كانت القيمة والدية سواء أخذ
الغاصب من الجاني ذلك وأعطاه السيد، وإن كانت القيمة أكثر أخذ الغاصب
من الجاني الدية وسلمها إلى السيد ولم يلزمه أكثر منه عندنا، وإن كانت القيمة
أقل أخذ الدية من الجاني ودفع قدر القيمة منها إلى السيد وكان الفضل
للغاصب.
وأما الجارية فإن كانت قائمة ردها وما وجب عليه مع ردها من مهر وأرش
وأجرة ونقصان ولادة، وإن كانت تالفة فعليه ثمنها أكثر ما كانت من حين
الغصب إلى حين الرد، ويدخل في هذه القيمة أرش البكارة وما نقصتها الولادة
لأنا قد ضمناه أكثر ما كانت قيمته فدخل فيها هذان الأمران.
وأما إذا كانا عالمين بالتحريم، فالحد واجب لأنه زنا صريح وإن كانت
109

بكرا فعليه أرش البكارة لأنه إتلاف جزء، وعليه أجرة مثلها من حين القبض إلى
حين الرد، فأما المهر نظرت: فإن كانت مكرهة فلها المهر لأن المكرهة عندنا لها
المهر، وإن طاوعته فلا مهر لها لأنها زانية، وفي الناس من قال: لها المهر لأنه حق
لسيدها فلا يسقط ببذلها كما لو بذلت يديها للقطع فقطعتا كان عليه الضمان، هذا
إذا لم يحبلها.
وأما إن أحبلها فلا يلحق النسب لأنه عاهر لقوله عليه السلام: وللعاهر
الحجر، وهو مملوك لأنها علقت من زنا فإذا وضعته فعليه ما نقصت بالولادة.
وأما الولد فلا يخلو من أحد أمرين: إما أن تضعه حيا أو ميتا، فإن وضعته حيا
فهو مملوك مغصوب في يده مضمون عليه، فإن كان قائما رده، وإن كان تالفا
فعليه قيمته أكثر ما كانت قيمته من حين الوضع إلى حين التلف، وإن وضعته ميتا
قال قوم: عليه قيمة الولد، وفيهم من قال: لا قيمة عليه، وهو الصحيح لأنا لا نعلم
حياته.
وأما إن ضرب أجنبي بطنها فألقت هذا الجنين، فعليه عشر قيمة أمه لسيدها لا
حق للغاصب فيه، والفصل بينه وبين الحر أن الواجب في الحر الدية فلهذا كان
ميراثا للواطئ، فأما الأمة إن كانت قائمة ردها وما نقصت، وما وجب من مهر
وأجرة وأرش، وإن كانت تالفة رد بدلها، ومعها جميع ما يجب رده إذا كانت
حية، إلا شيئين، أرش البكارة وما ينقصها الولادة، لأن هذا دخل تحت قيمتها، لأنا
نوجب عليه أكثر ما كانت قيمتها من حين الغصب إلى حين التلف.
فأما إذا كان أحدهما عالما والآخر جاهلا نظرت فيه: فإن كانت عالمة وهو
جاهل فإما أن يكرهها أو تطاوعه، فإن أكرهها فالحكم فيه كما لو كانا جاهلين،
وقد مضى، وإن طاوعته فالحكم فيه كما لو كانا جاهلين إلا في فصلين: وجوب
الحد عليها وسقوط المهر، وإن كان عالما وهي جاهلة، فالحكم فيه كما لو كانا
عالمين إلا في فصلين: سقوط الحد عنها ووجوب المهر.
وإذا باعها الغاصب فوطئها المشتري فالكلام فيها في ثلاثة فصول: فيما
110

يجب من الضمان وفي من يطالب به، وفي حكم الرجوع.
أما الواجب فعلى المشتري من الغاصب ما على نفس الغاصب من ضمان
وحد، على ما فصلناه حرفا بحرف، ولا فصل بينهما أكثر من أن المشتري أدخل
في الجهالة من الغاصب لأنه قد يشتري ما لا يعلمه مستحقا ثم تبين كونه مستحقا.
وأما الضمان فللسيد أن يرجع على الغاصب بما وجب عليه بفعله وحده، لا
يرجع به على المشتري، وكل ما وجب بفعل المشتري من أرش بكارة ونقص
ولادة وقيمتها إن تلفت وقيمة الولد والمهر والأجرة فللسيد أن يرجع على من شاء
منهما أما المشتري فيرجع عليه به لأنه وجب بفعليه وأما الغاصب فيرجع به عليه
لأنه سبب يد المشتري.
وأما الكلام في الرجوع نظرت: فإن رجع على المشتري بذلك، فهل
يرجع المشتري به على الغاصب أم لا؟ فإن كان المشتري قد دخل مع العلم
بالحال لم يرجع على أحد بشئ، لأنه غر نفسه، وإن كان مع الجهل بالحال
فكلما دخل المشتري على أنه يملكه ببدل وهو أرش البكارة ونقصان الولادة
وقيمتها إن ماتت لا يرجع به على الغاصب، لأنه قد دخل على أنه مضمون عليه
بالثمن، فإذا تلفت في يده استقر الثمن عليه.
وكلما دخل على أنه يستوفيه من ملكه لا يقابله الثمن نظرت: فإن كان لم
يحصل عنه بدل عاد بعضه إليه، وهو قيمة الولد لأن الولد فائدة ملكه، لكنه ضمن
قيمته ولم يعد إليه في مقابلته نفع، لأن الولد مؤونة بلا معونة، فهاهنا يرجع به
عليه لأنه غرم ما لم يحصل له في مقابلته فائدة بسبب فعل الغاصب، فكان له
الرجوع عليه به، وإن كان مما لا يملك بالثمن لكنه حصل له في مقابلة ما غرم
بدل وهو المهر، فإنه حصل له الوطء وعدم المهر، وكذلك أجرة غرمها في مقابلة
ما حصل له من الاستخدام، فهل يرجع به على الغاصب أم لا؟ قيل فيه قولان:
أحدهما يرجع به عليه لأنه غره، والآخر لا يرجع به عليه، لأنه إن كان غره فقد
انتفع بالوطئ والاستخدام، وهذا أقوى.
111

فأما إذا رجع على الغاصب فهل يرجع الغاصب على المشتري أم لا؟ يبني
على حكم الرجوع، فكل موضع قلنا: لو رجع على المشتري فالمشتري يرجع
على الغاصب، فالغاصب هاهنا لا يرجع على المشتري، وكل موضع قلنا: لو
رجع على المشتري لم يرجع على الغاصب، فالغاصب يرجع هاهنا على
المشتري، لأن الضمان استقر عليه.
إذا غصب ثوبا لم يخل من ثلاثة أحوال: إما أن يكون في يده مدة لمثلها
أجرة من غير نقص، أو ينقص في يده من غير مدة، أو يجتمع النقص والمدة
معا.
فإن بقي في يده مدة من غير نقص مثل أن كان ثوبا لا يذهب أجزاؤه
بالاستعمال كالزلي وغيره، أو كان مما يذهب أجزاؤه لكنه ما استعمله فعليه أجرة
المثل، لأن المنافع تضمن بالغصب.
وأما إذا نقص من غير مدة مثل أن كان ثوبا ينقص إذا نشر، فنشره في
الحال فنقص كالدبيقي والشاهجاني ونحو ذلك، أو كان شربا فقطع تنوزه في
الحال فعليه ما نقص، لأنه نقصان جزء من العين المغصوبة، ولا أجرة لأنه ما بقي
عنده مدة لمثلها أجرة.
وأما إن اجتمع الأمران معا، مثل أن أقام في يده شهرا ونقص بعض
الأجزاء، لم يخل من أحد أمرين: إما أن ينقص بغير استعمال أو تحت الاستعمال.
فإن ذهبت الأجزاء بغير استعمال مثل أن قطع استعماله وأقام عنده مدة.
بغير استعمال، أو استعمال لم ينقص به الأجزاء ولا شئ منها فعليه الأجرة لأنه
فوت المنفعة وعليه ضمان الأجزاء، لأنها تلفت ولو بغير استعمال، فهو كما لو
غصب جارية سمينة فبقيت عنده شهرا فهزلت فعليه أجرة مثلها وما نقص من
ثمنها.
وأما إن ذهبت الأجزاء تحت الاستعمال مثل أن كان ثوبا فلبسه فاستحق
ونحو هذا، فهل يضمن الأجرة والأجزاء معا أم لا؟ منهم من قال: لا يضمن الأمرين
112

معا، لكن يدخل الأقل في الأكثر، فإن كانت الأجرة أقل دخلت في ضمان
الأجزاء، وإن كان ضمان الأجزاء أقل دخل في الأجرة لأنهما وجبا بسبب واحد،
كرجل اكترى دارا فسكنها شهرا فنقصت أجزاؤها فإنه لا يضمن الأجزاء وإنما
يضمن الأجرة، والصحيح أنه يضمن الأمرين معا: أجرة المثل، وما نقص من
الأجزاء، لأن كل واحد منهما يضمن على الانفراد، بدليل أنها لو بقيت في يده مدة
لمثلها أجرة من غير نقصان جزء كان عليه الأجرة، ولو ذهبت الأجزاء من غير
استعمال كان عليه ضمانها فثبت أن كل واحد منهما منفصل عن الآخر، فوجب
ضمانهما معا.
فإذا ثبت أنه يلزمه الأمران، فبقيت عنده شهرا فعليه أجرة مثلها شهرا.
وأما أرش النقص، فللمالك ما بين قيمته صحيحا يوم غصبه وقيمته وقد
أبلاه، لأن الأجزاء ذهبت في يد الغاصب، والغصب إذا تلف كان على الغاصب
أكثر ما كانت قيمته من حين الغصب إلى حين التلف، وما كان بعد البلي فلا
يراعى فيه نقصان قيمة ولا زيادة قيمة، لأن المغصوب بعد البلي بحاله، فلا يضمن
الغاصب قيمة زيادة السوق مع بقاء الغصب، ولا بعد تلف الغصب، كما لو
غصب ثوبا فتلف فلا يعتبر ما يعتبر بعد تلفه، كذلك لا يراعى قيمة ما تلف من
الأجزاء بعد التلف.
فإذا ثبت هذا تفرع على هذا فرعان:
أحدهما: إن اختلف الغاصب والمالك فقال الغاصب: كانت القيمة زائدة
وقت البلي، وقال المالك: قبل وقت البلي، فالقول قول الغاصب، لأن الأصل
براءة الذمة.
الثاني: لو كان الغصب ثوبا فتلف وطولب بالقيمة، فاختلفا، وقد كانت
القيمة زادت في وقت، فقال المالك: قبل التلف فلي الزيادة، وقال الغاصب: بل
زيادة السوق بعد التلف فلا ضمان علي، فالقول قول الغاصب لمثل ما قلناه.
وأما إذا باعه الغاصب فحصل الثوب عند المشتري، فالكلام في ثلاثة
113

فصول أيضا: في الواجب، وفي الذي يضمن الواجب، وفي الرجوع بالضمان.
فالواجب على المشتري ما على الغاصب سواء على ما فصلناه، لأنه قبض
مضمونا.
والكلام في من يضمن، فالمالك يرجع على الغاصب بما وجب بفعله، لا
يرجع بذلك على غيره، والذي وجب بفعل المشتري فهو بالخيار بين أن يرجع
عليه لأنه سبب يد المشتري، ولا يرجع المالك بما تلف في يد الغاصب على
المشتري.
وأما الكلام في الرجوع، فإن رجع على المشتري نظرت: فإن غرم
المشتري ما دخل على أنه عليه ببدل وهو نقصان الأجزاء، لم يرجع بذلك على
الغاصب، لأنه دخل على أن الأجزاء عليه ببدل، وإن كان غرم ما دخل على أنه له
بغير بدل وقد حصل في مقابله نفع وهو أجرة الخدمة، فهل يرجع بذلك على
الغاصب أم لا؟ فيه قولان: أحدهما يرجع لأنه غرم، والثاني لا يرجع، وهو
الأقوى، لأنه وإن غرم فقد انتفع بالاستخدام.
وإن رجع على الغاصب، فهل يرجع على المشتري؟ فمن قال: لو رجع
على المشتري لم يرجع المشتري على الغاصب، فالغاصب هاهنا يرجع عليه،
ومن قال: لو رجع على المشتري رجع المشتري على الغاصب، فالغاصب هاهنا
لا يرجع على المشتري، لأن الضمان على الغاصب.
إذا غصب ثوبا قيمته عشرة دراهم، فزادت قيمته لزيادة السوق، فبلغت
عشرين، ثم عادت قيمته إلى عشرة أو دونها نظرت: فإن هلك الثوب قبل الرد،
فعليه قيمته أكثر ما كانت من حين الغصب إلى حين التلف، وإن لم يتلف وكان
قائما بحاله رده ولا يرد ما نقص من القيمة لأنه لا دليل عليه والأصل براءة الذمة.
وإن غصب ثوبا فشقه بنصفين فتلف أحدهما كان عليه رد الباقي منهما،
وعليه قيمة التالف أكثر ما كانت قيمته من حين الغصب إلى حين التلف، لأنه لو
تلف كله كان عليه أكثر ما كانت قيمته إلى حين التلف، ثم لا يخلو الثوب من
114

أحد أمرين: إما أن يكون مما لا ينقص بالشق، أو ينقص به، فإن كان مما لا
ينقص به كالثياب الغليظة رده ولا شئ غير قيمة التالف، وإن كان مما ينقص
بالشق كالقصب والدبيقي وغير ذلك، فعليه رده وما نقص بالشق، فيكون عليه
أكثر ما كانت قيمة التالف، ويرد الباقي وما نقص بالشق، لأن نقصانه بالشق
كان بجناية عليه، فلهذا ضمن الأمرين معا.
إذا غصب خفين قيمتهما عشرة فتلف أحدهما وكانت قيمة الباقي ثلاثة، رده
وقيمة التالف خمسة، وما نقص بالتفرقة وهو درهمان، فيرد الباقي ومعه سبعة،
وفي الناس من قال: يرد خمسة دون نقصان التفرقة، لأنه لم يجن عليه، والأول
أصح لأن التفرقة جناية منه، فلزمه ما نقص بها.
وإذا غصب دابة أو دارا سكنها أو لم يسكنها ركبها أو لم يركبها ومضت
مدة يستحق لمثلها الأجرة، لزمه ذلك، فإن غصب عصيرا فصار خمرا ثم حال
خلا رد الخل بحاله، وليس عليه بدل العصير، لأن هذا عين ماله، وكذلك إذا
غصب حملا فصار كبشا، رده بعينه بدل الحمل، وفي الناس من قال: يرد الخل
وبدل العصير، وليس بشئ.
فإذا قلنا: يرد الخل، نظر: فإن كانت قيمته العصير أو أكثر رده ولا
شئ عليه، وإن كان أقل من ذلك رده وما نقص من قيمة العصير.
إذا أكره امرأة على الوطء فعليه الحد لأنه زان، ولا حد عليها، وأما المهر
فيجب عليه حرة كانت أو أمة، فإن كانت حرة وجب لها، وإن كانت أمة وجب
لسيدها، فاعتبار المهر لها: متى سقط الحد عنها، فلها المهر زانيا كان الواطئ أو
غير زان، ومتى وجب عليها الحد فلا مهر زانيا كان الواطئ أو غير زان، فإن كانا
جميعا زانيين فلا خلاف في سقوط المهر، وفي الأول خلاف، السارق يقطع
ويغرم ما سرق.
إذا غصب أرضا وغرس فيها غراسا فعليه نقله، ورد الأرض فارغة من
الغراس لقوله عليه السلام: ليس لعرق ظالم حق، وعليه أجرة مثلها من حين
115

القبض إلى حين الرد، لأن المنافع تضمن بالغصب، وعليه ما نقصت الأرض
بالقلع، وعليه تسوية الأرض كما كانت.
يصح غصب العقار ويضمن بالغصب، فإذا غصب العقار وحصلت يده
عليه، فباع المالك له لا يصح، لأن يده ليست عليه، ولو كان محبوسا ثم باع
عقاره يصح لأن حبسه لا يزيل يده عنه، ولو انهدم على دار غيره ولم يكن
صاحبها فيها، كان غاصبا ضامنا، وإن كان صاحبها فيها ضمن نصفها، ولا يملك
شيئا منها، لأن يد صاحبها لم تزل عنها.
ولو مد زمام الناقة من مكان إلى مكان، فإن لم يكن صاحبها عليها ضمنها،
وإن كان صاحبها عليها لم يضمنها لأنه لم يزل يده عنها.
إذا غصب أرضا وحفر فيها بئرا كان للمالك مطالبته بطمها، لأن على رب
الأرض ضررا في ترك طمها، فإذا رد التراب إليها وطمها نظرت: فإن لم تنقص
قيمة الأرض فعليه أجرة مثلها إلى حين الرد، وإن نقصت فعليه أجرة المثل وما
نقصت، وإذا أراد الغاصب طم البئر كان له ذلك، رضي المالك أو لم يرض،
لأنه حفر في ملك غيره فلا يأمن أن يقع فيه إنسان أو بهيمة، فيلزمه ضمانها، هذا
إذا لم يبرئه المالك من ذلك.
فأما إن أبرأه المالك من ضمان ما يتعلق به من هذه البئر، فهل يبرأ أم لا؟
قيل فيه وجهان: أحدهما لا يبرأ لأنه إبراء عما لا يجب لأن معناه ضمان ما يقع
فيها، ولأنه إبراء عما يستحق الغير، والآخر أنه يصح الإبراء وهو الصحيح لأن
الغاصب إنما جنى بالحفر، والحفر نقص حصل على المالك فإذا أبرأه منه كان
سقوط الضمان عنه فيما يقع فيها تبعا لحفره وإزالة الضمان عنه بالتعدي، فكأنه
حفرها ابتداء بأمره، فسقط الضمان عنه تبعا للأصل.
فإذا ثبت أنه يبرأ نظر: فإن كان الغاصب له غرض في رد التراب إليها مثل
أن كان نقله عنها إلى ملك نفسه، أو ملك غيره وغير مالكها، أو إلى طريق
المسلمين كان له الرد، لأن فيها غرضا من دفع الضرر عن نفسه أو عن غيره، وإن
116

لم يكن له غرض مثل أن يكون نقل التراب إلى ملك المالك إلى طرف هذه
الأرض أو إلى غيرها لم يكن له الرد، لأنه لا غرض له فيه، كما لو غصب نقرة
فطبعها دراهم، فأراد أن يسبكها ويردها نقرة، لم يكن له، لأنه لا غرض له فيه إذا
رضي صاحبها بذلك.
إذا غصب دارا فجصصها وزوقها كان للمالك مطالبته بنقله عنها، لأنه شغل
ملك الغير بملكه، وإن لم يطالب بذلك وأراد الغاصب النقل كان له، لأنه عين
ماله وضعها في ملك غيره، فكان له تحويلها عنه، ومتى قلع الغاصب ذلك
بمطالبة أو غير مطالبة نظرت: فإن لم تنقص الدار عما كانت عليه قبل التزويق
فعليه أجرة مثلها من حين الغصب إلى حين الرد، وإن نقصت كان عليه أرش
النقص والأجرة معا.
وإن طالب رب الدار بالنقل، فقال الغاصب له: قد وهبت لك ما لي فيها
من التزويق، فهل عليه القبول أم لا؟ قيل فيه وجهان: أحدهما عليه القبول، لأنه
متصل بملكه كالثوب إذا قصره، فإنه يرده ببياضه، والآخر لا يجب عليه القبول،
لأنها غير ماله بحالها، مثل أن وهب له طعاما في داره فإنه لا يلزمه القبول، وهذا
أقوى لأن الأصل براءة الذمة من وجوب قبوله، فمن قال: لا يلزمه، فالحكم فيه
كما لو لم يهب له ذلك، ومن قال: يلزمه قبوله، كانت الدار بتزويقها ملكا له
ويكون على الغاصب أجرة مثلها إلى حين الرد لا غير.
إذا غصب أرضا فنقل ترابها مثل أن قشط التراب عن وجهها وحوله عنها،
كان للمالك مطالبته برد التراب، لأنه حول ملكه عن ملكه، فكان له المطالبة
برده، ولأن على رب الأرض ضررا.
فإذا رد التراب نظرت: فإن كلفه ربها أن يفرشه فيها كالذي كان، لزمه
الفرش وإن منعها ربها من الفرش لم يكن له الفرش، بل يترك فيها قائما، إلا أن
يكون للغاصب غرض في فرشه فيها مثل أن كان فيها حفر يخاف أن يعثر بها
إنسان أو بهيمة فيتلف فيلزمه أرشها فحينئذ له فرشه فيها، فإذا فعل ذلك فعليه
117

أجرة مثلها من حين الغصب إلى حين الرد والفرش معا، وإن كانت ناقصة عما
كانت عليه فعليه أرش النقص، وإن لم يكن نقص لم يلزمه غير الأجرة، هذا إذا
طولب بالرد.
فأما إن أراد الرد من غير المطالبة، فهل له ذلك أم لا؟ نظرت: فإن كان له
غرض في الرد رده، مثل أن يكون نقله إلى طريق المسلمين أو إلى ملكه أو إلى
ملك غيره، وأراد رده إليها، فالحكم على ما مضى من الفرش والترك والأجرة
والنقص، وإن لم يكن له غرض في الرد مثل أن كان التراب منقولا إلى ملك
مالكها لم يكن له الرد، لأنه لا غرض له فيه.
إذا غصب جارية فهلكت فعليه أكثر ما كانت قيمتها من حين الغصب إلى
حين التلف، فإن اختلفا في مقدار القيمة فقال سيدها: عشرون، وقال الغاصب:
عشرة، فالقول قول الغاصب مع يمينه، لأن الأصل براءة ذمته، ولقوله
عليه السلام: البينة على المدعي واليمين على من أنكر، والغاصب منكر.
وهكذا لو اختلفا في الجنس فقال: غصبتني عبدا، وقال الغاصب: بل ثوبا،
فالقول قول الغاصب، إلا أن الغاصب يعترف بالثوب، والمدعي لا يدعيه، ويدعي
عبدا والمدعى عليه ينكره، فكان القول قول المدعى عليه، فإن كان مع المدعي
بينة نظرت: فإن شهدت بأن قيمتها ألف درهم قضينا بها لأنها شهادة بمعلوم، وإن
شهدت بأن قيمتها أكثر من ألف لم يحكم بها لأنها شهادة بمجهول، وإن لم تشهد
بالقيمة لكنها تشهد بالصفة وتضبط الصفة، قومت بالصفة التي شهدت بها.
وقيل: إنها لا تقوم على الصفة لأنها لا تضبط، لأنه تكون الجاريتان على صفة
واحدة ولون وسن وبينهما كسر في القيمة، لما يرجع إلى العقل والروح واللسان
ولا يضبط إلا بالمعاينة، وهذا أقوى.
وإن اختلفا فقال الغاصب: كانت معيبة برصاء جذماء وغير ذلك، فالقول
قول المالك لأن الأصل السلامة والغاصب يدعي خلاف الظاهر، فكان القول
قول السيد، وفي الناس من قال: القول قول الغاصب لأن الأصل براءة ذمته
118

والأول أقوى.
فإن كانت بالعكس من هذا فقال السيد: كانت صانعة أو تقرأ القرآن،
فأنكر الغاصب، فالقول قول الغاصب، لأن الأصل أن لا صنعة ولا قراءة، وفيهم
من قال: القول قول السيد لأنه أعرف بصفة ملكه، والأول أصح، لأنه وإن كان
أعرف به فلا يقبل قوله على الغاصب في إيجاب حق عليه مما لا يعلم أصله.
إذا غصب منه مالا مثلا بمصر فلقيه بمكة فطالبه به لم يخل من أحد أمرين:
إما أن يكون لنقله مؤونة أو لا مؤونة لنقله.
فإن لم يكن لنقله مؤونة كالأثمان فله مطالبته به سواء كان الصرف في
البلدين متفقا أو مختلفا، لأنه لا مؤونة في نقله في العادة، والذهب لا يقوم بغيره،
والفضة لا تقوم بغيرها، إذا كانا مضروبين.
وإن كان لنقله مؤونة لم يخل من أحد أمرين: إما أن يكون له مثل، أو لا
مثل له، فإن كان له مثل كالحبوب والأدهان نظرت: فإن كانت القيمتان في
البلدين سواء، كان له مطالبته بالمثل، لأنه لا ضرر عليه في ذلك، وإن كانت
القيمتان مختلفتين، فالحكم فيما له مثل وفيما لا مثل له سواء، فللمغصوب منه إما
أن يأخذ من الغاصب بمكة قيمته بمصر، وإما أن يدع حتى يستوفي ذلك منه
بمصر، لأن في النقل مؤونة والقيمة مختلفة فليس له أن يطالبه بالفضل، فإن صبر
فلا كلام، وإن أخذ القيمة ملكها المغصوب منه، ولم يملك الغاصب ما غصب،
لأن أخذ القيمة لأجل الحيلولة لا بدلا عن المغصوب، كما لو غصب عبدا فأبق
فأخذنا منه قيمته فإن القيمة تملك منه، ولا يملك الغاصب العبد، فإن عاد إلى
مصر والشئ قائم بحاله انتقض ملكه عن القيمة التي أخذها وعاد إلى عين ماله،
كما قلناه في العبد الآبق، هذا الكلام في الغصب.
فأما الكلام في القرض، فالحكم فيه كالحكم في الغصب سواء لا يفترقان،
فأما إن كان الحق وجب له عن سلم، لم يكن له مطالبته به بمكة لأن عليه أن يوفيه
إياه في مكان العقد، ولا له مطالبته بالبدل، سواء كان لنقله مؤونة أو لا مؤونة
119

لنقله، لأن أخذ البدل عن المسلم في الذمة لا يجوز وإن اتفقا عليه لقوله: من أسلم في
شئ فلا يصرفه إلى غيره.
وإن كان الحق مبيعا معينا لم يجز له مطالبته به بمكة، لأن عليه التسليم في
بلد العقد، فإن اتفقا على أخذ البدل عنه لم يجز أيضا لأن العقد إذا تناول عينا لم
يجز أخذ البدل عنها، وروى أصحابنا أنه يجوز ذلك في المسألتين إذا أخذ
العوض من غير الجنس الذي أعطاه.
إذا غصب ثوبا فصبغه لم يخل الصبغ من ثلاثة أحوال: إما أن يكون
للغاصب أو لرب الثوب أو لغيرهما، فإن كان للغاصب لم يخل من ثلاثة أحوال:
إما أن لا يزيد ولا ينقص بالصبغ أو يزيد، أو ينقص.
فإن لم يزد ولم ينقص مثل أن كانت قيمة الثوب عشرة وقيمة الصبغ
عشرة، وهو بعد الصبغ يساوي عشرين، فهما فيه شريكان، لأن لكل واحد منهما
عينا قائمة فيه، فهو كما لو غصب طعاما فخلطه بطعام من عنده، فهما فيه
شريكان.
ولو غصب غزلا فنسجه، أو ترابا فضربه لبنا، أو نقرة فضربها دراهم، أو ثوبا
فقصره فزادت القيمة، كان ذلك كله لصاحب العين، والفرق بينهما أن هذه آثار
أفعال، وتلك أعيان أموال.
فإذا ثبت أنهما شريكان، ففيه ست مسائل:
أن اتفقا على أن يكون على ما هما عليه من الشركة فعلا.
وأن اتفقا على بيعه وقسمة ثمنه فعلا.
الثالثة: إذا اختار الغاصب قلع صبغه عن الثوب كان له، على أن عليه ما
نقص بالقلع، فيقال له: إن شئت فاستخرج الصبغ على أن عليك ما نقص
بالقلع، لأنه عين ماله، فكان له إزالتها عن ملك رب الثوب.
الرابعة: إذا امتنع صاحب الصبغ عن إزالة الصبغ عن الثوب، فهل لرب
الثوب إجباره على ذلك أم لا؟ قيل فيه وجهان: أحدهما له إجباره، كما لو
120

غصب دارا فزوقها أو أرضا فغرسها، كان للمالك مطالبته بالقلع، والثاني ليس له
إجباره على قلعه بل يكونان شريكين والأول أقوى.
الخامسة: اختار رب الثوب أن يعطي الغاصب قيمة الصبغ، ليكون الثوب
بصبغه له أو يأخذ الثوب مصبوغا ولا يعطي الغاصب ما زاد بالصبغ فهل له
ذلك أم لا؟ قيل فيه قولان: أحدهما: له أخذ الثوب مصبوغا، ويكون له الصبغ
بغير قيمة، لأنها زيادة متصلة بالثوب كما إذا قصره، وهذا ليس بصحيح.
والثاني: ليس له ذلك، بل له أن يعطيه قيمة الصبغ، ليكون الثوب وصبغه
له، فالصحيح أنه ليس له مطالبته بأخذ القيمة، بل يكونان فيه شريكان، لأنها عين
ماله قائمة بحالها غير تابعة لغيرها فلا يجبر على أخذ قيمتها، كما لو خلط طعامه
بطعامه.
السادسة: وهب الغاصب الصبغ من رب الثوب، فهل يلزم رب الثوب
قبوله منه أم لا؟ قيل فيه وجهان: أحدهما يلزمه كالسمن وتعليم القرآن والقصارة،
والثاني لا يجبر لأنها غير ماله، فلم يجبر على قبولها كالعين المنفردة عن المال،
وهذا هو الصحيح، لأن الأصل براءة الذمة من لزوم ذلك.
وجملته أن كل من وهب لغيره هبة هل يلزمه القبول أم لا؟ فيها ثلاثة
مسائل: أحدها لا يلزمه القبول، وهو العين المنفردة بنفسها، الثانية عين قائمة
متصلة لا يمكن إفرادها فيلزمه قبولها، وجها واحدا، مثل السمن، الثالثة زيادة
متصلة لا يمكن إفرادها مثل مسألتنا، وكالتزويق في الدار وهو على وجهين،
والأقوى أنه لا يجبر، هذا إذا لم يزد ولم ينقص.
وأما إن زاد مثل أن كانت قيمة الثوب عشرة، وقيمة الصبغ عشرة، فلما
صبغ ساوى ثلاثين لم يخل من أحد أمرين:
إما أن تكون الزيادة لزيادة السوق أو لاجتماع ذلك، فإن كانت لاجتماع
الأمرين، فالثوب بزيادته شركة بينهما، لأن الزيادة حصلت باجتماع الثوب
والصبغ، ويكون الحكم فيه كما لو كانت قيمة الثوب خمسة عشر، وقيمة الصبغ
121

خمسة عشر، فصبغه به فلم يزد ولم ينقص، وفيه المسائل الست على ما فصلناه،
فإن اختار الغاصب القلع فعليه ما نقص الثوب عن خمسة عشر.
وإن كانت الزيادة السوق مثل أن غلت الثياب فبلغت قيمة الثوب
عشرين والصبغ بحاله، أو غلا الصبغ فبلغ عشرين وقيمة الثوب بحاله، كانت
الزيادة لمن غلت عين ماله وحده لا يشاركه غيره فيها.
وأما إن نقص نظرت: فإن صار بعد الصبغ يساوي خمسة عشر، فقد نقص
خمسة يكون من صاحب الصبغ وحده، لأنه إن كان النقص عاد إلى الثوب فقد
حدث بجنايته عليه، وإن كان النقص عاد إلى الصبغ فهو الذي جنى على صبغ
نفسه، فيصيران فيه شريكان: لصاحب الثوب ثلثاه ولصاحب الصبغ ثلثه وفيه
المسائل الست.
فأما إذا نقص فصار يساوي عشرة، فالنقص أيضا على صاحب الصبغ ولا
شركة له فيه ولا يجئ من المسائل الست فيه إلا واحدة، وهو أن له قلع صبغه
على أن عليه ما نقص، والباقي لا يجئ فيها، فإن نقص عن العشرة فعلى الغاصب
ما نقص من الثوب بالصبغ، فإن أراد القلع على أن عليه ما نقص أو ما لعله أن
يزيد بالقلع كان له ذلك، فقد ثبت أن للغاصب قلع الصبغ.
فأما إذا كان الثوب والصبغ معا لرب الثوب، فإن لم يزد ولم ينقص فلا
كلام، وإن زاد فالزيادة له، وإن نقص فعلى الغاصب لأنه نقص بجنايته.
وإن كان الثوب لواحد والصبغ لواحد، فإن لم يزد ولم ينقص فلا كلام
وهما فيه شريكان، وإن زاد فالزيادة لهما، وإن نقص فإن كان النقصان من جانب
الصبغ فلصاحب الصبغ مطالبة الغاصب بما نقصه دون صاحب الثوب، وإن
كان النقص من قبل الثوب كانت المطالبة لصاحب الثوب دون صاحب الصبغ.
إذا غصب زيتا فصبه في مائع آخر فإما أن يصبه في جنسه أو في غير جنسه
فإن صبه في جنسه فإما أن يصبه في زيت هو أجود منه أو مثله أو دونه، أو غير
122

جنسه من الأدهان أو في ماء.
فإن خلطه بزيت أجود منه، فالغاصب بالخيار بين أن يعطيه من عينه أو مثله
من غيره، فإذا ثبت ذلك، فإن باعاه قسم الثمن بينهما على قدر الزيتين،
والصحيح أن هذا كالمستهلك فيسقط حقه من العين ويصير في ذمة الغاصب
لأنه قد تعذر أن يصل إلى عين ما له بعينها، فانتقل إلى الذمة ويكون الغاصب
بالخيار بين أن يعطيه من عينه فيلزم المغصوب منه قبوله، لأجل أنه تطوع له بخير
من زيته، لا لأنه أعطاه عين ما له، وبين أن يعطيه مثله من غيره، لأنه كالمستهلك.
فإن خلطه بمثله فهو كالمستهلك، والغاصب بالخيار بين أن يعطيه بكيله من
عينه أو مثله من غيره، وفي الناس من قال: هو شريكه فيه يملك مطالبته بقسمته
يأخذ مثل كيله منه، وهو أقرب لأنه قدر على بعض عين ماله وبدل الباقي، ولا
معنى أن يجبر على مثل من غيره مع وجود بعض العين، كما لو غصب حبا
صاعين فتلف أحدهما، فإن المغصوب منه يأخذ الموجود وبدل التالف، ولا يلزمه
أن يأخذ البدل من الموجود والتالف معا.
وإذا خلطه بما هو أدون منه فهو كالمستهلك أيضا، فعلى هذا على الغاصب
أن يعطيه مثل زيته من غير هذه الجملة، فإذا فعل لزمه أن يقبل، فإن أراد أن يعطيه
من عينه لمن يجبر المغصوب منه على قبوله لأنه دون حقه، وإن اختار المغصوب
منه أن يأخذ من عينه لم يجبر الغاصب على ذلك، وإن رضي المغصوب منه
بدون حقه، لأن حقه في الذمة، فلا يجبر عليه جهات القضاء.
وإن اتفقا على أن يأخذ مقداره من عينه جاز لأنه قد رضي ببعض حقه وإن
اتفقا على أن يعطيه من عينه بقيمة زيته لم يجز، لأنه ربا.
وإن خلطه بغير جنسه مثل أن صبه في شيرج أو بان فيكون مستهلكه لأنه
يتعذر عليه أن يصل إلى عين ما له وعلى الغاصب مثل زيته من غير هذه الجملة،
فإن اختار أن يعطيه من عينه لم يجبر على قبوله، لأنه لا يلزمه أن يقبل من غير
جنس حقه، وإن اختار المالك أن يأخذ من عينه لم يجبر الغاصب عليه، لأنه لا
123

يلزمه أن يعطيه من غير جنسه، فإن تراضيا على أن يأخذ مقداره من عينه، جاز لأن
له أن يأخذ بدل حقه مع التراضي.
فإن صبه في الماء نظرت: فإن كان لا يضره ولا ينقص ثمنه، فعلى الغاصب
تمييزه منه وتخليصه منه، كما لو غصب ساحة فبنى عليها فعليه نقض البناء والرد،
وعليه أجرة التخليص لأنه يخلص ماله من مال غيره، وإن نقص بالتخليص، من
الناس من قال: هو كالمستهلك وعليه مثل زيته، ومنهم من قال: يأخذ عين ماله
وما دخل عليه من النقص، وهو الصحيح.
إذا غصب طعاما فخلطه بطعام من عنده، فالحكم فيه كالحكم في الزيت
سواء على القولين: أحدهما كالمستهلك، والآخر أنهما شركاء ويباع لهما ويقسم
بينهما، وهو الصحيح، وهكذا كل ما تساوت أجزاؤه من جميع الحبوب
والأدهان، هذا إذا خلط بما لا يتميز أحدهما عن صاحبه.
فإن خلط بما يتميز أحدهما عن صاحبه، مثل أن خلط صغار الحب بالكبار،
والبيضاء بالسمراء أو كانا جنسين كخلط الشعير بالحنطة، والدخن بالسمسم،
ونحو ذلك، فعلى الغاصب تمييزه ورده وأجرة التمييز عليه وعليه النقص إن
نقص بذلك شئ.
إذا غصب منه صاعين زيتا فأغلاهما، لم يخل من أحد أربعة أحوال: إما أن لا
ينقص كيله ولا قيمته، أو ينقص كيله دون قيمته، أو قيمته دون كيله، أو نقصا
معا.
فإن لم ينقص كيله ولا قيمته فلا شئ عليه، يرده بحاله.
وإن نقص كيله دون قيمته، مثل أن غصب صاعين بأربعة فعاد إلى صاع
قيمته أربعة، فهذه الزيادة للمغصوب منه لا حق للغاصب فيها، وعليه ما نقص
بالنار وهو صاع، لأنه ذهب بفعله.
وإن نقص من القيمة دون الكيل، مثل أن تغير لونه أو طعمه بالنار، فعادت
إلى درهمين والكيل بحاله، فعليه رد الزيت بحاله، وعليه أرش ما نقص، لأنه
124

نقص بجنايته.
وإن نقصا معا فعادت إلى صاع والقيمة إلى درهمين، فعليه رده بعينه،
وأرش نقصه وعليه صاع آخر مثل الذي غصبه.
فإن غصبه صاعين عصيرا فأغلاه فنقص كيله دون قيمته، مثل أن كانت
قيمتهما أربعة فعاد إلى صاع قيمته أربعة، منهم من قال: الحكم فيه كالحكم في
الزيت سواء، وقد مضى وليس بصحيح، ومنهم من قال: يرد هذا الصاع ولا شئ
عليه سواه، وهو الصحيح.
والفصل بينهما أن النار لا تعقد أجزاء الزيت فإذا ذهب بعض العين كان
كالتالف للزيت عينه وذاته، فلهذا كان عليه ما نقص، وليس كذلك العصير لأن
فيه ماء فالنار تأكل منه الماء وتعقد الأجزاء، ألا تراه يثخن وتزيد حلاوته، فكان
الذي ذهب منه لا قيمة له، فلهذا لم يضمن نقصان الكيل.
إذا غصب دقيقا فخلطه بدقيق من عنده، فهو كالزيت ولا خلاف أنه إن لم
تزد قيمته أنه لا يضمن بالمثل لأن الدقيق يضمن بقيمته من غالب نقد البلد،
كالثياب والحيوان والخبز، فإذا خلطه بدقيق من عنده فهو على ما مضى من
القولين: أحدهما أنه كالمستهلك والقيمة في ذمة الغاصب، والآخر أنهما شركاء،
وهو صحيح.
ثم ينظر: فإن كان الدقيقان مختلفين بيعا معا لهما، وإن كانا سواء فهل
يقسم بينهما أم لا؟ يبني على القولين في القسمة، فمن قال: القسمة بيع، لم يجز
لأن بيع الدقيق بالدقيق لا يجوز، وإذا قالوا: إفراد حق، جاز، كما لو قالوا في
قسم الرطب.
وهذا غير صحيح عندنا على الوجهين، لأن بيع الدقيق بالدقيق عندنا جائز
والقسمة أيضا ليس ببيع.
إذا غصب طعاما فعفن عنده بطول المكث أو بصب الماء عليه نظر: فإن
استقر نقصه وأمن أن يزداد فيما بعد نقصانه، رده وعليه أرش ما نقص، لأن جنايته
125

قد استقرت، فهو كما لو كان ثوبا فجنى عليه فإنه يرده وما نقص بالجناية.
وإن كان العيب والعفن لم يستقر وقالوا: إنه ينقص فيما بعد، فالحكم فيه
كالحكم في الزيت إذا صبه في الماء، وقالوا: ينقص فيما بعد، وقيل فيه قولان:
أحدهما كالمستهلك، وهو الأقوى، والثاني أنه يأخذه وما نقص، وكل ما ينقص
في المستقبل يطالبه به أبدا حتى يستقر النقص.
وجملة ذلك أن كل عين غصبها فنقصت في يده، فإن كان النقص مستقرا
كان للمغصوب منه عين ماله وأرش النقص، وإن كان النقص غير مستقر فهو
كالزيت والطعام على ما بيناه من الوجهين: أحدهما عليه البدل، والثاني عليه
الأرش فيما نقص.
إذا غصب ثوبا وزعفرانا من رجل فصبغه به، كان ربه بالخيار بين أن يأخذه
بحاله وبين أن يعتبر التقويم.
فإن اختار أن يأخذه بحاله من غير تقويم كان له ذلك، لأنه رضي به، نقص
أو لم ينقص.
وإن اختار أن يعتبر التقويم كان له، فينظر فيه: فإن لم يكن زاد ولا نقص،
مثل أن كان قيمة الثوب عشرة وقيمة الزعفران صحيحا عشرة، وهو بعد الصبغ
يساوي عشرين، فلا شئ للمغصوب منه، وإن كان قد نقص مثل أن صار بعد
الصبغ بخمسة عشر فعليه ضمان ما نقص وهو خمسة، لأنه نقص بفعله، وإن زاد
بالصبغ فصارت القيمتان ثلاثين فالزيادة للمالك لا حق للغاصب فيها، لأنها آثار
أفعال لا أعيان أموال.
وإذا غصب سمنا وعسلا ودقيقا فعصده فالمغصوب منه بالخيار كما قلنا في
المسألة قبلها، فإن اختار أخذه من غير تقويم أخذه، وإن اختار التقويم قوم كل
واحد من الثلاثة منفردا، فإن لم تزد القيمة بالعمل أخذه ولا شئ له، وإن كان
أقل كان له أرش ما نقص، وإن زاد بالعمل كان له.
إذا غضب شيئا لم يملكه، غيره عن صفته التي هو عليها أو لم يغيره، مثل أن
126

كانت نقرة فضربها دراهم، أو حنطة فطحنها، أو عصيرا فاستحال خمرا ثم استحال
خلا، كان عليه رد الخل على صاحب العصير، لأنه عين ماله وليس عليه بدل
العصير.
وفي الناس من قال: يرد مثل العصير، والأول هو الصحيح، فإن نقص
العصير بكونه خلا كان عليه ما نقص، وإن لم ينقص فلا شئ عليه، وأن أخذ من
غيره خمرا فاستحال في يده خلا رده عليه لأنه عين ماله.
إذا غصب خشبة فشقها ألواحا رد الألواح، لأنها عين ماله، وإن نقص من
قيمتها كان عليه أرش النقص، وإن لم ينقص فلا شئ عليه، وأن زاد كان
للمالك.
فإن ألف الألواح أبوابا وسمرها بمسامير للمالك أو من نفس الخشب، أو
جعل منها أواني قصاعا ونحوها، فإنه يرد وما عمل منها وإن كان قد زاد في قيمته،
لأن الزيادة آثار، فإن سمرها بمسامير من عنده فله قلعها، لأنها عين ماله، وعليه رد
الأبواب وما نقص بقلع المسامير دون قيمة المسامير، ولأن المسامير له.
وإن اختار تسليم الأبواب إلى مالكها مع مسامير نفسها على وجهين:
أحدهما يجبر على قبوله، والثاني لا يجبر، وهو الصحيح.
وإن غصب نقرة فضربها دراهم فإن زادت قيمتها أو لم تزد ولم تنقص ردها
ولا شئ عليه، وإن نقصت نظرت:
فإن نقصت في الوزن دون القيمة، فعليه ما نقصت من الوزن، لأنه أتلف
أجزاء منها ولا شئ عليه فيما زاد بالضرب، لأنها آثار.
وإن نقصت قيمتها دون وزنها، مثل أن ضربها ضربا وحشا فعليه ما بين
قيمتها نقرة غير مضروبة، وبين كونها مضروبة، وإن نقص الأمران فعليه ضمانها.
وجملته أنه إذا غصب شيئا نظرت: فإن لم يزد ولم ينقص رده بحاله ولا
شئ عليه، إلا أن يكون مما يملك منافعه بعقد إجارة فحينئذ عليه أجرة مثله من
حين الغصب إلى حين الرد، وإن كان نقص نظرت: فإن كان النقصان في
127

الأجزاء ردها وبدل التالف مثله إن كان له مثل، أو قيمته إن لم يكن له مثل، وإن
كان نقص قيمته نظرت: فإن كان نقصان سعر وسوق، فلا ضمان عليه مع
النقص وبقاء العين، وإن كان النقص بشئ يلحقه عنده كالثوب إذا اتسخ أو
بلى عنده ورق فعليه ما نقص هاهنا.
وإن زاد الغصب فإن كانت الزيادة منه، فهو لمالكه، سواء كان متصلا،
كالسمن وتعليم القرآن، أو منفصلا كالثمار والولد لأنها أعيان ماله، وإن كانت
الزيادة زيادة إضافة نظرت: فإن كانت منفصلة كسرج الدابة وثياب العبد
والأبواب والرفوف في الدار مسمرة وغير مسمرة، يردها دون الزيادة، فإن رد
الزيادة معها لم يلزمه قبولها قولا واحدا، وإن كانت الزيادة متصلة مثل المسامير
في الأبواب، والصبغ في الثوب فعلى ما مضى من الوجهين.
فإن غصب شاة فاستدعى قصابا فذبحها له، كان للمالك أن يأخذها، وله ما
بين قيمتها حية ومذبوحة، يطالب بذلك من شاء منهما: يطالب الغاصب لأنه
سبب يد الذابح ويطالب الذابح لأنه باشر الذبح بنفسه، فإن طالب الغاصب لم
يكن له أن يرجع على الذابح لأن الذابح إنما ذبحها له، وإن طالب الذابح كان
للذابح مطالبة الغاصب بذلك، لأنه إنما ناب عنه فيه، وكانت يده يد نيابة عنه.
وإن غصب طعاما واستدعى من يأكله كان له أن يطالب من شاء منهما، فإن
طالب الآكل لم يكن للآكل الرجوع به على الغاصب، وقد قيل: إن له أن
يرجع على الغاصب لأن الآكل أتلفه في حق نفسه، فعاد النفع إليه، فلهذا استقر
الضمان عليه، وهذا أقوى.
إذا غصب ثوبا فباعه فنقص في يد المشتري كان للمالك أخذ ثوبه، وله أن
يطالب بأرش النقص من شاء منهما: يطالب الغاصب لأنه سبب يد المشتري،
ويطالب المشتري لأنه نقص في يده، فإن طالب الغاصب رجع بما غرم على
المشتري، وإن طالب المشتري لم يرجع بما غرم على الغاصب، لأنه دخل على
أن العين عليه مضمونة بالبدل، فإذا ذهب بعضها كان بدل الذاهب عليه.
128

فإن غصب ثوبا فنقص في يده، فإن أبلاه ثم باعه فتلف في يده المشتري
كان له أن يطالب الغاصب بقدر ما نقص في يده، ولا يطالب به سواء، لأنه هو
الغاصب وفي يده كان النقص، ولم يكن المشتري سببا ليد الغاصب، وله أن
يطالب بما تلف في يد المشتري من شاء منهما: يطالب الغاصب، لأنه سبب يد
المشتري، ويطالب المشتري لأن الشئ تلف في يده.
فإن طالب الغاصب كان له مطالبته بقيمته أكثر ما كانت قيمته من حين
الغصب إلى حين التلف في يد المشتري، ثم يرجع الغاصب على المشتري بقيمته
أكثر ما كانت من حين قبضه المشتري إلى حين التلف.
وإن طالب المشتري كان له مطالبته بقيمته أكثر ما كانت من حين قبضه إلى
حين التلف، ويطالب الغاصب بما بقي، فيقال: كم قيمته من حين الغصب إلى
حين التلف؟ قالوا: مائة، قلنا: وكم قيمته من حين قبضه المشتري إلى حين
التلف؟ قالوا: تسعين، قلنا له: فقد قبضت من المشتري تسعين ولك قبل
الغاصب عشرة.
إذا غصب ساجة فبنى عليها، أو لوحا فأدخله في سفينته، كان عليه رده سواء
كان فيه قلع ما بناه في ملكه أو لم يكن فيه قلع ما بناه في ملكه.
فأما إذا خالف على حائط من الوقوع جاز له أن يأخذ جذع غيره بغير أمره
فيستنده به بلا خلاف.
فإذا ثبت أن عليه ردها فعليه أجرة مثلها من حين الغصب إلى وقت الرد لأن
الخشب يستأجر للتسنيد وللتسقيف عليه والانتفاع به ونحو ذلك، فإن كانت
الساجة قد نقصت فعليه أرش النقص، لأنه أدخل النقص بفعله، فإن عفنت في
البناء ومتى أخرجها لم ينتفع بها، فعليه قيمتها وليس عليه ردها، لأنها مستهلكة
تالفة.
وإن كان لوحا وأدخله في سفينته نظرت: فإن كانت في البر أو في البحر
بقرب البر فالحكم فيه كالساجة في البناء حرفا بحرف، وإن كانت السفينة في
129

لجة البحر نظرت: فإن كان اللوح في أعلاها أو في موضع لا يخشى عليها الغرق
بقلعه، قلع ورد، وإن كانت في موضع متى قلع اللوح غرقت السفينة نظرت:
فإن كان فيها حيوان له حرمة أو كان هو فيها لم يقلع، لأنه إن كانت حرمته
سقطت في حقه فما سقطت حرمة الحيوان في نفسه وإن رضي بإتلاف نفسه لم
يقلع لأنه لا يملك إدخال الضرر على نفسه.
وإن لم يكن فيها حيوان نظرت: فإن كانت فيها مال لغيره لا يقلع، لأنه لا
يملك إدخال الضرر على غير الغاصب وإن كان المال للغاصب أو لم يكن له
فيها متاع لكنه يخاف متى قلع اللوح غرقت السفينة في نفسها فهل يقلع أم لا؟
قيل فيه وجهان: أحدهما يقلع، لأنه ليس في قلعه أكثر من إدخال الضرر على ماله
فهو كالساجة، والآخر - وهو الصحيح - أنه لا يقلع، لأنه يمكن إزالة الضرر عن
كل واحد منهما، عن الغاصب بالتأخير، حتى يقرب من البر، وعن المالك بأن
يصبر حتى يصل إليه عين ماله، ولا معنى لإسقاط أحدهما مع القدرة على
حفظهما.
ويفارق البناء لأنه لا يمكن الرد إلا بإدخال الضرر على الغاصب.
فكل موضع قلنا: له القلع، كان عليه الأجرة والنقص وغيره مثل الساجة
حرفا بحرف، وكل موضع قلنا: لا يرد، قيل للمالك: إن اخترت أن تطالبه
بالقيمة، وإلا فاصبر حتى إذا تمكن من الرد ردها كما قلنا.
إذا غصب عبدا فأبق فإن السيد بالخيار بين المطالبة بالقيمة وبين الصبر حتى
إذا عاد استرده.
إذا غصب خيطا فخاط به شيئا نظرت: فإن كان غير حيوان كالثياب
ونحوها فالحكم فيه كالحكم في الساجة، وإن كان لم يهلك رده وإن نقص
فعليه النقص، وإن كان بلى ومتى نزع تقطع وذهب، فهو كالساجة إذا عفنت لا
يقلع وله قيمته.
وإن كان خاط به جرح حيوان لم يخل أن يكون: له حرمة أو لا حرمة له،
130

فإن كان لا حرمة له كالخنزير والكلب العقور فالحكم فيه كما لو خاط به ثوبا
وقد مضى، وإن كان حيوانا له حرمة لم يخل من أحد أمرين: إما أن يؤكل لحمه
أو لا يؤكل لحمه، فإن كان لا يؤكل لحمه كالإنسان والبغل والحمار عند
المخالف نظرت:
فإن خاف من قلعه التلف أو الزيادة في العلة لم يقلع، لأن له حرمة في نفسه
ونهى النبي صلى الله عليه وآله عن إتلافه في نفسه، فلم يكن عليه الرد وعليه
القيمة.
وإن لم يخلف الزيادة في العلة ولا التلف فإن لم يخف شيئا ولا إبطاء برء
كان عليه القلع والرد، وإن خاف شيئا أو إبطاء البرء فهل عليه القلع أم لا؟ قيل
فيه وجهان: أحدهما عليه، لأنه لا يخاف الزيادة، والثاني ليس عليه، لأن في رده
إدخال الضرر على الحيوان، وهو الصحيح.
وإن كان الحيوان مأكول اللحم كالنعم وغيرها فهل عليه رده أم لا؟
الصحيح أنه لا يجب، وقال قوم: إنه يرد لأنه ليس فيه أكثر من إدخال الضرر على
ملك الغاصب، فهو كالساجة إذا بنى عليها، والقول الأول أصح لنهي النبي
صلى الله عليه وآله عن ذبح الحيوان لغير أكله.
إذا غصب طعاما فأطعم رجلا، لم يخل الآكل من أحد أمرين: إما أن يكون
مالكه أو غير مالكه:
فإن كان غير مالكه فالكلام في ثلاثة فصول: في الضمان، وقدر الضمان
وفي الرجوع.
فأما الضمان فله أن يضمن من شاء منهما، فله أن يضمن الغاصب، لأنه حال
بينه وبين ماله، وله أن يطالب الآكل لأنه أكل مال غيره بغير حق، ولأنه قبضه
عن يد ضامنه.
وأما قدر الضمان عليه فله أن يطالب الغاصب بأكثر ما كانت قيمته من حين
الغصب إلى حين التلف لأنه سبب يد الآكل، وإن طالب الآكل فإنه يطالبه بأكثر
131

ما كانت قيمته من حين قبضه هو إلى حين التلف، ولا يطالب بما ذهب في يد
الغاصب، لأنه ليس هو سبب يد الغاصب.
وأما الرجوع فلا يخلو الغاصب حين أطعمه من ثلاثة أحوال: إما أن يقول:
كل، فيطلق أو يقول: كله فهو طعام فلان غصبته إياه، أو يقول: كله فإنه ملكي.
فإن قال: كله، مطلقا أو قال: وهبته لك، فاندفع غير المالك على الأكل،
فهل يرجع الآكل على الغاصب أم لا؟ قيل فيه قولان: أحدهما يرجع لأنه غره،
والثاني لا يرجع لأن التلف كان في يده فاستقر الضمان عليه، والأول أقوى.
فإن رجع على الغاصب، فهل يرجع الغاصب على الآكل أم لا؟ قيل فيه
قولان: أحدهما إذا قيل: يرجع الآكل به على الغاصب، لم يرجع الغاصب به
على الآكل، وهو الأقوى، ومن قال: لا يرجع الآكل به على الغاصب، قال:
يرجع الغاصب به على الآكل.
وإذا قال: كله فهو طعام فلان غصبته إياه أو منه، فأكل، استقر الضمان على
الآكل لأنه دخل مع العلم بالغصب، فإذا رجع به عليه، لم يرجع هو على
الغاصب، وإن رجع على الغاصب رجع الغاصب به على الآكل.
وهكذا كل ما كان قبضا مضمونا مثل أن يأخذه على سبيل السوم، أو على
أنه بيع صحيح، أو كان ثوبا فأخذه على أنه عارية مضمونة، فكل هذا يستقر
عليه، لأنه دخل على أنه مضمون عليه، فلم يكن مغرورا فيه.
وإن قال: هذا طعامي كله، فأكل، نظرت: فإن رجع المالك على الغاصب
لم يرجع الغاصب على الآكل لأنه يقول: أطعمتك ملكي، وإنما ظلمني فأخذ ما
لا يستحقه فلا أرجع به على أحد، وإن رجع على الآكل فهل يرجع آكل على
الغاصب أم لا؟ قيل فيه قولان: أحدهما يرجع لأنه غره.
فأما إذا أطعمه مالكه، فهل تبرأ ذمة الغاصب بذلك أم لا؟ نظرت: فإن كان
المالك عالما بأنه ملكه فأكل ملكه مع العلم بحاله برئت ذمته بذلك لأنه رضي
بأكل مال نفسه فبرئت ذمة الغاصب منه، كما لو كان عبدا فأعتقه، وإن كان مع
132

الجهل بحاله، فهل تبرأ ذمته أم لا؟ قيل فيه قولان: أحدهما لا تبرأ وهو الصحيح،
والثاني أنه تبرأ.
وإن غصبه دابة وشعيرا فأطعمه إياها لم يبرأ بلا خلاف، وإن غصب حطبا
فاستدعى مالكه فقال: أسجر به التنور واخبز به، لم يزل الضمان عنه بلا خلاف.
إذا فتح قفصا أو حل دابة وهيج كل واحد منهما ونفره حتى ذهب فعليه
الضمان بلا خلاف، لأنه سبب ملجئ يتعلق الضمان به، كما لو حفر بئرا ثم دفع
فيها بهيمة أو إنسانا، كان عليه الضمان لأنه ألجأه، وإن وقفا ثم ذهبا لا ضمان عند
الشافعي عليه، ويقوى عندي أن عليه الضمان، وإن خرجا عقيب الحل والفتح بلا
وقوف كان عليه الضمان أيضا.
وإن فتح مراحا للغنم فخرجت الغنم ودخلت زرع إنسان فأفسدته كان
ضمان الزرع على من فتح المراح بلا خلاف، ولو حبس عبدا له وأغلق الباب
عليه ففتح غيره الباب، فذهب العبد عقيب الفتح من غير فصل لا ضمان عليه
عندهم كلهم، ويقوى في نفسي أنه يلزمه الضمان.
إذا حل رأس زق أو راوية فخرج ما فيها لم يخل من أحد أمرين: إما أن
يكون مائعا أو جامدا، فإن كان مائعا كالخل والدهن والماء نظرت: فإن كان
خروجه بحله، مثل أن كان مطروحا على الأرض لا يمسكه غير شد الزق فعليه
الضمان بلا خلاف، لأنه خرج بفعله، وإن جرى بعد الحل بسبب كان منه، مثل
أن كان مستندا معه معتدلا فلما حله جرى بعضه فخف هذا الجانب وثقل الجانب
الآخر، فوقع واندفق، أو أنزل ما جرى أولا إلى تحتها قبل الأرض فلانت، فمال
الزق فوقع، فاندفق ما فيه، فعليه أيضا الضمان ولأنه بسبب منه.
وإن اندفق ما فيه بفعل حادث بعد الحل، مثل أن كان مستندا فحله وبقى
مستندا محلولا على ما هو عليه، ثم حدث ما حرك الزق من ريح أو زلزلة أو
حركة النار فسقط فاندفق، فإن السبب يسقط حكمه، لأنه قد حصلت مباشرة
وسبب غير ملجئ فيسقط حكمه بلا خلاف.
133

وأصل هذا الباب وما في معناه أنه إن فعل فعلا بيده كان الضمان عليه كما
لو باشر القتل، وإن كان من سبب نظرت: فإن كان ملجئا مثل أن حفر بئرا فوقع
فيها إنسان في ظلمة فعليه الضمان، وإن حصل به سبب وحدث بعده فعل سقط
حكم السبب، ثم نظرت في المباشر: إن كان مما يتعلق به الضمان ضمن،
كالحافر والدافع والممسك والذابح، وإن كان مما لا يضمن فعله سقط حكمه
كالطائر يذهب بعد وقوفه عندهم، وقد قلنا ما عندنا فيه.
وأما إن كان ما في الزق جامدا كالدقيق والسمن والعسل فحلها نظرت:
فإن كان على صفة لو كان ما فيها مائعا لم يخرج وبقى بحالها ثم ذاب ما فيها
فاندفع بسبب آخر فلا ضمان عليه، وإن كان على صفة لو كان مائعا خرج ثم
ذاب حر الشمس أو الصيف وخرج، فهل عليه الضمان؟ على وجهين: أحدهما
لا ضمان عليه لأنه خرج بسبب بعد الحل، والثاني - وهو الصحيح - أن عليه
الضمان لأن خروجه بسبب كان منه، لأنه حل الزق ولم يحدث بعد الحل
مباشرة من غيره وإنما ذاب بحر الشمس، فإذا لم يحدث بعد حله فعل كان ذهابه
بسراية فعله، كما لو جرح رجلا فسرى إلى نفسه ثم مات، فعليه الضمان.
إذا ادعى دارا في يديه لم تسمع الدعوى حتى يعينها، والتعيين أن يذكر
الموضع والحدود، فإذا فعل هذا نظرت: فإن أنكر المدعى عليه حلف وانصرف،
وإن قال: صدق له في يدي دار، قلنا: صف الدار، فإذا وصفها لم يخل المدعي
من أحد أمرين: إما أن يقبل ما وصفه أو يرد.
فإن قيل التي وصفها وقال: صدق هذه الدار التي وصفها داري، ففيه ثلاث
مسائل إحداها: قال: قد أقر لي بما ادعيته، ووصف ما أقر به، قلنا له: تسلم الدار
وانصرف.
الثانية: قال أقر لي بغير ما ادعيته ووصف ما أقر به، قلنا له: فاقبض التي
وصفها واستحلفه على شئ واحد، وهو أنك لا تستحق عليه التي ادعيتها.
الثالثة: قال: أقر بما ادعيته ووصف غير ما أقر به، قلنا: فاقبض التي وصفها
134

ولكن أن تستحلفه على شيئين أحدهما أنه ما أقر لك بما ادعيته، وأنك لا تستحق
التي ادعيتها.
هذا إذا قبل ما وصفه.
فأما إن رد التي وصفها وقال: هذه التي وصفتها ليست لي، ففيه مسألتان:
إحديهما: قال: قد أقر بغير ما ادعيته، ووصف ما أقر به، قلنا: فاستحلفه على
شئ واحد، وهو أنكح لا تستحق عليه ما تدعيه.
وإن قال: أقر بما ادعيته، ووصف غير ما أقر به بلسانه، فاستحلفه على أمرين:
أحدهما أنه ما أقر لك بما ادعيته، وأنك لا تستحق عليه ما ادعيته.
إذا أقر لرجل بدار كلف التعيين، لأن عليه تسليم ما أقر به، فإذا لم يعين
تعذر التسليم، ثم لا يخلو من أحد أمرين: إما أن يعين أو يمتنع.
فإن عين فقال: هذه الدار التي أقررت بها له، نظرت في المقر له: فإن قال:
قد عين ما أقر به، قلنا: تسلم دارك وانصرف.
فإن قال: قد عين غير ما أقر به، قلنا للمقر له: فما تقول في التي عينها؟ فإن
قال: التي عينها لي، قلنا: تسلم الدار واستحلفه أن التي أقر بها لك هي التي عينها،
وإن قال: التي عينها ليست لي، قلنا له: فقد أقر لك بما لا تدعيه وتدعي عليه أن
التي عينها غير التي أقر بها، فاستحلفه أن التي عينها هي التي أقر لك بها.
وإنما قلنا: القول قوله في التفسير، لأنه أقر بمبهم، فكان المرجع في تفسيره
إليه، كما لو أقر بمال كان المرجع في جنسه وقدره إليه، لأنه أعرف بما اعترف
به. هذا إذا عين.
فإن لم يعين حبس حتى يعين، والأحوط أن يقال للمقر له: قد امتنع من
التعيين عين الدار أنت، فإذا عينها سألنا المقر، فإن قال: هي التي عينها، قلنا للمقر
له: تسلمها، وإن قال: ليست له، قلنا له: فعليك اليمين أنها ليست له، فإن حلف
سقط التعيين، وإن نكل رددنا اليمين على المقر له، فإن حلف تسلمها، وإن لم
يحلف انصرف حتى يحلف.
135

إذا أكلت بهيمة له مالا لم يخل من أحد أمرين: إما أن يكون يده عليها أو لا
يكون.
فإن لم يكن يده عليها مثل أن كانت تمشي في الطريق لنفسها فلا ضمان
على أحد لقوله عليه السلام العجماء جبار جرحها، والمعدن جبار، والبئر جبار
وفي الركاز الخمس.
وإن كانت يد صاحبها عليها مثل أن كان راكبها أو قائدها أو سائقها،
فالضمان على صاحبها، لأن فعلها منسوب إليه، فعليه الضمان بلا خلاف، ثم
نظرت فيما أتلفت: فإن كان مضمونا بالدية، فالدية على عاقلته، والكفارة في ماله،
وإن كان مضمونا بغير الدية - وهو ما عدا الأحرار - نظرت: فإن كان شيئا يتلف
بالأكل، فعليه مثله إن كان له مثل، أو قيمته إن لم يكن له مثل، وإن كان مما لا
يهلك بالأكل كالجوهر والذهب والفضة نظرت في الحيوان: فإن كان مما لا
يؤكل لحمه، لم يذبح لحرمته في نفسه، فكان الضمان على مالكه، وإن كان
مأكول اللحم قيل فيه وجهان: أحدهما يذبح لأن أكثر ما فيه إدخال الضرر عليه
بالرد فهو كالساجة إذا بني عليها، والثاني لا يذبح للرد، وعليه الضمان لأن النبي
صلى الله عليه وآله نهى عن ذبح الحيوان لغير مأكله.
فإن باع بهيمة فأكلت ثمنها لم يخل من أحد أمرين: إما أن يكون معينا أو في
الذمة، فإن كان معينا لم يخل من أحد أمرين: إما أن يكون قبل القبض أو بعده.
فإن كان قبل القبض مثل أن كان الثمن في يد المشتري من قبل أن يقبض
الشاة نظرت: فإن لم يكن يد البائع على الشاة انفسخ البيع، لأن الثمن تلف قبل
القبض ولا ضمان على أحد، لأن هذه الشاة لا يد لأحد عليها، ويعود ملك البائع
إلى الشاة، وإن كان يد البائع عليها استقر العقد بذلك كما لو باشر البائع
إتلاف الثمن، لأنه إذا كانت يده عليها كان ما أتلفته بمنزلة إتلافه.
وأما ضمان الثمن فلا يجب على أحد، لأنها شاة للمشتري، ويد البائع عليها
وقد أكلت الثمن والثمن ملك للبائع، فلا يرجع البائع به على أحد كما لو
136

استعار شاة، فلما قبضها وحصلت في يده أكلت مالا للمستعير فإنه لا ضمان على
أحد، فإذا ثبت هذا فإنه يأخذ المشتري شاة نفسه، هذا إذا كان قبل القبض.
فأما إذا كان بعد القبض فهذه شاة المشتري أكلت ملكا للبائع، فالحكم
فيها كما لو كانت شاة غير مبيعة أكلت مال الغير فالحكم فيها ما مضى.
وإن كان الثمن في الذمة فعزله المشتري ليدفعه إلى البائع فأكلته الشاة،
فالعقد بحاله، لأن الثمن باق في الذمة، وهذه شاة للمشتري قد أكلت مال مالكها،
فإن كانت في يد البائع فعليه الضمان لأن يده عليها فكان كشاة استعارها إنسان
فأكلت الشاة مال مالكها، وكذلك لو ارتهن شاة فأكلت مال الراهن فالضمان
على المرتهن، وإن لم يكن في يد البائع فلا ضمان على أحد.
إذا أدخلت شاة رأسها في قدر الباقلاني، ولم يمكن إخراجه منها، فهل يقطع
أم لا يقطع؟ لا تخلو الشاة من أحد أمرين: إما أن تكون يد صاحبها عليها أو لا
تكون، فإن كانت يد صاحبها عليها فالحكم فيه كما لو أدخل هو رأسها في القدر
مباشرة، لأن التفريط منه، ثم ينظر فيه: فإن كانت بهيمة لا يؤكل لحمها قطعت
القدر ولم تذبح البهيمة لحرمتها في نفسها ويكون الضمان على صاحبها.
وإن كانت مأكولة اللحم قيل فيه وجهان: أحدهما تذبح لأن التفريط من
صاحبها وهي مثل الساجة التي بني عليها، والثاني لا تذبح لأن النبي
صلى الله عليه وآله نهى عن ذبح الحيوان لغير مأكله، فعلى هذا إذا كان كذلك تكسر
القدر، وعلى صاحب الشاة الضمان لأنه مفرط، هذا إذا كانت يد صاحبها عليها.
فإن لم يكن يد صاحبها عليها نظرت: فإن كان الباقلاني مفرطا مثل أن
وضع القدر في الطريق، يكسر القدر ولا ضمان على صاحب الشاة لأن التفريط
منه، وإن لم يكن من واحد منهما تفريط، مثل أن كانت البهيمة تسير لنفسها، وقد
ترك الباقلاني قدره في ملكه، فمرت الشاة بها فأدخلت رأسها فيها فهاهنا تكسر
القدر، والضمان على صاحب الشاة لأنها كسرت لاستصلاح ملكه.
فإن حصل فصيل في دار إنسان لرجل وكبر واحتيج إلى هدم الباب
137

لإخراجه نظرت: فإن كان التفريط من رب الدار مثل أن يكون غصبه وأدخله
داره فضمان الهدم على صاحب الدار، لأنه المفرط وكذلك لو ضيق هو الباب،
نقض ولا ضمان على أحد، وإن كان التفريط من صاحب الفصيل مثل أن أدخله
هو فيها فالضمان عليه، لأنه هو المفرط، ولأن نقض الباب لمصلحة ملكه، وإن لم
يكن من واحد منهما تفريط فالضمان على صاحب الفصيل لأنه لمصلحة ملكه.
وعلى هذا لو باع دارا وله فيها ما لا يمكن إخراجه منها إلا بنقض الباب
كالخوابي والحباب ونحوها نقضناه وأخرجنا ذلك، والضمان على البائع لأنه
لمصلحة ملكه.
فإن حصل في محبرته دينار لغيره نظرت: فإن كان التفريط من صاحب
المحبرة مثل أن أخذ دينار غيره فطرحه فيها أو مسها فوقع من يده فيها فإنها
تكسر وتخرج، ولا ضمان على أحد لأن التفريط منه، فإن كان التفريط من
صاحب الدينار مثل أن طرح في محبرة غيره بغير أمره، قلنا له: أنت بالخيار بين
أن تدع الدينار في المحبرة يكون لك فيها، وبين أن تكسرها وعليك الضمان،
لأن التفريط منه، والكسر لأجل ملكه.
وإن لم يكن من واحد منهما تفريط، مثل أن رمى فيها طائر، أو سقط فيها من
مكان فإنها تكسر والضمان على صاحب الدينار، لأنه لصلاح ملكه.
إن سرق من رجل فرد خف فهلك في يده، وقيمة الخفين عشرة، فلما فرق
بينهما كانت قيمة كل واحد منهما على الانفراد درهمين، ففي قدر الضمان قيل فيه
وجهان: أحدهما درهمان لأنهما قيمة ما هلك في يده، والثاني يضمن ثمانية، ثمن
الخف درهمان وستة بالجناية وهي التفرقة بينهما، فكان عليه ضمان التفرقة
وضمان العين.
فأما القطع فلا يجب عليه لأن القطع بإخراج نصاب أو قيمة نصاب من
الحرز، وهذا أخرج ما قيمته درهمان والستة في ذمته ولا يقطع بما في ذمته،
وكذلك لو دخل الحرز فذبح شاة قيمتها دينار، فصارت تساوي درهمين
138

فأخرجها، فلا قطع لأنه أخرج ما قيمته درهمان والباقي في ذمته.
إذا غصب ملكا لغيره فخرج عن يده، مثل أن غصب عبدا فأبق أو فرسا
فشرد أو بعيرا فند أو ثوبا فسرق، كان للمالك مطالبته بقيمته، لأنه حال بينهما
بالغصب، فإذا أخذ القيمة ملكها بلا خلاف لأنه أخذها لأجل الحيلولة بينه وبين
ملكه، فإذا ملك القيمة فهل يملك المقوم أم لا؟ فعندنا أنه ما يملكها، وأنها باقية
على ملك المغصوب منه، فإن ظهر انتقض ملك المالك عن القيمة فكان عليه
ردها إلى الغاصب، وعلى الغاصب تسليم العين إلى مالكها.
فإذا تقرر هذا فالكلام في فصلين: حكم القيمة وحكم العين.
أما القيمة فقد ملكها المغصوب منه، فمتى ظهرت العين نظرت: فإن كانت
القيمة تالفة، فعليه رد بدلها مثلها إن كان لها مثل، أو قيمتها إن لم يكن لها مثل،
وإن كانت قائمة ردها بحالها، ثم ينظر فيه: فإن لم يكن لها نماء فلا كلام، وإن
كان لها نماء نظرت: فإن كان متميزا كالثمرة والنتاج ردها دون النماء، لأنه نماء
تميز في ملكه، وإن كان النماء غير متميز، كالكبر والسمن وتعليم القرآن ردها
بنمائها، لأن النماء إذا لم يكن متميزا تبع الأصل.
فأما الكلام في العين، فإنه يردها بنمائها منفصلا كان أو متصلا، وإن كان
لمثله أجرة فإنها واجبة على الغاصب، من حين القبض إلى حين دفع القيمة، لأنها
مضمونة بالغصب، وأجرتها من حين دفع القيمة إلى حين الرد على وجهين:
أحدهما لا أجرة عليه، لأنه دفع قيمتها فانتفع بها مالكها، فكانت أجرتها في
مقابلتها وهو الأقوى، والثاني عليه أجرتها إلى حين الرد لأنه ما ملكها وهذا قوي
أيضا.
إذا غصب شاة فأنزى عليها فحل نفسه، فاتت بولد كان لصاحب الشاة، لا
حق له فيها، لأن الولد يتبع الأم، ثم ينظر: فإن كان الفحل قد نقص بذلك فلا
ضمان على صاحب الشاة لأن التعدي من صاحبه فلا يرجع به على غيره، وأما إن
كان غصب فحلا فأنزاه على شاة نفسه فالولد لصاحب الشاة، وأما أجرة الفحل
139

فلا يجب على الغاصب، لأن النبي صلى الله عليه وآله نهى عن كسب الفحل، وإن
كان الفحل قد نقص بالضراب، فعلى الغاصب الضمان بتعديه.
إذا باع عبدا فادعى مدع أن العبد الذي بعته إنما غصبته مني، فقبض
المشتري أو لم يقبض الحكم واحد، غير أن المشتري إذا لم يعتقه فيه ثلاث
مسائل:
إحداها: أن يصدقه البائع والمشتري، فإنه يحكم ببطلان البيع، لأنهما متى
اتفقا على بطلانه كان باطلا، لأن الحق لهما لا يخرج عنهما، فيرد العبد على
المدعي ويرجع المشتري على البائع لأنه قبضه بغير حق.
الثانية: أن يصدقه البائع وحده ويكذبه المشتري، لم يقبل قول البائع على
المشتري لأن إقراره في ملك الغير لا يقبل، فإذا لم يقبل قول البائع عليه فللمدعي
أن يرجع على البائع بقيمة العبد، ثم ينظر فيه: فإن كان البائع ما قبض الثمن من
المشتري، لم يكن له مطالبته به، لأنه مقر أنه لا يستحقه عليه، وإن كان البائع قد
قبض الثمن من المشتري، فليس للمشتري مطالبته به لأنه لا يدعيه.
فإن عاد المبيع إلى البائع لعيب أو ميراث أو هبة أو شراء لزمه تسليمه إلى
المدعي، لأنه إنما لم يقبل قوله لأنه مقر في حق الغير، فإذا صار الحق إليه لزمه في
حقه.
وإن كان هذا الإقرار من البائع في مدة الخيار يلزمه الإقرار، وينفسخ البيع
ويتسلم المدعي عبده لأنه يملك فسخ البيع في مدة الخيار، فلهذا نفذ إقراره في
البيع.
وإن لم يكن في مدة الخيار فأقام البائع البينة بما يدعيه على المشتري لم
تقبل بينته لأنه مكذب لها، وذلك أنها تشهد بالملك حين البيع لغيره، وهو
يقول: بل الملك لي، فلهذا لم تقبل بينته.
وإن أقام المدعي البينة بما ادعاه، واعترف له به البائع نظرت: فإن شهد له
به البائع لم يقبل، لأنه مقر بالغصب، والغاصب لا تقبل شهادته لأنه فاسق، ولأنه
140

يجر إلى نفسه نفعا وهو سقوط حق المدعي عنه، وإن أقام شاهدين غير البائع قبل
شهادتهما وحكم ببطلان البيع، فأخذ المدعي العبد ورجع المشتري على البائع
بالثمن إن كان قد قبضه.
وإن لم يكن للمدعي بينة وأراد إحلاف المشتري كان له، لأنه لما قضي عليه
بالإقرار لزمه اليمين مع الإنكار.
الثالثة: إذا صدقه المشتري دون البائع قبل إقراره في حق نفسه، وقيل له:
سلم العبد إلى المدعي، لأنه مقر في حق نفسه، ولا يقبل إقراره على البائع في
نقض البيع، لأنه مقر في حق الغير، وليس له أن يرجع على البائع بالثمن، لأنه
مقر في حق الغير.
وإن كان المشتري قد أعتق العبد وصدق البائع هذا المدعي، لم يقبل قوله
في حق المشتري لما مضى، ولا في حق العبد، ويغرم للمدعي قيمة العبد، وإن
صدقه المشتري لم يقبل قوله على البائع، ولا على العبد، وإن صدقه البائع
والمشتري معا لم يقبل قولهما على العبد، وإن صدقه البائع والمشتري والعبد معا
لم يقبل قولهم في حرية العبد لأنه قد تعلق به حق الله تعالى، وهو كون العبد من
أهل العبادات " الجمعة والزكاة والحج والجهاد ".
فإذا تقرر أن الحرية بحالها فللمدعي مطالبة من شاء منهما، يطالب البائع لأنه
غاصب، ويطالب المشتري لأنه مقر أنه اشتراه من الغاصب، فإن طالب البائع
طالبه بأكثر ما كانت قيمته من حين القبض إلى حين العتق، وإن طالب المشتري
طالبه بأكثر ما كانت قيمته من حين القبض إلى حين العتق، وإن طالب البائع
رجع البائع على المشتري بأكثر ما كانت قيمته من حين قبضه إلى حين العتق،
لأنه دخل على أنه عليه بعوض، وقد تلف في يده، وإن طالب المشتري لم يرجع
المشتري على البائع بما غرم لأن التلف في يده، فاستقر الضمان عليه.
فإن أقام المدعي البينة بما يدعي نقضنا العتق والبيع وعاد العبد إليه، فأما إن
لم يقم البينة، وحكمنا بحرية العبد، فالولاء موقوف لأن أحدا لا يدعيه، فإن البائع
141

والمشتري والمدعي كلهم يقولون: هذا مملوك، وإن لم يرد إلى الرق لتعلق حق
الله به.
فإن مات العبد وخلف مالا كان للمدعي، لأنهم أجمعوا على أنه مملوك له
ومملوك الإنسان إذا مات فماله لسيده، ويفارق الحرية لأنها حق الله تعالى فلم
يقبل قولهم فيه، وهذه حقوق أموال يقبل قولهم فيها وسلمت إليه.
إذا غصب عبدا لم يخل من أحد أمرين: إما أن يجنى على العبد أو يجني هو
على غيره.
فإن جني عليه مثل أن قطع إحدى يديه فإن للسيد أن يضمن الجاني لأنه
نقص لحق العبد بإتلافه، وله أن يضمن الغاصب لأنه نقص لحق العبد في يديه،
فإن ضمن الغاصب كان له أن يضمنه أكثر الأمرين مما نقص وأرش الجناية، لأنه
إن كان أرش الجناية أكثر، فهذا نقص لحق العبد في يده وإن كان ما نقص أكثر
فإنه نقص لحق العبد في يده بالجناية من الغير وإمساكه غصبا، وإن رجع على
القاطع الجاني رجع عليه بأرش الجناية، فيلزمه نصف قيمة العبد لا غير، وإن
كان ما نقص أكثر من ذلك، لأنه إنما ضمنه بالجناية، فلا يجب عليه إلا المقدر.
فإن رجع على الغاصب بما ذكرناه نظرت: فإن كان أكثر الأمرين هو
الأرش فالغاصب يرجع على الجاني بذلك كله، لأنه وجب بجنايته، وإن كان
أكثر الأمرين ما نقص رجع على الجاني بأرش الجناية فقط، وما زاد عليها ففي
مال الغاصب، وإن رجع على الجاني فإنه يرجع بأرش الجناية، وهو نصف
القيمة، فإن كان الأرش بقدر ما نقص أو أكثر فلا شئ على الغاصب، وإن كان
أرش الجناية أقل أخذه من الجاني ورجع بتمام ما نقص على الغاصب، لأنه لا
يلزم الجاني أبدا إلا أرش الجناية.
فإن كان الجاني هو العبد، مثل أن جنى على عبد لآخر كان على الغاصب
ضمان جنايته، لأن الجناية تتعلق برقبته، وهذا نقص وضمانه على الغاصب لأنه
نقص لحق العبد في يده.
142

فإذا ثبت أنه عليه لم تخل جنايته من أحد أمرين: إما أن تكون قتلا أو قطعا،
فإن كان قتلا فسيد العبد المقتول بالخيار بين أن يقتص أو يعفو عن مال، فإن قتل
كان على الغاصب قيمة العبد المقتول في يده أكثر ما كانت قيمته من حين
الغصب إلى حين التلف، وإن عفا سيد المقتول على مال تعلقت قيمته برقبة العبد
القاتل، وكان على الغاصب أقل الأمرين من قيمة المقتول أو قيمة القاتل، لأنه إن
كانت قيمة القاتل أقل فلا يجب عليه إلا قيمة ما حصل في يده، وإن كانت قيمة
العبد أقل فما يتعلق برقبة القاتل أكثر منها.
وإن كانت الجناية قطعا فسيد المقطوع بالخيار بين أن يعفو أو يقتص، فإن
عفا على مال تعلق برقبة القاطع، وعلى الغاصب أقل الأمرين من قيمة القطع
وأرش الجناية، لما مضى، فإن اقتص سيد المقطوع منه، كان على الغاصب ما
نقص، لأن يده ذهبت بقطع غير مضمون، فهو كما لو ذهبت بأمر سماوي.
فإن غصب أرضا فزرعها بحب نفسه، كان الزرع له دون رب الأرض، لأنه
عين ماله زاد ونما، كما لو غصب شعيرا فعلف به دوابه فسمنت وعظمت، فإن
الدابة له.
فإذا ثبت أن الزرع له فإن عليه أجرة مثلها من حين الغصب إلى حين الرد،
لأن هذه المنافع مضمونة على الغاصب، كما هي مضمونة بالبيع، وإن نقصت
الأرض فعليه أرش النقص، وإن لم يزرعها فعليه أجرة المثل من حين الغصب إلى
حين الرد لمثل ذلك، وإن نقصت بترك المزارعة فيها كأراضي البصرة فعليه ما
نقصت بذلك.
وإن غصب شجرا فأثمرت كالنخل ونحوها، فالثمار لصاحب الشجر، لأنه
عين ماله نما وزاد، فإذا ثبت أنه ماله رده، وإن كان رطبا بحاله، وإن تلف رطبا
فعليه قيمته لأن كل رطب من الثمار كالرطب والتفاح والعنب ونحوها إنما
تضمن بالقيمة، وإن كان رطبا فشمسه فعليه رده إن كان قائما، ومثله إن كان تالفا
لأن الثمر له مثل.
143

فإذا رد مثله إن كان تالفا أو رد المشمس بحاله إن كان قائما نظرت: فإن
كان قيمته زادت بالتشميس أو لم تزد ولم تنقص عن قيمة الرطب فلا شئ على
الغاصب، وإن نقص بالتشميس فعليه ما نقص.
وأما الشجر فإن كان قد نقص عنده فعليه أرش النقص، وأما الأجرة فلا
يضمنها، والفصل بين الشجر والأرض أن منافع الشجر ثمرها وتربيتها إلى حين
إدراكها، وهذه المنافع قد عادت إلى مالكها بكون ثمارها له، فلهذا لم يضمنه
الغاصب، كمنافع الغنم ومنافع الأرض عادت إلى الغاصب فلهذا كان عليه
ضمان أجرتها.
وإن كان الغصب ماشية فنتجت نتاجا كان النتاج لمالكها كالثمرة سواء
فإن كان النتاج قائما رده، وإن كان تالفا رد قيمته، وأما اللبن فعليه مثله لأنه
يضمن بالمثلية كالحبوب والأدهان وأما الصوف والشعر والوبر فعليه مثلها إن
كان له مثل، وقيمتها إن لم يكن لها مثل.
إذا كان في يد مسلم خمرا أو خنزيرا فأتلفه متلف، فلا ضمان عليه، مسلما
كان المتلف أو مشركا، وإن كان ذلك في يد ذمي فأتلفه متلف فعليه الضمان
عندنا، مسلما كان المتلف أو مشركا، والضمان هو قيمة الخنزير والخمر عند
مستحليه، ولا يضمن بالمثلية على حال.
إذا غصب من رجل دارا وباعها ثم ملكها الغاصب بميراث أو هبة أو شراء
صحيح ثم ادعى الغاصب على الذي باعها منه فقال: اشتريت مني غير ملكي
فالبيع باطل وعليك رد الدار، وأقام البائع الغاصب شاهدين بذلك، فهل تقبل
هذه الشهادة أم لا؟ نظرت: فإن كان البائع قال حين البيع: بعتك ملكي،
سقطت الشهادة لأنه مكذب لها لأنه قال حين البيع " ملكي " وأقام البينة أنها غير
ملكه وهو مكذب لها.
وإن كان قد أطلق البيع ولم يقل " ملكي " قبلت هذه الشهادة لأنه قد يبيع
ملكه وغير ملكه، فإذا قامت البينة أنها لم تكن ملكا له، لم يكن مكذبا لها، فقبلت
144

هذه الشهادة إلا أن تكون في ضمن البيع ما يدل على أنها ملكه مثل أن قال:
قبضت ثمن ملكي أو ملكت الثمن في مقابلة ملكي، فتسقط الشهادة.
إذا غصب من رجل ثوبا وأتلفه فاختلفا في قيمته، فالقول قول الغاصب لأنه
غارم، فإذا حلف الغاصب على ذلك وغرمه، ثم أقام بها شاهدين أن مثل الذي
غصبه منه يساوي أكثر مما حلف عليه الغاصب لا يقبل، لأن قولهما يساوي أكثر
مجهول والشهادة بمجهول لا تسمع ولأن الغاصب أعرف بصفة الثوب، وقد
يكون به عيب يعلمه ويخفى على الشاهدين.
إذا ادعى دارا في يد رجل فأنكر فأقام المدعي شاهدين شهد أحدهما أنها
ملكه وشهد الآخر أنها حيزه، لم يكن الثاني شاهدا بالملك، ويقال: لك بما تدعيه
شاهد واحد فإما أن تحلف معه وتستحق أو تدع، فإن فسر الثاني ما ذكره من
الحيز بالملك كملت البينة، لأنه إذا فسر مراده زال الاحتمال.
إذا ادعى في يد رجل دارا فقال: غصبتها مني، فأنكر، فأقام المدعي شاهدين
نظرت: فإن شهد أحدهما أنه غصبها يوم الخميس وشهد الآخر أنه غصبها يوم
الجمعة لم تكمل الشهادة، لأنها شهادة بغصبين، لأن غصبه يوم الخميس غير
غصبه يوم الجمعة، فإذا لم تكمل على فعل واحد لم يثبت بها غصب، وهكذا لو
شهد أحدهما أنه غصبها وشهد الآخر على إقراره بغصبها، لأن الغصب غير الإقرار
به، فإن شهد أحدهما على إقراره بذلك يوم الخميس، وشهد الآخر على إقراره يوم
الجمعة، كانت الشهادة صحيحة، لأن المقر به واحد، لكن وقع الإقرار به وقتين،
وقال قوم: لا يقبل ذلك، والأول أصح.
إذا غصب طعاما بمصر فنقله إلى مكة فلقيه مالكه بمكة كان له مطالبته برده
إلى مصر، لأنه نقله بغير حق، ولأن رده يجري مجرى ضمان المثل، فإن قال له
صاحبه: دعه بمكة ولا ترده، لم يكن للغاصب رده لأنه قد خففت عنه مؤونة
النقل، فإن قال للغاصب: عليك الرد لكن لا أكلفك ذلك أعطني أجرة رده إلى
مصر، لم يكن على الغاصب ذلك، لأن الواجب عليه هو المنفعة، فلا يملك
145

مطالبته بالبدل، ولأن مع القدرة على المثل لا يضمن القيمة.
إذا غصب دارا فباعها وقبضها المشتري ونقضها ثم بناها ثانيا ثم قامت البينة
بذلك فأول شئ يفعله أن يرد العرصة على المالك، لأنها بعض العين وللمالك
ما بين قيمتها مبنية ومنقوضة، وله مطالبته بنقض ما بناه لأنه بناه في ملك غيره
بغير حق، وله أجرة المثل من حين قبضها المشتري إلى حين النقض، وأجرة
العرصة من حين النقض إلى حين الرد وليس عليه أجرة ما بنى فيها، فإذا ثبت أن
هذا للمالك، فله أن يرجع به على من شاء من الغاصب والمشتري، أما المشتري
فلأنه أتلف وجنى بفعله، وأما الغاصب فلأنه سبب يد المشتري.
فإذا ثبت هذا نظرت: فإن رجع على المشتري فكل شئ دخل المشتري
على أنه له بعوض وهو قيمة ما تلف من الأعيان لم يرجع به على البائع، لأنه
دخل على أنه بعوض، وقد حصل عليه العوض، وكل ما دخل على أنه له بغير
عوض نظرت: فإن لم يحصل له في مقابلته نفع وهو نقض التأليف، رجع به
على البائع، وإن حصل له في مقابلته نفع، فهل يرجع على البائع أم لا؟ على
وجهين، على ما قررناه فيما سلف.
إذا غصب أمة فباعها فأحبلها المشتري، فإن السيد يرجع على المشتري،
وهل يرجع المشتري على البائع أم لا؟ نظرت: فكلما دخل على أنه له بعوض
وهو قيمة الرقبة لم يرجع به على أحد، وكل ما دخل على أنه له بغير عوض فإن
لم يحصل له في مقابلته نفع وهو قيمة الولد، يرجع به على البائع قولا واحدا،
وإن حصل له في مقابلته نفع وهو مهر المثل في مقابلة الاستمتاع فعلى قولين،
على ما بيناه.
وإن رجع على البائع فكلما لو رجع به على المشتري رجع المشتري به
على البائع فالبائع لا يرجع به عليه، وكلما لو رجع به على المشتري لم يرجع
به على البائع، فإذا رجع به على البائع رجع البائع به على المشتري.
إذا أرسل في ملكه ماء فسأل إلى ملك غيره فأفسد عليه أو أجج في ملكه
146

نارا فتعدى إلى ملك غيره فأحرقته، فالماء والنار سواء ينظر فيه: فإن أرسل الماء
في ملكه بقدر حاجة ملكه، فسأل إلى ملك غيره نظرت: فإن كان غير مفرط مثل
أن نقب الفأر أو غيره نقبا أو كان هناك نقبة لم يعلم بها فلا ضمان عليه، لأنها
سراية عن مباح فيذهب هدرا.
وهكذا النار إذا أججها في ملكه فحملتها الريح إلى ملك غيره فأتلفته فلا
ضمان عليه لأنها سراية عن مباح.
وأما إن أرسل الماء إلى ملكه وتوانى، وهو يعلم أنه يطفح إلى ملك غيره
فأتلفه، كان عليه الضمان، لأنها سراية عن فعل محظور، وهكذا إن أجج نارا
عظيمة في زرعه أو حطبة على سطحه، وهو يعلم في العادة أنه يصل إلى ملك
غيره كان عليه الضمان.
فأما إن أرسل الماء إلى ملكه بقدر حاجته إليه وهو يعلم أن الماء ينزل إلى
ملك غيره وأن للماء طريقا إليه فعليه الضمان لأنه إذا علم أنه يسري إلى ملك
غيره وأنه لا حاجز يحجزه عنه فهو المرسل له، وهكذا النار إذا طرحها في زرعه
وهو يعلم أن زرعه متصل بزرع غيره، وأن النار تأتي على ملكه، وتتصل بملك
غيره فعليه الضمان لأنها سراية حصلت بفعله.
وإن ادعى دارا في يد رجل فاعترف له بدار مبهمة ثم مات المقر قيل
للوارث: بين، فإن لم يبين قيل للمدعي: بين أنت، فإن عين دارا وقال: هذه التي
ادعيتها وقد أقر لي بها، قيل للوارث: ما تقول؟ فإن قال: صدق، تسلم، وإن قال:
ليست هذه، فالقول قول الوارث مع يمينه فإذا حلف سقط تعيين المدعي، وقيل
للوارث: نحبسك حتى تبين الدار التي أقر له أبوك بها.
إذا غصب مالا لرجل فتلف في يده لم يخل من أحد أمرين: إما أن يكون له مثل أو لا
مثل له، فإن كان له مثل فعليه مثل ما تلف في يده يشتريه بأي ثمن
كان، ويدفعه إلى المالك إجماعا، وإن كان مما لا مثل له كالثياب والحيوان
فعليه قيمته أكثر ما كانت قيمته من حين الغصب إلى حين التلف، لأنه مأمور برده
147

في كل وقت، فوجب عليه قيمته إذا تعذر.
فإن غصب ما لا يبقى كالفواكه الرطبة والتفاح والكمثرى والموز والرطب
ونحوها فتلف في يده، وتأخرت المطالبة بقيمته، فعليه أكثر ما كانت قيمته من
حين الغصب إلى حين التلف، ولا يراعى ما وراء ذلك.
وإن كان الغصب مما يجري فيه الربا، كالأثمان والموزون والمكيل فجنى
عليه جناية استقر أرشها، مثل أن كان الغصب دنانير فسبكها أو طعاما فبله فاستقر
نقصه، فعليه رده بعينه، وعليه ما نقص.
فإن غصب جارية تساوي مائة فسمنت في يده فبلغت ألفا، كانت الزيادة
مضمونة، فإن هزلت بعدها فالضمان عليه، فإن هزلت بغير تفريط أو بتفريط كان
ضامنا، وفي الناس من قال: إن الزيادة الحادثة أمانة، إن هلكت بغير تفريط لا
يضمن، والأول أصح، وكذلك الولد يكون مضمونا، وعنده يكون أمانة غير أنه
يقول: إذا باعها سمينة ضمن السمن لأنه تعدى في الأمانة، كما لو باع الوديعة.
فإن غصب جارية فاتت بولد ملوك ونقصت قيمتها بالولادة، فعليه رد الولد
وأرش نقصها، وإن كان الولد قائما رده، وإن كان تالفا رد قيمته.
إذا غصب مملوكا أمرد فنبتت لحيته فنقص ثمنه أو جارية ناهدا فسقط
ثدياها، رجلا شابا فابيضت لحيته فعليه ما نقص في كل ذلك.
فإن غصب عبدا فرده وهو أعور فاختلفا فقال سيده: عور عندك، وقال
الغاصب: بل عندك، فالقول قول الغاصب لأنه غارم، فإن اختلفا في هذا والعبد
قد مات ودفن، فالقول قول سيده أنه ما كان أعور.
والفصل بينهما أنه إذا مات ودفن فالأصل السلامة حتى يعرف عيب، فكان
القول قول السيد وليس كذلك إذا كان حيا، لأن العور موجود مشاهد، فالظاهر
أنه لم يزل حتى يعلم حدوثه عند الغاصب.
فإن باع عبدا فوجد به عيب عند المشتري يحتمل حدوثه عنده ويحتمل
حدوثه حين العقد، واختلفا، فالقول قول البائع هاهنا، والفصل بينهما أن البائع
148

معه بقاء العقد على الصحة والسلامة، فكان القول قوله وليس كذلك في هذه
المسألة لأنهما اختلفا في الغصب فقال الغاصب: ما غصبت العين، والأصل معه
حتى يعلم غيره.
فإن غصب عبدا ومات العبد واختلفا فقال: رددته حيا ومات في يدك،
وقال المالك: بل مات في يدك أيها الغاصب، وأقام كل واحد منهما البينة بما
ادعاه، عمل بما نذكره في تقابل البينتين، فإن قلنا: إن البينتين إذا تقابلتا سقطتا،
وعدنا إلى الأصل وهو بقاء العبد عنده حتى يعلم رده، كان قويا.
إذا غصب ما له مثل كالأدهان والحبوب ونحوها، فجنى عليه جناية استقر
أرشها فعليه رد العين ناقصة وعليه أرش النقص لا غير، فإن غصب عبدا قيمته
ألف فزاد في يده فبلغ ألفين فقتله قاتل في يد الغاصب، فللسيد أن يرجع بالألفين
على من شاء منهما، فإن رجع على القاتل لم يرجع القاتل على الغاصب لأن
الضمان استقر عليه وإن رجع بذلك على الغاصب رجع الغاصب على القاتل
لأن الضمان استقر عليه.
فإن غصب حبا فزرعه، أو بيضة فأحضنها الدجاجة، فالزرع والفروخ
للغاصب وعليه قيمة الحب والبيض، لأن عين الغصب تالفة، وإذا تلفت عين
الغصب فلا يلزمه غير القيمة، وفي الناس من قال: هما للمغصوب منه، وإنما نما،
والأول أقوى.
فإن غصب عبدا فمات في يده فعليه قيمته قنا كان أو مدبرا أو أم ولد، سواء
مات بسبب أو مات حتف أنفه.
وإن غصب حرا صغيرا فتلف في يده فلا ضمان عليه، بسبب كان أو بغير
سبب إذا لم يكن السبب منه، مثل لسع حية أو لدع عقرب أو أكل سبع أو
وقوع حائط عليه.
149

تبصرة المتعلمين
الفصل العاشر: في الغصب:
وهو حرام عقلا، ويتحقق بالاستيلاء على مال الغير ظلما وإن كان عقارا،
ويضمن بالاستقلال.
ولو سكن الدار قهرا مع المالك ضمن النصف، ولو غصب حاملا ضمن
الحمل، ولو منع المالك من إمساك الدابة المرسلة أو من القعود على بساطه لم
يضمن، ولو غصب من الغاصب تخير المالك في الاستيفاء ممن شاء.
ولا يضمن الحر إلا أن يكون صغيرا، ولا أجرة الصانع لو منعه عنها، ولو
استعمله فعليه أجرة عمله، ولو أزال القيد عن العبد المجنون أو الفرس ضمن، ولو
فتح بابا فسرق غيره المتاع ضمن السارق، ويضمن الخمر والخنزير للذمي،
وبقيمتهما - عندهم - مع الاستتار، لا للمسلم.
ويجب رد المغصوب، فإن تعيب ضمن الأرش، فإن تعذر ضمن مثله، فإن
تعذر فقيمته يوم المطالبة، ولو لم يكن مثليا ضمنه بأعلى القيم من حين الغصب إلى
حين التلف على إشكال، ولو زاد للسوق لم يضمنه مع الرد، ولو زاد للصفة
ضمنها، ولو تجددت صفة لا قيمة لها لم يضمنها، ولو زادت القيمة لنقص بعضه
كالحب فعليه الأرش، ولو زادت العين بأثرها رجع الغاصب بها وعليه أرش
النقصان وليس له الرجوع بأرش نقصان عينه.
151

ولو غصب عبدا وجنى [عليه] بكمال قيمته رده مع الأرش على قول، ولو
امتزج المغصوب بمساويه أو بأجود رده، ولو كان بأدون ضمن المثل.
وفوائد المغصوب للمالك، ولو اشتراه جاهلا بالغصب رجع بالثمن على
الغاصب وبما غرم عوضا عما لا نفع في مقابلته أو كان على إشكال، ولو كان
عالما فلا رجوع بشئ.
ولو زرع المغصوب كان الزرع له وعليه الأجرة، والقول قول الغاصب في
القيمة، مع اليمين وتعذر البينة.
152

إرشاد الأذهان
المقصد العاشر: في الغصب:
وفيه مطلبان:
الأول: في أسباب الضمان:
وهي ثلاثة: مباشرة الإتلاف للعين، أو المنفعة كقتل الحيوان وسكنى الدار،
والتسبيب، وهو فعل ملزوم العلة: كحفر البئر في غير الملك، وطرح المعاثر في
المسالك، وإلقاء الصبي والحيوان العاجز عن الفرار في مسبعة، وفك قيد الدابة
والعبد والمجنون، وفتح قفص الطائر وإن تأخر طيرانه، ودلالة السراق، وإزالة
وكاء الظرف فيسيل إذا لم يحبسه غيره، أو يسيل ما ألان الأرض منه، أو بانقلابه
بالريح، أو بإذابة الشمس على إشكال، أو قبض المسوم، أو المبيع الفاسد، أو
استيفاء المنفعة بالإجارة الباطلة.
ولو غصب شاة فمات ولدها جوعا، أو حبس مالك الماشية عن الحفظ
فتلفت، أو غصب دابة فتبعها الولد ففي الضمان نظر.
ولو فتح بابا على مال فسرق، أو نقب، أو أزال قيدا عن عاقل، أو منع
المالك عن القعود على بساطه فتلف، أو منعه عن البيع فنقصت القيمة السوقية أو
تلفت عينه فلا ضمان.
ولو اتفق المباشر والمسبب فالضمان على المباشر، إلا مع الإكراه، فالضمان
153

على القاهر.
ولو أرسل في ملكه ماء أو أجج نارا فأغرق مال غيره أو أحرق، لم يضمن
إلا مع التجاوز عن قدر الحاجة اختيارا مع علمه أو ظنه بالتعدي.
والغصب هو الاستقلال بإثبات اليد من دون المالك في العقار وغيره، فلو
سكن الضعيف عن المقاومة مع غيبة المالك أو أسكن غيره فغاصب، ولو كان
المالك حاضرا فلا ضمان، ولو سكن مع المالك قهرا ضمن النصف، ولو مد
بمقود الدابة ضمن، إلا أن يكون المالك راكبا، إلا مع الإلجاء.
وغصب الحامل غصب الحمل، ولا يضمن الحر بالغصب وإن كان صغيرا،
ولو تلف الصغير بسبب كلدغ الحية ووقوع الحائط، قال الشيخ: يضمنه.
ولو استخدم الحر ضمن أجرته، ولا يضمن بدونه وإن كان صانعا، ولو
استأجره لعمل فاعتقله ففي ضمان الأجرة نظر، ولو غصب دابة أو عبدا ضمن
الأجرة وإن لم يستعملهما.
ولا يضمن الخمر لو غصبها من مسلم، ويضمن القيمة لو غصبها من الكافر
مستترا، وكذا الخنزير، ولو تعاقبت الأيدي الغاصبة تخير في التضمين.
المطلب الثاني: في الأحكام:
يجب رد العين وإن تعسر إلا مع التلف بالنزع، أو يخاط بالمغصوب جرح
ذي حرمة فيضمن القيمة، ولا يضمن تفاوت السوق مع الرد.
وإن تعيب ضمن الأرش، وإن كان غير مستقر تجدد ضمان المتجدد، وإن
تلف ضمن بالمثل في المثلي، ومع التعذر القيمة وقت الدفع، وفي غيره القيمة
عند التلف على رأي، والأعلى من حين الغصب إلى التلف على رأي.
ويضمن الأصل والصنعة وإن كان ربويا، ولو كانت محرمة لم يضمنها، وفي
أعضاء الدابة الأرش على رأي.
وبهيمة القاضي كغيره، ولو تلف العبد أو الأمة ضمن قيمتهما وإن تجاوزت
154

الدية على رأي.
ولو قتله أجنبي ضمن دية الحر مع التجاوز والزائد على الغاصب، ولو مثل
به لم يعتق على رأي، ومقدر الحر مقدر فيه وإلا الحكومة.
ولو استغرقت القيمة، قال الشيخ: دفع وأخذها أو أمسك مجانا، وفيه نظر.
ولو زادت قيمته بالخصاء وقطع الإصبع الزائدة ضمن المقطوع، ولا يملك
الغصب بتغير الصفة، ولا بصيرورة الحب زرعا والبيض فرخا.
ولو تعذر العين فدفع القيمة ملكها المالك، ولم يملك الغاصب الغصب
وعليه الأجرة إلى وقت أخذ البدل، فإن تمكن بعد ذلك من رد العين وجب دفعها
ويستعيد ما غرم.
ويضمن التالف من الخفين بقيمته مجتمعا ويرد الباقي وأرش نقص الانفراد،
ولو أخذ أحد الخفين ضمنه مجتمعا، ولو أطعمه المالك أو أباحه في ذبح الشاة
جاهلا لم يزل الضمان، ولو أطعمه غير المالك تخير، فإن رجع على الآكل
رجع الآكل على الغاصب مع الجهل، وإلا فلا، وإن رجع على الغاصب رجع
على الآكل العالم.
ولو أنزى فحلا مغصوبا فالولد لصاحب الأنثى وعليه أجرة الضراب وأرش
النقص، ويضمن الأجرة مدة بقائه إن كان ذا أجرة وإن لم ينتفع، والأرش إن
نقص، ولا يتداخلان وإن كان النقص بسبب الاستعمال، ويضمن نقص الزيت
والعصير على رأي لو غلاهما.
ولو زادت بفعل الغاصب أثرا تبعت، وإن نقصت ضمن، ولو صبغ فله قلع
صبغه ويضمن النقص، ولو امتنع ألزمه المالك، ولو اتفقا على التبقية وبيع
الثوب فللمالك قيمة ثوبه كملا، ولو مزجه بالمثل تشاركا، وكذا بالأجود على
رأي، وبالأردأ أو بغير الجنس يضمن المثل.
والنماء المتجدد مضمون كالأصل وإن كان منفعة، ولو سمن فزادت قيمته
ثم هزل فنقصت ضمن الغاصب، فإن عاد السمن والقيمة فلا ضمان، ولو عاد غير
155

السمن لم يجبر الهزال.
ولو علمه صنعة فزادت قيمته ثم نسيها ضمن النقص ولو زاد، ما لم يزد به
القيمة فلا شئ في تلفه.
وعليه عشر قيمة المملوكة البكر ونصف عشر الثيب إن وطأها جاهلة أو
مكرهة، ولو طاوعته عالمة فلا شئ على رأي إلا أرش البكارة، ومع جهلهما
بالتحريم يتحرر الولد وعليه قيمته يوم سقط حيا وأرش نقص الولادة والعقر، ولو
سقط ميتا فعليه الأرش وإن لم يكن بجنايته على رأي، ولو سقط بجناية أجنبي
ضمن الضارب دية جنين حر للغاصب، وضمن الغاصب للمالك دية جنين أمة،
ولو كانا عالمين بالتحريم حدا والولد رق للمولى، ولو سقط بجناية أجنبي فعليه
دية جنين أمة للمولى.
ولو صار العصير خمرا ثم خلا عاد ملك المالك وعلى الغاصب الأرش لو
نقص، ولو غصب أرضا فغرسها فالغرس له وعليه الأجرة والقلع وطم الحفر
وأرش النقص.
ولو جنى المغصوب فقتل ضمن الغاصب، ولو طلبت الدية ضمن الغاصب
الأقل من قيمته وأرش الجناية، ولو نقل المغصوب عن بلد الغصب أعاده.
والقول قول الغاصب مع يمينه في التلف، والقيمة على رأي، وعدم اشتماله
على صفة تزيد بها القيمة كتعليم الصنعة وثوب العبد وخاتمه، وقول المالك في
السلامة، وفي رد العبد بعد موته.
ولو باع حال الغصب ثم انتقل إليه، طالب المشتري وسمعت بينته إن لم
يضم وقت البيع ما يدل على التملك.
ولو أدخلت الدابة رأسها في قدر أو دخلت دار غير المالك ولم تخرج إلا
بالهدم أو الكسر، فإن فرط أحدهما ضمن وإن انتفى التفريط ضمن صاحب الدابة.
156

تلخيص المرام
كتاب الغصب
وهو التسلط على مال الغير عدوانا، وتحريمه عقلي وسمعي.
فمن أتلف مال غيره سواء كان عينا أو منفعة أو فعل ما يحصل به التلف،
كحفر البئر في غير ملكه أو أكره غيره على الإتلاف ضمن، ومع تعارض المباشر
والسبب، فالمباشر أولى، ولو سكن مع المالك ضمن نصف الدار على رأي، ولو
استقل مع الضعف عن المقاومة وحضور المالك قيل لا ضمان، ومع غيبته
يضمن، ولو منعه من إمساك دابته المرسلة أو حبس الصانع أو منعه عن العمل
مدة الإجارة أو قاد الدابة وصاحبها راكب أو غصب الحر وإن كان طفلا لم
يضمن، ولو استخدمه لزمه الأجرة وإن كان الخادم حرا، وكذا لو حبس الدابة،
ويضمن الخمر من الكافر بالقيمة عنده مع الاستتار، ولو أرسل ماء أو نارا فتأدى
إلى الجار لم يضمن، إلا أن يتجاوز قدر الحاجة اختيارا مع العلم بأن ذلك يوجب
الضرر، وقيل: لو أرسل بقدر الحاجة وهو يعلم أنه يصل إليه ضمن.
ويضمن لو ألقى شخصا في مسبعة مع الضعف عن الفرار، أو فك القيد عن
الدابة أو عن العبد المجنون، أو فتح قفص الطائر، أو أزال وكاء الظرف الحافظ
فسال، أو قبض للسوم أو بالبيع الفاسد.
ولو فتح الظرف فقلبته الريح أو أذابته الشمس، أو فتح الباب على المال
فسرق، أو أزال القيد عن العبد العاقل فلا ضمان، وقيل: لا يضمن ولد الشاة إذا
157

مات جوعا وحبسها الغاصب، أو حبس مالك الشاة عن حفظها فاتفق التلف، أو
غصب دابة فتبعها الولد، أو ركب دابة غيره ولم ينقلها من موضعها.
ويجب رد المغصوب، ومع التلف المثل، ومع تعذره قيمته يوم الإقباض،
فإن كان ذهبا أو فضة وتعذر المثل فبنقد البلد، إن كان مخالفا، وإن كان موافقا
في الجنس واتفق المضمون والنقد وزنا صح، وإلا ضمن بغير الجنس، فإن لم
يكن مثليا فالقيمة العليا من الغصب إلى التلف.
ولو مزج حنطة بشعير مغصوب كلف التمييز، ولو استدخل الخشبة في
البناء أو في السفينة كلف التخليص إلا أن يخاف الغرق فيصبر أو يأخذ القيمة
على رأي، سواء كان فيها متاع أو لم يكن وسواء كان فيها حيوان أولا.
وتنتزع الخيوط المغصوبة إذا أمكن مع الأرش، إلا من جرح حيوان له
حرمة يخاف عليه الشين، ولو نقص بالعيب فعليه الأرش، ولو كان عيبا لا يستقر
رده مع الأرش، ويضمن المتجدد أيضا، ولو اشتمل المغصوب على الصفة ذات
القيمة ضمنها أيضا، وإن كان ربويا، وكذا المنافع كسكنى الدار والحمل، وفي
أعضاء الدابة الأرش، ولو تجاوزت قيمة العبد المقتول أو الميت في يده غصبا دية
الحر، وجب الزائد على رأي، ولا يضمن الجاني الزائد.
ولو جنى الغاصب بما فيه القيمة أداها ولا يأخذه، وغيره يؤدي ويأخذ، ولو
زادت القيمة بالجناية كالخصاء رده مع دية الخصيتين، وقيل: لو مثل به
الغاصب عتق وعليه القيمة، ولو جنى بما فيه مقدر في الحر فبحسابه في العبد من
القيمة على رأي، وما ليس فيه مقدر فالحكومة، والمدبر والمكاتب وأم الولد
كالقن.
ولو دفع القيمة ملكها المغصوب منه ولا يملك الغاصب المغصوب وعليه
الأجرة إن كان ذا أجرة من حين الغصب إلى وقت دفع البدل على رأي، ولو
تمكن من الرد وجب، واستعاد القيمة، ولو غصب الخفين وتلف أحدهما ضمنه
مجتمعا وأرش الآخر، أما لو غصب أحدهما ضمنه مجتمعا دون أرش الآخر.
158

والمغضوب باق على ملك المالك وإن خرج عن الصفة، ولو أطعمه
المالك مع الجهل ضمنه، ولو كان الآخر تخير، ومع الرجوع على الآكل
يرجع الآكل على الغاصب، ويتخير مع تعاقب الأيدي الغاصبة في الجمع
والتفريق على من شاء.
ولو غصب فحلا فأنزاه على الأنثى، فالولد لصاحبها وعليه أجرته والأرش،
ولو غصب شاة فأنزاها فحله فكذلك، ولو أنزى المغصوب على شاته فالولد له
وعليه أجرة الفحل، ولو غصب ماله أجرة فنقص ضمنها.
ولو أغلى الزيت أو العصير فنقص ضمن على رأي، في العصير، ولو زادت
العين بالأثر الصادر من الغاصب تبع الأصل، ولو كانت الزيادة عينا فهي
للغاصب، وله إزالة الصبغ من الثوب وعليه الأرش، ولو اتفقا على التبقية اشتركا
وضمن الغاصب ما ينقص عن قيمة الثوب، ولا يضمن المغصوب ما نقص عن قيمة
الصبغ، ولو مزج المغصوب بالمثل فهو شريك.
ولو زادت القيمة لا بفعله كالسمن، وتعلم الصنعة من غيره ضمنها إذا زالت،
فلو حصل ما يجبر نقصان الصفة، فإن كان هو الصفة الأولى فلا يضمن الصفة، وإن
كان غيرها ردها بالزائدة ورجع عليه بالتالفة.
ولا يضمن تفاوت القيمة السوقية مع بقاء العين ولا السمن المفرط إذا لم تزد
به القيمة.
ولو غصب العصير فانقلب خلا بعد انقلابه خمرا فهو للمالك ويضمن
ما نقص عن قيمته عصيرا، ولو غلاه فنقص وزادت قيمته بقدره ضمن النقصان.
ولو اشترى الغصب عالما ضمن ولا يرجع على الغاصب إن رجع عليه
المالك، ويرجع عليه الغاصب إن رجع عليه، وإن كان جاهلا رجع بالعين
ويضمن للمالك المثل أو القيمة، ولا يرجع على الغاصب بالتفاوت وللمالك
مطالبة الغاصب فيرجع عليه به، ويرجع على الغاصب بالغرامة التي ليس في
مقابلتها نفع، كالبناء.
159

ولو أولدها مع الجهل فهو حر، ويغرم للمالك ويرجع، وما حصل في
مقابلته نفع رجع به أيضا، على رأي، ولو وطئ المغصوبة جاهلين بالتحريم،
فالعشر مع البكارة، ونصفه مع عدمها وقيل: مهر أمثالها، وعليه قيمة الولد يوم
السقوط وأرش ما نقص بالولادة، وقيل: لا يضمنه لو سقط ميتا، ولو سقط بضرب
أجنبي ضمن للغاصب دية جنين حر وضمن الغاصب للمالك دية جنين أمة، ولو
افتضها بإصبعه لزمه دية البكارة، ولو وطئها بعد ذلك لزمه الأمران.
ولو كانا عالمين فللمولى المهر مع الإكراه وعليه الحد، ومع المطاوعة
لا مهر، وقيل: عليه عوض الوطء للمالك وعليه أرش البكارة والولد رق.
ولو كان الواطئ عالما وهي جاهلة، لم يلحق به الولد ووجب الحد والمهر،
ولو كان بالعكس لحق به الولد وسقط الحد عنه، والمهر على الخلاف.
ولو زرع الحب أو استفرخ البيض، فهو للمالك، ولو غصب الأرض
فغرس وزرع، فعليه الأرش، والطم والغرس والزرع له، ولو حفر بئرا لم يكن له
طمها مع كراهية المالك، ولو تعذر إخراج الدابة، فإن كان حصولها بسبب
صاحب الدار، هدمت ولا ضمان، وإلا ضمن، ولو أدخلت رأسها في قدر ويد
مالك الدابة عليها أو فرط في حفظها، ضمن، وإن لم تكن يده عليها وفرط
صاحب القدر بجعلها في الطريق مثلا، فلا ضمان، وإن لم يفرط أحدهما ضمن
صاحب الدابة، وقيل: لو خيف من وقوع الحائط جاز أن يسند بجذع الغير من
غير إذنه.
ولو باع الغاصب ثم انتقل إليه فقال للمشتري: بعتك مالا أملك، قيل:
تسمع بينته إن لم يضم إلى البيع ما يعطي الملكية، ولا تسمع إن ضم، ولو جنى
المغصوب فقتل أو اقتص منه، فعلى الغاصب القيمة ولو ألزم بالدية، ألزم
الغاصب بالأقل من أرش الجناية والقيمة، والقول قول المالك في القيمة على
رأي، وكذا لو ادعى الغاصب العيب أو ادعى رد العبد قبل الموت، وقول
الغاصب في التلف، وكذا لو ادعى المغصوب منه زيادة صفة أو ادعى ما على
160

العبد الذي في يد الغاصب من ثوب وشبهه، وقيل: لو ادعى الغاصب كون
العيب قبل الغصب مع وجود العين، فالقول قوله، ومع عدمها على ما مضى.
ويجب على الغاصب نقل الغصب إلى بلد الغصبية، إلا أن يرضى المالك،
ولو طلب الأجرة على النقل لم يجب على الغاصب، ومالا مؤونة في نقله أخذه أين
وجده وإن اختلف الصرف، وذو المؤونة والمثل إذا اتحدت قيمته في البلدين
يأخذ مثله، فإن تعذر فقيمته، ولو اختلف فقيمته في موضع الغصب، ومالا مثل له
فقيمته فيه أيضا، أو يترك ليستوفى فيه، وكذا القرض.
ولو أكلت الشاة ثمنها المعين قبل القبض ولا يد عليها بطل البيع ولا ضمان،
ولو كان يد البائع عليها صح البيع ولا ضمان، ولو كان بعد القبض ولا يد عليها
فلا ضمان، وإن كان يد البائع عليها ضمنه، وإن كان في الذمة فالعقد بحاله
وعلى البائع الضمان إن كانت في يده وإلا فلا.
ولو أكلت بهيمة الغير ماله وكان يتلف به ويده عليها ضمنه بالمثل أو القيمة،
وإن كان لا يتلف كالذهب والحيوان غير المأكول ضمنه ولم تذبح، وإن كان
مأكولا ففي الذبح إشكال.
ولو صدق البائع مدعي الغصبية في زمن الخيار فسخ، ولو كان بعده لم
يقبل، فإن كان قبض الثمن لم يرجع عليه، وإن لم يقبض لم يطالب، ولو صدق
المشتري رد ولا يرجع على البائع، ولو صدقه المتبايعان والعبد بعد العتق قيل:
لا يقبل، ولو مات فالتركة للمدعي.
161

الدروس الشرعية
كتاب الغصب
وتحريمه عقلي وإجماعي وكتابي وسني.
قال الله تعالى: " ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل "، " ويل للمطففين "، " إن
الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما ".
وقال النبي صلى الله عليه وآله: إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام، لا يحل
دم امرئ مسلم ولا ماله إلا بطيب نفسه، ولا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب
نفس، لا يأخذن أحدكم متاع أخيه جادا ولا لاعبا.
وهو الاستقلال بإثبات يد الغاصب على مال الغير عدوانا، فلا يكفي رفع يد
المالك من دون إثبات يد الغاصب، فلو منعه من القعود على بساطه أو من
إمساك دابته المرسلة فاتفق التلف فلا ضمان، وللفاضل وجه بالضمان وإن لم
يسم غصبا، أما لو منعه من بيع متاعه في السوق فنقصت قيمته لم يضمن قطعا،
ولو سكن مع مالك الدار قهرا فهو غاصب للنصف عينا وقيمة لاستقلاله عليه
بخلاف النصف الذي بيد المالك، ولو مد بمقود الدابة وصاحبها راكبها فلا
استقلال إلا مع ضعفه عن المقاومة.
ويتحقق غصب العقار برفع يد المالك وإثبات يده، وكذا لو أثبت يده عليه
في غيبة المالك، ولو أسكن غيره فيه جاهلا فالآمر غاصب لأن يد المأمور كيده،
والساكن ليس بغاصب وإن ضمن المنفعة، وكذا لو سكن في دار غيره غلطا أو
163

لبس ثوبه خطأ فإنه يضمن وإن لم يكن غاصبا، ولو فسر الغصب بأنه الاستيلاء
على مال الغير بغير حق، لكانا غاصبين، ولو سكن الضعيف مع المالك القوي
فهو ضامن للمنفعة، وفي كونه غاصبا الوجهان، وكذا لو رفع متاعا بين يدي
المالك ككتاب، فإن قصد الغصب فهو غاصب، وإن قصد النظر إليه ففي كونه
غاصبا الوجهان.
وقولنا مال ليخرج به ما ليس بمال، كالحر فإنه لا تتحقق فيه الغصبية، فلا
يضمن إلا أن يكون صغيرا أو مجنونا فيتلف بسبب كلدغ الحية ووقوع الحائط،
فإنه يضمن في أحد قولي الشيخ، وهو قوي، ولو أثبت يده على مسجد أو رباط أو
مدرسة على وجه التغليب ومنع المستحق، فالظاهر ضمان العين والمنفعة لتنزله
منزلة المال.
والمنفعة مال، فلو أجره داره ثم استولى عليها كان غاصبا للمنفعة، وتخرج
منفعة البضع سواء كان لحرة أو مملوكة فإنه لا يضمن بغير التفويت، إلا في مثل
الرضاع والشهادة بالطلاق على وجه سلف.
وإضافة المال إلى الغير ليخرج به مال نفسه، فإنه لو أثبت يده على مال
نفسه عدوانا كالمرهون في يد المرتهن فليس بغاصب، إلا أن ينزل استحقاق
المرتهن منزلة المال، مع أنه لو تلف بعد التعدي ضمن قيمته أو مثله ويكون رهنا،
والتقييد بالعدوان ليخرج به إثبات المرتهن والولي والوكيل والمستأجر وشبهه
أيديهم على مال الراهن والموكل والمولى عليه والمؤجر.
ثم أسباب الضمان غير منحصرة في الغصب، فإن المباشرة توجب الضمان،
وهي إيجاد علة التلف كالأكل والإحراق والقتل والإتلاف، وكذلك السبب
وهو فعل ملزوم العلة كحفر البئر.
ولو اجتمع المباشر والسبب فالحوالة على المباشر إلا مع ضعفه بالإكراه أو
الغرور، كمن قدم طعاما إلى المغرور فأكله فقرار الضمان على الغار، فإن ضمن
المباشر رجع عليه.
164

ويضمن لو فتح رأس زق فسال ما فيه بنفسه أو بانقلابه أو تقاطره فيبتل
أسفله، أو بإذابة الشمس، أو انقلابه بالريح على الأقوى، أو فك قيد الدابة أو العبد
المجنون، أو فتح قفص الطائر، أو حل دابة فذهبا في الحال أو بعد مكث، أو
قبض بالبيع الفاسد وشبهه، أو استوفى منفعة الإجارة الفاسدة، أو حفر بئرا في غير
ملكه، أو طرح المعاثر في الطرق، أو تجاوز قدر الحاجة من الماء أو النار، أو علم
التعدي إلى مال الغير، أو غصب دابة فتبعها الولد على الأصح، أو أخذ زوجي
خف فنقصت قيمة الباقي على الأقوى، أو أطعم المالك طعامه من غير شعوره، أو
أودعه دابته المغصوبة، أو أعاده إياها ولا يعلم فتلفت في يده، أو أمر المالك بذبح
شاته فذبحها جاهلا.
ولو فتح مراحا للغنم فخرجت فأفسدت زرعا فضمان الزرع على فاتح
المراح بلا خلاف، ولو فتح بابا على عبد محبوس مجنون فذهب في الحال
ضمنه عند الشيخ، ونقل عن كل العامة عدم الضمان، ولا فرق بين كونه عاقلا أو
مجنونا آبقا أو غيره بالغا أو صبيا، ولا يضمن لو فتح بابا على مال فسرق أو دل
سارقا على مال على الأقوى، إلا أن يكون تحت يد الدال.
وتعاقب الأيدي العادية على العين توجب تضمين كل واحد منهم، وقرار
الضمان على من تلفت في يده فيرجع غيره عليه لو رجع، ولو كان بينهم يد غير
عادية فقرار الضمان على العاد، وللمالك إلزام الجميع ببدل واحد.
وغصب الحامل غصب الحمل، أما حمل المبيع فاسدا أو المستام فلا ضمان
فيه، وقال الفاضل: يضمن الحمل في البيع الفاسد، ولعله أراد مع اشتراط
دخوله.
ويضمن الخمر والخنزير لو غصب من ذمي مستتر وإن كان الغاصب مسلما،
ولا شئ على الغاصب منه لو كان متظاهرا، وإن كان كافرا فيجب الرد على
المستتر، ولو تلفت فالقيمة وإن كان المتلف ذميا على قول الشيخ، وقال القاضي:
يضمن بالمثل.
165

ولو غصب الخمر من مسلم فلا ضمان، ولو كانت محترمة حرم غصبها، فلو
تخللت في يد الغاصب فهي للمغصوب منه، وقال ابن الجنيد: يضمن الخمر
المغصوبة من المسلم بمثلها خلا وأطلق، وهو بعيد، ويتحقق غصب الكلب إذا
كان أحد الأربعة فيضمن عينه ومنفعته.
ولو جحد المعار العارية أو الودعي الوديعة أو تعدى فهو غاصب، وكذا
كل أمين لأنه أثبت يدا لنفسه وقد كانت نائبة عن الغير، ولو خيف سقوط الحائط
جاز أن يسند بجذع الغير، ونقل الشيخ فيه الإجماع، وحينئذ الأقرب ضمان
عينه وأجرته وإن انتفى الإثم.
درس [1]
يجب رد المغصوب إلى مالكه إجماعا، لقوله صلى الله عليه وآله: على اليد ما
أخذت حتى تؤديه، وإن تعذر كالساجة في البناء واللوح في السفينة وإن أدى إلى
خراب ملكه لأن البناء على المغصوب لا حرمة له، ويضمن أرش نقصانهما
وأجرتهما، ولو علم نقصهما وأنه لا ينتفع بإخراجهما ضمنهما الغاصب بقيمتهما،
ولو خيف غرق الغاصب أو حيوان محترم أو مال لغير الغاصب لو ينزع اللوح،
ولو كان المال للغاصب أو خشي غرق السفينة فالأقرب النزع، وقال الشيخ:
يؤخر إلى الساحل فيطالب بالقيمة إلى أن يسلم العين.
ولو خاط بالخيوط المغصوبة جرح حيوان له حرمة ضمنها ولم ينتزع إلا
مع الأمن من التلف والشين، ولو مات الحيوان قيل: لا ينزع للنهي عن المثلة، ولو
أدخلت دابة رأسها في قدر واحتيج إلى كسرها ضمن مالكها إن فرط أو لم يفرط
أحدهما، وإن فرط صاحب القدر فهي هدر، ولو كان كسرها أكثر ضررا من قيمة
الدابة أو أرشها احتمل أن تذبح الدابة، أما لو أدخل دينارا في محبرته وكانت
قيمتها أكثر منه ولم يمكن كسره لم تكسر المحبرة وضمن صاحبها الدينار مع
عدم تفريط مالكه.
166

ولو دخلت زهرة اليقطين في إناء الغير فعظمت اعتبر التفريط، ومع انتفائه
يتلف أقلهما قيمة ويضمن صاحب الآخر، وإن تساويا فالأقرب أن الحاكم
يجبرهما، فإن تمانعا فالقرعة.
ولو خلط المغصوب بغيره كلف التمييز إن أمكن وإلا قسم إن كان مال
الغاصب أجود أو مساويا، وأن كان أردأ ضمن المثل، وفي المبسوط: لو خلطه
بالأجود ضمن المثل، وقال ابن إدريس: يضمن المثل وإن خلطه بالمساوي
لاستهلاكه، هذا إذا خلطه بجنسه، ولو خلطه بغيره ضمن المثل أو القيمة كالزيت
بالسمن.
ويكلف فصل الصبغ إن قبل الزوال سواء غصبه أو غصب الثوب، ويضمن
أرش المغصوب إن نقص، ولا يجب قبول القيمة على أحدهما ولا قبول الهبة، ولو
ارتفعت قيمة الصبغ أو الثوب أو قيمتهما وتعذر الفصل بيعا وكان لكل ما قابل
ماله، وقال الفاضل: لصاحب الثوب المغصوب تمليك الصبغ بالقيمة، ولو تعذر
فصله أو كان يهلك بالفصل، ولو طلب الغاصب قلع صبغه، أجيب عند الشيخ
وضمن الأرش، وقال ابن الجنيد والفاضل: لا يجب إجابته لاستهلاكه واستلزام
التصرف في مال الغير.
ولا يملك الغاصب العين بتغير صفاتها، كطحن الحنطة وقصارة الثوب، ولا
باستحالتها كالبيضة تفرخ والحبة تصير شجرة على الأقوى، وللشيخ قول في
الكتابين: أن الزرع والفرخ للغاصب، وهو محجوج بفتواه وبخلافه وفتوى من
سبقه.
ولو صاع الجوهر حليا رده كذلك وضمن الأرش إن نقص، ولو كسره
ضمن أرش الصحيح وإن كان بفعله، وكذا لو علم العبد صنعة أو علما ثم نسيه
ضمن الغاصب.
ويكلف نقل المغصوب إلى بلد المالك وإن تضاعفت أجرته، ورد ما أخذه
السيل من الأرض المغصوبة، وإن شق رده مع إمكانه، ولو تلف التراب ضمنه
167

بمثله منقولا إليها، ولو رضي المالك ببقاء التراب المنتقل في مكانه فليس
للغاصب رده إلى موضعه إلا أن يشغل ملكه أو الشارع أو يخاف تلف شئ به،
ولو كان بقربه مباح يساوي ملك المالك في القرب، فالأقرب أنه لا ينقله إلى
ملك المالك لحصول الغرض به.
ولو حفر فيها بئرا فله طمها حذرا من الضمان بالتردي، ولو نهاه المالك لم
يطم ولا ضمان عليه، وقال الشيخ: يضمن ما لم يبرئه المالك وعليه طم الحفر بعد
قلع غرسه وأرش الأرض إن نقصت.
ولو أغلى الزيت ضمن الناقص بالمثل، وكذا لو جبن اللبن أو اتخذ منه سمنا
أو زبدا، ولو اتخذ من العصير طلاء أو من العنب زبيبا فهما للمالك، ويضمن
المثل في العصير والأرش في الزيت إن نقص، ولو صار العصير خمرا ضمن
المثل، والأقرب وجوب دفع الخمر أيضا، فإن عاد خلا ترادا ويضمن أرش
النقص، ولو تجددت فيه صفة ونقص أخرى لم يجبر بها، ولو عادت الناقصة
جبر.
ولو تعيب غير مستقر كتعفن الحنطة أو طبخها ردت العين وأرشها، ويتجدد
ضمان ما يأتي من العيب إذا لم يمكن إصلاحه ولا التصرف فيه، ولو أمكنا
فالأقرب انتفاء الضمان لاستناده إلى تفريط المالك، وقال الشيخ: متى لم يستقر
العيب فهو كالمستهلك.
وكل موضع يتعذر رد العين وهي باقية يجب دفع بدلها إلى المالك ملكا
لا عوض له، فالنماء المنفصل له، ولو عادت العين ترادا وجوبا مع التماس
أحدهما، ولو تراضيا بالمعاوضة جاز.
وعلى الغاصب الأجرة في كل ما له أجرة انتفع به أو لا، ولو استعمله بما له
أجرة زائدة عن أجرة المثل المطلقة لزمه الزائد، ولو كان العبد يحسن صناعات
ضمن أعلاها.
ولو حبس حرا بعد استئجاره استقرت عليه الأجرة وقبله لا أجرة له، ولا
168

فرق بين استئجاره مدة معينة أو على عمل الأقرب، وفي ضمان أجرة العين
مع دفع البدل وجهان، ولو نقصت قيمة العين للسوق فردها بعينها فلا ضمان لأنه
غير مستقر.
والفائت الرغبات وهي غير متقومة ولا معدودة من صفات العين، فالواجب
رد العين على صفاتها، ولو تلفت فعليه ضمان المثلي وهو المتساوي الأجزاء
والمنفعة، والمتقارب الصفات بمثله، لقوله تعالى: " بمثل ما اعتدى عليكم "، فإن
تعذر فقيمته يوم الإقباض سواء تراخي تسليم المثل عن تلف العين أم لا، وسواء
حكم حاكم بقيمته أم لا.
ولا يحكم بقيمته يوم الإعواز، ولا ترد القيمة لو قدر على المثل بعدها، ولو
خرج المثلي عن القيمة باختلاف الزمان والمكان كالماء والجمد احتمل قويا قيمة
المثل مشخصا بحالة الغصب، ولو تعذر المثل إلا بأضعاف قيمته كلف الشراء
على الأقرب، والفاكهة الرطبة كالعنب والتفاح والرطب قيمته عند الشيخ، ولو
كان من ذوات القيم فعليه قيمته يوم التلف على قول الأكثر، والأعلى من حين
القبض إلى حين التلف أنسب لعقوبة الغاصب.
وأما زيادة القيمة بعد التلف، فإن قلنا بضمان القيمي بمثله فهي مضمونة،
وإليها جنح المحقق، وإن قلنا بالقيمة فلا، وهو المشهور.
ولو ظفر المالك بالغاصب في غير بلد الغصب فله المطالبة بالمثل أو القيمة
ولو كان في نقله مؤونة أو كانت القيمة أزيد، وفي المبسوط: إذا اختلفت القيمة
فللمالك، قيمته في بلد الغصب أو يصبر حتى يصل إليه.
درس [2]
لو كان المغصوب عبدا أو أمة وجنى عليه عبد الغاصب ضمن أكثر الأمرين
من المقدر الشرعي والسوقي على قول قوي، ولو مات لزمه قيمته وإن تجاوزت
دية الحر عند المتأخرين، خلافا للشيخ مدعيا الإجماع، فلا يجب تسليمه لو جني
169

عليه بما فيه قيمته بخلاف الجاني غير الغاصب، والشيخ سوى بينهما في
الإمساك أو تمام القيمة، مع أنه قال: لو خصي العبد رده وقيمة الخصيتين لأنه
ضمان مقدر، وقيل: يجب المقدر الشرعي لا غير ولا فرق بين كون الجاني
الغاصب أو غيره، نعم ليس على الجاني سوى الشرعي.
ولو جنى العبد فعلى الغاصب ضمان الفائت بالجناية، ولو طلب المجني عليه
الفداء وجب على الغاصب الفداء بأقل الأمرين من الأرش والقيمة، ولو مثل به
عتق عند الشيخ، ولو أقعد أو أعمي عتق وضمن الغاصب.
ولو وطئ الأمة وهي جاهلة أو أكرهها حد وعليه المهر، خلافا للخلاف في
المكره وهو العشر أو نصفه على تقديري البكارة والثيوبة، وقيل: مهر المثل،
واختاره ابن إدريس، وقصر العشر في من اشترى جارية فتظهر حاملا بعد وطئها،
ويتعدد المهر بتعدد الإكراه وكذا بتعدد الشبهة، ولو تعددت الشبهة فواحد، ولو
كانت بكرا فعليه مع المهر أرش البكارة إن قلنا بمهر المثل، وإن قلنا بالعشر
فالظاهر التداخل.
ولو طاوعته عالمة قيل بسقوط المهر للنهي عن مهر البغي، ويحتمل ثبوته لأن
السقوط في الحرة مستند إلى رضاها، ورضا الأمة لا يؤثر في حق السيد، وولده
رق إلا إن يجهل التحريم أو يكون هناك شبهة فهو حر وعليه قيمته يوم سقط حيا،
فلو سقط ميتا فلا شئ إلا أن يكون بجناية.
ولو اشترى من الغاصب فللمالك الرجوع عليه بالدرك عينا وبدلا وأجرة
وبضعا وولدا، ويستقر الضمان عليه مع علمه وإلا فعلى الغاصب، ولا فرق بين أن
يستوف المشتري المنافع أو لا، ولا بين ما حصل له منه نفع وبين غيره على
الأقرب لغروره، وللمالك الرجوع على الغاصب بذلك إلا المهر فإن فيه وجهين
من حيث أن منافع البضع لا تضمن باليد ولم يوجد فيه تفويت، ومن أنها منفعة
عين مضمونة.
ولو تزوج من الغاصب جاهلا فللمالك الرجوع على الواطئ بالعقر وأجرة
170

الخدمة، ولا يرجع على الغاصب بالأجرة لأن التزويج لا يتضمن إباحة الخدمة،
نعم يرجع بما اغترمه ما لم يستوفه من المنافع، وهل يرجع المشتري بالعقر على
الغاصب؟ فيه وجهان، كرجوع المشتري الجاهل بقيمة العين على الغاصب.
والذهب والفضة يضمنان بالمثل سواء كان تبرأ أو مضروبا، إذا لم يكن
فيهما صنعة أو كانت محرمة، ولو كانت محللة وزادت بها القيمة ففيه ثلاثة أوجه:
الأول: ضمان النقرة بالمثل والصنعة بالقيمة ولا ربا لتغايرهما، ولهذا يضمن
لو أزيلت مع بقاء الأصل، ويصح الاستئجار عليها ويشكل لعموم الربا.
الثاني: ضمانها بالقيمة بغير الجنس ليسلم من الربا.
الثالث: ضمانها بمثلها مصنوعة إن أمكنت المماثلة، كالنقدين.
وقال الشيخ: يضمن الجوهران بنقد البلد، فإن اختلف المضمون والنقد أو
اتفقا وتساويا في الوزن والقيمة فلا بحث، وإن اختلفا قوم بنقد آخر.
ولو أتلف المنسوج من الحرير وشبهه قيل: يضمن الأصل بمثله والصنعة
بقيمتها، والظاهر أنه يصير من ذوات القيم فيضمنه بالقيمة.
ولو غصب فحلا فأنزاه فالولد لصاحب الأنثى وعليه الأجرة على الأقوى
وأرش نقصه، وفي المبسوط: لا أجرة، لنهي النبي صلى الله عليه وآله عن كسب
الفحل.
ولو اختلفا في تلف المغصوب أو قيمته على الأقرب ما لم يدع ما يكذبه فيه
الحس، أو فيما عليه من الثياب والآلات، أو في صفة كمال في العين كالصنعة، أو
في تخلل الخمر عند الغاصب، أو في تجدد صفة كمال بفعله أو بفعل غيره، حلف
الغاصب.
ولو اختلفا في رده أو في موته قبل الرد أو بعده، أو في رد بدله مثلا أو قيمته،
حلف المالك، ولو أقاما بينتين تساقطتا ويحلف المالك، وفي الخلاف: يجوز
العمل بالقرعة لتكافؤ الدعوتين، وهو حسن بل واجب، وقال ابن إدريس: البينة
للغاصب لأنها تشهد بما يخفى.
171

ولو اختلفا في تقديم العيب حلف الغاصب عليه لأنه غارم، قاله الشيخ وابن
إدريس، ولو قيل: يحلف المالك لأن الأصل السلامة وعدم التقدم كالبيع كان
وجها.
ولو اختلفا في العيب بعد موته أو انقطاع خبره حلف المالك عند الشيخ،
والغاصب عند ابن إدريس، والأول أصح.
ولو ادعى بعد البيع أنه كان غاصبا وأن العين انتقلت إليه الآن، سمعت بينته
إذا لم يتقدم منه دعوى الملكية.
وفي الجناية على الدابة الأرش، وفي الخلاف: في عينها نصف القيمة وفيهما
القيمة، وكذا كل ما فيه اثنان للرواية والإجماع، ويمكن هنا وجوب أكثر الأمرين
في العين وما فيه النصف، ومركوب القاضي كغيره وإن صيره أبتر لعدم النظر
إلى خصوصية المنتفع، وكذا لو أتلف وثيقة بمال أو حقا لا يصلح إلا لواحد.
ولو غصب ما ينقصه التفريق فتلف أحدهما ضمن قيمته ونقص الآخر، ولو
زرع الأرض فالزرع له وعليه الأجرة، وقال ابن الجنيد: يدفع إليه المالك نفقته
على الزرع والبناء وهو له، ورواه عن النبي صلى الله عليه وآله، ورواه الشيخ
أيضا في بعض أماليه.
ولو نقصت الأرض بترك الزرع - كأرض البصرة - ضمن، ولو زرع
ضمن الأجرة، ولو استعمل الثوب فنقصت عينه اجتمع عليه الأجرة والأرش على
الأقرب، ويحتمل ضمان أكثر الأمرين لأنهما وجبا بسبب واحد، كما لو اكترى
ثوبا ليلبسه فنقص باللبس.
ولو غصب طفلا فكبر أو شابا فشاخ أو جارية ناهدا فسقط ثدياها ضمن
الأرش إن حصل نقص وإن كان من ضرورات البقاء، كما إنه يضمنه لو مات
وإن كان متحقق الوقوع، ولا يضمن من الصفات مالا تزيد به القيمة كالسمن
المفرط.
172

المسائل لابن طي
المقصد السابع: في الغصب:
وفيه مسائل:
مسألة [1]: لو أتلف عليه ماء في مفازة أو جمدا لزمه قيمته، قال: قيمة مثله.
مسألة [2]: من غصب ماء وجبل به طينا مباحا وطين به مكانا له وجف،
فهل تصح صلاته على ذلك الطين أم لا؟ قال: إذا ذهبت الأجزاء المائية منه
صحت صلاته.
مسألة [3]: إذا هدم من حائط غيره حجرا يلزمه بناءه أم لا؟
الجواب: لا يبرأ إلا أن يبرئه المالك أو يصلحه كما كان فيبرأ.
مسألة [4]: لو اغتاب إنسان غيره، فإن بلغته فلا يبرأ إلا بهبته، وإن لم تبلغه
فله إسقاطه بالاستغفار للمغتاب.
مسألة [5]: إذا كان للبلد مرافق كمصنع ماء وكلأ وعلم الذي في البلد من
غير أهله الكراهية منهم، هل يجوز له؟
الجواب: يجوز التصرف فيما لا يضر المالك ما لم يعلم الكراهية عملا بشاهد
173

الحال.
مسألة [6]: لو غرس في ملك غيره عدوانا فله إزالته من غير ضمان لقوله
عليه السلام: ليس لعرق ظالم حق.
مسألة [7]: لا يضمن صاحب الدواب السائبة في المباح ما تجنيه نهارا
ويضمن ما تجنيه ليلا، قال: الأولى اعتبار التفريط وعدمه.
مسألة [8]: لو دخل دار إنسان أو زرعه حيوان للغير ثم طرده لم يضمن، وإن
طرده من زرع الغير ضمن.
مسألة [9]: لو أطارت الريح ثوبا إلى دار الإنسان لا يجب عليه حفظه إلا مع
التصرف ويجب عليه الإعلام.
مسألة [10]: لو هجمت دابة إنسان على دابة أخرى ولم ترجع عنها إلا
بالضرب جاز له ضربها ولم يضمن.
مسألة [11]: إذا وضع الغاصب العين المغصوبة على ثوبي ورميتها لم
أضمنها، ولو لم يكن الواضع غاصبا لها لم أضمن برميها أيضا.
مسألة [12]: قوله: لو زرعت الدرب ولم تميز مكانها جاز أن يدخل من
حيث شاء، لأن الزارع أدخل الضرر على نفسه.
مسألة [13]: لا يجوز أخذ ما أخذه المسلم مطلقا وافق في الاعتقاد أو لا -
174

من المباحات سواء اختص بها الإمام أو لا، ولو أخذ كان غاصبا، فإن كان من
حرز قطع، وإن كان من غير حرز عزر ويجب رده إلى مالكه، فلو ترك الرد مع
قدرته عليه بطلت صلاته الموسعة.
مسألة [14]: إذا تبع الدابة ولدها لا يضمن جنايته إذا لم يتمكن من حفظه.
مسألة [15]: لو أن إنسانا بنى في أرض غير قريته في الأرض المباحة مسجدا
وهو لا يعرف أنهم يكرهوا لكن يظن عدم كراهيتهم، هل يجوز أم لا؟ قال: يجوز
إذا كانت مباحة.
مسألة [16]: لو قطع إنسان من زرع غيره غصنا أو أكثر صار مشغول
الذمة.
مسألة [17]: لو تصرف الإنسان في طفل ضمن ما عليه حتى يسلمه إلى وليه
أو أمه.
مسألة [18]: لو غصب دابة فتبعها ولدها ضمنه.
مسألة [19]: الذمي إذا غصب من ذمي خمرا ضمنها بالقيمة.
مسألة [20]: قال: ويحرم على الغاصب كل تصرف سوى الرد، فلو وطئ
الجارية جاهلين بالتحريم فعليه مهر أمثالها أو عشر قيمتها مع البكارة ونصفه لا
معها، قال: أكثر الأمرين قوي.
175

مسألة [21]: قال: لو وهبه الغاصب من آخر فرجع المالك عليه احتمل
رجوعه على الغاصب وعدمه، نعم يرجع عليه مع التلف وعدم علمه.
مسألة [22]: يتحقق غصب المنفعة منفردة عن العين كما إذا تصرف
المستودع في العين أو غصب المالك العين التي آجرها.
مسألة [23]: لو نقل صبيا إلى مسبعة فافترسه، ففي الضمان إشكال، نعم
يقوى الضمان.
مسألة [24]: لو اغتصب إنسان ماء وتركه فوق ماء الغير، هل يجب الامتناع
من الجميع أو يتناول منه قدر ما يخصه فما دون حتى يقسم الحاكم بعد؟
الجواب: إذا تعذر أخذ بقدر حقه.
مسألة [25]: لو غصب دابة فمات ولدها جوعا أو حبس المالك عن حراسته
ماشيته فاتفق تلفها، ففي الضمان إشكال قوي إلا في صورة الحبس، قال: قيل
يضمن في الجميع.
مسألة [26]: يضمن قيمة المغصوب يوم التلف، والأعلى قوي.
مسألة [27]: قوله: لو دل السراق ضمن تقديره أن الدال كان مستودعا لمال
الغير فدل السارق عليه، فحينئذ يضمن سواء سرق أو لا.
مسألة [28]: في الغاصب إذا لم يرد ما غصبه إلى مالكه ولا مثله ولا قيمته،
ومات المغصوب منه ومات وارثه وله وارث، فهل الحق في الآخرة للمغصوب
176

منه أم لا؟ أو لمن صار إليه أخيرا؟
قال: لكل منهم عوض ألم التأخير وفي الروايات يكون للمالك الأول
الحق.
مسألة [29]: قوله: لو باع الغاصب وقف على الإجازة ومع علم المشتري
إشكال، وكذا لو باع مال غيره ثم ملكه وأجاز، وفي وقت الانتقال إشكال، وهل
يتبعه النماء؟
قال: يقف على الإجازة ولو مع العلم وينتقل بالعقد، نعم فعلى هذا النماء
للمشتري.
مسألة [30]: قوله: في المغصوب مع ظهور مالكه وهل يرجع بما حصل له
في مقابلته نفع؟ نعم يرجع.
مسألة [31]: هل يجوز لأهل قرية أن يأخذوا من ثمر بطم قرية أخرى الذي
في الأرض المستأجمة والآجمة وما عرف له غارس ولا محيز له إلا هو، وعلى
تقدير ألا يجوز على من يرده وما الحيلة في خلاصه؟
الجواب: إن ادعاه صاحب اليد فهو له، وإن عرف أصله الإباحة وكان لأحد
عليه يد فالأولى تركه وإلا حل أخذه، وإذا كان مملوكا وأخذه رده على مالكه
وإن كثر.
مسألة [32]: لو اختلف الغاصب والمالك في رد العبد، وقال المالك؟
رددته بعد موته، وقال الغاصب: رددته حيا، فالقول قول المالك.
مسألة [33]: إذا كان على شخص ضرر من حيوان وغيره، وأزال عنه قدر
177

الضرورة بالقصد، ثم تجاوز ذلك من غير قصد فتلف باعتبار الزيادة التي هي غير
مقصودة، هل يضمن أم لا؟
الجواب: لا يضمن إلا مع التعدي.
مسألة [34]: إذا عدل بالشارع إلى المباح من غير ضرورة على السالكين، ما
الحكم؟ وهل له بناء مسجد غير مضر؟
الجواب: لا يجوز تملك الطريق أصلا ولا بناء مسجد مضر.
مسألة [35]: إذا حكي الإنسان فسق مؤمنا معلنا به أو مستترا قصد الآمر الأمر
بالمعروف هل يجوز أم لا؟
الجواب: لا يجوز ذكر المستتر أما المعلن فلا غيبة له.
مسألة [36]: إذا نصب صاحب الرحى أو الحمام صبيا لقبض حقه هل تبرأ
ذمة الدافع إليه أو لا؟
الجواب: لا تبرأ.
مسألة [37]: أسباب الضمان ثلاثة: التفويت بالمباشرة، والتفويت بالسبب،
وإثبات اليد العادية.
مسألة [38]: لو سكن الدار مع صاحبها ضمن النصف، فلو كانت مساكن
متعددة وسكن بعضها هل يكون عليه أجرة ما سكن أو النصف؟
قال: إن كان تصرف في الجميع كتصرفه ضمن النصف وإلا ضمن ما أثبت
يده عليه.
178

مسألة [39]: هل لو غصب عينا ينتفع بها كالكتاب والفأس مثلا هل يضمن
أجرتها وإن لم ينتفع بها؟ قال: إذا كان لها أجرة عادة لزمه الأجرة ومع التلف
يجتمع عليه الجميع.
مسألة [40]: قال: لا عبرة بالنقص بتغير السعر فلوسا ويوم الغصب عشرة
ويوم الرد واحد فلا شئ عليه، فإن تلف وجبت العشرة لأنها أرفع القيم.
مسألة [41]: لو تعذر المثل إلا بالأكثر من ثمن مثله، ففي وجوب الشراء نظر،
نعم يجب.
مسألة [42]: لو أتلف آنية الذهب ففي ضمان الزائد بالصنعة إشكال، يضمن.
مسألة [43]: هل يجوز الدخول للرجل إلى بيت فيه نصيب لليتيم أو لا مثل
عيادة مريض أو غيره؟ وعلى تقديره هل يجوز القعود أولا؟
الجواب: إذا كان لليتيم فيه مصلحة - أعني الدخول - لم يحرم وإلا حرم،
والعقود أيضا كذلك، والضابط إن كان المريض ممن له السكنى جاز الدخول
لبصره وإلا فلا.
مسألة [44]: لو كان الحيوان مار في طريق فوضع الإنسان يده عليه عمدا أو
نسيانا هل يضمن أم لا؟ لا إلا أن يتحرك بوضعه ولو تحرك بفعله من غير قصد
لا يضمن أيضا.
مسألة [45]: الجن هل لهم غيبة كالإنس أم لا، وهل مع ذلك إذا حصلت
الغيبة حكمهم حكم الإنس في الدعاء وسقوط الإثم أم لا؟ نعم. وهل حكم
179

الأموات من الإنس حكم الأحياء أم لا؟ نعم وكيف يدعو له يقول: اللهم اغفر له.
مسألة [46]: لو سيج داره وكرمه الذي إلى الطريق وظهر السياج إلى المارة
هل يجوز ذلك أم لا؟ وما حد حرم ذلك؟ مالا يضر بالمارة.
مسألة [47]: لو تصرف الإنسان في شئ وغلب على ظنه وصوله إلى أهله
يكفي.
مسألة [48]: إذا غصب الصغير أو المجنون لم يضمنا أي مع وجوب
العين - ولو قصر الولي في أخذه من أيديهما حتى تلف ضمن الولي، ويضمنا - أي
الصبي والمجنون - المنفعة الفائتة تحت أيديهما لأنهما أتلفاها عليه.
مسألة [49]: لو قال: هذا الشئ لي فتصرف فيه وأتلف وكان ملكا لغير
الآمر ضمنه الآمر دون المباشر، لأنه مغرور منه ويده قائمة مقام يده، وإن لم يكن
الآمر قد وضع يده عليه لأنه سبب فكذا لو أخذ دار الغير.
مسألة [50]: إذا أتلف مالا مثل له فأي شئ يسلب منه وما الحكم في
ذلك؟
الجواب: تلزمه القيمة لأن المثل متعذر وإلزامه حرج وضيق وهما منفيان،
نعم لو أمكن وجود المثل من كل وجه، وإن كان نادرا ودفعه المتلف يلزم
صاحب التالف أخذه، وظاهر كلام الأصحاب أن المستقر في الذمة القيمة لا غير،
ويلزمه على هذا جواز امتناع صاحبه التالف عن قبض مثله لو اتفق.
مسألة [51]: إذا اشترك اثنان في إتلاف بهيمة لثالث أو في التصرف فيها
180

بغير إذنه فتلفت، ألصاحبها أن يطالب كل واحد منهما بنصف الثمن أو يطالب
أحدهما بزيادة عن الآخر أو يطالب أيهما شاء بتمام الثمن؟
الجواب: أما إذا أتلفاها فالضمان عليهما بالسوية، وليس له مطالبة أحدهما
بالثمن تاما ولا مطالبة أحدهما بالزيادة عن الآخر لأنهما سبب الضمان وقد اتفقا فيه
فيلزم التساوي في لازمه، أما لو تصرفا فيها من غير إذن المالك فتلفت في يدهما
بجنايتهما أو بجناية ثالث أو بسبب من قبل الله سبحانه، فللمالك إلزامهما بثمن
واحد وله إلزام كل واحد منهما، أما إلزامهما فلتساويهما في سبب الضمان، وأما
إلزام من شاء منهما بجملة الثمن فلأن الغصبية سبب في الضمان وهي متحققة من
كل واحد منهما فيتعلق به الضمان، ثم إن أخذ منهما فلا بحث، وإن أخذ من
أحدهما جملة الثمن رجع المأخوذ منه بالنصف على الآخر كما لو انفرد أحدهما
بالغصب ثم غصب الآخر وتلف كان الأول لو غرم لصاحبها رجع على الآخر.
مسألة [52]: الغاصب إذا باع الشئ المغصوب بدراهم معينة والمشتري
عالما بالغصبية وقبض الثمن للغاصب، هل يباح له التصرف فيه أم لا؟
الجواب: اختيارنا لا ويلزم الأصحاب ذلك.
مسألة [53]: وإذا قلتم بالإباحة لو تلف في يد الغاصب وجاء المالك وأجاز
البيع على قول من يجوز بيع الفضول، هل يبطل البيع لتلف الثمن المعين أم
يصح ويطالب المالك الغاصب المتلف؟
الجواب: لا يبطل البيع لأنه إذا أجاز بيعه صار كالوكيل فيه، هذا إذا أجاز
البيع قبل التلف وبعد الغصب وإلا فلا.
مسألة [54]: ولو كان الثمن في الذمة وتسلمه الغاصب من المشتري العالم
يباح له التصرف فيه أم لا؟
181

الجواب: نعم على قول الأصحاب لزوما.
مسألة [55]: لو كان المستدخل الخشبة في بناية جاهل بالغصب، فما الحكم
في ذلك هل لصاحب الخشبة هدم الحائط مع بذل الأرش على الغاصب أو على
صاحب الخشبة؟
الجواب: للمغصوب منه أخذ الخشبة وليس عليه أرش ما انهدم.
182

كتاب الجعالة
183

تبصرة المتعلمين
الفصل الثالث: في الجعالة:
ولا بد فيها من الإيجاب والقبول، كقوله: من رد عبدي أو فعل كذا فله
كذا، ولا يفتقر إلى القبول لفظا.
ويجوز على كل عمل محلل مقصود وإن كان مجهولا، فإن كان العوض
معلوما لزم بالفعل، وإلا فأجرة المثل، إلا في البعير والآبق يوجدان في المصر فعن
كل واحد دينار وفي غير المصر أربعة.
ولو تبرع فلا أجرة سواء جعل لغيره أو لا، ولو تبرع الأجنبي بالجعل لزمه
مع العمل، ويستحق الجعل بالتسليم، ومع التلبس بالعمل ليس للجاعل الفسخ
بدون أجرة ما عمل، ويعمل بالمتأخر من الجعالتين.
ولو جعل لفعل يصدر عن كل واحد بعضه فللجميع الجعل، ولو صدر من
كل واحد فلكل واحد جعل، ولو جعل للرد من مسافة فرد من بعضها فله
النسبة، والقول قول المالك في عدم الجعل، وفي تعيين المجعول فيه وفي القدر،
فيثبت فيه الأقل من أجرة المثل والمدعي، وعدم السعي.
185

إرشاد الأذهان
المقصد الثالث: في الجعالة:
وهي تصح على كل عمل مقصود محلل، معلوما كان أو مجهولا، ويجب
العلم بالعوض بالكيل أو الوزن أو المشاهدة أو العدد، ولو جهله مثل: من رد
عبدي فله ثوب أو دابة، فله أجرة المثل.
وكون الجاعل جائز التصرف، وإمكان العمل من العامل، ويلزم المتبرع
بما جعله عن غيره، ولا يستحق المتبرع بالعمل وإن جعل لغيره، ويستحق
الجعل بالتسليم.
وهي جائزة قبل التلبس، ومعه ليس للجاعل الفسخ إلا في بذل أجرة ما
عمل، ويعمل بالأخير من الجعالتين.
ولو حصلت الضالة في يده قبل الجعل فلا شئ ووجب الرد، وإذا عين سلم
مع الرد، وإن لم يعين فأجرة المثل، إلا في البعير أو الآبق بردهما من غير المصر
فأربعة دنانير قيمتها أربعون درهما، ومن المصر دينار ولو نقصت القيمة، ولو
استدعى الرد ولم يبذل أجرة فلا شئ.
ولو جعل للراد شيئا فرد جماعة استحقوه ويقسم بينهم، ولو جعله للدخول
فدخل جماعة فلكل واحد ذلك الشئ، ولو جعل لكل واحد من الثلاثة جعلا
مخالفا للآخر فردوه فلكل ثلث ما عينه. وكذا لو اتفقوا، ولو جعل للبعض معينا
187

وللآخر مجهولا فلكل من المعين الثلث وللمجهول ثلث أجرة المثل.
ولو تبرع أحد مع المجعول له فلا شئ له وللمجعول النصف، ولو رد من
البعض فله بالنسبة.
والقول قول المالك في عدم الاشتراط، وفي حصول الضال في يد العامل
قبل الجعل، وفي كون المأتي به غير المقصود، وفي قدر الجعل وجنسه، لكن
يحلف على نفي ما ادعاه العامل، وحينئذ يثبت أقل الأمرين من أجرة المثل وما
ادعاه العامل، إلا أن يزيد ما ادعاه الجاعل على الأجرة فيثبت عليه ما ادعاه.
188

الدروس الشرعية
كتاب الجعالة
وهي لغة مال يجعل على عمل، وشرعا صيغة دالة على الإذن في عمل
بعوض.
ولا يشترط فيها العلم ولا تعيين المأذون مثل: من رد عبدي فله كذا، وكما
يجوز مع الجهالة يجوز مع العلم مثل: من خاط هذا الثوب فله كذا، ولو رد أو
خاط من غير أمر فلا شئ له في المشهور وإن كان معروفا برد الضوال، وكلام
النهاية والمقنعة والوسيلة مشعر باستحقاق من رد الآبق والضالة من غير شرط،
لرواية مسمع عن الصادق عليه السلام: إن النبي صلى الله عليه وآله جعل في
الآبق دينارا إذا وجد في مصره، وفي غير مصره أربعة دنانير.
والمتأخرون على الأول، وحمل الشيخ في المبسوط الرواية بالنسبة إلى
المتبرع على الأفضل لا الوجوب، نعم لو لم يذكر عوضا وأمر بالرد فالأولى
العمل بالمقدر في الرواية، وألحق الشيخان به البعير، وقال المفيد: بذلك ثبتت
السنة، وجعل قيمة الدينار عشرة دراهم، ووافق ابن إدريس على ذلك مع ترك
اشتراط المالك وعدم تقدير العوض، ونسب القائل بالاستحقاق إلا مع أمر
المالك إلى الخطأ.
ويكفي الإيجاب مع العمل في استحقاق الجعل وإن لم يقبل العامل لفظا،
ولو جعل لواحد فرد غيره فلا شئ للغير، ولو ردها من لم يسمع الصيغة بقصد
189

العوض فالأقرب الاستحقاق إذا كانت الصيغة مشتملة، مثل: من رد عبدي فله
كذا.
وكذا لو قال: من استوفى ديني على المسلم فله كذا، لم يدخل الذمي
ويدخل في رد العبد المسلم لأن السبيل هنا ضعيف، إلا أن يكون الجعل عبدا
مسلما أو مصحفا، ويمكن الدخول فيثبت له قيمته، ويحتمل أجرة المثل، ولو رده
الصبي المميز أو المرأة استحقا، وفي المجنون وغير المميز وجهان من عدم تحقق
القصد ووقوع العمل.
ويشترط كون العمل محللا مقصودا غير واجب على العامل، فلو جعل على
الزنى أو على قذف ماء البئر فيه أو على الصلاة الواجبة لغا.
ويجوز الجمع في الجعالة بين المدة والعمل، مثل: من رد عبدي من مصر
في شهر، خلاف الإجارة، وكذا يجوز: من رد عبدي أو أمتي، ويستحق برد أيهما
كان.
وإذا عين الجعل اشترط كونه مما يملك، فلو جعل حرا أو خمرا بطل
الجعل ولا أجرة للعامل إلا أن يتوهم الملك، ولو جعل الذمي لمثله خمرا صح،
فإن أسلم أحدهما قبل القبض فالقيمة على قول.
ولو جعل ما لا تقع عليه المعاوضة كحبة حنطة أو زبيبة، ففي استحقاق
المعين أو عدم استحقاق شئ وجهان، ولو ظهر العوض مستحقا فأجرة المثل،
ويحتمل مثله أو قيمته كالصداق والخلع، ولو كان مجهولا فأجرة المثل قولا
واحدا، ولو لم تمنع الجهالة التسليم كثلث العبد المجهول قيل: يصح، ولو كان
معلوما فالأولى الصحة، إلا أن يمنع الاستئجار على الإرضاع لجزء من المرتضع
بعد انفصال.
ولو جعل للرد من مسافة فرد من بعضها استحق بالنسبة، ولو جعل للرد من
بلد فرد من غيره استحق إن دخل في عمله وإلا فلا.
وليس للعامل أن يوكل إلا مع الإذن، وله الاستعانة بغيره فله العوض، ولو
190

قصد المعين التبرع على المالك فللمجعول له ما قابل عمله، ولو قصد العوض
لنفسه فلا عوض له، وقطع الفاضل باستحقاق العامل الجميع لحصول غرض
المالك، وكذا لو عمل المالك بعده، وفي المبسوط: إذا جاء به العامل وغيره
فللعامل نصف الجعل وللآخر نصف أجرة المثل، ولو قال: من رد عبدي،
بصيغة العموم فوكل واحدا آخر واستأجره على رده، ففي استحقاقه الجعل نظر
من إجرائه مجرى التوكيل في المباحات، ومن حمل الإطلاق على المباشرة.
ولو جعل دينارا لمن رده فرده أكثر من واحد فهو لهم على رؤوسهم، ولو لم
يعين فله أجرة المثل كذلك، ولو عين لبعضهم فللمعين حصته منه وللباقين
حصتهم من أجرة المثل.
والجعالة جائزة من طرف العامل مطلقا، ومن طرف المالك ما لم يتلبس
العامل، فإن تلبس فهي جائزة فيما بقي عليه وعليه فيما مضى بنسبته إلى الجميع،
ولو لم يعلم بالرجوع فله الجميع.
ولو جعل على الرد من مكان فانتهى إليه ولم يرد فلا شئ، وكذا لو مات
قبل الرد أو مات العبد في يده، ولو جعل على خياطة ثوب فخاط بعضه احتمل
وجوب حصته، ويقوى الاحتمال لو مات أو شغله ظالم.
وليس للعامل حبس العبد لتسليم العوض لأن الاستحقاق بالتسليم، فلا
يتقدم عليه، والعامل أمين، وخبر السكوني وغياث عن علي عليه السلام يدل
عليه، والخبر السالف في اللقطة فيه تفصيل عن علي عليه السلام، وقال الفاضل:
لم أقف فيه على شئ، والنظر يقتضي كونه أمينا.
وعلف الدابة ونفقة العبد على المالك على الأقوى.
ولو تنازعا في التفريط والتعدي حلف العامل، ولو تنازعا في السعي
لتحصيله أو في ذكر الجعل فادعاه العامل أو في تعيين العبد المجعول عليه والبلد
المأذون فيه حلف المالك.
ولو تنازعا في قدر الجعل قال ابن نما: يحلف المالك، ويثبت مدعاه وهو
191

قوي كالإجارة لأصالة عدم الزائد واتفاقهما على العقد المشخص بالأجرة المعينة
وانحصارها في دعواهما، فإذا حلف المالك على نفي دعوى العامل ثبت مدعاه
لقضية الحصر، وقال الفاضلان: إذا حلف فأجرة المثل إلا أن تزيد على ما ادعاه
العامل أو ينقص على ما ادعاه الجاعل، ويحتمل التحالف، ولو تنازعا في جنسه
فالتحالف أقوى.
ولو جعل لجماعة عمل وصدر من كل واحد كصدوره من الجميع،
استحق كل واحد تمام الجعل، كقوله: من دخل داري فله دينار، بخلاف غيره
كرد العبد فإن لهم جعلا واحدا، والله الموفق.
192

كتاب اللقطة
193

الخلاف
كتاب اللقطة
مسألة 1: اللقطة على ضربين: لقطة الحرم، ولقطة غير الحرم. فلقطة الحرم
سيجئ الخلاف فيها، ولقطة غير الحرم يعرفها سنة، ثم هو مخير بعد السنة بين
ثلاثة أشياء:
بين أن يحفظها على صاحبها.
وبين أن يتصدق عنه، ويكون ضامنا إن لم يرض صاحبها.
وبين أن يتملكها، وتصرف فيها، وعليه ضمانها إذا جاء صاحبها، سواء كان
غنيا أو فقيرا، أو ممن تحل له الصدقة، أو ممن لا تحل له الصدقة.
وقال الشافعي: إذا كان بعد السنة هو بالخيار بين أن يحفظها على صاحبها،
وبين أن يتملكها ويأكلها، ويضمن ثمنها بالمثل إن كان له مثل، أو القيمة إن لم
يكن له مثل، سواء كان غنيا أو فقيرا، أو ممن تحل له الصدقة، أو ممن لا تحل له
الصدقة.
وقال أبو حنيفة، في الفقير وقبل حول الحول مثل قول الشافعي. وإن كان
بعد الحول، فإنه لا يخلو إما أن يكون فقيرا أو غنيا، فإن كان فقيرا، فهو مخير بين
الثلاثة الأشياء التي ذكرناها نحن، سواء من الحفظ على صاحبها، أو أكلها، أو
التصدق بها مع شرط الضمان إن لم يرض. وإن كان غنيا فهو مخير بين شيئين:
بين أن يحفظها على صاحبها، وبين أن يتصدق بها على صاحبها بشرط الضمان،
195

وليس له أن يأكلها على كل حال.
وقال مالك: يجوز للغني أن يأكلها، ولا يجوز للفقير أكلها، بعكس ما قاله
أبو حنيفة.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وهي أكثر من أن تحصى.
وروى أبو هريرة: أن النبي عليه السلام قال: لا تحل اللقطة، فمن التقطها
فليتصدق بها.
وهذا أمر يدل على بطلان قوله: أن الصدقة لا تجوز.
وروى أبي بن كعب، قال: وجدت صرة فيها مائة دينار - وروي ثمانون -
فأتيت النبي عليه السلام بها، فقال: أعرف عددها ووكاءها، ثم عرفها سنة. قال
فجئت إليه السنة الثانية فقال: عرفها، فجئت إليه السنة الثالثة، فقال: استمتع بها.
وهذا يدل على الاستمتاع بالأكل والبيع والهبة، بخلاف ما يقول أبو حنيفة
في الغني لأن أبيا كان غنيا.
مسألة 2: كلما يمتنع من الإبل والبقر والبغال والحمير فليس لأحد أخذه،
وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: من وجده له أخذه، مثل سائر الضوال من الغنم.
دليلنا: أن جواز ذلك يحتاج إلى دليل.
وأيضا: روي عن النبي عليه السلام: أنه قال - حين سأله السائل عن الإبل
الضوال - فقال: مالك ولها؟ معها حذاؤها وسقاؤها، يعني خفها وكرشها.
مسألة 3: روى أصحابنا أن أخذ اللقطة مكروه، وبه قال مالك.
وللشافعي فيه قولان:
أحدهما: يجب عليه أخذها إذا كان أمينا، ويخاف ضياعها.
والآخر: لا يجب، غير أنه مستحب. وإن كان غير أمين لا يجوز له أخذها
196

على حال، لأنها أمانة، ولا يؤتمن غير أمين.
دليلنا: الأخبار التي رواها أصحابنا، فإنهم رووا: أن الناس كلهم لو تركوها
لجاء صاحبها وأخذها.
وروي عن ابن عمر أنه قال: دع خيرها بشرها.
وأيضا فإنها ملك الغير، وأخذها لا يجوز إلا بإذن.
مسألة 4: يستحب لمن وجد اللقطة أن يشهد عليها.
وللشافعي فيه قولان:
أحدهما: مثل ما قلناه.
والآخر: أنه يجب عليه الإشهاد.
وقال أبو حنيفة: إن أشهد فإنه يكون أمانة، وإن لم يشهد يكون مضمونا عليه
في يده.
دليلنا: أنه لا دليل على كونه مضمونا عليه، والأصل براءة الذمة. ولا دليل
أيضا على وجوب الإشهاد، واستحبابه مجمع عليه.
مسألة 5: إذا عرفها سنة، وأكلها بعد ذلك كان ضامنا، إن كان لها مثل
يضمن مثلا، وإن لم يكن لها مثل فبالقيمة، وبه قال جميع الفقهاء، وأهل العلم.
وذهب قوم من أهل الظاهر: داود وغيره. إلى أنه إن أكلها بعد الحول لا
يضمن، ولا يلزمه رد المثل، ولا القيمة.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
وروى عطاء بن يسار، عن علي عليه السلام أنه وجد دينارا فأمره النبي
عليه السلام أن يأكله، ثم جاء صاحبه فأمره أن يغرمه، وهذا نص.
وروى عمرو بن شعيب عن أبيه أن النبي عليه السلام قال: أعرف عفاصها
ووكاءها ثم عرفها سنة، فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك - ثم قال -: فإن جاء
197

صاحبها يوما من الدهر فأدها. وهذا نص.
مسألة 6: إذا وجد كلبا للصيد وجب أن يعرفه سنة، فإذا مضت سنة جاز
له أن يصطاد به، فإن تلف كان ضامنا.
وقال الشافعي: لا يضمن بناء منه على قوله أن الكلب لا قيمة له. وعندنا أن
كلب الصيد له قيمة، وقد مضت هذه المسألة.
مسألة 7: اللقطة إذا كان قيمتها درهما فصاعدا وجب تعريفها، وإن كان
ذلك لا يجب تعريفها.
وقال الشافعي: يجب تعريفها قليلا كان أو كثيرا، إلا مالا يهبه الناس.
وقال الطبري: سمعت الماسرجسي يقول: من أصحابنا من قدر ذلك
بدينار.
وقال أبو حنيفة: إن كان قيمتها ما يقطع فيه وجب تعريفها، وإن كان دون
ذلك لا يجب تعريفها. وبه قال مالك، غير أن أبا حنيفة قال: لا يجب القطع إلا
في عشرة دراهم قيمتها دينار.
وعند مالك يجب في ربع دينار.
ومالك يقول: لا يعرفها أصلا.
وأبو حنيفة يقول: يعرفها أقل من سنة.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
وروى جابر بن عبد الله: أن النبي عليه السلام رخص في العصا، والسوط،
والحبل وأشباهها يلتقطها وينتفع بها.
وروي: أن ابن عمر رأى كسرة في الطريق، وكان معه غلام، فأخذها
ومسحها وأكلها، فقال: ما صنعت بها؟ فأخبره بما صنع، فقال: أنت حر، إني
أستحيي أن أستعبد من هو مغفور له، لأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله
198

يقول: من رأى كسرة فأخذها، وأكرمها ومسحها، وأكلها غفر الله له ما تقدم من
ذنبه.
وروي عن عائشة أنها قالت: لا بأس بما دون الدرهم أن ينتفع به.
مسألة 8: العبد إذا وجد لقطة، جاز له أن يلتقطها.
وللشافعي فيه قولان:
أحدهما: مثل ما قلناه.
والثاني ليس له أن يلتقطها.
دليلنا: عموم الأخبار الواردة في هذا الباب، وتخصيصها بالأحرار يحتاج
إلى دليل.
مسألة 9: من أخذ لقطة ثم ردها إلى مكانها، لم يجز له، ضامنا. وبه قال
الشافعي.
وقال أبو حنيفة: يزول ضمانه.
دليلنا: أنه ضمن بلا خلاف، فمن ادعى زواله فعليه الدلالة.
مسألة 10: إذا عرفها سنة، لا تدخل في ملكه إلا باختياره، بأن يقول: هذا قد
اخترت ملكها.
وللشافعي فيه أربعة أوجه:
أحدها: وهو أصحها مثل ما قلناه.
والثاني: أنه بمضي السنة يملكها بغير اختياره.
والثالث: بمجرد القصد دون التصرف.
والرابع: بالقول والتصرف.
دليلنا: أنه قد ثبت أنه ملك الغير، وما قلناه مجمع على تملكه به، وما قاله
199

ليس عليه دليل.
مسألة 11: يكره للفاسق أخذ اللقطة، فإن أخذها فعل ما يفعله الأمين،
وللشافعي فيه قولان:
أحدهما: ينتزع من يده ويدفع إلى أمين الحاكم.
والثاني: تضام إلى يده يد أخرى.
دليلنا: عموم الأخبار الواردة في أحكام اللقطة، فمن خصصها بأمين دون
فاسق فعليه الدلالة، وكراهة أخذها له مجمع عليه، ووجوب انتزاعها من يده
يحتاج إلى دليل.
مسألة 12: لقطة الحرم يجوز أخذها، ويجب تعريفها سنة، ثم بعد ذلك
يكون مخيرا إذا لم يجئ صاحبها، بين أن يتصدق بها بشرط الضمان أو يحفظها
على صاحبها وليس له أن يتملكها.
وقال الشافعي: من وجد بمكة لقطة، فلا يخلو إما أن يكون أخذها ليعرفها
ويحفظها على صاحبها، أو أخذها ليتملكها. فإن أخذها ليعرفها ويحفظ على
صاحبها كان جائزا بلا خلاف في هذا.
وإن أخذها ليتملكها، فعنده أنه ليس له أن يلتقطها ليتملك لقطة مكة. وإليه
ذهب عامة أهل العلم.
وذهب بعض الناس: إلى أنه يجوز التقاط لقطة مكة وإليه ذهب بعض
أصحاب الشافعي.
وقال أبو حنيفة: لقطة الحرم حكمها حكم لقطة غير الحرم.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
وأيضا روي عن النبي عليه السلام أنه قال - في مكة -: لا ينفر صيدها، ولا
يعضد شجرها، ولا يختلي خلاها، ولا يحل لقطتها إلا لمنشد، يعني لمعرف.
200

وروي عنه عليه السلام أنه نهى عن لقطة الحاج.
وأيضا قوله تعالى: أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من
حولهم أفبالباطل يؤمنون، فإذا وصفه تعالى بأنه حرم فلا يجوز التقاط ما يسقط
فيه.
مسألة 13: يجوز للمكاتب أخذ اللقطة.
وللشافعي فيه قولان:
أحدهما: مثل ما قلناه.
والثاني: أنه مثل العبد، وله في العبد قولان.
دليلنا: عموم الأخبار، وقد بينا أن العبد أيضا يجوز له أخذها بمثل ذلك.
مسألة 14: العبد إذا كان نصفه حرا ونصفه مملوكا جاز له أخذ اللقطة.
وللشافعي فيه قولان:
أحدهما - وهو الذي نص عليه - مثل ما قلناه.
وقال بعض أصحابه تخريجا: ليس له أخذه.
دليلنا: عموم الأخبار، وتخصيصها يحتاج إلى دليل.
مسألة 15: من وجد لقطة فجاء رجل آخر فوصف عقاصها ووكاءها
ووزنها وعددها وجنسها وحليتها وغلب في ظنه أنه صادق جاز له أن يعطيها، ولا
يجب عليه ذلك إلا ببينة، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه والشافعي.
وقال أحمد بن حنبل، وأهل الظاهر: أنه يجب عليه دفعها إليه، وبه قال
مالك، على ما حكاه الإسفرايني، عمن رواه من أصحاب مالك، يقول ذلك.
دليلنا: أنه ليس هاهنا ما يدل على وجوب الدفع إليه، والخبر المروي عن
النبي عليه السلام أنه قال: إن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها، يدل على ذلك، لأنه
201

لا يعلم بوصفه أنه صاحبها.
مسألة 16: الذمي إذا وجد لقطة في دار الإسلام جاز له أخذها.
وللشافعي فيه قولان:
أحدهما: مثل ما قلناه.
والثاني: ليس له ذلك. لأنه ليس بموضع أمانة.
دليلنا: عموم الأخبار، والمنع يحتاج إلى دلالة.
مسألة 17: لم ينص أصحابنا على شئ من جعل اللقط والضوال إلا على
إباق العبد، فإنهم رووا أنه إن رده من خارج البلد استحق الأجرة أربعين درهما،
قيمتها أربعة دنانير. وإن كان من البلد فعشرة دراهم قيمتها دينار، وما عدا ذلك
يستحق الأجرة بحسب العادة.
وقال الشافعي: لا يستحق شيئا من الأجرة على شئ من ذلك. إلا أن يجعله
له الجاعل، سواء كانت قيمته قليلا أو كثيرا، معروفا كان برد الضوال أو لم يكن،
من بعيد رده أو من قريب.
وقال مالك: إن كان معروفا برد الضوال، وممن يستأجر لذلك، فإنه
يستحق الجعل. وإن لم يكن معروفا، فلا يستحق الجعل.
وقال أبو حنيفة: إن كان ضوالا أو لقطة فإنه لا يستحق شيئا. وإن كان آبقا
فرده من مسيرة ثلاثة أيام، وكان ثمنه أربعين درهما وزيادة استحق أربعين درهما.
وإن نقص أحد الشرطين، فإن جاء به من مسيرة أقل من ثلاثة أيام فبحسابه، فإن
كان من مسيرة يوم ثلث الأربعين، وإن كان من مسيرة يومين ثلثي الأربعين.
وإن كان قيمته أقل من أربعين، فقال أبو حنيفة، ومحمد: ينقص من قيمته
درهم ويستحق الباقي، إن كان قيمته أربعين، فيستحق تسعة وثلاثين، وإن كان
قيمته ثلاثين يستحق تسعة وعشرين.
202

وقال أبو يوسف: يستحق أربعين، وإن سوى عشرة دراهم، والقياس أنه لا
يستحق شيئا، لكن أعطيناه استحسانا، هكذا حكاه الساجي.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
وروى ابن أبي مليكة: أن النبي عليه السلام جعل في جعل الآبق يوجد
خارج الحرم عشرة دراهم.
وروي عن ابن مسعود أنه سئل: هل يستحق من رد آبقا الأجرة؟ فقال: له
من كل رأس أربعون درهما.
مسألة 18: إذا اختلفا، فقال صاحب العبد الآبق: شارطتك على رده
بنصف دينار. وقال الذي رد: شارطتني على دينار، فالقول قول الجاعل مع يمينه
إنه لم يجعل له دينارا، ثم يستحق عليه أجرة المثل.
وقال الشافعي: يتحالفان، ويستحق أجرة المثل.
دليلنا: أنه مدعى عليه، فكان عليه اليمين، ولزمه أجرة المثل لأنه رد عليه ما
أبق منه.
مسألة 19: إذا أسلمت الأم وهي حبلى من مشرك، أو كان لها منه ولد غير
بالغ، فإنه يحكم للولد والحمل بالإسلام ويتبعانها. وبه قال أهل العراق.
والشافعي.
وقال مالك: الحمل يتبعها، والولد لا يتبعها.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم.
وقوله تعالى: والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم، فحكم
بأن ذرية المؤمنين يلحقون بهم، والولد ذرية مثل الحمل سواء.
وأيضا قول النبي عليه السلام: كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه
وينصرانه، ويمجسانه.
203

مسألة 20: المراهق إذا أسلم، حكم بإسلامه، فإن ارتد بعد ذلك، حكم
بارتداده، وإن لم يتب قتل، ولا يعتبر إسلامه بإسلام أبويه. وبه قال أبو حنيفة،
وأبو يوسف، ومحمد غير أنه قال: لا يقتل إن ارتد، لأن هذا الوقت ليس بوقت
التعذيب حتى يبلغ.
وقال الشافعي: لا يحكم بإسلامه ولا بارتداده، ويكون تبعا لأبويه، غير أنه
يفرق بينه وبينهما لكي لا يفتناه. وبه قال زفر.
وفي أصحابه من قال: يحكم بإسلامه ظاهرا، فإذا بلغ ووصف الإسلام
يكون مسلما من هذا الوقت.
دليلنا: ما رواه أصحابنا أن الصبي إذا بلغ عشر سنين أقيمت عليه الحدود
التامة، واقتص منه، ونفذت وصيته وعتقه، وذلك عام في جميع الحدود.
وأيضا قوله عليه السلام كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه
ويمجسانه، حتى يعرب عنه لسانه فأما شاكرا أو كفورا. وهذا عام، إلا من أخرجه
الدليل.
واستدل أصحاب أبي حنيفة بإسلام علي عليه السلام وكان غير بالغ،
وحكم بإسلامه بلا خلاف.
وأجاب أصحاب الشافعي عن ذلك بأن قالوا: حكمنا بإسلامه لأنه يجوز أن
يكون بالغا، لأن أقل البلوغ عند الشافعي تسع سنين، وعند أبي حنيفة إحدى
عشرة سنة.
واختلف الناس في إسلام علي عليه السلام، فمنهم من قال: أسلم وله عشر
سنين، ومنهم من قال: تسع سنين، ومنهم من قال: إحدى عشرة سنة.
وقال الواقدي وأصح ما قيل أنه ابن إحدى عشرة سنة.
وروي عن محمد بن الحنفية أنه قال: قتل علي عليه السلام في السابع
والعشرين من شهر رمضان، وكان له ثلاث وستون سنة.
ولا خلاف أنه قتل سنة أربعين من الهجرة، فلما هاجر النبي عليه السلام إلى
204

المدينة كان لعلي عليه السلام ثلاث وعشرون سنة، وأقام النبي عليه السلام بمكة
دون ثلاث عشرة سنة، ثم هاجر إلى المدينة، فبان بهذا أنه كان لعلي عليه السلام
إحدى عشرة سنة.
قال أبو الطيب الطبري: وجدت في فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل أن
قتادة روي عن الحسن أن عليا عليه السلام أسلم وله خمس عشرة سنة.
قال: وأما البيت ينسب إليه من قوله:
... غلاما ما بلغت أوان حلمي
فليس بثابت عنه، ويحتمل أن يكون قال: غلاما قد بلغت أوان حلمي.
مسألة 21: إذا مات اللقيط ولم يخلف وارثا، فميراثه لبيت المال. وبه قال
جميع الفقهاء.
وقال قوم: ميراثه لملتقطه.
دليلنا: إجماع الفرقة.
وأيضا قوله عليه السلام: الولاء لمن أعتق، وهذا لم يعتق، ودليله أن من لم
يعتق لا ولاء له.
مسألة 22: إذا ادعى أجنبيان بأنه ولدهما وكان مع كل واحد منهما بينة
أو لا بينة معهما أصلا أقرع بينهما، فمن خرج اسمه ألحق به.
وللشافعي إذا تعارضتا بينتاهما قولان:
أحدهما: مثل ما قلناه من القرعة.
والثاني: أنهما يسقطان، كأنه ليس هناك بينة، وأرى القافة، فإن قالت: هو
ابن لأحدهما ألحق به، وإن لم يكن قافة، أو أشكل عليهم، أو قالوا: هو ابنهما أوليس
بابن لهما، فالأربع مسائل واحدة، يوقف حتى يبلغ ويختار أيهما شاء.
دليلنا: إجماع الفرقة على أن كل مجهول فيه القرعة، وهذا داخل فيه.
205

مسألة 23: إذا ادعى نفسان لقيطان ويدهما عليه، وأقاما جميعا البينة، حكم
بالقرعة.
وقال الشافعي: تعارضت البينتان، وقد مضى قوله فيهما.
وقال أبو حنيفة: إن وصفه أحدهما بشئ على بدنه، فإنه يحكم له، لأنه إذا
وصفه دل على يد سابقة.
دليلنا: ما قدمناه في المسألة الأولى سواء، والوصف لا يحكم به، لأنه يجوز
أن يكون شاهده أو سمعه، ولأن من وصف لقطة لم يجب دفعها إليه، كذلك
اللقيط.
مسألة 24: إذا ادعى ذمي لقيطا، وقال: هذا ولدي، قبل إقراره، فإن أقام
بينة على قوله ألحق به، وحكم بكفره، وإن لم يقم بينة قبل دعواه وألحق به أيضا.
وللشافعي فيه قولان إذا أقام البينة.
أحدهما: يقبل قوله في النسب، ولا يحكم بكفره.
والثاني: يحكم بكفره، وإن لم يقم البينة ألحق النسب. وهل يحكم بكفره؟
على قولين.
دليلنا: قوله تعالى: ألحقنا بهم ذريتهم، وإذا ثبت نسبه بلا خلاف حكمنا
بكفره، لأن ولد الكافر يكون كافرا، والحكم بإسلامه يحتاج إلى شرع.
مسألة 25: الحر والعبد والمسلم والكافر في دعوى النسب سواء، لا مزية
لأحدهم على الآخر، وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: الحر أولى من العبد، والمسلم أولى من الكافر.
دليلنا: عموم الأخبار في من ادعى النسب، ولم يخصوا كافرا من مسلم، ولا
عبدا من حر.
206

مسألة 26: إذا ادعت امرأة لقيطا بأنه ولدها فأقامت بينة بذلك ألحق بها
وبالزوج بلا خلاف، وإن ادعته ولم تقم بينة فإنه يقبل إقرارها عندنا على نفسها،
سواء كان معها زوج أو لم يكن.
وللشافعي فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: يرد قولها، ولا يقبل إلا ببينة. وبه قال أبو حنيفة، ومالك، وسواء
كان معها زوج أو لم يكن.
والثاني: أنه يقبل قولها، ويلحق بها، سواء كان معها زوج أو لم يكن ولا
يلحق بالزوج إلا بالبينة، أو بإقراره.
والثالث: أنه إن كان لها زوج لا يقبل إقرارها، وإن لم يكن لها زوج يقبل
إقرارها. والخلاف في الأمة مثل الخلاف في الحرة سواء.
دليلنا: الأخبار المروية في أن إقرار العاقل على نفسه جائز. وهي على
عمومها في الرجل، والمرأة، والعبد، والأمة، والحر، والحرة، والكافر، والمسلم.
وتخصيصها يحتاج إلى دليل.
207

المبسوط
كتاب اللقطة
الأصل في اللقطة السنة، روي عن زيد بن خالد الجهني أنه قال: جاء رجل
إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فسأل عن اللقطة فقال: اعرف عفاصها
ووكاءها، ثم عرفها سنة، فإن جاء صاحبها وإلا فاستمتع بها، فسئل عن ضالة
الغنم فقال: خذها إنما هي لك أو لأخيك أو للذئب، فسئل عن ضالة البعير
فقال: ما لك ولها؟ وغضب حتى احمرت وجنتاه أو وجهه، فقال: مالك ولها
معها حذاؤها وسقاؤها ترد الماء وتأكل الشجر، وفي بعض الأخبار: مالك ولها
معها حذاؤها وسقاؤها حتى يأتي ربها.
الضالة من البهائم ما يضيع يقال: ضالة، وما يكون من غير الحيوان يقال:
لقطة، قال خليل بن أحمد: اللقطة الرجل الذي يلتقط، ويقال له " لقيطة ولقيط "
فأما الشئ الملتقط يقال له " لقطة " بتخفيف القاف، وقال أبو عبيدة - وما عليه
عامة أهل العلم - أن اللقطة هي الشئ الذي يلتقط، وقوله عليه السلام: معها
حذاؤها - أي خفها - يعني تمشي ولا تقف عن المشي حتى تهلك، وقوله: معها
سقاؤها، يعني تشرب الماء الكثير وتبقى في كرشها فتصبر عن الماء يوما أو يومين
ولا يخشى عليها الهلاك والموت.
إذا ثبت هذا فاللقطة لا تخلو إما أن يكون وجدها في البرية أو في العمران،
فإن وجدها في البرية والصحاري فلا تخلو: إما أن يكون حيوانا أو غير حيوان،
209

فإن كان حيوانا فلا يخلو:
إما أن يكون قويا ممتنعا من صغار السباع مثل الإبل والبقر والخيل
والبغال، فإنها تمتنع من صغار السباع مثل الثعلب وابن آوى فإنه لا يقدر عليه،
أو يكون مما يمتنع لسرعة مشيه مثل الظباء والغزلان والأرنب، أو مما يمتنع
بطيرانه فيدفع بالطيران عن نفسه، فما هذه صفته فليس له أن يأخذها، وقال قوم:
له أخذها مثل الغنم، والأول أقوى للخبر الذي قدمناه لأنه لما سأله عن الضالة
فقال: مالك ولها؟ وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: لا يأوي الضالة
إلا ضال، وقيل: لا يؤوي " بضم الياء "، وهو الأصح، والأول جائز أيضا.
وروى الحسين بن مطرف عن أبيه أنه قال: قدمت على رسول الله
صلى الله عليه وآله في وفد بني عامر فقال عليه السلام: أنا لا أحملكم، فقلنا: يا رسول الله إنا
نجد الإبل الهوامي، فقال: لا تفعلوا ضالة المؤمن حرق النار.
قال ابن الأعرابي: حرق النار لهبها وحرق الثوب إذا كان به من القصارة
يقال: حرق " بتحريك الراء "، وإذا كان بالنار يقال: حرق الثوب " بتخفيف
الراء ".
فإن أخذها لزمه الضمان ويكون عليه مضمونا، لأنه أخذ مال الغير بغير حق،
فإن سيبها بعد ذلك لم يزل الضمان عنه كما لو سرق من غيره شيئا ثم يطرحه في
داره، فإنه لا يزول ضمانه، فإن ردها إلى صاحبها زال عنه الضمان وبرئ.
وإن سلمها إلى الإمام فهل يسقط عنه؟ قيل فيه وجهان: أحدهما لا يزول لأن
صاحبها ربما كان رشيدا، والإمام لا يلي على من كان كذلك، والثاني يزول لأن
للإمام أن يأخذ الضوال ابتداء، لأنه منصوب لمصالح المسلمين، فإذا كان يضيع
من الرشيد له أن يحفظ عليه وإن وجده الإمام له أن يأخذه، لما قلناه.
فإذا ثبت أن له أخذها فإن أخذها نظرت: فإن كان له حمى يدع فيها لترعى
حتى يجئ صاحبها، وإن لم يكن له حمى فإنه يمسكها يوما ويومين وثلاثة أيام،
فإن جاء صاحبها وإلا باعها، ويعرف ثمنها فإن جاء صاحبها وإلا حفظ الثمن
210

عليه.
فأما إن أخذها العامي ليمسكها على صاحبها، هل له ذلك أم لا؟ قيل فيه
وجهان: أحدهما أن له أن يفعل لأن هذا يؤدي إلى مصالح المسلمين كالإمام،
والثاني ليس له أن يفعلوا أن يمسك لأنه لا يقوم بمصالح المسلمين ولا يلي
أمورهم، وليس كذلك الإمام لأنه منصوب لذلك، وهذا هو الأقوى، هذا إذا كان
حيوانا ممتنعا من صغار السباع.
فأما إذا كان غير ممتنع مثل الشاة وأولاد البقر والإبل والحمير والخيل، فله
أن يأخذه لقوله عليه السلام: خذها فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب، فإن
أخذها فهو بالخيار بين ثلاثة أشياء: إما أن يأكلها على أن تكون القيمة في ذمته،
وإذا جاء صاحبها ردها عليه، وإن شاء ينفق عليها تطوعا، وإن شاء يرفع إلى
الحاكم ليأخذها الحاكم ويبيعها، ويعرف ثمنها فإن لم يجئ صاحبها يرد ذلك
إلى الذي وجدها ليكون في ذمته ومتى جاء صاحبها ردها عليه، هذا كله إذا كان
في البرية.
فأما إذا كان في العمران وما يتصل بالعمران على نصف فرسخ وأقل، فإن
له أخذها سواء كان حيوانا ممتنعا أو غير ممتنع وهو بالخيار بين أن ينفق عليها
تطوعا أو يرفع خبرها إلى الإمام أو الحاكم، ولا يأكلها هاهنا، وفي الناس من
قال: حكم هذا حكم ما كان في البرية سواء.
وأما غير الحيوان فإنه لا يخلو من ثلاثة أحوال: أحدها أن يكون مما يبقى
مثل الثوب والدراهم والدنانير، أو يكون مما لا يبقى مثل الطعام الرطب، أو
يكون مما يبقى لكنه يحتاج إلى النفقة والعلاج.
فإن كان مما يبقى فإنه يعرف سنة، فإن جاء صاحبها وإلا أنفقه، على أنه متى
جاء صاحبها رد قيمته، فإن كان طعاما رطبا مثل الهريسة والفواكه فهو بالخيار
إن شاء أكله، ويرد القيمة إذا جاء صاحبه، وإن شاء سلمه إلى الحاكم ليبيعه
ويعرف ثمنه، فإن لم يجئ صاحبه رد قيمته إلى الذي وجده.
211

فإن كان مما يبقى لكن بعلاج مثل العنب والرطب نظرت: فإن كان الحظ
في البيع فإنه يرجع إلى الحاكم ليبيعه، وإن كان الحظ في تجفيفه فإن الحاكم
يبيع منه وينفق عليه ليجف ويدخر ليجئ صاحبه.
ومن أخذ لقطة ثم ردها إلى موضعها لم يزل ضمانه، وفي الناس من قال:
يزول ضمانه.
ومن وجد لقطة فإنها تكون في يده أمانة ولزمه أن يعرفها سنة، فإذا عرفها
سنة كان بعد ذلك بالخيار إن شاء حفظ على صاحبها، وإن شاء تصدق بها
بشرط الضمان وإن شاء تصرف فيها وضمنها، هذا إذا كان في غير الحرم.
فإن كان في الحرم عرفها سنة ثم يكون مخيرا بين شيئين: الحفظ والصدقة
بشرط الضمان، ولا يجوز أن يتملكها بحال.
وفي الناس من قال: من وجد لقطة فهو مخير بعد السنة بين الحفظ على
صاحبها وبين أن يتملكها وعليه ضمانها بالمثل والقيمة، وقال آخرون: إن كان
قبل الحول وكان فقيرا، مثل هذا، وإن كان بعد الحول وكان فقيرا فهو مخير بين
ثلاثة أشياء التي ذكرناها، وإن كان غنيا كان مخيرا بين شيئين: الحفظ والصدقة،
وليس له الأكل ومتى تصدق بها فإنما تصدق بها عن صاحبها على إجازته، وفي
الناس من قال: له أن يتصدق بها عن نفسه، وفيهم من قال: يجوز للغني أكلها ولا
يجوز للفقير أكلها.
لا يخلو واجد اللقطة من أحد أمرين: إما أن يكون أمينا أو غير أمين، فإن كان
أمينا، في الناس من قال: إذا كان أمينا في العمران وكان الناس بها أمناء أو
أكثرهم أمناء فلا يلزمه أخذه، ولكن يستحب له أخذه وحفظه على صاحبه، وإن
كان أمينا في مفازة أو في خراب، أو في عمران لكن الناس ليسوا أمناء فإنه واجب
عليه أخذها، لأنه إن ترك تلف على صاحبه، ويكون هذا فرضا على الكفاية مثل
صلاة الجنازة.
وفيهم من قال المسألة على قولين: أحدهما يجب عليه أخذها، والآخر ليس
212

بواجب بل يستحب ذلك، وهو الأقوى، لأن الأصل براءة الذمة، ولا دليل على
وجوب أخذها، وقد روى أصحابنا كراهية أخذها مطلقا.
وقد قال بعضهم: يحتاج أن يعرف من اللقطة ستة أشياء: أحدها وعاؤها،
والثاني عفاصها، والثالث وكاؤها، والرابع جنسها، والخامس قدرها، والسادس
أن يشهد عليها.
فالوعاء " الظرف " والوكاء " الخيط الذي يشد به من سير أو خيط "
والعفاص " الجلد الذي يشد به رأس القارورة " والذي يشد به رأسها يقال له
" ضمام " فالعفاص الذي يكون فوق الضمام وهي مثل الوعاء، وجنسها " أن
يعرفها دراهم أو دنانير أو ثياب " وقدرها " عددها ".
والإشهاد، في الناس من قال: إنه واجب، والآخر: أنه استحباب، وهو الأقوى
لأن اللقطة أمانة، والأمين لا يلزمه الإشهاد.
فإذا ثبت هذا ووجد لقطة نظرت: فإن أراد حفظها على صاحبها لا يلزمه أن
يعرف، لأن التعريف إنما يكون ليتملك، فأما إذا أراد أن يتملك فيلزمه أن يعرف
سنة بالإجماع، فإن عرفها سنة متوالية فإنه أتى بما عليه وإن عرف ستة أشهر ثم
ترك التعريف فهل يستأنف أو يبني؟ قيل فيه وجهان: أحدهما يستأنف، والثاني
يبني عليها، وهو الأقوى، لأنه ليس في الخبر أكثر من أن يعرف سنة، ولم يقل
متوالية أو متواترة.
فإذا ثبت ذلك فالكلام في ثلاثة أشياء: أحدها وقت التعريف، والثاني
كيفية التعريف، والثالث زمان التعريف:
فأما وقت التعريف فإنه يعرف بالغداة والعشي وقت بروز الناس، ولا
يعرف بالليل، ولا عند الظهيرة والهاجرة التي يقيل فيه الناس.
وأما كيفية التعريف فإنه يقول: من ضاع له لقطة؟ أو يقول: من ضاع له
دينار أو دينارين أو درهم أو دراهم؟ أو يقول مبهما ولا يفسره، وهو الأحوط لأنه
ربما طرح عليه إنسان علامة.
213

وأما الزمان فإنه يعرف في الجماعات والجمعات، ويقف على أبواب
المساجد التي يكون فيه الجماعات، ويعرف في الأسواق ويكون أكثر تعريفه في
الجمعة التي أصابها فيها، لأن من العادة أن من ضاع له شئ فإنه يهتم بطلبه في
أول الأسبوع فإذا زاد على ذلك لا يهتم به، ولا يعرف في المسجد داخل
المسجد، لأنه منهي عنه لأن النبي صلى الله عليه وآله سمع رجلا ينشد ضالة
فقال: لا وجدتها إنما بنيت المساجد لله تعالى وللصلاة.
فإن كان الواجد ممن يعرف بنفسه فعل ذلك، وإن كان ممن يستعين
بغيره فله أن يستعين بغيره في تعريفه، فإن لم يجد من يستعين به فإنه يستأجر من
يعرفه من ماله ومتى كان قبل الحول فليس له أن يملكها لعموم الأخبار والأمر
بتعريفها سنة، فإذا عرفها سنة فإن اختار تملكها ملكها باختياره لا بحول الحول،
ومتى شاء حفظها على صاحبها أو يتملكها فإنه يكفي في ذلك النية وإن لم يتلفظ،
وفيهم من قال: لا بد من التلفظ به، والأول أصح.
فأما الكلام في الضمان نظرت: فإن كان قبل الحول فإنه تكون في يده
أمانة، فإن جاء صاحبها وهي على حالها أخذها فإن كان تالفا فهو من ضمان
صاحبها وإن كان ناقصا يأخذها ناقصة، وإن كان زائدا أخذها مع الزيادة، سواء
كانت متميزة أو غيره متميزة، وإن كان بعد الحول فإنه لا يملك إلا باختياره، فإن
لم يختره فحكمه حكم ما قبل الحول سواء، وإن اختارها فقد ضمنها، وإن جاء
صاحبها قبل أن يتصرف فيها بعد اختياره كان أحق بها، وإن كان بعد التصرف
كان له المثل أو القيمة.
ومن قال يملكه بغير اختياره يقول: يكون مضمونا عليه، فإن كان باقيا ردها
وإن كان تالفا رد مثلها أو قيمتها إن لم يكن لها مثل، وإن كان زائدا نظرت: فإن
كانت غير متميزة فإنه يردها مع الزيادة، وإن كانت متميزة رد الأصل دون
الزيادة لأنها حصلت في ملكه، وإن كانت ناقصا ردها ورد الأرش.
وفي الناس من قال: هو بالخيار إن شاء أخذها مع أرشها، وإن شاء تركها
214

ويأخذ قيمتها أو مثلها، والأول أصح.
إذا وجد رجلان لقطة فإنهما يعرفان سنة، فإن جاء صاحبها وإلا كانت بينهما
نصفين على شرط الضمان، وإن رأى رجلان لقطة فسبق أحدهما وأخذها فإنه
يكون للذي تناوله بحق يده، لأن يده عليه، وباليد استحق التعريف، وبالرؤية لا
يستحق شيئا.
وإذا وجد رجل لقطة ثم ضاعت منه فوجدها إنسان فالأول أولى من هذا
الثاني، لأن الأول لما تناولها استحق التعريف باليد، والثاني أخذها بغير
استحقاق، وإذا وجد رجل كلبا فإنه يعرف سنة، فإن لم يجئ صاحبه بعد السنة
فله أن يصطاد به، فإن تلف في يده فلا يضمنه عند قوم، لأنه لا قيمة له عندهم،
وعندنا يضمن لأن كلب الصيد له قيمة على ما بيناه.
اللقطة إذا كانت قيمتها دون الدرهم لا يجب تعريفها، وقال قوم: يجب
تعريفها سنة قليلا كان أو كثيرا إلا ما تعافه النفس، وفيهم من قدره بدينار لخبر
الدينار الذي وجده علي عليه السلام، ومن قال خلافه قال: لأنه لقطة وجب
تعريف قليله وكثيره.
وفي الناس من قال: إن كان قيمته ما يقطع فيه وجب تعريفها، وإن نقص
عن ذلك لم يجب تعريفها، ومنهم من قال: يجب تعريف الجميع إلا ما لا خطر
له، مثل الكسرة والتمرة والزبيبة لما روي عن جابر أن النبي صلى الله عليه وآله
رخص في العصا والسوط والحبل وأشباهها يلتقطها وينتفع بها.
المولى عليه لسفه أو لصغر إذا وجد لقطة له أن يأخذها لأن هذا من كسبه
وهو غير ممنوع من الكسب، لكن لا تقر في يده لأنها أمانة وهو ليس بموضع
الأمانة ويسلم إلى وليه، فالولي يعرفها لأنه يقوم مقامه، فإن جاء صاحبها ردها،
فإن تلف في يده قبل مجئ صاحبها نظرت: فإن تلف بتفريط من جهته فإنه
يضمنها، وإن تلف بغير تفريط منه فلا يضمنه، ويكون من مال صاحبها.
فإن عرفها سنة ولم يجئ صاحبها نظرت: فإن كان المولى من أهل من
215

يستقرض له، فإنه يستقرضه على أنه إن جاء صاحبها ردها بعينها أو بالمثل أو
القيمة، وإن لم يكن من أهل من يستقرض له، فإنه يحفظها ويكون في يد المولى
أمانة.
هل للعبد أن يلتقط اللقطة؟ قيل فيه قولان: أحدهما له أن يلتقط كالحر
المعسر، والثاني ليس له ذلك، والأول أقوى لعموم الأخبار، فمن قال: له أن
يأخذ فهو كالحر سواء، ثم لا يخلو: إما أن يعلم سيده أو لم يعلم.
فإن لم يعلم سيده فله أن يأخذها، فإن أخذها تكون في يده أمانة، فإن عرف
صح تعريفه، فإن هلك فلا ضمان عليه، فإن عرفها وحال الحول فليس له أن
يتملكها لأن العبد لا يملك، فإن تملكها يكون مثل قرض فاسد يكون مضمونا في
رقبته يتبع به إذا أعتق.
فأما إن علم سيده فلا يخلو: إما أن ينتزع من يده أو يتركه في يده.
فإن انتزعه له ذلك، لأن هذا من كسب العبد، ثم نظرت: فإن عرفها عبده
فإنه يبني على تعريفه ولا يستأنف، وإن لم يعرف العبد فإنه يعرفها حولا، فإن
جاء صاحبها وإلا فهو بالخيار بين الحفظ والتملك والتصدق على ما مضى.
وإن تركها في يده فلا يخلو: إما أن يكون العبد أمينا أو غير أمين، فإن كان
أمينا فله ذلك، ويكون أمانة فيعرفها على ما مضى، وإن كان العبد غير أمين
وتركه في يده فإنه يكون في ضمان السيد لا في رقبة العبد لأن السيد كان قادرا
على انتزاعه من يده فلما تركه في يده تعدي بتركه، فصار كما لو وجدها وسلمها
إلى فاسق فإنه يضمنها.
فأما من قال: ليس له أن يأخذها، فإن أخذها كان مضمونا عليه كالغاصب
ويتعلق برقبته، فإن عرفها لم يصح تعريفه.
فإن علم سيده فلا يخلو حال السيد من ثلاثة أحوال: إما أن ينتزعها من يده
أو يتركها أو يهملها، فإن أخذها زال الضمان عن العبد، ولا يعتد بتعريف العبد بل
يستأنف تعريفه سنة، فإن جاء صاحبها وإلا فهو مخير بين الثلاثة أشياء على ما
216

مضى، وإن كان العبد غير أمين وتركه في يده، فإن الضمان يسقط عن العبد،
ويتعلق برقبة السيد لأنه كان قادرا على انتزاعه، فإن أفلس السيد فإن صاحب
اللقطة يضر مع الغرماء لا يرجع في رقبة العبد.
وإن أهمله ولم ينتزعه فهل يتعلق الضمان برقبة العبد أو برقبة العبد وذمة
السيد؟ قيل فيه قولان: أحدهما يتعلق برقبة العبد وذمة السيد، والثاني يتعلق
برقبة العبد.
ومن قال: الضمان يتعلق برقبة العبد، قال: إن صاحب اللقطة يرجع في
رقبته، فإن كان وفقا لقيمة اللقطة أخذه، وإن كان ينقص منه فليس له إلا ذلك،
وإن مات العبد سقط حقه.
ومن قال: يتعلق بذمة السيد ورقبة العبد، فإن صاحب اللقطة إن شاء رجع
في رقبة، العبد، وإن شاء رجع في ذمة السيد، فإن كان قيمة اللقطة أكثر من قيمة
العبد فإنه يرجع بالزيادة على السيد، وإن مات العبد رجع على السيد بجميع
قيمتها.
عبد وجد لقطة ولم يعلم به سيده فأعتقه، ما الذي يفعل باللقطة؟ مبني على
هذين القولين، فمن قال: للعبد أخذها، فإن السيد يأخذها منه، لأن هذا من كسبه
كالصيد، ومن قال: ليس للعبد أخذها فهو متعد، فلما أعتقه صار كأنه وجده في
الحال، ليس للسيد أخذها منه، لأنه صار ممن يصح منه التملك، وللعبد أن يعرفه
فإذا حال الحول له أن يتملكه.
يكره للفاسق أن يأخذ اللقطة، لأنه ربما تشره نفسه ويتملكه قبل التعريف
وقبل الحول، فإن أخذها قيل فيه وجهان: أحدهما يترك في يده ويضم إليه
آخر، والثاني ينتزع من يده ويدفع إلى أمين الحاكم، ويقوي في نفسي أن يترك
في يده لأنه لا دليل على وجوب نزعه منه.
فمن قال يدفع إلى أمين الحاكم قال: إذا حال الحول من أولى بالتصرف؟
قيل فيه قولان: أحدهما الملتقط، والثاني أمين الحاكم، والأول أصح لما بيناه.
217

ومن قال: لا ينتزع، فإنه يضم إليه آخر ليعرفه، كرجل ضعيف وجد اللقطة
ولا يقدر على تعريفها لضعفه، فإنه يضم إليه آخر على القولين معا، فإنه يتملك هذا
الفاسق، لأن في باب التملك الفاسق وغير الفاسق سواء.
ومن وجد لقطة بمكة أو في الحرم وجب أن يعرفها سنة، فإن وجد صاحبها
وإلا فهو مخير بين شيئين: بين أن يتصدق بها عن صاحبها بشرط الضمان، أو
يحفظها عليه وليس له أن يتملكها، ولا خلاف أن له أن يأخذها ليحفظها على
صاحبها، فأما إن أراد أخذها ليتملكها قال قوم: ليس له، لمثل ما قلناه، وقال شاذ
منهم: يجوز له ذلك.
وإنما قلنا ما اخترناه لإجماع الفرقة وأخبارهم، وروي عن النبي
صلى الله عليه وآله أنه قال في مكة: لا ينفر صيدها ولا يعضد شجرها ولا يختلي خلاها ولا
تحل لقطتها إلا لمنشد - يعني لمعرف -، يقال: نشد ينشد، إذا طلبه ووجده،
وأنشده إذا عرفه.
وأيضا قوله تعالى: " أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا... الآية " فإذا وصفه بأنه
يكون حرما فلا يجوز التقاط ما يسقط فيه.
يجوز للمكاتب والمدبر وأم الولد أخذ اللقطة، وقال قوم: لا يجوز لهم
ذلك، والأول أصح لعموم الأخبار، فإذا أخذها المكاتب عرفها فإذا حال الحول
إن شاء أن يتملكها فعل، وإن شاء أن يحفظها على صاحبها فعل، كما قلنا في
الحر.
ومن قال: المكاتب كالعبد، ولا يجوز للعبد أخذها، قال: إن أخذها كان
متعديا وليس لسيده أخذه منه، لأنه لا ولاية له عليه، وللحاكم أن ينتزع من يده
ويعرفها، وإذا حال الحول ولم ير الحاكم صاحبها ردها إلى المكاتب، والمكاتب
بالخيار إن شاء تملكها، وإن شاء حفظها على صاحبها، لأنه ممن يصح أن يتملك،
وفي الناس من قال: هو كالحر، كما قلناه.
إذا كان العبد نصفه حرا ونصفه مملوكا جاز له أن يأخذ اللقطة، وفيهم من
218

قال: ليس له ذلك، فإذا ثبت جوازه فإذا لم يكن بينهما مهاياة فإنهما كالرجلين
إذا وجدا شيئا يعرفانه، فإذا حال الحول إن شاءا تملكا وكان بينهما نصفين، وإن
كان بينهما مهاياة في الكسب المعتاد مثل الصياغة والخياطة فإنه يجوز،
وإن كان بينهما مهاياة في كسب غير معتاد مثل الالتقاط والركاز فهل تصح
المهاياة؟ قيل فيه قولان: أحدهما تصح المهاياة، والثاني لا تصح، منصوص،
ومن أصحابنا من قال: إنه تصح المهاياة، ولم يفصلوا.
فمن قال: لا تصح المهاياة، قال: كأنه لم يكن بينهما مهاياة، فيكون
كرجلين فوجدا لقطة يعرفان سنة، ثم إن شاءا يتملكان أو يحفظان على أصحابه،
ومن قال: تصح المهاياة، فإن وجدها في يوم سيده فإنها تكون لسيده، ويعرفها
السيد، فإذا حال الحول إن شاء تملكها وإن شاء حفظها وإن شاء تصدق بها
بشرط الضمان، وإن وجدها في يوم نفسه فإذا حال الحول يتملكها إن شاء بشرط
الضمان أو يتصدق بذلك أو يحفظها على صاحبها.
أم الولد يجوز لها أن تلتقط عندنا لعموم الأخبار، وفي الناس من قال: ليس
لها ذلك مثل العبد، غير أنه إذا تلف في يد العبد بتعدية تعلق ذلك برقبته، وإن
تلف في يدها كان الضمان على سيدها، لأن السيد بوطئه منعها من بيعها ولم يبلغ
بها حدا يتعلق الجناية برقبتها، والذي يقتضيه مذهبنا أنه يتعلق الجناية برقبتها مثل
العبد، لأنها مملوكة.
إذا وجد عبدا فلا يخلو: إما أن يكون صغيرا أو مراهقا كبيرا، فإن كان
صغيرا له أن يلتقطه بعد أن يعلم أنه عبد لأنه يجري مجرى المال، وإن كان مراهقا
كبيرا مميزا فإنه كالضوال مثل الإبل والخيل ليس له أن يلتقطه، فإن أخذه يرفعه
إلى الحاكم ويأخذه الحاكم، فإن كان الحظ في حفظه حفظه وينفق عليه حتى
يجئ صاحبه، وإن كان الحظ في بيعه باعه وحفظ ثمنه على صاحبه.
فإن جاء صاحبه وقال: كنت أعتقته قبل هذا، فهل يقبل إقراره أم لا؟ قيل
فيه وجهان: أحدهما يقبل لأنه غير متهم في هذا، لأنه يقول لا أريد الثمن، والثاني
219

لا يقبل قوله، لأن بيع الحاكم كبيعه، ولو باعه ثم قال: كنت أعتقته قبل البيع،
لم يقبل قوله، والأول أصح.
والفرق بين بيعه وبيع الحاكم أنه ما أقر بيع نفسه فإنه يكذب نفسه، وليس
كذلك بيع الحاكم، لأنه لا يكذب نفسه، وإذا أقام البينة بالعتق قبلت بينته.
إذا وجد لقطة وجاء رجل ووصفها فإنه لا يخلو: أن يكون معه بينة أو لم
يكن معه بينة، فإن وصفها ومعه بينة فإنه يعطيه بها وإن كان معه شاهد واحد
حلف، وإن لم يكن معه بينة فإنه لا يعطيه، وإن وصفها ولم يكن معه بينة
ووصف عفاصها ووكاءها وذكر وزنها وعددها وحليتها ووقع في قلبه أنه
صادق يجوز أن يعطيه.
وأما اللزوم فلا يلزمه الدفع إليه، وقال قوم شذاذ: يلزمه أن يعطيه إذا
وصفها، والأول أصح، لأنه لا دلالة على وجوب تسليمها إليه.
فإذا ثبت ذلك ووصفها إنسان وقلنا: يجوز أن يسلمها إليه، فأعطاه، ثم جاء
آخر وأقام بينة بأنها كانت له، فلا يخلو: أن تكون العين باقية أو تالفة، فإن كانت
باقية فإنه يأخذها لأنه أقام البينة وليس عليه أكثر من إقامتها، وإن كان تالفا فلا
يخلو: إما أن يكون ردها بحكم الحاكم أو بغير حكمه، فإن ردها بغير حكم
الحاكم فإن صاحبها بالخيار، إن شاء طالب الملتقط، وإن شاء طالب الآخذ، لأنه
أخذه بغير حق.
وإن طالب الآخذ وأخذ منه، فإن الآخذ لا يرجع على الملتقط بكل حال،
وإن طالب الملتقط فأخذ منه القيمة، فهل يرجع الملتقط على الآخذ أم لا؟ نظرت:
فإن قال: الذي دفعت إليه صاحبها، لم يرجع على الآخذ، لأنه يقول: إني دفعت
إلى صاحبها وظلموني بالغرامة، وإن قال: كان يغلب في ظني أنه صاحبها، فإنه
يرجع على الآخذ، لأنه لا يدعي أنه صاحبها.
وإن كان دفعها بحكم الحاكم، فإن كان الحاكم ممن يرى وجوب الرد
بالوصف فإن صاحبها لا يطالب الملتقط، لأن ذلك دفعه بحكم الحاكم أو
220

إجباره، وتبقى الخصومة بين الآخذ والمدعي الذي معه البينة، هذا على مذهب من
يقول بالاجتهاد، فأما على مذهبنا فإن حكمه باطل، وله الرجوع على الآخذ على
كل حال.
وأما إذا أقام البينة وردها بالبينة، ثم جاء آخر وأقام البينة بأنها له، فإن كان
قد رد لا بحكم الحاكم، فإنه يضمن للمدعي الثاني لأنه دفع باجتهاد نفسه،
والاجتهاد في هذا إلى الحاكم لا إليه، لأنه يجوز أن تكون البينتان هنا صادقتين،
ويجوز أن تكونا كاذبتين، والذي يقتضيه مذهبنا أنه يستعمل القرعة.
وإن دفعه بحكم الحاكم، فإن كان قبل الحول وقبل أن يتملكها فإنه لا
ضمان عليه، وبقى الخلاف بين المدعي الأول والمدعي الثاني، وإن دفعه بعد
الحول وبعد التصرف، فإنه يضمن للثاني، لأن هذا ليس عين ماله فلما أجبره
الحاكم بدفع القيمة بقي عين هذا المدعي في رقبته، لأن ما دفعه إلى الأول ليس
بعين ماله.
ومتى وجد ذمي لقطة في دار الإسلام له أن يلتقطها لعموم الأخبار، وفيهم من
قال: ليس له، لأنها أمانة وليس الذمي من أهل الأمانة، فإذا ثبت أن له أن يأخذها
فإنه يعرفها سنة، فإذا حال الحول إن شاء تملكها أو تصدق بها بشرط الضمان،
فعل، ومن قال ليس له أن يلتقطها قال: فهو متعد في أخذها والحاكم ينتزع من
يده، فإن تلف قبل أن يسلم إلى الحاكم لم يلزمه الضمان.
رجل وجد لقطة فادعى عليه آخر أن هذه اللقطة لي، ومعه شاهد واحد، فإنه
يحلف مع الشاهد ويستحق اللقطة.
رجل في يده عبد فادعى آخر بأن هذا العبد لي وأقام شاهدين على ذلك،
قال الذي في يده العبد: هذا العبد اشتريته من فلان الغائب ولي بينة غائبة حتى
تجئ وأقيمها، فإنه يسلم العبد إلى الذي أقام البينة لأنه لا يعجز أحد من المدعى
عليه أن يقول: لي بينة غائبة حتى تجئ، فيؤدى ذلك إلى وقوف الأحكام.
فإن جاءت البينة نظرت: فإن كانت عادلة حكمنا له، وانتزعت من يد
221

المدعي ودفع إليه، لأنه كان يده عليه فتتعارض البينتان وحكمنا له باليد الذي
كان له.
قال قوم: يلزم الملتقط الضمان وقت مطالبة صاحبها، لقوله عليه السلام: من
وجد لقطة فليشهد ذا عدل ولا يكتم ولا يغيب فإن جاء صاحبها فليردها وإلا فهو
مال الله يورثه من يشاء.
وقال آخرون: اللقطة بعد الحول تجري مجرى القرض، والقرض يلزم
بنفس القرض لا بمطالبة المقرض، والأول أقوى.
متى مات الملتقط فإنها تنتقل إلى الورثة وحكمه حكم الملتقط سواء.
رجل ضاع منه عبد فوجد بمصر فجاء صاحب العبد إلى حاكم مكة فقال:
ضاع لي عبد من حاله وقصته...، وذكر صفته، وأقام بذلك شاهدين بأنه ضاع
منه عبد من حاله وقصته... ولا يعلم أنه ما زال ملكه عنه إلى هذه الغاية.
فسأل الحاكم ليكتب إلى حاكم مصر، فإنه يكتب معه ويقول: حضر فلان
بن فلان الفلاني وادعى أنه ضاع منه عبد من صفته وقصته...، وأقام على ذلك
عندي شاهدين عدلين، أو يقول " فلانا وفلانا " إذا كان يعرفهما، ودفع إليه
الكتاب فجاء إلى مصر فقرأ الحاكم كتابه فإنه لا يسلم العبد إليه لأن الصفة تشبه
الصفة وتطابق الصفة الصفة ويجوز أن يكون عبد آخر يوجد فيه الأوصاف.
فإن حضر الشاهدان اللذان كانا بمكة فشهدا فقال: هذا العبد لهذا الرجل،
فإنه يسلم إليه، لأنهما شهدا على عين وفي الأول شهدا على صفة.
فإن جاء صاحب العبد وأشار على الحاكم حتى يبيع هذا العبد في الضوال،
فأجابه فنصب هذا صاحب العبد أمينا فاشترى العبد من الحاكم فلما اشتراه حمله
إلى مكة، فشهد شاهدان بأنه عبده، وقبل الحاكم شهادتهما، فإنه يبرأ الذي اشتراه
" يعني أمينه "، ويتبين أن بيع الحاكم كان باطلا، لأنه كان عبده واشترى عبد
نفسه، ثم نظرت: فإن لم يدفع الثمن فإنه لا يدفعه وإن كان دفعه استرجع ممن
دفعه إليه.
222

وإن جعل الحاكم في عنق العبد ختما من رصاص - ويجعله في عنقه من
حيث لا يمكنه أن يخرج رأسه منه، يجعله مثل القلادة - وسلمه إليه ويجعله في
ضمانه وينفذه إلى حاكم مكة، فإن شهدا بأنه عبده، فإنه يكون عبده ويكتب إلى
حاكم مصر ويبرأ الذي اشتراه، فأما إن لم يشهد الشهود يلزمه الرد إلى مصر، فإن
تلف في المجئ قبل وصوله إلى مكة أو تلف في الرجوع فإنه يلزمه الضمان،
وإن تلف العبد وأفلس المدعي فلا يكون له ذمة يرجع إليه، ويلزمه ضمان ما
عطل من كسب هذا العبد ومنفعة هذه المدة، وكذلك حكم الأمة سواء.
من ضاع له ضالة أو سلعة أو متاع يجوز له أن يجعل له جعلا لمن جاء به،
وهكذا إن قال: من يبني داري هذه فله كذا، أو يقول: من يخيط ثوبي هذا فله
كذا، فإنه جائز لقوله تعالى: " ولمن جاء حمل بعير وأنا به زعيم " فإذا ثبت هذا
فإنه يجوز أن يكون العمل منه مجهولا والمدة مجهولة، لأن هذا من العقود الجائزة
لا اللازمة كالعارية، وأما العوض فلا بد من أن يكون معلوما.
فإذا ثبت هذا فإن هذه الجعالة قبل الشروع فيها جائزة من الطرفين، ومتى
تلبس بهما فالمجعول له بالخيار إن شاء أتم وإن شاء رجع، فإن لم يتم وتبرأ بعد
الشروع، فله ذلك وقد أبطل المنفعة على نفسه، وإن أراد الجاعل الرجوع بعد
أن تلبس بها فليس له ذلك إلا أن يبذل له أجرة ما قد عمل.
من جاء بضالة إنسان أو بآبقة أو بلقطة من غير جعل ولم يشترط فيه، فإنه لا
يستحق شيئا، سواء كان ضالة أو آبقا أو لقطة، قليلا كان ثمنه أو كثيرا، سواء
كان معروفا برد الضوال أو لم يكن، وسواء جاء من طريق بعيدة تقصر الصلاة
فيه أو جاء به من طريق دون ذلك.
وقال بعضهم: إن كان معروفا برد الضوال وممن يستأجر لرده فإنه يستحق
المجعل، وإن لم يكن معروفا لم يستحق.
وقال قوم: إن كان ضوالا أو لقطة فإنه لا يستحق الأجرة، وإن كان آبقا فإن
جاء به من مسيرة ثلاثة أيام وكان ثمنه أربعين درهما وزيادة فإنه متى جمع هذين
223

الشرطين فإنه يستحق أربعين درهما، وإن أخل بهذين الشرطين فإن جاء به
مسيرة أقل من ثلاثة أيام فبحسابه وإن جاء به من مسيرة يوم استحق ثلث أربعين،
وإن جاء به من مسيرة يومين ثلثين.
وإن كان أقل ثمنا من أربعين ينقص من ثمنه درهما ويستحق الباقي، فإن
كان قيمته أربعين استحق تسعة وثلاثين وإن كان ثلاثين استحق تسعة وعشرين،
وعلى هذا إن سوى درهما فلا يستحق شيئا، وقال أبو يوسف: يستحق أربعين ولو
سوى درهما، قال: والقياس أن لا يستحق شيئا لكن يعطي أربعين استحسانا،
وأول الأقوال أصح وأقرب إلى السداد.
وقد روى أصحابنا في من رد أربعين درهما قيمته أربعة دنانير ولم يفصلوا ولم
يذكروا في غيره شيئا، وهذا على جهة الأفضل لا الوجوب.
رجل له عبد آبق فجاء به إنسان فقال المشروط له: شارطتني على جعل
وأنا أستحق الأجرة عليك، فقال الجاعل: ما شارطتك على جعل، فإن القول
قول الجاعل مع يمينه، لأن المجعول له يدعي إحداث شرط والأصل ألا شرط.
من له عبدان آبقان فقال لرجل: إن جئتني بعبدي الفلاني فلك كذا، فجاء
بأحد عبدين، ثم اختلفا، فقال الجاعل: ما شارطتك على هذا ولكن شارطتك
على الآخر، وقال المجعول له: بل شارطتني على هذا، فهذه في التقدير كالمسألة
قبلها، لأن الأصل ألا شرط، فالقول قول الجاعل مع يمينه.
إذا قال: إن جئتني بعبدي الآبق فلك كذا، فجاء به ثم اختلفا، فقال
المجعول له: شارطتني على دينار، وقال الجاعل: شارطتك على نصف دينار،
فهذا خلاف في قدر الأجرة، قال قوم: يتحالفان، لأن الخلاف إذا وقع في قدر
العوض الذي عقد عليه أوجب التحالف كالمتبايعين، ويفسخ العقد، ويستحق
أجرة المثل، والذي يقتضيه مذهبنا أن له أجرة المثل مع يمين الجاعل، لأنه
المدعى عليه.
لو قال: من جاء بعبدي الآبق فله دينار، فجاء به واحد، فإنه يستحق دينارا،
224

وإن جاء به اثنان استحقا دينارا، وكذلك القول في الثلاثة، وما زاد عليه لكل
واحد ما يصيبه.
ولو قال: من دخل داري فله دينار، فدخله اثنان فصاعدا يستحق كل واحد
دينارا.
والفرق بينهما أن من قال: من دخل داري فله كذا، علق الاستحقاق
بالدخول، وقد وجد من كل واحد منهم ذلك فاستحقه، وليس كذلك الرد،
لأنه علق الاستحقاق برده ولم يرده كل واحد منهم، وإنما جاء به جميعهم،
فبجميعهم حصل المقصود، فلهم كلهم الأجرة، لأن السبب وجد من جميعهم، ولم
يوجد من كل واحد على الانفراد.
وإذا قال: من جاءني بعبدي الآبق فله ثوب أو له دابة، فجاء به رجل فإنه
يستحق أجرة المثل، لأن العقد فاسد، لأن الأجرة مجهولة، فإن جاء به ثلاثة
استحق كل واحد منهم ثلثا أجرة المثل.
ولو قال لواحد: إن جئتني بعبدي الآبق فلك ثوب، وقال لآخر: إن جئتني
به فلك عشرة، وقال لآخر: إن جئتني به فلك عشرون، وقال لآخر: فلك
الثلاثون، فجاءوا به، فلكل واحد ثلث ما سماه، وكذا إن سوى فقال لكل واحد:
إن جئتني بعبدي فلك العشرة، فلكل واحد ثلث العشرة.
وإن كان سمى لبعضهم مجهولا ولبعضهم معلوما مثل أن يقول لواحد: إن
جئتني بعبدي الآبق فلك ثوب، وقال لآخر: إن جئتني به فلك عشرة، ولآخر
عشرون، فجاءوا به، فإن لمن جعل له مجهولا ثلث أجرة مثله ولمن جعل له
معلوما ثلث المسمى.
وإن قال لواحد: إن جئتني بعبدي فلك دينار، فجاء به هو وغيره، فإن هذا
الذي عينه يستحق نصف الدينار، ولا يستحق الآخر شيئا، لأنه تطوع به، وعلى ما
قلناه يستحق نصف أجرة المثل، وهكذا إن جاء به ومعه رجلان آخران، فإن
هذا استحق ثلث الدينار لأنه عمل ثلث العمل ولا يستحق الآخران شيئا.
225

ولو قال: من جاءني بعد آبق من البصرة فله دينار، فجاء من واسط فإنه
يستحق نصف دينار، لأنه عمل نصف العمل، ولو قال: إن جئتني بعبدي فلك
كذا فجاء به إلى باب ثم هرب، فإنه لا يستحق شيئا لأنه ما جاء به، لأن المقصود
من المجئ به التسليم.
وإذا وجد طعاما رطبا لا يبقى فهو بالخيار بين أن يقومه على نفسه ويضمن
ثمنه لصاحبه إذا جاء، وبين أن يبيعه ويحفظه على صاحبه، أو يتصدق به، على ما
قلناه من شرط الضمان، وفيهم من رجح البيع على الأكل لأنه أشبه بأحكام
اللقطة.
وتعريف السنة لا يسقط بلا خلاف، وينبغي أن يعرف الطعام لا القيمة، لأن
القيمة لا يقف عليها صاحب الطعام، وهل يلزمه أن يعزل القيمة في الحول أم لا؟
قيل فيه وجهان: أحدهما لا يلزمه لأنه كالمقبوض، الثاني يلزمه أن يعزل القيمة في
الحول لأن ذلك من مقتضى اللقطة، فإنه لا يجوز التملك إلا بعد السنة، وهذا
أحوط.
وفائدة ذلك أنه إذا عزله ليس له أن يتصرف فيه بنفسه، ولا لورثته إن مات
أو أفلس، فإن جاء صاحبه رجع في عين ماله لأنه في يده أمانة، فإن تلف يكون
من مال صاحب اللقطة، ومن قال: لا يلزمه أن يعزله، فإن جاء صاحبه ولم يعزله
وكان هذا مفلسا ضرب مع الغرماء، وإن كان قد عزله فكأنه لم يعزل، وكأنه
عزل من مال نفسه.
فأما إن باعه واختار البيع نظرت: فإن لم يكن الحاكم في البلد فباع أو
كان الحاكم وأمره ببيعه أو نصب أمينا ببيعه فباعه، فإنه يعرف الثمن، فإن جاء
صاحبه ووجد عين ماله فإنه لا يرجع في العين، وإنما له الثمن.
فأما إن باعه هو والحاكم ببلده فالبيع باطل، لأن هذا لا يلي بيعه، فإن جاء
صاحبه فإن وجد عين ماله أخذه وإن لم يجده نظرت: فإن كان الثمن وفق القيمة
أخذه، وإن كان أكثر من قيمته فإنه يرد تلك الزيادة، وإن كان أقل فهو بالخيار
226

إن شاء أخذ ناقصا، وإن شاء أخذ القيمة.
فصل: في حكم اللقيط وما يوجد معه:
المنبوذ والملقوط واللقيط بمعنى واحد، وأخذ الملقوط واجب، وهو فرض
على الكفاية، مثل الصلاة على الجنازة ودفن الموتى، لقوله تعالى: " وتعاونوا على
البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان " وأخذه من البر، وتركه من الإثم
وقوله تعالى: " وافعلوا الخير " وأخذه من الخير، ولأنه في معنى المضطر لأنه
احتاج الحضانة والكسوة والطعام، وإطعام المضطر واجب بلا خلاف.
فإذا ثبت، فإنه يملك هذا الصغير كما يملك الكبير، وله يد كما أن للكبير
يدا ويملك بالإرث والوصية، فإن يوصي له ويقبل الولي وصيته، وكل من ثبت
ملكه ثبت يده كالكبير، غير أن الكبير أرفع حالا في باب التملك من الصغير،
لأنه يملك التصرف بالبيع والشراء ويملك بالاختيار، والصغير يملك بلا
اختيار، فكل ما كان ملكا للكبير جاز أن يكون ملكا للصغير، وكل ما كان يد
الكبير عليه كذلك يد الصغير عليه، وصح ملكه كالكبير.
فإذا ثبت أنه يصح ملكه فكيف ينفق عليه؟ سنذكره فيما بعد، ثم ينظر فيه:
فإن كل ما كان عليه من الثياب مثل العمامة والقميص فإن يده عليه، وما كان
مفروشا وما كان مطروحا عليه يكون يده عليه، وما كان تحت رأسه مثل صرة
فيها دنانير أو دراهم، فإنه يثبت يده عليه وإن كان مشدودا في يده.
وإن كانت دابة مشدودة في رحله فإن يده عليها، وإن كان على فرس
مشدود فإن الفرس له، وجميع ما على الفرس يكون يده عليه، وكل ما كان
مشدودا على الفرس فإن يده عليه.
فإن وجد في برية في خيمة أو فسطاط فإن الخيمة والفسطاط وما فيهما يكون
له، ويده عليه، ولو جاز أن يكون دارا لا مالك لها يوجد في تلك الدار، فإنها
تكون له كالخيمة.
227

فأما ما كان مدفونا تحته فإنه لا يكون يده عليه، لأن بينه حائلا كالكنز،
وكذا ما كان بعيدا منه مثل رزمة ثياب أو صرة أو دابة بعيدة منه، فإنه لا يكون
يده عليه، وهذا كله لا خلاف فيه، فأما ما كان قريبا منه مثل أن يكون بين يديه
صرة أو رزمة فهل يحكم بأن يده عليه أم لا؟ قيل فيه وجهان:
أحدهما: لا يكون يده عليه، لأن اليد يدان، يد مشاهدة ويد حكمي، فيد
المشاهدة ما كان متمسكا به، ويمسك بيده، ويد الحكمي ما كان في بيته
ويتصرف فيه، وهذا ليس بأحدهما.
والوجه الثاني: يكون يده عليه، لأن العادة جرت بأن ما يكون بين يديه
يكون يده عليه، مثل البنيكة بين يدي الطواف والميزان وغيرهما فإن يده عليه،
وهذا أقوى.
وفي الناس من قال: فلو كان هذا المنبوذ مطروحا على دكة فما يكون على
الدكة يكون يده عليه، فإذا ثبت هذا فإنه لا يخلو: أن يوجد في ملك إنسان أو في
غير ملك.
فإن وجد في ملك الغير، فإن ما يكون معه لصاحب الملك كرجل وجد
ثوبا في دار رجل فإنه يكون لصاحب الدار.
فأما إن وجده في طريق نظرت: فإن كان في طريق منشاة، وكان مما لا
يجوز أن يبقى من الجاهلي مثل الحيوان والطعام والثياب، فكل ما كان حيوانا
حكمه حكم الضوال، ويلحق بالضوال، وما يكون من الطعام وغيره يكون حكمه
حكم اللقطة.
وإن وجده في طريق موات وكان من ضرب الجاهلية، فإن كان على وجه
الأرض يكون لقطة، وإن كان مدفونا في أرض ميتة فلا يخلو من ثلاثة أقسام:
أحدها أن يكون من ضرب الإسلام، والثاني ما يكون من ضرب الجاهلية،
والثالث مالا يعرف هل هو من ضرب الإسلام أو من ضرب الجاهلية؟
فإن كان من ضرب الإسلام فإنه يكون لقطة، وما كان من ضرب الجاهلية
228

يكون حكمه حكم الركاز فخمسه لأهل الخمس، والباقي للواجد، الثالث إذا
كانت آنية لا يعرف أنها من ضرب الإسلام أو من ضرب الجاهلية، فإنه يحكم له
بحكم الركاز فإنه لا يعرف صاحبه ووجد مدفونا، ألحق بالركاز فخمسه لأهله،
والباقي للواجد.
إذا وجد هذا المنبوذ فلا يخلو ملتقطه من أحد أمرين: إما أن يكون أمينا ثقة أو
غير ثقة، فإن كان فاسقا غير ثقة، فإن الحاكم ينتزعه من يده ويسلمه إلى أمين
ليقوم بأمره، لأن هذا أمانة وولاية وحضانة، والفاسق ليس بأهل لذلك، فإن كان
أمينا أو كان فاسقا فانتزع الحاكم من يده وسلمه إلى من نصبه كان الحكم فيه
واحدا فإنه يترك في يده وينفق عليه.
فإذا وجده هذا الأمين فإنه يكتب ويشهد عليه، وهل الإشهاد واجب أو
مستحب؟ قيل: فيه وجهان كاللقطة.
فأما من أين ينفق عليه؟ فلا يخلو حال المنبوذ من أحد أمرين: إما أن يكون
له مال يوجد معه، أو لم يكن له مال، فإن كان له مال فإنه ينفق عليه من ماله
كمعروف النسب، فإذا ثبت هذا فلا يخلو: إما أن يكون هناك حاكم أو لم يكن
هناك حاكم.
فإن كان هناك حاكم فليس للملتقط أن ينفق عليه بغير إذن الحاكم، لأن
التربية والحضانة ولاية وكذلك الإنفاق، وذلك لا يكون إلا للوالد أو الجد أو
الوصي أو أمين الحاكم وهذا ليس منهم، فلا يكون له ولاية، ولأنه يجوز أن يكون
لهذا المنبوذ نسيب أو يكون مملوكا فيجب أن يرفع إلى الحاكم ليتبين فيما بعد
أمره.
فإن أنفق عليه بغير إذن الحاكم كان مضمونا عليه، لأنه أنفق مال الغير بغير
حق، كرجل عنده وديعة فأبق عبد للمودع فأنفق الوديعة على الآبق للمودع،
فإنه يكون خائنا، وإن رفع إلى الحاكم فهل للحاكم أن يأذن لهذا الذي وجده أن
ينفق عليه، أو ينتزعه من يده ويسلمه إلى أمين ويقدر له نفقة؟
229

قال قوم: للحاكم أن يأذن له في الإنفاق عليه، وقال آخرون: ليس له ذلك
وإذا أنفق عليه فقد تطوع بذلك فلا يرجع عليه، والأول أصح، وإذا سلم الحاكم
إلى الأمين يقدر له نفقة كل يوم والأمين بالخيار إن شاء أنفق بنفسه، وإن شاء سلم
إلى الذي في يده نفقة كل يوم يوما فيوما، ثم ينظر: فإن كانت النفقة قدر كفايته
فلا كلام، وإن كان أكثر، فإنه يرد تلك الزيادة، وإن كانت أقل رجع إلى
الحاكم ويطالبه بزيادته ليقدر له.
وإذا لم يكن هناك حاكم وأنفق عليه فهل يضمن أم لا؟ قيل فيه قولان:
أحدهما لا يضمنه لأنه موضع الضرورة، والثاني يضمن لأنه أنفق مال غيره بغير
إذنه، وهذه مثل مسألة الجمال إذا هرب والمكتري ينفق على الجمل، فهل يضمن
على قولين.
فأما إذا لم ينفق عليه ولم يكن للقيط مال فإنه ينفق عليه من بيت المال بلا
خلاف، لأن ذلك من المصالح، فإذا لم يكن في بيت المال مال أو يكون لكن
يحتاج إليه فيما هو أهم من هذا مثل ظهور عدو فيحتاج إلى جيش ويحتاج إلى
نفقتهم، فعلى من نفقة هذا اللقيط؟ قيل فيه قولان: أحدهما على سائر الناس،
والثاني يستقرض عليه.
فمن قال: نفقته على المسلمين، فإذا قام به واحد سقط عن الباقين، وإن ظهر
مال في بيت المال فقد سقط عنهم جملة، ومن قال: يستقرض، فإن استقرض من
الذي وجده فهل يأمره بالإنفاق عليه أو ينزع من يده ويسلم إلى غيره لينفق
عليه؟ على قولين أصحهما أنه يجوز تسليم ذلك إليه، وإن استقرض من غيره، فإن
الحاكم يقدر قدر كفايته لينفق عليه بالمعروف.
وإن لم يوجد من يستقرض منه ولا في بيت المال مال، فإن الحاكم يقسم على نفسه و
على المسلمين نفقته بالمعروف، فإن ظهر في بيت المال مال فإنه
يسقط عن ذمته ويقضي من بيت المال.
ومن قال: لا ينزع من يده ويأمره بالإنفاق عليه بالمعروف، فإذا بلغ اللقيط
230

فما أنفق عليه من مال نفسه رجع عليه بقدر ما أنفقه بالمعروف، فإن ادعى أكثر
من ذلك فلا يقبل قوله في الزيادة.
وإن اختلفا في قدر النفقة فالقول قول الملتقط، لأنا نعلم أنه لا بد من غذائه
وإن كثر الغذاء، ويقبل قوله فيما يدعيه من المعروف، ومتى بلغ اللقيط وادعى
على الملتقط أنه لم ينفق عليه ماله، كان القول قول الملتقط مع يمينه لأنه أمين.
رجلان وجدا لقيطا فتشاحا على حضانته وتربيته، فلا يخلو حالهما من أحد
أمرين: إما أن يكونا متساويين أو غير متساويين.
فإن كانا متساويين مثل أن يكونا حرين مسلمين عدلين مقيمين موسرين،
وإن كان أحدهما خيرا من الآخر بأن يكون أزهد وأعدل، فإنه يقرع بينهما وأعطي
من خرج اسمه، سواء كانا رجلين أو امرأتين أو رجلا وامرأة فإنه يقرع بينهما لأن
القرعة تستعمل في كل أمر مشكل.
رجلان وجدا لقيطا وكانا قد استويا في الشروط فترك أحدهما، للآخر أخذ
الكل أو يحتاج إلى إذن الحاكم؟ قيل فيه وجهان: فيهم من قال: ليس له أخذه
حتى يأذن له الحاكم، لأنه إنما يملك إسقاط حقه ولا يملك تحصيله لغيره ولاية،
وفيهم من قال: له أن يأخذ الكل بغير إذن الحاكم، وهو الأقوى، لأنهما ملكا
الحضانة بالالتقاط، ألا ترى أنه لو أقرع بينهما لما احتيج إلى إذن الحاكم، فإذا
أسقط أحدهما حقه صار الكل للآخر كالشفيعين، وهذا كله إذا كانا متساويين.
فأما إذا كانا مختلفين فإنا نذكر أولا الحكم في الإفراد ثم يجمع بينهما.
إن وجده عبد فإنه ينزع من يده، لأنه لا يملك من نفسه شيئا يشتغل به في
الحضانة، إلا أن يأذن له سيده، فحينئذ لا ينزع من يده، كما لو وجده سيده
ودفعه إلى عبده.
وإن وجده حر فلا يخلو: أن يكون مسلما أو كافرا.
فإن كان كافرا نظرت في اللقيط: فإن كان بحكم الإسلام نزع من يده، لأن
الكافر لا يلي على مسلم، ولأنه ربما فتنه عن دينه، وإن كان حكم له بالكفر فإنه
231

يترك في يده ولا ينزع من يده.
وإن كان الذي وجده مسلما فلا يخلو: إما أن يكون أمينا أو فاسقا.
فإن كان فاسقا فإنه ينزع من يده لأن الفاسق لا ولاية له، ولأنه ربما يسترقه.
وإن كان أمينا فلا يخلو: أن يكون حضريا أو بدويا.
فإن كان حضريا وأراد أن يسافر به نظرت: فإن أراد أن يسافر به إلى البادية
فإنه ينزع من يده، لأنه يضيع نسبه لأنه يطلب في هذا الموضع، فإن كان له
نسب فإنه يظهر في الموضع الذي وجد ولأن الحضر أحوط للقيط، ولأنه ربما
استرقه، وإن أراد أن يسافر به إلى قرية قيل فيه وجهان: أحدهما يترك في يده،
لأنه لا فرق بين القريتين إذا كان حضرا، والثاني ينتزع من يده لما قدمناه من أمر
البدوي.
وإن كان الذي وجده بدويا فلا يخلو: أن يكون بدويا له حلة مرتبة ولا
ينزعج عن مكانه أو يكون بدويا ينتقل من مكان إلى غيره، فإن كان له حلة فإنه
يترك في يده ولا ينزع، وإن كان ينتقل فهل يترك أو ينزع؟ قيل: فيه
وجهان، هذا كله إذا كان منفردا.
فأما إذا كانا نفسين غير متساويين عبد وحر فإنه يسلم إلى الحر إلا أن يأذن
له سيده فحينئذ يقرع بينهما، وإن وجده مسلم وكافر، وكان اللقيط حكم له
بالإسلام، فإنه يسلم إلى المسلم، وإن كان حكم له بالكفر فإنه يقرع بينهما، وإن
وجده أمين وفاسق، فإنه يسلم إلى الأمين.
وإن وجده أمينان فقد تساويا في الأمانة، قال قوم: يدفع إلى أيسرهما، فإن
تساويا في اليسار أقرع بينهما.
وإن وجده قروي وبدوي نظرت: فإن وجداه في حصر وقرية فإنه يسلم إلى
القروي، فإن وجداه في البادية فلا يخلو البدوي: إما أن يكون له حلقة مرتبة أو
ممن ينتقل، فإن كان له حلة مرتبة فإنه يقرع بينهما، وإن كان منتقلا فمبني على
الوجهين، فمن قال: ينزع من يده إذا انفرد، فهاهنا مثله، ومن قال: لا ينزع، فهاهنا
232

يقرع، وكل موضع قيل: ينزع، فإنه يسلم إلى الأمين.
الناس على ضربين: مكلفون وغير مكلفين، فالمكلف البالغ الرشيد، فحكم
إسلامه بنفسه لا بغيره، ويعتبر إسلامه بنفسه، وغير المكلف مثل المجنون والطفل
فالتفريع على الطفل، فإذا ثبت فيه فالمجنون حكمه حكمه.
إذا ثبت هذا فاعتبار إسلام الطفل بشيئين: أحدهما يعتبر بنفسه، والثاني
يعتبر بغيره، فاعتباره بنفسه سيجئ بيانه، وأما اعتباره بغيره فعلى ثلاثة أضرب:
أحدها الأبوان والثاني السابي، والثالث دار الإسلام.
فاعتباره بالوالدين إذا كان أبواه مسلمين، فإنه يحكم بإسلامه لقوله تعالى:
" الذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم " فأخبر تعالى أن إيمان
الذرية يلحق بإيمان أبويه، وهكذا إن كان أبواه كافرين، فإنه يحكم بكفر الأولاد
الأطفال تبعا لهما.
فإن كان مسلم الأب فإن إسلامه يكون بشيئين: أحدهما أن يكون مسلما في
الأصل فيتزوج بكتابية، والثاني كانا مشركين فأسلم الأب، فإذا أسلم الأب فإن
كان حملا أو ولدا منفصلا فإنه يتبع الأب للآية، لا خلاف أيضا فيه.
فأما إن أسلمت الأم، فإن إسلامها بشئ واحد، وهو إذا كانا مشركين
فأسلمت هي، لأنه لا يجوز للمشرك أن يتزوج مسلمة، فإذا أسلمت فإن الحمل
والولد تبع لإسلامها، للآية وإجماع الفرقة.
فإن بلغ هذا الطفل نظرت: فإن بلغ مجنونا فإن إسلامه يتبع إسلام
الوالدين لأنه لا يصح إسلامه في هذا الوقت، وإن بلغ وكان رشيدا فإن إسلامه
يعتبر بنفسه لا بإسلام والديه، لأنه لو أسلم في هذا الوقت لصح إسلامه.
وإن بلغ رشيدا ثم جن هل يعتبر إسلامه بإسلام أبيه أو يعتبر إسلامه بنفسه؟
قيل فيه وجهان: أحدهما يعتبر إسلامه بنفسه، لأنه بالبلوغ انقطع حكم الأبوين،
والثاني - وهو الصحيح عندهم - أن إسلامه يعتبر بإسلام أبويه، لأنه لما جن عاد
إلى حكم الطفولية، وعاد الحجر كما كان، لأنه لو أسلم في هذا الحال لم يصح
233

إسلامه.
فأما السابي فينظر فيه: فإن سبي معه أبواه، فإن حكم إسلامه بإسلام أبويه،
لأن هذا الطفل لا حكم له بنفسه، وليس هاهنا أولى من الأبوين، وهكذا إن كان
الأبوان كافرين فيحكم بكفر هذا الطفل تبعا للأبوين، فإن مات أبواه أقر على دين
أبويه، لأن الذمي إذا مات بيننا فإن أولاده يقرون على دينه، فكذلك هاهنا.
وإن سبي وحده فإنه يتبع السابي لأن هذا الطفل لا حكم له بنفسه، وليس
هاهنا غير السابي، فيحكم إسلامه بإسلام السابي، وهكذا إن كان السابي كافرا
فإنه يحكم بكفر هذا الطفل تبعا للسابي.
وأما الدار فداران: دار الإسلام ودار الحرب، فدار الإسلام على ثلاثة أضرب:
بلد بني في الإسلام ولم يقربها المشركون، مثل بغداد والبصرة، فإن وجد
لقيطا هاهنا فإنه يحكم بإسلامه، لأنه يجوز أن يكون ابنا لمسلم، ويجوز أن يكون
لذمي فيغلب حكم الإسلام لقوله عليه السلام: الإسلام يعلو ولا يعلى عليه.
والثاني: كان دار كفر فغلب عليه المسلمون وأخذوه صلحا وأقروهم على ما
كانوا عليه، على أن يؤدوا الجزية، فإن وجد لقيط نظرت: فإن كان هناك مسلم
مستوطن، فإنه يحكم بإسلامه، لما ذكرناه، وإن لم يكن هناك مسلم أصلا حكم
بكفره، لأن الدار دار كفر.
والثالث: دار كانت للمسلمين وتغلب عليها المشركون، مثل الطرسوس،
فإذا وجد فيها لقيط نظرت: فإن كان هناك مسلم مستوطن حكم بإسلامه، وإن
لم يكن هناك مسلم قال قوم: يحكم بإسلامه، لأنه يجوز أن يكون هناك مسلم
مستقر متق لا يقدر أن يظهر، وهذا ضعيف.
فأما الضرب الثاني من الدار دار الحرب، مثل الروم فإن وجد فيها لقيط
نظرت: فإن كان هناك أسارى فإنه يحكم بإسلامه، وإن لم يكن أسارى ويدخلها
التجار فهل يحكم بإسلامه؟ قيل فيه وجهان: أحدهما يحكم بإسلامه لتغليب
الإسلام، والثاني يحكم بكفره، لأن الدار دار حرب.
234

قد ذكرنا أن إسلام الصبي معتبر بشيئين: بإسلام غيره وبنفسه، وقد ذكرنا
أن إسلامه بغيره على ثلاثة أضرب: إسلام بالأبوين أو أحدهما، وإسلام بالسابي،
وبالدار دار الإسلام.
فأما إسلامه بوالديه أو بأحدهما فإنه يصح، ويكون مسلما ظاهرا وباطنا، لأنا
حكمنا بإسلام أبويه ظاهرا وباطنا، فإذا بلغ نظرت: فإن وصف الإسلام صح
إسلامه، وإن وصف الكفر كان مرتدا يستتاب، فإن تاب وإلا قتل، وفي الناس من
قال: لا يقتل ويقر على ذلك لأنه كان تبعا لأبويه فإذا بلغ انقطع تعلق الأبوين
فحكمه حكم نفسه، وهذا ضعيف، لأنا حكمنا بإسلام أبويه ظاهرا وباطنا فهو كما
لو ارتد أحد أبويه، يرث ويورث ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين، فإذا ارتد
حكم بحكم من ارتد من المسلم الأصلي.
فأما إن بلغ ولم يصف إسلاما ولا كفرا فسكت فقتله إنسان، فالأقوى أنه
ليس على القاتل القود، ولا يقتل به، وفي الناس من قال: يقتل قاتله، لأنا حكمنا
بإسلامه والظاهر أنه مسلم حتى يظهر منه شئ آخر، وهذا ليس بشئ لأنه يجوز
أنه سكت لأنه ما سئل، ويجوز أنه سكت لاعتقاده الكفر، فإذا احتمل هذا وغيره
فالقتل سقط بالشبهة وهو قوي عندي.
فأما إسلامه بالسابي فالحكم كما ذكرنا يرث ويورث عنه ويصلى عليه
ويدفن في مقابر المسلمين، والقتل كما ذكرناه.
فأما إسلامه بالدار فإنه أضعف لأنا حكمنا من حيث الظاهر وإسلامه من
حيث الظاهر، لأنه لو أقام البينة بأن أبويه كافران حكمنا بكفره، ويفارق السابي
لأنه إذا أقام البينة بأن أبويه كافران ما حكمنا بكفره، لأنا تحققنا أن السابي مسلم
ظاهرا وباطنا، وحكمنا بإسلام هذا ظاهرا وباطنا، فإن مات فإنه يورث عنه ويرثه
إن ظهر نسبه، ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين، وإن قتله إنسان فإن كان
عمدا وجب على قاتله القود، وإن كان خطأ وجبت الدية على عاقلته.
وإن بلغ نظرت: فإن وصف الإسلام صح إسلامه، وإن وصف الكفر
235

فالأقوى أنه لا يقتل، بل يهدد ويقرع ويقال: حكمنا بإسلامك ترجع إلى
الإسلام.
وفي الناس من قال: يقتل لأن حكمه حكم المرتد يستتاب فإن رجع وإلا
قتل، لأنا حكمنا بإسلامه والظاهر أنه مسلم فإذا وصف كفرا كان مرتدا.
وقال قوم: هذا خطأ لأنا حكمنا بإسلامه ظاهرا ويجوز أن يكون كافرا
ومسلما، فإذا احتمل هذا سقط القتل، ويفارق الأول لأنه محكوم بإسلامه ظاهرا
وباطنا.
ويقوى في نفسي أن كل موضع حكمنا بإسلامه أن من قتله يجب عليه
القود، لأنه محكوم بإسلامه، وكل موضع قلنا: يقر على دينه، نظرت:
فإن كان متمسكا بدين أهل الكتاب فإنه يقال له: إما إن تسلم أو تقيم
وتؤدي الجزية أو تلحق بدار الحرب فإما أن تقيم بلا جزية فلا.
وإن كان متمسكا بدين لا يقر أهله يقال له: إما أن تسلم أو تقيم على دين يقر
أهله عليه وتلزم أحكامنا أو تلحق بدار الحرب، وكل موضع قلنا: لا يقر على
دينه، فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل، والمجنون في هذه الأحكام كلها كحكم
الصبي.
وأما إن كان إسلامه معتبرا بإسلام نفسه نظرت: فإن كان طفلا بحيث لا
يعبر عن نفسه دون سبع سنين فإن أسلم فلا حكم له بلا خلاف، وإن كان مراهقا
مميزا فأسلم فإن عند قوم لا يحكم بإسلامه ولا بارتداده، ويكون تبعا للوالدين،
غير أنه يفرق بينه وبينهما لكي لا يفتناه.
وفيهم من قال: يحكم بإسلامه ظاهرا، فإذا بلغ ووصف الإسلام كان مسلما
من هذا الوقت، وقال قوم: يحكم بإسلامه وبارتداده غير أنه لا يقتل لأن هذا
الوقت ليس بوقت للتعذيب حتى يبلغ، ولا يكون تبعا للوالدين، والأول أقوى.
رجل وجد لقيطا وكان أمينا وتركناه في يده، فأراد أن يسافر به هل يترك
أو يمنع؟ نظرت: فإن كان أمينا من حيث الظاهر والباطن جميعا مثل أن يكون
236

ولد في ذلك ونشأ فيه وعرف باطنه أنه أمين، فإنه يترك في يده، وإن كان أمينا
في الظاهر مثل أن يكون غريبا يصلى معنا ويكون معنا في الجماعة ويعرف
ظاهره أنه أمين، فتركنا اللقيط في يده، ثم أراد أن يسافر به فإنه يمنع من ذلك،
ولا يترك أن يحمله، لأنه يخاف أن يسترقه.
إذا جنى اللقيط جناية فلا تخلو: إما أن تكون عمدا أو خطأ.
فإن كانت خطأ فإن عاقلته بيت المال سواء كان صغيرا أو كبيرا فإنه حر
مسلم لا عاقلة له، ولأن نفقته في بيت المال، ولأنه لو مات وله مال ولا وارث له
كان لبيت المال، وأيضا فلا خلاف في ذلك.
وإن كانت عمدا فلا يخلو: أن يكون صغيرا أو كبيرا، فإن كان كبيرا
فالمجني عليه بالخيار بين أن يقتص أو يعفو، وإن كان صغيرا فعندنا أن عمد
الصبي وخطأه واحد، فديته على عاقلته وهاهنا في بيت المال، وفي الناس من
قال: يثبت ذلك في رقبته لأنها متعلقة بماله.
وإن جني عليه فلا يخلو: إما أن يكون في النفس أو في الطرف.
فإن كان في النفس فلا يخلو: أن يكون عمدا أو خطأ، فإن كان عمدا فإنه
إلى الإمام، فإن رأى من المصلحة أن يقتص اقتص، وإن رأى العفو على مال
ويدع المال في بيت المال لمصالح المسلمين فعل، وإن كانت الجناية خطأ فإنها
توجب المال، فيؤخذ المال ويترك في بيت المال، بلا خلاف في هذا كله.
وإن كانت الجناية في الطرف، فإن كانت خطأ محضا أو عمدا لا يوجب
القود فإن ذلك كله يوجب المال، ويدفع إلى وليه ليحفظه مع ماله، وإن كان
عمدا يوجب القود فلا يخلو: إن يكون كبيرا أو صغيرا، فإن كان كبيرا كان إليه
إن شاء اقتص وإن شاء عفا، وإن كان صغيرا لا يخلو: أن يكون معتوها أو غير
معتوه.
فإن كان غير معتوه صبيا عاقلا مميزا فإنه لا يقتص عنه، ولا يؤخذ منه المال
لأن القصاص للتشفي وهذا ليس من أهله حتى يبلغ، ولا يؤخذ منه المال لأنه إذا
237

بلغ ربما طلب القود، فترك حقه حتى يبلغ، مثل الصبي الذي حصل له قصاص
فليس لأبيه أن يقتص ولا للحاكم ولا للجد حتى يبلغ.
وإن كان معتوها فلا يخلو: أن يكون معسرا أو موسرا، فإن كان موسرا فلا
يؤخذ عنه المال، وإن كان معسرا يؤخذ المال.
وأما القذف فلا يخلو: أن يكون قذف هو أو قذف.
فإن كان هو قد قذف نظرت: فإن كان صبيا فلا حد عليه وعليه التعزير،
وإن كان المقذوف صبيا فلا حد ولا تعزير، وإن كان بالغا كبيرا نظرت: فإن
كان المقذوف بالغا فإنه يحد.
فأما إذا قذف نظرت: فإن كان صبيا فلا شئ عليه، وإن كان كبيرا
والمقذوف صبيا فلا حد وعليه التعزير، وإن كانا كبيرين نظرت: فإن ادعى
الحرية وصدقه القاذف حد القاذف، وإن ادعى القاذف أنه عبد وصدقه المقذوف
فإنه يسقط الحد ولا شئ عليه.
وإن اختلفا فقال المقذوف: أنا حر قذفتني فعليك الحد، وقال القاذف: أنت
عبد ولا حد علي، قيل فيه قولان: أحدهما القول قول المقذوف لأنا حكمنا بحريته
وإسلامه وأجرى عليه أحكام الحر في القصاص، وهو الأقوى، والثاني أنا حكمنا
بإسلامه من حيث الظاهر، ويجوز أن يكون مملوكا والأصل براءة الذمة، وهذا
أيضا قوي.
اللقيط لا ولاء له ما لم يتوال إلى أحد، فإن مات فميراثه لبيت المال، وقال
شاذ منهم: إن ولاءه لملتقطه.
الدعوة في اللقيط لا تخلو من أربعة أحوال: إما أن يدعي الملتقط، أو يدعي
أجنبي أنه ابنه أو يكونا أجنبيين يدعيان أنه ابنه، الرابع ادعى الملتقط والأجنبي.
فأما إن ادعى الملتقط أنه ابنه فإنه يصح إقراره ويثبت به النسب، لأنه أقر
بمجهول النسب، وأمكن أن يكون منه، ومن كان كذلك قبل إقراره به، ولأن
إقراره به لا يضر بغيره ولا يخالف الظاهر.
238

فإذا ثبت هذا فإنه يحكم له به، ويستحب أن يذكر النسب، فيقول: هذا ابني
ولد على فراشي، أو يقول: أولدته من جاريتي، لأنه ربما يظن هذا الملتقط ويعتقد
أن بالالتقاط يصير ابنه، وإن لم يذكر جاز، ويثبت النسب، ويرث ويورث مثل
الناسب.
وإن ادعى أجنبي بأنه ابنه فالحكم فيه كما ذكرنا في الملتقط سواء، وينزع
من يد الملتقط ويدفع إليه لأنه أبوه وهو أولى به.
فإن ادعى أجنبيان كل واحد منهما أنه أبوه، فإن كان مع أحدهما بينة
يحكم له بها، وإن أقام كل واحد منهما بينة فقد تعارضتا وحكم بالقرعة، وفي
الناس من قال: يبطلان ويرجع إلى القافة.
فإذا اختلف الملتقط والأجنبي، ومعناه من يلتقطه، لأن الملتقط أيضا أجنبي
مثل أن وجد أحدهما لقيطا وبقى في يده أياما ولم يدع أنه ابنه فجاء آخر وادعى
أنه ابنه، ثم ادعى الملتقط أنه ابنه نظرت: فإن ادعيا دفعة واحدة فالحكم فيها
كالحكم في الأجنبيين سواء.
فإن ادعى الملتقط فقد ثبت دعواه في حال لم يكن منازع، فمتى ادعى
الأجنبي بعد ذلك فيقال له: ألك بينة؟ فإن قال: نعم، وأقامها، قيل للملتقط: ما
تقول؟ فإن قال: ليس لي بينة، فإنه يحكم للثاني، لأن البينة أولى من الدعوى، وإن
قال: لي بينة، فقد حصل مع كل واحد منهما بينة وقد تعارضتا، وقد مضى القول
فيها، واليد لا تأثير له هاهنا، لأن اليد إنما يكون له تأثير فيما يملك، والنسب ليس
كذلك.
ومن قال: تبطل البينتان، وقال: نريه القافة، فإن قالت: للأول، ألحقنا به،
وإن قالت: هو للثاني، حكم للثاني، وإن قالت: هو ابن لهما، تحقق خطأها، لأنه لا
يجوز أن يكون ابنا لهما ويوقف حتى يبلغ ويختار.
فإذا أراد الاختيار قيل له: اختر ولا تختر أنظفهما ولا أغناهما وإنما تختار لما
يميل إليه طبعك.
239

فكل موضع حكم بالقافة ودفع إليه بحكمهم وأقام الآخر البينة فإنه يحكم
ببينته، لأنها أولى من القافة، لأنها تشهد عن سماع، والقافة يحكم بغلبة الظن ولأن
البينة متفق عليها والقافة مختلف فيها.
المسألة بحالها ويدهما عليه، والأولى كانت يد أحدهما عليه فإذا كان يدهما
عليه، فإذا كان مع أحدهما بينة حكم له بها وإن أقام كل واحد منهما بينة فقد
تعارضتا وأقرع بينهما.
وإن وصف أحدهما لا يحكم له به، خلافا لأبي حنيفة، لأنه قال: إن وصف
أحدهما شيئا على يديه حكم له به.
رجلان ادعيا لقيطا وادعيا حضانته، فادعيا ملكه، وادعى كل واحد منهما أنه
وجده والحضانة له، فإن كان مع أحدهما بينة ولم يكن مع الآخر حكم له بها.
وإن كان مع كل واحد منهما بينة، فإن كانتا مطلقتين أو مؤرختين متفقتين
أو إحديهما مؤرخة والأخرى مطلقة، فالحكم فيها كلها واحد، فقد تعارضتا وحكم
بالقرعة، والخلاف على ما مضى، وفي من وافقنا في القرعة من قال: إنه إذا خرج
اسم أحدهما حلف مع ذلك.
وإن كانت البينتان مؤرختين مختلفتين مثل أن شهد شاهدان أنه وجده في
رمضان وشهد آخران أنه وجده في شوال حكم للسابق، لأنها شهدت بأن يده
سابقة، وثبتت حضانته فيما قبل.
وإن لم يكن مع أحدهما بينة فلا يخلو: أن يكون في يد أحدهما، أو في أيديهما،
أو لم يكن في أيديهما، فإن لم يكن في أيديهما فإن أمره إلى الحاكم يدفعه
إلى من شاء، وإن كان في يد أحدهما فإنه يدفع إليه لأن اليد والدعوى أولى من
دعوى مجردة، وإن كان في أيديهما أقرع بينهما لقوله تعالى: " إذ يلقون أقلامهم
أيهم يكفل مريم ".
إذا ادعى العبد النسب فإنه يلحق به إذا قال: هذا ابني، لأنه في باب إلحاق
النسب كالحر والنكاح الصحيح كالفاسد والوطء بالشبهة.
240

إذا ثبت أنه ابنه فلا حضانة له، لأن العبد مشغول بخدمة سيده ولا نفقة عليه
لأنه لا يملك، ونفقته على قدر كفايته فلا يلزمه نفقة ابنه ولا نفقة ابن ابنه، وهكذا
الذمي إذا ادعى النسب فإنه يلحق به لأن الذمي مثل المسلم الحر والعبد غير أن
الذمي أحسن حالا من العبد، لأن له أن يتسرى وليس للعبد أن يتسرى فإذا ادعى
نسبا فإنه يلحق به.
وهل يحكم بإسلام هذا الصبي أم لا؟ من الناس من قال: أجعله مسلما،
وفيهم من قال: إن كان معه بينة فإنه يحكم بكفره، لأن البينة أثبتت فراشه،
والمولود على فراش الكافر يكون كافرا غير أنه يستحب نزعه من يده، وأن يجعل
في يد مسلم حتى يبلغ رجاء أن يسلم، وإن لم يكن معه بينة حكم بإسلامه، لأنه
وجد في دار الإسلام تابعا للدار، وهذا هو الأقوى والأولى، لأنه أقر بما له وعليه،
فيقبل إقراره بما عليه ولا يقبل فيما له، وما عليه النسب وما له الإسلام، وإذا حكم
بإسلامه أجرى عليه أحكام المسلمين من الميراث ولزوم القود بقتله عمدا، والدية
إذا كان خطأ.
وإذا بلغ ووصف الإسلام حكم به من حين ادعى أبوه، وإن وصف الكفر
حكم له بحكم المرتد يستتاب فإن تاب وإلا قتل ومن قال إنه كافر قال:
حكمه حكم المشركين إن قتله مسلم فلا قود له ولا دية كاملة، فإذا بلغ ووصف الإسلام
كان مسلما وإن وصف الكفر كان كافرا وأقر عليه.
الحر والعبد والكافر والمسلم في دعوى النسب سواء لا مزية لأحدهم على
صاحبه، وقال قوم: الحر أولى من العبد والمسلم أولى من الكافر، وهذا أقوى.
المرأة ادعت نسبا ووجدت لقيطا فادعت أنه ولدها قيل فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: لا تقبل دعواها، سواء كان معها زوج أو لم يكن، لأن نسبها يمكن
أن يعلم حسا ومشاهدة ولا يتعذر عليها إقامة البينة، فلا تقبل دعواها التي توجب
الظن.
ويفارق الرجل، لأن النسب من جهته لا يمكن العلم به، ولا يمكن إقامة البينة
241

عليه، وفرق بين ما يمكن إقامة البينة عليه، وبين ما لا يمكن، ألا ترى أنه لو قال:
أنت طالق إن حضت، فقالت: حضت، فالقول قولها مع يمينها لتعذر البينة، ولو
قال: أنت طالق إن دخلت الدار، أو قال: أنت طالق إن ولدت، فقالت: ولدت،
أو دخلت الدار، فإنه لا يقبل قولها حتى تقيم البينة لأنها تقدم على إقامة البينة، ولأنا
لو ألحقنا بدعواها لألحقنا بها وبالزوج، وأجمعت الأمة على أنه لا يلحق بالزوج
بدعواها.
فإذا ثبت أنه لا يلحق بالزوج، فإنه لا يلحق بها أيضا، لأنه لا يتبعض فعلى
هذا تسقط دعواها، كان معها زوج أو لم يكن.
والوجه الثاني: أنه تقبل دعواها ويلحق النسب بها دونه، كما أنه لو أقر
الزوج ألحق به دونها.
والثالث: إن كان معها زوج لا تقبل دعواها، وإن لم يكن معها زوج قبلت
دعواها، والحكم في الأمة كالحكم في الحرة سواء على هذه الثلاثة أوجه، والوجه
الثاني أقوى الوجوه.
وإن كانت امرأة وأقامت البينة بالنسب ألحق بها وبالزوج، لأن هاهنا يثبت
النسب بالبينة.
وإن كانت امرأتان فادعتا لقيطا فلا يخلو: إما أن يكون معهما بينة أو لم يكن
معهما بينة، فإن لم يكن معهما بينة فإن هذه تبنى على الوجوه الثلاثة:
فمن قال: لا يقبل فهاهنا لا تقبل دعواهما وتسقطان، ومن قال: تقبل، قبل
دعواهما هاهنا وحكمهما حكم الرجلين إذا ادعيا نسبا وقد مضى شرحه، ومن قال:
إذا كان معها زوج قبل، نظرت:
فإن كان معهما زوج لكل واحد منهما زوج فإنهما تسقطان ولا تقبل
دعواهما، وإن لم يكن معهما زوج فقد تساويا، ويرجع إلى القرعة عندنا،
وعندهم إلى القافة.
وإن كان مع واحدة زوج دون الأخرى، فإنه يحكم لمن لا زوج معها لما
242

مضى، وإن كان معهما بينة نظرت: فإن كان مع إحديهما فإنه يحكم لها ويثبت
النسب ويلحق بها وبزوجها، وإن كانت معهما بينة فقد تعارضتا، وقد مضى القول
فيهما.
رجل وجد لقيطا فادعى آخر أنه عبده، فإنه تسمع هذه الدعوى لأنه يجوز
أن أمته جاءت به من زنا أو من زوج، ويمكن أن يكون صادقا، فإذا أمكن كونه
صادقا سمعت دعواه، وهكذا إن ادعى الملتقط أنه عبده فإنه تسمع منه دعواه
لجواز كونه صادقا، إلا أن هذه الدعوى لا يحكم بها إلا بعد أن يقيم البينة، فإن لم
يكن معه بينة فلا حكم، لأن ما يدعيه خلاف الظاهر، لأن ظاهره الإسلام والحرية
بحكم الدار.
والبينة شاهدان، أو شاهد وامرأتان، ولا تقبل شهادة أربع نسوة، إذا ثبت
ذلك فلا يخلو حال البينة من ثلاثة أحوال: إما أن يشهدوا بالولادة، أو يشهدوا
بالملك، أو يشهدوا باليد.
فإن شهدوا بالولادة فقالوا: هذه ولدته أمته في ملكه، فإنه يحكم بملكه، لأنها
أثبتت الملك، وإن شهدا أن هذا ابن أمته أو ولدته قال قوم: يكون رقيقا لأن ولد
الأمة يكون رقيقا، ومنهم من قال: لا يكون رقيقا لأنه يجوز أن يكون ولدته قبل أن
ملكها.
والذي يقتضيه مذهبنا أنه لا يكون رقيقا لجواز أن يكون ولدته من زوج حر
فيكون حرا عندنا، لأنه يلحق بالحرية.
فأما إن شهدا بالملك فقالا: هذا ملكه، فإن عزياه إلى سبب مثل الإرث
والهبة والشراء فإنه يحكم له بالملك، وإن لم يعزياه إلى سبب فهل يكون ملكا؟
قيل فيه قولان: أحدهما يكون ملكا لأن البينة شهدت بالملك، والقول الثاني لا
يكون ملكا لأنه يجوز أن يكون قد رآه في يده - يد الالتقاط - وظنوا أنه ملكه،
والأول أقوى.
فأما إن شهدوا باليد فقالوا كانت يده عليه أو كان في يده نظرت: فإن كان
243

في يد الملتقط فإنه لا يحكم له به، وإن كان في يد الغير فإنه يحكم له بالملك،
لكن يحلف مع البينة.
اللقيط إذا وجد في دار الإسلام حكم بحريته وإسلامه لأنه وجد في دار
الإسلام، وإذا وجد في دار الشرك يحكم بكفره تبعا للدار، ويحكم بالحرية لأنها
الأصل حتى يحدث الرق.
إذا ثبت هذا وبلغ اللقيط واشترى وباع وتزوج وأصدق ثم أقر بأنه عبد فلا
يخلو من أحد أمرين: إما أن يدعي عليه غيره بأنه عبده أو اعترف هو ابتداء من غير
دعوى، فإن ادعى إنسان أنه عبده فلا يخلو: إما أن يكون معه بينة أو لم يكن، فإن
كان معه بينة يحكم له، وإن لم يكن له بينة رجع إلى العبد:
فإن كذبه وقال: إني حر، فالقول قوله، لأن الأصل الحرية، فهل يحلف
العبد أم لا؟ مبني على أنه هل يقبل قوله في الرق أم لا، قيل فيه قولان: فمن قال:
يقبل قوله في الرق، فهاهنا يحلف رجاء أن يمتنع ويعترف، ومن قال: لا يقبل
إقراره بالرق، فلا يحلف لأنه لا معنى لهذه اليمين، لأنه لو اعتراف لم يقبل إقراره،
فلا فائدة في يمينه هاهنا.
وإن صدقه فقال: صدق وأنا عبده، فإن كان قد اعترف قبل ذلك بالحرية
فإنه لا يقبل إقراره في تصديقه إياه، لأنا حكمنا بحريته وألزمناه أحكام الحرية من
الحج والجهاد والطلاق، ويريد بهذا الإقرار إسقاط ذلك من نفسه فلا يقبل، وإن
لم يكن اعترف قبل هذا بالحرية نظرت في المقر له: فإن كذبه فقد أسقط حقه
- يعني المقر له -.
وإن أقر هذا العبد بعد هذا لغيره فلا يقبل إقراره، وقال قوم: يقبل إقراره
الثاني لأن هذا الإقرار كأنه لم يكن وإقراره الثاني إقرار مبتدأ، كما أن من كان في
يده دار فأقر بها لزيد فلم يقبل زيد، ثم أقر بعد لعمرو فإنه يقبل إقراره في حق
عمرو.
ومن قال لا يقبل قال: لأنه لما اعترف بأنه عبده يقول: لا مالك لي غيره،
244

فبقي أن يكون لغيره، فإذا لم يقبل ذلك الغير فكأنه قال: لا مالك لي وأنا حر،
ولو اعترف بالحرية قبل هذا لقبلنا، ولأن هذا المقر له، لما قال: ليس هو عبد،
فكأنه قال: ليس لي، وأعتقته، فصار حرا بتكذيبه إياه.
وإن صدقه المقر له فالكلام في هذا الفصل والفصل الذي قبله إذا ادعى غيره
وصدقه العبد سواء، وهل يقبل إقرار العبد على نفسه بالعبودية أم لا؟ عندنا أنه
يقبل إذا كان عاقلا رشيدا لم يعرف قبل ذلك حريته، وإلا كان مدعيا لها.
وفي الناس من قال: لا يقبل، فمن قال يقبل قال: لأنه مجهول النسب
فوجب أن يقبل إقراره، كالحربي إذا دخل في دار الإسلام والدعي رقا، لأنه غير
متهم على نفسه، ولأنه لو أقام البينة بأنه عبده لقبلنا كذلك إذا أقر.
ومن قال لا يقبل قال: لأنا حكمنا بحريته وألزمناه بأحكام الحرية فإذا
اعترف بالعبودية أراد إسقاط ذلك عن نفسه، وفي الناس من قال: يقبل إقراره في
الرق ولا يقبل في أحكام الرق، وفرع على هذا القول.
وقيل على الأول: يقبل إقراره فيما يضره ويضر غيره، وعلى الثاني يقبل فيما
يضر نفسه، ولا يقبل فيما يضر غيره.
ثم لا يخلو هذا اللقيط الذي اعترف بالرق من أحد أمرين: إما أن يكون ذكرا
أو أنثى.
فإن كان أنثى، فمن قال: يبطل إقرارها فيما يضر نفسها وفيما يضر غيرها،
فإن نكاحها يبطل في الأصل، لأن الحاكم زوجها على أنها حرة، فلما بأن أنها
مملوكة فقد تزوجت بغير إذن سيدها وذلك باطل، ثم لا يخلو: إما أن يكون
دخل بها أو لم يدخل، فإن كان قبل الدخول فلا يلزم الزوج المهر، لأن النكاح
إذا كان فاسدا ولم يدخل بها فلا يجب المهر، وإن كان دخل بها وكان هذا بعد
الدخول فإنه يلزمه المهر مهر المثل لأن النكاح إذا بطل بعد الدخول لزم مهر
المثل، وأولادها أحرار، لأنه اعتقد أنها حرة يطأها بالزوجية، ويلزمه قيمة الأولاد
لأنه لو لم يعتقد هذا لكانوا ممالك، ويلزمه القيمة يوم سقط لأنه أقرب ما يمكن أن
245

يقوم وهو حي ذلك الوقت، ويلزمها هي عدة قرء واحد عدة أمة.
ومن قال: يقبل قولها فيما يضر نفسها، فالنكاح صحيح، لأن على هذا
القول لا يقبل قولها فيما يضر غيرها، وفي إبطال النكاح يضر الزوج، ثم ينظر:
فإن كان قبل الدخول فلا يلزمه المهر، لأن هذا كان لها وأسقطته بإقرارها، وإن
كان بعد الدخول فإنه يلزم، لأنه وجد الوطء وهو يدعي مهر المسمى والسيد
يدعي مهر المثل، فإذا أفسد العقد وجب مهر المثل.
ثم نظرت: فإن كان المسمى وفق المثل أو دونه، فإنه لا يلزمه إلا ذلك
القدر لأنه لا يقبل إقرارها في الزيادة لأنه يضر بالزوج، وإن كان المسمى أكثر فلا
يلزمه أكثر من ذلك، لأن سيدها لا يدعي أكثر من ذلك، إلا أن يكون قد دفع
الزوج مهر المسمى، فإنه لا يسترجع، لأنه يقول: هذه زوجتي، وأخذها
باستحقاق وأولادها أحرار لما قدمناه من اعتقاده، ولا يلزمه قيمة الأولاد، لأنا
حكمنا بصحة العقد في الأصل.
ثم نقول للزوج: أنت بالخيار إن شئت أن تقيم على هذا ويكون أولادك
مماليك وإن شئت طلقها، فإن اختار الطلاق طلقها طلاق السنة، ويلزمها العدة
ثلاثة أقراء، لأن هذه العدة مستندة إلى ما مضى من العقد الأول، وكان حكمها
حينئذ حكم الأحرار، وإن اختار المقام، فإن أولاده مماليك، لأنه دخل
على هذا على أن يكون أولاده عبيدا، فإن مات انفسخ النكاح ويلزمها عدة الإماء.
وإن كان ذكرا عبدا أقر بالرق لغيره مبني على ما مضى من القولين فمن
قال: يقبل إقراره فيما يضره ويضر غيره، فإن النكاح باطل بكل حال، لأنه
تزوج بغير إذن سيده، ويلزمه المهر، ومن أين؟ قيل فيه قولان: أحدهما في ذمته
يتبع به إذا أعتق، والثاني يكون في رقبته يباع فيه كالجناية.
ومن قال: يقبل إقراره فيما يضر نفسه ولا يقبل فيما يضر غيره، فالنكاح
صحيح في الأصل لكن ينفسخ بإقراره، لأن الزوج إذا أقر بانفساخ النكاح.
انفسخ بقوله ولزمه المهر، فإن كان في يده مال أخذ منه، ولا يلتفت إلى سيده،
246

وإن لم يكن في يده مال فإنه يكون في كسبه كالحر إذا أعسر، وكالعبد إذا
تزوج بإذن سيده.
وأما إن تصرف مثل البيع والشراء، أو جنى على إنسان أو جني عليه فإن
العبد والأمة فيه سواء، وإنما افترقا في النكاح، وهذا مبني على القولين:
فمن قال: يقبل إقراره فيما يضره ويضر غيره، فإن تصرفاته كلها تبطل، لأنه
عبد تصرف بغير إذن سيده، ثم نظرت: فإن كانت العين باقية فإنها ترد إلى
أربابها، وإن كانت تالفة فإنها تكون في ذمته يتبع به إذا أعتق، لأنهم دفعوا
برضاهم.
ومن قال: يقبل إقراره فيما يضر نفسه، ولا يقبل فيما يضر غيره، فإن
تصرفاته صحيحة، فإنه يدفع الأثمان من المال الذي في يده، فإن كان فضل عما
عليه فإن ذلك الفضل يكون لسيده، وإن لم يكن في يده كان في ذمته يتبع به
إذا أعتق كالحر المعسر.
فأما الجناية فلا يخلو: إما أن يجني هو على غيره أو يجنى عليه، فإن جنى على
غيره فإنه لا يخلو: أن يكون عمدا أو خطأ، فإن كان عمدا فلا يخلو المجني عليه أن
يكون عبدا أو حرا، فإن كان عمدا يقتل به سواء كان حرا أو عبدا، وإن كانت
خطأ كان ينبغي أن يكون في بيت المال لأن هذا لقيط وجناية اللقيط من بيت
المال، لكن لما أقر على نفسه بالعبودية أسقط من بيت المال حقه، فيكون في
رقبته.
وإن كان قد جني عليه فلا يخلو أن يكون خطأ أو عمدا، فإن كان عمدا فلا
يخلو الجاني من أن يكون حرا أو عبدا، فإن كان عبدا اقتص منه، لأنه عبد يجب
الاقتصاص منه للحر والعبد، وإن كان خطأ فالكلام في النفس والطرف واحد
لكن يصور في اليد إذا قطع وكان حرا فإنه يوجب قطع اليد نصف الدية.
فإذا ثبت هذا، فلو كان حرا لوجب نصف الدية، فلما أقر بالعبودية أوجب
نصف قيمته، ثم ينظر: فإن كان نصف القيمة وفق نصف الدية أو دونه، فإنه
247

يقبل إقراره ويلزمه القيمة، لأنه يضر به لا بغيره، وإن كان نصف القيمة أكثر من
نصف الدية فمبني على القولين:
فمن قال: إنه يقبل إقراره فيما يضر نفسه وفيما يضر غيره، فإنه يلزمه القيمة
أكثر الأمرين، ومن قال: يقبل إقراره فيما يضر نفسه لا فيما يضر غيره، فإنه يلزم
الدية الأقل.
وعندنا لا اعتبار بتلك الزيادة، لأن قيمة العبد لا تزيد عندنا في الجناية
عليه على دية الحر بحال.
248

تبصرة المتعلمين
الفصل التاسع: في اللقطة:
يشترط في ملتقط الصبي: التكليف والإسلام وإذن المولى في المملوك فإن
كان في دار الإسلام فهو حر وإلا فرق.
ووارث الأول الإمام مع عدم الوارث وهو عاقلته، ولو بلغ رشيدا فأقر
بالرقية قبل، وينفق عليه السلطان، فإن تعذر فبعض المؤمنين، فإن تعذر أنفق
الملتقط، ويرجع مع نيته لا بدونها، ولو كان له أب أو جد أو ملتقط قبله أجبر
على أخذه، ولو كان مملوكا رده على مولاه، فإن أبق أو تلف من غير تفريط فلا
ضمان.
وأخذ اللقيط واجب على الكفاية، وهو مالك لما يده عليه.
ويكره أخذ الضوال إلا مع التلف، فلا يؤخذ البعير في كلأ وماء، ويؤخذ
في غيره إذا ترك من جهد ويملكه الآخذ، وتؤخذ الشاة في الفلاة مضمونة وينفق
مع تعذر السلطان ويرجع بها، ولو انتفع تقاص، وإذا حال الحول على الضالة
ونوى الاحتفاظ فلا ضمان، ولو نوى التملك ضمن.
ويكره أخذ اللقطة، فإن أخذها وكانت دون الدرهم ملكها، وإن كانت
درهما فما زاد عرفها حولا، فإن كانت في الحرم تصدق بها بعده ولا ضمان إذا
استبقاها أمانة، وإن كانت في غيره فإن نوى التملك جاز ويضمن، وكذا إن
249

تصدق بها، ولو نوى الحفظ فلا ضمان، ولو كانت مما لا يبقى انتفع بها بعد
التقويم وضمن القيمة، أو يدفعها إلى الحاكم فلا ضمان.
ويكره أخذ ما يقل قيمته ويكثر نفعه، وما يوجد في فلاة أو خربة فلواجده
ولو كان في مملوكة عرف المالك، فإن عرفه فهو له وإلا فللواجد، وكذا ما يوجد
في جوف الدابة.
ويتولى الولي التعريف لو التقط الطفل أو المجنون، ويكفي تعريف العبد في
تملك المولى، وله أن يعرف بنفسه وأن يستنيب.
ولا يشترط فيه التوالي، ولا يكفي الوصف بل لا بد من البينة، والملتقط
أمين.
250

إرشاد الأذهان
المقصد التاسع: في اللقطة:
وفيه مطلبان:
الأول:
المحل الملقوط: إما إنسان، أو حيوان، أو مال.
وشرط الأول: الصغر - فلا يصح التقاط البالغ العاقل - وانتفاء الأب أو
الجد أو الملتقط أولا - فلو كان له أحدهم أجبر على أخذه - وحرية الملتقط،
وبلوغه، وعقله، وإسلامه على رأي، وعدالته على رأي، فلو أذن المولى لمملوكه
صح، ويقر في يد البدوي على رأي، ويجوز أخذ المملوك الصغير دون المميز.
وشرط الثاني: الملك وانتفاء اليد عنه، وعجزه عن السلامة، وانتفاء
العمران، فلو التقط كلب الهراش أو الخنزير لم يتعلق به حكم، ولو التقط ما يد
غيره عليه ألزم بدفعه إليه، ولو التقط ما يمتنع من المؤذي كالبعير إذا وجد في
كلأ وماء أو كان صحيحا، والغزلان واليحامير في الفلاة، أو التقط الشاة وغيرها
مطلقا في العمران لم يجز، ولا شرط للأخذ سوى الأخذ، فيجوز للصبي والمملوك
والفاسق والمجنون والكافر الالتقاط.
وشرط الثالث: المالية، وانتفاء اليد وأهلية اكتساب الآخذ، ويتولى الولي
التعريف عن الطفل والمجنون، ولو التقط العبد جاز، ويكفي تعريفه في تملك
251

مولاه.
المطلب الثاني: في الأحكام:
يجب أخذ اللقيط على الكفاية، وهو حر على الأصل مسلم، إلا أن يوجد في
بلاد الشرك وليس فيها مسلم واحد، وعاقلته الإمام، ولو توالى أحدا جاز.
وليستعين الملتقط بالسلطان في النفقة، فإن تعذر فبالمسلمين ويجب عليهم،
فإن تعذر أنفق ورجع مع نيته، ولا رجوع لو تبرع أو وجد المعين، ولو كان
مملوكا باعه في النفقة مع تعذر الاستيفاء.
ويملك ما يده عليه، مما يوجد فوقه أو تحته أو مشدودا في ثيابه، أو يوجد
في خيمة أو دار فيها متاع، أو على دابة عليها حمل وشبهه، لا ما يوجد بين يديه أو
إلى جانبه في الصحراء.
ولا ينفق الملتقط من مال المنبوذ إلا بإذن الحاكم، فيضمن مع إمكان الإذن،
ولو جني عليه اقتص له الحاكم، أو أخذ الدية إن لم يكن ولي غيره لا الملتقط، ولا
يجب التأخير على رأي.
ويحد القاذف وإن ادعى الرقية على رأي، ويقبل إقراره بالرقية مع البلوغ،
والرشد، وانتفاء العلم بحريته، وادعائه لها.
ويصدق مدعي بنوته بدون البينة مع جهالة نسبه وإن كان كافرا أو عبدا،
لكن لا يثبت كفره ولا رقه، ويصدق الملتقط في دعوى قدر الإنفاق بالمعروف
ولو كان له مال.
ولو تشاح ملتقطاه أقرع وإن كان أحدهما معسرا، ولو تداعيا بنوته حكم
بالبينة، فإن فقدت فالقرعة، ولا ترجيح ليد الملتقط وفي الترجيح بالإسلام
والحرية نظر.
ويملك آخذ البعير إذا ترك من جهد في غير كلأ وماء، ولا ضمان.
ويتخير آخذ الشاة من الفلاة بين تملكها والضمان، وبين الإبقاء أمانة
252

والدفع إلى الحاكم ليبيعها لصاحبها أو يحفظها ولا ضمان، وكذا صغار
الممتنعات.
ولو أخذ الشاة في العمران حبسها ثلاثة أيام، فإن لم يأت صاحبها باعها
وتصدق بالثمن، ولو أخذ غيرها احتفظها وأنفق عليها من غير رجوع، أو دفع إلى
الحاكم إن وجده.
ولو أخذ غير الممتنع في الفلاة استعان بالسلطان في النفقة، فإن تعذر أنفق
ورجع مع نيته على رأي، وكذا ينفق على العبد لو التقطه، ولو انتفع باللبن أو
الظهر أو الخدمة قاص على رأي.
ولقطة غير الحرم إن كانت دون الدرهم يملكها الواجد وإلا وجب تعريفها
سنة وله أن يعرف بنفسه وبغيره، فإن جاء صاحبها وإلا تخير بين الملك
والضمان، وبين الصدقة والضمان، وبين الإبقاء أمانة ولا ضمان.
وما لا يبقى يقومه ويضمن، أو يدفعه إلى الحاكم ولا ضمان.
ويكره: أخذ اللقطة والضوال مطلقا خصوصا الفاسق والمعسر، وما يقل
قيمته ويكثر نفعه، ويستحب الإشهاد عليها.
والمدفون في أرض لا مالك لها والمفاوز والخربة فهو لواجده، ولو وجد
في داره أو صندوقه المختصين بالتصرف فهو له، والمشترك لقطة.
ولا يملك إلا بعد التعريف حولا ونية التملك وإن بقيت أحوالا، ولا يضمن
إلا بنية التملك أو التعدي، ولو دفع إلى الحاكم فباع دفع الثمن إلى الملتقط إن
طلبه.
وهي أمانة في الحول والزيادة فيه للمالك لا يضمن إلا بالتفريط، وبعده
كذلك إن لم ينو التملك، فإن نواه ضمن، والزيادة المنفصلة له، ولا يجب دفع
العين مع المتصلة بل المثل أو القيمة وقت الانتقال.
ولا يضمن المولى بتفريط العبد، ولو أخذها المولى أو أمره بالالتقاط ضمن.
ولا يجب الدفع بالوصف وإن خفي، فلو ردها به ضمن إن أقام غيره البينة،
253

ويستقر الرجوع على الآخذ إن لم يكن اعترف له بالملك، ولو أقام كل بينة
أقرع مع عدم الترجيح، فإن كان دفعها بالبينة وحكم الحاكم إلى الأول لم
يضمنها للثاني، وإلا ضمن، ولو تملك بعد الحول ثم دفع إلى المدعي بالبينة
العوض ضمن للثاني على كل حال ويرجع على الأول.
254

تلخيص المرام
كتاب اللقطة
السادس:
يجوز التقاط الصبي للبالغ العاقل الحر، ويجب على الكفاية، ولو أذن السيد
جاز، قيل: ويشترط الإسلام.
وهو حر على الأصل ولو كان مملوكا رده على سيده، ولو أنفق عليه وتعذر
الاستيفاء باعه، ولو كان كبيرا دفعه إلى الحاكم ليحفظه أو يبيعه، فلو جاء صاحبه
وقال: كنت أعتقته، قبل فبطل البيع، قيل: وينزع من يد البدوي ومن يريد
السفر لعدم الاستقرار الموجب لضياع النسب، ومن الفاسق.
وينفق الملتقط من السلطان، فإن تعذر فمن المسلمين، فإن تعذر أنفق ورجع
مع نيته ولا يرجع مع وجود المعين.
والملقوط مالك لكل ما في يده، فيملك الدار والخيمة التي هو فيها وأثاثهما
وما يوجد تحته أو فوقه، ولا يملك ما يوجد بين يديه أو إلى جانبيه في غيرهما،
ولا ينفق من ماله بدون إذن الحاكم، ويضمن بدونه إلا مع تعذر الحاكم.
ويحكم بإسلام الملقوط في دار الإسلام، أو الكفر إذا استوطنها مسلم وإلا فهو
رق، ومن ادعى بنوته مع جهل النسب، وقبل منه، ولو وجد أحد أبويه أو جده
أجبر على أخذه، ويجبر الملتقط له أولا.
ويقبل إقرار اللقيط البالغ المجهول حريته بالرق إذا لم يكن ادعاها أولا، ولو
255

بلغ فقذف فقال القاذف: هو رق، وأنكر، ثبت الحد على رأي.
وعاقلة اللقيط الإمام إن لم يتوال أحدا، فلو قتل خطأ فالدية للإمام، وعمدا له
القصاص، وكذا في الجراح مع الصغر على رأي، ولو بلغ فالدية على الإمام إذا
قتل خطأ والقصاص عليه في العمد، والدية في شبيهه، ولو اختلفا في الإنفاق
فالقول قول الملتقط في المعروف، وكذا لو كان في ماله، ولو التقطه اثنان
وتشاحا أقرع بينهما، ولو ترك أحدهما للآخر صح، ولو ادعى التقاطه اثنان
أقرع بينهما مع البينة، ومع عدمها لصاحب اليد، ومع عدمها يدفعه الحاكم إلى
من أراد، ولو أقاما بينة ببنوته أقرع ولا تأثير لو اختص أحدهما بالالتقاط.
ولو وجد عبده في غير مصره كلف من يشهد بالعين، ولا يجب حمل العبد
إلى الشهود.
ويكره الالتقاط إلا مع تحقق التلف، والتقاط العصا والشظاظ والوتد
والحبل، وغير ذلك مما تكثر فائدته وتقل قيمته، ويستحب الإشهاد.
ولا يؤخذ البعير في الكلأ والماء أو إذا كان صحيحا، ومعه يضمنه، ويبرأ
بالتسليم إلى صاحبه أو الحاكم مع التعذر، وكذا البغل والفرس والبقرة
والحمار، وإن ترك من جهد في غير كلأ وماء أخذ وملك ولا ضمان، وكذا
البواقي.
وتؤخذ الشاة في الفلاة ويملكها ويضمن، أو يحتفظها، أو يدفعها إلى الحاكم
ولا ضمان، وكذا صغار الإبل وما ذكر.
ولا يؤخذ ما يمتنع بالعدو كالغزال، وبالطيران، ولا يؤخذ الحيوان مطلقا في
العمران، فإن أخذ تخير بين الدفع إلى الحاكم، فإن تعذر أنفق ورجع وبين
الاحتفاظ والإنفاق ولا رجوع، والشاة يحسبها ثلاثة أيام ثم يتصدق بثمنها.
ولا يشترط الإسلام ولا الحرية في ملتقط الحيوان والأموال، ويأخذها المولى
وليس بواجب وإن كان العبد فاسقا، ويعرفها ويملكها بعد سنة أو يحتفظها، وكذا
ولي الطفل والمجنون، إلا أن التمليك هاهنا لهما، ولو أعتق بعد الالتقاط من غير
256

علم المولى فله أخذها منه، والتعريف إن قلنا للعبد أخذ اللقطة، وإلا فلا، ومن
انعتق بعضه وهايأه مولاه فلقطة كل يوم لصاحبه.
ولو نما الملقوط قاصه الملتقط بالنفقة إذا لم يجد السلطان، ولا يضمن الملتقط
بعد التعريف سنة إلا مع التفريط أو نية التملك، وإن رجع إلى نية الحفظ.
ويملك ما يوجد في المفازة والخربة والمدفون في المبيع إذا لم يعرفه
البائع، أو في غير ذلك، وما يوجد في جوف السمكة أو جوف الدابة مع عدم
تعريف البائع أو في داره أو صندوقه مع عدم المشارك ومعه لقطة، أو ما كان
دون الدرهم، والزائد إن كان في الحرم كره، بشرط نية الإنشاد وعرف سنة ثم
يتصدق به ولا ضمان على رأي، أو احتفظ به ولا ضمان إلا مع التفريط، وإن كان
في غيره يعرف سنة ثم يملك مع النية لا بدونها، ويضمن بها لا بالمطالبة
والتعريف، أو يتصدق به فيضمن، أو يحتفظه، وإن كان لا يبقى قومه وضمن، أو
دفعه إلى الحاكم ولا ضمان.
ولا يشترط في التعريف التوالي ولا التعريف بنفسه، ومع التملك لا يجب
دفعها بل مثلها أو قيمتها، ولو رد العين جاز، إلا أن تكون معيبة منه ولو مع
الأرش على رأي.
وله النماء المنفصل بعد الحول والنية، ولو دفع إلى الحاكم فباع، دفع
الثمن إلى المالك ومع عدمه إلى الملتقط، ويكفي تعريف العبد في تمليك السيد،
ولو أتلفها مع التعريف تعلقت برقبته بعد العتق.
ولا يجب الدفع مع الوصف، فلو دفع وبان البطلان ضمن ويرجع على
الأول إلا أن يعترف له بالملك، ولو دفعت إلى الأول بالبينة وعورضت بأخرى
أقرع وينتزع للثاني إن خرجت له، ولا يضمن الملتقط إذا دفع بحكم الحاكم، ولو
دفع باجتهاده ضمن، أما لو دفع العوض إلى الأول بعد التعريف والتملك ضمن
للثاني ويرجع على الأول.
ومن رد الآبق أو البعير في المصر فدينار، وفي غيره أربعة، إلا أن يستدعي
257

الرد ولا يبذل أجرة فلا شئ، وفي غيرهما يستحق ما يجعله، ولو حصلت الضالة في
يده قبل الجعل لزم التسليم، ولا أجرة، ولو تبرع الأجنبي بالجعل لزمه.
والجعالة جائزة على كل عمل مقصود محلل، ويجوز أن يكون مجهولا قبل
التلبس وبعده من جهة العامل، ولازمة من جهة الجاعل إلا أن يدفع أجرة ما عمل،
ويشترط أن يكون العوض معلوما ومع الجهالة تثبت أجرة المثل وصحة تصرف
الجاعل، ويستحق الجعل بالتسليم، ولو عقب بأخرى عمل بالأخيرة، ولو تبرع
العامل فلا استحقاق.
وكل ما فسدت فيه الجعالة ففيه أجرة المثل، ولو قال: من رد عبدي فله
دينار فرده جماعة، استحقوه بأسرهم، ولو قال: من دخل داري فله دينار، فلكل
دينار، ولو جعل لكل واحد من ثلاثة جعلا معينا فجاءوا به أجمع، فلكل واحد
ثلث جعله، ولو عين لأحدهم وأبهم للآخر، فللمبهم ثلث أجرة المثل وللباقي ثلث
المعين، ولو رده المتبرع والمجعول له، فللثاني نصف الجعل وسقط الأول، ولو
جعل للرد من المسافة فرد من بعضها، فله منه بنسبة المسافة.
والقول قول من ينكر الجعل والزيادة، ويثبت الأقل من أجرة المثل،
والمدعي، ولو قال المالك: لم أقصد المردود من الآبق، قبل مع اليمين.
258

الدروس الشرعية
كتاب اللقطة
اللقيط كل صبي أو صبية أو مجنون ضائع لا كافل له، ويسمى ملقوطا
ومنبوذا، واختلاف اسميه باعتبار حاليه فإنه ينبذ أولا ويلتقط أخيرا.
فلا يلتقط البالغ العاقل، وفي التقاط المميز قول بالمنع لامتناعه عن الضياع،
والأقرب الجواز لعدم استقلاله بمصالحه.
ولو كان له أب وإن علا وأم وإن تصاعدت أو ملتقط سابق أجبر على أخذه،
ولو التقطاه دفعة أقرع، والتشريك بينهما في الحضانة بعيد لأنهما إن كلفا
الاجتماع تعسر، وإن تهيئا قطعا ألفة الطفل فيشق عليه، نعم يجوز ترك أحدهما
للآخر فيجب على الآخر الاستبداد به.
وإنما يتحقق القرعة مع تساويهما في الصلاحية، فيرجح المسلم على الكافر
ولو كان الملقوط محكوما بكفره في احتمال، والحر على العبد، والعدل على
الفاسق على الأقوى.
ويشكل ترجيع الموسر على المعسر والبلدي على القروي والقروي على
البدوي والقار على المسافر وظاهر العدالة على المستور والأعدل على الأنقص
نظرا إلى مصلحة اللقيط في إيثار الأكمل، نعم لا يقدم الغني على المتوسط إذ لا ضبط
لمراتب اليسار، ولا المرأة على الرجل ولا من تخيره اللقيط، وإن كان مميزا.
ولو علم كون اللقيط مملوكا وجب دفعه إلى مولاه وإن كان كبيرا، فإن
259

تلف من يده أو أبق بغير تفريط فلا ضمان في الصغير والمجنون، قيل: ولا في
الكبير لأنه مال يخشى تلفه فالملتقط حافظ له على مالكه، وهو مبني على جواز
التقاط الكبير، ومنعه الشيخ ومنع أيضا من أخذ المراهق لأنهما كالضالة
الممتنعة.
وينفق على اللقيط من ماله، وهو ما يوجد معه أو في دار هو فيها أو على دابة
يركبها أو في مهده أو تابوته، أو يوقف على اللقطاء أو يوصي لهم به أو يوهب،
ويقبله الحاكم ولا يقتضي بما قاربه مما لا يد له عليه، ولا هو بحكم يده إلا أن يكون
هناك أمارة قوية كالكتابة عليه فإن العمل بها قوي.
ويجب في الإنفاق من ماله إذن الحاكم إلا أن يتعذر، ولو لم يكن له مال
أنفق عليه من بيت المال، فإن لم يكن وجب على المسلمين الإنفاق عليه إما من
الزكاة الواجبة أو من غيرها، وهو فرض كفاية على الأقرب، وتوقف المحقق هنا
ضعيف، فإن تعذر أنفق الملتقط ورجع مع نيته، ومنع ابن إدريس من الرجوع
لتبرعه وهو بعيد لوجوبه.
ولو كان اللقيط عبدا وتعذر استيفاء النفقة بيع فيها، ولا يجوز بيعه لغير
ذلك إلا مع المصلحة فيبيعه الحاكم، فلو اعترف السيد بعتقه قبل البيع، قيل: لا
يقبل لأنه إقرار في حق غيره، وفي المبسوط يقبل لأصالة صحة إخبار المسلم،
ولأنه غير متهم لأنه إذ يقول لا أريد الثمن وحينئذ ليس له المطالبة بثمنه على
التقديرين إلا أن ينكر العتق بعد ذلك، ولو ادعى رقه فصدق اللقيط المدعي،
فالأقرب القبول إذا كان أهلا للتصديق، ولا يملك اللقيط بالتعريف وإن كان
صغيرا.
ويشرط في الملتقط البلوغ والعقل والحرية والإسلام، فلو التقط الصبي أو
المجنون فلا حكم له، ولو التقط العبد فكذلك لعدم تفرغه للحضانة إلا أن يأذن
المولى فتتعلق به أحكام الالتقاط دون العبد، نعم لو خيف على الطفل التلف
بالإبقاء ولم يوجد سوى العبد وجب عليه التقاطه وإن لم يأذن المولى والمكاتب
260

والمبعض كالقن لاشتغاله بالتكسب.
وأما الإسلام فهو شرط في التقاط المحكوم بإسلامه، كلقيط دار الإسلام أو
دار الحرب وفيها مسلم، فينتزع من يد الكافر لو التقطه فيهما حفظا لدينه ومنعا
من سبيل الكافر عليه، وكلام المحقق مشعر بالتوقف في ذلك، ووجهه أن
الغرض الأهم حضانته وتربيته، وقد يحصل من الكافر.
وفي اعتبار عدالته قولان من أن الإسلام مظنة الأمانة ومن بعد الفاسق عنها،
فربما ادعى رقه، والأول أقرب، وأولى منه بالجواز المستور الذي لا يعرف بعدالة
ولا فسق، ولو رأى القاضي مراقبته ليعرف أمانته فله ذلك بحيث لا يخالطه
الرقيب ولا يداخله فيؤذيه.
وفي اشتراط كونه حضريا قارا قول حفظا لنسبه من الضياع، فينزع من
البدوي ومريد السفر به على هذا، ويضعف انتزاعه من مريد السفر إذا كان عدلا،
ولو لم يوجد غيرهما لم ينتزع قطعا، وكذا لو كان الموجود كواحد منهما.
وفي اشتراط رشده نظر من أن السفه لم يسلبه الأمانة ومن أنه إذا كان لم يأتمنه
الشرع على ماله فعلى الطفل وماله أولى بالمنع، وهو الأقرب لأن الالتقاط ائتمان
شرعي والشرع لم يأتمنه.
ولا يشترط في الملتقط الغنى فيقر في يد الفقير إذ نفقته ليست عليه، ويجب
الالتقاط على الأصح لأنه تعاون ودفع ضرر، وقال المحقق: يستحب، تمسكا
بالأصل، وحمل الآية وهي " وتعاونوا على البر والتقوى " على الندب وهو بعيد
إذا خيف عليه التلف.
ووجوبه فرض كفاية، فلو تركه أهل ذلك البلد ألحقهم أجمع الإثم،
ويستحب الاشتهاد عند أخذه ويتأكد في جانب الفاسق وخصوصا المعسر دفعا
لادعاء رقه.
261

درس [1]:
في أحكام اللقيط وفيه مسائل:
الأولى: يجب حضانته بالمعروف، وهو القيام بتعهده على وجه المصلحة
بنفسه أو بزوجته أو غيرهما، والأولى ترك إخراجه ومن البلد إلى القرى ومن القرية
إلى البادية لضيق المعيشة في تينك، بالإضافة إلى ما فوقها، ولأنه أحفظ لنسبه
وأيسر لمداواته.
الثانية: لو احتاج الملتقط إلى الاستعانة بالمسلمين في الإنفاق عليه رفع أمره
إلى الحاكم ليعين من يراه، إذ التوزيع غير ممكن والقرعة إنما تكون في المنحصر،
ولا رجوع لمن تعين عليه الإنفاق لأنه يؤدي فرضا، وربما احتمل ذلك جمعا بين
صاحبه في الحال وحفظ مال الغير في المال.
وقد أومأ إليه الشيخ في المبسوط، ويتجه على قول المحقق باستحباب
الرجوع، ويؤيده أن مطعم الغير في المخمصة يرجع عليه إذا أيسر، ولو قلنا
بالرجوع فمحله بيت المال، أو مال المنفق عليه أيهما سبق أخذ منه.
الثالثة: لو تنازع اللقيط والملتقط بعد بلوغه في الإنفاق، حلف الملتقط في
أصله وقدر المعروف، ولو تنازعا في تسليم ماله حلف اللقيط مع عدم البينة، ولو
تنازعا في تلفه حلف الملتقط، وكذا في التفريط والتعدي.
الرابعة: حكم اللقيط في الإسلام تابع للدار كما مر، فلو بلغ وأعرب عن نفسه
بالكفر لم يحكم بردته على الأقرب لضعف تبعية الدار، وبخلاف من تبع أبويه أو
أحدهما في الإسلام ثم اعترف بالكفر بعد بلوغه فإنه مرتد، سواء انخلق حال
الإسلام أو تجدد إسلام أحدهما بعد علوقه، وربما فرق بينه وبين الأول بأنه جزء
من المسلم في الأول فيكون مسلما وبالكفر يصير مرتدا، بخلاف الثاني فإنه إنما
حكم بإسلامه تبعا، والاستقلال أقوى من التبع لأنه انخلق من ماء كافر، فإذا
أعرب بالكفر لا يكون مرتدا، ولهذا افترقا في قبول التوبة وعدمها، والذي رواه
الصدوق عن علي عليه السلام: إذا أسلم الأب جر الولد إلى الإسلام فمن أدرك
262

ولده دعي إلى الإسلام فإن أبي قتل، وهذا نص في الباب.
الخامسة: المراد بدار الإسلام ما ينفذ فيه حكم الإسلام، فلا يكون بها كافرا إلا
معاهدا، فلقيطها حر مسلم، وحكم دار الكفر التي تنفذ فيها أحكام الإسلام كذلك
إذا كان فيها مسلم ولو واحد.
أما دار كانت للمسلمين فاستولى عليها الكفار، فإن علم فيها مسلم فهي كدار
الإسلام وإلا فلا، وتجويز كون المسلم فيها مخفيا نفسه غير كاف في إسلام
اللقيط.
وأما دار الكفر فهي التي ينفذ فيها أحكام الكفار، فلا يسكن فيها مسلم إلا
مسالما، ولقيطها محكوم بكفره ورقه، إلا أن يكون فيها مسلم، ولو تاجرا إذا كان
مقيما، وكذا لو كان أسيرا أو محبوسا، ولا يكفي المارة من المسلمين.
السادسة: لو أقام كافر البينة ببنوته ثبت، وكذا لو انفرد بدعواه ولا بينة، وفي
ثبوت كفره بذينك أوجه ثالثها قول المبسوط: بثبوت كفره مع البينة لا مع
مجرد الدعوى لأن البينة أقوى من تبعية الدار، ومجرد الدعوى مكافئة للدار،
فيستمر كل منهما على حاله ولا تكون دعوى الكافر مغيرة لحكم الشرع بإسلامه.
ولو انفرد المسلم بدعوى لقيط دار الحرب حكم بنسبه وإسلامه وحريته،
وإن لم يكن بها مسلم، وأولى منه إذا ادعى بنوة المحكوم بإسلامه فإن التحاق
نسبه مؤكد للحكم بالحرية والإسلام.
فرع:
لو وصف ولد الكافرين الإسلام لم يحكم بإسلامه عند الشيخ في المبسوط،
ولكن يفرق بينه وبينهما، وقال في الخلاف: يحكم بإسلامه إذا بلغ عشرا فلو
أعرب بالكفر حكم بردته للرواية بإقامة الحد عليه ولقول النبي صلى الله عليه وآله:
كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه هما اللذان يهودانه وينصرانه
ويمجسانه حتى يعرب عن لسانه فأما شاكرا وإما كفورا، وهو قريب.
263

السابعة: لو تنازع بنوته اثنان فصاعدا ولا بينة أو كان لكل بينة، فالحكم
القرعة، إذا تساويا في الإسلام أو الكفر والحرية أو الرقية، ولو تفاوتا قوى الشيخ
في المبسوط ترجيح دعوى المسلم والحر على الكافر والعبد لتأيدها بما سبق من
الحكم بهما، وفي الخلاف لا ترجيح لعموم الأخبار في من تداعوا نسبا، وتوقف فيه
الفاضلان لتكافؤهما في الدعوى، قلنا قد بينا المزية، نعم لو كان اللقيط محكوما
بكفره ورقه اتجه فيه التوقف أو ترجيح الكافر أو الرق.
الثامنة: لو كان المدعي الملتقط فكغيره لأنه يجوز أن يكون قد سقط منه أو
نبذه ثم عاد إلى أخذه، ولا فرق بين أن يكون ممن يعيش له الأولاد وبين غيره،
وتخيل أن غيره قد ينبذه تفاؤلا ثم يلتقطه، بخلاف من يعيش له فإنه لا حامل له
على النبذ فاسد، لأن القوانين الشرعية لا تغير بمثل هذه الخيالات الوهمية.
ولو نازعه غيره فهما سواء إذا لا ترجيح لليد الطارئة في الأنساب، نعم لو لم
يعلم كونه ملتقطا ولا صرح ببنوته فادعاه غيره فنازعه، فإن قال: هو لقيط وهو
ابني، فهما سواء، وإن قال هو ابني، واقتصر ولم يكن هناك بينة على أنه التقطه
فالأقرب ترجيح دعواه عملا بظاهر اليد.
التاسعة: اللقيط حر تبعا لدار الإسلام وإصالة الحرية في بني آدم، ولصحيحة
حريز عن الصادق عليه السلام: المنبوذ حر، وعنه عليه السلام: إن اللقيط حر،
فيجري عليه أحكام الأحرار في القاص له من الأحرار، وحد القذف الكامل،
وعليه اليمين، لو ادعى الغريم رقه لا على الغريم في الأقرب، ودية جنايته خطأ على
الإمام، ولو جنى عليه فله القصاص مع بلوغه أو الدية، ولو كانت نفسا فللإمام
ذلك، ولو كانت طرفا وهو طفل قال الشيخ: لا يجوز للإمام استيفاء قصاصا
ولا دية، كما لا يجوز للأب والجد لأنه لا يعلم مراده، وجوزه الفاضلان مع
المصلحة.
العاشرة: لو أقر على نفسه بالرقية، قيل: إذا لم يعلم بغير الدار ولم يدعها أولا
قبل، ولا تبطل تصرفاته السابقة على الإقرار، وهو حق فيما لم يبق أثره كالبيع
264

والشراء، أما النكاح فإنه إن كان قبل الدخول فسد وعليه نصف المهر وإن كان
بعده فسد وعليه المهر فيستوفي مما في يده وإلا تبع به بعد العتق، ولو كانت
المقرة الزوجة اللقيطة لم يحكم بفساد النكاح لتعلقه بالغير، ويثبت للسيد أقل
الأمرين من المسمى، وعقر الأمة.
الحادية عشرة: لا ولاية للملتقط على اللقيط، بل هو سائبة يتولى من شاء، ولو
مات بغير وارث فميراثه للإمام، وقال الشيخان: لبيت المال، وحمله ابن إدريس
على بيت مال الإمام، والمفيد صرح بأنه لبيت مال المسلمين، وقال الشيخ:
ولاؤه للمسلمين وقد سبق في الميراث مثله، وقال ابن الجنيد: لو أنفق عليه وتوالى
غيره رد عليه النفقة فإن أبي فله ولاؤه وميراثه، وحمله الفاضل على أخذ قدر النفقة
من ميراثه.
درس [2]:
في لقطة الحيوان:
ويسمى ضالة، فالبعير في الكلأ والماء لا يؤخذ وإن كان مريضا أو متروكا
من جهد، وكذا لو ووجد صحيحا في غير كلأ ولا ماء لامتناعه، فيضمن آخذه
حتى يصل إلى مالكه أو إلى الحاكم مع تعذره، ثم الحاكم يرسله في الحمى وإن
رأى بيعه وحفظ ثمنه جاز.
وإن وجد في غير كلأ ولا ماء مع ضعفه عن الامتناع جاز أخذه، ويملكه
الواجد إذا كان مالكه قد تركه لجهده، فلو أقام به البينة لم ينتزعه، وكذا لو صدقه
الملتقط.
ويلحق به الدابة والبقرة في الموضعين، وفي رواية مسمع: قضى أمير
المؤمنين عليه السلام في الدابة تترك في غير كلأ ولا ماء لمن أحياها، وهذا
نص في الدابة، ولم يشرط الجهد ولكن ظاهر الخبر ذلك.
أما الحمار فقيل: بجواز أخذه مطلقا لعدم امتناعه من الذئب وعدم صبره عن
265

الماء، والمحقق منع من أخذه.
أما الشاة فيجوز أخذها في الفلاة لعدم امتناعها فهي كالتالفة، فيتخير الآخذ
بين التملك فيضمن، وقيل: لا ضمان، وبين احتفاظها أمانة، وبين الدفع إلى
الحاكم ولا ضمان فيهما، ثم الحاكم يحفظها أو يبيعها، وهل يلحق بها صغار
الحيوان؟ نص عليه في المبسوط، وتوقف فيه المحقق نظرا إلى مورد النص، ولو
أنفق لم يرجع به عند الشيخ، وهل يجب تعريفها سنة؟ قوى الفاضل عدمه لقوله
صلى الله عليه وآله: هي لك أو لأخيك أو للذئب، ولم يذكر التعريف.
ولو أخذ الشاة من العمران احتبسها ثلاثة أيام فإن لم يظهر مالكها باعها
وتصدق بثمنها، وضمن إن لم يرض المالك على الأقوى، وهل له تملكها مع
الضمان؟ جوزه ابن إدريس، وله إبقاؤها بغير بيع فتكون أمانة وكذا ثمنها، ولو
أنفق عليها لم يرجع عند الشيخ، وهل يلحق بها غيرها؟ قال في المبسوط:
ما كان في العمران وما يتصل به على نصف فرسخ من الحيوان يجوز أخذه ممتنعا
أو لا، ويتخير الآخذ بين الإنفاق تطوعا أو الدفع إلى الحاكم، وليس له أكلها،
ومنع الفاضل من أخذ ما في العمران عدا الشاة إلا أن يخاف عليه النهب أو
التلف، وقال في النهاية: إذا أخذ شيئا يحتاج إلى النفقة رفع خبره إلى السلطان
لينفق عليه من بيت المال، فإن تعذر أنفق ورجع، فإن كان له ظهر أو درة أو
خدمة كان بإزاء ما أنفق، وأنكر ابن إدريس رجوعه إذا كان النفقة في الحول
لتبرعه، وجوز الفاضلان الرجوع وأوجبا المقاصة.
ولا يجوز التقاط الممتنع بعدوه كالظباء والطيور سواء كانت في الصحراء
أو العمران، إلا أن يخاف ضياعها، فالأقرب الجواز لأن الغرض حفظها لمالكها لا
حفظها في نفسها، وإلا لما جاز التقاط الأثمان لأنها محفوظة في نفسها حيث
كانت، وينسحب الاحتمال في الضوال الممتنعة كالإبل وغيرها، وجوز الفاضل
التقاط ذلك كله بينة الحفظ، وحمل الأخبار الناهية عن ذلك عن الأخذ بنية
التملك، وفي المبسوط جعل الأخذ للحفظ من وظائف الحكام، وعلى الجواز
266

فالظاهر أنه يرجع بالنفقة إذا نوى الرجوع وتعذر الحاكم، وحينئذ الأقرب
وجوب تعريفه سنة وجواز التملك بعده، وهو ظاهر ابن إدريس والمحقق.
ولم أقف على قول بالمنع من التعريف والتملك، وعلى هذا يتجه جواز
الأخذ إذا كان بنية التعريف والتملك بعد الحول ويحرم إذا كان بنية التملك في
الحال.
وعن علي عليه السلام في واجد الضالة: إن نوى الأخذ أخذ الجعل فنفقت ضمنها وإلا فلا
ضمان عليه، وفيه دليل على جواز أخذها، وقال الفاضل: يجوز
أخذ الآبق لمن وجده، ولا نعلم فيه خلافا، ولا يضمن لو تلف بغير تفريط، ومنع
من تملكه بعد التعريف لأنه يتحفظ بنفسه كضوال الإبل، وفيه إشعار بعدم جواز
تملك الضالة، وهو حسن في موضع المنع من أخذها.
وجوز المحقق التقاط كلب الصيد، ويعرف سنة ثم يتملكه إن شاء ويضمن،
وفي المبسوط حكم بالتعريف والتملك ولم يصرح بجواز التقاطه، ويمكن
التفصيل لخوف ضياعه وعدمه فيجوز في الأول دون الثاني لامتناعه.
درس [3]:
في لقطة الأموال:
لا يجوز التقاط ما ينحفظ بنفسه كأحجار الأرحية والحباب العظيمة والقدور
الكبيرة والسفن المربوطة قاله الفاضل، لأنها كالإبل التي تمتنع بنفسها بل أولى.
وقال: ولو كانت السفينة سائرة بغير ملاح جاز التقاطها، وأخذ اللقطة في
صورة الجواز مكروه إلا أن يخاف تلفها أو التقاط من يتلفها فلا كراهة، وحكم
الحيوان كذلك.
وقال الشيخ: إن كان أمينا وهي في العمران والناس غير أمناء استحب له
أخذها، وقال ابن الجنيد لو أخذها حفظا لصاحبها عن آخذ لا أمانة له رجوت أن
يؤجر، وظاهر الشيخين التحريم لما روي عن علي عليه السلام: إياكم واللقطة
267

فإنها ضالة المؤمن وهي من حريق النار، وعن الباقر عليه السلام: لا يأخذ الضالة
إلا الضالون.
قلنا قد روي إذا لم يعرفوها، وعليه تحمل الرواية الأولى، وتتأكد الكراهية
فيما تقل قيمته وتكثر منفعته كالعصا والوتد والشظاظ والحبل والعقال وفي
النعلين والأدوات والسوط، وقيل: تحرم الثلاثة لرواية عبد الرحمن عن الصادق
عليه السلام: لا تمسه، وهو قول الحلبي وظاهر الصدوقين، وكذا الخلاف في لقطة
الحرم.
والكراهية قوية إذا بلغت درهما، ولو أنقصت عنه حل تناولها وملكت كما
تملك في الحل على الأقرب، وكذا ما يوجد في أرض لا مالك لها أو خربة باد
أهلها، وإن تجاوز الدرهم، وقيده في المبسوط بانتفاء أثر الإسلام وإلا وجب
تعريفه، وصحيحة محمد بن مسلم مطلقة حيث قال: وإن كانت خربة فأنت أحق
بما وجدت، ويمكن حملها على الاستحقاق بعد التعريف فيما عليه أثر الإسلام.
وباقي اللقطات إذا زاد عن الدرهم جاز التقاطه بنية التعريف حولا، فإذا
مضى تخير بين التملك والصدقة فيضمن فيهما، وبين الإبقاء أمانة، وهذا ينافي
تحريمها.
ولو أخذ قدر الدرهم من الحرم عرفه سنة وتخير بين الصدقة والأمانة، وفي
الضمان لو كره المالك الصدقة خلاف - سبق في الحج -.
ولا فرق بين الدينار المطلس وغيره وقال الصدوقان: لو وجد في الحرم
دينارا مطلسا فهو له بلا تعريف لرواية ابن غزوان، ولا بين المحتاج وغيره وقال
ابن الجنيد: إذا احتاج إليها تصدق ثلثها وكان الثلثان في ذمته لرواية ابن رجاء،
والروايتان مهجورتان، وأباح سلار وابن حمزة قدر الدرهم من اللقطة والأظهر
المنع.
ولو وجد في داره أو صندوقه شيئا لا يعرفه فهو له، إلا أن يتصرف فيهما غيره
فلقطة، وكل عين لا بقاء لها كالطعام، فإنه يتخير بين دفعها إلى الحاكم وتقويمها
268

على نفسه، ثم يعرفها ولو افتقر بقاؤها إلى مؤنة كالفاكهة تخير الواجد بين الدفع
إلى الحاكم وبين توليته بنفسه.
ولا ضمان في اللقطة مدة الحول ولا بعده ما لم يفرط أو ينو التملك، وقيل:
يملكها بعد الحول بغير نية ولا اختيار ويضمن، وهو ظاهر النهاية والمقنعة، وخيرة
الصدوقين، وابن إدريس ناقلا فيه الإجماع، وفي الخلاف لا بد من النية واللفظ
فيقول: قد اخترت تملكها، وفي المبسوط تكفي النية، والروايات محتملة للقولين،
وإن كان الملك بغير اختياره أشهر، وتظهر الفائدة في اختيار الصدقة والنماء
المتجدد والجريان في الحول والضمان، ثم هل يملكها بعوض يثبت في ذمته، أو
بغير عوض ثم يتجدد بمجئ مالكها؟ في الروايات احتمال الأمرين، والأقرب
الأول فيلحق بسائر الديون.
درس [4]:
التعريف واجب وإن نوى الحفظ، وفي المبسوط لا يجب إلا إذا نوى
التملك، ويشكل بأن التملك غير واجب فكيف تجب وسيلته؟.
ولا يملك قبل الحول إجماعا نوى أو لا، نعم يضمن بالنية ولا تعود أمانته لو
رجع إلى نية الأمانة، وزمانه النهار دون الليل، ويجب أن يكون عقيب الالتقاط إن
أمكن.
وينبغي إكثاره أولا ثم يجزئ إقلال ما بعده، وأقله دفعة في الأسبوع،
وينبغي أن يعرف كل يوم مرة أو مرتين من الأسبوع الأول، ثم في الأسبوع
الثاني مرة ثم في الشهر مرة، والضابط أن يتابع بينهما بحيث لا ينسى اتصال الثاني
بمتلوه.
وليكن بالغداة والعشي عند اجتماع الناس في الجمع والأعياد والأسواق
وأبواب المساجد والمشاهد.
وليكن في موضع الالتقاط، فإن التقط في برية عرف من يجده فيها وأتم إذا
269

حضر في بلده، ولو سافر عقيب الالتقاط عرفه في سفره، وليقل: من ضاع له شئ،
وإن قال: ذهبا أو فضة جاز، وله أن يتولاه بنفسه ونائبه والأجرة عليه وإن قصد
الأمانة.
ولو أخر التعريف عن الالتقاط فابتداء الحول من حين التعريف، وله
التملك بعده على الأقوى، ولا ضمان بالتأخير إن كان لضرورة، وإن كان لا لها
ففيه وجهان أقربهما عدم الضمان.
ولو مات الملتقط عرف الوارث، ولو كان في الأثناء بنى ولو كان بعد
الحول، وقيل: نية التملك تملك الوارث إن شاء، ثم إذا ادعاها مدع كلف البينة
أو الشاهد واليمين، ولا يكفي، الأوصاف الخفية في الوجوب، نعم يجوز الدفع بها
إذا ظن صدقه لا ظنا به في الوصف، أو لرجحان عدالته، ومنعه ابن إدريس
لوجوب حفظها حتى تصل إلى مالكها، والواصف ليس مالكا، شرعا، فعلى الأول
لو دفعها ثم ظهر مدع ببينة انتزعت من الواصف، فإن تعذر ضمن الدافع لذي
البينة، وله الرجوع على الواصف إذا لم يقر له، وللمالك الرجوع على الواصف
ابتداء، فلا يرجع على الملتقط سواء تلفت في يده أم لا.
ولو دفعها ببينة ثم أقام آخر بها بينة ورجح أحدهما بالعدالة أو الكثرة فهي
له، وإن تساويا فالقرعة، وكذا لو أقامها ابتداء، ولو خرجت القرعة للثاني انتزعها
من الأول وإن تلفت فبدلها، ولا شئ على المتلقط إن كان دفعها بحكم الحاكم وإلا
ضمن.
أما لو دفع عوضها إلى الأول ثم رجحت بينة الثاني فإنه يرجع على الملتقط
لا على الأول، ثم يرجع الملتقط على الأول وإن اعترف له بالملك، لمكان البينة
لتبين فساد الحكم، ولو اعترف له بالملك لا لأجل البينة لم يرجع عليه لاعترافه
بالظلم من الثاني، وهل يتعين على المتملك دفع العين مع ثبوت المالك أو
يتخير بينهما وبين بدلها مثلا أو قيمة؟ قد يظهر من الروايات.
وكلام القدماء الأول، والأقرب الثاني، ولو عابت ضمن أرشها ويجب قبوله
270

معها على الأول وعلى الثاني أيضا على الأقرب، والزيادة المتصلة للمالك
والمنفصلة للملتقط، أما الزوائد في الحول فتابعة للعين.
ولو دفع اللقطة إلى الحاكم فباعها ولم يظهر المالك عرض الثمن على
الملتقط ليتملك أو يتصدق.
درس [5]:
لو ظهر المالك في اللقطة المباحة لما دون الدرهم فالوجه وجوب الرد عليه
مع بقاء العين، ومع التلف نظر من أنه تصرف شرعي فلا يتعقبه ضمان، ومن
ظهور الاستحقاق، وهو ظاهر ابن الجنيد حيث أوجب ضمان العقال والوتد
والشظاظ مع التلف لو ظهر المالك، واختاره الفاضل، وقال ابن إدريس:
لا يضمن ما نقص عن الدرهم ولو ظهر المالك وجب رده عليه، ونسبه في
المختلف إلى التناقض، ويمكن حمل كلامه على انتفاء الضمان مع تلف العين
ووجوب الرد مع بقائها.
ومن وجد عوض نيابة أو مداينة فليس له أخذه إلا مع القرينة الدالة على أن
صاحبها هو أخذ ثيابه بكونها أدون وانحصار المشتبهين، ومع عدم القرينة فهي
لقطة.
ولقطة دار الحرب إذا كان فيها مسلم كغيرها وإلا فهي للواجد من غير
تعريف.
وروى الكليني عن الصادق عليه السلام في من اشترى من اللقطة بعد
التعريف حولا جارية فجاء ربه فوجدها ابنته ليس له إلا دراهمه وليس له البنت،
وهي موافقة للأصل لأن الملتقط ملك بعد الحول، فقد اشترى بماله لنفسه، وفي
النهاية لا يلزمه أخذها، وإن أجاز شراءها عتقت، ولم يعتبر كون الشراء بعد
التعريف أو قبله، ويشكل بأنها بعد التعريف والتملك ملك للملتقط فلا تؤثر
الإجازة، ونازع ابن إدريس في صحة الإجازة بناء على بطلان عقد الفضولي، وهو
271

غير متجه في صورة الشراء بعد التملك ولو قلنا بصحة عقد الفضولي، نعم لو
اشتراها بعين المال قبل الحول أو بعده ولما يتملك، وقلنا لا يملك قهرا، توجه
كلام الشيخ.
ولا فرق في إباحة تملك اللقطة بين الأثمان والعروض، ولا بين الغني
والفقير.
ولا يجوز التقاط السنبل وقت الحصاد إلا بإذن المالك صريحا أو فحوى أو
إعراضه عنه، وكذا ما يعرض عنه من بقايا الثمان، وهل للمالك انتزاعه بعد
الإعراض؟ يحتمل ذلك لأنه ليس أبلغ من الهبة التي يجوز الرجوع فيها، نعم لو
تلفت العين فلا ضمان.
ويجوز التقاط المال لكل من له أهلية التكسب من صبي ومجنون وكافر
وفاسق، إلا في لقطة الحرم فحرام على الأربعة لأنها أمانة محضة.
ويتولى الولي التعريف عن المولى عليه ثم يفعل - الأحوط - بعد الحول،
وفي جواز التقاط العبد بدون إذن السيد نظر من رواية أبي خديجة: لا يعرض لها
المملوك، وهو خيرة ابن الجنيد، ومن أهلية التكسب، وهو ظاهر جماعة ومصرح
آخرين، ويشكل على القول بعدم ملكه، وخصوصا على القول بتملكها قهرا بعد
الحول والتعريف، لانتفاء لازم الالتقاط فينتفي الملزوم، وأولى منه بالجواز
المكاتب ويتولى المولى التعريف إن أذن فيها أو رضي بها ويتبعه أحكامها.
ولا ضمان على السيد إن كان العبد أمينا وإلا ضمن السيد بتركها في يده
لتعديه عند الشيخ، وقيل: لا ضمان للشك في وجوب حفظ مال الغير
وخصوصا مع وجود يد متصرفة، نعم لو كان غير مميز اتجه ضمان السيد، ولو
تملكها العبد صح على القول بملكه وإلا كان للسيد تملكها، ولو أتلفها العبد ضمن ضمن
إذا عتق، ولو عتق وبيده لقطة فللمولى انتزاعها منه لأنها من كسبه عند الشيخ
والفاضل في التذكرة، وقال في غيرها: للسيد أخذها إن عتق بعد الحول لا قبله
لأنها لا تسمى كسبا، وهذا مخالف لاتفاقهم على أنها كسب من حين الأخذ، نعم
272

لو قلنا بعدم جواز التقاطه لم يكن للسيد أخذها مطلقا، لأنها قبل عتقه كالملقاة
وبعده يصير في يد صالحة للالتقاط، فيكون المعتق أولى بها من السيد، وفيه قوة.
أما لقطة الحرم فجائز أخذها للعبد لأنها أمانة، قال الفاضل: لا نعلم فيه
خلافا.
والمبعض إذا التقط في نوبة نفسه صح قطعا، ويملك بعد التعريف وإن
وافق وقت التمليك نوبة السيد لأن المعتبر وقت حصول الكسب، فحينئذ إن قلنا
بالملك القهري أمكن تأخره هنا إلى نوبته، ولا يجب الالتقاط وإن خيف الضياع
ووثق من نفسه بعدم الخيانة، ولو علم الخيانة حرم، ولو خاف كره، وكذا تتأكد
الكراهية في حق الفاسق.
ولا يضم الحاكم إليه مشرفا على الأقرب، ويستحب الإشهاد عليها وتعريف
الشهود بعض الأوصاف كالعدة والوعاء والوكاء والعقاص، وليكونا عدلين
فصاعدا لينزه نفسه عن الطمع فيها، ويمنع وارثه من التصرف لو مات، وغرماءه
لو فلس، ولا يعرف جميع الأوصاف حذرا من مواطاة الشهود مدعيا بها.
ولا يبرأ برد اللقطة إلى موضعها بل إلى المالك أو من قام مقامه أو الحاكم.
273

المسائل لابن طي
المقصد السادس: اللقطة:
وفيه مسائل:
مسألة [1]: لا تجوز لقطة الجلد المطروح في بلد المسلمين ولو كان مدبوغا
إلا مع القرينة.
مسألة [2]: لو كان عنده لقطة أو وديعة ومات ولم توجد في تركته، هل
يكون لمالكها تغريمه كما ذكر في التحرير أو لا غرم لأن الأصل البراءة؟
مسألة [3]: قوله: ولو وجد في دار انتقلت إليه بالميراث كان له ولشركائه في
الميراث، وإن انتقلت إليه بالبيع عرفها البائع، فهل هو كذلك فيهما؟ وسواء
كان عليه سكة الإسلام أو لا؟ وإن وجدت عليه فهو لقطة؟
قال: الظاهر أنه كذلك ولو لم يعرفه البائع ومن سبقه وعليه سكة الإسلام
فالأولى أنه لقطة.
مسألة [4]: قوله في اللقطة: ولو أخر التعريف عن الحول الأول ضمنه وأثم ثم
قال: ولو أخره لا بنية التملك ففي الضمان إشكال أقربه عدمه، ما الحكم في
المسألة؟
275

قال: هذا مبني على أن التعريف لأجل التملك والظاهر أنه لأجل إعلام
المالك فالضمان يمكن حينئذ.
مسألة [5]: لو وجدت لقطة في الفلاة وعلمت أنها لزيد لم يجز أخذها، وكذا
لو وجدتها في العمران وهي أقل من درهم لم يجز أخذها أيضا مع معرفة
صاحبها.
مسألة [6]: إذا كانت اللقطة دون الدرهم وقد هلكت فلا ضمان، ولو عرف
صاحبها ومع بقائها يسلمها إليه.
مسألة [7]: إذا نقص الملقوط عن وزن درهم وكان فضة لكن فيه صفة
تساوي الدرهم يجب تعريفه.
مسألة [8]: قال في اللقطة: وهل يجب تتبع من سبقه من الملاك إشكال،
نعم وقد صرح به في غير هذا الكتاب.
مسألة [9]: قال: رحمه الله لو وجد الإنسان شيئا قيمته دون الدرهم وبجنبه
مثل ذلك وتعدد فيكون كل واحد لقطة على انفراده إلا أن يعلم اتحاد المالك
فتكون واحدة.
مسألة [10]: لو دفع اللقطة بالوصف الخفي صح ولم يأثم إلا أن يظهر
الخلاف فيضمن.
مسألة [11]: إذا وجد الإنسان في مكانه الذي يبيع فيه أو على بساطه أو في
276

دكانه مثل درهم وأزيد، فهل يكون لقطة أو لا؟
الجواب: إذا كان يتصرف فيه غيره فهو لقطة وإلا فهو له.
مسألة [12]: قال الفاضل: يجوز أخذ الآبق لمن وجده ولا نعلم فيه خلاف
ولا يضمن لو تلف بغير تفريط، ومنع من تملكه بعد التعريف لأنه ينحفظ بنفسه.
مسألة [13]: إذا وجد به الإنسان من الثمرة من قيمته تنقص عن درهم فهل
يكون أخذه مباحا أو مكروها، وكذا إذا زاد؟
الجواب: إذا كان لا يد لأحد عليه حل أخذه ولا كراهية فيه مخصوصة إلا من
حيث أنه لقطة، وكذا إذا زاد ويجب تعريفه.
مسألة [14]: لو التقط السيف والثوب وشبهه في المفازة هل يملكه أو يجب
تعريفه؟
الجواب: التعريف أولى في بلد الإسلام.
مسألة [15]: لو تركه من جهد في غير كلأ ولا ماء جاز أخذه ويملكه
الواجد ولا ضمان، وفي رد العين مع طلب المالك إشكال وكذا التفصيل في
الدابة والبقرة والحمار، وما الحكم في هذا كله؟
قال: الرد قوي، وكذا الشاة - إلى قوله - وبين تملكها والضمان على
إشكال، نعم يضمن. وقوله في العمران: ولو كانت شاة حبسها ثلاثة فإن جاء
المالك وإلا باعها صحيح.
مسألة [16]: قوله: أما الصبي والمجنون فللولي نزعه من يدهما، ومع الإهمال
من نزعه حتى أتلفه هل يضمن الولي وكذا المولى مع الإهمال؟ قال: لا ضمان.
277

مسألة [17]: قوله: ولو وجد عوض ثيابه أو مداسه لم يكن له أخذه، فإن
أخذه عرفه سنة ثم ملكه إن شاء إلا أن يعلم بشاهد الحال أنه تركه عوضا، فيجوز
له أخذه حينئذ من غير تعريف، قال: صحيح.
مسألة [18]: هل يشترط في الشاة أن تكون قيمتها درهما أم لا؟ أو الطير
الذي عليه أثر ملك؟
الجواب: أما الشاة فلا يشترط فيها قدر الدرهم وأما غيرها فيشترط.
مسألة [19]: لو كان جاهلا وتصرف في اللقطة قبل الحول وأتلفها، ما الحكم
فيه؟ قال: يضمن.
مسألة [20]: قوله: وهل يملك مجانا ويتجدد وجوب العوض بمجئ مالكها
أو بعوض يثبت في الذمة إشكال، والفائدة وجوب عزلها من تركته واستحقاق
الزكاة بسبب الغرم ووجوب الوصية بها، ويمنع وجوب الخمس بسبب الدين،
هذا على التقدير الثاني، قال: الصحيح يملكها بعوض يثبت في ذمته.
مسألة [21]: هل يضمن لو تصدق بلقطة الحرم كالحل أم لا؟ نعم يضمن
وقيل لا.
مسألة [22]: إذا لقي الإنسان شيئا في مفازة وقيمته تزيد عن درهم، وقد لقيه
مكان الركب لما ارتحل، وهل درب الحجاز كله مفازة أم لا؟ وما الحكم في
ذلك؟
الجواب: يجب تعريف ما ذكرت.
278

مسألة [23]: لو التقط في المفازة ملكه، ما حد المفازة التي تملك اللقطة فيها
من غير تعريف؟
قال: ما كان من البراري غير المعمورة ولا بقرب العامر.
مسألة [24]: لو حاشى صيدا أو أحش بنية أنه له ولغيره لم تؤثر تلك النية
وكان بأجمعه له خاصة، وهل يفتقر المحيز في تملك المباح إلى نية التملك؟
قيل: لا، وفيه تردد، قال يفتقر.
مسألة [25]: الحنطة والشعير وغيرهما من الغلات إذا وقع من الجمال الذي
يوجد على الطريق، هل يجوز أخذه أو لا وسواء كان صاحبه معه أو لا أو جهل
الآخذ الأمرين؟ وهل يكون حكمه حكم اللقطة أو لا؟
الجواب: إذا اقتضت العادة أن مثل هذا لا يلتفت إليه المالك صار مباحا وإلا
فلا سواء كان صاحبه معه أو لا، ولو خرج الواقع إلى حد الكثرة بحيث لا
يتسامح بمثله لم يجز أخذه.
مسألة [26]: الحب الملتقط من الأرض مع إعراض المالك عنه وأخذه الغير
هل لصاحبه الرجوع فيه أو لا؟ نعم مع بقاء عينه وإلا فلا.
مسألة [27]: إذا التقط دون الدرهم ونوى التملك ثم أقام المالك بينة، قال:
الأولى دفعه إليه وجوبا، وكذا لو علم صاحبه يجب دفعه إليه وإن لم يقم بينة.
مسألة [28]: لو وجد الإنسان طرد نحل وقريب منها نحل الغير وهو
متحرك لا يجوز التعرض له سواء كان في ملك أو لا، لأن الغالب أنه منها.
279

مسألة [29]: يجوز الالتقاط من المواضع المأذون في غشيانها أقل من درهم
إلا أن يعلم مالكه أو يغلب على ظنه.
280

كتاب إحياء الموات
281

الخلاف
كتاب إحياء الموات
مسألة 1: الأرضون العامرة في بلاد الإسلام التي لا يعرف لها صاحب
معين للإمام خاصة.
وقال أبو حنيفة: أنها تملك بالإحياء إذا أذن الإمام في ذلك.
وقال الشافعي: لا تملك.
دليلنا: إجماع الفرقة على أن أرض الموات للإمام خاصة، فإنها من جملة
الأنفال، ولم يفصلوا بين ما يكون في دار الإسلام وبين ما يكون في دار الحرب.
مسألة 2: الأرضون العامرة في بلد الشرك التي لم يجر عليها ملك أحد،
للإمام خاصة.
وقال الشافعي: كل من أحياها من مشرك ومسلم، فإنه يملك بذلك.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 3: الأرضون الموات للإمام خاصة، لا يملكها أحد بالإحياء، إلا أن
يأذن له الإمام.
وقال الشافعي: من أحياها ملكها، أذن له الإمام أو لم يأذن.
وقال أبو حنيفة: لا يملك إلا بإذن. وهو قول مالك وهذا مثل ما قلناه، إلا أنه
283

لا يحفظ عنهم أنهم قالوا: هي للإمام خاصة، بل الظاهر أنهم يقولون لا مالك لها.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم وهي كثيرة.
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: ليس للمرء إلا ما طابت به
نفس إمامه، وإنما تطيب نفسه إذا أذن فيه.
مسألة 4: إذا أذن الإمام للذمي في إحياء أرض الموات في بلاد الإسلام فإنه
يملك بالإذن. وبه قال أبو حنيفة.
وقال الشافعي: لا يجوز للإمام أن بإذن له فيه فإن أذن له فأحياها لم يملك.
دليلنا: قوله عليه السلام: من أحيا أرضا ميتة فهي له.
وقوله من أحاط حائطا على الأرض فهي له، وهذا عام في الجميع.
مسألة 5: إذا أحيا أرضا مواتا بقرب العامر الذي هو لغيره، بإذن الإمام،
ملك بالإحياء. وبه قال الشافعي، غير أنه لم يعتبر إذن الإمام.
وقال مالك: لا يملكه، لأن في ذلك ضررا على هذه العامر.
دليلنا: قوله عليه السلام: من أحيا أرضا ميتة فهي له.
وكذلك الأخبار الأخر تدل على ما قلناه لعمومها.
وروي أن النبي عليه السلام أقطع الدور بالمدينة، فقال: حي من بني زهرة
يقال لهم بنو عبد بن زهرة: نكب عنا ابن أم عبد، فقال النبي عليه السلام: فلم
ابتعثني الله إذا، إن الله لا يقدس أمة لا يؤخذ للضعيف منهم حقه.
مسألة 6: للإمام المعصوم الذي نذهب إلى إمامته أن يحمي الكلأ لنفسه
ولعامة المسلمين.
وقال الشافعي: إن أراد لنفسه لم يكن له ذلك، وإن حماه لعامة المسلمين
فيه قولان: أحدهما ليس له ذلك.
284

والثاني أن له ذلك. وهو الصحيح عند أصحابه، وبه قال أبو حنيفة.
دليلنا: أنه قامت الدلالة على عصمته، فإذا ثبت ذلك، فكل ما يفعله
المعصوم يكون صوابا وحجة.
ولأنا قد بينا أن الموات ملك للإمام، وإذا ثبت أنها ملك له فعله أن يحميها،
لأن كل من له ملك له أن يحمي ما فيه بلا خلاف.
وروي أيضا أنه قال عليه السلام: لا حمى إلا لله، ولرسوله، ولأئمة المسلمين.
مسألة 7: للإمام أن يحمي للخير المعدة في سبيل الله، ونعم الجزية، ونعم
الصدقة، والضوال. وبه قال الشافعي، إذا قال: له أن يحمي.
وقال مالك: لا يحمي إلا للخيل التي للمجاهدين.
دليلنا: أنا قد بينا أن الموات ملك له، وإذا كان ملكه فله أن يحمي لما
يشاء.
ولأن ما ذكرناه مصلحة عامة للمسلمين، فيجب أن يجوز له الحمى.
مسألة 8: ما حماه رسول الله صلى الله عليه وآله فإنه لا يجوز حله، ولا
نقضه لأحد بعده.
وقال الشافعي: ينظر، فإن كان السبب الذي حماه له باقيا لم يجز نقضه،
وإن كان السبب قد زال فيه وجهان:
أحدهما يجوز، لأن المعنى الذي له حمى قد زال.
والثاني: - وهو الصحيح عندهم - أنه لا يجوز.
دليلنا: هو أنه قد ثبت أن فعل النبي صلى الله عليه وآله حجة في الشرع
يجب الاقتداء به فيها، فلا يجوز خلافه، مثل قوله.
ومقطوع أيضا أنه لمصلحة المسلمين، وما قطع بأنه لمصلحة المسلمين لا
يجوز نقضه.
285

مسألة 9: ما حماه الإمام يجري عندنا مجرى ما حماه النبي عليه السلام،
فإن غيره هو، أو غيره من الأئمة القائمين مقامه، أو غيره غير الإمام باذنه جاز
ذلك، فأما غيرهم فلا يجوز له ذلك بحال.
وقال الشافعي: ينظر، فإن غير ذلك هو أو غيره من الأئمة، أو أحياه رجل
من الرعية بإذن الإمام، صح ذلك، وملكه بالإحياء.
فأما إذا أحياه رجل من الرعية بغير إذنه، فهل يملك؟ فيه قولان. وقيل
وجهان:
أحدهما: لا يملك.
والثاني: يملك.
دليلنا: أنه قد ثبت أن فعله حجة. ومقطوع على صحته، وما كان كذلك
فلا يجوز خلافه.
مسألة 10: حريم البئر أربعون ذراعا، وحريم العين خمسمائة ذراع. وبه
قال أبو حنيفة.
وقال الشافعي: على قدر الحاجة إليه، ولم يحده، بل قال: على ما جرت به
العادة.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، وقد ذكرناها في الكتاب الكبير.
وأيضا روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: حريم البئر أربعون ذراعا.
ومن قال أن ذلك ليس على جهة التحديد، فعليه الدلالة، لأن ظاهره
التحديد.
مسألة 11: إذا سبق نفسان إلى المعادن الظاهرة، أقرع بينهما الإمام، فمن
خرج اسمه قدمه ليأخذ حاجته.
وللشافعي فيه ثلاثة أقوال:
286

أحدهما: مثل ما قلناه، وهو الصحيح عندهم.
والثاني: أنه مخير، يقدم من شاء منهما.
والثالث: يقيم غيرهما في أخذ ما فيه، ويقسمه بينهما.
دليلنا: إجماع الفرقة على أن كل أمر مجهول فيه القرعة، وهذا من المشتبه،
فوجب الرجوع فيه إليها.
مسألة 12: لا يجوز للإمام أن يقطع أحدا شيئا من الشوارع، والطرقات،
ولا رحاب الجوامع.
وقال الشافعي: للسلطان أن يقطع ذلك.
دليلنا: أن هذه المواضع لا يملكها أحد بعينه، بل الناس فيها مشتركون،
وإذا لم يملكها أحد فمن أثبت للسلطان أقطاعها فعليه الدلالة.
مسألة 13: إذا ملك البئر بالإحياء، وخرج ماؤها، فهو أحق بمائها من
غيره بقدر حاجته وحاجة ماشيته، وما يفضل عن ذلك يجب عليه بذله لغيره،
لحاجته إليه للشرب له ولماشيته، ولا يجب عليه بذله لسقي زرعه، بل يستحب له
ذلك. وبه قال الشافعي.
وقال أبو عبيد بن حربويه: يستحب له ذلك لسقي غيره، وسقي مواشيه،
وسقي زرعه، ولا يجب على حال.
وفي الناس من قال: يجب عليه بذله بلا عوض لشرب الماشية، ولسقي
الزرع.
ومنهم من قال: يجب عليه بالعوض، وأما بلا عوض فلا.
دليلنا: ما رواه أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله قال: من منع فضل
الماء ليمنع به الكلأ منعه الله فضل رحمته يوم القيامة.
وفيه أدلة:
287

أحدها: أنه توعد على المنع، فدل على وجوب البذل.
والثاني: أنه يجب عليه البذل بلا عوض.
والثالث: دل على أن الفاضل هو الذي يجب بذله دون ما يحتاج إليه لنفسه
وماشيته وزرعه.
والرابع: أنه دل على أنه إنما يجب ذلك للماشية دون غيرها.
وروى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله قال: الناس شركاء في
ثلاث: الماء، والنار، والكلأ.
وروى جابر بن عبد الله أن النبي عليه السلام نهى عن بيع فضل الماء، ولا
يمكن حمل ذلك إلا على هذا الموضع.
288

المبسوط
كتاب إحياء الموات
روى هشام بن عروة عن أبيه عن سعيد بن زيد بن نفيل أن النبي صلى الله
عليه وآله قال: من أحيا أرضا ميتة فهي له وليس لعرق ظالم حق، وربما ذكروا
العرق مضافا إلى الظالم، والصحيح تنوين القاف.
وروى سمرة بن جندب أن النبي صلى الله عليه وآله قال: من أحاط حائطا
على أرض فهي له، وروي عنه صلى الله عليه وآله أنه قال: من سبق إلى ما لم
يسبقه إليه مسلم فهو أحق به، وروي عنه عليه السلام أنه قال: عاري الأرض لله
ولرسوله ثم هي لكم مني، وروي عنه عليه السلام أنه قال: موتان الأرض لله
ورسوله ثم هي لكم مني " بنصب الميم، والموتان بضم الميم وتسكين الواو
الموت الذريع الذي يقع في الناس والبهائم " ويقال: رجل موتان القلب
" بنصب الميم وجزم الواو " إذا كان لا يفهم شيئا.
إذا ثبت هذا فالبلاد على ضربين: بلاد الإسلام وبلاد الشرك، فبلاد الإسلام
على ضربين: عامر وغامر.
فالعامر ملك لأهله لا يجوز لأحد الشروع فيه والتصرف فيه إلا بإذن
صاحبه.
وروي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله كتب لبلال بن الحارث
المزني " بسم الله الرحمان الرحيم هذا ما أقطع بلال بن الحرث المزني معادن
289

القبلية جلسيها وغوريها وحيث ما يصلح للزرع من قدس، ولم يعطه حق
مسلم "، " وجلسيها من كان إلى ناحية نجد وغوريها من كان إلى ناحية الغور ".
إذا ثبت هذا فإن مرافقها التي لا بد لها منها مثل الطريق ومسيل الماء والفناء
فإنها في معنى العامر، من حيث إن صاحب العامر أحق به، ولا يجوز لأحد أن
يتصرف فيه إلا باذنه، وكذلك إذا حفر بئرا في موات ملكها وكان أحق بها
وبحريمها الذي هو من مرافقها على حسب الحاجة.
فإن كانت البئر يستقى منها الماء بالسانية فقدر ما تمتد إليه السانية، وهو
مقدار عمق البئر، وإن كانت بالدولاب فقدر دور الدولاب، وإن كان يستقى منها
بدلو اليد فمقدار ما يقف فيه المستقى، وهذا على قوله عليه السلام: حريم البئر
أربعون ذراعا، وقد فصلناه في " النهاية " وهذا التقرير إنما هو على حسب الحاجة،
فإن أراد أن يحفر إنسان بئرا بجنب تلك البئر ليسوق ماءها منها لم يكن ذلك
له.
وأما الغامر فعلى ضربين: غامر لم يجر عليه ملك مسلم وغامر جرى عليه
ملك المسلم.
فأما الذي لم يجر عليه ملك المسلم فهو الموات الذي قصد به هذا الكتاب،
وسنبين حكمه فيما بعد.
وأما الذي جرى عليه ملك المسلم فمثل قرى المسلمين التي خربت
وتعطلت فإنه ينظر: فإن كان صاحبه معينا فهو أحق بها، وهو في معنى العامر،
وإن لم يكن معينا فإنه يملك بالإحياء لعموم الخبر، وعند قوم لا يملك، ثم لا
يخلو أن يكون لمالكها عقب أو لا عقب له، فإن كان له عقب فهي لهم وإن لم
يكن له عقب فهي للإمام خاصة، فإذا ثبت ذلك ثبت أنها مملوكة لا يحييها أحد
إلا بإذن الإمام.
وأما بلاد الشرك فعلى ضربين: عامر وغامر.
فالعامر ملك لأهله، وكذلك كل ما كان به صلاح العامر من الغامر، فإن
290

صاحب العامر أحق به كما قلناه في الغامر في بلاد المسلمين، ولا فرق بينهما أكثر
من أن العامر في بلاد الإسلام لا يملك بالقهر والغلبة، والعامر في بلاد الشرك
يملك بالقهر والغلبة.
وأما الغامر فعلى ضربين: أحدهما لم يجز عليه ملك أحد، والآخر جرى
عليه ملكه.
فالذي لم يجز عليه ملك أحد فهي للإمام خاصة لعموم الأخبار، وعند
المخالف من أحياه من مشرك ومسلم فإنه يملكه بذلك.
وأما الذي جرى عليه ملك فإنه ينظر: فإن كان صاحبه معينا فهو له ولا
يملك بالإحياء بلا خلاف وإن لم يكن معينا فهو للإمام عندنا، وفيهم من قال:
يملك بالإحياء، وفيهم من قال: لا يملك بالإحياء، لأنه يجوز أن تكون تلك
الأرض لكافر لم تبلغه الدعوة وقد ورثه المسلم فيكون ملك المسلم.
الأرضون الموات عندنا للإمام خاصة لا يملكها أحد بالإحياء إلا أن يأذن له
الإمام، فأما الذمي فلا يملك إذا أحيا أرضا في بلاد الإسلام، وكذلك المستأمن إلا
أن يأذن له الإمام، وفيهم من قال: إن المستأمن إذا أحيا أرضا في بلاد الإسلام صار
ذميا ولا يمكن من الرجوع إلى بلاد الشرك.
إذا أحيا أرضا مواتا بقرب العامر الذي هو لغيره بإذن الإمام، ملك بالإحياء،
وقال قوم: لا يملك لأن في ذلك ضررا على أهل العامر، وروي عن النبي صلى
الله عليه وآله أنه أقطع الدور بالمدينة، واختلف الناس في ذلك فمنهم من قال:
إنه أقطع الخراب الذي أرادوا أن يبنوا فيه دورا فسماه دورا بما يؤول إليه من
العمارة، ومنهم من قال: كانت تلك الخرابة من ديار عاد فسماه باسمها الذي
كان.
الأحكام التي تتعلق بالموات ثلاثة: الأحياء والحمى والإقطاع.
فأما الأحياء فقد ذكرنا فيما مضى ما يملك منه ومن يملكه، وأما كيفية
الأحياء فسيجئ ذكره وأما الإقطاع فسنذكره أيضا.
291

فأما الحمى فهذا موضعه، وهو أن يحمي قطعة من الأرض للمواشي ترعى فيها
والناس في ذلك على ثلاثة أضرب: النبي محمد - عليه وآله أفضل الصلاة
والسلام والبركات - والأئمة من بعده - عليهم أفضل الصلاة والسلام
والتحيات - وآحاد المسلمين.
فأما النبي صلى الله عليه وآله فكان له أن يحمي لنفسه ولعامة المسلمين لقوله
عليه السلام: لا حمى إلا لله ولرسوله، وروي عنه عليه السلام أنه حمى النقيع
" بالنون " وروى نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله حمى النقيع
لخيل المجاهدين ترعى فيه.
فأما آحاد المسلمين فليس لهم أن يحموا لأنفسهم ولا لعامة المسلمين لقوله
عليه السلام: لا حمى إلا لله ولرسوله، وهذا خاص في هذا الموضع، وهذان لا
خلاف فيهما.
وأما الأئمة الذين نذهب إلى إمامتهم المعصومون، فإن حموا كان لهم ذلك،
لأن أفعالهم حجة ولا يجوز عليهم الخطأ والقبيح، وفي المخالفين من قال: ليس
للإمام أن يحمي لنفسه شيئا، وإن أراد أن يحميه للمسلمين ليس له ذلك، وفيهم من
قال: له أن يحمي للمسلمين.
فإذا ثبت ذلك فالكلام في فصلين: أحدهما بيان ما يحمى له، والثاني قدر ما
يحمى.
فأما الذي يحمى له فإنه يحمي للخيل المعدة لسبيل الله، ونعم الجزية، ونعم
الصدقة والضوال، وأما قدر ما يحمي فهو ما لا يعود بضرر على المسلمين، أو
يضيق مراعيهم، لأن الإمام لا يفعل عندنا إلا ما هو من مصالح المسلمين.
فإذا ثبت هذا فإنه يحمي القدر الذي يفضل عنه ما فيه كافية لمواشي
المسلمين، فأما ما حماه رسول الله فإنه لا يجوز للإمام القائم مقامه نقضه وحله،
لأن فعله حجة يجب اتباعه فيه، وما يفعله الإمام القائم مقامه لا يجوز لأحد تغييره،
وإن غيره هو أو من بعده من الأئمة أو أذن واحد منهم لغيره في إحياء ميت فأحياه
292

فإنه يملكه، فأما من يحييه بغير إذنه فإنه لا يملك به حسب ما قدمناه.
وأما ما به يكون الأحياء فلم يرد الشرع ببيان ما يكون إحياء دون ما لا
يكون، غير أنه إذا قال النبي عليه وآله السلام: من أحيا أرضا فهي له، ولم يوجد
في اللغة معنى ذلك، فالمرجع في ذلك إلى العرف والعادة، فما عرفه الناس
إحياء في العادة كان إحياء، وملكت به الموات، كما أنه لما قال: البيعان بالخيار
ما لم يفترقا، وأنه نهى عن بيع ما لم يقبض، وأن القطع يجب في قيمة المجن،
رجع في جميع ذلك إلى العادة.
فإذا ثبت ذلك فجملة ذلك على أن الأرض تحيي للدار والحظيرة والزراعة.
فإحياؤها للدار فهي بأن يحوط عليها حائط ويسقف عليه، فإذا فعل ذلك
فقد أحياها وملكها ملكا مستقرا ولا فرق بين أن يبني الحائط بطين أو بآخر وجص
أو خشب.
وأما إذا أخذها للحظيرة فقدر الأحياء أن يحوطها بحائط من آجر أو لبن أو
طين " وهو الرهص " أو خشب وليس من شرط الحظيرة أن يجعل لها سقف،
وتعليق الأبواب في الدور والحظيرة وليس من شرطه، وفيهم من قال: هو شرط،
والأول أقرب.
وأما الأحياء للزراعة فهو أن يجمع حوله ترابا وهو الذي يسمى مرزا وأن
يرتب لها الماء إما بساقية فيحفرها ويسوق الماء فيها، أو بقناة يحفرها أو بئر أو
عين يستنبطها، ولا خلاف أن هذه الثلاثة شرط في الأحياء للزراعة، وفي الناس
من ألحق بها أن يزرعها ويحرثها، والصحيح أنه ليس من شرطه، كما أن سكنى
الدار ليس من شرط الأحياء.
وأما إذا أحياها للغراس، فإنه يملكها إذا ثبت الغراس فيها ورتب الماء فيها،
فإذا فعل ذلك فقد أحياها فإذا أحياها وملكها فإنه يملك مرافقها التي لا صلاح
للأرض إلا بها، وقد بيناه فيما مضى.
وأما إذا حفر بئرا أو شق نهرا أو ساقية فإنه يملك حريمها حسب ما رسمناه
293

فيما مضى، وجملته أنه ما لا بد منه في استيفاء الماء ومطرح الطين إذا نضب الماء
وكريت الساقية والنهر، ويكون ذلك على حسب الحاجة قل أم كثر، وقد روى
أصحابنا أن حد البئر الناضح أربعون ذراعا وروي ستون ذراعا، وروي أن حد
القناة ألف ذراع في الرخو من الأرض وفي الحزن منه خمسمائة ذراع، وقول
النبي صلى الله عليه وآله: حد البئر أربعون ذراعا، يوافق ما قلناه، وفي المخالفين
من قال بالتحديد مثل ما قلناه.
فإذا ثبت ذلك فإذا حفر بئرا في موات وملكها وأراد غيره أن يحفر بجنبها
بئرا ليسوق ماءها لم يكن له ذلك، ومنع منه بلا خلاف وكذلك إذا استنبط
عينا في موات وأراد آخر أن يستنبط عينا بجنبها لم يكن له ذلك، إلا أن يكون
بينهما الحد الذي قدمناه.
وأما إن أراد أن يحفر بئرا في داره أن ملكه وأراد جاره أن يحفر لنفسه بئرا
بقرب ذلك البئر لم يمنع منه بلا خلاف في جميع ذلك، وإن كان ينقص
بذلك ماء البئر الأولى، لأن الناس مسلطون على أملاكهم، والفرق بين الملك
والموات أن الموات يملك بالإحياء فمن سبق إلى حفر البئر ملك حريمه وصار
أحق به، وليس كذلك في الملك، لأن ملك كل واحد منهما ثابت مستقر،
وللمالك أن يفعل في ملكه ما شاء، وكذلك إذا أحيا أرضا ليغرس فيها بجنب
أرض فيها غراس لغيره بحيث يلتف أغصان الغراسين، وبحيث تلتقي عروقهما،
كان للأول منعه لما ذكرناه.
وإن حفر رجل بئرا في داره وأراد جاره أن يحفر بالوعة أو بئر كنيف بقرب
هذه البئر لم يمنع منه، وإن أدى ذلك إلى تغيير ما البئر أو كان صاحب البئر
تستقذر ماء بئره لقرب الكنيف والبالوعة، لأنه يتصرف في ملكه بلا خلاف.
إذا أقطع السلطان رجلا من الرعية قطعة من الموت، صار أحق به من غيره
بإقطاع السلطان إياه بلا خلاف، وكذلك إذا تحجر أرضا من الموات
- والتحجير أن يؤثر فيها أثرا لم يبلغ به حد الأحياء، مثل أن ينصب فيها المروز أو
294

يحوط عليها حائطا وما أشبه ذلك من آثار الأحياء - فإنه يكون أحق بها من
غيره، فإقطاع السلطان بمنزلة التحجير.
فإن أخر الأحياء فقال له السلطان: إما أن تحييها أو تخلي بينه وبين غيرك
حتى يحييها، فإن ذكر عذرا في التأخير مثل أن يزعم أن الآلة قد عابت يريد
إصلاحها أو أصحابه وأكرته هربوا أو عبيده أبقوا واستأجل في ذلك، أجله
السلطان في ذلك، وإن لم يكن له عذر في ذلك وخيره السلطان بين الأمرين فلم
يفعل أخرجها من يده فإن بدر غيره قبل أن يخرجها السلطان من يده فأحياها لم
يملك بذلك، لأنه لم يأذن له السلطان، وفيهم من قال: أساء وملك، وفيهم من
قال: لا يملك، كما قلناه، لأنه ممنوع من ذلك بتحجير الأول.
إذا تحجر أرضا وباعها لم يصح بيعها، وفي الناس من قال: يصح، وهو
شاذ، فأما عندنا فلا يصح بيعه، لأنه لا يملك رقبة الأرض بالإحياء، وإنما يملك
التصرف بشرط أن يؤدي إلى الإمام ما يلزمه عليها، وعند المخالف لا يجوز، لأنه
لا يملك بالتحجر قبل الأحياء، فكيف يبيع ما لا يملك؟
فأما ما يجوز أن يقطعه السلطان وما لا يجوز فجملته أن ما لا يملكه أحد من
الناس على ضربين: أحدهما لا يملكه أحد إلا بما يستحدث فيه، وذلك مثل
الموات من الأرض، وقد ذكرنا أنه يملك بالإحياء بإذن السلطان التصرف فيها،
وهو أولى من غيره، وإذا تحجر صار أحق به من غيره.
ويجوز للسلطان أن يعطيه من غير إحياء ولا تحجير، لأن الموات ملكه، فله
أن يعطيه، وهذا لا خلاف فيه وإن اختلفوا في جهة الملك، ولأن النبي صلى الله
عليه وآله أقطع الدور بالمدينة وأنه عليه السلام أقطع وائل بن حجر أرضا
بحضرموت وأقطع الزبير حضر فرسه فأجرى فلما قام الفرس رمى بسوطه، فقال
النبي صلى الله عليه وآله: أعطوه منتهى سوطه، وأقطع بلال بن الحرث المزني
المعادن القبلية جلسيها وغوريها.
وأما المعادن على ضربين: ظاهرة وباطنة، فالباطنة لها باب نذكره، وأما
295

الظاهرة في الماء والقير والنفط والمومياء والكبريت والملح وما أشبه ذلك، فهذا
لا تملك بالإحياء، ولا يصير أحد أولى به بالتحجر من غيره، وليس للسلطان أن
يقطعه بل الناس كلهم فيه سواء يأخذون منه قدر حاجتهم، بل يجب عندنا فيها
الخمس، ولا خلاف في أن ذلك لا يملك.
وروي أن الأبيض بن حمال المأربي استقطع رسول الله ملح ماء مأرب
فروي أنه أقطعه، وروي أنه أراد أن يقطعه فقال له رجل - وقيل إنه الأقرع بن
حابس -: أتدري يا رسول الهل ما الذي تقطعه؟ إنما هو الماء العد، قال: فلا إذا.
والماء العد الدائم الذي لا ينقطع أراد أن ذلك الملح بمنزلة الماء الدائم لا
ينقطع ولا يحتاج إلى عمل واستحداث شئ.
ولا خلاف أنه لا يجوز للسلطان أن يقطع مشارع الماء فيجعله أحق بها من
غيره، وكذلك المعادن الظاهرة، وطعن في ذلك الخبر بأن هذا يؤدي إلى
تخطئة النبي صلى الله عليه وكله في الإقطاع، وأجيب عنه بأنه ما أقطع وإنما أراد
ولم يفعل، فنقل الراوي الفعل، ولأنه عليه السلام أقطع على ظاهر الحال، فلما
انكشف رجع.
فإذا ثبت أنها لا تملك فمن سبق إليها أخذ منها قدر حاجته وانصرف، فإن
أقام يريد أن يأخذ فوق حاجته فللإمام منعه منه، وقيل: ليس له منعه، وهو
الأقوى، فإن سبق إليه اثنان أقرع بينهما الإمام، وقيل: إنه يقدم أيهما شاء، والأول
أصح، وقيل أيضا: إنه يقيم الإمام من يأخذه فيقسم بينهما.
وإذا كان في الساحل بقعة إذا حفرت وانساق إليها الماء ظهر لها ملح، فإن
هذا في حكم الموات، لأنه لا ينتفع إلا باستحداث شئ، فيملك بالإحياء ويصير
بالتحجر عليه أولى، وللسلطان أن يقطعها، فإذا حصل واحد منها صار أولى بها
من غيره.
296

فصل: في تفريع القطائع وغيرها:
القطائع جمع قطيعة، والقطيعة القطعة من الأرض المقطوعة " فعيل بمعنى
مفعول " والقطائع ضربان أحدهما يملك بالإحياء، وهو الموات، وقد ذكرنا
حكمه، والثاني الإرفاق، وهو أن يقطعه موضعا يجلس فيه في المواضع الوسعة في
الطرقات ورحاب الجوامع.
قال قوم: للسلطان أن يقطع ذلك، لأن له في ذلك يدا وتصرفا كما أن له
أن يحفر في الطريق بئرا للمطر من الطريق، وله أن يمنع غيره من ذلك حسب ما
يراه من المصلحة، ويقوى في نفسي أنه ليس له ذلك لأن الناس في ذلك شرع
سواء، ولا دليل على جوازه.
فمن أجازه قال: إذا أقطع رجلا موضعا من ذلك فإنه أحق به من غيره،
وإن كان بعد لم يشغله، وإذا وضع متاعه فيه ثم قام وحوله كان أحق بذلك
الموضع وإن كان قد حول متاعه، وليس له أن ينصب فيه مستندا ولا يبني فيه
دكة، لأن ذلك مما تستضر به المارة.
وكذلك إذا سبق إلى موضع من تلك المواضع كان أحق بها من غيره
لأن ذلك جرت به عادة أهل الأعصار يفعلون ذلك، ولا ينكره أحد، غير أنه لا
يجوز أن يبني دكة ولا ينصب مستندا لما تقدم، فإذا قام عن ذلك الموضع فإن
ترك رحله فيه فحقه باق، وإن حول رحله منه انقطع حقه منه، فمن سبقه بعد
ذلك إليه كان أحق به منه.
وهكذا الحكم في المسجد، فمن سبق إلى مكان كان أحق به، فإن قام
وترك رحله فيه فحقه باق، وإن حوله زال حقه، والمسجد لا خلاف فيه، وفيه
نص لنا عن الأئمة عليهم السلام.
فأما إذا سبق اثنان إلى موضع من تلك المواضع ففيه وجهان: أحدهما
يتقارعان وهو الصحيح، والثاني يقدم الإمام من شاء منهما.
وأما المعادن الباطنة مثل الذهب والفضة والنحاس والرصاص وحجارة
297

البرام وغيرها مما يكون في بطون الأرض والجبال، ولا يظهر إلا بالعمل فيها
والمؤونة عليها، فهل تملك بالإحياء أم لا؟ قيل فيه قولان: أحدهما أنه تملك وهو
الصحيح عندنا، والثاني لا تملك، لأنه لا خلاف أنه لا يجوز بيعه، فلو ملك لجاز
بيعه، وعندنا يجوز بيعه.
فإذا ثبت أنها تملك بالإحياء فإن إحياءه أن يبلغ نيله وما دون البلوغ فهو
تحجير وليس بإحياء، فيصير أولى به مثل الموات، ويجوز للسلطان إقطاعه لأنه
يملكه عندنا، وقال المخالف: لا يقطعه إلا القدر الذي يطيقه آلته ورجاله وإذا
أحياه ملكه وصار أحق به وبمرافقه التي لا بد لها منها على قدر الحاجة إليه إن كان
يخرج ما يخرج منه بالأيدي، وإن كان يخرج بأعمال فكما قلناه في الموات.
ومتى ما تحجر المعدن بالحفر وأراد آخر إحياءه، قال السلطان للأول: إما
أن تحييه أو تخلي بينه وبين غيرك، فإن استأجله أجله، حسب ما قلناه في إحياء
الموات سواء، ومن قال: إنه لا يملك، فهل للسلطان أن يقطعه أم لا؟ قيل فيه
قولان: أحدهما لا يقطعه لأنه لا يملك بالإحياء، والثاني يقطعه، كما أقطع النبي
صلى الله عليه وآله بلالا وغيره.
إذا أحيا مواتا من الأرض فظهر فيها معدن ملكها بالإحياء وملك المعدن
الذي ظهر فيها بلا خلاف، لأن المعدن مخلوق خلقة الأرض فهو جزء من
أجزائها، وكذلك إذا اشترى دارا فظهر فيها معدن كان للمشتري دون البائع،
فأما إذا وجد فيها كنزا مدفونا فإن كان ذلك من دفن الجاهلية ملكه بالإصابة
والظهور عليه، وحكمه حكم الكنوز وإن كان من دفن الإسلام فهو لقطة، وإن
كان ذلك في أرض اشتراها فإن الكنز لا يدخل في البيع لأنه مودع فيه.
إذا غنم بلدان المشركين وفيها موات قد عمل جاهلي في معدن فيه فإنه لا
يكون غنيمة، ولا يملكه الغانمون، ويكون على الإباحة كالموات، لأنه لا يدري
هل من أظهره قصد التملك أم لا؟ فلا يدري أنه كان ملكه فيغنم، والأصل أنه
على الإباحة.
298

عفو بلاد العرب هي الموات، ويروى " عقو بلاد العرب وهي الساحة "
والمراد به الموات، فالصحيح أنه ب‍ " الفاء " وهي الأرض المتروكة التي لم يعمرها
أحد، ولا يكون فيها عين ولا أثر.
فإذا ثبت هذا فبلاد الإسلام على ضربين: بلاد أسلم أهلها عليها، وبلاد
فتحت.
فأما التي أسلم أهلها عليها مثل مدينة رسول الله صلى الله عليه وآله فإن
العامر لأهله بلا خلاف، وأما الموات فعلى ما مضى ذكره - ما جرى عليه أثر
ملك وما لم يجر عليه ملك - وقد مضى بيانه.
وأما التي فتحت عليه فإنها لا تخلو: إما أن تكون فتحت عنوة أو صلحا.
فإن فتحت عنوة فإن كان عامرا كان غنيمة، وقد ذكرنا من يستحقه، عندنا
جميع المسلمين، وعند المخالف المقاتلة.
فأما الموات فإن الذي لم يقاتلوا عنه من الموات يكون حكمه حكم موات
دار الإسلام، وأما الذي قاتلوا عنه من الموات فعندنا أنه للإمام أيضا لعموم الخبر،
وفي الناس من قال: إن قتالهم عنه يكون تحجيرا فيكونون أولى به، وفيهم من
قال: ليس ذلك بتحجير، بل هو سبب للاغتنام، فيصير من حملة الغنيمة.
وأما إذا فتح صلحا فلا يخلو: إما أن يصالحهم على أن يكون الدار لنا أو على
أن يكون الدار لهم.
فإن صالحهم على أن يكون الدار لهم بشئ يبذلونه صح ذلك ويكون
الدار لهم، والعامر ملكهم والموات على ما كان عليه، فمن أحيا شيئا بإذن الإمام
كان أولى به، وإن أحيا المسلم منه شيئا بإذن الإمام كان أيضا أولى به، وفيهم من
قال: إذا أحياه المسلم لم يملك.
ويفارق دار الحرب حيث قلنا: إذا أحيا شيئا منها ملك، لأن دار الحرب
تملك بالقهر والغلبة، فتملك بالإحياء، وليس كذلك هذه الدار التي حصلت لهم
بالصلح لأن المسلمين لا يملكونها بالقهر والغلبة، وعلى مذهبنا لا فرق بين
299

الموضعين.
وأما إذا صالحوهم على أن يكون الدار لنا صح، ويكون الحكم في ذلك
حكم دار الإسلام، لأنه صار للمسلمين بالمصالحة، فحكم عامره وحكم مواته
حكم عامر بلاد المسلمين ومواتها على ما مضى، وما يحصل بالمصالحة فهو فئ
وحكمه حكم الفئ في أربعة أخماسه وخمسه، فإن وقع الصلح على عامرها
ومواتها كان العامر للمسلمين، والموات للإمام على ما بيناه، وعند المخالف
يكون الكل مملوكا لأنه يجعل المقاتلة عن الموات بمنزلة التحجير يملك به.
وعلى قول بعضهم - وهو الأكثر - يقوم المسلمون الذين ملكوا العامر منهم
مقامهم في التحجر، فيكونون أولى به من غيرهم، كما يكون المتحجر للموات أولى
به من غيره.
وإذا ملك معدنا في أرض أحياها أو اشتراها فظهر فيها، ثم إن رجلا عمل فيه
فأخرج منه قطعا فإنه لا يخلو: إما أن يكون باذنه أن بغير إذنه، فإن كان بغير إذنه
فهو متعد بذلك، ولا أجرة له، وما أخرجه لصاحبه، وإن كان ذلك بإذن
المالك فلا يخلو: إما أن يأذن له على أن يخرجه له أو يخرجه لنفسه.
فإن أذن له أن يخرجه له فما يخرجه له، وهل له الأجرة أم لا؟ قال قوم:
الحكم فيه كالحكم في الغسال إذا أعطاه الثوب ليغسل فغسله من غيره أن يشرط
له أجرة.
وأما إذا أذن له على أن ما يخرجه فهو لنفسه دونه، فإن ذلك لا يصح لأنها
هبة مجهولة، والمجهول لا يصح تملكه، فكل ما يخرجه فإنه لصاحب المعدن إلا
أن يستأنف له هبة بعد الإخراج ويقبضه إياه، ولا أجرة للعامل، لأنه عمل لنفسه
وإنما يثبت له الأجرة إذا عمل لغيره بإجارة صحيحة أو فاسدة.
ويجري ذلك مجرى أن يهب إنسان زرعه وهو مجهول، فينقله الموهوب له
من موضع إلى موضع آخر يذريه وينقيه، ثم تبين أن الهبة كانت فاسدة، فلا
يكون للموهوب له شئ من الزرع، ولا له أجرة المثل في عمله، لأنه إنما عمل
300

لنفسه وعلى أنه مالكه.
وأما إذا استأجره لإخراج شئ من المعدن فإنه ينظر: فإن استأجره مدة
معلومة صحت الإجارة، وإن كان العمل معلوما مثل أن يقول: تحفر لي كذا
ذراعا، صح ذلك إذا كانت الأجرة معلومة، فأما إذا استأجره لذلك وجعل
أجرته جزء مما يخرجه من المعدن، مثل أن يقول: لك ثلثه أو دونه، فإن الإجارة
فاسدة، لأن الإجارة غير معلومة بل هي مجهولة، وله أجرة المثل، فإن كان ذلك
بلفظ الجعالة، وجعل له بعض ما يخرجه مثل أن يقول: إن أخرجت منه شيئا
فلك نصفه أو ثلثه، فإنه لا يجوز لأنه الذي جعل له مجهول المقدار، وإن جعله
معلوما فقال: إن أخرجت منه كذا فلك عشرة دراهم، صح ذلك، كما لو قال:
من جاء بعبدي أو إن جئت بعبدي فله دينار، صح ذلك.
الآبار على ثلاثة أضرب: ضرب يحفره في ملكه، وضرب يحفره في الموات
ليملكها، وضرب يحفره في الموات لا للتملك، فأما ما يحفره في ملكه فإنما هو
نقل ملكه إلى ملكه لأنه ملك المحل قبل الحفر، والثاني إذا حفر في الموات
ليتملكها فإنه يملكها بالإحياء، والأحياء أن يبلغ الماء لأن ذلك نيلها، فإذا بلغ
نيل ما أراد ملك، وقبل أن يبلغ الماء يكون ذلك تحجيرا كما قلنا في المعادن
الباطنة أن تحجيره ما لم يبلغ النيل، فإذا بلغ النيل كان ذلك إحياء وملكه.
فإذا ثبت هذا فالماء الذي يحصل في هذين الضربين هل يملك أما لا؟ قيل
فيه وجهان: أحدهما أنه يملكه، وهو الصحيح، والثاني أنه لا يملكه، لأنه لو ملكه
لم يستبح بالإجارة، وإنما قلنا إنه مملوك لأنه نماء في ملكه مثل ثمرة الشجرة
وهو معدن ظاهر مثل سائر المعادن، وإنما يستباح بالإجارة لأنه لا ضرر على
مالكه، لأنه يستخلفه في الحال بالنبع، وما لا ضرر عليه فليس له منعه منه مثل
الاستظلال بحائطه.
فإذا قلنا إنه مملوك فليس لأحد أن يأخذه إلا بإذن، وإن أخذه كان عليه
رده، وإنما يجوز للمستأجر لأنه لا بد له منه، ومن قال لا يملكه قال: ليس لأحد أن
301

يأخذه أيضا، لأنه يتخطى في ملك غيره بغير إذنه فإن خالف وتخطى وأخذ ملك
بالأخذ ولا يلزمه رده، كما إذا توحل في أرضه صيد فليس لغيره أن يأخذه لأنه
يحتاج أن يتخطى في ملك غيره بغير إذنه، فإن خالف وأخذ الصيد ملك.
وأما إذا أراد بيع شئ منه، فمن قال: إنه غير مملوك، لم يجز أن يبيع منه
شيئا حتى يستقيه ويحوزه فيملك بالحيازة والاستقاء، ومن قال إنه مملوك قال:
جاز أن يبيع منه شيئا وهو في البئر إذا شاهده المشتري كيلا أو وزنا، ولا يجوز أن
يبيع جميع ما في البئر، لأنه لا يمكن تسليمه، لأنه ينبع ويزيد كلما استقي شئ
منه، فلا يمكن تمييز المبيع من غيره.
وأما الضرب الثالث من الآبار، وهو إذا نزل قوم موضعا من الموات فحفروا
فيه بئرا ليشربوا منها ويسقوا بهائمهم ومواشيهم منها مدة مقامهم، ولم يقصدوا
التملك بالإحياء فإنهم لا يملكونها لأن المحيي لا يملك بالإحياء إلا إذا قصد
تملكه به، فإذا ثبت أنه لا يملكه فإنه يكون أحق به مدة مقامه، فإذا رحل فكل من
سبق إليه فهو أحق به، مثل المعادن الظاهرة.
فكل موضع قلنا إنه يملك البئر فإنه أحق من مائها بقدر حاجته لشربه
وشرب ماشيته وسقي زروعه، فإذا فضل بعد ذلك شئ وجب عليه بذله بلا
عوض لمن احتاج إليه لشربه وشرب ماشيته من السابلة وغيرهم، وليس له منع
الماء الفاضل من حاجته حتى لا يتمكن غيره من رعي الكلأ الذي بقرب ذلك
الماء، وإنما يجب عليه ذلك لشرب المحتاج إليه وشرب ماشيته فأما لسقي زرعه
فلا يجب عليه ذلك، لكنه يستحب.
وفيهم من قال: يستحب ذلك لشرب ماشيته وسقي زرعه، ولا يجب، وفيهم
من قال: يجب بذله بلا عوض لشرب الماشية ولسقي الزرع، وفيهم من قال:
يجب عليه بالعوض فأما بلا عوض فلا.
وإنما قلنا ذلك لما رواه ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله قال: الناس
شركاء في ثلاث النار والماء والكلأ، وروى جابر أن النبي صلى الله عليه وآله
302

نهى عن بيع فضل الماء، فإذا ثبت أنه يلزمه البذل، فإنه لا يلزمه بذل آلته التي
يستقي بها من البكرة والدلو والحبل وغير ذلك، لأن ذلك يبلى بالاستعمال،
ويفارق الماء لأنه ينبع فيخلف وأما الماء الذي حازه وجمعه في حبه أو جرته أو
كوزه أو بركته أو بئره أو مصنعه أو غير ذلك فإنه لا يجب عليه بذل شئ منه،
وإن كان فضلا عن حاجته بلا خلاف، لأنه لا مادة له، هذا في ماء البئر، وأما
العين الذين على ظاهر القرار، على صاحب القرار بذل الفاضل عن حاجته لماشية
غيره مثل البئر سواء.
الكلام في المياه في فصلين: أحدهما في ملكها، والآخر في السقي منها.
فأما الكلام في ملكها، فهي على ثلاثة أضرب: مباح ومملوك ومختلف فيه.
فالمباح مثل ماء البحر والنهر الكبير مثل دجلة والفرات والنيل وجيحون
وسيحان، ومثل العيون النابعة في موات السهل والجبل، فكل هذا مباح ولكل
أحد أن يستعمل منه ما أراد كيف شاء بلا خلاف، لخبر ابن عباس المتقدم، وإن
زاد هذا الماء فدخل إلى أملاك الناس واجتمع فيها لم يملكوه، كما أنه لو نزل
مطر واجتمع في ملكهم أو ثلج فمكث في ملكهم أو فرخ طائر في بستانهم أو
توحل ظبي في أرضهم أو وقعت سمكة في سماريطهم لم يملكوه، وكان ذلك
لمن حازه بلا خلاف.
وأما المملوك فكل ما حازه من الماء المباح في قربة أو جرة أو بركة أو بئر
جمعه فيها، فهذا مملوك له كسائر المائعات المملوكة من الأدهان والألبان
وغيرها، ومتى غصب غاصب من ذلك، وجب عليه رده على صاحبه، وإن كان
باقيا أو مثله إن كان تالفا.
وأما المختلف في كونه مملوكا فهو كل ما نبع في ملكه من بئر أو عين، فقد
اختلف فيه على وجهين: أحدهما أنه مملوك، والثاني ليس بمملوك، وقد مضى
ذلك، وقلنا: إن الأقوى على مذهبنا أنه مملوك، لأنه نماء في ملكه، ولا دليل على
كونه مباحا، فمن قال إنه غير مملوك قال: لا يجوز بيعه ولا شئ منه كيلا ولا
303

وزنا.
وإذا باع دارا فيها بئر ماء فإنه لا يدخل الماء الذي في البئر في البيع، ومن
قال هو مملوك له قال: يجوز أن يبيع منه كيلا أو وزنا ولا يجوز أن يبيع جميعه
لأنه لا يقدر على تسليمه، فإنه يختلط به غيره.
وإن باع دارا وفيها بئر ماء لم يدخل الماء في البيع لأنه مودع فيها غير
متصل بها، فهو بمنزلة الطعام في الدار، وقال قوم: يحتمل أن يقال يدخل في
البيع تابعا مثل اللبن في الضرع في بيع اللبون تابعا.
ومن قال لا يدخل في البيع تابعا قال: فإذا شرط صح البيع ودخل فيه،
ويقول: إذا باع البئر فما يحدث من الماء يكون للمشتري، فلا يتعذر تسليم المبيع
إليه، وليس كذلك إذا باع الماء وحده لأنه لا يمكن تسليم الجميع لأنه إلى أن
يسلمه قد نبع فيه ماء آخر فاختلط.
وأما السقي منه فإن الماء المباح على ثلاثة أضرب:
الأول: ضرب هو ماء نهر عظيم مثل ماء دجلة والفرات والنيل وجيحون،
فإن الناس في السقي منه شرع سواء، فلا يحتاج فيه إلى ترتيب وتقديم وتأخير
لكثرته واتساعه لجميع الأراضي من الأعلى والأسفل.
والثاني: ماء مباح في نهر غير مملوك صغير يأخذ من النهر الكبير، ولا
يسقي جميع الأراضي إذا سقيت في وقت واحد، ويقع في التقديم والتأخير نزاع
وخصومة، فهذا يقدم فيه الأقرب فالأقرب إلى أول النهر الصغير، لما رواه عروة أن
عبد الله بن الزبير حدثه أن رجلا خاصم الزبير في شرح الحرة التي يسقون بها،
فقال الأنصاري: شرح الماء يمر، فأبى عليه الزبير فقال رسول الله صلى الله عليه
وآله للزبير: يا زبير اسق ثم أرسل إلى جارك، فغضب الأنصاري فقال: يا رسول
الله أن كان ابن عمتك؟ فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وآله ثم قال: اسق
ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدار...، فقال الزبير: فوالله إني لأحسب هذه
نزلت في ذلك " فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم... الآية "
304

فدل هذا على أن الأقرب أولى، فإذا استكفى أرسله إلى من يليه.
وروى أبو داود بإسناده عن ثعلبة بن أبي مالك أنه سمع كبراءهم يذكرون
أن رجلا من قريش كان له سهم في بني قريظة فخاصم إلى رسول الله صلى الله
عليه وآله في مهزور السيل الذي يقتسمون ماءه وفصل بينهم رسول الله صلى الله
عليه وآله بأن الماء إلى الكعب لا يحبس الأعلى على الأسفل.
وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وآله
قضى في سيل المهزور أن تمسك حتى يبلغ الكعبين، ثم يرسل الأعلى على
الأسفل.
تفسير ما في الحديثين: فالشراج جمع شرج وهو النهر، والحرة الحجارة
السود والجدر جمع جدار، ومهزور السيل الموضع الذي يجتمع فيه ماء
السيل، وليس بين الحديثين تنافر لأن الأرض إذا كانت مستوية وحبس الماء إلى
الكعبين فإنه يبلغ الجدار، فالحديثان متفقان.
وروى أصحابنا أن الأعلى يحبس إلى الساق للنخل، وللشجر إلى القدم،
وللزرع إلى الشراك، فإذا ثبت هذا فالأقرب إلى الفوهة يسقي ويحبس الماء عمن
دونه، فإذا بلغ الماء الكعبين أرسله إلى جاره هكذا الأقرب فالأقرب كلما حبس
الماء وبلغ في أرضه إلى الكعبين أرسله إلى من يليه، حتى تشرب الأرض كلها،
فإن كان زرع الأسفل يهلك إلى أن ينتهي الماء إليه لم يجب على من فوقه إرساله
إليه.
وإذا أحيا على هذا النهر الصغير رجل أرضا مواتا هي أقرب إلى فوهة هذا
النهر من أرضهم فإنهم أحق بمائه، فإذا فضل عنهم سقي المحيي، لأنه من مرافق
ملكهم فكانوا أحق به من غيرهم مع حاجتهم إليه، فما فضل عنهم كان لمن أحيا
على ذلك الماء مواتا.
والثالث: وأما الماء الذي في نهر مملوك فهو أن يحفروا في الموات نهرا
صغيرا ليحيوا على مائه أرضا، فإذا بدؤوا بالحفر فقد تحجروا إلى أن يصل الحفر
305

إلى النهر الكبير الذي يأخذون منه الماء، فإذا وصلوا إليه ملكوه، كما إذا حفروا
بئرا فوصلوا إلى الماء ملكوه، وإن حفروا معدنا من المعادن الباطنة فإذا وصلوا إلى
النيل ملكوه، فإذا ثبت هذا فإنهم يملكونه على قدر نفقاتهم عليه، فإن أنفقوا على
السواء كان النهر بينهم بالسوية، وإن تفاضلوا كان ملكهم على قدر ما أنفقوا.
فإذا تقرر هذا فالماء إذا جرى فيه لم يملكوه، كما إذا جرى الفيض إلى ملك
رجل واجتمع فيه لا يملكه، لكن يكون أهل النهر أولى به لأن يدهم عليه، وليس
لأحد مزاحمتهم فيه لأن النهر ملك لهم، ولكل واحد منهم أن ينتفع به على قدر
الملك، لأن الانتفاع به لأجل الملك، فإن كان الماء كثيرا يسعهم أن يسقوا من
غير قسمة سقوا منه، وإن لم يسعهم فإن تهابوا وتراضوا على ذلك جاز لهم ما
تراضوا به، وإن لم يفعلوا ذلك واختلفوا نصب الحاكم في موضع القسمة خشبة
مستوية الظهر محفرة بقدر حقوقهم فإن كان لأهل ساقية مائة جريب وللآخرين
ألف جريب كانت الحفر إحدى عشرة حفرة متساوية، فتكون حفرة منها لساقية
من له مائة جريب، والباقي للباقي، وذلك قسمة الماء العادلة.
306

تبصرة المتعلمين
الفصل الحادي عشر: في إحياء الموات:
لا يجوز التصرف في ملك الغير بغير إذنه ولو فيما فيه صلاحه، كالطريق
والنهر والمراح.
وحد الطريق المبتكر في المباحة مع المشاحة سبعة أذرع، وحريم بئر
المعطن أربعون ذراعا، والناضح ستون، والعين في الرخوة ألف، وفي الصلبة
خمسمائة.
ويحبس النهر للأعلى إلى الكعب في النخل، وللزرع إلى الشراك، ثم
كذلك لمن هو دونه، وللمالك أن يحمي المرعى في ملكه، وللإمام مطلقا، وليس
لصاحب النهر تحويله إلا بإذن صاحب الرحى المنصوبة عليه، ويكره بيع الماء في
القنوات والأنهار.
ويجوز إخراج الرواشن والأجنحة في الطريق النافذة ما لم تضر المارة،
ومع الإذن في المرفوعة، وكذا فتح الأبواب.
ويشترك المتقدم والمتأخر في المرفوعة إلى الباب الأول وصدر الدرب،
ويختص المتأخر بما بين البابين، ولكل منهما تقديم بابه لا تأخيرها، ولو أخرج
الرواشن في النافذ فليس لمقابلة منعه وإن استوعب عرض الدرب، ولو سقط فبادر
مقابله لم يكن للأول منعه.
307

ويستحب للجار وضع خشب جاره على حائطه مع الحاجة، ولو أذن جاز
الرجوع قبل الوضع، وأما بعده فبالأرش.
ولو تداعيا جدارا مطلقا فهو للحالف مع نكول الآخر، ولو حلفا أو نكلا
فلهما، ولو اتصل ببناء أحدهما أو كان له عليه طرح فهو له مع اليمين، ولا
يتصرف الشريك في الحائط والدولاب والبئر والنهر بغير إذن شريكه، ولا يجبر
الشريك على العمارة.
والقول قول صاحب السفل في جدران البيت، وقول صاحب العلو في
السقف وجدران الغرفة والدرجة، وأما الخزانة تحتها فلهما، وطريق العلو في
الصحن بينهما، والباقي للأسفل، وللجار عطف أغصان الشجرة، فإن تعذر قطعها
عن ملكه.
وراكب الدابة أولى من قابض لجامها، وصاحب الأسفل أولى بالغرفة
المفتوح بابها إلى غيره مع التنازع واليمين وعدم البينة.
308

تلخيص المرام
كتاب إحياء الموات
العامر من الأراضي ومصلحة العامر كالشرب والطريق والقناة لأربابه،
والموات للإمام لا يملك بالإحياء ما لم يأذن، فيملك مع الإذن وإن كان كافرا،
والأرض الخراجية إذا ماتت لا يصح إحياؤها، ومواتها وقت الفتح للإمام، وله
كل ما لم يجر عليه ملك وكل ما ليس له مالك معروف، ومع غيبته، والمحيي
أحق به، وإن زالت الآثار فأحياها غيره انتقل الاستحقاق، وللإمام مع ظهوره
رفع يده.
وشرط الأحياء ألا تكون عليها يد مسلم وألا تكون حريما للعابر، كالطريق
وحده في المباح سبع أذرع، والشرب وحده مطرح التراب والمجاز عليه،
والبئر، فللمعطن أربعون ذراعا وللناضح ستون وللعين ألف في الرخوة، وخمس
مائة في الصلبة، والحائط وحده مطرح ترابه.
والحريم إنما يثبت في المبتكر من الموات، وما يكون بقرب العامر يصح
إحياؤه، إذا لم يكن مرفقا له ولا حريما، ولو غرس في جانب الأرض المحياة ما
تبرز أغصانه أو عروقه إلى المباح لم يكن للغير الأحياء وله المنع، وألا يكون
مشعرا للعبادة وألا يكون مقطعا من الإمام، وألا يسبق بالتحجر أحد، ولو ادعى
صاحب النهر في ملك غيره الحريم قضي له على رأي، ولو حجر وأحياها غيره لم
يملك المحيي، ولو حجر وأهمل أجبره الإمام على الترك أو العمارة، فإن امتنع
309

أخرجها من يده، ولو بادر إليها المحيي لم يصح ما لم يرفع السلطان يده أو يأذن
في الأحياء.
والتحجير يكون بنصب المروز أو الحائط، وللإمام أن يحمي لنفسه ولغيره ما
يفضل عن مراعي المسلمين للخيل المعدة للجهاد، ونعم الصدقة والجزية والضوال
وليس لآحاد المسلمين ذلك، وما حماه النبي صلى الله عليه وآله أو الإمام عليه
السلام لمصلحة فزالت، جاز نقضه، والمرجع في الأحياء إلى العرف، وربما سمي
التحجير إحياء.
ويجوز الانتفاع بالطرق في غير الاستطراق بما لا يضر، ومن سبق إلى مكان
في المسجد والطريق فهو أحق به، فلو قام بنية العود لم يزل الاستحقاق ما دام
رحله، ولو جلس للبيع والشراء في الطريق منع على رأي، إلا في المواضع
المتسعة، فلو رفع رحله عنها بنية العود قيل: بطلت الأولوية، ولو استبق اثنان إلى
المسجد وتعذر الاجتماع أقرع بينهما، ومن سكن بيتا في مدرسة أو رباط، فمن له
السكنى فهو أحق ما لم يشرط المدة، فيخرج، أو شرط الاشتغال بالعلم فيترك،
وله أن يمنع من المشاركة، ولو فارق لعذر سقطت الأولوية.
ولا تملك المعادن الظاهرة بالإحياء، ولا يختص بها المحجر، وللسابق أخذ
حاجته، فإن تعدد ولم يمكن أقرع، ولو حفر بقرب المملحة بئرا في موات وساق
إليها الماء وصارت ملحا ملكها، ويملك بالإحياء الباطنة، وحده أن يبلغ نيلها،
ولو لم يبلغ فهو أحق ولا يملك ويجبره الإمام على الترك أو الإتمام، ولو أحيا
أرضا فظهر فيها معدن ملكه، ولو اشترى دارا فظهر فيها معدن فهو له دون البائع،
ومن حفر بئرا في مباح فهو أملك بمائها من غيره، وكذا من حفر نهرا، ويكره
بيعه، ولو حفرها لا للتملك فهو أحق ما دام مستعملا وإذا فارق فالسابق أحق
بالانتفاع.
ومياه العيون والآبار والغيوث شرع، ويملك بالإحازة في الإناء وشبهه، وما
يفيضه النهر المملوك في المباح، قيل: لا يملكه الحافر بل هو أولى، فإن كان فيه
310

جماعة ولم يمنعهم قسم على قدر أنصبائهم من النهر، ولو قصر النهر المباح عن
الجميع بدئ بالأول للزرع إلى الشراك وللشجر إلى القدم وللنخل إلى الساق
ثم يرسل إلى ما يليه، ولا يجب قبل ذلك ولو أدى إلى تلف الآخر، ولا يشاركهم
اللاحق وإنما يأخذ ما يفصل على رأي، ولو استجد النهر جماعة فبالحفر يصيرون
أولى فإذا وصلوا مشرع الماء، ملكوا على قدر النفقة على عمله.
ويجوز إخراج الروشن والجناح إلى النافذ إذا لم يضر وإن عارض المسلم،
ولو أظلم الطريق قيل: لا يزال، وفتح الأبواب بخلاف المرفوعة إلا مع الإذن،
ولو صالحهم على إحداث روشن قيل: لم يخز، ويجوز فتح الروازن والشبابيك،
ولو أحدث فيها حدثا، جاز لكل مستطرق إزالته، ولكل من الداخل والخارج
فيها التقدم، وينفرد الداخل بما بين البابين ويشتركان في الصدر إلى الأول، وفي
الفاضل. وذو الدارين يجوز أن يفتح بينهما بابا وإن كانت كل واحدة في زقاق، و
إن سقط الروشن المستوعب في النافذ فللمحاذي عمل آخر.
ولا يجب على الجار وضع خشب جاره على حائطه، بل يستحب، ولو أذن
ورجع قبل الوضع جاز، وبعده على رأي، ويضمن، ولو صالحه على الوضع
جاز بشرط ذكر عدد الخشب والوزن والطول، ولو انهدم افتقر إلى تجديد الإذن.
ولو تداعيا جدارا مطلقا، فهو لمن حلف عليه مع نكول الآخر، ولهما إن
حلفا أو نكلا، ولمن اتصل بنيانه ولمن عليه طرحه ولصاحب الأساس، وبالعكس
فيه مع اليمين، ولا اعتبار بالروازن والخوارج، ويقضي بالخص لمن إليه معاقد
قمطه، ولا يجبر الشريك على العمارة لو انهدم الحائط، وكذا غيره، ولو هدمه
بغير إذنه أو باذنه بشرط العمارة أعاده، ولا يجوز التصرف فيه إلا بإذن الآخر.
وجداران البيت لصاحب السفل، والسقف لصاحب العلو، ولا يجبر أحدهما
على بناء الجدار الحامل للعلو، وجداران الغرفة لصاحبها وله الدرجة، والغرفة
للأسفل، وإن كان لهما باب إلى الآخر، وللجار عطف أغصان شجرة جاره،
والقطع، ولو صالحه على الإبقاء في الهواء لم يصح، ويصح على الحائط مع
311

تقدير الزيادة، ولو تداعيا الصحن فطريق صاحب العلو مشترك والباقي لصاحب
السفل.
312

الدروس الشرعية
كتاب إحياء الموات
وعامر الأرض ملك لأربابه ولو عرض له الموات لم يصح لغيرهم إحياؤه
إلا بإذنهم، ولو لم يعرفوا فهو للإمام، وكذا كل موات من الأرض لم يجر عليها
ملك، أو ملك وباد أهله سواء كان في بلاد الإسلام أو بلاد الكفر.
ونعني بالموات ما لا ينتفع به لعطلته إما لانقطاع الماء عنه أو لاستيلائه عليه
أو استئجامه مع خلوة عن الاختصاص، ويشترط في تملكه بالإحياء أمور تسعة:
أحدها: إذن الإمام على الأظهر سواء كان قريبا من العمران أم لا، وفي غيبة
الإمام يكون المحيي أحق بها ما دام قائما بعمارتها، فإن تركها فزالت آثاره فلغيره
إحياؤها على قول، وإذا حضر الإمام فله إقراره أو إزالة يده.
وثانيها: أن يكون المحيي مسلما، فلو أحياها الذمي بإذن الإمام ففي تملكه نظر
من توهم اختصاص ذلك بالمسلمين والنظر في الحقيقة في صحة إذن الإمام له في
الأحياء للتملك، إذ لو أذن لذلك لم يكن بد من القول بملكه، وإليه ذهب الشيخ
نجم الدين - رحمه الله -.
وثالثها: وجود ما يخرجها عن الموات، فالمسكن بالحائط والسقف بخشب أو
عقد والحظيرة بالحائط، ولا يشترط نصب الباب فيهما، والزرع بعضد الأشجار
والتهيئة للانتفاع وسوق الماء أو اعتياد الغيث أو السيح، ويحصل الأحياء أيضا
بقطع المياه الغالبة، ولا يشترط الحرث ولا الزرع ولا الغرس على الأقرب، نعم
313

لو زرع أو غرس وساق الماء أو قطعه فهو إحياء وكذا لا يشترط الحائط والمسناة
في الزرع، نعم يشترط أن يبين الحد بمرز وشبهه.
وأما الغرس فالظاهر اشتراط أحد الثلاثة مصيرا إلى العرف، ولو فعل دون
ذلك واقتصر كان تحجيرا يفيد أولوية لا ملكا فلا يصح بيعه، نعم يورث عنه
ويصح الصلح عليه، ولو أهمل الإتمام فللحاكم إلزامه بالإحياء أو رفع يده، فلو
امتنع أذن لغيره فيها وإن اعتذر بشاغل أمهل مدة يزول عذره فيها فلو أحياها أحد
في مدة الإمهال لم يملك ويملك بعدها.
وعن الشيخ نجيب الدين بن نما أن التحجير إحياء، ويمكن حمله على أرض
ليس فيها استئجام ولا ماء غالب وتسقيها الغيوث غالبا، فإن ذلك قد يعد إحياء
وخصوصا عند من لا يشترط الحرث ولا الزرع والغرس لأنهما انتفاع وهو معلول
الملك فلا يكون سببا له كالسكنى، والمحكم في هذا كله العرف لعدم نص
الشرع على ذلك واللغة.
ولو نصب بيت شعر أو خيمة في المباح فليس إحياء، بل يفيد الأولوية.
ورابعها: أن لا يكون مملوكا لمسلم أو معاهد، فلو سبق ملك واحد منهما لم
يصح الأحياء، نعم لو تعطلت الأرض وجب عليه أحد الأمرين إما الإذن لغيره أو
الانتفاع.
فلو امتنع فللحاكم الإذن وللمالك " طسقها " على المأذون، فلو تعذر
الحاكم فالظاهر جواز الأحياء مع الامتناع من الأمرين وعليه " طسقها ".
والمحجر في حكم المملوك على ما تقرر ومجرد ثبوت يد محترمة كاف في منع الغير
من الأحياء، وإن لم يعلم وجود سبب الملك، نعم لو علم إثبات اليد
بغير سبب مملك ولا موجب أولوية فلا عبرة به.
وموات الشرك كموات الإسلام، فلا يملك الموات بالاستيلاء وإن ذب
عنه الكفار، بل ولا تحصل به الأولوية، وربما احتمل الملك والأولوية تنزيلا
للاستيلاء كالإحياء أو كالتحجير، والأقرب المنع لأن الاستيلاء سبب في تملك
314

المباحات المنقولة أو الأرضين المعمورة.
والأمران منتفيان هنا، وما لم يذبوا عنه كموات المسلمين قطعا.
وخامسها: أن لا يكون مشعرا للعبادة كعرفة ومنى، ولو كان يسيرا لا يمنع
المتعبدين سدا لباب مزاحمة الناسكين ولتعلق حقوق الخلق كافة بها، وجوز
المحقق نجم الدين اليسير لانتفاء ملك أحد وعدم الإضرار بالحجيج.
فرع:
على قوله - رحمه الله - لو عمد بعض الحاج لهذا المحيي ففي جواز وقوفه به
ثلاثة أوجه: المنع مطلقا لأنا بنينا على الملك، والجواز مطلقا جمعا بين الحقين،
والجواز إن اتفق ضيق المكان والحاجة إليه، وربما احتمل على الوجهين الآخرين
جواز إحياء الجميع إذ لا ضرر على الحجيج وليس بشئ.
وسادسها: أن لا يكون مما حماه النبي صلى الله عليه وآله أو الإمام عليه السلام
لمصلحة، كنعم الصدقة والجزية فقد حمى رسول الله صلى الله عليه وآله النقيع
" بالنون " لخيل المهاجرين، ولو حمى كل منهما لحاجته جاز عندنا، وليس
لآحاد المسلمين الحمى إلا في أملاكهم فلهم منع الغير من رعي الكلأ النابت فيها،
ولو زالت المصلحة التي حمى لها الوالي فالأقرب جواز الأحياء، وفي احتياج
خروجه عن الحمى إلى حكم الحاكم نظر من تبعية السبب وقد زال فيرجع إلى
أصله من الإباحة، ومن أنه ثبت المنع بالحكم فلا يزول بدونه.
ولا فرق بين ما حماه النبي صلى الله عليه وآله والإمام لأن حماهما كالنص إذ
لا يحكم الإمام بالاجتهاد عندنا، وهل للإمام الثاني إزالة ما حماه السابق لمصلحة
زائدة مع بقاء المصلحة المحمي لها؟ فيه وجهان من أنها تعينت لجهة مستحقة فهي
كالمسجد، ومن زوال الملك في المسجد بخلاف الحمى فإنه تابع للمصلحة،
وقد يكون غيرها أصلح منها.
315

درس [1]:
وسابعها: أن لا يكون حريما لعامر، فحريم الدار مطرح ترابها وكناستها
ومصب مياهها وثلوجها ومسلك الدخول والخروج إليها ومنها في صوب الباب،
والظاهر الاكتفاء في الصوب بما يمكن فيه التصرف في حوائجه، فليس له منع
المحيي من كل الجهة التي في صوب الباب، وإن افتقر الأول في السلوك إلى
ازورار حذرا من التضيق للمباح وفي التقدير هنا بنصاب الطريق نظرا من التسمية
ومن توهم اختصاص التقدير بالطريق العام، وله أن يمنع من يحفر بقرب حائطه
في المباح بئرا أو نهرا يضران بحائطه أو داره.
وحريم القرية مطرح القمامة والتراب والزبل ومناخ الإبل ومرتكض
الخيل والنادي وملعب الصبيان ومسيل المياه ومرعى الماشية ومحتطب أهلها مما
جرت العادة بوصولهم إليه، وليس لهم المنع فيما يعد من المرعى والمحتطب
بحيث لا يطرقونه إلا نادرا، ولا المنع مما لا يضرهم مما يطرقونه، ولا يتقدر حريم
القرية بالصحية من كل جانب، ولا فرق بين قرى المسلمين وأهل الذمة في ذلك.
وحريم الشرب مطرح ترابه والمجاز على حافتيه.
وحريم العين ألف ذراع في الرخوة وخمسمائة في الصلبة، فليس للغير
استنباط عين أخرى في هذا القدر.
وروي هذا التقدير في القناة، ولو أراد الغير إحداث قناة أخرى فإنه يتباعد
عنها في العرض ذينك.
وحريم بئر المعطن " بكسر الطاء " أربعون ذراعا وهي ما يسقي منها الإبل
وشبهها، وبئر الناضح للزرع ستون ذراعا، وقال ابن الجنيد: روي عن رسول الله
صلى الله عليه وآله أنه قال: حريم بئر الجاهلية خمسون ذراعا والإسلامية خمسة
وعشرون ذراعا، وفي صحيح حماد بن عثمان عن الصادق عليه السلام: في
العادية أربعون ذراعا وفي رواية خمسون ذراعا إلا أن يكون إلى عطن أو إلى
الطريق فخمسة وعشرون، وقال ابن الجنيد: حريم بئر الناضح قدر عمقها ممرا
316

للناضح، وحمل الرواية بالستين على أن عمق البئر ذلك، وهذا الحريم مستحق
سواء كانت البئر أو العين مختصة أو مشتركة بين المسلمين.
وروى الصدوق أن حريم المسجد أربعون ذراعا من كل ناحية وحريم
المؤمن في الصيف باع، وروي عظم الذراع، وأن حريم النخلة طول سعفها.
ولا حريم في الأملاك لتعارضها، فلكل أن يتصرف في ملكه بما جرت
العادة به وإن تضرر صاحبه، ولا ضمان لتعميق أساس حائطه وبئره وبالوعته،
واتخاذ منزله دكان حداد أو صفار أو قصار أو دباغ.
وحريم الطريق في المباح سبعة أذرع لروايتي مسمع والسكوني والقول
بالخمس ضعيف.
فروع:
الأول: لو جعل المحيون الطريق أقل من سبع فللإمام إلزامهم بالسبع،
والملزم إنما هو المحيي ثانيا في مقابلة الأول، ولو تساويا ألزما، ولو زادوها على
السبع واستطرقت فهل يجوز للغير أن يحدث في الزائد حدثا من بناء وغرس؟
الظاهر ذلك لأن حريم الطريق باق.
الثاني: لا فرق بين الطريق العام أو ما يختص به أهل قرى أو قرية في ذلك،
نعم لو انحصر أهل الطريق فاتفقوا على اختصاره أو تغييره أمكن الجواز والوجه
المنع لأنه لا ينفك من مرور غيرهم عليه ولو نادرا.
الثالث: لا يزول حريم الطريق باستئجامها وانقطاع المرور عليها لأنه يتوقع
عوده، نعم لو استطرق المارة غيرها وأدى ذلك إلى الإعراض عنها بالكلية أمكن
جواز إحياء الأولى، وخصوصا إذا كانت الثانية أخصر وأسهل.
وثامنها: أن لا يكون الموات مقطعا من النبي صلى الله عليه وآله أو الإمام كما
أقطع رسول الله صلى الله عليه وآله بلال بن الحارث العقيق وأقطع الزبير حصر
فرسه " بضم الحاء " - وهو عدوه - فأجراه حتى قام فرمى بسوطه فقال: أعطوه من
حيث وقع السوط، وأقطع الدور وأقطع وائل بن حجر أرضا بحضرموت وهذا
317

الإقطاع غير ملك بل هو كالتحجير في إفادة الاختصاص.
وتاسعها: قصد التملك، فلو فعل أسباب الملك بقصد غير التملك فالظاهر
أنه لا يملك، وكذا لو خلا عن قصد، وكذا سائر المباحات كالاصطياد
والاحتطاب والاحتشاش، فلو أتبع ظبيا يمتحن قوته فأثبت يده عليه لا بقصد
التمليك لم يملك، وإن اكتفينا بإثبات اليد ملك، وربما فرق بين فعل لا تردد فيه
كبناء الجدران في القرية والتسقيف مع البناء في البيت، وبين فعل محتمل
كإصلاح الأرض للزراعة، فإنه محتمل لغير ذلك كالنزول عليها وإجراء الخيل
فيها فتعتبر فيه النية بخلاف غير المحتمل، ويكون وزان دينك كوزان صريح
اللفظ وكنايته، ويضعف بأن الاحتمال لا يندفع، ونمنع استغناء الصريح عن
النية.
تتمة:
روي أنه إذا كان بيده أرض تلقاها عن أبيه وجده ويعلم أنها للغير ولا يعرفه
أنه يتبع تصرفه فيها، وحملها ابن إدريس على غير المغصوبة فيكون كاللقطة
فيملك التصرف فيها بعد التعريف، وقال بعضهم: تحمل على أنها كانت مع أبيه
وجده مستأجرة أو مستعارة وقد أحدث فيها بناء وغرس، فيباع البناء والغرس
لأنه من آثار التصرف، فيطلق عليه الاسم، والشيخ في النهاية على الرواية.
318

كتاب المشتركات
وهي ثلاثة: المياه والمعادن والمنافع.
أما الماء فأصله الإباحة ويملك بالإحراز في إناء أو حوض أو شبهه،
وباستنباط بئر أو عين أو إجراء نهر من المباح على الأقوى.
ولو كانوا جماعة ملكوه على نسبة عملهم لا على نسبة خرجهم، إلا أن يكون
تابعا للعمل، ويجوز الوضوء والغسل وتطهير الثوب منه عملا بشاهد الحال إلا
مع النهي، ولا تجوز الطهارة من المحرز في الإناء ومما يظن الكراهة فيه.
ولو لم ينته الحفر في العين أو النهر إلى الماء فهو تحجير، ولو ضاق ماء النهر
المملوك عن أربابه قسم بينهم، وإما بالمهاياة أو بالإجراء، فيوضع صخرة مستوية
أو خشبة صلبة مستوية في مكان مستو ويجعل فيها ثقب مستوية على سهامهم.
وليس لأحدهم عمل جسر ولا قنطرة إلا بإذن الباقين إذا كان الحريم
مشتركا، ولو اختص أحدهم بالحريم من الجانبين وكان الجسر غير ضار بالنهر
ولا بأهله لم يمنع منهما، ولو كان النهر حائلا بينهم وبين عدوهم فلهم المنع،
ولا يشترط في ملك النهر ومائه المنتزع من المباح وجود ما يصلح لسده وفتحه
خلافا لابن الجنيد.
ويقسم سيل الوادي المباح والعين المباحة على الضياع، فإن ضاق عن
ذلك وتشاحوا بدئ بمن أحيا أولا، فإن جهل فمن يلي فوهته " بضم الفاء
319

وتشديد الواو " فللزرع إلى الشراك وللشجر إلى القدم وللنخل إلى الساق، ثم
يرسل إلى المحيي ثانيا وإلى الذي يلي الفوهة مع جهل السابق، ولو لم يفضل
عن صاحب النبوة شئ فلا شئ للآخر بذلك، وقضى النبي صلى الله عليه وآله في
سيل وادي مهزور " بالزاء أولا ثم الراء " - وهو بالمدينة الشريفة -، ولو تعاسروا
اثنان فصاعدا في القرب قسم بينهم فإن ضاق عن ذلك تهايأوا، فإن تعاسروا
أقرع بينهم، فإن كان الماء لا يفضل عن أحدهما سقى الخارج بالقرعة بنسبة
نصيبه منه، ولو تفاوتت أرضوهم قسم بينهم بحسبها.
ولو احتاج النهر المملوك إلى حفر أو سد بثق، فعلى الملاك بنسبة
الملك، فيشترك الجميع في الخرج إلى أن ينتهي إلى الأول ثم لا يشاركهم وكذا
الثاني وما بعده، أما مفيضه لو احتاج إلى إصلاحه فعلى الجميع.
ويجوز بيع الماء المملوك وإن فضل عن حاجة صاحبه، ولكنه يكره وفاقا
للقاضي والفاضلين، وقال الشيخ في المبسوط والخلاف في ماء البئر: إن فضل
عنه شئ وجب بذله لشرب السابلة والماشية لا لسقي الزرع، وهو قول ابن الجنيد
لقوله عليه السلام: الناس شركاء في ثلاث الماء والنار والكلأ، ونهيه عن بيع
الماء في خبر جابر ويحمل على الكراهية، فيباع كيلا ووزنا ومشاهدة إذا كان
محصورا، أما ماء البئر والعين فلا إلا أن يزيد به على الدوام فالأقرب الصحة سواء
كان منفردا أو تابعا للأرض.
ولو حفر بئرا لا للتملك فهو أولى بها مدة بقائه عليها، فإذا تركها حل لغيره
الانتفاع بمائها، فلو عاد الأول بعد الإعراض فالأقرب أنه يساوي غيره، ومياه
العيون في المباح والآبار المباحة والغيوث والأنهار الكبار كالفرات ودجلة
والنيل الناس فيها شرع.
درس [1]:
المعادن الظاهرة، وهي التي لا يحتاج تحصيلها إلى طلب كالياقوت والبرام
320

والقير والنفط والملح والكبريت والموميا وأحجار الرحى وطين الغسل، من سبق
إليها فهو أولى ولو أخذ زيادة عما يحتاج إليه، ولو سبق اثنان أو جماعة وتعذرت
القسمة أقرع ولا يملكها أحد بالإحياء ولا تصير أولى بالتحجر ولا بإقطاع
السلطان.
والمعادن الباطنة كالذهب والفضة تملك بالإحياء، وهو بلوع نيلها،
وما دونه تحجير، ويجوز إقطاعها فيختص بها، وقيل: ينبغي الاقتصار في الإقطاع
على ما يقدر المقطع على عمله، ولو أهملها المحجر كلف أحد الأمرين إما الإتمام أو
التخلية.
ولو أحيا أرضا مواتا فظهر فيها معدن ملكه وإن كان من المعادن الظاهرة،
إلا أن يكون ظهوره سابقا على إحيائه، ولو كان إلى جانب المملحة أرض موات
فاحتفر فيها بئرا وساق الماء إليه ملكه.
ومن ملك معدنا ملك حريمه وهو منتهى عروقه عادة ومطرح ترابه
وطريقه، ويصح الاستئجار على حفر ترابه والجعالة عليه، وتصح الجعالة على
تتبع العرق لا الإجارة للجهالة، ولو قال: اعمل ولك نصف حاصله لم تصح
إجارة، قيل: ولا جعالة، بل له أجرة المثل، وتحتمل الصحة في الجعالة بناء على
أن الجهالة التي لا تمنع من التسليم للعوض غير مانعة من الصحة، ولو قال: اعمل
وما أخرجته فهو لك، قال الشيخ: لا يصح لأنها هبة لمجهول، فالمخرج للمالك
لا أجرة للعامل لأنه عمل لنفسه، ويشكل مع جهالة العامل بالحكم، وقيل:
ذلك يكون إباحة للإخراج والتملك وأن للمالك الرجوع في العين مع بقائها،
ولو قال: اعمل فيه بنفسك شهرا وعليك ألف، فالأشبه البطلان للجهالة.
وبعض علمائنا يخص المعادن بالإمام عليه السلام سواء كانت ظاهرة أو
باطنة فيوقف الإصابة منها على إذنه مع حضوره لا مع غيبته، وقيل: باختصاصه
في الأرض المملوكة، والأولى توافق فتواهم بأن موات الأرض للإمام فإنه يلزم من
ملكها ملك ما فيها، والمتأخرون على أن المعادن للناس شرع إما لأصالة الإباحة
321

وإما لطعنهم في أن الموات للإمام وإما لاعترافهم به وتخصيص المعادن بالخروج
عن ملكه، والكل ضعيف.
درس [2]:
في المنافع، وهي المساجد والمشاهد والمدارس والربط والطرق ومقاعد
الأسواق، فمن سبق إلى مكان من المسجد أو المشهد فهو أولى به، فإذا فارق بطل
حقه إلا أن يكون رحله باقيا، ولا فرق بين قيامه لحاجة أو غيرها، ولو توافى اثنان
وتعذر اجتماعهما أقرع، ويتساوى المعتاد لبقعة معينة وغيره وإن كان اعتياد
جلوسه لدرس أو تدريس.
فرع:
لو رعف المصلي في أثناء صلاته أو أحدث ففارق، ففي أولويته بعوده إذا
كان للإتمام نظر من أنها صلاة واحدة فلا يمنع من إتمامها، ومن تبعية الحق
للاستقرار، والأول أقرب إلا أن يجد مكانا مساويا للأول أو أولى منه، أما لو فعل
المنافي للإتمام فهو وغيره سواء إلا مع بقاء رحله.
وأما المدارس والربط فالسابق إلى بيت منها لا يزعج بإخراج ولا مزاحمة
شريك وإن طالت المدة، إلا أن يشترط الواقف أمدا فيخرج عند انتهائه، ويحتمل
في المدرسة ودار القرآن الإزعاج إذا تم غرضه من ذلك، ويقوي الاحتمال إذا
ترك التشاغل بالعلم والقرآن وإن لم يشرطهما الواقف، لأن موضوع المدرسة
ذلك.
وأما الرباط فلا غرض فيه فيستتم، فيجوز الدوام فيه، ولو فارق ساكن
المدرسة والرباط ففيه أوجه، زوال حقه كالمسجد، وبقاؤه مطلقا لأنه باستيلائه
جرى مجرى المالك، وبقاؤه إن قصرت المدة دون ما إذا طالت لئلا يضر
بالمستحقين، وبقاؤه إن خرج لضرورة لطلب مأربة مهمة وإن طالت المدة،
322

وبقاؤه إن بقي رحله أو خادمه والأقرب تفويض ذلك إلى ما يراه الناظر صلاحا.
وأما الطرق ففائدتها في الأصل الاستطراق ولا يمنع من الوقوف فيها إذا لم
يضر بالمارة، وكذا القعود ولو كان للبيع والشراء فليس للمار أن يخص بالممر
موضع الجلوس إذا كان له عنه مندوحة، لثبوت الاشتراك بين المار والقاعدة،
فإن فارق ورحله باق فهو أحق به وإلا فلا وإن تضرر بتفريق معامليه قاله جماعة،
ويحتمل بقاء حقه لأن أظهر المقاصد أن يعرف مكانه ليقصده المعاملون، نعم لو
طالت المفارقة زال حقه لأن الإضرار استند إليه، وله أن يظلل على نفسه بما لا يضر
بالطارق، وليس له تسقيف المكان ولا بناء دكة ولا غيرها فيه، وكذا الحكم في
مقاعد الأسواق المباحة وروى الصدوق عن علي عليه السلام: سوق المسلمين
كمسجدهم فمن سبق إلى مكان فهو أحق به إلى الليل، وهو حسن، وليس للإمام
إقطاعها ولا يتوقف الانتفاع بها على إذنه.
323

المسائل لابن طي
كتاب إحياء الموات
وفيه مسائل:
مسألة [1]: ما ينبت في الأملاك من الأشجار المباحة إذا هذبها صار أولى بها
وله أخذها ممن استولى عليها.
مسألة [2]: إذا كان البئر من عمل الجاهلية واستولى عليه قوم ثم ماتوا، وقد
كان يمسك ماء يسيرا بحيث لا ينتفع بمائه وأحياه إنسان بعد ذلك هل يملكه
أم لا؟
قال: إذا استولى عليه مسلم وأخرج ترابه ملكه وورث عنه ولو رجع إلى
الطم.
مسألة [3]: لو سكن النحل المباح في أرض مباحة فأحاط إنسان عليها
بحجارة وشبهها، أو كانت في شقيف وترك عليها طين، هل يملكها بهذا أو
يكون أولى بها؟
قال: لا يملكها بذلك، وأما الأولوية فإن أفاد علمه صلاحا لها أو إعدادا
لملكها ثبتت الأولوية وإلا فلا.
325

مسألة [4]: قوله: التحجير يفيد أولوية، فلو أن إنسان عمل المحجر فهل له
منعه؟ وعلى تقدير أن يكون قد زرع أو غرس هل للمحجر أن يزيله بغير أرش أم
لا؟ نعم.
مسألة [5]: جميع الأراضي التي في أيدي المسلمين هم أولى بها، ولا يجوز
لأحد رفع يد المتصرف فيها إلا برضاه وسواء فرع زرعه منها أو لا.
مسألة [6]: لو جلوس في المسجد أو المباح وقام ورحله باق، هل يكون أولى
أم لا؟ نعم هو أولى ما لم يطل المكث.
مسألة [7]: إذا كان مصنع ماء لأهل بلد وتشاحوا في مائه، هل يقسم على
قدر غرامتهم للسلطان إذا لم يستبطوه هم أو على قدر الرؤوس؟ وهل لهم منع
الوارد في البلد الذي لا غرم عليه أم لا؟
قال: بل يقسم على رؤوسهم ولهم منع الغريب من ذلك إذا كان يضر بهم
وإلا فلا.
مسألة [8]: لو أحيا شخص أرضا ميتة ثم ترك عمارتها لموت أو أعرض
لعذر أو غيره حتى خرجت عن اسم الأحياء هل يجوز لغيره إحياؤها أم لا؟
الجواب: يجوز إحياؤها ويضمن طسقها لمالكها.
مسألة [9]: لو جاء شخص إلى المباح وشفى شجرة ثم جاء آخر وقطعها
ملكها وكذا لو طعم الثاني ملكها دون الأول قاله ضياء الدين نقله السيد عنه ولو
كانت في الملك لم يجز له التعرض إليها.
326

مسألة [10]: إذا طعم الإنسان شجرة خروب في أرض مباحة، ثم نبت حولها
فراخ فهل للغير أن يطعمها؟ وإذا فعل ذلك هل يملكها أم لا مع أن الأصل
واحد؟ وإذا شفى الإنسان شجرة وحوط عليها هل يملكها بذلك أم لا؟
الجواب: إن كان يضر بالأول فله منعه من ذلك ولو كان لا يضر به فلا
منع، والمشفي لا يملك بل يصير أولى، فإن نمت بذلك أمكن الملك لأنه صار
شريكا بما يتعذر تمييزه.
مسألة [11]: إذا طعم الإنسان شجرة لغيره بغير إذن مالكها وصارت شجرة
كبيرة فهل يحكم بها للأول خاصة أو لهما؟
الجواب: الشجرة للأول والأغصان للثاني ولكل منهما إزالتها، وعلى صاحب
الأغصان أجرة الأرض.
مسألة [12]: قال عميد الدين رحمه الله تعالى: إن أرض الشام مثل جبل
عامله إنه كله أودية ورؤوس جبال وهي للإمام عليه السلام، وهي مباحة للشيعة،
وإن الزيتون الذي لا يعرف له مالك للإمام عليه السلام، وهو مباح لمن سبق
إليه، وإن الأرض المباحة بنفس الزرع فيها لا يصير زارعها أولى بها دائما، بل من
سبق إليها في العام المقبل كان أحق بها ما لم يكن الأول قد نصب عليها مرزا
وسابق إليها ماء أو جعل ما أشبه ذلك مما يوجب الأولوية.
مسألة [13]: لو فتح في الدرب المرفوع بإذن أربابه كان لهم الرجوع في
الإذن لأنها عارية، وكذا للورثة الرجوع.
327

كتاب الشفعة
329

الخلاف
كتاب الشفعة
مسألة 1: لا شفعة في السفينة، وكل ما يمكن تحويله من الثياب،
والحبوب، والسفن، والحيوان وغير ذلك عند أكثر أصحابنا، وعلى الظاهر من
رواياتهم. وبه قال الشافعي، وأبو حنيفة.
وقال مالك: إذا باع سهما من سفينة، كان لشريكه فيها الشفعة. فأجراها
مجرى الدار.
وحكي عنه: أن الشفعة في كل شئ من الأموال والثياب والطعام
والحبوب والحيوان.
وفي أصحابنا من قال بذلك، وهو اختيار المرتضى رضي الله عنه.
دليلنا: الأخبار المعتمدة التي ذكرناها في تهذيب الأحكام.
وأيضا روى جابر قال: إنما جعل رسول الله صلى الله عليه وآله الشفعة في
كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة.
ولفظة " إنما " موضوعة لاشتمال ما تناوله اللفظ ونفي ما عداه، فكان الظاهر
أنه لا شفعة إلا فيما يقع فيه الحدود، وتصرف له الطرق، فمن أوجبها في غير هذا
فقد خالف في ذلك.
وروى جابر أن النبي صلى الله عليه وآله قال: لا شفعة إلا في ربع أو حائط.
ولأن إيجاب الشفعة حكم شرعي، وما ذكرناه مجمع عليه، وليس على ما
331

قالوه دليل.
مسألة 2: إذا باع زرعا أو ثمرة مع الأصل بالشرط، كانت الشفعة ثابتة في
الأصل دون الزرع والثمرة. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: تجب في الزرع والثمار مع الأصل.
دليلنا: أن ما قلناه مجمع عليه وليس على ما قالوه دليل.
وأيضا روى جابر قال: إنما جعل رسول الله صلى الله عليه وآله الشفعة في
كل ما لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة.
فالظاهر أنها تجب فيما يقع فيه الحدود وتصرف له الطرق، فمن أوجبها في
غيرها فقد ترك الخبر المذكور.
مسألة 3: لا تثبت الشفعة بالجوار، وإنما تثبت للشريك المخالط. وبه قال
في الصحابة عمر، وعثمان، وفي التابعين عمر بن عبد العزيز، وسعيد بن المسيب،
وسليمان بن يسار، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وفي الفقهاء ربيعة، ومالك،
والشافعي، وأهل الحجاز، والأوزاعي، وأهل الشام، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور.
وتثبت عندنا زائدا على الخلطة بالاشتراك في الطريق. وبه قال سوار بن
عبد الله القاضي، وعبيد الله بن الحسن العنبري، فإنهما أوجبها بالشركة في المبيع
والطريق دون الجوار. كما نقوله نحن.
وذهب أهل الكوفة إلى أنها تثبت بالشركة والجوار، لكن الشريك أحق،
فإن ترك فالجار أحق. ذهب إليه ابن شبرمة، والثوري، وأبو حنيفة وأصحابه،
وعبد الله بن مبارك.
ولأبي حنيفة تفصيل قال: الشفعة تجب بأحد أسباب ثلاثة:
الشركة في المبيع، والشركة في الطريق، وإن شريكا في الطريق أولى من
الجار اللازق.
332

ثم بالجوار بيان هذا: إن كان شريكا في المبيع فهو أحق من الشريك في
الطريق، وإن كان شريكا في الطريق فهو أحق وإن لم يكن شريكا في المبيع.
مثل: إن كان الدرب لا ينفذ وفيه دور كثيرة، فإن الطريق مشترك بين
أهله، فإن باع صاحب الصدر داره - وذلك في آخر الدرب - فالشفعة للذي
يليه، فإن ترك فللذي يليه ابدأ من الجانبين كذلك إلى آخر الدرب.
فإن لم يبق في أهل الدرب من يريد الشفعة كانت للجار اللزيق الذي ليس
بشريك في الطريق - وهو الذي في ظهر داره إلى درب غير هذا الدرب - فإن
ترك هذا الشفيع الشفعة فلا شفيع هناك.
وإن كان الدرب نافذا، فالشفعة للجار اللزيق فقط، سواء كان باب داره في
هذا الدرب أو في غيره، فإذا كان محاذيا في درب نافذ وعرض الطريق ذراع فلا
شفعة. وهاهنا قال الشافعي: منعت من بينك وبينه ذراع وأعطيت من هو منك
على ألف ذراع، وهذا التفصيل يبين فيه مواضع المعاني.
دليلنا: أخبارنا التي ذكرناها في كتابنا الكبير، وإجماع الفرقة عليها.
وأيضا فما قلناه مجمع على ثبوت الشفعة فيه، وما قالوه ليس عليه دليل.
وروى جابر أن النبي صلى الله عليه وآله قال: الشفعة فيما لم يقسم فإذا
وقعت الحدود فلا شفعة.
وروى أبو هريرة قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وآله بالشفعة فيما لم
يقسم، وأي مال اقتسم وأرف عليه فلا شفعة فيه.
ومعنى أرف عليه: أي أعلم عليه. قال أبو عبيد: يقال أرفتها تأريفا: أي أعلمت
عليها علامات، وهي لغة أهل الحجاز.
وأما الذي يدل على أن الشفعة بالطريق تثبت فإجماع الفرقة.
وروى جابر أن النبي صلى الله عليه وآله قال: الجار أحق بشفعة جاره،
ينتظر بها وإن كان غائبا إذا كان طريقهما واحدا.
333

مسألة 4: مطالبة الشفيع على الفور فإن تركها مع القدرة عليها بطلت
شفعته وبه قال أبو حنيفة.
وهو أصح أقوال الشافعي، وهو الذي نقله المزني، وله ثلاثة أقوال أخر غير
هذا.
أحدها: الذي يرويه الطحاوي عن المزني عنه، أن الشفيع بالخيار ثلاثا، فإن
مضت ثلاثة بطل خياره. وبه قال ابن أبي ليلى والثوري.
ونص في القديم على قولين:
أحدهما: خياره على التراخي لا يسقط إلا بصريح العفو، فيقول: عفوت أو
يلوح به بأن يقول للمشتري: بعني الشقص أو هبه لي فإن فعل شيئا من هذا وإلا
كان للمشتري أن يرافعه إلى الحاكم، فيقول: إما أن تأخذ أو تدع.
وهو ظاهر قول مالك، لأنه قال: له الخيار ما لم يتطاول الوقت. فقيل له:
إذا مضت سنة فقد تطاول الوقت، فقال: ما أظنه تطاول.
والثاني أنه على التأبيد كالقصاص، حتى قال: لا يملك المشتري مرافعته
إلى الحاكم، بل الخيار إليه، ولا اعتراض عليه.
قال ابن المنذر: وبهذا القول قال جماعة من أهل العلم، فيكون على القول
الثالث يملك مطالبة الشفيع بالشفعة، أو الأخذ، وعلى الرابع لا يملك.
دليلنا على ما قلناه: إجماع الفرقة أنه يملك فيه المطالبة، وما عداه ليس
عليه دليل.
مسألة 5: الشفعة لا تبطل بالغيبوبة، بل للغائب شفعة. وبه قال جميع
الفقهاء.
وحكي عن النخعي أنه قال: الشفعة تبطل بالغيبة.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، ولأن إبطالها بالغيبة يحتاج إلى دلالة،
وليس في الشرع ما يدل عليه.
334

مسألة 6: إذا اختلف المشتري والشفيع في الثمن، ومع كل واحد منهما
بينة، قبلت بينة المشتري. وبه قال الشافعي وأبو يوسف.
وقال أبو حنيفة ومحمد: البينة بينة الشفيع لأنه الخارج.
دليلنا: أن المشتري هو المدعي للثمن، والشفيع ينكره، والبينة على
المدعي.
مسألة 7: إذا كان الشراء بثمن له مثل كالحبوب والأثمان، كان للشفيع
الشفعة بلا خلاف. وإن كان بثمن لا مثل له كالثياب والحيوان ونحو ذلك فلا
شفعة له. وبه قال الحسن البصري وسوار القاضي.
وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي: له الشفعة، ويأخذها بقيمة الثمن،
والاعتبار بقيمته حين العقد لا حين الأخذ بالشفعة على قول الشافعي، وعلى قول
مالك: بقيمته حين المحاكمة.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، ولأن إيجاب الشفعة في مثل هذا يحتاج
إلى دليل.
مسألة 8: إذا تزوج امرأة وأمهرها شقصا، لا يستحق الشفعة عليها. وبه قال
أبو حنيفة وأصحابه.
وقال الشافعي: الشفعة تجب بمهر المثل. وبه قال الحارث العكلي.
وقال مالك وابن أبي ليلى: تجب الشفعة، لكنه يأخذ بقية الشقص لا بمهر
المثل.
دليلنا: إجماع الفرقة وأخبارهم، ولأن إثبات الشفعة في مثل هذا يحتاج
إلى دلالة.
مسألة 9: إذا اشترى شقصا بمائة إلى سنة، كان للشفيع المطالبة بالشفعة،
335

وهو مخير بين أن يأخذه في الحال ويعطي ثمنه حالا، وبين أن يصبر إلى سنة
ويطالب بالثمن الواجب عندها.
وللشافعي فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: مثل ما قلناه.
والثاني: أنه يأخذه بمائة إلى سنة كما اشتراه. وبه قال مالك، غير أن مالكا
قال: إن كان الشفيع غير ملي، كان للمشتري مطالبته بضمين ثقة يضمن له الثمن
إلى محله.
هذا قوي أيضا، ذكرناه في النهاية، وإليه ذهب قوم من أصحابنا.
والثالث: قال في الشروط: يأخذه بسلعة تساوى مائة إلى سنة.
دليلنا: أن الشفعة قد وجبت بنفس الشراء، والذمم لا تتساوى، فوجب
عليه الثمن حالا أو يصبر إلى وقت الحلول، فيطالبه بالشفعة مع الثمن.
مسألة 10: إذا مات وخلف ابنين ودارا فهي بينهما نصفين، فإن مات
أحدهما وخلف ابنين كان نصف أبيهما بينهما نصفين، ولعمهما النصف، ولكل
واحد منهما الربع، فإن باع أحدهما نصيبه من أجنبي فلا شفعة لأحد.
وللشافعي في أن الشفعة لأخيه وحده أم لا؟ قولان:
أحدهما لأخيه وحده دون عمه. وبه قال مالك.
والثاني: لأخيه وعمه سواء. وبه قال أبو حنيفة وأصحابه وهو اختيار المزني.
ومن قال من أصحابنا: أن الشفعة على عدد الرؤوس، كذا يجب أن يقول
به.
دليلنا: الأخبار التي ذكرناها في الكتاب الكبير.
ولأن الشريك إذا كان واحدا فالشفعة ثابتة بلا خلاف، وإن كانوا أكثر
فليس على ثبوتها دلالة، وهذه فرع على ذلك.
336

مسألة 11: عندنا أن الشريك إذا كان أكثر من واحد بطلت الشفعة، فلا
يتصور الخلاف في أن الشفعة على قدر الرؤوس، أو على قدر الأنصباء، وهو
انفراد. ذهب قوم من أصحابنا إلى أنها تستحق وإن كانوا أكثر من واحد، وقالوا:
على قدر الرؤوس. وبه قال أهل الكوفة: النخعي، والشعبي، والثوري، وأبو حنيفة
وأصحابه، وهو أحد قولي الشافعي، وهو اختيار المزني.
والقول الآخر: أنه على قدر الأنصباء، وهو الأصح عندهم، واختاره أبو حامد
الإسفرايني، وبه قال سعيد بن المسيب، والحسن البصري، وعطاء، ومالك، وهو
قول أهل الحجاز، وبه قال أحمد وإسحاق.
دليلنا: على المسألة الأولى: أنه إذا كان الشريك واحدا فلا خلاف في
ثبوت الشفعة، وإذا كانوا أكثر من ذلك فلا دليل على ثبوت الشفعة لهم، وأخبار
أصحابنا التي يعتمدونها ذكرناها في الكتاب الكبير.
ونصرة القول الآخر أخبار رويت في هذا المعنى، والأقوى عندي الأول.
مسألة 12: المنصوص لأصحابنا أن الشفعة لا تورث. وبه قال أبو حنيفة
وأصحابه.
وقال قوم من أصحابنا: أنها تورث مثل سائر الحقوق، وهو اختيار المرتضى
رضي الله عنه. وبه قال الشافعي، ومالك، وعبيد الله بن الحسن العنبري
البصري.
دليلنا على أنها لا تورث: أن كونها ميراثا يحتاج إلى دليل، ولا دليل في
الشرع، وأخبارنا في ذلك ذكرناها في الكتاب الكبير.
ومن نصر ما حكيناه من أنها تورث قال: إذا كان ذلك حقا للحي، ثابتا له،
يملك المطالبة به، فورثته يقومون مقامه في جميع أملاكه وهذا من جملة ذلك.
ودليل الأول أيضا أنه لا يخلو إما أن يكون ملكوها بما تجدد لهم من الملك.
أو بملك المورث، فبطل أن تكون ملكوها بما تجدد لهم من الملك، لأن ذلك لا
337

يملك به شئ مضى، وبطل أن يكون ملكوها بملك المورث، لأن الإنسان لا
يستحق الشفعة بملك غيره، وبطل أن يكون للشفيع لأن ملكه زال عنه، فلم يبق
إلا أنها بطلت.
والقول الآخر استدل على صحته بقول الله تعالى: ولكم نصف ما ترك
أزواجكم، وهذا من جملة ما ترك.
وطعن على هذا بأنا لا نسلم: أنها تركت لأن حقها بطل بالموت.
مسألة 13: إذا اشترى دارا، ووجب للشفيع فيها الشفعة، فأصابها هدم أو
غرق أو ما أشبه ذلك، فإن كان ذلك بأمر سماوي، فالشفيع بالخيار بين أن
يأخذها بجميع الثمن، أو يترك. وإن كان بفعل آدمي، كان له أن يأخذ العرصة
بحصتها من الثمن، وبه قال أبو حنيفة.
وللشافعي فيه قولان.
وأصحابه على خمس طرق:
أحدها: مثل ما قلناه، وهو أضعفها عندهم.
والثانية: إذا انتقض البناء وانفصل، فالشفيع يأخذ العرصة بالشفعة، وما
اتصل بها من البناء دون المنفصل عنها على قولين:
أحدهما: يأخذ المتصل بكل الثمن أو يتركه.
والقول الآخر: أنه يأخذه بحصته من الثمن أو يدع، وهو أصح القولين
عندهم.
وثالثها: إن كان البعض الذي لحقه عيب، مثل شق الحيطان، وتغير
السقف، وميل الحائط، فإن المشتري بالخيار بين أن يأخذه بكل الثمن أو يرده.
وإن كان النقصان انتقاض البناء والآلة، لم يدخل النقص في الشفعة.
وبكم يأخذ الشفيع ما عداه على القولين، وما انفصل لا يدخل في الشفعة.
كما قال الأول، ويأخذ ما عداه بالحصة من الثمن قولا واحدا، وهو ما نص عليه
338

في القديم.
ورابعها: أنه إذا انتقض البناء، وكانت الأعيان المنهدمة موجودة، دخلت في
الشفعة. وإن كانت منفصلة عن العرصة، لأنه يتسلمها بالثمن الذي وقع البيع به،
والاستحقاق وجب له حين البيع، وإن كانت الأعيان مفقودة يأخذ بحصته من
الثمن.
وخامسها: إنه إذا كانت العرصة قائمة بحالها أخذه بجميع الثمن، سواء
كانت الأعيان المنفصلة موجودة أو مفقودة، وإن كان بعض العرصة هلك
بالغرق أخذ بالحصة من الثمن.
دليلنا: ما رواه جابر أن النبي صلى الله عليه وآله قال: الشفعة في كل
مشترك ربع أو حائط، ولا يحل له أن يبيعه حتى يعرضه على شريكه، فإن باعه
فشريكه أحق به بالثمن، فثبت أنه يأخذه بذلك الثمن، فمن قال ببعضه فقد ترك
الخبر.
مسألة 14: إذا اشترى شيئا وقاسم، وغرس فيه، وبنى، ثم طالب الشفيع
بالشفعة، ولم يكن قبل ذلك عالما بالشراء، كان له إجباره على قلع الغراس
والبناء إذا رد عليه ما نقص من الغراس والبناء بالقلع. وبه قال الشافعي،
ومالك، والنخعي، والأوزاعي، وأحمد، وإسحاق.
وقال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه: له مطالبته بالقلع، ولا يعطيه ما نقص
بالقلع.
دليلنا: أن المشتري غرس ملكه في ملكه، فلم يكن متعديا، وإذا لم يكن
متعديا وجب أن يرد عليه ما نقص من غرسه بالقلع.
ولأنه إذا رد عليه ما نقص به من الغراس فلا خلاف أن له مطالبته بالقلع،
وإن لم يرد فليس على وجوب القلع دليل.
وأيضا قول النبي صلى الله عليه وآله: لا ضرر ولا ضرار في الإسلام، يدل
339

على ذلك، لأنه متى لم يرد عليه قيمة ما نقص دخل عليه في ذلك الضرر.
مسألة 15: إذا اشترى النخل والأرض، وشرط الثمرة، كان للشفيع أن
يأخذ الكل بالشفعة. وبه قال أبو حنيفة، ومالك.
وقال الشافعي: له أن يأخذ الكل دون الثمرة. وبه قال عبيد الله بن الحسن
العنبري.
دليلنا: عموم الأخبار التي رويناها في وجوب الشفعة في المبيع، والمنع
يحتاج إلى دليل، وأبو حنيفة ومالك ادعيا أن هذه مسألة إجماع.
مسألة 16: إذا باع شقصا من مشاع، لا يجوز قسمته شرعا - كالحمام،
والأرحية، والدور الضيقة، والعضائد الضيقة - فلا شفعة فيها. وبه قال أهل
الحجاز: ربيعة، ومالك، والشافعي، وهو قول عثمان بن عفان.
وقال أبو حنيفة، وأصحابه، والثوري، وأبو العباس بن سريج: تجب الشفعة
فيها.
دليلنا ما رواه أبو هريرة وجابر، أن النبي صلى الله عليه وآله قال: الشفعة
فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود فلا شفعة.
وقال جابر: إنما جعل رسول الله صلى الله عليه وآله الشفعة في كل ما لم
يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة.
فوجه الدلالة أنه ذكر الشفعة بالألف واللام وهما للجنس، فكان تقديرا
لكلمة جنس الشفعة فيما لم يقسم، يعني ما يصح قسمته وما لا يصح قسمته لا
يدخل تحته، ولأن إيجاب الشفعة حكم يحتاج إلى دلالة شرعية.
وأيضا قول النبي صلى الله عليه وآله: إنما الشفعة في كل ما لم يقسم.
ولفظة " إنما " تفيد معنى " لا " فكأنه قال لا شفعة في كل ما لم يقسم، فإذا
ثبت هذا فإن تقدير الدلالة أن قوله: " ما لم يقسم " إنما تفيد ما يقسم، إلا أنه لم
340

يفعل فيه القسمة، لأنه لا يقال فيما لا يقسم ما لم يقسم، وإنما يقال فيما يقسم، فلما
قال: " ما لم يقسم " دل على ما قلناه.
يؤيد ذلك قوله: فإذا وقعت الحدود فلا شفعة، فقد تقدر أنه لا شفعة فيما لا
يقسم شرعا.
وروى أبان بن عثمان بن عفان عن أبيه أنه قال: لا شفعة في نخل ولا بئر،
ولا رف يقطع كل الشفعة.
وأراد آبار الحجاز، فإن اعتمادهم بالسقي عليها، ولا مخالف له في الصحابة.
مسألة 17: إذا لم ينقص القيمة ولا الانتفاع بالقسمة، قسم بلا خلاف. وإذا
نقص الانتفاع والقيمة بالقسمة فلا يقسم بلا خلاف.
وما فيه الخلاف قال أبو حنيفة: كل قسمة لا ينتفع الشريك بحصته، أيهما
كان، فهي قسمة ضرر، ولا يقسم، وهو ظاهر مذهب الشافعي، وهو الصحيح
عندي.
وقال أصحاب الشافعي كلهم، واختاره أبو حامد الإسفرايني: أن القسمة إذا
نقصت القيمة دون الانتفاع فإنها غير جائزة.
دليلنا: أن ما قلناه مجمع عليه، وإنما ادعوا أن ما فيه نقصان القيمة يمنع من
القسمة، فعلى من ادعى ذلك فعليه الدلالة.
مسألة 18: الصبي والمجنون والمحجور عليه لسفه لهم الشفعة، ولوليهم أن
يأخذ لهم الشفعة - والولي الأب، أو الجد، أو الوصي من قبل واحد منهما، أو أمين
الحاكم إذا لم يكن أب - وللولي أن يأخذ بالشفعة ولا يجب أن ينتظر بلوع
الصبي ورشاده. وبه قال جميع الفقهاء.
وقال ابن أبي ليلى: لا شفعة للمحجور عليه.
وقال الأوزاعي: ليس للولي الأخذ، لكنه يصبر حتى إذا بلغ ورشد كان له
341

الأخذ أو الترك.
دليلنا خبر جابر، وأبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وآله قال: الشفعة
فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود فلا شفعة ولم يفصل وعليه إجماع الفرقة المحقة.
مسألة 19: إذا كان للصبي شفعة، وله في أخذها الحظ، ولم يأخذ الولي عنه
بالشفعة، لم يسقط حقه، وكان إذا بلغ له المطالبة بها أو تركها. وبه قال
الشافعي، ومحمد بن الحسن، وزفر.
وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: تسقط شفعته، وليس له أخذها.
دليلنا: أنه قد ثبت أنها حقه، وليس على سقوطها دلالة، وترك الولي الأخذ
ليس بمؤثر في إسقاط حقه، كما لا يسقط ديونه كلها وحقوقه.
مسألة 20: إذا كان للصبي شفعة الحظ له تركها، فتركها الولي، وبلغ
الصبي ورشد، فإن له المطالبة بالأخذ وله تركه. وبه قال محمد وزفر، وهو أحد
قوله الشافعي، وهو ضعيف عندهم.
وله قول آخر وعليه أكثر أصحابه أنه: ليس له المطالبة، وسقط حقه. وبه
قال أبو حنيفة وأبو يوسف.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
وأيضا جميع الأخبار التي وردت في وجوب الشفعة يتناول هذا الموضع.
ولا دلالة على إسقاطها بترك الولي.
مسألة 21: إذا باع شقصا بشرط الخيار، فإن كان الخيار للبائع أو لها فلا
شفعة للشفيع، وإن كان الخيار للمشتري فإنه يجب الشفعة للشفيع، وله المطالبة
بها قبل انقضاء الخيار. وبه قال أبو حنيفة، وهو المنصوص للشافعي.
وقال الربيع فيها قول آخر أنه: ليس له الأخذ قبل انقضاء الخيار. وبه قال
342

مالك، وهو اختيار أبي إسحاق المروزي.
دليلنا: أن الملك قد ثبت بالعقد وانتقل، فوجبت الشفعة للشفيع على
المشتري لأنه ملكه، فمن قال لا شفعة له فعليه الدلالة.
فإن قالوا: لا نسلم أنه ملك بالعقد، بل يملك بهما، أو هو مراعى فقد دللنا
على بطلان ذلك في البيوع.
مسألة 22: إذا اشترى شقصا وسيفا، أو شقصا وعبدا، أو شقصا وعرضا من
العروض، كان للشفيع الشفعة بحصته من الثمن، ولا حق له فيما بيع معه. وبه
قال أبو حنيفة، والشافعي.
ولأبي حنيفة رواية شاذة أنه يأخذ الشقص والسيف معا بالشفعة.
وقال مالك: لو باع شقصا من أرض فيها غلمان يعملون له، كان له أخذ
الشقص والغلمان معا بالشفعة.
دليلنا: أن ما أوجبناه مجمع عليه، وما الدعوة ليس عليه دليل.
مسألة 23: إذا أخذ الشفيع الشقص من المشتري أو البائع - قبض
المشتري أو لم يقبض - فإن دركه وعهدته على المشتري دون البائع. وبه قال
مالك، والشافعي.
وقال أبو حنيفة: إن أخذها من البائع فالعهدة على البائع، وإن أخذها من
المشتري فكما قلناه.
وقال ابن أبي ليلى وعثمان البتي: عهدة المبيع على البائع دون المشتري،
سواء أخذها من يد البائع أو يد المشتري، لأن المشتري كالسفير.
دليلنا: أن المشتري ملك، وإذا ملك فإنما يأخذ الشفيع منه ملكه بحق
الشفعة فيلزمه دركه كما لو باعه.
343

مسألة 24: لا يأخذ الشفيع الشفعة من البائع أبدا. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: له أخذها منه قبل القبض.
دليلنا: أن الشفيع إنما يستحق الأخذ بعد تمام العقد ولزومه، بدليل أنه لو
كان الخيار للبائع أو لهما لم يستحق الشفعة، فإذا كان الاستحقاق بعد تمام
العقد ولزومه، فالملك للمشتري، فوجب أن يكون الأخذ من مالكه لا من غيره.
مسألة 25: إذا تبايعا شقصا، فضمن الشفيع الدرك للبائع عن المشتري،
أو للمشتري عن البائع في نفس العقد، أو تبايعا بشرط الخيار على أن الخيار
للشفيع، فإنه يصح شرط الأجنبي، وأيهما كان لا تسقط شفعته. وبه قال الشافعي.
وقال أهل العراق: تسقط الشفعة، لأن العقد ما تم إلا به، كما إذا باع بعض
حقه لم يجب له الشفعة على المشتري.
دليلنا: أنه لا مانع من جواز شرط الأجنبي، ولا دليل على إسقاط حق
الشفيع.
مسألة 26: إذا كان دار بين ثلاثة، فباع أحدهم نصيبه، واشتراه أحد
الآخرين، استحق الشفعة الذي لم يشتر - على قول من يقول الشفعة على عدد
الرؤوس - وهو أحد وجهي الشافعي.
وقال أبو حنيفة وأحد وجهي الشافعي: يستحق الشفعة الذي اشتراه مع
الذي لم يشتر بينهما نصفين.
دليلنا: هو أنه لا يستحق الإنسان الشفعة على نفسه، وقد بينا أن الشفعة
تستحق على المشتري.
مسألة 27: إذا كان الشفيع وكيلا في بيع الشقص الذي يستحق
بالشفعة، لم تسقط بذلك شفعته، سواء كان وكيل البائع في البيع، أو وكيل
344

المشتري في الشراء. وبه قال الشافعي.
وقال أهل العراق: إن كان وكيل البائع لم تسقط شفعته، وإن كان وكيل
المشتري سقطت شفعته - بناء على أصله أن الوكيل في الشراء ينتقل الملك عن
البائع إليه، ثم عنه إلى الموكل - فلو أخذ بالشفعة استحق على نفسه، وقد دللنا
نحن على فساد ذلك، وبينا أن شراء الوكيل يقع عن الموكل، وينتقل الملك
إلى الموكل دون الوكيل.
وأما دليلنا في هذه المسألة هو: أنه لا مانع من وكالته، ولا دلالة على سقوط
حقه من الشفعة.
مسألة 28: إذا حط البائع من الثمن شيئا بعد لزوم العقد واستقرار الثمن،
لم يلحق ذلك بالعقد، ولا يثبت للشفيع، بل هو هبة مجددة للمشتري من
البائع. وبه قال الشافعي، سواء كان الحط الكل أو البعض.
وقال أبو حنيفة: إن حط بعض الثمن لحق العقد وسقط عن الشفيع، وإن
حط كله لم يلحق العقد. وقد مضت في البيوع.
دليلنا: أن الثمن إذا استقر فالشفيع إنما يأخذ الشقص بذلك الثمن، فما
حط بعد ذلك فهو هبة مجددة لا دلالة على لحوقها بالعقد، فمن ادعى ذلك فعليه
الدلالة.
مسألة 29: إذا زاد في الثمن زيادة بعد استقرار العقد فهي هبة من المشتري
للبائع، ولا يلزم الشفيع. وبه قال الشافعي.
وقال أبو حنيفة: هذه الزيادة تلحق العقد، ولا تلحق بالشفيع.
دليلنا: أنه لا دليل على لحوق هذه الزيادة بالعقد، فمن ادعى ذلك فعليه
الدلالة ولا يجدها.
345

مسألة 30: إذا كانت دار بين نفسين، فادعى أجنبي على أحدهما ما في يده
من النصف، فصالحه على ألف، صح صلحه، سواء صالحه على إنكار، أو صالحه
على إقرار، ولا يستحق به الشفعة، لأنه ليس ببيع.
وقال الشافعي: إن كان الصلح على إقرار فهو بيع يستحق به الشفعة، وإن
كان على إنكار فالصلح باطل لا يستحق به الشفعة.
دليلنا: أن ما يستحق به الشفعة البيع، وهذا ليس ببيع، فمن ألحقه بالبيع
فعليه الدلالة.
مسألة 31: فإن كانت الدار بينهما نصفين، فادعى أجنبي على أحدهما ألف
درهم، فصالحه على نصفه من الدار، لا يستحق به الشفعة، سواء كان صلح إقرار
أو صلح إنكار.
وقال الشافعي: إن كان صلح إقرار فهو بيع يستحق به الشفعة، وإن كان
صلح إنكار فهو باطل لا يستحق به الشفعة.
دليلنا: ما قلناه في المسألة الأولى سواء.
مسألة 32: إذا أخذ الشفيع الشقص فلا خيار للبائع، وللمشتري خيار
المجلس بلا خلاف، وهل يثبت للشفيع خيار المجلس أما لا؟ عندنا أنه لا خيار
له.
وللشافعي فيه قولان:
أحدهما: مثل ما قلناه، لأنه لإزالة الضرر، فهو مثل الرد بالعين.
والآخر: أن له الخيار مثل المشتري، نص عليه في اختلاف العراقيين.
دليلنا: أنه لا دليل على أن له الخيار، ومن ألحقه بالبيع فعليه الدلالة، لأن
القياس عندنا باطل.
346

مسألة 33: إذا وهب شقصا لغيره، سواء كان فوقه أو دونه أو نظيره، فإنه
لا يستحق به الشفعة.
وقال الشافعي: إن كانت الهبة لمن هو مثله أو لمن هو دونه فإنه لا يستحق
بها الشفعة، لأن الهبة للنظير تودد، ولمن دونه استعطاف، فلا يستحق بهما
العوض.
وإن كانت لمن فوقه فهل يثاب عليها، على قولين.
قال في الجديد: لا ثواب فيه. وبه قال أبو حنيفة.
وقال في القديم: يقتضي الثواب. وبه قال في بعض كتبه الجديدة، وهو
قول مالك، فإذا قال: لا يقتضي الثواب فلا شفعة، وإذا قال يقتضي الثواب إما
بشرط أو بغير شرط فإنه تثبت فيه الشفعة.
دليلنا: أنه لا دليل على ثبوت الشفعة بالهبة، ومن ادعى أنها تثبت بها فعليه
الدلالة، وأيضا عليها إجماع الفرقة، فإنها منصوصة لهم.
مسألة 34: إذا كانت دار بين شريكين، فادعى أحدهما أنه باع نصيبه من
أجنبي، وأنكر الأجنبي أن يكون اشتراه، فإنه تثبت الشفعة للشريك. وبه قال عامة
أصحاب الشافعي، وهو تفريع المزني.
وقال أبو العباس: لا شفعة: لأنها إنما تثبت بعد ثبوت المشتري.
دليلنا: أن البائع أقر بحقين.
أحدهما: حق المشتري.
والثاني: حق الشفيع.
فإذا رد المشتري، ثبت حق الشفيع، كما لو أقر بدار لرجلين فرده أحدهما،
يثبت للآخر حقه.
مسألة 35: على قول من قال من أصحابنا أن الشفعة على عدد الرؤوس،
347

إذا كانت دار بين ثلاثة شركاء أثلاثا، فاشترى أحدهم نصيب أحد الآخرين،
استحق الشفعة المشتري مع الآخر بينهما نصفين، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه،
ومالك، وعامة أصحاب الشافعي، وهو الذي نقله المزني.
ومن أصحابه من قال: يأخذ الشفيع بالشفعة، ولا حق للمشتري فيه. وبه
قال الحسن البصري، وعثمان البتي قالوا: لأنه مشتري، فلا يستحق الشفعة على
نفسه، وهو الذي نصرناه فيما تقدم، غير أن هذا القول الآخر أقوى.
دليلنا: أنهما تساويا في الشركة الموجودة حين الشراء، فوجب أن لا ينفرد
أحدهما بالشفعة، لأنه لا دليل على ذلك إلا أنه يكون أحدهما ملك نصفه بالعقد،
والآخر بالشفعة يملك نصفه، فعلى هذا سقط دليلهم.
مسألة 36: إذا شج غيره موضحة عمدا أو خطأ، فصولح منها على شقص،
صح الصلح إذا كانا عالمين بأرش الموضحة، ولا يستحق الشفيع أخذها
بالشفعة.
وقال الشافعي وأصحابه: إن كانت الإبل موجودة، فهل يصح الصلح أم
لا؟ على قولين. وإن كانت معدومة، فعلى قولين في انتقال الأرش إلى القيمة أو
إلى مقدر، وعلى الوجهين جميعا يصح الصلح إذا علما القيمة أو المقدار.
فكل موضع يصح الصلح تجب الشفعة، وكل موضع لا يصح الصلح لا
تجب الشفعة.
دليلنا: أن الشفعة إنما تستحق بعقد الشراء، والصلح ليس بعقد الشراء،
فمن ألحقه به فعليه الدلالة.
مسألة 37: إذا باع ذمي شقصا من ذمي بخمر أو خنزير وتقابضا، واستحق
عليه الشفعة، وأخذ الشفيع بمثل ثمن الخمر أو الخنزير عند أهله. وبه قال أبو حنيفة.
وقال الشافعي: لا شفعة هاهنا، لأن الخمر ليس بمال.
348

دليلنا: أن عندهم ذلك مال، وقد أمرنا أن نقرهم على ما يرونه، وهم يرون
أن لذلك ثمنا، فوجب إقرارهم عليه.
وأيضا لا خلاف في صحة هذا البيع، وإذا كان البيع صحيحا تجب
الشفعة.
مسألة 38: لا يستحق الذمي الشفعة على المسلم، سواء اشتراه من مسلم أو
ذمي، وعلى كل حال. وبه قال الشعبي، وأحمد بن حنبل.
وقال أبو حنيفة وأصحابه، ومالك، والشافعي، والأوزاعي: يستحق الذمي
الشفعة على المسلم مثل المسلم سواء.
وقال الحسن بن صالح بن حي: لا شفعة له عليه في الأمصار، وله الشفعة في
القرى.
دليلنا: قوله تعالى: ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا، وذلك
عام في جميع الأحكام إلا ما خصه الدليل.
وروى أنس، عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: لا شفعة لذمي على
مسلم، وهذا نص، وعليه إجماع الفرقة المحقة، فإنهم لا يختلفون فيه.
مسألة 39: إذا اشترى شقصا من دار، وبنى مسجدا قبل أن يعلم الشفيع،
كان للشفيع إبطال تصرفه، ونقض المسجد، وأخذه بالشفعة، وبه قال الشافعي،
وجميع الفقهاء.
ولأبي حنيفة وروايتان: أحدهما مثل ما قلناه. وبه قال أبو يوسف.
والثانية: لا ينقض المسجد.
دليلنا: أن حق الشفيع سابق لتصرفه، لأنه يستحقه حين العقد، وإذا
تصرف بعد ذلك فيه فقد تصرف فيما يستحقه غيره، وذلك لا يصح.
349

مسألة 40: إذا باع في مرضه المخوف شقصا، وحابى فيه من وارث، صح
البيع، ووجبت به الشفعة بالثمن الذي وقع عليه البيع.
وعند الفقهاء يبطل البيع، لأن المحاباة هبة ووصية، ولا وصية لوارث،
ويبطل البيع في قدر المحاباة، ويكون الشفيع بالخيار بين أن يأخذه أو يتركه
وارثا كان أو غير وارث.
دليلنا: أن هذا بيع صحيح، فمن جعل المحاباة فيه وصية فعليه الدلالة،
ولو صح أنها وصية لكانت الوصية عندنا تصح للوارث على ما سنبينه فيما بعد،
فيما بينه على فساده يجب أن لا يبطل على حال.
مسألة 41: إذا وجب له الشفعة، فصالحه المشتري على تركها بعوض،
صح وبطلت الشفعة.
وعند الشافعي لا يصح، وهل تبطل الشفعة؟ على وجهين.
دليلنا: قوله صلى الله عليه وآله: الصلح جائز بين المسلمين وهذا عام،
وتخصيصه يحتاج إلى دليل.
مسألة 42: إذا وجبت الشفعة، فسار إلى المطالبة، فلم يأت المشتري
فيطالبه، ولا إلى الحاكم، بل مضى إلى الشهود وأشهد على نفسه بأنه مطالب
بالشفعة، لم تبطل شفعته. وبه قال أبو حنيفة.
وقال الشافعي: تبطل.
دليلنا: أنه قد وجب له الشفعة، وإبطالها يحتاج إلى دليل، ولا دليل يدل
على ذلك.
مسألة 43: إذا بلغ الشفيع أن الثمن دنانير فعفا، فكانت دراهم، أو حنطة
فكانت شعيرا، لم تبطل شفعته. وبه قال جميع الفقهاء، إلا زفر فإنه قال: إن كان
350

الثمن دنانير فبان دراهم سقطت شفعته، وإن كان حنطة فبان شعيرا لم تسقط كما
قلناه.
دليلنا: أنه قد ثبتت شفعته، وبطلانها يحتاج إلى دلالة.
351

المبسوط
كتاب الشفعة
الشفعة: الزيادة، وسئل ثعلب عن اشتقاقها فقال: الشفعة الزيادة وذلك أن
المشتري يشفع نصيب الشريك يزيد به بعد أن كان ناقصا كأنه كان وترا فصار
شفعا.
والأصل فيه السنة:
روى سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن النبي
صلى الله عليه وآله أنه قال: الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود فلا شفعة
وروى جابر أن النبي صلى الله عليه وآله قال: الشفعة في كل مشترك، ربع أو
حائط، ولا يحل له أن يبيعها حتى يعرضه على شريكه فإن باعه فشريكه أحق به.
والأشياء في الشفعة على ثلاثة أضرب: ما تجب فيه الشفعة متبوعا، وما لا
تجب فيه تابعا ولا متبوعا، وما تجب فيه تابعا ولا تجب فيه متبوعا.
فأما ما تجب فيه مقصودا متبوعا، فالعراص والأراضي البراح لقوله
عليه السلام: الشفعة فيما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود فلا شفعة.
وأما ما لا تجب فيه تابعا ولا متبوعا بحال، فكل ما ينتقل ويحول غير متصل
كالحيوان والثياب والحبوب والسفن ونحو ذلك كله لا شفعة فيه، وفي أصحابنا
من أوجب الشفعة في ذلك.
فأما ما تجب فيه تابعا ولا تجب متبوعا فكل ما كان في الأرض من نبات
353

وأصل وهو البناء والشجر، فإن أفرد بالبيع دون الأرض فلا شفعة فيه، فإن بيعت
الأرض تبعها هذا الأصل، ووجبت الشفعة في الأرض أصلا وفي هذه على وجه
التبع بلا خلاف.
وأما ما لم يكن أصلا ثابتا كالزروع والثمار فإذا دخلت في البيع بالشرط
كانت الشفعة واجبة في الأصل دونها، ولا تثبت الشفعة إلا لشريك مخالط، ولا
تثبت بالجوار، فإذا كانت دار بين شريكين باع أحدهما نصيبه كان لشريكه
الشفعة، فإن قسماه وتميز كل واحد منهما ثم باع فلا شفعة للآخر عليه.
وتثبت أيضا الشفعة بالاشتراك في الطريق مثل أن يكون زقاق مشترك
بين نفسين دارهما فيه: فإذا باع أحدهما داره كان الآخر أحق بها، فإن أفرد بيع
الدار عن الممر المشترك على أن تحول الباب إلى زقاق آخر ودار أخرى، بطلت
الشفعة.
وإن كانت الدور أكثر من اثنتين والشركاء ثلاثة فصاعدا بطلت الشفعة عند
أكثر أصحابنا لأن الشركاء إذا زادوا على الاثنين فلا شفعة وفيهم من قال: على
عدد الرؤوس.
ومتى كانت الدار بين شريكين وإليها طريق واحد واسع يحتمل القسمة
وهو بينهما فإذا اقتسما الدار ووقعت الحدود فلا شفعة فيها وتثبت الشفعة في
الطريق إليها، فإذا قسمت الطريق فلا شفعة فيها فإن اشترى نصيب أحد الشريكين
من الدار من يحول الطريق إليها فلا شفعة للشريك في الطريق فيها.
وإن باع دارا مفردة وشقصا من دار أخرى وجبت الشفعة في الشقص دون
الدار المفردة.
فإذا ثبت أن الشفعة تستحق بالشركة أو الطريق فإن الشفيع إذا وجبت له
الشفعة استحقها بالثمن الذي وقع العقد عليه، دون ما يقترحه البائع أو المشتري،
أو قيمة الشقص في نفسه، وهو الذي يستقر عليه إذا لزم البيع بالتفرق أو بالتخاير
أو بانقضاء مدة الخيار.
354

فأما ما زادا فيه بعد العقد أو نقصا منه نظرت: فإن كان في مدة الخيار
صحت الزيادة لأنه بمنزلة ما يفعل حال العقد، لأن الثمن ما يستقر العقد عليه،
وإن كان النقصان أو الزيادة بعد استقرار العقد لم يلحق العقد عندنا وإن كانت
زيادة فهي هبة، وإن كان حطا فهو إبراء، ولا يلزم الشفيع هذه الزيادة بلا
خلاف.
فإذا ثبت أن الشفيع يأخذ بالثمن الذي استقر عليه العقد، نظرت: فإن كان
الثمن له مثل، أخذه بمثله، وإن لم يكن له مثل أخذه بقيمته.
فإذا ثبت أن الشفعة لا تستحق بالجوار فمتى وجبت الشفعة ولم يعلم ذلك
لجهل بالبيع أو كان غائبا فلم يبلغه، لم تسقط شفعته، وإن طال الوقت وبعد
الزمان فإذا ثبت هذا فمتى علم بالشفعة عقيب البيع أو إذا علم بها بعد مدة، كان
له المطالبة واستيفاء حقه من غير حاكم، لأنه حق له بنص.
فإذا ثبت أن له المطالبة بغير حاكم، سار إلى المطالبة على حسب العرف
والعادة فإن المطالبة على ما جرت العادة به، فمتى بلغه وجوب الشفعة ولم يك
مشغولا بشئ قام من وقته، وإن كان مشغولا بشئ كالصلاة والطهارة والأكل
فحتى يفرع، وإن كان وقت الصلاة قد دخل فحتى يؤذن ويقيم ويصلى، ويتطهر
إن كان على غير طهر، وإن كان البلاغ ليلا حتى يصبح ويصلى الصبح على
عادته، ويتوجه إليها ولا يلزم أن يجد سيره إلا بالعادة بل يمشي على سجية مشيه،
ولا يستعجل فيه وإن كان قادرا على العجلة، وإن كان راكبا فلا يعدي بها
فيركض عليها بل يسير على سجية مشيه، لأنه هو العرف والعادة.
فإذا ثبت أن المطالبة على ما جرت به العادة نظرت: فإن طالب على هذا
الوجه استحق الشفعة، وإن ترك المطالبة لم يخل من أحد أمرين: إما أن يؤخر
من عذر أو من غير عذر، فإن كان لغير عذر فبما ذا سقط الشفعة؟ فيه أربعة أقوال:
أحدها - وهو الأصح -: أن المطالبة على الفور كالرد بالعيب، فإن تركها
مع القدرة عليها بطلت شفعته، فإذا ثبت أنها على الفور فإذا بلغه وهو في المجلس
355

فهل له خيار المجلس أم لا؟ قيل فيه قولان، والذي نقوله أنه إن أسقط حق الشفعة
في المجلس سقط، وإن لم يطالب لغير عذر سقط، وإن أخر لعذر فالعذر على ثلاثة
أضرب: مرض وحبس وغيبة.
فإن كان مريضا نظرت: فإن كان المرض خفيفا يمكنه المطالبة، وإن كان
به هذا المرض كالصداع ونحوه فهو كالصحيح، وإن كان مرضا شديدا لا يمكنه
المطالبة به لأجل المرض نظرت: فإن قدر على التوكيل، وكل في المطالبة، فإن
ترك ذلك مع القدرة بطلت شفعته، وإن لم يقدر على التوكيل كان هذا عذرا،
يصبر حتى إذا قدر عليها طالب، لأنه معذور في حكم الغائب.
وإن كان محبوسا لم يخل من أحد أمرين: إما أن يكون محبوسا بحق أو
بغير حق، فإن كان محبوسا بغير حق مثل أن حبسه ظالم أو حبسه الحاكم
بالدين وهو معسر فهو كالمريض، فإن قدر على التوكيل وكل وطالب وكيله،
وإن لم يقدر على التوكيل كان على شفعته، لأنه معذور كالمريض، وإن كان
محبوسا بحق مثل أن كان عليه دين يقدر على أدائه فهذا ليس بعذر لأنه حبس
نفسه، فإنه يقدر على خلاصه والخروج منه فهو كالمطلق سواء، وقد مضى
حكمه.
وإن كان غائبا لم تبطل شفعته بالغيبة، فإذا بلغته وهو غائب، فإن كان قادرا
على المسير وكان الطريق مأمونا والرفقة موجودة، فلم يفعل، سقطت شفعته
كالحاضر في طرف البلد، وإن لم يقدر على المسير وقدر على التوكيل وكل،
فإن لم يفعل بطلت شفعته، فإن لم يقدر على المسير بنفسه ولا على التوكيل كان
على شفعته، لأنه عذر.
فمتى بلغه وهو غائب فهل يفتقر ثبوت شفعته إلى الإشهاد أم لا سواء قدر على
المسير أو على التوكيل أو لم يقدر عليهما؟ قيل فيه قولان: أحدهما أن الإشهاد
شرط، والثاني له الشفعة أشهد أو لم يشهد، وهو الصحيح، لأن وجوب الإشهاد
يحتاج إلى دليل.
356

فإن كانا بمصر ولهما بمكة دار شركة بينهما فباع أحدهما نصيبه من أجنبي
فسكت شريكه عن المطالبة فلما قدما مكة طالبة بالشفعة وذكر أنه ترك المطالبة
بها لتكون المطالبة بالبلد الذي فيه الدار بطلت شفعته، لأنه ترك المطالبة بها مع
القدرة عليها.
قد بينا أن الشفيع يأخذ الشفعة بالثمن الذي استقر العقد عليه، فإن اتفقا على
قدره فلا كلام، وإن اختلفا لم يخل من ثلاثة أحوال: إما أن يكون مع واحد منهما
بينة، أو مع كل واحد منهما بينة، أو لا بينة مع واحد منهما.
فإن كان مع أحدهما بينة أقامها، وكانت الشفعة بما ثبت من قدره، وسواء
كان الشفيع أو المشتري، لأن البينة أقوى من الدعوى، والبينة شاهدان أو شاهد
وامرأتان أو شاهد ويمين، فإن لم يكن هناك شاهد غير البائع لم تقبل شهادته
لواحد منهما، لأنه إن شهد للمشتري لم تقبل لأنها شهادة على فعل نفسه، وتلك لا
تقبل، وإن شهد للشفيع لم تقبل لمثل ذلك، ولأنه يجر إلى نفسه نفعا فإن
الدرك عليه، فهو يميل إلى تقليل الثمن خوف الدرك فيما باع.
فإن كان مع كل واحد منهما بينة فالبينة بينة المشتري الداخل وقال قوم:
إن البينة بينة الشفيع، لأنه الخارج ولأنه المدعي للثمن، والمشتري منكر له، فإذا
ثبت أن البينة بينة المشتري، فالحكم فيه كما لو كانت البينة له وقد مضى.
وإن لم يكن مع واحد منهما بينة فالقول قول المشتري، لقوله عليه السلام:
البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه، والمدعى عليه هو المشتري، لأن
الشفيع يدعي أن الشراء بألف والمشتري منكر، ولأن الملك للمشتري والشفيع
ينزعه منه ببدل، فكان القول قوله فيما يزال به الملك.
فإن تبايعا شقصا واختلفا في قدر ثمنه نظرت: فإن كان مع أحدهما بينة
أقامها وثبت قوله وحكم له بها، وكان للشفيع الشفعة بما ثبت من الثمن، وإن
كان لكل واحد منهما بينة فالبينتان متعارضتان، فالحكم فيهما القرعة عندنا، فمن
خرج اسمه حكم له به، وأخذ الشفيع بذلك الثمن الذي يحكم به بالقرعة.
357

وفي المخالفين من قال: يتحالفان، فإذا تحالفا فهل يفسخ البيع أم لا؟ على
وجهين أحدهما لا يفسخ، فعلى هذا يقال للشفيع: إن اخترت أن تأخذ الشفعة
بالثمن الذي يذكره البائع فخذ أو دع، وإذا قال: يفسخ البيع، فعلى هذا
للشفيع أن يسقط الفسخ ويأخذ بما يدعيه البائع، لأن المتبايعين إذا تفاسخا لم
يسقط حق الشفيع، كما لو تقايلا، فإن للشفيع شفعته.
إذا كان الشراء بثمن له مثل كالحبوب والأثمان، كان للشفيع الشفعة بلا
خلاف وإن كان بثمن لا مثل له كالثياب والحيوان ونحو ذلك، فلا شفعة عند
أصحابنا، وفيه خلاف.
إذا وجبت الشفعة للشفيع فلم يعلم بها حتى استقال من المشتري البيع،
فأقاله، كان للشفيع إسقاط الإقالة، ورد الشقص إلى المشتري، وأخذه بالشفعة،
لأن حق الشفعة ثبت على وجه لا يملك المتعاقدان إسقاطه، وإن باع المشتري
الشقص كان الشفيع بالخيار بين أن يقر المشتري الثاني على ما اشتراه ويأخذ
بالشفعة منه وبين أن يفسخ ويأخذها من المشتري الأول.
فإن علم الشفيع فعفا عنها ثم عاد الشقص إلى البائع، فهل للشفيع أن
يأخذ الشفعة من البائع؟ نظرت: فإن عاد إليه بالإقالة لم يكن له أن يأخذ منه لأنه
عاد بالفسخ، والشفيع إنما يستحق الشفعة بعقد المعاوضة وهو البيع، وإن عاد
الشقص إليه بالشراء كان للشفيع الشفعة، لأنه تركها على المشتري، فإذا تجدد
بيع غير الأول تجدد له الأمر، كما لو باعها المشتري من غير البائع، وإن عاد إلى
البائع بالتولية كان للشفيع الشفعة لأن التولية بيع، كل ذلك لا خلاف فيه.
إذا تزوج امرأة وأصدقها شقصا فإنه لا يستحق الشفيع عليها الشفعة،
لإجماع الفرقة وأخبارهم، فإن طلقها قبل الدخول بها عاد منه النصف إلى
الزوج، وفي الناس من قال: للشفيع مطالبتها بالشفعة بمهر المثل، ومنهم من
قال: بقيمة الشقص حين العقد.
فإن طلقها قبل الدخول فإن كان الشفيع أخذ بالشفعة، فلا حق للزوج
358

وإنما يرجع عليها بنصف قيمة أقل الأمرين من نصف القيمة يوم العقد أو يوم
قبضها، وإن كان عفا عنها وتركها ثم طلقها عاد الزوج إلى نصف العين.
وإن كان لم يعف ولم يأخذ وطلقها عقيب النكاح أو بعده بمدة لم يعلم
الشفيع ثم علم فالزوج يقول: أنا أحق، والشفيع يقول: أنا أحق، وفي أيهما أحق
وجهان: أحدهما الزوج لأن حقه ثابت بنص القرآن، والشفعة ثابتة بالاجتهاد
وخبر الواحد، والثاني - وهو الصحيح عندهم - الشفيع أولى.
إذا اشترى بثمن إلى أجل قيل في كيفية الأخذ بالشفعة ثلاثة أقوال: أحدها
أن الشفيع بالخيار بين أن يأخذ بالثمن حالا وبين أن يؤخر حتى إذا حل الحق
أخذ من محله، والثاني أن يأخذ بالثمن إلى المدة، والثالث يأخذه بسلعة تساوى
بالثمن إلى سنة، والأول هو الصحيح عندي.
فعلى هذا إن مات المشتري حل الثمن عليه، وكان الشفيع مع وارث
المشتري بالخيار على ما كان، لأن الحق حل في حق المشتري فلا يحل في حق
الشفيع، وإن لم يمت المشتري لكنه باع، صح البيع وكان الشفيع بالخيار إذا
حل الأجل بين أن يقر البيع الثاني ويأخذ من المشتري الثاني، وبين أن يفسخ
ويأخذ من الأول.
وقال بعض أصحابنا: إن الشفيع يأخذ بالثمن إلى أجل في الحال، فإن لم
يكن مليا أقام ضمينا إلى حين حلول الأجل.
إذا مات وخلف دارا وابنين فهي بينهما نصفين، فإن مات أحدهما وخلف
ابنين كان نصفها بينهما نصفين، ولعمهما النصف، ولكل واحد منهما الربع، فإن
باع أحدهما نصيبه من أجنبي بطلت الشفعة هاهنا لأن الشريك أكثر من واحد.
ومن قال من أصحابنا: إن الشفعة على عدد الرؤوس، يجب أن يقول:
الشفعة بين العم والأخ، وفي الناس من قال: للأخ وحده، فإن عفا الأخ فهل
يتوفر على العم؟ فيه وجهان، وكذلك لو اشترى رجل نصف دار ثم اشترى
باقيها رجلان، ثم باع أحد الآخرين نصيبه فعلى القولين.
359

وكذلك إذا خلف دارا وثلاثة بنين فباع أحدهم نصيبه من اثنين، وعفا
أخواه ثم باع أحد الأخوين نصيبه من أجنبي ففيها قولان: أحدهما الشفعة لمن
اشترى معه دون الأخوين، والثاني بينه وبين الأخوين.
وكذلك إذا خلف دارا وبنتين وأختين، فللبنتين عندهم الثلثان، وللأختين
الثلث فإن باعث إحدى الأختين نصيبها فعلى قولين.
وكذلك إن خلف دارا وثلاثة بنين ثم مات أحدهم وخلف ابنين ثم باع
أحد الابنين حصته فهل تكون الشفعة للعم وحده ويأخذ هو دون ابن أخيه؟ فعلى
قولين، وقد قلنا ما عندنا في هذه المسائل، وعلى قول من خالف من أصحابنا
ينبغي أن نقول بينهم على السواء.
قد بينا أن أكثر أصحابنا المحصلين على أن الشفعة تبطل إذا كان أكثر من
شريك واحد، وقال قوم منهم: - وروي فيه أخبار - إنها على عدد الرؤوس، وفي
الناس من قال مثل هذا القول، وفيهم من قال: على عدد الأنصباء، فأما على الأول
فلم يوافقنا عليه أحد.
الشفعة لا تورث عند أكثر أصحابنا، وقال قوم: إنها تورث - من أصحابنا -
ولا أعرف فيه نصا، والأول هو المروي عنهم عليهم السلام، فمن أثبت الميراث في
الشفعة ورثة على فرائض الله تعالى، فإن خلف زوجة وابنا كان لها الثمن والباقي
لابنه، وعلى هذا أبدا عند من قسمه على الأنصباء، ومن قسمه على الرؤوس جعل
بينهما نصفين.
إذا خلف شفعة وابنين كان بينهما نصفين، فإن عفوا سقطت وإن أخذاها
ثبتت، وإن عفا أحدهما دون صاحب سقط حقه، وهل يسقط حق أخيه أم لا؟ على
وجهين:
أحدهما: يسقط لأنهما يقومان مقام أبيهما، والأب لو عفا عن البعض سقطت
كلها.
والوجه الثاني: - وهو الأصح على هذا القول - يتوفر على أخيه فيكون الكل
360

له لأنها شفعة لاثنين، فإذا عفا أحدهما توفر على شريكه كما لو وجبت لهما بالبيع،
وأما المورث فالمستحق واحد، فإذا عفا عن نصف حقه سقط كله، وليس كذلك
هاهنا لأنه عفا عن كل حقه فلهذا لم يسقط حق شريكه منهما.
قد قلنا: إن الشريك إذا كان أكثر من واحد بطلت الشفعة، ومن قال: على
عدد الرؤوس، يقول: إذا كانت الدار بين أربعة أرباعا فباع واحد منهم نصيبه
كان للباقين الشفعة بينهم بالسوية، لأنهم متساوون في العدد والأنصباء، ثم لا
يخلو حالهم من أحد أمرين: إما أن يكونوا حضورا أو غيبا، فإن كانوا حضورا
واختاروها كانوا فيه سواء فإن عفا واحد منهم قيل للآخرين: فإما أن تدعا الكل
أو تأخذا الكل، فإن أخذا فلا كلام، وإن امتنعا وقالا: لا نأخذ إلا حقنا، لم يكن
لهما، لأن ذلك يؤدي إلى الضرر.
وهكذا إذا وجبت لاثنين وعفا أحدهما قيل للآخر: أنت بالخيار بين أن تأخذ
الكل أو تتركه، فإن عفا اثنان عنها قلنا للثالث: أنت بالخيار بين أن تأخذ الكل أو
تتركه لمثل ذلك.
وإن كانوا غيبا فالشفعة لهم أيضا على ما مضى، فإن حضر واحد منهم أو
كانوا كلهم حضورا فغاب اثنان الباب واحد، يقال للحاضر: أنت بالخيار بين أن
تأخذ الكل أو تدع الكل، وليس لك أن تأخذ قدر حقك، لأنا لا نعرف شفيعا
سواك.
فإذا ثبت هذا لم يخل من أحد أمرين: إما أن يأخذ أو يؤخر، فإن أخذ ملك
الشقص، فإن قدم أحد الغائبين فإما أن يأخذ أو يعفو، فإن عفا سقط حقه وإن
اختار الأخذ أخذ من الحاضر النصف لأنه لا شفيع سواهما.
فإن قدم الغائب الآخر فإما أن يعفو أو يأخذ، فإن عفا استقر للأولين ما أخذا،
وإن اختار الأخذ شاركهما فيكون المبيع بينهم أثلاثا وينتقض القسمة وبالمطالبة
بالشفعة إن كانا اقتسما وإن كانت وقعت صحيحة، لأن الثالث إذا طالب بالشفعة
كان بمنزلة الموجود حين القسمة لأن حقه وجب قبل القسمة.
361

فإن أخذ الحاضر فأصاب بالشقص عيب ورده على المشتري، ثم حضر
الغائبان كان لهما الشفعة لأن رده بالعيب بمنزلة عفوه عنها، ولو عفا عنها ثم
حضرا أخذاها، فإن اختار الحاضر الأخذ فأخذها فاستغلها ثم حضر الغائب فاختار
الأخذ أخذه، وكانت الغلة للأول لا حق للقادم فيها، لأن الأول استغل ملك
نفسه.
وإن أخذها الحاضر وملكها، ثم حضر الغائبان وأخذا منه، ودفعا الثمن إليه
ثم خرج الشقص مستحقا كان دركهما على المشتري دون الشفيع الأول، وإن
كان الآخذ هو فإنه بمنزلة النائب عنهما في الأخذ لهما، والمستوفي لهما كالوكيل،
لأنهما يستحقان عليه ذلك بعقد البيع قبل أن يأخذ لنفسه، هذا إذا اختار الأخذ.
فأما إن اختار التأخير، وقال: لست آمن الغائبين، وإني متى أخذت الكل
وحضرا انتزعا الثلثين من يدي فلا أوثر هذا ولا أختار بل أتوقعهما حتى يحضرا
فإن عفوا أخذت الكل وإن أخذا شاركتهما في هذا فهل يبطل نصيبه بهذا التأخير
أم لا؟ قيل فيه وجهان:
قال قوم: لا يبطل، وهو الأقوى، لأنه تأخير لعذر فلا تبطل شفعته، وقال
آخرون: يبطل حقه لأنه ترك الأخذ مع القدرة عليه.
إذا كانت دار بين أربعة أرباعا فباع واحد منهم حقه، فاستحقها الثلاثة وكان
أحد الثلاثة غائبا، فاختار الآخران أن يأخذا بجميع المبيع.
نفرض المسألة من ثمانية وأربعين، فباع واحد منهم سهمه، وهو اثنا عشر
سهما، فأخذه الحاضران معا، صار لكل واحد منهما ستة، ثم غاب أحدهما
- ويسمى هذا الغائب الثاني -، ثم حضر الغائب الثالث فطلب حقه.
فإن كان الحاكم ممن يرى الحكم على الغائب، وهو مذهبنا، قضي للثالث
بجميع حقه وهو أربعة أسهم، سهمان على الحاضر وسهمان على الغائب فيصير
لكل واحد منهم أربعة أسهم.
وإن كان لا يرى القضاء على الغائب، فبكم يقضي لهذا الثالث على
362

الحاضر؟ قيل فيه وجهان: أحدهما بنصف ما في يديه، لأن الثالث يقول للحاضر:
في يدك نصف المبيع، فكأنه لا مبيع غيره ولا شفيع غيرنا، ووجب أن يكون
بيننا نصفين، والثاني يقضي له على الحاضر بثلث ما في يده، لأنه لا يستحق عليه
إلا قدر ما حصل في يديه من حقه الواجب له بأجل، والذي حصل في يديه من
حقه ثلث ما في يديه، فلا يستحق أكثر منه.
فإذا حصل للثالث ما قضي له به، ثم غاب هذا الثالث ثم حضر الثاني وفي
يده ستة أسهم، - وإنما يستحق بها أربعة أسهم -، فبما ذا يرجع الحاضر على هذا
الثاني؟ يبني على ما قضي به للثالث.
فإن كان الثالث أخذ من الحاضر ثلث ما في يده، لم يرجع على الثاني
بشئ، بل في يد الثاني فضل سهمين هما للثالث فمتى حضر استوفاهما، وإن كان
الثالث أخذ من الحاضر نصف ما في يديه وهو ثلاثة أسهم فقد قدم الثاني وفي يده
فضل سهمين أحدهما للحاضر يأخذ منه، فيصير ما في يد الحاضر أربعة أسهم،
ويبقى في يد الثاني خمسة أسهم، فإذا قدم الثالث أخذ منه سهما فيصير في يد
الثالث أربعة أسهم، وفي يد الثاني أربعة وفي يد الحاضر أربعة، فمتى حضروا
حصل لكل واحد منهم كمال حقه، فيرجع كل واحد منهم على صاحبه بما
حصل له في يديه.
إذا اشترى شقصا فوجب للشفيع فيه الشفعة فأصابه نقص وهدم قبل أن
يأخذ الشفيع بالشفعة، فهو بالخيار بين أن يأخذه ناقصا بكل الثمن أو يدع،
وسواء ذلك هدمها المشتري أو غيره، أو انهدمت من غير فعل أحد.
وكذلك إن حرق بعضها، أو كانت أرضا فغرق بعضها فللشفيع أن يأخذ
ما يبقى بجميع الثمن أو يدع، لأنه إن هلك بأمر سماوي فما فرط فيه، وإن هدمه
هو فإنما هدم ملك نفسه، وإذا أخذه بالشفعة أخذ ما اتصل به، وما انفصل عنه من
الآلة لأنه جميع المبيع.
وقيل: إنه بالخيار بين أن يأخذ الموجود بما يخصه من الثمن أو يدع، وهو
363

الأصح عندهم، والذي يقوى في نفسي أنها إذا انهدمت وكانت آلتها باقية، فإنه
يأخذها وآلتها بجميع الثمن أو يتركها، وإن كان قد استعمل آلتها المشتري أخذ
العرصة بالقيمة، وإن احترقت الدار أخذ العرصة بجميع الثمن أو يترك، لأنه ما
فرط.
ولو اشترى شقصا بمائة وغرم عليه من الدلالة والوكالة وغير ذلك مؤونة لم
يلزم الشفيع غير الثمن الذي قابل ما اشتراه وباشره.
وفي الناس من قال: إذا انتقص البناء وكانت الأعيان المنهدمة موجودة
دخلت في الشفعة، وإن كانت منفصلة عن العرصة، لأنه يقبلها بالثمن الذي وقع
البيع به والاستحقاق وجب له حين العقد فكان له أخذ كل ما تناوله عقد البيع،
ويفارق هذا إذا اشترى دارا قد سقط بعضها فإن الساقط منها انفصل عنها، لأنه لا
يدخل في عقد البيع، لأنه منفصل حين عقد البيع، وهذا انفصل بعد عقد البيع.
وفي الناس من قال: إن ذهب بفعل آدمي أخذه بالحصة من الثمن، وإن
ذهب بأمر سماوي أخذه بكل الثمن كما قلنا، غير أنه قال: فإن غرق بعض
العرصة أخذ الباقي بالحصة من الثمن، أو ترك، وعلى ما قلناه يجب أن يقول:
يأخذ الباقي بكل الثمن أو يترك.
إذا اشترى شقصا ووجب للشفيع فيه الشفعة، ثم قاسم المشتري وأفرد ما
اشتراه ثم غرس وبنى، ثم طلب الشفيع الشفعة، قيل للشفيع: إن شئت فخذ
بالثمن وقيمة الغراس والبناء اليوم أو دع.
فإن قيل: كيف تصح هذه المسألة مع أن حق الشفيع على الفور؟ ومتى
قاسم المشتري بطلت شفعته، فكيف يكون له الشفعة بعد القسمة؟
قلنا: تصح له الشفعة من أربعة أوجه:
أحدها: أظهر الشريك الجديد أنه ملك الشفعة بالهبة فقاسمه الشفيع، ثم
بان أنه ملكه بالشراء.
والثاني: أظهر أنه اشتراه بألف فزهد الشفيع ثم بان أنه اشتراه بمائة بالبينة أو
364

بالاعتراف من المشتري.
وثالثها: وكل المشتري في الدار وكيلا في استيفاء حقه، ومقاسمة شركائه
والأخذ بالشفعة له، وغاب الموكل ثم وجبت له الشفعة وهو غائب فرأى الوكيل
ترك الشفعة له، فقاسم المشتري وغرس المشتري، أو رأي الحظ في الأخذ فتوانى
ولم يأخذ وقاسم، فإن المقاسمة تصح ولا يبطل حقه بترك وكيله.
الرابع: اشترى المشتري والشفيع غائب، فلم يمكنه البناء في المشاع فثبت
الشراء عند الحاكم، وسأله قسمته على الغائب فأفرد له حقه فتصرف، ثم قدم
الشفيع فله الأخذ بالشفعة.
فإذا ثبت أنه تصح من هذا الوجه، فإذا طالب الشفيع بها لم يخل المشتري
من أحد أمرين: إما أن يختار القلع أو الترك.
فإن اختار القلع كان له ذلك لأنه قلع ملكه عن ملكه الذي يملك بيعها،
فإذا قلع فليس عليه تسوية الحفر، ولا أرش ما نقصت بالقلع لأنه تصرف في
ملك نفسه، ويقال للشفيع: أنت بالخيار بين أن تأخذ بكل الثمن أو تدع لأنه لا
ضمان على المشتري فيما دخل المبيع من النقص، فإذا أخذه فلا كلام، وإن لم
يأخذه سقطت شفعته وإن اختار التبقية قلنا للشفيع: أنت بالخيار بين ثلاثة أشياء،
بين أن تدع الشفعة، أو تأخذ وتعطيه قيمة الغراس والبناء، أو تجبره على القلع
وعليك ما نقص.
فإن اختار الترك فلا كلام، وإن اختار الأخذ ودفع القيمة أخذ الشقص
بالثمن المسمى، ويأخذ ما أخذ به المشتري بقيمته حين الأخذ سواء كانت القيمة
أكثر مما أنفقه المشتري أو أقل، لأنه إذا كان الأخذ بالقيمة كان اعتبار القيمة حين
الأخذ، وإن اختار القلع قلنا: تأخذ الشقص بالثمن وعليك ما نقص بالقلع،
فيقال: كم يساوي هذا الغراس غير مقلوع؟ قالوا: مائة، قلنا: وكم يساوي
مقلوعا؟ قالوا: خمسون، قلنا: فأعطه خمسين، فإن قال الشفيع: لا أختار شيئا من
هذا لكني أطالبه بالقلع ولا ألتزم له ما نقص، لم يكن ذلك له.
365

قد ذكرنا أن الأشياء على ثلاثة أضرب: ما يجب فيه الشفعة متبوعا، وما لا
يجب تبعا ولا متبوعا، وما يجب فيه تبعا ولا يجب فيه متبوعا.
فما يجب فيه مقصودا متبوعا الأرض لأن النبي صلى الله عليه وآله قال:
الشفعة في كل شركة ربع أو حائط، ولا يحل له أن يبيعه حتى يعرضه على
شريكه، فإن باعه فشريكه أحق به بالثمن.
وما لا يجب فيه بحال لا تبعا ولا متبوعا كل ما ينقل ويحول كالمتاع
والمأكول والحيوان والسفن والثمار.
وما يجب فيه تبعا ولا يجب فيه متبوعا ما كان بناء وأصلا وهو الغراس إن
أفرده بالبيع فلا شفعة، وإن بيع مع الأصل تبعه في الشفعة، لأنه لما دخل في
البيع المطلق وجب فيه الشفعة.
فإذا ثبت هذا فباع الأرض وفيها نخل نظرت: فإن كان فيها طلع مؤبر فهو
للبائع إلا أن يشرط المبتاع، وإن اشتراه مطلقا فالثمن للبائع، والأرض والنخل
للمشتري، يأخذ الشفيع ذلك بالشفعة وتبقى الثمرة للبائع، وإن اشترى النخل
والأرض وشرط الثمرة كان للشفيع أن يأخذ الكل مع الثمرة، وفي الناس من
قال: له جميع ذلك إلا الثمرة.
وأما إن اشترى شقصا وزاد في يده ثم علم الشفيع وبالشفعة، فله أن يأخذه
بالشفعة، سواء كانت الزيادة غير متميزة كطول النخل وغلظة وكثرة سعفه،
وطول الأغصان في الشجرة، فكل هذا يتبع الأصل بلا خلاف، وإن كانت
الزيادة متميزة مثل أن كان طلعا مؤبرا أو نماء منفصلا عن الأصل كان الأصل
للشفيع دون النماء، لأنها فائدة تميزت في ملكه كما نقول في رد المبيع فإنه يرد
المبيع دون النماء المتميز.
وأما إن كانت الزيادة لا من نفس المبيع ولا زيادة متميزة لكنه كان الطلع
قد حدث به إلا أنه غير مؤبر، فهل يتبع الأصل فيأخذه الشفيع أم لا؟ قيل فيه
قولان أولاهما أن نقول إنه يتبع لعموم الأخبار.
366

إذا باع شقصا من متاع لا يجوز قسمته شرعا كالحمام والأرحية والدور
الضيقة والعضائد الضيقة فلا شفعة فيها.
قد ذكرنا أن الشفعة تجب فيما يجوز قسمته شرعا ولا يجب فيما لا يجوز
قسمته شرعا ويحتاج أن نبين ما يجوز قسمته شرعا.
وجملته أن كل مشاع بين نفسين فإن كانا لا يستضران بقسمته جازت
قسمته، وأيهما طلب القسمة أجبر الآخر عليه، وإن كانا يستضران بها لا تجب
قسمته شرعا ومعناه أن أيهما طلب لم يجبر الآخر عليه، ولا خلاف أنهما إذا كانا
يستضران بها لم يقسم شرعا.
واختلفوا في الضرر فقال قوم: المحصل من ذلك أن الضرر نقصان قيمة
نصيب كل واحد منهما بالقسمة، فمتى طلبها أحدهما فهل يجبر الآخر أم لا؟ لا
يخلو من ثلاثة أحوال: إما أن لا يستضر واحد منهما أو يستضر أحدهما، أو يستضر
كل واحد منهما:
فإن لم يستضر واحد منهما فأيهما طلبها أجبر الآخر عليها، لأنها لا ضرر فيها.
وإن كان أحدهما يستضر بها وحده مثل أن كان نصيبه قليلا ونصيب
شريكه كثيرا نظرت: فإن طلب من لا يستضر بها أجبرنا الآخر وإن كان يستضر
بها، لأنه يطلبها من لا يستضر بها فأشبه إذا لم يستضرا، وإن كان الطالب هو
المستضر بها فهل يجبر الآخر عليها أم لا؟ قيل فيه وجهان: أحدهما لا يجبر، لأنه
يطلبها من يستضر بها، فأشبه أنه استضرا معا، لأن الطالب يطلب سفها يدخل عليه
فلا يجيبه إليه الحاكم، والوجه الثاني يجبر عليها لأن أحد الشريكين لا يستضر به،
فأشبه إذا استضر المطلوب دون الطالب.
وإن كان كل واحد منهما يستضر بها، فأيهما طلبها لم يجبر الآخر عليها،
لأنها قسمة ضرر.
وقال قوم: الضرر أن لا ينتفع بحصته بعد القسمة، وإن انتفع به بعد القسمة
فهي قسمة شرعية سواء نقصت القيمة أو لم تنقص، وهذا هو الأقوى عندي لأنه
367

متفق عليه، لأن ما لا ينتفع به لا خلاف أنه لا يوجب القسمة، والأول ليس عليه
دليل.
فإذا ثبت هذا فكل ما يقسم شرعا أفاد حكمين: الإجبار على القسمة،
والمطالبة بالشفعة، وما لا يقسم شرعا أفاد حكمين: لا يجبر عليها، ولا يتعلق به
الشفعة.
فإذا ثبت ذلك فمما لا يقسم البئر والحمام والرحى والطريق:
فالبئر على ضربين: بئر معها بياض أرض، وبئر مفردة.
فإن كان معها بياض أرض بقدر قيمتها أمكن أن تكون بينهما والأرض
بالقيمة بينهما، فهذه قسمة شرعية يتعلق بها الحكمان معا، كما نقول في أرض مائة
جريب قيمة عشر منها بقيمة ما بقي، فإنها تعدل بالقيمة سهمين، ويقرع بينهما،
كذلك البئر وبياض الأرض.
وإن كانت البئر وحدها أو معها بياض لا يبلغ قيمة الأرض نظرت: فإن
كانت البئر مما تقسم شرعا كالمصنع العظيم ونحو هذا، وإن كانت وحدها
قسمت نصفين، وإن كانت معها البياض اليسير جعل منها مع البياض بقدر
نصف القيمة ثم أقرع بينهما فيتعلق بها الحكمان معا، وإن كانت بئرا ضيقة لا
يمكن قسمتها لم يتعلق بها الحكمان معا ولا واحد منهما.
وأما الحمام فكالبئر المفردة إذا احتملت القسمة الشرعية، وهو أن يكون كل
حصة حماما مفردا من غير نقصان القيمة، تعلق بها الحكمان معا، وإن لم يحتمل
هذا لم يتعلق بها الحكمان معا ولا واحد منهما على ما فصلناه في البئر سواء.
وأما الرحى فينظر فيها: فإن احتملت القسمة الشرعية مثل أن كانت في
البيت حجران دائران يمكن أن يجعل كل حجر دائر بينهما بالقيمة، تعلق به
الحكمان معا، وإن كانت فيه حجر واحد فإنه لا يمكن قسمته لأن الفوقاني متى
أفراد عن السفلاني نقصت قيمته، ولا ينتفع به، فلا يتعلق به الحكمان ولا واحد
منهما، وحكم الحجر الضيقة والعضائد مع هذا الحكم سواء.
368

وأما الأرض، فلا تكاد تنقص بالقسمة وإن قلت، فالحكمان يتعلق بها أبدا.
وأما الطريق فعلى ضربين: مملوك وغير مملوك، فغير المملوك الشوارع
الواسعة والدروب النافذة، فإذا اشترى رجل دارا والطريق إليها من شارع أو
درب نافذ فلا شفعة في الطريق وإن كان واسعا لأنه غير مملوك، وأما الدار فلا
شفعة فيها لأنه لا شفعة بالجوار.
وإن كان الطريق مملوكا مثل الدروب التي لا تنفذ - المشترك بين أهلها
وطريقهم إلى منازلهم - فإذا اشترى رجل دارا في هذا الدرب وكان الشركاء
أكثر من واحد فلا شفعة، وإن كان واحدا فله شفعة إلا أن يكون المشتري يحول
باب الدار إلى درب آخر فتبطل الشفعة في الدار، وأما الدرب فمشاع بين أهله،
فإن كان ضيقا لا يقسم شرعا فلا شفعة فيها، وعند قوم أنها يثبت بها الشفعة في
الدار، وهو الصحيح عندنا.
وإن كانت مما تقسم شرعا وهو أن يكون نصيب كل واحد منهما قدر
كفايته ولا ينقص قيمتها بعد القسمة، فهل يجب فيها الشفعة أم لا؟ فإن كان
الشريك واحدا فيه الشفعة، وإن كان أكثر فلا شفعة، لعموم الأخبار في ثبوت
الشفعة بالاشتراك في الطريق.
وقال قوم ممن لم يوجب الشفعة بالاشتراك في الطريق: إن كانت الدار
المشتراة لها طريق من غير هذا الدرب، مثل أن كان في غير هذا الدرب لها باب،
أو كان لها موضع يمكنه إحداث باب فيه كالشارع في الدرب النافذ أخذ ما
ملكه من الطريق بالشفعة لأنه يقدر على طريق إلى داره من غير هذا الدرب، وإن
لم يكن له طريق إلى غيره، ومتى أخذ نصيبه بالشفعة بقيت الدار التي اشتراها بغير
طريق، فهل يؤخذ بالشفعة أم لا؟ قيل فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: يؤخذ منه لأنه مما يقسم شرعا.
والثاني: لا يؤخذ منه بالشفعة لأن وجوب الشفعة لإزالة الضرر، فلو قلنا
يؤخذ منه أزلنا عن الشفيع الضرر بإدخاله على المشتري بحصول دار لا يقدر لها
369

على طريق.
والثالث: يؤخذ بالشفعة فيكون له حق الاستطراق إلى داره في ملك غيره،
وهذا ضعيف جدا عندهم، لأنه إذا ملك عليه سقط حق الاستطراق.
الشفعة تجب للمولى عليه، ولوليه أن يأخذ ذلك له، فالمولى عليه الصبي
والمجنون والمحجور عليه لسفه، وولي هؤلاء الأب أو الجد أو الوصي من قبل
واحد منهما، أو أمين الحاكم إن لم يكن هناك أب ولا جد، ولوليه أن يأخذ له،
ولا يجب أن ينتظر بلوغه ورشاده.
فإذا تقرر أن الشفعة تجب له، فإن لوليه أن يستوفيه ولا يخلو من أحد أمرين:
إما أن يكون الحظ في الأخذ أو الترك.
فإن كان الحظ في الأخذ مثل أن يكون للصبي مال معد لا يباع العقار،
وكان الشقص بثمن مثله أو بأقل من ثمن مثله، فإنه يجب على الولي أن يأخذ
بالشفعة فإن أخذ صح الأخذ، وملك الصبي الشقص، لأنه قبله له، فإذا بلغ
الصبي لم يكن له ردها على المشتري الولي، وإن ترك الأخذ لم يسقط حق
الصبي فإذا بلغ ورشد كان بالخيار بين أن يأخذ أو يدع، لأنه لا دلالة على سقوط
حقه، هذا إذا كان حظه في الأخذ.
وأما إن كان حظه في الترك مثل أن كان مبيعا بأكثر من ثمن مثله أو بثمن
مثله، لكن لم يكن له مال واحتاج إلى بيع عقار هو أجود منه فلا يجوز له الأخذ
لأنه لاحظ له.
فإذا ثبت هذا لم يخل من أحد أمرين: إما أن يأخذ أو يترك، فإن أخذ لم
يصح أخذه ولم يملك الصبي الشقص، لأنه أخذ ما لاحظ فيه، وإذا لم يملك
الصبي فلا يملك وليه، لأن الشفعة تستحق بالملك، ولا ملك للولي في العقار،
وإن لم يأخذه واختار الترك ثم بلغ الصبي ورشد فهل له أن يأخذ ما ترك وليه
أم لا؟ الأولى أن نقول: له الخيار في الأخذ والترك، وقال قوم: ليس له ذلك.
إذا باع شقصا بشرط الخيار فإن كان الخيار للبائع أو لهما لم يكن للشفيع
370

الشفعة، لأن الشفعة إنما تجب إذا انتقل الملك إليه، وإن كان الخيار للمشتري
وجبت الشفعة للشفيع لأن الملك يثبت للمشتري بنفس العقد، وله المطالبة بعد
انقضاء الخيار، وحكم خيار المجلس وخيار الشرط سواء على ما فصلناه.
إذا باع شقصا بشرط الخيار فعلم الشفيع بذلك، فباع نصيبه بعد العلم بها
سقطت شفعته، لأنه إنما يستحق الشفعة بالملك، وقد زال ملكه الذي يستحقها به
فسقطت شفعته، وبقى البائع الأول والمشتري الأول، وللمشتري الأول الشفعة
على المشتري الثاني.
ومن قال: إنه ينتقل المبيع بالشرطين، يقول: الشفعة للبائع الأول لأن ملكه
ثابت حين العقد، ومن قال: مراعى، نظر: فإن تم البيع فالشفعة للمشتري الأول
لأنه تبين أن الملك له، فإن لم يتم فالشفعة للبائع، لأنه تبين أن ملكه ما زال، وأما
إذا باع بشرط الخيار للبائع أو لهما، فالشفعة للبائع الأول لا غير.
إذا اشترى شقصا وسيفا أو شقصا وعبدا أو شقصا وعرضا من العروض،
كان للشفيع الشفعة بحصته من الثمن، ولا حق له فيما بيع معه لأنه لا دليل عليه،
فإذا ثبت هذا فإنه يأخذ الشقص بحصته من الثمن، ويدع السيف على المشتري
بحصته من الثمن.
فإذا ثبت هذا فلا خيار للمشتري، ثم ينظر في قيمة الشقص والسيف ويأخذ
الشقص بحصته من الثمن، لأن الشفيع يأخذ الشقص بثمنه، وثمنه ما قابله منه،
فيقال: كما قيمة الشقص؟ قالوا: مائة، قلنا: كما قيمة السيف؟ قالوا: مائة، قلنا:
فخذ الشقص بنصف الثمن، وإن كانت قيمة الشقص خمسين، وقيمة السيف مائة
أخذ بثلث الثمن، وعلى هذا الحساب.
فإن باع شقصين من دارين متفرقين صفقة واحدة، ووجبت الشفعة فيما باع
لم يخل الشفيع من أحد أمرين: إما أن يكون الشفيع في إحديهما غير الشفيع في
الأخرى، أو يكون الشفيع فيهما واحدا.
فإن كان الشفيع في إحديهما غير الشفيع في الأخرى، نظرت، فإن عفوا
371

سقطت، وإن أخذا معا أخذ كل واحد منهما شفعته بالحصة من الثمن، وإن عفا
أحدهما وأخذ الآخر سقطت شفعة العافي في شركته، وكان للآخر أن يأخذ شفعته
في شركته وحدها بالحصة من الثمن، لأنه يأخذ الشفعة بشركته وهو شريكه في
هذه الدار وحدها، ويكون التقويم على ما قلناه في الشقص والسيف.
وإن كان الشفيع في الموضعين واحدا نظرت: فإن عفا عنهما سقطت، وإن
اختارهما معا ثبتت، فإن عفا عن أحدهما فهل له الآخر أم لا؟ قيل فيه وجهان:
أحدهما: ليس له ذلك، لأنه أخذ بالشفعة بعض ما وجب له بها فلم يصح،
كما لو كان الشقص واحدا فترك بعضه وأخذ بعضه لم يصح.
والثاني: - وهو الصحيح - أن له أخذ أحدهما وترك الآخر، لأنهما ليسا
كالشقص الواحد، بل هما شقصان، وألا ترى أنه لو كان لكل واحد منهما شفيع
فعفا عن حقه له يتوفر على الآخر، ولو كان شقصا واحدا فمتى عفا عن أحدهما
يوفر على الآخر فعلم بذلك أنهما لا يشبهان شقصان واحدا، فإذا ثبت ذلك، فله أن
يأخذه بالحصة من الثمن على ما فصلناه من التقويم في الشقص والسيف سواء.
إذا وجبت الشفعة للشفيع استحقها على المشتري، فإن كان المشتري قد
قبض الشقص قبض الشفيع منه، دفع الثمن إليه، وكان ضمان الدرك على
المشتري لا على البائع، وإن كان قبل أن يقبض المشتري فإن الشفيع يستحقها
على المشتري أيضا ويدفع الثمن إليه، ويقبض الشقص من يد البائع، ويكون
هذا القبض بمنزلة قبض المشتري من البائع، ثم قبض المشتري من المشتري.
فإن أراد الشفيع فسخ البيع والأخذ من البائع، لم يكن له، وإذا أخذها من
يد البائع لم يكن الأخذ منه فسخا للبيع، ومتى باع المشتري الشقص كان
الشفيع بالخيار بين أن يفسخ العقد الثاني ويأخذ بالشفعة في العقد الأول، وبين
أن يطالب بالشفعة في الأخذ الثاني، وإن تقايل المتبايعان كان للشفيع رفع
الإقالة ورد الملك إلى المشتري والأخذ منه.
ولو ادعى البائع البيع وأنكر المشتري وحلف، كان للشفيع أن يأخذ من
372

البائع وتكون العهدة عليه، ولو أبرأ البائع الشفيع من الثمن لم يبرأ ولم يسقط
حق البائع من الثمن لأن ثمنه على المشتري، ولو أصاب الشفيع عيبا بالشقص
رده على المشتري دون البائع.
وقال قوم: إذا حلف المشتري سقطت الشفعة، لأن الشراء ما صح، والأول
أصح لأن البائع اعتراف بحقين: أحدهما عليه وهو حق الشفعة، والثاني على
المشتري فلم يقبل قوله على المشتري، لأن الحق له، وقبلناه للشفيع لأنه عليه.
إذا تبايعا شقصا فضمن الشفيع الدرك للبائع عن المستحق أو المشتري
عن البائع في نفس العقد، أو تبايعا بشرط الخيار على أن الخيار للشفيع، فإن
عندنا يصح شرط الأجنبي، ولا تسقط شفعته، لأنه لا دليل عليه.
إذا كانت الدار بين ثلاثة فباع أحدهم نصيبه فاشتراه أحد الآخرين فإن له
النصف، وللذي لم يشتر النصف الآخر، على قول من قال من أصحابنا بثبوت
الشفعة بين أكثر من اثنين.
إذا كان الشفيع وكيلا في بيع الشقص الذي يستحقه بالشفعة، لم تسقط
بذلك شفعته، سواء كان وكيل البائع في البيع أو وكيل المشتري في الشراء،
لأنه لا مانع من وكالته لهما، ولا دليل على سقوط حقه من الشفعة بذلك.
ويجوز بيع الشقص من الدار والأرض بالبراءة من العيوب علم المشتري
بالعيب أو لم يعلم، ظاهرا كان العيب أو باطنا، فإذا باعه كذلك وأخذه الشفيع
بالشفعة، فظهر به عيب لم يخل من أحد أربعة أحوال: إما أن يكون المشتري
والشفيع جاهلين بالعيب أو عالمين، أو يكون المشتري جاهلا دون الشفيع، أو
الشفيع دون المشتري.
فإن كانا جاهلين به كان للشفيع رده على المشتري، وكان المشتري
بالخيار بين رده على البائع وبين إمساكه.
وإن كانا عالمين به استقر الشراء والأخذ بالشفعة معا، لأن كل واحد منهما
دخل مع العلم بالعيب، وإن كان المشتري جاهلا به والشفيع عالما به سقط رد
373

الشفيع لأنه دخل مع العلم بالعيب.
وأما المشتري إذا علم لم يمكنه الرد بالعيب، لأن الشقص قد خرج عن
ملكه وليس له أن يطالبه بأرش العيب قولا واحدا فمتى عاد الشقص إلى المشتري
بشراء أو هبة أو وجه من وجوه الملك فهل له رده؟ قيل فيه وجهان، وهذا الذي
ذكرناه لا يصح على مذهب من لا يجيز البيع بالبراءة من العيوب إلا في العيوب
الباطنة في الحيوان.
وإن كان المشتري عالما بالعيب والشفيع جاهلا به، كان للشفيع رده على
المشتري، لأنه كان جاهلا بالعيب، فإذا رده لم يكن للمشتري رده على البائع،
لأنه اشتراه على بصيرة بالعيب.
إذا اشترى شقصا فأخذ منه بالشفعة، ثم ظهر أن الدنانير التي اشتراه بها
كانت مستحقة لغير المشتري، لم يخل الشراء من أحد أمرين: إما أن يكون بثمن
معين أو بثمن في الذمة، فإن كان بثمن بعينه كأنه قال: بعني هذا الشقص بهذه
الدنانير، فالشراء باطل، لأن الأثمان تتعين بالعقد عندنا كالثياب، فإذا كان
الشراء باطلا بطلت الشفعة لأن الشفيع إنما يملك من المشتري ما يملك، ولم
يملك هاهنا إذا كان البيع باطلا.
وإن كان المشتري اشترى بثمن في الذمة فالشراء والشفعة صحيحان،
ويأخذ المستحق الثمن، ويطالب البائع المشتري بالثمن، لأن الثمن في ذمته، فإذا
أعطاه ما لا يملك لم تبرأ ذمته، وكان للبائع مطالبته بالثمن.
فأما إن أخذ الشفيع الشفعة، وقبض المشتري الثمن منه فبان الثمن مستحقا
لم يخل الشفيع من أحد أمرين: إما إن يكون أخذ الشفعة بثمن بعينه، أو بغير
عينه، فإن أخذه بغير عينه ثمن وزن وخرج مستحقا أخذه المستحق، وكان
للمشتري مطالبة الشفيع بالثمن لأنه أعطاه ما لم يسلم له.
وأما إن أخذه الشفيع بثمن معين، مثل أن يقول: اخترت الأخذ بهذا الثمن،
فخرج مستحقا أخذه المستحق، وهل تبطل شفعته أم لا؟ قيل فيه وجهان:
374

أحدهما تبطل لأنه اختار أخذها بثمن مستحق، فقد اختار أخذها بغير ثمن، فهذا
تبطل شفعته، والثاني أن شفعته لا تسقط لأن الشفيع استحقها بثمن لا بعينه، فإذا
أعطاه ثمنا مستحقا فقد أعطاه غير ما يستحقها به، فلم تسقط شفعته وهذا أقوى.
إذا حط البائع من المشتري بعض الثمن سقط عن المشتري وهل يسقط عن
الشفيع أم لا؟ لا يخلو الحط من أحد أمرين: إما أن يكون قبل لزوم العقد أو بعد
لزومه، فإن كان قبل لزومه مثل أن حطه في مدة خيار المجلس أو خيار الشرط
كان حطا من حق المشتري والشفيع معا، لأن الشفيع يأخذ الشقص بالثمن
الذي يستقر العقد عليه وهذا هو الذي استقر عليه، وإن كان الحط بعد انقضاء
الخيار وثبوت العقد فلا يلحق بالعقد، ويكون هبة مجددة وهبها البائع للمشتري
سواء حط كل الثمن أو بعضه ولا يسقط عن الشفيع، هذا إذا تبرع البائع بالحط.
فأما إن كان الحط لأجل العيب فجملته أنه إذا اشترى شقصا فبان فيه عيب
لم يخل من أحد أمرين: إما أن يمكنه الرد بالعيب أو لا يمكنه، فإن لم يمكنه
ذلك، وهو إذا حدث به عيب عنده نقص من ثمنه، كان له مطالبة البائع بأرش
العيب، فإذا أخذ المشتري الأرش انحط عن أصل الثمن، وللشفيع أن يأخذه بما
بعد الحط.
وأما إن علم قبل أن يحدث به نقص، فإما أن يختار الرد أو الإمساك أو
الأرش فإن اختار الرد قيل للشفيع: أنت بالخيار بين أن ترفع الرد وتعيد الملك
إلى المشتري وتأخذ منه بالشفعة أو تدع، وإن اختار المشتري إمساكه معيبا قلنا
للشفيع: أنت بالخيار بين أن تأخذه معيبا بكل الثمن أو تدع، وإن أراد المشتري
الأرش لم يكن له ما لم يرض البائع بذلك، فإن رضي به فهل يصح أخذ الأرش
بتراضيهما؟
قال قوم: لا يجوز لأنه قادر على الرد، فإن خالف وأخذ لم يملك، فهل
يسقط رده؟ قيل فيه وجهان: أحدهما يسقط لأن رضاه بقبول الأرش ترك للرد
مع القدرة عليه، فلذا سقط رده، والثاني لا يسقط رده، لأنه إنما ترك الرد ليسلم
375

له الأرش، فإذا لم يسلم له ما له، لم يلزم ما عليه. وقال بعضهم: يجوز أخذ الأرش
مع القدرة على الرد، وهو الأقوى.
فإذا ثبت هذا وأخذ المشتري الأرش كان الثمن ما بعد الأرش، وهو
الصحيح عندي.
وأما الكلام في الزيادة فإنه لا يخلو من أحد أمرين: إما أن تكون الزيادة قبل
لزوم البيع أو بعده، فإن كانت قبل لزومه لحقت بالعقد وثبت على الشفيع لأنه
الثمن الذي تستقر عليه الشفعة، وإن كانت الزيادة بعد لزومه، فهذه هبة مجددة
من المشتري للبائع لا يلحق العقد ولا يتعلق بالشفيع.
إذا كان نفسان في دار يدهما عليها، فادعى أحدهما على شريكه فقال: ملكي
فيها قديم وقد اشتريت ما في يدك الآن وأنا استحقه عليك بالشفعة، فأنكر
المدعى عليه، فالقول قوله مع يمينه، لأنه مدعى عليه، وينظر في جوابه فإن قال: لا
يستحقه علي بالشفعة، حلف على ما أجاب، ولا يكلف أن يحلف أنه ما اشترى،
لأنه قد يكون قد اشتراه ثم سقطت الشفعة بعد الشراء بعقد أو بغيره، وإن حلف
أنه لا يستحق كان صادقا، وإن كلف أن يحلف ما اشتراه لم يمكنه، فلهذا يحلف
على ما أجاب، وإن كان جوابه " ما اشتريت " فكيف يحلف؟ قيل فيه وجهان:
أحدهما يحلف ما يستحق عليه الشفعة لما مضى، والثاني يحلف ما اشتراه لأنه ما
أجاب بهذا إلا وهو قادر على أن يحلف على ما أجاب والأول أقوى.
وكذلك لو ادعى على رجل أنه غصب داره فقال: لا تستحق علي شيئا،
حلف على ما أجاب، وإن قال: ما غصبتها، كيف يحلف؟ على هذين الوجهين:
أحدهما يحلف لا يستحق، والثاني يحلف ما غصب لما مضى، والأول أقوى
أيضا.
فإذا ثبت أن القول قوله مع يمينه فحلف سقطت شفعة الشفيع، وإن نكل
رددنا اليمين على الشفيع، فإذا حلف حكمنا له بالشقص ويكون الشفيع معترفا
بالثمن للمشتري والمشتري لا يدعيه، ما الذي يفعل به؟ قيل فيه ثلاثة أوجه:
376

أحدها: يقال للمدعى عليه: إما أن تقبض أو تبرئ.
والثاني: يقر الثمن في يد الشفيع، كما لو أقر بدار لزيد فأنكر زيد فإنها تقر
في يد زيد.
الثالث: يؤخذ الثمن من الشفيع فيوضع في بيت المال حتى إذا اعترف به
المشتري سلم إليه، لأنا حكمنا عليه بتسليم الشقص، والاعتراف قد حصل بأن
هذا الثمن بدل عنه، فأي وقت طلبه سلمناه إليه، وهذا هو الأقوى.
إذا كانت الدار في يد رجلين يد كل واحد منهما على نصفها، فقال أحدهما
لصاحبه: هذا النصف الذي في يديك قد اشتريته أنت من فلان الغائب بألف
ولي شفعته، وأقام بذلك البينة، فقال المدعى عليه: ما باعنيها فلان وإنما أودعنيها،
وأقام بذلك بينة لم تخل البينتان من أحد أمرين: إما أن تكونا مطلقتين أو
مؤرختين أو مطلقة ومؤرخة.
فإن كانتا مطلقتين أو مطلقة ومؤرخة، قضينا للشفيع بالبينة لأنها أثبتت شراء
وأوجبت شفعة، وبينة الإيداع لا يقدح فيها بل زادت تأكيدا لأن الوديعة لا تمنع
الشراء، فلهذا قضينا له بها.
فأما إن كانتا مؤرختين وتاريخ الوديعة بعد الشراء، فإنه يصح بأن يشتري
ويقبض ثم يغصبه البائع ثم يسلمه إليه بعد الغصب فيظن بينة الوديعة أنه قبض
وديعة لا رد غصب، ويمكن أن يكون المشتري ملك الشقص بالبيع وقامت
البينة به، وتقرر عليه تسليم الثمن، فقال البائع: خذ الشقص وديعة عندك حتى
إذا قدرت على الثمن قبضته منك، وقد صح قيام البينة.
فإذا ثبت هذا فتفرع عليه مسألتان:
إحديهما: أن تكون المسألة بحالها، فأقام الشفيع البينة بالشراء من فلان
الغائب بألف، وأقام المدعى عليه البينة أنه ورثها من فلان، فهما متعارضتان
والحكم فيهما القرعة.
الثانية: إن كانت المسألة بحالها فادعى على صاحبها أنه اشترى ما في يديه
377

بألف من زيد الغائب وأقام البينة بما ادعاه، وأقام من هي في يديه البينة أن عمرو
الغائب أودعنيها وأقام بذلك البينة، فشهدت بينة الإيداع أنه أودعه ما هو ملكه،
وكانت بينة الشراء مطلقة، قدمت بينة الإيداع، لأنها انفردت بالملك وأسقطت
بينة الشراء، وأقر الشقص في يد المدعى عليه، وكتب إلى عمرو فيسأل عما ذكر
هذا الحاضر فإن قال: صدق والشقص وديعة لي عليه في يديه، سقطت الشفعة
والشئ وديعة على ما هو عليه، وإن قال عمرو: ما أودعته ولا حق لي فيها، وقضي
للمدعي ببينة الشراء وسلم الشقص إليه.
فإن كانت المسألة بحالها وشهدت بينة الشفيع بأن زيدا باعه وهو ملكه،
وكانت بينة الإيداع مطلقة، قدمنا بينة الشراء وحكمنا عليه بالشفعة، ولم نراسل
هاهنا زيادا لأنه لو أنكر الشراء لم يلتفت إليه فلا معنى لمراسلته.
إذا كانت دار بين ثلاثة أثلاثا، فباع اثنان نصيبهما من رجل واحد صفقة
واحدة، فالمشتري واحد والبائع اثنان، فإنه تبطل الشفعة عند من لا يوجب
الشفعة إذا كان الشركاء أكثر من اثنين، ومن أوجبه للشركاء قال: يكون الشفيع
بالخيار بين أن يأخذ منهما الكل أو يدع الكل، وفي الناس من قال: له أن يأخذ
نصيب أحدهما دون الآخر.
فإن كان البائع واحدا والمشتري اثنان فللشفيع أن يأخذ منهما، ومن أيهما
شاء دون صاحبه لأنه حق له أخذه وتركه، وترك بعضه وأخذ بعضه.
فإن كانت الدار بينهما نصفين فباع أحدهما نصيبه منهما في دفعتين من رجل
واحد أو من رجلين ثم علم الشفيع بذلك كان له أن يأخذهما معا، وله أن يأخذ
الأول دون الثاني، أو الثاني دون الأول، لأن لكل واحد من العقدين حكم نفسه.
فإن كانت الدار بين ثلاثة فباع اثنان منهم نصيبهما من رجلين صفقة واحدة،
فهي بمنزلة أربعة عقود عند قوم، لأن عقد الواحد مع الاثنين كالعقدين، وإذا كان
اثنان مع اثنين كانت أربعة فيكون الشفيع بالخيار بين أن يأخذ الكل أو يدع
الكل أو يأخذ ربع المبيع أو نصفه أو ثلثه أو ثلاثة أرباع، ويدع ما بقي.
378

إذا كانت الدار بين اثنين فباع أحدهما نصيبه من ثلاثة أنفس صفقة واحدة،
كان للشفيع أن يأخذ الكل منهم، وله أن يأخذ من بعضهم دون بعض، وإن أخذ
من واحد وعفا عن الآخرين كان ذلك له.
فإن قال الآخران: قد عفونا عنها في حقنا وصرنا لك شريكين على أن
تشاركنا في شفعة الثالث، لم يلزمه هذا، لأن ملك الثالث انتقل إليهم دفعة واحدة
لم يسبق أحدهما صاحبه فكان ملك المأخوذ منه وملك الطالب انتقل دفعة في
زمان واحد، فلهذا لم يستحقا الأخذ بالشفعة، كما لو اشترى نفسان دارا مشاعا،
فطلب أحدهما شريكه بالشفعة لم يكن له لأن ملك أحدهما لم يسبق صاحبه.
إذا كانت الدار بين اثنين فباع أحدهما نصيبه من ثلاثة أنفس في ثلاثة عقود
عقدا بعد عقد ثم علم الشفيع، كان له أخذ الكل، وله أن يأخذ البعض دون
البعض، فإن أخذ عن الأول وعفا عمن بعده لم يكن لمن بعده مشاركته في
الشفعة، لأنهما ملكا بعد وجوب الشفعة.
فإن أخذ من الثاني لم يكن للثالث الشفعة أيضا لأنه ملك بعد وجوب
الشفعة فأما إن أخذ من الثالث وعفا عن الأول والثاني، كان لهما مشاركته في
الشفعة لأن الشفعة وجبت على الثالث بعد ملك الأولين فلهذا كانوا فيه شركاء.
فإذا ثبت أنهما يشاركانه فهل المشاركة على عدد الرؤوس أو قدر
الأنصباء؟ على ما مضى من القولين، ومن لم يوجب الشفعة إذا كانت الشركة بين
أكثر من اثنين قال: إذا عفا عن الأول والثاني بطلت الشفعة رأسا.
إذا أخذ الشفيع الشقص بألف ثم أقام البائع البينة أن المشتري اشتراه منه
بألفين كان للبائع عليه الألفان، فإذا استوفاها منه لم يرجع المشتري على الشفيع
بشئ لأن المشتري لا يخلو من أحد أمرين: إما أن يقول: قد قلت إني اشتريتها
بألف والأمر على ما قلت أو يقول نسيت، فإن قال: ما اشتريت من البائع إلا
بألف، لم يكن له أن يرجع على الشفيع، لأنه يقول: البائع ظلمني بألف فلا
أرجع به على غيري، وإن قال: كان الشراء بألفين لكن نسيت فأخبرت بألف،
379

لم يقبل منه لأنه يدعيه على غيره، كما لو أقر بألفين ثم قال: ما كان له علي إلا
ألف وإنما نسيت فقلت ألفين، لم يقبل قوله على المقر له، لأنه يريد إسقاط حق
غيره بقوله، فلا يقبل منه.
إذا اشترى شقصا بعبد واستحقه الشفيع بالشفعة أخذه بقيمة العبد، وفي
أصحابنا من قال: إذا باع بعرض تبطل الشفعة، فإذا أصاب بالعبد البائع عيبا لم
يخل من أحد أمرين: إما أن يعلم بالعيب قبل أن يحدث به عنده نقص أو بعده،
فإن علم بالعيب قبل أن يحدث به عنده نقص كان له رده بالعيب، فإذا رده لم
يخل من أحد أمرين: إما أن يكون الشفيع قد أخذ الشقص بالشفعة أو لم يأخذه،
فإن أخذه لم يكن للبائع الرجوع في الشقص، لأنه رد الثمن بالعيب بعد زوال
ملك المشتري عن المبيع، فلم يكن له استرجاع المبيع، كما لو زال ملك
المشتري عنه ببيع أو هبة، فإذا ثبت أنه لا يفرد في الشقص فبما ذا يرجع على
المشتري؟
فالصحيح أنه يرجع عليه بقيمة الشقص، وكذلك لو اشترى ثوبا بعبد فرد
العبد بالعيب كان عليه رد الثوب إذا كان موجودا، أو رد بدله إذا كان مفقودا.
فإذا ثبت هذا فإن البائع بأخذ من المشتري قيمة الشقص، ثم نظرت: فإن
عاد الشقص إلى ملك المشتري بشراء أو هبة أو ميراث لم يكن له رده على
البائع، ولا عليه رده، وإن طلبه البائع به، فإن لم يعد إليه فقد استقر الشقص على
المشتري بقيمته وعلى الشفيع قيمة العبد، وانقطعت العلقة بين المشتري وبين
البائع، وهل بين الشفيع وبين المشتري تراجع أم لا؟ قيل فيه وجهان:
أحدهما: لا تراجع بينهما، لأن الشفيع يأخذ الشقص بالثمن الذي استقر
العقد عليه، والذي استقر عليه العقد أن العبد هو الثمن.
والثاني: بينهما تراجع لأن الشفيع يأخذ الشقص من المشتري بالثمن الذي
استقر على المشتري، والثمن الذي استقر عليه قيمة الشقص، فوجب أن يكون
بينهما تراجع.
380

فإذا قلنا: لا تراجع، فلا كلام، وإن قلنا: بينهما تراجع، قابلت بين قيمة العبد
وقيمة الشقص فإن كانت القيمتان سواء فلا كلام، وإن كانت بينهما فضل تراجعا
به، فإن كانت قيمة الشقص أكثر من قيمة العبد رجع المشتري على الشفيع بتمام
قيمة الشقص وإن كانت قيمة الشقص أقل رجع الشفيع على المشتري بما بينهما
من الفضل، هذا إذا رده بالعيب، والشقص مأخوذ من يد المشتري بالشفعة.
فأما إن كان قائما في يديه فلم يعلم الشفيع بالبيع حتى رد البائع العبد
بالعيب، فالبائع يقول: أنا أحق بالشقص، والشفيع يقول: أنا أحق، فأيهما
أولى؟ قيل فيه قولان: أحدهما الشفيع أحق لأن حقه أسبق لأنه وجب بالعقد
فكان به أحق، والثاني البائع أحق لأن الشفعة لإزالة الضرر، فلو قلنا: الشفيع
أحق، دخل الضرر على البائع لأن قيمة الشقص قد تكون أقل فيأخذه الشفيع
بقيمته، والضرر لا يزال بالضرر، فمن قال: يأخذه البائع، فلا كلام، ومن قال:
يأخذه الشفيع، فبكم يأخذه؟ فيه وجهان: أحدهما بقيمة الشقص، لأنه هو الثمن
الذي استقر على المشتري، والثاني بقيمة العبد، لأنه الثمن الذي استقر عليه العقد،
وهو الأقوى، هذا إذا أصاب البائع بالعبد عيبا ولم يتجدد عنده عيب.
فأما إن أصاب العيب بعد أن حدث عنده عيب يمنع الرد، كان له الرجوع
بالأرش على المشتري، لأنه قد تعذر الرد، فإذا رجع به عليه، فهل يرجع
المشتري به على الشفيع أم لا؟ فإن كان الشفيع أخذه منه بقيمة عبد لا عيب فيه
لم يرجع عليه، لأنه قد استدرك الظلامة، وإن كان الشفيع أخذ الشقص بقيمة
عبد معيب فعلى وجهين: أحدهما لا يرجع به عليه، لأن الشفيع يأخذ الشقص
بالثمن الذي استقر عليه العقد، والثاني يرجع عليه لأن للشفيع الشفعة بالثمن
الذي استقر عليه العقد على المشتري، وقد استقر عليه عبد وأرش نقص ذلك
العبد، فيلزمه ما استقر العقد عليه.
إذا اشترى شقصا بعبد فأخذه الشفيع بالشفعة بقيمة العبد، ثم بان العبد
مستحقا فالبيع باطل، والشفعة باطلة، بطل البيع لأنه بيع بعين العبد والعبد
381

مستحق، فلا ينعقد البيع به، وأما بطلان الشفعة فلان الشفيع إنما يملك عن
المشتري وإذا بطل البيع لم يملك المشتري شيئا فبطل الأخذ بالشفعة.
فإن باع شقصا بعبد ثم أقر المتبايعان والشفيع معهما أن العبد غصب أو حر
الأصل فالبيع والشفعة باطلان، لأن الحق لهم، وقد اتفقوا على بطلانه، وإن اتفق
البائع والمشتري على أن العبد غصب وأنكر الشفيع ذلك لم يقبل قولهما عليه،
لأن الحق له كما لو تقايلا أو رد المبيع بالعيب، فإن الشفيع له رفع الإقالة والرد
بالعيب.
فإن باع شقصا بعبد فتلف العبد قبل القبض بطل البيع وبطلت الشفعة
ببطلانه.
وإذا كانت الدار في يد رجلين يد كل واحد منهما على نصفها، فادعى أجنبي
على أحدهما ما في يديه فقال: الشقص الذي في يديك لي، فصالحه منه على
ألف، لم يخل من أحد أمرين: إما أن يكون الصلح على إقرار أو على إنكار، فإن
كان على إقرار فالمدعى عليه مشتر لما في يديه، فيكون للشفيع الشفعة يأخذ بما
صالحه عليه من الثمن، مثله إن كان له مثل وقيمته إن لم يكن له مثل، وإن كان
الصلح على إنكار فالصلح باطل ولا شفعة، هذا عند قوم.
وعلى ما ذكرناه في كتاب الصلح الصلحان جميعا جائزان، ولا يستحق
بهما الشفعة لأن الصلح ليس ببيع.
فإن كانت المسألة بحالها لكن ادعى الأجنبي على أحدهما ألفا فصالحه منها
على شقص فأخذ المدعي منه الشقص بعد الصلح لم يستحق به الشفعة، سواء
كان صلح إقرار أو إنكار كما قلناه، ومن خالف هناك خالف هاهنا على حد
واحد.
إذا أخذ الشفيع الشقص بالشفعة لم يكن للمشتري خيار المجلس لأنه أخذه
قهرا بحق، والشفيع فلا خيار له أيضا، لأنه لا دلالة عليه، والأخذ بالشفعة ليس
ببيع فيتبعه أحكامه بل هو عقد قائم بنفسه.
382

إذا وهب شقصا لغيره فلا شفعة فيه، وسواء وهبه لمن هو دونه، أو من هو فوقه
أو من هو نظيره، لأن الهبة ليست بيعا، وقال قوم: إن كانت لنظيره فهو تودد،
وإن كانت لمن دونه فهو استعطاف ولا يثاب عليهما ولا يتعوض، ولا شفعة
فيهما، وإن كانت الهبة لمن هو فوقه فإنه يثاب عليها ويستحق بها الشفعة.
إذا كانت دار بين رجلين نصفين فادعى كل واحد منهما على صاحبه أن
النصف الذي في يده يستحقه عليه بالشفعة، رجعنا إليهما في وقت الملك فإن
قالا: ملكناها معا في زمان واحد بالشراء من رجل واحد أو من رجلين، فلا شفعة
لأحدهما على صاحبه، لأن ملك كل واحد منهما لم يسبق ملك صاحبه.
وإن قال كل واحد منهما: ملكي سابق وأنت ملكت بعدي فلي الشفعة، لم
يخل من ثلاثة أحوال: إما أن لا يكون هناك بينة، أو يكون مع أحدهما بينة أو
مع كل واحد منهما بينة.
فإن لم يكن مع واحد منهما بينة فكل واحد منهما مدع ومدعى عليه، فإن
سبق أحدهما بالدعوى على صاحبه، قلنا له: أجب عن الدعوى، فإن قال: ملكي
هو السابق، قلنا: ليس هذا هو جواب الدعوى بل ادعيت كما ادعى فأجب عن
الدعوى، فإن أجاب فقال: لا يستحق علي الشفعة، فالقول قوله مع يمينه، وإن
نكل ولم يحلف رددنا اليمين على المدعي، فإذا حلف قضينا له بالشفعة،
وسقطت دعوى صاحبه لأنه لم يبق ملك يدعي به الشفعة بعدها، وإن حلف
سقطت دعوى صاحبه، ويقال: لك الدعوى بعد هذا، فإذا ادعى بعد هذا على
صاحبه نظرت: فإن نكل حلف هو واستحق الشفعة، وإن لم ينكل لكنه حلف
سقطت الدعوى، وثبتت الدار بينهما على ما كانت، هذا إذا لم تكن بينة.
فإن كانت هناك بينة مع أحدهما نظرت: فإن شهدت له بالتأريخ فقط،
فقالت: أشهد أنه ملكها منذ سنة أو في شهر كذا، قلنا: لا فائدة في هذا التاريخ لأنها
لا نعرف وقت ملك الآخر، وإن شهدت له بأنه ملك قبل صاحبه قضينا بالبينة،
وحكمنا له بالشفعة، لأن البينة مقدمة على دعوى صاحبه.
383

فإن كان مع كل واحد منهما بينة، لم يخل من أحد أمرين: إما أن تكونا
متعارضتين أو غير متعارضتين، فإن لم تكونا متعارضتين وهو إن كانتا مؤرختين
تاريخين مختلفين، قضينا بالشفعة للذي سبق ملكه، وإن كانتا مؤرختين تاريخا
واحدا فلا شفعة لواحد منهما، وإن كانتا متعارضتين، وهو أن شهدت كل واحدة
منهما أن هذا سبق الآخر بالملك استعملنا القرعة، فمن خرج اسمه حكمنا له به
مع يمينه.
وفي الناس من قال: إذا تعارضتا سقطتا، وفيهما من قال: يقسم بينهما، فإن
كانا متساويين في الملك فلا فائدة في القسمة، وإن كانا متفاضلين بأن يكون
لأحدهما الثلث وللآخر الثلثان، قسمنا هاهنا، لأن فيه فائدة، وهو أن صاحب الثلث
يصير له النصف ولصاحب الثلثين النصف لأن كل منهما يأخذ من صاحبه
نصف ما في يده.
إذا كانت الدار بين شريكين بينهما، فادعى أحدهما أنه قد باع نصيبه من
فلان بألف وصدقه البائع، رجعنا إلى فلان، فإن قال: صدق، قضينا بالشفعة.
للشفيع، وإن أنكر فلان الشراء، فالصحيح أنه تثبت الشفعة لأن البائع أقر بحقين
حق للمشتري وحق للشفيع، فإذا رد أحدهما ثبت حق الآخر، كما لو أقر بدار
لرجلين فرده أحدهما فإنه يثبت للآخر.
وقال قوم: لا تثبت الشفعة لأنها تثبت بثبوت المشتري فإذا لم تثبت فلا
شفعة، فمن قال: لا شفعة، فالخصومة بين البائع والمشتري فيكون القول قول
المشتري مع يمينه، فإن حلف برئ، وإن نكل حلف البائع وثبت البيع
ووجب له على المبتاع الثمن، وقضينا للشفيع بالشفعة على المشتري.
وعلى ما قلناه من أن له الشفعة، فلا يخلو البائع من أحد أمرين: إما أن يؤثر
محاكمة المشتري أو يدع، فإن آثر ترك محاكمته، قلنا له: تسلم الثمن من
الشفيع وسلم الشقص إليه ويكون الدرك له عليك، وإن اختار محاكمة
المشتري فهل له ذلك أم لا؟ قيل فيه وجهان: أحدهما ليس له ذلك، لأن
384

المقصود من البيع حصول الثمن وقد حصل فلا فائدة في الخصومة، والثاني له
مخاصمته لأن له فائدة بأن تكون معاملة المشتري أسهل من الشفيع، فتكون
المعاملة بينه وبين المشتري دون الشفيع فيما يقع من العقد والدرك معا فلهذا
كانت له مخاصمته.
فمن قال: ليس له مخاصمة المشتري، قال: عليه قبض الثمن من الشفيع
وتسليم الشقص والدرك عليه، ومن قال: له مخاصمة المشتري، فالقول قول
المشتري مع يمينه، فإن حلف سقطت دعوى البائع، ويأخذ الشفيع منه
الشقص، وإن نكل حلف البائع ويستحق الثمن على المشتري، والشفيع يأخذ
الشقص من المشتري بالثمن، لأن الشراء ثبت له، ويكون عهدة الشفيع على
المشتري، وعهدة المشتري على البائع، هذا إذا اعترف البائع بالبيع وأنه ما
قبض الثمن من المشتري.
فإن اعترف أنه قبض الثمن من المشتري، وأنكر المشتري الكل فهل
للشفيع الشفعة أم لا؟ قيل فيه وجهان: أحدهما لا شفعة، لأن الشفيع إنما يأخذ
الشقص بالثمن، وهاهنا لو قضينا بها له أخذه بغير ثمن، والآخر له الشفعة، لأن
البائع أقر بحق المشتري والشفيع معا، فإذا لم يقبل المشتري، ثبت حق
الشفيع، فيأخذ الشفيع الشفعة، وهو معترف بالثمن للمشتري، وهو لا يدعيه فيما
الذي يصنع به؟ قيل فيه ثلاثة أوجه: أحدها يقال للمشتري: إما أن تقبض أو
تبرئه، والثاني يقر الثمن في ذمة الشفيع للمشتري لأنه معترف له به وهو لا يدعيه،
والثالث يقبضه منه الحاكم ويكون في بيت المال حتى إذا اعترف به المشتري
أخذه، لأنه لا يجوز ترك العوض والمعوض معا عند الشفيع.
إذا كانت الدار بين أربعة فباع أحدهم نصيبه كان للباقين الشفعة على
المشتري عند من أوجب الشفعة، إذا كان الشركاء أكثر من اثنين، ثم إن
المشتري ادعى أن أحد الثلاثة عفا عن حقه من الشفعة، فشهد الآخران بذلك
للمشتري نظرت: فإن شهدا بعد أن عفوا عن حقهما فيها، كانت مقبولة، لأنهما لا
385

يجران بها نفعا، وإن لم يكونا عفوا لم يقبل شهادتهما، لأنهما يجران إلى أنفسهما
نفعا، وهو أن العفو متى ثبت توفر حقه عليهما.
فإذا ثبت أنها غير مقبولة فعفوا عن الشفعة، ثم أعادا الشهادة لم تقبل
شهادتهما لأنها شهادة ردت للتهمة فلا تسمع بعد ذلك كالمردود للفسق.
وإن شهدا بذلك وقد عفا أحدهما ولم يعف الآخر، كانت شهادة العافي
مقبولة وشهادة الآخر مردودة، وقد حصل بالعفو شاهد واحد، فإنها تثبت مع
اليمين لأنه حق هو مال.
فإذا ثبت ذلك فمن الذي يحلف مع الشاهد؟ نظرت: فإن كان الذي
ردت شهادته ما عفا عنها، حلف هو مع الشاهد، واستحق الشفعة على المشتري،
وإن كان الذي ردت شهادته قد عفا عنها حلف المشتري مع الشاهد، واستحق
كل الشفعة.
دار بين رجلين: حاضر وغائب ونصيب الغائب في يد وكيل له حاضر، ثم
إن المالك الحاضر ادعى أن الوكيل الحاضر اشترى نصيب موكله الغائب
بألف، وأقام بذلك شاهدين سمع ذلك الحاكم وقضى بالشراء، فأوجب
للحاضر الشفعة.
ومن الناس من قال: هذا قضاء على الغائب، ومنهم من قال: ليس هذا قضاء
على الغائب، والصحيح الأول.
إذا كانت الدار بين ثلاثة أثلاثا فاشترى أحدهم نصيب الآخرين فقد حصل
هاهنا بائع ومشتر وشفيع، فهل يستحق المشتري الشفعة مع الشفيع فيما اشتراه
أم لا؟ قيل فيه قولان، فالصحيح على هذا المذهب أنهما في المبيع شريكان، لكل
واحد منهما نصف المبيع.
وفي الناس من قال: الشقص يأخذه الشفيع بالشفعة، لا حق للمشتري فيه،
فمن قال: لا حق للمشتري، قال: الشفيع بالخيار بين أن يأخذ الكل أو يدع،
وليس له أن يأخذ النصف، ومن قال: يشاركه، قال: المبيع بينهما نصفين نصف
386

للشفيع بحق الشفعة ونصف للمشتري ملكا بالشراء لا بالشفعة.
فإن اتفقا على أن يأخذ كل واحد منهما النصف كان ذلك، وإن عفا
أحدهما عن حقه، فإن كان العافي هو الشفيع صح عفوه وتوفر الحق على
المشتري لأنه ما ملك وإنما ملك أن يملك، فكان له الخيار بين العفو والأخذ،
وإن كان العافي المشتري لم يصح عفوه عن حقه، لأنه ملك النصف بالشراء
ملكا صحيحا فلا يزول ملكه بالعفو.
إذا شجه موضحة عمدا أو خطأ فصالحه العاقلة على شقص وهما يعلمان
أرش الموضحة أو لا يعلمان، فإنه يصح الصلح ولا يستحق الشفعة به، لأن
الصلح ليس ببيع على ما بيناه.
وفي الناس من قال: هذا الصلح لا يصح فلا شفعة فيه، وفيهم من قال:
يصح ويجب فيه الشفعة.
الشفعة ثابتة بين المشركين كهي بين المسلمين، لعموم الأخبار الموجبة
للشفعة فإذا ثبت ذلك نظرت: فإن كان البيع بثمن حلال أخذه الشفيع
بالشفعة، وإن كان حرام كالخمر والخنزير ونحو ذلك ففيه ثلاث مسائل:
إحداها: وقع القبض بين المتبايعين وقد أخذ الشفيع بالشفعة، فالحاكم لا
يعرض لذلك، لأن ما يعقدون عليه صحيح عندنا، وعند المخالف وإن لم يكن
صحيحا أقروا عليه لأنهم تراضوا به.
الثانية: إن كان القبض قد حصل بين المتبايعين ولم يؤخذ بالشفعة،
فالشفعة ساقطة لأن الشفيع يستحقها بالثمن، فإذا كان حراما لم يمكن أخذه
فكأنه أخذه بغير الثمن فلهذا لا شفعة، هذا قول المخالف.
والذي يقتضيه مذهبنا أن الشفيع يأخذ الشفعة بمثل ذلك الثمن لأن الخمر
عندهم مال مملوك.
الثالثة: إذا ترافعوا إلينا ولم يقع القبض في الطرفين أو في أحدهما حكم
ببطلان البيع، لأنه إنما يحكم بينهما بما هو صحيح في شرعنا، وهذا لا خلاف
387

فيه.
لا يستحق الذمي الشفعة على المسلم سواء اشتراه من مسلم أو من ذمي،
ويستحق المسلم الشفعة على الذمي بلا خلاف، والأول فيه خلاف، والثانية لا
خلاف فيها.
دليلنا إجماع الفرقة المحقة وقوله تعالى: ولن يجعل الله للكافرين على
المؤمنين سبيلا، وذلك عام، وروي عن النبي أنه قال: لا شفعة لذمي على مسلم.
إذا اشترى شقصا فأصاب به عيبا كان له رده فإن منعه الشفيع من الرد كان
له ذلك لأن حق الشفيع أسبق، لأنه وجب بالعقد وحق الرد بالعيب بعده لأنه
وجب حين العلم، وإذا كان أسبق كان أحق، فإن لم يعلم الشفيع بذلك حتى
رد بالعيب، كان له رفع الفسخ وإبطال الرد لأنه تصرف فيما فيه إبطال الشفعة،
كما لو تقايلا ثم علم بالبيع، كان له رد الإقالة، ورده إلى المشتري.
إذا ملك المشتري الشقص فتصرف فيه قبل أن يأخذ الشفيع بالشفعة،
صح تصرفه فيه، لأنه ملكه بالشراء وقبضه، فإذا ثبت أن تصرفه صحيح كان هذا
التصرف لا يقدح في حق الشفيع، أي تصرف كان، لأن حق الشفيع أسبق،
فكان بالملك أحق.
فإذا ثبت أن حق الشفيع قائم لم يخل التصرف من أحد أمرين: إما أن
يكون تصرفا تجب به الشفعة، أو لا تجب به، فإن كان تصرفا تجب به الشفعة
مثل أن باعه المشتري عندنا أو عند المخالف أو استأجر به دارا أو صالح به أو
جعل صداقا لزوجة أو كان المشتري امرأة فخالعت به، كان الشفيع بالخيار بين
أن يفسخ تصرف المشتري ويأخذ الشقص بالشفعة منه، وبين أن يقره ويأخذه
من الثاني لأن الشفعة تجب له بالشركة الموجودة حين العقد، وهذا موجود هاهنا
في العقدين معا.
فإذا ثبت هذا نظرت: فإن اختار أخذه من المشتري الأول أخذه منه بما
ملكه، مثله إن كان له مثل، وقيمته إن لم يكن له مثل، وإن اختار أخذه من الثاني
388

كان له أيضا، فإن كان الثاني ملكه بالشراء أخذه منه بالثمن، وإن كان ملكه بعقد
نكاح أو عقد خلع أخذه منه بمهر المثل عندهم.
وإن كان تصرفه بما لا تجب به الشفعة كالهبة والوقف كان للشفيع إبطاله
ونقضه لأن حقه أسبق، وإن كان قد بنى مسجدا كان له نقضه وأخذه بالشفعة
إجماعا، وفي الناس من قال: لا ينقض المسجد.
إذا قال الشفيع للمشتري: اشتر نصيبي أو نصيب شريكي فقد نزلت لك عن
الشفعة وتركتها، ثم اشترى على هذا لم تسقط شفعته، وكان له المطالبة بها لأنه
إنما يستحق الشفعة بعد العقد، فإذا عفا قبله فقد عفا عما لا يملك ولم يجب له ولا
يسقط حقه حين وجوبه، كالوارث إذا أجاز ما زاد على الثلث قبل موت الموصي
لم تصح إجازته، لأنه إجازة قبل وقت الإجازة.
ولا نعتد نحن بهذا، لأن عندنا أن إجازة الوارث قبل موت الموصي جائزة.
إذا كانت الدار بين رجلين نصفين فباع أحدهما نصف نصيبه وهو الربع
صفقة واحدة، ثم باع الربع الثاني له صفقة أخرى، ثم علم الشفيع بالشفعة،
كان للشفيع أخذ الصفقتين معا، وكل واحدة منهما بالشفعة، لأن لكل صفقة
حكم نفسها في باب الشفعة.
فإذا ثبت أنه بالخيار نظرت: فإن اختار أخذه الجميع فلا كلام، وإن أراد أن يأخذ
أحد الربعين نظرت: فإن اختار الربع الأول أخذه واستقر الربع الثاني لمشتريه،
ولم يكن لمشتريه الشفعة مع صاحب النصف، لأن حقه تجدد بعد وجوب
الشفعة للأول إن اختار الربع الثاني وعفا عن الأول صار الأول شريكا لصاحب
النصف حين وجوب الشفعة في الثاني.
وتبطل الشفعة هاهنا على قول من يقول من أصحابنا: إنهم إذا زادوا على
اثنين بطلت الشفعة إذا كان المشتري غير الأول وإن كان هو الأول ثبتت شفعته.
ومن لا يبطل ذلك يقول: لا يخلو المشتري الثاني من أحد أمرين: إما أن
يكون هو المشتري الأول أو غيره، فإن كان غير الأول، فالأول وصاحب النصف
389

شريكان في الشفعة، وهل يكون على عدد الرؤوس أو قدر الأنصباء؟ على ما
مضى، وإن كان المشتري الثاني هو الأول فهو الشفيع قد اشترى، فهل يستحق
الشفعة فيما اشتراه؟ بنينا على ما مضى من الوجهين: فإن قلنا: لا حق له فيما
اشتراه، كان كله لصاحب النصف، وإن قلنا: يستحق، كان هو وصاحب
النصف شريكين فيما اشتراه، وهل هو على عدد الرؤوس أو قدر الأنصباء؟ على
ما مضى من القولين.
إذا بلغه وجوب الشفعة فقال: لم أصدق من أخبرني بذلك، فهل تبطل
شفعته أم لا؟ نظرت: فإن بلغه ذلك بخبر التواتر سقطت شفعته، لأن خبر التواتر
يوجب العلم ويقطع العذر.
وإن كان خبر الواحد نظرت: فإن أخبره شاهدان يحكم بشهادتهما بطلت
شفعته، لأنه بلغه بقول من يحكم له بقوله فيها، فإذا قال: لم أصدقهما، لم يلتفت
إلى قوله، وإن أخبره بذلك صبي أو عبد أو امرأة صدق فيما قال، لأن هذا مما لا
يثبت بقوله مع يمين المدعي حق.
وإن أخبره بذلك شاهد عدل قيل فيه وجهان: أحدهما يقبل قوله، لأن
الشاهد الواحد ليس بحجة عند قوم، والثاني لا يقبل قوله لأنه حجة مع يمين
المدعي، فلهذا لم يصدق فيما يدعيه، والأول أقوى.
إذا بلغته الشفعة فسار إليها فلما لقي المشتري قال له: سلام عليكم بارك
الله لك في صفقة يمينك أنا مطالب بالشفعة، لم تسقط شفعته بالتشاغل بالسلام
والدعاء، لأن السلام تحية السنة، والدعاء له بالبركة إلى نفسه ترجع، لأنه يملك
عن المشتري ما ملك المشتري، فلهذا لم تسقط شفعته.
إذا كانت الدار بين شريكين نصفين فوكل أحدهما شريكه في بيع نصف
نصيبه وهو الربع منها، وقال له: إن اخترت أن تبيع نصف نصيبك صفقة
واحدة مع نصيبي فافعل، فباع الوكيل نصفها الربع بحق الوكالة، والربع بحق
الملك، صح البيع في الكل لأن حصة كل واحد منهما من الثمن معلومة حين
390

العقد، فلا يضر أن يكونا صفقة واحدة، فإذا صح البيع فقد صح البيع في
نصيب الوكيل، وهو الربع، وفي نصيب الموكل وهو الربع.
فأما الموكل فله أن يأخذ نصيب الوكيل بالشفعة لأنه ليس فيه أكثر من
رضا الموكل بالبيع وإسقاط شفعته قبل البيع، وهذا لا تسقط به الشفعة، ولأنه لا
شفيع سواه، وأما الوكيل فهل يستحق الشفعة في نصيب الموكل أم لا؟ قيل فيه
وجهان:
أحدهما: يستحق لأنه إذا باشر العقد فليس فيه إلا رضاه بالبيع، وهذا لا
يسقط الشفعة، كما لو باشر العقد الموكل.
والثاني: ليس له الأخذ بها لأن الوكيل لو أراد أن يشتري هذا المبيع من
نفسه لم يصح، فلذلك لا يستحق الأخذ بالشفعة، ولأنا لو جعلنا له أخذه
بالشفعة كان متهما في تقليل الثمن وهذا أقوى.
إذا كانت الدار بين شريكين فباع أحدهما نصيبه منها فلم يعلم الشفيع
بذلك حتى باع ملكه، ثم علم بعد ذلك فهل له الشفعة أم لا؟ على وجهين:
أحدهما تجب الشفعة لأنها وجبت له بالملك حين الوجوب، وكان مالكا له حين
الوجوب، والوجه الثاني لا يجب الشفعة لأنه إنما يستحق بالملك والملك قد
زال، والأول أولى.
فإذا ثبت الوجهان فمن قال: له الشفعة، أخذها ولا كلام، ومن قال: لا شفعة
له، فقال: إن لم يبع الشفيع جميع ملكه لكنه باع نصفه ثم علم بالشفعة فهل
تسقط شفعته أم لا؟ على وجهين: أحدهما لا تسقط شفعته، لأنها تستحق بالملك
اليسير كما تستحق بالملك الكثير، والثاني تسقط شفعته لأن الشفعة تستحق
بكل ملكه قليلا كان أو كثيرا، كالموضحة تستحق بها خمس من الإبل صغيرة
كانت أو كبيرة، فإذا ذهب بعضه سقط من الشفعة بقدر ذلك، فكأنه ترك
بعض الشفعة وأراد أن يأخذ البعض سقطت شفعته وكذلك هاهنا.
إذا باع في مرضه المخوف شقصا من دار ولذلك الشقص شفيع لم يخل
391

من أحد أمرين: إما أن يبيع بثمن مثله أو يحابي فيه.
فإن باع بثمن مثله كان للشفيع أخذه بالشفعة سواء كان المشتري
والشفيع وارثين، أو أجنبيين أو أحدهما وارثا والآخر أجنبيا، وإن باع وحابى مثل
أن باع بألف ما يساوي ألفين لم يخل المشتري من أحد أمرين: إما أن يكون
وارثا أو غير وارث.
فإن كان وارثا صح عندنا لأن الوصية تصح له، وعند المخالف يبطل
البيع في قدر المحاباة لأن المحاباة هبة ووصية، ولا وصية لوارث، فإذا بطل فيه
كان الشفيع بالخيار بين أن يأخذ أو يدع، وارثا كان أو غير وارث.
ثم ينظر فيه: فإن أخذ فلا خيار للمشتري وإن كانت الصفقة قد تبعضت عليه
لأن ضرر التبعيض قد زال عنه بأخذ الشفعة، وإن لم يأخذه الشفيع فالمشتري
بالخيار بين أن يمسك أو يرد، لأن الصفقة قد تبعضت عليه، هذا إذا كان
المشتري وارثا.
وإن كان غير وارث لم يخل الشفيع من أحد أمرين: إما أن يكون وارثا أو
غير وارث.
فإن لم يكن وارثا نظرت في المحاباة: فإن كانت تخرج من الثلث كان
للشفيع أخذ الكل بالثمن المسمى، لأنه إذا كان أجنبيا فحوبي فيه فقد اشتراه
رخيصا، وللشفيع المبيع بالمسمى رخيصا كان أو غير رخيص، وإن كانت
المحاباة لا تخرج من الثلث كان للوارث إبطال ما زاد على الثلث، فإذا بطل
تبعضت الصفقة على المشتري، وكان الشفيع بالخيار بين أن يأخذ ما بقي بكل
الثمن أو يدع، فإن أخذه فلا خيار للمشتري، لما مضى في التي قبلها، وإن ترك
كان المشتري بالخيار بين أن يأخذ ما بقي بكل الثمن أو يدع.
وأما إن كان وارثا فالحكم في الشفعة والبيع فيها خمسة أوجه:
أحدها: يصح البيع في الكل، لكن الشفيع يأخذ النصف بكل الثمن،
ويكون للمشتري النصف الآخر بغير بدل، لأن الشفيع لا يمكنه أن يأخذ كل
392

المبيع بكل الثمن لأن هناك محاباة تصير إليه وهو وارث، ولا محاباة للوارث،
فتكون المحاباة للمشتري لأنه أجنبي، ويكون ما بقي بكل الثمن للشفيع، فيكون
بالخيار بين أن يأخذها أو يدع، لأنه بمنزلة أن يشتري نصف المبيع بعقد مفرد،
والنصف الباقي وصية بعقد آخر، ولو كان على هذا كانت الوصية للأجنبي
والمبيع للشفيع.
والوجه الثاني: يبطل البيع في قدر المحاباة ويصح فيما قابل الثمن، ويكون
الشفيع بالخيار في أن يأخذ أو يدع، وإنما قال: يبطل البيع في قدر المحاباة، لأنه
لا يمكن أن يأخذها الشفيع، لأنه وارث، ولا يمكن أن يقال للشفيع: خذ نصف
المبيع بكل الثمن ودع النصف بغير بدل، لأن المشتري ملك الكل بالثمن، وإذا
لم يمكن هذا أبطلنا المحاباة، وأخذنا ما عداها، فيأخذ الشفيع، جميع ما ملكه
المشتري بكل الثمن.
والوجه الثالث: البيع باطل في الكل لأنا قررنا أن الشفيع لا يأخذ الكل
بكل الثمن، ولا النصف بكل الثمن، فإذا تعذر أن يأخذ الشفيع الكل أو البعض
فلا بد من إبطال البيع في الكل لأنه لا يمكن تبقيته على المشتري وإسقاط حق
الشفيع، فأبطلنا الكل.
والوجه الرابع: يصح البيع في الكل، ويأخذه الشفيع بالثمن المسمى،
وهو أصحها، وبه يفتي من خالف الأمرين أحدهما أن المحاباة وصية.
وإنما لا تصح للوارث إذا تلقاها من المورث، فأما إذا كانت لأجنبي والوارث
استحقها على الأجنبي فلا يمنع ذلك، ألا ترى أنه لو أوصى لفقير بثلث ماله،
وكان لوارثه على الفقير دين كان لمن له الدين مطالبته بالدين، واستيفاء حقه منه
وإن كان نفع الوصية انتقل إلى وارثه، وأيضا فإن الاعتبار بالمشتري لا بالشفيع،
بدليل أن المشتري لو كان وارثا بطلت المحاباة وإن كان الشفيع غير وارث،
اعتبارا بالمشتري لا بالشفيع.
الخامس: أنه يصح البيع في الكل وتبطل الشفعة، لأنا قررنا أن الشفعة متى
393

وجبت بطل البيع، فأبطلناها وصح البيع، لأن كل أمر إذا ثبت جر ثبوته سقوطه
وسقوط غيره، سقط في نفسه فأسقطنا الشفعة وأثبتنا البيع، وقلنا: إن الذي يقتضيه
مذهبنا أن البيع صحيح، سواء كان المشتري وارثا أو غير وارث، وللشفيع أن
يأخذ الكل بجميع الثمن، سواء كان وارثا أو غير وارث، وإنما هذه الأوجه
للمخالف على أصولهم ذكرناها.
إذا وجبت له الشفعة فصالحه المشتري على تركها بعوض صح عندنا،
وقال بعضهم: لا يصح لأنه خيار لا يسقط إلى مال، فلم يجز تركه بمال كخيار
المجلس، وخيار الشرط، وعكسه خيار القصاص لما سقط إلى مال صح تركه
بمال، وإنما اخترنا الأول، لأنه لا مانع منه، وما ذكروه قياس لا نقول به، وخيار
العيب على وجهين عند المخالف فينتقض ما قاله على أحد الوجهين.
فإذا ثبت هذا كان على الشفيع رد العوض، لأنه أخذه بغير حق، وهل
تسقط شفعته أم لا؟ قيل فيه وجهان: أحدهما تسقط، لأنه يتركه بعوض لا يسلم
له، فعلم أنه تركها رأسا، والوجه الثاني لا تسقط شفعته، لأنه إنما تركها ليسلم له
العوض عنها، فإذا لم يسلم له ما له لم يلزم ما عليه.
إذا كان نصف الدار وقفا ونصفها طلقا فبيع الطلق لم يستحق أهل الوقف
الشفعة بلا خلاف.
دار بين رجلين حاضر وغائب ونصيب الغائب في يد وكيل له حاضر،
فباع الوكيل نصيب الغائب وذكر أنه باع بإذن مالكه، فهل للشفيع الشفعة أم
لا؟ قيل فيه وجهان:
أحدهما: لا شفعة له، لأن قول الوكيل لا يقبل على موكله في البيع، ويكتب
إليه فإن صدقه الموكل أخذه الشفيع بالشفعة، وإن أنكر فالقول قوله مع يمينه
ولا بيع ولا شفعة.
الوجه الثاني: يستحق أخذه بالشفعة، لأن يده على نصف الدار، فإذا أخذه
الشفيع بالشفعة ثم قدم الغائب نظرت: فإن كان الأمر على ما ذكر الوكيل فلا
394

كلام وإن أنكر فالقول قوله مع يمينه، ويأخذ الموكل شقصه من الشفيع، وله
أجرة المثل من حين القبض إلى حين الرد، وله أن يرجع بذلك على من شاء من
الوكيل والشفيع، يرجع على الشفيع لأن الشئ قد تلف في يده، ويرجع على
الوكيل لأنه سبب يد الشفيع، فإن رجع على الشفيع لم يرجع الشفيع على
الوكيل لأن الشئ تلف في يده فاستقر الضمان عليه، وإن رجع على الوكيل
رجع الوكيل على الشفيع لأن الضمان استقر عليه.
وقيل: إنه إذا رجع على الشفيع رجع الشفيع على الوكيل، لأنه غره وإن
رجع على الوكيل لم يرجع الوكيل على الشفيع، وهذا هو الأقوى.
فأما إذا كانت الدار بينهما نصفين، فباع أحدهما نصيبه منها بمائة وأظهر أنه
باع نصف نصيبه بمائة فترك الشفيع الشفعة ثم بان له أنه إنما باع كان نصيبه
بالمائة كان له الشفعة، لأنه إنما ترك أخذ ربع الدار بالمائة وقد بان له أن
النصف بالمائة فلا يسقط.
فأما إن باع نصف نصيبه بمائة وأظهر أنه باع كل نصيبه بالمائة، فترك
الشفعة ثم بان له أنه باع نصف نصيبه بالمائة، فلا شفعة له، لأنه إذا ترك نصف
الدار بالمائة فبأن يترك الربع بالمائة أولى، فلا يكون في ترك الأخذ بالشفعة
عذر.
دار بين أربعة لكل واحد ربعها، ثم باع ثلاثة منهم نصيبهم منها لم يخل من
أحد أمرين: إما أن يبيعوه من ثلاثة أو واحد، فإن باعوه من ثلاثة لم يخل من أحد
أمرين: إما أن يكون البيع من الكل في زمان واحد، أو واحد بعد آخر.
فإن كان البيع في زمان واحد، فلا فصل بين أن يكون صفقة واحدة أو كل
واحدة على الانفراد لم يسبق أحدهما صاحبه، فالشفيع بالخيار بين أن يأخذ
الكل أو يدع الكل أو يأخذ البعض دون بعض، لأن لكل صفقة حكم نفسها،
فإن أخذ البعض وترك البعض لم يكن لمن عفا له عن الشفعة مشاركته فيما
أخذ، لأن ملكه قارن وجوب الشفعة فلم يكن له ملك موجود حين وجوبها فلهذا
395

لم يشاركه فيها.
وإن كان البيع من واحد بعد آخر فله أخذ الكل، لأن الشركة موجودة
حين عقد كل واحد منهم، وإن ترك الكل أو أخذ الكل فلا كلام، وإن ترك
البعض وأخذ البعض، نظرت: فإن أخذ من الأول وعفا عن الثاني والثالث، لم
يشاركاه في الشفعة، لأن ملكهما بعد وجوب الشفعة على الأول، وإن عفا عن
الأول والثاني وأخذ من الثالث، كان للأولين مشاركته فيها، لأن ملكهما سبق
وجوب الشفعة على الثالث.
وأما إن باعوا نصيبهم على واحد لم يخل من أحد أمرين: إما أن يكون صفقة
واحدة أو عقدا بعد عقد.
فإن كان صفقة واحدة كان له أن يأخذ الكل، ويدع الكل ويأخذ البعض
ويدع البعض، فإن أخذ الكل أو ترك الكل فلا كلام، وإن أخذ البعض انفرد
به ولم يكن للمشتري مشاركته فيما أخذه لأن ملكه حدث عند وجوب الشفعة.
وإن كان عقدا بعد عقد، فقد ملك المشتري ثلاثة أرباع الدار في ثلاثة
عقود، فللشفيع أخذ بعضها دون بعض، فإن أخذ الأول أو الأول والثاني، فلا
شفعة للمشتري معه، لأنه ملك الربع الثالث بعد وجوب الشفعة فيما قبله.
وان عفا عن الأول والثاني واخذ من الثالث فالمشتري شفيع، وهل يستحق
الشفعة فيما ملكه من الثالث أم لا؟ على وجهين: أحدهما له الشفعة والثاني لا
شفعة له، فمن قال: لا شفعة له، استحق الشفيع كل الربع الثالث بالشفعة، ومن
قال: له الشفعة، قال: فله الربعان الأولان وللشفيع ربع واحد، وللمستحق
بالشفعة الربع.
وكيف يقسم بينهما؟ على ما مضى من الخلاف في قسمته على الرؤوس أو
الأنصباء، فمن قال: على عدد الرؤوس، كان الربع بينهما نصفين، ومن قال: على
عدد الأنصباء، كان الربع بينهما الثلث والثلثان، ثلثاه للمشتري وثلث للشفيع
وهذا الفرع يسقط على مذهب من قال من أصحابنا: إن الشركاء إذا زادوا على
396

الاثنين بطلت الشفعة، وإنما يصح على مذهب الباقين على ما بيناه.
إذا باع جارية بألف وهي تساوي مائة، فلما ثبت الألف على المشتري
أعطاه المشتري بالألف شقصا تساوي مائة صح، فإن أراد الشفيع الأخذ بالشفعة
كان بالخيار بين أن يأخذه بالألف أو يدع، لأنه إنما يأخذ الشقص بالثمن الذي
ملكه به وقد ملكه بألف، وهذا مكروه لأنه حيلة في إسقاط الشفعة.
رجل خلف شقصا من دار وحملا وأوصى إلى رجل بالقيام بتركته
والانتظار لحمله، فبيع الشقص من الدار التي خلفها قال قوم - وهو قوي -: ليس
للوصي أن يأخذه للحمل بالشفعة، لأنه لا يدري هل هناك حمل أم لا؟ ولأنه لا
يدرك أذكر هو أم أنثى فإن كان أنثى لم يأخذ كل الشفعة، لأنه يذهب بعض
الملك، ويسقط بعض الشفعة فإذا لم يعلم هذا لم يأخذ بالشفعة، وإذا وضعت
كان للوصي الآن أن يأخذها له.
دار بين ثلاثة حاضران وغائب، باع أحد الحاضرين نصيبه منها كان
للشفيع الحاضر كل المبيع بالشفعة، لأنا لا نعلم اليوم شفيعا سواه، فإن أخذ ثم
أصاب بالشقص عيبا فرده، ثم قدم الغائب كان له أخذ الجميع من المشتري
بالشفعة.
وقال قوم: ليس له أخذ الكل، بل يأخذ النصف، لأن الشفيع إذا عفا توفر
كل حقه على الشفيع الآخر، وإن أخذا كانا فيه شريكين، فإذا رد بالعيب فما
ترك الشفعة ولا عفا عنها، وإنما رد الشقص من حيث الرد بالعيب لا من حيث
العفو عنها، فلهذا قلنا: لا يتوفر ما رده على الشفيع الآخر.
وهذا غلط لأن الشفيع إذا ترك الأخذ توفر الحق على شريكه، وهذا وإن
كان ردا بالعيب فقد ترك الشفعة، لأنه أعاد الشقص إلى المشتري من الوجه
الذي أخذه منه، فكأنه أقره في يده ولم يعرض له، ولو فعل هذا توفر كل الحق
على شريكه فكذلك هاهنا.
دار بين أربعة حاضران وغائبان، باع أحد الحاضرين نصيبه منها من آخر
397

كان للشفيع الحاضر أخذ جميعه بالشفعة، لأنه لا شفيع اليوم سواه، فإذا أخذ هذا
المبيع وهو الربع فقدم أحد الغائبين كان له مشاركته فيه فيأخذانه نصفين
فنفرض المسألة من ستة يأخذ كل واحد النصف، وهو ثلاثة أسهم، لأنهما يقولان:
نحن شفيعان لا شفيع اليوم سوانا.
فإذا أخذاه نصفين فقدم الغائب الثاني فإنه يشاركهما فيما أخذا، فيأخذ من
كل واحد منهما ثلث ما في يده سهم من ثلاثة أسهم، فيكون لكل واحد منهم
سهمان، فإن كانت بحالها فقدم القادم الأول فقال للشفيع الحاضر: لست آخذ
معك النصف بل اقتصر على الثلث وآخذ السهمين من ستة لئلا يحضر الشفيع
الغائب فيأخذ مني، كان له ذلك، لأن له أخذ النصف، فإذا أخذ الثلث فقد ترك
بعض حقه.
فإذا أخذ حصل في يده سهمان من ستة وهو الثلث، وحصل في يد الشفيع
الحاضر أربعة أسهم من ستة، ثم قدم القادم الثاني وطالب بحقه، فله أن يأخذ من
القادم الأول ثلث ما في يده، وهو ثلثا سهم، لأنه يقول له: كان لك أخذ ثلاثة
أسهم من الشفيع الحاضر فاقتصرت على سهمين وتركت الثالث فكان الترك من
حقك لا من حقي، والذي أخذته لا تنفرد به فإنه مشاع، فلي أن آخذ ثلث ما في
يدك كما لو وجدت النصف في يدك.
فإذا أخذ منه ثلثي سهم وهو ثلث ما في يده يبقى مع القادم الأول سهم
وثلث، وفي يد القادم الثاني ثلاثة أسهم وفي يد الشفيع الحاضر أربعة أسهم بضم
القادم الثاني إليها ما أخذ من القادم الأول يصير أربعة أسهم وثلثي سهم، يكون
الجميع بينهما نصفين، للقادم الثاني سهمان وثلث، وللشفيع الحاضر سهمان
وثلث، وسهم وثلث سهم في يد القادم الأول.
فإن أردت أن تقسمها بينهم من غير كسر فاضرب ثلاثة وهو عددهم في
أصل المسألة وهي ستة فتصير ثمانية عشر، فكل من له سهم من ستة فضربه في
ثلاثة وهو حقه، فللقادم الأول سهم وثلث، اضربه في ثلاثة يصير أربعة، يبقى أربعة
398

عشر، للقادم الثاني سهمان وثلث في ثلاثة يصير سبعة، وللشفيع الحاضر سهمان
وثلث في ثلاثة يصير سبعة، فصحت المسألة من ثمانية عشر.
فإن كانت بحالها فاقتسموها من ثمانية عشر فقدم قادم ثالث وهو الشفيع
الرابع فإنه يأخذ من القادم الأول سهما من أربعة يضيفه إلى ما في يد القادم الثاني
والشفيع الحاضر، وهي أربعة عشر سهما يصير خمسة عشر سهما ويكون بينهم
أثلاثا لكل واحد خمسة.
وإن كانت بحالها فاقتسموها من ثمانية عشر فقدم قادم ثالث وهو الشفيع
فلم يجد إلا أربعة أسهم في يد القادم الأول وقد ملك الشفيع الحاضر والقادم
الثاني فكم يأخذ من القادم الأول؟ قيل فيه وجهان: أحدهما يأخذ النصف منه
سهمين، لأنه يقول: لا شفيع غيري وغيرك فيكون بيني وبينك نصفين، والوجه
الثاني يأخذ مما في يديه سهما واحدا من أربعة لأنه يقول: أنا شفيع فأخذ ربع ما
في يديك.
دار بين ثلاثة الواحد الربع وللآخر الربع، وللثالث النصف، ثم إن صاحب
الربع قارض صاحب الربع الآخر على ذلك، فاشترى العامل من صاحب
النصف نصف ما في يده من مال القراض قال قوم: لا شفعة له في هذا المبيع، لأن
البائع بقي له ربع الدار، والبائع لا شفعة له والمبيع من مال القراض فلا يستحقه
رب المال بالشفعة، ولا العامل لأنه اشترى بمال القراض، فالعامل ورب المال
بمنزلة شريكين اشترياه معا، ولو اشترياه معا لم يستحق أحدهما على صاحبه
الشفعة كذلك هاهنا.
فإن باع صاحب النصف ما بقي له منها وهو الربع من أجنبي كان مستحقا
بالشفعة أثلاثا ثلثه لرب المال، وربعه وثلثه للعامل، وربعه وثلثه لمال القراض،
فصار مال القراض بمنزلة شريك منفرد، وهذا الفرع أيضا على مذهب من أوجب
الشفعة لأكثر من شريكين.
دار بين ثلاثة أثلاثا بين أخوين وأجنبي، فاشترى أجنبي من الأجنبي ما في
399

يديه وهو الثلث، فقال له أحد الأخوين: أنت وكيل أخي اشتريته له، نظرت: فإن
صدقه أخوه كان المبيع بين الأخوين نصفين بحق الشفعة، فأعطى الشريك
المشتري حصته بالشفعة.
فإن ادعى هذا الأخ على المشتري أنه إنما اشتراه لنفسه لا لأخيه، فالقول قول
المشتري بلا يمين، لأنه لو اعترف بذلك لنفسه اقتسما الأخوان المبيع نصفين،
ولو ثبت أنه وكيل أخيه اقتسما المبيع نصفين، فلا فائدة في استحلافه، فلهذا لم
يحلفه.
فإن قال أحد الأخوين للمشتري: الشراء باطل لأن المبيع مستحق، فأنكر
المشتري وصدقه الأخ الآخر، انفرد المصدق بالشفعة، دون الذي قال " البيع
فاسد " لأنه معترف أنه لا شفعة له فيه، وإذا قال أحد الأخوين للمشتري: ما
اشتريته وإنما اتهبته فقد ملكته بالهبة، وقال: بل ملكته بالشراء، وصدقه الآخر
كانت الشفعة لمن صدقه بالشراء دون من ادعى بالهبة، لأن من ادعى الهبة
معترف أنه لا شفعة له مع أخيه.
فصل: في الحيل التي تسقط بها الشفعة:
من ذلك أن يكون ثمن الشقص مائة فيشتريه بألف، ثم يعطي البائع بدل
الألف ما قيمته مائة، ويبيعه إياه بألف، فإذا فعل هذا تعذر على الشفيع الأخذ،
لأنه إنما يأخذ بثمن الشقص لا ببدل ثمنه، وتسقط شفعته.
ومن ذلك إذا كان ثمن الشقص مائة فاشترى صاحبه جارية من رجل
تساوي مائة بألف، فلما ثبت في ذمته الألف ثمن الجارية أعطاه بالألف هذا
الشقص، فإذا ملكه بألف وهو يساوي مائة، لا ينشط الشفيع لأخذه بها فتسقط
شفعته.
ومن ذلك أن يشتريه بألف وثمنه مائة، ثم يبرئه البائع عن تسع مائة،
ويقبض مائة منه، فإن الإبراء يلحق المشتري دون الشفيع.
400

وهذه حيلة فيها مخاطرة على البائع، لأن المشتري قد يطالبه بالمبيع
والبائع قد أبرأه عن تسع مائة أخذ منه بدله ولا يبرئه عن بعضه، ومن وجه آخر
وهو أن الشفيع قد ينشط إلى أخذه وإن كان أكثر من ثمنه.
ومن ذلك وهو أشدها أن يهب صاحب الشقص شقصه، ويهب المشتري
من البائع ثمنه، فيملكه بالهبة فلا يؤخذ منه بالشفعة.
ومن ذلك أن يكون الثمن جزافا مشارا إليه، فيحلف المشتري أنه لا يعلم
مبلغه فتسقط الشفعة، لأن الثمن إذا لم يعلم مبلغه لم يمكن أخذ الشفعة بثمن
مجهول.
إذا قال: اشتريت هذا الشقص في شركتي بألف، فقال: قد اشتريت كما
قلت غير أني لا أعرف مبلغ الثمن لأني نسيته، أو كان الثمن جزافا، قيل فيه
وجهان: أحدهما أن هذا جواب صحيح، فيكون القول قوله مع يمينه يحلف
وتسقط الشفعة، والثاني أنه ليس بجواب صحيح، ويقال له: إن أجبت عن
الدعوى وإلا جعلناك ناكلا، يحلف الشفيع ويستحق، كما نقول في رجل
ادعى على رجل ألفا فقال: أنت أعرف بمبلغ حقك عندي، قلنا له: ليس هذا
بجواب صحيح، فإن أجبته وإلا جعلناك ناكلا وحلف المدعي واستحق.
والأول هو الصحيح لأن الذي يذكره المشتري ممكن، لأنه قد بينا أنه قد
ينسى مبلغ الثمن، وقد يكون جزافا لا يعرف مبلغه، فإذا كان كذلك كان القول
قوله مع يمينه، فإذا حلف فلا شفعة له، لأنه ملكه على صفة لا يقدر الشفيع على
دفع البدل عنه، كما لو ملكه بالهبة.
والفرق بين هذا وبين ما ذكره من الدين من وجهين:
أحدهما: قوله: لا أعرف مبلغ دينك، نكول عن نفس ما ادعي عليه، فلهذا
كان ناكلا، وليس كذلك هاهنا، لأن المشتري أجاب بجواب صحيح.
فإن قال: صدقت قد اشتريت بما يجب لكل فيه الشفعة، ثم أنكر شيئا غير
هذا، وهو أنه لا يعرف مبلغ الثمن، فوزان الدين من هذا أن يقول: لا أدري ألك
401

الشفعة أم لا؟ فحينئذ يكون نكولا.
والثاني: من له الدين يعرف مبلغ دينه لمعرفته بقدره، فلهذا صح دعواه،
ومتى لم يذكر المدعى عليه جوابا صحيحا جعلناه ناكلا، وليس كذلك في
مسألتنا لأن المشتري هو المباشر للعقد، وقد يكون الثمن جزافا، فمن المحال أن
يعرف الشفيع المبلغ ولا يعرف المشتري، فلهذا كان جوابا.
قد ذكرنا فيما سلف أن المشتري إذا قال: اشتريت الشقص بمائة وعشرين
فترك الشفيع الشفعة، فبان الثمن مائة، وكذلك لو قال المشتري: اشتريته بمائة
حالة، فبانت إلى سنة، أو قال: اشتريت نصف الشقص بمائة، فبان كله بمائة، فإن
هذا مما لا يسقط شفعة الشفيع، لأن تركه الأخذ بالثمن الكثير لا يدل على تركه
بالثمن القليل فكان ما أخبر به تدليسا عليه فيه.
وبالضد من ذلك إذا قال: اشتريته بمائة فزهد في الشفعة، ثم بان الثمن مائة
وعشرين سقطت شفعته، وهكذا لو قال: اشتريته بمائة إلى سنة، وبأن الثمن حالا،
أو قال: نصف الدار بمائة، فبان أنه اشترى الربع بالمائة، ففي كل هذا إذا ترك
الشفعة ثم بان خلافه سقطت شفعته، لأنه إذا ترك الأخذ بالثمن القليل، كان
تركه بالثمن الكثير أزهد فلهذا سقطت شفعته.
ولو قال: اشتريت النصف بمائة فزهد الشفيع، ثم بان أنه اشترى الربع
بخمسين، أو قال: اشتريت الربع بخمسين، فبان أنه اشترى النصف بمائة لم
تسقط شفعته، لأنه إذا قال: اشتريت النصف بمائة، فقد لا يكون معه مائة ومعه
خمسون، فلهذا كان هذا عذرا، وهكذا إذا قال: بعت الربع بخمسين، فبان
النصف بمائة كان له الأخذ، لأنه قد يزهد في المبيع اليسير بخمسين، ويرغب في
الكثير بمائة، فبان الفصل بينهما.
وجملته أن الشفيع متى بلغته الشفعة فلم يأخذ لغرض صحيح ثم بان
خلاف ذلك لم تسقط شفعته.
قد مضى أن الشفيع يستحق الشقص بالثمن الذي استقر العقد عليه، وهو
402

بعد التفريق أو بعد انقضاء خيار الشرط، وأنه إن كان له مثل أخذه بمثله وإن لم
يكن له مثل أخذه بقيمته، وذكرنا أن الاعتبار بقيمته حين وجوب الشفعة، وهو
حين استقرار العقد.
فإن اختلفا في قيمة الثمن وكان عبدا قد قبضه البائع وهلك، أو كان الثمن
متاعا فاختلف سعره إلى حين المطالبة، فالقول قول المشتري، لأن الشفيع ينتزع
ملك المشتري وهذا بدل ملكه، فكان القول قوله في قدره، فإن كان ثمن
الشقص معينا فهلك قبل أن يقبضه البائع من المشتري، بطل البيع لأن الثمن
المعين تلف قبل القبض، فإذا بطل البيع بطلت الشفعة، لأن البائع لا يملك
مطالبة المشتري بالثمن لأنه معين فتلف قبل القبض فلا يطالبه ببدله، لأن الثمن
إذا كان معينا فتلف قبل القبض لم يجز أخذ البدل عنه، فإذا تعذر تسليم الثمن
إلى البائع من هذا الوجه بطلت شفعة الشفيع، لأنه يأخذ بالشفعة بالثمن الذي لزم
المشتري، والمشتري ما لزمه الثمن ولا بدل الثمن، فوجب أن يبطل الشفعة.
ويفارق إذا تقايلا أو رد الشقص بالعيب، حيث قلنا: إن للشفيع رفع
الفسخ ورد الملك إلى المشتري، وأخذه بالشفعة، لأن البائع يملك مطالبة
المشتري بالثمن وهاهنا لا يملك فبطلت الشفعة.
فإن طالب الشفيع المشتري بالشفعة، فادعى المشتري أن البناء الموجود أنا
أحدثته بعد الشراء، أو هذا البيت من الدار أنا بنيته، وأنكر الشفيع ذلك، وقال:
بل كان موجودا قبل الشراء، فالقول قول المشتري، لأنه ملكه والشفيع يريد أن
ينتزعه منه، فكان القول قوله.
إذا اشترى بعيرا وشقصا بعبد وجارية، وقيمة البعير والشقص مائتان، وقيمة
العبد والجارية مائتان، كان للشفيع أن يأخذ الشقص بنصف قيمة العبد
والجارية، فإن هلك البعير قبل القبض بطل البيع فيه، وهل يبطل في الشقص
أم لا؟ قيل فيه قولان: أصحهما أنه لا يبطل، والثاني يبطل، فمن قال: يبطل، فلا
كلام، ومن قال: يصح، يبطل ما قابل البعير والجارية، وهو نصف الجارية
403

والعبد، وأخذ الشفيع الشقص بما تم بالعقد عليه وهو نصف قيمة الجارية
والعبد.
فإن كانت بحالها ولم يكن هكذا ولكن تلفت الجارية بطل البيع فيها، وفي
العبد على قولين: فمن قال: باطل، فلا كلام، ومن قال: لا يبطل، بطل في
الجارية وحدها، وفي ما قابلها من البعير والشقص والذي قابلها منهما النصف،
فيصح البيع في نصف الشقص وفي نصف البعير ويبطل في الباقي، أما البعير
فلا شفعة له فيه، وأما الشقص فقد صح البيع في نصفه بنصف ما قابله من الثمن
وهو خمسون، فالشفيع بالخيار بين أن يأخذه بها أو يدع، وهذا الفرع يسقط على
مذهب من لا يوجب الشفعة في المعاوضات.
إذا كانت الدار كلها في يد رجل فادعى عليه مدع أنه يستحق منه سدسها
فأنكر وانصرف المدعي، ثم قال له المدعى عليه: خذ مني السدس الذي ادعيته
منها بسدس دارك، فإذا فعلا هذا صح، ولم يكن صلحا على إنكار، لأن المدعي
سأل المدعى عليه أن يعطيه ما ترك المطالبة به ببدل، فإذا صح البيع وجبت
الشفعة في كل واحد من الشقصين، فيأخذه الشفيع بالشفعة بقيمة السدس الذي
هو بدله، وإنما يصح إذا كان نصفها في يده فأما إذا كانت كلها في يده فلا شفعة
فيما باع منها، وهذه مثل الأولى سواء في أنه لا شفعة فيها بحال لما قلناه.
إذا كانت دار بين شريكين نصفين فباع أحدهما نصيبه من عرصتها دون
البناء والسقف، كان للشفيع الشفعة فيه، فإن باع هذا البائع ما بقي له منها من
البناء والسقف فلا شفعة فيه، لأن الشفعة تجب فيها تبعا، وهو إذا بيع تبع الأصل
ولا يجب فيه متبوعا، وهو إذا أفرد بالبيع.
وقال بعضهم: إن الدولاب في الأرض والناعورة بمنزلة البناء فيها، لأنه يتبع
الأصل بإطلاق العقد إذا كان الدولاب غرافا، فأما الدولاب الذي له حبل يدور
عليه وفي الحبل دلاء - فكان دولاب الرجل أو دولاب غيره - فإن هذه المرسلة
التي فيها الدلاء لا تدخل في البيع بإطلاق العقد، فإذا شرطت فيها فلا شفعة فيها،
404

لأنها تنقل وتحول من دولاب إلى دولاب، قال وكذلك الزرنوق - وهو جذع
الدالية الذي يركب الرجل أحد رأسيه والباطنة الغرافة في الرأس الآخر - لا شفعة
فيها لأنها من آلة الأرض وهي كأرض فيها غلمان يعلمون فيها، فإذا بيع منها قسط
وقسط من الغلمان فلا شفعة في الغلمان كذلك هاهنا.
داران بين رجلين نصفان باع أحدهما نصيبه من أحدهما، كان للآخر
الشفعة فإن ترك الشفعة وقال لشريكه البائع: قاسمني على الدار الباقية بيننا
وانقض البيع في الأخرى حتى أقاسمك فيها دون المشتري، كان له مقاسمته
على الباقية، ولم يكن له مطالبته بنقض البيع في الأخرى، لأن ملكه منها صار
للمشتري، فلا يطالب باسترجاع ملكه، بل يكون المقاسم هو المشتري فيما
اشتراه.
إذا بلغه وجوب الشفعة له فقال: قد اخترت شفعتي بالثمن الذي تم العقد به،
لم يخل الثمن به من أحد أمرين: إما أن يكون معلوما عند الشفيع أو مجهولا.
فإن كان معلوما عنده صح الأخذ، وانتقل ملك الشقص عن المشتري إليه و
وجب الثمن عليه للمشتري بغير اختياره، لأنه ملك قبوله بالثمن الذي يملكه به،
ولم يعتبر رضا المشتري فيه لأنه استحق الأخذ تحكما عليه.
وإن كان الثمن مجهولا لم يصح الأخذ، لأن الشفيع مع المشتري
كالمشتري من المشتري، والمشتري لا يملكه بالثمن المجهول، كذلك الشفيع،
فإن قال الشفيع: قد اخترته بالثمن بالغا ما بلغ، لم يصح الأخذ، وهكذا لو قال:
إن كان الثمن مائة دينار فما دونها فقد اخترته بالثمن، فكان الثمن مائة دينار فما
دون، لم يصح، لأنه ثمن مجهول.
فإذا قلنا: لا يصح الأخذ، فلا كلام، وكل موضع قلنا: يصح الأخذ، فلا خيار للشفيع
خيار المجلس على ما بيناه، وعند المخالف له ذلك فإذا تم العقد
بينهما فعليه تسليم الثمن إلى المشتري، فإن كان موجودا لم يجب على المشتري
تسليم الشقص حتى يقبض الثمن، وإن تعذر تسليم الثمن في الحال قال قوم:
405

أجل الشفيع ثلاثا فإذا جاء به فلا كلام، وإن تعذر عليه بعد الثلاث فسخ
الحاكم الأخذ، ورد الشقص إلى المشتري، وهكذا لو هرب الشفيع بعد التملك
كان للحاكم فسخ الأخذ ورد الشقص على المشتري.
فإن تملكه الشفيع ووجب الثمن عليه ففلس الشفيع كان المشتري بالخيار
بين أن يرجع في عين ماله وبين أن يضرب مع الغرماء بالثمن، فإن المشتري مع
الشفيع هاهنا كالبائع مع المشتري في حكم التفليس.
إذا وجبت له الشفعة فسار إلى المطالبة بها على العادة قال قوم: إن أتى
المشتري فطالبه بها فهو على شفعته، وإن تركه ومضى إلى الحاكم فطالبه بها عنده
فهو على شفعته أيضا عند شفعته، وإن تركه ومضى إلى الحاكم فطالبه بها عنده
فهو على شفعته أيضا عند قوم، وقال قوم: تبطل شفعته، فإن ترك الحاكم
والمشتري معا ومضى فأشهد على نفسه أنه على المطالبة بطلت شفعته، وقال
أبو حنيفة: لا تبطل، ويكون على المطالبة بها أبدا، قال من خالفه: غلط، لأنه ترك
المطالبة بها مع القدرة عليها، فأشبه إذا لم يشهد، وقول أبي حنيفة أقوى، لأنه لا
دليل على بطلانها.
أرض بين شريكين نصفين عمد أحدهما إلى قطعة منها فباعها، فالبيع في
نصيب شريكه باطل، لأنه باع مال شريكه بغير حق، ولا يبطل في نصيب نفسه،
وقال قوم: إنه يبطل.
وإذا صح فالشفيع يأخذه بالشفعة، ومن قال: يبطل، قال: لأن الثمن
مجهول، لأن الصفقة الواحدة جمعت حراما وحلالا، ولأن هذا البائع لو قاسم
شريكه قبل البيع ربما وقعت هذه القطعة في نصيب شريكه بالقسمة، فإذا باعها
بعد أن يملكه شريكه وحده بالمقاسمة لكان فيه اعتراض على حق شريكه عند
المقاسمة فلهذا بطل البيع.
إذا اشترى المأذون شقصا من دار ثم بيع في شركته شقص، كان له الأخذ
بالشفعة لأنه لما كان له أن يشتريه ابتداء كان له أخذه بالشفعة، فإن عفا عن
الشفعة كان لسيده إبطال عفوه، لأن الملك له، وإن عفا السيد عنها سقطت ولم
406

يكون للمأذون الأخذ، لأن لسيده أن يحجر عليه في جنس من المال، فإذا منعه من
هذا فقد حجر عليه فيه.
فأما المكاتب فله الأخذ بالشفعة ولا اعتراض لسيده عليه، لأنه يتصرف في
حق نفسه، ويفارق المأذون لأنه يتصرف فيما هو ملك لسيده، وما منع السيد
نفسه من التصرف مما في يديه.
فإن حجر على الحر لفلس فبيع في شركته شقص كان العفو والأخذ إليه لا
اعتراض للغرماء عليه، لأن الأخذ بالشفعة تصرف في الذمة، لأن المشتري يملك
الثمن في ذمة الشفيع، وليس للغرماء الأخذ ولا العفو، لأن التصرف ما دخل
تحت الحجر.
فإن أوصى بثلث ضيعته لرجل ثم مات وخلف البنين وقبل الموصي له
الوصية بكل الثلث، فإن باع أحد الابنين نصيبه منها كانت الشفعة لأخيه،
وللموصى له بالثلث، لأنه شريكه حين البيع، هذا عند من قال: إن العم والأخ في
الشفعة سواء.
ومن قال: إن الأخ أولى من العم، كان الأخ أولى من الموصى له،
والصحيح أنهما سواء إذا أثبتنا الشفعة بين أكثر من اثنين.
إذا دفع إلى رجل ألفا قراضا فاشترى به شقصا يساوي ألفا وكان رب المال
هو الشفيع، فهل له أن يأخذ الشفعة أم لا؟ قيل فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: يأخذه من العامل برمته لا بالشفعة، لأنه ملكه، ولا فضل في المال
فكان له أخذه من العامل وفسخ القراض.
والثاني: يأخذ الشفعة وليس له أخذه بغير الشفعة لأن رب المال لا يملك
أخذ المال من يد العامل قبل أن ينض، فيأخذه بالشفعة ويدفع الثمن إليه، فإذا
فعل هذا فقد نض مال القراض، فإن شاء أقره على القراض، وإن شاء قبضه
وفسخ القراض.
والثالث: ليس له أن يأخذ بغير شفعة لما مضى، ولا له أن يأخذ بشفعة، لأنه
407

ملكه والإنسان لا يملك الشفعة على نفسه.
فعلى هذا الوجه إن باعه العامل من أجنبي فهل لرب المال أن يأخذ من
المشتري بالشفعة أم لا؟ على وجهين: أحدهما له ذلك، لأنه شريكه حين البيع،
والثاني ليس له ذلك، لأن العامل وكيله باع ملكه، والوكيل إذا باع ملك
موكله لم يكن للموكل أخذه بالشفعة، هذا إذا كان الشفيع رب المال.
فأما إذا كان العامل هو الشفيع، وهو أن يشتري شقصا في شركة نفسه
نظرت: فإن لم يكن في المال ربح، كان له أخذه بالشفعة، لأنه وكيل المشتري
له، وإن كان في المال ربح فهي مبنية على قولين: متى يملك العامل حصته من
الربح؟ فإذا قلنا: لا يملك حصته بالظهور أخذ الكل بالشفعة، ورد الفضل في
مال القراض، ومن قال: يملك حصته بالظهور - وهو مذهبنا - أخذ أصل المال
وحصة رب المال بالشفعة، وأما حصة نفسه فقد قيل فيها ثلاثة أوجه على ما
ذكرناه " إذا كان الشفيع هو رب المال ".
إذا كان في حجره يتيمان بين اليتيمين دار، فباع نصيب أحدهما منها كان له
أخذه بالشفعة لليتيم الآخر، فإن كان الشفيع هو الوصي فعلى وجهين: أحدهما
ليس له كما لم يكن له أن يشتريه لنفسه، ولأنه متهم، لأنه يؤثر تقليل الثمن،
والوجه الثاني له ذلك لأنه شريك حين الشراء، والأول أقوى.
وإن كان الولي هو الأب أو الجد كان له أخذه لنفسه بالشفعة قولا واحدا،
لأنه غير متهم ولأنه يجوز له أن يشتريه لنفسه.
وإن اشترى الشقص نفسان فبلغ الشفيع أن المشتري أحدهما وحده فعفا
عن الشفعة، ثم بان له أن المشتري اثنان كان له الأخذ منهما، ومن كل واحد
منهما لأنه إذا كان المشتري واحدا كانت الصفقة واحدة، ولا يمكنه تبعضها على
المشتري ولا يملك ثمن الكل، ولا يقدر عليه، وإذا علم أن المشتري اثنان كان
البيع صفقتين، فله أن يأخذهما وكل واحد منهما، فإذا بان له أنه يقدر على أخذ
بعضه لم يسقط شفعته بالعفو عن الكل.
408

وعلى هذا لو بلغه أن المشتري زيد لنفسه فعفا عنها، ثم بان أنه اشتراه لغيره،
كان له الأخذ، لأنه قد رضي زيدا شريكا ولا يرضى غيره، فإن بلغه أن الثمن حنطة
فعفا ثم بان له أنه شعير أو بلغه أنه شعير ثم بان أنه حنطة، لم تسقط شفعته، لأن له
غرضا في أخذه بأحد الثمنين دون الآخر، كما لو بلغه أن الثمن دنانير فعفا، فبان
أنه دراهم أو بلغه أنه دراهم فعفا فبان أنه دنانير لم تسقط شفعته، كذلك هاهنا،
فإن علم الشفيع بالشفعة وقد قاسم المشتري، وبنى، فقد قلنا: إن له الشفعة
ويدفع إلى المشتري قيمة ما أحدثه.
فإن كانت بحالها وقد زرع المشتري، قلنا للشفيع: خذ بالشفعة ويبقى
زرع المشتري إلى الحصاد لأن ضرره لا يتلافى، فإن قال: أنا أؤخر الأخذ حتى
إذا حصد الزرع أخذت إذ ذاك، كان له ذلك، ولم تسقط شفعته، لأن له فيه
غرضا صحيحا، وهو أن ينتفع بالثمن إلى الحصاد، ولا يدفع الثمن ويأخذ أرضا لا
منفعة له فيها كما قلنا فيه: إذا كان الثمن إلى أجل أن له تأخير الأخذ حتى يأخذ
في محله بالثمن.
إن اشترى شقصا تجب فيه الشفعة، وضمن له الدرك عن البائع اثنان، ثم
شهدا عليه أنه قد باع الشقص بعد الشراء، وأنه سلمه بعد الشفعة إلى الشفيع، أو
أن الشفيع قد أخذه منه بالشفعة، قبلت شهادتهما، لأن ضمانهما لا يختلف بشئ
من ذلك، فلا يجران نفعا، ولا يدفعان ضررا، فلم ترد به شهادتهما بحال، فإن
وجبت له الشفعة والشقص في يد البائع، فقضى القاضي له بها ودفع الثمن إلى
المشتري، كان للشفيع أخذه من البائع، وإن قال البائع للشفيع: أقلني هذا
البيع، فأقاله، كانت الإقالة باطلة لأنها إنما تصح من المتبايعين، فأما بين البائع
وغير المشتري فلا.
فإن باع المشتري الشقص قبل أن يقبضه الشفيع لم يصح، لأنه ملكه عنه
الشفيع، وإن باعه الشفيع قبل القبض من البائع لم يصح، لأنه باع ذلك قبل
القبض، فإن الشفيع مع المشتري كالمشتري مع البائع.
409

دار بين اثنين ادعى أحدهما على شريكه فيها، فقال: هذا النصف الذي في
يديك اشتريته من زيد بألف بعد أن ملكت حقي فيها وأنا أستحقه عليك
بالشفعة، فقال زيد البائع: صدق الشفيع، وقال المشتري: ما ملكته بالشراء، بل
ملكته ميراثا فلا شفعة لك فيه، فأقام الشفيع البينة أن زيدا ملك هذا النصف من
أبيه ميراثا ولم يشهد بأكثر من ذلك.
قال محمد بن الحسن: ثبت للشفيع الشفعة، ويقال للمشتري: إما أن تدفع
الشقص إليه ويدفع الثمن إليك أو ترده على البائع ليأخذه الشفيع من البائع
ويأخذ الثمن يدفعه إليك، قال: لأن الشاهدين شهدا له بأنه ملك الشقص ميراثا
واعترف زيد أن المشتري قد ملكه منه بالشراء فكأنما شهدا لزيد بالملك وعليه
بالبيع.
وقال ابن شريح: هذا غلط لا شفعة للشفيع، لأن البينة شهدت لزيد بالملك
عن أبيه ميراثا وما شهدت عليه بالبيع، وإنما اعترف هو بالبيع، فليس بينه وبين
المشتري منازعة، وإنما المنازعة بين الشفيع وبين المشتري، فالشفيع يقول:
اشتريت الشقص من زيد بألف -، وهو يقول: بل ورثته من أبي، فلا يقبل قول
زيد عليه من استحقاق ملكه عليه بالشفعة، لأن الشفعة ليست من حقوق العقد، فلا
يتعلق به الشفعة بقول البائع، كما لو حلف رجل " لا اشتريت هذا الدار من زيد "
فقال زيد: قد بعتكها منك أيها الحالف، فأنكر الحالف لم يحنث بقول البائع،
ولا يطلق زوجته إن كانت يمينه بإطلاق لأن الطلاق ليس من حقوق العقد، ولا
يقبل قول البائع على المشتري في ذلك فيطلق زوجته، كذلك لا يقبل قوله
هاهنا فيؤخذ منه الشقص بالشفعة، فإن شهد البائع للشفيع بالشراء لم تقبل
شهادته، لأنها شهادة على فعل نفسه، وقول ابن شريح أقوى.
إذا وجبت له الشفعة نظرت: فإن كان قد شاهد المبيع كان له الأخذ، فإذا
أخذ صح، كما لو اشترى ما شاهده، فإن لم يكن شاهد المبيع، لم يصح الأخذ
بالشفعة لأن الشفيع مع المشتري بمنزلة المشتري من المشتري، ألا ترى أنه يفتقر
410

إلى معرفة الثمن وقدره ومعرفة المبيع وقدره، وكذلك إلى مشاهدته، وهكذا إذا
قلنا: بيع خيار الرؤية يصح، فهاهنا لا يصح لأنا إنما أجزنا خيار الرؤية، لأنه أخذ
الشقص بغير اختياره لأن البائع دخل على أن المشتري له خيار الرؤية.
وهاهنا المشتري ما دخل على أن الشفيع له خيار الرؤية، لأنه أخذ الشقص
بغير اختياره، فلا يصح أن يكون له مع هذا خيار الرؤية، إلا أن يقول المشتري:
قد رضيت أن يكون لك أيها الشفيع خيار الرؤية، فهاهنا إذا اختار الأخذ هل
يصح أم لا؟ على قولين: إذا قلنا: لا يصح خيار الرؤية لا يصح الأخذ، وإذا قلنا:
يصح - وهو الأقوى -، فعلى هذا إذا شاهده الشفيع كان له خيار الرؤية، فإن
رضيه أمسكه، وإن كرهه رده على المشتري، واسترجع الثمن.
إذا وجبت الشفعة ودفع الثمن إلى المشتري والمبيع في يد البائع، فهل
للشفيع أن يقول: لا أقبضه من يد البائع، بل يقبضه المشتري منه أولا حتى إذا
قبضه أخذته من يد المشتري أم لا؟ قيل فيه وجهان:
أحدهما: له أن يقول: لا أقبض حتى يقبض المشتري، لأن الشفيع مثل
المشتري من المشتري، ومن اشترى شيئا قبل قبضه لم يصح حتى يقبضه ثم
يبيعه، ويقبضه المشتري الثاني منه، فعلى هذا إذا كان المشتري حاضرا كلفه
الحاكم أن يقبض بنفسه أو بوكيله ثم يقبضه الشفيع بعد هذا، وإن كان المشتري
غائبا، نصب الحاكم عنه وكيلا يقبض له فإذا قبض له وكيله قبضه الشفيع من
وكيله.
والوجه الثاني: يأخذه من يد البائع ولا يكلف المشتري القبض، لأن
الشفعة حق يثبت للشفيع على المشتري كالدين، وإذا كان له هذا الحق أخذه
حيث قدر عليه وحيث وجده، وقد وجده في يد البائع فكان له الأخذ منه، ولأن
يد الشفيع كيد المشتري كالنائب عنه، فإذا كانت يده كيده كان له القبض
كقبضه، كما أنه لو وجبت عليه رقبة في ظهار فقال لرجل: أعتق عبدك عني عن
ظهاري، ففعل صح، وكان المأمور بالعتق عنه كالقابض له، والعتق عنه بعد
411

القبض.
دار بين أربعة لكل واحد منهم ربعها، اشترى اثنان منهم سهم ثالث منهم،
ونفرض المسألة إذا كان سهم كل واحد منهم اثني عشر سهما ليصح الكلام فيه،
فيكون المبيع اثنا عشر سهما، فإذا اشترياه فقد اشترى كل واحد منهما نصف
المبيع ونصفه ستة أسهم وللمبيع ثلاثة شفعاء المشتريان والذي لم يشتر، فإذا
ثبت أنهم ثلاثة فكل واحد من المشتريين يستحق الشفعة على الذي اشترى منه،
ولا يستحق واحد منهما الشفعة على الذي لم يشتر، لأنه ما اشترى شيئا، ويستحق
الذي لم يشتر الشفعة على كل واحد منهما، فإذا تقررت الصورة ففي ذلك أربع
مسائل:
إحداها: إذا اختار الكل الأخذ، اقتسموا المبيع أثلاثا وهو اثنا عشر سهما
فيأخذ الذي لم يشتر من كل واحد منهما سهمين، ويأخذ كل واحد من الذين
اشتريا من صاحبه سهمين، فيصير مع كل واحد منهم أربعة أسهم.
الثانية: عفا كل واحد من المشتريين عن صاحبه، فحصل في يد كل واحد
منهما ستة أسهم، ولم يعف الذي لم يشتر عن واحد منهما فيأخذ من يد كل واحد
منهما نصف ما حصل له وهو ثلاثة أسهم يصير معه ستة أسهم نصف كل المبيع،
ويستقر لكل واحد منهما ربع المبيع ثلاثة أسهم.
الثالثة: عفا الذي لم يشتر عن كل واحد منهما فلا حق فيما يشتريانه،
ويكون لكل واحد منهما الشفعة على صاحبه، فيأخذ كل واحد منهما من يد
الآخر نصف ما في يده، وهو ثلاثة أسهم، فيصير المبيع بينهما نصفين، في يد كل
واحد منهما ستة أسهم.
الرابعة: عفا الذي لم يشتر عن أحدهما، فقد حصل هاهنا عاف ومعفو عنه،
والثالث غير عاف ولا معفو عنه فيعبر عنه بالثالث، أما العافي فقد سقط حقه من
المعفو عنه وفي يد المعفو عنه ستة أسهم، فقد عفا العافي عن سهمين منها، فالعافي
يستحق الشفعة على الثالث، والثالث يستحق الشفعة على المعفو عنه، لأنه ما عفا
412

عنه، فيأخذ العافي من الثالث سهمين يبقى مع الثالث أربعة يرجع الثالث على
المعفو عنه فيأخذ منه ثلاثة نصف ما في يده يصير معه سبعة، ويرجع المعفو عنه
على الثالث فيأخذ منه سهمين، وهما نصف ما في يده بعد أخذ العافي منه السهمين
يبقى في يده خمسة فيكون في يد العافي سهمان، وفي يد الثالث خمسة، وفي يد
المعفو عنه خمسة فيكون الكل الثني عشر سهما.
المسألة بحالها في يد كل واحد من المشتريين ستة أسهم غاب أحدهما، وفي
يده ستة أسهم، وأقام أحدهما وفي يده ستة أسهم، وكان للذي لم يشتر أن يأخذ من
الحاضر نصف ما في يده ثلاثة أسهم، لأنه يقول: لا شفيع سوانا ولا مبيع الآن إلا
في يديك، فحصل في يد كل واحد منهما ثلاثة أسهم، والشفعاء ثلاثة الذي لم
يشتر، والمشتري الحاضر، والمشتري الغائب، وفي يده ستة أسهم، قدم الغائب
وفي يده ستة أسهم بعد قدومه فيه ثلاث مسائل:
إحداها: لما قدم الغائب عفا عن المشتري الحاضر، وعن الذي لم يشتر وفي
يد كل واحد منهما ثلاثة أسهم، ثم عفا المشتري الحاضر عن القادم فقد عفا كل
واحد من المشتريين عن صاحبه، وما عفا الذي لم يشتر عن أحدهما، وقد أخذ من
المشتري الحاضر نصف ما في يده ثلاثة ويأخذ من القادم نصف ما في يده ثلاثة
يصير معه ستة أسهم نصف المبيع، ومع كل واحد من المشتريين ربع المبيع
ثلاثة أسهم.
الثانية: عفا الذي لم يشتر عن القادم، وعفا عنه المشتري الحاضر أيضا
فاستقر في يد القادم ستة أسهم نصف المبيع، والقادم ما عفا عن الذي لم يشتر
ولا عن المشتري الحاضر، فيأخذ من يد كل واحد منهما ثلث ما في يده، وفي يد
كل واحد منهما ثلاثة أسهم، وفي يده ستة أسهم، يصير معه ثمانية ثلثا المبيع، وفي
يد كل واحد من الآخرين سهمان سدس المبيع.
الثالثة: عفا الذي لم يشتر عن القادم وما عفا عن القادم المشتري الحاضر،
وفي يد القادم ستة أسهم، فللعافي على المشتري الحاضر الشفعة، لأنه ما عفا عنه
413

وللقادم على المشتري الحاضر الشفعة، لأنه قائم مقامه، وللمشتري الحاضر على
القادم شفعة لأنه ما عفا عنه، وفي يد المشتري الحاضر ستة أسهم يأخذ منها الذي
لم يشتر سهمين، يبقى معه أربعة، وفي يد القادم ستة يأخذ المشتري الحاضر من
القادم نصف ما في يده ويأخذ القادم من المشتري الحاضر نصف ما في يده،
وفي يده أربعة فيكون في يد القادم خمسة، وفي يد المشتري خمسة، وفي يد الذي
لم يشتر سهمان وهذا يسقط على مذهب من لا يوجب الشفعة إذا كانوا أكثر من
شريكين.
إذا باع شقصا بثمن مؤجل، فقد بينا أن الشفيع بالخيار بين أن يأخذ بالثمن
عاجلا أو يصبر إلى الأجل، ثم يأخذه بالشفعة، فإن مات المشتري قبل انقضاء
الأجل حل الثمن عليه، وسقط الأجل، وللبائع أن يطالب الوارث بالثمن في
الحال، فإذا قبض الثمن لم يجب على الشفيع دفع الثمن في الحال، وكان الخيار
ثابتا في حقه، إن شاء عجله وأخذ الشقص، وإن شاء أخره، لأن ذلك ثبت له
واستحقه بالعقد الذي يستحق به الشفعة، وحلوله في حق الميت لا يوجب حلوله
في حقه.
كما نقول في رجل له في ذمة رجل دين ألف درهم مؤجل، فضمنها له
رجل إلى ذلك الأجل، ثم مات الذي عليه الدين فحل عليه الدين، ولصاحب
الدين مطالبة الوارث، ولا يجوز له مطالبة الضامن حتى يحل الأجل.
ولو اشترى شقصا له شفيعان فادعى أنهما عفوا عن الشفعة، كان صحيحا
فإن أقرا بالعفو سقطت شفعتهما، وإن أنكرا العفو كان القول قولهما مع أيمانها،
فإن حلفا سقطت دعوى العفو وحكم لهما بالشفعة، وإن حلف أحدهما ونكل
الآخر، لا ترد اليمين هاهنا لأنه لا يستفيد بيمينه شيئا لأن الشقص يأخذه الشفيع،
الآخر، فإن عفا أحدهما - إذا صح وثبت - كان للآخر أن يأخذ جميع الشقص،
وإذا ثبت هذا يصرف الناكل ويقال لهما: لا حكم لكما عندنا وإنما الحكم البينة
أو اليمين، فإذا لم تكن له بينة ولم يحلف سقط دعواه، فإذا جاء الحالف يطالب
414

بالشفعة سلم الجميع إليه، فإن جاء الناكل وطالبه بحصته منه، فإن كان يصدقه
أنه لم يعف دفع حصته إليه، وإن لم يصدقه وادعى عليه العفو، كان القول قول
الناكل مع يمينه، وعرضت اليمين عليه لأن هذه الدعوى على الشفيع غير
الدعوى على المشتري، فنكوله في إحداها لا يسقط يمينه في الأخرى، فإن حلف
استحق، وإن نكل عن اليمين ردت اليمين عليه، فإن حلف سقطت دعوى
الأجنبي، وإن نكل عن اليمين، صرفا ولم يكن لهما حكم عندنا.
إذا اشترى شقصا من دار أو أرض ففلس قبل أن يقبض البائع الثمن، وقبل
أن يأخذ الشفيع الشفعة، ثم حضر البائع والشفيع وسائر الغرماء كان الشفيع
أولى لأن حقه سابق من وقت الشراء، وحق البائع متجدد بالتفليس، وحق
الغرماء في ذمته.
ومثل ذلك إذا طلق الرجل زوجته وحضر الزوج يدعي نصف الشقص
الممهور وحضر الشفيع، فالشفيع أولى لأن حقه سابق، وهو الصحيح عندهم،
وعلى مذهبنا لا يصح ذلك لأن ما جعله مهرا لا شفعة فيه بحال، وقالوا: فيه وجه
آخر وهو أن الزوج أولى من الشفيع.
إذا بيع بعض الدار بدينه لم تثبت الشفعة لورثته، لأن ملك الورثة بمنزلة
المتأخر عن البيع، والملك الحادث بعد البيع لا يستحق به الشفعة.
بيان ذلك أن هذا البيع يستحق على الميت بسبب وجد في حياته فكأنه
يتبعه في حياته وملك الورثة حادث بعد موته، وكذلك إذا أوصى ببيع الدار
والتصدق بثمنها فإنه لا شفعة لورثته لما ذكرناه، ولو كان لهم في الدار شريك
قبل موت صاحبهم، كان لهم الأخذ بالشفعة فيما بيع في الدين أو بيع في
الوصايا لأنهم شركاؤه.
ولو أن وصيا على صبي باع له شقصا فيما لا بد له منه وهو شريكه، فأراد أن
يأخذ بالشفعة فليس له ذلك لأنه قد كان يصل إلى الحاكم حتى يأمر ببيعه
فيأخذ إن شاء، وكذلك إن وكل في بيع شقص وهو شفيع، فباع لم يكن له
415

شفعة، ولكنه لو وكل في شراء شقص وهو شفيع لم يبطل ما كان له من الأخذ
وله الشفعة إن شاء وفي الناس من قال: تثبت الشفعة في الحالين لوجود البيع في
المشاع الذي لم يقسم، والصحيح الأول.
وأما إذا باع الأب والجد فيجب أن يثبت لهما الشفعة في الحالين لأنه لا تهمة
عليهما، لأنهما يبيعان من أنفسهما.
دار بين ثلاثة أنفس، لواحد نصفها، وللآخر ربعها، وللثالث ربعها، فاشترى
صاحب النصف نصيب أحد شريكيه، والشريك الثالث غائب، ثم إن الشريك
الذي اشترى الربع باع ستة أسهم، وأراد قسمة الربع، ثم قدم الثالث كان
بالخيار بين أن يأخذ من الأول دون الثاني حقه، أو من الثاني دون الأول حقه أو
منهما.
فإن طلب حقه من الأول - وهو أشكل الأقسام - كان له نصف الربع، وهو
ثلاثة أسهم بناء على القول على عدد الرؤوس، لا عدد الأنصباء، فعلى هذا نصف
الربع وهو الثمن يجب أن يقسم على المبيع وعلى ما في يده على الثلث والثلثين
لأن المبيع ثلث ملكه، فلا يصح الثمن من ثمانية على ثلاثة، يضرب ثلاثة في ثمانية
يكون أربعة وعشرين، يكون لصاحب النصف اثنا عشر منها، وللقادم ستة، وبقى
ستة للقادم فيها ثلاثة دخل في المبيع سهم واحد منها، وهو الثلث من حقه وبقى
في يده سهمان، وإن رجع على المشتري الثاني فيفسخ البيع به، ويأخذه ويبقى
له خمسة، ويرجع على صاحب النصف سهمين، فيحصل للقادم تسعة أسهم ستة
وثلاثة، ويحصل للمشتري وصاحب النصف خمسة أسهم ويحصل لصاحب
النصف عشرة أسهم فذلك أربعة وعشرون سهما.
وأما على القول الذي يقول على قدر الأنصباء فإن الربع من المبيع بينه
وبين المشتري، وهو صاحب النصف على الثلث والثلثين، لأن نصيب القادم
نصف نصيب المشتري فيكون له سهم، وللمشتري سهمان، فيجب أن يقسم
الربع على ثلاثة، للقادم ثلث الربع وذلك الثلث ينقسم على الثلث، فتضرب في
416

مخرج الثلث فيكون تسعة، ويضرب في مخرج الربع يكون ستة وثلاثين، فبها
يصح، فإن عفا عن الأول وطلب الثاني، أخذ الستة وإن طلب الجميع أخذ الستة،
وسهمين من الأول في يده، فيكون ثمانية وستة وأربعة عشر.
417

تبصرة المتعلمين
كتاب الشفعة
الفصل الثالث عشر: في الشفعة:
إذا باع أحد الشريكين حصته في ملكه كان للآخر الشفعة، بشروط: أن
يكون الملك مما يصح قسمته، وأن ينتقل الحصة بالبيع، وأن يكون البيع
مشاعا مع الشفيع حال البيع، أو يكون شريكا في الطريق والنهر والساقية، وأن
لا يزيد الشركاء على اثنين، وأن يكون الشريك قادرا عليه، وأن يطالب على
الفور مع المكنة.
ولو باع صاحب الشقص الطلق نصيبه جاز لصاحب الوقوف الأخذ
بالشفعة، ولا يثبت لذمي على مسلم ويثبت للمسلم عليه، ويأخذ الشفيع بما وقع
عليه العقد وإن أبرأه من بعضه، ولو لم يكن مثليا أخذ بقيمة الثمن، ولو ذكر غيبة
الثمن أحل ثلاثة أيام، وينظر لو كان في بلد آخر بما يمكن وصوله إليه مع ثلاثة
أيام ما لم يستضر المشتري، ويثبت للغائب ويطالب مع حضوره، وللسفيه
والصبي والمجنون، ويطالبون مع زوال الأوصاف أو الولي، والشفيع يأخذ من
المشتري ودركه عليه.
ولو كان الثمن مؤجلا أخذ الشفيع في الحال، وألزم بكفيل إذا لم يكن مليا
على إيفاء الثمن عند الأجل.
والقول قول المشتري مع يمينه في كمية الثمن إذا لم يكن للشفيع بينة،
419

والشفعة تورث كالأموال.
ولو أسقط الشفعة قبل البيع لم تبطل، بخلاف ما لو بارك أو شهد على
إشكال.
420

إرشاد الأذهان
كتاب الشفعة
المطلب السادس: في الشفعة:
وفيه فصلان:
الأول: في الشرائط:
إذا باع أحد الشريكين حصته، كان للآخر أخذه بما وقع عليه العقد
بشروط ثمانية:
الأول: أن لا يزيد الشركاء على اثنين، ولو باع بعض حصته فللآخر الشفعة
بكمالها، ولو مات الشفيع قبل الأخذ فللورثة المطالبة، ولو عفا أحدهما فللباقي
أخذ الجميع أو الترك.
الثاني: انتقل الحصة بالبيع، فلو انتقلت بالهبة أو غيرها من العقود لم تثبت
الشفعة، سواء تضمن العقد عوضا أو لا.
الثالث: كون المبيع مما لا ينقل ولا يحول، كالأرضين والبساتين والدور،
ولا تثبت فيما ينقل كالأثاث والحيوان على رأي، وتثبت في النخل والشجر والبناء
تبعا للأرض، لا في الثمرة وإن كانت على الأصل وبيعا معا.
الرابع: أن يكون المبيع مما يصح قسمته، فلا شفعة فيما لا يصح قسمته
كالحمامات والدكاكين الضيقة والطرق الضيقة على رأي، فلو كان الطريق
والنهر مما لا يضر بصاحبه بالقسمة ثبتت الشفعة.
421

دفع المثل، وإلا القيمة على رأي، ويعتبر يوم العقد.
ولو تقابل المتبايعان لم تبطل الشفعة، وكذا لو باع المشتري، فإن شاء
أخذ من الثاني والشفيع يأخذ من المشتري والدرك عليه، ولا يجب على
المشتري القبض من البائع.
ولو تعيب بغير فعل المشتري أو بفعله قبل الطلب أخذ الشفيع بالجميع أو
ترك والإنقاص له، ولو تعيب بفعله بعد الطلب ضمن المشتري، ولو غرس فأخذ
الشفيع فقلع المشتري لم يجب عليه الإصلاح، ولو لم يقلع كان للشفيع القلع
مع دفع الأرش، والنماء المتصل للشفيع لا المنفصل.
ولو باع شقصين والشفيع واحد أخذ الجميع أو أحدهما بحصته، ولو كان
الثمن المعين مستحقا بطلت الشفعة بخلاف غيره، ولو رجع المشتري بأرش
العيب السابق أخذه الشفيع بما بعده، ولو أسقطه أخذ الشفيع بالجميع.
ويملك بقوله: أخذت أو تملكت مع تسليم الثمن وإن لم يرض المشتري،
أو بدون التسليم مع رضا المشتري بكونه في ذمته، ولو قال: أخذت بالثمن
وكان عالما بقدره صح، وإلا فلا، وإن قال: بمهما كان.
ولا يجب على المشتري الدفع حتى يقبض، ولو كان الثمن مؤجلا فله
الأخذ في الحال بمؤجل، فإن لم يكن مليا أقام كفيلا به، ولو تعذر انتفاع الشفيع
للشغل بالزرع فله تأخير المطالبة إلى الحصاد.
والشفعة تورث كالمال، ويصح الصلح على إسقاطها بعوض، ولو باع
الشفيع نصيبه عالما أو جاهلا سقطت شفعته، والفسخ المتعقب لا يبطل الشفعة،
كرد البائع الثمن المعين من ذوات القيم لعيبه، فإنه يرجع بقيمة الشقص لا به،
ولو رجع البائع بالأرش لم يرجع على الشفيع إن كان أخذه بقيمة الصحيح.
ولو باع مدعي الوكالة عن الغائب ولا بينة لم يكن للشريك الشفعة إلا أن
يصدقه، ولو اختلفا في قدر الثمن قدم قول المشتري مع اليمين، ولو اختلف
المتبايعان فالقول قول البائع مع يمينه ويأخذ الشفيع بما ادعاه المشتري على
422

الخامس: أن يكون البائع شريكا بالجزء المشاع، فلو قسم وباع فلا شفعة،
نعم تثبت بالشركة في النهر والطريق والساقية وإن تميز بالقسمة.
السادس: قدرة الشفيع على الثمن، فلو كان عاجزا عنه بطلت شفعته، وكذا
لو ماطل أو هرب، ولو ادعى غيبة الثمن أجل ثلاثة أيام، فتبطل إن لم يحضره
فيها، ولو ذكر غيبته في بلد آخر أجل بقدر وصوله إليه وثلاثة أيام ما لم يتضرر
المشتري.
السابع: المطالبة على الفور على رأي، فلو أخل بها مع قدرته بطلت، ولو
أخل لعذر عنها وعن التوكيل، أو لعدم علمه، أو لتوهمه كثرة الثمن، أو لتوهم نقد
معين أو جنس بعينه لم تبطل.
والمحبوس على حق معذور مع عجزه لا بدونه، والمجنون والصبي
معذوران مع إهمال الولي لغير المصلحة لا لها، ولو قدم الغائب العاجز عن
الحضور والوكالة كان له الأخذ وإن تطاول دهره ولم يشهد مع إمكانه.
ولا يجب تجاوز العادة في المشي، ولا قطع العبادة المندوبة، ولا ترك
الصلاة بعد دخول وقتها.
الثامن: إسلام الشفيع إن كان المشتري مسلما، فلا تثبت للكافر وإن كان
ذميا على المسلم، ولا اعتبار بالبائع، وتثبت للمسلم والكافر على الكافر.
الفصل الثاني: في الأحكام:
يستحق الشفيع الأخذ بالعقد، وإن اشتمل على خيار للبائع فبعد انقضائه،
ولا يملك إلا بالأخذ، وإنما يأخذ الجميع أو يترك، ويأخذ بما وقع عليه العقد
وإن بيع بأضعاف ثمن المثل وأبرئ المشتري من أكثره حيلة لسقوطها، ولا
يلزمه غيره من دلالة وشبهها وزيادة في مدة الخيار.
ولو دفع عرضا يساوي بعض الثمن أخذه الشفيع بالمسمى، ولو ضم المشفوع بغيره أخذ
المشفوع بالحصة ولا خيار للمشتري، فإن كان الثمن مثليا
423

رأي، والقول قول منكر الشفعة لو ادعى الشريك الابتياع أو تأخره، ولو تداعيا
التأخير تحالفا واستقر بينهما.
وتبطل الشفعة بالترك مع علم البيع وعدم العذر وإن لم يصرح على
رأي، وبالنزول قبل البيع على رأي. ولو شهد أو بارك أو أذن في الابتياع، أو
ضمن الدرك أو توكل، ففي الإبطال نظر.
والإقالة فسخ لا بيع، فلا تثبت بها شفعة، وشرطها المساواة في الثمن،
ويصح في الجميع والبعض، ومع التقايل إن كان العوض موجودا أخذه، وإلا
المثل أو القيمة.
424

تلخيص المرام
كتاب الشفعة
وهي ثابتة في كل ما يصح قسمته خاصة على رأي، وإن كان مما ينقل
ويحول على رأي، مما هو بين شريكين لا أزيد على رأي، مشاعا فيه أو في الطريق
إذا لم يحول الباب وقت البيع أو الشرب وقد انتقلت الحصة إليه بالبيع لا بغيره،
ولا يتوقف على انقضاء خيار البائع على رأي، ولو باع المقسوم من الشقص
فالشفعة في الشقص بعد نسبة الثمن ولا خيار للمشتري، وللموقوف عليه أخذ
الشقص الآخر الطلق بالشفعة على رأي.
ولو عجز الشفيع عن الثمن أو ماطل، أو أجل ثلاثة أيام لغيبة الثمن لا في بلد
آخر فخرجت، أو أهمل المطالبة مع التمكن والعلم على رأي، أو رضي بالبيع، أو
كان الشراء بالعين وخرجت مستحقة، أو باع الشفيع نصيبه بعد العلم بالشفعة
قبل الأخذ أو قبل العلم أيضا، على رأي، أو جهلا قدر الثمن أو بلغه متواترا، أو
بشاهدي عدل فقال: لم أصدق، أو كان المبيع نائيا فأخر المطالبة للوصول، أو
أقر الشفيع بغصبية الثمن المعين، أو تلفه قبل قبضه، أو بلغه أن الثمن أقل، أو أنه
مؤجل فترك فبان الخلاف، أو قال: آخذ نصف المبيع، خلافا لمن قال: إنه
تصريح بالطلب فليس بتسليم لأنه ضده دلالة بطلت الشفعة.
ولا يجب قطع العبادة المندوبة للطلب ولا السعي على خلاف عادته، ولو
ذكر غيبة المال في بلد آخر أجل بمقدار الوصول منه وثلاثة ما لم يستضر
425

المشتري، ولا يجب عليه الدفع قبل القبض، ويثبت للغائب ويأخذ الوكيل وإلا
فهو إذا حضر، وللمجنون والصبي ويأخذ الولي وإلا فهما مع زوال الوصفين، إلا
فهو إذا حضر، وللمجنون والصبي ويأخذ الولي وإلا فهما مع زوال الوصفين، إلا
أن يترك لمصلحتهما على رأي، وللكافر على مثله لا على المسلم، وللمسلم عليه
وعلى الكافر، وللمكاتب على غيره وإن لم يرض المولى، وللأب والجد من اليتيم،
وللوكيل من الموكل والوصي على رأي.
وليس للشفيع أخذ البعض إلا أن يكون شقصين من موضعين في صفقة
ويأخذ بالثمن لا أقل وإن زاد عن القيمة، ولا اعتبار بالزيادة والنقصان في الثمن
بعد العقد، وإن كان في مدة الخيار على رأي، ولا بالدلالة والوكالة، ويعتبر المثل
فإن لم يكن مثليا فالقيمة على رأي، وقت العقد.
ولو ترك المطالبة موهما كثرة الثمن أو كونه من جنس، أو حالا فبان
الخلاف، أو قال: اشتريت النصف بكذا فبان أن المشتري الربع ينصف الثمن أو
بالعكس، أو بلغه أن المشتري اثنان فبان واحدا أو بالعكس، أو أنه اشترى لنفسه
فبان لغيره أو بالعكس، أو أخر لعذر يمنع مباشرة الطلب والتوكيل، أو بان
استحقاق ثمن الشفيع، أو تقايل المتبايعان، أو نزل عن الشفعة قبل البيع على
رأي، أو ضمن الشفيع الدرك عن أحدهما، أو شرطا له الخيار، أو كان وكيلا
لأحدهما، أو شهد على البيع، أو بارك لأحدهما على إشكال، أو أخره وقال: لم
أصدق لم تبطل الشفعة.
ولو باع المشتري فللشفيع الفسخ والأخذ من الأول أو من الثاني، وكذا لو
وقفه أو جعله مسجدا فله الفسخ، وإنما يأخذ الشفيع من المشتري والدرك عليه
وإن أخذ من البائع، ولا يكلف المشتري الأخذ والتسليم.
ولو عابت العين بغير فعل المشتري أو بفعله قبل المطالبة فللشفيع الأخذ
بالثمن أو الترك، ولو كان بعدها ضمن المشتري وللشفيع الإنقاص، ولو غرس
المشتري ثم طالب الشفيع فله غرسه وليس عليه إصلاح الأرض، ولو لم يقلعه
قلعه الشفيع وعليه أرش الغرس، والزيادة المتصلة للشفيع والمنفصلة للمشتري،
426

ولو أخذ المشتري أرش عيب ظهر في المبيع فللشفيع الأخذ بما بعد الأرش، ولو
لم يأخذ فله الأخذ بالجميع أو الترك، ولو قال وقت بلوغه البيع: أخذت
بالشفعة وعلم بالثمن صح وإلا فلا، وإن قال: أخذت بمهما كان لم يصح، ولو
اشترى بثمن مؤجل فللشفيع الأخذ بالمؤجل بعد التكفيل به على رأي وقيل: لو
كانت الأرض مشغولة بزرع يجب تبقيته يجبر الشفيع بين الأخذ والصبر مع
ثبوت الشفعة.
والشفعة تورث كالمال على رأي، ولو عفا أحدهما كان للباقي أخذ الجميع
أو الترك، ولو علم الشفيع والمشتري بالعيب قبل الشراء فلا خيار، ويختص
الخيار بين الرد وتركه بالجاهل، إلا أن يكون المشتري فله الأرش أيضا، إلا أن
يلتزم الشفيع فيسقط الرد، ولو اشترك، اشترك الخيار إلا في الأرش فيختص
بالمشتري إلا مع التزام الشفيع فيسقط الرد.
ولا تبطل الشفعة بالفسخ المتعقب، فلو باعه بغير مثل وظهر العيب رجع
بقيمة الشقص لا به، ولو عاد إلى المشتري لم يجب الرد والقبول على واحد منهما،
وإن كانت قيمته أقل من قيمة الثمن لم يرجع الشفيع بالتفاوت، وإن كانت أكثر
لم يرجع عليه، ولو رجع البائع بالأرش لم يرجع على الشفيع إن كان أخذه
بقيمة الصحيح، وإلا رجع، ولو باع عن الغائب من ادعى الوكالة من غير ثبوت،
لم تثبت الشفعة على رأي، والقول قول المشتري في كمية الثمن لو خالفه الشفيع
ولو تعارضت البينة، قيل: قدمت بينة المشتري، وقيل: الشفيع.
ولا تقبل شهادة البائع للشفيع، ولو اختلف المتبايعان قدمت بينة المشتري،
ومع عدم البينات يحلف البائع، قيل: ويقضى على الشفيع بما حلف عليه أو
يترك، وعندي يأخذ بما ادعاه المشتري، ولو ادعى الشريك البيع فأنكر
الغريم، ثبتت الشفعة للآخر على المقر على رأي، ولو ادعى المتبايعان غصبية الثمن
وأنكر الشفيع فالقول قوله مع اليمين، ولو قال: نسيت الثمن حلف وبطلت
الشفعة، ولو قال: لا أعلم، لم يكن جوابا.
427

ولو ادعى الشريك تأخير شراء صاحبه، حلف وبرئ، ولو ادعى كل منهما
السبق تحالفا، ولو تعارضت البينات، قيل: يقرع، وقيل سقطتا، وقيل: يقرع لو
أقاما بينة على دعوى الشريك ابتياع شريكه ودعوى الآخر الإرث.
ولو ادعى الشريك الإيداع قدمت بينة الشفيع ولو شهدت بالابتياع مطلقا،
والأخرى أن المودع أودع ما يملكه متأخرا قدمت بينة الإيداع على رأي، فإن
صدق المودع سقطت الشفعة وإلا ثبتت، ولو شهدت بينة الإيداع مطلقا، وبينة
الشفيع أن البائع باع ما يملك قضي بالشفعة.
ولو باع أحد الشريكين حصته على واحد بالتعاقب لم تبطل الشفعة، ولو
وكل أحد الشريكين صاحبه في بيع نصف حصته فباعه مع نصف حصته لم
تبطل شفعة واحد منهما على رأي.
ولو باع المريض والجاني أخذ الشفيع بالثمن إلا أن يزيد على الثلث فيأخذ
ما قابل الثلث بالثمن على رأي والقول قول المشتري لو خالفه الشفيع في أن البناء
أحدثه، ولو تلف نصف ثمن الشقص وغيره المعين قبل القبض، قيل: بطل
البيع، وقيل: بطلت فيما قابله فتثبت الشفعة في بعض الشقص المقابل لبعض
ثمن الموجود، ولا يثبت بعد الشفعة خيار للشفيع، وله إبطال خيار المشتري.
ولو باع قطعة معينة من المشترك مضى في نصيبه وللآخر الشفعة، ولو
اشترى عامل القراض شقصا في شركته ولا ربح فليس للمالك الشفعة على رأي،
لأنه وكيل، ومع الربح يأخذ أصل المال وحصة صاحبه بالشفعة، وفي حصته
قول، يبني على أن لرب المال أن يأخذ بالشفعة إذا كان الشقص في شركته أم لا.
وإذا لم يكن الشفيع رأي المبيع فلا شفعة، فإن رضي المشتري بأن يكون له
خيار الرؤية صح، وإلا فلا.
ولو بيع بعض الأرض بالدين فلا شفعة للورثة، وكذا لو أوصى بالبيع
والتصدق بالثمن، وقيل: إنما تثبت الشفعة في الأرضين فيدخل النبات والأبنية
وغيرهما مما يتصل بها تبعا، ولو بيعت منفردة فلا شفعة، ويدخل الدولاب
428

والناعورة تبعا، لا الحبال التي يدار عليها الدولاب، وقيل: تثبت الشفعة مع
الكثرة، فقيل: على عدد الرؤوس، وقيل: على قدر الأنصباء فلو باع أحد الأربعة
وعفا الآخر أخذ الآخران الجميع لا قدر حقهما.
ولو شهدا بالعفو بعد عفوهما قبلت ولو كان قبله أو أعاداها بعده لم تقبل،
ولو حضر أحدهما أخذ الجميع فلو حضر آخر أخذ منه النصف فإن حضر الثالث
أخذ الثلث فإن حضر الرابع أخذ الربع أو تركوا، ولو ظهر الشقص مستحقا لم
يرجع المتعقب على السابق بل على المشتري، ولو قاسم الأولين فللآخر إبطالها،
ولو رد الأول لعيب فللآخر أخذها ولو استعملها لم يشاركه الثاني إلا في الشقص،
ولو قال الحاضر: لا آخذ إلا مع حضور الغائب، لم تبطل شفعته على إشكال.
ولو باع أحد الثلاثة على صاحبه، قيل: تختص الشفعة بالثالث، وقيل:
تشترك بينه وبين المشتري، ولو باع اثنان من ثلاثة فللشفيع الأخذ من الجميع
أو من اثنين أو من واحد، ولو باعا من اثنين فهي أربعة عقود وليس لبعضهم مع
الشفيع شفعة.
ولو باع الشريك من ثلاثة على التعاقب، فإن أخذ الشفيع من الأول لم
يشاركه الباقيان وإن أخذ من اللاحق شاركه السابق، ولو كان لأحد الثلاثة
النصف وساوى الباقيان ثم اشترى أحدهما الربع منه للقراض من مال الآخر،
قيل: لا شفعة، فإن باع الربع الباقي على أجنبي، فلصاحب المال ثلثه وللعامل
الثلث ولمال القراض الثلث.
ولو باع أحد الأربعة على صاحبيه فالشفعة في كل منهما أثلاثا، ولو عفا
كل منهما عن صاحبه دون الآخر فله نصف مشتري كل واحد منهما، ولو عفا
عنهما دونهما فلكل منهما نصف مشتري صاحبه، واستقر المشتري بينهما كما لو
لم تكن شفعة، ولو عفا عن أحدهما أخذ الآخر ثلث حصته والمعفو عنه الثلث
ويأخذ الآخر من المعفو عنه النصف.
ولو اشترى من أحد الثلاثة وادعى العفو على الباقيين واعترفا أو قامت البينة
429

فلا شفعة، وإلا فعليهما الثمن، فإن حلف أحدهما ونكل الآخر، قيل: لا رد لعدم
الفائدة، وعندي فيه نظر، ويسلم الجميع إلى الحالف، فإن طالبه الناكل وصدقه
في عدم العفو شاركه، وإلا فالقول قول الناكل مع يمينه، ولا يسقط حقه عليه
لنكوله أولا.
430

الدروس الشرعية
كتاب الشفعة
وهي لغة: فعلة من " شفع كذا بكذا " إذا جعله شفعا به، فإن الشفيع يجعل
نصيبه شفعا بنصيب شريكه، وأصلها التقوية، لأن كلا من الوترين يقوى بالآخر.
وشرعا: حق ملك قهري يثبت بالبيع لشريك قديم على لشريك حادث،
مما لا ينقل عادة مع قراره.
وثبوتها إجماعي إلا من أبي الشعثاء جابر بن زيد، ولا يقدح خلافه مع
الطعن في عقيدته بالخروج.
وتثبت في الأرض بالأصالة، وفي المساكن والأشجار بالتبع.
ولو اشتركت غرفة بين اثنين واختص أحدهما بالسقف أو انتفى السقف
عنهما، فلا شفعة فيها عند الفاضل، لعدم قرارها، ولو كان السقف للشريكين لأن
ما في الهواء لا ثبات له، ولو علل بأن آلات البناء إنما يثبت فيها الشفعة تبعا
للأرض، ولا أرض هنا كان أوجه.
واختلف الأصحاب في المنقول، فأثبتها فيه المرتضى، وهو ظاهر المفيد
وقول الشيخ في النهاية وابن الجنيد والحلبي والقاضي وابن إدريس، وظاهر
المبسوط والمتأخرين نفيها فيه.
وأثبتها الصدوقان في الحيوان والرقيق، والفاضل في العبد لصحيحة الحلبي،
ومرسلة يونس تدل على العموم، وليس ببعيد.
431

وعلى القول بنفيها عن المنقول لو ضمه إلى غير المنقول لم يشفع ولم يمنع،
ويؤخذ الآخر بالحصة من الثمن يوم العقد. وقال الشيخ بدخول الثمرة في
الشفعة.
واحترزنا بالعادة ليدخل الدولاب، فإنه وإن أمكن نقله إلا أن العادة بخلافه،
فتثبت فيه الشفعة لا في حباله ودلائه المنقولة عادة، وإنما يثبت في الدولاب تبعا
للأرض.
ثم اختلفوا في إمكان القسمة على قولين المشهورين، فعلى اشتراطه فلا شفعة
فيما لا يمكن قسمته كالحمام الصغير والعضائد الضيقة والنهر والطريق الضيقين،
وكذا الرحى إلا أن يمكن قسمة أحجارها وبيتها.
فرع:
لو اشتملت الأرض على بئر لا يمكن قسمتها وأمكن أن تسلم البئر لأحدهما
مع قسمة الأرض ثبتت الشفعة في الجميع، قيل: وكذا لو أمكن جعل أكثر بيت
الرحى موازيا لما فيه الرحى، ويلزم فيه لو اشتملت الأرض على حمام أو بيت ضيق
وأمكن سلامة الحمام أو البيت لأحدهما إن ثبتت، وعندي فيه نظر، للشك في
وجوب قسمة ما هذا شأنه.
وإنما يثبت للشريك لا للجار - ونقل الشيخ فيه الإجماع، خلافا لظاهر
الحسن، وقدم عليه الخليط، وهو شاذ - ولا مع القسمة إلا مع الاشتراك في
الطريق أو النهر اللذين يقبلا القسمة على الخلاف.
ولا تثبت لأزيد من شريك على الأشهر، ويكاد يكون إجماعا كما نقله ابن
إدريس، وقول ابن الجنيد بثبوتها مع الكثرة نادر، وكذا قول الصدوق بثبوتها في
غير الحيوان مع الكثرة وفي الحيوان مع الشريك الواحد لرواية عبد الله بن
سنان.
نعم بقول ابن الجنيد روايات: منها صحيحة منصور بن حازم، ومال إليه
432

الفاضل في المختلف، والأولى حملها على التقية.
ثم اختلف هذان في ثبوتها بحسب الرؤوس أو بحسب السهام، فالصدوق
على الأول، وابن الجنيد على الثاني، ويجوز عنده قسمتها على الرؤوس لما روي
عن أمير المؤمنين عليه السلام: الشفعة على عدد الرجال.
ويشترط انتقال الحصة بالبيع، فلو انتقلت بغيره من الصلح والإجارة والهبة
والإرث والإصداق فلا شفعة، ونقل الشيخ فيه الإجماع، وشذ قول ابن الجنيد
بثبوتها في الموهوب بعوض أو غيره.
ولا تثبت لذمي على مسلم وإن كان البائع ذميا، وفي رواية السكوني: ليس
لليهود والنصارى شفعة، والظاهر أن المراد به على المسلم.
ويشترط كون الملك المأخوذ به طلقا، فلو كان وقفا وبيع الطلق لم
يستحق صاحب الوقف شفعة، ونقل الشيخ في المبسوط فيه عدم الخلاف،
لنقص الملك بعدم التصرف فيه، وقال المرتضى: للناظر في الوقف من إمام
ووصي وولي الأخذ بالشفعة، وقال ابن إدريس: ذلك حق إن كان الموقوف
عليه واحدا، وارتضاه المتأخرون، وهو مبني على تملكه الوقف وأن هذا الملك
الناقص مما ثبتت فيه الشفعة، نعم لو بيع الوقف في صورة الجواز ثبت للآخر
الشفعة قطعا.
واحترزنا بالشريك القديم عن المقارن، فلو اشتريا معا فلا شفعة، وكذا لا
شفعة للمتأخر على المتقدم.
ولو ادعيا السبق ولا بينة سمع من السابق في الدعوى أو من صاحب اليمين
لو ابتدرا الدعوى، فإذا أنكر المدعى عليه حلف ثم تسمع دعوى الثاني على الأول
فيحلف مع الإنكار ويستقر الملك بينهما، ولو نكلا فكذلك.
ولو نكل المدعى عليه أول حلف المدعي وأخذ نصيب صاحبه وسقطت
دعوى صاحبه لزوال ملكه، ولو نكل المدعى عليه ثانيا - وهو المدعي أولا -
حلف صاحبه وأخذ صحته، ولا تكفيه اليمين الأول لأنها على النفي، ولو أقام
433

أحدهما بينة، قضي له.
ولو أقاما بينتين بني على الإعمال أو التساقط، فعلى الأول يقرع، وعلى الثاني
كما لو لم تكن بينة، والقرعة أقوى، ولو أقام أحدهما بينة بالشراء من غير تاريخ
فلا عبرة بها.
درس [1]:
يشترط قدرة الشفيع على الثمن، فلو اعترف بالعجز أو ماطل أو هرب فلا
شفعة، ولو قال: الثمن غائب فأمهلوني أجل ثلاثة أيام، ولو كان في بلد آخر أجل
زمانا يسع ذهابه وإيابه وثلاثة، إلا أن يتضرر المشتري فيسقط، ولا يجب على
المشتري قبول الرهن أو الضامن أو العوض.
وليدفع الثمن قبل تسليم المبيع جبرا لقهر المشتري، ولو سلمه ليحضر
الثمن إلى مدة فماطل حتى انقضت، فله الفسخ واسترداد المبيع.
ولو كان الشريك غائبا فله الشفعة إذا علم، وإن تطاول زمانه ما لم يتمكن
من المطالبة في الغيبة بنفسه أو وكيله، ولا عبرة بتمكنه من الإشهاد، فلا يبطل حقه
بتمكنه من الإشهاد على المطالبة ولما يشهد، والمريض الذي لا يتمكن من المطالبة
كالغائب، وكذا المحبوس ظلما أو بحق يعجز عنه، ولو قدر عليه ولم يطالب
بطلت.
وتثبت الشفعة للصبي والمجنون والسفيه، فيطالب الولي مع الغبطة، فلو
ترك فلهم المطالبة بعد زوال المانع، والأقرب أن للولي ذلك أيضا لبطلان
الترك، ولو أخذ لا مع الغبطة جاز لهم نقضها.
وتثبت للمفلس، وللغرماء منعه من بذل المال، فيها، فإن مكنوه أو رضي
المشتري بذمته تعلق بالشقص حق الغرماء.
ويثبت للمكاتب بنوعيه، وليس للمولى الاعتراض عليه، بخلاف المأذون
فإن له منعه.
434

وتثبت للعامل، فإن تركه فللمالك الأخذ، فليس للمالك أخذ ما اشتراه
العامل بالشفعة، بل له فسخ المضاربة فيه، فإن كان فيه ربح ملك العامل
نصيبه وإلا فله الأجرة، وللعامل أخذ الشقص الذي اشتراه في شركة نفسه
بالشفعة إن قلنا أن الوكيل يأخذ بها.
فروع:
الأول: الولي لاثنين لو باع نصيبا لأحدهما في شركة الآخر فله الأخذ للآخر،
ولو باع الولي نصيبه المشترك بينه وبين المولى عليه فله الأخذ له، ولو باع
نصيب المولى عليه فله الأخذ لنفسه.
وفي المختلف نفي أخذ الولي لنفسه الشفعة وكذا الوكيل، لرضاهما بالبيع.
ويضعف بأنه تمهيد طريق الشفعة.
ومنع الشيخ من أخذ الوصي الشفعة، لكونه متهما بتقليل الثمن ليأخذه
لنفسه. ويضعف بأنه نسبة إلى الخيانة، والأصل الأمانة، قال: وليس للوصي
الشراء لنفسه، وفيه منع، وجوز ذلك كله في الأب والجد لأن شفعتهما كاملة.
ومنع الشيخ أيضا من أخذ الوكيل، لاتهامه في تقليل الثمن، ولأنه لا يجوز
شراؤه من نفسه.
الثاني: لا شفعة للحمل لأنه لا يملك ابتداء في غير الإرث والوصية، ولو
انفصل حيا فهل لوليه الأخذ أو له بعد كماله؟ نظر.
الثالث: المغمى عليه كالغائب وإن تطاول الإغماء، ولا ولاية عليه لأحد، فلو
أخذ له آخذ لغا الأخذ، وإن أفاق وأجاز ملك من حين الإجازة لا قبلها، فالنماء
للمشتري قبلها.
الرابع: لو باع المكاتب شقصا على المولى ببعض مال الكتابة ثبتت الشفعة
لشريكه، وإن كان مشروطا وفسخت كتابته، فالأولى بقاء الشفعة اعتبارا بحال
البيع، ووجه زوالها خروجه عن كونه مبيعا.
435

الخامس: لو اشتمل البيع على خيار للبائع أو لهما، قال الشيخ: لا شفعة،
بناء على عدم انتقال المبيع، وهو قول ابن الجنيد، وقال ابن إدريس: ثبتت بناء
على الانتقال، فظاهره بطلان خيار البائع بالأخذ، وقال الفاضل: أخذه مراعى،
فإن فسخ البائع بطل الأخذ وإلا صح، ولا أعلم به قائلا.
قال الشيخ: فإن اختص به المشتري ثبتت الشفعة وله المطالبة بها قبل
انقضاء الخيار، ويلزم على قوله الفاضل أن تكون المطالبة مراعاة، ويمكن القول
بأن الأخذ يبطل خيار المشتري، كما لو أراد الرد بالعيب فأخذ الشفيع، ولأن
الغرض الثمن وقد حصل من الشفيع، إلا أن يجاب بأن المشتري يريد دفع
الدرك عنه.
فرع:
لو كان الخيار للمشتري فباع الشفيع نصيبه فالشفعة للمشتري الأول، وفي
بقاء شفعة البائع لو باع قبل العلم وجهان يأتيان إن شاء الله تعالى.
ولو كان الخيار للبائع أو لهما فالشفعة للبائع الأول عند الشيخ وابن
الجنيد، لأن المبيع لم ينتقل عنه، ومن قال بالانتقال فالشفعة للمشتري الأول.
السادس: إنما يأخذ المشتري بالثمن الذي وقع عليه العقد، ولا يلزمه الدلالة
ولا أجرة الناقد والوزان، ولا ما يزيده المشتري للبائع وإن كان في مدة الخيار،
ولا ما ينقصه البائع عن المشتري، وقال الشيخ: يلحق الزيادة والنقيصة بالعقد
في الخيار، بناء على مذهبه في الانتقال.
السابع: لو باع شقصا في المرض وحابى من وارث أو غيره، فإن خرج من
الثلث قدر المحاباة أخذ الشفيع بذلك الثمن، وكذا لو أجاز الوارث، ولو زاد ولم
يجز أخذ ما استقر عليه العقد بحصته من الثمن، ولو أراد المشتري الفسخ لتبعض
الصفقة فللشفيع منعه.
الثامن: لو أخبر المشتري بقدر المبيع أو الثمن أو جنسه وحلوله أو تأجيله أو
436

أنه اشترى لنفسه أو لغيره أو بشركة غيره فترك الشفيع ثم تبين خلاف الخبر
فله الأخذ، إلا أن يكون في الإخبار بثمن من جنس فيظهر الثمن أكثر فإنه إذا لم
يرغب بالأقل فبالأكثر أولى، وكذا لو تبين أن المبيع أكثر مع اتحاد الثمن.
درس [2]:
حق طلب الشفعة على الفور عند الشيخ وأتباعه، فمتى علم وأهمل مع
القدرة بطلت، ونقل فيه الإجماع، وقال ابن بابويه وابن الجنيد والمرتضى - ناقلا
للإجماع - وابن إدريس: لا يبطل بالتراخي، ولم نظفر بنص قاطع من الجانبين،
ولكن في رواية علي بن مهزيار دلالة ما على الفور، مع اعتضادها بنفي الضرار عن
المشتري، لأنه إن تصرف كان معترضا للنقص، وإن أهمل انتفت فائدة الملك.
قال المرتضى: يزول الضرر بعرضه على الشفيع وبذله له، فإما أن يتسلم أو
يترك الشفيع، وفي هذا إيماء بالفور، لأن له عرضه في الحال فإذا ترك بطلت،
والوجه الأول، لما اشتهر من قوله صلى الله عليه وآله: الشفعة كحل عقال، أي إن
لم يبتدر فات كالبعير يحل عقاله.
ولا يمنع الفورية كون الثمن مؤجلا، فيأخذ به في الحال ويؤديه عند الأجل،
ثم إن لم يكن مليا لزم ضامنا للمال، وقال الشيخ في أحد قوليه وهي خيرة ابن
الجنيد: بل يأخذ بالثمن حالا أو يؤخر الأخذ إلى الأجل، ويكون هذا عذرا، فلا
تبطل شفعته بسكوته عن الطلب إذ لا فائدة فيه، ولا يترك الإشهاد.
ولو مات المشتري حل ما عليه دون الشفيع، ولو مات الشفيع لم يحل،
ولو قلنا بالقول الأول بطلت بإهمال الطلب وحل بموت المشتري والشفيع، إلا
أنه لو مات المشتري لم يحل ما على الشفيع.
ولو زرع المشتري الأرض لغيبة الشفيع أو اشتراها مزروعة، قال الشيخ:
للشفيع التأخير إلى الحصاد لئلا يبذل ثمنا ينفعه بإزاء ما لا ينفقه، وقيل: بل يأخذ
في الحال أو يترك محافظة على الفور، والتأخير في المسألتين قوي.
437

ومن العذر التأخير إلى الصبح وإلى الطهارة والصلاة والأكل والشرب
والخروج من الحمام وإغلاق الباب، وله الأذان والإقامة وشهادة الجماعة والمشي
متئدا.
ولو كان المشتري عنده ولم يمنعه اشتغاله عن مطالبته فترك بطلت، ولو
أخبره مخبر لا يعمل بقوله فهو معذور، بخلاف المعصوم والعدلين، أو مع القرينة
بالعدل، بل لو صدق الصبي والمرأة والفاسق - لقرينة أو لا لها - ولم يطالب
بطلت، والأقرب أن النسيان وجهالة الشفعة وجهالة الفورية أعذار في من يمكن
ذلك في حقه.
فإذا حضر بدأ بالسلام والدعاء المعتاد، وله السؤال عن كمية الثمن
والشقص، ولو قال: اشتريت رخيصا أو غاليا وأنا مطالب بالشفعة، بطلت لأنه
فضول.
وعدم العلم بالبيع عذر قطعا، فلو نازعه المشتري حلف الشفيع.
وليحرر الدعوى بتعيين الشقص وحدوده وقدر الثمن، فلو أنكر المشتري
ملكية الشفيع فالأولى القضاء للشفيع وحدوده وقدر الثمن، فلو أنكر المشتري ملكيه
الشفيع فالأولى القضاء للشفيع باليد لأنها دلالة الملك ومسلطة على البيع
والتصرف، وللفاضل قول بإلزامه بالبينة على الملك، لأن اليد المعلومة لا تزال
بالمحتمل، قلنا: معارض بمثله.
ولو قال المدعى عليه بالشفعة: لم أشتره وإنما ورثته أو اتهبته، حلف إلا أن
يقيم الشفيع بينة بالابتياع، ويكفيه اليمين على نفي استحقاق الشفعة وإن أجاب
بعدم الشراء، ولو أقامها فأقام الشريك بينة بالإرث حكم الشيخ بالقرعة، ويمكن
تقديم الابتياع إن شهدا بتملك البائع أو ثبوت يده، لأنه قد يخفى على بينة
الإرث.
ولو ادعى الشريك الإيداع منه وقامت بينة الشفيع بالابتياع، فإن كانتا
مطلقتين أو بينة الابتياع متأخرة التاريخ أو مقيدة بأن البائع باع ما هو ملكه ولم
يقيد بينة الإيداع، قدمت بينة الشفيع، ولو تأخرت بينة الإيداع وشهدت أن
438

المودع أودع ملكه وأطلقت بينة الابتياع، قدمت بينة الإيداع لتفردها بالملك،
فإن حضر المودع وكذب المتشبث ثبتت الشفعة وإلا بطلت، وإن اتحد التاريخان
وقيدتا بالملك، فالوجه القرعة.
ولو قال المطالب بالشفعة: اشتريته لزيد، وصدقه زيد فالشفعة عليه، وإن
أكذبه حكم بالشراء للمقر وأخذه الشفيع، ولو قال زيد: هو لي لم اشتره، خاصمه
الشفيع، ولو كان زيد غائبا فالأقرب أخذ الشفيع والغائب على حجته.
ولو قال: اشتريته لمن لي عليه ولاية، فالظاهر ثبوت الشفعة لأن من ملك
الشراء ملك الإقرار، وهو منقوص بالوكيل، فالأولى الاعتماد على إصالة صحة
أخبار المسلم، ولأنه يقبل إقراره بدين على المولى عليه كما نص عليه في قوله
تعالى: فليملل وليه بالعدل، نعم لو قال أولا: هو للطفل، ثم قال: اشتريته له،
أمكن هنا عدم الشفعة، لثبوت الملك بالأول فلا يقبل الآن ما يعارضه.
ولو كان شقصا بيد حاضر فادعى شراؤه من مالكه وصدقه الشريك ففي
أخذه نظره، من أنه إقرار من ذي اليد، أو أنه إقرار على الغير، وكذا لو باع ذو اليد
مدعيا للوكالة وصدقه الشفيع.
وحيث قلنا بجواز الأخذ فالغائب على حجته، فإذا حضر وأنكر حلف
وانتزعه وأجرته ممن شاء منهما.
ولا يرجع الشفيع على الوكيل لو رجع عليه، بخلاف ما لو رجع على
الوكيل، والفرق استقرار التلف في يد الشفيع، ولو أخذ الشفيع اعتمادا على
دعوى الوكيل يرجع عليه لأنه غره، والوجه في الأولى عدم رجوع أحدهما على
الآخر، لاعتراف المرجوع عليه بظلم الراجع.
درس [3]:
لو عفا الشريك عن شفعته بطلت، وكذا لو صولح على تركها على مال،
ويبطل أيضا بجهالة الثمن بأن يشتريه الوكيل ويتعذر علمه به، أو قال المشتري
439

أنسيته، وحلف، ويتلف الثمن المعين قبل قبضه على قول الشيخ، وقوى بعضهم
بقاءها، وفصل بكون التلف قبل أخذ الشفيع أو بعده، فيبطل في الأول دون
الثاني، أو طهور استحقاقه ولم يجز مالكه، بخلاف الثمن غير المعين، وبخلاف ما
لو دفع الشفيع الثمن فظهر مستحقا، فإنه لا تبطل به إلا مع علمه باستحقاقه إذا
جعلناها فورية.
ولو أقر المتبايعان باستحقاق الثمن وأنكر الشفيع فله الأخذ، وعليه اليمين إن
ادعيا علمه.
ولو كان الثمن قيميا - كالعبد والجوهر - ففي استحقاق الشفعة قولان
مشهوران، وقال ابن الجنيد: يكلف الشفيع رد العين التي وقع عليها العقد إن
شاء وإلا فلا شفعة له، ورواية هارون بن حمزة فيها إلمام به، ورواية ابن رئاب فيها
إلمام بالبطلان حتى يكون الثمن مثليا، وهو خيرة المختلف.
والأقرب أنه يؤخذ بقيمته يوم العقد عملا بالعموم السالم عن معارض
صريح، فلو وجد البائع به عيبا فرده.
فإن كان بعد أخذ الشفيع رجع بقيمة الشقص على المشتري زاد عن الثمن
أولا، والأقرب أنه ليس للمشتري الرجوع بالزيادة على الشفيع لأنه أمر حدث
بعد استقرار الملك بالثمن المعين.
وإن كان رده قبل أخذ الشفيع فقد تعارض حق الشفيع بالسبق وحق
البائع بعود الملك إلى أصله، وبإدخال الضرر عليه في فوات الشقص، والشفعة
وضعت لإزالة الضرر فلا تكون سببا في الضرر، وربما قيل: حق البائع أسبق
لاستناده إلى العيب المقارن للعقد، والشفعة ثبتت بعده فيكون أولى من الشفيع
وعندي فيه نظر.
ولو أخذ البائع أرش الثمن رجع به المشتري على الشفيع إن كان أخذه
بقيمة الثمن معيبا وإلا فلا، ولو ترك البائع الرد والأرش فلا رجوع للشفيع
بشئ لأنه كإسقاط بعض الثمن، ولو عاد الشقص إلى ملك المشتري بعد أخذ
440

الشفيع لم يكن له رده عليه البائع ولا للبائع أخذه قهرا.
ومن مبطلاتها: بيع الشفيع نصيبه بعد علمه ببيع شريكه، ولو كان قبل
علمه لم يبطل عند الشيخ اعتبارا بسبق الاستحقاق، وأبطلها الفاضلان، لزوال
سبب الاستحقاق، ولأن الشفعة لإزالة الضرر ولا ضرر هنا، بل بالأخذ يحصل
الضرر على المشتري، لا في مقابلة دفع الضرر عن الشفيع.
ومنها: أن ينزل عن الشفعة قبل العقد، أو يأذن للبائع في البيع، أو يشهد على
البيع عند الشيخ، أو يبارك للمشتري فيه - قاله في النهاية خلافا للمبسوط - لأن
الدعاء له بالبركة يرجع إلى نفسه.
وقال الشيخان: لو عرض البائع الشقص على الشريك بثمن معلوم فأبى ثم
باعه به أو بأزيد فلا شفعة له، لإيذانه بنفي الضرار عنه، ورواية جابر عن النبي صلى
الله عليه وآله: لا يحل له أن يبيعه حتى يعرضه على شريكه، تؤذن بذلك،
وخالف ابن الجنيد وابن إدريس لأنه نزول عما لم يجب، وتوقف في المختلف،
ولو ضمن العهدة للبائع أو المشتري أمكن بقاء حقه، لأنه تقرير للسبب، ولأنه
ليس أبلغ من النزول قبل العقد والوكالة لأحدهما.
وتجوز الحيلة على إسقاطها بإيقاع الهبة مع التعويض، وبزيادة الثمن ويبرئه
من الأكثر أو يتعارض عنه بالأقل، أو يبيعه المشتري سلعة بأضعاف ثمنها ثم
يشتري الشقص بذلك الثمن.
فروع:
الأول: لو قال للمشتري: بعني الشقص أو هبني أو قاسمني، فهو رضا مبطل
للشفعة، بخلاف " صالحني على إسقاطها " فإنه لا يبطلها، فإن صالحه وإلا فله
المطالبة.
الثاني: لو قال: أخذت نصف الشقص خاصة، بطلت، لأن العفو عن البعض
يبطلها، لأنها لا تتجزأ كالقصاص، وللضرر على المشتري، ويحتمل أن يكون
441

ذلك أخذا للجميع لأن أخذ الجزء لا يتم إلا بأخذ الكل، ولو اقتصر على قوله:
أخذت نصفه، فوجهان مرتبان، وأولى بالبقاء لأن أخذ البعض لا ينافي أخذ الكل
إلا أن يؤدي إلى التراخي.
الثالث: لو جعل المتبايعان للشفيع الخيار فاختار اللزوم لم تبطل على
الأقوى، لأنه تمهيد الطريق، ويحتمل البطلان إن أبطلنا شفعة الوكيل في البيع أو
في الشراء لأن اختياره من تتمة العقد.
الرابع: لو كان الثمن عرضا قيميا وقلنا بثبوت الشفعة واختلفا في قيمته
عرض على المقومين، فإن تعذر بهلاكه وشبه قدم قول المشتري في القيمة على
الأقرب لأن الأصل بقاء ملكه ولا يعلم إلا بقوله، ولو قال: لا أعلم قيمته، حلف ولا
شفعة.
الخامس: لو اختلف المتبايعان في الثمن فقد مر حلف البائع ويأخذ الشفيع
بما ادعاه المشتري، ولو رجع المشتري إلى قول البائع لم ينفعه إلا أن يصدقه
الشفيع، ولو اختلف المشتري والشفيع في قدره حلف المشتري لأنه أعرف
بالعقد، وقال ابن الجنيد: يحلف الشفيع لأصالة البراءة.
ولو أقاما بينة، قال الشيخ: تقدم بينة المشتري إما لأنه الداخل وإما لأن بينته
تشهد بزيادة، وقال ابن إدريس: بينة الشفيع لأنه الخارج، واحتمل الفاضل
القرعة.
السادس: لو باعه بمائة رطل حنطة فهل على الشفيع زنتها أو تكال فيوفي
مثل كيلها؟ يبني على أن دفع الحنطة من الشفيع بإزاء حنطة المشتري أو بإزاء
الشقص، وعلى أن بيع الحنطة بها بالوزن هل يجوز أم لا؟، فإن قلنا بإزاء
الشقص أو جوزنا بيعها بالوزن فعليه مائة رطل - وهو الأقوى - وإلا وجب
الكيل.
درس [4]:
لا يملك الشفيع بالمطالبة ولا بدفع الثمن مجردا عن قول حتى يقول:
442

أخذت الشقص أو تملكته بالثمن وشبهه.
ولا يحتاج إلى عقد جديد بينه وبين المشتري، ولا إلى رضا المشتري، ولا
يكفي قضاء القاضي من دون التسليم، وأولى منه بالعدم إشهاد الشاهدين.
وليس في الأخذ خيار المجلس ولا غيره، ولو دفع الثمن وتلفظ بالأخذ ولما
يقبض المبيع ملك وله التصرف، ولا ينزل على الخلاف في بيع المشتري قبل
القبض ولو قلنا بعموم الشفعة للمكيل والموزون، ولو رضي المشتري بتأخير
الثمن ملك بالأخذ وله التصرف أيضا.
ولا بد من معرفة قدر المبيع والثمن ومشاهدة المبيع أو وصفه، فيكون له
خيار الفسخ لو لم يطابق، وهل للمشتري المنع من تسليم الثمن حتى يراه
الشفيع؟ يحتمل ذلك لأنه لا يثق بالثمن قبل الرؤية.
ويجب على المشتري تمكينه من الرؤية بدخول العقار، ولو لم يعلم كميتها
بطل الأخذ ولو قال: أخذت مهما كان بمهما كان، للغرر، ولا يبطل بذلك
شفعته.
ولا يجب على المشتري دفع الشقص إلا بعد قبض جميع الثمن، ولو ضم
المشفوع إلى غيره اختص المشفوع بالحكم ولا خيار للمشتري، لأن تبعض
الصفقة تجدد في ملكه، نعم لو كان قبل القبض أو في مدة خياره وقلنا بعدم منعه
الأخذ أمكن القول بالخيار، لأن هذا العيب مضمون على البائع.
وزوائد الشقص المنفصلة للمشتري والمتصلة للشفيع.
ولو باع شقصين من دارين وكان الشريك واحدا فله أخذها أو أخذ
أحدهما.
ولا تبطل الشفعة بالإقالة ولا بالرد بالعيب ولا بالتصرف، فإن تصرف بنقل
الملك فللشفيع إبطاله، حتى الوقف، ولو كان بالبيع فله الأخذ بما شاء من
العقود، وكل عقد أخذ به صح ما قبله وبطل ما بعده.
والدرك على المأخوذ منه، فيرجع عليه الشفيع بالثمن لو ظهر استحقاق
443

الشقص، ولو تبين كون الشقص معيبا بعد أخذ الشفيع فله رده، وليس له
المطالبة بالأرش إلا أن يكون المشتري قد أخذه من البائع، ولو كان المشتري
عالما بالعيب فلا رد، ولو أده الشفيع بجميع الثمن فالأقرب أن للمشتري الأرش
مع جهله فيرجع به الشفيع.
ولو اشتراه المشتري بالتبري من العيوب ولم يعلم الشفيع، فله الفسخ، ولا
يكلف المشتري إذ الشقص من البائع وتسليمه إلى الشفيع، بل يخلي بينه وبينه
ويكون قبضه كقبض المشتري، فالدرك عليه، ولا يملك الشفيع فسخ البيع
والأخذ من البائع.
ولو تلف المبيع في يد المشتري سقطت الشفعة، ولو أتلفه بعد المطالبة لم
يسقط فيطالبه بقيمته، ولو تلف بعضه أخذ الباقي إن شاء بحصته من الثمن، ولو
أتلفه المشتري بعد المطالبة ضمن النقص.
ولو كان الفائت مما لا يتقسط عليه الثمن - كالعيب - أخذه الشفيع
بالجميع أو ترك إذا لم يكن مضمونا على المشتري، ولو انهدمت الدار فالنقص
للشفيع لأنها كانت مشفوعة بثباتها فلا يخرج الاستحقاق بنقلها.
والزوائد قبل الأخذ للمشتري وإن كان طلعا لم يؤبر، وقال الشيخ: هو
للشفيع لدخوله في البيع.
والزرع قبل المطالبة يقر بغير أجرة لأنه ليس عرقا طالما، أما الغرس والبناء
فلا يقرءان إلا برضاهما، ولا فرق بين أن يغرس أو بيني في المشاع أو فيما تخير له
بالقسمة، وتتصور القسمة بأن لا يعلمه المشتري بالبيع، أو يكون الشفيع غائبا
فيقاسم وكيله، أو الحاكم، أو صبيا أو مجنونا فيقاسم وليه.
فإن قلعه المشتري فليس عليه أرش.
ولا تسوية الأرض عند الشيخ، والفاضل في المختلف أوجب الأرش لأنه
نقص أدخله على ملك غيره لتخليص ملكه، لأنه تصرف في ملكه، ويأخذ
الشفيع بجميع الثمن إن شاء أو يدع.
444

ولو لم يقلعه فللشفيع قلعه ويضمن ما ينقص من الغرس والبناء، ونفي
الضمان في المختلف.
وإذا أراد الشفيع تملكه لم يقوم مستحقا للبقاء ولا مقلوعا، بل تقوم الأرض
مشغولة وخالية، فالتفاوت قيمته، أو يقوم الغرس والبناء مقيدا باستحقاق الترك
بأجرة والأخذ بقيمته، وهذا لا يتم إلا على قول الشيخ بأن الشفيع لا يملك قلعه
مجانا وأنه يجاب إلى القسمة لو طولب بملكه، وهو مشكل.
درس [5]:
في اللواحق وهي مسائل:
الأولى: المروي أن الشفعة لا تورث، إلا أن الطريق ضعيف بطلحة بن زيد،
ولم ينعقد عليه الإجماع ولا قول الأكثر، فإن المفيد والمرتضى وابن الجنيد أثبتوا
أنها تورث، والشيخ القائل بالرواية موافق لهم في الخلاف، وآي الإرث عام لا
تنهض الرواية بتخصيصها.
الثانية إرثها على حد المال، فلو عفوا إلا واحدا فله الجميع، وليس هذا مبنيا
على الكثرة، لأن مصدرها واحد، فحينئذ يقسم على السهام لا على الرؤوس،
فللزوجة مع الولد الثمن، ويظهر من الشيخ أنه مبني على الخلاف في القسمة مع
الكثرة، ورده في المختلف بأن استحقاقهم عن مورثهم المستحق للجميع ونسبته
إليهم بالإرث المقتضي للتوزيع بحسبه.
ولك أن تقول: هل الوارث أخذ بسبب أنه شريك أم أخذه للمورث تقديرا
ثم يخلفه فيه؟ فعلى الأول يتجه القول بالرؤوس، وعلى الثاني لا.
الثالثة: لو ادعى الشريك بيع نصيبه من آخر فأنكر، حلف وثبتت الشفعة
للشريك على البائع مؤاخذة له بإقراره، وأنكر ابن إدريس لأنها تبع لثبوت البيع
والأخذ من المشتري.
وهل للبائع إحلاف المشتري؟ يحتمل المنع لوصول الثمن إليه، والثبوت
445

ليجعل الدرك عليه، فهل للشفيع حلاف المشتري أيضا؟ فيه الوجهان من
وصول الشقص إليه ومن فائدة الدرك.
فرع:
لو أقر البائع بقبض الثمن من المشتري بقي ثمن الشفيع لا يدعيه أحد
فيحفظه الحاكم، فإن رجع المشتري إلى الإقرار بالبيع فهو له، وإلا، فإن رجع
البائع عن قبض الثمن من المشتري فهو له.
الرابعة: لو بيع بعض دار الميت في دينه فلا شفعة لوارثه، إما لأن التركة
ملكه فالزائل ملكه، وإما لأن مجموع التركة على حكم مال المورث وإنما ملك
بعد قضاء الدين فيكون ملك الوارث متأخرا، ولو قلنا بملك الوارث الزائد عن
قدر الدين احتمل الشفعة لأنه شريك، كما لو كان شريكا قبل الموت وقلنا بعدم
ملكه للشقص مع الدين.
الخامسة: لو أوصى المشتري بالشقص لم يمنع حق الشفيع، فإذا أخذه
فالثمن للوارث لزوال متعلق الوصية، ولو أوصى بشقص فباع شريكه بعد موت
الموصي وقبل قبول الموصى له ففي استحقاقه أو استحقاق الوارث وجهان مبنيان
على أن القبول هل هو كاشف أو ناقل، وعلى الاستحقاق ليس له المطالبة قبل
القبول، وهل يكون ذلك عذرا في التأخير؟ الأقرب لا، وللوارث المطالبة على
الوجهين لأصالة عدم القبول، فإن قبل الموصى له طالب حينئذ.
السادسة: لو تنازع المشتري والشفيع في الثمن فشهد البائع للمشتري لم
يقبل، لأنه يشهد على فعل نفسه، وإن شهد للشفيع، احتمل القبول قبل القبض
لأن يقلل استحقاقه، ولا يقبل بعده لأنه يقلل العهدة على نفسه.
السابعة: لو أنكر المشتري الشراء حلف، فإن نكل حلف الشفيع وأخذ
بالشفعة وسلم الثمن إلى المشتري إن رجع عن إنكاره، وإن أصر، احتمل إقراره
في يد الشفيع وإجبار المشتري على قبوله، أو إبراء ذمة الشفيع، وصرفه إلى
446

الحاكم فيجعله مع الأموال الضائعة وهو الذي قواه الشيخ، فإذا يئس من صاحبه
فلا نص لنا فيه، والمناسب للأصل الصدقة به، ويحتمل كونه لبيت المال كقول
العامة.
الثامنة: لا شفعة للمرتد عند العقد على المسلم، وفي ثبوتها على الكافر إذا
كان عن ملة نظر، من بقاء ملكه ومن الحجر عليه، ولو ارتد بعد العقد فكذلك،
فلو عاد، احتمل البطلان لمنافاته البدار، واحتمل البقاء لتوهم كون الشبهة عذرا.
التاسعة: لو أقام المشتري بينة بالعفو وأقام الشفيع بينة بالأخذ قدم السابق،
فإن تعارضتا، احتمل ترجيح المشتري لأنه الخارج والمثبت، وقد تشهد بينته بما
يخفى على بينة الآخذ، واحتمل ترجيح الشفيع بناء على ترجيح ذي اليد عند
التعارض.
العاشرة: لا تقبل شهادة البائع بالعفو، إما قبل قبض الثمن فلأن له علقة
الرجوع بالإفلاس، وإما بعده فلتوقع التراد بأسبابه، ويحتمل القبول هنا لانقطاع
العلاقة.
ولو ادعى على أحد وارثي الشفعة العفو فشهد اثنان به قبل عفوهما لم تقبل
للتهمة، ولو كان بعده قبلت، ولو أعاد الشهادة المردودة بعد عفوهما لم تقبل
للتهمة السابقة.
الحادية عشرة: إذا ادعي على شريكين في الشفعة العفو فحلف أحدهما ونكل
الآخر لم يرد اليمين على المشتري، إذا لا يستفيد به شيئا، ولو نكل الحاضر منهما
ففي حلف المشتري وجهان، من توقع حلف الغائب إذا قدم فلا فائدة، ومن
اعتبار الحال، فلعل الآخر ينكل إذا حضرا وتصدق، وهذا أقوى.
الثانية عشرة: إذا أخذ الحالف من الشريك جميع الشقص، فإن صدق
صاحبه على عدم العفو قاسمه، وإن ادعى عليه العفو خاصمه، ولا يكون نكوله
الأول مسقطا.
447

درس [6]:
في فروع الكثرة عند من أثبتها من الأصحاب، وكثير منها يتأنى في وارث
الشريك الواحد، فلنشر إلى اثني عشر فرعا:
الأول: لو كان ملك بين أخوين ثم مات أحدهما عن ابنين فباع أحدهما
نصيبه، فالشفعة بينا لعم وابن أخيه، لتحقق الشركة، ولا يختص بها ابن الأخ من
حيث اختصاصهما بوارثة الأب دون العم، لأن اختلاف أنساب الملك لا أثر لها.
الثاني: لو باع أحد الشريكين بعض نصيبه من رجل ثم باع الباقي من آخر،
فعلى المشهور للشريك الأخذ منهما أو يترك، وعلى الكثرة له أخذ نصيب الأول
والثاني، وفي مشاركة الأول له أوجه: المشاركة لأنه كان شريكا عند العقد،
وعدمها لأن ملكه مستحق للشفعة فلا يكون سببا في استحقاقها.
والتفصيل، إن عفا عنه شارك لقرار ملكه، ويشكل بأن القرار إنما حصل
بعد استحقاق الشريك الشفعة فلا يكون مقاوما للقار، أولا، ويضعف بأن حقيقة
الملك سابقة.
الثالث: لو عفا بعض الشركاء فللباقين الأخذ للجميع أو الترك ولو كان
الباقي واحدا، وربما أمكن سقوط حقه لا غير، أو يقال: لا يصح عفوه لأن الشفعة
لا تتبعض، وهو بعيد، وعفو ورثة الواحد مترتب على ذلك، ويحتمل بطلان
حقهم لأنهم بمثابة المورث إذا عفا عن بعض حقه، وصرح في المبسوط بأن الآخر
له الأخذ ولو قلنا أنهم يأخذون لأنفسهم لا بخلافة المورث لهم كالشركاء
المتعددين.
الرابع: لو كان الشفعاء غيبا فحضر واحد، أخذ الجميع أو ترك، فإذ حضر
آخر شارك الأول لأنه لا وثوق بأخذ الغائب، فإذا حضر ثالث أخذ من كل
منهما ثلث ما في يده، ويحتمل أن يقال: لمن بعد الأول الاقتصار على نصيبه لزوال
تضرر المشتري.
الخامس: لو حضر أحد الشركاء وطلب التأخير إلى حضور الباقين، احتمل
448

إجابته لظهور عذره بتزلزل ملكه، وبذل كل الثمن في مقابلة ما لا يتبقى ببقائه،
وعدمه لأن متمكن من أخذ الكل فكان مقصرا، ولا في الأول قوة، واختاره في
المبسوط.
السادس: لو حضر الثالث فلم يظفر إلا بأحد الآخذين فالأقرب أنه يطالب
بثلث ما في يده خاصة لأنه القدر الذي يستحقه، ويحتمل مشاركته لأنه يقول: أنا
وأنت سواء في الاستحقاق، ولم أظفر إلا بك.
السابع: لا مشاركة للثاني في غلة السابق، لأن ملكه متأخر عنها، وليس
للسابق أخذ بالنيابة على الثاني إذ لا وكالة ولا حكم له عليه، نعم لو كان وكيلا
وأخذ بحق الوكالة له تحققت المشاركة.
الثامن: إذا جوزنا للثاني أخذ نصيبه فحضر الثالث أخذ الثلث مما في يد الثاني
وضمه إلى ما في يد الأول وتشاطراه، فيقسم المشفوع على تسعة، بيد الأول ستة،
والثاني ثلاثة، فإذا أضيف سهم إلى الستة صار سبعة لا نصف لها، فيصير إلى
ثمانية عشر، ووجهه أن الثاني ترك سدسا كان له أخذه فقصر في حق نفسه،
وحق الثالث مشاع في الجميع وهو والأول لم يعفوا عن شئ فتساويا، ويحتمل
أن لا يأخذ الثالث من الثاني شيئا، بل يأخذ نصف ما في يد الأول، فيقسم
المشفوع أثلاثا بناء على أن فعل الثاني لا يعد عفوا عن السدس، وإلا لاتجه بطلان
حقه لأن العفو عن البعض عفو عن الكل على الاحتمال السابق، وإنما أخذ كمال
حقه، وبالجملة إذا جعلناه مخيرا بين النصف والثلث وتخير الثلث لا يكون ذلك
عفوا عن السدس.
التاسع: لو حضر أحد الشركاء فأخذ وقاسم وكلاء الغائبين ثم حضر آخر
فله فسخ القسمة والمشاركة، ولا عبرة برد الحاضر، فلمن جاء بعد الأخذ،
ودرك الجميع على المشتري وإن أخذ بعضهم من بعض.
العاشر: لو باع بعض الشركاء نصيبه من آخر، فالشفعة بأجمعها للباقين، ولا
شئ للمشتري، لأنه لا يستحق الإنسان على نفسه حقا، وفي المبسوط: له، لقيام
449

السبب، بمعنى أنه لا يمنع الغير من أخذ نصيبه لا بمعنى الاستحقاق، ومال إليه
الفاضلان، وتردد في الخلاف.
الحادي عشر: لو باع واحد من اثنين فصاعدا في عقد واحد فللشفيع الأخذ
من الجميع ومن البعض، ولا يشاركه بعضهم لعدم القديم الملك.
ولو تعاقبت العقود ففي الشركة الأوجه المتقدمة، واختار المحقق الشركة
مع العفو، وعلى القول بعدم الكثرة للشفيع الأخذ من الجميع أو الترك،
وللفاضل قول بأن له أخذهما وأخذ أحدهما، ويشكل بأنه يؤدي إلى كثرة
الشركاء. ولو باع اثنان من اثنين فهي بمثابة عقود أربعة لتعدد العقد بالنسبة إلى
العاقد والمعقود له.
الثاني عشر: لو كانوا ثلاثة أحدهم غائب أخذ الحاضران الشقص، فلو غاب
أحدهما فحضر الغائب فله ثلث ما في يد الحاضر ويقضى على الغائب بثلث ما
أخذ، فلا فرق عندنا بين حضوره وغيبته، ولو تعذر الأخذ من أحدهما فكذلك،
ويحتمل أن يشاطر الباذل لأنه لا مبيع الآن غير ما في يده، فلو بذل بعد ذلك
الممتنع أخذ منه الباذل سدس ما معه، والآخر كذلك، فيكمل الكل واحد منهم
ثلث الشقص، ويصح من اثني عشر ثم تطوي إلى ثلاثة.
450